You are on page 1of 230

‫﴿ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾‬

‫[سورة ص‪ :‬اآلية ‪]20‬‬

‫‪/.‬‬
‫ال إله إال اهلل ‪ ..‬محمد رسول اهلل‬

‫الطبعة األوىل‬
‫‪1433‬هـ ‪ 2011 -‬م‬
‫حسن الوفاء‬
‫إن من حسن الوفاء‪ ،‬ومتام األدب‪ ،‬واملحافظة عىل العهد والبيعة‪:‬‬
‫ّ‬
‫أن يزور املريد قرب ش�يخه‪ ،‬وأن يدعو له‪ ،‬وأن يقوم بكل ما أوىص به‪،‬‬
‫وأن ينشر علم�ه وأدبه‪ ،‬وحيي�ي تراثه‪ ،‬ويعرف ملن مات ش�يخه وهو‬
‫راض عنهم حقوقهم‪ ،‬وقد قال شيخنا رمحه اهلل رمحة واسعة‪:‬‬

‫املوت وال تفجـعـنـي‬ ‫ِ‬ ‫يا ولدي ‪ :‬ال َتنْس مجـيـلـي َب ْعدَ‬
‫ز ُْر قربي‪ ،‬و َت َع َّهدْ ِذكْـري تن َف ُع َن ْف َس َ‬
‫�ك أو َتنْ َف ُعـنـي‬
‫ك يل ما أعني‬ ‫�ن وفائِ َ‬
‫�ن ُح ْس ُ‬
‫ِ‬
‫ح ّق� ًا حس�بي ريب لك ْ‬

‫أبنائي وأهلي‬
‫بح ٍّق‬
‫وم ْن َ‬ ‫وقالوا‪َ :‬م ْن ( َب َ‬
‫نوك)؟ َ‬
‫قلت ‪ :‬أتى ُ‬
‫البيان‬ ‫مهو ( َأ ْه َ‬
‫لوك )؟ ُ‬
‫أركان حزيب‬
‫ُ‬ ‫ف�ـ ( أبنائي ) مه�و‬
‫و ( أهيل ) هم ُدعايت حيث كانوا‬
‫�ن َأ ْحي�ا ( تراث�ي ) فهو منِّي‬
‫وم ْ‬
‫َ‬
‫امل�كان !!‬
‫ُ‬ ‫ّم�ان أو‬
‫وإن َب ُع�دَ الز ُ‬
‫ْ‬
‫محــد ًا هلل‪ ،‬وصال ًة وسالم ًا عىل مصطفاه‪ ،‬وعىل آله وصحبه‬
‫ومن وااله‪ ،‬يف مبدأ األمر ومنتهاه‪.‬‬

‫وريض اهلل تع�اىل عن أش�ياخنا يف اهلل‪ ،‬ورحم اهلل من س�بقنا‬


‫من إخواننا إليه‪ ،‬ووفق أحياءنا إىل ما حيبه ويرضاه‪.‬‬

‫َّأما بعـــد‪ :‬فهذه خمتارات من كتابات ش�يخنا اإلمام الرائد‪،‬‬


‫التي َصدَّ رها بقوله‪( :‬يا ولدي)‪ ،‬أو أورده فيها‪ ،‬جيمع بينها أهنا‬
‫اش�تملت عىل معامل قانون الرتبية‪ ،‬وخالصة قواعد التزكية‪ ،‬فهي‬
‫زاد الداع�ي إىل اهلل تع�اىل‪ ،‬لريتقي بنفس�ه يف معارج الس�لوك إىل‬
‫ملك امللوك س�بحانه‪ ،‬آخذ ًا بيد َم ْن حوله إرشاد ًا ونصح ًا وأخو ًة‬
‫وصحبة‪ ،‬وختلق ًا بالر ّبانية‪ ،‬التي أمر اهلل هبا‪.‬‬

‫ وح�ول عبارة (يا ولدي)‪ ،‬وما فيها من املع�اين الرائقة الراقية‪ ،‬انظر ما‬
‫كتب يف املقدمة عىل رس�الة اخلطاب لش�يخنا اإلمام الرائد‪ ،‬وهي أول‬
‫ما يف هذا املجموع‪.‬‬

‫‬
‫وقد ارتأت (أمانة الدعوة) مجع هذه املادة‪ ،‬ونرشها‪ ،‬بمناسبة‬
‫الذكرى الرابعة عرش النتقال ش�يخنا اإلمام الرائد من دار الدُّ نيا‪،‬‬
‫احلق جل وعلا‪ ،‬وتوزيعها يف املواس�م العلمية التي‬
‫إىل رح�اب ِّ‬
‫تقام بمناسبة هذه الذكرى‪.‬‬

‫وق�د احتوى ه�ذا املجموع على بعض الفت�اوى واألجوبة‬


‫لش�يخنا اإلمام الرائد رمح�ه اهلل‪ ،‬كأنموذج عميل يف تطبيق مناهج‬
‫الدعوة‪ ،‬قوألً وفع ً‬
‫ال وحاالً‪.‬‬

‫واهللَ تعاىل نس�أل‪ ،‬وبنب ِّيه � نتوس�ل‪ ،‬أن جيع�ل هذا العمل‬
‫خالص� ًا لوجه�ه الكريم‪ ،‬وأن ينفع به‪ ،‬وأن جيعل�ه صدق ًة جاري ًة‪،‬‬
‫مضاعف� َة الث�واب واألج�ر‪ ،‬ملؤلف�ه س� ِّيدي اإلم�ام حمم�د زكي‬
‫إبراهيم‪ ،‬رمحه اهلل تعاىل رمحة واسعة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫وصلىَّ اهلل عىل سي ِدنَا حُ َ ٍ‬
‫وص ْحبِه َ‬
‫وس َّل َم‬ ‫م َّمد وعىل آله َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫َ‬

‫أمانة الدعوة‬

‫‬
‫صورة اخلطاب الصويف السلفي الشرعي التارخيي‬
‫ال��ذي كتبه موالن��ا اإلمام حممد زك��ي إبراهيم‬
‫رائد العشرية وشيخ الطريقة احملمدية الشاذلية‪،‬‬
‫إىل أحد خواص مريديه ‪.‬‬
‫دعــاء‬
‫دع�ا فضيلة موالن�ا اإلمام الرائد رمح�ه اهلل تعاىل‬
‫ألحـد األخوة يف خطاب له فقال‪:‬‬

‫وج َع َل‬
‫�ك ‪َ ،‬‬ ‫ك إال َن ْف َس َ‬ ‫« َأ َذ َّل اهللُ ك َُّل َع�دُ ٍّو َل َ‬
‫ار َيـ� ًة ِعن�دَ َك‪، ‬‬ ‫�ك ال َع ِ‬‫�ك ِه َبـ� ًة َل َ‬ ‫نِ ْع َمتَـ� ُه َع َل ْي َ‬
‫�ر ِ‬ ‫ِ‬
‫�ر ‪،‬‬ ‫الغنَ�ى ‪ ،‬و ُذ ِّل ال َف ْق ِ‬ ‫ط ِ‬ ‫َو َأ َع�ا َذ َك‪ ‬اهللُ م ْ‬
‫�ن َب َ‬
‫ك بما َت َك َّف َل‬ ‫ك َل ُه ‪ ،‬وال َش َغ َل َ‬ ‫ك‪ ‬اهللُ لما َخ َل َق َ‬ ‫و َف َّر َغ َ‬
‫وغ َلب ِ‬ ‫�ك‪َ ،‬و َأ َعا َذ َك ِم�ن ا ْل َع ْج ِز َوالك ََس ِ‬ ‫ـه َل َ‬ ‫بِ ِ‬
‫ـة‬ ‫�ل ‪َ َ ،‬‬
‫َك َرطِب ًا بِ ِذك ِْر ِه ‪،‬‬ ‫ض ‪َ ،‬و َج َع َل لِ َس�ان َ‬ ‫الدَّ ْي ِن َوا ْل َم َ‬
‫�ر ِ‬
‫اعتِ ِه ‪،‬‬‫َك َه ّينًا َل ّينًا يف َط َ‬‫ك َح ًّيا بِ ُش�ك ِْر ِه ‪ ،‬و َبدَ ن َ‬ ‫و َق ْل َب َ‬
‫َار ِم األَ ْخ ِ‬ ‫ومك ِ‬ ‫ِ‬
‫الق » ‪.‬‬ ‫َك با ْل َم َح َّبـة َ‬ ‫وزَ َّين َ‬

‫ونح�ن ندع�و هب�ذا ل�كل أخ يف اهلل جيي�ب دعوة‬


‫الداعي إذا دعاه ‪.‬‬
‫أمانة الدعوة‬
‫محــد ًا هلل‪ ،‬وصال ًة وسالم ًا عىل مصطفاه‪ ،‬وعىل آله وصحبه‬
‫ومن وااله‪ ،‬يف مبدأ األمر ومنتهاه‪.‬‬
‫وريض اهلل تع�اىل عن أش�ياخنا يف اهلل‪ ،‬ورحم اهلل من س�بقنا‬
‫من إخواننا إليه‪ ،‬ووفق أحياءنا إىل ما حيبه ويرضاه‪.‬‬
‫َّأم�ا بعـــد‪ :‬فهذا خطاب صويف جامع‪ ،‬كتبه ش�يخنا اإلمام‬
‫الرائ�د إىل أح�د كرام مريدي�ه‪ ،‬احتوى عىل ُد ٍ‬
‫رر م�ن بديع البيان‪،‬‬
‫دوي بالغ يف األوس�اط‬ ‫و ُغ ٍ‬
‫�رر م�ن في�ض الرمحن‪ ،‬وق�د كان ل�ه ّ‬
‫الصوفية وغريها‪.‬‬
‫وكان م�ن فض�ل اهلل تع�اىل أن طب�ع ه�ذا اخلط�اب م�رات‬
‫عدي�دة‪ ،‬مف�رد ًا أو ملحق� ًا بغيره‪ ،‬ونشر بالصح�ف املرصي�ة‬
‫على حلق�ات يف ش�هر رمضان املب�ارك‪ ،‬كما انترش عىل الش�بكة‬
‫العاملي�ة (االنرتن�ت)‪ ،‬وترج�م إىل اللغ�ة اإلنجليزي�ة‪ ،‬ترمج�ه‬

‫ اخلطاب‪ ،‬وترمجته اإلنجليزية‪ ،‬تم نرشمها عىل املوقع اإللكرتوين‪:‬‬


‫‪www.almoslem.net‬‬

‫‬
‫األخ الفاض�ل الش�يخ يوس�ف حمي�ي الدي�ن البخ�ور احلس�ني‪،‬‬
‫وترج�م أيض� ًا إىل اللغة الفرنس�ية ترمج�ه األخ الفاضل األس�تاذ‬
‫املرتضى‪ ،‬ويق�وم بع�ض األخ�وة الصاحلين برتمجت�ه إىل‬
‫(اللغة األُردية)‪.‬‬
‫وهذا اخلطاب ليس إال قطعة أدبية رائعة‪ ،‬ترسي فيها روح‬
‫حكم ابن عطاء اهلل الس�كندري‪ ،‬و ُي َش ُّم منها عبق رسالة اإلمام‬
‫الغ�زايل‪( :‬أهي�ا الول�د املح�ب)‪ ،‬احتوى على لطائف الرس�الة‬
‫القشيرية‪ ،‬وتأصي�ل (قواع�د التص�وف) لإلمام أمح�د زروق‪،‬‬
‫للروح والوجدان‪.‬‬
‫وإيضاحات ابن عجيبة‪ ،‬فهو خطاب ُّ‬
‫واخلالص�ة ‪ -‬أهيا األخ املب�ارك‪ - ‬أنه خطاب جامع ممتع‪،‬‬
‫في�ه قواعد وفوائ�د‪ ،‬وإرشاق�ات روحية ورقائق‪ ،‬وإش�ارات‬
‫صوفية ودقائق‪ ،‬يستفيد منها العامة وأهل االختصاص‪ ،‬وكلام‬
‫كررت النظر وجدت املزيد‪.‬‬
‫وجيدر بك ‪ -‬أهيا األخ املبارك‪ - ‬أن تس�توقفك تلك العبارة‬
‫لهم�ة املحبب�ة إىل النف�س « ي�ا ول�دي » الت�ي ختلل�ت مقاطع‬
‫الم َ‬
‫ُ‬

‫ الرتمجة الفرنسية للخطاب منشورة عىل املوقع االلكرتوين‪:‬‬


‫‪www.islamophile.org/spip/article999.html‬‬

‫‪10‬‬
‫اخلطاب وفصوله‪ ،‬والتي كثري ًا ما كان خياطب هبا سيدي األستاذ‬
‫اإلم�ام حمم�د زك�ي إبراهي�م تالمي�ذه‪ ،‬والتي جتده�ا يف كثري من‬
‫كتابات�ه‪ ،‬وللعب�ارة أثرها الروح�ي‪ ،‬ووقعها النفسي‪ ،‬فهي جتمع‬
‫معاين األس�تاذية واإلرش�اد والرتبية والتزكية‪ ،‬مع مشاعر األبوة‬
‫احلاني�ة من تنبيه ونصيحة وحتذير‪ ،‬وخوف عىل التلميذ أو املريد‪،‬‬
‫كل تلك املعاين اجلليلة خترج‬ ‫ٍ‬
‫صدق وإخالص وبذل‪ُّ ،‬‬ ‫وتدل عىل‬
‫يف نفس واحد وكلمة واحدة‪ ،‬مما يوقظ الشعور‪ ،‬ويوثق الرابطة‪،‬‬
‫وهييئ النفس للتلقي والقبول‪.‬‬

‫س�معت ه�ذه الكلمة من‬


‫ُ‬ ‫وق�د كان�ت نفسي تذهب كلم�ا‬
‫ش�يخنا رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬وأحس أهنا خت�رج من أعامق قلبه‪ ،‬فكلما‬
‫ٍ‬ ‫عيل تلك املعاين مجيع� ًا يف‬
‫صور متتابعة‪،‬‬ ‫ق�ال (يا ولدي) ترتادف ّ‬
‫تش�عرك بمزيد خصوصي�ة‪ ،‬وبيشء م�ن رس االختصاص‪ ،‬يقف‬
‫عنده من يتذوق معاين الكلامت‪.‬‬

‫وأحس�ب أن ه�ذه الكلمة وأمثاهل�ا‪ ،‬متثل يف حد ذاهت�ا‪ ،‬باب ًا‬


‫عظي ًام من أبواب الرتبية والسلوك‪ ،‬بل باب ًا عظي ًام من أبواب احلياة‬
‫االجتامعية‪ ،‬والطب النفيس‪ ،‬وتربية النشء ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الصاحلني‪ ،‬فها هو اإلم�ام الغزايل خياطب‬
‫وهي م�ن مرياث ّ‬
‫تلميذه بقوله « أهيا الولد املحب » يف كل مقطع من نصيحته املسامة‬
‫بالرسالة الولدية‪ ،‬بينما نجد الشيخ نجم الدين كُربى يف « فوائح‬
‫اجلمال وفوات�ح اجلال ل » يكرر قوله‪ « :‬ي�ا حبيبي »‪ ،‬بينام اختص‬
‫س�يدي عبد القادر اجليلاين بقوله‪ « :‬يا غلام » يف كتبه‪ ،‬و ُي َصدِّ ر‬
‫س�يدي أمحد الرفاع�ي كالمه بقوله‪ « :‬أي س�ـادة »‪ ،‬وقبل هؤالء‬
‫مجيع ًا نجد القرآن الكريم قد سجل قول يعقوب عليه السالم البنه‬
‫يوسف « يا بني »‪ ﴿ :‬ﭑﭒ ﭓﭔﭕﭖﭗ﴾‪ ،‬وقالها‬
‫إلخوته‪ ﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﴾‪ ،‬ويبدأ بها لقمان‬
‫وصيت�ه البن�ه‪ ﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ﴾‪ ،‬ويكرره�ا لقم�ان في وصيته‪:‬‬
‫﴿ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﴾‪ ﴿ ،‬ﯤ ﯥ ﯦ ﴾‪.‬‬
‫نس�أل اهلل تع�اىل أن ينفعنا بما علمنا‪ ،‬وأن يعلمن�ا ما ينفعنا‪،‬‬
‫وأن جيعلنا من عباده الصاحلني‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وص ْحبِه َ‬
‫وس َّل َم‬ ‫وصلىَّ اهلل عىل َس ِّيدنَا محُ َ َّمد وعىل آله َ‬
‫َ‬
‫عن أمانة الدعوة‬
‫حميي الدين حسني يوسف اإلسنوي‬

‫‪12‬‬
‫خطاب صويف جامع‬

‫من اإلمام الرائد إىل أحد كرام مريديه‬


‫‪..........‬‬

‫يـا ولدي‪:‬‬

‫احلق‪ ،‬وهـا أنا ذا ‪ -‬بإذن اهلل ‪ -‬أكتب‬


‫س�ألتني عن التصوف ّ‬
‫إليك شيئ ًا مما حيرضين من ( هوامشه )‪ ،‬و ُأ َو ِّج ُه َك إىل بعض آفاق‬
‫ُ‬
‫فأنق�ل إليك بعض ما قال‬ ‫لتتعرف عىل بعض حقائقه‪،‬‬
‫مش�ارفه‪َّ ،‬‬
‫جل جال ُله‪.‬‬
‫حل ِّق َّ‬
‫رجا ُله‪ ،‬وما ب َّل َغني إليه حا ُله‪ ،‬وما كان من فيض ا َ‬
‫أس�أل اهلل أالَّ يفوتني‬
‫ُ‬ ‫وق�د يفوتن�ي التنس�يق والتزويق‪ ،‬ولكنن�ي‬
‫التحقيق والتوفيق‪.‬‬
‫ِ‬
‫ـول‬‫�ن‪ ،‬أو أ ُق َ‬ ‫ف م�ا ال ُأ ْحس ُ‬ ‫�م يِّإن َأ ُع�و ُذ بِ َ‬
‫�ك أن أ َت َك َّل َ‬ ‫الله َّ‬
‫« ُ‬
‫�اد َل ع�ن َباطِ ٍل‬ ‫�ق أعت َِق�دُ ه‪ ،‬أو ُأج ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ي يف َح ٍّ ْ‬ ‫�م‪ ،‬أو ُأ َم ِ‬
‫ـ�ار َ‬ ‫م�ا ال َأ ْع َل ُ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين بِ َضا َع ًة‪ ،‬أو َأ ْط ُل َ‬
‫ب الدُّ ْن َيا‬ ‫أ ْنتَقـ�دُ ُه‪ ،‬أو َأ خَّت َذ الع ْل َم صنَا َع ًة‪ ،‬أو الدِّ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫بنس َي ِ‬
‫ان َر ِّب الدُّ ْن َيا‪ ،‬أو َأ ْع َم َل لآلخ َرة ر َي ً‬
‫اء وزُور ًا »‪.‬‬ ‫ْ‬

‫‪13‬‬
‫يا ولدي‪:‬‬

‫التصوف العميل جترب ٌة تصل بك إىل التذوق والصفاء‬


‫ُ‬ ‫قالوا‪:‬‬
‫رس ال�ذات‪ ،‬واخلالفة عىل األرض‪،‬‬
‫واملش�اهدة والوصول إىل ِّ‬
‫وسبيله‪ :‬العلم والعبادة‪ ،‬فال يغني عنك فيه سواك‪ ،‬فإنَّه ال يمكن‬
‫أن يتذوق لك منه غريك‪ ،‬كام ال يمكن أن ترى ب َعينْ َر ُج ٍل آخر‪.‬‬

‫فهل تس�تطيع أن تعرف طعم « التفاح » َم َث ً‬


‫ال دون أن متضغه‬
‫بالفع�ل؟ وه�ل يكفي أن تنظر إىل العس�ل‪ ،‬أو أن تعرف مكوناته‬
‫لتتمتع بحالوته‪ ،‬دون أن حيتويه الفم أو يعركه اللسان ؟‪.‬‬

‫وه�ل يمكن أن يتحقق الش�بع‪ ،‬أو ينطفئ العطش بالتصور‬


‫ال وواقع ًا؟ طبع ًا‪ :‬ال‪.‬‬
‫واخليال دون تناول الطعام والرشاب‪ ،‬فع ً‬

‫ُوصل‬
‫وكذل�ك ال يغن�ي يف ه�ذه التجربة جمرد العل�م‪ ،‬وال ت ِّ‬
‫دروب الفلس�فة‪ ،‬فالعل�م والفلس�فة أعمال عقلي�ة‪ ،‬وهذه‬
‫ُ‬ ‫إليه�ا‬

‫ لي�س املقص�ود بسر ال�ذات اإلحاطة بكنه ذات�ه تعاىل‪ ،‬مع�اذ اهلل ‪ ،‬بل‬
‫املقصود معرفة اإلنسان لذاته‪ ،‬فمن عرف نفسه بالعجز واالفتقار فقد‬
‫ع�رف خالقه بالق�درة واالقتدار‪ ،‬ومن عرفه�ا بالضعف والذل عرف‬
‫ربه بالقوة والعزة ‪ ..‬وهكذا‪ .‬اهـ مصححه ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫وش�تَّان ما بينهام‪ ،‬غري َّ‬
‫أن‬ ‫التجرب�ة من األعامل القلبية الوجدانية‪َ ،‬‬
‫التعبيرات الصوفية إذا عوجلت باإلحس�اس والتعمق‪ ،‬واملعاناة‬
‫والت�ذوق‪ ،‬كانت قادرة عىل تغيري الباط�ن الذي به يتغري الظاهر‪،‬‬
‫وحب وبركة وإنتاج‪.. ‬‬
‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫إرشاق‬ ‫فيولد اإلنسان والدة جديدة‪ ،‬كلها‬
‫هكذا قال الشيوخ !‬

‫أ َّم�ا جم�رد ق�راءة كتب التص�وف بلا معاناة‪ ،‬فهـ�ذه متعة‬


‫ذهنية‪ ،‬وثقافة عقلية‪ ،‬وقد تش�ارك فيها النفس األمارة بالسوء‪،‬‬
‫فتكون طريق ًا إىل الضاللة طرد ًا أو عكس ًا ‪.‬‬

‫الروحي�ة‪ ،‬واإلرشاقات القلبي�ة‪ ،‬فهي نتيجة‬


‫أ َّمـ�ا المنح ُّ‬
‫اجله�ود واألعمال‪ ،‬فالصوفي�ة أرب�اب أح�وال‪ ،‬ال أصحاب‬
‫أقوال‪ ،‬ولم ينل املشاهدة َم ْن ترك ا ْل ُم َج َ‬
‫اهدة ‪.‬‬

‫يـا ولدي‪:‬‬

‫َّ‬
‫إن التص�وف خدم�ة تتكي�ف بحاج�ة كل عصر‪ ،‬وكل‬
‫إنس�ان‪ ،‬وكل وطن‪ ،‬فهي جتس�يد ش�امل لعملية االستخالف‬

‫‪15‬‬
‫إن اهلـداي�ة أيض ًا‪ :‬جهـد ومعاناة‪ ،‬والش�يخ‬
‫على األرض‪ ،‬ثم َّ‬
‫�ع لم يصل‪ ،‬و َم ْن ل�م يلتمس املعارج‬
‫فم ْن لم َي ْس َ‬
‫دلي�ل فقط‪َ ،‬‬
‫ال يتس�امى وال يرتقي‪ ،‬و َم ْن لم يتحرك لم ينتقل‪ ،‬ومن اعتمد‬
‫وض َّل‪.‬‬
‫رت‪ ،‬فتَا َه َ‬
‫عىل ما عنده وحـده اغ َّ‬
‫ويف ذلك أقــول‪:‬‬
‫ِ‬
‫القاصدْ ؟‬ ‫يق�ول‪ :‬ه�ل اختا ُذ َّ‬
‫الش� ْيــ ـخ حمتو ٌم على‬
‫فقل�ت‪ :‬وه�ل تَر َّب�ى قـــ ــ�ط مول�و ٌد بلا وال�د ؟‬‫ُ‬
‫ْ�م اليتي�م كف�ا ُه فاس� َت ْغنَى عن الرافِـدْ ؟‬
‫وه�ل ُيت ُ‬
‫بصرت مكـفـو فـ� ًا وال حيت�اج للقائـد ؟‬ ‫َ‬ ‫وهـ�ل َأ‬
‫وهل ِع ْل�م ‪ ،‬وهل َفــــن بغير المر ِش�د الر ِ‬
‫اش�دْ ؟‬ ‫َّ‬ ‫ُْ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أعزل وافد ؟‬ ‫غريب ؟ ٌ‬ ‫الصحــ ـرا‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ير يف ّ‬
‫وكيف َيس ُ‬
‫الرائِــدْ ؟‬
‫مفـتـ�وح ولكن َم ْن هـو َّ‬
‫ٌ‬ ‫وبــ�اب اهلل‬
‫ُ‬
‫تأم ْ‬
‫�ل م�ا أتى « موس�ى » وقصـَّـتـ�ه مـ�ع العــابد‬ ‫َّ‬
‫تأم ْل بعثـــة « اهلــادي » ففيه�ا الش�ـاهد اخلال�د‬
‫َّ‬

‫ ديوان البقايا‪ ،‬لإلمام الرائد رمحه اهلل ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫يا ولدي‪:‬‬

‫أص ُّح من نسبِ َك إىل أبيك ‪.‬‬ ‫َّ‬


‫إن نس َب َك إىل اهلل َ‬

‫�م إ َّن ُه َم ْن اس�تأذن على اهلل َأ ِذ َن له‪ ،‬ومن ق�رع بابه تعاىل‬
‫ُث َّ‬
‫أدخل�ه‪ ،‬ونحن إنما نشير إىل احلقيق�ة‪ ،‬و ُن َبينِّ ُ الس�بيل‪ ،‬ونَدَ ُع‬
‫المري�دَ الص�ادق ليص�ل إىل غاي�ة الطري�ق بجـهـ�ده‪ ،‬فليس‬
‫ُ‬
‫أخ�ذت عنه‪،‬‬
‫َ‬ ‫س�معت منه‪ ،‬ولكن ش�يخـك من‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ش�يخ َك من‬
‫و َم ْن جـاهد‪َ :‬عدَ َل‪ ،‬و َم ْن اجتهد‪َ :‬و َص َل ‪.‬‬

‫يا ولدي‪:‬‬

‫ج�اءت‬
‫ْ‬ ‫والح ِقي َق� ُة‬
‫�ق‪َ ،‬‬‫الخ ْل ِ‬
‫ج�اءت بتكلي�ف َ‬
‫ْ‬ ‫الش�ريع ُة‬
‫َّ‬
‫ـق ‪.‬‬
‫الح ِّ‬
‫بتعريف َ‬

‫فالش�ري َعـ ُة أن َت ْع ُبدَ ُه‪ ،‬والطريق ُة أن َت ْقصدَ ُه‪ ،‬والحقيقـ ُة أن‬


‫َّ‬
‫ت َْش َهـدَ ُه ‪.‬‬

‫الشري َعـ َة قيـا ٌم بما أمر بــه وبصرَّ ‪ ،‬والحقيق َة شهو ٌد‬ ‫ُث َّم َّ‬
‫إن َّ‬
‫لما قضى وقــدَّ ر ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫ط ِري َقـ ُة أفعـا ُل ُه‪،‬‬
‫رسول اهلل � ‪ :‬الشرَّ يع ُة أقوا ُل ُه‪ ،‬وال َّ‬
‫ُ‬ ‫وهـذا‬
‫واحلقي َق ُة أحـوا ُل ُه‪.‬‬

‫فرشي َعـ ٌة بال حقيقة‪ :‬عاطل�ة‪ ،‬وحقيق ٌة بال رشيعة‪ :‬باطلة‪،‬‬


‫تفس�ق‪،‬‬ ‫وهلـ�ذا قالوا‪َ « :‬م ْن تَش�رَ َّ ع ولم يتح َّقق فقـد َّ‬
‫تعوق أو َّ‬
‫وم ْن حت َّقق ومل يترشع فقد هتر َط َق أو تزندق »‪.‬‬
‫َ‬

‫أن الرشيع� َة ليس�ت إال احلقيق�ة‪،‬‬


‫واعل�م ‪ -‬ي�ا ول�دي ‪َّ -‬‬
‫أحدُ‬
‫يت�م َ‬
‫واحلقيق�ة ليس�ت إال الرشيعة‪ ،‬فهم�ا يش ٌء واحد‪ ،‬ال ُّ‬
‫ٌ‬
‫فمحال أن‬ ‫بينه َم�ا‪،‬‬ ‫ُجزأ ْيـ�ه إلاّ باآلخ�ر‪ ،‬وق�د مجع ُّ‬
‫احلق تع�اىل ُ‬
‫ٌ‬
‫إنسان ما مجـع اهلل ‪.‬‬ ‫فر َق‬
‫ُي ِّ‬

‫ُث َّم تأمل ‪ -‬يا ولدي ‪َ :-‬ق ْو ُل َك « ال إله إالَّ اهللُ » هذه حقيقة‪،‬‬
‫ف�رق بينهام أحدٌ َه َل َك‪،‬‬ ‫�ول اهلل » هذه رشيعة ‪ .‬فلو َّ‬ ‫رس ُ‬‫م َّمـ�دٌ ُ‬ ‫« حُ َ‬
‫فإن َم ْن َر َّد احلقيقة‪َ :‬أشرْ َ َك‪ ،‬و َم ْن َر َّد الرشيعة‪َ :‬أ ْل َحـد ‪.‬‬
‫َّ‬

‫�م تأ َّم ْ�ل قوله تع�اىل‪ ﴿ :‬ﭢ ﭣ ﴾ جتد الرشيعة‪ ﴿ ،‬ﭤ‬


‫ُث َّ‬
‫ﭥ﴾ جت�د احلقيق�ة‪ ،‬ومه�ا يش ٌء واح�د يس�تحيل ط�رح‬

‫ واملرشك وامللحد ‪ :‬كافران ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫أح�د ُجزأ ْيـه ‪ ..‬عب�اد ُة العـبد ‪ :‬ظاهر األمر‪ ،‬وإعان�ة اهلل ‪ :‬باطِنُ ُه‪،‬‬
‫جل َسد‪ ،‬واملاء يف العود‪.‬‬
‫كالروح يف ا َ‬
‫وال ُبدَّ لكل ظاهر من باطن‪ُّ ،‬‬
‫�جرة‪ ،‬واألريج من‬ ‫ـة‪ ،‬كال َّث َم َر ِة من َّ‬
‫الش َ‬
‫احلقي َق ُة من الشرَّ يع ِ‬
‫َ‬
‫الز ْهرة‪ ،‬واحلرارة من اجلمرة‪ ،‬فال ُبدَّ من هـذه لتلك‪ ،‬فاستحال‬
‫َّ‬
‫قيام حقيقة بغري رشيعة‪.‬‬

‫يـا ولدي‪:‬‬
‫انظ�ر بعني عقلك وقلبك إىل هذا الدُّ َعاء‪ ،‬الذي يناجي بـه‬
‫أحدُ العارفني من أشياخنا ر َّبه‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫َ‬
‫ت َغيرْ َ َك ‪.‬‬ ‫ت َ‬
‫منك الدُّ ْن َيا فقد طل ْب ُ‬ ‫« إهلي‪ :‬إذا َط َل ْب ُ‬

‫ُك‪.‬‬ ‫ُك ما َض ِمن َ‬


‫ْت يل فقد ات ََّه ْمت َ‬ ‫وإذا سألت َ‬

‫ ألن الدني�ا كله�ا مل�ك اهلل تع�اىل‪ ،‬فكي�ف يترك املال�ك ويطل�ب‬
‫اململوك‪ ‬؟!‬
‫ م�ا ضمن�ه اهلل تع�اىل أش�ياء كثرية ‪ ،‬منها ال�رزق ‪ ،‬وقد أقس�م اهلل تعاىل‬
‫�ق فق�ال‪ ﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬ ‫أن�ه َح ٌّ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﴾‪ ،‬وق�د س�معها ع�ريب فق�ال‪:‬‬
‫« َم ْن أغضب رب العزة حتى أقسم ؟ »‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫ك  !!‬ ‫وإن َسك ََن قلبي إىل َغيرْ ِ َك فقد أشرْ َ ك ُ‬
‫ْت بِ َ‬ ‫ْ‬
‫وث فكيف أكون َم َعك ؟‬ ‫ك عن الحدُ ِ‬ ‫أوصا ُف َ‬ ‫َج َّل ْ‬
‫ُ‬ ‫ت َ‬
‫أكون قريب ًا بذايت منك‪ ‬؟!‬
‫ُ‬ ‫ت ذات َ‬
‫ُك من العلل‪ ،‬فكيف‬ ‫َو َتنَزَّ َه ْ‬
‫ت عن األغيار‪ ،‬فكيف يكون قوامي ب َغيرْ ِ ك‪ ‬؟!‪.» ‬‬ ‫وتعال ْي َ‬
‫ص�دى ِمن ُروح ال ُق�دُ س‪ ،‬وكأنَّما اقتبس�ه‬
‫ً‬ ‫إنَّ�ه كال ٌم كأنَّ�ه‬
‫الش�يخ ِمن ألحـان الذي�ن حيملون العرش‪ ،‬وم�ن حوله‪ِ ،‬‬
‫ومن‬ ‫َ ْ‬
‫تس�ابيح األرواح امله َّي َم�ة بآف�اق امللأ األعلى‪ ،‬كال ٌم فيه رائحة‬
‫قب�اس م�ن أض�واء س�درة املنتهى‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫موالن�ا رس�ول اهلل �‪ ،‬و َأ‬
‫ومالمح من صدى احلقيقة والرشيعة ‪.‬‬
‫َّ‬
‫إن التصوف ‪ -‬عندنا ‪ -‬هو « علم فقه املعرفة »‪ ،‬فهو تصحيح‬
‫اإلسالم‪ ،‬وحتقيق اإليمان‪ ،‬وتأكيد اإلحسان‪.‬‬

‫ وم�ن س�كن قلبه إىل غري اهلل فقد أرشك‪ ،‬قال تع�اىل‪ ﴿ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﴾‪.‬‬
‫ ألن احل�ادث ال يك�ون مع�ه إال ح�ادث مثل�ه ‪ ،‬واملعية الت�ي يقصدها‬
‫الشيخ هنا املعية القلبية ‪.‬‬
‫ ه�ي مرات�ب احلدي�ث املع�روف ال�ذي ذك�ر في�ه رس�ول اهلل � ‪:‬‬
‫«‪ ‬اإلحس�ان أن تعب�د اهلل كأنك ت�راه »‪ ،‬وهو حديث معروف مش�هور‬
‫بني أهل العلم‪. ‬‬

‫‪20‬‬
‫وم�ن هنا كان واجب� ًا‪ ،‬ال يمكن حتصيله بمج�رد القراءة‪،‬‬
‫ويبدو ذلك واضح ًا يف هؤالء الذين يدرسون التصوف علم ًا‪،‬‬
‫وال يمارس�ونـه عمالً!! وهم حيمل�ون أعىل األلقاب العلمية‪،‬‬
‫وكان يسميهم والدي « عربات النقل البرشية » أو « سعاة بريد‬
‫رفع األس�تار ع�ن أرسار الكونيات‪،‬‬
‫املعرف�ة‪ ،» ‬إنَّما التَّصوف ُ‬
‫إلدراك أن�وار ش�موس احلقائ�ق‪ ،‬فال ب�د ‪ -‬مـ�ع العلم‪ - ‬من‬
‫المعاناة واملامرسـة ‪.‬‬

‫والتص�وف‪ :‬التقوى‪ ،‬والتص�وف‪ :‬التزكية‪ ،‬ومها مقام جيمع‬


‫والخ ُلق‪ ،‬وبه تتحقق إنس�انية‬
‫اخلوف والرجاء‪ ،‬وينهض بالعقيدة ُ‬
‫اإلنسان‪ ،‬وإنَّه ما من آية يف القرآن إال وهي تربط الدُّ نيا باآلخرة‪،‬‬
‫وجتعلها وسيلة إليها‪ ،‬من باب التقوى وطريق التزكية ‪.‬‬

‫أل�م يق�ل اهلل تع�اىل‪ ﴿ :‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﴾‪ ،‬و﴿ ﭰ ﭱ ﭲ‬


‫الر َس�االت‪ :‬التزكي�ة ﴿ ﭼ‬ ‫ِ سرِ‬
‫ﭳ﴾‪ .‬أل�م يك�ن م� ْن ِّ ِّ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﴾‪.‬‬

‫نع�م‪ :‬الت ََّص ُ‬


‫�وف أدب‪ ،‬والعقي�دة أدب‪ ،‬والعب�ادة أدب‪،‬‬
‫واملعاملة أدب‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫وهن�ا يص�ل العبد إىل رتب�ة ( الر َّباني�ة ) بالعلم والدرس‬
‫واملامرس�ة‪ ﴿ :‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﴾‪.‬‬

‫يـا ولدي‪:‬‬
‫�ويف أك َث ُر من « فقيه »‪ ،‬فالفقيه وقف عند األقوال ‪.‬‬
‫الص ُّ‬
‫ُّ‬
‫�ويف أك َث ُر من « عابد »‪ ،‬إذ العابِدُ وقف عند األعامل ‪َّ .‬أما‬
‫والص ُّ‬
‫ُّ‬
‫ـع بينهما‪ ،‬فأثمر « األحوال »‪.‬‬
‫هو فقد جمَ َ َ‬
‫والص�ويف أك َثر من « زاهـد »‪ ،‬إذ الزاهد يف الدنيا ِ‬
‫زاهدٌ يف‬ ‫ُّ ُ‬ ‫ُّ‬
‫الص�ويف فال يزهد إال فيم�ا حيجبه عن اهلل‪ ،‬وبهذا‬
‫ال يشء‪َّ .‬أم�ا ُّ‬
‫جيعل الدنيا يف يده‪ ،‬ال يف قلبه‪.‬‬

‫ ق�ال اب�ن كثير رمحه اهلل تب�ارك وتع�اىل‪ ،‬وهو أح�د تالميذ اب�ن تيمية‬
‫رمح�ه‪ ‬اهلل تب�ارك وتع�اىل ‪ ،‬عن�د تفسير قوله تع�اىل ‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﴾ [اآلية ‪ 18‬من سورة املائدة] ‪ « :‬وقال‬
‫بعض ش�يوخ الصوفية لبعض الفقهاء ‪ :‬أين جت�د يف القرآن أن احلبيب‬
‫ال يع�ذب حبيبه ؟! فلم يرد عليه ؛ فتال عليه الصويف هذه اآلية ﴿ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﴾‪ ،‬وهذا الذي قاله‪ :‬حسن » ‪ ...‬إىل آخر ما قال‬
‫رمحه اهلل تعاىل رمحة واسعة ‪ ،‬فراجعه هناك لتستفيد ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫ب الكَم ِ‬
‫ال‪،» ‬‬ ‫وهكذا يصبح التصوف فرض َعينْ ‪ ،‬ألنه « َط َل ُ‬
‫َ‬
‫وم�ا من خملوق إال وفي�ه نقص جيب اس�تكامله‪ ،‬وبالتايل كان كل‬
‫الذات‬
‫ُ‬ ‫ِع ْلم يمكن االس�تغناء عنه إال التص�وف‪ ،‬ألن موضوعه‪:‬‬
‫وال�روح‪ ،‬و َعال َق ُة الوجود باملوجود‪ ،‬وارتباط الغيب بالش�هادة‪،‬‬
‫ُّ‬
‫وامللك بامللكوت‪ ،‬وك ُُّل ِع ْلم بعد هـذا فهو‪ :‬نافـلة ‪.‬‬

‫ش�اب إىل مرش�د صويف‪ ،‬فقال له‪ :‬يا ولدي‪ « :‬إن كنت‬
‫ٌ‬ ‫جاء‬
‫تريد الدنيا واجلنَّـة فعليك بفقيه‪ ،‬وإن كنت تريد رب الدنيا ورب‬
‫اجلنة فهلم إلينا »‪.‬‬

‫وإن َف َقـد ‪َ . -‬‬


‫وم ْن‬ ‫�ن َو َجـدَ اهلل َف َما َف َقـدَ ش�يئًا ‪ْ -‬‬
‫نع�م‪َ ،‬م ْ‬
‫َف َقـدَ اهلل‪َ ،‬ف َما َو َجـدَ ش�يئًا ‪ْ -‬‬
‫وإن َو َجد ‪ . -‬فشؤون الدنيا كلها‬
‫كشؤون اآلخرة كلها‪ ﴿ ،‬ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﴾‪.‬‬

‫يـا ولدي‪:‬‬
‫البشرَ مـدَ ر‪ ،‬ال خَ ْ ِ‬
‫الخ ْل ِق‪َ :‬ه َل َ‬
‫ك‪،‬‬ ‫ظ َر إىل َ‬ ‫ي ُلو من كَدَ ٍر‪َ ،‬‬
‫فم ْن َن َ‬ ‫َ ُ َ ٌ‬
‫ك‪.‬‬‫وم َل َ‬
‫ك َ‬ ‫الح ِّق‪َ :‬س َل َ‬ ‫وم ْن َن َ‬
‫ظ َر إىل َ‬ ‫َ‬

‫‪23‬‬
‫ِ‬
‫وأغالل‬ ‫ولك�ن عليك بخل�وص النِّية من قي�ود املقام�ات‪،‬‬
‫األحوال‪ ،‬وعبادة اآلمال ‪.‬‬

‫ب ممن هلك كي�ف هلك‪ ،‬ولكن ال َع َج َ‬


‫ب‬ ‫ُث َّ‬
‫�م إنَّه ليس ال َع َج ُ‬
‫ممن نجا كيف نجا !‬

‫يـا ولدي‪:‬‬

‫إذا قي�ل‪َّ :‬‬


‫إن التص�وف م�ن (الصف�اء)‪ ،‬فق�د أصب�ح اس�م‬
‫التص�وف أعظ�م من أن يكون له جنس يش�تق من�ه‪ ،‬ألن الرشط‬
‫يف االشتقاق‪ :‬التجانس ‪ ،‬واملوجودات كلها‪ :‬ضد (الصفاء)‪ ،‬إنهَّ ا‬
‫َكدَ ٌر (إال ما كان هلل)‪ ،‬وال يشتق اليشء من ضدِّ ه‪.‬‬

‫الصويف ) هو صاحب الوصول‪.‬‬ ‫ُث َّم َّ‬


‫إن ( ُّ‬

‫و ( املتصوف ) صاحب األصول‪.‬‬

‫واملستصوف ( املتمصوف ) صاحب الفضول‪.‬‬

‫وإذا ريض املحبوب‪ :‬كشف املحجوب‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫والتص�وف‪ :‬فن�اء صف�ة العبد ببق�اء صفة املعب�ود‪ ،‬ومن‬
‫هن�ا كان الصويف هو ال�ذي ال َي ْم ِلك وال ُي ْم َلك‪ ،‬أي ال َي ْم ِلك‬
‫نفسه‪ ،‬ألنه ِم ْل ٌك هلل‪ ،‬وهبذا ال َي ْم ِلكُه غريه من مال‪ ،‬أو جاه‪ ،‬أو‬
‫ب‬
‫والصويف يف ُح ِّ‬
‫ُّ‬ ‫بشر‪ُ ،‬ث َّم َّ‬
‫إن صحة امللكية تكون للموجود‪،‬‬
‫ربـه مفقـود ‪.‬‬

‫واملبتدئ يف الصوفية يرى َن ْف َس�ه‪ ،‬ولكن يراها ناقصة‪ ،‬فهي‬


‫حجاب بينه وبني اهلل ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪ -‬مع هذا ‪-‬‬
‫أما املنتهي فقد َغ َّض ب ه عن َن ْف ِس ِ‬
‫�ه‪ ،‬فلا يراها بال ُك ِّل َّية‪،‬‬ ‫صرَ َ‬ ‫َّ‬
‫ألن�ه ي�رى َق ُّيومها املوجود احلق ال س�واه‪ ،‬وم�ا ال ق ّيومية له من‬
‫م َّسـد ‪.‬‬
‫نفسه فهو َعدَ ٌم جُ َ‬

‫يـا ولدي‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصويف َقائ ٌم بر ِّبـه عىل قلبه‪ ،‬و َقائ ٌم بقلبِه عىل َن ْفسه‪ ،‬و َقائ ٌ‬
‫ـم‬ ‫ُّ‬
‫ِ ِ‬
‫�ن يليه‪ ،‬وه�ذه القوام�ة هي التحق�ق بالتصوف‬ ‫بنَ ْفس�ه عىل َم ْ‬
‫الرفيع‪ ﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﴾‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الح ِّق يف‬ ‫الخ ْل ِق يف َم َقام�ه‪ ،‬و ُيق ُ‬
‫يم ْأم َر َ‬ ‫ي�م ْأم َر َ‬
‫والص�ويف ُيق ُ‬
‫ُّ‬
‫ُت� ما ينبغي أن ُي ْس رَ‬ ‫ظ ِه ُر ما ينبغي أن َي ْ‬ ‫ام ِ‬
‫�ه‪ ،‬ف ُي ْ‬ ‫م َق ِ‬
‫َت�‪،‬‬ ‫ظ َه َر ‪ ،‬و َي ْس رُ ُ‬ ‫َ‬
‫ويقوم بواجب وقته كأفضل ما يقوم رجل‪ ،‬وبـه يستقيم عاتق‬
‫امليزان ُبروح الر َّبانيـة ‪.‬‬

‫إن اهلل أمرن�ا بالتصوف‪ ،‬فه�و يقول‪ ﴿ :‬ﮁ ﮂ ﮃ‬


‫َّ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﴾‪.‬‬

‫والر َّباني�ة عندن�ا ه�ي ( التص�وف )‪ ،‬فه�ي يف اآليـ�ة عل�م‬


‫ودراسـة‪ ،‬ومقتىض ذلك‪ :‬العمل‪ ،‬والعمل الصحيح ‪.‬‬

‫فالتص�وف‪ :‬ه�و الر َّباني�ة‪ ،‬وه�و التَّق�وى‪ ،‬وه�و التزكية‪،‬‬


‫وثالثته�ا يش ٌء واح�د‪ ،‬ال بد لبعض�ه من بعض‪ ،‬فلا ر َّبانية بال‬
‫تقوى‪ ،‬وال تقوى بال تزكية ‪.‬‬

‫�مي ذل�ك مجيع� ًا‪ :‬البر ﴿ ﯠ ﯡ ﯢ‬


‫وتس�تطيع أن ت َُس ِّ‬
‫ﯣ‪ ﴾ ‬فاقرأ آيات البرِ ِّ من سورة البقرة وغريها ‪ ،‬وسرتى أن‬
‫جمِ اع ذلك ومالكه هو « ُ‬
‫الخ ُلق »‪.‬‬

‫ منه�ا‪ :‬اآليات «‪ »44‬البقرة‪ ،‬و«‪ »177،189،192‬آل عمران ‪ ،‬و «‪»2‬‬


‫سورة املائدة ‪ ،‬واملجادلة «‪. »90‬‬

‫‪26‬‬
‫�ك يف الخُ ُل ِ‬
‫�ق‪ :‬زَا َد عل ْي َ‬
‫ك يف‬ ‫فالتَّص�وف ُخ ُل�ق « َم ْن زاد عل ْي َ‬
‫التَّصوف »‪ ،‬وبالتايل زاد عليك يف اإلنس�انية‪ ،‬فنفع وانتفع‪ ،‬وأ َّدى‬
‫رسالة البرشية بروح ساموية َع ِل َّيـة‪.‬‬

‫وهك�ذا ترشق ل�ك بعض مع�اين قوله تع�اىل‪ ﴿ :‬ﮛ ﮜ‬


‫ٍ‬
‫عظمة يف ش�ؤون الدُّ نيا والدِّ ين‪ ،‬فإنَّما‬ ‫ﮝ ﮞ ﴾‪ ،‬فما كان من‬
‫للخ ُلق العظيم‪.‬‬
‫هي أثر ُ‬

‫يـا ولدي‪:‬‬
‫لي�س للش�يطان عىل الص�ويف الص ِ‬
‫اد ِق َس�بِ ٌ‬
‫يل‪ ،‬ألنَّ�ه حت َّق َق‬ ‫ُّ ِّ َّ‬
‫فدخ َ‬
‫�ل يف ُقدُ س‪ ﴿ :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬ ‫بال ُع ُبود َّي�ة المحضة‪َ ،‬‬
‫ﯨ ﯩﯪ ﴾‪.‬‬

‫وق�د ع�رف الش�يطان هذا واعترف ب�ه‪﴿ ،‬ﰖ ﰗ‬


‫ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ﴾‪ ،‬وق�ال‪:‬‬
‫﴿‪ ‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ِ‬
‫�ن َث َّ‬
‫�م كان�ت العبودية أعلى مراتب‬ ‫ﮑ ﮒ﴾‪ ،‬وم ْ‬
‫القرب‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﴾‪ ،‬و﴿ ﯔ ﯕﯖ‬

‫‪27‬‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ﴾‪ ﴿ ،‬ﭼ ﭽ ﭾ ﴾‪ ﴿ ،‬ﮀ ﮁ ﴾‪،‬‬
‫﴿ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ ‪.‬‬

‫الح َّق‬
‫التص�وف َ‬
‫َ‬ ‫وع ِّل�م النَّاس‪َّ :‬‬
‫أن‬ ‫واع َل ْ‬
‫�م ‪ -‬ي�ا ولدي ‪َ -‬‬ ‫ْ‬
‫ُم َق َّيـدٌ بأحكام الكتاب ُّ‬
‫والسنَّة‪ ،‬عىل أساس العزيمة‪ ،‬وحذار من‬
‫الر ْخ َصة‪ ،‬إال يف َحـدِّ ها المحدود‪ ،‬فالتصوف ‪-‬‬ ‫الصريورة إىل ُّ‬
‫وخ ُل ٌق ِ‬
‫وع َبا َدةٌ‪ِ ،‬‬ ‫وع َم ٌل‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ـوةٌ‪.. ‬‬
‫وج َها ٌد و َد ْع َ‬ ‫من حيث هو ‪ -‬ع ْل ٌم َ‬
‫أص ٌل ُم َؤ َّص ٌل مما جاء به الوحي‪ ،‬وح َّثت عليه الرشي َع ُة كما‬ ‫ُه َو ْ‬
‫وكل امرئ ‪ -‬مهام‬ ‫�ال »‪ُّ ،‬‬ ‫طل�ب الكم ِ‬ ‫ُ‬ ‫�ت‪ ،‬فهو كم�ا قلنا «‬ ‫رأ ْي َ‬
‫َ‬
‫يك�ن ش�أنه ‪ -‬في�ه وجه‪ ،‬أو وج�وه من النق�ص‪ ،‬وبهذا يصبح‬
‫التصوف واجب ًا عيني ًا‪ ،‬ال عذر ألحـد معه ‪.‬‬

‫( ه�ذا هو ت ََص ُّو ُفنَا )‪ ،‬وهو ( علم فقه املعرفة )‪ ،‬وال ش�أن لنا‬
‫بتصوف اآلخرين‪ ،‬و﴿ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﴾‪.‬‬

‫الصويف ه�و ( املس�لم النموذج�ي )‪ ،‬متثي ً‬


‫ال‬ ‫ُّ‬ ‫وهك�ذا يك�ون‬
‫لإلنس�انية الرفيع�ة‪ ،‬واندماج� ًا يف موك�ب احلياة الزاخ�ر باجلـدِّ‬
‫وبالمجد‪ ،‬والعمل الروحي‪ ،‬والعمل احلضاري اخلالد‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫الح ِّق‪ ،‬ال َف ْر ُق‬
‫وح مع َ‬ ‫الخ ْل ِق‪ُ ،‬‬
‫ور ٌ‬ ‫الصويف‪َ :‬بدَ ٌن مع َ‬
‫ُّ‬ ‫يعي�ش‬
‫أن العمل َم َع الغفلة‬ ‫والج ْم ُع مع َجنَانِ ِه ‪ ،‬وهو يعلم َّ‬ ‫ِ ِِ‬
‫يف ل َسانه‪َ ،‬‬
‫َخيرْ ٌ من الغفلة عن العمل !!‬

‫يـا ولدي‪:‬‬

‫ب » الذي فقده النَّاس‪ ،‬ففقدوا احلقيقة‬


‫الح ِّ‬
‫التصوف دعوة « ُ‬
‫اإلنسانية يف األجساد البرشيـة ‪.‬‬

‫واحل�ب هو‪ :‬اخلصيص�ة املم ِّيزة للس�الك الص�ويف‪ ،‬فهو‬


‫ُّ‬
‫حيب اهلل‪ ،‬وبالتايل حيب خلق اهلل‪ ،‬فهو حيبهم بحب رهبم‪ ،‬وهو‬
‫ُّ‬
‫وبرهم ‪.‬‬
‫بحكم حبه هلم يسعى يف خريهم ِّ‬

‫والسلام‪،‬‬
‫احلب‪َّ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫وتص�ور ‪ -‬ي�ا ول�دي ‪ -‬جمتمع ًا حيكم�ه‪:‬‬
‫َّ‬
‫والتَّس�امح‪ ،‬والتيسير‪ ،‬واللني‪ ،‬والتعب�د‪ ،‬والتعاطف‪ ،‬والرشف‪،‬‬
‫وحت�رى معايل األم�ور ؛ كيف يكون أف�راده ؟ وكيف‬
‫ِّ‬ ‫واإليث�ار‪،‬‬
‫متيض حضارته ؟!‬

‫الجنَان‪ :‬بفتح اجليم‪ :‬القلب ‪.‬‬


‫ َ‬

‫‪29‬‬
‫العنف‪ ،‬والقس�وة‪ ،‬والقهر‪ ،‬والتعايل‪ ،‬واخلبث‪ ،‬والتغايل‪،‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫أق�ذار ال يعرفها‬
‫ٌ‬ ‫والب�ذاءة‪ ،‬والتع�امل‪ ،‬واالندف�اع‪ ،‬وأذى الناس‪:‬‬
‫التصوف‪.‬‬

‫الص�ويف حيـ�دو على ش�اطئ احلب‬


‫واس�مع اآلن الش�اعر ُّ‬
‫قائـالً‪:‬‬
‫ُون يف الصحر ِ‬
‫اء َك ْلب ًا‬ ‫رأى المجن ُ‬
‫َّ َ َ‬
‫ِ‬
‫اإلحس�ـان َذ ْيال !‬ ‫فمـ�دَّ له ِم َن‬ ‫َ‬
‫فالمــ�و ُه على مـ�ا كان ِمنْ� ُه‬
‫وقالوا‪:‬كم َأ َن ْل َ‬
‫ت ال َك ْل َ‬
‫ب َن ْيال ؟‬
‫إن َع ْينِي‬
‫المـ َة َّ‬ ‫فقال‪َ :‬د ُعـوا َ‬
‫الم َ‬
‫رأتْـ� ُه َل ْيــ َل� ًة يف َح ِّ‬
‫�ي « َل ْيَل�ىَ »‬

