You are on page 1of 242

‫سيـرة القديـس باسـيليــوس الكبيـر‬

‫رئيس أساقفة قيصرية كبادوكيا‬

‫)‪379 -330‬م(‬

‫تقديم‬ ‫تأليف‬

‫الراهب ‪ :‬بيجول السريانى‬ ‫شكرى يوسف شكرى‬

‫‪0‬‬
1
‫الفهرس‬
‫الهإداء‬
‫المقدمة‬
‫مقدمة جغرافية وتاريخية‪.‬‬
‫عائلته‪.‬‬
‫ميلده وطفولته‪.‬‬
‫دراساته فى قيصرية والقسطنطينية‪.‬‬
‫دراسته فى أثينا‪.‬‬
‫يسلك طريق النسك ويبدأ في تأسيس نظامه الرهإباني‪.‬‬
‫يواجه الباطرة قسطنطينوس وجوليان‪.‬‬
‫علقته بالمطران يوسابيوس‪.‬‬
‫قضية أختياره مطران على كنيسة قيصرية‪.‬‬
‫توليه رئاسة أساقفة كنيسة قيصرية كبادوكيا‪.‬‬
‫يتغلب على الهراطقة‪.‬‬
‫يواجه المبراطور فالنز وقائده مودستوس‪.‬‬
‫يواجه أنتيموس‪.‬‬
‫أعماله فى خدمة الكنيسة والمجتمع‪.‬‬
‫أحداث الفترة الخيرة فى حياته ووفاته‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫الهإداء‬

‫إلى أب الباء وراعى الرعاة‬

‫من يحمل قلب وعقل وروح القديس‬

‫باسيليوس‬

‫رئيس الحبار‬

‫قداسة البابا المعظم النبا شنوده‬

‫الثالث‬

‫غرسـا من غرسه وثمرة من ثماره‬

‫حفظـه الله سنـيـن عديده‬

‫وأزمنـــــة مديده‬
‫‪3‬‬
‫سالمة‬

‫المقدمة‬

‫يتناول هذا العمل س يرة باس يليوس الككبير منكذ ميلده ح تى نيكاحته ‪ ،‬ويبكدأ‬
‫ويبكككدأ بمقدمكككة تمهيديكككة عكككن جغرافيكككا وتاريكككخ وليكككة كبادوكيكككا وعاصكككمتها مدينكككة‬
‫قيصرية‪ .‬ثم يعقب هذا تعريف بتاريخ المسيحية بها ‪ ،‬ودراسة عن عائلته واسككرته‬
‫‪ ،‬وذلك لمحاولة توضيح دور البيئة والعائلة والمجتمع فى تكوين شخصيتة ‪ ،‬وبعد‬
‫هككذا يهتككم بد ارسككة سككيرته الشخصككية بدايككة مككن ميلده وتربيتككه فككى بيككت عككائلته‬
‫ود ارسككاته علككى يككد ابيككه فككى بدايككة مسككيرته التعليميككة ‪ ،‬ثككم د ارسككته للدب والبلغاككة‬
‫والفلسككفة والقككانون والطككب والتاريككخ فككى اشككهر المككدن الجامعيككة فككى وقتككه مثككل‬
‫قيصرية كبادوكيا والقسطنطينية واثينا‪ ،‬واشككتغاله بمهنككة التكدريس فكى وطنككه لفكترة‬
‫قصيرة ‪ ،‬ونعقبه بالحديث عن العوامل المباشرة التى دفعته الى سلوك حيككاة النسكك‬
‫‪ ،‬ورحلته الى مواطن النسك‪ ،‬والرهبانية بالشرق ‪ ،‬مثككل مصككر وفلسككطين وسككوريا‬
‫والعكراق لدراسكة الرهبانيكة‪ ،‬ويهتكم بدراسكة بداي ة رهبنتكه فكي بنطكس وسكلوكه علكى‬
‫نسق الجماعات الرهبانية‪ ،‬ثم بداية تأسيسكه لنظككامه الككديرى ‪ ،‬وعقككب ذلككك يتحككدث‬
‫عككن بدايككة تككوجهه إلككى خدمككة قضككايا كنيسككته ‪ .‬ثككم يبحككث عككن علقككة المككبراطور‬
‫جوليان به وبكنيسكة قيصكرية‪ ،‬ومكن بعكده المكبراطور جوفيكان‪ .‬وبعكد هكذا يتعكرض‬
‫لقضية اختياره للكهنوت‪ ،‬ويتناول الحداث التي تعرض لها أثناء كهنوته والعمال‬
‫الككتي قككام بهككا فككي خدمككة كنيسككته ومجتمعككه ومنهككا ‪ ،‬حسككد بعككض رجككال الككدين لككه‬
‫بسككبب تفككوقه عليككه ‪ ،‬ومككواجهته للهجككوم الول الككذي قككام بككه فككالنز ضككد كنيسككة‬

‫‪4‬‬
‫قيصكككرية‪ ،‬وتنظيكككم الدارة الكنسكككية‪ ،‬ووضكككع طقكككوس وصكككلوات العبكككادة وقكككوانين‬
‫نسكككية‪ ،‬والتصككدي لمجاعككة قاتلككة أصككابت قيصككرية ومككا جاورهككا مككن مككدن آسككيا‬
‫الصغرى ‪ ،‬وبعد ذلك يتحدث عن حادث نياحة والدته ‪ ،‬ومعاناته من ضعف صككحته‬
‫وسوء أحوال الكنائس ‪ ،‬ويلى ذلك بدراسة قضية اختياره مط ارننكا لكنيسكة قيصكرية ‪،‬‬
‫وجككوانب هككذه القضككية وتطورهككا حككتى تنصككيبه فككي هككذه الدرجككة الدينيككة ‪ ،‬وتتككابع‬
‫الد ارسكككة البحكككث فكككى سكككيرته وأعمكككاله فكككي خدمكككة الكنيسكككة والمجتمكككع أثنكككاء فكككترة‬
‫مطرانيته ‪ ،‬ومنها جهاده ضد بعض اساقفته المعارضين له‪ ،‬وجهاده ضد الهراطقة‬
‫والسلطات الحكومية ممثلة فى المبراطور فالنز وقواده وحاشككيته‪ ،‬ثككم جهككاده أمككام‬
‫صراع أنتيموس أسقف مدينة تيانا ضده‪ ،‬وتأسيسه لعدد مككن السككقفيات الجديككدة‪،‬‬
‫وبعككد ذلككك تعككرض الد ارسككة لجهككوده فككى خدمككة قضككايا المجتمككع ومواجهككة مشككاكله‬
‫وصعوباته‪ ،‬مثل البطاله والفقككر والمككرض‪ ،‬ويتتككابع الحكديث بعكد ذلككك عككن الحكداث‬
‫التى جرت في الفترة الخيرة من حياة باسيليوس‪ ،‬وككان لهكا أثكر ككبير عليكه وعلكى‬
‫مطرانيته ومجتمعه وعصره‪ ،‬ونختم هذا العمل بنياحته‪.‬‬

‫وداخل هذا العمل نرى حكمة ال التى تدبر كل شىء فى حياة أبنائه ‪ ،‬ويده‬
‫القوية التى تساندهم وتنقذهم من ضيقاتهم ‪ ،‬وترفعهم فوق اللم وكأنهم‬
‫محمولون على أجنحة النسور ‪ .‬وأيضنكا تجد فيه معانى عميقة عن اليمان‬
‫والمحبة والبذل والعطاء والرحمة ‪ .‬وتتبين من صداقة القديسين باسيليوس‬
‫وغاريغوريوس معنى الصداقة الحقيقية بما تحمله من معانى عظيمة‪.‬‬

‫مقدمة جغرافية وتاريخية لولية كبادوكيا ومدينة قيصرية‬


‫‪5‬‬
‫إنه من الطبيعي أن نبدأ دراسة سيرة أي من الرجال العظماء بالتعريف‬
‫بالبيئة المحيطة به‪ ،‬من حيث القليم الذي ولد وعاش فيه‪ ،‬وكذلك العائلة التي‬
‫تربى ونشأ فيها منذ طفولته‪ ،‬حيث إن تفاعل الفرد مع الظروف البيئية المحيطة‬
‫به وتأثره بها وتأثيره فيها له دور مهم في تكوين شخصيته‪ ،‬وفي توجيه حياته‪.‬‬
‫وبالنسبة للشخصية التي نحن بصدد دراستها الن شخصية القديس باسيليوس‬
‫الكبير‪ ،‬فهي شخصية عظيمة تأثرت وأثرت في المجتمع في العصر الذي عاشت‬
‫فيه‪ ،‬وامتد تأثيرها لعصور متلحقة عليها؛ لذلك فهي جديرة بأن تدرس وأن‬
‫يوضح دور البيئة من حولها في تكوينها ودفعها لسلوك حياة النسك‪ .‬هذا ما‬
‫نسميه بالعوامل التي أثرت فيه منذ الصغر ودفعت إلى سلوك حياة النسك‪ ،‬ولعبت‬
‫دونار كبي نار في تكوين نظامه الرهباني‪.‬‬

‫وفيما يتعلق بإقليم كبادوكيا ‪ Cappadocia‬الذي ينتمى اليه باسيليوس‪،‬‬


‫فهو يقع في الجانب الشرقي من الجزء الوسط لسكيا الصككغرى الكذي يشكتمل علككى‬
‫هضبة الناضول‪ ،‬ويرجع تكوينها السطحي إلى الثورات البركانية التي شكككلته منككذ‬
‫مليين السنين‪ ،‬وتنقسم إلى عدة أقسام‪ ،‬اولها القسم الشرقى‪ ،‬وفيه تتنكوع مظكاهر‬
‫السطح‪ ،‬ويحتوي على سلسلة جبككال تسككمى طككوروس الداخليككة ‪،Anti-Tourus‬‬
‫وهككي الجبككال الككتي تنحصككر بيككن جبككال طككوروس فككي الجنككوب وجبككال بنطككس فككي‬
‫الشككككمال‪ ،‬وبيككككن هككككذه الجبككككال وسلسككككلة جبككككال طككككوروس يقككككع إقليككككم قطاؤنيككككة‬
‫‪ Cataonia‬ويحتل الجزء السهلي المرتفع المحصور بين هذه السلسل الجبلية‪.‬‬
‫ثم يأتي بعده القسككم الوسككط ويوجكد فيكه مجموعككات مككن القمكم الجبليكة المنفصكل‬
‫بعضها عن بعض‪ ،‬وقد تكونت بفعل النشطة البركانيككة‪ ،‬وأعلككى قمككة بككه قمككة جبككل‬
‫أرجيكوس الكتي تسكمى الن أركيكاس داج ‪ .Erciyas Dag‬يليه ا قمكة حسكن داج‬
‫‪ Hasan Dag‬ف ي الجنككوب الغربككى‪ ،‬ويبلككغ ارتفاعهككا ‪ 3201.9‬مككتنرا‪ .‬ثككم يككأتي‬
‫الجزء الغربي منها ويجاوره من ناحية الشرق إقليكم ليكاؤنيكة ‪ ،Lycaonia‬ويمتكد‬

‫‪6‬‬
‫حككتى سككفح جبككل طككوروس‪ ،‬ويخلككو مككن الغابككات الشككجرية‪ ،‬ولكنككه يضككم مراعككي‬
‫عشبية واسعة ترعى فيها أغانام وفيرة )‪.(1‬‬

‫واختلفت حدود كبادوكيا عبر العصور التاريخية المتعاقبة‪ ،‬وكانت مساحتها‬


‫تتسع وتضيق تبنعا لمدى قكوة حكامهكا وسكلطتهم ومكا تعكاقب عليهككا مككن حكومكات‪،‬‬
‫ففي عصر هيرودوت ‪ Herodut‬كان الكبادوكيون يسككيطرون علككى كككل ال ارضككي‬
‫الممتكدة مكن جبكال طكوروس جنونبكا إلكى البحكر السكود شكمانل‪ ،‬وبكذلك يككون حكدها‬
‫الشرقي نهر الفرات والغربي الصحراء الملحية ‪ ،Salt Desert‬وفي عصر سترابو‬
‫‪63) Strabo‬ق‪.‬م – ‪24‬م( كانت تمتد إلى ‪ 250‬ميلن في الطول وحككوالي ‪150‬‬
‫ضكككا‪ .‬وفكككي أثنكككاء القكككرن الثكككالث قبكككل الميلد‪ ،‬وفكككي عهكككد ملكككوك الفكككرس‬
‫مكككتر عر ن‬
‫المتأخرين‪ ،‬قسمت كبادوكيا إلى قسمين‪ ،‬الول ضم الجزاء الداخلية منها‪ ،‬وسمى‬
‫بالسم نفسككه كبادوكيككا‪ ،‬وكككانت عاصككمته ما ازكككا ‪ Mazaca‬ال تي سككميت قيصككرية‬
‫فيمككا بعككد‪ ،‬وهككي أهككم مدينككة فيككه‪ ،‬و يليهككا فككي الهميككة مدينككة تيانككا القريبككة مككن‬
‫مرتفعات طوروس‪ ،‬والقسم الثاني ضم الجزاء الواقعككة علككى البحككر السككود وسككمي‬
‫بنطس ‪.(2)Pontus‬‬

‫وظلت كبادوكيا تدور في فلك المبراطورية الرومانية وتعترف بسيادة روما‪،‬‬


‫نحو مائة عام ‪ ،‬حتى استطاع المبراطور تيبريوس ‪ Tiberius‬إخضاعها نهائنيككا‬
‫لحكم الرومكان فكي عكام ‪17‬م وأصكبحت وليكة رومانيكة‪ ،‬وبعكد تقس يم المبراطوريكة‬

‫‪1‬‬
‫‪Mogarth,op.cit.,pp.37-39;Sir Edward Herbert and David‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪George Hogarth,Cappadocia, In,Enc.Brit.Vol.5;Ramsay,op.cit.,‬‬
‫‪pp.314, 315.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Mogarth, op.cit., p. 95.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪7‬‬
‫قسككمين شككرقي بيزنطككي وغاربككي رومككاني‪ ،‬خضككعت للقسككم الشككرقي الككبيزنطي فككي‬
‫القرن الرابع الميلدي)‪.(1‬‬

‫ومدينة قيصرية كبادوكيا التي ولد فيها باسيليوس مدينكة قديمكة جكندا ككانت‬
‫تسمى مازاكا أو ماشاكا‪ ،‬وقيل أن هذا السكم اش تق مكن اسكم ماشكك ‪ Mosok‬ب ن‬
‫يافت أحد أبناء سيدنا نوح‪ ،‬ولذلك عد ماشك الجكد الككبر لسككان المدينكة)‪ ،(2‬وهكي‬
‫تقع على الطريق التجاري القديم الذي يمتد من ميناء سككينوب علككى البحككر السككود‬
‫ضا على الطريق الملكي الفارسي مككن سككاردس ‪ Sardis‬عل ى‬
‫إلى نهر الفرات‪ ،‬وأي ن‬
‫الساحل الغربي لسيا الصغرى إلى سيوس‪ ،‬وعلى الطريككق الرومككاني العظيككم الككذي‬
‫يمتككد مككن مينككاء إفسككس ‪ Efses‬ف ي الغككرب إلككى الشككرق‪ .‬وموقعهككا المتوسككط هككذا‬
‫جعل منهكا مدينكة تجاريكة وسياسكية هامكة خلل العصكور المتعاقبكة وجعلهكا أغانكى‬
‫مدينكككة فكككي كبادوكيكككا ومكككا عكككداها مكككن مكككدن ككككان فقيكككنرا؛ لكككذلك أصكككبحت عاصكككمة‬
‫لكبادوكيا‪ ،‬ومقر إقامة الملوك والحكام الكبادوكيين)‪.(3‬‬

‫وخضككعت قيصككرية للسككيطرة الرومانيككة عنككدما اسككتولى عليهككا المككبراطور‬


‫طيبككاريوس ‪14-37) Tiberius‬م( فككي عككام ‪17‬م)‪ .(4‬وهنككاك اعتقككاد بككأن الككذي‬
‫أعطاهككككا هككككذا السككككم هككككو ذلككككك المككككبراطور‪ ،‬إل أن ويليككككام رامسككككاي ‪William‬‬
‫‪ Ramsay‬يق ول إن الككذي أعطاهككا هككذا السككم هككو المككبراطور كلوديككوس الول‬

‫‪1‬‬
‫‪Edward Herbert and David George, Loc.cit.; George E. White,‬‬
‫‪(1) Cappadocia,In:Inter.Brit. Ency., vol.2.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ramsay, op.cit., p.303; S.Vailhe, Caesaria,In:Cath.Enc.,Vol9.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ramsay, op.cit., p. 303.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫)‪(4‬‬
‫‪8‬‬
‫‪41-54)Cladius I‬م(ل نكككه أول مكككن جكككددها مكككن البكككاطرة الرومكككان‪ ،‬كمكككا أن‬
‫العملت الرومانية التي عثر عليها فيها ترجع إلى عصره وليس قبل ذلك)‪.(1‬‬

‫وفي منتصف القرن الثالث الميلدي كان عدد سكانها أربعمائة ألف نسمة‪،‬‬
‫وهككو عككدد كككبير جككندا‪ ،‬ويككدل علككى قككوة هككذه المدينككة وكككثرة ثرائهككا ومواردهككا‪ ،‬ولككذلك‬
‫أخذها الملك الساسكاني سكابور الول ‪240-277) Sabor I‬م( هكدنفا للهجكوم‪،‬‬
‫عندما نشبت الحرب بينه وبين المبراطورية الرومانية في عام ‪260‬م‪ ،‬ونجح فككي‬
‫إلحككاق الهزيمككة بككالجيوش الرومانيككة فككي العديككد مككن المواقككع‪ ،‬بككل هككزم المككبراطور‬
‫فالريان ‪253-260) Valerian‬م( وأسره‪ ،‬وحطم جزنءا كبي نار منها)‪ ،(2‬وبعكد ذلكك‬
‫أخذت تسترد قوتها تدريجنيا وتستعيد نشاطها تدريجنيا وتتوسككع كككثي نار فككي عمرانهككا‪،‬‬
‫و خاصة في الناحية الشمالية الشرقية منها‪ ،‬وفي عهد القديس باسيليوس الكبير‬
‫أصككبحت مدينككة كككبيرة تمتلككك أكككبر مركككز دينككي مسككيحي فككي إقليككم آسككيا الصككغرى‪،‬‬
‫سا لساقفة خمسون مدينة أخرى تتبع كنيستها)‪.(3‬‬
‫وكان أسقفها رئي ن‬

‫دخول اليهودية والمسيحية أسيا الصغرى‬


‫وقككد دخككل اليهككود آسككيا الصككغرى مككن طريقيككن‪ ،‬أولهمككا‪ :‬طريككق الهجككرة‬
‫الجبارية‪ ،‬حيث زادت أعداد المهاجرين منهككم إليهككا زيككادة كككبيرة فككي القككرن الثككالث‬
‫قبل الميلد‪ ،‬بسبب سياسكة التهجيكر الكتي انتهجهكا ضكدهم الملكوك السكلوقيون‪ ،‬إذ‬
‫كككان الملككك انطيككوخس الكككبير ‪223-187) Antiochus the Great‬ق‪.‬م(‬
‫شككديد الحنككق عليهككم؛ لنهككم كككانوا يرفضككون عبككادته‪ ،‬فهجككم علككى مدينككة القككدس‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Ramsay, op.cit., p. 303,304.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪ ()2‬ول ديورانت‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬مجلد ‪ ،6‬ج ‪ ،12‬ص ‪.338‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ramsay, op.cit., p. 281.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪9‬‬
‫وقتل منهم خلنقا كثينرا‪ ،‬وهرب من بقى منهم إلى المدن الخكرى البعيكدة عكن سكيطرة‬
‫السلوقيين إوالى الجبال والصحارى)‪ ،(1‬ثككم هجككر ألفيككن مككن العككائلت اليهوديككة الككتي‬
‫كانت تسكن في بلد ما بين النهرين إلكى آس يا الصكغرى)‪ ،(2‬وككان هكذا أول تهجيكر‬
‫جماعي لهم لقليم آسيا الصغرى‪ ،‬وبداية لتكوين مستعمراتهم فيها)‪.(3‬‬

‫والطريق الثاني هكو طريكق الهجكرة الطوعيكة للشكتغال بالتجكارة‪ ،‬وقكد زادت‬
‫أعداد التجار المهاجرين إليها بعد خضوعها للسككيطرة الرومانيككة بسككبب مككا قككام بككه‬
‫الباطرة من جهود كبيرة لتشكجيع وتسككهيل التجككارة فككي هككذا القليككم بإنشككاء الطككرق‬
‫التجاريككة الكككبرى‪ ،‬وربككط موانيهككا ومككدنها التجاريككة بككالطرق التجاريككة الكككبرى بيككن‬
‫الشرق والغرب)‪ ،(4‬وقد اشتهر الباطرة الرومان منذ عصر أغاسطس ‪Augustus‬‬
‫)‪48‬ق‪.‬م‪14 -‬م( بالعطف عليهككم وتشككجيعهم علككى القامككة فككي القليككم‪ ،‬ومككن ذلككك‬
‫المتيكككازات الكككتي منحهكككا لهكككم أغاسكككطس نفسكككه مثكككل إعفكككائهم مكككن تأديكككة الخدمكككة‬
‫العسكرية‪ ،‬وهو ما أدى إلى زيادة أعداد المقيمين منهم في القليم وتشجيع غايرهم‬
‫بالهجرة إليه والستقرار فيه)‪.(5‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Flarius Josephus, Antiauities of the Jews.Trans. By,William‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪Whitson, In: Josephus Complate Works, ed. By: J. I. Packor and‬‬
‫‪Merrill C. Tenny, (U.S.A, 1998), Book 12, Ch. 3; The Wars of‬‬
‫‪Jews, Book 1, Ch. 1.‬‬
‫‪2‬‬
‫)‪Josephus, op.cit., XII,.3,4; Isidore Levy, Asia Miror, In , Jewish(2‬‬
‫‪Encyclopedia,ed.by Isidore Jinger , 10 Vols.,(New York, 1901-‬‬
‫‪1903, Vol. 2.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Isidore Levy, oP.cit. Vol. 2.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Shahan, Loc.cit., Cader, Loc.cit.‬‬
‫)‪(4‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Isidore Leve,. Loc.cit.‬‬
‫‪10‬‬
‫هؤلء اليهود كان يربطهم بمدينة فلسطين ارتباطات وثيقة‪ ،‬فهناك يسكن‬
‫أهلهم ويوجد معبككدهم الرئيككس‪ ،‬ويسككافرون إليهككا بيككن الحيككن والخككر ليشككاركوا فككي‬
‫الحتفالت الدينيكة‪ ،‬وفكي أثنكاء احتفكالهم بعيكد الفصكح عكام ‪33‬م شكاهدوا وشكاركوا‬
‫فى الحداث المهمة التي كككانت تجككري بهكا فككي هكذا الكوقت والكتي تخكص بالفصكول‬
‫الخيككرة مككن حيككاة السككيد المسككيح‪ ،‬مككن القبككض عليككه ومحككاكمته وصككلبه ومككوته‬
‫وقيامته)‪ ،(1‬ثكم مكثكوا بالمدينكة مكدة الخمس ين يونمكا الكتي تعق ب عيكد الفصكح‪ ،‬لككى‬
‫يشاركوا أيضا فى الحتفال بعيد الخمسين)‪ ،(2‬وفي أثناء الحتفكال بهكذا العيكد وقكف‬
‫تلميذ السيد المسيح يبشرون الحاضرين بالديانة المسيحية‪ ،‬وآمن عدد كبير مككن‬
‫الحاضككرين بالمسككيحية كككان مككن بينهككم يهككود مككن مختلككف جهككات آسككيا الصككغرى‪،‬‬

‫)‪(1‬‬
‫‪ (2)1‬راجع‪:‬متى‪:‬الصحاحات ‪26،27،28‬؛ مرقس‪14،15،16 :‬؛ لوقا‪22،23،24 :‬؛‬
‫يوحنا‪18،19،20 :‬؛أعمال الرسل )‪.(2:5‬‬
‫‪ ()2‬عيد الخمسين‪ :‬سمي بهككذا السكم لنكه يقككع فككي اليككوم الخمسككين عقككب عيككد الفصككح‪،‬‬
‫ضا بعيد السابيع‪ ،‬لنه يأتي بعد عيد الفصككح بسككبعة أيككام‪ ،‬وعيككد الحصككاد‪ ،‬ل نككه‬
‫وسمى أي ن‬
‫يأتي بعد عيد الفراغ من حصاد القمح‪ .‬وعيد الباكورة‪ ،‬لن الشريعة اليهودية تقتضككي مككن‬
‫اليهودي أن يقدم رغايفين من بكاكورة محصكول القمكح م ع القرابيكن والذبائكح المقكررة‪ ،‬ولن‬
‫التقليد اليهودي يقول أن ال أعطى الشريعة لموسى النبي بعد خروجه باليهود من مصككر‬
‫بخمسين يونما‪ .‬لذلك كان اليهود يحتفلون بهذا العيد تذكانار بتسليم موسككى النككبي الشككريعة‬
‫أكككثر منككه احتفككالن بحصككاد محصككول القمككح‪ ،‬ومككدته يونمككا واحككندا‪ ،‬وفيككه ل يعمككل اليهككود‪،‬‬
‫ويجتمعون في المعبد لتقديم بواكير الحصاد مع الذبائح‪ ،‬وتوصي الشريعة بتقككديم العطايككا‬
‫في ذلك اليوم لسبط لوي أحد أسباط اليهود الثنى عشر‪ ،‬والحسككان إلككى ال ارمككل واليتككام‪،‬‬
‫وترك لقاط الحصيد للغرباء والمساكين‪.‬‬
‫للمزيد مكن التفاصكيل عكن هكذا العيككد راجكع‪ :‬خككروج)‪:23‬ك ‪15،16‬؛‪:34‬ك ‪(22‬؛اللويكون)‬
‫‪(22-15 :23‬؛ عدد)‪(30-26 :28‬؛ زكي شنودة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.274،275‬‬
‫‪J. D. Eisenstein, Pentecost, In: Jew. Enc. Vol. IX.‬‬
‫‪11‬‬
‫ومن بنطس وكبادوكيا وفريجيه وبامفيليا)‪ ،(1‬وعند رجوعهم إلى المدن الككتي جككاءوا‬
‫منها حملوا معهم بذور هككذه الديانككة الجديككدة ‪ ،‬وشكككلوا البدايككة الولككى للمسككيحيين‬
‫في إقليم آسيا الصغرى‪.‬‬

‫وقككد عمككل عككدد اليهككود الكككبير فككي آسككيا الصككغرى بجككانب وجككود بعككض‬
‫المتنصرين منهم بها على جذب أنظار تلميذ السيد المسيح لنشر المسككيحية بيككن‬
‫بني جنسهم)‪ ،(2‬وكان بولس الرسول أول الرسل الذين بشروا فيها فيما بي ن عكامي‬
‫‪47‬م إلكككى ‪60‬م )‪ ،(3‬ثكككم تله بطكككرس الرسكككول الكككذي اعتنكككى ككككثي نار بتبشكككير اليهكككود‬
‫فيها)‪ ،(4‬وبعد ذلك دخلها يوحنا في أواخر القرن الول الميلدي‪ ،‬وكان آخر الرسل‬
‫الذين قاموا بمهام تبشيرية فيها)‪.(5‬‬

‫ونتج عن اهتمام الرسل بتبشير سكان آسيا الصغرى بالمسيحية أن زاد عدد‬
‫ضككا‪ .‬ويشككهد علكى ذلككك بللينككي‬ ‫المسيحيين بها من سككانها اليهكود وغايككر اليهكود أي ن‬
‫الصكككككغر ‪111-113) Pliny The Younger‬م( حكككككاكم وليكككككة بثينيكككككا‬
‫‪ Bithynia‬الروم اني فككي رسككالة بعككث بهككا إلككى المككبراطور ت ارجككان ‪) Trajan‬‬
‫‪1‬‬
‫)( أعمال الرسل‪ :‬الصحاحات ‪.3 ،2‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Levy, Asia Minor. , In: Jew. Enc. Vol. I.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪3‬‬
‫)( أعمال الرسل‪52 -13:13 ) :‬؛ ‪14‬؛ ‪8-1 :16‬؛ ‪23-19 :18‬؛ ‪19‬؛‪(20‬‬
‫‪Levy, Asia Minor. , In: Jew. Enc. Vol. I.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( رسالة بطرس الرسول الولى )‪(1: 1‬‬
‫‪.Eus.,op.cit., III, 1, 4‬‬
‫‪5‬‬
‫رؤيا يوحنا الاهوتى )‪ (11:1‬؛ )(‬ ‫‪Eus.‬‬
‫‪op.cit., III, 23,31.‬‬
‫القمص بيشوي عبد المسيح‪ :‬حياة يوحنا‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة المحبة‪ ،‬ت ‪ ،21984‬ص‬
‫‪. 72-69‬‬
‫‪12‬‬
‫‪98-117‬م( يقول له فيها‪:‬‬

‫» ‪...‬يبدو لي ان المر هام وخطيكر ويسكتحق أن‬


‫صككا بعككد أن زاد عككدد‬
‫أطالعككك عليككه لكككى تفيككدنى بنصككائحك ‪ ،‬خصو ن‬
‫الذين هم فككي خطككر‪ ،‬فالمسككيحية تنتشكر كالوبككاء بيككن أبنككاء الشككعب‬
‫عنككد كككل سككن وطبقككة ونككوع ذكككونار إواناثنككا‪ ،‬حيككث إن هككذه الخ ارفككة لككم‬
‫تقتصر عدواها على المدن فقط‪ ،‬بككل انتشككرت فككي الضككواحى والقككرى‬
‫ومكككا يجاورهمكككا مكككن تجمعكككات سككككانية‪ ،‬ومكككع ذلكككك فكككإني أرى أننكككا‬
‫نستطيع التخلص من هذا الداء‪ ،‬ونسكتطيع إعكادة هكؤلء القكوم إلكى‬
‫الصكواب ونسكتطيع العكودة بهكم إلككى المعابكد الككتي هجكرت منككذ وقكت‬
‫طويل‪،‬ونستطيع إحياء الطقوس التي تعطلت‪ ،‬ويمكننككا إعككادة لحككوم‬
‫ضا إعككادة الشككاردين‬
‫الذبائح التي ندرت من السواق‪،‬ومن السهل أي ن‬
‫إلينا إذا أعطيت لهم فرصة للتوبة‪«(1) ...‬‬

‫ومسيحيو آسيا الصغرى مثل غايرهم من مسيحي المبراطورية الرومانيككة‬


‫لحقهم اضطهاد الباطرة الوثنيين‪ ،‬وقاسوا كثي نار منه‪ ،‬وعانوا كثي نار فككي آخككر مراحلككه‬
‫التي ابتدأها المبراطور دقلديانوس في عام ‪303‬م‪ ،‬واسككتمرت علككى أيككدي خلفككائه‬
‫من بعده حتى عام ‪312‬م‪ .‬وقد بدات من داخل آسيا الصككغرى نفسككها‪ ،‬ومككن وليككة‬
‫بثينيا ومدينة نيقوميديا ‪ Nicomedia‬حيث يوجد قصر دقلديانوس)‪ ،(2‬وكان أول‬
‫الشككهداء المسككيحيين فككي هككذه المرحلككة شككانبا مسككيحنيا ينتمككي إلككى عائلككة مسككيحية‬

‫‪1‬‬
‫)‪Pliny The Yonver, Letter to Emperor Trajan, dated on 112A.C., (1‬‬
‫‪In: The Younger Pliny, The Letter of the Younger Pliny, Trans. By‬‬
‫‪Botty Rodice, (UK, 1963), pp. 96; CF,Eus.,op.cit., III, ch. 33.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Eus., op.cit.,V III, 5, 6.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪13‬‬
‫شككريفة مكن مدينككة كبادوكيكا‪ ،‬وكككان لكه مركككز مهككم فككي القصككر والجيكش‪ ،‬وفكي ذلكك‬
‫يقول يوسابيوس القيصري‪:‬‬

‫» ‪...‬وبمجككرد أن أذيككع المككر الملكككي ضككد الكنككائس فككي‬


‫نيقوميديا‪ ،‬تقدم أحد الشخاص‪ ،‬لم يككن مغمككونرا‪ ،‬بككل ككان ذا مرككز‬
‫سام‪ ،‬حركته الغيرة ل‪ ،‬وأشتعلت فيه نيران اليمان‪ ،‬فأمسكك بكالمر‬
‫المككبراطوري الككذي كككان معلقنككا علننيككا ومزقككه قطنعككا كشككىء دنككس أو‬
‫وقكككح ‪...‬هكككذا الشكككخص ككككان أول الشكككهداء‪ ،‬بعكككد أن ظهكككر بهكككذه‬
‫الكيفيكككة تحمكككل تلككك اللم الكككتي كككانت محتنمكككا أن تنتكككج عككن جكككرأة‬
‫ظا بالثبات وبهجة الروح حتى الموت‪.(1)«...‬‬
‫كهذه‪ ،‬وظل محتف ن‬
‫ثم جاء بعد هذا الشهيد شكهداء ككثيرون مكن مسكيحيي هكذه المدينكة وهكذه‬
‫الوليككة‪ ،‬وحكككم بالعككدام علككى عككائلت مسككيحية بأكملهككا‪ ،‬بعضككهم أعككدم بالسككيف‪،‬‬
‫وآخكككرون بالنكككار‪ ،‬وغايرهكككم أودعكككوا بسكككفن واغارقكككوا فكككي عكككرض البحكككر‪ ،‬ولكككم يلبكككث‬
‫الضككطهاد أن انتشككر فككي بككاقي وليككات آسككيا الصككغرى‪ ،‬وحكككم علككى مككدن بأكملهككا‬
‫بككككالموت بككككالطرق المختلفككككة‪ ،‬ولككككم يكككككن الجنككككود الرومككككان يرحمككككون أحككككندا مككككن‬
‫المسكككيحيين‪ ،‬سكككواء ككككان شكككينخا أم طفلن أم امكككراة‪ ،‬وفكككي كبادوكيكككا ععكككذذبوا بتكسكككير‬
‫أطرافهم وتقطيعها‪ ،‬وفي بنطس ثعققبت أصابع بعضهم بأخشاب حادة تحككت أظككافرهم‬
‫وصككب فككوق ظهككور الخريككن رصككاص منصككهر‪ ،‬وأحرقككوا فككي أمككاكن مختلفككة مككن‬
‫أجسامهم‪ ،‬وبعد ذلك عم الضطهاد في كل مكان في المبراطورية)‪.(2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid.,VIII, 5.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Eus., op.cit., VIII, 6,11,12.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪14‬‬
‫عائلة باسيليوس وميلده‬
‫وبعد هذه المقدمكة نبكدء د ارسككتنا لسكيرة باسكيليوس بالحككديث عككن عكائلته‪،‬‬
‫وسككوف نتتبككع تاريخهككا مككن خلل مككا جككادت بككه المصككادر عنهككا‪ ،‬وجككاء فككى أحككدها‬
‫إشارة تفيد أن باسكيليوس ينتمكى إلككى عائلككة سككنت إقليكم آسكيا الصككغرى منككذ زمكن‬
‫بعيد ل نسكتطيع تحديككده‪ ،‬ثككم أضككاف المصككدر نفسككه أن عائلتكة لبيككه كككانت إحككدى‬
‫العككائلت المسككيحية الككتي عاشككت فككي وليككة بنطككس‪ ،‬وامتلكككت الكككثير مككن مصككادر‬
‫الككثروة‪ ،‬وسكككن أفرادهككا القصككور الفخمككة‪ ،‬واسككتأجروا الخككدم‪ ،‬وتملكككوا الكككثير مككن‬
‫ال ارضككي الزراعيككة‪ ،‬وأن عككائلته لوالككدته عاشككت فككى إقليككم كبادوكيككا وتمتعككت بككثراء‬
‫طائل‪ ،‬وجمع أفرادها بين أيككديهم العديككد مككن الوظككائف المدنيكة والعسكككرية‪ ،‬إذ كككان‬
‫يوجككد بينهككم قككادة وضككباط عسكككريون فككي جيككوش المبراطوريككة وحكانمككا للقككاليم‪،‬‬
‫إوالككى جككانب ذلككك عككرف عككن العككائلتين حسككن العبككادة والتككدين والتقككوى والسككتقامة‬
‫والمعاملة الطيبة للجميع والعطف على الفقراء إواغااثة الملهوفين ورعاية الضككعفاء‬
‫ومساندة المظلومين‪ ،‬وهو ما جعلهم ينالون الحترام والتقدير من الجميع حتى من‬

‫‪15‬‬
‫الباطرة الوثنيين)‪.(1‬‬

‫وتتفق هذه المعلومات مع ما جاء فى مصادر تاريخ الكنيسة عندما ذكرت‬


‫أن أول فككككترة سككككلم حقيقيككككة شككككهدتها المسككككيحية منككككذ قيامهككككا كككككانت فككككى عهككككد‬
‫المككككبراطور جككككالينوس ‪260-266)Gallienus‬م( الككككذى اصككككدر اول مرسككككوم‬
‫تسككامح دينككى فككى مصككلحة المسككيحيين أنهككى فيككه اضككطهادهم‪ ،‬وسككمح لهككم ببنككاء‬
‫الكنككائس‪ ،‬ورد ممتلكككاتهم إليهككم)‪.(2‬وهنككاك شككهادة أخككرى تككدل علككى التسككامح الككذي‬
‫اتبعه هذه المبراطور مع المسيحيين‪،‬وهي مككن البابككا ديونسكيوس السكككندرى الككذي‬
‫عاصر هذا المبراطور وتمتع بتسامحه الديني‪،‬وأخذ يكتب في رسائله ويقارن بيككن‬
‫ظلككم البككاطرة السككابقين لككه وعككدل هككذا المككبراطور‪،‬وفككي إحككدى رسككائله عككده حككاكم‬
‫تقي‪،‬لنه أزال ظلمة الحكام الشرار الذين سبقوه)‪.(3‬‬

‫ثم تتابع المصادر شهاداتها عن عصر السلم الذى ابتدأه هذا المبراطور‪،‬‬
‫ويشهد احدها على أن هذا السلم دام حتى السنة التاسككعة عشككرة مككن امبراطوريككة‬
‫دقلديانوس‪ ،‬وقد نتج عن ذلك أن المسيحيين استطاعوا استرداد كثير من حقككوقهم‬
‫الدينية والمدنية وتمتعوا بالنعم والخيرات الكتي منحهكا البكاطرة لهكم‪ ،‬وتمتعكوا أيضكا‬
‫بم ازيككا الصككلح السياسككي والداري ومحككاولت الصككلح القتصككادي الككتي قككام بهككا‬
‫البككاطرة‪ ،‬حيككث شككمل البككاطرة والككولة رجككال الككدين المسككيحي بككالعطف وسككمحوا‬
‫للشكككعب المسكككيحي ببنكككاء الكنكككائس الكككتي تتسكككع للعكككداد الكككوافرة مكككن المكككؤمنين‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Gr. Naz., Or. 43, Ch.,3,5, 9.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪2‬‬
‫)‪.Eus.op.cit.,VII,13 (2‬‬
‫‪Eus.,VIII,2‬‬ ‫‪( 1) 3‬‬
‫‪.3‬‬
‫)‪.Ibid., VIII,1,2(2‬‬
‫(‪. GR.NISS.MAC.P.49 (3‬‬
‫‪16‬‬
‫وبالصككككلة فيهككككا جهككككنرا‪ ،‬وبككككامتلك العقككككارات وال ارضككككي‪ ،‬والنخككككراط فككككي جيككككوش‬
‫المبراطورية‪ ،‬وبتقلد الوظائف العليا فى المبراطورية والترقي فيها)‪.(2‬‬

‫وبعككد هككذا تعطينككا المصككادر الخاصككة بباسككيليوس معلومككات أخككرى عككن‬


‫عائلتة‪ ،‬ومنها أنها تعرضت لضطهادات عنيفة فككى موجككات الضككطهادات الوثنيككة‬
‫للمسيحيين ‪ ،‬ومن بين هككؤلء جككده لمككه الككذي استشككهد وصككودرت جميككع أمل كككه‪،‬‬
‫وأعطيككت لسككادة أخريككن مككن الككوثنيين‪ ،‬وجككده وجككدته لبيككه قككد اغاتصككبت أملكهمككا‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫بسبب ثباتهما على اليمان‬

‫وجكككاء فكككى روايكككة لغريغوريكككوس النيزينكككزى أنكككه أمكككام شكككدة اضكككطهادات‬


‫مكسيمينوس ‪306- 313)maximenous‬م( هرب بعض المسيحيين من أمام‬
‫سكيوف الجنكود إلكى الجبكال والغابكات البعيكدة‪ ،‬ومكن بينهكم عائلكة باس يليوس لبيكه‬
‫الذين صمدوا كثي نار واحتملوا مشاق كثيرة‪ ،‬حتى قاربوا علككى المككوت‪ ،‬إل أنهككم حككادوا‬
‫عنه قليلن وهربوا إلى غاابة جبلية كثيفة فككي إقليككم بنطككس تككاركين وراءهككم أملكهككم‬
‫وأموالهم‪ ،‬واصطحبوا معهم عدندا قليلن من الخدم والرفاق الذين هربوا معهككم‪ ،‬وذلككك‬
‫ليكونككوا شككهوندا أحيككاء علككى إمكانيككة الثبككات علككى اليمككان فككي أوقككات الضككطهاد‪،‬‬
‫ضا ليستطيعوا تثكبيت غايرهكم علكى اليمكان فكي الوقكات الصكعبة‪ ،‬وعاشكوا حيكاة‬
‫وأي ن‬
‫صعبة وتعرضكوا لكككثير مككن المعانكاة بسكبب قسكوة المنكاخ‪ ،‬حيكث شككدة الككبرد وغاككزارة‬
‫المطككار‪ ،‬وقاسككوا كككثي نار بسككبب نككدرة القككوات‪ ،‬وأخطككار لصككوص الطريككق ووحككوش‬
‫الغابات‪ ،‬وزاد من تأثير ذلك عليهم أنهم كانوا قككد ألفككوا النعيككم منككذ وقككت طويككل ولككم‬
‫يتعرضوا لمثل هذه الظروف من قبل‪ ،‬لذلك فإنهم تأثروا كثي نار وشق عليهككم ملءمككة‬
‫التغير الذي حدث في حياتهم‪ ،‬وكان مصدر غاكذائهم هككو لحككوم الحيوانككات والطيككور‬
‫الكككتي ككككان يصكككيدها أفكككراد العائلكككة المتمرنكككون علكككى الصكككيد‪ ،‬وامتكككدت الفكككترة الكككتي‬
‫عاشتها هذه العائلة في وسط الغابات إلى سبعة أعوام كاملة )‪.(1‬‬
‫‪1‬‬
‫)‪.Or.43,Ch.5-8 (1‬‬
‫‪17‬‬
‫ويتضح مما سبق أن رواية غاريغوريوس النيزينزي عكن الضكطهادات الكتى‬
‫تعرضككت لهككا عائلككة باسككيليوس تتفككق مككع روايككة غاريغوريككوس النيسككى السككابقة‬
‫عليها‪ ،‬ومن ذلك نستنتج أن موجات الضككطهادات الوثنيككة للمسككيحيين المقصككودة‬
‫هنككا هككى المرحلككة الخيككرة للضككطهادات الوثنيككة للمسككيحية والككتى قككامت علككى يككد‬
‫دقلديانوس فى أخر عام ‪303‬م وأمتدت على يكد خلفكائه‪ ،‬كمكا أن التفكاق الواضكح‬
‫بين هاتان الروايتان يدل على صدقهما منعا‪.‬‬

‫وقد كان يوسابيوس القيسرى معاص نار لهذه الحداث وكتب وصنفا دقينقا لها‪،‬‬
‫ومنكككه أن المكككبراطور دقلكككديانوس فكككى نهايكككة حكمكككه قكككام بإصكككدار م ارسكككيم ضكككد‬
‫المسيحيين قضيت على فترة التسامح السابقة‪ ،‬وقضت بطرد المككوظفين منهككم مككن‬
‫البلط المبراطوري والجيش والوظائف المدنية‪ ،‬ونفيهم إلى جهككات بعيككدة‪ ،‬وحككرق‬
‫الكتب المقدسككة‪ ،‬وهككدم الكنككائس‪ ،‬ومنككع الصككلوات‪ ،‬ومصككادرة الملك‪ ،‬ومنككع عتككق‬
‫الرقاء‪ ،‬إوالى جانب هذا صدرت مراسيم تقضى على تطككبيق عقوبككات بدنيككة قاسككية‬
‫تصل إلى الحكم بالعدام على من يرفض الخضككوع والسككجود لللهككة الرومانيككة)‪،(1‬‬
‫بالضافة إلى ما أصدره مكسيميوس القيصر الشرقى من قكوانين أخكرى ككانت أككثر‬
‫وحشككية ودمويككة عمككا سككبقها مككن قككوانين‪ ،‬واشككتد فككي تعككذيب مسككيحيي الوليككات‬
‫الشككرقية الخاضككعة لحكمككه‪ ،‬وفككرض ضككرائب فادحككة عليهككم‪ ،‬وحصككلها منهككم ذهنبككا‬
‫وفضكككة وبضكككائع‪ ،‬وأجكككرى محاكمكككات ظالمكككة ضكككدهم وأصكككابهم بالغ ارمكككات الماليكككة‬
‫المتنوعككة‪ ،‬واغاتصككب أمككوالهم وأملكهككم الككتي ورثوهككا عككن أجككدادهم ووزعهككا علككى‬
‫أتباعه المتملقين المحيطين به)‪ ،(2‬ونتج عن ذلك أن تغير حال العائلت المسيحية‬
‫المشكككهورة فكككي المبراطوريكككة‪ ،‬حيكككث حرمكككوا مكككن السكككلم والمكككن وفقكككدوا أملكهكككم‬

‫‪1‬‬
‫)(‪.Eus.,op.cit.,VIII,1-4‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪Ibid.,VIII,14‬‬
‫‪18‬‬
‫وأمكككوالهم‪ ،‬وأصكككبحوا يعيشكككون فكككي قلكككق واضكككطراب وقاسكككوا التعكككذيب والتنكيكككل‪،‬‬
‫واستشهد منهم عدد كبير‪ ،‬وهرب بعضهم إلى الغابات والصحاري والماكن النائية‪،‬‬
‫حيث قاسوا من ظلم الطبيعة لهم ومن أخطار الوحوش المفترسة والبرد والعككرى)‪.(1‬‬
‫كما أن المدة التى حكددها غاريغوريكوس فكى روايتكه عكن الف ترة الكتى قضكتها عائلكة‬
‫باسككككيليوس فككككى الغابككككات‪ ،‬وهككككى سككككبع سككككنوات تتفككككق مككككع المككككدة الككككتي قضككككاها‬
‫مكسيمنوس في الحكم من بداية تنصيبه إمبراطونار في عام ‪306‬م حكتى مككوته فكي‬
‫عام ‪313‬م)‪ .(2‬ونستنتج من هذا أن كل المعلومات التى أتى بها يوسابيوس تتفككق‬
‫اتفاقككا وثيقككا مككع مككا ورد مككن معلومككات فككى المصككادر الخاصككة بعائلككة باسككيليوس‪،‬‬
‫وهذا التفاق يدل على وصدق كل هذه الروايات ودقتها‪.‬‬

‫ومما تذكره المصادر أيضا من معلومات عن هذه العائلة انه بعد أن انقضت‬
‫مراحل الضطهاد الوثنى للمسيحيين اسكتطاع مككن تبقككى علككى قيككد الحيككاة مككن هككذه‬
‫العائلككة ان يسككترد جككزنءا كككبي نار مككن أمل كككه‪ ،‬وكونككوا ثككروات ضككخمة أكككثر ممككا كككانوا‬
‫يملكككون فيمككا قبككل)‪ .(2‬ونجككد عنككد يوسككابيوس القيسككرى مككا يؤيككد ويؤكككد صككدق هككذه‬
‫الحقكككائق أيضكككا‪ ،‬ومنكككه أنكككه عنكككدما انقضكككت آخكككر مرحلكككة مكككن م ارحكككل الضكككطهاد‬
‫الرومككاني للمسككيحيين علككى يككد المككبراطور قسككطنطين‪ ،‬أصككدرالباطرة عككدة م ارسككيم‬
‫في مصلحة المسيحيين تقضي بإنهاء الضطهاد ومنككح الحريككة الدينيككة لكككل رعايككا‬
‫المبراطوريكككة‪ ،‬والسكككماح لهكككم بالمشكككاركة فكككي جميكككع النشكككطة العامكككة‪ ،‬إواعكككادة‬
‫كنائسهم وأملكهككم وثرواتهكم إليهكم‪ ،‬وتمتعهككم بجميكع حقككوق المواطنككة الرومانيكة‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪VIII,. .1-14‬‬ ‫)(‬
‫‪,.Eus‬‬
‫‪2‬‬
‫)(‪. Eus., VIII,16., IX,10,11‬‬
‫)‪.Gr.Niss., Mac.,.P.26,27,50(2‬‬
‫‪.Eus.,op.cit.,VIII,17.IX,9,10.X,1-7‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪19‬‬
‫وقككد أعطككى هككذا الفرصككة للمسككيحيين أن يسككتردوا قسككنما كككبي نار مككن أملكهككم الككتي‬
‫اغاتصبت منهم فى أوقات الضطهادات السابقة‪ ،‬وأن يسككتردوا مراكزهككم ومناصككبهم‬
‫فى الحكومة والجيش)‪.(3‬‬

‫وأول من عرفتنا المصادر به من أفراد هذه العائلة جدة باسكيليوس لبيكه‬


‫التي تسمى ماكرينا ‪ ،(1)Macrina‬وكانت تسكن فككي بيككت كككبير بككالقرب مككن نهككر‬
‫الهككاليز‪ ،‬وهككو الككذى اطلقككت عليككه المصككادر اسككم اليريككس ‪ Iris‬ف ي بلككدة أنسككي‬
‫‪(2)Ansi‬الواقعكككة فكككى وليكككة بنطكككس‪ ،‬وتتلمكككذت علكككى يكككد القكككديس غاريغوريكككوس‬
‫) ‪212-270‬م( وتعلمككت‬ ‫)‪(3‬‬
‫العجككائبي ‪Gregory the Wonder Worker‬‬

‫‪1‬‬
‫)(‪.Bas.EP.204,223. Gr.Niss.,.Mac., P.19‬‬
‫‪ ()2‬أنيسى‪ :‬تقع في شكمال غاكرب إقليكم آسككيا الصكغرى‪ ،‬وسكط جبكال بنطكس‪ ،‬ويجكرى نهكر‬
‫الإيريس في وسطها‪ ،‬وتتبع إيبرشية إيبو ار ‪ Ibora‬التي تقع هي الخرى علككى جككانبي هككذا‬
‫النهر‪ ،‬ويحدها من الشمال جبال بنطس‪ ,‬ومن الغككرب مدينكة سباسككطيا ‪ Sabasteia‬وم ن‬
‫الشرق مدينة كومانككا ‪ ،Comana‬ومكن الغككرب مدينككة أماسككيا ‪ ،Amasia‬وهككي الن تقككع‬
‫علككى حككدود بنطككس بككالقرب مككن مدينككة دازمككون الككتي تسككمى الن توكككات ‪ ،Tokat‬ويقككع‬
‫مكانها الن مدينة تسمى تركهال‬
‫‪Ramsay, op.cit., pp. 326, 327; S.Volse, Ibora, in, Cath. Enc. Vol.7.‬‬
‫‪ ()3‬غاريغوريككوس العجككائبي‪ :‬ولككد فككي مدينككة قيصككرية الجديككدة بككإقليم بنطككس حككوالي عككام‬
‫‪205‬م وكككان والككداه وثنييككن‪ ،‬وكككان منككذ طفكولته يتصككف بكذكاء حكاد ومحبككة للحككق‪ .‬تككوفى‬
‫والده وهو صبى‪ ،‬فاهتمت أمه بتعليمه وتثقيفه‪ ،‬وذهب إلى المدارس ليتعلكم الجروميكة ثكم‬
‫سافر إلى مدينة قيس ارية بفلسكطين وهن اك التقكى بالعلمكة أوريجكانوس‪ ،‬وتعلكم علكى يكده‬
‫تفسير الكتاب المقدس والفلسفة والمنطق والفلك والدب‪ ،‬ثم ذهكب إلكى مدين ة السككندرية‬
‫ودرس في مدرستها المسيحية تحككت إرشككاد يككاروكلس وديونسككيوس تلميككذا أوريجككانوس‪،‬‬
‫ورجع إلى معلمكه أوريج انوس م رة أخكرى فكي فلسكطين وتعمكد وصكار مسكيحي‪ ،‬وبعكد ذل ك‬
‫رجككع إلككى بلده فككي بنطككس وسككلك حيككاة النسككك‪ ،‬وفككى عككام ‪240‬م اخككتير أسككقفا علككى‬
‫‪20‬‬
‫منه الثبات علككى اليمككان والتقككوى والحكمككة)‪ .(1‬وقككد شككهدت المصككادرلها بككذلك فكى‬
‫الضطهاد الوثنى الخير للمسيحية‪،‬حيث أعلنت تمسكها بالمسيحية امام البككاطرة‬
‫والقككادة‪ ،‬واحتملككت الضككطهادات بقككوة وعككزم‪ ،‬وهككو مككا أدى الككى اعككتراف مسككيحى‬
‫)‪(2‬‬
‫جيلها بشجاعتها وثباتها على اليمان‪ ،‬فنالت بذلك احترام الجميع وتقديرهم‬

‫ويككأتى بعككدها والككدا باسككيليوس‪ ،‬فككأبوه يككدعى باسككيليوس أيضككا)‪ ،(3‬وكككان‬


‫ثرنيككا جككندا‪ ،‬ولكنككه لككم يكككن يشككتهر بيككن النككاس بسككبب كككونه غاننيككا‪ ،‬بككل بسككبب كككونه‬
‫ضا بسبب غازارة علمه وسعة ثقككافته وبسككبب‬
‫مؤمننا قونيا ومتديننا وحسن السيرة‪ ،‬وأي ن‬
‫مهنته‪ ،‬فإنه كان خطينبا بارنعا تهتز له المنابر عندما يلقي خطبته‪ ،‬ومحامنيككا واعنيككا‬
‫ل تربكه مشكلة ول تخيفه معضلة‪ ،‬وكان دائنما ما يقككف للككدفاع عككن الحككق‪ ،‬ويحككب‬
‫نصرة المظلومين‪ ،‬وكان أستانذا فى علم البلغاكة لشكباب بنطكس والقكاليم المحيط ة‬
‫بها)‪.(4‬‬

‫أمككا امككه فتككدعى إيمليككا ‪ ،Emmelia‬ومعنككى السككم النشككيطة أو عاليككة‬

‫قيصيرية الجديدة ببنطس التي ولد فيها‪ ،‬وبذل مجهودات عظيمة في التبشير بالمسككيحية‬
‫فيها‪ ،‬وتوفى في عام ‪270‬م‪.‬‬
‫راجكع‪ :‬الراهكب بيج ول السكرياني‪ :‬ص انع العجكائب‪ ،‬مكتب ة ديكر السكريان ‪1998‬؛ القمكس‬
‫تادرس يعقوب ملطي‪ :‬قاموس آباء الكنيسة ج ‪ ،1‬ص ‪.321-317‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Bas Ep. 204 ; 217.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Gr.Niss., Mac . P.19.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Gr.Naz., Or. 43,Ch.10.‬‬
‫)‪(3‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪.Ibid,CH.3,12,17‬‬ ‫‪()4‬‬
‫‪21‬‬
‫الهمككة)‪ ،(1‬وبعككد انقضككاء آخكر مرحلككة مكن م ارحككل الضككطهاد الرومككاني للمسكيحيين‬
‫وحلككول السككلم علككى يككد المككبراطور قسككطنطين اسككتطاعت الم إيميليككا أن تسككترد‬
‫قسنما كبي نار من أملك عائلتها التي اغاتصبت منهم أيام الضطهاد‪ ،‬وأصبحت ثريككة‬
‫جندا‪ ،‬ولها كثير من الملك الموزعة في أماكن عديدة ‪ ،‬تدفع عنها ضككرائب لثل ثككة‬
‫من الحكام)‪.(2‬‬

‫وهنكاك شكهادتان عكن تمتكع الم اميليكا بصفات سكامية‪ ،‬وأولهكا شكهادة‬
‫غاريغوريوس النيزينزى الذى أخذ يعبر عن ذلككك بكلمككات قليلككة‪ ،‬ولكنهككا تشككهد عككن‬
‫مدى اعجابه وتقديره لشخصيتها‪ ،‬وممكا عكبر بكه عنهككا أن معنكى اسككمها اتفككق مككع‬
‫مككا تميككزت بككه مككن صككفات طيبككة‪ ،‬مككن حيككث نشككاطها فككي خدمككة والككديها و أسككرتها‬
‫وأولدهككا وزوجهككا‪ ،‬وأن مككا تتمتككع بككه مككن صككفات سككامية ليقككل عككن مككا يتمتككع بككه‬
‫زوجها باسيليوس)‪ ،(3‬أما الشهادة الثانية فهى شهادة غاريغوريككوس النيسككى الككذى‬
‫قال عنها‪:‬‬

‫» ‪ ...‬كانت ] إيميليا [ تقية جككندا‪ ،‬تطيككع إرادة الكك فكى كككل‬


‫شككىء‪ ،‬فكككانت تسككلك فككي سككيرة تقيككة بل عيككب‪ ،‬حككتى إنهككا اختككارت‬
‫حياة البتولية‪ ،‬ولكككن لنهككا كككانت يتيمككة‪ ،‬وكككانت جميلككة فككي ريعككان‬
‫شككبابها‪ ،‬وقككد جككذب إليهككا جمككال طلعتهككا كككثي نار مككن المعجككبين بهككا‪،‬‬
‫وككان هنكاك خطكر إذا لكم ت تزوج بإرادتهكا‪ ،‬فسكوف تؤخكذ عنكوة‪ ،‬لن‬
‫بعككض المعجككبين بهككا ممككا أخككذوا بجمالهككا اسككتعدوا لخطفهككا‪ ،‬لهككذا‬
‫السككبب اختكككارت رجلن معروفنكككا ومشككهونار بحيككاته الشككريفة‪ ،‬وهكككذا‬

‫‪.Ibid.Ch.10(5)1‬‬
‫‪.Gr.Niss., Mac., P .26 ()2‬‬
‫‪.Gr.Naz., Or. 43,Ch..10‬‬ ‫‪()3‬‬
‫‪22‬‬
‫حصلت على حارس لحياتها ‪« .(1) ...‬‬

‫ومكككن خلل الد ارسكككة المتأنيكككة لهكككذا النكككص يتضكككح أن ككككاتبه انفكككرد فيكككه‬
‫بذكرمعلومة مهمة عن والدته‪ ،‬وهى انها كانت تفضككل حيكاة البتوليككة علكى الككزواج‪،‬‬
‫وهذا يدل على تمسكها بالتدين والتقككوى الككى درجككة كككبيرة‪ ،‬وأن محبككة النسككك كككانت‬
‫موجودة فى هككذه العائلككة منككذ وقككت بعيككد وانتقلككت مككن الجككدود الككى البككاء‪ .‬وينكبىء‬
‫بالتكاثير الكذى سكوف تكتركه هككذه الم علكى أبنائهككا فكى هككذا الجككانب فيمككا بعكد‪ .‬وأن‬
‫مسككيحى اسككيا الصككغرى خاصككة مسككيحى وليككتى بنطككس وكبادوكيككا كككانوا يعرفككون‬
‫النسك منذ وقت مبكر من تاريخ المسيحية ‪.‬‬

‫وكان زواج باسيليوس من إيميليا زوانجا موفنقا جندا‪ ،‬حيث إن الطرفين كانككا‬
‫يشتركان فكي كككثير مككن الصكفات الككتي تميزهمكا‪ ،‬كالتكدين والتقككوى والسكيرة الحسكنة‬
‫ضككا)‪ .(2‬وقككد أثمككرت هككذه الزيجككة المباركككة عككدة أطفككال‬
‫والككثراء الروحككي والمككادي أي ن‬
‫مبككككاركين)‪ .(3‬وقككككد أشككككار النيسككككى أن أكككككبر هككككؤلء البنككككاء ابنككككة تككككدعى ماكرينككككا‬
‫‪)Macrina‬ح والى ‪380-327‬م(‪ ،‬وقككد سككميت بهككذا السككم تككذكا نار لجككدتها مككن‬
‫أبيها‪ ،‬ومنذ طفولتها اهتمككت والكدتها بتعليمهككا اهتمانمكا ككبي نار ‪ ،‬ولسككيما أنهكا ككانت‬
‫أول أبنائهككا وقككد لحككت عليهككا علمكات الكذكاء وتميكزت بسككرعة البكد يهكة‪ ،‬وسكرعة‬
‫استجابتها للتعلم‪ .‬ولم تشأ والدتها أن تدفعها إلى التعلم على يد المربيات مع أنهككا‬
‫كانت لها مربية خاصة‪ ،‬أو أن تدفعها إلى المدارس العامككة لتتلقككى تعليمهككا‪ ،‬لنهككا‬
‫رأت أن كل هذا يتعارض مع غارضها في تربية ابنتها وتعلمها‪ ،‬ول يتفق مع طبيعككة‬
‫سكا مكن الكتكاب المقكدس تتفكق مكع‬
‫طفلتهكا اللينكة‪ ،‬ولكنهكا اهتمكت بكأن تعلمهكا درو ن‬

‫‪.GR.NISS. MAC . P. 19,20‬‬ ‫‪()1‬‬


‫‪.OR.43,CH.9‬‬ ‫‪()2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Greg.Nis.,Mac., P. 19.; Gr.Naz.,or.43,ch.9.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪23‬‬
‫سنها‪ .‬إوالى جانب هذا تدربت ماكرينا منكذ صكغرها علكى أشكغال الصكوف وأصكبحت‬
‫ماهرة في صنع الملبس الصوفية ‪ ،‬وكانت تشككغل نفسككها بخدمككة والككدتها والعنايككة‬
‫بها ومشاركتها في تربيككة بكاقي أخوتهكا الصكغار‪ ،‬وتحمكل بككاقي مسكئوليات السكرة‪،‬‬
‫وربمكا اهتمكت بالعمكل اليكدوي لتشكغل ب ه وقكت الفكراغ فكي أعمكال عظيمكة بكدلن مكن‬
‫إضاعته فيمككا ل يفيككد‪ .‬وحيككن بلغككت الثامنكة عشككرة مككن عمرهككا بككدأ شكبابها يتفتككح‪،‬‬
‫وأصككبحت فائقككة الجمككال‪ ،‬والتككف حككول والككدها كككثير مككن الشككباب يطلبككون يككدها‪،‬‬
‫واختار لها والدها واحندا منهم ينتمي إلى أسككرة معتدلككة‪ ،‬وكككان شككانبا متعلنمككا ينتظككره‬
‫مستقبل باهر‪ ،‬واتفكق معكه أبوهكا أن يزوجكه بكابنته مكتى بلغكت سكن الكزواج‪ ،‬ولككن‬
‫هذه الزيجة لم تتم‪ ،‬إذ قتل الشاب وهو في ريعان شبابه‪ ،‬وبعد ذلك رفضككت الككزواج‬
‫وقررت أن تقضي بقية حياتها بمفردها وأن تسلك حياة البتولية)‪.(1‬‬

‫وحمككل لنككا غاريغوريككوس النيسككي معلومككات أخككرى عككن ابككن آخككر لهككذه‬
‫السرة وهو نيقراطيكوس ‪ Naucratius‬الب ن الثكاني بعكد باسكيليوس‪ ،‬تربكى علكى‬
‫يككد والككدته ووالككده‪ ،‬وتعلككم منهمككا التقككوى ومحبككة الفضككيلة‪ ،‬وكككان يتصككف بجمككال‬
‫الشكل وقوة الجسم وذكاء العقل‪ ،‬وعنكدما بلكغ الحاديكة والعشكرين مكن عمكره احتقكر‬
‫مباهج العالم وقرر أن يعيش حياة النسك وترك منزل عائلته واختار موضككنعا ليككس‬
‫بعيككندا عنككه علككى ضككفة نهككر اليريككس وعككاش فيككه‪ ،‬وقككد وجككد بككالقرب منككه بعككض‬
‫النساك الشيوخ فاجتهد في خدمتهم‪ ،‬وكان يطعمهم من صككيده‪ ،‬وفككي الككوقت نفسككه‬
‫كان با نار بوالدته ويدبر لها احتياجاتها‪ .‬وظككل يعيككش علككى هككذا المنككوال مككدة خمككس‬
‫سنوات‪ ،‬وبعدها تعرض إلى حادث أليم أثناء إحككدى رحل تككه فككي الصكيد تكوفى علككى‬
‫إثره)‪.(2‬‬

‫‪PP.19 - 25. Gr.Niss. MAC .‬‬ ‫‪()1‬‬


‫‪.Gr.Niss.,Mac PP.29-33‬‬ ‫‪()2‬‬
‫‪24‬‬
‫وثالث الخوة هو غاريغوريوس النيسي)‪ ،(1‬ولد في عام ‪339‬م تقرينبككا)‪،(2‬‬
‫وتربككى علككى يككد والككدته وأختككه ماكرينككا)‪ ،(3‬وفككي صككغره لككم يكككن شككغونفا بتلقككى العلككم‬
‫خارج بيته‪ ،‬بل تعلم على يد أخته ماكرينا التي دعاها معلمتكه)‪ ،(4‬وككان يفتخرأيضككا‬
‫بأنه تربى و تعلم على يد أخيه باسيليوس لذلك دعاه أبككاه ومعلمككه)‪ ،(5‬وعنككدما بلككغ‬
‫سن الشباب تدرج في المناصب الدينية حكتى صكار أسكقنفا‪ ،‬وشكارك فكي الككثير مكن‬
‫المجكككككامع الدينيكككككة للمحافظكككككة علكككككى المبكككككادىء والقكككككوانين والعقائكككككد الكنيسكككككة‬
‫المستقيمة)‪ ،(6‬واشتهر بدفاعه عن العقيدة المسيحية‪ ،‬وهو مككا جعككل أختككه ماكرينككا‬
‫تقككول لككه‪ » :‬أنككت معككروف فككي المككدن بيككن الشككعوب والقبائككل‪ ،‬الكنككائس ترسككل لككك‬
‫وتستدعيك كحليف وشفيع« )‪ ،(7‬وهذا يدل علكى اتسكاع شككهرته‪ ،‬ثككم تكوفى فككي عكام‬
‫‪395‬م)‪.(8‬‬

‫ويكككأتي بعكككد غاريغوريككوس أخ آخككر يكككدعى بطككرس)‪ ،(9‬وهكككو أخككر أخكككوته‬


‫الذكور‪ ،‬وأصغر أخوته جمينعا‪ ،‬وفي الوقت نفسه الذي ولد فيه توفى والككده فأصككبح‬

‫‪Bas.,EP. 210,215‬‬ ‫‪()1‬‬


‫‪.Antony Meredith, The Cappadocians, New York,2000,P.52 ()2‬‬
‫‪ ()3‬غاريغوريوس النيسى‪ :‬النفكس والقيكامه‪،‬ترجمكة الب اشكعياء ميخائي ل‪،‬القكاهرة‪:‬الكلي ة‬
‫الكليريكية‪ ،1997،‬ص ‪.7‬‬
‫‪Gr.Niss. Mac., P. 47 .‬‬ ‫‪()4‬‬
‫‪Gr.Niss.,The Letters,Trans.Introd. Not. And Index.by,William ()5‬‬
‫‪.Moore And Henery Austin Wilson,IN,(N.P.N.F.)vol.5.EP.X‬‬
‫‪.Ibid. P. 40,41()6‬‬
‫‪P.51.‬‬ ‫‪. Ibid ()7‬‬
‫‪ ()8‬الب تكككادرس يعقكككوب ملطكككى‪ :‬غاريغوريكككوس اسكككقف نيصكككص )السككككندرية ‪:‬الكليكككة‬
‫الكليريكية‪ (1993،‬ص ‪.23‬‬
‫‪.Gr.Niss. MAC. P.36. : Bas.EP.216‬‬ ‫‪()9‬‬
‫‪25‬‬
‫يتينمككا فأخككذته أختككه الكككبرى ماكرينككا وتعهككدته بالتربيككة ولقنتككه مككا تعلمككت علككى يككد‬
‫سكا وأمثكالن وحكنمككا مككن الكتكاب المقككدس‪ .‬وقككادته إلكى التعككاليم‬
‫والككدتها‪ ،‬فعلمتككه درو ن‬
‫الصككحيحة‪ ،‬حككتى صككارت لككه كككل شككىء أنبككا وأنمككا ومعلنمككا وصككدينقا ومرشككندا إلككى كككل‬
‫صككلح‪ .‬وكككان ينظككر إليهككا دائنمككا معككندا إياهككا مثلككه العلككى‪ ،‬وصككار إنسككاننا صككالنحا‬
‫فاضلن إلى درجكة ككبيرة جعلت ه يتسكاوى مكع جميكع أفكراد عكائلته فكي سكمو أخلقهكم‬
‫وتدينهم وجميع صفاتهم الطيبة‪ ،‬وكرس حياته منذ صككغره لكك‪ ،‬وسككلك حيككاة النسككك‬
‫فككي بيككت العائلككة الككذي تنتسككك فيككه أختككه ماكرينككا وأمككه‪ ،‬وتميككز بعككدد مككن الصككفات‬
‫الطيبككة‪ ،‬مثككل سككعة عقلككه وحكمتككه وقككوة ذكككائه ومحبتككه للفقككراء وحسككن تككدبيره‪،‬‬
‫وظهرت مواهبه هذه بوضكوح فكي مكواجهته لحكدى المجاعكات الشكديدة الكتي حلكت‬
‫بككإقليم بنطككس وكبادوكيككا‪ ،‬حيككث أعككد كميككات كككبيرة مككن القككوات فككي بيككت عككائلته‪،‬‬
‫واستقبل جميع النكاس الكذين عكانوا مكن المجاعكة وأعطكى طعانمكا للجميكع‪ ،‬وقكد بكدا‬
‫البيت كأنه مدينة لكثرة من كان يتردد عليكه مكن الفقكراء)‪ ،(1‬ونتكج عكن ذلكك أن ذاع‬
‫صككيته‪ ،‬واشككتهر فككي بلككدان عديككدة‪ ،‬ويبككدو أن أخككاه باسككيليوس فطككن إلككى القككدرات‬
‫العظيمة التي يتميكز بهكا أخكوه بطكرس‪ ،‬بجكانب مكا يتصف بكه مكن تقكوى وفضكيلة‪،‬‬
‫فضككمه إلككى جمككاعته الرهبانيككة الككتي أقامهككا علككى نهككر اليككرس‪ ،‬وأشككركه معككه فككي‬
‫تدبيرها‪ ،‬وبعد ذلك خلف بطرس أخكاه باسكيليوس فككي رئاسكة مؤسسككاته الديريكة)‪.(2‬‬
‫وأخذ بطرس يتدرج في المناصب الدينية حتى رسم أسقنفا وقام بالدفاع عن العقيدة‬
‫المسيحية في مواقف عديدة‪ ،‬ثم تنيح عام ‪391‬م)‪.(3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Gr.Niss. MAC. P. 36-‬‬ ‫)(‬
‫‪.38‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Bas.EP.216.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الب تادرس يعقوب ملطى‪ :‬قاموس اباء الكنيسة وقديسيها‪ ،‬ص ‪.876 ، 875‬‬
‫‪26‬‬
‫أمككا عككن بككاقى الخككوة والخككوات الخريككن مككن أفككراد هككذه السككرة فأشككار‬
‫النيسكككى إلكككى وجكككود أخكككوات أخريكككات لكنكككه لكككم يكككذكر تفاصكككيل عنهكككن)‪ ،(1‬وبحسكككب‬
‫غاريغوريككككوس النيزينككككزي نعككككرف أن بعضككككهن عشككككن حيككككاة النسككككك‪ ،‬وبعضككككهن‬
‫تزوجككن‪.‬ويتضككح مماسككبق أن غاريغوريككوس النيسككي فككى مككؤلفه عككن حيككاة أختككه‬
‫ماكرينا أورد معلومات عن ثلثة أخوة من اخوته‪ ،‬وكان هككو رابعهككم‪ ،‬وأخككت واحككدة‬
‫هى ماكرينا‪ .‬ولم نجد عنككد العلمككاء والمككؤرخين المحككدثين أيككة معلومككات عككن أخككوة‬
‫باسيليوس تزيد على ما ذكره اخوهم النيسى عنهم‪.‬‬

‫ميلد باسيليوس وطفولته‬


‫أما باسيليوس فهو أول من ولد من أخوته الذكور)‪ ،(2‬وهناك موقعان يعختلف‬
‫حول تحديد أيهما شهد ميلده‪ ،‬أولهمككا بلككدة أنيسككى الككتي يوجككد فيهككا بيككت عككائلته‬

‫‪1‬‬
‫‪Gr.Niss. MAC.. P.‬‬ ‫)(‬
‫‪.27‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Gr.Niss.,Mac., p. 29.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪27‬‬
‫لوالده‪ ،‬حيث تعيش أسرته‪ ،‬والثانية مدينة قيصكرية عاصكمة وليكة كبادوكيكا‪ ،‬حيكث‬
‫بيكككت عكككائلته لوالكككدته‪ ،‬و نجكككد باسكككيليوس نفسكككه يشكككير مكككرات عديكككدة إلكككى مدينكككة‬
‫قيصككرية علككى أنهككا المكككان الككذي ولككد فيككه‪ ،‬ومنهككا قككوله نفسككه عنهككا أنهككا بيتككه‪،‬‬
‫وموطنه‪ ،‬ومدينته‪ ،‬ومسكقط رأسكه)‪ ،(1‬كمكا أن صكديقه غاريغوريكوس يكذكر عنكه أنكه‬
‫كبادوكي)‪ ،(2‬وأن وطنكه هككو قيصككرية‪ ،‬وهكي مككدينته)‪ .(3‬وأككد مصكدر آخكر علككى أنككه‬
‫قيصرى)‪ ،(4‬وعلى الجانب الخر ل يوجد في المصككادر أي ذككر أو إشكارات صككريحة‬
‫وواضحة تشير إلى أنه ولد فكي بلككدة أنيسكى‪ ،‬ويتضككح مكن ذلككك أن باسكيليوس ولككد‬
‫في مدينة قيصرية عاصمة كبادوكيا‪ ،‬ويبدو أن ولدته حدثت عقب زيارة قامت بهككا‬
‫)‪(5‬‬
‫أسرته لبيت عائلتها في كبادوكيا‪.‬‬

‫أما تاريخ ميلده فتحديده ليس بالمر الهين‪ ،‬وذلك لن جميع المصادر لم‬
‫تاتى بذكره وذلك لنها مصادر مسيحية فى المقام الول وكان جل اهتمامهككا قائمككا‬
‫على تدوين تاريخ الكنيسة وعقائكدها وطقوسكها‪ ،‬وعنكد تكدوينهم لسكير شخص ياتها‬
‫كككانوا يهتمككون بتسككجيل أعمككالهم فككى خدمككة القضككايا الدينيككة وليهتمككون بتسككجيل‬
‫تواريخ محددة عن ميلدهم أو وفاتهم ولكككن يمكككن معرفككة تاريككخ ميلد باسككيليوس‬
‫من خلل الستعانة بما ورد فى المصادر المعاصرة من معلومات عن الشخصككيات‬
‫المهمكككة الكككتى عاشكككت فكككى عصكككره‪ ،‬والحكككداث المهمكككة الكككتى ارتبطكككت بالم ارحكككل‬
‫‪1‬‬
‫‪Ep.1.;8.;50.;74.;76.;87.;96.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Correspondence with S. Basil The Great, Trans. By: Charle‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪Browne, and Janne Edward Swallow, In: (N.P.N.F) Vol. 7, EP. 2.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid., Ch. 13.,15.‬‬ ‫‪((4‬‬
‫‪4‬‬
‫)‪Soc.,Op.cit., iv , Ch . 26 .(5‬‬
‫‪5‬‬
‫‪James Hanrahan, S.T. Basil The Great, A life with Excerpts‬‬ ‫‪((6‬‬
‫‪From His Works, 4 Parts, The Basilian Press (Toronto 1979), Part‬‬
‫‪1. 3.‬‬
‫‪28‬‬
‫الساسية من حياته‪.‬‬

‫ومن أهم الشخصيات التى عاشكت فى وقتكه المكبراطور جوليكان وتحمكل‬


‫المصادر معلومات مهحة عن حياته وارتباطه بباسيليوس‪ ،‬ومنها ما ذككره جوليكان‬
‫نفسه عن ذلك‪ ،‬حيث كان يصفه بأنه أعز أصدقائه)‪ ،(1‬وانه كان صديقا حميمككا لككه‬
‫منككذ الصككبا)‪ ،(2‬كمككا أن باسككيليوس أكككد هككذه الصككداقة فككى كتابككاته‪ ،‬حيككث كككان هككو‬
‫وصككديقه جوليككان يككذهبان منعككا إلككى الكنيسككة ويدرسككان الكتككاب المقككدس)‪ ،(3‬كمككا أن‬
‫غاريغوريوس النيزينزي أشار إلى أنه وصديقه باسيليوس وجوليككان كككانوا يدرسككون‬
‫منعا فى مدينة آثينا)‪ ،(4‬وعليه فإن عمر باسكيليوس يتفكق تقرينبكا مكع عم ر جوليكان‬
‫وكذلك مع عمرغاريغوريوس‪ .‬ونجد فى المصادر المعاصرة معلومات تتعلق بتحديككد‬
‫عمر جوليان‪ ،‬وأهمها علكى الطلق مكا ورد فكى تاريكخ اميكانوس ماركليكانوس مكن‬
‫أنكككه تكككوفى عكككام ‪363‬م‪ ،‬وككككان عمكككره اثنيكككن وثلثيكككن عانمكككا)‪ ،(5‬كمكككا أن المكككؤرخ‬
‫المسكككيحى سكككقراط يحكككدد فكككى تكككاريخه أن تاريكككخ ميلده فيمكككا بيكككن عكككامى ‪329‬و‬
‫‪331‬م)‪ ،(6‬ويتضح من ذلك ان جوليان ولد فى عام ‪331‬م‪،‬أوعلى أكثر تقدير فيمككا‬

‫‪1‬‬
‫‪EP.39.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ep.16.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Bas Ep.41.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Or.45,Ch.23.‬‬
‫)‪(4‬‬
‫‪5‬‬
‫‪XXV,3:23.‬‬
‫)‪(5‬‬
‫‪6‬‬
‫‪III,1,21.‬‬
‫‪29‬‬
‫بيككن عككامى ‪329‬و ‪331‬م؛ وان باسككيليوس وغارريغوريككوس ولككدا فككى هككذا الككوقت‪،‬‬
‫كما أن هنكاك جمهكور مككن المكؤرخين يؤيكد هككذا المككر‪ ،‬والكككثير منهككم يككرى أنككه ولكد‬
‫عام ‪.(1) 330‬‬

‫وفككي أحككد أحككاديثه عككن مسكيرة الحيككاة النسككانية رأى أن أي إنسككان يولككد‬
‫يمر بثلث مراحل عمرية حتى يصككل إلككى مرحلككة الرجولككة‪ ،‬وسككمى المرحلككة الولككى‬
‫بمرحلككة الطفولككة‪ ،‬وتبككدأ منككذ الككولدة مباشككرة وتنتهككي عنككد ظهككور السككنان الدائمكة‬
‫عند سن السابعة‪ ،‬تليها المرحلككة الثانيككة‪ ،‬وتسككمى مرحلككة الصكبا وتبككدأ عنككد نهايككة‬
‫سككابقتها‪ ،‬وفيهككا يبككدأ الصككبي تلقككى العلككوم الوليككة‪ ،‬وتنتهككي عنككد الرابعككة عشككرة‪،‬‬
‫وبعككدها تبككدأ المرحلككة الثالثككة ويسككميها مرحلككة الشككباب‪ ،‬وفيهككا يتفتككح شككباب الفككرد‬
‫وتنتهككي عنككد نمككو لحيتككه واكتمككال نضككجه الجسككمي‪ ،‬وفيهككا يككدرس علككم المنطككق‬
‫والخطابة التي تؤهله للعمل في المحاكم والوظائف العامة)‪.(2‬‬

‫ويمكن تمييز هذه المراحل الثلث بوضوح في حياته‪ ،‬فقككد بككدأت المرحلككة‬
‫الولى عند ميلده في قيصرية‪ ،‬ووفقا لما كان متبنعا في هذا الككوقت عنككد العككائلت‬
‫الثريكككة الكككتى تمكنهكككم مكككواردهم مكككن تسكككليم أبنكككائهم حيكككن يولكككدون إلكككى مرضكككعات‬

‫)‪(1‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Rousseu,op.cit.,p.1.;Meredith,op.cit.,p.7.;Clarke,op.cit.p.20.16‬‬
‫)‪8.(2‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Bas, Homelies sur les Pasumes, Introduction, Traduction et‬‬
‫)‪Not(3‬‬
‫‪par, LUC Bressard, (Paris,1997), Psaume, 1.; Saint Augstin , The‬‬
‫‪Confession ,Trans.& not. By, J. G.Pilkington, in( N.P.N.F.) first ser.‬‬
‫‪Vol.1,I.,I,5,7,14.II.1,3.‬‬
‫‪30‬‬
‫لرضاعهم)‪ ،(1‬سلمته والككدته إلككى إحكدى الخادمكات الكتي كككانت تعمككل فككي ممتلكككات‬
‫عائلتها في قيصككرية‪ ،‬وعهكدت إليهككا بمهمككة رضكاعته‪ ،‬وفككي سكبيل ذلككك كككانت أمكه‬
‫توفر لهذه المربية ومن معها مككن خككدم آخريككن وأولدهككم جميككع مككا كككانوا يحتككاجون‬
‫إليككه مككن وسككائل المعيشككة‪ ،‬وبعككد أن أنهككى فككترة الرضككاعة هنككاك تسككلمته والككدته‬
‫وعادت به إلى بيت العائلة في أنيسى حيث يبدأ دور عائلته في تربيته وفي توجيه‬
‫حياته في هذه الفترة المبكرة من عمره)‪.(2‬‬

‫ومككن الشخصككيات الككتى اسككهمت فككى تربيتككه جككدته ماكرينككا الككتى كككانت‬
‫ماتزال على قيد الحياة‪ ،‬وقامت بدور كبير في تربية حفيدها‪ ،‬إوافادته بكل مككا كككانت‬
‫تتصف به مكن صكفات رائعكة شكهد بهكا الجميكع‪ ،‬مكن تقكوى وتكدين وحكمكة‪ ،‬ولقنتكه‬
‫مبادىء الديانة بحسب ما كان يتفق مع عمره‪ ،‬وقد شهد باسيليوس على ما بذلته‬
‫جدته من جهد في تربيته‪ ،‬وأشاد بها في قوله‪:‬‬

‫»… هل توجككد شكهادة أخكرى نككذكرها هنككا لتككون دليلن‬


‫واضنحا على اسكتقامة إيمكانى أككثر مككن قكولي إنككي تربيككت علكى يككدي‬
‫جدتي تلك السككيدة الككتي كككانت تعيككش بينكككم‪ ،‬أقصككد ماكرينككا الشككهيرة‬
‫الككككتي قككككامت بتعليمككككي مككككن التعككككاليم الككككتى اسككككتقتها مككككن القككككديس‬
‫غاريغوريوس] صانع العجائب[ وكانت سعيدة جندا وهي تقكوم ببنكائي‬
‫وتثبيتي في طريق التقوى منذ كنت طفلن صككغينرا‪ ،‬وبككالرغام مككن الفكترة‬
‫الطويلة التي مضت‪ ،‬إل أنني مازلت أحتفظ بذكرى تلك اليام ‪«(3)...‬‬

‫ومن النص السابق نخرج بعدة نتائج أولهككا‪ :‬أن باسككيليوس تلقككى تربيككة‬
‫دينيككة منككذ صككغره‪ ،‬ثاننيككا‪ :‬أن جككدته ماكرينككا تركككت تككأثي نار كككبي نار فككي حيككاة حفيككدها‬
‫‪1‬‬
‫;‪Augustin,The Confessions, I,13,14.‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫‪Bas. Ep. 37.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid., EP. 204.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪31‬‬
‫باسيليوس‪ ،‬وهو ما جعله يفتخر بها طكوال حيكاته‪ ،‬ويعكدها احكد مراجعكه اليمانيكة‪،‬‬
‫ثالثنكككا‪ :‬يوضكككح هكككذا النكككص ان عائلكككة باسكككيليوس كلهكككا تكككأثرت وبعمكككق بتعكككاليم‬
‫غاريغوريوس صانع العجائب‪.‬‬

‫وبالرغام من إشادته السابقة بعمق الدور الذي قامت به جدته في تربيتككه‬


‫ضككا أن يشككير إلككى الككدور الككذي قككام بككه والككده‬
‫تربيككة دينيككة عميقكة‪ ،‬فككإنه لككم ينكس أي ن‬
‫ووالدته في مشاركة جدته في تربيته على النهج نفسه منذ صككغره‪ ،‬وكككان لككه تككأثير‬
‫كبير وعميق فى حياته كلها فيما بعد فقال‪:‬‬

‫» ‪ ...‬مككا اسككتقبلته مككن تعككاليم عككن الكك بواسككطة والككدتي‬


‫المكرمة وجدتي ماكرينا‪ ،‬منذ أن كنككت طفلن صككغينرا‪ ،‬والككذي أتمسككك‬
‫به حتى الن‪ ،‬وتكزداد صكناعتي بكه دائنمككا‪ ،‬وعنككدما نضكج عقلكي لكم‬
‫أسمح لفكاري أن تميل إلى أي تعليم آخر‪ ،‬وكنت أسير فكي حيكاتي‬
‫علككى المبككادئ الككتي سككلمها لككي والككداى‪ ،‬تمانمككا مثككل البككذرة عنككدما‬
‫تزرع وتبدأ في النمو تكون صغيرة جندا‪ ،‬ثم تأخذ فككي النمككو وتكككبر‪،‬‬
‫وبككالرغام مككن اكتمككال نموهككا بالتدريككج‪ ،‬إل أنهككا تظككل دائنمككا محتفظككة‬
‫بصفاتها ول يتغيكر نوعهكا‪ ،‬ككذلك أنكا تمسككت بنفكس اليمكان الكذي‬
‫تربيت عليه بالرغام من تقدمي في الم ارحككل العمريككة‪ ،‬ومككا أؤمككن بككه‬
‫الن هو نفسه الذي آمنت به منذ الطفولة ‪«.(1) ...‬‬

‫مسيرة باسيليوس العلمية فى قيصرية والقسطنطينية‬


‫وكككان علككى عككائلته بعككد ذلككك أن تعككده للمرحلككة الثانيككة مككن حيككاته‪ ،‬ويبككدأ‬
‫فيهككا بتعلككم مبككادئ العلككوم العامككة‪ ،‬ولكككن قبككل أن نسككير فككي ذلككك يجككب علينككا أولن‬

‫‪1‬‬
‫‪Bas., EP. 223, Ch. 4.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪32‬‬
‫توضيح موقف المسيحية وأتباعها من العلكوم العامكة‪ ،‬علكى أسكاس أن باس يليوس‬
‫ينتمي إلى إحدى العائلت المسيحية المتدينة‪ ،‬وفي هذا الشأن نجككد أن المسككيحية‬
‫منككذ بككدايتها وجهككت اهتمانمككا كككبي نار بمهمككة تعليككم النككاس القيككم والمبككادئ السككامية‪،‬‬
‫وأعلككت مككن قيمككة العلككم والتعليككم حككتى تخككاطب عقككولهم وتجعلهككم علككى يقيككن تككام‬
‫بص حة مكا يعتقكدون ب ه ويتعبكدون لكه‪ ،‬وأككثر الدلكة وضكونحا علكى ذلكك أن الكتكاب‬
‫المقكككدس أورد فكككي كككثير مككن نصوصككه أن النكككاس الككذين ككككانوا يعاصككرون السككيد‬
‫المسككيح ويتعككاملون معككه كككانوا يلقبككونه بككالمعلم الصككالح)‪ ،(1‬وحيككن يتحككدثون معككه‬
‫يككدعونه يككا معلككم)‪ ،(2‬وكككان السككيد المسككيح يقضككى اوقاتنككا كككثيرة فككى تعليككم النككاس‪،‬‬
‫ويقوم بهذه المهمة في كل مكان يصلح لها فى داخل المجككامع اليهوديككة وخارجهككا‬
‫وداخككل الككبيوت وفككي الميككادين العامككة وعككبر الطككرق الرئيسككة وعلككى سككواحل البحككر‬
‫وداخل السفن وفوق الماكن المرتفعة‪ ،‬وكان يعلم جميع الناس بل استثناء)‪.(3‬‬

