You are on page 1of 6

‫النقد المعماري ونقد النقد موضوع للدكتور حازم النجيدي منقول من مجلة البناء د‪ .

‬حازم راشد انجيدي النجيدي أستاذ‬


‫مشاركـ كلية الهندسة المعمارية‪،‬جامعة العلوم التطبيقية الخاصة عمان ـ األردن يزداد النشر المعماري في الوطن العربي‬
‫في السنوات األخيرة ويتركز في غالبه على نقد ومناقشة المشاريع المعمارية‪ .‬االهتمام في نقد المشاريع المعمارية‬
‫استهدف االرتقاء بمستوى الممارسة وإغناءها وربطها باالطار الفكري األعم لالبداع‪ .‬باتجاه هذا الهدف برزت‬
‫دعوات‪،‬معمقة لالهتمام بالنقد والنشر المعماري بغية معرفة االطار المعرفي الذي تتحرك خالله الممارسة‪ .‬النقد المعماري‬
‫كان محور اهتمام الكثيرمن المجالت العربية (مجلة اتحاد الجامعات العربية‪ ،‬مجلة البناء وملتقى العمارة في العالم العربي‬
‫في مجلة المستقبل العربي)‪ .‬إن الدعوات األخيرة على الرغم من تركيزها على االهتمام بالنشر وعلى النقد المعماري لما‬
‫يطرح من مشاريع‪،‬يبدو إنها استهدفت امورا أكثر عمقا‪ .‬االستهداف برز لبناء اطار معرفي لمدرسة نقدية معمارية تهتم‬
‫بالممارسة ضمن منظورها المحلي المعاصر وتتشكل في بيئتها غير معزولة عن مجاالت االبداع األخرى‪ .‬هذا االهتمام‬
‫برز في االبتعاد عن المباشرية السطحية في التعامل مع التصميم المعماري كتركيب سطحي لمفردات شكلية والتوجه إلى‬
‫رؤية أعمق من التفكير بدال من النسخ الشكال الموروث أو االشكال المعاصرة الحالية على المستوى العالمي‪ .‬ضمن هذا‬
‫الهدف الغير مباشر والمعمق لهذه الدعوات والمنبثق من االهتمام الكبير بالنقد المعماري بقت المحاوالت لمناقشة فاعليةهذا‬
‫النقد امرا محدودا‪ .‬لم توفر الكثير من الوقفات لمالحظة طبيعة هذا النشر ومناقشته‪ .‬لقد استمر التركيز على التوقف حول‬
‫االعمال المعمارية والنشر حولها وغاب التوقف حول طبيعة هذا النشر‪ .‬لم يتسنى للقارىء العربي التعرض الى مسائلة‬
‫األساليب المعتمدة بالنقد بغية تحقيق الهدف األسمى منه وهو اإلغناء الفاعل للممارسة المعمارية‪ .‬باختصار مع التوسع‬
‫الكبير بالنقد المعماري كأساس للنشر في العالم العربي بقى مجال نقد النقد مساحة بعيدة عن االنظار‪ .‬بضوء ما تقدم‬
‫يستهدف هذا الموضوع تسليط الضوء على نقد النقد من خالل تسجيل بعض المالحظات التي يتسم بها النقد المعماري‬
‫العربي بشكل عام‪ .‬سيتم البدء بالتطرق للعالقة بين ثالث أطراف‪ :‬الممارسة المعمارية‪ ،‬النقد المعماري ونقد النقد‪ .‬بعدها‬
‫سيتم تسجيل بعض االنطباعات عن النقد المعماري في العالم العربي كمحاولة أولية لنقد النقد‪ ،‬أخيرا سيتم إستخالص أبرز‬
‫ما يمكن توقعه بضوء السمة الحالية للنقد المعماري‪ .‬العالقة بين الممارسة المعمارية والنقد ونقد النقد ارتباط الممارسة‬
‫المعمارية بالنقد ونقد النقد يمكن ان ينسحب من طبيعة العالقة بين االطراف والمستندة أصال على هدف الممارسة‬
‫المعمارية‪ .‬الممارسة المعمارية كإتجاه يستهدف بشكل عام حل مشاكل الواقع‪ .‬العمل التصميمي هو رؤية لحل مشاكل‬
‫الواقع‪ .‬بطبيعة هذه الرؤية أنها تطرح وفق افتراضات متعددة‪ .‬هذه االفتراضات ممكن بحكم تبايناتها وتنوعاتها قد تكون‬
‫غير مختبرة وفي احسن الحاالت تكون قد تم التحقق من صحتها في السابق لكن كل على انفراد وليس لكل االفتراضات‬
‫التي دخلت في العمل التصميمي لمشروع معين قد يحدث ألول مرة بضوء تفرد ظروف تصميمي عن اخر‪ .‬بضوء ذلك‬
‫يكو ن العمل التصميمي رؤى لحل مشاكل الواقع‪ ،‬لم يتم اختبارها أو التحقق من صحتها بالكامل ـ قد تجرى اختبارات‬
‫على الصعيد التخصصي االنشائي أو مواد البناء أو غيرها ـ لكن ليس علي صعيد مجمل التصميم‪ .‬االختبار الحقيقي لهذه‬
‫االفتراضات وهذه الرؤية التصميمية ستتحقق في عمر المشروع بعد سنين من تنفيذه‪ .‬باختصار فإن الممارسة المعمارية‬
‫يمكن النظر اليها كأداة يتم اعتمادها لحل مشاكل الواقع وفق رؤية خاصة‪.‬ضمن هذا الفهم للممارسة المعمارية يأتي دور‬
‫النقد المعماري‪ ،‬النقد يخص االهتمام في مسائلة فاعلية ادوات حل مشاكل الواقع‪ ،‬النقد بذلك هو أىضا أداة يمكن اعتمادها‬
‫لحل مشاكل األدوات التي تم اعتمادها في حل مشاكل الواقع‪ .‬إنه أداة تستهدف تحسين حلول مشاكل الواقع وترتبط به‬
‫بصورة غير مباشرة من خالل ارتباطها باألدوات التي تم اعتمادها مباشرة لحل مشاكله‪ .‬ما يفعله النقد المعماري هنا هو‪،‬‬
‫أنه يقوم بتقريبنا إلى نتائج االختبار بدل من االنتظار الي عشرات السنين لمعرفة صحة الرؤية التصميمية أو كشفها‬
‫للشريحة األوسع من المهتمين وتوضيح ما خفي منها وما تطلب الدراسة والتمحيص‪ ،‬بهذا األسلوب النقد يساعد في عدم‬
‫تكرار الخطأ من خالل كونه يمثل تمحيصا ـ لكن بصورة غير مباشرة ـ لفاعلية األدوات التي تم اعتمادها في حل مشاكل‬