‫يـا ولدي‪:‬‬

‫السادة ريض اهلل عنهم‪:‬‬


‫يقول ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫رِ‬
‫اب‬
‫وب‪ ،‬و َب ُ‬ ‫الم ْع ِر َف�ة ُ‬
‫منص ٌ‬ ‫وع َل ُم َ‬ ‫الحقي َقـ�ة َظاه ٌ‬
‫�ر‪َ ،‬‬ ‫س َ‬‫« ُّ‬

‫‪30‬‬
‫وما َح َج َبك ُْم إال ُرؤْ َية أن ُف ِس�ك ُْم‪ ،‬ف َع َّش َ‬
‫�ش‬ ‫ُ�وح ؛ َ‬
‫الوص ِ‬
‫�ول َم ْفت ٌ‬ ‫ُ‬
‫اث إ ْبلِيس ‪.‬‬ ‫ري ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫فيها الكِبرْ و َب َ َ‬
‫اض وأ ْف َرخَ !! »‪ ،‬والكبرْ ُ م َ‬ ‫ُ‬
‫وهم يقولون ريض اهلل عنهم‪:‬‬
‫ِ‬ ‫واضح‪ ،‬والدَّ لِ ُ ِ‬ ‫يق ِ‬
‫يل الئ ٌح‪ ،‬والدَّ اعي َأ ْس َم َع‪َ ،‬ف َأ ْقن َ‬
‫َـع‬ ‫ٌ‬ ‫ط ِر ُ‬
‫« ال َّ‬
‫وغ َلب ِ‬ ‫و َأمتَ�ع؛ وم�ا التَّح بعد ذل�ك إال ِمن َغ ْف َل ِ‬
‫�ة النَّ ْف ِ‬
‫ـة‬ ‫�س‪َ َ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ ُّي�رُّ ُ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫ِ ِ‬
‫واعت َقاد ال َف ْض ِل عىل ِّ‬
‫الس َوى »‪.‬‬ ‫اله َوى‪ْ ،‬‬ ‫َ‬

‫يـا ولدي‪:‬‬
‫لقد كان التصوف ثورة عىل الرتف واالستعجام واالنحالل‬
‫والالمباالة ؛ فإذا دخلته املغاالة‪ ،‬فتلك طبيعة األش�ياء‪ ،‬وهذه‬
‫قصة الصحابة الذين أرادوا أن يصو ُموا بال فطر‪ ،‬وأن يعيش�وا‬
‫عىل الطعام الرمزي‪ ،‬وأن يرتكوا النس�اء واألوالد‪ ،‬وأن يصلوا‬
‫الليل بالنهار‪َ :‬ت َع ُّبد ًا وانقطاع ًا عن احلياة‪ ،‬فنهاهم الرسول �‪،‬‬
‫وأرشدهم إىل الوسطية واالعتدال ﴿ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﴾‪.‬‬

‫ب عن ُس�نَّتي فليس منِّي »‬ ‫ِ‬


‫ كان فيام قال هلم رس�ول اهلل � ‪َ « :‬م ْن َرغ َ‬
‫متفق عليه ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫حي‪ ،‬فإذا داخل‬ ‫ُ‬
‫والرس�ول � ٌّ‬ ‫والوحي ينزل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫كان ذلك‬
‫التصوف الغالة واملتنطعون‪ ،‬واس�تبدلوا حك�م إحياء النفس‬
‫بقتل النفس‪ ،‬أو اختاروا اخلبيث عىل الطيب ؛ فليس هذا عيب ًا‬
‫يف التصوف نفس�ه؛ فالتصوف يشء غري املتصوف‪ ،‬وال يمكن‬
‫أن حيمل اإلسال ُم وزر املسلم الذي ينحرف‪ ،‬وهل يرتك املسلم‬
‫ألن يف املسلمني قوم ًا َض ُّلوا السبيل؟!‪.‬‬
‫التقي إسالمه َّ‬

‫والس� َيادة التَّا َّم�ة عىل‬


‫التص�وف دع�و ٌة إىل احلر َّي�ة املطلق�ة‪ِّ ،‬‬
‫النفس والش�هوة‪ ،‬وعىل الشيطان‪ ،‬وعىل العبودية لغري اهلل‪ ،‬وعىل‬
‫أص ُل الت ََّح ُرر املطلق من أغالل‬
‫كل َص َغ�ار ُخ ُلقي أو فكري‪ ،‬فهو ْ‬
‫ويف قد حتقق بقوله‪ « :‬ال إله إال اهلل »‪.‬‬
‫الص َّ‬ ‫املادة واهلوى‪َّ ،‬‬
‫ألن ُّ‬

‫فالتص�وف ‪ -‬ي�ا ولدي ‪ -‬كما رأ ْي َت ‪ ،‬ف�وق أنَّه دعوة احلب‬


‫والنور‪ ،‬والفيض والربكة واملدد‪ ،‬هو دعوة احلرية املطلقة‪ ،‬ورفض‬
‫ك ُِّل عبودية ‪ -‬حس َّيـة أو معنو َّيـة ‪ -‬لغري اهلل‪ ،‬فهو ‪ -‬يا ولدي ‪ -‬ر ُّد‬
‫اعتبار اإلنسانية لإلنسان‪ ،‬بعد ما فقد اإلنسان اعتباره‪ ،‬واستعبدته‬
‫امل�ادة‪ ،‬وم�كاره األخلاق‪ ،‬والكي�وف املتحك َِّم�ة‪َّ ،‬‬
‫والش�هوات‬
‫املظلمة‪ ،‬واآلمال املعتمـة ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫التص�وف ‪ -‬يا ولدي ‪ -‬هو ترمي�م بناء الباطن بعد أن حتطم‬
‫اإلنسان من داخله‪.‬‬

‫�و ٌة إىل ال ُق َّ‬


‫�وة‪ ،‬والعل�م‪ ،‬والتوحيد‪،‬‬ ‫دع َ‬
‫�ق‪ْ :‬‬
‫حل ُّ‬
‫التص�وف ا َ‬
‫ُ‬
‫والعزة‪ ،‬والعدالة‪ ،‬واملساواة‪ ،‬واإلحياء‪ ،‬والتكافل‪ ،‬والتكامل‪،‬‬
‫ألن اهلل َخ َل َق املسلم‬
‫والس َيادة‪ ،‬والقيادة‪َّ ،‬‬
‫والتجديد‪ ،‬واالبتكار‪ِّ ،‬‬
‫يتفرع عنه‪ ،‬قوالً‬
‫احل�ق ل ُي َمارس ك َُّل هذا وما يرتتب عليه‪ ،‬وما ّ‬
‫َّ‬
‫لا وح�االً ﴿ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫وعم ً‬
‫عميق‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ﯤ ﯥﯦ ﴾‪ ،‬ول�ك ُِّل كلم�ة من كل ذل�ك شرَ ْ ٌح ٌ‬
‫عريق‬
‫ِ‬
‫وفرع ُه ال َف ْي ُض واملدد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫والسنَّ ُة‪،‬‬ ‫أص ُل ُه الكت ُ‬
‫َاب ُّ‬ ‫ْ‬

‫وهك�ذا كان َم ْن فاته التص�وف احلق‪ ،‬فقد فاته اخلري الذي‬


‫ُ‬
‫يك�ون إذا انقطعت‬ ‫وأي َخْي�رْ ٍ‬
‫�و ُض على اإلطلاق‪ُّ ،‬‬
‫ق�د ال ُي َع َّ‬
‫َعال َقـة املرء بالسماء‪ ،‬وما وراء هـذا من األرسار واألنوار ؟!‪.‬‬

‫َّ‬
‫إن عن�د « الصوفية » ما عند النَّاس‪ ،‬وليس عند النَّاس ما‬
‫عند « الصوفية »‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫يـا ولدي‪:‬‬
‫ٍ‬
‫بأقوال ل�م يفهمها مما جاء‬ ‫قـد يعترض عليك بعضهم‬
‫عن بعض السلف‪ ،‬والس�لف برش‪ْ ،‬‬
‫فإن أخطأوا فوزرهم عىل‬
‫أنفسهم‪ ،‬وال ن ُْس َأ ُل عنهم‪ ،‬وال ن َ‬
‫ُؤاخ ُذ بما اجرتحوا‪ ﴿ ،‬ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﴾‪.‬‬
‫ظ�روف‬
‫ٌ‬ ‫ولكنن�ا نعتق�د أنهَّ�م أرادوا اخلير‪ ،‬وكان�ت هل�م‬
‫ورصوف ومالبس�ات‪ ،‬أجربهت�م على الرم�ز واإلش�ارة‪ ،‬أو إىل‬
‫ٌ‬
‫اإللغاز والتحجية‪ ،‬وما دامت أقواهلم تقبل التأويل اإليامين ‪ -‬ولو‬
‫م�ن وجه واحد م�ن مائة وجه آخر ‪ -‬فإننا نحمله عىل هذا الوجه‬
‫الواح�د املؤمن‪ ،‬بحس�ن الظ�ن‪ ،‬وبحك�م العلم‪ ،‬ون�دع ما وراء‬
‫ذل�ك هلل وح�ده‪ ،‬فليس أحد يقول أو يكتب ش�يئ ًا وهو يعتقد أنه‬
‫يدخل به النار!! وليس من َح ِّق أحد أن حيكم عىل أحد باخلروج‬
‫من امل َّلة إال بدليل ال شبهة فيه « عىل مثل ضوء الشمس » ‪.‬‬

‫ قال رسول اهلل � ‪ « :‬عىل مثل الشمس ‪ ،‬فاشهد أو َد ْع » رواه احلاكم‬
‫والبيهق�ي عن ابن عباس مرفوع ًا ‪ ،‬ولفظه‪ « :‬إذا علمت مثل الش�مس‬
‫فاشهد ‪ ،‬وإال فدَ ْع » ورواه الديلمي بلفظ « يا ابن عباس‪ ،‬ال تشهد إال‬
‫عىل أمر ييضء لك كضياء الش�مس »‪ ،‬ورواه الطرباين والديلمي أيض ًا‬
‫عن ابن عمر ريض اهلل عنهام ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫مفاتيح ملس�تغلقات مرتامية‬
‫ٌ‬ ‫ونح�ن نعتق�د َّ‬
‫أن لكالم الق�وم‬
‫اخلاص�ة‪ ،‬فما ل�م نفهمهم على مرادهم‬
‫َّ‬ ‫لخاص�ة‬
‫َّ‬ ‫األبع�اد‪ ،‬فه�ي‬
‫اليقيني فلندع هلل أمرهم‪ ،‬ولنستغفر اهلل لنا ولهم ‪.‬‬

‫ونقول‪ :‬لع َّلهم تأولوا‪ ،‬أو اجتهدوا فأخطأوا‪ ،‬هذا موقفنا‪:‬‬


‫مبرء ًا م�ن الوغ�ى والدع�وى‪ ،‬على طري�ق احل�ب واخلير‬
‫واألدب‪.‬‬

‫يـا ولدي‪:‬‬
‫َ�و ٍن أالَّ‬ ‫هِ‬ ‫َغايـ�ة ك ُِّل متَح ٍ‬
‫�رك إىل ُس�كُون‪ ،‬ونَا َي� ُة ك ُِّل ُم َتك ِّ‬ ‫ُ َ ِّ‬
‫ك؟!‪.‬‬ ‫اهلالِ ِ‬
‫ك َعلىَ َ‬ ‫ك‪َ ،‬فلِ َم الت ََّها ُل ُ‬
‫ك ك ََذلِ َ‬ ‫كان ذلِ َ‬
‫َيكُون‪ ،‬فإذا َ‬

‫يقول أشياخنا ريض اهلل عنهم‪:‬‬

‫ول ُص ْح َبتِنَا َس ْب َعـ ٌة‪:‬‬


‫أص ُ‬
‫ُ‬
‫‪ُ -1‬ع ُل ُّو ِ‬
‫اله َّمـة ‪.‬‬
‫ِ‬
‫‪ -2‬وح ْف ُظ ُ‬
‫الح ْر َمـة ‪.‬‬

‫ الوغى‪ :‬الصوت واجللبة ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫‪ -3‬وحسن ِ‬
‫الخدْ َمـة ‪.‬‬ ‫ُ ْ ُ‬
‫‪ - 4‬و ُن ُفو ُذ ِ‬
‫العز َْمــة ‪.‬‬

‫يم النِّ ْع َمــة ‪.‬‬‫ِ‬


‫‪ - 5‬و َت ْعظ ُ‬
‫‪ - 6‬والن ُّْص ُح ل ُ‬
‫أل َّمــة ‪.‬‬
‫‪ - 7‬ود ْفع الباطِ ِل ِ‬
‫باحلك َْمــة ‪.‬‬ ‫َ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫وه�م يقول�ون‪ « :‬إذا َألِ َ‬
‫�ر َ‬
‫اض ع�ن اهلل‪،‬‬ ‫�ف ال َق ْل ُ‬
‫�ب اإلع َ‬
‫الوقي َع ُة يف َأ ْولِ َيائِ ِه »‪.‬‬
‫حب ْته ِ‬‫ِ‬
‫َص َ ُ‬

‫و َق َّل َما رأ ْيت يف خصوم التصوف ر َّقـ َة اإلسلام‪ ،‬أو س�عة‬


‫األفق‪ ،‬أو سماحـة النُّ ُب َّوة‪ ،‬أو رفق الواليـة‪ ،‬أو حسن الظن‪ ،‬أو‬
‫أدب املعاملة‪ ،‬فإن ذلك كله إنَّما ينبع من معني التواضع‪ ،‬الذي‬
‫هـو مخرية « مكارم األخالق »‪.‬‬

‫وه�ؤالء ق�د ُحر ُموا هـ�ذه النعمة‪ ،‬فليس منه�م إال جاف‬

‫ م�ن ق�ول اإلم�ام املجم�ع على جاللته أب�و ت�راب النخش�بي (املتوىف‬
‫‪ 245‬هـ)‪ ،‬انظر الرسالة القشريية ص ‪ .119‬اهـ مصححه‬

‫‪36‬‬
‫الطب�ع‪ ،‬معتم القلب‪ ،‬غليظ ال�روح‪ ،‬ثقيل ال ِّظل‪ ،‬مظلم‪ ،‬معتم‪،‬‬
‫ـان ٌّ‬
‫فظ‪ ،‬أو صاحب « مشنقة » َكنُود ؛ فهو متأزم‪،‬‬ ‫سج ٌ‬‫كأنما هو َّ‬
‫مع َّق�د‪ ،‬حامل ٍّ‬
‫غل عىل الذي�ن آمنوا ‪ ،‬يكاد الكبر َّ‬
‫يتفج ُر من‬
‫َجنْ َب ْي�ه‪ ،‬تعالي ًا عىل الن ِ‬
‫َّاس‪ ،‬وتأله ًا عليهم‪ ،‬فقد َ‬
‫زع ُموا ألنفس�هم‬
‫العصمة وضمان اجلنة‪ ،‬وأقام�وا من أش�خاصهم أوصياء عىل‬
‫�ن رحم اهلل‪،‬‬
‫دي�ن اهلل‪ ،‬كأنَّم�ا الدِّ ين ما عنده�م وحدهم‪ ،‬إال َم ْ‬
‫ٌ‬
‫وقليل ما هم‪.‬‬

‫ويعلم اهلل أنَّنا نأس�ى هلم‪ ،‬ونعطف عليهم‪ ،‬مما ابتالهم اهلل‬
‫أن فيهم َخيرْ ًا‪،‬‬
‫بـه‪ ،‬وندعو اهلل بظهر الغيب هلم‪ ،‬وال نزال نعتقد َّ‬
‫نرجو أن يغلب عليهم‪ ،‬وما ذلك عىل اهلل بعزيز‪.‬‬

‫إن النَّ�اس ال يطلبون اهلل واجلنَّة بما َص َّح عند غريهم‪ ،‬وإن ََّما‬
‫َّ‬
‫يطلبون ذلك بما َص َّح عندهم‪ ،‬فإن أصابوا فأجران‪ ،‬وإن أخطأوا‬
‫ٍ‬
‫امرئ ما نوى‪.‬‬ ‫فأجر‪ ،‬وعند اهلل مزيد‪ ،‬ولكل‬

‫ أين هؤالء من قول اهلل تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬


‫ﭖﭗ ﭘ ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﴾ [ اآلية ‪ 10‬من سورة احلرش] ‪.‬‬
‫ لقول رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم ذلك ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫يـا ولدي‪:‬‬
‫هذه لمحـ ٌة « عىل هامش التصوف »‪ ،‬وأرجو أن يكون يل‬
‫عود ٌة إىل مثل هذا احلديث َم َع َك‪ ،‬إن كان يف العمر مـدد‪ ،‬فهـو‬
‫ٌ‬
‫حديث غري ممنون‪ :‬ذو شؤون وشجـون !!‪.‬‬
‫وإنيِّ أقول ما قال السادة‪ « :‬لو َأ َّن اخلاطئني َخ ِر ُسوا ما ت ََحدَّ ْثنَا‬
‫ريح ما دنا منَّا أحد‪.‬‬ ‫ِم َن ال َبك َْم »‪ ،‬ويعلم اهلل لو كان ُّ‬
‫للذنوب ٌ‬
‫وأس َتغ ِْف ُر اهلل يل ولكم وللمسلمني‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أقول قويل هذا‪ْ ،‬‬
‫وهو املوفق املستعان‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫* وصلىَّ اهلل عىل سي ِدنَا حُ َ ٍ‬
‫وص ْحبِه َ‬
‫وس َّل َم *‬ ‫م َّمد وعىل آله َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫َ‬

‫وكتبه املفتقر إليه تعاىل وحده‬


‫حممد زكي الدين بن إبراهيم اخلليل الشاذيل‬
‫رائد العشرية وشيخ الطريقة الشاذلية املحمدية‬
‫رمحه اهلل تعاىل رمحة واسعة‬

‫ قال الشاعر رمحه اهلل تعاىل‪:‬‬


‫تف�وح‬
‫ُ‬ ‫أن اخلطاي�ا ال‬
‫َّ‬ ‫أحس�ـن اهلل بــنـــ�ا‬
‫َ‬
‫فض�وح‬
‫ُ‬ ‫بين جنبي�ه‬ ‫ف�إذا املس�تور منّ�ا‬

‫‪38‬‬
‫‬
‫وهو القاهر فوق عباده‬
‫( فقرات من دستور اجلهاد يف اهلل )‬

‫الروحي قبل أن ي�أيت وقتها‬


‫يظه�ر أنن�ا نعلن بدع�وة اإلصلاح ُّ‬
‫وال أهلها‪ ،‬وأننا نعيش أغراب ًا بجهادنا‪ ،‬يف غري ديارنا وال زمننا‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫هبذه العبارة ختم أحد إخواين وأبنائي يف اهلل كتابه إ َّيل شاكي ًا‬
‫ما جيده يف الوطن املسلم من بعض املسلمني‪ ،‬نقول‪:‬‬
‫وال�ذي جيب أن يك�ون معروف ًا لكل جماه�د يف اهلل أنه دائ ًام‬
‫عرض�ة ل�كل مذه�ل فاج�ع م�ن الترصف�ات واألح�داث‪ ،‬يف‬
‫النفس واألهل واملال واإلخ�وان والعمل والدعوة‪ ،‬وأنه جيب‬
‫أن يك�ون ل�كل مفاجأة تبهته من هذا الن�وع عدهتا ومكاهنا من‬
‫حيات�ه العادية‪ ،‬بحيث ال يضطرب هلا عرق واحد من جس�مه‪،‬‬
‫فهذه هي الدني�ا‪ ،‬وهؤالء هم النّاس‪ ،‬وذلك هو اجلهاد‪ ،‬وتلك‬
‫هي سنة اهلل‪ ،‬ولن جتد لسنة اهلل تبدي ً‬
‫ال وال حتويالً‪.‬‬

‫ جمل�ة املس�لم‪ ،‬الس�نة الثامن�ة‪ ،‬الع�دد احلادي عشر‪ ،‬غرة املحرم س�نة‬
‫(‪1382‬هـ)‪ ،‬ديسمرب سنة (‪1958‬م)‪ ،‬كلمة الرائد‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫�م ّ‬
‫إن الزم�ان ي�دور ويتط�ور‪ ،‬والعق�ول تث�ب وتتحرر‪،‬‬ ‫ُث َّ‬
‫وعجل�ة التقدمي�ة جت�ري يف رسع�ة مذهل�ة‪ ،‬ف�ك ُُّل قدي�م إىل‬
‫ٍ‬
‫فس�اد إىل صلاح‪ ،‬وال ب�د م�ن ي�وم تف�رض فيه‬ ‫جدي�د‪ ،‬وك ُُّل‬
‫(دعوة اإلصالح) نفسها فرض ًا ملزم ًا قريب ًا جد ًا‪ ،‬ولن يكون من‬
‫دوهنا مهرب وال معذرة‪ ،‬تلك هي طبيعة األش�ياء‪ ،‬وال‪ ‬س�بيل‬
‫إىل مغالبتها‪ ،‬فاطمئن جماهد ًا‪ ،‬أ ّيدك اهلل‪.‬‬

‫(‪)2‬‬
‫فإن نكن‬ ‫إن علينا العمل‪ ،‬وليس علينا النتيجة‪ْ ،‬‬ ‫يا ول�دي‪َّ :‬‬
‫الش� َّقة و َب ُعدَ‬ ‫نعي�ش يف زمانن�ا فال بد ِم ْن نصر اهلل‪ْ ،‬‬
‫وإن طالت ُّ‬
‫وإن مل نكن نعيش يف زماننا فلن�ا رشف الريادة األوىل‪،‬‬ ‫الس� َفر‪ْ ،‬‬
‫َّ‬
‫وبناء حجر األس�اس‪ ،‬وس�وف ينصفنا اهلل حني خيذلنا النّاس‪،‬‬
‫وسنكون يف األجيال القادمة‬ ‫ُ‬ ‫وس�وف ينصفنا التاريخ ِم ْن بعد‪،‬‬
‫نس�جل لِ َم ْن َب ْعدَ نا‬
‫ُ‬ ‫حمل قداس�ة ودراس�ة‪ ،‬وقدوة وإمامة‪ ،‬فإنّنا‬
‫ضخم�ة‪ ،‬ونرصدُ هل�م المعالم‪ ،‬وهنيئ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫معنوي�ة‬ ‫ٍ‬
‫انتقال‬ ‫مرحل�ة‬
‫ٍ‬
‫هادفة‬ ‫ٍ‬
‫دع�وة‬ ‫هل�م الس�بيل‪ ،‬وندع هلم إمت�ام ما بدأناه‪ ،‬ش�أن ك ُِّل‬
‫ٍ‬
‫هادية هلل‪ ،‬عىل أننا إنّما نعمل هلل وحده‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ي�ا ول�دي‪ :‬ومن�ذ ك�م كان طريق اجله�اد مفروش� ًا بالورود‬
‫لت‬ ‫كنت جماهد ًا‪ ،‬وملا َّ‬
‫حص َ‬ ‫واحلرير؟! لو كان مفروش� ًا كذلك ما َ‬
‫كنت تكون حمظوظ ًا ناع ًام‪ ،‬أو مس�تدرج ًا‬
‫هذا الرشف الرفيع‪ ،‬بل َ‬
‫�ت البالء واللأواء‪ ،‬وعا َن ْي َت البأس�اء‬ ‫منحوس� ًا‪ ،‬إنّ�ك كلام ال َق ْي َ‬
‫ِ‬
‫واألخ َّصاء‪،‬‬ ‫املقربون‬
‫ب عليك ّ‬ ‫والرضاء‪ ،‬وتنكَّر لك اخلصوم‪ ،‬وتأ َّل َ‬
‫ال إهلي ًا عىل أنّك من أحباب السامء‪.‬‬
‫كلام كان ذلك دلي ً‬

‫أل�م يأتِ َك كي�ف كان قد ارتد عن اإلسلام عب�د اهلل بن أيب‬


‫السرح كاتب الوح�ي؟ وانقلب عدو ًا لدود ًا لرس�ول اهلل �‬

‫ عبد اهلل بن س�عد بن أيب الرسح القريش العامري‪ ،‬أسلم قبل ال َفتْح‪،‬‬
‫وهاجر‪ ،‬وكان يكتب الوحي لرس�ول اهلل �‪ُ ،‬ث َّم ارتد مرشك ًا‪ ،‬فأمر‬
‫النبي � يوم الفتح بقتله فيمن أمر بقتلهم ولو وجدوا حتت أس�تار‬
‫الكعب�ة‪ ،‬لعظي�م جرمه�م‪ ،‬ثم إن عثمان ريض اهلل عن�ه‪ ،‬وكان أخوه‬
‫م�ن الرضاع�ة‪ ،‬أتى ب�ه النبي �‪ ،‬واس�تأمنه له‪ ،‬وم�ا زال حتى عفا‬
‫النب�ي � عنه‪ ،‬فحس�ن إسلامه‪ ،‬ومل يظهر منه يشء ُينك�ر َع َل ْي ِه بعد‬
‫َذلِ َك‪ ،‬وغزا وجاهد وافتتح إفريقية وبالد النوبة‪ ،‬وويل مرص‪ ،‬ومات‬
‫يف صالة الصبح‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫الس�لب‬
‫يكذبه وهيزأ به إىل يوم الفتح األكرب‪ ،‬ونعوذ باهلل من بل ّية ّ‬
‫بعد العطاء‪.‬‬

‫اقرأ سير اخلالدين م�ن أبط�ال الدعوات املس�تنرية‪ ،‬وانظر‬


‫كي�ف خاهنم أقرب النّاس إليهم‪ ،‬وختلىّ عنهم أعز النّاس عليهم‪،‬‬
‫فتبنتهم ال ُقدْ رة‪ ،‬واحتضنهم الغيب‪ ،‬فأ ّدوا الرس�الة رغم الزالزل‬
‫والزعازع‪ ،‬بل خلدهتم هذه الزالزل والزعازع نفس�ها‪ ،‬وسارت‬
‫ه�ي بذكرهم عىل وج�ه الزمان ن�ور ًا وعطر ًا وبرك� ًة وإمام ًة‪ ،‬ومل‬
‫يب�ق لآلخرين ِم ْن ِذكْر إال عىل ص�ورة املقابلة بني ال ُقدْ س األعىل‬
‫إبليس يف جانب جربائيل‪.‬‬ ‫ّاس‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫والدَّ ْرك األسفل‪ ،‬أو كام يذكر الن ُ‬

‫(‪)4‬‬
‫يا ولدي‪ :‬لقد باع هيوذا األس�خريوطي س� ِّيده املسيح عييس‬
‫ألعدائه بدانق وس�حتوت‪ ،‬ومل يأبه ملا ارتبط به من عهد اهلل معه‪،‬‬
‫وال للمفروض من قوانني األخالق ومعايري القيم العالية‪ ،‬فانظر‬
‫اآلن أين هيوذا ؟ ‪ ..‬وأين املسيح ؟‬

‫‪42‬‬
‫ي�ا ول�دي‪ :‬رب�ك أكبر وأق�در‪ ﴿ ،‬ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﴾ [النساء‪.]84 :‬‬

‫نظر رس�ول اهلل � إىل َن َف ٍ‬


‫�ر من أصحابه‪ ،‬كأنّم�ا قد أكلتهم‬
‫األلسن‪ ،‬واجرتت ذكراهم األفواه‪ ،‬فقال هلم النبي �‪ « :‬أيعجز‬
‫أحدكم أن يكون مثل أيب َض ْم َضم؟ َّ‬
‫إن أبا َض ْم َضم كان إذا خرج‬
‫ت بعريض عىل النّاس »‪.‬‬ ‫الله َّم يِّإن ت ََصدَّ ْق ُ‬ ‫ِ‬
‫م ْن داره قال‪ُ :‬‬

‫ت بعريض عىل‬ ‫�ل معي ‪ -‬يا ولدي ‪ :-‬ال َّل ُه َّ‬


‫�م إنيِّ ت ََصدَّ ْق ُ‬ ‫ف ُق ْ‬
‫ت يف احلديث الرشي�ف‪ِ « :‬عنْدَ اهلل َخزَ ائِ ُن‬ ‫النّ�اس‪ ،‬و َل َع َّل َك َق َر ْأ َ‬

‫ رواه أب�و داود (‪ ،)4887‬والضي�اء املق�ديس يف املختارة (‪،)1616‬‬


‫زُون َأ ْن َتكُونُوا ِم ْث َل‬
‫ج َ‬ ‫�ول اهلل ﷺ ألَصحابِ ِ‬
‫�ه‪َ « :‬أ َت ْع ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫ولفظه‪« :‬قال َر ُس ُ‬
‫«‪ ‬فإن‬
‫َّ‬ ‫�ول اهلل؟ قال‪:‬‬ ‫أيب َض ْم َض�مٍ؟» َقا ُلوا‪َ :‬و َم�ا َأ ُبو َض ْم َض ٍم‪ ،‬يا َر ُس َ‬
‫�م يِّإن َقدْ‬ ‫�ح قال‪ :‬ال َّل ُه َّ‬
‫أص َب َ‬
‫َان إذا ْ‬ ‫ُ�م‪ ،‬ك َ‬ ‫َان َق ْب َلك ْ‬
‫�ل ك َ‬ ‫أبا‪ ‬ض ْم َض� ٍم َر ُج ٌ‬ ‫َ‬
‫ون‪،‬‬ ‫�ن َظ َل َمنِي » ق�ال‪ِ :‬ر َجا ُل� ُه ُم َو َّث ُق َ‬‫َعلىَ َم ْ‬
‫بع�رضيِ‬
‫ِ‬
‫�و َم ْ‬ ‫�ت ال َي ْ‬‫ت ََصدَّ ْق ُ‬
‫ي�ح أنَّ� ُه ُم ْرس�ل‪ .‬ورواه أيض� ًا البيهق�ي يف ش�عب اإليمان‬ ‫ِ‬
‫والصح ُ‬ ‫َّ‬
‫(‪ ،)8083‬واب�ن الس�ني يف عمل اليوم والليلة‪ ،‬ولفظ�ه‪ « :‬ال َّل ُه َّم يِّإن‬
‫ظلِ ُم َم ْن‬ ‫ك‪َ ،‬فال‪َ  ‬ي ْش�ت ُُم َم ْن َش�ت ََم ُه‪ ،‬وال َي ْ‬‫�ت َن ْف يِس َو ِع ْرضيِ َل َ‬ ‫َق�دْ َو َه ْب ُ‬
‫ض ُب َم ْن رَ َ‬
‫ض َب ُه‪.» ‬‬ ‫َظ َل َم ُه‪ ،‬وال َي رْ ِ‬

‫‪43‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طو َبى ل َم ْن َج َع َل ُه اهللُ م ْفت ً‬
‫َاحا‬ ‫الر َج ُال‪َ ،‬ف ُ‬‫يح َها ِّ‬‫وم َفات ُ‬ ‫الخ ْي ِر والشرَّ ِّ ‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫َاحا لِلشرَّ ِّ ‪ِ ،‬م ْغلاَ ًقا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ل ْل َخْي�رْ ِ َوم ْغلاَ ًقا للَّش�رَّ ِّ ‪َ ،‬و َو ْي ٌل ل َم ْن َج َع َل� ُه م ْفت ً‬
‫لِ ْل َخيرْ ِ »‪.‬‬
‫ات وبدَ و ٍ‬
‫ات‬ ‫والنّ�اس هم النّاس بك ُِّل م�ا يف البرشية ِمن ن ََزو ٍ‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ‬
‫وم� ْن َن ْف ِع ّي�ة ووصولي�ة‪،‬‬
‫ات‪ِ ،‬‬
‫وش�هو ٍ‬ ‫ِ‬
‫�وات‪ ،‬ومناق�ص َ َ َ‬
‫وصب ٍ‬
‫َ َ َ‬
‫واملشاهبة واملناسبة والغاية جتمع البعض عىل البعض‪ ،‬وهم أعلم‬
‫ببع�ض من بعض‪ ،‬فام كان هلل دام واتصل‪ ،‬وليس كذلك ما لغريه‬
‫ِ‬
‫ب‬‫ف�إن الدُّ نيا ُح ْبيل تَل�دُ العجائب‪ ،‬والدَّ ْه ُ�ر ُق َّل ٌ‬
‫تع�اىل‪ ،‬فارتق�ب‪ّ ،‬‬
‫ُح َّو ٌل َغدّ ٌار‪ ،‬وال أمان لزمان‪ ،‬فالدَّ ّيان سبحانه ال‪ ‬يموت‪ ،‬وكام‬
‫ت َِدين تُدان‪ ،‬وإنَّما يؤتى احلذر ِم ْن مأمنه‪.‬‬

‫أيضا‪ :‬ابن‬ ‫ أخرج�ه الطبراين يف املعج�م الكبير (‪ . )5812‬وأخرج�ه ً‬


‫ماجه (‪ ،)238‬وأبو يعىل (‪ ، )7526‬والرويانى (‪.)1049‬‬
‫ النزوات‪ :‬مجع نزوة‪ ،‬ونزو ُة الغضب‪ :‬حدّ ته‪ ،‬ونزوات الشباب‪ :‬تق ُّلباته‪،‬‬
‫يستقر عىل حال‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وهو ذو ن ََزوات‪ :‬ال‬
‫البدوات‪ :‬احلوائج الت�ي تبدو لك‪ ،‬وفالن ُذو بدوات‪ :‬إذا كَانَت تظهر‬
‫َل ُه آراء فيختار أحزمها‪ ،‬أو يظهر له الرأي بعد الرأي‪.‬‬
‫ ُق َّل ٌب ُح َّو ٌل‪ :‬كثري التقلب والتحول‪ ،‬ال يبقى عىل حال‪ ،‬وال يقر له قرار‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ي�ن النصيح� ُة »‪ ،‬والنصيح�ة ُم ّ�ر ٌة إذا ما‬ ‫ي�ا ول�دي‪ « :‬الدِّ ُ‬
‫ص‪،‬‬‫واستشعار الكامل أمار ُة النَّ ْق ِ‬
‫ُ‬ ‫الكامل ِمن َن ْف ِسه‪،‬‬
‫َ‬ ‫استش�عر املر ُء‬
‫�م َيت النصيح ُة‬ ‫ص أم�ار ُة الكامل‪ ،‬وهلذا ُس ِّ‬ ‫كما أن استش�عار النَّ ْق ِ‬
‫الصيريف للامل‪ ،‬يميز الرصف‬ ‫ّ‬ ‫َن ْق�د ًا‪ ،‬بمعن�ى أهنا َتن ِْقدُ األمور َن ْقدَ‬
‫م�ن الزي�ف‪ ،‬فرياه ُم َ�ر ِّوج الصرف إمام ًا مبرور ًا‪ ،‬وي�راه ُم َر ِّوج‬
‫الزيف مهرج ًا موتور ًا‪ ،‬ك ٌُّل بحس�ب حاله ولون طويته‪َ ،‬‬
‫فح ْس ُب َك‬
‫أن تق�ف موق�ف الصيريف النَّزي�ه‪ ،‬تق�ول لصاح�ب الصرف‪:‬‬
‫أس�أت‪ ،‬هذا وذاك لوج�ه اهلل‪ُ ،‬ث ّم‬
‫َ‬ ‫أحس�نت‪ ،‬ولصاحب الزيف‪:‬‬
‫َ‬
‫تتقبل شكر األول‪ ،‬كام تتحمل عبث الثاين‪ ،‬أيض ًا هذا وذاك هلل‪.‬‬

‫م�اذا قالوا عن األنبياء؟! ماذا قالوا عن األولياء؟! ماذا قالوا‬


‫عن األئمة ؟!‬

‫أليس بقي إمامنا مالك سنوات ال خيرج جلمعة وال مجاعة ممّا‬
‫لق�ي ؟! أليس مات أبو حنيفة ِم ْن آث�ار ما فعلوه به ؟! أمل خيرجوا‬
‫البخاري من وطنه ؟!‬

‫ رواه مسلم (‪.)56‬‬

‫‪45‬‬
‫ه�ل نس�يت م�ا ح�دث لألئم�ة الصوفيين؟! أمل يس�لخ‬
‫النسيمي؟! أمل يصلب احلالج؟!‬

‫ألي�س تاريخ العصر احلديث كل�ه ناطق بام يالقي�ه الزعامء‬


‫وأصحاب الدعوات من متاعب وأهوال ومشقات ؟!‬

‫اقرأ القرآن واحلديث‪ ،‬وراجع التواريخ والطبقات واملناقب‪،‬‬


‫ٍ‬
‫بداعية صامد‪،‬‬ ‫فلست‬
‫َ‬ ‫ُث ّم‪ :‬امحد اهلل عىل ما أورثك من نعمته‪ ،‬وإال‬
‫ٍ‬
‫بمجاهد خالد‪.‬‬ ‫ولست‬

‫س�جل اإلمام الس�يوطي فخره‪ ،‬وش�كر ر ّبه عىل أن ه َّي َأ‬


‫لقد َّ‬
‫ل�ه َم ْن يؤذيه بيده ولس�انه‪ ،‬وكتب يف هذا باب ًا كام ً‬
‫لا ‪ ،‬ذكر فيه‬
‫ٍ‬
‫رجل‪،‬‬ ‫الصاحلني منذ العهد القديم‪ ،‬رج ً‬
‫ال بعد‬ ‫ُسنَّـة‪ ‬اهلل مع عباده ّ‬
‫أفال يكفيك أن تلحق هبذه السلسلة فتذكر مع أهلها يوم ًا ما ؟‬

‫(‪)6‬‬
‫ي�ا ولدي‪ :‬يف حديث ابن ع ّب�اس ريض اهلل عنهام‪ « :‬ال يؤمن‬
‫أحدكم حتي يعلم أن ما أصابه مل يكن ليخطئه‪ ،‬وما أخطأه مل يكن‬

‫ يف كتابه « التحدث بنعمة اهلل » (ص ‪.)163-160‬‬

‫‪46‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ليصيبه »‪َ « ،‬ج َّفت األ ْقال ُم و ُط ِو َيت ُّ‬
‫الص ُح ُ‬
‫ف »‪ ،‬وتلك ماد ٌة‬
‫ٌ‬
‫وعمل‪ ،‬وأنت‬ ‫أساس�ي ٌة من دستور اجلهاد النظيف‪ ،‬واجلها ُد ٌ‬
‫إيامن‬
‫وإن ِم َّت فلن تع�دم القرب‪ ،‬فعالم‬
‫عش�ت فل�ن تعدم الق�وت‪ْ ،‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫إن‬
‫تعط الدن ّية يف دينك أو دنياك ؟‬

‫إنه يعجبني قول الرافعي‪:‬‬

‫بن�ي‪ :‬تل�ق الده�ر غي�ر مف�زع‬


‫بصدرك‪ ،‬ولتعر اخلطوب كام تعرو!‬

‫ال ِّ‬
‫كالضرس يرسو مكانه‬ ‫وكن رج ً‬
‫ليطح�ن‪ ،‬ال يعني�ه حل�و وال م�ر!‬

‫ رواه الرتم�ذي (‪ ،)2144‬ع�ن جاب�ر ريض اهلل عن�ه‪ .‬ورواه أمح�د‬
‫(‪ )27490‬ع�ن أيب الدرداء ريض اهلل عنه‪ ،‬رفعه‪ « :‬لِك ُِّل شيَ ْ ٍء َح ِقي َق ٌة‪،‬‬
‫وما َب َلغَ َع ْبدٌ َح ِقي َق َة اإليماَ ِن َحتَّى َي ْع َل َم َأ َّن َما َأ َصا َب ُه َل ْم َيك ُْن لِ ُيخْ طِ َئ ُه‪ ،‬وما‬
‫َأ ْخ َط َأ ُه َل ْم َيك ُْن لِ ُي ِصي َب ُه »‪.‬‬
‫ ه�ذه اجلمل�ة من حدي�ث ابن ع ّباس املش�هور‪( :‬احف�ظ اهلل حيفظك)‪،‬‬
‫وه�ي باللفظ املذك�ور يف رواية الطرباين يف الكبير (‪ ،)239/12‬ويف‬
‫الدعاء (‪ ،)42‬والبن السني يف عمل اليوم والليلة (‪.)426‬‬

‫‪47‬‬
‫فع�ز الحس�ام الهندوان�ي ص�دره‬

‫وذل العص�ا أن العصا كلها ظهر!‬

‫ه�ذا توفيق احلكي�م‪ :‬أليس يف ش�أنه عربة (م�ع أن عمله يف‬


‫غري املحيط الديني)‪ ،‬حاربه الفئة الوامهة حتى شيعوا (أو كادوا)‬
‫جن�ازة تارخيه وعمل�ه األديب كله (عىل خطئ�ه وصوابه)‪ ،‬وكادوا‬
‫أن هييل�وا عليه التراب‪ ،‬ولكن قد كان اهلل يف اجلانب اآلخر‪ ،‬فإذا‬
‫الدوله عاملة مبرصة فامهة‪ ،‬وإذا عدل السماء‪ ،‬وإذا يف عنق توفيق‬
‫أرفع وسام‪ ،‬فأصبح كأنام يردد خصومه‪:‬‬

‫ذك�رت جاه�ك والدني�ا مواتي�ة‬

‫وق�د نس�يت الذي ي�أيت ب�ه القدر‬

‫وجاء صف�و الليال�ي فاغتررت به‬

‫وعند صفو اللي�ايل حيدث الكدر!‬

‫يقول ربك تعاىل‪﴿ :‬ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬


‫ﯾﯿ ﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ‬

‫‪48‬‬
‫ﰇ ﭑﭒ ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭚ‬
‫ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﴾ [آل عمران‪.]174 ،173 :‬‬

‫(‪)7‬‬
‫ي�ا ول�دي‪ :‬أن�ا ال أمنع�ك أب�د ًا أن تنتظ�ر (كام تق�ول) يقظة‬
‫الضمير‪ ،‬أو صحوة اإليامن النائم يف ضامئر بعض النّاس‪ ،‬فكثري ًا‬
‫الس�ادة‪ ،‬أي عندما مل يكن التدين فطري ًا أصي ً‬
‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ما َحدَ َ‬
‫ث ذلك م َن ّ‬
‫يف اإلنس�ان‪ ،‬أي عندما يقع اإلنس�ان الفاضل حت�ت هيمنة عامل‬
‫ط�ارئ ليس من طبع�ه وال وراثته‪ ،‬فذلك هو األواب الس�امي‪،‬‬
‫وال يزال يف النّاس من هؤالء بقي ٌة نبيل ٌة‪.‬‬

‫أليس كان رسول اهلل � حيلف عيل اليشء حتى إذا بدا له ما‬
‫هو خري منه َك َّفر عن يمينه‪ ،‬وعاد إىل ما هو خري ؟!‬

‫حلظ�ت أنك أحيان ًا تلوذ بالقرشية واهلامش�ية فيما‬


‫ُ‬ ‫غري أنني‬

‫ يف صحيح مسلم (‪ )1651‬عن أيب هريرة ريض اهلل عنه‪ ،‬أن رسول اهلل‬
‫ت ا َّل ِذي‬
‫ني فر َأى َغ ها َخ ًا ِمنْها‪َ ،‬ف ْلي ْأ ِ‬
‫َ‬ ‫يرْ َ َ ْي�رْ َ‬
‫ِ‬
‫ف َعلىَ َيم ٍ َ‬ ‫�ن َح َل َ‬
‫ﷺ ق�ال‪َ « :‬م ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُه َو َخيرْ ٌ و ْل ُي َك ِّف ْر َع ْن َيمينه »‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫ٍ‬
‫كتاب�ات إ ّيل‪ ،‬وأو ُد ل�ك أن تكون موضوعي� ًا عميق ًا‪،‬‬ ‫تعال�ج م�ن‬
‫حتدِّ ُد اهلدف وحتي ُطه‪ُ ،‬ث َّم ترمي إليه جزء ًا جزء ًا بربهانك وإيامنك‪،‬‬
‫ش�أن أهل العلم وأهل الفضل‪ ،‬وإ َّي َ‬
‫اك والقدوة بأولئك الذين‬
‫بالسلطان‬
‫حل ّجة‪ ،‬ويلوذون ُّ‬
‫يس�تبدلون السباب بالعلم‪ ،‬والشتم با ُ‬
‫إذا أعياهم الربهان‪ ،‬فبني الفضل وبني أولئك َس ْب ٌح طويل‪.‬‬

‫�م عن�د إيامنك قف وتذكَّ�ر حديث رس�ول اهلل �‪َ « :‬ل َقدْ‬ ‫ُث َّ‬
‫ون ِع َظ ِام ِه ِم ْن َل ْح ٍم‬
‫يد‪ ،‬ما ُد َ‬ ‫اط الح ِد ِ‬
‫َ‬
‫�ط بِ ِم َش ِ‬ ‫َان َم ْن َق ْب َلك ُْم َل ُي ْم َش ُ‬ ‫ك َ‬
‫�ار َعلىَ َم ْف ِر ِق‬ ‫ِ‬ ‫ك َع ْن ِدين ِ ِه‪ ،‬و ُي َ‬ ‫ب‪ ،‬ما يَصرْ ِ ُف ُه َذلِ َ‬ ‫َأ ْو َع َص ٍ‬
‫وض ُع المن َْش ُ‬
‫ك َع ْن ِدين ِ ِه »‪.‬‬ ‫َر ْأ ِس ِه َف ُي َش ُّق بِا ْثنَينْ ِ ‪َ ،‬ما يَصرْ ِ ُف ُه َذلِ َ‬

‫هل نسيت قصة أصحاب األخدود ؟!‬

‫فلما نسي المتحدِّ ث‬ ‫ وهذا لألسف مفقود يف كثري من املتحدثني اليوم‪ّ ،‬‬
‫أن يحيط بموضوعه‪ ،‬وأن يحدد الهدف من حديثه ويحيط به‪ ،‬وغفل‬
‫عن تحديد المشكالت‪ ،‬وإيجاد الحلول‪ ،‬ولم يستطع أن ُيحدد محل‬
‫النزاع‪ ،‬أو يصور المس�ألة ويس�ورها‪ ،‬فلم تكن النتيجة إال ما أس�ميه‬
‫(حوار الطرشان)‪.‬‬
‫ رواه البخاري في الصحيح (‪ ،)3852‬عن خباب رضي اهلل عنه‪ ،‬وتمامه‪:‬‬
‫اء إِ َلى َح ْض َر َم ْو َت‬ ‫«‪ ‬و َليتِمن‪ ‬اهللُ ه َذا األَمر حتَّى ي ِسير الراكِ ِ‬
‫ب م ْن َصنْ َع َ‬‫ْ َ َ َ َ َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْب َع َلى َغنَمه »‪.‬‬ ‫ان‪ِّ :‬‬ ‫اف إِلاَّ اهللَ ‪َ .‬زا َد َب َي ٌ‬
‫والذئ َ‬ ‫َما َيخَ ُ‬

‫‪50‬‬
‫(‪)8‬‬
‫يا ولدي‪ :‬هلل نحب وهلل نبغض‪ ،‬وهلل نقول وهلل نس�كت‪ ،‬وهلل‬
‫نقب�ل وهلل ندبر‪ ،‬وهلل نبني وهلل هن�دم‪ ،‬وهلل نرتفع وهلل نتواضع‪ ،‬وهلل‬
‫ُن َق�دِّ ُم وهلل نحجم‪ ،‬أصحاب رس�الة‪ ،‬وخدام دعوة‪ ،‬وس�دنة حرم‬
‫روح�ي مق�دس‪ ،‬خرجنا ِم ْن َح ْولِن�ا و ُق َّوتِنا إىل ح�ول اهلل وقوتِ ِه‪،‬‬
‫وجتردنا ِم ْن تدبرينا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫وبرئن�ا م ْن ع ْلمنا و َع َملن�ا إىل علم اهلل وعمله‪ّ ،‬‬
‫فم ْن أرىض اهلل بس�خط النّاس‬
‫واختيارن�ا إىل تدبري اهلل واختياره‪َ ،‬‬
‫وم ْن أسخط اهلل برضا النّاس كان اهلل عليه‪ ،‬وال يستوي‬
‫كان اهلل له‪َ ،‬‬
‫اخلبي�ث والطيب‪ ،‬وال املفس�د واملصلح‪ ،‬وال املحترف واملؤمن‪،‬‬
‫وم ْن يقارع النّاس‪ ،‬فإنه‬
‫وال العامل واجلاهل‪ ،‬وال َم ْن يصانع النّاس َ‬
‫ال إيمان ملن هو هنا بوجه وحال وخل�ق وكالم‪ ،‬وهو هناك بوجه‬
‫وحال وخلق وكالم‪ ،‬حياته متثيل‪ ،‬ودينه تبطيل‪ ،‬وظاهره تدجيل‪،‬‬
‫وباطنه ختبيل‪ ،‬وهو يف كل ذلك علة بال تعليل‪.‬‬

‫ٌ‬
‫رج�ال صدقوا م�ا عاهدوا اهلل‬ ‫أال وإن�ه ال ي�زال هناك وهنا‬
‫عليه‪ ،‬أولئك هم أولو البقية الذين ينهون عن الفساد يف األرض‪،‬‬
‫وال يلبس�ون احل�ق بالباط�ل‪ ،‬وال يكتم�ون احلق وه�م يعلمون‪،‬‬

‫‪51‬‬
‫ولوال هؤالء ملا نظر اهلل إىل اخللق برمحته‪ ،‬وملا أصاهبم ُ‬
‫وابل فضله‬
‫ونعمت�ه‪ ،‬وألحاطه�م بعوامل غضب�ه ونقمته‪ ،‬وه�و القاهر فوق‬
‫عباده‪ ،‬وهو احلكيم اخلبري‪.‬‬

‫وم َق�دِّ ٌر فتنتك به‪ ،‬قال‬ ‫ِ‬


‫وأنا مش�ف ٌق علي�ك واهلل من حميطك‪ُ ،‬‬
‫بع�ض املفرسين‪ :‬عند قوله تعايل عن هدهد س�ليامن ﴿ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﴾ [النم�ل‪ّ :]21 :‬‬
‫إن الع�ذاب الش�ديد‬
‫الذي يفوق الذبح يف األلم هو أن ينتف ريش�ه‪ُ ،‬ث ّم جيعله يف حميط‬
‫رسين أن تقول‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ال يفهمه‪ ،‬فأنا مشف ٌق عليك لذلك‪ ،‬ولكن َّ‬

‫وم�ا أن�ا منهم�و بالعي�ش فيه�م‬


‫ولك�ن مع�دن الذه�ب التراب!‬

‫بق�ي أن أس�الك ب�اهلل أال تتحرج م�ن أن تدلن�ي عىل بعض‬


‫بشر‪ ،‬وك ُُّل ابن آدم خط�اء‪ ،‬وال يتأفف م�ن الواقع‬
‫عي�ويب‪ ،‬فأن�ا ٌ‬
‫إال ش�يطان‪ ،‬أال ت�رى إىل عم�ر ب�ن اخلط�اب وهو أمير املؤمنني‬
‫(وامرباطور اإلسلام) يقف يف املس�جد طالب ًا أن ِّ‬
‫يقوم املسلمون‬
‫اعوجاجه‪ ،‬فريد عليه مسلم حر‪ ،‬فيحمد عمر ر ّبه عىل أن وجد يف‬

‫‪52‬‬
‫أحب‬
‫يقوم اعوجاجه بالسيف‪ ،‬تأ ّمل‪ ،‬وقارن‪ ،‬فإين ُّ‬
‫املس�لمني من ِّ‬
‫الس�نّة املربورة‪ ،‬أمل يقل املس�يح‪ :‬من كان‬
‫أن أك�ون م�ن أهل هذه ُّ‬
‫منكم بغري خطيئة فلريجم الزانية ؟!‬

‫(‪)9‬‬
‫الصاحلني مس�تجاب الدع�وة‪ ،‬فخطر‬ ‫ي�ا ولدي‪ :‬كان أح�د ّ‬
‫له أن يس�أل اهلل أن يكش�ف له بعض مش�اهري النّ�اس ِم ْن رفاقه‪،‬‬
‫فلما ذه�ب إليهم يف صلاة الفجر إذا به يراهم علي صور القردة‬
‫واخلنازي�ر‪ ،‬فخط�ر ل�ه‪ :‬مل�اذا ال يكون فيه�م َم ْن هو على صورة‬
‫الكل�ب؟ فإذا به يس�تمع النداء الروحي م�ن ذاته‪ :‬ليس فيهم من‬
‫هو عىل صورة الكلب‪ ،‬ألنه ليس فيهم رجل ويف !!‬

‫فإذا كان هذا ‪ -‬يا ولدي ‪ -‬شأن بعض املشاهري من املحافظني‬


‫عىل صالة الفجر‪ ،‬فكيف تأسى عىل انعدام الوفاء فيمن هم دوهنم‬
‫بمراحل؟!‬

‫إذن أال تس�ف أو تغلو‪ ،‬بل أحبب حبيبك هون ًا ما‪،‬‬


‫فعليك ْ‬

‫‪53‬‬
‫وأبغض بغيضك هون ًا ما ‪ ،‬واترك يف الكأس بقية لغد‪ ،‬فأنت‬
‫ال ت�دري م�اذا يقيض اهلل فيه‪ ،‬وإن أبعد النّ�اس من اهلل يف الدُّ نيا‬
‫واآلخرة األلد اخلصم‪ ،‬وكن رجل مبدأ‪ ،‬تدور يف فلكه‪ ،‬تبشري ًا‬
‫به وكفاح ًا دون حياضه‪ ،‬وإ ّياك والتعرض للشخصيات فتسقط‬
‫هاوي� ًا‪ ،‬وإن خيل�ت ل�ك نش�وة النه�ش والتمزيق أن�ك ترقى‬
‫ذكري�ات وعندهم‬
‫ٌ‬ ‫صاع�د ًا‪ ،‬فف�ي النّاس عقول وفه�وم‪ ،‬وهلم‬
‫ٌ‬
‫وقليل يف‬ ‫موازي�ن‪ ،‬ول�ن يتجرع قول�ك كله كام هو إال جمن�ون‪،‬‬
‫الناس املجانني‪ ،‬أليس كذلك؟!‬