‫كمككا أن تاريككخ الكنيسككة فككي القككرون الولككى للميلد كككان دائنمككا يلقككب آبككاء‬
‫الكنيسككة بلقككب المعلميككن‪ ،‬وكككثير مككن هككؤلء البككاء كككانوا متحمسككين لتلقككي العلككوم‬
‫السائدة في عصرهم‪ ،‬منهم القديس جستين ‪ Justin‬الشهيد الذي ولد من أبوين‬
‫وثنييكككن بفلسكككطين‪ ،‬ودرس الفلسكككفات اليونانيكككة المختلفكككة‪ ،‬ثكككم اعتنكككق المسكككيحية‬
‫حككوالي عككام ‪130‬م‪ ،‬وكككان يككرى أن المسككيحية هككي الفلسككفة الكاملككة الككتي تحقككق‬
‫الغاية المنشودة من الفلسفات الخرى)‪.(4‬‬

‫‪1‬‬
‫)( متى )‪(19:16‬‬
‫‪2‬‬
‫)( متى )‪(19 : 18‬؛ مرقس )‪(35 :10‬؛ لوقا )‪(24 :8‬؛ يوحنا )‪(31 :4‬‬
‫‪3‬‬
‫)( راجع‪ :‬متى )‪23 :4‬؛ ‪(2 :5‬؛ مرقس )‪21 :1‬؛ ‪(13 :2‬؛ لوقا )‪15 :4‬؛ ‪:6‬‬
‫‪(61‬؛ يوحنا )‪(2 :8‬‬
‫‪4‬‬
‫;‪Eus. op.cit. IV, 8, 12, 18‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫ماهر محمد عبد القادر وحربي عباس عطيتو‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.284-282‬‬
‫‪33‬‬
‫ومكككن البكككاء الخريكككن الكككذين تعلمكككوا وتثقفكككوا ثقافكككة عصكككرهم العلمكككة‬
‫إكليمنكككدس السككككندري ‪150-217) Clement of Alexandria‬م( الكككذى‬
‫درس فككي العديككد مككن مككدن المبراطوريككة الرومانيككة علككى يككد كككثير مككن المعلميككن‬
‫المشهورين في عصره‪ ،‬وحصل على قدر وافككر مككن التعككاليم السككائدة فككي وقتككه‪ ،‬ثككم‬
‫جاء إلى السكندرية ودرس المسيحية فككي مدرسككتها اللهوتيككة‪ .‬وتميككز فيهككا جككندا‪،‬‬
‫وصكككار معلنمكككا بهكككا وأسكككندت إليكككه مهمكككة إدارة المدرسكككة فكككترة مكككن الكككوقت‪ ،‬ويعكككد‬
‫إكليمندس من أبرز علماء الكنيسة في نهاية القرن الثاني الميلدي الككذين اهتمككوا‬
‫بالعملية التربويككة‪ ،‬ونككادوا بضككرورة الدراسكة فككي المؤلفكات الوثنيكة‪ ،‬وبككالتوفيق بيكن‬
‫الفلسفة والدين)‪ ،(5‬وتتلخص نظرته إلى الفلسفة في النقاط التالية ‪:‬‬

‫ليست الفلسفة عملن من أعمال الشر‪ ،‬وغاايتهكا فكي ككل المكدارس الفلسكفية‬ ‫)‪(1‬‬
‫هككي نفسككها غاايككة المسككيحية‪ ،‬وهككي الحيككاة السككامية‪ ،‬ولكككن الفككارق هككو أن‬
‫الفلسككفة لككم يتمتعككوا إل بقبسككات مككن الحككق‪ ،‬أمككا المسككيحية فككأعلنت الحككق‬
‫ل‪ ،‬وأن الفلسفة أقل من الحق‪ ،‬لكنها ليست بل قيمة؛ لهكذا فهكو يككرى أن‬
‫كام ن‬
‫الفلسفة أطفال ظلوا هكذا حتى جاء السيد المسيح فصاروا رجانل‪.‬‬

‫قككدم تعريفنككا للفلسككفة مككن وجهككة نظككره فقككال‪» :‬أقصككد بالفلسككفة ل المككذهب‬ ‫)‪(2‬‬
‫الرواقي أو الفلطوني أو البيقوري أو الرسطاطلي‪ ،‬بككل مككا يمثككل بحككق فككي‬
‫كككل مككذهب منهككا‪ ،‬حيككث يعلككم بككالبر جننبككا إلككى جنككب مككع العلككم‪ ،‬هككذا الختيككار‬
‫الكلككي أدعككوه الفلسككفة‪ ،‬أمككا نتائككج التعقلت البشككرية الككتي يقطعهككا البشككر‬
‫ويزيفونها فليست فلسفة‪.‬‬

‫ضككا أن عنايككة الكك لككم تتجاهككل أي شككعب مطلقنككا‪ ،‬وكمككا أن الكك أعككد‬
‫يككرى أي ن‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪5‬‬
‫;‪Eus., op.cit. V, 11; VI,. 6, 13, 14‬‬
‫)‪(2‬‬
‫ماهر محمد عبد القادر وحربي عباس عطيتو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.295-291‬‬
‫‪34‬‬
‫شكككريعة موسكككى النكككبي للعكككبرانيين ليقكككودهم إلكككى اليمكككان بالسكككيد المسكككيح‪،‬‬
‫استخدم الفلسفة بالنسبة لليونانيين للبلوغ بهم إلى الهدف نفسه‪.‬‬

‫أكد إكليمنتس بأمثلة ككثيرة علكى أن اليونكانيين اسكتعاروا الككثير مكن تعكاليم‬ ‫)‪(4‬‬
‫العهككد القككديم‪ ،‬ومنهككم الفيلسككوف أفلطككون الككذى انتحككل آراء موسككى النككبي‬
‫وكثير من أنبياء العهد القديم‪ ،‬ولكنكه لكم يقككدمها بطريقكة صكحيحة‪ .‬كمكا انكه‬
‫شبه الفلسفة اليونانية بالشرعية الموسوية‪.‬‬

‫)‪ (5‬نادى بأنه ليس من واجب الكنيسة أن تقف ضد الفلسفة‪ ،‬ول تهمل أو تقلل‬
‫من نشاط المؤمنين فى متابعة دراساتهم الفلسفية‪ ،‬بل تسككتطيع الكنيسككة أن‬
‫تضفي على الفلسفة صبغة مسيحية بثقافتها وتعاليمها)‪.(1‬‬

‫كما أن العلمة أوريجانوس أشهر مدير للمدرسة اللهوتية كان منذ صغره‬
‫مهتنما بتعلم العلوم العامكة جننبكا إلكى جنكب مكع العلكوم الدينيكة‪ ،‬وعنكدما بلكغ مرحلكة‬
‫الشباب تعمق في د ارسككة الفلسككفة الفلطونيككة الحديثككة‪ ،‬واسككتمر يككدرس فيهككا مككدة‬
‫خمككس سككنوات‪ ،‬ودرس الفلطونيككة والرواقيككة والفيثاغاوريككة‪ ،‬وكككان يقتنككي مكتبككة‬
‫ضككخمة تحتككوى مجلككدات كككثيرة فككي مختلككف العلككوم‪ ،‬كمككا أنككه تزيككا بككزي الفلسككفة‬
‫وأخضككع كككل مككا درسككه لخدمككة الديانككة المسككيحية‪ ،‬وقيككل عنككه أنككه فلسككف الديانككة‬
‫المسيحية)‪.(2‬‬

‫كما يوجد لباسيليوس نفسه مؤلف خاص عكن هكذا الموضكوع‪ ،‬وفي ه أخكذ‬
‫يكرر الحث للشباب أن يقبلوا على العلككم والد ارسككة والسككتفاده مككن علككوم عصككرهم‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫)( الب تككادرس يعقككوب ملطككي‪ :‬الخككط الجتمككاعي عنككد آبككاء الكنيسككة الولككى‪،‬‬
‫)السكندرية‪ ،‬كنيسة مارجرجس‪ ،‬اسبورتنج‪ (2005 ،‬ص ‪.21 ،20‬‬
‫‪2‬‬
‫‪EUS. op.cit. VI, 2, 3, 16, 19.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪35‬‬
‫واخذ يعرض أمثلة كثيرة لفلسكفة وعلمكاء فكى مختلكف أنكواع العلكوم‪ ،‬مثكل البلغاكة‬
‫والدب والفلسفة والقانون والتاريخ والموسيقى‪ ،‬ويشرح بعضا مما ورد فى كتبهككم‪،‬‬
‫ورأى ان دراسة هذه العلوم تمهد لدراسة السفار المقدسة وفهمها‪ ،‬وأوصككاهم بككأن‬
‫يقبلوا على دراسة كل ما يؤدى إلى الحق والفضيلة‪ ،‬وأن يتجنبوا كل مككا يفيككه كككذب‬
‫وتزوير وشر‪ ،‬ونراه فى ذلك يتفق فى أرائه مككع أراء جميككع ابككاء الكنيسككة الخريككن‪،‬‬
‫ومع اكليمنضس خاصة)‪. (1‬‬

‫يتضح مما سبق أن المسيحية لم تهمل أمور العلم والدراسكة‪ ،‬بكل اهتمكت‬
‫بها وحثت أبناءهكا عليهكا‪ ،‬ونكادى علمكاء الكنيسكة الولكى بضكرورة التعلكم والبحكث‬
‫فكككى العلكككوم الكككتي ككككانت توجكككد فكككي عصكككرهم‪ ،‬ولسكككيما العلكككوم الفلسكككفية بكككاختلف‬
‫أنواعهكا‪ ،‬وصككنعوا كككثي نار مككن أوجكه التفككاق بيكن مبككادئ الفلسككفات الوثنيكة ومبككادئ‬
‫الفلسكككفة المسكككيحية‪ ،‬واسكككتطاعوا أن يطوعكككوا الفلسكككفة لخدمكككة الكككدين‪ ،‬وقكككد سكككار‬
‫باسيليوس على النهج نفسه وأقبل منذ صغره على تعلم العلوم العامة‪.‬‬

‫وبعكد ان عرفنكا موقكف المس يحية مكن التعليكم والعلكوم الكتى ككانت تكدرس‬
‫فى هذا العصر‪،‬علينا ايضا ان نعطى فكره سريعة عن ملمح العملية التعليمية فككى‬
‫زمككن باسككيليوس‪ ،‬وفككى البدايككة نتحككدث عككن صككفة التعليككم الككذي كككان علككى الفككرد‬
‫الشرقى‪ ،‬مثل باسيليوس وغايره أن يتقبله في بدايات التاريخ البيزنطي فكان تعلينما‬
‫صا لغة وثقافة وفنككا؛ لن قيكام القسككطنطينية فكي محيكط يونكاني شككرقى‪،‬‬
‫يوناننيا خال ن‬
‫جعلهككا تتجككه بحضكارتها وجهكة يونانيكة شككرقية‪ ،‬وخاصكة أن فنكون وآداب وحضكارة‬
‫العككالم اليونككاني كككانت مككاتزال قائمككة فككي مككدن مثككل مصككر وسككوريا وآسككيا الصككغرى‬

‫‪1‬‬
‫القديس باسيليوس الكبير‪ :‬رسالة الى الشباب‪ ,‬ترجمة ناجى اسحق‪ ،‬تقديم نيافة )‪(2‬‬
‫النبا موسى اسقف الشباب‪ ،‬الطبعة الولى ) القاهرة ‪:‬مكتبة اسقفية الشباب‪(1994,،‬‬
‫ص ‪31 -24‬‬
‫‪36‬‬
‫وبلد اليونان‪ ،‬ولم تفلح جهود الرومككان الككذين كككانوا يسككيطرون علككى هككذه القطككار‬
‫في تحويلهم إلى اللغكة والحضكارة اللتينيكة‪ ،‬وقكد أخكذت القسكطنطينية عكن الشكرق‬
‫اليونككاني اللغككة والدب واللهككوت والعقيككدة المسككيحية‪ ،‬ومككن ثككم لككم يكككن عليهككا أن‬
‫تبنى من جديد كما فعلت بعض الممالك الغربية الصغرى)‪.(1‬‬

‫وكان الحصول على قسط وافر من التعليم يعد المثل العلى لكككل بيزنطككي‪،‬‬
‫على القل لمككن يسكتطيع تحمكل مصكروفاته ممككن ينتمككي إلككى الطبقككات الجتماعيكة‬
‫العليككا أو الوسككطى‪ ،‬وكككان الككبيزنطيون يعككدون عككدم التعليككم نكبككة وعجكك از وجريمككة‬
‫كبيرة‪ ،‬وكان الجهال يتلقون كككثي نار مككن السككخرية والتهكككم )‪ .(2‬لكككن ليككس معنككى هككذا‬
‫أن التعليككم كككان مقصككونار علككى أبنككاء الثريككاء فقككط‪ ،‬بككل إن أبنككاء الطبقككة الوسككطى‬
‫الذين لم يستطيعوا تحمكل مصكروفاته وأبنكاء الطبقكة الفقيكرة ككانوا يتلقكون تعليمهكم‬
‫ضكككا فكككي مكككدارس ككككان يؤسسكككها بعكككض الموسكككرين لهكككذا الغكككرض‪ ،‬وككككذلك فكككي‬
‫أي ن‬
‫المدارس التي كانت تلحق بالكنائس والديككرة‪ ،‬إوان كككانت هكذه المكدارس قكد أهتمكت‬
‫بالتعليم الكديني الكذي يخكدم مصكالح الكنيسكة فكى المقكام الول أككثر مكن أي شكىء‬
‫آخر)‪.(3‬‬

‫‪ (1)1‬زبيده عطا‪ :‬الدولة البيزنطية من قسطنطين إلى أنستاسيوس )جامعةالمنيا‪:‬‬


‫دار الفكر العربي‪ ،‬د‪.‬ت( ص ‪29 ،28‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Steven Runciman, Byzantine Civilization, (London, 1933), p.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪223; Robert Byron, The Byzantine Achievement, (London, 1929),‬‬
‫;‪p. 204, 231‬‬
‫سككككعيد عبككككد الفتككككاح عاشككككور‪ :‬محاضككككرات فككككي تاريككككخ المبراطوريككككة‬
‫البيزنطية) بيروت‪ :‬جامعة الدول العربية‪ (1974 ،‬ص ‪.257‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Runciman, op.cit., p. 226.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪37‬‬
‫وكان الطفال يبدأون حياتهم التعليمية بتلقككى العلككوم العامككة‪ ،‬وأول العلككوم‬
‫التي يبدأون تعلمها الجرومية بفروعها المتعددة‪ ،‬ويبدأون د ارسككتها بتعلككم القككراءة‬
‫والكتابة‪ ،‬ثم يدرسون قواعد اللغة‪ ،‬وبعدها يتكدرجون فككي دراسكة الدب الكلسككيكى‪،‬‬
‫وكككانت أهككم الكتككب الدبيككة الككتي تككدرس لهككم فككي هككذه المرحلككة كتككاب هككوميروس‬
‫‪ ،Homer‬وكانوا يحفظكونه عكن ظهكر قلب)‪ .(1‬ويتفكق هكؤلء المؤرخكون علكى أن‬
‫هوميروس ككان يكأتي قبككل الكتكاب المقككدس مصككد نار أساسكنيا للقتباسككات والشكارات‬
‫فككي الدب الككبيزنطى‪ ،‬ويعككد الكتككاب المقككدس للككبيزنطيين)‪ ،(2‬وان كككان يلحككظ وجككود‬
‫بعكككض الختلف فكككى هكككذه المعلومكككة‪ ،‬ويبكككدوا أن التعكككبير الصكككحيح لهكككا هكككو أن‬
‫هوميروس ككان يكأتي قبككل الكتكاب المقككدس مصككد نار أساسكنيا للقتباسككات والشكارات‬
‫فيما قبكل العصككر الكبيزنطى‪ ،‬وانكه عككد الكتكاب المقككدس لليونكانيين فكى ذلككك الككوقت‪،‬‬
‫أنما فى العصر البيزنطى كان النجيكل هككو الكتككاب المقكدس للككبيزنطيين‪ ،‬والمصكدر‬
‫الساسككى للقتباسككات والشككارات؛ وذلككك لن كككثير مككن العلمككاء الككذين اثككروا الدب‬
‫البيزنطى المبكر والمتأخر مسيحيون‪ ،‬ويعتمدون فى ادبهم على نصككوص ووصككايا‬
‫الكتاب المقدس بالدرجة الولى‪.‬‬

‫أما عن منهكج التعليكم فكى ذلكك الكوقت فككان يعتمكد علكى أن المكدرس يعلكم‬
‫الطفال عن طريق قراءتككه لبعككض النصككوص المختلفككة مككن كتككب الدب‪ ،‬ثككم يختككار‬
‫منهكا بعكض العبكارات ويقكوم بإعرابهكا وتحليلهكا ويفسكر كلماتهكا الصكعبة والغريبكة‪،‬‬
‫ويكككدرس اشكككتقاقاتها الصكككرفية‪ ،‬ويوضكككح المعنكككى الكككذي يقصكككده الككككاتب‪ ،‬ويعكككرف‬
‫الطلب بقيمتكككه الدبيكككة‪ ،‬وككككانت المعكككاجم والقكككواميس وكتكككب التفاسكككير تسكككتخدم‬

‫‪1‬‬
‫‪Aug.op.cit.,I,6.; Runciman, op.cit., pp. 298, 231.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪2‬‬
‫;‪Runciman, op.cit., pp. 223-224.; Alice Gardner, op.cit., p35.‬‬
‫بينز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪195 ،194‬؛ تشارلز وورث‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص )‪(3‬‬
‫‪121‬‬
‫‪38‬‬
‫للمسككاعدة فككي فهككم ذلككك‪ ،‬وعنككدما ينتهككى المككدرس مككن المناهككج الد ارسككية يضككع‬
‫اختبككار للطلبككة‪ ،‬وقككد عككثر علككى أحككد نمككاذج المتحانككات وجككرى فيككه الختبككار مككن‬
‫هوميروس على هيئة السؤال والجواب على النحو التالي‪:‬‬

‫س‪ :‬ممنن هو والد هكتور؟‬


‫ج‪ :‬فريام‪.‬‬
‫س‪ :‬ما اسم أخويه؟‬
‫ج‪ :‬إسكندر وديفوس‪.‬‬
‫س‪ :‬ما اسم امه؟‬
‫ج‪ :‬هكابه‪.‬‬
‫س‪ :‬كيف عرفت ذلك؟‬
‫ج‪ :‬من هوميروس)‪.(1‬‬

‫وكانت العائلت الثرية تلقى مسئولية الطفل على عككاتق مكرب خكاص‬
‫يطلق عليه باداجوجي ‪ Padagogue‬يقيم مع الطفل بالمنزل‪ ،‬وتكون وظيفتككه‬
‫ملزمة الطفل ومراقبتة في أي مكان يذهب إلي ه حكتى إلكى المدرسكة‪ ،‬ويسكتذكر‬
‫له دروسه‪ ،‬وكان كثير من الباء يتركون مهمة تربية أبنائهم كلها على عككاتق‬
‫المربككي‪ ،‬ومككع ذلككك لككم يكونككوا يبككذلون عنايككة كافيككة فككي اختيككار شككخص كفككء‬
‫يتولى هذه المهمة)‪.(2‬‬

‫وبالنسبة إلى المعلمون في هذا العصر فكانوا ل يس تقرون فكي مككان‬


‫واحد‪ ،‬بل كانوا دائنما ما ينتقلون مكن مككان إلكى آخكر‪ ،‬ومكن مدينكة إلكى أخكرى؛‬

‫‪ ()1‬ننقل عن‪ :‬بينز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪196-194‬؛ تشارلز ورث‪ :‬مرجككع سككابق‪ ،‬نفككس‬
‫الصفحة‪.‬‬
‫‪.Gr.‬‬ ‫‪Niss.‬‬ ‫;‪MAC.,p.21.‬‬ ‫‪Aug.,op.cit.,I,14.,IX,10()2‬‬
‫بيز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪194‬؛ ول ديورانت‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬مجلد ‪ ،5‬ج ‪ ،10‬ص ‪.310‬‬
‫‪39‬‬
‫لنه لم يكن يوجد مكدارس ترعاهكا الجهكات الحكوميكة‪ ،‬ويكدفع لمدرسكيها رواتكب‬
‫دورية إل في حدود ضيقة‪ ،‬وكان أغالب المعلمين يتعايشون على ما يتقاضونه‬
‫من أموال يدفعها لهم أهل الطلب نظير تعليم أولدهم‪ ،‬وتبنعأ لذلك كان الطلب‬
‫يتنقلون وراء معلميهم إلى أي مكككان يككذهبون إليكه)‪ ،(1‬ويمكككن أن نختصككر ذلككك‬
‫في القول حيثما وجد المعلم وجد الطلب والمدرسة‪.‬‬

‫وككككككان الطلب يجتمعكككككون حكككككول المعلكككككم ويجلسكككككون علكككككى مقاعكككككد‬


‫منخفضكككة‪ ،‬فكككى حيكككن ككككان يجلكككس هكككو علكككى منضكككدة عاليكككة)‪ ،(2‬وككككان المعلكككم‬
‫يسككتخدم عككدة كتككب أدبيككة لدبككاء اليونككان القككدماء ليككدرس للطلب منهككا‪ ،‬ويبككدأ‬
‫الطككالب بد ارسككة البلغاكة عككن طريكق قكراءة نصككوص مختككارة مكن هككذه المؤلفككات‬
‫بصكوت مرتفكع‪ ،‬ويحكرص علككى تفهككم مككا يقككرأه فهنمككا جيكندا‪ ،‬لن القكراءة بصكوت‬
‫ضكككا علكككى تنغيككم‬
‫عكككال تسككاعد علككى تقككويم الصككوت‪ ،‬وكككان الطكككالب يحككرص أي ن‬
‫الخطككب أككثر ممكا يحككرص علكى أداء مكا يقكوله أداء حسكننا‪ ،‬وعنكدما ينجكح فككي‬
‫هككذا التمريككن التمهيككدي ينتقككل إلككى مرحلككة متقدمككة بالتككدربيب علككى التمككارين‬
‫الكتابيككة‪ ،‬وفيهككا يقككرء المعلككم نموذنجككا لقطعككة نثريككة بسككيطة بصككوت مرتفككع‪ ،‬ثككم‬
‫يجعل طلبه ينشدون نماذج على مثاله‪ ،‬ويتدرج معهم في المستويات البلغاية‬
‫العالية حتى يستطيعوا إنشاء قطع نثرية متكلفكة تظهكر فيهكا قكدراتهم البلغايكة؛‬
‫كالكتابة عن حكمككة مكأثورة‪ ،‬أو تنكاول بعكض الشخصكيات التاريخيكة بالمككدح أو‬

‫‪1‬‬
‫‪.Bas.,Ep.1.; Aug.,op.cit.,II,2,3.III,1.IV,3.V,6,10‬‬ ‫)(‬
‫بينز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪199‬؛ ول ديورانت‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مجلد ‪ ،5‬ج ‪ ،10‬ص‬
‫‪.311‬‬
‫‪Runciman, loc.cit.; Alice Gardner, op.cit., pp. 52, 53.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( بينز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪199‬؛‬
‫‪Alice Gardner, op.cit., p. 52.‬‬
‫‪40‬‬
‫الذم والمقارنة بينهما‪ ،‬أو يدخلون فكي جكدال حكول بعكض القضكايا‪ ،‬مثكل قض ية‬
‫الموت والحياة والزواج وغاير ذلك من القضايا)‪.(1‬‬

‫ضككا أن يعطككي للطلب د ارسككة مفصككلة عككن فككن‬‫وكككان علككى المعلككم أي ن‬


‫كتابة الرسائل‪ ،‬لن كثي نار من ثقافة هذا العصر تركزت في هذا الفككن‪ ،‬وهككي تعككد‬
‫أوفككر فككروع الدب النككثري فككي العصككر الككبيزنطى‪ ،‬وقككد وصككلنا منهككا مجموعككات‬
‫كثيرة تخص شخصيات ذات وظائف متنوعككة مككا بيكن أبككاطرة وسياسككيين ورجككال‬
‫ديككن‪ ،‬ومثككال ذلككك المجموعككات الككوافرة للقككديس باسككيليوس وأخيككه غاريغوريككوس‬
‫النيسككى وصككديقهما غاريغوريككوس النزينككزى‪ ،‬وكككانت تعالككج موضككوعات كككثيرة‪،‬‬
‫منهككا مككا يختككص بالشككئون السياسككية والداريككة والدينيككة والجتماعيككة‪ ،‬كرسككائل‬
‫التهكككاني والتعزيكككة والنصكككح والتوبيكككخ‪ ،‬وككككان لبكككد للرسكككالة أن تكككبرز شخصكككية‬
‫كاتبهككا‪ ،‬وأن تكككون قصككيرة‪ ،‬ومصككاغاة بأسككلوب لغككوي صككاف‪ ،‬وأن تحتككوى علككى‬
‫تراكيب لغوية بسيطة وسهلة‪ ،‬وأن يكثر فيها المثال والقوال المأثورة)‪.(2‬‬

‫أما السنة الدراسية فكانت تبدأ في الخريف وتستمر حتى بدايكة فصككل‬
‫الصيف‪ ،‬ثم يتبعها العطلة الصيفية وتستمر أربعة أشهر‪ ،‬ويبككدأ اليككوم الد ارسككي‬
‫من الصكباح وينتهكي عنكد منتصكف النهكار‪ ،‬كمكا ككان الطلب الكبكار يحضكرون‬
‫دروسكككهم بعكككد الظهكككر‪ .‬وعكككدت أيكككام العيكككاد الرسكككمية وأعيكككاد البكككاطرة إجكككازات‬
‫رسمية للطلب‪ ،‬و يقضى الطلب وقت فراغاهم فى التردد باستمرار على حلبات‬
‫المصكككارعة ليشكككاهدوا عروضكككها الشرسكككة‪ ،‬وعلكككى المسكككارح العامكككة لمشكككاهدة‬
‫العروض الفنية الممتعة ويخصص أيام للخطابة على فترات متقاربة يلقى فيهككا‬

‫‪1‬‬
‫;‪.III.4,5.‬‬ ‫)( ‪I.5,7,8,,12,13, ,op.cit. Aug‬‬
‫بينز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.198,197‬‬
‫‪;.Runciman,op.cit.,p.248(1)2‬‬
‫بينز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪198‬؛ سعيد عبد الفتاح عاشور‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.267‬‬
‫‪41‬‬
‫الكفكككاء مكككن المدرسكككين والطلب نمكككاذج خطابيكككة‪ ،‬ويكككدعى لحضكككورها الهكككل‬
‫والصدقاء)‪.(1‬‬

‫وقككد أخككذ علككى الطلب فككي هككذا العصككر بعككض السككلوكيات الخاطئككة‪،‬‬
‫ومنها‪ :‬عدم خضوعهم للنظام والترتيب في حضورهم لتلقى دروسككهم؛ وبعضككهم‬
‫كان يتكاسل عن حضور دروسه أو يتأخر عنهككا‪ ،‬وكككان البعككض يتخلفككون عككن‬
‫حضككور الككدروس فككي مواعيككدها المحككددة ويقفككون خككارج مكككان إلقككاء الككدرس‬
‫ويغنون؛ وكثي نار ماكانوا يتهامسون أثناء الككدرس متحككدثين عككن سككائقي العربككات‬
‫والخيكككككول والراقصكككككين‪ ،‬أو يصكككككفقون للمعلكككككم فكككككي غايكككككر موضكككككع التصكككككفيق‪،‬‬
‫ضككا بككالكتب والحجككارة‪ ،‬ويتجككاوزون الحككدود‬
‫ويتشاجرون كثي نار ويقذف بعضهم بع ن‬
‫حين يلقون أحد المربين على بساط‪ ،‬ثكم يأخكذون فكي قكذفه إلكى أعلكى وتلقيكه‪،‬‬
‫وكانوا في بعض مشاجراتهم يذهبون إلى المحاكم لتفصل بينهككم‪ ،‬فكككان الطككالب‬
‫البليككغ يسككتطيع تضككليل المحكمككة بفضككل بلغاتككه العاليككة ويحصككل علككى الككبراءة‬
‫حتى ولو كان مذننبا‪ ،‬أما الطالب الذي ل يملك قدرات بلغاية عالية فككان عيدان‬
‫حككتى إوان كككان برينئككا‪ ،‬وكككان المعلككم أحيانككا يعككاقب تلميككذه المهمليككن بالضككرب‪،‬‬
‫ولكنكه ككان يخكاف أن يسكرف فكي عقكابهم خونفكا مكن أن يهجكروه إلكى منافسكه‪،‬‬
‫فيخسككر المككوارد الماليككة الككتي يعيككش عليهككا‪ ،‬وكككثي نار مككا كككانوا يهملككون دروسككهم‬
‫ويككذهبون إلككى المسككارح العامككة لمشككاهدة العككروض الفنيككة الممتعككة والروايككات‬
‫التمثيلية الخليعة‪،‬او يلعبون بالكرة‪ ،‬لكن البكاء ككانوا يس تطيعون تكوجيه العديكد‬
‫من أنكواع العقكاب الفعالكة إلكى أبنكائهم المخطئيكن‪ ،‬ومنهكا‪ :‬حرمكانهم مكن تنكاول‬
‫وجبات العشاء‪ ،‬أو من الذهاب إلى الحمامات العامة حكتى ل يس تطيعوا مقابلكة‬
‫أصدقائهم‪ ،‬أو من الذهاب إلى حلبات مصارعة الوحوش‪ ،‬أو مشاهدة العروض‬

‫‪.Aug.op.cit.,I,12‬‬ ‫‪()1‬‬
‫بينز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.200 ،199‬‬
‫‪42‬‬
‫الفنية)‪.(1‬‬

‫هككذه صككورة عامككة لملمككح النظككام التعليمككي الككذي كككان يسككير عليككه‬
‫طلب العلككم فككي وقككت باسككيليوس‪ ،‬وهككو النظككام الككذي سككار عليككه باسككيليوس‬
‫ضكككا‪ ،‬تحكككدثنا فيهكككا عكككن أهميكككة العلكككم ونظكككرة المجتمكككع لكككه‪ ،‬وعكككن المعلميكككن‬
‫أي ن‬
‫والمربييككن والطلب الغانيككاء والفقككراء وأهككم المناهككج الككتى كككانت تككدرس وبعككض‬
‫طرق التدريس‪ ،‬واوردنا فيها نموذج لختبارالطلب‪.‬‬

‫أمككا عككن المسككيرة التعليميككة لباسككيليوس‪ ،‬فالمصككادر تخبرنككا أنككه فككي بدايككة‬
‫مسيرته العلمية فى مرحلة الطفولة لم يكن يحتاج إلى مرنب خاص يتعهده‪ ،‬ول‬
‫إلى الذهاب إلى المدرسة للتعلم‪ ،‬بل تلقى العلم على يد والده المعلككم المشككهور‬
‫في ولية بنطس الذي اهتم كثي نار بتربية ابنه وتعليمه بنفسه‪ ،‬ولم يكن اهتمامه‬
‫بتربيتة يشغله عن اهتمامه بتعليمه‪ ،‬بل كان قاد نار أن يلئم بين الجانبين دون‬
‫أن يتسككبب الهتمككام بأحككدهما فككى خسككارة الخككر‪ ،‬فلقنككه مبككادئ العلككوم العامككة‬
‫بجانب حرصه على تربيته تربية سليمة‪ ،‬فكان عقله وحياته تنميككان منعككا‪ ،‬وفككي‬
‫الجانب الخر كان باسيليوس يحيط بوالده عن قرب‪ ،‬ويستجيب بسرعة لكل ما‬
‫يغرسه فيه)‪.(2‬‬

‫هككككذا اجتهكككد الب ككككثي نار فكككي تعليكككم ابنكككه باسكككيليوس مبكككادئ العلكككوم‬
‫الدبية منذ صغره‪ ،‬لكككي يعككده لتلقككى تعليككم يونككاني رفيككع‪ ،‬وبعككد ذلككك أراد لككه أن‬
‫يتعمكككق فكككي د ارسكككة الدب اليونكككاني الكككذي ورثتكككه المبراطوريكككة البيزنطيكككة عكككن‬
‫أسلفها اليونان؛ لنه هو الذي يمهككد الشككخص للعمككل فككي الوظككائف الحكوميككة‬

‫‪1‬‬
‫‪Aug.op.cit., I,5,7,14.II,1,2.III 1,2.IV,2.V,6,10.VI,7; Gardner,‬‬ ‫)(‬
‫‪op.cit., pp. 56, 57.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Gr. Naz ., Or. 43 , Ch. 12 .‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪43‬‬
‫والعامككة‪ ،‬وهككو الككذي يهيككئ الكككاتب أو الخطيككب لتقككديم عملككه فككي صككورة لئقككة‬
‫ومتناسككقة‪ ،‬ويكسككب الفككرد الشككهرة والككثروة‪ ،‬وقككد لقككى المؤلفككون الككذين يفتقككدون‬
‫أصول البلغاة الستياء مككن جميككع فئككات الشككعب الككبيزنطي)‪ ،(1‬ومككا كككان يتميككز‬
‫بككه البككن منككذ صككغره بصككفات طيبككة مثككل الككذكاء القككوي وسككرعة البيهككة ومحبككة‬
‫العلم والشغف به والجتهاد في تحصيله‪ ،‬حتى إنه كان في محبتكه للعلكم يشكبه‬
‫النحلة النشطة التي تنتقل بين الزهور بخفة لتجمع غاذاءها وتصنع منه عسككلن‬
‫شهييا)‪ ،(2‬كل هذه الصفات الطيبة تفطن لها والده وأخذ يعمل علككى تنميتهككا فككي‬
‫ابنكككه‪ ،‬ويكككدفعه إلكككى السكككفر والتنقكككل بيكككن عواصكككم الوليكككات البيزنطيكككة ومكككدنها‬
‫الشهيرة التي تشتهر بمدارسكها العلميكة ليكدرس علكى أيكدي علمائهكا ومدرسكيها‬
‫ذائعي الصيت‪.‬‬

‫وكككانت المدينككة الولككى الككتي قصككدها الب لكككي يسككافر إليهككا البككن‬
‫ويتعلم في مدارسها هي مدينة قيصككرية كبادوكيككا الكتي كككانت تشكتهر بمدارسككها‬
‫الدبيكة الكككبيرة فكي ذلككك الككوقت‪ ،‬وقككد تعلككم فيهكا رجككال اشكتهروا بعمككق معككارفهم‬
‫الدبيككة‪ ،‬وفككي عصككر باسككيليوس بلغككت شككهرتها هككذه حككندا كككبينرا‪ ،‬وهككو مككا دفككع‬
‫غاريغوريوس النيزينزي أن يقول عنها‪:‬‬

‫» ‪ ...‬قصد باسيليوس مدينككة قيصككرية لكككي يأخككذ مكككانه‬


‫فككي مدارسككها‪ ،‬أقصككد مككدينتنا المعروفككة هككذه‪ ،‬لنهككا هككي الككتي‬
‫أرشككدتني وعلمتنككي‪ ،‬المدينككة الولككى فككي د ارسككة الدب‪ ،‬وهككي ل‬
‫تقل عن باقي المدن الخرى في ذلك‪ ،‬بل تتفككوق عليهككا جمينعككا‪،‬‬
‫إواذا قام أحد و نزع منها قوتهككا الدبيككة فقككد سكرق منهككا أجمكل‬

‫‪1‬‬
‫)(‪. Aug . op. cit . I , 5‬‬
‫‪.Gr. Naz., Or. 43, Ch. 13‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫‪44‬‬
‫وأشهر ما تتميز به‪ ،‬وغايرها من المدن يتفككاخر بمظككاهر جماليككة‬
‫أخرى قديمة أو حديثة بما يوصف أو يرى فيها‪ ،‬إنما الدب هككو‬
‫الذي يميز مككدينتنا‪ ،‬وهكو دليلنكا وشكارتنا‪ ،‬وهككى تشكتهر بكه اككثر‬
‫من شهرتها في قوتها العسكرية ‪.(1)« ...‬‬

‫إن باسيليوس حين سككافر إلككى قيصكرية ليكدرس فيهككا الدب كككان فككي‬
‫الرابعككة عشككرة أو الخامسككة عشككرة مككن عمككره؛ لن د ارسككة العلككوم الدبيككة كككانت‬
‫تقرر على الشخص حين يبلغ هذا العمر)‪ ،(2‬وهذا يتفق مع ما حدده هو نفسككه‬
‫ببدء المرحلة الثانية من عمر النسان حتى يصل إلى سن البلوغ عندما يصككل‬
‫إلككى الرابعككة عشككرة مككن عمككره‪ ،‬وتسككتمر حككتى يبلككغ مككن العمككر واحككندا وعشككرين‬
‫عانما‪ .‬ومعنى هذا أنه بلغ قيصرية فى ما بين عككامى ‪ 343‬و ‪344‬م‪ ،‬وغاادرهككا‬
‫بين عامى ‪ 350‬و ‪ 351‬م تقرينبا‪.‬‬

‫ومككا تمتككع بككه باسكيليوس مككن أخلق طيبككة واسككتقامة وتككدين جعلككه‬
‫يتجنكب مشكاركة الطلب المشكاغابين وأصكحاب السكلوك السكىء مكن زملئكه فكي‬
‫الدراسة‪ ،‬كما أن بنيته الجسمية الضعيفة لم تكن تمكنه من ذلك إذ أصيب فككي‬
‫سكككنوات عمكككره المبككككرة بمكككرض الحمكككى‪ ،‬وككككاد يمكككوت‪ ،‬لكككول أن الككك أنقكككذه مكككن‬
‫المككوت)‪ ،(3‬ولكككن كككان دائنمككا مككا يعككاني مككن مهاجمككة هككذا المككرض لككه‪ ،‬وهككو مككا‬

‫‪1‬‬
‫‪Gr. Naz., Or. 43, Ch.‬‬ ‫)(‬
‫‪13‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Runciman, op.cit., p..‬‬ ‫)(‬
‫‪22‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Gr. Niss, On Basil,p.125.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪45‬‬
‫تسككبب فككي ضككعف صككحته)‪ ،(1‬كمككا أن مككا تمتككع بككه مككن رغابككة فككي تلقككي العلككم‬
‫والنشاط في تحصيله جعله يلتزم في حضور دروسه في أوقاتهككا المحككددة دون‬
‫تككككأخير أو كسككككل‪ ،‬ودون أن يضككككيع وقتككككه فككككي مشككككاهدة مصككككارعة الوحككككوش‬
‫والعروض الفنية‪ .‬ول يوجد شك فككي أن طالنبككا مثككل باسكيليوس يتمتككع بكككل هككذه‬
‫الصفات الطيبة يجعل قلوب معلميه تسر بككه كمككا سككرت بككه قلككوب أفككراد عككائلته‬
‫مككن قبككل‪ ،‬ويجعلهككم يعطككونه كككل مككا يملكككون مككن علككم طيككب‪ ،‬ويجعككل معلميككه‬
‫يتمتعون بتعليمه كما تمتعت عائلته بتربيته)‪.(2‬‬

‫ويبدو أن ما تلقاه باسيليوس من مبادئ العلوم العامة علكى يكد والكده‬


‫مككن قبككل سككاعده فككي تحصككيل علككومه فككي قيصككرية‪ ،‬وجعلككه يحككوز علككى تفككوق‬
‫كبير فيها‪ ،‬وشهد على ذلك أخوه الذي شككبه تفككوقه فككي تحصككيل العلككوم بتفككوق‬
‫موسككى النكبيي فككي صكباه الكذي تعلكم ككل حكمكة المصكريين‪ ،‬وبالمثككل باسكيليوس‬
‫ضككا علككى‬ ‫)‪(3‬‬
‫الذي تفوق في تعلمه لحكمة اليونككانيين ‪ ،‬كمككا أن معلميككه شككهدوا أي ن‬
‫تفككوقه بقككولهم إنككه كككان يسككعى لكككي يلحككق بهككم فككي مسككتواهم العلمككى‪ ،‬وكككان‬
‫يجتهككد أكككثر مككن جميككع زمل ئككه فككي تحصكيل كككل نككوع مككن أنككواع الدب‪ ،‬وعككدوه‬
‫خطينبككا وفيلسككونفا بيككن الخطبككاء والفلسككفة قبككل أن يصككل إلككى درجككة خطيككب أو‬
‫فيلسوف)‪.(4‬‬

‫بالرغام مككن اهتمككامه الككبير بتحصكيل العلكم‪ ،‬فككإن ذلكك لكم يكدفعه إلكى‬

‫‪1‬‬
‫‪Bas. Ep. 1, 27, 137, 141, 232.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Gr. Naz, Or. 43, Ch. 13.‬‬
‫)‪(4‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Gr. Niss, On Basil,p.126.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Gr. Naz., Or. 43, Ch. 13‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪46‬‬
‫إهمال عبادته ولم تستطع عاصكمة ككبيرة مثكل قيصكرية أن تجكذبه فكي ملهيهكا‬
‫ومسارحها وصخبها‪ ،‬وتلهيه عن مواصلة د ارسككاته‪ ،‬وعككن تعلقككه بعبككادة خككالقه‪،‬‬
‫فظككل يككدرس ويتعبككد فككي وقككت واحككد‪ ،‬ولككم يككترك اهتمككامه بالد ارسككة يشككغله عككن‬
‫ممارسة وسائل العبكادة‪ ،‬وكككان يعكرف كيكف يعطكي للدراسكة حقهككا وكيكف يعطككي‬
‫الكك حق ه‪ ،‬وعبنثكا حكاول مخكالفو العقيكدة والمهرطقكون الكذين يك ثر وجكودهم فكي‬
‫مثككل هككذه المدينككة أن يشككككوه فككي عقيككدته إوايمككانه الككذي اسككتقاه مككن جككدته‬
‫المكرمة ماكرينا ووالديه منككذ أن كككان طفلن صككغي نار)‪ ،(1‬ومككن المظككاهر الككتي تككدل‬
‫علككى اهتمككامه بككأمور العبككادة فككي هككذا الككوقت إعجككابه الشككديد بأسككقف المدينككة‬
‫الذي يدعى ديانوس ‪ ،Dianius‬وقد أخذ يعدد جملة من الصفات الطيبة التي‬
‫كان يتمتع بها هذا السقف ويقول‪:‬‬

‫» ما أزال أتذكر عن هذا الرجل أنه كان مستقيم العقيدة‪،‬‬


‫وأننككي فككي سككنوات عمككري الولككى تربيككت علككى محبتككة‪ ،‬وأعجبككت‬
‫جككندا بتقككواه وجلل كرامتككه‪ ،‬فقككد كككان مبجلن حقنككا‪ ،‬وعنككدما بككدأت‬
‫أكبر بكدأت أعرفكه مككن خلل صكفاته الروحيككة السككامية‪ ،‬وأدخلكت‬
‫نفسككي مسككرونار فككي شككركته‪ ،‬وأخككذت أتعلككم‪ ،‬ولكككن بالتدريككج مككن‬
‫بسكككاطة وشكككرف ون ازهكككة صكككفاته وجكككودة م ازيكككاه وسكككمو روحكككه‬
‫وشككجاعته المملككوءة بالوداعككة واللطككف وحسككن سككلوكه‪ ،‬وقككدرته‬
‫علككى التحكككم فككي أفعككاله‪ ،‬وبشاشككته المتألقككة ولطفككه الممككتزجين‬
‫بهيبة ووقار‪ ،‬من أجل هذا كله أحسكبه رجلن بيكن هككؤلء الرجككال‬
‫المشهورين بصفاتهم السامية‪«(2).‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Bas, Ep. 223.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Bas., Ep. 51.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪47‬‬
‫كما أن الناس في قيصرية من قادتهككا ومقككدميها والعامككة كككانوا يعجبككون‬
‫مككن سككمو أخلقككه وحسككن سككلوكه وتككدينه وتقككواه بجككانب تقككديرهم لعقلككه ال ارجككح‬
‫واجتهككاده فككي تحصككيل العلككم‪ ،‬ونظككروا إليككه نظككرة فخككر إواجلل حككتى إنهككم دعككوه‬
‫كاهننا بين الكهنة من رجال الككدين المسككيحي قبككل أن يصككير كاهنككا)‪ ،(1‬ويبككدو أن‬
‫ميوله نحكو سككلوك حيككاة النسكك قككد ظهكرت عنككده فككي هكذا الكوقت‪ ،‬ويشكهد علكى‬
‫ذلككك شككدة تقككواه وتككدينه‪ ،‬وحرصككه علككى أن يوفككق بيككن مككا يدرسككه مككع عقيككدته‬
‫وقصده لسلوك حياة النسك‪.‬‬

‫ومن أشهر أصدقاء باسيليوس في هذه المدينة غاريغوريوس النيزينزي‬


‫إحككدى مككدن وليككة‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪ ،‬ومعنى اسمه الجميككل أو الحسككن‪ ،‬ولككد فككي مدينككة نيزينكك از‬
‫كبادوكيككككا فككككي حككككوالى عككككام ‪330‬م‪ .‬وكككككان لككككه أخ وحيككككد يككككدعى كيسككككاريوس‬
‫‪ ،Caesarius‬وتولى منصنبا عالنيا رفينعا في المبراطوريكة‪ ،‬ومككات مبككنرا‪ ،‬وكككان‬
‫لككه أخككت واحككدة تككدعى غارغاونيككة اى الجميلككة‪ ،‬عاشككت حيككاة تقيككة وتككوفيت هككي‬
‫الخرى في زهرة شبابها‪ ،‬وأصكبح غاريغوريكوس بعكد وفاتهكا وحيكندا دون أخكوة أو‬
‫أخككوات‪ ،‬وأخككذ يعككزي نفسككه بخدمككة والككديه فككي شككيخوختهما‪ ،‬وسككاعد والككده فككي‬
‫رعاية شعب المدينة‪ ،‬وشككارك باسكيليوس فككترة مككن الككوقت فككي ديككره ببنطككس‪ ،‬ثككم‬

‫‪1‬‬
‫‪Gr. Naz., Or. 43, Ch. 13.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪ ()2‬نيزنيزا‪ :‬تقع فكي الجكزء الجنكوبي الغربكي م ن كبادوكي ا‪ ،‬وجنكوب غاكرب مدين ة قيسكارية‬
‫ما ازكككا‪ ،‬علككى الطريككق المككؤدي إلككى مدينككة تيانككا فككي الجنككوب‪ ،‬وتبعككد نحككو ‪ 24‬ميككل شككرق‬
‫مدينة أرشيلس ‪ .Archelais‬وكانت محطة تجارية للطرق الرومانية في آسيا الصغرى‪،‬‬
‫أطلككككق عليهككككا الرومككككان اسككككم ‪ ،Diocaesareia‬وسككككماها الككككبيزنطيون ‪Anathiang,‬‬
‫‪ .Nantianulus, Nazinzus, Nazianzs‬واسمها الن ‪.Nenizi‬‬
‫للمزيد من التفاصيل عن هذه المدينة راجع ‪:‬‬
‫‪Ramsay, op.cit., p. 285.‬‬
‫‪48‬‬
‫رسككم أسككقنفا علككى مدينككة القسككطنطينية‪ ،‬واهتككم كككثي نار بمحاربككة البككدع والهرطقككات‬
‫والحفاظ على سلمة العقيدة ‪ ،‬ثم توفى في عام ‪ 390‬تقريبا)‪.(1‬‬

‫وتشككير المصككادر إلككى أنككه كككان يعككرف هككذه المدينككة إذ إنككه زارهككا فككي‬
‫صككباه وتعلككم فككي مدارسككها)‪ ،(2‬كمككا أنككه يككذكر أنككه وصككديقه باسكيليوس يشكبهان‬
‫جدولين نبعا من نهر واحد‪ ،‬ثم افترقا بعكد ذلكك)‪ ،(3‬وفكي موضكع آخكر يكذكر أنكه‬
‫كان يعرف باسيليوس قبل أن يلتقى به في مدينككة أثينككا)‪ ،(4‬وكككل هككذه الشككارات‬
‫تؤكد أن أول مكان اجتمع فيه الصديقان باسككيليوس وغاريغوريككوس كككان مدينككة‬
‫قيصرية‪ ،‬وكان غارضهما الدراسة‪ ،‬وفيها ابتدأت معرفتهما‪.‬‬

‫ولمككا اكتفككى باسككيليوس مككن التعلككم فككي قيصككرية انتقككل إلككى مدينككة‬
‫القسككطنطينية ليكمككل د ارسككاته بهككا‪ ،‬ويككدرس العلككوم الفلسككفية)‪ ،(5‬وهككذه المدينككة‬
‫الضككخمة قضككى المككبراطور قسككطنطين سككتة أعككوام فككي بنائهككا وافتتحهككا عككام‬
‫ضكا أنكه‬ ‫)‪(6‬‬
‫‪330‬م‪ ،‬وجعلها عاصكمة القسكم الشكرقى مكن المبراطوريكة ‪ ،‬ويبكدو أي ن‬
‫أراد لهككا أن تحمككل أهميككة علميككة بقككدر مككا تحملككه مككن أهميككة سياسككية‪ ،‬فككاهتم‬
‫‪1‬‬
‫)( لمزيد من التفاصيل عن حياة القديس غاريغوريوس النيزينزي راجع ‪:‬‬
‫غاريغوريوس )صديق غاريغوريوس النيزينزى( ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬الميمر الثلثون‪.‬‬
‫‪.Gr. Naz, Or. 43, Ch. 13‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫‪3‬‬
‫)( غاريغوريوس)صديق غاريغوريوس النيزينزى(‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.249‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Gr. Naz, Or. 43, Ch. 15.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Gr. Naz, Or. 43, Ch. 14.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪6‬‬
‫;‪Runciman, op.cit., pp. 3-6‬‬
‫)‪(4‬‬
‫محمككود سكعيد عمكران‪ :‬معكالم تاريككخ المبراطوريكة البيزنطيكة ‪ :‬مكدخل لدراسكة التاريكخ‬
‫البيزنطي )بيروت‪ ،‬دار النهضة العربية‪ (1981 ،‬ص ‪.31-28‬‬
‫‪49‬‬
‫اهتمانمككا كككبي نار بككأن يجعلهككا إحككدى المككدن الككتي تحتككل مكانككة علميككة كككبيرة فككي‬
‫المبراطورية‪ ،‬وأنشأ مدرسة كبيرة في أحد أروقة القصر المبراطوري بها‪ ،‬وأخذ‬
‫يشكككجع العلمككككاء والطلب علككككى زيارتهكككا والدراسكككة فيهككككا‪ ،‬وعيككككن لهكككا أسكككاتذة‬
‫متخصصكين فككي تعليككم اللغككتين اليونانيككة واللتينيكة والفلسككفة والقككانون والدب‪،‬‬
‫وفكككرض لهكككؤلء المعلميكككن رواتكككب دوريكككة يتقاضكككونها مكككن القصكككر‪ ،‬واشكككتهرت‬
‫المدرسة جندا في هذا الوقت‪ ،‬وفي منتصف هذا القرن صارت مرك ناز ككبي نار للعلكم‬
‫والد ارسكككة ل يقكككل أهميكككة عكككن غايكككره مكككن المكككدارس الخكككرى فكككي المبراطوريكككة‪،‬‬
‫وقصدها الكثير من طلب العلم)‪.(1‬‬

‫وقد كان الطلب في هذا العهد يهتمون بدراسة الفلسفة عندما يبلغون‬
‫مكككن العمكككر الثامنكككة عشكككر أو العشكككرين عانمكككا)‪ ،(2‬فلكككذلك يمككككن أن نقكككول إن‬
‫باسككيليوس عنككدما سككافر إلككى القسككطنيطينة ليككدرس الفلسككفة كككان عمككره يككتراوح‬
‫بين الثامنة عشرة والعشرين عانما‪ ،‬واسككتطاع أن يسككتوعب كككل دروس الفلسككفة‬
‫ومناهجها ومذاهبها وانتفككع مككن ككل خكبرات أسككاتذته فككي مكدة قصكيرة‪ ،‬وسككاعده‬
‫على ذلك حبه للعلم وذكاؤه وقوة تركيزه وسعة عقله)‪.(3‬‬

‫ومككن أشككهر معلمككي هككذا العصككر الفيلسككوف ليبككانوس ‪) Libanius‬‬


‫‪314-393‬م( وهككو فيلسككوف وخطيككب يونككاني وثنككي‪ ،‬ولككد فككي مدينككة أنطاكيككة‬
‫عام ‪314‬م‪ ،‬وبدأ دراسته فيها‪ ،‬ثم رحل إلى أثينا وأكمل تعليمه بها‪ ،‬وبعككد ذلككك‬
‫صار معلنما للشباب في القسطنطينية ونيقوميككديا ونيقيكه‪ ،‬ثكم عككاد إلككى أنطاكيككة‬

‫‪1‬‬
‫)( ول ديورانت‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬المجلد السادس‪ ،‬ج ‪ ،11‬ص ‪397‬؛‬
‫‪Runciman, op.cit., p. 224.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( بنز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.204‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Gr. Naz., Or. 43, Ch. 14; Gr. Niss, On Basil,p.111.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪50‬‬
‫فككي الربعيككن مككن عمككره وقضككى الربعيككن عانمككا الخككرى مككن حيككاته بهككا معلنمككا‬
‫وخطينبا وكاتنبا‪ ،‬ثم توفى عام ‪393‬م‪ ،‬وكان يتميز بسعة العقل وثقافته الواسعة‬
‫وعلمه الغزير إلى جانب الستقامة وحسن الخلق‪ ،‬وبالرغام من كونه وثننيا‪ ،‬فقد‬
‫استطاع أن يجذب إليه قلوب المسيحيين الذين أعجبوا بحسن صفاته وطهارته‬
‫ونككال احككترامهم‪ ،‬حككتى إنهككم كككانوا يعهككدون إليككه بتعليككم أبنككائهم‪ ،‬ومككن أشككهر‬
‫تلميذه القديس باسيليوس الكبير والمبراطور جوليان المرتد)‪.(1‬‬

‫وهناك العديد من المصادر التي تشير إلى أن باسيليوس تعلم على يد‬
‫هكككذا الفيلسكككوف‪ ،‬وأول إشكككارة تكككذكرها المصكككادر بشكككأن هكككذه القضكككية مكككا ذككككره‬
‫غاريغوريوس النيسي في أحد خطاباته حيث قرر أن أخاه باسيليوس تعلم على‬
‫يككد ليبككانوس)‪ ،(2‬إل أنككه لككم يحككدد الككوقت والمكككان الككذي تككم فيككه ذلككك‪ ،‬وثككاني‬
‫المصادر هو ما يتعلق بخطاب أرسله ليبانوس نفسه إلى باسيليوس يذكره فيككه‬
‫بأنه تعلكم علكى يكديه فكي أيكام ص باه‪ ،‬وكيكف أنكه ككان يتمتكع باسكتقامة وحسكن‬
‫خلق الشيوخ منذ صغره‪ ،‬وكيف استطاع أن يحفظ نفسه من السلوك فككي الشككر‬
‫في مدينكة مزدحمكة بالملكذات والملهكي‪ ،‬وهكو مكا دفكع معلمكه إلكى اح ترامه وأن‬
‫يقربككه إليككه‪ ،‬وذكككر اسككم أحككد أصككدقاء باسككيليوس فككي الد ارسككة علككى يككديه وهككو‬
‫كلسوس ‪ ،Celsus‬وكان صدينقا عزي ناز لباسيليوس‪ ،‬وأنه أقنعه بككأن يرافقككه فككي‬
‫أن يسافر معه إلى أثينا بعد أن أتما تعليمهما عنده‪ ،‬وأنكه بعككد أن حصككل علكى‬
‫قدر وافر من العلم وبعد أن درس في أثينا رجع إلى وطنه واحتقر كل الوظائف‬

‫‪1‬‬
‫‪Dictionary of Greek and Roman Biography and Mythology,‬‬
‫‪(4) ed.,by,William Smith, London, 1870 , 3 Vols., Vol 2, pp. 774-‬‬
‫‪775.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( ‪Gr.Niss., The Letters, Trans.Introd.Not. And Index.by William,‬‬
‫‪Moore And Henery Austin Wilson,In,(N.P.N.F.)Vol.5.Ep.X.‬‬
‫‪51‬‬
‫العالميككة‪ ،‬وقككرر أن يعيككش حيككاة الرهبنككة)‪ ،(1‬وبككالرغام مككن أن ليبككانوس لككم يككذكر‬
‫اسككم المدينكة الكتي تعلككم فيهكا باسكيليوس علككى يكده‪ ،‬فقكد اسكتعاض عنهكا بكذكر‬
‫صفة شهيرة من صفاتها وهككي ازدحامهككا بككالملهي‪ ،‬وهككذه الصكفة تنطبككق علككى‬
‫مدينة القسطنطينية أكثر من أى مدينة أخرى‪ ،‬كما أنه يبدو أنككه لككم يككذكر اسككم‬
‫المدينة صراحة نظ نار لشهرتها الكبيرة بوصفها عاصمة المبراطوريككة البيزنطيككة‪،‬‬
‫كما أن إشارته الصريحة بأن باسيليوس عندما اكتفى من التعليم على يده فككي‬
‫هذه المدينة سافر مباشرة إلى أثينا تتفق مع مككا ذكككره غاريغوريككوس النيزينككزى‪،‬‬
‫عنككدما قككرر إن باسككيليوس عنككدما اكتفككى مككن التعليككم فككي مدينككة القسككطنطينية‬
‫سافر مباشرة إلككى أثينككا)‪ ،(2‬وهككذا يككدل علككى أن المدينكة الككتي يقصككدها ليبككانوس‬
‫هي القسطنطينية وليس غايرها‪.‬‬

‫ومككن المصككادر الخككرى الككتي تشككترك فككي هككذه القضككية مككا أشككار اليككه‬
‫المؤرخكككان الكنسككيان سككقراط وسككوزومين مكككن أن باسككيليوس وبرفقتككه صككديقه‬
‫غاريغوريكككوس النزينكككزى تعلمكككا علكككى يكككد ليبكككانوس فكككي مدينكككة أنطاكيكككة عقكككب‬
‫عودتهما من أثينا مباشرة)‪.(3‬‬

‫وعند النظر إلى ككل هكذه المصكادر ومناقشكتها نجكد أن جميعهكا اتفكق‬
‫علكككى شكككىء ثكككابت‪ ،‬وهكككو أن باسكككيليوس تعلكككم الخطابكككة علكككى يكككد الفيلسكككوف‬
‫ليبككانوس‪ ،‬وخلف ذلككك نجككد أن جميعهككم اختلفككوا علككى تحديككد الككوقت والمكككان‬

‫‪1‬‬
‫‪Libanus, Ep. 336, In (N.P.N.F) Second Ser., Vol. 8.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Gr. Naz, Or. 43, Ch. 14.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Soc., op.cit., book 4, Ch. 26. Soz., op.cit., vi, 17.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪52‬‬
‫الذي تم فيه ذلك‪ ،‬ومنهم من لم يضع تحديندا للوقت والمكان مثل غاريغوريوس‬
‫النيسي‪ ،‬ال اننا نجد ليبانوس يحدد وقت ذلك قبل رحيكل باسكيليوس إلكى أثينكا‪،‬‬
‫ويشككير إلككى المكككان بمدينككة القسككطنطينية‪ ،‬ويتفككق معككه غاريغوريككوس النيزينككزى‬
‫فككى هككذا المككر‪ ،‬بككل ويقككرر صككراحة أن باسككيليوس تعلككم فككى القسككطنطينية قبككل‬
‫ذهابه الى اثينا‪ ،‬لكن سكقراط ومكن بعكده سكوزمين يقكرران أن الكوقت ككان عقكب‬
‫عودة باسيليوس من أثينا‪ ،‬ويحددان المكان بمدينة أنطاكية‪.‬‬

‫وعند مقارنة مكا ورد مكن معلومككات فكي المصكادر المعاصكرة والمتكأخرة‬
‫فيما يخص هذه القضككية نجككد أن المصككادر المعاصككرة تتفككق فيمككا بينهككا فككي أن‬
‫باسيليوس تعلم فككي القسكطنطينية قبكل سككفره إلكى أثينككا‪ ،‬امكا المصكادر المتككاخرة‬
‫زمننيا نونعا ما فتختلف عنهككا فككي عككدة نقككاط‪ ،‬أونل‪ :‬أنهمككا ذككك ار أن غاريغوريككوس‬
‫النيزينزي شارك باسيليوس في التعلم على يد الخطيب ليبانوس‪ ،‬وهذا يتعارض‬
‫مع ما قاله غاريغوريوس النيزينزي عكن نفسكه فكى هكذا الشكان ‪ ،‬بالضكافة الكى‬
‫ضا في تحديد المكان والزمان ‪.‬‬
‫أنهما اختلفا أي ن‬
‫ونسككتنتج ممككا سككبق صككدق روايككة غاريغوريككوس النيسككي‪ ،‬ولكككن يؤخككذ‬
‫عليهكككا اليجكككاز الشكككديد‪ ،‬وعكككدم تحديكككده للكككوقت والمككككان‪ ،‬ثاننيكككا‪ :‬صكككدق روايكككة‬
‫ضككا إيجازهككا الشككديد أيضكنككا‪ ،‬وعككدم‬
‫غاريغوريوس النيزينزى‪ ،‬ولكن يؤخككذ عليهككا أي ن‬
‫ذكرها أن ليبانوس كان احد معلمككى باسككيليوس فككي هككذه المدينككة‪ ،‬ثالثنككا‪ :‬صككدق‬
‫رواية ليبانوس في كككل مككا ورد بهككا مككن معلومككات‪ ،‬ويثبككت صكحتها اتفاقهككا مككع‬
‫الروايات المعاصرة الخرى‪ ،‬ويزيد من أهمية هككذه الروايككة معاصككرتها للحككداث‪،‬‬
‫إلى جانب أن كاتبها يعتبر شاهد العيان الوحيد للفككترة الككتي قضككاها باسككيليوس‬
‫فككي القسككطنطينية‪ ،‬وتعامككل مككع باسككيليوس عككن قككرب إذ كككان معلمككه‪ ،‬ولككذلك‬
‫وجكككدناه قكككد ذككككر معلومكككات أككككثر مكككن الكككتي ذكرتهكككا جميكككع المصكككادر الخكككرى‬
‫بخصوص هككذه القضكية‪ ،‬رابنعككا‪ :‬صكدق روايككة المككؤرخين سككقراط وسككوزمين فيمكا‬
‫‪53‬‬
‫اختكص بقولهمككا تعلككم باسككيليوس علككى يككد ليبككانوس‪ ،‬ولكككن يؤخككذ عليهمككا عككدة‬
‫أشياء أولها إيجازهما الشديد فيما أورداه من أحداث ‪ ،‬وثاننيككا‪ :‬أنهمككا أخطككأ فككي‬
‫ضا عند إشراكهما غاريغوريككوس مككع‬ ‫تحديد الزمان والمكان‪ ،‬ثالنثا‪ :‬انهما أخطأ أي ن‬
‫باسكيليوس فكي التعلكم علكى يكد ليبكانوس‪ ،‬ولعكل السكبب فكي ذلكك يرجكع إلكى أن‬
‫هذين المصدرين متأخران زمننيا عككن الفكترة الككتي دونككا أحككداثهما عنهككا‪ ،‬كمككا أن‬
‫ضا إلى أنه نقل كثي نار من الحداث التاريخية فككي تككاريخه‬ ‫خطأ سوزمين يرجع أي ن‬
‫عككن سكلفه سككقراط دون التحقككق ممكا ككان ينقلكه‪ ،‬فوقكع فككي الخطكاء التاريخيككة‬
‫نفسها التي وقع فيها سلفه‪.‬‬

‫باسيليوس يدرس فى أثينا وتتوثق صداقته بغريغوريوس النزينزى‬


‫وبعد أن درس باسيليوس في القسطنطينية انتقل إلى أثينا ليدرس في‬
‫مدارسها العلمية ويتخصص بككالكثر فككي الد ارسككات الفلسككفية الككتي كككانت تتميككز‬
‫بهكككا أثينكككا أككككثر مكككن أيكككة مدينكككة أخكككرى)‪ ،(1‬ومكككن المعكككروف أن أثينكككا اشكككتهرت‬
‫بمدارسككها الفلسككفية منككذ القككدم‪ ،‬وضككمت أشككهر فلسككفة العككالم اليونككاني مثككل‬
‫سقراط ‪470-399) Socrates‬ق‪.‬م( وأفلطون ‪427-337) Platon‬ق‪.‬م(‬
‫وأرسككطو ‪384-322) Aristotle‬ق‪.‬م(هككؤلء الثل ثككة الككذين يمثلككون مرحلككة‬
‫النضج في تاريخ الفلسفة اليونانية)‪ ،(2‬وظلت هذه المدينة منكذ القكرن الخكامس‬
‫قبكككل الميلد حكككتى القرنيكككن ال اربكككع والخكككامس الميلدييكككن مركككك ناز ككككبي نار للثقافكككة‬
‫والعبككادات الوثنيككة والفلسككفة اليونانيككة‪ ،‬ومككا كككانت تتمتككع بككه مككن روائككع الفككن‬

‫‪1‬‬
‫;‪Gr. Naz., Or. 43, Ch. 14 .; Runciman, op.cit., p. 225.‬‬
‫)(‬
‫ول ديورانت‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬مجلد ‪ ،5‬ج ‪ ،10‬ص ‪311‬؛ بيز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪،201‬‬
‫‪24‬؛‬
‫‪2‬‬
‫)( عبد الفتاح أحمد فؤاد‪ :‬تاريخ الفلسفة اليونانية‪ ،‬السكندرية‪ ،2001،‬ص ‪.39‬‬
‫‪54‬‬
‫والدب والفكر اليوناني جعلها أكككثر المككدن اليونانيككة تمسككنكا بالوثنيككة خلل تلكك‬
‫الفترة)‪.(1‬‬

‫وقد بلغ الفكر الفلسفي في أثينا درجككة ككبيرة مكن الرقككي فككي حكوالي‬
‫منتصكككف القكككرن الول الميلدي‪ ،‬حيكككن بكككدأ بكككولس الرسكككول رحلتكككه التبشكككيرية‬
‫الثانيككة الككتى بلككغ فيهككا تلككك المدينككة‪ ،‬فككدخلها وطككاف فككي ميادينهككا وأسككواقها‬
‫وشوارعها ومعابدها‪ ،‬وأخذ يتحاور مع فلسفتها وعلمائها‪ ،‬ودهككش عنككدما وجككد‬
‫ان العامككة مككن سكككانها كككانت لككديهم مقككدرة النقككاش والجككدال حككتى فككي أصككعب‬
‫المسائل الفلسفية‪ ،‬واذدادت دهشته عنككدما رأى معبككندا مككن بيككن المعابككد الوثنيككة‬
‫بالمدينكككة يطلقكككون عليكككه اسكككم ال لكككه المجهكككول‪ ،‬ومكككن خلل ذلكككك أدرك مكككدى‬
‫اشككتياق الثينييككن إلككى معرفككة كككل جديككد فككي الفلسككفات الجديككدة عنهككم‪ ،‬وكككانت‬
‫هككذه فرصككته فككى التبشككير بالمسككيحية والمنككاداة بككالله الحقيقككي الككذي يجهلككه‬
‫الثينيككون ولكنهككم يعبككدونه ويشككتاقون إلككى معرفتككه‪ ،‬وأخككذ يعرفهككم بالمسككيحية‬
‫ويشرح مبادئها لهم‪ ،‬ويستعين أثناء تبشيره ببعض ما كتبه شعراؤهم قدينما عن‬
‫الصفات الجيدة التي ينبغي أن توجد في الله‪ ،‬ونجح الرسككول بككذلك فككي جككذب‬
‫بعكككض الثينييكككن للمسكككيحية)‪ ،(2‬وبهكككذا يككككون بكككولس الرسكككول أول مكككن أدخكككل‬
‫المسيحية في أثينا وبلد اليونككان بككل أوروبككا كلهككا‪ ،‬وأول مككن اسككتخدم الفلسككفة‬
‫لخدمة الديانة المسيحية‪ ،‬ولهذا يلقب بأول فيلسوف مسيحي‪.‬‬

‫ومن مظاهر اهتمام الباطرة الرومان بعمارة المدينة ومكانتها العلمية‬


‫ماقككام بككه المككبراطور هادريككان ‪117-138) Hadrian‬م( الككذي كككان يقضككي‬
‫فصككل الشككتاء بهككا‪ ،‬مككن نهضككة عمرانيككة وعلميككة كككبرى بهككا إذ بنككى فيهككا ملعنبككا‬
‫رياضنيا‪ ،‬وعدة معابكد لللهكة اليوناني ة والرومانيكة‪ ،‬وقنكاة لتوصكيل ميكاه الشكرب‬

‫‪1‬‬
‫)( ول ديورانت‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬المجلد ‪ ،6‬ج ‪ ،12‬ص ‪.249 ،248‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أعمال الرسل )‪(34-13 :17‬‬
‫‪55‬‬
‫إليهكككا‪ ،‬ومكتبكككة ضكككخمة ككككانت ترتككككز علكككى مائكككة وعشكككرين عمكككوندا‪ ،‬وجكككدرانها‬
‫رخاميككة وسككقفها مككذهب وحجراتهككا واسككعة تتلل فيهككا أحجككار المرمككر والصككور‬
‫والتماثيل)‪ ،(1‬وكذلك المبراطور ماركوس أوريليككوس ‪1) Marcus Aurelius‬‬
‫‪61-180‬م( الذي كان شديد الهتمام بالتعلم منذ صغره‪ ،‬وكان شككغونفا بد ارسككة‬
‫الفلسككفة والبلغاككة والقككانون ويتكلككم اليونانيككة‪ ،‬ومككن شككدة حبككه للفلسككفة لقككب‬
‫بكالمبراطور الفيلسكوف‪ ،‬وأنشكأ أربعكة ككراس لدراسكة المكذاهب الفلسكفية الربعكة‬
‫الكبرى في أثينا‪ ،‬وهي الفلطونية والرسطاطيلية والرواقية والبيقورية)‪.(2‬‬

‫ولما تبين لعضاء مجلس المدينة أن رخاء السكان يعتمد على وجود‬
‫الطلب بالمدينككة‪ ،‬وكلمككا زاد عككدد الطلب الوافككدين عليهككا زاد رخاؤهككا ومواردهككا‬
‫المالية‪ ،‬وذلك لن الطلب كانوا يشكلون أهم المككوارد الككتي تمككد المدينككة بالمككال‬
‫بمكا ينفقكونه مكن أمكوال فكي العمليكة التعليميكة مكن دفكع أمكوال للسكاتذة ‪ ،‬وفكي‬
‫تأجير السكن المناسب الذي يقومون فيككه خلل وجككودهم بالمدينككة‪ ،‬وفككي شككراء‬
‫الكتكككب ومكككواد الكتابككة‪ ،‬ومكككا ينفقكككونه فكككي أسكككواق المدينككة مكككن شكككراء طعكككامهم‬
‫وشرابهم وملبسهم وباقي احتياجاتهم‪ ،‬والموال الكثيرة التي كانوا ينفقونهككا فككي‬
‫ملعبها وسباقاتها ومسارحها وحاناتها‪ ،‬ولهذا تعهد مجلس المدينة بدفع ارتككب‬
‫ى واحككد علككى القككل‪ ،‬فككى حيككن كككانت تتعهككد الحكومككة‬
‫أسككتاذين للفلسككفة ونحككو ي‬
‫بدفع راتب أستاذ آخر للفلسفة‪ ،‬وقككد عملككت كككل هككذه الصككلحات العلميككة لهككذه‬
‫المدينة على تنشيط العملية التعليمية بها‪ ،‬وزيادة أعداد الطلب الوافدين إليها‬
‫من جميع أنحاء المبراطورية البيزنطية)‪.(3‬‬

‫أما عن ملمح العملية التعليمية بهذه المدينة‪ ،‬نجد أن هناك ملمكح‬

‫‪1‬‬
‫)( ول ديورانت‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬مجلد ‪ ،5‬ج ‪ ،10‬ص ‪.411‬‬
‫‪2‬‬
‫)( ول ديورانت‪ :‬مرجع السابق‪ ،‬ص ‪.436-425‬‬
‫‪3‬‬
‫)( بنز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.201‬‬
‫‪56‬‬
‫كككانت تمتككاز بهككا أكككثر مككن غايرهككا مككن المككدن العلميككة الخككرى‪ ،‬وهككى ان معظككم‬
‫المعلميككن الككذين يعلمككون فيهككا غاربككاء عنهككا‪ ،‬ويتقاضككون أجككورهم مككن جماعككة‬
‫الطلب المتتلمذين على أيديهم‪ ،‬وكانت موارد المعلم تزيد بزيككادة طلبككه‪ ،‬وكككان‬
‫الطلب القككادمون مككن نككواحي المبراطوريككة المختلفككة يميلككون إلككى أن يدرسككوا‬
‫علككى يككد أسككتاذ مككن بنككي جلككدتهم‪ .‬ويكككون طلب كككل معلككم جماعككة متماسكككة‪،‬‬
‫ويككرون أن السكتماع إلككى أسكتاذ غايكره إنمككا هكو خيانكة كككبيرة‪ ،‬وككان هككدفهم أن‬
‫يكثروا من عددهم ح تى تزيكد مكوارد أسكتاذهم وشكهرته‪ ،‬فكإذا قكدم الشكتاء وأقبكل‬
‫الطلب الجدد‪ ،‬حرصككت جماعككات الطلب فككي المدينككة علككى مراقبككة كككل موانئهككا‬
‫والموانئ القريبة منها ومداخلها الرئيسككة لنتظككار قككدوم الطلب الجككدد‪ ،‬وعنككدما‬
‫يقككع نظككر الفككراد مككن أي جماعككة علككى طككالب جديككد‪ ،‬يأخككذونه بككإرادته أو رغانمككا‬
‫عنكككه‪ ،‬ودون أن يهتمكككوا برغابكككاته‪ ،‬ويضكككعونه فكككي مسككككن أحكككدهم‪ ،‬وقكككد يككككون‬
‫صاحب المسكن قرينبا له أو صدينقا من بلكدته‪ ،‬ويفعلكون هكذا المكر بككل طكالب‬
‫جديد يقع تحت أيديهم‪ ،‬ويبقوهم سجناء حتى يقسموا أن يسجلوا أنفسهم طلنبا‬
‫لمدرسهم)‪.(1‬‬

‫وكان هناك تقليد يجري على الطلب الجدد في مدينة أثينا‪ ،‬وهو تقليد‬
‫خككاص يعمككل بكه فككي هككذه المدينككة فقككط‪ ،‬ويقككوم علككى أن الطلب القككدماء كككانوا‬
‫يأخككذون الطككالب الجديككد عقككب تسككجيل اسككمه عنككد معلمهككم ويخرجككون بككه الككى‬
‫السكككوق ويصكككطفون حكككوله فكككي صكككفين ويزفكككونه‪ ،‬ثكككم يأخكككذونه إلكككى الحمامكككات‬
‫العامكككة‪ ،‬وعنكككدما يقكككتربون منهكككا‪ ،‬يصكككيحون بأصكككوات عاليكككة ويقفكككزون فزنعكككا‪،‬‬
‫وبعضهم يصيح ويأمر القادمين بعدم التقدم والوقوف في أماكنهم وكأن الحمككام‬
‫ل يقبلهم‪ ،‬ويتخفى بعضهم و يطرقون أبواب الحمام بشككدة حككتى يحككدث أصككوانتا‬

‫‪1‬‬
‫; ‪Gr. Naz, Or. 43, Ch. 15, 16.‬‬ ‫)(‬
‫بينز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪202 ،201‬؛‬
‫‪57‬‬
‫عالية تتسبب في فزع الطالب الجديد‪ ،‬وبعد أن يتملككك الهلككع والفككزع مككن نفسككه‬
‫يسمحون له بدخول الحمام‪ ،‬وعند خروجه تعطى له الحرية ويسككتقبلونه كواحككد‬
‫منهم مساوو لهم في ككل شكىء‪ ،‬وككان هكدف الطلب القكدامى مكن هكذه العمليكة‬
‫خفض نخوة الطالب الجديد الذي يقع في أيككديهم ومعرفككة شككىء مككن شخصككيته‬
‫ومحاولككة السككيطرة عليككه مككن البدايككة‪ ،‬كمككا أنهككم كككانوا يجككدون لككذة فككي هككذه‬
‫العمال الهزلية)‪.(1‬‬

‫ويسجل غاريغوريوس النيزينزي العجاب الشديد لطلب أثينا بركوب‬


‫الخيكككل وآداء اللعكككاب الهزليكككة‪ ،‬فقكككد ككككانوا يجتمعكككون علكككى اختلف وضكككعهم‬
‫الجتمككككاعي واختلف مككككواطنهم‪ ،‬ويشكككككلون جماعككككة غايككككر منضككككبطة السككككلوك‬
‫ويصعب التحكم فيهكم حيكث إنهكم ل يخضكعون لي نظكام أو ترتيكب‪ ،‬ويشكبهون‬
‫هؤلء الفرسان الذين خصصوا أنفسهم لركوب الخيل وسباقاته‪ ،‬أو هؤلء الذين‬
‫يعملككون فككي السككيرك وقككد خصصككوا أنفسككهم للقيككام بعككروض الخيككل الككتي تبهككج‬
‫الجماهير‪ ،‬ويقومون بمثل هذه العروض ولكن بشكل أكثر هككزلن عمككا يجككري فككي‬
‫سككباق الخيككل وعككروض السككيرك)‪ ،(2‬وكككثي نار مككا كككان الطلب يهملككون د ارسككتهم‬
‫ويتحمسون للعاب الكرة كما هو الحال اليوم‪ ،‬كمكا ككانوا يضكيعون أوقككاتهم فككي‬
‫اللهككو والتسككلية والككذهاب إلككى المسككارح لمشككاهدة العككروض الفنيككة‪ ،‬إلككى جككانب‬
‫حلبككات المصككارعة والملهكككي الليليكككة‪ ،‬حيككث يبككذرون أمككوالهم علكككى الراقصككات‬
‫وشرب الخمر)‪.(3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Gr. Naz, Or. 43, Ch. 16.‬‬
‫)(‬
‫بينز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Gr. Naz, Or. 43, Ch. 15.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪3‬‬
‫)( بينز‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬نفس الصفحة؛ ول ديورانت‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬مجلد ‪ ،6‬ج ‪،11‬‬
‫‪58‬‬
‫وعندما بلغ باسيليوس أثينا وجد صديقه غاريغوريوس قد سبقه إليها‬
‫بفترة قصيرة‪ ،‬وكأن الثنين كانا متفقين على أن يلتقيا فككي أثينككا‪ ،‬وقككد جمعهمككا‬
‫فيهككا شككوقهما لد ارسككة الفلسككفة والدب‪ ،‬واسككتقبله الطلب والمدرسككون اسككتقبالن‬
‫مبهنجككا‪ ،‬وفككرح الجميككع بقككدومه وكككأنهم كككانوا يككأملون فككي تحقيككق شككئ مككا وقككد‬
‫ضككا فككي التعككرف عليككه‬
‫تحقق لهم بقدومه إليهم‪ ،‬وأخذ الطلب يسبق بعضهم بع ن‬
‫والحصكول علكى صكداقته ‪ ،‬ولسكيما أنكه لكم يككن مجهكولن عنكدهم مكن قبكل حيكث‬
‫كان بع ض الطلب يعرفكونه جيكندا منكذ صكغره‪ ،‬فمنهكم مكن ولكد بكالقرب منكه فكي‬
‫بنطس وأرمينيا وكبادوكيا‪ ،‬ومنهم من تلقوا العلم على يدي أبيكه)‪ ،(1‬ومنهكم مكن‬
‫شككاركه فككي التعلككم فككي قيصككرية والقسككطنطينية‪ ،‬ومنهككم السككاتذة الككذين كككانوا‬
‫يعرفون والده جيككندا‪ ،‬حيككث كككانوا زملءه فككي مهنككة التعليككم‪ ،‬وربمككا كككان البعكض‬
‫منهم يعلم باسيليوس فككي مدينكة قيصككرية والقسككطنطنينية‪ ،‬ومككن لككم يكككن عرفكه‬
‫من الساتذة والمعلمين كان يعرف عائلة والده في بنطس أو عائلة والككدته فككي‬
‫كبادوكيا‪.‬‬

‫وقككد ترتككب علككى معرفككة الطلب والسككاتذة بحسككن صككفاته الخلقيككة‬


‫والعلمية وشهرة عائلته عدة نتائج مهمكة‪ ،‬أولهككا‪ :‬أنكه لكم يتعككرض لمكا يتعكرض‬
‫له الطلب الجدد حين وصولهم إلى أثينا من إرغاامهم على التسككجيل لمعلككم مككا‬
‫من مواطنيهم‪ ،‬وتخلص من التقليد الكذي يلكي ذلكك)‪ ،(2‬وربمكا سكاعده أيضكا فى‬
‫التخلككص مككن هككذا التقليككد ضككعف حككالته الصككحية‪ ،‬إذ كككانت علمككات المككرض‬

‫ص ‪.78‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Gr. Naz., Or. 43, Ch. 15.;17.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.Gr. Naz., Or. 43,, Ch. 16‬‬ ‫)(‬
‫‪59‬‬
‫ظاهرة عليه‪ ،‬فكان جسمه نحينفا ووجهه مصفنرا‪ ،‬وبطينئا في حركتكه ومشكيته)‪،(1‬‬
‫ثاننيككا‪ :‬تضككايق بعككض زمل ئككه الطلب منككه‪ ،‬إذ أروا أن أثينككا كرمتككه بمككا يفككوق‬
‫تكريمها لهم‪ ،‬وحسبوا أنه من العار عليهم أن يفوق تكريم طالب جديد وغاريككب‬
‫عن تكريمهم‪ ،‬فجاءوا يظهرون الود والمحبة لككه وهكم يضكمرون لككه مكك نار وخبنثكا‬
‫وحسككندا‪ ،‬وأخككذوا يكدخلونه فككي دائكرة مككن الجكدال العنيككف حكول قضكايا ليكس لهكا‬
‫مقاييس علمية ول حلول منطقية ويطالبونه بإيجاد حلول لها محاولة منهم أن‬
‫يثنوا عزمه ويتغلبوا عليه من بداية وجوده فككى اثينككا ويحكمككوا سكيطرتهم عليككه‪،‬‬
‫ولمكا ككان غاريغوريكوس سكابنقا لكه بأثينكا ويعكرف مخططكات طلبهكا‪ ،‬ولنكه ككان‬
‫يعرفككه منككذ الصككغر‪ ،‬فككإنه أدرك المككؤامرة الككتي نصككبها هككؤلء الطلب لصككديقه‬
‫باسكككيليوس‪ ،‬وأسكككرع ووقكككف بجكككانبه ونشكككط معكككه فكككي محكككاورة هكككؤلء الطلب‬
‫المفسككدين‪ ،‬وتقككوى موقككف باسككيليوس بانضككمام غاريغوريككوس لككه‪ ،‬وأخككذ يجككادل‬
‫خصكككومه ويهزمهكككم ه ازئكككم متتاليكككة‪ ،‬حكككتى أخكككذوا ينصكككرفون واحكككندأ تلكككو الخكككر‬
‫ويهربون من أمامه‪ ،‬ولم يسككتطع أحككد منهككم الثبككات‪ ،‬وتغلككب باسككيليوس عليهككم‬
‫جمينعا)‪.(2‬‬

‫وعلى أثر هذا الحدث تأسست صككداقة حميمككة وقويككة بيككن باسككيليوس‬
‫وغاريغوريوس النيزينزي‪ ،‬وقد ساعد على ذلك كونهمككا ينتميككان إلككى وطككن واحككد‬
‫هو ولية كبادوكيا‪ ،‬وكلهما تربيا تربية حسككنة وأخلقهمككا طيبككة‪ ،‬ويحبككان العلككم‬
‫ويسعيان في تحصيله‪ ،‬وكلهما بعيد عن الهل والوطككان ويعيشككان غاربككاء فككي‬
‫مدينة كبيرة وكثيرة السكان ودائمة الحركة والنشككاط‪ ،‬ويصككعب علككى أي أحككد أن‬

‫‪1‬‬
‫‪Gr. Niss, On Basil,p.109.; Gr. Naz., Or. 43, Ch. 77.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Gr. Naz., Or. 43, Ch. 17.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪60‬‬
‫يعيش فيها بمفرده‪ ،‬إذ لبد له من صديق يعضده ويقف بجانبه ويشككجعه علككى‬
‫العمال الصكالحة ويحركككه حيكن يكسككل ويسكاعده إذا تعكثر)‪ .(1‬وال كككثر مككن ذلكك‬
‫كلككه أن كليهمككا كانككا عككازمين علككى سككلوك حيككاة النسككك حيككن انتهائهمككا مككن‬
‫الدراسة في أثينا‪ ،‬وكانا يقصدانها منذ صغرهما‪ ،‬ويعيشان وفنقا لمبادئها)‪ .(2‬وقد‬
‫فككرج غاريغوريككوس جككندا بصككداقة باسككيليوس‪ ،‬وأسككهب كككثي نار فككي وصككفها‪ ،‬وممككا‬
‫قاله عنها‪:‬‬

‫» ‪ ...‬عنككدما امتككدت بنككا اليككام اعككترف كككل منككا للخككر‬


‫بالمشككاعر الطيبككة الككتي يكنهككا لككه‪ ،‬وأن قصككدنا هككو سككلوك حيككاة‬
‫النسككك‪ .‬وأصككبح كككل منككا يعككد نفسككه كككل شككىء بالنسككبة للخككر‪،‬‬
‫وتشككاركنا منعككا فككي القامككة فككي مسكككن واحككد وفككي تنككاول طعككام‬
‫واحككد‪ ،‬ومعيشككة واحككدة وفككى غارضككنا الواحككد فككي الحيككاة‪ ،‬وكككانت‬
‫محبة كل منا للخر تزيد دفنئا وقوة كلما امتد بنكا الزمكن‪ ،‬واقكول‬
‫لمككن يبتغككي تحقيككق مصككالح ماديكة فككإن الماديككات تفنككى وتككزول‪،‬‬
‫كما تزبل الورود بعد انقضاء فصل الربيع‪ ،‬وكما تنطفككئ الشككعلة‬
‫عندما يفنى الوقود الذي يشعلها‪ ،‬إنما المحبة التي من عند ال‬
‫الككتي هككي حسككب إرادتككه موضككوعها ثككابت ودائمككة وتككزداد جمككالن‬
‫كلمككا مضككى الككوقت‪ ،‬وتوحككد بيككن قلككوب المرتبطيككن بهككا والككذين‬
‫يجتمعون حول غارض واحد‪ ،‬إوان هككذا كككان قككانون محبتنككا الككذي‬
‫يفوق الطبيعكة البشكرية ‪ ...‬كنككا نتقككدم بفضككل نعمكة الكك العاملككة‬
‫فينا‪ ،‬ومحبتنا بعضكنا لبعكض‪ ،‬كيككف أسكتطيع أن أذككر ذلكك دون‬
‫‪1‬‬
‫)( جامعة )‪(11-9 :4‬‬
‫‪2‬‬
‫)( غاريغوريوس)صديق غاريغوريوس النيزينزى(‪ :‬الميمر الثلثون‪ ،‬ص ‪251‬؛‬
‫‪Gr. Naz., Or. 43, Ch. 19, 24.‬‬
‫‪61‬‬
‫أن تدمع عينى ‪ ،‬لقد ككان تحركنككا آمكال متسككاوية‪ ،‬ولككم يككن أي‬
‫منككا يحسككد الخككر فككي تحصككيله للعلككم‪ ،‬لككم نكككن نعككرف الحسككد‬
‫مطلقنككا‪ ،‬وكنككا نتنككافس فككي خدمككة بعضككنا البعككض‪ ،‬ونسككعى ليككس‬
‫لجككل أن يربككح أحككد منككا المكككان الول لنفسككه‪ ،‬بككل لكككي يعككده‬
‫للخر‪،‬وكنا نعمل ليكون ربح كل منا هو بمنزلة ربح لنا جمينعككا‪،‬‬
‫وكنا نظن أنفسنا نعيش بروح واحدة تسكن جسمينا‪« .(1) ...‬‬

‫وكان لهذه الصداقة ثمار طيبة للصديقين‪ ،‬إذ وجدنا غاريغوريوس منذ‬
‫البداية استطاع أن ينقذ صككديقه باسكيليوس مككن المككؤامرة الككتي دبرهككا لككه طلب‬
‫أثينككا عنككدما أروا كرامتككه تزيككد عككن كرامتهككم‪ ،‬وعنككدما تسككببت هككذه المككؤامرة فككي‬
‫إصكككابة باسكككيليوس بالضكككيق واليكككأس والحبكككاط الشكككديد وأغارقتكككه فكككي اليكككأس‬
‫والحكككزان‪ ،‬وزادت حكككالته سكككونء عنكككدما رأى المدينكككة غاارقكككة فكككي الوثنيكككة ونظكككر‬
‫عادات وسلوكيات الطلبة وأهل المدينة السيئة‪ ،‬وأحس أن ما وجده في المدينة‬
‫من منفعة كان أقل بكثير ممككا كككان يككأمله منهككا قبككل وصككوله إليهككا‪ ،‬ولم نفسككه‬
‫علككككى مسككككعاه للوصككككول إليهككككا‪ ،‬وعككككدها خاليككككة مككككن السككككعادة والنفككككع‪ ،‬فقككككام‬
‫غاريغوريكككوس للكككوقت وأخكككذ يصكككرف عنكككه مشكككاعر الضكككيق والحكككزن واليكككأس‪،‬‬
‫ويوضح له القيمة العلمية الكبيرة للمدينة وكيفية الحصككول علككى الفائككدة منهككا‪،‬‬
‫ضككا عنكدما‬ ‫)‪(2‬‬
‫واستطاع أن يطيب نفسه ويجدد روحه ويفكرج كربككه ‪ ،‬ومككن ذلككك أي ن‬
‫كان أحدهما يحصل شينئا من العلم فيه منفعككة لهمكا‪ ،‬ل يهكدأ لككه بكال إل ويفيكد‬
‫صككديقه بكه‪ ،‬إواذا صكعب علككى أحكدهما فهكم شككىء مككن العلكوم ككان يلجككأ للخككر‬

