النقد المعماري ونقد النقد موضوع للدكتور حازم النجيدي منقول من مجلة البناء د .
حازم راشد انجيدي النجيدي أستاذ
مشاركـ كلية الهندسة المعمارية،جامعة العلوم التطبيقية الخاصة عمان ـ األردن يزداد النشر المعماري في الوطن العربي في السنوات األخيرة ويتركز في غالبه على نقد ومناقشة المشاريع المعمارية .االهتمام في نقد المشاريع المعمارية استهدف االرتقاء بمستوى الممارسة وإغناءها وربطها باالطار الفكري األعم لالبداع .باتجاه هذا الهدف برزت دعوات،معمقة لالهتمام بالنقد والنشر المعماري بغية معرفة االطار المعرفي الذي تتحرك خالله الممارسة .النقد المعماري كان محور اهتمام الكثيرمن المجالت العربية (مجلة اتحاد الجامعات العربية ،مجلة البناء وملتقى العمارة في العالم العربي في مجلة المستقبل العربي) .إن الدعوات األخيرة على الرغم من تركيزها على االهتمام بالنشر وعلى النقد المعماري لما يطرح من مشاريع،يبدو إنها استهدفت امورا أكثر عمقا .االستهداف برز لبناء اطار معرفي لمدرسة نقدية معمارية تهتم بالممارسة ضمن منظورها المحلي المعاصر وتتشكل في بيئتها غير معزولة عن مجاالت االبداع األخرى .هذا االهتمام برز في االبتعاد عن المباشرية السطحية في التعامل مع التصميم المعماري كتركيب سطحي لمفردات شكلية والتوجه إلى رؤية أعمق من التفكير بدال من النسخ الشكال الموروث أو االشكال المعاصرة الحالية على المستوى العالمي .ضمن هذا الهدف الغير مباشر والمعمق لهذه الدعوات والمنبثق من االهتمام الكبير بالنقد المعماري بقت المحاوالت لمناقشة فاعليةهذا النقد امرا محدودا .لم توفر الكثير من الوقفات لمالحظة طبيعة هذا النشر ومناقشته .لقد استمر التركيز على التوقف حول االعمال المعمارية والنشر حولها وغاب التوقف حول طبيعة هذا النشر .لم يتسنى للقارىء العربي التعرض الى مسائلة األساليب المعتمدة بالنقد بغية تحقيق الهدف األسمى منه وهو اإلغناء الفاعل للممارسة المعمارية .باختصار مع التوسع الكبير بالنقد المعماري كأساس للنشر في العالم العربي بقى مجال نقد النقد مساحة بعيدة عن االنظار .بضوء ما تقدم يستهدف هذا الموضوع تسليط الضوء على نقد النقد من خالل تسجيل بعض المالحظات التي يتسم بها النقد المعماري العربي بشكل عام .سيتم البدء بالتطرق للعالقة بين ثالث أطراف :الممارسة المعمارية ،النقد المعماري ونقد النقد .بعدها سيتم تسجيل بعض االنطباعات عن النقد المعماري في العالم العربي كمحاولة أولية لنقد النقد ،أخيرا سيتم إستخالص أبرز ما يمكن توقعه بضوء السمة الحالية للنقد المعماري .العالقة بين الممارسة المعمارية والنقد ونقد النقد ارتباط الممارسة المعمارية بالنقد ونقد النقد يمكن ان ينسحب من طبيعة العالقة بين االطراف والمستندة أصال على هدف الممارسة المعمارية .الممارسة المعمارية كإتجاه يستهدف بشكل عام حل مشاكل الواقع .العمل التصميمي هو رؤية لحل مشاكل الواقع .بطبيعة هذه الرؤية أنها تطرح وفق افتراضات متعددة .هذه االفتراضات ممكن بحكم تبايناتها وتنوعاتها قد تكون غير مختبرة وفي احسن الحاالت تكون قد تم التحقق من صحتها في السابق لكن كل على انفراد وليس لكل االفتراضات التي دخلت في العمل التصميمي لمشروع معين قد يحدث ألول مرة بضوء تفرد ظروف تصميمي عن اخر .بضوء ذلك يكو ن العمل التصميمي رؤى لحل مشاكل الواقع ،لم يتم اختبارها أو التحقق من صحتها بالكامل ـ قد تجرى اختبارات على الصعيد التخصصي االنشائي أو مواد البناء أو غيرها ـ لكن ليس علي صعيد مجمل التصميم .االختبار الحقيقي لهذه االفتراضات وهذه الرؤية التصميمية ستتحقق في عمر المشروع بعد سنين من تنفيذه .باختصار فإن الممارسة المعمارية يمكن النظر اليها كأداة يتم اعتمادها لحل مشاكل الواقع وفق رؤية خاصة.ضمن هذا الفهم للممارسة المعمارية يأتي دور النقد المعماري ،النقد يخص االهتمام في مسائلة فاعلية ادوات حل مشاكل الواقع ،النقد بذلك هو أىضا أداة يمكن اعتمادها لحل مشاكل األدوات التي تم اعتمادها في حل مشاكل الواقع .إنه أداة تستهدف تحسين حلول مشاكل الواقع وترتبط به بصورة غير مباشرة من خالل ارتباطها باألدوات التي تم اعتمادها مباشرة لحل مشاكله .ما يفعله النقد المعماري هنا هو، أنه يقوم بتقريبنا إلى نتائج االختبار بدل من االنتظار الي عشرات السنين لمعرفة صحة الرؤية التصميمية أو كشفها للشريحة األوسع من المهتمين وتوضيح ما خفي منها وما تطلب الدراسة والتمحيص ،بهذا األسلوب النقد يساعد في عدم تكرار الخطأ من خالل كونه يمثل تمحيصا ـ لكن بصورة غير مباشرة ـ لفاعلية األدوات التي تم اعتمادها في حل مشاكل الواقع .