‫ُث ّم إ ّياك أن تنحط إىل مستوى َم ْن يتعرض لشخصك فرتفعه‬


‫إىل مس�تواك فتكرم�ه‪ ،‬ولكن كما قال الق�رآن ﴿ﰂ ﰃ ﰄ‬
‫ﰅﰆ ﴾ [الزخرف‪.]89 :‬‬

‫ روى الرتم�ذي (‪ )1997‬ع�ن أيب هريرة ريض اهلل عنه ‪ -‬أراه رفعه ‪:-‬‬
‫وأ ْب ِغ ْض‬
‫ك َي ْو ًما م�ا‪َ ،‬‬ ‫ُ�ون َب ِغ َ‬
‫يض َ‬ ‫أن َيك َ‬ ‫�ب َحبِي َب َ‬
‫�ك َه ْونًا ما َع َس�ى ْ‬ ‫« َأ ْحبِ ْ‬
‫�ك َي ْو ًما َما »‪ .‬ق�ال الرتمذي‪:‬‬ ‫�ك َه ْونً�ا ما َع َس�ى َأ ْن َيك َ‬
‫ُ�ون َحبِي َب َ‬ ‫يض َ‬ ‫َب ِغ َ‬
‫غري�ب‪ ،‬قال احلاف�ظ العراق�ي يف ختري�ج أحاديث اإلحي�اء‪ « :‬رجاله‬
‫عيل ريض اهلل‬
‫رجال مس�لم لك�ن الراوي تردد يف رفع�ه »‪ .‬وروي عن ٍّ‬
‫عنه من قوله‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫واعل�م أن حماول�ة إره�اب النّاس بالتش�هري هبم‪ ،‬والتش�نيع‬
‫عليه�م‪ ،‬وتلفي�ق التهم واإلش�اعات وإطالقها حوهل�م‪ ،‬انتصار ًا‬
‫إسفاف جيايف كل األخالقيات‪ ،‬فإنام يدفع‬
‫ٌ‬ ‫لرأي عىل رأي‪ ،‬إنام هو‬
‫ال�رأي بالرأي‪ ،‬وتقرع احلج�ة باحلجة‪ ،‬وحرية ال�رأي واالعتقاد‬
‫مكفول ٌة قانون ًا ودين ًا‪.‬‬

‫ألي�س ق�د اختلف الصحاب�ة يف ال�رأي وبينهم رس�ول اهلل �‬


‫قصة صالة العرص يف بن�ي قريظة ؟! ثم‬
‫والوح�ي ين�زل ؟! أال تذك�ر ّ‬
‫هال سمعت تنديد الرئيس مجال بحرب التشهري والتكتل والشلل!!‬

‫ّ‬
‫إن اللجوء إىل سلاح التهديد واإلرهاب والتشهري وحماكم‬
‫التفتيش والكهنوت يف القضاء عىل حرية الرأي واالعتقاد‪ ،‬فوق‬
‫أنه عني العجز‪ ،‬هو السالح اخلطري الذي ينفجر يف وجه صاحبه‪،‬‬
‫وجيرده من ثقة النّاس يف علمه وخلقه وكفايته‪.‬‬

‫واهلل ‪ -‬ي�ا ولدي ‪ -‬إين أكتب إليك‪ ،‬وه�ذا هو القارئ يرتل‬


‫قوله تع�اىل‪﴿ :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﴾ [القم�ر‪- 44 :‬‬
‫‪ ،]46‬نعم قد يعلو الباطل‪ ،‬ولكن إىل أجل قريب !‬

‫‪55‬‬
‫(‪)10‬‬
‫يا ول�دي‪ :‬أظنن�ي اآلن أجبتُك عىل أكثر ما ج�اء بخطابك‪،‬‬
‫وأرشكت معك س�اديت وإخواين وأبنائي‪ ،‬فم�ن كان منهم عالم ًا‬
‫بام قلت فتذكره‪ ،‬و َم ْن كان غري ذلك فتبرصه‪.‬‬

‫أ ّم�ا ما بقي من كتاب�ك ‪ -‬يا ولدي ‪ -‬فدع�ه هلل‪ ،‬وتأ ّمل قوله‬
‫تع�اىل‪ ﴿ :‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﴾ [األنع�ام‪،]44 :‬‬
‫وقوله‪ ﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﴾ [احلرش‪.]2 :‬‬

‫هدانا اهلل وهداك إىل سواء الرصاط‪.‬‬

‫[القاهرة‪ :‬مستشفى عين شمس]‬

‫‪56‬‬
‫‬
‫ال إله إال اهلل‬
‫وه�ذا س�ؤال طويل أيض ًا ح�ول التوحيد الص�ويف‪ ،‬وقول‪:‬‬
‫«‪ ‬ال إله إال اهلل »‪.‬‬

‫* واجلـواب‪:‬‬
‫ي�ا بن�ي‪ :‬إنّك عال�م بمقتضى ور َق ٍ‬
‫�ة أس�قطها اهلل إليك من‬ ‫ٌ‬
‫شجرة الرسمية التي ال تبرص وال تعي‪ ،‬شجرة الرسمية املحكومة‬
‫باالمتحان اإلهلي‪ ،‬الذي ال ترتتب أحكامه عىل مقتىض مفاهيمنا‬
‫وأقيس�تنا‪ ،‬ولكنه يميض عىل س�نته الغيبية‪ ،‬ورس حكمته املس�تور‬
‫املس�مى بيننا باحلظ واملكتوب‪ ،‬وهلذا كان وزننا نحن للشهادات‬
‫ّ‬
‫الرس�مية وزن ًا قد ال يرىض عنه الكثري من عبيدها وع ّبادها‪ ،‬فلك‬
‫فهم�ك عىل مقتضى علمك املؤ ّيد بالش�هادة الرس�مية‪ ،‬أ ّما نحن‬
‫الصوفية فاسمع ما نقول فيام تسأل عنه ملخص ًا‪:‬‬
‫ُّ‬

‫الم ْثبِت‪ ،‬و َم ْن كان ثابت ًا بنفسه‬ ‫ّ‬


‫إن احلق تعاىل ثابت قبل إثبات ُ‬

‫ جملة املسلم‪ ،‬الس�نة التاسعة‪ ،‬العددان الثالث والرابع‪ ،‬غرة ذي القعدة‬
‫(‪1378‬هـ)‪ 9 ،‬مايو (‪1959‬م)‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫فه�و غري حمتاج إىل إثبات أحد‪ ،‬إذ ما َث َّ‬
‫�م َم ْن ثبتت له األلوهية يف‬
‫اخللق حتى تنفيها عنه‪ ،‬فقول‪( :‬ال إله إال اهلل)‪ ،‬إنام يريد هبا ّ‬
‫الصويف‬
‫املؤمن جمرد ترديد التأكيد‪ ،‬مع رجاء ثواب التالوة‪ ،‬ومتعة القلب‬
‫بالتحقق واالندماج يف أغوار املعنى األقدس‪.‬‬

‫هل فهمت أين نحن؟! فاللت والعجن القرشي الس�طحي‬


‫األمح�ق‪ ،‬والتقلي�د الق�ردي الببغ�اوي املنقول املك�رور يف قضية‬
‫الشرك والتوحي�د عن�د املس�لم‪ ،‬وقص�ة الف�رق بين الربوبي�ة‬
‫واأللوهية‪ ،‬ومرسحية الش�فاعة والوسيلة ‪ ...‬إلخ؛ ضع كل ذلك‬
‫بتفاصيل�ه وجزئياته‪ ،‬وملحقاته وتوابعه وأهدافه يف ك ّفة‪ ،‬واملعنى‬
‫ال�ذي قررت�ه لك يف « ال إله إال اهلل » يف ك ّفة‪ ،‬فلن ترى يا صاحب‬
‫مغرورا‪ ،‬وأنّك يف حاجة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تلميذا‬ ‫كن�ت‬
‫َ‬ ‫الش�هادات ال ُعىل‪ ،‬إال أنك‬
‫إىل أن تعل�م م�ا مل تك�ن تعلم ِم ْن عل�م الصوفية‪ ،‬حتّ�ى تدرك أن‬
‫نظري�ة واحدة من نظرياهتم‪ ،‬كتلك التي أس�لفنا ال ينهض أمامها‬
‫الس�ابقون ِم ْن لغط وغلط‪ ،‬حيس�به املس�اكني وحده‬
‫كل م�ا كتب ّ‬
‫الصحيح‪ ،‬وسال ٌم عل ْي َك يوم تعرف تصوف أهل احلق فتلتمسه‪،‬‬
‫فتكون أرقى وأنقى وأبقى وأتقى‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫أ ّم�ا حمي�ي الدي�ن ‪ -‬الذي تستش�هد بالنق�ل عنه ‪ -‬فق�د َق ّرر‬
‫الس�نة‬
‫عقيدت�ه يف أكثر م�ن كتاب مما كتب‪ ،‬وأكّد أهنا عقيدة أهل ُّ‬
‫واجلامعة‪ ،‬وهو الذي يقول‪:‬‬

‫س�ائيل ع�ن عقي�ديت أحس�ن اهلل ظــنّـ�ه‬


‫ش�ــهـد اهلل أنــه�ا ش�ـــهد اهلل أنــــ�ه‬

‫فه�و ُيش�هد اهلل على أن عقيدته ت�دور يف فلك قول�ه تعاىل‪:‬‬


‫﴿ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﴾ [آل عمران‪ ]18 :‬فامذا تريدون منه بعد؟‬

‫أ ّما إن بعض النّاس مل يفهم مراده فيام عرب به‪ ،‬فليس هذا ذنب‬
‫حميي الدين‪ ،‬ولكن�ه ذنب اجلهل بعلم حميي الدين‪ ،‬وذنب العمى‬
‫عن كش�ف حميي الدين‪ ،‬وذنب العجز ع�ن إدراك حميي‪ ‬الدين ‪..‬‬
‫دخ�ل ثعلب يوما أحد الكروم‪ ،‬وكلما أعجبه عنقود َو َه َّم بقطفه‬
‫ضع�ف وعج�ز‪ ،‬فيرتكه قائ ً‬
‫لا « ه�ذا عنقود حام�ض »‪ ،‬وهكذا‬
‫حتى انتهى إىل جدار الكرم دون أن يصيب ش�يئ ًا‪ ،‬فذهب إىل ُأ ّمة‬
‫الثعال�ب صاخب� ًا صائح� ًا‪ « :‬أال فاعلموا أنني ق�د خربت الكرم‬

‫‪59‬‬
‫الفلاين عنق�ود ًا عنق�ود ًا‪ ،‬فل�م أج�د به عنق�ود ًا غير حامض »‪،‬‬
‫وثعلب اإلنسان كثعلب احليوان‪ ،‬غري أننا نسمي ثعالب اإلنسان‬
‫متمسلفة‪.‬‬

‫وبعــد‪ّ :‬‬
‫فإن لنا يف معامالتنا العادية دليل جليل‪ ،‬فهل يفهم‬
‫الطبيب اصطالح املهندس؟ أو يفهم املهندس اصطالح الطبيب؟‬
‫حني يعرب كل منهم عن آالته ومسميات فنه‪ ،‬ومصطلحات مهنته‪،‬‬
‫على أن كليهما م�ن ثقافة عالي�ة مق�ررة‪ ،‬فكيف إذا ق�رأ احلوذي‬
‫(العربجي) كتاب ًا يف علم الذرة والصواريخ؟ أو أقام نفس�ه حك ًام‬
‫عىل نظرية النسبية جيادل عالمة الطبيعة أينشتاين؟‬

‫ّ‬
‫إن للصوفيين اصطالحاهتم التي قام�ت بعض اليشء مقام‬
‫العب�ارة يف تصوير مدركاهت�م ومواجيدهم‪ ،‬حين عجزت اللغة‬
‫ع�ن ذلك‪ ،‬فال يفهم الص�ويف إال الصويف‪ ،‬فالتص�وف علم وفن‬
‫فالص�ويف إذا قرأ ما تعيبه أنت ‪ -‬إذا صح النقل‪- ‬‬
‫وإدراك ون�ور‪ّ ،‬‬
‫من نحو قول بعضهم مثالً‪ « :‬خلق اهلل األش�ياء وهو عينها أو هو‬
‫حقيقته�ا »‪ ،‬فهم الصويف عىل الفور أن املراد أنه قيومها ومفيضها‬
‫م�ن الع�دم‪ ،‬واملتجيل عليها بمراده منها‪ ،‬إذ أهن�ا يف ذاهتا فانية من‬

‫‪60‬‬
‫قبل ومن بعد‪ ،‬ألنّه ال قيومية هلا من ذاهتا‪ ،‬ففي العدم كانت وإىل‬
‫العدم ستصري‪ ،‬ولن يبقى إال قيومها سبحانه « كان اهلل‪ ،‬وال يشء‬
‫مع�ه »‪ ،‬وه�و اآلن عىل ما علي�ه كان‪ ،‬ولي�س يف هذا وحدة‬
‫وجود باملعنى الوثني احللويل املكفور أبد ًا‪ ،‬فاألكوان مجيع ًا مادهتا‬
‫العدم‪ ،‬وقد انتقلت بالقيومية األزلية من العدم املستور إىل العدم‬
‫املنظ�ور‪ ،‬ومتى ما اس�تنفذت نصيبها املقرر م�ن التمتع بالقيومية‬

‫كان اهللُ و ْلمَ َيك ْ‬


‫ُ�ن ْشيَ ٌء َق ْب َل� ُه »‪ ،‬وفي�ه‬ ‫ يف البخ�اري (‪َ « :)19374‬‬
‫ُ�ن شيَ ْ ٌء َغْي�رْ ُ ُه »‪:‬وه�و بمعن�ى‪ « :‬كان اهلل‬ ‫َان اهللُ َولمَ ْ َيك ْ‬
‫(‪ « :)3192‬ك َ‬
‫وال‪ ‬يشء معه‪.» ‬‬
‫ ه�ذه اللفظ�ة « وهو اآلن عىل ما عليه كان » ليس�ت حديث ًا عن ّ‬
‫النبي‬
‫�‪ ،‬وإنما ه�ي م�ن كالم أهل العل�م يف كتبهم‪ ،‬وهل�ا معنى صحيح‬
‫ومعنى باطل‪ ،‬أ ّما الصحيح فهو أن اهلل س�بحانه مل يزل منفرد ًا بنفسه‬
‫ع�ن خلقه‪ ،‬ليس خمالط ًا هلم‪ ،‬وال حاالً فيهم‪ ،‬وال ممازج ًا هلم‪ ،‬بل هو‬
‫بائ�ن عنهم بذاته وصفاته‪ ،‬كام ق�ال اإلمام الغزايل رمحه اهلل يف قواعد‬ ‫ٌ‬
‫العقائ�د (‪ « :)53‬وأنه ال َي ُح ُّل يف يشء‪ ،‬وال حيل فيه يشء‪ ،‬تعاىل عن‬
‫زمان‪ ،‬بل كان قبل أن خ َل َق‬ ‫ٌ‬ ‫مكان‪ ،‬كما ت َقدَّ س عن أن يحَ ُ دَّ ُه‬ ‫ٌ‬ ‫أن حيوي�ه‬
‫واملكان‪ ،‬وهو اآلن على ما عليه كان »‪ .‬وأ ّما معناها الباطل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الزم�ان‬
‫فق�ول بعض االحتادي�ة‪ :‬وهو اآلن على ما علي�ه كان‪ ،‬أي ليس معه‬
‫غيره‪ ،‬فهذه املخلوقات متحدة به‪ ،‬هو ه�ي‪ ،‬وهي هو‪ ،‬تعاىل اهلل عماّ‬
‫يقولون علو ًا كبري ًا‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫عادت إىل مادهتا األصلية إىل العدم‪ ،‬وال َش َّ‬
‫�ك أن ما بني العدمني‬
‫ع�دم ؛ فل�م يبق إال اهلل يف قداس�ة جتليات صفات�ه وآثارها ‪،‬‬
‫أعن�ي ه�ذه الصورة الكوني�ة الفاني�ة يف الواق�ع والطبيعة ونفس‬
‫األمر كام رأيت‪.‬‬

‫أ ّم�ا قول القائل‪ ( :‬أنا اهلل )‪ ،‬فهو س�اعتئذ إ ّما يف حالة جذب‬

‫يفرق به الش�يخ رمح�ه اهلل تعاىل بني وجود احلق‬‫ ه�ذا كال ٌم اصطالحي ِّ‬
‫س�بحانه وتع�اىل القدي�م األزيل‪ ،‬ال�ذي ال يفتق�ر إىل موج�د‪ ،‬ووجود‬
‫املخلوق احلادث‪.‬‬
‫ شهود ًا لتلك املعاين‪ .‬فنفى وجود ًا يشبه وجود اهلل تعاىل‪ ،‬وأثبت وجود ًا‬
‫هو أثر صفات اهلل تعاىل‪ .‬وقد رشح هذه الصورة ابن الق ِّيم رمحه اهلل يف‬
‫مدارج الس�الكني (‪ )364/3‬فقال‪ « :‬وأ ّما الشيخ وأرباب الفناء‪ :‬فقد‬
‫يعن�ون معنى آخر أخص من ذلك‪ ،‬وهو املش�ار إليه بقوله « ال يناس�م‬
‫رس�مك س�بقه‪ » ‬أي‪ :‬ال ت�رى أن�ك معه‪ ،‬بل ت�راه وحده‪ ،‬وهل�ذا قال‪:‬‬
‫فتس�قط الش�هادات‪ ،‬وتبطل العبارات‪ ،‬وتفنى اإلشارات‪ ،‬يعني‪ :‬أنك‬
‫إذا مل تش�هد معه غريه‪ ،‬وأس�قطت الغري من الش�هود‪ ،‬ال من الوجود‪،‬‬
‫بخالف ما يقول امللحد االحتادي‪ :‬إنك تس�قط الغري شهود ًا ووجود ًا‪،‬‬
‫س�قطت الش�هادات والعب�ارات واإلش�ارات ؛ ألهن�ا صف�ات العبد‬
‫املحدث املخلوق‪ ،‬والفناء يوجب إس�قاطها‪ .‬واملعنى‪ :‬أن الواصل إىل‬
‫ه�ذا املقام ال يرى مع احلق س�واه‪ ،‬فيمحو الس�وى يف ش�هوده‪ ،‬وعند‬
‫امللحد يمحوه من الوجود‪ ،‬واهلل أعلم وهو املوفق »‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫وغيبوب�ة‪ ،‬فلا تعلي�ق لنا عىل ق�ول ُم َغ َّي ٍ‬
‫�ب مأخوذ‪ ،‬رف�ع الشرّ ع‬
‫والعق�ل عنه القلم‪ ،‬وال حيكم عليه باستحس�ان وال اس�تهجان‪،‬‬
‫ناظ�ر إىل املعنى الذي أس�لفنا‪ ،‬إذ ما يف‬
‫ٌ‬ ‫وإ ّم�ا يف حال�ة إدراك فهو‬
‫الكون من موجود مس�تقل بالقيومية إال هو س�بحانه‪ ،‬وأ ّما غريه‬
‫فه�و موجود به تعاىل‪ ،‬واملوجود بغريه ال وجود له ﴿ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﴾ [احلدي�د‪ ،]3 :‬وإ ّم�ا يف حال�ة فن�اء فه�و‬
‫يتحدّ ث عن لسان احلق َج ّل وعال‪ ،‬كام نجد ذلك كثري ًا يف أشعار‬
‫َ‬
‫السادة من أئمة القوم وغريهم ريض اهلل عنهم‪.‬‬
‫وأخبار بعض ّ‬
‫ويف حياتنا العادية كثري ًا ما يتحدَّ ث اإلنس�ان عن لسان حال‬
‫أمر‬
‫س�واه ممن يعقل أو ال يعقل‪ ،‬فالكالم عىل لس�ان احل�ق تعاىل ٌ‬
‫عادي‪ ،‬ويا لطاملا نس�معه ِم ْن وعاظنا على املنابر وحلق الدرس‪،‬‬
‫فكيف يسوغ هناك وال يسوغ هنا‪.‬‬
‫وإين أحيل�ك إىل م�ا كتبه اب�ن تيمية يف الرس�ائل وابن القيم‬
‫يف « املدارج » عن معنى الفناء الصويف وحقيقته‪ ،‬ومها الش�يخان‬
‫كتبت إ ّيل‪ ،‬وسترى ‪ -‬يا ولدي ‪-‬‬
‫الل�ذان كن�ت ترجع إليهام فيما َ‬
‫أن‪ ‬اهلل أنطقهام يف هذا املقام بفيض مل خيطر عىل قلم صويف سابق‪.‬‬

‫ أي‪ِ :‬م ْن نفسه‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫‬
‫خملفات السيد البدوي‬
‫ومن األش�ياء التي ال يعرفها التصوف اإلسلامي أن يدَّ عي‬
‫بعضهم ّ‬
‫أن لبعض أولياء اهلل خملفات شاذة ختتلف عام ألفه النّاس‬
‫م�ن مثلها‪ ،‬وقد جاء هذا من مبالغات جهلة األتباع‪ ،‬وانتحاالت‬
‫الصاحلني‬
‫بعض املاكرين املبطلني‪ ،‬الذين يندسون يف غامر طوائف ّ‬
‫لغرض أو آلخر يعلمه اهلل ‪.‬‬

‫وال ش�ك ّ‬
‫أن ه�ذه الترصف�ات والنس�ب مم�ا ال يقبل�ه عقل‬
‫وال‪ ‬رشيع�ة وال تص�وف‪ ،‬وال يرض�اه حي وال مي�ت‪ ،‬وإنام إثمه‬
‫عىل من ابتدعه ‪.‬‬

‫وزورا إىل السيد البدوي ‪ -‬واهلل‬


‫ً‬ ‫ففي املخلفات املنسوبة كذ ًبا‬
‫يشهد ّ‬
‫أن السيد البدوي منها بريء كل الرباءة ‪ -‬هذا الدلق املرقع‬
‫ال�ذي يزن مئ�ات األرطال‪ ،‬ول�و كان هذا مما يلبس�ه ‪ -‬ريض اهلل‬
‫عن�ه‪ - ‬ما اس�تطاع أن يق�وم إىل صالة‪ ،‬وال أن يلق�ي درس علم‪،‬‬
‫وال أن يذهب إىل جهاد يف اهلل حيارب الصليبيني‪.‬‬

‫ جمل�ة املس�لم‪ ،‬الس�نة الثانية عرشة‪ ،‬العدد الس�ادس‪ ،‬غرة املحرم س�نة‬
‫(‪1382‬هـ)‪ 4 ،‬يونية سنة (‪1962‬م)‪ ،‬كلمة الرائد‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫وهذه املسبحة الضخمة يربأ منها السيد البدوي كل الرباءة‪،‬‬
‫وال أعرف إال أهنا مدسوسة عليه شأن جمموعة األحجبة اخلرافية‬
‫املنتحلة عليه سواء بسواء‪ ،‬وإن العامل بسرية السيد البدوي وفقهه‬
‫بدينه وأدبه وترفعه‪ ،‬واعتداده بنفس�ه ال يطيق أبدً ا أن تنسب هذه‬
‫القامم�ات إىل هذا اإلم�ام‪ُ ،‬يتَّهم هبا يف علم�ه ويف دعوته ويف دينه‬
‫زورا عىل التصوف املظلوم ‪.‬‬
‫ويف عقله‪ ،‬ثم يعود أثرها ً‬

‫وإن أنكد املناكد‪ ،‬وأنكر املناكر أن ُيتهم هذا اإلمام العظيم‬


‫بالقذر والتوس�خ حت�ى يكون له «مه�راش» يف خملفاته‪ ،‬يدعي‬
‫اجلهلة والبله ‪ -‬بل اخلبثاء‪ -‬أنه كان حيك به جلده‪ ،‬األمر الذي‬
‫تأباه نظافة اإلسلام‪ ،‬وتأباه اإلنس�انية الصوفي�ة‪ ،‬واألمر الذي‬
‫ال‪ ‬جي�ري يف عق�ل عاقل‪ ،‬وال يس�لم به عامل بتاري�خ هذا اإلمام‬
‫النظيف املحتاط‪.‬‬

‫ويلح�ق هبذا املنكر تل�ك العاممة اهلائلة املدع�اة عليه‪ ،‬حتى‬


‫كأنه مل يكن إنس�انًا يف عامل احلقيقة‪ ،‬وإنام كان أسطورة خرافية من‬
‫أساطري خيال شهرزاد يف إحدى ليايل ألف ليلة‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫يا ولدي‪:‬‬

‫لق�د كان اإلمام أمحد البدوي داعية عا ًمل�ا عار ًفا زعيماً وطن ًّيا‬
‫وروح ًّي�ا وعس�كر ًّيا‪ ،‬وكان امللوك األيوبيون يذهب�ون إىل زيارته‬
‫تربك ًا به‪ ،‬وكانت له مش�اركات فعلية يف حروب الصليبيني‪ ،‬شأنه‬
‫ش�أن اإلمام أيب احلسن الشاذيل ريض اهلل عنهام‪ ،‬وشأن بقية علامء‬
‫السالم‪ ،‬ومكني الدين‪ ،‬وابن‬
‫الصوفية‪ ،‬كالعز ابن عبد ّ‬
‫العرص من ّ‬
‫الصالح‪ ،‬ومن غري الصوفيني كابن تيمية ومن وااله‪،‬‬
‫الرفعة‪ ،‬وابن ّ‬
‫ومل يكن العهد نفسه يسمح بالتخريف وال باملخرقة‪ ،‬وال‪ ‬بتغفيل‬
‫خلق اهلل‪ ،‬ومل يكن يف الوقت سعة للهزل واأللعبانية‪.‬‬

‫زورا وكذ ًبا‪ ،‬أو خب ًثا ولؤم ًا‪ ،‬أو بالهة وخرف ًا‪،‬‬
‫والذين ادعوا ً‬
‫أن هذا الش�يخ كان يأكل يف الوجبة عج ً‬
‫لا أو بقرة‪ ،‬مع املعروف‬
‫من زهده وتقشفه‪ ،‬ال يبعد عليهم أن يمعنوا فيام هم فيه‪ ،‬فيدسون‬
‫هذه املخلفات املضحكة‪ ،‬وينس�بوهنا ‪ -‬افترا ًء عىل اهلل ‪ -‬إىل هذا‬
‫اإلمام العظيم ‪.‬‬

‫فمت�ى يتنب�ه املس�ئولون إىل هـ�ذه املخاب�ث‪ ،‬ويعملون عىل‬


‫إزالتها وإظهار احلقيقة فيها‪ ،‬وتربئة األئمة مما يرميهم به املضللون‪،‬‬

‫‪66‬‬
‫حتى ال جيد خصوم أولياء اهلل طري ًقا إىل اغتامزهم‪ ،‬وال مذه ًبا إىل‬
‫طعنهم‪ ،‬وهم من كل هذه الصغائر براء‪ ،‬فاليقظة اليقظة يا سادة‪،‬‬
‫اليقظ�ة قبل أن تغرق�وا يف النوم‪ ،‬وإذا غرقتم فلن ينش�لكم أحد‪،‬‬
‫وأيض ًا بلغت‪ ،‬اللهم فاشهد ‪.‬‬

‫‬
‫حديث ( ُح ُّجوا )‬
‫يوش�ك ْ‬
‫أن يكون هذا احلدي�ث ‪ -‬رغم ما حوله من مقال‪- ‬‬
‫ص�ور األم�ر الواقع الي�وم أبلغ‬
‫م�ن أصدق أعلام النب�وة‪ ،‬فقد َّ‬
‫تصوير‪ ،‬وقد رواه أبو نعيم والبيهقي واخلطيب‪ ،‬وغريهم ُّ‬
‫ونصه‪:‬‬
‫ِ‬
‫أذن�اب أوديتها‪ ،‬فال‬ ‫«‪ ‬ح ُّج�وا قب�ل أال تحَ ُ ُّجوا‪ ،‬يقع�دُ أعرابهُ ا عىل‬
‫ُ‬
‫احلج أحد »‪.‬‬
‫يصل إىل ِّ‬

‫ جمل�ة املس�لم‪ ،‬الس�نة الثالث�ة عشرة‪ ،‬الع�دد الث�اين عرش‪ ،‬غ�رة رجب‬
‫(‪1383‬هـ)‪17 ،‬نوفمرب (‪1963‬م)‪ ،‬كلمة الرائد‪.‬‬
‫ رواه أبو نعيم يف أخبار أصبهان (‪ ،)37/2‬والبيهقي يف السنن الكربى‬
‫(‪ ،)340/4‬واخلطي�ب البغ�دادي يف تلخي�ص املتش�ابه (‪.)194/1‬‬
‫ورواه أيض ًا الدارقطني يف سننه (‪.)377/3‬‬
‫ق�ال املناوي يف فيض القدي�ر (‪ « :)497/3‬قال الذهبي يف املهذب‪=:‬‬

‫‪67‬‬
‫وال ب�أس علي�ك ‪ -‬ي�ا ول�دي ‪ -‬أن تق�ول ب�ه ؛ فق�د روى‬

‫والطيالسي‪ ،‬والقضاعي‪ ،‬عنه‬


‫ُّ‬ ‫الرتم�ذي وابن ماج�ه‪ ،‬واحلاك�م‪،‬‬
‫ُّ‬
‫ال هيب ُة النّاس أن‬
‫صىل اهلل عليه وآله وس�لم قال‪ « :‬ال يمنع�ن رج ً‬

‫يقول بحق‪ ،‬إذا علمه أو شهده أو سمعه » ‪.‬‬

‫= إس�ناده واه ‪ .‬اه�ـ ‪ ،‬ورواه الدارقطن�ي باللفظ املزب�ور عن أيب هريرة‬


‫املذك�ور‪ ،‬وتعقب�ه خمترصه الغرياين بأن فيه عبد اهلل بن عيس�ى بن حييى‬
‫ش�يخ لعبد ال�رزاق جمهول‪ ،‬وحممد ب�ن أيب حممد جمه�ول‪ ،‬وأورده ابن‬
‫اجلوزي يف العلل‪ ،‬وجعل علته جهالة حممد بن أيب حممد»‪.‬‬
‫ه�ذا‪ ،‬وقد صح م�ن حديث ابن عمر‪ ،‬عن النبي ﷺ‪ « :‬اس�تمتعوا من‬
‫ه�ذا البي�ت‪ ،‬فإنه قد ه�دم مرتني‪ ،‬ويرف�ع يف الثالث�ة »‪ .‬أخرجه احلاكم‬
‫(‪ )608/1‬وصححه ووافقه الذهبي ‪ ،‬وابن خزيمة (‪ ،)128/4‬وابن‬
‫حبان (‪ ،)153/15‬وأبو نعيم ىف تاريخ أصبهان (‪.)203/1‬‬
‫ رواه الرتمذي (‪ ،)2191‬وابن ماجه (‪ ،)10634‬واحلاكم (‪،)506/4‬‬
‫والطياليس (‪ ،)2156‬والقضاعي يف مسند الشهاب (‪ .)945‬وأمحد يف‬
‫مسنده (‪.)61 ،50 ،19/3‬‬

‫‪68‬‬
‫‬ ‫َ‬
‫املصطفون‬ ‫ورثة الكتاب‬
‫يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ‬
‫ﭫﭬﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲ‬
‫ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﴾ [فاطر‪.]32:‬‬

‫أن يف اآلية بشار ًة كربى ألهل القبلة مجيع ًا‪ْ ،‬‬


‫إن قلنا‬ ‫وال شك َّ‬
‫عىل التعميم‪ :‬إهنم املصطفون لوراثة الكتاب‪.‬‬

‫وفيها بش�ارة خلاصتهم‪ْ ،‬‬


‫إن قلنا‪ :‬إهن�م وحدهم املقصودون‬
‫باآلية‪.‬‬

‫والظامل لنفس�ه عند أكثر أهل الظاهر‪ :‬هو مرتكب الصغائر‪،‬‬


‫غير عامد وال ُمِص�رِ ّ ‪ ،‬واملقتصد‪ :‬هو املكتف�ي بأصول الطاعات‪،‬‬
‫والسابق‪ :‬هو املفرغ طوق جهده يف اسرتضاء احلق تعاىل‪.‬‬

‫وعن�د أكثر الصوفية‪ :‬الظامل لنفس�ه‪ :‬ه�و الواقف عند ظاهر‬


‫األم�ر‪ ،‬فلا حي�اول أن يتحقق ب�أرساره‪ ،‬واملقتصد‪ :‬ه�و الواقف‬

‫ جمل�ة املس�لم‪ ،‬الس�نة الثالث�ة عشرة‪ ،‬الع�دد الث�اين عرش‪ ،‬غ�رة رجب‬
‫(‪1383‬هـ)‪17 ،‬نوفمرب (‪1963‬م)‪ ،‬كلمة الرائد‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫عن�د الظاهر مع االنفع�ال أحيانًا باحلقائق واألرسار‪ ،‬والس�ابق‪:‬‬
‫ه�و اجلامع بني أمر الظاهر ورس الباط�ن بكل ما أطاق واحتمل‪،‬‬
‫فاألول املبتدي‪ ،‬والثاين السالك‪ ،‬والثالث املنتهي‪.‬‬

‫ويق�ول أئمتن�ا‪ :‬الرشيع�ة أن تعب�ده‪ ،‬والطريق�ة أن تقصده‪،‬‬


‫واحلقيقة أن تشهده!!‬

‫فالظ�امل لنفس�ه عنده�م‪َ :‬م� ْن وق�ف عن�د ح�د الشرَّ يعـ�ة‪،‬‬


‫واملقتصـد‪َ :‬م ْن وقف عند حد الطريقة‪ ،‬والسابق‪َ :‬م ْن أدرك مقام‬
‫احلقيقة‪.‬‬

‫وذل�ك َّ‬
‫أن الرشيع�ة أصله�ا األق�وال‪ ،‬والطريق�ة أصله�ا‬
‫األفع�ال‪ ،‬واحلقيقة أصلها األحوال‪ ،‬وكل منه�ا كاألم ملا بعدها‪،‬‬
‫ال تكون إال منها‪.‬‬

‫فالشرّ يعة عمل األجسام‪ ،‬والطريقة عمل القلوب‪ ،‬واحلقيقة‬


‫عمل األرواح‪ ،‬فهي بالرتتيب علم وعمل وحال‪.‬‬

‫إن احلال عندهم غري املقام‪ ،‬فاحلال عارض زائل‪ ،‬واملقام‬


‫ث�م َّ‬
‫وص�ف دائم‪ ،‬واحل�ال غري مس� َّب ٍ‬
‫ب بمجاهدة‪ ،‬ولك�ن املقام ثمرة‬

‫‪70‬‬
‫جل�د وجمه�ود‪ ،‬واألح�وال حت�ول وتتح�ول‪ ،‬واملقام�ات ال تزول‬
‫وال تتزلزل‪ ،‬وهكذا تكون األحوال مواهب لالهتداء‪ ،‬واملقامات‬
‫مكاسب لالقتداء‪ ،‬والفضل بيد اهلل يؤتيه َم ْن يشاء‪.‬‬

‫اخلالق وخملوقاته‪:‬‬

‫الفقهاء يس�تدلون باخلل�ق عىل وجود اخلال�ق؛ إذ البد لكل‬


‫فعل ِم ْن فاعل‪ ،‬ولكل أثر ِم ْن مؤثر‪ ،‬ولكل صنعة ِم ْن صانع‪.‬‬

‫والصوفي�ة يس�تدلون باخلال�ق على وج�ود اخلل�ق ؛ فإنّ�ه‬


‫ّ‬
‫ال ُيس�تدل على احلق عنده�م من طري�ق الباطل‪ ،‬ولك�ن ُيعرف‬
‫الباطل إذا ُع ِرف احلق‪.‬‬

‫ال وتوثيق ًا‪ ،‬ورؤية‬


‫فرؤية الفعل قبل الفاعل مقام العامة عق ً‬
‫الفاعل قبل الفعل مقام اخلاصة شهود ًا وحتقيق ًا‪ ،‬وليسوا سواء‪،‬‬
‫ّ‬
‫واملستدل عليه باحث عنه ما له‬ ‫ّ‬
‫فاملستدل به عرفه فجعله دليله‪،‬‬
‫عما‬
‫معذور يف البحث ّ‬
‫ٌ‬ ‫من حيلة‪ ،‬ف�إن َمن مل يعرف الطريق إليه‬
‫ّ‬
‫يدل عليه‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫أؤلئ�ك عرفوه بالربهان‪ ،‬وهؤالء عرفوه بالعيان‪ ،‬وش�تَّان‬
‫بني َم ْن يس�تدل به عليه يف مقام اليقني والش�هود‪ ،‬و َم ْن يس�تدل‬
‫علي�ه بغريه من مقام احلجب والقعـ�ود‪ ،‬متى غاب حتى حيتاج‬
‫إىل دلي�ل علي�ه‪ ،‬ومتى َب ُعـد حتى نبحث عما يوصل إليه‪ ،‬وهل‬
‫يف الوج�ود غريه حتى يقال‪ :‬أين هو‪ ،‬أو يقام الدليل عىل ما هو‬
‫أهله‪ ،‬غفرانك ربنا وإليك املصري‪.‬‬

‫« العشري ُة تبدأ بإصالح الفرد‪ ،‬وذلك بإصالح قلبه‪ ،‬وصلحه‬


‫على ر ّبه‪ ،‬وعالج نفس�ياته وأخالق�ه وروحانياته وجسمانياته‪،‬‬
‫حتى يتخىل عن كل دين‪ ،‬ويتحىل بكل س�ني‪ ،‬وس�بيل كل ذلك‬
‫أساس�ا‪ :‬أصل الفضيلة‪ ،‬والفضيلة‬
‫عب�ادة‪ ‬اهلل عىل علم‪ ،‬فالعبادة ً‬
‫أصل املجد‪ ،‬جمد الدنيا واآلخرة‪ .‬ولفقه أصول العبادة والفضيلة‬
‫واملجد مقتضيات وثمرات تش�مل كل جوانب احلياة الفاضلة‪،‬‬
‫احلسي منها واملعنوي س�واء‪ ،‬وتلكم ه�ي الربانية اإلسلامية‪،‬‬
‫وهي التي نس�ميها « طل�ب الكامل »‪ ،‬وه�ي التصوف الرشعي‬
‫(اإلمام الرائد)‬ ‫احلق الذي ندعو إليه »‬

‫‪72‬‬
‫شيوخ التصوف والفرس والعرب‬
‫‬

‫(أ) ب�م تعل�ل فضيلتكم كون ش�يوخ التصوف م�ن الفرس‬


‫وأحفاد املجوس‪ ،‬يف العرص اإلسالمي؟‬

‫(ب) وكي�ف تعل�ل ازده�ار التصوف يف القرن الس�ابع وما‬


‫بعده بني العرب واملنتسبني إىل رسول اهلل � ؟‬

‫* اجلواب ‪:‬‬

‫(أ) ليتك ‪ -‬يا ولدي ‪ -‬مل توجه إ ّيل هذا الس�ؤال العنرصي‪،‬‬
‫ال�ذي ال يرض�اه اهلل وال رس�وله‪ ،‬أو مل تق�رأ قول�ه تع�اىل‪ ﴿ :‬ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﴾ [احلج�رات‪ ،]13 :‬وقول�ه تع�اىل‪:‬‬
‫﴿ ﯜ ﯝ ﯞ ﴾ [احلج�رات‪ ،]10 :‬وقول�ه �‪ « :‬ال فض�ل‬
‫ألبيض عىل أمحر‪ ،‬وال لعريب عىل عجمي إالَّ بالتقوى »‪ ،‬وقوله‬
‫اهلِ َّي ِة‪ ،‬و َفخْ َرها‬
‫إن اهلل ع�ز وج�ل قد أذهب عنكم عبي َة الج ِ‬
‫ُ ِّ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫�‪ّ « :‬‬
‫شقي‪ ،‬أنتم آلدم ‪ ،‬وآد ُم ِمن تراب‪،» ‬‬ ‫وفاجر ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫مؤم ٌن ت َِق ٌّي ‪،‬‬
‫باآلباء؛ ِ‬
‫ِ‬

‫ راجع أبجدية التصوف اإلسالمي‪ ،‬لشيخنا اإلمام الرائد‪.‬‬


‫ أخرجه أمحد (‪.)411/5‬‬
‫ رواه أمحد (‪ ،)523/2‬وأبو داود (‪ ،)5116‬والرتمذي (‪.)3270‬‬

‫‪73‬‬
‫وقوله � وق�د مت َّعر وجهه غض ًبا‪ « :‬ليدعن أقوا ُم فخرهم بأقوام‬
‫أه�ون عىل اهلل من‬
‫َ‬ ‫ليكونن‬
‫َّ‬ ‫إنما ه�م حطب من حطب جهن�م‪ ،‬أو‬
‫اجلعالن التي تدفع بأنفها النتن »‪.‬‬

‫أمل يأت�ك أن س�يدنا رس�ول اهلل � أحل�ق به س�يدنا س�لامن‬


‫الفاريس‪ ،‬فقال‪ « :‬سلامن ِمنَّا أهل البيت »‪ ،‬أمل يرسل اهلل رسوله‬
‫� للنّاس كافة بشري ًا ونذير ًا ؟!‬

‫إهن�ا حمَ ِ َّي ُة اجلاهلي�ة‪ ،‬يرددها ببغاوات البشر‪ ،‬بال تدبر ‪ ،‬وال‬
‫بينة‪ ،‬وهل جاء اإلسالم للعرب وحدهم‪ ،‬فاغتصبه منهم غريهم‪،‬‬
‫فأصبحوا منبوذين؟!‬

‫�م ه�ذه الش�عوبية‪ ،‬والعنرصي�ة الكرهي�ة‪ ،‬الت�ي ينكره�ا‬‫ِ‬


‫ل َ‬
‫اإلسالم‪ ،‬وتنكرها اإلنسانية الرشيفة ؟!‬

‫أليس اإلمام البخاري‪ ،‬والرتمذي‪ ،‬والنس�ائي‪ ،‬وابن ماجه‪،‬‬


‫والطرباين‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬واألكثرية الغالبة من رجال احلديث‪ ،‬كلهم‬

‫ هو تتمة احلديث السابق‪.‬‬


‫ رواه احلاكم يف املستدرك (‪ ،)595/ 3‬والطرباين يف الكبري (‪.)213/6‬‬

‫‪74‬‬
‫م�ن غري العرب‪ .‬وكذلك طائفة من أكرب املفرسين‪ ،‬كالزخمرشي‪،‬‬
‫والنيس�ابوري‪ .‬وطائف�ة م�ن أكبر علماء البالغ�ة‪ ،‬كاجلرجاين‪،‬‬
‫والتفتازاين ؟!‬

‫َم ْن هو طارق بن زياد‪ ،‬وموس�ى بن نصري ؟! هذان املوليان‬


‫القائدان الفاحتان‪ ،‬اللذان أسس�ا لإلسالم جمدً ا تارخيي ًا‪ ،‬ال يمحوه‬
‫الزمان !!‬

‫من هو أبو حنيفة النعامن ؟! أليس كان من املوايل‪ ،‬ولواله ما‬


‫كان لبني تيم اهلل ذكر وال فخر !!‬

‫ُ‬
‫الليث بن س�عد‪ ،‬أصله من (أصبهان)‪،‬‬ ‫يا ولدي‪ :‬إما ُم مرص‬
‫إمام أهل الس�نة أمحد بن حنبل‪ ،‬أصله من ( َم ْرو)‪ ،‬واإلمام املفرس‬
‫الطبري‪ ،‬أصل�ه م�ن (طربس�تان)‪ ،‬والش�عبي علاّ م�ة التابعين‬
‫وإمامه�م‪ ،‬كانت أمه من (جلوالء)‪ ،‬واحلس�ن البرصي الكوكب‬
‫الفرد‪ ،‬كان أبوه من ( َم َ‬
‫يسان)‪.‬‬

‫وهذا علاّ مة اللغة سيبويه‪ ،‬فاريس األصل‪ ،‬واإلمام الكسائي‬


‫فخ�ر اللغة العربية‪ ،‬أصله من فارس‪ ،‬وتلميذه اإلمام ال َف َّراء ‪ ،‬من‬

‫‪75‬‬
‫الديلم‪ُ ،‬ث َّم إن ابن مس�كويه‪ ،‬وابن س�ينا‪ ،‬والفارايب‪ ،‬كانوا ُفرس�ا‬
‫أعجمني‪.‬‬

‫اس�مع ي�ا ولدي‪ :‬فقي�ه مكة عطاء ب�ن رباح‪ ،‬وفقي�ه اليمن‬
‫ط�اووس ب�ن كيس�ان‪ ،‬وفقي�ه اليامم�ة حييى ب�ن أيب كثير‪ ،‬وفقيه‬
‫الشام مكحول‪ ،‬وفقيه اجلزيرة ميمون بن مهران‪ ،‬وفقيه خراسان‬
‫الضح�اك بن مزاح�م‪ ،‬وفقيها البرصة والكوف�ة إبراهيم النخعي‬
‫وابن سريين‪ ،‬ك ُُّل أولئك ليسوا من العرب أصالً‪ ،‬ولكنهم ّبرزوا‬
‫يف جوان�ب العلم والفكر واملعرفة والدِّ ي�ن؛ كانوا األئمة بكل ما‬
‫يف اللفظ من معنى يتجدد وال يفنى‪.‬‬

‫إنما يتفاض�ل النّ�اس باألحلام ال باألرح�ام ‪ ،‬والنّ�اس‬


‫عند‪ ‬اهلل سواسية كأسنان املشط‪ ،‬واهلل يقول‪ ﴿ :‬ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽﯾ ﴾ [البقرة‪ ،]237 :‬ولقد أمر رس�ول اهلل � أس�امة بن زيد‬
‫(م�واله) عىل جيش كان فيه أبو بكر وعمر‪ ،‬وعندما أراد عمر أن‬
‫يستخلف قال‪ « :‬لو كان سامل ُ موىل حذيفة ح ّي ًا لو َّليتُه » !!‬

‫ األحالم‪ :‬العقول‪.‬‬


‫ انظر‪ :‬االستيعاب (‪.)136/2‬‬

‫‪76‬‬
‫تأ ّمل هذا املوقف الكبري اخلطري‪.‬‬

‫يا ولدي‪ :‬ها هم أهل العلم! ال يكادون يذكرون ابن عمر‪،‬‬


‫إال ذك�روا معه م�واله نافع ًا‪ ،‬وال يكاد ُي ْذكَر أن�س بن مالك ‪ ،‬إالّ‬
‫ومع�ه مواله ابن سيرين‪ ،‬وال ي�كاد يذكر ابن ع ّب�اس‪ ،‬إال ومعه‬
‫م�واله عكرم�ة‪ ،‬وال ي�كاد يذكر أبوهري�رة‪ ،‬إالَّ ومع�ه مواله ابن‬
‫هرمز‪ ،‬ريض اهلل عنهم مجيع ًا‪ ،‬وما أكثر هذه األمثلة يف اإلسالم‪.‬‬

‫أطل�ت عليك عامدً ا يف هذا املجال‪ -‬ي�ا ولدي ‪-‬؛ ّ‬


‫فإن‬ ‫ُ‬ ‫لق�د‬
‫هذه الش�عوبية هي التي كانت مسمار النعش يف وحدة اإلسالم‪،‬‬
‫زورا ب�ـ (النهضة العربي�ة)‪ ،‬وهي التي‬
‫والت�ي انته�ت بام يس�مى ً‬
‫قصمت ظهر اخلالفة‪ ،‬وش�تتت العرب أوزاع ًا وشيع ًا ودويالت‬
‫هزيلة متناحرة باس�م العروبة‪ ،‬والقومية‪ ،‬التي تُس�تخدم اآلن بال‬
‫وعي وال تدبر ‪.‬‬

‫ولنرج�ع إىل س�ؤالك يف تعليل كون بعض ش�يوخ الصوفية‬


‫األوائ�ل من الفرس‪ ،‬فهؤالء النّاس اجتهدوا يف هذا اجلانب‪ ،‬كام‬
‫اجتهد غريهم ممن ذكرنا أسماءهم‪ ،‬فاس�تحقوا التقديم واإلمامة‬

‫‪77‬‬
‫كمس�لمني‪ ،‬ف�إذا قيل‪ :‬إهن�م فعلوا ذل�ك ليحطموا اإلسلام من‬
‫الداخ�ل‪ ،‬فه�ذه قضي�ة إذا فرضنا هن�وض دليله�ا يف واحد‪ ،‬فلن‬
‫ينه�ض هذا الدليل يف كل واح�د‪ ،‬ويف ك ُِّل طائفة ط ِّيب وخبيث‪،‬‬
‫واحلالل بني واحلرام بني‪ ،‬ولو طبقنا قاعدة س�وء الظن بالفرس‪،‬‬
‫أو بغري العرب عموم ًا‪ ،‬ألذهبنا ثلثي علوم اإلسلام‪ ،‬ولكان أول‬
‫منطق يقول به‬
‫م�ا ننب�ذه كتاب البخ�اري‪ ،‬و َمن وااله ‪ ،‬فهل ه�ذا ٌ‬
‫إنس�ان س�وي أو قاض منص�ف؟ ﴿ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﴾ [المطففي�ن‪َ ،]5 ،4:‬أو ال يذك�رون قول�ه تع�اىل‪:‬‬
‫﴿‪ ‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﴾ [ص‪.]62:‬‬

‫ّ‬
‫إن م�ن أحفاد املجوس َمن خدم اإلسلام أصدق اخلدمات‬
‫يف الثقاف�ات والعل�وم‪ ،‬والفتوحات والفنون‪ ،‬وراجع إن ش�ئت‬
‫من حرضنا ذكرهم وأس�لفناه‪ ،‬ومن ورائهم صف رشيف طويل‬
‫معروف‪ ،‬لم نرش إليه‪.‬‬

‫(ب) ّأم�ا تعليل ازدهار التصوف يف القرن الس�ابع وما بعده‬


‫بني العرب‪ ،‬واملنسوبني بحق أو بباطل إىل رسول اهلل �‪َّ ،‬‬
‫فإن هذا‬
‫الس�ؤال حيتاج إىل تكملة‪ ،‬هي َّ‬
‫أن هذا االزدهار يف هذا القرن وما‬ ‫ُّ‬

‫‪78‬‬
‫قبله كان بني العرب وغريهم‪ ،‬وكان هذا نتيج ًة لطبيعة األش�ياء‪ ‬؛‬
‫أه َ�ل الكثريين‬
‫الصوفي�ة وامتدادها‪ ،‬كان قد َّ‬ ‫َّ‬
‫ف�إن تطور الدَّ ع�وة ُّ‬
‫للزعام�ة واالجته�اد يف هذا الوقت كثم�رة للتفاعل والتطور فيام‬
‫الس�ابع أمثال‬ ‫ِ‬ ‫س�بق ه�ذا الزمان‪ ،‬فمث ً‬
‫لا نجدُ م ْن ُصوفي�ة القرن ّ‬
‫أيب احلسن الشاذيل‪ ،‬وأمحد البدوي‪ ،‬وابن ِ‬
‫دقيق العيد‪ ،‬وجمد الدين‬
‫القشريي‪ ،‬وزكي الدين املنذري‪.‬‬

‫الرفاعي وأيب مدين‪.‬‬


‫ِّ‬ ‫ونجد ِم ْن قبلهم يف القرن السادس َ‬
‫أمثال أمحد‬

‫ونج�د يف القرن اخلام�س أمثال الغزايل‪ ،‬وعب�د القادر‪ ،‬ويف‬


‫الثال�ث والراب�ع أمث�ال اجلنيد والش�بىل‪ ،‬وم�ن قبله�م ذو النون‬
‫املصري‪ ،‬وأب�و يزي�د‪ ،‬وم�ن قبله�م احلس�ن البرصي‪ ،‬وس�فيان‬
‫الث�وري‪ ،‬ومال�ك بن دين�ار‪ ،‬وإبراهيم ب�ن أده�م‪ ،‬والفضيل بن‬
‫عياض‪ ،‬وش�قيق البلخي‪ ،‬وحات�م األصم ‪ -‬بكل ما يف توارخيهم‬
‫من صدق وكذب‪ ،‬وأصيل ودخيل‪.‬‬

‫أض�ف إىل موضوع التطور واالمت�داد‪ ،‬قابلية البيئة‪ ،‬بام كان‬


‫م�ن احل�روب الصليبية والترتي�ة واملغولية‪ ،‬واضط�راب عاصمة‬

‫‪79‬‬
‫اخلالف�ة ببغداد‪ ،‬ومثل هذه الظروف بطبعه�ا تدفع النّاس إىل اهلل‬
‫تلقائ ًّيا‪ ،‬وقد جربنا نحن أخري ًا يف العارش من رمضان‪.‬‬

‫م�ن أجل ه�ذا وما هو منه‪ ،‬أو يتعلق ب�ه‪ ،‬كان هذا االزدهار‬
‫الذي تشري إليه‪.‬‬

‫‬
‫ضرورة وجود الشيخ املرشد‬
‫الصوفي�ة برضورة وجود الش�يخ لتوصيل املريد‬
‫س‪ :‬يق�ول ُّ‬
‫(م ْن ال ش�يخ له فالش�يطان ش�يخه) فهل هـذا‬
‫إىل ر ِّبه‪ ،‬ويقولون‪َ :‬‬
‫صحيح؟‬

‫* اجلواب ‪:‬‬

‫يا ول�دي‪ُّ :‬‬


‫الصوفية يف ه�ذا يصدرون عن صحي�ح الرشيعة‪،‬‬
‫وصحيح الطبيعة‪ ،‬وصحيح التجربة‪ ،‬وصحيح املامرسة والواقع‪.‬‬

‫أ َّم�ا الرشيع�ة ف�اهلل تع�اىل يق�ول‪ ﴿ :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬


‫ﭞ ﭟ ﭠ ﴾ [النح�ل‪ .]43 :‬ويق�ول‪ ﴿ :‬ﮃ ﮄ ﮅ‬

‫ راجع أبجدية التصوف اإلسالمي‪ ،‬لشيخنا اإلمام الرائد‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫ﮆ﴾ [الفرق�ان‪ .]59 :‬ويقول‪ ﴿ :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﴾ [الرعد‪.]7:‬‬
‫ويق�ول‪ ﴿ :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﴾ [فاط�ر‪ .]14:‬ويق�ول‪:‬‬
‫﴿ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲﯳ ﴾ [األنع�ام‪.]90:‬‬
‫ويق�ول‪ ﴿ :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﴾ [لقمان‪ .]15:‬ويق�ول‪:‬‬
‫﴿ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﴾ [املمتحن�ة‪.]4:‬‬
‫ويف احلديث الثابت‪ « :‬هال سألوا‪ ،‬فإن شفاء ِ‬
‫الع ّي السؤال‪.» ‬‬
‫ٍ‬
‫س�ئول ذا ذكر‪ ،‬خبري بوس�ائل‬ ‫ٍ‬
‫قدوة‬ ‫وإذن فالب�د م�ن ٍ‬
‫هاد‬ ‫ْ‬
‫الفرار إىل اهلل‪ ،‬واهلجرة إليه‪ ،‬أمل تر إىل موسى كيف طلب املرشد‬
‫ليتَّبِ َع ُه كام جاء يف سورة الكهف ؟! وكيف كان أدب موسى مع‬
‫مرشده‪ ‬؟!‬