‫‪1‬‬
‫‪Gr. Naz., Or. 43, Ch. 19, 20.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Gr. Naz., Or. 43,Ch. 17.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪62‬‬
‫ليساعده على فهمه ويشرح لككه كيفيككة السككتفادة منككه‪ ،‬وكككان كككل منهمككا يفسككح‬
‫سككا وقانونككا وقككدوة لككه)‪ ،(1‬وعملككت‬
‫المجال أمام صديقه للتقدم‪ ،‬ويتخذ الخر مقيا ن‬
‫ضكككا علكككى تجنيبهمكككا أصكككدقاء السكككوء‪ ،‬و السكككير فكككي الطكككرق‬
‫هكككذه الصكككداقة أي ن‬
‫المنحرفككة الككتي كككانت تملككتئ بهككا المدينككة‪ ،‬حيككث يوجككد بهككا المسككارح والحانككات‬
‫وجميع أنككواع الملهككي الككتي يؤمهككا الكككثير مككن الطلب ذوي الخلق الفاسككدة‪،‬‬
‫واقتنع كلهما بأنه ل يوجد شىء سىء يؤدي إلى منفعككة القككائمين عليككه‪ ،‬وأن‬
‫الشككىء الكريككم هككو الككذي يككؤدي إلككى المنفعككة‪ ،‬وعلككى ذلككك لككم يعرفككا مككن طككرق‬
‫المدينة سوى طريقين‪ :‬الطريق الول يؤدي إلككى الكنيسككة‪ ،‬حيككث يتعبككدان ومنككه‬
‫إلى رجال الدين المكلفين بتربية الشككباب علككى المبككادئ والقيككم الدينيككة؛ والثككاني‬
‫وهككو المككؤدي إلككى المككدارس الدبيككة والمككؤدبين اليونككانيين)‪ ،(2‬وكككان مككن ثمارهككا‬
‫ضا تعميق التجاه النسكي فكي داخلهمكا‪ ،‬إذ اس تطاعا ضكبط ذواتهمكا وتحكمكا‬ ‫أي ن‬
‫في ميولهما الجسدية وعاشا حياة العفة‪ ،‬وتشكبها بكالنبيين إيليكا ويوحنكا اللكذين‬
‫سلكا حياة النسك قدينما‪ ،‬وذهدا في العكالم وملكذاته‪ ،‬وكانكا يتغكذيان علكى القليكل‬
‫من الطعام‪ ،‬ولم يقتنيا شينئا سوى ما يكفي لسد احتياجاتها الضرورية‪ ،‬وما زاد‬
‫على ذلك يتصدقان به)‪.(3‬‬

‫وكما كان الصديقان يشكارك أحكدهما الخكر فكي المعيش ة‪ ،‬تشكاركا فكي‬
‫‪1‬‬
‫)‪(3‬غاريغوريوس)صديق غاريغوريوس النيزينزى(‪ :‬الميمر الثلثون‪ ،‬ص ‪،250‬‬
‫‪251‬؛‬
‫‪Gr. Naz, Or. 43,Ch. 17.‬‬
‫‪2‬‬
‫)‪ (1‬غاريغوريوس )صديق غاريغوريوس النيزينزى(‪ :‬الميمر الثلثون‪،250 ،‬‬
‫‪251‬؛‬
‫‪Gr. Naz, Or. 43, Ch. 18, 20, 21.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( غاريغوريككوس )صككديق غاريغوريككوس النيزينككزى(‪ :‬الميمككر الثل ثككون‪ ،‬ص ‪،251‬‬
‫‪.252‬‬
‫‪63‬‬
‫تلقى العلم‪ ،‬وبحثا عنه بحث من ينقب عن كنز‪ ،‬ويدفعهما في جهادهما شككوق‬
‫ل ينتهي إوارادة قوية ل تعرف الضعف أو الملل‪ ،‬و يواصلن الليل بالنهككار فككي‬
‫تحصيله‪ ،‬إذ كانت رغابتهمككا الحصكول علكى القككوة العقليكة الككتي يجككود بهكا العلككم‬
‫على من يسعى في تحصيله‪ ،‬واهتما بدراسة كل أنواع العلوم وبلغا ذروة عاليككة‬
‫في كل فرع منهككا‪ ،‬كمككا لككو كانككا يدرسكانه وحككده‪ ،‬وتفوقكا فكي جميعهكا أككثر ممكا‬
‫تفككوق غايرهمككا فككي واحككد منهككا)‪ ،(1‬واهتمككا اهتمانمككا كككبي نار بد ارسككة البلغاككة الككتي‬
‫كانت أهم العلوم حككتى عصككرهما‪ ،‬وكككانت تمككارس هيمنكة كككبيرة علككى كككل العلككوم‬
‫الخرى فاحتوتها جمينعا و جعلتها علونما مساعدة لها‪ ،‬وأخككذا منهككا كككل مككا هككو‬
‫حسن ويتفق مع س يرتها ومبادئهكا‪ ،‬مثكل تعلكم كيفي ة التعكبير عكن الفككار الكتي‬
‫يحويها عقلهما في وضوح وقوة وصفاء‪ ،‬وتجنبا عيوبها التي كككانت تتمثككل فككي‬
‫ناحيتين‪ ،‬الولى‪ :‬هكي أن يضكحي بالحقيقكة والدقكة فكي س بيل العكرض الشكائق‪،‬‬
‫وبذلك يطغككى المظهككر علككى الجككوهر‪ ،‬والثانيككة‪ :‬أن تعككرض مسككتوى جامككندا يتخككذ‬
‫سككا للتفككوق)‪ ،(2‬أى إنهمككا أخككذا منهككا كككل مككا يككؤدي إلككى الحككق والفضككيلة‬
‫مقيا ن‬
‫ورفضككا كككل نفاقهككا وزيفهككا وكككذبها)‪ ،(3‬وتعمقككا فككي دراسككة الجروميككة بجميككع‬
‫فروعها وأساليبها الدبية حتى وصل إلى جذورها واستطاعا أن يتقنا صككناعتها‬
‫ضكككا فكككي د ارسكككة‬
‫وتمكنكككا مكككن تنظيكككم القصكككائد ذات الوزان والقكككوافى‪ ،‬وتعمقكككا أي ن‬
‫الفلسككفة الككتي كككانت د ارسككتها تتطلككب معرفككة بعلككوم الحسككاب والهندسككة والفلككك‬
‫والموسيقي‪ ،‬فدرسا كل هذه العلوم‪ ،‬وأخذا منها كل مككا يحتاجكان إليكه ويمكنهمككا‬

‫‪;.Gr. Naz, Or. 43, Ch,23‬‬ ‫‪()1‬‬


‫غاريغوريوس )صديق غاريغوريوس النيزينزى(‪ :‬الميمر الثلثون‪ ،‬ص ‪.252 ،251‬‬
‫‪;.Cf‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪Aug.,op.cit.,I,11-14‬‬ ‫‪()2‬‬
‫تشارلز ورث‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪114‬؛ ول ديورانت‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬مجلد ‪ ،6‬ج ‪ ،11‬ص‬
‫‪79‬؛‬
‫‪;.Gr. Naz., Or. 43, Ch,23‬‬ ‫‪()3‬‬
‫‪64‬‬
‫من الوقوف بثبات أمام الماهرين فيها‪ ،‬وتعلما من الموسيقى ألحانها ونغماتهككا‬
‫الهادئككة الككتي تسككيطر علككى القككوة الغضككبية فككي النفككس وتنظيككم انفعالتهككا‪ ،‬أمككا‬
‫الطب فاهتما بكه اهتمانمككا كككبي نار وتعمقككا فككي دراسكته جكندا حكتى بلغككا إلكى أصكوله‬
‫وقواعكككده وأصكككبحا مكككاهرين فكككي صكككناعته)‪ ،(1‬ويبكككدو أن باسكككيليوس ككككان أككككثر‬
‫اهتمانمككا مككن صككديقه غاريغوريككوس بد ارسككة الطككب والنتفككاع منككه بسككبب ضككعف‬
‫صحته واستمرار مهاجمة المراض له‪ ،‬واهتمامه الكبير بمداواة المرضى‪.‬‬

‫وقد تشكبه الصككديقان فككي تفوقهمككا العلمككي وحسككن أخلقهمككا وثباتهمككا‬


‫على اليمان بنهر ماء عذب يتدفق وسط بحككر مككن المككاء مالككح‪ ،‬وبمككن يمشككي‬
‫علكككى النكككار دون أن تحكككترق قكككدماه‪ ،‬ويكفكككي أنهمكككا اسكككتطاعا أن يتغلبكككا علكككى‬
‫الرذائل والخدع الشيطانية فككي أككثر مواضككع العجككاب بهكا)‪ ،(2‬وعمكل ذلكك علكى‬
‫شكككيوع شكككهرتهما جكككندا حكككتى التكككف حولهمكككا مجموعكككة مكككن الطلب يتبعونهمكككا‬
‫ويتأدبون منهما ويسككيرون علككى نهجهمككا‪ ،‬كمككا أن شككهرتهما وصككلت إلككى كككثير‬
‫من أهل المدينة والمشهورين فيها‪ ،‬إوالى ما جاورها من مدن أخككرى داخككل بلد‬
‫اليونككان وخارجهككا‪ ،‬وكككانت سككبنبا فككي شككهرة معلميهككا حككتى إنككه كككان كككل مككن‬
‫يتحدث عن معلميهما لبد أن يتحدث عنهما‪ ،‬لن شككهرتهما تسكاوت مككع شكهرة‬
‫معلميها)‪.(3‬‬

‫ولما أكمل الصديقان دراستهما في أثينا‪ ،‬عرضا الرجوع إلى وطنهما‬


‫كبادوكيككا‪ ،‬وحككددا موعككندا للرحيككل‪ ،‬وعنككدما جككاء ميعككاد رحيلهمككا تجمككع حولهمككا‬

‫‪;.Gr. Naz., Or. 43, Ch,23‬‬ ‫‪()1‬‬


‫‪ ()2‬غاريغوريككككوس)صككككديق غاريغوريككككوس النيزينكككزى( ‪ :‬الميمككككر الثل ثككككون‪ ،‬ص ‪،251‬‬
‫‪.252‬؛‬
‫‪Gr. Naz., Or. 43, Ch. 21.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Gr. Naz., Or. 43, Ch.22‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪65‬‬
‫أصكككدقاؤهما وأخكككذوا يبكككذلون محكككاولت ككككثيرة لمنعهكككم مكككن الرحيكككل ويلتمسكككون‬
‫ويتوسلون منهم حتى يبقيا معهما‪ ،‬إل أن إرادة باسيليوس وعزمه على الرحيككل‬
‫كككانت أقككوى مككن إرادة وعككزم صككديقه غاريغوريككوس عليككه وأقككوى مككن توسككلت‬
‫أصكككدقائه‪ ،‬واسكككتطاع أن يقنعهكككم بضكككرورة رحيلكككه حكككتى سكككمحوا لكككه بكككه‪ ،‬أمكككا‬
‫غاريغوريوس فلم يستطع أن يتغلب على رغابككة زمل ئككه ورقككت نفسككه لتوسككلتهم‬
‫ودمككوعهم‪ ،‬كمككا أن باسككيليوس أقنعككه بالبقككاء فككي المدينككة والنككزول علككى رغابككة‬
‫الصككدقاء‪ ،‬ورحككل باسككيليوس سككرينعا إلككى وطنككه قيصككرية وتخلككف غاريغوريككوس‬
‫فكي أثينكا)‪ ،(1‬ومككث بهكا فكترة قصكيرة يعلكم الفلسكفة للطلب‪ ،‬وبعكد ذلكك اس تأذن‬
‫سككا نفسككه لخدمككة والككديه فككي‬
‫أصككدقاءه بالرحيككل وعككاد إلككى وطنككه نيزينكك از مكر ن‬
‫شيخوختهما)‪.(2‬‬

‫باسيليوس يتحول إلى التجاه النسكى‬


‫وفي طريق عودة باسيليوس من أثينا إلى وطنه قيصرية ذكر أنه زار‬
‫بعض المدن التي تقع غارب إقليم آسكيا الصككغرى ولسككيما السككاحلية منهككا الككتي‬
‫تقع على سكاحلها الغربكي وسكواحل مضكايقها الشكمالية الغربيكة‪ ،‬وتمتكاز بجمكال‬
‫ل‪ ،‬إذ كككان‬
‫طبيعتها‪ ،‬وأشار إلى أنه أعجكب بهكا كككثينرا‪ ،‬لكنككه لكم يمكككث بهكا طككوي ن‬
‫مشتانقا للوصول إلى وطنه على وجه السرعة)‪.(3‬‬

‫ويمكن أن نعرف عمره حيكن غاكادر أثينكا‪ ،‬وذلكك بالمقارنكة مكع عم ر‬


‫صكككديقه غاريغوريكككوس النيزينكككزي صكككديق عمكككره ورفيكككق د ارسكككته‪ ،‬إذ يكككذكر أن‬
‫‪1‬‬
‫‪,Gr.‬‬ ‫‪Naz.,‬‬ ‫‪Or.‬‬ ‫‪43,,‬‬ ‫)( ‪Ch.24‬‬
‫غاريغوريوس )صديق غاريغوريوس النيزينزى( ‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.252‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬؛‬
‫‪Gr. Naz., Or. 43, Ch. 24, 25.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Bas. EP. 1.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪66‬‬
‫غاريغوريوس وقت رحيله من أثينا ككان عمكره ثلثيكن عانمكا)‪(1‬؛ وعليكه يمككن إن‬
‫نقول أن عمر باسيليوس كان يماثل عمر صككديقه غاريغوريككوس أو علككى القككل‬
‫قرينبا منه‪ ،‬ونستنتج من ذلك انه عاد من اثينا فى عام ‪360‬م تقريبا ‪.‬‬

‫وكانت شهرته في أثينا قد سبقته إلى كبادوكيا وقيصرية‪ ،‬وعندما عاد‬


‫إلككى وطنككه قيصككرية اسككتقبله أهلهككا اسككتقبالن حككافلن ورحبككوا بككه كأحككد أبنككائهم‬
‫الممتازين‪ ،‬وتمكسوا به جكندا)‪ ،(2‬وأسكرع أسككاتذتها لضكمه إلكى صكفوفهم وأسكندوا‬
‫إليه مهمة تدريس البلغاة)‪ .(3‬وهي المهنة التي كان أبوه يشتغل بها فككي إقليككم‬
‫بنطس قبله‪ ،‬وقام باسيليوس بأداء مهمته هذه خير قيام‪ ،‬وتميز بكفاءة عاليككة‬
‫واقتدار في تدريسه‪ ،‬فكذاعت شكهرته جكندا فكي قيصكرية ومكا يجاورهكا مكن بلكدان‬
‫في إقليم آسيا الصغرى‪ ،‬وأخذت المدن ترسل إليه بوفودها لتككدعوه إلككى زيارتهككا‬
‫وتعرض عليه مهمة تعليم شبابها‪ ،‬ومنهككا مدينككة قيصككرية الجديككدة القريبكة مككن‬
‫موطن عائلة والدته‪ ،‬فقد أرسككلت إليكه وفككندا يضككم مجموعككة مككن أشككهر رجالهككا‪،‬‬
‫واخككذوا يلتمسككون منككه زيككارة مككدينتهم ويسككندون إليككه مهمككة تعليككم أبنائهككا‪ ،‬و‬
‫يستعطفونه بكثير من المال والهبككات وبككذلوا لككه كككل الوعككود السككخية فككي مقابككل‬
‫موافقته على قبول دعوتهم‪ ،‬لكنه رفض ككل وعكودهم ولككم يوافكق علكى دعككوتهم‬
‫حككتى ل يخككرج مككن مككدينته قيصككرية‪ ،‬و ينشككغل عككن مهمككة تعليككم أبنائهككا بككأي‬
‫شىء آخر)‪.(4‬‬

‫‪1‬‬
‫)( غاريغوريوس )صديق غاريغوريوس النيزينزى( ‪ :‬الميمر الثلثون‪ ،‬ص ‪.252‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Gr. Naz. Or. 43, Ch. 25.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪3‬‬
‫)‪Bas.Ep. 210 ; Rufinus of Aquilea, Church History, Trans. By: (4‬‬
‫‪Philip R.Amldon, (USA,1997), Book 2, Ch. 9.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Bas. Ep. 210.‬‬
‫‪67‬‬
‫وما بلغ إليه باسيليوس من تفوق علمي كبير أثناء رحلته الدراسية‬
‫فككي قيصككرية والقسككطنطينية وأثينككا ومككا حصككل عليككه مككن شككهرة كككبيرة بصككفته‬
‫خطينبككا بلينغككا ومعلنمككا للفصككاحة كككل هككذا تسككبب فككي إصككابته بنككوع مككن العجككب‬
‫والغرور والكبريككاء والتفكاخر بنفسككه بمككا بلكغ إليكه مككن نجاحككات دنيويككة‪ ،‬وانتفككخ‬
‫جندا بسبب بلغاته ورأي أن جميع العظماء أقل من مستواه‪ ،‬وأنه أفضككل جميككع‬
‫الرجال المتقدمين في بلده)‪ ،(1‬ونتكج عكن ذلكك أن ضكعفت بكل تلشكت حماسكته‬
‫لسككلوك حيككاة النسككك فككي هككذه الفككترة‪ ،‬تلككك الحماسككة الككتي كككانت تقككوى وتككزداد‬
‫داخلككه منككذ طفككولته حككتى شككبابه والككتي كككان قككد عقككد العككزم عليهككا مككع صككديقه‬
‫غاريغوريوس حينما كانا يدرسان في أثينا‪.‬‬

‫ل‪ ،‬إذ تكدخلت عكدة‬


‫إن هذه الفترة العص يبة فكي حيكاته لكم تس تمر طكوي ن‬
‫عوامل كان من شأنها أن تعيده إلى نفسككه وتنقككذه مككن حالككة الغككرور والكبريككاء‬
‫الككتي أصككابته‪ ،‬وتبعككده عككن النشككغال بالعككالم وتعيككد تككذكيره بأهككدافه السككابقة‪،‬‬
‫وتمثلككت هككذه العوامككل فككي الحككداث المتلحقككة الككتي تعرضككت لهككا أسككرته أثنككاء‬
‫الفترة التي قضاها في أثينا والوقت القصير الككذي انشككغل فيككه بتككدريس البلغاككة‬
‫في قيصرية عقب عودته من أثينا‪ ،‬وكان أولها إتجاه أخته الكبرى ماكرينا إلككى‬
‫حياة النسك‪ ،‬تكريس كل اهتماماتها للصلة والصوم وخدمة والدتها)‪ ،(2‬والحكدث‬
‫الثككاني هككو مككوت والككده‪ ،‬ومككا تسككبب فيككه مككن إلحككاق الحككزن بالعائلككة كلهككا)‪،(3‬‬

‫)‪(1‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Gr. Niss, Mac., p. 28.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Gr. Niss., Mac., pp.. 23ff.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid., p. 27; Bas. Ep. 59, 60.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪68‬‬
‫إوالقى عبء تحمل مسئوليات العائلة على عاتقه لنه أكبر الفككراد الككذكور سككننا‬
‫فككى السككرة‪ ،‬وقككد نظككر أخككوته إليككه كككأنه أنب لهككم)‪ ،(1‬والحككدث الثككالث هككو مككوت‬
‫أخيه نقراطيوس في السادسة والعشرين من عمره )‪.(2‬‬

‫ضا الدور المهم الذي قامت به أختككه ماكرينككا فككي‬ ‫ويضاف إلى ذلك أي ن‬
‫تككوجيه حيككاته فككي هككذا الككوقت‪ ،‬إذ كككان شككانقا عليهككا أن تككرى أخيهككا غاارقنككا فككي‬
‫الهتمامات الدنيوية ويسعى بكل جهوده إلى بلوغ الم اركككز العليككا فككي المجتمككع‪،‬‬
‫وينسى كل المبككادئ التقويككة الككتي تربككى عليهككا وسككار بموجبهككا مكن قبكل‪ ،‬وكككان‬
‫يعتزم أن يعيش بهكا بككاقي حيكاته‪ ،‬فأخكذت تقكترب منكه وتككذكر لككه بطلن أمجككاد‬
‫العككالم‪ ،‬وذكرتككه بالتربيككة الحسككنة الككتي تلقاهككا فككي الككبيت العككائلي‪ ،‬وحثتككه علككى‬
‫طلب العلوم الدينية التي تغرس البر والتقوى في القلوب)‪.(3‬‬

‫وكذلك الدور الذي لعبه أخوه غاريغوريوس النيسككي الككذي أزعجككه أن‬
‫يككرى أخككاه باسككيليوس غاارقنككا فككي درس العلككوم الطبيعيككة والبشككرية‪ ،‬ويكككاد تيككار‬
‫العكككالم يطكككويه فكككي أمكككواجه‪ ،‬فأخكككذ يشكككجعه باسكككتمرار علكككى التخلكككص مكككن ككككل‬
‫اهتمامككاته العالميككة الككتي تبعككده عككن الكك وحيككاة التقككوى‪ ،‬ويجككذبه إلككى طريككق‬
‫النسك‪ ،‬وقكائل لكه إنكه » يتمنكى أن يعيكش معكه فكي حيكاة نسككية‪ ،‬إوان صكديقه‬
‫ضا ويعد نفسه له ‪«(4) ...‬‬
‫غاريغوريوس النيزينزي يتمنى ذلك أي ن‬

‫‪1‬‬
‫‪Gr. Niss., Ep. X.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Gr. Niss., Mac., pp. 30-33.‬‬
‫)‪(4‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Gr. Niss., Mac, pp. 27, 28.‬‬
‫)‪(5‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Bas. Ep. 14.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪69‬‬
‫ومما لشك فيكه أن كككل هككذه الحككداث ‪ ،‬لسككيما موقككف أختككه ماكرينككا‬
‫معككه تركككت أثككا نار قويككة فككي نفسككه‪ ،‬وأحككدثت تغييكك نار كككبي نار فككي حيككاته‪ ،‬وكككان مككن‬
‫شككأنها أن تخفككض مككن كبريككائه وتفككاخره واعككتزازه بنفسككه‪ ،‬وتجعلككه يعيككد تقييككم‬
‫المككور وتحليلهككا‪ ،‬فاتضككح لككه أن قككدميه قككد زلتككا إلككى الباطككل‪ ،‬وأن العلككم مهمككا‬
‫عظم لن يبلغ إلى معرفة كل شىء)‪ ،(1‬وعيشذبه أخوه النيسى يقظته هذه بمثل ما‬
‫قام به موسى النبي حين أخرج شعب بنى إسككرائيل مككن مصككر‪ ،‬حيككث فضككل أن‬
‫يعيككش معهككم علككى الحيككاة فككي قصككر فرعككون بمككا فيهككا مككن ملذ وتنعمككات)‪،(2‬‬
‫ويصف باسيليوس الثر العميق لهذه الحداث في داخله بقوله‪:‬‬

‫»بعككد أن أضككعت الككوقت الكككثير فككي غاككرور العككالم‪ ،‬وبعككد أن‬


‫أمضككيت معظككم شككبابي أحصككل عبثنككا علككوم الحكمككة‪ ،‬اسككتيقظت بعككد‬
‫كل هذا مثل من يستيقظ من سبات عميق‪ ،‬و أريككت الضككوء العجيككب‬
‫لفضككيلة النجيككل‪ ،‬وتحققككت مككن تفاهككة حكمككة رؤسككاء هككذا الجيككل‬
‫وفراغاها‪ ،‬فهي تمر وتككزول‪ ،‬وكنككت حزينككا جككدا علككى الحيككاة التعسككة‬
‫التي كنككت أحياهككا‪ ،‬وفككي هككذه اللحظككة بحثككت عككن مككن يقككودني إلككى‬
‫طريككق التقككوى‪ ،‬وكككان كككل اهتمككامى أن أصككلح مككن أخلقككي الككتي‬
‫اعككوجت مككن مصككاحبة الشككرار‪ ،‬فبككدأت أقكك أر النجيككل‪ ،‬ولحظككت أنككه‬
‫ليس هناك من سبيل للوصول إلى الكمال‪ ،‬إل أن أبيع كل ما أملك‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid., Ep. 223.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Gr.Niss., Basil,p.126,127‬‬
‫)‪(3‬‬ ‫راجع خروج )‪( 30-5:14‬؛ الرسالة الى العبرانيين)‬
‫‪(27-11:24‬‬
‫‪70‬‬
‫وأوزعككه علككى الفقككراء‪ ،‬وأن أتككرك كككل مباهككج هككذه الحيككاة‪ ،‬بحيككث ل‬
‫تتعككب نفسككي مككن التمسككك بأهككداب شككىء مككن الشككياء القائمككة فككي‬
‫هذه الحياة ‪«(1) ...‬‬

‫هكذا أفاق باسيليوس علكى صكوت أختكه ماكرينكا وبكاقي الحكداث الكتي‬
‫مرت بها أسرته‪ ،‬وكرس حياته ل‪ ،‬بل أكثر من هذا أنه اختار أن يسلك طريق‬
‫النسكككك طريكككق الكمكككال المسككيحى‪ ،‬وهكككو مكككا ككككان قكككد اتفكككق عليكككه مكككع صكككديقه‬
‫غاريغوريوس من قبل‪ ،‬وأخككذ يعككد نفسككه لهكذا المكر‪ ،‬وأول مكا قككام بكه أن أعلكن‬
‫تككوبته ونككدمه علككى حككالته السككيئة‪ ،‬ثككم اخككذ يككدعوا الكك لكككي يرشككده إلككى طريككق‬
‫الحق‪ ،‬وأخذ الكتاب المقدس ليقكك أر فيكه فتوقكف عنكد اليككة‪» :‬إن أردمت أن تككون‬
‫كككاملن فككاذهب وبككع أمل كككك واعككط الفقككراء‪ ،‬فيكككون لككك كنككزز فككي السككماء‪ ،‬وتعككال‬
‫اتبعنككي«)‪ .(2‬هككذه اليككة أثككرت فيككه كككثي نار بالقككدر الككذي أثككرت بككه علككى القككديس‬
‫أنطونيوس من قبل‪ ،‬وألهبت قلبه بمحبكة الك وتكرك ككل ملكذات العكالم‪ ،‬وأشكعلت‬
‫فكي داخلكه الرغابكة لسكلوك حيكاة النسك‪ ،‬وزاد اقتنكاعه ب ه عنكدما نظكر فكرأى أن‬
‫بيككت عككائلته فككي أنيسككى تحككول إلككى ديككر كككبير تعيككش فيككه أمككه وأختككه ماكرينككا‬
‫وأخوها بطرس ذلك الناسك منذ طفولته‪ ،‬ويشاركهم جميع الخدم والعمال بالبيت‬
‫وجمككع كككبير مككن سككيدات الناحيككة‪ ،‬ويعيشككون فيكه حيككاة نسكككية فريككدة)‪ ،(3‬فقككوى‬
‫عزمه على السير على النهج نفسه‪.‬‬

‫وبعد ذلك أخذ يفكر فى دراسة نظم الرهبانية‪ ،‬وقام ليبحث عن معالم‬
‫هككذا الطريككق‪ ،‬ووجككد أنككه ل ازنمككا عليككه أن يككزور الشككرق‪ ،‬حيككث نشككأت وازدهككرت‬

‫‪1‬‬
‫‪Bas. Ep.223.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪2‬‬
‫)( متى )‪(21 :19‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Gr. Niss., Mac. pp. 28, 29, 34-36.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪71‬‬
‫الحركة الرهبانية‪ ،‬وحيث يمكنه أن يشاهد ويلمككس بنفسككه الحيككاة الديريككة‪ ،‬فككزار‬
‫مصكككر المكككوطن الول للرهبانيكككة وفلسكككطين وبلد مكككا بيكككن النهريكككن وسكككوريا‪،‬‬
‫وتحدث عن رحلته هذه فى بعض رسائله‪ ،‬وذككر أنكه دخككل مصككر مكن الناحيكة‬
‫الشمالية الشرقية لها عن طريق فلسطين‪ ،‬وأنكه عكانى ككثي نار مكن طكول الطريكق‬
‫وصككعوبته حككتى إنككه عنككدما بلككغ مدينككة السكككندرية كككان قككد بلككغ حككندا كككبي نار مككن‬
‫العياء وأصابه المرض‪ ،‬وهو ما جعله يمكث فيها فكترة قصكيرة مكن الكوقت ككي‬
‫يسككتريح ويسككترد عككافيته)‪ ،(1‬وبعككدها زار كككثي نار مككن منككاطق التجمعككات الرهبانيككة‬
‫حككول المدينككة‪ ،‬ثككم زار بككاقي منككاطق التجمعككات الرهبانيككة فككي مصككر وصككحراء‬
‫فلسككطين وسككوريا الداخليككة ‪(2) Colysyria‬وبلد مككا بيككن النهريككن )العككراق(‬
‫وأعجب بطريقة حياة نساكهم‪ ،‬وقال عنهم‪:‬‬

‫»‪ ...‬إنى أعجب بزهدهم في المعيشة‪ ،‬وشجاعتهم في العمل‬


‫ومثككابرتهم فككي صككلة الليككل‪ ،‬وبروحهككم العاليككة وقككوة إرادتهككم الككتي‬
‫جعلتهم يحتقرون الجكوع والعطكش والكبرد والحكر‪،‬انهكم ل يخضكعون‬
‫أبككندا لمتطلبككات أجسككامهم‪ ،‬ول يهتمككون بهككا علكى الطلق‪ ،‬وككأنهم‬
‫غاربككاء عنهككا‪ ،‬ويظهككرون بأعمككالهم أنهككم يقيمككون فيهككا فككي هككذه‬

‫‪1‬‬
‫‪Bas., Ep. 1.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪ ()2‬سوريا الداخلية‪ :‬هي المنطقة التي تقع شرق نه ر الردن‪ ،‬وتمتكد ش مالن ح تى مدينكة‬
‫دان‪ ,‬وجنونبا وجنوب شرق يحدها مصر وشككبه الجزيكرة العربيكة‪ ،‬وتمتككد شككرنقا حكتى حكدود‬
‫العككراق والسككعودية‪ ،‬وكككانت فككي العهككد القككديم تشككمل عككدة منككاطق هككي أدوم جنككوب البحككر‬
‫الميت ومواب وعمون وجلعاد وباشان‪.‬‬
‫‪George Frederick Wright, Jordon Valley, In, Inter. Stand.Bib. Enc.‬‬
‫‪vol.1.‬‬
‫‪72‬‬
‫الحيكككاة فقكككط‪ ،‬وأن مكككوطنهم الحقيقكككي هكككو السكككماء‪ ،‬ككككل ذلكككك أثكككار‬
‫إعجابي ‪...‬وجعلني ألتمس القتداء بهم بقدر استطاعتي ‪«(1) ...‬‬

‫هذا كل ما أورده باسيليوس من معلومكات تخ ص زيكارته لمكواطن النس ك‬


‫فكككي مصكككر وفلسكككطين وسكككوريا ومكككا بيكككن النهريكككن‪ ،‬ويؤخكككذ عليكككه هنكككا عكككدم ذككككره‬
‫لمعلومات تفصيلية عنها‪ ،‬ويوجكد إشكارة لهكا عنكد صكديقه غاريغوريكوس حيكن تكلكم‬
‫بإيجاز شديد عن العمال التي قام بها صديقه باسيليوس عقب عككودته مككن أثينككا‪،‬‬
‫فقال‪ » :‬ثم بعد ذلك قام ببعض أسفار وحككده دون أن أكككون معككه تتفككق مككع مككا كنككا‬
‫اعتزمنككا عليككه قبلن مككن تطككبيق النظككام النسكككي«)‪ .(2‬وبهككذه الكلمككات القليلككة أشككار‬
‫غاريغوريوس إلى هذه الزيارة‪ ،‬وبالرغام من إيجازها الشديد فإنها ذات أهميككة كككبيرة؛‬
‫لنها تعكد المصكدر الوحيككد بعكد رسككائل باسكيليوس الككذي يشكير إلكى هككذه الككرحلت‪،‬‬
‫وبخلف ذلك لم نجد بيكن المصكادر الرهبانيكة الخكرى أي معلومكات تكذكر عكن هكذه‬
‫الزيارة‪ ،‬ولعل السبب في ذلككك هككو أنهكا حكدثت فكي وقككت مبكككر مكن تاريككخ الرهبانيككة‬
‫قبل أن يقوم الرحالة والكتاب بتدوين تاريخ الرهبانية‪.‬‬

‫باسيليوس يبدأ حياة النسك ويؤسس نظامه الرهبانى‬


‫بعكككد أن عكككاد باسكككيليوس مكككن رحل تكككه النسككككية أخكككذ يعكككد نفسكككه لتنفيكككذ‬
‫مشككروعه النسكككي الككذي كككان يشكتاق إليككه طككول حيككاته الماضكية‪ ،‬وأتصككل بككالراهب‬

‫‪1‬‬
‫‪Bas., Ep. 223.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Or. 43, Ch. 25.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪73‬‬
‫أوستاسيوس ودعاه لزيارته فكي منكزل عكائلته فكي بنطكس‪ ،‬وسكهر معكه الليكل فكي‬
‫إقامة الصلوات المستمرة‪ ،‬وقضى معه النهار في النشغال بالحككاديث الروحيككة)‪،(1‬‬
‫وبعككد ذلككك عمككل باسكيليوس علكى الخككروج مككن منزلككه والبحككث عكن النسككاك ليتككدرب‬
‫معهم علكى السككلوك فكي الحيكاة النسككية فوجكد جماعكة منهكم تعيككش وفنقكا للمبكادئ‬
‫الرهبانيككة لل ارهككب أوستاسككيوس‪ ،‬فانضككم لهككا وصككار أحككد أعضككائها‪ ،‬وسككار علككى‬
‫مبادئها‪ ،‬فكان يرتدي ثونبككا كثيفنككا كافنيككا لتدفئككة جسكمه مككن بككرودة المنككاخ‪ ،‬ومنطقككة‬
‫على حقويه تمسكك ثكوبه بجسكمه‪ ،‬ونعلن متواضكنعا مصكنونعا مكن جلكد غايكر مكدبوغ‪،‬‬
‫ولككم يكككن يهتككم بشكككله الخككارجي وهندمككة شككعره وتنسككيق ملبسككه‪ ،‬وكككانت عينككاه‬
‫طا‪ ،‬ويشككرب‬
‫منكسككرة‪ ،‬ونظ ارتككه متواضككعة‪ ،‬ويأكككل مككرة واحككدة فككي اليككوم طعانمككا بسككي ن‬
‫الماء فقط ليروى ظمئه‪ ،‬وينام مكن أول الليكل ح تى نصفه نونمكا خفينفكا‪ ،‬ثكم يقضكى‬
‫نصف الليل الخر في الصلة‪ ،‬ويخرج صبانحا إلى العمل الذي ينتهي منه في آخر‬
‫النهار‪ ،‬وبينما كانت يديه تنشغل في أداء العمال كان لسككانه ينطككق بتسككبيح الكك‪،‬‬
‫وعقلككه يتأمككل فككي خلئقككه‪ ،‬و يخصككص جككزنءا مككن يككومه لقككراءة الكتككاب المقككدس‪،‬‬
‫سا مفيدة له)‪.(2‬‬
‫ويأخذ من تعاليمه وآياته وشخصياته درو ن‬
‫ثم أخذ يتصل بصديقه غاريغوريوس يذكره بالعهد الذي قطعه معه سابنقا حين‬
‫كانككا يدرسككان فككي أثينككا فيمككا يختككص باتفاقهمككا علككى التحككول إلككى الحيككاة النسكككية‬
‫عقككب انتهككاء د ارسككتهما ورجوعهمككا إلككى وطنهمككا كبادوكيككا‪ ،‬وعلككى الفككور أرسككل لككه‬
‫غاريغوريككوس خطانبككا يعتككذر لككه فيككه عككن تككأخره فككي اللحككاق بككه‪ ،‬وموضككنحا لككه أن‬
‫السبب في ذلك يرجع إلكى تكأخره فكي أثينكا‪ ،‬إذ تمسكك الطلب بكه لككي يقكوم بمهمكة‬

‫‪;.Bas.,Ep.223()1‬‬
‫‪.Bas.,Epp.2.;223‬‬ ‫‪()2‬‬
‫راجع‪ :‬دير السريان‪ :‬القديس باسيليوس الكبير‪ ،‬حياته نسكياته قوانينه الكنيسية‪ ،‬الطبعككة‬
‫الثانية‪ ،‬دير السريان‪ .2004،‬ص ‪.19‬‬
‫‪74‬‬
‫تعليمهكككم‪ ،‬وعنكككدما رجكككع إلكككى بلكككده تمسكككك بكككه والكككداه لككككي يقكككوم يخكككدمهما فكككي‬
‫شيخوختهما‪ ،‬وكان هذان السككببان دافنعككا لككه فككي التفكيككر فككي مشككروع نسكككي جديككد‬
‫يتمثككل فككي تقسككيم الككوقت بينهمككا حيككث يقضككيان نصككفه بككالقرب مككن بلككدته نيزينكك از‬
‫والنصكككف الخكككر يعيشكككانه فكككي بنطكككس عنكككد صكككديقه باسكككيليوس‪ .‬وقكككد أوضكككح‬
‫غاريغوريوس لصديقه المزايا التي يراها في هذا المشروع‪ ،‬وأولاها‪ :‬أنه يعمككل علككى‬
‫تحقيق وعدهما في سلوك حيكاة النسك‪ ،‬وثانيهكا‪ :‬أنكه يض من لكه عكدم تكرك والكديه‬
‫كليككة)‪ ،(1‬وكككانت بليككدة تبرينككا ‪ Tiberina‬القريب ة مككن نيزينكك از هككي المكككان الككذي‬
‫اختككاره غاريغوريككوس ليقيككم فيككه مككع صككديقه باسككيليوس خلل نصككف الككوقت الككذي‬
‫سوف يقضيه عنككده)‪ ،(2‬وعنككدما وصككلت رسككائل غاريغوريككوس الخاصكة بعككرض هككذا‬
‫المشكككروع إلكككى باسكككيليوس ‪ ،‬أرسكككل بكككدوره رسكككائله إليكككه يعلمكككه فيهكككا برفكككض هكككذا‬
‫المشكككروع وعكككدم مكككوافقته لكككه‪ ،‬وككككان يكككرى أن تبرينكككا ل تصكككلح لن تككككون موقنعكككا‬
‫يتنسكككان فيككه‪ ،‬ل نككه يككرى أن موقعهككا منخفككض عمككا حولهككا وتربتهككا طينيككة تتجمككع‬
‫فيها مياه المطار فتصير مثكل برككة موحلكة ل تصكلح للعيكش فيهكا أو حكتى السكير‬
‫عليها)‪.(3‬‬

‫يبدو أن باسيليوس عندما عمل على القلل من شأن تبرينا البلكدة الكتي‬
‫اختارها صديقه غاريغوريوس لتنفيذ مشروعه النسكي ككان هكذا أحكدى وسكائله فكي‬
‫محاولة إقناع غاريغوريوس بالتخلي عن هذا المشروع‪ ،‬وأعقب ذلك بوسيلة أخككرى‬
‫تتمثل في إرسال الخطابات إليه بغرض أن يجذبه إلى بنطس ‪ ،‬حيككث المكككان الككذي‬
‫اختاره هككو ليعيكش فيكه معكه حيكاة النسكك‪ ،‬ومككن بيكن هكذه الخطابككات خطابككان فكي‬

‫‪.Gr. Naz., EP.1()1‬‬


‫‪.Ibid.EP.2.; Bas., EP.14()2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.Gr.Naz.,EP.2.‬‬ ‫)(‪Bas., EP.14‬‬
‫‪75‬‬
‫إحككدهما يكتككب إليككه موضككنحا معككالم الحيككاة النسكككية المثلككى الككتى اختككار أن يسككلك‬
‫فيها)‪ ،(4‬وفي الخر يكتب لكه وصكنفا جمالنيكا رائنعكا عكن مكوقعه النسككي الكذي اختكاره‬
‫ليتنسك فيه معه‪ ،‬ومما قاله فيه‪:‬‬

‫» إن أخي غاريغوريوس أرسل لي خطانبا يعبر عن اشتياقه‬


‫في أن يلحق بكي ليعيكش معككي حيكاة النسكك‪ ،‬وأضككاف أنكك تريكد أن‬
‫تعيش معنا على النهج نفسه‪ ،‬وأمام هذا ل أستطيع أن أنتظر على‬
‫ما كنت أتوق إليه قبلن وكنت أصيب بالفشككل فككي تحقيقككه ‪ ...‬قمككت‬
‫بالرحيككل إلككى بنطككس سككعنيا عككن مكككان أعيككش فيككه حيككاة النسككك‪،‬‬
‫وهناك اختار لي ال مكاننا يتفق تمانمأ مكع اهتمامكاتي‪ ،‬ورأيكت أمككام‬
‫عيني ما كنت أرسم له صورة في عقلي عن أجمل مكان في الدنيا‪،‬‬
‫فككي هككذا المكككان جبككال عاليككة تغطيهككا غاابككات كثيفككة‪ ،‬تنحككدر منهككا‬
‫أنهار ماء في الشمال مكونة بحيرات وجككداول مككن الميككاه‪ ،‬والسككهل‬
‫الواقع عند سفحها غاني بمساقط المياه المنحدرة مككن هككذه الجبككال‪،‬‬
‫ومحكاط بأشكجار كثيفكة علككى جكوانبه‪ ،‬هكذه الشكجار تشكبه السككياج‬
‫وتقوم بدور طبيعي في حماية السهل‪ ،‬وهو بذلك يتفوق حتى على‬
‫جزيرة كالبسو ‪ Calypso‬التي عدها هوميروس أجمل مكان علككى‬
‫سككطح الرض‪ ،‬بالحقيقككة إن هككذا المكككان يشككبه الجزيككرة المحصككنة‬
‫من جميع الجهات‪ ،‬حيث إن الخاديد العميقة تقسمه إلى قسككمين‪،‬‬
‫والنهر الذي ينحدر ببطككء علككى الجبككال ويجككرى علككى طككول جانبهككا‬
‫المامي يشبه الحائط الذي يستحيل العبور منه إليها‪ ،‬أمككا الجبككال‬
‫فهكككي تقكككع خلكككف النهكككر ثكككم تمتكككد لتقابكككل الخاديكككد ويتككككون مكككن‬

‫‪.Bas., EP.2()4‬‬
‫‪76‬‬
‫اتحادهمككا شكككل يشككبه الهلل أو نصككف القككوس‪ ،‬ويعمككل هككذا علككى‬
‫غالككق كككل الممككرات المؤديككة إلككى الجزيككرة فيمككا عككدا ممككر واحككد وأنككا‬
‫أعرفه جيندا‪ ،‬أما الكوخ الككذي أعيككش فيكه فيقككع علككى مرتفككع يشككرف‬
‫على السهل والنهر الذي حوله‪ ،‬هذا ل يقل جمالن عما كنت أتخيلككه‬
‫في عقلي‪ ،‬ماذا أقول عكن البخكار الكذي يخكرج مكن الرض‪ ،‬أو عكن‬
‫نسيم النهر‪ ،‬سوف تعجب من الورود الكثيرة‪ ،‬وتغريد الطيور‪ ،‬لكن‬
‫كككل هككذا ليككس مصككدر إعجككابي الرئيككس‪ ،‬إنمككا الككذي يعجبنككي حقنككا‬
‫ويسككتحق المديككح هنككا ويفككوق كككل شككىء آخككر فككي متعتكه وسككعادته‬
‫هو الهدوء‪ ،‬وهكذا المككان ليس بعيكندا عكن ضوضكاء المدين ة فقكط‪،‬‬
‫بككل بعيككندا عككن الزيككارات المتكككررة للمسككافرين فيمككا عككدا مككن يحككالفه‬
‫الحظ فى الوصول اليه من الصيادين بغككرض صككيد الغككزال والمككاعز‬
‫والرانب البرية ‪ ...‬هل كنت سكوف ل تتضكايق إذا قمكت أنكا بتغييكر‬
‫هذا المكان واستبداله بمدينتك تبرينككا المنخفضككة كككثينرا عككن سككطح‬
‫الرض‪«(1).‬‬

‫وقبل أن نعطي تعلينقا على هذا النكص لبككد أن نشكير إلككى تحديكد موقكع هكذا‬
‫المنسككك الن بقككدر مككا نسككتطيع تحديككده اعتمككاندا علككى هككذا الوصككف وعلككى بعككض‬
‫الشككارات الخككرى الككتي تعطينككا معلومككات هامككة عنككه‪ ،‬ومككن ذلككك مككا أشككار إليككه‬
‫باسيليوس في رسالة أخرى من رسائله بككأن هككذا المنسككك يقككع فككي الجهككة المقابلككة‬
‫لككبيت عككائلته علككى نهراليككرس)‪،(2‬أى إنككه يقككع علككى الجككانب اليمككن لهككذا النهككر‪،‬‬
‫وبككالرغام مككن قلككة إوايجازهككذه الشككارات أخككذ أحككد العلمككاء المتخصصككين فككي علككم‬
‫الجغرافيككا التاريخيككة يتتبعهككا بككالبحث والد ارسككة‪ ،‬حككتى اسككتطاع تحديككد موقككع هككذا‬

‫‪1‬‬
‫)(‪.Bas.,EP.14‬‬
‫‪2‬‬
‫)( ‪.Bas.,EP.223‬‬
‫‪77‬‬
‫المنسك بدقة‪ ،‬حيث الوادي الصخري الذي يقع بالقرب من أحد ثنيات نهككر اليككرس‬
‫أسككفل مدينككة تورخككال ‪ Turkhal‬الحالي ة ‪ ،‬ويبعككد نحككو ثلثيككن ميلن فككي التجككاه‬
‫الجنوبي الشرقي لمدينة أماسيا ‪.(1)Amasia‬‬

‫أما بالنسبة للنص فأول ما يلفت انتباهنا فيه هو جمال الوصف الذي رسمه‬
‫باسيليوس له‪ ،‬حيث لكم يكترك فيكه أي جكانب لكم يلبس ه حللن بهيكة‪ ،‬وفكوق ككل ذلكك‬
‫فهو يتميز بالهدوء المطلوب الذي يبحث عنه النسكاك ‪ ،‬ككل هكذه الصكور الجماليكة‬
‫الرائعة التي رسمها باسكيليوس جعلتنكا نتخيكل أنكه يصكف بقعكة موجكودة فكي الجنكة‬
‫ليس لها نظير على الرض التي نعيش عليها‪ ،‬ونستدل منها على قوة عقله الككذي‬
‫يمتلككئ بكككثير مككن السككاليب والصككور الجماليككة‪ ،‬وعلككى تمتعككه بإحسككاس مرهككف‪،‬‬
‫ونفس ذواقة للفن والجمال‪ ،‬وحسن التعبير عن ذلك كله‪ ،‬وأن الحياة النسكية كككان‬
‫لها جانب مثالى وجمالى وشعرى يعمل على جذب مثكل هكذه العقكول المثقفكة الكتي‬
‫ضكككا أنكككه بجكككانب تمتكككع‬
‫اسكككتطاعت أن تعكككبر عنكككه بب ارعكككة‪ ،‬ونسكككتدل مكككن ذلكككك أي ن‬
‫ضككا‬
‫باسككيليوس بملكككه التعككبير عمككا يككدركه بعقلككه ويحسككه بمشككاعره‪ ،‬كككان يتمتككع أي ن‬
‫بملكة أخرى وهي القدرة الكبيرة على فهم الخرين والتأثير فيهم‪ ،‬ونقصد هنا فهمه‬

‫‪.Ramsay,op.cit.,P.326‬‬ ‫‪()1‬‬
‫ومدينككة أماسكككيا تقككع داخكككل وليكككة بنطكككس‪ ،‬وبنيكككت علكككى خليكككج يمتكككد علكككى نهككر الهكككاليز‬
‫والبحرالسود وموقعها مرتفع عمها حولهككا‪ ،‬وهككو مكا أكسككبها حصككانة طبيعيكة ككبيرة‪ ،‬وهككي‬
‫موطن الجغرافي اليوناني استرابو‪ ،‬أصبحت تخضع للمبراطورية الرومانية في عام ‪70‬م‪،‬‬
‫ثم خضعت للمبراطورية البيزنطية‪ ،‬وكانت مرك ناز كنسنيا كبي نار منذ القككرن الثككالث الميلدى‪،‬‬
‫وبقيككككت هكككككذا حككككتى اسككككتولى عليهككككا السككككلجقة عككككام ‪1075‬م‪ ،‬وتسككككمى الن أماسككككيه‬
‫‪.Amasiah‬‬
‫للمزيد من التفاصيل عنها انظر‪:‬‬
‫‪Van Lenne P.Travels in Asia Minor,2 Vols.(London,1870)Vol.1, pp.‬‬
‫‪86-106.‬‬
‫‪78‬‬
‫وتأثيره على صديقه غاريغوريوس‪ ،‬حيث إنه من خلل معرفته له وارتبكاطه بكه منكذ‬
‫زمككن طويككل مضككى‪ ،‬وبخاصككة فككي الفككترة الككتي درسككا فيهككا منعككا فككي مدينككة أثينككا‪،‬‬
‫استطاع أن يفهم شخصيته فهنما عميقنككا‪ ،‬فككأدرك أن لصككديقه مشككاعر رقيقككة وحسككنا‬
‫مرهفنا‪ ،‬وخيالن خصبنا ونفس تقدر الجمال‪ ،‬ومحبته للعزلة والهككدوء‪ ،‬وميككولن نسكككية‬
‫شككديدة‪ ،‬فأخككذ يككدخل إليككه مككن هككذا الجككانب ورسككم لككه صككورة شككعرية وجماليككة عككن‬
‫منسكه في بنطس؛ لكي يجذبه إلى مشاركته له حياة النسك في تلك العزلة‪.‬‬

‫وأخي نار نجحت وسائل باسيليوس في إقناع صديقه غاريغوريوس‪ ،‬وعملت‬


‫على إلهاب قلبه وعقله لهذه الحياة‪ ،‬وبدأ يسرع الخطى للوصول إليه ليككرى بعينيككه‬
‫ما كان يق أر عنه ويتخيله بعقله ويتأثر به بمشكاعره فقكط‪ ،‬وأخكذ يعكد نفسكه لتحقيكق‬
‫مككا تعهككد بككه وقككرره سككابنقا مككع صككديقه باسككيليوس فككي اعككتزال العككالم والتحككول إلككى‬
‫الرهبنة)‪.(1‬‬

‫هكذا حقق غاريغوريككوس وعككوده مككع صككديقه باسككيليوس‪ ،‬والتقككى بكه فككي‬
‫منسكه ببنطس وبصحبتهما بعككض النسككاك الخريككن‪ ،‬بالضككافة إلككى غاريغوريككوس‬
‫أخى باسيليوس‪ ،‬وعاشا منعا حياة نسكية رائعة أخككذ يسككهب فككي وصككفها فيمككا بعككد‬
‫وتمنككى لككو لككم تقصككر أيامهككا وشككهورها‪ ،‬وتحككدث فيهككا عككن اتحككاده مككع باسككيليوس‬
‫وأخيككه والنسككاك الخريككن فككي عيشككة واحككدة وصككفها بالحيككاة المباركككة والمقدسككة‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ويشككتركون فككي قككراءة‬
‫حيث كانوا يشتركون منعككا فككي الصكلة والتسككبيح نهككا نار ولي ن‬
‫السككفار المقدسككة والسترشككاد بوصككاياها‪ ،‬وعككن تككأملتهم فككي الطبيعككة ومكوناتهككا‬
‫ضا عن اشتراكهم في أعمال زراعة الرض‬
‫التي تعكس قدرة وحكمة ال‪ ،‬وتحدث أي ن‬
‫الككتي تحيككط بهككم للحصككول علككى غاككذائهم‪ ،‬وفككي تجميككع الحطككب الككذي يسككتخدم فككي‬
‫التدفئة وطهي الطعام)‪.(2‬‬

‫‪1‬‬
‫)( غاريغوريوس)صديق غاريغوريوس النيزينزى(‪ :‬الميمر الثلثون‪ ،‬ص ‪.254‬‬
‫‪.Gr.Naz.,EP.2‬‬ ‫‪()2‬‬
‫‪79‬‬
‫ضككا عككن مشككاركة لصككديقه باسككيليوس فككي عقككد العديككد مككن‬
‫وتحككدث أي ن‬
‫الحكككاديث والمنكككاظرات النسككككية‪ ،‬ومسكككاعدته لكككه فكككي كتابتهكككا علكككى شككككل قواعكككد‬
‫وقككوانين)‪ ،(1‬ولعلككه يقصككد مككن إشككارته هككذه أنككه شككارك باسككيليوس فككي وضككع صككيغ‬
‫مبدئية لبعض القوانين النسكية التي كانا يحتاجككان إليهككا فككي حياتهمككا هككذه ليسكي ار‬
‫ضككا علككى بعكض النسكاك الخريككن الكذين عاشككوا معهمككا فككي‬
‫بمقتضكاها ويطبقاهككا أي ن‬
‫هذه الف ترة المبككرة والكتي لبكد أن يككون باسكيليوس قكد قكام بالزيكادة فيهكا والتعكديل‬
‫وتنقيحها فيما بعد عدة مرات لتتناسب مع زيادة أعداد رهبانه وأديرته‪.‬‬

‫وبعد ذلك أخذ غاريغوريككوس يتكذكر رفكض باسكيليوس لمشككروعه النسككي‬


‫القككديم‪ ،‬وتحقيككره مككن شككأن بليككدة تبرينككا‪ ،‬وهككو مككا أصككابه بالضككيق والحككزن لدرجككة‬
‫جعلته يكتب عدة رسائل يهاجمه فيها ويهاجم منسكه بطريقة ساخرة‪ ،‬لكنها تظهكر‬
‫غاضبه منه‪ ،‬ففي أحدى هذه الرسائل يتهمه بأنه يضكحى بصكداقته معكه فكي سكبيل‬
‫أل يبتعككد عككن بيككت عككائلته ببنطككس‪ ،‬ولككم يرغاككب فككي تقككديم أيككة تنككازلت مككن جككانبه‬
‫ليكككون قرينبككا منككه مثككل الككتي قككدمها هككو)‪ ،(2‬وفككي رسككالة أخككرى أخككذ يصككف منسكككه‬
‫ببنطككس بككأنه مظلككم ليلن ونهككانرا‪ ،‬ول تككدخله الشككمس‪ ،‬وشككبه حيككاة مككن يعيككش فيككه‬
‫بليلة طويلة تطوي موتى وليس أحياء‪ ،‬وأن ارتفككاع الجبككال حككوله يتسككبب فككي عككدم‬
‫تجديد الهكواء فيكه؛ وعككدم وصكول أشكعة الشككمس بضككوئها وحرارتهككا إليكه‪ ،‬وهكو مككا‬
‫ينتج عنه اختناق جميع الكائنات الحية داخله بما فيها النسان‪ ،‬وشكبه تل ك القمكم‬
‫الجبلية التي تحيط به بالتاج الذي يتوج رأسه وكأنه ملك يجلس على عرش مملكة‬
‫ليس بها شعب‪ ،‬كمكا أن النحكدار السكريع للجبكال ل يسكمح لي شكخص بكأن يقيكم‬
‫على جوانبها أو حتى يمشككي عليهككا‪ ،‬وتجعكل النهكر الككذي يجكري عليهكا نهك نار قاسكنيا‬
‫شديد التكدفق والنحكدار وسكريع الجريكان وككثير الشكللت ودائكم الثكورات بحيكث ل‬

‫‪. Gr.Naz.,EP.2() 1‬‬


‫‪.Gr.Naz.,EP.2‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫‪80‬‬
‫يعطي الفرصة لي أحد أن يعبر فيه أو يخترقه أو يصيد منه طعانمككا أو علككى القككل‬
‫يشرب منه ماء ليروى ظمئه‪ ،‬كما أنه عندما يفيككض يهككدد بتككدمير كككل شككىء يوجككد‬
‫على جانبيه بما في ذلك مسكاكن النسككاك وز ارعككاتهم‪ ،‬وبعككد أن ينحصكر مككاؤه يكترك‬
‫الرض موحلة ومليئة بالأغاوار بحيث ل يستطيع أحد القامة فى المكككان أو السككير‬
‫عليككه‪ ،‬ويعلككو صكككوت ميكككاهه علككى صكككوت تسكككابيح النسكككاك‪ ،‬ويقلككق هكككدوءهم فل‬
‫يستطيعون النتفاع بشىء من عباداتهم‪.‬وتتعككرض هككذه البقعكة إلكى هبككوب الريككاح‬
‫البككاردة الكتي تتسككابق فيمككا بينهكا وتصكبح عواصككف شكديدة الخطككورة‪ ،‬وينتكج عنهكا‬
‫ضرركبير لجميع من فيها‪ ،‬ول يوجد بها زهور بل أشككواك خطككرة‪ ،‬وطيورهككا ل تغككرد‬
‫بل تصرخ من شدة الجوع‪ ،‬ول تعرف أنها تطير فوق صحراء ليس فيهكا طعكام يسكد‬
‫جوعها‪ ،‬أما الككذين يقصكدون هكذا المككان فهكم يككأتون إليكه بغككرض صكيد الحيوانككات‬
‫ضككا لكككي ينظككروا إلككى جثككث المككوتى مككن النسككاك وهككي مطروحككة علككى‬
‫البريككة وأي ن‬
‫المنحكدرات الجبليكة‪ ،‬والحيوانكات الموجكودة فيكه تلتكف حككول النسكاك السككاكنين فيكه‬
‫ضا المسكن الذي يعيش فيه صديقه واصنفا إياه بككأنه بل‬ ‫)‪(1‬‬
‫وتسخر منهم ‪ ،‬وانتقد أي ن‬
‫سككقف يحميككه مككن تسككاقط المطككار‪ ،‬وبل بككاب يغلككق ليحميككه مككن هجككوم الحيوانككات‬
‫المفترسة‪ ،‬وليس فيكه موقكد يطهكى عليكه الطعكام أو يحصكل منكه علكى الكدفء‪ .‬ثم‬
‫يواصككل معككه حككديثه السككاخر الككذي يشككمل علككى وقفككات كككثيرة مككن المككزاح الممككزوج‬
‫بجدية‪ ،‬ويوضح له أنهما خلل معيشتهما السابقة في بنطس كانا معرضككين لكككثير‬
‫مككن الخطككار ومنهككا خطككر المككوت غارقنككا فككي ذلككك النهككر العككاتي أو مككن فيضككاناته‬
‫المدمرة‪ ،‬أو نتيجة لتعرضككهما للسككيول العارمككة القادمككة مككن أعلككى الجبككال‪ ،‬أو كانككا‬
‫شككا لصكعوبة الحصكول علكى ميكاه عذبككة بكالرغام مككن ككثرة مصكادرها‪ ،‬أو‬
‫يموتان عط ن‬
‫يموتان جونعا بالرغام من كثرة الفرائس وقربها منهما ‪ ،‬ثم أخككذ يككذكره بأرغافككة الخككبز‬
‫الجافة التي تسببت في سقوط أسنانه‪ ،‬وبالرض التي شق عليهمكا تنظيفهكا إوازالكة‬

‫‪.Gr.Naz.,EP.4()1‬‬
‫‪81‬‬
‫أحجارها وزراعتها‪ ،‬ويشتكى إليه من الجروح التي أصابت يديه وعنقه وقدميه من‬
‫استخدام أحدى العربات الجبلية في أعمالهما‪ ،‬وكيف هاجمته المراض الكثيرة فككي‬
‫هذا المكان‪ .‬وبالرغام من كل هذا لككم ينككس أن يثنككي علككى والككدة صككديقه باسككيليوس‬
‫ويعترف بحسن صنيعها‪ ،‬حيث كانت ترسل لهما المؤن الغذائية والملبس الثقيلة‪،‬‬
‫كما لو كانت ليسكت أنمككا للثنيككن منعكا‪ .‬وقكد عملكت بككدعمها هكذا علكى الحفككاظ علكى‬
‫حياتهمككا طككوال تلككك الفككترة الككتي قضككياها منعككا‪ ،‬وبككدونها لكانككا قككد ماتككا منككذ بدايككة‬
‫تنسكككهما‪ ،‬ووصككفها بالملجككأ العظيككم للفقككراء‪ ،‬وبالمينككاء المككن الككذي يرسككو فيككه‬
‫الرجال وقت العواصف)‪.(1‬‬

‫باسيليوس يواجه قسطنطينوس وجوليان فى هجومهم على الكنيسة‬


‫وفكككي أثنكككاء إقامتهمكككا فكككي بنطكككس كانكككا قكككد اشكككتركا فكككي كتابكككة مؤلفهمكككا‬
‫الفيوكاليكككا ‪ Philocalia‬اى المنتخابكككات الجميلكككة‪ ،‬وهكككذا المؤلكككف هكككو شكككروحات‬
‫لبعض ما كتبه العلمة أوريجككانوس وبعكض آبكاء الكنيسككة الخريكن‪ ،‬وضككعاها فكي‬
‫أسلوب بسيط وجذاب ليسهل لي شخص الطلع عليها‪ ،‬ووصف هذا العمككل بككأنه‬
‫ضا عقائكدنيا فكي المقكام الول يتوافكق مكع رغابكة مكؤلفيه فكي جعلكه الحج ة‬
‫يحمل غار ن‬
‫والبرهكككان ضكككد افكككتراءات الهراطقكككة الريوسكككيين الكككذين قكككويت حركتهكككم ونشكككطت‬
‫هرطقتهم جندا في ذلك الوقت‪ ،‬وكانوا يتعمدون فهم تفسككيرات أوريجككانوس للسككفار‬
‫طا يتوافق مككع آرائهكم العقائديكة‪ ،‬بككل ينككادون بكأن أوريجكانوس‬
‫المقدسة فهنما مغلو ن‬
‫نفسه نادى قبلهم بمثككل معتقككداتهم ‪ ،‬وقكد اسكتاء باسكيليوس وغاريغوريككوس لفعكال‬
‫الريوسككيين الدنيئككة وقامككا علككى الفككور بالككدفاع عككن معلمهمككا أوريجككانوس دفككاع‬
‫البطال‪ ،‬فأخذا على عاتقهما تككأليف هككذا الكتككاب ليوضككحا فيككه بككراءة معلمهمككا مككن‬
‫الخطاء التي نسبوها إليه‪ ،‬واستقامة منهجه البحثي في الكتاب المقككدس‪ ،‬وتوافككق‬

‫‪.Gr.Naz.,EP.5()1‬‬
‫‪82‬‬
‫تفسيراته وتعاليمه وآرائه مع نصككوص الكتككاب المقككدس وتعككاليم الرسككل)‪ ،(1‬ويتضككح‬
‫من هذا أن باسيليوس وبصحبته صديقه غاريغوريكوس كانكا متكأثرين منكذ صكغرهما‬
‫بأوريجانوس‪ ،‬وأنهما منذ بدايككة تنسكككهما فككي بنطككس وهمككا يظهككران اهتمانمككا كككبي نار‬
‫بالقضايا العقائدية للكنيسة والمشاركة في الدفاع عنها ضد الهرطقات‪.‬‬

‫ويبككدو أن هككذا الكتككاب قككد لقككى نجانحككا كككبينرا‪ ،‬وانتشككر انتشككا نار واسككنعا فككي‬
‫الوسككاط الكنسككية‪ ،‬حككتى إن اثنيككن مككن مككؤرخي الكنيسككة فككي عصككرهما قككر ار فككي‬
‫تاريخهمككا أن باسككيليوس وغاريغوريكككوس كانككا قككد عقككدا اتفانقككا فيمككا بينهمككا علككى‬
‫مواجهكة الهرطقكة الريوسكية بككل مكا لكديهما مكن قكوة‪ ،‬وأخكذا يقتسكمان هكذا العمكل‬
‫بينهما ‪ ،‬فاختار بنطس وما جاورها من وليككات واجتهككد فكى نككزع الريوسكية منهكم‪،‬‬
‫وكانت وسيلته في ذلك الوعظ والتعليككم بمبككادئ العقيككدة الرثوذكسككية النيقويككة بيككن‬
‫الشعوب في المدن وداخل الكنائس‪ ،‬ولم يكتف بذلك بل عمل علككى تأسكيس الديككرة‬
‫وجعككل لهككا جاننبككا تعليمنيككا عقائككدنيا فككي تلككك البلد‪ ،‬وجعككل رهبانهككا يشككاركونه العمككل‬
‫نفسه‪ ،‬أما غاريغوريوس فأخذ يعمل في مدينته نيزين از وما يجاورهككا مككن بلد أخككرى‬
‫بالضككافة إلككى مدينككة القسككطنطينية)‪ ،(2‬ولبككد أن نككذكر هنككا أن هككذا التفككاق يوضككح‬
‫اهتمكككام باسكككيليوس وغاريغوريكككوس بمواجهكككة الريوسكككية والحفكككاظ علكككى العقيكككدة‬
‫الرثوذكسية‪ ،‬وبالرغام من صدق هذا التقسيم وتوضيحه لحقيقة تاريخية ثابتككة فككي‬
‫حياة هذين الرجلين‪ ،‬فإنه لم يكن تقسيما شاملن وماننعا لجهودهمككا فككي هككذا المككر‪،‬‬
‫والكككدليل علكككى ذلكككك أن باسكككيليوس أشكككار فكككي أحكككدى رسكككائله أنكككه اهتكككم بمواجهكككة‬
‫الريوسككية فككي مككدن أخككرى تقككع خككارج هككذا التقسككيم مثككل مككدينته قيصككرية)‪(3‬ومككدن‬
‫أخرى سوف يأتي ذكرها بعد قليل‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)(‪.Gr.Naz.,EP.6. ; Soc.,op.cit.iv,26.;Soz.,op.cit.vi,17‬‬
‫‪.Soc.,op.cit.iv,26.;Soz.,op.cit.vi,17‬‬ ‫‪()2‬‬
‫‪.Bas., EP.223() 3‬‬
‫‪83‬‬
‫وقكككد عملكككت جهودهمكككا هكككذه علكككى اشكككتداد الصكككراع بيكككن الريوسكككيين‬
‫والرثوذكسيين‪ ،‬وأدرك الريوسيون أن هرطقتهم قد تلقت ضككربات قويككة مككن هككذين‬
‫الرجليككن‪ ،‬فأخككذوا يتقربككون للمككبراطور قسككطنطينوس للحتمككاء بككه‪ .‬وتمكنككوا مككن‬
‫إستمالته إلككى جكانبهم ‪ ،‬وحصككلوا علككى وعكود منككه بمسككاندتهم ‪ ،‬وأسككهموا فكى عقكد‬
‫العديد من المجامع المحلية بغرض إقرار صيغة إيمانية جديدة تتفق مككع معتقككدتهم‬
‫فككي عككام‬ ‫)‪(2‬‬
‫ومجمككع سككلوقيا‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪ ،‬وأهككم هككذه المجككامع ثل ثككة‪ ،‬هككى مجمككع أرمينككي‬

‫‪1‬‬
‫)( أرمينككي‪ :‬تسككمى ‪ Rimini‬أو ‪ Arminum‬وه ي مدينككة إيطاليككة تقككع علككى سككاحل‬
‫البحر الدرياتي بين نهكري مارسكيا ‪ Marecchia‬أو)أرمينكوس )‪ ،R. Arminius‬ونهكر‬
‫أوسا ‪ R. Ausa‬أو أبروسا )‪ .(R. Aprusa‬اعتمد سكانها القدماء على البحر في توفير‬
‫سبل معيشتهم‪ ،‬فعملوا بالملحة البحريكة‪ ،‬وحرف ة ص يد السكماك‪ ،‬وأصكبحت ه ذه المدينكة‬
‫مسككتعمرة لتينيككة منككذ عككام ‪263‬ق‪.‬م‪ ،‬ثككم اسككتولى عليهككا الرومككان فككي عصككر يوليككوس‬
‫قيصككر‪ ،‬ونككالت اهتمانمككا كككبينار مكن البككاطرة الرومككان‪ ،‬مثكل أغاسككطس وتككبريوس وهادريككان‪،‬‬
‫فأنشأوا فيها العديد من المباني الضخمة‪ ،‬مثكل نصكب أغاسكطس قيصككر‪ ،‬وجسكر تيكبريوس‬
‫وكنيسة القديسة استفانوس‪ ،‬وتمتعت بمكانة كنسية كبيرة في العصور المسككيحية المبكككرة‬
‫وخير دليل على ذلك عقد هذا المجمع بها‪ ،‬واحتوائهككا علككى الكككثير مككن الكنككائس الضككخمة‬
‫التي يرجع معظمها إلى العصور الوسطى‪.‬‬
‫لمزيد من التفاصيل عن هذه المدينة راجع‪:‬‬
‫‪. U. Benigni, Rimini, In: Cath. Ency, Vol. 13‬‬
‫‪ ()2‬سككلوقية‪ :‬تقككع فككي وليككة أيسككوريا بككإقليم آسككيا الصككغرى‪ ،‬وبنيككت فككي عهككد الملككك‬
‫السككلوقي أنطيوخككوس الول‪ ،‬وأخككذت اسككمه‪ ،‬ثككم اسككتولى عليهككا الرومككان فككي القككرن‬
‫الول الميلدي‪ ،‬وجعلوها عاصمة لولية إيسككوريا‪ ،‬وأخككذت أهميتهككا تزيككد فككي العصككور‬
‫المسيحية المبكرة‪ ،‬ودفنت فيها العذراء تكل ‪ Thecla‬تلميذة بولس الرسول‪ ،‬ويقكال أن‬
‫بولس الرسول نفسه دفن فيها‪ ،‬وفي القرن الخامس الميلدي‪ ،‬وفككي عهككد المككبراطور‬
‫الرومكاني زينكون أصكبحت واح دة م ن أشكهر المكدن المسكيحية فكى العكالم‪ ،‬وفكي الق رن‬
‫السككككادس الميلدي احتككككوت علككككى أربككككع وعشككككرون كرسككككنيا أسككككقفنيا‪ ،‬اسككككتولى عليهككككا‬
‫‪84‬‬
‫‪359‬م ومجمككع القسككطنطينية فككي أواخككر هككذا العككام وبككدايات عككام ‪360‬م‪ ،‬وضككم‬
‫مجمككع أرمينككي السككاقفة الغربييككن‪ ،‬وضككم مجمككع سككلوقيا السككاقفة الشككرقيين‪ ،‬أمككا‬
‫مجمع القسطنطينية فقد ضم وفوندا من أساقفة المجمعين‪ ،‬وكان الغككرض مككن عقككد‬
‫هذه المجامع اتفاق جميع الكنائس الشرقية والغربية على معتقد ايمانى واحد‪ ،‬وقد‬
‫مككارس السككاقفة الريوسككيون أسككاليب عديككدة مككن الضككغط والكككذب فيهككا وسككاندهم‬
‫المبراطور في ذلك حتى تمكنوا مككن الخككروج منهككا بصككيغة إيمانيكة تتفككق كككثي نار مككع‬
‫معتقداتهم المنحرفة‪ ،‬وتنص على أن جكوهرالبن يشكبه جكوهرالب‪ ،‬وسكميت ص يغة‬
‫الريوسيين باسم الدستور المؤرخ لنه يبدأ بتاريخ توقيع المبراطور)‪.(1‬‬

‫وهناك أشارات كككثيرة فكى مصككادر عديككدة تشككير إلككى حضككور باسكيليوس‬
‫مجمككع القسككطنطينية مككع السككاقفة الككذين أوفككدهم مجمككع سككلوقيا ‪ ،‬وأشككار مصككادر‬
‫إلى أنه وهو على هذه الحال قام بكدور ككبير فكي هكذا المجمكع‪ ،‬إذ أخكذ يكدافع عكن‬
‫معتقككده بالككدخول فككي محككاورات ومجككادلت شككديدة ضككد أسككاقفة الدسككتور المككؤرخ‬
‫وضد المبراطور نفسه‪ ،‬وهو ما أدى إلى غاضب المبراطور‪ ،‬فككأمر بإصككدار قكك اررات‬
‫حرمان ضده وضد من يشاركه العتقكاد مكن فرقتكه‪ ،‬وطردهكم مكن المجمكع)‪ ،(2‬وفكي‬

‫السلجقة التراك في القكرن الحككادي عشكر الميلدى‪ ،‬واسككتولى عليهكا العثمكانيون فككي‬
‫القككرن الثككالث عشككر الميلدى‪ ،‬ومككاتزال أطللهككا موجككودة إلككى اليككوم وتسككمى مريمليككك‬
‫‪.Meriamlik‬‬
‫لمزيد من التفاصيل راجع‪.S. Vailhe, Selvucia, In: Cath. Enc. Vol. 8 :‬‬
‫‪CF. Bas., EP.223.;251.;Soc.,op.cit.II,36-42.;Soz.,op.cit.III,19‬‬ ‫‪() 1‬‬
‫‪., iv ,16-24.;Theod., op.cit.II, 18-21‬‬
‫‪Gr.Nis., Against Eunomius Trans.by William Moore And‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫;‪Henry Austin In (N.P.N.F.) 2nd ser.,Vol.5,I,10.‬‬
‫‪Philostorgius,History of The Church ,Trans. By Edward‬‬
‫‪;.Walford ,London ,1855,iv,12‬‬
‫‪85‬‬
‫مصدر آخر وصككاحبه باسكيليوس نفسكه أفكاد بكأنه قككام بمقاومككة كككبيرة ضككد أسكاقفة‬
‫هذا المجمع الذين يعتقدون بالدستور المؤرخ‪ ،‬ولككم تقككف مقكاومته عنكد هككذا الحككد‪،‬‬
‫بل شرع يعمل على بسط هذه المقاومة في خارج قاعات المجمع في القسككطنطينية‬
‫)‪(1‬‬
‫نفسها وما جاورها من مدن أخككرى عديككدة مثككل مدينككة خلقككدونيا ‪Chalcedon‬‬
‫ضا مدينكة هرقاليككا ‪،(2)Heraclea‬ولككم يكتككف بهكذا‪ ،‬بكل جعككل يككدافع عككن نفسككه‬
‫وأي ن‬
‫ضد الذين اهتموه بالهرطقككة‪ ،‬وأكككد مكك ارنار علككى أرثوذكسككيته ‪ ،‬ويككدين ويهككاجم جميككع‬

‫ونلحظ هإنا أن فيلوستورجوس المؤرخ الريوسى أتهم باسيليوس بأنه هإرطوقى‪.‬‬


‫‪ ()1‬خلق دونيا‪ :‬هكي مدينكة هامكة تق ع فكي إقليكم آسكيا الص غرى‪ ،‬علكى س احل وليكة بثينكة‪،‬‬
‫أسست ع ام ‪676‬ق‪.‬م‪ ،‬واسكتولى عليه ا الفكرس فكي بكدايات الق رن السكادس قبكل الميلد‪،‬‬
‫واسككتولى عليهككا الرومككان عككام ‪74‬ق‪.‬م‪ ،.‬وفككي العصككر المككبراطوري كككانت تتمتككع بنظككام‬
‫المدن الحرة‪ ،‬ثم أصبحت تحكم بواسطة المبراطور البيزنطي في عصر المككبراطور فككالنز‪،‬‬
‫واستولى عليها الفرس عام ‪616‬م‪ ،‬وظلوا بها حتى عام ‪626‬م‪ ،‬ودخلتها المسككيحية منككذ‬
‫وقكككت مبككككر مكككن تاريخهكككا‪ ،‬وزادت أهميتهكككا الدينيكككة جكككندا فكككي منتصكككف القكككرن الخكككامس‬
‫الميلدي‪ ،‬ويشكككهد علكككى ذلكككك انعقكككاد مجمكككع مسككككوني بهكككا فكككي عكككام ‪451‬م‪ ،‬واشكككتهرت‬
‫بأديرتها وكنائسها القديمة الضخمة‪.‬‬
‫لمزيد من التفاصيل راجع‪.S. Petrides,Chalcedon,In:Cath.Enc.,Vol. 3 :‬‬
‫‪ ()2‬هرقاليا‪ :‬هي مستعمرة قديمة وبنيت على جانب مرتفع لحد جككزر بحكر مرمككرة‪ .‬حككازت‬
‫شككهرة كككبيرة بسككبب المقاومككة الككتي أظهرتهككا ضككد الملككك فيليككب المقككدوني والككد السكككندر‬
‫الكبر‪ .‬وعمل موقعها المتوسط ومينائها على الربكط بيكن عكدة طكرق بحريككة هامكة‪ ،‬المكر‬
‫الذي أعطاها أهمية تجارية عظيمة‪ ،‬وأدى إلى ثرائها‪ ،‬دخلتها المسيحية منككذ وقككت مبكككر‪،‬‬
‫وأنشئ بها خمسة كراسي أسقفية‪ ،‬ثم زادت حكتى بلغككت خمسككة عشكر كرسككي‪ ،‬ثكم انخفككض‬
‫هذا العدد إلى ستة كراسي قبل استيلء العثمانيين عليها‪ .‬تخرج منهككا رجككال ديكن ككثيرون‬
‫عرفوا بسعة معارفهم وثقافتهم ‪.‬‬
‫لمزيد من التفصيل انظر‪S. Petrides,Heraclea, In:Cath.Enc.,Vol.7 :‬‬
‫‪86‬‬
‫الفرق الريوسية وجميع الهرطقات الخرى‪ ،‬وينتقد دساتيرهم الدينية المنحرفة)‪.(1‬‬

‫وبعد انتهاء مجمع القسطنطينية قكرر المككبراطور إرسكال وفككد برئاسكة وفككد‬
‫أريوسككي إلكى جميكع كنككائس المبراطوريككة لكدعوة أسككاقفتها للتوقيككع علكى الدسككتور‬
‫المككؤرخ‪ ،‬وتهديككد مككن يرفككض التوقيككع بالعككذاب والنفككي)‪ ،(2‬وعنككدما بلككغ هككذا الوفككد‬
‫كنيسة قيصرية التقى بديانوس‪ ،‬وأستغل بساطته وشيخوخته‪ ،‬وأخذ يقنعه بأن بأن‬
‫ق اررات هذا الدستور تتفق مع ق اررات مجمع نيقية الرثوذكسي‪ ،‬فاقتنع ووقع عليه‪،‬‬
‫وعندما علم باسيليوس بما حدث صعب عليه المككر وأصككابه الحككزن الشككديد‪ ،‬وقككام‬
‫لوقته بقطكع الشكركة معكه)‪ ،(3‬ثكم هجكر المدين ة كلهكا ورحكل إلكى مدينكة نيزينك از عنكد‬
‫صديقه غاريغوريوس لعله يجد عزاء لحزانه عنده)‪ ،(3‬وبعد ذلك بفترة قصيرة مرض‬
‫ديانوس واحتاج إلى تلميذه باسيليوس لككي يقكف بجكانبه فأخكذ يبعكث إلي ه بالرسكل‬
‫والرسائل يرجككوه أن يعككود إليكه فككي أسكرع وقكت‪ ،‬ويصكف لككه حكالته السكيئة وضككعف‬
‫قككواه‪ ،‬ويوضككح لككه أنككه وقككع فريسككة لخككداع جككورج الريوسككي ووقككع علككى الدسككتور‬
‫المؤرخ دون قصكد‪ ،‬وأنكه مكايزال متمسككنا بمعتقكد نيقيكة الرثوذكسكي ولكم يحكد عنكه‬
‫قيد أنملة‪ ،‬وعنككدما بلغككت هككذه الرسككائل باسككيليوس فككرح جككندا بهككا وتأكككد مككن صككدق‬
‫معتقد أسقفه‪ ،‬ولم يشأ أن يضيع وقنتا ورحل اليككه‪ ،‬والتقككى بكه‪ ،‬وجككدد شككركته معككه‪،‬‬
‫وصكار خادنمكا أميننكا لكه‪ ،‬وسكاعده فكي إدارة ش ئونه المطرانيكة‪ ،‬ولكم يتخكل عنكه فكي‬

‫‪.Bas.,EP.223.;251 ()1‬‬
‫‪(1)2‬‬
‫‪.Phil.op.cit.v,I‬‬
‫‪.Bas.,EP.51‬‬ ‫‪(2)3‬‬
‫)‪. Ibid.EP. 8(3‬‬
‫(‪(4‬‬
‫‪.Bas.,EP.51‬‬
‫‪87‬‬
‫أثناء الفترة التي مرض فيها ولزم الفراش إلى أن تنيح)‪.(4‬‬

‫وبعد وفكاة المطكران ديكانوس بكدأت المدينكة تعكد نفسكها لختيكار خلكف لكه‪،‬‬
‫لتقليده فى هذا المنصب ‪ ،‬وأحدثت هذه القضككية مجككادلت وانقسككامات حككادة داخككل‬
‫المدينة بين رجككال الككدين‪ ،‬وداخككل الوسككاط الشككعبية‪ ،‬وذاد تككدخل رجككال الدولككة مككن‬
‫تعقيد الموقف‪ ،‬وعلى أثر هذا انقسكمت المدين ة إلكى عكدة أحكزاب‪ ،‬وككل حكزب منهكا‬
‫أخذ يرشح الشخصية التي يراها‪ ،‬وبلغ التنافس والنقسام حككندا كككبي نار بسككبب أهميككة‬
‫هككذا الكرسككي وبسككبب قككدوم كككثير مككن السككاقفة التككابعين لككه مككن منككاطق مختلفككة‬
‫للمشكاركة فكي عمليكة التنص يب‪ ،‬وفكي النهايكة اجتمكع الشكعب وقسكم مكن السكاقفة‬
‫واتفقوا على اختيار شكخص يكدعى يوسكابيوس لهكذا المنصكب‪ ،‬وقكامت فرقكة جنكود‬
‫حامية المدينة بمساعدة الشعب في تنصيب هذا الرجل‪ ،‬وكان يوسابيوس هذا أحد‬
‫مواطني قيصرية ويشغل مرك ناز مرمونقا فيها‪ ،‬وقككد عكرف عنككه حسكن السككيرة‪ ،‬ولكنككه‬
‫لككم يكككن قككد تعمككد‪ ،‬فأخككذوه وأقككاموا لككه م ارسككم التعميككد‪ ،‬ثككم أوقفككوه رغانمككا عنككه أمككام‬
‫السككاقفة وطلبككوا منهككم أن يقيمككوه أسككقنفا علككى المدينككة‪ ،‬و بككذل الشككعب والجنككود‬
‫الككككثير مكككن اللتمكككاس الممكككزوج بكككالعنف لهكككؤلء السكككاقفة فوافقكككوا علكككى تنصككيب‬
‫يوسابيوس‪ ،‬ولكن الساقفة المعارضين ما لبثوا أن اتفقوا على تدبير خطككة للغككاء‬
‫هككذا التنصككيب‪ ،‬ونككادوا ببطل نككه‪ ،‬وكككانت حجتهككم أنهككم أجككبروا علككى المشككاركة فيككه‬
‫خوفكككان مكككن تهديكككدات الشكككعب لهكككم‪ ،‬لككككن خطتهكككم هكككذه لقكككت مكككن يواجههكككا وهكككو‬
‫غاريغوريوس الكبير والد غاريغوريوس النيزينزي الككذى تصككدي لهككم‪ ،‬وأثبككت شككرعية‬
‫وقانونية التنصيب كنسيان‪ ،‬وقضى على مقاومتهم)‪.(1‬‬

‫وفى الوقت نفسه اسكتغل جوليككان الحككداث الككتي وقعكت فكي الشككرق مككن‬

‫‪Gr.Naz.,Or.18 (On The Death Of His Father) ,Trans.,by Charles ()1‬‬


‫‪Gordon Browne And James Edward Swallow,In(N.P.N.F.)2nd ser .‬‬
‫‪.vol.7‬‬
‫‪88‬‬
‫خلفات دينية‪ ،‬وهجوم الشعوب المتبربرة وانشغال عمه قسككطنطينوس بهككا‪ ،‬وأعلككن‬
‫نفسه إمبراطونار على الغرب رغانما عككن إرادة عمككه‪ ،‬وهككو مككا دفككع قسككطنطينوس الككى‬
‫الخروج لمحاربته‪ ،‬وبينمكا كككان فككي طريقكه إليكه أصكيب بمكرض خطيكر تكوفى علككى‬
‫ضكا وواصكل سكيره‬
‫إثكره‪ ،‬ومكا لبكث جوليكان أن علكم بمكوته فاسكتغل هكذا الحكادث أي ن‬
‫وهو على رأس جيشه حتى بلغ مدينة القسطنطينية‪ ،‬ودخلها وجلككس علككى عرشككها‬
‫وأعلككن نفسككه إمككبراطونار أوحككد علككى الشككرق والغككرب‪ ،‬وكككان ذلككك فككي أواخككر عككام‬
‫‪361‬م)‪.(1‬‬

‫وفككى الككوقت نفسككه اسككتغل جوليككان الحككداث الككتي وقعككت فككي الشككرق مككن‬
‫خلفات دينية‪ ،‬وهجوم الشعوب المتبربرة وانشغال عمه قسككطنطينوس بهككا‪ ،‬وأعلككن‬
‫نفسه إمبراطونار على الغرب رغانما عككن إرادة عمككه‪ ،‬وهككو مككا دفككع قسككطنطينوس الككى‬
‫الخروج لمحاربته‪ ،‬وبينمكا كككان فككي طريقكه إليكه أصكيب بمكرض خطيكر تكوفى علككى‬
‫ضكا وواصكل سكيره‬
‫إثكره‪ ،‬ومكا لبكث جوليكان أن علكم بمكوته فاسكتغل هكذا الحكادث أي ن‬
‫وهو على رأس جيشه حتى بلغ مدينة القسطنطينية‪ ،‬ودخلها وجلككس علككى عرشككها‬
‫وأعلككن نفسككه إمككبراطونار أوحككد علككى الشككرق والغككرب‪ ،‬وكككان ذلككك فككي أواخككر عككام‬
‫‪361‬م)‪.(2‬‬

‫‪Ammianus Marcellinus,The Surviving Books Of The History‬‬ ‫‪()1‬‬


‫‪Of Ammianus Marcellinus With An English Trans.by John C Rolfe‬‬
‫;‪.3 vol. vol.2,3. (London,1937,1939) vol.2,xxI,8,12:15, xxII,1 ,2:5.‬‬
‫‪.Soc.,op.cit.,II,47.,III, Theod.op.cit.,III.1‬‬
‫‪Ammianus Marcellinus,The Surviving Books Of The History‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫‪Of Ammianus Marcellinus With An English Trans.by John C Rolfe‬‬
‫; ‪.3 vol. vol.2,3. (London,1937,1939) vol.2,xxI,8,12:15, xxII,1,2:5.‬‬
‫‪.Soc.,op.cit.,II,47.,III, Theod.op.cit.,III.1‬‬
‫‪89‬‬
‫زميل لباسيليوس منذ فترة طويلة مضت‪ ،‬ويعرفه منذ أيام‬
‫ن‬ ‫وكان جوليان هذا‬
‫الصككبا)‪ .(1‬وهككذه المعلومككة تككدلنا علككى أنككه عرفككه منككذ أن كككان يككدرس فككي مدينككة‬
‫قيصرية والقسطنطينية‪ .‬و يؤكد غاريغوريوس النيزينزى أنه ظل زميلن له ولصديقه‬
‫ضكا‪ ،‬وقكرر أن جوليكان لكم يكذهب إلكى أثينكا بغكرض الدراسكة‬
‫باسكيليوس فكي أثينكا أي ن‬
‫فقط‪ ،‬بل إنه كان يقصد بجانب ذلك التعرف على أسرار العبككادات الوثنيككة بهككا الككتي‬
‫ككانت تش تهر بهكا منكذ وقكت طويكل مضكى‪ ،‬ومكا تكزال تحتفكظ بكالكثير منهكا فكي هكذا‬
‫الككوقت‪ ،‬وأنككه كككان يككرى فيككه علمككات تنككذر بشككر خطيككر فيمككا بعككد‪ ،‬ومككن أهككم هككذه‬
‫العلمات ما كان يتعلق بصفاته الجسمية والخلقية السيئة‪ ،‬وقد تككرك غاريغوريككوس‬
‫وصنفا دقينقا عنها يتوافق مع ما يظنككه فيكه مككن سككوء‪ ،‬ومنهككا عنقككه المرتخككي الككذي‬
‫ككككان يكككثير تشكككاؤمه دائنمكككا‪ ،‬وكتفكككاه المرتفعكككان والمقوسكككان‪ ،‬وعينكككاه المتحركتكككان‬
‫والملتفتتكككان دائنمكككا عمكككا حولهمكككا بشكككىء مكككن الفضكككول الجامكككح والجنكككون‪ ،‬وأنفكككه‬
‫المتسككعر بالحتكككار والسككباب‪ ،‬وتعككبيرات وجهككه الككتي تككؤدي إلككى المعنككى نفسككه‪،‬‬
‫وضحكاته المرتفعة وغاير المنضبطة‪ ،‬وغامزات عينيه عن غاير قصد‪ ،‬وكلمه الذي‬
‫يتوقف وينقطع بسكتة واحدة‪ ،‬وأسئلته المضطربة والسوفسككطائية‪ ،‬وأقككواله المليئككة‬
‫بالفككار الفلسكفية الوثنيككة السكيئة‪ ،‬وتمسككه بصكداقة السكاتذة والطلب الككوثنيين‪،‬‬
‫وتجنبكككه صكككداقة المسكككيحيين‪ ،‬ومشكككاركته فكككي الحتفكككالت الوثنيكككة وتقكككديم ذبائكككح‬
‫لللهة‪ .‬كل هذه الصفات السيئة جعلت غاريغوريوس يتنبأ عنه بأنه سوف يعككرض‬
‫ظكا‬
‫المبراطورية لشر كبير فكي مس تقبله‪ ،‬وككان يتمنكى أل تتحقكق نبكوءته هكذه حفا ن‬
‫على أمن وسكلمة المبراطوريكة والكنيسكة‪ ،‬ولككن أمنيتكه هكذه لكم تتحقكق وتحققكت‬
‫نبوءته عوضا عنها ‪ .‬وكان حاض نار يوم أن خيبككت آمككاله وتحققككت نبككوءته بككاعتلء‬
‫جوليان العرش ‪ ،‬وقيامه بإعلن ارتداده عن المسيحية‪ ،‬إواعادة العبككادات الوثنيككة‪،‬‬

