Professional Documents
Culture Documents
يا ولدي
يا ولدي
/.
ال إله إال اهلل ..محمد رسول اهلل
الطبعة األوىل
1433هـ 2011 -م
حسن الوفاء
إن من حسن الوفاء ،ومتام األدب ،واملحافظة عىل العهد والبيعة:
ّ
أن يزور املريد قرب ش�يخه ،وأن يدعو له ،وأن يقوم بكل ما أوىص به،
وأن ينشر علم�ه وأدبه ،وحيي�ي تراثه ،ويعرف ملن مات ش�يخه وهو
راض عنهم حقوقهم ،وقد قال شيخنا رمحه اهلل رمحة واسعة:
املوت وال تفجـعـنـي ِ يا ولدي :ال َتنْس مجـيـلـي َب ْعدَ
ز ُْر قربي ،و َت َع َّهدْ ِذكْـري تن َف ُع َن ْف َس َ
�ك أو َتنْ َف ُعـنـي
ك يل ما أعني �ن وفائِ َ
�ن ُح ْس ُ
ِ
ح ّق� ًا حس�بي ريب لك ْ
أبنائي وأهلي
بح ٍّق
وم ْن َ وقالواَ :م ْن ( َب َ
نوك)؟ َ
قلت :أتى ُ
البيان مهو ( َأ ْه َ
لوك )؟ ُ
أركان حزيب
ُ ف�ـ ( أبنائي ) مه�و
و ( أهيل ) هم ُدعايت حيث كانوا
�ن َأ ْحي�ا ( تراث�ي ) فهو منِّي
وم ْ
َ
امل�كان !!
ُ ّم�ان أو
وإن َب ُع�دَ الز ُ
ْ
محــد ًا هلل ،وصال ًة وسالم ًا عىل مصطفاه ،وعىل آله وصحبه
ومن وااله ،يف مبدأ األمر ومنتهاه.
وح�ول عبارة (يا ولدي) ،وما فيها من املع�اين الرائقة الراقية ،انظر ما
كتب يف املقدمة عىل رس�الة اخلطاب لش�يخنا اإلمام الرائد ،وهي أول
ما يف هذا املجموع.
وقد ارتأت (أمانة الدعوة) مجع هذه املادة ،ونرشها ،بمناسبة
الذكرى الرابعة عرش النتقال ش�يخنا اإلمام الرائد من دار الدُّ نيا،
احلق جل وعلا ،وتوزيعها يف املواس�م العلمية التي
إىل رح�اب ِّ
تقام بمناسبة هذه الذكرى.
واهللَ تعاىل نس�أل ،وبنب ِّيه � نتوس�ل ،أن جيع�ل هذا العمل
خالص� ًا لوجه�ه الكريم ،وأن ينفع به ،وأن جيعل�ه صدق ًة جاري ًة،
مضاعف� َة الث�واب واألج�ر ،ملؤلف�ه س� ِّيدي اإلم�ام حمم�د زكي
إبراهيم ،رمحه اهلل تعاىل رمحة واسعة.
ِ ِِ وصلىَّ اهلل عىل سي ِدنَا حُ َ ٍ
وص ْحبِه َ
وس َّل َم م َّمد وعىل آله َ َ ِّ َ
أمانة الدعوة
صورة اخلطاب الصويف السلفي الشرعي التارخيي
ال��ذي كتبه موالن��ا اإلمام حممد زك��ي إبراهيم
رائد العشرية وشيخ الطريقة احملمدية الشاذلية،
إىل أحد خواص مريديه .
دعــاء
دع�ا فضيلة موالن�ا اإلمام الرائد رمح�ه اهلل تعاىل
ألحـد األخوة يف خطاب له فقال:
وج َع َل
�ك َ ، ك إال َن ْف َس َ « َأ َذ َّل اهللُ ك َُّل َع�دُ ٍّو َل َ
ار َيـ� ًة ِعن�دَ َك، �ك ال َع ِ�ك ِه َبـ� ًة َل َ نِ ْع َمتَـ� ُه َع َل ْي َ
�ر ِ ِ
�ر ، الغنَ�ى ،و ُذ ِّل ال َف ْق ِ ط ِ َو َأ َع�ا َذ َك اهللُ م ْ
�ن َب َ
ك بما َت َك َّف َل ك َل ُه ،وال َش َغ َل َ ك اهللُ لما َخ َل َق َ و َف َّر َغ َ
وغ َلب ِ �كَ ،و َأ َعا َذ َك ِم�ن ا ْل َع ْج ِز َوالك ََس ِ ـه َل َ بِ ِ
ـة �ل َ َ ،
َك َرطِب ًا بِ ِذك ِْر ِه ، ض َ ،و َج َع َل لِ َس�ان َ الدَّ ْي ِن َوا ْل َم َ
�ر ِ
اعتِ ِه ،َك َه ّينًا َل ّينًا يف َط َك َح ًّيا بِ ُش�ك ِْر ِه ،و َبدَ ن َ و َق ْل َب َ
َار ِم األَ ْخ ِ ومك ِ ِ
الق » . َك با ْل َم َح َّبـة َ وزَ َّين َ
األخ الفاض�ل الش�يخ يوس�ف حمي�ي الدي�ن البخ�ور احلس�ني،
وترج�م أيض� ًا إىل اللغة الفرنس�ية ترمج�ه األخ الفاضل األس�تاذ
املرتضى ،ويق�وم بع�ض األخ�وة الصاحلين برتمجت�ه إىل
(اللغة األُردية).
وهذا اخلطاب ليس إال قطعة أدبية رائعة ،ترسي فيها روح
حكم ابن عطاء اهلل الس�كندري ،و ُي َش ُّم منها عبق رسالة اإلمام
الغ�زايل( :أهي�ا الول�د املح�ب) ،احتوى على لطائف الرس�الة
القشيرية ،وتأصي�ل (قواع�د التص�وف) لإلمام أمح�د زروق،
للروح والوجدان.
وإيضاحات ابن عجيبة ،فهو خطاب ُّ
واخلالص�ة -أهيا األخ املب�ارك - أنه خطاب جامع ممتع،
في�ه قواعد وفوائ�د ،وإرشاق�ات روحية ورقائق ،وإش�ارات
صوفية ودقائق ،يستفيد منها العامة وأهل االختصاص ،وكلام
كررت النظر وجدت املزيد.
وجيدر بك -أهيا األخ املبارك - أن تس�توقفك تلك العبارة
لهم�ة املحبب�ة إىل النف�س « ي�ا ول�دي » الت�ي ختلل�ت مقاطع
الم َ
ُ
10
اخلطاب وفصوله ،والتي كثري ًا ما كان خياطب هبا سيدي األستاذ
اإلم�ام حمم�د زك�ي إبراهي�م تالمي�ذه ،والتي جتده�ا يف كثري من
كتابات�ه ،وللعب�ارة أثرها الروح�ي ،ووقعها النفسي ،فهي جتمع
معاين األس�تاذية واإلرش�اد والرتبية والتزكية ،مع مشاعر األبوة
احلاني�ة من تنبيه ونصيحة وحتذير ،وخوف عىل التلميذ أو املريد،
كل تلك املعاين اجلليلة خترج ٍ
صدق وإخالص وبذلُّ ، وتدل عىل
يف نفس واحد وكلمة واحدة ،مما يوقظ الشعور ،ويوثق الرابطة،
وهييئ النفس للتلقي والقبول.
11
الصاحلني ،فها هو اإلم�ام الغزايل خياطب
وهي م�ن مرياث ّ
تلميذه بقوله « أهيا الولد املحب » يف كل مقطع من نصيحته املسامة
بالرسالة الولدية ،بينما نجد الشيخ نجم الدين كُربى يف « فوائح
اجلمال وفوات�ح اجلال ل » يكرر قوله « :ي�ا حبيبي » ،بينام اختص
س�يدي عبد القادر اجليلاين بقوله « :يا غلام » يف كتبه ،و ُي َصدِّ ر
س�يدي أمحد الرفاع�ي كالمه بقوله « :أي س�ـادة » ،وقبل هؤالء
مجيع ًا نجد القرآن الكريم قد سجل قول يعقوب عليه السالم البنه
يوسف « يا بني » ﴿ :ﭑﭒ ﭓﭔﭕﭖﭗ﴾ ،وقالها
إلخوته ﴿ :ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﴾ ،ويبدأ بها لقمان
وصيت�ه البن�ه ﴿ :ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ
ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ﴾ ،ويكرره�ا لقم�ان في وصيته:
﴿ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﴾ ﴿ ،ﯤ ﯥ ﯦ ﴾.
نس�أل اهلل تع�اىل أن ينفعنا بما علمنا ،وأن يعلمن�ا ما ينفعنا،
وأن جيعلنا من عباده الصاحلني.
ِ ِِ ٍ ِ
وص ْحبِه َ
وس َّل َم وصلىَّ اهلل عىل َس ِّيدنَا محُ َ َّمد وعىل آله َ
َ
عن أمانة الدعوة
حميي الدين حسني يوسف اإلسنوي
12
خطاب صويف جامع
يـا ولدي:
13
يا ولدي:
ُوصل
وكذل�ك ال يغن�ي يف ه�ذه التجربة جمرد العل�م ،وال ت ِّ
دروب الفلس�فة ،فالعل�م والفلس�فة أعمال عقلي�ة ،وهذه
ُ إليه�ا
لي�س املقص�ود بسر ال�ذات اإلحاطة بكنه ذات�ه تعاىل ،مع�اذ اهلل ،بل
املقصود معرفة اإلنسان لذاته ،فمن عرف نفسه بالعجز واالفتقار فقد
ع�رف خالقه بالق�درة واالقتدار ،ومن عرفه�ا بالضعف والذل عرف
ربه بالقوة والعزة ..وهكذا .اهـ مصححه .
14
وش�تَّان ما بينهام ،غري َّ
أن التجرب�ة من األعامل القلبية الوجدانيةَ ،
التعبيرات الصوفية إذا عوجلت باإلحس�اس والتعمق ،واملعاناة
والت�ذوق ،كانت قادرة عىل تغيري الباط�ن الذي به يتغري الظاهر،
وحب وبركة وإنتاج..
ٌّ ٌ
إرشاق فيولد اإلنسان والدة جديدة ،كلها
هكذا قال الشيوخ !
يـا ولدي:
َّ
إن التص�وف خدم�ة تتكي�ف بحاج�ة كل عصر ،وكل
إنس�ان ،وكل وطن ،فهي جتس�يد ش�امل لعملية االستخالف
15
إن اهلـداي�ة أيض ًا :جهـد ومعاناة ،والش�يخ
على األرض ،ثم َّ
�ع لم يصل ،و َم ْن ل�م يلتمس املعارج
فم ْن لم َي ْس َ
دلي�ل فقطَ ،
ال يتس�امى وال يرتقي ،و َم ْن لم يتحرك لم ينتقل ،ومن اعتمد
وض َّل.
رت ،فتَا َه َ
عىل ما عنده وحـده اغ َّ
ويف ذلك أقــول:
ِ
القاصدْ ؟ يق�ول :ه�ل اختا ُذ َّ
الش� ْيــ ـخ حمتو ٌم على
فقل�ت :وه�ل تَر َّب�ى قـــ ــ�ط مول�و ٌد بلا وال�د ؟ُ
ْ�م اليتي�م كف�ا ُه فاس� َت ْغنَى عن الرافِـدْ ؟
وه�ل ُيت ُ
بصرت مكـفـو فـ� ًا وال حيت�اج للقائـد ؟ َ وهـ�ل َأ
وهل ِع ْل�م ،وهل َفــــن بغير المر ِش�د الر ِ
اش�دْ ؟ َّ ُْ ٌ ٌ
أعزل وافد ؟ غريب ؟ ٌ الصحــ ـرا ِ
ٌ ير يف ّ
وكيف َيس ُ
الرائِــدْ ؟
مفـتـ�وح ولكن َم ْن هـو َّ
ٌ وبــ�اب اهلل
ُ
تأم ْ
�ل م�ا أتى « موس�ى » وقصـَّـتـ�ه مـ�ع العــابد َّ
تأم ْل بعثـــة « اهلــادي » ففيه�ا الش�ـاهد اخلال�د
َّ
16
يا ولدي:
�م إ َّن ُه َم ْن اس�تأذن على اهلل َأ ِذ َن له ،ومن ق�رع بابه تعاىل
ُث َّ
أدخل�ه ،ونحن إنما نشير إىل احلقيق�ة ،و ُن َبينِّ ُ الس�بيل ،ونَدَ ُع
المري�دَ الص�ادق ليص�ل إىل غاي�ة الطري�ق بجـهـ�ده ،فليس
ُ
أخ�ذت عنه،
َ س�معت منه ،ولكن ش�يخـك من
َ ُ
ش�يخ َك من
و َم ْن جـاهدَ :عدَ َل ،و َم ْن اجتهدَ :و َص َل .
يا ولدي:
ج�اءت
ْ والح ِقي َق� ُة
�قَ ،الخ ْل ِ
ج�اءت بتكلي�ف َ
ْ الش�ريع ُة
َّ
ـق .
الح ِّ
بتعريف َ
الشري َعـ َة قيـا ٌم بما أمر بــه وبصرَّ ،والحقيق َة شهو ٌد ُث َّم َّ
إن َّ
لما قضى وقــدَّ ر .
17
ط ِري َقـ ُة أفعـا ُل ُه،
رسول اهلل � :الشرَّ يع ُة أقوا ُل ُه ،وال َّ
ُ وهـذا
واحلقي َق ُة أحـوا ُل ُه.
ُث َّم تأمل -يا ولدي َ :-ق ْو ُل َك « ال إله إالَّ اهللُ » هذه حقيقة،
ف�رق بينهام أحدٌ َه َل َك، �ول اهلل » هذه رشيعة .فلو َّ رس ُم َّمـ�دٌ ُ « حُ َ
فإن َم ْن َر َّد احلقيقةَ :أشرْ َ َك ،و َم ْن َر َّد الرشيعةَ :أ ْل َحـد .
َّ
18
أح�د ُجزأ ْيـه ..عب�اد ُة العـبد :ظاهر األمر ،وإعان�ة اهلل :باطِنُ ُه،
جل َسد ،واملاء يف العود.
كالروح يف ا َ
وال ُبدَّ لكل ظاهر من باطنُّ ،
�جرة ،واألريج من ـة ،كال َّث َم َر ِة من َّ
الش َ
احلقي َق ُة من الشرَّ يع ِ
َ
الز ْهرة ،واحلرارة من اجلمرة ،فال ُبدَّ من هـذه لتلك ،فاستحال
َّ
قيام حقيقة بغري رشيعة.
يـا ولدي:
انظ�ر بعني عقلك وقلبك إىل هذا الدُّ َعاء ،الذي يناجي بـه
أحدُ العارفني من أشياخنا ر َّبه ،فيقول:
َ
ت َغيرْ َ َك . ت َ
منك الدُّ ْن َيا فقد طل ْب ُ « إهلي :إذا َط َل ْب ُ
ألن الدني�ا كله�ا مل�ك اهلل تع�اىل ،فكي�ف يترك املال�ك ويطل�ب
اململوك ؟!
م�ا ضمن�ه اهلل تع�اىل أش�ياء كثرية ،منها ال�رزق ،وقد أقس�م اهلل تعاىل
�ق فق�ال ﴿ :ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ أن�ه َح ٌّ
ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﴾ ،وق�د س�معها ع�ريب فق�ال:
« َم ْن أغضب رب العزة حتى أقسم ؟ ».
19
ك !! وإن َسك ََن قلبي إىل َغيرْ ِ َك فقد أشرْ َ ك ُ
ْت بِ َ ْ
وث فكيف أكون َم َعك ؟ ك عن الحدُ ِ أوصا ُف َ َج َّل ْ
ُ ت َ
أكون قريب ًا بذايت منك ؟!
ُ ت ذات َ
ُك من العلل ،فكيف َو َتنَزَّ َه ْ
ت عن األغيار ،فكيف يكون قوامي ب َغيرْ ِ ك ؟!.» وتعال ْي َ
ص�دى ِمن ُروح ال ُق�دُ س ،وكأنَّما اقتبس�ه
ً إنَّ�ه كال ٌم كأنَّ�ه
الش�يخ ِمن ألحـان الذي�ن حيملون العرش ،وم�ن حولهِ ،
ومن َ ْ
تس�ابيح األرواح امله َّي َم�ة بآف�اق امللأ األعلى ،كال ٌم فيه رائحة
قب�اس م�ن أض�واء س�درة املنتهى، ٌ موالن�ا رس�ول اهلل � ،و َأ
ومالمح من صدى احلقيقة والرشيعة .
َّ
إن التصوف -عندنا -هو « علم فقه املعرفة » ،فهو تصحيح
اإلسالم ،وحتقيق اإليمان ،وتأكيد اإلحسان.
وم�ن س�كن قلبه إىل غري اهلل فقد أرشك ،قال تع�اىل ﴿ :ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ
ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﴾.
ألن احل�ادث ال يك�ون مع�ه إال ح�ادث مثل�ه ،واملعية الت�ي يقصدها
الشيخ هنا املعية القلبية .
ه�ي مرات�ب احلدي�ث املع�روف ال�ذي ذك�ر في�ه رس�ول اهلل � :
« اإلحس�ان أن تعب�د اهلل كأنك ت�راه » ،وهو حديث معروف مش�هور
بني أهل العلم.
20
وم�ن هنا كان واجب� ًا ،ال يمكن حتصيله بمج�رد القراءة،
ويبدو ذلك واضح ًا يف هؤالء الذين يدرسون التصوف علم ًا،
وال يمارس�ونـه عمالً!! وهم حيمل�ون أعىل األلقاب العلمية،
وكان يسميهم والدي « عربات النقل البرشية » أو « سعاة بريد
رفع األس�تار ع�ن أرسار الكونيات،
املعرف�ة ،» إنَّما التَّصوف ُ
إلدراك أن�وار ش�موس احلقائ�ق ،فال ب�د -مـ�ع العلم - من
المعاناة واملامرسـة .
21
وهن�ا يص�ل العبد إىل رتب�ة ( الر َّباني�ة ) بالعلم والدرس
واملامرس�ة ﴿ :ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ
ﮈ ﮉ ﮊ ﴾.
يـا ولدي:
�ويف أك َث ُر من « فقيه » ،فالفقيه وقف عند األقوال .
الص ُّ
ُّ
�ويف أك َث ُر من « عابد » ،إذ العابِدُ وقف عند األعامل َّ .أما
والص ُّ
ُّ
ـع بينهما ،فأثمر « األحوال ».
هو فقد جمَ َ َ
والص�ويف أك َثر من « زاهـد » ،إذ الزاهد يف الدنيا ِ
زاهدٌ يف ُّ ُ ُّ
الص�ويف فال يزهد إال فيم�ا حيجبه عن اهلل ،وبهذا
ال يشءَّ .أم�ا ُّ
جيعل الدنيا يف يده ،ال يف قلبه.
ق�ال اب�ن كثير رمحه اهلل تب�ارك وتع�اىل ،وهو أح�د تالميذ اب�ن تيمية
رمح�ه اهلل تب�ارك وتع�اىل ،عن�د تفسير قوله تع�اىل ﴿ :ﭑ ﭒ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﴾ [اآلية 18من سورة املائدة] « :وقال
بعض ش�يوخ الصوفية لبعض الفقهاء :أين جت�د يف القرآن أن احلبيب
ال يع�ذب حبيبه ؟! فلم يرد عليه ؛ فتال عليه الصويف هذه اآلية ﴿ ﭙ
ﭚ ﭛ ﭜ ﴾ ،وهذا الذي قاله :حسن » ...إىل آخر ما قال
رمحه اهلل تعاىل رمحة واسعة ،فراجعه هناك لتستفيد .
22
ب الكَم ِ
ال،» وهكذا يصبح التصوف فرض َعينْ ،ألنه « َط َل ُ
َ
وم�ا من خملوق إال وفي�ه نقص جيب اس�تكامله ،وبالتايل كان كل
الذات
ُ ِع ْلم يمكن االس�تغناء عنه إال التص�وف ،ألن موضوعه:
وال�روح ،و َعال َق ُة الوجود باملوجود ،وارتباط الغيب بالش�هادة،
ُّ
وامللك بامللكوت ،وك ُُّل ِع ْلم بعد هـذا فهو :نافـلة .
ش�اب إىل مرش�د صويف ،فقال له :يا ولدي « :إن كنت
ٌ جاء
تريد الدنيا واجلنَّـة فعليك بفقيه ،وإن كنت تريد رب الدنيا ورب
اجلنة فهلم إلينا ».
يـا ولدي:
البشرَ مـدَ ر ،ال خَ ْ ِ
الخ ْل ِقَ :ه َل َ
ك، ظ َر إىل َ ي ُلو من كَدَ ٍرَ ،
فم ْن َن َ َ ُ َ ٌ
ك.وم َل َ
ك َ الح ِّقَ :س َل َ وم ْن َن َ
ظ َر إىل َ َ
23
ِ
وأغالل ولك�ن عليك بخل�وص النِّية من قي�ود املقام�ات،
األحوال ،وعبادة اآلمال .
يـا ولدي:
24
والتص�وف :فن�اء صف�ة العبد ببق�اء صفة املعب�ود ،ومن
هن�ا كان الصويف هو ال�ذي ال َي ْم ِلك وال ُي ْم َلك ،أي ال َي ْم ِلك
نفسه ،ألنه ِم ْل ٌك هلل ،وهبذا ال َي ْم ِلكُه غريه من مال ،أو جاه ،أو
ب
والصويف يف ُح ِّ
ُّ بشرُ ،ث َّم َّ
إن صحة امللكية تكون للموجود،
ربـه مفقـود .
يـا ولدي:
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
الصويف َقائ ٌم بر ِّبـه عىل قلبه ،و َقائ ٌم بقلبِه عىل َن ْفسه ،و َقائ ٌ
ـم ُّ
ِ ِ
�ن يليه ،وه�ذه القوام�ة هي التحق�ق بالتصوف بنَ ْفس�ه عىل َم ْ
الرفيع ﴿ :ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﴾.
