Professional Documents
Culture Documents
إلى يوم القيامة ،ومن سن في اإلسالم سنة سيئة كان عليه وزرها
ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ال ينقص من أوزارهم شيئًا».
شهرا أو
* لقد كان الدارسون من سلفنا يربك الواحد منهم ً
احدا أو عامني عند مدرسه وشيخه فإذا به قدوة
عاما و ً
شهرين أو ً
حسنة مبجرد أن تنظر إليه ،فكيف إذا َو َعظ أو تكلم؟ ..وتتبع
احدا فقط فاشالً يف علمه ،وعمله خترج؟
تدريس السلف هل جتد و ً
فاهلل اهلل يف اإلخالص والصدق وتربية النشء على ذلك وربط قلوهبم
باهلل تعاىل الذي علمك وعلمهم.
* وأشكره سبحانه على نعمة السمع الذي تسمع به العلم،
والعقل والقلب الذي تعقل به وتفقه به العلم ،واللسان الذي أنطقه
اهلل تعاىل من قطعة حلم باحلكمة والعلم ،قل للواحد منهم :عينك َمن
حنوا
حيركها هذه احلركة الدائبة؟ قلبك الذي يدق يف الدقيقة الواحدة ً
من سبعني دقة ففي الساعة كم؟ ويف اليوم الواحد كم؟ بل كم هلل
تنس رقابة اهلل تعاىل الذي حرك قلبك َ تعاىل من نعم عليك؟ إذًا فال
ض إِنَّهُ َعلِيم بِ َذ ِ
ات السماو ِ
ات َو ْاْل َْر ِ وقلَّب طَرفك إِ َّن اللَّهَ َعالِ ُم غَْي ِ
ٌ ب َّ َ َ ْ
الص ُدوِر[ فاطر ]83 :وأَنْ ِذرُهم يـوم ْاْلَ ِزفَ ِة إِ ِذ الْ ُقلُوب لَ َدى الْحنَ ِ
اج ِر ُّ
َ ُ َ ْ ْ َْ َ
ين ِم ْن َح ِم ٍ
يم َوَال َش ِفي ٍع يُطَاعُ * يَـ ْعلَ ُم َخائِنَةَ ْاْلَ ْعيُ ِن ِ ِِ
ين َما للظَّالم َ
ِِ
َكاظم َ
ور[ غافر.]81 ،83 : َوَما تُ ْخ ِفي ُّ
الص ُد ُ
اسأل اهلل تعاىل بأمسائه وصفاته لنا أمجعني التوفيق وأداء األمانة
وأن جينِّبنا سبحانه طريق املغضوب عليهم الذين تعلموا ولكن مل
يعملوا ،والضالني الذي جهلوا ومل يتعلموا – آمني.
* وعليك أخي يف اهلل أن تُ َذ ِّكر نفسك وإخوانك وطلبتك ومن
7 تحف ـة المعلــم
****
0 تحف ـة المعلــم
تحفة المعلم
احلمد هلل الذي ال إله إال هو ،وهو للحمد أهل ،وهو على كل
شيء قدير ،والصالة والسالم على النذير البشري ،أما بعد:
* فإن الباعث على كتابة هذه الرسالة هو النصيحة هلل ،اليت هي
ب حامل فر َّ
من ألزم اللوازم ،ومن باب قوله عليه الصالة والسالمُ « :
فقه إلى من هو أفقه منه» [رواه أبو داود من حديث زيد ،]وقد
كتبت لك هذه الرسالة يا أخي وأرجو من اهلل أن تلقى عندك قبوالً
واستحسانًا ،وأن ينفعك اهلل هبا حىت يثمر تعليمك وعملك ،وحيصل
بك االنتفاع.
اقي إىل اآلداب ،ودرجات إىل العلم األكرب
* وملَّا كانت األيام مر َ
– كتبت لك هذه الرسالة ،وقد انتخبت هذه الفضائل والنصائح من
أفواه الرجال ،وبطون صحائف العلماء ،وما يسنح به اخلاطر من اهلل
تعاىل ،فخذها بقوة ،وخذ نفسك بالعزائم وال ترتخص ،فإن عجزت
فسل املوفِّق فإنه يؤيد بالعزائم.