ما تفشل به الممارسة يكشفه النقد.نقد النقد من ناحيته يخص مرحلة الحقة من مراحل السعي لزيادة فاعلية اإلجراءات واألدوات المعتمدة لحل مشاكل الواقع .إنه يرتبط بمستوى آخر من مستويات السعي باتجاه الفاعلية األكبر لألدوات .انه يستهدف حل مشاكل األدوات التي اعتمدت لرصد فاعلية االجراءات المعتمدة لحل مشاكل الواقع .باختصار فإن االطراف الثالث ( الممارسة ،النقد ،ونقد النقد) هي أدوات متسلسلة في هيكليتها تشترك في هدف أعم وهو تحقيق حلول فاعلية لمشاكل الواقع ،أول األدوات (الممارسة) أقربها إلى الواقع وثالثها (نقد النقد) هو األبعد عن الواقع واألقرب الى مجال المعرفة .نقد النقد يفحص النقد والنقد يفحص الممارسة .نقد النقد يكشف فاعلية النقد والنقد يكشف فاعلية الممارسة في تحقيق هدفهما في حل مشاكل الواقع .الممارسة المعمارية تتصدى لحل مشاكل الواقع .النقد يتصدى لفاعلية الممارسة في حل مشاكل الواقع .نقد النقد يتصدى لفاعلية النقد في كشف فاعلية الممارسة لحل مشاكل الواقع .نقد النقد المعماري العربي يمكن أن يتركز نقد النقد المعماري العربي على ثالث ظواهر :عدم كشف المنهج وانعكاسه بعمومية النقد ،التركيز علي الوصف وأخيرا الذاتية المفرطة .غموض المنهج وعمومية النقد :اهم ما يالحظ في النقد العربي بشكل عام أنه قراءة لألعمال المعمارية دونما توضيح إلى أن هذه القراءة هي احتمال واحد فقط ،وحسب جملة من القراءات الممكنة ،هذا االنطباع يأتي بشكل أساسي من مالحظة أن ما ينشر عن المشروع المعماري ال يتضمن توضيحا في البداية لألسلوب الذي سيعتمد ،ناهيك عن أي مناقشة لفاعلية هذا األسلوب في إضاءة أبعاد العمل المعماري بالمقارنة مع األساليب األخرى .الناقد يبدأ من المشروع وينتهي به دونما توضيح للمنهج أو لفاعليته .النقد بضوء ذلك يبدو أنه يعتمد فهما خاصا لمفهوم النقد ،فهما له جانبين .الجانب األول هو الفهم بأن هناك صيغة واحدة للنقد ،أما الجانب الثاني فمفاده أن هذه الصيغة الواحدة أو الفهم األوحد هو فعال ما يعتمده الناقد .بشكل متوقع أن مثل هذا التوجه بالنشر سيبقى ـ ودونما شعور بذلك ـ أسيرا لمحدودية النتائج النابعة بحد ذاتها من محدودية المنهج نفسه ،ال يغفل أن األسلوب الممكن اعتماده ينبع بشكل اساسي من هدف النقد أصال،ومن المعطيات المتوفرة في لحظة زمنية معينة،اضافة الى موقع تلك اللحظة بتسلسل تاريخ النقد،والذي يبرز أسلوبا معينا دون آخر .التيارات النقدية تتزامن وتتالحق وال يمكن بشكل عام أن تحدد سمات مرحلة معينة ـ بتوجه معين دون اخر ـ لكن ماهو بحاجة الى التحديد هو ماهية الطيف الفكري الذي يتم اعتماده بمناقشة مشروع معين .ما قد يبدو من أنه خشية من االتهام بالذاتية في حالة اعتماد منهج محدد وكشفه يبدو غير مبررا في مجال السعي باتجاه الموضوعية .الموضوعية الحقة هي كشف واعالن الذاتية .الذاتية المعلن عنها ستمكن من فهم مصداقية االستنساخ كوصف لنتائج تطبيق وسيلة معرفية محددة عن الحقيقة وليس الحقيقة نفسها .اغفال االشارة الى معالم المنهج المعتمد أن يتوقع منه عدم معرفة المتلقي بالموثوقية لما ينتج عن النقد ،عدم الموثوقية ستدفع باتجاه عدم الفهم ،وعدم األغناء ،وعدم المقارنة مع فهم آخر .هذه المشكلة تنبع من وضع عام .هذا الوضع قد يكون أوسع من مجال النقد نفسه، يمكن القول بأن التفكير المنشور في الغالب يركز على الفحوى ويهمل المنهج .مثل هذا األمر قد يعزي الى الطرق السائدة بالتعليم المعماري والتي تخص فحوى المعلومات والحلول على حساب طرق التفكير واالستنساخ وحل المشاكل .بغياب إعالن المنهج ال يمكن التعرف :هل أن االجراءات التي اعتمدت كانت متسقة مع بعضها أو شاملة لما يوصف بأسلوب فكري محدد ،وبالتالي يمكن أن تتحقق مصداقية للنتائج عند ضمان صحة المعلومات المتوفرة عن المشروع .النتائج المناسبة من عملية النقد يمكن تحققها من خالل وضوح المنهج المعتمد وااللتصاق به ،ومن خالل دقة المعطيات المعتمدة ،واخيرا من خالل التطبيق الدقيق للمنهج على هذه المعطيات .الوصف :انسجاما مع إغفال اإلشارة الى المنهج المعتمد فإن النقد يبدو أنه يأخذ سمعة عامة ،بدل التوغل بالتوجه التفصيلي المحدد .هذه السمة العامة تنسحب من العموميات،كما عرفت بأدبيات النقد ذات الطبيعة العامة،وليس حسب ما ظهر تفصيليا في توجهات نقدية محددة أو معاصرة ،بضوء ذلك يالحظ التركيز على الوصف وإعطاء الحكم .ما يطرحه النقد بعموميته هو إما الوصف أو أحكام القيمة الذوقية .العمل بعد أن يتم وصفه من خالل المخططات والصور ،يأتي النقد ليعيد هذا الوصف كتابيا .