You are on page 1of 267

‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬

‫تأليف‬
‫يوهان كرستوف آرنولد‬
‫‪Johann Christoph Arnold‬‬

‫والمقدمة بقلم األسقف المصري‬


‫نيافة الحبر الجليل األنبا أنطونيوس مرقس‬
‫أسقف عام شؤون أفريقيا في الكنيسة القبطية األرثوذكسية‬

‫ورسالة من األم تيريزا‬

‫دار المحراث للنشر‬


‫‪PLOUGH PUBLISHING HOUSE‬‬

‫‪2‬‬
‫يرجى مشاركة هذا الكتاب مع أصدقائكم‪ .‬وال تترددوا في إرساله في البريد اإللكتروني أو‬
‫طبع الكتاب كليا أو جزئيا‪ ،‬لكن الرجاء عدم إجراء أي تغيير بأية طريقة كانت‪ .‬وإذا رغبتم‬
‫في عمل نسخ متعددة منه لتوزيعه على نطاق واسع‪ ،‬أو إلعادة استنساخ أجزاء منه‬
‫كرسائل إخبارية أو دورية‪ ،‬فيرجى مراعاة القيود التالية ‪:‬‬
‫•ال يجوز إعادة نشره لمكاسب مادية‪.‬‬ ‫ ‬
‫•يجب إدراج عبارة االئتمان التالية‪« :‬حقوق الطبع والنشر لدار المحراث للنشر‬ ‫ ‬
‫‪ - Plough Publishing House‬سنة ‪2007‬م‪ .‬تم استخدامه بعد اإلذن‪».‬‬

‫هذا الكتاب «الـجـنـس والـزواج في فـكر الـلــه» عن نسخته اإلنكليزية‬


‫»‪ «Sex, God & Marriage‬من منشورات دار المحراث للنشر‬
‫‪ ، Plough Publishing House‬في عناوينها التالية ‪:‬‬
‫‪Robertsbridge, England‬‬
‫‪Walden, New York‬‬
‫‪Elsmore, Australia‬‬
‫‪www.plough.com/ar‬‬
‫طبعة جديدة معززة باآليات من الكتاب المقدس سنة ‪2017‬م بعنوان‪:‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬
‫الترقيم الدولي للكتاب (ردمك)‬
‫‪ISBN: 978-0-87486-163-1‬‬
‫صورة الغالف األمامي ‪Corbis Images :‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة‬


‫‪Copyright © 2007 by Plough Publishing House‬‬
‫‪Farmington, PA, 15437 USA‬‬
‫‪All rights reserved‬‬

‫مـالحـظ ــة ‪ :‬تـشـي ــر الـنـج ــوم ال ــتي تـتـخـل ــل الـن ــص ـفـي الـكـت ــاب إ ـلـى الـهـوام ــش ـفـي‬
‫أسـف ــل الـصـفـح ــة‪ ،‬أم ــا األرق ــام فـتـشـي ــر إ ـلـى الـمـراج ــع الـمـوج ــودة ـفـي قـس ــم‬
‫ال ُـمـلـحـق ــات ـفـي نـهـاي ــة الـكـت ــاب‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫إهداء‬

‫إلى زوجتي المخلصة فيرينا ‪ Verena‬التي لوال مساعدتها‬

‫لما رأى هذا الكتاب النور‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫محتويات الكتاب‬

‫‪7‬‬ ‫•المقدمة ‬‫ ‬


‫‪10‬‬ ‫  •رسالة من األم تيريزا ‬

‫‪11‬‬ ‫  •تمهيد الكتاب ‬

‫الجزء األول‪ :‬في ال َبدْ ِء‬


‫‪18‬‬ ‫‪1‬على صورة اللـه ‬ ‫‪1‬‬

‫‪27‬‬ ‫حسن أن يكون آدم وحده ‬


‫‪2‬ال يَ ُ‬ ‫‪2‬‬

‫‪35‬‬ ‫‪3‬فيصيران جسدا واحدا ‬ ‫‪3‬‬

‫‪43‬‬ ‫‪4‬الخطيئة األولية ‬ ‫‪4‬‬

‫‪53‬‬ ‫‪5‬ا ِستعادة صورة اللـه ‬ ‫‪5‬‬

‫‪64‬‬ ‫‪6‬الجنس واللّ ّذة ‬ ‫‪6‬‬


‫‪73‬‬ ‫‪7‬أنقياء القلوب ‬ ‫‪7‬‬

‫الجزء الثاني‪ :‬ما َ‬


‫ج َم َع ُه هللا‬
‫‪88‬‬ ‫‪8‬الزواج في الروح القدس ‬ ‫‪8‬‬

‫‪100‬‬ ‫س ّر الزواج ‬
‫‪ِ 9‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪112‬‬ ‫‪ُ 1‬قدس ّية الجنس ‬ ‫‪10‬‬

‫‪122‬‬ ‫‪1‬التربية ونعمة األوالد ‬ ‫‪11‬‬

‫‪133‬‬ ‫‪1‬نقاوة الطفولة ‬ ‫‪12‬‬

‫‪147‬‬ ‫‪1‬إلى الذين يعتزمون الزواج ‬ ‫‪13‬‬

‫‪164‬‬ ‫‪1‬الخدمة التي يقدمها العزاب ‬ ‫‪14‬‬

‫‪5‬‬
‫الباطل الذي يَ ُ‬
‫عيشه عص ُرنا‬ ‫ِ‬ ‫روح‬
‫الجزء الثالث‪ُ :‬‬
‫‪178‬‬ ‫‪1‬أنريد الجنس في ظِ ِّ‬
‫ل اللـه أم بدونه؟ ‬ ‫‪15‬‬
‫‪191‬‬ ‫‪1‬ماذا عن المثلية الجنسية؟ ‬ ‫‪16‬‬

‫‪209‬‬ ‫‪1‬الحرب الخف ّية ‬ ‫‪17‬‬

‫‪224‬‬ ‫‪1‬الطالق والزواج الثاني ‬ ‫‪18‬‬

‫‪240‬‬ ‫‪1‬فلنسهر إذن ‬ ‫‪19‬‬

‫ُملحقات الكتاب‬
‫‪253‬‬ ‫•دعوة إلى حياة العِ َّفة والنقاوة ‬
‫ ‬
‫‪261‬‬ ‫  •عن المؤلف ‬

‫‪263‬‬ ‫  •عن جماعة برودرهو ‬


‫ف‬
‫‪265‬‬ ‫  •المراجع ‬

‫‪6‬‬
‫المقدمة‬
‫بقلم األنبا أنطونيوس مرقس‬

‫طاقة وقوة جبارة مقدسة نافعة وضعها هللا‬


‫يمثل الجنس‬
‫في اإلنسان الذي خلقه على صورته ومثاله لكي‬
‫تكون دافعا بنّاء من أجل امتداد ملكوت هللا على األرض وحفظ‬
‫النوع البشري ولكي تكون لإلنسان مصدر فرح وسعادة وتعزية‬
‫وشركة مع آخرين من جيل إلى جيل‪.‬‬

‫‪ +‬وقدس هللا العالقة بين الرجل والمرأة في سر الزيجة المقدس‬


‫وربطهم ووحدهم بالروح القدس إلى جسد واحد كما قال الرب في‬
‫اثنين‪ ،‬بل‬
‫ِ‬ ‫يكونان‬
‫ِ‬ ‫جسدًا واحدًا‪ ،‬فال‬
‫االثنان َ‬
‫ِ‬ ‫(متى ‪« )6–5 :19‬ف َيصي ُر‬
‫جس ٌد واحدٌ‪».‬‬
‫َ‬

‫‪ +‬وإذ وجد هللا أن اإلنسان يميل بضعفه إلى ممارسة الجنس‬


‫بطرق دنسة خاطئة مبتذلة هابطة مشتعلة بشهوة غير مقدسة بل‬
‫جسدانية حيوانية تحط باإلنسان إلى ما هو أدنى من مقدار المجد‬
‫والكرامة التي كلله هللا بها‪.‬‬

‫‪ +‬لذا أعطى هللا الوصايا التي تدعوه إلى الطهارة والنقاوة في كلمات‬
‫العهدين القديم والجديد ووعده بالقوة من الروح القدس للهروب من‬
‫االبتذال والتدني وأيضا للهروب من أمراض جسدية ونفسية وروحية‬
‫مصاحبة للخطيئة واألدناس التي تشقي اإلنسان وتذله وتضعف‬

‫‪7‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪8‬‬

‫كل طاقاته الروحية والجسدية والنفسية والعقلية حتى ظهر أيضا‬


‫مرض اإليدز ‪ AIDS‬الذي يؤدي إلى الشقاء واألمراض الخطيرة التي‬
‫بال شفاء ثم فقدان الحياة‪.‬‬

‫‪ +‬وقد قصد هللا أن تكون ثمار العالقة الجنسية هي أغلى شيء‬


‫في الوجود وهم األطفال الذين هم بهجة الحياة وزينتها ومستقبلها‬
‫وامتدادها ليكون الطفل المولود هو ابن لألب واألم وهللا ثم إن كل‬
‫عائلة مقدسة تحيا حياة الطهارة والنقاوة فإنما هي تبني أوالدها‬
‫وأفرادها والمجتمع واألمة كلها بل اإلنسانية جمعاء‪.‬‬

‫‪ +‬كما أثبتت الخبرة على مدى التاريخ أنه ليس هناك مهرب‬
‫لهؤالء الذين يمارسون الجنس الدنس من مخاطر األمراض‬
‫الجسدية ودمار العائالت وتشتت األطفال باستخدام المضادات‬
‫الحيوية والكيمياويات والغالف الواقي إال عن طريق حياة الطهارة‬
‫والنقاوة وااللتزام بممارسة الجنس المقدس في نطاق العائلة‬
‫ورباط الروح القدس‪.‬‬

‫‪ +‬هذا الكتاب الذي بين يديك «الجنس والزواج في فكر اللـه» ليس‬
‫كتابا صغيرا كما يصفه مؤلفه بل هو كتاب كبير عظيم ُمختبر‬
‫في نهجه وأسلوبه وهدفه وعمقه وتفاصيله يسعى بنا إلى تفهم‬
‫واكتساب طهارة الجسد والنفس والروح وممارسة الحياة الزوجية‬
‫على أساس رباط الروح القدس الذي يؤدي إلى نقاوة األسرة وتناغم‬
‫الحياة وبناء األطفال ونموهم روحيا ونفسيا وعقليا ليكونوا أعضاء‬
‫مثمرين نافعين في الجسد اإللهي‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫المقدمة‬

‫‪ +‬هذا الكتاب يمثل عنصرا أساسيا ومركزيا لتف ُّهم دقائق العالقات‬
‫الجنسية األسرية في ضوء كلمة هللا وحكمته وتحويل عش الزوجية‬
‫المقدس إلى فردوس طاهر يعيش فيه هللا ويسكن بينهم ويزيد من‬
‫محبتهم وإثمارهم وامتدادهم ألجيال كثيرة‪.‬‬

‫‪ +‬هذا الكتاب يعلمنا الهروب من خطيئة الدنس التي هي أكبر‬


‫خطيئة في نظر هللا وأيضا الهروب من الموت األبدي والمرض‬
‫والموت الجسدي واالنحراف النفسي وأيضا الهروب من تحطم‬
‫العائلة وانهيار أرقى عالقة إنسانية وضعها هللا في أرقى مخلوقاته‪.‬‬

‫بنعمة هللا‬
‫نيافة الحبر الجليل‬
‫األسقف المصري‬
‫األنبا أنطونيوس مرقس‬
‫أسقف عام شؤون أفريقيا‬
‫في الكنيسة القبطية األرثوذكسية‬
‫رسالة من األم تيريزا‬

‫الكتاب رسالة نحن أحوج ما نكون إليها اليوم في كل‬


‫نجدُ في هذا‬
‫ِ‬
‫جزء من أجزاء العالم‪ .‬فلو أراد المرء أن يكون عفيفا‬
‫ونقيا‪ ،‬ويستمر على ذلك‪ ،‬فإنه أمر ال يمكن أن يتحقق إال بثمن‪ .‬وهذا‬
‫الثمن هو أن نعرف هللا وأن نحبه بالدرجة التي تمكِّننا من عمل‬
‫مشيئته‪ .‬وسوف يهبنا هللا دائما القوة التي نحتاجها للحفاظ على‬
‫العِ َّفة والنقاوة كشيء جميل من أجل الرب‪.‬‬

‫ّ‬
‫صلى أفراد العائالت معا‬ ‫إن العِ َّفة هي ثمرة الصالة‪ ،‬فلو‬
‫فسوف يبقون في وحدة وعفاف‪ ،‬وسوف يحب بعضهم بعضا‪ ،‬مثلما‬
‫يحب هللا كل واحد منهم‪ .‬والقلب الطاهر والعفيف هو الحامل‬
‫الجيد لمحبة هللا‪ ،‬وحيثما تكن المحبة تكن الوحدة والوفاق والفرح‬
‫ّ‬
‫فلنصلي‪ .‬وليبارككم هللا‪.‬‬ ‫والسالم‪.‬‬
‫األم تيريزا‬
‫كلكتا نوفمبر‪/‬تشرين الثاني ‪1995‬م‬

‫المؤلف يوهان وزوجته فيرينا مع األم تيريزا‬

‫‪10‬‬
‫تمهيد الكتاب‬
‫بقلم المؤلف‬

‫اليوم وفي كل مكان عن عالقات دائمة وهادِفة‪.‬‬


‫يبحث الناس‬
‫ومازال الماليين من الناس يؤمنون بأساطير‬
‫الرومانسية أي بمعنى روايات الغرام الخيالية‪ ،‬وهناك جيل جديد‬
‫من الشباب والشابات مِ َم ْن سلموا بأن الحرية الجنسية هي المفتاح‬
‫المؤدي إلى إشباع النفس‪ .‬ومهما يحاول الناس جاهدين لكي يؤمنوا‬
‫بما يسمى «الثورة الجنسية» التي سادت في العقود القليلة األخيرة‪،‬‬
‫ّ‬
‫يتوضح للعديد منهم بأن هذه الثورة تحمل في طياتها أمورا فظيعة‪.‬‬
‫]*[‬
‫فبدال من أن يجلب «التحرر الجنسي» الحرية المنشودة خلّف‬
‫وراءه عددا ال ُيحصى من النفوس الجريحة والمعزولة‪ .‬وفيما نحن‬
‫نواجه األلم الشديد المحيط بنا‪ ،‬فمن المهم لنا جميعا‪ ،‬أكثر من ذي‬
‫قبل‪ ،‬سواء كنا شبابا أو كبارا‪ ،‬أن نتأمل مل ّيا ً في اتجاه حياتنا ونسأل‬
‫أنفسنا‪ :‬إلى أي اتجاه نحن سائرون؟‬

‫إن القرن الحادي والعشرين ينذر بفقدان التعاليم الواضحة‬


‫للكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد‪ ،‬بخصوص الزواج والعالقة‬
‫بين الجنسين‪ .‬فقد انقلبنا على هللا وتمردنا على نظامه في الخليقة؛‬
‫وبررنا تمردنا بحجج بشرية‪ .‬وتجاهلنا كالم يسوع المسيح واحتقرنا‬

‫]*[  التحرر الجنسي ‪ Sexual Liberation‬يعني ممارسة المزيد من الجنس خارج إطار الزواج‬
‫(سواء كان قبل الزواج أو بعد الزواج) السيما من قِبل النساء‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪12‬‬

‫صوت الروح القدس‪ .‬لكننا لم نجد ال الحرية وال إشباع النفس‪.‬‬

‫ُ‬
‫قمت‪ ،‬كقسيس‪ ،‬بتقديم المشورة للكثير من الناس عبر‬ ‫وقد‬
‫ُ‬
‫فالحظت أن الجانب الجنسي‬ ‫السنين‪ ،‬سواء كانوا عزابا أو متزوجين‪.‬‬
‫عند الكثيرين منهم ال يعكس فرحا وإنما تدميرا نفس ّيا أو التباس‬
‫األمور وعدم وضوحها حتى أنه قد يكون يأسا‪ .‬ويتطلع الناس في‬
‫الحقيقة إلى وحدة القلب والنفس‪ ،‬ولكن نزوة الحب الرومانسي‬
‫تصيبهم بالعمى بحيث تجعل اشتياقهم الوجداني السامي غير‬
‫واضح المعالم عندهم‪ .‬وربما يعرفون أن المجامعة الجنسية في‬
‫الزواج هي نعمة إلهية؛ وينبغي أن تكون من أكثر العالقات الجنسية‬
‫الحميمة والممتعة على الصعيد الشخصي بين الرجل والمرأة‪.‬‬
‫ولكنهم يتساءلون لماذا أصبحت المجامعة الجنسية مصدرا لمثل‬
‫هذه العزلة واأللم عندهم‪ ،‬وعند الكثيرين‪.‬‬

‫أنا لست بعالم اجتماعي‪ .‬غير أنه لو كانت نتائج البحوث‬


‫والدراسات االجتماعية المتخصصة قد ب ّينت شيئا‪ ،‬فهو كما يلي‪ :‬إن‬
‫االنحطاط الذي أصابنا جراء قبول ثقافتنا إلباحية الجنس هو تخريب‬
‫اجتماعي بحت‪ .‬فأكثر من نصف عدد الزيجات في الواليات المتحدة‬
‫األمريكية قد فشلت‪ .‬وتقريبا ‪ 40%‬من أطفال أمريكا يعيشون في‬
‫بيوت غير بيوت آبائهم الحقيقيين‪ .‬ثم إن كل الظواهر السلبية في‬
‫مجتمعات البالد لها جذور في تفكّك األسرة وتآكل رباط الزواج‪ ،‬مثل‬
‫الفقر وجرائم العنف والجنوح والمعاهرة االعتباطية – كل ليلة مع‬
‫واحدة (أو واحد) – واإلدمان على الكحول والمخدرات واألمراض‬
‫العقلية واالنتحارات‪.‬‬

‫ونرى في الوقت نفسه بأن هؤالء الذين يؤجلون ممارسة‬


‫الجنس لحين الزواج (رغم تضاؤل أعدادهم تدريجيا) نراهم بعيدين‬
‫‪13‬‬ ‫تـمـهـيـد الـكتـاب‬

‫كل البعد عن الفضائح الجنسية أو حاالت الطالق‪ ،‬ونرى أيضا مدى‬


‫سعادة حياة أولئك الذين يلتزمون بالعيش مدى العمر مع شريك‬
‫‪1‬‬
‫حياتي واحد‪.‬‬

‫وبينما تشير مجريات األمور الحالية باستمرارية االنحالل‪ ،‬بدأت‬


‫تظهر بوادر مشجعة حين أخذ الناس ينظرون با ِرتياب شديد إلى‬
‫إثارات الجنس الرخيص وإلى الراحة الخادعة التي تتراءى للعيان‬
‫في عالقة حب غير ملتزمة‪ .‬ومن ضمن هؤالء الناس شباب الجيل‬
‫المعاصر‪ .‬فهناك اشتياق متزايد لدى الشباب إلقامة عالقات أصيلة‬
‫ولبناء بيوت عائلية رصينة‪ ،‬وإعطاء أمل جديد بأن األسرة المؤلفة‬
‫من والدَين أصليين فقط ما تزال ممكنة‪.‬‬

‫رأيت في مرات عديدة كيف يكون في مقدور الناس أن‬


‫ُ‬ ‫لقد‬
‫يكتشفوا مخرجا من تعاستهم حينما يرغبون في تسليم حياتهم‬
‫ليسوع المسيح‪ .‬فبمجرد حصول الناس على الشجاعة والتواضع‬
‫لمواجهة دعوته إليهم ليتوبوا‪ ،‬تمكّن الرب من أن ينعم عليهم بتح ّرر‬
‫وسرور دائمين‪.‬‬

‫جاءنا يسوع المسيح بثورة حقيقية‪ .‬فهو المصدر األصلي‬


‫التزمت‬
‫ُّ‬ ‫للمحبة‪ ،‬ألنه هو المحبة في حد ذاتها‪ .‬وال تدعو تعاليمه إلى‬
‫من ناحية وال إلى اإلباحية والتس ُّيب من ناحية أخرى‪ :‬إنه يقدم ألتباعه‬
‫طريقا مختلفا تماما‪ .‬فهو ينعم علينا بنقاوة قادرة على تحريرنا من‬
‫الخطيئة وتأخذنا إلى إمكانية الحصول على حياة جديدة تماما‪.‬‬

‫وال يوجد في ثقافة اليوم الكثير من األشياء التي ُتغ ّذي أو تحمي‬
‫الحياة الجديدة التي يريد يسوع المسيح تقديمها إلينا‪ .‬ثم إن الناس‬
‫يتحدثون باستمرار عن أهمية الزواج الملتزم‪ ،‬وعن الحياة األسرية‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪14‬‬

‫السليمة‪ ،‬ولكن دعونا نسأل أنفسنا‪ :‬كم واحدا منا على استعداد‬
‫التخاذ اإلجراءات الالزمة لجعل هذه القيم واقع ملموس؟ باإلضافة‬
‫إلى ذلك فإن الكثير منا يميلون إلى إلقاء اللوم على المجتمع على‬
‫التأثيرات التي تفسدنا‪ ،‬ولكن ماذا عنا نحن الذين نسمي أنفسنا‬
‫مسيحيين؟ فكم منا على استعداد ليغلق جهاز التلفزيون ويلقي‬
‫نظرة ثاقبة على حياتنا الزوجية وعلى بقية عالقاتنا األخرى وعلى‬
‫حياتنا الشخصية؟ وكم منا يدعم حقا الذين من حولنا في صراعهم‬
‫اليومي من أجل حياة النقاوة؟ وكم منا يجازف ليتواجه مع اآلخرين‬
‫من حولنا بشأن الخطيئة الموجودة في حياتهم؟ وكم منا يتحمل‬
‫ّ‬
‫بحق؟‬ ‫المسؤولية‬

‫هناك آالم مروعة ومتفشية فيما بين أولئك الذين يدّعون بأنهم‬
‫من أتباع السيد المسيح‪ :‬عائالت مفككة‪ ،‬وزوجات يتعرضن للضرب‬
‫هملين أو ُتساء معاملتهم‪ ،‬وعالقات غير شريفة‪.‬‬
‫والقسوة‪ ،‬وأطفال ُم َ‬
‫ومع ذلك‪ ،‬وبدال من تعالي الصياح واالحتجاج على تلك المشاكل‬
‫الفظيعة فال نجد سوى الالمباالة والمواقف الفاترة‪ .‬فمتى سوف‬
‫نستيقظ وندرك أن فتورنا يقوم بتدميرنا؟‬

‫نحن في أمس الحاجة اآلن‪ ،‬وأكثر من أي وقت مضى‪ ،‬إلى‬


‫العودة إلى المفهوم الصحيح حول ماه ّية الكنيسة؛ فالكنيسة جماعة‬
‫الحي الواحد – والتي تتألف من أعضاء ملتزمين‬
‫ّ‬ ‫ح ّية – كالجسم‬
‫يتقاسمون الحياة من خالل أعمال المحبة العملية‪ .‬غير أننا يجب‬
‫أن نبدأ بأنفسنا أوال ثم نرى من بعد ذلك أين يمكننا تشجيع الذين‬
‫من حولنا‪ .‬فيلزمنا أوال أن نتع ّرف جيدا على شبابنا لنتمكن من‬
‫إرشادهم عندما يسعون إلى العالقات الملتزمة وإلى عهود الزواج‬
‫المؤبدة؛ وينبغي أن نقدم الدعم المتواصل إلى العائالت التي من‬
‫‪15‬‬ ‫تـمـهـيـد الـكتـاب‬

‫حولنا؛ وينبغي أن نعمل من أجل شفاء النفوس والعالقات عندما‬


‫يتعثر أو يسقط إخواننا أو أخواتنا في مجتمع الكنيسة – وعلينا أن‬
‫نقبل مساعدتهم عندما نحن أنفسنا نسقط أو نتعثر كذلك‪.‬‬

‫وأهم كل شيء‪ ،‬يجب أن نُظهر للعالم أن التعاليم الفريدة‬


‫الحل الشافي الوحيد لروحية عصرنا‬
‫ّ‬ ‫ليسوع المسيح ورسله هي‬
‫الضالّة‪ .‬فذلك هو السبب الذي دفعني إلى كتابة هذا الكتاب‬
‫الصغير‪ .‬فال أعتبر نفسي كاتبا أو عالما من علماء الكتاب المقدس‪.‬‬
‫وعي كامل بأن معظم ما دونته هنا يتناقض مع الحكمة‬
‫ّ‬ ‫ثم إني على‬
‫الشائعة بين الناس؛ لكنني أشعر بالتأكيد بالحاجة الملحة لمقاسمة‬
‫اآلخرين اليقين بأن دعوة يسوع المسيح إلى حياة المحبة والعِ ّفة‬
‫والنقاوة والصدق وااللتزام بالعهد هي أملنا الوحيد‪.‬‬

‫إن هذا الكتاب ليس مجرد كتاب شخصي – بل جاء من‬


‫واقع الحياة المشتركة التي يعيشها مجتمع كنيستي التي أخدمها‬
‫كقسيس وكمرشد اجتماعي‪ ،‬وكل ما في الكتاب يعكس اهتمامات‬
‫أفراده وتجاربهم‪ .‬وكلنا أمل بأننا جميعا – رجال ونساء عصرنا على‬
‫ح ّد سواء – لعلنا نتوقف لبرهة ونتأمل مل ّيا ونعيد النظر في قصد‬
‫هللا من الجنس والزواج‪.‬‬

‫ولألسف‪ ،‬لقد ّ‬
‫تخلى‪ ،‬وببساطة‪ ،‬الكثير من الناس في يومنا هذا‬
‫عن إمكانية العيش العفيف الشريف‪ .‬فقد وقعوا في شراك خرافة‬
‫«التح ّرر» الجنسي‪ ،‬وحاولوا التعايش مع ما يسببه هذا التح ّرر من‬
‫خيبات األمل‪ ،‬وعندما تنهار عالقاتهم يلتمسون أسبابا أخرى لتبرير‬
‫فشلهم وإخفاقهم‪ .‬ويعجزون عن رؤية مدى روعة وعظمة نعمة‬
‫العِ َّفة ووصية هللا بالحياة العفيفة النقية‪.‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪16‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فأنا أؤمن بأن هناك حنينا في أعماق كل قلب إلى‬
‫عالقات صافية وعفيفة وإلى حب يدوم‪ .‬فاألمر يقتضي شجاعة‬
‫وضبطا للنفس للعيش حقا بطريقة مختلفة‪ ،‬لكنها ممكنة‪ .‬فحيثما‬
‫توجد كنيسة مخلصة – أي بمعنى أية جماعة مسيحية تَع َّه َد‬
‫أفرادها بأن يحيوا بعالقات مخلصة وصادقة – تحصل على معونة‬
‫وأمل لكل شخص ولكل زواج فيها‪ .‬ولعل هذا الكتاب يعطي هذا‬
‫اإليمان لكل من يقرأه‪.‬‬

‫يوهان كريستوف آرنولد‬


‫‪Johann Christoph Arnold‬‬
‫مؤلف الكتاب‬
‫الجزء األول ‪:‬‬

‫في ال َبدْ ِء‬

‫‪17‬‬
‫الفصل األول‬

‫على صورة اللـه‬

‫وقال هللاُ‪« :‬لِنَصن َِع اإلنسان على ُصو َرتِنا كَمِ ثالِنا‪،‬‬
‫َ‬
‫السما ِء والبهائمِ‬ ‫وطير ِ َّ‬
‫ك البحر ِ َ‬
‫سم ِ‬
‫َ‬ ‫َسلَّ ْط على‬
‫ول َيت َ‬
‫ِب على األرض‪».‬‬ ‫ُل ما يَد ُّ‬ ‫حوش األرض وك ِّ‬ ‫وجميع ُو ِ‬ ‫ِ‬
‫فخ َل َق هللاُ اإلنسان على صو َرتِه‪ ،‬على صور ِة هللاِ خ َلقَ‬
‫فقال ل ُهم‪:‬‬
‫َ‬ ‫البش َر‪َ ،‬ذكَ ًرا وأُنثى خ َل َق ُهم‪ .‬وبا َركَ ُه ُم هللاُ‪،‬‬
‫َ‬
‫خضعوها وتَسلَّطوا على‬ ‫«أ ُ ْن ُموا وا َ ْك ُثروا وا َ ْمألوا األرض‪ ،‬وأ َ ِ‬
‫ِب‬
‫الحيوان الذي يَد ُّ‬
‫ِ‬ ‫وجميع‬
‫ِ‬ ‫السما ِء‬
‫وطير ِ َّ‬
‫ك البحر ِ َ‬
‫سم ِ‬
‫َ‬
‫على األرض‪».‬‬

‫تكوين ‪28 – 26 :1‬‬

‫لقصة الخليقة‪ ،‬نقرأ أن هللا خلق‬


‫في الفصل االفتتاحي‬
‫البشر – الذكور واإلناث – على صورته‪،‬‬
‫وباركهم وأمرهم بأن يثمروا ويعتنوا باألرض‪ .‬وقد أظهر هللا نفسه‬
‫ن جدُا»‬
‫س ٌ‬
‫ح َ‬
‫منذ البداية أنه الخالق الذي رأى أن كل ما صنعه‪َ « :‬‬
‫(تكوين ‪ .)31 :1‬فنرى هنا أن هللا‪ ،‬ومن أول بداية الكتاب المقدس‪،‬‬
‫يكشف لنا قلبه‪ .‬فلذلك نكتشف هنا قصد هللا لحياتنا‪.‬‬

‫وإن الكثير من المسيحيين في هذا القرن‪ ،‬إن لم يكن معظمهم‪،‬‬


‫يصرفون النظر عن قصة الخلق ألنهم يعتبرونها مجرد خرافة‪ .‬في‬

‫‪18‬‬
‫‪19‬‬ ‫عـلى صـورة اللـه‬

‫حين يصر آخرون على أن ّ‬


‫أدق تفسير حرفي لسفر التكوين هو وحده‬
‫فأكن التوقير للكتاب المقدس كما هو عليه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التفسير الصحيح‪ .‬أما أنا‬
‫فمن جهة ال أنوي استبعاد الجدل في أي شيء فيه‪ ،‬ومن جهة أخرى‪،‬‬
‫أعتقد بأن العلماء على حق في تحذيرهم من أن الكتاب المقدس‬
‫يجب أن ال يؤخذ حرفيا‪ .‬وكما يقول الرسول بطرس‪:‬‬

‫وأن َ‬
‫ألف س َن ٍة ك َيومٍ‬ ‫َّ‬ ‫كألف س َنةٍ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫يوما واحدًا عِ ن َد ال َّر ِّ‬
‫أن ً‬‫َّ‬
‫واحدٍ‪ 2( .‬بطرس ‪)8 :3‬‬

‫صورة هللا تميزنا‬


‫إن الكيفية التفصيلية التي تم فيها خلق الكائنات البشرية تبقى‬
‫س ّرا خفيا علينا نحن البشر وال يكشف عنها سوى الخالق‪ .‬غير أني‬
‫على يقين من شيء واحد وهو أنه ال يمكن ألي شخص أن يجد أي‬
‫معنى أو هدف في حياته من دون هللا‪ .‬فبدال من أن نرفض قصة‬
‫الخلق لمجرد أننا ال نفهمها‪ ،‬فيجب علينا من باب أولى إيجاد معناها‬
‫الروحي الحقيقي‪ ،‬وإعادة اكتشاف مغزاها لنا ليومنا الحاضر‪.‬‬

‫وفي عصرنا الفاسد ضاع التوقير لقصد هللا المبين في سفر‬


‫التكوين ضياعا كامال‪ .‬فنحن ال نقدّم إلى الخليقة ما تستحقه من‬
‫تقدير؛ تلك الخليقة التي تتضمن المغزى في أن الرجل والمرأة خلقا‬
‫على صورة هللا كشبهه‪ .‬فهذه المشابهة تميزنا بصفة خاصة عن‬
‫سائر المخلوقات وتجعل حياة اإلنسان مقدسة‪:‬‬

‫َم ْن َس َف َ‬
‫ك َد َم اإلنسان يَس ُف ُ‬
‫ك اإلنسان د ََمهُ‪ .‬فعلى ُصور ِة هللاِ‌‬
‫اإلنسان‪( .‬تكوين ‪)6 :9‬‬
‫َ‬ ‫َصن ََع هللاُ‬

‫أما النظر إلى الحياة بطريقة تختلف عن ذلك‪ ،‬كتقييم الناس بحسب‬
‫فائدتهم فقط وليس بحسب ما يراهم هللا‪ ،‬فهذا معناه احتقار‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪20‬‬

‫لقيمتهم كبشر وإهمال لكرامتهم‪.‬‬

‫ما المقصود من أن هللا خلقنا على صورته؟ إن المقصود من‬


‫ذلك هو أن نكون نحن البشر صورة ح ّية تع ّبر عن من هو هللا‪.‬‬
‫ومعناه أن نكون معاونين له‪ ،‬فهو الذي يواصل عمله في الخلق‬
‫وتنمية الحياة من خاللنا‪ .‬ومعناه أيضا أننا ننتمي إلى هللا‪ ،‬فيجب‬
‫على كياننا ووجودنا أن يبقيا دائما متعلقين به ومرتبطين بسلطانه‪.‬‬
‫وفي اللحظة التي نفصل فيها أنفسنا عن هللا‪ ،‬نفقد القدرة على رؤية‬
‫هدف وجودنا على األرض‪.‬‬

‫وعندما نقرأ في سفر التكوين نرى أننا حصلنا على روح من‬
‫الروح الح ّية لله‪:‬‬

‫س َم َة‬ ‫َ‬ ‫ب اإل ِ َل ُه آ َد َم ُت َرابا ً مِ َ‬


‫ن األرض َونَ َف َ‬
‫خ ِفي أ ْن ِف ِه نَ َ‬ ‫ل ال َّر ُّ‬
‫ج َب َ‬
‫َو َ‬
‫ح َّي ًة‪( .‬تكوين ‪)7 :2‬‬ ‫ح َياةٍ‪َ .‬ف َصا َر آد َُم نَ ْفسا ً َ‬ ‫َ‬

‫وبإعطائنا روحه جعلنا هللا كائنات مسؤولة تملك الحرية للتفكير‬


‫والعمل‪ ،‬وتؤديها بمحبة‪.‬‬

‫لكن حتى لو كنا نملك روحا ح ّية‪ ،‬فنحن لسنا سوى صورة‬
‫للخالق‪ .‬ولو رأينا أن هللا مركز الخليقة ومحورها وليس البشر‪ ،‬ألدركنا‬
‫نحن البشر مكاننا الحقيقي والصحيح في ترتيبه اإللهي لألمور‪ .‬أما‬
‫حي في حياته‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الذي ينكر أن أصله من هللا‪ ،‬والذي ينكر أن هللا واقع‬
‫فتراه سرعان ما يضيع في فراغ رهيب‪ .‬وفي النهاية يجد نفسه واقعا‬
‫في فخ تأليه الذات‪ ،‬األمر الذي يجلب معه احتقارا لذاته واحتقارا‬
‫لقيمة اآلخرين‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫عـلى صـورة اللـه‬

‫كلنا يشتاق إلى ما ال ُيفنى‬


‫ماذا كان مصيرنا لو لم ينفخ هللا فينا نسمة حياة؟ إن نظرية التطور‬
‫برمتها التي نادى بها العالم داروين‪ ،‬هي في حد ذاتها خطيرة وعقيمة‬
‫ألنها ال تتمركز حول هللا‪ .‬وهناك شيء في داخلنا يصرخ ويحتج ضد‬
‫الفكرة القائلة بأننا جئنا إلى الوجود بواسطة كون ال هدف له‪ .‬ففي‬
‫فان‪.‬‬
‫أعماق نفس اإلنسان عطش لما هو دائم ولما هو خالد وغير ٍ‬

‫ولما كنا قد ُ‬
‫خل ِقنا على صورة هللا‪ ،‬وهللا أبديّ‪ ،‬فال يمكن أن‬
‫متأصلة باألبدية‪ .‬ويقول‬
‫ِّ‬ ‫نتالشى‪ ،‬في نهاية الحياة‪ ،‬كالدخان‪ .‬فحياتنا‬
‫القسيس األلماني كريستوف بلومهارت ‪:Christoph Blumhardt‬‬
‫«إن حياتنا تحمل عالمة األبدية‪ ،‬أي بمعنى عالمة هللا األبدي الذي‬
‫خلقنا على صورته‪ ،‬وال يريدنا أن نُبتَلع إلى زوال‪ ،‬بل يدعونا إليه‪ ،‬إلى‬
‫‪2‬‬
‫ما هو أبدي‪».‬‬

‫سنا ً ِفي‬
‫ح َ‬
‫ي ٍء َ‬
‫ش ْ‬ ‫لقد غرس هللا األبدية في قلوبنا‪« :‬إ ِ ْذ َصن ََع ك َّ‬
‫ُل َ‬
‫شرِ‪( »،‬جامعة ‪ )11 :3‬وفي أعماق‬ ‫حِي ِن ِه َو َغ َر َس األَبَ ِديَّ َة ِفي ُق ُل ِ‬
‫وب ا ْل َب َ‬
‫كل منّا اشتياق جارف إلى األبدية‪ ،‬أي بمعنى اشتياق إلى حياة‬
‫اآلخرة مع هللا في ملكوته‪ .‬وعندما نتنكر لهذه الحقيقة وال نعيش‬
‫سوى من أجل الحاضر‪ ،‬فإن كل ما يحدث لنا في الحياة يظل غامضا‬
‫ومغلّفا بألغاز محيرة‪ ،‬ويبقى كياننا الداخلي غير مقتنع وغير ٍ‬
‫راض‬
‫على حالنا‪ .‬فال يوجد أي شخص أو أي تنظيم بشري قادر على أن‬
‫ُيش ِبع اشتياق أرواحنا‪.‬‬

‫يتحدث صوت األبدية إلى ضمائرنا بطريقة مباشرة جدا‪ ،‬لذلك‬


‫يمكن اعتبار الضمير العنصر الغيور في داخلنا؛ فهو يحذرنا ويوقظنا‬
‫وينهض بنا ويقودنا إلى العمل الذي يوصينا به هللا‪ ،‬كما مكتوب في‬
‫الكتاب المقدس‪:‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪22‬‬

‫ذين بال شريعةٍ‪ ،‬إذا َعمِ لوا بالفِطر ِة‬‫ن األ ُ َممِ ‪ ،‬الّ َ‬ ‫َ‬
‫فغير ال َيهو ِد مِ َ‬
‫مع أن َّ ُهم بِال‬
‫س ِهم‪َ ،‬‬‫الشريع ُة‪ ،‬كانوا شريع ًة ألن ُف ِ‬ ‫ما تأْ ُم ُر بِه َّ‬
‫مكتوب في ُقلوب ِ ِهم‬
‫ٌ‬ ‫الشريع ُة‬
‫تأم ُر بِه َّ‬
‫أن ما ُ‬
‫تون َّ‬ ‫َ‬
‫شريعةٍ‪ .‬ف ُيث ِب َ‬
‫فهي م َّر ًة تَت َِّه ُم ُهم وم َّر ًة‬
‫َ‬ ‫وتَش َه ُد ل ُهم ضمائِ ُرهُم وأفكا ُرهُم‪،‬‬
‫دين‬
‫بش ُركُم بِه‪ ،‬يو َم يَ ُ‬ ‫ُتداف ُِع َعن ُهم‪ .‬وس َيظ َه ُر هذا كُلُّهُ‪ ،‬كما أ ُ ِّ‬

‫سوع خفايا ال ُق ِ‬
‫لوب‪( .‬رومة ‪)16–14 :2‬‬ ‫َ‬ ‫سيح يَ‬
‫ِ‬ ‫الم‬
‫هللاُ ب ِ َ‬

‫وفي كل مرة تنجرح النفس وتتلوث بالخطيئة ينبهنا ضميرنا بهذا‬


‫جع أليم‪ .‬وإن كنا نصغي إلى ضميرنا فإنه سيرشدنا‬
‫الجرح بتو ُّ‬
‫وسيقودنا في الطريق الصحيح‪ .‬أما عندما ننفصل عن هللا‪ ،‬فيضطرب‬
‫ويضل وينحرف ويخدر‪ .‬وال تنطبق هذه الحقيقة على‬
‫ّ‬ ‫ضميرنا ويترنح‬
‫الفرد فحسب بل على الزواج أيضا‪.‬‬

‫فابتداء من اإلصحاح الثاني من سفر التكوين تتبين لنا أهمية‬


‫ن‬
‫س ٌ‬
‫ح َ‬
‫الزواج‪ .‬فعندما خلق هللا آدم‪ ،‬قال هللا بأن كل ما صنعه « َ‬
‫جدُا‪ ».‬ثم خلق المرأة لتكون ُمعينا ورفيقا للرجل‪ ،‬ألنه رأى أنه «ال‬
‫آدم وح َد ُه‪ ،‬فأ َ ُ‬
‫صنع َله َمثيال ً ُيعينُه‪( ».‬تكوين ‪)18 :2‬‬ ‫يكون ُ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫ن ْ‬‫حس ُ‬
‫يَ ُ‬
‫فهذا س ّر ذو معنى عميق‪ :‬فالرجل والمرأة – أي بمعنى الرجولة‬
‫واألنوثة – ينتمي أحدهما إلى اآلخر ويشكالن صورة تعكس شخصية‬
‫هللا‪ ،‬فيمكن إيجاد سمات كل من الرجولة واألنوثة فيه‪ .‬فلذلك‬
‫يك ّونان معا شيئا ال يمكن أن يصبح ال منفصال وال وحيدا‪.‬‬

‫إن كل شيء خلقه هللا‪ ،‬يعطينا فكرة عن طبيعة هللا – مثل‬


‫الجبال الشاهقة والمحيطات الواسعة واألنهار والمساحات الكبيرة‬
‫من المياه؛ والعواصف والرعد والبرق والكتل الجليدية الهائلة‬
‫والصحاري والمروج واألزهار واألشجار‪ .‬فهناك قوة وخشونة ورجولة‪،‬‬
‫لكن هناك أيضا ر ِ َّقة وأمومة ورهافة ّ‬
‫حس‪ .‬ومثلما أن مختلف أشكال‬
‫‪23‬‬ ‫عـلى صـورة اللـه‬

‫الحياة في الطبيعة ال يوجد بعضها بمعزل عن بعض‪ ،‬فهكذا األمر‬


‫أيضا مع أوالد هللا – ذكور وإناث – فال يعيشون فرادى بعضهم‬
‫بمعزل عن بعض‪ .‬فبالرغم من اختالفهم إال أنهم كلهم مخلوقون‬
‫على صورة هللا‪ ،‬ويحتاج بعضهم إلى بعض ليحققوا مقاصد هللا‬
‫الحقيقية لهم‪.‬‬

‫عندما تتشوه صورة هللا‬


‫تفقد عالقات الحياة هدفها‬
‫في الكثير من مجتمعات عصرنا اليوم‪ ،‬نرى أن الفروق بين الرجل‬
‫والمرأة غير واضحة ومشوهة‪ ،‬وهذه بحد ذاتها ظاهرة مأساوية‪.‬‬
‫فصورة هللا الطبيعية والشريفة تتعرض للتدمير‪ .‬وهناك كالم ال‬
‫يتعرضن في الواقع‬
‫ّ‬ ‫أنهن‬
‫ّ‬ ‫ينتهي عن تحقيق المساواة للمرأة‪ ،‬غير‬
‫لسوء المعاملة واالستغالل بشكل غير مسبوق‪ .‬وفي األفالم‬
‫والتلفزيون والمجالت واإلعالنات واإلنترنت فإن المرأة المثالية‬
‫(وتدريجيا الرجل المثالي أيضا) ال ُينظر إليها سوى كمادة للجنس‪.‬‬

‫وعموما‪ ،‬فلم يعد ُينظر إلى الزواج نظرة مقدسة في مجتمعات‬


‫عصرنا الحاضر‪ .‬هذا وقد تزايد عدد الذين ينظرون إلى الزواج بأنه‬
‫مجرد تجربة أو أنه مجرد عقد بين اثنين من الناس‪ ،‬ويقيسون‬
‫كل شيء فيه وفقا لما ترتئيه اهتماماتهم الخاصة‪ .‬وعندما تفشل‬
‫العالقات الزوجية فهناك دائما حرية اختيار الطالق دون أن ينطوي‬
‫ذلك على ذنب أو عيب‪ ،‬ويلي ذلك محاولة جديدة للزواج من شريك‬
‫آخر‪ .‬وكثير من الناس لم يعد يهمهم تقديم وعود بالوفاء واإلخالص‪،‬‬
‫فهم يعيشون معا عيشة المعاشرة ال غير‪ .‬أما النساء اللواتي يحملن‬
‫رن في الزواج من الزوج نفسه فقد‬
‫ويلدن ويربين األطفال أو يستمر ِ َ‬
‫أصبحن في أحيان كثيرة موضع احتقار‪ .‬وكثيرا ما ُينظر إليهن وكأنهن‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪24‬‬

‫ضحايا الظلم التي تحتاج إلى «اإلنقاذ» من هيمنة الجنس الخشن‬


‫حتى لو كان زواجهن زواجا سليما وناجحا‪.‬‬

‫أما األطفال فلم يعد هناك تثمين لهم ككنوز عزيزة وغالية‬
‫على القلوب‪ .‬ففي كتاب سفر التكوين يأمر هللا‪« :‬أ َ ْثمِ ُروا َوا ْك ُث ُروا»‬
‫ولكن في يومنا هذا نرى أن الكثيرين يتجنبون ما يسمونه «عبء»‬
‫األطفال‪ ،‬ذلك النسل غير المرغوب فيه‪ ،‬وذلك باللجوء إلى اإلجهاض‬
‫الذي صار ُمش َّرعا في عدد متزايد من دول‪ .‬وصار ُي َ‬
‫نظر إلى األطفال‬
‫بأنهم مصدر إزعاج وبأن مجيئهم إلى العالم يكلف الكثير‪ ،‬بما في‬
‫ذلك تربيتهم وتعليمهم والسيما تعليما عاليا‪ .‬فصاروا في نظر الناس‬
‫يشكلون نزيفا اقتصاديا في حياتنا المادية‪ ،‬حتى أنهم ينظرون إلى‬
‫تقديم المحبة والحنان إلى األوالد بأنها تستنزف الكثير من الوقت‪.‬‬

‫فهل من المستغرب أن الكثيرين في عصرنا هذا قد فقدوا‬


‫األمل؟ وأن العديد من الناس قد تخلوا أيضا عن إمكانية الحب الوفي‬
‫المؤبد؟ فقد فقدت الحياة قيمتها؛ وأصبحت رخيصة؛ ولم يعد يراها‬
‫معظم الناس كهبة إلهية‪ .‬والتقدم في الهندسة الطبية البيولوجية‬
‫وفي تقنيات تصوير الجنين على الشاشات‪َ ،‬مكَّنت أعدادا متزايدة‬
‫من األزواج من أن يختاروا اإلجهاض ألسباب أنانية‪ .‬وهكذا فالحياة‬
‫بدون هللا باطلة بشكل غير معقول‪ ،‬وليس هناك غير الظلمة وغير‬
‫الجروح البليغة من جراء االنفصال عنه‪.‬‬

‫وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها العديد من األفراد المتفانين‪،‬‬


‫إال أن الكنيسة في يومنا هذا وفي بلدان كثيرة قد فشلت فشال ذريعا‬
‫في مواجهة وضع االنحالل هذا‪ .‬فكم يجدر بكل فرد منّا أن يعود‬
‫إلى البداية ليسأل نفسه مرة أخرى‪ :‬لماذا خلق هللا الرجل والمرأة‬
‫باألساس؟ والجواب على ذلك هو أن هللا خلق كل إنسان على‬
‫‪25‬‬ ‫عـلى صـورة اللـه‬

‫صورته‪ ،‬وحدد عمال ودورا خاصا متميزا لكل رجل وامرأة وطفل على‬
‫وجه األرض‪ ،‬وهو عمل يتوقع منا هللا إنجازه‪ .‬فال يجوز ألي شخص‬
‫أن يتجاهل قصد هللا لخليقته وله شخصيا وإال فسوف يعاني معاناة‬
‫روحية بليغة ويدفع ثمنا باهظا‪ ،‬كما يخبرنا الكتاب المقدس‪:‬‬

‫أعمال األ َذى‪َ ،‬ويَل ِ ُد الخ َ‬


‫ِداع‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ل بِ‬ ‫ل َّ‬
‫الش َّر‪ .‬يَح َب ُ‬ ‫حمِ ُ‬ ‫ها ُه َو ِّ‬
‫الش ِّري ُر يَ ْ‬
‫خاً‪َ .‬ف َي َق ُع ُه َو فِيها‪.‬‬ ‫ُون َف ّ‬
‫حف َر ًة َو ُي َغ ِّطيها لِ َتك َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ح ِف ُر إنسا ٌ‬ ‫َقدْ يَ ْ‬
‫ج َم ِت ِه يَ َق ُع ُع ْن ُف ُه‬
‫جم ُ‬‫خ الَّذِي َصن ََعهُ‪َ .‬و َع َلى ُ‬ ‫يَه ِوي َع َلى َرأْ ِس ِه ال َف ُّ‬
‫َو ُظ ْل ُمهُ‪( .‬مزامير ‪)16–14 :7‬‬

‫إن الماديّة التي تسود عصرنا‪ ،‬قد أفرغت الحياة من كل هدف أخالقي‬
‫وروحي‪ .‬وهي تفصلنا بعضنا عن بعض‪ ،‬وتعيقنا عن رؤية العالم‬
‫جب وعن رؤية مهمتنا الحقيقية‪ .‬وقد تم ّرضت نفوسنا‬
‫بإجالل وتع ُّ‬
‫وأرواحنا من جراء حمى االستهالك التجاري التي قد أصبنا بها‪ ،‬فأخذ‬
‫هذا المرض يحدث تآكال فادحا في ضمائرنا‪ ،‬حتى أن الضمير نفسه‬
‫لم يعد قادرا على التمييز بين الخير والشر‪ .‬ومع ذلك فال تزال في‬
‫داخل كل منا احتياج روحي عميق الجذور يجعلنا نشتاق إلى ال ِب ّر‬
‫والفضيلة والحياة المستقيمة‪.‬‬

‫ولن نحصل على شفاء الروح إال عندما نؤمن إيمانا راسخا بأن‬
‫هللا هو خالقنا وبأنه هو واهب الحياة والحب والرحمة‪ .‬وهذا ما نقرأه‬
‫في اإلنجيل‪:‬‬

‫ُل‬ ‫حدَ‪َ ،‬فال يَهل َ‬


‫ِك ك ُّ‬ ‫َب اَب َن ُه األو َ‬
‫أحب هللاُ العا َل َم حتّى وه َ‬
‫َّ‬ ‫هكذا‬
‫ل اَب َن ُه‬ ‫تكون َله الحيا ُة األب ِديَّ ُة‪ .‬وهللاُ َ‬
‫أرس َ‬ ‫ُ‬ ‫ن بِه‪ ،‬بل‬
‫َم ْن ُيؤمِ ُ‬
‫ليدين العا َل َم‪ ،‬بل ل ُيخلِّ َص بِه العا َل َم‪( .‬يوحنا ‪:3‬‬
‫َ‬ ‫إلى العا َلمِ ال‬
‫‪)17–16‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪26‬‬

‫ثم إن صورة الخالق تظهر في ابن هللا – يسوع المسيح – بأقصى‬


‫درجات وضوحها وبشكلها النهائي‪ ،‬مثلما يشهد اإلنجيل للمسيح‪:‬‬

‫ِق كُلِّها‪( .‬كولوسي‬ ‫ه َو ُصو َر ُة هللاِ الّذي ال ُيرى وب ِ ْك ُر ال َ‬


‫خالئ ِ‬
‫‪)15 :1‬‬

‫وباعتبار يسوع المسيح صورة هللا الكاملة والطريق الوحيد لآلب‪،‬‬


‫فهو يقدم لنا الحياة السليمة والوحدة والوئام والفرح ورضا النفس‪.‬‬
‫وال يمكننا أن نتذوق ح ّقه اإللهي وخيره علينا إال ّ عندما نعيش حياتنا‬
‫في ظلّه‪ ،‬وال يمكننا أن نحصل على ما ُمقدّر لنا إال ّ فيه‪ .‬وما ُمقدّر لنا‬
‫هو أن نصبح صورة هللا؛ إذ سوف تسود صورة هللا على األرض‬
‫بروحه القدوس‪ ،‬الذي هو روح المحبة الخال َّق‪ ،‬المعطي للحياة‪.‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫حسن أن يكون آدم وحده‬


‫ال يَ ُ‬

‫آدم وح َد ُه‪ ،‬فأ َ ُ‬


‫صنع‬ ‫يكون ُ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫ن ْ‬‫حس ُ‬
‫ب اإللهُ‪« :‬ال يَ ُ‬
‫وقال ال ّر ُّ‬
‫َ‬
‫َله َمثيال ً ُيعينُه‪ . . . .».‬فأو َق َع ال ّر ُّ‬
‫ب اإلل ُه آد َم في نَومِ‬
‫وس َد مكانَها‬‫عميق‪ ،‬وفيما ه َو نائ ٌِم أخ َذ إحدى أضالعِ ِه َ‬ ‫ٍ‬
‫لع التي أخ َذها مِ ْن‬ ‫ب اإلل ُه ا َ ْمرأ ًة مِ َ‬
‫ن ِّ‬
‫الض ِ‬ ‫ب ِ َل ْ‬
‫حمِ ‪ .‬وبنى ال ّر ُّ‬
‫اآلن َع ْظ ٌم مِ ْن‬
‫َ‬ ‫آدم‪« :‬ه ِذ ِه‬
‫فقال ُ‬ ‫َ‬ ‫آد َم‪ ،‬فجا َء بِها إلى آد َم‪.‬‬
‫فهي مِ ْن‬
‫َ‬ ‫س َّمى اَمرأ ًة‬ ‫حم مِ ْن َلحمي ه ِذ ِه ُت َ‬
‫عِ ظامي و َل ٌ‬
‫ئ أُخ َذت‪».‬‬
‫اَمر ِ ٍ‬

‫تكوين ‪َ 18 :2‬و ‪23 – 21‬‬

‫تحمل الوحدة‪ .‬لقد قيل أن المساجين‬


‫ُّ‬ ‫من‬
‫ال يوجد أصعب‬
‫المسجونين في حبس انفرادي يفرحون عند‬
‫مشاهدتهم للعنكبوت – فقد رأوا على األقل شيئا ينتمي إلى عالم‬
‫األحياء‪ .‬لقد خلقنا هللا لنكون كائنات اجتماعية‪ .‬في حين نرى عالمنا‬
‫المعاصر مجردا من العالقات تجريدا فظيعا‪ .‬فقد عمل التقدم‬
‫التكنولوجي على تدهور األواصر والعالقات االجتماعية في المجتمع‪.‬‬
‫وجعل الناس يبدون غير ضروريين شيئا فشيئا‪ .‬وبينما أصبح كبار‬
‫السن يوضعون في أماكن منعزلة أو بيوت للعناية الشخصية‪ ،‬وبينما‬
‫اُستُبدِل عمال المصانع باإلنسان اآللي‪ ،‬وبينما صار الشباب من‬
‫الجنسين يبحثون عاما بعد عام عن عمل هادف وله معنى‪ ،‬فإذا‬

‫‪27‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪28‬‬

‫بالناس يقعون ضحية اليأس وخيبة األمل من جراء كل ذلك‪ .‬وأخذ‬

‫بعضهم يعتمد على مساعدة أخصائ ّ‬


‫ي العالج الطبيعي أو األطباء‬
‫النفسانيين‪ ،‬في حين أخذ آخرون يبحثون عن سبيل للهروب من‬
‫الواقع المرير كاإلدمان على الكحول أو المخدرات أو االنتحار‪ .‬وبسبب‬
‫القطيعة مع هللا ومع اآلخرين‪ ،‬يعيش اآلالف من الناس في يأس‬
‫وابتئاس صامتين‪.‬‬

‫إن العيش بعزلة عن اآلخرين يؤدي إلى اليأس‪ ،‬سواء كانت‬


‫عزلة داخلية أو خارجية‪ .‬ويكتب الراهب األمريكي توماس ميرتون‬
‫‪( Thomas Merton‬وهو من أشهر الكتّاب الكاثوليك في القرن‬
‫العشرين) فيقول‪:‬‬

‫إن اليأس هو الحالة التي يصل إليها اإلنسان بسبب تط ّرفه‬


‫المطلق في ّ‬
‫حب الذات‪ .‬ويحدث هذا عندما يدير المرء ظهره‬
‫عمدا لكل المساعدات التي ُتقدم إليه رغبة منه في تذ ّوق‬
‫قِمة عفونة الضياع‪. . . .‬‬

‫فاليأس هو ذروة استفحال الكبرياء بدرجة بالغة‬


‫ومغرورة بحيث إن المرء ُي َف ِّضل التعاسة المطلقة لعذاب‬
‫جهنم على قبول السعادة من يدي هللا واإلقرار بأن هللا هو‬
‫فوق الجميع وبأنه ليس بمقدورنا تقرير مصيرنا بأنفسنا (بل‬
‫ب ِ َعونِه فقط)‪.‬‬

‫غير أن اإلنسان المتواضع ّ‬


‫بحق ال ييأس‪ ،‬ألنه لم يعد فيه‬
‫‪3‬‬
‫أي إشفاق على الذات‪.‬‬

‫نرى هنا أن الكبرياء لعنة تؤدي إلى الموت‪ .‬أما التواضع فيؤدي إلى‬
‫المحبة‪ .‬والمحبة أعظم نعمة موهوبة لبني البشر؛ إنها دعوتنا اإللهية‬
‫‪29‬‬ ‫ـسن أن يـكون آدم وحـده‬
‫ال يَـح ُ‬

‫الحقيقية‪ .‬إنها بمثابة قول «نعم» للحياة‪ ،‬و «نعم» للحياة المشتركة‪.‬‬
‫ثم إن المحبة وحدها هي الكفيلة بتحقيق اشتياق إنساننا الداخلي‪.‬‬

‫خلقنا هللا لنعيش مع اآلخرين ومن أجل اآلخرين‬


‫لقد غرس هللا في كل منّا اشتياقا غريزيا إلى تحقيق َ‬
‫ش َب ٍه مقارب له‪،‬‬
‫فقد غرس فينا اشتياقا يحثنا على السعي إلى المحبة وإلى الحياة‬
‫المشتركة وإلى الوحدة‪ .‬ويشير يسوع المسيح في صالته األخيرة إلى‬
‫أهمية هذا االشتياق‪:‬‬

‫ت‪ ،‬وأَنا فيك‬


‫ي‪ ،‬يا أَبَ ِ‬ ‫ك ِف َّ‬ ‫جمعِ هم واحِداً‪ :‬كَما أَن َّ َ‬ ‫َ‬
‫َف ْليكونوا بِأ َ‬
‫رسلتَني‪.‬‬‫ك أَ َ َ‬ ‫ن العا َل ُم بِأَن َّ َ‬ ‫َف ْليكونوا هُم أَيضا ً فينا لِ ُيؤمِ َ‬
‫نت أ َ‬
‫(يوحنا ‪)21 :17‬‬

‫ال يمكن ألي إنسان أن يحيا حياة حقيقية من دون أن يمتلئ صدره‬
‫بالمحبة نحو اآلخرين‪ :‬فإرادة هللا لكل إنسان هي أن يلعب دور هللا‬
‫«المحِب» نحو اآلخرين‪ .‬فكل شخص مدعو ليحب وليساعد الذين‬
‫ُ‬
‫من حوله نيابة عن هللا (راجع تكوين ‪.)10–8 :4‬‬

‫يريد هللا منا إقامة عالقات أخوية حميمة بعضنا مع بعض‪،‬‬


‫ومساعدة بعضنا لبعض بدافع المحبة‪ .‬وال يوجد طبعا أي شك في‬
‫أننا لو أحسسنا بما ينبض في قلوب إخواننا أو أخواتنا في مجتمع‬
‫كنيستنا ألمكننا عندئذ مساعدتهم‪ ،‬ألن «المساعدة» التي نقدمها‬
‫موهوبة من قبل هللا نفسه‪ .‬كما يقول القديس يوحنا الرسول‪:‬‬

‫ِب إخ َوتَنا‪.‬‬
‫الموت إلى الحيا ِة ألنَّنا نُح ُّ‬
‫ِ‬ ‫حن نَعر ِ ُف أنَّنا ان َت َقلنا مِ َ‬
‫ن‬ ‫نَ ُ‬
‫الموت‪ 1( .‬يوحنا ‪)14 :3‬‬
‫ِ‬ ‫ِي في‬
‫ِب بَق َ‬
‫َم ْن ال ُيح ُّ‬

‫فحياتنا ال تكتمل إال عندما تتوهج فيها المحبة وإال عندما تبرهن‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪30‬‬

‫المحبة ذاتها باألعمال وتثمر ثمارا ملموسة‪.‬‬

‫ويخبرنا يسوع بأن أعظم وصيتين هما أن نحب هللا بكل قلبنا‬
‫ونفسنا وقوتنا‪ ،‬وأن نحب القريب مثل نفسنا (معنى القريب أخونا‬
‫اإلنسان)‪ .‬وال يجوز فصل هاتين الوصيتين إحداهما عن األخرى‪:‬‬
‫فالبد لمحبتنا لله أن تعني دائما محبتنا للقريب‪ .‬فال يمكننا إقامة‬
‫عالقة مع هللا إن كنا نتجاهل اآلخرين‪ ،‬كما يوصينا اإلنجيل‪:‬‬

‫ُ‬
‫ِب‬ ‫قال أحدٌ‪« :‬أنا أح ُّ‬
‫َ‬ ‫ح َّبنا أ َّوالً‪ .‬إذا‬
‫ألن هللاَ أ َ‬
‫ِب َّ‬‫فع َلينا أن نُح َّ‬
‫ِب أخا ُه وه َو‬‫ألن الّذي ال ُيح ُّ‬
‫كان كا ِذبًا َّ‬ ‫هللاَ» وه َو يك َر ُه أخا ُه َ‬
‫ي‪:‬‬
‫سيح لنا هِ َ‬
‫ِ‬ ‫ص َّي ُة َ‬
‫الم‬ ‫ِب هللاَ وه َو ال يَرا ُه‪َ .‬و ِ‬
‫أن ُيح َّ‬
‫يَرا ُه‪ ،‬ال يَق ِد ُر ْ‬
‫ب أخا ُه ً‬
‫أيضا‪ 1( .‬يوحنا ‪)21–19 :4‬‬ ‫ح َّ‬
‫ب هللاَ أ َ‬
‫ح َّ‬
‫َم ْن أ َ‬

‫فطريقنا إلى هللا عليه أن يكون عن طريق محبة إخوتنا وأخواتنا‬


‫البشر‪ ،‬أما في الزواج فيكون عن طريق محبة شريك الحياة‪.‬‬

‫لو امتألنا من محبة هللا فلن نكون أبدا وحيدين أو منطويين‬


‫على نفسنا لمدة طويلة‪ ،‬ألننا سوف نجد دائما شخصا نقدم له أعمال‬
‫المحبة والخدمة‪ .‬وسيكون هللا وأخونا اإلنسان موجودين قريبين منا‬
‫دائما‪ .‬وكل ما علينا القيام به هو البحث عنهما‪ .‬لقد جاءني مؤخرا‬
‫أحد الشباب من مجتمع كنيستنا واسمه شان ‪ Sean‬ليشاركني‬
‫بفرحته التي اكتشفها حديثا وهي مساعدة اآلخرين‪ .‬فقد كان شان‬
‫يعيش في مدينة بولتيمور األمريكية ويعمل كمتطوع لبناء المنازل‬
‫للمحرومين الذين يفتقرون إلى المأوى‪ .‬وكان يظن أن عمله هذا‬
‫يكفي لشفاء غليله‪ ،‬ولكنه عندما كان يعود إلى بيته في نهاية النهار‪،‬‬
‫لم يكن يعرف ماذا يفعل‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫‪31‬‬ ‫ـسن أن يـكون آدم وحـده‬
‫ال يَـح ُ‬

‫ُ‬
‫رأيت روحي تضعف وتفرغ عند قضاء وقتي أمام شاشة‬
‫أخذت بهجة الحياة التي في داخلي‬
‫ْ‬ ‫التلفزيون‪ .‬وسرعان ما‬
‫تتالشى‪ .‬وقد أخبرني أحد األشخاص وقتذاك عن وجود‬
‫برنامج مسائي للمساعدة في تدريس األطفال المشردين في‬
‫المدينة‪ ،‬فقد كانوا يفتشون تفتيشا يائسا عن متطوعين‪.‬‬
‫ُ‬
‫أردت تجريب هذا العمل‪ .‬وها أنا اآلن أقدم المساعدة‬ ‫لذلك‬
‫في هذا المجال في كل مساء‪ .‬وال أصدق كيف تغيرت نظرتي‬
‫للحياة كل ّيا‪ .‬فلم أكن أعلم سابقا على اإلطالق كم كان يترتب‬
‫علي تقديم أعمال المحبة والخدمة إلى هؤالء األطفال‪.‬‬
‫ّ‬

‫عندما نعاني من الشعور بالوحشة أو العزلة‪ ،‬فالسبب يرجع على‬


‫األغلب إلى أننا شخصيا ال نريد أن نحب اآلخرين بل نريد أن يحبنا‬
‫اآلخرون‪ .‬غير أن السعادة الحقيقية تأتي من خالل إبداء المحبة‬
‫لآلخرين‪ .‬فالشيء الذي يل َز ُمنا هو أن نسعى إلى إقامة عالقات‬
‫أخوية مع أخينا اإلنسان باستمرار‪ ،‬وينبغي أن يصير كل منّا‬
‫ُمعينا كأخ أو كأخت في سعينا هذا‪ .‬فلنسأل هللا لكي يفتح قلوبنا‬
‫المغلقة على هذه المحبة‪ ،‬عالمين أننا ال نقدر على الحصول عليها‬
‫ّ‬
‫بالتحلي بتواضع الصليب‪.‬‬ ‫إال‬

‫باستطاعة أي إنسان أن يصبح أداة لمحبة هللا‬


‫في قصة خلق آدم وحواء‪ ،‬يتضح بجالء أن الرجل والمرأة قد ُ‬
‫خلقا لكي‬
‫يعين ويسند ويكمل أحدهما اآلخر‪ .‬أما فرحة هللا فكانت بالتأكيد‬
‫حضر المرأة إلى الرجل‪ ،‬والرجل إلى المرأة‪ .‬ولكوننا جميعا‬
‫كبيرة وهو ُي ِ‬
‫مخلوقين على صورة هللا وشبهه‪ ،‬فينبغي نحن أيضا أن نالقي‬
‫اآلخرين بالفرح والمحبة سواء كنا متزوجين أو عزاب‪.‬‬

‫فبإحضار حواء إلى آدم أظهر هللا لجميع البشر دعوتهم الحقيقية؛‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪32‬‬

‫وهي أن يكونوا مساعدين يكشفون محبة هللا للعالم‪ .‬وبتقديم ابنه‬


‫الحبيب يسوع لنا‪ ،‬فإن هللا اآلب يب ّين لنا أنه لن يتركنا وحيدين أو‬
‫بدون عون‪ .‬فقد قال يسوع بنفسه‪:‬‬

‫لن أت ُركَكُم يتامى‪ ،‬بل أر ِج ُع إ َليكُم‪( .‬يوحنا ‪)18 :14‬‬

‫ثم إن السيد المسيح يوعدنا قائال‪:‬‬

‫ح َّب ُه أبي‪،‬‬
‫ح َّبني أ َ‬
‫وم ْن أ َ‬
‫ح َّبني‪َ .‬‬
‫ل بِها أ َ‬
‫وعمِ َ‬
‫ل وصاياي َ‬ ‫أن َم ْن َق ِب َ‬
‫ّ‬
‫ظه ُر َله ذاتي‪( .‬يوحنا ‪)21 :14‬‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وأنا أ ِح ُّب ُه وأ ِ‬

‫فمن يقدر على أن يفهم سمو هذا الكالم واألمل الذي فيه لعالمنا‬
‫المضطرب؟ وعسى أن يتأكد كل من هو وحيد ومن فقد عزيمته‬
‫ومن خاب أمله بأن هللا لن يتخلى عنه أبدا‪ .‬ولن يكون وحيدا أبدا‬
‫يتخل اإلنسان‬
‫َ‬ ‫حتى لو لم يتمكن من إيجاد أية صداقة بشرية‪ .‬فلو لم‬
‫عن هللا‪ ،‬لما تخلى هللا عنه أبدا‪.‬‬

‫لقد جمع هللا آدم وحواء ليشفيهما من العزلة وليحررهما من‬


‫االنفرادية‪ ،‬وهذا ما يريده هللا كذلك لكل رجل وامرأة يجمعهما في‬
‫الزواج‪ .‬غير أن الزواج في حد ذاته ال يقدر على أن يصنع الشفاء من‬
‫العزلة والتحرر من االنفرادية‪ .‬فما لم نثبت في المسيح لن نأتي بأي‬
‫ثمر صالح‪ .‬فعندما نحب المسيح‪ ،‬الذي هو وحده سندنا ورجاؤنا‬
‫وحياتنا‪ ،‬فسوف نطمئن بأن أحدنا سوف يتع ّرف على الشريك اآلخر‬
‫ويحبه‪ .‬أما لو عزلنا أنفسنا عن المسيح فلن يسير أي شيء سيرة‬
‫ويجمع كل شيء‪ ،‬وهو الذي يفتح لنا‬
‫ِّ‬ ‫حد‬
‫حسنة‪ .‬فهو الوحيد الذي يو ِّ‬
‫األبواب على مصراعيها لنلتقي مع هللا ومع اآلخرين‪ ،‬مثلما يشهد‬
‫عنه اإلنجيل‪:‬‬
‫‪33‬‬ ‫ـسن أن يـكون آدم وحـده‬
‫ال يَـح ُ‬

‫سدِ‪،‬‬ ‫ج َ‬
‫رأس ال َ‬
‫ُل شيءٍ‪ .‬ه َو ُ‬ ‫ُل شي ٍء وفي ِه يَتك َّو ُن ك ُّ‬ ‫كان َق َ‬
‫بل ك ِّ‬ ‫َ‬
‫األموات‬ ‫ين‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫َنيسةِ‪ ،‬وه َو ال َبد ُء وبِك ُر َم ْن قا َم مِ ْن بَ ِ‬
‫أي رأ ُس الك َ‬
‫ِل في ِه المل ُء‬
‫أن يَح َّ‬
‫ألن هللاَ شا َء ْ‬‫ُل شيءٍ‪َّ ،‬‬ ‫ِتكون َله األ َّولِ َّي ُة في ك ِّ‬
‫َ‬ ‫ل‬
‫ماوات‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ُل شي ٍء في األرض كما في َّ‬
‫الس‬ ‫ِح بِه ك َّ‬ ‫كُلُّ ُه ْ‬
‫وأن ُيصال َ‬
‫الم‪( .‬كولوسي ‪)20–17 :1‬‬ ‫ح ِّق َق َّ‬
‫الس ُ‬ ‫ليب ُ‬
‫الص ِ‬
‫ف ِبدَمِ ِه على َّ‬