َ
* فإليك هذه اآلداب الشرعية واملنح املرعية:
-8من اْلداب المرعية التي ينبغي للمعلم مراعاتها :القدوة
صالح لطالب ،كما
ٌ الحسنة وضرورة توافرها يف املعلم ،فإن صالحه
أن عيوهبم معقودة بعيوبه ،فاحلسن عندهم ما فعل ،والقبح عندهم ما
ترك ،وقد ضرب املعلم األول عليه الصالة والسالم حبسن القدوة
تحف ـة المعلــم 09
املثل األعلى ،فله فيها القدح املعلى حىت كان العريب القح يراه احلسنة َ
فيقول« :واهلل ما هذا بوجه كاذب» ،فيشهد له بالصدق مبجرد رؤيته،
فكيف مبن شاهد أخالقه وحسن تعليمه ،وقد أتاه اهلل ذلك كله وأثىن
يمك ل ََعلى ُخلُ ٍق َع ِظ ٍعليه يف كتابه فقال سبحانه وتعاىلَ :وإِنَّ َ
[القلم ،]2 :وهو مع ذلك رجل أمي مل ُيارس التعليم ،ومل يطالع
الكتب ،فسبحان من أهلمه وعلَّمه ما مل يكن يعلم.
ومسة يتحلى هبا املعلم؛ * وملا كانت القدوة احلسنة أهم خصلة ِ
َّ
ألهنا مثرة العلم والعمل ،كان السلف يقصدون من العلماء من يتحلى
هبذه الصفة ،يقول أحد السلف« :كان جيتمع يف جملس اإلمام أمحد
ُزَهاء مخسة اآلال ،،وكان أقل من مخسمائة يكتبون ،والباقون
يتعلمون منه حسن األدب وحسن السمت».
* ويقول أبو بكر املطوعي« :كنت أختلف إىل اإلمام أمحد فما
احدا ،إمنا أنظر إىل هديه وأخالقه وأدبه».
كنت أكتب حديثًا و ً
* ومن هنا كانت القدوة احلسنة أعظم خصلة ومنحة ،فإن مل
ينفع لفظ نفع مسَْت وهدي ،فيدعو الناس إىل عمله بالصمت
والوقار؛ وهلذا تعمل هذه اخلصلة يف القلوب ما ال تعمله آال،
اخلطب واملواعظ .وهذا الكالم موجه ملن أراد أن خيدم هذه األمة
أسا ،ومل يفكر يف خدمة هذا الدين املباركةَّ ،أما من مل يرفع بذلك ر ً
فال على مثله يُلوى وال حيزن ،ولن يلتفت إىل هذا الكالم أصالً،
ولكن كما قال الشاعر:
ـهل
ولك ـ ــن الرض ـ ــا باجله ـ ــل س ـ ـ ُ علوم ـ ــا ل ـ ــو دراه ـ ــا م ـ ــا قاله ـ ــا
ً
00 تحف ـة المعلــم
وم ْن نظر إىل حال الصحابة فلن يرتدد يف أن رسول اهلل نيب
* َ
ورسول من عند اهلل ،وقد ذكر العلماء أن التلميذ صورة من شيخه،
فإذا كان الشيخ صاحلًا فالتلميذ صورة منه ،وإذا كان فاس ًقا كانوا
فاسقني.
-1ومن اْلداب المرعية التي ينبغي للمعلم مراعاتها :عدم
تنفير الطالب من العلم وتكريههم فيه؛ فكم من معلم بسوء تربيته وتعليمه
وعالجه لألخطاء جعل بعض الطلبة يفشلون يف حياهتم ودراستهم ،فأصبحوا
بعد اهلرب من املدرسة مصدر شر وبالء على اجملتمع.
