Professional Documents
Culture Documents
يمكن فهم العالقة بين الفن وسوق المال ،عن طريق تفسير الفن على أنه مجموع األعمال
المتداولة في سوق الفن ،ويجب مالحظة ذلك في ضوء التطورات المذهلة التي حدثت في سوق
الفن في العقود األخيرة .مزادات الفن الحديث والمعاصر ،والمبالغ الضخمة التي يتم دفعها مقابل
األعمال الفنية ،تؤكد أن الفن تحول إلى سلعة .من ناحية أخرى يظهر الفن المعاصر في سياق
المعارض الدائمة والمؤقتة ،التي تعقد غالبا للجمهور العام ،وليس لمقتني الفن ،وهي الطريقة
التي يتواصل بها الجمهور العادي مع الفن.
لوحة ديفيد هوكني (حوض سباحة مع شخصين) أصبحت مؤخرا العمل الفني األغلى لفنان على
قيد الحياة ،حيث أعلنت صالة مزادات كريستيز بنيويورك أن اللوحة معروضة للبيع بقيمة 80
مليون دوالر .اللوحة يملكها الملياردير (جو لويس) المقيم بجزر البهاما ومالك نادي (توتنهام
هوتسبيرز) وماتيس ،ولوسيان فرويد.
يقارب هذا السعر ثالثة أضعاف أغلى لوحة بيعت لديفيد هوكني في مزاد حتى اآلن .وسوف
يحطم الرقم القياسي الذي حمله الفنان األمريكي (جيف كونز) بعد بيعه لعمله الفني بمبلغ 58
مليون دوالر عام .2013أغلى لوحات هوكني حتى اآلن هي لوحة بعنوان (طريق الباسيفيك
كوست السريع) التي بيعت في صالة مزادات سوثبي بنيويورك هذا العام مقابل 28.5مليون
دوالر ،والتي عزز من خاللها هوكني مكانته في عالم أشهر الفنانين الموجودين على قيد الحياة.
لوحة (حوض سباحة مع شخصين) واحدة من أهم لوحات العصر الحديث ،أنجزت عام 1972
ويظهر فيها منظر للطبيعة الخضراء ،ورجل يسبح تحت الماء ،وهو صديق هوكني السابق
(بيتر شليزنجر) ،ورجل آخر يشاهده من الخارج .ربما ما يجعل اللوحة هي األغلى كونها
عرض كامل ألسلوب هوكني ،باإلضافة إلى تمثيلها للتعقيد العظيم داخل العالقات اإلنسانية؛ بعد
أن أصبح هذا العمل عنصرا أساسيا في فيلم (البقعة الكبيرة) لجاك هزان ،الذي أنتج عام .1972
والذي كان يركز في أساس بنيته الدرامية على موضوع الحب المثلي ،الذي بني من األساس
على وجود اللوحة ،التي أصبحت بعد ذلك رمز لإلغتراب ،والهوة التي تقع بين األصدقاء
المقربين.
استغرق الفيلم ثالث سنوات حاول خاللهم هزان التقاط هوكني في وضعيات طبيعية ،مع
أصدقاءه الحقيقيين ،في أماكن العمل والمناسبات االجتماعية ،بشكل شبه طبيعي بدون تدخل
كبير من المخرج ،وكأن الكاميرا تدور وتصور ،دون حتى أن يدرك هوكني أي مشهد يقع
تحت سطوة الكاميرا في لحظات التصوير.
الفيلم متخم باألجساد الذكورية العارية ،والمشاهد الصادمة الصريحة ،ونتيجة ذلك أصبح الفيلم
حميميا جدا بالرغم من كونه فيلما وثائقيا .عندما شاهد هوكني الفيلم ألول مرة أصابته صدمة
كبيرة ،وسقط في اكتئاب ما يقرب من أسبوعين ،وحاول بعد ذلك شراء اللقطات الفجة بالفيلم،
لكنه في النهاية بقى ليصبح الفيلم بلقطاته وسياقه ،ربما أصدق من الحقيقة ذاتها.
ولد ديفيد هوكني في برادفورد بانجلترا ،عام 1937والتحق بمدرسة الفنون الجميلة بلندن،
وانتقل إلى لوس أنجليس في الستينيات .أظهرت لوحات هوكني المبكرة ،ميوله األدبية ،حيث
استخدم أجزاء من قصائد واقتباسات والت ويتمان في عمله ،مثل لوحة "نحن أثنين من الفتيان
نتشبث معا" التي رسمها عام 1961وكانت أول إشارة لمثليته الجنسية في فنه ولوحاته.
تنقل هوكني بين أكثر من مدرسة فنية ،بدءا من حركة البوب في الستينيات ،والتي كان له
بصمة مميزة بألوانه المشرقة ،في الوقت الذي كانت صاالت العرض تضج بالعروض الفنية
التقليدية المملة ،وكان له دور كبير في حركة البوب أرت البريطانية على وجه الخصوص،
وحركة الواقعية الجديدة ،التي مثلت اتجاها جديدا يرفض المدارس الكالسيكية ،واألكاديمية،
وتجاهلت كل ما يتعلق بالقيم الفنية التقليدية ،وكانت اللوحات تنتمي بشكل أكبر إلى كل فنان على
حدا ،بقدر غير محدود من الحرية الفنية التي تنبع من عمق كل فنان .وتضمن أسلوبه العديد من
المصادر الفنية المتباينة ،من الباروك إلى التكعيبية ،التي قدم من خاللها أعمال تخالف فكرة
بيكاسو وبراك عن تمزيق السطح ،وعمل على تجاهل كل النظريات الراسخة عمدا ،من
المنظور الخطي ،إلى نظرية األلوان ،وتفكيك النسب المتداولة.
أراد هوكني بشكل عام أن يخلد من خالل اللوحات عالقاته مع األشخاص الذين يعرفهم ،وفي
كثير من لوحاته ،رسم الرجال الذين أحبهم ،وتظهر مسحة من الرقة والشفافية على رسمه
لألشخاص القريبين من قلبه ،مثل لوحته التي تضمنت رسم لوالديه ،وكانت توضح شخصياتهم
بعمق ،من خالل الوضعيات التي اتخذوها .تجلس األم منتصبة ومنتبهة ،بينما والده منكفئا على
مجلته يتصفحها.
بالرغم من كونه من أهم الفنانين ولوحاته من أغلى اللوحات ،إال أنه يقول دائما "إذا أردنا أن
نغير نظرتنا للعالم ،علينا تغيير نظرتنا للصور المحيطة ،ذلك يحدث عن طريق الفنان ،الذي
يحمل مهمة بالغة األهمية يقوم بها .وهو ليس شخصية هامشية صغيرة مهمتها الترفيه عن
األغنياء .العالم فعال بحاجة إلى الفن"