‫هللا منبع المحبة الحقيقية ومبتغاها‬


‫إن الزواج ليس أسمى هدف للحياة‪ ،‬وإنما محبة هللا هي األسمى‬
‫ججا بمحبة‬
‫لكل من العزاب والمتزوجين‪ .‬فعندما يكون صدرنا متأ ّ‬
‫هللا ووصاياه أوال ثم تأتي من بعدها محبة اإلخوة واألخوات في‬
‫الكنيسة فسوف نعكس عندئذ صورة هللا انعكاسا أكثر بهاء ولمعانا‬
‫وكماال‪ .‬أما في الزواج المسيحي الحقيقي‪ ،‬فيعمل الزوج على توجيه‬
‫زوجته وأوالده إلى هللا وليس إلى نفسه‪ .‬وبالطريقة نفسها ستدعم‬
‫كمعينة له‪ ،‬وكالهما سوف يعلمان أوالدهما أثناء‬
‫الزوجة زوجها ُ‬
‫التربية على توقيرهما هما االثنان كوالدين‪ ،‬ويقودانهم معا إلى محبة‬
‫هللا باعتباره خالقهم‪.‬‬

‫وهناك نقطة مهمة‪ ،‬فعندما يكون الشريك معينا لشريكه اآلخر‬


‫نيابة عن هللا‪ ،‬فهذا العمل ليس مجرد التزام بل أيضا نعمة‪ .‬فكم‬
‫وتتحسن عالقاتنا لو أعدنا اكتشاف هذه النقطة! إذ‬
‫ّ‬ ‫سوف تختلف‬
‫نعيش في زمن يسيطر عليه الخوف وعدم الثقة أينما ذهبنا‪ .‬فأين‬
‫هي المحبة التي تبني الحياة المشتركة والكنيسة؟‬

‫هناك نوعان من المحبة‪ :‬األول‪ ،‬محبة مِ عطاءة تتسم بنكران‬


‫الذات وتتجه بشكل غير أناني نحو اآلخرين ونحو خيرهم‪ ،‬والثاني‪ ،‬محبة‬
‫تملك ّية ومقتصرة على محبة الذات‪ .‬ويقول القديس أوغسطينوس‬
‫‪ Augustine‬عن المحبة المِ عطاءة بتعبير مجازي (وهو من أحد آباء‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪34‬‬

‫الكنيسة األولى البارزين ‪ 430 – 354‬م)‪« :‬المحبة هي كيان روح‬


‫اإلنسان‪ ،‬وهي ي ّد روحه أيضا‪ ،‬فعندما تمسك المحبة شيئا مع ّينا فال‬
‫يمكنها أن تمسك شيئا آخرا‪ ،‬أما لو أُعطي لها شيئا آخرا لتمسكه‪،‬‬
‫فعليها أوال أن تضع جانبا ما تمسكه ليتسنى لها مسك الشيء‬
‫اآلخر‪ 4».‬إن محبة هللا ال تبتغي شيئا لنفسها‪ ،‬فهي تعطي ذاتها‬
‫تتأصل دائما‬
‫ّ‬ ‫حي وتبذل نفسها ألن في ذلك سرورها‪ .‬والمحبة‬
‫وتض ّ‬
‫في هللا‪.‬‬

‫ح َّبنَا أ َ َّوالً‪ 1( .‬يوحنا ‪)19 :4‬‬


‫ن هللاَ أ َ َ‬
‫ِب‪ ،‬أل َ َّ‬
‫ن نُح ُّ‬ ‫َونَ ْ‬
‫ح ُ‬

‫فعسى هللا أن ينعم علينا بأن تملك علينا من جديد قوة محبته‬
‫لتسيير حياتنا حسبما تشاء‪ .‬فسوف تقودنا إلى اآلخرين لنشاركهم‬
‫حياتنا في السراء والضراء‪ .‬بل وأكثر من ذلك‪ ،‬فسوف تقودنا إلى‬
‫ملكوت هللا‪ .‬فالمحبة ِس ّر ملكوت هللا اآلتي‪.‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫فيصيران جسدا واحدا‬

‫فيصيران‬
‫ِ‬ ‫جل أبا ُه وأ ُ َّم ُه وي َّت ِ‬
‫ح ُد باَمرأتِهِ‪،‬‬ ‫ك ال َّر ُ‬
‫ِك يت ُر ُ‬
‫ولِذل َ‬
‫جسدًا واحدًا‪.‬‬
‫َ‬

‫تكوين ‪24 :2‬‬

‫وفي العهد القديم (أي قبل زمن السيد‬


‫الزواج مقدس‪.‬‬
‫المسيح) يستخدم األنبياء الزواج لوصف‬
‫عالقة هللا مع شعبه إسرائيل‪ ،‬مثلما مكتوب في الكتاب‬
‫المقدس كاآلتي‪:‬‬

‫ل َوا ْل َ‬
‫ح ِّق‬ ‫سي بِا ْل َعدْ ِ‬‫ك لِن َْف ِ‬ ‫سي إلى األَبَدِ‪َ .‬وأ َ ْ‬
‫خ ُط ُب ِ‬ ‫ك لِن َْف ِ‬ ‫َوأ َ ْ‬
‫خ ُط ُب ِ‬
‫سي بِاأل َ َمانَ ِة َفت َْعرِف َ‬
‫ِين‬ ‫ك لِن َْف ِ‬ ‫ان َوا ْل َم َراحِمِ ‪ .‬أ َ ْ‬
‫خ ُط ُب ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫َواإل ِ ْ‬
‫ب‪( .‬هوشع ‪)20–19 :2‬‬
‫ال َّر َّ‬

‫هنا يكشف هللا محبته لجميع الناس بأسلوب متميز متم ِّثل بالرباط‬
‫الفريد بين الزوج وزوجته‪.‬‬

‫الزواج هو أكثر من مجرد العيش معا في سعادة‬


‫في العهد الجديد (أي في زمن السيد المسيح وما بعده)‪ُ ،‬يستخدم‬
‫الزواج كرمز للوحدة بين السيد المسيح وكنيسته المقدسة‪ .‬وفي‬
‫بشارة يوحنا في اإلنجيل يجري تشبيه السيد المسيح بالعريس‪،‬‬

‫‪35‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪36‬‬

‫ل جا َء َوق ُتهُ‪ ،‬وتَ َزيَّنَت‬


‫ح َم ِ‬
‫رس ال َ‬
‫«ع َ‬
‫ُ‬ ‫وفي سفر الرؤيا نقرأ أن‪:‬‬
‫روسهُ‪( ».‬رؤيا ‪)7 :19‬‬
‫َع ُ‬

‫أما أعجوبة تحويل الماء إلى خمر من قِبل يسوع المسيح في‬
‫عرس قانا الجليل فلم يكن أمرا بال مغزى بالتأكيد؛ فمن الواضح أن‬
‫الرب كان لديه فرح عظيم بمسألة الزواج‪ .‬ولكن من الواضح أيضا‬
‫أن الزواج في نظر يسوع أمر مقدس‪ .‬وقد أخذ األمر على محمل الجد‬
‫حدّة ال هوادة فيها ضد أدنى خطوة ترمي إلى‬
‫إلى درجة أنه أخذ يتكلم ب ِ ِ‬
‫تدمير الزواج أو التحلل من رباطه‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫جم َع ُه هللاُ ال ُيف َّر ُق ُه‬


‫جس ٌد واحدٌ‪ .‬وما َ‬‫اثنين‪ ،‬بل َ‬ ‫ِ‬ ‫يكونان‬
‫ِ‬ ‫فال‬
‫بأن‬
‫ون‪« :‬فل ِماذا أوصى موسى ْ‬ ‫اإلنسان‪ ».‬وسأ َله ال َف ِّريس ُّي َ‬
‫ُ‬
‫سوع‪:‬‬
‫ُ‬ ‫الق فتُطلَّ ُق؟» فأجابَ ُهم يَ‬ ‫ل اَمرأتَ ُه ك َ‬
‫ِتاب َط ٍ‬ ‫ج ُ‬
‫عطي ال َّر ُ‬
‫َ‬ ‫ُي‬
‫«لِقسا َو ِة ُقلوبِكُم أجا َز لكُم موسى ْ‬
‫أن ُتطلِّقوا نِسا َءكُم‪ .‬وما‬
‫فأقول لكُم‪َ :‬م ْن طلَّ َق اَمرأتَ ُه‬
‫ُ‬ ‫أما أنا‬
‫ن ال َبد ِء هكذا‪ّ .‬‬
‫كان األم ُر مِ َ‬
‫َ‬
‫إال َّ في حا َل ِة ال ِّزنى وت َز َّو َج َغي َرها زنى‪( ».‬متى ‪)9 – 6 :19‬‬

‫يمكننا أن نرى من خالل ِحدّة كالم يسوع القاطع وعدم مساومته‪،‬‬


‫مدى بشاعة وشناعة الزنى في نظر هللا‪ .‬والكتاب المقدس بأكمله‬
‫يحتج على الزنى‪ ،‬ابتداء بكتب األنبياء التي قامت بتسمية عبادة‬
‫ّ‬
‫بني إسرائيل لألوثان بالزنى‪( ،‬راجع إرميا ‪ )27–25 :13‬وانتهاء بسفر‬
‫الرؤيا حيث نقرأ عن غضب هللا على الزانية العظيمة (في إشارة إلى‬
‫مملكة بابل التي كانت رمز العهارة والزنى)‪ .‬وعندما يتفكك رباط‬
‫الزواج‪ ،‬فإن المحبة – التي تمثل وحدة الروح والنفس بين اثنين –‬
‫تتفكك وتتمزق‪ ،‬ليس بين الشريك الزاني وبين زوجته (أو زوجها)‬
‫فحسب بل أيضا بينه وبين هللا‪.‬‬
‫‪37‬‬ ‫فيصيران جـسـدا واحـدا‬

‫في ثقافة يومنا الحالي‪ ،‬نرى أن الزواج‪ ،‬كعرف من األعراف‬


‫االجتماعية‪ ،‬يترنح على حافة كارثة‪ .‬فالكثير أيضا مما ُيسمى «حب»‬
‫ما هو سوى رغبة أنانية‪ .‬إال أننا نرى في نطاق الزواج أيضا أن هناك‬
‫العديد من األزواج يعيشون تحت سقف واحد عيشة أنانية‪ .‬وينخدع‬
‫الناس عندما يعتقدون بأن الزواج السعيد يمكن تحقيقه بدون‬
‫تضحية ووفاء‪ ،‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فالزوجان‪ ،‬حتى لو عاشا معا‬
‫َ‬
‫متحفظين ويخشى كل منهما أن يحب‬ ‫تحت سقف واحد‪ ،‬فتراهما‬
‫اآلخر حبا غير مشروط‪.‬‬

‫مع ذلك وفي وسط الماليين من العالقات الزوجية المليئة‬


‫بالصراعات والتخ ُّبط أو التي َ‬
‫خ َّربتها الخيانات الزوجية‪ ،‬تظل محبة‬
‫هللا لبني البشر باقية بقاء أبديا وتصرخ وتناشد الناس باستمرار على‬
‫الوفاء الزوجي وعلى االلتزام‪ .‬ويوجد صوت في أعماق كل منا‪ ،‬مهما‬
‫كان خافتا‪ ،‬ينادينا بالعودة إلى الوفاء في عالقاتنا الزوجية‪ .‬ونتوق كلنا‬
‫بالحقيقة‪ ،‬بدرجة أو بأخرى‪ ،‬إلى االتحاد مع شخص عزيز – بقلوب‬
‫مفتوحة ومتح ّررة من قيود الخطيئة‪ .‬ولو ا ِلتجأنا إلى هللا طالبين منه‬
‫بثقة ليجعل مثل هذا االتحاد مع شريك آخر أمرا ممكنا‪ ،‬فسوف‬
‫يل ِّبي هللا دعاءنا ويقوينا على الوفاء ويتحقق اشتياقنا فعال‪.‬‬

‫إن السعادة الحقيقية تأتي من خالل أن يضع اإلنسان نفسه‬


‫بمحبة في سبيل شخص آخر‪ .‬غير أن المحبة ال تسعى إلى العطاء‬
‫ّ‬
‫بحق‪،‬‬ ‫ُ‬
‫أحببت شخصا‬ ‫فحسب‪ ،‬بل تشتاق أيضا إلى االتحاد‪ .‬فلو‬
‫فسوف أكون مهتما بمعرفة ما بداخله‪ ،‬ومستعدا للخروج من‬
‫وحدتي وانفراديتي نحوه‪ .‬وسأساعده بمحبة وتواضع لعله يصحو‬
‫تماما بشأن هللا وبشأن اآلخرين‪ .‬ثم إن الحب الحقيقي ليس حبا‬
‫تملُّك ّيا أو استعباديّا مطلقا‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬فهو يأخذنا دائما إلى‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪38‬‬

‫حرية الوفاء الطوعي وإلى حرية الحياة الشريفة الطاهرة الطوعية‪.‬‬

‫وفي غمرة بركة محبة الكنيسة ووحدتها‪ ،‬فإنه من الممكن أن‬


‫حدهم‬
‫يحصل كل اإلخوة واألخوات فيها على وحدة روحية‪ ،‬فالرب يو ِّ‬
‫بروحه القدوس‪ .‬إذ يقول اإلنجيل‪:‬‬

‫ب ف َقد صا َر وإِيَّا ُه ُرو ً‬


‫حا وا ِحدًا‪ 1( .‬كورنثوس‬ ‫ن اتَّ َ‬
‫ح َد بِال َّر ّ‬ ‫وم ِ‬
‫َ‬
‫‪)17 :6‬‬

‫حتى أنه من الممكن أن يصبحوا أيضا قلبا واحدا وروحا واحدة‪،‬‬


‫مثلما حصل مع المسيحيين األوائل‪:‬‬

‫ؤمنين َقل ًبا واحدًا و ُرو ً‬


‫حا وا ِح َد ًة‪ ،‬ال يَدَّعي أح ٌد‬ ‫َ‬ ‫جماع ُة ُ‬
‫الم‬ ‫وكان َ‬
‫َ‬
‫َشاركون في ك ِّ‬
‫ُل شي ٍء ل ُهم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫خ ُّصهُ‪ ،‬بل كانوا يت‬ ‫مِ ن ُهم ُم ْل َ‬
‫ك ما يَ ُ‬
‫(أعمال ‪)32 :4‬‬

‫أما الوفاء بين الزوج والزوجة فهو انعكاس للوفاء األبدي لله؛‬
‫ألن هللا هو الذي يحفظ كل رباط زوجي حقيقي في التئام ووئام‪.‬‬
‫جع وندع الحب يتدفق‬
‫ولذلك‪ ،‬وبفضل صدق محبة هللا نتش ّ‬
‫من خالل حياتنا‪ ،‬ونسمح لمواهب أحدنا أن تتفتّح على اآلخر في‬
‫السراء والضراء‪.‬‬

‫الحب الجنسي قادر على جعل محبة هللا منظورة‬


‫هناك فرق بين الحب بين شخصين مخطوبين أو متزوجين‪ ،‬وبين‬
‫المحبة األخوية العامة الموجودة بين الناس من رجال ونساء‪ .‬فال‬
‫توجد أية عالقة يعتمد فيها الواحد على اآلخر مثل عالقة الزواج‪.‬‬
‫وهناك فرح متميز في قلب المتزوج عندما يكون بقرب الحبيب؛‬
‫ولكن حتى لو افترقا‪ ،‬فسوف يبقى بينهما رباط فريد من نوعه‪ .‬ألنه‬
‫‪39‬‬ ‫فيصيران جـسـدا واحـدا‬

‫من خالل عالقة الحب الجنسية في الزواج سوف يطرأ شيء يمكن‬
‫مالحظته بل ربما يظهر حتى على مالمح وجهي الزوجين‪ .‬كما يقول‬
‫]*[‬
‫فون جاجرن‪« :‬في معظم األحوال‪ ،‬ال يصبح الزوج رجال حقيقيا إال‬
‫‪5‬‬
‫بزوجته‪ ،‬وال تكتسب الزوجة أنوثة حقيقية إال بزوجها‪».‬‬

‫في الزواج الحقيقي يسعى كل شريك إلى إسعاد اآلخر‪.‬‬


‫وبتكميل أحدهما لآلخر‪ ،‬سوف تتقوى الوحدة بينهما وتنمو‪ .‬ومن‬
‫خالل الحب بين الزوج والزوجة ومن خالل الوفاء بينهما ومن خالل‬
‫ثمرهما (اإلنجاب) فسوف يعكسان بكل ذلك صورة هللا بطريقة‬
‫عجيبة ورائعة‪.‬‬

‫ونكتشف في الرباط الفريد للزواج المعنى األسمى ألن يصير‬


‫الزوجان جسدا واحدا‪ .‬وبالتأكيد‪ ،‬فإن معنى أن يصير الزوجان جسدا‬
‫واحدا هو أن يصيرا واحدا جسديا وجنسيا‪ ،‬ولكنه يعني أيضا أكثر‬
‫من ذلك! فهذا الرباط هو رمز لشخصين ارتبطا معا وانصهرا معا‬
‫قلبيا وجسديا وروحيا‪ ،‬في عطاء متبادل ووحدة كاملة‪.‬‬

‫عندما يصبح الشريكان بالزواج جسدا واحدا‪ ،‬فإنهما ال ُيعتبران‬


‫بعد اثنين بل بالحقيقة واحدا‪ .‬ألن اتحادهما ثمرة عالقة أكبر من‬
‫عالقة العِ شرة أو الشراكة؛ إنها ثمرة أسمى عالقة جنسية‪ .‬وكما‬
‫يكتب الفيلسوف األلماني فريدريش نيتشة ‪Friedrich Nietzsche‬‬
‫عن ذلك االتحاد بأنه ناتج عن «قرار اثنين يريدان أن يخلقا اتحادا‬
‫أكبر منهما شخصيا‪ .‬وهو توقير أحدهما لآلخر‪ ،‬وتوقير عملية إتمام‬
‫‪6‬‬
‫مثل هذا القرار‪».‬‬

‫]*[  فريدريش فون جاجرن ‪2000 – 1914( Friedrich von Gagern‬م) طبيب نفساني ألماني‬
‫كاثوليكي ومؤلف كتب عن الحياة الزوجية‪.‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪40‬‬

‫فال يمكن للزواج أن يرضي المطالب الجنسية بضمير مرتاح‬


‫سوى بهذا التوقير وبهذا االتحاد السامي‪ .‬فمن خالل رغبة الزوجين‬
‫في إنجاب األطفال وفي أن يثمرا ويكثرا وفي تآزرهما الحميم الذي‬
‫يمثل وحدة هللا مع خليقته ومع شعبه سوف يعطي الزواج صورة‬
‫منظورة عن محبة هللا الفياضة‪.‬‬

‫عندما يكون هللا في مركز الزواج‬


‫فالوحدة الكاملة القلبية والروحية والجسدية ممكنة‬
‫وفقا للترتيب اإللهي للزواج‪ ،‬هناك على األقل ثالثة مستويات‬
‫مختلفة من االختبار يعيشها الزوجان ويرتقيان من خاللها في حياتهما‬
‫الزوجية‪ .‬فالمستوى األول – وهو األروع – وحدة الروح‪ :‬أي بمعنى‬
‫وحدة القلب والنفس في هللا‪ .‬فيمكننا في هذه الوحدة أن يكون لنا‬
‫شركة بعالقات قلبية وشريفة ليس مع شريك حياتنا فحسب‪ ،‬بل‬
‫أيضا مع جميع المؤمنين‪ .‬والمستوى الثاني وحدة العواطف‪ :‬أي‬
‫بمعنى أن جريان عواطف الحب من القلب إلى القلب يكون قويا‬
‫جدا إلى درجة أن الشخص يمكنه أن يسمع دقات قلب اآلخر‪ ،‬إذا‬
‫جاز التعبير‪ .‬أما المستوى الثالث فهو الوحدة الجسدية‪ :‬وهو تعبير‬
‫الوحدة الذي يحصل عندما ينصهر الجسدان ويندمجان في اتحاد تام‪.‬‬

‫لألسف‪ ،‬هناك عدد كبير من األزواج في يومنا هذا يكتفون‬


‫بالمستوى الثالث‪ ،‬أو ربما بالمستوى الثاني‪ .‬غير أن الزواج المؤسس‬
‫على الجسد والعاطفة وحدهما محكوم عليه بالفشل وخيبة األمل‪.‬‬
‫فبالرغم من أن موجات الجاذبية العاطفية أو الجسدية ُتعتبر أمرا‬
‫طبيعيا‪ ،‬إال إنها قد تخلّف ورائها جروحا عميقة إن لم تكن موضوعة‬
‫تحت راية السيد المسيح‪.‬‬

‫انضم ْ‬
‫ت‬ ‫ّ‬ ‫قبل مدة قصيرة‪ ،‬أخبرتني امرأة أعرفها بأنها وزوجها‬
‫‪41‬‬ ‫فيصيران جـسـدا واحـدا‬

‫إلى كنيستنا ال من أجل تكريس حياتهما لله وإنما لمجرد أنهما أرادا‬
‫الحصول على مراسيم زفاف كنسية‪ .‬فقالت‪« :‬لم أتكلم مطلقا مع‬
‫زوجي عما كان هللا يريده لحياتنا‪ ،‬أو ماذا كنا نريد عمله قبل وبعد‬
‫الزواج‪ ».‬وتردف قائلة‪« :‬لم أكن أنا وزوجي على الموجة نفسها‬
‫ليتفق ويفهم أحدنا اآلخر‪ ».‬أما اآلن فقد هجرها زوجها هي وأطفالهما‬
‫الخمسة‪ .‬وصارت ترى اآلن بوضوح الحقيقة الموجعة أنه بسبب‬
‫ترسخ وعودهما الزوجية على السيد المسيح‪ ،‬فقد افتقرا إلى‬
‫عدم ّ‬
‫أساس رصين يبنيان حياتهما الزوجية عليه‪.‬‬

‫أما لو أُريد للزواج بأن يكون سليما ومتعافيا حقا فالبد من‬
‫تأسيسه على الترتيب اإللهي – أي بمعنى تأسيسه على وحدة‬
‫الروح والقلب والنفس‪ .‬فالغالبية العظمى من الناس اليوم‪ ،‬بما‬
‫فيهم نحن الذين ندعي بأننا مسيحيون‪ ،‬ليس لديهم أدنى فكرة عما‬
‫قد هيأه هللا للذين يحبونه ويكرمونه بكل صدق‪ .‬فعندما نحتضن‬
‫من كل قلوبنا ونقبل ترتيب هللا لعالقاتنا الزوجية فسوف نلمس‬
‫بركاته علينا‪ .‬فاالختبارات القلبية التي ينعم بها هللا علينا في خطوبة‬
‫أو في زواج هي أكبر من تصوراتنا‪ .‬لكن‪ ،‬لألسف‪ ،‬يعيش الكثيرون‬
‫منا‪ ،‬نحن البشر‪ ،‬في عالم الحواس واللذات والماديّات فقط‪ ،‬المتعلق‬
‫بالنوم واألكل والشرب‪ ،‬وال نعطي أبدا ألنفسنا فرصة لننظر إلى ما‬
‫هو أهم‪ :‬أي بمعنى إلى حياتنا الروحية‪ .‬وينطبق هذا على العديد من‬
‫الزواجات في زماننا الحاضر‪ .‬فنرى أن الجنس هو البؤرة الرئيسية‬
‫التي يتمحور حولها الزواج اليوم‪ ،‬أما اتحاد القلوب فال يسعون إليه‬
‫بالمرة وال يذكرونه أصال‪ .‬فهل من المستغرب أن ال نجد سوى حفنة‬
‫قليلة من األزواج الذين يبقى بعضهم وف ّيا لبعض لمدى الحياة؟‬

‫إن كل من عاش قرب البحر يعرف شيئا عن قوة الطبيعة‬


‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪42‬‬

‫في الم ّد والجزر‪ .‬وهكذا الحال مع الزواج‪ ،‬كما هو الحال مع عالقة‬


‫الصداقة‪ ،‬حيث توجد تيارات الم ّد والجزر‪ .‬فحينما تكون العالقة في‬
‫حالة الجزر (أي عند المصاعب) فسرعان ما نفقد صبرنا‪ ،‬ونبتعد عن‬
‫شريك حياتنا‪ ،‬بل حتى ننبذ أي جهد لتجديد الحب‪ .‬أما لو كان هللا‬
‫في مركز حياتنا‪ ،‬فسوف يمكننا التو ّ‬
‫جه إليه من أجل استمداد اإليمان‬
‫والقوة والعزيمة حتى في أوطئ حاالت جزرنا‪.‬‬

‫فكلما عشنا بأسلوب يليق بمستوى صورة هللا التي ُ‬


‫خل ِقنا‬
‫عليها‪ ،‬زاد إحساسنا بضرورة إبقاء هللا في مركز حياتنا وبأن وصاياه‬
‫نحس بأن هذه الوصايا ليست مفروضة‬
‫ّ‬ ‫مناسبة جدا لنا‪ .‬وسوف‬
‫علينا كقوانين غريبة أو أوامر‪ .‬بل بالعكس‪ ،‬فسوف نرى أنها تتطابق‬
‫وتنسجم مع طبيعتنا الحقيقية باعتبارها مخلوقة على صورة هللا‪.‬‬
‫ولكن كلما تنكَّرنا لصورة هللا في داخلنا ودمرناها‪ ،‬بدت لنا سيادته‬
‫بأنها أمر غريب علينا‪ ،‬وسوف يسلّط موقفنا ُ‬
‫الملحد هذا ضغطا‬
‫معنويا سلب ّيا علينا الذي سيؤدي بدوره إلى سحقنا تماما‪.‬‬

‫فعندما يثمر الزوجان ثمار العطاء أحدهما لآلخر‪ ،‬وذلك بتكميل‬


‫بعضهما لبعض بمحبة‪ ،‬وعندما يثمران معا بإنجاب األطفال –‬
‫فسيصبح الزواج مباركا ومقدسا بفضل هذه األهداف‪ ،‬وسوف‬
‫يجعالن منه فرحا سماويا أيضا‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فنرى في‬
‫قصة الخلق وقبل مجيء وصية هللا «أ َ ْثمِ ُروا‪ »،‬فقد سبقتها حلول‬
‫بركة وهي‪ :‬نعمة هللا بخلق شريك حياة لإلنسان األول‪ .‬وبتقديم‬
‫هذه النعمة اإللهية إلى اإلنسان‪ ،‬فكأن هللا يريد أن يقول‪« :‬تحيا‬
‫صورتي فيكما‪ ».‬فكلما اقتربنا من الزواج وجب علينا أن ننظر إلى‬
‫هذه الحقيقة بتوقير عظيم؛ إذ تحيا في كل شخص وفي كل زواج‬
‫‪7‬‬
‫طاقات مقتدرة للتعبير الصادق عن صورة هللا‪.‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫الخطيئة األولية‬

‫ات ا ْل َب ِّريَّ ِة الَّتِي َعمِ َل َها‬


‫ح َي َوانَ ِ‬‫يع َ‬ ‫جمِ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ح َي َ‬‫ح َّي ُة أ َ ْ‬
‫ت ا ْل َ‬ ‫َوكَانَ ِ‬
‫ُل‬ ‫ال هللا ال َ تَأْكُال َ مِ ْن ك ِّ‬ ‫ح ّقا ً َق َ‬‫ت لِ ْل َم ْرأَةِ‪« :‬أ َ َ‬ ‫ب اإل ِ َل ُه َف َقا َل ْ‬ ‫ال َّر ُّ‬
‫ِلمرأةِ‪َ « :‬ل ْن تَ ُموتَا! و َلك َّ‬
‫ِن‬ ‫ح َّي ُة ل َ‬‫فقالت ال َ‬
‫ِ‬ ‫ج َّنةِ؟»‪. . . .‬‬ ‫جر ِ ا ْل َ‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬
‫ِلك َّ‬
‫الشج َر ِة تن َفت ُ‬
‫ِح‬ ‫هللاَ يعر ِ ُف أنكُما يو َم تأك ِ‬
‫ُالن مِ ْن ثَ َمر ِ ت َ‬
‫َّ‬
‫والش َّر‪».‬‬ ‫تعرفان الخي َر‬
‫ِ‬ ‫ثل هللاِ‬
‫صيران مِ َ‬
‫ِ‬ ‫أعي ُنكُما وتَ‬

‫تكوين ‪َ 1 :3‬و ‪5 – 4‬‬

‫العالم‪ ،‬رأى أن كل شيء خلقه كان حسنا‪.‬‬


‫عندما خلق هللا‬
‫ّ‬
‫بحق‪ ،‬وكانت‬ ‫فقد كانت األرض ملكوت هللا‬
‫الحياة تس ّيرها روح السالم‪ .‬وكان كل شيء يسكن في وحدة ووئام‪،‬‬
‫بما في ذلك الرجل والمرأة‪ ،‬اللذين كانا يبتهج أحدهما باآلخر وأيضا‬
‫يبتهجان بكل ما خلقه هللا‪ .‬وكان يقف آدم وحواء أمام شجرة الحياة‬
‫في وسط جنة عدن بارتعاش وخشوع من شدة التوقير والتعجب‪.‬‬
‫ولكن بعد ذلك ضللت الحية آدم وحواء‪ .‬وسرعان ما دخل الش ّر إلى‬
‫خليقة هللا‪ ،‬وحاول تدميرها تماما‪.‬‬

‫لقد أغوى الشيطان حواء بسؤال بسيط واحد‪« :‬أ َ َ‬


‫ح ّقا ً َق َ‬
‫ال هللاُ‬
‫ْ‬
‫غويت بوعد‬ ‫ج َّنةِ؟» (تكوين ‪ )1 :3‬ثم إنها أ ُ‬
‫جر ِ ا ْل َ‬ ‫ال َ تَأْكُال َ مِ ْن ك ِّ‬
‫ُل َ‬
‫ش َ‬
‫بسيط واحد‪َ « :‬ل ْن تَ ُموتَا!» (تكوين ‪ )4 :3‬ومن الضروري جدا أن‬

‫‪43‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪44‬‬

‫المضلِّل‪ ،‬أغوى حواء مستخدما كالم‬


‫ندرك معنى هذا‪ .‬فالشيطان ُ‬
‫هللا‪ ،‬تماما مثلما حاول الشيطان تجريب وإغواء يسوع المسيح‬
‫الحقا بكالم هللا‪.‬‬

‫تفصلنا الكبرياء عن هللا‬


‫وبعضنا عن بعض‬
‫ماذا كانت غير الكبرياء التي حركت حواء عندما نظرت إلى الشجرة‬
‫واشتهت ثمرها‪ ،‬راغبة في أن تجعل نفسها مثل هللا؟ ألم تكن‬
‫تمتحن هللا لترى ما إذا سيحفظ كلمته بحق؟ أما الح ّية فزرعت‬
‫الشك في قلب حواء‪ ،‬التي كانت تنصت إليها بفضول شديد‪ .‬وكان‬
‫ذلك في حد ذاته غدر وخيانة لله‪ ،‬وهذا يفتح عيوننا على الكيفية التي‬
‫ما يزال الشيطان يعمل بها إلى اليوم‪.‬‬

‫وما يزال الشيطان يريد أن يفصلنا عن هللا ويفصل بعضنا عن‬


‫بعض‪ .‬ولو لم نكن على حذر وانتباه لتمكّن من القيام بذلك ببساطة‪،‬‬
‫فهو يوجه سؤاال بريئا في مظهره‪ ،‬لكي يزرع بذور عدم الثقة واالنقسام‬
‫في قلوبنا‪ .‬ثم إن الشيطان يمكنه التنكّر في هيئة مالك نور كما يقول‬
‫الك النُّورِ» (‪2‬‬ ‫يطان نَ ُ‬
‫فس ُه يَظ َه ُر ب ِ َمظ َهر ِ َم ِ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫فالش‬ ‫ب‪،‬‬
‫ج َ‬
‫اإلنجيل‪« :‬وال َع َ‬
‫كورنثوس ‪ ،)14 :11‬ولكنه في الحقيقة هو المفتري الذي يلوي عنان‬
‫الحق ويشوهه‪ ،‬وأبو األكاذيب‪ ،‬والقاتل منذ البداية؛ ويحاول أن يطيح‬
‫بنا إلى الفوضى وااللتباس والشك – وغالبا ما ينجح في ذلك‪.‬‬

‫ونقرأ في اإلنجيل في بشارة متى أن الشيطان حاول أن يج ّرب‬


‫يسوع المسيح مباشرة بعد معموديته عندما ذهب يسوع إلى‬
‫والتأمل‪ .‬ولما علم‬
‫ُّ‬ ‫البرية من أجل أن ينفرد في خلوة للصالة‬
‫الشيطان أن يسوع المسيح أصبح متعبا ومنهكا جسديا بعد‬
‫صومه أربعين يوما هناك في البرية‪ ،‬اقترب منه الشيطان بوجه‬
‫‪45‬‬ ‫الخطيئة األوليـة‬

‫ملئه الشفقة وأظهر له توقيرا زائفا من خالل اإليحاء له بوجوب‬


‫تملُّكه على جميع ممالك العالم‪.‬‬

‫ومع ذلك فقد كشف يسوع المسيح الشيطان منذ أول تجربة‬
‫والمضلِّل المش ِّوه للحقيقة‪ .‬وقد وضع السيد المسيح‬
‫ُ‬ ‫المج ِّرب‬
‫بأنه ُ‬
‫يبال باإلصغاء إلى ُ‬
‫المج ِّرب‬ ‫ِ‬ ‫ثقته بالله بصورة كاملة وبال شروط ولم‬
‫وال حتى للحظة‪ ،‬بل واصل طريق الثقة والطاعة واالتكال على هللا‪.‬‬
‫فلم يستطع الشيطان أن يدنو من قلبه‪.‬‬

‫لم تكن الثمرة المحرمة وحدها هي التي أغرت آدم وحواء‪،‬‬


‫وجذبتهما إلى العصيان‪ ،‬بل كانت الكبرياء والرغبة الذاتية األنانية في‬
‫أن يصبحا مثل هللا‪ .‬وألنهما كانا يفتقران إلى الثقة والطاعة واالتكال‬
‫على هللا فقد فصال نفسيهما عن هللا‪ .‬وبسبب توقفهما عن تقديم‬
‫اإلكرام لله‪ ،‬قام أحدهما بتأليه اآلخر‪.‬‬

‫إن اللعنة العظمى التي أصابت المصير البشري هي محاولة‬


‫]*[‬
‫«بانسياق‬ ‫البشر ألن يصبحوا مثل هللا‪ .‬ويقول ديتريش بونهوفر‪:‬‬
‫اإلنسان وراء إغراءات الشيطان له ليصبح مثل هللا لكن مستقل‬
‫عنه‪ ،‬أصبح اإلنسان إالها ضد هللا‪ 8».‬والنتيجة هي مرض بليغ متج ِّذر‬
‫في روح اإلنسان‪ .‬لذلك أصبحت صورة هللا اآلن صورة مسروقة‬
‫ش ّوهتها الوثنية وعبادة األصنام والتمرد ضد هللا‪ ،‬ولم تفرز سوى‬
‫الظلمة وأشكال الهوان والمعاناة‪ .‬فها هو الكتاب المقدس يفضح‬
‫هذه األمور‪:‬‬

‫واَس َت ْبدَلوا ب ِ َمج ِد هللاِ الخالِ ِد ُص َو ًرا على شا ِك َل ِة اإلنسان الفاني‬


‫وات‬ ‫ِك أس َل َم ُه ُم هللاُ ب ِ َ‬
‫ش َه ِ‬ ‫افات‪ .‬لذل َ‬
‫ِ‬ ‫َّواب وال َّز ّ‬
‫ح‬ ‫والطيور ِ والد ِ‬
‫ُّ‬

‫]*[  القسيس الالهوتي األلماني ديتريش بونهوفر ‪ Dietrich Bonhoeffer‬شخصية معروفة‪ ،‬سجنه‬
‫هتلر في الثالثينيات من القرن الماضي لنضاله ضد الحكم النازي‪ ،‬ومن ثم تم إعدامه الحقا‪.‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪46‬‬

‫ل بَدَال ً‬ ‫هينون بِه أجسا َدهُم‪ .‬اتَّ َ‬


‫خذوا الباطِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُقلوب ِ ِهم إلى ال ُفجور ِ ُي‬
‫ِق‪،‬‬
‫ُون الخال ِ‬ ‫خلوق و َ‬
‫خدَمو ُه مِ ْن د ِ‬ ‫َ‬ ‫الم‬
‫وع َبدوا َ‬ ‫ِّ‬
‫الحق اإللهي َ‬ ‫ن‬
‫مِ َ‬
‫وات‬ ‫َّ‬
‫الش َه ِ‬ ‫ك إلى األب ِد آمين‪ .‬ولِهذا أس َل َم ُه ُم هللاُ إلى‬
‫تَبا َر َ‬
‫صال‬
‫َ‬ ‫بيعي ال ِو‬
‫ِّ‬ ‫الط‬
‫صال َ‬
‫ِ‬ ‫ت نِسا ُؤهُم بال ِو‬ ‫الدَّني َئةِ‪ ،‬فاس َت ْب َد َل ْ‬
‫بيعي لِلنِّسا ِء‬
‫َّ‬ ‫الط‬
‫صال َّ‬
‫َ‬ ‫جال ال ِو‬
‫ك ال ِّر ُ‬
‫ِك ت َر َ‬
‫بيعي‪ ،‬وكذل َ‬ ‫ِّ‬ ‫َغي َر َّ‬
‫الط‬
‫حشا َء‬ ‫جال ال َف ْ‬
‫ل ال ِّر ُ‬ ‫وفع َ‬
‫َ‬ ‫عض‪.‬‬‫شه َو ًة لِ َب ٍ‬ ‫عض ُهم َ‬
‫ب بَ ُ‬‫وال َت َه َ‬
‫ِل ل َِضالل ِِهم وألن َّ ُهم‬
‫جزا َء العاد َ‬
‫س ِهمِ ال َ‬ ‫جال ونالوا في أن ُف ِ‬
‫بِال ِّر ِ‬
‫أن يَح َتفِظوا ب ِ َمعر ِ َف ِة هللاِ‪ ،‬أس َل َم ُه ُم هللاُ إلى فسا ِد‬ ‫َر َفضوا ْ‬
‫بأنواع اإلثمِ‬
‫ِ‬ ‫ِن‪ ،‬واَمتَألوا‬ ‫ل شائ ٍ‬ ‫ُل َع َم ٍ‬‫ُعقول ِِهم يَقو ُدهُم إلى ك ِّ‬
‫سدًا و َق ْتال ً‬
‫ح َ‬ ‫فاضت نُ ُ‬
‫فوس ُهم َ‬ ‫والط َم ِع وال َفسادِ‪َ ،‬ف َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫والش ِّر‬
‫امون‪ ،‬أعدا ُء هللا‪،‬‬
‫َ‬ ‫رثارون نَ ّم‬
‫َ‬ ‫وم ْك ًرا و َفسادًا‪ .‬ه ُْم ثَ‬ ‫ِصاما َ‬
‫وخ ً‬
‫َّرون‬
‫الش َّر ويتَنك َ‬ ‫َّ‬ ‫فون‪ ،‬يَخ ُل َ‬
‫قون‬ ‫جر ِ َ‬ ‫رون ُمت ََع ْ‬
‫ّامون ُمتَك ِّب َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شت‬
‫ومع أن َّ ُهم‬
‫َ‬ ‫حمةٍ‪،‬‬
‫نان وال َر َ‬
‫ح ٍ‬ ‫ِديهم‪ .‬هُم بِال َفهمٍ وال َوفا ٍء وال َ‬
‫لِوال ِ‬
‫ثل ه ِذ ِه‬
‫ل مِ َ‬ ‫عم ُ‬
‫بالموت على َم ْن يَ َ‬ ‫ِ‬ ‫أن هللاَ حك ََم‬
‫فون َّ‬
‫يَعر ِ َ‬
‫ن الّ َ‬
‫ذين‬ ‫ون َع ِ‬
‫رض َ‬ ‫األعمال‪َ ،‬ف ُهم ال يَم َتن َ‬
‫ِعون َع ْن َع َمل ِها‪ ،‬بَ ْل يَ َ‬ ‫ِ‬
‫عملونَها‪( .‬رومة ‪)32–23 :1‬‬
‫يَ َ‬

‫يعيق الحب الزائف فرح العطاء الكامل‬


‫ّ‬
‫وبحق ترتيبه الصالح‪.‬‬ ‫لقد أخطأ آدم وحواء كالهما بحق محبة هللا‬
‫ألنهما قد ُ‬
‫خدِعا بحب زائف أال وهو‪ :‬الرغبة البشرية‪ .‬فكم شيء‬
‫يحدث اليوم باسم الحب ولكنه بالحقيقة ليس سوى تخريب وقتل‬
‫ما بداخل النفس! وقد قال فون جاجرن ما يلي‪:‬‬

‫يريد الحب الحقيقي أن يتألق شخص هللا من خالل الحبيب‪:‬‬


‫أيّ بمعنى أن يظل هللا هو القيمة والمعيار الذي يقاس به‬
‫الحب‪ ،‬والهدف النهائي الذي يسعى من أجله الحب‪ .‬غير أن‬
‫‪47‬‬ ‫الخطيئة األوليـة‬

‫ذلك اإلنسان في حبه الزائف للحبيب‪ ،‬يضرب بأسمى فضيلة‬


‫عرض الحائط‪ ،‬لذلك سوف يعمل هذا اإلنسان على استحالة‬
‫‪9‬‬
‫تألّق وجه هللا من خالل الحبيب‪.‬‬

‫ويجب أن يكون هذا كله تحذيرا خطيرا لنا‪ ،‬سواء كنا متزوجين أو‬
‫نأمل في الزواج‪ .‬فيجب أن يكون هللا وحده األول في حياتنا ونعطي‬
‫األولوية له‪ ،‬ال لشريك حياتنا وال ألوالدنا‪ ،‬بل لله قبل كل شيء‪ .‬فقد‬
‫ُ‬
‫تعلمت أنا وزوجتي من حياتنا الشخصية بأن عالقتنا سرعان ما‬
‫تفتر وتفقد حرارتها عندما ال يكون لله المكان األول والرئيسي في‬
‫عالقتنا الزوجية‪ ،‬وعندما لم نلتفت إليه لالسترشاد حتى في األمور‬
‫الصغيرة‪ .‬وكان هذا األمر يؤثر على أوالدنا أيضا‪ ،‬فصاروا غير مطيعين‬
‫ُ‬
‫رأيت‬ ‫ومتشاجرين (حتى لو لم يكونوا على وعي بذلك)‪ .‬وقد‬
‫السيناريو نفسه يحدث في عائالت كثيرة‪ :‬فعندما يتباعد الزوجان‬
‫نفس ّيا في عالقتهما فسوف ينعكس هذا على أوالدهما بحيث يمكن‬
‫مالحظة عدم وجود االطمئنان واالستقرار النفسي على سلوك‬
‫األوالد‪ .‬وفي حالتنا نحن – كما هو الحال مع الكثير من األزواج –‬
‫فبمجرد عودتنا أنا وزوجتي إلى هللا وسعينا إلى إعادة بناء عالقتنا‬
‫الزوجية‪ ،‬تجاوب أوالدنا معنا وعاد االستقرار‪.‬‬

‫عندما نقوم بتأليه شريك حياتنا أو أوالدنا سيصبح حبنا زائفا‪.‬‬


‫وال يعود بإمكاننا أن نتحدث بكامل الحرية وبصراحة عن عيوبنا‬
‫ونقائصنا أو نقائص أفراد أسرتنا‪ .‬ونصير مثل آدم‪ ،‬فال نعود نحب‬
‫هللا محبة صادقة أو نرى نور محياه؛ فال نرى سوى الزوج (أو الزوجة)‬
‫أو األوالد‪ .‬وبدال من معالجة القضايا وجها لوجه بشكل مباشر‪ ،‬ترانا‬
‫نتستّر عليها‪ .‬وبهذه الطريقة تتالشى في النهاية عالقتنا مع هللا وعالقة‬
‫بعضنا مع بعض‪ .‬واألسوأ من ذلك هو أننا سنفتح الباب للعديد من‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪48‬‬

‫الشرور لتدخل حياتنا‪ ،‬وخاصة في األمور الجنسية‪ ،‬والتي ستؤدي إلى‬


‫موت روحي وانعزال وتقوقع‪ .‬وقد فقد آدم وحواء براءتهما ألنهما‬
‫فقدا شركتهما مع هللا‪ .‬وبسبب الفراغ الروحي الفظيع الذي نتج‬
‫عن ذلك‪ ،‬فقد أنحى الرجل بالالئمة على المرأة وشرع في فرض‬
‫الهيمنة‪ ،‬والمرأة هي أيضا‪ ،‬فبعد استيائها من الرجل‪ ،‬ألقت باللوم‬
‫على الشيطان‪ .‬فتفككت الوحدة بينهما وتحطمت كلها‪ ،‬وصار الرجل‬
‫وحل الجفاء بينهما ولم يبقيا واحدا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والمرأة أحدهما منافس لآلخر‬
‫فلنقرأ الكتاب المقدس‪:‬‬

‫ِّين‬
‫ق الت ِ‬ ‫ان‪ ،‬فخاطا مِ ْن َو َر ِ‬ ‫فعرفا أن َّ ُهما ُعريانَ ِ‬ ‫فا‏ ْن َفتَحت أع ُينُهما َ‬
‫ب اإلل ِه وه َو‬ ‫َ‬
‫صوت ال ّر ِّ‬ ‫آدم وا‏مرأ ُته‬ ‫وسمِ َع ُ‬ ‫وصنَعا ل ُهما مآز ِ َر‪َ .‬‬ ‫َ‬
‫ين‬ ‫ب اإلِل ِه بَ َ‬ ‫ج َّن ِة عِ ن َد المساءِ‪ ،‬فا‏ ْ َ‬ ‫يتمشى في ال َ‬ ‫َّ‬
‫ختبأا مِ ْن َوج ِه ال ّر ِّ‬
‫فأجاب‬
‫َ‬ ‫أنت‬‫أين َ‬ ‫وقال َله َ‬
‫َ‬ ‫ب اإلل ُه آد َم‬‫ج َّنةِ‪ .‬فنادَى ال ّر ُّ‬
‫جر ِ ال َ‬ ‫ش َ‬
‫فقال‬
‫َ‬ ‫ن ا‏خت ُ‬
‫َبأت‪.‬‬ ‫ج َّنةِ‪َ ،‬فخ ُ‬
‫ِفت وألنِّي ُعريا ٌ‬ ‫ك في ال َ‬ ‫عت صوتَ َ‬ ‫َسمِ ُ‬
‫ج َر ِة الّتي‬ ‫ن َّ‬
‫الش َ‬ ‫َ‬
‫أكلت مِ َ‬ ‫ن هل‬ ‫ك ُعريا ٌ‬ ‫ب اإلل ُه َم ْن َع َّر َف َ‬
‫ك أن َّ َ‬ ‫ال ّر ُّ‬
‫أعطيتني‬ ‫َ‬ ‫آدم المرأ ُة الّتي‬ ‫فقال ُ‬
‫َ‬ ‫ُل مِ نها‬
‫أن ال تأك َ‬
‫ُك ْ‬
‫أوصيت َ‬
‫َ‬
‫ب اإلل ُه‬
‫فقال ال ّر ُّ‬
‫َ‬ ‫ت‪.‬‬ ‫الشج َر ِة فأكَ ْل ُ‬
‫ن َّ‬
‫هي أعطتني مِ َ‬ ‫َكون َمعي َ‬
‫لِت َ‬
‫ح َّي ُة أغو ْتني فأك ْلتُ‌‪.‬‬
‫المرأ ُة ال َ‬
‫ت َ‬ ‫لِلمرأ ِة لِماذا َف َع ِ‬
‫لت هذا فأجابَ ِ‬
‫فأنت َملعونَةٌ مِ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ت هذا‬‫فع ْل ِ‬
‫ك َ‬ ‫ح َّي ِة ألن َّ ِ‬
‫ب اإلل ُه لِل َ‬ ‫فقال ال ّر ُّ‬
‫َ‬
‫زحفين‬
‫َ‬ ‫حوش ال َب ِّر‪ .‬على بَطنِك تَ‬ ‫وجميع ُو ِ‬ ‫ِ‬ ‫جميع ال َبهائِمِ‬
‫ِ‬ ‫ين‬
‫بَ ِ‬
‫قيم َعداو ًة‬ ‫ُ‬ ‫و ُترابا ً تأك َ‬
‫المرأ ِة أ ُ‬
‫ين َ‬‫َك وبَ َ‬ ‫ِك‪ .‬بَين ِ‬ ‫ول أيّامِ حيات ِ‬ ‫ُلين ُط َ‬
‫بين‬ ‫وأنت تتَر َّق َ‬
‫ِ‬ ‫أس‌‬ ‫ب مِ ِ‬
‫نك ال ّر َ‬ ‫ِك ونسل ِها فه َو يتَر َّق ُ‬ ‫ين نسل ِ‬ ‫وبَ َ‬
‫وباألوجاع‬
‫ِ‬ ‫حين تَح َب َ‬
‫لين‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ك‬
‫تع َب ِ‬
‫ِلمرأ ِة أزي ُد َ‬
‫وقال ل َ‬
‫َ‬ ‫ِب‪.‬‬
‫العق َ‬
‫مِ نْه َ‬
‫يك يسودُ‪.‬‬ ‫ك‪ ،‬وه َو ع َل ِ‬ ‫يكون ا‏شتيا ُق ِ‬‫ُ‬ ‫ك‬‫نين‪ .‬إلى َزو ِج ِ‬ ‫تَل َ‬
‫ِدين ال َب َ‬
‫ج َر ِة‬ ‫ن َّ‬
‫الش َ‬ ‫ت مِ َ‬ ‫ِك‪ ،‬فأكَ ْل َ‬ ‫عت كال َم ا ْ‏مرأت َ‬‫ك َسمِ َ‬ ‫وقال آلد َم ألن َّ َ‬
‫َ‬
‫تكون األرض َملعونَ ًة بِس َب ِب َ‬
‫ك‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُل مِ نها‬
‫أن ال تأك َ‬
‫ُك ْ‬ ‫الّتي َ‬
‫أوصيت َ‬
‫‪49‬‬ ‫الخطيئة األوليـة‬

‫وعوسجا ً‬
‫شوكا ً َ‬
‫ِك‪َ .‬‬
‫طول أيّامِ حيات َ‬
‫َ‬ ‫ك مِ نها‬
‫عام َ‬
‫ُل َط َ‬ ‫بِكَد َ‬
‫ِّك تأك ُ‬
‫ُل‬
‫ِك تأك ُ‬
‫ق جبين َ‬‫الحقل تقتاتُ‌‪ .‬ب ِ َع َر ِ‬‫ِ‬ ‫ب‬‫لك‪ ،‬ومِ ْن ُع ْش ِ‬
‫ت َ‬ ‫تن ِب ُ‬
‫فأنت ُت ٌ‬
‫راب‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ك مِ نها أُخ ِْذ َ‬
‫ت‪.‬‬ ‫ك حتّى تَعو َد إلى األرض ألن َّ َ‬
‫خب َز َ‬‫ُ‬
‫تعودُ‪( .‬تكوين ‪)19–7 :3‬‬ ‫وإلى الت ِ‬
‫ُّراب ُ‬

‫عندما تنفصل عالقتنا الزوجية عن هللا‪ ،‬فسرعان ما تتج ّذر المنافسة‬


‫فيما بيننا‪ ،‬وتستهلكنا األنانية وعدم الثقة‪ .‬وبتنافسنا مع شريك‬
‫حياتنا للسيطرة على البيت‪ ،‬فإننا نسعى لخلق فردوس صغير‬
‫ألنفسنا بشروطنا الخاصة‪ ،‬لكن سرعان ما نغرق في فراغ روحي‬
‫واستياء عميق‪ .‬أما رباطنا الروحي في الزواج فسوف ينقطع‪ ،‬ولن‬
‫نبقى مرتبطين أحدنا باآلخر إال ّ بسبب االفتتان والهيام السطحي‪.‬‬
‫وباإلضافة إلى أن بعضنا يلوم بعض بصفة مستمرة وترى كل منا‬
‫يبحث عن مصلحته الخاصة واستقالليته‪ .‬أما فرح العطاء الكامل‬
‫فقد تب َّ‬
‫خر‪ ،‬ولم َ‬
‫يبق سوى لعنة القلب المنقسم الفاتر‪.‬‬

‫إن عدو «الحياة المؤمنة بالله» هو نزعة اإلنسان المشتهية‬


‫والمستقلة‪ .‬وكما يكتب جدي ايبرهارد آرنولد ‪:Eberhard Arnold‬‬

‫حب المال‪ ،‬والروح‬


‫إن هذه النزعة هي الروح التجارية لرذيلة ّ‬
‫الملكية‪،‬‬
‫المتزمتة الجافة للعالقات القائمة على أساس ُ‬
‫وفصل الشهوة الجنسية عن روح اإلنسان وعن وحدة وشركة‬
‫الروح القدس‪ . . . .‬فهذا كله هو الموت بعينه؛ فلم يعد األمر‬
‫‪10‬‬
‫يمت إلى الحياة بِصلة‪.‬‬

‫فكل ما يقاوم الحياة والمحبة (ويتعارض معهما) هو في حد ذاته‬


‫ش ّر‪ ،‬وينبغي أن ال نستخف بقوة الش ّر أبدا‪ .‬فالخطيئة تؤدي دائما‬
‫«ألن‬
‫َّ‬ ‫إلى االنفصال‪ ،‬وأجرة الخطيئة دائما موت‪ ،‬كما يقول اإلنجيل‪:‬‬

‫وأما هِ َب ُة هللاِ‪َ ،‬ف َ‬


‫هي الحيا ُة األب ِديَّ ُة في‬ ‫ُ‬
‫الموت‪َّ ،‬‬ ‫هي‬
‫َ‬ ‫أُج َر َة ال َ‬
‫خطي َئ ِة‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪50‬‬

‫سوع ربِّنا‪( ».‬رومة ‪ )23 :6‬ويثمر الكبرياء األثيم ثماره‬


‫َ‬ ‫المسيح يَ‬
‫ِ‬
‫المريرة كالقطيعة التي هي االنفصال عن هللا وعن إنساننا الحقيقي‬
‫الداخلي وعن اآلخرين وعن األرض‪ .‬إذ يهشم الشيطان والخطيئة‬
‫أهم العالقات التي عندنا‪.‬‬

‫من قديم الزمان ولآلن يص ّور المسيحيون الشيطان كمخلوق‬


‫له حوافر وقرون‪ .‬غير أن مثل هذه الفكرة ليس لها سند في الكتاب‬
‫المقدس؛ إذ يحيط إبليس وشياطينه باألرض مثل الغالف الجوي‬
‫كقوة للش ّر التي تسعى إلى فصل بعضنا عن بعض وزرع االنقسامات‬
‫فيما بيننا‪ ،‬كما يقول الكتاب المقدس‪:‬‬

‫خطاياك ُُم‪ ،‬الّتي كُنتُم‬


‫وفيما َمضى كُنتُم أمواتًا ب ِ َزالَّتِكُم و َ‬
‫ئيس ال ُق ّو ِ‬
‫ات‬ ‫عين لِ َر ِ‬
‫خاض َ‬
‫ِ‬ ‫سيرون فيها ِسير َة هذا العا َلمِ ‪،‬‬
‫َ‬ ‫تَ‬
‫دين‬
‫بالمتم ِّر َ‬ ‫وح الّذي يَتَحك َُّم َ‬
‫اآلن ُ‬ ‫أي ال ُّر ِ‬
‫ِّ‬
‫الش ِّري َر ِة في ال َفضاءِ‪ِ ،‬‬
‫على هللاِ‪( .‬أفسس ‪)2–1 :2‬‬

‫وكذلك‪:‬‬

‫ئاس ِة‬
‫أصحاب ال ِّر َ‬
‫َ‬ ‫ب أعدا ًء مِ ْن َلحمٍ ودَمٍ ‪ ،‬بَ ْل‬ ‫َحن ال نُحار ِ ُ‬
‫فن ُ‬
‫والسيا َد ِة على هذا العا َلمِ ‪ ،‬عا َلمِ َّ‬
‫الظالمِ واألرواح‬ ‫ِّ‬ ‫لطان‬
‫ِ‬ ‫والس‬
‫ُّ‬
‫ِّ‬
‫الش ِّري َر ِة في األجوا ِء َّ‬
‫السما ِويَّةِ‪( .‬أفسس ‪)12 :6‬‬

‫ثم إن هدف الشيطان الوحيد هو أن يعمي أذهان البشر باالهتمام‬


‫ثل هللاِ‪( ».‬تكوين ‪ )5 :3‬وبدال من أن‬
‫صيران مِ َ‬
‫ِ‬ ‫بالذات وباألنانية‪« :‬وتَ‬
‫نسير في طريق طاعة هللا ببساطة قلب‪ ،‬ترانا نحن البشر نسمح‬
‫للشيطان بأن يغري أنفسنا ونستسلم له‪.‬‬
‫‪51‬‬ ‫الخطيئة األوليـة‬

‫نحن كلنا مثل آدم وحواء‪:‬‬


‫نعيش في انقسامات وقطيعة بسبب خطايانا‬
‫إن خطيئة آدم وحواء األولية ترمز بالحقيقة إلى سقوط كل فرد منّا‪.‬‬
‫وال يمكننا تجاهل الحقيقة بأن صورة هللا األصلية فينا قد تشوهت‬
‫تشوها فظيعا‪ .‬فبدال من أن نرضى بأن نعكس صورة هللا‪ ،‬أخذنا‬
‫جهنا أسمى ما في‬
‫نسعى من أجل أن نساوي أنفسنا بالله‪ .‬لقد َو ّ‬
‫داخلنا من سمات ضد إرادة هللا‪ ،‬حتى أن هللا لم يعد يهمنا وال‬
‫صورته األصلية وذلك بسبب مفهوم «الحرية» العالمي المقلوب‪.‬‬
‫لقد صرنا في قطيعة معه وال تس ّيرنا سوى أمور الدنيا ومتاعها‪.‬‬
‫فنحن البشر في خصام مع أنفسنا‪ ،‬وقد وقعنا في فخ ال مخرج له‬
‫بسبب ذنوب انقساماتنا‪.‬‬

‫وعند استئصالنا لله من حياتنا بهذه الطريقة‪ ،‬فإننا نضع أنفسنا‬


‫في بؤرة الكون بدال من هللا‪ ،‬ونحاول إيجاد سالم الروح في الممتلكات‬
‫وفي ُمتَع الحياة‪ .‬ولكن هذه األمور التي هي بمثابة آلهة وثنية ال‬
‫تسبب لنا غير االضطراب بالقلق والعذاب‪ .‬عندئذ تهيج علينا أسئلة‬
‫الشك‪ ،‬فنتساءل أوال‪« :‬لماذا؟» والسؤال الثاني‪« :‬هل هللا موجود‬
‫ّ‬
‫حقا؟» فنبدأ بالتشكيك في إرشاد الروح القدس‪ ،‬ونسأل‪« :‬لماذا تبدو‬
‫الحياة معي صعبة للغاية؟ ولماذا أنا بالذات؟»‬

‫إن مثل هذه األسئلة تنهش بثقتنا بالله وبتوكلنا عليه وأيضا‬
‫بثقتنا باآلخرين وتجعلهما تتالشيان‪ ،‬وبمجرد أن نبدأ بطرح هذه‬
‫األسئلة فمعناه أننا بالتأكيد لسنا بعيدين عن اقتراف الخطيئة‪.‬‬
‫غير أن اإليمان البسيط بالله يعني المسك بيده التي يمدها إلينا‬
‫والمضي في الطريق الذي يوجهنا إليه هو‪ .‬ألن ثقتنا بالرب سوف‬
‫تساعدنا على أن نتبعه حتى لو كان طريقه يم ّر عبر الظالم أو اآلالم‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪52‬‬

‫أو عبر طرق وعرة أو فوق صخور وصحاري‪ .‬فإذا مسكنا بيد هللا فال‬
‫ضير علينا‪ .‬ولكن بمجرد أن نتخلى عن هللا ونشكك فيه‪ ،‬فسوف‬
‫ننحدر إلى اليأس‪ .‬لذلك‪ ،‬فالتحدي الصعب الذي أمامنا هو دائما‪:‬‬
‫التمسك بالله‪.‬‬
‫ُّ‬

‫لقد كان على يسوع المسيح أن يتحمل جميع اآلالم البشرية؛‬


‫ولم ُيعفى من شيء – ال الجوع وال العطش وال الوحدة وال التجربة‬
‫وال العذاب‪ .‬ولكنه لم يحاول الهروب من شقائه‪ .‬وها هو قريب من‬
‫كل فرد فينا‪ ،‬ومستعد دائما لمساعدتنا‪ ،‬وأن يهبنا القوة لكي ننتصر‪،‬‬
‫كما يقول اإلنجيل‪:‬‬

‫سوع‬
‫ُ‬ ‫كان األبنا ُء ُشركا َء في اللَّحمِ والدَّمِ ‪ ،‬شاركَ ُهم يَ‬
‫َ‬ ‫ولما‬
‫َّ‬
‫قضي ب ِ َموتِ ِه على الّذي في ي ِد ِه‬
‫َ‬ ‫ِك في َطبيعت ِِهم ه ِذ ِه لِ َي‬
‫كذل َ‬
‫حيات ِِهم‬‫وال َ‬ ‫ح ِّر َر الّ َ‬
‫ذين كانوا َط َ‬ ‫إبليس‪ ،‬و ُي َ‬ ‫َ‬ ‫وت‪ ،‬أي‬ ‫الم ِ‬
‫لطان َ‬
‫ُ‬ ‫ُس‬
‫المالئكَ َة‪ ،‬بَ ْل‬
‫وت‪ .‬جا َء ال ل ُيساعِ َد َ‬
‫الم ِ‬
‫ن َ‬‫خو ًفا مِ َ‬
‫العبو ِديَّ ِة َ‬
‫في ُ‬
‫فكان ع َلي ِه ْ‬
‫أن ُيشاب ِ َه إخوتَ ُه في ك ِّ‬
‫ُل‬ ‫َ‬ ‫إبراهيم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ل ُيساعِ َد نَ َ‬
‫سل‬
‫حيما أمينًا في خ َ‬
‫ِدم ِة هللاِ‪،‬‬ ‫رئيس كهنةٍ‪َ ،‬ر ً‬ ‫َ‬ ‫يكون‬
‫َ‬ ‫شيءٍ‪ ،‬حتَّى‬
‫فس ُه تألَّ َم بِالتَّجرِبَةِ‪،‬‬
‫عب‪ ،‬ألن َّ ُه ه َو نَ ُ‬ ‫خطايا َّ‬
‫الش ِ‬ ‫ف ُيكَ ِّف َر َع ْن َ‬
‫بين‪( .‬عبرانيين ‪)18–14 :2‬‬
‫ج َّر َ‬
‫الم َ‬
‫عين ُ‬ ‫فأمك َن ُه ْ‬
‫أن ُي َ‬

‫ح َد ُه تَ ْع ُب ُد»‬ ‫ب إ ِ َل ِه َ‬
‫ك تَ ْس ُ‬
‫ج ُد َوإِيَّا ُه َو ْ‬ ‫وبفضل كالم يسوع هذا‪« :‬لِل َّر ِّ‬
‫(متى ‪ )10 :4‬يسعنا التغلب أيضا على أكبر التجارب واإلغراءات‬
‫الشيطانية‪ ،‬وعلى أفظع ساعات الظلمات‪ .‬فهذا هو الس ّر‪ .‬فيفقد‬
‫هنا الشيطان كل سلطان وهيمنة علينا‪ ،‬وال تعود الخطيئة‬
‫األصلية تق ّيدنا‪.‬‬
‫الفصل الخامس‬

‫ا ِستعادة صورة اللـه‬

‫ح ِّريَّ ُة‪.‬‬
‫تكون ال ُ‬
‫ُ‬ ‫ب‪،‬‬
‫وح ال َّر ِّ‬
‫يكون ُر ُ‬
‫ُ‬ ‫ح ُ‬
‫يث‬ ‫وح‪ ،‬و َ‬
‫ب ه َو ال ُّر ُ‬
‫فال َّر ُّ‬
‫ب ب ِ ُوجو ٍه مكشو َفةٍ‪،‬‬
‫ِس ُصو َر َة َمج ِد ال َّر ِّ‬
‫جميعا نَعك ُ‬
‫ً‬ ‫ونحن‬
‫ُ‬
‫وهي تَزدا ُد َمجدًا على‬
‫َ‬ ‫الصو َر ِة ذاتِها‪،‬‬
‫ِلك ّ‬ ‫ف َنتَح َّو ُل إلى ت َ‬
‫ح ٌد في‬
‫كان أ َ‬
‫وح‪ . . . .‬وإذا َ‬
‫ب الذي ه َو ال ُّر ُ‬ ‫َمجدٍ‪ ،‬ب ِ َف ِ‬
‫ضل ال َّر ِّ‬
‫زال ال َق ُ‬
‫ديم وها ه َو الجديدُ‪.‬‬ ‫خلي َقةٌ َ‬
‫جديدة ٌ َ‬ ‫سيح‪ ،‬فه َو َ‬
‫ِ‬ ‫الم‬
‫َ‬

‫‪ 2‬كورنثوس ‪َ 18 – 17 :3‬و ‪17 :5‬‬

‫أهم من أية عالقة بشرية‪ .‬وكل العالقات األخرى‬


‫عالقتنا بالله‬
‫هي مجرد رموز لها‪ .‬فأوال وقبل كل شيء فنحن‬
‫نكن التوقير الالزم لهذه‬
‫ّ‬ ‫البشر كلنا نحمل صورة هللا‪ ،‬ويجب علينا أن‬
‫الحقيقة دائما‪.‬‬

‫وهناك أكبر أمل لكل إنسان‪ ،‬ولكل عالقة أو زواج وهو أن نعلم‬
‫بأن صورة هللا‪ ،‬حتى لو كنا قد شوهناها وابتعدنا بأفعالنا عن هللا‪،‬‬
‫إال أن انعكاسا باهتا لصورته ما يزال باقيا فينا‪ .‬فعلى الرغم من‬
‫فسادنا‪ ،‬فإن هللا ال يريد لنا أن نفقد نصيبنا كمخلوقات مخلوقة‬
‫على صورته‪ .‬لذلك أرسل ابنه الوحيد يسوع المسيح – آدم الثاني –‬
‫ليقتحم قلوبنا‪ ،‬بحسب ما يشهد عنه اإلنجيل‪:‬‬

‫‪53‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪54‬‬

‫ِك‬
‫ب ذل َ‬ ‫َ‬
‫البش َر بِس َب ِ‬ ‫إنسان واح ٍد سا َد‬
‫ٍ‬ ‫الموت بِخطي َئ ِة‬
‫ُ‬ ‫فإذا كان‬
‫سوع‬
‫ُ‬ ‫أن تَسو َد الحيا ُة بواح ٍد ه َو يَ‬ ‫اإلنسان الواحدِ‪ ،‬ف ِباألَولى ْ‬
‫ِّعم ِة وهِ َب َة ال ِب ِّر‪ .‬فكما‬ ‫نالون َف َ‬
‫يض الن َ‬ ‫َ‬ ‫ِك الّ َ‬
‫ذين يَ‬ ‫سيح أو َلئ َ‬
‫ُ‬ ‫الم‬
‫َ‬
‫الك‪،‬‬‫جميعا إلى ال َه ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫البش َر‬ ‫َت‬
‫إنسان واح ٍد قاد ِ‬ ‫ٍ‬ ‫خطي َئ َة‬ ‫أن َ‬
‫َّ‬
‫فينالون الحيا َة‪.‬‬
‫َ‬ ‫البش َر جميعا ً‬
‫َ‬ ‫إنسان واح ٍد ُي َب ِّر ُر‬
‫ٍ‬ ‫ِك ب ِ ُّر‬
‫فكذل َ‬
‫ِك‬
‫ئين‪ ،‬فكذل َ‬ ‫َ‬
‫البش ُر خاطِ َ‬ ‫إنسان واح ٍد صا َر‬
‫ٍ‬ ‫وكما أن َّ ُه ب ِ َم ِ‬
‫عص َي ِة‬
‫َ‬
‫البش ُر أبرا ًرا‪( .‬رومة ‪)19–17 :5‬‬ ‫إنسان واح ٍد يصي ُر‬
‫ٍ‬ ‫طاع ِة‬
‫بِ َ‬

‫فبفضل يسوع المسيح يمكن استعادة صورة هللا إلى كل رجل وإلى‬
‫كل امرأة وإلى كل عالقة‪.‬‬

‫يفتح يسوع المسيح الطريق إلى هللا‬


‫وبعضنا إلى بعض‬
‫المصالِح اإللهي‪ :‬لقد جاء ليصالحنا مع‬
‫إن يسوع المسيح هو ُ‬
‫هللا ومع اآلخرين‪ ،‬ويقضي على التنافر الروحي في حياتنا‪ ،‬كما‬
‫يقول اإلنجيل‪:‬‬

‫أن ال َيهو َد الّ َ‬


‫ذين‬ ‫فاذكُروا أنت ُُم الّ َ‬
‫ذين كانوا َغي َر يَهو ٍد في أصل ِِهم‪َّ ،‬‬
‫س ِد ال‬ ‫ِعل األيدي في ال َ‬
‫ج َ‬ ‫ِتان بِف ِ‬
‫أهل الخ ِ‬
‫َ‬ ‫رون أن ُف َ‬
‫س ُهم‬ ‫يَع َت ِب َ‬
‫ِتان‪ .‬واذكُروا أنَّكُم كُنتُم فيما َمضى‬ ‫أهل الخ ِ‬
‫ِ‬ ‫يَع َت ِبرونَكُم مِ ْن‬
‫سرائيل‪ُ ،‬غ َربا َء َع ْن‬
‫َ‬ ‫عيدين َع ْن َرعِ َّي ِة إ ِ‬
‫َ‬ ‫سيح‪ ،‬بَ‬
‫ِ‬ ‫الم‬
‫ُون َ‬
‫مِ ْن د ِ‬
‫اآلن‪،‬‬
‫أما َ‬ ‫ُعهو ِد هللا و َوع ِدهِ‪ ،‬ال رجا َء لكُم وال إِل َه في هذا العا َلمِ ‪َّ .‬‬
‫سيح بَعدَما كُنتُم‬
‫ِ‬ ‫الم‬
‫ريبين بِدَمِ َ‬
‫َ‬ ‫صر ُتم َق‬
‫سوع ِ‬
‫َ‬ ‫سيح يَ‬
‫ِ‬ ‫َففي َ‬
‫الم‬
‫ل ال َيهو َد َ‬
‫وغي َر ال َيهو ِد‬ ‫جع َ‬
‫سالمنا‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫سيح ه َو‬
‫ُ‬ ‫فالم‬
‫َ‬ ‫عيدين‪.‬‬
‫َ‬ ‫بَ‬
‫العدا َو َة‪،‬‬
‫أي َ‬ ‫ل بَي َن ُهما‪ِ ،‬‬ ‫شع ًبا واحدًا وه َد َم الحا ِج َز الّذي يَ ِ‬
‫فص ُ‬ ‫َ‬
‫ريع َة موسى بأحكامِ ها و َوصاياها لِ َيخ ُل َق في‬
‫ش َ‬ ‫س ِد ِه َ‬
‫ج َ‬
‫وألغى ب ِ َ‬
‫السال َم بَي َن ُهما‪،‬‬
‫ل َّ‬‫ح َّ‬
‫َين‪ ،‬بَعدَما أ َ‬
‫جماعت ِ‬ ‫خص ِه مِ ْن هاتَ ِ‬
‫ين ال َ‬ ‫ش ِ‬‫َ‬
‫‪55‬‬ ‫اِسـتـعـادة صـورة اللـه‬