* فهناك من املعلمني من جتد َس ْوطه قبل تعليمه وتوجيهه،
وهتديده قبل ترغيبه ،وسبه ولعنه قبل توجيهه ،وإذا كان هذا حال
املعلم وسلوكه فقل يل بربك :كيف يعطي الشيء من هو فاقده؟
وكيف يوجه من حيتاج إىل توجيه؟ إن التعليم ليس فقط تلقني
املعلومات! فلو كان األمر كذلك لرتكنا كل فصيح يصيح؛ ولكنه
توجيه وتعليم وتربية .هل تعر ،معىن الرتبية؟ إن من معانيها «التغري
والتحسني والتأديب» ومن هنا كاد املعلم أن يكون رسوالً.
* وملا كان األمر هبذه املثابة ،فينبغي أن يكون املعلم على جانب
َّ
كبري من احلرص والشفقة والرمحة ،فإن الطالب حباجة ماسة إىل معلم
ال يضيق صدره جبهلهم وضعفهم ونقضهم ،ولو مل يكن الرسول
رحيما ورءوفًا باملؤمنني ما تألَّفت القلوب حوله ،قال تعاىل :فَبِ َما
ً
ْب َالنْـ َفضُّوا ِم ْن ت فَظًّا غَلِي َ
ظ الْ َقل ِ َر ْح َم ٍة ِم َن اللَّ ِه لِْن َ
ت ل َُه ْم َولَ ْو ُك ْن َ
استَـغْ ِف ْر ل َُه ْم[ آل عمران.]851 : ف َع ْنـ ُه ْم َو ْ
ك فَا ْع َُح ْولِ َ
تحف ـة المعلــم 01
فإن نازعتك نفسك وقالت لك« :من يفعل مثل هذا؟» فأقول لك
بأن العالَّمة الشهيد الشيخ أمحد الصغري رمحه اهلل املتوىف بنجران ،كان
يوما على
يدرس يف املعهد العلمي بصامطة ،فيُذكر بأنه دخل ً
الطالب ففوجئ بأن الطالب مل حيلوا الواجب ،فاسرتجع وتوجه إىل
القبلة وصلى ركعتني ولعله كان يدعو هلم .وقد ذكر هذه القصة أحد
تالمذته.
تنس قوله تعاىل :إِ ْن يَـ ْعلَ ِم اللَّهُ فِي قُـلُوبِ ُك ْم َخ ْيـ ًرا يُـ ْؤتِ ُك ْم
* وال َ
َخ ْيـ ًرا[ اْلنفال ،]01 :فال ينظر اهلل إىل قلبك إال وهو يفيض باخلري
وحيب اخلري للناس ،حىت أنه لينبغي للمعلم أن يدعو ألخيه املعلم
والواعظ إذا رآه يتكلم وحصل به النفع ،فيدعو له بالتوفيق والتسديد.
* وقد حقق هذا املعىن بعض الدعاة ،فرتاهم جيوبون البلدان
مبوعظة واحدة ،وإذا تكلم الواحد منهم رفعوا له أيديهم بالدعاء
وحسن التوفيق ،فحصل به النفع .وهكذا ينبغي للمعلم والداعية إذا
ُ
رأى أخاه يتكلم أن يبسط يديه بالدعاء له بالتوفيق والتسديد؛ ألنه
ُيثل الدعوة ،وإياك أن تكون ممن حيب ألخيه أن يتعثر ،فإهنا عالمة
على عدم الصدق ،وحب التصدر.
-8ومن اْلداب المرعية والتي ينبغي للمعلم مراعاتها في
تعليمه :قوله عليه الصالة والسالم ووصيته ْلبي موسى ومعاذ ابن
يسرا وال
جبل ملا أرسلهما إىل قوم كافرين من أهل الكتابِّ « :
وبشرا وال ِّ
تنفرا» [رواه البخاري رحمه اهلل تعالى]. تعسراِّ ،
ِّ
* يقول اإلمام ابن حجر رمحه اهلل« :جيب أن يكون تعليم املعلم
تحف ـة المعلــم 01
بالتدرج؛ ألن الشيء إذا كان ابتداؤه سهالً ُحبِّب إىل من يدخل فيه
وتَـلَقَّاه بانبساط ،وكانت عاقبته غالبًا إىل ازدياد ،خبال ،ضده».