‫املو ِّقف‬
‫ول�ذا كان ال ب�د لطالب حف�ظ القرآن من املق�رئ َ‬
‫اخلبري بأحكام التالوة وصح�ة األداء‪ ،‬ولو تُرك القارئ العادي‬
‫لنفس�ه الس�تحال عليه أن يحُ َ ِّص�ل حق التالوة وصح�ة األداء‪،‬‬
‫وبالتايل ربام اضطربت مع�ه مفاهيم اآليات‪ ،‬وغابت األحكام‪،‬‬

‫ رواه أمح�د (‪ ،)3048‬وأب�و داود (‪ ،)336‬ولفظ�ه‪َ « :‬ألاَ َس َ‬


‫�أ ُلوا إِ ْذ َل ْم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َؤ ُال »‪.‬‬ ‫َي ْع َل ُموا‪َ ،‬فإِ َّنماَ ش َف ُ‬
‫اء الع ِّي ُّ‬

‫‪81‬‬
‫و ُق ْ‬
‫�ل مثل ذل�ك يف كل علوم الدِّ ي�ن واللغة‪ ،‬وكل عل�وم الدنيا‬
‫�رف وامله�ن والصناعات‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فكري�ة كان�ت أم عملي�ة‪ ،‬حت�ى احل َ‬
‫مهما عل�ت أو دنت‪ ،‬ال‪ُ  ‬بدَّ هل�ا من اختصايص يلقنها ويكش�ف‬
‫َّ‬
‫لض�ل وافرتس�ه‬ ‫أرساره�ا‪ .‬فما مل يك�ن للم�رء ش�يخ يف العل�م‬
‫الشيطان‪ ،‬واستهواه‪ ،‬وجعل إهله هواه فهلك‪ ،‬وما مل يكن للمرء‬
‫معلم يف بقية الصناعات لما أصاب وال أجاد‪ ،‬وربام هلك وهو‬
‫يطلب احلياة‪ ،‬ومن هنا كان البد ّ‬
‫للسالك إىل اهلل من إمام يرشده‬
‫ويوجهه ويس�دده‪ ،‬ويكش�ف له أحابيل الش�يطان يف العبادات‬
‫واملعامالت‪ ،‬واخلطرات النفسية واإلرادات القلبية‪ ،‬والواردات‬
‫التي قد تكون أخطر عىل صاحبها من الكفر الرصيح‪.‬‬

‫ِّ�ر ‪ -‬يا ولدي ‪ -‬يف موقف اإلمام يف ّ‬


‫الصالة !! ويف تلقي‬ ‫َفك ْ‬
‫والسالم !!‬
‫الصالة ّ‬
‫الرسول عن جربيل عليهام ّ‬

‫سجل كبار أئمتنا َ‬


‫أخذ ُهم وتلقيهم عن كبار شيوخهم‬ ‫وهلذا ّ‬
‫كاب�ر ًا ع�ن كابر‪ ،‬باإلج�ازة الرشيف�ة‪ ،‬والثبت املحكم‪ ،‬س�واء يف‬
‫الصوفية واتصال الس�ند‪ ،‬وال يزال يف‬
‫العل�وم أو يف تلق�ي البيعة ُّ‬
‫عرصن�ا هذا يس�تعد الطالب ألعلى درجات الثقاف�ة (الدكتوراه‬

‫‪82‬‬
‫مثلاً) والب�د له من مرشف يش�اركه رحلة العل�م واجلهد ﴿ ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﴾ [فاطر‪.]19 :‬‬

‫وق�د تلقينا م�ن قواعد أهل العلم (غير الصوفية) قوهلم‪:‬‬


‫(ال تأخ�ذ العل�م م�ن ُص ُحف�ي‪ ،‬وال الق�رآن م�ن ُم ْص َحف�ي)‪،‬‬
‫والص ُحفي‪ :‬هو ال�ذي مجع حمصوله من ُّ‬
‫الصحف وحدها دون‬ ‫ُّ‬
‫والم ْص َحف�ي‪َ :‬م ْن ق�رأ القرآن وحده م�ن غري ُمو ِّقف‪،‬‬
‫مرش�د‪ُ ،‬‬
‫مجر ٌح عند أهل العلم‪ُ ،‬ث ّم تأمل مرة أخرى بعثة الرس�ل‬
‫وه�ذا َّ‬
‫إىل النّ�اس‪ ،‬ون�زول جربي�ل ﷺ على األنبي�اء عليه�م الصالة‬
‫والسالم بالتوجيه واهلداية‪.‬‬

‫وال تن�س ي�ا ول�دي‪َّ :‬‬


‫أن التق�اء ُروح ال َّطال�ب واألس�تاذ‪،‬‬
‫باحل�ب‬
‫ِّ‬ ‫وتب�ادل ال�ود ووح�دة اإلرادة‪ ،‬واندم�اج الش�خصيتني‬
‫ِ‬
‫وح�ي ونفيس مقرر عن�د أهل العلم‬ ‫ٌّ‬ ‫و َق ْص�د وج�ه اهلل‪ ،‬في�ه ٌ‬
‫أثر ُر‬
‫موصوالً يكون ِمن ورائه‬
‫ُ‬ ‫الس�ندُ‬ ‫ُ‬
‫يكون َّ‬ ‫القديم واحلديث‪ ،‬وحني‬
‫جمر ٌب يسميه الصوفية « َب َركَة السند »‪ ،‬وإن مل يؤمن اجلاهلون‬ ‫سرِ‬
‫ٌّ َّ‬
‫برسه‪ ،‬أال ترى قوله تعاىل ‪ ﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﴾ [األحزاب‪:‬‬ ‫ِّ‬
‫‪ .]46‬تأ ّمل‪ ،‬فمن هنا تبدأ الربكة ‪ُ ،‬ث ّم تتسلسل !!‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫وأظ�ن يف هذا اإلمجال كفاية إن ش�اء اهلل ؛ وإال فـ ﴿ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﴾ [القصص‪.]56 :‬‬

‫س�ألت مما ينف�ع النّاس‬


‫َ‬ ‫وهب�ذا أكون ق�د أجبت عىل أهم ما‬
‫الوضوح أنه‬
‫ويمك�ث يف األرض إن ش�اء اهلل‪ ،‬ومن�ه يظهر ب�كل ُ‬
‫السنة‪ ،‬إال‬
‫الصوفية وبني غريهم‪ ،‬من أهل ُّ‬
‫خالف بني ُّ‬
‫ٌ‬ ‫ليس هناك‬
‫يف ُص�ورة الفهم وحتليل املضامني‪ ،‬التي جعلت الصوفية هيتمون‬
‫بالقل�وب والرتبي�ة واألخلاق واالعتص�ام بمقامات التس�امي‬
‫ٌ‬
‫أصيل م�ن مذاهب أهل‬ ‫إسلامي‬
‫ٌّ‬ ‫مذهب‬
‫ٌ‬ ‫والرباني�ة؛ فالتصوف‬
‫السنة التي البدَّ منها للحياة الصحيحة‪.‬‬
‫ُّ‬

‫ِ‬
‫داخ�ل‬ ‫وإذا كان الصوفي�ة يدْ ُع�ون إىل األخلاق وبن�اء‬
‫اإلنس�ان بع�د أن هتدَّ َم وحت َّط َ‬
‫�م‪ ،‬فهم إنام يعمل�ون غاية ما جيب‬
‫عىل اإلنس�ان الس�تعامر األرض واالس�تخالف عليها‪ ،‬وتنقية‬
‫احلضارة من أوزارها وأوضارها‪ ،‬واستقرار األمة بأفرادها عىل‬
‫ما لو مل يكن هللكت‪ ،‬وها نحن قد جربنا‪ ،‬ورضب اهلل األمثال‪،‬‬
‫ولي�س بع�د احلق إال الضالل‪ ،‬ونس�تغفر اهلل ونتوب إليه‪ ،‬وهو‬
‫املوفق واملستعان‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫‬
‫هذه دعوتنا‪ ،‬وتلك مواقفنا‬
‫كلمة هلل ثم للتاريخ‪ ،‬ولكل منصف‬

‫« ي�ا ول�دي‪ :‬دع نعال�ك يف صمته�ا وتواضعه�ا تس�حق ما‬


‫يعرتضها من أقذار‪ ،‬وما يدنو منها من هوا ّم وحرشات !! »‪.‬‬

‫« وإي�اك أن تش�تغل بما حت�ت نعالك م�ن أوض�ار‪ ،‬عام هو‬


‫أمام�ك من أرسار وأنوار‪ ،‬وتنزه ع�ن أن تعالج امليتة والدم وحلم‬
‫اخلنزي�ر»‪ « .‬وعندم�ا يتورم اليشء التافه وينفت�ح كام تفعل بعض‬
‫الديدان يف مواجهة اخلطر‪ ،‬فاعلم أنه قد هلك بالفعل‪ ،‬وتذكر إن‬
‫شئت انتفاخ (بالونات) األطفال‪ :‬دعها فإهنا ستنفجر!! »‪.‬‬

‫« كي�ف تطل�ب من�ي أن أعامل م�ن ينط�ح ويرفس ويعض‬


‫بمث�ل عمله ؟! أم كيف تطالبني بتعل�م النباح والعواء والنعيب‪،‬‬
‫والنهيق واخلوار واملواء‪ ،‬ألر َّد عىل أصحاهبا بِ ُلغتها؟ ومل تصل يب‬
‫اخلطوب مرتبة من يفعل ذلك !! »‬

‫ جملة املس�لم‪ ،‬الس�نة الثالثة والعرشون‪ ،‬الع�دد الثاين عرش‪ ،‬غرة رجب‬
‫(‪1393‬هـ)‪ 31 ،‬يوليو (‪1973‬م)‪ ،‬كلمة الرائد‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫« وهل بيدي إنقا ُذ املنخنقة واملوقوذة واملرتدية والنطيحة وما‬
‫إن الكبري ال يمكن أن يكون صغري ًا‪َّ ،‬‬
‫وإن الصغري‬ ‫الس� ُبع ؟! َّ‬
‫أكل َّ‬
‫ال يمكن أن يكون كبري ًا‪ ،‬وقد علم كل أناس مرشهبم‪ ،‬واجلعالن‬
‫يف الروث تزعم أهنا ملوك!! »‪.‬‬

‫هب�ذه الكلمات َر ّد فضيل�ة الرائ�د عىل أحد أعض�اء أرسة‬


‫التحري�ر حين طل�ب إليه أن يق�ول كلم�ة يف مواجه�ة احلملة‬
‫الصوفية‪ُ ،‬ث ّم‬
‫املسعورة املستكلبة التي تصطنعها خصوم الدعوة ُّ‬
‫�دى وموعظة للمتقني‬‫وه ً‬ ‫دف�ع إليه كلمته اآلتي�ة‪ ،‬بيان ًا للنّاس‪ُ ،‬‬
‫إن شاء اهلل (املسلم)‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬ملخص نظرية الدعوة‪:‬‬

‫ال يستحق رشف النسبة إىل اإلسالم‪ٌ ،‬‬


‫رجل حييا بغري هدف‪،‬‬
‫وجود له‪ ،‬وال هدف للمس�لم إال أن يتمتع‬
‫فم�ن ال ه�دف له‪ ،‬ال ُ‬
‫ب�أن حيق�ق رس�الة اخلالفة ع�ن اهلل يف ه�ذه األرض كما هي‪ ،‬يف‬
‫والس�نة‪ ،‬وبس�اطتها وتساميها وش�موهلا‪ .‬وكلام‬
‫سماحة الكتاب ُّ‬
‫أدرك املسلم رسالته تلك‪ ،‬كلام تفانى يف الدعوة إىل اهلل‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫فيبدأ ُ‬
‫األخ بإصالح نفس�ه فيام بينه وبين اخلالق واملخلوق‪،‬‬
‫ال ومعامل ًة وأدب ًا‪ ،‬ثم يد ُع�و األقرب فاألقرب إليه من‬
‫علم ًا وعم ً‬
‫أهلي�ه وأحباب�ه إىل ربه‪ ،‬وهك�ذا تصبح الدع�وة إىل اهلل ك َُّل يشء‬
‫حزب‬
‫ُ‬ ‫يف حيات�ه‪ ،‬فكلام آم�ن معنا واحد‪ ،‬زاد ح�زب اهلل‪ ،‬ونقص‬
‫الصاحل�ون رويدً ا‬ ‫َّ‬
‫الش�يطان بق�دره‪ ،‬وباملثاب�رة وال�دأب‪ ،‬يكث�ر َّ‬
‫روي�دً ا‪ ،‬فيكثر هبم الصالح كذلك‪ ،‬وبالتايل ُّ‬
‫يقل الفاس�دون تبع ًا‬
‫لذلك‪ُّ ،‬‬
‫فيقل معهم الفساد كذلك‪.‬‬

‫الصاحلني تستوجب آل ًّيا وتلقائ ًّيا‪ ،‬أن تئول إليهم‬ ‫ثم َّ‬
‫إن كثرة َّ‬
‫أعامل ومس�ئوليات وش�ئون عامة وخاصة‪ ،‬يف خمتلف املجاالت‬
‫واملس�تويات‪ ،‬فهم يامرسوهنا بام يف اإلنس�ان املؤمن من إخالص‬
‫وص�دق وترف�ع ابتغ�اء رض�وان اهلل‪ ،‬مطبوع�ة بطاب�ع عقيدهتم‬
‫الروحي�ة‪ ،‬فيتحول االجت�اه العام بذلك‬
‫وأهدافه�م اإلصالحي�ة ُّ‬
‫ف ك ٌُّّل ماله وما‬
‫تدرجي ًي�ا‪ ،‬إىل م�ا هو خير من ك ُِّل وج�ه‪ ،‬فقد َع َ�ر َ‬
‫عليه نحو ربه ونفس�ه وأهله ودينه ووطن�ه‪ ،‬يف رفق وأدب و ُيرس‬
‫وحمب�ة‪ ،‬ثم هو ي�ؤ ِّدي واجبه ذاك بوصفه عب�ادة وربانية‪ ،‬وعالقة‬

‫‪87‬‬
‫روحية باهلل يستش�عر فيها ك َُّل معاين اإلرشاق والقرب‪ ،‬والفيض‬
‫والربكة واملدد‪ ،‬مع حس�ن الظن بكل مس�لم‪ ،‬وهك�ذا نتقدم مع‬
‫والس�نة دون ما‬
‫رك�ب احلي�اة الصاع�دة‪ ،‬ونُريس حك�م الكتاب ُّ‬
‫حاج�ة إىل ِه َّ�زات منحرفة‪ ،‬أو متنطعة أو جمنون�ة‪ ،‬من األفكار أو‬
‫املذاهب أو األعامل!!‪.‬‬

‫(نظري�ة طبيعية)‪ :‬يف غاية البس�اطة وغاية الق�وة‪ّ ( :‬أكْثِ ْر من‬


‫الصاحلني‪ :‬يكثر الصالح‪ ،‬والعكس بالعكس )!!‪.‬‬
‫َّ‬

‫نظ�را إىل‬
‫وجم�ال التص�وف أعظم املج�االت هل�ذه اخلدمة‪ً ،‬‬
‫انتش�اره وتغلغله العظيم يف الوطن اإلسالمي مجيع ًا‪ ،‬فال يوشك‬
‫صال�ح يدع�و إىل اهلل‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ص�ويف‬
‫ٌّ‬ ‫أن يوج�د موض�ع شبر إال وفي�ه‬
‫فالتصوف الراشدُ هو صميم اإلسالم وروحه وإكسريه وغايته‪.‬‬

‫تضحيات وجهو ٌد‬


‫ٌ‬ ‫والسري عليه ُك ُّله‬ ‫حقيق ًة َّ‬
‫إن الدَّ رب طويل‪َّ ،‬‬
‫ومتاعب‪ ،‬ولك َّن اإليامن واالس�تقامة‪ ،‬واالس�تمرار والرتفع عن‬
‫الش�بهة‪ ،‬والشعور باملس�ئولية مع الثقة باهلل‪ :‬كفيلة كلها بالنجاح‬
‫إن شاء اهلل‪ ،‬وعليك العمل‪ ،‬وعىل اهلل النتيجة‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬موقفنا من النظم املدنية‪:‬‬

‫جي�ب أن يكون معلوم ًا ومفهوم ًا أوالً وأخري ًا َّ‬


‫أن‪( :‬العشيرة‬
‫املحمدي�ة) هيئ� ٌة ديني ٌة روحي� ٌة رباني ٌة بحت� ٌة‪ ،‬غايتها إهلي�ة معينة‪،‬‬
‫ووس�يلتها روحي�ة مبين�ة‪ ،‬وه�ي (اجلامع�ة الصوفية اإلسلامية‬
‫العاملي�ة)‪ ،‬فإليه�ا ينتم�ي الق�ادري‪ ،‬والرفاع�ي‪ ،‬واألمح�دي‪،‬‬
‫ّ‬
‫والش�اذيل‪ ،‬والدس�وقي‪ ،‬والنقش�بندي‪ ،‬واخلل�ويت‪ ،‬وغريهم من‬
‫الط�رق الرشعية الواعية‪ ،‬بجامع خدمة أصول الدعوة املشتركة‬
‫بني اجلميع‪ ،‬دون ما َت َع ُّر ٍ‬
‫ض خلصائص ك ُِّل طريقة َّ‬
‫بالذات ‪.‬‬

‫فالبدَّ أن حيتفظ ك ُُّل أخ بصدق والئه لشيخه‪ ،‬ومتام إخالصه‬


‫ملرشب�ه وعمله لس�لوكه ووصول�ه‪ ،‬فتع�دد الطرق تع�دد ملناهج‬
‫الس�لوك‪ ،‬حتى جيد ك ُُّل مقبل عىل اهلل تعاىل ما يتناسب مع طبيعته‬
‫ُّ‬
‫ولع�ل م�ن خت َّل�ف ع�ن رشف‬
‫َّ‬ ‫واس�تعداده يف ح�دود رشع اهلل ‪.‬‬
‫عوض‪ ،‬وفاته‬
‫اخلري الذي ال ُي َّ‬
‫اإلهلي فاته ُ‬
‫ِّ‬ ‫الركب‬
‫االندماج يف هذا َّ‬
‫التمتع بنعمة الرسالة اإلنسانية الرفيعة يف اإلسالم‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫والعشيرة هيئ ٌة خالص� ٌة لوجه اهلل‪ ،‬ممحص�ة ممحضة من ك ُِّل‬
‫غ�رض أو ع�رض أو م�رض‪ ،‬مس�تقلة ع�ن كل هيئ�ة أو مجاع�ة‬
‫(أو دول�ة أخ�رى!! )‪َّ ،‬‬
‫وأن م�ا ق�د يكون من نش�اطها يف امليادين‬
‫الثقافية واالجتامعية وألوان اخلري والعبادة وغريها‪ ،‬إنام هو اقتضاء‬
‫ذايت م�ن لوازم ماهية التدين والربانية‪ ،‬وإال كان تدينًا معط ً‬
‫ال من‬
‫آثاره ونتائجه الطبيعية‪ ،‬وكان قبول ذلك نوع ًا من التنطع يف سوء‬
‫الفهم‪ ،‬أو اإلمعان يف اخلطأ‪ ،‬والعراقة يف اجلهل بدين اهلل الكامل‪،‬‬
‫وبالتص�وف الش�امل يف تارخي�ه اإلنس�اين واالجتامع�ي اجلام�ع‬
‫العريق‪.‬‬

‫إنن�ا نع�رف إسلامية حممدي�ة إهلي�ة‪ ،‬ح�ددت األوض�اع‬


‫كله�ا‪ ،‬وحفظت أن�واع حقوق األف�راد واجلامعات‪ ،‬والش�عوب‬
‫واحلكومات‪ ،‬وح ّلت مجيع مشاكل األفراد والطبقات‪ ،‬وضمنت‬
‫للنّاس االستقرار واألمن والرخاء والعدالة والتقدم والسعادة‪.‬‬

‫َّأم�ا األوضاع املدني�ة املختلفة بأسمائها وقواعدها ‪ ،‬فام كان‬


‫فيها من خري فمن اإلسالم ال حمالة‪ ،‬وبه نأخذ حتت أي اسم كان‪،‬‬

‫‪90‬‬
‫فالتس�ميات ال تغير احلقائ�ق‪ ،‬وما كان من رش فم�ن طبيعة هذه‬
‫األوض�اع‪ ،‬ونحن باإلسلام نكتف�ي إىل آخر األب�د‪ ،‬واملحمدية‬
‫عصارة اإلسالمية وأكسريها املكنوز ‪.‬‬

‫والصويف الراش�د‪ ،‬بطبعه وعقيدته‪ ،‬خ�اد ٌم لوطنه وقوميته‪،‬‬


‫ُّ‬
‫أصدق اخلدمة وهو هلذا يش�ارك إجياب ًيا‪ ،‬بكل نفس�ه وماله وأهله‬
‫ومواهب�ه وطاقات�ه‪ ،‬يف حتقي�ق أه�داف الوطن وخمططات�ه‪ ،‬عامة‬
‫وخاصة‪ ،‬مندجمًا يف ركبه التقدمي املس�لم السمح‪ ،‬وإال مل يكن له‬
‫من التصوف احلق أدنى نصيب‪.‬‬

‫ونح�ن ن�رى َّ‬


‫أن (االشتراكية) الصحيح�ة بمعن�ى الكفاية‬
‫والع�دل‪ ،‬والعل�م واإليمان‪ ،‬واملس�اواة واحلري�ة‪ ،‬والتكاف�ل‬
‫والتكام�ل‪ ،‬إنما هي ج�ز ٌء أصيل من اإلسلام‪ ،‬حتكمه�ا قوانينه‬
‫وآدابه املقدسة‪ ،‬فإن اإلسالم أعظم قوى احلياة الدافعة إىل منتهى‬
‫غايات التقدم واالنطالق احلضاري الش�امل‪ ،‬والتاريخ والواقع‬
‫اه ِدين‪.‬‬
‫الش ِ‬
‫أصدق َّ‬

‫‪91‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬موقفنا من اهليئات اإلسالمية‪:‬‬
‫ِ‬
‫وم ْن فضل اهلل أن اختص ك َُّل هيئة إسالمية صادقة يف وطننا‬
‫بميزة وخصيصة مستقلة‪ ،‬ال توشك ْ‬
‫أن تزامحها فيها هيئة أخرى‪،‬‬
‫تش�اهبت معه�ا يف وجوه عم�ل اخلري العا ِّم‪ ،‬فت�كاد كل هيئة‬
‫ْ‬ ‫وإن‬
‫منها اليوم ‪ -‬فيام نرى‪ -‬تقو ُم عىل ثغر مس�تقل من ثغور اإلسالم‪،‬‬
‫وتكاد كل واحدة منها تشبع استعداد طائفة معينة من أهل القبلة‪،‬‬
‫فإذا ك ُُّل واحدة منها تكاد تتمم مع األخرى حلقة اجلهاد املتكامل‬
‫واخلدم�ة العام�ة‪ ،‬حتى لكأن ه�ذه اهليئات مجيع ًا ف�روع متعددة‪،‬‬

‫جلامعة واحدة‪ ،‬ك ٌُّل منها خيدم جانب ًا ّ‬


‫خاص ًا البد منه‪ ،‬وال‪ ‬يستغني‬
‫بغريه عنه‪ ،‬وتقوم عىل ثغر من ثغور الدِّ ين ‪.‬‬

‫وعىل ه�ذا الوجه نحب أن نَفهم اجلامع�ات النظيفة القائمة‬


‫بينن�ا اآلن‪ ،‬فعالقاتنا هبا عالقة الود واألخوة وحس�ن الظن‪ ،‬فإن‬
‫اتفقن�ا تعاونَّا‪ ،‬وإن اختلفنا تناصحن�ا وهتادنا‪ ،‬وما هتاونّا‪ ،‬ولنكن‬
‫مجي ًعا ص ًّفا واحدً ا أمام كُربيات املخاطر واألحداث ؛ فاألمر أكرب‬

‫‪92‬‬
‫من إهدار األوقات يف اخلالفات الفكرية عىل الفروع االجتهادية‪،‬‬
‫التي كانت وستكون‪ ،‬وسوف تبقى كذلك إىل يوم القيامة‪.‬‬

‫ونح�ن نعتقد َّ‬


‫أن اإلحلاح يف حماولة متزيق األمة باس�م الدِّ ين‬
‫عاملة أجنبية مشبوهة‪ ،‬وتدمري خبيث للعقيدة والوطنية ال يرىض‬
‫عنه اهلل‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬موقفنا من املذاهب اإلسالمية‪:‬‬


‫أه�ل القبلة مجيع� ًا إخوانن�ا ﴿ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﴾‬
‫[املؤمنون‪ ،]52:‬فال خصومة ش�خصية أب�د ًا بيننا وبني أي مذهب‬
‫م�ن مذاهب (أهل ال‪ ‬إله إالاهلل)‪ ،‬س�وا ًء كانوا أحناف ًا‪ ،‬أو مالكية‪،‬‬
‫أو ش�افعيني‪ ،‬أو حنابل�ة‪ ،‬أو ظاهري�ة‪ ،‬أو هادوي�ة‪ ،‬أو زيديين‬
‫أو إمامي�ة أوس�لفية أو غريه�م‪ّ ،‬‬
‫ف�إن االختلاف يف الف�روع‬

‫ ال�كالم هنا عىل اخللاف يف الفروع الفقهية‪ ،‬أ ّم�ا اخلالف يف األصول‬
‫والعقائ�د فله أحكامه‪ ،‬ويف ك ُّل كان ش�يخنا رمحه اهلل يدعو إىل التفاهم‬
‫والتعاي�ش والتقريب‪ ،‬بام هو ممكن‪ ،‬وال يعن�ي ذلك أبد ًا (التذويب)‪،‬‬
‫وال‪( ‬التع�دي)‪ .‬وراج�ع كتاب ش�يخنا (الفروع اخلالفي�ة ومرشوعية‬
‫العمل بأحد الوجهني فيها)‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫رضورة طبيعية‪ ،‬ويس�تحيل استحالة مادية مجع النّاس كلهم عىل‬
‫مذه�ب واحد‪ ،‬أو رأي واحد‪ ،‬يف مس�ائل ظنية ه�ي موضع نظر‬
‫واجتهاد بالفطرة‪ ،‬وما دام مرجع اجلميع كتاب اهلل وس�نة رسوله‬
‫�‪ ،‬وم�ا‪ ‬دام اخلالف عىل الفرعيات إنام ه�و يف الفهم والتوجيه‬
‫والرتجي�ح وطل�ب احلق‪ ،‬فال خصومة قط‪ ،‬وال س�وء ظن‪ ،‬وإنام‬
‫احلب يف اهلل‪ ،‬واالقرتاب مما هو أهدى‬
‫ِّ‬ ‫هو التناصح عىل بس�اط‬
‫وأجدى‪ ،‬إيامن ًا واحتساب ًا‪.‬‬

‫وق�د اختل�ف الصحاب�ة ريض اهلل عنهم والنب�ي ﷺ معهم‬


‫والوح�ي ين�زل يف مث�ل‪ :‬صلاة العصر يف بني قريظ�ة‪ ،‬ومصري‬
‫أرسى بدر‪.‬‬

‫واختلف�وا من بعده ﷺ يف مثل‪( :‬مس�ائل العول والكاللة‪،‬‬


‫وس�كنى املبتوت�ة‪ ،‬وزواج‬
‫وع�دة احلام�ل املت�وىف عنها زوجه�ا‪ُ ،‬‬
‫املتع�ة‪ ،‬والطالق الثلاث بلفظ واحد‪ ،‬والطلاق املعلق‪ ،‬وقراءة‬
‫املؤتم‪ ،‬وعدد الرتاويح‪ ،‬والس�دل والقبض‪ ،‬ورفع اليد قبل وبعد‬

‫‪94‬‬
‫الركوع‪ ،‬واجلهر بالبس�ملة‪ ،‬ب�ل اختلفوا يف صورة حركة األصبع‬
‫يف التشهد ‪ ...‬إلخ)‪.‬‬

‫كب�ار أئمة املذاه�ب آرا َء بعضهم‪ ،‬بل‬


‫وم�ع ه�ذا فقد احرتم ُ‬
‫�افعي عند‬
‫ُّ‬ ‫الش‬ ‫ق َّل�دَ بعضه�م ً‬
‫بعضا‪ ،‬أحياء وموت�ى؛ فصلىَّ اإلما ُم َّ‬

‫ يقول العالمة أمحد ش�اه ويل اهلل الدهلوي يف كتابه « حجة اهلل البالغة »‬
‫إن أكثر صور االختالف بني الفقهاء‪ ،‬ال سيام يف املسائل‬ ‫(‪ّ « :)269/1‬‬
‫الت�ي ظه�ر فيه�ا أق�وال الصحاب�ة يف اجلانبين‪ ،‬كتكبيرات الترشيق‪،‬‬
‫وتكبريات العيدين‪ ،‬ونكاح املحرم‪ ،‬وتش�هد ابن ع ّباس وابن مسعود‪،‬‬
‫واإلخف�اء بالبس�ملة وبآمين‪ ،‬واإلش�فاع واإليتار يف اإلقام�ة‪ ،‬ونحو‬
‫الس�لف ال خيتلفون يف أصل‬
‫ذلك‪ ،‬إنام هو ترجيح أحد القولني‪ ،‬وكان ّ‬
‫املرشوعي�ة‪ ،‬وإنما كان خالفه�م يف ْأوىل األمري�ن ‪ ،‬ونظيره اختلاف‬
‫الق�راء يف وجوه الق�راءة‪ ،‬وقد عللوا كثري ًا من هذا الباب ّ‬
‫بأن الصحابة‬
‫خمتلفون وأهنم مجي ًعا عىل اهلدى‪ ،‬ولذلك مل يزل العلامء جيوزون فتاوى‬
‫املفتين يف املس�ائل االجتهادي�ة‪ ،‬ويس�لمون قضاء القض�اة‪ ،‬ويعملون‬
‫يف بع�ض األحي�ان بخالف مذهبه�م‪ ،‬وال ترى أئم�ة املذاهب يف هذه‬
‫املواضع إال وه�م يضجعون القول ويبينون اخللاف‪ ،‬يقول أحدهم‪:‬‬
‫ه�ذا أح�وط‪ ،‬وهذا ه�و املخت�ار‪ ،‬وه�ذا أح�ب إ ّيل‪ ،‬ويقول‪ :‬م�ا بلغنا‬
‫إالّ ذل�ك ‪ ،‬وه�ذا كثير يف املبس�وط‪ ،‬وآث�ار حمم�د رمح�ه اهلل‪ ،‬وكالم‬
‫الشافعي رمحه اهلل »‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫قرب أيب حنيف�ة‪ ،‬بمذهب أيب حنيفة أد ًبا مع ُروحه الرشيف‪ ،‬وق َّلد‬
‫افعي‬ ‫وقرظ َّ‬
‫الش ُّ‬ ‫أبو يوس�ف اإلمام مالكًا يف مسألة املاء املتنجس‪َّ ،‬‬
‫واألوزاعي‪ ،‬بل‬
‫َّ‬ ‫وقر َظ أبو حنيفة سفيان ال َّث َّ‬
‫وري‬ ‫َ‬
‫الليث ب َن سعد‪َّ ،‬‬
‫صىل اإلما ُم ابن حنبل خلف بعض أئمة القدرية‪.‬‬

‫وهك�ذا ال يعرف عن كبار األئمة َم ْن طعن أخاه أو انتقصه‪،‬‬


‫مذهب كله‬
‫ٌ‬ ‫بجرة قلم ؛ إذ لي�س يف الدُّ نيا‬
‫أو أخرج�ه م�ن دين اهلل ّ‬
‫مذهب كله صواب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫خطأ أو‬

‫�افعي وقد وضع مذهبه القدي�م بالعراق يف‬


‫ُّ‬ ‫وه�ذا إمامنا َّ‬
‫الش‬
‫فلما جاء إىل مرص وواجه ظروف ًا وأحواالً‬
‫ظروف وأحوال خاصة‪ّ ،‬‬
‫أخرى‪ ،‬وضع مذهبه اجلديد‪ ،‬فكالمها من الكتاب ُّ‬
‫والسنّة‪ ،‬وكالمها‬
‫ص�واب يف موضعه‪ ،‬وللمجته�د الثواب‪ ،‬عىل اخلط�أ والصواب‪،‬‬
‫﴿ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﴾ [ احلج‪. ] 78 :‬‬

‫وكان أب�و حنيفة يق�ول‪ « :‬نحن عىل ص�واب حيتمل اخلطأ‪،‬‬


‫وغرينا عىل خطأ حيتمل الصواب »‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫وه�ذا هو اإلمام مالك مل يقبل من اخلليفة الع ّبايس أن حيمل‬
‫النّاس عىل كتابه (املوطأ)‪ ،‬وبينّ له أن بعض الصحابة س�مع ما مل‬
‫يس�مع اآلخر‪ ،‬أو علم ما مل يعلمه غريه فنرش ما علم‪ ،‬وكل منهم‬
‫عىل حق‪ .‬ومن َث َّم اختلفت الوجوه يف املسألة الواحدة‪.‬‬

‫ونحن مع إمامنا جعفر الصادق يف قاعدته العلمية‪( :‬حسبنا‬


‫من املسلم ما يكون به مسلم ًا)‪.‬‬

‫إذن فاخللاف عىل الفروع طبيعة ورشيعة‪ ،‬كانت وس�تبقى‬


‫م�ادام هناك اختلاف يف العقول والتحصيل والفه�وم والبيئات‬
‫واالس�تعدادات والقابلي�ات والنفس�يات والوراث�ات‪ ،‬وغريها‬
‫﴿ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣﭤ ﴾‬
‫[هود‪.]119 ،118 :‬‬

‫مكل�ف رشع� ًا بالعمل بما وصل إلي�ه اجتهاده‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫واإلنس�ان‬
‫واس�تقر عن�ده نظره‪ ،‬وحس�به الدلي�ل الظنِّ�ي عند أه�ل العلم‪،‬‬
‫وح ِّق َم ْن ق َّل�دَ ه حتّى يتبني له‬
‫ويك�ون ه�ذا هو حكم اهلل يف ح ِّق�ه َ‬
‫خطأ ما ذهب إليه بيقني ال ير ُّده برهان‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫وعىل هذا األس�اس ننظر إىل مذاهب املس�لمني فنحرتمها‬
‫ونقرب بالتوس�ط واليرس واالعتدال فيما بينها‪ ،‬ونربطها مجيع ًا‬
‫ِّ‬
‫برب�اط ال فتن�ة في�ه‪ ،‬وال تفرق�ة وال ضالل إن ش�اء اهلل‪ ،‬ونحن‬
‫نق�ول م�ا قال اإلم�ام زيد‪ :‬حس�ب النّ�اس أن جيتمع�وا عىل ما‬
‫يصري به املس�لم مس�ل ًام‪ ،‬وندعو للمتعنتني واملتعصبني واملبتلني‬
‫بضحالة العلم وضيق األفق‪.‬‬

‫وال نح�ب أن نج�ادل أو نماري‪ ،‬فنح�ن ال نج�ادل‪ ،‬ال لن�ا‬


‫وال علين�ا‪ ،‬ولك�ن نبِّي�نِّ ونكتف�ي‪ ﴿ ،‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼﭽ ﴾ [الكه�ف‪ !! ]29 :‬ونع�وذ باهلل أن نرت ّدى س�فلاً ‪ ،‬ونعوذ‬
‫ب�اهلل أن ننقل أحكام احللال واحلرام إىل الكف�ر واإليامن‪ ،‬تقليد ًا‬
‫ملن سقطوا إىل ذلك من قبل‪ ،‬غفر اهلل لنا وهلم‪.‬‬

‫خامس ًا‪ :‬موقفنا من التصوف والتمصوف‪:‬‬


‫ويف ك ُِّل وط�ن إسلامي صوفي�ون‪ ،‬لعلهم أكثري�ة األ ّمـة‬
‫يف ك ُِّل م�كان‪ ،‬وللتصوف الراش�د النظيف أث�ره الفذ اخلالد يف‬
‫والروحية‬
‫التاري�خ اإلسلامي‪ .‬وحي�اة املس�لمني االجتامعي�ة ُّ‬
‫والعسكرية وغريها‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫نف�رق بني التص�وف والتمصوف‪.‬‬
‫وم�ن احلق أن نق�رر أننا ِّ‬
‫فالتص�وف ه�و اإلسلام اإلجيايب ّ‬
‫الش�امل يف أرق�ى مراتبه‪ ،‬وإن‬
‫اختلفت األسامء واملسالك (فكلها تبدأ بالتوبة وتنتهي باملعرفة)‪.‬‬
‫َّأم�ا التمصوف فهو الش�بح الدخيل الذي أس�اء رش اإلس�اءة إىل‬
‫اإلسلام وأهله‪ ،‬وال نزال نعاين منه حت�ى اآلن‪ ،‬ثم لندع هنا أمر‬
‫التصوف الفلس�في ورجاله‪ ،‬فلهم جم�ال آخر‪ .‬فإنَّما نتحدث عن‬
‫التصوف اخللقي والتعبدي واإلنساين‪.‬‬

‫وجي�ب أن نتأك�د َّ‬


‫أن ما عس�ى أن جتده يف التص�وف الواعي‬
‫املس�تنري أحيانًا بما قد يش�به االنحراف يف ظاهره‪ ،‬فهو إ ّما مؤول‬
‫ال حمال�ة‪ ،‬وإ ّما مدس�وس عىل أهل اهلل‪ ،‬وال يشء غير ذلك أبدً ا‪،‬‬
‫ومن ق�ال‪َّ :‬‬
‫إن هذه البدع واملنكرات الرصحيـ�ة وهذا االنحراف‬
‫املخ�زي ه�و من التص�وف الصحي�ح‪ ،‬فقد َض ّل وغ�وى‪ .‬فنحن‬
‫نخدم بك ُِّل طاقاتنا هذا (التصوف) احلق املن ّقى من الزيف والزيغ‪،‬‬
‫وإلي�ه ندع�و‪ ،‬فإنام هو خدم�ة هلل والدين والوطن واإلنس�انية كام‬
‫أس�لفنا‪ ،‬بق�در م�ا نكاف�ح ه�ذا (التمص�وف) الوقح بما فيه من‬
‫جهلوت وكهنوت‪ ،‬وما فيه من انحرافات وشعوذات وخرافات‬

‫‪99‬‬
‫وخزعبالت‪ ،‬وما فيه من وثنيات ومظاهر وآثار خمزيات‪ ،‬ليس�ت‬
‫يف يشء من اإليامن‪ ،‬وإن اجتمع عليها الثقالن‪.‬‬

‫فف�ي اهلل وهلل تع�اىل نح�اول أن نخدم (التص�وف)‪ ،‬ويف اهلل‬


‫وهلل‪ ،‬نح�اول أن هندم (التمصوف)‪ ،‬وهكذا نحن نكافح جبهتني‬
‫خطريتني‪ :‬جبهة (أدعي�اء) التصوف‪ ،‬وجبهة (أعداء) التصوف‪.‬‬
‫ويف س�بيل اهلل ما نج�د‪ ،‬فنحن إنام نريس قواع�د‪ ،‬ونضع مبادئ‪،‬‬
‫ونس�ن يف اجلهاد يف اهلل س�نة نرجو أن تريض اهلل‪ ،‬وما كان هلل دام‬
‫واتصل‪ ،‬والعاقبة للتقوى وللمتقني‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬موقفنا من التسلف واملتمسلف‪:‬‬


‫ً‬
‫والتص�وف الرشعي هوالتس�لف اإلسلامي‪ ،‬والتس�لف‬
‫اإلسلامي ه�و التص�وف الرشعي‪ ،‬ال ف�رق يف األص�ل بينهام‬
‫أب�د ًا‪ .‬فكالمه�ا دع�وة أخلاق أو رباني�ة وجماه�دة أساس�ها‬
‫الق�رآن‪ ،‬وم�ا َص َّح ع�ن رس�ول اهلل �‪ ،‬والذي يراجع أس�ناد‬
‫كب�ار علماء احلدي�ث الرشيف ال يوش�ك أن جيد فيه�م واحدً ا‬
‫الصوفي�ة‪ ،‬حت�ى الش�يخ‬
‫بالس�ادة ّ‬
‫إال وه�و موص�ول الس�ند ّ‬

‫‪100‬‬
‫ويف لإلمام‬
‫اب�ن تيمية الذي أثبت يف س�نده بخط يده أن�ه تلميذ ّ‬
‫عبد القادر اجليالين ريض اهلل عنه‪ ،‬وقد سبق أن نرشنا النص عن‬
‫والصوفية‪،‬‬
‫السلفية ّ‬
‫خمطوطة دار الكتب‪ .‬واملحدِّ ثون هم أركان ّ‬
‫والس�لفية‪ ،‬إنام‬
‫الصوفية ّ‬
‫واخللاف املصنوع ال�ذي َحدَ ث بين ّ‬
‫الس�يايس‪ ،‬وإقح�ام الدِّ ين يف‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫العبث‬ ‫كان أصل�ه قديًم�اً وحدي ًثا‬
‫خدم�ة امللك واحلكم‪ ،‬ثم أخذ هذا العبث لونه الديني املزيف‪،‬‬
‫م�ع التطور الزمني باس�م التجديد الدين�ي‪ ،‬والتوحيد اجلديد‪،‬‬
‫وكان بعض االنحراف قد دب فعلاً يف املجال الصويف‪ ،‬بصورة‬
‫عام�ة‪ ،‬فأمكن منه املتمس�لفة تقليدً ا لس�ابقيهم وطل ًب�ا لغايات‬
‫هبا اهلل أعلم‪ .‬وال خالف عىل أهنا شائنة ومشبوهة‪.‬‬

‫ونحن حني ننفي التصوف من مستغلقه ومدسوسه ودخيله‪،‬‬


‫وننفي التسلف من اندفاعه وجمازفته وهتوره وتوقحه وتنطعه‪ ،‬إذا‬
‫نقينامها هكذا‪ ،‬فلن جتد بينهام خال ًفا أبدً ا إن شاء اهلل‪.‬‬

‫غير أنن�ا نف�رق بين التس�لف والتمس�لف‪ ،‬وقد قررن�ا أنه‬


‫ال‪ ‬ف�رق يف األصل بني التس�لف والتصوف‪ ،‬فكل صويف س�لفي‬
‫أصلاً ‪ .‬وقد ال يكون العكس‪ ،‬أ ّما التمسلف فهو التهور والتوقح‬

‫‪101‬‬
‫ال�ذي ينقل أح�كام احلرام واحلالل إىل أح�كام اإليامن والرشك‪،‬‬
‫والذي حيكم جمازفة عىل كافة أهل القبلة بالشرِّ ك والكفر والردة‪،‬‬
‫وال يبقي أديم ًا س�ليم ًا ملسلم‪ ،‬س�ابق أو الحق‪ُ ،‬ث ّم هو يعمى عن‬
‫اخلري‪ ،‬وال يتتبع إال املناقص والعيوب‪ ،‬يف شعوبية وعصبية جمنونة‪،‬‬
‫س�واء يف ذل�ك تاريخ العلماء أو احل�كام أواألولي�اء أو غريهم‪،‬‬
‫وال‪ ‬يأخ�ذ األم�ور إال من وجهها املظل�م‪ ،‬فيمزق األمة رش ممزق‬
‫وهو يمهد بعلم أو بجهل للتبشير واالستعامر‪ ،‬بتجريده التاريخ‬
‫اإلسالمي من األجماد والفضائل‪ ،‬والرجال‪ ،‬وإشغاله األمة بتوافه‬
‫األم�ور املختلف عليها‪ ،‬عن كفاح املتفق عليه من أخطار اإلحلاد‬
‫واالنحالل واملذاهب املادي�ة الطاغية‪ ،‬ثم بتخريبه كل بناء يف اهلل‬
‫مهام عظم‪ ،‬ما دام مل ينشأ عىل يد سلفي أو متمسلف‪.‬‬

‫�م ّ‬
‫إن التمس�لف الذي ن�راه اآلن يف الواق�ع‪ ،‬خيدم دعوة‬ ‫ُث ّ‬
‫سياس�ية معينة‪ ،‬ويدعو إىل أهداف عميقة ماكرة ظاهرها الدِّ ين‬
‫وباطنها أخطر عىل الوطن من التبشير واالستعامر العسكري‪،‬‬
‫فله�ذا ولغيره نحن نكافح التمس�لف كام نكاف�ح التمصوف‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫وكال الكفاحين خدمـ�ة لدعوتن�ا ودينن�ا وقوميتن�ا ووطنن�ا‬
‫وأهدافنا العاليـة‪.‬‬

‫ساب ًعا‪ :‬موقفنا من الطوائف املتمسلمة‪:‬‬

‫والب�د من اإلش�ارة إىل أن هناك طوائف أخرى قد تنتس�ب‬


‫إىل اإلسالم وهي ليست من اإلسالم‪ ،‬كأولئك القائلني بأن باب‬
‫النب�وة مل يغل�ق بعد‪ ،‬وأهن�م يؤمنون بنبي جاءهم بعد رس�ول‪ ‬اهلل‬
‫خات�م النبيين‪ ،‬أو بكت�اب جدي�د نزل بع�د الق�رآن (كالبهائية)‪،‬‬
‫وكذلك الذين يقولون‪ :‬إن اهلل هو زعيمهم‪ ،‬أو إن اهلل يف زعيمهم‪،‬‬
‫عما يفعل‪ ،‬وإن تفحش وفجر‪،‬‬
‫فزعيمهم رهبم األقدس‪ ،‬ال يسأل ّ‬
‫وخنا ودعر ( ‪ ،) ...‬أو الذين يتأولون اآليات واألحاديث تأوي ً‬
‫ال‬
‫خي�دم الكفر وأهل�ه (كالقاديانية)‪ ،‬وأمثال ه�ؤالء‪ ،‬وهم طوائف‬
‫ش�تّى معروف�ة‪ ،‬فأولئ�ك ال يدخلون حتت أح�كام مواقفنا تلك‪،‬‬
‫فإنما اهليئ�ات واملذاه�ب اإلسلامية ف�روع متع�ددة م�ن درجة‬
‫واحدة‪ ،‬وليست كذلك هذه الطوائف املتمسلمة‪ ،‬فإنام هي أديان‬
‫زائفة تنتس�ب إىل اإلسلام عىل وجه التغرير والتضليل ليس إال‪،‬‬

‫‪103‬‬
‫وهي الديناميت املصنوع بأيدي التبشري واالستعامر واالسترشاق‬
‫احلاقد‪ ،‬للقضاء عىل اإلسالم وأهله من الباطن!!‬

‫ثامنًا‪ :‬موقفنا من غري املسلمني‪:‬‬

‫والسنة‬
‫أ ّما غري املس�لمني‪ ،‬فإننا نعاملهم عىل أساس الكتاب ُّ‬
‫أكرم املعاملة‪ ،‬يف سماحة اإلسلام املطلقة‪ ،‬وم�ا منحهم دين اهلل‬
‫حقوق إنسانية كاملة‪ ،‬ومساملة شاملة‪.‬‬

‫ونح�ن طائفة ال جتادل أبد ًا (كام قلن�ا)‪ ،‬ال يف الدِّ ين‪ ،‬وال يف‬
‫غير الدِّ ين‪ ،‬فام جاء اجلدال بخري أبد ًا‪ ،‬وم�ا أثمر اجلدال إال فتنة‬
‫وردى‪ ﴿ :‬ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ‬
‫ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﴾ [الشورى‪.]15:‬‬

‫إن دين� ًا م�ن األدي�ان ال يزي�د وال ينقص بش�خص أو ألف‬


‫ّ‬
‫ش�خص يدخل�ون إلي�ه أو خيرج�ون من�ه‪ ،‬ونحن مل ننت�ه بعد من‬
‫إصالحاتن�ا الداخلية واخلارجية‪ ،‬وترميم بيوتنا اخلاصة‪ ،‬ولو أننا‬
‫ٍ‬
‫دعوة إىل اإلسالم‪ ،‬فك ُُّل مثار فتنة‬ ‫أدركنا ذلك لكفى‪ ،‬و ُكنَّا به َ‬
‫خري‬

‫‪104‬‬
‫نحن منها براء‪ ،‬وإذا ُكنّا ال نجادل يف غري األديان‪ ،‬فمن باب أوىل‬
‫ال نجادل يف األديان‪ ،‬وإنام نبرش بديننا عىل أساس ال َع ْر ِ‬
‫ض العلمي‬
‫والروحي املجرد‪ ،‬وقد نجحنا بحمد اهلل‬
‫الس�لمي والبيان العقيل ُّ‬
‫ِّ‬
‫يف ذل�ك‪ ،‬ونجح إخواننا وأبناؤن�ا يف أوربا وأمريكا نجاح ًا عظي ًام‬
‫بحمد اهلل‪ ،‬فإذا انتقل ال َع ْر ُض والبيان إىل اهلراء واجلدل‪ ،‬انسحبنا‬
‫غري آسفني‪ ،‬وهذا هو خلق اإلسالم فيام نعتقد‪.‬‬

‫ثم ّ‬
‫إن َم ْن جاءنا ليس�لم صادق النية‪ ،‬يريد اهلل ورسوله �‪،‬‬
‫دون ما عرض وال غرض وال مرض‪ ،‬قدمناه عىل أنفسنا‪ ،‬وبذلنا‬
‫ل�ه م�ن ش�أن الدُّ ني�ا واآلخرة ما ه�و أهل له‪ ،‬ب�ك ُِّل م�ا يف طاقتنا‬
‫زورا من أجله‪ ،‬وهو كثري‪ ،‬ولنا‬
‫املحدودة‪ ،‬وإال تركناه لما أس�لم ً‬
‫من ذكرياته حارض وماض مثري‪.‬‬

‫تاس ًعا‪ :‬كيف تصبح أخ ًا لنا يف اهلل ؟‬

‫والراغ�ب يف مؤاخاتن�ا ؛ ليبلغ كلم�ة اهلل‪ ،‬ويؤ ِّدي واجب‬


‫خالفت�ه ع�ن اهلل نح�و نفس�ه وأهل�ه ووطن�ه ودينه‪ ،‬على ُطهر‬
‫ونظافة ووضوح وانكش�اف‪ ،‬و ُب ْعد عن الش�بهات‪ ،‬وعىل رضا‬

‫‪105‬‬
‫من اهلل‪ ،‬ومن الش�عب‪ ،‬ومن الدولة ‪ -‬بحمد اهلل ‪ ،-‬فليعلم َّ‬
‫أن‬
‫الصوفية املس�تنرية املتقدمة‪ُ ،‬أ ّمة واحدة‪ ،‬يف مجيع أطراف الدنيا‪،‬‬
‫وأن الدُّ عاة إىل اهلل بحق‪ ،‬أرس ٌة واحدةٌ‪ ،‬وإن َّ‬
‫شط‬ ‫وإن تباعدت‪َّ ،‬‬
‫هبم املزار‪.‬‬

‫وكام ال نفرق بني أحد من رسله‪ ،‬ال نفرق بني أحد من أوليائه‪،‬‬
‫بل نحبهم مجي ًعا‪ ،‬ونتربك هبم‪ ،‬وندافع عنهم‪ ،‬ونزورهم‪ ،‬ونحسن‬
‫الظ�ن بام جاء منه�م‪ ،‬وندع أمر تفضيله�م إىل اهلل العليم هبم‪ ،‬فال‬
‫نتقح�م على الغي�ب‪ ،‬و﴿ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾‬
‫[األنع�ام‪ ﴿ ،]124 :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﴾ [اإلرساء‪،]20 :‬‬
‫﴿ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﴾ [املدثر‪.]31:‬‬

‫�م ليعل�م أوالً وأخري ًا‪( :‬أننا قل�ة فقرية مؤمن�ة)‪ّ ،‬‬
‫وأن قوتنا‬ ‫ُث َّ‬
‫يف قلتن�ا‪ ،‬وأن فخرن�ا يف فقرن�ا‪ .‬وأن رس نجاحن�ا يف إيامنن�ا‪ ،‬وأننا‬
‫نؤم�ن (بالتعبد والفضيلة والعلم والعمل)‪ ،‬وأننا نكره‪( :‬التفاخر‬
‫والتظاه�ر والتكاث�ر والدع�اوى والتهريج)‪ ،‬وأن س�بيلنا‪( :‬احلق‬
‫ول�و مل يكن معنا أحد)‪ ،‬وأن وس�يلتنا‪( :‬التعب�د والدعوة واجلهاد‬
‫وأن مذهبنا‪( :‬احلكمة واملساملة)‪ ،‬وأن أساس صحبتنا‪:‬‬
‫والصرب)‪ّ ،‬‬

‫‪106‬‬
‫(حس�ن الظن وحس�ن اخللق‪ ،‬وحس�ن العبادة)‪ ،‬وأن من أصول‬
‫مؤاخاتن�ا‪( :‬قبولن�ا عىل عالتن�ا)‪ ،‬وأن من أكربمقاصدن�ا‪( :‬تربية‬
‫الق�ادة‪ ،‬ال حش�د اجلامهير)‪ ،‬وأن م�ن مقوم�ات ش�خصيتنا‪:‬‬
‫(التواض�ع واألدب والسماحة والب�ذل)‪ ،‬وأن م�ن ندائن�ا‪( :‬حي‬
‫على الفالح)‪ ،‬وأن ش�عارنا هو غايتن�ا‪( :‬اهلل) ﴿ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇﮈ‪[ ﴾ ‬الزمر‪.]36:‬‬

‫الروحي البالغ‬
‫وعىل هذه الص�ورة نحاول أن نمأل الفراغ ُّ‬
‫العمق الذي يعاين منه اإلسلام يف كل مكان‪ .‬فإن كان الراغب‬
‫يف مؤاخاتن�ا ق�د أرضاه هذا املذهب‪ ،‬ف�إن كان متصوف ًا بالفعل‬
‫فهو عىل (طريقته ومرشبه وبركة شيخه) يسري معنا‪ ،‬متعاون ًا يف‬
‫حتقي�ق أهدافن�ا‪ ،‬وال نطلب منه إال أن يت�زود (باملحمدية) التي‬
‫ال خيطئها إال حمروم‪.‬‬