‫ين هللا ب ِ َصلي ِبهِ‪ ،‬ف َقضى‬ ‫إنسانًا واحدًا َ‬


‫جديدًا و ُي ْصل َِح بَي َن ُهما وبَ َ‬
‫بالسالمِ أنت ُُم‬
‫ش َركُم َّ‬ ‫جسدًا واحدًا‪ .‬جا َء وبَ َّ‬ ‫وجع َل ُهما َ‬
‫َ‬ ‫العداو ِة‬
‫على َ‬
‫ألن‬
‫ريبين‪َّ ،‬‬‫َ‬ ‫ذين كانوا َق‬
‫بالسالمِ الّ َ‬‫َّ‬ ‫بعيدين‪ ،‬كما بَ َّ‬
‫ش َر‬ ‫َ‬ ‫الّ َ‬
‫ذين كُنتُم‬
‫وح الوا ِحدِ‪ .‬فما‬‫اآلب في ال ُّر ِ‬
‫ِ‬ ‫صول إلى‬ ‫ِ‬ ‫بيل ال ُو‬
‫جميعا َس َ‬
‫ً‬ ‫لنا بِه‬
‫ِّيسين َرعِ َّيةٌ‬
‫َ‬ ‫مع ال ِقد‬ ‫أنتُم بَع َد اليومِ ُغربا َء أو ُضيو ًفا‪ ،‬بَ ْل أنتُم َ‬
‫يت هللاِ‪( .‬أفسس ‪)19–11 :2‬‬
‫أهل بَ ِ‬
‫ِ‬ ‫واح َدة ٌ ومِ ْن‬

‫وعندما تخور عزيمتنا أو نكتئب‪ ،‬فيجب علينا أن نسعى إليه أكثر من‬
‫أي وقت مضى‪ .‬وكل من يبحث عن هللا يجده‪ .‬وهذا وعد‪ .‬ويقول‬
‫هللا بلسان إرميا النبي‪:‬‬

‫ُل ُقلوبِكُم‪( .‬إرميا‬


‫وتَط ُلبونَني فتَجدونَني إذا ط َلبتُموني بِك ِّ‬
‫‪)13 :29‬‬

‫وإليك كلمات اإلنجيل الرائعة‪:‬‬

‫َح َله‪.‬‬
‫الباب ُيفت ْ‬
‫َ‬ ‫وم ْن يَد ُّق‬
‫جدْ ‪َ ،‬‬ ‫وم ْن يَط ُل ْ‬
‫ب يَ ِ‬ ‫َل‪َ ،‬‬
‫سأل يَن ْ‬
‫ْ‬ ‫فم ْن يَ‬
‫َ‬
‫(لوقا ‪)10 :11‬‬

‫إن هذه الكلمات ما تزال صادقة وسارية المفعول حتى في يومنا‬


‫هذا‪ ،‬ولو أخذناها بجديّة‪ ،‬فسوف يصبح هللا ح ّيا في قلوبنا‪.‬‬

‫فالطريق إلى هللا مفتوح لكل شخص‪ .‬وال ُيستثنى أي بشر‬


‫من هذه النعمة‪ ،‬ألن يسوع المسيح جاء كإنسان وسكن بيننا‪ .‬وقد‬
‫أرسله هللا ليستعيد صورته فينا‪ .‬وحصلنا به على اآلب‪ .‬ولكن ال‬
‫يحدث هذا إال عندما يصير اختبار يوم الخمسين (يوم حلول الروح‬
‫القدس على الكنيسة األولى) حقيقة متوهجة في حياتنا؛ أي بمعنى‬
‫إال عندما نختبر التوبة الشخصية والهداية واإليمان‪.‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪56‬‬

‫إن أعجوبة يوم الخمسين‪ ،‬حينما نزل الروح القدس إلى األرض‬
‫بكامل القوة وبكامل المحبة‪ ،‬يمكن لها أن تحدث في أي مكان في‬
‫العالم وفي أي زمان‪ .‬ويمكن لها أن تحدث أينما يوجد ناس يصرخون‪:‬‬
‫]*[‬
‫ويمكن‬ ‫ل‪ ،‬أيُّها اإلخو ُة؟!» (أعمال ‪)37 :2‬‬
‫عم َ‬ ‫جب ع َلينا ْ‬
‫أن نَ َ‬ ‫«ماذا يَ ُ‬
‫لها أن تحدث أينما يكونون على استعداد لسماع الجواب العريق‬
‫ُل واح ٍد مِ نكُم باَسمِ‬ ‫للقديس بطرس الرسول‪ُ « :‬توبوا ول َي َ‬
‫تع َّمدْ ك ُّ‬
‫وح ال ُقد ِ‬
‫ُس‪. . . .،‬‬ ‫َ‬ ‫سيح‪ ،‬فتُغ َف َر خطاياكُم و ُي َ‬
‫نع َم عليكُم بال ُّر ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم‬
‫سوع َ‬
‫َ‬ ‫يَ‬
‫يل الفاسدِ!» (أعمال ‪َ 38 :2‬و ‪)40‬‬ ‫ج ِ‬ ‫خلَّصوا مِ ْن هذا ال ِ‬
‫تَ َ‬

‫يأتي التح ّرر بفضل االستسالم لله‬


‫وليس بفضل االجتهاد البشري‬
‫ال يمكننا الحصول على الغفران والخالص إال ّ عند الصليب‪ .‬فإننا عند‬
‫الصليب نجتاز بالموت أي بمعنى موت إرادتنا البشرية الذاتية‪ .‬وهذا‬
‫الموت يحررنا من أي شيء يعيق شركتنا مع هللا ومع اآلخرين‬
‫بل يجدد عالقتنا معهم‪ .‬وعندما نترك الخطيئة والش ّر اللذين قد‬
‫استعبدانا‪ ،‬سنتحرر بفضل يسوع‪ .‬فال يمكننا أبدا تحرير أنفسنا‬
‫أو إصالحها باجتهادنا البشري الذاتي‪ .‬وكل ما يمكن أن نفعله هو‬
‫االستسالم كليا ليسوع المسيح ولمحبته‪ ،‬لكي ال تعود حياتنا تنتمي‬
‫إلينا بعد اآلن وإنما إليه هو‪.‬‬

‫يكتب والدي هاينريش آرنولد ‪( Heinrich Arnold‬وكان من‬


‫أحد خدام الكلمة في كنيستنا) فيقول‪:‬‬

‫لو أردنا الشفاء من الجروح التي تصنعها فينا مكايد إبليس‬


‫وسهامه‪ . . . .‬لوجب علينا أن يكون عندنا الثقة المطلقة نفسها‬

‫]*[  مثلما صرخ الناس في يوم الخمسين سائلين رسل المسيح عن مشيئة هللا بعدما توجعت‬
‫قلوبهم وشعروا بأنهم مذنبون وخطأة بفضل تبكيت الروح القدس لضمائرهم‪.‬‬
‫‪57‬‬ ‫اِسـتـعـادة صـورة اللـه‬

‫في الرب يسوع مثلما كانت ثقة يسوع في هللا اآلب‪ .‬وعموما‪،‬‬
‫فإن كل ما عندنا هو خطايانا‪ ،‬ولكن يجب أن نضع خطايانا‬
‫أمامه بثقة كاملة مثل ثقة األطفال المطلقة بأبيهم‪ .‬عندئذ‪،‬‬
‫سوف ينعم علينا الرب بالمغفرة والتطهير وسالم القلب؛‬
‫‪11‬‬
‫وسوف تخلق هذه النعم فينا محبة ال يمكن وصفها‪.‬‬

‫فماذا يعني قول «أن نضع خطايانا أمامه بثقة كاملة؟»‪ . . . .‬إن عملية‬
‫التحرر من قيود الخطيئة وإمكانية المصالحة تبدآن عندما نعترف‬
‫باالتهامات التي يوجهها ضميرنا إلينا‪ .‬فعادة ما تعيش الخطيئة في‬
‫الظالم والخفية وتود البقاء هناك‪ .‬ولكن عندما نُخرِج خطايانا التي‬
‫تثقل كاهلنا إلى النور ونعترف بها من دون أن نخبئ شيئا‪ ،‬فسوف‬
‫نتط ّهر ونتحرر‪ .‬والقصة التي تحكيها لنا دارلين ‪ – Darlene‬وهي من‬
‫إحدى معارفي – توضح ذلك‪ ،‬فتقول دارلين‪:‬‬

‫في الصف التاسع عثرت على «زوج المستقبل‪ ».‬وقضيت‬


‫ساعات طويلة أكتب له بالس ّر‪ ،‬بيني وبين نفسي‪ ،‬عن‬
‫يومياتي في دفتر مذكراتي‪ ،‬وصرت أحلم به وأراقب بيته أمال في‬
‫أن أراه من خالل النافذة‪ .‬ولكنه وبعد مرور عدة سنوات تزوج‬
‫من فتاة أخرى‪ ،‬فانهار عالمي الخيالي الذي كنت أعيش فيه‪.‬‬

‫وأثناء دراستي في المدرسة الثانوية‪ ،‬حاولت أن أكون‬


‫جزءا من التيار الملتزم‪ ،‬حريصة دائما على ما أقول وأفعل‬
‫ُ‬
‫تغيرت تدريجيا‪،‬‬ ‫وألبس‪ .‬ولكن بمرور الوقت‪ ،‬ولغاية تخرجي‪،‬‬
‫ُ‬
‫وأخذت أعبث مع عدد ال يحصى من الفتيان‪ ،‬ورغم إحساسي‬
‫بالذنب تجاه هذا بفضل نشأتي وتربيتي‪ ،‬إال أني اخترت مجرد‬
‫أن أتجاهل هذا اإلحساس‪ .‬ف َق َم ُ‬
‫عت ضميري المحتج وأقنعت‬
‫نفسي بأني قادرة على التعامل مع أي موقف كان‪.‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪58‬‬

‫سافرت إلى إسرائيل‪ ،‬رغبة مني‬


‫ُ‬ ‫وبعد المرحلة الثانوية‪،‬‬
‫]*[‬
‫في البداية ُصد ِْم ُ‬
‫ت‬ ‫في أن أقضي عاما في «كيبوتس‪».‬‬
‫بسبب الحفالت المستمرة للمراهقين هناك وانغماسهم في‬
‫الجنس‪ ،‬ولكن سرعان ما وجدت نفسي أندمج في األجواء‬
‫وأرتاد غرف الشباب وأذهب إلى حفالت الشرب ومراقص‬
‫الديسكو مثل أي شخص آخر منهم‪ .‬وقلت لنفسي‪:‬‬
‫«يمكنني أن أنسحب من هذا الجو في أي وقت أشاء‪ ».‬لكن‬
‫ما هي إال أسابيع حتى انخدعت نفسي مع فتى قال لي بأنه‬
‫يحبني حبا حقيقيا‪ .‬وكنت أريد أن أصدقه حتى أني وقعت‬
‫في غرامه‪ ،‬رغم علمي بأنه كان «دون جوان ‪»Don Juan‬‬
‫أحس‬
‫ّ‬ ‫المحلة – أي بمعنى آسر وعاشق الفتيات‪ .‬وبدأت‬
‫بالذنب أكثر فأكثر؛ ورأيت أني أفعل بالضبط ما كنت أظن أن‬
‫لديّ القوة على مقاومته‪ .‬ثم إني أصبت بالذعر عندما رأيته‬
‫بعد عدة ليالي مع فتاة أخرى‪.‬‬

‫فرجعت إلى بلدي‪ ،‬وفي خالل العامين التاليين‪ ،‬ظننت‬


‫ُ‬
‫أني تجاوزت مشكلتي وتغلبت عليها‪ ،‬ولكن األمر لم يكن‬
‫كذلك‪ ،‬فقد سقطت ثانية‪.‬‬

‫فقد وعدني رجل بمستقبل رائع‪ ،‬وظل يردد على‬


‫مسامعي كم كان يحبني‪ ،‬وكم كنت جميلة‪ .‬وكنت ال أريد‬
‫شيئا سوى تصديقه‪ .‬وسرعان ما تشابكت األيادي‪ ،‬ثم كان‬
‫العناق والقبالت واللمسات – شيء يستدرج شيئا آخرا‪.‬‬
‫ُ‬
‫أغلقت بإحكام تام على جميع المشاعر‬ ‫وكلما أراد المزيد مني‬

‫]*[  كيبوتس هو تجمع سكني تعاوني وله عدة مواقع في إسرائيل ويضم جماعة من المزارعين‬
‫أو العمال اليهود الذين يعيشون ويعملون معا في الزراعة والصناعة ويتقاسمون مصاريف‬
‫المعيشة األساسية‪.‬‬
‫‪59‬‬ ‫اِسـتـعـادة صـورة اللـه‬

‫التي تحسسني بالذنب الفظيع والرهبة‪ .‬وعندما طلب مني‬


‫استسلمت له‪ .‬فاخترت أن أغوص في الخطيئة‬
‫ُ‬ ‫المجامعة‬
‫أعمق وأعمق‪ ،‬بدال من التواجه الصريح مع واقعي المزري‬
‫جدا الذي كنت فيه‪ .‬وأردت الهروب من بيتي ألعيش معه‪،‬‬
‫ووعدته بحبي وإخالصي‪ ،‬حتى وإن كان قد هدد بقتلي لو‬
‫أخبرت أي إنسان عن عالقتنا‪ .‬أما في اليوم التالي فقد اختفى‪،‬‬
‫ولم أره ثانية مطلقا‪.‬‬

‫ُ‬
‫فكرت باالنتحار‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ابتليت باالكتئاب والحزن‪،‬‬ ‫وبعد أن‬
‫وكان لدي ألم مستمر في رأسي ومعدتي‪ .‬وشعرت بأني في‬
‫علي الجنس؛ ولم يسعني‬
‫ّ‬ ‫طريقي إلى الجنون‪ .‬لقد استحوذ‬
‫رؤية كيف يمكنني أن أواصل حياتي بدون رجل «يحبني‪».‬‬
‫فأخذت أنتقل من فتى آلخر؛ حتى كان اثنان منهم مرتبطين‬
‫بعالقة خطوبة مع فتيات أخريات‪ .‬فانتابني اليأس‪ ،‬وبكيت‬
‫لساعات طويلة بالس ّر‪ .‬وبالرغم من أني كنت أحس بداخلي‬
‫وكأنني عاهرة إال أني حاولت أن أظهر لعائلتي وأصدقائي‬
‫شخصية سعيدة وواثقة‪. . . .‬‬

‫لم يكن بمقدور حياتي المزدوجة أن تدوم إلى األبد‪ ،‬فقد‬


‫انفضح كذبي أخيرا‪ .‬وأحسست آنذاك بأن هللا كان يعطيني‬
‫فرصة أخرى‪ .‬وربما لن أجد ثانية فرصة مثل هذه‪ ،‬لإلقالع‬
‫عن خطيئتي‪ .‬وبعد استسالمي لله‪ ،‬توجهت إلى والديّ‪،‬‬
‫واعترفت لهما بكل شيء‪ .‬ولكن لم يكن الشيطان يريدني‬
‫اإلفالت من قبضته بهذه السرعة فكان يعذبني في النوم‪،‬‬
‫لكنني بدأت ألمس محبة وحنان هللا تدريجيا في األسابيع‬
‫والشهور التي تلت‪ .‬وكانت هناك محبة وصلوات متواصلة‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪60‬‬

‫من جانب أسرتي وكنيستي‪ ،‬الذين لم يقطعوا األمل من‬


‫توبتي مطلقا‪ .‬وأنا أؤمن بأن الصالة طردت الكثير من األرواح‬
‫الشريرة التي كانت تبدو دائما وهي تحوم حولي خصوصا في‬
‫تلك األسابيع األولى‪.‬‬

‫وبعد أشهر من الصراع الروحي الشاق‪ ،‬انتهت أخيرا‬


‫عبوديتي للش ّر‪ .‬ثم جاءت اللحظة التي ال ُتنسى عندما أعلن‬
‫راعي الكنيسة باسم الرب أن جميع خطاياي قد ُغفرت‪.‬‬
‫فالقوة التي تميزت بها تلك اللحظة ومدى فرحتها لم يكن‬
‫لهما أي حدّ‪.‬‬

‫ما أعظم تلك النعمة عندما نتمكن من إيجاد شخص نثق فيه لنفتح‬
‫له قلوبنا ولنحادثه عن أعباء الذنوب التي في حياتنا! فحينما يفتح‬
‫المرء قلبه لشخص آخر فإن هذا األمر يمكن تشبيهه بفتح بوابة‬
‫قناة في َس ٍّد – فيجري الماء متدفقا إلى الخارج‪ ،‬ويزول الضغط‪ .‬فلو‬
‫كان االعتراف بالخطايا صادقا ومن القلب ألحدث إحساسا عميقا‬
‫باالرتياح‪ ،‬ألنه الخطوة األولى على طريق الغفران‪ .‬لكننا في النهاية‬
‫علينا المثول أمام هللا‪ .‬فال مجال للهروب أو االختباء عنه كما فعل‬
‫آدم وحواء عندما َع َصياه‪ .‬فلو كنا على استعداد للمثول أمام هللا في‬
‫نور ابنه يسوع المسيح‪ ،‬لحرق الرب كل ذنوبنا وجعلها دخانا منثورا‪.‬‬

‫ومثلما وهب هللا الرجل األول والمرأة األولى سالما وفرحا في‬
‫جنة عدن‪ ،‬فهكذا يسلّم هللا اآلن كل مؤمن مهمة الجهاد في سبيل‬
‫الخليقة الجديدة لملكوته المسالم‪ .‬ولتنفيذ هذه المهمة علينا‬
‫قبول سيادة هللا في حياتنا‪ ،‬وأن نكون على استعداد للمضي في‬
‫طريق يسوع بكامله‪ ،‬أي بدءا بالمذود الوضيع في بيت لحم وانتهاء‬
‫ج ْل ُ‬
‫جلة‪ .‬وهي مسيرة وضيعة جدا‪،‬‬ ‫على خشبة الصليب في جبل ال ُ‬
‫‪61‬‬ ‫اِسـتـعـادة صـورة اللـه‬

‫ومتواضعة‪ .‬غير أنها السبيل الوحيد الذي يؤدي إلى النور الكامل‬
‫وإلى األمل‪.‬‬

‫إن يسوع المسيح وحده القادر على مغفرة خطايانا وإزالة‬


‫آثامنا‪ ،‬ألنه وحده الخالي من كل عيب أو دنس‪ .‬وهو قادر على أن يَخِز‬
‫ضمائرنا ويحررها من األمور غير الشريفة ومن مرارة استياء بعضنا‬
‫من بعض ومن التنافر وعدم الوئام الذي بيننا‪ ،‬كما يشهد اإلنجيل‪:‬‬

‫َ‬
‫وح األز ِل ِّ‬
‫ي‬ ‫فس ُه إلى هللا بال ُّر ِ‬ ‫سيح الّذي َق َّد َم نَ َ‬
‫ِ‬ ‫فما أولى د َُم َ‬
‫الم‬
‫الم ِّي َت ِة‬
‫األعمال َ‬
‫ِ‬ ‫ن‬‫أن ُي َط ِّه َر َضمائِ َرنا مِ َ‬ ‫ُقربانًا ال َع َ‬
‫يب فيهِ‪ْ ،‬‬
‫الحي‪( .‬عبرانيين ‪)14 :9‬‬
‫َ‬ ‫لِنَع ُب َّد هللاَ‬

‫فلو رضينا بوخز ضمائرنا‪ ،‬ولو تحملنا مسؤولية الخيار الحياتي الباطل‬
‫الذي اتخذناه سابقا ومن ثم تبنا عنه‪ ،‬ولو رحبنا بتأديب هللا لنا‬
‫وبرحمته‪ ،‬فال يهم مدى انحرافنا أو درجة فسادنا الذي نحن عليه‪ .‬ألن‬
‫الضمير الذي اعتاد على أن يكون عدوا لنا‪ ،‬سوف يصبح في المسيح‬
‫صديقا لنا‪ ،‬ويقوم بتوبيخنا كلما سقطنا في الخطيئة‪.‬‬

‫للغفران القدرة على تغيير حياتنا‬


‫إن غفران الخطايا الذي يقدمه يسوع المسيح مجانا له طاقة مؤثرة‬
‫جدا إلى درجة أنه يغ ّير حياة الشخص كل ّيا‪ .‬فلو سلمنا أنفسنا ليسوع‬
‫فسوف يستسلم ويهجرنا كل ما يجعلنا خائفين أو منعزلين وكل ما‬
‫يجعلنا مخادعين أو نجسين غير شريفين وكل ما يمنعنا عن تقديم‬
‫أعمال المحبة إلى اآلخرين أو قبولها منهم‪ .‬وسوف يحصل انقالب‬
‫شامل في حياتنا وتتعدَّل األمور‪ .‬وسيبدأ هذا التغيير وهذا التح ّول في‬
‫أعماق صميم كياننا‪ ،‬ومن بعد ذلك سوف تتغير أيضا جميع مظاهر‬
‫حياتنا الخارجية‪ ،‬بما في ذلك جميع عالقاتنا‪.‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪62‬‬

‫وعندما يواجه المرء (هو أو هي) الموت‪ ،‬فسوف يتب ّين بوضوح‬
‫فيما إذا كان الشخص قد تغ ّير واختبر هذا الخالص الذي يقدمه‬
‫يسوع المسيح أو لم يختبره‪ .‬فالذين كانوا بقرب شخص يحتضر‬
‫على فراش الموت‪ ،‬أمكنهم رؤية األهمية البالغة للعالقة الروحية‬
‫لإلنسان مع هللا‪ .‬ألنهم يعلمون بأن ما يشهدوه في نهاية األمر‪،‬‬
‫وعندما يسحب اإلنسان نَ َف َ‬
‫سه األخير‪ ،‬فإن هذه العالقة هي الشيء‬
‫الوحيد الذي يتكل عليه اإلنسان‪ ،‬والعنصر الوحيد الذي يلعب دورا‬
‫حاسما في الحصول على السالم الروحي أثناء النزاع األخير‪.‬‬

‫إن المهمة الرئيسية في الحياة لكل إنسان هي إعداد نفسه‬


‫للقاء هللا‪ .‬ويعلمنا يسوع كيف نفعل ذلك بقوله‪:‬‬

‫شيئا ً مِ ن ذلك لِوا ِح ٍد مِ ن إِخوتي ه ُؤال ِء ِّ‬


‫الصغار‪،‬‬ ‫كُلَّما َصنعتُم َ‬
‫فلي قد َصنَعتُموه‪( .‬متى ‪)40 :25‬‬

‫ويقول كذلك‪:‬‬

‫الس َموات‪( .‬متى ‪)3 :5‬‬ ‫َ‬


‫لكوت َّ‬ ‫ن َلهم َم‬
‫طوبى لِ ُفقرا ِء ال ُّروح فإ ِ َّ‬

‫شهدت هذا عند فراش الموت في الساعات األخيرة‬


‫ُ‬ ‫وأنا شخصيا قد‬
‫لبعض األشخاص‪ .‬فوجدت أن الشخص الذي كان ُمك ِّرسا حياته‬
‫لخدمة اآلخرين‪ ،‬مثلما عاش يسوع‪ ،‬كان هللا قريبا جدا منه في ساعته‬
‫ُ‬
‫شهدت أيضا‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬عذاب‬ ‫األخيرة وينعم بالسالم‪ .‬غير أني‬
‫وآالم أولئك الذين عاشوا حياة أنانية وأثيمة ويرفضون التوبة عند‬
‫ساعة الممات‪.‬‬

‫ويحتاج كل فرد فينا‪ ،‬سواء كان متزوجا أو أعزبا‪ ،‬إلى أن يستوعب‬


‫بعمق‪ ،‬الكلمات األبدية الشافية ليسوع‪:‬‬
‫‪63‬‬ ‫اِسـتـعـادة صـورة اللـه‬

‫وال األيّامِ ‪ ،‬إلى اَنقِضا ِء الدَّهرِ‪( .‬متى ‪)20 :28‬‬


‫وها أنا َمعكُم َط َ‬

‫فهناك حياة ومحبة ونور في يسوع‪ .‬وبفضله يمكن لحياتنا وعالقاتنا‬


‫أن تتنقى من كل ما يثقل كاهلنا‪ ،‬وتتخلص مما يتعارض مع‬
‫المحبة‪ ،‬و ُتست َرد صورة هللا فينا‪.‬‬
‫الفصل السادس‬

‫الجنس وال ّل ّذة‬

‫فضهُ‪،‬‬‫ب َر ُ‬
‫ج ُ‬‫ن ‪ ،‬فما مِ ْن شي ٍء يَ ِ‬ ‫خ َل َق هللاُ َ‬
‫حس ُ‬ ‫ُل ما َ‬
‫فك ُّ‬
‫والصال َة‬
‫َّ‬ ‫ألن كال َم هللا‬
‫حم ٍد‪َّ ،‬‬
‫ُل شي ٍء ب ِ َ‬ ‫جب َق ُ‬
‫بول ك ِّ‬ ‫بَ ْل يَ ُ‬
‫ُيق ِّد سا نِ ِه ‪.‬‬

‫‪ 1‬تيموثاوس ‪5 – 4 :4‬‬

‫يتحدث عن القلب باعتباره مركز الحياة‬


‫الكتاب المقدس‬
‫الروحية لإلنسان‪ .‬ففي القلب يجري اتخاذ‬
‫جميع القرارات‪ ،‬وتحديد االتجاه الذي سيلعب دورا في صياغة نوع‬
‫اإلنسان الذي سوف ُيم ِّثله‪ .‬فنقرأ في الكتاب المقدس عن دور القلب‬
‫ما يلي‪:‬‬

‫البشرِ‪ ،‬فأُجازي‬
‫ِن مشاعِ َر َ‬ ‫ات ال ُق ِ‬
‫لوب وأم َتح ُ‬ ‫ح ُص ن َّي ِ‬
‫ب أف َ‬
‫أنا ال ّر ُّ‬
‫ثم َر ِة أعمالِهِ‪( .‬إرميا ‪)10 :17‬‬
‫ب َ‬‫حس ِ‬
‫ب ُط ُر ِقهِ‪ ،‬ب ِ َ‬
‫حس ِ‬
‫اإلنسان ب ِ َ‬

‫إال أن هللا قد خلقنا أيضا ككائنات مليئة باألحاسيس والمشاعر‬


‫المتع واللذات‪ .‬فكل شيء ندركه بحواسنا ينتمي إلى عالم‬
‫وتحب ُ‬
‫األحاسيس واللذة‪ ،‬بما في ذلك الجاذبية الجنسية‪ُ .‬‬
‫خذ مثال أريج زهرة‬
‫أو نسيما عذبا أو ابتسامة الطفل األولى فكلها تجلب لنا السرور‪.‬‬
‫فقد وهبنا هللا نعمة عظيمة في حواسنا‪ ،‬ولو استخدمناها في حمده‬
‫وتقديم اإلكرام والمجد له‪ ،‬فبوسع هذه المشاعر أن تقدم لنا سعادة‬

‫‪64‬‬
‫‪65‬‬ ‫الـجنـس والـ ّل ّـذة‬

‫عظيمة‪ .‬غير أنه مثلما يقدر التمتّع باللذة على أن يق ّربنا من هللا فإنه‬
‫يقدر أيضا على أن يضلِّلنا ويأخذنا عن جادة الصواب‪ ،‬حتى أنه يقدر‬
‫على أن يأتي بنا إلى الظلمات الشيطانية‪ .‬فغالبا ما نميل إلى ما هو‬
‫سطحي‪ ،‬ويفوتنا ما قد يهبه هللا من جبروت وقوة‪ .‬وحينما نتعلق‬
‫يخص هللا‪ ،‬وتفوتنا‬
‫ّ‬ ‫بشراهتنا في التل ُّذذ بحواسنا وملذاتنا‪ ،‬ننسى ما‬
‫إمكانية تذ ّوق العمق والسمو الكامل إلرادته المقدسة‪.‬‬

‫ال يكمن الفرح الدائم في التلذذ بحواسنا بل في هللا‬


‫لو رفضنا الحواس الطبيعية الح ّية التي عندنا وكرهناها‪ ،‬ألصبحنا‬
‫كمن يرفض هللا وما صنعته يداه‪ ،‬فنقرأ في اإلنجيل‪:‬‬

‫ن اإليمان‬
‫ُّون َع ِ‬
‫ّاس يَرتد َ‬
‫عض الن ِ‬ ‫ح في َقولِ ِه َّ‬
‫إن بَ َ‬ ‫وح َصري ٌ‬
‫وال ُّر ُ‬
‫شيطانِ َّي ًة‪،‬‬
‫عاليم َ‬
‫َ‬ ‫حا ُمضلِّ َل ًة وتَ‬ ‫في األزمِ َن ِة األخي َرةِ‪ ،‬ويَت َب َ‬
‫عون أروا ً‬
‫ن‬ ‫ابين اكَت َوت َضمائِ ُرهُم فماتَت‪ ،‬يَن َه ْون َع ِ‬ ‫ِين كَ ّذ َ‬
‫لِقومِ ُمرائ َ‬
‫خ َل َقها هللا ل َيتنا َو َلها ويَ َ‬
‫حم َد ُه‬ ‫ن األطعِ َم ِة َ‬ ‫أنواع مِ َ‬
‫ِ‬ ‫وع ْن‬ ‫ال َّز ِ‬
‫واج َ‬
‫ح َق‪ 1( .‬تيموثاوس ‪)3–1 :4‬‬ ‫وع َرفوا ال َ‬
‫ذين آمنوا َ‬ ‫ع َليها الّ َ‬

‫فال يشاء الروح القدس أن نرفض الجسد أو طاقاته العاطفية‪ .‬ولكن‬


‫ينبغي أن ال ننسى أن الشيطان يسعى لتخريب كل شيء صالح؛ إنه‬
‫ّ‬
‫الحق‪ ،‬ويتقنص دائما أية فرصة ليخدعنا‪ ،‬السيما‬ ‫ك ّذاب يلوي عنق‬
‫في هذا المجال‪.‬‬

‫وغني عن البيان‪ ،‬فإن النفس تنجذب إلى هللا بواسطة الروح‪،‬‬


‫ولكنها تكون مرتبطة دائما بما هو جسدي بواسطة جسم اإلنسان‪.‬‬
‫فكياننا الجسدي ليس العدو الحقيقي للروح‪ ،‬ويجب أن ال ُيحتقر‬
‫أبدا‪ .‬أما العدو الحقيقي فهو إبليس‪ ،‬الذي يحاول بصفة مستمرة‬
‫أن يهاجم النفس البشرية ويفصلها عن هللا‪ .‬فإرادة هللا توصينا بأن‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪66‬‬

‫نضع كل جزء من أجزاء الحياة – الروح والنفس والجسد – تحت‬


‫سلطانه ألجل خدمته‪ ،‬مثلما يقول لنا اإلنجيل‪:‬‬

‫ُل شي ٍء‬
‫فاعملوا ك َّ‬
‫َ‬ ‫فإذا أكَلتُم أو َ‬
‫شرِبتُم‪ ،‬أو َمهما َعمِ لتُم‪،‬‬
‫ل َِمج ِد هللاِ‪ 1( .‬كورنثوس ‪)31 :10‬‬

‫الحسي في حد ذاته‪ .‬فقبل‬


‫ّ‬ ‫ثم إنه ال يوجد أي شيء باطل في المجال‬
‫حسي‬
‫كل شيء‪ ،‬فإن كل ما نفعله‪ ،‬سواء المشي أو النوم هو اختبار ّ‬
‫بدرجة أو بأخرى‪ .‬غير أننا ولكوننا مخلوقين على صورة هللا‪ ،‬ولسنا‬
‫مجرد حيوانات‪ ،‬فالمطلوب منا أكثر من ذلك‪.‬‬

‫عندما يقع اثنان أحدهما في حب اآلخر‪ ،‬فإن الفرح الذي‬


‫يعتريهما في بادئ األمر يكون على صعيد األحاسيس‪ :‬فينظر‬
‫أحدهما إلى عيني اآلخر‪ ،‬ويسمع أحدهما صوت اآلخر وهو يتكلم‪،‬‬
‫ويجد كالهما بهجة في لمس يد اآلخر أو حتى في دفء اقتراب‬
‫أحدهما من اآلخر‪ .‬وطبعا تذهب عواطفهما إلى ما هو أعمق من‬
‫مجرد النظر أو السمع أو المشاعر‪ ،‬ولكنه مع ذلك‪ ،‬فإن بدايته‬
‫تكون على صعيد األحاسيس‪.‬‬

‫على أن الحب البشري ال يجوز له أبدا أن يظل عند هذا المستوى‬


‫– وينبغي أن يذهب إلى ما هو أسمى كثيرا من ذلك‪ .‬ألنه عندما‬
‫تصبح اللذة غاية في حد ذاتها‪ ،‬فإن كل شيء يبدو عابرا ووقتيا‪ ،‬وترانا‬
‫نندفع للسعي إلشباع ذواتنا في المزيد من التجارب والمزيد من‬
‫المتع‪ ،‬كما يحذرنا اإلنجيل‪:‬‬
‫ُ‬

‫اآلن ِسي َر َة‬


‫َ‬ ‫أن ال تَسيروا بَع َد‬ ‫ب ْ‬ ‫فأقول لكُم وأش َه ُد في ال َّر ِّ‬
‫ُ‬
‫جهل ِِهم‬ ‫ِّرون باطِ ال ً‪ ،‬وه ُْم في َظالمِ بَصائِرِهِ م و َ‬
‫ذين ُيفك َ‬ ‫ال َوثَن ِّي َ‬
‫ين الّ َ‬
‫ِس‬ ‫فلما ف َقدوا ك َّ‬
‫ُل ح ٍّ‬ ‫و َقسا َو ِة ُقلوب ِ ِهم ُغ َربا ُء َع ْن َ‬
‫حيا ِة هللاِ‪َّ .‬‬
‫‪67‬‬ ‫الـجنـس والـ ّل ّـذة‬

‫عون‪.‬‬
‫ِسق وال يَش َب َ‬
‫ُل ف ٍ‬ ‫َ‬
‫فانغ َمسوا في ك ِّ‬ ‫استَس َلموا إلى ال ُفجورِ‪،‬‬
‫(أفسس ‪)19–17 :4‬‬

‫وعندما نبذل جهودنا في تسميم أحاسيسنا‪ ،‬فسرعان ما ننهك‬


‫ونخ ّرب مقدرتنا على استالم الطاقة الضرورية للحياة‪ .‬وسنفقد أيضا‬
‫قدرتنا على تذ ّوق أية تجربة روحية سامية‪ .‬وقد أخبرني رجل أعرفه‪،‬‬
‫وهو متزوج منذ أكثر من ‪ 30‬عاما‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫أردت منها في بادئ األمر أن‬


‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تزوجت من زوجتي‪،‬‬ ‫عندما‬
‫ومغرية‪ .‬وكان ذلك في أيام انتشار‬
‫ترتدي مالبس أنيقة ُ‬
‫«موضة» الميني جوب (أي التنورة القصيرة)‪ ،‬حيث كانت في‬
‫نظري تبدو رائعة فيه‪ .‬ولم أدرك حينذاك األذية التي سببها‬
‫موقفي هذا‪ ،‬لها ولغيرها من الرجال ولي شخصيا‪ .‬فكنت‬
‫جع النظرة الشهوانية التي‬
‫بالحقيقة ومن خالل عملي هذا أش ِّ‬
‫أدانها الرب يسوع المسيح بشكل قاطع‪ .‬ولم ندرك هذا ال أنا‬
‫وال زوجتي إال بعد فترة الحقة‪ ،‬فتح ّررنا عندئذ من التشديد‬
‫المريض على المظهر الخارجي الجسدي‪ ،‬وتطلعنا إلى المزيد‬
‫من العالقات األصيلة الشريفة‪.‬‬

‫لن نكون قادرين على أن نعيش أمور هذه الدنيا بكل ملئها ما لم‬
‫نسلّم نفوسنا‪ ،‬بما في ذلك حواسنا‪ ،‬ونُ ِ‬
‫خضعها بكامل التوقير لله‪ .‬لقد‬
‫رأيت أمثلة كثيرة كيف أن الناس الذين يركزون اهتمامهم في إمتاع‬
‫ُ‬
‫حواسهم تكون حياتهم ضحلة وبال هدف‪ .‬فعندما تتحكم حواسنا‬
‫ظل‬
‫ّ‬ ‫فينا‪ ،‬نَ َّ‬
‫تدم ُر نفسيا ونصاب بالحيرة وااللتباس‪ .‬أما الحياة في‬
‫وتلمس ما هو أبدي في األحاسيس‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫سيادة هللا‪ ،‬فيمكننا فيها رؤية‬
‫وبفضله يسعنا إشباع أعمق اشتياق للقلب إلى ما هو أصيل ودائم‪.‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪68‬‬

‫عندما نس ّلم الجانب الجنسي لله‬


‫فسوف يصبح نعمة إلهية‬
‫إن اللذات واألحاسيس‪ ،‬بكونها هبة من عند هللا‪ ،‬هي ِس ّر إلهي؛ أما‬
‫بدون هللا فتفقد س ّريتها وتتنجس‪ .‬وهذا ينطبق باألخص على مجال‬
‫الجنس برمته‪ .‬فالحياة الجنسية لها حرمتها البالغة‪ ،‬وكل واحد منا‬
‫يخفيها عن اآلخرين بصورة غريزية‪ .‬فالجنس ِس ّر كل إنسان‪ ،‬وهو‬
‫شيء يؤثر في الكيان الداخلي لإلنسان ويع ّبر عنه أيضا‪ .‬أما كشف‬
‫وغال‬
‫ٍ‬ ‫أي شيء في هذا المجال فإنما يكشف النقاب عما هو عزيز‬
‫وشخصي لدى اإلنسان‪ ،‬ويفسح المجال لشخص آخر للدخول إلى‬
‫ِس ّره‪ .‬ومن هنا نرى أن الجانب الجنسي لإلنسان – رغم أنه من‬
‫إحدى العطايا اإللهية العظمى – إال أنه أيضا يكون موضوعا للعار‬
‫والعيب‪ .‬فينبغي أن نستحي من أن نكشف سرنا لآلخرين‪ .‬وهناك‬
‫سبب لهذا‪ :‬فمثلما ا ِستحى آدم وحواء من عريهما أمام هللا ألنهما‬
‫علما أنهما قد سقطا في الخطيئة‪ ،‬فنحن كذلك‪ ،‬كل واحد فينا‬
‫يعلم بطبيعته الخاطئة‪ ،‬أي بمعنى أننا نعلم بأننا خطأة بالفطرة‪.‬‬
‫واالعتراف بهذه الحقيقة ال يع ّبر عن خلل أو اضطراب عقلي غير‬
‫سليم كما يزعم الكثير من علماء النفس‪ .‬بل هو الر ّد الفطري لكي‬
‫نستر ما هو مقدس وموهوب من قِبل هللا‪ ،‬وهو اعتراف يأخذ كل‬
‫شخص إلى التوبة‪.‬‬

‫إن المقصود من االتحاد الجنسي هو أن يكون تعبيرا وتجسيدا‬


‫لرباط الحب الدائم الذي ال ينفصم‪ .‬إذ إنه يمثل ق َِّمة تسليم النفس‬
‫يتضمن الكشف المتبادل ألع ّز وأغلى األسرار التي‬
‫ّ‬ ‫إلنسان آخر‪ ،‬ألنه‬
‫يملكها اإلنسان‪ .‬أما االنخراط بأي نشاط جنسي مهما كان نوعه‬
‫بدون االتحاد برباط الزواج ف ُيعتبر تدنيسا ونجاسة‪ .‬والممارسة‬
‫الشائعة للجماع الجنسي قبل الزواج من باب «تجريب األمر» حتى‬
‫‪69‬‬ ‫الـجنـس والـ ّل ّـذة‬

‫تقل هوال وفظاعة‪،‬‬


‫لو كان مع شريك قد عزم الشخص الزواج منه‪ ،‬ال ّ‬
‫وبإمكانها تدمير الزواج المستقبلي تدميرا جسيما‪ .‬فال يجوز إباحة‬
‫ّ‬
‫يحق إزالة ستار الحرمة الجنسية‬ ‫التقارب الجنسي بشتى أنواعه وال‬
‫بين أي رجل وأي امرأة بدون بركة هللا والكنيسة في إطار الزواج‪:‬‬

‫ّاس‪ ،‬ول َيك ُْن ف ُ‬


‫ِراش ال َّزو ِج َّي ِة‬ ‫جميع الن ِ‬ ‫ُن ال َّز ُ‬
‫واج ُمكَ َّر ًما عِ ن َد‬ ‫لِ َيك ِ‬
‫ِ‬
‫رين وال ُّزنا َة‪( .‬عبرانيين ‪)4 :13‬‬
‫دين الفا ِج َ‬
‫ألن هللاَ َس َي ُ‬
‫طاهِ ًرا‪َّ ،‬‬

‫غير أنه حتى لو كانت العالقة ضمن إطار الزواج‪ ،‬فينبغي هناك‬
‫أيضا وضع كل ما يخص موضوع العالقة الجنسية تحت سلطان‬
‫السيد المسيح ووصاياه الشريفة‪ ،‬إذا أُريد له أن يثمر ثمارا طيبة‪.‬‬
‫فالتناقض بين الزواج الذي مركزه المسيح‪ ،‬والزواج الذي مركزه‬
‫الجسد‪ ،‬موصوف على أفضل وجه من قبل القديس بولس الرسول‬
‫في رسالته إلى أهل غالطية في اإلنجيل‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ي ظاهِ َرةٌ‪ :‬ال ِّزنى والدَّعا َر ُة والفجو ُر‬ ‫فه َ‬


‫س ِد ِ‬ ‫ج َ‬
‫أعمال ال َ‬
‫ُ‬ ‫وأما‬
‫َّ‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫والغ َض ُ‬ ‫والغي َر ُة‬
‫َ‬ ‫والش ُ‬
‫قاق‬ ‫ِّ‬ ‫والعدا َو ُة‬
‫َ‬ ‫والسح ُر‬
‫ِّ‬ ‫األوثان‬
‫ِ‬ ‫وعِ با َد ُة‬
‫والعربد ُة وما‬
‫َ‬ ‫والسك ُر‬
‫ِّ‬ ‫والحس ُد‬
‫َ‬ ‫ب‬ ‫ِصام والتَّح ُّز ُ‬
‫َّس والخ ُ‬ ‫والد ُّ‬
‫أن الّ َ‬ ‫ُكم مِ ْن َق ُ‬ ‫ُ‬
‫لون‬
‫عم َ‬
‫ذين يَ َ‬ ‫بل‪َّ ،‬‬ ‫اآلن‪ ،‬كما نَ َّب ْهت ُ‬
‫كم َ‬‫أش َبهُ‪ .‬وأن ِّب ُه ُ‬
‫المح َّب ُة‬
‫وح فه َو َ‬
‫ثم ُر ال ُّر ِ‬
‫أما َ‬ ‫َ‬
‫لكوت هللاِ‪َّ .‬‬ ‫ثون َم‬
‫األعمال ال يَر ِ َ‬
‫َ‬ ‫ه ِذ ِه‬
‫داع ُة‬
‫الح واألمانَ ُة‪ ،‬وال َو َ‬
‫والص ُ‬
‫َّ‬ ‫والصب ُر واللُّ ُ‬
‫طف‬ ‫َّ‬ ‫الم‬
‫والس ُ‬
‫َّ‬ ‫وال َف َر ُح‬
‫ريع ٍة تنهى َع ْن ه ِذ ِه األشياءِ‪ .‬والّ َ‬
‫ذين‬ ‫ش َ‬ ‫والع ُ‬
‫فاف‪ .‬وما مِ ْن َ‬ ‫َ‬
‫ُل ما في ِه مِ ْن أهوا ٍء‬
‫س َدهُم بِك ِّ‬ ‫سوع ص َلبوا َ‬
‫ج َ‬ ‫َ‬ ‫سيح يَ‬
‫ِ‬ ‫ِلم‬
‫هُم ل َ‬
‫هوات‪( .‬غالطية ‪)24–19 :5‬‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫وش‬

‫إن الذين ينظرون إلى الشهوة الجنسية كنظرتهم إلى رذيلتي النهم‬
‫والشراهة في مجال األكل‪ ،‬ال يفهمون األهمية المتميزة الكامنة‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪70‬‬

‫في المجال الجنسي‪ .‬فاألمر يختلف تماما‪ ،‬وشتان ما بين االثنين‪.‬‬


‫فعندما نستسلم إلغراءات الشهوة والنجاسة الجنسية‪ ،‬فإننا نَتَدنَّس‬
‫بطريقة تختلف تماما عما تسببه شراهة البطن‪ ،‬بالرغم من أن هذه‬
‫الشراهة قد أدانها الكتاب المقدس أيضا‪ .‬فالشهوة واألمور الجنسية‬
‫غير الشريفة تجرحنا في أعماق القلب والكيان‪ .‬إذ تهاجم روح اإلنسان‬
‫في صميمها‪ .‬فكلما سقطنا في أمور جنسية غير شريفة‪ ،‬وقعنا فريسة‬
‫للقوى الشيطانية وفسد كياننا كله‪ .‬وال يمكننا أن نتحرر عندئذ إال‬
‫بتوبة نصوحة من األعماق وبتجديد روحي‪.‬‬

‫التزمت‬
‫ُّ‬ ‫عكس األمور غير الشريفة هو ليس‬
‫إن نقيض األمور الجنسية غير الشريفة والشهوانية الجنسية هو‬
‫خ ُلقي‪ ،‬أو‬
‫التزمت ال ُ‬
‫ُّ‬ ‫ليس تكلُّف الحشمة واالستعفاف المفرط‪ ،‬أو‬
‫التقوى الزائفة‪ .‬فما أشد تحذير يسوع المسيح لنا من هذه األمور!‬

‫راؤون ُت َط ِّه َ‬
‫رون‬ ‫َ‬ ‫الم‬
‫ون ُ‬ ‫الويل لكُم يا ُم َعلِّمي َّ‬
‫الشريع ِة وال َف ّريس ّي َ‬ ‫ُ‬
‫حصلتُم ع َلي ِه‬ ‫حن‪ ،‬وباط ُن ُهما ُم ِ‬
‫متلئ ٌ بِما َ‬ ‫والص ِ‬
‫َّ‬ ‫الكأس‬
‫ِ‬ ‫ظاهِ َر‬
‫باطن ال ِوعاءِ‪،‬‬
‫َ‬ ‫يسي األعمى َط ِّه ْر أ َّوال ً‬
‫ُّ‬ ‫والط َم ِع‪ .‬أيُّها ال َف ِّر‬
‫َ‬ ‫َّهب‬
‫بالن ِ‬
‫الويل لكُم يا ُم َعلِّمي َّ‬
‫الشريع ِة‬ ‫ُ‬ ‫الظاهِ ُر مِ ث َل ُه طاه ًرا‪.‬‬
‫ف َيصي َر َّ‬
‫جميل‬
‫ّ‬ ‫راؤون أنتُم كال ُقبور ِ المب َي َّضةِ‪ ،‬ظاه ُرها‬
‫َ‬ ‫الم‬
‫ون ُ‬‫وال َف ّريس ّي َ‬
‫ِك‪،‬‬ ‫وباطِ نُها ُممتَلئ ٌ بعِ ظامِ الموتى وبك ِّ‬
‫ُل فسادٍ‪ .‬وأنتُم كذل َ‬
‫صالحين وباطِ ُنكُم كُلُّ ُه رِياءٌ َ‬
‫وشرٌّ‪( .‬متى ‪:23‬‬ ‫َ‬ ‫ّاس‬ ‫تَظ َه َ‬
‫رون لِلن ِ‬
‫‪)28–25‬‬

‫ينبغي أن يكون فرحنا بكل ما تتل ّذذ به حواسنا صادقا ونابعا عن‬
‫قلب ح ّر وغير خاضع ألي إكراه‪ .‬ويقول العالم الفرنسي باسكال‬
‫‪« :Pascal‬نجد العواطف بأوج حيويتها وعنفوانها عند من يريد‬
‫إنكارها‪ ».‬فعندما يجري قمع الشهوة الجنسية باإلكراه الخلقي بدال‬
‫‪71‬‬ ‫الـجنـس والـ ّل ّـذة‬

‫من تأديبها في داخل اإلنسان‪ ،‬فما لها إال أن تجد ُسبال جديدة من‬
‫الكذب والتقنُّع واالنحراف‪ ،‬كما يبين لنا ذلك اإلنجيل‪:‬‬

‫ي كُلُّها أشيا ُء‬


‫ذاك‪ »،‬وهِ َ‬
‫َ‬ ‫ك‬ ‫لم ْس‪ ،‬ال تَ ُذ ْق هذا‪ ،‬ال ُت ِ‬
‫مس ْ‬ ‫«ال تَ َ‬
‫بشرِيَّةٌ‪ ،‬لها‬
‫عاليم َ‬
‫ُ‬ ‫ي أحكا ٌم وتَ‬‫نع ْم‪ ،‬هِ َ‬
‫ِعمال؟ َ‬
‫ِ‬ ‫تَ ُ‬
‫زول باالست‬
‫واض ِع و َقهر ٍ‬
‫خاص ٍة وتَ ُ‬
‫َّ‬ ‫َظواهِ ُر الح َ‬
‫ِكم ِة لِما فيها مِ ْن عِ با َد ٍة‬
‫سدِ‪( .‬كولوسي‬ ‫ج َ‬
‫بط أهوا ِء ال َ‬ ‫ِيم َة لها في َض ِ‬
‫ِن ال ق َ‬ ‫سدِ‪ ،‬ولك ْ‬
‫ج َ‬
‫لِل َ‬
‫‪)23–21 :2‬‬

‫في زماننا الفاسد الذي ال يعرف العيب‪ ،‬تزداد صعوبة تربية األوالد‬
‫على توقير بالغ الحس لله ولكل ما خلقه‪ .‬لذلك‪ ،‬يتحتم علينا أن‬
‫نبذل كل ما في وسعنا وأكثر من ذي قبل لتنشئة أوالدنا بالطريقة‬
‫التي تجعلهم أن يصيروا رجاال ونساء ملتزمين بحياة الطهر والنقاوة‬
‫والعفاف عندما يكبرون – سواء تزوجوا أو لم يتزوجوا‪.‬‬

‫يجب أن نحرص على أن ال يتحدث أوالدنا باستخفاف وبدون‬


‫توقير عن األمور الجنسية‪ .‬غير أننا في الوقت نفسه ال يمكننا تجنب‬
‫الموضوع‪ .‬ونحتاج باألحرى إلى تنمية روح التوقير واالحترام لدى‬
‫أوالدنا‪ .‬فيجب أن نعلّمهم على فهم مغزى وقداسة الجنس وفقا‬
‫للترتيب اإللهي‪ ،‬ونركز بشدة على أهمية حفظ أجسادهم طاهرة‬
‫وغير دنسة‪ ،‬من أجل هدف واحد وهو الزواج‪ .‬فيجب أن يتعلموا‬
‫اإلحساس – مثل ما نتعلمه نحن اآلباء أيضا – بأن الجنس ال تتحقق‬
‫جميع أبعاده إال في زواج طاهر ومقدس بحسب الترتيب اإللهي‪،‬‬
‫وعندئذ يعطي أعظم متعة‪.‬‬

‫يفرح هللا عندما يعيش أي زوجين متزوجين حديثا في وحدة‬


‫كاملة وبكل أبعادها‪ :‬أوال‪ ،‬الوحدة على الصعيد الروحي‪ ،‬وثانيا‪،‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪72‬‬

‫الوحدة على الصعيد القلبي والنفسي‪ ،‬وثالثا‪ ،‬الوحدة على الصعيد‬


‫الجسدي‪ .‬وعندما يرفع الرجل والمرأة النقاب عن الجنس بكامل‬
‫التوقير أمام هللا‪ ،‬وفي عالقة معه‪ ،‬وفي ظل الوحدة الموهوبة منه‪،‬‬
‫فسوف تمجد وحدتهما هللا‪ .‬ويتعين على كل زوجين أن يسعيا إلى‬
‫مثل هذا التوقير ألن أنقياء القلوب سوف يشاهدون هللا‪ ،‬مثلما‬
‫يعدنا السيد المسيح‪:‬‬

‫دون هللاَ‪( .‬متى ‪)8 :5‬‬


‫َ‬ ‫هنيئًا ألنقيا ِء ال ُق ِ‬
‫لوب‪ ،‬ألن َّ ُهم ُيشاهِ‬
‫الفصل السابع‬

‫أنقياء القلوب‬

‫دون هللاَ‪.‬‬
‫َ‬ ‫هنيئًا ألنقيا ِء ال ُق ِ‬
‫لوب‪ ،‬ألن َّ ُهم ُيشاهِ‬

‫ه ِذ ِه ال ُوعو ُد و َه َبها هللاُ لنا‪ ،‬أيُّها اإلخو ُة‪ ،‬فلن َُط ِّه ْر أن ُف َ‬
‫سنا‬
‫ساعين إلى ال َق َ‬
‫داس ِة‬ ‫َ‬ ‫وح‪،‬‬‫س َد وال ُّر َ‬ ‫ُل ما ُيدن ِّ ُس ال َ‬
‫ج َ‬ ‫مِ ْن ك ِّ‬
‫الكامِ َل ِة في َمخا َف ِة هللاِ‪.‬‬

‫متى ‪َ 8 :5‬و ‪ 2‬كورنثوس ‪1 :7‬‬

‫‪( Søren Kierkegaard‬فيلسوف والهوتي‬


‫سورين كيركغارد‬
‫دانماركي كبير)‪ ،‬يقول أن نقاء القلب يعني‬
‫أن يشاء المرء أمرا واحدا؛ وهذا األمر الواحد هو هللا ومشيئته‪.‬‬
‫فالحياة بمعزل عن هللا‪ ،‬تظل قلوبنا فيها منقسمة وال أمل لها‬
‫في االلتئام‪ .‬فما هي النجاسة إذن؟ إن النجاسة أو وساخة القلب‬
‫هي االنفصال عن هللا‪ .‬والنجاسة في المجال الجنسي هي إساءة‬
‫ممارسة الجنس‪ ،‬األمر الذي يحدث عندما ُيما َرس الجنس بأية‬
‫طريقة يح ّرمها هللا‪.‬‬

‫إن النجاسة ال تنجسنا من الخارج أبدا‪ .‬وال يسعنا مسحها‬


‫وتنظيفها وإزالتها سطحيا على اإلطالق‪ .‬فتأصلها يكون في مخيلتنا‪،‬‬
‫وتنفث من دواخلنا مثل البثور المتق ِّرحة‪ ،‬كما قال يسوع المسيح‪:‬‬

‫‪73‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪74‬‬

‫ل‬ ‫أن ما يَد ُ‬


‫خ ُ‬ ‫فون َّ‬ ‫اآلن ال تَ ْف َه َ‬
‫مون؟ أال تَعر ِ َ‬ ‫فأجاب‪« :‬أأنتُم حتى َ‬
‫َ‬
‫وأما‬
‫الجسدِ؟ ّ‬
‫َ‬ ‫خارج‬
‫ِ‬ ‫الجوف‪ ،‬ومِ ن ُه إلى‬
‫ِ‬ ‫فم اإلنسان يَ ْنز ِ ُل إلى‬ ‫َ‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫َ‬ ‫ج ُس‬
‫القلب يَخ ُر ُج‪ ،‬وه َو ُين ِّ‬
‫ِ‬ ‫ن ال َفمِ ‪ ،‬فمِ َ‬
‫ن‬ ‫ما يَخ ُر ُج مِ َ‬
‫ِسق‬‫تل وال ِّزنى والف ُ‬ ‫لب تَخ ُر ُج األفكا ُر ِّ‬
‫الش ّرير ُة‪ :‬ال َق ُ‬ ‫ن ال َق ِ‬
‫ألن مِ َ‬
‫َّ‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫َ‬ ‫ج ُس‬ ‫وهي التي ُت َن ِّ‬
‫َ‬ ‫والسر َق ُة َ‬
‫وشها َد ُة ال ُّزور ِ والنَّميم ُة‪،‬‬ ‫َّ‬
‫اإلنسان‪( ».‬متى ‪:15‬‬
‫َ‬ ‫ج ُس‬
‫األكل بأي ٍد غير ِ َمغسولةٍ‪ ،‬فال ُين ِّ‬
‫ُ‬ ‫أما‬
‫ّ‬
‫‪)20–16‬‬

‫فالقلب الوسخ وغير النقي وغير العفيف ال يقنع أبدا وال يشبع أبدا‬
‫وال يكتمل أبدا‪ :‬فهو يريد دائما سرقة شيء ما لنفسه‪ ،‬ورغم ذلك‬
‫تلطخ النفس و ُت ِ‬
‫فسد‬ ‫يظل يشتهي المزيد‪ .‬ثم إن وساخة القلب ّ‬
‫الضمير‪ ،‬و ُتحطم تماسك الحياة‪ ،‬وتقود أخيرا إلى الموت الروحي‪.‬‬

‫ال يشبع القلب غير النقي وال يتحرر‬


‫كلما سمحنا لرذيلة النجاسة واألمور غير الشريفة بأن تلمس‬
‫نفوسنا‪ ،‬فتحنا الباب لقوى شيطانية لها القدرة على بسط سيطرتها‬
‫على جميع المجاالت في حياتنا‪ ،‬وليس على المجال الجنسي فقط‪.‬‬
‫فيمكن للنجاسة التخ ّفي بصورة ماكرة واتخاذ أشكال مختلفة بصورة‬
‫غير محسوسة؛ مثل التولُّع بأنواع مختلفة من الرياضة االحترافية‬
‫وجعلها كإله؛ وقد تكون بهيئة نزعة طموحة لنيل حظوة عند الناس‬
‫أو فرض الهيمنة عليهم‪ .‬فلو سيطر علينا وس ّيرنا أي شيء آخر عدا‬
‫السيد المسيح فسوف نعيش في نجاسة قلب وعدم النقاوة‪.‬‬

‫وتتضمن النجاسة في المجال الجنسي استخدام شخص‬


‫آخر لمجرد إشباع الغريزة‪ .‬فنراها موجودة عندما يدخل الناس في‬
‫مواقف حميمة من التقارب الجنسي بشتى أنواعه دون أية نية‬
‫لتكوين رباط دائم‪.‬‬
‫‪75‬‬ ‫أنـقـيــاء الـقـلـوب‬

‫وأبشع شكل من أشكال النجاسة هو عندما يتورط شخص‬


‫في جماع جنسي (أو أي عمل جنسي آخر) من أجل الحصول على‬
‫المال‪ .‬فإن شخصا كهذا «يصير واحدا مع العاهر أو العاهرة‪ »،‬كما‬
‫يصفها القديس بولس الرسول‪:‬‬

‫ن اتَّح َد بامرأ ٍة زاني ٍة صا َر وإيَّاها َ‬


‫جسدًا‬ ‫أن َم ِ‬ ‫أم إنَّكُم ال تَعر ِ َ‬
‫فون َّ‬ ‫ْ‬
‫جسدًا وا ِحدًا‪ 1( .‬كورنثوس‬
‫االثنان َ‬
‫ِ‬ ‫قول يَصي ُر‬
‫ِتاب يَ ُ‬
‫وا ِحدًا فالك ُ‬
‫‪)16 :6‬‬

‫والسبب في ذلك هو ألنه يستخدم جسد كائن بشري آخر كمجرد‬


‫شيء مادي وكمجرد وسيلة لإلشباع الذات‪ .‬وبفعلته هذه فإنه‬
‫ّ‬
‫بحق نفسه أيضا‪ ،‬كما‬ ‫ّ‬
‫بحق الشخص اآلخر‪ ،‬بل‬ ‫يقترف جريمة‬
‫يقول اإلنجيل‪:‬‬

‫خ ُذ‬
‫سيح ف َه ْل آ ُ‬
‫ِ‬ ‫الم‬
‫هي أعضا ُء َ‬ ‫َ‬ ‫أن أجسا َدكُم‬ ‫أما تَعر ِ َ‬
‫فون َّ‬
‫أم إنَّكُم‬
‫ل مِ نها أعضا َء امرأ ٍة زانِ َي ٍة ال‪ ،‬أبدًا ْ‬
‫وأجع ُ‬
‫َ‬ ‫سيح‬
‫ِ‬ ‫الم‬
‫أعضا َء َ‬
‫ن اتَّح َد بامرأ ٍة زاني ٍة صا َر وإيَّاها َ‬
‫جسدًا وا ِحدًا‬ ‫أن َم ِ‬ ‫ال تَعر ِ َ‬
‫فون َّ‬
‫ح َد‬‫ن اتَّ َ‬
‫ِن َم ِ‬ ‫جسدًا وا ِحدًا‪ .‬ولك ْ‬ ‫االثنان َ‬
‫ِ‬ ‫قول يَصي ُر‬ ‫ِتاب يَ ُ‬‫فالك ُ‬
‫خطي َئ ٍة‬ ‫ُل َ‬ ‫ن ال ِّزنى‪ ،‬فك ُّ‬
‫حا وا ِحدًا‪ .‬اه ُربوا مِ َ‬
‫ب صا َر وإيَّا ُه ُرو ً‬‫بال َّر ِّ‬
‫س ِدهِ‪ .‬ولكِن ال ّزاني‬ ‫ج َ‬ ‫جةٌ َع ْن َ‬ ‫َغي ُر ه ِذ ِه يَرت ِك ُبها اإلنسان َ‬
‫هي خار ِ َ‬
‫وح‬‫َل ال ُّر ِ‬
‫ي هَيك ُ‬‫أن أجسا َدكُم هِ َ‬ ‫س ِدهِ‪ .‬أال تَعر ِ َ‬
‫فون َّ‬ ‫ِب إلى َ‬
‫ج َ‬ ‫ُيذن ُ‬
‫سكُم‪ ،‬بَ ْل للهِ‪.‬‬‫ن هللاِ َفما أنتُم ألن ُف ِ‬‫ُس الذي فيكُم هِ َب ًة مِ َ‬ ‫ال ُقد ِ‬
‫جدوا هللاَ إ ًذا في أجسادِكم‪.‬‬
‫فم ِّ‬ ‫ه َو اشتَراكُم و َد َف َع ال َّث َ‬
‫من‪َ .‬‬
‫(‪1‬كورنثوس ‪)20–15 :6‬‬

‫إن الجنس الذي ُيمارس من أجل مصلحته الذاتية هو جنس منفصل‬


‫عن هللا حتى لو كان في إطار الزواج‪ .‬وكما كتبت األستاذة الجامعية‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪76‬‬

‫الكاثوليكية لمادة الفلسفة فون هيلدابراند ‪ von Hildebrand‬أن‬


‫وتدمرها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تشل العالقات‬
‫ّ‬ ‫الجنس في هذه الحالة يمتلك حالوة سامة‬

‫غير أننا سنرتكب خطأ فادحا لو تصورنا بأن نقيض مشكلة‬


‫النجاسة الجنسية والفحشاء هو غياب المشاعر الجنسية‪ .‬وفي‬
‫الواقع‪ ،‬فإن االفتقار إلى الوعي الجنسي ال يكون بالضرورة أرضا‬
‫خصبة للعِ َّفة والنقاوة‪ .‬فمن يفتقر إلى الشعور المرهف للجنس هو‬
‫في الحقيقة شخص غير كامل‪ :‬فإنه يفتقر (أو تفتقر) إلى عنصر مهم‬
‫في ميوله الطبيعية وتركيبته الداخلية‪ ،‬باإلضافة إلى افتقاره إلى عنصر‬
‫يضفي على كيانه (أو كيانها) لونا مم ّيزا‪ ،‬لو جاز التعبير‪.‬‬

‫إن الذين يسعون إلى حياة العِ ّفة والنقاوة ال يحتقرون الجنس‪.‬‬
‫فإنهم‪ ،‬وبكل بساطة‪ ،‬متحررون من الخوف الذي يفرزه االحتشام‬
‫المتزمت والمفرط‪ ،‬والخوف الذي تفرزه أيضا مظاهر الرياء الزائفة‬
‫ّ‬
‫والمق ِّززة‪ .‬غير أنهم ال يفقدون أبدا التوقير نحو ِس ّر الجنس‪ ،‬بل‬
‫ُ‬
‫يصونون أنفسهم منه إلى أن يدعوهم الرب للدخول إلى أرض الجنس‬
‫بواسطة الزواج‪.‬‬

‫الحل في كبت‬
‫ّ‬ ‫وبالنسبة إلى المسيحيين العزاب‪ ،‬فال يكمن‬
‫المشاعر الجنسية؛ إذ ال يمكن الحصول على حياة العفاف والنقاوة‬
‫إال بتسليم المشاعر الجنسية للسيد المسيح تسليما كامال ووضع‬
‫األمر كله بيده واالنقياد إلرادته‪ .‬وينطبق ذات األمر على الزواج‪ .‬ففي‬
‫الزواج‪ ،‬يعهد الشريكان القدسية الثمينة لموضوع الجنس أحدهما‬
‫إلى اآلخر‪ .‬غير أن هذه النعمة‪ ،‬بمعناها السامي‪ ،‬ليست نعمة جاءت‬
‫من فضلهما هما ليهبها أحدهما إلى اآلخر‪ ،‬بل نعمة هللا الذي خلقنا‬
‫ككائنات جنسية‪ .‬وعليه‪ ،‬فكلما استسلمنا للتجربة وإغواء إبليس –‬
‫ّ‬
‫بحق هللا‪ ،‬الذي خلق‬ ‫حتى لو كانت مجرد في أفكارنا – اقترفنا ذنبا‬
‫‪77‬‬ ‫أنـقـيــاء الـقـلـوب‬

‫الجنس فينا لتحقيق مقصده‪ .‬ومقصده هو قدسية الزواج‪.‬‬

‫وبصورة عامة‪ ،‬يشاء هللا أن ينعم على قلب كل إنسان انسجاما‬


‫روحيا ووضوحا قاطعا خاليا من االلتباسات‪ .‬ويتضمن ذلك وضوحا‬
‫تاما عن حياة العِ ّفة والنقاوة‪ ،‬كما يوصينا اإلنجيل‪:‬‬

‫ب إ ِ َل ْيك ُْم‪ .‬نَ ُّقوا أ َ ْي ِديَك ُْم أَيُّ َها ا ْل ُ‬


‫خ َطا ُة‪،‬‬ ‫للاِ َف َي ْق َتر ِ َ‬
‫َّ‬ ‫ا ِ ْق َترِبُوا إ ِ َلى‬
‫ْ‬
‫ن‪( .‬يعقوب ‪)8 :4‬‬ ‫َو َط ِّه ُروا ُق ُلوبَك ُْم يَا َذ ِوي ال َّرأيَ ْي ِ‬

‫وكما يكتب ايبرهارد آرنولد ‪ ،Eberhard Arnold‬فيقول‪:‬‬

‫لو افتقر قلب اإلنسان إلى رؤية واضحة عن الطريق التي‬


‫حد – وغير‬
‫ينبغي أن يسلكها ولو كان منقسما وغير مو َّ‬
‫«سليم» كما يصفه يسوع المسيح – فسوف يكون القلب‬
‫ضعيفا وواهنا‪ ،‬ومتراخيا وعاجزا عن قبول مشيئة هللا‪،‬‬
‫وعن اتخاذ قرارات مهمة‪ ،‬وعن اتخاذ موقف قوي‪ .‬فلهذا‬
‫السبب علّق يسوع أهمية عظمى على كل من توحيد القلب‬
‫والبساطة والوئام والتضامن والقطع ّية واإلقدام‪ .‬فنقاوة‬
‫القلب ما هي سوى نزاهة مطلقة نحن في أمس الحاجة‬
‫وتقسمنا‪ .‬فإن ما‬
‫ّ‬ ‫إليها للتغلب على الشهوات التي تضعفنا‬
‫يحتاجه القلب هو عزيمة قوية أحادية االتجاه‪ ،‬ليكون متفتِّحا‪،‬‬
‫‪12‬‬
‫وصادقا ومستقيما‪ ،‬وواثقا وشجاعا‪ ،‬وثابتا وقويا‪.‬‬

‫السبيل الوحيد إلى العفاف هو التواضع‬


‫في التطويبات التي ذكرها يسوع المسيح في موعظته على الجبل‪،‬‬
‫بارك يسوع األنقياء والودعاء؛ وقال بأنهم سوف يرثون األرض‬
‫ويشاهدون هللا‪ .‬ثم إن فضيلتي النقاء والوداعة تنتمي إحداهما‬
‫إلى األخرى‪ ،‬ألن كلتيهما حصيلة تسليم اإلنسان نفسه كليا لله‪ .‬وفي‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪78‬‬

‫الحقيقة‪ ،‬فإنهما يتوقفان عليه‪ .‬غير أننا ال نحصل على فضيلة النقاء‬
‫والوداعة بالوالدة؛ فينبغي الجهاد في سبيلهما باستمرار‪ .‬فليس هناك‬
‫أروع من فضيلتي النقاء والوداعة من بين الفضائل التي ينبغي أن‬
‫يسعى إليها المسيحي‪.‬‬

‫إن الصراع الروحي الذي يخوضه اإلنسان ضد النجاسة الجنسية‬


‫والمغريات وال ِّزنى ليس مقتصرا على الشباب‪ .‬إذ ال يتناقص هذا‬
‫الصراع عند الكثير من الناس حتى عندما يكبرون ويزداد رشدهم‪،‬‬
‫بل يبقى صراعا شديدا لمدى العمر‪ .‬وبالتأكيد‪ ،‬فإن االشتياق إلى‬
‫العفاف والحياة الشريفة أمر صالح وضروري‪ ،‬إال أنه يستحيل‬
‫على المرء أن «يجزم» بعدم استسالمه لإلغراءات مرة ثانية في‬
‫المستقبل‪ .‬فلذلك ال توهب نعمة العفاف إال عندما يعيش اإلنسان‬
‫نعمة الغفران ويتذ ّوقها‪ .‬غير أننا حتى لو اختبرنا الغفران مرة‪ ،‬فإن‬
‫معركتنا مع هذه التجارب واإلغراءات الجنسية سوف تستمر دائما‪.‬‬
‫ولكن مع ذلك‪ ،‬يمكننا أن نتشدّد ونثق بالله‪ .‬فال يهم عدد المرات‬
‫التي نتعرض فيها للتجارب الجنسية ومحاوالت إبليس لإليقاع بنا‬
‫في الخطيئة أو مدى اآلالم الروحية الناجمة عن تلك التجارب؛ ألن‬
‫يسوع المسيح سوف يتشفع لنا عند هللا بالنيابة عنا لو سألناه‬
‫ذلك‪ .‬وسوف ننال بيسوع النصرة على كل تجربة‪ ،‬فيقول اإلنجيل‪:‬‬

‫ألن هللاَ صاد ٌ‬


‫ِق فال‬ ‫اإلنسان‪َّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫فوق طاق ِة‬ ‫ما أصابَتكُم تَجرِبَةٌ‬

‫ِرون ع َليهِ‪ ،‬بَ ْل ي َه ُبكُم َ‬


‫مع‬ ‫ب َغي َر ما تَقد َ‬ ‫ُيكَلِّ ُفكُم مِ َ‬
‫ن التَّجار ِ ِ‬
‫التَّجرِبَ ِة َوسي َل َة النَّجا ِة مِ نها وال ُقد َر َة على احتِمالِها‪1( .‬‬
‫كورنثوس ‪)13 :10‬‬

‫غير أن اإلنسان المتواضع هو وحده القادر على اختبار طيبة هللا‬


‫الواسعة والالمحدودة‪ .‬أما المتكبر فال يمكنه ذلك أبدا‪ .‬فالمتكبرون‬
‫‪79‬‬ ‫أنـقـيــاء الـقـلـوب‬