25
ِ ِ ِ ِ
الح ِّق يف الخ ْل ِق يف َم َقام�ه ،و ُيق ُ
يم ْأم َر َ ي�م ْأم َر َ
والص�ويف ُيق ُ
ُّ
ُت� ما ينبغي أن ُي ْس رَ ظ ِه ُر ما ينبغي أن َي ْ ام ِ
�ه ،ف ُي ْ م َق ِ
َت�، ظ َه َر ،و َي ْس رُ ُ َ
ويقوم بواجب وقته كأفضل ما يقوم رجل ،وبـه يستقيم عاتق
امليزان ُبروح الر َّبانيـة .
26
�ك يف الخُ ُل ِ
�ق :زَا َد عل ْي َ
ك يف فالتَّص�وف ُخ ُل�ق « َم ْن زاد عل ْي َ
التَّصوف » ،وبالتايل زاد عليك يف اإلنس�انية ،فنفع وانتفع ،وأ َّدى
رسالة البرشية بروح ساموية َع ِل َّيـة.
يـا ولدي:
لي�س للش�يطان عىل الص�ويف الص ِ
اد ِق َس�بِ ٌ
يل ،ألنَّ�ه حت َّق َق ُّ ِّ َّ
فدخ َ
�ل يف ُقدُ س ﴿ :ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ بال ُع ُبود َّي�ة المحضةَ ،
ﯨ ﯩﯪ ﴾.
27
ﯗ ﯘ ﯙ﴾ ﴿ ،ﭼ ﭽ ﭾ ﴾ ﴿ ،ﮀ ﮁ ﴾،
﴿ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ .
الح َّق
التص�وف َ
َ وع ِّل�م النَّاسَّ :
أن واع َل ْ
�م -ي�ا ولدي َ - ْ
ُم َق َّيـدٌ بأحكام الكتاب ُّ
والسنَّة ،عىل أساس العزيمة ،وحذار من
الر ْخ َصة ،إال يف َحـدِّ ها المحدود ،فالتصوف - الصريورة إىل ُّ
وخ ُل ٌق ِ
وع َبا َدةٌِ ، وع َم ٌلُ ، ِ
ـوةٌ..
وج َها ٌد و َد ْع َ من حيث هو -ع ْل ٌم َ
أص ٌل ُم َؤ َّص ٌل مما جاء به الوحي ،وح َّثت عليه الرشي َع ُة كما ُه َو ْ
وكل امرئ -مهام �ال »ُّ ، طل�ب الكم ِ ُ �ت ،فهو كم�ا قلنا « رأ ْي َ
َ
يك�ن ش�أنه -في�ه وجه ،أو وج�وه من النق�ص ،وبهذا يصبح
التصوف واجب ًا عيني ًا ،ال عذر ألحـد معه .
( ه�ذا هو ت ََص ُّو ُفنَا ) ،وهو ( علم فقه املعرفة ) ،وال ش�أن لنا
بتصوف اآلخرين ،و﴿ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﴾.
28
الح ِّق ،ال َف ْر ُق
وح مع َ الخ ْل ِقُ ،
ور ٌ الصويفَ :بدَ ٌن مع َ
ُّ يعي�ش
أن العمل َم َع الغفلة والج ْم ُع مع َجنَانِ ِه ،وهو يعلم َّ ِ ِِ
يف ل َسانهَ ،
َخيرْ ٌ من الغفلة عن العمل !!
يـا ولدي:
والسلام،
احلبَّ ،
ُّ وتص�ور -ي�ا ول�دي -جمتمع ًا حيكم�ه:
َّ
والتَّس�امح ،والتيسير ،واللني ،والتعب�د ،والتعاطف ،والرشف،
وحت�رى معايل األم�ور ؛ كيف يكون أف�راده ؟ وكيف
ِّ واإليث�ار،
متيض حضارته ؟!
29
العنف ،والقس�وة ،والقهر ،والتعايل ،واخلبث ،والتغايل،
َ َّ
إن
أق�ذار ال يعرفها
ٌ والب�ذاءة ،والتع�امل ،واالندف�اع ،وأذى الناس:
التصوف.
يـا ولدي:
30
وما َح َج َبك ُْم إال ُرؤْ َية أن ُف ِس�ك ُْم ،ف َع َّش َ
�ش ُ�وح ؛ َ
الوص ِ
�ول َم ْفت ٌ ُ
اث إ ْبلِيس . ري ُ ِ ِ فيها الكِبرْ و َب َ َ
اض وأ ْف َرخَ !! » ،والكبرْ ُ م َ ُ
وهم يقولون ريض اهلل عنهم:
ِ واضح ،والدَّ لِ ُ ِ يق ِ
يل الئ ٌح ،والدَّ اعي َأ ْس َم َعَ ،ف َأ ْقن َ
َـع ٌ ط ِر ُ
« ال َّ
وغ َلب ِ و َأمتَ�ع؛ وم�ا التَّح بعد ذل�ك إال ِمن َغ ْف َل ِ
�ة النَّ ْف ِ
ـة �سَ َ ، ْ َ ُّي�رُّ ُ َ ْ َ َ
ِ ِ
واعت َقاد ال َف ْض ِل عىل ِّ
الس َوى ». اله َوىْ ، َ
يـا ولدي:
لقد كان التصوف ثورة عىل الرتف واالستعجام واالنحالل
والالمباالة ؛ فإذا دخلته املغاالة ،فتلك طبيعة األش�ياء ،وهذه
قصة الصحابة الذين أرادوا أن يصو ُموا بال فطر ،وأن يعيش�وا
عىل الطعام الرمزي ،وأن يرتكوا النس�اء واألوالد ،وأن يصلوا
الليل بالنهارَ :ت َع ُّبد ًا وانقطاع ًا عن احلياة ،فنهاهم الرسول �،
وأرشدهم إىل الوسطية واالعتدال ﴿ ﭪ ﭫ ﭬ
ﭭ ﴾.
31
حي ،فإذا داخل ُ
والرس�ول � ٌّ والوحي ينزل،
ُ كان ذلك
التصوف الغالة واملتنطعون ،واس�تبدلوا حك�م إحياء النفس
بقتل النفس ،أو اختاروا اخلبيث عىل الطيب ؛ فليس هذا عيب ًا
يف التصوف نفس�ه؛ فالتصوف يشء غري املتصوف ،وال يمكن
أن حيمل اإلسال ُم وزر املسلم الذي ينحرف ،وهل يرتك املسلم
ألن يف املسلمني قوم ًا َض ُّلوا السبيل؟!.
التقي إسالمه َّ
32
التص�وف -يا ولدي -هو ترمي�م بناء الباطن بعد أن حتطم
اإلنسان من داخله.
َّ
إن عن�د « الصوفية » ما عند النَّاس ،وليس عند النَّاس ما
عند « الصوفية ».
33
يـا ولدي:
ٍ
بأقوال ل�م يفهمها مما جاء قـد يعترض عليك بعضهم
عن بعض السلف ،والس�لف برشْ ،
فإن أخطأوا فوزرهم عىل
أنفسهم ،وال ن ُْس َأ ُل عنهم ،وال ن َ
ُؤاخ ُذ بما اجرتحوا ﴿ ،ﯸ ﯹ
ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﴾.
ظ�روف
ٌ ولكنن�ا نعتق�د أنهَّ�م أرادوا اخلير ،وكان�ت هل�م
ورصوف ومالبس�ات ،أجربهت�م على الرم�ز واإلش�ارة ،أو إىل
ٌ
اإللغاز والتحجية ،وما دامت أقواهلم تقبل التأويل اإليامين -ولو
م�ن وجه واحد م�ن مائة وجه آخر -فإننا نحمله عىل هذا الوجه
الواح�د املؤمن ،بحس�ن الظ�ن ،وبحك�م العلم ،ون�دع ما وراء
ذل�ك هلل وح�ده ،فليس أحد يقول أو يكتب ش�يئ ًا وهو يعتقد أنه
يدخل به النار!! وليس من َح ِّق أحد أن حيكم عىل أحد باخلروج
من امل َّلة إال بدليل ال شبهة فيه « عىل مثل ضوء الشمس » .
قال رسول اهلل � « :عىل مثل الشمس ،فاشهد أو َد ْع » رواه احلاكم
والبيهق�ي عن ابن عباس مرفوع ًا ،ولفظه « :إذا علمت مثل الش�مس
فاشهد ،وإال فدَ ْع » ورواه الديلمي بلفظ « يا ابن عباس ،ال تشهد إال
عىل أمر ييضء لك كضياء الش�مس » ،ورواه الطرباين والديلمي أيض ًا
عن ابن عمر ريض اهلل عنهام .
34
مفاتيح ملس�تغلقات مرتامية
ٌ ونح�ن نعتق�د َّ
أن لكالم الق�وم
اخلاص�ة ،فما ل�م نفهمهم على مرادهم
َّ لخاص�ة
َّ األبع�اد ،فه�ي
اليقيني فلندع هلل أمرهم ،ولنستغفر اهلل لنا ولهم .
يـا ولدي:
َ�و ٍن أالَّ هِ َغايـ�ة ك ُِّل متَح ٍ
�رك إىل ُس�كُون ،ونَا َي� ُة ك ُِّل ُم َتك ِّ ُ َ ِّ
ك؟!. اهلالِ ِ
ك َعلىَ َ كَ ،فلِ َم الت ََّها ُل ُ
ك ك ََذلِ َ كان ذلِ َ
َيكُون ،فإذا َ
35
-3وحسن ِ
الخدْ َمـة . ُ ْ ُ
- 4و ُن ُفو ُذ ِ
العز َْمــة .
وه�ؤالء ق�د ُحر ُموا هـ�ذه النعمة ،فليس منه�م إال جاف
م�ن ق�ول اإلم�ام املجم�ع على جاللته أب�و ت�راب النخش�بي (املتوىف
245هـ) ،انظر الرسالة القشريية ص .119اهـ مصححه
36
الطب�ع ،معتم القلب ،غليظ ال�روح ،ثقيل ال ِّظل ،مظلم ،معتم،
ـان ٌّ
فظ ،أو صاحب « مشنقة » َكنُود ؛ فهو متأزم، سج ٌكأنما هو َّ
مع َّق�د ،حامل ٍّ
غل عىل الذي�ن آمنوا ،يكاد الكبر َّ
يتفج ُر من
َجنْ َب ْي�ه ،تعالي ًا عىل الن ِ
َّاس ،وتأله ًا عليهم ،فقد َ
زع ُموا ألنفس�هم
العصمة وضمان اجلنة ،وأقام�وا من أش�خاصهم أوصياء عىل
�ن رحم اهلل،
دي�ن اهلل ،كأنَّم�ا الدِّ ين ما عنده�م وحدهم ،إال َم ْ
ٌ
وقليل ما هم.
ويعلم اهلل أنَّنا نأس�ى هلم ،ونعطف عليهم ،مما ابتالهم اهلل
أن فيهم َخيرْ ًا،
بـه ،وندعو اهلل بظهر الغيب هلم ،وال نزال نعتقد َّ
نرجو أن يغلب عليهم ،وما ذلك عىل اهلل بعزيز.
إن النَّ�اس ال يطلبون اهلل واجلنَّة بما َص َّح عند غريهم ،وإن ََّما
َّ
يطلبون ذلك بما َص َّح عندهم ،فإن أصابوا فأجران ،وإن أخطأوا
ٍ
امرئ ما نوى. فأجر ،وعند اهلل مزيد ،ولكل
37
يـا ولدي:
هذه لمحـ ٌة « عىل هامش التصوف » ،وأرجو أن يكون يل
عود ٌة إىل مثل هذا احلديث َم َع َك ،إن كان يف العمر مـدد ،فهـو
ٌ
حديث غري ممنون :ذو شؤون وشجـون !!.
وإنيِّ أقول ما قال السادة « :لو َأ َّن اخلاطئني َخ ِر ُسوا ما ت ََحدَّ ْثنَا
ريح ما دنا منَّا أحد. ِم َن ال َبك َْم » ،ويعلم اهلل لو كان ُّ
للذنوب ٌ
وأس َتغ ِْف ُر اهلل يل ولكم وللمسلمني. ُ
أقول قويل هذاْ ،
وهو املوفق املستعان.
ِ ِِ * وصلىَّ اهلل عىل سي ِدنَا حُ َ ٍ
وص ْحبِه َ
وس َّل َم * م َّمد وعىل آله َ َ ِّ َ
38
وهو القاهر فوق عباده
( فقرات من دستور اجلهاد يف اهلل )
()1
هبذه العبارة ختم أحد إخواين وأبنائي يف اهلل كتابه إ َّيل شاكي ًا
ما جيده يف الوطن املسلم من بعض املسلمني ،نقول:
وال�ذي جيب أن يك�ون معروف ًا لكل جماه�د يف اهلل أنه دائ ًام
عرض�ة ل�كل مذه�ل فاج�ع م�ن الترصف�ات واألح�داث ،يف
النفس واألهل واملال واإلخ�وان والعمل والدعوة ،وأنه جيب
أن يك�ون ل�كل مفاجأة تبهته من هذا الن�وع عدهتا ومكاهنا من
حيات�ه العادية ،بحيث ال يضطرب هلا عرق واحد من جس�مه،
فهذه هي الدني�ا ،وهؤالء هم النّاس ،وذلك هو اجلهاد ،وتلك
هي سنة اهلل ،ولن جتد لسنة اهلل تبدي ً
ال وال حتويالً.
جمل�ة املس�لم ،الس�نة الثامن�ة ،الع�دد احلادي عشر ،غرة املحرم س�نة
(1382هـ) ،ديسمرب سنة (1958م) ،كلمة الرائد.
39
�م ّ
إن الزم�ان ي�دور ويتط�ور ،والعق�ول تث�ب وتتحرر، ُث َّ
وعجل�ة التقدمي�ة جت�ري يف رسع�ة مذهل�ة ،ف�ك ُُّل قدي�م إىل
ٍ
فس�اد إىل صلاح ،وال ب�د م�ن ي�وم تف�رض فيه جدي�د ،وك ُُّل
(دعوة اإلصالح) نفسها فرض ًا ملزم ًا قريب ًا جد ًا ،ولن يكون من
دوهنا مهرب وال معذرة ،تلك هي طبيعة األش�ياء ،وال س�بيل
إىل مغالبتها ،فاطمئن جماهد ًا ،أ ّيدك اهلل.
()2
فإن نكن إن علينا العمل ،وليس علينا النتيجةْ ، يا ول�ديَّ :
الش� َّقة و َب ُعدَ نعي�ش يف زمانن�ا فال بد ِم ْن نصر اهللْ ،
وإن طالت ُّ
وإن مل نكن نعيش يف زماننا فلن�ا رشف الريادة األوىل، الس� َفرْ ،
َّ
وبناء حجر األس�اس ،وس�وف ينصفنا اهلل حني خيذلنا النّاس،
وسنكون يف األجيال القادمة ُ وس�وف ينصفنا التاريخ ِم ْن بعد،
نس�جل لِ َم ْن َب ْعدَ نا
ُ حمل قداس�ة ودراس�ة ،وقدوة وإمامة ،فإنّنا
ضخم�ة ،ونرصدُ هل�م المعالم ،وهنيئ ٍ ٍ
معنوي�ة ٍ
انتقال مرحل�ة
ٍ
هادفة ٍ
دع�وة هل�م الس�بيل ،وندع هلم إمت�ام ما بدأناه ،ش�أن ك ُِّل
ٍ
هادية هلل ،عىل أننا إنّما نعمل هلل وحده.
40
()3
ي�ا ول�دي :ومن�ذ ك�م كان طريق اجله�اد مفروش� ًا بالورود
لت كنت جماهد ًا ،وملا َّ
حص َ واحلرير؟! لو كان مفروش� ًا كذلك ما َ
كنت تكون حمظوظ ًا ناع ًام ،أو مس�تدرج ًا
هذا الرشف الرفيع ،بل َ
�ت البالء واللأواء ،وعا َن ْي َت البأس�اء منحوس� ًا ،إنّ�ك كلام ال َق ْي َ
ِ
واألخ َّصاء، املقربون
ب عليك ّ والرضاء ،وتنكَّر لك اخلصوم ،وتأ َّل َ
ال إهلي ًا عىل أنّك من أحباب السامء.
كلام كان ذلك دلي ً
عبد اهلل بن س�عد بن أيب الرسح القريش العامري ،أسلم قبل ال َفتْح،
وهاجر ،وكان يكتب الوحي لرس�ول اهلل �ُ ،ث َّم ارتد مرشك ًا ،فأمر
النبي � يوم الفتح بقتله فيمن أمر بقتلهم ولو وجدوا حتت أس�تار
الكعب�ة ،لعظي�م جرمه�م ،ثم إن عثمان ريض اهلل عن�ه ،وكان أخوه
م�ن الرضاع�ة ،أتى ب�ه النبي � ،واس�تأمنه له ،وم�ا زال حتى عفا
النب�ي � عنه ،فحس�ن إسلامه ،ومل يظهر منه يشء ُينك�ر َع َل ْي ِه بعد
َذلِ َك ،وغزا وجاهد وافتتح إفريقية وبالد النوبة ،وويل مرص ،ومات
يف صالة الصبح.
41
الس�لب
يكذبه وهيزأ به إىل يوم الفتح األكرب ،ونعوذ باهلل من بل ّية ّ
بعد العطاء.
()4
يا ولدي :لقد باع هيوذا األس�خريوطي س� ِّيده املسيح عييس
ألعدائه بدانق وس�حتوت ،ومل يأبه ملا ارتبط به من عهد اهلل معه،
وال للمفروض من قوانني األخالق ومعايري القيم العالية ،فانظر
اآلن أين هيوذا ؟ ..وأين املسيح ؟
42
ي�ا ول�دي :رب�ك أكبر وأق�در ﴿ ،ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ
ﯤ ﴾ [النساء.]84 :
43
ِ ِ ِ
طو َبى ل َم ْن َج َع َل ُه اهللُ م ْفت ً
َاحا الر َج ُالَ ،ف ُيح َها ِّوم َفات ُ الخ ْي ِر والشرَّ ِّ َ ،
َ
َاحا لِلشرَّ ِّ ِ ،م ْغلاَ ًقا ِ ِ ِ ِ ِ
ل ْل َخْي�رْ ِ َوم ْغلاَ ًقا للَّش�رَّ ِّ َ ،و َو ْي ٌل ل َم ْن َج َع َل� ُه م ْفت ً
لِ ْل َخيرْ ِ ».
ات وبدَ و ٍ
ات والنّ�اس هم النّاس بك ُِّل م�ا يف البرشية ِمن ن ََزو ٍ
َ َ ْ َ
وم� ْن َن ْف ِع ّي�ة ووصولي�ة،
اتِ ،
وش�هو ٍ ِ
�وات ،ومناق�ص َ َ َ
وصب ٍ
َ َ َ
واملشاهبة واملناسبة والغاية جتمع البعض عىل البعض ،وهم أعلم
ببع�ض من بعض ،فام كان هلل دام واتصل ،وليس كذلك ما لغريه
ِ
بف�إن الدُّ نيا ُح ْبيل تَل�دُ العجائب ،والدَّ ْه ُ�ر ُق َّل ٌ
تع�اىل ،فارتق�بّ ،
ُح َّو ٌل َغدّ ٌار ،وال أمان لزمان ،فالدَّ ّيان سبحانه ال يموت ،وكام
ت َِدين تُدان ،وإنَّما يؤتى احلذر ِم ْن مأمنه.
44
()5
ي�ن النصيح� ُة » ،والنصيح�ة ُم ّ�ر ٌة إذا ما ي�ا ول�دي « :الدِّ ُ
ص،واستشعار الكامل أمار ُة النَّ ْق ِ
ُ الكامل ِمن َن ْف ِسه،
َ استش�عر املر ُء
�م َيت النصيح ُة ص أم�ار ُة الكامل ،وهلذا ُس ِّ كما أن استش�عار النَّ ْق ِ
الصيريف للامل ،يميز الرصف ّ َن ْق�د ًا ،بمعن�ى أهنا َتن ِْقدُ األمور َن ْقدَ
م�ن الزي�ف ،فرياه ُم َ�ر ِّوج الصرف إمام ًا مبرور ًا ،وي�راه ُم َر ِّوج
الزيف مهرج ًا موتور ًا ،ك ٌُّل بحس�ب حاله ولون طويتهَ ،
فح ْس ُب َك
أن تق�ف موق�ف الصيريف النَّزي�ه ،تق�ول لصاح�ب الصرف:
أس�أت ،هذا وذاك لوج�ه اهللُ ،ث ّم
َ أحس�نت ،ولصاحب الزيف:
َ
تتقبل شكر األول ،كام تتحمل عبث الثاين ،أيض ًا هذا وذاك هلل.
أليس بقي إمامنا مالك سنوات ال خيرج جلمعة وال مجاعة ممّا
لق�ي ؟! أليس مات أبو حنيفة ِم ْن آث�ار ما فعلوه به ؟! أمل خيرجوا
البخاري من وطنه ؟!
45
ه�ل نس�يت م�ا ح�دث لألئم�ة الصوفيين؟! أمل يس�لخ
النسيمي؟! أمل يصلب احلالج؟!
()6
ي�ا ولدي :يف حديث ابن ع ّب�اس ريض اهلل عنهام « :ال يؤمن
أحدكم حتي يعلم أن ما أصابه مل يكن ليخطئه ،وما أخطأه مل يكن
46
ِ ِ
ليصيبه »َ « ،ج َّفت األ ْقال ُم و ُط ِو َيت ُّ
الص ُح ُ
ف » ،وتلك ماد ٌة
ٌ
وعمل ،وأنت أساس�ي ٌة من دستور اجلهاد النظيف ،واجلها ُد ٌ
إيامن
وإن ِم َّت فلن تع�دم القرب ،فعالم
عش�ت فل�ن تعدم الق�وتْ ،
َ ْ
إن
تعط الدن ّية يف دينك أو دنياك ؟
ال ِّ
كالضرس يرسو مكانه وكن رج ً
ليطح�ن ،ال يعني�ه حل�و وال م�ر!