‫‪Emperor Julian,Letter To ST.Basil The Great.in, N.P.N.F. 2nd‬‬ ‫‪()1‬‬


‫‪. ser.vol.8,Ep.40.; Bas.,EP.4‬‬
‫‪90‬‬
‫واضطهاد الديانة المسيحية)‪ .(1‬وقد تشدد جندا في محاربة المسيحيين للدرجة التى‬
‫دفعككت غاريغوريككوس أن يصككفه بالعككدو والقاتككل والمنتقككم والمككارق والجاحككد والكككافر‬
‫والشكيطان والكوحش الفظيكع والمتككبر والظكالم والطكاغاي والبكاغاي والمشكرع ودائكس‬
‫الشككرائع والقاضككي والخصككم الظككالم‪ ،‬ونككاقض العهككود والمواثيككق‪ ،‬والصككاعقة الككتي‬
‫تحككرق وتخككرب وتهككدم‪ ،‬وأن ظلمككه وشككره فككاق الشككرور والمصككائب الككتي تنتككج عككن‬
‫الكوارث الطبيعية مثل الزلزل والبراكين والحرائق والطوفانات)‪.(2‬‬

‫وتطبينقا لسياسة المبراطور جوليان الككتي اتبعهكا ضكد المسكيحيين والككتي‬


‫تقضكككي بتحكككويلهم إلككى الوثنيككة بإسككتعمال الوسككائل المختلفككة كالقنكككاع والككترغايب‬
‫والتهديكككد والكككترهيب‪ ،‬وتلكككوين القكككوة والقسكككوة باولقنكككاع وتغليكككف الطغيكككان بالحكمكككة‬
‫والحيلة والفطنة)‪ ،(3‬ولرغابته في إحاطة نفسه بأصدقائه القدامى الذين تلقوا تعلينمككا‬
‫جيككندا مثلككه)‪ ،(4‬أخككذ يعمككل علككى التقككرب إلككى باسككيليوس‪ ،‬وحككاول ضككمه إلككى جككانبه‬
‫ليكككون أحككد رجككاله المخلصككين‪ ،‬أو كمككا يككرى أحككد المككؤرخين ليضككمن صككمته أمككام‬

‫‪ ()1‬القككديس غاريغوريككوس اللهككوتى النزينككزى‪ :‬الخطككاب الثككانى ضككد يوليككانس‪ ،‬تعريككب‬


‫السكككقف واسكككتفانوس حكككداد‪ ،‬كتكككاب‪ ،‬مختكككارات مكككن القكككديس غاريغوريكككوس اللهكككوتى‬
‫النزينزى )بيروت‪ :‬منشورات النور‪ ( 1994،‬ص ‪. 84‬‬
‫‪ ()2‬القككديس غاريغوريككوس اللهككوتى النزينككزى‪ :‬الخطككاب الول ضككد يوليككانس‪ ،‬تعريككب‬
‫السكككقف واسكككتفانوس حكككداد‪ ،‬كتكككاب‪ ،‬مختكككارات مكككن القكككديس غاريغوريكككوس اللهكككوتى‬
‫النزينزى‪ ،‬ص ‪ 45‬وما بعدها‪.‬؛ الخطاب الثانى ضد يوليانس‪ ،‬ص ‪. 84‬‬
‫‪ ()3‬القديس غاريغوريوس اللهوتى النزينزى‪ :‬الخط اب الول ضكد يولي انس‪ ،‬ص ‪،54‬‬
‫‪.55‬‬
‫‪Emperor Julian,Letter To ST.Basil The Great.in N.P.N.F.2 ()4‬‬ ‫‪nd‬‬

‫‪. ser .vol.8,Ep.39.;40‬‬


‫راجع‪ :‬رأفت عبد الحميد ‪ :‬الدولة والكنيسة‪ -‬قيصر والمسيح ثلثة أجزاء )القاهرة‪ :‬دار‬
‫قباء ‪( 2001،‬ج ‪ ،1‬ص ‪. 336‬‬
‫‪91‬‬
‫أعمكاله العدائيكة)‪ .(1‬وفكي س بيل تنفيكذ ذلكك كتكب إلي ه رسكالة تتسكم بكالود والحكترام‬
‫يدعوه فيها إلى زيارته في القصر المكبراطوري ليجكددا منعكا مشكاعر الصكداقة الكتي‬
‫كانت تربطهما منذ أيام الصبا‪ ،‬وحدثه فيها عكن الجهككد المضكني الككذي يتحملككه فكي‬
‫إدارة المبراطوريككة‪ ،‬وأنككه يختلككس مككن وقتككه بضككع لحظككات يسككيرة يسككرى فيهككا عككن‬
‫نفسه‪ ،‬وأخذ يوضكح لكه أنكه ل يعكرف ول يحكب أسكاليب الريكاء والتملكق والمداهنكة‬
‫التي يمتلئ بها القصر‪ ،‬وفي نهاية الرسالة قال‪:‬‬

‫» ‪ ...‬إنككا ل نعككاتب أو نككؤنب أحككندا إل إذا اسككتدعى المككر‪،‬‬


‫أمكا أصكدقاؤنا العكزاء فنحبهكم ككثينرا‪ ...‬إنكي أكتككب لبرهكن لككك عكن‬
‫اشككتياقي لرؤيتككك‪ ،‬إواذا تككم ذلككك فأسكككون سككعيندا جككندا‪ ،‬فرجككل حكيككم‬
‫مثلككك سككوف يسككلك بمككا يجعلنككي ارضككنيا عنككه‪ ،‬ولككم يسككبب لككي أي‬
‫ضكككيق ‪ ،‬ومكككن ثكككم فكمكككا أخبرتكككك‪ ،‬ل تضكككيع وقتنكككا‪ ،‬ولتسكككرع إلكككى‬
‫مقابلتي‪ ،‬وبعد أن توفى هذه الزيارة لككي‪ ،‬سككوف تمضككي فككي رحلتككك‬
‫)‪(2‬‬
‫أنى شئت‪ ،‬مع أطيب تمنياتى‪«.‬‬

‫على هذا النهج سار جوليان في سياسته مع باسيليوس طامنعا في استمالته‬


‫إليه‪ ،‬واعندا إياه بك ثير مكن الوعكود السكخية الكتي يخفكي و ارءهكا ككثي نار مكن أغاراضكه‬
‫الشريرة‪ ،‬ثم أراد أن يستعرض قكوته وسكلطانه أمكامه وبطكولته الحربيكه وأنتصكاراته‬
‫على أعكداء ألمبراطوريكة فى الشكرق والغكرب‪ ،‬وأخكذ يتكلكم بإسكهاب ككبير عكن ككل‬

‫‪ ()1‬المرجع السابق‪ ،‬نفس الصفحة ‪.‬‬


‫‪.Jul.,EP.39‬‬ ‫‪()2‬‬
‫ترجمة نص هإذا الخطاب و نصوص الخطابات الخأرى التى تخص المأييبراطور جوليييان‬
‫وباسيليوس فى هإذا الموضوع نققلً عن‪ :‬رأفككت عبككد الحميككد‪ :‬الدولككة والكنيسككة‪ ،‬ج ‪،1‬‬
‫ص ‪. 339-336‬‬
‫‪92‬‬
‫هذه المور‪ ،‬ومما قاله فيها ‪:‬‬

‫» ‪ ...‬بينما أنا أظهر للزمان دماثة خلق ولين جانب‪ ،‬طبانعا‬


‫ل زمتنككي منككذ جئككت إلككى الحيككاة‪ ،‬فككإنني قككد صككيرت كككل مككن تظلهككم‬
‫الشمس طوع أمري‪ .‬أنظر هذي قبائل البرابرة جمينعككا قككد أتككت تضككع‬
‫عنككد قككدمي كككل عطايككاهم‪ ...‬ولكككن لككدي مككا هككو أهككم‪ ،‬إذ يجككب أن‬
‫أسير لتككوي إلككى فكارس لدحككر ذلككك السككابور وأقهككر سككليل داريكوس‬
‫على أن يقدم لي الجزية عن يد وهو صاغار‪ .‬لقحلككن أرض الهنككود‬
‫والسراكنة‪ ،‬وليعرفن الجميع سلطاني‪ ،‬وليمسككين الكككل عبيككندا لككي‪...‬‬
‫)‪«.(1‬‬

‫يتضح من هذا النص من الخطاب أن جوليان أراد أن يبرهن فيه لباسيليوس‬


‫مقككدار قككوته وقسككوته فككي تعككامله مككع العككداء الككتي تجعككل منهككم سككبايا مككدحورين‬
‫وعبيككندا مككذلولين لككه‪ ،‬وهككذا لكككى يككدفعه إلككى قبككول دعككوته‪ ،‬والخضككوع لككه‪ .‬كمككا أن‬
‫النص يفصح عن الطموح الذي تمتلئ به نفس المبراطور‪ ،‬ومدى ما يدور بخلككده‬
‫مككن السككيادة علككى أقككاليم جديككدة يضككمها للمبراطوريككة‪ ،‬وذلككك ليتشككبه بالسكككندر‬
‫الكبر فى سيطرته على أقاليم كثيرة من العالم)‪ .(2‬ومما يؤيككد ذلككك ويؤكككده مككا ذكككره‬
‫عنككد المككؤرخ الكنسككى سككقراط مككن أنككه كككان يككؤمن تمانمككا بمككا لقنككه إيككاه الفيلسككوف‬
‫ضكككا إيمكككانه بالنظريكككة‬ ‫)‪(3‬‬
‫مكسكككيموس ‪ ، Maximus‬حكككول المجكككد والعظمكككة‪ ،‬وأي ن‬

‫‪1‬‬
‫)(‪.Jul.,EP.40‬‬
‫‪2‬‬
‫)( القككديس غاريغوريككوس اللهككوتى النزينككزى‪:‬الخطككاب الول ضككد يوليككانس‪ ،‬ص‬
‫‪.71‬‬
‫‪ ()3‬الفيلسككوف مكسككيموس‪ :‬هككو فيلسككوف وثنككي ولككد فككي مدينككة أفسككس فككي بككدايات‬
‫القرن الرابع الميلدي‪ ،‬من عائلة نبيلة تتمتع بالثراء الكبير‪ ،‬تعلم الفلسفة من كتابككات‬
‫‪93‬‬
‫الفلسفية فكي تناسكخ الرواح‪ ،‬واعتقككاده بككوان روح السكككندر ال كككبر حالكة فيكه‪ ،‬أو‬
‫أنه السكندر الكبر نفسه في جسم ثان)‪.(1‬‬

‫ولم يقنع باسيليوس بمككا يمتلككه مكن حكمككة وذككاء ومعرفكة سكابقة بكأخلقه‬
‫وسلوكه ودوافعه السيئة فريسة لخداعه‪ ،‬بل إنه لم يككدخر وسككنعا فككي إطلق العنككان‬
‫للسانه قدنحا فيه ‪ ،‬ضكارنبا عكرض الحكائط بتسكامحه المزيكف ‪ ،‬وهكو مكا تسكبب فكي‬
‫إثارة حنق جوليان عليه‪ ،‬ودفعه لكتابة هذه الرسالة الثانية وإرسالها له والتي أخككذ‬
‫يواصل واستعراض قوته فيها ‪ ،‬ويهدده بتهديدات خطيرة قائلن له ‪:‬‬

‫»‪ ...‬أل تدري أني حفيكد قسكطنطين العظيكم؟ أل فلعرفكك‬


‫ذلك ولكن مع هذا لككن أغايككر شككعونار حملتككه لككك يونمككا‪ ،‬ول مككا أكننتككه‬
‫لككي أنككت فككي أيككام الصككبا‪ .‬ولقككد شككاءت إرادتنككا الرحيمككة أن نككأمرك‬
‫بإعداد ألف جنيه ذهنبككا‪ ،‬وأن تقككدمها لككي عنككدما أعككبر فككي قيصككرية‬
‫فككي طريقككي إلككى الحككرب الفارسككية الككتي أسككتحث خطككوي لهككا الن‪،‬‬
‫فكككإن أبيكككت فلدمكككرن قيصكككرية ولمحكككون ككككل تلكككك المنشكككآت الكككتي‬

‫أفلكككوطين وبكككورفيري واعتنكككق مبكككادئ ونظريكككات الفلسكككفة الفلطونيكككة الحديثكككة‪ .‬اهتكككم‬


‫بممارسة السحر والشعوذة‪ ،‬وعلكم فكي مدرسككة برجامكة وككان لكه دونار ككبينار فكي نهضكة‬
‫الفلطونية الحديثة في عصره اتصل بالمبراطور جوليان‪ ،‬ونككال احت ارنمككأ ومكانككة كككبيرة‬
‫في القصكر المككبراطوري‪ .‬وككان أحكد أشكهر معلميككه‪ .‬وككان لكه تكأثير ككبير عليككه‪ ،‬وهككو‬
‫الككذى دفعككه الككى أن يكككرس نفسككه لد ارسككة الفلسككفة الفلطونيككة الحديثككة‪ ،‬ويتجككه نحككو‬
‫السحر والغيبيات‪ .‬وكان يتصكف بالكبريكاء ممكا تسكبب فكي مع اداة الك ثيرين ل ه‪ .‬وم ات‬
‫مقتولن في عهد فالنز عام ‪372‬م ‪.‬‬
‫لمزيد من التفاصيل عن هذا الفيلسوف راجع ‪:‬‬
‫‪Eunapius,Lives of The Philosophers and Sophists,Trans.And‬‬
‫‪Introd.By Wilmer Cave Wright,5th Printing,UK.,1921, pp.427-447.‬‬
‫‪.Soc.,op.cit.III,21(2)1‬‬
‫‪94‬‬
‫ترينها منذ القدم‪ ،‬ولقيمن على أطللهككا معابككد للربككاب ‪ ،‬ولرغامككن‬
‫الجموع‪ ،‬كل الجموع على أن تذل لمبراطور الرومان‪ ،‬أوصكيك حنقكا‬
‫أن ترسل على يد بعض رسلك المخلصين الذهب المشار إليه‪ ،‬بعككد‬
‫أن تقوم بعده وميزانه وختمه بخاتمك‪ ،‬فإذا ما فعلت ذلك غافرت لككك‬
‫مككا كككان منككك‪ ،‬بككادر إذن بالرضككى إوال فلككن يفيككد النككدم إذا الككوقت‬
‫مضى‪ ،‬لقد تعلمت أن أعرف وأن أدين ما لول مرة أطالعه)‪«.(1‬‬

‫ويتضككح مككن هككذا النككص أن جوليككان أراد أن يككذكر باسككيليوس بككأنه حفيككد‬
‫المكبراطور قسكطنطين وتجكري فكي عروقكه دمكاء ملكيكة‪ ،‬وليكس إنسكاننا عادنيكا لككي‬
‫يوجه إليه كل تلك الهانات التي قذفه بها‪ ،‬والتي سوف يجازيه عليها شر الجكزاء‪،‬‬
‫وأنه يوجه تهديدات مباشرة لمدينة قيصرية ولباسيليوس نفسه‪ ،‬وبككالرغام مككن شككدة‬
‫هككذه التهديككدات فككإن باسككيليوس لككم يجككزع منهككا‪ ،‬بككل زادت مككن شككجاعته وج أرتككه‬
‫وجعلته يمسك بقلمه ليكتب إليه رندا علكى رسككالته ‪ ،‬حمككل فيكه عليككه أقصكى مككا فكي‬
‫وسعه‪ ،‬قال له فيه‪:‬‬

‫» ‪...‬أعمالك البطولية لحاضكرك الزاهكر حقيكرة‪ ،‬وهجومكك‬


‫علمى‪ ،‬أو بالحرى على نفسك تافه وحقير‪ .‬وعندما يأخذني التفكير‬
‫فيك وأنت تتككدثر بالعبككاءة المبراطوريككة‪ ،‬والتككاج علككى مفككرق أرسككك‬
‫الذي تجلل بالعار‪ ،‬إوامبراطوريتك تظللها الفضيحة‪ ،‬تتملكني رعككدة‪.‬‬
‫وأنككت قككد علككوت وبلغككت المرتقككى أسككلمت نفسككك لشككياطين الغككدر‬
‫ومكردة الكدناءة‪ ،‬فأوردتكك هكذا المكورد‪ ،‬وأخكذت تسكمو بنفسكك فكوق‬
‫ككككل بنكككي البشكككر‪ ،‬بكككل ضكككد الككك‪ ،‬وتمتهكككن كنيسكككته‪ ،‬الم والمربيكككة‬

‫‪.Jul.,Ep.40()1‬‬
‫‪95‬‬
‫للجميع‪ ،‬بأن ترسل إليها أشد الناس حقارة ‪ ،‬ليأمروني أن أقككدم لككك‬
‫هككذا الككذهب‪ ،‬ولككم تتملكنككي الدهشككة لمقككدامه‪ ،‬إوان كككان ذلككك شككينئا‬
‫عس يرنا‪ ،‬بكل جعلنكي أذرف الكدمع السكخين عليكك وأنكت تسكرع تجكاه‬
‫الضككياع‪ .‬إن نفسككي تحككدثني كيككف كنككا نتلقككى سككونيا دروس الكتككاب‬
‫المقدس ‪...‬أما الن فقكد فقكدت مشكاعرك وأصكبحت ضكالن وضكيقت‬
‫على نفسك بهذا الكبر‪ ،‬سموك هذا الرصين لم يكتشف مككن البدايككة‬
‫إني ل أعيككش وسككط ثككروة وارفككة‪ ،‬حككتى تككأتي اليككوم لتطلككب منككي أن‬
‫أقدم لك هذا الذهب‪ ...‬إنككي ل أملككك فككي الواقككع مككا يقيككم أودي‪ .‬فككن‬
‫الطهي تحت سقفي مككات‪ ،‬وسكككين حككادة لككم تمككس أبككندا ذبيحككة‪ ،‬أنككا‬
‫نقتكككات بكككالخبز الجكككاف المصكككنوع مكككن القمكككح‪ .‬ومكككن ثكككم لكككم تتبلكككد‬
‫بالشككراهة عقولنككا ول كككان الفككراط كككل همنككا‪ ...‬إنككه لشككىء خطيككر‬
‫لشككخص مثلككي أن يخككاطب المككبراطور‪ ،‬ولكككن المككر سككوف يكككون‬
‫أكثر خطورة عندما تخاطب الله وليس بينك وبينككه وسككيط‪ .‬إن كككل‬
‫ما أخبرتك به يبدو أنك لم تدركه‪ ،‬إواذا فهمته ل تدان)‪«.(1‬‬

‫يتضح من نص هكذه الرسكالة ونصككوص الرسكائل الكتي أوردناهككا سككابنقا أن‬


‫جوليان ككان شكديد الرغابكة فككي اسكتمالة صكديقه باسكيليوس إليكه‪ ،‬وفكي سكبيل ذلكك‬
‫اتبع أولن سياسة اللين والترغايب معككه‪ ،‬إل أن هككذه السياسككة أثبتكت فشككلها مككن أول‬
‫رد فعككل لباسكيليوس عليهككا‪ ،‬ولككم تككأت بالنتائككج المرجككوة منهككا‪ ،‬ولكككن هككذا الظككن لككم‬
‫يككدفع جوليككان لليككأس فكي تحقيككق رغابكاته‪ ،‬إذ جككدد أمكاله باسكتبدال سياسكة التهديكد‬
‫ضكككا عنكككد أول رد فعكككل‬
‫والكككترهيب والوعيكككد بسياسكككته السكككابقة ‪ ،‬ولكنهكككا فشكككلت أي ن‬
‫لباسككيليوس عليهكككا‪ ،‬وكككان نتيجككة ذلكككك أن تيقكككن جوليككان مككن اسككتحالة اسككتمالة‬
‫باسيليوس إليه‪ ،‬وزاد غاضبه عليه وعلى مدينته قيصككرية وعلككى المسكيحيين داخككل‬

‫‪.Bas.,EP.41()1‬‬
‫‪96‬‬
‫الأمبراطورية عامة‪.‬‬

‫ويجب أن نذكر هنا أن كراهية جوليان لمدينة قيصرية كانت كراهية قديمكة‬
‫تسبق اعتلءه العرش‪ ،‬وقبل أن تسكوء العلقككة بينكه وبيكن باسكيليوس‪ ،‬وأسكبابها‬
‫هي شدة كراهيته لسككانها بسكبب سكرعة تحكولهم إلكى الديانكة المس يحية منكذ وقكت‬
‫مبكر من دخولها المدينة‪ ،‬وتميزهم بقوة التمسك بها والغيككرة الشككديدة عليهككا‪ ،‬وهككو‬
‫ما جعلهم يهدمون معابد اللهة الوثنية التي كانت تشتهر بها المدينككة‪ ،‬مثككل معبككد‬
‫ال لككه أبوللككو ‪ ،Apollo‬وكككذلك معبككد اللهككة جوبيككتر ‪ Jupiter‬الله ة الحارسككة‬
‫للمدينة في عصورها الوثنية‪ .‬وزاد من سككخطه علككى قيصككرية أن مسككيحى المدينككة‬
‫عنككدما علمككوا بأنبككاء ارتككداده عككن المسككيحية‪ ،‬وعزمككه علككى إعككادة إحيككاء العبككادات‬
‫الوثنية بتشييد معابد جديدة لها‪ ،‬إواعادة إقامكة طقوسككها فكي المعابككد القديمككة الكتي‬
‫أهملت‪ ،‬بالضافة إلى إهكانته لككاهنهم المحبكوب باس يليوس‪ ،‬وجهكوا لكه الهانكات‬
‫الشكديدة وسكخروا بكه أشكد سكخرية‪ ،‬وهكدموا معبكد الحكظ آخكر الهياككل الوثنيكة فكى‬
‫المدينكة‪ ،‬وهككو مككا جعلككه يشككعر بمهانككة كككبيرة‪ ،‬ودفعككه إلككى تككوجيه اللككوم إلككى وثنيككى‬
‫المدينة واتهامهم بالهمال والتفريكط فكي حمايكة مقدسكاتهم الدينيكة لعكدم إسك ارعهم‬
‫لنجككدة هككذا المعبككد‪ ،‬وكككان ينتظككر منهككم عكككس ذلككك حككتى ولككو كلفهككم هككذا الككدفاع‬
‫أرواحهم‪ .‬وتوعد المدينة بالويل والخراب الشديد)‪.(1‬‬

‫مككن الحككداث الخككرى الككتي تسككببت فككي زيككادة سككخط جوليككان علككى مدينككة‬
‫ضككا قضككية اختيككار أسككقف للمدينككة وتنصككيبه خلنفككا‬
‫قيصككرية وعلككى باسككيليوس أي ن‬
‫لسككقفها السككابق ديككانوس‪ .‬ومككا أحككدثت هككذه القضككية مككن مجككادلت وانقسككامات‬
‫وصكككراعات بيكككن طوائكككف المدينكككة بيكككن رجكككال الكككدين وداخكككل الوسكككاط الشكككعبية‬
‫والحكوميككة دون أن يصككل إلككى علمككه شككىء مككن هككذه المككور‪ ،‬وأراد أن يتككدخل فككى‬
‫هككذه القضككية بمككا يخككدم معتقككداته الدينيككة‪ ،‬وهككو مككا أدى إلككى اشككتعالها مككن جديككد‪،‬‬

‫‪.Soz.,op.cit.v,4() 1‬‬
‫‪97‬‬
‫وأظهر عدم مكوافقته عليهككا؛ لنهكا تمككت دون علمككه‪ ،‬ورفكض تنصكيب يوسكابيوس‬
‫في هذه الدرجة ‪ ،‬وأخذ يوجه له التهديدات القاسية‪ ،‬ويتوعد المدينة كلها بالخطر‪.‬‬
‫وزاد مكن خطكورة الموقككف تكدخل حككاكم المدينكة فيكه‪ ،‬وككان غارضككه أن يسكتفيد منكه‬
‫بمكاسككب شخصككية لككه منهككا التقككرب إلككى المككبراطور وكسككب وده‪ ،‬والتخلككص مككن‬
‫يوسككابيوس نفسككه؛ ل نككه كككان يبككدي معارضككته الدائمككة لككه ولتبككاعه مككن مككوظفي‬
‫الحكومة بسكبب قيكامهم بسياسكات خاطئكة ل تفيكد الشكعب‪ .‬فأخكذ يرسكل الخطابكات‬
‫إلككى السككاقفة الككذين شككاركوا فككي هككذا التنصككيب ويككأمرهم بإلغككائه‪ ،‬وهككددهم باسككم‬
‫المككبراطور‪ .‬وعنككدما وصككلت أحككدى رسككائله هككذه إلككى غاريغوريككوس الكبيرأسككقف‬
‫نيزينككزى لكم يكأبه بمكا جككاء فيهكا مككن تهديككدات‪ ،‬بككل أعكد رندا عكاجلن عليككه ذككره ابنكه‬
‫غاريغوريوس‪ ،‬وجاء فيه‪:‬‬

‫» أيها الحاكم جزيل الحترام؛ إن لنا رقيبنا واحدنا ]ال[ على‬


‫كل ما نقكوم بكه مككن أعمكال إوامككبراطورنا واحكدنا يخضكع لكه الجميكع‪،‬‬
‫وحتى أعداؤه يخضعون له رغانما عنهكم‪ .‬وككان شكاهندا علينكا فيمكا‬
‫قمنا به من عملية التنصيب هذه‪ ،‬التي أجريناهكا فكي إطككار قكانوني‬
‫وفنقا لرادته‪ ،‬وأما بالنسبة لي أمككر آخككر فككأنت تملككك وتسككتطيع أن‬
‫تسككتعمل العنككف بسككهولة ضككدنا‪ ،‬لكككن ل أحككد يسككتطيع أن يجعلنككا‬
‫نلغي شكرعية وعدالكة مكا قمنكا بكه فكي هكذه الحالكة‪ .‬ول تسكتطيع أن‬
‫تقاضينا في هذا المر؛ لنك ل تملك الحق في التككدخل فككي شككئوننا‬
‫الكنسية)‪«.(1‬‬

‫‪1‬‬
‫)( ‪Gregory The Elder,Letter To The Governon Of Caesarea,in‬‬
‫‪.Gr.Naz.Or.18,in(N.P.N.F.)2ndser.Vol.7ch.34‬‬
‫‪98‬‬
‫ورأى غاريغوريوس البن أن هذه الرسالة عندما بلغت الحاكم أصابه ضيق‬
‫شديد‪ ،‬وأدرك أن مكا ككان يسكعى إلي ه لكن يتحقكق‪ .‬أمكا المكبراطور فعنكدما علكم بهكا‬
‫قرر أل يهاجم المدينكة‪ ،‬وبكذلك تخلكص شكعبها مكن الخطكر)‪ .(1‬ويلحكظ أن مكا ذككره‬
‫غاريغوريوس البن عن أسباب عدم قيام المبراطور بمهاجمكة المدينكة ككان مبالنغكا‬
‫فيهككا جككندا‪ ،‬وليسككت كافيككة للقنككاع‪ ،‬ول يمكككن النظككر إليهككا بأنهككا السككبب الوحككد أو‬
‫الرئيككس فككى هككذه القضككية‪ .‬أمككا السككبب الول والرئيككس والهككم فهككو إنشككغاله فككى‬
‫مواجهة العدو الفارسى‪ .‬ولكن يمكن النظر إلى السككباب الككتى ذكرهككا غاريغوريككوس‬
‫ضا أن غاريغوريوس الكبير الذي كككان‬
‫أنها تأتى فى المرتبة الثانية‪ .‬ويتضح منه أي ن‬
‫أسككقنفا علككى مدينككة صككغيرة ول تحمككل أهميككة كككبيرة‪ ،‬كككان يمككارس دونار قونيككا ومككؤث نار‬
‫على سير الوضاع داخل رئاسة المطرانية نفسها في قيصرية‪.‬‬

‫وبالرغام من إقرار غاريغوريككوس النيزينككزى بككأن المدينكة سككلمت مككن خطككر‬


‫جوليان فإننا نجد العديد من المصادر الخرى المعاصككرة والمتككأخره تقككر بغيككر ذلككك‪،‬‬
‫وأن كراهية جوليكان لمسكيحيي قيصكرية بس بب قيكامهم بهكدم المعابكد الوثنيكة بهكا‪،‬‬
‫إواهانتهم له‪ ،‬وتحككدي باسكيليوس الشككديد لككه إواهككانته الككتي وجههككا إليككه‪ ،‬بالضككافة‬
‫إلككككى اختيككككار أسككككقف للمدينككككة بككككدون معرفتككككه‪ ،‬إوالككككى الهانككككة الككككتي لقاهككككا مككككن‬
‫غاريغوريككوس الكككبير أسككقف نينزنككزا‪ ،‬لككم يككذهب هبككانء‪ ،‬ودفعككه إلككى أن يقككوم بحملككة‬
‫اضكككطهادات عنيفكككة ضكككد مسكككيحييها تمثلكككت فيهكككا ككككل أسكككاليب التعكككذيب والتنكيكككل‬
‫والهانات‪ .‬ونجد فى عمل أخر من أعمال غاريغوريوس نفسه ما يثبككت ويؤكككد هككذا‬
‫إلى حد جعلكه عكاج ازن عكن وصكف إواحصكاء العكذاب والقسكوة والهانكة الكتى تعرضكوا‬
‫لها من غارق وحرق إواعدام وسجن ونفى)‪ .(2‬وهناك مصدر آخر يؤكد أنه اسككتولى‬

‫‪.Gr.Naz.Or.18,ch.34‬‬ ‫‪() 1‬‬


‫‪2‬‬
‫)( القككديس غاريغوريككوس اللهككوتى النزينككزى‪:‬الخطككاب الول ضككد يوليككانس‪ ،‬ص‬
‫‪.66‬‬
‫‪99‬‬
‫علككى جميككع أمككوال وممتلكككات الكنككائس الكائنككة فيهككا وفككي ضككواحيها‪ ،‬وأدخلهككا فككي‬
‫الخزائن المبراطورية‪ ،‬وكان جملة ما حصله مككن هككذا المككر ثل ثككة الف جنيككه مككن‬
‫الكككذهب تقرينبكككا‪ ،‬وأصكككدر أوامكككره بضكككم جميكككع رجكككال الكككدين المسكككيحيي إلكككى جيكككش‬
‫المبراطور وجعلهم خاضعين لحككاكم الوليككة الككذي عككاملهم معاملككة سكيئة‪ ،‬وجعلهككم‬
‫يقومون بأقل الخدمات قيمة‪ ،‬وأمر بأن يجري تعداد لجميع المسيحيين بما في ذلك‬
‫النسككاء والطفككال فككي المككدن والقككرى‪ ،‬إواخضككاعهم كلهككم إلككى دفككع ضككريبة عاليككة‪،‬‬
‫وهككددهم بككأنه سككوف يككزور المدينككة ويقتككل جميككع مككن بهككا مككن المسككيحيين إن لككم‬
‫يعيككدوا بنككاء الهياكككل الوثنيككة الككتي هككدموها‪ ،‬وعمككل علككى محككو اسككم المدينككة مككن‬
‫كتالوج المدن وأعاد إليها اسمها القديم مازاكا‪ ،‬وتوعد بهدم المدينة كلها وتسويتها‬
‫بككالرض بعككد رجككوعه مككن قتككال العككدو الفارسككى‪ ،‬لكككن تهديككداته للمدينككة لككم تسككتمر‬
‫كككثي نار‪ ،‬إذ قتككل بعككد وقككت قصككير فككي معككاركه مككع الفككرس وتخلصككت مدينككة قيصككرية‬
‫وأهلهككا وباسككيليوس والمسككيحية كلهككا مككن شككر هككذا المككبراطور القاسككى‪ ،‬فككي مككايو‬
‫عام ‪363‬م)‪.(1‬‬

‫وبعككد مقتككل جوليككان اجتمككع قككادة الجيككش ووقككع اختيككارهم علككى القائككد‬
‫جوفيان ‪ Jovian‬ليصير إمبراطونار خلنفا لجوليان‪ .‬ووافق جوفيان علككى اختيككارهم‪.‬‬
‫وأراد أن ينهككي الحككرب مككع الفككرس ويحككافظ علككى مككا تبقككى تحككت يككده مككن جيككش‬
‫المبراطورية‪ ،‬فعقكد الصكلح معهكم ثكم عكاد علكى رأس الجيكش إلكى مدينكة أنطاكيكة‪.‬‬
‫وكككان هككذا المككبراطور مسككيحنيا أرثوذكسككنيا‪ ،‬فككأراد أن يبنككي الكنيسككة علككى المبككادئ‬
‫الرثوذكسية فعمل على رد الساقفة المنفيين إلى كراسيهم‪ ،‬وأعككاد كككل المسككيحيين‬
‫المنفيين إلى ديارهم‪ ،‬ورد لهم ممتلكاتهم‪ .‬وأرسككل إلككى البابككا أثناسككيوس السكككندري‬
‫راجنيا منه أن يكتب قانون اليمان ويرسله له ليكون مرجنعا لجميع الكنائس‪ ،‬فعمككل‬

‫‪;.Soz.,op.cit.v,4.;Amm.Marc.,op.cit.xxv,3,23.;Soc.,op.cit.III,21 ()1‬‬
‫‪.Theo.,op.cit.III,20‬‬
‫‪100‬‬
‫أثناسيوس كل ما أمر به المبراطور)‪ .(1‬وكان سعيندا بكل هذا‪ ،‬حتى أنه أرسككل إلككى‬
‫صككديقه باسككيليوس خطانبككا يهنئككه فيككه بككاعتلء جوفيككان العككرش وحسككن معككاملته‬
‫للساقفة والشعب الرثوذكسى قال فيه‪:‬‬

‫» لقكد انضكم تمانمكا المكبراطور جوفيكان البكار إلكى العقيكدة‬


‫الرثوذكسككية‪ ،‬وقككام بجهككود كككبيرة لقرارهككا وتثبيتهككا‪ ،‬هككذه العقيككدة‬
‫التي أقرها مجمع نيقية‪ ،‬وهككذا أمككر يهمنككا جمينعككأ ولتفككرح أنككت معنككا‬
‫إذن ل نكككه أصكككبح لنكككا إمكككبراطونار أرثوذكسكككيا ثمبكككت العقيكككدة الحقكككة‬
‫للثالوث القدس‪«(2).‬‬

‫هككذا نككص الخطككاب كمككا ورد فككي تاريككخ يوحنككا النقيوسككي‪ .‬وبككالرغام مككن‬
‫إيجككازه فككإنه يوضكككح عككدة حقككائق تاريخيككة مهمككة‪ ،‬أولاهكككا‪ :‬أن البابكككا أثناسككيوس‬
‫السككككندري بطكككل الرثوذكسكككية فكككي القكككرن ال اربكككع الميلدي يقكككر فيهكككا بأرثوذكسكككية‬
‫المبراطور جوفيان‪ ،‬ويمدح جهوده في سبيل إقكرار العقيكدة الرثوذكسكية‪ ،‬ويعكترف‬
‫فيه بالمكانككة العاليككة والشككهرة الواسككعة لباسكيليوس فككي الكنيسككة المسككيحية نتيجككة‬
‫مجهككوداته العظيمككة فككي سككبيل الككدفاع عككن العقيككدة الرثوذكسككية‪ ،‬ويعلمككه بككزوال‬
‫الخطر عن مدينتة قيصرية بعد موت جوليكان وتنص يب جوفيكان الرثوذكسكي خلنفكا‬
‫له‪.‬‬

‫‪Gr.Naz.,or.21(On Athanasus The Great) Trans.,by Charles ()1‬‬


‫‪Gordon Browne And James Edward Swallow,In(N.P.N.F.)2nd ser.‬‬
‫‪.vol.7. ser.vol.7,ch.26.Soc.,op.cit.III,22,24.;Soz.,op.cit. vI, ch.3,4,5‬‬
‫‪John Bishop Of Nikiu,Chronicle,Tran.From Zotenberg, Ethiopic ()2‬‬
‫‪.Text by R.H.Chrles D Litt.London,1916,Lxxx,17‬‬
‫‪101‬‬
‫العلقة بين باسيليوس ومطرانه يوسابيوس‬
‫وتتلحق الحداث سرينعا ويموت المبراطور جوفيان بعد سبعة أشهر من‬
‫تكككوليه السكككلطة)‪ .(1‬ثكككم تكككولى بعكككده فكككالنز ‪ Valens‬ف ي منتصكككف عكككام ‪364‬م)‪.(2‬‬
‫وامتلك فالنز السلطة والمبراطورية تعيكش وسككط ظككروف داخليكة وخارجيكة حرجكة‪،‬‬
‫ففي الداخل قام بعض القكواد بثكورات طمنعكا فكي تكولي العكرش‪ ،‬واشكتدت الصكراعات‬
‫الدينيككة بيككن الفككرق المسككيحية‪ ،‬بجككانب حككدوث بعككض النكبككات الطبيعيككة كككالزلزل‬
‫والفيضانات التي أضرت بسكانها‪ .‬وفي الخارج كان العككدو الفارسككي يهككدد أملكهككا‬
‫من ناحية الشككرق‪ ،‬والعككدو القككوطي مككن ناحيككة الشككمال والغككرب )‪ .(3‬ويبككدو أنككه أراد‬
‫أولن أن يككأمن سككلم واسككتقرار الجبهككة الداخليككة ؛ لكككي يسككتطيع أن يتفككرغ بعككد ذلككك‬
‫لقتكال أعكداء المبراطوريكة فككي الخكارج‪ .‬فشكرع يعمككل علككى إنهككاء مشكككلة الصكراع‬
‫العقائككدي‪ ،‬ورأى أن العقيككدة الرثوذكسككية ضككعيفة خككارج مصككر‪ ،‬وأن الريوسككيين‬
‫طا بين عقيدة‬
‫قول وس ن‬
‫يسيطرون على معظم الكنائس‪ ،‬ووجد في الدستور المؤرخ ن‬
‫الرثوذكس وعقيدة الريوسيين‪ ،‬ويؤيده عدد كبير من الساقفة فككي الكنكائس الكتي‬

‫‪.Soc.op.cit.,III,26‬‬ ‫‪()1‬‬
‫ويحدد المؤرخ سوزومين هذه الفترة بثمان أشهر‪ .‬راجع‪:‬‬
‫‪.Soz.,op.cit.vi,6‬‬
‫‪.Amm. Marc. op.cit.xxvi,12.;Soc.,op.cit.Iv,1.;Soz.,op.cit.vI,6()2‬‬
‫‪.Soc.,op.cit.Iv,3.;Soz.,vI,10()3‬‬
‫‪102‬‬
‫تقككع داخككل المككدن الهامككة فككي المبراطوريككة‪ ،‬ولككذلك أخككذ يعمككل علككى فككرض هككذا‬
‫الدسككتور بكككل السككبل)‪ .(1‬فنفككي السككاقفة الرثوذكسككيين الككذين عككادوا إلككى ك ارسككيهم‬
‫على يد يوليانوس وجوفيان مكن قبكل‪ .‬وقكام بحملكة اضكطهادات شكديدة علكى رجكال‬
‫الدين والشعب الرثوذكسى)‪.(2‬‬

‫وأمام هذه الموجة العاتية من الضطهادات أراد يوسابيوس أسقف قيصرية‬


‫أن يسلح كنيسته ضدها فبدأ يبحث عن شخصية قويكة تقككف بجككانبه‪ ،‬ولسككيما أنككه‬
‫كان قريب العهد بمعرفة المسيحية‪ ،‬وبالجلوس على الكراسي الكهنوتيككة وليككس لككه‬
‫خككبرة فككي الدارة الكنسككية أو الجككدل الككديني الكككبير بيككن الفككرق المسككيحية فتككوجه‬
‫بنظره إلى باسيليوس‪ ،‬وأعجب بصفاته التي يتمتع بها من تقكوى وحكمكة وحمكاس‬
‫ديني بجانب أعماله ومواقفه الواضحة والصريحة وجهاداته في صالح الككدفاع عككن‬
‫العقيكككدة‪ ،‬بالضكككافة إلكككى تميكككزه بكككالعلم الواسكككع فكككي المعكككارف الدنيويكككة والدينيكككة‪،‬‬
‫وتأسيسه إوادارته لنظام رهبككاني كككبير‪ ،‬ورأى أنككه وجككد ضككالته فككي هككذه الشخصككية‪،‬‬
‫ونظر إليه على أنه الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يحمي الكنيسة في قيصككرية‬
‫في هذا الوقت الصعب‪ ،‬فقام ودعاه على الفور ليككأتي إليككه‪ ،‬وعنككدما حضككر أمككامه‪،‬‬
‫ليككون مسكاعندا لكه‪ .‬ويعكرف مكن خلل الروايكات المعاصكرة أن‬ ‫)‪(3‬‬
‫هم بسيامته قسكان‬

‫‪ ()1‬أسد رستم‪ :‬كنيسة مدينة ال أنطاكية العظمى‪ 3 ،‬أجزاء )لبنككان‪ :‬المكتبككة البوليسككية‪،‬‬
‫‪ (1988‬ج ‪ ،1‬ص ‪.244‬‬
‫‪ ()2‬للمزيد من التفاصيل عن هذا الضطهاد أنظر‪:‬‬
‫‪.Bas.,Epp. 47 ;65 ; 139 ; 145; 222 ; 240 ; Soc.,op.cit.,Iv, 3, 4, 6‬‬
‫‪ ()3‬القس‪ :‬هى كلمة لها أصول لغوية يونانية وسككريانية‪ ،‬وتعنككى الشككيخ الكككبير والسككفير‬
‫والشفيع‪ ،‬وهو الشخص الذى يشغل درجة القسوسية التى تنتمى إلككى رتبككة القسوسككية أو‬
‫كم ا تس مى رتبكة الكهن ة‪ ،‬والكتى تنقسكم الكى ثلث درجكات الكتى تتكدرج حسكب أهميتهكا مكن‬
‫الدرجة الولى وهى درجة الخوربيسكوبوس أى مساعد السقف او أسقف القريككة‪ ،‬ودرجككة‬
‫أبروطككس أى القمككص ومعناهككا كككبير قسككوس او المككدبر‪ ،‬ودرجككة القككس هككذه ‪ .‬وتعككد هككذه‬
‫‪103‬‬
‫باسيليوس كان يرفض أن يصير كاهننا‪ ،‬ويحسب هذا كرامة كككبيرة ل يسكتحقها لككن‬
‫أسقفه سككامه رغانمككا عنككه‪ .‬وهنككاك خطككاب لغريغوريككوس صككديقه أرسككله إليككه يعلمكه‬
‫ضا وبدون رغابة منه مثل ما حدث معكه تمانمكا‪ .‬قكال‬
‫فيه أنه قد رسم في الكهنوت أي ن‬
‫له فيه‪:‬‬

‫» أنككا أتفككق معككك بشككأن مككا ورد فككي بدايككة الخطككاب الككذي‬
‫أرسلته لي‪ ،‬وهل يوجكد شكىء عنكدك ل أتفكق معكك فيكه‪ .‬ومكا كتبتكه‬
‫ضككا قبلككت الكهنككوت رغانمككا عنككي‪،‬‬
‫أنت لي‪ ،‬أكتب إليكك بمثلككه‪ ،‬فأنككا أي ن‬
‫وكنت ل أتمنى ذلك‪ .‬وكل منا يشهد للخر على أنكه لكم يككن عنكدنا‬
‫شىء أحب وأشهى مككن السككتمرار فككي الحيككاة النسكككية فككي إتضككاع‬
‫وخفككاء‪ .‬ولن مككا حككدث يعككبر عككن إرادة الكك‪ ،‬فلبككد لنككا أن نصككمت‬
‫ونبكككدي خضكككوعنا‪ ،‬هكككذا مكككا أراه‪ ،‬ولسكككيما فكككي هكككذا الكككوقت الكككذي‬
‫يهاجمنا فيه الهراطقة ويخرجون ألسنتهم ضدنا‪ ،‬ولذلك يجب علينا‬
‫أن نتصدى لهكم‪ ،‬ول نخكزى مكن وضكعوا ثقتهكم فينكا‪ ،‬حكتى ل نجلكب‬
‫على أنفسنا ما ل يحمد عقباه‪.(1)«.‬‬

‫ويتضكككح مكككن نكككص الرسكككالة السكككابقة أن باسكككيليوس أرسكككل خطانبكككا إلكككى‬


‫صديقه غاريغوريوس لكنه فقد‪ ،‬وقد عرفنا موضوعه من خلل رسالة غاريغوريوس‬
‫هذه‪ ،‬وأخبره فيه بأنه رسم للكهنوت رغامان عنه‪ .‬وأن غاريغوريوس أختير لمثكل هكذه‬

‫الرتبكة ثكانى الرتكب الكهنوتيكة الثلث والكتى تتكدرج حسكب أهميتهكا مكن رتبكة الس قفية‪ ،‬ث م‬
‫رتبة القسوسية‪ ،‬والرتبة الثالثة هى الشموسية‪.‬‬
‫للمزيد من التفاصيل عن هذا الموضوع راجع‪:‬‬
‫القمص يوحنا سلمة‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 233‬وما بعدها‪ 244،‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪.Gr.Naz.,Ep.8.; CF.Gr.Naz.,or.43,ch.25,27()1‬‬
‫‪104‬‬
‫ضكككا‪ ،‬وأن الشكككوق إلكككى الحيكككاة النسككككية لكككم يكككزل يراودهمكككا‬
‫الرتبكككة‪ ،‬دون رغابتكككه أي ن‬
‫ويفضلنه عن المناصب الكهنوتية‪ ،‬لكن الحالة الصعبة التي تمر بها الكنيسة في‬
‫هكككذا الكككوقت بسكككبب تككككرار هجكككوم الريوسكككيين عليهكككا ككككانت تسكككتدعي بالضكككرورة‬
‫رسامتهما في هذه الدرجة‪.‬‬

‫ولم يشأ غاريغوريكوس أن يجعكل مناس بة رسكامة صكديقه باس يليوس للكهنكوت‬
‫تمضكككى دون أن يتوقكككف عنكككدها قلنيلا ويعمكككل علكككى أسكككتخدامها لمصكككلحة الكنيسكككة ‪.‬‬
‫وبداية نراه يمككدح اختيككاره لهككذه الدرجككة‪ ،‬الككتي أتتكه دون أن يسككعى هككو إليهككا‪ ،‬ويمككدح‬
‫استحقاقه لها‪ ،‬وبكالرغام مكن أنكه رسكم فى الدرجكة نفسكها ويسكتحقها‪ ،‬فقكد صكمت عكن‬
‫مدح نفسه‪ ،‬وهذا يظهر جاننبا كبي نار من تواضككعه‪ .‬وعلككى الجككانب الخككر وجككدها فرصككة‬
‫ل ينبغككي أن يتركهككا دون أن ينتقككد الككذين يختككارون لشككغل الككدرجات الكهنوتيككة بككالرغام‬
‫من عدم استحقاقهم لها‪ ،‬بل يدفعهم إليهككا محبككة الرئاسككة والرغابككة فككي الحصككول علككى‬
‫السلطة والتربكح المكادي بهكا‪ .‬وككانوا يحصكلون عليهكا عكن طريكق السكيمونية)‪ (1‬وذلكك‬
‫يؤدي إلى إهانة هذه المناصب وتدهور أوضاع الكنيسة)‪.(2‬‬

‫صككا مثككل باسككيليوس يتمتككع بكككل هككذه الصككفات‬


‫ول يوجككد شككك فككى أن شخ ن‬
‫الطيبة سوف يصير عظيم النفع للدرجة التي عهد إليه بها‪ .‬وقد كان كذلك‪ ،‬إذ إنه‬
‫سككا كككبيرين فككي العمككل لخدمككة‬
‫طا وحما ن‬
‫منككذ بدايككة عملككه بالقسوسككية أظهككر نشككا ن‬
‫الكنيسككة‪ ،‬وصككار خيككر مسككاعد لسككقف المطرانيككة‪ ،‬وخيككر مثككال لزمل ئككه فككي هككذا‬

‫‪ ()1‬السيمونية‪ :‬هي شراء المناصب الدينية بكالموال‪ ،‬وقكد سكميت بهكذا السككم نسككبة إلككى‬
‫رجككل كككان موجككوندا أيككام تلميككذ السككيد المسككيح‪ ،‬ويسككمى سككيمون‪ ،‬وكككان غايكر مسككيحي ثكم‬
‫صار مسيحنيا على يد فيلبس أح د التلميكذ‪ ،‬ثكم أراد أن يش تري المناصكب الدينيكة بالمكال‪،‬‬
‫فقرعه الرسل على طلبه هذا فتاب عنه‪.‬‬
‫عن ذلك راجع‪ :‬أعمال الرسل ) ‪(24 :9‬‬
‫‪.Gr.Naz.,or.43,ch.26,27()2‬‬
‫‪105‬‬
‫المجال‪ .‬وقد أظهكرت أعمكاله الفكارق الككبير بين ه وبيكن مطرانكه‪ ،‬ورأى الشكعب أنكه‬
‫يتصف بمؤهلت حسنة ولديه إمكانات وخككبرات كككبيرة فككي إدارة الكنيسككة‪ ،‬فكى حيككن‬
‫أن أسقفه ل يتوافر لديه مثل هذه المؤهلت والمكانات والخبرات‪ ،‬وهو ما أدى إلى‬
‫انصراف أنظار الشعب عن المطران واتجاهها ناحية باسيليوس‪ ،‬وأحبوه حنبككا جنمككا‪،‬‬
‫وفي المقابل أظهروا عدم اهتمامهم وضيقهم مككن المطككران‪ ،‬وزاد مككن حككدة الموقككف‬
‫أن صفات باسيليوس الطيبة وغايرته وحماسه فكي خدم ة الكنيسكة أظهكرت ضكعف‬
‫وسوء تدبير بعض رجال الكهنوت الخرين‪ ،‬فأصابتهم الغيرة منككه وأخككذوا يككوغارون‬
‫صدر المطران عليه ويكدفعونه إلكى معكاداته‪ .‬ونتكج عكن ذلكك أن تحرككت الغيكرة فكي‬
‫قلب المطران نحو كاهنه باسيليوس‪ ،‬وجعل يعامله معاملة سككيئة‪ .‬واسككتاء الشككعب‬
‫والرهبككان وكككثير مككن رجككال الككدين والدولككة مككن المعاملككة السككيئة الككتي يتعككرض لهككا‬
‫كككاهنهم باسككيليوس‪ ،‬ووقفككوا جميعككان يعارضككون السككقف‪ ،‬ونتككج عككن ذلككك حككدوث‬
‫انشككقاق عظيككم بيككن الطرفيككن‪ .‬وأخككذ مؤيككدو باسككيليوس يشككككون فككي صككحة تقلككد‬
‫السككقف لمنصككبه ونككادوا بخلعككه وتنصككيب باسككيليوس بككندل منككه‪ .‬أمككا باسككيليوس‬
‫نفسككه فككإن مككا رآه مككن مؤيككديه جعككل مككوقفه أكككثر قككوة مككن موقككف أسككقفه‪ ،‬وظهككر‬
‫للجميككع أنككه صككاحب قضككية عادلككة وأن الحككق يقككف فككي جككانبه‪ ،‬إل أن كككل هككذا لككم‬
‫يدفعه إلى الوقوف ضد السقف‪ ،‬أو إظهار كراهيته له‪ ،‬أو معكاداته‪ ،‬وعلككى العكككس‬
‫مككن ذلككك أظهككر سككمو أخلق وتسككامحنا ولطفنككا كككبي نار لككه‪ ،‬ولككم يرغاككب فككي مقككاومته‬
‫وزيككادة الخلف معككه‪ ،‬علككى الرغاككم مككن أنككه كككان يسككتطيع أن يحصككل علككى مكاسككب‬
‫كككثيرة مككن وراء هككذا الصككراع‪ ،‬لكنككه رأى أن ذلككك سككوف يتسككبب فككي حككدوث انقسككام‬
‫ضككا‬
‫كككبير فككي الكنيسككة‪ ،‬ويعطككي فرصككة كككبيرة للهراطقككة فككي مهاجمتهككا‪ ،‬وهككذا أي ن‬
‫يتعككارض مككع صككفاته الطيبككة الككتي شكككلت شخصككيته وطبككاعه منككذ الصككغر‪ ،‬بيككد أن‬
‫هككذه القضككية تسككببت فككي إصككابته بككالحزن العميككق‪ ،‬وأخككذ يفكككر فككي طريقككة حسككنة‬
‫تمكنككه مككن التخلككص منهككا‪ ،‬فوجككد أن وجككوده فككي المدينككة يزيككد مككن حككدة الموقككف‪،‬‬

‫‪106‬‬
‫ويزيككككد مككككن حزنككككه‪ ،‬فهككككداه عقلككككه إلككككى الخككككروج مككككن المدينككككة بصككككحبة صككككديقه‬
‫غاريغوريوس والرحيل إلى بلد بنطككس حيككث توجككد أديرتككه‪ .‬وكككان تصككرفه هككذا يككدل‬
‫على حكمته وقوة عقلكه‪ ،‬إذ إن ه بجكانب التخلكص مكن هكذا الشكقاق وأثكاره السكيئة‪،‬‬
‫يتيككح لككه العككودة إلككى مواصككلة معيشككته النسكككية بصككحبة صككديقه غاريغوريككوس‪،‬‬
‫ويعطيكككه الفرصكككة لزيكككارة أديرتكككه ورهبكككانه ورعكككايتهم بعكككد أن غاكككاب عنهكككم الفكككترة‬
‫السككابقة)‪ .(1‬ومككن جككانب آخككر تسككبب رحيلككه فككي زيككادة غاضككب الشككعب‪ ،‬وزيككادة‬
‫كراهيتهككم للسككقف‪ ،‬وحملككوه المسككئولية الكاملككة عككن رحيلككه‪ ،‬واتفقككوا فيمككا بينهككم‬
‫)‪(2‬‬
‫على تنفيذ خطة للنفصال عن السقف‪ ،‬وتكوين كنيسة مستقلة‪.‬‬

‫وعندما علم الساقفة الريوسيون برحيل باسيليوس عككن المدينككة علككى‬


‫أثككر حككدوث شككقاق بينككه وبيككن أسككقفها‪ ،‬وأن الكنيسككة هنككاك تعككاني مككن الصككراعات‬
‫والنقسككامات الداخليككة‪ ،‬أروا أن الفرصككة سككانحة لهككم الن أكككثر مككن أي وقككت آخككر‬
‫لمهاجمة كنيستها وفرض معتقدهم عليها‪ ،‬فأرسلوا إلى المككبراطور فككالنز يعلمككونه‬
‫بهذه الحداث‪ ،‬ويزينون له أمر مهاجمة قيصرية وفككرض سياسككته الدينيككة عليهككا‪،‬‬
‫فاستجاب فالنز لهم وخرج على رأس حاشيته ويرافقه الساقفة الريوسيون واتجككه‬
‫نحو كبادوكيا ودخلها‪ ،‬ثم اتجه نحو قيصككرية‪ ،‬وعنككدما وصككل إليهككا‪ ،‬أخككذ يبككذل كككل‬
‫ما في وسعه لجعل أساقفتها يوقعككون علككى الدسككتور المككؤرخ وراح يهككددهم بالقتككل‬
‫والتعككذيب والنفككي‪ .‬هكككذا أدخلككت الكنيسككة فككي كبادوكيككا وعاصككمتها قيصككرية فككي‬
‫معركككككة كككككبيرة مككككع المككككبراطور وأعككككوانه السككككاقفة الريوسككككيين‪ ،‬ويسككككجل لنككككا‬
‫غاريغوريوس وصنفا عن هذه المعركة بقوله‪:‬‬

‫» ‪...‬بينما نحن علككى هككذه الحككال‪ ،‬حككدث فجككأة أن أدركنككا‬


‫سككحاب مملككوء مككن الككبرد والهلك تسككبب فككي هككدم كككل كنيسككة بلككغ‬

‫‪.Gr.Naz.,or.43,ch. 27, 28,29‬‬ ‫‪() 1‬‬


‫‪.Soz.,op.cit.vI,15() 2‬‬
‫‪107‬‬
‫إليها‪ ،‬أقصد أن أقول أن المبراطور ] فالنز [ المحب للذهب والذي‬
‫يككككن كراهيكككة شكككديدة للسكككيد المسكككيح‪ ،‬والكككذي يعكككاني مكككن مرضكككين‬
‫شديدي الخطكورة وهمكا محب ة المكال والتجكديف ‪ ،‬قكام بحملكة عنيفكة‬
‫لضطهاد المسيحيين‪ ،‬ليس كل المسيحيين بل الجزء الحسن منهككم‬
‫المتمسك بالعقيدة الحقككة‪ ...‬وبمعتقككده العليككل قككام ليحاربنككا‪ .‬ويجككب‬
‫أن نككدرك أن قصككده لككم يكككن الغككزو الككبربري وهككدم السككوار والككبيوت‬
‫والمككدن‪ ،‬وغايككر ذلككك مككن الشككياء قليلككة القيمككة المصككنوعة باليككدي‬
‫ويمكن إصلحها‪ ،‬بل كان يقصد هلك النفوس‪ .‬وكان يرافقه جيككش‬
‫كككبير مككن قككادة الكنككائس الشككرار‪ ،‬والحكككام القسككاة الظككالمين علككى‬
‫أقسككام إمككبراطوريته الواسككعة‪ .‬وتمكنككوا مككن السككتيلء علككى بعككض‬
‫الكنائس ‪ ،‬وبعضها الخر يتعرض لهجومهم‪ ،‬ويسعون لضم غايرهم‬
‫إليهم بواسطة مساعدة المبراطور عن طريق فككرض سككلطته عليهككا‬
‫أو بتهديككدهم لهككم‪ .‬أخككذتهم الجككرأة وهاجمونككا بسككبب مككا حككدث لنككا‬
‫ضككا وهككو عككدم خكبرة مطراننككا‪،‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫وأشرت إليه سابنقا ‪ .‬وبسكبب آخككر أي ن‬
‫وبجانب العيوب التي تغلبت علينككا فالمعركككة الن تشكتعل‪ ،‬وحمككاس‬
‫قواتنا يشتد‪ ،‬ولكنهككم ينقصككهم حسككن التنظيككم‪ ،‬ويحتككاجون إلككى قائككد‬
‫ماهر وقادر على أن يحارب بالكلمة والروح)‪«.(2‬‬

‫ولككم يسككتطع السككقف يوسككابيوس الوقككوف وحككده أمككام هككذه الهجمككات‬


‫الريوسكية العنيفكة علكى كنيسكته‪ ،‬وأدرك أن بكه حاج ة إلكى معونكة رجكال مخلصكين‬
‫وماهرين في علوم الكنيسة وخاصة في الجوانب العقائديكة‪ ،‬ولككم يسكتطع اسكتدعاء‬
‫كككاهنه باسككيليوس نظكك نار لخلفككه معككه فوقككع اختيككاره علككى غاريغوريككوس النيزينككزي‬

‫‪ ()1‬يقصد الشارة إلى الخلف الواقع بين باسيليوس والمطران يوسابيوس‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫)(‪.Gr.Naz.,or.43,ch. 30,31‬‬
‫‪108‬‬
‫ليقككوم بهككذه المهمككة‪ ،‬وأخككذ ي ارسككل غاريغوريككوس يككدعوه للحضككور إليككه لكككي يعينككه‬
‫علككى محاربككة الريوسككيين‪ .‬ويبككدو أن غاريغوريككوس وجككد فككي م ارسككلة المطككران لككه‬
‫ضكا‪،‬‬
‫فرصة يستطيع أن يستغلها لمصلحة صديقه باسيليوس والمطران والكنيسة أي ن‬
‫وبدأ يعمل على إزالة عوامل الخلف بينهما ومصالحتهما منعا‪ ،‬وأرسل إلى المطران‬
‫رسكالة يوضكح لكه فيهكا مشكاعر الحكزن واللكم الكتي يعكاني منهكا بسكبب خلفكه مكع‬
‫باسيليوس‪ ،‬ويبلغه بأنه ل يستطيع أن يلبي دعوته دون رفقة صديقه باسيليوس‪،‬‬
‫ثككم يسككتحثه علككى الكتابككة إلككى باسككيليوس وتصككفية خلفككاته معككه لمصككلحة خدمككة‬
‫الكنيسة في هذا الوقت الحرج‪ ،‬وعبر عن كل هذا بقوله‪:‬‬

‫» إنككي أكتككب لككك مككا يككدور فككي عقلككي عككن هككذا الموضككوع‪،‬‬
‫وأرجو أن تعطينا العكذر فيمكا سككوف أتكلكم بكه مككن كلمكات صكريحة‪،‬‬
‫إوال إنكككك سكككوف تخطكككئ ويجانبكككك الصكككواب إذ قيكككدت حريكككتى فكككي‬
‫الكلم‪ ،‬وبككذلك تجككبرني علككى إخفككاء حزنككي وآلمككي داخككل نفسككي‪،‬‬
‫وتشككبه هككذه اللم المككراض الككتي تصككيب النسككان دون أن يعككرف‬
‫تشخيصككها‪ ،‬إواننككي لسككعيد بالتقككدير الككذي تكنككه لككي‪ ،‬ودعوتككك لككي‬
‫بالحضور إليك للمشاركة في المجككامع والمنككاظرات الدينيكة‪ .‬ولكنكي‬
‫متضككايق جككندا مككن الهانككة الككتي لحقككت بككأخى العزيككز باسككيليوس‪،‬‬
‫والذي ما يزال يتعرض لها من قداستكم فهو الشخص الذي اخككترته‬
‫ليكون رفيكق حيكاتي وعلمكى وطريقكي النسككي‪ ،‬وسكوف يظكل هككذا‬
‫أبككندا‪ ،‬ول أجككد فيككه علككة تجعلنككي أنككدم علككى احككترامي وتقككديري لككه‪،‬‬
‫ومككن العككدل أن أقككول إنككي ل أكككون مبالنغككا فككي إظهككار إعجككابي بككه‪،‬‬
‫وأعتقد أنككه باحترامكك لكي وعكدم احترامكك لكه إنمكا تشكبه رجلن يربككت‬
‫بإحكككدى يكككديه علكككى رأس أحكككد الرجكككال بينمكككا يصكككفعه علكككى وجهكككه‬
‫بالخرى‪،‬أو بمن يخرب أساسات بيت من الككداخل بينمككا يعمككل علككى‬

‫‪109‬‬
‫زخرفته من الخكارج‪ .‬لكو تفضكلت وأنصت إلكمى فسكوف أرسكم لكك مكا‬
‫ضككا‪ ،‬ل نككي مككا‬
‫يجككب عليككك فعلككه‪ ،‬وهككذا مككا سككوف أخضككع لككه أنككا أي ن‬
‫سككوف أقككوله هككو حككق‪ ،‬فككإن أعطيتككه حقككه وأكرمتككه‪ ،‬فككإنه سككوف‬
‫ضا سوف أتبعه كما يتبكع الظككل‬
‫يعطيك حقك ويكرمك بالمثل‪ ،‬وأنا أي ن‬
‫الجسم‪ ،‬عليك أن تظهر قليلن من الستحقاق‪ ،‬وأن تكون في جككانب‬
‫السلم‪ .‬فككإني ل أتفلسككف عليككك فككي شككىء‪ ،‬ول أكلمككك عككن كبريككاء‬
‫نفككس‪ ،‬ولكنككي أكلمككك بلغككة المحبككة الغايككة العظمككى وراء كككل شككىء‬
‫نعملككه‪ ،‬وخاصككة حيككن يتعلككق المككر بأحككد الكهنككة الككذين يتمتعككون‬
‫بصككككفات سككككامية‪ ،‬إوانسككككان أعككككرف عنككككه حسككككن العبككككادة والسككككيرة‬
‫والسكككلوك ‪ ...‬إن مكككا يصكككيبني مكككن اللم سكككواء ‪ ،‬ل يحجكككب هكككذه‬
‫الحقيقة)‪«.(1‬‬

‫بهذه الطريقة عبر غاريغوريوس عما يخفيه في صدره من اللم بسبب سوء‬
‫ضا أخذ يشجعه للتصككالح مككع كككاهنه‪.‬‬
‫معاملة المطران لصديقه باسيليوس‪ ،‬وبها أي ن‬
‫وعندما وصلت هذه الرسالة إلى المطران‪ ،‬واطلع عليها‪ ،‬ظككن أنهككا تحمكل كككثي نار مككن‬
‫الهانكككات ضكككده‪ ،‬واتهكككم غاريغوريكككوس بالغطرسكككة والكبريكككاء‪ ،‬ولككككن عنكككدما علكككم‬
‫غاريغوريوس بالتهامات التي يكيلها المطران ضده أمسككك بقلمككه وكتككب لككه رسككالة‬
‫أخرى يوضح له فيها أنكه ل يقصكد إهكانته بكل نصكحه إوارشكاده بص فته أحكد خكدامه‬
‫المخلصين‪ ،‬ومما قاله له في هذا الشأن‪:‬‬

‫» أنا لم أكتب شينئا عن كبرياء هذا الككذي تشكتكي بكه علككمى‬


‫مككن خلل خطككابي الككذي أرسككلته لككك‪ ،‬بككل جككاء ذلككك عككن تواضككع‬
‫وحكمة وعقل‪ ،‬ويناسب الموقف الحالي‪ ،‬ويخلو مككن أيككة تجككاوزات‪،‬‬

‫‪. Gr.Naz.,Ep.16()1‬‬
‫‪110‬‬
‫وأنككت تعككرف غاريغوريككوس جيككندا ل يخطككئ فككي حككق أحككد‪ .‬ولن لككك‬
‫فضل الرئاسة علمى‪ ،‬ولني أحد رجالك الخاضعين لك‪ ،‬فقككد تفضككلت‬
‫ومنحتنككي بعككض الحريككة‪ ،‬والحريككة فككي التعككبير‪ ،‬ولهككذا كككن شككفونقا‬
‫علمى‪ .‬لكن إذا اعتبرت أن خطابي الذي أرسلته لك يأتيك من مجككرد‬
‫خككادم ل يسككتحق أن ينظككر وجهككك‪ ،‬فككإني مككن خلل المكانككة الككتي‬
‫تضككعني فيهككا سكوف أسكتقبل ضكرباتك دون أن أبكككي دمعككة واحكدة‪،‬‬
‫ضا ‪ ، ...‬فكإن النفكس السكامية‬
‫وربما توجه لي التوبيخ لجل هذا أي ن‬
‫هي التي تتقبل نقد الصديق ول تتقبل تملق العدو)‪«.(1‬‬

‫ويعككد القتبككاس السككابق نككص الخطككاب الثككاني مككن بيككن ثل ثككة خطابككات‬
‫أرسككلها غاريغوريككوس إلككى المطككران يوسككابيوس فيمككا يخككص قضككية الخلف بينككه‬
‫وبين باسيليوس‪ .‬ويتضح فيه توافقه مع ما جاء في الخطاب الول من رغابتككه فككي‬
‫إنهاء هذا الخلف لمصلحة الكنيسة‪ ،‬ولكنه يختلكف عنكه فككي اتبكاعه لسككلوب أقككل‬
‫حككدة مككن سككابقه‪ ،‬حككتى ل يعككده السككقف أنككه يحمككل إهانككة لككه‪ ،‬وفيككه يوضككح عككدم‬
‫قصككده إهككانته‪ ،‬وأنككه ل يبغككى سككوى إرشككاده للصككواب‪ ،‬ويككدل علككى ذلككك اسككتخدامه‬
‫لبعض المفردات التي عبر به عككن مشكاعر الككود والصكداقة والخضككوع لكه‪ .‬ويلحكظ‬
‫أنه ككان موفنقكا جكندا فكي هكذا‪ .‬ولكم يكتكف غاريغوريكوس بهكذا‪ ،‬بكل أضكاف إلكى ذلكك‬
‫قوله ‪:‬‬

‫»‪ ...‬لم أكن أقصد قط الساءة إليك‪ ،‬ول تظن فيي السوء‪ ،‬بل‬
‫كنت أقصد مككن وراء هككذا أن أشككفي جككرح نفسككي‪ ،‬وأنككا الن أخضككع‬
‫خضونعا تانما للقانون‪ .‬وهل يوجد شىء آخر لككم أقكم بكه إرضكاء لكك‬

‫‪.Gr.Naz.,EP.17() 1‬‬
‫‪111‬‬
‫وللقانون الروحي؟ ولو أني قمت وتنكرت لمشاعري وجعلكت نفسكي‬
‫مجرد أداة فلم يسمح الزمن الحاضر لككي بهككذا‪ ،‬ولككم تسككمح وحككوش‬
‫ضككا‪.‬‬
‫البريككة الككتي تهككاجم الكنيسككة بككذلك ول شككهامتك وشككجاعتك أي ن‬
‫فأنككككا سككككوف أحضككككر إذا أردت أنككككت ذلككككك‪ ،‬وأقككككوم بمشككككاركتك فككككي‬
‫الصككلوات والصككراع‪ ،‬وأقكككوم بخكككدمتك‪ ،‬وأككككون مثكككل الطفككال الككذين‬
‫يثيرهم شجاعة البطال )‪«.(1‬‬

‫هككذا هككو نككص الخطككاب الثككالث الككذى ارسككله غاريغوريككوس الككى المطككران‪،‬‬
‫ويتضككح منككه أنككه كككان حريصككنا جككندا علككى إرضككائه‪ ،‬إوا ازلككة كككل مككا تككوهمه فيككه مككن‬
‫غاطرسة وسوء‪ .‬وهذا لكي يثبت له أنه ل يقصد إهانته بل كل ما يقصده هككو فائككدة‬
‫الكنيسة‪ ،‬ويوضح له أن مصلحة الكنيسككة فككوق كككل اعتبككار‪ .‬وهككذا كلككه لكككي يحنككن‬
‫قلبككه علككى صكككديقه باسككيليوس‪ .‬ويجعلكككه يتغاضككى عكككن أيكككة مشككاعر غايككر طيبكككة‬
‫تجاهه‪.‬‬

‫لم تتوقكف جهكود غاريغوريكوس الكتي ككان يقكوم بهكا مكن أجكل إنهكاء هكذه‬
‫القضكككية عنكككد هكككذا الحكككد فقكككط‪ ،‬بكككل نجكككده يبكككذل مجهكككودات مماثلكككة مكككع صكككديقه‬
‫باسيليوس الذي يمثل الطرف الخر فككي هكذه القضككية‪ ،‬و يرسكل لكه ليسكتحثه علككى‬
‫ترك مشاعر الحكزن جاننبكا‪ ،‬ويكدعوه للعكودة إلكى أسكقفه بأقصكى سكرعة ليعمكل معكه‬
‫على إنقاذ الكنيسة من هجمات الهراطقة‪ ،‬ويعلن له استعداده التام في مرافقته إلى‬
‫هناك ومشاركته في العمل معه‪ ،‬ومما قاله له في هذا الشأن‪:‬‬

‫» إن الكككوقت الحاضككر هكككو وقكككت التعقككل والثبكككات‪ ،‬ويجكككب‬

‫‪1‬‬
‫)(‬
‫‪.Gr.Naz.,Ep.18‬‬
‫‪112‬‬
‫علينا أل ندع أحندا يظهر نفسه بأنه أكثر شجاعة منا‪ ،‬ول نترك كل‬
‫أعمالنا وجهاداتنككا تضككيع هبككاء‪ .‬لمككاذا أكتككب إليككك ولي هككدف؟ مككا‬
‫أريد أن أوضككحه لككك هككو أن أسككقفنا يوسككابيوس‪ ...‬يميككل الن إلككى‬
‫التفككاق والصككداقة معنككا‪ ،‬وكمككا أن النكككار تليكككن الحديككد‪ ،‬فكككإن هكككذا‬
‫الوقت الصعب الذي نعيشه قد جعله يلين‪ .‬وأعتقد أنه سوف يرسل‬
‫إليك خطانبا يككدعوك فيكه بككأن تحضككر إليكه‪ ،‬هككذا مككا أعلنككه لككي‪ ،‬ومككا‬
‫تأكدت منه من أصكدقائه القريكبين منكه‪ ،‬لكذلك علينكا أن نسكبقه إمكا‬
‫بالذهاب أو بالكتابة له‪ ،‬أو بالحرى بالكتابة أولن ثم بالكذهاب ثاننيكا‪.‬‬
‫يجب أل نجلب على أنفسكنا العككار‪ ،‬أو نتعككرض للهزيمككة فككي الككوقت‬
‫الذي يقف فيه الحق بجانبنا‪ .‬وكثير من الشعب يطلب منا العككودة‪.‬‬
‫ككككن واثقنكككا فكككمي إنذا وتعكككال‪ ،‬فكككإن الحكككوال سكككيئة والكككوقت صكككعب‪،‬‬
‫فالهراطقة يتآمرون على الكنيسة‪ ،‬وبعضهم موجود الن ويسببون‬
‫لنا إزعانجا وضينقا‪ ،‬وربمكا يكأتي وراءهكم منهكم آخكرون ليشكدوا مكن‬
‫أزرهككم‪ .‬والمككر الككذي نخككاف منككه كككثي نار هككو خطككر تلشككي اليمككان‬
‫الرثوذكسككي وأنككا مسككتعد أن أعككود معككك إلككى هنككاك إذا طلبككت منككي‬
‫ذلك)‪«.(1‬‬

‫يتضككح مككن النككص السككابق أن غاريغوريككوس بمككا يمتلكككه مككن إحسككاس‬


‫مرهف ومشاعر رقيقة استطاع بكلمكات قليلكة أن يصكف مشكهد الصككراع فككي مدينكة‬
‫قيصرية بين الريوسكيين والرثوذكسككيين‪ ،‬وينقلككه كمكا يحككدث هنكاك دون أن تخمككد‬
‫أو تفكتر حرارتككه إلككى صككديقه باسكيليوس‪ ،‬ولسككيما أن مككا أضككافه إلككى الخطككاب مككن‬
‫تعكككبيرات تحمكككل مشكككاعر مكككودة ومحبكككة وتقكككدير مكككن شكككعب المدينكككة لباسكككيليوس‪،‬‬

‫‪.Gr.Naz.,Ep.19‬‬ ‫‪()1‬‬
‫‪113‬‬
‫وتسككامح وتقككدير مكن مطرانكه‪ ،‬عمكل علككى إلهكاب قلكب صكديقه‪ ،‬وككان مككن الصكعب‬
‫عليه أن يترك دعككوة مثككل هكذه دون إجابكة‪ ،‬وخاصكة أنهككا تتعلكق بقضكية اليمكان ‪.‬‬
‫وحسب شهادة غاريغوريوس نفسه عنه في هذا الكوقت أنكه هكب لكوقته للكدفاع عكن‬
‫اليمان ‪ ،‬إذ كان أقدر من غايره في مثل هذه القضايا‪ ،‬ويقف بروح عالية وشجاعة‬
‫وذكككاء وتككأهب دائككم لصككد أي هجككوم ضككد العقيككدة‪ ،‬وهككو فككي ذلككك يتشككبه بالجنككدي‬
‫المتيقظ والمتأهب دائنما للقتال‪ ،‬و لم يكن ينتظر دعوات وتوسلت وشفاعات كككثيرة‬
‫من أحد فيما يتعلق بهذا المككر‪ ،‬واسككتطاع أن يتحكككم فككي مشككاعره ورغابككاته ونككوازع‬
‫نفسه المليئة بالحزن مما أصابه من أسقفه من معاملة سيئة‪ ،‬ويخفيها في داخله‬
‫ليتفرغ للجهاد ضد الريوسيين)‪.(1‬‬

‫ثم قام سرينعا ورحل مككن بنطكس وتككوجه للعككودة إلككى مكدينته‪ ،‬ودفعتككه غايرتككه‬
‫وحماسه وحرصه على نقاء العقيدة إلى البدء في الجهاد فور وصوله إليهككا‪ ،‬وسككلم‬
‫نفسه إلى الكنيسة‪ ،‬وجاهد بكل مككا يملكككه مككن حكمككة وعلككم وروحانيككة‪ ،‬وعمككل علككى‬
‫توحيد جهود الجانب الرثوذكسي في المدينة وقاده في ميككدان المعرككة‪ ،‬ولككم يلتفكت‬
‫إلى المبغضين والحاسدين الكذين كككانوا يضكمرون لككه شكرونار فيمككا قبككل‪ ،‬ولكم يعطهكم‬
‫فرصة لعاقته عن الجهاد‪ ،‬وقد وصل في ذلك إلى مرحلة تقارب الكمال‪ ،‬إذ لكم يككن‬
‫ينقصه الفطنة والحصافة عندما كان يستخدم القوة والشجاعة‪ ،‬ولم ينقصه النشككاط‬
‫حيككككن كككككان يسككككتخدم الفهككككم والحصككككافة‪ ،‬ولككككم يخككككف مككككن الككككدخول فككككي الشككككدائد‬
‫والصعوبات)‪.(2‬‬

‫وبينمككككا يرجككككع غاريغوريككككوس وسككككوزمين السككككبب الرئيككككس فككككي هزيمككككة‬


‫الريوسيين وعلى رأسهم المبراطور فالنز إلى المقاومككة الشككديدة الككتي لقوهككا مككن‬
‫باسيليوس والرثوذكسككيين فككي المدينكة ‪ ،‬نجككد غايرهمككا مككن المصككادر تضككيف عككدة‬

‫‪.Gr.Naz.,or.43,ch,31.,CF.Soz.,op.cit.vI,15()1‬‬
‫‪.Gr.Naz.,or.43,ch,32,33. ; Soz.,op.cit.vI,15()2‬‬
‫‪114‬‬
‫أسككباب أخككرى تتعلككق بهككذا الشككأن ‪ ،‬لعككل أولهككا وأهمهككا ثككورة القائككد بروكوبيككوس‬
‫‪ Procopius‬الذي قككام بككالثورة فككي عككام ‪363‬م‪ ،‬واسككتطاع خلل وقككت قصككير أن‬
‫يسكككتولى علكككى ككككثير مكككن وليكككات ومكككدن آسكككيا الصكككغرى‪ ،‬ودخكككول القسكككطنطينية‪،‬‬
‫وإعلان نفسككه إمككبراطونار وهككو مككا جعككل فككالنز يسككرع فككي الخككروج مككن قيصككرية‬
‫لمحاربته‪ ،‬فلقاه في إحدى مدن ولية فريجيا واشتبك معككه فككي معركككة حاميككة كككان‬
‫النصر فيها حليفه‪ ،‬ثم قتل بروكوبيوس بعد هزيمتككه مباشككرة بككأن شككد جسككمه علككى‬
‫شجرتين ثم تركت كل منها تذهب في اتجاه عكس الخرى‪ ،‬فتمزق إلى جزئين‪.‬هككذا‬
‫بالضافة إلى أسباب أخرى لم تككن أقكل خطكك نار مكن السككباب السكابقة ومنهكا حكدوث‬
‫زلزال قوي خلف و ارءه كثي نار من الدمار في أنحاء ككثيرة مكن المبراطوريكة‪ ،‬وككذلك‬
‫حككدوث ظككاهرة انحسككار للبحرالمتوسككط ثككم فيضككانه علككى المككدن السككاحلية‪ ،‬ومككا‬
‫صككاحب ذلككك مككن غاككرق كككثير مككن النككاس‪ ،‬وتككدمير المنككازل حتىأصككبحت القككوارب‬
‫وسككككيلة المواصككككلت الوحيككككدة فككككي هككككذه المككككدن‪ .‬وقككككد كككككان المككككؤرخ أميككككانوس‬
‫مكككاركيلينوس ‪ Ammianus Marcelling‬يتنق ل علكككى ظهكككر واحكككدة منهكككا)‪،(1‬‬
‫وحككدوث ظككواهر كونيككة غاريبككة لهككم بالنسككبة لهككم فككي العصككر الككذي يعيشككون فيككه‪،‬‬

‫‪ ()1‬وتعرف هذه الظاهرة باسم التسونامي‪ ،‬وتنش أ بس بب حكدوث هكزات أرضكية عنيفكة فكي‬
‫داخكل البحكار تتسكبب فكي دفكع الميكاه بكميكات ك بيرة وسكرعة فائق ة إلكى خارجهكا‪ ،‬و تغطكي‬
‫مسكاحات واسكعة م ن الم دن السكاحلية الكتي تجاورهكا فيمكا يعكرف باس م الفيض ان‪ ،‬ويمك ن‬
‫معرفة هذه الظاهرة بصورة واضحة والحاطة بحجم التدمير والخسائر الفادحة الككتي تنتككج‬
‫عنهككككا مككككن خلل مككككا حككككدث أخيكككك نار مككككن التسككككونامي الككككذي ضككككرب قككككارة آسككككيا بتاريككككخ‬
‫‪ 23/12/2004‬وأوقع خسائر ك بيرة بسكبعة دول مكن أهمه ا‪ :‬أندونيسكيا وماليزيكا والهنكد‬
‫وسنغافورة‪ ،‬وأدى إلى مقتل ‪ 292‬ألف شخص وتشريد المليين من البشر بالضككافة إلككى‬
‫الخسائر المادية الفادحة‪.‬‬
‫لمزيد من التفاصيل عن كارثة التسونامي راجع‪:‬‬
‫سيد عاشور أحمد‪ :‬تسونامي مارد البيئة‪ ،‬مطبعة جامعة أسيوط‪ ،‬ط ‪.2007 ،1‬‬
‫‪115‬‬
‫وأصباتهم بالفزع والرعب الشكديد ‪ ،‬ومنهكا إظلم الرض فككي وضكح النهكار وظهككور‬
‫كواكب المجموعة الشمسية‪ ،‬وحدوث موجة مككن موجككات الجفككاف القاتككل)‪(1‬؛ ولككذلك‬
‫يمكن القول بأن كل هذه الحداث الكتي تعرضكت لهكا المبراطوريكة وتكأثر بهكا إقليكم‬
‫آسكككيا الصكككغرى بصكككفة خاصكككة بجكككانب مكككا تعكككرض لكككه فكككالنز وأتبكككاعه السكككاقفة‬
‫الريوسيون مكن هزيمكة منككرة أمكام باسكيليوس‪ ،‬جعلكت فكالنز يتعجكل بالرحيكل مكن‬
‫قيصرية‪.‬‬

‫وبعد ذلك توجه إلككى مصككالحة أسككقفه‪ ،‬وأخككذ يعمككل علككى إرضككائه‪ ،‬إوا ازلككة مككا‬
‫كان يتوهمه فيه من سوء‪ ،‬وأقنعه بأنه لم يفكر قط ولم يبغ إطلنقا منافسته‪ ،‬بككل كككل‬
‫ما كان يسعى إليه خدمة الكنيسة والشعب المسيحى‪ ،‬وأن يككون أميننكا فكي خكدمته‪،‬‬
‫وأن الخلف الذي حكدث بينهمككا إنمككا سكببه حسككد الشكيطان الكذي يسككعى دائنمكا إلكى‬
‫الشر‪ ،‬ول يسره أبندا أن يرى بني البشر متفقين في الخير والصككلح‪ ،‬ول يهككدأ إل إذا‬
‫ضكككا علكككى طكككاعته وخكككدمته بمكككا يليكككق بمنصكككبه‬
‫نفكككث سكككمومه بينهكككم‪ .‬وعمكككل أي ن‬
‫وشيخوخته وجعل يبذل له النصائح والرشادات المفيككدة فككي تككدبير شكئون الكنيسككة‬
‫بحسب ما أنعم ال بكه عليكه مككن علكم ومعرفكة وحكمكة‪ ،‬وصكار لكه مستشكا نار حسكننا‪،‬‬
‫ومسككاعندا مككاهنرا‪ ،‬ومرشككندا فككي تفسككير وصككايا الكتككاب المقككدس‪ ،‬ومعلنمككا لهوتنيككا‪،‬‬
‫ومعينككا فككي الثبككات علككى اليمككان‪ ،‬ونائنبككا فككي تصككريف أمككور الكنيسككة فككي جميككع‬
‫جوانبها)‪.(2‬‬

‫ومن العلمات التي توضح اهتمام باسيليوس بكنيسته وتقدم مكانته عند‬
‫النكككاس اهتمكككامه بعقكككد المصكككالحات بيكككن رجكككال الكككدين ‪ ،‬وبينهكككم وبيكككن النكككاس‪،‬‬
‫ومصالحة المتخاصمين منهم ومن الرهبان مككع السككقف يوسككابيوس‪ ،‬وكككان نفسككه‬
‫خير مثال يحتذى به في مثل هذا المواقف‪ .‬ثم شرع يعمل على الهتمام بالرهبككان‬

‫‪.Amm. Marc.,op. cit.xxvI,10:15-19.; Soc.,op.cit.Iv,3,5 ()1‬‬


‫‪. Gr.Naz.,or.43,ch,33()2‬‬
‫‪116‬‬
‫ووضع لهككم قككوانين نسكككية عديككدة بعضككها سككلمها لهككم مكتوبككة‪ ،‬وبعضككها شككفاهة‪،‬‬
‫ووضع الصلوات الطقسية التي تحتاجها الكنيسة)‪.(1‬‬

‫قضية تولية باسيليوس مطران على كنيسة قيصرية كبادوكيا‬


‫وحسب الترتيب الزمني والمنطقي الذى اتبعه كل من غاريغوريوس النيزينزي‬
‫صككديق باسككيليوس وغاريغوريككوس النيسككى فككي روايتهمككا بشككأن سككير الحككداث فككي‬
‫حياة باسكيليوس نجكد أنكه بعكد انقضكاء المجاعكة ووفكاة إيميليكا أم باس يليوس‪ ،‬بكدأ‬
‫السقف يوسابيوس يشعر بضعف صحته‪ ،‬وأدرك أن الموت قريب منه‪ ،‬وفى أثناء‬
‫مرضه لم يكن باسيليوس بعيندا عنه‪ ،‬ولم يتخل عنككه بسكبب خلفكاته السكابقة معكه‬
‫بل كان يعامله بود ومحبة ولطف ل يوصف‪ ،‬ويخككدمه بكككل اسككتطاعته إوامكانيككاته‪،‬‬
‫وسعد السقف بوجوده بجانبه في اللحظات الخيرة من حياته‪ ،‬وبعمله الدؤوب فى‬
‫خدمككة الكنيسككة‪ ،‬وتسككيير شككئونها علككى وجككه حسككن‪ ،‬ولفككظ أنفاسككه الخيككرة وهككو‬
‫مطمئن على كنيسته وراض على ككاهنه باس يليوس‪ ،‬وشكاكر رب ه علكى النعكم الكتي‬
‫منحها له ولكنيسته طوال سنوات مطرانيته)‪.(2‬‬

‫وبعد موت يوسابيوس أصبح كرسي المط ارنية شاغا نار من الناحية النظرية‪،‬‬
‫أما من الناحية العملية فكانت الشخصية التي تشغله ل تزال على قيد الحيككاة‪ ،‬وقككد‬
‫كككان واضككنحا أمككام الجميككع أن باسككيليوس بمككا يمتككاز بككه مككن خلككق رفيككع وسككيرة‬
‫مسككككتقيمة وخككككبرات كككككبيرة فككككي إدارة شككككئون المطرانيككككة لهككككو أحككككق مككككن يخلككككف‬
‫يوسابيوس‪ ،‬وقد كان نجم باسيليوس يسطع أمام الجميككع كمكا تسككطع الشكمس فكى‬
‫وضح النهار‪ ،‬ووقككف الجككزء الكككبير مككن شككعب المدينكة ينككادى بككأحقيته فككي اعتلء‬

‫‪. Gr.Naz., ch,34 ()1‬‬


‫‪2‬‬
‫)(‪.Gr.Naz.,or.43,ch.37. ; Gr.Nis.,Mac,p.38‬‬
‫‪117‬‬
‫كرسككي المطرانيككة‪ ،‬وانضككم إليهككم الرهبككان وعككدد كككبير مككن رجككال الككدين‪ ،‬وقككد أخككذ‬
‫غاريغوريككوس يسكهب فككي ذككر الصكفات الككتي تتمتككع بهككا شخصكية صككديقه‪ ،‬ومنهككا‬
‫قوله عنه ‪:‬‬