‫يفتحون قلوبهم لجميع أنواع الشرور‪ :‬فحشاء‪ ،‬وكذب‪ ،‬وسرقة‪ ،‬وروح‬


‫القتل‪ .‬وحيثما توجد واحدة من هذه الخطايا توجد األخريات على‬
‫مقربة منها‪ .‬والذين يحاولون السعي إلى فضيلة العفاف بقوتهم‬
‫البشرية المحدودة سيتعثرون دائما‪ .‬ويبدو لهم فيما يظنون بأنهم‬
‫لديهم ثقة بالنفس‪ ،‬إال أنهم يقعون في الظلمة والخطيئة ألنهم‬
‫يعتقدون أن بإمكانهم التعامل مع مشاكلهم باالعتماد على ذواتهم‪.‬‬

‫ال يوجد فينا نحن البشر من ال يواجه إغواء وتجارب في المجال‬


‫الجنسي‪ ،‬غير أن أملنا الوحيد في التغلب على هذه التجارب يكمن‬
‫في استعدادنا لالعتراف بصراعنا في هذا المجال لشخص نثق فيه‪.‬‬
‫وعندما نفعل ذلك نجد أننا لسنا الوحيدين في هذا الصراع‪.‬‬

‫أخبرني شاب يدعى فرانك ‪ Frank‬عن صراعه الروحي من أجل‬


‫حياة العفاف فكتب لي رسالة يقول فيها‪:‬‬

‫لقد كنت اعتبر نفسي‪ ،‬ومنذ طفولتي‪ ،‬شخصا متميزا‬


‫ترسخ هذه النظرة في داخلي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وشخصا «متديّنا‪ ».‬وبمجرد‬
‫ُ‬
‫بدأت أستصعب كثيرا إخبار ومصارحة والديّ أو أي‬
‫ُ‬
‫استنفدت طاقتي‬ ‫شخص آخر بمشاكلي‪ .‬وبينما كنت أكبر‬
‫كلها في محاولة أن أكون ولدا «فاضال‪ ».‬وكان يعجبني‬
‫مراقبة الناس الذين يبدون في نظري ذوي شخصية قوية‬

‫ومسيطرة ومن ثم محاولة تقليدهم‪ .‬وقد استمر لديّ‬


‫هذا الهوس بالذات طوال سنوات دراستي في المعهد‪.‬‬
‫واخترت أن أتبع الناس األكثرية وأنجرف إلى حيث يأخذني‬
‫ُ‬
‫تيار الحياة الجامعية في المعهد‪.‬‬

‫كنت أكبر‪ ،‬كنت أرى زمالئي يصبحون راشدين‬


‫ُ‬ ‫وكلما‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪80‬‬

‫ُ‬
‫فزعت من‬ ‫نافعين يؤدون مهامهم على أكمل وجه‪ .‬وحيث‬
‫ُ‬
‫قمت بتهذيب جهودي ألخفي إحساسي‬ ‫تخلفي عن ال ُركَب‪،‬‬
‫العميق بعدم الثقة بالنفس‪ ،‬األمر الذي استفحل حينها‬
‫وصار اضطراب ذهني‪ .‬وبدال من البحث عن من هو حسن‬
‫ال ُ‬
‫خلق ألقتدي به‪ ،‬توجهت نحو أولئك الذين كانوا في نظري‬
‫موهوبين روحيا‪ ،‬وحاولت تقليدهم‪.‬‬

‫وبمرور السنين‪ ،‬ازداد خوفي من وجود أمر فادح مزمن‬


‫في حياتي‪ .‬وبسبب انتفاخي‪ ،‬عذبني األلم وابتليت بسوء الظن‬
‫والشكوك والكراهية‪ .‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬كان لدي عالقة غير‬
‫وعشت في خوف مستمر‬
‫ُ‬ ‫شريفة ِس ّرا‪ .‬لكني أخفيت كل هذا‬
‫من أن ينكشف أمري‪.‬‬

‫الحظت في كثير من األحيان على الذين كان يمكن مساعدتهم‬


‫ُ‬ ‫لقد‬
‫بمرحلة مبكرة كيف يفقدون األمل بالتخلّص من اآلثام ومن ثم‬
‫يغرقون أكثر فأكثر في الخطيئة الجنسية‪ ،‬أي بمعنى في الزنى‪ .‬فتتراكم‬
‫مشاكلهم كجبل من الثلج الذي ينهار الحقا ويسبب كارثة‪ .‬ووصل‬
‫البعض منهم حتى إلى درجة السقوط في حياة الجريمة والمخدرات‬
‫واإلدمان على المسكرات‪ ،‬لمجرد أنهم ال يرون أي مخرج من فخ‬
‫الجنس الدنس‪ .‬وغالبا‪ ،‬فإن كل ما يحتاج إليه مثل هذا الشخص‬
‫هو صديق أو قسيس يرشده إلى هللا ويش ّ‬
‫جعه على العمل من أجل‬
‫حياة الطهر والنقاوة التي يتش ّوق إليها حقا‪( .‬فاتني القول أن فرانك‬
‫في القصة السابقة تواجه أخيرا مع حالته الشخصية المزرية وطلب‬
‫المساعدة)‪ .‬ثم إن االنهماك الشديد بالذات‪ ،‬الذي هو على األغلب‬
‫انتفاخ روحي متستِّر‪ ،‬يحجب عنه وعد هللا العظيم بأنه يمكن‬
‫التغلّب على كل تجربة – لو مجرد كان راغبا في االعتراف بسقطاته‬
‫‪81‬‬ ‫أنـقـيــاء الـقـلـوب‬

‫ّ‬
‫والكف عن االنشغال بالذات‪.‬‬

‫أما المتواضعون فيستلهمون قوتهم من هللا‪ .‬فربما‬


‫يسقطون‪ ،‬ولكن يمد هللا يده إليهم دائما ليرفعهم وينجيهم من‬
‫الدوامة المنحدرة‪.‬‬

‫والبد من وضع كل شيء في حياتنا تحت لواء يسوع المسيح‬


‫وليس صراعاتنا الروحية فقط‪ .‬ألن يسوع المسيح قادر على التغلب‬
‫على الشهوات التي تمزقنا وتبدد قوانا‪ .‬فكلما زاد تملّك روحه‬
‫القدوس علينا‪ ،‬زاد اكتشافنا لحقيقة شخصيتنا‪.‬‬

‫من هم أنقياء القلوب؟‬


‫نرى في الموعظة على الجبل‪ ،‬كيف يتناول يسوع بحزم المجاهدة‬
‫نظ َر إلى اَمرأ ٍة لِ َيشتَه َيها‪،‬‬
‫«م ْن َ‬
‫اليومية من أجل العفاف والنقاء‪ .‬ويقول‪َ :‬‬
‫َزنى بِها في قل ِبهِ‪ »،‬وهذه اآلية مأخوذة من هذا المقطع اإلنجيلي‪:‬‬

‫فأقول لكُم‪َ :‬م ْن َ‬


‫نظ َر إلى‬ ‫ُ‬ ‫أما أنا‬ ‫قيل‪ :‬ال تَ ِ‬
‫زن‪َّ .‬‬ ‫َ‬ ‫وسمِ عت ُْم أن َّ ُه‬
‫ج َع َلت َ‬
‫ْك َعينُك ال ُيمنَى‬ ‫اَمرأ ٍة لِ َيشتَه َيها‪َ ،‬زنى بِها في قل ِبهِ‪ .‬فإذا َ‬
‫أن تَف ِق َد ُعض ًوا مِ ْن‬
‫لك ْ‬
‫خير ٌ َ‬ ‫خ َطأ‪ ،‬فاَق َل ْعها وأ ْلقِها َع َ‬
‫نك‪ ،‬ألن َّ ُه َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ُك‬ ‫ْك يد َ‬‫ج َع َلت َ‬ ‫ُك كُل ٌّ ُه في َ‬
‫ج َهن ََّم‪ .‬وإذا َ‬ ‫جسد َ‬ ‫ِك وال ُيل َقى َ‬‫أعضائ َ‬
‫أن تَف ِق َد‬
‫لك ْ‬ ‫عنك‪ ،‬ألن َّ ُه َ‬
‫خير ٌ َ‬ ‫َ‬ ‫ال ُيمنَى تَخطأُ‪ ،‬فا َ َ‬
‫قط ْعها وأ ْلقِها‬
‫ُك كُلُّه إلى َ‬
‫ج َهن ََّم‪( .‬متى‬ ‫جسد َ‬
‫َب َ‬
‫ِك وال يذه ُ‬
‫ُعض ًوا مِ ْن أعضائ َ‬
‫‪)30–27 :5‬‬

‫وبمجرد حديث يسوع المسيح عن األفكار الشهوانية – دع عنك‬


‫األفعال الشهوانية – فإن ذلك وحده يرينا مدى أهمية الموقف‬
‫الحازم للقلب في هذه المعركة‪.‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪82‬‬

‫أما ديتريش بونهوفر ‪ Dietrich Bonhoeffer‬فيكتب ويقول‪:‬‬


‫«من هم أنقياء القلوب؟‪ . . . .‬ال يوجد أنقياء قلوب سوى الذين قد‬
‫سلموا قلوبهم كليا للرب يسوع لكي يظل وحده القدوس الساكن في‬
‫جس قلوبهم بشرورهم – وال بفضائلهم‬
‫قلوبهم؛ وسوى الذين لم تتن ّ‬
‫‪13‬‬
‫البشرية العاجزة‪».‬‬

‫إن األنقياء القلوب من رجال ونساء يكون بمقدورهم التمييز‬


‫بين كل ما هو خ ّير وكل ما هو شرير وباطل في المجال الجنسي‪.‬‬
‫وهم متن ِّبهون لمزاياه الحقيقية‪ ،‬وعلى وعي تام بخيره وجماله‬
‫كنعمة إلهية‪ .‬غير أنهم على وعي أيضا بأن أدنى انتهاك لهذه النعمة‬
‫سيفتح الباب لألرواح الشريرة بالدخول إلى قلوبهم‪ ،‬وهم يعلمون‬
‫بعجزهم عن تحرير أنفسهم من هذه األرواح بقوتهم الذاتية البشرية‪.‬‬
‫فلهذا السبب‪ ،‬يتجنبون أي وضع يدنِّس النفس‪ ،‬ويمقتون فكرة ج ّر‬
‫اآلخرين إلى الخطيئة‪.‬‬

‫من الضروري جدا في معركتنا في سبيل العِ ّفة والنقاوة أن‬


‫نرفض أي شيء ينتمي إلى ميدان الفحشاء‪ ،‬بما في ذلك الجشع‬
‫والتباهي وكافة أشكال االنغماس في الشهوات‪ .‬وال يجوز لموقفنا من‬
‫هذه األمور أن يشوبه أي سرور بالشهوة ال ّدنِسة حتى لو كان قليال‪،‬‬
‫بل أن نرفضها رفضا تاما‪ .‬فلو كانت قلوبنا نقية وعفيفة‪ ،‬فسوف نر ّد‬
‫تلقائيا على أي شيء يهدد صفاء موقفنا العفيف هذا‪.‬‬

‫وهنا تقع مسؤولية عظمى على كاهل مجتمع الكنيسة في‬


‫المحاربة اليومية من أجل أن تسود أجواء نقية عفيفة بين جميع‬
‫أفراده‪ ،‬مثلما أوصت الكنيسة المقدسة الرسولية األولى‪:‬‬
‫‪83‬‬ ‫أنـقـيــاء الـقـلـوب‬

‫ِّيسين‬
‫َ‬ ‫ليق بال ِقد‬ ‫أما ال ِّزنى والف ْ‬
‫ِس ُق والفجو ُر على أنواعِ ها فال يَ ُ‬ ‫َّ‬
‫حتّى ذِك ُر أسمائِها‪ .‬ال َسفا َه َة وال َسخا َف َة وال ه َ‬
‫َزل‪ ،‬فهذا ال يَ ُ‬
‫ليق‬
‫حم ِد هللاِ‪( .‬أفسس ‪)4–3 :5‬‬
‫َّسبيح ب ِ َ‬
‫ُ‬ ‫ل الت‬
‫بِكُم‪ ،‬بَ ِ‬

‫ثم إن الجهاد في سبيل حياة النقاوة والعفاف يجب أن يسير جنبا‬


‫إلى جنب مع الجهاد في سبيل العدل وفي سبيل خلق مجتمع أخوي‬
‫متضامن داخل الكنيسة‪ ،‬ألنه ال يوجد أي نقاء حقيقي للقلب من‬
‫دون أي مشاعر اشتياق للعدل‪ ،‬كما يوصينا اإلنجيل‪:‬‬

‫ن وه َو ال يَح َف ُظ لِسانَهُ‪ ،‬خد ََع نَ َ‬


‫فس ُه وكانَت‬ ‫وم ْن َظ َّ‬
‫ن أن َّ ُه ُم َت َديِّ ٌ‬ ‫َ‬
‫أن‬‫ي ْ‬ ‫ِديَان ُت ُه باطِ َل َة‪ .‬فالدِّيانَ ُة ّ‬
‫الطاهِ َر ُة النَّق َّي ُة عِ ن َد هللاِ أبينا هِ َ‬
‫صون‬
‫َ‬ ‫وأن يَ‬
‫ْ‬ ‫ضي َقت ِِهم‪،‬‬
‫واألرامل في ِ‬ ‫ِ‬ ‫َني اإلنسان بِاأليتامِ‬ ‫يَعت َ‬
‫فس ُه مِ ْن َدنَ ِس العا َلمِ ‪( .‬يعقوب ‪)27–26 :1‬‬
‫نَ َ‬

‫َ‬
‫عرفت أن‬ ‫ال تتعلّق فضيلة العفاف بالمجال الجنسي فقط؛ فلو‬
‫ذهبت إلى النوم دون إطعامه‪ ،‬فهذا أمر ينجس‬
‫َ‬ ‫جارك جائع‪ ،‬ومن ثم‬
‫القلب‪ .‬فلهذا السبب وضع المسيحيون األوائل كل ما كان يملكونه‬
‫في صندوق مشترك – مأكلهم ومشربهم‪ ،‬وحاجياتهم‪ ،‬وطاقاتهم‪،‬‬
‫وحتى نشاطاتهم الفكرية واإلبداعية – وتخلوا عن كل هذه األشياء‬
‫وقدموها لله‪ .‬وألنهم كانوا قلبا واحدا وروحا واحدة وجعلوا كل شيء‬
‫عندهم مشتركا‪ ،‬تمكنوا عندئذ كجماعة واحدة من خوض المعركة‬
‫مع شتى أنواع الشرور والفساد حتى النصرة‪.‬‬

‫ال يضمن الزواج حياة العفاف‬


‫من الوهم أن نظن أن الصراع من أجل النقاء والعفاف سينتهي‬
‫حالما يتزوج المرء‪ .‬ذلك أن الزواج نفسه ممكن أن يكون َف ّ‬
‫خا‪.‬‬
‫ل بمجرد أن‬ ‫ويظن الكثير من الشباب أن جميع مشاكلهم سوف ُت َ‬
‫ح ّ‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪84‬‬

‫يتزوجوا‪ ،‬ولكن ال تبدأ في الحقيقة الكثير من مشاكلهم إال بعد الزواج‪.‬‬

‫مما ال شك فيه أن االتحاد الزوجي بين الزوج والزوجة هو نعمة‬


‫عظيمة‪ .‬فله أن يعطي تأثيرا شافيا‪ ،‬خصوصا فيما يتعلق بالتخفيف‬
‫من حدة الـ «أنا» أي بمعنى تخفيف التمركز حول الذات واألنانية‪.‬‬
‫ولكن ال يمكن للتأثير الشافي للزواج أن يقدّم شفاء كامال بحد ذاته‬
‫يحل مشكلة عذاب ضمير شريك‬
‫ّ‬ ‫أبدا‪ .‬إذ ال يقدر أي بشر على أن‬
‫حياته المث ّقل باآلثام أبدا‪ .‬فال يمكن الحصول على الشفاء الكامل إال‬
‫بالرب يسوع المسيح‪.‬‬

‫لذلك فإن وثيقة الزواج ليست ضمانا لحياة العفاف‪ .‬فكلما‬


‫فقد الزوجان العالقة الحقيقية مع هللا‪َ ،‬ف َق َد الجنس بسرعة سم ّوه‬
‫وكرامته وأصبح هدفا وغاية في حد ذاته‪ .‬فالسطحية في المجال‬
‫الجنسي‪ ،‬حتى لو كانت في الزواج‪ ،‬تعني الدمار ألنها تخ ّرب ِس ّر‬
‫الرباط الزوجي المقدس بين الرجل والمرأة‪.‬‬

‫ونرى في يومنا هذا مأساة حقيقية حيث إن الكثيرين‪ ،‬ومن‬


‫ضمنهم العديد من المسيحيين‪ ،‬يستخدمون وثيقة الزواج كرخصة‬
‫إلشباع كل شهوة عندهم‪ .‬وقد حكى لي زوجان متوسطا العمر‬
‫عندما قابلتهما مرة‪ ،‬كيف كانا يشاهدان من وقت آلخر في حجرتهما‬
‫الخاصة أفالم فيديو خليعة لتساعدهما على «إبقاء عالقة حبهما‬
‫ح ّية» كما كانا يظنان‪ .‬ولم يريا أي شيء باطل في ذلك‪ .‬وكان تبرير‬
‫عملهما كاآلتي‪« :‬أال يريد هللا للزوجين أن يمتِّع أحدهما اآلخر؟» فلم‬
‫يتمكنا من أن يريا كيف انحرفت عالقة حبهما وصارت رخيصة‪.‬‬
‫أما محاولتهما في استبدال حياتهما بحياة الناس اآلخرين من خالل‬
‫مشاهدتهما لتلك األفالم الخليعة‪ ،‬فلم تؤ ِّد إال إلى تأجيج عدم قناعة‬
‫أحدهما باآلخر‪.‬‬
‫‪85‬‬ ‫أنـقـيــاء الـقـلـوب‬

‫ال شيء في الدنيا يحتاج إلى معونة وبركة هللا أكثر من العالقة‬
‫الزوجية‪ .‬لذلك عندما يقترن رجل بامرأة‪ ،‬يجب أن يكون لهما‬
‫الموقف نفسه الذي كان لموسى عندما جاء إلى العليقة التي‬
‫كانت تتوقد بالنار وهي ال تحترق‪ ،‬فقد قال له هللا‪« :‬ا ِخ َل ْع نَع َل َ‬
‫يك‬
‫رض ُم َقدَّسة!»‬ ‫قائم فيه أ َ ٌ‬
‫ٌ‬ ‫المكان الَّذي أ َ َ‬
‫نت‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫مِ ن رِج َل َ‬
‫يك‪ ،‬فإ ِ َّ‬
‫(خروج ‪ )5 :3‬ويجب أن يكون موقفهما موقف التوقير لخالقهما‬
‫ولس ّر الزواج دائما‪.‬‬
‫ِ‬

‫لو كان اقتران الزوجين موضوعا تحت بركة هللا‪ ،‬لتمكن الجنس‬
‫المرتبة من هللا تحقيقا وافيا‪ :‬فالجنس مليء‬
‫من تحقيق وظيفته ُ‬
‫]*[‬
‫وس ّر خفي‪ .‬وحاشا له أن يشابه تصرفا حيوانيا متعديا‬
‫رقة وسالم ِ‬
‫وشهوانيا‪ ،‬ولكنه يخلق ويع ّبر عن رباط فريد من الحب السامي‬
‫والباذل للذات‪.‬‬

‫فعندما يعيش الزوجان األمور الجنسية بهذه الطريقة‪ ،‬فسوف‬


‫يشعران بأن اقترانهما ال يمكن أن يكون المقصود منه التناسل فقط‪.‬‬
‫ولكن عليهما في الوقت نفسه أن يتذكرا أنه بفضل اقترانهما فربما‬
‫تولد نفس جديدة إلى هذا العالم‪ .‬ولو تحلّيا بالتوقير حقا‪ ،‬فسوف‬
‫يكنّان العجب لقدسية هذه الحقيقة بحيث يصبح اقترانهما بمثابة‬
‫صالة لله‪.‬‬

‫فمن دون السيد المسيح ال يستطيع أي رجل أو امرأة عاشا في‬


‫فحشاء وزِنى أن يستوعبا العمق الس ّري للمجال الجنسي‪ .‬أما مع‬
‫المسيح فيمكن لهما أن يحصال على شفاء كامل واستيعاب كامل‪.‬‬
‫فيقول اإلنجيل‪:‬‬

‫]*[  أي بمعنى تصرفات ساديّة التي هي شذوذ جنسي قائم على التّل ُّذذ بإحداث األلم لدى اآلخر‬
‫طل ًبا للته ُّيج الجنسي أو إلشباع الشهوة الجنسية‪.‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪86‬‬

‫نكون مِ ث َل ُه ألنَّنا سنَرا ُه كما‬


‫ُ‬ ‫سيح متى ظ َه َر‬
‫َ‬ ‫الم‬ ‫حن نَعر ِ ُف َّ‬
‫أن َ‬ ‫نَ ُ‬
‫أن‬ ‫سيح ط َّه َر نَ َ‬
‫فس ُه كما َّ‬ ‫ِ‬ ‫كان َله هذا ال َّرجا ُء في َ‬
‫الم‬ ‫وم ْن َ‬
‫ه َو‪َ .‬‬
‫سيح طاهِ رٌ‪ 1( .‬يوحنا ‪)3–2 :3‬‬
‫َ‬ ‫الم‬
‫َ‬
‫الجزء الثاني ‪:‬‬

‫ج َم َع ُه هللا‬
‫ما َ‬
‫الفصل الثامن‬

‫الزواج في الروح القدس‬

‫يش ًة‬
‫أن تَعيشوا عِ َ‬
‫ب‪ْ ،‬‬ ‫جين في ال َّر ِّ‬ ‫ب إ َليكُم‪ ،‬أنا َّ‬
‫الس َ‬ ‫فأط ُل ُ‬
‫وأن تكونوا‬‫ْ‬ ‫ليق بِالدَّع َو ِة الّتي دَعاك ُُم هللاُ إ َليها‪،‬‬ ‫تَ ُ‬
‫عضكُم‬ ‫ين‪ .‬فاحتَمِ لوا بَ ُ‬ ‫وصبور ِ َ‬
‫َ‬ ‫عين و ُل َطفا َء‬
‫تواض َ‬
‫ِ‬ ‫ُم‬
‫عضا ب ِ َمح َّبةٍ‪ ،‬واجت َِهدوا في ُ َ‬
‫المحاف َظ ِة على َوح َد ِة ال ُّر ِ‬
‫وح‬ ‫بَ ً‬
‫السالمِ ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫باط‬‫بِر ِ ِ‬

‫أفسس ‪3 – 1 :4‬‬

‫تم ّر كلها بامتحانات عسيرة وأزمات‪ ،‬غير أن‬


‫العالقات الزوجية‬
‫كل هذه األمور ال يمكن لها سوى أن تمهد‬
‫السبيل لمزيد من الحب‪ ،‬وعلى المتزوجين الشباب أن ال ينسوا‬
‫هذا‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن الحب الحقيقي يقدّم للزوجين القوة‬
‫الالزمة لمواجهة أي امتحان يصادفانه في حياتهما‪ .‬ويعني الحب على‬
‫أرض الواقع أعماال صالحة وخدمة أحدهما لآلخر بخضوع متواضع‬
‫ومتبادل‪ .‬إال أن الحب الحقيقي يولد من الروح القدس‪.‬‬

‫وكثيرا ما نتغاضى عن سمو هذه الحقيقة‪ .‬ونميل أحيانا إلى‬


‫صرف النظر عن الحب الحقيقي ألننا نعتقد أنه مجرد نوع من أنواع‬
‫الروايات الواهية وفي أحيان أخرى نبذل جهودا طائلة الستكشافه‬
‫إلى درجة أنه يفوتنا كليا‪ .‬غير أن الحب الحقيقي المنبثق من الروح‬

‫‪88‬‬
‫‪89‬‬ ‫الـزواج في الـروح الـقـدس‬

‫القدس ال يمكن الحصول عليه بجهود بشرية‪ .‬وسيالحظ الزوجان‬


‫اللذان يختبران بركاته‪ ،‬بأن حبهما يتزايد على مر األيام والسنين‪،‬‬
‫بالرغم من المِ حن التي قد يواجهانها‪ .‬وتبقى بهجتهما في إسعاد‬
‫اآلخر ح ّية حتى حينما تم ّر عقود من السنين على زواجهما‪ .‬وهذا‬
‫ما ع ّبرت عنه هايدي ‪ Heidi‬وهي من إحدى معارفي التي تزوجت‬
‫منذ أربعين عاما‪ ،‬فهي تقول أن تعبيرات الحب ال تتطلب الكثير‬
‫من البهرجة والتطبيل‪ .‬وغالبا ما تع ّبر إيماءة واحدة بسيطة عن كل‬
‫شيء‪ .‬وتردف قائلة‪:‬‬

‫أنا وزوجي كالوس ‪ Klaus‬قد مررنا بكثير من الصراعات‬


‫الروحية والمجاهدات في عالقتنا الزوجية‪ ،‬وفي عالقتنا مع‬
‫أبنائنا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬وبالرغم من كل هذه األمور‪ ،‬فقد نما‬
‫حبنا وصار أقوى من قبل‪ .‬وكنا نتعجب في مرات كثيرة من‬
‫روعة عطية هللا في كل مِ نّا‪ .‬وأنا أعتقد بأنه لوال الرومانسية‬
‫العاطفية لما استمرت عالقتنا – فالمفاجئات واألفراح‬
‫الصغيرة التي يقدّمها أحدنا لآلخر هي التي ساهمت في‬
‫تثبيت وتجديد حبنا في العديد من المرات‪ .‬وكانت تصيبني‬
‫الدهشة دائما عندما يكتب لي كالوس قصيدة جديدة أو‬
‫يرسم لي رسما صغيرا على قطعة من الحجر وجدها في‬
‫ُ‬
‫كنت أضع باقة مقطوفة‬ ‫الطبيعة‪ .‬وكم كان يفرح عندما‬
‫حديثا من الزهور بجانب سريره أو أخبز له بسكويت ساخن‬
‫أو أقوم بتحضير قدح شاي له عند مجيئه إلى البيت بعد نهار‬
‫طويل من العمل!‬

‫لقد اكتشفنا أنه ال شيء أكثر إنعاشا للحب غير الضحك‬


‫على ما نصادفه يوميا من اختبارات بيننا‪ ،‬أو عندما يمازحني‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪90‬‬

‫ح َيل ِ ِه الشق ّية‪ . . . .‬فبالرغم من أن الزواج التزام جاد لمدى‬


‫بِ ِ‬
‫الحياة‪ ،‬غير أني أعتقد أنه بإمكاننا أن نكون كاألطفال نحوه‬
‫ونتوكل على هللا وإرشاده‪ ،‬ونعيشه بعناية يوما فيوم‪ .‬فنتعثر‬
‫أحيانا في الطريق؛ ونقترف األخطاء؛ ونختلف ونتشاجر‪ ،‬ولكن‬
‫بعد هذا كله‪ ،‬يحب أحدنا اآلخر أكثر من ذي قبل‪.‬‬

‫ترتقي العالقة الزوجية بفضل الروح القدس‬


‫عندما يسعى أي رجل وامرأة إلى إقامة عالقة عاطفية عميقة بينهما‪،‬‬
‫فإنهما يفعالن ذلك عادة بلغة المشاعر المتبادلة والقيم المشتركة‬
‫ومقاسمة األفكار واألماني الطيبة أحدهما نحو اآلخر‪ .‬ولكن يجب‬
‫أن ندرك ومن دون التقليل من شأن هذه األمور وهذه المشاعر‬
‫العاطفية أن الروح القدس يكشف عن مستوى مختلف تماما من‬
‫االختبار بين الزوج وزوجته‪.‬‬

‫مما ال شك فيه أن الحب الزوجي القائم على أساس اإلثارة‬


‫العاطفية يكون رائعا‪ ،‬ولكنه سرعان ما قد يصبح أيضا يائسا‬
‫وتعيسا‪ .‬فاإلثارة العاطفية أساس متزعزع على المدى البعيد‪ .‬فال‬
‫س َّير بالروح القدس‪.‬‬
‫يحصل الحب على اليقين والثبات إال عندما ُي َ‬

‫لو لم نكن نبتغي سوى تلك الوحدة وسوى ذلك الحب‬


‫الممكن تحقيقهما على الصعيد البشري فقط‪ ،‬فسوف نظل مثل‬
‫حب نندفع ثم نتوقف وتلعب بنا الرياح كما تشاء‪ .‬أما لو كنا‬
‫الس ُ‬
‫ُّ‬
‫نبتغي الوحدة في الروح القدس‪ ،‬فباستطاعة هللا أن يوقد فينا حبا‬
‫وف ّيا بوسعه أن يدوم إلى النهاية‪ .‬فسوف يحرق روح هللا القدوس‬
‫كل شيء فينا ال يسعه أن يدوم‪ .‬فهو ينقي حبنا‪ .‬فالحب الحقيقي ال‬
‫ينشأ من داخل نفوسنا بل يسكبه هللا علينا‪.‬‬
‫‪91‬‬ ‫الـزواج في الـروح الـقـدس‬

‫إن الزواج بالروح القدس هو ميثاق عهد الوفاء‪ .‬فحيث ال يوجد‬


‫والء ال يوجد حب حقيقي وال سعادة حقيقية‪ .‬وفي مجتمعات بالدنا‬
‫نرى أن العالقات الزوجية تتعرض المتحانات حياتية شديدة بشكل‬
‫غير مسبوق‪ ،‬غير أن هذه الشدائد ينبغي أن تصقل وتزيد من التزام‬
‫الزوجين أحدهما باآلخر‪ .‬إذ ينبع الوفاء من اليقين الروحي عند‬
‫الزوجين بالدعوة التي يدعونا هللا إليها‪ .‬أما الوفاء فهو ثمرة الخضوع‬
‫بفرح للترتيب اإللهي للزواج‪.‬‬

‫]*[‬
‫يصف بيتر ريدَمان النظام اإللهي للزواج في كتابه «شهادة‬
‫اإليمان المسيحي ‪ »Confession of faith‬الذي أصدره في عام‬
‫‪1540‬م بأنه يتضمن ثالثة مستويات‪ :‬المستوى األول هو زواج هللا‬
‫مع شعبه والمسيح مع كنيسته والروح القدس مع أرواحنا‪ ،‬مثلما‬
‫حا وا ِحدًا‪1( ».‬‬
‫ب صا َر وإيَّا ُه ُرو ً‬ ‫ن اتَّ َ‬
‫ح َد بال َّر ِّ‬ ‫ِن َم ِ‬
‫يشهد اإلنجيل‪« :‬ولك ْ‬
‫كورنثوس ‪ )17 :6‬والمستوى الثاني هو حياة الجماعة لشعب هللا –‬
‫حيث يسود العدل فيما بينهم ويتحلّون بشركة في الروح والنفس‪.‬‬
‫قتصرة بين رجل واحد وامرأة‬
‫الم ِ‬
‫والمستوى الثالث هو الوحدة ُ‬
‫واحدة‪ ،‬التي وصفها بأنها‪« :‬مرئية ومفهومة من قبل الجميع‪ »،‬كما‬
‫ل أبا ُه وأ ُ َّم ُه وي َّت ِ‬
‫ح ُد بام َرأتِ ِه‬ ‫ج ُ‬ ‫ِك يَ ْت ُر ُ‬
‫ك ال َّر ُ‬ ‫يشهد لذلك اإلنجيل‪« :‬ولذل َ‬
‫‪14‬‬
‫سدًا واحدًا‪( ».‬أفسس ‪)31 :5‬‬
‫ج َ‬
‫االثنان َ‬
‫ِ‬ ‫ف َيصي ُر‬

‫وحدة اإليمان أضمن أساس للزواج‬


‫يرسم الرسول بولس أيضا صورة متوازية بين الزواج والوحدة‬

‫]*[  بيتر ريدَمان ‪ Peter Riedemann‬قسيس أوروبي من القرن السادس عشر كان ينتمي إلى‬
‫الحركة المسيحية اإلصالحية أنابابتست ‪ Anabaptist‬التي انتشرت في بقاع كثيرة في أوروبا والقت‬
‫اضطهادا كبيرا هناك‪ .‬وقد أصلحت تلك الحركة جوانب عديدة من الحياة المسيحية آنذاك وأرجعتها‬
‫إلى أصلها كما كانت في حياة الكنيسة الرسولية األولى‪ ،‬نذكر منها‪ :‬عدم حمل السالح‪ ،‬ومعمودية‬
‫البالغين المؤمنين‪ ،‬وعدم قبول الطالق‪ ،‬والمقاسمة التامة في الجماعة المسيحية‪.‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪92‬‬

‫الروحية عندما يطلب من األزواج أن يحبوا زوجاتهم‪:‬‬

‫الكنيس َة‬
‫َ‬ ‫سيح‬
‫ُ‬ ‫الم‬
‫ب َ‬ ‫جال‪ ،‬أ ِح ُّبوا نِسا َءكُم مِ ث َلما أ َ‬
‫ح َّ‬ ‫أيُّها ال ِّر ُ‬
‫َفس ِه مِ ْن أجل ِها‪( .‬أفسس ‪)25 :5‬‬
‫حى بِن ِ‬ ‫َ‬
‫وض َّ‬

‫فالزواج في نظر المسيحيين ُيعتبر انعكاسا لوحدة سامية وهي‬


‫وحدة هللا مع كنيسته المقدسة‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن أهم شيء في الزواج‬
‫المسيحي هو وحدة ملكوت هللا في المسيح وفي الروح القدس‪.‬‬
‫وجوهر الموضوع أن وحدة الملكوت هي األساس الوحيد المضمون‬
‫الذي يمكن أن ُيبنى عليه الزواج‪.‬‬

‫لكوت هللاِ ومشي َئ َتهُ‪ ،‬فيزي َدك ُُم هللاُ هذا كُلَّه‪.‬‬
‫َ‬ ‫فاَطلبوا أ َّوال ً َم‬
‫(متى ‪)33 :6‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬ينبغي أن يعمل الزواج على تقريب الزوجين‬


‫المؤمنين إلى الرب يسوع وإلى ملكوته دائما‪ .‬فال يكفي للزوجين‬
‫أن يتزوجا في كنيسة أو على يد قسيس‪ .‬ولو أرادا أن يتقربا أكثر إلى‬
‫المسيح فيجب عليهما أوال كأفراد أن ُيك ِّرسا نفسيهما كل ّيا لروح ّية‬
‫ملكوت هللا ولمجتمع الكنيسة الذي يخدم الروح القدس‪ ،‬وأن يضعا‬
‫نفسيهما رهن إرشاده وتوجيهه‪ .‬فيجب أن يكون هناك أوال وحدة‬
‫خالصة في اإليمان والروح‪ .‬ففي هذه الحالة فقط سيكون هناك‬
‫وحدة حقيقية للنفس والجسد كذلك فيما بينهما كزوجين‪.‬‬

‫ولهذا السبب ترفض الكثير من الكنائس (ولو بشكل تقليدي)‬


‫أن تز ّوج أحد أفرادها من شخص ال يقاسمه (أو يقاسمها) اإليمان‬
‫بالمسيح‪ ،‬كما يوصي اإلنجيل‪:‬‬
‫‪93‬‬ ‫الـزواج في الـروح الـقـدس‬

‫خير ِ‬ ‫ص َل ٍة بَ َ‬
‫ين ال َ‬ ‫ؤمنين في نِير ٍ واحدٍ‪ .‬أيُّ ِ‬‫َ‬ ‫ال تَق َترِنوا ب ِ َغير ِ ُ‬
‫الم‬
‫الظالمِ ؟ (‪ 2‬كورنثوس ‪)14 :6‬‬ ‫والش ِّر؟ وأيُّ عال َق ٍة لِلنُّور ِ ب ِ َّ‬
‫َّ‬

‫(وفي سفر عزرا إصحاح ‪َ 9‬و ‪ 10‬نقرأ كيف أن النبي كان عليه أن‬
‫يَمثِل أمام هللا ويتوب توبة نصوحة بالنيابة عن جميع رجال شعب‬
‫إسرائيل الذين أخذوا يتزوجون نساء من أمم وثنية)‪ .‬فتؤمن هذه‬
‫الكنائس من ناحية بأن كل من ينجذب حقا بروح المحبة والعدل‬
‫اللذين تمارسهما أي كنيسة مسيحية حقيقية لن يبقى «غريبا‪ ».‬إال‬
‫أنها ترى من ناحية أخرى أن الزواج بين أحد أفرادها وشخص لم‬
‫ينجذب إلى حياة مجتمع الكنيسة وال إلى المبادئ األساسية لإليمان‬
‫سيفتقر إلى الوحدة الروحية الضرورية لرباط الزواج اآلمن‪.‬‬

‫أما من رغب في االنضمام إلى مجتمع الكنيسة وكان متزوجا‬


‫من شخص له إيمان مختلف‪ ،‬فيجب علينا أن نفعل المستحيل‬
‫للحفاظ على زواجهما‪ ،‬ما دام إيمان هذا العضو الجديد لم يتعثر‬
‫بالشريك غير المؤمن‪.‬‬

‫عندما يكون الحب بين رجل وامرأة يرغبان في الزواج مك ّرسا‬


‫للروح القدس وموضوعا تحت سيادته وإرشاده – وعندما يخدم هذا‬
‫الحب وحدة وعدالة ملكوت هللا – فال يوجد أي سبب يمنع هذين‬
‫الشخصين من الزواج‪ .‬ولكن إن كان الشخصان تنقصهما الوحدة‬
‫الروحية‪ ،‬فإن االقتران في الكنيسة أمر مستحيل‪ .‬فلو كانت الكنيسة‬
‫هي حقا جسد المسيح‪ ،‬لوجب على الوحدة بين أعضائها أن تأتي‬
‫قبل كل شيء آخر‪ ،‬وتكون – تلك الوحدة الخاضعة لله – في المرتبة‬
‫األولى والمقام األول في حياة كل فرد فيها وتحتل مركز الصدارة عنده‪.‬‬

‫هنا‪ ،‬البد من القول أنه ال يمكن أبدا للحلول البشرية أن توفي‬


‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪94‬‬

‫بمتطلبات الزواج الصحيح في الروح القدس‪ ،‬وال يمكن معالجتها‬


‫بواسطة مبادئ وأحكام وقواعد‪ .‬فال يمكن استيعاب هذه المتطلبات‬
‫سوى في نور الوحدة التي يريدها هللا‪ ،‬وال يستوعبها سوى أولئك‬
‫الذين اختبروا روحه القدوس وقبلوه شخصيا وابتدؤوا يعيشون‬
‫وفقا له‪.‬‬

‫إن أهم ما في مشيئة هللا هو الوحدة‪ ،‬ولهذا السبب ّ‬


‫صلى يسوع‬
‫في صالته األخيرة من أجل أن يكون أتباعه متّحدين‪ .‬فلنقرأ صالة‬
‫السيد المسيح في اإلنجيل‪:‬‬

‫ألجل َم ْن َق ِبلوا‬
‫ِ‬ ‫صلي ً‬
‫أيضا‬ ‫صلي ألجل ِِهم وح َدهُم‪ ،‬بل أ ُ ِّ‬ ‫ال أ ُ ِّ‬
‫إجع ْل ُهم كُلَّ ُهم واحدًا ل َيكونوا واحدًا فينا‪ ،‬أيُّها‬
‫كالم ُهم فآمنوا بي‪َ .‬‬
‫َ‬
‫أرس ْلتَني‪.‬‬
‫ك َ‬ ‫ن العا َل ُم أن َّ َ‬
‫فيك‪ ،‬ف ُيؤمِ َ‬
‫َ‬ ‫ي وأنا‬ ‫اآلب مِ ث َلما َ‬
‫أنت ف َّ‬ ‫ُ‬
‫أعطيتَني ليكونوا واحدًا مِ ث َلما َ‬
‫أنت‬ ‫المج َد الّذي َ‬‫أعطي ُت ُه ُم َ‬
‫وأنا َ‬
‫لتكون ِوح َد ُت ُهم كامِ َل ًة ويَعر ِ َف‬
‫َ‬ ‫وأنت ف َّ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫فيهم‬
‫وأنا واحدٌ‪ :‬أنا ِ‬
‫ك ُتح ُّب ُهم مِ ث َلما ُتح ُّبني‪( .‬يوحنا ‪:17‬‬ ‫أرس ْلتَني وأن َّ َ‬
‫ك َ‬ ‫العا َل ُم أن َّ َ‬
‫‪)23–20‬‬

‫إن مشيئة هللا لزرع الوحدة في صفوف الناس هي التي صنعت يوم‬
‫]*[‬
‫الخمسين وجاءت به إلى العالم‪ .‬ذلك أنه بحلول الروح القدس‪،‬‬
‫ُوخ ْ‬
‫ِزت قلوب الناس‪ ،‬فتابوا وتعمدوا‪ .‬ولم تقتصر ثمار وحدتهم على‬
‫الجانب الروحي‪ .‬فقد تأثرت أيضا المظاهر المادية والعملية لحياتهم‪،‬‬
‫بل حدثت فيها ثورة‪ .‬فصارت الحاجيات ُتجمع و ُتباع ويؤتى بأثمانها‬
‫وتوضع عند أقدام الرسل‪ .‬فقد أراد كل واحد فيهم أن يعطي كل ما‬
‫لديه بدافع المحبة‪ .‬ومع ذلك لم يتعرض أي واحد منهم إلى الحاجة‬

‫]*[  يوم الخمسين أو يوم العنصرة هو يوم حلول الروح القدس على التالميذ في أورشليم وانبثاق‬
‫الكنيسة األولى بحياتها المشتركة‪.‬‬
‫‪95‬‬ ‫الـزواج في الـروح الـقـدس‬

‫أو العوز‪ ،‬بل تلقى كل منهم ما كان يحتاجه أو تحتاجه‪ .‬ولم يقتطع‬
‫أحد أي شيء لنفسه‪ ،‬سواء كانت أموال أو أمالك أو ممتلكات‪ ،‬بل‬
‫تقاسموها ولم يبخلوا بشيء عن إخوانهم وأخواتهم وعن الناس‬
‫المتألمين في خارج الكنيسة‪ .‬ولم تكن هناك قوانين أو مبادئ تحكم‬
‫هذه الثورة‪ ،‬حتى أن يسوع نفسه لم ي ُقل لنا كيف يجب علينا تأديتها‬
‫ثم َن ُه على ال ُفقراءِ‪».‬‬
‫بالضبط‪ ،‬سوى أنه قال‪« :‬ب ِ ْع ما تملِكُ ُه و َو ِّز ْع َ‬
‫(متى ‪ )21 :19‬وقد حصلت هذه الثورة فعال في يوم الخمسين‪ :‬فقد‬
‫حد قلوب الذين آمنوا‪ ،‬وفيما يلي‬
‫حل الروح القدس على الناس وو ّ‬
‫ّ‬
‫نرى كيف يشهد لنا اإلنجيل عن هذه الثورة‪:‬‬

‫مكان‬
‫ٍ‬ ‫َمعين كُلُّ ُهم في‬
‫َ‬ ‫مسون‪ ،‬كانوا ُمجت‬
‫َ‬ ‫اليوم ال َ‬
‫خ‬ ‫ُ‬ ‫ولما جا َء‬‫َّ‬
‫عاص َفةٍ‪َ ،‬‬ ‫ً‬
‫فمأل‬ ‫ِ‬ ‫السما ِء فجأة َد ِوي ٌّ كَر ِ ٍ‬
‫يح‬ ‫ن َّ‬ ‫واحدٍ‪ ،‬فخ َر َج مِ َ‬
‫ألس َنةٌ كأنَّها مِ ْن نارٍ‪،‬‬
‫وظه َرت ل ُهم ِ‬ ‫يت الّذي كانوا فيهِ‪َ .‬‬ ‫ال َب َ‬
‫ن‪ .‬فاَمتَألوا‬ ‫ُل واح ٍد مِ ن ُهم لِسا ٌ‬ ‫س َمت وو َق َف على ك ِّ‬ ‫فاَن َق َ‬
‫غات َغير ِ‬‫مون ب ِ ُل ٍ‬ ‫وح ال ُق ُد ِس‪ ،‬وأخذوا يتكَلَّ َ‬ ‫ن ال ُّر ِ‬ ‫كُلُّ ُهم مِ َ‬
‫وكان‬
‫َ‬ ‫أن ينطِ ُقوا‪.‬‬ ‫ُل َغت ِِهم‪ ،‬على َقدْ ر ِ ما َمنَح ُه ُم ال ُّر ُ‬
‫وح ال ُق ُد ُس ْ‬
‫حت‬‫ُل أ ُ َّم ٍة تَ َ‬
‫ن ال َيهو ِد جا ُؤوا مِ ْن ك ِّ‬
‫ناس أتقيا ُء مِ َ‬ ‫ُ‬
‫شليم أ ٌ‬‫َ‬ ‫في أُو ُر‬
‫ّاس وهُم في‬ ‫وت‪ ،‬ا َ َ‬
‫جتم َع الن ُ‬ ‫الص ُ‬
‫ِك َّ‬ ‫َث ذل َ‬ ‫فلما حد َ‬
‫َّ‬ ‫السماءِ‪.‬‬
‫َّ‬
‫مون ب ِ ُل َغ ِتهِ‪.‬‬
‫سم ُع ُهم يتكَلَّ َ‬
‫كان يَ َ‬
‫َ‬ ‫ُل واح ٍد مِ ن ُهم‬
‫ألن ك َّ‬
‫حي َرةٍ‪َّ ،‬‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫المتكَلِّ َ‬
‫مون كُلُّ ُهم مِ َ‬ ‫«أما ه ُؤال ِء ُ‬ ‫فاَحتاروا وتَ َع َّ‬
‫جبوا وقالوا‪َ :‬‬
‫ُل واح ٍد مِ نّا ب ِ ُلغ ِة بَل ِدهِ؟ نَ ُ‬
‫حن مِ ْن‬ ‫سم ُع ُهم ك ُّ‬ ‫َ‬
‫فكيف يَ َ‬ ‫ليل؟‬
‫ج ِ‬ ‫ال َ‬
‫َّهرين وال َيهوديَّ ِة وكَ َّبدوك َّي َة‬
‫ِ‬ ‫بَرث َي َة وماديَ َة وعيال َم وما بَ َ‬
‫ين الن‬
‫نطس وآس َّي َة و َفريج َّي َة وبَمفيل َّي َة ومِ ْص َر ونَواحي ليب َّي َة‬
‫وب ُ َ‬
‫ب‪،‬‬
‫وع َر ٌ‬ ‫قيمون هُنا وكَرِيت ُّي َ‬
‫ون َ‬ ‫َ‬ ‫ون ُم‬
‫ِقيرين‪ ،‬ورومان ُّي َ‬
‫َ‬ ‫المجا ِور ِة ل‬
‫مون ب ِ ُلغاتِنا على‬
‫سم ُع ُهم يَتكلَّ َ‬
‫ِك نَ َ‬
‫ومع ذل َ‬
‫َ‬ ‫يَهودٌ و ُد َ‬
‫خال ُء‪،‬‬
‫قول‬
‫ذهولين يَ ُ‬
‫َ‬ ‫العظيمةِ!» وكانوا كُلُّ ُهم حائ َ‬
‫ِرين َم‬ ‫أعمال هللاِ َ‬
‫ِ‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪96‬‬

‫قولون‬
‫َ‬ ‫آخرين كانوا يَ‬
‫َ‬ ‫ِن‬
‫ِبعض‪« :‬ما َمعنى هذا؟» لك َّ‬ ‫بَ ُ‬
‫عض ُهم ل ٍ‬
‫ِرين‪« :‬أسكَ َر ْت ُه ُم ال َ‬
‫خم ُر‪».‬‬ ‫ساخ َ‬

‫عش َر‪ ،‬ور َف َع صوتَ ُه‬


‫مع التَّالمي ِذ األح َد َ‬
‫فوقف بُط ُر ُس َ‬ ‫َ‬
‫شليم‪،‬‬
‫َ‬ ‫قيمين في أُو ُر‬
‫َ‬ ‫الم‬
‫جميع ُ‬
‫َ‬ ‫وقال ل ُهم‪« :‬أيُّها ال َيهودُ‪ ،‬ويا‬
‫َ‬
‫أ َ ْص ُغوا إلى كالمي واَع َلموا هذا‪ :‬ما ه ُؤال ِء سكارى كما‬
‫حا‪ .‬وما هذا إال َّ ما قا َل ُه‬
‫التاسع ِة َصبا ً‬
‫ِ‬ ‫َحن بَع ُد في‬ ‫تَ ُظن َ‬
‫ُّون‪ ،‬فن ُ‬
‫أفيض مِ ْن ُروحي‬ ‫ُ‬ ‫قال هللاُ‪‹ :‬في األيّامِ األخير ِة‬
‫َ‬ ‫وئيل‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َّبي ُي‬
‫الن ُّ‬
‫البشرِ‪َ ،‬ف َيتَن ّبأ ُ بَنوكُم وبَنا ُتكُم ويَرى شبابُكم‬
‫َ‬ ‫جميع‬
‫ِ‬ ‫على‬
‫أحالما‪ .‬وعلى َعبيدي‪ ،‬رِجاال ً ونِسا ًء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫خكُم‬ ‫ر ًؤى ويَح َل ُم ُشيو ُ‬
‫ل‬
‫وأعم ُ‬
‫َ‬ ‫أون كُلُّ ُهم‪.‬‬
‫ِلك األيّام ف َيتَن ّب َ‬ ‫أُ ُ‬
‫فيض مِ ْن ُروحي في ت َ‬
‫األرض‪ :‬يكون‬
‫ِ‬ ‫زات تَ ُ‬
‫حت في‬ ‫ج ٍ‬ ‫ومع ِ‬
‫السما ِء ُ‬ ‫عجائب َف ُ‬
‫وق في َّ‬ ‫َ‬
‫والقم ُر د ًَما‬
‫َ‬ ‫مس َظ ً‬
‫الما‬ ‫كثيف‪ ،‬وتَصي ُر َّ‬
‫الش ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ن‬
‫َد ٌم ونار ٌ ودُخا ٌ‬
‫فم ْن دَعا‬ ‫ب‪َ .‬‬‫يوم ال َّر ِّ‬
‫ُ‬ ‫العظيم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫هي‬
‫اليوم ال َب ُّ‬
‫ُ‬ ‫أن يَجي َء‬
‫بل ْ‬‫َق َ‬
‫سرائيل ا َ َ‬
‫سمعوا هذا الكال َم‪:‬‬ ‫َ‬ ‫باَسمِ ال َّر ِّ‬
‫ب يَخ ُل ُص‪ ›.‬يا بَني إ ِ‬
‫جال ً أيَّ َد ُه هللاُ بَينكُم بِما أجرى على‬ ‫الناصريُّ َر ُ‬
‫ِ‬ ‫سوع‬
‫ُ‬ ‫كان يَ‬
‫َ‬
‫واآليات كما أنتُم تَعر ِ َ‬
‫فون‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫زات‬
‫ج ِ‬ ‫والمع ِ‬
‫ُ‬ ‫ِب‬
‫ن العجائ ِ‬ ‫يَ ِد ِه مِ َ‬
‫َ ُ‬
‫ق‪،‬‬ ‫الساب ِ ِ‬
‫حتوم ِة وعِ لمِ ِه ّ‬
‫َ‬ ‫وحين أسل َِم إ َليكُم ب ِ َمشيئ ِة هللاِ َ‬
‫الم‬
‫وحط َم‬
‫َّ‬ ‫أقام ُه‬
‫َ‬ ‫ِن هللاَ‬ ‫َصلبتُمو ُه و َق َت ْلتُمو ُه بأيدي الكاف َ‬
‫ِرين‪ .‬ولك َّ‬
‫ألن دا ُو َد‬ ‫أن ُيب ِق َي ُه في َق َ‬
‫بض ِتهِ‪َّ ،‬‬ ‫ِن ْ‬ ‫ُ‬
‫فالموت ال ُيمك ُ‬ ‫الموت‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ُقيو َد‬
‫ِين فه َو َع ْن يَميني‬
‫ُل ح ٍ‬ ‫ب َمعي في ك ِّ‬ ‫ُ‬
‫‹رأيت ال َّر َّ‬ ‫قول فيهِ‪:‬‬
‫يَ ُ‬
‫سدي‬ ‫ل لِساني‪ ،‬و َ‬
‫ج َ‬ ‫ِك َفر ِ َح قلبي و َهلَّ َ‬ ‫ب‪ ،‬لذل َ‬
‫أضطر ِ َ‬
‫َ‬ ‫لِئَال َّ‬
‫األموات وال تَد َُع‬
‫ِ‬ ‫س َير ُق ُد على رجاءٍ‪ ،‬ألن َّ َ‬
‫ك ال تَت ُركُني في عا َلمِ‬
‫طريق الحياةِ‪ ،‬وست ََمألُني‬
‫َ‬ ‫ك يرى الفسادَ‪ .‬هدَيتَني‬ ‫ُقد َ‬
‫ّوس َ‬
‫جها ًرا‪:‬‬
‫أقول لكُم َ‬‫ُ‬ ‫ك‪ ›.‬أيُّها اإلخو ُة‪ :‬د َُعوني‬ ‫جه َ‬
‫ُسرو ًرا ب ِ ُرؤي ِة َو ِ‬
‫وكان‬
‫َ‬ ‫ِن‪ ،‬و َق ْب ُر ُه هُنا عِ ندَنا إلى هذا اليومِ ‪.‬‬
‫مات أبونا دا ُو ُد و ُدف َ‬ ‫َ‬
‫‪97‬‬ ‫الـزواج في الـروح الـقـدس‬

‫أن هللاَ ح َل َف َله يَمينًا َّ‬


‫أن مِ ْن نَسل ِ ِه ُي ُ‬
‫قيم َم ْن‬ ‫نَب ًّيا‪ ،‬فع َر َف َّ‬
‫سيح‬
‫ِ‬ ‫ِيام َة َ‬
‫الم‬ ‫بل ق َ‬ ‫رشهِ‪ .‬ورأى دا ُو ُد مِ ْن َق ُ‬ ‫يَستوي على َع ِ‬
‫نال مِ ْن‬
‫األموات‪ ،‬وال َ‬
‫ِ‬ ‫فقال‪ :‬ما تَركَ ُه هللاُ في عا َلمِ‬
‫َ‬ ‫وتَكلَّ َم ع َليها‬
‫حن كُلُّنا ُشهودٌ‬
‫أقام ُه هللاُ‪ ،‬ونَ ُ‬
‫َ‬ ‫سوع هذا‬ ‫ُ‬ ‫س ِد ِه ال َفسادُ‪ .‬ف َي‬
‫ج َ‬
‫َ‬
‫اآلب‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫نال مِ َ‬ ‫فلما ر َف َع ُه هللا ب ِ َيمي ِن ِه إلى َّ‬
‫السماءِ‪َ ،‬‬ ‫ِك‪َّ .‬‬‫على ذل َ‬
‫دون‬
‫َ‬ ‫فأفاض ُه ع َلينا‪ ،‬وهذا ما ُتشاهِ‬
‫َ‬ ‫وح ال ُق ُد َس الموعو َد بِه‬
‫ال ُّر َ‬
‫يقول‪:‬‬
‫ُ‬ ‫السماءِ‪ ،‬وه َو نَ ُ‬
‫فس ُه‬ ‫عون‪ .‬فدا ُو ُد ما َصعِ َد إلى َّ‬
‫سم َ‬ ‫و تَ َ‬
‫ك‬‫ل أعدا َء َ‬ ‫أجع َ‬
‫َ‬ ‫ب لِ َربّي‪ :‬إِجل ِْس َع ْن يَميني حتّى‬‫‹قال ال َّر ُّ‬
‫َ‬
‫أن‬
‫قين َّ‬ ‫سرائيل كُلُّ ُهم عِ َ‬
‫لم ال َي ِ‬ ‫َ‬ ‫يك‪ ›.‬ف ْل َيع َل ْم بَنو إ ِ‬
‫َموطِ ئًا لِ َقد ََم َ‬
‫حا‪».‬‬ ‫سوع هذا الّذي َص َل ْبتُمو ُه أنتُم َربًّا َ‬
‫ومسي ً‬ ‫َ‬ ‫ل يَ‬
‫جع َ‬
‫هللاَ َ‬

‫خ َز ْت ُهم ُقلوبُ ُهم‪،‬‬


‫رون هذا الكال َم‪َ ،‬و َ‬
‫الحاض َ‬
‫ِ‬ ‫فلما سمِ َع‬
‫َّ‬
‫ل‪،‬‬ ‫أن نَ َ‬
‫عم َ‬ ‫جب ع َلينا ْ‬ ‫ل‪« :‬ماذا يَ ُ‬ ‫فقالوا ل ُبط ُر َس وسائِر ِ ال ُّر ُس ِ‬
‫ُل واح ٍد‬ ‫فقال ل ُهم بُط ُر ُس‪ُ « :‬توبوا ول َي َ‬
‫تع َّمدْ ك ُّ‬ ‫َ‬ ‫أيُّها اإلخو ُة؟»‬
‫نع َم ع َليكُم‬
‫سيح‪ ،‬فتُغ َف َر خطاياكُم و ُي َ‬
‫ِ‬ ‫الم‬
‫سوع َ‬
‫َ‬ ‫مِ نكُم باَسمِ يَ‬
‫عيدين‪،‬‬
‫َ‬ ‫ولجميع ال َب‬
‫ِ‬ ‫وح ال ُق ُد ِس‪َّ ،‬‬
‫ألن ال َوع َد لكُم وألوال ِدكُم‬ ‫بال ُّر ِ‬
‫ناش ُدهُم‬
‫وكان بُط ُر ُس ُي ِ‬
‫َ‬ ‫ب إل ُهنا‪».‬‬
‫بِقدر ِ ما يدعو مِ ن ُه ُم ال َّر ُّ‬
‫يل‬
‫ج ِ‬‫خلَّصوا مِ ْن هذا ال ِ‬‫قول‪« :‬تَ َ‬‫ويَعِ ُظ ُهم بِكالمٍ آخ َر ويَ ُ‬
‫ِك اليومِ‬ ‫كالم ُه تَ َع َّمدوا‪ ،‬فا َ َّ‬
‫نضم في ذل َ‬ ‫َ‬ ‫فالذين َق ِبلوا‬
‫َ‬ ‫الفاسدِ!»‬
‫نفس‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫آالف‬
‫ِ‬ ‫نح َو ثالث ِة‬

‫ل وعلى‬ ‫ِماع إلى تَعليمِ ال ُّر ُس ِ‬


‫مون على االست ِ‬ ‫وكانوا ُيدا ِو َ‬
‫ٌ‬
‫وآيات‬ ‫والصالةِ‪ .‬وتَ َّمت عجائ ُ‬
‫ِب‬ ‫َّ‬ ‫المشتَركَ ِة وك َْسر ِ ال ُ‬
‫خبز ِ‬ ‫الحيا ِة ُ‬
‫ُّفوس‪.‬‬
‫جميع الن ِ‬ ‫وف على‬ ‫خ ُ‬
‫ل‪ ،‬فاَستَولى ال َ‬ ‫كثيرة ٌ على أيدي ال ُّر ُس ِ‬
‫ِ‬
‫ُل ما عِ ن َدهُم‬ ‫لون ك َّ‬
‫جع َ‬ ‫المؤمِ نون كُلُّ ُهم ُم َّتح َ‬
‫ِدين‪ ،‬يَ َ‬ ‫وكان ُ‬
‫َ‬
‫مون ثَ َمنها‬
‫تقاس َ‬
‫َ‬ ‫بيعون أمالكَ ُهم و َ‬
‫خيرات ِِهم ويَ‬ ‫َ‬ ‫ُمشتَركًا بَي َن ُهم‪ ،‬يَ‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪98‬‬

‫ُل يومٍ في‬


‫َقون ك َّ‬
‫ُل واح ٍد مِ ن ُهم‪ .‬وكانوا يَلت َ‬ ‫على َقدر ِ حا َ‬
‫ج ِة ك ِّ‬
‫َناولون‬
‫َ‬ ‫خب َز في ال ُب ِ‬
‫يوت‪ ،‬ويَت‬ ‫رون ال ُ‬ ‫ويكس َ‬
‫ِ‬ ‫َل ب ِ َق ٍ‬
‫لب واحدٍ‪،‬‬ ‫ال َهيك ِ‬
‫وينالون رِضى‬
‫َ‬ ‫حون هللاِ‪،‬‬
‫َ‬ ‫الطعا َم بِف َر ِح وبَساط ِة َق ٍ‬
‫لب‪ ،‬و ُيس ِّب‬ ‫َّ‬
‫أنعم ع َل ِ‬
‫يهم‬ ‫َ‬ ‫ُل يومِ يَزي ُد َعد َد الّ َ‬
‫ذين‬ ‫بك َ‬ ‫وكان ال َّر ُّ‬
‫َ‬ ‫ّاس كُلِّ ِهم‪.‬‬
‫الن ِ‬
‫بالخالص‪( .‬سفر األعمال ‪)47–1 :2‬‬
‫ِ‬

‫يحررنا الروح القدس من التفاهة‬


‫وينعم علينا بالوحدة القلبية‬
‫إن الوحدة الحقيقية‪ ،‬مثلها مثل الفرح أو مثل المحبة‪ ،‬فهي ال تأتي‬
‫باإلكراه أو بخلقها بصورة مصطنعة‪ .‬وال يقدر على خلقها سوى الروح‬
‫القدس وحده‪ .‬فال يقدر على تحريرنا من تفاهاتنا ومن قوى اإلثم‬
‫والمعصية التي تفصلنا عن هللا وبعضنا عن بعض سوى الروح‬
‫القدس‪ .‬وبالتأكيد‪ ،‬فباستطاعتنا أن نحاول بإرادتنا الذاتية تحرير‬
‫أنفسنا من هذه القوى الشريرة‪ ،‬وقد نتغلب عليها بدرجة معينة‬
‫ولفترة معينة من الزمن‪ .‬ولكن علينا أن نتذكر أنه في النهاية ليس‬
‫هناك سوى الروح القدس‪ ،‬الذي هو روح المحبة‪ ،‬القادر على أن يقهر‬
‫الجسد وضعفه‪.‬‬

‫وهنا علينا مرة أخرى أن ال ننسى أبدا اعتمادنا على إرشاد الروح‬
‫القدس‪ ،‬فيقول اإلنجيل‪:‬‬

‫وح‪( .‬غالطية‬ ‫َ‬


‫طريق ال ُّر ِ‬ ‫ك‬ ‫وح‪ ،‬فع َلينا ْ‬
‫أن نَس ُل َ‬ ‫فإذا كُنّا نَحيا بال ُّر ِ‬
‫‪)25 :5‬‬

‫لو كانت عالقاتنا – ومن ضمنها عالقات الزواج – قائمة على مجرد‬
‫المشاعر المتبادلة أو على القيم المشتركة وليس على الروح القدس‪،‬‬
‫ألصبحت عرضة ألن يبتلعها الجنس والعواطف البحتة‪ .‬فنحن البشر‬
‫‪99‬‬ ‫الـزواج في الـروح الـقـدس‬

‫ال نقدر بحد ذاتنا على خلق الوحدة الروحية التي تجعل من قلبين‬
‫قلبا واحدا‪ .‬وال نحصل على هذه الوحدة الروحية إال بعدما نسمح‬
‫لشيء أعظم منا أن يجتاح نفوسنا ويغ ّيرها كل ّيا‪.‬‬

‫حين يترسخ الزواج في الروح القدس‪ ،‬سيعلم كل من‬


‫الشريكين أن حبهما ليس ُملكا خاصا بهما بل هو ثمرة وعطية محبة‬
‫حدة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يتع ّين عليهم مواصلة المجاهدة الروحية‬
‫الم َو ِّ‬
‫هللا ُ‬
‫والشقاق والسطحية أو ضد أي اضطراب آخر‪ ،‬ولكن لو‬
‫ِ‬ ‫ضد األنانية‬
‫أبقيا قلبيهما مفتوحين‪ ،‬لتمكن الروح القدس من رفع أعينهما إلى‬
‫السماء وإلى معونة هللا دائما‪.‬‬

‫ومن الضروري أن يزور الروح القدس كل فرد منّا باستمرار‪،‬‬


‫سواء كنا متزوجين أو عزابا‪ .‬ألن هللا يريد أن يبدّل كل شيء في‬
‫قلوبنا ويريد أن يهبنا القوة لنحب الناس اآلخرين ونخدمهم‪ .‬ويقول‬
‫بولس الرسول في رسالته األولى إلى أهالي كورنثوس عن المحبة‬
‫ما يلي‪:‬‬

‫ُل شيءٍ‪ ،‬وتَرجو‬ ‫ُل شيءٍ‪ ،‬و ُت َصد ُِّق ك َّ‬ ‫المح َّب ُة تَص َف ُ‬
‫ح َع ْن ك ِّ‬ ‫َ‬
‫المح َّب ُة ال تَ ُ‬
‫زول أبَدًا‪1( .‬‬ ‫ُل شيءٍ‪َ .‬‬ ‫ُل شيءٍ‪ ،‬وتَص ِب ُر على ك ِّ‬ ‫ك َّ‬
‫كورنثوس ‪)8–7 :13‬‬

‫وتولد المحبة من الروح القدس‪ ،‬وال يمكن للزواج الحقيقي أن يثمر‬


‫ويدوم إال بفضل الروح القدس‪.‬‬
‫الفصل التاسع‬

‫س ّر الزواج‬
‫ِ‬

‫الكنيس َة‬
‫َ‬ ‫سيح‬
‫ُ‬ ‫الم‬
‫ب َ‬ ‫جال‪ ،‬أ ِح ُّبوا نِسا َءكُم مِ ث َلما أ َ‬
‫ح َّ‬ ‫أيُّها ال ِّر ُ‬
‫َفس ِه مِ ْن أجل ِها‪ ،‬ل ُي َقد َ‬
‫ِّسها و ُي َط ِّه َرها بِما ِء‬ ‫حى بِن ِ‬ ‫َ‬
‫وض َّ‬
‫كنيس ًة َمجي َد ًة‬
‫َ‬ ‫ِسال وبِالكَل ِمةِ‪ ،‬حتّى يَ ُز َّفها إلى نَ ِ‬
‫فس ِه‬ ‫ِ‬ ‫االغت‬
‫َّس ًة ال‬
‫ِك‪ ،‬بَ ْل ُم َقد َ‬ ‫يب فيها وال تَ َ‬
‫ج ُّع َد وال ما أش َب َه ذل َ‬ ‫ال َع َ‬
‫ح ُّبوا نِسا َءهُم‬
‫أن ُي ِ‬
‫جال ْ‬
‫جب على ال ِّر ِ‬
‫ِك يَ ُ‬
‫يب فيها‪ .‬وكذل َ‬
‫َع َ‬
‫ب نَ َ‬
‫فسهُ‪.‬‬ ‫ب امرأتَ ُه أ َ‬
‫ح َّ‬ ‫ح َّ‬
‫ون أجسا َدهُم‪َ .‬م ْن أ َ‬‫مِ ث َلما ُيح ُّب َ‬
‫س َد ُه‪ ،‬بَ ْل ُيغ ِّذي ِه ويَعتَني بِه‬ ‫فما مِ ْن أح ٍد ُيبغِ ُض َ‬
‫ج َ‬
‫سيح‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الم‬
‫س ِد َ‬ ‫ج َ‬
‫حن أعضا ُء َ‬ ‫بالكنيسةِ‪ .‬ونَ ُ‬‫َ‬ ‫سيح‬
‫ِ‬ ‫الم‬
‫اعتِنا َء َ‬
‫ح ُد بام َرأتِ ِه ف َيصي ُر‬‫ل أبا ُه وأ ُ َّم ُه وي َّت ِ‬‫ج ُ‬
‫ك ال َّر ُ‬ ‫ِك يَ ْت ُر ُ‬
‫«ولذل َ‬
‫ظيم‪ ،‬وأعني بِه ِس َّر‬
‫الس ُّر َع ٌ‬
‫سدًا واحدًا‪ ».‬هذا ِّ‬
‫ج َ‬
‫االثنان َ‬
‫ِ‬
‫والكنيسةِ‪.‬‬
‫َ‬ ‫سيح‬
‫ِ‬ ‫الم‬
‫َ‬

‫أفسس ‪32 – 25 :5‬‬

‫يتأصل الزواج واألسرة في الكنيسة‪ .‬إذ تم ّثل‬


‫وفقا لترتيب هللا‪،‬‬
‫الكنيسة تعبير هللا الرئيسي عن محبته‬
‫وعدالته في العالم‪ .‬ويمكن للزواج في الكنيسة أن يكتمل بكامل‬
‫أبعاده ويهبه هللا قيمته الحقيقية‪ .‬أما بدون الكنيسة فالزواج محكوم‬
‫عليه بأن تقهره قوى المجتمع المهيمنة والمخ ِّربة‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫‪101‬‬ ‫س ّر الـزواج‬
‫ِ‬

‫الزواج هو أكثر من مجرد رباط بين زوج وزوجة‬


‫هنالك ِقلّة من الناس في أيامنا هذه من الذين يدركون أن الزواج‬
‫يتضمن بالحقيقة ِس ّرا أسمى بكثير من مجرد كونه رباطا بين زوج‬
‫الس ّر هو الوحدة األبدية للسيد المسيح مع شعبه‪.‬‬
‫وزوجة‪ ،‬وذلك ِ‬
‫ففي الزواج الحقيقي‪ ،‬فإن الوحدة بين الزوج والزوجة تعكس هذه‬
‫الوحدة األسمى‪ .‬ألن الوحدة ليست مجرد رباط بين رجل واحد وامرأة‬
‫واحدة‪ ،‬بل أنها مختومة برباط الوحدة األعظم مع هللا ومع شعبه‪.‬‬
‫فينبغي أن نعطي هذا الرباط السامي األولوية في حياتنا دائما‪ .‬ففي‬
‫كنيستي‪ ،‬وعند كل معمودية تحصل‪ ،‬يقطع كل شخص يريد أن‬
‫يتعمد عهدا على نفسه بااللتزام بهذه الوحدة األعظم‪ ،‬ويجري التأكيد‬
‫ّ‬
‫عليها في كل مرة نحتفل بالعشاء الرباني‪ ،‬ونقوم بتذكير أنفسنا بها‬
‫في كل عرس يحصل عندنا‪ .‬فبدون هذه الوحدة األعظم ال يمكن ألي‬
‫زواج أن يحمل ثمارا طيبة دائمة‪ ،‬حتى لو كان أسعد زواج‪.‬‬

‫ما أشد تفاهة رباط الزواج‪ ،‬لو كان مجرد وعد أو عقد بين‬
‫للتحسن الذي يمكن له أن يطرأ على العائالت‬
‫ُّ‬ ‫اثنين من الناس! ويا‬
‫المعاصرة لو أن المسيحيين وفي كل مكان كانوا على استعداد‬
‫لوضع الوالء للمسيح ولمجتمع كنيسته قبل زيجاتهم!‬

‫وبالنسبة إلى المؤمنين‪ ،‬فالمسيح – ذاك الذي يو ِّ‬


‫حد الناس‬
‫بوحدة حقيقية غير زائفة – يكون دائما حاضرا بين المحب‬
‫والمحبوب‪ .‬ألن روحه القدوس هو الذي يهبهما انفتاحا كامال ليتعرف‬
‫أحدهما على اآلخر‪ .‬لذلك‪ ،‬فإذا حدث أن تسللت الخطيئة إلى عالقة‬
‫زوجية معينة‪ ،‬ول َّوثَت المعنى الحقيقي للمحبة‪ ،‬فإن التلميذ األمين‬
‫للمسيح سوف يتبع يسوع في الكنيسة‪ ،‬ولن يتبع شريكة حياته (أو‬
‫شريك حياتها) المتمردة وغير األمينة‪.‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪102‬‬

