You are on page 1of 73

‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫تقديم‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على إمام المرسلين‪ ،‬المبعوث بالكتاب‬
‫والسيف بين يدي الساعة رحمةً للعالمين‪ ،‬وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين‪ ،‬وسلِّم‬
‫تسليماً كثيراً‪ ،‬وبعد‪..‬‬
‫فال يزال اهلل سبحانه بمنّه وكرمه‪ ،‬ينبهنا بإشارات إلى أن هذه الدولة المباركة هي‬
‫عنوان التجديد في هذا الزمان‪ ،‬فتنظر فترى رجاالً يحملون أرواحهم على أكفهم‪ ،‬لتكون‬
‫كلمة اهلل هي العليا‪ ،‬ثم تكرر النظر لترى عزائم قوية‪ ،‬وهمماً صادقةً تبعث نور اإليمان‬
‫ليقضي على دلجة الكفر والعصيان‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ولقد أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت‬
‫تدري ما الكتاب وال اإليمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا)‪.‬‬
‫وإنك لَتُسرُّ وتُقرّ عينُك من واقع الناس اآلن في ربوع دولة اإلسالم‪ ،‬حيث سرت فيهم‬
‫روح التوحيد من جديد‪ ،‬وأضاءت فيهم أنوار العلم والمعرفة‪ ،‬وما الواقع الدعوي فيها إال‬
‫مشهدٌ من هذه المشاهد النيرة المباركة‪.‬‬
‫ولقد أحسن مسؤولوا ديوان الدعوة والمساجد‪ ،‬إذ اهتموا أن يعلموا الناس مهمات الدين‪،‬‬
‫من خالل هذا الحديث العظيم الجامع "حديث جبريل" ليدلُّوا السالك على سواء السبيل‪.‬‬
‫ولقد قرأناه فألفيناه كتاباً قيّماً‪ ،‬جامعاً‪ ،‬حقيقاً بالنشر واالطالع والتعليم‪ ،‬أسأل اهلل أن‬
‫ينفع به‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫قدّم له‬
‫نائب رئيس ديوان البحوث واإلفتاء‬

‫‪1‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫الحمد هلل الذي أنعم علينا بخير كتاب أنزل‪ ،‬وأكرمنا بخير نبي أرسل‪ ،‬وجعلنا باإلسالم خير أمة أخرجت‬
‫للناس‪ ،‬نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن باهلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول اهلل وآله وصحبه ومن وااله‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫إن هذا الكون بكل ما فيه‪ ،‬ومجراته وكواكبه‪ ،‬سماؤه وأرضه‪ ،‬إنسه وجنّه‪ ،‬لم يكن وجوده عبثاً وال صدفة‬
‫في األمر‪ ،‬بل ما جعله الخالق إال ألمر عظيم البد منه‪ ،‬فإن لم يكن هذا األمر موجوداً‪ ،‬لم يستحق هذا الكون‬
‫ومن فيه الوجود‪.‬‬
‫وألجل تأكيد هذا األمر وتحقيق وجوده في هذا الكون‪ ،‬أرسل اهلل الرسل‪ ،‬وأنزل اهلل الكتب‪ ،‬وشرِّعت الشرائع‪،‬‬

‫وانقسم الناس إلى متبع مؤمن‪ ،‬ومخالف كافر‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬﭼ‬
‫‪ ،‬والذي لن يقبل من أحد بعده‬ ‫ومن جملة هؤالء الرسل؛ بل آخرهم وأفضلهم وأحبهم إلى اهلل محمد‬
‫أن يدين بغير شريعته‪.‬‬
‫وقد تنوعت صور إيصال هذا األمرِ للناس عن طريق الرسل‪ ،‬فتارةً يكلّم اهلل النبي كالماً مباشراً‪ ،‬كما حصل‬
‫‪.‬‬ ‫لموسى عليه السالم‪ ،‬وتارةً بواسطة الوحي جبريل عليه السالم‪ ،‬كما كان يحدث مع النبي‬
‫وقد جاءه جبريل عليه السالم ذات مرة في صورةٍ من أروع الصور‪ ،‬يتمثل فيها على هيئة البشر‪ ..‬ففي‬
‫قال‪ :‬بينما نحن جلوس عند‬ ‫الحديث الذي رواه مسلم‪ ،‬والنسائي والترمذي وغيرهم‪ ،‬عن عمر بن الخطاب‬
‫ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب‪ ،‬شديد سواد الشعر‪ ،‬ال يرى عليه أثر السفر‪،‬‬ ‫رسول اهلل‬
‫فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫وال يعرفه منا أحد‪ ..‬حتى جلس إلى النبي‬
‫‪ " :‬اإلسالم أن تشهد أن ال إله إال اهلل وأن محمداً رسول‬ ‫يا محمد‪ ،‬أخبرني عن اإلسالم‪ ،‬فقال رسول اهلل‬
‫اهلل‪ ،‬وتقيم الصالة‪ ،‬وتؤتي الزكاة‪ ،‬وتصوم رمضان‪ ،‬وتحج البيت إن استطعت إليه سبيالً"‪ ،‬قال‪ :‬صدقت‪.‬‬
‫فعجبنا له يسأله ويصدقه‪ ..‬قال‪ :‬فأخبرني عن اإليمان‪ .‬قال‪" :‬أن تؤمن باهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪،‬‬
‫واليوم اآلخر‪ ،‬وتؤمن بالقدر خيره وشره"‪ ،‬قال‪ :‬صدقت‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني عن اإلحسان‪ .‬قال‪" :‬أن تعبد اهلل‬
‫كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"‪ ،‬قال‪ :‬فأخبرني عن الساعة‪ .‬قال‪" :‬ما المسؤول عنها بأعلم من‬
‫السائل"‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني عن أماراتها‪ ،‬قال‪ " :‬أن تلد األمة ربتها‪ ،‬وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء‬
‫يتطاولون في البنيان"‪ .‬ثم انطلق فلبثتُ ملياً‪ ،‬ثم قال‪" :‬يا عمر‪ ،‬أتدري من السائل؟ "‪ ،‬قلت‪ :‬اهلل ورسوله‬
‫‪.‬‬ ‫أعلم‪ .‬قال‪" :‬فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم"‪.‬‬
‫وعند النسائي‪( :‬فإنه جبريل عليه السالم أتاكم ليعلمكم أمر دينكم)‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫اإلسالم‬

‫أن تشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن محمدًا رسول اهلل‬


‫أن تشهد (أن ال إله إال اهلل) معناها‪ :‬ال معبود بحق إال اهلل‪.‬‬

‫أي‪ :‬ال أحد يستحق أن تصرف له عبادة من العبادات؛ إال اهلل وحده‪.‬‬
‫وحتى نفهم هذا المعنى جيداً نحتاج إلى معرفة معنى العبادة‪.‬‬
‫العبادة‪ :‬اسم جامع لكل ما يحبه اهلل ويرضاه‪ ،‬من األقوال واألفعال الظاهرة والباطنة (كالصالة‬
‫– الدعاء – الذبح – التوكل – الخوف)‪ ،‬فمن صلى أو دعا أو ذبح لغير اهلل‪ ،‬فهو لم يحقق شهادة أن‬
‫ال إله إال اهلل حتى وإن قالها بلسانه‪.‬‬
‫فهذه الكلمة العظيمة قائمة على ركنين‪:‬‬
‫الـــركن األول‪" :‬ال إله" نافياً جميع ما يُعبد من دون اهلل (وهو الكفر بالطاغوت)‪.‬‬
‫الركن الثاني‪" :‬إال اهلل" مُثبتاً العبادة هلل وحده ال شريك له‪.‬‬
‫فالبدّ على اإلنسان قبل أن يثبت العبادة هلل من أن يكفر بالطاغوت‪،‬‬

‫ودليل ذلك قول اهلل عز وجل‪ :‬ﭽﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﭼ‬


‫لكن السؤال‪ :‬ما هو الطاغوت؟ وكيف نكفر به؟‬
‫الطاغوت‬
‫‪ ‬لغة‪ :‬مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد‪.‬‬
‫‪ ‬اصطالحا‪ :‬ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع‪.‬‬
‫فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير اهلل ورسوله‪ ،‬أو يعبدونه من دون اهلل أو يتبعونه‬
‫على غير بصيرة من اهلل‪.‬‬
‫‪ ‬أقسامه‪ :‬ينقسم إلى ثالثة أقسام‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬طاغوت العبادة‪ :‬وهو كل ما عُبِدَ من دون اهلل من شيطان‪ ،‬أو إنسان حي أو ميت ‪ -‬ويشترط في‬
‫اإلنسان أن يكون راضيا بعبادتهم ‪ -‬أو حيوان‪ ،‬أو جماد من شجر أو حجر‪ ،‬أو كوكب من الكواكب ‪...‬‬

‫‪3‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫سواء عُبِدَ بتقديم القرابين له أو بدعائه أو بالصالة له من دون اهلل‪ ،‬ودليل ذلك قوله تعالى‪ :‬ﭽﮛ‬

‫ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﭼ‬
‫ثانياً‪ :‬طاغوت الحكم‪ :‬وهو كل ما تُحُوكِمَ إليه من دون اهلل من دستور شركي أو قانون وضعي أو حاكم‬

‫بغير ما أنزل اهلل‪ ،‬سواء كان سلطاناً أو قاضياً أو غيرهما‪ ،‬ودليل ذلك قوله تعالى‪ :‬ﭽﭟﭠﭡ‬

‫وقوله تعالى‪ :‬ﭽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭼ‬ ‫ﭢﭣﭼ‬


‫ثالثاً‪ :‬طاغوت المتابعة‪ :‬ومثاله متابعة علماء السوء في تحليل الحرام وتحريم الحالل‪ ،‬وتشريع أحكام‬
‫الطواغيت من الديمقراطية والقوانين الوضعية‪ ،‬وال بدّ أن يعلــم المرء أنّ التشريــــع من‬

‫خصــــائص اهلل جلّ و عال‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬

‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ‬
‫وقوله تعالى‪ :‬ﭽﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﭼ‬
‫وقد جاء في تفسير هذه اآلية أن األحبار والرهبان أحلوا ما حرم اهلل وحرموا ما أحلَّ اهلل فبهذا‬
‫اتخذهم الناس أربابا من دون اهلل‪.‬‬
‫والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة‪:‬‬
‫‪ -‬الشيطان‪.‬‬
‫‪ -‬الحاكم المغير ألحكام اهلل‪ ،‬ومثله المُشَرِّع‪.‬‬
‫‪ -‬الحاكم بغير ما أنزل اهلل‪.‬‬
‫‪ -‬الذي يدَّعي علم الغيب من دون اهلل‪.‬‬
‫‪ -‬الذي يُعبد من دون اهلل وهو راض بذلك‪.‬‬
‫صفة الكفر بالطاغوت‪ :‬تكون بـ‪:‬‬
‫‪ ‬اعتقاد بطالنها‪.‬‬
‫‪ ‬تركها والتبرؤ منها‪.‬‬
‫‪ ‬بُغضها وعداوتها‪.‬‬
‫‪ ‬تكفير أهلها‪.‬‬
‫‪ ‬معاداتهم في اهلل‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫والدليل قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬

‫ﯔﯕﯖﯗﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯥﯦ ﯧﯨ ﯩ‬
‫ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﭼ‬
‫إذاً فمن لم يحقق هذه الصفة لم يكن مؤمناً باهلل كافراً بالطاغوت‪ ،‬بل العكس‪ ،‬ألن اإليمان‬
‫بالطاغوت واإليمان باهلل ضدان ال يجتمعان في قلب إنسان أبداً‪ ،‬إذ ال يمكن أن يوصف الشخص بأنه‬
‫مشرك وموحد في نفس الوقت‪ ،‬بل البد له من أحد الوصفين ال محالة‪ ،‬إذ ال ثالث لهما‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬

‫وقوله‪ :‬ﭽﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﭼ‬ ‫ﭽﭥﭦﭧ ﭨ ﭩﭪﭫﭬﭼ‬


‫فهذا الطاغوت الذي أُمرنا أن نكفر به ونجتنبه‪ ،‬وهذه عبادته التي نهينا عنها وأمرنا بتركها‬
‫وتكفير أهلها ومعاداتهم‪.‬‬
‫‪ ‬وهذه الكلمة (ال إله إال اهلل) أيضاً ال تنفع قائلها إال بشروط‪:‬‬

‫اعلم – وفقك اهلل – أنه ليس المراد من ذلك عدّها أو حفظها فقط! فكم من إنسان اجتمعت‬
‫فيه والتزمها‪ ،‬ولو قيل له أعددها لم يحسن ذلك‪ ،‬وكم من حافظ أللفاظها وضابط لحروفها لكنه‬
‫يقع فيما يناقضها‪.‬‬
‫الشرط األول‪ :‬العلم المنافي للجهل وهو العلم بمعناها نفيًا وإثباتًا‪.‬‬
‫ومعناها‪ :‬ال معبود بحق إال اهلل تعالى‪ ،‬فجميع اآللهة التي يعبدها الناس سوى اهلل تعالى كلها‬

‫وقوله تعالى‪ :‬ﭽ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ‬ ‫باطلة‪ ،‬لقوله تعالى‪ :‬ﭽﯩﯪﯫﯬﯭﯮﭼ‬

‫ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﰔ ﰕ ﰖ ﰗﰘ ﭼ‬
‫‪( :‬من مات وهو يعلم أن ال إله إال اهلل دخل الجنة)‬ ‫ولقوله‬
‫الشرط الثاني‪ :‬اليقين المنافي للشك‪ ،‬فالبد في حق قائلها أن يكون مستيقنًا بمدلول هذه الكلمة‬
‫يقينًا جازمًا ال تردد فيه وال توقف؛ فإن اإليمان ال يغني فيه إال اليقين ال الظن؛ فكيف إذا دخله‬

‫الشك والعياذ باهلل‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬

‫‪( :‬اذْهَبْ‬ ‫ألبي هريرة‬ ‫ولقول النبي‬ ‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﭼ‬


‫بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ‪ ،‬فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اهللُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ‪ ،‬فَبَشِّرْهُ‬
‫وفي رواية‪( :‬لَا يَلْقَى اهللَ بِهِمَا – أي الشهادتين ‪-‬عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا‪ ،‬إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ)‬ ‫بِالْجَنَّةِ)‬

‫‪5‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫الشرط الثالث‪ :‬اإلخالص المنافي للشرك‪ ،‬وهو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب‬
‫الشرك فيخلص العبد لربه في جميع العبادات‪ ،‬وإذا صرف شيئاً منها لغير اهلل من نبي أو ولي‪ ،‬أو‬
‫ملَكٍ‪ ،‬أو صنم‪ ،‬أو جني أو غير ذلك فقد أشرك باهلل ونقض هذا الشرط وهو شرط اإلخالص‪.‬‬

‫ولقوله‬ ‫وقوله‪ :‬ﭽﰈﰉﰊﰋﰌﭼ‬ ‫لقوله تعالى‪ :‬ﭽﮀﮁﮂﮃﮄﭼ‬


‫‪( :‬أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ)‬
‫ولحديث (من لقى اهلل ال يشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار)‬
‫الشرط الرابع‪ :‬الصدق المنافي للكذب وهو أن يقولها وهو صادق في ذلك صدقًا من قلبه‬
‫يطابق قلبه لسانه ؛ فإن قالها باللسان فقط وقلبه لم يؤمن بمعناها فيكون من جملة المنافقين‪،‬‬

‫قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬

‫وفي الحديث‪( :‬ما من أحد يشهد أن ال إله إال اهلل وأن محمداً رسول اهلل صدقاً‬ ‫ﮡﮢﭼ‬
‫‪.‬‬ ‫من قلبه إال حرمه اهلل على النار)‬
‫الشرط الخامس‪ :‬القبول المنافي للرد‪ ،‬وذلك أن يقبل ما دلت عليه هذه الكلمة بقلبه ولسانه‬
‫ويرضى بذلك؛ ولهذا كان المشركون يعرفون معنى ال إله إال اهلل ولكنهم لم يقبلوها فذمهم اهلل‬

‫تعالى وقال‪ :‬ﭽ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﭼ‬


‫الشرط السادس‪ :‬االنقياد المنافي للترك فينقاد لما دلت عليه‪ ،‬ويعبد اهلل وحده‪ ،‬ويعمل‬
‫بشر يعته‪ ،‬ويؤمن بها ويعتقد أنها الحق‪ ،‬والفرق بينه وبين القبول‪ :‬أن االنقياد هو االتباع باألفعال‬
‫والقبول إظهار صحة معنى ذلك بالقول ويلزم منهما جميعاً االتباع ولكن االنقياد هو االستسالم‬

‫واإلذعان وعدم الترك للشيء‪ ،‬لقوله تعالى‪ :‬ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﭼ‬

‫ولقوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬

‫‪( :‬فإذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما‬ ‫ولقوله‬ ‫ﮘ ﭼ‬
‫استطعتم)‬
‫الشرط السابع‪ :‬المحبة المنافية لضدها من البغض والكراهية‪ ،‬فيجب على العبد أن يحب‬
‫اهلل عز وجل‪ ،‬ويحب ما يحبه اهلل‪ ،‬ويحب من يحبه اهلل‪ ،‬فيحب كلمة التوحيد‪ ،‬ويحب ما اقتضته ودلّت‬

‫وفي الحديث‪( :‬ال يؤمن أحدكم حتى أكون‬ ‫عليه لقوله تعالى‪ :‬ﭽﮉﮊﮋﮌﮍﮎﭼ‬
‫أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫شهادة أن محمدًا رسول اهلل‪:‬‬


‫كيف تحقق شهادة أن محمدًا رسول اهلل؟‬
‫‪ ‬معرفته‪ :‬وهو محمد بن عبد اهلل بن عبد المطلب بن هاشم‪ ،‬بعثه اهلل للعالمين بشيرًا ونذيرًا وداعيًا‬
‫إلى اهلل بإذنه وسراجًا منيرًا‪ ،‬وهو خاتم األنبياء والمرسلين‪ ،‬وأفضل الخلق أجمعين‪.‬‬
‫وجب‬ ‫‪ ‬أن نطيعه فيما أمرنا به ونجتنب ما نهانا عنه؛ فكل األوامر التي جاءتنا من رسول اهلل‬
‫وجب علينا تركه واجتنابه‪.‬‬ ‫علينا فعلها وتأديتها‪ ،‬وكل ما نهانا عنه رسول اهلل‬
‫على قسمين‪:‬‬ ‫وأوامره‬
‫ما أمر به على وجه اإللزام‪ ،‬وهو الواجب‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ما أمر به ال على وجه اإللزام‪ ،‬وهو المستحب‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫قال اهلل تعالى‪ :‬ﭽ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﭼ‬


‫‪ ‬اإليمان به وبما أخبرنا به من األخبار؛ سواء كانت مما حصل قبلنا أو ما سيحصل بعدنا‪ ،‬وتوقيره‬

‫وتعزيره‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﭼ‬


‫؛ فإن اهلل ال يقبل منا أي عبادة إال أن تكون خالصة له وموافقة‬ ‫أن ال نعبد اهلل إال بما جاء به النبي‬

‫‪ .‬قال اهلل تعالى‪ :‬ﭽ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ‬ ‫للشريعة التي بُعث بها النبي‬

‫‪.‬‬ ‫‪( :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه؛ فهو رد)‬ ‫ولقوله‬ ‫ﮖ ﮗﮘﭼ‬
‫أدى الرسالة كاملة‪ ،‬ولم يُنقص منها شيء‪ ،‬وأن دعوته عامة للناس أجمعين‪.‬‬ ‫‪ ‬اإليمان بأنه‬
‫قد‬ ‫‪ ‬اإليمان بأن من ادعى النبوة بعده فهو كاذب كافر‪ ،‬ومن صدقه واتبعه فقد كفر‪ ،‬وأنه‬

‫مات‪ ،‬ودليل ذلك قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭼ‬

‫وهذه الكلمة العظيمة (ال إله إال اهلل محمداً رسول اهلل) يسميها أهل العلم ((كلمة التوحيد)) وذلك‬
‫لمعاذ لما أرسله إلى اليمن في السنة العاشرة‪« :‬إنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ‪،‬‬ ‫من قول النبي‬
‫وفي رواية‪« :‬إلى أن يوحدوا اهلل»‪.‬‬ ‫فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اهللُ وَأَنِّي رَسُولُ اهللِ»‬

‫‪7‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫التوحيد‬
‫‪ ‬معنى التوحيد‪ :‬هو إفراد اهلل تعالى بالربوبية‪ ،‬واأللوهية‪ ،‬واألسماء والصفات‪.‬‬

‫أن يؤمن العبد ويقرّ أن اهلل وحده رب كل شيء ومليكه‪ ،‬وأنه الخالق وحده‪ ،‬والمدبر للكون كله‬
‫وحده‪ ،‬وأنه سبحانه هو المستحق للعبادة وحده ال شريك له‪ ،‬وأن كل معبود سواه باطل‪ ،‬وأنه سبحانه‬
‫متصف بصفات الكمال‪ ،‬منزه عن كل عيب ونقص‪ ،‬له األسماء الحسنى والصفات العال‪ ،‬وتصدق ذلك‬

‫أقواله‪ ،‬وتترجمها أفعاله‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ :‬ﭽﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﭼ‬

‫وقال سبحانه‪ :‬ﭽﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭼ‬

‫من فضائل التوحيد‪:‬‬


‫‪( :‬من شهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك‬ ‫أن من حقق التوحيد دخل الجنة‪ ،‬لقوله‬ ‫‪‬‬
‫له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد اهلل ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه‬
‫والجنة حق والنار حق أدخله اهلل الجنة على ما كان من العمل)‬
‫أنه يمنع الخلود في النار‪ ،‬إذا كان في القلب منه أدنى مثقال حبة خردل‪ ،‬وذلك لحديث‬ ‫‪‬‬
‫الشفاعة وفيه (اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه ‪)...‬‬
‫أنه يحصل لصاحبه الهدى الكامل واألمن التام في الدنيا واآلخرة‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫قال تعالى‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭼ‬


‫أنه يحرر العبد من رق المخلوقين والتعلق بهم وخوفهم ورجائهم والعمل ألجلهم‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وهذا هو العز الحقيقي والشرف العالي‪ ،‬ويكون مع ذلك متألهًا متعبدا هلل‪ ،‬ال يرجو سواه‬
‫وال يخشى إال إياه‪ ،‬وال ينيب إال إليه‪ ،‬وبذلك يتم فالحه ويتحقق نجاحه‪.‬‬
‫ومن فوائده أيضا أن العبد ينال به رضى اهلل‪ ،‬ويكون من أسعد الناس بشفاعة النبي له‪ ،‬وأنه‬
‫السبب األعظم لتفريج الكربات‪ ،‬وهدم ما قبله من الذنوب‪ ،‬بل أن جميع األعمال واألقوال‬

‫متوقفة في قبولها وفي كمالها على التوحيد‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮉ ﮊ ﮋﮌﮍ ﮎ ﮏ‬

‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ‬

‫‪8‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫ينقسم التوحيد إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫إفراد اهلل بأفعاله كالخلق والملك والتدبير والرزق‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽﯚﯛﯜﯝﯞﯟ‬

‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶﭼ‬

‫إفراد اهلل بالعبادة‪ ،‬كالصالة والذبح والنذر‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ‬

‫ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﭼ‬

‫أن نصف اهلل بما وصف به نفسه في كتابه‪ ،‬أو على لسان رسوله‪ ،‬من غير تحريف ٍوال تعطيل‪،‬‬
‫ومن غير تكييف وال تمثيل‪ ،‬وأن نتعبد هلل بمقتضى ذلك‪ ،‬وكذلك الحال في األسماء‪،‬‬

‫قال تعالى‪ :‬ﭽﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﭼ‬

‫وقال عز وجل‪ :‬ﭽﭷﭸﭹ ﭺ‬ ‫وقال سبحانه‪ :‬ﭽﭡ ﭢ ﭣﭤﭥ ﭦ ﭧﭼ‬

‫ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﭼ‬
‫تنبيه مهم‪:‬‬
‫توحيد الربوبية قد أقرّ به كثير المشركين ولم يدخلهم في اإلسالم‪ ،‬بل قاتلهم النبي‬

‫واستباح دماءهم وأموالهم وديارهم‪ ،‬وسبى نساءهم‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽﯕﯖﯗﯘﯙ‬

‫فهو وإن‬ ‫وقال سبحانه‪ :‬ﭽﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭼ‬ ‫ﯚﯛﯜﯝﭼ‬


‫كان واجب على اإلنسان أن يأتي به‪ ،‬إال أنه ال يكفي لتحقيق التوحيد؛ بل البد من اإلتيان بكل‬
‫‪( :‬أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حَتّى يَشْهَدوا أَنْ ال إِلهَ إِالّ اهللُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اهللِ‪،‬‬ ‫األقسام‪ ،‬قال‬
‫وَيُقيمُوا الصَّالةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ‪ ،‬فَإِذا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ إِالّ بِحَقِّ اإلسْالمِ‪،‬‬
‫وَحِسابُهُمْ عَلى اهللِ)‬

‫وبعد أن بينا التوحيد علينا أن نبين ما يناقضه‪ ،‬فما هو الذي ينقض التوحيد؟ وماهي أقسام‬
‫هذه النواقض؟‬

‫‪9‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫نواقض اإلسالم‬
‫ولنعرض لكل منها بشيء من التفصيل‪:‬‬

‫والشرك نوعان‪:‬‬
‫تعريف الشرك األكبر‪ :‬هو في اللغة يدل على المقارنة‪ ،‬التي هي ضد االنفراد‪ ،‬وهو أن يكون‬
‫الشيء بين اثنين أو أكثر‪ ،‬ال ينفرد به أحدهم‪ ،‬يقال "ال تشرك باهلل" أي ال تعدل به غيره فتجعله‬
‫شريكاً له‪ ،‬فمن عدل باهلل أحدًا من خلقه فقد جعله له شريكاً‪.‬‬
‫وفي االصطالح‪ :‬أن يتخذ العبد هلل ندًا يسوِّيه به في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وصفاته‪.‬‬
‫أما حكمه‪ :‬فإن الشرك هو أعظم ذنب عُصي اهللُ به‪ ،‬فهو أكبر الكبائر‪ ،‬وأعظم الظلم؛ ألن‬
‫الشرك صرف خالص حق اهلل تعالى (وهو العبادة) لغيره‪ ،‬أو وصف أحد من خلقه بشيء من صفاته‬