* فتأمل هذا احلديث والكالم عليه ،مث تأمل حال من يدخل
على الطالب يف بداية العام أو الدرس ،فيتهدد الطالب بصعوبة
الدرس ،أو بصعوبة املادة وقلة الناجحني عنده ،وصعوبة األسئلة اليت
فيكرههم يف العلم من أول يوم ،وتقل رغبتهم يف العلم ،وقد
يضعهاِّ ،
ُحيَ ِّملهم من أول يوم واجبات منزلية كثرية مع أن التدرج أمر مطلوب.
أخي المعلم:
* إن التيسري والتبشري أمر مطلوب عند املعلم ،حىت تُـَر ِّغب
الطالب يف العلم واملواصلة فيه ،فهذه القلوب تتنافر تنافر الوحش،
فتألَّْفها بالتبشري والتيسري والتوسط يف التعليم؛ لتحسن طاعتها ويدوم
نشاطها ،وكن وسطًا بني الرتغيب والرتهيب ،والشدة واللني ،وخلط
احللوة مع املرة ،وهذا من منهج اخلليفة الراشد ،فقد كان مع ما فيه
منهجا تربويًا إلخوانه ،فيخلط هلم احللو
من الشدة على نفسه يضع ً
املرة من احلق ،فأخا، مع املر يقول« :واهلل إين ألريد أن أخرج هلم َّ
أن ينفروا ،فاصربوا حىت جتيء احللوة من الدنيا ،فأخرجها معها ،فإذا
نفروا هلذه سكنوا هلذه» َّ
ألن املقصود دعوة الناس إىل اخلري ال إلقامة
احلجة فقط.
* وهلذا يقول اإلمام ابن القيم رمحه اهلل« :والطبيب احلاذق يعلم
مصرا» ،ويقول« :وهلذا
قصرا ويهدم ً كيف يطب النفوس ،فال يعمر ً
05 تحف ـة المعلــم
للم َحاسيب ،وكانت تعتمد على الرتهيب فإذا قرأ ملَّا ظهرت الرعاية ُ
فلما اشتغل هبا العباد
العبد مثالً باب الرياء يئس من النَّجاة منهَّ ،
عطَّلت منهم مساجد كانوا يعمروهنا بالعبادة».
فالبد من مراعاة الرتغيب والرتهيب ،واملدح والذم ،حىت يف* َّ
البد من ذكر بعض تقومي املعلم ،فال تذكر له سلبياته فقط ،بل َّ
حماسنه مع التنبيه غري املباشر يف حق البعض ،واالبتداء بالتلميح دون
التصريح ،والتلطف يف اخلطاب ،ومراعاة حسن األسلوب ومكانتهم،
واختيار أفضل الطرق إىل القلوب؛ ألن اهلد ،اإلصالح ،فاحبث عن
األسلوب األمثل ،وعدم ازدراء أو تسفيه رأي من أمامكَّ .
فإن كل
ذلك مما يؤلف القلوب الناشزة ،وتُرد به القلوب النافرة ،ويدين من
مساع القول الصاحل؛ فيثمر تقوُيك وتعليمك.
* فينبغي للمعلم احلرص على توجيه الطالب ،وتعليمهم،
وكسبهم أكثر من تنفريهم ،فإن املنهجية السديدة يف التعليم والتوجيه
هي البحث عن الطريق السليم يف حل وعالج األخطاء ،كأنك أمام
غريق ،والنُصح بالشكل الذي يـَُر ِّغب يف احلق وال ينفر منه.
-2ومن اْلداب المرعية التي ينبغي للمعلم مراعاتها :أن
منتظما ومرتبًا ،يفتتحه حبمد اهلل،
ً يكون مجلسه هادئًا ،وحديثه
والصالة والسالم على رسوله ،مع مراعاة هذه اآلداب أثناء
فالبد أن يقول أو يكتب «عز وجل»، مر بلفظ اجلالل َّحديثه ،فإذا َّ
أو «تعاىل» وما أشبه ذلك ،وكذلك األمر عندما ُير بذكر الرسول
يكتبها كاملة وال يرمز هلا حبر ،،سواء كان ذلك أثناء كالمه أو
تحف ـة المعلــم 06
كتابته.