‫الواقع‪ .‬ما تفشل به الممارسة يكشفه النقد‪.‬نقد النقد من ناحيته يخص مرحلة الحقة من مراحل السعي لزيادة فاعلية‬
‫اإلجراءات واألدوات المعتمدة لحل مشاكل الواقع‪ .‬إنه يرتبط بمستوى آخر من مستويات السعي باتجاه الفاعلية األكبر‬
‫لألدوات‪ .‬انه يستهدف حل مشاكل األدوات التي اعتمدت لرصد فاعلية االجراءات المعتمدة لحل مشاكل الواقع‪ .‬باختصار‬
‫فإن االطراف الثالث ( الممارسة ‪ ،‬النقد ‪ ،‬ونقد النقد) هي أدوات متسلسلة في هيكليتها تشترك في هدف أعم وهو تحقيق‬
‫حلول فاعلية لمشاكل الواقع‪ ،‬أول األدوات (الممارسة) أقربها إلى الواقع وثالثها (نقد النقد) هو األبعد عن الواقع واألقرب‬
‫الى مجال المعرفة‪ .‬نقد النقد يفحص النقد والنقد يفحص الممارسة‪ .‬نقد النقد يكشف فاعلية النقد والنقد يكشف فاعلية‬
‫الممارسة في تحقيق هدفهما في حل مشاكل الواقع‪ .‬الممارسة المعمارية تتصدى لحل مشاكل الواقع‪ .‬النقد يتصدى لفاعلية‬
‫الممارسة في حل مشاكل الواقع‪ .‬نقد النقد يتصدى لفاعلية النقد في كشف فاعلية الممارسة لحل مشاكل الواقع‪ .‬نقد النقد‬
‫المعماري العربي يمكن أن يتركز نقد النقد المعماري العربي على ثالث ظواهر‪ :‬عدم كشف المنهج وانعكاسه بعمومية‬
‫النقد‪ ،‬التركيز علي الوصف وأخيرا الذاتية المفرطة‪ .‬غموض المنهج وعمومية النقد‪ :‬اهم ما يالحظ في النقد العربي بشكل‬
‫عام أنه قراءة لألعمال المعمارية دونما توضيح إلى أن هذه القراءة هي احتمال واحد فقط‪ ،‬وحسب جملة من القراءات‬
‫الممكنة‪ ،‬هذا االنطباع يأتي بشكل أساسي من مالحظة أن ما ينشر عن المشروع المعماري ال يتضمن توضيحا في البداية‬
‫لألسلوب الذي سيعتمد‪ ،‬ناهيك عن أي مناقشة لفاعلية هذا األسلوب في إضاءة أبعاد العمل المعماري بالمقارنة مع‬
‫األساليب األخرى‪ .‬الناقد يبدأ من المشروع وينتهي به دونما توضيح للمنهج أو لفاعليته ‪ .‬النقد بضوء ذلك يبدو أنه يعتمد‬
‫فهما خاصا لمفهوم النقد‪ ،‬فهما له جانبين‪ .‬الجانب األول هو الفهم بأن هناك صيغة واحدة للنقد ‪ ،‬أما الجانب الثاني فمفاده‬
‫أن هذه الصيغة الواحدة أو الفهم األوحد هو فعال ما يعتمده الناقد‪ .‬بشكل متوقع أن مثل هذا التوجه بالنشر سيبقى ـ ودونما‬
‫شعور بذلك ـ أسيرا لمحدودية النتائج النابعة بحد ذاتها من محدودية المنهج نفسه‪ ،‬ال يغفل أن األسلوب الممكن اعتماده ينبع‬
‫بشكل اساسي من هدف النقد أصال‪،‬ومن المعطيات المتوفرة في لحظة زمنية معينة‪،‬اضافة الى موقع تلك اللحظة بتسلسل‬
‫تاريخ النقد‪،‬والذي يبرز أسلوبا معينا دون آخر‪ .‬التيارات النقدية تتزامن وتتالحق وال يمكن بشكل عام أن تحدد سمات‬
‫مرحلة معينة ـ بتوجه معين دون اخر ـ لكن ماهو بحاجة الى التحديد هو ماهية الطيف الفكري الذي يتم اعتماده بمناقشة‬
‫مشروع معين‪ .‬ما قد يبدو من أنه خشية من االتهام بالذاتية في حالة اعتماد منهج محدد وكشفه يبدو غير مبررا في مجال‬
‫السعي باتجاه الموضوعية‪ .‬الموضوعية الحقة هي كشف واعالن الذاتية‪ .‬الذاتية المعلن عنها ستمكن من فهم مصداقية‬
‫االستنساخ كوصف لنتائج تطبيق وسيلة معرفية محددة عن الحقيقة وليس الحقيقة نفسها‪ .‬اغفال االشارة الى معالم المنهج‬
‫المعتمد أن يتوقع منه عدم معرفة المتلقي بالموثوقية لما ينتج عن النقد‪ ،‬عدم الموثوقية ستدفع باتجاه عدم الفهم ‪،‬وعدم‬
‫األغناء ‪ ،‬وعدم المقارنة مع فهم آخر‪ .‬هذه المشكلة تنبع من وضع عام‪ .‬هذا الوضع قد يكون أوسع من مجال النقد نفسه‪،‬‬
‫يمكن القول بأن التفكير المنشور في الغالب يركز على الفحوى ويهمل المنهج‪ .‬مثل هذا األمر قد يعزي الى الطرق السائدة‬
‫بالتعليم المعماري والتي تخص فحوى المعلومات والحلول على حساب طرق التفكير واالستنساخ وحل المشاكل‪ .‬بغياب‬
‫إعالن المنهج ال يمكن التعرف ‪ :‬هل أن االجراءات التي اعتمدت كانت متسقة مع بعضها أو شاملة لما يوصف بأسلوب‬
‫فكري محدد‪ ،‬وبالتالي يمكن أن تتحقق مصداقية للنتائج عند ضمان صحة المعلومات المتوفرة عن المشروع‪ .‬النتائج‬
‫المناسبة من عملية النقد يمكن تحققها من خالل وضوح المنهج المعتمد وااللتصاق به ‪،‬ومن خالل دقة المعطيات المعتمدة‬
‫‪،‬واخيرا من خالل التطبيق الدقيق للمنهج على هذه المعطيات‪ .‬الوصف‪ :‬انسجاما مع إغفال اإلشارة الى المنهج المعتمد فإن‬
‫النقد يبدو أنه يأخذ سمعة عامة ‪،‬بدل التوغل بالتوجه التفصيلي المحدد‪ .‬هذه السمة العامة تنسحب من العموميات‪،‬كما‬
‫عرفت بأدبيات النقد ذات الطبيعة العامة‪،‬وليس حسب ما ظهر تفصيليا في توجهات نقدية محددة أو معاصرة‪ ،‬بضوء ذلك‬
‫يالحظ التركيز على الوصف وإعطاء الحكم‪ .‬ما يطرحه النقد بعموميته هو إما الوصف أو أحكام القيمة الذوقية‪ .‬العمل بعد‬