‫ولذلك رتّب‬ ‫التي اختص بها –سبحانه وتعالى ‪ -‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭼ‬
‫الشرع عليه آثاراً وعقوبات عظيمة‪ ،‬أهمها‪:‬‬

‫‪ -‬أن اهلل ال يغفره إذا مات صاحبه ولم يتب منه‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬

‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﭼ‬
‫‪ -‬أن صاحبه خارج من ملة اإلسالم‪ ،‬حالل الدم والمال‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬

‫ﮬ ﮭﮮﮯﮰ ﮱ ﭼ‬
‫‪ -‬أن اهلل تعالى ال يقبل من المشرك عمالً‪ ،‬وما عمله من أعمال سابقة تكون هباءً منثوراً‪ ،‬كما‬

‫قال تعالى عن المشركين‪ :‬ﭽ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭼ‬


‫‪ -‬يحرم أن يتزوج المشرك بمسلمة‪ ،‬كما يحرم أن يتزوج المسلم مشركة‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬

‫ﭽ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ويستثنى من ذلك نساء أهل الكتاب (اليهود‬ ‫ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌﮍﭼ‬
‫والنصارى ) بالضوابط الشرعية ‪.‬‬
‫‪ -‬إذا مات المشرك فال يُغسل‪ ،‬وال يُكفن‪ ،‬وال يُصلى عليه‪ ،‬وال يُدفن في مقابر المسلمين‪،‬‬
‫وإنما يحفر له حفرة بعيدة عن الناس ويدفن فيها‪ ،‬لئال يؤذي الناس برائحته الكريهة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫‪-‬أن دخول الجنة عليه حرام‪ ،‬وهو مخلد في نار الجحيم ‪ -‬نسأل اهلل السالمة والعافية ‪ -‬كما‬

‫قال تعالى‪ :‬ﭽ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﭼ‬


‫أقسام الشرك األكبر‬
‫للشرك األكبر ثالثة أقسام رئيسية هي‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬الشرك في الربوبية‪ :‬وهو أن يجعل لغير اهلل تعالى معه نصيباً من الملك أو‬ ‫‪‬‬
‫التدبير أو الخلق أو الرزق االستقاللي وهو (الذي ال ينبغي إال له سبحانه وتعالى)‪،‬‬
‫وقد يكون شرك الربوبية بالقول أو بالفعل أو باالعتقاد‪.‬‬
‫ومن صور الشرك في هذا القسم‪:‬‬
‫‪-‬شرك النصارى الذين يقولون إن اهلل ثالث ثالثة‪ ،‬وشرك المجوس القائلين بإسناد حوادث‬
‫الخير إلى النور ‪-‬وهو عندهم اإلله المحمود‪ ،‬ويسندون حوادث الشر إلى الظلمة‪.‬‬
‫‪-‬الكهانة والتنجيم‪ :‬وهو اعتقاد أن أحدا يعلم الغيب غير اهلل تبارك وتعالى‪ ،‬ومنه من‬
‫يتابعون ما يسمى (برجك اليوم‪ ،‬أنت والنجوم‪ ...‬الخ)‪.‬‬
‫‪-‬شرك كثير من غالة الصوفية والرافضة من عباد القبور الذين يعتقدون أن أرواح األموات‬
‫تتصرف بعد الموت فتقضي الحاجات‪ ،‬وتفرج الكربات‪ ،‬أو يعتقدون أن بعض مشايخهم يتصرف‬
‫في الكون‪ ،‬أو يغيث من استغاث به ولو مع غيبته عنه‪.‬‬
‫– من يضعون الدساتير والتشريعات الوضعية ويُلزمون الناس بالتحاكم إليها‪( ،‬فهذا من‬
‫شرك الربوبية)‪ ،‬فهؤالء كَفِرعون الذي قال أنا ربكم األعلى‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬الشرك في األسماء والصفات‪ :‬وهو أن يجعل هلل تعالى مماثالً في شيء من األسماء‬ ‫‪‬‬
‫أو الصفات‪ ،‬أو يصفه تعالى بشيء من صفات خلقه‪ ،‬وقد يكون بالقول أو بالفعل أو باالعتقاد‪.‬‬
‫فمن سمّى غير اهلل باسم من أسماء اهلل تعالى‪ ،‬أو وصفه بصفة من صفات اهلل تعالى الخاصة‬
‫به فهو مشرك في األسماء والصفات‪ ،‬وكذلك من وصف اهلل تعالى بشيء من صفات المخلوقين‬
‫فهو مشرك في الصفات‪ ،‬ومن صور ذلك‪:‬‬
‫‪-‬اعتقاد بعض الرافضة وبعض غالة الصوفية أن بعض األحياء أو األموات يسمعون من‬
‫دعاهم في أي مكان وفي أي وقت‪.‬‬
‫‪-‬الشرك بادِّعاء علم الغيب‪ ،‬أو باعتقاد أن غير اهلل تعالى يعلم الغيب‪ ،‬فكل ما لم يطلع‬
‫عليه الخلق ولم يدركوه بأحد الحواس الخمس‪ ،‬فهو من علم الغيب ‪..‬‬

‫‪11‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫كما قال تعالى‪ :‬ﭽ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ‬


‫فمن ادَّعى أنَّ أحدًا من الخلق يعلم الغيب‪ ،‬فقد وقع في الشرك األكبر المخرج من الملة‪،‬‬
‫ومن أمثلة الشرك بادعاء علم الغيب لغير اهلل تبارك وتعالى‪:‬‬
‫أ ‪-‬اعتقاد أن األنبياء أو أن بعض األولياء والصالحين يعلمون الغيب‪ ،‬وهذا تجده عند الرافضة‬
‫والصوفية‪ ،‬ولذلك تجدهم يستغيثون باألنبياء واألموات‪ ،‬ويعتقدون أنهم جميعاً يعلمون بحالهم‬
‫وأنهم يسمعون كالمهم‪ ،‬وهذا كله شرك أكبر مخرج من الملة‪.‬‬
‫ب‪-‬الكهانة‪ :‬الكاهن هو الذي يدعي أنه يعلم الغيب‪ ،‬ومثله أو قريب منه‪ " :‬العرّاف " و "الرمّال" و‬
‫" السحرة "و" الكُهَّان "‪ ،‬فكل من ادعى أنه يعرف علم ما غاب عنه دون أن يخبره به مخبر‪ ،‬أو زعم‬
‫أ نه يعرف ما سيقع قبل وقوعه فهو مشرك شركاً أكبر‪ ،‬سواء ادّعى أنه يعرف ذلك عن طريق " الطرق‬
‫بالحصى "‪ ،‬أم عن طريق "قراءة الكف"أو "النظر في الفنجان" أم غير ذلك‪ ،‬كل ذلك من الشرك‪،‬‬
‫وقد قال‪(:‬من أتى كاهنا أو عرّافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)‬
‫القسم الثالث‪ :‬الشرك في األلوهية‪:‬‬
‫تعريفه‪ :‬هو صرف شيء من العبادة لغيره سبحانه وتعالى‪ ،‬أو اعتقاد أن غير اهلل تعالى يستحق‬
‫شيئا من العبادة‪.‬‬
‫ويكون بالقول‪ ،‬أو الفعل‪ ،‬أو االعتقاد‪.‬‬
‫‪-‬بالقول ‪:‬كالدعاء‪ ،‬أو النذر‪ ،‬أو االستغاثة بغير اهلل تبارك وتعالى‪.‬‬
‫‪-‬أو بالفعل‪ :‬كالسجود‪ ،‬أو الذبح لغير اهلل تبارك وتعالى‪ ،‬أو الطواف بالقبور‪ ،‬ومن فعل هذا‬
‫فقد وقع في الشرك األكبر‪ ،‬وإن كان يظهر أنه من المسلمين‪.‬‬
‫‪-‬أو باالعتقاد‪( :‬كالخوف أو المحبة الشركية أو التوكل على غير اهلل تبارك وتعالى)‪.‬‬

‫هو ما سماه الشرع شركاً وثبت بالدليل أنه ال يخرج من الملة‪ ،‬وهو يُنقص التوحيد لكنه ال يخرج‬
‫من الملة‪ ،‬وحكم فاعله حكم عصاة الموحدين‪ ،‬وال يحل دمه وال ماله‪ ،‬وهو يحبط العمل الذي قارنه‪،‬‬
‫كأن يعمل عمالً هللِ يريد به ثناء الناس عليه‪ ،‬وكأن يُحسِّن صالته أو يتصدق أو يصوم أو يذكر اهلل‬
‫ألجل أن يراه الناس‪ ،‬أو يسمعوه‪ ،‬أو يمدحوه‪ ،‬فهذا الرياء إذا خالط العمل أبطله‪ ،‬أو أن يحلف بغير‬
‫اهلل‪ ،‬ومنه قول اإلنسان‪« :‬ما شاء اهلل وشاء فالن‪ ،‬أو لوال اهلل وفالن‪ ،‬أو هذا من اهلل وفالن‪ ،‬أو مالي إال‬
‫اهلل وفالن ونحوها»‪ .‬والواجب أن يقول‪ :‬ما شاء اهلل ثم شاء فالن وهكذا‪.‬‬
‫تحذير‪ :‬الشرك األصغر قد يصير شركا أكبر‪ ،‬فيجب على المسلم الحذر من الشرك مطلقاً‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫صور من الشرك ينبغي الحذر منها‪:‬‬


‫‪-1‬لبس الحلقة والخيط ونحوهما بقصد رفع البالء أو دفعه‪.‬‬
‫‪ 2‬تعليق التمائم على األوالد‪ ،‬سواء كانت من خرز‪ ،‬أو عظام‪ ،‬أو كتابة‪ ،‬اتقاءً للعين‪.‬‬
‫‪-3‬التطير ‪ :‬وهو التشاؤم بالطيور أو األشخاص أو البقاع أو نحوها‪ ،‬وذلك شرك؛ لكونه تعلقٌ بغير اهلل‬
‫باعتقاد حصول الضرر من مخلوق ال يملك لنفسه نفعًا وال ضرًا‪ ،‬وهو من إلقاء الشيطان ووسوسته‪،‬‬
‫وهو ينافي التوكل‪.‬‬
‫‪-4‬التبرك باألشجار واألحجار واآلثار والقبور ونحوها‪ ،‬فطلب البركة ورجاؤها واعتقادها في تلك‬
‫األشياء شرك؛ ألنه تعلق بغير اهلل في حصول البركة‪.‬‬
‫‪ -5‬التنجيم‪ :‬وهو االستدالل بالنجوم على الحوادث األرضية أو األشياء الحسية‪.‬‬
‫وأقسام التنجيم هي‪:‬‬
‫‪ ،‬وهو اعتقاد تأثير النجوم على الحوادث‪ ،‬كأن يعتقد أن النجم مؤثر ويخلق‬

‫األشياء ويميتها‪ ،‬فهذا كفرٌ أكبر‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﭼ‬


‫أو يستدل بحركات النجوم على األمور الغيبية أو ما سيحدث كأن يقول‪ :‬من ولد في نجم الجوزاء‬
‫فسيكون سعيداً‪ ،‬ومن تزوج في برج السنبلة فسيفشل زواجه‪ ،‬فهذا أيضا كفرٌ وشركٌ أكبر‪ ،‬ألنه ادعاءٌ‬

‫لعلم الغيب‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ‬


‫وهو االستدالل بسير النجوم على المصالح الدينية‪ ،‬كمعرفة اتجاه القبلة‪،‬‬
‫أو معرفة دخول وقت الصالة‪ ،‬فهذا حكمه فرض كفاية‪ ،‬ويستحب للمحتاج أن يتعلمه‪ ،‬وكذلك‬
‫الحال في االستدالل بسير النجوم على المصالح الدنيوية كمعرفة الطرق والجهات‪.‬‬
‫‪ -6‬االستسقاء بالنجوم‪ :‬وهو طلب المطر من النجم‪ ،‬ويختلف الحكم باختالف االعتقاد وهي كالتالي‪:‬‬
‫‪ ‬أن يعتقد أن النوء أي النجم هو المُوجد للمطر‪ ،‬والمُنزل للمطر‪ ،‬وهذا حكمه شرك أكبر في باب‬

‫فهذا استفهام بمعنى النفي أي‪:‬‬ ‫الربوبية‪ ،‬أما الدليل فقوله تعالى‪ :‬ﭽﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﭼ‬
‫ال خالق غير اهلل‪ ،‬وإذا قال‪ :‬إن النجم يوجد المطر‪ ،‬فإنه اعتقده خالقًا‪،‬‬
‫والدليل الثاني‪ :‬اإلجماع على تفرد اهلل بالخلق‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫‪ ‬أن ال يعتقد أنها خالقة للمطر‪ ،‬ولكن يدعو النوء ويستغيث بالنجم إلنزال المطر‪ ،‬وهذا شرك أكبر‬
‫في باب األلوهية؛ ألنه دعاء غير اهلل فيما ال يقدر عليه إال اهلل‪ ،‬كأن يقول‪ :‬يا نوء اسقنا وأنزل‬

‫علينا المطر وكان بعض العرب يدعو النجوم كما قال تعالى‪ :‬ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭼ‬

‫وقوله سبحانه‪ :‬ﭽ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬ ‫والدليل قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭼ‬

‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﭼ‬
‫‪ ‬نسبة سبب‪ :‬أن يجعلها سببًا للمطر واهلل هو الفاعل‪ ،‬فيجعل طلوع النجم أو غروبه سببًا لهطول‬
‫األمطار بعد نزول المطر‪.‬‬
‫وحكمه‪ :‬أنه شركٌ أصغر‪ ،‬وباعتبار الكفر كفر أصغر‪ ،‬ويسمى كفر النعمة‪.‬‬
‫‪ ‬نسبة إخبار بالغيب‪ ،‬كأن يُحدّث أنه سوف ينزل مطر إذا طلع النجم الفالني‪ ،‬وهذا شرك أكبر ألنه‬

‫إخبار عن المغيبات‪ ،‬وهذا ما يفعله المنجم قال تعالى‪ :‬ﭽ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬

‫وهذا القسم يلحق بالباب السابق‪.‬‬ ‫ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ‬


‫والفرق بين هذا القسم والقسم الذي قبله‪ :‬أن هذا إخبار عن أمر سوف يحدث‪ ،‬أما القسم الثاني الذي‬
‫قبله فهو إذا وقع المطر نسب نزوله إلى النوء أو النجم‪.‬‬
‫كما أن الفرق بينهما في الحكم أيضًا؛ بأن هذا أكبر‪ ،‬وهذا أصغر‪.‬‬
‫‪ ‬نسبة وقت وظرفية‪ ،‬بأن يجع ل وقت نزول المطر خروج النجم الفالني‪ ،‬فليس النجم سببًا وال‬
‫موجودًا‪ ،‬وإنما هو وقت هطول األمطار خروج النجم الفالني‪ ،‬كأن يقول‪ :‬وقت نزول المطر عندنا‬
‫وقت طلوع نجم الثريا‪ ،‬أو ينزل المطر إذا خرج سهيل‪ ،‬وهو نجم معروف‪.‬‬
‫أما هذا القسم فحكمه وقع فيه خالف على قولين‪- :‬‬
‫من أهل العلم من أجازه ومنهم من كرهه‪ ،‬من باب سد الذريعة‪.‬‬
‫‪ -7‬سب الدهر‪ :‬فإن سبه لوقوع أمور مكروهة وحوادث مؤلمة؛ فهذا محرم‪ ،‬وإن اعتقد أن الدهر هو‬
‫الفاعل للحوادث فهذا شرك أكبر‪.‬‬
‫‪ -8‬فعل العبادة هلل في مكان تفعل فيه العبادة لغير اهلل‪ :‬كمن يذبح هلل في مكان يُذبح فيه لغير‬
‫اهلل‪ ،‬فهذا منهي عنه‪ ،‬أما الذبح لغير اهلل فهذا شرك أكبر‪ ،‬إلى غير ذلك‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫التوسل‬
‫لغة‪ :‬وهو التقرب إلى الشيء بالشيء ومنه أن يتقرب شخص إلى شخص بشيء معين‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬هو أن يذكر الداعي في دعائه ما يرجوا أن يكون سببا في قبول دعائه‪.‬‬
‫وهو قسمان‪:‬‬
‫توسل مشروع‪ ،‬وهو أنواع يمكن إجمالها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬النوع األول‪ :‬التوسل إلى اهلل تعالى بأسمائه وصفاته‪ ،‬كما أمرَ اهلل تعالى بذلك في قوله‪:‬‬

‫ﭽﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﭼ‬
‫‪ -‬النوع الثاني‪ :‬التوسل إلى اهلل تعالى باإليمان واألعمال الصالحة التي قام بها المتوسل‪،‬‬

‫كما قال تعالى عن أهل اإليمان‪ :‬ﭽﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ‬

‫ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﭼ‬
‫وكما في حديث الثالثة الذين انطبقت عليهم الصخرة‪ ،‬فسدّت عليهم الغار‪ ،‬فلم يستطيعوا‬
‫الخروج‪ ،‬فتوسلوا إلى اهلل بصالح أعمالهم؛ ففرج اهلل عنهم فخرجوا يمشون‪.‬‬

‫‪ -‬النوع الثالث‪ :‬التوسل إلى اهلل تعالى بتوحيده‪ ،‬كما توسل يونس عليه السالم‪ :‬ﭽﮘﮙ‬

‫ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﭼ‬
‫‪ -‬النوع الرابع‪ :‬التّوسُّلُ إلى اهلل تعالى بإظهار الضَّعف والحاجة واالفتقار إلى اهلل‪ ،‬كما قال‬

‫أيوب عليه السالم‪ :‬ﭽﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭼ‬


‫‪ -‬النوع الخامس‪ :‬التوسل إلى اهلل بدعاء الصالحين األحياء‪ ،‬كما كان الصحابة إذا أجدبوا طلبوا‬
‫فيدعو لهم‪.‬‬ ‫أن يدعو اهلل لهم‪ ،‬ولما تُوفي صاروا يطلبون من عمه العباس‬ ‫من النبي‬

‫‪ -‬النوع السادس‪ :‬التّوسُّلُ إلى اهلل باالعتراف بالذنب‪ :‬ﭽ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ‬

‫ﮒ ﮓ ﮔﮕﭼ‬

‫‪15‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫توسل غير مشروع‪:‬‬


‫في التوسل المشروع‪ ،‬ومن أمثلة ذلك كما يلي‪:‬‬ ‫وهو التوسل بما لم يرد في كتاب اهلل وسنة رسوله‬
‫ومن‬ ‫‪ -‬التوسل باألموات ال يجوز‪ :‬فقد ورد عن عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان‬
‫بحضرتهما من الصحابة والتابعين لهم بإحسان‪ ،‬لمَّا أجدبوا استسقوا وتوسَّلوا واستشفعوا بمن كان‬
‫حيًّا‪ ،‬كالعباس وكيزيد بن األسود‪ ،‬وذلك بطلب دعائهم ال بذواتهم‪ ،‬ولم يتوسلوا ولم يستشفعوا ولم‬
‫ال عند قبره وال عند غيره‪ ،‬بل عدلوا إلى البدل كالعباس وكيزيد‪ ،‬وقد قال عمر‬ ‫يستسقوا بالنبي‬
‫‪( :‬اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيُسقون)‬
‫فجعلوا هذا بدلًا من ذلك‪ ،‬لما تعذر أن يتوسلوا به على الوجه المشروع الذي كانوا يفعلونه‪.‬‬
‫وقد كان من الممكن أن يأتوا إلى قبره فيتوسلوا به لو كان هذا جائزًا‪ ،‬فتركُهم لذلك دليلٌ‬
‫على عدم جواز التوسل باألموات‪.‬‬
‫أو بجاه غيره ال يجوز‪ :‬وحديث ‪« :‬إذا سألتم اهلل فاسألوه بجاهي‪،‬‬ ‫‪ -‬والتوسل بجاه النبي‬
‫فإن جاهي عند اهلل عظيم» حديث مكذوب‪ ،‬ولم يذكره أحد من أهل العلم‪ ،‬وما دام أنه لم يصح‬
‫فيه دليل فهو ال يجوزُ؛ ألن العبادات ال تثبت إال بدليل صريح‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ -‬والتوسل بذوات المخلوقين ال يجوز‪ ،‬وكذلك بحقهم ألنه لم يرد عن النبي‬

‫حكم االستعانة واالستغاثة بالمخلوق‪:‬‬


‫االستعانة‪ :‬بطلب العون والمؤازرة في األمر‪.‬‬
‫واالستغاثة‪ :‬بطلب الغوث‪ ،‬وإزالة الشدة‪.‬‬
‫وهما على نوعين‪:‬‬

‫النوع األول‪ :‬االستعانة واالستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه‪ ،‬وهذا جائز‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽﯭﯮ‬

‫وقال تعالى في قصة موسى عليه السالم‪ :‬ﭽﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬ ‫ﯯ ﯰﯱﭼ‬

‫وكما يستغيث الرجل بأصحابه في الحرب وغيرها‪ ،‬مما يقدر عليه المخلوق‪.‬‬ ‫ﭶﭼ‬
‫النوع الثاني‪ :‬االستعانة واالستغاثة بالمخلوق فيما ال يقدر عليه إال اهلل‪ ،‬كاالستعانة واالستغاثة‬
‫باألموات‪ ،‬واالستعانة باألحياء‪ ،‬واالستغاثة بهم فيما ال يقدر عليه إال اهلل من شفاء المرضى‪ ،‬وتفريج‬

‫الكُرُبات ودفع الضر‪ ،‬فهذا النوع غير جائز‪ ،‬وهو شرك أكبر‪ ،‬ودليل ذلك قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﯼ ﯽ ﯾ‬

‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﭼ‬

‫‪16‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫وتعريفه لغة‪ :‬التغطية والستر‪ ،‬وهو نوعان‪:‬‬

‫وهو ضد اإليمان وهو كل اعتقاد أو قول أو فعل أو ترك يُخرج من الملة‪.‬‬


‫‪ ،‬أو يعتقد جواز الحكم‬ ‫‪-‬فمثال االعتقاد‪ ،‬كمن يعتقد أن أحدا يسعه الخروج عن شريعة النبي‬
‫بغير ما أنزل اهلل‪ ،‬أو يعتقد أن نظامًا ما أفضل أو يساوي شرع اهلل تبارك وتعالى‪ ،‬أو يبغض بعض ما‬
‫جاء به النبي صلى اهلل عليه وسلم ولو عمل به‪ ،‬أو المودة ألعداء اهلل تبارك وتعالى‪...‬الخ)‬
‫‪-‬ومثال القول كمن يستهزئ أو يسب اهلل أو دينه أو نبيه صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬تعالى اهلل عما‬
‫يقولون علوا كبيرا‪.‬‬
‫–ومثال الفعل فهو كالحكم بغير ما أنزل اهلل تبارك وتعالى‪ ،‬أو كأن يضع تشريعاً أو قانوناً ويحكم‬
‫به أو يأمر الناس بالتحاكم إليه‪ ،‬أو يحكم بعادات آبائه وأجداده أو عادات قبيلته أو يطيع من يحكم‬
‫بغير شرع اهلل جلّ وعال‪ ،‬مقدماً لقولهم على شرع اهلل سبحانه‪ ،‬أو كمن يدعو إلى عدم تحكيم شرع‬
‫اهلل تبارك وتعالى‪ ،‬أو إلى تحكيم القوانين الوضعية‪ ،‬أو أن يتولى الكفار أو المشركين‪.‬‬
‫‪-‬ومثال الترك‪ :‬كترك الصالة‪ ،‬فهو كفر بإجماع الصحابة‪.‬‬

‫أنواع الكفر‪:‬‬
‫للكفر أنواع كثيرة‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫‪ ‬كفر اإلنكار والتكذيب‪:‬‬
‫وذلك بأن ينكر بقلبه‪ ،‬أو لسانه‪ ،‬أصالً من أصول الدين‪ ،‬أو حكماً من أحكامه‪ ،‬أو خبراً من أخباره‬
‫المعلومة من دين اإلسالم بالضرورة‪ ،‬والتي ورد في شأنها نصٌ صريح من كتاب اهلل تعالى‪ ،‬أو وردت‬
‫في شأنها أحاديث نبوية متواترة تواتُراً معلوماً من الدين بالضرورة‪.‬‬
‫ومثلُ ذلك‪ :‬أن يفعل بجوارحه ما يدل على إنكاره شيئاً من دين اهلل تعالى‪.‬‬
‫ومن أمثلة هذا النوع‪:‬‬
‫أ‪-‬أن ينكر شيئاً من أركان اإليمان أو غيرها من أصول الدين‪ ،‬أو ينكر شيئاً مما أخبر اهلل عنه في كتابه‪،‬‬
‫أو ورد في شأنه أحاديث متواترة‪ ،‬كأن ينكر ربوبية اهلل تعالى أو ألوهيته‪ ،‬أو ينكر اسماً أو صفة هلل‬
‫تعالى مما أُجمع عليه إجماعاً قطعياً كأن ينكر صفة العلم‪ ،‬أو ينكر وجود أحد من المالئكة المجمع‬
‫عليهم كجبريل أو ميكائيل ‪-‬عليهما السالم ‪ ....‬الخ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫ومنه أن يصحح أديان الكفار كاليهود أو النصارى أو غيرهم‪ ،‬أوال يكفرهم‪ ،‬أو يقول‪ :‬إنهم لن يُخَلّدوا‬
‫في النار‪ ،‬ومنه أن ينسب نفسه إلى غير دين اإلسالم كأن يقول هو نصراني‪ ،‬ومنه أن ينكر صحبة أبي‬
‫بكر‪ ،‬أو يقول بِرِدّة الصحابة أو أكثرهم‪ ،‬أو يقول بفسقهم كلهم‪ ،‬أو ينكر وجود الجن‪.‬‬
‫ب‪-‬أن ينكر تحريم المحرمات الظاهرة المجمع على تحريمها‪ ،‬كالسرقة‪ ،‬أو شرب الخمر‪ ،‬أو الزنا‪ ،‬أو‬
‫التبرج‪ ،‬أو االختالط بين الرجال والنساء‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬أو يعتقد أن أحداً يجوز له أن يحكم أو يتحاكم‬
‫إلى غير شرع اهلل تعالى‪.‬‬
‫ج‪-‬أن ينكر حِلّ المباحات الظاهرة المجمع على حلها‪ ،‬كأن يجحد حِلَّ أكل لحوم بهيمة األنعام‪ ،‬أو‬
‫ينكر حل تعدد الزوجات‪ ،‬أو حل أكل الخبز‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫د ‪-‬أن ينكر وجوب واجب من الواجبات المجمع عليها إجماعاً قطعياً‪ ،‬كأن ينكر وجوب ركن من أركان‬
‫اإلسالم‪ ،‬أو ينكر أصل وجوب الجهاد‪ ،‬أو أصل وجوب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫‪ ‬النوع الثاني‪ :‬كفر الشك والظن‪:‬‬
‫وهو أن يتردد المسلم في إيمانه بشيء من أصول الدين المجمع عليها‪ ،‬أو ال يجزم في تصديقه‬
‫بخبر أو حكم ثابت معلوم من الدين بالضرورة‪ ،‬ألن اإليمان البد فيه من التصديق القلبي الجازم‪،‬‬
‫الذي ال يعتريه شك وال تردد‪ ،‬فمن تردد في إيمانه فليس بمسلم‪.‬‬
‫وقد أخبرنا اهلل تعالى في قصة صاحب الجنة أنه كفر بمجرد شكه في أن جنته ‪ -‬أي بستانه ‪ -‬لن‬