يرتضى عنه ،فمن الناس من بذكر صحايب َّ
فالبد أن َّ مر ِ * وإذا َّ
يذكر مثالً «معاوية» ذدون أن يقولَّ »« :
فالبد من الرتضي عن
الصحابة أمجعني ،وال يسأم من تكرار ذلك فإنه يدل على تعظيم
املعلم هلم إذا أكثر من الرتضي عنهم ،وفيه تعليم للطالب على ذلك،
كثريا؛ ألن امللَك يقول« :ولك ُيثل
خريا ً
ومن أغفل هذا فقد ُحرم ً
ذلك» [ذكره اإلمام النووي رحمه اهلل في شرح مقدمة صحيح اإلمام
مسلم].
* وكذلك عند ذكر العلماء والصاحلني ،فينبغي للمعلم عند ذكرهم أن
الرتحم على من مات منهم ،فمن حنن يذكرهم بوصف التعظيم واإلجالل و ُّ
لوال اهلل ،مث العلماء الذين نقلوا لنا ومجعوا كل ما حنتاجه من معرفة احلالل
جل وعال .وكان بعض العلماء كلما استفاد فائدة واحلرام ،وما يقربنا إىل ربنا َّ
من عامل أكثر من الرتحم عليه ،وهذا أقل الواجب يف حقهم علينا .فإذا
صلب العمل بالعلم ورََّّب الطالب
عمل املعلم هبذا األدب الذي هو من ُ
عليه ،وشجعهم على التأدب به – قيَّض اهلل له يف املستقبل من يرتحم
ألن اجلزاء من جنس العمل ،وهذا قرض يُرد بامليزان ،ومن مل يكن عليه؛ َّ
عنده فقه نفس ،أو معرفة هبذا الكالم ،فإنَّه يفوته ربح عظيم وهو ال يشعر.
* فإذا مجع املعلم بني هذه اآلداب ،وبني حسن الدخول يف
الدرس ،مراعيًا التدرج يف إيصال املعلومات ،فيبدأ باألسهل ،عارفًا مبا
حمضرا هلا – حصل اخلري والنفع الكثري ،وإن ختم جملسه هبذا
يشرحهً ،
الدعاء فحسن .ذكر احلافظ أبو طاهر السلفي أن اخللعي كان إذا
07 تحف ـة المعلــم
الدين ،وأدب العلم أكثر من العلم» ،ويقول رمحه اهلل« :إذا ُوصف يل
رجل له علم األولني واآلخرين ال أتأسف على فوات لقائه ،وإذا مسعت
رجالً له أدب النفس أِتىن لقاءه وأتأسف على فواته» وقال« :ال ينبل
الرجل بنوع من العلم ما مل يزين علمه باألدب».
* فإذا تبني هذا ،فينبغي للمعلم أن يتعلم األدب ويـُ َعلِّم الطالب
آداب العلم ،فيعلمهم أدب الطالب مع معلمه ويف درسه وأدبه مع
كتابه ومع زميله ،ويبني هلم أدب الطالب حىت يف كيفية السؤال ،فال
علي كذا ،أو :كيف يسأل معلمه بطريقة االعرتاض ،بل يقول :أَ ْش َكل َّ
جنمع بني كالمك وكذا ،ما رأيك؟ ويتخري األلفاظ احلسنة يف األمور
اليت يستحي من ذكرها ،فيُـلَ ِّمح وال يصرح ،كما علَّمنا ربُّنا يف كتابه
ِّساءَ[ المائدة.]9 :
كما يف قوله تعاىل :أ َْو َال َم ْستُ ُم الن َ
* فمن الناس من ال يراعي هذا األدب حبُ َجة «ال حياء يف الدين»،
وهذا ليس بصحيح؛ وهلذا ملا جاءت امرأة تسأل الرسول عن كيفية
معرفة الطُّهر؟ فقال« :خذي قطعة ممسكة» فلم تفهم فقالت :كيف؟
فأعاد عليها نفس اإلجابة ،حىت أخذهتا عائشة رضي اهلل عنها وبيَّنت هلا
ذلك .وكذلك حسن إجابته عليه الصالة والسالم مع األعراب إذا سألوه،
وعلم إصالح اللسان واخلطاب ،وإصابة مواقعه ،وحتسني ألفاظه – هو
من شعبة األدب العام الذي ينبغي مراعاته.