النقد ال يضيف جديدا لما تكشفه المخططات .ما يمكن استخالصه بشكل مباشر من الصور والمخططات يقوم الناقد بوصفه كتابيا بصورة ال تضيف للرسوم .في أغلب الحاالت ال يقرأ ،ألن الوصف الكالمي لجوانب الشكل قد يكون بأحيان كثيرة أكثر غموضية من المخططات .النقد يعيد تحديد ما تم تحديده بلغة إشارية ثانية ،التركيز ينصب على الشكل الناتج وليس عن أسبابه وقوانينه وهيكلته وعالقاته مع ماخارجه من أشكال ومعطيات .مع استقرار وترسخ مثل هذا النوع من النقد يمكن تفسير كيف أن المعماريين أو الطلبة يبتعدون عن قراءة ما يقع تحت الرسومات والصور من كتابة .ما يطرح من كالم ال يضيف لهم معرفة جديدة .الوصف يبدأ من المدخل وكأن هناك كاميرا متحركة تأخذ القارىء عبر جنبات المشروع ،إجراء يستطيع أن يقوم القارئ به بمفرده .النقد في حقيقته الجوهرية يهدف الى اضاءة العمل وبالتالي فإنه يقع بين العمل والمتلقي .بهذه الحالة فإن النقد ال يضئ أكثر مما يمكن اضاءته من قبل المتلقي بمفرده بعبارة أخرى النقد ال يقع بين العمل والمتلقي ،بل في مكان المتلقي .الذاتية المفرطة :استمرارا مع سمة التركيز على الوصف فإن الطبيعة السائدة لهذا الوصف هي الذاتية المفرطة ،بعد الوصف العام بتركيز النقد في الغالب على تسجيل سيل من األحكام المفرطة في ذاتيتها حول جودة العمل. جودة العمل بحد ذاتها تعتمد انتقائيا وبمعزل عن أساس نظري محدد .النقد يتركز على محاولة رصد المقاربة بين العمل المعماري من جهة وذات الناقد بدل من إطار نظري واضح من جهة اخرى ،أحكام الجودة التي يتم اصدارها غالبا ما تمثل بقيم ذوقية ذاتية الى حد مفرط ،أما أساس المقاربة فال يكشف ايضا ويكون في الغالب قيم الناقد نفسه ،اذا تم رصد االحكام القيمية التي يتضمنها النقد فان العمل النقدي يتحول الى رصد للمسافة بين العمل والنقاد ،هذا معناه ان النقد لم يضيء العمل كما تم ادعاء ذلك بل اضاء المسافة بين العمل والناقد.القارئ بشكل عام يتمحور اهتمامه على العمل، ومقاربته إلى اساس نظري خارجي وهو األساس الذي يمكنه من فهم العمل ومقارنته بأعمال أخرى وليس على المسافة بين العمل وناقد ال يعرف عن أساسه النظري شيئا .القارىء ليس معنيا بشكل كبير بمقدار مسافة العمل عن الناقد الذي يقوم بالنقد .جملة من المفردات الذوقية الغير معرفة ،هو كل ما يستطيع أن يحصل عليه القارئ من النقد المطروح .العمل بعد عملية النقد يبقى ضمن دائرة اإلبهام التي كانت حوله ،بدل من انتقاله إلى مساحة مضاءة .ألن يتحقق الفهم األوسع الذي يغني الممارسة الحقا ،البد للنقد أن يشير الى مقاربة العمل ألساس فكري محدد،يمكن أن يشكل معالم مرحلة معينة، وبالتالي يمكن للنقد أن يضيء عالقة العمل مع تاريخ االبداع بشكل عام .مترتبات الوضع الحالي من أبرز نتائج الكتابات النقدية العربية حول المشاريع المعمارية والتي تنسحب مما تقدم ،هي أنها ال تقرأ حقيقة ،ألنها ال تضيف جديدا ،ولكن األهم أنها ال تحفز أو تثير النقد عند األخرين للتصدي لها ومناقشتها الحقا .لم تطرح أي دراسة تقريبا في النشر المعماري العربي استهدفت ومناقشة عمل نقدي معماري سابق .النقد العربي في العمارة يمكن تمثيله بحالة الواحدة ،يبرز مرة واحدة وال يذكره أحد أو يبدأ منه للوصول إلى إضاءة أشمل .على خالف ما يحدث في مجاالت االبداع األخرى (األدب والفن) فإن نقد األعمال االبداعية ،غالبا ما يتم التصدي له وتتم مناقشته ويتم توضيح قدرته في كشف مضامين العمل االبداعي، النقد لنقد عمل يتبع بنقد آخر واآلخر بآخر وهكذا .ظهور العمل االبداعي يحفز ظهور نقدا له والنقد يحفز ظهور نقدا له، وهكذا في عملية مستمرة حية ،األمر وصل الى أن يتم اعتبار العمل النقدي بمستوى ال يقل إبداعية عن ابداعية العمل الفني نفسه ،العمل النقدي يلقي مراجعة وتحليل قد تفوق أحيانا ما القاه العمل االبداعي الذي تصدى له أصال ،على خالف هذا الحال فمجال النقد المعماري العربي لألسف أنه يولد ميتا:ال يغني فعال وال يتم التصدي له في نقد الحق .يمكن ان نعزي أسباب هذه الظاهرة الى أن النقد المطروح بحكم تركيزه على الوصف والمديح الذاتي يتسم بالحيادية المعرفية ،وال يرتبط بأساس معلن وال يستخلص محاججة قابلة للمسائلة الحقا ،إنه يرتبط بالوصف الذاتي لحالة واحدة يتم ربطها مع أو مقاربتها مع ذاتية مؤلف أو ناقد ال يعرف عنه شيئا؟ بعبارة أخرى ال يرتبط مع المعرفة أو أساس نظري بحيث يمكن التوسع بالتفسير أو اإلضاءة أو حتى يمكن اإلضاءة بضوء النظرة إلى األسلوب النقدي نفسه وليس الى العمل وحسب .