‫يريد‬ ‫يبيد ‪ -‬أي لن يخرب‪ -‬أبداً‪ ،‬وشكه في قيام الساعة‪ ،‬حين قال‪ :‬ﭽ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭼ‬

‫‪ ،‬فقال له صاحبه المؤمن‪ :‬ﭽ ﭰ ﭱ‬ ‫جنته‪ ،‬وحين قال‪ :‬ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ‬

‫ومن أمثلة هذا النوع‪ :‬أن يشك في صحة القرآن‪ ،‬أو‬ ‫ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼ‬
‫أن يشك في في البعث والنشور‪ ،‬أو يتردد في أن جبريل ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬من مالئكة اهلل تعالى‪ ،‬أو‬
‫يشك في تحريم الخمر‪ ،‬أو يشك في كفر اليهود أو النصارى‪..... ،‬الخ )‬
‫‪ ‬النوع الثالث‪ :‬كفر اإلباء واالستكبار‪:‬‬
‫وهو‪ :‬أن يصدق بأصول اإلسالم وأحكامه بقلبه ولسانه ولكن يرفض االنقياد بجوارحه لحكم من‬
‫أحكامه استكباراً وترفعاً‪.‬‬
‫وقد أجمع أهل العلم على كفر من امتنع من امتثال حكم من أحكام الشرع استكباراً؛ ألنه معترض‬
‫على حكم اهلل تعالى‪ ،‬وهذا قدح في ربوبيته جلّ وعال‪ ،‬وإنكار لصفة من صفات اهلل تعالى الثابتة‬
‫في الكتاب والسنة‪ ،‬وهي صفة الحكمة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫وأوضح مثال على هذا النوع من أنواع الكفر‪ ،‬رفض إبليس امتثال أمر اهلل تعالى بالسجود ألبينا آدم‬
‫‪-‬عليه السالم ‪-‬استكباراً وترفعاً عن هذا الفعل الذي أمره اهلل تعالى به‪ ،‬معترضاً على ذلك بأنه هو‬
‫أفضل من آدم‪ ،‬فاعترض على حكمة اهلل تعالى في هذا األمر‪ ،‬ورفض االنقياد له من أجل ذلك‪.‬‬
‫ومن أمثلة هذا الكفر أيضاً أن يرفض شخص أن يصلي صالة الجماعة‪ ،‬ويترفع عنها‪ ،‬ألنها تسوي‬
‫بينه وبين اآلخرين‪ ،‬ومن أمثلته أيضاً‪ :‬أن يمتنع شخص عن لبس لباس اإلحرام؛ ألنه في زعمه لباس‬
‫الفقراء وال يليق به‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬النوع الرابع‪ :‬كفر السبّ واالستهزاء‪:‬‬
‫وذلك بأن يستهزئ بالقول أو الفعل باهلل تعالى‪ ،‬أو باسم من أسمائه‪ ،‬أو بصفة من صفاته ‪ ،‬أو يصف‬
‫اهلل تعالى بصفة نقص‪ ،‬أو يسب اهلل تعالى‪ ،‬أو يسب دين اهلل سبحانه‪ ،‬أو يقول‪ :‬إن هذا الدين رجعي‪،‬‬
‫أو ال يناسب هذا العصر‪ ،‬أو يستهزئ بمالئكة اهلل تعالى‪ ،‬أو بواحد منهم‪ ،‬كأن يسب ملك الموت‪ ،‬أو‬
‫يستهزئ أو يسب شيئاً من كتب اهلل‪ ،‬كأن يسب القرآن‪ ،‬أو يستهزئ به أو بآية منه بالقول‪ ،‬أو بالفعل‬
‫بأن يضعه في القاذورات أونحو ذلك‪ ،‬أو أن يسب أحداً من أنبياء اهلل أو يستهزئ بهم‪ ،‬أو يستهزئ‬
‫بشيء مما ثبت في القرآن أو السنة من الواجبات أو السنن‪ ،‬كأن يستهزئ بالصالة‪ ،‬أو يستهزئ‬
‫بالسواك‪ ،‬أو بتوفير اللحية‪ ،‬وقد أجمع أهل العلم على كفر من سبّ أو استهزأ بشيء من دين اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬سواء أكان هازالً أم العباً أم مجامالً لكافر أو غيره‪ ،‬أم في حال مشاجرة‪ ،‬أم في حال غضب‪،‬‬
‫‪،‬‬ ‫أم غير ذلك وذلك ألن اهلل تعالى قد حكم بكفر من استهزأ باهلل تعالى وبآياته وبرسوله محمد‬

‫مع أنهم كما قالوا كانوا يلعبون بذلك‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮃﮄ ﮅ ﮆﮇﮈ‬

‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬ ‫ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫؛ وألن من فعل ذلك فهو مستخفٌ‬ ‫ﮜﮝﮞﮟ ﮠﮡﮢﭼ‬
‫بالربوبية واأللوهية والرسالة ومستخف بعموم دين اهلل تعالى غير معظِّم لذلك كله‪ ،‬وهذا مناف‬
‫لإليمان واإلسالم ‪.‬‬
‫‪ ‬النوع الخامس‪ :‬كفر البغض‪:‬‬
‫وهو أن يكره شيئا من دين اهلل تعالى‪ ،‬قال سبحانه‪ :‬ﭽﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭼ‬
‫كمن يكره الصالة أو الحجاب أو إقامة الحدود أو إتباع السنن‪،‬‬
‫وبغض شيء من الدين له صورتان‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يبغض شيئًا من الدين من جهة كونه تشريعًا‪ ،‬فهذا كفر‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫الثانية‪ :‬أن يبغضه ال من جهة كونه تشريعًا ولكن يبغضه من جهة كرهه للعمل وثقله عليه‬

‫‪.‬‬ ‫مع إقراره وعلمه بأنه حق كما قال تعالى‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭼ‬


‫فهو كره لما فيه من تلف لألنفس‪ ،‬ومثله من يبغض إخراج الزكاة لبخله وليس بغضًا للتشريع‬
‫ذاته‪ ،‬فهذا ليس كفر‪ ،‬ومثله زوجةٌ كرهت أن يتزوج زوجها عليها؛ فال تكفر‪.‬‬
‫‪ ‬النوع السادس‪ :‬كفر اإلعراض‪:‬‬
‫فيعرض عن دين اهلل ال يتعلمه وال يعمل به‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬

‫والمقصود من ذلك؛ من يعرض إعراضا كلياً عن‬ ‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭼ‬


‫الدين ‪-‬علماً وعمالً‪ -‬أو من يعرض عن تعلم أصل الدين‪ ،‬أو يعرض عن العمل الذي تركه كفراً‪ ،‬أما‬
‫من أعرض عن بعض الواجبات التي ليس تركها كفراً؛ فهي ال تندرج تحت هذا‪.‬‬
‫‪ ‬النوع السابع‪ :‬الكفر بمواالة الكافرين‪:‬‬
‫فمظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين كفر‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ‬

‫ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭼ‬
‫مسألة‪ :‬الوالء والبراء‬
‫اعلم أن اهلل سبحانه وتعالى قد أوجب الوالء للمؤمنين وأكد إيجابه‪ ،‬وحرم الوالء للمشركين وشدد‬
‫تحريمه‪ ،‬حتى أنه ليس في كتاب اهلل تعالى حكم فيه من األدلة أكثر وال أبين من هذا الحكم بعد‬
‫وجوب التوحيد وتحريم ضده‪.‬‬

‫ومن وأوضح األدلة على وجوب الوالء للمؤمنين قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ‬

‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ‬
‫ومن أوضح األدلة على وجوب البراء من‬ ‫ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ‬

‫الكافرين وتحريم مواالتهم قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬

‫ﮯ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﭼ‬
‫وقد أجمع أهل العلم على وجوب الوالء للمؤمنين وعلى تحريم الوالء للكافرين‪،‬‬

‫‪21‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫و قال تعالى‪ :‬ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬

‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭼ‬
‫قال ابن جرير في تفسيرها‪ :‬ومعنى ذلك‪ ،‬ال تتخذوا أيها المؤمنون الكُفّارَ ظَهْراً وأنصاراً‪،‬‬
‫توالونهم على دينهم وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين‪ ،‬وتَدُلّونهم على عوراتهم‪،‬‬

‫فإنه من يفعل ذلك ﭽ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﭼ يعني بذلك‪ :‬فقد برئ من اهلل‪ ،‬وبرئ اهللُ منه‪ ،‬بارتداده‬
‫عن دينه ودخوله في الكفر‪ ،‬وفي حديث جرير بن عبد اهلل البجلي‪ ،‬عندما جاء ليبايعه على اإلسالم‪،‬‬
‫فقال جريرٌ لرسول اهلل ‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬اشْترطْ عليَّ‪ ،‬فقال ‪( :‬أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَتُقِيمَ‬
‫الصَّالَةَ وَتُؤْتِىَ الزَّكَاةَ وَتُنَاصِحَ الْمُسْلِمِينَ وَتُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ)‬
‫‪ ‬النوع الثامن‪ :‬السحر‪:‬‬
‫ومنه الصرف والعطف‪ ،‬فمن فعله أو رضي به كفر‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬

‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭼ‬
‫والصرف‪ :‬عمل السحر ليصبح المحبوب مبغوضا‪ ،‬والعطف عمل السحر ليصبح المبغوض محبوبا من زوج وغيره‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬حكم الذهاب إلى السحرة‪ ،‬قال‪(:‬من أتى كاهنا أو عرّافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما‬
‫وقال‪( :‬من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صالة أربعين ليلة)‬ ‫أنزل على محمد)‬
‫مسألة‪ :‬حكم حل السحر بسحر مثله (النشرة)‪ :‬حكمه حكم السحر‪.‬‬
‫‪ ‬النوع التاسع‪ :‬من لم يكفّر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم فقد كفر‪:‬‬
‫هذا الناقض قد أجمع عليه العلماء في الجملة‪ ،‬وهذا الناقض يقوم على أصل ويرتكز على دليل‬

‫وقال تعالى‪:‬‬ ‫من القرآن وإجماع المسلمين قال تعالى‪ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﭼ‬

‫ﭽ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ‬
‫ونحوها من األدلة الشرعية الدالة على كفر من كذب بشيء ثابت من أخبار الشرع وأحكامه‪،‬‬
‫ولما كان التكذيب والجحود ال يكون إال بعد المعرفة واالعتراف عُلِم أن حقيقة هذا الناقض يكون‬
‫على الوجه التالي‪:‬‬
‫من لم يكفر كافراً بلغهُ نص اهلل تعالى القطعي الداللة على تكفيره في الكتاب‪ ،‬أو ثبت لديه‬ ‫‪‬‬
‫نص رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم على تكفيره بخبر قطعي الداللة رغم توفر شروط التكفير‬
‫وانتفاء موانعه عنده‪ ،‬فقد كذّب عندئذ بنص الكتاب والسنة ومن كذّب بذلك فقد كفر باإلجماع‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫‪ -‬فــصــل‪ :‬في توضيح هذا الناقض‪:‬‬


‫قوله ‪ :‬من لم يكفر المشركين؛ وهذا له أحوال‪:‬‬
‫ـ من لم يكفر مَنْ نَصّ الوحي على تكفيره بعينه فهو كافر‪ ،‬كمن لم يُكفر إبليس أو فرعون أو‬
‫هامان أو أبا جهل أو أبا طالب أو غيرهم فهذا كافر‪ ،‬ألنه رد على الوحي وكذبه‪ ،‬ولم يخالف في هذا‬
‫أال من طمس اهلل بصيرته‪ ،‬فهذا حَكَم بخالف حكم اهلل وعقّب على اهلل‪ ،‬وقد قال تعالى‪:‬‬

‫وجحد خبره‪.‬‬ ‫ﭽ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﭼ‬
‫ـ من لم يكفر الكافر األصلي كاليهودي والنصراني والمجوسي ونحوهم فهو كافر‪.‬‬
‫قال القاضي عياض في كتاب الشفا (ولهذا نكفر من ال يكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل‬
‫‪.‬‬ ‫أو وقف فيهم أوشك أو صحح مذهبهم)‬
‫ـ من لم يكفر من أجمع العلماء على تكفيره بعينه فهو كافر‪.‬‬
‫ـ من تبين له باألدلة الشرعية كفر فالن من الناس بعينه ثم توقف عن تكفيره فهو كافر‪.‬‬
‫قال الشيخ المراكشي‪:‬‬
‫ال ينبغي الوقوف في التكفير‬ ‫ورغم ما قلت من التحذير‬
‫من لم يكفر كـــافراً فقد كفر‬ ‫إذا بدا الكفر جليا ًوظهــر‬
‫ف يتضح لنا مما سبق أن هذا الناقض يستعمل بحق الكافر كفراً واضحاً جلياً كاليهود والنصارى وما‬
‫هو من جنسه بحيث يكون الممتنع عن تكفير مثل هذا مكذب بنص شرعي قطعي الداللة‪ ،‬ومثل‬
‫هذا كافر باإلجماع‪.‬‬
‫‪ -‬أما من ارتكب ناقضا مختلفا فيه فال يُكَفَّر من لم يُكَفِّره كترك الصالة‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬ال يكفر من توقف من جهال المسلمين في ذلك إال بعد إقامة الحجة عليه‪ ،‬وذلك يكون‬
‫بأمرين‪:‬‬
‫ـ بمعرفة مقالتهم الكفرية إن كان ممن يجهل حالهم‪.‬‬
‫ـ معرفة مناقضتها لإلسالم إن كان ممن يجهل ذلك أيضاً‪.‬‬
‫فشأن هذه القاعدة عند أهل العلم هو كشأن سائر نصوص الوعيد في إطالقهم‪ ،‬فهم يستعملون‬
‫هذه القاعدة إذا كان الكالم عاماً في الطوائف والملل والنحل ولكن عند تنزيلها على األعيان فال بد‬
‫من النظر إلى شروط التكفير وانتفاء موانعه‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫وهو كل ما ورد في الشرع أنه كفر وثبت بالدليل أنه ال يخرج من الملة مثل كفران العشير حيث قال‬
‫رسول اهلل ‪( :‬أُريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن) قيل أيكفرن باهلل؟ قال‪( :‬يكفرن العشير‬
‫ويكفرن اإلحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط)‬
‫ومن الكفر األصغر‪ :‬الطعن في األنساب والنياحة على الميت قال‪( :‬اثنتان في الناس هما بهم‬
‫كفر‪ :‬الطعن في النسب والنياحة على الميت)‬
‫ملحوظة‪ :‬المرجئة يعتقدون أن الكفر يكون بالقلب فقط وأن من كفر بالقول أو بالفعل ال يكون‬
‫كافرا حتى يعتقد الكفر‪ ،‬ومنهم من يعتقد أنه ليس هناك كفر بالقول وال بالفعل بل القول أو‬
‫الفعل يدل على الكفر وليس كفرا بمجرده‪ ،‬وهذا من الضالل المبين‪.‬‬
‫قال البربهاري رحمه اهلل‪ :‬وال نخرج أحدا من أهل القبلة من اإلسالم حتى يرد آية من كتاب اهلل‪ ،‬أو‬
‫يرد شيئ ا من آثار رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬أو يذبح لغير اهلل‪ ،‬أو يصلي لغير اهلل‪ ،‬فإذا فعل‬
‫شيئا من ذلك فقد وجب عليك أن تخرجه من اإلسالم‪ ،‬وإذا لم يفعل شيئا من ذلك فهو مؤمن مسلم‬
‫باالسم ال بالحقيقة‪.‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل‪:‬‬
‫إن من سب اهلل‪ ،‬أو سب رسوله كفر ظاهراً وباطناً‪ ،‬سواءً كان الساب يعتقد أن ذلك محرم‪ ،‬أو كان ذاهالً‬
‫عن اعتقاده‪ ،‬هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن اإليمان قول وعمل‪.‬‬
‫فقد يترك دينه‪ ،‬ويفارق الجماعة‪ ،‬وهو مقر بالشهادتين‪ ،‬ويدعي اإلسالم‪ ،‬كما إذا جحد شيئاً من أركان‬
‫اإلسالم‪ ،‬أو سب اهلل ورسوله‪ ،‬أو كفر ببعض المالئكة‪ ،‬أو النبيين‪ ،‬أو الكتب المذكورة في القرآن مع‬
‫العلم بذلك‪.‬‬

‫وهو أن يظهر اإلنسان اإليمان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر والقدر‪ ،‬وهو يبطن ما يناقض‬
‫ذلك كله أو بعضه‪.‬‬
‫وهذه بعض صفات المنافقين‪:‬‬
‫‪-‬قلة الطاعات‪ ،‬والتثاقل والكسل عند أداء العبادات الواجبة‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ :‬ﭽ ﭸ ﭹ ﭺ‬

‫ﭻﭼ ﭽﭾﭿﮀ ﮁﮂﮃ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮊ ﭼ‬

‫‪23‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫‪ -‬الجبن وشدة الخوف والهلع‪ ،‬وهذه الصفة من أهم األسباب التي جعلتهم يخفون كفرهم‬
‫ويظهرون اإلسالم؛ ألنهم يخافون من القتل‪ ،‬ومن أن تُسلب أموالهم لكفرهم‪ ،‬وليس عندهم شجاعة‬

‫فيقاتلون مع الكفار‪ ،‬فيلجئون إلى النفاق‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ :‬ﭽ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ‬

‫فهُم‬ ‫ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﭼ‬

‫لشدة خوفهم كلما سمعوا صياحاً ظنوه صياح نذير من عدو هجم عليهم‪ ،‬وقال جل وعال‪ :‬ﭽ‬

‫ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭴ‬
‫فهم يتصفون بالفرق ‪ -‬وهو الخوف ‪ -‬فلو وجد أحدهم‬ ‫ﭵﭶﭷ ﭸﭹ ﭼ‬
‫في حال القتال حصناً أو كهفاً في جبل أو نفقاً في األرض يدخله ليختفي فيه لذهب إليه مسرعاً‪.‬‬

‫– السَّفَه‪ ،‬وضعف التفكير‪ ،‬وقلة العقل‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ :‬ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬

‫ويتضح سفههم فيما يلي‪:‬‬ ‫ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﭼ‬


‫أ‪-‬إيثارهم الدنيا الفانية على اآلخرة‪ ،‬وحرصهم على حطام الدنيا أكثر من حرصهم على طاعة اهلل‬
‫التي هي سبب لسعادتهم في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ففي صحيح البخاري عن النبي ‪ ‬أنه قال في شأن‬
‫المنافقين الذين يتخلفون عن صالة الجماعة‪( :‬لو يعلم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً أو مرماتين‬
‫حسنتين لشهد العشاء) فهم معرضون عمَّا فيه نجاتهم‪.‬‬
‫ب‪-‬أن كثيراً منهم عنده القناعة بأن دين اإلسالم هو الدين الحق وأن أحكامه كلها خير وعدل‪ ،‬ولكن‬
‫بسبب مجالسته للكفار وانبهاره بحضارة الغرب المادية‪ ،‬أو بسبب مجالسته لمن انبهر بحضارتهم‬
‫من المنافقين من علمانيين وحداثيين وقوميين‪ ،‬ومن سماعه لكالمهم ولشبههم التي يثيرونها‬
‫ضد تعاليم شرع خالقهم وقع في قلبه بغض هذا الدين‪ ،‬وأصبح يدعو إلى تقليد الكفار وتحكيم‬
‫قوانينهم ويحارب شرع ربه ويعيبه‪ ،‬وهذا منتهى السفه؛ إذ كيف يعيب ويحارب ما يعلم أنه الحق؟‬

‫‪ -‬قلة الحياء وسالطة اللسان‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ :‬ﭽ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ‬

‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ‬
‫ﮮﮯﮰﮱﯓ ﭼ‬

‫‪24‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫مالحظة‪ :‬النفاق األصغر‪ :‬وهو النفاق العملي‪ ،‬وصاحبه ال يخرج من ملة اإلسالم لكنه عاص هلل‬
‫ورسوله‪ ،‬عن عبد اهلل بن عمرو بأن النبي ‪ ‬قال‪( :‬أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا‪ ،‬ومن كانت فيه‬
‫خصلة منهنّ كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها‪ :‬إذا ائتمن خان‪ ،‬وإذا حدّث كذب‪ ،‬وإذا عاهد‬
‫غدر‪ ،‬وإذا خاصم فجر)‬

‫وبعد أن ذكرنا النواقض فال فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف‪ ،‬إال المكره‪.‬‬

‫قال تعالى‪ :‬ﭽ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬

‫ﮌﮍ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﭼ‬

‫‪ ‬وشروط اإلكراه المعتبر‪:‬‬


‫‪ .‬أن يكون القلب مطمئنا باإليمان (وكارها لما أكره عليه)‪.‬‬
‫‪ .‬أن يكون اإلكراه متحققا‪ ،‬بأن يُضرب أو يُسجن أو يُجَوّع ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ .‬أن ال يكون فيما أكره على فعله تعدٍ على الغير كالقتل والزنا وغيرهما‪.‬‬
‫‪ .‬أن يكون اإلكراه حالّاً من قادرٍ عليه‪.‬‬

‫ما هي نواقض اإلسالم التي يعذر من وقع فيها بالجهل و النواقض التي ال يعذر من وقع فيها ؟‬

‫‪25‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫العذر بالجهل‬
‫هذه المسألة لها عدة حاالت‪:‬‬

‫‪ ‬ما ال يعذر فيه بالجهل‪:‬‬

‫♀‬
‫أي ما تقوم الحجة فيه بمجرد فهم الشهادتين‪ ،‬فهذا ال يعذر فاعله بالجهل ولو نشأ في بادية‬
‫بعيدة عن حاضرة العلم أو كان حديث عهد بجاهلية‪ ،‬وذلك ألن الحجة مقامة بمجرد فهم‬
‫الشهادتين‪ ،‬ففاعله أحد رجلين‪ ،‬إما أنه يفهم معنى الشهادتين وفعل ما يناقضهما‪ ،‬فهو مرتد‪،‬‬
‫أو أنه لم يفهم معنى الشهادتين فهو لم يحقق شرط اإلسالم وهو العلم بمعناها نفيا وإثباتا‪ ،‬وإن‬
‫كنا نحكم عليه بالردة ألنه ادعى االنتساب لإلسالم‪ ،‬ولذلك ففاعله ال يعذر بحال‪.‬‬

‫وهي الواجبات الظاهرة المتواترة‪ ،‬والمحرمات الظاهرة المتواترة التي ال يمكن فيها الغلط من‬
‫الخبر والتأويل‪ ،‬وال يجوز فيها التنازع‪ ،‬ويعلم العامة والخاصة من المسلمين أنها من دين اإلسالم‪،‬‬
‫كالعلم بأن اهلل على كل شيء قدير‪ ،‬وأن اهلل سميع بصير‪ ،‬وأن القرآن كالم اهلل‪ ،‬وكوجوب معاداة‬
‫اليهود والنصارى والمشركين‪ ،‬ووجوب التحاكم إلى شرع اهلل ونحو ذلك‪ ،‬وكوجوب الصلوات الخمس‪،‬‬
‫وصيام شهر رمضان‪ ،‬وحج بيت اهلل الحرام‪ ،‬والزكاة من أموالهم‪ ،‬وحرمة الزنا والقتل والسرقة والخمر‪،‬‬
‫وما كان في معنى ذلك مما كُلِّف العباد أن يعتقدوه أو يقولوه أو يعملوا به‪.‬‬
‫فهذه ال يعذر فيها بالجهل إال من كان خارج مظنة العلم‪( ،‬ومظنة العلم هي‪ :‬إمكان وصول العلم‬
‫إليه أو وصوله إلى العلم مع إمكان الفهم بنفسه أو بوسيلة في مقدوره) ومثاله من نشأ ببادية بعيدة‬
‫عن حاضرة العلم‪ ،‬أو كان حديث عهدٍ بجاهلية‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬

‫وهي المسائل التي قد يخفى دليلها‪ ،‬كمسائل في القدر واإلرجاء والتأويل والوعد والوعيد‬
‫وكبعض مسائل األسماء والصفات كالنزول والرؤية واليدين هلل‪ ،‬ونحو ذلك مما ال يعلمها إال خاصة‬
‫الناس دون عامتهم‪.‬‬
‫فهذه يعذر بالجهل صاحبها وال يُكَفَّرُ إال بعد إقامة الحجة عليه وإزالة الشبهة عنه‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫المعاصي‬
‫اعلم أرشدك اهلل لطاعته أن الذنوب تنقسم إلى قسمين‪ :‬كبائر وصغائر‪.‬‬
‫‪ :‬ما يترتب عليه حدٌ في الدنيا‪ ،‬أو وعيد في اآلخرة‪.‬‬
‫مثل الزنا وشرب الخمر والربا وقتل النفس والتولي يوم الزحف والقذف والكذب وعمل قوم لوط وأكل‬
‫مال اليتيم والغيبة والنميمة والتشبه بالكفار وغيرها‪.‬‬
‫وعقيدة أهل السنة أنَّ أصحاب الكبائر ناقصي إيمان الرتكابهم الكبائر‪ ،‬وإذا ماتوا ولم يتوبوا يكونوا‬
‫تحت مشيئة اهلل‪ ،‬إذا شاء اهلل غفر لهم وأدخلهم الجنة‪ ،‬وإذا شاء أدخلهم النار بقدر سيئاتهم‪ ،‬ثم أخرجوا‬
‫من النار بإيمانهم وبتوحيدهم‪ ،‬ثم يدخلون الجنة وكل ذلك مذكور في األحاديث النبوية الصحيحة‪.‬‬
‫والنصوص الشرعية في الكبائر التي تسمى نصوص الوعيد هي التي تدل على الذم لهذا الفعل‪،‬‬
‫وتدل على تحريم هذا الفعل‪ ،‬وتدل على خطورة هذا الفعل‪ ،‬لكنها ال تدل على كفر من فعلها‪،‬‬