رواه الرتم�ذي ( ،)2144ع�ن جاب�ر ريض اهلل عن�ه .ورواه أمح�د
( )27490ع�ن أيب الدرداء ريض اهلل عنه ،رفعه « :لِك ُِّل شيَ ْ ٍء َح ِقي َق ٌة،
وما َب َلغَ َع ْبدٌ َح ِقي َق َة اإليماَ ِن َحتَّى َي ْع َل َم َأ َّن َما َأ َصا َب ُه َل ْم َيك ُْن لِ ُيخْ طِ َئ ُه ،وما
َأ ْخ َط َأ ُه َل ْم َيك ُْن لِ ُي ِصي َب ُه ».
ه�ذه اجلمل�ة من حدي�ث ابن ع ّباس املش�هور( :احف�ظ اهلل حيفظك)،
وه�ي باللفظ املذك�ور يف رواية الطرباين يف الكبير ( ،)239/12ويف
الدعاء ( ،)42والبن السني يف عمل اليوم والليلة (.)426
47
فع�ز الحس�ام الهندوان�ي ص�دره
48
ﰇ ﭑﭒ ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭚ
ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﴾ [آل عمران.]174 ،173 :
()7
ي�ا ول�دي :أن�ا ال أمنع�ك أب�د ًا أن تنتظ�ر (كام تق�ول) يقظة
الضمير ،أو صحوة اإليامن النائم يف ضامئر بعض النّاس ،فكثري ًا
الس�ادة ،أي عندما مل يكن التدين فطري ًا أصي ً
ال ِ ما َحدَ َ
ث ذلك م َن ّ
يف اإلنس�ان ،أي عندما يقع اإلنس�ان الفاضل حت�ت هيمنة عامل
ط�ارئ ليس من طبع�ه وال وراثته ،فذلك هو األواب الس�امي،
وال يزال يف النّاس من هؤالء بقي ٌة نبيل ٌة.
أليس كان رسول اهلل � حيلف عيل اليشء حتى إذا بدا له ما
هو خري منه َك َّفر عن يمينه ،وعاد إىل ما هو خري ؟!
يف صحيح مسلم ( )1651عن أيب هريرة ريض اهلل عنه ،أن رسول اهلل
ت ا َّل ِذي
ني فر َأى َغ ها َخ ًا ِمنْهاَ ،ف ْلي ْأ ِ
َ يرْ َ َ ْي�رْ َ
ِ
ف َعلىَ َيم ٍ َ �ن َح َل َ
ﷺ ق�الَ « :م ْ
ِ ِ ِ
ُه َو َخيرْ ٌ و ْل ُي َك ِّف ْر َع ْن َيمينه ».
49
ٍ
كتاب�ات إ ّيل ،وأو ُد ل�ك أن تكون موضوعي� ًا عميق ًا، تعال�ج م�ن
حتدِّ ُد اهلدف وحتي ُطهُ ،ث َّم ترمي إليه جزء ًا جزء ًا بربهانك وإيامنك،
ش�أن أهل العلم وأهل الفضل ،وإ َّي َ
اك والقدوة بأولئك الذين
بالسلطان
حل ّجة ،ويلوذون ُّ
يس�تبدلون السباب بالعلم ،والشتم با ُ
إذا أعياهم الربهان ،فبني الفضل وبني أولئك َس ْب ٌح طويل.
�م عن�د إيامنك قف وتذكَّ�ر حديث رس�ول اهلل �َ « :ل َقدْ ُث َّ
ون ِع َظ ِام ِه ِم ْن َل ْح ٍم
يد ،ما ُد َ اط الح ِد ِ
َ
�ط بِ ِم َش ِ َان َم ْن َق ْب َلك ُْم َل ُي ْم َش ُ ك َ
�ار َعلىَ َم ْف ِر ِق ِ ك َع ْن ِدين ِ ِه ،و ُي َ ب ،ما يَصرْ ِ ُف ُه َذلِ َ َأ ْو َع َص ٍ
وض ُع المن َْش ُ
ك َع ْن ِدين ِ ِه ». َر ْأ ِس ِه َف ُي َش ُّق بِا ْثنَينْ ِ َ ،ما يَصرْ ِ ُف ُه َذلِ َ
فلما نسي المتحدِّ ث وهذا لألسف مفقود يف كثري من املتحدثني اليومّ ،
أن يحيط بموضوعه ،وأن يحدد الهدف من حديثه ويحيط به ،وغفل
عن تحديد المشكالت ،وإيجاد الحلول ،ولم يستطع أن ُيحدد محل
النزاع ،أو يصور المس�ألة ويس�ورها ،فلم تكن النتيجة إال ما أس�ميه
(حوار الطرشان).
رواه البخاري في الصحيح ( ،)3852عن خباب رضي اهلل عنه ،وتمامه:
اء إِ َلى َح ْض َر َم ْو َت « و َليتِمن اهللُ ه َذا األَمر حتَّى ي ِسير الراكِ ِ
ب م ْن َصنْ َع َْ َ َ َ َ َّ ُ َ ُ َّ َّ
ِ ِ
ْب َع َلى َغنَمه ». انِّ : اف إِلاَّ اهللَ َ .زا َد َب َي ٌ
والذئ َ َما َيخَ ُ
50
()8
يا ولدي :هلل نحب وهلل نبغض ،وهلل نقول وهلل نس�كت ،وهلل
نقب�ل وهلل ندبر ،وهلل نبني وهلل هن�دم ،وهلل نرتفع وهلل نتواضع ،وهلل
ُن َق�دِّ ُم وهلل نحجم ،أصحاب رس�الة ،وخدام دعوة ،وس�دنة حرم
روح�ي مق�دس ،خرجنا ِم ْن َح ْولِن�ا و ُق َّوتِنا إىل ح�ول اهلل وقوتِ ِه،
وجتردنا ِم ْن تدبرينا ِ ِ ِ ِ
وبرئن�ا م ْن ع ْلمنا و َع َملن�ا إىل علم اهلل وعملهّ ،
فم ْن أرىض اهلل بس�خط النّاس
واختيارن�ا إىل تدبري اهلل واختيارهَ ،
وم ْن أسخط اهلل برضا النّاس كان اهلل عليه ،وال يستوي
كان اهلل لهَ ،
اخلبي�ث والطيب ،وال املفس�د واملصلح ،وال املحترف واملؤمن،
وم ْن يقارع النّاس ،فإنه
وال العامل واجلاهل ،وال َم ْن يصانع النّاس َ
ال إيمان ملن هو هنا بوجه وحال وخل�ق وكالم ،وهو هناك بوجه
وحال وخلق وكالم ،حياته متثيل ،ودينه تبطيل ،وظاهره تدجيل،
وباطنه ختبيل ،وهو يف كل ذلك علة بال تعليل.
ٌ
رج�ال صدقوا م�ا عاهدوا اهلل أال وإن�ه ال ي�زال هناك وهنا
عليه ،أولئك هم أولو البقية الذين ينهون عن الفساد يف األرض،
وال يلبس�ون احل�ق بالباط�ل ،وال يكتم�ون احلق وه�م يعلمون،
51
ولوال هؤالء ملا نظر اهلل إىل اخللق برمحته ،وملا أصاهبم ُ
وابل فضله
ونعمت�ه ،وألحاطه�م بعوامل غضب�ه ونقمته ،وه�و القاهر فوق
عباده ،وهو احلكيم اخلبري.
52
أحب
يقوم اعوجاجه بالسيف ،تأ ّمل ،وقارن ،فإين ُّ
املس�لمني من ِّ
الس�نّة املربورة ،أمل يقل املس�يح :من كان
أن أك�ون م�ن أهل هذه ُّ
منكم بغري خطيئة فلريجم الزانية ؟!
()9
الصاحلني مس�تجاب الدع�وة ،فخطر ي�ا ولدي :كان أح�د ّ
له أن يس�أل اهلل أن يكش�ف له بعض مش�اهري النّ�اس ِم ْن رفاقه،
فلما ذه�ب إليهم يف صلاة الفجر إذا به يراهم علي صور القردة
واخلنازي�ر ،فخط�ر ل�ه :مل�اذا ال يكون فيه�م َم ْن هو على صورة
الكل�ب؟ فإذا به يس�تمع النداء الروحي م�ن ذاته :ليس فيهم من
هو عىل صورة الكلب ،ألنه ليس فيهم رجل ويف !!
53
وأبغض بغيضك هون ًا ما ،واترك يف الكأس بقية لغد ،فأنت
ال ت�دري م�اذا يقيض اهلل فيه ،وإن أبعد النّ�اس من اهلل يف الدُّ نيا
واآلخرة األلد اخلصم ،وكن رجل مبدأ ،تدور يف فلكه ،تبشري ًا
به وكفاح ًا دون حياضه ،وإ ّياك والتعرض للشخصيات فتسقط
هاوي� ًا ،وإن خيل�ت ل�ك نش�وة النه�ش والتمزيق أن�ك ترقى
ذكري�ات وعندهم
ٌ صاع�د ًا ،فف�ي النّاس عقول وفه�وم ،وهلم
ٌ
وقليل يف موازي�ن ،ول�ن يتجرع قول�ك كله كام هو إال جمن�ون،
الناس املجانني ،أليس كذلك؟!
روى الرتم�ذي ( )1997ع�ن أيب هريرة ريض اهلل عنه -أراه رفعه :-
وأ ْب ِغ ْض
ك َي ْو ًما م�اَ ، ُ�ون َب ِغ َ
يض َ أن َيك َ �ب َحبِي َب َ
�ك َه ْونًا ما َع َس�ى ْ « َأ ْحبِ ْ
�ك َي ْو ًما َما » .ق�ال الرتمذي: �ك َه ْونً�ا ما َع َس�ى َأ ْن َيك َ
ُ�ون َحبِي َب َ يض َ َب ِغ َ
غري�ب ،قال احلاف�ظ العراق�ي يف ختري�ج أحاديث اإلحي�اء « :رجاله
عيل ريض اهلل
رجال مس�لم لك�ن الراوي تردد يف رفع�ه » .وروي عن ٍّ
عنه من قوله.
54
واعل�م أن حماول�ة إره�اب النّاس بالتش�هري هبم ،والتش�نيع
عليه�م ،وتلفي�ق التهم واإلش�اعات وإطالقها حوهل�م ،انتصار ًا
إسفاف جيايف كل األخالقيات ،فإنام يدفع
ٌ لرأي عىل رأي ،إنام هو
ال�رأي بالرأي ،وتقرع احلج�ة باحلجة ،وحرية ال�رأي واالعتقاد
مكفول ٌة قانون ًا ودين ًا.
ّ
إن اللجوء إىل سلاح التهديد واإلرهاب والتشهري وحماكم
التفتيش والكهنوت يف القضاء عىل حرية الرأي واالعتقاد ،فوق
أنه عني العجز ،هو السالح اخلطري الذي ينفجر يف وجه صاحبه،
وجيرده من ثقة النّاس يف علمه وخلقه وكفايته.
55
()10
يا ول�دي :أظنن�ي اآلن أجبتُك عىل أكثر ما ج�اء بخطابك،
وأرشكت معك س�اديت وإخواين وأبنائي ،فم�ن كان منهم عالم ًا
بام قلت فتذكره ،و َم ْن كان غري ذلك فتبرصه.
أ ّم�ا ما بقي من كتاب�ك -يا ولدي -فدع�ه هلل ،وتأ ّمل قوله
تع�اىل ﴿ :ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﴾ [األنع�ام،]44 :
وقوله ﴿ :ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ
ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ
ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ
ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﴾ [احلرش.]2 :
56
ال إله إال اهلل
وه�ذا س�ؤال طويل أيض ًا ح�ول التوحيد الص�ويف ،وقول:
« ال إله إال اهلل ».
* واجلـواب:
ي�ا بن�ي :إنّك عال�م بمقتضى ور َق ٍ
�ة أس�قطها اهلل إليك من ٌ
شجرة الرسمية التي ال تبرص وال تعي ،شجرة الرسمية املحكومة
باالمتحان اإلهلي ،الذي ال ترتتب أحكامه عىل مقتىض مفاهيمنا
وأقيس�تنا ،ولكنه يميض عىل س�نته الغيبية ،ورس حكمته املس�تور
املس�مى بيننا باحلظ واملكتوب ،وهلذا كان وزننا نحن للشهادات
ّ
الرس�مية وزن ًا قد ال يرىض عنه الكثري من عبيدها وع ّبادها ،فلك
فهم�ك عىل مقتضى علمك املؤ ّيد بالش�هادة الرس�مية ،أ ّما نحن
الصوفية فاسمع ما نقول فيام تسأل عنه ملخص ًا:
ُّ
جملة املسلم ،الس�نة التاسعة ،العددان الثالث والرابع ،غرة ذي القعدة
(1378هـ) 9 ،مايو (1959م).
57
فه�و غري حمتاج إىل إثبات أحد ،إذ ما َث َّ
�م َم ْن ثبتت له األلوهية يف
اخللق حتى تنفيها عنه ،فقول( :ال إله إال اهلل) ،إنام يريد هبا ّ
الصويف
املؤمن جمرد ترديد التأكيد ،مع رجاء ثواب التالوة ،ومتعة القلب
بالتحقق واالندماج يف أغوار املعنى األقدس.
58
أ ّم�ا حمي�ي الدي�ن -الذي تستش�هد بالنق�ل عنه -فق�د َق ّرر
الس�نة
عقيدت�ه يف أكثر م�ن كتاب مما كتب ،وأكّد أهنا عقيدة أهل ُّ
واجلامعة ،وهو الذي يقول:
أ ّما إن بعض النّاس مل يفهم مراده فيام عرب به ،فليس هذا ذنب
حميي الدين ،ولكن�ه ذنب اجلهل بعلم حميي الدين ،وذنب العمى
عن كش�ف حميي الدين ،وذنب العجز ع�ن إدراك حميي الدين ..
دخ�ل ثعلب يوما أحد الكروم ،وكلما أعجبه عنقود َو َه َّم بقطفه
ضع�ف وعج�ز ،فيرتكه قائ ً
لا « ه�ذا عنقود حام�ض » ،وهكذا
حتى انتهى إىل جدار الكرم دون أن يصيب ش�يئ ًا ،فذهب إىل ُأ ّمة
الثعال�ب صاخب� ًا صائح� ًا « :أال فاعلموا أنني ق�د خربت الكرم
59
الفلاين عنق�ود ًا عنق�ود ًا ،فل�م أج�د به عنق�ود ًا غير حامض »،
وثعلب اإلنسان كثعلب احليوان ،غري أننا نسمي ثعالب اإلنسان
متمسلفة.
وبعــدّ :
فإن لنا يف معامالتنا العادية دليل جليل ،فهل يفهم
الطبيب اصطالح املهندس؟ أو يفهم املهندس اصطالح الطبيب؟
حني يعرب كل منهم عن آالته ومسميات فنه ،ومصطلحات مهنته،
على أن كليهما م�ن ثقافة عالي�ة مق�ررة ،فكيف إذا ق�رأ احلوذي
(العربجي) كتاب ًا يف علم الذرة والصواريخ؟ أو أقام نفس�ه حك ًام
عىل نظرية النسبية جيادل عالمة الطبيعة أينشتاين؟
ّ
إن للصوفيين اصطالحاهتم التي قام�ت بعض اليشء مقام
العب�ارة يف تصوير مدركاهت�م ومواجيدهم ،حين عجزت اللغة
ع�ن ذلك ،فال يفهم الص�ويف إال الصويف ،فالتص�وف علم وفن
فالص�ويف إذا قرأ ما تعيبه أنت -إذا صح النقل-
وإدراك ون�ورّ ،
من نحو قول بعضهم مثالً « :خلق اهلل األش�ياء وهو عينها أو هو
حقيقته�ا » ،فهم الصويف عىل الفور أن املراد أنه قيومها ومفيضها
م�ن الع�دم ،واملتجيل عليها بمراده منها ،إذ أهن�ا يف ذاهتا فانية من
60
قبل ومن بعد ،ألنّه ال قيومية هلا من ذاهتا ،ففي العدم كانت وإىل
العدم ستصري ،ولن يبقى إال قيومها سبحانه « كان اهلل ،وال يشء
مع�ه » ،وه�و اآلن عىل ما علي�ه كان ،ولي�س يف هذا وحدة
وجود باملعنى الوثني احللويل املكفور أبد ًا ،فاألكوان مجيع ًا مادهتا
العدم ،وقد انتقلت بالقيومية األزلية من العدم املستور إىل العدم
املنظ�ور ،ومتى ما اس�تنفذت نصيبها املقرر م�ن التمتع بالقيومية
61
عادت إىل مادهتا األصلية إىل العدم ،وال َش َّ
�ك أن ما بني العدمني
ع�دم ؛ فل�م يبق إال اهلل يف قداس�ة جتليات صفات�ه وآثارها ،
أعن�ي ه�ذه الصورة الكوني�ة الفاني�ة يف الواق�ع والطبيعة ونفس
األمر كام رأيت.
أ ّم�ا قول القائل ( :أنا اهلل ) ،فهو س�اعتئذ إ ّما يف حالة جذب
يفرق به الش�يخ رمح�ه اهلل تعاىل بني وجود احلق ه�ذا كال ٌم اصطالحي ِّ
س�بحانه وتع�اىل القدي�م األزيل ،ال�ذي ال يفتق�ر إىل موج�د ،ووجود
املخلوق احلادث.
شهود ًا لتلك املعاين .فنفى وجود ًا يشبه وجود اهلل تعاىل ،وأثبت وجود ًا
هو أثر صفات اهلل تعاىل .وقد رشح هذه الصورة ابن الق ِّيم رمحه اهلل يف
مدارج الس�الكني ( )364/3فقال « :وأ ّما الشيخ وأرباب الفناء :فقد
يعن�ون معنى آخر أخص من ذلك ،وهو املش�ار إليه بقوله « ال يناس�م
رس�مك س�بقه » أي :ال ت�رى أن�ك معه ،بل ت�راه وحده ،وهل�ذا قال:
فتس�قط الش�هادات ،وتبطل العبارات ،وتفنى اإلشارات ،يعني :أنك
إذا مل تش�هد معه غريه ،وأس�قطت الغري من الش�هود ،ال من الوجود،
بخالف ما يقول امللحد االحتادي :إنك تس�قط الغري شهود ًا ووجود ًا،
س�قطت الش�هادات والعب�ارات واإلش�ارات ؛ ألهن�ا صف�ات العبد
املحدث املخلوق ،والفناء يوجب إس�قاطها .واملعنى :أن الواصل إىل
ه�ذا املقام ال يرى مع احلق س�واه ،فيمحو الس�وى يف ش�هوده ،وعند
امللحد يمحوه من الوجود ،واهلل أعلم وهو املوفق » .انتهى.
62
وغيبوب�ة ،فلا تعلي�ق لنا عىل ق�ول ُم َغ َّي ٍ
�ب مأخوذ ،رف�ع الشرّ ع
والعق�ل عنه القلم ،وال حيكم عليه باستحس�ان وال اس�تهجان،
ناظ�ر إىل املعنى الذي أس�لفنا ،إذ ما يف
ٌ وإ ّم�ا يف حال�ة إدراك فهو
الكون من موجود مس�تقل بالقيومية إال هو س�بحانه ،وأ ّما غريه
فه�و موجود به تعاىل ،واملوجود بغريه ال وجود له ﴿ ﯴ ﯵ
ﯶ ﯷ ﯸ ﴾ [احلدي�د ،]3 :وإ ّم�ا يف حال�ة فن�اء فه�و
يتحدّ ث عن لسان احلق َج ّل وعال ،كام نجد ذلك كثري ًا يف أشعار
َ
السادة من أئمة القوم وغريهم ريض اهلل عنهم.
وأخبار بعض ّ
ويف حياتنا العادية كثري ًا ما يتحدَّ ث اإلنس�ان عن لسان حال
أمر
س�واه ممن يعقل أو ال يعقل ،فالكالم عىل لس�ان احل�ق تعاىل ٌ
عادي ،ويا لطاملا نس�معه ِم ْن وعاظنا على املنابر وحلق الدرس،
فكيف يسوغ هناك وال يسوغ هنا.
وإين أحيل�ك إىل م�ا كتبه اب�ن تيمية يف الرس�ائل وابن القيم
يف « املدارج » عن معنى الفناء الصويف وحقيقته ،ومها الش�يخان
كتبت إ ّيل ،وسترى -يا ولدي -
الل�ذان كن�ت ترجع إليهام فيما َ
أن اهلل أنطقهام يف هذا املقام بفيض مل خيطر عىل قلم صويف سابق.
63
خملفات السيد البدوي
ومن األش�ياء التي ال يعرفها التصوف اإلسلامي أن يدَّ عي
بعضهم ّ
أن لبعض أولياء اهلل خملفات شاذة ختتلف عام ألفه النّاس
م�ن مثلها ،وقد جاء هذا من مبالغات جهلة األتباع ،وانتحاالت
الصاحلني
بعض املاكرين املبطلني ،الذين يندسون يف غامر طوائف ّ
لغرض أو آلخر يعلمه اهلل .
وال ش�ك ّ
أن ه�ذه الترصف�ات والنس�ب مم�ا ال يقبل�ه عقل
وال رشيع�ة وال تص�وف ،وال يرض�اه حي وال مي�ت ،وإنام إثمه
عىل من ابتدعه .
جمل�ة املس�لم ،الس�نة الثانية عرشة ،العدد الس�ادس ،غرة املحرم س�نة
(1382هـ) 4 ،يونية سنة (1962م) ،كلمة الرائد.
64
وهذه املسبحة الضخمة يربأ منها السيد البدوي كل الرباءة،
وال أعرف إال أهنا مدسوسة عليه شأن جمموعة األحجبة اخلرافية
املنتحلة عليه سواء بسواء ،وإن العامل بسرية السيد البدوي وفقهه
بدينه وأدبه وترفعه ،واعتداده بنفس�ه ال يطيق أبدً ا أن تنسب هذه
القامم�ات إىل هذا اإلم�امُ ،يتَّهم هبا يف علم�ه ويف دعوته ويف دينه
زورا عىل التصوف املظلوم .