‫» ل يوجككككد رجككككل آخككككر يتمتككككع بمثككككل صككككفاتك الحسككككنة‪،‬‬


‫ويستطيع أن يسلب منك هذه الدرجة‪ ،‬فأنت تتمتككع بطهكارة النفككس‪،‬‬
‫وعفكة اليكدين‪ ،‬وغايكر مرتبكط بزيجكة‪ ،‬ومتجكرد عكن الملك‪ ،‬وناسكك‬
‫كككبير‪ ،‬وتعاليمككك السككامية تككأتي بعككد تعككاليم الكتككاب المقككدس فككي‬
‫الهمية‪ ،‬وحكيم بين الحكمكاء‪ ،‬ومتقكدم علكى غايكرك ممكن يعيشكون‬
‫فكي العككالم‪ ،‬صككديقي ورفيكق مسكيرتي‪ ،‬إواذا تجكرأت فكي قككولي فككإنني‬
‫أعد نفسي وأنت نعيش بروح واحدة‪«.(1) ...‬‬

‫وعلى الرغام من أحقية باسيليوس فى هذا المنصب فإنه وفنقا لما أشار إليه‬
‫صديقه غاريغوريوس من أحداث كانت تجري في مثل هذه العملية من قيام ن ازعككات‬
‫واضطرابات بيكن الطككراف المختلفككة الكتي تشكترك فيهكا)‪ ،(2‬فقككد حكدث أن قككام بعكض‬
‫سككا‬
‫رجككال الككدين خاصككة مككن السككاقفة بإظهككار معارضككتهم لتنصككيب باسككيليوس رئي ن‬
‫عليهككم‪ ،‬وانضككم إليهككم عككدد مككن أصككحاب القككوة والنفككوذ والككثراء فككي المدينككة الككذين‬
‫وجككدوا فككي توبيككخ ولككوم باسككيليوس لهككم أثنككاء المجاعككة إهانككة كككبيرة‪ ،‬وقككد شككبههم‬
‫غاريغوريككوس بالصككخور الككتي تعككترض مجككرى النهككر‪ ،‬وكككان يقصككد بككالنهر صككديقه‬
‫باسيليوس الذي يستطيع أن يسير في مجراه بالرغام من وجود الصخور أمامه)‪.(3‬‬

‫وقككد اتسككعت هككذه الضككطرابات والصككراعات حككتى شككملت المطرانيككة كلهككا‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫)(‪.Gr.Naz.,or.18,ch.35‬‬
‫‪2‬‬
‫)(‪.Ibid.,33‬‬
‫‪.Ibid.,ch.37()3‬‬
‫‪118‬‬
‫وتسبب ذلك في دفع أعداء الكنيسة من الريوسيين والوثنيين للسخرية بما يحدث‬
‫داخككل الكنيسككة‪ ،‬وفككى هككذه الظككروف أخككذ غاريغوريككوس يعقككد مقارنككة بسككيطة بيككن‬
‫الكنيسة والحكومة المدنية‪ ،‬فرأى أن الحكومة المدنية أصبحت أفضل من الكنيسة‬
‫مكككن حيكككث مقكككدرتها علكككى إدارة شكككئونها بنظكككام وترتيكككب‪ ،‬ومكككن حيكككث اسكككتقرارها‬
‫وسلمها‪ ،‬عكس الكنيسة التي أصابها الصراع واختل نظامهككا واضككطرب اسككتقرارها‬
‫وتحول هدوؤها وسلمها إلى صراع ونزاع)‪.(1‬‬

‫وأمام ما أحدثته هذه القضية من صراعات ونزاعات ومجادلت واضطرابات‪،‬‬


‫أصبح الطريق أمام باسككيليوس أو أى شككخص آخككر غايككره لرئاسككة المطرانيككة صككعنبا‬
‫للغايكككة‪ ،‬ولأن باسكككيليوس ككككان أحكككق المرشكككحين لهكككا فلبكككد مكككن معرفكككة مكككوقفه‬
‫الشخصي تجاه هذا المر‪ ،‬وهل كان يرغاكب فكي الرتقكاء لهكذه الدرجكة‪ ،‬أم هكل ككان‬
‫يرفضها‪ ،‬ويفضل أن ينسحب بهدوء ليبتعد عن هذه المشكلت والصراعات‪ ،‬وينعككم‬
‫بالهدوء‪ ،‬أم يشارك فيها ليس بغرض تعييككن نفسككه فككي هككذا المنصككب‪ ،‬بككل بترشككيح‬
‫ضا عنه‪ ،‬ولعلنا نستطيع أن نعككرف مككوقفه مككن خلل رسككالة بعككث بهككا إلككى‬
‫آخر عو ن‬
‫صككديقه غاريغوريكوس يرجككوه فيهكا أن يحضككر إليكه بسككرعة‪ ،‬ولككي يضكمن حضكوره‬
‫أدعى على نفسه بأنه مريض جندا‪ ،‬وأن الموت قريب منه‪ ،‬ويرغاب فككي رؤيتككه قبككل‬
‫أن تنتهي حياته‪ ،‬وبالرغام من ضياع هذه الرسالة فإننا نجكد إشكارات واضكحة عنهكا‬
‫وعككن موضككوعها فككي رسككالة أخككرى بعككث بهككا غاريغوريككوس إليككه رندا علككى رسككالته‬
‫المفقودة والتي قال فيها‪:‬‬

‫» ل تعجب منكي إن قلكت لكك ش ينئا غارينبكا لكم يقلكه أحكد قكط‬
‫من قبل‪ ...‬أنت دعكوتني للحضكور إلكى المطرانيكة فكي الكوقت الكذي‬
‫عقد فيكه مجمكع للسكاقفة بغكرض اختيكار رئيكس السكاقفة الجديكد‪،‬‬
‫وكانت الحجكة الكتي اعتمكدت عليهكا فكي ذلكك مقبولكة ومعقولكة إلكى‬

‫‪.Gr.Naz.,or.18,.ch.35()1‬‬
‫‪119‬‬
‫حككد مككا‪ ،‬فقككد ادعيككت بأنككك مريككض جككندا‪ ،‬وأن المككوت قريككب منككك‪،‬‬
‫وتشتاق إلى رؤيتي وتوديعي قبل أن تموت‪ ،‬وعندما بلغنكي ذلكك لكم‬
‫أعككرف كيككف أتصككرف ومككا يجككب علككى أن أقككوم بككه‪ ،‬ولكننككي شككعرت‬
‫بحزن عميق على ما حدث‪ ،‬لنه ل يوجكد شكىء أككثر قيمكة عنكدى‬
‫أكثر من حياتك‪ ،‬ول شىء يعد أكككثر خسككارة لككدي أكككثر مككن رحيلككك‪،‬‬
‫وأخككذت أبكككي وأنككوح كككثي نار عليككك‪ ،‬وحسككبت حيككاتي كلهككا ليككس لهككا‬
‫قيمة من بعدك‪ ،‬وقد جهزت نفسي على عجل للمشاركة فككي م ارسككم‬
‫الجنازة لكن وأنا على هذه الحالة عرفت أن الساقفة مجتمعون في‬
‫المدينككة‪ ،‬وفككي هككذه اللحظككة تككوقفت عككن مسككيري وأخككذني العجككب‬
‫لسككباب أولهككا ل نككك لككم تهتككم بمككا سككوف يكترتب علككى ادعائككك‪ ،‬ولككم‬
‫تحكككترس مكككن ألسكككنة النكككاس الشكككرار الكككذين ل يكفكككون عكككن إهانكككة‬
‫الككبريئين‪ ،‬والسككبب الثككاني أنككك لككم تككراع تلككك الحيككاة النسكككية الككتي‬
‫عشناها منعا وتشككاركنا فيهككا مككع الكك منككذ البدايككة‪ ،‬والسككبب الثككالث‪:‬‬
‫ضكككا‪ ،‬إنكككي أتعجكككب مكككن موقفكككك‪ ،‬فكككأنت تكككذكر أن‬
‫يجكككب أن أقكككول أي ن‬
‫التنصيب يجب أن يستحقه من هو أكثر تديننا وليككس مككن هككو أكككثر‬
‫قوة ونفونذا‪ ... ،‬والن إذا كنت تريد أن تعرف رأيكي فكي هككذا المككر‪،‬‬
‫أقول لك تقدم إلى هككذا المنصككب لكككي تتجنككب هككذا الضككطراب العككام‬
‫وهكككذه الشككككوك السكككيئة‪ ،‬أنكككا سكككوف أحضكككر وأرى قداسكككتك عنكككدما‬
‫تستقر المور‪ ،‬وعندما يسمح الوقت بذلك )‪«.(1‬‬

‫ومن خلل النص السابق يتضح أن باسيليوس كان يخطط لتنصيب صديقه‬
‫غاريغوريكككوس فكككي منصكككب رئاسكككة المطرانيكككة‪ ،‬والكككدليل علكككى هكككذا أنكككه أرسكككل إليكككه‬
‫يسككتديعه للحضككور إلككى المدينككة فككي الككوقت الككذي كككان السككاقفة يجتمعككون فيككه‬

‫‪1‬‬
‫)(‪.Gr.Naz.,EP.40‬‬
‫‪120‬‬
‫لختيار رئيس الساقفة الجديكد‪ ،‬وقكد أخفكى باسكيليوس عنكه حقيق ة المكور‪ ،‬وأخكذ‬
‫يقنعه بأسباب أخرى غايرها حتى يضمن حضوره بسرعة إليه‪ ،‬والدليل الثاني يتمثككل‬
‫في موقف غاريغوريوس نفسه عندما علم بحقيقة الموقف واكتشف زيف ادعككاءات‬
‫باسيليوس‪ ،‬فقفكل عائكندا مكن حيكث أتكى‪ ،‬وأرسكل إلكى باس يليوس خطانبكا يلكومه فيكه‬
‫على ذلك ويحيطه علنما بأنه يفضل حياة الرهبنة أكثر من أي شىء آخر‪ ،‬وبجككانب‬
‫هذا أخذ يدعوه إلى قبول هذا المنصككب ويعكده أفضككل مككن يسكتحقه‪ ،‬ويزيككن لككه هكذا‬
‫المر ويحاول إقناعه به بمختلف الطككرق‪ ،‬والككدليل الثككالث أن غاريغوريككوس عنككدما‬
‫علككم بحقيقكة الموقككف لككم يواصككل سكيره إلككى قيصككرية‪ ،‬بككل عككاد إلككى مككدينته حكتى ل‬
‫يتسككبب وجككوده فككي قيصككرية فككي جككذب أنظككار السككاقفة إليككه بككدلن مككن جككذبها نحككو‬
‫سا للمطرانية‪ ،‬وهذا المر يتعارض مع ميوله ورغاباته‪.‬‬
‫ويختار هو رئي ن‬
‫باسيليوس‪ ،‬ع‬

‫وبعد أن عاد غاريغوريوس النيزينزي إلى مدينته نيزين از أخذ يعمل وبجد لدفع‬
‫صككديقه باسككيليوس إلككى قبككول هككذا المنصككب‪ ،‬وفككي تهيئككة الطريككق أمككامه لبلككوغاه‪،‬‬
‫وقام بمشاركة أبيه غاريغوريوس الشيخ أسقف نيزين از في العمل معه للوصول إلى‬
‫هكذه الغايكة‪ ،‬وقكد ككان غاريغوريكوس الشكيخ يتمتكع بشخص ية قويكة وصكفات تقويكة‬
‫تجعله يمتلك موقنفا مؤث نار في هذه القضية‪ ،‬وكانت رؤيتككه لهكا تفككوق جميكع مككا يكراه‬
‫غايره من الساقفة الخرين‪ ،‬ونظر إلى هذه القضككية بشكككل أكككثر شككمولن مككن غايككره‪،‬‬
‫فقد كان يرى أن أهميكة هككذه القضكية تتمثككل فككي المكانكة الدينيككة لكنيسككة قيصكرية‪،‬‬
‫حيث إنها مركز أسقف كبير يخضع له عدد كبير جندا من السقفيات الخرى داخككل‬
‫ولية كبادوكيا وخارجها‪ ،‬ومن ثم يتمتع رئيسها بنفوذ ديني كبير‪ ،‬ولبد مككن حسككم‬
‫قضية الخالق بهذه لمن يتمتع بصفات ومزايا خاصة تؤهله لهذا المنصب)‪.(1‬‬

‫ولبككد أن نشككير هنككا إلككى الهميككة الكككبيرة الككتي كككانت تتمتككع بهككا مطرانيككة‬
‫قيصرية من خلل ما قاله عنها غاريغوريوس الشككيخ أسككقف نيزينككزا‪ ،‬وهككو مككا دفككع‬

‫‪.Gr.Naz,EP.41()1‬‬
‫‪121‬‬
‫المؤرخين المعاصرين إلى التحقق من هذا القول‪ ،‬وبعد أن أمضككوا وقتنككا طككويلن فككي‬
‫الدراسة والبحث في هذا المر وجدوا أن في هككذا الككوقت المبكككر مككن تاريخهككا كككانت‬
‫تملك سلطة كنسية علكى جميكع أسكقفيات وليكة كبادوكيكا‪ ،‬بالضكافة إلكى أسكقفيات‬
‫عديدة في ولية بنطس وقيصرية الجديدة والعديد مكن الوليككات الخكرى‪ ،‬بمكا يمثككل‬
‫أكثر من نصف مساحة إقليم آسيا الصغرى‪ ،‬ويخضع لهككا نحككو خمسككين أسككقنفا)‪،(1‬‬
‫وهككذا يككدل علككى صككدق روايككة غاريغوريككوس الشككيخ وعمككق معرفتككه ودرايتككه بككأمور‬
‫الدارة الكنسية في هذه المطرانية‪ ،‬إلى جانب أنها توضح الهميككة الكككبيرة للكرسككي‬
‫الكنسي القيصري في إقليم آسيا الصغرى كله‪.‬‬

‫وانطلنقا من هذه الهمية فقد رأى غاريغوريوس الشيخ أن أحق شخص لهذا‬
‫المنصب هو باسيليوس‪ ،‬واتفقت رؤيته مع رؤية ابنه غاريغوريكوس‪ ،‬وأخكذ الثنكان‬
‫يعملن منعا من أجككل تحقيككق رؤيتهمككا‪ ،‬وقامككا بككدور كككبير ومككؤثر فككي هككذه القضككية‬
‫ليس لجل خاطر صديقهما باسيليوس أو لتحقيق أية مكاسب شخصية له بل كان‬
‫غارضهما من هذا هو نفع الكنيسكة كلهكا وتحقيكق مصكالحها)‪ ،(2‬ومكن مجهوداتهمكا‬
‫فككي هككذا الموضككوع مككا فعلككه غاريغوريككوس الشككيخ مككن كتابككة العديككد مككن الرسككائل‬
‫بالشككتراك مككع ابنككه وبيككده إوارسككالها إلككى مختلككف الطككراف المشككاركة فككي عمليككة‬
‫اختيار المطران الجديد يحثهم فيها على اختيار باسيليوس لهككذا المنصككب‪ ،‬ومنهككا‬
‫رسالة هامة كتبها بيد ابنه غاريغوريوس ووجهها إلى شعب قيصككرية‪ ،‬يوضككح لهككم‬
‫فيها الهمية الككبيرة لهكذه القضكية وللكرسكي الكنسكي بهكا‪ ،‬ويسكتحثهم علكى توليكة‬
‫باسيليوس‪ ،‬ومما قاله لهم في هذه الرسالة‪:‬‬

‫» أنككا ارعكك وى ] أسككقف[ متواضككع وأرعككى شككعبنا قليككل العككدد‪،‬‬

‫‪.Ramsay,op.cit., p.338‬‬ ‫‪()1‬‬


‫‪2‬‬
‫)(‪.Gr.Naz.,EP.41‬‬
‫‪122‬‬
‫وأحسب نفسي آخر الذين يكرسون أنفسهم لخدمة الكك‪ ،‬لكككن نعمكة‬
‫ال واسعة‪ ،‬ول يحدها مكان‪ ،‬لذلك فهي تعطى نعمة الكلم وبحريككة‬
‫لمن يعد نفسه صغي نار بالرغام من كونه أكبر الجميع سننا‪ ،‬ويستطيع‬
‫أن يتكلككم بحكمككة أكككثر مككن الخريككن‪ ،‬ولسككيما إذا كككان الموضككوع‬
‫يتعلكككق بكككأمر شكككديد الهميكككة ويهتكككم بكككه جميكككع النكككاس‪ ...‬ونكككور‬
‫الكنيسة يتمثل فكي أسكقفها‪ .‬وكنيس تكم منكذ بداي ة تأسيسكها وحكتى‬
‫الككوقت الحاضككرتعد أمنككا لكككثير مككن الكنككائس‪ ،‬وهككم يخضككعون لهككا‬
‫ويسيرون في محيطها كما تسير الككدائرة حككول مركزهككا‪ ،‬وليككس هككذا‬
‫لنهككا أقككدم كنيسككة أرثوذكسككية] فككى اسككيا الصككغرى[ فقككط بككل لن‬
‫جميككع الشككهادات اتفقككت علككى أنهككا تأسسككت علككى كلمككة الكك‪ ،‬فقككد‬
‫وجهتم لكي الكدعوة ككي أحضكر إليككم لشكترك معككم فكي المناقشكات‬
‫الكككدائرة فكككي هكككذا الموضكككوع حكككتى يسكككير علكككى الطريكككق الصكككحيح‬
‫والقكككانوني‪ ،‬لككككن شكككيخوختنا وأم ارضكككنا تعوقنكككا عكككن ذلكككك‪ ،‬لككككن إذا‬
‫منحنا ال قوة فسكوف نحضكر‪ ...‬أنكا أعتقكد أنكه يوجكد بينككم بع ض‬
‫ممككن يسككتحق رئاسككة السككقفية‪ ،‬وهككذا مككن أجككل الهميككة الكككبيرة‬
‫لمدينتكم‪ ،‬ولنهككا ككانت تككدار فككي الوقككات الماضكية بتميكز بواسككطة‬
‫رجكككال عظمكككاء‪ ،‬ولككككن يوجكككد بينككككم الن رجكككل فاضكككل‪ ،‬ول أشكككير‬
‫باختيار غايكره‪ ،‬وهكو ابننكا المحكب فكي الك الككاهن باسكيليوس‪ ،‬وأنكا‬
‫أتكلككم بهككذا الكلم أمككام الكك وهككو الشككاهد علككى كلمككي هككذا‪ ،‬فهككو‬
‫يتميز باستقامة السيرة والسلوك‪ ،‬وله قككوة فككي القككول‪ ،‬وهككو الوحيككد‬
‫أو غاالنبككا هككو الوحيككد المؤهككل مككن جميككع النككواحي لن يقككف بثبككات‬
‫أمكام هجمكات الهراطقكة فكي هكذه الوقكات‪ ،‬وأوجكه خطكابي هكذا إلكى‬
‫رجكككال الكهنكككوت والرهبكككان وأصكككحاب القكككوة والنفكككوذ فكككي المدينكككة‬

‫‪123‬‬
‫وأعضكككاء المجكككالس إوالكككى جميكككع الشكككعب‪ ،‬إن اقتنعتكككم ب أريكككي هكككذا‬
‫ووافقتم عليه فعلينا أن نسلك طريق العدل والصواب‪ ،‬وسوف يهبنا‬
‫ال المعونة مكن عنكده‪ ،‬وسكوف أعمكل معكككم مككن أجكل تقريكر ذلككك‪،‬‬
‫وأتقدمكم بشجاعة‪ ،‬أمككا إذا لككم توافقككونى‪ ،‬وعزمتككم علككى فعككل شككيء‬
‫آخر‪ ،‬إواذا اسكتقر المككر داخككل جماعككات تربطهككم علقككات شخصكية‬
‫فيمكككا بينهكككم‪ ،‬إواذا امتكككدت يكككد الرعكككاع مكككرة أخكككرى لتكككثير الفوضكككى‬
‫والنقسام بينكم‪ ،‬فافعلوا ما يحلو لككم‪ ،‬أمكا أنكا فسكوف ألكزم القامكة‬
‫في مكاني ولن أخرج منه)‪«.(1‬‬

‫ويتضككح مككن النككص السككابق أن شككعب مدينككة قيصككرية وجككه الككدعوة إلككى‬
‫غاريغوريوس الشيخ لكي يساعدهم على اختيار المطككران الجديككد‪ ،‬وقككد وجككدت هككذه‬
‫الدعوة استعداندا كبي نار من جكانبه للمشككاركة فكي هككذا المككر‪ ،‬وتمهيككد الطريكق بينهكم‬
‫لختيار باسيليوس لهذا المنصب‪ ،‬وتدل دعوتهم هذه لهذا السقف علككى اعككترافهم‬
‫ضككا أن أسككقف‬
‫بسككمو مكككانته وحكمتككه وخككبرته فككي مثككل هككذه المواقككف‪ ،‬ويتضككح أي ن‬
‫نيزين از الشيخ استطاع أن يجيب عن دعوتهم له في خطابه هذا بصورة بارعة تككدل‬
‫على ذكائه المتقد وقدرته العجيبة في تحويل مجريات المور حتى تتفق مع رؤيته‬
‫لها‪ ،‬وعلى بلورة أفكاره وآرائه بلغة سهلة مستخدنما أبسط التعبيرات والسككاليب فككي‬
‫التعبير عنها‪ ،‬ومن خلل ذلك اسككتطاع أن يعككرض لقضككية اختيككار السككقف الجديككد‬
‫فكي ككثير مكن جوانبهكا‪ ،‬وتكلكم فيهكا بوضكوح عكن الهميكة الدينيكة الككبيرة للمدينكة‪،‬‬
‫وضرورة اختيار الشخصية المناسبة لرئاسة أساقفتها‪ ،‬ودور الشعب بجميكع فئكاته‬
‫في هذا الختيار‪.‬‬

‫ويبدو أن خطاب غاريغوريوس الشيخ هذا قد أحكدثا دونيكا عظينمكا فكي مدينكة‬

‫‪.Gr.Naz.,EP.41‬‬ ‫‪()1‬‬
‫‪124‬‬
‫سككا للمطرانيككة‪،‬‬
‫قيصرية‪ ،‬وعمل على تقوية الحزب الموافق لختيككار باسككيليوس رئي ن‬
‫ومكن جكانب آخكر أضكعف مكن قكوة الحكزب الخر الكذي يعكارض اختيكار باس يليوس‬
‫لهككذا المنصككب‪ ،‬وجعككل أعضككاءه مككن السككاقفة يشككعرون بككأن مككوقفهم بككدأ يصككيبه‬
‫الضعف‪ ،‬وأن زمام المكور بككدأ ينفلكت مككن بيكن أيكديهم‪ ،‬وتوقعكوا أن هكذه التطككورات‬
‫التي تشهدها هذه الزمة بدأت تميل إلكى جكانب خصكمهم باسكيليوس‪ ،‬وهكذا سكوف‬
‫يصيبهم بخسارة كبيرة‪ ،‬وسوف ينتكج عنهكا عكواقب سكيئة ككثيرة لهكم‪ .‬ولككذلك أخكذوا‬
‫يعملككون علككى إنهككاء هككذه القضكككية بسككرعة‪ ،‬بحيككث يككككون نتائجهككا النهائيككة فككي‬
‫مصلحتهم دون أن يتسبب هذا في حدوث أية خسكائر لهكم‪ ،‬فكاتفقوا منعكا علكى عقكد‬
‫مجمع كنسي لختيار المطران الجديد من بيككن صككفوفهم‪ ،‬وأرادوا أن يكككون المجمككع‬
‫مقصككو نار عليهككم‪ ،‬دون أن يشككاركهم فككي حضككوره أيككة أسككاقفة يتبعككون باسككيليوس‪،‬‬
‫خاصة السقف غاريغوريوس الشيخ‪ ،‬ولكككن هكذا السكقف بلغتكه أنبكاء مكن المدينكة‬
‫تفيد بكل ما يحدث فيها من دسائس ومؤامرات‪ ،‬فقككام علككى الفكور وأملكى علكى ابنككه‬
‫غاريغوريكككوس خطانبكككا يككككثر فيكككه مكككن النتقكككادات اللذعكككة واللكككوم الجكككارح لهكككؤلء‬
‫الساقفة‪ ،‬ويعلمهم فيه بأنه يحيط علنما بما يقومون به‪ ،‬وقال لهم فيه ‪:‬‬

‫» كم أنتم ودودون ولطفاء ومملوءون حنبا‪ ،‬فقد وجهتم لي‬


‫الدعوة إلى زيارة المطرانية‪ ،‬وكما تخيلت أنكم سوف تقدمون علككى‬
‫إجراء بعض المناقشات بخصوص المطران الجديد‪ ،‬وما بلغنككي مككن‬
‫معلومات تتعلق بهذا المر عن طريقكم فهي كثيرة‪ ،‬ومن ذلككك أنكككم‬
‫لككم تخككبروني هككل ترغابككون حضككورى ولمككاذا؟ وأيككن سككتعقدون هككذه‬
‫المناقشات‪ ،‬لككن أعلنتكم لكي فجكأة قيكامكم بهكذا المكر كمكا لكو كنتكم‬
‫متمسكين بعدم تقديركم لي‪ ،‬وعدم رغابتكم فكي حضكوري ومشكاركتي‬
‫لككم فكي المناقشكات‪ ،‬والككثر مكن هككذا تضكعون العوائككق فكي طريككق‬

‫‪125‬‬
‫حضككوري عككن طريككق رفضكككم لسككتقبالي واللقككاء بكككم إذا أتيككت إلككى‬
‫مككدينتكم‪ ،‬وهككذه هككي الطريقككة الككتي تتعككاملون بهككا فككي مثككل هككذه‬
‫الحداث‪ ،‬ولكني سوف أتحمل هذه الهانة‪ ،‬وبالرغام من هذا سوف‬
‫أضع أمامكم رؤيتي ومشاعري تجاه هذه القضية)‪« .(1‬‬

‫والنص السككابق جككزء مككن خطككاب أرسككله غاريغوريككوس الشككيخ إلكى أسككاقفة‬
‫مطرانية قيصرية‪ ،‬ويتعلق بقضية اختيار المطران الجديد لها‪ ،‬ويتضح مككن أسككلوب‬
‫صياغاته على هكذا الشككل أن مقكدمته تحمكل معنكى ظاهرنيكا يكوحى بمكدح مكن وجككه‬
‫إليهككم هككذا الخطككاب‪ ،‬ولسككيما أنهككا تضككمنت عبككارات جميلككة‪ ،‬مثككل الككود واللطككف‬
‫والمحبة‪ ،‬لكن موضوع الخطاب من بعد مقدمته هذه يحمل معنى آخر يضككاد تمانمككا‬
‫المعنى الذي جاء في افتتاحيته‪ ،‬وهذا المعنى يتمثل في توجيه المرسل رسككالة لككوم‬
‫وتوبيخ شديدة اللهجة إلى المرسل إليهم‪ ،‬وفي لغككة الخطككاب تعككبيرات كككثيرة يتضككح‬
‫فيهككا هككذا المعنككى‪ ،‬وتتنككاول صككراحة غاككرض الكككاتب‪ ،‬وذلككك لسككباب جككاء ذكرهككا‬
‫بوضككوح وإسككهاب فككي الرسككالة‪ ،‬بالضككافة إلككى أنككه وضككح جاننبككا مككن التطككورات‬
‫المتعلقة بهذه القضية في المعسكر المعارض لتنصيب باسيليوس‪.‬‬

‫وفي الرسالة نفسها أخذ غاريغوريوس الشيخ يعبر لهككؤلء السككاقفة عككن‬
‫أحقيتككه فككي المشككاركة فككي هككذه القضككية‪ ،‬وقككد عككبر عككن هككذا بعككدة طككرق ‪ ،‬أولاهككا‪:‬‬
‫حقه في ترشيح الشخصية التي يراها مناسبة للرتقاء لهذا المنصب الهككام‪ ،‬وفيمككا‬
‫يخككص هككذا المككر نجككده يعطككي صككوته لباسككيليوس‪ ،‬وثانيهككا‪ :‬حقككه فككي العككتراض‬
‫علككى ترشككيح أيككة شخصككية غايككر جككديرة بهككذا المنصككب‪ ،‬واسككتعمال سككبل المقاومككة‬
‫التي يتيحها القانون الكنسي‪ ،‬ونظ نار لسنه المتقدمككة وحكمتكه‪ ،‬نجككده قككد أخكذ يرشكد‬
‫وينصككح هككؤلء السككاقفة ويوضككح الموقككف والمفككاهيم المتعلقككة بككه‪ ،‬لكككي يجنبهككم‬

‫‪.Gr.Naz.,EP.43()1‬‬
‫‪126‬‬
‫سككوء التصككرف‪ ،‬وعمككل علككى إرشككادهم للشككروط والصككفات الككتي يجككب توافرهككا فككي‬
‫الشخصكية الكتي يتكم اختيارهككا لشككغل منصككب المطكران‪ ،‬وجعكل يوضكح لهككم أن مثكل‬
‫هذه الشروط والصفات وأكثر منها تتككوفر فككي شخصككية باسككيليوس‪ ،‬وقككد عككبر عككن‬
‫كل ذلك بقوله ‪:‬‬

‫» ‪ ...‬الن يجب علمى أن أحيطكم علنما برؤيتي وما أشعر‬


‫بككككه تجككككاه هككككذه القضككككية‪ ،‬إن النككككاس علككككى اختلف مصككككالحهم‬
‫واهتمامككاتهم يختككارون المرشككح الككذى يككوافقهم‪ ،‬وهككذا هككو الوضككع‬
‫الطبيعي‪ ،‬لكني أنا ل يككوافقني هككذه الطريقككة؛ لن ضككميرى يبعككدنى‬
‫عن اتباع مثل هذه الطرق‪ ،‬ول أستطيع أن أفضككل أحككندا علككى ابنككي‬
‫وككاهني العزيككز باسكيليوس‪ ،‬إوانكي أرى مكن خلل خكبراتي ومعرفكتي‬
‫أنكككه الصكككلح لهكككذا المنصكككب‪ ،‬ل نكككه يتمتكككع بحسكككن السكككيرة‪ ،‬وقكككوة‬
‫المنطق‪ ،‬وجمال الفضيلة‪ ،‬ولكن إذا أبديتم العتراض عليه بككدعوى‬
‫ضعف صحته‪ ،‬أجيبكم بأننا في مثككل هككذه المككور نكككون فككى حاجككة‬
‫إلككى اختيككار معلككم وليككس إلككى اختيككار مصككارع‪ ،‬وإذا وافقتككم علككى‬
‫تنصككيبه فسككوف تككرون قكككوة الككك الكككتي تسككند وتعضككد وتقككوي فكككي‬
‫الضككعف‪ ،‬إواذا قبلتككم مشككورتي فسككوف أحضككر إليكككم وأشككارككم هككذا‬
‫العمل بروحي وجسمي‪ ،‬أما إذا انتهيتم إلى أمر آخر يخالف عدالككة‬
‫القانون الكنسى فإني سوف أكون رقينبا عليكم‪«.(1) ...‬‬

‫ولم تتوقف مجهودات غاريغوريوس الشيخ في هذه القضية عند هذا الحد‪ ،‬بل‬
‫أخككذ يعمككل علككى كسككب مؤيككدين جككدد لتككدعيم موقككف مرشككحه للمطرانيككة تلميككذه‬

‫‪1‬‬
‫)(‪.Gr.Naz.,EP.43‬‬
‫‪127‬‬
‫باسيليوس‪ ،‬وبدأ يبحث فى كل اتجاه عن شخصية قوية تدعمه‪ ،‬فهداه تفكيككره إلككى‬
‫اللتجاء ليوسابيوس السموساطي لمككا يتمتككع بكه هككذا السككقف مكن حكمككة الشكيوخ‬
‫وتمسكككه باليمككان الرثوذكسككي المسككتقيم وثبككاته عليككه وغايرتككه القويككة فككي الككدفاع‬
‫عنككه ضككد الهراطقككة‪ ،‬واحتمككاله العككذابات القاسككية فككي سكبيل ذلككك)‪ ،(1‬وأرسككل خطانبككا‬
‫إليككه يعككبر فيككه عككن محبتككه لككه إواعجككابه الشككديد بشخصككيته ودفككاعه عككن اليمككان‪،‬‬
‫وشوقه إلى لقائه ونوال بركته‪ ،‬ويحيطه علنما بمكا يحكدث فكي متروبوليتيكة قيصكرية‬
‫مككن مجككادلت وصككراعات تشككترك فيهككا مختلككف القككوى الدينيككة والشككعبية‪ ،‬مككن أجككل‬
‫اختيككار مطككران لهككا‪ ،‬وتككدخل أيككدي الهراطقككة فككي هككذه القضككية وتهديككدهم لليمككان‬
‫السليم بها‪ ،‬ثم يرجو ويلتمس منه التدخل بشكل عاجل في هذا الصراع ومساعدته‬
‫في إنهكائه والوقككوف معككه فكي صككد هجمكات الريوسكيين علكى تلكك الكنيسكة‪ ،‬وذلككك‬
‫باختيار باسيليوس لشغل منصب المطران بها‪ ،‬وقد عبر عن كل هذا بقوله‪:‬‬

‫» يككا ليككت لككي جنككاحي يمامككة‪ ،‬وليككت شككبابي يتجككدد‪ ،‬حككتى‬


‫أسكككتطيع أن أذهكككب إلكككى محبتككككم‪ ،‬وأشكككبع نفسكككي المشكككتاقة إليككككم‬
‫برؤيتكم‪ ،‬وأخبركم بالمضايقات التي أعاني منها‪ ،‬فأجد راحة وعككزاء‬
‫عندكم‪ ،‬لنه منذ وفككاة المطككران المبككارك يوسككابيوس زاد خككوفي مككن‬
‫هؤلء الذين يتخذون من ذلككك فرصككة لهككم لكككي يزرعككوا الفخككاخ فككي‬
‫مطرانيتنككا‪ ،‬ويسككعون إلككى إيقاعهككا فككي الهرطقككات‪ ،‬ويحككاولون مككن‬
‫خلل تعاليمهم الشريرة أن يستأصلوا التقوى مككن قلككوب المككؤمنين‪،‬‬
‫ويعملون على تمزيككق وحككدتها كمككا فعلككوا سككابنقا فككي كنككائس كككثيرة‪،‬‬
‫وبمجرد أن تسلمت بعض خطابككات أرسككلها لككي رجككال الككدين هنككاك‪،‬‬
‫يطلبكككون منكككي أل أتخلكككى عنهكككم فكككي محنتهكككم هكككذه‪ ،‬نظكككرت حكككولي‬
‫وتذكرت محبتك إوايمانك المسكتقيم وغايرتككك نحككو كنكائس الك‪ ،‬لكذلك‬

‫‪.Bas.,EPP.1136.,168.;181;Gr.Naz.,EP.42.;Theo.,op.cit.Iv,12,13()1‬‬
‫‪128‬‬
‫أرسلت يوسابيوس المحبوب شماسى ومساعدى إليك لكي يحيطككك‬
‫علنما بما يحدث‪ ،‬ويلتمس من قداستك أن تضيف إلككى جهككودك مككن‬
‫أجككل صككالح الكنككائس جهككندا آخككر‪ ،‬فتككأتي إلينككا ونتقابككل سككونيا ؛ لإن‬
‫مجيئك سوف ينعككش شكيخوختي‪ ،‬ويسككهم إلككى حككد كككبير فككي إعككادة‬
‫التقوى والصلح إلى هذه الكنيسة الرثوذكسية‪ ،‬وهذا سوف يتككأتى‬
‫عن طريككق اشككتراكك معنككا ككك إذا كنككا نحككن نسككتحق هككذه الكرامةككك فككي‬
‫صنع عمل جيد‪ ،‬وهو اختيار راع يرضى إرادة ال يكككون قككاد نار علككى‬
‫رعايككة شككعبه‪ ،‬ونحككن نككرى بأعيننككا هككذا الرجككل الككذي يسككتحق هككذا‬
‫] يقصككككد باسككككيليوس [ إواذا‬ ‫المنصككككب‪ ،‬وأنككككت تعرفككككه جيككككندا‬
‫استطعنا تنصكيبه نككون قكدمنا ش ينئا مرضكنيا لك‪ ،‬وقكدمنا نفنعكا ككبي نار‬
‫للشعب الذي التمس معونتنا لككه‪ ،‬أنككا التمككس منككك مككرات ومككرات أن‬
‫تسككرع فككي الحضككور إلينككا قبككل أن يككدركنا فصككل الشككتاء ذو المنككاخ‬
‫الردئ)‪« .(1‬‬

‫مككن عنككوان هككذا الخطككاب وموضككوعه ولغتككه نلمككس تطككونار كككبي نار فككي هككذه‬
‫القضككية يتجككه إلككى مصككلحة باسكيليوس‪ ،‬فككإن يوسككابيوس السموسككاطي يعككد مؤيككندا‬
‫ومناضككلن شككديندا ل تقككل أهميتككه عككن أهميككة غاريغوريككوس الشككيخ‪ ،‬ولشككك فككي أن‬
‫دعوته للمشاركة في هذا المر ووقوفه بجكانب باسكيليوس سكوف يزيكد مكن ترجيكح‬
‫كفة الحزب البازيلى على كفة حزب أعدائه من الساقفة‪.‬‬

‫ولبككد أن نشككير هنككا إلككى أن نككص الخطككاب السككابق يتكككرر بكككامله فككي‬
‫مجموعة الخطابات الخاصة بباسيليوس‪ ،‬على أن باسككيليوس هككو كككاتبه ومرسككله‪،‬‬

‫‪.Gr.Naz.,EP.42 ()1‬‬
‫‪129‬‬
‫وأن المرسككككل إليككككه شككككخص يسككككمى غاريغوريككككوس وليككككس يوسككككابيوس أسككككقف‬
‫سموساط)‪ ،(1‬وبذلك نجد أنفسكنا أمككام قضكية أخككرى تتعلككق بهككذا الخطكاب مككن حيككث‬
‫الختلف فككي صككاحبه فككي المقككام الول‪ ،‬هككل كككاتبه هككو غاريغوريككوس الشككيخ أم‬
‫باسكككيليوس؟ والختلف فكككي شخصكككية المرسكككل إليكككه هكككل هكككو يوسكككابيوس أسكككقف‬
‫سموسككاط أم غاريغوريككوس؟ ومككن هككو غاريغوريككوس المقصككود؟ فككإن كككثيرين أطلككق‬
‫عليهم هذا السم وكثير منهم يحيط بباسيليوس فهنككاك أخككوه غاريغوريككوس أسككقف‬
‫نيسكككا وغاريغوريكككوس النيزينكككزى صكككديقه وغاريغوريكككوس الشكككيخ أسكككقف نيزينككك از‬
‫وغاريغوريوس عمه‪ ،‬ومن خلل دراسة فحوى هذا الخطاب ومقككارنته مككع غايككره مككن‬
‫المصادر المعاصرة الخرى سوف نستطيع الجابة عن هذه التساؤلت ومعرفة مككن‬
‫هو صاحب الخطاب‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫أول‪ :‬ما ورد فيه عن صاحبه المرسل أنه رجل متقدم في العمر‪ ،‬وقد تكررت‬
‫هككذه المعلومككة مرتيككن‪ ،‬وهككذا يتفككق مككع شخصككية غاريغوريككوس الشككيخ إذ أشككارت‬
‫المصادر عنه أنه أشيب الرأس)‪ ،(2‬أن عمره كان يقارب المئة عام)‪ ،(3‬وما ذكره فككي‬
‫ضككا فككي أنككه يعككد باسكيليوس ابنككه العزيككز)‪ ،(4‬فككي‬
‫خطاب آخر يتعلق بهذه العملية أي ن‬
‫حيكككن أن باسكككيليوس ككككان يصكككغره بككككثير وككككان عمكككره قريبنكككا مكككن عمكككر صكككديقه‬
‫غاريغوريوس النزينزى ابن غاريغوريوس الشيخ‪.‬‬

‫وثاننيا‪ :‬أن ما احتوى عليكه الخطكاب مكن معلومكات تفيكد بكأن مرسكله تسكلم‬
‫خطابات ودعوات من شعب وكهنة كنيسة قيصرية يتوسلون إليه أن يساعدهم في‬

‫‪.Bas.,EP.47()1‬‬
‫‪.Gr.Naz.,EP.41()2‬‬
‫‪3‬‬
‫)( غاريغوريوس )صديق غاريغوريوس النيزينزي( الميمر الثلثون‪ ،‬ص ‪260‬؛ راجع‬
‫ص ‪.40‬‬
‫‪.Gr.Naz.,EP.43()4‬‬
‫‪130‬‬
‫محنتهم‪ ،‬وقد أشير إلى هذا المر مرتين في هذا الخطاب‪ ،‬ونجكد أن هكذه الشكارات‬
‫ضا في خطابات سابقة للسككقف غاريغوريككوس الشككيخ وتتعلككق بهككذا المككر‬
‫وردت أي ن‬
‫نفسككه‪ ،‬وفيككه أعلككن أن هككذه الخطابككات والككدعوات كككانت تككوجه إليككه هككو‪ ،‬وغارضككها‬
‫التمككاس المسككاعدة منككه فككي تنصككيب باسككيليوس للمطرانيككة)‪ ،(1‬ويتضككح مككن هككذه‬
‫الشككارات أن مرسكل هكذا الخطكاب المختلكف عليكه هككو غاريغوريككوس الشككيخ وليكس‬
‫باسكيليوس‪ ،‬إوان ككان المكر غايكر ذلكك‪ ،‬ومرسكله هكو باس يليوس فكيكف يكوجه إليكه‬
‫كهنة وشعب المدينة برسكائل يطلبكون منكه فيهكا أن يكأتي إلكى مكدينتهم ويسكاعدهم‬
‫في اختيار المطران الجديد‪ ،‬وهو في الوقت نفسكه ككان موجكوندا داخكل المدين ة مكن‬
‫قبل وفاة المطران السككابق يوسككابيوس ولككم يوجككد فككي المصككادر مككا يشكير أنككه خككرج‬
‫منهككا حككتى بعككد وفككاة المطككران يوسككابيوس‪ ،‬وكيككف يطلبككون منككه أن يسككاعدهم فككي‬
‫ترشيح المطران وهو المقصود بهذا الترشيح؟‬

‫ثالثنككا‪ :‬أن التزكيككة الككتي نطككق بهككا مرسككل هككذا الخطككاب واختككص بهككا ذلككك‬
‫الشخص المراد به ارتقاء كرسي المطرانية تتشابه إلى حد كبير مككع التزكيككات الككتي‬
‫ضكا‪،‬‬
‫أوردهككا غاريغوريكوس الشكيخ فككي خطككابيه السككابقين والمتعلقيكن بهكذا المككر أي ن‬
‫وقصككد بهككا باسككيليوس صككراحة)‪ ،(2‬إوان كككان باسككيليوس هككو مرسككل هككذا الخطككاب‬
‫فكيف يزكي ذاته بنفسه؟ وهذا المر يتعارض مككع رغابتكه فككي رفكض هكذا المنصكب‪،‬‬
‫وظهككر ذلككك فككي خطككابه الككذي أرسككله إلككى صككديقه غاريغوريككوس)‪ ،(3‬ويتعككارض مككع‬
‫صفاته الشخصية لكونه راهبنا وكاهننا يتحلى بفضائل التضاع والتواضككع والوداعككة‬
‫والبساطة والتجرد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)(‬
‫‪.Ibid,EP.43‬‬
‫‪.Gr.Naz., EP.41.; 43()2‬‬
‫‪.Ibid. EP.40()3‬‬
‫‪131‬‬
‫رابنعا‪:‬أن ما كان يردده مرسل هذا الخطاب من عبارات متعددة تظهر اهتمامه‬
‫الككككبير بشكككئون مطرانيكككة قيصكككرية إنمكككا تتفكككق مكككع مثيلتهكككا الكككتي ككككان يرددهكككا‬
‫)‪(1‬‬
‫غاريغوريوس الشيخ في أحد خطاباته السابقة‬

‫سا‪ :‬يوجد في الخطاب عبارات تدل على أن مرسله رجككل ديككن بدرجككة‬ ‫خام ن‬
‫أسككقف وليككس قسككنا‪ ،‬ومككن ذلككك عبككارة قصككد فيهككا مرسككله الشككتراك فككي تنصككيب‬
‫ضكا عبكارة أخكرى‬ ‫)‪(2‬‬
‫المطران الجديكد‪ ،‬وهكذا حكق ل يعطكي إل للسكاقفة ‪ ،‬ومكن هكذا أي ن‬
‫تدل على استخدام المرسل لشماس خاص له وجعله مسكاعده‪ .‬يسكتنتج ممكا سكبق‬
‫أن كل هذه الشواهد والشارات تنطبق على غاريغوريوس الشيخ أكثر مكن انطباقهكا‬
‫على باسيليوس‪ ،‬وتعده المقصود براسل الخطاب أكثر من باسيليوس‪.‬‬

‫هككذا مككن جهككة مرسككله‪ ،‬أمككا بالنسككبة إلككى تحديككد شخصككية المرسككل إليككه‬
‫ضا‪ ،‬ومن ذلك ‪:‬‬
‫فيمكن معرفتها من خلل البحث عنها في تلك المصادر أي ن‬
‫أول‪ :‬من خلل العتماد على النتيجة السابقة التي تثبككت أن مرسككله هككو‬
‫غاريغوريككوس الشككيخ يكككون المرسككل إليككه هككو نفككس الشخصككية الككتي وجككه إليهككا‬
‫خطابه هذا وهي شخصية يوسابيوس أسقف سموساط‪.‬‬

‫ثاننيككا‪ :‬أن مرسككل الخطككاب يككوجه الككدعوة إلككى المرسككل إليككه لكككي يشككترك‬
‫معككه فككي تنصككيب المطككران الجديككد‪ ،‬وهككذا يككدل علككى أن المرسككل إليككه يحمككل حككق‬
‫الشتراك في تنصكيب المطكران‪ ،‬وهكذا الحككق يعطكي للسكاقفة فقككط‪ ،‬فيكككون المرسكل‬
‫إليه أسقنفا‪.‬‬

‫ثالنثا‪ :‬أن المرسل يخاطب المرسل إليه بعبككارات تناسكب أسككقنفا أككثر مككن‬
‫القس‪ ،‬ومن ذلك توجيه الحديث إليه بألفاظ مثل قداستك ومحبتك‪.‬‬

‫‪.Ibid., EP.41()1‬‬
‫‪2‬‬
‫)(‪.Gr.Naz EP.42‬‬
‫‪132‬‬
‫رابنعككا‪ :‬إن الراسككل وجككه مككدنحا فككي خطككابه إلككى شخصككية المرسككل إليككه‬
‫تتناسككب وتتشككابه إلككى حككد كككبير مككع صككفات يوسككابيوس أسككقف سموسككاط الككتي‬
‫مدحها العديد من الشخصيات الكنسية الخكرى‪ ،‬وقكد تناولنكا ذلكك قبكل عكرض ن ص‬
‫الخطكككاب‪ .‬ونسكككتنتج مكككن جميكككع مكككا سكككبق أن مرسكككل الخطكككاب هكككو غاريغوريكككوس‬
‫الشيخ‪ ،‬وأن المرسل إليه هو يوسابيوس أسقف سموساط‪.‬‬

‫ومما ل شك فيه أن المجهودات التي قام بها غاريغوريوس الشككيخ وابنككه‬


‫غاريغوريككوس النيزينككزي وحليفهمككا يوسككابيوس أسككقف سموسككاط أدت إلككى تقويككة‬
‫موقككف صككديقهم باسككيليوس‪ ،‬وأنعشككت مؤيككديه وأسككهمت بشكككل كككبير فككي تمهيككد‬
‫الطريق أمامه للصعود إلى كرسي المطرانية‪ ،‬ومن جانب آخر أضكعفت مكن عزيمكة‬
‫وجهود خصومه‪ ،‬ولبد أن نشير هنا إلكى أن أهميكة هكذا المنصكب أدت بلشكك إلكى‬
‫احتدام هذا الصككراع بيكن أشككياع المرشككحين‪ ،‬وكلمككا كككانت تمككر اليككام ويقككرب موعككد‬
‫جلسككة النتخككاب كككان الصككراع يككزداد شككدته وتضككطرم نككاره‪ ،‬ولمككا اقككترب موعككد‬
‫الجلسة أخذ الساقفة التابعون لهككذه المطرانيكة يتوافكدون علككى مقكر المطرانيككة فكي‬
‫قيصككرية‪ ،‬وذلككك للمشككاركة فككي عمليككة انتخككاب وتنصككيب المطككران الجديككد‪ ،‬ولكككن‬
‫غاريغوريككوس الشككيخ لككم يكككن مككن بيككن الحاضككرين؛ لن حككالته الصككحية كككانت قككد‬
‫تدهورت جندا‪ ،‬ولم يعد قاد نار على الحركة أو حتى النهككوض مككن ف ارشككه‪ ،‬ولن هككدفه‬
‫الوحيد هو منفعة الكنيسة وخلص المؤمنين جمينعا‪ ،‬كان يرى تحقيككق هككذا الهككدف‬
‫فكككي تنصكككيب باسكككيليوس‪ ،‬ولكككذلك فكككإنه لكككم يتوقكككف عكككن الكتابكككة إلكككى السكككاقفة‬
‫المجتمعين يوصيهم وينصحهم بالعمل من أجل تحقيق وحدة الشعب ورجكال الكدين‬
‫وسلم الكنيسة‪ ،‬وباتباع الحق والفضككيلة‪ ،‬وأن كككل هككذا يتعلككق بترشككيح باسككيليوس‬
‫وتنصيبه‪ ،‬وتم عقد المجلس وأخذ الجميع يدلون بأصواتهم للمرشحين‪ ،‬كل أسككقف‬
‫منهكم أعطكى صكوته لمكن يؤيكده‪ ،‬وككان باسكيليوس واحكندا مكن أهكم المرشكحين وقكد‬
‫حصكل علككى عكدد ككبير مكن أصكوات مؤيكديه‪ ،‬ولككم يكككن عكدد الصككوات الككتي حصككل‬

‫‪133‬‬
‫عليهككا كافنيككا للحصككول علككى النصككاب القككانوني للفككوز بهككذا المنصككب‪ ،‬واحتككاج إلككى‬
‫صوت واحد إضافي لكي يكتمل ذلك‪ ،‬وأصبح موقككف مؤيكديه حرنجكا جككندا‪ ،‬ولكككن فكي‬
‫هذا الوقت العصكيب لكم تلبكث مجريكات الحكداث فكي المعسككر البكازيلى أن تطكورت‬
‫بسرعة‪ ،‬فوصلت هذه النباء إلى غاريغوريوس الشيخ فككي نيزينككزا‪ ،‬فقككام فككي الحككال‬
‫وعزم أن ينتقل إلى قيصرية بأسرع وقت‪ ،‬لكي يشارك في أعمال المجلس‪ ،‬ويعطككي‬
‫صوته إلى باسيليوس‪ ،‬وأعطى أوامره إلى رجكاله لككي يضككعوه علككى محفككة متنقلكة‪،‬‬
‫ويحملوه عليهككا ويككذهبوا بككه إلككى قيصككرية‪ ،‬حيككث ينعقككد المجمككع‪ ،‬واسككتطاع الرجككال‬
‫إتمام هذا العمل وأدخلوه إلى المجمع وهكو علككى هكذه الحككال‪ ،‬وككان يلتقكط أنفاسككه‬
‫بصورة بالغة الصعوبة‪ ،‬إل أنكه اسكتطاع أن يعطكي صكوته إلكى باسكيليوس‪ ،‬وبهكذا‬
‫تغلكككب باسكككيليوس علكككى أعكككدائه وحصكككل علكككى النصكككاب القكككانوني لعكككدد الصكككوات‬
‫المطلوبكككككة لكككككي ينصككككب علككككى كرسكككككي المطرانيكككككة‪ ،‬وقكككككام السكككككاقفة ويتقككككدمهم‬
‫غاريغوريككوس الشككيخ بوضككع أيككديهم علككى باسككيليوس‪ ،‬وتككم إقامككة طقككس تنصككيبه‬
‫مط ارننا على كنيسة قيصرية)‪.(1‬‬

‫وكان لفوز باسيليوس بمنصب المطران عدة دلئل قوية من أهمها‪:‬‬

‫أولان‪ :‬أنككه عككد فككوناز وربنحككا كككبي نار للعقيككدة الرثوذكسككية ليككس فككي كنيسككة‬
‫ضا في ما يجاورها من كنائس أخرى وعلى مستوى الكنائس‬
‫قيصرية وحدها‪ ،‬بل أي ن‬
‫الشكككرقية كلهكككا‪ ،‬وذلكككك بسكككبب تمسكككك باسكككيليوس بمبكككادئ اليمكككان الرثوذكسكككي‬
‫المستقيم وشجاعته في الدفاع عنه ضد الهراطقة‪ ،‬حتى بلغ صيته في هككذا الشككأن‬
‫كنائس المسكونة كلها‪ ،‬وأصبح أحد أهم المدافعين عن هذه العقيدة في العكالم كلككه‬
‫‪.‬‬

‫ثاننيا‪ :‬أن هذا الفوز أثبت أن الرثوذكسية في كنيسة قيصرية كانت قوية‬

‫‪1‬‬
‫)(‪.Gr.Naz.,or.18,ch.36.; or.43,ch.37‬‬
‫‪134‬‬
‫وراسخة‪ ،‬ولها اليد العليا في توجيه شئون كنيسككتها بككالرغام ممككا كككانت تتعككرض لككه‬
‫مككن هجمككات متتاليككة وشرسككة مككن جككانب الهراطقككة‪ ،‬وكككانت تتقككوى وتتشككدد بفضككل‬
‫جهككود أبنائهككا الوفيككاء أمثككال باسككيليوس وغاريغوريككوس النيزنككزي وغاريغوريككوس‬
‫الشيخ ويوسابيوس أسقف سموساط وغايرهم‪.‬‬

‫ثالنثا‪ :‬كما أن هذا الفوز أظهر محبككة باسكيليوس لكنيسكته شككعنبا ورجككال‬
‫دين ومقدسات‪ ،‬لنه لم يرف ض هكذه الدرجكة الكتي تكولى فيهكا بفضكل ثقكة السكاقفة‬
‫والشعب‪ ،‬وكان مدرنكا أنها تحمله مسكئوليات كككثيرة أكككثر ممككا تحملككه لككه مككن ك ارمككة‬
‫ومدح‪ ،‬كما أن هذا الفوز أوضح محبة الكنيسة له بما تحتويه من رجال ديككن علككى‬
‫مختلف درجاتهم الكهنوتية وشعب مؤمن على اختلف درجاته الجتماعية‪ ،‬فضككلن‬
‫عن محبته لشعب قيصارية كله ومحبة شعب قيصرية له هذه المحبة الككتي أعلنككت‬
‫عن نفسها من خلل قيامه ببذل الجهود الككثيرة لجكل خدمكة كنيسكته ومكدينته فكي‬
‫مناسبات عديدة أثناء فترة خدمته الكهنوتية السابقة‪.‬‬

‫وقد عمل هذا الفوز على انطلق مشاعر الفرح والبتهاج من صدور رجال‬
‫الدين والشعب المسيحي الرثوذكسي كله في مختلف أنحاء المبراطوريككة والعككالم‪،‬‬
‫وتهلل الجميع به‪ ،‬واهتزت له الكراسي والمنابر والفواه تعلن عن فرحتها وتهنئتهككا‬
‫به‪ ،‬وامتلت دوايات الحبر وأمسكت اليادي بالقلم ونقشككت علككى الوراق عبككارات‬
‫التهنئة الرقيقة لصاحبه‪ ،‬ومكن بيكن المهنئيكن لكه غاريغوريكوس النيزينكزي صكديقه‪،‬‬
‫وقد عبر عن فرحته بكتابة رسالة رقيقة وبليغة أرسلها له قال فيها‪:‬‬

‫» إنكككي أعكككترف أننكككي ابتهجكككت ككككثي نار عنكككدما علمكككت بنبكككأ‬


‫ارتقائك على كرسي المطرانية وأن الروح تغلب وأضاء شككمعة علككى‬
‫حامل الشموع في ذات المكان الكذي يشكع بكالنور مكن قبكل] كنيسكة‬
‫قيسككارية[‪ ،‬ولككم تككدركه الظلمككة‪ ...‬إوانككي كنككت متيقنككا جككندا مككن أن‬
‫المجكككذومين ] الخصكككوم [ سكككوف ل يصكككمدون طكككويلن فكككى إعاقكككة‬
‫‪135‬‬
‫دأودنا ] يقصد باسيليوس[ للدخول إلى أورشكليم ] يقصككد مطرانيكة‬
‫قيصرية[ )‪«.(1‬‬

‫أما البابا أثناسيوس الرسولي والبطريرك السكندري والبطكل والمكدافع الول‬


‫للرثوذكسية في العالم كله‪ ،‬وقاهر الهرطقات الريوسية‪ ،‬فعنكدما بلغتكه أنبككاء فككوز‬
‫باسيليوس بهذا المنصب الديني الرفيع فرح جندا وأعلن عن فرحته هككذه فككي العديكد‬
‫من الرسائل التي كان يرسلها إلى أبنكائه الكهنكة فكي مختلكف أنحكاء المبراطوريكة‪،‬‬
‫وفي أحداها أخذ يمجد ويشكر ال؛ لنه أنعكم علكى كبادوكيككا بهكذا السككقف الكذي‪-‬‬
‫حسككب تعككبيره‪ » -‬تتمنككى كككل الكنككائس أن يكككون راعنيككا لهككا«)‪ .(2‬وفككي غايرهككا مككن‬
‫الرسككائل لقبككه بمجككد الكنيسككة‪ ،‬والمعلككم والمككدافع عككن اليمككان الحقيقككي‪ ،‬والخككادم‬
‫الحقيقي ل‪ ،‬والصديق المحبوب)‪.(3‬‬

‫باسيليوس يتغلب على معارضيه والهراطقة‬


‫بعد أن جلس باسيليوس على كرسى المطرانية شهد عنه صديقه غاريغوري‬
‫النيزينككزي أن ارتفككاعه لهككذا المنصككب لككم ينككزع عنككه تواضككعه ووداعتككه وبسككاطته‬

‫‪1‬‬
‫)(‪.Gr.Naz.,EP.45‬‬
‫‪Athan.,Ep.63.(To Palladius)Trans. With Not.by Archibald‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫‪. Robertson,in(N.B.N.F.)2nd Ser.vol.4‬‬
‫‪.Ibid.EP.62()3‬‬
‫‪136‬‬
‫وتجرده‪ ،‬ولم يجعله يميل إلى كبر النفس والتعككالي علككى النككاس أو إسككاءة معككاملته‬
‫لهم‪ ،‬ولم يدفعه إلى التكبر على أساقفته وكهنته الخاضككعين لككه‪ ،‬أو التجككبر عليهككم‬
‫أو إذللهم‪ ،‬أو على القل معاداة حككزب السككاقفة الككذين عارضككوا ترشككيحه واختيككاره‬
‫لمنصب المطران‪ ،‬ووضعوا أمامه العراقيل لبعاده عكن هكذا المنصكب‪ ،‬ولكم ي ثر فيكه‬
‫الطماع والرغابات فكي جمكع أمكوال وأملك دون وجكه حكق‪ ،‬أو دفعكه إلكى التصكرف‬
‫السىء في أي أمر مككن المكور الخككرى‪ ،‬ولكم يتشككبه بهككؤلء النكاس الككذين يصككلون‬
‫إلككى السككلطة ويبلغككون م اركككز عاليككة بككدافع مككن الطمككع والحيلككة والريككاء‪ ،‬وتككدفعهم‬
‫نزعككاتهم إلككى ممارسككة مظككاهر سككلطاتهم بوسككائل اسككتبدادية‪ ،‬بككل إنككه سككار سككي نار‬
‫حسننا‪ ،‬ولم يخيب أمل مؤتمنيه فيه‪ ،‬وكان عند حسن ظنهككم فيككه‪ ،‬وأثبككت أنككه جككدير‬
‫بثقتهم‪ .‬وأنه أخذ يعمل على زيكادة تقككواه وفضكائله ومجهكوداته مككن أجكل مصككلحة‬
‫رعيته أكثر من أى وقت مضى‪ .‬وكان يرى ويقتنع تمانمككأ بككأن النسككان العككادي يعككد‬
‫فاضلن إذا لم يفعل شنرا‪ ،‬ويفعل بعض الخير‪ ،‬أما الرؤساء والحكام ولسككيما رؤسككاء‬
‫ورعاة الكنائس فإنهم يعدون أش ارنار وخطاة إذا لم يقوموا بأعمككال حسكنة تزيككد علككى‬
‫ما يقوم به الناس الككذين ل يقبضككون علككى سككلطة‪ ،‬أوإذا لككم تتناسككب فضكيلتهم مككع‬
‫مستوى السلطة التي يتولونها‪ ،‬وعليهم أن يزيدوا من عمل الخير فكي ككل يكوم عكن‬
‫سابقه)‪.(1‬‬

‫وكان أول ما قام به أن أخذ يراسل صديقه غاريغوريوس مرات كثيرة ويدعوه‬
‫أن يككأتي إليككه لكككي يقككف بجككانبه ويسككاعده فككي إدارة شككئون المطرانيككة‪ ،‬ويشككاركه‬
‫بالقول والعمل‪ ،‬ورتكب لكه أن يقيككم فككي درجكة كنسكية عاليكة‪ ،‬أو يجعلككه نكائبه الول‬
‫في الكنيسة‪ .‬وظن الناس أن غاريغوريوس سيسرع إلى صديقه باسيليوس بعد أن‬
‫اعتلككى الكرسككي‪ ،‬ويكككون أسككبق مككن غايككره فككي الوصككول إليككه‪ ،‬ويككدفعه إلككى ذلككك‬
‫صداقته معه‪ ،‬ويطلب منه أن يقربه منه ويوليه منصنبا كنسنيا رفينعا‪ ،‬أو على القككل‬

‫‪.Gr.Naz.,Or.43,ch.38 () 1‬‬
‫‪137‬‬
‫أن يقبل دعوات باسيليوس له ويذهب إليه فرنحا ويقبل عروضه السخية له‪ ،‬إل أن‬
‫ما حكدث ككان عككس ذلكك تمانمكا‪ ،‬وككان مخينبكا لظنكون وشككوك هكؤلء النكاس‪ ،‬لن‬
‫غاريغوريوس قد قابل كل عككروض باسككيليوس السككخية بككالرفض التككام‪ ،‬وكككان دائنمككا‬
‫يؤجل ذهككابه إليكه‪ ،‬ويبعكث لككه برسكائل عديكدة يعتككذر لكه فيهكا عككن عكدم اسكتطاعته‬
‫الحضور إليه‪ ،‬موضنحا له فيها السباب التي منعته وأعاقت طريقه إليه ومن ذلككك‬
‫ما ذكره فى إحداها‪ ،‬إذ يقول فيها‪:‬‬

‫»‪ ...‬تسككألني لمككاذا لككم أحضككر إليكك‪ ،‬فككي هككذا الككوقت الككذي‬
‫كانت المطرانية تتعرض فيه لمأزق حرج‪ ،‬وتحتاج إلككى أيككادو مرشككدة‬
‫لتقيلهكككا مكككن عثرتهكككا‪ ،‬وبكككالرغام مكككن ذلكككك لكككم أحضكككر إليكككك لقكككف‬
‫بجانبنك‪ ،‬وسوف ل أسرع بالحضور بالرغام من دعوتك لى‪ .‬وهنككاك‬
‫العديككد مككن السككباب الككتي تمنعنككي مككن الحضككور ويجككب أن أذكرهككا‬
‫صا على الحفاظ على كرامتك‪ ،‬ولعلك كنت‬
‫لك‪ ،‬أونل‪ :‬أنني كنت حري ن‬
‫ل ترغاب في جمع الناس حولك بس بب مكا أصكابك مكن سكوء المكزاج‬
‫وحدة الطباع‪ ،‬والتي أثرت فيك كثينرا‪ ،‬وكان سكببها مكا قكاله أعكداؤك‬
‫مكككن افكككتراءات عليكككك‪ .‬وثاننيكككا‪ :‬أننكككي فضكككلت أن أحتفكككظ بالهكككدوء‬
‫والستقرار والتغلب على هذا المناخ السىء‪ .‬وربمكا سكوف تسككألني‬
‫مكتى سكتأتي إلكمي؟ إوالككى مكتى سكوف ترجكئ حضكورك؟ أجيبككك حكتى‬
‫إلى الوقت الذي يريده ال‪ ،‬وحتى تككزول ظلل العككداوة والمخاصككمة‬
‫الموجودة الن ‪«.(1) ...‬‬

‫يبدو أن السباب التي ذكرت في نص الخطاب السابق لم تكن كافية لقناع‬


‫باسككيليوس بعككدم اسككتطاعة صككديقه غاريغوريككوس الحضككور إليككه فككي هككذا الككوقت‬

‫‪. Gr.Naz.,EP.45.;CF.Or.43,ch.39 ()1‬‬


‫‪138‬‬
‫الصعب في حياته وفى تاريخ المطرانية‪ ،‬وهو مككا دفعككه إلككى تككوجيه العتككاب الشككديد‬
‫له‪ ،‬واتهمكه بككأنه ل يراعكى مشكاعر الككود والصكداقة الككتي تربطهمككا منعكا‪ ،‬وأنكه ينظككر‬
‫إلى قضاياه باستخفاف ول يوليها ما تستحقه من أهميككة‪ ،‬إل أن غاريغوريككوس بمككا‬
‫يتصف به من إحساس مرهف ومشاعر رقيقة تلقى هذا العتككاب مككن صككديقه وتككأثر‬
‫به جندا‪ ،‬ودفعتكه نفسكه إلكى كتابكة رسكالة بليغكة جكندا ومليئكة بعبكارات فصكيحة تعكبر‬
‫عن مدى تأثره‪ ،‬وفيها يبرئ نفسه من التهم التي وجههككا إليككه‪ ،‬ويبعككث إليككه بعتككاب‬
‫أشد مما وجهه له‪ .‬يقول له فيها ‪:‬‬

‫» أيها الصديق الحبيب والعزيز كيف تككون قضكاياك لي س‬


‫لهككا أهميككة عنككدي؟ كيككف خرجككت هككذه الكلمككة مككن شككفتيك‪ ،‬وكيككف‬
‫تتجكك أر وتقككول مثككل هككذا القككول‪...‬؟ وكيككف يفكككر عقلككك فككي هككذا‪ ،‬أو‬
‫يكتكب قلمكك ب ه‪ ،‬أو تس تقبله أوراقكك؟! أيكن ثقافتنكا الكتي تعلمناهكا‪،‬‬
‫وصداقتنا في أثينا‪ ،‬والعمال التقوية والدبية؟ أنت تدفعني إلى أن‬
‫أوجه إليك رندأ تراجيدنيا على ما أرسلته لككى‪ .‬هككل أنككت ل تعرفنككي ول‬
‫تعرف نفسك؟! أنت تهتم بالناس‪ ،‬وتعاليمكك تنتشكر فككي ككل مككان‪،‬‬
‫وبعد ككل هكذا تقكول إن أحوالكك ليس لهكا قيمكة عنكد غاريغوريكوس‪.‬‬
‫فما الشىء الذي يبهجني في الحيككاة أكككثر مككن إعجككابي بككك؟ هنككاك‬
‫ربيككع واحككد بيككن الفصككول‪ ،‬وشككمس واحككدة بيككن النجككوم‪ ،‬وسككماء‬
‫واحدة تضم كل شىء تحتها‪ ،‬وكذلك فإن صوتك يميككز مككن بيككن كككل‬
‫الصككوات‪ ،‬إواذا كنككت أسككتطيع أن أميككز هككذه الشككياء ول أخككدع مككن‬
‫مشاعري‪ ،‬فتكككون التهمكة الككتي وجهتهككا لككي باطلككة‪ ،‬ولكككن إذا كنككت‬
‫ضكا أن تكوجه‬
‫تتهمني بهذا لنكي لككم أقكدرك كمكا يليككق بكك‪ ،‬فعليككك أي ن‬
‫اللككوم إلككى كككل النككاس‪ ،‬ل نككه ل يسككتطيع أحككد أن يوفيككك قككدرك مككن‬

‫‪139‬‬
‫العجككاب‪ .‬ولكككن إذا كنككت تتهمنككي بككأني تركتككك وحككدك‪ ،‬فلمككاذا ل‬
‫ضا بالجنون‪ ،‬أو قككد غاضككبت منككي ل نككي أتصككرف بحكمككة‬
‫تتهمني أي ن‬
‫تجاهك‪«.(1) ...‬‬

‫وقككد شككهد غاريغوريككوس النيزينككزى لباسككيليوس أنككه بعككد أن ارتقككى كرسككى‬


‫المطرانية عمكل علكى الهتمكام بتعليكم رعيتكه‪ ،‬وزاد اهتمكامه بتعليمهكم بدرجكة ككبيرة‬
‫أكثر من ذي قبل‪ ،‬وجاهد جهاندا مسكتم نار بغككرض تقككديم تعليككم مسككيحي نقككي لرعيتككه‬
‫يعتمكككد علكككى المبكككادئ والوصكككايا المقدسكككة‪ ،‬ويعالكككج بكككه ككككل قضكككاياهم الحياتيكككة و‬
‫الكنسية‪ .‬ولم يكن يكف عككن الككوعظ والرشككاد فككى الجتماعككات الكنسكية الصككباحية‬
‫والمسككائية‪ ،‬وكككان النككاس جميعهككم ول سككيما الككذين ينتمككون إلككى الطبقككات العاملككة‬
‫الككتي كككانت تضككم عمككال الحككرف المختلفككة يشككتاقون إلككى حضككور تلكك الجتماعككات‬
‫ويقبلككون عليهككا بأعككداد هائلككة ليشككبعوا عقككولهم وقلككوبهم مككن تعككاليمه السككامية)‪.(2‬‬
‫ولم يكن يكتفي بهذا فقط بل كان يقطع المسككافات الطويلكة ويعقكد اجتماعككات ككثيرة‬
‫مع رعاياه في مختلف أنحاء المطرانية‪ ،‬ويبعث برسائل عديكدة إليهكم بغكرض تقكديم‬
‫تعليككم مسككيحي سككليم لهككم‪ ،‬وتشككجيع كككل إنسككان‪ ،‬وتشككديد الضككعفاء والمككترددين‪،‬‬
‫وتقويم المتشككين‪ ،‬ومقاومة المهرطقين‪ ،‬ويستمع إلككى الجميككع ويتككدارك حككاجتهم‪،‬‬
‫ويأثر قلوب الجميع بحزمه وحنانه)‪.(3‬‬

‫وكككان عليككه فككي الككوقت نفسككه أن يككواجه المصككاعب المتعككددة الككتي ثككارت‬
‫عليككه بعككد ارتقككائه لهككذا المنصككب‪ ،‬وأولهككا حسككد بعككض السككاقفة لككه ممككن كككانوا‬

‫‪. Gr.Naz.,EP.46()1‬‬
‫‪Basil The Great,The Hexaemeron,Trans.With Not.by Blomfield ()2‬‬
‫‪.Jackson,in (N.P. N.F.)2nd ser.vol.7,Hom.3‬‬
‫‪.Gr.Naz.,Or.43,ch.43()3‬‬
‫‪140‬‬
‫يعارضككون تنصككيبه‪ ،‬وهجككوم الهراطقككة عليككه وعلككى الكنيسككة‪ .‬وقككد تحككول هككؤلء‬
‫المعارضون مكن عكدائهم السكافر لكه فيمكا قبكل تنصكيبه إلكى العكداء السكرى لكه بعكد‬
‫تنصككيبه‪ ،‬وسككببوا لككه متككاعب ومضككايقات كككثيرة‪ .‬وبعككد ان تأكككد مككن عككدم جككدوى‬
‫توسككلته الككى صككديقه غاريغوريككوس بالحضككور اليككه ليسككانده فككى مككواجهتهم تككوجه‬
‫إلكككى يوسكككابيوس أسكككقف سموسكككاط الكككذى قكككام بكككدور هكككام فكككى تنصكككيبه لمنصكككب‬
‫المطرانيكة‪ ،‬وأخكذ يشككوهم اليكه مكرات عديككدة‪ ،‬ويلتمكس منكه النصكح والمشككورة فككي‬
‫كيفية التعامل معهم‪ ،‬ويرجوه أن يصلي من أجله لكي يكفيكه الكك شكرهم‪ ،‬ويهككديهم‪،‬‬
‫ويطلب منككه أن يككأتي إليككه لكككي يقككف بجككانبه فككي وجككوه هككؤلء السككاقفة المعانككدين‬
‫والهراطقة‪ ،‬وفي أحد خطاباته إليه فيما يتعلق بهذا الشأن قال له‪:‬‬

‫» تسككلمت الن خطككابين أرسككل لككي مككن قداسككتك وحكمتككك‬


‫الغالية‪ .‬وفي أولهما تقول لي بوضوح أن رعيتكم كانت تشتاق إلككى‬
‫رؤيتى ‪ ...‬أما الخطاب الثانى فانى توقعت عنه أنه كتككب فككي وقككت‬
‫مبككككر ولكككن وصكككلنى متكككأخنرا‪ ،‬وفيككه تعطينككي نصككيحة أعكككدها ذات‬
‫أهميككة كككبيرة لككى وهككى أن ل أهمككل فككي رعايككة كنككائس الكك حككتى ل‬
‫نعطككى فرصككة للعككداء أن يتقككدموا خطككوة وراء أخككرى ويتمكنككوا مككن‬
‫السككتيلء علككى مقاليككد المككور بهككا ويربحككون هككم ونخسككر نحككن‪.‬‬
‫وأعتقككد أننككي مطككالب بالجابككة عككن هككذين الخطككابين‪ .‬ولكنككي غايككر‬
‫متأكككد مككن أنككه إذا كككانت إجابككاتي سككوف تكككون ذات أهميككة وتحفككظ‬
‫من جانب الذين اؤتمنوا على الواجبات الككتي تسككلموها] السككاقفة[‪،‬‬
‫لذلك فسوف أقوم بككواجب الككدفاع مككرة أخككرى‪ .‬أمككا فيمككا يتعلككق بعككدم‬
‫حضوري إليكم فأستطيع أن أذكر لكم أسبانبا مقنعة عن ذلككك تتمثككل‬
‫فى سوء حككالتى الصكحية‪ ،‬فقككد أصككابني المككرض وككاد أن يكدفع بكى‬
‫داخل بوابات الموت وحتى هذا الكوقت الكذي أكتكب إليكك فيكه مكاتزال‬

‫‪141‬‬
‫آثكككار المكككرض تكككؤلمنى‪ ،‬ول يسكككتطيع إنسكككان آخكككر أن يحتمكككل مكككا‬
‫أحتمله أنا منها ‪« .(1) ...‬‬

‫وعلى هذا النحو كان باسيليوس يرسل العديد من الخطابات إلى صديقه‬
‫ومعلمه يوسابيوس أسقف سموساط يحدثه فيها عن المشكككلت والصككعوبات الككتي‬
‫تككواجهه بعككد ارتقككائه منصككب المطككران‪ ،‬وخاصككة تلككك المشكككلت الككتي تككواجهه مككن‬
‫الساقفة المعاندين داخل سلطاته الكنسية‪ .‬ويسككتقبل منككه الخطابككات الككتى تحتككوى‬
‫علككى النصككائح والرشككادات الحكيمككة والقيمككة الككتي تعينككه علككى تلككك الصككعوبات‪.‬‬
‫ضككا أنكككه كككان يحمكككل مشككاعر ضككيق وحكككزن مككرة مكككن‬
‫ويتضككح مكككن هككذا النككص أي ن‬
‫التصرفات السيئة لساقفته المعاندين لكه‪ ،‬وفكي ن ص آخكر مكن هكذه الرسكالة نجكده‬
‫يعرض لبعض هذه التصرفات السيئة بقوله‪:‬‬

‫» ‪ ...‬بالنسككبة إلككى حقيقككة هككذا الوضككع فنقككول إن موقككف‬


‫الساقفة منا ليس سببه أننا أهملنا شئون الكنائس‪ ،‬بل أتمنى مككن‬
‫قداستك أن تعرف أن الساقفة الخاضعين لنا والمشتركين معنا فككي‬
‫شكركة واحكدة وبسكبب عجكز منهكم وعكدم وضكوح الرؤيكة أمكامهم أو‬
‫بسكككبب شككككوكهم فكككمي‪ ،‬أو بسكككبب حسكككد الشكككيطان الكككدائم للعمكككال‬
‫الجيككدة يرفضككون التعككاون معككي ‪ ...‬وفككي الحقيقككة هككم ل يقككدمون‬
‫المسككاعدة لككي فككي المككور الضككرورية جككندا‪ ،‬وتككأتي نتيجككة كككل هككذا‬
‫علمى فتأخر شفائى من المكراض‪ ،‬وتتكأثر حكالتى الصكحية بكالكثر‪،‬‬
‫وتتملكنككي مشككاعر الحككزن والضككيق‪ .‬إنذا مككاذا وكيككف أسككتطيع أن‬
‫أعمل كل شىء وحدي وبكدون مسكاعدة مكن أحكد؟ وقداسكتك تعكرف‬

‫‪.Bas.,EP.141 ()1‬‬
‫‪142‬‬
‫أن مثل هذه القضايا ل يستطيع فرد وحده القيام بها)‪«.(1‬‬

‫وفي الخطاب نفسه نجده يوضح ليوسابيوس أنه حاول كككثي نار اسككتمالتهم‬
‫إليككه ودفعهككم إلككى العمككل معككه ومعككاونته فككي تسككيير شككئون المطرانيككة‪ ،‬والتجككأ إلككى‬
‫أساليب كثيرة لضمان ذلك‪ .‬ومن هذه الساليب الخطابات الكثيرة الككتي كككان يكتبهككا‬
‫ويرسلها إلى بعضهم والمقابلت الشخصية العديدة التي كان يعدها من أجل اللقاء‬
‫ضككا مككا قككاله فككي هككذا الخطككاب‬
‫بهم ومحاولة إزالة نقاط الخلف معهم‪ ،‬ومككن ذلككك أي ن‬
‫فيما يتعلق بهذا الشأن‪:‬‬

‫» ‪ ...‬وحكككتى عنكككدما حضكككروا إلكككى المدينكككة ] قيصكككرية [‬


‫عندما بلغ إليهم أخبككار تفيككد بمككوتى‪ ،‬وهككو مككا سككوف يحككدث عنككدما‬
‫يشاء ال‪ ،‬ووجدوا أنى مازلت على قيكد الحيكاة‪ ،‬أخكذت أتكلكم معهكم‬
‫فيمكككا يتعلكككق بهكككذا المكككر ويتفكككق مكككع هكككذه المناسكككبة‪ ،‬وفكككي أثنكككاء‬
‫حضوري بينهم كانوا يحترمونني جندا‪ ،‬ويكرون أن ككل مكا أقكوله هكو‬
‫حق وموافق لهم‪ ،‬ولككن بمجكرد عكودتهم إلكى كنائسكهم وجكدتهم قكد‬
‫عككادوا إلككى آرائهككم وأفكككارهم السككابقة‪ .‬وكككل ذلككك يتسككبب فككى ذيككادة‬
‫معاناتي وألمى‪ ،‬وجعلنى أعتقد كما لو كان ال تخلى عنككي‪ ،‬أو أن‬
‫محبته بعدت عنكا بسكبب خطايانكا‪ .‬وربمكا يكككون هكذا دافنعكا لككك لن‬
‫تتشكفع لنكا أمكام الك‪ ،‬وهكذا يكفينكا‪ ،‬وربمكا نس تطيع أن نفعكل بعكض‬
‫العمال الحسنة‪ ،‬أو حتى إذا أدركنا الفشل فيما نقوم به‪ ،‬نسلم من‬
‫الدينونة )‪«.(2‬‬

‫‪.Bas.,EP.141‬‬ ‫‪() 1‬‬


‫‪.Bas.,EP.141()2‬‬
‫‪143‬‬
‫ونرى في الخطاب السابق أن باسكيليوس تكلككم بوضككوح عككن سككوء حككالته‬
‫الصحية‪ ،‬وأشار إلى أن هكذا تسكبب فكي عكدم حضكوره أحكد المجكامع الكنس ية الكتي‬
‫عقدت في مدينة سموساط وهو ما دفع يوسابيوس أسككقفها إلككى تككوجيه لككوم بسككيط‬
‫لككه‪ ،‬ومككن هككذا يتضككح أن سككوء الحالككة الصككحية لباسككيليوس كككانت تعككوقه بعككض‬
‫الشككىء عككن متابعككة بعككض الشككئون الكنسككية‪ ،‬ولعككل هككذا المككر كككان أحككد أسككباب‬
‫معارضة بعض الساقفة له‪ .‬ولككن ل يصكح لنكا أن نكدينه ف ى هكذا‪ ،‬إذ إن ه فكي هكذا‬
‫الخطاب أخذ يوضح ليوسابيوس أن ضعفه الصحي ليس هو السككبب فككي معارضككة‬
‫الساقفة لكه‪ ،‬بكل الس بب يرجكع إلكى حسكدهم لكه ولبعضكهم البعكض‪ ،‬ويكدلل لكه عكن‬
‫ذلكككك بكككأنه اجتهكككد فكككي اسكككتخدام وسكككائل ككككثيرة لسكككتمالتهم إليكككه‪ ،‬منهكككا الرسكككائل‬
‫والمقابلت الشخصية والوعظ والرشككاد‪ ،‬ولككم يعقككه ضككعفه الصككحي عككن ذلككك‪ .‬كمككا‬
‫أن أعمككاله الككثيرة فككي خدمكة كنيسكته أثنككاء فكترة كهنككوته قبككل تنصكيبه مط ارننكا ومكا‬
‫سككوف نككراه منهككا بعككد تككدل علككى أنككه لككم يكككن يكككف عككن خدمككة كنيسككته‪ ،‬ولككم يعقككه‬
‫ضعفه الصحي عن هذا إطلنقا‪ ،‬بل إنكه كككان الرجككل المثكالي الكذي تحتكاجه كنيسكته‬
‫في هذا الكوقت عينكه‪ .‬وهكذا يكدفعنا إلكى التخيكل بكأن ضكعفه الص حي وأمراضكه ككان‬
‫يمككده بقككوة فككوق قككوة عقلككه وروحككه لتمككام أعمككال كنيسككته‪ .‬كمككا نريككد القككول أن‬
‫باسكيليوس بشكر وكككان يعيككش فكي هككذا العككالم الكذي نعيككش فيكه نحكن‪ ،‬وأن الجنككس‬
‫البشري كله خاضع للمككرض واللم‪ ،‬ول يوجككد إنسككان كامككل أو يعلككو فككوق الضككعف‬
‫والمككرض‪ .‬وباسككيليوس ل نككه بشككر فقككد عككاني مككن المككراض والضككعف‪ ،‬إوان فككاقت‬
‫معاناته معاناة غايره بعض الشىء‪ ،‬لكككن هككذا لككم يككدفعه إلككى الكتراخي والخمكول‪ ،‬بكل‬
‫كان يدفعه دائنما نحو العمل والقيام بواجبه بنشاط وحماس‪.‬‬

‫ولككم يستسككلم باسكيليوس للفشككل ولككم يقبككل بمقاومككة هككؤلء السككاقفة لككه‪،‬‬
‫وفي الوقت نفسه لم يسلك طريق التصنع والتملق بغرض كسككب ودهككم أو رضككائهم‬
‫أو مهادنتهم فكإنه ككان بعيكدنا ككل البعكد عكن اس تخدام مثكل هكذه السكاليب الملتويكة‬

‫‪144‬‬
‫والزائفككة؛ لنهككا تضككاد التقككوى والسككتقامة‪ ،‬و أرى بثككاقب فكككره وذكككائه وخككبرته أن‬
‫استخدام اللين واللطف وحدهما ل يصلحان شينئا‪ ،‬وسوف يؤديان إلى نتائج سلبية‬
‫ضككا‬
‫إوالككى النحلل والرخككاوة‪ ،‬إوان اسككتخدام القككوة والشككدة وحككدهما ل يصككلحان أي ن‬
‫ويؤديان إلى نتائج سلبية‪ ،‬ومنها زيادة العناد والمقاومة وربما إلكى تمزيكق أوصكال‬
‫المطرانية‪ ،‬فلجأ إلى مككزج الشككدة بككاللين والقككوة بككاللطف والعطكف بالقككدر الكذي يفككي‬
‫بغككرض إصككلحهم)‪ .(1‬ويتضككح اسككتخدامه لهككذه السياسككة فككي وأحككد مككن خطابككاته‬
‫العديده التي أرسلها إلى أحد هؤلء الأسكاقفه المعانكدين يكدعوه فيهكا إلكى الحضكور‬
‫إليه لكي يشارك في أعياد الشهداء‪ ،‬ويقول له فيها‪:‬‬

‫» ‪ ...‬أنككت تككوجه لككي اللككوم عنككدما ل أدعككوك للحضككور‪،‬‬


‫وعنككدما أوجككه لكككك الككدعوة ل تحضككر؛ لهككذا السككبب فككإن ادعككاءك‬
‫ضدي إدعاء باطل‪ ،‬إوان سلوكك في كلتا الدفعتين يوضح بطلنها‪.‬‬
‫وقد وجهت لك الدعوة للحضور قبلن لكنك لم تحضر‪ ،‬والن ل تكككن‬
‫عنيككندا‪ ،‬بككل كككن طائنعككا واقبككل دعككوتي هككذه المككرة‪ .‬وأنككت تعككرف أن‬
‫تكرار المقاومة يعد إدانة لكك‪ ،‬إوان هكذه الكدعوة الثانيكة إنمكا تكشكف‬
‫عن أنك مدان سابنقا‪ .‬إني أحثكك دائنمكأ علكى العكودة إلكمى‪ ،‬إوان كنكت‬
‫تتعلل بالسباب كي ل تحضر فككإنى أقككول إنككه مككن واجبككك أل تهمككل‬
‫أعيكككاد الشكككهداء‪ ،‬وأن تحضكككر عنكككدما أدعكككوك للحضكككور‪ ،‬وتبكككدى‬
‫ضككا لككذلك فككإن موقفككك‬
‫اسكتعدادك فككي مشككاركتنا إياهككا‪ .‬إوان كنككت راف ن‬
‫سوف يصبح شديد الخطورة‪.(2)«.‬‬

‫ويعككد هككذا الخطككاب نموذنجككا واحككندا مككن نمككاذج لخطابككات أخككرى عديككدة‬

‫‪.Gr.Naz.,Or.43,ch.40 ()1‬‬
‫‪.Bas.,EP.242() 2‬‬
‫‪145‬‬
‫أرسكككلها باسكككيليوس إلكككى أسكككاقفته المعارضكككين والرافضكككين طكككاعته‪ ،‬ويتضكككح فيكككه‬
‫السياسككة الككتي اتبعهككا فككي التعامككل معهككم والككتي أشككار إليهككا صككديقه غاريغوريككوس‬
‫قبلن‪ ،‬وأنه كان بارنعا في استخدامها‪.‬‬

‫ضككا إلككى أن هككذه السياسككة كتككب لهككا النجككاح‬


‫وقككد أشككار غاريغوريككوس أي ن‬
‫وأتككت بالنتائككج المرجككوة منهككا‪ ،‬وكككانت ثمارهككا عظيمككة‪ ،‬إذ أن هككؤلء السككاقفة أروا‬
‫حسككن تككدبير مطرانهككم‪ ،‬وعرفككوا أنككه يفككوقهم جمينعككا فككي حسككن منطقككه وقككوة عقلككه‬
‫وفضككائله‪ ،‬وأن أمنهككم وخلصككهم يكككون فككي القككرب منككه‪ ،‬وأن معانككدتهم لككه سككوف‬
‫تتسبب في خسارة و شر كبير لهم‪ ،‬فجاءوا إليه خاضعين وطائعين‪ ،‬وكككان كككل فككرد‬
‫منهككم يرغاككب فككي التقككدم علككى غايككره للعتككذار لككه عمككا ظهككر منككه مككن تجككاوزات فككي‬
‫حقه‪ ،‬وصاروا يتمسكون بطاعته ومحبتكه بالقككدر الكذي ككانوا يتمسككون فيكه قككدينما‬
‫بمخاصمته وعاداوته‪ ،‬وصاروا له خير أتباع وتلميككذ وأصككدقاء‪ ،‬وقككدموا لككه العككون‬
‫والمساعدة والمساندة في كثير من أعماله ومشاريعه الصلحية)‪.(1‬‬

‫ولمككا رأى غاريغوريككوس النيسككي نجككاح أخيككه فككي رد السككاقفة المعانككدين‬


‫لكككه‪ ،‬عمكككل علكككى انتهكككاز هكككذه الفرصكككة والسكككتفادة منهكككا فكككي إنهكككاء خلف بيكككن‬
‫باسكككيليوس وعكككم لكككه يسكككمى غاريغوريكككوس‪ .‬وككككان أسكككقنفا لحكككد البرشكككيات داخكككل‬
‫المطرانيكة‪ .‬وعمكل غاريغوريكوس النيصكي علكى بكذل محاولكة جريئكة وشكجاعة لحكل‬
‫هذا الخلف تمثلت في قيامه بتحرير عدة خطابات ونسبها إلى عمه غاريغوريككوس‬
‫ثم أرسلها إلى أخيه‪ ،‬ولكن أخاه بما يملكه من ذكاء وحكمككة اسكتطاع أن يكتشككف‬
‫زيف هذه الرسائل‪ ،‬وعرف أن كاتبها هو أخوه غاريغوريوس‪ ،‬وأخذ يوجه إليه اللككوم‬
‫الشديد على ذلك)‪ .(2‬وبالرغام مكن هكذا لكم تكذهب جهكود النيسكي هبكاء‪ ،‬بكل أسكهمت‬
‫إلى حد كبير في إزالة مشاعر الخلف بين أخيه وعمه‪ .‬ويتضح هذا مككن مجموعككة‬