‫أ ّما إذا مل يكن األخ قد تصوف‪ْ ،‬‬


‫فإن شاء دللناه عىل َم ْن نرجو‬
‫السادة ريض اهلل عنهم‪ ،‬وإن شاء آخيناه عىل‬
‫أن يوصله إىل اهلل من ّ‬
‫الس�ادة الش�اذلية املحمدية‬
‫مرشبن�ا الذي نامرس�ه يف اهلل‪ ،‬مرشب ّ‬
‫(وال نزكي عىل اهلل أحد ًا)‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫ً‬
‫وأيضا‪ :‬حسن الوفاء‬
‫ق�رأ األخ الش�اعر املهندس علي نارص أبيات ش�يخنا اإلمام‬
‫الرائ�د رمح�ه اهلل ع�ن حس�ن الوف�اء‪ ،‬الت�ي مطلعه�ا «ي�ا ولدي‪:‬‬
‫فجادت قرحيته‬
‫ْ‬ ‫ال تن�س مجييل»‪ ،‬والت�ي صدرنا هبا هذه الرس�الة‪،‬‬
‫هب�ذه (املعارضة) عىل لس�ان ش�يخنا‪ ،‬تكرار ًا لن�داء موالنا اإلمام‬
‫الرائد لنا وجلميع أبنائه يف اهلل‪ ،‬قال‪:‬‬

‫وص�ارت حجب�ك ال متنعن�ي‬


‫ْ‬ ‫ي�ا ول�دي‪ :‬قد الحت َش ْ‬
‫�ميس‬
‫أن�واري فتل�ك يمين�ي مل�ن يتبعن�ي‬ ‫فيك�م‬ ‫وجتل�ت‬
‫ْ‬
‫ي�ا ول�دي‪ :‬حيث�وك ندائ�ي يف جنبات�ك ه�ل تس�معني‬
‫ضاق�ت دنياك�م بوج�ودي وليس�ت أرض اهلل تس�عني‬
‫ي�ا ول�دي‪ :‬وجت�رد س�يفي فام�ض ب�ه قدم� ًا ترفعن�ي‬
‫�ن ذاق ك�ؤويس يعل�م أن�ك لس�ت تدعن�ي‬
‫ي�ا ول�دي‪َ :‬م ْ‬
‫فتل�ك جن�و ُد اهلل تصون�ك يف بيت�ي فاقب�ل فامجعن�ي‬

‫‪108‬‬
‫‬ ‫ٌ‬
‫وبيانات ال بد منها‬ ‫ٌ‬
‫وأصول‬ ‫ُ‬
‫قواعد‬
‫واستفسارات‬ ‫أسئلة‬ ‫ٌ‬
‫إجابات على‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫احملم َّ‬
‫دي ِة‬ ‫والطريقة َّ‬ ‫احملم َّ‬
‫دي ِة‬ ‫العشرية َّ‬ ‫ُ‬
‫الفرق بني‬
‫ِ‬ ‫ِ‬

‫ما هي العشري ُة املحمد َّي ُة‪:‬‬

‫َّ‬
‫إن االنتماء إىل العشيرة معن�اه‪ ،‬أنك تتمس�ك بكل قوتك‬
‫وإيامن�ك‪ ،‬بمبدئك اخل�اص وبطريقتك التي اخرتهتا لنفس�ك‪،‬‬
‫وبمذهب�ك املفض�ل عن�دك‪ ،‬ث�م تزي�د على ذل�ك أن تك�ون‬
‫(حممد ّي ًا)‪.‬‬

‫واملحمدية عندنا معناها‪:‬‬

‫أوالً‪ْ :‬‬
‫أن تب�ذل طاقت�ك كله�ا يف س�بيل ختلي�ص مبدئ�ك‬
‫وطريقت�ك ومذهبك املختار‪ ،‬من كل ما خيالف الكتاب والس�نة‬
‫ال وحاالً‪ ،‬ظاهر ًا وباطن ًا‪.‬‬
‫قوالً وعم ً‬

‫ جملة املس�لم‪ ،‬الس�نة الرابعة عرشة‪ ،‬العدد األول‪ ،‬شعبان (‪1383‬هـ)‪،‬‬
‫‪ 17‬ديسمرب (‪1963‬م)‪ ،‬كلمة الرائد‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫حممدً ا � قدوتك الكربى‬ ‫ثاني ًا‪ْ :‬‬
‫أن حتاول أن جتعل س�يدنا َّ‬
‫يف كل حقيقة ومظهر‪ ،‬وحركة وسكون‪ْ ،‬‬
‫وأن تعلق به قلبك‪ ،‬وأن‬
‫تفنى يف حبه باس�تيعاب سيرته‪ ،‬واتباع ما ص�ح عنه � بكل ما‬
‫فيك من انفعال أصيل‪ ،‬واندفاع مكني‪.‬‬

‫ثالث� ًا‪ :‬أال تدع أية فرصة تفوت�ك‪ ،‬دون ْ‬


‫أن تزداد علماً وثقافة‬
‫وأن تتحقق من‬ ‫ومعرف�ة‪ ،‬عىل أوس�ع املعاين بالدين والدنيا مع� ًا‪ْ ،‬‬
‫كل ذات�ك‪ ،‬وب�كل أعامقك بم�كارم األخالق‪ ،‬ومع�ايل األمور‪،‬‬
‫وخصائ�ص الفضائ�ل‪ْ ،‬‬
‫وأن جتع�ل م�ن أورادك وعبادت�ك‬
‫األساس�ية‪ ،‬ممارس َة اخلدمات اإلسالمية واإلنسانية واالجتامعية‪،‬‬
‫يف كل مستوياهتا إيامن ًا واحتساب ًا‪.‬‬

‫رابع� ًا‪ْ :‬‬


‫أن يك�ون التص�وف اإلسلامي النق�ي اإلجيايب هو‬
‫ُل ْح َم َة ك ُِّل ذلك ُ‬
‫وس�دَ اه‪ْ ،‬‬
‫وأن يكون ه�و قانون التعامل فيام بينك‬
‫السلام‬ ‫وبني اهلل والنّاس‪ْ ،‬‬
‫وأن تكون خدمة التصوف كدعوة إىل ّ‬
‫والتسامي والربانية ‪ -‬عباد ًة إجيابي ًة من عباداتك األصلية‪.‬‬

‫خامس ًا‪ :‬أال تشرتك يف فتنة‪ ،‬وال تفكر يف سوء وال مضطرب‪،‬‬

‫‪110‬‬
‫ِّ‬
‫مظان التُّهم‪ ،‬وأن يكون اخلري والربكة والتقدم‪،‬‬ ‫وأن ترتف�ع عن‬
‫والتيسري والرب‪ ،‬والدعوة واهلدى‪ ،‬والتوفيق والتقريب‪ ،‬والنور‬
‫والن�دى‪ ،‬عالم ًة عليك‪ ،‬وإش�ار ًة إليك ؛ فأينام حتل حيل الفيض‬
‫والربك�ة‪ ،‬وأينما تك�ون يكون الرض�ا وامل�دد‪ ،‬وأينما ت َِف�دُ َي ِفدُ‬
‫اخلير واإلجيابي�ة والتجدي�د‪ ،‬و ُيذكر اهلل تعاىل ؛ ه�ذا هو معنى‬
‫ُ‬
‫االنتامء للعشرية‪.‬‬

‫شئت عىل أي مذهب‪ ،‬وعىل أي مرشب‪ ،‬وعىل أي‬


‫فك ُْن ما َ‬
‫(حممد ّي ًا)؛‬
‫ولكن ك ُْن َّ‬
‫ْ‬ ‫مظهر‪ ،‬ويف أي عمل‪ ،‬وبأي زمان أو مكان‪،‬‬
‫أمر حمس�وس وال معقول؛‬
‫فبغير املحمدي�ة لن يكم�ل أو يقبل ٌ‬
‫فاملحم�دي إذن هو الرجل الكامل‪ ،‬أو املس�لم النموذجي؛ ألنه‬
‫ُّ‬
‫حي�اول أن يك�ون يف حقيقته ص�ورة مصغرة بق�در اإلمكان من‬
‫ب نفسه إليه‪.‬‬
‫سيدنا رسول اهلل � الذي ن ََس َ‬

‫وهل�ذا جتد يف جملس العشيرة إخوان ًا وأحباب� ًا من كل فريق‪،‬‬


‫وم�ن كل مشرب‪ ،‬وم�ن كل طري�ق‪ ،‬جيمعه�م ُ‬
‫املث�ل األعلى‪،‬‬
‫وينط�وي ك ٌُّل منه�م عىل ما يراه يف ذاته خير ًا وأوىف ؛ َّ‬
‫ألن دعوهتا‬
‫وألن خدماهت�ا للجميع‪ُ ،‬ث ّ‬
‫�م يتفرع عن ذل�ك قواعدُ‬ ‫َّ‬ ‫للتجمي�ع‪،‬‬

‫‪111‬‬
‫املحمديني‪ ،‬هذه‬
‫ّ‬ ‫وأه�داف كُربى مقررة بقانون‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وأصول‬ ‫ومبادئ‬
‫ُ‬
‫هي العشرية املحمدية‪.‬‬

‫وأما الطريقة املحمديـة‪:‬‬


‫ّ‬
‫إسلامي نق�ي‪ ،‬ل�ه كيان�ه ال�ذايت‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫ص�ويف‬
‫ٌّ‬ ‫فه�ي َمْش�رْ َ ٌب‬
‫وش�خصيته املس�تقلة‪ ،‬وله أس�ناده املوصولة بكبار الرجال‪ ،‬ثم‬
‫بس�يدنا رس�ول اهلل �‪ ،‬وله آدابه‪ ،‬وتقاليده‪ ،‬وأحزابه وأوراده‪،‬‬
‫وأذكاره وعبادات�ه‪ ،‬وقواع�د تربيت�ه‪ ،‬وس�لوكه وخصائص�ه‪،‬‬
‫وبراهينه وأدلته‪ ،‬وأصوله وقواعده‪.‬‬

‫الش�اذل َّي ُة‪ ،‬من سلسلة اإلمام‬


‫املرشب قاعدته الطريقة َّ‬
‫ُ‬ ‫هذا‬
‫العالم�ة العارف الش�يخ اب�ن نارص الدرع�ي‪ ،‬ول�ه روافدُ من‬
‫بقية فروع الش�اذلية األصيل�ة‪ ،‬ثم من اخللوتية‪ ،‬والنقش�بندية‪،‬‬
‫والتيجاني�ة‪ ،‬والدرقاوي�ة‪ ،‬وطائف�ة أخ�رى م�ن خيرة الط�رق‬
‫الصوفية املرضية‪.‬‬
‫ٌ‬
‫مبارك ع�ن صاحلي اجل ِّن‪،‬‬ ‫املرشب س�ندٌ‬
‫َ‬ ‫وكذل�ك َي ُم�دُّ هذا‬
‫وح�ي عن س�يدنا اخلرض‪ ،‬وع�ن اإلمام الب�دوي‪ ،‬وعن‬
‫ٌّ‬ ‫وس�ندٌ ُر‬
‫الشيخ الشعراين‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫ولع�ل ِمن أهم ميزات الطريق�ة املحمدية‪ ،‬أهنا ترد كل ٍ‬
‫يشء‬ ‫ُّ‬ ‫ْ‬
‫إىل اهلل ورس�وله‪ ،‬وأال ترتخص يف يشء جاء به الكتاب والس�نة‪،‬‬
‫وأهن�ا جتع�ل العق�ل والرشع مي�زان كل م�ا تأخذ وما ت�دع‪َّ ،‬‬
‫وأن‬
‫ٌ‬
‫رج�ال عمليون واقعيون‪ ،‬ال يخُ دع�ون ببهرج وال مظهر‪،‬‬ ‫رجاهلا‬
‫وال ُيبه�رون بزخ�رف وال بِدُ نْي�ا‪ ،‬وه�م يرتفع�ون ع�ن الري�ب‪،‬‬
‫ويعتصم�ون بمع�ايل األمور‪ ،‬ويكرمون إنس�انيتهم ع�ن اإلغراء‬
‫والغ�رور‪ ،‬وجيعلون الصبر والتحمل واألمل قاع�د َة جهادهم‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وما دام قد ريض اهلل عنهم‪ ،‬فك ُُّل يشء ٌ‬
‫هني‪.‬‬

‫وهبذا تكون الطريق ُة املحمدية‪ ،‬طريق ًة كاملة‪ ،‬جامعة لربكات‬


‫وخصائ�ص أكثرية الط�رق املفضلة بحم�د اهلل‪ ،‬ويمت�از مريدُ ها‬
‫الظ�ن يف الدعاة بحق إىل‬
‫ِّ‬ ‫بح�ب مجي�ع الطرق الرشعية‪ ،‬وبحس�ن‬
‫ِّ‬
‫اهلل مجيع ًا‪ ،‬وباألدب مع كل شيخ مترشع متمسك‪ .‬وهكذا يتضح‬
‫ُ‬
‫الفرق الكبري بني الطريقة املحمدية‪ ،‬والعشرية املحمدية‪.‬‬

‫فالطريق� ُة خاص� ٌة بمريدهي�ا ورجاهل�ا ومقوماهت�ا احلس�ية‬


‫واملعنوية ‪ ..‬والعشير ُة جامع ٌة لكل الطرق وكل الرجال العاملني‬
‫بالرشع الرشيف‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫والطريق ُة للس�لوك واخلدمة والرتبي�ة عىل منهجها املحدد‪..‬‬
‫والعشير ُة للتص�وف مجي ًع�ا‪ ،‬واخلدم�ات العام�ة كله�ا‪ ،‬ولألمة‬
‫اإلسالمية كافة‪.‬‬

‫ودار العشيرة‪:‬‬
‫ودار الطريق�ة‪ :‬البيت املحم�دي بقايتباي‪ُ ..‬‬
‫ُ‬
‫الص ّفة‪ -‬بباب اخللق‪.‬‬
‫جملس أهل ُّ‬

‫وللطريقة جملس من خصوص املريدين املجاهدين املبايعني‬


‫الس�الكني ‪ ..‬وللعشرية جمالس من كل مذهب ومرشب ومن كل‬
‫ّ‬
‫طريق رشعي‪.‬‬

‫هدف واحدٌ ه�و املحمدية‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫جيمع العشير َة والطريق� َة‬
‫وإنما ُ‬
‫التي تتلخص يف خدمة العقيدة والفضيلة والتس�امي باإلنس�انية‪،‬‬
‫وخدمة مجاعة املسلمني من طريق التصوف‪.‬‬

‫ ثم صار مس�جد مش�ايخ العشيرة املحمدية بقايتباي هو دار العشيرة‬


‫والطريقة مع ًا‪ ،‬أما مكتب العشرية الرسمي ففي مسجد اإلمام العدوي‬
‫بساحة اإلمام احلسني رضوان اهلل عليه‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫الق َّل ِة والكثرة‪:‬‬
‫مسألة ِ‬

‫كثري من النّاس‪ ،‬كيف هتيأ للعشيرة املحمدية‬


‫ب ٌ‬ ‫ولق�د َي ْع َج ُ‬
‫أن متتد فرو ُع َها إىل كثري من أوطان العروبة واإلسالم‪ْ ،‬‬
‫وأن يصل‬ ‫ْ‬
‫مس�لم يف رشق‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫أرض فيه‬ ‫صوهت�ا ال�ذايت املتواضع‪ ،‬إىل ك ُِّل ِ‬
‫شبر‬
‫الدّ نيا وغرهبا‪.‬‬

‫إن كثير ًا ج�دًّ ا م�ن زعماء املس�لمني الذين ي�زورون‬


‫حت�ى َّ‬
‫القاه�رة‪ ،‬عندم�ا يش�اهدون دار العشيرة‪ ،‬ه�ذه ال�دار الصغرية‬
‫الصوفية املتواضعة كل التواضع‪ ،‬ويشاهدون خاد َم هذه العشرية‬
‫يفر ُقون يف املظهر بني اخلادم والرائد‪،‬‬
‫ورائدَ ها‪ ،‬حتى ال ي�كادون ِّ‬
‫وال ي�كادون يصدقون َّ‬
‫أن هذا البناء الفقري يف مرص‪ ،‬هو صاحب‬
‫كل تل�ك الثروة الضخمة من ُحس�ن الس�معة واإلمامة‪ ،‬والذكر‬
‫الكبري يف اخلافقني‪.‬‬

‫بعض الغافلني أو املغفلني أننا ِق َّل ٌة من النّاس‪،‬‬ ‫ولقد طاملا ظ َّن ُ‬


‫رب أننا ِق َّل ٌة‬
‫وربام عريونا هبذا‪ ،‬ونحن برغم كثرتنا ‪ -‬بحمد اهلل ‪ -‬نَعت ُ‬
‫كق َّل ِة‬‫أمام صورة آمالنا يف اهلل‪ ،‬وهلذا نس�لم بأننا الي�وم ِق َّل ٌة كثرية‪ِ ،‬‬

‫‪115‬‬
‫املسلمني بني األديان األخرى‪ ،‬فهي ِق َّل ٌة أقوى وأرشف وأنفع من‬
‫الكثرة‪ ،‬ومعنا األدلة اآلتية‪:‬‬

‫إن الدع�وة املحمدي�ة دعو ُة ِج�دٍّ وجهاد ونظاف�ة‪ ،‬وترفع‬


‫‪َّ -‬‬
‫وعلم وثقافة‪ ،‬دعوة عمق ويرس‪ ،‬ووضوح وانكشاف‪ ،‬فال تغرير‬
‫وال تضلي�ل وال تعقي�د‪ ،‬وال إغ�راء وال ُخراف�ة‪ ،‬وه�ذا لون من‬
‫املذاهب مل يألفه كثري من النّاس‪ ،‬وبخاصة َّ‬
‫أن معتنق هذا املذهب‬
‫مف�روض في�ه التضحية والب�ذل‪ ،‬والصبر واملصاب�رة‪ ،‬والثبات‬
‫ٌ‬
‫والتثب�ت والتثبي�ت‪ ،‬واملثالي�ة والعدال�ة‪ ،‬وليس ل�ه يف مقابل كل‬
‫ذل�ك َع َر ٌض من دني�ا أو من جاه‪ ،‬أو من صيت‪ ،‬أو مال أو غريه‪،‬‬
‫إال ابتغ�اء رضوان اهلل‪ ،‬يف حتوط أكيد‪ ،‬وحرص ش�ديد‪ ،‬خيف َة أن‬
‫عم َل ُه معنى ٌ‬
‫هابط‪ ،‬من رياء أو سمعة‪ ،‬أو رشك خفي أو عمل‬ ‫ينال َ‬
‫واملحمدي يف كل يشء كبري‪ ،‬كبري بحق فهذه واحدة‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫صغري‪،‬‬

‫ٌ‬
‫قلي�ل؛ ق�ال تع�اىل‪:‬‬ ‫الطي�ب‬
‫َ‬ ‫فس�ن ُة اهلل َّ‬
‫أن‬ ‫‪ّ -‬أم�ا الثاني�ة‪ُ ،‬‬
‫﴿ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [سبأ‪ ﴿ ،]13 :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﴾ [ص‪ ﴿ .]24 :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﴾ [األنف�ال‪ ﴿ .]26:‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﴾‬

‫‪116‬‬
‫[الكه�ف‪ ﴿ .]22 :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﴾ [الواقع�ة‪﴿.]14 :‬ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﴾ [البق�رة‪ ﴿ .]83 :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮﭯ ﴾ [البق�رة‪ ﴿ .]249 :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﴾ [ه�ود‪:‬‬
‫‪ ﴿ .]116‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ‪[ ﴾ ‬البقرة‪ ،]249 :‬إىل آخر هذه اآليات‪.‬‬

‫فكان�ت منزل ُة القل�ة يف كت�اب اهلل‪ ،‬منزل َة ال ُقرب والس�يادة‬


‫واملدد‪ ،‬والرتفع والعزة واملجد‪ ،‬وعىل العكس كانت منزلة الكثرة‪،‬‬
‫كما قال تع�اىل‪ ﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥﮦ ﴾ [املائدة‪ .]100 :‬واآلي ُة تقرر‪:‬‬

‫كثري‪.‬‬ ‫َ‬
‫واخلبيث ٌ‬ ‫الطيب ٌ‬
‫قليل‪،‬‬ ‫َ‬ ‫‪َّ -1‬‬
‫أن‬

‫‪َّ -2‬‬
‫أن الكثر َة من حيث هي‪ ،‬قد تعجب وتغري‪ ،‬ولو كانت‬
‫يف اخلبيث‪.‬‬

‫أن اخلبيث كثري دائماً ‪ ،‬بعكس الطيب فهو ٌ‬


‫قليل دائم ًا‪.‬‬ ‫‪َّ -3‬‬

‫ُث َّ‬
‫�م انظ�ر إىل قول�ه تع�اىل‪ ﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﴾ [األنف�ال‪ ،]19:‬وقوله جل ش�أنه‪ ﴿ :‬ﮥ ﮦﮧ ﮨ‬

‫‪117‬‬
‫ﮩﮪ ﮫ ﮬﮭﮮ﴾ [التوبة‪.]25:‬‬
‫﴿ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ﴾ [النس�اء‪ ﴿ .]114:‬ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﴾ [املائ�دة‪ ﴿ .]66:‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ﴾‬
‫[احل�ج‪ ﴿ .]18:‬ﯪ ﯫ ﯬ ﴾ [احلدي�د‪﴿ .]16:‬ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮭ ﴾ [املائ�دة‪ ﴿ .]62 :‬ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨﭩ ﭪﭫ ﴾ [األنعام‪ ﴿ ،]119 :‬ﭑﭒﭓﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﴾ [األعراف‪ ﴿ .]179 :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﴾ [يونس‪﴿ .]92:‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﴾ [ص‪ ﴿ .]24:‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﴾ [األنع�ام‪ ﴿ .]116 :‬ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﴾‬
‫[األع�راف‪ ﴿ .]187 :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﴾‬
‫[البق�رة‪ ﴿ .]243:‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﴾ [ه�ود‪:‬‬

‫‪ ﴿ .]17‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﴾ [الصاف�ات‪.]71 :‬‬


‫﴿ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﴾ [يوسف‪.]103 :‬‬
‫﴿ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﴾ [اإلرساء‪ ﴿ .]89:‬ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﴾ [الزخ�رف‪ ﴿ .]78:‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‪﴾ ‬‬

‫‪118‬‬
‫[األنع�ام‪ ﴿ .]37:‬ﭥ ﭦ ﭧ ﴾ [األنع�ام‪.]111:‬‬
‫﴿ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﴾ [يون�س‪ ﴿ .]60:‬ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﴾ [الشعراء‪﴿ .]8:‬ﯕ ﯖ ﴾ [الشعراء‪.]223:‬‬
‫﴿ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﴾‬
‫[األعراف‪ ،]102 :‬إىل آخر هذه اآليات‪.‬‬

‫تتكش�ف ع�ورة الكثرة وس�وأهتا‪ ،‬وتس�قط منزلتها‬


‫ُ‬ ‫وهكذا‬
‫واعتباره�ا‪ ،‬ما مل تك�ن هلل‪ ،‬ويف اهلل‪ ،‬والكث�رة يف اهلل قليلة‪ ،‬والقلة‬
‫يف اهلل كثرية ﴿ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﴾ [العنكبوت‪.]43 :‬‬

‫ُث َّم يف الطبيعة‪ ،‬ما أكثر (التبن) ؟! وما أقل (الترب)؟!‬

‫�م ضع جنيه ًا واح�د ًا ذهب ًا‪ ،‬وضع يف جواره س�بعامئة مليم‬


‫ُث َّ‬
‫من النحاس فأهيام أكثر عد ًدا ؟! ُث َّم أهيام أرشف حقيق ًة ومعدن ًا ؟!‬
‫﴿ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [احلرش‪.]2 :‬‬

‫ويف تاري�خ األدي�ان‪ :‬أليس كان يونس نب ّي ًا مرسًل�اً يوحى‬


‫إليه‪ ‬؟! فلامذا مل يؤمن به أحد‪ ،‬حتى كان من أمره ما كان ؟ فآمن‬
‫به من آمن‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫ولك� ْن علام الذه�اب بعي�دً ا‪ ،‬وق�د روى الش�يخان يف‬
‫صحيحيهام‪ ،‬عن ابن ع ّباس ريض اهلل عنهام‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول‪ ‬اهلل‬
‫فرأيت َّ‬
‫النبي ومعه الرهط ‪ -‬أقل من‬ ‫ُ‬ ‫عيل األم�م‪،‬‬
‫�‪ُ « :‬عرض�ت َّ‬
‫َّبي وليس معه‬
‫َّبي ومعه الرجل والرجالن‪ ،‬والن َّ‬
‫تسعة رجال ‪ -‬والن َّ‬
‫أحد »‪.‬‬

‫فه�ذا احلدي�ث املتف�ق علي�ه ‪ -‬أي ه�و م�ن أعلى مراتب‬


‫الصحي�ح‪ - ‬جيع�ل حقيق�ة الرج�ل غري مرتبط�ة بع�دد أتباعه‪،‬‬
‫فه�ؤالء األنبي�اء س�يأتون ي�وم القيامة ومعه�م ه�ذه القلة من‬
‫النّ�اس‪ ،‬وليس ذلك بمنتقص ش�يئ ًا م�ن الذاتي�ة النبوية فيهم‪،‬‬
‫وال ه�و بمؤ ِّث�ر يف منزلته�م عن�د اهلل‪ ﴿ .‬ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ﴾ [إبراهيم‪.]25 :‬‬

‫ثم ها هو ذا (املسيخ الدجال) سيكون من أكثر النّاس أتباع ًا‪،‬‬


‫فهل معنى هذا أنه يكون من أفضل النّاس مقام ًا ؟! ﴿ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﴾ [ق‪.]37 :‬‬

‫ رواه البخاري (‪ ،)6541 ،5752‬ومسلم (‪.)221‬‬

‫‪120‬‬
‫وبعـ�د‪ :‬فتأمل معنى قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ‪﴾ ‬‬
‫ال ؛ َّ‬
‫ألن الكثرة ال قيمة هلا يف‬ ‫ال مث ً‬
‫[المل�ك‪ .]2 :‬إنه مل يقل أكثر عم ً‬
‫ُ‬
‫ذاهت�ا‪ ،‬ولك َّن القيم�ة كلها للجودة واإلحس�ان ؛ فقليل جيد خري‬
‫من كثري تافه غثيث‪ ﴿ .‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﴾ [النحل‪:‬‬

‫‪ ،]90‬ال بمجرد اإلكثار‪.‬‬

‫وها هو ذا اإلسلام‪ ،‬أقل أتباع ًا من غيره من األديان‪ ،‬فهل‬


‫معنى هذا َّ‬
‫أن هذه األديان بكثرة األتباع تصبح خري ًا من اإلسالم‪،‬‬
‫أن اإلسالم بقلة األتباع يصبح شيئ ًا خبيث ًا بجوار هذه األديان؟!‬
‫أو َّ‬
‫﴿ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [الزمر‪.]29 :‬‬
‫تأمل قلي ً‬
‫ال تسرتح‪ ،‬وتسرتوح‪.‬‬

‫فنحن قوم جعلن�ا من أص�ول مؤاخاتنا‪ :‬قبولنا‬


‫ُ‬ ‫وعلى ك ٍُّل‬
‫عىل عالتنا‪ ،‬واهلل يعلم املفسد من املصلح‪ ،‬ومن يرد اهلل أن هيديه‬
‫يرشح صدره‪.‬‬

‫أمر سيدنا املصطفى � يف أصح وأثبت ما ورد عنه‪ ،‬بلزوم‬

‫‪121‬‬
‫اجلامعة‪ ،‬وحذر من مفارقتها أش�د التحذير‪ ،‬فس�أل رجل احلسن‬
‫عما هي هـ�ذه اجلامعة؟ فق�ال ريض اهلل عنه‪ « :‬اجلامعة‬
‫البصري ّ‬
‫من كان عىل احلق‪ ،‬ولو كنت وحدك » فتأمل وتعمق وحتقق‪.‬‬

‫الوالية ال تنقطع وال تتحدد‪:‬‬

‫َّ‬
‫وإن من أمحق احلمق‪ ،‬وأجهل اجلهل‪ ،‬ومن التعصب املخزي‪،‬‬
‫أن يزعم ٌ‬
‫رجل َّ‬
‫أن والية اهلل‪ ،‬أو قطبانية أهل اهلل‪ ،‬قد انحرصت يف‬
‫إنسان أو زمان أو مكان واحد ؛ َف ْر ٌد متعني ال‪ ‬تتعداه إىل سواه‪.‬‬

‫فأولياء اهلل كثرة دائمة موجودة يف كل أرض ويف كل وقت‪،‬‬

‫ وورد عن عبد اهلل بن مسعود ريض اهلل عنه أنه قال لعمرو بن ميمون‪:‬‬
‫« إنما اجلامعة ما واف�ق طاعة اهلل وإن كنت وحدك »‪ .‬رواه أبو القاس�م‬
‫الاللكائ�ي يف اعتقاد أهل الس�نة (‪ .)109/1‬ويف رواي�ة‪ « :‬اجلامعة ما‬
‫واف�ق احلق وأن كنت وحدك »‪ .‬قال نعيم بن محاد‪ « :‬يعني إذا فس�دت‬
‫اجلامعة‪ ،‬فعليك بام كانت عليه اجلامعة قبل أن تفسد‪ ،‬وإن كنت وحدك‪،‬‬
‫فإنك أنت اجلامعة حينئذ »‪.‬‬
‫وعن الفضيل بن عياض‪ « :‬اتبع طرق اهلدى وال يرضك قلة السالكني‪،‬‬
‫واياك وطرق الضاللة وال تغرت بكثرة اهلالكني »‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫وهبم يرفع اهلل البالء‪ ،‬ويس�تجيب الدعاء‪ ،‬وينزل الغيث‪ ،‬وينرص‬
‫املس�لمني ويلط�ف بعباده‪ ،‬فيام ج�رت به املقادي�ر‪ ﴿ ،‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﴾ [يونس‪.]62 :‬‬

‫منه�م املش�هور‪ ،‬ومنهم املس�تور‪ ،‬وقد يكون املس�تور أكرم‬


‫وأعىل درجة عند اهلل من املشهور‪ ،‬فأكثر الكنوز مغمورة مطمورة‪،‬‬
‫ال يكاد يعرفها أحد‪.‬‬

‫وم�ن َقب�ل األقط�اب األربعة‪ ،‬وم�ن بعده�م‪ ،‬ماليني من‬


‫رجال اهلل‪ ،‬كانوا وال يزالون عىل أقدامهم‪ ،‬كلام ذهب سيد جاء‬
‫س�يد‪ ،‬وإن مل ينالوا شهرهتم ؛ ألن الش�هرة رزق‪ ،‬و﴿ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﴾ [الزم�ر‪ ﴿ ،]29 :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﴾‬
‫[البقرة‪.]245 :‬‬

‫وتعص�ب احلمق�ى واجلهلة‪ ،‬الذي�ن يعتقدون أن�ه ال ويل يف‬


‫األرض إال ش�يخهم‪ ،‬وال كرامة لرجل إال إلمامهم فقط‪ ،‬هؤالء‬
‫خمدوعون‪ ،‬خمدّ رون بحقن اجلهل والعمه‪ ،‬وليس معهم دليل من‬

‫‪123‬‬
‫كتاب وال س�نة‪ ،‬وال من إمجاع‪ ،‬وال من قياس‪ ،‬وال من استنباط‪،‬‬
‫وال من معقول وال منقول‪ ،‬إنام هو التعصب الذي يربأ منه العقل‬
‫والدِّ ين والبرشية السوية‪.‬‬

‫إن احلدي�ث النب�وي ب ّلغنا َّ‬


‫أن طائفة واح�دة من األولياء هم‬ ‫َّ‬

‫(املف�ردون)‪ ،‬يأت�ون ي�وم القيام�ة يف مث�ل ظلل الغمام لكثرهتم‪،‬‬


‫ِّ‬
‫فكي�ف ببقية طوائفهم ومس�توياهتم(أفال يعقلون ؟)‪ ،‬ليس هناك‬
‫أن عدد أولياء اهلل حمدود‪ ،‬أو َّ‬
‫أن والية اهلل حمصورة‪،‬‬ ‫أي دليل عىل َّ‬
‫أو َّ‬
‫أن باب اهلل مفتوح جلامعة‪ ،‬مغلق أمام آخرين‪.‬‬

‫ّ‬
‫إن ه�ؤالء حيكم�ون على اهلل‪ ،‬ويتحكم�ون يف فض�ل اهلل‬
‫﴿ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﴾ [اإلرساء‪ :‬اآلي�ة‪ ،]20‬وباجلمل�ة‬
‫ه�م هيرفون بام ال يعرفون‪ ،‬فيضرون وال ينفعون‪ ،‬وال ينتفعون‪،‬‬
‫ويعجبني هنا قول السيد الوالد‪:‬‬

‫ّصوف ِحك َْر َق ْو ٍم َو ْحدَ ُهم‬


‫ُ‬ ‫ليس الت‬
‫ب�ات َف ْض ُ‬
‫�ل اهلل يف نقصان؟‬ ‫�ل َ‬ ‫َه ْ‬

‫‪124‬‬
‫ِ‬
‫منهم�ر ًا على‬ ‫ال زال َف ْض ُ‬
‫�ل اهلل‬
‫�ه ِد النوراين‬
‫والم ْش َ‬
‫الصف�ا‪َ ،‬‬
‫�ل ّ‬‫َأ ْه ِ‬

‫ف يبقى ال َف ْض ُل ُمنه ً‬
‫ال إىل‬ ‫و َل َس ْو َ‬
‫الرب�اين‬
‫بالس�نـا َّ‬
‫ّ‬ ‫ي�وم القيام�ة‬
‫أولي�اء اهلل يف‬
‫ُ‬ ‫ف يبق�ى‬ ‫و َل َس ْ‬
‫�و َ‬
‫ِ‬
‫األزم�ان‬ ‫ك ُِّل األماك�ن يف َم�دى‬

‫فيـا ولدي‪:‬‬

‫أن أولياء اهلل‬


‫اعرف ش�يخك‪ ،‬وأحبه‪ ،‬ولكن اع�رف مع هذا َّ‬
‫ُ‬
‫ش�يخك الكبير منزلة تراب‬ ‫كثير‪ ،‬وربام كان منهم من ال يدرك‬
‫أقدامه عند اهلل‪ ،‬فاعرف شيخك‪ ،‬وأحبه‪ ،‬ثم أحب الكل وأحسن‬
‫الظن هبم؛ فالرجال أرسار‪.‬‬

‫أن األولياء عىل أقدام األنبياء‪ ،‬وقد ع َّلمنا اهللُ األدب‬


‫ُث َّم اعلم َّ‬
‫االعتقادي مع أنبيائه‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﴾ [البق�رة‪ ،]285 :‬يعني يف‬

‫‪125‬‬
‫اإليمان والتقدير وامل�ودة‪ ،‬أ ّما يف املحبة واالتب�اع والقدوة‪ ،‬فنبينا‬
‫� يف املقام األعظم‪.‬‬

‫وهك�ذا ال نفرق بني أولياء اهلل يف اإليامن والتقدير والتربك‪،‬‬


‫ْ‬
‫وإن كنّ�ا نخ�ص أصحاب احلق�وق علينا منهم‪ ،‬بام ه�م أهله من‬
‫حب وقدوة واستمداد بليغ‪.‬‬
‫مزيد ٍّ‬

‫ّ‬
‫والش�أن يف ذلك واضح م�ع فارق القي�اس‪ ،‬يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫﴿ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹﭺﭻ ﭼﭽﭾﭿﮀ‬
‫ﮁ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ‬
‫ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮝ‬
‫ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﴾ [ النساء‪.]152-150 :‬‬

‫فافه�م تغنم‪ ،‬وال تكونن م�ن الغافلني أو املغفلني‪ ،‬وأعرض‬


‫عن اجلاهلني‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫أيها األخ املسلم‬
‫‬
‫هذا ما جيب أن تعرفه عن العشرية‬

‫أخ�ي تصدق عىل نفس�ك وعىل دينك وعلى وطنك‪ ،‬وعىل‬


‫ثقافتك بقراءة هذه املذكرة بإمعان وتفكري واستيعاب لتستيقن أن‬
‫العشرية املحمدية لو مل تكن موجودة لوجب أن توجد‪ ،‬ولتعرف‬
‫ع�ن هذه اهليئ�ة ما قد ال يكون معروف ًا من قب�ل لديك‪ ،‬ولتطمئن‬
‫إىل أن يف ه�ذا الوطن مجاع�ة نظيفة تعمل لوجه اهلل‪ ،‬بريئة من كل‬
‫ش�بهة أو عاملة‪ ،‬متامشية مع كل مس�لم‪ ،‬ختدم العقيدة والفضيلة‪،‬‬
‫وتتسامى بإنسانية اإلنسان‪.‬‬

‫دعوة العشرية‪:‬‬

‫ال إسالم ّي ًا معين ًا‪ ،‬عىل أسلوب عميل معني‪،‬‬


‫ختدم العشرية حق ً‬
‫وبتخطيط علمي مدروس‪ ،‬جيعل هذا احلقل مؤثر ًا تأثري ًا إجياب ّي ًا يف‬
‫كل ما حوله من حقول احلياة عىل نظرية فطرية يف غاية البساطة‪.‬‬

‫ جملة املس�لم‪ ،‬السنة اخلامسة والعرشون‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬غرة ذي احلجة‬
‫(‪1394‬هـ)‪ 15 ،‬نوفمرب (‪1974‬م)‪ ،‬كلمة الرائد‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫احلقل الذي ختدمه العشيرة هو احلقل الروحي الش�امل‪،‬‬
‫واألس�لوب ال�ذي تنتهجه هو هداي�ة الكتاب والس�نة‪ ،‬ولكن‬
‫يف طواعي�ة ويسر وسماحة‪ ،‬والتخطي�ط الذي تلتزم�ه هو فقه‬
‫الدراس�ات اإلسلامية‪ :‬تارخيي�ة‪ ،‬واجتامعي�ة‪ ،‬وروحي�ة‪ ،‬عىل‬
‫خمتل�ف املرات�ب واملس�تويات‪ ،‬وحماولة التطبي�ق املبرص اهلادي‬
‫املتناس�ق مع خمتلف املفاهيم وتطور األوض�اع‪ ،‬والنظرية التي‬
‫تعتنقها العشرية هي العمل عىل إكثار سواد الصاحلني املستنريين‬
‫يف خمتلف املجاالت واملرافق‪ ،‬حتى يأيت الوقت الذي يسود فيه‬
‫الصاحلني ؛ فتس�تقيم األمور باستقامة‬
‫اإلصالح تلقائ ًّيا‪ ،‬بكثرة ّ‬
‫القوامني عليها يف مجيع املجاالت‪.‬‬

‫فكرة العشرية‪:‬‬

‫ث�م إن العشيرة ت�رى أن اجلان�ب الروحي يف اإلسلام هو‬


‫ش�طر الدِّ ي�ن ومالك اإلنس�انية‪ ،‬وهو اجلانب احلس�اس املتفاعل‬
‫بالطبع والفطرة‪ ،‬تفاعله باإليامن والفكرة‪ ،‬مع كافة تيارات احلياة‬
‫واجتاهاهتا ومقوماهتا‪ ،‬سواء أكانت شخصية أم مجاعية‪ ،‬وهو هبذا‬
‫االعتب�ار يمث�ل أخطر مناط�ق التأثري والتوجيه البشري عموم ًا‪،‬‬

‫‪128‬‬
‫ومن َث َّم يكون اس�تغالله والتحكم فيه والتحكم به أفعل وسائل‬
‫التجديد واإلصالح والتطوير والدفع التقدمي‪ ،‬من أقرب الطرق‬
‫وأضمنها وأصدقها‪.‬‬

‫اجتاه الدعوة‪:‬‬

‫ومظه�ر اجلانب الروحي يف اإلسلام هو التصوف ‪ -‬ريض‬


‫النّاس أم سخطوا ‪ -‬ونعني به هنا التصوف السلفي‪ ،‬أي النبوي‪،‬‬
‫والصح�ايب‪ ،‬والتابعي يف خري القرون‪ ،‬كمدرس�ة ربانية لتخريج‬
‫اإلنسان الكامل‪ ،‬كام كان قبل أن يصاب التصوف بتلبيس إبليس‬
‫أق�والاً ‪ ،‬أو أعمالاً ‪ ،‬أو أحوالاً ‪ ،‬فالتصوف ال�ذي نعنيه هو املجال‬
‫الروح�ي يف أنق�ى وأرق�ى املس�تويات واألبع�اد‪ ،‬وال علين�ا من‬
‫تص�وف غرينا‪ ،‬فكل امرئ بام كس�ب رهني‪ ،‬واحلك�م عىل الكل‬
‫بحكم األقل ظلم صارخ‪.‬‬

‫والتصوف‪ -‬عىل عالته اليوم ‪ -‬هو احلبل املحيط الذي يربط‬


‫أه�ل القبلة أفرا ًدا وش�عو ًبا يف املش�ارق واملغ�ارب عىل اختالف‬
‫ألس�نتهم وألواهنم وأوطاهنم‪ ،‬فام من مذهب يف اإلسلام يعرف‬

‫‪129‬‬
‫ل�ه مث�ل انتش�اره وال آثاره وال صدق�ه وال عمقه‪ ،‬وم�ن هنا كان‬
‫اس�تغالله كدعوة إصالحية روحية ناجحة‪ ،‬أم�ر ًا متعين ًا ال يغني‬
‫عنه س�واه‪ ،‬وال ع�ذر يف إغفاله للعاملني بق�دره‪ ،‬وخطره العظيم‪،‬‬
‫حمل ًّيا كان أو عامل ّي ًا‪.‬‬

‫من هو الصويف املستنري؟‪:‬‬

‫إن الصويف الذي نعنيه‪ :‬ه�و املحمدي املثقف املتفقه الدائب‬


‫ّ‬
‫العمل لتكملة نفس�ه حس� ًّيا ومعنو ًّيا‪ ،‬والذي يمارس عمل الدنيا‬
‫كما يمارس عمل اآلخ�رة‪ ،‬يف إخالص وتضيح�ة وإيامن‪ ،‬وعمق‬
‫وتطوي�ر وتقدمي�ة‪ ،‬كعب�ادة أساس�ية مقص�ود هبا هن�ا وهنا وجه‬
‫اهلل أولاً وقب�ل كل يشء‪ ،‬فوج�وده يف املصن�ع واملتج�ر واملكتب‬
‫كوجوده يف املس�جد واخللوة‪ ،‬يعامل اهلل ويؤ ِّدي رسالة املحمدي‬
‫اإلنسان يف خالفة اهلل عىل األرض‪.‬‬

‫إن الص�ويف املس�تنري ه�و العشير املحم�دي‪ ،‬واملحم�دي‬


‫ّ‬
‫ه�و ال�ذي حي�اول أن جيعل من نفس�ه ص�ورة مصغرة من س�يدنا‬
‫رسول اهلل �‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫من التفاصيل واألهداف‪:‬‬

‫وكان الب�د م�ن أجل االنتف�اع بالتصوف على الوجه الذي‬


‫قدمنا من معاناة اخلطوات اآلتية‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬تصفية التصوف اإلسالمية وتنقيته‪ ،‬وترقيته‪ ،‬وتطهريه‪،‬‬


‫وحتري�ره‪ ،‬ورجع�ه إىل نبع�ه الق�رآين واملحم�دي األول‪ ،‬وتبصري‬
‫النّ�اس بحقائق�ه الكبرى وأصول�ه املشتركة‪ ،‬دون االنحياز إىل‬
‫طريق�ة بال�ذات‪ ،‬ودون التعص�ب لش�يخ معين‪ ،‬ف�إن العشيرة‬
‫للجمي�ع‪ ،‬ودعوهتا للتجميع‪ ،‬وصوهتا للتص�وف من حيث هو‪،‬‬
‫ثم بعد هذا لكل وجهة هو موليها‪ ،‬فيختار َمن ش�اء ِمن الشيوخ‪،‬‬
‫وما شاء من الطرق‪.‬‬

‫ثاني� ًا‪ :‬إدم�اج التص�وف يف احلياة ‪ -‬فإنه م�ن طبعه االندماج‬


‫والتوجي�ه والقي�ادة ‪ -‬وتوس�يع رقعة الدع�وة به وإلي�ه‪ ،‬وإحياء‬
‫تراث�ه‪ ،‬والدف�اع عن حرمه‪ ،‬وتيسير أس�باب تفاعله وانتش�اره‪،‬‬
‫وجتميع قادته من املس�لمني يف كل مكان م�ن العامل‪ ،‬ليكونوا نواة‬
‫الوحدة اإلسالمية الكربى إن شاء اهلل‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫(‪ )1‬وعندئ�ذ يمكن االنتف�اع به‪ ،‬كدع�وة إصالحية عاملية‪،‬‬
‫تنتظ�م األفراد واجلامعات‪ ،‬وكمدرس�ة ربانية ال بد منها لتخريج‬
‫الرجال النموذجيني اجلامعني بني حماس�ن الدنيا والدِّ ين‪ ،‬والذين‬
‫هبم يكثر سواد الصاحلني‪ ،‬فتنصلح األمور بصالحهم‪.‬‬

‫(‪ )2‬وبالتايل يمكن االنتفاع به هنا‪ ،‬فيام ال يغني عنه غريه فيه‬
‫من تقويم االنحرافات‪ ،‬واس�تتباب األمن‪ ،‬والتسامي عن املناكر‬
‫والصغار‪ ،‬ومواجهة التي�ارات االنحاللية‪ ،‬والبدعية والالدينية‪،‬‬
‫والش�عوبية‪ ،‬والتبشيرية واالس�تعامرية‪ ،‬والتقري�ب بني طوائف‬
‫املسلمني واحلكم بام أنزل اهلل‪.‬‬

‫(‪ )3‬املش�اركة يف اخلدمات االجتامعية‪ ،‬والثقافية والروحية‬


‫بمختل�ف ألواهن�ا ومراتبه�ا‪ ،‬باعتباره�ا مس�تويات مقدس�ة من‬
‫العب�ادات املفروض�ة‪ ،‬لنهضة املجتم�ع وتكامله الش�امل احليس‬
‫واملعنوي‪.‬‬

‫(‪ )4‬كما يمك�ن اس�تغالله يف جتمي�ع الع�امل اإلسلامي يف‬


‫وحدة روحية ش�عبية حميطة‪ ،‬تفتح الطري�ق أمام الرتابط الفكري‬

‫‪132‬‬
‫والعاطفي والتامزج الروحي‪ ،‬متهيدً ا للوحدة اإلسلامية اجلامعة‬
‫إن ش�اء اهلل‪ ،‬فلا س�بيل إليها إال م�ن طريق التص�وف وتغلغله‪،‬‬
‫وسامحته وسعة آفاقه وانتشاره الطبيعي يف العامل‪.‬‬

‫(‪ )5‬هك�ذا نك�ون قد قمنا بفريضة األم�ر باملعروف والنهي‬


‫ع�ن املنك�ر‪ ،‬والتثقيف والتبصير‪ ،‬والدع�وة والنهضة‪ ،‬يف وضع‬
‫روح�ي ش�عبي عاملي وحميل متطور حبيب‪ ،‬بعيد عن الرس�ميات‬
‫وما حييط هبا من تقوالت‪ ،‬وما تالقيه من جفاء وجفاف معروف‪،‬‬
‫بقدر ما هو بعيد عن االنحراف واالنجراف‪.‬‬

‫يف سبيل اخلدمة‪:‬‬

‫ويف س�بيل هذه اخلدم�ة الفريدة تقدّ مت العشيرة املحمدية‬


‫وتتقدم يف كل مناس�بة إىل كل مس�ئول بمذكراهتا املفصلة يف هذا‬
‫املوض�وع ال�ذي عرفت به خربة وختصص ًا وإيامن� ًا ودعوةً‪ ،‬فض ً‬
‫ال‬
‫ع�ن جهاده�ا العام املوص�ول‪ ،‬وجهده�ا التام املب�ذول‪ ،‬يف كافة‬
‫جماالت اخلدمة املتاحة‪ ،‬ويف حدود إمكانياهتا‪.‬‬

‫وكان من أثر خدماهتا أن تألفت أول جلنة إلصالح التصوف‬

‫‪133‬‬
‫يف التاري�خ احلدي�ث يف أوائ�ل عهد الث�ورة وتلتها جل�ان‪ ،‬كانت‬
‫العشيرة ممثل�ة فيها كلها ‪ -‬وإن مل يتهيأ هل�ذه اللجان الوصول إىل‬
‫الغاية لس�بب أو آلخر ‪ ،-‬وال زال ذلك ش�أن العشرية جهاد ًا من‬
‫أج�ل التص�وف احلق بني أدعيائ�ه وأعدائه‪ .‬ويا هلا من رس�الة يف‬
‫ال وحاالً‪ ،‬ونرجو أن يظل هذا قائ ًام حتى‬
‫غاية الصعوبة قوالً وعم ً‬
‫يأيت أمر اهلل‪ ،‬وتتحقق بإذنه هذه األهداف‪ ،‬هذا أوالً ‪ .‬أ ّما ثاني ًا‪:‬‬

‫فروع العشرية وأقسامها‪:‬‬

‫فقد نرشت العشيرة فروعها يف اجلمهوري�ة العربية املتحدة‬


‫(مرص)‪ُ ،‬ث ّم يف العامل اإلسالمي والعريب خارج حدود اجلمهورية‪،‬‬
‫حتى بلغت إىل كل منطقة فيها جالية مس�لمة‪ ،‬فهي‪ -‬فيام نعتقد‪-‬‬
‫الروحي�ة الت�ي ترتبط مع أه�ل القبلة يف‬
‫اهليئ�ة املرصي�ة الش�عبية ّ‬
‫اخلارج بفروع ونواب ومندوبني عىل منهج روحي منظم‪ ،‬جعلها‬
‫مرجعه�م وحم�ل أملهم الكبير‪ ،‬وجعل داره�ا املتواضعة قبلتهم‬
‫الت�ي حيجون إليه�ا كلام زاروا هذا البلد األمين‪ ،‬جها ًدا عمل ًّيا يف‬
‫غري دعوى وال دعاية‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫املؤمتر الصويف‪ ،‬واجلامعة الصوفية‪:‬‬

‫وكان ه�ذا ه�و دعامة دع�وة العشيرة إىل أول مؤمتر صويف‬
‫عاملي‪ ،‬باعتبار العشرية يف واقع أمرها جامعة صوفية عاملية‪ ،‬متلك‬
‫القيادات الثقافية والوس�ائل العلمية والشعبية ومعينات الدعوة‬
‫الت�ي مل تتهيأ لغريها‪ ،‬وإنام ح�ال دون حتقيق انعقاد املؤمتر لآلن‬
‫‬

‫‪ -‬رغم رضورته ‪ -‬أمران‪:‬‬

‫(‪ )1‬العجز املايل يف العشرية‪.‬‬

‫(‪ )2‬والعجز اخللقي يف منافسيها أعداء وأدعياء‪.‬‬

‫ ثم عقدت العشيرة املحمدية بعد ذلك ع�دة مؤمترات‪ ،‬حملية ودولية‪،‬‬
‫ولق�اءات املركز العلمي الصويف‪ ،‬واس�تمرت العشيرة املحمدية عىل‬
‫العهد بعد وفاة شيخنا اإلمام الرائد رمحه اهلل‪ ،‬وكان من أثر ذلك مؤمتر‬
‫العشيرة ال�دويل‪« :‬التص�وف منهج أصي�ل لإلصلاح»‪ ،‬يف الفرتة من‬
‫‪ 28-26‬ش�وال ‪1432‬ه�ـ‪ ،‬املوافق ‪ 26-24‬س�بتمرب ‪2011‬م‪ ،‬وقد‬
‫اجتمع فيه عدد كبري من علامء الصوفية وباحثيهم‪ ،‬ومتثلت فيه اهليئات‬
‫وص�دى إعالمي ًا‬
‫ً‬ ‫اإلسلامية بمرص‪ ،‬ولق�ي هذا املؤمتر نجاح� ًا باهر ًا‪،‬‬
‫دولي ًا واسع ًا‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫الكلية الصوفية‪ :‬واملجلة‪ ،‬واللجنة‪:‬‬

‫وكان�ت العشيرة أول من أنش�أ يف التاريخ كلي�ة صوفية‬


‫‬

‫تع ّطلت بس�بب العجز امل�ايل أيض ًا‪ ،‬كام كانت العشيرة املحمدية‬
‫أول م�ن ك�ون املجم�ع الصويف العلم�ي‪ ،‬وأول م�ن أصدر جملة‬
‫صوفية متطورة متحررة هي جملة (املس�لم)‪ ،‬وأول من أنش�أ جلنة‬
‫الدراسات الصوفية إلحياء الرتاث الصويف بإرشاف املجمع‪.‬‬

‫حركة البعث الصويف‪:‬‬

‫وكانت أول من أحدث حركة بعث إجيابية للفكرة الصوفية‬


‫نبه�ت األذهان وحررت األف�كار ودفعت إىل البح�ث واملقارنة‬
‫وال�درس والتدلي�ل والتوضي�ح والتألي�ف‪ ،‬وكان�ت أول هيئ�ة‬
‫تتلمذ فيها الشباب املثقف املتسامي والرجال اخلواص كمدرسة‬
‫صوفي�ة س�لفية جدي�دة ذات مبادئ إسلامية أصيل�ة‪ ،‬وأهداف‬
‫مثالي�ة عريق�ة‪ ،‬وجتاوب عميل م�ع واقع احلي�اة الرفيعة‪ ،‬وجتميع‬

‫ ثم كانت أكاديمية اإلمام الرائد للدراس�ات الصوفية‪ ،‬واملركز العلمي‬


‫الصويف‪ ،‬وعدد من املرشوعات العلمية والبحثية‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫نظي�ف ص�ادق للدع�اة إىل اهلل بحق من كل مذه�ب وكل طريق‬
‫حتى عال قدر التصوف وارتفعت هامته‪.‬‬

‫العلامء واخلطباء‪ ،‬والشعراء‪:‬‬

‫كما كان�ت العشيرة أول م�ن حش�د ش�عراء التص�وف‬


‫اإلسلامي يف حلقة ال نظري هلا يف العامل‪ ،‬وأول َم ْن مجع الكتاب‬
‫والعلماء واخلطب�اء الصوفيين يف دائرة تفت�ي وتكتب وحتارض‬
‫وختط�ب وتناظ�ر يف أش�هر املس�اجد وأكبر الن�وادي وأكث�ر‬
‫املجلات املس�لمة‪ ،‬كام كانت أول من مج�ع الصوفية الرشعيني‬
‫يف كتل�ة واح�دة رغ�م اختالف مش�ارهبم هي جملس العشيرة‬
‫املحمدية اإلداري واالستشاري‪.‬‬

‫قسم السيدات والفتيات‪:‬‬

‫ويظاه�ر كل هذا طاقة نس�وية مؤمنة من س�يدات وفتيات‪،‬‬


‫وهب�ن أنفس�هن لرتمي�م البي�ت املس�لم‪ ،‬والتذكري بعه�د أمهات‬
‫املؤمنين‪ ،‬وس�يدات الس�لف الصال�ح‪ ،‬م�ع مس�ايرة الناف�ع من‬