* ومن اآلداب اليت ينبغي تعلمها :أدب الطالب مع كتاب اهلل،
وذلك باحرتامه أثناء القراءة ،واجتناب الضحك ،واللغط ،واحلديث
استَ ِمعُوا لَهُ أثناء التالوة ،امتثاالً لقوله تعاىلَ :وإِ َذا قُ ِر َ
ئ الْ ُق ْرآَ ُن فَ ْ
تحف ـة المعلــم 19
وأَنْ ِ
صتُوا ل ََعلَّ ُك ْم تُـ ْر َح ُمو َن[ اْلعراف .]112 :وقد كان عمر إذا َ
قرأ القرآن ال يتكلم حىت يفرغ مما أراد أن يقرأه.
* ومن املعاين الرتبوية :تعليم الطالب وهنيه – وهذا خاص بالولد
واملتعلم أو التلميذ – أن ينادي أباه أو معلمه أو شيخه بامسه .ذكره
اإلمام النووي رمحه اهلل يف كتاب األذكار ،وقال« :رويناه يف كتاب ابن
السين عن أيب هريرة أن رسول اهلل رأى رجالً معه غالم فقال:
«يا غالم ،من هذا؟» فقال :أيب .قال« :ال تمش أمامه ،وال تستبر
له ،وال تجلس قبله ،وال تَ ْدعه باسمه» ّأماَ قوله« :ال تسترب له»
زجرا على فعلك القبيح».
أي :ال تغضبه أو تفعل فعالً جيعله يسبك ً
* ومنها أن يلفت نظر الطالب إىل حسن اختيار األصحاب،
فإن الصاحب ساحبَّ ،إما إىل جنة ،أو إىل نار.
فهذه أمور ينبغي للمعلم أال يغفلها أثناء تدريسه ،وهناك آداب
كثرية ال يتسع اجملال لذكرها فراجع «منهاج املسلم».
-0ومن اْلداب المرعية التي ينبغي للمعلم مراعاتها :مزج
تعليمه بالرقائق ،وحث الطالب على مطالعة سري األوائل من السلف
والعُبَّاد ،فإن ذلك من أعظم السباب لرقة القلوب ،فإن العلم النافع
هو فهم األصول ومعرفة املعبود وعظمته وما يستحقه؛ وذلك بالنظر
يف سرية الرسول وصحابته أمجعني – والتأدب بآداهبم وفهم
ما نُِقل عنهم.
للمعلم مراعاة هذه اخلصلة العظيمة ،فإن أصل املقاصد
* فينبغي ُ
يف التعليم ربط القلوب بعالم الغيوب ،بشرط أن تكون هذه الرقائق
10 تحف ـة المعلــم
التخرج ،أو أنَّه قاصر على فئة معينة ،بل أكابر العلماء طالب علم
حىت ُيوتوا ،فكم من عامل مات والقلم والكتاب يف يده ،بل إن اهلل مل
ب ِز ْدنِي
يأمر نبيه بالتزود من شيء إال من العلم فقال تعاىلَ :وقُ ْل َر ِّ
ِعل ًْما[ طه .]882 :وهلذا كان يستفتح كل يوم هبذا الدعاء:
نافعا ورزقًا طيبًا وعمالً متقبالً» ،فطلب علما ً «اللهم إني أسألك ً
شافعا.