‫‪.Gr.Naz.,Or.43,ch.40()1‬‬
‫‪.Bas.,EP.58 () 2‬‬
‫‪146‬‬
‫الخطابككات الككتي أرسككلها باسككيليوس إلككى عمككه فيمككا بعككد‪ ،‬وفيهككا يخككاطبه بأسككاليب‬
‫ودية‪ ،‬ويعطيه حقه من الكرامة‪ ،‬ويعرض عليه أن يلتقى معه في الككوقت الككذي يككراه‬
‫مناسنبا؛ ليعمل على إنهاء الخلف بينهما‪ ،‬ويربح كل منهم الخر)‪.(1‬‬

‫وفككي أثنككاء مواجهككات باسككيليوس لسككاقفته المعانككدين وجككد نفسككه أمككام‬


‫صراع آخر ل يقكل شكدة وخطكورة عكن صكراع السكاقفة‪ ،‬بكل يعكد أككثر خطكورة منكه‪،‬‬
‫وهو صراع الهراطقة أعداء الدين والعقيدة الرثوذكسية الحقة‪ .‬وكانوا ل يتوقفككون‬
‫لحظة عن مهاجمة الكنيسة وهو ما أصابه بالحزن العميق علككى حككال رعيتككه الككتي‬
‫تمزقها الهرطقات‪ ،‬ولكن هذا لكم يعقكه عكن مككواجهتهم والتغلككب عليهكم‪ ،‬فعمكل علكى‬
‫تدقيق البحث في الكتكاب المقكدس‪ ،‬وحصكل منكه علكى معرفكة لهوتيكة عظيمكة‪ ،‬ثكم‬
‫التمككس المعونككة والمككؤازرة مككن الككك فأعطككاه الكك قككوة كككبيرة وتمكككن مككن مجادلككة‬
‫الهراطقة لهوتنيا بالككدليل والحجكة والبرهكان‪ ،‬وأخككذ يوضككح لهكم الفكارق بيكن منطقككه‬
‫السليم ومنطقهم العليل‪ ،‬وهاجمهم وصرعهم بالحق‪ .‬وقد كان يمتلك قككوة كككبيرة فككي‬
‫جهككاده معهككم وهككو مككا جعككل صككديقه غاريغوريككوس يشككبه جهككاده هككذا بتشككبيه ارئككع‬
‫جككندا‪ ،‬إذ صككور الكلمككات الخارجككة مككن فمككه وهككو يجككادل الهراطقككة القريككبين منككه‬
‫بالسلح الككذي يصككيب بككه خصككومه بإصككابات بالغككة‪ ،‬إوان الكتابككات الككتي يفنككد فيهككا‬
‫هرطقاتهم ويرسلها إليهم هي حراب وسهام حربية يوجههككا إلككى البعيككدين منهككم فل‬
‫تخطىككء هككدفها وتصككيبهم إصككابات قاتلككة)‪ .(2‬وبمثككل هككذه السككاليب وبغيرهككا ممككا‬
‫يتوافق مع المنطق والفضيلة استطاع أن يدافع عن كنيس ته ورعيتكه‪ ،‬ولكم يتهكاون‬
‫إطلنقا في السعي نحو خلص أحد من رعيته أو حتى أعدائه‪.‬‬

‫باسيليوس يواجه المبراطور فالنز‬

‫‪.Bas.,EP.59.;60()1‬‬
‫‪.Gr.Naz.,Or.43,ch.42,43()2‬‬
‫‪147‬‬
‫ومكككن أقكككوى الصكككعوبات الكككتي واجهكككت باسكككيليوس بعكككد ارتقكككائه لرئاسكككة‬
‫المطرانية‪ ،‬تلك الحملة الشرسة التي هككاجمته مككن جككانب المبراطوريككة متمثلككة فككي‬
‫شككخص المككبراطور فككالنز نفسككه‪ ،‬ويعككاونه قككواده وحاشككيته‪ ،‬ويشككترك معككه فيهككا‬
‫الساقفة الريوسيون‪ ،‬وأتككى خطرهككا علككى كنككائس كككثيرة مككن المبراطوريككة‪ .‬ويبككدو‬
‫أن فالنز لم ينس كراهيته القديمة لباسيليوس وتراجعه أمامه فيما قبككل عنككدما كككان‬
‫كاهننا‪ ،‬وشرع يعد نفسه الن لمهاجمة باسيليوس للمرة الثانية‪ ،‬ولككديه آمككالن كككبيرة‬
‫فككي هزيمتككه هككذه المككرة‪ ،‬وتعككويض خسككارته السككابقة‪ .‬ودفعككه إلككى ذلككك الهككداف‬
‫السابقة نفسها‪ ،‬لكنه في هذه الهجمككة ككان أككثر اسكتعداندا وقكوة للمواجهككة‪ ،‬إذ أنككه‬
‫تمكن من إحراز انتصارات متتالية علككى أعككداء المبراطوريككة فككي الخككارج والككداخل‪،‬‬
‫فقد تمكن من هزيمة الفرس والقوط وقضى على الثورات الداخلية وأعدم الطامعين‬
‫في العرش‪ ،‬وتفرغ لمهاجمة باسيليوس‪ .‬وتجد توثينقا لهذا في المصككادر المعاصككرة‬
‫لهذه الحداث‪ ،‬وأولها فككي كتابككات غاريغوريككوس النيزيككزي الككذي أشككار إلككى كككل هككذا‬
‫بقوله‪:‬‬

‫»‪...‬لماذا أشغل نفسي فككي ذككر تفاصكيل أخككرى؟ إنمككا المكر‬


‫المهم الن هو ذكر أن المبراطور المهرطق ] فالنز[ أعاد هجومه‬
‫علينككا للمككرة الثانيككة‪ ،‬وكككان هككذا الهجككوم أشككد بكككثير مككن سككابقه‪،‬‬
‫ولسككيما أنككه كككان موجنهككا ضككد خصككم عنيككد] باسككيليوس[‪ ...‬وكككان‬
‫يككرى أنككه يعككد شككينئا غارينبككا وخطيكك نار أن يكككون قككد أسككتطاع أن ينشككر‬
‫حكمه على أمم كثيرة‪ ،‬ويربح مجندا عظينما‪ ،‬ويخضع تحت قوة كفككره‬
‫كل من حوله‪ ،‬ويتغلب على كل أعدائه‪ ،‬وبعد ذلك يتعرض للهزيمككة‬
‫مككن رجككل واحككد ومدينككة واحككدة مككن مككدنه] قيصككرية [ ويسككخر بككه‬
‫أتبككاعه وجميككع النككاس ‪ ...‬وفككي هككذه المككرة لككم يقصككدوا السككتيلء‬

‫‪148‬‬
‫علككى بلد الفككرس‪ ،‬أو إخضككاع الصككقالبة‪ ،‬أو قهككر أيككة أمككم بربريككة‬
‫أخرى‪ ،‬بل ككان قصكدهم مهاجم ة الكنكائس‪ ،‬والرقكص علكى المذابكح‬
‫مثل المنتصرين‪ ،‬وتدنيس القرابين غاير الدموية بقرابين دموية بككدم‬
‫وجسم من يذبحونه من بشر‪«.(1) ...‬‬

‫وبجانب ما يحمله هذا النص من إشارات توضح أن هذا المبراطور الذي لم‬
‫يذكر اسمه هنا إنما هو المبراطور فالنز‪ ،‬وقد عف غاريغوريوس عن ذكككر اسككمه؛‬
‫لنه يمثل له ذكرى سيئة بسبب هجومه المستمرعلى الكنككائس الرثوذكسككية‪ ،‬وأن‬
‫هذا هو الهجوم الثاني له علي كنيسة قيصرية الرثوذكسية‪ ،‬وقد جاء بعد تنصيب‬
‫باسيليوس مط ارننا على كرسيها‪ ،‬بالضافة إلى ذكره لدوافع وأهداف المبراطور من‬
‫هذا الهجوم‪ .‬فإنه يشير بوضوح إلككى أمككر هككام آخككر وهككو أن فككالنز فككي هككذا الككوقت‬
‫عينه تغلب على أعدائه الفرس والقوط وجميع القبائل البريرية الخككرى الككتي كككانت‬
‫تهككدد حككدود المبراطوريككة‪ ،‬وأخضككع الكككثير منهككم إلككى حكمككه‪ ،‬وهككذا المككر أعطككاه‬
‫الفرصة أخي نار لمعاودة الهجوم على المسيحيين النيقويين‪.‬‬

‫وفي هذا الوقت بدأ فالنز يعد نفسه للدخول في هذه المعركة المرتقبة‪ ،‬فجمع‬
‫حوله قككواده وجيشككه وحاشككيته وأتبككاعه مككن الريوسككيين‪ ،‬وخككرج مككن القسككطنطينية‬
‫قاصندا الكنائس الرثوذكسية‪ ،‬وأخذ يخترق كل وليات آسيا الصغرى‪ ،‬ويهجككم علككى‬
‫كنائسها ويخضع أساقفتها إلى المذهب الريوسي باستخدام ككل الوسكائل السكلمية‬
‫وغاير السلمية باللين والترغايب والوعد والوعيد والتهديد والتعذيب والهككدم والخككراب‪،‬‬
‫فأخكذت الكنككائس تسكقط فككي يكده الواحككدة تلكو الخككرى‪ .‬ومكن هككذه الكنككائس كنيسكة‬
‫بثينيككة الككتى هاجمهككا وأمككر كنيسككتها الرثوذكسككية بالخضككوع لككه وتغييككر إيمانهككا‬
‫للريوسيين‪ ،‬لكنها أظهككرت نونعككا مككن المقاومككة فتعرضككت لنقمتككه ودمككرت مككدنهم‪.‬‬

‫‪.Gr.Naz.,Or.43,ch.44,46‬‬ ‫‪()1‬‬
‫‪149‬‬
‫أما كنيسة غالطية فعندما علمت بما حدث لجارتها بثينية أصابها الخوف الشكديد‪،‬‬
‫وخضعت للمذهب الريوسككي دون مقاومككة تككذكر‪ .‬أمككا بالنسكبة إلككى وليككة كبادوكيككا‬
‫فقد جاء دورها فى هذا الوقت وأصبحت قريبة جندا من المبراطور وجيشه‪ ،‬وعليها‬
‫أن تختار إما الخضوع لمعتقد المبراطور وترحم من بطشه‪ ،‬إواما المقاومة ويحككدث‬
‫معها مثل ما حدث مع ولية بثينية‪ .‬وأصبح موقفها ومستقبلها ومستقبل كنيسككتها‬
‫يعتمد على موقف رئيس كنيستها باسيليوس‪ ،‬وقد أخكذ الخكوف يتسكلل إلكى نفكوس‬
‫وجهائهكككا وأسكككاقفتها فكككاقترحوا علكككى باسكككيليوس أل يقكككاوم المكككبراطور‪ ،‬ويهكككادنه‬
‫ويخضككع لككه خضككونعا وقتنيككا؛ لكككي يجنككب الكنيسككة والوليككة مشككاهد الخككراب والككدمار‬
‫والقتل والتعذيب‪ .‬لكنه رفض قبول اقتراحاتهم بشهامة وكرامة)‪.(1‬‬

‫أما عن موقف فالنز نفسه وهو فككي طريقككه إلككى كبادوكيككا فقككد أشككار إليككه‬
‫أحد المؤرخين المعاصكرين لكه وصكوره تصكوي نار دقينقكا وسكلينما‪ ،‬إذ عكده يخشكى مكن‬
‫لقاء باسيليوس‪ ،‬ويخاف من هزيمته أمككامه‪ ،‬كمككا حككدث عنككد اللقككاء الول بينهمككا‪،‬‬
‫وهككو مككا سككوف ينتككج عنككه – إذا حككدث ‪ -‬فتككح بككاب المقاومككة أمككامه مككن أسككاقفة‬
‫الكنككائس الخككرى؛ ولككذلك تحنككب مقككابلته وجنهككا لككوجه)‪ ،(2‬وأخككذ يفكككر فككي السككاليب‬
‫الككتي يسككتخدمها معككه وتككأتي بنتائككج مثمككرة‪ .‬وهككداه تفكيككره إلككى اسككتخدام أسككلوب‬
‫الليكككن والكككترغايب أولن فأرسكككل مجموعكككة مكككن أتبكككاعه السكككاقفة الريوسكككيين إلكككى‬
‫قيصككرية‪ ،‬وكككان أشككهرهم أسككقنفا يسككمى أوبيككوس ‪ Euippius‬ك ان صككدينقا قككدينما‬
‫لباسكككيليوس‪ ،‬ويعرفكككه جيكككندا‪ .‬والتقكككى هكككؤلء بباسكككيليوس وحكككاولوا إقنكككاعه باتبكككاع‬
‫معتقدهم الريوسي‪ ،‬لكن كل محاولتهم بككاءت بالفشككل‪ ،‬ولكنهككم لككم يقنعككوا بفشككلهم‬
‫أمككامه وأخككذوا يلتقككون بأسكاقفة المطرانيككة ويحكاولون إيقكاعهم فكي الضككلل‪ ،‬لكنهكم‬
‫أصيبوا بالهزائم المتكررة أمامهم‪ ،‬ولم يسككتطيعوا أن يضككلوا أحككندا‪ .‬وفضككلن عككن هككذا‬

‫‪;.Soz.,op.cit.vI,14,18.Gr.Naz.,Or.43,ch.44,46.;Soc.,op.cit.Iv,17 ()1‬‬
‫‪. Theod.,op.cit.Iv,16 ()2‬‬
‫‪150‬‬
‫جعل باسيليوس يعمل على إفشال محاولتهم ومخططاتهم عن طريق إعلنه قطككع‬
‫شركته معهم‪ ،‬إوارساله الخطابات والرسل إلككى أسككاقفته فككي مختلككف الجهككات‪ ،‬إوالككى‬
‫باقي رؤساء الكنككائس الرثوذكسككية يعلمهككم بمككا يجككري عنككده مككن أحككداث‪ ،‬وتمسككك‬
‫كنيسككته باليمككان السككليم‪ ،‬ورفضككه لهككؤلء الهراطقككة‪ ،‬ويحثهككم علككى عككدم قبككولهم‬
‫والتفكككاوض معهكككم فكككي القضكككايا اليمانيكككة‪ .‬وأدى هكككذا إلكككى فشكككل جهكككود السكككاقفة‬
‫الريوسيين فشلن ذرينعا ورجعوا إلى المبراطور يجرون أذيال الخيبة والهزيمة)‪.(1‬‬

‫وبالرغام من فشل حملة الساقفة ضد باسيليوس وكنيسته‪ ،‬وهككو مككا نتككج‬


‫عنه شعور المبراطور فالنز بالفشل وخيبة المل‪ ،‬فإن شكعوره هككذا لككم يضكغ عليكه‬
‫وشرع يعمل على إرسال حملة ثانية إلى باسيليوس لتأديكة الغكرض نفسكه‪ ،‬وتكألفت‬
‫الحملة هذه المرة من مجموعة كككبيرة مككن رجككال القضككاء والقككواد والجنككد وكككثير مككن‬
‫رجككال حاشككيته ومككن كبككار مككوظفي القصككر المككبراطورى‪ ،‬وأوصككاهم باسككتخدام كككل‬
‫أساليب الترغايب والوعيد معه‪ .‬وعندما وصكلت هكذه الحملكة إلكى باسكيليوس أخكذت‬
‫كل فئة منهم تنفذ وصايا المبراطور معه فالتف القضاة حككوله‪ ،‬واشككتركوا معككه فككي‬
‫محككاورات ومجككادلت فلسككفية صككعبة وخطيككرة اسكتخدموا فيهككا مككا يتميككزون بككه مككن‬
‫بلغاة وأساليب سفسطائية وقدرات كككبيرة علككى تزييكف الحقككائق‪ ،‬حكتى يتمكنككوا مككن‬
‫إقنكاعه بالتفكاق معهكم والتوقيكع علكى العقائكد الريوسكية‪ ،‬لكنكه اس تطاع وحكده أن‬
‫يككرد هجمتهككم عليككه وتفككوق عليهككم جمينعككا بقككوة منطقككه‪ ،‬وثبككات مككوقفه‪ ،‬وسككلمة‬
‫عقيككدته‪ ،‬ولككم يخككش تهديككدهم‪ ،‬ول تهديككد الجنككد المحيطيككن بككه‪ .‬ثككم جككاء دور كبككار‬
‫المكككوظفين فخكككرج مكككن يكككبينهم رجكككل يسكككمى نبكككوذارادان ‪ Nebuzaradan‬وك ان‬
‫رئيس الطهككاة فككي القصككر المككبراطوري‪ ،‬و أشككدهم وقاحككة وتهجنمككا إذ أخككرج سكككيننا‬
‫من جيبه وأشهرها في وجه باسيليوس‪ ،‬وهدده بالقتل‪ ،‬لكككن باسككيليوس لككم يخشككه‪،‬‬
‫وقابل تهديداته بجرأة وثبات ولم يستطع هذا الرجل تنفيكذ مكا هكدد ب ه‪ ،‬وانتهكى أمكر‬

‫‪.Bas.,Epp.68.;128.;244 ()1‬‬
‫‪151‬‬
‫هذه الحملة بالفشل‪ ،‬وعادت إلى المبراطور كما عادت سابقتها تجر أذيككال الخيبككة‬
‫والهزيمة)‪.(1‬‬

‫ولمكككا رأى المكككبراطور فشكككل الحملكككتين السكككابقتين‪ ،‬قكككرر أن يكككوجه إلكككى‬


‫خصمه ضربة قاضية‪ ،‬وينهي بها معركته معه‪ ،‬وعمل على التجهيكز السكريع لهكذه‬
‫الضككككربة‪ ،‬فاسككككتدعى أكككككبر وأشككككهر قككككواده العسكككككريين وهككككو القائككككد مودسككككتوس‬
‫‪ ،(2) Modestus‬وأسند إليه مهمة قيادة حملة ضد باسيليوس‪ ،‬وزوده بفرقة من‬
‫الجند لتساعده في تنفيذ أهدافه‪ ،‬ولبث الرعب والفزع في نفس باسيليوس ونفككوس‬
‫رجاله عند اللتقاء به‪ ،‬وقد كان مودستوس أكثر رغابة ولهفة لتنفيككذ أهككداف سككيده‬
‫إذ قال عنه غاريغوريوس‪:‬‬

‫‪.Gr.Naz.,Or.43,ch.47()1‬‬
‫‪ ()2‬مودستوس‪ :‬أحد أشهر القواد فككى المبراطوريكة البيزنطيكة‪ ،‬أكسككبته الحيككاة العسكككرية‬
‫كثينار مكن الصكفات مثكل قككوة البكدن وشكدة المكراس والحيلكة والمككر والكدهاء وقسكوة الطبكع‪،‬‬
‫وبفضككل تككوفر هككذه الصككفات فيككه اسككتطاع أن يتككدرج فككي المناصككب حككتى بلككغ إلككى منصككب‬
‫حاكم عككام ‪ Proetorian Prefects‬واس تطاع بشخصككيته القويكة وذكككائه أن يثبككت نفسكه‬
‫فككي هككذا المنصككب‪ ،‬ومككارس نفككونذا كككبي نار علككى المككبراطور فككالنز‪ ،‬وعككرف أن يسككتغل نقككاط‬
‫الضككعف فككي المككبراطور لصككالحه‪ ،‬فقككد كككان فككالنز قليككل الحيلككة‪ ،‬وبسككيط العقككل‪ ،‬ومككتردندا‬
‫أحيانككا‪ ،‬علككى عكككس قائككده مودسككتوس‪ ،‬ولككذلك كككان قائككده يسككتعمل معككه وسككائل المداهنككة‬
‫والتملككق دائنمككا‪ ،‬ومككن ذلككك مككدحه لككه بكلمككات وتعككبيرات عككن الفخامككة والشككجاعة تككثير فيككه‬
‫الكبريككاء =والعظمككة‪ .‬ومككن هككذه التعككبيرات قككوله‪ » :‬إن أصككدر فككالنز أوامككره فسككوف تهبككط‬
‫النجككوم مككن السككماء وتخككر عنككد قككدميه سككاجدة«)(‪ .‬بالضككافة إلككى ذلككك كككان هككذا القائككد‬
‫مسيحي أريوسي على نفس مذهب المبراطور‪.‬‬
‫لمزيد من المعلومات عن هذا القائد راجع‪:‬‬
‫‪,.Amm.Marc.,op.cit.xxix,1:11.,xxx,4:2.;Gr.Naz.,Or.43,ch.48.;Soz‬‬
‫‪.op.cit.vI,17‬‬
‫‪152‬‬
‫» ‪ ...‬من في هذه اليام لم يكن يعككرف الحككاكم‪ ،‬فككإن ظلمكه‬
‫الفظيع لنا قد ملئ آذان الجميع‪ ،‬وقد قبل المسيحية بيككد الهراطقككة‪،‬‬
‫فدفعه هذا على قيادة اضطهادنا عما أوصى به أضعانفا‪ ،‬وذلك لكي‬
‫ينفذ رغابات سيده ويكسب وده‪ ،‬ويحافظ علككى مككا بلككغ إليككه مككن قككوة‬
‫ومكانككة عاليككة‪ ،‬ولهككذا السككبب أخككذ يثككور علككى الكنيسككة‪ ،‬وتشككبه‬
‫بالسد وأخذ يزأر مثله حككتى جعككل النككاس يخككافون القككتراب منككه‪...‬‬
‫)‪«.(1‬‬

‫وبمجرد أن تلقى مودسككيوس دعكوة المككبراطور للهجكوم علكى باسكيليوس‬


‫أخككذ يعمككل علككى تنفيككذها فكي الحككال‪ ،‬وأعككد نفسكه وجنككده سكرينعا وسكلك طريقكه إلككى‬
‫قيصرية‪ ،‬وعندما بلغها استقر فككي دار الوليككة وأرسككل إلككى خصككمه يسككتدعيه إليككه‪،‬‬
‫وظن أنه بمثل هذا الستدعاء سوف يلقي الخوف والهلع فكي قلبكه‪ ،‬ولككن الدهشكة‬
‫غامرته عندما بلغته أنباء تفيد بأن باسيليوس استقبل دعوته بفرح‪ ،‬وزادت دهشته‬
‫عنكدما رأى باس يليوس قكد قطكع طريق ه للوصكول إليكه فكي مكدة زمنيكة قص يرة جكندا‪،‬‬
‫ودخككل إليككه فككي المكككان الككذي ينتظككره فيككه داخككل دار الوليككة‪ ،‬وعلككى وجهككه ترتسككم‬
‫علمات الفككرح والسككعادة‪ ،‬كمكا لكو ككان قكد حضكر للشكتراك فككي حفكل مبهكج وليككس‬
‫للمثككول فككي قاعككة محكمككة مليئككة بالدسككائس والمككؤامرات ضككده‪ ،‬ووقككف باسككيليوس‬
‫أمامه بقدم ثابتكة ونفكس يغمرهكا الفخكر والعكزاز‪ ،‬وككان يثكق ثقكة كاملكة فكي قكدرته‬
‫على إحراز نصر كبير على الحاكم وأتباعه الريوسيين)‪.(2‬‬

‫وبعد أن فاق القائد من دهشته أخذ يتملك نفسه واشترك مع باسيليوس‬

‫‪1‬‬
‫)(‬
‫‪.Gr.Naz.,Or.43,ch.48‬‬
‫‪.Gr.Naz.,Or.43,ch.48()2‬‬
‫‪153‬‬
‫فككي حككديث طويككل نقلتككه كككثير مككن المصككادر المعاصككرة لككه والقريبككة منككه‪ ،‬فقككد ذكككره‬
‫غاريغوريككوس النيزينككزي وغاريغوريككوس النيسككى وسككقراط وسككوزمين وثيككؤدريت فككي‬
‫تاريخهم الكنسي‪ ،‬ولكننا هنا سوف نعتمككد اعتمككاندا كككبي نار علككى روايككة غاريغوريككوس‬
‫النيزينزي أكثر من غايرها‪ ،‬نظ نار لقربهككا الوثيككق مككن الحكدث‪ ،‬وذككره بكأدق تفاصكيله‪،‬‬
‫والسهاب فيه كثينرا‪ ،‬أما بقية الروايات الخرى فهككي بعيككدة قليلن عككن زمككان الحككدث‬
‫ومكانه‪ ،‬وما حوته من مادة عنه جاء مختص نار إلى حد مككا‪ ،‬ولكنككه يتفككق مككع مككثيله‬
‫عنكككد غاريغوريكككوس النيزنيكككزى‪ ،‬وذلكككك يكككدفعنا للقكككول بكككأنهم نقلكككوا روايكككاتهم عكككن‬
‫غاريغوريككوس‪ ،‬وبككالرغام مككن هككذا نجككد عنككدهم ذككك نار لقليككل مككن المعلومككات الضككافية‬
‫الككتى ل توجككد عنككد غاريغوريككوس‪ ،‬وهككي مفيككدة‪ ،‬وسككوف نسككتخدمها فككى مواضككعها‬
‫المناسبة لها‪ ،‬أما بالنسبة لهذا الحديث كما ذكره غاريغوريوس فقد نص على‪:‬‬

‫مودستوس ‪ :‬ماذا تقصد يا باسيليوس بمقاومتك لسلطة المبراطور؟ فأنت وحدك بين‬

‫الساقفة جمينعا تبدي نحوه هذه الغطرسة‪.‬‬

‫‪ :‬ماذا تريد أن تقول؟ وأية غاطرسة تعني؟ إني ل أعلم ما قصدك؟‬ ‫باسيليوس‬
‫‪ :‬ما أعني قوله لك أنك ترفض الخضوع لمعتقد المبراطور ‪ ،‬إوانما‬ ‫مودستوس‬
‫الجميع غايرك أعلن الخضوع له‪.‬‬
‫‪ :‬أرفضه لنه يتعارض مع إرادة ملكي الحقيقي‪ ،‬لذلك فأنا ل أستطيع‬ ‫باسيليوس‬
‫الخضوع لمعتقد الملك‪ ،‬وأنا مخلوق بيد ال وعلى صورته‪ ،‬ومدعو‬
‫باسمه‪ ،‬وقد أمرني ال أن ل أخضع لي مخلوق‪.‬‬
‫‪ :‬وما رأيك تجاهنا؟ ونحن الذين نعطيك الوامر‪ ،‬أل نعد شينئا؟‪.‬‬ ‫مودستوس‬
‫أل ترى أنه مكسب عظيم لك أن تنضم لنا‪ ،‬وتكون في شركتنا؟‬
‫‪ :‬أنا ل أنكر مقامكم الرفيع‪ ،‬لكني أؤمن أن ل المبراطور ول أي شخص‬ ‫باسيليوس‬

‫‪154‬‬
‫آخر مهما بلغ من الشهرة والمقام الرفيع يكون أكرم وأجل من ال‪.‬‬
‫أما من جهة ما يتعلق بشركتي معكم فكلنا نشترك منعا في كوننا خليقة‬
‫ال‪ ،‬وهذا ما يشترك فيه معنا جميع الناس‪ ،‬وهذا أمر عظيم‪ ،‬أما من جهة‬
‫اليمان فأنا ل أشترك فيه إل مع من يوافق عقيدتي‪ ،‬والمسيحية ل تنظر‬
‫إلى مكانة الفرد الشخصية بقدر ما تنظر وتهتم باستقامة إيمانه‪.‬‬
‫‪ :‬ماذا تقول؟ هل ل يخيفك سلطاني؟‬ ‫مودستوس‬
‫‪ :‬ما الذي يخفيني؟ وما سوف يصيبني منك؟‬ ‫باسيليوس‬
‫‪ :‬تسألني ما الذي يخيفك‪ ،‬أجيبك من أي عقاب تمنحه لي قوتي‪.‬‬ ‫مودستوس‬
‫‪ :‬اخبرني بما عندك‪.‬‬ ‫باسيليوس‬
‫‪ :‬مصادرة الممتلكات والتعذيب والنفي والقتل‪.‬‬ ‫مودستوس‬
‫‪ :‬هل لديك شيئ آخر تهدد به؟ لن ليس شينئا مما ذكرته سوف يصيبني‪.‬‬ ‫باسيليوس‬
‫‪ :‬وكيف يكون ذلك؟‬ ‫مودستوس‬
‫‪ :‬إن الذي ل يملك شينئا ل يخاف من المصادرة‪ ،‬هذا إذا لم تكن أنت في‬ ‫باسيليوس‬
‫حاجة إلى ثوبي القديم وبعض الكتب القليلة‪ ،‬فإن هذا كل ما أملك‪ ،‬أما‬
‫بالنسبة للنفي فهو بعيد عني تمانما ولست أعرفه‪ ،‬لنه ل يحتويني مكان‬
‫واحد داخل جدرانه‪ ،‬ول أملك أي مكان مما أعيش فيه‪ ،‬وكل المواضع‬
‫التي أقيم فيها هي ملك ل‪ ،‬وأنا ضيفه وعبده فيها‪ .‬أما بالنسبة للتعذيب‬
‫فماذا تنالون منى وأنا أعيش بجسم ليس فيه حياة ترجى وليس لك سلطة‬
‫عليه سوى ضربة واحدة‪ .‬أما الموت فهو نعمة لي؛ لنه سوف يرسلني‬
‫سرينعا إلى ال الذي به أحيا إواياه أخدم‪ ،‬ولجله أصبحت مينتا عن العالم‪،‬‬
‫إواليه تشتاق روحي منذ زمن بعيد‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫‪ :‬لم يتكلم إنسان بمثل ما تتكلم به أنت الن‪ ،‬وبمثل هذه الجرأة معى‪.‬‬ ‫مودستوس‬
‫‪ :‬لماذا تقول ذلك؟ فربما تكون لم تتقابل مع أسقف ‪ ،‬إوال كلمك بمثل‬
‫باسيليوس‬
‫ما كلمتك به فيما يهمنا من قضايا ‪ ،‬فإننا قوم ودعاء ‪ ،‬ونخضع‬
‫للجميع وفنقا لما يتفق مع مبادئ شريعتنا‪ ،‬ولنا هذه الصورة ليس فقط‬
‫مع الرؤساء‪ ،‬بل مع جميع الناس بل استثناء‪ ،‬أما في سبيل ال فل‬
‫نخشى شينئا‪ ،‬ول نهتم بشىء آخر معه‪ ،‬ونجعل إيمانناهو اهتمامنا‬
‫الوحيد‪ ،‬ول تخيفنا نار ول سيف ول حيوانات مفترسة ول اللت الحادة‬
‫التي تمزق الجسم‪ ،‬فأنت تستطيع الهجوم علينا وتهديدنا‪،‬افعل كل ما‬
‫تريد‪ ،‬وأقصى ما تستطيعه‪ ،‬وأنا أبلغ كلمي إلى المبراطور فليسمعني‬
‫أقول‪ :‬إنه ل العنف ول الضطهاد سوف تمكنك منا وتجعلنا نشترك معك‬
‫في الكفر‪ ،‬وحتى لوأكثرت من تهديدك لنا فلن نفعل ما تريده منا)‪.(1‬‬

‫ومككع أن غاريغوريككوس أنهككى حككديث باسكيليوس مككع مودسككتوس علككى هككذا‬


‫النحو‪ ،‬فإن المصادر الخرى تضيف إليه بعض الضافات الهامة ومنهككا أن القائككد‬
‫قككدم نصككائح لباسككيليوس أن يعيككد التفكيككر فككي المككر‪ ،‬ويجنككب نفسككه الصككعوبات‬
‫أوالخطكككار‪ ،‬وأعطكككاه مهلكككة بكككاقي اليكككوم بالضكككافة إلكككى اليكككوم التكككالي لكككه‪ ،‬ولككككن‬
‫باسيليوس أجابه برفض نصككائحه ورفككض المهلككة الككتي أعطاهككا لككه‪ ،‬وأعلككن أمككامه‬
‫عكككن ثبكككاته علكككى مكككوقفه فكككي يكككومه وغاكككده وبعكككد غاكككده‪ ،‬وجكككدد لكككه رفضكككه لعقيكككدة‬
‫المككككبراطور‪ ،‬وأمككككام ذلككككك أحككككس القائككككد بالفشككككل‪ ،‬فككككأمر جنككككوده بأخككككذه إوايككككداعه‬
‫الحبككس)‪ ،(2‬ولعلككه كككان يقصككد مككن وراء هككذا أن يبككث الخككوف داخككل نفسككه ويجعلككه‬
‫يتراجع عن موقفه ويسلم بالخضوع إلى عقيدة المبراطور‪.‬‬

‫وأضككاف مصككدر آخككر أن مودسككتوس حككاول مككرات كككثيرة؛ لكككي يسككتميل‬

‫‪.Gr.Naz.,Or.43,ch.48-50‬‬ ‫‪() 1‬‬


‫‪2‬‬
‫)(‪.Soc.,op.cit.Iv, 26.; Soz.,op.cit.vI,16‬‬
‫‪156‬‬
‫باسككيليوس إليككه عككن طريككق اسككتخدام أسككاليب الخديعككة والحيلككة والملطفككة الككتي‬
‫يجيدها‪ ،‬وأخذ يعده بصداقة المبراطور وما يتبع هذا مكن حصكوله علكى نعكم ومنكح‬
‫كككثيرة‪ ،‬لكنككه صككمد أمككام هككذه المحككاولت‪ ،‬ورفككض كككل الوعككود السككخية الككتي وعككده‬
‫القائد بها‪ .‬وصفعه برد شديد اللهجة قال فيه‪:‬‬

‫» ‪ ...‬هككذا النككوع مككن الكلم يناسككب أن تتحككدث بككه مككع أطفككال‬


‫صككغار‪ ،‬لن طككبيعتهم وطبيعككة مككن يشككبههم تجعلهككم يصككدقون كككل‬
‫هككذه الغاككراءات‪ ،‬أمككا مككن تهككذب بكلم الكك ل يتككأثر بككأي معتقككدات‬
‫فاسككدة تنككادون بهككا‪ ،‬ومككن أجككل ثبككاته علككى اليمككان المسكتقيم فهككو‬
‫مسكككتعد أن يكككواجه المكككوت بككككل أسكككاليبه‪ ،‬أمكككا صكككداقة المكككبراطور‬
‫فأحسكككبها ذات قيمكككة ككككبيرة إذا مكككا أراد المكككبراطور النضكككمام إلكككى‬
‫اليمان الحقيقى‪ ،‬وما هو خلف هذا يؤدي إلى الموت)‪«.(1‬‬

‫ولم يكتف القائكد بمكا لقيكه مككن باسكيليوس مكن ه ازئككم متكككررة‪ ،‬ولكم يقتنكع‬
‫بفشككل أسككاليب التهديككد والوعيككد والمهادنككة والملطفككة‪ ،‬فمككازال يمتلككك حيل وخككدنعا‬
‫أخرى لم يستخدمها‪ ،‬وقد عمل الن على تركيز كل حيله وقككوته فككي هككذه المحاولككة‬
‫إذ أمر جنده أن يمسكوا بخصمه ويقودوه إلى دار المحكمة س نار حتى ل يعلم شككعب‬
‫المدينة بما يجري لرئيككس أسككاقفتهم باسكيليوس‪ ،‬وكككان القائككد والمككبراطور يخافككان‬
‫من الشعب وثوراته ضدهما‪ ،‬وعنككدما بلككغ باسكيليوس قاعككة المحكمكة ودخلهككا وجكد‬
‫بهككا حشككندا مككن القضككاة مسككتعدين لصككدار حكككم بككإدانته دون التمسككك بشككىء مككن‬
‫الجراءات القانونية الكتي يقررهكا القكانون‪ ،‬وتسكير عليهكا ككل القضكايا‪ ،‬مثكل تكوفير‬
‫عريضككة الككدعوى وحضككور الشككهود والمحككامين ومناقشككة المككدعى والمككدعى عليككه‬
‫ومككا إلككى ذلككك مككن إجككراءات التقاضككى‪ ،‬ورأى فرقككة مككن الجنككود يحملككون أسككلحتهم‬
‫‪1‬‬
‫)(‪. Theod.,op.cit.Iv,16‬‬
‫‪157‬‬
‫مستعدين لتنفيذ الحكم الذي سوف تصدره هذه المحكمككة الظالمكة فككي أسكرع وقكت‪،‬‬
‫وكككانت صككورتهم تككثير الخككوف والفككزع لكككل مككن ي ارهككم‪ ،‬إل أن باسككيليوس لككم يكككن‬
‫ضككا مجموعككة أخككرى تتكككون مككن رجككال‬
‫يككوليهم أيككة أهميككة ولككم يتككأثر بهككم‪ ،‬ورأى أي ن‬
‫طا في يده ويعكدون أنفسكهم لجلكده‪ ،‬وبككالرغام مكن‬
‫أشداء وقساة يمسك كل منهم سو ن‬
‫كككل هككذه التهديككدات الككتي وضككعها القائككد حككول باسككيليوس‪ ،‬فقككد أصككيب بالدهشككة‬
‫والتعجب عندما رآه يقف أمامه بثبات وجرأة لم يرها في أحد قبلككه‪ ،‬فتطككرق الخككوف‬
‫إلى نفسه ولم يستطع أن يصدر أحكانما ظالمة ضده‪ ،‬أو يصيبه بمكروه‪ ،‬لنه كككان‬
‫يعلم أن الشعب يحبككه حنبككا جنمككا‪ ،‬ولككن يتوقككف عككن مسككاندته والككدفاع عنككه‪ ،‬وخشككى‬
‫من قوته ومن حدوث أية اضطرابات أو ثورات ضده‪ ،‬فقكرر إطلق سكراحه‪ ،‬وبكاءت‬
‫ضا)‪.(1‬‬
‫محاولته هذه بالفشل أي ن‬
‫وبعد فشل هذه المحاولة أدرك مودستوس صلبة وشدة باسيليوس‪ ،‬وأن‬
‫كل أساليب الترغايب والترهيب التي استخدمها ضككده ليككس لهككا قيمككة أو تككأثير علككى‬
‫هككذا الخصككم العنيككد‪ ،‬ول يبقككى أمككامه الن سككوى التنفيككذ العملككي لكككل التهديككدات‬
‫بالعنف والتعذيب التي هدده بها كثي نار ومنعه من تنفيذها خوفه من ثورات الشككعب‪،‬‬
‫ولكنه كان يخشى من تنفيذ أي شككىء مككن هككذا القبيككل دون إذن المككبراطور‪ ،‬وعككاد‬
‫لككوقته إلككى المككبراطور وأخككبره بكككل مككا حككدث فككي شككأن باسككيليوس‪ ،‬وعمبككر لككه عككن‬
‫هزيمته أمامه بقوله‪:‬‬

‫» لقككد أصككابتنا الهزيمككة يككا سككيدي مككن ارعككي هككذه الكنيسككة‪.‬‬


‫فهو يسمو فوق التهديككد‪ ،‬ول تقهككره مجككادلت‪ ،‬ول تخضككعه مهادنككات‪.‬‬
‫ومثل هذه الساليب ربما تفلككح مككع غايككره مككن السككاقفة الضككعفاء‪ .‬أمككا‬
‫هذا الراعي فالطريقة الوحيدة التي تبقت لنا فيه هي اسكتخدام العنككف‪،‬‬

‫‪.Gr.Niss.,Eun.I,10 ()1‬‬
‫‪158‬‬
‫وخلف هذا ل تجدي تهديداتنا )‪«.(1‬‬

‫وعندما سمع المبراطور تقرير حاكمه‪ ،‬أصابته الحيرة‪ ،‬وتعجب كثي نار من‬
‫قدرة باسيليوس على الصمود أمام بطشه ‪ ،‬وأخذ يعمل على مصالحته ويلوم نفسه‬
‫على أفعاله معه‪ ،‬ومدح صفاته وأخلقه السامية‪ ،‬وأصدر أوامككره بككأن يكككف أتبككاعه‬
‫عن مضايقته‪ ،‬وأعجب من ثباته على موقفه فاسكتخدم تشكبينها رائنعككا جككندا يعكبر بككه‬
‫عككن ذلككك‪ ،‬فقككد شككبهه بالحديككد الككذي يككدخل أفككران النككار بغككرض صككهره‪ ،‬فهككو بعككد‬
‫ضككا ول يتحككول إلككى مككادة أخككرى‪ ،‬ول يحككدث تغييككر فككي‬
‫النصككهار يظككل حديككندا أي ن‬
‫خواصككه‪ ،‬وهككو مككا جعككل غاريغريككوس النيزينككزي يلمككس فيككه اسككتعداندا للككدخول فككي‬
‫شككركة باسككيليوس‪ ،‬إل أنككه كككان يخشككى مككن لككوم أتبككاعه؛ ولككذلك تجنككب فعككل هككذا‪،‬‬
‫وفضككككل أل يتعككككدى المككككر علككككى صككككداقة باسككككيليوس‪ ،‬ومحاولككككة أن يوفككككق بيككككن‬
‫معتقديهما بالشكل الذي يرضى به أتباعه من الساقفة الريوسككيين ول يغضككب بككه‬
‫باسيليوس‪ ،‬ويضمن له الخروج من هذا المأزق الصعب‪ ،‬وفكر فكي وسككيلة تضكمن‬
‫لككه هككذا‪ .‬إواذا كككان دخككوله إلككى المدينككة يوافككق بدايككة العككام‪ ،‬وكككان قككد قككرب وقككت‬
‫الحتفككال بعيككد الميلد المجيككد‪ ،‬ففكككر أن يشككارك باسككيليوس الحتفككال بهككذا العيككد‪،‬‬
‫وأنتظكككر أيانمكككا قليلكككة حكككتى جكككاء يكككوم الحتفكككال‪ ،‬وجمكككع قكككواده وحاشكككيته‪ ،‬وقصكككد‬
‫الكاتدرائيكككة الكككتي يقيكككم فيهكككا باسكككيليوس طقكككس هكككذا الحتفكككال)‪ .(2‬وبالنسكككبة إلكككى‬
‫الكنيسة فقد كككانت بازيليكككا رومانيككة كككبيرة تتصكف بصكفات المعمككار الرومككاني مككن‬
‫اتسككاع وضككخامة وفخامككة وهككو مككا يككوحي للككذين يشككاهدونها بمشككاعر العجككاب‬
‫والجلل والتقدير‪ ،‬وتثير في نفوسهم الرهبة والهيبة تجاه قداسة المكككان‪ .‬وبككالرغام‬
‫مككن اتسككاعها‪ ،‬فقككد كككانت تضككيق علككى أن تتسككع لتلككك الحشككود الكككثيرة مككن النككاس‬

‫‪.Gr.Naz.,Or.43,51()1‬‬
‫‪.Gr.Naz.,Or.43,51‬‬ ‫‪()2‬‬
‫‪159‬‬
‫الذين جاءوا مكن ككل مككان فكي قيصكرية وجميكع مكدن وليكة كبادوكيكا ومكا يجاورهكا‬
‫مككن بلد لحضككور هككذا الحتفككال المهيككب ولرؤيككة رئيككس السككاقفة الجديككد الككذي ككك‬
‫حسب تعبير أخيه غاريغوريوس ك » اشتهر بين رجكال الكك ‪ ...‬وذاع صكيته فكي ككل‬
‫الكنائس واشتهر في كل أنحاء العالم)‪«.(1‬‬

‫وممككا ل شككك فيككه أن حضككور كككل هككذه الجمككوع ال ازخككرة سككوف يزيككد فككي‬
‫نفككوس الحاضككرين الشككعور بقداسككة المكككان ورهبتككه‪ ،‬وهككذا مككا حككدث للمككبراطور‬
‫وأتبككاعه الككذين دخلككوا مككن بككاب الكنيسككة الخككارجي‪ ،‬وتقككدموا إلككى داخلهككا‪ ،‬وكككان‬
‫الشكككعب مشكككغنول تمانمكككا بالصكككلة وغايكككر ملتفكككت إلكككى مكككا يجكككري حكككوله مكككن دخكككول‬
‫المكبراطور وحاشكيته وعبكورهم أمكامهم مكن مكؤخرة الكنيسكة وصكنول إلكى مقكدمتها‪،‬‬
‫حككتى إنككه أثنككاء تقككدمه اصككطدم بككدرج القككراءة وخشككى أن يتسككبب هككذا فككي حككدوث‬
‫ضوضاء غاير مقبولة أو زعزعة ترتيكب الكنيسككة والخكروج عككن نظامهككا ‪ ،‬إل أن أنيكا‬
‫مككن هككذه المككور لككم يحككدث‪ ،‬واسككتمر الككترتيب والنظككام والهككدوء قائنمككا والصككلوات‬
‫مستمرة‪ ،‬وكأن شينئا لككم يحككدث‪ .‬وأدى هككذا إلككى زيككادة الرهبككة فككي نفككس المككبراطور‬
‫وفي نفوس أتباعه‪ .‬وعندما أمتد نظره إلى هيكل الكنيسة ورأى المذبككح وهككو قككدس‬
‫أقداسكككها ونظكككر لكككترتيب رجكككال الكككدين حكككوله‪ ،‬ككككل وفكككق درجتكككه الكنسككية‪ ،‬ورئيكككس‬
‫السككاقفة باسككيليوس يقككف وسككط قككدس القككداس مسككتقينما تمانمككا ويمله الشككجاعة‬
‫والثبات‪ ،‬وهو مستغرق بكل حواسه في تقديم الصلوات دون أن يشككغله شككيء ممككا‬
‫يحدث في الكنيسة‪ ،‬ول ينحني ببصكره أو بفككره لى شكخص مكن الشكعب ح تى إلكى‬
‫المبراطور نفسه‪ ،‬كل هذا عمل على زيادة الرهبة في نفسه)‪.(2‬‬

‫ويحتوى هذا المشهد على صورة أخرى مهمة‪ ،‬وهكي المتعلقكة بالصككفات‬
‫البدنيككة والعقليككة لكككل مككن باسككيليوس وفككالنز وأثرهككا علككى تطككور الحككداث‪ ،‬إذ كككان‬

‫‪.Gr.Niss.,Mac.,p.40 ()1‬‬
‫‪.Gr.Naz.,Or.43,52()2‬‬
‫‪160‬‬
‫باسيليوس في هذا الوقت في قمة نضوجه الفكري والبدنى‪ ،‬فقد كان طويل القامككة‪،‬‬
‫ومفروض البدن‪ ،‬ورفينعا دون نحافة‪ ،‬ذا شعر وعيون بنية اللون‪ ،‬له صلعة خفيفة‬
‫ولحية مستقيمة وطويلة‪ ،‬وحاجباه مقوسان وعظام وجنككتيه مرتفعككة‪ ،‬وبشككرة وجهككه‬
‫ناعمة تميل إلى الصفرار‪ .‬ومن أسلوبه في الحديث إوايماءاته يتضح سككمو مولككده‬
‫وتربيتكه وثقككافته العاليككة الككتي حصككل عليهككا مككن أنفككع الكتككب وأكككثر العلمككاء علنمككا‪.‬‬
‫وكان يملك قوة في عقله وعزة نفس وثباتا على الهدف وشجاعة نادرة وقوة حجككة‬
‫ومشية هادئة‪ ،‬وعدم سرعة أو تردد فكي الكلم)‪ .(1‬وعلكى الجكانب الخكر نجكد فكالنز‬
‫ذا بشرة سمراء‪ ،‬ولديه عيككب خلقكى فككي إحكدى عينيككه يلحظككه القريبكون منكه جيكندا‪،‬‬
‫ومتوسككط الطككول‪ ،‬وذا جسككم عريككض وبككدين‪ ،‬ولككديه قككدمان مقوسككتان‪ ،‬ويتصككف‬
‫بالتردد في الكلم والفعال وحدة الطباع وعدم المقدرة علكى تمييكز الخطككأ والصكواب‬
‫فيما يسمعه‪ ،‬والخوف كثي نار حتى ممن يتعاملون معه يومنيا‪ ،‬ومن الحككداث العاديككة‬
‫التي تحدث يونما وراء يوم)‪.(2‬‬

‫وعند مقارنة صفات باسكيليوس بصكفات فكالنز يتضكح تفكوق الول علكى‬
‫ضككا عنككدما جككاء وقككت‬
‫ضككا‪ .‬أضككف إلككى ذلككك مككا حككدث أي ن‬
‫الثككانى مككن هككذه الناحيككة أي ن‬
‫تقديم الشعب لهداياه وهبكاته‪ ،‬إذ تقكدم الجميكع وقكدموا مكا لكديهم‪ ،‬وقبكل باسكيليوس‬
‫كككل مككا قككدموه‪ ،‬ولمككا تقككدم فككالنز وبيككده عطايككاه لككم يجككرؤ أحككد مككن خككدام الكنيسككة‬
‫ورجالها أن يأخذ شينئا منككه؛ لن أحككندا لككم يكككن يعككرف موقككف باسكيليوس منهككا هككل‬
‫يسمح بقبولها أو يرفضها؟ وتسكبب هكذا الموقكف فكى شكعور فكالنز بصكغر النفكس‪.‬‬
‫وأمككام كككل هككذه المككور الككتي أثككرت فككي نفككس فككالنز كككثي نار بدايككة بمككا رآه مككن ثبككات‬

‫‪;.Gr.Naz.,Or.43,52,61,64,77‬‬ ‫‪()1‬‬
‫ضا وثيقة فاتيكانية قديمة تحتوى على هذه الصفات نقلها بلومفيلد جاكسون فى‬
‫وهناك أي ن‬
‫مقدمته عن سيرة باسيليوس فى ‪.Vol.8,p.xxiv.,Not.6 (.N.P.N.F) :‬‬
‫‪.Gr.Naz.,Or.43,52()2‬‬
‫‪161‬‬
‫باسكككيليوس وصكككموده ومكككن ضكككخامة المبنكككى الكنسكككي والحشكككود الككككثيرة بكككداخله‬
‫وتربيتهم ورجال دين على مختلف درجاتهم برئاسة باسككيليوس وترتيبهككم ونظككامهم‬
‫وصفات باسكيليوس الكتي تفكوق صكفاته وعككدم اللتفكات لككه ول الهتمكام بتقكدماته‪،‬‬
‫كل ذلك ترك أث نار عمينقا في نفسه وأظلمت نفسه وعينككاه وتملككك الخككوف مككن عقلككه‪،‬‬
‫وأصيب بالدوار وفقد السيطرة على نفسه وصار يتمايككل يمينككا ويسككانرا‪ ،‬وكككاد يسككقط‬
‫على الرض سقطة شنيعة‪ ،‬وعندما رآه أحد رجال الدين على هذه الحالة تقدم إليه‬
‫وأمسك بيديه ومنعه من السقوط)‪.(1‬‬

‫وبعد انتهاء الصلة التقى المكبراطور بباس يليوس‪ ،‬وجكرى حكدينثا بينهمكا‬
‫أظهككر فيككه فككالنز إعجككابه بصككفاته ومككدح حكمتككه وحسككن ترتيككب وتنظيككم كنيسككته‬
‫برجالها وشعبها‪ ،‬والقى من نفسكه مشكاعر الكراهيكة والرغابكة فكي إلحكاق الذى بكه‪،‬‬
‫ضككا واسككعة ليقيكم عليهكا‬ ‫)‪(2‬‬
‫ووضع مكانها مشاعر المحبة والود والعطف ‪ ،‬ومنحه أر ن‬
‫مستشفى يعالج فيه الفقراء)‪ .(3‬وأثناء سير الحديث بينهما تدخل نبكوذارادان رئيككس‬
‫الطهاة‪ ،‬في الحديث بجهل وحماقة تتفق مكع صفاته‪ ،‬وتلفكظ ببع ض الكلمكات غايكر‬
‫ل‪ » :‬يككا‬
‫اللئقة ضد باسيليوس‪ ،‬وهو ما جعل باسيليوس يتضايق منه وينتهره قككائ ن‬
‫لككك مككن ديموسككيز جاهككل‪ ،‬خيككر لككك أن تككترك اللهككوت وشككأنه‪ ،‬وتعككود إلككى صككناعة‬
‫أنواع الحساء التي تجيدها)‪«.(4‬‬

‫هكككذا ككككل مكككا جكككاء فكككي المصكككادر مكككن أخبكككار الحكككديث الكككذي جكككرى بيكككن‬
‫المبراطور وباسيليوس في الكنيسة‪ .‬ومما ل شك فيه أنككه يعككد قككد نار قليلن جككندا ممككا‬
‫جككككرى التحككككدث فيككككه بيككككن هككككذين الرجليككككن‪ ،‬وهمككككا مككككن أعظككككم الشخصككككيات فككككي‬

‫‪.Gr.Naz.,Or.43,52‬‬ ‫‪()1‬‬
‫‪.Ibid., 53()2‬‬
‫‪.Theo.,op.cit.iv,16.;cf.Bas.,ep.94‬‬ ‫‪()3‬‬
‫‪.Theo.,op.cit.iv,16‬‬ ‫‪()4‬‬
‫‪162‬‬
‫المبراطورية‪ ،‬ولهما ثقل وأهمية كككبيرة داخلهككا وخارجهككا‪ ،‬فككالول منهمككا إمككبراطور‬
‫للمبراطوريكككة البيزنطيكككة يخضكككع لحكمكككه أقكككاليم ووليكككات ومكككدن وشكككعوب ككككثيرة‪،‬‬
‫والثككاني رئيككس كنيسككة مككن أهككم كنككائس المبراطوريككة‪ ،‬ويملككك ثقلا دينيككا كككبير فككي‬
‫إقليم آسيا الصغرى‪ ،‬ولكه تكأثير دينكي كككبير فككي جميككع القضككايا الدينيكة فككي كنكائس‬
‫العككالم كلكه‪ ،‬وبنككاء علككى هكذا لبكد أن يكككون الحكديث الكذي جكرى بينهمككا لكم يقتصككر‬
‫علككى مككا ذكرتككه المصككادر السككابقة‪ ،‬بككل امتككد ليشككمل الكككثير مككن القضككايا الدينيككة‪،‬‬
‫ضككا العديككد مككن القضككايا المدنيككة الككتي‬
‫وخاصة الخلفككات العقائديكة‪ ،‬وربمككا شككمل أي ن‬
‫تكون الكنيسة طرنقا فيها ويولى لها باسيليوس أهمية كبيرة‪.‬‬

‫ولم يمض وقت طويل على تحسن العلقات بين فكالنز وباسكيليوس حكتى‬
‫اسككتطاع مستشككارو المككبراطور أن يسككتغلوا ضككعف شخصككية سككيدهم وبسككاطتها‬
‫خطأ أن وجود باسيليوس في أسقفيته ح نار طلينقا يمثل خطورة كبيرة ويهككدد‬
‫ويقنعوه ن‬
‫سلم وأمن المبراطورية‪ ،‬ويجب التخلص منككه بككالنفي لجككل تجنككب هككذه الخطككار‪،‬‬
‫ولعككادة السككلم فككي الشككرق‪ ،‬فككاقتنع المككبراطور بمزاعمهككم ووافقهككم علككى آرائهككم‬
‫الخبيثة وأصدر أوامره بالقبض علككى خصككمه ونفيكه بعيككندا عككن كنيسككته‪ .‬ولمككا كككان‬
‫المبراطور وقواده ومستشاروه يخافون من ثككورة الشككعب ضككدهم‪ ،‬فقككد عملككوا علككى‬
‫تنفيككذ هككذا القككرار سككرنا‪ ،‬وعملككوا علككى العككداد الككدقيق لتنفيككذه‪ ،‬ومككن ذلككك اختيككارهم‬
‫لفرقة من الجنود القوياء للقبض عليه‪ ،‬وتجهيز عربة حديديكة قويككة يجرهككا خيككول‬
‫أشداء لنقله إلى القصر ومنه إلككى المنفككى‪ ،‬واتفقككوا أن يقبضككوا عليككه ليلن وبأقصككى‬
‫سرعة حتى ل يشعر به أحد من مساعديه أو من شعب المدينة‪ ،‬ويحككدث اضككطراب‬
‫وثورات تعوق تنفيذ القرار)‪.(1‬‬

‫ولككم ينككس غاريغوريككوس أن يشككير إلككى المشككاعر الككتي اسككتقبل بهككا كل‬
‫الطرفين هذا القرار‪ ،‬وبالنسبة إلى الطرف الول ويمثله أعداء باسيليوس فقد حرك‬

‫‪.Gr.Naz.,Or.43,54()1‬‬
‫‪163‬‬
‫هذا القرار مشككاعر البهجككة والفككرح داخلهككم‪ ،‬وتوقعككوا أنككه سككوف يحقككق نصكك نار قرينبككا‬
‫وعظينمكا لسكيدهم فكالنز ولهكم علكى عكدوهم باس يليوس‪ .‬أمكا الطكرف الثكاني ويمثلكه‬
‫أحبككاء باسككيليوس مككن غاريغوريككوس ورجككال الككدين والشككعب فقككد أصككيبوا بككالحزن‬
‫العميق‪ ،‬وأخذوا يحيطكون بقائكدهم باسكيليوس ولكديهم رغابكة قويكة فككي إعاقككة تنفيككذ‬
‫القرار أو على القل في مشاركته في النفى)‪.(1‬‬

‫وعندما اقتربت الليلة التي سيتم فيها تنفيذ القرار حككدث أن البككن الوحيككد‬
‫للإمككبراطور ويسككمى غاككالتيوس ‪ Galutus‬أص يب بمككرض خطيككر أضككر بجسككمه‬
‫كثينرا‪ ،‬وتألم فالنز جندا بسبب ذلك‪ .‬وأخذ يدعو أمهر الطبككاء ويوصككيهم بمعككالجته‪،‬‬
‫لكن ل أحد منهم استطاع أن يكتشف علته‪ ،‬وفشلوا جمينعككا فككي مككداواته‪ ،‬فلجككأ إلككى‬
‫ضكككا أن‬ ‫)‪(2‬‬
‫الصكككلة والبككككاء ولككككن الككك لكككم يتقبكككل صكككلته ‪ .‬ويضكككيف يثكككؤوريت أي ن‬
‫ضككا)‪ .(3‬ويككذكر سككوزومين وسككقراط‬
‫المبراطورة والدة غاالتيوس أصيبت بالمراض أي ن‬
‫أن اسككمها هككو دومنيكككا ‪ Dominica‬ورويككا أنهككا رأت فككي نومهككا أحلنمككا مرعبككة‬
‫ومخيفة‪ ،‬وعندما استيقظت أخبرت زوجها فالنز بها‪ ،‬وأعلنت لكه أن كككل مككا يصكيب‬
‫ابنهما من سوء هككو بسكبب سككوء معككاملته لرئيككس السككاقفة باسكيليوس‪ ،‬ونصكحته‬
‫بأن يحسن معاملته)‪.(4‬‬

‫وأمام كل ما تعرض له فالنز من مرض ابنه وزوجته‪ ،‬وفشل الطبككاء فككي‬


‫معالجة أبنه‪ ،‬ونصائح زوجتكه لككه‪ ،‬أدرك أن ككل هكذه الوجكاع سكببها سكوء معاملككة‬
‫باسيليوس‪ ،‬وأن دواءها عنده ‪ .‬فقرر أن يستدعيه إلى القصر‪ ،‬ولككم يكككن يسككتنكف‬

‫‪.Gr.Naz.,Or.43,54‬‬ ‫‪()1‬‬
‫‪Ibid.,,o.43,54;Soc.op.cit.iv,26.;Soz.,op.cit.vi,17.,Theo.,op.cit.iv ()2‬‬
‫‪.16,‬‬
‫‪.Theo.,op.cit.iv,16‬‬ ‫‪()3‬‬
‫‪.Soc.op.cit.iv,26.;Soz.,op.cit.vi,17‬‬ ‫‪()4‬‬
‫‪164‬‬
‫من الذهاب إليه بنفسه ودعوته وجنها لوجه إل أنه لم يجرؤ علككى فعككل ذلككك بسككبب‬
‫ما قام به من تصرفات وأفعال سككيئة ضككده‪ ،‬فأرسككل لككه بعككض قككواده القريككبين منككه‪،‬‬
‫وحملهم بالوصايا الكثيرة التي تتضمن حسن معكاملته واللكتزام بكأدب الحكديث معكه‬
‫والستشكككككفاع واللتمكككككاس لكككككديه؛ لككككككي يقبكككككل دعكككككوتهم للحضكككككور إلكككككى القصكككككر‬
‫المبراطورى‪ ،‬وبمجرد أن سمع القادة وصايا سيرهم قككاموا للككوقت وقطعككوا طريقهككم‬
‫علككى عجككل‪ ،‬ووصككلوا إلككى باسككيليوس‪ ،‬وعنككدما التقككوا بككه وأخككبروه بككالمر كلككه لككم‬
‫يضيع وقنتا في التعلل بما لحقككه مككن المككبراطور مككن معاملككة سككيئة فيمككا سككبق‪ ،‬ول‬
‫احتاج أن يحصل من مدعويه على ضمانات كافية تضمن له عدم تعرضه للسككوء‪،‬‬
‫بككل أعككد نفسككه بسككرعة وخككرج معهككم وقطعككوا طريقهككم حككتى بلغككوا القصككر‪ ،‬وبمجككرد‬
‫وصول باسيليوس إلى قصكر المككبراطور ابتككدأت الحالككة الصكحية لبككن المككبراطور‬
‫تتحسن‪ ،‬وقد شعر والداه بهذا‪ ،‬وكانا يأملن في إتمام شككفائه بالكامككل بككأن ذلككك لككم‬
‫يتم بسبب استعانة فالنز بالساقفة الريوسيين )‪.(1‬‬

‫وتتفككق المصككادر المتنوعككة فيمككا بينهككا مككع غاريغوريككوس النيزينككزي فيمككا‬


‫أورداه من أخبار تتعلككق بهككذا الحككديث وتطككوراته‪ .‬ول يخفككى علينككا أن هككذا التفككاق‬
‫إنمككا يرجككع إلككى أنهككم اعتمككدوا علككى النقككل مككن روايككة غاريغوريككوس النيزيككزى‪ ،‬ول‬
‫سيما أنها تعد أصدق رواية عنه؛ لن صاحبها كان معاص نار للحاث‪ ،‬وقري نبا منها‪.‬‬

‫وبككالرغام مككن هككذا التفككاق‪ ،‬فإننككا نجككد أنفسككنا أمككام تنككوع كككبير فككي هككذه‬
‫المصككادر فيمككا يتعلككق بوصككف طبيعككة الككدور الككذي سككارت عليككه هككذه المصككادر‪،‬‬
‫والتعككبير عمككا جككرى مككن أحككداث‪ ،‬فنجككد غاريغوريككوس يعككبر عككن أسككفه لمككا فعلككه‬
‫المكككبراطور مككن اسككتدعاء السككاقفة الهراطقكككة فكككي الككوقت نفسكككه الككذي دعككا فيككه‬
‫باسيليوس‪ ،‬ولو لم يكن قد فعككل هككذا لكككان ولككده قككد شككفى تمانمككا‪ ،‬وهككذا المككر شككهد‬

‫‪Gr.Naz.,Or.43,54.;Soc.op.cit.iv,26.;Soz.,op.cit.vi,17.,Theo.,op. ()1‬‬
‫‪.cit .iv,16‬‬
‫‪165‬‬
‫عليه من كان حاض نار هذه الوقعة)‪ .(1‬ويتضكح مككن إشكارة غاريغوريكوس أن الولكد لككم‬
‫يشف‪ .‬أما سوزومين فينهي روايته عككن هككذا الحككدث بالشككارة إلككى باسككيليوس قككام‬
‫بالصلة على الولد‪ ،‬وكان لصلته رد فعل كبير عليه وكاد يستعيد صحته بالكامل‪،‬‬
‫لكن فالنز إسكتدعى عككدندا مككن الهراطقكة وجعلهكم يصكلون عليكه فسكأت صكحته مكرة‬
‫أخرى)‪ .(2‬وبالنسبة إلى رواية ثيودريت فقد أشارت إلى أن باسيليوس عندما حضر‬
‫إلى القصر ورأى غاليتوس راقندا علكى فكراش المكرض‪ ،‬وعكد والكده بكأن ولكده سكوف‬
‫يشفى إذا دفعه لنوال سر العماد على أيدي رجال ديكن أرثكوذكس‪ ،‬ثكم غاكادر القصكر‬
‫وانصرف في طريقه‪ ،‬لكن فالنز لككم يسكتجب لكه واتصككل بالهراطقكة وعمكد ابنكه علككى‬
‫أيديهم)‪.(3‬‬

‫أمككا بالنسككبة إلككى روايككة سككقراط فنجككدها تعككبر عككن الحككدث بصككورة أكككثر‬
‫وضونحا وشكمونل مكن الروايكات الخكرى‪ ،‬إذ أضكافت إلكى السكبب الرئيكس الكذي دفكع‬
‫المبراطور إلى الستعانة بباسيليوس وهو شككفاء ابنككه سككبنبا آخككر يتمثككل فككي رغابككة‬
‫المككبراطور فككي اختبككار إيمككان باسككيليوس الككذي مككن أجككل تمسكككه بككه وثبككاته عليككه‬
‫يحتمل الهانات والمضككايقات والتعككذيب والسككجن والنفككي والمككوت‪ ،‬وفككي سككبيل هككذا‬
‫دارت بينه وبين باسيليوس حديث قصير نقله سقراط ‪ ،‬وجاء فيه ‪:‬‬

‫» قال فالنز‪ :‬إن كان معتقدك الذي تتمسك به هو المعتقد‬


‫ككل مككن أجككل ابنككي لعلككه ل يمككوت‪ ،‬ولمككا سككمع باسككيليوس‬
‫الحككق فص ي‬
‫كلم فككالنز هككذا أجككابه وقككال‪ :‬إن جللتككك آمنككت بمككا أنككا أؤمككن بككه‪،‬‬
‫وتوحككد إيمككان الكنيسككة كلهككا فككإن ابنككك سككوف يشككفى‪ ،‬ولككم يوافككق‬
‫المبراطور على هذه الشروط‪ ،‬فقال باسككيليوس لككه‪ :‬الكك يفعككل مككا‬

‫‪.Gr.Naz.,Or.43,54‬‬ ‫‪()1‬‬
‫‪.Soz.,op.cit.vi,17‬‬ ‫‪()2‬‬
‫‪.Theo.,op.cit.iv,16‬‬ ‫‪()3‬‬
‫‪166‬‬
‫يراه صالنحا مع هذا الطفل‪ ،‬وبمجرد أن سمع المبراطور هككذا الكلم‬
‫منه أصدر أوامره بطرده‪ ،‬وبعد ذلك بوقت قصير مات الطفل)‪«.(1‬‬

‫ويتضح من هذا النص أن فالنز تأكد من ثبات باسيليوس علككى معتقككده‪،‬‬


‫ضكا أن باسكيليوس‬
‫والكثر من هذا أنه تأكد من صدق هذا المعتقد‪ ،‬ويتضح منككه أي ن‬
‫أراد أن يسككتغل فرصككة مككرض ابككن المككبراطور؛ ليككدفع مككن خللهككا المككبراطور إلككى‬
‫التحكول مكن الهرطقككة إلككى اعتنكاق اليمككان السكليم‪ ،‬ومكا ينتكج عككن ذلكك مكن عككودة‬
‫الوحدة إلى الكنائس‪ ،‬وليس شفاء ابنه فقط‪ ،‬ويدل هككذا علككى ذكككاء باسككيليوس فككي‬
‫تحويل قضية شخصية إلى قضية كنسية عامة يصلح بها الكنيسة والمجتمع‪.‬‬

‫ولن المير غالتيوس كان البن الوحيد لبيه المبراطور فالنز‪ ،‬فقد كان‬
‫يحبكككه ككككثي نار ووفقنكككا للنظكككام المتبكككع فكككي تناقكككل السكككلطة والحككككم فكككي المبراطوريكككة‬
‫البيزنطيككة الككذي كككان نظانمككا وراثنيككا‪ ،‬فلبككد أن يكككون غالتيككوس ولنيككا للعهككد‪ ،‬وكككان‬
‫أبوه يعقد عليه آمالن كبيرة في تولى حكم المبراطورية مكن بعكده‪ .‬ولككن مكا حكدث‬
‫من مهاجمة المراض الخطيرة له التي انتهت بنهاية حياته بالضافة إلى مهاجمة‬
‫ضا‪ ،‬أدى إلى إصابة أبيككه بككالحزن العميككق ونككاح عليككه‬
‫المراض لزوجته دومنيكا أي ن‬
‫كثي نار وعد هذه الضربة موجهة إليككه إوالككى زوجتككه مككن عنككد الكك عقانبككا وانتقانمككأ منككه‬
‫بسبب سوء معككاملته لباسكيليوس‪ ،‬واسكتخدامه الحيكل الشكريرة والدسكائس والمكائكد‬
‫ضده‪ .‬ومن ثم عقد العزم بينه وبين نفسه على أل يقكدم بعكد ذلكك علكى القيكام بأيكة‬
‫محاولة أو فعل شىء يتسبب في إلحاق الضرر والذى به‪ .‬وألغى قرار نفيكه‪ ،‬وأمككر‬
‫بعودته سالنما إلى كنيسته)‪.(2‬‬

‫‪.Soc.op.cit.iv,26‬‬ ‫‪()1‬‬
‫‪.Soz.,op.cit.vi,17()2‬‬
‫‪167‬‬
‫وبالنظر إلى مككا سكبق مككن روايككات متنوعككة تتعلككق بهككذا الحككدث نجككد أنككه‬
‫بالرغام من إيجاز هذه الروايات فيما ذكرتككه مككن معلومككات‪ ،‬فل يوجككد بينهككا تعككارض‬
‫أو تضاد أو اختلف بل إن كل واحدة تضيف شينئا جديندا إلى الحكدث‪ ،‬وتعمكل علكى‬
‫إكماله إوايضاحه‪ ،‬وهوما أدى في النهاية إلى رسم صورة واضحة له‪.‬‬

‫وجاء تصرف فالنز هذا ضربة قاسية وجهككت إلككى أعككداء باسككيليوس مككن‬
‫وزراء وحاشية وقواد وأتباعهم من الساقفة الريوسيين الذين يكرهون باسككيليوس‬
‫كراهية شديدة‪ ،‬وأخذوا يفكرون في حيلة أخرى جديكدة تخلصكهم منكه؛ ولنهكم ككانوا‬
‫يعرفككون مككا يتصككف بككه إمككبراطورهم مككن تككردد وت ارجككع فككي اتخككاذ ق ار ارتككه وتنفيككذها‪،‬‬
‫علمككوا علككى اسككتغلل هككذه الصككفات بمككا يتوافككق مككع مصككالحهم الدينيككة والمدنيككة‪،‬‬
‫وشرعوا يكدبرون لحكداث وقيعكة جديكدة بينكه وبيكن خصكمهم باسكيليوس‪ ،‬وأحكاطوا‬
‫بالمبراطور مرة أخكرى‪ ،‬وتكلمكوا معككه بكلم زيكف كككثير ضككد باسكيليوس‪ ،‬واتهمككوه‬
‫بأنه عدو ومجكدف وككافر وخكائن للدولكة والكدين‪ ،‬وبعكد ضكغط إوالحكاح ككثير نجحكوا‬
‫ضككا‪ ،‬وكككان قككرار النفككي معككندا مككن قبككل‪ ،‬ول‬
‫فككي اسككتمالة المككبراطور هككذه المككرة أي ن‬
‫ينقصككه سككوى توقيككع فككالنز عليككه‪ ،‬فككأتوا بكه إليككه وطلبككوا منككه تككوقيعه حكتى يكتسككب‬
‫صككفة الشككرعية‪ ،‬وعنككدما أمسككك فككالنز بككالقلم وهككم بككالتوقيع‪ ،‬ارتجفككت يككده وانكسككر‬
‫القلم للمرة الولى‪ ،‬فجاءوا إليه بقلم آخر‪ ،‬فحدث ما حدث في المرة الولى‪ ،‬فجاءوا‬
‫إليه بقلم ثالث‪ ،‬فتكرر نفس المككر للمككرة الثالثككة‪ ،‬وعنككدما رأى مككا يحككدث معككه امتل‬
‫خونفا ورعنبا‪ ،‬وعد ما حدث أعجوبة ثانية يفعلها ال لينقذ باسككيليوس‪ ،‬ومككزق قككرار‬
‫النفي‪ ،‬وأعاده إلى كنيسته سالنما)‪.(1‬‬

‫وبعككد وقككت قصككير مككن هككذه الحككداث أصككيب القائككد مودسككتوس بمككرض‬
‫خطير‪ ،‬وتألم منه كثينرا‪ ،‬وكان يعتقد أن هذه الضربة التي لحقت به إنما هي انتقككام‬
‫من ال له لسوء معاملته لباسيليوس‪ ،‬وأن ال لم يمنحه الشفاء إل بيد باسيليوس‬

‫‪.Theod.,op.cit.iv,16()1‬‬
‫‪168‬‬
‫نفسه‪ ،‬فأخذ يرسل إليه برسككائل يقككول لككه فيهككا‪» :‬أنككا اقتنعككت تمانمككا أنككك تسككير فككي‬
‫الطريق الحق‪ ،‬فل تتخل عن خلصى«‪ .‬وتوسل إليه كثي نار أن يأتي إليه ليصلي لككه‬
‫لكككي ينعككم الكك عليككه بالشككفاء‪ ،‬ولمككا عككرف باسككيليوس أن القائككد اعككترف باليمككان‬
‫الصحيح وتاب عن خطاياه‪ ،‬أتاه بسرعة وصلى له فأعطاه الكك الشكفاء‪ ،‬ومنكذ هكذا‬
‫الككوقت صككار الخصككمان صككديقين‪ ،‬ويربطهمككا علقككات ود ومحبككة أخويككة عميقككة‪،‬‬
‫وكثي نار ماكان مودستوس يشهد أمككام الجميككع بقداسككة باسككيليوس واسككتقامة إيمككانه‬
‫وأعماله)‪.(1‬‬

‫باسيليوس يواجه أنتيموس‬


‫بكككالرغام مكككن ككككل مكككا حكككدث مكككن منازعكككات واضكككطرابات بيكككن المكككبراطور‬
‫وباسيليوس‪ ،‬وانتصاره عليهم جمينعا‪ ،‬فإن المبراطور لم يتركه وشكأنه‪ ،‬فقكد أقكدم‬
‫علككى اتخككاذ قككرار يقضككي بتقسكيم وليككة كبادوكيككا إلككى وليككتين منفصككلتين‪ ،‬إحككداهما‬
‫هي ولية كبادوكيا الولى وعاصككمتها مدينككة قيصككرية المركككز الكنسككي لباسككيليوس‬
‫والعاصمة القديمة للولية‪ ،‬والثانية هكي وليكة كبادوكيكا الثانيكة واختكار بلكدة تسكمى‬
‫بوداندوس ‪ Podandus‬عاصمة لها‪ ،‬وكان لهذا التقسيم آثككار سككيئة علككى شككعب‬
‫ولية كبادوكيا وعلى كنيستها قيصرية ورئيسها باسيليوس‪ .‬أما آثاره السيئة علككى‬
‫الشعب فقد زاد من الضرائب على الناس وفي المقابل زاد من مكوارد خزينكة الدولكة‪.‬‬
‫وبمجكككرد أن فطكككن النكككاس إلكككى عيكككوب هكككذا القكككرار اتجهكككوا إلكككى مطرانهكككم وأخكككذوا‬
‫يوضحون له خطكورة هكذا القكرار ويلتمسكون منكه أن يتشكفع لهكم لكدى المكبراطور؛‬
‫لكي يجعله يعدل عن هذا القرار‪ ،‬لنكه سكوف يكؤدي إلكى كارثكة رهيبكة فكي المدين ة‪،‬‬

‫‪.Gr.Naz.,Or.43,54‬‬ ‫‪()1‬‬
‫‪169‬‬
‫ولن باسيليوس كان قريبنا جندا مكن شكعبه ويحبهكم ككثي نار ويتكألم معهكم فكي آلمهكم‪،‬‬
‫فقكد رق لحكالهم وأعطكاهم وعكدنا بالتكدخل فكي هكذا المكر بمكا يتفكق مكع مصكالحهم‪،‬‬
‫وينقذهم من آلمهم‪ .‬وبسبب التباعد بينككه وبيككن المككبراطور لككم يسككتطع أن يتككوجه‬
‫مباشرة إليه سواء بالزيارة أو بالكتابة‪ ،‬بل أرسل إلى بعض القادة من كبار مككوظفي‬
‫القصر المبراطوري يلتمس منهم أن يبذلوا قصارى جهودهم فككي إقنككاع المككبراطور‬
‫بإلقاء هذا القرار‪ ،‬وفي أحدى رسائله إلى أحد هؤلء القادة قال له‪:‬‬

‫» لمككاذا أكتككب إليككك الن‪ ،‬ولمككاذا أريككد أن أسككافر إليككك‬


‫وأراك؟ لن وطني تتوجع الأن مككن الضكطرابات وتككدعوني أن أدافكع‬
‫عنها‪ ،‬وأنت تعرف يا صديقي كم هي تعاني‪ ،‬إنها أصككبحت مقسككمة‬
‫إلكككى قطكككع‪ ...‬إتهكككم ] البكككاطرة [ قسكككموها سكككابنقا‪ ،‬ويعكككودون إلكككى‬
‫ضككا‪ ،‬وهككم فككي عملهككم هككذا يتشككبهون بككالجراحين‬
‫تقسككيمها الن أي ن‬
‫الذين ليس لكديهم خ برة‪ ،‬وبجهلهكم يعمقكون الجكراح دون علجهكا‪،‬‬
‫إن معاناتهككا المسككتمرة مككن التقسككيم تجعلنككي أعككدها مثككل المريككض‬
‫الككذي غاككاب شككفاؤه؛ لككذلك فككإن شككعب مدينككة قيصككرية أرسككلوا لككي‬
‫خطانبككا يلتمسككون فيككه أن أسككرع لنجككدتهم‪ ،‬وينبغككي علككى أن أقككوم‬
‫ضككا لكككي‬
‫بككذلك ليككس لقككدم لهككم المسككاعدة والعككون فقككط‪ ،‬ولكككن أي ن‬
‫أتجنب أي تقصككير يجعلهككم يوجهككون لككي اللككوم بسكببه؛ أنككت تعككرف‬
‫أن هناك بعض الشرار الذين يبحثون دائنما عن الخطاء ويتمنككون‬
‫حكدوثها؛ لكككي يبثككوا فيهكا سككموم شكرهم‪ .‬مكن أجكل هككذا المككر الهكام‬
‫أتعجكككل نفسكككي للسكككفر إليكككك ولقائكككك لككككى أخكككبرك بمكككا أفككككر فيكككه‬
‫ويشكككغلني ككككثينرا‪ ،‬وألتمكككس منكككك أن تتكككدخل فكككي هكككذه القضكككية بمكككا‬
‫تمتلكه من قوة ونفوذ وحكمة‪ ،‬ليس لن تجنب وطنككي خضككوع الككذل‬
‫والهكككوان فقكككط‪ ،‬بكككل أن تكككذهب بنفسكككك إلكككى القصكككر المكككبراطورى‬

‫‪170‬‬
‫وبشككجاعتك الككتي تتميككز بهككا ل تجعككل المسككئولين يقسككمون الوليككة‬
‫إلى وليتين‪ ،‬بدلن من واحدة‪ ...‬أخبر المككبراطور ووز ارءه أن هككذا‬
‫القرار ل يؤدي إلى تقدم وخير المبراطورية‪ ،‬لن القوة ل تكمن فكي‬
‫العدد إنما توجد فى الطاقات الفعلية الثابتة‪«.(1) ...‬‬

‫ضككا أخككذ باسككيليوس يصككف بودانتككوس وصككنفا سككينئا‪،‬‬


‫وفي هذه الرسائل أي ن‬
‫وأظهرها بشكل حقير جندا‪ ،‬فهي عنده ذات مناخ سىء‪ ،‬وشككعبها الككذي يسكككن فيهككا‬
‫يعيش وكأنه يقضكي فيهكا فكترة عقوبكة بكالنفى المؤبكد‪ ،‬وقكد تكوجه بع ض منكه إليهكا‬
‫ليعيشوا بها وكأنهم أسرى حرب‪ .‬واستجاب هؤلء القادة إلى التماسككات باسكيليوس‬
‫وحكاولوا بككل جهكدهم أن يثنكوا المكبراطور عكن تنفيكذ قكرار التقسكيم‪ ،‬ولكنهكم فشكلوا‬
‫ضا عن ذلك نجحوا بعد بذل جهد كبير في جعل المبراطور‬
‫شل ذرينعا‪ ،‬عمله وعو ن‬
‫فن‬

‫‪1‬‬
‫)(‪.Bas.,Ep.74.; CF.Bas.,Epp.75.;76.;Gr.Naz.,or.43,ch.58‬‬
‫‪171‬‬
‫ببودانتوس)‪.(2‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫يستبدل مدينة تيانا‬

‫هذا بالنسبة إلى الآثاره الضارة لهذا القرارعلى الشعب‪ ،‬أمككا بالنسككبة إلككى‬
‫آثاره الضككارة مكن الناحيكة الدينيكة علككى الكنيسككة وعلكى سكلطة باسكيليوس الدينيككة‪،‬‬
‫فقد تمثلت في قيام أنتيموس ‪ Anthimus‬أسككقف تيانككا عاصككمة للوليككة الجديككدة‬
‫بطلككب تقسككيم كنسككي يسككير جننبككا إلككى جنككب مككع التقسككيم الداري‪ ،‬ومعنككى هككذا أن‬
‫تصير أسقفية تيانككا مطرانيككة مثككل مطرانيككة قيصكرية‪ ،‬ولهككا مثككل حقوقهكا وسكلطانها‬
‫الكنسككية‪ ،‬ويصككير هككو مط ارنككا علككى هككذه المطرانيككة مثككل باسككيليوس‪ ،‬ويكككون لككه‬
‫حقوقه وسلطاته الكنسية نفسها)‪ ،(3‬وكانت دوافعه في الحصول على أطمككاعه هككي‬
‫محبة الرئاسة‪ ،‬والطمع في زيادة ممتلكاته وأمواله‪ ،‬وقد حككاول إخفككاء هككذا بوضككعه‬

‫‪ () 1‬تيانا‪ :‬تسمى فى النجليزية ‪Tyahana‬و ‪Thoaan‬واسمها القديم ثيئونا أو ثوابه‪،‬‬


‫وهو السم الكذي س ميت بكه فكي عظكة تكأبين غاريغوريكوس النيزين زي الكتي نظمهكا لكه أح د‬
‫ضا ومدحه بها بعكد وف اته‪ .‬وقكد سكميت بهكذا الس م نس بة‬
‫أصدقائه يسمى غاريغوريوس أي ن‬
‫إلككى مؤسسككها الككذي يسككمى الملككك ثككؤاس ‪ Thoas‬ال ثراكي‪ ،‬وهككي تقككع عنككد سككفح جبككل‬
‫طوروس‪ ،‬وقريبة من بوابات ولية كليكا في جنوب آسككيا الصككغرى‪ ،‬وفككي عهككد المككبراطور‬
‫كاراكل )‪217-211‬م( سميت مسككتعمرة تيانكا النطونيكة‪ ،‬اسكتولت عليهكا الملكككه زينوبيكا‬
‫التدمرية أثناء ثورتها على المبراطورية الرومانية‪ ،‬وبعد ذلك استطاع المبراطور أورليان‬
‫إعادتهكككا إلكككى رومكككا عكككام ‪272‬م‪ ،‬وذادت شكككهرتها فكككي عكككام ‪371‬م عنكككدما جعلهكككا فكككالنز‬
‫عاصكككمة لوليكككة كبادوكيككا الثانيككة بعكككد تقسكككيمه لوليكككة كبادوكيككا إلكككى وليكككتين‪ ،‬وأصكككبحت‬
‫مطرانية لها‪ ،‬وفي عام ‪640‬م انخفض عدد أبرشياتها إلى ثلثة فقط‪ ،‬واستمرت على هككذا‬
‫الوضع حتى القرن العاش الميلدي‪ ،‬حيث بقى منها أبرشية واحدة‪ ،‬فضككمت إلككى مطرانيككة‬
‫قيصرية عام ‪1360‬م‪.‬‬
‫راجع‪.Ramsay,op.cit.pp.345,346.;S.Valhe,Tyana,in Cath.Enc.vol :‬‬
‫‪.Bas.,Epp.74;75()2‬‬
‫‪.Gr.Naz.,or.43,ch.58‬‬ ‫‪()3‬‬
‫‪172‬‬
‫تحت ستار مزيف مككن الدعكاءات الباطلككة‪ ،‬مثكل زيككادة الهتمككام بنفككوس المككؤمنين‬
‫ورعايتهم ديننيا وإجتماعنيا وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهكم‪ ،‬وفكي س بيل تنفيكذه‬
‫لطماعه ولتقوية موقفه بدأ يتحالف مع الساقفة الذين كانوا يخضعون إلى سلطة‬
‫باسككيليوس الكنسككية‪ ،‬ويعارضككونه فيمككا قبككل عقككد ترشككيحه لرئاسككة المطرانيككة ول‬
‫ي ازلككون حككتى الن طرفنككا فككي الصككراع ضككده‪ ،‬ووجككدوا فرصككتهم للخككروج عككن سككلطة‬
‫باسككيليوس فككي هككذا التقسككيم الجديككد للوليككة‪ ،‬وعملككوا علككى الخككروج مككن تبعيتككة‬
‫والنضمام لخصمه أنتيموس‪ ،‬و استخدام أساليب الترغايب والتهديد مع غايرهم من‬
‫الساقفة‪ ،‬وهو ما أدى إلى خضوع بعض منهم إليه طواعية أو مرغامين‪ ،‬أما الذين‬
‫لم ينفضكوا عنهكم سكلطة رئيسكهم باس يليوس‪ ،‬فقكد لقكوا منكه الهكوان أضكعانفا حيكث‬
‫عزلهككم عككن ك ارسككيهم وعيككن آخريككن مككن أتبككاعه مكككانهم‪ ،‬وأدى هككذا إلككى حككدوث‬
‫اضككطرابات ون ازعككات فككي كككثير مككن الكنككائس‪ ،‬وبالضككافة إلككى ذلككك اسككتولى علككى‬
‫بعض المناطق التي كانت تخص باسيليوس ويوجد بها بعض من أديرته ورهبانه‪،‬‬
‫وأضافها قهرنا إلى حدود سلطته الكنسية‪ ،‬وال كككثر مككن ذلككك أنككه قطككع الطريككق بيككن‬
‫باسيليوس وهذه الديرة‪ ،‬ومن هذا أنه استدعى بعض قطاع الطكرق إلي ه وأعطكاهم‬
‫مككالن كككثي نار مقابككل أن يهككاجموا قافلككة محملككة بككالمؤن أرسككلها باسككيليوس إلككى هككذه‬
‫الديكككرة والسكككتيلء عليهكككا‪ ،‬ككككل هكككذه النكبكككات ترككككت أثككك نار ككككبي نار علكككى باسكككيليوس‬
‫وأصابته بالحزن العميق)‪ ،(1‬وقد عبر عككن حككالته النفسككية السككيئة هككذه فككي خطككاب‬
‫أرسله إلى راهبان له يقول فيه‪:‬‬

‫» مكككن خلل تعاطفكمكككا معكككي اسكككتطعتم أن تعرفكككا مكككدى‬


‫إشفاقى عليكما‪ ،‬كانت رغابتي التي تلزمنككي دائنمككا أن أكككون داعيككة‬
‫سلم‪ ،‬لكنى عندما فشلت فككي هكدفى هككذا أصكابنى الحكزن العميككق‪،‬‬

‫‪.Gr.Naz., or.43,58.59.;Epp.47.;48 ()1‬‬


‫‪173‬‬
‫وكيككف يتحقككق هككذا ول يوجككد أي طككرق أخككرى تككؤدي إليككه‪ ،‬أنككا ل‬
‫أستطيع أن أحمل بداخلي مشاعر غاضب لي إنسان من أجككل هككذا‬
‫المككر‪ ،‬ذلككك ل نككي أعككرف أن السككلم قككد غاككاب عنككا منككذ فكترة طويلككة‬
‫والتمس من ال أن يجعل المتسببين في هذا النقسككام والضككطراب‬
‫يكفون عن ما يفعلونه‪ ،‬وفي ظل هذه الظروف الصككعبة ل أسككتطيع‬
‫أن أطلب منكما أن تكككث ار مككن زيارتكمككا لككى‪ ،‬وأنككا أعككرف جيككندا أنكمككا‬
‫تككودان أن ل تنقطعككا عككن زيككارتى‪ ،‬وأن الرجككال الككذين اعتنقككوا حيككاة‬
‫العمل المتواصل والذين يعملون بأيككديهم للحصكول علككى احتياجكات‬
‫معيشتهم ] الرهبان [ سوف ل يتأخرون طويلن بعيندا عن منككازلهم‪،‬‬
‫ولكن أينما كنتما فاذكروني‪ ،‬وصككليا مككن أجلككى لكككي ل تتملككك هككذه‬
‫المشككاعر السككيئة علككى قلككبى‪ ،‬ولكككي يسككتقر السككلم فككي نفسككى‪،‬‬
‫وبينى وبين ال)‪«.(1‬‬