‫‪137‬‬
‫مقتضي�ات العصر احلدي�ث يف سماحة ويرس وترف�ع كبري وهلذا‬
‫القس�م نش�اط منظ�م ومنه�ج خ�اص يف املج�ال الش�عبي ليس‬
‫له نظري‪.‬‬

‫اخلدمة يف املجاالت الثقافية‪:‬‬

‫ثم تبارش العشيرة بج�وار ذلك خدمات مرشف�ة يف املجال‬


‫االجتامعي واإلنس�اين والثقايف كأثر من آث�ار التصوف اإلجيايب‪،‬‬
‫وهي مت�ارس ه�ذه اخلدمات املتش�عبة على الطريقة اإلسلامية‬
‫املتجددة املتطورة‪ ،‬بإرشاف رجال من خمتلف املذاهب واملشارب‪،‬‬
‫والط�رق الرشعي�ة لي�س فيهم حمترف وال متنطع‪ ،‬وال مس�تغل‬
‫وال متكه�ن‪ ،‬وال متغطرس وال نفع�ي‪ ،‬وال وصويل وال جاهل‪،‬‬
‫وال خمرف وال مشعوذ‪ ،‬وال دعي وال عميل وال ألعبان‪.‬‬

‫األشواك‪ ،‬واملصاعب‪:‬‬

‫أ ّما عن العقبات واألشواك واملصاعب واملتاعب واملفاجآت‬


‫والفواج�ع فح�دِّ ث وال ح�رج‪ ،‬وإنما يعزين�ا أن هذا ه�و برهان‬
‫الصدق وشارة القبول عند اهلل والبشري بعاقبة املتقني‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫أسلوب اخلدمة اإلسالمي‪:‬‬

‫ثم إن العشيرة مثلاً قد استحدثت أسلوب ًا اجتامع ّي ًا إسالم ّي ًا‬

‫جدي�د ًا يف الرعاي�ة االجتامعي�ة للمحس�وبني عليها م�ن اليتامى‬

‫واأليام�ى وذوي الش�يخوخة وامل�رىض والطلب�ة املس�توجبني‬

‫للرعاية والطالبات‪ ،‬بحيث حتفظ عليهم إنسانيتهم‪ ،‬وال خترجهم‬

‫من بيئاهتم‪ ،‬ثم تنفرد العشرية برعاية املهتدين لإلسالم‪ ،‬كام تنفرد‬

‫بخدمة احلج خدمة عملية مكررة يف كل عام‪.‬‬

‫وبجوار هذا تبذل جهودها مع العاطلني‪ ،‬وترحيل املغرتبني‪،‬‬

‫ومد يد العون يف طوارئ الوالدة والعجز واحلجز والوفاة واإلعانة‬

‫عىل نوائب الدهر وجتهيز املوتى والدفن بمقابر العشيرة‪ ،‬والقيام‬

‫بالتوفي�ق واملصاحل�ات‪ ،‬وتوزي�ع األغذية واألكس�ية واألحذية‬

‫واألغطية‪ -‬كلام تيرس ذلك ‪ ،-‬وال تبخل عىل الجئ إليها بمعونة‬

‫أدبية أو حسية طوق اجلهد‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫خدمات ثقافية منوعة‪:‬‬

‫وللعشيرة ‪ -‬بحم�د اهلل ‪ -‬مس�اجدها وزواياه�ا وقاع�ات‬


‫االس�تذكار واملكتب�ات وحلق�ات الق�رآن ودور احلضان�ة ودور‬
‫التأهي�ل والعي�ادات الطبي�ة فض ً‬
‫لا عن ال�دروس واملحارضات‬
‫اخلاص�ة بالرجال والنس�اء‪ ،‬والدروس املخصص�ة لتقوية الطلبة‬
‫والطالب�ات‪ ،‬وذل�ك باإلضاف�ة إىل خدم�ات جمل�س الفتوى هبا‪،‬‬
‫وإحيائها أيام اهلل ومواس�م اإلسالم واملناسبات القومية بالطريقة‬
‫الرشعية التقدمية‪ ،‬وإنش�ائها مدارس اجلمعة بمساجدها كتجربة‬
‫رائدة‪ ،‬مما جيعل من أعجب العجب تناسيها أو الغفلة عنها‪ ،‬وهي‬
‫تؤ ِّدي ما ال يؤديه غريها بأية حال يف كل جمال‪.‬‬

‫لسان حال الدعوة‪:‬‬

‫ومنذ ربع قرن تصدر جملة (املسلم) لسان حال هذه الدعوة‬
‫قوي�ة ثرية متج�ددة‪ ،‬متح�ررة مكافح�ة منافحة موجه�ة م ْبرصة‬
‫مبصرة حمققة متحققة تزداد عىل األيام قوة وفتوة مل تتخلف مرة‪،‬‬
‫ وما زالت تصدر بحمد اهلل تعاىل‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫ومل تتوقف مرة‪ ،‬ومل خيط فيها حرف فض ً‬
‫ال عن كلمة أو عبارة إال‬
‫ومن ورائ�ه حياة من هدف معني أو فائدة مقصودة مقررة‪ ،‬وهي‬
‫جملة مفتوحة متحركة‪ ،‬تشارك يف األحداث‪ ،‬وتندمج يف الوقائع‪،‬‬
‫وحتم�ل كلم�ة اهلل يف حكم�ة ودق�ة وبعد نظ�ر‪ ،‬وتس�تغني بكثرة‬
‫اخلالصات واألكاسري والثقافة املجمعة عن كثرة األوراق وكثرة‬
‫البح�وث املك�ررة‪ ،‬حمافظة عىل ش�خصيتها ومقاصدها املحددة‪،‬‬
‫ال تقلد وال تنامع‪.‬‬

‫وكان هذا هو س�بب حياهتا املستقرة يف هذا املزدحم الزاخر‬


‫باملجلات والصح�ف اهلائل�ة املؤيدة بامل�ال واجلاه والس�لطان‪،‬‬
‫حت�ى مل يكد يبق�ى أمام هذه الصحف الكبرى جملة وال صحيفة‬
‫إال أصبحت أو كادت أن تصبح يف خرب كان‪.‬‬

‫وإن قدسية هذه الصحيفة عند قرائها يف الداخل واخلارج مما‬


‫ال يكاد أن يصفه القلم بحمد اهلل‪ ،‬برغم حمدودية شأهنا‪ ،‬وضعف‬
‫ماليتها‪ ،‬وجتردها من وس�ائل اإلعلان والدعاية‪ ،‬والغالء املدمر‬
‫يف الورق والطباعة‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫وأخري ًا ‪ ..‬النتيجة‪:‬‬
‫والنتيجة التي نخرج هبا من كل هذا اإلمجال‪:‬‬

‫(‪ )1‬ه�ي أنن�ا أمام طاق�ة تارخيية فريدة هائل�ة ممثلة يف مجاعة‬
‫وفروع وجملة‪ ،‬ومؤسسات ليست صورة مكررة‪ ،‬وال هي وضعية‬
‫مرجتلة‪ ،‬وإنام هي قوة مستقلة متميزة بخصائص ذاتية‪ ،‬ال تشارك‬
‫غريه�ا وال يش�اركها غريه�ا يف خدم�ة وال فك�رة وال هدف وال‬
‫سبب‪ ،‬فإنه ال معنى لوجودنا إذا كنا نسخة مكررة من غرينا‪.‬‬

‫(‪ )2‬وأهنا حرك�ة ‪ -‬رغم قلة مواردها وعجزها املايل‪ -‬ذات‬


‫فعالي�ة إجيابي�ة يف حميطه�ا املحلي والعامل�ي الفس�يح‪ ،‬على جتدد‬
‫وانطلاق وتصدي�ق وتقدمي�ة وأصالة وعمق حكي�م‪ ،‬متيض فيه‬
‫على خمطط عقيدي منظم رشيف بعيد عن الش�كوك ومنهج قيم‬
‫مدروس بحمد اهلل‪.‬‬

‫(‪ )3‬وأهن�ا متغلغل�ة يف الضامئر والبصائر‪ ،‬وأهن�ا تؤ ِّدي عىل‬


‫تواضعها وإغفاهل�ا خدمات غالية خالدة للدِّ ين والدولة ليس هلا‬
‫من نظري‪ ،‬وال تطاوهلا فيه هيئة أخرى ممن تأتيها األموال رغدً ا من‬
‫كل مكان لسبب أو آلخر‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫(‪ )4‬وأهنا تعتمد يف كل هذه اخلدمات اجلالئل والتضحيات‬
‫املوائ�ل على مواردها الضحل�ة املضغوط�ة‪ ،‬يف عصامي�ة نادرة‪،‬‬
‫وترف�ع فدائ�ي‪ ،‬وإيثار وطهر‪ ،‬ال يعرفه إال أه�ل اهلل‪ ،‬ولوال ذلك‬
‫لكان هلا فيام هتدف إليه شأن أي شأن‪.‬‬

‫(‪ )5‬وأن املسئولني عامة‪ ،‬ويف خمتلف مواقع املسئولية ليلمسون‬


‫الكثير الكبير م�ن هذا املجه�ود األثير‪ ،‬ولكنهم ألمر م�ا يكتفون‬
‫بالكالم اجلميل واإلعجاب األمجل!! بأن الكلمة الطيبة صدقة‪.‬‬

‫ّ‬
‫ولع�ل م�ن أس�باب إمهالن�ا وإغفالن�ا أنن�ا نحرتم إنس�انيتنا‬
‫ودعوتنا‪ ،‬وأننا نريد بعملنا وجه اهلل وحده‪ ،‬وهو عيب ال نستطيع‬
‫التخلي عن�ه‪ ،‬ولو ختل�ت عنا الدّ نيا بم�ن فيها وما فيه�ا‪ ،‬وإنام هو‬
‫بالغ للنّاس‪ ،‬وإبراء للذمة‪ ،‬وتسجيل للتاريخ‪.‬‬

‫ّأما بعــد‪ ،‬فإن العشيرة املحمدية ل�و مل تكن موجودة لكان‬


‫جيب أن تكون‪ ،‬فإهنا مجعت كل ما يف كل التشكيالت الشعبية من‬
‫خري وبر ونشاط‪ ،‬وزادت عليها ما ليس عند غريها عىل اإلطالق‬
‫وهلل األمر من قبل ومن بعد‪ ،‬وله احلمد يف األوىل واآلخرة‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫(الدعوة احملمدية)‬
‫‪ -‬عقيدة عملية‪ .‬أساسها‪ :‬العلم‪ ،‬واإليامن‪ ،‬والعمل‪.‬‬

‫‪ -‬وحقيقتها‪ :‬خدمة التصوف املحمدي النقي‪ ،‬وإدماجه‬


‫يف احلياة العامة‪.‬‬

‫‪ -‬ووظيفتها‪ :‬العالج واإلصالح‪ ،‬وقيادة ركب احلياة إىل‬


‫معايل األمور‪.‬‬

‫باحلب والسلام‪ ،‬والرمحة واإليامن‪،‬‬


‫ِّ‬ ‫‪ -‬وميزهتا‪ :‬التبشير‬
‫واليقني والتسامي والسعادة‪.‬‬

‫‪ -‬وهدفه�ا‪ :‬رج�ع املس�لمني بالوس�ائل الروحاني�ة إىل‬


‫وظيفتهم اإلهلية يف اخلالفة عىل األرض‪.‬‬

‫‪ -‬واألخ�وة فيه�ا‪ :‬رشف مبن�ي على االعتق�اد والعبادة‬


‫واألدب‪.‬‬

‫‪ -‬ومنهجها‪ :‬ما يف الكتاب والسنة‪.‬‬

‫‪ -‬وغايتها‪ :‬اهلل‪ ،‬واهلل ٌ‬


‫خري وأبقى‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫‬
‫دية‬ ‫بالطريقة َّ‬ ‫ُ‬
‫احملم ِ‬ ‫ِ‬ ‫التعريف‬
‫مكاتبات م�ن إخوان وأحباب‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ما بين احلني واحلني تصلنا‬
‫يف بعض األوطان اإلسالمية يسألوننا شيئ ًا من التعريف بالطريقة‬
‫املحمدية التي ننتسب إليها‪.‬‬

‫األس�ايس الكبري بني‬


‫َّ‬ ‫َ‬
‫الفرق‬ ‫ولق�د ع�رف اإلخوان من قب�ل‬
‫الطريقة املحمدية والعشيرة املحمدية‪ ،‬فالعشرية املحمدية دعوة‬
‫خلدمة التصوف عامة‪ ،‬ككتلة وجبهة واحدة ال نظر فيها إىل طريقة‬
‫ولسان حال‬
‫ُ‬ ‫بالذات‪ ،‬وال نس�بة باخلصوص‪ ،‬وال إىل منهج حمدد‪،‬‬
‫العشرية جمل ُة املسلم التي هي جملة كل صويف رشعي‪.‬‬

‫فالعشيرة بحمد اهلل هي اجلامعة الصوفية العاملية يف عرصنا‬


‫احلارض‪ ،‬وجملتها جملة العامل الصويف‪ ،‬وال نزكي عىل اهلل أحدً ا‪.‬‬

‫ّأم�ا الطريقة املحمدية فدعوة صوفية مذهبية مس�تقلة‪ ،‬ذات‬


‫كيان خاص ومنهج ذايت‪ ،‬ومقومات وخصائص معينة‪.‬‬

‫ جمل�ة املس�لم‪ ،‬الس�نة الثاني�ة عشرة‪ ،‬العدد التاس�ع‪ ،‬غ�رة ربيع اآلخر‬
‫(‪1382‬هـ) ‪ 31‬أغسطس (‪1962‬م)‪ ،‬كلمة الرائد‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫وقد رأينا َّ‬
‫أن خري وس�يلة للتعري�ف هبا‪ ،‬هو نرش اجلزء اآليت‬
‫من اإلج�ازة التي متنحها الطريقة املحمدي�ة للمتقدمني العاملني‬
‫م�ن رجاهل�ا‪ ،‬فلعلها خير وس�يلة للتعريف بأصل ه�ذه الطريقة‬
‫اآلن‪.‬‬

‫أم�ا أورا ُد الطريقة‪ ،‬وأما اآلداب وغريه�ا‪ ،‬ففي املطبوعات‬


‫اخلاصة هبذا اجلانب‪ ،‬وإليك هذا التعريف‪ ،‬فام أعجبك َف ُخ ْذ‪ ،‬وما‬
‫مل يعجبك فدع‪ ،‬وإ ّياك وسوء الظن املوبق‪ ،‬والعاقبة للتقوى‪.‬‬

‫(‪ )1‬تصوف املسلمني ‪:‬‬

‫الوحي‬
‫ُ‬ ‫نعتق�د َّ‬
‫أن التص�وف اإلسلامي النق�ي‪ ،‬إنّام نزل ب�ه‬
‫السماوي‪ ،‬ق�ال تع�اىل‪ ﴿ :‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ُّ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﴾ [آل عم�ران‪ ،]79:‬والرباني�ة ه�ي ما‬
‫اصطلحنا عىل تس�ميته بـ (التصوف) لس�بب أو آلخر‪ ،‬وأس�اس‬
‫الرباني�ة يف نص اآلية هو العلم واملدارس�ة‪ ،‬ومقتضامها الطبيعي‬
‫هو التخلق واملامرسة‪.‬‬

‫الصفة هم أهل الربانية يف اإلسالم‪ ،‬والر ّبانيون فيه هم‬


‫وأهل ُّ‬

‫‪146‬‬
‫الصفة نزل التكريم اإلهلي املعروف يف القرآن‪،‬‬ ‫الصوفية‪ ،‬ويف أهل ُّ‬
‫الر ْح َمن الذين‬ ‫ِ‬
‫وأمر اهلل رس�وله أن يصرب معهم نفس�ه‪ ،‬فهم ع َبا ُد َّ‬
‫فص َل أوصافهم يف سورة الفرقان‪ ،‬وهم أهل األخالق والصفات‬
‫َّ‬
‫املضاف�ة إىل املؤمنني واملتقني واملحس�نني والصابري�ن يف مواضع‬
‫شتى من كتاب اهلل عىل اختالف املوقع واألسلوب والبيان‪.‬‬

‫ولعل من أمجع أوصاف الصوفية أهنم‪ :‬التائبون‪ ،‬العابدون‪،‬‬


‫احلام�دون‪ ،‬الس�ائحون‪ ،‬الراكع�ون‪ ،‬الس�اجدون‪ ،‬اآلم�رون‬
‫باملع�روف‪ ،‬والناه�ون عن املنك�ر‪ ،‬واحلافظون حل�دود اهلل‪ ،‬فهم‬
‫أهل ال ُبرشى يف احلياتني‪.‬‬

‫وح�ي اهلل الثاب�ت يف أعلى مراتب�ه‪ ،‬ثم هو‬


‫ُ‬ ‫فالتص�وف إذن‬
‫ُ‬
‫بالت�ايل س�نة نبيه � ح َّيـ�ة يف أعىل درجاهتا‪ ،‬وحس�بك منها أن‬
‫يكون التصوف فيها هو مقام اإلحس�ان‪ ،‬وقدس الذكر‪ ،‬وطب‬
‫القلوب‪ ،‬وس�بيل املعرف�ة‪ ،‬ومعراج معايل األم�ور‪ ،‬ومعنى هذا‬
‫أن التص�وف هو طلب الكامل‪ ،‬فهو فرض عني عىل كل مس�لم‬
‫ومسلمة‪ ،‬من أغفله َأثِ َم‪ ،‬وحاسبه اهلل‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫ث�م َّ‬
‫إن التص�وف ه�و قضي�ة العق�ل والفك�ر‪ ،‬فه�و ملاك‬

‫العقيدة‪.‬‬

‫وهو قضية القلوب واألرواح‪ ،‬فهو أساس العبادة‪.‬‬

‫وهو قضية األخالق واألدب‪ ،‬فهو دستور املعاملة‪.‬‬


‫ٍ‬
‫بيشء بعد هذه األقضية الثالثة‪.‬‬ ‫وما الدنيا‬

‫والتصوف حقيق ٌة ربانية واحدة‪ ،‬مصدرها الكتاب والس�نة‪،‬‬


‫ُ‬
‫وهي تبدأ من التوبة‪ ،‬وتنتهي باملعرفة عىل برص وبصرية‪.‬‬

‫أ ّما اختالف أس�اليب الرتبية والس�لوك والتعبد والرياضة‪،‬‬

‫فرضورة طبيعية يف املجاه�دة‪ ،‬وهي تعود مجي ًعا إىل أصول الدين‬

‫وفروع�ه‪ ،‬حتى تتلاءم ُش�عب الدع�وة‪ ،‬وتتجاوب م�ع خمتلف‬

‫الش�خصيات والبيئات‪ ،‬والقابليات واالس�تعدادات ﴿ ﮊ ﮋ‬


‫ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﴾ [البق�رة‪ ﴿ ، ]60:‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬

‫ﮞ ﴾ [املائدة ‪.]48:‬‬

‫‪148‬‬
‫فاختالف أسماء الط�رق الرشعية وتعدد أش�ياخها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وعليه‬
‫ال يعن�ي س�وى اختلاف الوس�ائل وحده�ا مع احت�اد األصول‬

‫واألهداف مجي ًعا‪ ﴿ :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﴾ [الرعد ‪.]7:‬‬

‫ونحن هنا نتحدث عن التصوف األبيض النقي‪ ،‬وال عالقة‬


‫وإن كنا نحب ْ‬
‫أن‬ ‫لن�ا بتصوف غرينا عىل عالته‪ ،‬س�ابق ًا والحق� ًا‪ْ ،‬‬
‫َ‬
‫التأول واالجتهاد‪ ،‬مما قد ُينس�ب إىل‬ ‫نحس�ن الظ َّن بكل ما يقب�ل‬
‫تصوف أهل احلق‪ ،‬ولكل امرئ ما نوى‪.‬‬

‫االنحراف يف رجل‬
‫َ‬ ‫ُث ّ‬
‫�م إننا لو فرضن�ا اخلطأ‪ ،‬بل لو فرضن�ا‬
‫أو رج�ال ممن انتس�بوا إىل ه�ذا اجلانب اإلهلي‪ ،‬فلي�س معنى هذا‬
‫واالنحراف يف نفس الدعوة‪ ،‬أو يف بقية مجاهري‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اخلط�أ‬ ‫أن نفرض‬
‫فالتصوف يش ٌء غري املتصوف‪ ،‬كاإلسلام يشء‬
‫ُ‬ ‫املنتس�بني إليه�ا‪،‬‬
‫غري املس�لم‪ ،‬فال يك�ون ضالل املتصوف أو املس�لم كبرش‪ ،‬معناه‬
‫ضلال التص�وف كمذه�ب أو اإلسلام كدي�ن ﴿ ﭢ ﭣ‬

‫ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﴾ [البقرة‪.]220:‬‬

‫‪149‬‬
‫املحمدي ُة ‪:‬‬
‫َّ‬ ‫(‪ )2‬الطريق ُة‬

‫ت�دور دع�وة الطريقة‬


‫ُ‬ ‫ويف ه�ذا الفل�ك اإلسلامي الراقي‪،‬‬
‫املحمدية‪ ،‬س�محة بيض�اء‪ ،‬ليلها كنهارها‪ ،‬ولع�ل َم ْن فاته رشف‬
‫االنتفاع هبا قد فاته اليش ُء الذي ال يعوض‪ ،‬وضاع منه ما ال ُيغني‬
‫عنه سواه‪ ،‬وال نزكي عىل اهلل أحد ًا‪.‬‬

‫املحمدي� ُة م�ع أهن�ا موصول�ة الس�ند الروح�ي‬


‫َّ‬ ‫والطريق� ُة‬
‫الس�ادة النارصي�ة الش�اذلية أص ً‬
‫ال‬ ‫برس�ول‪ ‬اهلل � م�ن سلس�لة َّ‬
‫ٍ‬
‫وبركات‬ ‫َ‬
‫فضائ�ل‬ ‫وأساس� ًا‪ ،‬فإهن�ا كذلك قد مجع�ت بنعمته تعاىل‬
‫وخصائص كريمة‪ ،‬لعدة طرائق أخرى من أصول الطرق‬
‫َ‬ ‫وأمداد ًا‬
‫الرشعية الكربى كاخللوتية‪ ،‬والنقشبندية‪ ،‬والتجانية‪ ،‬والقادرية‪،‬‬
‫واألمحدية وغريها كام سيأيت مفص ً‬
‫ال بإذن اهلل‪.‬‬

‫املحمدي موصول الس�ند بكل مدد‪ ،‬وهو مع متسكه‬


‫ُّ‬ ‫فاملريدُ‬
‫املطل�ق بطريقته‪ ،‬وم�ع اعتزازه واعتداده ال�كيل بمحمديته‪ ،‬ومع‬
‫وفائ�ه اخلالد بعهده من اهلل‪ ،‬تراه ً‬
‫أخا ل�كل مريد متحقق‪ ،‬وحبي ًبا‬
‫ل�كل داعي�ة عارف‪ ،‬وأمينً�ا ل�كل و ٍّيل هلل‪ ،‬لكنه ال يقب�ل التغفيل‬
‫وال التضليل‪ ،‬وال يسكت عن النصيحة يف اهلل بالتي هي أحسن‪،‬‬

‫‪150‬‬
‫�م هو يطل�ب العلم حيث كان‪ ،‬ولكن ال يذكر إال مع اإلخوان‪،‬‬‫ُث َّ‬
‫مشارب ختتلف ﴿ ﭪ ﭫ ﭬ‬ ‫كر‬ ‫طالب تأتلف‪ِّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫والذ ُ‬ ‫لم َم ُ‬‫فالع ُ‬
‫ﭭ ﴾ [البقرة ‪.]148:‬‬

‫أصحاب مدرسة صوفية حديثة مستقلة بكياهنا‬


‫َ‬ ‫وهكذا جتدنا‬
‫ومقوماهتا وحيوياهتا وخصائصها‪.‬‬

‫أيضا أهنا جتعل العناية بالثقافة‬ ‫ّ‬


‫ولعل من مميزات هذه الطريقة ً‬
‫اإلسلامية‪ ،‬واخلدمة االجتامعية واإلنس�انية يف منزلة ال تقل أبدً ا‬
‫ع�ن العناي�ة بالرتبية الديني�ة والروحي�ة‪ ،‬وترى أهن�ا مجي ًعا حلقة‬
‫واح�دة‪ُ ،‬يفيض بعضه�ا إىل بعض‪ ،‬وال غن�ى لبعضها عن بعض‪،‬‬
‫وال يق�وم بعضه�ا إال ببعض‪ ،‬وهل�ذا نقول إنه ال ب�د من إصالح‬
‫جذري يف الدعوة الصوفية احلالية حتى تؤدي رسالة اهلل‪.‬‬

‫والبدع ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫املنكرات‬
‫ُ‬ ‫(‪)3‬‬

‫ٌ‬
‫س�بيل إىل‬ ‫ونحم�د اهلل تع�اىل عىل أن�ه لي�س يف طريقتنا هذه‬
‫بدع�ة أو حم�رم أو منك�ر‪ ،‬وال إىل دخي�ل أو مدس�وس أو ملفق‪،‬‬
‫وال إىل انحراف فكري أو تعبريي أو عميل‪ ،‬أو غريه‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫النص عىل أنه ليس يف طريقنا‪:‬‬
‫وربام كان من اخلري رضور ُة ِّ‬
‫رقص‪ ،‬وال رايات‪ ،‬وال أش�اير‪ ،‬وال دلوق‪،‬‬
‫زمر‪ ،‬وال ٌ‬ ‫ٌ‬
‫طبل‪ ،‬وال ٌ‬
‫وال مرقعات‪ ،‬وال طراطري‪ ،‬وال عكاكيز‪ ،‬وال سواري‪ ،‬وال مجع‬
‫مج�وع‪ ،‬وال ركبة خليفة‪ ،‬وال دعاوى والية‪ ،‬وال كش�ف غيب‪،‬‬
‫وال جتارة بالكرامات واخلوارق‪ ،‬وال احرتاف للتبطن واملخالفة‪،‬‬
‫وال ق�ول باحللول واالحتاد والوحدة‪ ،‬وال لغو بمخالفة الرشيعة‬
‫واحلقيق�ة‪ ،‬وال تستر باإللغ�از والتحجية واإلش�ارة‪ ،‬وال تفتن‬
‫بس�قوط التكالي�ف وص�ور العب�ادة‪ ،‬وال تبط�ل‪ ،‬وال تعط�ل‬
‫وال‪ ‬ش�عوذة‪ ،‬وال غري ذلك من العبث والتشغيب الصارف عن‬
‫خدم�ة احل�ق‪ ،‬بل إننا نكافح كل ذلك بكل ما لدينا من وس�ائل‬
‫رشعية وطاقات‪.‬‬

‫وال‪ُ  ‬ب�دَّ م�ن اإلش�ارة إىل أن�ه لي�س يف طريقنا على إخواننا‬
‫رضائ�ب دوري�ة وال مك�وس مالي�ة‪ ،‬وال عوائ�د مادي�ة‪ ،‬وال‬
‫ُ‬
‫اشتراكات عينية‪ ،‬وإنام هي تربعات حرة واختيارية‪ ،‬ملن ش�اء أن‬
‫يتعاون مع صندوق اإلخوان اخلريي عىل الرب والتقوى ؛ ملواجهة‬
‫م�ا هو مفروض على الطريقة من أعباء ومس�ئوليات‪ ،‬وخدمات‬

‫‪152‬‬
‫ديني�ة‪ ،‬وأخوي�ة‪ ،‬وإنس�انية‪ ،‬جتاه اليتام�ى‪ ،‬واأليام�ى‪ ،‬والفقراء‪،‬‬
‫وامل�رىض‪ ،‬والعج�زة‪ ،‬واملبتلني املحس�وبني رش ًعا على الطريقة‪،‬‬
‫ث�م ملواجه�ة ما ال ُب�دَّ منه من خريات املواس�م واملناس�بات‪ ،‬وما‬
‫ال‪ ‬رخصة فيه من اإلنش�اءات والصيانات والطوارئ واملفاجآت‬
‫﴿ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﴾ [احلرش‪.]9:‬‬

‫سبب التسمية ‪:‬‬


‫(‪ُ )4‬‬
‫مس�لم‪ ،‬س�واء عىص أو أطاع‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫إن كل من نطق بالش�هادتني‬
‫املحمدي ه�و املطيع الصادق‪ ،‬وهذا ه�و الفرق بني مفهوم‬
‫َّ‬ ‫لك� َّن‬
‫ولما اخت�ذت الطريقة لنفس�ها هذا‬
‫املحم�دي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫املس�لم ومفه�وم‬
‫الش�امل اجلامع بين فضائل الس�لف واخللف‪،‬‬ ‫املنه�ج الكام�ل ّ‬
‫رسول اهلل � ‪ِ -‬قبلت ََها وأسوهتا وقدوهتا‪،‬‬
‫َ‬ ‫حممدً ا ‪-‬‬
‫وجعلت سيدنا َّ‬
‫ْ‬
‫حمم ٍد‬
‫اش�تهرت باسم الطريقة املحمدية‪ ،‬نس�ب ًة مبارشة إىل سيدنا َّ‬
‫وتذك�را بذكره‪،‬‬
‫ً‬ ‫رس�ول اهلل �‪ ،‬وتيمنً�ا بحبه‪ ،‬وتفاؤلاً باس�مه‪،‬‬
‫أرشف وال أعىل وال أس�مى من قداسة النسبة إىل‬
‫ُ‬ ‫وليس يف الدّ نيا‬
‫جنابه �‪ ،‬فال يفضل النس�بة إىل غريه عن النسبة إليه مسلم قط‪،‬‬
‫أيضا خصيصة فريدة لطريقتنا من نعمة اهلل‪.‬‬
‫وتلك ً‬

‫‪153‬‬
‫ٌ‬
‫وأصول ‪:‬‬ ‫(‪ )5‬قواعدُ‬

‫‪ -‬وليعل�م األخُ الصالح أنن�ا اآلن طائف ٌة قليل ٌة‪ ،‬مؤمن ٌة فقريةٌ‪،‬‬
‫جماهد ٌة غريب ٌة ﴿ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [سبأ ‪ ،]13:‬وال‪ ‬اعتبار‬
‫عندن�ا للمظهريات ق�ط‪ ،‬وال للكثرة أب�دً ا ﴿ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﴾ [األنعام‪.]116:‬‬

‫وإن م�ن أص�ول مؤاخاتن�ا‪ ،‬قبولن�ا على عالتن�ا ﴿ ﯢ‬


‫‪َّ -‬‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﴾ [اإلرساء‪ ،]84:‬فلي�س بع�د الرس�ول‬
‫َبشرَ ٌ معصوم‪ ،‬وفرق م�ا بني األولياء واألنبياء‪ ،‬هو جواز وقوع‬
‫اخلط�أ من الويل‪ ،‬وعصم�ة اهلل للنبي‪ ،‬فكيف بالفارق بني النبوة‬
‫واإلنسانية العامة املجردة ؟!‬

‫‪ -‬لكنن�ا نجع�ل حتمي� َة التناص�ح يف اهلل برشوط�ه واجب� ًا‬


‫عين ّي� ًا بيننا‪ ،‬ال رخصة في�ه‪ ،‬ونعتقد كذلك حتمية مواصلة األخ‬
‫تثقيف نفس�ه دين ّي ًا ومدن ّي� ًا وتعبد ّي ًا‪ ،‬وتثقيف أهله وبيئته بثقافته‬
‫الروحية‪.‬‬
‫اإلسالمية ُّ‬

‫‪ -‬ونعتق�د حتمية مبايعة األخ زوجته‪ ،‬وأبناءه‪ ،‬وبناته‪ ،‬وكل‬

‫‪154‬‬
‫َم�ن له علي�ه والية هبذه الطريقة‪ ،‬وتكليفهم حت�ت إرشافه بالتزام‬
‫كافة أصوهلا وفروعها بالقدر املستطاع‪.‬‬

‫‪ -‬ونعتق�د كذل�ك حتمي�ة األدب املطل�ق مع إم�ام الطريقة‬


‫وحس�ن الظن به‪ ،‬ومتام االعتقاد فيه‪ ،‬ومالزم�ة التعاون اإلجيايب‬
‫للس�الك على اإلم�ام حق�وق التلم�ذة والبن�وة‬
‫مع�ه‪ ،‬وهك�ذا ّ‬
‫الس�الك كل حقوق األس�تاذية واألبوة‬
‫والصحب�ة‪ ،‬ولإلمام عىل َّ‬
‫الروحية املقدسة‪.‬‬
‫ُّ‬

‫‪ -‬ونعتق�د كذل�ك حتمي� َة مالزم�ة األخ ملجالس�نا العلمية‬


‫عذر قاهر يقبله اهلل‪ ،‬إنما‬
‫والتعبدية واألخوية‪ ،‬ال يرصفه عنها إال ٌ‬
‫التصوف صحبة وقدوة وجهاد‪.‬‬

‫أقرب‬
‫ُ‬ ‫الس�الك الداعية‪ ،‬أن�ه قد ينقلب عليه‬ ‫‪ -‬وليعلم ُ‬
‫األخ َّ‬
‫النّاس إليه‪ ،‬وربام كان يا أخي‪ُّ :‬‬
‫رش من خانك هو خري من أعطيتَه‬
‫أمانَك‪ ،‬فاعلم أهنا ُسنة اهلل يف البرش‪ ،‬فهي َقدَ ٌر ال ُيغني عنه حذر‪،‬‬
‫وعلينا مقابلة املفاجآت والفواجع بالصرب والرضا‪.‬‬

‫‪ -‬وليعلم أخونا يف اهلل َّ‬


‫أن َم ْن خالف عنا فليس منا ‪ ،‬وإن ظل‬

‫‪155‬‬
‫ينتسب إلينا‪ ،‬فإنام إثمه عليه ال علينا‪ ،‬وهبذه املخالفة ينسحب عنه‬
‫حق أخوتنا‪ ،‬بطريقة ذاتية آلية تلقائية‪،‬‬
‫رشف صحبتنا‪ ،‬وينُتزع منه ُّ‬
‫ُ‬
‫ال حاجة معها إىل بيان أو إعالن‪ ﴿ ،‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﴾ [الرعد ‪.]25:‬‬

‫أن بيعتنا معه كانت على‪ :‬اعتقاد عقائدنا‪،‬‬


‫‪ -‬وليتذك�ر األخُ َّ‬
‫واعتي�اد عوائدنا‪ ،‬وش�هود مش�اهدنا‪ ،‬والقول بأقوالن�ا‪ ،‬والعمل‬
‫بأعاملن�ا‪ ،‬والتحق�ق بأحوالن�ا‪ ،‬والوف�اء باحلق لن�ا‪﴿ ،‬ﭦ ﭧ‬
‫ﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭮﭯ‬
‫ﭰﭱ‪[ ﴾ ‬األحزاب‪ ]24 :‬سبحانه‪.‬‬

‫(‪ )6‬الشيخ والطريق ‪:‬‬

‫ثاب�ت بالوحي‪ ،‬كتا ًبا وس�ن ًة‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫وقد أس�لفنا ل�ك َّ‬
‫أن تصوفن�ا‬
‫وأن�ه (طلب الكامل)‪ ،‬فهو فرض عني عىل كل مس�لم ومس�لمة‪،‬‬
‫التامس س�بيل اهلل إىل الكمال بأهل القدوة‬
‫ُ‬ ‫فق�د تعَّي�نَّ عليك ْ‬
‫إذن‬
‫﴿ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﴾ [لقامن‪.]15:‬‬

‫‪156‬‬
‫اختيار َم ْن يدلك عىل صاحب السبيل‪ ،‬مفيض‬
‫ُ‬ ‫وتعني عليك‬
‫الكامل ﴿ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﴾ [الفرقان ‪.]59:‬‬

‫اختيار اجلامعة التي جتاهد معها‪ ،‬فال يكفي أن‬


‫ُ‬ ‫وبالتايل وجب‬
‫تتقي وتنطوي ﴿ ﭵﭶﭷﭸﭹ ﴾ [التوبة‪،]119:‬‬
‫الصادقني فال ينقطع﴿‪ ‬ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫َسب ّ‬
‫ووجب أن يتصل ن ُ‬
‫ﯯﯰ ﯱ ﯲﯳ ﴾ [األنعام‪.]90:‬‬

‫ن�زل أحدُ املريدين عىل زاوية الش�يخ ضي ًف�ا‪ ،‬فأقراه ثالثة‬


‫أيام‪ ،‬ثم قال له‪ :‬يا ولدي‪ :‬قد انتهت مدة الضيافة‪.‬‬
‫فقال املريد‪ :‬إنام جئت ألتصوف‪.‬‬
‫قال الشيخ‪ :‬ليس التصوف عندنا أن ت َُص َّ‬
‫ف قدميك وغريك‬
‫يمو ُن لك‪ ،‬ولكن أبدأ برغيفيك فأحرزمها‪ ،‬ثم تصوف؛ اجعل‬
‫ِّ‬
‫منشار َك مسبحتك‪ ،‬واذكر عىل دقات الفأس واملكوك‪.‬‬
‫َ‬
‫الصوفية تدل على ما يتناولونه من‬
‫(وق�د كانت األلقاب ُّ‬
‫حرف ومه�ن وصناعات فمنهم الدقاق‪ ،‬والسماك‪ ،‬والوراق‪،‬‬
‫واخل�واص‪ .. ،‬وهك�ذا تعرف أهنم كانوا بحق أمثاالً للمس�لم‬
‫الكامل إيامن ًا وعم ً‬
‫ال وإجيابية‪( .‬أبجدية التصوف اإلسالمي)‬

‫‪157‬‬
‫‬
‫أال أيها النوام‪ :‬وحيكمو‪ ،‬هبوا !!‬

‫بأي لسان ُأحدِّ ُ‬


‫ث إخواين املنسوبني إىل التصوف اإلسالمي‬
‫احلق؟!‬

‫بأي�ة عب�ارة أنادهي�م ليس�تجيبوا يل ويتبين�وا اخلط�ر املحي�ق‬


‫بدعوهتم؟!‬

‫بأي صوت ُأس�معهم حتى ينتبهوا من غفل�ة الثقة بالنفس‪،‬‬


‫والرك�ون إىل الالمب�االة‪ ،‬والتعل�ق بالوه�م اخل�ادع‪ ،‬والتس�ليم‬
‫للغيب املجهول؟ أو اإلرصار عىل االلتزام والتوقف‪.‬‬

‫بأي�ة كيفي�ة أقنعه�م بام أعرف‪ ،‬وم�ا أرى‪ ،‬وما أخش�ى‪ ،‬وما‬
‫نصحت هل�م‪ ،‬والرائد ال يك�ذب أهله‪ ،‬والفرع‬
‫ُ‬ ‫أنتظ�ر‪ ،‬وي�ا طاملا‬
‫ال‪ ‬خيذل أصله ؟!‬

‫لق�د صح�ت فيهم أم�س البعي�د‪ ،‬بام ه�و واقع الي�وم‪ ،‬وما‬

‫ جملة املس�لم‪ ،‬السنة الثامنة والعرشون‪ ،‬العددان الرابع واخلامس‪ ،‬غرة‬
‫ذي القعدة (‪1397‬هـ)‪ 14 ،‬أكتوبر (‪1977‬م)‪ ،‬كلمة الرائد‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫س�يقع غ�د ًا فتش�نجت طائفة منه�م وقالوا‪ :‬صب�أت‪ ،‬ومل يبحثوه‬

‫ُث َّ‬
‫�م مل يتناهوا عن منك�ر فعلوه يب‪ ،‬وبالتص�وف املظلوم وال يزال‬
‫أثر ذلك موروث ًا للعجب الش�ديد يف بعضهم‪ ،‬يتلقفه البعض عن‬
‫البعض بال تبصر وال تدبر‪ ،‬بعيد ًا كل البعد عن إنصاف النفس‪،‬‬
‫وإنصاف الدعوة‪ ،‬وإنصاف الواجب والواقع‪ ،‬وإنصاف احلارض‬
‫واملستقبل‪ ،‬وليس يف النّاس أظلم ممن ظلم نفسه ووراثته وأمانته‬
‫ورسالته‪ ،‬وهو يظن أن ظلمه هو اإلنصاف!!‬

‫وم�ن العجب أنني أقابل من خصوم التصوف بنفس الظلم‬


‫واجلفوة‪ ،‬والتحامل‪ ،‬وسوء الظن ولؤم الدعوى‪ ،‬وخبث املالحقة‬
‫بل بام هو أطغى‪ ،‬وأبغى‪.‬‬

‫عىل‪ ،‬بق�در ما هيمني‬


‫ولي�س هيمن�ي أمر ه�ؤالء الذين هم ّ‬
‫النوام وحيكمو هبوا)‬
‫أم�ر أولئك الذين يظن أهنم مني (أال أهيا ّ‬
‫بلغت اللهم فاشهد‪.‬‬
‫** *‬

‫‪159‬‬
‫من وصايا الشيخ لألتباع‬
‫يف إحدى األمسيات بعد أن انتهت املحارضة الدورية من فضيلة‬

‫ش�يخنا اإلم�ام الرائد رمحه اهلل حتدَّ ث معه بعض من ش�باب العشيرة‬

‫حديث� ًا منوع ًا‪ ،‬فوعدهم فضيلته أن يكتب وصاياه هلم مقاطع ش�عرية‬

‫فيام طرقوه من موضوعات شتّى‪ُ ،‬ث ّم كتب فضيلته هذه القصيدة وهو‬
‫قصدت هذا األسلوب قصدً ا ألسباب شتى خماطب ًا العقل‬
‫ُ‬ ‫يقول‪ :‬إنني‬

‫والقلب مع ًا‪ ﴿ ،‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﴾ [التغابن‪.]11 :‬‬

‫املقطع األول‪:‬‬
‫ورث َب ْع َضن�ا ُق�دْ َو ًة لن�ا‬
‫يقول�ون‪ِّ :‬‬
‫فإنّا لنخشى الخُ لف َب ْعدَ َك َّ‬
‫والضعفا !‬
‫إذن‬
‫ورثتك�م‪ ،‬فاعملوا ْ‬ ‫فقلت‪ :‬بىل‪َّ ،‬‬
‫ُ‬
‫�د ِ‬
‫وق ُف�وا َص ّف�ا !‬ ‫اح ٍ‬
‫مجيع� ًا ك َف�ر ٍد و ِ‬
‫ْ َ‬
‫فإن لك�م َخ ْصم� ًا َ‬
‫وخ ْصم� ًا وإنكم‬ ‫ّ‬
‫تفر ْقتُ�م أذاقك�م اخلس�فا !‬
‫إذا م�ا َّ‬

‫‪160‬‬
‫ُ�و ُده‬
‫أخ�ا بع�دي وحي�دً ا َيئ ُ‬
‫وإن ً‬
‫وإن َج�دَّ محيل ذاك فاجتنب�وا الخُ لفا‬
‫وأي أخ بع�دي أقمت�م فإنّ�ه‬
‫ُّ‬
‫وريث�ي إذا ح ًّق�ا على أ َث�ري َق َّف�ى‬
‫�ب خلفه‬
‫حيج ُ‬
‫س ُ‬‫�م ِ‬ ‫وإن وجو َد َّ‬
‫الش ْ‬
‫كواكب َل ٍ‬
‫يل سوف يكشفها كشفا !!‬ ‫َ‬
‫(املختار) ه�ذا (لصحبه)‬
‫ُ‬ ‫َوقد ت�رك‬
‫َوإين س�أتركه ليحمل�ه األكف�ا !!‬

‫املقطع الثاين‪:‬‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫س�تبدو ُف‬
‫ج�اءات و َتغْ�دو مصاع ٌ‬
‫ٌ‬
‫ج�وع وال َو ْقف�ا‬
‫َ‬ ‫ولك�ن تن�ا َد ْوا ال ُر‬
‫�ن َّ‬
‫دق با َب� ُه‬ ‫فل�ن ُي ْس�لِم الد ّي ُ‬
‫�ان َم ْ‬
‫َول�ن َي�دَ َع الدّ اع�ي إلي�ه إذا َو ىَّف‬

‫‪161‬‬
‫بح�ق على الذي‬
‫ٍّ‬ ‫َول�و أنك�م قمت�م‬
‫ُدعيت�م إلي�ه كان َواحدُ ك�م (ألفا)!‬
‫فلا ْحت ِفل�وا بالق�وم ُك ْث ً�را َو ِق َّل� ًة‬
‫ُلتم�س الزُّلفى‬
‫ُ‬ ‫بالكم ت‬
‫ِّ‬ ‫فبالكي�ف ال‬

‫املقطع الثالث‪:‬‬
‫كل ٍ‬
‫حمنة‬ ‫إن لك�م (ش�يخً ا) ط�وى َّ‬
‫َو ّ‬
‫ولكن�ه ع�ن كل م ْث َل ٍ‬
‫ب�ة َع َّف�ا !!‬ ‫َ‬
‫ّ�اس حول�ه‬
‫قضى عم�ره يف اهلل والن ُ‬
‫خص�و ٌم مجيع ًا م�ا ْاس�تكان َوال ك َّفا‬
‫الس� ْل ُ‬
‫طان َوالبغي حني ال‬ ‫َوم�ا ه�زَّه ُّ‬
‫الحتْف�ا‬ ‫وقاي� َة م�ن َبغ ٍ‬
‫ْ�ي وال َخشي َ‬
‫أتت�ه الدُّ ن�ا ز َْح ًف�ا فل�م حيتف�ل هب�ا‬
‫البيضاء والشرّ ِ‬
‫ف استكفى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وبالدعوة‬
‫فخ�را َو ِع�زَّة‬
‫ً‬ ‫وق�ال‪ :‬كف�ى بالفق�ر‬
‫لي�س كع�ز الفقر م�ن رشف ُيضفى‬

‫‪162‬‬
‫املقطع الرابع‪:‬‬
‫ُ‬
‫أق�ول ألبنائ�ي اعتب�ار ًا وق�دو ًة‬
‫وجر َب واس�توىف‬ ‫أب عان�ى َّ‬ ‫مق�ال ٍ‬
‫ٍ‬
‫وخدمة‬ ‫فق�ه وبح ٍ‬
‫�ث‬ ‫ف�ت عن ٍ‬ ‫تصو ُ‬
‫َ ْ‬ ‫َّ‬
‫َ�ر ُم ْس�ت َْص َفى‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وميراث آب�اء توات َ‬
‫َّيف والصرِّ ْ ف أبتغي‬ ‫وميزت بني الز ِ‬
‫ُ‬
‫دت وال ُعرفا‬ ‫رض�ا اهلل ال َع ْرف� ًا َق ْص ُ‬
‫دت ال آل�و كتاب� ًا َوس�نَّـ ًة‬
‫وج�دَّ ُ‬
‫َو َل ْم أستبح يوم ًا عىل خطأٍ حرفـا !!‬
‫أحبب�ت خلق اهلل ُح ّب� ًا بال هوى!!‬
‫ُ‬ ‫َو‬
‫اختذت هل�ا َم ْرفـا‬
‫ُ‬ ‫فأكرم�ت نفسي َو‬
‫ُ‬
‫أض َّل ْ‬
‫�ت َوز ََّو َرت‬ ‫�ت أفواه� ًا َ‬ ‫َو َأ ْ‬
‫جلم ُ‬
‫احلق قد َع َص َف ْت َع ْصفا‬
‫وكانت بوجه ِّ‬
‫الدعاوى بما هلم‬
‫َ‬ ‫أصح�اب‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫َوأ َّد ْب ُ‬
‫ِ‬
‫األم�وال واألثر األخفى‬ ‫ِ‬
‫اجل�اه َو‬ ‫من‬

‫‪163‬‬
‫ت َم ْن دعا‬
‫وحار ْب ُ‬
‫َ‬ ‫وس�املت ذا ِس� ْل ٍم‬
‫ُ‬
‫أردت وال َح ْيفا‬
‫ُ‬ ‫الح ْ�ر ِ‬
‫ب ال ُعنْف ًا‬ ‫إىل َ‬
‫وإن كان تافه ًا‬‫ال م�ا ْ‬ ‫�م َأن َ‬
‫ْ�س َف ْض ً‬ ‫و َل ْ‬
‫اإلس�اء َة وال َع ْسفـا‬
‫َ‬ ‫لما َأز َْل َأن َْس�ى‬
‫َو َّ‬
‫األس�اس لدَ ْع َو ٍة‬
‫ِ‬ ‫أحجار‬
‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫وأ ْر َس� ْي ُ‬
‫�م ُس ال َي ْوم� ًا تُنال وال تُطفا‬ ‫الش ْ‬‫هي َّ‬
‫�ت َغ�دْ را ِ‬
‫وخ َّس� ًة‬ ‫�ت م�ا ال َق ْي ُ‬
‫وال َق ْي ُ‬
‫ً‬
‫س�عيد ًا ب�ه ك َّم� ًا س�عيد ًا ب�ه َك ْيفا !!‬
‫�س أو ْأرتيض هلا‬ ‫لس�ت ُأزكِّي النَّ ْف َ‬
‫ُ‬ ‫َو‬
‫ِري�اء لت َْش� َقى يف القيام ِ‬
‫�ة أو تجُ ْ ف�ى‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫�ة الت�ي‬‫�ت بالنِّعم ِ‬ ‫َولكنّن�ي َحدَّ ْث ُ‬
‫َْ‬
‫هب�ا ل َّفنِ�ي ر ِّب�ي على َق ٍ‬
‫�در َلــ َّف�ا‬

‫املقطع اخلامس‪:‬‬
‫ِ‬
‫�م َأك ْ‬
‫ُ�ن َل� ُه‬ ‫ف َع َّو َضن�ي َر ِّب�ي بم�ا َل ْ‬
‫�ل ِم�ن األَم ِ‬
‫َف هب�ا َز َّف�ا‬
‫�داد ز َّ‬ ‫َبأ ْه ٍ َ ْ‬

‫‪164‬‬
‫الحكْ�م ِحكْم ًة‬ ‫�هدَ ين َر ِّب�ي من ُ‬ ‫َو َأ ْش َ‬
‫�ه َو ْصف�ا‬ ‫ْت بِ ِ‬‫رس ًا َع َج�ز ُ‬ ‫و ِم رِ‬
‫سه ّ‬ ‫�ن ِّ‬ ‫َ ْ‬
‫نوجي�ت َي ْقظ� ًة‬
‫ُ‬ ‫ي�ت يف ذايت َو‬
‫نود ُ‬ ‫و ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫احلقائق ما ْاستَخْ َفى‬ ‫ب‬‫ْت ِم ْن َغ ْي ِ‬‫َوأ ْد َرك ُ‬
‫�ح َي ْوم� ًا بم�ا ق�د ُحبيتُ� ُه‬ ‫َو َل َّم�ا َأ ُب ْ‬
‫�ب حتَّ�ى ال ُأق�ا َد َوال ُأ ْن َفى‬
‫�ن ال َغ ْي ِ‬ ‫ِ‬
‫م َ‬
‫الورى‬
‫قلت‪ :‬كفاين ذاك فليغضب َ‬
‫َو ُ‬
‫وم ْن َأ ْض َفى‬ ‫مجيع ًا‪ ،‬فحسبي َم ْن َ‬
‫أفاض َ‬

‫املقطع السادس‪:‬‬
‫ِ‬
‫ُ�م رس�التي‬ ‫األبن�اء ت ْلك ْ‬
‫ُ‬ ‫أال أهي�ا‬
‫إليك�م َفس� ُّلوا م�ن معامله�ا َس� ْيفا‬
‫ُّب�ل َوالن َُّه�ى‬ ‫ِ‬
‫اإليث�ار َوالن ِ‬ ‫فباحل�ب َو‬
‫ِّ‬
‫مضت دعويت فامضوا هب�ا َو َدعوا ال َّز ْيفا‬ ‫ْ‬
‫هي الس� ْلم واإلسالم والب ْذ ُل ِ‬
‫والفدا‬ ‫ُ َ‬ ‫ِّ ُ‬
‫الم َث ُل األَ ْوىف‬
‫ين َوالدُّ نْيا‪ ،‬هي َ‬
‫هي الدِّ ُ‬

‫‪165‬‬
‫لس�ت أرى إال التّص�وف هج�ر ًة‬
‫ُ‬ ‫َو‬
‫إىل اهلل أغ�دو يف حمافل�ه َض ْيف�ا‬
‫ِ‬
‫رج�ال اهلل يف اهلل ُأرس ٌة‬ ‫َوك ُُّل‬
‫توح�د أو ِح ْلف�ا‬
‫ت�رى أهله�ا إلف� ًا َّ‬
‫سحـ ٌة‬
‫ف َم َ‬‫شاب الت َّص ّو َ‬ ‫وإن كان قد َ‬ ‫ْ‬
‫ف ما للصرِّ ْ ف ننس ُف ُه ن َْسفا ؟!‬ ‫من ال َّزي ِ‬
‫ْ‬
‫�ن َق ْب ُل ش�اهبا‬ ‫وك ُُّل عل�وم الدِّ ِ ِ‬
‫ي�ن م ْ‬
‫ت َق ْذفا!‬
‫س�وس َوما ُقذ َف ْ‬ ‫ٌ‬ ‫يل َومدْ‬ ‫َد ِخ ٌ‬
‫ِ‬
‫�وف أنّ�ه‬‫�ن ع�ادى الت ََّص ّ‬ ‫ل َي ْع َل َ‬
‫�م َم ْ‬
‫ف ما ُيل َفى!!‬ ‫اإلسالم َأشرْ َ َ‬ ‫ِ‬
‫ُيعادي من ْ‬

‫املقطع السابع‪:‬‬
‫�هدْ إنني ق�د ن ََص ْحتُهم‬ ‫ويا َر ّب ْ‬
‫فاش َ‬
‫لق األَ ْصفى‬
‫اإليامن والخُ َ‬
‫َ‬ ‫بأن يلزموا‬
‫األصيل َوي ْعكِفوا‬
‫َ‬ ‫وأن يلزموا ِ‬
‫الع ْل َم‬
‫الذك ِْر‪ ،‬يظهر أو خيفى‬
‫الذك ِْر ك ُِّل ِّ‬
‫عىل ِّ‬