‫أما الحب العاطفي (أي بمعنى القائم على العواطف فقط)‬


‫فسوف يعترض على هذا الفكر‪ ،‬ألن له نزعة ترمي إلى التغاضي عن‬
‫ّ‬
‫الحق‪ ،‬فهو مدفوع بالجسد وغرائزه‪ ،‬بل أنه قد يحاول حتى إعاقة‬
‫النور السماوي الصافي الذي يأتي من هللا‪ .‬فالحب العاطفي المحض‬
‫غير قادر وغير راغب في إنهاء عالقة ما حتى لو أصبحت زائفة وغير‬
‫ّ‬
‫بالحق‪،‬‬ ‫صادقة‪ .‬غير أن الحب الحقيقي ال يتبع الش ّر أبدا‪ :‬إنه يفرح‬
‫مثلما يعلمنا اإلنجيل‪:‬‬

‫ح ِّق‪ 1( .‬كورنثوس ‪)6 :13‬‬ ‫المح َّب ُة ال تَف َر ُح ب ِ ُّ‬


‫الظلمِ ‪ ،‬بَ ْل تَف َر ُح بال َ‬ ‫َ‬

‫فيتعين على كل من الزوجين أن يدركا أن وحدة اإليمان أهم من‬


‫الرباط العاطفي لزواجهما‪ .‬ويجب علينا نحن القائلين بأننا من تالميذ‬
‫المسيح أن نسأل أنفسنا هذا السؤال‪« :‬إن لم يكن والئي األول‬
‫للمسيح وللكنيسة‪ ،‬فلمن يكون إذن؟» ولنرى ماذا يقول يسوع‬
‫المسيح في اإلنجيل‪:‬‬

‫ك‬
‫ريق‪« :‬يا س ِّيدُ‪ ،‬أت َب ُع َ‬ ‫ل في َّ‬
‫الط ِ‬ ‫قال َله َر ُ‬
‫ج ٌ‬ ‫ِرون‪َ ،‬‬
‫وبَينَما هُم سائ َ‬
‫ِب أو ِج َرةٌ‪ ،‬ول ُِطيور ِ‬‫سوع‪« :‬لِل َّثعال ِ‬
‫ُ‬ ‫أينَما تَذه ُ‬
‫َب‪ ».‬فأجابَ ُه يَ‬
‫بن اإلنسان فما َل ُه َم ِ‬
‫وض ٌع ُيس ِن ُد إليه‬ ‫وأما ا َ ُ‬ ‫ٌ‬
‫أعشاش‪َّ ،‬‬ ‫السما ِء‬
‫َّ‬
‫ل‪« :‬يا‬ ‫ج ُ‬‫خ َر‪« :‬إِت َب ْعني!» فأجابَ ُه ال َّر ُ‬‫لآ َ‬‫ج ٍ‬
‫سوع لِ َر ُ‬
‫ُ‬ ‫وقال يَ‬
‫َ‬ ‫رأسهُ‪».‬‬ ‫َ‬
‫ترك‬‫سوع‪« :‬أ ُ ِ‬ ‫ُ‬ ‫فقال َله يَ‬
‫َ‬ ‫ِن أبي‪».‬‬
‫َب أ َّوال ً وأدف ُ‬
‫س ِّي ُد د َْعني أذه ُ‬
‫لكوت‬
‫ِ‬ ‫ش ْر ب ِ َم‬ ‫َب وبَ ِّ‬ ‫أنت‪ ،‬فاَذه ْ‬
‫وأما َ‬ ‫نون َموتاهُم‪َّ .‬‬ ‫الموتى يَد ُف َ‬ ‫َ‬
‫هللاِ‪( ».‬لوقا ‪)60–57 :9‬‬

‫عندما توضع الوحدة الزوجية الصغيرة لشريكين متزوجين تحت‬


‫سلطان الوحدة األعظم للكنيسة‪ ،‬فإن زواجهما يصبح راسخا وآمنا‬
‫على مستوى جديد أكثر سموا ألنه سيكون موضوعا ضمن وحدة‬
‫‪103‬‬ ‫س ّر الـزواج‬
‫ِ‬

‫جميع المؤمنين‪ .‬ومن المستغرب جدا أن هذه الفكرة ليست‬


‫معروفة لدى معظم الناس‪ ،‬مع أنها تتضمن حقيقة شهدتها أنا‬
‫شخصيا في حياتي مرات عديدة‪ .‬ولنأخذ على سبيل المثال قصة‬
‫هاري وبَتي ‪ Harry & Betty‬وهما زوجان تعرفت عليهما جيدا في‬
‫سنواتهما األخيرة معا‪ .‬فتكتب بَتي قائلة‪:‬‬

‫تزوجنا أنا وهاري في إنكلترا‪ .‬وعلى الرغم من أننا كنا نعتقد‬


‫في البداية بأن زواجنا كان أساسه اإليمان بالله‪ ،‬ولكن لم‬
‫يمض وقت طويل حتى بدأت صراعاتنا بالظهور‪ .‬فأصبح‬
‫ِ‬
‫زوجي هاري الذي كان يصارع طوال حياته ضد ميول المثلية‬
‫ي لي وهجرني وهجر مجتمع الكنيسة‪ .‬ورغم‬
‫الجنسية غير وف ّ‬
‫أنه حاول عدة مرات أن يصحح مساره ويسير باستقامة‪ ،‬إال‬
‫أنه بدا دائما غير قادر على ترك الخطيئة التي كانت قد ك ّبلته‬
‫وق ّيدته‪ .‬وفي سنوات انفصالنا الطوال‪ ،‬وقف إلى جانب كل منا‬
‫الكثير من األصدقاء المقربين‪ ،‬وشكّل ذلك دعما كبيرا لنا‪.‬‬

‫وعندما كانت ترد لي رسائل ُمكدِّرة من زوجي هاري‬


‫كانت تخور عزيمتي‪ ،‬وأحيانا أنقطع عن الصالة من أجله‪،‬‬
‫لكني كنت دائما أعود إلى الصالة ألنها كانت السبيل الوحيد‬
‫لدي ألساعده‪ .‬فكنت أعلم بأن كل شيء مستطاع عند هللا‪،‬‬
‫ل أن يعود في يوم ما إلى المسيح وإلى الكنيسة‪. . . .‬‬
‫آم ُ‬ ‫ُ‬
‫وكنت ُ‬

‫واآلن ما أزال أتعجب من المعجزة التي حدثت بعودة‬


‫ي في عمره المتقدم‪ .‬فلم نكن تحت سقف‬ ‫زوجي هاري إل ّ‬
‫واحد ألكثر من ‪ 40‬سنة‪ .‬وفي السنوات األخيرة من بعد عودته‬
‫ُ‬
‫وأحببت عِ شرته‪ ،‬فقد أصبح مختلفا تماما‬ ‫تحدثنا كثيرا معا‪،‬‬
‫عن السابق‪ .‬فقد أصبح متواضعا وصريحا وله روح طفولية‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪104‬‬

‫بريئة‪ .‬فأخذ يحب كثيرا أصدقائي في الكنيسة وجيراني وأحبوه‬


‫هم كذلك‪ .‬وكنا‪ ،‬أنا وهاري‪ ،‬نقرأ الكتاب المقدس ونرنم‬
‫ترانيمه المفضلة معا‪ .‬وقد كان قريبا جدا من الرب يسوع في‬
‫شهوره األخيرة من حياته‪.‬‬

‫وال يم ّر يوم دون أن أذكره‪ ،‬وسأثمن الوقت الذي كنا‬


‫فيه معا طوال عمري‪ .‬وأعتقد أنه كان أقرب مني إلى‬
‫الملكوت‪ .‬فأنا أفشل باستمرار في أعمال المحبة والخدمة‬
‫وبطيئة القلب وتنقصني حرارة المحبة‪ ،‬وأرى بعد فوات‬
‫علي القيام بها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫قصرت فيها التي كان يجب‬‫األوان أمورا َّ‬
‫غير أن هللا أمين ويحفظ مواعيده‪ .‬ففي هذا يطمئن إيماني‪،‬‬
‫ومنه أحصل على السالم‪.‬‬

‫كانت الزوجة بَتي متواضعة جدا إلى درجة أنها لم تذكر أي‬
‫شيء مطلقا عما قدّمته هي لزوجها‪ ،‬لكن‪ ،‬بالحقيقة‪ ،‬فلوال‬
‫صالتها المستمرة وأمانتها ليسوع لما كان لزوجها هاري أن‬
‫يجد طريق العودة إلى هللا وإلى الكنيسة‪ ،‬وإليها‪ .‬فلذلك كانت‬
‫السنتان األخيرتان اللتان قضياها معا شهادة عن اإليمان وعن‬
‫القدرة الشافية للحب الخالي من المساومات‪ .‬فما أكبر اختالف‬
‫هذا اإليمان عن ثقافة يومنا المعاصر‪ ،‬حيث يظن الكثيرون أنه‬
‫كلما أزداد بناء الزواج على االستقاللية‪ ،‬كان أكثر ثباتا ومتانة‪ .‬بل‬
‫يذهب البعض إلى االعتقاد بأنه كلما كان الشريكان متحررين من‬
‫«قيود» االلتزام أحدهما باآلخر‪ ،‬أصبحا أكثر سعادة‪ .‬وهذا افتراض‬
‫زائف تماما‪ .‬ألن الزواج ال يدوم إال إذا كان مؤسسا على الترتيب‬
‫اإللهي‪ ،‬وعلى أساس محبته‪ .‬فما لم يكن الزواج مبنيا على صخرة‬
‫‪105‬‬ ‫س ّر الـزواج‬
‫ِ‬

‫]*[‬
‫اإليمان فسوف يكون مبنيا على الرمل‪.‬‬

‫للرجل والمرأة مهام مختلفة‬


‫يكمل أحدهما اآلخر‬
‫ويجب أن ِّ‬
‫إن اإليمان بوجوب إعطاء األولوية لمحبة المسيح ومحبة كنيسته‬
‫وجعلهما قبل كل شيء آخر هو مهم أيضا في فهم أوجه االختالف‬
‫بين المرأة والرجل‪ .‬فمن الواضح أن هللا قد وهب كل منهما طبيعة‬
‫مختلفة ومهمة مختلفة‪ ،‬وعندما يجري العمل بهذه األمور بطريقة‬
‫سليمة في زواج داخل نطاق الكنيسة‪ ،‬سوف يزهر الحب واالنسجام‪.‬‬
‫ويكتب والدي هاينريش آرنولد ‪( Heinrich Arnold‬وكان من أحد‬
‫خدام الكلمة في كنيستنا)‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫من الواضح‪ ،‬هناك فروق في البنية البيولوجية الجسمية‬


‫بين الذكر واألنثى‪ .‬أما االعتقاد بأن الفرق بين الرجل والمرأة‬
‫مجرد فرق بيولوجي‪ ،‬فإن هذا التفكير ماديّ بحت‪ .‬إذ تشتاق‬
‫يحل حبيبها في داخل كيانها‪ .‬فهي مصممة‬
‫ّ‬ ‫المرأة إلى أن‬
‫ُرضع‪ ،‬ولتحمي‪ .‬أما‬
‫فطريّا لتتلقى وتصبر؛ ولتحبل وتلد‪ ،‬ولت ِ‬
‫الرجل فيرغب في أن يكون جزءا من محبوبته وفي أن يتو َّ‬
‫حد‬
‫‪15‬‬
‫معها؛ فهو مخلوق ليبادر ويتخلل بدال من التلقي‪.‬‬

‫لقد قيل أن الجسد يتشكل بواسطة النفس‪ ،‬وهذه فكرة بليغة‪.‬‬


‫حي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فالنفس التي هي نفخة من هللا‪ ،‬والجوهر الداخلي لكل كائن‬

‫ِل بَنى بَي َت ُه‬


‫ل عاق ٍ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ل بِه يكونُ مِ ْث َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫«فمنْ سمِ َع كالمي هذا وعمِ َ‬ ‫َ‬ ‫]*[  مثلما قال السيد المسيح‪:‬‬
‫أساس ُه على‬‫َ‬ ‫يت فما س َق َط‪ ،‬ألنَّ‬ ‫ِك ال َب ِ‬
‫ياح على ذل َ‬
‫ت ال ِّر ُ‬
‫يول و َه َّب ِ‬
‫الس ُ‬
‫وفاضت ُّ‬
‫ِ‬ ‫الم َط ُر‬
‫َل َ‬ ‫الص ْ‬
‫خرِ‪ .‬فنز َ‬ ‫على َّ‬
‫المط ُر‬
‫َ‬ ‫مل‪ .‬ف َنز َ‬
‫َل‬ ‫جل َغ ٍّ‬
‫بي بنَى بَي َت ُه على ال َّر ِ‬ ‫ثل َر ٍ‬
‫ل بِه يكونُ مِ َ‬ ‫ومنْ َسمِ َع كالمي هذا وما عمِ َ‬ ‫الصخر ِ َ‬
‫َّ‬
‫سوع هذا‬
‫ُ‬ ‫أتم يَ‬
‫ولما َّ‬
‫ظيما‪ّ ».‬‬ ‫قوط ُه َع ً‬ ‫فس َق َط‪ ،‬وكانَ ُس ُ‬
‫يت َ‬ ‫ِك ال َب ِ‬
‫ياح على ذل َ‬
‫ت ال ِّر ُ‬
‫يول و َه َّب ِ‬
‫الس ُ‬
‫ت ُّ‬ ‫َ‬
‫وفاض ِ‬
‫ثل ُمعلِّمي َّ‬
‫الشريعةِ‪.‬‬ ‫ثل َمنْ َله ُسلطانٌ‪ ،‬ال مِ َ‬
‫موع مِ نْ تَعليمِ ه‪ ،‬ألن ِّ ُه كانَ ُي َعلَّ ُم ُهم مِ َ‬
‫ج ُ‬ ‫بت ال ُ‬
‫ج ِ‬‫الكال َم‪ ،‬تَ َع َّ‬
‫(متى ‪)29–24 :7‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪106‬‬

‫تشكّل جسدا مختلفا لكل من الرجل والمرأة‪ .‬والمسألة ليست‪ :‬من‬


‫هو أسمى درجة من اآلخر؟ ال‪ ،‬أبدا‪ .‬فكل من الرجل والمرأة مخلوق‬
‫على صورة هللا‪ ،‬فهل هناك أعظم من ذلك؟ غير أنه بالرغم من‬
‫هذا فهناك اختالف بينهما‪ :‬فالرسول بولس يش ّبه الرجل بالسيد‬
‫المسيح ويش ّبه المرأة بالكنيسة المقدسة‪ ،‬كما يلي‪:‬‬

‫ألن‬
‫ب‪َّ ،‬‬‫ن لِل َّر ِّ‬ ‫ُن كما تَ َ‬
‫خض ْع َّ‬ ‫عن ألزواجك َّ‬‫اخض َ‬‫َ‬ ‫أيَّتُها النِّسا ُء‪،‬‬
‫الكنيسةِ‪ ،‬وه َو‬
‫َ‬ ‫سيح رأْ ُس‬
‫َ‬ ‫الم‬
‫أن َ‬ ‫ل رأْ ُس المرأ ِة كما َّ‬ ‫ج َ‬
‫ال َّر ُ‬
‫الكنيس ُة‬
‫َ‬ ‫خض ُع‬ ‫س ُد ُه‪ .‬وكما تَ َ‬‫ج َ‬
‫ي َ‬ ‫الكنيس ِة وهِ َ‬
‫َ‬ ‫ُمخلِّ ُص‬
‫ن في ك ِّ‬
‫ُل شيءٍ‪( .‬أفسس‬ ‫سيح‪ ،‬ف ْلت َ‬
‫َخض ِع النِّسا ُء ألزوا ِج ِه َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِلم‬
‫ل َ‬
‫‪)24–22 :5‬‬

‫فيمثل الرجل – كرأس – الخدمة التي يقدمها المسيح‪ .‬وتمثل‬


‫المرأة – كجسد – التفاني الذي تقوم به الكنيسة‪ .‬لذلك هناك‬
‫اختالف في الدعوة‪ ،‬ولكن ليس هناك اختالف في القيمة‪.‬‬

‫والسيدة مريم العذراء القديسة رمز ٌ للكنيسة‪ .‬ويمكننا أن نتعلم‬


‫منها الطبيعة الحقيقية للمرأة وأيضا األمومة‪ .‬فالمرأة مثل الكنيسة‬
‫ألنها تتلقى وتحمل الكلمة اإللهية في داخلها‪ ،‬وتجلب أيضا حياة إلى‬
‫العالم تماشيا مع إرادة هللا عندما تضع مولودا جديدا‪ .‬وهذا أسمى‬
‫ما قد قيل عن اإلنسان‪ .‬فلنقرأ اإلنجيل عندما ّ‬
‫بشر المالك جبرائيل‬
‫السيدة مريم العذراء القديسة بوالدة الطفل يسوع‪:‬‬

‫ن هللاِ إ ِ َلى َمدِي َن ٍة‬


‫ِيل ا ْل َمال َُك مِ َ‬ ‫ِس أ ُ ْر ِس َ‬
‫ل ِج ْب َرائ ُ‬ ‫الساد ِ‬ ‫َو ِفي َّ‬
‫الش ْهر ِ َّ‬
‫ت‬
‫ل مِ ْن بَ ْي ِ‬
‫ج ٍ‬ ‫اص َر ُة‪ ،‬إ ِ َلى َع ْذ َرا َء َم ْ‬
‫خ ُطوبَ ٍة لِ َر ُ‬ ‫اس ُم َها نَ ِ‬
‫ِيل ْ‬ ‫ن ا ْل َ‬
‫جل ِ‬ ‫مِ َ‬
‫ل إ ِ َل ْي َها ا ْل َمال َُك‬ ‫اس ُم ا ْل َع ْذ َرا ِء َم ْريَ ُم‪َ .‬ف َد َ‬
‫خ َ‬ ‫وس ُف‪َ .‬و ْ‬ ‫اس ُم ُه ُي ُ‬
‫دَا ُو َد ْ‬
‫ك‪ُ .‬م َبا َركَةٌ‬ ‫ال‪« :‬سالَم َل ِ َ‬ ‫َو َق َ‬
‫ب َم َع ِ‬ ‫ك أيَّ ُت َها ا ْل ُمن َْع ُم َع َل ْي َها! اَل َّر ُّ‬ ‫َ ٌ‬
‫‪107‬‬ ‫س ّر الـزواج‬
‫ِ‬

‫ت‪َ :‬ما‬ ‫ت مِ ْن كَال َمِ هِ‪َ ،‬و َفكَّ َر ْ‬ ‫ِّساءِ‪َ ».‬ف َل َّما َرأ َ ْت ُه ْ‬
‫اض َط َربَ ْ‬ ‫أ َ ْن ِ‬
‫ت ِفي الن َ‬
‫خا ِفي يَا‬‫ال َل َها ا ْل َمال َُك‪« :‬ال َ تَ َ‬‫ح َّي ُة! َف َق َ‬ ‫سى أ َ ْن تَك َ‬
‫ُون َه ِذ ِه ال َّت ِ‬ ‫َع َ‬
‫ِين‬
‫ح َبل َ‬ ‫ت َس َت ْ‬ ‫ت ن ِْع َم ًة عِ ْن َد هللاِ‪َ .‬وهَا أ َ ْن ِ‬
‫جدْ ِ‬‫ك َقدْ َو َ‬ ‫َم ْريَ ُم ألَن َّ ِ‬

‫ن ا ْل َع ِل ِّ‬
‫ي‬ ‫ُون َعظِ يماً‪َ ،‬وا ْب َ‬ ‫وع‪َ .‬ه َذا يَك ُ‬ ‫ِين ا ْبنا ً َو ُت َ‬
‫س ِّمي َن ُه يَ ُس َ‬ ‫َوتَلِد َ‬
‫ت‬ ‫ي دَا ُو َد أَبِيهِ‪َ ،‬ويَ ْمل ُ‬
‫ِك َع َلى بَ ْي ِ‬ ‫ب اإل ِ َل ُه كُ ْر ِس َّ‬
‫ُيدْ َعى‪َ ،‬و ُي ْعطِ ي ِه ال َّر ُّ‬
‫وب إ ِ َلى األَبَدِ‪َ ،‬وال َ يَك ُ‬
‫ُون ل ُِم ْل ِك ِه نِ َهايَةٌ‪».‬‬ ‫يَ ْع ُق َ‬

‫ت أ َ ْعر ِ ُف‬
‫ُون َه َذا َوأَنَا َل ْس ُ‬
‫ت َم ْريَ ُم لِ ْل َمال َِك‪« :‬كَ ْي َف يَك ُ‬ ‫َف َقا َل ْ‬
‫ِل َع َل ْي ِ‬
‫ك‪،‬‬ ‫ُس يَح ُّ‬ ‫وح ا ْل ُقد ُ‬ ‫اب ا ْل َمال َُك َو َق َ‬
‫ال َلها‪« :‬اَل ُّر ُ‬ ‫ج َ‬ ‫جال ً؟» َفأ َ َ‬
‫َر ُ‬
‫ك‪َ ،‬فل ِ َذل َ َ‬
‫ْك‬ ‫ُّوس ا ْل َم ْو ُلو ُد مِ ن ِ‬ ‫ِك أ ْيضا ً ا ْل ُقد ُ‬ ‫ي ُت َظلِّ ُل ِ‬ ‫َو ُق َّو ُة ا ْل َع ِل ِّ‬
‫ح ْب َلى‬ ‫ي أ َ ْيضا ً ُ‬ ‫ُك هِ َ‬ ‫سي َبت ِ‬‫ات نَ ِ‬ ‫ن هللاِ‪َ .‬و ُه َو َذا أَل َ‬
‫ِيصابَ ُ‬ ‫ُيدْ َعى ا ْب َ‬
‫ك ا ْل َمدْ ُع َّو ِة‬
‫ِس لِ ِت ْل َ‬
‫الساد ُ‬ ‫خ ِت َها‪َ ،‬و َه َذا ُه َو َّ‬
‫الش ْه ُر َّ‬ ‫خو َ‬ ‫ش ْي ُ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫بِا ْب ٍ‬
‫ِن َلدَى هللاِ‪».‬‬
‫يءٌ َغ ْي َر ُم ْمك ٍ‬ ‫َعاقِراً‪ ،‬ألَن َّ ُه َل ْي َس َ‬
‫ش ْ‬
‫َ َ‬ ‫َف َقا َل ْ‬
‫ت َم ْريَ ُم‪ُ « :‬ه َو َذا أنَا أ َم ُة ال َّر ِّ‬
‫ب‪ .‬لِ َيك ُْن ِلي كَ َق ْول َ‬
‫ِك‪».‬‬
‫َف َم َضى مِ ْن عِ ْن ِدهَا ا ْل َمال َُك‪( .‬لوقا ‪)38–26 :1‬‬

‫وتختلف محبة المرأة عن محبة الرجل‪ .‬فتبدو محبتها أكثر استقرارا‬


‫وتتوافق أكثر مع طبيعتها الوف ّية‪ .‬وهي محبة متفانية في حماية‬
‫وإرشاد جميع الذين في رعايتها‪ .‬أما محبة الرجل فتسعى جاهدة‬
‫إلى أن تقصد اآلخرين وتبحث عنهم وأيضا معاتبتهم على تصرفاتهم‬
‫ومناشدة ضمائرهم‪ .‬فهي الغيرة الرائدة للرسول‪ ،‬ولممثل المسيح‪،‬‬
‫وجمع الناس! وعلّم جميع‬
‫ّ‬ ‫كما أوصى المسيح (بما معناه)‪ :‬اُخرج‬
‫الناس‪ .‬واجعلهم ينغمسون في أجواء هللا‪ ،‬وفي حياة هللا اآلب‪ ،‬واالبن‪،‬‬
‫والروح القدس‪ .‬فنقرأ في اإلنجيل نص ما قاله السيد المسيح‪:‬‬

‫ُل ُس ْل َط ٍ‬
‫ان ِفي َّ‬
‫الس َما ِء‬ ‫وع َوكَلَّ َم ُه ْم َقائِالً‪ُ « :‬دف َِع إ ِ َل َّ‬
‫ي ك ُّ‬ ‫َف َت َق َّد َم يَ ُس ُ‬
‫يع األ ُ َممِ َو َع ِّمدُوه ُْم ب ِ ْ‬
‫اسمِ‬ ‫ض‪َ ،‬فا ْذ َه ُبوا َوتَ ْلمِ ُذوا َ‬
‫جمِ َ‬ ‫َو َع َلى األ َ ْر ِ‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪108‬‬

‫يع َما‬‫جمِ َ‬ ‫ح َف ُظوا َ‬ ‫ُس‪َ .‬و َعلِّ ُموه ُْم أ َ ْن يَ ْ‬


‫وح ا ْل ُقد ِ‬
‫ن َوال ُّر ِ‬
‫اآلب َواال ِ ْب ِ‬
‫ِ‬
‫أ َ ْو َص ْي ُتك ُْم بِهِ‪َ .‬وهَا أنَا َم َعك ُْم ك َّ‬
‫ُل األَيَّامِ إ ِ َلى ا ْنق َِضا ِء الدَّهْ رِ‪».‬‬ ‫َ‬

‫(متى ‪)20–18 :28‬‬

‫غير أن هناك أمرا مشتركا ومتماثال في مهمة الرجل والمرأة‪ ،‬فكالهما‬


‫ُمل َز َمين دائما بإنجاز مهمة الكنيسة‪.‬‬

‫ويشير كل من الرسول بولس والرسول بطرس إلى أن الرجل‬


‫هو رأس المرأة‪ ،‬ليس بذاته بل بالمسيح‪:‬‬

‫ل رأْ ُس‬
‫ج َ‬
‫ل‪ ،‬وال َّر ُ‬ ‫سيح رأْ ُس ال َّر ُ‬
‫ج ِ‬ ‫َ‬ ‫الم‬
‫أن َ‬ ‫ل ِكنِّي أُري ُد ْ‬
‫أن تَعرِفوا َّ‬
‫سيح‪ 1( .‬كورنثوس ‪)3 :11‬‬ ‫الم‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫المرأةِ‪ ،‬وهللا رأ ُس َ‬

‫وال يعني هذا أن الرجل «أرقى درجة» من المرأة؛ فتُب ّين لنا الحقيقة‬
‫أن المرأة – حواء – أُخِذت من الرجل عندما خلقها هللا في البدء‪ ،‬ثم‬
‫إن الرجل يولد من المرأة؛ لذلك‪ ،‬فإن كليهما يعتمد أحدهما على‬
‫اآلخر في كل جوانب الحياة‪:‬‬

‫ل مِ ْن دون‬
‫ج ُ‬
‫ل‪ ،‬وال ال َّر ُ‬
‫ج ِ‬
‫دون ال َّر ُ‬
‫ِ‬ ‫ب ال تكون المرأ ُة مِ ْن‬
‫ففي ال َّر ُّ‬
‫ل تَل ِ ُد ُه المرأ ُة‪،‬‬
‫ج ُ‬
‫ل‪ ،‬فال َّر ُ‬
‫ج ِ‬ ‫ت المرأ ُة مِ َ‬
‫ن ال َّر ُ‬ ‫المرأةِ‪ .‬ألن َّ ُه إذا كانَ ِ‬
‫ن هللاِ‪ 1( .‬كورنثوس ‪)12–11 :11‬‬
‫ُل شي ٍء مِ َ‬
‫وك ُّ‬

‫وهنا‪ ،‬نؤكد مرة ثانية على أن مواهب ومسؤوليات كل طرف ليست‬


‫أكثر قيمة مما لدى الطرف اآلخر؛ فهما مجرد مختلفين ال غير‪.‬‬
‫وفي الترتيب اإللهي للزواج‪ ،‬سيحصل كل من الزوج والزوجة على‬
‫مكانهما الصحيح والمناسب‪ ،‬ولكن لن يحكم أحدهما على اآلخر‪،‬‬
‫وإنما المحبة والتواضع يحكمان‪.‬‬

‫أما محاوالت تَن َُّصل الرجال والنساء من المسؤوليات التي‬


‫ّ‬
‫‪109‬‬ ‫س ّر الـزواج‬
‫ِ‬

‫ألقاها هللا على عاتقهم فهي ظاهرة يتميز بها زماننا المعاصر الشرير‪.‬‬
‫فيتمردن النساء على إزعاج وعناء الحمل وعلى آالم الوالدة‪ ،‬ويتمرد‬
‫الرجال على عبء االلتزام بشؤون أوالدهم الذين ينجبونهم وعلى‬
‫عبء االلتزام بالمرأة التي تلدهم‪ .‬ف ُيعتبر مثل هذا التمرد لعنة على‬
‫عصرنا الحاضر‪ .‬وسوف يؤدي إلى انحراف أجيال المستقبل عن‬
‫الطريق السوي‪ .‬فقد خلق هللا المرأة لتنجب األطفال‪ ،‬وعلى الرجل‬
‫الحقيقي أن يحترم زوجته ويحبها أكثر من قبل بسبب دورها هذا‪.‬‬
‫ويوبِّخنا الرسول بطرس في اإلنجيل قائال‪:‬‬

‫المرأ َة‬
‫أن َ‬‫فين َّ‬
‫مع نِسائِكُم عار ِ َ‬
‫جال‪ ،‬عيشوا َ‬
‫وأنتُم‪ ،‬أيُّها ال ِّر ُ‬
‫ريكات لكُم في‬
‫ٌ‬ ‫ش‬‫ن َ‬ ‫أضع ُف مِ نكُم‪ ،‬وأكرِموه َّ‬
‫ُن ألن َّ ُه َّ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫خلوق‬‫َم‬
‫عيق َص َلواتِكُم شيءٌ‪ 1( .‬بطرس‬ ‫حياةِ‪َ ،‬فال ُي َ‬
‫ِعم ِة ال َ‬
‫ميراث ن َ‬
‫ِ‬
‫‪)7 :3‬‬

‫ومن األمور الواضحة أن االختالف بين الرجل والمرأة ليس اختالفا‬


‫شامال بل هناك أوجه تشابه بينهما‪ .‬فتوجد في المرأة الحقيقية‬
‫شيمة الرجولة ُ‬
‫الشجاعة على سبيل المثال‪ ،‬وهي من شيم الرجال‪،‬‬
‫ويوجد في الرجل الحقيقي شيمة خضوع وتواضع السيدة مريم‬
‫العذراء القديسة‪ ،‬وهي من شيم النساء‪ .‬ولكن مع ذلك‪ ،‬وألن الزوج‬
‫هو الرأس ورب األسرة‪ ،‬فلذلك تكون له قيادة األسرة حتى لو كان‬
‫الرجل ضعيف البنية‪ .‬ويجب أن ال يؤخذ هذا كما لو أن الرجل هو‬
‫السيد المتسلط والمرأة هي الخادمة‪ .‬فلو لم يتسلّم الرجل زمام‬
‫َّسم دوره بروحية يسوع‬
‫أمور األسرة بمحبة وتواضع – ولو لم يت ِ‬
‫المسيح – ألصبحت قيادته استبدادا‪ .‬فالرأس له مكانه في الجسد‪،‬‬
‫ولكنه ال يهيمن على الجسد‪.‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪110‬‬

‫في كافة األعراس التي تقام في مجتمعات كنيستنا‪ ،‬نعتاد أن‬


‫نسأل العريس‪« :‬أترضى بأن تقود زوجتك في كل ما هو صالح؟»‬
‫وهذا يعني ببساطة‪ :‬قيادتها وتقريبها إلى يسوع المسيح ليزداد‬
‫تعمق حياتها فيه وتسمو بفضله‪ .‬وعلى المنوال نفسه نسأل‬
‫ُّ‬
‫العروس‪« :‬أترضين بإتباع زوجك في كل ما هو صالح؟» لذلك‪،‬‬
‫فالموضوع كله يدور باألحرى حول اِتِّباع يسوع المسيح‪ ،‬معا‪.‬‬

‫تعني القيادة الحقيقية لرب األسرة‬


‫الخدمة بمحبة‬
‫يشير الرسول بولس في رسالته إلى أهل أفسس إلى المحبة الباذلة‬
‫حية التي تنطوي عليها القيادة الحقيقية‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫المض ِّ‬
‫ُ‬

‫الكنيس َة‬
‫َ‬ ‫سيح‬
‫ُ‬ ‫الم‬
‫ب َ‬ ‫جال‪ ،‬أ ِح ُّبوا نِسا َءكُم مِ ث َلما أ َ‬
‫ح َّ‬ ‫أيُّها ال ِّر ُ‬
‫َفس ِه مِ ْن أجل ِها‪( .‬أفسس ‪)25 :5‬‬
‫حى بِن ِ‬ ‫َ‬
‫وض َّ‬

‫فهذه المهمة‪ ،‬أي بمعنى مهمة المحبة وبذل الذات‪ ،‬هي في الواقع‬
‫مهمة كل رجل وكل امرأة سواء كانوا متزوجين أو عزابا‪.‬‬

‫وعندما نفتح قلوبنا لكالم الرسول بولس المبين أعاله ونعمل‬


‫به‪ ،‬فسوف نختبر ونعيش وحدة روحية حقيقية لعالقة تس ّيرها‬
‫المحبة – تلك الوحدة الروحية التي هي كالم القلب لله من كال‬
‫تحل بركة هللا على عالقاتنا الزوجية سوى في‬
‫ّ‬ ‫الشريكين معا‪ .‬فال‬
‫هذه الحالة‪ .‬وسنسعى دائما إلى محبوبنا سعيا متجدِّدا‪ ،‬وسنفتش‬
‫باستمرار عن طرق جديدة لخدمة شريك حياتنا بكامل المحبة‪.‬‬
‫واألحلى من كل هذا كله هو أننا سنحصل على بهجة دائمة في حياتنا‬
‫‪111‬‬ ‫س ّر الـزواج‬
‫ِ‬

‫]*[‬
‫وهو من أحد آباء الكنيسة األولى فقال‪:‬‬ ‫كما كتب ترتليان‬

‫من ذا الذي يمكنه أن يصف سعادة زواج ُعقد في حضرة‬


‫الكنيسة و ُ‬
‫ختم ببركتها؟! فيا له من نِير ٍ لطيف يوضع على‬
‫عنق شخصين مؤمنَين ُيربط بينهما برجاء واحد‪ ،‬وبأسلوب‬
‫واحد للحياة‪ ،‬وبنذر واحد للوالء‪ ،‬وبخدمة واحدة لله! فهما‬
‫أخ وأخت في كنيسة المسيح‪ ،‬وكالهما منهمكان بالخدمة‬
‫نفسها‪ ،‬وبدون أي انفصال بين الروح والجسد‪ ،‬بل مثل‬
‫كائنين في جسد واحد‪ .‬وحيث يوجد جسد واحد فهناك‬
‫روح واحدة أيضا‪ .‬وإنهما ُيصلِّيان معا‪ ،‬ويركعان معا‪ :‬ويعلِّم‬
‫أحدهما اآلخر‪ ،‬ويتحمل أحدهما اآلخر‪ .‬وقد ا ِ ْق َت َرنَا معا في‬
‫كنيسة هللا‪ ،‬ويشتركان في مائدة الرب‪ ،‬ويتقاسمان العذاب‬
‫واالضطهاد والفرج بعد الشدائد‪ .‬وباإلضافة إلى أنهما‬
‫يتنافسان فيما بينهما في خدمة ربهما‪ .‬إذ يرى المسيح‬
‫ويسمع‪ ،‬ويسعده أن يهب سالمه إليهما‪ ،‬ألنه حيثما اجتمع‬
‫‪16‬‬
‫اثنان باسمه فهناك يكون هو في وسطهما‪.‬‬

‫]*[  ترتليان أو ترتليانوس ‪( Tertullian‬نحو ‪ –160‬نحو ‪220‬م)‪ ،‬أمازيغي من والدة قرطاج في‬
‫تونس‪ .‬واتسم بغزارة كتاباته المسيحية في زمان المسيحية األولى‪ .‬وأول من كتب كتابات مسيحية‬
‫باللغة الالتينية‪ .‬وكانت له أهميته في الدفاع عن المسيحية‪ ،‬وكتب العديد من الكتب بهذا الشأن‬
‫سميت باألعمال الدفاعية ‪ .Apologetic Works‬وقد سمي ترتليان «أبو المسيحية الالتينية» َو‬
‫«مؤسس الالهوت الغربي‪».‬‬
‫الفصل العاشر‬

‫ُقدس ّية الجنس‬

‫ّاس‪ ،‬ول َيك ُْن ف ُ‬


‫ِراش‬ ‫جميع الن ِ‬ ‫ُن ال َّز ُ‬
‫واج ُمكَ َّر ًما عِ ن َد‬ ‫لِ َيك ِ‬
‫ِ‬
‫رين وال ُّزنا َة‪.‬‬
‫دين الفا ِج َ‬
‫ألن هللاَ َس َي ُ‬ ‫ال َّزو ِج َّي ِة طاهِ ًرا‪َّ ،‬‬

‫عبرانيين ‪4 :13‬‬

‫من الخطر في الجنس‪ :‬الخطر األول هو التّخ ُّوف‬


‫يوجد نوعان‬
‫من االستسالم لآلخر أو من التق ّرب الشديد الذي‬
‫تستلزمه العالقة الجسدية‪ ،‬أو التّخ ُّوف من أن الجنس أمر قذر‬
‫أما الخطر الثاني فهو الشهوة الجامحة واقتراف الخطيئة‪.‬‬
‫ومعيب؛ ّ‬
‫ُ‬
‫ومن الواضح أن المجال الجنسي غير ُمستثنى من إمكانية الفساد‪.‬‬
‫ويمكن لبركات الجنس المأمولة أن تتحول إلى أخطار – حتى لو كان‬
‫ضمن إطار الزواج – عندما يدخله الزوجان بمعزل عن هللا الذي‬
‫فتحل محل عواطف الحب شهوة مجردة‪ ،‬ومحل‬ ‫ّ‬ ‫خلق الجنس‪.‬‬
‫الر ِ ّقة والحنان اعتداء بل حتى وحشية‪ ،‬ومحل بذل الذات المتبادل‬
‫شهوة غير منضبطة‪.‬‬

‫وينبغي أن ال تسكت الكنيسة عن هذه األمور‪ ،‬مثلما كانت‬


‫الكنيسة الرسولية تفضح بجرأة الذنوب المختبئة كما يشهد‬
‫لها اإلنجيل‪:‬‬

‫‪112‬‬
‫‪113‬‬ ‫ُقـدسـ ّية الـجـنـس‬

‫ُث عِ ندكُم مِ ْن زِنًى‪ ،‬وه َو زِنًى ال‬


‫خ َب ُر ما يَحد ُ‬
‫مكان َ‬
‫ٍ‬ ‫شاع في ك ِّ‬
‫ُل‬ ‫َ‬
‫ج َة أبيهِ‪.‬‬
‫عاش ُر َزو َ‬
‫ل مِ نكُم ُي ِ‬
‫ج ٌ‬ ‫ثيل َله حتّى عن َد ال َوثن ّي َ‬
‫ين‪ :‬ر ُ‬ ‫َم َ‬
‫وكان األو َلى بِكُم ْ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫ن الكِبرياءِ!‬ ‫ِك فأنتُم ُمن َتف‬
‫ِخون مِ َ‬
‫َ‬ ‫ومع ذل َ‬
‫َ‬
‫أما أنا‪،‬‬
‫ِعل‪َّ .‬‬
‫َب هذا الف َ‬ ‫تَنوحوا حتّى ُتزيلوا مِ ْن بَي ِنكُم َم ِ‬
‫ن ارتك َ‬
‫ت كأنِّي‬ ‫حك َْم ُ‬ ‫وح‪ ،‬ف َ‬
‫حاضر ٌ بال ُّر ِ‬
‫ِ‬ ‫س ِد ول ِكنِّي‬‫ج َ‬
‫ِب َعنكُم بال َ‬
‫فغائ ٌ‬
‫عون‪ ،‬وأنا‬
‫َ‬ ‫ِعل‪ .‬فعِ ندَما تَجتَمِ‬ ‫ل هذا الف َ‬ ‫حاضر ٌ على الّذي َ‬
‫فع َ‬ ‫ِ‬
‫ل إلى‬‫ج َ‬ ‫سوع و ُقد َرتِهِ‪َ ،‬سلِّموا هذا ال َّر ُ‬
‫َ‬ ‫وح‪ ،‬باسمِ َربِّنا يَ‬
‫َمعكُم بال ُّر ِ‬
‫]*[‬
‫ب‪.‬‬ ‫س ُد ُه‪ ،‬فتَخ ُل َص ُرو ُ‬
‫ح ُه في يومِ ال َّر ِّ‬ ‫ج َ‬‫ِك َ‬ ‫يطان‪ ،‬حتّى يَهل َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الش‬
‫خمير ِ‬ ‫أن َقليال ً مِ َ‬
‫ن ال َ‬ ‫أما تَعر ِ َ‬
‫فون َّ‬ ‫أن تَف َتخِروا! َ‬‫حس ْن بِكُم ْ‬
‫ال يَ ُ‬
‫ديم ِة لِتَصيروا‬ ‫خمي َر ِة ال َق َ‬ ‫ن ال َ‬‫جين كُلَّهُ؟ فتَط َّهروا مِ َ‬
‫الع َ‬ ‫ُي َ‬
‫خ ِّم ُر َ‬
‫ل ف ِْصحِنا ُذب ِ َ‬
‫ح‪،‬‬ ‫ح َم ُ‬
‫خمي َر فيهِ‪ ،‬ف َ‬ ‫َعجينًا جديدًا ألنَّكُم َفطير ٌ ال َ‬
‫خمي َر ِة‬ ‫خمي َر ِة ال َق َ‬
‫ديم ِة وال ب ِ َ‬ ‫سيح‪ .‬فلن َُع ِّيدْ إ ًذا‪ ،‬ال بال َ‬
‫ُ‬ ‫الم‬
‫وه َو َ‬
‫ت إ َليكُم في‬ ‫َّ‬
‫الش ِّر وال َفسادِ‪ ،‬بَ ْل ب ِ َفطير ِ النَّقا َو ِة وال َ‬
‫ح ِّق‪ .‬ك َت ْب ُ‬
‫أن ال ُتخالِطوا ال ُّزنا َة‪ .‬وال أعني ُزنا َة هذا العا َلمِ على‬
‫رِسا َلتي ْ‬
‫اضطرِر ُتم‬
‫ُ‬ ‫األوثان‪ ،‬وإال َّ‬
‫ِ‬ ‫اقين أو ُع ّبا َد‬
‫الس ّر َ‬ ‫اإلطالق أ ِو ال ُف ّ‬
‫جا َر أ ِو َّ‬ ‫ِ‬
‫أكتب إ َليكُم ْ‬
‫أن ال ُتخالِطوا‬ ‫ُ‬ ‫اآلن‬
‫َ‬ ‫لكن‬
‫ِ‬ ‫ن العا َلمِ !‬
‫روج مِ َ‬
‫خ ِ‬‫إلى ال ُ‬
‫أوثان أو شتَّا ٌم أو‬
‫ٍ‬ ‫زان أو فا ِجر ٌ أو عاب ِ ُد‬
‫خا وه َو ٍ‬ ‫َم ْن ُيدعى أ ً‬
‫ِلطعامِ ‪.‬‬ ‫ل ال تَجل ِسوا َ‬
‫مع ُه ل َّ‬ ‫ج ِ‬
‫ثل هذا ال َّر ُ‬
‫اق‪ .‬فمِ ُ‬‫ِسكّير ٌ أو َس ّر ٌ‬
‫أما ع َليكُم أنتُم ْ‬
‫أن‬ ‫َنيسةِ؟ َ‬
‫خارج الك َ‬ ‫َ‬ ‫أدين الّ َ‬
‫ذين‬ ‫َ‬ ‫َل لي أن‬ ‫ه ْ‬
‫ألن الّ َ‬
‫ذين في خار ِ ِجها يَدي ُن ُه ُم هللاُ‪.‬‬ ‫تَدينوا الّ َ‬
‫ذين في دا ِخل ِها؟ َّ‬
‫الفاس َد مِ ْن بَي ِنكُم‪ 1( ».‬كورنثوس ‪:5‬‬
‫ِ‬ ‫قول‪« :‬أزيلوا‬
‫ِتاب يَ ُ‬
‫فالك ُ‬
‫‪)13–1‬‬

‫إن جديّة موقف الكنيسة حيال الفساد وعدم التفريط بالتأديب‬

‫]*[  إن غاية هذا العقاب الشديد‪ ،‬عقاب الحرم الكنسي‪ ،‬من أجل أن يعود الرجل المذكور إلى جادة‬
‫ّ‬
‫الحق‪ ،‬فيتوب لتخلص روحه‪.‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪114‬‬

‫الكنسي الذي أوصى به يسوع المسيح جميع كنائسه ضرورية جدا‪،‬‬


‫وذلك ألن روح الفحشاء وشياطينها واقفة لنا بالمرصاد طوال الوقت‬
‫إلغوائنا لكي نقع فريستها‪ ،‬وسوف تدخل خِلسة إلى َم ْقدِس الزواج‬
‫فور فتحنا الباب لها‪ .‬وبمجرد دخول روح النجاسة إلى أية عالقة‬
‫زوجية‪ ،‬تزداد تدريجيا صعوبة التركيز على محبة هللا‪ ،‬وتزداد تدريجيا‬
‫سهولة تغا ُفل الشريكين أحدهما عن اآلخر وسهولة االستسالم‬
‫لتجارب إبليس الشريرة‪.‬‬

‫ويجب عدم االستخفاف أبدا بقوة األرواح النجسة التي تسوق‬


‫الناس إلى فعل الشر‪ ،‬حتى لو كان ذلك في الزواج‪ .‬وبمجرد أن يصير‬
‫الناس تحت سيطرة تلك األرواح النجسة‪ ،‬يفقد الجنس سماته‬
‫النبيلة ويتدهور ويتحول إلى سلعة رخيصة ومبتذلة‪ .‬وتصبح‬
‫النعمة الرائعة التي خلقها هللا تجربة شريرة غادرة ومدمرة للحياة‪.‬‬
‫غير أن التوبة وحدها كفيلة بالشفاء وإعادة األمور إلى نصابها‬
‫الطبيعية الشريفة‪.‬‬

‫يحصل بفضل العالقة الجنسية في الزواج‬


‫اتحادا فريدا ال نظير له‬
‫يمكننا استيعاب الطبيعة الحقيقة المقدسة للجنس بأكثر وضوح‬
‫عندما نتمكن من رؤية قدسية الجنس بأنها اكتمال للحب العذري‬
‫المكلّل بالزواج وببركة هللا‪ .‬وينطبق موضوع التقديس أيضا على‬
‫ممارسة الجماع الجنسي نفسه‪ ،‬عندما يصل الحب الزوجي فيه إلى‬
‫أكمل تعبير جسدي له‪ .‬ولما كان الجماع الجنسي تجربة مثيرة جدا‪،‬‬
‫فمن الضروري جدا إرسائه في اإليمان بالله‪ .‬فلو لم ُينظر إلى الجنس‬
‫كنعمة إلهية ولو لم يتم إخضاعه لله‪ ،‬لصار هو بحد ذاته إالها‪ .‬أما‬
‫دخول الجنس بكامل التوقير فسوف يكون له أفضال كثيرة عجيبة‪،‬‬
‫‪115‬‬ ‫ُقـدسـ ّية الـجـنـس‬

‫فسوف «يوقظ في داخل قلب اإلنسان أكثر المشاعر العاطفية‬


‫‪17‬‬
‫وأقدسها وأر ُّقها‪».‬‬

‫إن ما ُيس ّير الجنس في الزواج الحقيقي هو أكثر من دافع‬


‫الشهوة الجنسية لدى كل من الزوجين‪ :‬ف ُيس ّير بواسطة الحب الذي‬
‫يربطهما معا‪ .‬فعندما يسلم كل شريك نفسه كليا لآلخر‪ ،‬فسوف‬
‫يحصل بينهما اتحادا فريدا ال نظير لعمقه ولسم ّوه‪ .‬ولن يكون األمر‬
‫مجرد «حب جسدي» بل يكون تعبيرا وإتماما للحب الكامل‪ ،‬الذي‬
‫هو عمل من العطاء غير المشروط والسرور الوجداني‪.‬‬

‫إن تقديم اإلنسان جسده إلى شخص آخر ُيعتبر تجربة مدهشة‬
‫ورائعة‪ .‬وإن هزة الجماع التي هي ذروة االتحاد الجسدي تجربة‬
‫قوية وتهز الكيان‪ ،‬ولها تأثير قوي على الروح‪ .‬فنرى هنا أن اختبار‬
‫الجسد قوي لدرجة أنه يصعب تمييزه عن اختبار الروح‪ .‬ويصل‬
‫الشخصان إلى ذروة بهجة الحب عندما يكون بينهما وئام متناغم‬
‫للقلب والجسد‪ .‬وفي أثناء غمرة اتحادهما الكامل‪ ،‬يجري رفعهما‬
‫من شخصيتهما وضمهما معا في أقرب وأعز عالقة ُوجدت‪ .‬أما‬
‫في لحظة رعشة الجماع ف ُيكت َ‬
‫َسح الشخص كليا من فرط النشوة‬
‫وينغمر بها‪ ،‬بحيث إن اإلحساس بأنه شخص مستقل يختفي‬
‫للحظة‪ ،‬إذا جاز التعبير‪.‬‬

‫يجب على االتحاد الجسدي أن يع ّبر دائما‬


‫عن وحدة القلب والروح‬
‫مهما حاولنا توقير الجماع الجنسي ضمن إطار الزواج فال نوفي حقه‪.‬‬
‫فسوف يعمل شعور من التح ُّفظ في داخلنا على جعلنا حذرين من‬
‫التحدث جهرا عن الحقائق الزوجية مع اآلخرين حتى لو كنا من‬
‫ضمهما‬ ‫ُّ‬
‫التحشم المفرط‪ .‬أما الرجل والمرأة اللذان ّ‬ ‫الرافضين لظاهرة‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪116‬‬

‫الزواج فالبد أن يكونا طبعا قا ِد َرين على التحدث بصراحة فيما بينهما‬
‫حتى عن أكثر األمور حرمة في الزواج‪ .‬غير أنهما لن يفعال ذلك بدون‬
‫التوقير النابع من حب أحدهما لآلخر‪.‬‬

‫وهناك نقطة في غاية األهمية وهي أن الزوجين يجب عليهما‬


‫أن ال يناما في كل ليلة قبل أن يتوجها إلى الرب يسوع بالصالة‪ .‬وليس‬
‫من الضروري استخدام الكثير من العبارات؛ ألن يسوع يعرف دائما‬
‫ماذا نعني وما نحتاج إليه‪ .‬ويجب أن ال نشكره فحسب بل أيضا‬
‫نطلب إرشاده – فلو لم نقرع بابه فال يمكنه فرض إرشاده علينا‪.‬‬
‫وطبعا يصح طلب إرشاده هذا حتى عند استفتاح كل يوم‪.‬‬

‫لو كان الزواج مؤسسا على السيد المسيح وعلى محبته وعلى‬
‫نقاوته‪ ،‬لحصل الزوجان على عالقة صحيحة فيما بينهما على جميع‬
‫األصعدة‪ .‬وعلينا هنا أن ننتبه لتحذير الرسول بولس‪:‬‬

‫مس على َغ َض ِبكُم‪ .‬ال‬ ‫ب َّ‬


‫الش ُ‬ ‫وإذا َغ ِ‬
‫ضبتُم ال ُتخطِ ئوا وال تَغر ِ ِ‬
‫إبليس مكانًا‪( .‬أفسس ‪)27–26 :4‬‬
‫َ‬ ‫ُتعطوا‬

‫إن الصالة مهمة جدا ولها دور حاسم في تصفية الخالفات التي تنشأ‬
‫في العالقة الزوجية‪ .‬أما اتحاد شخصين جسديّا عندما ال يكون بينهما‬
‫وحدة في الروح فيعتبر رياء‪ .‬إذ إنه انتهاك لرباط الحب‪.‬‬

‫ويجب أن تع ّبر الوحدة الجسدية دائما عن الوحدة الكاملة للروح‬


‫والنفس بين الزوجين؛ فال يجوز أبدا أن تكون وسيلة إلشباع الجسد‬
‫وحده‪ .‬ثم إن كل ممارسة جسدية للحب في إطار الزواج وتحت لواء‬
‫السيد المسيح هي بذل متبادل للذات‪ ،‬وعالمة على صدق تصميم‬
‫الفرد للعيش من أجل اآلخر‪ .‬فال تمت الوحدة الجسدية إلى التسلط‬
‫وإبراز العضالت بأية صلة وال إلى الفكرة القائلة بأن الجنس مثل‬
‫‪117‬‬ ‫ُقـدسـ ّية الـجـنـس‬

‫عملية إخضاع الطرف اآلخر أو قهره‪.‬‬

‫إن كل من يستعمل شريكه لمجرد إشباع نفسه يهين كرامته‬


‫وكرامة شريكه‪ .‬فتراه يستغل الجنس ألغراض أنانية‪ .‬ولهذا السبب‬
‫يدين الكتاب المقدس انسحاب الرجل عن زوجته قبل أن يبلغ‬
‫الذروة الجنسية ويسمح للمني بأن يسقط على األرض‪( ،‬راجع سفر‬
‫التكوين ‪ .)10–6 :38‬وبطبيعة الحال‪ ،‬لو حدث هذا على غير إرادته‪،‬‬
‫أو سابق ألوانه‪ ،‬أو في االحتالم‪ ،‬فال ُتحتسب خطيئة‪ .‬وللسبب نفسه‪،‬‬
‫ُيعتبر أي اتصال للفم مع العضو التناسلي للشريك اآلخر أمرا أثيما‬
‫أيضا‪ ،‬وذلك ألن دافع مثل هذا العمل ليس سوى الشهوة األنانية‬
‫لإلثارة الجنسية‪ ،‬فهذه األشكال من الممارسات الجنسية هي‬
‫بالحقيقة نوع من أنواع العادة السرية المتبادلة‪.‬‬

‫يكمن اإلشباع الجنسي الحقيقي في الخضوع المتبادل‬


‫قد تكون الرغبة الجنسية عند زوجين حديثي الزواج هامدة في‬
‫البداية‪ ،‬السيما عندما يكونان قد حافظا على نفسيهما من التورط‬
‫في عالقات جنسية قبل الزواج‪ ،‬أو ربما بسبب اإلدمان على العادة‬
‫السرية‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬فربما يحتاج العريس إلى أن يوقِظ أيضا الحافز‬
‫للمجامعة الجنسية لدى عروسه‪ .‬ولما كانت هذه العملية تحتاج‬
‫أحيانا إلى وقت‪ ،‬فعليه أن يكون صبورا جدا وال يبدأ بالمجامعة إال‬
‫عندما تكون زوجته مستعدة لذلك‪ .‬وقد يكون الجماع األول مؤلما‬
‫للعروس العذراء‪ ،‬وربما يسبب نزيفا بسيطا‪ .‬غير أن هذا األمر ال يدعو‬
‫إلى القلق‪ ،‬بل ينبغي أن يعي الزوج بتضايق زوجته وآالمها‪.‬‬

‫ومن الواجب على الزوج الحقيقي أن يحب زوجته إلى درجة‬


‫بالغة بحيث يأخذ بنظر االعتبار حالة االستعداد لديها وال يستعجل‬
‫بالمجامعة بسبب نفاد صبره‪ .‬ولما كان الزوج حريصا على زوجته‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪118‬‬

‫وغير مهتم بمجرد إشباع نفسه‪ ،‬فعليه أن يراعي حاجة المرأة في‬
‫معظم األحيان إلى وقت أطول مما يحتاجه الرجل للوصول إلى‬
‫الذروة‪ ،‬وكذلك‪ ،‬ومن بعد المجامعة‪ ،‬وفي حال يكون الزوج قد‬
‫وصل الذروة وانتهى في حين زوجته لم تصل بعد‪ ،‬فال يحق للزوج‬
‫أن ينام فرحا بينما ترقد زوجته مستيقظة بمشاعر كبيرة من‬
‫اإلحباط وخيبة األمل‪.‬‬

‫وغالبا ما تتوقف المتعة الجنسية لدى المرأة‪ ،‬وبدرجة أكبر من‬


‫الرجل‪ ،‬على األمور المصاحبة للمجامعة الجنسية؛ فهي تتوقف على‬
‫إحساسها بمدى التق ُّرب النفسي مع زوجها‪ ،‬وعلى بعض اللمسات‬
‫اللطيفة والكلمات الرقيقة‪ .‬فال تقتصر المتعة الجنسية على وصول‬
‫الذروة‪ .‬فقد تحصل الزوجة على أعمق إحساس بالسعادة بمجرد أن‬
‫تكون مع حبيبها‪.‬‬

‫وينبغي أن يتعلم الزوجان كيف يهيئ أحدهما اآلخر للمجامعة‪.‬‬


‫فإن اإلثارة المليئة بالحب تأكيد قوي على الوحدة المتبادلة‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى أنها ُتزيد من التهيئة للمجامعة‪ ،‬وتعزز الثقة بين الزوجين‪،‬‬
‫وتحيطهما بإحساس من األمان واالطمئنان‪ .‬وينبغي أن يتعلم كل‬
‫جب الشريك اآلخر وما ُي َه ِّيج غريزته الجنسية‪.‬‬
‫من الزوجين ما ُيع ِ‬
‫وكتب فريدريش فون جاجرن عما يه ِّيج المرأة فقال‪« :‬توجد مناطق‬
‫في جسم المرأة حساسة جدا للمداعبة – الفم والصدر وما تحت‬
‫الذراعين وسلسلة الظهر – ولكن الحب الفريد المتميز بين الزوجين‬
‫سوف يرشدهما باستمرار إلى ما هو جديد‪».‬‬
‫‪18‬‬

‫من أمور ضبط النفس االمتناع عن المعاشرة‪،‬‬


‫يعمق حب الزوجين‬‫ّ‬ ‫الذي يمكنه أن‬
‫إن المجامعة الجنسية ممكنة في أي وقت‪ ،‬ولكن يجب على الزوج‬
‫‪119‬‬ ‫ُقـدسـ ّية الـجـنـس‬

‫أن يكون على استعداد لإلمساك عنها ألجل صحة زوجته‪ ،‬السيما‬
‫قبل الوالدة وبعدها‪ .‬وباعتباري مرشدا اجتماعيا أُقدم المشورة‬
‫للمتزوجين‪ ،‬فأوصي دائما باالمتناع عن المعاشرة أثناء مدة الطمث‪،‬‬
‫وأيضا لمدة ستة أسابيع في األقل قبل الوالدة‪ .‬كما أوصي الزوجين‬
‫بأن يمتنعا ألطول فترة ممكنة بعد الوالدة لتتعافى األم جسديا‬
‫ونفسيا‪ .‬ولما كان كل زوجين يختلفان عن غيرهما‪ ،‬فمن الصعب‬
‫اقتراح إطار زمني محدد‪ ،‬فما يهم هو المراعاة‪ .‬فلو كان الزوج مراعيا‬
‫ح ّقا لظروف زوجته‪ ،‬فسوف يرغب في ضبط نفسه باالمتناع ألطول‬
‫فترة ممكنة‪ ،‬كما يوصي اإلنجيل‪:‬‬

‫ِك بِأ َ ْن تَ ْم َتن ُِعوا‬ ‫ي َه ِذهِ‪َ :‬قد َ‬


‫َاس ُتك ُْم‪َ .‬و َذل َ‬ ‫شي َئ َة هللاِ هِ َ‬ ‫ن َم ِ‬ ‫َفإ ِ َّ‬
‫س َد ُه‬
‫ج َ‬‫ح َف ُظ َ‬ ‫ن ال ِّزنَى‪َ ،‬وأ َ ْن يَ ْعر ِ َف ك ُّ‬
‫ُل َوا ِح ٍد مِ ْنك ُْم كَ ْي َف يَ ْ‬ ‫َع ِ‬
‫ح ِة كَا ْل َوثَ ِن ِّي َ‬
‫ين‬ ‫ِلش ْه َو ِة ا ْل َ‬
‫جامِ َ‬ ‫اق ل َّ‬ ‫الط َها َر ِة َوا ْلكَ َر َ‬
‫ام ِة َغ ْي َر ُمن َ‬
‫ْس ٍ‬ ‫ِفي َّ‬
‫ِين ال َ يَ ْعر ِ ُف َ‬
‫ون هللاَ‪ 1( .‬تسالونيكي ‪)5–3 :4‬‬ ‫الَّذ َ‬

‫وفي أوقات االمتناع هذه يجب على المرأة وانطالقا من محبتها‬


‫لزوجها‪ ،‬أن تحرص على أن ال ُت َه ِّيجه جنسيا‪.‬‬

‫بطبيعة الحال‪ ،‬إن االمتناع عن المعاشرة الجنسية بالنسبة‬


‫إلى الزوجين اللذين يحب أحدهما اآلخر ويعيشان معا وينامان معا‬
‫وينتمي أحدهما إلى اآلخر أصعب بكثير من امتناع شخص عازب‪.‬‬
‫فلذلك عليهما أن ينتبها لئال يقترب أحدهما من اآلخر بأسلوب‬
‫جنسي‪ ،‬لكي يتجنبا المجامعة‪.‬‬

‫هناك فكرة سائدة ال أساس لها من الصحة مفادها أن‬


‫االمتناع عن ممارسة الجنس في الزواج – لفترة معينة – البد أن‬
‫يكون مفهوما سلبيا باألساس وال يؤدي سوى إلى تدمير أعصاب‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪120‬‬

‫الشريك اآلخر‪ .‬ولكن لو كان هذا االمتناع مولودا من المحبة ألمكنه‬


‫يعمق ويثري العالقة الزوجية أكثر فأكثر‪ ،‬ال بل بإمكانه‬
‫ّ‬ ‫بالحقيقة أن‬
‫شاف أيضا‪ .‬ويخبرنا جون كبلي ‪،John Kippley‬‬
‫ٍ‬ ‫أن يكون له تأثير‬
‫وهو مؤسس مديرية االستشارة القومية للمتزوجين في الواليات‬
‫المتحدة األمريكية‪ ،‬عن امرأة قد أُسيء معاملتها من قبل والدها‬
‫عندما كانت طفلة صغيرة‪ ،‬ولكنها ُشفيت بفضل مراعاة زوجها‬
‫لظروفها وآالمها النفسية‪ .‬وقد قالت لجون‪« :‬بفضل ضبط النفس‬
‫أصبحت قادرة على أن أكتشف ألول مرة في حياتي بأني‬
‫ُ‬ ‫لدى زوجي‪،‬‬
‫أكثر من مجرد جسد‪ ،‬وبأني ممكن أن أكون محبوبة من دون تقديم‬
‫ُ‬
‫فحصلت على قيمة حقيقية لنفسي كإنسانة‪،‬‬ ‫أية عروض جنسية‪.‬‬
‫ُ‬
‫لست مجرد مادة يستخدمها اإلنسان اآلخر لمجرد إشباع ذاته‪».‬‬ ‫فأنا‬

‫وعندما تقترب المرأة من خريف عمرها‪ ،‬تتضاءل متعتها‬


‫واهتمامها بالمضاجعة الجنسية‪ ،‬وهي حالة عادية وليست شا ّذة‪.‬‬
‫ليتحمله‪ ،‬ولكن مع ذلك‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وقد يكون هذا األمر صعبا على الرجل‬
‫تقل محبته لزوجته بسبب ذلك‪ .‬أما‬ ‫ّ‬ ‫يجب أن يحرص على أن ال‬
‫الزوجة فعليها‪ ،‬من جانبها‪ ،‬أن تسلّم نفسها لزوجها بقدر استطاعتها‪،‬‬
‫حتى لو كانت متعتها في فعل ذلك ليست ذات المتعة التي كانت‬
‫عندها في السنوات السابقة‪ ،‬كما يوصي اإلنجيل‪:‬‬

‫ي‬ ‫ح َّقها‪ ،‬كما على المرأ ِة ْ‬


‫أن توف َ‬ ‫ي امرأتَ ُه َ‬
‫أن يوف َ‬‫وج ْ‬‫وعلى ال َّز ِ‬
‫ِك‬‫سدَها‪ ،‬فه َو لِ َزو ِجها‪ .‬وكذل َ‬ ‫لط َة لِلمرأ ِة على َ‬
‫ج ِ‬ ‫ح َّقهُ‪ .‬ال ُس َ‬ ‫َزو َ‬
‫جها َ‬
‫س ِدهِ‪ ،‬فه َو المرأتِهِ‪ 1( .‬كورنثوس ‪:7‬‬ ‫لط َة َله على َ‬
‫ج َ‬ ‫ال َّز ُ‬
‫وج ال ُس َ‬
‫‪)4 –3‬‬

‫وإن لم يحصل ذلك‪ ،‬فربما سوف ُت َ‬


‫س ِّول نفس الزوج له بالبحث عن‬
‫منافذ أخرى لتصريف دوافعه الجنسية‪ .‬فالنقطة المهمة هنا هي‬
‫‪121‬‬ ‫ُقـدسـ ّية الـجـنـس‬

‫ضرورة وجود وحدة الروح والنفس بين الزوجين دائما قبل االتحاد‬
‫الجسدي والمجامعة‪ ،‬ومن المهم أيضا عندما يكون اإلمساك عن‬
‫المجامعة الجنسية أمرا ضروريا‪ ،‬أن ال يصير ذلك سببا لفتور الحب‬
‫وبرود المشاعر‪ .‬ويكتب الرسول بولس في اإلنجيل قائال‪:‬‬

‫حين‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫َكما وإلى‬ ‫فاق بَين ُ‬ ‫ن اآل َ‬
‫خر ِ إال َّ على اتِّ ٍ‬ ‫ال يَم َتن ِْع أح ُدكُما َع ِ‬
‫ِلصالةِ‪ُ .‬ث َّم عودا إلى الحيا ِة ال َّزو ِج َّي ِة العا ِديَّ ِة لِئَال َّ‬
‫حتّى ت َت َف َّرغا ل َّ‬
‫إبليس‪ 1( .‬كورنثوس‬
‫َ‬ ‫َّفس‪ ،‬ف َت َقعوا في تَجرِبَ ِة‬ ‫ُيعو َزكُم َض ُ‬
‫بط الن ِ‬
‫‪)5 :7‬‬

‫ولعل أفضل طريقة لإلقبال على االمتناع الجنسي هي بالصوم‬


‫كضبط للنفس‪ .‬وعندما يتق ّبل الزوجان االمتناع برحابة صدر‬
‫ٍ‬ ‫والصالة‪،‬‬
‫بهذا األسلوب‪ ،‬ألمكنه تعميق الوحدة بين الزوجين أكثر من ذي قبل‪.‬‬

‫خالصة القول‪ ،‬إن كل شيء في الزواج يتوقف على التزام‬


‫كل من الزوجين بيسوع المسيح‪ ،‬وعلى رضاهما بإتباع إرشاده‬
‫وتوجيهه‪ .‬ويجب أن يتذكّر الزوجان أن هللا هو الذي جمعهما‪ ،‬وأنه‬
‫وحده القادر على أن يحفظهما معا‪ ،‬السيما في األوقات الصعبة‪.‬‬
‫فيقول يسوع المسيح‪:‬‬

‫خلِّ ُصها‪( .‬لوقا ‪)24 :9‬‬


‫س َر حياتَ ُه في َسبيلي ُي َ‬ ‫َم ْن َ‬
‫خ ِ‬

‫وينطبق األمر نفسه على الزواج المسيحي‪ :‬فبقدر ما يكون الشريكان‬


‫راغبين في تسليم نفسيهما أحدهما لآلخر وللسيد المسيح دائما‬
‫وأبدا فسوف يشهدان في حياتهما الزوجية االكتمال الحقيقي‬
‫السامي للوحدة والتح ُّرر‪.‬‬
‫الفصل الحادي عشر‬

‫التربية ونعمة األوالد‬

‫َ‬
‫ين‬
‫ب‪ ،‬فهذا َع ُ‬ ‫أيُّها األ َ ْوالَدُ‪ ،‬أطيعوا والديكُم في ال َّر ِّ‬
‫ِلك أ َّو ُل َوص َّي ٍة يَرتَ ِب ُط بِها‬ ‫أباك وأ ُ َّم َ‬
‫ك‪ »،‬ت َ‬ ‫َ‬ ‫واب‪« .‬أكر ِ ْم‬
‫الص ِ‬
‫َّ‬
‫ك في األرض‪ ».‬وأنتُم‬ ‫ام َ‬ ‫طول أيَّ ُ‬‫َ‬ ‫ِتنال َ‬
‫خي ًرا وتَ‬ ‫َوع ٌد وه َو‪« :‬ل َ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫أيُّها اآلبا ُء‪ ،‬ال ُتثيروا َ‬
‫حس َ‬‫ب أ ْوال َ ِدك ُْم‪ ،‬بَ ْل َربُّوهُم َ‬‫غض َ‬
‫ب وتأدي ِبهِ‪.‬‬
‫وصايا ال َّر ِّ‬

‫أفسس ‪4 – 1 :6‬‬

‫حيث تم ّر بنية الحياة األسرية بتغييرات‬


‫نعيش في عالم‬
‫جسيمة‪ ،‬في البلدان الغنية والفقيرة على حد‬
‫سواء‪ .‬إذ إن مفهوم األسرة كوحدة ثابتة متماسكة يضيع اآلن بسرعة‬
‫ليصبح مفهوما عتيقا عفا عليه الزمن‪ ،‬حتى أننا أخذنا نخشى من‬
‫أن نقوم بتعريف األسرة بمفهومها الصحيح لغيرنا من الناس‪ ،‬ألننا‬
‫ال نريد أن نجرح أحدا‪.‬‬

‫لقد ح َّذر علماء النفس على مدى سنوات طويلة من آثار التفكك‬
‫األُسري‪ ،‬وحاالت الحمل لدى المراهقات‪ ،‬والعنف في البيوت‪ ،‬وغيرها‬
‫من األمراض االجتماعية‪ ،‬غير أن تحذيراتهم ذهبت أدراج الرياح‪ .‬وها‬
‫نحن اآلن نجني حصادا مريرا‪ .‬وكل هذه األمور تجعل األمر ملحا‬
‫بشكل غير مسبوق إلعادة اكتشاف القصد األصلي لله في خلقه‬

‫‪122‬‬
‫‪123‬‬ ‫الـتربـيـة ونـعـمـة األوالد‬

‫‪19‬‬
‫للرجل والمرأة‪ ،‬وفي مباركتهما بنعمة األوالد‪.‬‬

‫يحتاج إنجاب األطفال اليوم إلى شجاعة‬


‫إن المجتمع المعاصر يحتقر األسرة‪ .‬فمن الصعب على أسرة مكونة‬
‫من عدة أوالد أن تجد منزال تسكن فيه‪ ،‬ويستحيل استئجار شقة في‬
‫أماكن كثيرة‪ ،‬حتى لو لم يكن لدى األسرة سوى طفل واحد‪ .‬فيمكن‬
‫القول ببساطة أن األطفال أصبحوا غير مرغوبين فيهم‪ .‬ويرى كثير‬
‫من الناس أنه من دواعي األسف أن يتركوا وظائفهم أو أشغالهم‬
‫من أجل إنجاب األطفال‪ ،‬وغالبا ما ينظرون بازدراء إلى النساء الالتي‬
‫يخترن أن يمكثن بالبيت لتربية األطفال‪ ،‬بدال من السعي وراء مهنة‬
‫«مقبولة» في المجتمع‪.‬‬