إن النقد المعماري الحالي يعاني من أزمة تتجسد بأنه ال يقرأ وإن قرأ فإنه ال يحفز على الكتابة عنه ،على عكس ما يحدث في نقد مجاالت االبداع األخرى ،والتي تطور فيها الى أن أصبح العصر الحالي يوسم ليس بعصر النقد وحسب ،بل بعصر نقد النقد .اإلهتمام بنقد النقد يعكس المترتبات األكبر لتأثير النقد في الصياغة األعم للواقع الفكري ،مقارنة مع ما يمكن أن يؤثر فيه العمل االبداعي بمفرده .ما يحمله العمل النقدي من سوء رؤية يكون تأِثيرها أكبر على المجتمع ألنه ممكن أن يعتمد كأسلوب في دراسة أعمال أخرى ،وبالتالى بتضاعف سوء الفهم وتكبت بذور االبداع باألعمال األخرى ،والتي لم يتم كشف مثيالتها في العمل الذي تم نقده ،ويستمر تغميض ما كان يطمح اليصاله المبدع .إنه ألمر جوهري أن يتم إدراك أن الممارسة المعمارية سوف لن تستقيم بغياب النقد الذي يغنيها ويكشفها ويؤطرها ،لكن بنفس الوقت فإن هذا النقد سوف لن يستقيم اذا لم يتحقق نقد النقد.مايراد تحقيقه ومايتحقق فعال في العمارة العربية المعاصرةد .حازم راشد النجيدي ،أستاذ مشارك ،كلية الهندسة ،جامعة العلوم التطبيقية الخاصة ـ األردن يمكن االعتقاد بأنه يتوجب االستفادة واستخالص الدروس من المسابقة المعمارية المهمة لمبنى وزارة الصحة بالرياض وكما اهتمت به مجلة البناء في عددها ( 165مايو . )2004المسابقة جرت في بلد يزداد به التنافس لطرح الجديد والمعاصر وأجريت لمبنى مهم وتمت المشاركة بها من قبل مكاتب هندسية يشهد لتاريخها .بضوء هذه المعطيات فأتت ما تفرزه المسابقة لن يكون معزوال عن مجمل الممارسة المعمارية العربية المعاصرة كحالة متفردة بل يمكن أن يكون ممثال عاما لمجمل التوجهات التصميمية السائدة في العالم العربي .هذه المحاورة ال تستهدف تغطية كاملة أو نقدا للمشاريع من الصفحات التي كتبت عنها في المجلة بل تستهدف استثمار الفقرات القليلة التي طرحت لتأشير وجود اشكالية رئيسة يعتقد أن الممارسة المعمارية العربية تتسم بها بشكل عام .المناقشة بضوء ذلك تستهدف تحديد سباق هذه االشكالية والعالقات الداخلية بين مكوناتها ومحاولة تعليلها بغية تعزيز اطار للفهم يرتبط النقد به بعملية التصميم .بشكل عام أبرز تقديم مجلة البناء وجود افتراق كبير كان نتيجة طبيعية لنمط التفكير المعماري الذي تم اعتماده .هذا النمط ركز أقل على األطر الفكرية التي تحكم العملية التصميمية بالمقارنة مع الشكل وفي ضمن األطر الفكرية التي تم اعتمادها ركز على أنماطا معينة من األفكار .الورقة تحاول أن تبين أن االخفاق في تقديم الجديد على مستوى الشكل يرتبط باالخفاق في طرح الجديد على مستوى الفكر التي يحاول هذا الشكل التعبير عنه .بضوء ذلك إن سعينا لطرح الجديد معماريا البد وأن يستند على ازاحة العملية التصميمية وبشكل أوسع باتجاه مجال الفكر وإلى مجال الفكر الذي يحث على المسائلة بشكل خاص.ستتسلسل الفقرات القادمة من تأشير ما شخصته مجلة البناء من افتراق ثم تنتقل لتحدد خصائص األفكار التي اعتمدت وتبين كيف أن هذه الخصائص قد أدت إلى طرح الجديد ذو المغزى .تشخيص االفتراق على الرغم من محاولة مجلة البناء تقديم اإلطراء للمشاريع في المقدمة العامة لها إال أنها شخصت مجاالت االخفاق بشكل كبير عند المناقشة التفصيلية .على المستوى العام اإلطراء تجلى بالقول بأن المقترحات قد استجابت لمحددات الموقع ..وأن كل مصمم أن يعبر عن رؤيته الخاصة ،حيث قدم بعضهم مباني رصينة وذات هيبة تعبر عن قيمة الوزارة في نفوس الناس ،والبعض اآلخر حاول أن يعبر عن فكرة الترحيب واالحتضان كرسالة تقوم بها الوزارة في المجتمع ..لذلك فقد خرجت المسابقة تنادي بتطوير مبنى متفاعل مع الموقع ومع حاجة المؤسسة وهو ما نعتقد أنه يمكن قراءته خالل المشاريع المقدمة جميعا .على العكس من هذا االطراء على المستوى العام فإن المناقشة التفصيلية للمشاريع بينت قصورا كبيرا بين ما أريد تحققه من طرح للجديد وبين ماتحقق فعال .ما أريد تحققه حدددته المجلة بضرورة «أن تستثير السائد من األفكار وتدفعه إلى مسارات جديدة ..فالبحث عن الجديد الغير مشاهد من قبل ،يمثل هدف في حد ذاته ..فأحد األهداف التي يمكن أن نراها في مسابقة مبنى وزارة الصحة ،هي الصورة الجديدة التي نتمناها للمباني الحكومية القادمة » .مبنى يعبر فعال عن الوزارة وتطلعاتها المستقبلية وذلك من خالل دفع المشاركين إلى الغوص عميقا في رسالة الوزارة .ما تحقق فعال أبرزه تقديم المجلة بأعمال المشاريع بشكل كبير الضافة الجديد المتوقع من مسابقة بهذا المستوى .