‫أن يتم وصفه من خالل المخططات والصور‪ ،‬يأتي النقد ليعيد هذا الوصف كتابيا‪ .‬النقد ال يضيف جديدا لما تكشفه‬
‫المخططات‪ .‬ما يمكن استخالصه بشكل مباشر من الصور والمخططات يقوم الناقد بوصفه كتابيا بصورة ال تضيف‬
‫للرسوم‪ .‬في أغلب الحاالت ال يقرأ ‪،‬ألن الوصف الكالمي لجوانب الشكل قد يكون بأحيان كثيرة أكثر غموضية من‬
‫المخططات‪ .‬النقد يعيد تحديد ما تم تحديده بلغة إشارية ثانية‪ ،‬التركيز ينصب على الشكل الناتج وليس عن أسبابه وقوانينه‬
‫وهيكلته وعالقاته مع ماخارجه من أشكال ومعطيات‪ .‬مع استقرار وترسخ مثل هذا النوع من النقد يمكن تفسير كيف أن‬
‫المعماريين أو الطلبة يبتعدون عن قراءة ما يقع تحت الرسومات والصور من كتابة‪ .‬ما يطرح من كالم ال يضيف لهم‬
‫معرفة جديدة‪ .‬الوصف يبدأ من المدخل وكأن هناك كاميرا متحركة تأخذ القارىء عبر جنبات المشروع ‪ ،‬إجراء يستطيع‬
‫أن يقوم القارئ به بمفرده‪ .‬النقد في حقيقته الجوهرية يهدف الى اضاءة العمل وبالتالي فإنه يقع بين العمل والمتلقي‪ .‬بهذه‬
‫الحالة فإن النقد ال يضئ أكثر مما يمكن اضاءته من قبل المتلقي بمفرده بعبارة أخرى النقد ال يقع بين العمل والمتلقي‪ ،‬بل‬
‫في مكان المتلقي‪ .‬الذاتية المفرطة‪ :‬استمرارا مع سمة التركيز على الوصف فإن الطبيعة السائدة لهذا الوصف هي الذاتية‬
‫المفرطة‪ ،‬بعد الوصف العام بتركيز النقد في الغالب على تسجيل سيل من األحكام المفرطة في ذاتيتها حول جودة العمل‪.‬‬
‫جودة العمل بحد ذاتها تعتمد انتقائيا وبمعزل عن أساس نظري محدد‪ .‬النقد يتركز على محاولة رصد المقاربة بين العمل‬
‫المعماري من جهة وذات الناقد بدل من إطار نظري واضح من جهة اخرى‪ ،‬أحكام الجودة التي يتم اصدارها غالبا ما‬
‫تمثل بقيم ذوقية ذاتية الى حد مفرط ‪ ،‬أما أساس المقاربة فال يكشف ايضا ويكون في الغالب قيم الناقد نفسه‪ ،‬اذا تم رصد‬
‫االحكام القيمية التي يتضمنها النقد فان العمل النقدي يتحول الى رصد للمسافة بين العمل والنقاد‪ ،‬هذا معناه ان النقد لم‬
‫يضيء العمل كما تم ادعاء ذلك بل اضاء المسافة بين العمل والناقد‪.‬القارئ بشكل عام يتمحور اهتمامه على العمل‪،‬‬
‫ومقاربته إلى اساس نظري خارجي وهو األساس الذي يمكنه من فهم العمل ومقارنته بأعمال أخرى وليس على المسافة‬
‫بين العمل وناقد ال يعرف عن أساسه النظري شيئا‪ .‬القارىء ليس معنيا بشكل كبير بمقدار مسافة العمل عن الناقد الذي‬
‫يقوم بالنقد‪ .‬جملة من المفردات الذوقية الغير معرفة‪ ،‬هو كل ما يستطيع أن يحصل عليه القارئ من النقد المطروح ‪ .‬العمل‬
‫بعد عملية النقد يبقى ضمن دائرة اإلبهام التي كانت حوله‪ ،‬بدل من انتقاله إلى مساحة مضاءة ‪.‬ألن يتحقق الفهم األوسع‬
‫الذي يغني الممارسة الحقا ‪،‬البد للنقد أن يشير الى مقاربة العمل ألساس فكري محدد‪،‬يمكن أن يشكل معالم مرحلة معينة‪،‬‬
‫وبالتالي يمكن للنقد أن يضيء عالقة العمل مع تاريخ االبداع بشكل عام‪ .‬مترتبات الوضع الحالي من أبرز نتائج الكتابات‬
‫النقدية العربية حول المشاريع المعمارية والتي تنسحب مما تقدم‪ ،‬هي أنها ال تقرأ حقيقة‪ ،‬ألنها ال تضيف جديدا ‪،‬ولكن‬
‫األهم أنها ال تحفز أو تثير النقد عند األخرين للتصدي لها ومناقشتها الحقا‪ .‬لم تطرح أي دراسة تقريبا في النشر المعماري‬
‫العربي استهدفت ومناقشة عمل نقدي معماري سابق‪ .‬النقد العربي في العمارة يمكن تمثيله بحالة الواحدة‪ ،‬يبرز مرة واحدة‬
‫وال يذكره أحد أو يبدأ منه للوصول إلى إضاءة أشمل‪ .‬على خالف ما يحدث في مجاالت االبداع األخرى (األدب والفن)‬
‫فإن نقد األعمال االبداعية ‪ ،‬غالبا ما يتم التصدي له وتتم مناقشته ويتم توضيح قدرته في كشف مضامين العمل االبداعي‪،‬‬
‫النقد لنقد عمل يتبع بنقد آخر واآلخر بآخر وهكذا‪ .‬ظهور العمل االبداعي يحفز ظهور نقدا له والنقد يحفز ظهور نقدا له‪،‬‬
‫وهكذا في عملية مستمرة حية‪ ،‬األمر وصل الى أن يتم اعتبار العمل النقدي بمستوى ال يقل إبداعية عن ابداعية العمل‬
‫الفني نفسه‪ ،‬العمل النقدي يلقي مراجعة وتحليل قد تفوق أحيانا ما القاه العمل االبداعي الذي تصدى له أصال‪ ،‬على خالف‬
‫هذا الحال فمجال النقد المعماري العربي لألسف أنه يولد ميتا‪:‬ال يغني فعال وال يتم التصدي له في نقد الحق‪ .‬يمكن ان‬
‫نعزي أسباب هذه الظاهرة الى أن النقد المطروح بحكم تركيزه على الوصف والمديح الذاتي يتسم بالحيادية المعرفية‪ ،‬وال‬
‫يرتبط بأساس معلن وال يستخلص محاججة قابلة للمسائلة الحقا‪ ،‬إنه يرتبط بالوصف الذاتي لحالة واحدة يتم ربطها مع أو‬
‫مقاربتها مع ذاتية مؤلف أو ناقد ال يعرف عنه شيئا؟ بعبارة أخرى ال يرتبط مع المعرفة أو أساس نظري بحيث يمكن‬