‫إن إنجاب األطفال في زماننا المعاصر يتطلب بالتأكيد شجاعة‬


‫كبيرة‪ ،‬لكن‪ ،‬أليس هذا ما يعنيه اإليمان؟ أال يعني أنه بالرغم من‬
‫عدم معرفة ما يخبئه المستقبل لنا‪ ،‬يظل توكلنا على هللا مستمرا؟‬
‫وتظل الثقة بأن كل شيء في الوجود موضوع بين يديه؟ وبأن الكلمة‬
‫األخيرة ستكون له؟ فاآلباء واألهالي في حاجة ماسة اآلن إلى التوكل‬
‫على هللا أكثر من أي وقت مضى‪ .‬إذ تتوقف صحة أي مجتمع‬
‫(وصحة أية كنيسة أو أية حركة اجتماعية) على مدى متانة العالقات‬
‫الزوجية فيه‪ .‬فحيثما يك ُْن هناك توقير لله نجد عائالت ذات عالقات‬
‫يحل‬
‫ّ‬ ‫متينة ومستقرة‪ ،‬ولكن حالما يضيع هذا التوقير فسرعان ما‬
‫التفكك والتدهور‪.‬‬

‫إن الوالدَين اللذين يتذوقان غمرة المشاعر وروعتها عند رؤية‬


‫أول ابتسامة لطفلهما الوليد‪ ،‬وعند تقديم المحبة والحنان له‪ ،‬ومن‬
‫ثم لمس حبه كصدى لمحبتهما‪ ،‬فإنهما يعرفان شيئا عن عظمة‬
‫هللا ومدى اقتراب السماء إليهما ومدى قداسة السماء من خالل‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪124‬‬

‫كل طفل‪ .‬فكل أبوين يعرفان أن طفلهما ال يشبه أي طفل آخر‪،‬‬


‫وال يمكن ألي طفل آخر أن يحل محله في قلبيهما‪ .‬وسوف يدركان‬
‫أيضا أن إنجاب طفل إلى العالم إنما هو مسؤولية كبيرة تثير الدهشة‬
‫واإلجالل ومخافة هللا – وهي مسؤولية تنمو بنمو الطفل – وسوف‬
‫يشعران بمدى حقيقة ضعفهما وبطبيعتهما الخاطئة وبأنهما غير‬
‫مؤه َلين لتربية حتى لو كان طفال واحدا بقواهم البشرية وحدها‪.‬‬

‫لكن يجب أن ال يأخذنا وعينا بعدم كفاءتنا إلى اليأس‪ ،‬بل يجب‬
‫أن يجعلنا ندرك مدى اعتمادنا على النعمة اإللهية‪ .‬فال يصلح لتربية‬
‫األطفال سوى البالغين الذين يقفون كاألطفال أمام نعمة هللا‪.‬‬

‫على أي أساس يجب أن ُتبنى األسرة؟‬


‫عندما نفكر في تأسيس أسرة‪ ،‬فإن سؤالنا األول يجب أن يكون‪ :‬على‬
‫أي أساس سنبنيها؟ والجواب على هذا السؤال هو على التكريس‬
‫الكامل للسيد المسيح ولكنيسته‪ ،‬فهو األساس الوحيد الذي يمكن‬
‫االعتماد عليه‪ .‬فعلى الرب وحده يمكننا بناء حياة أسرية ناجحة‬
‫وسعيدة وغنية روح ّيا لكي تتمكّن من الصمود أمام القوى التي‬
‫تهاجمها من كل حدب وصوب‪.‬‬

‫وتقع على عاتق كل من الزوجين مسؤولية تنشئة أوالدهما‬


‫نيابة عن هللا‪ ،‬لتمثيل الخالق‪ .‬فاألب واألم في نظر الطفل الصغير‬
‫يرمزان إلى هللا‪ .‬ولهذا السبب ُتعتبر وصية إكرام الوالدين مهمة جدا‬
‫لتربية الطفل منذ نعومة أظفاره‪ .‬وبدونها ال يكون للوصية المختصة‬
‫بإكرام هللا أيّ معنى حقيقي عند الطفل‪ .‬ويوجد في الحقيقة في داخل‬
‫كل طفل اشتياق فطري إلى االطمئنان الذي يقدمه األب واألم وهللا‪.‬‬
‫وما أفظع األمر حينما ال يقوم الوالدان بإشباع هذا االشتياق عند‬
‫أوالدهما‪ ،‬وأيضا حينما ال ينظران إلى التربية سوى أنها دور يلعبانه‬
‫‪125‬‬ ‫الـتربـيـة ونـعـمـة األوالد‬

‫في حين أنهما في الواقع ليسا والدين حقيقيين – ال أبَّا حقيقي وال‬
‫يحسون بهذا الرياء حيثما يحصل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أما حقيقية! أما األطفال فسوف‬
‫َّ‬
‫وبعدها سوف يمتلكهم االستياء واالمتعاض والتمرد وهم يكبرون‪.‬‬

‫وتحدث المشكلة نفسها إذا كان في حياة الزوجين خالفات‬


‫كرب لألسرة بل‬
‫ّ‬ ‫– وكمثال على ذلك‪ :‬حين ال تدعم المرأة زوجها‬
‫تعارض كالمه وإرشاداته أمام األوالد‪ ،‬أو حين ال يحب الرجل زوجته‬
‫ويكرمها ويحترمها أمام األسرة‪ .‬فعندما ال يرى األوالد صورة هللا في‬
‫والديهما‪ ،‬فسوف يصعب عليهم الحصول على أساس آمن وسليم‬
‫لحياتهم المستقبلية‪ ،‬حتى أنهم قد يم ّرون بأزمات نفسية‪.‬‬

‫ّمت المشورة االجتماعية إلى أسرة كنت‬


‫وفي إحدى المرات قد ُ‬
‫أعرفها منذ كان أوالدها األربعة صغارا جدا‪ .‬وقد كان لألبوين كل‬
‫النوايا السليمة‪ ،‬ومع ذلك كانا منقسمين حول موضوع أيهما ينبغي‬
‫أن يكون له دور القيادة في األسرة‪ .‬وفي حين كانت األسرة تعطي‬
‫لألصدقاء والجيران انطباعا عنها بأنها كانت مليئة بالوئام والسالم‪،‬‬
‫إال أن التوترات والتنافسات بين الوالدين كانت تستفحل في داخلها‪.‬‬
‫وعندما كان أوالدهما يكبرون‪ ،‬كان الوالدان منقسمين كثيرا بحيث‬
‫لم يتمكنا من توجيه أوالدهما توجيها صحيحا‪ ،‬وبذلك حصل األوالد‬
‫على مثال سيء لالقتداء به في حياتهم‪.‬‬

‫واآلن كبر أوالدهما وصاروا راشدين‪ .‬وجميعهم محبوبون‬


‫وأذكياء وموهوبون‪ ،‬لكنهم متخبطون نفس ّيا‪ .‬فأصبح هؤالء األوالد‬
‫الشباب يستصعبون أن يثقوا بأحد اآلن‪ ،‬ألن األبوين لم يتعامال‬
‫مطلقا مع عناصر عدم الثقة بينهما عندما كانا يربيان أوالدهما‪ ،‬ولم‬
‫يتداركا الخالفات في حياتهما الزوجية‪ .‬باإلضافة إلى ذلك أصبح من‬
‫الصعب على األوالد الشباب – مثل والديهم – أن يكونوا صادقين‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪126‬‬

‫وصريحين مع أنفسهم‪ ،‬وتراهم قلقين ويريدون دائما أن يكونوا‬


‫مسيطرين ويتحكمون بزمام األمور‪ .‬ولألسف‪ ،‬فإنهم ال يعلمون‬
‫أن ذلك يعزلهم عن اآلخرين ويجعلهم وحيدين ومستائين بسبب‬
‫خيبة األمل‪ .‬واألسوأ من كل ذلك هو أنهم أصبحوا غير واقعيين‬
‫في توقعاتهم في الحياة‪ ،‬ويبدو وكأنهم يظنون أن العالم كله مدين‬
‫لهم بالنجاح‪.‬‬

‫من الضروري جدا أن ُيحاط الطفل منذ اليوم األول في حياته‬


‫بالمحبة وبأجواء مليئة بتوقير هللا‪ .‬فبقدر ما يرى األوالد الحب بين‬
‫والديهما‪ ،‬سيحصلون بالدرجة نفسها على األمان الروحي الذي‬
‫يحتاجونه من أجل نمو شخصياتهم وتطورها‪.‬‬

‫يخص مسائل تأديب األوالد‪ ،‬فمن األفضل أن يكون‬


‫ّ‬ ‫وفي ما‬
‫الزوج والزوجة على اتفاق تام وال يناقض أحدهما اآلخر في تحديد‬
‫نوع السلوك الذي يتوقعانه من أوالدهما‪ .‬فيجب أن ال نعطي فرصة‬
‫لألوالد ليقرروا أي من الوالدين على صواب‪ .‬فموقف األوالد يجب‬
‫أن يكون موقف الثقة بالوالدين والطاعة وليس موقف اإلدانة‬
‫والمحاسبة‪ .‬ويتطلع األوالد بالحقيقة إلى حدود ثابتة للسلوك‬
‫يرسمها لهم والداهم كما يتطلعون أيضا إلى األمان النفسي الذي‬
‫يأتي بفضل الوحدة والوئام والمحبة واالحترام المتبادل بين الوالدين‪.‬‬
‫فهذه األمور هي األساس للمحبة الصحيحة التي ينبغي أن يقدمها‬
‫الوالدان لألوالد‪.‬‬

‫يحتاج األطفال إلى أمثلة ح ّية ال إلى كالم ديني‬


‫إن السنوات الخمسة األولى من حياة الطفل لها دور كبير في تكوينه‪،‬‬
‫لذلك فهي أفضل وقت للوالدين لكي يقدما يسوع واإلنجيل تقديما‬
‫ح ّيا إلى أطفالهما‪ .‬وهذا يمكن تأديته ببساطة بأخبارهم عن ميالد‬
‫‪127‬‬ ‫الـتربـيـة ونـعـمـة األوالد‬

‫يسوع وموته وقيامته‪ .‬فكل هذه األمور تؤثر في قلوب األطفال وهم‬
‫بعمر صغير ال يصدق‪ ،‬وتوقظ فيهم حبا لله وليسوع‪.‬‬

‫لكن ال يمكننا تقديم يسوع إلى أطفالنا لو كان يسوع مجرد‬


‫شخصية في كتبنا المقدسة‪ .‬ثم إن األطفال يريدون أن يجيئوا إلى‬
‫يسوع دائما‪ ،‬ولكنهم يتمردون فطريا ضد التقوى الزائفة والتديّن‬
‫الزائف الموجود في البيئة المحيطة بهم‪ .‬كما قال مرة القسيس‬
‫األلماني بلومهارت ‪« :Blumhardt‬لو حاولنا ج ّر أبنائنا إلى الملكوت‬
‫المرائية‬
‫بواسطة أساليبنا الدينية الزائفة‪ ،‬فسوف يف ّرون من بيوتنا ُ‬
‫لذلك يجب أن نحرص على أن ال نضع‬ ‫‪20‬‬
‫بأسرع وقت ممكن‪».‬‬
‫أطفالنا تحت أي ضغط ديني‪ ،‬أو نزعجهم بالحديث عن الخطايا التي‬
‫ال يمكنهم فهمها وال ارتكابها‪ .‬وما نريده هو أن يكون لديهم موقف‬
‫طفولي بريء نحو هللا ونحو يسوع ونحو الكتاب المقدس‪ .‬فال فائدة‬
‫من تعليمهم حتى لو كانت أصغر آيات األسفار‪ ،‬على سبيل المثال‪،‬‬
‫إذا كان هللا ال يتكلم مباشرة إلى قلوبهم الصغيرة‪ .‬وبدال من محاولة‬
‫الوالدين في «تلقين» أوالدهما اإليمان فمن األفضل لهما كثيرا‬
‫أن يكونا مثاال صالحا ويعيشان إيمانهما بطريقة عفوية وصادقة‪.‬‬
‫فعندما يرانا أوالدنا بأننا‪ ،‬نحن اآلباء‪ ،‬نتوكل على هللا في كل شيء‬
‫– وعندما يروننا نشكره ونطيع وصاياه – فسوف يشعرون بإلحاح‬
‫الرب في حياتهم طواعية ودون إكراه ومن‬
‫ّ‬ ‫داخلي للصالة والِتِّباع‬
‫تلقاء ذاتهم‪.‬‬

‫واجبنا توجيه أوالدنا وليس السيطرة عليهم‬


‫تحتاج التربية إلى تأديب يومي‪ ،‬ولكن يجب علينا أن ال ننسى‬
‫أن رعايتنا لهم بالنيابة عن هللا تعني توجيههم وليس السيطرة‬
‫عليهم‪ .‬ويجب علينا تشجيعهم على التغلب على الش ّر في نفوسهم‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪128‬‬

‫بأنفسهم‪ ،‬وأن يح ّولوا نظرهم إلى خارج نطاق عالمهم الصغير منذ‬
‫صباهم وأن ال يتقوقعوا حول الذات‪ ،‬ويجب أن يتعلموا أن يحبوا‬
‫ويحترموا اآلخرين‪ .‬فال يجوز أن ُيت َرك األطفال يتأرجحون في مزاج‬
‫نفسي متقلب‪ ،‬ويتبعون كل نزوة أنانية بدون أي ضابط أو وازع‬
‫داخلي‪ .‬فالتوجيهات الواضحة والحدود الثابتة للسلوك ضرورية‬
‫دائما‪ .‬وفي الحقيقة‪ ،‬فإن التأديب هو أعظم محبة يمكن تقديمها لهم‪،‬‬
‫كما يبين لنا اإلنجيل‪:‬‬

‫خض ُع باألَحرى‬ ‫س ِد ُيؤدِّبونَنا وكُنَّا نَهابُ ُهم‪ ،‬أفال نَ َ‬ ‫كان آبا ُؤنا في ال َ‬
‫ج َ‬ ‫َ‬
‫قت َقصير ٍ‬ ‫َنال الحيا َة؟ هُم كانوا ُي َؤدِّبونَنا لِ َو ٍ‬ ‫وح لِن َ‬ ‫ألبينا في ال ُّر ِ‬
‫خيرِنا فنُشارِكُ ُه في‬ ‫وأما هللاُ ف ُيؤ ِّدبُنا لِ َ‬
‫َّ‬ ‫نون‪،‬‬
‫َحس َ‬ ‫وكما يَست ِ‬
‫ِن ك ُّ ْ‬
‫زن‪ ،‬ال‬
‫ح ِ‬ ‫ساعت ِه باعِ ًثا على ال ُ‬‫َ‬ ‫ُل تَأ ٍ‬
‫ديب يَبدو في‬ ‫داستِه‪ .‬ولك ْ‬ ‫َق َ‬
‫على ال َف َر ِح‪ .‬إال َّ أن َّ ُه يَعو ُد فيما بَع ُد على الّ َ‬
‫ذين عانو ُه ب ِ َث َمر ِ ال ِب ِّر‬
‫والسالمِ ‪( .‬عبرانيين ‪)11–9 :12‬‬
‫َّ‬

‫أما ممارسة اإلكراه مع األوالد وسحقهم روح ّيا فال ُيعتبران محبة أبدا‪.‬‬

‫ويجب علينا أن نتذكر أن كل طفل هو عبارة عن فكرة لدى هللا‪،‬‬


‫كما يقول لنا الكتاب المقدس‪:‬‬

‫هيب‬ ‫ُك ألن َّ َ‬


‫ك َر‬ ‫أحمد َ‬ ‫ْت قلبي‪ ،‬وأدخ ْلتَني بَ ْط َ ُ‬
‫أنت َملك َ‬
‫َ‬
‫ٌ‬ ‫ن أ ِّمي‪َ .‬‬
‫المعرِفةِ‪ .‬ما‬
‫ُل َ‬ ‫ك‪ ،‬وأنا أعر ِ ُف هذا ك َ‬ ‫وعجيب‪ .‬عجيبةٌ هي أعما ُل َ‬
‫ٌ‬
‫فأنت َصن َْعتَني في ال َّرحِمِ ‪ ،‬وأبد َْعتَني‬
‫َ‬ ‫خ ِف َيت عِ ظامي ع َل َ‬
‫يك‪،‬‬
‫ن‪ ،‬وفي ِس ْفر ِ َ‬
‫ك كُ ِت َبت‬ ‫عيناك وأنا جني ٌ‬
‫َ‬ ‫ُناك في الخفاءِ‪ .‬رأ ْتني‬
‫ه َ‬
‫ك‬
‫يكون مِ نها شيءٌ‪ .‬ما أك َر َم أفكا َر َ‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫وص ِّو َرت َق َ‬
‫بل ْ‬ ‫أيّامي كُلُّها ُ‬
‫عِ ندي يا هللاُ‪ .‬ما أكث َر عديدَها‪( .‬مزمور ‪)17–13 :139‬‬

‫ولنحاول فهم لماذا قيل في الكتاب المقدس‪َ « :‬و َص ِبي ٌّ َصغِ ير ٌ‬


‫ّ‬
‫يحق لنا أثناء‬ ‫يَ ُسو ُق َها‪( ».‬إشعيا ‪ )6 :11‬فال يمكننا نحن اآلباء وال‬
‫‪129‬‬ ‫الـتربـيـة ونـعـمـة األوالد‬

‫تربيتنا ألوالدنا أن نحاول صياغتهم بحسب مبتغانا أو خططنا‬


‫البشرية‪ .‬فال ينبغي أن نفرض عليهم أي شيء لم يل ِد من داخلهم‬
‫أو لم يستيقظ فيهم أو لم يوهب من قِبل هللا‪ .‬فلدى هللا قصد‬
‫محدد لكل طفل؛ ولديه خطة لكل واحد منهم‪ ،‬وسيلتزم بها‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫فإن مهمتنا التربوية هي مساعدة الطفل على اكتشاف قصد هللا له‬
‫ومن ثم اإليفاء به‪.‬‬

‫ويتطلب القيام بهذه المهمة التربوية التدريب المستمر على‬


‫نكران الذات والتخلي عن جهودنا البشرية في توجيه الطفل‪ .‬وقد‬
‫ّ‬
‫الكف عن تشتيت أفكار األطفال‪ .‬وقد كتب القسيس‬ ‫يعني هذا أحيانا‬
‫األلماني بلومهارت ‪ Blumhardt‬عن سرعة تخريب عالقتنا مع األوالد‬
‫وذلك عندما نقطع عليهم حبل أفكارهم في أية فعالية منشغلين‬
‫بها ونعكِّر مزاجهم الجميل بمحاولتنا في التأثير عليهم بأفكارنا أو‬
‫نصائحنا‪ ،‬فيقول‪« :‬عندما نترك األطفال بال مقاطعة‪ ،‬فإنهم سوف‬
‫‪21‬‬
‫يتعلمون أجمل طاعة وأجمل احترام‪».‬‬

‫من الطبيعي أننا يجب أن نكون متيقظين ضد التس ّيب‪ .‬إال أن‬
‫رخاوة الطبع والميوعة لدى األطفال غالبا ما تكون ثمرة عواطف‬
‫غير سليمة بين أحد الوالدين والطفل التي تؤدي بدورها إلى تخريبه‬
‫داخليا‪ .‬إذ تحجب مثل هذه العواطف السطحية الزائدة روح البراءة‬
‫والطفولة عن األطفال‪ ،‬ألنها تع ّرض الطفل إلى رخاوة ذاك الشخص‬
‫البالغ الذي فق َد وضوح طريق السيد المسيح‪ .‬فعلينا أن نحرص‬
‫دائما على أن يكون أطفالنا متحررين من مثل هذه الروابط الزائفة‬
‫وال نخ ّربهم بها‪.‬‬

‫تق ّوي السلطة الوالدية الحقيقية الطفل وتح ِّفزه‬


‫ينبغي أن ال ينجرح األطفال أبدا وأن ال يشعروا بأن معاملتهم قد‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪130‬‬

‫أُسيء إليها عندما يقوم أحد األشخاص بتنبيههم بأخطائهم أو‬


‫بتوبيخهم توبيخا الذعا‪ .‬فعليهم أن يتداركوا أنفسهم ويتواجهوا مع‬
‫نتائج ما حصل منهم عندما نريهم أخطائهم‪ .‬وينبغي أن ال يراوغوا‬
‫معنا في كالمهم ويقدموا أنصاف إجابات تحتمل أكثر من معنى‪.‬‬
‫وبالرغم من أن شيئا من الحزم مع األطفال أمر مفيد‪ ،‬إال أن نفاد‬
‫الصبر معهم واالغتياظ عليهم ليس مفيدا على اإلطالق‪ ،‬السيما‬
‫عندما يؤدي ذلك إلى عقاب بدني‪ .‬ألن هذا ُيعد «إشهار إفالس‬
‫تربوي» كما يصفه ايبرهارد آرنولد ‪.Eberhard Arnold‬‬

‫وينبغي أن يرفض اآلباء ًّ‬


‫كل من أسلوبي‪ :‬قسوة العقوبة البدنية‪،‬‬
‫وأسلوب قوة السيطرة واألوامر واإلكراه‪ :‬فكالهما من أساليب‬
‫الغاشية (أي بمعنى التسلّط)‪ ،‬اللتان تفوتهما رؤية الطفل كحامل‬
‫لصورة هللا‪ .‬فيفشل األسلوب األول في الرحمة‪ ،‬ويفشل الثاني في‬
‫تعزيز الصدق‪ .‬ويفشالن كالهما في المحبة‪ .‬أما السلطة التربوية‬
‫الحقيقية فتح ّفز وتع ّزز ما هو صالح في كل طفل وذلك بتوجيهه‬
‫الصح والغلط‪ .‬ثم إن األوالد‬
‫ّ‬ ‫إلى صنع قراراته بنفسه ليختار من بين‬
‫لن يتحسسوا بالرغبة في الصراع ضد الش ّر الذي يريد العمل في‬
‫دواخلهم – مثلما يريد العمل أيضا في داخل كل منا نحن اآلباء – إال‬
‫عندما نربيهم بالثقة والمحبة‪.‬‬

‫وأشكر هللا أنا شخصيا على والدي الذي كان حازما جدا معنا‬
‫نحن األوالد‪ ،‬كلما استدعت الضرورة‪ .‬وأنا مثل بقية األوالد كنت‬
‫أتمرد في بعص األحيان على حزمه‪ ،‬لكني كنت أعلم في قرارة نفسي‬
‫بأن حزمه كان عالمة من عالمات حبه لي‪ .‬وقد غرس والدانا فينا‬
‫نحن األوالد‪ ،‬ومنذ صغرنا‪ ،‬أهمية الوصية الخامسة من وصايا هللا‬
‫العشر بشأن إكرام األب واألم‪ .‬وكنا نعلم بأنه لو لم نحبهما ونكرمهما‬
‫‪131‬‬ ‫الـتربـيـة ونـعـمـة األوالد‬

‫ألصبحنا في الواقع كمن يهين هللا وال يكرمه‪.‬‬

‫أما بالنسبة إلى أسلوب تعاملنا مع والدتي‪ ،‬فكان يص ّر والدي‬


‫على أننا – نحن األوالد – يجب علينا احترامها‪ .‬فلم يتسامح في عدم‬
‫طاعتنا لها‪ .‬ولم أفهم حكمته إال بعد سنوات الحقة‪ .‬ألنه من واجب‬
‫األب أن يعزز االحترام تجاه األم ألنها تتحمل العبء األكبر في تربية‬
‫األوالد‪ ،‬السيما عندما يكونون صغارا أو مرضى‪.‬‬

‫وبالرغم من أن والدي كان يبدو صارما أحيانا‪ ،‬إال أني لم أحس‬


‫وال مرة بأي خوف منه على اإلطالق‪ .‬لماذا؟ ألنه عندما كان يؤنبني‬
‫على ما ارتكبته من أخطاء‪ ،‬كنت أدخل في حسابي عفوه الكامل وحبه‬
‫بتحمل مسؤوليتي وإصالح ما حصل مني‪ .‬لقد‬ ‫ُّ‬ ‫الكامل حالما أ ُ ِق ّر‬
‫كنت متأكدا من أنه سيعفو عني وسينسى كل أخطائي وسنقلب‬
‫صفحة جديدة‪.‬‬

‫لقد أراني والدي المغزى الكامن في ممارسة السلطة التربوية‬


‫ح ّبة‪ ،‬تلك السلطة التربوية التي ال يهبها سوى هللا‪ .‬ففي قلب‬
‫الم ِ‬
‫ُ‬
‫كل طفل اشتياق إلى أن يسمع كلمة «ال» عندما تكون كلمة «ال»‬
‫ضرورية‪ ،‬وفي قلبه أيضا رغبة صادقة في أن يصلّح الموقف عندما‬
‫يعلم بأنه قد فعل شيئا خطأ‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن السلطة الوالدية الحقيقية‬
‫تمنح الطفل أمانا روحيا‪ ،‬ألنها تزود الطفل باالستقرار النفسي الذي‬
‫يفرزه وضع حدود للسلوك‪.‬‬

‫مما ال شك فيه أن معظم اآلباء واألمهات ال يسيئون تربية‬


‫أوالدهم عن عمد‪ .‬وعندما يفشلون في إرشادهم الصحيح بدون‬
‫قصد‪ ،‬فسوف يعانون على األرجح هم أيضا من تبعات الموضوع‬
‫مع أوالدهم‪ .‬ولدى بعض اآلباء ثقة بقابلياتهم التربوية‪ ،‬أما البعض‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪132‬‬

‫اآلخر فليس لديه ذلك‪ ،‬ولكن تأتي ساعات يسلّم فيها جميع اآلباء‬
‫ويرفعون الراية البيضاء‪ .‬وعندما يحصل ذلك‪ ،‬فمن الضروري أن‬
‫يتواضع الزوجان ويطلبان المساعدة سواء كانت من صديق عزيز‬
‫أو من األقرباء أو من معلم تربوي أو من قسيس يثقان فيه أو‬
‫من مرشد أ ُ َسري‪ .‬وبطبيعة الحال‪ ،‬ينبغي أن يجري الحصول على‬
‫المساعدة التربوية بطريقة تطمئن الطفل الذي نحن بصدده وال‬
‫نجرحه – وال ينبغي أن تكون أيضا على حساب عالقة الوالدين مع‬
‫الطفل سواء كان ولدا أو بنتا‪ .‬إال أننا نعلم علم اليقين بأن المصدر‬
‫الحقيقي للمعونة هو هللا‪ ،‬ألنه في نهاية المطاف‪ ،‬فإن أية معونة‬
‫بشرية ربما تصبح عقبة حتى لو جاءت من أفضل مرشد اجتماعي‪.‬‬
‫ويكتب والدي في هذا الشأن فيقول‪:‬‬

‫يدعونا المسيح لنصير كاألطفال‪ ،‬ويعني هذا أنه يجب علينا‬


‫أن نتخلى عن كل شيء ونصبح متوكلين تماما على هللا‪،‬‬
‫وبعضنا على بعض‪ .‬فلو كنا نحن اآلباء نحب هللا من كل‬
‫قلوبنا ومن كل نفوسنا‪ ،‬لحصل أطفالنا على التوقير الصحيح‬
‫تجاهنا‪ ،‬وحصلنا نحن أيضا على التوقير تجاه أطفالنا‪ ،‬وأيضا‬
‫تجاه السر العجيب عندما يتحول اإلنسان الراشد ويصير‬
‫كالطفل في براءته‪ .‬ثم إن توقير الروح الذي يتحرك بين األب‬
‫والطفل أو بين األم والطفل هو العنصر األساسي للحياة‬
‫‪22‬‬
‫األسرية السعيدة‪.‬‬
‫الفصل الثاني عشر‬

‫نقاوة الطفولة‬

‫لكوت‬
‫ِ‬ ‫األعظم في َم‬
‫ُ‬ ‫فل‪ ،‬فه َو‬
‫الط ِ‬
‫ثل هذا ِّ‬ ‫َمن اَتَّ َ‬
‫ضع وصا َر مِ َ‬
‫يكون ق ِب َلني‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وم ْن َق ِب َ‬
‫ل طِ فال ً مِ ث َل ُه باَسمي‬ ‫ماوات‪َ .‬‬
‫ِ‬ ‫الس‬
‫َّ‬
‫المؤمنين بي في ال َ‬
‫خطيئةِ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ح َد ه ُؤال ِء ِّ‬
‫الصغار ِ‬ ‫أوقع أ َ‬
‫َ‬ ‫َم ْن‬
‫ن كبيرٍ؟ و ُيرمى في‬
‫ح ٍ‬
‫ج ُر َط ْ‬ ‫خير ٌ َله ْ‬
‫أن ُيعلَّ َق في ُعنُق ِه ح َ‬ ‫ف َ‬
‫أعماق البحرِ‪.‬‬
‫ِ‬

‫متى ‪6 – 4 :18‬‬

‫يسوع المسيح عن القيمة العظمى لروح طفل‬


‫تخبرنا كلمات‬
‫صغير في نظر هللا‪ .‬وكل طفل هو قريب من‬
‫عرش هللا روح ّيا‪ ،‬وقريب من قلب هللا‪ ،‬وكل طفل له مالك حارس‬
‫يشاهد دائما وجه هللا اآلب في السماء‪ ،‬كما يخبرنا يسوع في اإلنجيل‪:‬‬

‫إن‬
‫أقول لكُم‪َّ :‬‬
‫ُ‬ ‫أن تَحتقروا أحدًا مِ ْن هَؤال ِء َّ‬
‫الصغارِ‪.‬‬ ‫إيَّاكُم ْ‬
‫ِين وج َه أبي الّذي في‬
‫ُل ح ٍ‬
‫دون ك َّ‬
‫َ‬ ‫ماوات ُيشاهِ‬
‫ِ‬ ‫مالئِكَ َت ُهم في َّ‬
‫الس‬
‫ماوات‪( .‬متى ‪)10 :18‬‬
‫ِ‬ ‫الس‬
‫َّ‬

‫عندما يولد أي طفل في هذا العالم‪ ،‬فكأنّه يجلب معه هواء السماء‬
‫النقي والطاهر والعفيف‪ .‬فعند ميالد أي طفل نشعر بأن شيئا من‬
‫حل علينا‪ .‬فما أعظم بركة براءة‬
‫هللا قد ُولد‪ ،‬وبأن شيئا من األبدية قد ّ‬
‫الطفل علينا!‬

‫‪133‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪134‬‬

‫وجوب حماية روح الطفولة البريئة‬


‫بل وتنميتها أيضا‬
‫على الرغم من براءة كل طفل‪ ،‬إال أنه يوجد ميل للخطيئة فيه‪َ « ،‬ها‬
‫ت بِي أ ُ ِّمي‪( ».‬مزمور ‪)5 :51‬‬
‫ح ِب َل ْ‬ ‫إِنِّي بِاإل ِ ْثمِ َقدْ ُولِدْ ُ‬
‫ت َو ِفي ا ْل َ‬
‫خطِ ي َئ ِة َ‬
‫ولهذا السبب ُيعتبر ا ِ ْقتِياد أي طفل إلى الضالل أمرا شنيعا‪ .‬وال‬
‫يفسد األطفال بمجرد ا ِ ْقتِيادنا المتعمد لهم إلى الخطيئة فحسب‪ ،‬بل‬
‫أيضا بتعريضهم ألي شيء يدنس جو البراءة من حولهم ويحرمهم‬
‫من روح ّيتهم الطفولية البريئة‪ .‬فهناك كثير من الصور واألفالم‬
‫غير الالئقة‪ ،‬التي يتعرض لها األطفال اليوم في البيوت عن طريق‬
‫التلفزيون والفيديو واإلنترنت والمحالت التجارية وفي أسواق المول‬
‫وفي المدرسة‪ ،‬والذي يقوم بنشر مثل هذه الصور واألفالم هم ناس‬
‫بالغون قد استحوذ عليهم الجنس أو العنف أو القوة أو المال‪ .‬فهل‬
‫من المستغرب إذن أن يفقد األطفال روح ّيتهم الطفولية البريئة‬
‫وطفولتهم كلها أيضا؟‬

‫إن أحسن صنيعة نقدمها ألطفالنا هي أن نحرص على أن تكون‬


‫األجواء التي يعيشون فيها‪ ،‬ممتلئة بأكملها بروح النقاوة والعفاف‪،‬‬
‫وتسودها المحبة‪ .‬فالتربية الروحية لألطفال‪ ،‬المتمثلة في توجيههم‬
‫إلى احترام هللا ومحبة والديهم ومعلميهم وكل من حولهم‪ ،‬هي‬
‫امتياز مقدس وعمل مقدس‪ .‬ومن المهم جدا هنا أن نتضرع إلى روح‬
‫هللا القدوس لكي يوقظ في أبنائنا وبناتنا اإلرادة لعمل ما هو عفيف‬
‫وصادق وصالح‪ ،‬ألن إرشادنا لألوالد ليعملوا ما هو صالح يعتبر أهم‬
‫من تعليمهم على سرد آيات من الكتاب المقدس أو ترديد صلوات‬
‫معينة ربما ال تصدر من القلب‪ .‬ولهذا السبب تتجنب كنيستنا أية‬
‫تعاليم دينية صورية كهذه‪ .‬ألننا نرى أن األطفال يمكنهم تعلُّم محبة‬
‫هللا على أحسن وجه من خالل ترانيم بسيطة ومن خالل قراءة‬
‫‪135‬‬ ‫نـقــاوة الـطـفـولــة‬

‫قصص من الكتاب المقدس‪ ،‬ومن خالل المثال الصالح اليومي‬


‫للكبار من حواليهم‪ ،‬الذين بعضهم يحب ويساعد بعضا‪.‬‬

‫من المهم في إرشاد األطفال وفي توجيههم إلى يسوع المسيح‬


‫أن يكون لنا نحن الكبار شخصيا موقف طفولي بسيط من وصاياه‬
‫ومن أقواله‪ ،‬ومن عالم المالئكة‪ ،‬ومن الكتاب المقدس ككل‪ .‬عندئذ‬
‫سنتعجب من السرعة والبساطة التي يتأثر بها أوالدنا في هذه األمور‬
‫اإللهية ويقبلونها في قلوبهم‪.‬‬

‫ويمكننا أيضا إرشاد أطفالنا إلى هللا من خالل العالم من‬


‫حولهم‪ ،‬وذلك بمساعدتهم على التحسس بالله في كل ما يرونه –‬
‫في الشمس والقمر والنجوم؛ وفي الطيور والحيوانات؛ وفي األشجار‬
‫واألزهار؛ وفي الجبال والصحارى والعواصف الرعدية‪ .‬وهناك حقيقة‬
‫وهي أن األطفال يرغبون فطريا في العيش في أحضان الطبيعة ومع‬
‫الطبيعة‪ ،‬وهناك حب لألرض في داخل كل طفل‪ ،‬وبهجة بالسماء‬
‫حي‪ .‬وغالبا ما يكون‬
‫ّ‬ ‫المرصعة بالنجوم‪ ،‬وولع قلبي بكل شيء‬
‫عالم هللا والمالئكة في نظر الطفل أقرب إليه وأكثر واقعية مما‬
‫نحن نتصور‪.‬‬

‫أما األلم والموت فسوف يتواجه األوالد ومنذ صغرهم معهما‬


‫عندما يصادفونهما في الطبيعة وفي الكتاب المقدس‪ .‬وبالرغم من‬
‫أنه من الضروري أن نعلمهم على التعاطف مع آالم ومشاكل‬
‫نحملهم أكثر من طاقتهم‬
‫ّ‬ ‫اآلخرين‪ ،‬غير أنه من الضروري أيضا أن ال‬
‫وأن ال نخيفهم‪ .‬وإجماال‪ ،‬فإن طرح حقائق كثيرة زائدة عن اللزوم عن‬
‫دورة الحياة – مثل التناسل والوالدة والموت – قد تؤذي االختبار‬
‫الروحي للطفل عن العالم الذي خلقه هللا‪ .‬ألن الوالدة والموت هما‬
‫من األسرار التي ال يمكن فهمها إال في إطار العالقة مع هللا‪ ،‬وهناك‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪136‬‬

‫خطر فقدان التوقير لو تحدثنا عنهما زيادة عن اللزوم‪.‬‬

‫ونحتاج في هذا الصدد إلى أن يكون لدينا توقير أعظم واحترام أكبر‬
‫لمسألة الحمل والوالدة‪ .‬فعندما ش َّبه يسوع المسيح األيام األخيرة‬
‫بمخاض الحمل وكذلك عندما ش َّبه مجيء العالم الجديد بالفرح‬
‫الهائل بوالدة مولود جديد بعد اآلالم والعذاب فلم يكن تشبيهه هذا‬
‫أمرا بال مغزى وبدون معنى‪ .‬فعند كل حالة حمل وحينما ينتظر فيها‬
‫ّ‬
‫يتجلى ِس ّر سامٍ يستوجب التوقير‪ .‬وسنلحق‬ ‫الوالدان مولودا جديدا‪،‬‬
‫ضررا روحيا بالغا كلما تكلمنا باستخفاف عن الحمل أو جعلناه‬
‫موضوعا للمزاح أو لفتنا انتباها زائدا إليه‪ .‬غير أن الترقب الهادئ‬
‫والمتواضع سيطبع في نفوس األطفال توقيرا طبيعيا نحو نعمة هللا‬
‫الخاصة بمولود جديد‪.‬‬

‫وفيما يتعلق بالجنس‪ ،‬على وجه الخصوص‪ ،‬نقول ببساطة أنه‬


‫ليس من الضروري للطفل وال حتى للمراهق أن يعرف عنه كل‬
‫وس ّر الحياة‬
‫شيء‪ .‬فمن السهل جدا تدمير إحساس أوالدنا بقداسة ِ‬
‫عن طريق اإلكثار من المناقشة والمكاشفة‪ .‬ويجب على الوالدين‬
‫اليوم أن يكونوا على حذر بشكل غير مسبوق من المخاطر الكامنة‬
‫في ثقافتنا المجنونة بالجنس‪ ،‬تلك المخاطر التي يمكنها أن تتسلل‬
‫بسهولة إلى بيوتنا‪ ،‬بواسطة ما نراه ونسمعه ونقرأه نحن وأوالدنا‪.‬‬

‫يشب أوالدنا جاهلين‬


‫ّ‬ ‫وال أقترح هنا بأي حال من األحوال أن‬
‫بالحقائق األساسية للحياة‪ .‬وكل ما أقصده هو أن هذه األمور يجب‬
‫عدم فصلها عن عالم هللا‪ .‬فالشيء الرئيسي هو أنه ال يجوز لنا‬
‫تعكير صفاء ونقاوة وعفاف الطفولة – التي هي عالقة طبيعية‬
‫لكل طفل بخالقه‪.‬‬
‫‪137‬‬ ‫نـقــاوة الـطـفـولــة‬

‫تعني التربية تحفيز الطفل الختيار الصح بدال من الغلظ‬


‫تعني حماية النقاوة والعفاف لدى األطفال أن نكسبهم لما هو‬
‫صالح‪ .‬ومن الخطأ االعتقاد بأن الطفل ال يغويه الش ّر‪ .‬ومن واجبنا‬
‫كوالدين أن نكون على استعداد دائم لمحاربة الش ّر لدى أطفالنا‪،‬‬
‫سواء كان الش ّر يتخذ صيغة كذب أو سرقة أو عدم احترام أو دناسة‬
‫جنسية‪ .‬ولكن يجب علينا فعل ذلك بدون عدد هائل من القواعد‬
‫واألحكام‪ ،‬كما يقول اإلنجيل‪:‬‬

‫خلَّصتُم مِ ْن قِوى الك ِ‬


‫َون‬ ‫سيح وت َ‬
‫ِ‬ ‫الم‬
‫مع َ‬‫فإن كُنتُم ُمتُّم َ‬ ‫ْ‬
‫َمون إلى هذا العا َلمِ ؟ لِماذا‬
‫عيشون كأنَّكُم تَنت َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فكيف تَ‬ ‫األ َّولِ َّيةِ‪،‬‬
‫لم ْس‪ ،‬ال تَ ُذ ْق هذا‪ ،‬ال‬ ‫ثل ه ِذ ِه ال َف ِ‬
‫رائض‪« :‬ال تَ َ‬ ‫عون لِمِ ِ‬
‫خض َ‬ ‫تَ َ‬
‫ي‬
‫نع ْم‪ ،‬هِ َ‬
‫ِعمال؟ َ‬
‫ِ‬ ‫ي كُلُّها أشيا ُء تَ ُ‬
‫زول باالست‬ ‫ذاك‪ »،‬وهِ َ‬
‫ك َ‬ ‫ُت ِ‬
‫مس ْ‬
‫بشرِيَّةٌ‪( .‬كولوسي ‪)22–20 :2‬‬
‫عاليم َ‬
‫ُ‬ ‫أحكا ٌم وتَ‬

‫أما المِ ثاليات األخالقية المتزمتة التي تصاحبها دائما التشكيك في‬
‫األطفال وعدم الثقة بهم‪ ،‬فتفسد روح الطفولة عندهم‪ .‬فال تكفي‬
‫الطاعة لوحدها أبدا‪ .‬ألن الخضوع وحده ال يبني شخصية الطفل‪.‬‬
‫فمن ناحية‪ ،‬ال يمكننا ترك األطفال غير محميين ليقعوا فريسة‬
‫شرور مختلفة تعترض طريقهم‪ .‬ولكن من الناحية األخرى‪ ،‬يجب‬
‫عدم إخماد عزيمتهم عن طريق انتقاد أخطائهم باستمرار‪ .‬فال‬
‫تعني التربية الصحيحة تشكيل الطفل أو قمعه في قالب معين‬
‫بالنقد المستمر‪ ،‬بل تعني تحفيز الولد أو البنت على اختيار الصح‬
‫بدال من الغلط‪.‬‬

‫ومن الضروري أن نحرص على أن ال نخ ّرب أوالدنا بالتدليل‬


‫المفرط والتدليع‪ ،‬حتى لو كانوا بعمر صغير‪ .‬فالتدليل يؤدي إلى‬
‫وتذمر‬
‫ُّ‬ ‫األنانية‪ ،‬وإلى عدم القدرة على ضبط النفس‪ ،‬وإلى ضجر نفسي‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪138‬‬

‫دائم؛ أي بعبارة أخرى إنه يؤدي إلى الخطيئة‪ .‬ونرى األهل الذين‬
‫يخ ّربون أوالدهم بالتدليل المفرط‪ ،‬غالبا ما يخلطون بين المحبة‬
‫والمشاعر المفرطة‪ ،‬ويظنون أنهم سيكسبون أوالدهم عن طريق‬
‫التعلُّق بهم عاطفيا‪ ،‬ولكنهم يقومون في واقع األمر بعرقلة نموهم‬
‫إلى أشخاص راشدين سليمين نفسيا وذوي شخصيات مستقلة‬
‫لهم حرية االختيار‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن تعامل اآلباء مع أطفالهم على أساس‬
‫يدل على أن اآلباء‬
‫ّ‬ ‫أنهم مجرد ممتلكات عاطفية تنتسب إلى األهل‪،‬‬
‫ينقصهم التوقير الالزم تجاه أطفالهم الذين لهم قيمة بحد ذاتهم‬
‫كبشر مخلوقين على صورة هللا‪.‬‬

‫ومن األمور السلبية المألوفة لدى األوالد األكبر سنا‪ ،‬هي خصلة‬
‫قلة االحترام نحو أقرانهم ومعلميهم ووالديهم‪ .‬وتظهر خصلة قلة‬
‫االحترام هذه بعدة أشكال‪ .‬فعند الفتيان‪ ،‬قد تتخذ شكل التباهي‬
‫بالرجولة بمعنى المغاالة بالعضالت (والتي هي في الغالب عملية‬
‫جبن‪ ،‬وال ُتع َرض سوى عند تواجد اآلخرين) أو قد‬
‫تستُّر على ال ُ‬
‫تتخذ شكل عدم مراعاة مشاعر اآلخرين‪ ،‬أو سلوك ينقصه االحترام‬
‫أو تصرفات ُمخ ِّربة‪ .‬وقد ينظرون إلى الترنيم نظرة احتقار معتبريه‬
‫أمر يخص اإلناث‪ ،‬وقد يسخرون من إشارات التعبير عن المحبة‬
‫لألطفال ّ‬
‫الرضع‪ ،‬ثم إن كل ما هو ديني أو أخالقي يكون غالبا مع ّرضا‬
‫للهزء والسخرية من جانبهم‪ .‬أما عند الفتيات فغالبا ما تظهر خصلة‬
‫قلة االحترام على شكل ثرثرة ونفاق فظيعين أو على شكل اغتياب‬
‫أو انطواء على الذات أو حساسية زائدة للنقد‪.‬‬

‫وألن األوالد والبنات الذين ُيظهرون مثل هذه النزعات يفتقرون‬


‫إلى األمان النفسي وقوة الشخصية‪ ،‬فهم عرضة للضغوط من قبل‬
‫الشلّة سعيا للدعم والمساندة‪.‬‬
‫رفقائهم‪ ،‬وغالبا ما يلتجئون إلى ِ‬
‫‪139‬‬ ‫نـقــاوة الـطـفـولــة‬

‫وينبغي أن يَ َت َن َّبه اآلباء والمعلمون لهذا األمر ألن الطبيعة المنغلقة‬


‫للشلّة – التي تتسم بإقصاء اآلخرين وإبعادهم عنها – ليست ظاهرة‬
‫الش َلل‪ .‬أما أفضل دواء‬
‫الشلّة من ألطف ِ‬
‫سليمة أبدا‪ ،‬حتى لو كانت ِ‬
‫الشال ّت فهو اإلرشاد التربوي اإليجابي والرعاية وإبداء‬
‫لعالج ظاهرة ِ‬
‫االهتمام الصادق بكل ولد وبنت ومن صميم القلب‪.‬‬

‫يشتاق كل طفل فطريّا إلى ضمير طاهر‬


‫تحتاج مسألة التعامل مع النجاسة الجنسية لدى األطفال إلى‬
‫حساسية خاصة وإلى شيء من البصيرة‪ .‬فيكتب والدي فيقول‪:‬‬

‫ثمة سؤال في غاية الصعوبة‪ ،‬وهو كيف نحارب الخطيئة‬


‫لدى أطفالنا؟ فلو حصلت بعض البذاءات‪ ،‬كالتي عندما يبدأ‬
‫األطفال بكشف أجساد بعضهم لبعض‪ ،‬على سبيل المثال‪،‬‬
‫يحس الطفل فطريا‬
‫ّ‬ ‫وأحيانا لمس بعضهم لبعض‪ ،‬فسوف‬
‫بأن هذا األمر غير صحيح‪ .‬وغالبا ما يكتنف هذه األعمال‬
‫البذيئة الكذب‪ .‬وواجبنا أن نحرص على عدم جعل مثل هذه‬
‫األشياء بين األطفال مشكلة أكبر من حجمها‪ .‬فهذا ال ينتج‬
‫عنه سوى شد انتباههم أكثر إلى الناحية الجنسية‪ .‬ولعل‬
‫أفضل شيء هو توبيخهم في حينها ومن ثم إغالق الموضوع‪،‬‬
‫وبعدئذ مساعدتهم على التفكير في أشياء أخرى‪.‬‬

‫وننسى نحن البالغين بسهولة كبيرة أن أشياء كثيرة ال‬


‫تعني للطفل مثلما تعنيه لنا‪ ،‬وأنه يجب علينا أن ال نقوم‬
‫بإسقاط أفكارنا ومشاعرنا وتجاربنا على الذهنية البريئة‬
‫للطفل وننسبها إليه‪ ،‬فيقول اإلنجيل‪:‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪140‬‬

‫َ‬ ‫ُل َ‬
‫ين‬
‫س َ‬ ‫ج ِ‬‫ي ٍء َطاهِ رٌ‪ .‬أ َّما عِ ْن َد ال َّن ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ين‪ ،‬ك ُّ‬ ‫عِ ْن َد َّ‬
‫الطاهِ ر ِ َ‬
‫ن ُع ُقو َل ُه ْم‬ ‫ي ٍء َطاهِ رٍ‪ ،‬بَ ْل إ ِ َّ‬
‫ش ْ‬‫ِين‪َ ،‬ف َما مِ ْن َ‬
‫َو َغ ْير ِ ا ْل ُم ْؤمِ ن َ‬
‫س ًة‪( .‬تيطس ‪)15 :1‬‬ ‫َو َض َمائِ َره ُْم أ َ ْيضا ً َقدْ َصا َر ْ‬
‫ت نَ ِ‬
‫ج َ‬

‫ولكن من الضروري أيضا أن ال ننسى أبدا أن مرور األوالد‬


‫بمرحلة من الفضول الجنسي هي مسألة طبيعية إلى حد ما‪.‬‬
‫وينبغي عدم احتسابها خطيئة‪ .‬ولكن واجبنا هو توجيه أوالدنا‬
‫بطريقة بحيث تبقى نفوسهم طاهرة وعفيفة وبريئة‪ .‬ثم إن‬
‫اإلكثار من االستجوابات يمكن له أن يخ ّرب الطفل؛ ألنه قد‬
‫يزداد تورطه في الكذب بسبب الخوف‪.‬‬

‫وسنظلم أوالدنا كثيرا – من أطفال أو مراهقين – لو‬


‫ألصقنا عليهم تسميات موسومة بالعار بصفة مستمرة‪،‬‬
‫السيما أولئك الذين قاموا بعمل شائن في المجال الجنسي‪.‬‬
‫وعند تقييمنا لإلساءات الصبيانية في استمارات تقدير‬
‫السلوك لألطفال‪ ،‬فعلينا توخي الحذر وعدم التسرع في‬
‫اتخاذ استنتاجات قاسية بحق شخصية الولد أو البنت أو‬
‫بحق تطور نموهما المستقبلي‪ ،‬بل يجدر بنا باألحرى أن نقدّم‬
‫العون له أو لها لكي يحصال على اهتمامات جديدة ولصنع‬
‫بداية جديدة مفرحة‪.‬‬

‫ونحن نعلم بأنه يمكننا الوصول إلى قلب أي ولد عن‬


‫طريق مناشدة ضميره‪ .‬ولنعلم بأن كل طفل لديه اشتياق‬
‫فطري واشتياق قلبي إلى ضمير طاهر‪ ،‬وينبغي أن ندعم هذا‬
‫االشتياق لكي ال يعاني الولد أو البنت من ضمير مث ّقل باآلثام‪.‬‬

‫توجد نقطة معينة ال يبقى عندها األطفال أطفاال بكل ما‬


‫تعنيه الكلمة‪ .‬ففي اللحظة التي يذنبون فيها عن وعي‪ ،‬ال يبقون‬
‫‪141‬‬ ‫نـقــاوة الـطـفـولــة‬

‫بعدها أطفاال‪ .‬ويكون من واجب الوالدين والمعلمين وقتذاك‬


‫مساعدتهم على التوبة‪ ،‬وعلى التع ّرف على ما كابده يسوع على‬
‫الصليب‪ ،‬ومن ثم على االهتداء الذي يؤدي إلى غفران الخطايا‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫فيمكن استعادة الطفولة الضائعة بفضل الصليب‪.‬‬

‫النقاوة مثل النجاسة‪،‬‬


‫يمكن تع ّلمها بفضل رؤية مثال‬
‫بالنسبة إلى أولياء األمور‪ ،‬فإن بناء عالقة ثقة مع األوالد منذ مراحل‬
‫طفولتهم المبكرة مهمة للغاية وال نوفي حقها بالتمام مهما شدّدنا‬
‫عليها‪ .‬فيجب أن ال ننتظر بلوغ أطفالنا سن الخامسة أو السادسة‬
‫لنبدأ بالتعامل مع المشاكل التي قد تحدث‪ .‬فلو لم نَ ُقم ببناء‬
‫عالقات مع أطفالنا منذ الصغر فربما لن نحصل أبدا على ثقتهم‬
‫واحترامهم الالزمين لحل المشاكل األكثر خطورة التي سوف تأتي‬
‫مع سن المراهقة‪.‬‬

‫مما ال شك فيه أن السنوات ما بين سن الثالثة عشر والحادية‬


‫والعشرين تعتبر حاسمة‪ ،‬ذلك أنه في أثناء هذه المرحلة يصبح‬
‫الفتيان والفتيات على وعي متزايد بغريزتهم الجنسية‪ .‬ولكن ما‬
‫أسهل أن يصرف أولياء األمور نظرهم (وكذلك كنائس بأكملها) عن‬
‫المراهقين الذين أمام أعينهما‪ ،‬ويخذلوهم خذال ذريعا‪ ،‬وذلك بمجرد‬
‫وستتحسن مدارسنا‬
‫ّ‬ ‫تجاهلهم وعدم االكتراث بهم‪ .‬وكم ستختلف‬
‫الثانوية لو صرف اآلباء وقتا ألجل أوالدهم المراهقين! وهناك كثير‬
‫من اآلباء ممن يح ِّذرون أوالدهم من مغ ّبة التعاطي مع الكحول‬
‫أو المخدرات أو التجارب الجنسية‪ ،‬لكن‪ ،‬كم واحدا من هؤالء اآلباء‬
‫يصرف معهم وقتا بشكل منتظم ليرعى اهتماماتهم ويشجعهم‬
‫على استخدام وقتهم بشكل خال َّق ومفيد‪ ،‬والقيام بأكثر من مجرد‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪142‬‬

‫مشاهدة آخر أفالم الفيديو أو التسكع في األسواق؟ إن أولياء األمور‬


‫الملتزمين يبقون على صلة وثيقة مع أوالدهم المراهقين طوال‬
‫ومط َّبات‪ .‬عندئذ‪،‬‬
‫مرحلة المراهقة بما تتخللها من تقلبات ومسرات َ‬
‫لن يكون اآلباء مجرد آباء ألوالدهم‪ ،‬بل سيكونون رفقاء وأصدقاء لهم‬
‫أيضا؛ وهكذا‪ ،‬ينبغي أن يكون الحال مع األمهات‪.‬‬

‫يحتاج الشباب دوما إلى شخص يفضون بمشاكلهم إليه‪ .‬فالبد‬


‫من وجود شخص يكون موضع ثقتهم فيه سواء كان أحد األبوين‬
‫أو راعيا كنسيا أو مرشدا اجتماعيا أو صديقا لكي يفتحوا قلوبهم له‬
‫ويحكون معه عن أفراحهم وصراعاتهم بكامل الحرية ويستطيعون‬
‫يحسون بالخجل‬
‫ّ‬ ‫أن يتحدثوا معه بصراحة عن الجنس دون جعلهم‬
‫أو بالحرج‪.‬‬

‫يجري تقديم خيارات جمة زائدة عن اللزوم إلى المراهقين في‬


‫يومنا المعاصر‪ .‬إذ تؤمن ثقافتنا بأن تنوع الخيارات هو مفتاح الحرية‬
‫والسعادة؛ ولكنه قد يكون بالواقع مفتاحا اللتباس األمور‪ .‬فال يوجد‬
‫الكثير من الناس من الذين هم على استعداد لتحذير المراهقين‬
‫من اآلثار النفسية المؤلمة التي تسفر عن الممارسات الجنسية‬
‫غير الملتزمة برباط شرعي‪ .‬أما عدد الذين يستطيعون توجيههم إلى‬
‫األمل الكبير الموجود في مغفرة الخطايا بعد سقوطهم في الخطيئة‬
‫فهو أقل كثيرا‪.‬‬

‫فلهذا السبب‪ ،‬تبرز الحاجة الماسة إلى وجود أمثلة حية موثوق‬
‫بها لتكون قدوة للشباب ولألوالد عموما‪ .‬أما واقع الحال فيرينا أن‬
‫األوالد يقضون وقتا أكثر من السابق لوحدهم؛ وأصبحت ظاهرة‬
‫‪143‬‬ ‫نـقــاوة الـطـفـولــة‬

‫]*[‬
‫شائعة في طبقات المجتمع بتعدد أطيافها‪.‬‬ ‫أطفال المفاتيح‬
‫الصدف أن يطلق بعض الخبراء على أوالد اليوم‬
‫وليس من قبيل ّ‬
‫تسميات منها «الجيل المعزول» أو تصفهم الدراسات االجتماعية‬
‫بأوصاف منها‪ :‬المنبوذون والمقطوعون والوحيدون‪.‬‬

‫ولكي ال ننسى‪ ،‬فإن النقاوة مثل النجاسة الجنسية‪ ،‬إذ يمكن‬


‫تعلّمها بالدرجة األساسية بفضل مثال صالح ُيقتدى به‪ ،‬مثلما‬
‫يوصي اإلنجيل‪:‬‬

‫ك ُقد َو ًة‬ ‫أنت نَ ُ‬


‫فس َ‬ ‫ان ليكونوا ُمت ََع ِّق َ‬
‫لين‪ .‬وك ُْن َ‬ ‫ظ ُّ‬
‫الش ّب َ‬ ‫ِك عِ ِ‬
‫وكذل َ‬
‫ك‪ .‬ول َيك ُْن‬ ‫ومن َّزهًا في تَعليمِ َ‬
‫الصال ِِح‪ ،‬و َرزينًا ُ‬‫ل ّ‬ ‫َل ُهم في َ‬
‫الع َم ِ‬
‫ج ُد ُسو ًءا‬‫ك وال يَ ِ‬
‫صم َ‬
‫خ ُ‬‫حا ال يَنا ُل ُه َلو ٌم‪ ،‬ف َيخ َزى َ‬
‫ك َصحي ً‬ ‫كالم َ‬
‫ُ‬
‫فِينا‪ ( .‬تيطس ‪)8–6 :2‬‬

‫لذلك فمن الضروري أن يرى األوالد أن الحب بين والديهما هو‬


‫ينحل‪ ،‬وأن يعرفوا أن بعض النظرات أو اللمسات أو‬
‫ّ‬ ‫حب وثيق ال‬
‫الكلمات العاطفية ال تكون الئقة ومحلّلة إال بين زوج وزوجته‪ .‬وهم‬
‫بحاجة إلى أن يفهموا أن التقارب الجنسي ال ينتمي سوى للزواج‪،‬‬
‫وأن خوض أي تجارب من أي نوع كانت قبل أوانها ال تؤدي إال إلى‬
‫تلطيخ الزواج الذي قد يحصل الحقا‪ .‬وهم يحتاجون بالتأكيد إلى أن‬
‫نحافظ عليهم من خوض االضطراب واآلالم الناجمة عن العالقات‬
‫المفككة واألدناس الجنسية لدى بعض الكبار الذين من حولهم أو‬
‫المتفشية من حواليهم‪.‬‬

‫لهذا السبب‪ ،‬فمن الضروري جدا أن تشغل الكنيسة مكانا‬

‫]*[  أطفال المفاتيح ‪ latchkey kids‬هم األطفال الذين يعودون من مدارسهم إلى منزل فارغ‬
‫بسبب عمل الوالدين أو أحدهما‪ ،‬أو هم األطفال الذين ُيتركون عادة في المنزل لوحدهم في ظِ ّ‬
‫ل‬
‫نقص المراقبة األبوية أو غيابها‪.‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪144‬‬

‫مركزيا في الحياة األسرية‪ .‬والبد أن يتسنى لألوالد رؤية أمثلة ح ّية عن‬
‫حياة النقاوة والعِ َّفة ليس في والديهم فحسب‪ ،‬بل في كل َم ْن يحيط‬
‫بهم أيضا‪ ،‬سواء كان متزوجا أو عازبا‪.‬‬

‫أفضل إجراء وقائي من الخطيئة هو المحبة‬


‫ال يمكن تنشئة فضيلة العِ َّفة في فراغ‪ .‬فيحتاج األوالد والشباب‬
‫إلى أن يحصلوا على قلوب نابضة ليسوع المسيح ولقضية السالم‬
‫والعدالة االجتماعية التي جاء من أجلهما‪ .‬فعندما تمتلئ قلوبهم‬
‫بالله ومن ثم تتأجج لقضيته‪ ،‬فسوف يقاومون الش ّر فطريا‪ .‬ولو‬
‫أرشدناهم على االنفتاح على معاناة وآالم اآلخرين‪ ،‬وألفتنا نظرهم إلى‬
‫رؤية هذه األمور‪ ،‬وجعلناهم يتقربون من الحال المزري للمتألمين‬
‫والمعدمين‪ ،‬لتشوقوا إلى إبداء المحبة والمساعدة لهم‪ .‬ثم إن الفكرة‬
‫القائلة بأن األوالد ليس لهم ضمير اجتماعي‪ ،‬وليس لهم إحساس‬
‫تجاه معاناة الناس أو الظلم االجتماعي والطبقية‪ ،‬أو ذنوب عالمنا‬
‫إنما هي فكرة ال أساس لها من الصحة – وال يحدث هذا إال إذا نشؤوا‬
‫في بيئة تعيش حياة سطحية وال تفكر إال براحتها ومتعتها الذاتية‪.‬‬
‫أما عندما يتواجه األوالد الصادقون وجها لوجه مع معاناة اآلخرين‪،‬‬
‫يحسون بإلحاح‬
‫ّ‬ ‫أو عندما يرون غيرهم يساعد المحتاجين‪ ،‬فسوف‬
‫داخلي يدفعهم إلى وضع محبتهم في حيز التطبيق بوسائل عملية‪.‬‬

‫إن أفضل إجراء وقائي من الخطيئة هو المحبة دائما‪ .‬فالمحبة‬


‫تربط جميع الفضائل في وحدة كاملة‪ ،‬كما يعلمنا اإلنجيل‪:‬‬

‫َمال‪( .‬كولوسي‬
‫باط الك ِ‬
‫ي رِ ُ‬ ‫المح َّب َة‪ِ ،‬‬
‫فه َ‬ ‫وال َب ُسوا َف َ‬
‫وق هذا كُلِّ ِه َ‬
‫‪)14 :3‬‬

‫والمحبة اإلنسانية هي الرسالة التي نحتاج تقديمها إلى أوالدنا‬


‫‪145‬‬ ‫نـقــاوة الـطـفـولــة‬

‫وشبابنا‪ ،‬عن طريق إظهارها في كل ما نقوله أو نفعله نحن أنفسنا‬


‫قبل كل شيء‪ ،‬فهذا أهم ما في الموضوع‪ .‬ألننا نرى اليوم أن عددا‬
‫كبيرا جدا من الشباب ال يعيشون إال من أجل أنفسهم ومن أجل‬
‫اهتماماتهم ومصالحهم الخاصة‪ .‬فهم يجتهدون كثيرا للحصول على‬
‫درجات عالية في الدراسة‪ ،‬وليتفوقوا في األلعاب الرياضية‪ ،‬وليحوزوا‬
‫على منحة دراسية – وهي جميعها أمور جديرة بالثناء‪ .‬لكن‪ ،‬كم‬
‫واحدا منهم يهتم بأخيه اإلنسان أو بحاجة العالم المحيط به؟ فالبد‬
‫ونوسع مداركهم على أهمية التفاعل مع اآلخرين‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نحث شبابنا‬ ‫أن‬
‫األفقر منهم‪.‬‬

‫وغالبا ما يحاول األهل حماية أوالدهم المراهقين عن طريق‬


‫وقايتهم بكامل القلق من مواقف النجاسة الجنسية أو العنف‪.‬‬
‫ولكن ربما ما يحتاج إليه األوالد بالحقيقة هو عكس ذلك‪ :‬فاألوالد‬
‫بحاجة إلى إعطائهم فرصة ليقفوا فيها على أقدامهم ال ليشهدوا لما‬
‫يؤمن به آبائهم فحسب بل لما يؤمنون به هم أنفسهم أيضا‪.‬‬

‫ويحتاج األوالد إلى التواصل مع اآلخرين وإلى التعرف على ما‬


‫يحس وما يفكر به الناس في زمانهم‪ ،‬بما في ذلك أصحاب األديان‬
‫ّ‬
‫األخرى‪ .‬فهم بحاجة إلى أن يقيموا عالقات مع أقرانهم ومع‬
‫قضايا الساعة الملتهبة من أمور اجتماعية وسياسية واقتصادية‪.‬‬
‫يتحسسوا باليأس الذي ابتلى به أولئك الذين‬
‫ّ‬ ‫ويحتاجون إلى أن‬
‫يتحسسوا‬
‫ّ‬ ‫التجئوا إلى اإلدمان على الكحول أو على المخدرات‪ ،‬وأن‬
‫بمعاناة أولئك الذين يتعرضون إلى إساءة المعاملة في بيوتهم‪ .‬فمن‬
‫دون قدرتهم على تفهم ما يدور خارج محيطهم وإقامة روابط معه‪،‬‬
‫فلن يكون لهم أية صلة حقيقية بالعالم من حولهم وربما لن ُتتاح‬
‫لهم أية فرصة ثانية الختبار قناعاتهم الشخصية ومعتقداتهم‪.‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪146‬‬

‫وهناك نقطة مهمة وهي‪ :‬إننا – نحن البشر – ليس بمقدورنا‬


‫أبدا تنشئة أوالدنا ليصبحوا أوالدا كاملين ومثاليين‪ ،‬لكننا نعتقد‬
‫اعتقادا جازما بأنه من الممكن تنشئة أوالد يستجيبون إلرشادنا‬
‫وتأديبنا‪ ،‬بالرغم من الفساد الرهيب والظالم الدامس الذي يكتنف‬
‫عصرنا‪ .‬مثلما يوصينا الكتاب المقدس‪:‬‬

‫فل في أ َّو ِ‬
‫ل طري ِقهِ‪ ،‬فمتى شاخ ال يَبتَعِ ُد مِ نهُ‪( .‬أمثال‬ ‫الط َ‬ ‫َه ِّذ ِ‬
‫ب ِّ‬
‫‪)6 :22‬‬

‫فما دمنا قادرين على الحفاظ على عالقة من االحترام والتوقير‬


‫المتبادل بيننا نحن اآلباء وبين أوالدنا‪ ،‬فسوف نجد سبيل النجاح في‬
‫التربية‪ .‬وسيكلف األمر خوض معركة‪ ،‬وقد تكون خطيرة أحيانا‪ ،‬ومع‬
‫ذلك ومن أجل مصلحة روح الولد‪ ،‬فإن المعركة تستحق خوضها‬
‫دائما‪ .‬وبطبيعة الحال‪ ،‬فربما يختار أوالدنا عندما يكبرون طريقا‬
‫مغايرا للحياة عن الطريق الذي كان بودنا نحن اآلباء أن نختاره لهم‪.‬‬
‫ولكن لو تضرعنا إلى الرب يسوع المسيح كل يوم ليرشدنا‪ ،‬ألصبحنا‬
‫مطمئنين من أنه سيقودنا وإياهم‪.‬‬
‫الفصل الثالث عشر‬

‫إلى الذين يعتزمون الزواج‬

‫كان في ال ِّر َ‬
‫ياض ِة ال َبدنِ َّي ِة‬ ‫َ‬ ‫ك بالتَّقوى‪ ،‬فإذا‬ ‫َر ِّو ْض نَ َ‬
‫فس َ‬
‫ألن َلها ال َوع َد‬
‫خير ِ َّ‬ ‫ُل ال َ‬‫خيرِ‪ ،‬ففي التَّقوى ك ُّ‬ ‫عض ال َ‬ ‫بَ ُ‬
‫حدًا يَس َتخ ُِّف‬ ‫والمستق َب َلةِ‪ . . . .‬ال تَد َْع أ َ‬
‫ُ‬ ‫الحاض َر ِة‬
‫ِ‬ ‫بالحيا ِة‬
‫نين في الكالمِ والت ََّص ُّر ِ‬
‫ف‬ ‫ك‪ ،‬بَ ْل ك ُْن ُقد َو ًة ل ُ‬
‫ِلمؤمِ َ‬ ‫بِشباب ِ َ‬
‫والعفاف‪.‬‬
‫َ‬ ‫والمح َّب ِة واإليمان‬
‫َ‬

‫‪ 1‬تيموثاوس ‪َ 8–7 :4‬و ‪12‬‬

‫الشباب اليوم حينما يندفعون بعشوائية‬


‫ما أفظع حال‬
‫وبمنتهى األنانية والسذاجة إلى إقامة العالقات‬
‫الجنسية‪ ،‬بل حتى إلى الزواج‪ .‬ولكن كيف ينبغي أن يتعامل‬
‫الشباب مع الجاذبية الطبيعية والصداقات التي تنشأ فيما بينهم؟‬
‫وما هو األسلوب اإللهي الشريف؟ وكيف يحفظ الشباب والشابات‬
‫أنفسهم من اإلثارة الجنسية السطحية لزماننا هذا؟ وما السبيل‬
‫إلى الحصول على عالقات طبيعية صادقة وبمطلق الحرية‪ ،‬ومن‬
‫دون ضغوط الجنس من جهة أو التقاليد المجحفة من جهة‬
‫أخرى؟ وكيف لهم أن يعدّوا أنفسهم على أفضل وجه لمسؤوليات‬
‫ومطالب الزواج؟‬

‫‪147‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪148‬‬

‫ُتر ِّ‬
‫خص ظاهرة المواعيد الغرامية الدارجة‬
‫معنى االلتزام في العالقات‬
‫ينبغي أن نبتهج فعال حينما تكون هناك عالقات صداقة بريئة بين‬
‫الشباب والشابات‪ ،‬وكذلك حينما تكون هناك فرص تعامل إيجابي‬
‫متبادل بينهم في حياتهم اليومية‪ .‬أما مشاعر التخ ّوف التي تعترينا‬
‫من احتمالية فشل تلك العالقات البريئة فغالبا ما ال يكون لها أي‬
‫مبرر‪ ،‬وهي عالمة تدل على عدم الثقة بهم‪ .‬فالشباب بحاجة إلى‬
‫فرص للتواصل فيما بينهم في بيئة جماعية سليمة حيث يتسنى لهم‬
‫العمل معا أو التحدث عما يخالجهم من أفكار وصراعات أو الترنيم‬
‫أو االستجمام‪ .‬أما لو حصل انقسام في جماعة الشباب إلى مجموعات‬
‫متكونة من اثنين – اثنين بينهما عالقات عاطفية أو تكوين تكتالت‬
‫حصرية ضمن الجماعة فهو أمر غير سليم بتاتا وال محل له هنا‪:‬‬
‫ألنه في مجتمعات الكنائس يجب على الشباب والشابات التع ّرف‬
‫بعضهم على بعض قبل كل شيء بصفة إخوة وأخوات في المسيح‪.‬‬
‫ويجب أن تكون لهم الحرية ليراهم الناس معا دون أن يتعرضوا ألي‬
‫نوع من النفاق أو التكهنات حول طبيعة صداقتهم‪ .‬فالضغوط التي‬
‫تسببها مثل هذه األقاويل تخنق الحريات‪ ،‬وتتلف وتش ّوه كل شيء‬
‫جميل في العالقة الشريفة‪.‬‬

‫إن عدم النضوج لدى بعض الشباب نراه يع ّبر عن نفسه من‬
‫خالل أن «يقع الشاب في حب» شابة (أو شابة في حب شاب) في‬
‫بادئ األمر ثم مع أخرى (أو آخر‪ )،‬وهكذا ينتقل مثل النحلة التي‬
‫تنتقل من زهرة إلى أخرى‪ .‬ومن الجدير بالذكر‪ ،‬إن البحث عن‬
‫شخص مناسب أمر طبيعي جدا؛ إال أن ما ال تتسامح معه الكنيسة‬
‫وال ُتجيزه هو التكوين المتواصل لعالقات جديدة ثم إنهائها‪ .‬أما‬
‫الموقف العشوائي لدى بعض الشباب أو الشابات في القفز من فتاة‬
‫‪149‬‬ ‫إلى الـذيـن يـعـتزمـون الـزواج‬