‫‪166‬‬
‫بالر ْف ِ‬
‫�ق َل ْح َظـ ًة‬ ‫وأال َينُ�وا يف الن ُّْصحِ ِّ‬
‫�ل الر ْف ِق ي ِ‬
‫وق ُظ َم ْن َأ ْغ َفى‬ ‫ِ‬
‫فليس كم ْث ِ ِّ ُ‬
‫اء) ألَهلِ ِ‬
‫�ه‬ ‫(الم�ر ِ‬ ‫وأ ْن يترْ ك�وا َأم�ر ِ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ُ‬
‫يبوء بـه ُسخْ فا‬ ‫الم َمـاري ما ُ‬ ‫ب ُ‬ ‫َف َح ْس ُ‬
‫حتس�بـ ًا‬‫(الري�اء) ُّ‬ ‫داء ِّ‬ ‫وأن َيدَ ع�وا َ‬
‫ْ‬
‫وإال فلا َعـ�دْ الً َأت�و ُه وال صرَ ْ ف�ا‬
‫عــ�اء فإنَّنِ�ي‬
‫ِ‬ ‫وأن َي ْذكُ�روين بالدُّ‬
‫ف َخ ْوفـ ًا من ُم َ‬
‫ساءلتي َر ْجـفـا‬ ‫ألَ ْر ُج ُ‬
‫ِ ِل�يِ‬
‫ع�ر ٌض‬ ‫وأن يستروا َع ْيب�ي فم ْث ُم َّ‬
‫ي�وب ال تُخ�اط َوال ت ُْرف�ا‬ ‫لش�تَّى ُع ٍ‬ ‫َ‬

‫املقطع اخلاتم‪:‬‬
‫ْ�ت هل�م هَنْج� ًا تق ّي� ًا ُمَب�رَ َّ ًأ‬‫ت ََرك ُ‬
‫ف ُيغْنِي ك َُّل َم ْن َط َل َب الصرِّ ْ فـا‬ ‫ِمن ال َّزي ِ‬
‫َ ْ‬
‫وم ْوطِـنـ ًا‬ ‫ِ‬
‫اإلسال ِم دينًا َ‬
‫ص ْ‬ ‫َو ِم ْن خالِ ِ‬
‫ِ‬
‫للتص�وف َق�دْ َر ّف�ا‬ ‫�و ًاء‬ ‫ركَ�ز ُ ِ‬
‫ْت ل َ‬ ‫َ‬

‫‪167‬‬
‫ِ‬
‫التص�وف ما إذا‬ ‫�ن ُروحِ‬ ‫وقدَّ م ُ ِ‬
‫�ت م ْ‬ ‫َ ْ‬
‫حت ّل�وا بِ ِ‬
‫�ه أ َّدوا رس�التَهم ِض ْعف�ا‬ ‫ْ‬
‫رس�ـال َة إصـلاحٍ وهنضـ� َة ُأم ٍ‬
‫ـ�ة‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫حي�اة ع�ن تكامله�ا ش� ّفـا‬ ‫وروح‬
‫َ‬

‫املقطع األخري‪:‬‬
‫�م َأز َْل‬‫محل�ت و َل ْ‬
‫ُ‬ ‫رب أمرايض‬ ‫وي�ا ّ‬
‫ُأعاين فأكر ْم َم ْن َدعا وبِ َ‬
‫ك ْاست َْش� َفى‬
‫أك�ون ق�د‬
‫ُ‬ ‫فإنِّ�ي لعِّل�يِّ ي�وم َأمِض�يِ‬
‫َ َْ ْ‬
‫َح ُّق بِ ِ‬
‫�ه ا ُّلل ْطف�ا !‬ ‫بشيء َأس�ت ِ‬
‫ٍ‬ ‫َأ َت ْي ُ‬
‫�ت‬
‫ْ‬
‫�ط خاطري‬ ‫رب ُغ ْفران� ًا فقد َش َّ‬
‫وي�ا ّ‬
‫ِ‬
‫ت َأ ْلتَم ُ‬
‫�س ال َع ْطفا‬ ‫رورا وق�د َأ ْق َب ْل ُ‬
‫ُغ ً‬
‫ن�ك فإنَّنِ�ي‬ ‫�ن َلدُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فه ْبن�ي َأمان� ًا م ْ‬
‫َ‬
‫ف ال َأ ِجـدُ الخَ ْوفـا‬‫اخلو ِ‬
‫جاء بِ َر ْغم َ ْ‬
‫َر ً‬
‫�ت األَمـانَــ� َة ِ‬
‫كاد ًحـا‬ ‫�ك َأ َّد ْي ُ‬
‫َحنا َن ْي َ‬
‫بم ْن أ َّدى األمانـة أن ُي ْع َفى!!‬ ‫َ ِ‬
‫وأ ْخل ْق َ‬

‫‪168‬‬
‫يا بين‬
‫ُ�ن ىف ِح ْزبِن�ا َر ُجلا‬ ‫ْ‬
‫واعم�ل َتك ْ‬ ‫اس�مع لن�ا‬
‫ْ‬ ‫بن�ى‪:‬‬
‫َّ‬
‫�ت العم�ر آيت م�ا َأحــ�ب اهلل م ْكت ِ‬
‫َـــمـــلا‬ ‫َق َض ْي ُ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ‬
‫ِ‬
‫وإن َج ِ‬
‫ـــهـــلا‬ ‫ـــم حـــي�ايت ُّ‬
‫ق�ط إنْس�ـــانــ ًا ْ‬ ‫فل�م َأ ْش�ت ْ‬
‫صغــير ًا يل بِمــ�ا ع ِ‬ ‫ِ‬
‫ــمـلا‬ ‫َ‬ ‫كبيـــ�را ْأو‬
‫ً‬ ‫أض ْب‬ ‫�م رْ‬ ‫و َل ْ‬
‫ْ�ت ُمنْ َف ِعــــلا‬
‫الس�ــو ِء َم ْهم�ا ُكن ُ‬ ‫ِ‬
‫�ق بلف�ظ ُّ‬ ‫�م َأنْطِ ْ‬‫و َل ْ‬
‫ِ‬
‫المــ ُثـلا‬
‫�ـي ُ‬ ‫َس�يت لن ْفس َ‬
‫ُ‬ ‫ْت قــ�دْ ِر َ‬
‫ي َأ ْو ن‬ ‫جــ�اوز ُ‬
‫َ‬ ‫ومـ�ا‬
‫وذ فــلا‬ ‫�ــــذ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وأ َّمــ�ا ُّ‬
‫للش‬ ‫ــ�م‬
‫ــ�م ونَـ َع ْ‬ ‫فللتَّـق�وى نَـ َع ْ‬
‫�ـــهــال‬
‫�ــر مــ�ا وإن َس ُ‬ ‫َ‬
‫بـش ٍّ‬ ‫ش�ــر ًا مـ�ا‬
‫ّ‬ ‫وال دا َفـ ْع ُ‬
‫ــ�ت‬
‫�ت ُمخْ ــ َتبِــلا‬ ‫�ت ذا س�ـ َف ٍ‬
‫ـــه وال عــاتَـ ْب ُ‬ ‫وال جـــا َد ْل ُ‬
‫َ‬
‫الرحـــمـن حمــــفـوظـــ� ًا ومبتــهلا‬ ‫ت بجــانِ ِ‬
‫ب َّ‬
‫ِ‬
‫وع ْش ُ‬
‫ليت ُم ْرت ِ‬
‫َجـــــلا‬ ‫ْربت ع�ن َع َم ٍ‬
‫�ل وال اس�ت ْع ُ‬ ‫وم�ا ْاس�تك ُ‬
‫َ‬
‫ٌ‬
‫آمـــ�ل أمـــلا‬ ‫ْ�ت إال حـــي�ـ ـ�ن يبغ�ى‬
‫وال ا ّدايــن ُ‬
‫(‪)1‬‬‫ذلــي�ل َوالَ‬
‫َ‬ ‫�م أ ْفـ َعــ�ل‬ ‫أبخـــ�ل و َل ْ‬
‫ْ‬ ‫�م َأك َْس ْ‬
‫�ل و َل ْ‬
‫�م‬ ‫و َل ْ‬
‫العلي عـــلا‬
‫ِّ‬ ‫س بال َّطــ ْب� ِع‬‫ِ‬ ‫�ن يف النّ�ا‬ ‫فخير الن ِ‬
‫ّ�اس َم ْ‬ ‫ُ‬
‫(‪ )1‬ذليل وال‪ :‬أي ‪ « :‬ذليل والء »‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫ليس هذا من التصوف‬
‫لىس من التصوف اإلسالمي‪ :‬القول بمخالفة الرشىعة للحقىقة‪،‬‬
‫أو أن أه�ل احلقىقة ال ىتقىدون بالرشىعة ‪ ،‬أو أن ظاهر اإلسلام يشء‬
‫غرى باطنه ‪ ،‬أو أن مسلم ًا عاق ً‬
‫ال ُرفع عنه التكلىف ‪.‬‬

‫ولىس من التصوف ‪ :‬القول باحللول أو االحتاد ‪ ،‬أو الوحدة التي‬


‫تزع�م أن الك�ون ه�و اهلل ‪ ،‬واهلل هو الك�ون ‪ ،‬وما جاء مم�ا ىوهم ذلك‬
‫على لس�ان بعضهم فه�و مؤول بام ىواف�ق دىن اهلل ‪ ،‬أو هو مدس�وس‬
‫على القائ�ل ‪ ،‬أو هو مما قال�ه يف حالة الفناء والغىبوبة عىل لس�ان احلق‬
‫عز وجل ‪ ،‬ونحن نستغفر اهلل للجمىع ‪ ،‬ونحسن الظن بكل مسلم ‪.‬‬

‫ولىس من التصوف‪ :‬الذكر عىل الطبل والزمر بأنواعه مهام كان‪.‬‬

‫ولىس من التصوف‪ :‬حترىف أسامء اهلل والرقص هبا ممطوطة ‪ ،‬أو‬


‫حمول�ة إىل أصوات س�اذجة ال معنى هلا ‪ ،‬وال ق�راءة األوراد بغرى فهم‬
‫وال إعراب ‪.‬‬

‫ولى�س م�ن التص�وف‪ :‬لبس عامئ�م الرى�ش ‪ ،‬وال محل س�ىوف‬


‫اخلش�ب والصفى�ح ‪ ،‬وال الق�ذارة ‪ ،‬وال البلادة ‪ ،‬وال البطال�ة ‪،‬‬
‫وال اجلهالة بدىن اهلل ‪ ،‬وال ادعاء الوالىة واملتاجرة بالكرامات ‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫معلومات عن الطريقة احملمدية‬
‫(‪ )1‬الطرىقة املحمدىـة‪ :‬طرىقة صوفىة ‪ ،‬سلفىة ‪ ،‬رشعىة مستنرىة‪،‬‬
‫معرتف هبا رس�مى ًا ‪ ،‬أساس�ها‪ :‬علم الكتاب والس�نة‪ ،‬وهي‬
‫تنتسب إىل سىدنا « حممـد » � ‪ ،‬ظاهر ًا من طرىق األشىاخ‪،‬‬
‫وباطن ًا من طرىق التلقي الروحي املبارش ‪ ،‬من احلرضة النبوىة‬
‫الرشىفة ‪.‬‬

‫(‪ )2‬س�نـد الطرىــق�ة ‪ :‬ش�اذيل أصــى�ل ‪ ،‬م�ن طرىـ�ق اإلم�ام‬


‫اب�ن ن�ارص الدرعي ‪ ،‬ال�ذي ىنتهي إلىه نس�ب خاصة فروع‬
‫السادات الشاذلىة املباركة ؛ فهي أخت شقىقة لكل السادات‬
‫الشاذلىة الرشعىة ‪.‬‬

‫(‪ )3‬وللطرىقة أنس�اب أخرى للتىم�ن والتربك متصلة باألقطاب‬


‫األربع�ة املش�اهرى ‪ ،‬ث�م بالس�ادات اخللوتىة والنقش�بندىة ‪،‬‬
‫والتىجانى�ة والكتانى�ة وغرىه�ا ؛ وهل�ذا فنح�ن نح�ب مجىع‬
‫الط�رق الرشعى�ة ‪ ،‬ونعتبر أننا أبن�اء عموم�ة روحىة يف اهلل‬
‫تستوجب التعاون واملودة قوالً وعم ً‬
‫ال ‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫مواك�ب ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )4‬لى�س يف طرىقن�ا ٌ‬
‫طب�ل وال زم�ر ‪ ،‬وال رق�ص وال‬
‫راىات وال أوشحة ‪ ،‬وال شعوذ ٌة وال جتارة ‪ ،‬وال رضائب‬
‫ٌ‬ ‫وال‬
‫وال مك�وس‪ ،‬وال أكل ألم�وال الن�اس بالباط�ل ‪ ،‬وال جيوز‬
‫عندن�ا التظاه�ر والتفاخ�ر على اإلطالق ‪ ،‬وإنما هي صورة‬
‫صحىحة من أعامل السلف الصالح ‪.‬‬

‫(‪ )5‬طرىقتن�ا ه�ذه للخ�واص أساس� ًا ‪ ،‬ثم هي لصف�وة اجلامهرى‬


‫الراش�دة ‪ ،‬وطالب احلقيق�ة والنور ؛ فال بد لكي تس�تكمل‬
‫ثقافتك عن ( الطرىقة املحمدىة ) من أن تطالع (مطبوعات)‬
‫الطرىقة ‪ ،‬لتعرف مدى رشعىتها وتس�امىها ‪ ،‬مما ىتناسب مع‬
‫كل إنس�ان يف كل زم�ان وم�كان ‪ ،‬متـناس�قة م�ع مطـال�ب‬
‫احلى�اة‪ ،‬وتط�ور الواقع ‪ ،‬وكرام�ة اإلنس�ان ‪ ،‬وخدمة الدىن‬
‫والوطن ‪.‬‬

‫(‪ )6‬فال بـد من مطـالعة كتاب ( البداية ) ‪ ،‬و( الدليل املجمل‪،) ‬‬


‫و( املنه�ج )‪ ،‬وأعـ�داد جمـل�ة ( املس�لم ) ‪ ،‬وكت�اب ( البىت‬
‫املحم�دي ) ‪ ،‬ث�م الكت�ب األساس�ىة ( أص�ول الوص�ول ‪-‬‬
‫أبجدى�ة التص�وف ‪ -‬الوس�ىلة والقب�ور ) لتدف�ع عن قلبك‬

‫‪172‬‬
‫وعقل�ك م�ا ىثىره خص�وم التص�وف وأدعىـ�اؤه من ُش� َبه‬
‫ُمض ِّللة واستشــكاالت باطلة‪ ،‬تعصب ًا لغرى وجه اهلل ‪.‬‬

‫(‪ )7‬يشرتط عنـدنا لقراءة األوراد واألحزاب واألذكار واألدعية‬


‫( منف�رد ًا أو يف مجاع�ة )‪ :‬حس�ن التوج�ه ‪ ،‬ومت�ام األدب ‪،‬‬
‫وصح�ة النطق ‪ ،‬والفهم ول�و إمجاالً ‪ ،‬واس�تحضار الرابطة‬
‫الروحى�ة ‪ ،‬بع�د التوبة واالس�تغفار واالس�تفتاح بيشء من‬
‫كتاب اهلل وأدعىة رسوله صىل اهلل عليه وآله وسلم ‪.‬‬

‫أحىاء وموتى ‪ ،‬من كل مذهب‬


‫ً‬ ‫(‪ )8‬نح�ن نحب مجىع أولىاء اهلل ‪،‬‬
‫ومرشب رشعي ‪ ،‬ونتربك هبم مجىع ًا ‪ ،‬وكما ال نفرق بنى أحد‬
‫من رس�له تع�اىل ‪ ،‬ال نفرق بنى أحد م�ن أولىائه الصاحلنى ‪،‬‬
‫ونرتك احلكم باألفضلىة بىنهم إىل اهلل ‪ ،‬الذي ال ىعلم الغىب‬
‫س�واه ‪ ،‬ونق�رر أن م�ن ادع�ى الوالى�ة فه�و كاذب ‪ ،‬فالويل‬
‫ال ىعلن عن نفسه ‪.‬‬

‫واهلل املوفق املستعان ‪.‬‬

‫***‬

‫‪173‬‬
‫من أقوال شيخنا اإلمام الرائد‬
‫يف النصيحة لإلخوان واملريدين‬
‫ه�ذه جمموعة من األقوال الطيبة اجلامعة‪ ،‬واحلكم النافعة‪ ،‬كتبها‬
‫نصيح�ة لتالمي�ذه ش�يخنا األس�تاذ اإلمام حمم�د زكي إبراهي�م رائد‬
‫العشرية املحمدية رمحه اهلل تعاىل رمحة واسعة ‪.‬‬

‫قال ريض اهلل تعاىل عنه وأرضاه‪:‬‬

‫‪ -1‬اإلخوان روح واحدة يف أجساد متعددة‪.‬‬

‫‪ -2‬واإلخوان أغصان متعددة من رسحة واحدة‪.‬‬

‫‪ -3‬الكسل واليأس من مفاتيح الذل والضياع‪.‬‬

‫‪ -4‬عليك العمل‪ ،‬وعىل اهلل النتيجة‪.‬‬

‫‪ -5‬العمل مع الغفلة خري من الغفلة عن العمل‪.‬‬

‫‪ -6‬التوكل عىل غري اهلل تأكل‪ ،‬وأعظم الكرامة لزوم االستقامة‪.‬‬

‫‪ -7‬ال تكون الزهادة باجلهل والبالدة‪ ،‬وإنام هي باجلد واالستفادة‪،‬‬


‫وإجادة العبادة‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫‪ -8‬ال يك�ون ال�ويل م�ن رج�ال الدع�اوى والظه�ور‪ ،‬وإال فقد‬
‫اس�تدرجه زور الفج�ور‪ ،‬وغره باهلل الغ�رور‪ ،‬وكان يف دنياه‬
‫يف روض ومن أخراه يف تنور‪.‬‬

‫‪ -9‬اخلير والرش ع�دوى وتقليد‪ ،‬فأصلح الف�رد تصلح األرسة‪،‬‬


‫تصل�ح أخرى‪ ،‬تصل�ح الناحية‪ ،‬تصل�ح املجموعة‪ ،‬تصلح‬
‫األمـة‪.‬‬

‫‪ -10‬عىل األخ يف اهلل‪ :‬السمع والطاعة‪ ،‬فليس أضيع من اجلامح‬


‫يف سوق الرضا‪ ،‬وال أمحق من اهلارب من سيف القضا‪.‬‬

‫‪ -11‬األخ األم�ي يف ذم�ة األخ الق�ارئ‪ ،‬واألخ الفقير يف ذم�ة‬


‫الغن�ي‪ ،‬والضعيف يف ذم�ة القوي‪ ،‬فميثاق األخوة يس�جل‬
‫احلقوق‪ ،‬ويرتق الفتوق‪.‬‬

‫‪ - 12‬تتألف مجعية ( زاوية ) اإلخوان من مخسة‪ ،‬كام قام اإلسالم‬


‫من قبل عىل مخسة‪ ،‬هم‪:‬‬

‫(‪ )1‬املصطفى صىل اهلل عليه وآله وسلم‪.‬‬

‫(‪ )2‬أول من أسلم من الرجال ( أبو بكر )‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫(‪ )3‬أول من أسلم من النساء ( خدجية )‪.‬‬

‫(‪ )4‬أول من أسلم من املوايل ( بالل )‪.‬‬

‫(‪ )5‬أول من أسلم من الصبيان ( عيل )‪ .‬عليهم الرضوان ‪.‬‬

‫‪ -13‬جي�ب أن تع�ظ الن�اس بأفعالك قب�ل أن تعظه�م بأقوالك‪،‬‬


‫فالناصح بغري حاله كاملنفق من غري ماله‪.‬‬

‫‪ -14‬ال ت�ورط نفس�ك يف الكاملي�ات‪ ،‬وجاهده�ا يف ت�رك مجيع‬


‫املكيفات‪ ،‬وال جتعل عليك س�لطان ًا لش�هوة من الشهوات‪،‬‬
‫واصبغ بيتك وقولك وعملك بصبغة اإلسالم‪.‬‬

‫‪ - 15‬ال تفرط يف الدِّ ين‪ ،‬وال تتنطع فيه‪ ،‬واعمل جهدك بالسنن‪،‬‬
‫واعلم أن التقوى يف القلوب‪ ،‬والتزم الكامل والوقار واجلد‪،‬‬
‫وإياك وفضول القول والعمل‪.‬‬

‫‪ -16‬التمس العزائم‪ ،‬واستحرض نشاطك ومهتك‪ ،‬واعذر النَّاس‬


‫إن أخط�أوا أو قرصوا‪ ،‬وإياك والكس�ل‪ ،‬وإياك واليأس من‬
‫روح اهلل‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫‪ -17‬ال تنقطع عن جمالس اإلخوان‪ ،‬وارض بأحكامهم‪ ،‬ونفذها‬
‫بأمانة‪ ،‬واحفظ تعاليمهم العرشة عن ظهر قلب‪ ،‬واس�تظهر‬
‫ما استطعت األوراد واألحزاب واألدعية اخلاصة هبم‪.‬‬

‫ع�ود لس�انك النط�ق بالعربي�ة‪ ،‬وثق�ف نفس�ك باملعارف‬


‫‪ِّ -18‬‬
‫وفضل دائ ًام‬
‫اإلسلامية‪ ،‬وتعرف جهدك إىل السرية النبوية‪ِّ ،‬‬
‫كل األش�ياء الوطني�ة‪ ،‬والتقالي�د العربية اإلسلامية‪ ،‬وكن‬
‫عملي ًا منفذ ًا ما اقتنعت به‪ ،‬غيور ًا عليه‪.‬‬

‫‪ -19‬احرص تعاملك بكل وسيلة مع الصناع والتجار واملحرتفني‬


‫م�ن إخوانك‪ ،‬فإنَّام هم هم قرب�اك‪ ،‬وأحق بمودتك ونداك‪،‬‬
‫وسدد ديوهنم من زكاة مالك‪ ،‬ترض إخوانك وموالك‪.‬‬

‫‪ -20‬اجعل لنفسك ورد ًا قرآني ًا‪ ،‬وامحل املصحف صديق ًا وولي ًا‪،‬‬
‫واحف�ظ عىل األق�ل أربعني حديث ًا نبوي� ًا‪ ،‬فإنهّ ا زادك إىل يوم‬
‫تبعث حيا‪.‬‬

‫‪ -21‬اكتف بأقل كس�ب ممكن يف معامل�ة اإلخوان‪ ،‬واصدقهم‪،‬‬


‫وأحس�ن إليه�م بما فضل�وك‪ ،‬فه�ل ج�زاء اإلحس�ان إال‬
‫اإلحسان‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫‪ -22‬اجع�ل من زكاة مالك وزرعك نصيب ًا مفروض ًا إلخوانك‪،‬‬
‫وأوص هلم بجزء من تركتك قبل موتك‪ ،‬وانو احلج واقتصد‬
‫له من مالك وإن قل‪.‬‬

‫‪ -23‬ارج�ع يف استش�ارتك وتقاضي�ك واس�تفتاءاتك إىل كب�ار‬


‫إخوان�ك يف اهلل‪ ،‬فإنهّ م عشيرتك وحزب�ك‪ ،‬لئال تضل وال‬
‫تفتضح‪.‬‬

‫‪ -24‬اطلب العلم حيث كان‪ ،‬وال تذكر إال مع اإلخوان‪ ،‬فالعلم‬


‫مطالب تأتلف‪ ،‬والذكر مشارب ختتلف‪.‬‬

‫‪ -25‬اعل�م أن كل من لك عليه حق الوالية مطلوب منك رشع ًا‬


‫أن تربيه عىل مبادئ اإلسالم ونخوته‪ ،‬وتلقنه تعاليم اإلخوان‬
‫ودروس�هم‪ ،‬حتى يكون بيتك حرم ًا مس�ل ًام‪ ،‬فيصبح وحدة‬
‫بذاهتا من وحدات كتائب اإلخوان يف جيش اهلل تعاىل ‪.‬‬

‫***‬

‫‪178‬‬
‫* و يقول شيخنا ريض اهلل عنه ‪:‬‬

‫‪ -‬ليس الطريق ملن سبق ‪ ،‬إن الطريق ملن صدق ‪.‬‬

‫‪َ -‬م� ْن خال�ف عنا فليس منا ‪ ،‬وإن انتس�ب إلينا‪ ،‬ومس�ئوليته فيام‬
‫يأتيه عليه ال علينا ‪.‬‬

‫‪َ -‬م ْن اعتنق مبادئنا ‪ ،‬وقرأ أورادنا ‪ ،‬فهو منا ‪ ،‬وإن مل نره ومل يرنا‪.‬‬

‫* و يقول شيخنا ريض اهلل عنه ‪:‬‬

‫الراغ�ب يف مؤاخاتن�ا ليبلغ كلمة اهلل تع�اىل‪ ،‬ويؤ ِّدي واجب‬


‫خالفته عن اهلل نحو نفسه وأهله ووطنه ودينه‪ ،‬عىل ُط ْهر ونظافة‪،‬‬
‫ووضوح وانكش�اف‪ ،‬وتواضع مطل�ق‪ ،‬وعىل رض ًا من اهلل‪ ،‬ومن‬
‫الشعب‪ ،‬ومن الدولة‪ ،‬بحمد اهلل تعاىل ‪.‬‬

‫فليعلم أوالً وأخري ًا ‪:‬‬

‫‪ -‬أننا قلة فقرية مؤمنة ‪.‬‬

‫رس نجاحنا يف‬ ‫وأن فخرن�ا يف فقرن�ا‪َّ ،‬‬


‫وأن َّ‬ ‫وأن قوتن�ا يف قلتن�ا‪َّ ،‬‬
‫‪َّ -‬‬
‫إيامننا ‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫‪ -‬وأنن�ا نؤم�ن بالتعب�د والفضيل�ة والعل�م والعم�ل‪ ،‬وأننا نكره‬
‫التفاخر والتظاهر والتكاثر والدعاوى ‪.‬‬

‫‪َّ -‬‬
‫وأن سبيلنا ( احلق )‪ ،‬ولو مل يكن معنا أحد ‪.‬‬

‫‪َّ -‬‬
‫وأن وس�يلتنا التعبد والدعوة‪ ،‬والعلم والعمل‪ ،‬وحس�ن الظن‬
‫وحسن اخلُ ُلق ‪.‬‬

‫‪َّ -‬‬
‫وأن مذهبنا ( احلكمة واملساملة )‪.‬‬

‫‪َّ -‬‬
‫وأن غايتنا ( اهلل ) تعاىل وحده ‪.‬‬

‫ف�إن كان الراغ�ب يف مؤاخاتنا قد أرضاه ه�ذا املذهب‪ ،‬فإن‬


‫كان متصوف� ًا بالفع�ل فه�و عىل طريقت�ه ومرشبه وبركة ش�يخه‪،‬‬
‫يسير معنا متعاونًا يف حتقيق أهدافنا‪ ،‬وال نطلب منه إالّ أن يتزود‬
‫ب�ـ (املحمدي�ة) الت�ي ال خيطئها إالّ حم�روم؛ ف�ـ ( املحمدية ) هي‬
‫حتول كل حركاتك‬
‫التس�امي بما أنت عليه إىل أعىل مراقي�ه‪ ،‬وأن ِّ‬
‫وسكناتك وأفعالك إيل عبادات خالصة هلل ‪.‬‬

‫أ َّم�ا إذا لم يك�ن األخ قد تصوف‪ ،‬فإن ش�اء دللن�اه عىل من‬

‫‪180‬‬
‫نرجو أن يوصله إىل اهلل من الس�ادة ‪ ،‬وإن شاء آخيناه عىل مرشبنا‬
‫الذي نمارس�ه يف اهلل‪ ،‬س�واء يف ذل�ك الرجال والنس�اء والفتيان‬
‫والفتيات ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫* وصلىَّ اهلل عىل سي ِدنَا حُ َ ٍ‬
‫وص ْحبِه َ‬
‫وس َّل َم *‬ ‫م َّمد وعىل آله َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫َ‬

‫التصوف هو سبيل اإلصالح‬


‫« إن التص�وف ‪ -‬وه�و كما نس�ميه (علم فق�ه املعرفة)‪،‬‬
‫وه�و ما جاء ب�ه الوحي من علم وإيمان وعمل وخلق وجهاد‬
‫واس�تعالء‪ - ‬رضورة حتمي�ة لتحقي�ق النج�اح العس�كري‬
‫واالقتصادي واالجتامعي والسيايس والعمراين وغريه ‪ .‬فهدف‬
‫التص�وف إصلاح الف�رد‪ ،‬وبإصلاح الفرد يصل�ح املجتمع‪،‬‬
‫ألن الف�رد الصال�ح ال يص�در عنه إال العم�ل الصالح‪ ،‬واألثر‬
‫الصالح‪ ،‬ثم إن الصالح عدوى والفساد عدوى‪ ،‬ومتى ما كثر‬
‫الصاحلون َق ّل يف الطرف اآلخر الفاس�دون‪ .‬وهكذا يبدو األثر‬
‫الطبعي التدرجيي للتصوف الصحيح وأنه رضورة أكيدة »‬
‫(اإلمام الرائد)‬

‫‪181‬‬
‫ترمجة موجزة وتعريف‬
‫بفضيلة اإلمام السيد‬

‫كتبها‬
‫محــد ًا هلل‪ ،‬وصال ًة وسالم ًا عىل مصطفاه‪ ،‬وعىل آله وصحبه‬
‫ومن وااله‪ ،‬يف مبدأ األمر ومنتهاه‪.‬‬

‫وبعــــد‪:‬‬

‫هذه ترمجة موجزة وتعريف بفضيلة شيخنا اإلمام العارف‬


‫باهلل‪ :‬سيدي حممد زكي إبراهيم رائد العشرية املحمدية‪ ،‬وشيخ‬
‫الطريقة املحمدية الشاذلية‪ ،‬رمحه اهلل تعاىل رمحة واسعة ‪ .‬أكتبها‬
‫وخربت علمه وفضل�ه عن قرب ؛ ّ‬
‫وإن‬ ‫ُ‬ ‫بما لزمته وأخذت عنه‬
‫ما أنا ذاكره هنا ما هو إال قليل من كثري‪ ،‬وغيض من فيض‪ ،‬من‬
‫غري مبالغة وال هتويل‪.‬‬

‫وق�د نرشت هذه الرتمجة بـ (جملة األزهر الغراء) عقب وفاة‬


‫ش�يخنا رمحه اهلل مبارشة‪ ،‬ث�م نرشت عدة مرات بمجلة املس�لم‪،‬‬
‫وقد ُ‬
‫زدت فيها هنا بعض الزيادات الرضورية النافعة‪ ،‬واهلل تعاىل‬
‫من وراء القصد‪ ،‬وعىل اهلل قصد السبيل‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫رشعت يف كتابة ترمجة موس�عة لش�يخنا رمحه اهلل تعاىل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وقد‬
‫تتناول تفصيل جوانب من حياته وفكره ومعارفه‪ُ ،‬‬
‫أسأل اهلل تعاىل‬
‫التوفي�ق إلمتامها‪ ،‬عس�ى أن يؤ ِّدي ذلك ش�يئ ًا م�ن ح ِّقه الواجب‬
‫علينا رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬

‫وإن العبرة م�ن الرتمجة االقت�داء واالس�تفادة‪ّ ،‬‬


‫فلعل قارئ‬ ‫ّ‬
‫ه�ذه الرتمجة أن يصيب م�ن علو اهلمة ونف�وذ العزيمة ما ينفع به‬
‫فيش�مر عن س�اعد‬
‫ِّ‬ ‫نفس�ه والنّاس‪ ،‬ولعله جيد فيها فكر ًة أو هدف ًا‬
‫اجلد يف العمل عىل فكرته‪ ،‬أو الوصول إىل هدفه ‪.‬‬

‫‪ -‬مولده ونشأته‪:‬‬

‫هو ش�يخنا وأس�تاذنا اإلم�ام الفقيه املحدِّ ث الش�اعر‪ ،‬بقية‬


‫الصالح‪ :‬حممد زك�ي إبراهيم‪ ،‬رائد العشيرة املحمدية‪،‬‬
‫الس�لف ّ‬
‫ّ‬
‫اس�مه‪ :‬حممد‪ ،‬ولقبه‪ :‬زكي الدِّ ي�ن‪ ،‬وكنيته‪ :‬أبو الربكات‪ ،‬رشيف‬
‫حسيني أب ًا وأم ًا ‪.‬‬

‫ول�د رمح�ه اهلل يف القاه�رة بمن�زل وال�ده بح�ي ب�والق‬


‫مدون يف أوراقه الرسم ّية‬
‫أبو‪ ‬العال‪ ،‬وتاريخ مولده حس�ب ما هو ّ‬

‫‪186‬‬
‫(‪1916/8/22‬م)‪ ،‬فيك�ون قد قضـى من العمر يف هـذه احلياة‬
‫م�دون يف األوراق الرس�م ّية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الدني�ا (‪ )82‬عام ًا‪ ،‬حس�ب ما هو‬
‫إال أن عن�دي م�ن األس�باب العلمية والتارخيية م�ا جيعلني أؤكد‬
‫أن الش�يخ رمحه اهلل قد ولد قبل هـذا التاريخ بنحو عرش س�نوات‬
‫تقريب� ًا‪ ،‬ث�م تأكّ�د يل ذلك متام� ًا فرأيت بخط ش�يخنا رمحه اهلل أن‬
‫مول�ده كان يف (‪1906/8/22‬م)‪ ،‬فيك�ون عم�ره الفعيل (‪)92‬‬
‫عام ًا‪ ،‬قضاها يف جهاده ودعوته‪ ،‬يف عل ٍم وعمل ‪.‬‬

‫ووالد الش�يخ‪ :‬هو العامل األزهري الشيخ إبراهيم اخلليل بن‬


‫عيل الش�اذيل‪ ،‬صاحب كت�اب « املرجع‪ :‬معامل املشروع واملمنوع‬
‫من ممارسات التصوف املعارص »‪ ،‬وله سلسلة مقاالت نرشت يف‬
‫جريدة اإلخوان س�نة ‪ 1932‬م‪ ،‬كما أن له بعض املقطوعات من‬
‫الروحي الرائق‪ ،‬وقد مجعتُها م�ع نبذة عن حياته وطبعت‬
‫الش�عر ُّ‬
‫يف رسالة مطبوعة ‪.‬‬

‫وجدّ الش�يخ ألمه‪ :‬هو الشيخ حممود أبو عليان‪ ،‬أحد شيوخ‬
‫َ‬

‫ يف عدد خاص باإلمام إبراهيم اخلليل الشاذيل‪ ،‬من نرشة أهل الصفة‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫الطريق العلامء املجددين‪ ،‬تتلمذ عىل يد الشيخني اجلليلني الشيخ‬
‫العدْ وي احلمزاوي‪ ،‬والشيخ عليش شيخ مالكية عرصه‪،‬‬ ‫حس�ن ِ‬

‫وق�د أثنى عليه ومدحه وترجم له الدكتور عبد املنعم خفاجي يف‬
‫كتابه عن التصوف‪.‬‬

‫فوال�د الش�يخ وجده ألم�ه كالمها مجع بني مش�يخة الطريق‬


‫الصويف (الرتبية واإلرش�اد والتزكية)‪ ،‬والعلم األزهري‪ ،‬ويعترب‬
‫جهادمها امتداد ًا جلهاد أعالم املدرسة األزهرية يف القرن املايض‪،‬‬
‫كالش�يخ عيل الصعيدي‪ ،‬والش�يخ أمحد الدردير‪ ،‬والشيخ األمري‬
‫الكبري‪ ،‬والشيخ عليش‪ ،‬والشيخ حسن ِ‬
‫العدْ وي‪ ،‬وأرضاهبم‪.‬‬

‫واملدرس�ة األزهرية مدرس� ٌة علمية صوفية إصالحية‪ ،‬كان‬


‫هل�ا عظيم األثر يف حفظ العل�وم األزهرية‪ ،‬وتنقي�ة التصوف من‬
‫كثري مما ش�ابه من بدع وحوادث‪ ،‬كام كان هلا أثر واضح يف احلياة‬
‫االجتامعية والسياسية ‪.‬‬

‫ انظ�ر‪ :‬التص�وف يف اإلسلام وأعالم�ه‪ ،‬للدكت�ور حمم�د عب�د املنعم‬


‫خفاجة‪ ،‬ص ‪. 101 ،99‬‬

‫‪188‬‬
‫تـخرجـه يف األزهر‪:‬‬

‫الصويف‬
‫نش�أ ش�يخنا اإلم�ام الرائ�د يف ه�ذا اجل�و العلم�ي ُّ‬
‫والروحي‪،‬‬
‫األزه�ري‪ ،‬ممّ�ا كان له أكرب األث�ر يف تكوينه العلم�ي ُّ‬
‫فتلق�ى العلم ابت�دا ًء عىل يد والده‪ ،‬وحفظ القرآن عىل يد الش�يخ‬
‫ج�اد اهلل عطي�ة يف مس�جد الس�لطان أيب العلاء‪ ،‬والش�يخ أمحد‬
‫الرشيف بمس�جد س�يدي معروف‪ ،‬وكان حينئذ ما بني التاس�عة‬
‫والعارشة من عمره ‪.‬‬

‫ُث ّ‬
‫�م التح�ق بمدرس�ة ( درب النش�ارين االبتدائي�ة )‪ ،‬وكان‬
‫االبتدائ�ي حينئذ ي�وازي املرحلة اإلعدادية اآلن‪ ،‬ث�م انتقل منها‬
‫إىل مدرس�ة ( هنضة بوالق الكربى )‪ ،‬وكانت من أشهر املدارس‬
‫يف ذلك الوقت ‪.‬‬

‫ُث ّ‬
‫�م التحق باألزه�ر الرشيف فأخذ فيه املرحل�ة الثانوية‪ُ ،‬ث ّم‬
‫مرحلة العاملية القديمة‪ ،‬وليس بني يدي اآلن ما أعرف منه تاريخ‬
‫خترج�ه يف األزهر عىل وجه التحدي�د‪ْ ،‬‬
‫وإن كانت الدالئل حترص‬
‫ذلك يف الفرتة ما بني ‪1926‬م إىل ‪ 1930‬م ‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫وقد ذكر يل الش�يخ رمح�ه اهلل كيف أ َّدى امتح�ان العاملية ؟!‬
‫مس�جل عندي بصوته )‪،‬‬
‫َّ‬ ‫وكان ذلك يف جملس خاص معه ( وهو‬
‫فكان مما قاله رمحه اهلل‪:‬‬

‫« ُكنّ�ا يوم االمتحان نصيل الفجر يف مس�جد اإلمام احلسين‬


‫(الطال�ب واللجن�ة)‪ ،‬ونحضر درس الش�يخ السمالوطي بع�د‬
‫الفجر‪ ،‬وكان حيرضه العلامء باعتبارهم تالميذ للش�يخ‪ُ ،‬ث ّم ننتقل‬
‫لصلاة الضحى يف األزهر الرشيف‪ ،‬وتذهب اللجان إىل الرواق‬
‫العب�ايس يف عدة غرف‪ ،‬يف ك ُِّل غرفة جلنة‪ ،‬ويدخل الطالب ومعه‬
‫أوراق�ه وكتبه التي تم تعيين االمتحان فيها‪ ،‬وكان رئيس اللجان‬
‫وظللت أمام اللجنة حتَّى أذان‬
‫ُ‬ ‫الشيخ عبد املجيد اللبان رمحه اهلل‪،‬‬
‫الله َّم‬ ‫بالصالة ّ‬
‫الش�افعية ( ُ‬ ‫العصر‪ ،‬وعند ذلك خت�م االمتح�ان ّ‬
‫ّ‬
‫صل أفضل صالة عىل أس�عد خملوقاتك س�يدنا حممد وعىل آله ‪..‬‬
‫إل�خ)‪ ،‬وكان اخلتم هبذه الصيغة إيذان� ًا بنجاح الطالب وحصوله‬
‫عىل العاملية األزهرية‪.‬‬

‫وأذك�ر أهنم ح�ددوا يل يف عل�م البيان ( حتقي�ق اخلالف بني‬

‫‪190‬‬
‫الس�عد والسيد يف االس�تعارة املكنية ) الس�عد التفتازاين والسيد‬
‫اجلرج�اين ‪ ..‬ويف النح�و ب�اب املبت�دأ واخلبر‪ ،‬ويف التفسير آية‪:‬‬
‫﴿ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣﮤ ﴾ اآليــة [آل عمران‪.» ]7 :‬‬

‫هذا ملخص ما ذكره يل ش�يخنا رمح�ه اهلل تعاىل عن امتحانه‬


‫العاملية األزهرية ‪.‬‬

‫رحلة مع القرآن الكريم‪:‬‬

‫بدأت رحلة شيخنا اإلمام حممد زكي إبراهيم رائد العشرية‬


‫املحمدي�ة رمحه اهلل م�ع القرآن الكريم منذ صغ�ره‪ ،‬فبدأ بحفظ‬
‫ذكرت آنف ًا ‪ -‬عىل يد الشيخ جاد‪ ‬اهلل‬
‫ُ‬ ‫القرآن الكريم مبكر ًا ‪ -‬كام‬
‫عطي�ة بمس�جد الس�لطان أيب العالء حيث كان�ت تقيم أرسته‪،‬‬
‫وأتم حفظه عن ظهر قلب عىل يد الشيخ أمحد الرشيف بمسجد‬
‫سيدي معروف‪ ،‬وكان حينئذ بني التاسعة والعارشة من عمره ‪.‬‬
‫ويف األزهر الرشيف اعتنى بكتاب اهلل تعاىل وتفاسيره‪ ،‬وكتب‬
‫إعراب�ه ومعانيه‪ ،‬وقراءاته‪ ،‬وعلومه بأنواعه‪ ،‬وقد ظهر أثر ذلك‬

‫‪191‬‬
‫واضح ًا جلي ًا يف حياته الدعوية (خطابة وتدريس ًا وتأليف ًا وفتوى‬
‫وإرشاد ًا)‪.‬‬

‫فقد كان جملس درس�ه رمحه اهلل مليئ ًا بفرائد الفوائد القرآنية‬
‫الن�ادرة‪ ،‬قلما ذك�ر حادث� ًة أو حكم ًا أو موعظ� ًة إال ودليله�ا من‬
‫كت�اب‪ ‬اهلل تعاىل يف املقدمة‪ ،‬والكثري من دروس�ه هو رشح آليات‬
‫من كتاب اهلل تعاىل‪ ،‬وال أنس يوم ًا رشح يف درسه سورة (الرمحن)‬
‫جامع لصفات‬
‫ٌ‬ ‫آي�ة آية‪ ،‬فبدأ بمعنى اس�مه تعاىل ( الرمحن ) وأن�ه‬
‫اجلامل واجلالل‪ُ ،‬ث ّم ذكر أسماء س�ورة الرمحن‪ ،‬ومنها أهنا تسمى‬
‫ع�روس الق�رآن‪ُ ،‬ث ّم ّ‬
‫ع�رج عىل قصة س�يدنا عبد اهلل بن مس�عود‬
‫وجهره بآيات من سورة الرمحن عىل أهل الرشك وعبادة األوثان‪،‬‬
‫ُث ّم انطلق يف معاين آيات س�ورة الرمحن‪ ،‬وروى حديث اجل ّن كلام‬
‫س�معوا قول احلق ﴿ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﴾ فكانوا أحسن‬
‫مردود ًا من اإلنس وقالوا‪ « :‬ال بيشء من نعمك ربنا نكذب فلك‬
‫احلم�د »‪ .‬إىل آخر ما يف هذه الس�ورة من معاين عظيمة جليلة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫درس استمر قرابة ثالث ساعات ‪.‬‬ ‫يف‬

‫ رواه الرتمذي (‪.)3291‬‬

‫‪192‬‬
‫وإنك لتجد بني ثنايا دروس فضيلة اإلمام الرائد من الفوائد‬
‫العظيمة واملعاين الش�اردة اجلليلة‪ ،‬فشرح يوم ًا معنى قول احلق‪:‬‬
‫﴿ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﴾‬
‫وأفاض يف تاريخ البيت احلرام‪ ،‬ومعنى بكة ومكة ‪ ..‬إلخ ‪.‬‬

‫ويوم� ًا كان يرشح ق�ول احلق تع�اىل‪ ﴿ :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬


‫ﭫ ﭬ ﴾ ف�كان مم�ا ق�ال‪ّ :‬‬
‫إن م�ن ريض اهلل تع�اىل عنه�م‬
‫يلهمهم اإلجابة فيقول أحدهم‪ :‬غرين كرمك يا رب‪ ،‬أال ترى أنه‬
‫مل يقل‪ :‬ما غرك بربك اجلبار أو القهار أو املنتقم ‪.‬‬

‫وأخربين ش�يخنا العالمة الدكت�ور أمحد طه ريان حفظه اهلل‪،‬‬


‫أنه كان لش�يخنا اإلمام الرائد درس يف التفسير يف بيته يف ش�ارع‬
‫سليامن باشا‪ ،‬وأنه كان قارئ الدرس‪ ،‬الذي يقرأ آيات من كتاب‬
‫اهلل تعاىل‪ ،‬ثم ينطلق اإلمام الرائد يف تفسريها‪.‬‬

‫متيزت االحتف�االت الدينية الت�ي كان يقيمها رمحه اهلل‬


‫وق�د ّ‬
‫بأصوات الش�يوخ األجالء من احل ّف�اظ املتقنني‪ ،‬أصحاب األداء‬

‫‪193‬‬
‫املم َّي�ز‪ ،‬وهنا أذك�ر أول لقاء للقارئ الطبيب أمحد نعينع بالش�يخ‬
‫رمحـ�ه اهلل‪ ،‬إذ بعد أن قرأ الش�يخ أمحد نعين�ع انطلق اإلمام الرائد‬
‫يبني للحارضين خفايا بعض أحكام التالوة عند حفص‪ ،‬ويرشح‬
‫بعض وجوه القراءات ما يبهر العقول ‪.‬‬

‫* وكان رمحه اهلل تعاىل ُّ‬


‫حيث عىل املحافظة عىل الورد القرآين‬
‫اليومي‪ ،‬وتفصيله‪:‬‬

‫‪ - 1‬ق�راءة ما تيرس من الق�رآن يومي ًا‪ ،‬ولو آيات قليلة‪ ،‬حتى‬


‫خيتم القرآن‪ ،‬ثم يبدأ فيه من جديد‪ ،‬وهذا ش�أن احلال املرحتل كام‬
‫ورد يف احلديث الرشيف ‪.‬‬

‫‪ - 2‬قـ�راءة س�ـورة ( الواقـــع�ة ) بـع�د صلاة الفجــر‪،‬‬


‫و(الرحــمن ) بــعد العـرص‪ ،‬و ( يـس ) بـعد املغـرب‪ ،‬و(تبارك‬
‫امللك) بعد العش�اء‪ ،‬و(الدخان ) ليل�ة اجلمعة‪ ،‬و( الكهف ) يوم‬
‫فص�ل دليل ق�راءة هذه الس�ور وفضله�ا يف كتابه‬
‫اجلمع�ة‪ ،‬وق�د ّ‬
‫(أصول الوصول) ويف غريه من كتبه ريض اهلل عنه ‪.‬‬

‫‪ - 3‬ق�راءة الس�ور واآلي�ات ذات اخلصائ�ص‪ ،‬والفض�ل‬

‫‪194‬‬
‫العظي�م‪ ،‬واألجر الكبير‪ ،‬مما ورد فيها أهنا تع�دل ثلث القرآن أو‬
‫ربعه‪ ،‬كس�ورة اإلخالص‪ ،‬والكافرون‪ ،‬والزلزلة‪ ،‬وآية الكريس‪،‬‬
‫وخواتيم البقرة‪ ،‬ونحو ذلك ‪.‬‬

‫ُّ‬
‫فكل هذا من الس�نن املؤكدة‪ ،‬واملس�تحبات‪ ،‬والفضائل‪ ،‬ممَّا‬
‫للس�الك إىل اهلل تعاىل‪ ،‬املرتق�ي يف درجات الكامل‪،‬‬
‫هو رضوري ّ‬
‫بعد حمافظته عىل الفرائض والواجبات‪ ،‬وأدائها عىل أكمل وجه يف‬
‫أوقاهتا‪ ،‬إذ ال بـد للسالك إىل اهلل من معرفة مراتب األعامل‪ ،‬وأن‬
‫يك�ون فقيه ًا باألولويات‪ ،‬عليم ًا بالرضوريات‪ ،‬فال هيتم بالفروع‬
‫ويرتك األص�ول‪ ،‬ويقيض وقته يف النوافل م�ع إمهاله الواجبات‪،‬‬
‫فيك�ون كمن يزين جدار ًا هش� ًا ال أس�اس له‪ ،‬يوش�ك أن ينهار‪،‬‬
‫وال‪ ‬حول وال قوة إال باهلل ‪.‬‬

‫وفض ً‬
‫ال عن اهتامم ش�يخنا رمحه اهلل بالقرآن يف جمالس علمه‪،‬‬
‫فق�د كان رمح�ه اهلل كثير التلاوة ل�ه‪ ،‬حيث على جمال�س تالوته‬
‫ومدارس�ته‪ ،‬فعمرت مس�اجده باملجالس القرآنية تالو ًة وحتفيظ ًا‬
‫َّ‬
‫وحث عليها ‪.‬‬ ‫واهتم بالكتاتيب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وتعليم أحكام‪،‬‬

‫‪195‬‬
‫* وقد كتب عدّ ة مؤلفات ق ِّيمة حول كتاب اهلل ع َّز وجل‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪ )1‬اإلس�كات ب�ركات الق�رآن على األحي�اء واألم�وات‪ ،‬وهو‬


‫مطبوع‪ ،‬حول األوراد القرآني�ة‪ ،‬ومعاين االختيار والتفضيل‬
‫بين الس�ور واآليات وهو بح�ث نادر‪ ،‬وخصائ�ص القرآن‪،‬‬
‫وفضائل بعض س�وره‪ ،‬وانتفاع امليت ب�ه‪ ،‬والتداوي والرقية‬
‫والعالج بالقرآن ‪.‬‬

‫‪ )2‬ح�ول مع�امل الق�رآن‪ ،‬وه�و مطب�وع‪ ،‬عب�ارة ع�ن معلوم�ات‬


‫وحقائ�ق ال يس�تغني عنها عامل وال مع ِّل�م وال متعلم‪ ،‬وثقافة‬
‫قرآني�ة أساس�ية‪ ،‬بمنهج علمي‪ ،‬مع ذك�ر الدليل‪ ،‬عىل طريقة‬
‫جتمع بني الفقه واحلديث ‪.‬‬

‫‪ )3‬مع�ارج البه�اء األق�دس ملح�ات من فق�ه املعرف�ة ودرس يف‬


‫التوحي�د من س�ورة اإلخالص‪ ،‬وه�و مطبوع أيض� ًا ‪ ،‬حول‬
‫س�ورة اإلخلاص وفضلها وما حوت�ه من مع�اين التوحيد‪،‬‬
‫مجع� ًا بني العقي�دة والتفسير والتصوف‪ ،‬وعلى صغر حجم‬
‫هذا الكت�اب‪ ،‬فإن مادته العلمية متخصص�ة‪ ،‬وعبارته حمققة‬
‫موجزة ‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫‪ )4‬تفسير آيات خمتارة من كتاب اهلل تعاىل‪ ،‬كآيات الرب من سورة‬
‫البقرة‪ ،‬وأوائل سورة اإلنسان‪ ،‬وغريها‪ ،‬وهو ما زال خمطوط ًا‪،‬‬
‫أسأل اهلل تعاىل أن يوفق لطباعته ‪.‬‬

‫‪ )5‬حلظات التجيل‪ ،‬تفسير خمتارات من سور القرآن‪ ،‬منها التوبة‬


‫واحلجرات‪ ،‬وقد فقد يف حياة شيخنا رمحه اهلل عند نقل مكتبته‬
‫كام أخربين‪ ،‬ومل يتسن يل االطالع عليه‪.‬‬

‫‪ )6‬بحوث يف لغة القرآن‪ :‬وهي جمموعة من البحوث يف مفردات‬


‫القرآن وكلامته‪ ،‬وم�ا فيها من إعجاز لغوي وتركيب فريد‪،‬‬
‫وق�د تطرق فيها ليشء من علوم القرآن الكريم‪ ،‬نرش بعض‬
‫ه�ذه البحوث بمجلة منرب اإلسلام التي يصدرها املجلس‬
‫األعىل للش�ئون اإلسلامية‪ ،‬وبعضها أذيع يف برنامج ( لغة‬
‫القرآن )‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬عدا الدراس�ات والبحوث واملقاالت القرآنية املتناثرة‬


‫باملجالت اإلسلامية‪ ،‬ويف جملته ( املسلم )‪ ،‬والتي أخص بالذكر‬
‫منها بحث ًا نادر ًا عن التفسير اإلشاري وتفاسري السادة الصوفية‪،‬‬
‫وقد اختذته ُع ْمدة يف رس�التي « التفسري اإلشاري للقرآن‪ ،‬دراسة‬

‫‪197‬‬
‫علمية تأصيلية »‪ .‬ولشيخنا بحث ق ِّيم يف التداوي بالقرآن‪ ،‬وآخر‬
‫فريد يف معاين االختيار والتفضيل لبعض السور القرآنية ‪.‬‬

‫ومم�ا ينبغ�ي أن يذك�ر ‪ -‬يف جم�ال ذك�ر الفضل ألهل�ه ‪َّ -‬‬
‫أن‬
‫ش�يخنا رمح�ه اهلل تع�اىل كان ِم ْن أول َم�ن نادوا بتس�جيل القرآن‬
‫الكريم برواية (الدوري) وبقية القراءات‪ ،‬وهذا مس�جل يف جملة‬
‫املس�لم يف وقته ‪ .‬وقد كان األستاذ لبيب السعيد وكيل عام وزارة‬
‫األوق�اف وأمين العشيرة املحمدي�ة الثق�ايف وقتها ه�و أول من‬
‫سجل تالوة القرآن عىل أسطوانات ‪.‬‬
‫ّ‬

‫شيخنا ورواية احلديث الرشيف‪:‬‬

‫باإلضاف�ة إىل ما تلقاه من الفقه والتفسير واحلديث وس�ائر‬


‫اهتم ش�يخنا اإلمام حممد زكي‬
‫العلوم الرشعية باألزهر الرشيف َّ‬
‫إبراهي�م اهتامم ًا خاص ًا بتلقي علم احلدي�ث (رواية ودراية ) عىل‬
‫يد الش�يوخ ال�رواة املحدِّ ثني ؛ يف ٍ‬
‫وقت َق َّلت في�ه رواية احلديث‪،‬‬
‫وأصبح رواة احلديث ومن هيتم بعلومه يف مرص والعامل اإلسالمي‬
‫قلة نادرة تعد عىل األصابع ‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫ونجد اهتامم ش�يخنا رمحه اهلل باحلديث رواية ودراية واضح‬
‫املعامل يف مؤلفاته‪ ،‬وقد نقل عنه الش�يخ احلسيني هاشم والدكتور‬
‫أمحد عمر هاش�م يف كتاهبام ( املحدِّ ثون يف مرص) أن أكثر مؤلفاته‬
‫على طريق�ة أه�ل احلدي�ث‪ ،‬وانظ�ر لذلك مث ً‬
‫لا رس�الته يف ليلة‬
‫النصف من شعبان‪ ،‬ورسالته يف احلديث الضعيف ‪.‬‬