‫التوسع بالتفسير أو اإلضاءة أو حتى يمكن اإلضاءة بضوء النظرة إلى األسلوب النقدي نفسه وليس الى العمل وحسب‪ .‬إن‬
‫النقد المعماري الحالي يعاني من أزمة تتجسد بأنه ال يقرأ وإن قرأ فإنه ال يحفز على الكتابة عنه‪ ،‬على عكس ما يحدث في‬
‫نقد مجاالت االبداع األخرى‪ ،‬والتي تطور فيها الى أن أصبح العصر الحالي يوسم ليس بعصر النقد وحسب ‪،‬بل بعصر نقد‬
‫النقد‪ .‬اإلهتمام بنقد النقد يعكس المترتبات األكبر لتأثير النقد في الصياغة األعم للواقع الفكري ‪،‬مقارنة مع ما يمكن أن يؤثر‬
‫فيه العمل االبداعي بمفرده‪ .‬ما يحمله العمل النقدي من سوء رؤية يكون تأِثيرها أكبر على المجتمع ألنه ممكن أن يعتمد‬
‫كأسلوب في دراسة أعمال أخرى ‪،‬وبالتالى بتضاعف سوء الفهم وتكبت بذور االبداع باألعمال األخرى ‪ ،‬والتي لم يتم‬
‫كشف مثيالتها في العمل الذي تم نقده ‪،‬ويستمر تغميض ما كان يطمح اليصاله المبدع‪ .‬إنه ألمر جوهري أن يتم إدراك أن‬
‫الممارسة المعمارية سوف لن تستقيم بغياب النقد الذي يغنيها ويكشفها ويؤطرها ‪،‬لكن بنفس الوقت فإن هذا النقد سوف لن‬
‫يستقيم اذا لم يتحقق نقد النقد‪.‬مايراد تحقيقه ومايتحقق فعال في العمارة العربية المعاصرةد‪ .‬حازم راشد النجيدي ‪ ،‬أستاذ‬
‫مشارك ‪ ،‬كلية الهندسة‪ ،‬جامعة العلوم التطبيقية الخاصة ـ األردن يمكن االعتقاد بأنه يتوجب االستفادة واستخالص‬
‫الدروس من المسابقة المعمارية المهمة لمبنى وزارة الصحة بالرياض وكما اهتمت به مجلة البناء في عددها ‪( 165‬مايو‬
‫‪ . )2004‬المسابقة جرت في بلد يزداد به التنافس لطرح الجديد والمعاصر وأجريت لمبنى مهم وتمت المشاركة بها من‬
‫قبل مكاتب هندسية يشهد لتاريخها‪ .‬بضوء هذه المعطيات فأتت ما تفرزه المسابقة لن يكون معزوال عن مجمل الممارسة‬
‫المعمارية العربية المعاصرة كحالة متفردة بل يمكن أن يكون ممثال عاما لمجمل التوجهات التصميمية السائدة في العالم‬
‫العربي‪ .‬هذه المحاورة ال تستهدف تغطية كاملة أو نقدا للمشاريع من الصفحات التي كتبت عنها في المجلة بل تستهدف‬
‫استثمار الفقرات القليلة التي طرحت لتأشير وجود اشكالية رئيسة يعتقد أن الممارسة المعمارية العربية تتسم بها بشكل عام‬
‫‪ .‬المناقشة بضوء ذلك تستهدف تحديد سباق هذه االشكالية والعالقات الداخلية بين مكوناتها ومحاولة تعليلها بغية تعزيز‬
‫اطار للفهم يرتبط النقد به بعملية التصميم‪ .‬بشكل عام أبرز تقديم مجلة البناء وجود افتراق كبير كان نتيجة طبيعية لنمط‬
‫التفكير المعماري الذي تم اعتماده ‪ .‬هذا النمط ركز أقل على األطر الفكرية التي تحكم العملية التصميمية بالمقارنة مع‬
‫الشكل وفي ضمن األطر الفكرية التي تم اعتمادها ركز على أنماطا معينة من األفكار ‪ .‬الورقة تحاول أن تبين أن االخفاق‬
‫في تقديم الجديد على مستوى الشكل يرتبط باالخفاق في طرح الجديد على مستوى الفكر التي يحاول هذا الشكل التعبير‬
‫عنه ‪ .‬بضوء ذلك إن سعينا لطرح الجديد معماريا البد وأن يستند على ازاحة العملية التصميمية وبشكل أوسع باتجاه مجال‬
‫الفكر وإلى مجال الفكر الذي يحث على المسائلة بشكل خاص‪.‬ستتسلسل الفقرات القادمة من تأشير ما شخصته مجلة البناء‬
‫من افتراق ثم تنتقل لتحدد خصائص األفكار التي اعتمدت وتبين كيف أن هذه الخصائص قد أدت إلى طرح الجديد ذو‬
‫المغزى‪ .‬تشخيص االفتراق على الرغم من محاولة مجلة البناء تقديم اإلطراء للمشاريع في المقدمة العامة لها إال أنها‬
‫شخصت مجاالت االخفاق بشكل كبير عند المناقشة التفصيلية‪ .‬على المستوى العام اإلطراء تجلى بالقول بأن المقترحات قد‬
‫استجابت لمحددات الموقع ‪ ..‬وأن كل مصمم أن يعبر عن رؤيته الخاصة ‪ ،‬حيث قدم بعضهم مباني رصينة وذات هيبة‬
‫تعبر عن قيمة الوزارة في نفوس الناس‪ ،‬والبعض اآلخر حاول أن يعبر عن فكرة الترحيب واالحتضان كرسالة تقوم بها‬
‫الوزارة في المجتمع‪ ..‬لذلك فقد خرجت المسابقة تنادي بتطوير مبنى متفاعل مع الموقع ومع حاجة المؤسسة وهو ما نعتقد‬
‫أنه يمكن قراءته خالل المشاريع المقدمة جميعا‪ .‬على العكس من هذا االطراء على المستوى العام فإن المناقشة التفصيلية‬
‫للمشاريع بينت قصورا كبيرا بين ما أريد تحققه من طرح للجديد وبين ماتحقق فعال ‪ .‬ما أريد تحققه حدددته المجلة‬
‫بضرورة «أن تستثير السائد من األفكار وتدفعه إلى مسارات جديدة‪ ..‬فالبحث عن الجديد الغير مشاهد من قبل‪ ،‬يمثل هدف‬
‫في حد ذاته‪ ..‬فأحد األهداف التي يمكن أن نراها في مسابقة مبنى وزارة الصحة‪ ،‬هي الصورة الجديدة التي نتمناها للمباني‬
‫الحكومية القادمة » ‪ .‬مبنى يعبر فعال عن الوزارة وتطلعاتها المستقبلية وذلك من خالل دفع المشاركين إلى الغوص عميقا‬
‫في رسالة الوزارة‪ .‬ما تحقق فعال أبرزه تقديم المجلة بأعمال المشاريع بشكل كبير الضافة الجديد المتوقع من مسابقة بهذا‬