‫إلى أخرى أو من شاب إلى آخر فال يمكن له أن يكون صحيحا أبدا‪ .‬ألنه‬
‫يخدّر الضمير وير ِّ‬
‫خص معنى االلتزام في العالقات‪ .‬وبالرغم من أن‬
‫موجات الجاذبية العاطفية المصاحبة لكل صداقة بين أي فتى وأية‬
‫فتاة هي أمر طبيعي جدا‪ ،‬ولكن إن لم يتم إخضاعها للمسيح‪ ،‬فقد‬
‫تسبب جراحات نفسية قد تستمر لمدى الحياة‪.‬‬

‫فلهذا السبب بالتحديد‪ ،‬ترفض كنيستي ظاهرة المواعيد‬


‫الغرامية الدارجة‪ .‬فقد أصبحت هذه المواعيد في بالدنا بصورة عامة‬
‫مجرد ضرب من ضروب اللهو – وعادة اجتماعية لالقتران مع‬
‫صديق أو صديقة على أساس الجاذبية الجسدية والعاطفية‪ .‬وقد‬
‫بُنيت على مفهوم مغلوط للصداقة‪ ،‬وال يكون لها في معظم األحيان‬
‫أدنى صلة بالحب الصادق وال بالوفاء‪ .‬وتركز ظاهرة مواعيد الغرام‬
‫في حاالت كثيرة على انشغال مريض «بمظهر» الفرد‪ .‬أما عندما‬
‫تتضمن المواعيد ممارسة الجنس‪ ،‬فإنها تخلّف ورائها ضميرا مثقال‬
‫باآلثام إلى درجة كبيرة بحيث يحتاج إلى سنين طوال لشفائه‪.‬‬

‫ويسير كل من التباهي بالمظهر وسطحية العالقات جنبا إلى‬


‫جنب مع ظاهرة مواعيد الغرام الدارجة‪ .‬وهكذا الحال مع الت ََغنُّج‬
‫(أي ال َت َدلُّل وإيماءات المغازلة) – فالفرد يود لفت االنتباه إلى نفسه‬
‫فيدل الت ََغنُّج هذا على انعدام‬
‫ّ‬ ‫لكي يغري الشخص اآلخر جنس ّيا‪.‬‬
‫الفرح واألمان النفسي لذلك اإلنسان‪ ،‬وهو إهانة لله‪.‬‬

‫في السنوات األخيرة أزداد عدد اآلباء وعدد الكنائس التي تبحث‬
‫عن بدائل لظاهرة مواعيد الغرام الدارجة‪ .‬ويحاول البعض – على‬
‫سبيل المثال – إحياء عادة «قديمة الطراز» تتضمن وضع مدة‬
‫تعارف وديَّة (كالخطوبة) التي تؤكد على مشاورات ومشاركات‬
‫أ ُ َسريّة‪ ،‬وتركز على أوجه نشاط ُتثري الشخصية وتقوي ما فيها من‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪150‬‬

‫ّ‬
‫وتفضل اآلن معاهد مختلطة كثيرة تأدية فعالياتها‬ ‫عناصر طيبة‪.‬‬
‫الدراسية بنطاق جماعي للتشديد على فعالية الجماعة ككل وعلى‬
‫جعة حقا‪.‬‬
‫تقدير مشاركة الفرد ضمن الجماعة‪ .‬وهذه مؤشرات مش ِّ‬

‫ولكن مع األسف‪ ،‬ففي الوقت الذي تشير فيه اإلحصائيات إلى‬


‫تراجع ظاهرة مواعيد الغرام في حياة المعاهد األكاديمية‪ ،‬فهناك عدد‬
‫كبير ومثير للقلق من الطالب الجامعيين الذين يقيمون عالقات‬
‫جنسية غريزية بحتة بدون أي التزامات بهدف اإلشباع الفوري‬
‫للشهوة الجنسية‪ .‬وهذا ينبغي أن يحفز أولياء األمور والقساوسة‬
‫ورعاة الكنائس على أن يصبحوا أكثر نشاطا وانشغاال بهذه األمور‬
‫بشكل غير مسبوق‪.‬‬

‫ال تكفي المشاعر المتبادلة‬


‫لبناء عالقة دائمة‬
‫كيف ينبغي أن يختار الشاب أو الشابة الشريك المناسب؟ والجواب‬
‫على هذا السؤال كاآلتي‪ :‬فبالنسبة إلى الشخص المسيحي‪ ،‬فيجب‬
‫أن يكون العامل الحاسم في هذا الموضوع وحدة القلب والروح في‬
‫الروح القدس بينه وبين شريك أو شريكة حياته دائما‪ .‬فينبغي أن‬
‫يشعر الشريكان بأن عالقتهما تق ّربهما إلى الرب يسوع‪ ،‬ألن مشيئته‬
‫وحدها هي القادرة على تجميع أي اثنين من الذين سيكون أحدهما‬
‫من نصيب اآلخر‪ .‬فبدون يسوع المسيح وبدون الوحدة المتم ّيزة‬
‫السامية التي يهبها بين شخصين‪ ،‬لن يستطيع الشريكان على‬
‫األرجح التغلب على األزمات والصراعات الروحية التي تحصل في‬
‫كل عالقة زوجية‪ ،‬وخصوصا عندما ُير َزقان بأطفال‪.‬‬

‫ويجب على أي شاب وشابة اختبار وامتحان حبهما لمدة من‬


‫الزمن – حتى لو كانا متأكدَين من رغبتهما في الدخول إلى عالقة‬
‫‪151‬‬ ‫إلى الـذيـن يـعـتزمـون الـزواج‬

‫ملتزمة كالخطوبة على سبيل المثال – وذلك للتأكُّد فيما إذا كان‬
‫حبهما مجرد لهبة قش من الجاذبية العاطفية أو هو شيء أسمى‬
‫من ذلك‪ .‬ونقول هنا مرة أخرى بأن الجاذبية الجسدية والعاطفية‬
‫هي أمر طبيعي‪ ،‬ولكنها ال تشكل أساسا كافيا ُيبنى عليه الزواج‬
‫وتأسيس أسرة‪ ،‬وال يمكنها أبدا أن تكون عامال حاسما ُيعتمد عليه‬
‫إلقامة عالقة ملتزمة مؤبدة‪ .‬فالعالقة التي ال تقوم سوى على هذه‬
‫األمور عالقة ضحلة ومصيرها التم ُّزق‪ .‬ويجب أن يكون السؤال‬
‫الحقيقي دائما هو كاآلتي‪« :‬ماذا يريد هللا لحياتنا ومستقبلنا معا؟»‬
‫ذلك أن إرادته هي األساس المضمون‪.‬‬

‫لقد سمعنا كلنا القول المتداول‪« :‬ما في داخل اإلنسان هو‬


‫المهم‪ »،‬لكن‪ ،‬أنؤمن بذلك فعال؟ ألننا كلنا قد حكمنا على اآلخرين‬
‫على أساس مظهرهم‪ ،‬بمعرفة أو بغير معرفة‪ .‬ففي الثقافة التي‬
‫نسمع فيها عبارات مثل‪« :‬يا لها من شابة جذابة جدا‪ »،‬أو‪« :‬يا‬
‫له من شاب وسيم‪ »،‬وما إلى ذلك‪ ،‬فيفترض بنا التوقف لبرهة‬
‫للتمعن بأية رسائل ُم َب َّطنة نقوم بإرسالها إلى أولئك الذين ال‬
‫ُّ‬
‫يوصفون بهذه األوصاف‪.‬‬

‫ونرى ظاهرة الحكم على الناس على أساس المظهر (أو ما‬
‫يعرف بالتمييز المظهري) شديدة السيما لدى الشباب الذين‬
‫يعتزمون الزواج‪ .‬فقد تنتقي الفتاة أكثرهم وسامة من حولها‪ ،‬وقد‬
‫ينتقي الشاب أجمل فتاة في المجموعة‪ ،‬ولكن ماذا عن عالقتهما‬
‫بعد عشر أو عشرين سنة من رحلة الحياة؟ هل يواظبان على حبهما‬
‫عندما يصير الرجل أصلعا‪ ،‬أو عندما تصير المرأة بدينة أو تكسو‬
‫التجاعيد وجهها؟ مما ال شك فيه أن الجاذبية الجسدية جزء من أية‬
‫عالقة‪ ،‬ولكنها ال يمكن أن تكون أساسا لعهد من الوالء والحب يطول‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪152‬‬

‫مدى الحياة‪ .‬كما يع ّبر عن ذلك النبي إشعيا عندما قال‪:‬‬

‫الحقل بَقا ُؤ ُه‪ .‬يي َب ُس ويذوي مِ ث َل ُهما‬


‫ِ‬ ‫شب وك َزهر ِ‬ ‫كل َ‬
‫بشر ٍ ُع ٌ‬ ‫ُّ‬
‫ب‪( .‬إشعيا ‪)7–6 :40‬‬
‫ن ال ّر ِّ‬ ‫بنَسم ٍة تَ ُه ُّ‬
‫ب مِ َ‬

‫ليس من السهل أن نرى بعيني القلب والروح‪ ،‬السيما عندما نكون‬


‫شبابا‪ .‬ولكن مع ذلك علينا التض ُّرع لله ليهبنا مثل هذه البصيرة‬
‫المهمة‪ .‬فلو فتحنا قلوبنا لحكمة هللا‪ ،‬لرأينا جماال في كل إنسان‬
‫نقابله‪ ،‬وأحببنا كل شخص كرفيق مخلوق على صورة هللا‪.‬‬

‫ُ‬
‫عرفت السيدة روز ‪ Rose‬منذ كانت صبية صغيرة‪ .‬فعندما‬ ‫لقد‬
‫قابلت توم ‪ Tom‬ووقعت في غرامه‪ .‬وتوم هذا‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫بلغت سن الرشد‬
‫ُمقعد يعاني من اختالل دماغي شديد‪ ،‬وقد قضى حياته كلها في‬
‫كرسي متحرك‪ ،‬ورغم ذلك تزوجا‪ ،‬ولهما اآلن طفالن رائعان‪ .‬فقد‬
‫كان توم في نظر روز أروع رجل في العالم‪ .‬فربما ال يرى اآلخرون سوى‬
‫نواحي عجزه‪ ،‬أما روز فرأت جمال نفسه‪.‬‬

‫وهناك زوجان آخران بريطان ّ‬


‫ي الوالدة ضمن مجتمعات كنيستنا‬
‫وهما فيكتور وهيلدا ‪ Victor and Hilda‬اللذان عاشا معا لغاية‬
‫التسعينيات من عمرهما‪ ،‬وكانا قد تزوجا في عمر العشرينيات‪،‬‬
‫وقد أحب أحدهما اآلخر حبا كبيرا إلى النهاية‪ .‬ولم تكن هيلدا جميلة‬
‫بالمعنى السائد في العالم‪ :‬وقد أحدودب ظهرها بشكل حاد عندما‬
‫بلغت السبعين‪ ،‬وأصيبت برعشة عصبية شوه الجانب األيمن‬
‫من وجهها‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كانت دائما في نظر فيكتور‪ ،‬كما يقول هو‪:‬‬
‫«أميرتي‪ ».‬فقد تأسس حبهما على شيء أسمى بكثير من المظاهر‪.‬‬

‫وفي غضون السنوات الثالثين التي قضيتها في عملي كمرشد‬


‫اجتماعي لتقديم المشورة للمتزوجين الشباب‪ ،‬أخبرني الكثير منهم‬
‫‪153‬‬ ‫إلى الـذيـن يـعـتزمـون الـزواج‬

‫عن أفراحهم وصراعاتهم‪ ،‬ومع ذلك فما أزال أتأثر كثيرا في كل مرة‬
‫يأتيني أحد الشباب في ثقة ليفتح قلبه لي بما يم ّر به في حياته‪ .‬ومنذ‬
‫تعمق‬ ‫ْ‬
‫كتبت لزوجتي امرأة تدعى كيت ‪ Kate‬تخبرها عن ُّ‬ ‫وقت قريب‬
‫عالقتها مع أحد الشباب ويدعى آندي ‪ Andy‬وهما من أفراد مجتمع‬
‫كنيستنا ويشتركان في نشاطات مجموعة الشباب الراشدين التي‬
‫عندنا‪ .‬ولم يكونا شخصين متميزين‪ ،‬ولكن عندما كانت عالقتهما‬
‫تنمو ُوهِ َبا عطية متم ّيزة‪ ،‬أال وهي أساس رصين لسعيهما المشترك‬
‫إلى إقامة عالقة‪ .‬فكتبت كيت لزوجتي تقول‪:‬‬

‫كان سعينا وبحثنا عن مشيئة هللا تجربة روحية حامية منذ‬


‫البداية‪ .‬وقد تق ّرب روحيا أحدنا إلى اآلخر‪ ،‬خصوصا عن طريق‬
‫قراءة الكتاب المقدس والصالة معا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فيمكنني‬
‫القول بأن صراعنا األكبر كان سعينا للتخلي عن مفهومنا‬
‫العاطفي والرومانسي عن الحب‪ ،‬ألنه يشغل حيزا صغيرا‬
‫بالحقيقة في العالقة السليمة‪ .‬وكان حديثنا أحيانا ينزل‬
‫لمستوى الجاذبية البشرية‪ ،‬ولكن تأثيراته كانت مدمرة ألنه‬
‫كان يق ّوض ما اختبرناه معا على المستوى الروحي‪. . . .‬‬
‫ولكن عندما حرصنا على إبقاء هللا وأجوائه في محور لقاءاتنا‬
‫صار يفهم ويحس كل منا باآلخر وبأكثر وجدانية‪.‬‬

‫وفي الوقت الذي أخذ أحدنا في التع ّرف على اآلخر بشكل‬
‫أفضل ورؤية الصراعات الروحية لكل يوم وإخفاقاته لكل‬
‫جعه كذلك‪.‬‬
‫منا‪ ،‬صار أيضا بمقدور أحدنا أن يوبّخ اآلخر ويش ّ‬
‫ونتيجة لذلك صار يحس كالنا بتق ّربه إلى هللا‪ .‬وها أنا أرى اآلن‬
‫وبوضوح كيف أن العالقة ال تتأسس مرة واحدة وإلى األبد‪،‬‬
‫بل يجب أن ُتبنى يوميا – حجرة حجرة – وبإيمان ثابت‪ .‬وأنا‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪154‬‬

‫ممنونة جدا على الوقت الذي قضيناه أنا وآندي في تبادلنا‬


‫للصراحة في الحديث‪ ،‬ليتسنى لنا بناء أساس رصين فعال‪.‬‬
‫وأشكر هللا أيضا على أن الطريق لم يكن َسل ِسا ومفروشا‬
‫بالورود‪ ،‬فال شيء ذو قيمة يأتي بدون صراع‪.‬‬

‫جعة فعال؛ إذ نرى أنه ما يزال ممكنا‬


‫إن قصة آندي وكيت قصة ُمش ِّ‬
‫للشباب حتى في زماننا هذا أن يأخذوا مسألة العالقة بينهما مأخذ‬
‫الجديّة للدرجة التي يسعون فيها لوضع هللا قبل أي شيء آخر‪.‬‬
‫وعلينا هنا أن نتذكر قول الرب يسوع في هذا الصدد‪:‬‬

‫لكوت هللاِ ومشي َئ َتهُ‪ ،‬فيزي َدك ُُم هللاُ هذا كُلَّه‪.‬‬
‫َ‬ ‫فاَطلبوا أ َّوال ً َم‬
‫(متى ‪)33 :6‬‬

‫لو كان اإليمان هو األساس المتين الوحيد للزواج المسيحي‬


‫فيترتب على ذلك وجوب تقديم الشريكين عهود بااللتزام نحو‬
‫المسيح ونحو الكنيسة أوال قبل تقديم أي عهد بالتزام أحدهما‬
‫نحو اآلخر‪ .‬ونرى هنا أهمية دور المعمودية في هذا الموضوع بحيث‬
‫إنه مهما شدّدنا عليها فال نوفيها حقها‪ .‬ألن المعمودية ُتعتبر واحدة‬
‫من أعظم النعم اإللهية التي يمكن للمرء اختبارها‪ ،‬لكونها إعالنا‬
‫عن توبة اإلنسان عن الذنوب ولكونها عهدا مع هللا إلنسان ذي‬
‫ضمير طاهر‪ ،‬بل يمكنني القول أيضا بأنه ال يوجد أساس آمن لزواج‬
‫مسيحي بدون المعمودية‪.‬‬

‫وال يجوز طبعا تعميد أي شخص من أجل جمع شمله مع زوج‬


‫أو زوجة أو أطفال‪ ،‬كما قال الرب يسوع المسيح في اإلنجيل‪:‬‬

‫ح ِّب ِه ألبي ِه وأ ُ ِّم ِه واَمرأتِ ِه‬


‫ي وما أح َّبني أكث َر مِ ْن ُ‬ ‫َم ْن جا َء إل َّ‬
‫أن‬‫َفسهِ‪ ،‬ال يَق ِد ُر ْ‬ ‫وأوال ِد ِه وإخوتِ ِه وأخواتِهِ‪ ،‬بل أك َث َر مِ ْن ُ‬
‫ح ِّب ِه لِن ِ‬
‫‪155‬‬ ‫إلى الـذيـن يـعـتزمـون الـزواج‬

‫يكون تِلمي ًذا لي‪( .‬لوقا ‪)26 :14‬‬


‫َ‬

‫وال يجوز أيضا أن تختلط الرغبة في المعمودية بمشاعر الرغبة‬


‫في إيجاد شخص للزواج من داخل مجتمع الكنيسة‪ .‬ولكي تأخذ‬
‫المعمودية معناها الحقيقي‪ ،‬فإنها يجب أن ال تكون سوى عالمة‬
‫على توبة نصوحة‪ ،‬وعلى ا ِهتداء‪ ،‬وعلى إيمان‪.‬‬

‫تتطلب العالقة السليمة الوقت والرعاية‬


‫يقول يسوع أننا ال نقدر على خدمة سيدين (راجع متى ‪.)24 :6‬‬
‫ويعلّمنا أنَّنا عندما نثق في هللا وحده‪ ،‬ونتوكل عليه توكال كامال‬
‫فسوف يس ّد كل حاجاتنا‪ ،‬بما في ذلك حاجتنا إلى شريك حياة أو‬
‫لكوت هللاِ ومشي َئ َتهُ‪ ،‬فيزي َدك ُُم هللاُ هذا‬
‫َ‬ ‫شريكة حياة‪« .‬فاَطلبوا أ َّوال ً َم‬
‫كُلَّه‪( ».‬متى ‪ )33 :6‬و ُتعتبر هذه النصيحة مهمة جدا ليس ألولئك‬
‫الذين قد انشغلوا بمسألة الزواج بطريقة غير سليمة فحسب بل‬
‫أيضا لنا كلنا‪.‬‬

‫وال أريد أبدا من قولي هذا بأن يتخلى الشباب عن الزواج كما‬
‫فعل الرسول بولس؛ ألن الدعوة اإللهية إلى حياة العزوبة (ال َّت َبتُّل)‬
‫يحس بها اإلنسان في داخله‪ .‬ولكن لو لم يكن الزواج هو‬
‫ّ‬ ‫يجب أن‬
‫من مشيئة هللا (وهذا يصعب تمييزه في أغلب األحيان) لوجب على‬
‫كل منا أن يكون على استعداد للتخلي عن الزواج‪ ،‬مثلما يشجعنا‬
‫اإلنجيل على التضحية في سبيل المسيح‪:‬‬

‫َ‬
‫األعظمِ ‪ ،‬وه َو‬ ‫بح‬
‫أجل ال ِّر ِ‬
‫ِ‬ ‫خسار ًة مِ ْن‬ ‫ُل شي ٍء َ‬ ‫ب ك َّ‬‫أحس ُ‬
‫ُ‬ ‫بَ ْل‬
‫ُل شي ٍء‬ ‫س ُ‬
‫رت ك َّ‬ ‫خ ِ‬ ‫سوع َربّي‪ .‬مِ ْن أجل ِ ِه َ‬
‫َ‬ ‫سيح يَ‬
‫ِ‬ ‫َمعر ِ َف ُة َ‬
‫الم‬
‫سيح‪( .‬فيلبي ‪)8 :3‬‬
‫َ‬ ‫الم‬
‫ح َ‬ ‫ُل شي ٍء نِفايَ ًة ألربَ َ‬ ‫س ُ‬
‫بت ك َّ‬ ‫ح َ‬
‫و َ‬

‫فعندما يقتحم نور الرب يسوع حياتنا‪ ،‬نحصل على القوة الالزمة‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪156‬‬

‫لالستسالم له كل ّيا وتكريس حياتنا له بالكامل كل يوم وكل‬


‫ساعة بحيث يحصل كل شيء في حياتنا على نسبته الصحيحة‬
‫وح ّقه المناسب‪.‬‬

‫وعلى خالف ما هو مقبول على نطاق واسع بأن أكثر العالقات‬


‫سالمة هي تلك التي تكون أكثرها خصوصية (أي ال يعرف بها أحد‪)،‬‬
‫إال أننا نرى أن الخطوبة والزواج هما من اهتمامات مجتمع الكنيسة‬
‫بأكمله‪ ،‬وال تقتصر على األفراد المعنيين‪ .‬لذلك عندما يشعر الشباب‬
‫والشابات في كنيستنا بأن بعضهم ينجذب عاطفيا إلى بعض‬
‫جه أوال إلى والديهم ومن ثم إلى قسيس‬
‫فعادة ما أنصحهم بالتو ّ‬
‫الكنيسة‪ .‬فمنذ تلك اللحظة توضع عالقتهما تحت رعاية الكنيسة‪.‬‬
‫وال يحسب شبابنا هذه الخطوة أنها عبء ثقيل مفروض عليهم‪ ،‬وال‬
‫يشعرون أيضا بأنهم تحت وصاية أحد‪ ،‬بل بالعكس‪ ،‬فهم يحمدون‬
‫هللا ويشكرونه على إمكانية الحصول على اإلرشاد والتوجيه في هذا‬
‫المجال الحساس‪ ،‬وذلك ألن قلة الخبرة فيه والنجاسة الجنسية‬
‫تسببان المآسي للكثيرين‪.‬‬

‫وبطبيعة الحال‪ ،‬فإن هذه الطريقة ال يمكن العمل بها إال‬


‫في طائفة أو جماعة مسيحية تسودها المحبة والثقة‪ ،‬وعلى كل‬
‫زوجين أن يَرتئِيا كيفية تطبيق هذا على موقفهما‪ .‬وقد يكون من‬
‫الصعب على قسم من الناس استيعاب الغرض من طلب اإلرشاد‬
‫والتوجيه‪ .‬وقد ينفر آخرون من الفكرة كل ّيا‪ .‬ولكن مع ذلك‪ ،‬فإن‬
‫درس انفتاح المرء على من يثق فيهم‪ ،‬هو درس جدير بأن ينال ما‬
‫يستحقه من اهتمام‪.‬‬

‫لقد تقابل َريّ ‪ Ray‬وخطيبته هِ لين ‪ Helen‬في كنيستنا‪ .‬ويحكي‬


‫لنا َريّ قصتهما وكيف بدأت‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫‪157‬‬ ‫إلى الـذيـن يـعـتزمـون الـزواج‬

‫في ليالي أيام السبت‪ ،‬وعندما لم أكن أعمل لساعات متأخرة‬


‫في محل المالبس الشهير أرماني ‪ ،Armani Exchange‬كنت‬
‫أذهب إلى النوادي مع بعض األصدقاء‪ ،‬أو ربما أذهب إلى‬
‫الشارع الثالث في مدينة سانتا مونيكا في والية كاليفورنيا‬
‫مجمع سياحي من األسواق والمطاعم وأماكن الترفيه‬
‫ّ‬ ‫(وهو‬
‫القريب من المحيط الهادئ‪ )،‬أو مجرد أقود سيارتي إلى‬
‫منطقة الرصيف البحري (الممتد لمسافة معينة إلى البحر)‬
‫للتسكُّع هناك‪ .‬وكان هذا المشهد نادرا ما يتغير‪ ،‬فيما عدا‬
‫البنات‪ .‬ولم يكن لديّ ال عالقات جديّة وال سيئة – وإنما‬
‫مجرد َم ْن تقاسمني دفع حساب المشروب في الحانات أو‬
‫من ترقص معي في صالة الرقص‪ .‬وأحيانا كنت أقابل من‬
‫ُ‬
‫وددت رؤيتها أكثر من مرة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ظننت أنها شخص متميز‪ ،‬مِ َم ْن‬
‫وكنا نتبادل أرقام هواتفنا‪ ،‬ونرتب لعشاء وسينما‪ .‬وكان كل‬
‫شيء يبدو بريئا وسهال وعفويا إلى حد كبير‪.‬‬

‫فهذه كانت نظرتي إلى األمور وقتذاك قبل ثالثة سنوات‬


‫ومن قبل أن أبدأ بالتع ّرف على هِ لين‪.‬‬

‫لقد نشأ كل منا (أنا وهِ لين) في الكنيسة نفسها‪ .‬وقد‬


‫تعرف أحدنا على اآلخر في سن المراهقة‪ ،‬وبالرغم من أنه‬
‫كان لدى كل منا مشاعر نحو اآلخر‪ ،‬إال أننا لم نكشف عن‬
‫ْ‬
‫فاتجهت‬ ‫هذه المشاعر‪ .‬ومن ثم افترقنا بعد الدراسة الثانوية‪.‬‬
‫ُ‬
‫فهجرت‬ ‫ْ‬
‫عملت كمعلمة؛ أما أنا‬ ‫هي إلى المعهد‪ ،‬ومن بعدها‬
‫وتوجهت إلى «العالم‪ »،‬ولكن بعد ستة أشهر من‬
‫ُ‬ ‫الكنيسة‬
‫التقشف والعمل كمتطوع في دول أخرى‪ ،‬ومن ثم دراسة‬
‫فصلين في الجامعة شرقي أمريكا‪ ،‬ومن ثم انشغالي لسنة‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪158‬‬

‫جنوبي كاليفورنيا بالعمل ببعض المهن بدون أي هدف‬


‫ُيذكر في الحياة‪ ،‬حاصرني أخيرا اإلحساس الذي كان ُيناكِدني‬
‫ُ‬
‫حاولت‬ ‫علي اإلقرار بما‬
‫ّ‬ ‫طويال بأن حياتي أصبحت مهزلة‪ .‬وكان‬
‫إنكاره لمدة طويلة – وهو أن فراغا هائال وفتورا كانا يتقنعان‬
‫وراء موقفي المتصلب الزائف‪ .‬ولم يتمكن أسلوب حياتي‬
‫من إشباع شغف نفسي للشفاء الروحي‪ ،‬ألن مقابالتي مع‬
‫اآلخرين‪ ،‬وباألخص النساء‪ ،‬كانت سطحية في أفضل األحوال‪.‬‬
‫وغالبا ما كانت مدمرة‪.‬‬

‫وأدركت بوضوح ألول مرة في حياتي حاجتي الماسة إلى‬


‫ُ‬
‫القوة الشافية التي ال يقدر على منحها سوى السيد المسيح‪.‬‬
‫وعرفت أنه ال يمكنني الحصول عليها من ذاتي وأنا أعيش‬
‫مستقال عن الكنيسة بل أحتاج إلى مساندة اآلخرين ممن‬
‫أثق فيهم‪ .‬لذلك رجعت إلى والديّ في بيتنا‪ .‬وبعد اقتناعي‬
‫ست حياتي‬
‫بأني مصمم على جعل هللا محورا لحياتي‪ ،‬ك ّر ُ‬
‫لخدمة الرب ولخدمة اإلخوة واألخوات في كنيستي‪.‬‬

‫عندئذ أخبرت والديّ وراعي كنيستي بمشاعري‬


‫العاطفية نحو هِ لين‪ ،‬فنصحوني أن أدع األمور تسير سيرا‬
‫طبيعيا حتى يأتي الوقت ُ‬
‫المع ّين من قِبل هللا‪ .‬فكانوا‬
‫يؤكدون على النقطة التالية ويقولون‪« :‬لو شاء هللا هذه‬
‫العالقة‪ ،‬لحصلت‪ ،‬وما كان بمقدور أحد الوقوف كحجرة‬
‫عثرة في طريقها‪ »،‬ولكنهم شجعوني بعد حين على المباشرة‬
‫والتحدث معها‪.‬‬

‫وفعلت كما قالوا لي‪ .‬ولم يستغرق األمر طويال حتى‬


‫ُ‬
‫أحس كالنا بانبثاق شيء جديد بيننا‪ .‬ولم يجرؤ أحد منا‬
‫ّ‬
‫‪159‬‬ ‫إلى الـذيـن يـعـتزمـون الـزواج‬

‫على تسميته «حب» في ذلك الوقت – ولكنه كان فعال‬


‫حبا جديدا وثمينا للغاية‪ .‬وبمرور األسابيع واألشهر‪ ،‬شعرنا‬
‫برابطة عميقة تنمو بيننا‪ .‬وكنا نقضي أوقاتا كثيرة معا‪ ،‬أحيانا‬
‫بمصاحبة أسرة كل منا‪ ،‬وأحيانا لوحدنا‪ .‬فكنا نتأمل مواضيع‬
‫اإليمان‪ ،‬أو نقرأ الكتاب المقدس أو نصلي‪ ،‬أو مجرد نجلس‬
‫معا بهدوء‪ .‬بعدئذ‪ ،‬وعندما اضطرني عملي إلى االنتقال إلى‬
‫مكان آخر صار يكتب أحدنا الرسائل لآلخر كل يوم تقريبا‪.‬‬

‫وبينما كانت صداقتنا تتوطد وتتعمق‪ ،‬زادت صراحتنا‪.‬‬


‫ولكن تعلمنا أن الثقة تحتاج إلى وقت‪ .‬ففي بداية األمر‪،‬‬
‫تكشف لنا شيء وكأنه رؤيا إلهية صدمتنا عندما أدركنا أن‬
‫كل منا لديه نقائصه‪ .‬فقد آذى أحدنا اآلخر‪ ،‬حتى أننا كنا أحيانا‬
‫نتنكر للحب الذي أخذ يتشكل بيننا‪ .‬ولكن كلما كان أحدنا‬
‫يتقوقع في ضيق أفقه ويتعنَّت مع اآلخر‪ ،‬كان أهالينا ورعاة‬
‫الكنيسة يمدون لنا يد المساعدة ويعملون على توجيهنا‬
‫لنجتاز أزماتنا‪.‬‬

‫مما ال شك فيه أن اإلفضاء بمكنونات النفس وبطبيعة‬


‫العالقة الجارية بيننا إلى شخص آخر كان أحيانا أمرا مؤلما‬
‫بل ومحرجا خصوصا عندما ال تسير األمور بسالسة‪ .‬ولم‬
‫تكن لنصائح أهالينا أو غيرهم من أفراد الكنيسة وقعا حسنا‬
‫عندنا دائما‪ .‬ولكن بمجرد اكتشافنا القيمة العظيمة لوجود‬
‫ناس جديرين بالثقة نأتمنهم أسرارنا‪ ،‬أدركنا أن هللا كان يقدم‬
‫لنا فرصة ذهبية لكي ُت َ‬
‫كشف عالقتنا على حقيقتها في بيئة‬
‫مهيأة لتقديم المساندة والعون إلينا‪.‬‬

‫أما اآلن ومع اقتراب عرسنا أنا وهِ لين‪ ،‬فنحمد هللا‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪160‬‬

‫جهونا إلى السيد‬


‫ونشكره على مساعدة اآلخرين لنا‪ ،‬الذين و َّ‬
‫المسيح‪ .‬فمن دونهم لم نكن‪ ،‬على األرجح‪ ،‬ال أنا وال هِ لين‬
‫قد وجد أحدنا سبيله إلى قلب اآلخر‪ .‬لقد أدركنا أنه عندما‬
‫تتعمق وتسمو عالقتنا بهذا الشكل وبدون الضغوط التي‬
‫ّ‬
‫تفرضها أمور الجنس علينا إنما هي نعمة نادرة السيما في‬
‫زماننا المعاصر هذا‪ .‬ونعلم أيضا بأن السيد المسيح سوف‬
‫يظل مرشدنا دائما مهما كان المستقبل يخبئ لنا‪.‬‬

‫توضح لنا قصة َريّ وهِ لين األهمية القصوى لكل اثنين يعتزمان‬
‫الزواج‪ ،‬في أن يأخذا قدرا كبيرا من الوقت ليصال إلى معرفة أحدهما‬
‫اآلخر على الصعيد الروحي قبل إجراء أية التزامات بينهما‪ .‬فعندما‬
‫يسعى اثنان إلى الزواج‪ ،‬فمن األولويات األساسية التي يجب‬
‫عليهما السعي ألجلها هي اكتشاف كل ما هو من هللا لدى اآلخر‪.‬‬
‫وهناك فيض من الفعاليات السليمة والمفيدة التي يتسنى لهما‬
‫أداءها لهذا الغرض‪ :‬كالقراءة أو رحالت السير الطويلة أو تبادل‬
‫الزيارات األسرية أو االشتراك معا في شتى أنواع مشاريع الخدمات‬
‫المجتمعية الطوعية‪ .‬أما المراسلة فيما بينهما‪ ،‬فهي وسيلة طيبة‬
‫أيضا للتعرف على الطرفين بمستوى أسمى‪ .‬على أن المراسلة في‬
‫بادئ األمر‪ ،‬بحسب ما شهد ُته‪ ،‬يجب أن ال يتخللها أية التزامات أو‬
‫عهود‪ ،‬بل ينبغي أن تكون كما من أخ ألخته أو العكس (أي أخوة‬
‫بالمسيح‪ ).‬والسبب هو أن الكالم عن مشاعر غزل الحب العاطفي‬
‫وانتماء أحدهما إلى اآلخر يعمل عمال معاكسا ويخ ّرب وال يعطي‬
‫أساسا للمستقبل‪ .‬ألن كالما كهذا ليس له سوى التشويش على‬
‫فطنة اإلنسان التي يحتاجها للتمييز فيما إذا كان االلتزام واالقتران‬
‫المستقبلي هما من مشيئة هللا له حقا أو ال‪.‬‬
‫‪161‬‬ ‫إلى الـذيـن يـعـتزمـون الـزواج‬

‫جع كنيستنا الشباب من الذين يعتزمون الزواج ليس على‬


‫وتش ّ‬
‫كتابة الرسائل فيما بينهم فحسب بل أيضا على أن يكونوا صريحين‬
‫مع والديهم أو رعاة كنيستهم ويخبرونهم برسائلهم‪ .‬وقد يبدو مثل‬
‫هذا االنفتاح مبالغا فيه إال أنه يسمح في الواقع بالترحيب بالدعم‬
‫واإلرشاد وال يستاؤون منه‪ ،‬ويخلق محبة عارمة بين جميع األطراف‪.‬‬
‫وليس بوسعنا إال أن نتساءل عن عدد العالقات التي كان باإلمكان‬
‫إنقاذها وإرشادها إلى الطريق السليم‪ ،‬لو أن الشباب والشابات وفي‬
‫جه إلى والديهم (أو إلى أي زوجين‬
‫كل مكان كان لديهم التواضع للتو ُّ‬
‫آخرين أكبر سنا منهما ويثقان بهما) طلبا للنصح واإلرشاد‪ ،‬حتى لو‬
‫لم تكن بهذه الطريقة المحددة التي ذكرناها أعاله‪.‬‬

‫نقول مرة أخرى بأن العالقة السليمة ال يمكن االستعجال بها‪.‬‬


‫ألنها مثل الزهرة التي يجب إعطاءها الوقت المعين من هللا لكي‬
‫تتفتح‪ ،‬وليس بإجبارها على أمل اإلزهار مبكرا‪ .‬فإذا أردنا للزواج أن‬
‫يدوم فعلينا بنيانه على أساس مبني بعناية مرهفة‪.‬‬

‫أكثر ما يهم في قرار الزواج مشيئة هللا‬


‫ُيعتبر الصدق أمرا جوهريا في كل عالقة سليمة‪ .‬فلو لم يشعر كل‬
‫من الشخصين بازدياد تق ّرب أحدهما إلى اآلخر‪ ،‬وإلى هللا‪ ،‬لوجب أن‬
‫حين بشأن هذا األمر‪ .‬وهنا يجب أيضا على الكنيسة أن‬
‫يكونا صري َ‬
‫ترعى رعاياها بما فيه الكفاية وتح ّثهم على أن يكونوا صادقين في‬
‫هذا المجال – وذلك بمساعدتهم على اكتشاف فيما إذا كان أحدهما‬
‫من نصيب اآلخر – ومن ثم تنظر الكنيسة فيما إذا كانت عالقتهما‬
‫تثمر باألساس ثمارا صالحة أو أنها مجرد عالقة ال تثمر‪ .‬ومما ال شك‬
‫فيه أن إنهاء عالقة ما أمر مؤلم حتى لو لم يكن هناك وعود‪ ،‬غير‬
‫أن نهاية مؤلمة عند هذه المرحلة أفضل كثيرا من ألم ال نهاية له‪ ،‬في‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪162‬‬

‫عالقة ال جدوى منها‪.‬‬

‫وال يكون أي اثنين من الشباب جاه َزين للخطوبة إال عندما‬


‫يتأكد كل منهما على حدة في خالل وقت من الزمن وفي ظل نصائح‬
‫األهل ورعاة الكنيسة من أن أحدهما ينتمي فعال إلى اآلخر لمدى‬
‫الحياة‪ .‬وال يكونان جاه َزين فعال لعقد رباط دائم للحياة بالخطوبة ما‬
‫لم يشعرا بأعماق قلبيهما بأن الشريك اآلخر هو من نصيبهما‪ ،‬وبأن‬
‫هللا وحده هو الذي جمعهما‪.‬‬

‫وبعد إعالن الخطوبة‪ ،‬يريد معظم الخاطبون والمخطوبات‬


‫المشاركة التامة في حبهما والتعبير عنه بنشاط في األخذ والعطاء‪.‬‬
‫وراض على‬
‫ٍ‬ ‫ج َهين إلى محاولة جعل اآلخر سعيد‬
‫إذ يكون قلبيهما مو َّ‬
‫أكبر قدر ممكن‪ ،‬وهما على استعداد لعمل أي شيء لتحقيق هذا‬
‫األمر‪ .‬ولكن يجب على الخطيبين أن يدركا وأكثر من ذي قبل بأن‬
‫قوة الحب أقوى بكثير منهما شخصيا‪ ،‬ويتعين عليهما التض ُّرع لله‬
‫يوميا ليقويهما‪ ،‬وليحافظا على ضبط أنفسهما‪.‬‬

‫أما العناق الطويل والمداعبة وتقبيل الشفاه فالبد من تجنبها‪،‬‬


‫باإلضافة إلى وجوب تجنب كل شيء آخر قد يؤدي إلى الته ُّيج‬
‫الجنسي‪ .‬فالرغبة في االقتراب الجسدي بين خطيبين هي أمر طبيعي‪،‬‬
‫ولكن بدال من أن يحوما حول هذه الرغبة‪ ،‬فاألجدر بالخطيبين تركيز‬
‫جهديهما في التع ّرف أحدهما على اآلخر وتعميق مودتهما على‬
‫المستوى الروحي‪ ،‬وفي تنمية محبتهما ليسوع وللكنيسة‪.‬‬

‫عندما يبدأ اثنان مخطوبان في التعرف أحدهما على اآلخر‪ ،‬فإن‬


‫سيطرة المشاعر الجنسية تمنع تطور العالقة على أساس سليم‪.‬‬
‫وبمجرد ظهور الجنس على المسرح فإنه يسرق المشهد‪ .‬إذ إن اإلثارة‬
‫‪163‬‬ ‫إلى الـذيـن يـعـتزمـون الـزواج‬

‫الجنسية من طبيعتها االستفحال والتزايد التدريجي؛ فبمجرد أن يبدأ‬


‫المرء فال يرضى بالتراجع أبدا‪ .‬وعندما يه ّيج شخصان أحدهما اآلخر‬
‫جنسيا‪ ،‬فإنهما يتورطان في نوع من أنواع المقدمات التي تسبق‬
‫الجماع‪ .‬وسواء اعترفا بذلك أو لم يعترفا‪ ،‬فإنهما يعدان أنفسهما‬
‫نفسيا وجسديا للمجامعة الجنسية‪ .‬عندئذ سيكون أمامهما خيارين‬
‫فقط‪ :‬إما إكمال السير في هذا الطريق إلى نهايته‪ ،‬وإما أن يتوقفا عند‬
‫تلك النقطة بمشاعر اإلحباط والتدمير النفسي لكونهما قد ته ّيجا‬
‫سلفا ولم يشبعا‪ .‬فال يمكن للشهوة المشتعلة في داخلهما أن تَشبع‬
‫دون اقتراف خطيئة‪ .‬ولذلك‪ ،‬فالذهاب إلى «منتصف الطريق» أمر‬
‫ضار ومؤذٍ؛ ألنه يتعارض مع بناء حرمة زوجية دائمة‪.‬‬

‫والزواج الذي يبدأ بضمير ُمث ّقل بخطيئة غير معترف بها هو‬
‫زواج بدون أساس رصين‪ ،‬وال يمكن تصحيحه إال باالعتراف بالخطيئة‬
‫والتوبة‪ .‬ألن سالمة الزواج تتوقف على نوعية التربة التي ينمو فيها‪.‬‬
‫فلو ُزر ِ َع في تربة العفاف واإليمان‪ ،‬فسوف يحمل ثمرا صالحا وينال‬
‫بركة هللا‪.‬‬

‫أيها العزيزان‪ ،‬حاوال فهم روح ّية ما أكتبه وليس حرفه‪ .‬ول َي ْس َع كل‬
‫جئا إلى السيد المسيح‬
‫منكما إلى فهم ما في أعماق قلب اآلخر‪ ،‬والت ِ‬
‫بثقة مطلقة اللتماس األجوبة لجميع تساؤالتكما‪ .‬فلن يفشل السيد‬
‫المسيح في إرشادكما إرشادا واضحا أبدا‪.‬‬
‫الفصل الرابع عشر‬

‫الخدمة التي يقدمها العزاب‬

‫مع المرأةِ‪،‬‬
‫ل َ‬‫ج ِ‬
‫حال ال َّر ُ‬
‫ُ‬ ‫فقال َله تالمي ُذ ُه‪« :‬إذا كانَت ه ِذ ِه‬
‫َ‬
‫قبل هذا‬ ‫سوع‪« :‬ال يَ ُ‬
‫ُ‬ ‫خير ٌ َله ْ‬
‫أن ال يتَز َّو َج‪ ».‬فأجابَ ُهم يَ‬ ‫ف َ‬
‫ّاس َم ْن‬ ‫ي ل ُهم أن يَق َبلو ُه‪ .‬ففي الن ِ‬ ‫الكالم إال َّ الّ َ ُ‬
‫ذين أعطِ َ‬ ‫َ‬
‫جع َل ُه ُم‬ ‫ُ‬
‫و َل َد ْت ُهم أ َّمها ُت ُهم عا ِج َ‬
‫وفيهم َم ْن َ‬
‫ِ‬ ‫ن ال َّز ِ‬
‫واج‪،‬‬ ‫زين َع ِ‬
‫لكوت‬
‫ِ‬ ‫أجل َم‬
‫ِ‬ ‫جون مِ ْن‬
‫َ‬ ‫وفيهم َم ْن ال يَت َز َّو‬
‫ِ‬ ‫ّاس هكذا‪،‬‬
‫الن ُ‬
‫أن يَق َبل فل َيق َب ْل‪».‬‬
‫فم ْن ق ِد َر ْ‬
‫ماوات‪َ .‬‬
‫ِ‬ ‫الس‬
‫َّ‬

‫متى ‪12–10 :19‬‬

‫سواء كانت مع الناس اآلخرين أو مع هللا‪ ،‬ال‬


‫نعمة الوحدة‪،‬‬
‫تعتمد بأي حال من األحوال على الزواج‪ .‬وفي‬
‫الحقيقة‪ ،‬فإن العهد الجديد (أي اإلنجيل) يعلِّم بأنه يمكن الحصول‬
‫على تكريس أعمق للسيد المسيح بالتخلي عن الزواج في سبيل‬
‫ملكوت هللا‪ .‬وقد أعطى الرب يسوع وعدا عظيما للذين يتخلون عن‬
‫كل شيء في سبيله‪ ،‬بما في ذلك نعمة الزواج‪ :‬فسيكون الرب قريبا‬
‫منهم بصفة خاصة عند رجوعه‪ ،‬مثلما يشهد اإلنجيل‪:‬‬

‫ومع ُه مِ ئةٌ وأربَعةٌ‬


‫َ‬ ‫هيون‬
‫َ‬ ‫ص‬‫ل ِ‬ ‫ج َب ِ‬
‫ح َمال ً على َ‬ ‫أيت َ‬ ‫رت ف َر ُ‬‫ونَ َظ ُ‬
‫واسم أبي ِه َمكتوبا ً على ِجباهِ ِهم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫اسم ُه‬
‫ُ‬ ‫وأربعون أل ًفا َظ َه َر‬
‫َ‬
‫ثل هَدير ِ المِ يا ِه َ‬
‫الغزي َر ِة أو دَويِّ‬ ‫السما ِء مِ َ‬
‫ن َّ‬‫عت َصوتًا مِ َ‬
‫وسمِ ُ‬
‫َ‬

‫‪164‬‬
‫‪165‬‬ ‫أنـريـد الـجـنـس في ظِ ـلِّ اللـه أم بـدونـه؟‬

‫ِل‪ ،‬وكأنَّما ه َو أنغا ٌم يعز ِ ُفها العِ َ‬


‫بون بِالقيثا َرةِ‪ ،‬وهُم‬ ‫ال َّرع ِد الهائ ِ‬
‫الكائنات الح َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫رش وأما َم‬ ‫الع ِ‬‫جديد ًة أما َم َ‬‫رنيم ًة َ‬ ‫ُيرن ِّ َ‬
‫مون تَ َ‬
‫َّرنيم َة إال َّ‬
‫أن يت ََعلَّ َم الت َ‬‫ح ٍد يَق ِد ُر ْ‬
‫يوخ‪ ،‬وما مِ ْن أ َ‬ ‫ُّ‬
‫األربَ َع ِة وأما َم الش ِ‬
‫ن األرض‪َ .‬ه ُؤال ِء ه ُُم‬ ‫َدون مِ َ‬
‫المفت َ‬ ‫واألربعون أل ًفا ُ‬
‫َ‬ ‫المِ ئ ُة واألربع ُة‬
‫عون‬ ‫ذين ما تَ َدنَّسوا بِالنِّساءِ‪ ،‬ف ُهم أبكارٌ‪َ .‬ه ُؤال ِء ه ُُم الّ َ‬
‫ذين يَت َب َ‬ ‫الّ َ‬
‫شر ِ باكو َر ًة‬
‫ين ال َب َ‬ ‫ل أينما سا َر‪ ،‬والّ َ‬
‫ذين تَ َّم افتِدا ُؤهُم مِ ْن بَ ِ‬ ‫ح َم َ‬
‫ال َ‬
‫فيهم‪( .‬رؤيا‬
‫يب ِ‬ ‫ل‪ .‬ما نَ َط َق لِسانُ ُهم بِالكذ ِ‬
‫ِب‪ ،‬وال َع َ‬ ‫ح َم ِ‬
‫لل ِه وال َ‬
‫‪)5–1 :14‬‬

‫والعزوبة سواء كانت بسبب هجران الزوج أو موته أو غياب فرص‬


‫سانحة للزواج‪ ،‬فيمكن من خاللها الحصول على دعوة إلهية أعظم‬
‫بكثير من الزواج‪ ،‬لو َق ِب َ‬
‫ل العزاب بعزوبتهم من صميم قلوبهم‪.‬‬
‫فبوسعهم تكريس حياتهم بطريقة متميزة للخدمة القلبية الكاملة‬
‫في سبيل ملكوت هللا‪.‬‬

‫أن تحيا الحياة بكل ملئها‬


‫هو أن تحيا للمسيح‬
‫يجب على كل رجل أو امرأة على وجه األرض ممن يريد اِتِّباع المسيح‬
‫أن يرضى بأن يغ ّيره المسيح تغييرا كامال‪ .‬ويتخذ هذا التحدي معنى‬
‫أعمق للعزاب الذين يتحملون عزوبتهم في سبيل المسيح – مهما‬
‫كان سبب عزوبتهم‪ .‬وسيحصل شخص كهذا على عالقة متميزة‬
‫مع الرب‪.‬‬

‫إن الحياة التي يعيشها اإلنسان في سبيل المسيح هي الحياة‬


‫بملئها‪ ،‬كما يقول يسوع المسيح في اإلنجيل‪:‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪166‬‬

‫جئ ُ‬
‫ْت‬ ‫أما أنا ف ِ‬ ‫السار ِ ُق إال َّ ل َيسر ِ َق ويَقت َ‬
‫ُل ويَه ِد َم‪َّ .‬‬ ‫ال يَجي ُء ّ‬
‫ِتكون ل ُه ُم الحيا ُة‪ ،‬بل مِ ل ُء الحياةِ‪( .‬يوحنا ‪)10 :10‬‬ ‫َ‬ ‫ل‬

‫ويجب علينا نحن المسيحيين أن ال ننسى ذلك أبدا؛ فهي أسمى‬


‫دعوة إلهية لنا‪ .‬فلو كنا نحب المسيح العريس حقا من كل قلوبنا‪،‬‬
‫فسوف ننغمر فيه تماما كما ننغمر في مياه المعمودية‪ .‬ولو كنا نحيا‬
‫في المسيح‪ ،‬فسوف تعمل محبتنا له على إرشاد محبتنا الشريفة‬
‫إلخوتنا وأخواتنا المسيحيين ولجميع الذين من حولنا‪.‬‬

‫إن قصة القديس فرنسيس األسيزي ‪Francis of Assisi‬‬


‫وصداقته مع القديسة كلير ‪ Clare‬تب ّين لنا بشكل رائع أهمية‬
‫وعظمة المحبة األخوية في المسيح – حتى لو لم تؤ ِد إلى زواج‪.‬‬
‫فعندما هجره جميع اإلخوة واألصدقاء‪ ،‬التجأ فرنسيس إلى كلير‪.‬‬
‫وفيها وجد الصديق الذي أمكنه االعتماد عليه‪ .‬وبقيت كلير على‬
‫وفائها له حتى من بعد وفاته‪ ،‬واستم َّرت تحمل رسالته‪ ،‬برغم ما‬
‫لقيته من معارضة‪ .‬فنرى هنا عالقة ال شأن لها بالزواج‪ ،‬ولكنها ظلت‬
‫حميمة بصدق – وهي عالقة صداقة ذات عفاف حقيقي ووحدة‬
‫حقيقية في هللا‪.‬‬

‫وسوف يبقى هناك دائما رجال ونساء مثل كلير وفرنسيس‪،‬‬


‫الذين يبقون بال زواج في سبيل المسيح‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فعلينا أن ندرك‬
‫بأن موهبة العزوبة هذه ال توهب للجميع‪ ،‬مثلما يب ّين لنا ذلك‬
‫القديس بولس الرسول في اإلنجيل‪:‬‬

‫خص ما‬ ‫ش ٍ‬ ‫ُل َ‬ ‫ثلي! َلك ْ‬


‫ِن لِك ِّ‬ ‫يعك ُْم مِ ِ‬
‫جمِ ُ‬
‫كان َ‬
‫َ‬ ‫أتَ َمنَّى أحيانا ً َل ْو‬
‫َو َه َب ُه َل ُه هللاُ‪َ ،‬فالل ُه ُيعطِ ي واحِدا ً ْ‬
‫أن يَب َقى عازِباً‪َ ،‬و ُيعطِ ي آ َ‬
‫خ َر‬
‫أن يَ َت َز َّو َج‪ 1( .‬كورنثوس ‪)7 :7‬‬
‫ْ‬
‫‪167‬‬ ‫أنـريـد الـجـنـس في ظِ ـلِّ اللـه أم بـدونـه؟‬

‫وال يختلف معظم العزاب عن غيرهم من المتزوجين في الصراع‬


‫من أجل العفاف‪ .‬وذلك ألن حياة ال َّت َبتُّل هي األخرى ليست ضمانا‬
‫واقيا من النجاسة الجنسية – ألن العفاف يتطلب يقظة مستمرة في‬
‫قلب كل عازب وفي قلب كل متزوج‪ ،‬ويتطلب معركة روحية يومية‬
‫ضد الجسد وشهواته‪ ،‬وموقفا حازما بوجه الخطيئة‪.‬‬

‫يسوع قادر على َمل ِء كل فراغ‬


‫لو سمحنا له بذلك‬
‫لم تقدم الكتب المقدسة إلينا أية وعود بإزالة تجارب إبليس عنا‬
‫مطلقا‪ .‬ولكن لدينا ضمان في اإلنجيل على وجه أكيد بأن التجارب‬
‫ليس من الضروري أن يكون لها القابلية على التغلب علينا‪:‬‬

‫ألن هللاَ صاد ٌ‬


‫ِق فال‬ ‫اإلنسان‪َّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫فوق طاق ِة‬‫َ‬ ‫ما أصابَتكُم تَجرِبَةٌ‬

‫ِرون ع َليهِ‪ ،‬بَ ْل ي َه ُبكُم َ‬


‫مع‬ ‫ب َغي َر ما تَقد َ‬‫ن التَّجار ِ ِ‬‫ُيكَلِّ ُفكُم مِ َ‬
‫التَّجرِبَ ِة َوسي َل َة النَّجا ِة مِ نها وال ُقد َر َة على احتِمالِها‪1( .‬‬
‫كورنثوس ‪)13 :10‬‬

‫فلو ثبتنا بصبر وأمانة فسوف يعيننا هللا‪ .‬وال نقصد هنا بأنه يمكننا‬
‫حفظ أنفسنا بعفاف بفضل مجهودنا البشري‪ .‬ألنه ال يمكننا‬
‫الحصول على التح ّرر والنصرة إال بفضل قوة الروح القدس‪ ،‬ومن‬
‫خالل مساعدة األصدقاء الغيورين ومساعدة أفراد األسرة‪ .‬كما‬
‫يوصينا اإلنجيل‪:‬‬

‫ين‬ ‫إن و َق َع أ َ‬
‫ح ُدكُم في َ‬
‫خطأ ٍ‪ ،‬فأقيمو ُه أنت ُُم ال ُّروح ِّي َ‬ ‫يا إخ َوتي‪ْ ،‬‬
‫أنت ً‬
‫أيضا لِلتَّجرِبَةِ‪.‬‬ ‫ك لِئَال َّ تَت ََع َّر َض َ‬ ‫داعةِ‪ .‬وان َت ِب ْه لِن ِ‬
‫َفس َ‬ ‫وح ال َو َ‬
‫ب ِ ُر ِ‬
‫مون‬
‫تم َ‬‫مل أثقالِكُم‪ ،‬وبِهذا ُت ِّ‬
‫ح ِ‬ ‫عضكُم بَ ً‬
‫عضا في َ‬ ‫ساعِ دوا بَ ُ‬
‫سيح‪( .‬غالطية ‪)2–1 :6‬‬
‫ِ‬ ‫الم‬
‫شريع ِة َ‬
‫َ‬ ‫ل بِ‬
‫العم َ‬
‫َ‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪168‬‬

‫يحسون‬
‫ّ‬ ‫أما الذين ال يجدون شريكا للزواج‪ ،‬وفي الوقت نفسه ال‬
‫بأية دعوة إلهية لهم للت َبتُّل من أجل المسيح‪ ،‬فهناك خطر وقوعهم‬
‫في فخ االستياء المرير واالغتياظ النفسي‪ .‬فلو بقي التش ّوق الشديد‬
‫يقسي‬
‫ّ‬ ‫للزواج بال تحقيق‪ ،‬السيما على مدى طويل‪ ،‬فيمكن له أن‬
‫القلب‪ .‬عندئذ ليس هناك سوى نعمة هللا القادرة على حماية‬
‫النفس وترك هذه الفكرة – أي بمعنى التخلي عن الزواج والحصول‬
‫على سالم الروح في آن واحد‪.‬‬

‫وتقدم إلينا ِسنثيا ‪ ،Cynthia‬وهي امرأة عازبة في عمر‬


‫األربعينيات‪ ،‬رؤيتها عن كيفية تجنب حياة الفراغ والحصول على‬
‫سعادة دائمة‪ ،‬فتقول‪:‬‬

‫«ماذا؟ أنا؟ هل أظل عازبة إلى نهاية عمري؟» فالكثير منا‬


‫يجب أن يواجه هذه الحقيقة‪ .‬ولكن لماذا؟ – ألننا أخترنا أن‬
‫نك ّرس حياتنا لله أوال‪ .‬فيحتاج هللا إلى أدوات ليست مق ّيدة‬
‫بأسرة لكي تخدمه‪ .‬أيعني هذا سعادة أقل‪ ،‬أم توقفا عن‬
‫النمو أم انسحابا من االتصال الكامل بالحياة؟ كال‪ ،‬فهذا ال‬
‫يحصل عندما يقبل المرء خطة هللا لحياته بدال من أن يتمرد‬
‫عليها‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬فإن الحياة المك ّرسة للخدمة هي بانتظار‬
‫حون بالزواج أو يرفضونه لجعل أنفسهم‬
‫أولئك الذين يض ّ‬
‫رهن إشارة هللا كليا‪.‬‬

‫لنتأمل حياة بعض العزاب أمثال الكاتبة إيمي كارمايكل‬


‫‪ Amy Carmichael‬التي سافرت إلى الهند ُ‬
‫كمرسلة شابة‪،‬‬
‫ولم تعرف أي نوع من الخدمة التي كان هللا يريد منها‪.‬‬
‫وسرعان ما صار لها ميتم يتزايد عدده‪ ،‬وكان قوامه من‬
‫األطفال الذين تم إنقاذهم من عبودية حقيقية ومن براثن‬
‫‪169‬‬ ‫أنـريـد الـجـنـس في ظِ ـلِّ اللـه أم بـدونـه؟‬

‫كهنة المعابد الهندوسية‪ .‬أو لنتأمل األم تيريزا التي أسست‬


‫نظام رهبنة لألخوات لرعاية أفقر الفقراء في كلكتا في الهند‪.‬‬
‫وقد انتشرت رهبنتها في كافة أنحاء العالم‪ .‬أو لنتأمل الرسول‬
‫بولس وغيره من الرسل الذين عاشوا حياة التَّبتُّل‪ ،‬فقد كانت‬
‫لديهم إمكانية السفر المتواصل لنشر بشرى اإلنجيل‪.‬‬

‫بطبيعة الحال‪ ،‬أنت لست بحاجة إلى أن تصبح مرسل أو‬


‫راهب أو رسول للحصول على السعادة في حياة العزوبة‪ .‬فأنا‬
‫شخصيا‪ ،‬كان من الممكن أن أشعر بمرارة االستياء وخيبة‬
‫ُ‬
‫وجدت فرصا وفيرة‬ ‫األمل ألني لم أتزوج‪ ،‬ولكن بدال من ذلك‬
‫ُ‬
‫كنت‪.‬‬ ‫لخدمة اآلخرين على الصعيد اليومي وأينما‬

‫فأنا أزور نزيالت السجن المحلي كل أسبوع تقريبا‪.‬‬


‫ووجدت في زيارتي األخيرة أن النساء متحمسات لقراءة‬
‫ُ‬
‫وتأمل الكتاب المقدس‪ ،‬فقرأنا قصة السامري الصالح‬
‫وتحدثنا عن تطبيقاتها اليومية‪ .‬وبعد مناقشة عمن تقدر‬
‫أو ال تقدر أن ُترنّم‪ ،‬اشتركنا كلنا في ترنيم الترانيم الروحية‬
‫لألفريقيين األمريكيين المعروفة باسم ‪ Spirituals‬وأيضا‬
‫التراتيل الكنسية مثل «الرب الغالي ‪َ »Precious Lord‬و‬
‫«النعمة المدهشة ‪».Amazing Grace‬‬

‫ولم تكن طبعا جميع أمسياتي جميلة ومش ِّ‬


‫جعة بهذه‬
‫الطريقة‪ .‬فيمكن التحسس بمشاعر الحزن والفراغ بسبب‬
‫الوحدانية كواقع ملموس في حياة أي شخص عازب‪ .‬وقد‬
‫تصبح هذه الوحدانية تجربة من تجارب إبليس لإليقاع بنا‬
‫في فخ اإلشفاق على الذات والتدهور النفسي‪ ،‬ولكن يمكننا‬
‫رفضها مثل أية تجربة أخرى‪ .‬وتنصحنا الكاتبة اليزابيث اليوت‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪170‬‬

‫‪ Elisabeth Elliot‬في كتابها «العاطفة والعِ ّفة ‪Passion and‬‬


‫وحدانيتك‪ .‬فهي مرحلة واحدة‪ ،‬وما‬
‫ِ‬ ‫‪ »،Purity‬فتقول‪« :‬ا ِقبلي‬
‫هي سوى مرحلة على طريق الرحلة التي تأخذك إلى هللا‪.‬‬
‫وهي ال تدوم دائما‪ .‬و َقدِّمي وحدانيتك كقربان إلى هللا‪ ،‬مثلما‬
‫قدّم الصبي الصغير األرغفة الخمسة والسمكتين إلى يسوع‬
‫]*[‬
‫أما هللا فهو قادر على تحويل وحدانيتك إلى ما‬ ‫المسيح‪.‬‬
‫هو صالح لآلخرين‪ .‬وأهم من كل شيء‪ ،‬ا ِفعلي أي شيء ألي‬
‫إنسان غيرك!»‬

‫وهنا نجد الحل لهذه المشكلة‪ :‬وهو الخدمة المقدّمة‬


‫إلى اآلخرين‪ .‬فيمكن للخدمة مهما كان نوعها أن تؤدي إلى‬
‫حياة سعيدة يرتاح لها الضمير سواء كانت بالعمل في مجال‬
‫التعليم أو التمريض أو اإلرشاد االجتماعي أو زيارة السجناء‪.‬‬
‫وذلك ألنه هناك فيضا كبيرا من المتألمين في العالم َم ْن‬
‫هم بحاجة ماسة إلى لمسة إضافية من أعمال المحبة لكي‬
‫يقدمها الناس إليهم‪ ،‬ونحن العزاب أحرار بطريقة فريدة‬
‫للتواجد من أجل خدمتهم‪.‬‬

‫ّ‬
‫التخلي عن األمنيات الشخصية ليست سهلة أبدا‪ ،‬وأحيانا‬ ‫إن عملية‬
‫ُتلقي عبئا ثقيال للغاية على الشخص‪ .‬ولكن عندما يتنازل العزاب‬
‫عن أمنياتهم وأحالمهم كليا في سبيل هللا‪ ،‬فسوف يمأل الرب يسوع‬
‫الفراغ الذي قد يشكل عبئا عليهم‪ .‬ألنهم سوف يتذكرون كيف اختتم‬
‫يسوع المسيح حياته على الصليب وسوف يحصلون عندئذ على‬
‫تحمل العزوبة كقربان له‪ .‬أما الذين يستمرون في اشتياقهم‬
‫ُّ‬ ‫سرور في‬

‫]*[  في إشارة إلى اآلية التي قام بها يسوع المسيح في تكثير األرغفة الخمسة والسمكتين وإطعام‬
‫خمسة آالف شخص جائع بعد تعليمهم أشياء كثيرة‪( .‬راجع يوحنا ‪)15–1 :6‬‬
‫‪171‬‬ ‫أنـريـد الـجـنـس في ظِ ـلِّ اللـه أم بـدونـه؟‬

‫إلى الزواج‪ ،‬بالرغم من أن هللا لم يهبه لهم‪ ،‬فال يمكنهم الحصول‬


‫على هذا السرور أبدا‪ .‬وبطبيعة الحال‪ ،‬فإن الزواج نعمة عظيمة‪ ،‬إال‬
‫أن االنتماء كل ّيا إلى المسيح وبقلوب غير منقسمة هي نعمة أعظم‬
‫من نعمة الزواج‪.‬‬

‫وفي نهاية المطاف‪ ،‬فعلينا كلنا – سواء كنا متزوجين أو عزاب –‬


‫أن نكون على أهبة االستعداد ليستعملنا هللا كيفما يشاء وأن يكون‬
‫لنا فرحا في كل حال نكون فيه‪ ،‬كما يعلمنا اإلنجيل‪:‬‬

‫أن أقن ََع بِما أنا ع َليهِ‪ .‬فأنا‬


‫مت ْ‬ ‫جةٍ‪ ،‬ألنِّي تَ َعلَّ ُ‬
‫أقول هذا َع ْن حا َ‬
‫ُ‬ ‫وال‬
‫أعيش في َّ‬
‫السعةِ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الضي َقةِ‪ ،‬كما أعر ِ ُف ْ‬
‫أن‬ ‫أعيش في ِّ‬ ‫َ‬ ‫أَعر ِ ُف ْ‬
‫أن‬
‫يق‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫والض َ‬ ‫والجوع‪ ،‬وال َف َر َج‬
‫َ‬ ‫رت َّ‬
‫الش َب َع‬ ‫روف اخ َت َب ُ‬‫الظ ِ‬ ‫جميع ُّ‬ ‫وفي‬
‫ِ‬
‫ُل شي ٍء بِالّذي ُيق ِّويني‪( .‬فيليبي ‪:4‬‬ ‫ل ك ِّ‬ ‫وأنا قا ِدر ٌ على تَ ُّ‬
‫حم ِ‬
‫‪)13–11‬‬

‫الظن هو من الشيطان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫نظن أبدا أن هللا ال يحبنا‪ .‬فمثل هذا‬
‫ّ‬ ‫ويجب أن ال‬

‫مما ال شك فيه أنه بغض النظر عن مقدار التكريس الذي‬


‫يقدمه العازب‪ ،‬سيبقى هو (أو هي) يصادف لحظات وأيام بل‬
‫حتى أسابيع من الحزن والصراع الروحي‪ .‬ألن إدراك الشخص بأن‬
‫كل من الزواج واألوالد صاروا بعيدي المنال سوف يجلب معه‬
‫دائما غصة الشوق وإحساسا بالخسارة‪ .‬ولكن بدال من المكوث في‬
‫هذه المشاعر‪ ،‬فمن األفضل التطلُّع إلى هللا وااللتفات إلى اإلخوة‬
‫واألخوات في الكنيسة‪ ،‬حتى لو كان ذلك صعبا‪ .‬ويكتب ديتريش‬
‫بونهوفر ‪ Dietrich Bonhoeffer‬فيقول‪:‬‬

‫إن األلم مالك مقدس‪ ،‬وهو يرينا الكنوز التي لوال األلم‬
‫لظلت مدفونة إلى األبد؛ فبفضل األلم أصبح كثير من الرجال‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪172‬‬

‫والنساء أعظم مما لو كانوا قد م ّروا بكل أفراح العالم‪ .‬فالبد‬


‫أن يكون األمر هكذا‪ ،‬وهذا ما أُذكِّر به نفسي باستمرار السيما‬
‫وأنا في ظروفي الحالية‪ .‬فألم المعاناة والحنين الذي غالبا ما‬
‫يمكن التحسس به حتى جسديا هو جزء من الحياة‪ ،‬وال‬
‫يمكننا إزالته عن طريق التحدّث عنه بل لسنا بحاجة إلى‬
‫إزالته أيضا‪ .‬غير أننا بحاجة إلى أن ننتصر عليه في كل مرة‪،‬‬
‫وبالتالي فهناك أيضا مالك أكثر قداسة من مالك األلم؛ أال‬
‫‪24‬‬
‫وهو مالك الفرح بالله‪.‬‬

‫يمكن تق ّبل العزوبة‬


‫إما كعبء وإما كدعوة إلهية سامية‬
‫ينبغي أن ال يقع العازبون والعازبات في فخ مجافاة الحياة ومجافاة‬
‫المحبة باستياء شديد‪ .‬وعليهم أن ال يخنقوا أطيب الخصال في‬
‫نفوسهم‪ ،‬وال يستسلموا لألحالم أو للشهوات التي ال يمكن إشباعها‪.‬‬
‫ويجب عليهم أن ال يدعوا األوهام والتخ ّيالت التي تدور حول الذات‬
‫أن تعيق كل ما وهبه هللا لهم من أن ُيزهِ ر في حياتهم‪ .‬فلو أُتيح‬
‫لهم أن يقبلوا عزوبتهم كموهبة إلهية أو كدعوة إلهية متميزة‪ ،‬لما‬
‫سمحوا ألي قدر من طاقتهم أو محبتهم أن يضيع سدى من دون أن‬
‫المتد ّفق‬
‫ُيستعمل‪ .‬فسوف تشبع أشواقهم بالعطاء‪ :‬بذلك الجدول ُ‬
‫من المحبة التي تتح ّول من االنشغال بالذات إلى االنشغال بالمسيح‬
‫وإلى االنشغال بالكنيسة‪ .‬كما يقول الرسول بولس في اإلنجيل‪:‬‬

‫والم َت َز ِّو ُج‬


‫ُ‬ ‫ب‪،‬‬ ‫َ‬
‫وكيف ُيرضي ال َّر َّ‬ ‫ب‬
‫هتم بأمور ِ ال َّر ِّ‬ ‫َغي ُر ُ‬
‫المتَز ِّو ِج يَ ُّ‬
‫ِك‬
‫س ٌم‪ .‬وكذل َ‬ ‫وكيف ُيرضي امرأتَهُ‪ ،‬فه َو ُمن َق ِ‬ ‫َ‬ ‫يَهت َُّم بأمور ِ العا َلمِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫العذرا ُء والمرأ ُة الّتي ال َز َ‬
‫وكيف‬ ‫ب‬ ‫ان بأمور ِ ال َّر ِّ‬ ‫وج لها تَهت َّم ِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫داس َة‬
‫المتَز ِّوج ُة فتَهت َُّم بأمور ِ‬ ‫وأما ُ‬ ‫حا‪َّ ،‬‬‫جسدًا و ُرو ً‬
‫َ‬ ‫ناالن ال َق َ‬
‫ِ‬ ‫تَ‬
‫‪173‬‬ ‫أنـريـد الـجـنـس في ظِ ـلِّ اللـه أم بـدونـه؟‬

‫لقي‬‫ُ‬ ‫أقول هذا لِ َ‬ ‫وكيف ُترضي َزو َ‬ ‫َ‬ ‫العا َلمِ‬


‫خيرِكُم‪ ،‬ال أل َ‬ ‫ُ‬ ‫جها‪.‬‬
‫دون‬
‫ِ‬ ‫ب مِ ْن‬ ‫ع َليكُم َقيدًا‪ ،‬بَ ْل لِت َ‬
‫َعملوا ما ه َو الئ ٌِق وتَخدُموا ال َّر َّ‬
‫ِباك‪ 1( .‬كورنثوس ‪)35–32 :7‬‬
‫ارت ٍ‬

‫وفي الرسالة نفسها وفي آية سابقة‪ ،‬يشير الرسول بولس إلى بركة‬
‫أخرى للعزوبة‪ :‬وهي التحرر من الرعاية والقلق على الزوج أو الزوجة‬
‫واألطفال‪ ،‬خصوصا في أوقات الضيق‪ .‬فيقول‪:‬‬

‫ِون‬
‫جون يَجد َ‬
‫َ‬ ‫ِن الّ َ‬
‫ذين يَتَز َّو‬ ‫فأنت ال ُتخطِ ُ‬
‫ئ‪ ،‬ولك َّ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫وإذا تَ َز َّو ْ‬
‫ج َ‬
‫َمش َّق ًة في هُمومِ الحياةِ‪ ،‬وأنا أُري ُد أن أُبعِ دَها َعنكُم‪1( .‬‬
‫كورنثوس ‪)28 :7‬‬