ويف عقله ،ثم يعود أثرها ً
65
يا ولدي:
لق�د كان اإلمام أمحد البدوي داعية عا ًمل�ا عار ًفا زعيماً وطن ًّيا
وروح ًّي�ا وعس�كر ًّيا ،وكان امللوك األيوبيون يذهب�ون إىل زيارته
تربك ًا به ،وكانت له مش�اركات فعلية يف حروب الصليبيني ،شأنه
ش�أن اإلمام أيب احلسن الشاذيل ريض اهلل عنهام ،وشأن بقية علامء
السالم ،ومكني الدين ،وابن
الصوفية ،كالعز ابن عبد ّ
العرص من ّ
الصالح ،ومن غري الصوفيني كابن تيمية ومن وااله،
الرفعة ،وابن ّ
ومل يكن العهد نفسه يسمح بالتخريف وال باملخرقة ،وال بتغفيل
خلق اهلل ،ومل يكن يف الوقت سعة للهزل واأللعبانية.
زورا وكذ ًبا ،أو خب ًثا ولؤم ًا ،أو بالهة وخرف ًا،
والذين ادعوا ً
أن هذا الش�يخ كان يأكل يف الوجبة عج ً
لا أو بقرة ،مع املعروف
من زهده وتقشفه ،ال يبعد عليهم أن يمعنوا فيام هم فيه ،فيدسون
هذه املخلفات املضحكة ،وينس�بوهنا -افترا ًء عىل اهلل -إىل هذا
اإلمام العظيم .
66
حتى ال جيد خصوم أولياء اهلل طري ًقا إىل اغتامزهم ،وال مذه ًبا إىل
طعنهم ،وهم من كل هذه الصغائر براء ،فاليقظة اليقظة يا سادة،
اليقظ�ة قبل أن تغرق�وا يف النوم ،وإذا غرقتم فلن ينش�لكم أحد،
وأيض ًا بلغت ،اللهم فاشهد .
حديث ( ُح ُّجوا )
يوش�ك ْ
أن يكون هذا احلدي�ث -رغم ما حوله من مقال-
ص�ور األم�ر الواقع الي�وم أبلغ
م�ن أصدق أعلام النب�وة ،فقد َّ
تصوير ،وقد رواه أبو نعيم والبيهقي واخلطيب ،وغريهم ُّ
ونصه:
ِ
أذن�اب أوديتها ،فال « ح ُّج�وا قب�ل أال تحَ ُ ُّجوا ،يقع�دُ أعرابهُ ا عىل
ُ
احلج أحد ».
يصل إىل ِّ
جمل�ة املس�لم ،الس�نة الثالث�ة عشرة ،الع�دد الث�اين عرش ،غ�رة رجب
(1383هـ)17 ،نوفمرب (1963م) ،كلمة الرائد.
رواه أبو نعيم يف أخبار أصبهان ( ،)37/2والبيهقي يف السنن الكربى
( ،)340/4واخلطي�ب البغ�دادي يف تلخي�ص املتش�ابه (.)194/1
ورواه أيض ًا الدارقطني يف سننه (.)377/3
ق�ال املناوي يف فيض القدي�ر ( « :)497/3قال الذهبي يف املهذب=:
67
وال ب�أس علي�ك -ي�ا ول�دي -أن تق�ول ب�ه ؛ فق�د روى
68
َ
املصطفون ورثة الكتاب
يف قوله تعاىل﴿ :ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ
ﭫﭬﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲ
ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﴾ [فاطر.]32:
جمل�ة املس�لم ،الس�نة الثالث�ة عشرة ،الع�دد الث�اين عرش ،غ�رة رجب
(1383هـ)17 ،نوفمرب (1963م) ،كلمة الرائد.
69
عن�د الظاهر مع االنفع�ال أحيانًا باحلقائق واألرسار ،والس�ابق:
ه�و اجلامع بني أمر الظاهر ورس الباط�ن بكل ما أطاق واحتمل،
فاألول املبتدي ،والثاين السالك ،والثالث املنتهي.
وذل�ك َّ
أن الرشيع�ة أصله�ا األق�وال ،والطريق�ة أصله�ا
األفع�ال ،واحلقيقة أصلها األحوال ،وكل منه�ا كاألم ملا بعدها،
ال تكون إال منها.
70
جل�د وجمه�ود ،واألح�وال حت�ول وتتح�ول ،واملقام�ات ال تزول
وال تتزلزل ،وهكذا تكون األحوال مواهب لالهتداء ،واملقامات
مكاسب لالقتداء ،والفضل بيد اهلل يؤتيه َم ْن يشاء.
اخلالق وخملوقاته:
71
أؤلئ�ك عرفوه بالربهان ،وهؤالء عرفوه بالعيان ،وش�تَّان
بني َم ْن يس�تدل به عليه يف مقام اليقني والش�هود ،و َم ْن يس�تدل
علي�ه بغريه من مقام احلجب والقعـ�ود ،متى غاب حتى حيتاج
إىل دلي�ل علي�ه ،ومتى َب ُعـد حتى نبحث عما يوصل إليه ،وهل
يف الوج�ود غريه حتى يقال :أين هو ،أو يقام الدليل عىل ما هو
أهله ،غفرانك ربنا وإليك املصري.
72
شيوخ التصوف والفرس والعرب
* اجلواب :
(أ) ليتك -يا ولدي -مل توجه إ ّيل هذا الس�ؤال العنرصي،
ال�ذي ال يرض�اه اهلل وال رس�وله ،أو مل تق�رأ قول�ه تع�اىل ﴿ :ﮁ
ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﴾ [احلج�رات ،]13 :وقول�ه تع�اىل:
﴿ ﯜ ﯝ ﯞ ﴾ [احلج�رات ،]10 :وقول�ه � « :ال فض�ل
ألبيض عىل أمحر ،وال لعريب عىل عجمي إالَّ بالتقوى » ،وقوله
اهلِ َّي ِة ،و َفخْ َرها
إن اهلل ع�ز وج�ل قد أذهب عنكم عبي َة الج ِ
ُ ِّ َّ َ َ �ّ « :
شقي ،أنتم آلدم ،وآد ُم ِمن تراب،» وفاجر ٌّ
ٌ مؤم ٌن ت َِق ٌّي ،
باآلباء؛ ِ
ِ
73
وقوله � وق�د مت َّعر وجهه غض ًبا « :ليدعن أقوا ُم فخرهم بأقوام
أه�ون عىل اهلل من
َ ليكونن
َّ إنما ه�م حطب من حطب جهن�م ،أو
اجلعالن التي تدفع بأنفها النتن ».
إهن�ا حمَ ِ َّي ُة اجلاهلي�ة ،يرددها ببغاوات البشر ،بال تدبر ،وال
بينة ،وهل جاء اإلسالم للعرب وحدهم ،فاغتصبه منهم غريهم،
فأصبحوا منبوذين؟!
74
م�ن غري العرب .وكذلك طائفة من أكرب املفرسين ،كالزخمرشي،
والنيس�ابوري .وطائف�ة م�ن أكبر علماء البالغ�ة ،كاجلرجاين،
والتفتازاين ؟!
ُ
الليث بن س�عد ،أصله من (أصبهان)، يا ولدي :إما ُم مرص
إمام أهل الس�نة أمحد بن حنبل ،أصله من ( َم ْرو) ،واإلمام املفرس
الطبري ،أصل�ه م�ن (طربس�تان) ،والش�عبي علاّ م�ة التابعين
وإمامه�م ،كانت أمه من (جلوالء) ،واحلس�ن البرصي الكوكب
الفرد ،كان أبوه من ( َم َ
يسان).
75
الديلمُ ،ث َّم إن ابن مس�كويه ،وابن س�ينا ،والفارايب ،كانوا ُفرس�ا
أعجمني.
اس�مع ي�ا ولدي :فقي�ه مكة عطاء ب�ن رباح ،وفقي�ه اليمن
ط�اووس ب�ن كيس�ان ،وفقي�ه اليامم�ة حييى ب�ن أيب كثير ،وفقيه
الشام مكحول ،وفقيه اجلزيرة ميمون بن مهران ،وفقيه خراسان
الضح�اك بن مزاح�م ،وفقيها البرصة والكوف�ة إبراهيم النخعي
وابن سريين ،ك ُُّل أولئك ليسوا من العرب أصالً ،ولكنهم ّبرزوا
يف جوان�ب العلم والفكر واملعرفة والدِّ ي�ن؛ كانوا األئمة بكل ما
يف اللفظ من معنى يتجدد وال يفنى.
76
تأ ّمل هذا املوقف الكبري اخلطري.
77
كمس�لمني ،ف�إذا قيل :إهن�م فعلوا ذل�ك ليحطموا اإلسلام من
الداخ�ل ،فه�ذه قضي�ة إذا فرضنا هن�وض دليله�ا يف واحد ،فلن
ينه�ض هذا الدليل يف كل واح�د ،ويف ك ُِّل طائفة ط ِّيب وخبيث،
واحلالل بني واحلرام بني ،ولو طبقنا قاعدة س�وء الظن بالفرس،
أو بغري العرب عموم ًا ،ألذهبنا ثلثي علوم اإلسلام ،ولكان أول
منطق يقول به
م�ا ننب�ذه كتاب البخ�اري ،و َمن وااله ،فهل ه�ذا ٌ
إنس�ان س�وي أو قاض منص�ف؟ ﴿ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ
ﯫ ﯬ ﯭ ﴾ [المطففي�نَ ،]5 ،4:أو ال يذك�رون قول�ه تع�اىل:
﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﴾ [ص.]62:
ّ
إن م�ن أحفاد املجوس َمن خدم اإلسلام أصدق اخلدمات
يف الثقاف�ات والعل�وم ،والفتوحات والفنون ،وراجع إن ش�ئت
من حرضنا ذكرهم وأس�لفناه ،ومن ورائهم صف رشيف طويل
معروف ،لم نرش إليه.
78
قبله كان بني العرب وغريهم ،وكان هذا نتيج ًة لطبيعة األش�ياء ؛
أه َ�ل الكثريين
الصوفي�ة وامتدادها ،كان قد َّ َّ
ف�إن تطور الدَّ ع�وة ُّ
للزعام�ة واالجته�اد يف هذا الوقت كثم�رة للتفاعل والتطور فيام
الس�ابع أمثال ِ س�بق ه�ذا الزمان ،فمث ً
لا نجدُ م ْن ُصوفي�ة القرن ّ
أيب احلسن الشاذيل ،وأمحد البدوي ،وابن ِ
دقيق العيد ،وجمد الدين
القشريي ،وزكي الدين املنذري.
79
اخلالف�ة ببغداد ،ومثل هذه الظروف بطبعه�ا تدفع النّاس إىل اهلل
تلقائ ًّيا ،وقد جربنا نحن أخري ًا يف العارش من رمضان.
م�ن أجل ه�ذا وما هو منه ،أو يتعلق ب�ه ،كان هذا االزدهار
الذي تشري إليه.
ضرورة وجود الشيخ املرشد
الصوفي�ة برضورة وجود الش�يخ لتوصيل املريد
س :يق�ول ُّ
(م ْن ال ش�يخ له فالش�يطان ش�يخه) فهل هـذا
إىل ر ِّبه ،ويقولونَ :
صحيح؟
* اجلواب :
80
ﮆ﴾ [الفرق�ان .]59 :ويقول ﴿ :ﭶ ﭷ ﭸ ﴾ [الرعد.]7:
ويق�ول ﴿ :ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﴾ [فاط�ر .]14:ويق�ول:
﴿ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲﯳ ﴾ [األنع�ام.]90:
ويق�ول ﴿ :ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﴾ [لقمان .]15:ويق�ول:
﴿ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﴾ [املمتحن�ة.]4:
ويف احلديث الثابت « :هال سألوا ،فإن شفاء ِ
الع ّي السؤال.»
ٍ
س�ئول ذا ذكر ،خبري بوس�ائل ٍ
قدوة وإذن فالب�د م�ن ٍ
هاد ْ
الفرار إىل اهلل ،واهلجرة إليه ،أمل تر إىل موسى كيف طلب املرشد
ليتَّبِ َع ُه كام جاء يف سورة الكهف ؟! وكيف كان أدب موسى مع
مرشده ؟!
املو ِّقف
ول�ذا كان ال ب�د لطالب حف�ظ القرآن من املق�رئ َ
اخلبري بأحكام التالوة وصح�ة األداء ،ولو تُرك القارئ العادي
لنفس�ه الس�تحال عليه أن يحُ َ ِّص�ل حق التالوة وصح�ة األداء،
وبالتايل ربام اضطربت مع�ه مفاهيم اآليات ،وغابت األحكام،
81
و ُق ْ
�ل مثل ذل�ك يف كل علوم الدِّ ي�ن واللغة ،وكل عل�وم الدنيا
�رف وامله�ن والصناعات، ِ
فكري�ة كان�ت أم عملي�ة ،حت�ى احل َ
مهما عل�ت أو دنت ،الُ بدَّ هل�ا من اختصايص يلقنها ويكش�ف
َّ
لض�ل وافرتس�ه أرساره�ا .فما مل يك�ن للم�رء ش�يخ يف العل�م
الشيطان ،واستهواه ،وجعل إهله هواه فهلك ،وما مل يكن للمرء
معلم يف بقية الصناعات لما أصاب وال أجاد ،وربام هلك وهو
يطلب احلياة ،ومن هنا كان البد ّ
للسالك إىل اهلل من إمام يرشده
ويوجهه ويس�دده ،ويكش�ف له أحابيل الش�يطان يف العبادات
واملعامالت ،واخلطرات النفسية واإلرادات القلبية ،والواردات
التي قد تكون أخطر عىل صاحبها من الكفر الرصيح.
82
مثلاً) والب�د له من مرشف يش�اركه رحلة العل�م واجلهد ﴿ ﭑ
ﭒ ﭓ ﭔ ﴾ [فاطر.]19 :
83
وأظ�ن يف هذا اإلمجال كفاية إن ش�اء اهلل ؛ وإال فـ ﴿ ﮏ ﮐ
ﮑ ﮒ ﮓ ﴾ [القصص.]56 :
ِ
داخ�ل وإذا كان الصوفي�ة يدْ ُع�ون إىل األخلاق وبن�اء
اإلنس�ان بع�د أن هتدَّ َم وحت َّط َ
�م ،فهم إنام يعمل�ون غاية ما جيب
عىل اإلنس�ان الس�تعامر األرض واالس�تخالف عليها ،وتنقية
احلضارة من أوزارها وأوضارها ،واستقرار األمة بأفرادها عىل
ما لو مل يكن هللكت ،وها نحن قد جربنا ،ورضب اهلل األمثال،
ولي�س بع�د احلق إال الضالل ،ونس�تغفر اهلل ونتوب إليه ،وهو
املوفق واملستعان.
84
هذه دعوتنا ،وتلك مواقفنا
كلمة هلل ثم للتاريخ ،ولكل منصف
جملة املس�لم ،الس�نة الثالثة والعرشون ،الع�دد الثاين عرش ،غرة رجب
(1393هـ) 31 ،يوليو (1973م) ،كلمة الرائد.
85
« وهل بيدي إنقا ُذ املنخنقة واملوقوذة واملرتدية والنطيحة وما
إن الكبري ال يمكن أن يكون صغري ًاَّ ،
وإن الصغري الس� ُبع ؟! َّ
أكل َّ
ال يمكن أن يكون كبري ًا ،وقد علم كل أناس مرشهبم ،واجلعالن
يف الروث تزعم أهنا ملوك!! ».
86
فيبدأ ُ
األخ بإصالح نفس�ه فيام بينه وبين اخلالق واملخلوق،
ال ومعامل ًة وأدب ًا ،ثم يد ُع�و األقرب فاألقرب إليه من
علم ًا وعم ً
أهلي�ه وأحباب�ه إىل ربه ،وهك�ذا تصبح الدع�وة إىل اهلل ك َُّل يشء
حزب
ُ يف حيات�ه ،فكلام آم�ن معنا واحد ،زاد ح�زب اهلل ،ونقص
الصاحل�ون رويدً ا َّ
الش�يطان بق�دره ،وباملثاب�رة وال�دأب ،يكث�ر َّ
روي�دً ا ،فيكثر هبم الصالح كذلك ،وبالتايل ُّ
يقل الفاس�دون تبع ًا
لذلكُّ ،
فيقل معهم الفساد كذلك.
الصاحلني تستوجب آل ًّيا وتلقائ ًّيا ،أن تئول إليهم ثم َّ
إن كثرة َّ
أعامل ومس�ئوليات وش�ئون عامة وخاصة ،يف خمتلف املجاالت
واملس�تويات ،فهم يامرسوهنا بام يف اإلنس�ان املؤمن من إخالص
وص�دق وترف�ع ابتغ�اء رض�وان اهلل ،مطبوع�ة بطاب�ع عقيدهتم
الروحي�ة ،فيتحول االجت�اه العام بذلك
وأهدافه�م اإلصالحي�ة ُّ
ف ك ٌُّّل ماله وما
تدرجي ًي�ا ،إىل م�ا هو خير من ك ُِّل وج�ه ،فقد َع َ�ر َ
عليه نحو ربه ونفس�ه وأهله ودينه ووطن�ه ،يف رفق وأدب و ُيرس
وحمب�ة ،ثم هو ي�ؤ ِّدي واجبه ذاك بوصفه عب�ادة وربانية ،وعالقة
87
روحية باهلل يستش�عر فيها ك َُّل معاين اإلرشاق والقرب ،والفيض
والربكة واملدد ،مع حس�ن الظن بكل مس�لم ،وهك�ذا نتقدم مع
والس�نة دون ما
رك�ب احلي�اة الصاع�دة ،ونُريس حك�م الكتاب ُّ
حاج�ة إىل ِه َّ�زات منحرفة ،أو متنطعة أو جمنون�ة ،من األفكار أو
املذاهب أو األعامل!!.
نظ�را إىل
وجم�ال التص�وف أعظم املج�االت هل�ذه اخلدمةً ،
انتش�اره وتغلغله العظيم يف الوطن اإلسالمي مجيع ًا ،فال يوشك
صال�ح يدع�و إىل اهلل،
ٌ ص�ويف
ٌّ أن يوج�د موض�ع شبر إال وفي�ه
فالتصوف الراشدُ هو صميم اإلسالم وروحه وإكسريه وغايته.
88
ثاني ًا :موقفنا من النظم املدنية:
89
والعشيرة هيئ ٌة خالص� ٌة لوجه اهلل ،ممحص�ة ممحضة من ك ُِّل
غ�رض أو ع�رض أو م�رض ،مس�تقلة ع�ن كل هيئ�ة أو مجاع�ة
(أو دول�ة أخ�رى!! )َّ ،
وأن م�ا ق�د يكون من نش�اطها يف امليادين
الثقافية واالجتامعية وألوان اخلري والعبادة وغريها ،إنام هو اقتضاء
ذايت م�ن لوازم ماهية التدين والربانية ،وإال كان تدينًا معط ً
ال من
آثاره ونتائجه الطبيعية ،وكان قبول ذلك نوع ًا من التنطع يف سوء
الفهم ،أو اإلمعان يف اخلطأ ،والعراقة يف اجلهل بدين اهلل الكامل،
وبالتص�وف الش�امل يف تارخي�ه اإلنس�اين واالجتامع�ي اجلام�ع
العريق.
90
فالتس�ميات ال تغير احلقائ�ق ،وما كان من رش فم�ن طبيعة هذه
األوض�اع ،ونحن باإلسلام نكتف�ي إىل آخر األب�د ،واملحمدية
عصارة اإلسالمية وأكسريها املكنوز .
91
ثالث ًا :موقفنا من اهليئات اإلسالمية:
ِ
وم ْن فضل اهلل أن اختص ك َُّل هيئة إسالمية صادقة يف وطننا
بميزة وخصيصة مستقلة ،ال توشك ْ
أن تزامحها فيها هيئة أخرى،
تش�اهبت معه�ا يف وجوه عم�ل اخلري العا ِّم ،فت�كاد كل هيئة
ْ وإن
منها اليوم -فيام نرى -تقو ُم عىل ثغر مس�تقل من ثغور اإلسالم،
وتكاد كل واحدة منها تشبع استعداد طائفة معينة من أهل القبلة،
فإذا ك ُُّل واحدة منها تكاد تتمم مع األخرى حلقة اجلهاد املتكامل
واخلدم�ة العام�ة ،حتى لكأن ه�ذه اهليئات مجيع ًا ف�روع متعددة،
92
من إهدار األوقات يف اخلالفات الفكرية عىل الفروع االجتهادية،
التي كانت وستكون ،وسوف تبقى كذلك إىل يوم القيامة.
ال�كالم هنا عىل اخللاف يف الفروع الفقهية ،أ ّم�ا اخلالف يف األصول
والعقائ�د فله أحكامه ،ويف ك ُّل كان ش�يخنا رمحه اهلل يدعو إىل التفاهم
والتعاي�ش والتقريب ،بام هو ممكن ،وال يعن�ي ذلك أبد ًا (التذويب)،
وال( التع�دي) .وراج�ع كتاب ش�يخنا (الفروع اخلالفي�ة ومرشوعية
العمل بأحد الوجهني فيها).
93
رضورة طبيعية ،ويس�تحيل استحالة مادية مجع النّاس كلهم عىل
مذه�ب واحد ،أو رأي واحد ،يف مس�ائل ظنية ه�ي موضع نظر
واجتهاد بالفطرة ،وما دام مرجع اجلميع كتاب اهلل وس�نة رسوله
� ،وم�ا دام اخلالف عىل الفرعيات إنام ه�و يف الفهم والتوجيه
والرتجي�ح وطل�ب احلق ،فال خصومة قط ،وال س�وء ظن ،وإنام
احلب يف اهلل ،واالقرتاب مما هو أهدى
ِّ هو التناصح عىل بس�اط
وأجدى ،إيامن ًا واحتساب ًا.
94
الركوع ،واجلهر بالبس�ملة ،ب�ل اختلفوا يف صورة حركة األصبع
يف التشهد ...إلخ).