‫وقد أجازين رمح�ه اهلل بخط يده بمروياته يف احلديث والفقه‬


‫واألصول واللغة ومما جاء يف إجازته‪:‬‬

‫« وأخير ًا ‪ ..‬وبالتايل وعلى اإلجـامل ؛ فإنن�ي أروي قراءة‪،‬‬


‫وس�ـامع ًا‪ ،‬ووجـ�ادة‪ ،‬وإج�ازة‪ ،‬ب�اإلذن املوص�ول واملك�رر‬
‫باألثب�ات‪ ،‬واجلوام�ع‪ ،‬والفـه�ارس‪ ،‬واألس�انيد‪ ،‬واملعاج�م‪،‬‬
‫واملسلسلات‪ ،‬واملخترصات‪ ،‬عن أش�ياخي األماجد األكرمني‪:‬‬
‫س�يدي حممد حبيب اهلل الش�نقيطي‪ ،‬وس�يدي عل�وي بن عباس‬
‫املالكي احلس�ني‪ ،‬وعن س�يدي أمحد الصديق الغامري‪ ،‬وشقيـقه‬
‫الس�يد عبد اهلل الصديق الغامري‪ ،‬وسيدي حممد زاهد الكوثري‪،‬‬
‫نائب عام ش�يخ اإلسلام برتكيا قبل االنقالب (أي عىل اخلالفة‬
‫العثامني�ة) وس�يدي أمح�د عب�د الرمحـ�ن البنا‪ ،‬وس�يدي الش�يخ‬

‫‪199‬‬
‫ا ُمل ّ‬
‫عم�ر الس�يد حممد عبد اهلل الع�ريب العـاق�وري الليبي املرصي‪،‬‬
‫وس�يدي الش�يخ إبراهيم الغالييني الدمش�قي‪ ،‬وس�يدي الشيخ‬
‫حس�ن حبنكة امليداين الس�وري‪ ،‬وس�يـدي الش�ـيـخ الببـالوي‬
‫املصـري‪ ،‬وس�يدي الش�ـيخ حس�نـني خمل�وف املفت�ي املرصي‪،‬‬
‫والش�يخ احلس�يني أبو هاش�م األزهري املرصي‪ ،‬والشيخ املبرش‬
‫الطرازي مفتي البلقان وآس�يا الوس�طى قبل الشيوعية‪ ،‬والشيخ‬
‫يوسف الدجوي املرصي‪ ،‬وس�يدي الشيخ حممد بخيت املطيعي‬
‫املفتي املرصي‪ ،‬وس�يدي الش�يخ حممد احلافظ التيجاين‪ ،‬والشيخ‬
‫أمحد عبد اجلواد الدومي‪ ،‬والش�ـيـــخ اخلـضـر حس�ـني املغريب‬
‫مـ�ن ش�ـيوخ األزهـ�ر‪ ،‬واألمـيـ�ر عب�د الكريم اخلط�ايب جماهد‬
‫املغ�رب‪ ،‬والس�يد اليمني النارصي الش�اذيل املغ�ريب املجـاهـد‪،‬‬
‫والش�يخ عبد الوهاب عبد اللطي�ف األزهري من علامء احلديث‬
‫بمرص‪ ،‬وبقية أش�ياخي ممن س�بق ذكر بعضهم ريض اهلل عنهم ‪..‬‬
‫وعن والدي الس�يد إبراهيم اخلليل بن عيل الش�اذيل‪ ،‬بأس�نادهم‬
‫املحررة بأثباهتم‪ ،‬عن أش�ياخهم عموم ًا بمروياهتم من التفسير‪،‬‬
‫واحلديث‪ ،‬والفق�ه‪ ،‬واألصول‪ ،‬واملنطق‪ ،‬والسيرة‪ ،‬واملصطلح‪،‬‬

‫‪200‬‬
‫وعل�م الرجـ�ال والتوحـيد‪ ،‬وعـلوم الق�رآن‪ ،‬والعقائد‪ ،‬وفروع‬
‫اللغ�ة العربية‪ ،‬والثقافة العامة‪ ،‬والتصوف الصحيح‪ ،‬وخصوص ًا‬
‫كتب القشيري والغزايل والس�هروردي وغريه�م مما أرشت إليه‬
‫وما فاتني أن أشري إليه ‪ .‬اهـ‬

‫وله شيوخ آخرون غري من ذكرهم هبذه اإلجازة احلديثية‪.‬‬

‫ومل يتصدر ش�يخنا رمح�ه اهلل إلعطاء اإلج�ازة باحلديث إلاّ‬


‫ٍ‬
‫لنفر حمدود من كبار العلامء يف العامل اإلسلامي‪ ،‬فلماّ كانت س�نة‬
‫فلما كثر‬
‫(‪ 1414‬هـ) اس�تجازه عدد من العلامء والطلبة فامتنع‪ّ ،‬‬
‫اإلحل�اح علي�ه‪ ،‬طب�ع إجازته احلديثي�ة‪ ،‬وأجاز طالب�ه‪ ،‬وكل من‬
‫اس�تجازه‪ ،‬وأجاز أهل عصره إجازة عامة كام ه�و معروف عند‬
‫أهل احلديث واألثر ‪.‬‬

‫وقد اس�تجازه بعد ذلك مئات من املش�تغلني بعلم احلديث‬


‫النبوي الرشيف‪ ،‬من أس�اتذة األزهر وش�يوخه بمرص‪ ،‬وأساتذة‬
‫اجلامعة اإلسلامية واجلامعات الس�عودية‪ ،‬وأس�اتذة جامعة آل‬
‫البيت ب�األردن‪ ،‬وجامع�ة األحقاف باليم�ن‪ ،‬وجامعة القرويني‬

‫‪201‬‬
‫باملغ�رب‪ ،‬وغريها من اجلامعات العربية وغريه�ا يف أنحاء العامل‬
‫اإلسلامي والدعاة باملراكز اإلسلامية بالغ�رب‪ ،‬فأجاز اجلميع‬
‫حتى إنه طبع إجازته باملرويات عدة مرات يف فرتة وجيزة ‪.‬‬

‫العامل األزهري الفقيه‪:‬‬

‫ومل يقل اهتامم ش�يخنا بالفقه واللغ�ة وبقية العلوم األزهرية‬


‫ع�ن اهتاممه باحلديث الرشيف وروايت�ه‪ ،‬فقد كان رمحه اهلل فقيه ًا‬
‫ال يش�ق له غبار‪ ،‬حنف�ي املذهب‪ ،‬أخربين رمح�ه اهلل تعاىل بذلك‪،‬‬
‫وأخربين أنه يتعبد ويفتي به وبغريه من املذاهب الفقهية‪ ،‬حس�ب‬
‫م�ا يقتضي�ه الدلي�ل واملصلح�ة والتيسير يف ح�دود القواع�د‪،‬‬
‫وكان كثير ًا ما يفتي بمذهب مالك ويمدح�ه‪ ،‬كام يفتي بمذهب‬
‫الشافعي‪ ،‬ويقول‪ :‬شيخنا‪ ،‬ريض اهلل عنهم مجيع ًا ‪.‬‬

‫وق�د ضم�ن كتابه « الف�روع اخلالفي�ة » نظرت�ه إىل اخلالف‬


‫الفقهي بين األئمة ووجوب احرتامهم مجيع� ًا‪ ،‬وقد وضح ذلك‬
‫متام ًا يف بحوثه الفقهية ويف فتاويه ‪ .‬وانظر مثالً‪ :‬كتابه يف الصلوات‬
‫النافلة‪ ،‬وكتابه معامل املجتمع النسائي يف اإلسالم ‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫الشيخ والثقافـة املدنية‪:‬‬

‫وقد تعلم الش�يخ رمحه اهلل اإلنجليزية يف املرحلة االبتدائية‪،‬‬


‫وتعلم الفرنس�ية عىل يد األس�تاذ داود سليامن من أعيان أسيوط‪،‬‬
‫واألملاني�ة بالقاه�رة على يد األس�تاذ راغب وايل‪ ،‬وكان مدرس� ًا‬
‫باملدرس�ة األملاني�ة بالقاه�رة‪ ،‬وق�د ترجم الش�يخ بع�ض قصائد‬
‫الش�اعر األمل�اين (هاين�ي رش هايني ) م�ن األملاني�ة إىل العربية‪،‬‬
‫وتعل�م الفارس�ية عىل يد الش�يخ حممد األعظم�ي اإليراين عضو‬
‫مجعي�ة األخ�وة اإلسلامية‪ ،‬وترجم عدد ًا م�ن قصائ�د إقبال إىل‬
‫العربية‪ ،‬بعضها منشور بمجلة (أبولو) ‪.‬‬

‫وعندم�ا اهت�م بعضه�م الش�يخ بأنه ش�يخ أزه�ري ( معمم‬


‫ومقفط�ن ) ال ي�دري من علوم الدنيا ش�يئ ًا إذا بالش�يخ يرد عليه‬
‫نصه‪:‬‬
‫بام ُّ‬

‫« كت�ب إ ّيل كات�ب‪ ،‬يعنفن�ي بأنن�ي أحب�س نفسي يف قمقم‬


‫التص�وف‪ ،‬وأتقوق�ع يف صدفة التدي�ن املتأخر‪ ،‬وأعي�ش متخلف ًا‬
‫يف عص�ور اجلم�ود املاضي�ة‪ ،‬بينام نحن يف عصر تقدمي متحرض‬
‫مل تعرف�ه دنيانا من قبل ‪...‬إلخ ‪ .‬والذي أحب أن يعرفه هذا األخ‬

‫‪203‬‬
‫معم�م مقفط�ن ال أزال أثقف نفيس‪،‬‬
‫وأمثال�ه‪ ،‬أنن�ي وأنا رج�ل َّ‬
‫وأزوده�ا بكل ثقافة م�ن املرشق أو املغرب‪ ،‬باحث� ًا عن احلكمة‪،‬‬
‫جاري ًا وراء احلقيقة‪ ،‬كلام أذنت يل صحتي وأوقايت وقدريت ‪.‬‬

‫فكما أق�رأ تاري�خ اإلسلام والفلس�فة وت�درج املذاه�ب‪،‬‬


‫ونشوء الفرق والنحل‪ ،‬وأتابع الصوفية والسلفية‪ ،‬وتطور تاريخ‬
‫املس�لمني‪ ،‬وأتاب�ع أدباء الع�رب وقصاصي�ه وناقدي�ه ومهرجيه‬
‫ومفس�ديه ‪ .‬كذل�ك أدرس مالم�ح الف�ن القوط�ي وتدرج�ه إىل‬
‫الريس�انس‪ ،‬إىل الكالسيكية القديمة فاجلديدة‪ ،‬إىل الرومانتيكية‪،‬‬
‫إىل التأثرية‪ ،‬إىل الواقعية‪ ،‬إىل الرمزية‪ ،‬إىل االلتزامية‪ ،‬إىل التجريدية‪،‬‬
‫حتى بيكاسوا يف التصوير‪ ،‬وأندريه يف األدب‪ ،‬واسرتافنسكي يف‬
‫املوسيقى !! ‪.‬‬

‫وأن�ا أقرأ لشكس�بري‪ ،‬وبوب‪ ،‬وش�ييل‪ ،‬وبيك�ون‪ ،‬وهيجل‪،‬‬


‫وفالمري�ون‪ ،‬وجيت�ه‪ ،‬ونيتش�ه‪ ،‬إىل س�ارتر‪ ،‬وسومرس�ت م�وم‪،‬‬
‫وبرتران�د رس�ل‪ ،‬وأق�رأ كذل�ك رونس�ار‪ ،‬وفارلين‪ ،‬ورامب�و‪،‬‬
‫وبودلري‪ ،‬وأفرق بني لوحات جنيس�بورو‪ ،‬ورينو لدزر‪ ،‬وأميز يف‬

‫‪204‬‬
‫مدارس املوس�يقى بني صامويل جونس�ون‪ ،‬وبوال�وا‪ ،‬إىل كل ما‬
‫يتعلق بفن املرسح والسينام ‪..‬إلخ ‪.‬‬

‫فلس�ت بـمقمق�م وال مقوق�ع وال جام�د‪ ،‬وال متخل�ف‬


‫بحم�د‪ ‬اهلل‪ ،‬إنن�ي أعي�ش يف عصري مندجم� ًا في�ه ثقاف�ة ودع�وة‬
‫ومعاش� ًا‪ ،‬غري�ب عن�ه أخالق ًا وعب�ادة واجتاه ًا‪ ،‬ولك�ن عىل قدر‬
‫مقدور ال بد منه للدعاة إىل اهلل »‪.‬‬

‫ه�ذا م�ا كتبه رمح�ه اهلل‪ ،‬مم�ا يوضح جوان�ب ثقافت�ه املدنية‪،‬‬
‫الت�ي حصل عىل قس�ط وافر منها‪ ،‬ومع ذل�ك مل ينجرف مع تلك‬
‫التي�ارات أو هذه‪ ،‬ب�ل انتقى من تلك الثقافات م�ا تقره الرشيعة‬
‫اإلسلامية‪ ،‬ويفيده يف دنياه وآخرته‪ ،‬ف�كان رمحه اهلل تعاىل آية يف‬
‫فهم الفكرة اإلسلامية الوس�طية األصيلة‪ ،‬كام كان آية يف فهم ما‬
‫حوله من اجلامعات واجلمعيات وأصحاب الفكر‪ ،‬عىل اختالف‬
‫توجهاهتم‪ ،‬واكتفى بمعرفة (غري املفيد) من باب الثقافة فقط‪ ،‬أو‬
‫م�ن باب ( معرفة الرش لتوقيه ) ‪ .‬وقد حارب الفلس�فات الغريبة‬
‫ويسء ه�ذه املعارف والثقافات بلس�انه وقلمه رمحه اهلل ونفعنا به‬
‫وبعلومه يف الدارين‪ .‬آمني‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫ثـناء العـلامء عـليه‪:‬‬
‫وق�د ترجم لش�يخنا اإلمام حممد زكي إبراهي�م‪ ،‬وأثنى عليه‬
‫عدد كبري من علامء مرص والعامل اإلسالمي‪ ،‬منهم‪:‬‬

‫‪ )1‬اإلم�ام الدكتور عبد احلليم حممود ش�يخ األزهر يف كتابه‬


‫( املدرس�ة الش�اذلية )‪ ،‬ونرش لش�يخنا خطاب ًا يف كتابه « أبو مدين‬
‫الغ�وث»‪ ،‬كام نرش بنفس الكتاب قصي�دة أليب مدين الغوث مع‬
‫رشح ش�يخنا هلا‪ ،‬وقدّ م له ش�يخنا رمحه اهلل حتقيقه لكتاب « املنقذ‬
‫م�ن الضلال» يف طبعاته األوىل‪ ،‬وق�رأت بخط اإلم�ام الدكتور‬
‫عبد احلليم حممود ينعت شيخنا بالعارف باهلل ‪.‬‬

‫‪ )2‬الش�يخ احلس�يني أبو هاش�م والدكتور أمحد عمر هاشم‬


‫يف كتاهبما املشترك (املحدِّ ث�ون يف مرص ) وقد ترمجا فيه لش�يخنا‬
‫ترمجة طيبة وافية‪ ،‬ذكرا فيها اهتاممه باجلانب احلديثي وأس�انيده‪،‬‬
‫ومؤلفاته‪ ،‬وطريقته يف التأليف والعلم ‪.‬‬

‫‪ )3‬وأثن�ى علي�ه وعلى العشيرة املحمدية املحدث الش�يخ‬


‫عبد‪ ‬اهلل بن الصديق الغامري يف كتابه ( سبيل التوفيق )‪ ،‬ويف آخر‬
‫كتاب�ه ( ب�دع التفاسير )‪ ،‬ويف غري مؤل�ف ل�ه‪ ،‬وكان بينهام مو ّدة‬

‫‪206‬‬
‫عظيمة‪ ،‬وكان شيخنا رمحه اهلل تعاىل ممن ثبت معه حني تنكر النّاس‬
‫له ّ‬
‫لما اعتقل يف عهد عبد النارص‪ ،‬ومكث يف السجن احلريب أحد‬
‫عرش س�نة كاملة‪ ،‬وكان الس�يد عبد اهلل بن الصديق الغامري كاتب ًا‬
‫ومفتي ًا بمجلة املسلم وعضو ًا بمجلس علامء العشرية املحمدية ‪.‬‬

‫‪ )4‬وأثنى عليه وذكر شيئ ًا من نشاطه يف الدعوة إىل اهلل الشيخ‬


‫الداعي�ة أبو احلس�ن الن�دوي يف ع�دة مواضع من كتابه املش�هور‬
‫(مذك�رات س�ائح يف الشرق)‪ ،‬حي�ث زار العشيرة املحمدي�ة‪،‬‬
‫وس�مع خطبة اجلمعة من ش�يخنا رمحه اهلل‪ ،‬وخرج معه يف رحلة‬
‫دعوي�ة ريفية ببعض األقاليم املرصية‪ ،‬وملا كتب�ه الندوي يف كتابه‬
‫ه�ذا أمهية خاص�ة‪ ،‬فقد وص�ف اجلانب الدع�وي واخلطابة عند‬
‫شيخنا رمحه اهلل وصف ًا دقيق ًا‪.‬‬

‫‪ )5‬وذك�ره فضيل�ة الش�يخ أمح�د حس�ن الباق�وري يف كتابه‬


‫( قط�وف ) الذي نرشته مؤسس�ة األخبار‪ ،‬وال�ذي ذكر فيه عدد ًا‬
‫الصوفي�ة األتقي�اء وجهاده�م يف نشر الدع�وة واإلصالح‬
‫م�ن ُّ‬
‫كاملراغن�ة واألدارس�ة والسنوس�ية‪ ،‬وذكر ش�يخنا اإلم�ام الرائد‬
‫كأنم�وذج للصويف الع�امل العارف املجاهد يف ه�ذا العرص‪ ،‬وبني‬

‫‪207‬‬
‫الشيخ الباقوري وشيخنا رمحهام اهلل رحلة كفاح وجهاد يف سبيل‬
‫إصالح قوانني الطرق الصوفية ‪.‬‬

‫‪ )6‬ورغم ما كان بني الداعية اإلسالمي الشيخ حممد الغزايل‬


‫السقا رمحه اهلل وبني شيخنا رمحه اهلل من مناظرات ومساجالت‬
‫استمرت شهور ًا عىل صفحات املسلم ولواء اإلسالم واألخبار‬
‫إال أنه كان دائم الثناء عىل الشيخ رمحه اهلل‪ ،‬عارف ًا لقدره‪ ،‬سجل‬
‫ذل�ك يف تلك املس�اجالت ويف غريه�ا من مقاالت�ه‪ ،‬ويف كتابه‬
‫( اجلان�ب العاطف�ي يف اإلسلام )‪ ،‬وقد كان هلام ن�دوات دينية‬
‫مشرتكة بجمعية ( الشبان املسلمني العاملية ) وبعض اجلمعيات‬
‫الكربى بمرص‪.‬‬

‫‪ )7‬وق�د أرخ الدكت�ور عب�د املنع�م خفاج�ي يف كتاب�ه ع�ن‬


‫التصوف اإلسالمي لكبار شيوخ التصوف اإلسالمي فذكر منهم‬
‫جدّ الش�يخ ألمه الش�يخ حممود أبو عليان‪ ،‬ثم ذكر ش�يخنا الرائد‬
‫رمحه اهلل يف املعارصين‪ ،‬وأثبت بعض ًا من أفكاره يف سبيل إصالح‬
‫التصوف كفكرة اجلامعة الصوفية واملكتبة الصوفية وغريها ‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫‪ )8‬العارف باهلل الش�يخ أمحد رض�وان البغدادي األقرصي‪،‬‬
‫وقد كان بينهام مودة عظيمة‪ ،‬ومراسلات مفيدة كثرية مشهورة‪،‬‬
‫طبع بعضها بمجلة املس�لم‪ ،‬وقد أوىص الشيخ أمحد رضوان بأن‬
‫يقوم الشيخ رمحه اهلل بغسله وتكفينه وجتهيزه‪ ،‬فكان كام قال‪.‬‬

‫كذلك كان لش�يخنا صالت طيبة بأعالم الش�يوخ املربني يف‬


‫مرص والعامل اإلسالمي‪.‬‬

‫الس�ادة العلامء‬
‫هذا م�ا حضرين اآلن‪ ،‬وهناك الكثير من ّ‬
‫ممن أثنوا عىل الش�يخ أو ترمج�وه يف كتبهم‪ ،‬منهم عالمة احلجاز‬
‫السيد علوي بن عباس املالكي‪ ،‬وولده املجاهد السيد الدكتور‬
‫حمم�د علوي املالكي‪ ،‬والعالمة الش�يخ حمم�د احلافظ التجاين‪،‬‬
‫والش�يخ العارف باهلل أبو املحاس�ن حممد سعد بدران‪ ،‬واإلمام‬
‫العارف الشيخ عمران الش�اذيل‪ ،‬وعرشات غريهم‪ ،‬ويف أعداد‬
‫املس�لم التي صدرت مواكبة لرحيله عشرات الكلامت ألجلة‬
‫علامء األزهر ومشاخيه‪ ،‬وقد ترمجه مؤرخ األزهر الدكتور حممد‬
‫رجب البيومي بمجلة األزهر ‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫وظائفه ومناصبه‪:‬‬

‫بعد أن حصل الش�يخ رمحه اهلل على العاملية األزهرية مل جيد‬


‫لا يف ذلك الوق�ت‪ ،‬حتى ت َقدَّ م للتدري�س باملدارس األمريية‬
‫عم ً‬
‫بمحافظة بني س�ويف‪ ،‬وظل هناك مؤ ِّدي ًا عمله عدة سنوات‪ ،‬ثم‬
‫عاد إىل القاهرة مدرس� ًا أيض� ًا‪ ،‬وظل يت�درج يف وظائف التعليم‬
‫املختلف�ة‪ ،‬حت�ى أصبح رئيس� ًا للس�كرتارية العام�ة للتعليم احلر‬
‫املسمى بالتعليم اخلاص اآلن‪ ،‬ثم عني مفتش قسم‪ ،‬وكان القسم‬
‫وقتها يعني القسم اإلداري ‪.‬‬
‫وقد عمل أيض ًا‪ :‬أستاذ ًا وحمارض ًا للدراسات العليا باملعاهد‬
‫العالي�ة ومعه�د الدراس�ات اإلسلامية ومعه�د إع�داد الدعاة‪،‬‬
‫وح�ارض أيض ًا بالدراس�ات العلي�ا يف بعض الكلي�ات األزهرية‬
‫ودورات إعداد األئمة والوعاظ والبعوث اإلسالمية ‪.‬‬
‫وعم�ل بع�ض الوقت مدي�ر ًا ملؤسس�ة ( الزف�اف امللكي )‪،‬‬
‫والتي س�ميت بعد الثورة ( مؤسسة الرب األمريية )‪ ،‬كام كان أمين ًا‬
‫عام� ًا جلمعيات الش�بان املس�لمني ومرش�د ًا ديني� ًا‪ ،‬وعمل بعدة‬
‫مناص�ب أخرى‪ ،‬وأخيرا تفرغ إلدارة مجعية العشيرة املحمدية‪،‬‬
‫ونرش فكرهتا ودعوهتا ومنهجها ‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫اشتغاله بالصحافة واملقال‪:‬‬

‫اشتغل شيخنا اإلمام حممد زكي إبراهيم رمحه اهلل بالكتابة‬


‫يف الصحف واملجالت السيارة (األدبية والعامة واإلسالمية)‪،‬‬
‫من�ذ أواخ�ر العرشين�ات ؛ فكتب يف جملات‪ :‬األزه�ر‪ ،‬ومنرب‬
‫اإلسالم‪ ،‬واللواء اإلسلامي‪ ،‬وعقيديت‪ ،‬واألخبار‪ ،‬واألهرام‪،‬‬
‫واجلمهوري�ة‪ .‬كذل�ك كت�ب يف‪ :‬ل�واء اإلسلام‪ ،‬واإلسلام‪،‬‬
‫واملس�لم‪ ،‬واخلالصة‪ ،‬والعمل‪ ،‬والرسالة اإلسالمية‪ ،‬والتصوف‬
‫اإلسلامي‪ ،‬وجريدة اإلخوان املس�لمني األس�بوعية‪ ،‬والسياسة‬
‫األس�بوعية‪،‬والنهضة الفكري�ة‪ ،‬والفجر‪ ،‬وأبول�و ‪ ..‬وغريها من‬
‫املجالت ‪.‬‬

‫الرواد األوائل )‪ ،‬وكان‬


‫وقد أس�س شيخنا رمحه اهلل مجاعة ( ّ‬
‫يقوم بتحرير جملتها ( التعارف ) ‪.‬‬

‫واش�تغل يف اخلمس�ينات بتحرير وإدارة جملة ( اخلالصة)‬


‫لصاحبها األس�تاذ س�يد مصطف�ى‪ ،‬أمني رابط�ة اإلصالح‪ ،‬ثم‬
‫بتحري�ر وإدارة جمل�ة ( العم�ل ) لصاحبها األس�تاذ عبد العليم‬

‫‪211‬‬
‫املهدي‪ ،‬ثم أس�س جملته ( املس�لم ) سنة ‪ 1950‬م‪ ،‬وقام بوضع‬
‫منهجه�ا وحتريره�ا وإدارهت�ا وتطويره�ا واإلرشاف عليها إىل‬
‫وفاته رمحه اهلل ‪.‬‬

‫وق�د تنوعت مق�االت الش�يخ وكتاباته ؛ ف�كان منها املقال‬


‫الدين�ي‪ ،‬واالجتامع�ي‪ ،‬والتارخي�ي‪ ،‬واألديب‪ ،‬والس�يايس‪ ،‬وكان‬
‫منها البحث األكاديمي‪ ،‬واملقال الصحفي ‪.‬‬

‫مـؤلـفـاتـه الـعـلـمـيـة‪:‬‬

‫متت�از كتاب�ات ش�يخنا رمح�ه اهلل بالبي�ان والوض�وح‪ ،‬وقوة‬


‫العبارة وسهولتها‪ ،‬وتوفر اإلخالص أعطاها روح ًا هي روح َم ْن‬
‫ُأ ِذن له بالكالم ‪.‬‬

‫وق�د ترك لنا ش�يخنا رمحه اهلل ث�روة علمية هائل�ة‪ :‬قريب ًا من‬
‫مائة كتاب ورس�الة يف العلوم الدينية‪ ،‬كام ترك لنا مئات البحوث‬
‫والفت�اوى واملق�االت واخلط�ب وال�دروس ( بعضه�ا مكتوب‬
‫وبعضه�ا مس�جل )‪ ،‬وق�د وفقن�ي اهلل ملراجع�ة وحتقي�ق وطباعة‬

‫‪212‬‬
‫بع�ض كتبه يف حياته رمح�ه اهلل‪ ،‬وبعد وفاته‪ ،‬وم�ن كتبه املطبوعة‬
‫عدا ما سبق اإلشارة له‪:‬‬

‫(‪ )1‬أبجدية التصوف اإلسلامي‪ :‬ع�ن أهم وأكثر ما يدور حول‬


‫التص�وف اإلسلامي‪ ،‬فيما هو له وم�ا هو عليه‪ ،‬بين أعدائه‬
‫وأدعيائه ‪.‬‬

‫(‪ )2‬أص�ول الوصول‪ :‬أدلة أهم مع�امل الصوفية احلقة من رصيح‬


‫الكتاب وصحيح السنة ‪.‬‬
‫(‪ )3‬اخلط�اب‪ :‬خط�اب صويف جامع م�ن اإلمام الرائ�د إىل أحد‬
‫كرام مريديه ‪.‬‬
‫(‪ )4‬فواتح املفاتح‪ :‬الدعاء ورشوطه وآدابه وأحكامه‪،‬‬
‫(‪ )5‬أه�ل القبل�ة كله�م موح�دون‪ :‬يبين أن أه�ل القبل�ة كلهم‬
‫موحدون‪ ،‬و كل مس�اجدهم مس�اجد التوحي�د‪ ،‬ليس فيهم‬
‫كافر وال مرشك‪ ،‬وإن عىص وخالف‪.‬‬

‫(‪ )6‬األربعون حديث ًا احلاسمة ردع ًا للطوائف املك َّفرة اآلثمة‪.‬‬


‫(‪ )7‬حكم العمل باحلديث الضعيف‪ :‬حول جواز العمل باحلديث‬

‫‪213‬‬
‫الضعيف يف فضائل األعامل برشطه عند علامء احلديث‪ ،‬وإن‬
‫الضعيف جزء من احلديث املقبول عند أهل هذا الفن ‪.‬‬
‫(‪ )8‬مراق�د أهل البيت يف القاهرة‪ :‬حيقق أن رأس اإلمام احلسين‬
‫ريض اهلل عن�ه وجثامن الس�يدة زينب وغريمها م�ن آل البيت‬
‫بالقاهرة‪ ،‬تارخيا وواقع ًا ‪.‬‬
‫(‪ )9‬قضي�ة اإلمام املهدي‪ :‬يف تأكيد أن املهدي حق‪ ،‬ولكن مل يأت‬
‫ال ونق ً‬
‫ال ‪.‬‬ ‫زمانه بعد‪ ،‬عق ً‬
‫(‪ )10‬ديوان البقايا‪ :‬شـعر صويف واجتامعي فني مـعارص عميق‪،‬‬
‫يف جملدين‪.‬‬
‫(‪ )11‬ديوان املثاين‪ :‬اجلزء األول‪ ،‬واجلزء الثاين‪ :‬مثاين من األبيات‬
‫الشعرية تستغرق أغراضا خمتلفة‪ ،‬وحك ًام وتوجيهات‪ ،‬وآداب ًا‬
‫وصوفيات رائعة ‪.‬‬
‫(‪ )12‬أمه�ات الصل�وات النافل�ة‪ :‬الصل�وات النافلة ومس�ائلها‬
‫وأحكامها من الكتاب والسنة ‪.‬‬

‫(‪ )13‬ليل�ة النصف من ش�عبان‪ :‬قيامها‪ ،‬فضلها‪ ،‬الدليل احلاس�م‬


‫عىل إحيائها ‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫(‪ )14‬عصم�ة النبي ونجاة أبويه وعم�ه‪ :‬ر ٌد عىل أقوال املنكرين‪،‬‬
‫وتأكي�د لعصم�ة النب�ي صىل اهلل علي�ه وآله وس�لم‪ ،‬وحلول‬
‫املش�اكل املدع�اة حوهل�ا بقواط�ع األدل�ة‪ ،‬مع بح�ث خاص‬
‫بمعجزات النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم ‪.‬‬

‫(‪ )15‬معامل املجتمع النس�ائي يف اإلسلام‪ :‬أحكام وقضايا النساء‬


‫املختلفة بأسلوب علمي ميرس ‪.‬‬

‫(‪ )16‬فقه الصلوات واملدائح النبوية‪ :‬بحث جديد يف فقه السرية‬


‫من الصلوات ومدائح الش�عر والنثر قـدمه لألزهـر يف مؤمتر‬
‫الفقه والسرية العاملي ‪.‬‬

‫(‪ )17‬السياسة بني الزوجني يف اإلسالم‪ :‬حمارضة أدبية اجتامعية‪،‬‬


‫مجعت أطراف املوضوع ‪.‬‬

‫ول�ه غري ذلك من الكتب والرس�ائل املطبوعة واملخطوطة‪،‬‬


‫مجعتها يف ثبت (فهرس�ة) مطبوع‪ ،‬وتبلغ نحو مائة كتاب ورسالة‬
‫فض ً‬
‫ال عن املقاالت واملحارضات ‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫الشيخ والدعوة إىل اهلل‪:‬‬

‫كان ش�يخنا رمحه اهلل مثاالً للداعية اإلسالمي الرشيد الذي‬


‫وه�ب كل حياته للدع�وة‪ ،‬وبرغم مرضه الذي ألزم�ه بيته نحو ًا‬
‫من عرشين عام ًا‪ ،‬فإنه ما انعزل عن العامل أبد ًا‪ ،‬وما ترك عادته يف‬
‫الدرس واملحارضة والدعوة‪ ،‬واس�تقبال عشرات الزوار يومي ًا‪،‬‬
‫والرد عىل اتصاالهتم اهلاتفية ‪.‬‬

‫وكان م�ن عادت�ه أن يق�رأ الصحف يومي ًا‪ ،‬متابع� ًا ما حيدث‬


‫يف الع�امل من أحداث وأفكار ودع�وات‪ ،‬وخيتار من تلك اجلرائد‬
‫واملجلات املق�االت والقصاصات وجيمعها يف أرش�يف خاص‬
‫حسب املوضوع‪.‬‬

‫أس�س الش�يخ رمح�ه اهلل مجعي�ة العشيرة املحمدية رس�مي ًا‬


‫س�نة (‪1930‬م)‪ ،‬لتكون وس�يلته للدعوة اإلصالحية اإلسالمية‬
‫الصوفي�ة‪ ،‬وجع�ل م�ن مبادئ�ه االهتامم بالف�رد واجلامع�ة‪ ،‬ومن‬
‫ّ‬
‫أقواله‪ « :‬املجتمع فرد مكرر‪ :‬إذا صلح الفرد صلح املجتمع »‪.‬‬

‫وقد عمل أمين ًا ورائد ًا ديني ًا جلمعية الشبان املسلمني‪ ،‬واملؤمتر‬

‫‪216‬‬
‫القرآين‪ ،‬وعضو ًا يف اهليئة العليا للدعوة باألزهر‪ ،‬وعضو ًا مؤسس ًا‬
‫لعدد من اجلمعيات اإلسالمية ‪.‬‬

‫وممّ�ا حيفظه التاري�خ تلك املؤمترات والن�دوات التي قام هبا‬


‫ش�يخنا يف الس�بعينات من أجل تطبيق الرشيعة اإلسلامية‪ ،‬وقد‬
‫ش�اركه ش�يخ األزهر الدكتور عبد احلليم حمم�ود الذي كان نائب ًا‬
‫للش�يخ يف جملس إدارة العشيرة املحمدية‪ ،‬كام شارك فيها فضيلة‬
‫الشيخ حممد متويل الشعراوي‪ ،‬وكان يرأس هذه املؤمترات فضيلة‬
‫الشيخ حممد حسنني خملوف مفتي مرص سابق ًا ‪.‬‬

‫وقد شارك شيخنا رمحه اهلل يف اللجان التي أنشئت من أجل‬


‫تقنين الرشيعة اإلسلامية‪ ،‬وتفري�غ األحكام الفقهية يف ش�كل‬
‫مواد دستورية ‪.‬‬

‫كام كان له الفضل يف العمل عىل إنشاء مكتب رعاية املهتدين‬


‫إىل اإلسالم باألزهر الرشيف يف عهد الدكتور عبد احلليم حممود‬
‫رمحه اهلل‪ ،‬وشارك يف نشاط هذا املكتب‪ ،‬وقد أسلم عىل يديه عدد‬
‫غري قليل ممن رشح اهلل تعاىل صدورهم لدينه‪ ،‬وقد رأ ْي ُت بعضهم‬
‫وعرف�ت كيف كان‬
‫ُ‬ ‫ملس�ت‬
‫ُ‬ ‫يعلن إسلامه عىل يديه رمحه اهلل‪ ،‬كام‬

‫‪217‬‬
‫يس�اعد َم� ْن يدخل يف دين اهلل ممن حيتاج املس�اعدة‪ ،‬علمية كانت‬
‫أو أدبية أو اجتامعية‪ ،‬وما زال مكتب رعاية املهتدين إىل اإلسلام‬
‫باألزهر يؤ ِّدي مهمته إىل اآلن بصورة أو بأخرى خري قيام ‪.‬‬

‫مناظرات ومساجالت علمية‪:‬‬

‫وق�د كان للش�يخ مناظ�رات ومس�اجالت م�ع بع�ض‬


‫معارصي�ه من الش�يوخ والعلامء‪ ،‬ممن اختل�ف معهم يف الرأي‪،‬‬
‫واالختلاف طبيع�ة برشي�ة‪ ،‬وق�د كان الش�يخ رمح�ه اهلل قوي‬
‫طوع اهلل ل�ه اللغة والبيان‪ ،‬كما كان ملتزم ًا أدب العلم‬
‫احلج�ة‪ّ ،‬‬
‫واملناظ�رة يف كل ذل�ك‪ ،‬ولي�س أدل على ذلك م�ن رفضه نرش‬
‫خطاب يسيء لبعضهم بخط يد ذلك البعض‪ ،‬وكان قد س�بق‬
‫إىل اهلل‪ ،‬فأب�ى وقال‪ :‬إن حرمة امل�وت متنعني من نرشه وإن كان‬
‫ما فيه حق ًا إال أن فيه إساءة كبرية له ‪.‬‬

‫ول َع َّ�ل أش�هر ه�ذه املناظ�رات م�ا كان بين�ه وبين الداعي�ة‬
‫الش�يخ حممد الغ�زايل رمح�ه اهلل « حول عب�ادة الرغب�ة والرهبة »‬
‫تلك املناظرات التي اس�تمرت ستة أشهر عىل صفحات األخبار‬

‫‪218‬‬
‫واملس�لم ول�واء اإلسلام‪ ،‬وش�ارك فيه�ا الصحف�ي أمح�د س�امل‬
‫والدكتور عبد احلليم حممود والشيخ حممد خليل اهلراس والشيخ‬
‫حممد عبد اهلادي العجيل‪.‬‬

‫ومن املناظرات واملس�اجالت أيض ًا‪ :‬ما كان بينه وبني الشيخ‬
‫عب�د الرمحن الوكي�ل‪ ،‬والدكتور س�يد رزق الطوي�ل‪ ،‬والدكتور‬
‫إبراهي�م هالل‪ ،‬واألس�تاذ حس�ن قرون وغريه�م‪ ،‬ويف كل تلك‬
‫املناظرات التزم الشيخ رمحه اهلل األدب الصويف الرفيع‪ ،‬والبحث‬
‫العلمي النزيه واحلجة املقنعة ‪.‬‬

‫كما أن�ه انتقد ع�دد ًا م�ن العلماء ورد عليهم ؛ فانتقد الش�يخ‬
‫عبد اجلليل عيس�ى ملا كتبه يف كتابه ( اجتهاد الرس�ول )‪ ،‬ورد عليه‬
‫يف كتاب ( عصمة النبي � ) الذي كان أول رد عىل ما نرشه أمحد‬
‫صبح�ي منص�ور‪ ،‬وق�د فصل امل�ارق‪ :‬أمح�د صبح�ي منصور من‬
‫األزهر بذلك الكتاب والتقرير الذي كتبه عنه الشيخ رمحه اهلل‪.‬‬

‫وقد عرضت مش�يخة الطرق الصوفية عىل الش�يخ بعد وفاة‬


‫الش�يخ الصاوي فرفض وقال‪ ( :‬ما رسين أن رصت شيخ ًا لطبال‬
‫وزمار ) ‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫شذرات من تصوف اإلمام‪:‬‬
‫سماه بع�ض العارفين ب�اهلل (الش�اذيل الث�اين)‪ ،‬كما س�مي‬
‫أبو‪ ‬احلس�ن (اجلنيد الثاين)‪ ،‬فقد جدد اهلل تعاىل باإلمام حممد زكي‬
‫والشاذلية خصوص ًا‪ ،‬وأحيا اهلل تعاىل به‬
‫إبراهيم التصوف عموم ًا‪ّ ،‬‬
‫مع�ارف قد طويت‪ ،‬وعلوم ًا عي مرياث أهل الصالح والعرفان‪،‬‬
‫َسيج َو ْح ِده‪ ،‬ومدرسة عظيمة ‪.‬‬
‫فكان ن َ‬
‫خت�رج يف التص�وف على ي�د والده‪ ،‬ال�ذي كان ش�يخ فتحه‬
‫ومتكين�ه‪ ،‬وما زال يمده ويعرفه بالصاحلني ويأمره باألخذ عنهم‪،‬‬
‫حتى أصبح اإلمام الشيخ حممد زكي إبراهيم جممع أسانيد عرصه‬
‫يف التصوف‪ ،‬وس ّلم له الرجال بالتجديد والتقدّ م‪.‬‬
‫وم�ا زال ش�يخه يرع�اه يف س�لوكه‪ ،‬فقط�ع ش�يخنا مدارج‬
‫الس�لوك الصوىف‪ ،‬وأتم مسيرة (األسماء الس�بعة) ث�م (الثالث‬
‫عشرة) ث�م (التس�عة والتس�عني) حتى انته�ى إىل االس�م املفرد‬
‫واألعظم)‪ ،‬ودخل اخللوة الصغرى والكربى مرات‪.‬‬

‫َسيج َو ْح ِده‪ :‬أي ال نظري له يف فضائله وكامالته‪ ،‬وعن عائشة ريض‬ ‫ ن َ‬
‫ِ‬
‫م�ر ريض اهلل عنه تَص ُفه‪ ،‬فقال�ت‪ « :‬كان واهللِ‬
‫اهلل عنه�ا‪ ،‬أهن�ا ذكرت ُع َ‬
‫َسيج َو ْح ِده »‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َأ ْح َوذ ّي ًا ن َ‬

‫‪220‬‬
‫وباإلضافة إىل هذا اإلرث الصويف‪ ،‬فإن الش�يخ راح ينهل‬
‫م�ن كب�ار علامء التص�وف يف وقته‪ ،‬كالش�يخ حممد ب�ن إبراهيم‬
‫الببالوي‪ ،‬والشيخ سالمة العزامي‪ ،‬والشيخ إبراهيم أيب العيون‬
‫الكبري‪ ،‬والش�يخ عبد ربه س�ليامن‪ ،‬والس�فري األفغ�اين الصويف‬
‫الش�يخ حمم�د ص�ادق املج�ددي‪ ،‬والش�يخ إبراهي�م الغالييني‬
‫املفت�ي الدمش�قي‪ ،‬وكان حيرض حلقات الذكر يف منزل الش�يخ‬
‫حممود خطاب الس�بكي مؤس�س اجلمعية الرشعي�ة‪ ،‬باإلضافة‬
‫إىل عالقته بالش�يخ عبد الرمحن البنا‪ ،‬وأبنائه الش�يخ حسن البنا‬
‫والشيخ عبد الرمحن البنا‪.‬‬

‫أم�ره ش�يخه الوالد باإلرش�اد يف حياته‪ ،‬فانطل�ق يف الطريق‬


‫جماهد ًا وداعي ًا إىل اهلل عىل بصرية‪ ،‬يريب املريدين ويرشدهم ‪.‬‬

‫وورث الش�يخ رمحه اهلل مقامات ش�يوخه‪ ،‬فهو الشاذيل يف‬


‫روحانيت�ه ومدده ووارده وورده‪ ،‬وهو أب�و العباس يف نورانيته‬
‫واتصال�ه بالنب�ي �‪ ،‬وه�و ابن عط�اء اهلل يف حكمت�ه وحكمه‬
‫يف املذهبين‪ ،‬وهو الش�يخ زروق حمتس�ب العلماء واألولياء يف‬
‫جتدي�ده الطريق وقمعه للمبتدعة‪ ،‬وهو ش�يخ األولياء س�يدي‬

‫‪221‬‬
‫حمم�د ب�ن ن�ارص الدرع�ي يف معارف�ه وعلومه وترشع�ه‪ ،‬وهو‬
‫ابن عجيبة يف فيوضه ورشوحه‪ ،‬بل هو صاحب جبل العلم ابن‬
‫مش�يش يف خفائه وظهوره‪ ،‬بل هو أبو مدين الغوث يف معارفه‬
‫وشعره ونثره وحكمه‪.‬‬

‫ولق�د كان لس� ِّيدنا اإلم�ام م�ن ج�ده � احل�ظ الواف�ر‪،‬‬


‫والنصي�ب األتم‪ ،‬وم�ا زال يتقلب يف مقام�ات الطريق‪ ،‬يف زيادة‬
‫من فضل‪ ‬اهلل‪ ،‬حتى لقي اهلل تعاىل‪ ،‬نحس�به كذلك‪ ،‬واهلل حس�يبه‪،‬‬
‫وال نزكي عىل‪ ‬اهلل أحد ًا ‪ .‬واقرأ ‪ -‬إن شئت ‪ -‬قصيدته األويسية‪،‬‬
‫وقصيدته يف القطب‪ ،‬وقصيدته املنبهجة‪ ،‬وقصيدته (صويف عرفته‬
‫فوصفته)‪ ،‬فإنه ما أراد هبا إال نفسه ‪.‬‬

‫وقد أصبحت كتابته ريض اهلل عنه مرجع ًا ّ‬


‫للس�ادة الصوفية‪،‬‬
‫فاس�تطاع أن يعم�ل عىل تطهير التص�وف من داخل�ه‪ ،‬وتثقيف‬
‫الوس�ط الص�ويف‪ ،‬وجتديد مهة أهل�ه‪ ،‬وربطه�م بتارخيهم املجيد‪،‬‬
‫فدع�ا إىل احلرك�ة والعمل‪ ،‬والتجمي�ع‪ ،‬والكالم ع�ن منهجه يف‬
‫التص�وف‪ ،‬ومكافحته ألهل البدع واألهواء من أدعياء التصوف‬
‫وأعدائه‪ ،‬باب واسع‪ ،‬وأحيلك عىل كتبه وتصانيفه ‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫تـــراثـــه األدبـــي‪:‬‬

‫ش�يخنا س�يدي حمم�د زك�ي إبراهي�م م�ن جي�ل ال�رواد‬


‫األوائ�ل من ش�عراء هذا العرص‪ ،‬عارص ش�وقي وحافظ والعقاد‬
‫والرافع�ي والزي�ات‪ ،‬وكان ل�ه معهم صوالت وج�والت‪ ،‬وقد‬
‫ألف مخس�ة دواوين ش�عرية يف نحو مخس�ة عرش جزء ًا من الشعر‬
‫العمودي املقفى‪ ،‬يف أغراض الش�عر املختلفة ‪ .‬وقد طبع من هذه‬
‫الدواوين‪:‬‬

‫‪ )1‬دي�وان البقاي�ا اجل�زء األول والثاين‪ ،‬ومه�ا يف عدة أغراض‬


‫شعرية‪ ،‬ولكن يغلب عليهام الطابع الصويف‪ ،‬وشعر الزهد والتأمل‪.‬‬

‫‪ )2‬دي�وان املث�اين اجلزئين األول والث�اين‪ ،‬وه�و يف ش�عر‬


‫احلكمة‪ ،‬إذ كل بيتني منه وحدة موضوعية قائمة بذاهتا‪ ،‬تدل عىل‬
‫معنى وضعت له‪ ،‬وما زال اجلزء الثالث خمطوط ًا ‪.‬‬

‫بقي من دواوين الشاعر‪:‬‬

‫‪ )3‬هشيم املحتظر ‪.‬‬

‫‪ )4‬احلصائد ‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫وحيتويان عىل شعر الشيخ يف صدر شبابه‪ ،‬يف شتى األغراض‬
‫واملوضوعات‪ ،‬ففيهام الشعر الديني واالجتامعي وشعر الشباب‪،‬‬
‫وق�د نرشت بعض قصائدمه�ا يف جملة أبولو وغريه�ا‪ ،‬وقد رجع‬
‫الش�يخ رمح�ه اهلل عن بعض ما قاله فيهام‪ ،‬وأم�ر أن يلحق ما تركه‬
‫فيهام من ش�عر وم�ا تناثر من ش�عره يف األوراق‪ ،‬ما كان من باب‬
‫الزه�د والتص�وف إىل البقاي�ا‪ ،‬وما كان من املث�اين إىل املثاين‪ ،‬وما‬
‫الروحي�ة جيمع يف‬
‫كان من ش�عره م�ن ب�اب الوجد واملن�ازالت ُّ‬
‫ديوان خاص سامه‪:‬‬

‫‪ )5‬حلظات التجيل ‪.‬‬

‫ونوع من شعره سماّ ه « اخلواطر »‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫‪)6‬‬

‫وق�د كان للش�اعر حلق�ة ش�عرية إسلامية أ ّلفها م�ن كبار‬


‫الشعراء اإلسالميني منهم‪ :‬الدكتور حسن جاد‪ ،‬واألستاذ قاسم‬
‫مظهر‪ ،‬واألستاذ حممود املاحي‪ ،‬واألستاذ عبد اهلل شمس الدين‪،‬‬
‫والدكت�ور س�عد ظالم‪ ،‬واألس�تاذ ضي�ف اهلل‪ ،‬واألس�تاذ الربيع‬
‫الغزايل‪ ،‬واألستاذ شاور ربيع‪ ،‬واألستاذ حممد التهامي‪ ،‬واألستاذ‬
‫أمحد عبد اخلالق‪ ،‬واللواء رائف املعري‪ ،‬وغريهم ‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫كام أن للش�يخ مقاالت أدبية ونق�د أديب رائق يف جملة أبولو‪،‬‬
‫والفجر‪ ،‬والنهضة الفكرية‪ ،‬لعل من أمهها ما كتبه يف نقد األستاذ‬
‫( أيب حدي�د ) يف الش�عر احل�ر أو املرس�ل‪ ،‬وال نن�س م�ا انتقد به‬
‫الزيات يف سلس�لة مقاالته ( مشاغبات األسبوع ) التي نرشهتا له‬
‫جريدة اإلخوان لعهدها األول سنة ‪ 1932‬م ‪.‬‬

‫وقد توسعت عن اجلانب األديب يف بحثي (اإلمام حممد زكي‬


‫إبراهيم شاعر ًا)‪ ،‬يسرّ اهلل نرشه ‪.‬‬

‫وفاتـــه‪:‬‬

‫رحم اهلل شيخنا‪ ،‬كان املسجد بيته الذي مل يربحه‪ ،‬ومدرسته‬

‫ومضيفته وس�احته‪ ،‬حمط رح�ال كل من زاره ممن عرف قدره من‬

‫العلامء والرؤس�اء واألمراء ‪ُ .‬ث َّم كان املس�جد جم�اور ًا ملدفنه‪ ،‬فقد‬

‫انتقل إىل رمحة اهلل الس�اعة الثالثة متام� ًا من فجر يوم األربعاء ‪16‬‬

‫من مجادى اآلخرة ‪ 1419‬هـ‪ ،‬املوافق ‪ 7‬من أكتوبر ‪ 1998‬م بعد‬

‫‪225‬‬
‫حي�اة حافل�ة اس�تمرت نحو قرن م�ن الزمان يف الدع�وة إىل اهلل‪،‬‬

‫عىل هدى وبصرية‪ ،‬ودفن مع أبيه وجدّ ه بجوار مس�جد مش�ايخ‬

‫العشرية املحمدية بقايتباي القاهرة ‪ .‬رحم اهلل تعاىل شيخنا اإلمام‬

‫حمم�د زك�ي إبراهيم‪ ،‬وأحلقنا به عىل اإليامن‪ ،‬ورحم اهلل أش�ياخنا‬

‫مجيع ًا‪ ،‬ورحم اهلل من سبقنا من إخواننا إىل اهلل ‪.‬‬

‫حممد وآله وسلم ‪.‬‬


‫وصىل اهلل عىل سيدنا ّ‬

‫* متت (الطبعة األوىل) من هذه الرسالة ‪ ،‬عىل هذه الصفة‪ ،‬وهي‬


‫الطبعة الثامنة من رسالة (اخلطاب)‪ ،‬وكان الفراغ منها يف يوم اخلميس‬
‫‪ 27‬من ش�هر مج�ادى األوىل ‪1433‬ه�ـ ‪ ،‬املواف�ق ‪2011/4/19‬م‪،‬‬
‫اعتنى هبا وقام بخدمتها تلميذ اإلمام الرائد ‪ :‬حميي الدين حسني يوسف‬
‫اإلسنوي من خرجيي األزهر الرشيف ‪ ،‬واهلل املوفق املستعان‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫فهرس احملتويات‬

‫ص‬ ‫املوضــــــــوع‬

‫‪3‬‬ ‫‪ -‬حسن الوفاء‬


‫‪5‬‬ ‫‪ -‬مقدمــة‬
‫‪9‬‬ ‫‪ -‬مقدمة خطاب صويف جامع‬
‫‪13‬‬ ‫‪ -‬خطاب صويف جامع من اإلمام الرائد‬
‫‪39‬‬ ‫‪ -‬وهو القاهر فوق عباده‬
‫‪57‬‬ ‫‪ -‬ال إله إال اهلل‬
‫‪64‬‬ ‫‪ -‬خملفات السيد البدوي‬
‫‪67‬‬ ‫‪ -‬حديث (حجوا)‬
‫‪69‬‬ ‫‪ -‬ورثة الكتاب املصط َفون‬
‫‪73‬‬ ‫‪ -‬شيوخ التصوف والفرس والعرب‬
‫‪80‬‬ ‫‪ -‬رضورة وجود الشيخ املرشد‬
‫‪85‬‬ ‫‪ -‬هذه دعوتنا‪ ،‬وتلك مواقفنا‬
‫‪108‬‬ ‫‪ -‬وأيض ًا‪ :‬حسن الوفاء‬

‫‪227‬‬
‫‪109‬‬ ‫املحمد َّي ِة‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫والطريقة‬ ‫املحمد َّي ِة‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫العشرية‬ ‫‪-‬‬
‫‪127‬‬ ‫‪ -‬العشرية ودعوهتا‬
‫‪145‬‬ ‫املحم ِ‬
‫دية‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫بالطريقة‬ ‫ُ‬
‫التعريف‬ ‫‪-‬‬
‫‪158‬‬ ‫‪ -‬أال أهيا النوام‪ :‬وحيكمو‪ ،‬هبوا !!‬
‫‪160‬‬ ‫‪ -‬من وصايا الشيخ لألتباع‬
‫‪169‬‬ ‫‪ -‬يا بني‬
‫‪170‬‬ ‫‪ -‬ليس هذا من التصوف‬
‫‪171‬‬ ‫‪ -‬معلومات عن الطريقة املحمدية‬
‫‪ -‬من أقوال شيخنا اإلمام الرائد يف النصيحة لإلخوان‬
‫‪174‬‬ ‫واملريدين‬
‫‪183‬‬ ‫‪ -‬ترمجة موجزة وتعريف بفضيلة اإلمام الرائد‬

‫***‬

‫‪228‬‬

You might also like