‫فقتل المؤمن من أشد الكبائر ومع ذلك قال اهلل تعالى‪ :‬ﭽ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬

‫فسماه اهلل أخا له‪ ،‬والكافر ال يكون أخا للمسلم أبدا‪.‬‬ ‫ﮡ ﮢﭼ‬
‫وأما ما ورد في بعض األدلة من تسمية مرتكب الكبيرة بالكفر أو عدم اإليمان‪ ،‬فالمقصود من ذلك‬
‫نفي اإليمان الواجب‪ ،‬والكفر هنا هو الكفر األصغر الذي ال يخرج من الملة بداللة إثبات أصل اإليمان‬
‫في هذه األدلة‪.‬‬

‫ما ليس فيها حد في الدنيا‪ ،‬وال وعيد في اآلخرة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮒ ﮓ ﮔ‬

‫ﮕﮖﮗﮘ ﮙﮚﮛﮜﮝ ﭼ‬
‫‪( :‬إياكم ومُحَقَّراتَ الذنوب‪ ،‬فإنهن يجتَمعْن على الرجل حتى يُهْلِكْنَه)‬ ‫وقال‬
‫مسألة‪ :‬ينبغي الحذر من اإلصرار على الصغائر‪ ،‬فإنه ال صغيرة مع اإلصرار وال كبيرة مع‬

‫االستغفار‪ .‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬

‫ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮀﮁﮂﮃ ﭼ‬
‫‪( :‬كل أمتي معافى إِال‬ ‫تحذير‪ :‬وأيضاً ينبغي الحذر من المجاهرة بالمعصية فقد قال النبي‬
‫المجاهرون)‬
‫فيجب على من ارتكب المعاصي التوبة النصوح الخالصة لوجه اهلل‪ ،‬واإلقالع عن الذنب وتركه‬
‫والندم على ما فات والعزم على أال يعود للذنب‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫اإليمان‬
‫‪‬‬
‫اإليمان‪ :‬أن تؤمن باهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬وتؤمن بالقدر خيره وشره‪.‬‬
‫فاإليمان قول وعمل‪ ،‬قول القلب واللسان‪ ،‬وعمل القلب واللسان والجوارح‪ ،‬يزيد بالطاعة وينقص‬
‫بالمعصية‪.‬‬
‫وذلك بخالف ما ذهب إليه أهل البدع واإلرجاء‪ ،‬الذين أخرجوا العمل عن مسمى اإليمان‪ ،‬علماً‬

‫حيث أنها نزلت بعد أن سأل‬ ‫أن ذلك مخالف لقول اهلل تعالى‪ :‬ﭽﮐﮑﮒﮓﮔﮕﭼ‬
‫أناس عن صالتهم إلى بيت المقدس قبل تغيير القبلة هل هي مقبولة أم ال؟ –والصالة من‬
‫األعمال– فسمى اهلل صالتهم وأعمالهم تلك إيماناً؛ فدل على أن اإليمان قول وعمل‪.‬‬
‫وذلك أيضًا بخالف ما ذهب إليه الخوارج الذين يزعمون أن كل أعمال الجوارح الواجبة ركن‬
‫من اإليمان‪ ،‬وبالتالي يكفِّرون بترك الواجب أو فعل المحرم‪.‬‬
‫‪‬‬
‫عن‬ ‫أركان اإليمان ستة‪ ،‬وهي المذكورة في حديث جبريل عليه والسالم حينما سأل النبي‬
‫اإليمان؟ فقال‪« :‬أَنْ تُؤْمِنَ بِاهللِ‪ ،‬وَمَالئِكَتِهِ‪ ،‬وَكُتُبِهِ‪ ،‬وَرُسُلِهِ‪ ،‬وَاليَوْمِ اآلخِرِ‪ ،‬وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ‬
‫وَشَرِّهِ»‪.‬‬
‫وإليك بيان ذلك‪:‬‬

‫اإليمان باهلل يتضمن ثالثة أمور‪:‬‬

‫والرب من له الخلق والملك واألمر‪ ،‬فال خالق إال اهلل‪ ،‬وال مالك إال اهلل‪ ،‬واألمر كله هللِ وحده‪،‬‬
‫الخلق خلقه‪ ،‬والملك ملكه‪ ،‬واألمر أمره‪ ،‬العزيز الرحيم‪ ،‬الغني الحميد‪ ،‬يرحم إذا استُرْحِم‪ ،‬ويغفر إذا‬
‫اسْتُغْفِر‪ ،‬ويعطي إذا سُئل‪ ،‬ويجيب إذا دُعي‪ ،‬حي قيوم ال تأخذه سنة وال نوم‪.‬‬

‫وقال تعالى‪ :‬ﭽﰘﰙﰚ‬ ‫قال اهلل تعالى‪ :‬ﭽﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﭼ‬

‫ﰛﰜﰝﰞﰟﰠﰡﰢﰣﭼ‬

‫‪28‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫وهو أن نعلم ونتيقن أن اهلل وحده هو اإلله الحق ال شريك له‪.‬‬


‫وأنه وحده المستحق للعبادة‪ ،‬فهو رب العالمين‪ ،‬وإله العالمين‪ ،‬ونعبده بما شرع‪ ،‬مع كمال‬
‫الذل له‪ ،‬وكمال الحب‪ ،‬وكمال التعظيم‪.‬‬
‫ونعلم ونتيقن أن اهلل كما أنه واحد في ربوبيته ال شريك له‪ ،‬فكذلك هو واحد في ألوهيته ال‬

‫شريك له‪ ،‬فنعبده وحده ال شريك له‪ ،‬ونجتنب عبادة ما سواه‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ :‬ﭽﯽﯾﯿﰀﰁﰂ‬

‫واهلل هو اإلله الحق‪ ،‬وكل معبود من دون اهلل فألوهيته باطلة‪ ،‬وعبادته‬ ‫ﰃﰄﰅﰆﭼ‬

‫باطلة‪ :‬ﭽ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﭼ‬

‫ومعناه‪ :‬فهمها وحفظها واالعتراف بها‪ ،‬والتعبد هللِ بها‪ ،‬والعمل بمقتضاها‪ ،‬فمعرفة أوصاف‬
‫العظمة هللِ والكبرياء والمجد والجالل تمأل قلوب العباد هيبة هللِ وتعظيماً له‪ ،‬ونعلم ونتيقن أن اهلل‬

‫وحده له األسماء الحسنى والصفات العال‪ ،‬وندعوه بها‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ :‬ﭽﭳﭴﭵﭶﭷﭸ‬

‫ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﭼ‬
‫من األسماء والصفات‪ ،‬ونؤمن بها‪ ،‬وبما‬ ‫ونثبت هللِ سبحانه ما أثبته لنفسه‪ ،‬أو أثبته له رسوله‬
‫دلت عليه من المعاني واآلثار‪.‬‬
‫فنؤمن بأن اهلل (رحيم) ومعناه أنه ذو رحمة‪ ،‬ومن آثار هذا االسم‪ :‬أنه يرحم من يشاء‪ ،‬وهكذا‬
‫القول في بقية األسماء‪ ،‬ونثبت ذلك على ما يليق بجالله سبحانه من غير تحريف‪ ،‬وال تعطيل‪ ،‬وال‬

‫وجملة‬ ‫تكييف‪ ،‬وال تمثيل على حد قوله سبحانه‪ :‬ﭽﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭼ‬


‫ذلك أن اإليمان بأسماء اهلل وصفاته يقوم على ثالثة أصول‪:‬‬
‫األول‪ :‬تنزيه خالق السماوات واألرض عن مشابهة المخلوقين في الذات واألسماء والصفات‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬اإليمان بما وصف اهلل به نفسه أو وصفه به رسوله من األسماء الصفات‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬قطع الطمع عن إدراك كيفية أسماء اهلل وصفاته‪ ،‬فكما ال نعلم كيفية ذاته‪ ،‬كذلك ال‬

‫نعلم كيفية أسمائه وصفاته‪ ،‬كما قال سبحانه‪ :‬ﭽﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭼ‬

‫‪29‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫واإليمان بالمالئكة‪ :‬هو االعتقاد بأن هللِ مالئكةً موجودون‪ ،‬هم عباد اهلل المكرمون‪ ،‬والسفرة‬
‫بينه تعالى وبين رسله عليهم الصالة والسالم‪ ،‬فهم من عباد اهلل عز و جل خلقهم اهلل تعالى من‬
‫النور لعبادته‪ ،‬ال يأكلون وال يشربون وال يتناكحون وال يعصون اهلل ما أمرهم‪ ،‬ليسوا بناتا هلل عز و جل‪،‬‬
‫وال أوالداً وال شركاء معه وال أندادا هلل تعالى‪ ،‬عما يقول الظالمون والجاحدون والملحدون علوا كبيرا‪،‬‬
‫ونؤمن بما علمنا من‬ ‫وأنه ال يعلم عددهم إال اهلل‪ ،‬ونؤمن بمن سمى اهلل منهم كجبريل‬

‫صفاتهم وأعمالهم‪ ،‬ومن لم نعلم اسمه منهم فنؤمن بهم إجماالً‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﭡ ﭢ ﭣ‬

‫ﭤﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷﭸ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮉﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﭼ‬

‫اإليمان بالكتب‪ :‬هو االعتقاد بأن اهلل تعالى أنزل كتباً على أنبيائه ورسله هداية لعباده‪ ،‬وهي‬
‫من كالمه حقيقة‪ ،‬وأن ما تضمنته حق ال ريب فيه‪ ،‬منها ما سمى اهلل في كتابه‪ ،‬ومنها ما ال يعلم‬
‫أسماءها وعددها إال اهلل عز وجل‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬ما حكم ما في أيدي أهل الكتاب من الكتب اليوم؟‬
‫ما في أيدي أهل الكتاب مما يسمى بالتوراة واإلنجيل ال تصح نسبتها كلها إلى أنبياء اهلل‬
‫ورسله‪ ،‬فقد وقع فيهما التحريف والتبديل‪ ،‬كنسبتهم الولد إلى اهلل‪ ،‬وتأليه النصارى لعيسى بن‬
‫مريم عليه السالم‪ ،‬ووصف الخالق بما ال يليق بجالله‪ ،‬واتهام األنبياء ونحو ذلك‪ ،‬فيجب رد ذلك‬
‫كله‪ ،‬وعدم اإليمان إال بما جاء في القرآن أو السنة‪.‬‬
‫فإذا حدثنا أهل الكتاب بشيء لم يُذكر في القرآنِ ولم يُخالف نصاً من كالمِ اهلل أو كالم رسوله‬
‫فال نصدقهم وال نكذبهم‪ ،‬ونقول‪ :‬آمنا باهلل وكتبه ورسله‪ ،‬فإن كان ما قالوه حقاً لم نكذبهم‪،‬‬
‫وإن كان ما قالوه باطالً لم نصدقهم‪.‬‬
‫فهو آخرُ‬ ‫‪ -‬أما القرآن الكريم الذي أنزله اهلل عز وجل على خاتم األنبياء وأفضلهم محمدٌ‬
‫الكتب السماوية‪ ،‬والمهيمن عليها‪ ،‬أنزله اهلل تبياناً لكل شيء‪ ،‬وهدى ورحمة للعالمين‪ ،‬باللسان‬
‫العربي المبين‪ ،‬فيجب على كل أحد اإليمان به‪ ،‬والعمل بأحكامه‪ ،‬والتأدب بآدابه‪،‬‬

‫‪31‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫وال يقبل اهلل العمل بغيره بعد نزوله‪ ،‬تكفل اهلل بحفظه‪ ،‬فسلم من التحريف والتبديل‪ ،‬ومن الزيادة‬

‫وقال تعالى‪ :‬ﭽ ﭿ ﮀ‬ ‫والنقصان‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ :‬ﭽﮗﮘﮙﮚ ﮛ ﮜﮝﭼ‬

‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﭼ‬

‫اإليمان بالرسل‪ :‬هو االعتقاد بأن اهلل عز وجل بعث في كل أمة رسوالً يدعوهم إلى عبادة اهلل‬
‫وحده‪ ،‬والكفر بما يُعبد من دونه‪ ،‬وأنهم جميعًا مرسلون صادقون‪ ،‬وقد بلَّغوا جميع ما أرسلهم اهلل‬
‫به‪ ،‬منهم مَنْ أعلمنا اهلل باسمه‪ ،‬ومنهم مَنْ استأثر اهلل بعلمه‪ ،‬فوجب علينا أن نؤمن بهم جميعا‪،‬‬

‫قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬

‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ‬
‫وأن األنبياء والرسل دينهم واحد‪ ،‬وشرائعهم مختلفة‪ ،‬أولهم يبشر بآخرهم ويؤمن به‪ ،‬وآخرهم‬
‫‪( :‬أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا واآلخرة واألنبياء أخوة‬ ‫يصدق بأولهم ويؤمن به‪ ،‬قال‬
‫لعالت أمهاتهم شتى ودينهم واحد)‬
‫وأول رسول أرسله اهلل إلى أهل األرض نوح عليه السالم‪ ،‬أرسله اهلل لقوم كافرين‪ ،‬ليدعوهم إلى‬
‫اهلل‪ ،‬ويأمرهم بعبادة اهلل وحده‪ ،‬وينهاهم عن الشرك‪.‬‬
‫هو آخر األنبياء والمرسلين وهو خاتمهم‪ ،‬وهو خير الخلق عند اهلل تعالى‪،‬‬ ‫ونؤمن أن محمداً‬
‫وأن بعثته عامة للناس أجمعين‪ ،‬وأنه ال يسع أحداً أن يخرج عن شريعته حتى عيسى ابن مريم عليه‬
‫‪.‬‬ ‫السالم إذا نزل في آخر الزمان فهو على شريعة محمد‬

‫معنى اليوم اآلخر‪ :‬هو يوم القيامة الذي يبعث اهلل فيه الخالئق للحساب والجزاء‪ ،‬سمي بذلك‪:‬‬
‫ألنه ال يوم بعده‪ ،‬حيث يستقر أهل الجنة في الجنة‪ ،‬وأهل النار في النار‪.‬‬
‫واإليمان باليوم اآلخر هو اعتقاد كل ما أخبر اهلل ورسوله به مما يكون في ذلك اليوم العظيم‪،‬‬
‫من البعث‪ ،‬والحشر‪ ،‬والحساب‪ ،‬والصراط‪ ،‬والميزان‪ ،‬والجنة‪ ،‬والنار وغير ذلك مما يجري في عرصات‬

‫‪31‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫في تهجده ويقول فيه‪( :‬وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ‬ ‫القيامة‪ .‬فقد كان يدعو رسول اهلل‬
‫حَقٌّ وَقَوْلُكَ حَقٌّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ)‬
‫ويُلحق بذلك ما يكون قبل الموت من عالمات الساعة وأشراطها‪ ،‬وما يكون بعد الموت من‬
‫يقول‪( :‬اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَفِتْنَةِ‬ ‫فتنة القبر‪ ،‬وعذابه ونعيمه‪ ،‬فقد كان رسول اهلل‬
‫النَّارِ وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ)‬

‫معنى القدر‪ :‬هو علم اهلل تعالى بكل شيء‪ ،‬وبكل ما أراد إيجاده أو وقوعه من الخالئق‪،‬‬
‫والعوالم‪ ،‬واألحداث‪ ،‬واألشياء‪ ،‬وتقدير ذلك وكتابته في اللوح المحفوظ‪.‬‬
‫والقدر سر اهلل في خلقه‪ ،‬لم يَطَّلع عليه مَلَك مقرب‪ ،‬وال نبي مرسل‪.‬‬
‫اإليمان بالقدر‪ :‬هو االعتقاد بأن كل ما يقع من الخير والشر‪ ،‬وكل شيء فهو بقضاء اهلل وقدره‬

‫كما قال سبحانه‪ :‬ﭽﰌﰍ ﰎﰏﰐﭼ‬


‫مراتب اإليمان بالقدر‪ :‬اإليمان بالقدر يتضمن أربعة أمور‪:‬‬

‫اإليمان بأن اهلل تعالى يعلم كل شيء جملة وتفصيالً‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬

‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬
‫ﰈﰉﰊ ﰋﰌﰍ ﰎﰏ ﰐﰑ ﰒﭼ‬
‫اإليمان بأن اهلل تعالى كتب مقادير كل شيء في اللوح المحفوظ من المخلوقات واألحوال‬

‫واألرزاق‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﭼ‬

‫اإليمان بأن جميع الكائنات ال تكون إال بمشيئة اهلل وإرادته‪ ،‬فكل شيء واقع بمشيئة اهلل‪ ،‬فما شاء‬

‫اهلل كان وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ‬


‫اإليمان بأن اهلل تعالى خالق كل شيء‪ ،‬خلق جميع الكائنات بذواتها وصفاتها وحركاتها‪ ،‬ال خالق‬

‫غيره‪ ،‬وال رب سواه‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ :‬ﭽﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮗﮘﭼ‬


‫مسالة‪ :‬هل يصح االحتجاج بالقدر على فعل الذنوب والمعاصي‬
‫كأن يقول العاصي أنا أفعل كذا وكذا من الذنوب ألن اهلل قدرها علي؟‬
‫ذكر القدر مع الذنوب على ضربين‪:‬‬

‫‪32‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫‪ ‬ذكره مع ذنوب في الماضي فعلها وتاب منها فيصح االحتجاج بالقدر لمن عنفه عليها أو استفسر‬
‫عنها‪ ،‬للحديث الوارد من قصة آدم وموسى عليهم السالم كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ‪ ،‬عَنِ النَّبِيِّ‬
‫قَالَ‪( :‬احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسى فَقَالَ لَهُ مُوسى‪ :‬يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا‪ ،‬خَيَّبْتَنَا‪ ،‬وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ قَالَ لَهُ‬
‫آدَمُ‪ :‬يَا مُوسى اصْطَفَاكَ اهللُ بِكَالَمِهِ‪ ،‬وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ‪ ،‬أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَ اهللُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ‬
‫يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً فَحَجَّ آدَمُ مُوسى ثَالَثًا)‬

‫وهذا بعد التوبة لقوله تعالى‪ :‬ﭽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭼ‬


‫‪ ‬ذكره مع ذنوب يفعلها وهو مصر مقيم عليها فال يصح االحتجاج بالقدر في هذا الموطن وهو‬

‫عين مشابهة الكفار واألدلة في القرآن على ذلك كثيرة منها قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ‬

‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﭼ‬
‫وكما قال تعالى عنهم‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬

‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭼ‬

‫اإلحسان‬
‫معنى اإلحسان‪ :‬أن تعبد اهلل كأنك تراه‪ ،‬فإن لم تكن تراه فإنه يراك‪ ،‬قال اهلل تعالى‪:‬‬

‫ﭽﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﭼ‬
‫ومرتبة اإلحسان أعلى من مرتبة اإليمان واإلسالم‪.‬‬
‫اإلحسان مرتبتان‪:‬‬
‫المرتبة األولى‪ :‬أن يعبد اإلنسان ربه كأنه يراه‪ ،‬عبادة طلب‪ ،‬ورغبة ومحبة‪ ،‬فهو يطلب من اهلل عز‬
‫وجل‪ ،‬ويقصده ويعبده كأنه يراه‪ ،‬وهذه أعلى المرتبتين «أن تعبد اهلل كأنك تراه»‪.‬‬
‫المرتبة الثانية‪ :‬إذا لم تعبد اهلل كأنك تراه وتطلب منه‪ ،‬فاعبده ألنه هو الذي يراك عبادة خائف‬
‫منه‪ ،‬هارب من عذابه وعقابه‪ ،‬متذلل له «فإن لم تكن تراه فإنه يراك»‪.‬‬
‫ولمعرفة حقيقة اإلحسان نقول‪:‬‬
‫الحكمة التي خلق اهلل من أجلها السماوات واألرض‪ ،‬وخلق من أجلها المخلوقات‪ ،‬وخلق من‬
‫أجلها الحياة والموت‪ :‬هي االبتالء بحسن العمل‪.‬‬
‫والطريق إلى إحسان العمل هو معرفة خالق السماوات واألرض‪ ،‬ومراقبة اهلل في كل عمل‪،‬‬
‫والعلم بأن اهلل بكل شيء عليم‪ ،‬وعلى كل شيء شهيد‪ ،‬ال يعزب عنه مثقال ذرة‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫وهذا أعظم واعظ في القرآن يدعو المسلم إلى إحسان العمل لربه‪ ،‬فيؤديه هلل بالمحبة‬
‫والتعظيم كأنه يراه‪ ،‬فإن لم يكن العبد يرى اهلل فإن اهلل يراه‪.‬‬
‫فليحسن العبد عمله هلل؛ ليفوز برضاه‪ ،‬وينجو من عقابه‪ ،‬ومَنْ أحسن فلنفسه‪ ،‬ومن أساء‬

‫فعليها‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ :‬ﭽ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬

‫ﭰﭱﭲﭳﭴﭼ‬

‫عبادة اهلل تعالى مبنية على أمرين‪:‬‬


‫غاية الحب هللِ‪ ،‬وغاية التعظيم والذل له‪ ،‬ويحصل ذلك بمعرفة اهلل بأسمائه وصفاته وأفعاله‪.‬‬
‫فالحب يُولِّد الطلب والتعظيم‪ ،‬والذل له يُولِّد الخوف والهرب‪ ،‬وهذا هو اإلحسان في عبادة اهلل‬
‫سبحانه‪ ،‬واهلل يحب المحسنين‪ ،‬والدليل على ذلك‪:‬‬

‫قوله تعالى‪:‬ﭽﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﭼ‬
‫قوله سبحانه‪:‬ﭽ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘﭼ‬

‫قوله عز وجل‪:‬ﭽﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌﭼ‬

‫الهجرة‬
‫تعريفها‪ :‬االنتقال من دار الكفر إلى دار اإلسالم‪.‬‬
‫دار اإلسالم هي‪ :‬التي تعلوها أحكام اإلسالم‪ ،‬والقوة والغلبة فيها للمسلمين؛ وإن كان جمهور‬
‫أهلها كفاراً‪ ،‬كحال المدينة في أول األمر قبل نبذ العهود وإجالء اليهود‪.‬‬
‫دار الكفر هي‪ :‬التي تعلوها أحكام الكفار‪ ،‬والقوة والغلبة فيها للكفار؛ وإن كان جمهور أهلها‬
‫مسلمين‪ ،‬كدار العُبيديين الذين ملكوا مصر والشام والمغرب‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬ال يلزم من كون الدار دار كفر أن كل من فيها كفاراً‪ ،‬وكذلك األمر في دار اإلسالم‪.‬‬
‫حكم الهجرة‬
‫إن الهجرة لديار اإلسالم واجبة على كل مكلف قادر‪ ،‬فمن تركها وهو قادر عليها فهو مرتكب‬
‫لمحرمٍ باإلجماع‪ ،‬وعليها تنعقد أحكامٌ كثيرة‪ ،‬وبها ينجو اإلنسان بدينه من الوقوع في الشرك والكفر‬
‫ومواالة الكافرين‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫في حديث بريدة الطويل‪( :‬ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين‬ ‫قال‬
‫وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا أن يتحولوا‬
‫منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين‪ ...‬الحديث)‬

‫خطورة التخلف عن الهجرة‬


‫أن من لم يهاجر مُعَرِّضٌ نفسه للوقوع في الكفر وهو ال يعلم؛ مثل‪ :‬لو تحاكم لمحاكم قانونية‪،‬‬
‫أو كان من جنود الطواغيت‪ ،‬أو انتخب أو صَوّتَ على دستور‪.‬‬
‫قد تبرأ منه‪ ،‬لحديث‪( :‬أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ)‬ ‫أن النبي‬

‫أن من لم يهاجر ال يجوز لنا أن نتواله‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ‬

‫ﮕﮖﮗﮘﭼ‬
‫أن من لم يهاجر وهو في حال القدرة واالستطاعة يعرِّض نفسه للوعيد والعذاب الشديد‬

‫قال تعالى‪ :‬ﭽﮀﮁﮂﮃ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ‬

‫ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﭼ‬
‫فضائل الهجرة في سبيل اهلل‬
‫يكفي في فضلها‪ ،‬قول اهلل تعالى‪ :‬ﭽﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯦﯧﯨﯩ‬

‫ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﭼ‬
‫وقوله تعالى‪ :‬ﭽ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻﯼ ﯽ ﯾ‬

‫ﯿ ﰀ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢﭣﭤﭼ‬
‫من الذي تسقط في حقه الهجرة‬
‫هم المستضعفون الذين ال يتمكنون من إظهار دينهم‪ ،‬لضعفهم وعدم المنَعَة‪ ،‬وال‬
‫يستطيعون الهجرة لعجزهم وعدم قدرتهم عليها‪ ،‬فقد استثناهم اهلل في قوله تعالى‪:‬‬

‫ﭽﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﭼ‬
‫وقوله تبارك وتعالى‪ :‬ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬

‫ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭼ‬

‫‪35‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫‪ -‬أن ال يهتدون إلى ذلك سبيالً‪.‬‬ ‫‪ -‬أن ال يستطيعون النهوض والخروج‪.‬‬