لقد برز ذلك من التعليق مثال حول المشروع الثاني بأن «الشكل التقليدي يعود بقوة ..النعلم إذا كان ضروريا أن يعيد لألذهان أشكال مجربة سبق وأن رآها الناس كثيرا في عمارتنا المعاصرة ..التصميم يصبح مجرد إعادة إنتاج للشكل دون أي هدف واضح يعيد لألذهان المباني التي أٍقيمت بالرياض خالل العقدين األخيرين التي أصابتنا والذي اليقدم أي جديد يذكر بالملل والتكرار» نفس المالحظات بالنسبة للمشرع الرابع حيث القول بأن المقترح «اليقدم أي شيء جديد فكل ماهناك مجرد حل وظيفي لمبنى إداري ..إن كان اليقدم صورة جديدة لوزارة مثل وزارة الصحة إذ يمكن أن يكون ألي وزارة أخرى» .بالنسبة للمشروع السادس تركز القول على أن الشكل العام يبدو متكرر في كثير من المباني المجاورة وال يقدم أي جديد يمكن أن نقول من خالله أن هذا المقترح يقدمه للمكان الذي يقع فيه» .باختصار فإنه في الوقت الذي أريد به للمشاريع من ناحية أن تستثير السائد من األفكار وتدفعه إلى مسارات جديدة .جاءت المشاريع تعيد لألذهان أشكال مجربة سبق وأن رأها الناس كثيرا في عمارتنا المعاصرة( ..المشروع الثاني) واليقدم أي شئ جديد «المشروع الرابع» وإن كان الشكل العام يبدو متكرر واليقدم أي جديد للمكان الذي يقع فيه ( المشروع السادس) .بعبارة أخرى المناقشة بينت أن المشاريع بشكل عام لم تطرح الجديد بما يكفي .هذا النقد كان واضحا في مجال الشكل وكذلك بالنسبة للرؤى الفكرية المتوقع أن يعكسها أو يحفرها هذا الشكل .المقترحات بشكل عام كانت إما مستهلكة من ناحية الشكل وبالتالي إن ما نريد أن تطرحه فكريا لم يكن بجديد أو كانت ذات مالمح جديدة على مستوى الشكل إال أن هذه المالمح كانت بعيدة عن ايصال رسالة واضحة ناهيك عن كونها رسالة تحمل مضمون جديد .التوجهات المعتمدة لغرض تسليط الضوء على اإلشكالية التي شخصتها مجلة البناء سيتم التركيز على محاورة العالقة بين الشكل والمعنى بغية الدخول إلى تفسير ماحدث من إخفاق .في هذا الصدد يمكن القول بأن المشاريع قد تأرجحت حول توجهين لعالقة الشكل بالمعنى .المشاريع كانت تستند إما على عالقة واضحة بين الشكل والمعنى أو على عالقة متراخية إلى حد كبير .التوجه األول كان يتجه باتجاه التعبير عن مفاهيم فكرية معينة وذلك باستثمار المفردات الشكلية المتفق عليها اجتماعيا في كونها معبر دقيق عن هذه المفاهيم بضوء ذلك فهو يلتزم بأن تكون العالقة بين الفكر والشكل المعتمد للتعبير عنه عالقة مترسخة اجتماعيا ومتفق عليها قدر الممكن .التوجه الثاني كان يتجه أيضا باتجاه التعبير عن مفاهيم فكرية معينة لكنه ينحنى منحى أكثر حرية في التقاط المفردات الشكلية التي يراد أن تعبر عن هذه المفاهيم .إنه ال يتقيد بما ترسخ اجتماعيا حول المفردات الشكلية الواجب اعتمادها في التعبير عن المفاهيم الفردية .هنا يتوجه المصمم باتجاه قصد التعبير عن مفاهيم معينة لكنه يستعمل مجاال أوسع من األشكال ال ترتبط بهذه المفاهيم إال على المستوى العام جدا وذلك الذي ينبثق من تقديراته الشخصية لتأويل الشكل .ما حدث في المشاريع المقدمة ضمن هذا اإلطار يمكن وصفه بالتأرجح بين اعتماد التوجه األول الذي إليه التوصيل بدقة لكن مع سوء في التطبيق ( التعبير عن مفاهيم مستهلكة) أو أنه يعتمد التوجه الثاني يحقق أصال بالية التوصيل ألنه يخلق الرسالة واللغة معا .في الحالة األولى تم استثمار أشكال ذات دالالت واضحة إال أنها لم تطرح الجديد شكليا ألن الدالالت المقصودة كانت بحد ذاتها مستهلكة .في الحالة الثانية العالقة المتراخية بين الشكل والمعنى دفعت باتجاه استثمار أشكال معينة واألمل بأن تعكس هذه األشكال الرسالة التي فكر بها المصمم ،األشكال التي أعتمدت كان يمكن لها أن تعبر عن ما أراده المصمم لكنها بنفس الوقت ممكن أن تعبر عن مفاهيم أخرى .هنا وأحدية الداللةأو تعدد الداللة تمتد إلى حالة النهائية للداللة .مفهوم االختالف بين الدوال أو بين المدلوالت الذي تستند عليه عملية التوصيل يتم تهميشه بشكل كبير .بضوء ذلك فإن المفردة الشكلية التي يمكن أن يستدل منها عن أي مفهوم فكري معين قد تستطيع أن تعبر عنه كما تستطيع أن تعبر عن أي مفهوم آخر وبالتالي فإنها التقول شيئا .باختصار فإ ما طرح من إشكال كان إما أن يستطيع أن يرسل رسائل معينة لكنها رسائل بعيدة عن الجديد المتوقع من مسابقة بهذا المستوى عندما يعتمد عالقة قوية بين الشكل والمعنى أو أن ال يوصل رسائل محددة بوضوح عندما يعتمد عالقة متراخية بين األثنين .عدم طرح الجديد على مستوى الشكل كان نتجية متوقعة بالمسابقة .