يقول العالمة أمحد ش�اه ويل اهلل الدهلوي يف كتابه « حجة اهلل البالغة »
إن أكثر صور االختالف بني الفقهاء ،ال سيام يف املسائل (ّ « :)269/1
الت�ي ظه�ر فيه�ا أق�وال الصحاب�ة يف اجلانبين ،كتكبيرات الترشيق،
وتكبريات العيدين ،ونكاح املحرم ،وتش�هد ابن ع ّباس وابن مسعود،
واإلخف�اء بالبس�ملة وبآمين ،واإلش�فاع واإليتار يف اإلقام�ة ،ونحو
الس�لف ال خيتلفون يف أصل
ذلك ،إنام هو ترجيح أحد القولني ،وكان ّ
املرشوعي�ة ،وإنما كان خالفه�م يف ْأوىل األمري�ن ،ونظيره اختلاف
الق�راء يف وجوه الق�راءة ،وقد عللوا كثري ًا من هذا الباب ّ
بأن الصحابة
خمتلفون وأهنم مجي ًعا عىل اهلدى ،ولذلك مل يزل العلامء جيوزون فتاوى
املفتين يف املس�ائل االجتهادي�ة ،ويس�لمون قضاء القض�اة ،ويعملون
يف بع�ض األحي�ان بخالف مذهبه�م ،وال ترى أئم�ة املذاهب يف هذه
املواضع إال وه�م يضجعون القول ويبينون اخللاف ،يقول أحدهم:
ه�ذا أح�وط ،وهذا ه�و املخت�ار ،وه�ذا أح�ب إ ّيل ،ويقول :م�ا بلغنا
إالّ ذل�ك ،وه�ذا كثير يف املبس�وط ،وآث�ار حمم�د رمح�ه اهلل ،وكالم
الشافعي رمحه اهلل ».
95
قرب أيب حنيف�ة ،بمذهب أيب حنيفة أد ًبا مع ُروحه الرشيف ،وق َّلد
افعي وقرظ َّ
الش ُّ أبو يوس�ف اإلمام مالكًا يف مسألة املاء املتنجسَّ ،
واألوزاعي ،بل
َّ وقر َظ أبو حنيفة سفيان ال َّث َّ
وري َ
الليث ب َن سعدَّ ،
صىل اإلما ُم ابن حنبل خلف بعض أئمة القدرية.
96
وه�ذا هو اإلمام مالك مل يقبل من اخلليفة الع ّبايس أن حيمل
النّاس عىل كتابه (املوطأ) ،وبينّ له أن بعض الصحابة س�مع ما مل
يس�مع اآلخر ،أو علم ما مل يعلمه غريه فنرش ما علم ،وكل منهم
عىل حق .ومن َث َّم اختلفت الوجوه يف املسألة الواحدة.
97
وعىل هذا األس�اس ننظر إىل مذاهب املس�لمني فنحرتمها
ونقرب بالتوس�ط واليرس واالعتدال فيما بينها ،ونربطها مجيع ًا
ِّ
برب�اط ال فتن�ة في�ه ،وال تفرق�ة وال ضالل إن ش�اء اهلل ،ونحن
نق�ول م�ا قال اإلم�ام زيد :حس�ب النّ�اس أن جيتمع�وا عىل ما
يصري به املس�لم مس�ل ًام ،وندعو للمتعنتني واملتعصبني واملبتلني
بضحالة العلم وضيق األفق.
98
نف�رق بني التص�وف والتمصوف.
وم�ن احلق أن نق�رر أننا ِّ
فالتص�وف ه�و اإلسلام اإلجيايب ّ
الش�امل يف أرق�ى مراتبه ،وإن
اختلفت األسامء واملسالك (فكلها تبدأ بالتوبة وتنتهي باملعرفة).
َّأم�ا التمصوف فهو الش�بح الدخيل الذي أس�اء رش اإلس�اءة إىل
اإلسلام وأهله ،وال نزال نعاين منه حت�ى اآلن ،ثم لندع هنا أمر
التصوف الفلس�في ورجاله ،فلهم جم�ال آخر .فإنَّما نتحدث عن
التصوف اخللقي والتعبدي واإلنساين.
99
وخزعبالت ،وما فيه من وثنيات ومظاهر وآثار خمزيات ،ليس�ت
يف يشء من اإليامن ،وإن اجتمع عليها الثقالن.
100
ويف لإلمام
اب�ن تيمية الذي أثبت يف س�نده بخط يده أن�ه تلميذ ّ
عبد القادر اجليالين ريض اهلل عنه ،وقد سبق أن نرشنا النص عن
والصوفية،
السلفية ّ
خمطوطة دار الكتب .واملحدِّ ثون هم أركان ّ
والس�لفية ،إنام
الصوفية ّ
واخللاف املصنوع ال�ذي َحدَ ث بين ّ
الس�يايس ،وإقح�ام الدِّ ين يف
َّ َ
العبث كان أصل�ه قديًم�اً وحدي ًثا
خدم�ة امللك واحلكم ،ثم أخذ هذا العبث لونه الديني املزيف،
م�ع التطور الزمني باس�م التجديد الدين�ي ،والتوحيد اجلديد،
وكان بعض االنحراف قد دب فعلاً يف املجال الصويف ،بصورة
عام�ة ،فأمكن منه املتمس�لفة تقليدً ا لس�ابقيهم وطل ًب�ا لغايات
هبا اهلل أعلم .وال خالف عىل أهنا شائنة ومشبوهة.
101
ال�ذي ينقل أح�كام احلرام واحلالل إىل أح�كام اإليامن والرشك،
والذي حيكم جمازفة عىل كافة أهل القبلة بالشرِّ ك والكفر والردة،
وال يبقي أديم ًا س�ليم ًا ملسلم ،س�ابق أو الحقُ ،ث ّم هو يعمى عن
اخلري ،وال يتتبع إال املناقص والعيوب ،يف شعوبية وعصبية جمنونة،
س�واء يف ذل�ك تاريخ العلماء أو احل�كام أواألولي�اء أو غريهم،
وال يأخ�ذ األم�ور إال من وجهها املظل�م ،فيمزق األمة رش ممزق
وهو يمهد بعلم أو بجهل للتبشير واالستعامر ،بتجريده التاريخ
اإلسالمي من األجماد والفضائل ،والرجال ،وإشغاله األمة بتوافه
األم�ور املختلف عليها ،عن كفاح املتفق عليه من أخطار اإلحلاد
واالنحالل واملذاهب املادي�ة الطاغية ،ثم بتخريبه كل بناء يف اهلل
مهام عظم ،ما دام مل ينشأ عىل يد سلفي أو متمسلف.
�م ّ
إن التمس�لف الذي ن�راه اآلن يف الواق�ع ،خيدم دعوة ُث ّ
سياس�ية معينة ،ويدعو إىل أهداف عميقة ماكرة ظاهرها الدِّ ين
وباطنها أخطر عىل الوطن من التبشير واالستعامر العسكري،
فله�ذا ولغيره نحن نكافح التمس�لف كام نكاف�ح التمصوف.
102
وكال الكفاحين خدمـ�ة لدعوتن�ا ودينن�ا وقوميتن�ا ووطنن�ا
وأهدافنا العاليـة.
103
وهي الديناميت املصنوع بأيدي التبشري واالستعامر واالسترشاق
احلاقد ،للقضاء عىل اإلسالم وأهله من الباطن!!
والسنة
أ ّما غري املس�لمني ،فإننا نعاملهم عىل أساس الكتاب ُّ
أكرم املعاملة ،يف سماحة اإلسلام املطلقة ،وم�ا منحهم دين اهلل
حقوق إنسانية كاملة ،ومساملة شاملة.
ونح�ن طائفة ال جتادل أبد ًا (كام قلن�ا) ،ال يف الدِّ ين ،وال يف
غير الدِّ ين ،فام جاء اجلدال بخري أبد ًا ،وم�ا أثمر اجلدال إال فتنة
وردى ﴿ :ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ
ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﴾ [الشورى.]15:
104
نحن منها براء ،وإذا ُكنّا ال نجادل يف غري األديان ،فمن باب أوىل
ال نجادل يف األديان ،وإنام نبرش بديننا عىل أساس ال َع ْر ِ
ض العلمي
والروحي املجرد ،وقد نجحنا بحمد اهلل
الس�لمي والبيان العقيل ُّ
ِّ
يف ذل�ك ،ونجح إخواننا وأبناؤن�ا يف أوربا وأمريكا نجاح ًا عظي ًام
بحمد اهلل ،فإذا انتقل ال َع ْر ُض والبيان إىل اهلراء واجلدل ،انسحبنا
غري آسفني ،وهذا هو خلق اإلسالم فيام نعتقد.
ثم ّ
إن َم ْن جاءنا ليس�لم صادق النية ،يريد اهلل ورسوله �،
دون ما عرض وال غرض وال مرض ،قدمناه عىل أنفسنا ،وبذلنا
ل�ه م�ن ش�أن الدُّ ني�ا واآلخرة ما ه�و أهل له ،ب�ك ُِّل م�ا يف طاقتنا
زورا من أجله ،وهو كثري ،ولنا
املحدودة ،وإال تركناه لما أس�لم ً
من ذكرياته حارض وماض مثري.
105
من اهلل ،ومن الش�عب ،ومن الدولة -بحمد اهلل ،-فليعلم َّ
أن
الصوفية املس�تنرية املتقدمةُ ،أ ّمة واحدة ،يف مجيع أطراف الدنيا،
وأن الدُّ عاة إىل اهلل بحق ،أرس ٌة واحدةٌ ،وإن َّ
شط وإن تباعدتَّ ،
هبم املزار.
وكام ال نفرق بني أحد من رسله ،ال نفرق بني أحد من أوليائه،
بل نحبهم مجي ًعا ،ونتربك هبم ،وندافع عنهم ،ونزورهم ،ونحسن
الظ�ن بام جاء منه�م ،وندع أمر تفضيله�م إىل اهلل العليم هبم ،فال
نتقح�م على الغي�ب ،و﴿ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾
[األنع�ام ﴿ ،]124 :ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﴾ [اإلرساء،]20 :
﴿ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﴾ [املدثر.]31:
�م ليعل�م أوالً وأخري ًا( :أننا قل�ة فقرية مؤمن�ة)ّ ،
وأن قوتنا ُث َّ
يف قلتن�ا ،وأن فخرن�ا يف فقرن�ا .وأن رس نجاحن�ا يف إيامنن�ا ،وأننا
نؤم�ن (بالتعبد والفضيلة والعلم والعمل) ،وأننا نكره( :التفاخر
والتظاه�ر والتكاث�ر والدع�اوى والتهريج) ،وأن س�بيلنا( :احلق
ول�و مل يكن معنا أحد) ،وأن وس�يلتنا( :التعب�د والدعوة واجلهاد
وأن مذهبنا( :احلكمة واملساملة) ،وأن أساس صحبتنا:
والصرب)ّ ،
106
(حس�ن الظن وحس�ن اخللق ،وحس�ن العبادة) ،وأن من أصول
مؤاخاتن�ا( :قبولن�ا عىل عالتن�ا) ،وأن من أكربمقاصدن�ا( :تربية
الق�ادة ،ال حش�د اجلامهير) ،وأن م�ن مقوم�ات ش�خصيتنا:
(التواض�ع واألدب والسماحة والب�ذل) ،وأن م�ن ندائن�ا( :حي
على الفالح) ،وأن ش�عارنا هو غايتن�ا( :اهلل) ﴿ﮄ ﮅ ﮆ
ﮇﮈ[ ﴾ الزمر.]36:
الروحي البالغ
وعىل هذه الص�ورة نحاول أن نمأل الفراغ ُّ
العمق الذي يعاين منه اإلسلام يف كل مكان .فإن كان الراغب
يف مؤاخاتن�ا ق�د أرضاه هذا املذهب ،ف�إن كان متصوف ًا بالفعل
فهو عىل (طريقته ومرشبه وبركة شيخه) يسري معنا ،متعاون ًا يف
حتقي�ق أهدافن�ا ،وال نطلب منه إال أن يت�زود (باملحمدية) التي
ال خيطئها إال حمروم.
107
ً
وأيضا :حسن الوفاء
ق�رأ األخ الش�اعر املهندس علي نارص أبيات ش�يخنا اإلمام
الرائ�د رمح�ه اهلل ع�ن حس�ن الوف�اء ،الت�ي مطلعه�ا «ي�ا ولدي:
فجادت قرحيته
ْ ال تن�س مجييل» ،والت�ي صدرنا هبا هذه الرس�الة،
هب�ذه (املعارضة) عىل لس�ان ش�يخنا ،تكرار ًا لن�داء موالنا اإلمام
الرائد لنا وجلميع أبنائه يف اهلل ،قال:
108
ٌ
وبيانات ال بد منها ٌ
وأصول ُ
قواعد
واستفسارات أسئلة ٌ
إجابات على
ٍ ٍ
احملم َّ
دي ِة والطريقة َّ احملم َّ
دي ِة العشرية َّ ُ
الفرق بني
ِ ِ
َّ
إن االنتماء إىل العشيرة معن�اه ،أنك تتمس�ك بكل قوتك
وإيامن�ك ،بمبدئك اخل�اص وبطريقتك التي اخرتهتا لنفس�ك،
وبمذهب�ك املفض�ل عن�دك ،ث�م تزي�د على ذل�ك أن تك�ون
(حممد ّي ًا).
أوالًْ :
أن تب�ذل طاقت�ك كله�ا يف س�بيل ختلي�ص مبدئ�ك
وطريقت�ك ومذهبك املختار ،من كل ما خيالف الكتاب والس�نة
ال وحاالً ،ظاهر ًا وباطن ًا.
قوالً وعم ً
جملة املس�لم ،الس�نة الرابعة عرشة ،العدد األول ،شعبان (1383هـ)،
17ديسمرب (1963م) ،كلمة الرائد.
109
حممدً ا � قدوتك الكربى ثاني ًاْ :
أن حتاول أن جتعل س�يدنا َّ
يف كل حقيقة ومظهر ،وحركة وسكونْ ،
وأن تعلق به قلبك ،وأن
تفنى يف حبه باس�تيعاب سيرته ،واتباع ما ص�ح عنه � بكل ما
فيك من انفعال أصيل ،واندفاع مكني.
خامس ًا :أال تشرتك يف فتنة ،وال تفكر يف سوء وال مضطرب،
110
ِّ
مظان التُّهم ،وأن يكون اخلري والربكة والتقدم، وأن ترتف�ع عن
والتيسري والرب ،والدعوة واهلدى ،والتوفيق والتقريب ،والنور
والن�دى ،عالم ًة عليك ،وإش�ار ًة إليك ؛ فأينام حتل حيل الفيض
والربك�ة ،وأينما تك�ون يكون الرض�ا وامل�دد ،وأينما ت َِف�دُ َي ِفدُ
اخلير واإلجيابي�ة والتجدي�د ،و ُيذكر اهلل تعاىل ؛ ه�ذا هو معنى
ُ
االنتامء للعشرية.
111
املحمديني ،هذه
ّ وأه�داف كُربى مقررة بقانون
ٌ ٌ
وأصول ومبادئ
ُ
هي العشرية املحمدية.
112
ولع�ل ِمن أهم ميزات الطريق�ة املحمدية ،أهنا ترد كل ٍ
يشء ُّ ْ
إىل اهلل ورس�وله ،وأال ترتخص يف يشء جاء به الكتاب والس�نة،
وأهن�ا جتع�ل العق�ل والرشع مي�زان كل م�ا تأخذ وما ت�دعَّ ،
وأن
ٌ
رج�ال عمليون واقعيون ،ال يخُ دع�ون ببهرج وال مظهر، رجاهلا
وال ُيبه�رون بزخ�رف وال بِدُ نْي�ا ،وه�م يرتفع�ون ع�ن الري�ب،
ويعتصم�ون بمع�ايل األمور ،ويكرمون إنس�انيتهم ع�ن اإلغراء
والغ�رور ،وجيعلون الصبر والتحمل واألمل قاع�د َة جهادهم،
ٍ
وما دام قد ريض اهلل عنهم ،فك ُُّل يشء ٌ
هني.
113
والطريق ُة للس�لوك واخلدمة والرتبي�ة عىل منهجها املحدد..
والعشير ُة للتص�وف مجي ًع�ا ،واخلدم�ات العام�ة كله�ا ،ولألمة
اإلسالمية كافة.
ودار العشيرة:
ودار الطريق�ة :البيت املحم�دي بقايتبايُ ..
ُ
الص ّفة -بباب اخللق.
جملس أهل ُّ
114
الق َّل ِة والكثرة:
مسألة ِ
115
املسلمني بني األديان األخرى ،فهي ِق َّل ٌة أقوى وأرشف وأنفع من
الكثرة ،ومعنا األدلة اآلتية:
ٌ
قلي�ل؛ ق�ال تع�اىل: الطي�ب
َ فس�ن ُة اهلل َّ
أن ّ -أم�ا الثاني�ةُ ،
﴿ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [سبأ ﴿ ،]13 :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ
ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﴾ [ص ﴿ .]24 :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ﭕ ﭖ ﭗ ﴾ [األنف�ال ﴿ .]26:ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﴾
116
[الكه�ف ﴿ .]22 :ﯤ ﯥ ﯦ ﴾ [الواقع�ة﴿.]14 :ﯭ ﯮ
ﯯ ﯰ ﯱ ﴾ [البق�رة ﴿ .]83 :ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮﭯ ﴾ [البق�رة ﴿ .]249 :ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﴾ [ه�ود:
﴿ .]116ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ
ﮌ[ ﴾ البقرة ،]249 :إىل آخر هذه اآليات.
كثري. َ
واخلبيث ٌ الطيب ٌ
قليل، َ َّ -1
أن
َّ -2
أن الكثر َة من حيث هي ،قد تعجب وتغري ،ولو كانت
يف اخلبيث.
ُث َّ
�م انظ�ر إىل قول�ه تع�اىل ﴿ :ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ
ﮅ ﮆ ﴾ [األنف�ال ،]19:وقوله جل ش�أنه ﴿ :ﮥ ﮦﮧ ﮨ
117
ﮩﮪ ﮫ ﮬﮭﮮ﴾ [التوبة.]25:
﴿ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ﴾ [النس�اء ﴿ .]114:ﭳ
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﴾ [املائ�دة ﴿ .]66:ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ﴾
[احل�ج ﴿ .]18:ﯪ ﯫ ﯬ ﴾ [احلدي�د﴿ .]16:ﮤ ﮥ
ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮭ ﴾ [املائ�دة ﴿ .]62 :ﭥ ﭦ ﭧ
ﭨﭩ ﭪﭫ ﴾ [األنعام ﴿ ،]119 :ﭑﭒﭓﭔ
ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﴾ [األعراف ﴿ .]179 :ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ
ﮐ ﮑ ﴾ [يونس﴿ .]92:ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ
ﯗ ﴾ [ص ﴿ .]24:ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ
ﯠ ﯡ ﯢ ﴾ [األنع�ام ﴿ .]116 :ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﴾
[األع�راف ﴿ .]187 :ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﴾
[البق�رة ﴿ .]243:ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﴾ [ه�ود:
118
[األنع�ام ﴿ .]37:ﭥ ﭦ ﭧ ﴾ [األنع�ام.]111:
﴿ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﴾ [يون�س ﴿ .]60:ﮑ ﮒ ﮓ
ﮔ ﴾ [الشعراء﴿ .]8:ﯕ ﯖ ﴾ [الشعراء.]223:
﴿ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﴾
[األعراف ،]102 :إىل آخر هذه اآليات.
119
ولك� ْن علام الذه�اب بعي�دً ا ،وق�د روى الش�يخان يف
صحيحيهام ،عن ابن ع ّباس ريض اهلل عنهام ،قال :قال رسول اهلل
فرأيت َّ
النبي ومعه الرهط -أقل من ُ عيل األم�م،
�ُ « :عرض�ت َّ
َّبي وليس معه
َّبي ومعه الرجل والرجالن ،والن َّ
تسعة رجال -والن َّ
أحد ».
120
وبعـ�د :فتأمل معنى قوله تعاىل ﴿ :ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ﴾
ال ؛ َّ
ألن الكثرة ال قيمة هلا يف ال مث ً
[المل�ك .]2 :إنه مل يقل أكثر عم ً
ُ
ذاهت�ا ،ولك َّن القيم�ة كلها للجودة واإلحس�ان ؛ فقليل جيد خري
من كثري تافه غثيث ﴿ .ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﴾ [النحل:
121
اجلامعة ،وحذر من مفارقتها أش�د التحذير ،فس�أل رجل احلسن
عما هي هـ�ذه اجلامعة؟ فق�ال ريض اهلل عنه « :اجلامعة
البصري ّ
من كان عىل احلق ،ولو كنت وحدك » فتأمل وتعمق وحتقق.
َّ
وإن من أمحق احلمق ،وأجهل اجلهل ،ومن التعصب املخزي،
أن يزعم ٌ
رجل َّ
أن والية اهلل ،أو قطبانية أهل اهلل ،قد انحرصت يف
إنسان أو زمان أو مكان واحد ؛ َف ْر ٌد متعني ال تتعداه إىل سواه.
وورد عن عبد اهلل بن مسعود ريض اهلل عنه أنه قال لعمرو بن ميمون:
« إنما اجلامعة ما واف�ق طاعة اهلل وإن كنت وحدك » .رواه أبو القاس�م
الاللكائ�ي يف اعتقاد أهل الس�نة ( .)109/1ويف رواي�ة « :اجلامعة ما
واف�ق احلق وأن كنت وحدك » .قال نعيم بن محاد « :يعني إذا فس�دت
اجلامعة ،فعليك بام كانت عليه اجلامعة قبل أن تفسد ،وإن كنت وحدك،
فإنك أنت اجلامعة حينئذ ».
وعن الفضيل بن عياض « :اتبع طرق اهلدى وال يرضك قلة السالكني،
واياك وطرق الضاللة وال تغرت بكثرة اهلالكني ».
122
وهبم يرفع اهلل البالء ،ويس�تجيب الدعاء ،وينزل الغيث ،وينرص
املس�لمني ويلط�ف بعباده ،فيام ج�رت به املقادي�ر ﴿ ،ﭑ ﭒ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﴾ [يونس.]62 :
123
كتاب وال س�نة ،وال من إمجاع ،وال من قياس ،وال من استنباط،
وال من معقول وال منقول ،إنام هو التعصب الذي يربأ منه العقل
والدِّ ين والبرشية السوية.