‫من خلل مكا قكدمه لنكا ن ص الخطكاب السكابق مكن معلومكات عكن وصكف‬
‫المرسل إليهما الخطاب‪ ،‬يتضح أنه مرسل إلى اثنين من رهبككان أديرتككه‪ ،‬والمقصككود‬
‫بكلمككة منككازلهم هككي أديرتهككم‪ ،‬ومككن ذلككك يتضككح لنككا أن أنككتيموس لككم يقطككع فقككط‬
‫الطريق أمام قوافل المعونات والمؤن التي كان يرسككلها باسككيليوس إلككى رهبككانه فككي‬
‫ضككا الرهبككان مككن أديرتهككم واسككتولى علككى الديككرة نفسككها وهككي‬
‫الديككرة‪ ،‬بككل طككرد أي ن‬
‫خاويككة‪ ،‬هككذا فضككلن عمككا يعكسككه هككذا الخطككاب مككن مشككاعر الحككزن العميككق الككتي‬
‫أصابت باسيليوس بسبب هذا التقسيم وما أدى إليه من نتائج سيئة‪.‬‬

‫وعنككدما أحيككط غاريغوريككوس النيزينككزي بالحككداث الككتي وقعككت فككي وليككة‬


‫كبادوكيا وكنيستها قيصرية من تقسيم إداري وما تبعه من تقسيم كنسي‪ ،‬ومككا نتككج‬

‫‪.Bas.,Epp.259()1‬‬
‫‪174‬‬
‫عككن هككذا مككن آثككار سككيئة علككى شككعب الوليككة وعلككى كنيسككتها ورئيسككها صككديقه‬
‫باسيليوس أصابه الحزن الشديد‪ ،‬وأراد أن يخفف مككن روع الصككدمة علككى صككديقه‪،‬‬
‫فأرسل له خطاب تعزية رقيقنا يشاطره فيكه الحكزان‪ ،‬ويككدعوه إلكى الصكمود فككي وجكه‬
‫خصومه الذين يحاربونه وجنها لوجه‪ ،‬ومما قاله له في هذا الخطاب‪:‬‬

‫» سككمعت أنككك متضككايق بسككبب مككا اسككتجد مككن أحككداث‬


‫وقلق من أكاذيب وتدخلت بعض أصكحاب السكلطة والنفكوذ فيمكا ل‬
‫يعنيهم‪ ،‬وهذا أمر ل يدعو للعجب؛ لني ل أجهل حسككدهم‪ ،‬والواقككع‬
‫أن كثيرين ممن يحيطون بك يرغابككون أن يككدفعوك لكككي تعمككل لجككل‬
‫مصالحهم فقكط‪ ،‬ويعملكون علكى إشكعال فتيكل الزمكة‪ ،‬وأنكا أثكق فكي‬
‫أن هذه الضكطرابات ليكس لهكا تكأثير علكى روحكك‪ ،‬وأنهكا تعكد ش ينئا‬
‫عديم القيمة لككك ولكي‪ ،‬وأعتقكد الأن وأكككثر مككن أي وقككت مضككى أنكك‬
‫سكككوف تشكككتهر عنكككد الجميكككع‪ ،‬وسكككوف يكككرى ويسكككمع النكككاس عكككن‬
‫فضككائلك‪ ،‬وسككوف تتغلككب علككى هككذه الزمككة وتكككون مثككل الموجككة‬
‫العالية التي تحطم جميع العوائق التي أمامها‪ ،‬وسوف تظل صامندا‬
‫ول يقترب منك الشر‪ ،‬بينما الخرون سوف يهلكون‪«.(1) ...‬‬

‫وبالرغام من شعور باسيليوس بكالحزن والضكيق الشكديد بسكبب مكا حكدث‬


‫مككن تقسككيم السككلطة الكنسككية فككي وليتككه‪ ،‬ومككا قككام بككه أنككتيموس المغتصككب مككن‬
‫إجراءات عدائية ضده‪ ،‬فإن ما عرفناه عنه في مثل هذه الحوادث مككن صككفات وقيككم‬
‫نبيلة وعاليككة‪ ،‬ومككن أهمهككا الوقككوف بثبككات وجككرأة أمككام الصككعوبات وعككدم العككتراف‬
‫بالهزيمككة أو الحسككاس بالفشككل أو الرضككى بككه‪ ،‬ول النحنككاء أمككام الظلككم‪ ،‬رفككض‬
‫مشاعر الذل والهوان‪ ،‬بجانب ما تمتع به من ملمح شخصككية قويككة إوارادة حديديككة‬

‫‪.Gr.Naz.,Ep.47()1‬‬
‫‪175‬‬
‫وعزم ل يلين‪ ،‬جعل منه قائندا ديننيا بارنعا يستطيع مواجهة القضايا والصككعوبات أينككا‬
‫كان نوعها وحجمها‪ ،‬ويستطيع أن يتدبر المككور ويضككع الحلككول لي مشكككلة حككتى‬
‫ولو كانت صعبة‪ ،‬ويعرف أن يخرج من هذه القضية الصعبة والكداء العليكل بالكدواء‬
‫النككافع لعلجهككا‪ ،‬فأخككذ يتككدبر المككور بفكككر مسككتنير وطريقككة صككحيحة تتوافككق مككع‬
‫صككفاته وتليككق بمكككانته ودرجتككه الدينيككة الرفيعككة‪ ،‬ومحبككة الشككعب لككه‪ ،‬ولككم يسككلك‬
‫الطكككرق الملتويكككة ولكككم يسكككتخدم السكككاليب والتصكككرفات السكككيئة الكككتي اسكككتخدمها‬
‫أنتيموس‪ ،‬وأراد أن يحصل مككن هككذا الخلف علككى مكاسككب وفوائككد يقككدمها للكنيسككة‬
‫وتككؤدي إلككى نموهككا‪ ،‬فعمككل علككى زيككادة الكنككائس داخككل البرشككيات الواقعككة تحككت‬
‫سلطانه الكنسي‪ ،‬وهو ما أدى إلى زيادة رجال الدين واتساع حدود إبرشياته‪ ،‬وزاد‬
‫من إنشككاء البرشككيات الجديككدة‪ ،‬وتنصككيب أسككاقفة جككدد لرعايتهككا‪ ،‬وبككذلك يكككون قككد‬
‫أكككثر فككي أعككداد الرعككاة‪ ،‬وعليككه زاد الهتمككام بنفككوس الرعيككة فككي كككل كنيسككة وكككل‬
‫ضككا علككى تنقيككة كنائسككه وأبرشككياته مككن الكهنككة والسككاقفة غايككر‬
‫أبرشككية‪ ،‬وعمككل أي ن‬
‫ضا عنهم‪ ،‬وذلك لكي يضمن سلمة قطيعة)‪.(1‬‬
‫المناء‪ ،‬ونصب رعاة صالحين عو ن‬
‫ومن البرشيات التي أنشأها باسيليوس وفنقكا لهكذا الغكرض أبرشكية نيسكا‬
‫وقككد عيكن لهككا أخككاه غاريغوريككوس ليكككون أسكقفها)‪ ،(2‬وككانت نيسكا مدينكة مغمككورة‬
‫قليلككة الهميككة‪ ،‬ولكنهككا صككارت معروفككة ولهككا أهميككة كككبيرة عنككدما أصككبحت مقكك نار‬
‫للبرشككية‪ ،‬وجلككس علككى كرسككيها غاريغوريككوس‪ ،‬وعنككدما أظهككر يوسككابيوس أسككقف‬
‫سموساط اعتراضكه علكى باسكيليوس بسكبب هكذا التنصكيب وأبلغكه أن هكذه المدينكة‬
‫قليلة الهمية ول تليق لن تكون كرسينا لخيه أجابه بقوله‪:‬‬

‫» ‪ ...‬عندما جاهكدت لككي أجمككع الكنككائس فككي وحكدة واحكدة‪،‬‬


‫وصكككار هكككذا المكككر غايكككر ممككككن‪ ،‬أقمتكككه أسكككقنفا ليكككس لككككي يسكككتمد‬

‫‪.Gr.Naz.,or.43, ,ch.59‬‬ ‫‪()1‬‬


‫‪.Bas.,Epp.98.;225()2‬‬
‫‪176‬‬
‫الكرامة من كرسيه‪ ،‬بل ليمنح الكرامة إلككى كرسككيه؛ لن مككن صكفات‬
‫الرجل العظيم حقنككا ليككس فقككط أن يكككون بمسككتوى المككور العظيمككة‪،‬‬
‫بل أن يكون لكديه المقككدرة بككأن يجعكل مكن الشككياء الصككغيرة أعمكالن‬
‫عظيمة‪«.(1) ...‬‬

‫وبعد وقت قصير من تولى غاريغوريككوس هككذه البرشككية قككام أعككداء أخيككه‬
‫باسككيليوس بشككن عككدة هجمككات عليككه وانقلككب هككدوء نيسككا إلككى صككراع تعككالت فيككه‬
‫أصككوات العككداء ومجككادلتهم‪ ،‬وعقككدوا العديككد مككن المجككامع وأصككدروا أحكانمككا عككدة‬
‫بنفيككه‪ ،‬وأقككاموا أسككقنفا آخككر ينتمككي إليهككم بككدلن منككه‪ ،‬وكككان هككذا السككقف فككي نظككر‬
‫صككا)‪ .(2‬وظككل غاريغوريككوس يقاسككى آلم النفككي لمككدة ثمككاني‬
‫باسككيليوس مهرطقنككا ول ن‬
‫سنوات كاملة)‪.(3‬‬

‫وكانت بليدة دو ار ‪ Doara‬أحد المواقككع الككتي اسكتخدمها باسكيليوس فككي‬


‫دفككاعه عككن حقككوق كنيسككته ضككد أطمككاع أنككتيموس‪ ،‬وهككي مدينككة صككغيرة وقليلككة‬
‫الهمية‪ ،‬وعند تقسيم ولية كبادوكيا إلى وليتين وقعت داخل حدود الولية الثانيككة‪،‬‬
‫إل أن باسيليوس ضمها إليه وعيككن عليهككا أحككد أسككاقفته‪ ،‬ولكنهككا لككم تصككمد طككويلن‬
‫في هذا الصراع‪ ،‬إذ إن أنتميوس سعى لدى المبراطور لكي يمنحه السلطة الدينية‬
‫عليها بحكم وقوعها داخل حدود الولية الجديكدة‪ ،‬فأجكاب المكبراطور مطلبكه)‪ ،(4‬ثكم‬
‫أخذ يدبر الدسائس والمكائد ضكد أسكقفها التكابع لسكيليوس حكتى تمككن مكن خلعكه‬

‫‪.Ibid.,Ep.98‬‬ ‫‪()1‬‬
‫‪.Bas.,Epp.237;239 ()2‬‬
‫‪.Gr.Niss.,Mac.,p.41‬‬ ‫‪()3‬‬
‫‪.Bas.,Ep.231()4‬‬
‫‪177‬‬
‫وتنصيب أحد أتباعه عليها)‪.(1‬‬

‫ومككن بيككن المككدن الخككرى الككتي اعتمككد عليهككا باسككيليوس فككي مواجهككة‬
‫أطماع خصمه أنتيموس بليدة سازيما‪ ،‬وهي مدينة صغيرة‪ ،‬ووفقنككا للتقسككيم الجديككد‬
‫لوليككة كبادوكيككا أصككبحت تقككع داخككل حككدود الوليككة الثانيككة‪ ،‬وعككرض أمككر أسككقفيتها‬
‫علككى صككديقه غاريغوريككوس‪ ،‬لكنككه رفككض هككذا العككرض تمانمككا؛ ل نككه يتعككارض مككع‬
‫صككفاته الشخصككية وميككوله واهتمامككاته الككتي تككتركز فككي محبككة الهككدوء والرغابككة فككي‬
‫التعمق في الحيكاة النسككية‪ ،‬وتجنكب أيكة مسكئوليات تبعكده عكن رغابكاته هكذه‪ ،‬ولمكا‬
‫وقككف باسككيليوس علككى رفككض صككديقه لتككولى أمككر هككذه السككقفية حككزن جككندا وأخككذ‬
‫يتهمه بالكسل وعدم القدرة على تحمل المسئولية‪ ،‬ولعله يقصككد مككن هكذا أن يشككعل‬
‫حماسته ويجعله يغير موقفه ويقبل السكقفية‪ ،‬إل أنكه ل شكىء مكن هكذا حكرك قل ب‬
‫صديقه أو عقله وظل ثابنتا علكى مكوقفه‪ ،‬بكل وأرسكل إليكه رسكالة يبلغكه فيهكا رفضكه‬
‫التام لتولي السقفية‪ ،‬ويقول له فيها‪:‬‬

‫» لقد اتهمتني بأني كسول وعاطل؛ لني لم أوافقك على‬


‫تكككولي أسكككقفية سكككازيما‪ ،‬ول نكككه ل يوجكككد لكككدى رغابكككة فكككي أن أككككون‬
‫أسقنفا‪ ،‬ولني لم أكن سلنحا لكك لتحكارب بكه الأخكرون‪ ...‬إن أعظكم‬
‫عمككل لككي أن أكككون حكك نار بل عمككل‪ ،‬وأرغاككب أن أحيطككك علنمككا بشككىء‬
‫هككام وهككو أنككي أرى أن قيمككة الحريككة أهككم بكككثير مككن قيمككة العمككل‪،‬‬
‫سككا أمككام جميككع الرجككال فككي هككذا النككوع مككن‬
‫وأعتقككد أنككي صككرت مقيا ن‬
‫الك ارمككة‪ ،‬إواذا تمثككل بككى جميككع النككاس فسككوف تنجككو الكنككائس مككن‬
‫الضطرابات‪ ،‬كمككا أن العقيككدة الككتي يسكتخدمها كككل شككخص كمككا لككو‬

‫‪.Ibid.,Ep.239()1‬‬
‫‪178‬‬
‫كانت سينفا في معاركه الخاصككة‪ ،‬سككوف ل يصكيبها النقسككامات‪...‬‬
‫)‪«.(1‬‬

‫وفي النص السككابق نككرى غاريغوريككوس يؤكككد لصككديقه باسكيليوس رفضككه‬


‫التام لتولي أسقفية سازينما أو تولي مسئولية غايرها من السقفيات‪ ،‬أو أيككة أعمككال‬
‫كهنوتيكة عامكة‪ ،‬ويظهكر تعجبكه مكن تصكرفاته تجكاهه‪ ،‬إواصكراره علكى إس ناد كرسكي‬
‫سككازيما لككه رغانمككا عنككه‪ ،‬وهككو مككا جعلككه يككوجه النتقككادات لسياسككته الكنسككية فيمككا‬
‫يختككص بصككراعه مككع أنككتيموس‪ ،‬ويككدعوه أن يتخلككى عككن مككوقفه مككن هككذا الصككراع‬
‫ظكككا علكككى هكككدوء الكنكككائس ووحكككدة اليمكككان‪ ،‬وبكككالرغام مكككن ككككل هكككذا لكككم يقتنكككع‬
‫حفا ن‬
‫باسكككيليوس وأصكككر علكككى تجكككاهله لموقكككف صكككديقه غاريغوريكككوس‪ ،‬وأخكككذ يلكككح فكككي‬
‫تنصيبه لهذه البرشية‪ ،‬وفي هذه المرة لجأ إلى والده غاريغوريكوس الشكيخ ووضكح‬
‫لككه خطككورة الموقككف‪ ،‬ويوصككيه بالضككغط علككى ابنككه غاريغوريككوس لكككي يوافككق علككى‬
‫تولي هذا المنصب‪ ،‬فنفذ الب كل ما أوصككاه بكه باسكيليوس‪ ،‬ودفكع ابنكه إليكه رغانمككا‬
‫عنه‪ ،‬فأخذه باسيليوس ونصبه على سازيما دون إرادته‪.‬‬

‫ومنذ بداية جلوسه علككى كرسككي أسككقفية هككذه المدينككة اجتهككد فككي البحككث‬
‫عككن مكككان هككادئ ليقيككم فيككه فلككم يجككد‪ ،‬بككل إنككه رأى أن كككل شككىء فيهككا ل يتفككق مككع‬
‫ميككوله ورغابككاته نحككو الهككدوء والسكككينة‪ ،‬وأكككثر شككىء كككان يككؤلمه فيهككا اضككطرابها‬
‫وضككجيجها‪ ،‬وخشككونة الحيككاة فيهككا‪ ،‬وحككدة طبككاع أهلهككا‪ ،‬وصككعوبة التعامككل معهككم‪،‬‬
‫وهو ما أصابه بالحزن واللم الشديد‪ ،‬وأخذ يعبر عن مشاعره هذه في أحد أعمككاله‬
‫الدبية بمجموعة أبيات شعرية يقول فيها‪:‬‬

‫» ‪ ...‬مدينة تقع على طريق الملك السريع‪ ،‬وتعد واحدة‬

‫‪1‬‬
‫)(‪Gr.Naz.,Ep.49‬‬
‫‪179‬‬
‫مكككن محطكككاته الرئيسكككية‪ ،‬عنكككدها يلتقكككى ثلث طكككرق‪ ،‬هنكككاك يوجكككد‬
‫الكرسي السقفي لى‪ ،‬حيث ل يوجد من الماء حككتى جككدول صككغير‪،‬‬
‫ضكا‬
‫ول حتى ورقة نبات خضكراء‪ ،‬ويكا للسكف‪ ،‬فكإنه ل يوجكد بهككا أي ن‬
‫شككىء يبهككج‪ ،‬وليككس بهككا مككا يجككذب النسككان‪ ،‬ويكككثر بهككا الغبككار‬
‫والجلبة طككوال اليككوم‪ ،‬وكككذا أصككوات عجلت المركبككات‪ ،‬ويعلككو فيهككا‬
‫أصككوات البكككاء والصككراخ‪ ،‬وبهككا ملكتزم ضككرائب قكاس يجمككع المكوال‬
‫من الناس بالغصب والضرب‪ ،‬أما سكككانها فرحككل ومتشككردون‪ ،‬إنككه‬
‫موقككع صككغير وحقيككر ل يوجككد شككبيه لككه علككى الرض‪ ،‬وهككذه هككي‬
‫سككازيما‪ ،‬وهككي أن كنيسككتي الككتي عهككد بهككا باسككيليوس لككى‪ ،‬وفككوق‬
‫ذلك لكم أس تطع أن أقيكم فكي كرسكي يقكع علكى حكدود الوليكتين دون‬
‫قتال‪ ،‬وخطر سفك الدماء‪«.(1) ...‬‬

‫ويتضككح مككن النككص السككابق أن غاريغوريككوس نجككح فككى تصككوير صككعوبة‬


‫موقفه وصعوبة الحياة فكى سكازيما نجانحككا ككبينرا‪ ،‬وأمكام مككا رآه ولمسككه مككن ظكروف‬
‫الحياة القاسية في سازيما لم يلتفت إلى توسلت باسيليوس أو التماسات والده له‬
‫بشأن التمسك بهذه السقفية‪ ،‬وتعجل الخروج منها‪ ،‬ولم يم ض سكوى وقكت قص ير‬
‫ضككا مككن‬
‫علككى تنصككيبه لهككا حككتى هككرب منهككا وتككوجه إلككى أحككد الديككرة وأقككام فيككه بع ن‬
‫الككوقت‪ ،‬وعنككدما علككم باسككيليوس بهروبككه اغاتككاظ جككندا وأخككذ يككوجه إليككه مزيككندا مككن‬
‫التهامككات‪ ،‬ومنهككا أنككه غايككر بككاق علككى صككداقته معككه‪ ،‬وأنككه ل يقككدر قيمككة هككذه‬
‫صكا لكه‪ ،‬وأنكه رجكل فكظ‪ ،‬وأن مكا حصكله‬
‫الصداقة‪ ،‬ول يستحق أن يكون صدينقأ مخل ن‬
‫من معرفة وعلم لككم يككأت بثمككاره المرجككوة فيكه‪ ،‬فجككاءت هككذه التهامككات مثككل الوقكود‬

‫‪Gr. Naz., De Vita sua, in: Gr.Naz.,Three poems,Trans.By Denis ()1‬‬


‫‪.Molaise Meehan, Washington, 1987, p.30‬‬
‫‪180‬‬
‫الذي يسكب على النار فتزداد اشتعانل‪ ،‬هذه كانت حالة غاريغوريوس‪ ،‬ولم يستطع‬
‫بعد هذه التهامات أن يلزم الصمت‪ ،‬وأرسال خطانبككا إلككى صككديقه يعنفككه فيككه تعنيفنمككا‬
‫شديندا على تصرفاته معه واتهامه إياه قال فيه‪:‬‬

‫» كف عن ما توجهه لي من اتهامات بكأني سكيىء التعليكم وفكظ‬


‫ول أستحق الصداقة‪ ،‬وليس لي حق في الحياة‪ ،‬فإني مكتيقظ تمانمككا‬
‫للسلوب الذي تم التعامل به معي‪ ،‬وأنت بنفسك تعرف أنككي لككم أقككم‬
‫بأمر خاطئ في أي جانب من الجوانب‪ ،‬كما أن ضككميري ل يلككومني‬
‫عن فعل أي شككىء يسككىء إليككك صككغي نار أم كككبي نار‪ ،‬وأتمنككى أل يحككدث‬
‫هذا أبندا‪ ،‬ولكن الذي أعرفه هو شيئ واحد وهو أني تعرضت مؤخ نار‬
‫إلى خداع حقيقي‪ ،‬وأرى أني عندما سعيت من أجل درء اللوم بعيككندأ‬
‫عن كرسيك تسببت في جلب اللوم على نفسي ‪ ...‬الناس يوجهون‬
‫لككي اللككوم بسككبب أشككياء كككثيرة‪ ،‬وكككل منهككم وفقنككا لهككوائه ورؤيتككه‬
‫للموقككف‪ ،‬أو وفقنككا لعقليتككه ووفقنككا لمككا تمليككه عليككه مشككاعره الرديئككة‬
‫نحوي‪ ،‬واللطفكاء منهكم يتهمكونني بكالغرور والكبريكاء‪ ،‬وقكد سكقطت‬
‫من نظرهم مثكل سكقوط الوانكي الخزفيكة الكتي ليس لهكا قيمكة‪...‬أنكا‬
‫سككوف ل أحمككل أسككلحة وأشككارك فككي الحككرب‪ ،‬ولسككت جككاه ناز لتعلككم‬
‫فنون الحرب‪ ،‬هذه الككتي لككم أتعلمهككا مككن قبككل عنككدما كككانت الفرصككة‬
‫سانحة لكل أحد أن يحارب‪ ،‬وأنككت تعكرف ضكعفى‪ ،‬وسكوف ل أواجككه‬
‫أنتيموس المحارب‪ ،‬ذلك المقاتل الذي جكاء فكي غايكر وقتكه ليجكدني‬
‫غايككر مسككلح وغايككر محككب للحككرب‪ ،‬وهككذا سككوف يككؤدي إلككى حككدوث‬
‫المزيد من الجراحات‪ ،‬إواذا أردت أنت الحرب فقم حارب بنفسكك فكإن‬
‫الضرورة تصككنع مككن الضككعفاء أبطككانل‪ ،‬أو ابحككث عككن شككخص آخككر‬
‫غايككري يسككتطيع أن يحككارب أنككتيموس عنككدما يقبككض علككى قوافلككك‪،‬‬

‫‪181‬‬
‫سا عليها ‪...‬اعطني الهدوء قبل كل شىء )‪«.(1‬‬
‫ضع ح ار ن‬
‫وحدث بعد ذلك أن قكام أن تيموس وبعكض أسكاقفته المتحمس ين لكه بزيكارة‬
‫غاريغوريوس الشيخ في مدينة نيزينزا‪ ،‬واشتركوا في مناقشة مع ابنه غاريغوريككوس‬
‫دارت حككول عككدة أمككور أهمهككا عمليككة تنصككيب باسككيليوس لككه أسككقنفا علككى كرسككي‬
‫سازينما‪ ،‬وطلبوا منه أن يعطيه هذه البرشية؛ لنها تقع داخل حدود ولية كبادوكيا‬
‫الثانية التي تتفق مع حدود مطرانيته‪ ،‬وقد أعادوا عليه القول مك ارنار وتكك ارنرا‪ ،‬وحككدثه‬
‫بطككرق وأسككاليب لغويككة متنوعككة لكككي يتنككازل لككه عككن أسككقفية سككازيما‪ ،‬ومككن هككذه‬
‫الطرق والأساليب اللتماس واللين والطلب والمر والتهديد واللككوم والتوبيككخ‪ ،‬وبعككد‬
‫ذلك وجه إليه عكدة دعكوات لككي يجتمعكا منعكا ويقومكا بمناقش ة هكذه القضكية بشككل‬
‫رسككمي‪ ،‬ولكنككه رفككض دعككوتهم‪ ،‬وبعككث إليهككم بككرد مهيككن‪ ،‬ثككم أرسككل إلككى صككديقه‬
‫باسيليوس يحيطه علنما بكل ما حدث‪ ،‬ووضكع القضككية برمتهكا بيكن يككديه ليتصكرف‬
‫فيها كيف يشاء‪ ،‬أما أنتيموس فقد أصكابه الض يق بسكبب إهانكة غاريغوريكوس لكه‪،‬‬
‫وهاجم سازيما وأخضع كنيستها له)‪.(2‬‬

‫وبعد أن انتهت مشكلة كنيسة سازيما على هذه الصككورة رأى باسككيليوس‬
‫أن من مصلحة الكنيسة أن يتجنب مواصلة الصراع مع أنكتيموس‪ ،‬وأخككذ يفكككر فككي‬
‫كسككب صككداقته والتعككاون معككه فككي الككدفاع عككن العقيككدة المسككيحية الحقككة‪ ،‬وأرسككل‬
‫خطانبا إلى أحد أعضاء مجلس السناتو في تيانا يبلغه رغابته في إقرار السلم بينككه‬
‫وبين أنتيموس)‪ ،(3‬وقد حككدث ذلككك وصككار الثنككان صككديقين حميميككن‪ ،‬واشككتركا منعككا‬
‫في مواجهة أعككداء اليمككان)‪ .(4‬وبككالرغام مككن انتهككاء الصككراع علككى كنيسككة سككازيما‪،‬‬

‫‪.Gr.Naz.,Ep.48()1‬‬
‫‪.Gr.Naz.,Ep.50()2‬‬
‫‪.Bas.,Ep.97()3‬‬
‫‪.Bas.,Ep.92.;210‬‬ ‫‪()4‬‬
‫‪182‬‬
‫إواقكرار السكلم بيكن باس يليوس وأنكتيموس علكى هكذا النحكو‪ ،‬فكإن ككل ذلكك لكم ين س‬
‫غاريغوريوس إحساسه باللم والمكرارة الكتي أصكابته عنكدما نص به باس يليوس علكى‬
‫أسككقفيتها أثنككاء صككراعه مككع أنككتيموس‪ ،‬وظككل طككوال حيككاته متككذك نار لهككذه المشككاعر‬
‫المؤلمة وكأنها جراح أصابته ولم يقدر لها أن تشككفى علككى مككدى السككنوات الكككثيرة‪،‬‬
‫حتى إن ه فكي أثنكاء خطبكة التكأبين الكتي ألقاهكا فكي جنكازة والكده‪ ،‬وتل ك الكتى ألقاهكا‬
‫فيمككا بعككد فككي مناسككبة الحتفككال بتككأبين باسككيليوس نفسككه‪ ،‬وذكككر فهيككا كككثي نار مككن‬
‫صفات وأعمال باسيليوس‪ ،‬لكم يسكتطع أن يجنكب قلمكه التع بير عكن مشكاعره هكذه‪،‬‬
‫وأوضح فيها أنه تعرض للغدر والخديعة من صديق عمره‪ ،‬وأنه قد قككدم ضككحية فككي‬
‫صراع ليس له شينئا فيه‪ ،‬وأن باسيليوس إن كان قد ربحه أسقفنا مساعدنا لككه‪ ،‬فككإنه‬
‫قد خسره صديقنا وفنيا له)‪ ،(1‬ولكنه عاد بعككد ذلكك وأبكدل أسكلوبه فكي لككوم باسكيليوس‬
‫إلى المدح‪ ،‬ورأى أنه فعل كل مكا فعلكه معكه لجكل الكدفاع عكن قضكايا اليمكان الكتي‬
‫ينبغي لها أن تكككرم وتخككدم وتسككبق عككن غايرهككا مككن القضككايا الخككرى‪ ،‬لنهككا وحككدها‬
‫الباقية وما غايرها زائل)‪.(2‬‬

‫أعمال باسيليوس الجتماعية فى خدمة الكنيسة والمجتمع‬


‫ومككا كككاد باسككيليوس ينتهككي مككن الصككراع مككع السككلطات الحاكمككة ومككع‬

‫‪.Gr.Naz.,Or.18,ch.37‬‬ ‫‪()1‬‬
‫‪.Ibid.,Or.43,ch.60()2‬‬
‫‪183‬‬
‫أنتيموس ‪ ،‬حتى عاد مككرة أخككرى إلككى صككراعه مككع المشكككلت والقضككايا الجتماعيككة‬
‫السككيئة‪ ،‬مككع الخطككار الككتي تصككيب المجتمعككات فككي كككل زمككان ومكككان‪ ،‬مككع الفقككر‬
‫والمككرض والبطالككة والفوضككى‪ ،‬ومككا تككؤدى إليككه هككذه الخطككار والفككات مككن نتائككج‬
‫سلبية تعمل علكى إصكابة المجتمعكات بالضكعف وتسكير بهكا إلكى النتهكاء والكزوال‪،‬‬
‫وكككان اهتمككامه بمعالجككة هككذه القضككايا الجتماعيككة ل يقككل عككن اهتمككامه بالقضككايا‬
‫اليمانيككة‪ .‬ورأى أن الهتمككام بمثككل هككذه القضككايا إنمككا يقربككه إلككى الكك ويسككهم فككي‬
‫خلصه ويصكعد ب ه إلكى ملككوت السكموات‪ ،‬وككان يشكعر بمعانكاة المرضكى وآلمهكم‬
‫بالقككدر نفسككه الككذى يشككعرون بككه‪ ،‬ومككا يشككعر هككو بككه مككن اللم بسككبب أم ارضككه‬
‫الشخصية‪ ،‬وأكثر شىء كان يؤلمه رؤيته للمرضى المصابين بمرض الجككزام الككذين‬
‫انحلككت أطرافهككم ومككاتت أمككام عيككونهم‪ ،‬وأصككاب ملمحهككم التشككوه حككتى أصككبحوا‬
‫يعرفككون بواسككطة أسككمائهم أكككثر مككن ملمحهككم‪ ،‬وطككردوا مككن المنككازل والسككواق‬
‫والمكككدن والمكككاكن العامكككة خوفنكككا مكككن انتشكككار أم ارضكككهم بيكككن الصكككحاء‪ ،‬وسككككنوا‬
‫المناطق القاسية والمقفرة‪ ،‬وتغذوا على فضلت الطعام التي تلقى إليهم مككن بعككض‬
‫الناس‪ ،‬ومن أجل تقديم الرعاية لهؤلء المرضى وغايرهم ممككن يعككانون مككن أمككراض‬
‫أخرى‪ ،‬والذين يعانون من الفقر والبطالة عمل علككى اسككتخدام مككا لككديه مككن مككواهب‬
‫وقدرات لرفع هذه المعاناة‪ ،‬فاستخدم قوة عقله وذكائه وحكمته وفصاحته فككي وعككظ‬
‫الغانياء وحثهم على التصدق من أمكوالهم لمصككلحة الفقككراء ‪ ،‬وهككو مكا دفعهككم إلككى‬
‫التبرع بأموال كثيرة جمعها ووضعها في خدمة المرضى والمعوزين)‪.(1‬‬

‫ولكككم يكتكككف بككالمواعظ المعلنكككة بككالكلم‪ ،‬بكككل عمككل علكككى تقكككديم المككواعظ‬
‫الصامتة لهم‪ ،‬وذلك بالعمل على خدمكة المرضكى بنفسكه وعلجهكم بيكديه بمكا لكديه‬
‫من معرفة وخبرة فكي الطكب والمكداواة‪ ،‬وقكد دفعتكه مشكاعره نحكوهم وخكبراته الطبيكة‬
‫إلى البدء في إنشاء مشروعه الخيككرى الكككبير؛ ليسككهم بكه فككي رفككع المعانككاة عنهككم‬

‫‪. Gr.Naz.,Or.43,, ,ch.63 ()1‬‬


‫‪184‬‬
‫ويضككمن لهككم حيككاة كريمككة‪ ،‬ويتمثككل هككذا المشككروع فككي إنشككاء مدينككة كككبيرة لرعايككة‬
‫المرضى والفقراء‪ ،‬وكان قد حصل على قطعكة ككبيرة مكن الرض بكالقرب مكن مدينكة‬
‫قيصرية من المبراطور فالنز فيمككا قبككل لتنفيككذ هككذا المشككروع عليهككا‪ ،‬ولككم نجككد فككي‬
‫رواية غاريغوريوس معلومات عن هذه المدينككة ومككا تحتككويه أكككثر مككن أنهككا احتككوت‬
‫على دور لعلج المرضى‪ ،‬ورعاية الفقراء)‪ ،(1‬ولكككن لحسككن الحككظ هنككاك مككا يعككوض‬
‫إيجاز غاريغوريوس هذا في كتابات باسكيليوس‪ ،‬إذ يوجكد فككي أحكد خطابكاته وصكف‬
‫لهككذه المدينككة يحتككوي علككى مزيككد مككن المعلومككات عنهككا‪ ،‬ولبككد أولن أن نككذكر دوافككع‬
‫باسيليوس لكتابة هذا الخطاب؛ لن ذلككك سككوف يزيككد مككن إيضككاح الصككورة أمامنككا‪،‬‬
‫وتمثلككت هككذه الككدوافع فككي قيككام بعككض أعككدائه ممككن شككاهدوا مككدينته هككذه وأخككذوا‬
‫بجمالهككا وروعتهككا وتحككرك الحقككد فككي قلككوبهم علككى مؤسسككها‪ ،‬وذهبككوا إلككى حككاكم‬
‫المدينة وأخذوا يتهمون باسيليوس أمامه بككأنه يغتصككب حقككوق السككلطات المدينككة‪،‬‬
‫ويسككرق أ ارضككى الدولككة ويقيككم عليهككا مشككاريع تجاريككة لصككالحه الشخصككى‪ ،‬ولمككا‬
‫انتهى الحكاكم مكن سككماع هكذه الوشكايات أراد أن يتحقكق منهككا بنفسككه‪ ،‬فأرسككل إلككى‬
‫باسككيليوس يككواجهه بمثككل هككذه التهككم ويطلككب منككه تفسككي نار لمككا قككام بككه‪ ،‬فأرسككل لككه‬
‫باسيليوس بهذا الخطاب ليدافع فيه عن نفسككه ويعلككن ب ارءتككه مككن التهككم المنسككوبة‬
‫إليه‪ ،‬وفيه أبلغ الحاكم أنه حصل على الرض التي أقككام عليهككا مشككروعه هبككة مككن‬
‫المبراطور فالنز نفسه‪ ،‬وأن المؤسسة الخيري التي أسسها سوف تسهم في زيادة‬
‫شككهرة المكككان والحككاكم وتعلككى مككن كرامتككه‪ ،‬وتعمككل علككى إعككادة تككوطين المطروديككن‬
‫والمشردين في مدن أخككرى داخككل حككدود إقليمهككم وتضكمن لهككم فككرص عمككل ورعايككة‬
‫صحية‪ ،‬وهو ما يؤدي إلى ذيادة تماسك المجتمع واستقراره‪ ،‬ثم أخذ يككذكر بإسككهاب‬
‫القسام التي تتكون منها المدينة‪ ،‬وأولها‪ :‬قسم يحتككوي علككى كنيسككة كككبيرة ويحيككط‬
‫بهكا مجموعكة مكن الكبيوت للسككنى‪ ،‬منهكا بيكت السكقف وبيكوت لرجكال الكدين علكى‬

‫‪.Gr.Naz.,Or.43,ch.63() 1‬‬
‫‪185‬‬
‫اختلف درجكككككاتهم‪ ،‬ودور لسككككككنى الحكككككاكم ورجكككككاله‪ ،‬وغايرهكككككا لقامكككككة الحجكككككاج‬
‫والمسككافرين والمغككتربين‪ ،‬ومستشككفى كككبير لعلج المرضككى مككزود بكككل احتياجككاتهم‬
‫الطبية‪ ،‬وبه مساكن للطباء ومساعديهم‪ ،‬وصككانعى الدويككة‪ ،‬وكككذلك منككازل أخككرى‬
‫لسكككنى العمككال الككذين يخككدمون هككذا التجمككع البشككري الكككبير‪ ،‬ولبككد أنككه كككان يوجككد‬
‫بهكككذه المدينكككة عمكككال ينتمكككون إلكككى تخصصكككات ككككثيرة‪ ،‬ولعكككل أهمهكككا البنكككاؤون‬
‫والحككدادون وصككانعو الملبككس والغاذيككة والخبككازون ورعككاة المواشككي والغنككم‪ ،‬وهككذا‬
‫إلككى جككانب تككوفر المككاكن الككتي يعملككون فيهككا‪ ،‬ومخككازن لحفككظ الحبككوب والمككواد‬
‫الغذائية الخرى‪ ،‬وأماكن لمبيت الدواب التي تسكتخدم وسككائل نقككل‪ ،‬وحظككائر لتربيككة‬
‫الماشية والغنم)‪.(1‬‬

‫وقككككد اتسككككعت هككككذه المدينككككة جككككندا وحككككازت شككككهرة كككككبيرة داخككككل أقككككاليم‬
‫المبراطوريكككة وخارجهكككا‪ ،‬وهكككو مكككا جعكككل غاريغوريكككوس يسكككميها المدينكككة الجديكككدة‬
‫ويسككهب كككثي نار فككي مككدحها‪ ،‬حككتي إنككه أخككذ يشككيد بالككذين سككاعدوا باسككيليوس فككي‬
‫إنشككائها بمككا تككبرعوا بككه مككن أمككوال وأغاذيككة ومسككتلزمات ضككرورية لخدمككة سكككانها‬
‫المرضى والفقراء‪ ،‬ويمتدح الهدف الككذي أقيمككت مككن أجككل تحقيقككه‪ ،‬ويكككرم القككائمين‬
‫علككى تنفيككذه‪ ،‬وقككد علككت هككذه المدينككة فككي نظككره حككتى فضككلها علككى أشككهر المككدن‬
‫والمنشئات المعمارية فككي العككالم القككديم‪ ،‬ومنهككا مدينككة طيبككة المصككرية بمككا تمتلكككه‬
‫من منشآت حضارية لهكا شكهرة ككبيرة‪ ،‬والهرامكات الثلثكة‪ ،‬وأسكوار بابكل العراقيكة‪،‬‬
‫وأشهر المعابد اليونانية والرومانية‪ ،‬ومككا ورد ذكككره فككي الدب اليونككاني مككن أعمككال‬
‫معمارية خيالية ل تأتى إل في الساطير‪ ،‬فككل هككذه الأعمككال لككم تعككد منفعتهكا علكى‬
‫صانعيها‪ ،‬وليس لها قيمة إل في العالم فقط‪ ،‬أما ما صككنعه باسككيليوس مككن أعمككال‬
‫نافعككة ومفيككدة‪ ،‬فسككوف تعككود عليككه بمجككد عظيككم وتجعلككه مسككتحنقا لككدخول ملكككوت‬

‫‪.Bas.,Ep.94()1‬‬
‫‪186‬‬
‫السموات)‪.(1‬‬

‫وقد ظلت هذه المدينة قائمة وتتسع وتنمو‪ ،‬ولم تنته بنهاية حياة مؤسسها‪،‬‬
‫ضككا‪ ،‬وخيككر دليككل يؤكككد علككى ذلككك مككدح‬
‫بككل زاد ازدهارهككا واتسككاعها بعككد وفككاته أي ن‬
‫ضككا المككؤرخ سككوزمين الككذي أعجككب بهككا كككثي نار وأعطانككا‬
‫غاريغريككوس لهككا‪ ،‬وهنككاك أي ن‬
‫معلومككات عنهككا تفيككد بأنهكا كككانت موجكودة فككي عصككره‪ ،‬وأنهككا كككانت تعمككل بالنشكاط‬
‫والقككوة الككتي كككانت عليهككا فككي عهككد مؤسسككها‪ ،‬وقككد حككازت مككن التسككاع والنمككو‬
‫والشككهرة قككد نار عظينمككا حككتى أطلككق عليهككا اسككنما آخككر وهككو البازسككيلياد ‪Basiliad‬‬
‫نسبة إلى مؤسسسها باسيليوس)‪.(2‬‬

‫وبناء على هذا رأى وليم رامساى أنها أخذت تعمل على جذب سكان مدينة‬
‫قيصككرية القديمكة إليهككا‪ ،‬حكتى أصكبحت مركك ناز سككاننيا كككبي نار يحيككط بكالمركز الكنسكي‬
‫الككذي أنشككأه باسككيليوس ‪ ،‬وعليهككا قككامت مدينككة قيصككرية الحديثككة ‪ Kaisari‬ال تي‬
‫تبعد عن أطلل المدينة القديمة من ألفين إلى ثلثة آلف متر فقط)‪.(3‬‬

‫ويوجككد فككي خطابككات باسككيليوس مككا يؤكككد أن هككذه المدينككة لككم تكككن هككي‬
‫المدينة الوحيدة في مطرانيته‪ ،‬بل وجد كثيرنا من المككدن الخككرى غايرهككا الككتي تككؤدي‬
‫العمككل نفسككه‪ ،‬وقككد أخككذ أسككاقفته الخاضككعون لككه فككي القتككداء بككه وأقككام كككل أسككقف‬
‫منهم مؤسسة خيرية في أبرشيته‪ ،‬وأخذوا يلجأون إلى رئيسهم من أجل أن يتشككفع‬
‫لهككم عنككد الحكككام ويضككمن مككوافقتهم علككى إقامككة هككذه المؤسسككات‪ ،‬ويحصككل علككى‬
‫مساعداتهم لها‪ ،‬وفي أحد هككذه الخطابككات يلتمككس مككن أحككد الحكككام أن ينظككر بعيككن‬
‫العطف لحدى هذه المؤسسكات المقامككة فكي مككدينته‪ ،‬ويطلكب منكه أن يبكذل كككل مككا‬

‫‪.Gr.Naz.,Or.43,ch.63()1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.Soz., op.cit., VI,34‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫)( ‪Ramsay,The church And The‬‬
‫‪RomanEmpir,London,1892.p.464‬‬
‫‪187‬‬
‫في وسعه لجلها‪ ،‬أو على القل يعفيها من الضرائب)‪ .(1‬وفي رسالة أخككرى أرسككلها‬
‫إلى حاكم آخر تتعلق بالشأن نفسه نجده يوصكيه بالهتمكام بمثككل هكذه المؤسسكات‬
‫فيقول له‪:‬‬

‫» ‪ ...‬عندما تسمح الظروف لكي سكأقوم بزيارتككك‪ ،‬واللتقككاء‬


‫بجللتككك لكككي أضككع أمككام شخصككك كككل الصككعوبات الككتي تقلقنككي‪،‬‬
‫وأشكو لك عن أسباب أحزاني‪ ،‬ومككا يمنعنككي الن مككن مقابلتكك إنمككا‬
‫يتعلق بأوضاعي الصحية السيئة وضككغط العمككال الككتي أقككوم بهككا‪،‬‬
‫ولككذلك فككإني قمككت بإرسككال أحككد السككاقفة إليككك نيابككة عنككي‪ ،‬إوانككي‬
‫للتمككس منككك أن تبككذل لككه المسككاعدة ول ترجعككه خائنبككا‪ ،‬فككإنه مككا‬
‫يتمتككع بككه مككن تقككوى وفطنككة وذكككاء يككؤهله لن يكككون جككدي نار للقيككام‬
‫بمثل هذه المور‪ ،‬وأنا متأكد من أنككك عنككدما تحيككط علنمككا بتفاصككيل‬
‫هككذه المؤسسككة الككتي تعتنككي بككالفقراء سككوف تقككوم بزيارتهككا بنفسككك‬
‫وتتعككرف عليهككا جيككندا ‪ ...‬وأنككا أثككق فككي أنككك بعككد أن ت ارهككا سككوف‬
‫تعطي له ] للسقف [ كل ما يطلبه منك‪ ،‬وقد وعدتني كككثي نار بتقككديم‬
‫العون لهذه المستشفيات‪«.(2) ...‬‬

‫وبعككد وقككت قصككير مككن هككذه الحككداث أصككيب القائككد مودسككتوس بمككرض‬
‫خطير‪ ،‬وتألم منه كثينرا‪ ،‬وكان يعتقد أن هذه الضربة التي لحقت به إنما هي انتقككام‬
‫من ال له لسوء معاملته لباسيليوس‪ ،‬وأن ال لم يمنحه الشفاء إل بيد باسيليوس‬
‫نفسه‪ ،‬فأخذ يرسل إليه برسككائل يقككول لككه فيهككا‪» :‬أنككا اقتنعككت تمانمككا أنككك تسككير فككي‬

‫‪.Bas.,Ep.142‬‬ ‫‪()1‬‬
‫‪.Bas.,Ep.143‬‬ ‫‪()2‬‬
‫‪188‬‬
‫الطريق الحق‪ ،‬فل تتخل عن خلصى«‪ .‬وتوسل إليه كثي نار أن يأتي إليه ليصلي لككه‬
‫لكككي ينعككم الكك عليككه بالشككفاء‪ ،‬ولمككا عككرف باسككيليوس أن القائككد اعككترف باليمككان‬
‫الصحيح وتاب عن خطاياه‪ ،‬أتاه بسرعة وصلى له فأعطاه الكك الشكفاء‪ ،‬ومنكذ هكذا‬
‫الككوقت صككار الخصككمان صككديقين‪ ،‬ويربطهمككا علقككات ود ومحبككة أخويككة عميقككة‪،‬‬
‫وكثي نار ماكان مودستوس يشهد أمككام الجميككع بقداسككة باسككيليوس واسككتقامة إيمككانه‬
‫وأعماله)‪.(1‬‬

‫ويشهد على عمق هذه الصداقة مجموعة رسائل أرسلها باسكيليوس إلككى‬
‫مودستوس‪ ،‬ومنها ست توجد في مجموعة الرسائل الخاصة بباسيليوس‪ ،‬وتفيككض‬
‫كلها بمشاعر الود والصداقة والمحبة والحترام والجلل والتقدير المتبادل بينهمككا‪،‬‬
‫وتوضكككح عمكككق التكككأثير الكككذي ككككان لباسكككيليوس علكككى صكككديقه مودسكككتوس وشكككدة‬
‫إعجاب الثانى بقداسة صديقه وأعماله‪ ،‬وهي تتعلق بقضككايا اجتماعيككة واقتصككادية‬
‫ودينية‪ ،‬ويبرز فيها الجانب الجتماعي خاصة‪ ،‬ومن ذلك رسالة يعبر له فيهككا عككن‬
‫محبتكككه واحكككترامه لكككه‪ ،‬ويوصكككيه فيهكككا برفكككع المعانكككاة عكككن سككككان جبكككل طكككوروس‬
‫بتخصيص الضرائب على ما يستخرجونه من معدن الحديد‪ ،‬يقول فيها ‪:‬‬

‫» إن مجرد زيارة من عظمتك سككوف تمنحنكي شككرنفا كككبينرا‪،‬‬


‫وبهجة عظيمة‪ ،‬إوانككي لصككلي إلككى الكك دائنمككا أن يمنحككك دوام العككزة‬
‫والسلطان كل أيككام حياتككك‪ ،‬ومنككذ وقككت طويككل وأنككا أشككتاق أن أكتككب‬
‫لككك‪ ،‬وأسككتقبل الخيككر الككوفير مككن بيككن يككديك وأنككت تفيككض علككمى مككن‬
‫كرمككك وجككودك ‪ ...‬يككا سككيدي العزيككز ألتمككس مككن حضككرتك المعونككة‬
‫من أجل القرويين الذين يعيشون الن في حالة مزرية‪ ،‬وأن تعطككي‬
‫أوامرك بتخفيض الضرائب التي يككدخلها سكككان جبككل طككوروس فيمككا‬
‫يسككتخرجون مككن حديككد‪ ،‬فككأن المطلككوب منهككا كككثير ول يسككتطيعوا‬

‫‪.Gr.Naz.,Or.43,54‬‬ ‫‪()1‬‬
‫‪189‬‬
‫سكككداده‪ ،‬امنحهكككم هكككذا‪ ،‬فكككإن هكككذه المشككككلة هكككي أشكككق المشككككلت‬
‫عليهككم‪ ،‬وحكتى يسكتطيعوا أن يسكتمروا فككي خدمكة بلكدهم‪ ،‬وأنكا أثككق‬
‫في أنككك بمحبتككك للخيكر سكوف تهتككم بهكذا المككر وترفكع معانكاة هككذا‬
‫الشعب)‪« .(1‬‬

‫وفي رسالة ثانية أخذ يلتمس منه أن يعطي أوامره لحد الحكام لكي يرفع‬
‫عن أحد أصدقائه مضايقات جامعي الضرائب)‪ ،(2‬وفي رسالة ثالثة يلتمككس منككه أن‬
‫يعدل فككي حكمككه بخصككوص قضكية أحككد الشككخاص إوان كككان برينئككا يعككفع عنككه‪ ،‬إوان‬
‫كككان ظالنمككا يضككع عليككه عقانبككا يتناسككب مككع نككوع تهمتككه وحجمهككا )‪ ،(3‬ويكتككب إليككه‬
‫ويحيطه علنما بأن رجال الدين يجب أل يدفعوا ضرائب تطبينقا للقوانين التي حصككلوا‬
‫عليها منذ زمن بعيد‪ ،‬ولعله يقصد من هذا أن يذكره بأن هذا الحق أعطككى لهككم مككن‬
‫زمن المبراطور قسطنطين الكبير‪ ،‬ويشكو له من أن الحكام الحككاليين سككلبوا منهككم‬
‫حقهم هذا‪ ،‬والزموهم بدفع ضرائب‪ ،‬ثم يلتمس منه أن يعيد المككر إلككى ماكككان عليككه‬
‫قبلن ويطلب مككن الحكككام أن يتمسكككوا بككالقوانين القديمككة ويعملككوا علككى اعفككاء رجككال‬
‫الدين من الضرائب‪ ،‬أو على القل إعفاء غاير القادرين منهم)‪.(4‬‬

‫وهنككاك مككا يشككهد علككى أن باسككيليوس لككم يكككن يخشككى أحككدنا فككي سككبيل‬
‫الدفاع عن رعيته ضد ظلم الحكام والقضاة‪ ،‬ويتحمككل كككل شككىء يصككيبه منهككم دون‬
‫أن يتخلى عن أحككد مكن رعيتككه مهمكا كككانت خطككورة المكر ومككن ذلككك الحادثككة الكتي‬
‫أوردهكككا غاريغوريكككوس النزينكككزى عكككن تلكككك السكككيدة الكككتي ككككانت تنتمكككي إلكككى عائلكككة‬

‫‪.Bas.,Ep.119‬‬ ‫‪()1‬‬
‫‪.Bas.,,Ep.281()2‬‬
‫‪.Bas.,Ep.111 ()3‬‬
‫‪.Ibid.,,Epp.104.;284‬‬ ‫‪()4‬‬
‫‪190‬‬
‫شككريفة‪ ،‬ومككات زوجهككا بعككد مككدة قصككيرة مككن زواجهككا‪ ،‬ولنهككا كككانت تتمتككع بجمككال‬
‫هيئتها فقد أعجب بها رجل يعمل في دار للقضاء‪ ،‬وأراد أن يتزوجها‪ ،‬وعندما طلككب‬
‫منها ذلك أجابته بالرفض‪ ،‬وأمام هذا حاول أن يثنيها عن عزمهكا‪ ،‬لكنكه فشكل‪ ،‬فلكم‬
‫يبق أمامه إل إستخدام الشكدة والعنكف معهكا لحملهكا علكى قبكول الكزواج منكه‪ ،‬ومكا‬
‫كككان لهككا مككن وسككيلة تنقككذها منككه إل الككذهاب إلككى كنيسككة قيصككرية وطلككب حمايككة‬
‫باسكيليوس‪ ،‬فأجكاب طلبهكا‪ ،‬ولكم يس تطع الرجكل إعادتهكا مكن الكنيسكة‪ ،‬وذهكب إلكى‬
‫القاضي الذي يعمل معه‪ ،‬وقدم شكواه إليه‪ ،‬وكان القاضي إنسككاننا ظالنمككا ومككال إلككى‬
‫صديقه وأعطاه وعدنا بأن يعيككد إليككه هككذه المككرأة‪ ،‬وأرسككل إلككى باسككيليوس يككدعوه أن‬
‫ضككا قاطنعكا‪ ،‬وعمككل هككذا علككى اشكتعال الغيككظ‬
‫يعيد المرأة إليه‪ ،‬لكنه رفكض مطككالبه رف ن‬
‫فككي نفككس القاضككي‪ ،‬وعككد رفضككه إهانككة كككبيرة تككوجه لككه‪ ،‬وقككرر أن يككوجه إهانككة لككه‬
‫مثلهككا‪ ،‬فأرسككل مجموعككة مككن رجككاله إليكه وفتشككوا عككن السككيدة داخككل المطرانيككة فلككم‬
‫يجدوها‪ ،‬ورجع هؤلء إلى القاضي وأيكاديهم فارغاكة‪ ،‬فلكم يقتنكع بهكذا المكر‪ ،‬وأرسكل‬
‫إلككى باسككيليوس يسككتديعه إليككه‪ ،‬فأتككاه ووقككف أمككامه بثبككات وجككرأة وقككوة‪ ،‬فككاتهمه‬
‫القاضككي بخطككف السككيدة‪ ،‬وأراد أن يصككدر ضككده حكنمككا ظالنمككا‪ ،‬لكككن باسككيليوس لككم‬
‫يخش شينئا من هذا التهديد‪ ،‬فوجه القاضككي أمكك نار إلككى جنككوده بنككزع ردائكه السككقف‪،‬‬
‫ثككم هككدده بالضككرب المككبرح وتمشككيط جسكمه بالمشككاط الحديديككة‪ ،‬وأمككام ذلككك أظهككر‬
‫باسككيليوس الجككرأة الشككديدة وتمنككى منككه أن يصككدق فككي تهديككده‪ ،‬لعلككه يخلصككه مككن‬
‫)‪(1‬‬
‫كبده الذي يثير عليه آلنما ل تطاق‪.‬‬

‫وبينمككا ككانت الحككداث تسكير علكى هككذه الحكال علكم شكعب المدينكة بمككا‬
‫يحدث لمطرانهم في دار القضاء‪ ،‬وكان جميككع النككاس و الفقككراء منهككم يحبككونه حنبككا‬
‫جنما‪ ،‬ويعدوان العتداء عليه موجهنا إليهم جمينعا‪ ،‬وتجمعوا كلهككم كمكا لكو ككانوا تكم‬
‫اسككتدعاؤهم لجككل الشككتراك فككي حككرب‪ ،‬وحمككل كككل فككرد منهككم سككلنحا فككي يككده وفقنككا‬

‫‪.Gr.Naz.,Or.43,56;57()1‬‬
‫‪191‬‬
‫لمهنته؛ فتسلح صناع السلحة بما يصنعونه من سيوف وأقككواس وحككراب‪ ،‬وتسككلح‬
‫بككاقي أصككحاب المهككن المختلفككة بمككا يسككتخدمونه فككي مهنهككم مككن آلت حككادة‪ ،‬أمككا‬
‫غايككر الصككناع والحرفييككن فقككد تسككلحوا بمككا كككانوا يجككدونه فككي طريقهككم مككن عصككى‬
‫وحجارة ومشاعل‪ ،‬كما اشترك النساء في هذه الحككداث وتسككلحت ككل واحكدة منهكن‬
‫بالعصككى والسككياخ الحديديككة‪ ،‬وسككار هككذا الجمككع كلككه إلككى القاضككى‪ ،‬حيككث يوجككد‬
‫باسيليوس‪ ،‬وكل فرد منهم يتمنى أن يسبق غايره في الوصككول والمسككاك بالقاضككي‬
‫والقضاء عليه جكزاء مكا يفعلكه‪ ،‬وعنكدما أبصر القاضكي هكذا الجيكش الككثيف العكدد‬
‫والسككلحة أصككابه الخككوف وتككوجه إلككى باسككيليوس يتضككرع إليككه أن ينقككذه مككن هككذا‬
‫الموقف‪ ،‬فأجاب التماسه وتشفع له أمكام الشكعب حكتى ل يصكاب بكأذى‪ ،‬فاسكتجاب‬
‫الناس له‪ ،‬وخرج باسيليوس سكالنما مكن عنكده‪ ،‬وأخكذه الشكعب إلكى المدينكة وأقكاموا‬
‫الحتفالت فرنحا بنجاته)‪.(1‬‬

‫ممككا ل شككك فيككه أن مككا ظهككر فككي هككذه الحادثككة ومككا يسككبقها مككن حككوادث‬
‫أخرى تتعلق بالصكدام بين السكلطات الحاكمكة ورئيكس أسكاقفة مدينكة قيصكرية مكن‬
‫محبككة الشككعب لهككذا المطككران بهككذه الصككورة الواضككحة وشككجاعتهم فككي الككدفاع عنككه‬
‫إنما جعل السلطات المدنية تخشى منككه‪ ،‬وتتجنككب الصككدام معككه‪ ،‬وتعطيككه حقككه مككن‬
‫الحترام والتقدير‪ ،‬ومنح باسيليوس قوة كبيرة في مواجهة السلطات عندما ينفككذون‬
‫قكك اررات وأعمككالا ظالمككة ضككد الشككعب‪ ،‬وفككي إعككادة كككثير مككن حقككوقه المسككلوبة عنككد‬
‫الحكام والقضاة وجامعي الضرائب وأصحاب المزارع‪.‬‬

‫ويبكككدو أن المدينكككة والكنيسكككة وباسكككيليوس لكككم ينعمكككوا بالسكككلم وال ارحكككة‬


‫ل‪ ،‬ووجد باسيليوس نفسه أمام عدو آخر ل يقل خطورة عما سبقه‬
‫والستقرار طوي ن‬
‫مككن أعككداء‪ ،‬وعليككه أن يعككد نفسككه بسككرعة لمككواجهته بشككدة‪ .‬وتمثككل هككذا العككدو فككي‬
‫خطر المجاعة التي أصابت أجزاء كبيرة من أقككاليم المبراطوريككة ومككدنها السككاحلية‬

‫‪.Gr.Naz.,Or.43,57()1‬‬
‫‪192‬‬
‫ضا‪ .‬ومع أن المكدن السكاحلية اسكتطاعت أن تخفكف عكن نفسكها حكدة‬ ‫والداخلية أي ن‬
‫المجاعة بأن تبادلت بعضها مع بعض مككا تشككتهر بككه مككن منتجككات غاذائيككة‪ ،‬أو أن‬
‫تبيع ما تنتجه من منتجات صناعية وتشترى بثمنه منتجات غاذائية‪ ،‬إل أن المدن‬
‫الداخلية لم تستطع أن تفعل ذلككك إذ أن مككا يفيكض لككديها مككن منتجككات صكناعية لككم‬
‫يسككتطعو أهلهككا بيعككه أو اسككتبدال منتجككات غاذائيككة بككه بعضككهم مككن غايرهككم؛ لن‬
‫جميعهم كانوا واقعين في الخطر نفسه )‪ .(1‬واتفقت المصادر التي أتككت بككذكر أخبككار‬
‫عن هذه المجاعة أنها كانت مجاعة شديدة)‪.(2‬‬

‫ويمكككن معرفككة أسككباب هككذه المجاعككة باسككتنتاجها ممككا سككبق ذكككره مككن‬
‫أحككداث‪ ،‬ومنهككا أن المبراطوريككة احتجككزت جككزنءا كككبي نار مككن أقككوات الشككعب لتمويككل‬
‫جيوشككها الككتي كككان عليهككا أن تحككارب أعككداء المككبراطور فككي الخككارج‪ ،‬مثككل العككدو‬
‫الفارسي والعدو القوطى‪ ،‬وأعدائها في الداخل وهم الثوار مككن القككادة الطككامعين فككي‬
‫ارتقككاء العككرش‪ ،‬وأشككهرهم بروكوبيككوس‪ ،‬وأعككدائها فككي الككدين الككذين هككم السككاقفة‬
‫ضككا تعرضككها لخطككار كككثير مككن الكككوارث الطبيعيككة‬
‫والشككعب الرثوذكسككي‪ .‬ومنهككا أي ن‬
‫كالفيضككانات والككزلزل والجفككاف‪ .‬بالضككافة إلككى سياسككة الضككطهاد الككديني الككتي‬
‫اتبعتهكا‪ ،‬وهكو مكا جعكل النكاس يهملكون أراضكيهم ويهربكون إلكى الص حاري والجبكال‬
‫والمناطق النائية البعيدة عن بطش السلطة‪ ،‬ومن لككم يهككرب كككان يتعككرض للتعككذيب‬
‫ضا من كان يهمل أرضه ويتجككه إلككى المشككاركة فككي الجككدل‬
‫والقتل والنفي‪ .‬ومنهم أي ن‬
‫والصراع العقائدي‪ .‬وهناك سبب آخر أدى إلى حدوثها واشتدادها على الناس وهو‬
‫شره الغانياء والتجار الذين اشتروا كميات كبيرة جندا من القوات‪ ،‬وخاصة القمح‪،‬‬
‫وأودعوها في مخازنهم الواسعة‪ ،‬وهو مكا أدى إلكى حكدوث نق ص ككبير فيهكا‪ ،‬ومكن‬
‫ثككم تضككاعفت أثمانهككا‪ ،‬ولكم يتمكككن النكاس ولسككيما الفقككراء منهككم مككن شكرائها‪ .‬وقككد‬

‫‪.Gr.Naz.,or.43,ch,34()1‬‬
‫‪.Ibid.; Gr.Nis.,Mac.p,38()2‬‬
‫‪193‬‬
‫أوضح غاريغوريوس معالم هذه الصورة القاسية بقوله‪:‬‬

‫»‪ ...‬اشككتدت خطككورة المجاعككة بسككبب طمككع وعككدم رحمككة‬


‫التجار الذين وجدوا فرصتهم في هذه الكارثككة‪ ،‬واسككتطاعوا تحويلهككا‬
‫إلى منفعة لهم‪ ،‬وربحوا منها‪ ،‬إنهككم لككم يهتمككوا بإظهككار الرحمككة مككع‬
‫الفقراء عملن بقول الكتاب المقدس " من يرحم الفقير يفككوض الككرب‬
‫وعكككن معروفكككه يجكككازيه ")‪ .(1‬ول قكككوله‪ " :‬محتككككر الحنطكككة يلعنكككه‬
‫الشعب والبركككة علككى رأس البككائع ")‪ .(2‬ولككم يتمسكككوا بككالوعود الككتي‬
‫عوعككد بهككا المتحننككون‪ ،‬ولككم يخككافوا مككن التهديككدات الككتي عيهككدد بهككا‬
‫قساة القلكوب‪ ،‬وهكم يتصكفون بالشكراهة المفرطكة‪ ،‬وطريقكة تفكيرهكم‬
‫رديئكككة‪ ،‬وفكككي الكككوقت الكككذي يغلقكككون فيكككه أحشكككاءهم عكككن الفقكككراء‬
‫المطكككالبين معكككونتهم يغلقكككون أحشكككاء الككك عنهكككم‪ ،‬ويتناسكككون أن‬
‫حككاجتهم لككه أكككثر مككن حاجككة الفقككراء إليهككم‪ .‬هككذه هككي صككورة مككن‬
‫يخزنككون القمككح ثككم يتككاجرون فيككه‪ ،‬ول يرحمككون أحككندا‪ ،‬ول يقككدمون‬
‫الشكر ل الذي أعطاهم ما لم يعطه لغيرهم‪«.(3) ...‬‬

‫لقد انتشكرت المجاعكة فككي مكدن كككثيرة وشككملت كككثي نار مككن الشكعب‪ ،‬واشكتد‬
‫خطرهككا جككندا عليهككم لدرجككة كككبيرة جعلتهككم يككبيعون أثككاث بيككوتهم وكككل مككا يملكككونه‬
‫ليشتروا بثمنه خكب ناز‪ ،‬والككثر مكن هكذا أن البعكض لكم يجكد أمكامه شكينئا ي بيعه فأخكذ‬
‫أولده ليبيعهم‪ .‬ومن بين هؤلء أسرة ذهب بها الفقر إلى أقصى حدوده فبكاعت ككل‬
‫ما عندها من ممتلكات لتشتري قمنحا‪ ،‬وبعد أن فرغ القمح ولم يعد لكديها شكئ آخككر‬
‫يباع فكرعائلها في بيع أحد أبنككائه حككتى يبعككد خطككر المككوت جونعككا عككن نفسككه وعككن‬

‫‪ ()1‬أمثال )‪( 17: 9‬‬


‫‪ ()2‬أمثال )‪( 26: 11‬‬
‫‪.Gr.Naz.,or.43,ch,34()3‬‬
‫‪194‬‬
‫أسككرته‪ ،‬بينمككا كككانت مشككاعره البويككة تجككاه أبنككائه تصككده عككن ذلككك‪ .‬وأمككام هككول‬
‫الموقف يشعر الب بصراع داخل نفسه ويشعر كأنه يحارب في معركة حامية طرفا‬
‫الصككراع فيهككا ابنككه الككذي يفكككر فككي بيعككه والطككرف الخككر هككو المككوت الككذي ينتظككره‬
‫وينتظككر أسككرة كلهككا بسككبب المجاعككة‪ ،‬وكل الطرفيككن يهككددان بمككوته‪ ،‬ولكككن اشككتداد‬
‫المجاعة جعله يقرر بيع أحد أبنائه‪ ،‬ولكنه دخل فكي صككراع آخككر حكول البككن الكذي‬
‫يقرر بيعه‪ ،‬الكككبير أم الصككغير‪ ،‬فككالكبير هككو بكككر أولده وسككاعده اليمككن‪ ،‬والصككغير‬
‫يحبككه كككثينرا ول يسككتطيع إبعككاده عنككه‪ ،‬وبككذلك وقككع هككذا الب فككي صككراع مريككر بيككن‬
‫مشاعره نحو أولده وبين خطر المجاعة الذي ل يرحم)‪.(1‬‬

‫وعندما شعر باسيليوس بالمر وأدرك خطورة المجاعة على شعبه أسككرع‬
‫في محاربة هككذه الكارثككة إوابعادهككا عنهككم‪ ،‬ولككم يكككن ذلككك عككن طريككق التشككبه برجككال‬
‫الكتاب المقدس ومنهم موسى النبي الذى صلى فاسككتجاب الكك لككه و جعككل السككماء‬
‫تمطر خب ناز وأطعكم شكعب إسكرائيل فكي هروبهكم مكن مصكر إلكى فلس طين)‪ ،(2‬أو إيليكا‬
‫النككبي الككذي مل بالطعككام آنيككة فارغاككة وأشككبع منهككا جمنعككا كككبي نار)‪ ،(3‬ولككم يشككبع شككعنبا‬
‫كككبي نار بقليككل مككن الخككبز والسككمك كمككا فعككل السككيد المسككيح)‪ .(4‬وكككل هككذه المعجككزات‬
‫وغايرها كان يضعها هؤلء الرجال مع شعوب غاير مسيحية في الوقت الذي أجريككت‬
‫فيه‪ ،‬أما باسيليوس فقد لجأ إلى استخدام طريقة أخرى يتميز بها وتتفق مع الوقت‬
‫الذي يعيكش في ه ‪ ،‬والشكعب المس يحي الكذي يوجكد فكي وقت ه ‪ ،‬وهكي طريق ة الكوعظ‬

‫‪T.Basile Le Grand,Contre Riches,Trans.Par M.L.Abbe Auger, ()1‬‬


‫‪in ST. Basile Le Grand,Homelies,Discourses et Lettres Choisis ,‬‬
‫‪.(Lyon,1827).pp.307-308‬‬
‫‪ ()2‬راجع‪ :‬الخروج ‪ :‬الصحاح ‪.16‬‬
‫‪ ()3‬راجع‪ :‬ملوك أول )‪( 16- 8: 17‬‬
‫‪ ()4‬راجع‪ :‬مرقس)‪( 10-1: 8‬‬
‫‪195‬‬
‫والرشاد)‪ .(5‬وله في هذا الموضوع مواعظ كثيرة‪ ،‬يوجه الحديث فيها إلى الغانياء‪،‬‬
‫وفككي إحككداها يطلككب منهككم أن يعرفككوا أن مككا يمتلكككونه مككن ثككروات هككي مككن نعككم الكك‬
‫عليهم‪ ،‬وعليهم أن يشكروه من أجلها ‪ ،‬وأن يعرفوا جيندا أن ال أعطككاهم الككثروات‬
‫ضا من أجل الفقراء الذين يعيشون بالقرب منهككم‪ ،‬وعلككى‬
‫ليس من أجلهم فقط بل أي ن‬
‫ككل منهكم أن يتصكدق بمكا أعطكاه الك علكى الفقكراء‪ ،‬وطلكب مكن ككل واحكد منهكم أن‬
‫يتشبه بالنهر الكككبير الككذي يتكدفق فككي القنككوات ويككروى الرض كلهكا لتعطككي ثمارهككا‬
‫الطيبككة‪ ،‬وأن يتشككبه بككالرض الككتي ل تنتككج الثمككر لفائككدتها الخاصككة بككل لمنفعككة‬
‫الخرين‪ ،‬و ببئر المياه التي كلما استغلت‪ ،‬زاد ماؤها ول ينضب‪ ،‬إوان لم تستغل ل‬
‫تعككط مككاء ازئككدنا وينضككب كككل مائهككا‪ ،‬هكككذا عليككه أن يككدفع ثروتككه لتتككدفق فككي قنككوات‬
‫عديدة وتندفع إلى بيوت الفقراء‪ ،‬ومن أقواله في هذا ‪:‬‬

‫»‪ ...‬لمككاذا يعطكي الكك النسكان الككثروات الكوافرة؟ هكذا لككي‬


‫نرى بوضوح رحمة ال الغنية‪ ...‬لقد أنعم الكك عليككه بككالخير الككوفير‬
‫ليرى هل بإمكانه أن يكره نفسه على أعمال الكرم والعطاء‪ ...‬انظر‬
‫أيها الغني إلى الذي وهبككك هككذه الككثروة‪ ،‬وتككذكر مككن أنككت‪ ،‬ومككا هككي‬
‫قيمة الخيرات التي عندك‪ ،‬ومن أعطككاك إياهككا‪ ،‬ولمككاذا فضككلك علككى‬
‫غايرك ‪ .‬إنك وكيل الكك الرحيككم علككى أرضككه‪ ،‬وقيككم علككى هبككاته تجككاه‬
‫إخوتككك البشككر‪ ...‬مككن مثككل الرض‪ ،‬أثمككر كمككا هككي تثمككر‪ ،‬أتكككون‬
‫مكانتكككك النسكككانية أقكككل شكككأننا مكككن شكككىء ليكككس فيكككه حيكككاة‪ ...‬إن‬
‫أعطيت الجوعى تصبح العطية ملنكا لك‪ ،‬وتعد عليك بمككا هككو أكككثر‪،‬‬
‫وكما أن القمح الذي يسقط على الرض يتحككول إلككى ربككح للنسككان‬
‫ضا الحبوب التي تغدق بها على الجوعى‬
‫الذي تركه يسقط‪ ،‬هكذا أي ن‬

‫‪.Gr.Naz.,or.43,ch,35()5‬‬
‫‪196‬‬
‫تجلب لكك ربنحكا مائكة ضكعف فيمكا بعكد‪ ،‬اجعكل نهايكة الزراعكة بداي ة‬
‫لنذر الحب السماوي كما يقول الكتاب المقكدس‪ " :‬ازرعكوا لنفسككم‬
‫بالبر")‪ .(1‬أما إذا كنت تحب الغنى لما يجلبككه لككك مككن شككهرة وشككرف‬
‫فعليك أن تفكر فيما هو أكثر مجككندا‪ ،‬أن تككدعى أنبككا لولد كككثيرين أم‬
‫يمتلئ جيبك بقطع الذهب‪ ،‬وتذكر أنك سواء أردت أم لككم تككرد سككوف‬
‫تككترك أموالككك وراءك‪ .‬أمككا مجككد العمككال الصككالحة فسككتحمله إلككى‬
‫سيدك حين يقف شعب كامل من حولك وأنكت أمكام الكديان ويكدعوك‬
‫أنبا لهم ومحسننا وكل اللقاب التي فزت بها في فعل الخير)‪« .(2‬‬

‫ثكككم يتكككوجه إلككى الغانيككاء البخلء ذوي القلككوب القاسكككية الكككذين يكنكككزون‬
‫أموالهم ول يتصكدقون بشكىء منهكا‪ ،‬ويقكذفهم بكلمكات قويكة مليئكة بكاللوم والتوبيكخ‬
‫والتبكيت بسبب سوء تصككرفاتهم نحككو الفقككراء‪ ،‬واتجككارهم بككالفقر‪ ،‬وهككو مككا أدى إلككى‬
‫شككدة وطككأة المجاعككة وشككدة تككألم الشككعب‪ ،‬وفككي تككوبيخه لهككم لككم يخككف عليهككم مككا‬
‫يتككذرعون بكه مككن حجككج واهيككة ل تكفككي لتكبرير أفعككالهم‪ ،‬ويعمككل علككى مناقشككة تلكك‬
‫الحجككج ويثبككت لهككم ضككعفها وشككرها ويجعلهككم حيككارى أمككام أنفسككهم‪ ،‬ويككدفعهم إلككى‬
‫صكا مكن عظكة لككه تتعلككق بهككذا الشكأن حيككث يقككول‬
‫التفكير فكي مصكيرهم‪ ،‬ونقتبككس ن ن‬
‫فيها لحد الغانياء الطامعين‪:‬‬

‫» ‪ ...‬ألم تأت عرياننا من الرحككم‪ ،‬وسككوف تعككود مككرة أخككرى‬


‫للرض التى نأخذت منها؟ من أين الككثروات الككتي تمتلكهككا الن؟ إن‬
‫قلككت إنككك الككذي صككنعتها فككأنت تنكككر وجككود الكك وتتجاهككل الخككالق‬
‫وتنكر جميل المعطي‪ ،‬أما إذا قلت إنها من عنككد الكك فأخبرنككا إنذا لككمم‬

‫‪1‬‬
‫)( هوشع ‪( 12: 7( :‬‬
‫‪2‬‬
‫)(‪.Bas.,Contre Rishes,P. 312-313‬‬
‫‪197‬‬
‫تلقيتهككا؟ هككل كككان الكك ظالنمككا حيككن وزع ضككروريات الحيككاة بغيككر‬
‫مساواة؟ لماذا أنت غاني وغايرك فقيككر؟ بالتأكيككد أن الكك أعطاهككا لككك‬
‫لكككي يجعلككك تحصككل علككى مكافككأة فعككل الخيككر‪ ،‬والمانككة المخلصككة‬
‫وجوائز الصبر النبيلة‪ ،‬وعلى الرغام من ذلك فإنككك تخككزن ككل شكىء‬
‫في أكيكاس الجشككع الككتي ل تعككرف شكبعنا‪ ،‬تعتقكد أنكك ل تظلككم أحككندا‪،‬‬
‫وأنت تحتال علككى الكككثيرين‪ ،‬أتعككرف مككن هككو النسككان الجشككع؟ إنككه‬
‫النسان الذي ل تكفيه الكثرة‪ .‬ومن هو المحتككال؟ إنككه الككذي يسككلب‬
‫مككا يخككص الجميككع‪ ،‬أل تحسككب نفسككك جشككنعا ومحتككالن حيككن تحتفككظ‬
‫بما أعطيت وتكوزعه علكى اس تخدامك الخكاص؟ حيكن يجكرد أحكدهم‬
‫صككا‪ ،‬أل تعتقككد أن النسككان الككذي يسككتطيع‬
‫إنساننا من ثيابه ندعوه ل ن‬
‫أن يكسككو العريككان ول يفعككل يسككتحق أن زيتهككم بالاتهككام نفسككه؟ إن‬
‫الخبز الذي يملئ مائدتك إنما يخص الجوعى‪ ،‬والثوب الذي تحتفظ‬
‫به في خزانة ملبسك إنما يخص العريان‪ ،‬الحذاء الذي تتركه يبلى‬
‫إنمككا يخككص حككافي القككدمين‪ ،‬والمككال الككذي فككي جيبككك إنمككا يخككص‬
‫المعدمين‪ ،‬فأنت إذن ظالم بقدر ما تسككتطيع إعطككاءه لخوتككك مككن‬
‫البشر ولم تعطه )‪«.(1‬‬

‫ضا أخذ يعمل على تككذكير هككؤلء‬


‫وفي عظة أخرى تخص هذه المناسبة أي ن‬
‫الغانياء الطامعين وقساة القلوب الكذين ل يتصكدقون بكأموالهم ومنتجكات أ ارضككيهم‬
‫علككى الفقككراء‪ ،‬يككذكرهم بيككوم الدينونككة الرهيككب‪ ،‬اليككوم الككذي يقضككون فيككه أمككام الكك‬
‫الديان العادل ليؤدوا الحساب الكدقيق عمكا صكنعته أيكديهم مكن أعمكال‪ ،‬هكل أطكاعوا‬

‫‪1‬‬
‫)(‪.Bas.,Contre Rishes,pp. 313-314‬‬
‫‪198‬‬
‫وصايا الكتاب المقدس التي تحث على إعطكاء الصككدقات أم لكم يطيعوهكا)‪ ،(1‬سككوف‬
‫تكشككف أعمككالهم فككي ذلككك اليككوم وتعلككن مككآثمهم وتككدان قسككوتهم إواهمككالهم لعمككال‬
‫الخير والرحمة‪ ،‬ومما قاله في هذا الشأن‪:‬‬

‫» ‪ ...‬أيها الغني ماذا تجيككب الككرب الككديان سككاعة يسككألك؟‬


‫أنت تزين جدران بيتك بأثمن القمشة‪ ،‬وتترك أخاك الفقير بقربك ل‬
‫كسككاء لككه! وتكسككو أحصككنتك بككأبهى الملبككس ول تنظككر إلككى أخيككك‬
‫الفقير الذي يرتدي أثمالن بالية! وتترك قمحك يفسد في مخازنك ول‬
‫تطعم به الفقراء الذين يموتون من الجوع! تخفي ذهبك في الرض‬
‫وتسخر من فقير يطلب صككدقة منككك!‪ ...‬نعككم إنككك ل تخككاف غاضككب‬
‫الك العكادل ول القصكاص الكذي سكوف تنكاله جكزاء قسكوتك وتصكلب‬
‫مشككاعرك‪ ،‬فلككن يرحمككك الككرب القككدير ؛ ل نككك لككم ترحككم الخريككن ‪،‬‬
‫وسوف يغلب فكي وجهكك أبكواب السكماء؛ لنكك أغالقكت أبوابكك أمكام‬
‫المحتاجين ‪ ،‬رفضت أن تعطي الخبز للفقراء فلن تحصكل أبكندا علكى‬
‫الحياة البدية)‪«.(2‬‬

‫ضككا‬
‫إلى جانب كل ما سبق ذكره في موضوع الغنى والفقر لبد أن نشير أي ن‬
‫إلى أن باسيليوس في أحككد قككوانينه الكنسكية عككد الممتلكككات الككتي يحوزهككا النسككان‬
‫ليست سيئة في حد ذاتها‪ ،‬بل إن طريقة استخدامه لها هي التي تحدد مدى نفعهككا‬
‫أو سككوئها‪ ،‬وأن علكى النسككان أل يرفضكها عملن بقككول الوصككية‪ " :‬لن خليفككة الكك‬

‫‪1‬‬
‫)( راجع‪ :‬متى‪( 24: 25. 26: 24) :‬‬
‫‪.Bas.,ps.28.()2‬‬
‫‪199‬‬
‫كلها جيدة ول يرفض شينئا إذا أخككذ مككع الشكككر")‪ .(1‬وعليككه أن يحسككن اسككتخدامها ‪،‬‬
‫والشخص الذي يسىء استخدامها يدان)‪.(2‬‬

‫ومككن خلل مقارنككة كككل هككذه النصككوص بعضككها ببعككض‪ ،‬وفككي ضككوء مككا‬
‫أشار إليه باس يليوس فكي قكانونه النسككي مكن نظرتكه للملكيكة‪ ،‬يتضكح أنكه لكم يككن‬
‫يقصد من وراء هككذا تحطيككم حكق الملكيكة الخاصكة أو رفكض مبكدأ الككثروة‪ ،‬أو إلغككاء‬
‫الميككراث‪ ،‬بككل إنككه كككان يقصككد فقككط الككدفاع عككن حككق الفقككراء‪ ،‬وأنككه أراد أن يككذكر‬
‫الغانيككاء بضككرورة تطككبيق الوصككايا الككتي تحككث علككى المحبككة ومسككاعدة الخريككن‪،‬‬
‫ويوضح لهم الطرق الصحيحة في استعمال ثرواتهم‪ ،‬وذلك بمشككاركة الخريككن مككن‬
‫الفقراء فيها‪ ،‬وعندما يتحقكق ذلكك تككون الكثروة قكد أدت الغايكة المرجكوة منهكا الكتي‬
‫هي خدمة المجتمع وتحقيق أهدافه الساسية من أهداف إنسانية وأخلقية سامية‬
‫لبكككد منهكككا مكككن أجكككل بنكككاء مجتمكككع صكككالح ومتماسكككك ومتكامكككل‪ ،‬يسكككوده السكككلم‬
‫ضكا علكى فهمكه العميكق للحكوال الجتماعيكة والقتصكادية‬
‫والستقرار‪ ،‬ويدل هكذا أي ن‬
‫فكي المجتمكع الكذي يعيكش فيكه‪ ،‬وعلكى اهتمكامه الشكديد بالاسكهام فكي حكل قضكاياه‬
‫ومشكلته‪.‬‬

‫ولككم يكتككف باسككيليوس بككالمواعظ الشككفوية لحككث الغانيككاء علككى إعانككة‬


‫الفقراء أثناء هذه المجاعة‪ ،‬بل أخذ يقوم يستخدم أساليب أخرى للوصككول إلككى هككذا‬
‫الهدف‪ ،‬ومنها أنه جمع الفقككراء والمرضككى مككن الشككيوخ والرجككال والنسككاء والطفككال‬
‫فككي موضككع واحككد يقككع فككي أحككد الميككادين الهامككة بالمدينككة‪ ،‬حككتى ي ارهككم الغانيككاء‬
‫ويسمعوا أنينهم عن قرب‪ ،‬فكان هذا العمل بمنزلة عظة صامتة يراها كل غاني بعككد‬
‫أن تعمد أن يصم أذانه عن العظات الشفوية قبلن)‪.(3‬‬

‫‪1‬‬
‫)( رسالة بولس الرسول الولى إلى تيموثاوس)‪( 4: 4‬‬
‫‪.Bas.,S.4()2‬‬
‫‪.Gr.Naz.,or.43,ch,35()3‬‬
‫‪200‬‬
‫ضككا أنككه أراد أن يصككير نموذنجككا عملنيككا يتمثككل بككه‬
‫ومككن هككذه السككاليب أي ن‬
‫الغانياء ‪ ،‬فقام وباع نصيبه مككن الممتلكككات الككتي حصككل عليهككا عككن طريكق مي ارثككه‬
‫مككن والككدته الككتي لحقتهككا المنيككة فككي هككذا الككوقت‪ ،‬وحصككل منهككا علككى أمككوال كككثيرة‬
‫أخككذها واشككترى بهككا طعانمككا لهككؤلء الفقككراء المجتمعيككن)‪ ،(1‬وأمككام كككل هككذه العمككال‬
‫التي قام بها باسيليوس لدرء خطر المجاعة عن الناس والككتي تمثلككت فككي مككواعظه‬
‫الشككفوية القويككة ومككواعظه الصككامتة الككتي كككانت أكككثر قككوة منهككا‪ ،‬وتقككديم نفسككه‬
‫نموذنجا للجميع في هذا الشأن‪ ،‬كل هككذا عمككل علكى إثكارة مشكاعر الرحمككة والشكفقة‬
‫في نفوس الغانياء‪ ،‬فجاءوا إليه ووضعوا أمامه كككل مككا أمكنهككم تقككديمه مككن أمككوال‬
‫وأغاذية وملبس‪ ،‬فأخذها جميعها وصنع بها مخزننا ككبي نار‪ ،‬واسكتدعى عكدندا وافنيكا و‬
‫كافنيا من مساعديه الكهنة والرهبان وخدام الكنيسة؛ ليمساعدوه فى تنظيم الفقراء‪،‬‬
‫وتقكديم الطعكام الككافي لككل فكرد منهكم‪ ،‬وككان يقكدم لهكم وجبكات غاذائيكة مكونكة مكن‬
‫ضككا‬
‫اللحم وأنواع الحساء‪ ،‬وتقديم الملبس المناسبة لهم ‪ ،‬إوالى جانب هككذا اهتككم أي ن‬
‫بالمرضى منهم‪ ،‬وتقديم العلج المناسب لكل حالة منهم‪ ،‬وظل يهتم بهم طول فترة‬
‫المجاعة حتى انقضت)‪ ،(2‬والمصادر المعاصرة تشهد على أنه لم يكككن يقتصككر فككي‬
‫ضككا اليهككود والككوثنيين دون‬
‫عملككه هككذا علككى المسككيحيين فقككط‪ ،‬بككل كككان يسككتقبل أي ن‬
‫تمييز بين أحد)‪ ، (3‬ويدل هذا السلوك على اتصافه تمييزه بسماحة دينية وأخلقية‪.‬‬

‫إوايماننا منه بأن الغذاء الروحي هو الذي يدوم إلككى البكد‪ ،‬لكم يكتككف بتقكديم‬
‫الغذاء المادي النافع لجسام هكؤلء الجكوعى‪ ،‬أو تقكديم الخدمكة الصكحية فقكط‪ ،‬بكل‬

‫‪Gr.Niss.,Against Eunomum,Trans., proleg.,not.,& ind.by,‬‬ ‫‪()1‬‬


‫‪William Moore And Henry Austin Wilson,in (N.P.N.F.)2nd ser.,‬‬
‫‪.vol .,5,,I,8‬‬
‫‪. Gr.Naz.,or.43,ch.35,36()2‬‬
‫‪3‬‬
‫)(‪.Gr.Niss.,On Basil,p.124‬‬
‫‪201‬‬
‫ضككا أشككبعهم مككن تعككاليم ووصككايا الكتككاب المقككدس‪ ،‬المككر الككذى جعككل صككديقه‬
‫أي ن‬
‫غاريغوريوس يشيد به مادحنا إياه شع نار ونث نار‪ ،‬و قاله‪:‬‬

‫» ‪...‬لقككد كككان يقككدم خككدمات مجانيككة لهككم دون أن يبتغككي أي‬


‫ربح‪ ،‬وكل ما ككان ينظكر إليكه هكو ربكح نفكوس النكاس مكن خلل معكاملته‬
‫الطيبككة معهككم‪ ،‬والحصككول علككى المكافككأة السككماوية بواسككطة إشككباعهم‬
‫بالقمح‪ ،‬وبجانب هككذا أخككذ يغككذيهم مككن كلمككات الكتككاب المقككدس‪ ،‬وأفككاض‬
‫في وعظهكم بهكا‪ ،‬هكذه التعكاليم السكمائية حنقكا‪ ،‬والقادمكة مكن فكوق والكتي‬
‫تعد خكبز الملئككة الكذي يشكبع أرواحهكم مكن الجككوع والظمككأ‪ ،‬وبكذلك ككان‬
‫يقدم لهم الطعام الذي ل يزول ول ينفد بل الذي يبقى للبد‪ ،‬وكان يمتلككك‬
‫وفرة كبيرة من مثل هذا الغذاء بكالرغام مكن أن ه ككان إنسكاننا فقيك نار جكندا فكي‬
‫الماديات‪ ،‬بل كان أكثر إنسان فقير عرفته في حيككاتي‪ ،‬لكنككه اسككتطاع أن‬
‫يشبع الجوعى ليس من خبز ومككاء فقككط‪ ،‬بككل مككن الشككتياق إلككى التعككاليم‬
‫الروحية التي تغذي النفس المحتاجة إليها‪.(1)«.‬‬

‫السنوات الخيرة فى حياته ووفاته‬


‫وبينما كان باسيليوس يعمل مكن أجكل خدمكة كنيسكته ووطنكه ومجتمعكه‪،‬‬
‫كان الهراطقة يقككوون فككى حروبهككم ضككد الكنككائس الرثوذكسككية‪ ،‬ويعرضككونها لكككثير‬
‫مككن الضكربات المتتاليكة‪ ،‬ومنهككا نفكي غاريغوريكوس أسكقف نيسككا أخكى باسكيليوس‪،‬‬
‫ويوسككابيوس أسككقف سموسككاط صككديقه)‪ ،(2‬وملتيككوس أسككقف أنطاكيككة)‪ .(3‬وممككا‬