أوالً العلم النافع الذي يكون له عند ربِّه ً
* واعلم أن أخذ العلم عن الكتب ال يكفي ما مل يساعد التوفيق
ويرزق العبد بعامل ربَّاين ،فإن الصبابة ال يعرفها إال من يعانيها ،وإن
العلوم ال يدريها إال من أخذها عن أهلها وصحب راويها ،كذلك
ينبغي للمعلم البعد عن األشخاص املثبطني والتحول عن البيئة املثبطة
اليت تدعو إىل الكسل واخلمول وإيثار الدون فإن على املرء هجرها:
َأمــا لــك عــن دار اهل ـوان رحيـ ُـل تقول ابنةُ ُس ْعدى وهـي تلـومين
-1ومن اْلداب المرعية للمعلم :ضرورة إخالص النية هلل
وحده ،فإن النية َم ِطيَّة ،فمن الناس من يـُ َعلِّم من أجل الراتب ،فإذا
قُطع عنه الراتب مل يـُ َعلِّم ،ولو ُخصم عليه شيء نقص من تعليمه
بقدر ما نقص ،ومنهم من يطلب التعليم ليعلم ،ومن هنا جاء قوله
عليه الصالة والسالم« :فمن كانت هجرته إلى اهلل ورسوله ،فهجرته
إلى اهلل ورسوله ،ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها،
فهجرته على ما هجر إليه» .وهذه هجرة من مل يشم رائحة العرفان،
ومل يذق طعم اإلُيان.
* فكل امرئ على شيئني :على قصده ،وشاكلته ،وهي اليت تورده
11 تحف ـة المعلــم
* فينبغي للمعلم أال يغفل عن هذا اجلانب ،بل جيب عليه أن
يشجع أنصا ،العبقريات ،ويهتم هبم ،فكم من معلم حيسن رعايته
تنس قول وتوجيهه أخرج لألمة عاملًا ،أو أديبًا ،أو خطيبًا؟! وال َ
الشاعر:
م ـ ـ ــن عل ـ ـ ــيم وش ـ ـ ــاعر وحك ـ ـ ــي ِم لــيس خيلــو زمــا ُن شــعب ذليــل
-81ومن اْلداب المرعية للمعلم :االجتهاد في الدعوة إىل
اهلل سواء كان ذلك داخل املدرسة ،أو خارجها ،فيحرص على نشر
اخلري وتعليم الناس ما علَّمه اهلل من الفقه ،يف جمالسهم ومساجدهم،
فقد كان السلف يدأبون يف نشر اخلري ونُصح الناس حىت قال بعض
من صحب سفيان الثوري رمحه اهلل« :أنه كان ال يكاد يفرت لسانه
عن األمر باملعرو ،والنهي عن املنكر».
* وكيف ال حيرص اإلنسان على الدعوة وقد علَّمه اهلل ما مل يكن
يعلم؟!
أيها المعلم:
* إن اهلل قد أخذ عليك امليثاق ،فما لك تنبذ الوحي خلف
ظهرك؟ ماذا قدمت؟ هل وجهت ونصحت؟ هل فكرت كيف
دى؟ يا هذا ،إن األمر شديد، شخصا ،أم األمر عندك ُس ً
ً تكسب
الص َعدات جتأر إىل
واهلل لو تعلم ما حتملت من األمانة خلرجت إىل َّ
اهلل ،أوالد املسلمني بني يديك فما أنت صانع؟ أقول لك :قلِّص
إرادتك فيما أنت فيه ،واستقبل زمانك ،ودع اهلزل ،أ َِمثْ َ
لك يرضى مبثل
هذه احلياة؟! أكل وشرب ،فأين الغرية اليت يف قلبك على دينك؟!
أمثله يضيق به الفضاء فلم تعر ،كيف تصل إىل القلوب؟ سبحان
اهلل! يفسد أبناء املسلمني بني يديك وأنت بارد القلب!!
* فاغتنموا رمحكم اهلل عملكم يف الدعوة إىل اهلل اليت يرتتب
عليها إعالء كلمة اهلل ،ونصرة دينه ،ومراغمة أعدائه ،فإهنا من
موجبات رمحته ومغفرته.
-88ومن اْلداب المرعية للمعلم في استخدام العقاب
البدني ،بعد أن يقدم ِّ
املريب أسلوب التشجيع والتجاهل عن بعض
التقصري يف بعض األوقات ،مع حسن اإلشارة والتلميح دون
جهرا دون شتم أو
سرا ،فإن أصر عاتبه ًالتصريح ،فإن أصر عاتبه ًّ
صغارا علق
سب أو حتقري لذاته ،فإن ِتادى يهدد بالضرب ،وإن كانوا ً
السوط حبيث يرونه ،فإن مل تنفع كل هذه الوسائل يلجأ إىل الضرب
بشروطه:
-0أال يضرب قبل سن العاشرة كما يف احلديث.