أشكال المسابقة إما أخفقت على مستوى بلورة الفكر الجديد المراد التعبير عنه أو أنها اخفقت في آلية توصيل ما يراد إيصاله من فكرة .النتيجة غياب الجديد المفهوم على مستوى الشكل.مايهم اآلن هو محاولة تشخيص بعض إشكاليات العملية التصميمية والتي كان ممكنا لها أن تساهم في هذا االخفاق. الشكل الجديد البد من القول أنه ليس أمرا مهما بحد ذاته إذا لم يستطيع أن يوصل رسالة جديدة .ضمن هذا السياق يمكن القول بأن عدم طرح الجديد شكليا يمكن أن يكون ،في حالة تحقق التوصيل ،قد نبع من عدم طرح الجديد مفاهيميا. المشاريع جميعا أستقرت على أهمية طرح مفاهيم وأفكار لكن عدم تحقيق الجديد في هذه المفاهيم واألفكار يبدو أنه قد أنبثق من اعتماد نظرة معينة حول سمات األفكار بشكل عام .هذه النظرة التي بلورت بضوئها أفكار المشاريع يبدو أنها هي ما حد من امكانية أن يتم طرح الجديد .هذه النظرة حول سمات األفكار يمكن تلخيصها بأربع سمات رئيسة هي الجزئية ،العمومية ،التجاورية وأخيرا التمثيلية .بضوء هذا التفسير ستبين الفقرات القادمة الكيفية التي تحد بها مثل هذه السمات من امكانية طرح الجديد .جزئية األفكار األفكار المعتمدة في الغالب كانت جزئية في تعبيرها عن مفردات الظرف التصميمي ،هذه الجزئية حدثت على مستوى الكل وعلى مستوى الجزء .على مستوى الكل لم تطرح األفكار التي يمكن أن تلتقط بنفس الوقت خصوصية الوظيفة وسباق مدينة الرياض والزمن الحاضر في آن واحد .على مستوى الجزء لم تبلور األفكار التي يمكن أن تشير إلى مختلف جوانب الوظيفة ( الوظيفة اإلدارية ،العائدية للمستوى الوزاري والعائدية للصحة) أو مختلف جوانب الموقع ( المجاورات المباشرة ،الطريق الرئيس ،سياق مدينة الرياض أو الموروث السعودي بشكل عام) .هذه الجزئية برزت مثال في المشروع الثاني عندما لم يتم التركيز على رسمانية المبنى الوزاري ،في المشرع الرابع عندما تركز التعبير حول المستوى الوزاري مع عدم التركيز على العائدية للصحة « يمكن أن يكون ألي وزارة أخرى» في المشروع السادس عندما لم يتم التركيز بكفاية على خصوصية سياق مدينة الرياض بحيث تم القول بأن المشروع يمكن تنفيذه في أي مكان آخر دون أي تغيير يذكر.لقد بين تقديم المجلة اهتمام المصممين بالتعبير عن مفردات الظرف التصميمي إال أنه بين أيضا أنه لم تتم بلورة أفكار معينة بحيث تستوعب الظرف التصميمي بشمولية كافية .هذه الجزئية باإلطار الفكري المعتمد في المشاريع ستدفع بإتجاه االبقاء على االنتقائية في رصد الظرف التصميمي .االنتقائية بشكل عام تدفع بإتجاه المباشرية والظاهرية ألنها التفسح مجاال للتحدي لبلورة مفهوم جديد يستطيع أن يعبر عن جانبين مختلفين أو أكثر من جوانب الظرف التصميمي .الجزئية تدفع بإتجاه عدم التعمق بالظرف التصميمي بشمويته ومحاولة ايجاد القواسم المشتركة بين مفرداته والتي يمكن التعبير عنها من خالل مفهوم واحد محدد .هذا المفهوم الواحد يكون أصال جديدا بحكم خصوصية التركيبة التي اجتمعت بها هذه المفردات .إذا أخذت كل من هذه المفردات على حدة فيسهل التعبير ألنها بمفردها تكون متوفرة بسياقات سابقة عادة وإن التعبير عنها سيجلب صيغ التعبير السابقة وبالتالي يكون بعيدا عن الجديد المتوقع .جزئيات المفردات تكون موجودة في الغالب في أكثر من سياق تصميمي لكن حصيلتها مع بعض تكون منفردة بكل طرف عن آخر .أن يكون الهدف هو التعبير عن كون المبنى إداريا أمر اليوصل إلى الجديد ألن هناك الكثير من المباني اإلدارية وبالتالي يمكن استثمار ما أعتمد في التعبير عن إدارية المبنى في السابق ليتم االنتهاء بالتكرار .بنفس الوقت اذا اهتم بالتعبير عن عائدية المبنى للمستوى الوزاري يمكن أن تستثمر األشكال في المباني الوزارية سابقا وبالتالي اليظهر الجدي .أخيرا إذا تم االهتمام بالرياض فهناك الكثير من المباني التي تعبر عن خصوصية الرياض وإذا أعتمدت نتج الشكل المتداول .ما يمكن أن يضمن الطرح الجديد هو محاولة التعبير عن كل هذه المفردات مع بعض وبنفس الوقت. التركيبة الخاصة من هذه المفردات هي الشيئ الجديد الغير مسبوق وبالتالي التعبير عن الموقف نحوها سيوفر امكانية الستخالص مفهوم جديد تفشل جميع األشكال السابقة في التعبير عنه.هذا الشمولية هي ما تضمن طرح الجديد على مستوى الفكر ،وبالتالي تضمن طرح الجديد على مستوى الشكل .عمومية األفكار عمومية األفكار تبرز من تقديم المجلة في أغلب المشاريع .األفكار المعتمدة كانت عامة في أغلب األحيان وبحكم هذه العمومية كانت متداولة ومستهلكة مما أنتج أشكاال بنفس الطبيعة .