‫وهم مع ذلك يدعون ربهم أن يخرجهم من دار الكفر إلى دار اإلسالم‪ ،‬وأن يؤيدهم باألنصار‬
‫واألولياء الذين يستنقذونهم من أيدي الكفار‪.‬‬
‫مفاهيم خاطئة‬
‫‪« :‬ال هجرة بعد الفتح‪ ،‬ولكن جهاد‬ ‫بعض المسلمين يخطئ في فهم حديث النبي‬
‫ونية‪ ،‬وإذا استنفرتم فانفروا»‬
‫‪« :‬ال هجرة بعد الفتح» أي‪ :‬أن الهجرة من‬ ‫وهذا الحديث قاله النبي بعد فتح مكة‪ ،‬فقوله‬
‫مكة إلى المدينة بعد فتح مكة صارت غير واجبة‪ ،‬ألن مكة صارت دار إسالم بفتحها‪ ،‬فلم يعد واجباً‬
‫على أهل مكة أن يغادروها إلى المدينة‪ ،‬بل يبقوا في مكة‪ ،‬فالكالم خاص بالصحابة الذين كانوا‬
‫يريدون أن يهاجروا من مكة الى المدينة بعد فتح مكة فقال لهم النبي هذه المقولة‪.‬‬
‫‪( :‬لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ‪ ،‬وَلَا‬ ‫ومما يبين بقاء الهجرة وعدم انقطاعها قوله‬
‫تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا)‬
‫ويظن البعض أنه ليس على المرأة هجرة؛ وهذا ليس صحيحاً‪ ،‬فإن المرأة متى استطاعت‬
‫على الهجرة وجبت عليها‪ ،‬وتسقط عنها كل الشروط التي تجب عليها في السفر ‪-‬بل ال اعتبار بها‪-‬‬
‫وهذا قول عامة العلماء‪ ،‬وهو الذي عليه الدليل‪ ،‬فإن من أوائل من هاجر من المسلمين من مكة الى‬
‫الحبشة وإلى المدينة هم النساء‪.‬‬

‫اإلمامة‬
‫وحتى يستقيم أمر الناس وتستقيم حياتهم‪ ،‬ال بد من إمام يسوس أمرهم‪ ،‬وقد أجمعت األمة‬
‫بمجرد أن بلغهم نبأ وفاة‬ ‫على وجوب عقد اإلمامة‪ ،‬واستدلوا على ذلك بما ثبت أن الصحابة‬
‫بادروا إلى عقد اجتماع في سقيفة بني ساعدة‪ ،‬وشارك في االجتماع كبار الصحابة‪،‬‬ ‫رسول اهلل‬
‫وتشييعه وتداولوا في أمر الخالفة‪ ،‬فإن دل ذلك على شيء فإنما‬ ‫حيث تركوا تجهيز رسول اهلل‬
‫يدل على أهميتها ووجوبها‪.‬‬
‫وقد أنعم اهلل علينا بقيام دولة اإلسالم وعودة الخالفة بعد غيابها لعقود من الزمان‪ ،‬ونُصِّب‬
‫أمير المؤمنين إبراهيم بن عواد بن إبراهيم البدري الحسيني القرشي حفظه اهلل خليفة على‬
‫المسلمين‪ ،‬نصره اهلل وأيده‪ ،‬وبايعه الناس على السمع والطاعة‪ ،‬وهلل الحمد‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫شروط اإلمامة‬
‫اشترط الفقهاء لإلمامة شروطاً وهي‪:‬‬
‫‪ -‬التكليف ( العقل_ البلوغ )‪.‬‬ ‫‪-‬اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -‬النسب (أن يكون قرشياً)‪.‬‬ ‫‪-‬الذكورة‪.‬‬
‫‪-‬الكفاية ولو بغيره (والكفاية هي الجرأة والشجاعة والحنكة)‪.‬‬
‫‪-‬العدالة‪.‬‬ ‫‪-‬أن يكون حراً‪.‬‬
‫‪-‬سالمة الحواس واألعضاء مما يمنع القيام بمهام اإلمامة‪.‬‬
‫ما تنعقد به اإلمامة‪ :‬تنعقد اإلمامة بأحد هذه األمور‪:‬‬

‫‪ ‬البيعة‪ :‬والمراد بها بيعة أهل الحل والعقد‪ ،‬وهم‪ :‬علماء المسلمين ووجهاؤهم‪ ،‬الذين يتيسر‬
‫اجتماعهم حال البيعة بال كلفة عرفاً‪ ،‬كبيعة الصحابة ألبي بكر الصديق◙‪.‬‬
‫ويشترط في أهل الحل والعقد‪ :‬العدالة والعلم بشروط اإلمامة والرأي والحكمة والتدبير‪( ،‬وإذا‬
‫تأملت حال األمة اليوم وبحثت عن أهل الحل والعقد تجد أنهم أهل الثغور وعلماؤهم‪ ،‬أما الذين‬
‫تحت سلطان الطواغيت فال يمكن أن يكونوا من أهل الحل والعقد)‪.‬‬
‫‪ ‬والية العهد (االستخالف)‪ :‬وهي عهد اإلمام بالخالفة إلى من يصح إليه العهد ليكون إماماً‬
‫‪.‬‬ ‫بعده؛ كاستخالف أبي بكر لعمر بن الخطاب‬
‫‪ ‬االستيالء بالقوة‪ :‬قال اإلمام أحمد؛ ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أميراً‬
‫للمؤمنين‪ ،‬فال يحل ألحد يؤمن باهلل واليوم اآلخر أن يبيت وال يراه إماماً‪ ،‬براً كان أو فاجراً‪.‬‬
‫من واجبات اإلمام‪:‬‬
‫‪ -‬حفظ الدين على أصوله الثابتة بالكتاب والسنة وإقامة شعائره‪.‬‬
‫‪ -‬رعاية مصالح المسلمين الدينية والدنيوية‪.‬‬
‫‪ -‬إقامة الجهاد وحماية بيضة المسلمين‪.‬‬
‫‪( :‬من خلع يدا من طاعة لقي اهلل‬ ‫وجوب البيعة لإلمام‪ :‬فقد جاء في الحديث عن النبي‬
‫يوم القيامة ال حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)‬
‫؛‬ ‫قال‪ :‬دعانا النبي‬ ‫من ألفاظ البيعة لإلمام‪ :‬جاء في حديث عبادة بن الصامت‬
‫فبايعناه على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا‪ ،‬وأال ننازع األمر أهله‬
‫إال أن تروا كفراً بواحاً عندكم من اهلل فيه برهان‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫وجوب طاعة اإلمام‪ :‬اتفقت األمة جمعاء على وجوب السمع والطاعة لإلمام‪ ،‬ودليل ذلك قوله‬

‫وحرمة الخروج عليه‪ ،‬ووجوب قتل المنازع له‪،‬‬ ‫تعالى‪ :‬ﭽﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﭼ‬


‫وذلك لحديث‪( :‬من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه‪ ،‬فليطعه إن استطاع‪ ،‬فإن جاء آخر‬
‫ينازعه فاضربوا عنقه)‬

‫البدعة‬
‫عرفها الشاطبي رحمه اهلل‪ :‬بأنها طريقة في الدين مخترعة‪ ،‬تضاهي الشريعة‪ ،‬يُقصد‬
‫بالسلوك عليها المبالغة في التعبد هلل تعالى‪ ،‬وعرفها شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل‪ :‬هي ما لم‬
‫‪ ،‬وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب وال استحباب‪.‬‬ ‫يشرعه اهلل ورسوله‬
‫‪.‬‬ ‫فهي كل عبادة يُتقرب بها إلى اهلل عز وجل‪ ،‬ولم تكن من شريعة النبي‬
‫مثالها‪:‬‬
‫الثالثة الذين جاؤوا إلى بيت رسول اهلل يسألون عن عبادته‪ ،‬وكأنهم تقالّوها‪ ،‬وأرادوا أن يؤدوا‬
‫‪ ،‬فقال أحدهم‪ :‬أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا؛ وَقَالَ‬ ‫هذه العبادات بطريقة تخالف هدي النبي‬
‫إليهم‪،‬‬ ‫آخَرُ‪ :‬أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَالَ أُفْطِرُ؛ وَقَالَ آخَرُ‪ :‬أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَالَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا‪ ،‬فَجَاءَ رَسُولُ اهللِ‬
‫فَقَالَ‪ « :‬أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؛ أَمَا وَاهللِ إِنِّي ألَخْشَاكُمْ هللِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ‪ ،‬لكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ‪ ،‬وَأُصَلِّي‬
‫وَأَرْقُدُ‪ ،‬وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ؛ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي »‬
‫حكمها‪:‬‬
‫اتفق أهل العلم على أن البدعة في العبادات والعقيدة محرمة‪ ،‬ومنها ما يصل إلى الكفر‪،‬‬
‫وذلك إذا وصلت إلى الوقوع في شيء من نواقض اإلسالم كالشرك‪ .‬ومن األدلة على تحريمها‪ :‬قوله‬

‫تعالى‪ :‬ﭽ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬

‫‪.‬‬ ‫‪( :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه؛ فهو رد)‬ ‫وقوله‬ ‫ﮋﮌ ﭼ‬
‫أبواب البدع‪:‬‬

‫‪ ،‬فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اهللُ‬ ‫‪ .‬إحداث عبادة في دين اهلل تبارك وتعالى لم يأت بها النبي‬
‫عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‪« :‬مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ‪ ،‬فَهُوَ رَدٌّ»‪ ،‬أي مردود غير مقبول‪ ،‬فمن أحدث‬
‫‪ ،‬كأنه يدعي أنه يعلم في دين اهلل ما لم يعلمه رسول اهلل‬ ‫عبادة لم يفعلها رسول اهلل‬
‫‪.‬‬ ‫حاشاه‬

‫‪38‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫‪ .‬تخصيص عبادة معينة في وقت أو مكان أو هيئة معينة لم يخصصها الشرع‪ ،‬كمن يخصص أيام‬
‫معينة بصيام أو ليالي معينة بقيام أو تخصيص قراءة آيات معينة في مناسبات معينة‪ ،‬أو اعتقاد‬
‫بركة معينة في أزمنة أو أمكنة معينة‪ ،‬عن عمر بن يحيى بن عمرو بن سلمة الهمداني قال‪ :‬حدثني‬
‫أبي قال‪ :‬حدثني أبي قال‪ " :‬كنا نجلس على باب عبد اهلل بن مسعود قبل صالة الغداة‪ ،‬فإذا خرج‬
‫مشينا معه إلى المسجد‪ ،‬فجاءنا أبو موسى األشعري‪ ،‬فقال‪ :‬أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا‪:‬‬
‫ال‪ ،‬فجلس معنا حتى خرج‪ ،‬فلما خرج قمنا إليه جميعا‪ ،‬فقال له أبو موسى‪ :‬يا أبا عبد الرحمن! إني‬
‫رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته‪ ،‬ولم أر والحمد هلل إال خيرا‪ ،‬قال‪ :‬فما هو؟ فقال‪ :‬إن عشت فستراه‪،‬‬
‫قال‪ :‬رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا‪ ،‬ينتظرون الصالة‪ ،‬في كل حلقة رجل‪ ،‬وفي أيديهم‬
‫حصى‪ ،‬فيقول‪ :‬كبروا مائة‪ ،‬فيكبرون مائة‪ ،‬فيقول هللوا مائة‪ ،‬فيهللون مائة‪ ،‬ويقول سبحوا مائة‪،‬‬
‫فيسبحون مائة‪ ،‬قال‪ :‬فماذا قلت لهم؟ قال‪ :‬ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك‪ ،‬قال‪ :‬أفال أمرتهم أن‬
‫يعدوا سيئاتهم‪ ،‬وضمنت لهم أن ال يضيع من حسناتهم شيء؟ ثم مضى ومضينا معه‪ ،‬حتى أتى‬
‫حلقة من تلك الحلق‪ ،‬فوقف عليهم‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا‪ :‬يا أباعبد الرحمن!‬
‫حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح‪ ،‬قال‪ :‬فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن ال يضيع من‬
‫حسناتكم شيء‪ ،‬ويحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم! هؤالء صحابة نبيكم صلى اهلل عليه وسلم‬
‫متوافرون‪ ،‬وهذه ثيابه لم تبل‪ ،‬وآنيته لم تكسر‪ ،‬والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من‬
‫ملة محمد‪ ،‬أو مفتتحوا باب ضاللة؟! قالوا واهلل‪ :‬يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إال الخير‪ ،‬قال‪ :‬وكم من‬
‫حدثنا‪ :‬إن قوما يقرءون القرآن‪ ،‬ال يجاوز تراقيهم‪ ،‬يمرقون‬ ‫مريد للخير لن يصيبه‪ ،‬إن رسول اهلل‬
‫من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية "وأيم اهلل ما أدري لعل أكثرهم منكم! ثم تولى عنهم‪،‬‬
‫فقال عمرو بن سلمة‪ :‬فرأينا عامة أولئك الحلق يطاعوننا يوم النهروان مع الخوارج "‪.‬‬
‫عدم ضبط شروط العمل بالحديث الضعيف في فضائل األعمال عند من يعمل به من أهل‬
‫العلم‪ ،‬يؤدي إلى إحداث عبادات في دين اهلل‪ ،‬وإنما ينبغي فهم هذه الضوابط والعمل بها‪.‬‬
‫مفهوم خاطئ‪ :‬يظن البعض أن هناك بدعة حسنة في الدين‪ ،‬وهذا باطل‪ ،‬فإن األصل في‬
‫أمور العبادات أنها توقيفية‪ ،‬وال يجوز ألحد أن يجتهد فيها بشيء ما لم يكن عليه دليل‪ ،‬لقوله‬
‫في خطبته‪(:‬فإن خير الحديث كتاب اهلل وخير الهدي هدي محمد وشر األمور محدثاتها وكل‬
‫‪:‬‬ ‫وقد يستدل بعضهم بحديث (من سن في اإلسالم سنة حسنة) أو بقول عمر‬ ‫بدعةضاللة)‪.‬‬
‫(نعمت البدعة) وهذا استدالل خاطئ‪ ،‬ألنهما وردا في شيء ليس بدعة أصال‪ ،‬وإنما هي سنة أحييت‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫من صور البدع‪ :‬بدعة إحياء ليلة النصف من شعبان ـ االمتناع عن الزواج في شهر صفر ـ‬
‫ـ الذكر الجماعي بصوت واحد وتحريك الرؤوس واألجساد فيه بطريقة‬ ‫االحتفال بمولد النبي‬
‫معينة ـ قراءة الفاتحة على روح الميت أو عند عقد النكاح ـ الجهر بالنية ـ نعي الموتى وغيرها‪.‬‬
‫مسائل تتعلق بأهل البدع‪:‬‬
‫الصالة خلفهم‪ :‬إن كانت بدعته مكفرة‪ ،‬فال تجوز الصالة خلفه إجماعاً؛ أما إن لم تكن مكفرة‬
‫فتكره الصالة خلفه‪ ،‬فإن صلى فاألقرب صحة صالته‪ ،‬وكذلك األمر فيمن يعلن بدعته غير المكفرة‪.‬‬
‫شهادة المبتدع‪ :‬فإن كانت بدعته مكفرة؛ فباإلجماع ال تقبل‪ ،‬وأما غير المكفرة فقول جمهور‬

‫أهل العلم عدم قبولها‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽﮈﮉﮊﮋﭼ‬


‫التعامل معه‪ :‬إن رُجي منه الرجوع والتوبة يُنصح ويُوجه؛ وإال فيهجر إن كان في هجره مصلحة‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫وللبدع صور كثيرة‪ ،‬وعلى اإلنسان أن يعلم أنه ما أحييت بدعة‪ ،‬إال وماتت سنة من سنن الرسول‬

‫ومن خطورة البدع؛ أن فيها اعتراض على قول اهلل تعالى‪ :‬ﭽﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ‬

‫ﮂﮃﮄﮅﮆﭼ‬

‫فرقٌ ومذاهب‬
‫اعلم أيها المسلم أن اهلل تبارك وتعالى أمرنا باالعتصام بالكتاب والسنة وعدم االفتراق‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫(أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ‪ ،‬وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ‪،‬‬ ‫وقال‬ ‫ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭼ‬


‫وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا‪ ،‬فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا‪ ،‬فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ‬
‫الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ‪ ،‬تَمَسَّكُوا بِهَا‪ ،‬وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ‪ ،‬وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ‪ ،‬فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ‬
‫قال ابن رجب رحمه اهلل‪" :‬وهذا موافق لما روي عنه من افتراق أمته‬ ‫بِدْعَةٌ‪ ،‬وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)‬
‫على بضع وسبعين فرقة‪ ،‬وأنها كلها في النار إال فرقة واحدة‪ ،‬وهي ما كان عليه وأصحابه‪ ،‬ولذلك‬
‫في هذا الحديث أمر عند االفتراق واالختالف بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده‪،‬‬
‫والسنة هي الطريق المسلوك‪ ،‬فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه هو وخلفاؤه الراشدون من‬
‫االعتقادات واألعمال واألقوال وهذه هي السنة الكاملة‪ ،‬والخلفاء الراشدون الذين أمرنا باالقتداء بهم‬
‫هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ╚"‬
‫فسنذكر بإيجاز الفرق والمذاهب المعاصرة حتى يعلم المسلم حقيقة هذه المذاهب واليَنجَرَّ‬
‫معهم في أهوائهم‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫‪‬‬
‫وسُمُّوا روافض ألنهم رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حين سألوه عن أبي بكر‬
‫فانصرفوا عنه ورفضوه‪.‬‬ ‫وعمر ¶ فأثنى عليهما‪ ،‬وقال هما وزيرا جدي يعني النبي‬
‫على جميع‬ ‫‪ ،‬وتفضيل علي بن أبى طالب‬ ‫ومن معتقداتهم‪ :‬الغلو في آل بيت النبي‬
‫‪ ،‬وسبهم أمّ المؤمنين عائشة ▲‪،‬‬ ‫الصحابة وجعله ربا‪ ،‬ومنهم من يفضله على النبي‬
‫ويعتقد ون أن القرآن ناقص‪ ،‬ويستغيثون بغير اهلل‪ ،‬وينذرون ويذبحون لغير اهلل‪ ،‬علما أن من أركان‬
‫دينهم التقية وهي إخفاء كثير من أمور دينهم‪ ..‬وسُمُّوا شيعة لتشيعهم آلل البيت‪.‬‬
‫حكم الرافضة‪ :‬والرافضة في هذا الزمان كفار مرتدون وكفرهم ظاهر‪ ،‬وذلك لوقوعهم في الشرك‪،‬‬
‫وتكذيبهم كالم اهلل عز وجل‪.‬‬
‫ومن طوائفهم طائفة النصيرية‪ :‬وهي فرقةٌ باطنيةٌ ظهرت في القرن الثالث للهجرة‪ ،‬أصحابها‬
‫يعدُّون من غالة الشيعة الذين زعموا وجوداً إلهيًّا في علي وألهوه به‪ ،‬مقصدهم هدم اإلسالم ونقض‬
‫عُراه‪ ،‬وهم مع كل غازٍ ألرض المسلمين‪ ،‬ولقد أطلق عليهم االستعمار الفرنسي للشام اسم العلويين‬
‫تمويهاً وتغطية لحقيقتهم الرافضية الباطنية‪.‬‬
‫· يقول ابن تيمية رحمه اهلل‪( :‬هؤالء القوم المسمَّون بالنصيرية ـ هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية‬
‫ـ أكفر من اليهود والنصارى‪ ،‬بل وأكفر من كثير من المشركين‪ ،‬وضررهم أعظم من ضرر الكفار‬
‫المحاربين مثل التتار والفرنج وغيرهم‪ ،‬وهم دائماً مع كل عدو للمسلمين)‪.‬‬

‫‪‬‬
‫التصوُّف فرقةٌ انتشرت في العالم اإلسالمي في القرن الثالث الهجري كنزعاتٍ فردية تدعو إلى‬
‫الزهد وشدة العبادة بسبب االنغماس في الترف‪ ،‬ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت‬
‫طرقاً معروفةً باسم الصوفية‪ ،‬ويعمل المتصوفة على الوصول إلى معرفة اهلل تعالى على غير القرآن‬
‫‪ ،‬ولذا جنحوا في المسار حتى تداخلت طريقتهم مع الفلسفات الوثنية‪ ،‬الهندية‬ ‫وسنة النبي‬
‫والفارسية واليونانية المختلفة‪ ،‬ويالحظ أن هناك فروقاً جوهرية بين مفهومي الزهد والتصوف‬
‫أهمها‪ :‬أن الزهد مأمور به‪ ،‬والتصوف ابتعاد عن طريق الحق الذي سار عليه أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫فإن الصوفية منهم من وقع في البدع المكفرة مثل القبوريين الذين يستغيثون بغير اهلل وهذا‬
‫شرك أكبر مثل قولهم‪( :‬إذا ضاقت عليكم األمور عليكم بأصحاب القبور)‪ ،‬ويعتقدون في المقبورين‬

‫‪41‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫النفع والضر ويحلفون بالموتى‪ ،‬وينذرون لهم وربما ذبحوا لهم‪ ،‬ومن الصوفية من يُعْتَبَرون ضُلَّاال‬
‫وهم قلة كالذين سلموا من الشرك ولكنهم يفعلون البدع التي التصل إلى حد الشرك‪.‬‬
‫وهذه بعض أقوال علمائهم‬
‫يقول أبو يزيد البسطامي‪( :‬سبحاني ما أعظم شأني)‬
‫ويقول ابن عربي‪( :‬فيحمدني وأحمده ويعبدني وأعبده)‬
‫ولذلك كان السلف الصالح رحمهم اهلل يذمُّون التصوف من بدايته قبل أن يختلط بالوثنية واإللحاد‬
‫قال الشافعي رحمه اهلل‪ :‬لو أن رجال تصوف أول النهار ال يأتي الظهر حتى يصير أحمقا‪.‬‬
‫وقال أيضا‪ :‬ما لزم أحد الصوفية أربعين يوما فعاد عقله إليه أبدا‪.‬‬
‫وقال‪ :‬خلفت ببغداد شيئا أحدثه الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن‬

‫‪‬‬
‫هـ‪،‬‬ ‫هم أتباع الجهم بن صفوان الذي أخذ التعطيل عن الجعد بن درهم‪ ،‬وقُتِل في خراسان سنة‬
‫ومذهبهم في الصفات إنكار صفات اهلل‪ ،‬وغالتهم ينكرون حتى األسماء‪ ،‬ولذلك سموا بالمعطلة‪.‬‬
‫ومذهبهم في أفعال العباد أن العبد مجبور على عمله ليس له قدرة وال اختيار‪ ،‬ومن ثم سُمُّوا جبرية‪.‬‬
‫ومذهبهم في الوعيد وأسماء اإليمان والدين أن فاعل الكبيرة مؤمن كامل اإليمان وال يدخل النار‪،‬‬
‫ولذلك سموا مرجئة فهم أهل الجيمات الثالث‪ :‬تجهم وجبر وإرجاء‪ ،‬وقد ظهر في عصرنا هذا من‬
‫يعتقد بعض هذه االعتقادات ويزعم أنه من أهل السنة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫عُرِفت المعتزلة بعد أن اعتزل واصل بن عطاء حلقة الحسن البصري وشكل حقلة خاصة به وذلك‬
‫عند قوله ببدعته‪ ،‬فقال الحسن‪" :‬اعتزلنا واصل"‪.‬‬
‫وقد جاءت المعتزلة في بدايتها بفكرتين مبتدعتين‪:‬‬
‫ـ األولى‪ :‬القول بأن اإلنسان مختار بشكل مطلق في كل ما يفعل‪ ،‬فهو يخلق أفعاله بنفسه‪ ،‬ولذلك‬
‫كان التكليف باألعمال!‪.‬‬
‫ـ الثانية‪ :‬القول بأن مرتكب الكبيرة ليس مؤمناً وال كافراً ولكنه فاسق فهو بمنزلة بين المنزلتين‪،‬‬
‫هذه حاله في الدنيا أما في اآلخرة فهو ال يدخل الجنة ألنه لم يعمل بعمل أهل الجنة بل هو خالد‬
‫مخلد في النار‪ ،‬وال مانع عندهم من تسميته مسلماً باعتباره يظهر اإلسالم وينطق بالشهادتين‪ ،‬ولكنه‬
‫ال يسمى مؤمناً‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫ومما يعتقدونه أن القرآن مخلوق هلل سبحانه وتعالى لنفيهم عنه سبحانه صفة الكالم!! فلذلك‬
‫يعدون من نُفاة الصفات‪.‬‬
‫وأصل ضاللهم هو االعتماد على العقل كليًّا في االستدالل لعقائدهم وكان من آثار اعتمادهم على‬
‫العقل في معرفة حقائق األشياء وإدراك العقائد‪ ،‬أنهم كانوا يحكمون بحسن األشياء وقبحها عقالً‪.‬‬
‫وقد رد شيخ اإلسالم ابن تيمية ـ رحمه اهلل ـ عليهم في كتابه القيم‪ :‬درء تعارض العقل والنقل فقد‬
‫تتبع آراءهم وأفكارهم واحدة تلو األخرى ورد عليها ردًّا مفحماً‪ ،‬وبين أن صريح العقل ال يمكن أن‬
‫يكون مخالفاً لصحيح النقل‪.‬‬