‫المستوى ‪ .‬لقد برز ذلك من التعليق مثال حول المشروع الثاني بأن «الشكل التقليدي يعود بقوة‪ ..‬النعلم إذا كان ضروريا‬
‫أن يعيد لألذهان أشكال مجربة سبق وأن رآها الناس كثيرا في عمارتنا المعاصرة ‪ ..‬التصميم يصبح مجرد إعادة إنتاج‬
‫للشكل دون أي هدف واضح يعيد لألذهان المباني التي أٍقيمت بالرياض خالل العقدين األخيرين التي أصابتنا والذي اليقدم‬
‫أي جديد يذكر بالملل والتكرار» نفس المالحظات بالنسبة للمشرع الرابع حيث القول بأن المقترح «اليقدم أي شيء جديد‬
‫فكل ماهناك مجرد حل وظيفي لمبنى إداري‪ ..‬إن كان اليقدم صورة جديدة لوزارة مثل وزارة الصحة إذ يمكن أن يكون‬
‫ألي وزارة أخرى»‪ .‬بالنسبة للمشروع السادس تركز القول على أن الشكل العام يبدو متكرر في كثير من المباني‬
‫المجاورة وال يقدم أي جديد يمكن أن نقول من خالله أن هذا المقترح يقدمه للمكان الذي يقع فيه»‪ .‬باختصار فإنه في‬
‫الوقت الذي أريد به للمشاريع من ناحية أن تستثير السائد من األفكار وتدفعه إلى مسارات جديدة ‪ .‬جاءت المشاريع تعيد‬
‫لألذهان أشكال مجربة سبق وأن رأها الناس كثيرا في عمارتنا المعاصرة‪( ..‬المشروع الثاني) واليقدم أي شئ جديد‬
‫«المشروع الرابع» وإن كان الشكل العام يبدو متكرر واليقدم أي جديد للمكان الذي يقع فيه ( المشروع السادس)‪ .‬بعبارة‬
‫أخرى المناقشة بينت أن المشاريع بشكل عام لم تطرح الجديد بما يكفي ‪ .‬هذا النقد كان واضحا في مجال الشكل وكذلك‬
‫بالنسبة للرؤى الفكرية المتوقع أن يعكسها أو يحفرها هذا الشكل ‪ .‬المقترحات بشكل عام كانت إما مستهلكة من ناحية‬
‫الشكل وبالتالي إن ما نريد أن تطرحه فكريا لم يكن بجديد أو كانت ذات مالمح جديدة على مستوى الشكل إال أن هذه‬
‫المالمح كانت بعيدة عن ايصال رسالة واضحة ناهيك عن كونها رسالة تحمل مضمون جديد‪ .‬التوجهات المعتمدة لغرض‬
‫تسليط الضوء على اإلشكالية التي شخصتها مجلة البناء سيتم التركيز على محاورة العالقة بين الشكل والمعنى بغية‬
‫الدخول إلى تفسير ماحدث من إخفاق‪ .‬في هذا الصدد يمكن القول بأن المشاريع قد تأرجحت حول توجهين لعالقة الشكل‬
‫بالمعنى‪ .‬المشاريع كانت تستند إما على عالقة واضحة بين الشكل والمعنى أو على عالقة متراخية إلى حد كبير‪ .‬التوجه‬
‫األول كان يتجه باتجاه التعبير عن مفاهيم فكرية معينة وذلك باستثمار المفردات الشكلية المتفق عليها اجتماعيا في كونها‬
‫معبر دقيق عن هذه المفاهيم بضوء ذلك فهو يلتزم بأن تكون العالقة بين الفكر والشكل المعتمد للتعبير عنه عالقة مترسخة‬
‫اجتماعيا ومتفق عليها قدر الممكن‪ .‬التوجه الثاني كان يتجه أيضا باتجاه التعبير عن مفاهيم فكرية معينة لكنه ينحنى منحى‬
‫أكثر حرية في التقاط المفردات الشكلية التي يراد أن تعبر عن هذه المفاهيم ‪ .‬إنه ال يتقيد بما ترسخ اجتماعيا حول‬
‫المفردات الشكلية الواجب اعتمادها في التعبير عن المفاهيم الفردية‪ .‬هنا يتوجه المصمم باتجاه قصد التعبير عن مفاهيم‬
‫معينة لكنه يستعمل مجاال أوسع من األشكال ال ترتبط بهذه المفاهيم إال على المستوى العام جدا وذلك الذي ينبثق من‬
‫تقديراته الشخصية لتأويل الشكل‪ .‬ما حدث في المشاريع المقدمة ضمن هذا اإلطار يمكن وصفه بالتأرجح بين اعتماد‬
‫التوجه األول الذي إليه التوصيل بدقة لكن مع سوء في التطبيق ( التعبير عن مفاهيم مستهلكة) أو أنه يعتمد التوجه الثاني‬
‫يحقق أصال بالية التوصيل ألنه يخلق الرسالة واللغة معا‪ .‬في الحالة األولى تم استثمار أشكال ذات دالالت واضحة إال أنها‬
‫لم تطرح الجديد شكليا ألن الدالالت المقصودة كانت بحد ذاتها مستهلكة‪ .‬في الحالة الثانية العالقة المتراخية بين الشكل‬
‫والمعنى دفعت باتجاه استثمار أشكال معينة واألمل بأن تعكس هذه األشكال الرسالة التي فكر بها المصمم‪ ،‬األشكال التي‬
‫أعتمدت كان يمكن لها أن تعبر عن ما أراده المصمم لكنها بنفس الوقت ممكن أن تعبر عن مفاهيم أخرى‪ .‬هنا وأحدية‬
‫الداللةأو تعدد الداللة تمتد إلى حالة النهائية للداللة‪ .‬مفهوم االختالف بين الدوال أو بين المدلوالت الذي تستند عليه عملية‬
‫التوصيل يتم تهميشه بشكل كبير‪ .‬بضوء ذلك فإن المفردة الشكلية التي يمكن أن يستدل منها عن أي مفهوم فكري معين قد‬
‫تستطيع أن تعبر عنه كما تستطيع أن تعبر عن أي مفهوم آخر وبالتالي فإنها التقول شيئا‪ .‬باختصار فإ ما طرح من إشكال‬
‫كان إما أن يستطيع أن يرسل رسائل معينة لكنها رسائل بعيدة عن الجديد المتوقع من مسابقة بهذا المستوى عندما يعتمد‬
‫عالقة قوية بين الشكل والمعنى أو أن ال يوصل رسائل محددة بوضوح عندما يعتمد عالقة متراخية بين األثنين ‪ .‬عدم‬
‫طرح الجديد على مستوى الشكل كان نتجية متوقعة بالمسابقة‪ .‬أشكال المسابقة إما أخفقت على مستوى بلورة الفكر الجديد‬