المشروع األول مثال تركز على مفهوم الرسمانية العام المالئم للمباني الوزارية ومفهوم الحديث والقديم العام أيضا بطبيعته .المشروع الرابع تركز على فكرة الحماية بعموميتها .المشروع الخامس من ناحيته تركز على فكرة االحتضان والواضحة عموميتها.المشكلة في عمومية األفكار تبرز على مستويين :مستوى الفكر ومستوى الشكل. على مستوى الفكر فإن األفكار العامة متداولة ومستهلكة باإلضافة إلى كونها تعبر عن نظرة مباشرة للظرف التصميمي. ضمن هذا االطار فإن هدف التعبير عن هذه األفكار بحد ذاته اليكون هدفا كبيرا يحفز االبداع .عدم التحفيز لالبداع ينتج من أن الشكل المعماري هو وسيلة وليس هدفا بحد ذاته :أنه وسيلة مدركة للتعبير عن مفهوم يصعب ادراكه بالوسائل األخرى .الشكل هنا يراد له أن يوصل أفكارا اليمكن ادراكها بدونه لكن إذا كانت هذه األفكار متداولة وبالتالي مدركة مسبقا فاليوجد مبرر كبير لبلورة الشكل .على مستوى الشكل فإن األفكار العامة بشكل عام يمكن ايصالها من خالل وجود المراجع الشكلية المرتبطة بها فقط دونما حاجة لمعالجة متخصصة لهذه المراجع .كلما زادت الفكرة في عموميتها وتوفر مرجع شكلي مرتبط بها كلما كان استحضار المرجع بكليته وحرفيته كافيا للتعبير عنها دونما حاجة لفعل ابداعي في التعامل مع هذا المرجع .على العكس من ذلك في حالة األفكار المتخصصة والنابعة من جوهر الظرف التصميمي ومن محاولة استثمارها للتعبير عن أكثر من مفردة من مفردات الظرف التصميمي ،فإن وجود المراجع المرتبطة بها وبشكل كامل وحرفي لن يكون كافيا للتعبير .األفكار المتخصصة ستتطلب التركيز على جوانت منتخبة من المرجع دون أخرى الظهار الجانب التخصصي في الشكل والمرتبط بالجانب الخاص بالمفهوم .هذا التركيز على جانب محدد من المرجع وعلى معالجة خاصة سيتيح الوصول إلى أشكال جديدة منبثقة من المراجع السابقة وليست منتهية بها .اضافة إلى هذه الحالة في أحيان كثيرة اليمكن استثمار أي مرجع سابق للتعبير عن فكرة متخصصة حتى بإجراء معالجة ما عليه .مثل هذه األفكار الترتبط بمرجع محدد وحسب ولكنها تظهر من خالل فضاء التوتر الذي يمكن خلقه بالتقابل بين المراجع .هنا اليكفي المرجع الواحد للتعبير وتبرز الحاجة ألكثر من مرجع .هنا وبضوء حالة التقابل بين هذه المراجع المستخدمة سيتم التركيز على جوانب المراجع التي تستثير حالة التقابل .بذلك فإن مايظهر في الشكل ليس التكرار المستهلك بل التشكيل الجديد الذي لم يبرز سابقا أبدا .وجود المرجع يعكس المفهوم العام الشائع المتداول المتكرر .على العكس من ذلك الطريقة التي يتم التعامل بها وعالقته مع المراجع األخرى تعكس الجانب المحدد الخاص من المفهوم والذي سيمثل الرسالة الخاصة ،األشكال هنا تتراكب بنفس الطريقة التي تتراكب بها األفكار .التصميم يتم النظر له هنا ليس كتركيب من األشكال بل كتركيب من األفكار تستحضر األشكال للتعبير عنها .تراكمية األفكار إن االتجاه العام للمشاريع باستثناء المشروع األول هو أنه إن لم تكن بعض مفردات الظرف التصميمي مهمة من ناحية التعبير فإن األفكار تكون تراكمية تجاورية. اإلتجاه العام البارز من المشاريع هو أنه بعد أن يلتقط جانب معين من الظرف التصميمي ( الرسمانية أو العائدية للصحة أو سباق مدينة الرياض) يتم االنتقال مباشرة الستحضار المرجع الشكلي للتعبير عنه ليتم جمعه بعد ذلك مع مرجع شكلي آخر للتعبير عن مفردة أخرى .عند النظر بصورة تراكمية لمجموع مايراد التعبير عنه يمكن أن يقصد به تراكمية وتجميعية األفكار .االطار الفكري للمشروع هنا هو مجموعة من األفكار يتم التعبير عن كل منها على حدة ثم تجمع التعبيرات مع بعض .االستثناء الواضح هنا هو ماحدث في المشروع األول عندما تم استثمار الصالدة للتعبير عن الرسمانيةكمؤشر عن خصوصية الوظيفة كمبنى وزاري وبنفس الوقت استثمرت للتعبير عن القديم بمرادفة الحديث الشفاف للتعبير عن سياق مدينة الرياض الذي يتجمع به القديم الجديد .االطار الفكري هنا اليكون مفهوما واحدا موحدا يستثمر للتعبير عن أكثر من مفردة من مفردات الظرف التصميمي بدرجات متباينة من االرتباط والتجريد .األفكار تجمع أفقيا أوال والتختصر عموديا .عندما ينزاح التفكير بعيدا عن الجوهر يتم التركيز على تراكم األفكار ككل مجمع دون هيكلية محددة لتجميعها مع بعض وعالقاتها مع بعض مما يتم االندفاع باتجاه تراكم المراجع دونما اهتمام للكيفية الخاصة التي يتم بها التجميع .التجميع يصبح بضوء ذلك أوال ذا طبيعة عامة متكررة شائعة وثانيا يوصل الرسالة التي يقصدها المصمم بنفس الكفاءة لجميع الرسائل األخرى التي ممكن أن تعكسها هذه المراجع .