‫‪‬‬
‫تنسب ألبي الحسن األشعري الذي خرج على المعتزلة‪ ،‬وقد اتخذت األشاعرة البراهين والدالئل‬
‫العقلية والكالمية وسيلة في محاججة خصومها من المعتزلة والفالسفة وغيرهم‪ ،‬إلثبات حقائق‬
‫الدين والعقيدة اإلسالمية على طريقة ابن كُالَّب‪.‬‬
‫وقد مرت حياة مؤسسها على عدة مراحل‪:‬‬
‫األولى‪ :‬عاش بهذه المرحلة في كنف أبي علي الجَبّائي شيخ المعتزلة في عصره وتلقى علومه حتى‬
‫صار نائبه وموضع ثقته‪ ،‬ولم يزل أبو الحسن يتزعم المعتزلة أربعين سنة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬ثار فيها على مذهب االعتزال وأعلن البراءة من االعتزال وخط لنفسه منهجاً جديداً يلجأ فيه‬
‫إلى تأويل النصوص بما ظن أنه يتفق مع أحكام العقل وفيها اتبع طريقة عبد اهلل بن سعيد بن‬
‫كُالَّ ب في إثبات الصفات السبع عن طريق العقل‪ :‬الحياة والعلم واإلرادة والقدرة والسمع والبصر‬
‫والكالم‪ ،‬أما الصفات الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق فتأولها على ما ظن أنها تتفق مع‬
‫أحكام العقل وهذه هي المرحلة التي ما زال األشاعرة عليها حتى اآلن‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬في هذه المرحلة رجع عن كثير من أقواله قبل وفاته‪.‬‬
‫وبعد وفاة أبو الحسن األشعري وعلى يد أئمة المذهب وواضعي أصوله وأركانه‪ ،‬أخذ المذهب‬
‫األشعري أكثر من طور‪ ،‬تعددت فيها اجتهاداتهم ومناهجهم في أصول المذهب وعقائده‪.‬‬
‫‪-‬ومصدر التلقي عند األشاعرة‪ :‬الكتاب والسنة على مقتضى قواعد علم الكالم؛ ولذلك فإنهم‬
‫يقدمون العقل على النقل عند التعارض‪ ،‬صرح بذلك الرازي في القانون الكلي للمذهب في أساس‬
‫التقديس واآلمدي وابن فورك وغيرهم‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫وعدم األخذ بأحاديث اآلحاد في العقيدة ألنها ال تفيد العلم اليقيني وال مانع من االحتجاج بها في‬
‫مسائل السمعيات أو فيما ال يعارض القانون العقلي‪ ،‬والمتواتر منها يجب تأويله‪ ،‬وقد صرح عثمان‬
‫ابن سعيد الدارمي ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬أن أول من قال بأن حديث اآلحاد ظني الثبوت هو بشر المريسي‪.‬‬
‫ـ إن أول واجب عند األشاعرة إذا بلغ اإلنسان سن التكليف هو النظر أو القصد إلى النظر ثم اإليمان‪.‬‬
‫‪-‬و األشاعرة في اإليمان بين‪ :‬المرجئة التي تقول يكفي النطق بالشهادتين دون العمل لصحة‬
‫اإليمان‪ ،‬وبين الجهمية التي تقول يكفي التصديق القلبي‪ ،‬ورجح متأخريهم أن المصدق بقلبه ناجٍ‬
‫عند اهلل وإن لم ينطق بالشهادتين؟!!‬
‫‪-‬وقولهم بأن القرآن ليس كالم اهلل على الحقيقة ولكنه كالم اهلل النفسي وأن الكتب بما فيها القرآن‬
‫مخلوقة‪.‬‬
‫*وقريباً من األشاعرة الماتريدية؛ وذلك ألن مؤسسها محمد بن محمد بن محمود الماتريدي عاصر أبا‬
‫الحسن األشعري‪ ،‬وعاش الملحمة بين أهل الحديث وأهل الكالم من المعتزلة وغيرهم‪ ،‬فكانت له‬
‫جوالته ضد المعتزلة وغيرهم‪ ،‬ولكن بمنهاج غير منهاج األشعري‪ ،‬وإن التقيا في كثير من النتائج‪.‬‬

‫‪‬‬
‫فرقة كالمية (بدعية)‪ ،‬تُنسب إلى أبي منصور الماتريدي‪ ،‬قامت على استخدام البراهين والدالئل‬
‫العقلية والكالمية في محاججة خصومها من المعتزلة والجهمية وغيرهم‪ ،‬إلثبات حقائق الدين‬
‫والعقيدة اإلسالمية‪ ،‬فأثبتوا هلل تعالى أسماءه الحسنى‪ ،‬وقالوا‪ :‬ال يسمَّى اهلل تعالى إال بما سمى به‬
‫نفسه‪ ،‬وجاء به الشرع‪ ،‬وفي ذلك وافقوا أهل السنة والجماعة في القول بالتوقيف في أسمائه تعالى‬
‫إال أنهم خالفوهم فيما أدخلوه في أسمائه تعالى‪ :‬كالصانع‪ ،‬القديم‪ ،‬الذات‪ ،‬وقالوا بإثبات ثماني‬
‫صفاتٍ هلل تعالى فقط‪ ،‬ويقول الماتريدية في اإليمان أنه التصديق بالقلب فقط‪ ،‬وأضاف بعضهم‬
‫اإلقرار باللسان‪ ،‬ومنعوا زيادته ونقصانه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬وهم قوم مُبتَدِعُون سُمّوا بذلك؛ لخروجهم عن الدّين وخروجهم على خيار المسلمين‪ ،‬ونشأت‬
‫هذه الجماعة منذ عهد الصحابة‪ ،‬ويقال لهم‪ :‬الحرورية نسبة إلى حروراء موضع بالعراق قرب‬
‫‪ ،‬وهي أول الجماعات التي ضلت عن منهج‬ ‫الكوفة خرجوا فيه على علي بن أبى طالب‬
‫السلف الصالح؛ وذلك عندما خرجت على علي رضي اهلل عنه وغيره من األئمة والخلفاء‪ ،‬وقد‬
‫تفرعت الى عدة جماعات اال أن أهم معتقداتهم‪:‬‬

‫‪44‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫يكفرون بالكبيرة؛ فعندهم من وقع بالكبيرة فهو كافر‪ ،‬وإن مات خُلِّد في النار‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ابطال رَجْمَ المحصن‪ ،‬وقطع يد السارق من اإلِبط‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أوجبوا الصالة على الحائض في حال حيضها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫استباحة دِماءَ المسلمين وأموالهم وسَبي نسائهم‪ ،‬وزعم أنهم وحدهم على اإليمان‪ ،‬وذلك‬ ‫‪-‬‬
‫ألنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين‪.‬‬
‫استباحة الخروج على األئمة إذا فسقوا‪ ،‬ولم يقعوا في ناقض من النواقض‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ‬أوصافهم‪ :‬فقد جاءت لهم أوصاف كثيرة من أهمها‪:‬‬
‫ألصحابه‪( :‬يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ‪ ،‬وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ‪ ،‬يَقْرَءُونَ‬ ‫قال فيهم النبي‬
‫الْقُرْآنَ‪ ،‬لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ‪ ،‬يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ)‬
‫آيتهم الحلق والتسبيت تعبدا‪( ،‬والتسبيت استئصال الشعر)‪ ،‬ولذلك ترى في الحديث‪( :‬جاء‬ ‫‪-‬‬
‫في بعض الروايات تصريحاً‪( :‬سيماهم‬ ‫الرجل غائر العينين محلوق الرأس) وقال النبي‬
‫التحليق)‪.‬‬
‫وسبب هذه الضّاللة أنَّ من أصول الخوارج المُتَّفَقِ عليها بينهم‪ ،‬األخذُ بما دلّ عليه القرآن وردِّ ما زاد‬
‫عليه من الحديث مُطلقا‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬وجمهور أهل العلم يفرق بين الخوارج المارقين وغير أهل الجمل وصفّين ممن يعد من‬
‫البغاة المتأولين‪ ،‬وهذا هو المعروف عن الصحابة وعليه عامة أهل الحديث والفقهاء‪.‬‬
‫وسائ ر فرقهم متفقون على أَن العَبْد يصير كَافِرًا بالذنب وهم يكفرون عُثْمَان وعليا وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر‬
‫وَعَائِشَة ╚ أجمعين وبلغ عدد فرقهم عشرون فرقة منها‪:‬‬
‫الْأزَارِقَة‪ :‬وهم أَتبَاع أبي نَافِع رَاشد بن الْأَزْرَق وَمن مَذْهَبهم أَن قتل من خالفهم جَائِز‪.‬‬
‫النجدات‪ :‬وهم أَتبَاع نجدة بن عَامر النَّخعِيّ وهم يرَوْنَ أَن قتل من خالفهم وَاجِب‪.‬‬

‫‪‬‬
‫قيل‪ :‬إنهم سُمُّوا (مرجئة) ألنهم أرجأوا األعمال عن مسمى اإليمان‪ ،‬أي‪ :‬أخروها‪ ،‬وقيل غير ذلك‪.‬‬
‫ومنهجهم إخراج األعمال من مسمى اإليمان‪ ،‬وعليه فإن‪ :‬من قال أن اإليمان ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأنه‬
‫ال يجوز االستثناء في اإليمان فهو مرجئ‪ ،‬ثم أُطلق اإلرجاء على أصناف أخرى كالجهمية القائلين‬
‫بأن اإليمان هو المعرفة فقط‪ ،‬والكَرَّامية القائلين بأن اإليمان هو قول اللسان فقط‪ ،‬وهم الذين‬

‫‪45‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫يقولون أن فاعل الكبيرة كامل اإليمان فعندهم أن المعصية ال تضر مع اإليمان فال يكون فاعل‬
‫الكبيرة ناقص إيمان بل هو كامل اإليمان‪.‬‬
‫ومنهم مرجئة الفقهاء‪ :‬وهم الذين يقولون اإليمان قول باللسان واعتقاد بالقلب‪ ،‬وال تدخل األعمال‬
‫في حقيقة اإليمان‪ ،‬فمن سجد لصنم فهو يكفر ال بفعله بل لشيء وقر في قلبه دعاه للفعل‪.‬‬
‫ومن المرجئة المعاصرين‪:‬‬
‫الجاميَّة‪ :‬وهم أتباع محمد أمان الجامي وهو أفريقي من أثيوبيا قدم إلى المدينة المنورة‪ ،‬ودَرَّسَ‬
‫في المسجد النبوي‪ ،‬والجامعة اإلسالمية‪ ،‬وهو صاحب التقارير الشهيرة للطواغيت في المشايخ‬
‫وطلبة العلم الذين يحاربون الطواغيت‪ ،‬وقد مات قبل سنوات‪ ،‬ومن صفات هذه الفرقة المارقة مواالة‬
‫الطواغيت‪ ،‬والسعي الحثيث على إثبات أنهم والة أمر شرعيين‪ ،‬ومحاربة المجاهدين وتسميتهم‬
‫خوارج‪ ،‬وتسمى الجامية أيضا بالمدخلية نسبةً ألحد رموزها وهو ربيع المدخلي الموالي للطواغيت‪.‬‬

‫السروريَّة‪ :‬هم أتباع محمد بن سرور بن زين العابدين‪ ،‬وهو من الشام‪ ،‬وكان من جماعة اإلخوان‪،‬‬
‫وذهب للتدريس في المعاهد العلمية في الجزيرة العربية‪ ،‬ومنهج السرورية أن هذه الفترة هي فترة‬
‫مكيَّة يقومون فيها بالدعوة وال يصلح فيها الجهاد‪ ،‬فإذا قام الجهاد في ساحة ما سارعوا إلى إنشاء‬
‫جماعات مسلحة ذات عقيدة إخوانية ترضى بالديموقراطية وتزعم أنها تريد إقامة الشريعة‪.‬‬
‫أما والء السرورية فهو لجماعة اإلخوان‪ ،‬وأجاز السرورية ألتباعهم الشِّرك بالدخول للبرلمانات‬
‫التشريعية والدخول في الديموقراطية بحجة المصلحة الشرعية وهم دائمًا أول من يدعم الصحوات‬
‫الموالية للغرب ضد المجاهدين الصادقين‪.‬‬

‫‪‬‬
‫وهي جماعة تأخذ من الدين ما يتعلق بالوعظ واالرشاد وتبليغ فضائل اإلسالم ‪ ..‬وتترك أصل الدين‬
‫وأهم الواجبات فيه وذروة سنامه‪ ،‬وهذه الجماعة تجعل آيات الجهاد في سبيل اهلل محصورة في‬
‫طريقتهم في الدعوة وهذا ضالل مبين‪ ،‬ومن ضاللهم أن هذا العصر الذي نعيشه اآلن وتحت ظل‬
‫الخالفة مازال عهدا مكيا ال يجب فيه الجهاد‪.‬‬
‫هـ‪ ،‬ولد في كاندهلة‪ ،‬قرية بالهند‪،‬‬ ‫والمؤسس األول هو محمد إلياس الكاندهلوي توفي عام‬
‫في السلوك واالتباع‪.‬‬ ‫وغالب جماعة التبليغ مبتدعة متصوفة مخالفون لهدي النبي‬
‫ومن أعظم ضاللهم عدم تبيين الكفر بالطاغوت للناس‪ ،‬وعدم محاربة الشرك والكفر والتحذير منه‪،‬‬
‫بل بعضهم وقع في شرك القبور والعياذ باهلل‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫‪‬‬
‫والترجمة الصحيحة للكلمة هي الالدينية‪ ،‬وهي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس‬
‫وتوجيههم من االهتمام باآلخرة إلى االهتمام بهذه الدنيا وحدها‪ ،‬ولذلك فإن المدلول الصحيح‬
‫لكلمة "العلمانية" هو‪ :‬فصل الدين عن الدولة‪ ،‬أو هو إقامة الحياة على غير الدين‪ ،‬سواء بالنسبة‬
‫لألمة أو للفرد‪ ،‬و األحكام الشرعية معطَّلة في ظل العلمانية تعطيالً كامالً‪ ،‬والحكم بها جريمة‬

‫تستوجب البطالن والمساءلة قال تعالى‪ :‬ﭽﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﭼ‬

‫‪.‬‬ ‫وقال سبحانه‪ :‬ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ‬

‫‪‬‬
‫وهي كلمة يونانية أصلها (ديموس كراتوس)‪ ،‬جُمعت واختصرت فسميت ديمقراطية‪.‬‬
‫ومعناها ‪ /‬حكم الشعب أو سلطة الشعب‪ ،‬فالشعب هو الذي يحكم نفسه حيث يقوم بانتخاب‬
‫األحزاب السياسية التي تمثله في مجلس البرلمان‪ ،‬حيث يقوم األعضاء الـمُنتَخِبون بتشكيل لجنة‬
‫كتابة الدستور الذي يحكم الشعب‪ ،‬ويُقسِم الجميع على احترامه والعمل بما فيه‪ ،‬فيجعلون كتاب‬
‫اهلل وراء ظهورهم‪ ،‬ويحكمون الناس بما تمليه عليهم شياطينهم وأهوائهم وعقولهم‪ ،‬ويؤمنون‬
‫بحرية اختيار الدين وحرية الشخصية وحرية التعبير وإن خالفت دين اهلل‪ ،‬وغير ذلك من القوانين‬
‫الكفرية المعظمة دولياً‪.‬‬
‫وإن ممن حمل لواء هذا األمر في هذا العصر وروَّجوا وشرعوا له ما يسمى بجماعة االخوان المسلمين‪،‬‬
‫وغيرهم من نسبوا أنفسهم زوراً إلى السلف – والسلف منهم براء‪.‬‬
‫فيجب على المسلم أن يعرف حقيقة هذه البرلمانات وما يحدث فيها من الشرك ونبذ التوحيد حتى‬
‫يَسلم له دينه‪ ،‬ويَدخُل أيضاً في هذا الشرك ما تسمى بالمحاكم العسكرية حيث يتحاكم لها العسكر‬
‫جنود الطواغيت‪ ،‬والمحاكم اإلعالمية‪ ،‬والمحاكم التجارية‪ ،‬فجميعها تحكم بغير ما أنزل اهلل‪،‬‬

‫قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﭼ‬

‫بهذا نكون قد انتهينا من الركن األول ومما يتعلق به من المسائل‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫وتقيم الصالة‬
‫لقد جعل اهلل الصالة عمود الدين ‪ ،‬وجعلها الركن الثاني من أركانه التي ال يصح إسالم المرء‬
‫إال بأدائها‪ ،‬وأن التهاون بها والتكاسل عن أدائها من صفات المنافقين‪ ،‬وأن تركها كفر وضالل‬
‫في الحديث الصحيح‪« :‬بين الرجل وبين الشرك ترك‬ ‫وخروج عن دائرة اإلسالم‪ ،‬لقول النبي‬
‫‪« :‬العهد الذي بيننا وبينهم الصالة‪ ،‬فمن تركها فقد كفر»‬ ‫وقال‬ ‫الصالة»‬
‫في الحديث الصحيح‪:‬‬ ‫والصالة رأس اإلسالم وعموده‪ ،‬وهي الصلة بين العبد وربه‪ ،‬كما قال‬
‫وهي عالمة محبة العبد لربه وتقديره لنعمه‪،‬‬ ‫«إذا كان أحدكم في الصالة فإنه يناجي ربه»‬
‫‪ ،‬وأنها فرضت على هذه األمة‬ ‫ومن عظم شأنها عند اهلل أنها أول فريضة فرضت على النبي‬
‫أي األعمال أفضل قال‪« :‬الصالة على وقتها»‬ ‫في السماء ليلة المعراج‪ ،‬ولما سئل رسول اهلل‬
‫‪« :‬أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه‬ ‫وجعلها اهلل طهرة من المعاصي‪ ،‬كما قال‬
‫كل يوم خمس مرات‪ ،‬هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا‪ :‬ال يبقى من درنه شيء‪ ،‬قال‪ :‬فذلك مثل‬
‫الصلوات الخمس‪ ،‬يمحو اهلل بهن الخطايا»‬
‫«أنه كان آخر وصيته ألمته وآخر عهده إليهم عند خروجه من‬ ‫وجاء في الحديث عن النبي‬
‫الدنيا‪ ،‬أن اتقوا اهلل في الصالة وفيما ملكت أيمانكم»‬
‫وقد عظم اهلل أمرها في القرآن الكريم وشرفها وشرف أهلها‪ ،‬وخصها بالذكر من بين سائر‬

‫الطاعات في مواضع من القرآن كثيرة‪ ،‬وأوصى بها خاصة ومن ذلك قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ‬

‫وقوله سبحانه‪ :‬ﭽﯠﯡﯢﯣﯤ‬ ‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭼ‬

‫وقوله عز وجل‪ :‬ﭽﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ‬ ‫ﯥﯦﯧﯨﯩﭼ‬

‫وقوله‪:‬ﭽﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮩﮪﭼ‬ ‫ﯺﯻﭼ‬

‫وقد أوجب اهلل العذاب على من أضاع الصالة فقال تعالى‪ :‬ﭽﮧﮨﮩﮪﮫﮬ‬

‫ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﭼ‬
‫وبيّن سبحانه في كتابه العزيز أن أول سبب أدخل المجرمين في النار تركهم للصالة‪،‬‬

‫قال تعالى‪ :‬ﭽﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜﰝﰞﰟﰠﭼ‬

‫‪48‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫أن من صلى البردين ‪-‬وهما صالتي الفجر والعصر‪-‬دخل الجنة‪ ،‬كما جاء في‬ ‫وأخبر الرسول‬
‫الحديث الصحيح‪« :‬من صلى البردين دخل الجنة»‬
‫والصالة شعيرة ثابتة في جميع الرساالت‪ ،‬وهي تمثل تمام الطاعة واالستسالم هلل وحده ال‬
‫شريك له‪ ،‬وتربي في النفوس معاني التقوى واإلنابة والصبر والجهاد والتوكل‪ ،‬وهي الشعيرة‬
‫الظاهرة التي تدل على اإليمان وصدق التجرد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫فالواجب على كل مسلم أن يحافظ عليها في أوقاتها وأن يقيمها كما شرع اهلل‪ ،‬طاعة هلل‬
‫ولرسوله وحذراً من غضبه وأليم عقابه‪.‬‬
‫ولكن قبل أن نشرع في الصالة ونتعلمها‪ ،‬البد أن نعرف الشروط التي البد أن تتوفر قبل‬
‫الصالة‪ ،‬وهي ما تسمى بشروط الصالة‪.‬‬
‫شروط الصالة‬
‫شروط الصالة تسعة‪ :‬اإلسالم‪ ،‬والعقل‪ ،‬والتمييز‪ ،‬ورفع الحدث‪ ،‬وإزالة النجاسة‪ ،‬وستر العورة‪،‬‬
‫ودخول الوقت‪ ،‬واستقبال القبلة‪ ،‬والنية‪.‬‬
‫الشرط األول‪ :‬اإلسالم‪ ،‬وضده الكفر‪ ،‬والكافر عمله مردود‪ ،‬ولو عمل أي عمل‪ ،‬والدليل قوله‬

‫تعالى‪:‬ﭽﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬

‫وقوله تعالى‪:‬ﭽﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭼ‬ ‫ﮔﮕﮖﮗﮘﭼ‬


‫الشرط الثاني‪ :‬العقل وضده الجنون؛ والمجنون مرفوع عنه القلم حتى يُفيق‪ .‬والدليل حديث‪:‬‬
‫"رُفِع القلم عن ثالثة‪ :‬عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم‪ ،‬وعن المجنون حتى‬
‫يعقل"‬
‫‪" :‬مروا‬ ‫الشرط الثالث‪ :‬التمييز‪ ،‬وضده الصغر‪ :‬وحدّه سبع سنين‪ ،‬ثم يؤمر بالصالة لقوله‬
‫أبنائكم بالصالة لسبع سنين‪ ،‬واضربوهم عليها لعشر سنين‪ ،‬وفرقوا بينهم في المضاجع"‬

‫الشرط الرابع‪ :‬إزالة النجاسة من ثالث‪ :‬من البدن‪ ،‬والثوب‪ ،‬والبقعة (المكان)‪ ،‬والدليل قوله‬

‫تعالى‪ :‬ﭽﯖﯗﯘﭼ‬
‫الشرط الخامس‪ :‬ستر العورة؛ أجمع أهل العلم على فساد صالة من صلى عريانا وهو يقدر‪ ،‬وحد‬
‫عورة الرجل من السرة إلى الركبة‪ ،‬واألَمَةُ كذلك‪ ،‬والحرة كلها عورة إال وجهها وكفيها‪ ،‬ما لم يكن‬

‫أي عند كل صالة‪.‬‬ ‫أجانب‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭼ‬

‫‪49‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫في‬ ‫‪" :‬أنه أمّ النبي‬ ‫الشرط السادس‪ :‬دخول الوقت‪ ،‬والدليل من السنة حديث جبريل‬

‫وقوله تعالى‪ :‬ﭽﮣﮤ‬ ‫أول الوقت‪ ،‬وفي آخره فقال‪ :‬يا محمد‪ :‬الصالة بين هذين الوقتين"‬

‫أي مفروضاً في األوقات‪.‬‬ ‫ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﭼ‬


‫الشرط السابع‪ :‬استقبال القبلة‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪ :‬ﭽﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ‬

‫ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﭼ‬
‫الشرط الثامن‪ :‬النية‪ ،‬ومحلها القلب‪ ،‬والدليل حديث‪" :‬إنما األعمال بالنيات‪ ،‬وإنما لكل امرئ‬
‫والتلفظ بها بدعة‪.‬‬ ‫ما نوى"‬
‫الشرط التاسع‪ :‬رفع الحدث والمقصود من رفع الحدث‪ :‬الطهارة من الحدث‪ ،‬وتكون بأحد أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬الغسل‪ :‬ويكون من الحدث األكبر‪ ،‬وهو ما يكون بسبب الجنابة أو الحيض أو النفاس‪،‬‬
‫ويتم الغسل بأحد أمرين‪:‬‬
‫الغسل المجزئ‪ :‬ويكون بإفاضة الماء على جميع الجسد والشعر مع المضمضة واالستنشاق بنية‬
‫الطهارة‪.‬‬
‫الغسل المسنون‪ :‬وكيفيته‪:‬‬
‫أن ينوي الغسل بقلبه بدون نطق بالنية‪.‬‬
‫ثم يسمي فيقول‪" :‬بسم اهلل"‪.‬‬
‫‪ -‬غسل الفرج وما أصابه‪.‬‬
‫ثم يتوضأ وضوءاً كامالً‪.‬‬
‫ثم يحثو الماء على رأسه فإذا أرواه أفاض عليه ثالث مرات‪.‬‬
‫ثم يغسل سائر بدنه‪.‬‬
‫إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ‪ ،‬ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ‬ ‫قَالَتْ‪( :‬كَانَ النَّبِيُّ‬ ‫لحديث عَائِشَةَ‬
‫لِلصَّالةِ‪ ،‬ثُمَّ اغْتَسَلَ‪ ،‬ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدَيْهِ شَعْرَهُ‪ ،‬حَتَّى إذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ‪ ،‬أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَالثَ‬
‫مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ‪ ،‬نَغْتَرِفُ‬ ‫مَرَّاتٍ‪ ،‬ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ‪ ،‬وَكَانَتْ تَقُولُ‪ :‬كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ‬
‫مِنْهُ جَمِيعاً)‬

‫‪51‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫الثاني‪ :‬الوضوء‪ :‬وهو طهارة واجبة من الحدث األصغر‪ ،‬كالبول والغائط والريح والنوم العميق‪،‬‬

‫وأكل لحم اإلبل‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ :‬ﭽﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ‬

‫ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭼ‬
‫فاشتملت هذه اآلية الكريمة على األمور التي يجب مراعاتها عند الوضوء‪ ،‬وهي ما تسمى‬
‫بفروض الوضوء‪:‬‬
‫غسل الوجه ومنه المضمضة واالستنشاق‪.‬‬
‫غسل اليدين مع المرفقين‪.‬‬
‫مسح جميع الرأس ومنه األذنين‪.‬‬
‫غسل الرجلين مع الكعبين‪.‬‬

‫لم يتلفظ بالنية في وضوئه وال صالته‬ ‫أن ينوي الوضوء بقلبه بدون نطق بالنية؛ ألن النبي‬
‫وال شيء من عباداته‪ ،‬وألن اهلل يعلم ما في القلب فال حاجة أن يخبر عما فيه‪.‬‬
‫ثم يسمي فيقول‪" :‬بسم اهلل"‪.‬‬
‫ثم يغسل كفيه ثالث مرات‪.‬‬
‫ثم يتمضمض ويستنشق بالماء ثالث مرات‪.‬‬
‫ثم يغسل وجهه ثالث مرات من األذن إلى األذن عرضاً‪ ،‬ومن منابت شعر الرأس إلى أسفل‬
‫اللحية طوالً‪.‬‬
‫ثم يغسل يديه ثالث مرات من رؤوس األصابع إلى المرفقين‪ ،‬يبدأ باليمنى ثم اليسرى‪.‬‬
‫ثم يمسح رأسه مرة واحدة‪ ،‬يبل يديه ثم يمررها من مقدم رأسه إلى مؤخره ثم يعود إلى مقدمه‪.‬‬
‫ثم يمسح أذنيه مرة واحدة‪ ،‬يدخل سبابتيه في صماخهما ويمسح بإبهاميه ظاهرهما‪.‬‬
‫ثم يغسل رجليه ثالث مرات‪ ،‬من رؤوس األصابع إلى الكعبين‪ ،‬يبدأ باليمنى ثم اليسرى‪.‬‬
‫‪ (( :‬أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ دَعَا بِوَضُوءٍ‪ ،‬فَأَفْرَغَ عَلَى‬ ‫ودليل ذلك‪ :‬عنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ‬
‫يَدَيْهِ مِنْ إنَائِهِ‪ ،‬فَغَسَلَهُمَا ثَالثَ مَرَّاتٍ‪ ،‬ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوَضُوءِ‪ ،‬ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ‪،‬‬
‫ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَالثاً‪ ،‬وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَالثًا‪ ،‬ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ‪ ،‬ثُمَّ غَسَلَ كِلْتَا رِجْلَيْهِ ثَالثًا‪ ،‬ثُمَّ قَالَ‪:‬‬
‫يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا))‪ ،‬وَقَالَ‪ (( :‬مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا‪ ،‬ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ‪،‬‬ ‫رَأَيْتُ النَّبِيَّ‬
‫ال يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))‬