‫المراد التعبير عنه أو أنها اخفقت في آلية توصيل ما يراد إيصاله من فكرة ‪ .‬النتيجة غياب الجديد المفهوم على مستوى‬
‫الشكل‪.‬مايهم اآلن هو محاولة تشخيص بعض إشكاليات العملية التصميمية والتي كان ممكنا لها أن تساهم في هذا االخفاق‪.‬‬
‫الشكل الجديد البد من القول أنه ليس أمرا مهما بحد ذاته إذا لم يستطيع أن يوصل رسالة جديدة‪ .‬ضمن هذا السياق يمكن‬
‫القول بأن عدم طرح الجديد شكليا يمكن أن يكون ‪ ،‬في حالة تحقق التوصيل‪ ،‬قد نبع من عدم طرح الجديد مفاهيميا‪.‬‬
‫المشاريع جميعا أستقرت على أهمية طرح مفاهيم وأفكار لكن عدم تحقيق الجديد في هذه المفاهيم واألفكار يبدو أنه قد‬
‫أنبثق من اعتماد نظرة معينة حول سمات األفكار بشكل عام‪ .‬هذه النظرة التي بلورت بضوئها أفكار المشاريع يبدو أنها‬
‫هي ما حد من امكانية أن يتم طرح الجديد‪ .‬هذه النظرة حول سمات األفكار يمكن تلخيصها بأربع سمات رئيسة هي‬
‫الجزئية‪ ،‬العمومية‪ ،‬التجاورية وأخيرا التمثيلية‪ .‬بضوء هذا التفسير ستبين الفقرات القادمة الكيفية التي تحد بها مثل هذه‬
‫السمات من امكانية طرح الجديد‪ .‬جزئية األفكار األفكار المعتمدة في الغالب كانت جزئية في تعبيرها عن مفردات الظرف‬
‫التصميمي‪ ،‬هذه الجزئية حدثت على مستوى الكل وعلى مستوى الجزء‪ .‬على مستوى الكل لم تطرح األفكار التي يمكن أن‬
‫تلتقط بنفس الوقت خصوصية الوظيفة وسباق مدينة الرياض والزمن الحاضر في آن واحد‪ .‬على مستوى الجزء لم تبلور‬
‫األفكار التي يمكن أن تشير إلى مختلف جوانب الوظيفة ( الوظيفة اإلدارية ‪ ،‬العائدية للمستوى الوزاري والعائدية للصحة)‬
‫أو مختلف جوانب الموقع ( المجاورات المباشرة‪ ،‬الطريق الرئيس‪ ،‬سياق مدينة الرياض أو الموروث السعودي بشكل‬
‫عام)‪ .‬هذه الجزئية برزت مثال في المشروع الثاني عندما لم يتم التركيز على رسمانية المبنى الوزاري‪ ،‬في المشرع الرابع‬
‫عندما تركز التعبير حول المستوى الوزاري مع عدم التركيز على العائدية للصحة « يمكن أن يكون ألي وزارة أخرى»‬
‫في المشروع السادس عندما لم يتم التركيز بكفاية على خصوصية سياق مدينة الرياض بحيث تم القول بأن المشروع يمكن‬
‫تنفيذه في أي مكان آخر دون أي تغيير يذكر‪.‬لقد بين تقديم المجلة اهتمام المصممين بالتعبير عن مفردات الظرف‬
‫التصميمي إال أنه بين أيضا أنه لم تتم بلورة أفكار معينة بحيث تستوعب الظرف التصميمي بشمولية كافية‪ .‬هذه الجزئية‬
‫باإلطار الفكري المعتمد في المشاريع ستدفع بإتجاه االبقاء على االنتقائية في رصد الظرف التصميمي‪ .‬االنتقائية بشكل عام‬
‫تدفع بإتجاه المباشرية والظاهرية ألنها التفسح مجاال للتحدي لبلورة مفهوم جديد يستطيع أن يعبر عن جانبين مختلفين أو‬
‫أكثر من جوانب الظرف التصميمي‪ .‬الجزئية تدفع بإتجاه عدم التعمق بالظرف التصميمي بشمويته ومحاولة ايجاد القواسم‬
‫المشتركة بين مفرداته والتي يمكن التعبير عنها من خالل مفهوم واحد محدد‪ .‬هذا المفهوم الواحد يكون أصال جديدا بحكم‬
‫خصوصية التركيبة التي اجتمعت بها هذه المفردات‪ .‬إذا أخذت كل من هذه المفردات على حدة فيسهل التعبير ألنها‬
‫بمفردها تكون متوفرة بسياقات سابقة عادة وإن التعبير عنها سيجلب صيغ التعبير السابقة وبالتالي يكون بعيدا عن الجديد‬
‫المتوقع‪ .‬جزئيات المفردات تكون موجودة في الغالب في أكثر من سياق تصميمي لكن حصيلتها مع بعض تكون منفردة‬
‫بكل طرف عن آخر‪ .‬أن يكون الهدف هو التعبير عن كون المبنى إداريا أمر اليوصل إلى الجديد ألن هناك الكثير من‬
‫المباني اإلدارية وبالتالي يمكن استثمار ما أعتمد في التعبير عن إدارية المبنى في السابق ليتم االنتهاء بالتكرار‪ .‬بنفس‬
‫الوقت اذا اهتم بالتعبير عن عائدية المبنى للمستوى الوزاري يمكن أن تستثمر األشكال في المباني الوزارية سابقا وبالتالي‬
‫اليظهر الجدي‪ .‬أخيرا إذا تم االهتمام بالرياض فهناك الكثير من المباني التي تعبر عن خصوصية الرياض وإذا أعتمدت‬
‫نتج الشكل المتداول‪ .‬ما يمكن أن يضمن الطرح الجديد هو محاولة التعبير عن كل هذه المفردات مع بعض وبنفس الوقت‪.‬‬
‫التركيبة الخاصة من هذه المفردات هي الشيئ الجديد الغير مسبوق وبالتالي التعبير عن الموقف نحوها سيوفر امكانية‬
‫الستخالص مفهوم جديد تفشل جميع األشكال السابقة في التعبير عنه‪.‬هذا الشمولية هي ما تضمن طرح الجديد على‬
‫مستوى الفكر ‪ ،‬وبالتالي تضمن طرح الجديد على مستوى الشكل‪ .‬عمومية األفكار عمومية األفكار تبرز من تقديم المجلة‬
‫في أغلب المشاريع‪ .‬األفكار المعتمدة كانت عامة في أغلب األحيان وبحكم هذه العمومية كانت متداولة ومستهلكة مما أنتج‬
‫أشكاال بنفس الطبيعة ‪ .‬المشروع األول مثال تركز على مفهوم الرسمانية العام المالئم للمباني الوزارية ومفهوم الحديث‬