األفكار المتخصصة التي تقع وسطيا على سلم التجريد ستكون البودقة التي تنصهر بها كل المفردات المتنوعة والمتباعدة للظرف التصميمي .االبداع يعود بعد ذلك في كون هذه األفكار المتخصصة هي تعبير عن مايتم كشفه من تشابهات بين المختلفات .رسالة المشروع ستكون مفهوما جديدا تم بلورته كتعبير عن رسالة الوظيفة الخاصة اضافة إلى رسالة المكان .يتمثل العمل االبداعي بالقدرة على تحقيق أكبر كم من األهداف بأقل قدر من الشكل .العمل المعماري ألن يدخل مجال االبداع البد وأن يحقق هذه الثنائية من التباين بين كمية األهداف وكمية الوسائل .العمل المعماري ضمن هذا االتجاه يفترق عن العمل الهندسي بشكل عام عندما اليعطي نفس االهتمام لالختصار الشكلي مع التوسع باألهداف المراد تحققها .بنفس الوقت العمل المعماري يفترق عن العمل الفني البحت عندما يحاول أن يستثمر الشكل ليس للتعبير عن األهداف التعبيرية وحسب بل أن يستثمر الشكل نفسه لالستجابة للمتطلبات الوظيفية والموقعية والتنفيذية وغيرها.الشكل الذي سيتصدى لمثل هذه األفكار لن يكون مكررا بل سيكون اإلطار المختصر الذي يمكنه أن يعبر عن أكبر مدى من األفكار وعن طريقة ارتباطها بمجاالت انبثاقها .تمثيلية األفكار األفكار التي تم اعتمادها في المشاريع وإن خصت أجزاء من الظرف التصميمي كانت في الغالب محايدة ساكنة وصفية لهذا الظرف .إنها تحاول أن تعتمد ماتجد أمامها وتمثله إلى درجة يصعب التمييز بينها وبين ما مثلته .إنها ليست موقفا أو رؤية عن ما يوجد أمامها وبالتالي فهي ليست حوارية تساؤل التفكير السائد وتكشف تجليات الحالة العامة بالظرف الخاص.هذه الحالة الوصفية التلتقط ما تركز عليه توجهات اإلبداع بشكل عام .األفكار في مجال اإلبداع حوارية جدلية وليست اعتمادية تمثيلية ،تساؤل التفكير السائد والتالي ممكن أن تنتج الجديد .بعد تحديد األفكار بهذه الصورة لبعض جوانب الطرق التصميمي يتم جمعه كوصوفات محايدة والتعبير عنها بجمع المراجع المرتبطة بكل منها .بعبارة أخرى األفكار كانت تلتقط جزء من الظرف التصميمي وتجمده ثم يتم التعبير عنه :للتعبير عن مدينة الرياض مثال يعتمد النمط التقليدي للعمارة ،للتعبير عن عائدية المبنى اإلداري للوزارة تعتمد رسمانية التشكيل ،للتعبير عن عائدية المبنى للصحة تعتمد فكرة االحتواء واالحتضان ،للتعبير عن تراحم القديم والجديد يعتمد المصمت والشفاف وهكذا .في كل هذه الحاالت جاءت التصاميم كتلخيص شكلي غير مباشر عن الظرف التصميمي مع عدم طرح رؤية أو موقف عن كل من مفرداته .الشكل المعماري كوسيلة للتعبير عن الظرف التصميمي والفكر الذي بلور بصدده يستهدف االقناع بهذا الفكر أو الموقف .بالتالي فإن الشكل يمكن أن ينظر له كوسيلة محاجة وليس كعدسة كاميرا .ضمن هذا الفهم البد لألفكار أن تشكل رؤى ومواقف جديدة تختصر من ناحية جوهر الظرف التصميمي وتؤشر من ناحية أخرى لرؤية معمارية لحل اإلشكاليات الكامنة تحت هذا الجوهر .هذا الموقف سيلعب دوره االجتماعي في سياقات أخرى ألن هذه اإلشكاليات تكون بطبيعتها قابلة للتجلي في أكثر من سياق وأن الظرف قيد التصميم هو أحدها وحسب .األفكار في العمل االبداعي ليست رؤية معزولة عن واقع الظرف التصميمي وليست أيضا تمثيل مباشر لهذا الواقع بقدر ماهي رؤية وموقف شخصي عن ما يتسم به هذا الواقع .ما كان ضروريا هو طرح موقف عن فاعلية اعتماد االنماط التقليدية في عمارة المستقبل بدال من اعتمادها وحسب دونما اضافة للتفكير الذي ينشغل به المجتمع حاليا حول التعامل مع الموروث .ما كان مطلوبا هو بلورة موقف عن أهمية رسمانية المبنى الوزاري في ظل التطور االجتماعي أو التكنولوجي السائد مثال ،ما كان ضروريا هو أن تتم مسائلة فكرة الصحة ومسئولية المجتمع بصددها بدال من القول فقط أن الوزارة تحتضن الصحة .بغياب أفكارا ضمن هذا اإلطار تكون األشكال ميتة ساكنة عندما ينتقل إلى التعبير .المراجع السابقة يتم البدء بها واإلنتهاء بها أيضا ألن مايراد أن يقال كامن فيها ونابع منها .التتوفر فرصة لخلق الشكل الجديد المنبثق من المراجع السابقة والتغير منتهي بها وإنما منتهي بالجوانب التي عولجت منها أو أضيفت أو حذفت فيه بضوء المواقف الذي تمت بلورته نحو مفردة الظرف التصميمي الذي جئ به للتعبير عنها .األشكال تبقى ساكنة كلية حرفية متداولة ألن وجودها فقط هو ما أريد من جلبها وليس التركيبة الخاصة من مفردات الشكل التي تثير وتلفت األنظار إلى الموقف حولها.المصدر :نقد النقد المعماري - منتدى المهندس Follow us: @almohandes_org on Twitter | Almohandes.forum on Facebook