‫‪1‬‬
‫)(‪. Gr.Naz.,or.43,ch.35,36‬‬
‫‪.Bas.,Epp.181;237;239;Theo.,Op.cit.iv,13 (1)2‬‬
‫‪.Bas.,Ep.68.; Theo.,Op.cit.iv,13(2)3‬‬
‫‪202‬‬
‫أسككهم فككي زيككادة آلمككه تلقيككه نبككأ وفككاة البابككا أثناسككيوس السكككندري)‪ ،(1‬ونبككأ وفككاة‬
‫غاريغوريوس الكبير أسقف نيزينزا‪ ،‬وقد شارك بنفسه في جنازته وحفل تأبينه)‪.(2‬‬

‫وقد بلغت اضطهاد المبراطور فالنز للكنيسكة حكد الككذروة فكى هككذا الككوقت‬
‫وهو ما دفع باسيليوس إلى أن يشككو فكي أحكدى رسكائله لسكاقفة الغكرب مكن شكدة‬
‫عكككدائه واضكككطهاده للكنكككائس الرثوذكسكككية الشكككرقية‪ ،‬ويلقكككى اللكككوم عليهكككم لعكككدم‬
‫وقوفهم مع إخوانهم الساقفة الشكرقيين فكى محنتهكم هكذه ولكو بالزيكارات أو أرسكال‬
‫الرسل أو بإرسال خطابات تعزية تعبر عن محبتهم وعطفهم وأخككويتهم‪ ،‬وممككا قككاله‬
‫لهم في هذا المر‪:‬‬

‫»‪ ...‬إن معاناتنككا بلغككت إلككى أقصككى أنحككاء المبراطوريككة‪ ،‬ولن‬


‫قانون المحبككة يقككول إذا تككألم عضككو تككداعى لككه سككائر العضككاء)‪.(3‬‬
‫وبنككاء علككى هككذا نحككن ل نشككك فككى أنكككم سككوف تظهككرون عطفكككم‬
‫علينككا نحككن الككذين نعككانى منككذ وقككت طويككل‪ ،‬وسككوف تمككدون أيككديكم‬
‫لتنقذونا‪ ،‬وهذا ما نأمله منكم ‪ ...‬ولكن كم نحككن نلكوم عليكككم؛ لننككا‬
‫حتى الن لم نستقبل منكم شينئا يظهر محبتكم لنا‪ ،‬فلم يصلنا منكم‬
‫أى خطككاب لتعزيتنككا‪ ،‬ول أيككة زيككارة أخويككة‪ ،‬ونحككن الن نككدخل العككام‬
‫الثالث عشر منذ بدأ حرب الهراطقة علينا‪ ،‬إن الكنائس تعككانى الن‬
‫أكثر من أى وقت مضى معاناة تفوق كل ما حدث قبلهككا منككذ بدايكة‬
‫التبشير بإنجيل المسيح‪ ...‬إن الكذي ي ثير معاناتنكا بصكفة أساسكية‬
‫هو أن المؤمنين هجروا الكنائس وأصبحوا يصلون في الغاباتككإ إنككه‬

‫‪.Bas.,Ep.133;139(3)1‬‬
‫‪.Gr.Naz.,Or.18,ch.35,37(4)2‬‬
‫‪3‬‬
‫)‪ (1‬راجع‪ :‬رسالة بولس الرسول الولى إلى أهل كورنثوس) ‪( 26 :12‬‬
‫‪203‬‬
‫مشككهد صككعب للغايككة أن تككرى نسككاء وأطفككال وشككيوخ‪ ،‬وغايرهككم مككن‬
‫الذين يعانون من الضعف بشكل أو بآخر‪ ،‬ككل هكؤلء يعيشكون فكي‬
‫الهواء الطلق‪ ،‬ويتعرضون لخطار فصل الشكتاء مكن أمطكار غازيكرة‬
‫وعواصف عاتية وثلوج وصقيع‪ ،‬ولخطار فصل الصيف من ارتفاع‬
‫درجة الحرارة‪ ،‬كل هؤلء يعانون بسبب رفضهم الشككتراك فككي بدعككة‬
‫أريوس‪«.(1) ...‬‬

‫ويتضح من نص الخطاب السابق أن باسيليوس اهتم بتوضيح ثلثة أمور‬


‫مهمككة تتعككرض لهككا كنيسككته فككى هككذا الككوقت‪ ،‬اولهككا‪ :‬اشككتداد المككبراطور فككالنز فككى‬
‫أضطهاد الكنائس الشرقية الرثوذكسية عامة‪ ،‬وكنيسة قيصككرية كبادوكيككا خاصككة‪،‬‬
‫ثانينككا‪ :‬توضككيح موقككف الكنيسككة الغربيككة تجككاه مككا يحككدث فككى الكنيسككة الشككرقية‪،‬‬
‫ويتضح منه أنها وقفت موقفنا سلبينا تجاهها‪ ،‬ثالثنا‪ :‬أن فككترة الضككطهاد الككتى أشككار‬
‫اليها فى النص والتى أستمرت ثلثة عشر عامككا فكى عصككر المككبراطور فككالنز أنمككا‬
‫يقصككد بهككا أنهككا أبتككدأت منككذ بدايككة جلككوس فككالنز علككى العككرش فككى عككام ‪364‬م‪،‬‬
‫وأستمرت حتى وقت كتابة هذا الخطاب‪ ،‬أى إلى عام ‪377‬م‪.‬‬

‫كما أن فالنز ظل يسكير علككى سياسككته العدائيككة هككذه تجككاه الرثوذكسككيين‬


‫حككتى نهايككة حيككاته‪ ،‬والككدليل علككى هككذا مككا ورد فككي المصككادر مككن أن راهنبككا يسككمى‬
‫اسحق ‪ Isaac‬يعيش حياة النسك فى القسطنطينية‪ ،‬عندما رأى المبراطور خارنجا‬
‫على رأس قواته لمحاربة القوط في آخر حرب لكه معهكم‪ ،‬طلكب منكه أن يتوقكف‪ ،‬ول‬
‫يحككاربهم قبككل أن يسككمح للسككاقفة الرثوذكسككيين المنفييككن بككالعودة إلككى ك ارسككيهم‬
‫حتى يعطيه ال النصرة على أعدائه‪ ،‬وأخذ يحكذره مكن عقككاب الكك الكذي سكوف يقككع‬
‫عليه إذا رف ض عكودة السكاقفة مكن منفكاهم‪ ،‬فكإنه سكوف يتعكرض لهزيمكة سكاحقة‬

‫‪.Bas.,Ep.242.CF.Epp.247;248 (2)1‬‬
‫‪204‬‬
‫ويقتككل وسككوف يتعككرض الجيككش للتككدمير علككى أيككدي العككداء‪ ،‬ولكككن فككالنز أظهككر‬
‫غاضككبه مككن اسككحاق‪ ،‬ورفككض أن يطلككق السككاقفة‪ ،‬وأظهككر ثقتككه فككي هزيمككة القككوط‬
‫وعودته سالنما‪ ،‬وتوعده هو والساقفة بالعقاب والقتل بعد عودته)‪.(1‬‬

‫ضككا‪ ،‬تشككير إلككى‬


‫وأضاف أحد المصادر رواية أخرى تتعلككق بهككذا المككر أي ن‬
‫قيام أحد رجال الدين المعروف عنهم التقككوى والتككدين بمعارضككة المككبراطور بسككبب‬
‫اعتنككاقه المعتقككدات الريوسككية وهجكومه علككى السكاقفة‪ ،‬وطلكب منككه إطلق سكراح‬
‫السككاقفة المنفييككن‪ ،‬لكنككه رفككض إجابككة مطلبككه )‪ ،(2‬ومككن هككذه الروايككات يتضككح أن‬
‫فالنز ظكل يتمسككك بسياسكته المدنيكة ضكد الرثوذكسككيين حكتى نهايكة حيكاته‪ ،‬وكككان‬
‫هذا يزيد من معاناة باسيليوس كثينرا‪.‬‬

‫ولم تكن الضطهادات التي تتعرض لها الكنيسة من جانب المبراطوريككة‬


‫هي القضية الوحيدة التي تقلق باسيليوس وتترك في نفسه آثككا نار سككيئة‪ ،‬إوان كككانت‬
‫هككي القضككية الولككى دائنمككا‪ ،‬لكككن كككان هنككاك قضككية أخككرى تقلقككه وهككي سككوء أحككوال‬
‫المبراطورية بسبب تعرضها لهجمات القوط‪ ،‬وخاصة منذ عام ‪376‬م عندما اشتد‬
‫فالنز في معككاملتهم وفككرض عليهككم ضككرائب عاليكة ونككزع سككلحهم‪ ،‬ورفككض قبككولهم‬
‫فككي جيككوش المبراطوريككة‪ ،‬وبسككبب المعككامله الرديئككة الككتي لقوهككا مككن المككوظفين‬
‫الككبيزنطيين‪ ،‬وهككو مككا كككان يتسككبب فككي إثككارتهم بيككن الحيككن والخككر‪ ،‬إوالككى اتحككاد‬
‫بعضهم مع بعض وقيامهم بالثورات المتكررة ضد جيوش المبراطورية وآخرها تلك‬
‫الثورة العنيفككة الكتي قككامت فككي أوائكل عكام ‪387‬م وتحكولت إلككى حكرب شرسكة وهكدد‬
‫القوط كل إقليم تراكيا وأخذوا يزحفون نحو القسطنطينية)‪.(3‬‬

‫‪1‬‬
‫)‪.Soz, op.cit., VI, 40; Theod., op.cit., IV,31(1‬‬
‫‪.Amm.Marc.,op.cit.,xxxi,12:8,9(2)2‬‬
‫‪(1)3‬‬
‫‪.Amm.Marc.,xxxi,12:8,9‬‬
‫‪205‬‬
‫ضكا‬
‫وهذا المكر لككم يتسككبب فككي قلكق السكلطات المبراطوريكة فقكط‪ ،‬بككل أي ن‬
‫عمل على بث الخوف في قلب باسيليوس‪ ،‬إذ إنه خاف أن تزيد معاناة شعبه أكككثر‬
‫مما هي عليه بسبب الضطهاد الكدينى‪ ،‬ففكى أحككد خطابككاته الككتى ككان يرسكلها إلكى‬
‫السقف يوسابيوس السموساطى فى منفاه بإقليم تركيا نجده يسجل بعض إشارات‬
‫تككدل علككى أشككتعال الحككرب بيككن القككوط والقككوات البيزنطيككة‪ ،‬وأنككه أسككتقبل أنبككاء تفيككد‬
‫بقرب نهايتها‪ ،‬وقرب عودة الجيش البيزنطى‪ ،‬ويضيف أيضنا أن كككثيرنا مككن الطككرق‬
‫الرئيسككة فككى الامبراطوريككة أمتلئككت باللصككوص وقطككاع الطككرق‪ ،‬وأن تلككك الحككرب‬
‫تسببت فى تشريد أعداد كثيرة من الناس‪ ،‬وأن أحوال الامبراطورية قلقة ومضطربة‬
‫جدنا‪ ،‬ولذلك فهو ل يستطيع أن يرسل لكه رسككلن مكن عنكده خوفنكا عليهكم مكن أخطكار‬
‫اللصوص وقطاع الطرق‪ ،‬لكنه سوف يرسلهم له فور أنتهاء الحرب وعودة السلم‬
‫والهدوء والستقرار إلى المبراطورية‪ ،‬وفى نهاية الخطاب أخذ يطمئنه باقتراب هذا‬
‫الككوقت‪ ،‬ويتنبككأ بقككرب زوال الاضككطهاد عككن الكنككائس إواحلل السككلم‪ ،‬وأنككه وجميككع‬
‫الساقفة المنفيين سوف يعودون إلى كراسيهم قريبنا ببهجة وفرح)‪.(4‬‬

‫إوالى جانب ذلك يوجد خطاب أخر من خطاباته أرسله إلى زوجة أحد القواد‬
‫ويسككمى أرينككثئوس ‪ Arintheus‬يعزيهككا فيككه عككن فقككدانها لزوجهككا فككى الحككرب‪،‬‬
‫وفيككه يتحككدث وبإسككهاب كككبير فككى مككدح صككفاته الطيبككة ومنهككا حمككايته للكنككائس‪،‬‬
‫وتغطيككة إحتياجككات رجككال الككدين والفقككراء‪ ،‬ويصككفه بالنبككل و الشككجاعة والصككلبة‬
‫والقوة والإقدام فى مواجهة العداء‪ ،‬ومحبكة الكوطن والبكذل مكن أجلكه‪ ،‬والشتشكهاد‬
‫فككى سككبيل الككدفاع عنككه‪ ،‬لهككذا فسككوف يجككازيه الكك خيككرنا مكافككأة لككه عككن كككل هككذه‬
‫العمككال الطيبككة‪ ،‬وسككوف يجعككل لككه نصككيبنا صككالحنا فككى ملكككوت السككموات‪ ،‬كمككا أن‬
‫ذكراه سوف تكرم أعظم تكريم على الرض‪ ،‬وسوف يتسابق المؤرخون في تسجيل‬
‫سككيرته وصككفاته‪ ،‬إوانجككازاته الحربيككة‪ ،‬وسككوف يتبككارى الرسككامون والنحككاتون فككي‬

‫‪.Bas.,Ep.268(1)4‬‬
‫‪206‬‬
‫ضككا إلككى أن الجيككش المككبراطوري خسككر هككذه‬
‫تصككويره‪ ،‬وفككي هككذا الخطككاب أشككار أي ن‬
‫الحرب‪ ،‬وفقد كثير من جنوده)‪.(1‬‬

‫ومن خلل البحث عن شخصكية هكذا القائكد وجككدنا أن معاصكره أميكانوس‬


‫ماركيلينوس كككان يعككده واحكندا مكن أشككهر قكواد فكالنز‪ ،‬وكككان يعمككل معككه منككذ تكوليته‬
‫عرش الامبراطورية‪ ،‬وكثي نار ما اعتمد عليه في حروبه ولسيما تلك التي توجه ضككد‬
‫القوط‪ ،‬وكثي نار ما كان يرسله إليهم للتفاوض معهم بشأن تنظيم العلقة بينهم وبين‬
‫الامبراطورية)‪ .(2‬أمكا المكؤرخ الكنسكي ثكودريت فقكد عكده أحكد أشكهر ثلثكة قكواد فكى‬
‫جيش فالنز في حربه الخيرة ضد القوط)‪.(3‬‬

‫وعلى ذلك نستطيع أن نستنتج أن القائد أريثينؤس الذي ذكره باسيليوس‬


‫في خطابه السابق هو نفسككه القائككد الككذي ذكككره أميككانوس مككاركلينوس‪ ،‬وهككو نفسككه‬
‫ضككا أن باسككيليوس‬
‫القائد الذي أشار إليه ثيؤدريت في تككاريخه‪ ،‬ونخككرج مككن ذلككك أي ن‬
‫عندما أشار إلى استشهاد هذا القائد في الحككرب إنمكا كككان يقصككد تلكك الحككرب الككتي‬
‫دارت رحاها بين جيكوش الامبراطوريكة البيزنطيكة تحكت قيكادة فكالنز ضكد القكوط فكي‬
‫موقعككككة أدريككككانوبوليس فككككي أغاسككككطس عككككام ‪378‬م‪ ،‬ونسككككتنتج منككككه أيضككككان أن‬
‫باسيليوس ظل علكى قيكد الحيكاة حكتى تاريكخ هكذه الحكرب وعاصكرها بنفسكه وسكجل‬
‫بعض أخبارها‪ ،‬وظل حنيا لفترة ما بعدها‪.‬‬

‫وفى خطاب له أرسله إلى أحد الساقفة نجده يصور مشكاعر نفسكه الكتي‬
‫اضككطربت مككن جككراء كككل هككذه الحككداث الككتي تتسككبب فككي معانككاته الشككديدة تصككوي نار‬
‫مأسككاونيا‪ .‬ففيككه يظككن أن نهايككة العككالم قككد اقككتربت جككندأ وقككد اتضككحت معالمهككا الككتي‬
‫صككككورها الكتكككاب المقككككدس مكككن مجاعكككات وأوبئكككة وككككوارث حككككروب واضكككطهادات‬

‫‪.Ibid,Ep.269 (2)1‬‬
‫‪.Amm.Marc.,op.cit.,xxii,5:4-9(1)2‬‬
‫‪.Theod., op.cit., IV,30(2)3‬‬
‫‪207‬‬
‫للمؤمنين‪ ،‬وأن ضد المسككيح قكد اقككترب مجيئككه‪ ،‬وتمنككى أن يتحنككن الكك عليككه وعلككى‬
‫شعبه ويسمح بقبول أرواحهككم إليكه حككتى ل يقاسككوا أكككثر مككن هككذا‪ ،‬أو أن الكك يبعككد‬
‫عنهم كل هذه الكوارث والشرور)‪.(1‬‬

‫وقد أدت كل هذه الصعوبات والمشاكل والقضايا والعمل المتواصل‬


‫لباسيليوس لجل خدمة الكنيسة وخدمة وطنه إلى إنهاك صحتة فى سن مبكرة‪،‬‬
‫وبدأ الموت يقترب منه وهو فى متوسط العمر‪ ،‬وتسببت في زيادة ضعفه وزيادة‬
‫مهاجمة المراض له‪ ،‬فقبل وفاته بعدة سنوات جعل يشكو مرات كثيرة من تدهور‬
‫حالته الصحية بشدة)‪ ،(2‬وكانت صحته تسوء جندا في فصل الشتاء ذى المناخ‬
‫القاسي‪ ،‬ويصبح مثل السجين في بيته ل يستطيع الخروج منه‪ ،‬وأحياننا كثيرة كان‬
‫ل يستطيع الخروج من حجرته حتى انقضاء فصل الشتاء)‪ .(3‬وفي أحدى رسائله‬
‫يحيط مرسله علنما بأن صحته قد ساءت جندا واقترب الموت منه‪ ،‬وهو ما أدى‬
‫إلى اعتقاد البعض أنه مات فعلن‪ ،‬وأذاعوا خبر وفاته في المدينة والولية‪ ،‬وحضر‬
‫كثير من الساقفة إلى قيصرية لتقديم واجب العزاء فيه ولختيار خلف له)‪ ،(4‬وفي‬
‫رسالة أخرى أشار إلي أنه قارب الموت‪ ،‬وأخذ يتعالج بحمامات ماء ساخن‪ ،‬ولكن‬
‫فائدتها كانت ضئيلة)‪ .(5‬وفي رسالة ثالثة دعا نفسه عجونزا‪ ،‬وأشار إلى أن أسنانه‬

‫‪.Bas.,Ep.264(3)1‬‬
‫‪CF.Bas.,Epp.134;136;137;138140;144;162;196;198;200;216(1)2‬‬
‫;‪.266‬‬
‫‪.Ibid.,Ep.26 (2)3‬‬
‫‪.Ibid.,Ep.141 (3)4‬‬
‫‪.Ibid.,Ep.137 (4)5‬‬
‫‪208‬‬
‫لم تتحمل حالته الصحية السيئة‪ ،‬فقلعت واحدة تلو الخرى حتى لم يعد بفمه‬
‫واحدة منها)‪.(1‬‬

‫وعندما أدرك أن يوم وفكاته اقكترب منكه جككندا عمكل علككى الجتمككاع بشككعب‬
‫كنيسته وأحبابه ومعارفه وحثهم على التمسك باليمان المستقيم الذي أودعككه لهككم‬
‫وظل يدافع عنه طوال حياته‪ ،‬وزودهم بالنصكائح والرشكادات الحكيمكة ذات القيمكة‬
‫الكبيرة‪ ،‬وأخذ يودعهم الوداع الخيكر‪ ،‬ثككم دعككا إليككه مسككاعديه وخككدامه الككذين كككانوا‬
‫موضككع ثقتككه ونصككبهم فككي الككدرجات الكهنوتيككة المختلفككة حككتى ل يعطككي فرصككة‬
‫للهراطقكككة وأتبكككاعهم أو لضكككعاف اليمكككان والمغرضكككين أن يرتقكككوا لهكككذه الكككدرجات‬
‫ويضلوا المؤمنين‪ ،‬ولما أكمل من هذا كله شعر باللم الشديد‪ ،‬ولم يستطع الوقوف‬
‫على قدميه‪ ،‬ولزم الفراش لوقت قصككير‪ ،‬وعنككدما علككم شككعب المدينككة بمككا يحككدث لككه‬
‫أسككرعوا إليككه واحتشككدوا حككوله وكككانوا غايككر مصككدقين مككا تككراه عيككونهم‪ ،‬ولككم يكونككوا‬
‫يتوقعون رحيلككه عنهككم‪ ،‬إذ أرواأن ذلككك يعككد خسككارة كككبيرة ل يعرضككها شككىء‪ ،‬فأخككذوا‬
‫يبكون ويصرخون ويتوسلون إلى الكك أن يبقيككه لهكم‪ ،‬وكككان ككل واحككد منهككم يتمنكى‬
‫ضككا عنككه‪ ،‬ولكككن كككانت كككل هككذه المنيككات‬
‫أن يعطيككه مككن روحككه أو أن يمككوت عو ن‬
‫مستحيلة وليس لها أن تحقق‪ ،‬وتغلبت الطبيعة البشرية على كل شككىء‪ ،‬وسككمحت‬
‫إرادة ال لهذا الراعى الجليل أن تنتهي حياته علككى هككذه الرض وتنتقككل روحككه إلككى‬
‫دار الخرة الككتي كككان يتمنككى الرحيككل إليهككا منككذ وقككت طويككل مضككى‪ ،‬وفاضككت روحككه‬
‫الطاهرة وعادت إلى خالقها بسلم)‪.(2‬‬

‫أما عن مشهد جنازته فقد صوره غاريغوريوس بصورة أسهب فيها كثي نار‬
‫لتوضيح ملمحها‪ ،‬وعده حكدنثا لكم يكر مثلكه مكن قبكل‪ ،‬إذ انتشكر خ بر وفكاته انتشكا نار‬
‫واسنعا في وقت قصير جندا‪ ،‬وسعى الكثيرون لحضور جنازته‪ ،‬وتوافدوا على مدينككة‬

‫‪.Ibid.,Ep.232 (5)1‬‬
‫‪.Gr.Naz.,Or.43,ch.78,79(1)2‬‬
‫‪209‬‬
‫قيصككرية تبانعككا‪ ،‬وشككارك فككي هككذه الجنككازة عشككرات ال لككوف مككن النككاس مككن داخككل‬
‫طكا مكن جميكع العمكار والجنكاس والكديانات‬
‫المدينة وخارجها‪ ،‬وكانوا يشككلون خلي ن‬
‫منهككم الرجككال والنسككاء والشككيوخ والشككباب‪ ،‬ويونككانيون قيصككريون وغايككر قيصككريين‬
‫ولتيككن ومسككيحيون ويهككود ووثنيككون‪ ،‬وقككد مل وا السككاحات والميككادين والشككوارع‪،‬‬
‫واحتشدوا على أسطح المنازل وفي الشكرفات‪ ،‬وقكد بلغكت شككدة الزحككام إلكى اختنككاق‬
‫البعض وموته‪ ،‬و كل فرد يريد أن يلقى عليه نظككرة الككوداع الخيككرة أو يلمككس أذيككال‬
‫كفنه أو يشارك في حمل نعشه أويلمسه ويتبرك به فقط ‪ ،‬وحضككر الجميككع صككلوات‬
‫الجنازة‪ ،‬وكككان صككوت بكككائهم وصككراخهم يعلككو فككوق صككوت الشككعائر الدينيككة‪ .‬وبعككد‬
‫انتهاء المراسم حمل الناس النعش وساروا به إلى مدفن البككاء السككاقفة ورؤسككاء‬
‫السككاقفة ودفنككوه هنككاك)‪ .(1‬وفككي نهايككة حفككل تككأبينه طفككق غاريغوريككوس ينتحككب‬
‫ويندب صديقه ويعد وفاته خسككارة فادحككة أصككابته وأصككابت الكنيسككة والشككعب علككى‬
‫اختلف فئككاته ودرجككاته‪ ،‬وحسككب نفسككه أن أصككبح يعيككش بنصككف جسككم أو بجسككم‬
‫دون روح من بعد وفاته‪ ،‬وبدء يشعر بالخوف مما يخفيه المستقبل له الذي سوف‬
‫يعيشه وحده دون إرشاده وتشجيعه‪ ،‬وتمنى أن يسرع الزمن ويعجككل بنهايككة حيككاته‬
‫حتى يذهب إلى صكديقه فكي السكماء ويحيكا معكه فكي حيكاة سكعيدة خاليكة مكن اللكم‬
‫والحزن والمرض‪ ،‬حياة أبدية ل تنتهي)‪.(2‬‬

‫أمككا عككن تاريككخ وفككاة باسككيليوس فيمكككن معرفتككه وتحديككده بككالبحث فككي‬
‫الحككداث التاريخيككة الهامككة الككتي جككرت فككي الفككترة الخيككرة مككن حيككاته حككتى وفككاته‬
‫وبعككدها بفكترة قصككيرة‪ ،‬ولحسككن الحككظ أن هككذه الفككترة قككد جككرى فيهككا بعكض الحككداث‬
‫التاريخيككة الهامككة الككتي تتعلككق بالتاريككخ المككدني والكنسككي للمبراطوريككة البيزنطيككة‬
‫على حد سواء‪ ،‬ودونتهككا المصككادر المعاصككرة لهككا‪ ،‬ومكن أهكم هكذه الحكداث هزيمكة‬

‫‪.Gr.Naz.,ch.80 (1)1‬‬
‫‪.Ibid., ch.80-82()2‬‬
‫‪210‬‬
‫المبراطور فالنز الريوسي وموته في معركة أدريانوبوليس في الحككادي عشككر مككن‬
‫شككهر أغاسككطس لعككام ‪378‬م)‪ ،(1‬وانضككمام الجككزء الشككرقي مككن المبراطوريككة إلككى‬
‫القسككم الغربككي ليصككبح جراتيككان امككبراطور الغككرب امككبراطونار علككى القسككمين دون‬
‫شككريك)‪ ،(2‬ولن جراتيككان كككان أرثوذكسككيا صككمينما فقككد عمككل منككذ بدايككة عهككده علككى‬
‫الشرق بإصدار مراسيم تسامح ديني تمنح الحريككة لجميككع شككعب الامبراطوريككة كككل‬
‫وفقنككا لمككا يعتنقككه مككن أديككان‪ ،‬ورفككع الضككطهاد عككن المسككيحيين‪ ،‬وأعككاد السككاقفة‬
‫المنفيين إلى كراسيهم)‪ .(3‬وقد ذكرت أحكد المصكادر المعاصكرة أن باسكيليوس تكوفى‬
‫في عهد هذا المبراطور)‪ ،(4‬ولن صككاحب هككذا المصككدر هككو جيككروم فقككد كككان دقيقنككا‬
‫جككندا فككي تحديككد تاريككخ وفككاة الشخصككيات الكنسككية الهامككة فككي هككذا المصككدر باسككم‬
‫المكككبراطور الكككذي يجلكككس علكككى العكككرش وقكككت وفكككاتهم‪ ،‬وككككان يتبكككع وفكككاة الرجكككال‬
‫الشككرقيين بككذكر اسككم الامككبراطور الشككرقي والغربككي بككذكر اسككم الامككبراطور الغربككي‪،‬‬
‫ضا)‪ ،(5‬و نسككتنتج‬
‫وعندما ينفرد أحد الاباطرة بحكم القسمين منعا كان يذكر اسمه أي ن‬
‫مككن هككذا أنككه كككان يقصككد مككن إشككارته هككذه أن باسككيليوس مككات بعككد انفككراد جراتيككان‬
‫بحكم القسم الشرقي والغربي للمبراطورية وليس قبله‪.‬‬

‫ضككا أن ثيودوسككيوس ‪379-395) Theodsus‬م( نصككب‬


‫ومككن ذلككك أي ن‬
‫إمبراطونار فى السادس عشر من شهر يناير لعام ‪379‬م)‪ .(6‬كمككا أن أحككد المصككادر‬
‫الخكككرى أقكككر صكككراحة بكككأن المطكككران القيصكككرى الكككذى حضكككر مجمكككع القسكككطنطينية‬

‫‪.Amm.Marc.,op.cit.,xxxi,14.;Soc.,op.cit.iv,38 ()1‬‬
‫‪Soc.,op.cit. v,2.;Soz.,op.cit.,vii,1.;Theo.op.cit.,v()2‬‬
‫‪.Soc.,op.cit. v,2,3.;Soz.,op.cit.,vii,1,2.;Theo.op.cit.,v,2 ()3‬‬
‫‪.Jer.,Ill.Men,ch.116 ()4‬‬
‫‪.Ibid., ch,87,91,95,96,100,102,103,111,115,117 ()5‬‬
‫‪.Soc.,op.cit. v,2.;Soz.,op.cit.,vii, 2.Phil.,op.cit.ix,17()6‬‬
‫‪211‬‬
‫المسكككونى عككام ‪381‬م ليككس باسككيليوس بككل خليفتككه هلديككوس ‪.(1) Heldius‬‬
‫وبمقارنة هذه المعلومات مع بعضها لبعض يتضككح أن باسككيليوس تككوفي فيمككا بيككن‬
‫الحادى عشر من شكهر أغاسكطس عكام ‪378‬م بعكد مكوت فكالنز ح تى قبيكل جلكوس‬
‫ثيودوسيوس على عرش المبراطورية البيزنطية في السادس عشر من ينككاير عككام‬
‫‪379‬م‪.‬‬

‫وهنككاك مصككدر آخككر يتنككاول معلومككات تخككص موضككوعنا‪ ،‬وصككاحب هككذا‬


‫المصككدر فككي هككذه المككرة هككو غاريغوريككوس النيصككى أخككو باسكيليوس‪ ،‬وقككد أتككى فككي‬
‫أحككدى كتابككاته بأخبككار هامككة تضككمنت بعككض الحككداث الككتي لهككا أهميككة كككبيرة فككي‬
‫حيككاته وحيككاة أخيككه باسكيليوس‪ ،‬ومككا يخصككنا منهككا هنككا هككو أنككه أشككار صككراحة إلككى‬
‫نفيه عن كرسيه م ارت عديده لمدة امتدت إلى ثمانى سنوات‪ ،‬وأنه في نفككس العككام‬
‫الذى أطلق سراحه فيه جكرت عكدة أحكداث هامكة‪ ،‬منهكا مكوت أخيكه باس يليوس فكي‬
‫بداية العام‪ ،‬وعقب ذلك بنحكو تسكعة أشكهر عقكد مجمكع كنسكي فكي مدينكة أنطاكيكة‬
‫وشارك فيه بنفسه‪ ،‬وقبل نهاية العام بفترة وجيزة وعقب انتهكاء المجمكع عكزم علكى‬
‫زيارة أخته ماكرينا في ديرها ببنطس فذهب إليها)‪.(2‬‬

‫ويتضح من خلل دراسة شخصية غاريغوريوس النيسى أنه بحكم موقعه‬


‫مككن هككذه الحككداث‪ ،‬حيككث إنككه أخككو باسككيليوس وتلميككذه ومسككاعده ومشككاركه فككي‬
‫مشككروعه النسكككى‪ ،‬وبحكككم العلككوم الككتي حازهككا خاصككة العلككوم الدبيككة والفلسككفية‬
‫واللهوتية‪ ،‬وما تشهد بكه مؤلفككاته العديككدة فككي اللهككوت والنسككك وتفسككير السككفار‬
‫المقدسة وما غاير ذلك من كتابات ورسائل كثيرة لسكير آبككاء وشككهداء الكنيسكة فككي‬
‫عصككره‪ ،‬ومككن أهمهككا كتككابه عككن سككيرة أختككه ماكرينككا الككذي نعتمككد عليككه الن فككي‬
‫البحككث عككن تاريككخ وفككاة أخيككه باسككيليوس‪ ،‬وبعككض التواريككخ المهمككة الخككرى فككي‬

‫‪.Theo.op.cit.,v,8()1‬‬
‫‪.Gr.Niss.,Mac.pp.41ff()2‬‬
‫‪212‬‬
‫حياته‪ ،‬بحكم ذلك كل يتأكد صدق وصحة ما أورده هنا من معلومات‪.‬‬

‫ول نكتفكككي بكككذلك ليضكككاح صكككدق روايكككة غاريغوريكككوس‪ ،‬بكككل نسكككعى إلكككى‬
‫مقارنككة كككل مككا جككاء فيهككا مككن أحككداث بمككثيله ممككا جككاءت بككه المصككادر الخككرى‬
‫ضكا وهكو العمككل علككى‬
‫المعاصرة لكه لنتحقككق أكككثر مكن روايتككه هكذه‪ ،‬ولهككدف آخككر أي ن‬
‫تفسير هذه الحداث‪ ،‬ومنه‪:‬‬

‫أولن‪ :‬من جهة ما ذكره النيسى هنا من أخبار تفيد بتعرضه للنفي م ارنار علكى‬
‫أيككدي الهراطقككة فقككد أكككده وتكلككم عنككه أخككوه باسككيليوس فككي أكككثر مككن رسككالة مككن‬
‫رسائله‪.‬‬

‫ثاننيا‪ :‬ومن جهة إطلق سراحه بعد ذلك فقد تحدثت مصادر تاريخ الكنيسة‬
‫المعاصككرة عككن ذلككك بوضككوح أكككثر‪ ،‬وأوردت أنككه بعككد مقتككل فككالنز وفككي بدايككة عهككد‬
‫جراتيان أصدر الخير مراسكيم التسكامح الكديني وأطلكق سكراح السكاقفة الكذين نفكوا‬
‫على عهد فالنز‪ ،‬وكان النيسى أحدهم‪.‬‬

‫ثالنثا‪ :‬أما ما يخص موت أخيه باسيليوس في هذا التوقيت فقد أكده جيروم‪.‬‬

‫رابنعكا‪ :‬أمكا مكن جهكة الجمكع الكذي عقكد فكي أنطاكيكة وشكارك فيكه فقكد تكلمكت‬
‫مصادر عديدة عنه وأكدت حدوثه)‪.(1‬‬

‫سا‪ :‬أما فيما يتعلق بزيارته إلى أخته ماكرينا بعد انقضاء المجمع قككرب‬ ‫خام ن‬
‫ضككا فقككد أكككده هككو‬
‫نهايككة العككام الككذي خككرج مككن منفككاه فيكه ومككات باسكيليوس فيكه أي ن‬
‫نفسه في كتاباته الخرى)‪.(2‬‬

‫سا‪ :‬كان شاهندا على نفسه فيما أورده هذا من أخبار تخص وفاة أخيككه‬
‫ساد ن‬
‫‪.Soc.,op.cit. v,5.;Soz.,op.cit.,vii, 3()1‬‬
‫‪ ()2‬غاريغوريوس النيسى‪ :‬الروح والقيامة‪ ،‬ترجمة الب أشعياء ميخائيل )القاهرة‪ :‬كنيسة‬
‫مارجرجس بالظاهر‪ (1995،‬ص ‪.1‬‬
‫‪213‬‬
‫باسيليوس في هذا الوقت في مصدر آخر له أكد فيككه صككحة وصككدق هككذه الحككداث‬
‫وما أورده بشأنها‪ ،‬وفي هذا المؤلف الخيكر أشكار إلكى أنكه كتبكه بنكاء علكى زيكارته‬
‫لخته ماكرينا والحديث الذي جرى بينهما في هذه الزيارة)‪.(1‬‬

‫ومن كل ما سبق نستنتج أن غاريغوريوس النيسي تحرى الصدق التام فيما‬


‫أورده من أحداث ومعلومات تتعلق بموضوعنا‪ ،‬وأن روايته هذه تعد أكثر الروايككات‬
‫صدنقا ووضونحا في هذا المر‪ ،‬وأكثر إسهانبا فيه من جميع المصادر الخككرى‪ ،‬وأن‬
‫أخككاه باسككيليوس تككوفى بعككد خروجككه هككو مككن المنفككى وربمككا يكككون قككد شككارك فككي‬
‫جنازته‪ ،‬وأن هذه الوفاة حدثت بعد موت فالنز وليس قبل ذلككك‪ ،‬وفككي عهككد جراتيككان‬
‫وعقككب إصككداره لم ارسككيم التسككامح الككديني والفككراج عككن السككاقفة المنفييككن‪ ،‬وبعككد‬
‫انتهككاء عككام ‪378‬م كلككه‪ ،‬وعنككد بدايككة العككام التككالي ‪379‬م‪ ،‬وبوضككع روايككة جيككروم‬
‫وغايرهككا مككن الروايككات الخككرى السككابقة مككع هككذه الروايككة جننبككا إلككى جنككب يتضككح أن‬
‫ضكا أن النيصكي كككان أكككثر‬
‫الروايتين تتفقان فيما بينهما فككي هكذا المكر‪ ،‬ويتضككح أي ن‬
‫دقة وتحديدنيا للوقت الذي توفى فيكه باس يليوس مكن جيكروم‪ ،‬ونخكرج مكن ذلكك كلكه‬
‫أن باسيليوس توفى في بدايكة عككام ‪379‬م فككي الفكترة المحصكورة بيكن يكومي الول‬
‫من شهر يناير إلى الخامس عشر منه‪.‬‬

‫وفككي روايككة أخككرى لغريغوريككوس النيسككى‪ ،‬ألقاهككا فككى مناسككبة تككأبين أخيككه‬
‫باسكيليوس‪ ،‬أشكار فكى بككدايتها إلككى عنككوان هككذه العظككة وموضكوعها ثكم أعقككب ذلكك‬
‫مباشرة بإشارة أخرى عن تاريخ وفاة أخيه وأشار بأنه حدث فى يككوم الحتفككال بعيككد‬
‫ميلد السككيد المسككيح‪ ،‬وبعككد ذلككك أوصككى سككامعيه أن يتخككذوا مككن ذكككرى وفككاة أخيككه‬
‫باسيليوس احتفالن لهم ويعملون على إقامته في كل عام‪ ،‬وهو ما يسهم في تخليككد‬
‫ذكراه على مدى الجيال المتعاقبة)‪.(2‬‬

‫‪ ()1‬غاريغوريوس النيسى‪ ,‬المصدر السابق‪ ,‬نفس الصفحة‪.‬‬


‫‪.Gr.Niss. On Basil,pp.109,110()2‬‬
‫‪214‬‬
‫ولذلك لبد علينا الن أن نعمل على معرفة اليوم الذي كان يحتفل فيه بذكر‬
‫عيد الميلد في هذه الفترة المبكرة من تاريككخ المسكيحية‪ ،‬ومككن خلل ذلككك نسكتطيع‬
‫أن نتوصل إلى تحديد اليوم الذى توفى فيكه باسككيليوس‪ ،‬ومككن خلل أحككد المصككادر‬
‫التي ترجع إلى هذا العصر وجدنا أن هذا الحتفال كان يقام في اليوم السادس مككن‬
‫شككهر ينككاير مككن كككل عككام‪ ،‬وهككذا هككو تككوقيته الككذي كككان يعككترف بككه المسككيحيون‬
‫الشكككرقيون‪ ،‬فكككي هكككذا العصكككر )‪ .(1‬وقكككد أككككدت الم ارجكككع الحديثكككة المتخصصكككة هكككذا‬
‫ضا)‪ .(2‬ومن هذا نستنتج أن التاريككخ الككدقيق لوفككاة باسكيليوس هككو يككوم السككادس‬
‫أي ن‬
‫مككن ينككاير لعككام ‪379‬م‪ ،‬أو علككى أكككثر تقككدير يقككع فككي أحككد أيككام النصككف الول مككن‬
‫شهر يناير من العام نفسه‪.‬‬

‫ضا‬
‫وبالعتماد على هذه النتيجة ومن خلل روايات غاريغوريوس النيسى أي ن‬
‫نستطيع أن نتوصل إلكى تحديكد تواريكخ أخكرى لحكداث أخكرى هامكة فكي حيكاة أخيكه‬
‫باسيليوس‪ ،‬وفي أحدى هذه الروايات يقككرر أن باسككيليوس مككات بعككد ثمانيككة أعككوام‬
‫سكككا للسكككاقفة)‪ ،(3‬وبمقارنكككة هكككذا مكككع التاريكككخ الكككذي تكككوفى فيكككه‬
‫مكككن تنصكككيبه رئي ن‬
‫باسيليوس نستطيع أن نخرج بنتيجة هامة وهي أن باسيليوس تولى هكذا المنصكب‬
‫في بدايات عام ‪371‬م‪ ،‬وأن يوسابيوس الذى سبقه في هذا المنصب مات في هذا‬
‫ضككا‪ ،‬وأن غاريغوريككوس عنككدما أشككار إلككى مككدة نفيككه بأنهككا ثمانيككة أعككوام‬
‫الككوقت أي ن‬
‫ضا إنما كان يقصد أنه تولى أسقفية نيسككا عقككب هككذا التاريككخ مباشككرة‪ ،‬وسككنتنتج‬
‫أي ن‬

‫‪Amm.Marc.,op.cit.xxi,2:4.Clement Of Alexandria,The ()1‬‬


‫‪Stromata ,Choronologically Arranged With Noted, And‬‬
‫‪,Elucidations by A. Cleveland Coxe,In A.N.F.2nd ser.vol.2.I,21.CF‬‬
‫‪Paul M.Bassett, Epiphanny,in, Enc.Ear.Chr.; Ox.Dic .Chr.‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫‪.Ch ., pp.280,281.465‬‬
‫‪.Gr.Niss.,Mac.,p.40 ()3‬‬
‫‪215‬‬
‫ضا أن باسيليوس أسس أسقفية سازيما ودورا‪ ،‬وقام صككراع أنكتيموس معككه‪ ،‬وتكم‬
‫أي ن‬
‫تقسيم ولية كبادوكيا إلى وليتن على يد فالنز‪ ،‬ككل هكذا بكدأ فككي عكام ‪371‬م عقكب‬
‫تنصككيب باسككيليوس‪ ،‬وأخيكك نار نسككتنتج أن أختككه ماكرينككا الككتى زارهككا فككي نهايككة العككام‬
‫ضا‪.‬‬
‫الذي عاد فيه من النفى قد ماتت في هذا الوقت أي ن‬
‫ضا أن باسيليوس عاش حتى رأى هزيمة فالنز ومصرعه‬
‫ويتضح من هذا أي ن‬
‫في موقعة أدرنابوليس‪ ،‬وتخلصت الكنيسة المسيحية من عدائه ضدها‪ ،‬وكان هككذا‬
‫ضككا بككدايات عصككر جراتيككان‬
‫نصكك نار كككبي نار للرثوذكسككية علككى الريوسككية‪ ،‬وشككهد أي ن‬
‫ولمكككس تسكككامحه الكككدينى الكككذي أككككده بإنهكككاء اضكككطهاد الكنكككائس إواطلق سكككراح‬
‫الساقفة المنفيين وردهم إلى كراسيهم‪.‬‬

‫نخرج مما سبق عن حياة القديس باسيليوس أنه عندما تنكاولت الدراسكة‬

‫سيرة بازل الكبير منذ ميلده حتى اتجككاهه الككى حيككاة النسكك‪ ،‬وبحثككت عككن العوامككل‬

‫التي أثرت عليه منذ صغره و دفعته لسلوك هذا النمط من الحياة‪ ،‬وجدت أن البيئككة‬

‫والعائلككة لعبككا دور كككبير فكى هككذا المككر‪ ،‬لككذلك أهتمككت بد ارسككة إقليككم آسككيا الصككغرى‬

‫ووليكككة كبادوكيكككا وعاصكككمتها مدينكككة قيصكككرية ما ازككككا مكككن الناحيكككة الجغرافيكككة و‬

‫التاريخية؛ لنه ولد وعاش وشهد الكثير من أحداث حياته هناك‪.‬‬

‫أمككا عككائلته فكككان لهككا دونار هانمككا‪ ،‬اذ كككانت واحككدة مككن أشككهر العككائلت‬

‫المسككيحية فككي إقليككم آسككيا الصككغرى فككى منتصككف القككرن الثككالث الميلدى‪ ،‬حيككث‬

‫‪216‬‬
‫عاشكككت فكككي عصكككر المكككبراطور جكككالينوس أول إمكككبراطور رومكككاني يتبكككع سياسكككة‬

‫تسكامح مكع المس يحيين ويصكدر مرسكونما يقكر فيكه هكذا التسكامح‪ ،‬وتمتعكت العائلكة‬

‫بمزايا سياسة التسامح هذه طيلككة حكككم هككذا المككبراطور وخلفككائه مككن أبككاطرة حكتى‬

‫قرب نهاية حكم دقلديانوس‪ ،‬أى ما يقرب من نصف قرن من الزمان‪ ،‬وعندما تبدل‬

‫الحكككال‪ ،‬وجكككاءت موجكككة أخكككرى مكككن موجكككات الضكككطهاد الكككوثني الرومكككاني ضكككد‬

‫المسيحيين علكى يككد دقلكديانوس عككام ‪303‬م‪ ،‬واسكتمرت عشكر سكنوات حكتى مكوت‬

‫المككبراطور مكسككيمنيوس دايككا فككي عككام ‪313‬م الككذي اشككتد فككي تعككذيب مسككيحى‬

‫الشكككرق أككككثر مكككن البكككاطرة السكككابقين لكككه‪ ،‬لحقهكككا الضكككرار الككككثيرة ‪ ،‬بسكككبب هكككذا‬

‫الضككطهاد واستشككهد بعككض أفرادهككا وسككلبت أملكهككا‪ ،‬وبعككد أن انتهككى الضككطهاد‬

‫على يد المبراطور قسكطنطين بإصكداره مرسكوم ميلن الشكهيرعام ‪313‬م وتمتعككت‬

‫المبراطورية بالسلم القسطنطينى عادت هذه العائلة مرة أخرى واستردت كثي نار من‬

‫أملكها التي سلبت منها سابنقا‪ ،‬ثم أتبع هذا بدراسة عن أفراد عائلته وأسرته بقدر‬

‫ما امدتنا به المصادر من معلومات عنهم ‪.‬‬

‫وبعد ذلك أهتمت الدراسة بالبحث عن المدينة التى ولد فيهكا بكازل‪ ،‬ومكن‬

‫خلل المصادر المعاصرة تكبين أنككه ولككد بمدينكة قيصككرية كبادوكيككا فكى عككام ‪330‬م‬

‫تقريبككا‪ ،‬وأنككه قضككى فككترة رضككاعته فيهككا‪ ،‬وأن الككتى أرضككعته مربيككة خاصككة وليسككت‬

‫والككدته‪ ،‬وبعككد ذلككك إنتقككل الككى بيككت عائلككة والككده ببلككدة انيسككى بوليككة بنطككس حيككث‬

‫قضى فترة طفولته هناك ‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫أما فيما يخكص بكتربيته فقكد أوضككحت الد ارسككة دور ككل مكن أفكراد عككائلته‬

‫الذين اشتركوا في تربيته وزرعككوا فيككه بككذار المبككادئ التقويككة والنسكككية منككذ صككغره‪،‬‬

‫وكككان أولهككم جككدته لبيككه ماكرينككا الككتي تعلمككت مككن غاريغوريككوس العجككائبى ذلككك‬

‫الناسك الكبير الذى لقب برسول بلد بنطككس‪ ،‬وكككان تلميككنذا للعلمككة أوريجككانوس‪،‬‬

‫وتعلمت منه كيفية الثبات على اليمان وقت الشدائد وتشربت نهجككه النسكككى ‪ ،‬ثككم‬

‫قككامت بككدورها فكي نقكل هككذه التعككاليم إلكى بككاقى أفكراد عائلتهكا مكن أبنائهككا وأحفادهككا‬

‫ومنهككم حفيككدها بككازل ‪ ،‬وكككذلك أوضككحنا دور أمككه وأبيككه فككي تربيتككه علككى الفضككائل‬

‫التقوية والمبادئ النسكية‪.‬‬

‫وفكككى د ارسكككة مسكككيرته العلميكككة ككككان مكككن الضكككرورى أول التمهيكككد لهكككذه‬

‫الد ارسككة بتوضككيح موقككف المسككيحية مككن العلككم والعلككوم الككتى كككانت تككدرس فككى هككذا‬

‫العصكر‪ ،‬واتضكح أن المسكيحية نكادت بضكرورة التعليكم والسكتفاده منكه‪ ،‬وأن معظكم‬

‫رجالها اتفقوا على ذلك‪ .‬وعقب ذلك أمدتنا الدراسكة بكاهم ملمكح العمليكة التعليميكة‬

‫فى هذا الوقت‪ ،‬ثم أخذت تتبككع سككيرة بككازل بككالبحث فككى مسككيرته الد ارسككية‪ ،‬فوجككدته‬

‫يمتلك رغابة كبيرة للتعلم منذ صغره‪ ،‬وأن الدراسة لم تبعده عن المبادىء التى تربككى‬

‫عليهككا‪ ،‬وانككه سككار علككى المبككادئ والتعككاليم الككتي تلقاهككا مككن جككدته ووالككدته ووالككده‬

‫عنككدما أقبككل علككى التعلككم فككي أهككم المككدن العلميككة البيزنطيككة‪ ،‬ففككي مدينككة قيصككرية‬

‫مازاكا شهد أساتذته وأهل المدينة باستقامته وحسن خلقه حتى لقبوه بالكككاهن قبككل‬

‫أن يصككير كاهنككا‪ ،‬وشككهد لككه صككديقه غاريغوريككوس النيزينككزي أنككه كككان يسككعى وفقنككا‬

‫‪218‬‬
‫للمبادئ النسكية منذ ذلك الوقت‪ ،‬وفي مدينة القسككطنطينية عاصككمة المبراطوريككة‬

‫البيزنطية الشهيرة بكثرة ملهيها شهد له معلمه الخطيب ليبككانوس أنككه كككان يتمتككع‬

‫بعفة واستقامة وأخلق وحكمة الشيوخ وهككو ليككزال فككي مقتبككل شكبابه‪ ،‬وفككي مدينككة‬

‫أثينككا الغنيككة بأوثانهككا ومسككارحها وحاناتهككا سككلك بككازل وصككديقه غاريغوريككوس مثككل‬

‫الناسكين النبيين إيليا ويوحنكا‪ ،‬واتفقكا منعكا أن يعيشكا حيكاة النس ك عقكب انتهائهمكا‬

‫مككن الد ارسككة فككي أثينككا وعودتهمككا إلككى وطنهمككا‪ ،‬وبالضككافة الككى هككذا اسككتطاع أن‬

‫يحصل على علككم ومعرفككة كككبيرة مككن مختلككف انككواع العلككوم الككتى ككانت معروفككة فكى‬

‫عصره مثل البلغاة والفلسفة والطب‪.‬‬

‫وتبين كذلك الدور المهم الذي قامت ب ه أختكه الككبرى ماكرينكا معكه حيكن‬

‫عككاد مككن مدينككة أثينككا واشككتغل بمهنككة التككدريس فككي قيصككرية وأحككب مجككد العككالم‬

‫ل‪ ،‬فككاقتربت منككه‬


‫وانحككرف لككوقت قليككل عككن أهككدافه النسكككية الككتي اعككتزم عليهككا قب ن‬
‫وأخذت تكذكره بأهكدافه السكابقة‪ ،‬وأيقظتكه مكن غافلتكه وأشكعلت قلبكه بمحب ة الطريكق‬

‫النسكي من جديد‪ .‬وقد ساعدها في ذلك مككا جككرى مككن أحككداث تعرضككت لهككا عككائلته‬

‫أهمها مكوت والكده وأخيككه نيقراطيكوس ‪ ،‬وتحويكل بيكت العائلككة إلكى نبطككس إلكى ديكر‬

‫كبير برئاسكة أختكه ماكرينكا‪ ،‬وحكث أخيكه غاريغوريكوس لكه باعتنكاق الرهبنكة‪ .‬وككان‬

‫نتيجة كل هذا أن أفاق بازل مككن غافلتككه‪ ،‬وأخككذ يعككد نفسككه مككدة أخككرى لسككلوك حيككاة‬

‫النسككك‪ .‬وكككان عليككه أن يقككوم بد ارسككة النظككم الرهبانيككة الموجككودة فككي عصككره لكككي‬

‫يسككير علككى نهجهككا فقككام برحلتككه المشككهورة لزيككارة مككواطن الرهبنككة المسككيحية فككي‬

‫‪219‬‬
‫الشرق‪ ،‬وزار أديرة ونسكاك مصكر ومدين ة السككندرية وفلسكطين وسكوريا وبلد مكا‬

‫بين النهرين‪ ،‬واطلع على أنظمتهم الرهبانية واكتسب خبرات نسككاكهم‪ ،‬ثككم عككاد إلككى‬

‫بلده ليبدأ طريقه النسكي ويقيم نظامه الرهباني‪.‬‬

‫ومن خلل البحث فى سيرة بازل فى هذه المرحلة خرجت الدراسة بنتائككج‬

‫أخرى منها‪ ،‬أن اليهود المتنصرين هم أول من أدخل المسيحية فككى آسككيا الصككغرى‬

‫قبل الرسل‪ ،‬وأن الضطهاد الروماني الخير للمسيحية خرج من هكذا القليكم‪ ،‬إوالكى‬

‫جككانب ذلككك أوضككحت المكانككة العلميككة للمككدن الككتى تعلككم فيهككا بككازل‪ ،‬مثككل قيصككرية‬

‫والقسطنطينية وأثينا‪.‬‬

‫وتتبعككت الد ارسككة سكيرة بككازل منككذ تحككوله إلككى حيككاة النسككك حكتى تنصككيبه‬

‫مط ارنككا‪ ،‬ووجككدت أن هككذه الفككترة تنقسككم إلككى مرحلككتين أولهمككا حيككاته منككذ أن هجككر‬

‫العالم وتوجه إلى حيككاة النسكك وتنتهككي عنككد رسككامته كاهنككا‪ ،‬والمرحلككة الثانيككة تبككدأ‬

‫بنهاية المرحلة الولى ورسامته في الكهنوت وتنتهككي عنكد رسككامته رئيككس أسكاقفة‬

‫مدينة قيصرية كبادوكيا‪.‬‬

‫وقككد قككامت الد ارسككة بككالبحث عككن كككل مرحلككة مككن هككذه الم ارحككل مككن جهككة‬

‫ملمحها والعمال التي كان يقوم بها في خدمة كنيسكته ومجتمعكه‪ .‬وبالنسكبة إلكى‬

‫المرحلة الولى وهي الخاصة ببداية رهبنته أتضكح منهكا أنكه بكدأ ناسكنكا علكى نظكام‬

‫الجماعات النطونية الذي يقترب من نظام الوحدة في بعض عناصره‪ ،‬ويقترب من‬

‫نظام الشركة من نواحي أخرى‪ ،‬وقد تعرف على هككذا النظككام وتككدرب عليككه جيككندا فكى‬

‫‪220‬‬
‫رحل تككه الرهبانيككة لمصككر وفلسككطين وسككوريا وبلد مككا بيككن النهريككن‪ ،‬وفككي بنطككس‬

‫حيكككث صكككار ناسكككنكا فكككي إحكككدى الجماعكككات الرهبانيكككة الكككتي ككككان يقودهكككا ال ارهكككب‬

‫يوسابيوس‪ .‬وخلل وقت قصير استطاع أن يطور من ملمح الحياة الرهبانيككة فككي‬

‫بنطككس ويؤسككس أول شككركة رهبانيككة فيهككا وفككي إقليككم آسككيا الصككغرى كلككه‪ .‬ووضككع‬

‫قوانين لحياة الشركة لكي تسير عليها أديرته‪ .‬وصار أب للرهبنة البيزنطية‪.‬‬

‫ضا أنه في هذه المرحلة لم تككن حيكاة الرهبنكة تعكوقه وتشكغله‬


‫ووضح أي ن‬
‫عكككن خدمككة كنيسككته بقيصككرية‪ ،‬بككل اسككتطاع أن يعمككل بجكككد فككي خدمككة قضككاياها‬

‫وخاصكككة القضكككايا العقائديكككة‪ ،‬ولمكككا وجكككد أن الريوسكككيين يشكككتدون فكككي مهاجمكككة‬

‫الكنائس الشككرقية الرثوذكسككية اشككترك مككع صككديقه غاريغوريككوس فككي تككأليف كتككاب‬

‫الفيلوكاليا رندا على تهجماتهم‪ ،‬وكان باكورة أعمالهما العقائدية‪ ،‬ثكم قامكا فيمكا بعكد‬

‫ضكا‪ .‬وبعكد ذلكك أخكذ يتصككدى لجميكع‬


‫بتأليف العديد مكن العمككال فككي هكذا الشكأن أي ن‬
‫المجكككامع الكنسكككية المؤيكككدة للريوسكككية أمثكككال مجكككامع ميلن وسكككلوقيا وأرمينكككي‬

‫والقسكككطنطينية‪ .‬ورفكككض نكككص الهرطقكككة الريوسكككية الكككذي عكككرف باسكككم الدسكككتور‬

‫المككؤرخ‪ .‬وقككام بجهككود كككبيرة فككي تككدعيم وتقويككة العقيككدة الرثوذكسككية فككي نفككوس‬

‫وعقول الشكعب فكي مكدن قيصكرية وبنطكس وهرقاليكا وخلقكدونيا وأرمينيكا وأنطاكيكة‪.‬‬

‫ضا دخل في صراع مكع السككلطات المبراطوريككة بسكبب ميكولهم‬


‫وفي هذه المرحلة أي ن‬
‫ومناصرتهم للساقفة الريوسيين بداية مكن المكبراطور قسكطنطينوس‪ ،‬ومكن بعكده‬

‫المبراطور جوليان الذي ارتد عن المسيحية إلى الوثنية‪ ،‬إوالكى تقكويض المس يحية‬

‫‪221‬‬
‫وتحويككككل المسككككيحيين إلككككى الوثنيككككة‪ ،‬وإلككككى اسككككتمالت بككككازل إليككككه ولكككككن بككككازل‬

‫وغاريغوريوس الشيخ أسقف مدينة نيزين از اسككتطاعا أن يواجهككانه بشككجاعة وجككرأة‬

‫‪ ،‬المر الككذي نتكج عنككه إفشككال مخططككاته ضككد كنيسككة قيصككرية وشككعبها‪ ،‬وأن كككان‬

‫لحقها الضطهادات منككه لفككترة قصكيرة‪ .‬وعنككد نهايككة هككذه المرحلككة وبدايككة المرحلككة‬

‫الككتي تليهككا تمتككع بككازل بفككترة السككلم القصككيرة الككتي سككادت الكنيسككة فككي عصككر‬

‫المككبراطور جوفيككان الرثوذكسككي‪ ،‬وتلقككى رسككالة مككن البابككا أثناسككيوس السكككندري‬

‫يهنئه فيها باعتلء جوفيان العكرش‪ ،‬وبالسكلم الكذي شكمل الكنكائس الشكرقية كلهكا‬

‫على يديه‪.‬‬

‫أمككا بالنسككبة للمرحلككة الثانيككة الككتي تبككدأ عنككد سككيامته كاهنككا وتمتككد حككتى‬

‫رسامته رئيس أساقفة مطرانية قيصرية فيتضح منها أنه تقدم إلى درجة الكهنككوت‬

‫عككن اسككتحقاق بمككا كككان يملكككه مككن صككفات أخلقيككة طيبككة وثقافككة عاليككة وخككبرة‬

‫بالقضايا الدينية المختلفككة وحكمككة وقككوة شخصكية‪ ،‬وليككس عككن طريككق السككيمونية‪،‬‬

‫وكان يود أن يهرب من الكهنكوت لنكه ككان يعكده كرامكة ككبيرة ل يسكتحقها‪ .‬وككانت‬

‫هذه الصفات التي يتمتع بها سبنبا في حدوث صراع بينكه وبيكن أسككقفه يوسككابيوس‬

‫حديث العهكد بالرئاسككة الكهنوتيكة‪ .‬وعمكل الحاسكدون والحاقكدون علكى تعميكق هكذا‬

‫الصراع ‪ ،‬المر الذي دفعه إلى مغادرة قيصككرية والرحيككل إلككى أديرتككه ببنطككس وكككان‬

‫لهككذا التصككرف نتائككج عظيمككة أهمهككا أنككه سككمح لككه أن يككزور أديرتككه ويشككرف علككى‬

‫سير العمل فيها بنفسه‪ ،‬ويعطيها دفعات قوية نحو المام‪ .‬بالضككافة إلككى أنككه كككان‬

‫‪222‬‬
‫يأمل من وراء مغادرته المدينة أن يكون هككذا سككبنبا فككي تخفيككف حككدة الصككراع الككتي‬

‫اشتدت وشملت كل الفئات بها‪ ،‬إل أن ما تمنككاه لككم يتحقككق بككل أتككى بنتائككج عكسكية‬

‫فقد استغل الريوسيون فرصكة غايكابه عكن المدينكة وراسككلوا إلكى المككبراطور فكالنز‬

‫وأعلموه أن الفرصة مواتيككة لهكم لفكرض هرطقككاتهم علككى كنيسككة قيصكرية‪ ،‬وبالفعككل‬

‫جاء المبراطور إلى المدينة وحاول فرض المعتقد الريوسى‪ .‬وفي هذا الوقت أخككذ‬

‫غاريغوريوس النيزينزي يقوم بككدور الوسككيط بيكن بككازل وأسككقفه بهككدف مصككالحتهما‬

‫معككا‪ ،‬كتككب لمجهككوداته النجككاح وعككاد بككازل وتصككالح مككع أسككقفه وأخككذ يعمككل فككي‬

‫مواجهة المكبراطور والريوسكيين ونجكح فكي إقصكائهم عكن المدينكة‪ .‬وقكد أوضكحنا‬

‫ضككا أن ذلككك لككم يكككن السككبب الوحيككد فككي إقصككاء فككالنز عككن قيصككرية بككدون طائككل‬
‫أي ن‬
‫وأنما ككان يوجكد أس باب أخكرى هامكة ومنهكا نشكوب ثكورة بروكوبيكوس الكتى هكددت‬

‫بضككياع العككرش المككبراطورى مككن المككبراطور فككالنز‪ ،‬وحككدوث كككثير مككن الكككوارث‬

‫الطبيعية مثل الزلزل والفيضانات والجفاف والمجاعات وانتشار الوبئة‪.‬‬

‫ضككا أنككه فككي هككذه المرحلككة قككام بأعمككال عظيمككة أخككرى مثككل‬
‫وأتضككح أي ن‬
‫التصككدي لكارثككة مجاعككة شككديدة أصككابت قيصككرية ومككا جاورهككا مككن مككدن‪ ،‬وهككددت‬

‫بمككوت الف البشككر‪ ،‬إل أنككه اسككتطاع أن ينقككذ مككدينته منهككا‪ ،‬ولككم يكتككف بإشككباع‬

‫الشعب بالطعام المادي فقط بل أشبع أرواحهم مككن عظككاته الدينيككة الدسككمة‪ .‬المككر‬

‫الذي أدى إلى محبكة الشككعب لككه والتفككافهم حككوله والوقككوف بجككانبه ومسككاندته أمككام‬

‫السلطات الحكومية‪،‬المكر الكذى جعلكل السكلطات الحكوميكة تخشكى منكه‪ ،‬وتقيكم لكه‬

‫‪223‬‬
‫ضا أنه بعد وفاة المطككران يوسككابيوس أسككتطاع الرتقككاء‬
‫وزنان كبيرنا‪ .‬ومن النتائج أي ن‬
‫إلى كرسي المطرانية بتزكية من صكفاته الطيبكة ومسكاندة الشكعب والرهبكان وبعكض‬

‫الساقفة لككه الككذين منهككم غاريغوريككوس الشككيخ أسككقف نيزينكك از ويوسككابيوس أسككقف‬

‫سموساط‪ ،‬وبفضل جهود صديقه غاريغوريوس النيزينزى‪.‬‬

‫وفيما يتعلق بمطرانية بازل يمكن القول أنه تككولى منصككب المطككران علككى‬

‫مطرانيكككة قيصكككرية كبادوكيكككا فكككى عكككام ‪371‬م‪ .‬وأن الفكككترة الكككتى قضكككاها فكككى هكككذا‬

‫المنصب كانت مليئة بالعمل الجاد والمصاعب‪ ،‬وكان يدرك ذلك منذ البداية‪ ،‬ولذلك‬

‫مال إلى تقريب صديقه غاريغوريوس النيزينزى إليه؛ ليقف بجانبه فككى ادارة شككئون‬

‫المطرانية‪ ،‬لكن غاريغوريوس لم يستجيب له وفضل حياة الرهبنة عن النشغال فكى‬

‫أدارة الشئون الكنيسية‪.‬‬

‫وككان أول خطككر يتمثككل أمككامه بعككد تكوليه المطرانيكة هككو خطكر السككاقفة‬

‫الذين كانوا يعارضون توليته هذا المنصب‪ ،‬وقد أخذوا يناصبوه العداء منذ البدايكة‪،‬‬

‫وظلككوا يمثلككون لككه أحككدى العقبككات الصككعبة طككوال فككترة مطرانيتككه‪ ،‬وبككالرغام مككن هككذا‬

‫أستطاع التغلب عليهم فى مواقف كثيرة باستخدامه لبعض الوسككائل الحسككنة‪ ،‬مثككل‬

‫أساليب الوعظ و الرشاد مع من تناسبه هذا الساليب‪ ،‬وأسكتخدام أسكاليب الشكدة‬

‫الممزوجة بالحكمة مع من تناسكبه‪ ،‬المكر الككذى أدى إلكى نتائككج ايجابيكة ككبيرة‪ ،‬أذ‬

‫تمكن من اخضاع كثير منهم اليه‪ ،‬وقضى على عنادهم‪.‬‬

‫ولم يكد ينتهى من عناد الساقفة له حتى واجهته صككعوبة أخككرى وهككى‬

‫‪224‬‬
‫الخاصكة بصكراع الهراطقكة ضكد الكنككائس الرثوذكسككية‪ ،‬وقكد تمكككن مكن مككواجهتهم‬

‫والتغلب عليهم فى جولت عديدة‪ ،‬إل أن هكذا الصكراع لكم ينتكه عنككد هكذا الحكد‪ ،‬بكل‬

‫استمر طوال فترة مطرانيته‪ ،‬وتسبب فى متاعب كثيرة له‪ ،‬ولكنككه لككم يكككن يكككف عككن‬

‫مواجهته‪.‬‬

‫و قد أدى إنضمام المبراطور فالنز الى الأساقفة الأريوسيين إلى زيككادة‬

‫حدة هذا الصراع ‪ ،‬وأشتعلت ناره وتأججت عندما تفرغ المبراطور لككه وبككذل أقصككى‬

‫ما فى وسعه لنصرة الريوسية‪ ،‬وفى سبيل هذا أصطدم ببككازل للمككرة الثانيككة‪ ،‬وبككذل‬

‫محككاولت عديككدة فككى تحككويله للريوسككية‪ ،‬وأسككتخدم معككه كككثير مككن أسككاليب الليككن‬

‫شل زريعككا‪ ،‬ولككم يسككتطع هككو أو‬


‫والتملق والشدة و العنف‪ ،‬إل أنه فشل فى سعيه ف ن‬
‫أساقفته الريوسيين أو قواده واشهرهم القائد مودستوس أو حاشكيتته ومستشكاريه‬

‫وقضاته وفلسفته السوفسطائيين من أن ينالوا من معتقده أو كنيسته‪ ،‬وباءت كل‬

‫محاولتهم لنفيه بالفشل‪.‬‬

‫وقكككد أدى تقسكككيم فكككالنز لوليكككة كبادوكيكككا إلكككى وليكككتين إلكككى نتائكككج بالغكككة‬

‫الصعوبة علكى شكعب الوليكة وعلكى بكازل نفسكه‪ ،‬ومكن حيكث نتائجهكا السكيئة علكى‬

‫الشككعب فقككد أدت إلككى زيككادة الضككرائب الككتى يككدفعونها للدولككة بمككا يفككوق قككدراتهم‬

‫واحتمالهم‪ .‬أما من جهة تأثيرها السيىء على بازل فقد أدت الى خروج قسم كبير‬

‫مككن البيرشككيات الخاضكعة لككه مكن تحكت سككلطانه الكنسككى‪ ،‬وشككعر أن هكذا التقسككيم‬

‫أنما موجه ضده من المبراطور وغارضه أضعاف سلطته علككى مطرانيتكه‪ ،‬وهككو مككا‬

‫‪225‬‬
‫يؤدى إلى اضعاف اليمان فى صدور الناس‪ ،‬ويسهل تحويلهم إلى الأريوسية‪.‬‬

‫كما كان من أهم نتائج هذا التقسيم حدوث صككراع بيكن بككازل وأنككتيموس‬

‫مطران ولية كبادوكيا الثانية‪ ،‬بشأن الحدود الكنيسية لكل منهما‪ ،‬وتمكن بازل من‬

‫التغلب على هذا الصراع بعدة طرق‪ ،‬منها انشاء العديككد مككن البيرشككيات الجديككدة‪،‬‬

‫وتنصيب كثير من رجال الدين‪ ،‬وكككان هككدفه مككن وراء ذلككك زيككادة الهتمككام بالحالككة‬

‫الروحيككة لشككعبه‪ ،‬والتحككالف مككع المطككران أنككتيموس والعمككل معككه فككى تقويككة ايمككان‬

‫اشعبهما‪ ،‬ومواجهة الهراطقة‪ .‬وهكذا خاب أمل المبراطور فالنز فى تحقيق أهدافه‬

‫ضا‪.‬‬
‫فى هذه المرة أي ن‬

‫وككذا أسكتمر بكازل يعمكل فى خدمكة القضكايا الجتماعي ة لشكعبه‪ ،‬وواجكه‬

‫العديككد مككن المصككاعب الككتى كككانت تككؤلم النككاس‪ ،‬ومنهككا الفقككر والمككرض والبطالككة‪،‬‬

‫وكان يتصدى لكل هذه الصعوبات بذكاء وحكمككة‪ ،‬ويقككف بشككجاعة أمككام السككلطات‬

‫عندما تقوم بأصدار ق اررات أوتتبنى سياسات ل تعود بالنفع على الشعب‪ ،‬وتتسككبب‬

‫فى الحاق الضرر به‪ ،‬وكان يتحككدث دائنمككا بأسككم شككعبه‪ ،‬ويككدافع عنككه أمككام جككامعى‬

‫الضرائب عندما يزيدون فى جباية الضريبة‪ ،‬أو عنككدما يجمعونهككا بالقسككوة‪ ،‬ويقككف‬

‫امام القضاة عندما يخالفون الشرائع‪ ،‬ويحكمون بالظلم على الرعية‪ ،‬بل وقف أمام‬

‫الككولة والقككادة والمككبراطور نفسككه للككدفاع عككن عقيككدته وعقيككدة الشككعب وحقككوقه‪.‬‬

‫وخير شاهد على أعماله هذه ما أحتوته هذه الدراسة‪ ،‬وتلك المدينكة العجيبكة الككتى‬

‫أسسكها بكالقرب مكن قيصكرية بغكرض معالجكة المرضكى وايكواء المشكردين ومسكاندة‬

‫‪226‬‬
‫المعككدمين وتكوفير فككرص العمككل للعككاطلين‪ ،‬وكككذلك تلكك المكدن الككتى شكجع أسككاقفته‬

‫ضا‪.‬‬
‫على انشائها فى اسقفياتهم لنفس هذه الغاراض أي ن‬

‫وقد أدت كل هذه الصعوبات والمشاكل والقضايا والعمل المتواصل لبازل‬

‫لجككل خدمككة الكنيسككة وخدمككة وطنككه‪ ،‬بالضككافة إلككى اشككتداد المككبراطور فككالنز فككى‬

‫اضطهاد المسيحيين الرثوذكسكيين حكتى إلكى نهايكة حكمككه‪ ،‬وأنكدلع الحكروب بيكن‬

‫المبراطورية والقككوط‪ ،‬إلككى إنهككاك صكحتة فكى سكن مبككرة‪ ،‬وبككدأ المككوت يقكترب منكه‬

‫وهو فى متوسط العمر‪ ،‬وزاد ضككعفه وزادت مهاجمككة المككراض لككه‪ ،‬حكتى أنككه قبككل‬

‫وفاته بسنوات قليلة جعل يشكو مرات كثيرة من تدهور حالته الصحية بشدة‪.‬‬

‫ضا من سيرة بازل فى هككذه الفككترة أنككه عككاش حككتى رأى هزيمككة‬
‫ويتضح أي ن‬
‫فككالنز ومصككرعه فككي موقعككة أدرنككابوليس‪ ،‬وتخلككص الكنيسككة المسككيحية مككن عككدائه‬

‫ضككا بككدايات‬
‫لهككا‪ ،‬وكككان هككذا نصكك نار كككبي نار للرثوذكسككية علككى الريوسككية‪ ،‬وشككهد أي ن‬
‫عصككر المككبراطور جراتيككان‪ ،‬ولمككس تسككامحه الككدينى الككذى أكككده بإنهككاء اضككطهاد‬

‫الكنائس‪ ،‬إواطلق سراح الساقفة المنفيين‪ ،‬وردهم إلى كراسيهم‪ .‬و أن بازل توفى‬

‫في يكوم السكادس مكن ينايرعكام ‪379‬م‪ ،‬أو علكى أككثر تقكدير فكي الفكترة المحصكورة‬

‫بين اليوم الول إلى اليوم الخامس عشر من الشهر نفسه‪.‬‬

‫قوائم المصادر والمراجع‬


‫قائمة الختصارات‬
‫‪Augustin‬‬
‫‪.Aug‬‬

‫‪227‬‬
Basil The Great
.Bas

Catholic Encyclopedia
.Cath. Enc

Encyclopedia Britannica
.Enc. Brit

Encyclopedia of Early Christianity


.Enc. Ear. Chris

Epistle
.Ep

Eusebius
.Eus

Gregory Of Nazianzus
Gr.Naz
Gregory Of Nyssy
.Gr. Niss

Hexaemeron
.Hex

International Standard Bible Encyclopedia

228
.Inter.Stand.Bib. Enc

John Cassian
.Cass

Jewish Encyclopedea
.Jew. Enc

Life Of ST.Macrina
. Mac

Nicene And Post- Nicene Fathers


.N.B.N.F

Oration
.Or

Philostorgius
.Philos

Series
.Ser

Socrates
.Soc

Sozomenus
229
.Soz

The Modern Catholic Encyclopedia


.M.C.E

The Oxford Dictionary Of The Christian Churc


.Oxf. Dic. Ch

Theodret
.Theod

‫دوائر المعارف والقواميس‬

Catholic Encyclopedia, ed. by, Robert Appleton


.Company, 16 Vol. New York, 1907-1912

Dictionary of Greek and Roman Biography and


Mythology , ed. by,William Smith, , 3 Vols. London,
230
1870.

Encyclopedia Britannica,22vol.,&
Index,Chicago,1968.

Encyclopedia of Early Christianity , Second Edition ,


Ed . by , Everett Ferguson , New York ,London , 1998.

International Standard Bible Encyclopedia, Ed. by,


Orr James,6 Vols. U.S.A, 1915.

Jewish Encyclopedia, ed. by Isidore Jinger , 10 Vols. New


York, 1901-1903

The Modern Catholic Encyclopedia,ed. by: MiChael


Glazier & Monica K.Hellwing, The Liturgical Press,
Minnesota 1994.

The Oxford Dictionary of The Christian Church ,Ed.


by, F.L. Cross And E. A Livingston, 2 Ed. London,
New York, Toronto, 1974.

1 ‫ أجكككزاء ج‬8 ،‫ المشكككرف العكككام جميكككل مكككدبك‬،‫موسكككوعة الديكككان فكككي العكككالم‬


(2000 ، ‫ن‬.‫ د‬:‫)الديانات القديمة( )بيروت‬

،‫ المحرر بطرس عبد الملك‬،‫قاموس الكتاب المقدس‬


(1991،‫ دار الثقافة‬: ‫الطبعة السابعة )القاهرة‬

‫المصادر الجنبية‬

231
,Ammianus Marcellinus

The Surviving Books Of The History Of -


Ammianus Marcellinus, With An English Trans.by John
C Rolfe .3 vol. vol.2,3. (London,1937,1939)

,Athanasius

Ep.63 (To Palladius)Trans. With Not.by -


Archibald Robertson,in(N.B.N.F.)2nd Ser.vol.4

,Basil The Great

Ascetical Works,Trans.by,Sister M.Monica -


.Wagner,U.S.A.,1975

The Hexaemeron,Trans.With Not.By Blomfield -


.Jackson, In, (N.P.N.F) V.8

,ST.Basile Le Grand

Homelies,Discours Et Lettres Choisis De S. -


Basile-Le-Grand, Trans.By,M.L.Abbe Auger,In
Homelies,Discours Et Lettres Choisis De S. Basile- Le-
Grand,(Lyon,1827)

-Homelies sur les Pasumes, Introduction, Trad.et


Not. par, LUC Bressard, (Paris, 1997)

,Clement Of Alexandria
232
The Stromata,Choronologically Arranged With -
Noted, And Elucidations by A.Cleveland Coxe,In
.( A.N.F.)2nd ser.vol.2

,Eusebius of Caesarea

History Of The church transs.by,C Giffert, -


.in( N.P.N.F.),2nd ser., Vol. 1
Eunapius,

-Lives of The Philosophers and Sophists, Trans.


And Introd. By Wilmer Cave Wright, 5th Printing ,
(UK.,1921)

Flarius Josephus,

-Antiauities of the Jews. Trans. By, William


Whitson, In: Josephus Complate Works, ed. By: J. I.
Packor and Merrill C. Tenny, (U.S.A, 1998)

-The Wars of Jews. Trans. By, William Whitson,


In: Josephus Complate Works, ed. By: J. I. Packor
and Merrill C. Tenny, (U.S.A, 1998)

,Gregory Of Nazianzus
Correspondence With S.Basil The Great, Trans. -
With Not.by, Charles Gordon
Browne And James Edward Swallow,In (N.P.N.F.) 2nd
.ser.vol.7

233
De Vita sua, in: Gr.Naz.,Three poems,Trans.By -
.Denis Molaise Meehan, Washington, 1987
Or.18 (On The Death Of His Father) ,Trans.,by -
CharlesGordon Browne And James Edward Swallow ,
.In(N.P.N.F.)2nd ser.vol.7

Oration.21(On Athanasus The Great) Trans.,by -


Charles Gordon Browne And James Edward
.Swallow,In(N.P.N.F.)2nd ser.vol.7. ser.vol.7

Oration18,( On The Death Of His Father) -


Trans. With Not.by, Charles Gordon Browne And
.James Edward Swallow,In (N.P.N.F.) 2nd ser.vol.7

Oration,43,The Panegyric On ST. Basil,Trans. -


by, Charles Gordon Browne And James Edward
.Swallow,In(N.P.N.F.) 2nd ser.vol.7

,Gregory The Elder

Letter To The Governon Of Caesarea,in Gr.Naz. -


.Or.18, on(N.P.N.F.)2nd ser. Vol.7

,Gregory Of Nyssy

The Life Of ST.Macrina,Trans.by,W.K. Lowther -


.Clarke,London,1916

234
,Aeulogy For Basil The Great, Critical Study by -
Otto Lendle, In Gregorii Nysseni Opera, Pub.by
.E.J.Brill,Leiden,1990,vol.x,Tomus

Against Eunomius, Trans.by William Moore -


.And Henry Austin In (N.P.N.F,)2nd ser.,Vol.5

The Letters, Trans. Introd.Not . And Indexes -


By,William Moore And Henery Austin Wilson ,In
.(N.P.N.F.)vol.5

Jerome,

- Lives Of Illustrious Men, Trans. With Introd. And


Not
.by,ErnestcushingRichardson,In(N.P.N.F.)2 ndser.vol
.3.

,John Bishop Of Nikiu-

Chronicle,Tran.From Zotenberg, Ethiopic Text -


by, R.H.Charles,D.Litt. (London,1916)

,Philostorgius

History of The Church ,Trans. By Edward -


.Walford , (London,1855)

Pliny The Yonger,

235
-Letter to Emperor Trajan, dated on 112,A.C., In:
Pliny The Younger , The Letter of the Younger Pliny,
Trans. By Botty Rodice, (UK., 1963.)

,Rufinus of Aquilea

Church History, Trans. By: Philip R. Amldon, -


(USA, 1997)

,Socrates

History Of The church transs.by,C Giffert, -


.in( N.P.N.F.),2nd ser., Vol.2
,Sozomenus

History Of The church, Revised trans.by,Chester -


.D.Hartranft, in (N.P.N.F.) 2nd ser., Vol. 1

,Theodret

History Of The church Revised translate with -


.Notes By: A.C.Zenos, in( N.P.N.F.),2nd ser., Vol. 2
‫المصادر العربية والمعربة‬
‫ الكتاب المقدس‬-
‫ السنكسار القبطى‬-
(‫ باسيليوس الكبير )القديس‬-
‫ نسكياته‬- ‫ باسيليوس الكبير )حياته‬: ‫ بكتاب دير السريان‬,‫ نسكياته‬-
236
‫قوانينه الكنيسية(الطبعة الثانية‪ ,‬دير السريان‪.2003،‬‬
‫رسالة الى الشباب‪ ،‬ترجمة ناجى اسحق‪ ،‬تقديم نيافة النبا موسى اسقف ‪-‬‬
‫الشباب‪ ،‬الطبعة الولى ) القاهرة‪ :‬مكتبة اسقفية الشباب‪(1994،‬‬

‫‪ -‬غاريغوريوس ) صديق غاريغوريوس النيزينزى (‬


‫‪ -‬مديح فى القديس الفاضل غاريغوريوس الثاؤلوغاوس‪ ،‬فى كتاب‪:‬‬
‫القديس غاريغوريوس الناطق باللهيات‪ :‬ميامر‪ ،‬من مخطوطات دير المحرق‪،‬‬
‫أعده للنشر راهب من دير المحرق‪ ،‬جزاءن ‪.2003 ،‬‬

‫‪ -‬غاريغوريوس اللهوتى النزينزى )القديس(‬


‫‪ -‬الخطاب الول ضد يوليانس‪ ،‬تعريب السقف واستفانوس حداد‪ ،‬فى‬
‫كتاب مختارات من القديس غاريغوريوس اللهوتى النزينزى ) بيروت‪:‬‬
‫منشورات النور‪( 1994،‬‬
‫‪ -‬الخطاب الثانى ضد يوليانس‪ ،‬تعريب السقف واستفانوس حداد‪ ،‬فى‬
‫كتاب‪ ،‬مختارات من القديس غاريغوريوس اللهوتى النزينزى‪.‬‬

‫‪ -‬غاريغوريوس النيسى )القديس(‪ :‬الروح والقيامة‪ ،‬ترجمة الب أشعياء ميخائيل‬


‫)القاهرة‪ :‬كنيسة مارجرجس بالظاهر‪(1995،‬‬

‫المراجع الجنبية‬

‫‪,Clarke, W.K.Lowther‬‬
‫‪ST.Basil The Great A Study In -‬‬
‫‪Monasticism,Cambridge,1913‬‬

‫‪Gardner,Alice,‬‬
‫‪237‬‬
- Julian, Philosopher and Emperor and the Last Struggle
of Pasonism Against Christianty, London 1895.

Hanrahan,James,
S.T. Basil The Great, A life with Excerpts from His
Works, 4 Parts, The Basilian Press (Toronto 1979)

,Meredith,Antony
.The Cappadocians,New York ,2000-

Mogarth,D.G.,
-The Near East, London, 1905.

,.Morison, E.F
ST.Basil And His Rule AStudy In Early -
.Monasticism,Oxford,1912

,Ramsay, Sir William


.The Historical Geography of Asia Minor, London 1890-

,Rousseau, Philip
-Basil Of Caesarea,Callifornia,1993.

Runciman, Steven,
- Byzantine Civilization, (London, 1933), p. 223; Robert
Byron, The Byzantine Achievement, (London, 1929)

:‫المراجع العربية والمعربة‬

(‫إسحاق إبراهيم عجبان )دكتور‬ 


،‫ معهد الدراسات القبطية‬:‫ نحو منهج علمي للبحث في التاريخ القبطي )القاهرة‬-
(1993

238
‫أسد رستم )دكتور(‬ ‫‪‬‬
‫‪ -‬كنيسة مدينة ال أنطاكية العظمى‪ 3 ،‬أجزاء‪ ،‬ج ‪) 1‬لبنان‪ :‬المكتبة البوليسية‪،‬‬
‫‪(1988‬‬

‫إلياس كوتير المخلصى )الب(‬ ‫‪‬‬


‫‪ -‬القديس باسيليوس مشترع كبير للحياة الرهبانية‪ ،‬في كتابه‪ :‬القديس‬
‫باسيليوس الكبير‪ :‬حياته ‪ ،‬أبحاث عنه‪ ،‬مواعظه‪ ،‬سلسلة الفكر المسيحي‬
‫بين المس واليوم ) لبنان‪ :‬المكتبة البوليسية‪(1989 ،‬‬

‫بيجول السرياني ) الراهب(‬ ‫‪‬‬


‫‪ -‬صانع العجائب‪ ،‬مكتبة دير السريان ‪1998‬‬

‫تادرس يعقوب ملطي )الب(‬ ‫‪‬‬


‫‪ -‬غاريغوريوس اسقف نيصص )السكندرية ‪:‬الكلية الكليريكية‪(1993،‬‬
‫‪ -‬قاموس آباء الكنيسة‪ 5 ،‬أجزاء )السكندرية‪ ،‬كنيسة مارجرجس‪ ،‬اسبورتنج‪،‬‬
‫‪(1986‬‬
‫‪ -‬الخط الجتماعي عند آباء الكنيسة الولى‪) ،‬السكندرية‪ ،‬كنيسة‬
‫مارجرجس ‪ ،‬اسبورتنج‪(2005 ،‬‬

‫رأفت عبد الحميد )دكتور(‬ ‫‪‬‬


‫‪ -‬الدولة و الكنيسة‪ -‬قيصر والمسيح ثلثة أجزاء‪ ،‬ج ‪) 1‬القاهرة‪ :‬دار قباء‪،‬‬
‫‪( 2001‬‬

‫زبيده عطا )دكتور(‬ ‫‪‬‬

‫‪239‬‬
‫‪ -‬الدولة البيزنطية من قسطنطين إلى أنستاسيوس‪ ،‬دار الفكر العربي‪،‬‬
‫جامعة المنيا‪.‬‬

‫زكي شنودة )دكتور(‬ ‫‪‬‬


‫‪ -‬المجتمع اليهودي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة الخانجي‪.1980،‬‬

‫سعيد عبد الفتاح عاشور )دكتور(‬ ‫‪‬‬


‫‪ -‬محاضرات في تاريخ المبراطورية البيزنطية )بيروت‪ :‬جامعة الدول‬
‫العربية‪(1974 ،‬‬

‫غاريغوريوس )النبا(‬ ‫‪‬‬


‫‪ -‬موسوعة النبا غاريغوريوس‪ ،‬المجلد الرابع‪ ،‬الدراسات الفلسفية )القاهرة‪:‬‬
‫مكتبة النبا غاريغوريوس‪(2004 ،‬‬

‫قوتلى دوغاان‬ ‫‪‬‬


‫‪ -‬تركيا‪ ،‬ترجمة فاتح توركجان )تركيا‪ :‬وكالة تورك خبرلر‪(2002،‬‬
‫ماهر عبد القادر محمد وحربى عباس عطيتو )دكتور(‬ ‫‪‬‬
‫‪ -‬دراسات فى فلسفة العصور الوسطى ) السكندرية‪ :‬دار المعرفة الجامعية‪،‬‬
‫‪( 2004‬‬

‫م‪.‬ب‪ .‬تشارلز وورث‬ ‫‪‬‬


‫‪ -‬المبراطورية الرومانية‪ ،‬ترجمة رمزى عبده جرجس‪)،‬القاهرة ‪ :‬مكتبة السرة‪،‬‬
‫‪(1999‬‬

‫محمد خميس الزوكة )دكتور(‬

‫‪240‬‬
‫‪ -‬جغرافية آسيا‪) ،‬السكندرية‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪(2000 ،‬‬

‫نورمان بينز‬ ‫‪‬‬


‫‪ -‬المبراطورية البيزنطية‪ ،‬ترجمة حسين مؤنس و محمود يوسف زايد‬
‫)القاهرة‪ :‬لجنة التأليف والترجمة والنشر‪(1950،‬‬

‫ول ديورانت‬ ‫‪‬‬


‫‪ -‬قصة الحضارة‪ ،‬ترجمة زكي نجيب محمود ومحمد بدران‪ 42 ،‬جزء‪،‬‬
‫في ‪ 22‬مجلد‪ ،‬المجلد الثاني إلى السادس )القاهرة‪ :‬الهيئة المصرية‬
‫العامة للكتاب‪(2001 ،‬‬
‫يوحنا سلماة )القمص(‬
‫‪ -‬اللىء النفيسة فى شرح طقوس و معتقدات الكنيسة‪،‬الطبعة الرابعة‪،‬‬
‫جزاءان )القاهرة ‪ :‬مكتبة مارجرجس‪( 1979،‬‬

‫‪241‬‬

You might also like