‫والقديم العام أيضا بطبيعته‪ .‬المشروع الرابع تركز على فكرة الحماية بعموميتها‪ .‬المشروع الخامس من ناحيته تركز على‬
‫فكرة االحتضان والواضحة عموميتها‪.‬المشكلة في عمومية األفكار تبرز على مستويين ‪ :‬مستوى الفكر ومستوى الشكل‪.‬‬
‫على مستوى الفكر فإن األفكار العامة متداولة ومستهلكة باإلضافة إلى كونها تعبر عن نظرة مباشرة للظرف التصميمي‪.‬‬
‫ضمن هذا االطار فإن هدف التعبير عن هذه األفكار بحد ذاته اليكون هدفا كبيرا يحفز االبداع‪ .‬عدم التحفيز لالبداع ينتج‬
‫من أن الشكل المعماري هو وسيلة وليس هدفا بحد ذاته‪ :‬أنه وسيلة مدركة للتعبير عن مفهوم يصعب ادراكه بالوسائل‬
‫األخرى‪ .‬الشكل هنا يراد له أن يوصل أفكارا اليمكن ادراكها بدونه لكن إذا كانت هذه األفكار متداولة وبالتالي مدركة‬
‫مسبقا فاليوجد مبرر كبير لبلورة الشكل‪ .‬على مستوى الشكل فإن األفكار العامة بشكل عام يمكن ايصالها من خالل وجود‬
‫المراجع الشكلية المرتبطة بها فقط دونما حاجة لمعالجة متخصصة لهذه المراجع‪ .‬كلما زادت الفكرة في عموميتها وتوفر‬
‫مرجع شكلي مرتبط بها كلما كان استحضار المرجع بكليته وحرفيته كافيا للتعبير عنها دونما حاجة لفعل ابداعي في‬
‫التعامل مع هذا المرجع‪ .‬على العكس من ذلك في حالة األفكار المتخصصة والنابعة من جوهر الظرف التصميمي ومن‬
‫محاولة استثمارها للتعبير عن أكثر من مفردة من مفردات الظرف التصميمي‪ ،‬فإن وجود المراجع المرتبطة بها وبشكل‬
‫كامل وحرفي لن يكون كافيا للتعبير‪ .‬األفكار المتخصصة ستتطلب التركيز على جوانت منتخبة من المرجع دون أخرى‬
‫الظهار الجانب التخصصي في الشكل والمرتبط بالجانب الخاص بالمفهوم‪ .‬هذا التركيز على جانب محدد من المرجع‬
‫وعلى معالجة خاصة سيتيح الوصول إلى أشكال جديدة منبثقة من المراجع السابقة وليست منتهية بها‪ .‬اضافة إلى هذه‬
‫الحالة في أحيان كثيرة اليمكن استثمار أي مرجع سابق للتعبير عن فكرة متخصصة حتى بإجراء معالجة ما عليه‪ .‬مثل‬
‫هذه األفكار الترتبط بمرجع محدد وحسب ولكنها تظهر من خالل فضاء التوتر الذي يمكن خلقه بالتقابل بين المراجع‪ .‬هنا‬
‫اليكفي المرجع الواحد للتعبير وتبرز الحاجة ألكثر من مرجع‪ .‬هنا وبضوء حالة التقابل بين هذه المراجع المستخدمة سيتم‬
‫التركيز على جوانب المراجع التي تستثير حالة التقابل‪ .‬بذلك فإن مايظهر في الشكل ليس التكرار المستهلك بل التشكيل‬
‫الجديد الذي لم يبرز سابقا أبدا‪ .‬وجود المرجع يعكس المفهوم العام الشائع المتداول المتكرر ‪ .‬على العكس من ذلك الطريقة‬
‫التي يتم التعامل بها وعالقته مع المراجع األخرى تعكس الجانب المحدد الخاص من المفهوم والذي سيمثل الرسالة‬
‫الخاصة‪ ،‬األشكال هنا تتراكب بنفس الطريقة التي تتراكب بها األفكار‪ .‬التصميم يتم النظر له هنا ليس كتركيب من األشكال‬
‫بل كتركيب من األفكار تستحضر األشكال للتعبير عنها‪ .‬تراكمية األفكار إن االتجاه العام للمشاريع باستثناء المشروع‬
‫األول هو أنه إن لم تكن بعض مفردات الظرف التصميمي مهمة من ناحية التعبير فإن األفكار تكون تراكمية تجاورية‪.‬‬
‫اإلتجاه العام البارز من المشاريع هو أنه بعد أن يلتقط جانب معين من الظرف التصميمي ( الرسمانية أو العائدية للصحة‬
‫أو سباق مدينة الرياض) يتم االنتقال مباشرة الستحضار المرجع الشكلي للتعبير عنه ليتم جمعه بعد ذلك مع مرجع شكلي‬
‫آخر للتعبير عن مفردة أخرى‪ .‬عند النظر بصورة تراكمية لمجموع مايراد التعبير عنه يمكن أن يقصد به تراكمية‬
‫وتجميعية األفكار‪ .‬االطار الفكري للمشروع هنا هو مجموعة من األفكار يتم التعبير عن كل منها على حدة ثم تجمع‬
‫التعبيرات مع بعض‪ .‬االستثناء الواضح هنا هو ماحدث في المشروع األول عندما تم استثمار الصالدة للتعبير عن‬
‫الرسمانيةكمؤشر عن خصوصية الوظيفة كمبنى وزاري وبنفس الوقت استثمرت للتعبير عن القديم بمرادفة الحديث‬
‫الشفاف للتعبير عن سياق مدينة الرياض الذي يتجمع به القديم الجديد‪ .‬االطار الفكري هنا اليكون مفهوما واحدا موحدا‬
‫يستثمر للتعبير عن أكثر من مفردة من مفردات الظرف التصميمي بدرجات متباينة من االرتباط والتجريد‪ .‬األفكار تجمع‬
‫أفقيا أوال والتختصر عموديا ‪ .‬عندما ينزاح التفكير بعيدا عن الجوهر يتم التركيز على تراكم األفكار ككل مجمع دون‬
‫هيكلية محددة لتجميعها مع بعض وعالقاتها مع بعض مما يتم االندفاع باتجاه تراكم المراجع دونما اهتمام للكيفية الخاصة‬
‫التي يتم بها التجميع‪ .‬التجميع يصبح بضوء ذلك أوال ذا طبيعة عامة متكررة شائعة وثانيا يوصل الرسالة التي يقصدها‬
‫المصمم بنفس الكفاءة لجميع الرسائل األخرى التي ممكن أن تعكسها هذه المراجع‪ .‬األفكار المتخصصة التي تقع وسطيا‬