17 تحف ـة المعلــم
-1األمر األهم من هذا كله زاد الليل ،فمن ال زاد له بالليل ال
يكون له أثر بالنهار.
أخريا إن َمن َسبَـَر أحوال الرسول يف التعليم جيد العجبً -5
العجاب؛ فمرة ينادي الشخص بامسه مر ًارا كما فعل مع ابن عباس :يا
غالم ،مث يرتكه فرتة مث يناديه حىت إذا هيَّأه لتلقي املعلومات أعطاه ما
عنده .ومرة يسأل أصحابه عن شجرة مثل املؤمن ،ومرة يستغل
املواقف فمر على جدي ميت فسأهلم من يشرتيه بدينار فقالوا :لو
كان حيًّا مل نأخذه بدينار ،فقال« :للدنيا أهون عند اهلل من هذا
على أهله» ،ومرة يسأل معا ًذا ما حق اهلل على العباد؟ مث يعطيه
جالسا مع أصحابه فرمى بثالثة أحجار ،واحد تلو اإلجابة ،ومرة كان ً
اآلخر ،مث سأهلم عن خرب هذه األحجار مث قال :هذا اإلنسان وهذا
أجله واآلخر أمله .وهلذا جيد املعلم عند قراءة سرية الرسول
األساليب املتنوعة يف إيصال ما عنده من خري ،وهلذا ينبغي للمعلم أن
ينوع أساليبه يف التعليم فليس اهلد ،إلقاء املعلومات فقط ،ولكن
العربة هي ترسيخ املعلومات وإيصاهلا هلم باألسلوب املناسب لكل
سن.
وختاما ال تدخر عمارة جملسك بذكر اهلل والدعوة إليه ونشر
ً *
العلم .والكالم الطويل تضيق عنه هذه الرسالة ،فهي ال تعدو أن
تكون مقدمة موجزة يف جتديد فكر املعلم وتبصري املريب ،ومل أكمل
املسح الشامل لتلك العلل واألسباب والظواهر الرتبوية اليت ينبغي
مراعاهتا مكتفيًا هبذه اإلشارة ،يقينًا مين بأن املسلم سيجد يف
عما يصفون،رب العزة َّ
مصحفه أكثر مما سأنقله له ،سبحان ربِّك ِّ
10 تحف ـة المعلــم
****
10 تحف ـة المعلــم
الفهرس
تقديـم 5 ......................................................
حتفة املعلم 0 ..................................................
-0من اآلداب املرعية اليت ينبغي للمعلم مراعاهتا :القدوة احلسنة
0 ........................................................
-1ومن اآلداب املرعية اليت ينبغي للمعلم مراعاهتا :عدم تنفري
الطالب من العلم 00 ......................................
-1ومن اآلداب املرعية واليت ينبغي للمعلم مراعاهتا 01 ........
-1ومن اآلداب املرعية اليت ينبغي للمعلم مراعاهتا :أن يكون
جملسه هادئًا 05 ...........................................
-5ومن اآلداب املرعية اليت ينبغي للمعلم مراعاهتا :عدم سلب
مادته روح اإلسالم 07 .....................................
-6ومن اآلداب املرعية اليت ينبغي للمعلم مراعاهتا :تعليم 08 ......
-7ومن اآلداب املرعية اليت ينبغي للمعلم مراعاهتا :مزج تعليمه
بالرقائق 19 ...............................................
صب -8ومن اآلداب املرعية اليت ينبغي للمعلم ومن أراد أن يـُنَ ِّ
نفسه للدعوة وخدمة هذا الدين10 ......................... :
-0ومن اآلداب املرعية للمعلم11 ......................... :
-09ومن اآلداب املرعية للمعلم11 ....................... :
تحف ـة المعلــم 11
****