‫‪51‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫فإن عجز عن استعمال الماء؛ وذلك لعدم وجوده أو لضرره باستعماله‪ ،‬فإنه يتيمم‪.‬‬

‫والتيمم من تيسير اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪-‬على المسلمين في الطهارة‪ ،‬أنه أجازه لمن لم يجد‬
‫الماء أو يتضرر باستعماله‪.‬‬
‫ويكون التيمم بالصعيد الطاهر‪ ،‬وذلك بأن يضرب بيديه على األرض ثم يمسح بهما وجهه‬

‫ويديه‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﭼ‬


‫في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد‬ ‫‪« :‬بعثني رسول اهلل‬ ‫وقال عمار‬
‫فذكرت له ذلك فقال‪ :‬إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا ثم‬ ‫كما تمرغ الدابة‪ ،‬ثم أتيت النبي‬
‫ضرب بيديه األرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين‪ ،‬وظاهر كفيه ووجهه»‬
‫الصلوات المفروضة‬
‫فرض اهلل على كل مسلم خمس صلوات في اليوم والليلة وهي‪:‬‬
‫صالة الصبح (وتسمى صالة الفجر)‪ ،‬والظهر‪ ،‬والعصر‪ ،‬والمغرب‪ ،‬والعشاء‪.‬‬
‫صالة الصبح‪ :‬وهي ركعتان‪ ،‬ووقتها من طلوع الفجر الثاني‪ -‬وهو الضياء المعترض من‬
‫جهة الشرق في آخر الليل‪ -‬إلى طلوع الشمس‪.‬‬
‫صالة الظهر‪ :‬وهي أربع ركعات‪ ،‬من حين زوال الشمس عن وسط السماء إلى أن يكون ظل‬
‫كل شيء مثله بعد فيء الزوال‪.‬‬
‫صالة العصر‪ :‬وهي أربع ركعات‪ ،‬يبدأ وقتها بعد انتهاء وقت الظهر إلى أن يصير ظل‬
‫كل شيء مثليه بعد فيء الزوال‪ ،‬ووقت الضرورة إلى غروب الشمس‪.‬‬
‫صالة المغرب‪ :‬وهي ثالث ركعات‪ ،‬من حين غروب الشمس إلى غياب الشفق األحمر‪.‬‬
‫صالة العشاء‪ :‬وهي أربع ركعات‪ ،‬يبدأ وقتها بعد انتهاء وقت المغرب إلى ثلث أو نصف‬
‫الليل األول‪.‬‬
‫صفة الصالة‬
‫بع د أن تتم طهارة الجسم والمكان بالصفة التي ذكرناها ويتأكد المسلم من دخول وقت‬
‫الصالة فيستقبل القبلة وهي بيت اهلل الحرام في مكة المكرمة قاصداً بقلبه فعل الصالة التي‬
‫يريدها من فريضة أو نافلة ثم يفعل ما يلي‪:‬‬
‫يكبر تكبيرة اإلحرام قائالً‪" :‬اهلل أكبر"‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫يرفع يديه عند التكبير إلى حذو منكبيه أو إلى حيال أذنيه‪.‬‬
‫يسن أن يقرأ بعد التكبير دعاء االستفتاح ويقول‪« :‬سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك‬
‫وإن شاء قال‪« :‬اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت‬ ‫وتعالى جدك وال إله غيرك»‬
‫بين المشرق والمغرب‪ ،‬اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب األبيض من الدنس‪ ،‬اللهم اغسلني‬
‫‪.‬‬ ‫من خطاياي بالماء والثلج والبرد»‬
‫ثم بعد ذلك يقول‪:‬‬

‫ﭽ ﭑ ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭠﭡﭢ‬


‫ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ‬
‫ويقول بعدها (آمين)‬ ‫ﭳﭴﭼ‬
‫ثم يقرأ ما تيسر من القرآن مما يحفظه‪.‬‬
‫ثم بعد ذلك يركع قائالً "اهلل أكبر" مسوياً ظهره وواضعاً يديه على ركبتيه ويقول‪:‬‬
‫"سبحان ربي العظيم" والمسنون تكرارها ثالث مرات أو أكثر‪.‬‬
‫ثم يرفع رأسه من الركوع قائالً‪" :‬سمع اهلل لمن حمده"‪ ،‬ويقول بعد اعتداله قائماً‪« :‬ربنا‬
‫ولك الحمد‪ ،‬حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه‪ ،‬ملء السماوات وملء األرض‪ ،‬وملء ما بينهما‪ ،‬وملء ما‬
‫شئت من شيء بعد»‪.‬‬
‫ثم يسجد قائالً‪( :‬اهلل أكبر) مجافياً عضديه عن جنبيه وفخذيه عن ساقيه‪ ،‬ويكون السجود‬
‫على أعضائه السبعة‪ :‬الجبهة مع األنف‪ ،‬وبطون الكفين‪ ،‬والركبتين‪ ،‬وباطن أصابع الرجلين‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫(سبحان ربي األعلى) ثالثاً أو أكثر‪ ،‬ويكثر من الدعاء بما أحب‪.‬‬
‫ثم يرفع رأسه قائالً‪( :‬اهلل أكبر) ويجلس على رجله اليسرى ناصباً اليمنى‪ ،‬ويضع يديه على‬
‫فخذيه وركبتيه ويقول‪« :‬رب اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني واهدني واجبرني»‪.‬‬
‫ثم يسجد السجدة الثانية قائالً‪( :‬اهلل أكبر) ويفعل كما فعل في السجدة األولى‪ ،‬وبهذا‬
‫تتم الركعة األولى‪.‬‬
‫ثم ينهض قائماً إلى الركعة الثانية قائالً‪( :‬اهلل أكبر)‪.‬‬
‫ثم يقرأ الفاتحة‪ ،‬ثم يقرأ ما تيسر من القرآن‪ ،‬ثم يركع ثم يرفع من الركوع‪ ،‬ثم يسجد‬
‫سجدتين كما فعل في الركعة األولى تماماً‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫بعد الرفع من السجدة الثانية يجلس مثل جلوسه بين السجدتين‪ ،‬ثم يقرأ التشهد وهو‬
‫قوله‪« :‬التحيات هلل والصلوات والطيبات‪ ،‬السالم عليك أيها النبي ورحمة اهلل وبركاته‪ ،‬السالم علينا‬
‫‪.‬‬ ‫وعلى عباد اهلل الصالحين‪ ،‬أشهد أن ال إله إال اهلل وأشهد أن محمداً عبده ورسوله»‬
‫ثم إن كانت الصالة ثنائية كصالة الفجر والجمعة والعيد استمر في جلوسه وأكمل التحيات‬
‫بقوله‪ « :‬اللهم صل على محمد وعلى آل محمد‪ ،‬كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم‪ ،‬إنك‬
‫حميد مجيد‪ ،‬وبارك على محمد وعلى آل محمد‪ ،‬كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم‪ ،‬إنك‬
‫‪ ،‬ويستعيذ من أربع فيقول‪« :‬اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب‬ ‫حميد مجيد»‬
‫‪ .‬ثم يدعو بما شاء من خيري‬ ‫القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال»‬
‫الدنيا واآلخرة‪ ،‬سواء كانت الصالة فريضة أو نافلة‪.‬‬
‫ثم يسلم عن يمينه قائالً‪" :‬السالم عليكم ورحمة اهلل" ثم عن يساره قائالً‪( :‬السالم عليكم ورحمة اهلل)‪.‬‬
‫‪ ‬وإن كانت الصالة ثالثية كالمغرب‪ ،‬أو رباعية كصالة الظهر والعصر والعشاء‪ ،‬نهض قائماً بعد‬
‫التشهد األول قائالً‪( :‬اهلل أكبر) ثم يقرأ الفاتحة فقط‪ ،‬ثم يركع ويسجد كما فعل في الركعتين األوليين‪،‬‬
‫ثم يفعل مثل ذلك في الركعة الرابعة‪ ،‬إال أنه بعد السجود يجلس متوركاً‪ ،‬ناصباً رجله اليمنى‪ ،‬واضعاً‬
‫رجله اليسرى تحتها‪ ،‬ومقعدته على األرض‪ ،‬ثم يتشهد التشهد األخير بعد الثالثة في المغرب وبعد‬
‫ويدعو إن شاء‪ ،‬ثم يسلم عن يمينه وشماله‬ ‫الرابعة في الظهر والعصر والعشاء‪ ،‬ويصلي على النبي‬
‫كما تقدم‪ ،‬وبهذا يكون قد أتم الصالة‪.‬‬
‫أركان الصالة ‪ :‬وهي‪:‬‬
‫القيام مع القدرة‪ ،‬وتكبيرة اإلحرام‪ ،‬وقراءة الفاتحة‪ ،‬والركوع‪ ،‬والرفع منه‪ ،‬والسجود على‬
‫األعضاء السبعة واالعتدال منه‪ ،‬والجلسة بين السجدتين‪ ،‬والطمأنينة في جميع األركان‪ ،‬والترتيب‬
‫والتشهد األخير‪ ،‬والجلوس له‪ ،‬والتسليم‪.‬‬
‫واجبات الصالة‪ :‬وهي‪:‬‬
‫جميع التكبيرات غير تكبيرة اإلحرام‪ ،‬وقول "سبحان ربي العظيم في الركوع"‪ ،‬و "قول سمع‬
‫اهلل لمن حمده"‪ ،‬وقول "ربنا ولك الحمد"‪ ،‬وقول‪" :‬سبحان ربي األعلى" في السجود‪ ،‬وقول‪" :‬رب اغفر‬
‫‪.‬‬ ‫لي" بين السجدتين‪ ،‬والتشهد األول والجلوس له والصالة على النبي‬
‫ولما كان من خلقة اإلنسان النسيان والسهو في حياته‪ ،‬فإننا سنذكر األحكام المتعلقة‬
‫بالسهو والسجود له‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫البد أن يعلم المسلم أن تركه لركن من الصالة أو واجب عمداً يبطل صالته‪.‬‬
‫أما السجود للسهو في الصالة؛ فسببه النقص أو الزيادة أو الشك‪:‬‬
‫‪ ‬فإما أن يكون بالنقص‪:‬‬
‫نقص األركان‪ :‬إذا أنقص المصلي ركناً من صالته فإن كان تكبيرة اإلحرام فال صالة له‬
‫سواء تركها عمداً أم سهواً؛ ألن صالته لم تنعقد‪ ،‬وإن كان غير تكبيرة اإلحرام فإن تركه متعمداً‬
‫بطلت صالته‪.‬‬
‫وإن تركه سهواً فإن وصل إلى موضعه من الركعة الثانية لغت الركعة التي تركه منها‪،‬‬
‫وقامت التي تليها مقامها‪ ،‬وإن لم يصل إلى موضعه من الركعة الثانية وجب عليه أن يعود إلى‬
‫الركن المتروك فيأتي به وبما بعده‪ ،‬وفي كلتا الحالين يجب عليه أن يسجد للسهو بعد السالم‪.‬‬
‫نقص الواجبات‪ :‬إذا ترك المصلِّي واجباً من واجبات الصالة متعمداً بطلت صالته‪ .‬وإن‬
‫كان ناسياً وذكره قبل أن يفارق محله من الصالة أتى به وال شيء عليه‪ .‬وإن ذكره بعد مفارقة محله‬
‫قبل أن يصل إلى الركن الذي يليه رجع فأتى به ثم يكمل صالته ويسلِّم‪ ،‬ثم يسجد للسهو ويسلِّم‪.‬‬
‫وإن ذكره بعد وصوله الركن الذي يليه سقط فال يرجع إليه‪ ،‬فيستمر في صالته ويسجد للسهو‬
‫قبل أن يسلِّم‪.‬‬
‫‪ ‬وإما أن يكون بالزيادة‪:‬‬
‫الزيادة‪ :‬إذا زاد المصلي في صالته قياماً‪ ،‬أو قعوداً‪ ،‬أو ركوعاً‪ ،‬أو سجوداً متعمداً بطلت صالته‪.‬‬
‫وإن كان ناسياً ولم يذكر الزيادة حتى فرغ منها فليس عليه إال سجود السهو‪ ،‬وصالته صحيحة‪،‬‬
‫وإن ذكر الزيادة في أثنائها وجب عليه الرجوع عنها ووجب عليه سجود السهو‪ ،‬وصالته صحيحة‪.‬‬
‫والسالم قبل تمام الصالة من الزيادة في الصالة‪ ،‬فإذا سلَّم المصلي قبل تمام صالته متعمداً‬
‫بطلت صالته‪ .‬وإن كان ناسياً ولم يذكر إال بعد زمن طويل أعاد الصالة من جديد‪.‬‬
‫وإن ذكر بعد زمن قليل كدقيقتين وثالث فإنه يكمل صالته ويسلم‪ ،‬ثم يسجد للسهو ويسلم‪.‬‬
‫وإذا سلَّم اإلمام قبل تمام صالته وفي المأمومين مَن فاتهم بعض الصالة فقاموا لقضاء ما‬
‫فاتهم‪ ،‬ثم ذكر اإلمام أن عليه نقصاً في صالته فقام ليتمها‪ ،‬فإن المأمومين الذين قاموا لقضاء ما‬
‫فاتهم يخيرون بين أن يستمروا في قضاء ما فاتهم ويسجدوا للسهو‪ ،‬وبين أن يرجعوا مع اإلمام‬
‫فيتابعوه‪ ،‬فإذا سلَّم قضوا ما فاتهم‪ ،‬وسجدوا للسهو بعد السالم‪ .‬وهذا أولى وأحوط‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫‪ ‬وإما أن يكون بالشك‪:‬‬


‫الشك‪ :‬هو التردد بين أمرين أيُّهما الذي وقع‪ .‬والشك ال يُلتفت إليه في العبادات في ثالث حاالت‪:‬‬
‫األولى‪ :‬إذا كان مجرد وهم ال حقيقة له كالوساوس‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬إذا كثر مع الشخص بحيث ال يفعل عبادة إال حصل له فيها شك‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬إذا كان بعد الفراغ من العبادة‪ ،‬فال يلتفت إليه ما لم يتيقن األمر فيعمل بمقتضى يقينه‪.‬‬
‫وأما الشك في غير هذه المواضع الثالثة فإنه معتبر‪.‬‬

‫‪ ‬وال يخلو الشك في الصالة من حالين‪:‬‬


‫الحال األولى‪ :‬أن يترجَّح عنده أحد األمرين فيعمل بما ترجَّح عنده‪ ،‬فيتم عليه صالته ويسلِّم‪،‬‬
‫ثم يسجد للسهو ويسلِّم‪.‬‬
‫الحال الثانية‪ :‬أن ال يترجَّح عنده أحد األمرين فيعمل باليقين وهو األقل‪ ،‬فيتم عليه صالته‪،‬‬
‫ويسجد للسهو قبل أن يسلِّم ثم يسلِّم‪.‬‬

‫‪" :‬إنما جُعِلَ‬ ‫إذا سها اإلمام وجب على المأموم متابعته في سجود السهو؛ لقول النبي‬
‫اإلمام ليؤتمَّ به‪ ،‬فال تختلفوا عليه" إلى أن قال‪" :‬وإذا سجد فاسجدوا‬
‫وسواء سجد اإلمام للسهو قبل السالم أو بعده فيجب على المأموم متابعته إال أن يكون مسبوقاً‬
‫‪ -‬أي قد فاته بعض الصالة ‪ -‬فإنه ال يتابعه في السجود بعد السالم لتعذُّر ذلك إذ المسبوق ال يمكن‬
‫أن يسلم مع إمامه‪ ،‬وعلى هذا فيقضي ما فاته ويسلم‪ ،‬ثم يسجد للسهو ويسلم‪.‬‬
‫وإذا سها المأموم دون اإلمام ولم يفته شيء من الصالة فال سجود عليه؛ ألن سجوده يؤدي إلى‬
‫تركوا التشهد األول حين نسيه النبي‬ ‫االختالف على اإلمام واختالل متابعته؛ وألن الصحابة‬
‫فقاموا معه ولم يجلسوا للتشهد مراعاة للمتابعة وعدم االختالف عليه‪.‬‬
‫فإن فاته شيء من الصالة فسها مع إمامه أو فيما قضاه بعده لم يسقط عنه السجود‪ ،‬فيسجد‬
‫للسهو إذا قضى ما فاته قبل السالم أو بعده حسب التفصيل السابق ذكره‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫صالة الجماعة‬
‫‪« :‬صالة الجماعة أفضل من صالة الفذ‬ ‫عن رسول اهلل‬ ‫جاء عند البخاري عن ابن عمر‬
‫أنه قال‪« :‬لقد هممت أن آمر بالصالة‬ ‫‪ ،‬وفي الحديث عن النبي‬ ‫بسبع وعشرين درجة»‬
‫فلوال‬ ‫فتقام ثم أخالف إلى قوم في منازلهم ال يشهدون الصالة في جماعة فأحرقها عليهم»‬
‫بحرق منازلهم‪ ،‬وقول اهلل تعالى‪:‬‬ ‫أن تخلفهم عن الصالة معصية كبيرة لما هددهم النبي‬

‫ﭽﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﭼ‬
‫نص على وجوب أداء الصالة جماعة مع المسلمين‪.‬‬
‫صالة الجمعة‬
‫إن دين اإلسالم يحث على االجتماع ويدعو إليه ويكره التفرق وينفر منه‪ ،‬ولم يدع مجاالً من‬
‫مجاالت التعارف والتآلف واالجتماع بين المسلمين إال دعا إليه وأمر به‪.‬‬
‫ويوم الجمعة يوم عيد للمسلمين‪ ،‬فيه يسعون إلى ذكر اهلل وتمجيده‪ ،‬ويجتمعون في بيوت‬
‫اهلل متجردين من الدنيا ومشاغلها‪ ،‬ليصلوا هلل فريضة من فرائضه الواجبة‪ ،‬ويستمعوا إلى‬
‫توجيهات الخطباء وإرشاد العلماء‪ ،‬ويتعلمون دينهم في خطبة الجمعة ‪-‬وتكون خطبتين يفصل‬
‫بينهما بجلوس يسير‪ -‬وهي اجتماع أسبوعي يؤكد بها الخطيب توحيد اهلل لدى السامعين‪ ،‬ويحيي‬

‫بها قلوبهم ويبعث في نفوسهم محبة اهلل ورسوله ولزوم طاعتهما‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽﭑﭒﭓ‬

‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭼ‬
‫وغلّظ على من‬ ‫وهي واجبة على كل رجل مسلم بالغ حر مقيم‪ ،‬وقد واظب عليها النبي‬
‫تركها فقال‪« :‬لينتهين أقوامٌ عن ودعهم الجمعات أو ليختمن اهلل على قلوبهم ثم ليكونُنَّ من‬
‫‪« :‬مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا‪ ،‬طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ»‬ ‫وقال‬ ‫الغافلين»‬
‫وهي ركعتان يصليهما المسلم مقتدياً بإمامه مع جماعة المسلمين‪.‬‬
‫وصالة الجمعة ال تصح إال في جماعة حيث يجتمع المسلمون ويخطب فيهم إمامهم‪ ،‬فينصحهم‬
‫ويرشدهم‪ ،‬ويَحرُم الكالم أثناء الخطبة حتى لو قلت لصاحبك‪ :‬صه‪ ،‬أو اسكت فقد لغوت‪.‬‬

‫مسألة‪ :‬ومن لم يدرك من صالة الجمعة ركعة‪ ،‬فالصحيح إتمامها ظهراً‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫صالة المسافر‬
‫قال اهلل تعالى‪ :‬ﭽﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﭼ‬
‫هكذا اإلسالم دين يسر‪ ،‬فال يكلف اهلل نفساً إال وسعها‪ ،‬وال يحملها من األوامر ما ال تستطيعه‪،‬‬
‫ولما كان السفر فيه احتمال المشقة فقد رخص اهلل فيه بأمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬قصر الصالة وذلك بقصر الصالة الرباعية إلى ركعتين‪ ،‬فإذا كنت في سفر فصل الظهر‬
‫والعصر والعشاء ركعتين بدل األربع‪ ،‬أما المغرب والصبح فتبقيان على حالهما ال قصر فيهما‪.‬‬
‫وقصر الصالة رخصة وتيسير من اهلل لعباده‪ ،‬واهلل يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى‬
‫عزائمه‪ .‬وال فرق في السفر بين السفر بالسيارة‪ ،‬أو الطائرة‪ ،‬أو الباخرة‪ ،‬أو القطار‪ ،‬أو على الدواب‪ ،‬أو‬
‫السير على األقدام‪ ،‬فكله يطلق عليه اسم السفر وكله تقصر فيه الصالة ما لم يكن سفر معصية‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬الجمع بين صالتين‪ ،‬فيجوز للمسافر أن يجمع بين صالتين في وقت واحد‪ ،‬فيجمع بين‬
‫الظهر والعصر‪ ،‬وكذا بين المغرب والعشاء‪ ،‬فيكون وقت الصالتين وقتاً واحداً‪ ،‬تؤدى فيه الصالتان‪،‬‬
‫كل صالة منفصلة عن األخرى‪ ،‬فيصلي الظهر ثم يصلي العصر بعدها مباشرة‪ ،‬أو يصلي المغرب‬
‫ثم يصلي بعدها العشاء‪.‬‬
‫وال يكون الجمع إال بين الظهر والعصر‪ ،‬وبين المغرب والعشاء فقط‪ ،‬فال يجوز الجمع مثالً بين‬
‫الصبح والظهر‪ ،‬وال بين العصر والمغرب‪.‬‬

‫يسن للمصلي أن يستغفر اهلل ثالثاً بعد الصالة ويقول‪« :‬اللهم أنت السالم ومنك السالم تباركت‬
‫يا ذا الجالل واإلكرام‪ ،‬ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير‪،‬‬
‫اللهم ال مانع لما أعطيت وال معطي لما منعت وال ينفع ذا الجد منك الجد» ويسبح اهلل ويحمده‬
‫ويكبره ثالثاً وثالثين مرة فيقول‪ :‬سبحان اهلل والحمد هلل واهلل أكبر ويقول تمام المائة‪ :‬ال إله إال اهلل‬
‫وحده ال شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪.‬‬
‫ويقرأ قل هو اهلل أحد‪ ،‬وقل أعوذ برب الفلق‪ ،‬وقل أعوذ برب الناس‪.‬‬
‫ويستحب تكرار هذه السور الثالث ثالث مرات بعد صالة الفجر وصالة المغرب‪ ،‬كما يستحب أن‬
‫يزيد بعد الذكر المتقدم بعد صالة المغرب وصالة الفجر قوله‪« :‬ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬له‬
‫الملك وله الحمد‪ ،‬يحيي ويميت‪ ،‬وهو على كل شيء قدير» عشر مرات‪.‬‬
‫وكل هذه األذكار سنة وليست فريضة‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫السنن الرواتب‬
‫يستحب لكل مسلم ومسلمة أن يحافظ على اثنتي عشرة ركعة في حال الحضر وهي‪:‬‬
‫أربع قبل الظهر وثنتان بعدها‪ ،‬وثنتان بعد المغرب‪ ،‬وثنتان بعد صالة العشاء‪ ،‬وثنتان قبل صالة الفجر‪.‬‬
‫يقول‪ :‬ما من عبد‬ ‫قالت‪« :‬سمعت رسول اهلل‬ ‫عن أم المؤمنين أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان‬
‫مسلم يصلي هلل في كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة‪ ،‬إال بنى اهلل له بيتاً في الجنة‪ ،‬أو‬
‫إال بني له بيت في الجنة»‬
‫يتركسنة الظهر والمغرب والعشاء‪ ،‬ويحافظ على سنة الفجر‬ ‫أما في السفر فقد كان النبي‬

‫والوتر‪ ،‬ولنا في رسول اهلل أسوة حسنة‪ ،‬كما قال سبحانه‪ :‬ﭽﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶﭼ‬
‫‪« :‬صلوا كما رأيتموني أصلي»‬ ‫وقال الرسول‬
‫وبهذا نكون قد أتممنا بإذن اهلل الركن الثاني من أركان اإلسالم وما يتعلق به من مسائل‬

‫وتؤتي الزكاة‬
‫تعريف الزكاة لغة‪ :‬هي النماء والزيادة‬
‫اصطالحا‪ :‬وهي التعبد هلل بإخراج حق واجب‪ ،‬في مال خاص‪ ،‬لطائفة مخصوصة‪ ،‬في وقت خاص‪.‬‬
‫‪‬‬
‫الزكاة أهم أركان اإلسالم بعد الشهادتين والصالة‪ ،‬وهي الركن الثالث من أركان اإلسالم‪.‬‬

‫قال اهلل تعالى‪ :‬ﭽﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧﮨﮩﮪ ﮫﭼ‬


‫‪‬‬
‫فُرضت الزكاة في مكة‪ ،‬أما تقدير نصابها‪ ،‬وبيان األموال التي تُزكى‪ ،‬وبيان مصارفها فكان‬
‫في المدينة في السنة الثانية من الهجرة‪.‬‬
‫‪‬‬
‫اإلسالم‪ ،‬الحرية‪ ،‬ملك النصاب ملكاً تاماً مستقراً‪ ،‬حَوَالنِ الحول؛ وهذا خاص ببهيمة األنعام‬
‫والنقدين وعروض التجارة‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫‪‬‬
‫الذهب والفضة‪.‬‬ ‫بهيمة األنعام (اإلبل‪ ،‬البقر‪ ،‬الغنم)‪.‬‬
‫المعادن‪.‬‬ ‫الحبوب والثمار‪.‬‬ ‫عروض التجارة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﭽ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﭼ‬