‫على سلم التجريد ستكون البودقة التي تنصهر بها كل المفردات المتنوعة والمتباعدة للظرف التصميمي‪ .‬االبداع يعود بعد‬
‫ذلك في كون هذه األفكار المتخصصة هي تعبير عن مايتم كشفه من تشابهات بين المختلفات‪ .‬رسالة المشروع ستكون‬
‫مفهوما جديدا تم بلورته كتعبير عن رسالة الوظيفة الخاصة اضافة إلى رسالة المكان‪ .‬يتمثل العمل االبداعي بالقدرة على‬
‫تحقيق أكبر كم من األهداف بأقل قدر من الشكل ‪ .‬العمل المعماري ألن يدخل مجال االبداع البد وأن يحقق هذه الثنائية من‬
‫التباين بين كمية األهداف وكمية الوسائل ‪ .‬العمل المعماري ضمن هذا االتجاه يفترق عن العمل الهندسي بشكل عام عندما‬
‫اليعطي نفس االهتمام لالختصار الشكلي مع التوسع باألهداف المراد تحققها‪ .‬بنفس الوقت العمل المعماري يفترق عن‬
‫العمل الفني البحت عندما يحاول أن يستثمر الشكل ليس للتعبير عن األهداف التعبيرية وحسب بل أن يستثمر الشكل نفسه‬
‫لالستجابة للمتطلبات الوظيفية والموقعية والتنفيذية وغيرها‪.‬الشكل الذي سيتصدى لمثل هذه األفكار لن يكون مكررا بل‬
‫سيكون اإلطار المختصر الذي يمكنه أن يعبر عن أكبر مدى من األفكار وعن طريقة ارتباطها بمجاالت انبثاقها‪ .‬تمثيلية‬
‫األفكار األفكار التي تم اعتمادها في المشاريع وإن خصت أجزاء من الظرف التصميمي كانت في الغالب محايدة ساكنة‬
‫وصفية لهذا الظرف‪ .‬إنها تحاول أن تعتمد ماتجد أمامها وتمثله إلى درجة يصعب التمييز بينها وبين ما مثلته‪ .‬إنها ليست‬
‫موقفا أو رؤية عن ما يوجد أمامها وبالتالي فهي ليست حوارية تساؤل التفكير السائد وتكشف تجليات الحالة العامة‬
‫بالظرف الخاص‪.‬هذه الحالة الوصفية التلتقط ما تركز عليه توجهات اإلبداع بشكل عام ‪ .‬األفكار في مجال اإلبداع حوارية‬
‫جدلية وليست اعتمادية تمثيلية ‪ ،‬تساؤل التفكير السائد والتالي ممكن أن تنتج الجديد‪ .‬بعد تحديد األفكار بهذه الصورة‬
‫لبعض جوانب الطرق التصميمي يتم جمعه كوصوفات محايدة والتعبير عنها بجمع المراجع المرتبطة بكل منها ‪ .‬بعبارة‬
‫أخرى األفكار كانت تلتقط جزء من الظرف التصميمي وتجمده ثم يتم التعبير عنه ‪ :‬للتعبير عن مدينة الرياض مثال يعتمد‬
‫النمط التقليدي للعمارة ‪ ،‬للتعبير عن عائدية المبنى اإلداري للوزارة تعتمد رسمانية التشكيل‪ ،‬للتعبير عن عائدية المبنى‬
‫للصحة تعتمد فكرة االحتواء واالحتضان‪ ،‬للتعبير عن تراحم القديم والجديد يعتمد المصمت والشفاف وهكذا‪ .‬في كل هذه‬
‫الحاالت جاءت التصاميم كتلخيص شكلي غير مباشر عن الظرف التصميمي مع عدم طرح رؤية أو موقف عن كل من‬
‫مفرداته‪ .‬الشكل المعماري كوسيلة للتعبير عن الظرف التصميمي والفكر الذي بلور بصدده يستهدف االقناع بهذا الفكر أو‬
‫الموقف‪ .‬بالتالي فإن الشكل يمكن أن ينظر له كوسيلة محاجة وليس كعدسة كاميرا‪ .‬ضمن هذا الفهم البد لألفكار أن تشكل‬
‫رؤى ومواقف جديدة تختصر من ناحية جوهر الظرف التصميمي وتؤشر من ناحية أخرى لرؤية معمارية لحل‬
‫اإلشكاليات الكامنة تحت هذا الجوهر‪ .‬هذا الموقف سيلعب دوره االجتماعي في سياقات أخرى ألن هذه اإلشكاليات تكون‬
‫بطبيعتها قابلة للتجلي في أكثر من سياق وأن الظرف قيد التصميم هو أحدها وحسب‪ .‬األفكار في العمل االبداعي ليست‬
‫رؤية معزولة عن واقع الظرف التصميمي وليست أيضا تمثيل مباشر لهذا الواقع بقدر ماهي رؤية وموقف شخصي عن ما‬
‫يتسم به هذا الواقع‪ .‬ما كان ضروريا هو طرح موقف عن فاعلية اعتماد االنماط التقليدية في عمارة المستقبل بدال من‬
‫اعتمادها وحسب دونما اضافة للتفكير الذي ينشغل به المجتمع حاليا حول التعامل مع الموروث ‪ .‬ما كان مطلوبا هو بلورة‬
‫موقف عن أهمية رسمانية المبنى الوزاري في ظل التطور االجتماعي أو التكنولوجي السائد مثال‪ ،‬ما كان ضروريا هو أن‬
‫تتم مسائلة فكرة الصحة ومسئولية المجتمع بصددها بدال من القول فقط أن الوزارة تحتضن الصحة‪ .‬بغياب أفكارا ضمن‬
‫هذا اإلطار تكون األشكال ميتة ساكنة عندما ينتقل إلى التعبير‪ .‬المراجع السابقة يتم البدء بها واإلنتهاء بها أيضا ألن مايراد‬
‫أن يقال كامن فيها ونابع منها‪ .‬التتوفر فرصة لخلق الشكل الجديد المنبثق من المراجع السابقة والتغير منتهي بها وإنما‬
‫منتهي بالجوانب التي عولجت منها أو أضيفت أو حذفت فيه بضوء المواقف الذي تمت بلورته نحو مفردة الظرف‬
‫التصميمي الذي جئ به للتعبير عنها‪ .‬األشكال تبقى ساكنة كلية حرفية متداولة ألن وجودها فقط هو ما أريد من جلبها‬
‫وليس التركيبة الخاصة من مفردات الشكل التي تثير وتلفت األنظار إلى الموقف حولها‪.‬المصدر‪ :‬نقد النقد المعماري ‪-‬‬
‫منتدى المهندس ‪Follow us: @almohandes_org on Twitter | Almohandes.forum on Facebook‬‬

You might also like