ّ
إن ه�ؤالء حيكم�ون على اهلل ،ويتحكم�ون يف فض�ل اهلل
﴿ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﴾ [اإلرساء :اآلي�ة ،]20وباجلمل�ة
ه�م هيرفون بام ال يعرفون ،فيضرون وال ينفعون ،وال ينتفعون،
ويعجبني هنا قول السيد الوالد:
124
ِ
منهم�ر ًا على ال زال َف ْض ُ
�ل اهلل
�ه ِد النوراين
والم ْش َ
الصف�اَ ،
�ل َّأ ْه ِ
ف يبقى ال َف ْض ُل ُمنه ً
ال إىل و َل َس ْو َ
الرب�اين
بالس�نـا َّ
ّ ي�وم القيام�ة
أولي�اء اهلل يف
ُ ف يبق�ى و َل َس ْ
�و َ
ِ
األزم�ان ك ُِّل األماك�ن يف َم�دى
فيـا ولدي:
125
اإليمان والتقدير وامل�ودة ،أ ّما يف املحبة واالتب�اع والقدوة ،فنبينا
� يف املقام األعظم.
ّ
والش�أن يف ذلك واضح م�ع فارق القي�اس ،يف قوله تعاىل:
﴿ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ
ﭹﭺﭻ ﭼﭽﭾﭿﮀ
ﮁ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ
ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ
ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮝ
ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﴾ [ النساء.]152-150 :
126
أيها األخ املسلم
هذا ما جيب أن تعرفه عن العشرية
دعوة العشرية:
جملة املس�لم ،السنة اخلامسة والعرشون ،العدد الرابع ،غرة ذي احلجة
(1394هـ) 15 ،نوفمرب (1974م) ،كلمة الرائد.
127
احلقل الذي ختدمه العشيرة هو احلقل الروحي الش�امل،
واألس�لوب ال�ذي تنتهجه هو هداي�ة الكتاب والس�نة ،ولكن
يف طواعي�ة ويسر وسماحة ،والتخطي�ط الذي تلتزم�ه هو فقه
الدراس�ات اإلسلامية :تارخيي�ة ،واجتامعي�ة ،وروحي�ة ،عىل
خمتل�ف املرات�ب واملس�تويات ،وحماولة التطبي�ق املبرص اهلادي
املتناس�ق مع خمتلف املفاهيم وتطور األوض�اع ،والنظرية التي
تعتنقها العشرية هي العمل عىل إكثار سواد الصاحلني املستنريين
يف خمتلف املجاالت واملرافق ،حتى يأيت الوقت الذي يسود فيه
الصاحلني ؛ فتس�تقيم األمور باستقامة
اإلصالح تلقائ ًّيا ،بكثرة ّ
القوامني عليها يف مجيع املجاالت.
فكرة العشرية:
128
ومن َث َّم يكون اس�تغالله والتحكم فيه والتحكم به أفعل وسائل
التجديد واإلصالح والتطوير والدفع التقدمي ،من أقرب الطرق
وأضمنها وأصدقها.
اجتاه الدعوة:
129
ل�ه مث�ل انتش�اره وال آثاره وال صدق�ه وال عمقه ،وم�ن هنا كان
اس�تغالله كدعوة إصالحية روحية ناجحة ،أم�ر ًا متعين ًا ال يغني
عنه س�واه ،وال ع�ذر يف إغفاله للعاملني بق�دره ،وخطره العظيم،
حمل ًّيا كان أو عامل ّي ًا.
130
من التفاصيل واألهداف:
131
( )1وعندئ�ذ يمكن االنتف�اع به ،كدع�وة إصالحية عاملية،
تنتظ�م األفراد واجلامعات ،وكمدرس�ة ربانية ال بد منها لتخريج
الرجال النموذجيني اجلامعني بني حماس�ن الدنيا والدِّ ين ،والذين
هبم يكثر سواد الصاحلني ،فتنصلح األمور بصالحهم.
( )2وبالتايل يمكن االنتفاع به هنا ،فيام ال يغني عنه غريه فيه
من تقويم االنحرافات ،واس�تتباب األمن ،والتسامي عن املناكر
والصغار ،ومواجهة التي�ارات االنحاللية ،والبدعية والالدينية،
والش�عوبية ،والتبشيرية واالس�تعامرية ،والتقري�ب بني طوائف
املسلمني واحلكم بام أنزل اهلل.
132
والعاطفي والتامزج الروحي ،متهيدً ا للوحدة اإلسلامية اجلامعة
إن ش�اء اهلل ،فلا س�بيل إليها إال م�ن طريق التص�وف وتغلغله،
وسامحته وسعة آفاقه وانتشاره الطبيعي يف العامل.
133
يف التاري�خ احلدي�ث يف أوائ�ل عهد الث�ورة وتلتها جل�ان ،كانت
العشيرة ممثل�ة فيها كلها -وإن مل يتهيأ هل�ذه اللجان الوصول إىل
الغاية لس�بب أو آلخر ،-وال زال ذلك ش�أن العشرية جهاد ًا من
أج�ل التص�وف احلق بني أدعيائ�ه وأعدائه .ويا هلا من رس�الة يف
ال وحاالً ،ونرجو أن يظل هذا قائ ًام حتى
غاية الصعوبة قوالً وعم ً
يأيت أمر اهلل ،وتتحقق بإذنه هذه األهداف ،هذا أوالً .أ ّما ثاني ًا:
134
املؤمتر الصويف ،واجلامعة الصوفية:
وكان ه�ذا ه�و دعامة دع�وة العشيرة إىل أول مؤمتر صويف
عاملي ،باعتبار العشرية يف واقع أمرها جامعة صوفية عاملية ،متلك
القيادات الثقافية والوس�ائل العلمية والشعبية ومعينات الدعوة
الت�ي مل تتهيأ لغريها ،وإنام ح�ال دون حتقيق انعقاد املؤمتر لآلن
ثم عقدت العشيرة املحمدية بعد ذلك ع�دة مؤمترات ،حملية ودولية،
ولق�اءات املركز العلمي الصويف ،واس�تمرت العشيرة املحمدية عىل
العهد بعد وفاة شيخنا اإلمام الرائد رمحه اهلل ،وكان من أثر ذلك مؤمتر
العشيرة ال�دويل« :التص�وف منهج أصي�ل لإلصلاح» ،يف الفرتة من
28-26ش�وال 1432ه�ـ ،املوافق 26-24س�بتمرب 2011م ،وقد
اجتمع فيه عدد كبري من علامء الصوفية وباحثيهم ،ومتثلت فيه اهليئات
وص�دى إعالمي ًا
ً اإلسلامية بمرص ،ولق�ي هذا املؤمتر نجاح� ًا باهر ًا،
دولي ًا واسع ًا.
135
الكلية الصوفية :واملجلة ،واللجنة:
تع ّطلت بس�بب العجز امل�ايل أيض ًا ،كام كانت العشيرة املحمدية
أول م�ن ك�ون املجم�ع الصويف العلم�ي ،وأول م�ن أصدر جملة
صوفية متطورة متحررة هي جملة (املس�لم) ،وأول من أنش�أ جلنة
الدراسات الصوفية إلحياء الرتاث الصويف بإرشاف املجمع.
136
نظي�ف ص�ادق للدع�اة إىل اهلل بحق من كل مذه�ب وكل طريق
حتى عال قدر التصوف وارتفعت هامته.
137
مقتضي�ات العصر احلدي�ث يف سماحة ويرس وترف�ع كبري وهلذا
القس�م نش�اط منظ�م ومنه�ج خ�اص يف املج�ال الش�عبي ليس
له نظري.
األشواك ،واملصاعب:
138
أسلوب اخلدمة اإلسالمي:
من بيئاهتم ،ثم تنفرد العشرية برعاية املهتدين لإلسالم ،كام تنفرد
واألغطية -كلام تيرس ذلك ،-وال تبخل عىل الجئ إليها بمعونة
139
خدمات ثقافية منوعة:
ومنذ ربع قرن تصدر جملة (املسلم) لسان حال هذه الدعوة
قوي�ة ثرية متج�ددة ،متح�ررة مكافح�ة منافحة موجه�ة م ْبرصة
مبصرة حمققة متحققة تزداد عىل األيام قوة وفتوة مل تتخلف مرة،
وما زالت تصدر بحمد اهلل تعاىل.
140
ومل تتوقف مرة ،ومل خيط فيها حرف فض ً
ال عن كلمة أو عبارة إال
ومن ورائ�ه حياة من هدف معني أو فائدة مقصودة مقررة ،وهي
جملة مفتوحة متحركة ،تشارك يف األحداث ،وتندمج يف الوقائع،
وحتم�ل كلم�ة اهلل يف حكم�ة ودق�ة وبعد نظ�ر ،وتس�تغني بكثرة
اخلالصات واألكاسري والثقافة املجمعة عن كثرة األوراق وكثرة
البح�وث املك�ررة ،حمافظة عىل ش�خصيتها ومقاصدها املحددة،
ال تقلد وال تنامع.
141
وأخري ًا ..النتيجة:
والنتيجة التي نخرج هبا من كل هذا اإلمجال:
( )1ه�ي أنن�ا أمام طاق�ة تارخيية فريدة هائل�ة ممثلة يف مجاعة
وفروع وجملة ،ومؤسسات ليست صورة مكررة ،وال هي وضعية
مرجتلة ،وإنام هي قوة مستقلة متميزة بخصائص ذاتية ،ال تشارك
غريه�ا وال يش�اركها غريه�ا يف خدم�ة وال فك�رة وال هدف وال
سبب ،فإنه ال معنى لوجودنا إذا كنا نسخة مكررة من غرينا.
142
( )4وأهنا تعتمد يف كل هذه اخلدمات اجلالئل والتضحيات
املوائ�ل على مواردها الضحل�ة املضغوط�ة ،يف عصامي�ة نادرة،
وترف�ع فدائ�ي ،وإيثار وطهر ،ال يعرفه إال أه�ل اهلل ،ولوال ذلك
لكان هلا فيام هتدف إليه شأن أي شأن.
ّ
ولع�ل م�ن أس�باب إمهالن�ا وإغفالن�ا أنن�ا نحرتم إنس�انيتنا
ودعوتنا ،وأننا نريد بعملنا وجه اهلل وحده ،وهو عيب ال نستطيع
التخلي عن�ه ،ولو ختل�ت عنا الدّ نيا بم�ن فيها وما فيه�ا ،وإنام هو
بالغ للنّاس ،وإبراء للذمة ،وتسجيل للتاريخ.
143
(الدعوة احملمدية)
-عقيدة عملية .أساسها :العلم ،واإليامن ،والعمل.
144
دية بالطريقة َّ ُ
احملم ِ ِ التعريف
مكاتبات م�ن إخوان وأحباب،
ٌ ما بين احلني واحلني تصلنا
يف بعض األوطان اإلسالمية يسألوننا شيئ ًا من التعريف بالطريقة
املحمدية التي ننتسب إليها.
جمل�ة املس�لم ،الس�نة الثاني�ة عشرة ،العدد التاس�ع ،غ�رة ربيع اآلخر
(1382هـ) 31أغسطس (1962م) ،كلمة الرائد.
145
وقد رأينا َّ
أن خري وس�يلة للتعري�ف هبا ،هو نرش اجلزء اآليت
من اإلج�ازة التي متنحها الطريقة املحمدي�ة للمتقدمني العاملني
م�ن رجاهل�ا ،فلعلها خير وس�يلة للتعريف بأصل ه�ذه الطريقة
اآلن.
الوحي
ُ نعتق�د َّ
أن التص�وف اإلسلامي النق�ي ،إنّام نزل ب�ه
السماوي ،ق�ال تع�اىل ﴿ :ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ
ُّ
ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﴾ [آل عم�ران ،]79:والرباني�ة ه�ي ما
اصطلحنا عىل تس�ميته بـ (التصوف) لس�بب أو آلخر ،وأس�اس
الرباني�ة يف نص اآلية هو العلم واملدارس�ة ،ومقتضامها الطبيعي
هو التخلق واملامرسة.
146
الصفة نزل التكريم اإلهلي املعروف يف القرآن، الصوفية ،ويف أهل ُّ
الر ْح َمن الذين ِ
وأمر اهلل رس�وله أن يصرب معهم نفس�ه ،فهم ع َبا ُد َّ
فص َل أوصافهم يف سورة الفرقان ،وهم أهل األخالق والصفات
َّ
املضاف�ة إىل املؤمنني واملتقني واملحس�نني والصابري�ن يف مواضع
شتى من كتاب اهلل عىل اختالف املوقع واألسلوب والبيان.
147
ث�م َّ
إن التص�وف ه�و قضي�ة العق�ل والفك�ر ،فه�و ملاك
العقيدة.
فرضورة طبيعية يف املجاه�دة ،وهي تعود مجي ًعا إىل أصول الدين
ﮞ ﴾ [املائدة .]48:
148
فاختالف أسماء الط�رق الرشعية وتعدد أش�ياخها،
ُ وعليه
ال يعن�ي س�وى اختلاف الوس�ائل وحده�ا مع احت�اد األصول
االنحراف يف رجل
َ ُث ّ
�م إننا لو فرضن�ا اخلطأ ،بل لو فرضن�ا
أو رج�ال ممن انتس�بوا إىل ه�ذا اجلانب اإلهلي ،فلي�س معنى هذا
واالنحراف يف نفس الدعوة ،أو يف بقية مجاهري
َ َ
اخلط�أ أن نفرض
فالتصوف يش ٌء غري املتصوف ،كاإلسلام يشء
ُ املنتس�بني إليه�ا،
غري املس�لم ،فال يك�ون ضالل املتصوف أو املس�لم كبرش ،معناه
ضلال التص�وف كمذه�ب أو اإلسلام كدي�ن ﴿ ﭢ ﭣ
ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﴾ [البقرة.]220:
149
املحمدي ُة :
َّ ( )2الطريق ُة
150
�م هو يطل�ب العلم حيث كان ،ولكن ال يذكر إال مع اإلخوان،ُث َّ
مشارب ختتلف ﴿ ﭪ ﭫ ﭬ كر طالب تأتلفِّ ، ِ
ُ والذ ُ لم َم ُفالع ُ
ﭭ ﴾ [البقرة .]148:
والبدع :
ُ املنكرات
ُ ()3
ٌ
س�بيل إىل ونحم�د اهلل تع�اىل عىل أن�ه لي�س يف طريقتنا هذه
بدع�ة أو حم�رم أو منك�ر ،وال إىل دخي�ل أو مدس�وس أو ملفق،
وال إىل انحراف فكري أو تعبريي أو عميل ،أو غريه.
151
النص عىل أنه ليس يف طريقنا:
وربام كان من اخلري رضور ُة ِّ
رقص ،وال رايات ،وال أش�اير ،وال دلوق،
زمر ،وال ٌ ٌ
طبل ،وال ٌ
وال مرقعات ،وال طراطري ،وال عكاكيز ،وال سواري ،وال مجع
مج�وع ،وال ركبة خليفة ،وال دعاوى والية ،وال كش�ف غيب،
وال جتارة بالكرامات واخلوارق ،وال احرتاف للتبطن واملخالفة،
وال ق�ول باحللول واالحتاد والوحدة ،وال لغو بمخالفة الرشيعة
واحلقيق�ة ،وال تستر باإللغ�از والتحجية واإلش�ارة ،وال تفتن
بس�قوط التكالي�ف وص�ور العب�ادة ،وال تبط�ل ،وال تعط�ل
وال ش�عوذة ،وال غري ذلك من العبث والتشغيب الصارف عن
خدم�ة احل�ق ،بل إننا نكافح كل ذلك بكل ما لدينا من وس�ائل
رشعية وطاقات.
والُ ب�دَّ م�ن اإلش�ارة إىل أن�ه لي�س يف طريقنا على إخواننا
رضائ�ب دوري�ة وال مك�وس مالي�ة ،وال عوائ�د مادي�ة ،وال
ُ
اشتراكات عينية ،وإنام هي تربعات حرة واختيارية ،ملن ش�اء أن
يتعاون مع صندوق اإلخوان اخلريي عىل الرب والتقوى ؛ ملواجهة
م�ا هو مفروض على الطريقة من أعباء ومس�ئوليات ،وخدمات
152
ديني�ة ،وأخوي�ة ،وإنس�انية ،جتاه اليتام�ى ،واأليام�ى ،والفقراء،
وامل�رىض ،والعج�زة ،واملبتلني املحس�وبني رش ًعا على الطريقة،
ث�م ملواجه�ة ما ال ُب�دَّ منه من خريات املواس�م واملناس�بات ،وما
ال رخصة فيه من اإلنش�اءات والصيانات والطوارئ واملفاجآت
﴿ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﴾ [احلرش.]9:
153
ٌ
وأصول : ( )5قواعدُ
-وليعل�م األخُ الصالح أنن�ا اآلن طائف ٌة قليل ٌة ،مؤمن ٌة فقريةٌ،
جماهد ٌة غريب ٌة ﴿ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [سبأ ،]13:وال اعتبار
عندن�ا للمظهريات ق�ط ،وال للكثرة أب�دً ا ﴿ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ
ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﴾ [األنعام.]116:
154
َم�ن له علي�ه والية هبذه الطريقة ،وتكليفهم حت�ت إرشافه بالتزام
كافة أصوهلا وفروعها بالقدر املستطاع.
أقرب
ُ الس�الك الداعية ،أن�ه قد ينقلب عليه -وليعلم ُ
األخ َّ
النّاس إليه ،وربام كان يا أخيُّ :
رش من خانك هو خري من أعطيتَه
أمانَك ،فاعلم أهنا ُسنة اهلل يف البرش ،فهي َقدَ ٌر ال ُيغني عنه حذر،
وعلينا مقابلة املفاجآت والفواجع بالصرب والرضا.
155
ينتسب إلينا ،فإنام إثمه عليه ال علينا ،وهبذه املخالفة ينسحب عنه
حق أخوتنا ،بطريقة ذاتية آلية تلقائية،
رشف صحبتنا ،وينُتزع منه ُّ
ُ
ال حاجة معها إىل بيان أو إعالن ﴿ ،ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ
ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ
ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﴾ [الرعد .]25:
156
اختيار َم ْن يدلك عىل صاحب السبيل ،مفيض
ُ وتعني عليك
الكامل ﴿ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﴾ [الفرقان .]59:
157
أال أيها النوام :وحيكمو ،هبوا !!
بأي�ة كيفي�ة أقنعه�م بام أعرف ،وم�ا أرى ،وما أخش�ى ،وما
نصحت هل�م ،والرائد ال يك�ذب أهله ،والفرع
ُ أنتظ�ر ،وي�ا طاملا
ال خيذل أصله ؟!
لق�د صح�ت فيهم أم�س البعي�د ،بام ه�و واقع الي�وم ،وما
جملة املس�لم ،السنة الثامنة والعرشون ،العددان الرابع واخلامس ،غرة
ذي القعدة (1397هـ) 14 ،أكتوبر (1977م) ،كلمة الرائد.
158
س�يقع غ�د ًا فتش�نجت طائفة منه�م وقالوا :صب�أت ،ومل يبحثوه
ُث َّ
�م مل يتناهوا عن منك�ر فعلوه يب ،وبالتص�وف املظلوم وال يزال
أثر ذلك موروث ًا للعجب الش�ديد يف بعضهم ،يتلقفه البعض عن
البعض بال تبصر وال تدبر ،بعيد ًا كل البعد عن إنصاف النفس،
وإنصاف الدعوة ،وإنصاف الواجب والواقع ،وإنصاف احلارض
واملستقبل ،وليس يف النّاس أظلم ممن ظلم نفسه ووراثته وأمانته
ورسالته ،وهو يظن أن ظلمه هو اإلنصاف!!
159
من وصايا الشيخ لألتباع
يف إحدى األمسيات بعد أن انتهت املحارضة الدورية من فضيلة
ش�يخنا اإلم�ام الرائد رمحه اهلل حتدَّ ث معه بعض من ش�باب العشيرة
حديث� ًا منوع ًا ،فوعدهم فضيلته أن يكتب وصاياه هلم مقاطع ش�عرية
فيام طرقوه من موضوعات شتّىُ ،ث ّم كتب فضيلته هذه القصيدة وهو
قصدت هذا األسلوب قصدً ا ألسباب شتى خماطب ًا العقل
ُ يقول :إنني
املقطع األول:
ورث َب ْع َضن�ا ُق�دْ َو ًة لن�ا
يقول�ونِّ :
فإنّا لنخشى الخُ لف َب ْعدَ َك َّ
والضعفا !
إذن
ورثتك�م ،فاعملوا ْ فقلت :بىلَّ ،
ُ
�د ِ
وق ُف�وا َص ّف�ا ! اح ٍ
مجيع� ًا ك َف�ر ٍد و ِ
ْ َ
فإن لك�م َخ ْصم� ًا َ
وخ ْصم� ًا وإنكم ّ
تفر ْقتُ�م أذاقك�م اخلس�فا !
إذا م�ا َّ
160
ُ�و ُده
أخ�ا بع�دي وحي�دً ا َيئ ُ
وإن ً
وإن َج�دَّ محيل ذاك فاجتنب�وا الخُ لفا
وأي أخ بع�دي أقمت�م فإنّ�ه
ُّ
وريث�ي إذا ح ًّق�ا على أ َث�ري َق َّف�ى
�ب خلفه
حيج ُ
س ُ�م ِ وإن وجو َد َّ
الش ْ
كواكب َل ٍ
يل سوف يكشفها كشفا !! َ
(املختار) ه�ذا (لصحبه)
ُ َوقد ت�رك
َوإين س�أتركه ليحمل�ه األكف�ا !!
املقطع الثاين:
ب ِ س�تبدو ُف
ج�اءات و َتغْ�دو مصاع ٌ
ٌ
ج�وع وال َو ْقف�ا
َ ولك�ن تن�ا َد ْوا ال ُر
�ن َّ
دق با َب� ُه فل�ن ُي ْس�لِم الد ّي ُ
�ان َم ْ
َول�ن َي�دَ َع الدّ اع�ي إلي�ه إذا َو ىَّف
161
بح�ق على الذي
ٍّ َول�و أنك�م قمت�م
ُدعيت�م إلي�ه كان َواحدُ ك�م (ألفا)!