‫مسالة‪ :‬الركاز عائد للفيء على القول الراجح‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة ومالك ورواية في مذهب أحمد‬
‫وصححها ابن قدامة‪ ،‬وذلك لما روي عن الشعبي‪( :‬أن رجال وجد ألف دينار مدفونة خارجاً من المدينة‪،‬‬
‫فأخذ منها الخمس مائتي دينار‪ ،‬ودفع إلى الرجل بقيتها‪ ،‬وجعل‬ ‫فأتى بها عمر بن الخطاب‬
‫عمر يقسم المائتين بين من حضره من المسلمين إلى أن فضل منها فضلة‪ ،‬فقال‪ :‬أين صاحب‬
‫والشاهد‪ :‬أنها لو كانت زكاة‬ ‫الدنانير؟ فقام إليه‪ ،‬فقال عمر‪ :‬خذ هذه الدنانير فهي لك)‬
‫لخص بها أهلها‪ ،‬ولم يرده على واجده‪.‬‬

‫وإليك جدوالً يبين األموال التي تزكى‪ ،‬والنصاب الذي يجب به الزكاة‪ ،‬ومقدار الزكاة‪ ،‬وكيفية حسابها‪:‬‬

‫‪61‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫كيفية احتساب الزكاة‬ ‫مقدار الزكاة‬ ‫مقدار النصاب‬ ‫الصنف‬


‫وزن الذهب × ‪111 ÷ 2.5‬‬ ‫‪% 2.5‬‬ ‫‪ 85‬غراماً‬ ‫الذهب‬
‫وزن الفضة × ‪111 ÷ 2.5‬‬ ‫‪% 2.5‬‬ ‫‪ 595‬غراماً‬ ‫الفضة‬
‫مقدار النقود × ‪111 ÷ 2.5‬‬ ‫‪% 2.5‬‬ ‫قيمة ‪ 85‬غراماً من الذهب‬ ‫النقود‬
‫قيمة عروض التجارة × ‪111 ÷ 2.5‬‬ ‫‪% 2.5‬‬ ‫قيمة ‪ 85‬غراماً من الذهب‬ ‫عروض التجارة‬
‫القيمة السوقية لألسهم × ‪111 ÷ 2.5‬‬ ‫‪% 2.5‬‬ ‫قيمة ‪ 85‬غراماً من الذهب‬ ‫األسهم‬
‫وزن الثمار × ‪111 ÷ 5‬‬ ‫‪%5‬‬ ‫‪ 615‬كيلو غرام تقريبا‬ ‫سقي بآلة‬
‫الزروع‬
‫وزن الثمار × ‪111 ÷11‬‬ ‫‪%11‬‬ ‫‪ 615‬كيلو غرام تقريبا‬ ‫سقي بدون آلة‬

‫مقدار الزكاة الواجبة فيه‬ ‫العدد‬


‫شاة واحدة‬ ‫‪024-04‬‬ ‫الغنم‬
‫شاتان‬ ‫‪244-020‬‬ ‫‪ 04‬رأساً‬ ‫الضأن‬
‫ثالث شياه‬ ‫‪044-240‬‬ ‫الماعز‬

‫في كل مائة شاة شاة واحدة‬ ‫فوق ‪044‬‬


‫شاة ( عمرها سنة من الماعز أو ‪ 6‬أشهر من‬
‫‪9-5‬‬
‫الضأن )‬
‫شاتان‬ ‫‪14-11‬‬
‫ثالث شياه‬ ‫‪19-15‬‬
‫أربع شياه‬ ‫‪24-21‬‬ ‫األنعام‬
‫تفصيل‬ ‫البقر‬ ‫اإلبل‬ ‫العدد‬
‫بنت سنة واحدة‬ ‫جذعة‬ ‫بنت مخاض‬ ‫‪35-25‬‬ ‫اإلبل‬
‫‪ 5‬رؤوس‬
‫بنت سنتين‬ ‫ثنية‬ ‫بنت لبون‬ ‫‪45-36‬‬ ‫أو البقر‬

‫بنت ثالث سنين‬ ‫رباعية‬ ‫حقة‬ ‫‪61-46‬‬


‫بنت أربع سنين‬ ‫سديس‬ ‫جذعة‬ ‫‪75-61‬‬
‫ثنيتان‬ ‫بنتا لبون‬ ‫‪91-76‬‬
‫رباعيتان‬ ‫حقتان‬ ‫‪121-91‬‬
‫في كل ‪ 41‬رأس بنت سنتين وفي كل ‪ 51‬رأس‬
‫ما زاد عن ذلك‬
‫بنت ثالث سنين‬

‫‪61‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫وتصوم رمضان‬
‫تعريف الصوم‪ :‬هو اإلمساك عن األكل‪ ،‬والشرب‪ ،‬والجماع‪ ،‬وسائر المفطرات من طلوع الفجر‬
‫الثاني إلى غروب الشمس‪ ،‬بنيّة الصوم‪ ،‬تقرباً إلى اهلل عز وجل‪.‬‬
‫حكمه‬
‫صيام رمضان هو الركن الرابع من أركان اإلسالم‪ ،‬أضافه اهلل إليه تشريفاً وتعظيماً له‪ ،‬فرضه اهلل عز‬
‫تسعة رمضانات‪ ،‬ومن أفطر في نهار‬ ‫وجل في السنة الثانية من الهجرة‪ ،‬وقد صام رسول اهلل‬
‫رمضان فقد وقع في كبيرة من الكبائر‪ ،‬بل بعض أهل العلم يرى أنه يصل إلى الكفر‪.‬‬
‫على من يجب الصوم‬
‫يجب صوم رمضان على كل مسلم بالغ‪ ،‬عاقل‪ ،‬قادر على الصوم‪ ،‬مقيم‪ ،‬ذكراً كان أو أنثى‪،‬‬
‫خال من الموانع كالحيض‪ ،‬والنفاس‪ ،‬وهذا خاص بالنساء‪.‬‬

‫وقد أوجب اهلل الصيام على هذه األمة كما أوجبه على األمم قبلها‪ .‬قال اهلل تعالى‪ :‬ﭽﭣ‬

‫ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭼ‬

‫األكل والشرب في نهار رمضان‪.‬‬


‫الجماع في نهار رمضان‪.‬‬
‫إنزال المني يقظة بمباشرة‪ ،‬أو تقبيل‪ ،‬أو استمناء‪ ،‬أو نحوها‪.‬‬
‫استعمال اإلبر المغذية للبدن في نهار رمضان‪.‬‬
‫وهذه المفطرات يفطر بها الصائم إذا فعلها متعمداً‪ ،‬عالماً‪ ،‬ذاكراً لصومه‪.‬‬
‫خروج دم الحيض والنفاس في نهار رمضان‪.‬‬
‫الردة عن اإلسالم‪.‬‬

‫مسألة‪ :‬من أكل أو شرب في حال صيامه ناسياً ال يضره ذلك‪ ،‬فإنما أطعمه اهلل وسقاه‪ ،‬كما‬
‫في الحديث المتفق عليه‪.‬‬ ‫قال النبي‬

‫‪62‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫المرض والكبر‪.‬‬
‫السفر‪.‬‬
‫الحمل والرضاع‪.‬‬
‫الحيض والنفاس‪ ،‬ويحرم فيهما على المرأة الصيام‪.‬‬

‫عتق رقبة‪ ،‬فإن لم يجد صام شهرين متتابعين‪ ،‬فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً لكل‬
‫مسكين نصف صاع من طعام‪ ،‬فإن لم يجد سقطت‪ ،‬وهي ال تجب بغير الجماع في نهار رمضان‬
‫ممن يلزمه الصوم إذا فعله عالماً متعمداً‪ ،‬فمن واقع في صوم نفل‪ ،‬أو نذر‪ ،‬أو قضاء‪ ،‬فال كفارة عليه‪.‬‬
‫الكحل‪ ،‬والحقنة غير المغذية‪،‬‬
‫ومداواة الجروح‪ ،‬والطيب‪ ،‬والدهن‪ ،‬والحناء‪ ،‬والقطرة في العين أو األذن أو األنف‪ ،‬والقيء‪ ،‬والحجامة‪،‬‬
‫والفصد للعرق‪ ،‬واستخراج الدم‪ ،‬والرعاف‪ ،‬والنزيف‪ ،‬ودم الجروح‪ ،‬وخلع الضرس‪ ،‬وخروج المذي‬
‫والودي‪ ،‬ومعجون األسنان كل ذلك ال يفطر الصائم‪.‬‬
‫من سنن الصيام‬
‫يسن للصائم أن يتسحر؛ ألن في السحور بركة‪ ،‬ونعم سحور المؤمن التمر‪ ،‬ويسن تأخيره‪.‬‬
‫يسن تعجيل الفطر‪ ،‬وأن يكون على تمر قبل أن يصلي‪ ،‬فإن عدم التمر فعلى ماء‪ ،‬فإن لم يجد‬
‫أفطر على ما تيسر من طعام أو شراب حالل‪ ،‬فإن عدم ما يفطر عليه نوى بقلبه الفطر‪.‬‬
‫ي سن للصائم أن يكثر من الذكر والدعاء‪ ،‬فيسمي عند أكل الفطور‪ ،‬ويحمد اهلل إذا انتهى‪ ،‬فإذا‬
‫أفطر قال‪« :‬ذَهَبَ الظَّمَأُ‪ ،‬وَابْتَلَّتِ العُرُوقُ‪ ،‬وَثَبَتَ األَجْرُ إنْ شَاءَ اهلل»‪.‬‬
‫يسن للصائم وغيره السواك في كل وقت‪ ،‬أول النهار وآخره‪.‬‬
‫يسن للصائم إذا شاتمه أو قاتله أحد أن يقول‪ :‬إني صائم‪ ،‬إني صائم‪.‬‬
‫يسن للصائم الزيادة واإلكثار من أعمال الخير‪ ،‬كالذكر‪ ،‬وتالوة القرآن‪ ،‬والجود‪ ،‬والصدقة‪ ،‬ومواساة‬
‫الفقراء والمحتاجين‪ ،‬واالستغفار‪ ،‬والتوبة‪ ،‬والتهجد‪ ،‬وصلة الرحم‪ ،‬وعيادة المريض ونحو ذلك‪.‬‬
‫تسن صالة التراويح في ليالي شهر رمضان بعد صالة العشاء اآلخرة‪.‬‬
‫ويسن أن يجتهد في العشر األواخر من رمضان بأنواع العبادة‪ ،‬ويحيي الليل كله‪ ،‬ويوقظ أهله‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫وهناك سنن كثيرة يسن للمسلم فعلها في رمضان‪ ،‬لم يسع األمر لذكرها‪ ،‬ولكننا نذكر بأن‬
‫رمضان باب لفعل الخيرات‪ ،‬فشمر عن ساعديك‪ ..‬وشد عزمك وإرادتك‪ ..‬وتوكل على اهلل‪ ..‬وتذكر أنه‬
‫رغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له‪.‬‬
‫نسأل اهلل أن يجعلنا وإياك ممن تقبل اهلل صيامهم وأعمالهم‪.‬‬

‫وتحج البيت إن استطعت إليه سبيالً‬


‫التعبد هلل بأداء المناسك في مكان مخصوص في وقت مخصوص‪ ،‬على ما‬
‫‪.‬‬ ‫جاء في سنة رسول اهلل‬

‫الحج أحد أركان اإلسالم وفروضه العظام‪ ،‬لقوله تعالى‪ :‬ﭽﮬﮭﮮﮯﮰﮱ‬

‫ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﭼ‬
‫ال يجب الحج في العمر إال مرة واحدة‪ ،‬وما زاد على ذلك فهو تطوع؛ لحديث‬
‫فقَالَ‪( :‬أيها الناس قد فرض اهلل عليكم الحج فحجوا)‪،‬‬ ‫قال‪ :‬قَالَ‪ :‬خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ‬ ‫أبي هريرة‬
‫وكذلك العمرة‪.‬‬ ‫فقال رجل‪ :‬أكل عام يا رسول اهلل؟ فقال‪( :‬لو قلت‪ :‬نعم‪ ،‬لوجبت‪ ،‬ولما استطعتم)‬
‫يشترط لوجوب الحج خمسة شروط‪ :‬اإلسالم–البلوغ–العقل–الحرية –االستطاعة‪.‬‬
‫الميقات لغة‪ :‬هو الحد‪.‬‬
‫وشرعاً‪ :‬هو موضع العبادة أو زمنها‪ ،‬فتنقسم المواقيت إلى‪ :‬زمانية ومكانية‪.‬‬
‫أما المواقيت الزمانية للحج والعمرة‪:‬‬
‫فالعمرة يجوز أداؤها في جميع أوقات السنة‪.‬‬

‫وأما الحج فله أشهر معلومات‪ ،‬ال يصح شيء من أعمال الحج إال فيها؛ لقوله تعالى‪ :‬ﭽﭑ‬

‫وهي شوال‪ ،‬وذو القعدة‪ ،‬وذو الحجة‪.‬‬ ‫ﭒﭓﭔﭼ‬


‫وأما المواقيت المكانية للحج والعمرة‪ :‬فهي الحدود التي ال يجوز للحاج والمعتمر أن يتجاوزها‬
‫قال‪( :‬وَقَّتَ رَسُولُ اهللِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ‬ ‫في حديث ابن عباس‬ ‫إال بإحرام‪ ،‬وقد بيَّنها رسول اهلل‬
‫وَسَلَّمَ َألهل الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ‪ ،‬وَألهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ‪ ،‬وَألَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ‪ ،‬وَألَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ‪،‬‬
‫فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرٍ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُريدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ‪ ،‬فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ‬
‫مِنْ أَهْلِهِ‪ ،‬وَكَذَاكَ‪ ،‬حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا)‬

‫‪64‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫فمن تعدى هذه المواقيت بدون إحرام وجب عليه الرجوع إليها إن أمكن‪ ،‬وإن لم يتمكن من‬
‫الرجوع فعليه فدية‪ ،‬وهي شاة يذبحها في مكة‪ ،‬ويوزِّعها على مساكين الحرم‪.‬‬
‫في الحديث‬ ‫أما من كانت منازلهم دون المواقيت‪ ،‬فإنهم يُحرمون من أماكنهم؛ لقوله‬
‫السابق‪( :‬فمن كان دونهن فمهله من أهله)‪.‬‬

‫‪ -‬اإلحرام‪ :‬وهو نية الحج وقصده‪.‬‬


‫‪ -‬الوقوف بعرفة‪ :‬وهو ركن باإلجماع‪.‬‬
‫‪ -‬طواف الزيارة‪ :‬ويسمى طواف اإلفاضة‪ ،‬ألنه يكون بعد اإلفاضة من عرفة‪ ،‬ويسمى طواف‬

‫الفرض‪ ،‬وهو ركن باإلجماع؛ لقوله تعالى‪ :‬ﭽﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ‬

‫ﯔﯕﭼ‬
‫قالت‪ :‬ما‬ ‫‪ -‬السعي بين الصفا والمروة‪ :‬وهو ركن؛ لحديث عائشة عند البخاري ومسلم‬
‫‪( :‬اسعوا فإن اهلل كتب عليكم‬ ‫أتم اهلل حج امرئ وال عمرته لم يطف بين الصفا والمروة‪ ،‬وقوله‬
‫السعي)‬
‫وأركان العمرة ثالثة وهي‪ :‬اإلحرام‪ ،‬والطواف‪ ،‬والسعي‪.‬‬
‫صفة الحج مختصراً‪ :‬عند وصوله إلى الميقات وجب عليه التجرد من كل ما هو محظور على‬
‫المحرم‪ ،‬فيلبس الرجل إزاراً ورداءً نظيفين أبيضين‪ ،‬وتلبس المرأة ما تشاء من ثيابها‪ ،‬ثم يهل‬
‫بالنسك الذي يريده‪ ،‬ثم بعد ذلك يطوف بالبيت سبعاً‪ ،‬يجعل الكعبة عن يساره‪ ،‬ثم يخرج إلى الصفا‬
‫ويسعى بينها وبين المروة سبعاً ذهابه واحدة وعودته أخرى‪ ،‬ويأخذ من شعر رأسه إن كان متمتعاً‪،‬‬
‫ويبقى بمنى اليوم الثامن (يوم التروية)‪ ،‬ثم في اليوم التاسع يسير الحاج إلى عرفة‪ ،‬ويبقى بها إلى‬
‫غروب الشمس‪ ،‬ثم يفيض إلى مزدلفة‪ ،‬ويبقى بها إلى قبيل طلوع شمس اليوم العاشر‪ ،‬فيدفع من‬
‫مزدلفة‪ ،‬ثم إن أتى الجمرات رمى جمرة العقبة بسبع حصيات‪ ،‬ثم ينحر هديه ويحلق رأسه ويطوف‬
‫بالبيت (طواف اإلفاضة)‪ ،‬ويسعى سعي الحج إن كان متمتعاً‪ ،‬أو كان مفرداً أو قارناً ولم يسع مع‬
‫طواف القدوم‪.‬‬
‫ثم يبيت بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر وجوباً‪ ،‬ويرمي الجمرات الثالث يوم الحادي عشر‬
‫بادئاً بالصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى‪ ،‬وكذلك في اليوم الثاني عشر‪ ،‬ويبدأ وقت الرمي من الزوال‬
‫إلى طلوع الفجر‪ ،‬فإن أراد أن يتعجل فإنه يجب عليه أن يخرج من منى يوم الثاني عشر قبل غروب‬

‫‪65‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫الشمس‪ ،‬فإن غربت عليه الشمس في منى مختاراً‪ ،‬وجب عليه مبيت ليلة الثالث عشر‪ ،‬ثم إذا‬
‫أراد أن يخرج من مكة وجب عليه أن يطوف طواف الوداع‪ ،‬ويجعل آخر عهده بالبيت الطواف‪،‬‬
‫ويسقط هذا الطواف عن الحائض والنفساء‪.‬‬
‫وصِفة العمرة‪ :‬عند وصوله إلى الميقات وجب عليه التجرد من كل ما هو محظور على المحرم‪،‬‬
‫فيلبس الرجل إزاراً ورداءً نظيفين أبيضين‪ ،‬وتلبس المرأة ما تشاء من ثيابها‪ ،‬ثم يهل بالعمرة‪ ،‬فإن‬
‫أتى البيت الحرام طاف به سبعاً‪ ،‬ثم يسعى بين الصفا والمروة على ما تقدم ذكره‪ ،‬ثم يحلق رأسه‬
‫ويتحلل بذلك‪.‬‬
‫محظورات اإلحرام‪:‬‬
‫حلق شعر الرأس ـ تقليم األظافر ـ تغطية الرأس للذكر ـ لبس لمخيط للذكر ـ التطيب ـ قتل‬
‫صيد البر واصطياده ـ عقد النكاح ـ الوطء ـ المباشرة دون الفرج‪.‬‬
‫‪( :‬ال تتنقب المرأة المحرمة ‪ ،‬وال تلبس القفازين)‬ ‫*ال يجوز للمرأة أن تنتقب‪ ،‬لقوله‬

‫الجهاد لغة‪ :‬بذل الجهد والطاقة والوسع‪.‬‬


‫وفي االصطالح‪ :‬بذل الجهد والوسع في قتال األعداء من الكفار ومدافعتهم‪.‬‬
‫‪ ،‬أي‪ :‬أعاله‪ ،‬وسمي‬ ‫الجهاد ذروة سنام اإلسالم‪ ،‬كما سماه النبي‬
‫بذلك؛ ألنه يعلو به اإلسالم ويرتفع ويظهر‪ ،‬وقد فضّل اهلل المجاهدين في سبيله بأموالهم‬

‫وأنفسهم‪ ،‬ووعدهم الجنة‪ .‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬

‫ﯠﯡ ﭼ‬
‫وشرِع الجهاد لتخليص الناس من عبادة األوثان والطواغيت‪ ،‬وإخراجهم إلى عبادة اهلل وحده ال‬
‫شريك له‪ ،‬كما شرِع إلزالة الظلم وإعادة الحقوق إلى أهلها‪ ،‬وشرِع الجهاد أيضاً إلذالل الكفار‪ ،‬وإرغام‬

‫أنوفهم‪ ،‬واالنتقام منهم‪ ،‬وليشف صدور قومٍ مؤمنين‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ‬

‫ﭔﭕﭖ ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭼ‬
‫جهاد الكفار فرض واجب على جميع المسلمين‪ ،‬فإذا قام به من يكفي سقط عن سائر‬
‫المسلمين‪ ،‬وإال أثم الكل‪ ،‬ألنه واجب بالجملة‪ ،‬وليس واجباً على األعيان‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬

‫ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﭼ‬

‫‪66‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫‪ ( :‬من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق )‬ ‫وقوله‬
‫لكن هناك حاالت يتعين فيها الجهاد فيصير فرض عين على كل مسلم وهي‪:‬‬
‫الحالة األولى‪ :‬إذا داهم العدو بلداً من بالد المسلمين وجب على من فيه دفع هذا العدو الصائل‪،‬‬
‫فإن لم يكن لهم به كفاية ينتقل هذا الوجوب إلى األقرب فاألقرب حتى يصبح فرض عين على جميع‬

‫المسلمين‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬

‫‪.‬‬ ‫ﭠﭡ ﭼ‬
‫الحالة الثانية‪ :‬إذا حضر القتال‪ ،‬وذلك إذا التقى الزحفان‪ ،‬وتقابل الصفَّان‪ ،‬تعين الجهاد‪ ،‬وحرم‬

‫على من حضر القتال االنصراف‪ ،‬والتولي من أمام العدو؛ لقوله تعالى‪ :‬ﭽﯙ ﯚﯛ ﯜﯝﯞ‬

‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ويستثنى من ذلك المتحرف والمتحيز إلى فئة‪.‬‬ ‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺﭼ‬
‫الحالة الثالثة‪ :‬إذا عينهم اإلمام واستنفرهم للجهاد‪ ،‬وكذلك األمر إذا احتيج إليه؛ لقوله تعالى‪:‬‬

‫ﭽﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﭼ‬
‫‪( :‬وإذا استنفرتم فانفروا)‬ ‫وقوله‬
‫يجب على كل مسلم بالغ‪ ،‬عاقل‪ ،‬ذكر‪ ،‬حر‪ ،‬مستطيع استطاعة بدنية ومالية‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هل يجب استئذان الوالدين إذا كان الجهاد فرض عين؟‬
‫إذا أصبح الجهاد فرض عين فال يستأذن فيه اإلمام وال الوالدين وال الدائن‪ ،‬بل يجب على كل‬
‫من استطاع حمل السالح أن يقاتل‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬يستدل بعض القاعدين عن الجهاد بحديث (رجعنا من الجهاد األصغر إلى الجهاد‬
‫األكبر) وهو حديث باطلٌ موضوع ال أصل له‪.‬‬
‫وبعد هذا يا عبد اهلل‪ ،‬إن كنت ممّن توفرت فيهم الشروط فلتحمد اهلل أوالً على هذه النعمة‪ ،‬ثم قم‬
‫واشكر اهلل عليها وذلك ببذل روحك في سبيل اهلل‪ ،‬واتخاذ األسباب التي تبعدها عن سخطه وعقابه‪،‬‬

‫قال اهلل تعالى‪ :‬ﭽ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬

‫ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ‬

‫‪67‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫‪ -‬الخاتمة –‬

‫أخي المسلم‪ :‬احرص على أن تتعلم أمر دينك‪ ،‬وأن تعمل بمقتضاه‪ ،‬ففيه سعادة الدنيا‬

‫واآلخرة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ‬

‫واجتهد على أن تحفظ ما علمت من كالم الوحي‬ ‫ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﭼ‬


‫فقد وضعنا بين يديك هذا الحديث العظيم لشموليته‪ ،‬وكثرة فوائده‪.‬‬
‫ولتعلم أن اهلل سائلك عن هذا قبل أن تعلمه وبعد ما علمته قال صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬لَا‬
‫تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ‬
‫فِيمَا عَمِلَ بِهِ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ انفقه) فنحن مسؤ ولون عن أعمارنا فيما ضيعناها‬
‫وأفنيناها وعن هذا العلم الذي تعلمناه ماذا عملنا به‪ ،‬وال خالص لنا إال باغتنام أوقاتنا وتطبيقنا لما‬
‫علمنا من أمور ديننا وتبليغه لمن حولنا‪ ،‬فقد قال صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬نضَّر اهلل عبدًا سَمِع مقالتي‪،‬‬
‫فحَفِظها ووعَاها وأدَّاها‪ ،‬فرُبَّ حامل فِقْه غير فقيه‪ ،‬ورُبَّ حامل فِقْه إلى مَن هو أفقه منه)‪.‬‬
‫نسأل اهلل تعالى أن يجعلنا وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه‪ ،‬أولئك الذين هداهم‬
‫اهلل وأولئك هم أولوا األلباب‪.‬‬

‫واهلل أعلم‪.‬‬
‫وصلى اهلل على نبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫‪ -‬انتهى –‬

‫‪68‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫فهرس الموضوعات‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪3‬‬

‫‪3‬‬
‫‪5‬‬

‫‪7‬‬
‫‪8‬‬

‫‪11‬‬
‫‪11‬‬
‫‪13‬‬

‫‪15‬‬
‫‪17‬‬
‫‪21‬‬
‫‪23‬‬
‫‪22‬‬
‫‪27‬‬
‫‪28‬‬

‫‪33‬‬
‫‪33‬‬
‫‪32‬‬
‫‪38‬‬
‫‪31‬‬
‫‪38‬‬
‫‪69‬‬
‫ديوان الدعوة والمساجد‬ ‫أمر دينكم‬ ‫تعلمـوا‬

‫‪34‬‬
‫‪51‬‬
‫‪51‬‬
‫‪52‬‬

‫‪52‬‬
‫‪52‬‬
‫‪53‬‬
‫‪53‬‬
‫‪55‬‬

‫‪57‬‬
‫‪57‬‬

‫‪58‬‬
‫‪58‬‬
‫‪54‬‬

‫‪54‬‬
‫‪21‬‬
‫‪22‬‬
‫‪23‬‬
‫‪23‬‬
‫‪25‬‬
‫‪22‬‬

‫‪22‬‬
‫‪28‬‬
‫‪24‬‬

‫‪71‬‬

You might also like