فلا ْحت ِفل�وا بالق�وم ُك ْث ً�را َو ِق َّل� ًة
ُلتم�س الزُّلفى
ُ بالكم ت
ِّ فبالكي�ف ال
املقطع الثالث:
كل ٍ
حمنة إن لك�م (ش�يخً ا) ط�وى َّ
َو ّ
ولكن�ه ع�ن كل م ْث َل ٍ
ب�ة َع َّف�ا !! َ
ّ�اس حول�ه
قضى عم�ره يف اهلل والن ُ
خص�و ٌم مجيع ًا م�ا ْاس�تكان َوال ك َّفا
الس� ْل ُ
طان َوالبغي حني ال َوم�ا ه�زَّه ُّ
الحتْف�ا وقاي� َة م�ن َبغ ٍ
ْ�ي وال َخشي َ
أتت�ه الدُّ ن�ا ز َْح ًف�ا فل�م حيتف�ل هب�ا
البيضاء والشرّ ِ
ف استكفى ِ ِ
وبالدعوة
فخ�را َو ِع�زَّة
ً وق�ال :كف�ى بالفق�ر
لي�س كع�ز الفقر م�ن رشف ُيضفى
162
املقطع الرابع:
ُ
أق�ول ألبنائ�ي اعتب�ار ًا وق�دو ًة
وجر َب واس�توىف أب عان�ى َّ مق�ال ٍ
ٍ
وخدمة فق�ه وبح ٍ
�ث ف�ت عن ٍ تصو ُ
َ ْ َّ
َ�ر ُم ْس�ت َْص َفى ٍ ِ
وميراث آب�اء توات َ
َّيف والصرِّ ْ ف أبتغي وميزت بني الز ِ
ُ
دت وال ُعرفا رض�ا اهلل ال َع ْرف� ًا َق ْص ُ
دت ال آل�و كتاب� ًا َوس�نَّـ ًة
وج�دَّ ُ
َو َل ْم أستبح يوم ًا عىل خطأٍ حرفـا !!
أحبب�ت خلق اهلل ُح ّب� ًا بال هوى!!
ُ َو
اختذت هل�ا َم ْرفـا
ُ فأكرم�ت نفسي َو
ُ
أض َّل ْ
�ت َوز ََّو َرت �ت أفواه� ًا َ َو َأ ْ
جلم ُ
احلق قد َع َص َف ْت َع ْصفا
وكانت بوجه ِّ
الدعاوى بما هلم
َ أصح�اب
َ ت
َوأ َّد ْب ُ
ِ
األم�وال واألثر األخفى ِ
اجل�اه َو من
163
ت َم ْن دعا
وحار ْب ُ
َ وس�املت ذا ِس� ْل ٍم
ُ
أردت وال َح ْيفا
ُ الح ْ�ر ِ
ب ال ُعنْف ًا إىل َ
وإن كان تافه ًاال م�ا ْ �م َأن َ
ْ�س َف ْض ً و َل ْ
اإلس�اء َة وال َع ْسفـا
َ لما َأز َْل َأن َْس�ى
َو َّ
األس�اس لدَ ْع َو ٍة
ِ أحجار
َ ت َ
وأ ْر َس� ْي ُ
�م ُس ال َي ْوم� ًا تُنال وال تُطفا الش ْهي َّ
�ت َغ�دْ را ِ
وخ َّس� ًة �ت م�ا ال َق ْي ُ
وال َق ْي ُ
ً
س�عيد ًا ب�ه ك َّم� ًا س�عيد ًا ب�ه َك ْيفا !!
�س أو ْأرتيض هلا لس�ت ُأزكِّي النَّ ْف َ
ُ َو
ِري�اء لت َْش� َقى يف القيام ِ
�ة أو تجُ ْ ف�ى َ ً
�ة الت�ي�ت بالنِّعم ِ َولكنّن�ي َحدَّ ْث ُ
َْ
هب�ا ل َّفنِ�ي ر ِّب�ي على َق ٍ
�در َلــ َّف�ا
املقطع اخلامس:
ِ
�م َأك ْ
ُ�ن َل� ُه ف َع َّو َضن�ي َر ِّب�ي بم�ا َل ْ
�ل ِم�ن األَم ِ
َف هب�ا َز َّف�ا
�داد ز َّ َبأ ْه ٍ َ ْ
164
الحكْ�م ِحكْم ًة �هدَ ين َر ِّب�ي من ُ َو َأ ْش َ
�ه َو ْصف�ا ْت بِ ِرس ًا َع َج�ز ُ و ِم رِ
سه ّ �ن ِّ َ ْ
نوجي�ت َي ْقظ� ًة
ُ ي�ت يف ذايت َو
نود ُ و ِ
َ
ِ
احلقائق ما ْاستَخْ َفى بْت ِم ْن َغ ْي َِوأ ْد َرك ُ
�ح َي ْوم� ًا بم�ا ق�د ُحبيتُ� ُه َو َل َّم�ا َأ ُب ْ
�ب حتَّ�ى ال ُأق�ا َد َوال ُأ ْن َفى
�ن ال َغ ْي ِ ِ
م َ
الورى
قلت :كفاين ذاك فليغضب َ
َو ُ
وم ْن َأ ْض َفى مجيع ًا ،فحسبي َم ْن َ
أفاض َ
املقطع السادس:
ِ
ُ�م رس�التي األبن�اء ت ْلك ْ
ُ أال أهي�ا
إليك�م َفس� ُّلوا م�ن معامله�ا َس� ْيفا
ُّب�ل َوالن َُّه�ى ِ
اإليث�ار َوالن ِ فباحل�ب َو
ِّ
مضت دعويت فامضوا هب�ا َو َدعوا ال َّز ْيفا ْ
هي الس� ْلم واإلسالم والب ْذ ُل ِ
والفدا ُ َ ِّ ُ
الم َث ُل األَ ْوىف
ين َوالدُّ نْيا ،هي َ
هي الدِّ ُ
165
لس�ت أرى إال التّص�وف هج�ر ًة
ُ َو
إىل اهلل أغ�دو يف حمافل�ه َض ْيف�ا
ِ
رج�ال اهلل يف اهلل ُأرس ٌة َوك ُُّل
توح�د أو ِح ْلف�ا
ت�رى أهله�ا إلف� ًا َّ
سحـ ٌة
ف َم َشاب الت َّص ّو َ وإن كان قد َ ْ
ف ما للصرِّ ْ ف ننس ُف ُه ن َْسفا ؟! من ال َّزي ِ
ْ
�ن َق ْب ُل ش�اهبا وك ُُّل عل�وم الدِّ ِ ِ
ي�ن م ْ
ت َق ْذفا!
س�وس َوما ُقذ َف ْ ٌ يل َومدْ َد ِخ ٌ
ِ
�وف أنّ�ه�ن ع�ادى الت ََّص ّ ل َي ْع َل َ
�م َم ْ
ف ما ُيل َفى!! اإلسالم َأشرْ َ َ ِ
ُيعادي من ْ
املقطع السابع:
�هدْ إنني ق�د ن ََص ْحتُهم ويا َر ّب ْ
فاش َ
لق األَ ْصفى
اإليامن والخُ َ
َ بأن يلزموا
األصيل َوي ْعكِفوا
َ وأن يلزموا ِ
الع ْل َم
الذك ِْر ،يظهر أو خيفى
الذك ِْر ك ُِّل ِّ
عىل ِّ
166
بالر ْف ِ
�ق َل ْح َظـ ًة وأال َينُ�وا يف الن ُّْصحِ ِّ
�ل الر ْف ِق ي ِ
وق ُظ َم ْن َأ ْغ َفى ِ
فليس كم ْث ِ ِّ ُ
اء) ألَهلِ ِ
�ه (الم�ر ِ وأ ْن يترْ ك�وا َأم�ر ِ َ
ْ َ ْ َ َ ُ
يبوء بـه ُسخْ فا الم َمـاري ما ُ ب ُ َف َح ْس ُ
حتس�بـ ًا(الري�اء) ُّ داء ِّ وأن َيدَ ع�وا َ
ْ
وإال فلا َعـ�دْ الً َأت�و ُه وال صرَ ْ ف�ا
عــ�اء فإنَّنِ�ي
ِ وأن َي ْذكُ�روين بالدُّ
ف َخ ْوفـ ًا من ُم َ
ساءلتي َر ْجـفـا ألَ ْر ُج ُ
ِ ِل�يِ
ع�ر ٌض وأن يستروا َع ْيب�ي فم ْث ُم َّ
ي�وب ال تُخ�اط َوال ت ُْرف�ا لش�تَّى ُع ٍ َ
املقطع اخلاتم:
ْ�ت هل�م هَنْج� ًا تق ّي� ًا ُمَب�رَ َّ ًأت ََرك ُ
ف ُيغْنِي ك َُّل َم ْن َط َل َب الصرِّ ْ فـا ِمن ال َّزي ِ
َ ْ
وم ْوطِـنـ ًا ِ
اإلسال ِم دينًا َ
ص ْ َو ِم ْن خالِ ِ
ِ
للتص�وف َق�دْ َر ّف�ا �و ًاء ركَ�ز ُ ِ
ْت ل َ َ
167
ِ
التص�وف ما إذا �ن ُروحِ وقدَّ م ُ ِ
�ت م ْ َ ْ
حت ّل�وا بِ ِ
�ه أ َّدوا رس�التَهم ِض ْعف�ا ْ
رس�ـال َة إصـلاحٍ وهنضـ� َة ُأم ٍ
ـ�ة ّ
ٍ
حي�اة ع�ن تكامله�ا ش� ّفـا وروح
َ
املقطع األخري:
�م َأز َْلمحل�ت و َل ْ
ُ رب أمرايض وي�ا ّ
ُأعاين فأكر ْم َم ْن َدعا وبِ َ
ك ْاست َْش� َفى
أك�ون ق�د
ُ فإنِّ�ي لعِّل�يِّ ي�وم َأمِض�يِ
َ َْ ْ
َح ُّق بِ ِ
�ه ا ُّلل ْطف�ا ! بشيء َأس�ت ِ
ٍ َأ َت ْي ُ
�ت
ْ
�ط خاطري رب ُغ ْفران� ًا فقد َش َّ
وي�ا ّ
ِ
ت َأ ْلتَم ُ
�س ال َع ْطفا رورا وق�د َأ ْق َب ْل ُ
ُغ ً
ن�ك فإنَّنِ�ي �ن َلدُ َ ِ ِ
فه ْبن�ي َأمان� ًا م ْ
َ
ف ال َأ ِجـدُ الخَ ْوفـااخلو ِ
جاء بِ َر ْغم َ ْ
َر ً
�ت األَمـانَــ� َة ِ
كاد ًحـا �ك َأ َّد ْي ُ
َحنا َن ْي َ
بم ْن أ َّدى األمانـة أن ُي ْع َفى!! َ ِ
وأ ْخل ْق َ
168
يا بين
ُ�ن ىف ِح ْزبِن�ا َر ُجلا ْ
واعم�ل َتك ْ اس�مع لن�ا
ْ بن�ى:
َّ
�ت العم�ر آيت م�ا َأحــ�ب اهلل م ْكت ِ
َـــمـــلا َق َض ْي ُ
َّ َ ُْ َ
ِ
وإن َج ِ
ـــهـــلا ـــم حـــي�ايت ُّ
ق�ط إنْس�ـــانــ ًا ْ فل�م َأ ْش�ت ْ
صغــير ًا يل بِمــ�ا ع ِ ِ
ــمـلا َ كبيـــ�را ْأو
ً أض ْب �م رْ و َل ْ
ْ�ت ُمنْ َف ِعــــلا
الس�ــو ِء َم ْهم�ا ُكن ُ ِ
�ق بلف�ظ ُّ �م َأنْطِ ْو َل ْ
ِ
المــ ُثـلا
�ـي ُ َس�يت لن ْفس َ
ُ ْت قــ�دْ ِر َ
ي َأ ْو ن جــ�اوز ُ
َ ومـ�ا
وذ فــلا �ــــذ ِ
ُ َ
وأ َّمــ�ا ُّ
للش ــ�م
ــ�م ونَـ َع ْ فللتَّـق�وى نَـ َع ْ
�ـــهــال
�ــر مــ�ا وإن َس ُ َ
بـش ٍّ ش�ــر ًا مـ�ا
ّ وال دا َفـ ْع ُ
ــ�ت
�ت ُمخْ ــ َتبِــلا �ت ذا س�ـ َف ٍ
ـــه وال عــاتَـ ْب ُ وال جـــا َد ْل ُ
َ
الرحـــمـن حمــــفـوظـــ� ًا ومبتــهلا ت بجــانِ ِ
ب َّ
ِ
وع ْش ُ
ليت ُم ْرت ِ
َجـــــلا ْربت ع�ن َع َم ٍ
�ل وال اس�ت ْع ُ وم�ا ْاس�تك ُ
َ
ٌ
آمـــ�ل أمـــلا ْ�ت إال حـــي�ـ ـ�ن يبغ�ى
وال ا ّدايــن ُ
()1ذلــي�ل َوالَ
َ �م أ ْفـ َعــ�ل أبخـــ�ل و َل ْ
ْ �م َأك َْس ْ
�ل و َل ْ
�م و َل ْ
العلي عـــلا
ِّ س بال َّطــ ْب� ِعِ �ن يف النّ�ا فخير الن ِ
ّ�اس َم ْ ُ
( )1ذليل وال :أي « :ذليل والء ».
169
ليس هذا من التصوف
لىس من التصوف اإلسالمي :القول بمخالفة الرشىعة للحقىقة،
أو أن أه�ل احلقىقة ال ىتقىدون بالرشىعة ،أو أن ظاهر اإلسلام يشء
غرى باطنه ،أو أن مسلم ًا عاق ً
ال ُرفع عنه التكلىف .
170
معلومات عن الطريقة احملمدية
( )1الطرىقة املحمدىـة :طرىقة صوفىة ،سلفىة ،رشعىة مستنرىة،
معرتف هبا رس�مى ًا ،أساس�ها :علم الكتاب والس�نة ،وهي
تنتسب إىل سىدنا « حممـد » � ،ظاهر ًا من طرىق األشىاخ،
وباطن ًا من طرىق التلقي الروحي املبارش ،من احلرضة النبوىة
الرشىفة .
171
مواك�ب ،
ٌ ( )4لى�س يف طرىقن�ا ٌ
طب�ل وال زم�ر ،وال رق�ص وال
راىات وال أوشحة ،وال شعوذ ٌة وال جتارة ،وال رضائب
ٌ وال
وال مك�وس ،وال أكل ألم�وال الن�اس بالباط�ل ،وال جيوز
عندن�ا التظاه�ر والتفاخ�ر على اإلطالق ،وإنما هي صورة
صحىحة من أعامل السلف الصالح .
172
وعقل�ك م�ا ىثىره خص�وم التص�وف وأدعىـ�اؤه من ُش� َبه
ُمض ِّللة واستشــكاالت باطلة ،تعصب ًا لغرى وجه اهلل .
***
173
من أقوال شيخنا اإلمام الرائد
يف النصيحة لإلخوان واملريدين
ه�ذه جمموعة من األقوال الطيبة اجلامعة ،واحلكم النافعة ،كتبها
نصيح�ة لتالمي�ذه ش�يخنا األس�تاذ اإلمام حمم�د زكي إبراهي�م رائد
العشرية املحمدية رمحه اهلل تعاىل رمحة واسعة .
174
-8ال يك�ون ال�ويل م�ن رج�ال الدع�اوى والظه�ور ،وإال فقد
اس�تدرجه زور الفج�ور ،وغره باهلل الغ�رور ،وكان يف دنياه
يف روض ومن أخراه يف تنور.
175
( )3أول من أسلم من النساء ( خدجية ).
- 15ال تفرط يف الدِّ ين ،وال تتنطع فيه ،واعمل جهدك بالسنن،
واعلم أن التقوى يف القلوب ،والتزم الكامل والوقار واجلد،
وإياك وفضول القول والعمل.
176
-17ال تنقطع عن جمالس اإلخوان ،وارض بأحكامهم ،ونفذها
بأمانة ،واحفظ تعاليمهم العرشة عن ظهر قلب ،واس�تظهر
ما استطعت األوراد واألحزاب واألدعية اخلاصة هبم.
-20اجعل لنفسك ورد ًا قرآني ًا ،وامحل املصحف صديق ًا وولي ًا،
واحف�ظ عىل األق�ل أربعني حديث ًا نبوي� ًا ،فإنهّ ا زادك إىل يوم
تبعث حيا.
177
-22اجع�ل من زكاة مالك وزرعك نصيب ًا مفروض ًا إلخوانك،
وأوص هلم بجزء من تركتك قبل موتك ،وانو احلج واقتصد
له من مالك وإن قل.
***
178
* و يقول شيخنا ريض اهلل عنه :
َ -م� ْن خال�ف عنا فليس منا ،وإن انتس�ب إلينا ،ومس�ئوليته فيام
يأتيه عليه ال علينا .
َ -م ْن اعتنق مبادئنا ،وقرأ أورادنا ،فهو منا ،وإن مل نره ومل يرنا.
179
-وأنن�ا نؤم�ن بالتعب�د والفضيل�ة والعل�م والعم�ل ،وأننا نكره
التفاخر والتظاهر والتكاثر والدعاوى .
َّ -
وأن سبيلنا ( احلق ) ،ولو مل يكن معنا أحد .
َّ -
وأن وس�يلتنا التعبد والدعوة ،والعلم والعمل ،وحس�ن الظن
وحسن اخلُ ُلق .
َّ -
وأن مذهبنا ( احلكمة واملساملة ).
َّ -
وأن غايتنا ( اهلل ) تعاىل وحده .
أ َّم�ا إذا لم يك�ن األخ قد تصوف ،فإن ش�اء دللن�اه عىل من
180
نرجو أن يوصله إىل اهلل من الس�ادة ،وإن شاء آخيناه عىل مرشبنا
الذي نمارس�ه يف اهلل ،س�واء يف ذل�ك الرجال والنس�اء والفتيان
والفتيات .
ِ ِِ * وصلىَّ اهلل عىل سي ِدنَا حُ َ ٍ
وص ْحبِه َ
وس َّل َم * م َّمد وعىل آله َ َ ِّ َ
181
ترمجة موجزة وتعريف
بفضيلة اإلمام السيد
كتبها
محــد ًا هلل ،وصال ًة وسالم ًا عىل مصطفاه ،وعىل آله وصحبه
ومن وااله ،يف مبدأ األمر ومنتهاه.
وبعــــد:
185
رشعت يف كتابة ترمجة موس�عة لش�يخنا رمحه اهلل تعاىل،
ُ وقد
تتناول تفصيل جوانب من حياته وفكره ومعارفهُ ،
أسأل اهلل تعاىل
التوفي�ق إلمتامها ،عس�ى أن يؤ ِّدي ذلك ش�يئ ًا م�ن ح ِّقه الواجب
علينا رمحه اهلل تعاىل.
-مولده ونشأته:
186
(1916/8/22م) ،فيك�ون قد قضـى من العمر يف هـذه احلياة
م�دون يف األوراق الرس�م ّية،
ّ الدني�ا ( )82عام ًا ،حس�ب ما هو
إال أن عن�دي م�ن األس�باب العلمية والتارخيية م�ا جيعلني أؤكد
أن الش�يخ رمحه اهلل قد ولد قبل هـذا التاريخ بنحو عرش س�نوات
تقريب� ًا ،ث�م تأكّ�د يل ذلك متام� ًا فرأيت بخط ش�يخنا رمحه اهلل أن
مول�ده كان يف (1906/8/22م) ،فيك�ون عم�ره الفعيل ()92
عام ًا ،قضاها يف جهاده ودعوته ،يف عل ٍم وعمل .
وجدّ الش�يخ ألمه :هو الشيخ حممود أبو عليان ،أحد شيوخ
َ
يف عدد خاص باإلمام إبراهيم اخلليل الشاذيل ،من نرشة أهل الصفة.
187
الطريق العلامء املجددين ،تتلمذ عىل يد الشيخني اجلليلني الشيخ
العدْ وي احلمزاوي ،والشيخ عليش شيخ مالكية عرصه، حس�ن ِ
وق�د أثنى عليه ومدحه وترجم له الدكتور عبد املنعم خفاجي يف
كتابه عن التصوف.
188
تـخرجـه يف األزهر:
الصويف
نش�أ ش�يخنا اإلم�ام الرائ�د يف ه�ذا اجل�و العلم�ي ُّ
والروحي،
األزه�ري ،ممّ�ا كان له أكرب األث�ر يف تكوينه العلم�ي ُّ
فتلق�ى العلم ابت�دا ًء عىل يد والده ،وحفظ القرآن عىل يد الش�يخ
ج�اد اهلل عطي�ة يف مس�جد الس�لطان أيب العلاء ،والش�يخ أمحد
الرشيف بمس�جد س�يدي معروف ،وكان حينئذ ما بني التاس�عة
والعارشة من عمره .
ُث ّ
�م التح�ق بمدرس�ة ( درب النش�ارين االبتدائي�ة ) ،وكان
االبتدائ�ي حينئذ ي�وازي املرحلة اإلعدادية اآلن ،ث�م انتقل منها
إىل مدرس�ة ( هنضة بوالق الكربى ) ،وكانت من أشهر املدارس
يف ذلك الوقت .
ُث ّ
�م التحق باألزه�ر الرشيف فأخذ فيه املرحل�ة الثانويةُ ،ث ّم
مرحلة العاملية القديمة ،وليس بني يدي اآلن ما أعرف منه تاريخ
خترج�ه يف األزهر عىل وجه التحدي�دْ ،
وإن كانت الدالئل حترص
ذلك يف الفرتة ما بني 1926م إىل 1930م .
189
وقد ذكر يل الش�يخ رمح�ه اهلل كيف أ َّدى امتح�ان العاملية ؟!
مس�جل عندي بصوته )،
َّ وكان ذلك يف جملس خاص معه ( وهو
فكان مما قاله رمحه اهلل:
190
الس�عد والسيد يف االس�تعارة املكنية ) الس�عد التفتازاين والسيد
اجلرج�اين ..ويف النح�و ب�اب املبت�دأ واخلبر ،ويف التفسير آية:
﴿ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
ﮣﮤ ﴾ اآليــة [آل عمران.» ]7 :
191
واضح ًا جلي ًا يف حياته الدعوية (خطابة وتدريس ًا وتأليف ًا وفتوى
وإرشاد ًا).
فقد كان جملس درس�ه رمحه اهلل مليئ ًا بفرائد الفوائد القرآنية
الن�ادرة ،قلما ذك�ر حادث� ًة أو حكم ًا أو موعظ� ًة إال ودليله�ا من
كت�اب اهلل تعاىل يف املقدمة ،والكثري من دروس�ه هو رشح آليات
من كتاب اهلل تعاىل ،وال أنس يوم ًا رشح يف درسه سورة (الرمحن)
جامع لصفات
ٌ آي�ة آية ،فبدأ بمعنى اس�مه تعاىل ( الرمحن ) وأن�ه
اجلامل واجلاللُ ،ث ّم ذكر أسماء س�ورة الرمحن ،ومنها أهنا تسمى
ع�روس الق�رآنُ ،ث ّم ّ
ع�رج عىل قصة س�يدنا عبد اهلل بن مس�عود
وجهره بآيات من سورة الرمحن عىل أهل الرشك وعبادة األوثان،
ُث ّم انطلق يف معاين آيات س�ورة الرمحن ،وروى حديث اجل ّن كلام
س�معوا قول احلق ﴿ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﴾ فكانوا أحسن
مردود ًا من اإلنس وقالوا « :ال بيشء من نعمك ربنا نكذب فلك
احلم�د » .إىل آخر ما يف هذه الس�ورة من معاين عظيمة جليلة،
ٍ
درس استمر قرابة ثالث ساعات . يف
192
وإنك لتجد بني ثنايا دروس فضيلة اإلمام الرائد من الفوائد
العظيمة واملعاين الش�اردة اجلليلة ،فشرح يوم ًا معنى قول احلق:
﴿ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﴾
وأفاض يف تاريخ البيت احلرام ،ومعنى بكة ومكة ..إلخ .
193
املم َّي�ز ،وهنا أذك�ر أول لقاء للقارئ الطبيب أمحد نعينع بالش�يخ
رمحـ�ه اهلل ،إذ بعد أن قرأ الش�يخ أمحد نعين�ع انطلق اإلمام الرائد
يبني للحارضين خفايا بعض أحكام التالوة عند حفص ،ويرشح
بعض وجوه القراءات ما يبهر العقول .
194
العظي�م ،واألجر الكبير ،مما ورد فيها أهنا تع�دل ثلث القرآن أو
ربعه ،كس�ورة اإلخالص ،والكافرون ،والزلزلة ،وآية الكريس،
وخواتيم البقرة ،ونحو ذلك .
ُّ
فكل هذا من الس�نن املؤكدة ،واملس�تحبات ،والفضائل ،ممَّا
للس�الك إىل اهلل تعاىل ،املرتق�ي يف درجات الكامل،
هو رضوري ّ
بعد حمافظته عىل الفرائض والواجبات ،وأدائها عىل أكمل وجه يف
أوقاهتا ،إذ ال بـد للسالك إىل اهلل من معرفة مراتب األعامل ،وأن
يك�ون فقيه ًا باألولويات ،عليم ًا بالرضوريات ،فال هيتم بالفروع
ويرتك األص�ول ،ويقيض وقته يف النوافل م�ع إمهاله الواجبات،
فيك�ون كمن يزين جدار ًا هش� ًا ال أس�اس له ،يوش�ك أن ينهار،
وال حول وال قوة إال باهلل .
وفض ً
ال عن اهتامم ش�يخنا رمحه اهلل بالقرآن يف جمالس علمه،
فق�د كان رمح�ه اهلل كثير التلاوة ل�ه ،حيث على جمال�س تالوته
ومدارس�ته ،فعمرت مس�اجده باملجالس القرآنية تالو ًة وحتفيظ ًا
َّ
وحث عليها . واهتم بالكتاتيب،
ّ وتعليم أحكام،
195
* وقد كتب عدّ ة مؤلفات ق ِّيمة حول كتاب اهلل ع َّز وجل ،منها:
196
)4تفسير آيات خمتارة من كتاب اهلل تعاىل ،كآيات الرب من سورة
البقرة ،وأوائل سورة اإلنسان ،وغريها ،وهو ما زال خمطوط ًا،
أسأل اهلل تعاىل أن يوفق لطباعته .
197
علمية تأصيلية » .ولشيخنا بحث ق ِّيم يف التداوي بالقرآن ،وآخر
فريد يف معاين االختيار والتفضيل لبعض السور القرآنية .
ومم�ا ينبغ�ي أن يذك�ر -يف جم�ال ذك�ر الفضل ألهل�ه َّ -
أن
ش�يخنا رمح�ه اهلل تع�اىل كان ِم ْن أول َم�ن نادوا بتس�جيل القرآن
الكريم برواية (الدوري) وبقية القراءات ،وهذا مس�جل يف جملة
املس�لم يف وقته .وقد كان األستاذ لبيب السعيد وكيل عام وزارة
األوق�اف وأمين العشيرة املحمدي�ة الثق�ايف وقتها ه�و أول من
سجل تالوة القرآن عىل أسطوانات .
ّ
198
ونجد اهتامم ش�يخنا رمحه اهلل باحلديث رواية ودراية واضح
املعامل يف مؤلفاته ،وقد نقل عنه الش�يخ احلسيني هاشم والدكتور
أمحد عمر هاش�م يف كتاهبام ( املحدِّ ثون يف مرص) أن أكثر مؤلفاته
على طريق�ة أه�ل احلدي�ث ،وانظ�ر لذلك مث ً
لا رس�الته يف ليلة
النصف من شعبان ،ورسالته يف احلديث الضعيف .
199
ا ُمل ّ
عم�ر الس�يد حممد عبد اهلل الع�ريب العـاق�وري الليبي املرصي،
وس�يدي الش�يخ إبراهيم الغالييني الدمش�قي ،وس�يدي الشيخ
حس�ن حبنكة امليداين الس�وري ،وس�يـدي الش�ـيـخ الببـالوي
املصـري ،وس�يدي الش�ـيخ حس�نـني خمل�وف املفت�ي املرصي،
والش�يخ احلس�يني أبو هاش�م األزهري املرصي ،والشيخ املبرش
الطرازي مفتي البلقان وآس�يا الوس�طى قبل الشيوعية ،والشيخ
يوسف الدجوي املرصي ،وس�يدي الشيخ حممد بخيت املطيعي
املفتي املرصي ،وس�يدي الش�يخ حممد احلافظ التيجاين ،والشيخ
أمحد عبد اجلواد الدومي ،والش�ـيـــخ اخلـضـر حس�ـني املغريب
مـ�ن ش�ـيوخ األزهـ�ر ،واألمـيـ�ر عب�د الكريم اخلط�ايب جماهد
املغ�رب ،والس�يد اليمني النارصي الش�اذيل املغ�ريب املجـاهـد،
والش�يخ عبد الوهاب عبد اللطي�ف األزهري من علامء احلديث
بمرص ،وبقية أش�ياخي ممن س�بق ذكر بعضهم ريض اهلل عنهم ..
وعن والدي الس�يد إبراهيم اخلليل بن عيل الش�اذيل ،بأس�نادهم
املحررة بأثباهتم ،عن أش�ياخهم عموم ًا بمروياهتم من التفسير،
واحلديث ،والفق�ه ،واألصول ،واملنطق ،والسيرة ،واملصطلح،
200
وعل�م الرجـ�ال والتوحـيد ،وعـلوم الق�رآن ،والعقائد ،وفروع
اللغ�ة العربية ،والثقافة العامة ،والتصوف الصحيح ،وخصوص ًا
كتب القشيري والغزايل والس�هروردي وغريه�م مما أرشت إليه
وما فاتني أن أشري إليه .اهـ
201
باملغ�رب ،وغريها من اجلامعات العربية وغريه�ا يف أنحاء العامل
اإلسلامي والدعاة باملراكز اإلسلامية بالغ�رب ،فأجاز اجلميع
حتى إنه طبع إجازته باملرويات عدة مرات يف فرتة وجيزة .
202
الشيخ والثقافـة املدنية:
203
معم�م مقفط�ن ال أزال أثقف نفيس،
وأمثال�ه ،أنن�ي وأنا رج�ل َّ
وأزوده�ا بكل ثقافة م�ن املرشق أو املغرب ،باحث� ًا عن احلكمة،
جاري ًا وراء احلقيقة ،كلام أذنت يل صحتي وأوقايت وقدريت .
204
مدارس املوس�يقى بني صامويل جونس�ون ،وبوال�وا ،إىل كل ما
يتعلق بفن املرسح والسينام ..إلخ .
ه�ذا م�ا كتبه رمح�ه اهلل ،مم�ا يوضح جوان�ب ثقافت�ه املدنية،
الت�ي حصل عىل قس�ط وافر منها ،ومع ذل�ك مل ينجرف مع تلك
التي�ارات أو هذه ،ب�ل انتقى من تلك الثقافات م�ا تقره الرشيعة
اإلسلامية ،ويفيده يف دنياه وآخرته ،ف�كان رمحه اهلل تعاىل آية يف
فهم الفكرة اإلسلامية الوس�طية األصيلة ،كام كان آية يف فهم ما
حوله من اجلامعات واجلمعيات وأصحاب الفكر ،عىل اختالف
توجهاهتم ،واكتفى بمعرفة (غري املفيد) من باب الثقافة فقط ،أو
م�ن باب ( معرفة الرش لتوقيه ) .وقد حارب الفلس�فات الغريبة
ويسء ه�ذه املعارف والثقافات بلس�انه وقلمه رمحه اهلل ونفعنا به
وبعلومه يف الدارين .آمني.
205
ثـناء العـلامء عـليه:
وق�د ترجم لش�يخنا اإلمام حممد زكي إبراهي�م ،وأثنى عليه
عدد كبري من علامء مرص والعامل اإلسالمي ،منهم:
206
عظيمة ،وكان شيخنا رمحه اهلل تعاىل ممن ثبت معه حني تنكر النّاس
له ّ
لما اعتقل يف عهد عبد النارص ،ومكث يف السجن احلريب أحد
عرش س�نة كاملة ،وكان الس�يد عبد اهلل بن الصديق الغامري كاتب ًا
ومفتي ًا بمجلة املسلم وعضو ًا بمجلس علامء العشرية املحمدية .
207
الشيخ الباقوري وشيخنا رمحهام اهلل رحلة كفاح وجهاد يف سبيل
إصالح قوانني الطرق الصوفية .
208
)8العارف باهلل الش�يخ أمحد رض�وان البغدادي األقرصي،
وقد كان بينهام مودة عظيمة ،ومراسلات مفيدة كثرية مشهورة،
طبع بعضها بمجلة املس�لم ،وقد أوىص الشيخ أمحد رضوان بأن
يقوم الشيخ رمحه اهلل بغسله وتكفينه وجتهيزه ،فكان كام قال.
الس�ادة العلامء
هذا م�ا حضرين اآلن ،وهناك الكثير من ّ
ممن أثنوا عىل الش�يخ أو ترمج�وه يف كتبهم ،منهم عالمة احلجاز
السيد علوي بن عباس املالكي ،وولده املجاهد السيد الدكتور
حمم�د علوي املالكي ،والعالمة الش�يخ حمم�د احلافظ التجاين،
والش�يخ العارف باهلل أبو املحاس�ن حممد سعد بدران ،واإلمام
العارف الشيخ عمران الش�اذيل ،وعرشات غريهم ،ويف أعداد
املس�لم التي صدرت مواكبة لرحيله عشرات الكلامت ألجلة
علامء األزهر ومشاخيه ،وقد ترمجه مؤرخ األزهر الدكتور حممد
رجب البيومي بمجلة األزهر .
209
وظائفه ومناصبه:
210
اشتغاله بالصحافة واملقال:
211
املهدي ،ثم أس�س جملته ( املس�لم ) سنة 1950م ،وقام بوضع
منهجه�ا وحتريره�ا وإدارهت�ا وتطويره�ا واإلرشاف عليها إىل
وفاته رمحه اهلل .
مـؤلـفـاتـه الـعـلـمـيـة:
وق�د ترك لنا ش�يخنا رمحه اهلل ث�روة علمية هائل�ة :قريب ًا من
مائة كتاب ورس�الة يف العلوم الدينية ،كام ترك لنا مئات البحوث
والفت�اوى واملق�االت واخلط�ب وال�دروس ( بعضه�ا مكتوب
وبعضه�ا مس�جل ) ،وق�د وفقن�ي اهلل ملراجع�ة وحتقي�ق وطباعة
212
بع�ض كتبه يف حياته رمح�ه اهلل ،وبعد وفاته ،وم�ن كتبه املطبوعة
عدا ما سبق اإلشارة له:
213
الضعيف يف فضائل األعامل برشطه عند علامء احلديث ،وإن
الضعيف جزء من احلديث املقبول عند أهل هذا الفن .
( )8مراق�د أهل البيت يف القاهرة :حيقق أن رأس اإلمام احلسين
ريض اهلل عن�ه وجثامن الس�يدة زينب وغريمها م�ن آل البيت
بالقاهرة ،تارخيا وواقع ًا .
( )9قضي�ة اإلمام املهدي :يف تأكيد أن املهدي حق ،ولكن مل يأت
ال ونق ً
ال . زمانه بعد ،عق ً
( )10ديوان البقايا :شـعر صويف واجتامعي فني مـعارص عميق،
يف جملدين.
( )11ديوان املثاين :اجلزء األول ،واجلزء الثاين :مثاين من األبيات
الشعرية تستغرق أغراضا خمتلفة ،وحك ًام وتوجيهات ،وآداب ًا
وصوفيات رائعة .
( )12أمه�ات الصل�وات النافل�ة :الصل�وات النافلة ومس�ائلها
وأحكامها من الكتاب والسنة .
214
( )14عصم�ة النبي ونجاة أبويه وعم�ه :ر ٌد عىل أقوال املنكرين،
وتأكي�د لعصم�ة النب�ي صىل اهلل علي�ه وآله وس�لم ،وحلول
املش�اكل املدع�اة حوهل�ا بقواط�ع األدل�ة ،مع بح�ث خاص
بمعجزات النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم .
215
الشيخ والدعوة إىل اهلل:
216
القرآين ،وعضو ًا يف اهليئة العليا للدعوة باألزهر ،وعضو ًا مؤسس ًا
لعدد من اجلمعيات اإلسالمية .
217
يس�اعد َم� ْن يدخل يف دين اهلل ممن حيتاج املس�اعدة ،علمية كانت
أو أدبية أو اجتامعية ،وما زال مكتب رعاية املهتدين إىل اإلسلام
باألزهر يؤ ِّدي مهمته إىل اآلن بصورة أو بأخرى خري قيام .
ول َع َّ�ل أش�هر ه�ذه املناظ�رات م�ا كان بين�ه وبين الداعي�ة
الش�يخ حممد الغ�زايل رمح�ه اهلل « حول عب�ادة الرغب�ة والرهبة »
تلك املناظرات التي اس�تمرت ستة أشهر عىل صفحات األخبار
218
واملس�لم ول�واء اإلسلام ،وش�ارك فيه�ا الصحف�ي أمح�د س�امل
والدكتور عبد احلليم حممود والشيخ حممد خليل اهلراس والشيخ
حممد عبد اهلادي العجيل.
ومن املناظرات واملس�اجالت أيض ًا :ما كان بينه وبني الشيخ
عب�د الرمحن الوكي�ل ،والدكتور س�يد رزق الطوي�ل ،والدكتور
إبراهي�م هالل ،واألس�تاذ حس�ن قرون وغريه�م ،ويف كل تلك
املناظرات التزم الشيخ رمحه اهلل األدب الصويف الرفيع ،والبحث
العلمي النزيه واحلجة املقنعة .
كما أن�ه انتقد ع�دد ًا م�ن العلماء ورد عليهم ؛ فانتقد الش�يخ
عبد اجلليل عيس�ى ملا كتبه يف كتابه ( اجتهاد الرس�ول ) ،ورد عليه
يف كتاب ( عصمة النبي � ) الذي كان أول رد عىل ما نرشه أمحد
صبح�ي منص�ور ،وق�د فصل امل�ارق :أمح�د صبح�ي منصور من
األزهر بذلك الكتاب والتقرير الذي كتبه عنه الشيخ رمحه اهلل.
219
شذرات من تصوف اإلمام:
سماه بع�ض العارفين ب�اهلل (الش�اذيل الث�اين) ،كما س�مي
أبو احلس�ن (اجلنيد الثاين) ،فقد جدد اهلل تعاىل باإلمام حممد زكي
والشاذلية خصوص ًا ،وأحيا اهلل تعاىل به
إبراهيم التصوف عموم ًاّ ،
مع�ارف قد طويت ،وعلوم ًا عي مرياث أهل الصالح والعرفان،
َسيج َو ْح ِده ،ومدرسة عظيمة .
فكان ن َ
خت�رج يف التص�وف على ي�د والده ،ال�ذي كان ش�يخ فتحه
ومتكين�ه ،وما زال يمده ويعرفه بالصاحلني ويأمره باألخذ عنهم،
حتى أصبح اإلمام الشيخ حممد زكي إبراهيم جممع أسانيد عرصه
يف التصوف ،وس ّلم له الرجال بالتجديد والتقدّ م.
وم�ا زال ش�يخه يرع�اه يف س�لوكه ،فقط�ع ش�يخنا مدارج
الس�لوك الصوىف ،وأتم مسيرة (األسماء الس�بعة) ث�م (الثالث
عشرة) ث�م (التس�عة والتس�عني) حتى انته�ى إىل االس�م املفرد
واألعظم) ،ودخل اخللوة الصغرى والكربى مرات.
َسيج َو ْح ِده :أي ال نظري له يف فضائله وكامالته ،وعن عائشة ريض ن َ
ِ
م�ر ريض اهلل عنه تَص ُفه ،فقال�ت « :كان واهللِ
اهلل عنه�ا ،أهن�ا ذكرت ُع َ
َسيج َو ْح ِده ». ِ
َأ ْح َوذ ّي ًا ن َ
220
وباإلضافة إىل هذا اإلرث الصويف ،فإن الش�يخ راح ينهل
م�ن كب�ار علامء التص�وف يف وقته ،كالش�يخ حممد ب�ن إبراهيم
الببالوي ،والشيخ سالمة العزامي ،والشيخ إبراهيم أيب العيون
الكبري ،والش�يخ عبد ربه س�ليامن ،والس�فري األفغ�اين الصويف
الش�يخ حمم�د ص�ادق املج�ددي ،والش�يخ إبراهي�م الغالييني
املفت�ي الدمش�قي ،وكان حيرض حلقات الذكر يف منزل الش�يخ
حممود خطاب الس�بكي مؤس�س اجلمعية الرشعي�ة ،باإلضافة
إىل عالقته بالش�يخ عبد الرمحن البنا ،وأبنائه الش�يخ حسن البنا
والشيخ عبد الرمحن البنا.
221
حمم�د ب�ن ن�ارص الدرع�ي يف معارف�ه وعلومه وترشع�ه ،وهو
ابن عجيبة يف فيوضه ورشوحه ،بل هو صاحب جبل العلم ابن
مش�يش يف خفائه وظهوره ،بل هو أبو مدين الغوث يف معارفه
وشعره ونثره وحكمه.
222
تـــراثـــه األدبـــي:
)4احلصائد .
223
وحيتويان عىل شعر الشيخ يف صدر شبابه ،يف شتى األغراض
واملوضوعات ،ففيهام الشعر الديني واالجتامعي وشعر الشباب،
وق�د نرشت بعض قصائدمه�ا يف جملة أبولو وغريه�ا ،وقد رجع
الش�يخ رمح�ه اهلل عن بعض ما قاله فيهام ،وأم�ر أن يلحق ما تركه
فيهام من ش�عر وم�ا تناثر من ش�عره يف األوراق ،ما كان من باب
الزه�د والتص�وف إىل البقاي�ا ،وما كان من املث�اين إىل املثاين ،وما
الروحي�ة جيمع يف
كان من ش�عره م�ن ب�اب الوجد واملن�ازالت ُّ
ديوان خاص سامه:
224
كام أن للش�يخ مقاالت أدبية ونق�د أديب رائق يف جملة أبولو،
والفجر ،والنهضة الفكرية ،لعل من أمهها ما كتبه يف نقد األستاذ
( أيب حدي�د ) يف الش�عر احل�ر أو املرس�ل ،وال نن�س م�ا انتقد به
الزيات يف سلس�لة مقاالته ( مشاغبات األسبوع ) التي نرشهتا له
جريدة اإلخوان لعهدها األول سنة 1932م .
وفاتـــه:
العلامء والرؤس�اء واألمراء ُ .ث َّم كان املس�جد جم�اور ًا ملدفنه ،فقد
انتقل إىل رمحة اهلل الس�اعة الثالثة متام� ًا من فجر يوم األربعاء 16
225
حي�اة حافل�ة اس�تمرت نحو قرن م�ن الزمان يف الدع�وة إىل اهلل،
226
فهرس احملتويات
ص املوضــــــــوع
227
109 املحمد َّي ِة
َّ ِ
والطريقة املحمد َّي ِة
َّ ِ
العشرية -
127 -العشرية ودعوهتا
145 املحم ِ
دية َّ ِ
بالطريقة ُ
التعريف -
158 -أال أهيا النوام :وحيكمو ،هبوا !!
160 -من وصايا الشيخ لألتباع
169 -يا بني
170 -ليس هذا من التصوف
171 -معلومات عن الطريقة املحمدية
-من أقوال شيخنا اإلمام الرائد يف النصيحة لإلخوان
174 واملريدين
183 -ترمجة موجزة وتعريف بفضيلة اإلمام الرائد
***
228