‫واألرامل شأنهن في ذلك شأن العازبات‪ ،‬فإنهن قادرات أيضا على‬


‫خدمة الكنيسة والمحتاجين في أحيان ال يسع للمتزوجة أن تقوم‬
‫بهذه الخدمة‪ .‬ويقول بولس الرسول‪:‬‬

‫ي الّتي ال ُم َ‬
‫عيل لها‪ ،‬ف َرجاؤها على هللاِ‪،‬‬ ‫ح ّقاً‪ ،‬وهِ َ‬ ‫األرم َل ُة َ‬
‫َ‬ ‫أما‬
‫َّ‬
‫تض َّر ُع إليه ليال ً ونها ًرا‪ 1( .‬تيموثاوس ‪)5 :5‬‬‫ُت َص ِّلي وتَ َ‬

‫وفي الكنيسة األولى في أورشليم‪ ،‬تم تعيين األرامل لخدمة الفقراء أو‬
‫َت إليهن بمسؤوليات أخرى‪ ،‬مثلما هو مدون في إحدى كتابات‬
‫ُع ِهد ْ‬
‫المسيحيين األوائل كما يلي‪:‬‬

‫ينبغي أن يكون المشرف في مجتمعات الكنيسة رفيقا‬


‫للفقراء حتى لو كان المجتمع من أصغر المجتمعات‬
‫المسيحية‪ ،‬والبد أن يكون هناك أرملة واحدة على األقل‬
‫لتتحمل مسؤولية التأكُّد – ليال ونهارا – من أنه ال يوجد‬
‫ّ‬
‫‪25‬‬
‫تم إهماله‪.‬‬
‫شخص مريض أو محتاج قد ّ‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪174‬‬

‫لكن كم يحزننا عندما نرى في يومنا المعاصر أن األرامل والعزاب‬


‫مهملين ووحيدين في أكثر األوقات!‬
‫َ‬ ‫من رجال ونساء هم بحد ذاتهم‬
‫ولعل الكنيسة تكون دائما على استعداد لتلبية حاجات مثل هؤالء‬
‫الناس‪ ،‬كما يوصي اإلنجيل‪:‬‬

‫ُ‬ ‫فإذا تألَّ َم ُعضوٌ تألَّ َمت َ‬


‫جميع األعضاءِ‪ ،‬وإذا أكر ِ َم ُعضوٌ‬
‫ُ‬ ‫مع ُه‬
‫مع ُه سائِ ُر األعضاءِ‪ 1( .‬كورنثوس ‪)26 :12‬‬ ‫ت َ‬ ‫َفر ِ َ‬
‫ح ْ‬

‫ويجب علينا اآلن السيما في ظل انهيار األسرة وتفككها أن نجد وسائل‬


‫جديدة لكي نظهر للعزاب واألرامل في مجتمع الكنيسة محبة وعناية‬
‫وتضمهم إليها لكي ال‬
‫ّ‬ ‫إضافية وأن نفتح أبواب أ ُ َسرنا لكي تحتضنهم‬
‫يبقون وحيدين بدون أسرة‪ ،‬باإلضافة إلى ضرورة جعلهم ينخرطون‬
‫في فعاليات األسرة والكنيسة بشكل فعال ومؤثر‪ .‬وال يعني هذا أن‬
‫نسلط ضغطا عليهم إليجاد شريك حياة‪ ،‬ثم نرثي لهم إذا لم يجدوه‬
‫– فهذا لن يؤدي إال إلى زيادة آالمهم‪ .‬ولكن يعني إظهار المحبة لهم‬
‫الترحيب بمواهبهم وبخدماتهم في مجتمع الكنيسة‪ ،‬وتسليمهم‬
‫مهام مفيدة‪ ،‬وش ّد عزائمهم إلى الحياة الروحية للكنيسة لكي يحسوا‬
‫بسعادة الروح‪.‬‬

‫كلنا مدعوون إلى المحبة مهما كانت أحوالنا الشخصية‬


‫ينبغي أن ندرك نحن المتزوجين بأن سعادتنا هي نعمة إلهية‬
‫مجانية – فمثلما أخذنا الفرح مجانا فينبغي أن نشيعه بين اآلخرين‬
‫مجانا أيضا من خالل أعمال الرحمة وتخفيف آالم المتألمين‪ .‬لذلك‬
‫علينا أن نتش ّوق إلى إبداء أعمال المحبة لمن يصارع مع مشاعر‬
‫الوحدانية المحزنة‪ .‬ولهذا السبب يجري «تبني» – لو جاز التعبير‬
‫– كل عازب وكل عازبة في كنيستي من قِبل أسرة معينة‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫يتمكن العزاب في هذه الحالة من األخذ والعطاء في آن واحد‪ .‬وأهم‬
‫‪175‬‬ ‫أنـريـد الـجـنـس في ظِ ـلِّ اللـه أم بـدونـه؟‬

‫من كل شيء‪ ،‬ينبغي أن نتذكّر كلنا‪ ،‬سواء كنا متزوجين أو عزابا‪ ،‬أن‬
‫الفرح الروحي ورضا النفس نحصل عليهما عن طريق خدمة بعضنا‬
‫لبعض بروحية المؤازرة والتآخي والمجتمع األخوي‪ .‬فنحن مدعوون‬
‫إلى محبة تعطي بال قيد أو شرط – وليس إلى محبة بخيلة يتصف‬
‫بها زواج مريح‪ ،‬وال إلى محبة منغمسة باإلشفاق على ال ّذات التي‬
‫يعزل اإلنسان فيها نفسه عن اآلخرين‪.‬‬

‫ونحن كمسيحيين‪ ،‬نعلم بأن المحبة الحقيقية في أكمل‬


‫صورها ُو ِجدت في يسوع‪ .‬وكثيرون منا تأثروا بالسيد المسيح أو‬
‫دعاهم أو س ّ‬
‫خرهم‪ .‬ولكن ال يكفي هذا‪ .‬فعلى كل فرد منا التضرع‬
‫لله الختبار المسيح شخصيا – وفي أعماق قلوبنا‪ .‬وعلينا أن‬
‫نث ّبت أعيننا عليه‪ ،‬وال ننظر سوى إليه‪ ،‬لكي نتمكن من رؤيته‬
‫على حقيقته المليئة بالمحبة‪ ،‬ولكي ال تضعف نفوسنا ونفقد‬
‫عزيمتنا‪ ،‬مثلما يدعونا اإلنجيل‪:‬‬

‫ليب‬
‫الص َ‬
‫ل َّ‬ ‫سوع الّذي تَ َ‬
‫ح َّم َ‬ ‫َ‬ ‫ومك َِّملِهِ‪ ،‬يَ‬
‫أس إيمانِنا ُ‬ ‫رين إلى َر ِ‬ ‫ناظِ َ‬
‫ج َل َس ْ‬
‫عن‬ ‫أجل ال َف َر ِح الّذي يَنتَظِ ُر ُه‪ ،‬ف َ‬‫ِ‬ ‫خ ّفا ً بِالعارِ‪ ،‬مِ ْن‬‫ُمس َت ِ‬
‫ئين‬
‫ن الخاطِ َ‬ ‫ل مِ َ‬ ‫رش هللاِ‪ .‬فكِّروا في هذا الّذي احت ََم َ‬ ‫مين َع ِ‬ ‫يَ ِ‬
‫َ‬
‫فوسكُم‪( .‬عبرانيين‬ ‫ضع َف نُ ُ‬ ‫العدا َو ِة لِئَال َّ تَيأسوا وتَ ُ‬
‫ثل ه ِذ ِه َ‬ ‫مِ َ‬
‫‪)3–2 :12‬‬

‫ونحن نعلم بأن أمد الحياة قصير على األرض‪ ،‬وبأن العالم في هيئته‬
‫الحاضرة زائل‪ ،‬كما يدعونا الرسول بولس لنتيقظ لهذا األمر في‬
‫اإلنجيل فيقول‪:‬‬

‫ُن الّ َ‬
‫ذين ل ُهم‬ ‫قص ُر‪ .‬ف ْليك ِ‬ ‫أقول لكُم‪ ،‬أيُّها اإلخو ُة‪َّ ،‬‬
‫إن ال َّز َ‬
‫مان يَ ُ‬ ‫ُ‬
‫بكون‪ ،‬والّ َ‬
‫ذين‬ ‫َ‬ ‫بكون كأن َّ ُهم ال يَ‬
‫َ‬ ‫كأن ال نِسا َء ل ُهم‪ ،‬والّ َ‬
‫ذين يَ‬ ‫نِساءٌ َّ‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪176‬‬

‫َرون كأن َّ ُهم ال يَمل َ‬


‫ِكون‪،‬‬ ‫ذين يَشت َ‬‫حون‪ ،‬والّ َ‬
‫َ‬ ‫حون كأن َّ ُهم ال يَف َر‬
‫َ‬ ‫يَف َر‬
‫ألن‬
‫ن‪َّ ،‬‬ ‫ن أُمو َر هذا العا َلمِ كأن َّ ُهم ال يَ َ‬
‫تعاط ْو َ‬ ‫تعاط ْو َ‬
‫ذين يَ َ‬ ‫والّ َ‬
‫صو َر َة هذا العا َلمِ في َز ٍ‬
‫وال‪ 1( .‬كورنثوس ‪)31–29 :7‬‬

‫وما نحن في أمس الحاجة إليه في وقتنا الحاضر هو السيد المسيح‪،‬‬


‫ولكن ليس مجرد كمرشد أو كصورة نعلقها أمام أعيننا‪ .‬فيجب علينا‬
‫أن ندعه يصبح واقعا ح ّيا في حياتنا اليومية‪ .‬فقد قال‪:‬‬

‫ِي نَارا ً َع َلى األرض‪َ ،‬و ْ‬ ‫ِجئ ُ ُ‬


‫أن تَ َ‬
‫كون إشت ْ‬
‫َعلت!‬ ‫كم أتمنَّى ّ‬ ‫ْت أل ْلق َ‬
‫(لوقا ‪)49 :12‬‬

‫ّ‬
‫يتجلى المسيح بأشد وضوحه كما كان يتجلى سابقا ولحد اآلن؟‬ ‫فأين‬
‫فيجب علينا البحث عنه مع إخوتنا وأخواتنا المسيحيين‪ .‬ويجب أن‬
‫ّ‬
‫يتجلى المسيح في وسطنا اليوم وكل يوم‪ .‬وعالوة‬ ‫نصلي بحرارة لكي‬
‫على ذلك‪ ،‬فيجب أن نصلي من أجل أن يهبنا هللا الشجاعة لنشهد‬
‫له أمام اآلخرين كما هو على حقيقته‪ ،‬التي فيها ر ِ ّقة ووداعة وتواضع‪،‬‬
‫لكن فيها أيضا ّ‬
‫حق ووضوح وعدم مساومة‪ .‬ويجب أن ال نضيف‬
‫أو نحذف أي شيء من إنجيله‪ .‬فتلك الشهادة هي حقيقة القلب‬
‫المخلص والغيور على طريق الرب ال سواه‪ ،‬وهي أيضا جوهر الخدمة‬
‫التي يقدمها العزاب‪.‬‬
‫الجزء الثالث ‪:‬‬

‫الباطل‬
‫ِ‬ ‫روح‬
‫ُ‬
‫الذي يَ ُ‬
‫عيشه عص ُرنا‬

‫‪177‬‬
‫الفصل الخامس عشر‬

‫أنريد الجنس في ظِ ِّ‬


‫ل اللـه أم بدونه؟‬

‫المح َّب ِة ِسي َر َة‬


‫وسيروا في َ‬
‫فاقتَدوا بالل ِه كأبنا ٍء أح ّبا َء‪ِ ،‬‬
‫َفس ِه مِ ْن أجل ِنا ُقربانًا‬
‫حى بِن ِ‬ ‫وض َّ‬‫ح َّبنا َ‬ ‫سيح الّذي أ َ‬ ‫ِ‬ ‫الم‬
‫َ‬
‫ِس ُق والفجو ُر على‬ ‫أما ال ِّزنى والف ْ‬ ‫ح ًة لل ِه َط ِّيب َة ال ّرائِ َ‬
‫حةِ‪َّ .‬‬ ‫و َذبي َ‬
‫ِّيسين حتّى ذِك ُر أسمائِها‪ .‬ال َسفا َه َة‬
‫َ‬ ‫أنواعِ ها فال يَ ُ‬
‫ليق بال ِقد‬
‫حم ِد‬
‫َّسبيح ب ِ َ‬
‫ُ‬ ‫ل الت‬
‫ليق بِكُم‪ ،‬بَ ِ‬ ‫وال َسخا َف َة وال ه َ‬
‫َزل‪ ،‬فهذا ال يَ ُ‬
‫والفاس َق والفا ِج َر‪ ،‬وه َو عاب ِ ُد‬
‫ِ‬ ‫أن ال ّزاني‬ ‫هللاِ‪ .‬فأنتُم تَع َل َ‬
‫مون َّ‬
‫سيح وهللاِ‪ .‬ال يَخد َْعكُم‬ ‫الم‬ ‫ميراث َله في َم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫لكوت َ‬‫ِ‬ ‫وثان‪ ،‬ال‬
‫أ ٍ‬
‫ب هللاِ على‬ ‫ب َغ َض َ‬ ‫ِك ُيس ِّب ُ‬‫ألن ذل َ‬ ‫ل‪َّ ،‬‬ ‫أح ٌد بِالكالمِ الباطِ ِ‬
‫المعص َيةِ‪.‬‬
‫أبنا ِء َ‬

‫أفسس ‪6–1 :5‬‬

‫أسفار الكتاب المقدس أن عهد هللا مع شعبه‬


‫نرى من خالل‬
‫ووحدة السيد المسيح مع كنيسته المقدسة‬
‫يجري تشبيههما بوحدة العالقة الزوجية‪ .‬لكننا نجد في ثقافتنا الحالية‬
‫أن الزواج قد هو ِجم‪ ،‬وال يجري تقييمه كما ينبغي‪ ،‬ودمرته أرواح‬
‫الزنى وعدم التوقير‪ ،‬وال ينال أقصى االحتفال والتكريم الالزمين‬
‫مثلما ينال الحب‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫‪179‬‬ ‫أنـريـد الـجـنـس في ظِ ـلِّ اللـه أم بـدونـه؟‬

‫الحب في نظر الكثيرين اليوم‬


‫ما هو سوى أوهام‬
‫إن تدنيس الحب هو من أحد المآسي الكبرى في عصرنا‪ .‬وأخذ مفهوم‬
‫زائغ عن الحب ينتشر ومفاده أن الحب ليس أكثر من مجرد شهوة‪،‬‬
‫ثم إن إشباع هذه الشهوة صار ُيحتسب سعادة‪ .‬ويتحدث الناس‬
‫عن التحرر الجنسي ولكنهم باقون في شرك العبودية لشهواتهم‬
‫الجنسية؛ ويتحدثون عن الحب الحقيقي ولكنهم يعيشون في قطيعة‬
‫مع اآلخرين بسبب انشغالهم بذواتهم‪ .‬وأن عصرنا هو عصر ا ِنعدام‬
‫الحب‪ :‬فقد تفككت العالقات وانجرحت القلوب في كل مكان‪ ،‬ونُبذت‬
‫حياة الماليين من البشر حتى من قبل أن تبدأ وذلك باإلجهاض‪،‬‬
‫وقد أسيء معاملة اآلالف من األطفال أو تم التخلي عنهم‪ ،‬حتى أن‬
‫الخوف وعدم الثقة زادا في تلك العالقات الزوجية التي كان يفترض‬
‫وانحطت قيمة الحب إلى درجة جنس‪ .‬فبسبب‬
‫َّ‬ ‫بها أن تكون سليمة‪.‬‬
‫كل هذا‪ ،‬لم يعد الحب عند الكثيرين سوى وهم – وهو مجرد عالقة‬
‫جنسية حميمة يعيشها اثنان لفترة قصيرة األمد يتبعها فراغ وعذاب‬
‫ينخران في النفس‪.‬‬

‫فكيف يمكننا إذن إعادة اكتشاف المعنى الحقيقي للحب؟‬


‫وللجواب على هذا السؤال‪ :‬فنحن نرى أن هناك أشياء كثيرة في عالم‬
‫اليوم تزيل قناعتنا بالحب الدائم وغير المشروط‪ .‬والكثير مما يتعلق بما‬
‫ح ّبا» في هذه األيام تراه يدور في الحقيقة حول اإلثارة الجنسية‬
‫يسمونه « ُ‬
‫والولع بالشهوة الجنسية‪ .‬فإننا نعيش في مجتمعات مهووسة جنسيا‪،‬‬
‫ومجنونة جنسيا‪ ،‬وتفوح رائحة الفساد النتنة من كل شيء موجود فيها‬
‫– سواء كان من وسائل الدعاية واإلعالن أو من الكتب والمجالت أو من‬
‫الموضة واألزياء أو من أماكن اللهو والمتعة‪ .‬وصار الزواج الضحية األولى؛‬
‫فقد تدنّى شأنه إلى درجة أنه فقد معناه الحقيقي‪.‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪180‬‬

‫وبطبيعة الحال‪ ،‬ال يمكن ألي شخص صريح مع نفسه أن‬


‫يرمي باللوم كله في كل هذا الفساد على عتبة باب وسائل اإلعالم‪ ،‬أو‬
‫على بعض القوى الغامضة في المجتمع‪ .‬وطبعا ال يسعنا أن ننكر أن‬
‫وقست‬
‫َّ‬ ‫وسائل اإلعالم قد ساهمت في إرباك وتشويش آالف الناس‬
‫قلوبهم‪ .‬ثم إن الجهود السياسية برمتها إلعادة تعريف الزواج في‬
‫القانون المدني وفي الكنائس أيضا قد عززت هذا االرتباك والتشويش‬
‫االجتماعي بأساليب مدمرة قوية‪ .‬ولكن تقع المسؤولية علينا‬
‫نحن – وعلى كل واحد منا – نحن الذين قد تل ّوثت نفوسنا بآثام‬
‫شهوتنا الجنسية‪ ،‬نحن الذين قد تفككت عالقاتنا الزوجية‪ ،‬وانحرف‬
‫أوالدنا‪ .‬فال يمكننا تجاهل تصرفاتنا السيئة وذنوبنا التي اقترفناها؛‬
‫بل يجب أن نتحمل مسؤولية أفعالنا في كل مرة قبلنا فيها روح‬
‫الفحشاء وسمحنا للش ّر بالدخول إلى قلوبنا‪ .‬لقد سخرنا من صورة‬
‫هللا وشوهناها وفصلنا أنفسنا عن خالقنا‪ .‬ويجب أن نتّعظ من هذا‬
‫لنعاود اإلصغاء إلى صراخ أعماق قلوبنا لنتوب ونرجع إلى هللا‪.‬‬

‫لقد م ّرت خمسون سنة على بداية الثورة الجنسية‪ ،‬والبد أن‬
‫تكون آثارها المدمرة واضحة للعيان لكل إنسان‪ :‬فهناك المعاهرة‬
‫الواسعة االنتشار (أي تعدد الشركاء)؛ والمعدالت المرتفعة من‬
‫حاالت الحمل عند المراهقات؛ وتزايد حاالت االنتحار؛ وعشرات‬
‫الماليين من حاالت اإلجهاض؛ وتفشي األمراض الجنسية المعدية؛‬
‫واالستغالل الجنسي لألطفال؛ وتآكل األسرة والحياة األسرية؛ ونشوء‬
‫أجيال عديدة من األطفال بدون آباء‪:‬‬

‫العاصف َة‪ ،‬فال قِيا َم ل ُهم‪ .‬هُم‬


‫ِ‬ ‫دون‬
‫حص َ‬‫يح ويَ ُ‬
‫عون ال ِّر َ‬
‫هُم يَز َر َ‬

‫وإن أخ َرج اَب َت َل َع ُه األجن ُّ‬


‫َبي‪( .‬هوشع‬ ‫ْ‬ ‫حا‪،‬‬
‫ل ال ُيخرِج قم ً‬
‫ُسن ُب ٌ‬
‫‪)7 :8‬‬
‫‪181‬‬ ‫أنـريـد الـجـنـس في ظِ ـلِّ اللـه أم بـدونـه؟‬

‫إن عصرنا يقوم بتهويل أهمية الجنس على نحو فادح ومشين‪.‬‬
‫ومعيبة سواء‬
‫إذ يجري المبالغة التامة بمغزاه بصورة غير سليمة ُ‬
‫كان في أكشاك الجرائد والمجالت أو في الدكاكين الصغيرة أو على‬
‫رفوف السوبر ماركت والمراكز التجارية أو على مختلف الشاشات‪.‬‬
‫فلم يعد ُينظر إلى الحب بين الرجل والمرأة كشيء مقدس أو نبيل؛‬
‫فقد صار مجرد سلعة ُينظر إليها بالمعنى الحيواني كنزوة يتعذر‬
‫السيطرة عليها والبد من إشباعها‪.‬‬

‫ثم إن التثقيف الجنسي المعاصر‪ ،‬الذي صار أداة من أدوات‬


‫الثورة الجنسية‪ ،‬مسؤول إلى حد كبير عن كل هذا الفساد‪ .‬فكان من‬
‫المفترض أن يجلب لنا التثقيف الجنسي تح ّررا ومواقف مستنيرة‬
‫شريفة ومسؤولية والتزاما وسالمة وأمانا‪ .‬أليس واضحا اآلن أنه‬
‫قد فشل فشال ذريعا؟ أال نرى اآلن أن الثقافة هي ليست وقاية‬
‫مضمونة‪ ،‬وأن التثقيف الجنسي كما يد ّرس في أغلب المدارس لم‬
‫يعمل إال على زيادة الممارسات الجنسية غير الشريفة؟‬

‫يغرس التثقيف الجنسي الحقيقي‬


‫التوقير في النفوس‬
‫ليست لدى الكثيرين من اآلباء سوى معلومات قليلة – إن لم تكن‬
‫معدومة – عما يجري تعليمه ألوالدهم في فصول التثقيف الجنسي‬
‫في المدارس‪ .‬فلم يكن التثقيف الجنسي عرضا بسيطا للحقائق‬
‫البيولوجية العلمية مطلقا‪ .‬ففي الكثير من المناهج الدراسية‪ ،‬يجري‬
‫تدريس الطالب عن طريق الرسوم والصور (واألفالم أحيانا) التي‬
‫تعرض لهم ممارسات جنسية متنوعة بما في ذلك العادة السرية‪،‬‬
‫]*[‬
‫وفي مناهج أخرى تجري مناقشة شتى‬ ‫َو «الجنس اآلمن‪».‬‬

‫]*[  الجنس اآلمن هو ممارسة النشاط الجنسي بطريقة تقلل من مخاطر اإلصابة باألمراض‬
‫المنقولة جنسيا‪.‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪182‬‬

‫أنواع الشذوذ الجنسي على المكشوف ومن غير تحفظ ويجري‬


‫شرح تفاصيله‪ ،‬و ُيقدم على أساس أنه طريقة عادية للحصول على‬
‫«اإلشباع» الجنسي‪ .‬وفي بعض األقاليم التابعة لبعض المديريات‬
‫المدرسية‪ ،‬يجري تشجيع التالميذ على تقييم وإبداء التفهم لنهج‬
‫]**[‬ ‫]*[‬
‫أو «المثلية الجنسية»‪.‬‬ ‫حياة «ا ِزدواجية الميول الجنسية»‬
‫فيجري تلقين أوالدنا بأن‪ :‬الزواج من الجنس المماثل خيار مقبول‬
‫تماما يوازي الزواج من الجنس اآلخر‪ .‬بل أن بعض المدارس تسمح‬
‫باشتراك مجاميع ثنائية من تالميذ الصف (تلميذ وتلميذة معا) في‬
‫مناقشة موضوعات مثل المداعبة التمهيدية عند المجامعة الجنسية‬
‫ورعشة الجماع‪ .‬ويجري تقديم المضادات الحيوية واإلجهاض كتدبير‬
‫وقائي إيجابي في حالة فشل إجراءات منع الحمل وممارسات الجنس‬
‫اآلمن‪ .‬أما موضوع العِ ّفة ونبذ الحرام فال ُيذكر إال بشكل عابر إن لم‬
‫يتم تجاهله كليا‪ .‬وكما يكتب وزير التربية والتعليم األمريكي السابق‬
‫ِوليام بينيت ‪ William Bennett‬فيقول‪:‬‬

‫توجد فظاظة وقساوة واستخفاف وتفاهة وابتذال في زماننا‬


‫هذا‪ .‬فهناك عالمات كثيرة جدا لحضارة قد تعفنت‪ .‬ومن‬
‫أسوأ ما في األمر هو ما يتعلق بأوالدنا‪ :‬فنحن نعيش في‬
‫حضارة تبدو في أحيان كثيرة وكأنها مك ّرسة إلفساد الصغار‪،‬‬
‫‪26‬‬
‫ولضمان فقدان براءتهم قبل أوانهم‪.‬‬

‫إن التثقيف الجنسي أكثر من مسألة تدريس ممارسات الجنس‬

‫]*[  ا ِزدواجية الميول الجنسية ‪ Bisexuality‬هي توجه جنسي يميل فيها الشخص عاطفيا أو‬
‫جنسيا أو كليهما ألشخاص من جنسه ومن الجنس اآلخر أيضا‪.‬‬
‫]**[  المثلية الجنسية ‪ Homosexuality‬هي توجه جنسي يميل فيها الشخص عاطفيا أو جنسيا‬
‫أو كليهما ألشخاص من جنسه‪ .‬أي بمعنى شهوة الجنس المماثل‪ ،‬التي تسمى بالل ِواط – بين‬
‫والسحاق – بين امرأتين‪.‬‬
‫ِ‬ ‫رجلين –‬
‫‪183‬‬ ‫أنـريـد الـجـنـس في ظِ ـلِّ اللـه أم بـدونـه؟‬

‫«اآلمن‪ ».‬فقد تم تشريع هذا النوع من التثقيف الجنسي في البداية‬


‫كمحاولة الحتواء نيران الجنس لدى المراهقين؛ ولكنه – بدال من ذلك‬
‫– لم يفعل شيئا سوى تأجيج هذه النيران وزيادة سعيرها‪ 27.‬ويبدو‬
‫أن معظم الناس صاروا يسلمون بأن المراهقين سوف يع ّبرون عن‬
‫أنفسهم جنسيا حتى أنهم يقولون بأنه ينبغي أن يفعلوا ذلك‪ .‬ولكن‬
‫نقول هنا ثانية بأن النتيجة كانت ماليين حاالت اإلجهاض‪ ،‬وأعدادا‬
‫مهولة من أمهات غير متزوجات بمساندة رسمية وعلنية‪ ،‬وأوبئة‬
‫جنسية شديدة العدوى‪ .‬ومن الواضح أن الفكرة التي مفادها أن‬
‫المعرفة الجنسية التفصيلية تشجع وتعزز السلوك المسؤول لدى‬
‫األوالد‪ ،‬ما هي سوى هراء كبير‪.‬‬

‫بوجه عام‪ ،‬فالكثير مما ُيد ّرس اليوم باسم التثقيف الجنسي هو‬
‫شيء مر ّوع‪ ،‬ويجب علينا – كمسيحيين – االحتجاج عليه‪ .‬ألنه على‬
‫األغلب ليس أكثر من مجرد تدريس رسمي على عدم التوقير وعلى‬
‫الزنى وعلى التمرد على نظام هللا وترتيبه‪.‬‬

‫أما التثقيف الحقيقي عن األمور الجنسية فيحصل على أحسن‬


‫وجه بين أحد الوالدين والولد في بيئة يمألها التوقير والثقة‪ .‬غير أن‬
‫التثقيف الجنسي ألي ولد كان عن طريق صور مبهمة ومعلومات‬
‫ال شخصية فلن يؤدي إال إلى إيقاظ الحس الجنسي لديه قبل أوان‬
‫بلوغه‪ ،‬ويقوم في تفكيره بفصل الجنس عن الحب وااللتزام‪.‬‬

‫وطبعا يجب أن ال نخاف من التحدث بحرية (وبصورة منفردة)‬


‫مع أوالدنا عن األمور الجنسية‪ ،‬خصوصا وهم يقتربون من سن‬
‫المراهقة‪ .‬وإال فسوف يتعلمون عن هذه األمور من أصدقائهم أو‬
‫من اإلنترنت حيث نادرا ما يحصل ذلك في جو من التوقير‪ .‬وبالرغم‬
‫من ذلك فهناك خطر في إعطاء الولد حقائق بيولوجية زائدة عن‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪184‬‬

‫اللزوم عن الجنس‪ .‬ألن تناول موضوع الجنس بأسلوب التط ُّرق إلى‬
‫الحقائق البيولوجية غالبا ما يسرق منه الس ّر اإللهي المقدس‪.‬‬

‫إن التثقيف الجنسي الصحيح‪ ،‬بالنسبة إلى أي والد مسيحي‬


‫أو والدة مسيحية‪ ،‬يعني توجيه الضمير الجنسي لدى أبناءه أو‬
‫ليحسوا بكرامتهم الشخصية وبكرامة اآلخرين‪ .‬ويعني‬
‫ّ‬ ‫بناتها‬
‫مساعدتهم على أن يفهموا أن المتعة األنانية‪ ،‬سواء كانت تسبب‬
‫«األذى» لشخص آخر أو لم تسببه‪ ،‬هي أمر مناقض للمحبة‪ ،‬مثلما‬
‫يوصينا اإلنجيل‪:‬‬

‫فأنتُم‪ ،‬يا إخ َوتي‪ ،‬دَعاك ُُم هللاُ لتَكونوا أحرا ًرا‪ ،‬ولك ْ‬
‫ِن ال تَ َ‬
‫جعلوا‬
‫ل اخدُموا بَ ُ‬
‫عضكُم‬ ‫الجسدِ‪ ،‬بَ ِ‬
‫َ‬ ‫وات‬
‫ش َه ِ‬ ‫ج ًة إلرضا ِء َ‬ ‫ح ِّريَّ َة ُ‬
‫ح َّ‬ ‫ه ِذ ِه ال ُ‬
‫المح َّبةِ‪( .‬غالطية ‪)13 :5‬‬ ‫بَ ً‬
‫عضا ب ِ َ‬

‫ثم إن التثقيف الجنسي الصحيح يعني تعليم األوالد أنه في حالة‬


‫االنفصال عن هللا‪ ،‬فإن المجامعة الجنسية أو أي نشاط جنسي آخر‬
‫فسدان العالقات‬
‫ُيشكّالن عبئا ثقيال على الضمير بسبب اآلثام و ُي ِ‬
‫الصادقة‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن التثقيف الجنسي الصحيح يعني‬
‫أيضا فتح أعين األوالد على الدور الذي يلعبه الفراغ الروحي أو عدم‬
‫اإليمان في ج ّر الناس إلى الفحشاء – الذي بمقدوره أن يج ّر األوالد هم‬
‫أيضا إلى الفحشاء‪.‬‬

‫ويمكن للولد أن يكتسب موقفا سليما نحو جسده ونحو الجنس‬


‫بطريقة طبيعية جدا؛ وذلك بمجرد تعليمه بأن جسده مقدس ألنه‬
‫هيكل للروح القدس‪ ،‬وأن أي تدنيس لهذا الجسد ُيعد خطيئة‪ .‬كما‬
‫يب ّين لنا اإلنجيل‪:‬‬
‫‪185‬‬ ‫أنـريـد الـجـنـس في ظِ ـلِّ اللـه أم بـدونـه؟‬

‫وح ال ُق ُد ِس الّذي‬
‫َل ال ُّر ِ‬
‫ي هَيك ُ‬ ‫أن أجسا َدكُم هِ َ‬ ‫فون َّ‬‫أال تَعر ِ َ‬
‫سكُم‪ ،‬بَ ْل للهِ‪ 1( .‬كورنثوس‬ ‫ن هللا؟ َفما أنتُم ألن ُف ِ‬‫فيكُم هِ َب ًة مِ َ‬
‫‪)19 :6‬‬

‫علي وأنا شاب‬


‫ّ‬ ‫ولن أنسى أبدا االنطباع العميق الذي خلّفه والدي‬
‫مراهق عندما أخذني في نزهة معه‪ ،‬وأخبرني عن الصراع الروحي من‬
‫أجل حياة عفيفة‪ ،‬وأخبرني أيضا عن أهمية أن أحفظ نفسي عفيفا‬
‫من أجل المرأة التي قد تكون من نصيبي في يوم من األيام ألتزوجها‪.‬‬
‫لقد قال لي‪« :‬لو قدرت أن تعيش اآلن حياة نقية وعفيفة‪ ،‬فسوف‬
‫يسهل األمر معك أكثر فأكثر في بقية أيام حياتك‪ .‬ولكن لو استسلمت‬
‫اآلن للنجاسة الجنسية في حياتك الشخصية‪ ،‬فسوف تصعب عليك‬
‫مقاومة تجارب إبليس الجنسية أكثر فأكثر حتى من بعد أن تتزوج‪».‬‬

‫ويجب أن يتذكر اآلباء الذين يريدون أن يصونوا أوالدهم من‬


‫الوقوع في النجاسة الجنسية‪ ،‬أن تدريب األوالد وتعويدهم على العمل‬
‫واالنضباط فيه – سواء كان من خالل المساعدة في األعمال المنزلية‬
‫أو من خالل التدريب الرياضي أو من خالل أي نشاط آخر – هو من‬
‫أفضل الضمانات في هذا الشأن‪ ،‬ألنه ير ّوض النفس والجسد‪ .‬واألوالد‬
‫الذين جرى تعليمهم على إلزام نفسهم بإنجاز عمل معين وعدم‬
‫تركه حتى إتمامه‪ ،‬سوف يكونون مسلحين بشكل أفضل للتعامل‬
‫مع التجارب الجنسية بالمقارنة مع األوالد الذين عاشوا في تدليل‬
‫زائد وتم تقديم كل ضروب التسلية لهم وتحقيق كل الرغبات لهم‪.‬‬

‫يبترنا أي تدنيس للجنس عن إنساننا الداخلي العفيف‪،‬‬


‫وبعضنا عن بعض‬
‫ّ‬
‫يستخف الشباب بقدرة القوة الشيطانية التي يسمحون لها‬
‫بالدخول إلى حياتهم عندما يسلمون أنفسهم للنجاسة الجنسية‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪186‬‬

‫خ ْذ مثال العادة السرية أو ما تسمى االستمناء باليد‪.‬‬


‫بشتى أنواعها‪ .‬ف ُ‬
‫فحين ينمو األطفال ويكبرون إلى فتيان وفتيات تزداد شهوتهم‬
‫الجنسية‪ ،‬وأول ما تدفعهم شهوتهم في طلب اإلشباع الجنسي يكون‬
‫غالبا عن طريق ممارسة العادة السرية‪ .‬وفي أيامنا هذه يتزايد عدد‬
‫اآلباء والتربويين والقساوسة الذين يزعمون بأن العادة السرية أمر‬
‫طبيعي وجيد للصحة؛ وفي نظر الكثيرين فما هي سوى أسلوب من‬
‫أساليب التخفيف عن التوتر‪ .‬بل إن التخيالت الجنسية في الفكر‬
‫التي غالبا ما تفرزها ممارسة العادة السرية باإلضافة إلى االقتراف‬
‫الفعلي للممارسات الجنسية‪ ،‬حتى لو كانت لدى األطفال الذين‬
‫شارفوا على الدخول في سن البلوغ‪ ،‬يعتبره الكثيرون أمرا عاديا‪.‬‬

‫لماذا نخاف كثيرا نحن اآلباء والتربويين من قول الحقيقة –‬


‫ونخاف من تحذير أوالدنا ليس من مخاطر ارتكاب الفجور فحسب‬
‫بل أيضا من العادة السرية؟ (ا ِقرأ سفر األمثال الفصل الخامس)‪.‬‬
‫أليس كالهما من األمراض الروحية؟ أال ُيدنِسا كالهما صورة هللا‬
‫ويتنكران لها‪ ،‬ويضعفان أواصر الزواج أيضا؟ إن العادة السرية ال‬
‫يمكن لها أن تؤدي إلى إشباع حقيقي أبدا‪ .‬وهي عمل انفرادي‪.‬‬
‫فهي إثارة ذاتية‪ ،‬وإرضاء ذاتي‪ ،‬وانتقاص ذاتي من كرامة اإلنسان –‬
‫وهي تغلق علينا في عالم األحالم‪ ،‬وتفصلنا عن العالقات الصادقة‪.‬‬
‫وعندما يجري اإلدمان عليها (وغالبا ما يحدث هذا) يزداد ميل‬
‫اإلنسان إلى االنعزال واالنفراد بنفسه‪ ،‬وتستفحل عنده أيضا مشاعر‬
‫عدم الجدوى واالستياء النفسي‪ .‬وهي في أسوأ حاالتها تشابه الزنى‬
‫والخيانة الزوجية باعتبارها خرق وهتك لحرمة رباط الوحدة الزوجية‬
‫ُ‬
‫قمت‬ ‫والحب الزوجي الشريف الذي ُ‬
‫خلق الجنس من أجله‪ .‬وقد‬
‫المستع َبدين للعادة‬
‫بعمل خدمة المشورة لكثير من الشباب ُ‬
‫السرية‪ :‬وكانوا يتمنون ح ّقا التح ّرر من هذه العادة‪ ،‬ولكنهم كانوا‬
‫‪187‬‬ ‫أنـريـد الـجـنـس في ظِ ـلِّ اللـه أم بـدونـه؟‬

‫يقعون فيها المرة تلو األخرى‪.‬‬

‫إن الشخص الذي يصارع في العادة السرية يخجل غالبا من‬


‫الحديث عنها مع أي شخص آخر‪ .‬ولكن من المهم أن ندرك أنه‬
‫المخجلة تحصل في السر فإن شوكتها ال يمكن‬
‫عندما كانت األعمال ُ‬
‫أن تنكسر إال عندما تظهر إلى النور‪ .‬وبالتأكيد‪ ،‬فإن مصارحة مرشد‬
‫اجتماعي أو قسيس بأعباء اإلنسان الروحية وبمشاعره الداخلية قد‬
‫تكون أمرا مؤلما للمرء‪ ،‬ولكن هذا هو المالذ الوحيد ألي إنسان يريد‬
‫التحرر منها حقا‪.‬‬

‫وقد يصارع الناس ممارسة العادة السرية حتى نهاية حياتهم‪.‬‬


‫أسديت المشورة االجتماعية ألشخاص في الثمانينيات من‬
‫ُ‬ ‫فقد‬
‫عمرهم ولم يتحرروا بعد من هذه العادة‪ .‬والسؤال الذي يطرح نفسه‬
‫هو‪ :‬هل هناك أي شيء يمكن عمله للتخلص من هذه اللعنة؟ أما‬
‫نصيحتي للمستعبدين لها فهي استلهام القوة بالصالة‪ .‬فال يمكنك‬
‫قهر إدمانك هذا بقوة إرادتك البشرية وحدها‪ .‬ولذلك‪ ،‬وقبل أن تنام‬
‫روحي وإيماني‪.‬‬
‫ّ‬ ‫جه بأفكارك إلى هللا‪ ،‬واقرأ شيئا ذا محتوى‬
‫في الليل‪ ،‬تو ّ‬
‫وقد تثور التجربة لممارسة هذه العادة حتى لو كنت في سريرك‪ .‬فإذا‬
‫حدث ذلك‪ ،‬فاألجدر بك أن تجد شيئا ينزع ذهنك عنها – فأترك‬
‫فراشك وأخرج إلى نزهة مثال أو ُق ْم ببعض األعمال المنزلية‪ .‬فغالبا‬
‫ما يمدك أي عمل بدني طفيف بأفضل سبيل للتغلب على هذه‬
‫التجارب القوية‪.‬‬

‫وكثيرا ما يكون االستعباد للعادة السرية مرتبطا بشكل آخر من‬


‫أشكال العبودية‪ ،‬وهي الصور الخليعة‪ .‬وال يق ّر سوى قلّة من الناس‬
‫بإدمانهم على مشاهدة هذه الصور‪ ،‬غير أن الحقائق التي تشير إلى‬
‫النمو المتزايد لهذه الصناعة التي تد ّر بباليين الدوالرات ترينا مدى‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪188‬‬

‫سعة انتشارها حتى بين «المسيحيين‪».‬‬

‫ويزعم الكثيرون أن هذه الصور اإلباحية ينبغي أن ال ُتج َّرم‬


‫قانونيا؛ ألنها «ال ضحايا لها» أي بمعنى أنها ليس لها ضحايا تسيء‬
‫جع النجاسة الجنسية عند المرء‪،‬‬
‫إليهم أو تؤذيهم‪ .‬إال أن أي شيء يش ّ‬
‫حتى لو كان في صيغة اإلثارة الجنسية االنفرادية بينه وبين نفسه‪،‬‬
‫يحط من قدر الجسد البشري‪ ،‬ذلك الجسد المخلوق‬
‫فهو جريمة؛ ألنه ّ‬
‫على صورة هللا كهيكل لروح اإلنسان‪ .‬فيقول اإلنجيل‪:‬‬

‫وح ال ُق ُد ِس الّذي‬
‫َل ال ُّر ِ‬
‫ي هَيك ُ‬ ‫أن أجسا َدكُم هِ َ‬ ‫فون َّ‬‫أال تَعر ِ َ‬
‫سكُم‪ ،‬بَ ْل للهِ‪ 1( .‬كورنثوس‬ ‫ن هللا؟ َفما أنتُم ألن ُف ِ‬‫فيكُم هِ َب ًة مِ َ‬
‫‪)19 :6‬‬

‫وما ُيسمى بالخطوط الفاصلة التي عادة ما يضعها الناس للتفريق‬


‫وللتمييز فيما بين مختلف الممارسات الجنسية لتصنيفها وجعل‬
‫قسم منها بريء والقسم اآلخر شنيع‪ ،‬مثل المواد والمجالت‬
‫اإلباحية والعادة السرية والنكاح لليلة واحدة فقط والبغاء‪ ،‬فإن مثل‬
‫هذا التصنيف ما هو سوى وهم خادع‪ .‬ألن جميع هذه الممارسات‬
‫ُتستخدم كوسيلة لإلشباع الجنسي بدون «عبء» االرتباط وااللتزام‪.‬‬
‫تحط من قدر س ّر الجنس وتصل به إلى مجرد أسلوب إلشباع‬
‫ّ‬ ‫وكلها‬
‫الشهوة‪ .‬وجميعها أفعال ُمخزية – ألن المنغمسين فيها يمارسونها‬
‫بالخفية‪ ،‬وهذا وحده يفضح ما يزعمونه تفريقا أش ّد فضحا وأكثر من‬
‫أي شيء آخر‪ .‬فين ّبهنا اإلنجيل‪:‬‬

‫الظالمِ ونَحمِ ْل‬ ‫أعمال َّ‬‫َ‬ ‫ب النَّها ُر‪ .‬ف ْلن َْط َر ْح‬ ‫تَناهى الَّ ُ‬
‫ليل واق َت َر َ‬
‫لوك في النَّهارِ‪ :‬ال َعربَ َد َة وال‬
‫الس ُ‬ ‫ليق ُّ‬ ‫الح النّورِ‪ .‬لِنَس ُلك كما يَ ُ‬‫ِس َ‬
‫حسدَ‪( .‬رومة ‪:13‬‬ ‫ُسك َر‪ ،‬وال ُفجو َر وال َف َ‬
‫حش‪ ،‬وال خِصا َم وال َ‬
‫‪)13–12‬‬
‫‪189‬‬ ‫أنـريـد الـجـنـس في ظِ ـلِّ اللـه أم بـدونـه؟‬

‫باستطاعة الصالة واالعتراف بالخطايا تحريرنا‬


‫من أعباء الفحشاء والزنى‬
‫ال يستطيع أحد أن يح ّرر نفسه من خطيئة الفحشاء والزنى أو من‬
‫أي خطيئة أخرى بقوته البشرية‪ .‬إذ يأتي التح ُّرر بفضل موقف الفقر‬
‫الروحي لإلنسان‪ ،‬وبفضل اال ِلتجاء الدائم إلى هللا‪ .‬ثم إن الصراع‬
‫الروحي ضد تجارب إبليس موجودة في داخل كل إنسان وستبقى‬
‫موجودة دائما‪ ،‬ولكن يمكن التغلب على الخطيئة عن طريق الصالة‬
‫واالعتراف بالخطايا‪.‬‬

‫وعندما نتهاون ونتخاذل في صراعنا من أجل حياة النقاوة‬


‫والعفاف – وعندما نسمح لألهواء والشهوات أن تتغلب علينا –‬
‫فسوف نع ّرض أنفسنا كل ّيا إلى الضياع‪ .‬فال نستطيع عندئذ طرد‬
‫األرواح الشريرة التي سمحنا لها بالدخول‪ ،‬لذلك سوف نحتاج إلى‬
‫خل السيد المسيح نفسه لكي يحررنا‪ .‬فبدون تد ُّ‬
‫خله‪ ،‬لن يكون‬ ‫تد ُّ‬
‫هناك سوى ترسيخ فقدان األمل واليأس‪.‬‬

‫في معظم األمثلة المتطرفة نجد أن اليأس الذي تسببه حياة‬


‫سريّة من الفحشاء ينتهي باالنتحار‪ .‬وما االنتحار سوى تمرد على‬
‫ُ‬
‫فقدت األمل – ألن مشاكلي كبيرة جدا‬ ‫هللا‪ ،‬وكأنه بيان يقول‪« :‬لقد‬
‫حتى أن هللا نفسه غير قادر على التعامل معها‪ ».‬إذ ينكر االنتحار أن‬
‫نعمة هللا أعظم من ضعفنا‪ .‬فلو وجدنا أنفسنا في هاوية اليأس‪ ،‬فإن‬
‫الحل الوحيد هو أن نسعى إلى هللا ونسأله عطفه ورحمته‪ .‬وحتى‬
‫ّ‬
‫عندما ينفد صبرنا ونصل إلى ح ّد اليأس‪ ،‬فلنعلم بأن هللا – أبانا‬
‫السماوي – ب ِ ُودِّه أن يهبنا أمال جديدا وشجاعة‪ ،‬مهما كان إحساسنا‬
‫بعصيانه كبيرا‪ .‬فالله مستعد دائما ألن يغفر كل خطيئة عندنا‪ ،‬كما‬
‫يشهد عن ذلك القديس يوحنا الرسول في اإلنجيل‪:‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪190‬‬

‫ل‪ ،‬يَغ ِف ُر َلنا خطايانا‬ ‫خطايانا َفه َو أمي ٌ‬


‫ن وعا ِد ٌ‬ ‫أما إذا اع َت َرفنا ب ِ َ‬
‫َّ‬
‫ُل َ‬
‫ش ٍّر‪ 1( .‬يوحنا ‪)9 :1‬‬ ‫و ُي َط ِّه ُرنا مِ ْن ك ِّ‬

‫فال نحتاج إال أن نكون متواضعين جدا لنطلب منه ذلك‪ .‬وعندما‬
‫يؤخذ أحد األشخاص بفكرة االنتحار‪ ،‬فإن أهم شيء يمكننا أن‬
‫نفعله هو أن نُظهر له المحبة – وأن نذكِّره بأن كل واحد منا قد‬
‫خلقه هللا وبأنه مخلوق لكي يحيا في سبيل هللا‪ ،‬وبأن كل واحد منا‬
‫لديه هدف إلنجازه‪.‬‬

‫عندما نتوب عن حياة الخطيئة وندرك بأننا مخلوقون لنحيا في‬


‫سبيل هللا‪ ،‬فما أحالها من تجربة يختبرها اإلنسان شخصيا وكأنه‬
‫وجد كنزا دفينا يتن ّور به تفكيره وتتوسع مداركه فضال عن فرحة‬
‫الروح والفؤاد التي ال توصف‪ .‬ولو أخذنا نعيش بأمانة أمام أنظار هللا‬
‫في خالل حياتنا هنا على األرض‪ ،‬فسوف ندرك عظمة مهمتنا الرائعة‪،‬‬
‫وهذه المهمة هي قبول محبة هللا وإشاعتها في الناس اآلخرين‪ .‬فال‬
‫توجد دعوة إلهية أروع من هذه الدعوة‪.‬‬
‫الفصل السادس عشر‬

‫ماذا عن المثلية الجنسية؟‬

‫ب‪َ .‬فسيروا‬ ‫باألمس كُنتُم َظ ً‬


‫الما‪ ،‬وأنت ُُم اليو َم نُور ٌ في ال َّر ِّ‬ ‫ِ‬
‫الح وتَقوى‬ ‫يكون في ك ِّ‬
‫ُل َص ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ِسي َر َة أبنا ِء النُّورِ‪ ،‬ف َث َم ُر النُّور ِ‬
‫أعمال‬
‫ِ‬ ‫ب‪ ،‬وال ُتشاركوا في‬‫ح ٍّق‪ .‬فت ََعلَّموا ما ُيرضي ال َّر َّ‬ ‫و َ‬
‫كشفوها‪َ .‬فما يَ َ‬
‫عملونَ ُه في‬ ‫أن تَ ِ‬ ‫الظالمِ الباطِ َلةِ‪ ،‬بَ ْل األَولى ْ‬
‫َّ‬
‫ل حتّى مِ ْن ذِكرِهِ‪.‬‬ ‫الخِف َي ِة نَخ َ‬
‫ج ُ‬

‫أفسس ‪12 – 8 :5‬‬

‫وفي عام ‪1995‬م‪ ،‬أوصت هيئة من‬


‫قبل عدة سنوات‪،‬‬
‫ّ‬
‫بالتخلي‬ ‫المستشارين في كنيسة إنكلترا‬
‫عن عبارة «يعيشون في خطيئة‪ »،‬أما بالنسبة إلى الشركاء غير‬
‫المتزوجين الذين يعيشون في عالقة معاشرة‪ ،‬سواء كانوا في‬
‫]*[‬
‫فأوصت تلك اللجنة بتقديم «التشجيع‬ ‫عالقة مغايرة أو مثلية‪،‬‬
‫والدعم» إليهم على أسلوب حياتهم‪ ،‬وأن يكون هناك المزيد من‬
‫االستعدادات للترحيب بهم في األبرشيات األنكليكانية (أي الكنائس‬
‫اإلنكليزية الرسمية في إنكلترا وخارجها)‪ .‬وقد افترضت هذه اللجنة‬
‫أن «عالقات وممارسات المثلية الجنسية التي فيها محبة» ال‬

‫]*[  المغايرة الجنسية – أو الجنس الغيري – هي ممارسة الجنس مع الجنس المغاير‪ ،‬أي بين‬
‫رجل وامرأة‪ ،‬والمثلية الجنسية – أو الجنس المثلي – هي بين رجلين أو بين امرأتين أي بمعنى‬
‫والسحاق‪.‬‬
‫ِ‬ ‫اللِّواط‬

‫‪191‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪192‬‬

‫تقل قيمة في جوهرها عن المغايرة الجنسية‪ ،‬لذلك اقترحت هيئة‬


‫‪28‬‬
‫المستشارين أن ُيسمح بالتعبير عن الحب «بعالقات متنوعة‪».‬‬
‫إال أن هذه األخبار د ّقت ناقوس الخطر عند معظم المسيحيين‬
‫آنذاك وشعروا بالجزع‪ .‬أما في يومنا الحالي فلم يعد بيانا كهذا أمرا‬
‫مستغربا؛ فالعشرات من الطوائف قد أكدت أفكارا مشابهة‪ ،‬ثم إن‬
‫أولئك الذين ال يتفقون مع هذا الشيء يترددون في التكلم جهرا‪ .‬فقد‬
‫جرى باسم «التسامح» وباسم «االنفتاح» استبدال رسالة إنجيلية‬
‫كاذبة بتعاليم السيد المسيح‪ ،‬حيث أخذ هذا التعليم الكاذب يَدّعي‬
‫ويص ّر على أن السلوك الخاطئ أمر طبيعي‪ ،‬حتى أن هللا يباركه‪.‬‬

‫إن ما ُيسمى «الزواج» المثلي كان مجرد فكرة هامشية بعيدة‬


‫عن التيار الرئيسي في زمان التقرير الذي قدّمته الهيئة االستشارية‬
‫لكنيسة إنكلترا‪ .‬أما اليوم‪ ،‬فإن الذي يدعم مثل هذا الزواج فهو‬
‫القانون في معظم دول العالم الغربي وخارجه‪ .‬ويخشى الكثير من‬
‫رجال السياسة ونفر متزايد من رجال الدين والناس العاديون من‬
‫قول أي شيء ضد مثل هذه الحركة المتفاقمة‪ ،‬خوفا من أن يفقدوا‬
‫أصدقاءهم أو مناصبهم‪ .‬وال يوجد سوى قليل من الناس َم ْن يجرؤ‬
‫على الوقوف للمعارضة ليقول «كفى!» ولكن بإنكارهم لتعريف‬
‫الزواج بأنه عهد بين رجل واحد وامرأة واحدة‪ ،‬فهم ال يشككون‬
‫في األسرة برمتها كمؤسسة اجتماعية فحسب بل أيضا يتنكرون‬
‫بصراحة لترتيب هللا للخليقة‪ .‬فهم يرسلون إلى أوالدنا رسالة باطلة‬
‫مفادها أن‪ :‬كل خيارات الزواج صحيحة مادام لدى الشريكين مشاعر‬
‫الحب أحدهما لآلخر‪ ،‬أما االلتزام المؤبد بشريك من الجنس المغاير‬
‫فهو مجرد خيار واحد من بين خيارات كثيرة‪.‬‬

‫ّ‬
‫بالحق اإللهي‬ ‫ومن الواجب علينا باألحرى نحن الذين نؤمن‬
‫‪193‬‬ ‫مـاذا عن الـمـثـلـيـة الـجـنـسـيـة؟‬

‫الثابت الذي ال يتغ ّير أن ال نخاف من أن نشهد لنظامه الرائع للحياة‬


‫نجسد جمال حياة العفاف‬
‫ّ‬ ‫الجنسية لإلنسان‪ ،‬وأن ال نخاف من أن‬
‫وحريتها على أرض الواقع‪.‬‬

‫يجب أن نحب جميع الناس‪ ،‬ولهذا يجب أيضا‬


‫أن نتكلم جهرا ضد الخطيئة‬
‫ويقصر يوميا في العمل بوصايا هللا‬
‫ِّ‬ ‫كل واحد منا نحن البشر خاطئ‬
‫كما يجب‪ .‬وخطايا ممارسات المثلية الجنسية ليست أسوأ من‬
‫غيرها من الخطايا‪ ،‬ونعلم من اإلنجيل بأنه ال يوجد أي ذنب ال يمكن‬
‫غفرانه أو ال يمكن شفاءه مهما كان فظيعا‪:‬‬

‫عين‬
‫سدِنا تاب ِ َ‬‫ج َ‬‫وات َ‬
‫ش َه ِ‬ ‫عيش في َ‬‫حن كُلُّنا مِ ْن هَؤال ِء نَ ُ‬‫وكُنَّا نَ ُ‬
‫ب كَسائِر ِ‬ ‫بيعتِنا أبنا َء َ‬
‫الغ َض ِ‬ ‫َر َغباتِ ِه وأهوا َء ُه‪ ،‬ولذل َ‬
‫ِك كُنَّا ب ِ َط َ‬
‫مع‬
‫ِق َمح َّب ِت ِه لنا أحيانا َ‬
‫حم ِت ِه وفائ ِ‬
‫واس ِع َر َ‬
‫ِن هللاَ ب ِ ِ‬ ‫َ‬
‫البشرِ‪ .‬ولك َّ‬
‫الخالص‪.‬‬
‫َ‬ ‫سيح بَعدَما كُنّا أمواتًا ب ِ َزالّتِنا‪ .‬ف ِبن َ‬
‫ِعم ِة هللا نِلت ُُم‬ ‫ِ‬ ‫الم‬
‫َ‬
‫(أفسس ‪)5–3 :2‬‬

‫وال يجوز إساءة معاملة المثليين أو إدانة الممارسة المثلية بصورة‬


‫وحشية أكثر من أي شخص خاطئ آخر‪ ،‬فإن مثل هذا التعامل أمر‬
‫باطل‪ .‬حتى أن النظر إلى الرجل المثلي أو إلى المرأة المثلية بنظرة‬
‫إدانة واحتقار‪ُ ،‬تعد خطيئة بحد ذاتها‪.‬‬

‫إال أن المدافعين عن الحقوق المثلية أخذوا يسخرون من‬


‫أحب الخاطئ‪ »،‬غير أن هذا القول يع ّبر‬
‫ّ‬ ‫القول‪« :‬ا ِكره الخطيئة ولكن‬
‫في الواقع عن الحقيقة الجوهرية لإلنجيل الذي يسري على جميع‬
‫الناس‪ ،‬وليس فقط على الذين يصارعون توجهاتهم المثلية‪ .‬لقد جاء‬
‫يسوع المسيح ليحررنا جميعنا من قيود الخطيئة‪ .‬وعلى الرغم من‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪194‬‬

‫أنه يقبل كل منا‪ ،‬إال أنه يحبنا كثيرا جدا لدرجة أنه ال يسمح ببقائنا‬
‫حى‬
‫كما نحن عليه‪ .‬فهو يكره الش ّر الذي يستعبدنا‪ ،‬حتى أنه ض ّ‬
‫بحياته ليخلِّصنا منه‪.‬‬

‫تأييد المثلية الجنسية معناه‬


‫إنكار لقصد هللا بشأن موضوع اإلنجاب‬
‫إن سلوك المثلية الجنسية خطيئة‪ .‬ألنه «ضد الطبيعة‪ »،‬وضد ما‬
‫خططه هللا بشأن موضوع اإلنجاب‪ ،‬بل هو شكل من أشكال عبادة‬
‫الذات وعبادة األوثان‪ ،‬كما يقول اإلنجيل‪:‬‬

‫وات الدَّني َئةِ‪ ،‬فاس َت ْب َد َل ْ‬


‫ت نِسا ُؤهُم‬ ‫ولِهذا أس َل َم ُه ُم هللاُ إلى َّ‬
‫الش َه ِ‬
‫بيعي‪( .‬رومة ‪)26 :1‬‬
‫ِّ‬ ‫صال َغي َر َّ‬
‫الط‬ ‫َ‬ ‫بيعي ال ِو‬
‫ِّ‬ ‫الط‬
‫صال َ‬
‫ِ‬ ‫بال ِو‬

‫ولكونها ممارسة جنسية بين اثنين من الجنس نفسه‪ ،‬فهي ذات‬


‫جعة» التي كانت لقوم لوط في مدينتي سدوم‬
‫المف ِ‬
‫«الخطيئة ُ‬
‫وعمورة‪ ،‬فيخبرنا الكتاب المقدس بهذا كما يلي‪:‬‬

‫جالسا‬
‫ً‬ ‫وكان ُل َ‬
‫وط‬ ‫َ‬ ‫روب‬
‫الغ ِ‬ ‫الكان إلى سدو َم عِ ن َد ُ‬
‫ِ‬ ‫الم‬
‫َ‬ ‫فجا َء‬
‫المدينةِ‪ ،‬فلَّما رآهُما قا َم لِلقائ ِِهما وسج َد ب ِ ِ‬
‫وجه ِه إلى‬ ‫باب‬
‫بِ ِ‬
‫يت عب ِدكُما وبِيتَا وا َ ْغ ِ‬
‫سال‬ ‫دي‪ ،‬ميال إلى بَ ِ‬
‫وقال‪« :‬يا س ّي َ‬
‫َ‬ ‫األرض‬
‫ِفان َس َف َركُما‪ ».‬فقاال‪« :‬ال‪ ،‬بل‬
‫باح باك ًرا تَستأن ِ‬ ‫أرج َلكُما‪ ،‬وفي َّ‬
‫الص ِ‬
‫يهما كثي ًرا حتى ماال إليه ودَخال‬ ‫ح ع َل ِ‬
‫بيت‪ ».‬فأ َل َ‬
‫ح ِة نَ ُ‬ ‫في َّ‬
‫السا َ‬
‫أن يناما‬ ‫ل ل ُهما وليم ًة وخب َز فطي ًرا فأكال‪ .‬و َق َ‬
‫بل ْ‬ ‫فعمِ َ‬‫بَيتَه‪َ ،‬‬
‫يت مِ ْن‬ ‫جميعا‪ُ ،‬ش َّبانًا ُ‬
‫وشيوخا‪ ،‬وأحاطوا بال َب ِ‬ ‫ً‬ ‫جال سدو َم‬
‫جا َء ر ِ ُ‬
‫جالن اللَّ ِ‬
‫ذان دَخال‬ ‫ِ‬ ‫«أين ال َّر‬
‫َ‬ ‫ُل جهةٍ‪ ،‬فنادوا ُل ً‬
‫وطا وقالوا لهُ‪:‬‬ ‫ك ِّ‬
‫إليهم‬
‫ضاجع ُهما‪ ».‬فخرج ِ‬ ‫َ‬ ‫َك اللَّيل َة؟ أخرِج ُهما إلينا حتى نُ‬
‫بَيت َ‬
‫تفعلوا ُسو ًءا يا إخوتي‪ .‬لي‬
‫وقال‪« :‬ال َ‬
‫َ‬ ‫الباب ورا َءه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وأغلق‬ ‫ُل َ‬
‫وط‬
‫‪195‬‬ ‫مـاذا عن الـمـثـلـيـة الـجـنـسـيـة؟‬

‫ضاجعتا َرجالً‪ ،‬أُخرِجهما إليكُم فا َ َ‬


‫فعلوا بهما ما يحلو‬ ‫َ‬ ‫نتان ما‬
‫بِ ِ‬
‫جالن فال تفعلوا بهما شيئًا‪ ،‬ألنَّهما في ِ‬
‫ضيافتي‪».‬‬ ‫ِ‬ ‫وأما ال َّر‬
‫لكُم‪َّ .‬‬
‫ُقيم بَينَنا‬
‫الغريب لِت َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫جئت أيُّها‬ ‫فقالوا َلهُ‪« :‬اَبتَعِ دْ مِ ْن هُنا!‬
‫ل ب ِ ِهما‪ ».‬ودفعوا‬ ‫ك أسوأ َ مِ ّما َ‬
‫نفع ُ‬ ‫ل بِ َ‬
‫نفع ُ‬
‫اآلن َ‬
‫وتتحك ََّم فينا‪َ .‬‬
‫جالن‬
‫ِ‬ ‫فم َد ال َّر‬
‫كس ُروه‪َ .‬‬
‫الباب لِ َي ِ‬
‫ِ‬ ‫وطا إلى الورا ِء وتقدَّموا إلى‬ ‫ُل ً‬
‫الذين‬
‫َ‬ ‫جال‬
‫وأما ال ِّر ُ‬
‫الباب‪َّ .‬‬
‫َ‬ ‫يت وأغلقا‬ ‫أيديَهما وج َذبا ُل ً‬
‫وطا إلى ال َب ِ‬
‫بالع َمى‪ ،‬مِ ْن صغيرِهِ م إلى‬
‫جالن َ‬
‫ِ‬ ‫يت فضربَ ُه ُم ال َّر‬
‫باب ال َب ِ‬
‫على ِ‬
‫الباب‪.‬‬
‫َ‬ ‫كبيرِهِ م‪ ،‬فعج ُزوا َع ْن ْ‬
‫أن يَجدوا‬

‫لك‬
‫كان َ‬
‫َ‬ ‫إن‬ ‫لك ً‬
‫أيضا هُنا؟ ْ‬ ‫«م ْن َ‬ ‫جالن ل ُل ٍ‬
‫وط‪َ :‬‬ ‫ِ‬ ‫وقال ال َّر‬
‫َ‬
‫آخرون في ه ِذ ِه المدينةِ‪ ،‬فأخرِج ُهم‬
‫َ‬ ‫نون وبَ ٌ‬
‫نات وأقربا ُء‬ ‫أصهار ٌ وبَ َ‬
‫ألن َّ‬
‫الشكوى على أهل ِه َ‬
‫بلغت‬ ‫المكان َسنُهلِكُه‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫مِ نها‪ .‬فهذا‬
‫ب فأرس َلنا لِنُهلِكَ ُهم‪».‬‬
‫سامع ال ّر ِّ‬
‫َ‬ ‫َم‬

‫الخاطبين بِنتَيهِ‪ُ « :‬ق َ‬


‫وما اَخ ُرجا‬ ‫ِ‬ ‫وقال لِصه َري ِه‬
‫َ‬ ‫فخرج ُل َ‬
‫وط‬
‫فكان ك ََم ْن يَم َز ُح في‬
‫َ‬ ‫ِك المدين َة‪».‬‬
‫ب َس ُيهل ُ‬ ‫ألن ال ّر َ‬
‫مِ ْن هُنا‪َّ ،‬‬
‫يستعجالن ُل ً‬
‫وطا‬ ‫ِ‬ ‫المالكان‬
‫ِ‬ ‫فلما ط َل َع ال َفج ُر َ‬
‫كان‬ ‫صه َريهِ‪َّ .‬‬ ‫َ‬
‫نظر ِ ِ‬
‫َتين هُنا‪ ،‬لِئال َ‬
‫َيك الموجود ِ‬ ‫ويقوالن لهُ‪ُ « :‬ق ْم خ ِذ اَمرأتَ َ‬
‫ك واَبنت َ‬ ‫ِ‬
‫جالن‬
‫ِ‬ ‫ك ال َّر‬
‫أمس َ‬ ‫فلما تباطأ ُل َ‬
‫وط َ‬ ‫مع المدين ِة عِ قابًا لها‪َّ ».‬‬‫تَه َلكُوا َ‬
‫ب ع َليهِ‪ ،‬وأخ َرجا ُه مِ َ‬
‫ن‬ ‫بيد ِه وبي ِد اَمرأت ِه واَبنتَيهِ‪ ،‬لشفق ِة ال ّر ِّ‬
‫ُناك‪.‬‬
‫المدين ِة وتركا ُه ه َ‬

‫قال َله أح ُدهُما‪« :‬أ ُ ْنج‬


‫َ‬ ‫ن المدين ِة‬
‫وبَينَما هُما ُيخرجانِ ِه مِ َ‬
‫ب‬ ‫ل كُلِّهِ‪ ،‬واَه ُر ْ‬ ‫ِك وال تَق ِْف في َّ‬
‫الس ْه ِ‬ ‫ك‪ .‬ال تَل َتف ْ‬
‫ِت إلى ورائ َ‬ ‫س َ‬ ‫ْ‬
‫بنف ِ‬
‫ضاك‬
‫َ‬ ‫ت رِ‬‫وط‪« :‬ال يا س ّيدي‪ .‬نِ ْل ُ‬‫فقال ُل ٌ‬
‫َ‬ ‫ِك»‬‫الجبل لِئال َ تَهل َ‬
‫ِ‬ ‫إلى‬
‫ب‬ ‫أن أه ُر َ‬‫فأنقذت حياتي‪ .‬ولكني ال أق ِد ُر ْ‬
‫َ‬ ‫ِك‬‫وغم ْرتَني برحمت َ‬
‫فهي‬
‫َ‬ ‫ِلك المدين ُة‬‫أما ت َ‬ ‫ُ‬
‫فأموت‪َّ .‬‬ ‫السو ُء‬ ‫الجبل‪ ،‬ف ُربَّما َل ِ‬
‫ح َقني ُّ‬ ‫ِ‬ ‫إلى‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪196‬‬

‫لص َغرِها بحياتي‪».‬‬ ‫أهرب إليها‪ ،‬فأنج َو ِ‬


‫ُ‬ ‫قريبةٌ وصغيرةٌ‪ ،‬فد َْعني‬
‫دم َر المدين َة التي َذك ْر َ‬
‫ت‪ .‬أسر ِ ْع‬ ‫ُ‬ ‫فقال َلهُ‪:‬‬
‫لك لن أ ِّ‬
‫«إكراما َ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ل إليها‪».‬‬ ‫ل شيئًا حتى تَ ِ‬
‫ص َ‬ ‫ُناك‪ ،‬ألنِّي لن َ‬
‫أفع َ‬ ‫ب إلى ه َ‬ ‫باله َر ِ‬
‫يت المدين ُة ُصوغ َر‪.‬‬
‫ِك ُس ِّم ِ‬
‫ولذل َ‬

‫وط مدين َة‬ ‫َخل ُل َ‬


‫مس على األرض ود َ‬ ‫أشرقت َّ‬
‫الش ُ‬ ‫ِ‬ ‫فلما‬
‫َّ‬
‫ن‬ ‫وعمور َة كِبريتًا ونا ًرا مِ َ‬
‫ب على سدو َم َ‬ ‫ُصوغ َر‪ .‬أمط َر ال ّر ُّ‬
‫ونبات‬
‫ِ‬ ‫ُن‬
‫المد ِ‬
‫َّان ُ‬
‫وجميع ُسك ِ‬
‫ِ‬ ‫مع الوادي‬ ‫السماءِ‪ ،‬فد ََّم َرها َ‬‫َّ‬
‫لح‪.‬‬ ‫تفتت امرأ ُة ُل ٍ‬
‫وط إلى الورا ِء فصارت َعمو َد مِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫األرض‪ .‬وا َ ْل‬
‫ب‪،‬‬ ‫َ‬
‫وقف في ِه أما َم ال ّر ِّ‬ ‫المكان الذي‬
‫ِ‬ ‫إبراهيم في الغ ِد إلى‬
‫ُ‬ ‫وبكَّ َر‬
‫وعمور َة والوادي كُلِّهِ‪ ،‬فرأى د َ‬
‫ُخان‬ ‫وتطلَّ َع إلى جه ِة سدو َم َ‬
‫ُن الوادي‬
‫أهلك هللاُ ُمد َ‬
‫َ‬ ‫ولما‬
‫األتون‪َّ .‬‬
‫ِ‬ ‫ُخان‬
‫األرض صاعدًا كد ِ‬
‫ط‬
‫وس ِ‬ ‫إبراهيم‪ ،‬فأخرج ُل ً‬
‫وطا مِ ْن َ‬ ‫َ‬ ‫قيم بها‪ ،‬ت َذكَّ َر‬ ‫كان ُل َ‬
‫وط ُي ُ‬ ‫التي َ‬
‫الدَّمارِ‪( .‬تكوين ‪)29–1 :19‬‬

‫وفي سفر الالويين من الكتاب المقدس يسمي هللا الجماع المثلي‬


‫بأنه رِجس‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫س‪ ( .‬الويين ‪)22 :18‬‬ ‫ج َع َة ا ِْم َرأَةٍ‪ .‬إِن َّ ُه ر ِ ْ‬


‫ج ٌ‬ ‫َوال َ ُت َضا ِج ْع َذكَرا ً ُم َضا َ‬

‫وأما الذين يقللون من شأن هذا التحريم وهذه التحذيرات عن طريق‬


‫تفسيرهم لألمر‪ :‬بأننا اآلن «لم نعد تحت الناموس بل تحت النعمة‪»،‬‬
‫]*[‬
‫أو‬ ‫فلندعهم يشرحوا لنا إذن لماذا لم يتجاهلوا نكاح المحارم‪،‬‬
‫]**[‬
‫أو تقديم البشر كذبيحة قربان (أي كضحية)‪.‬‬ ‫الزنى‪ ،‬أو البهيمية‪،‬‬
‫أما البهيمية فقد تمت إدانتها في الكتاب المقدس كما يلي‪:‬‬

‫]*[  نكاح المحارم أو زنا المحارم وهو االتِّصال الجنسي بين األقارب من المحارم‪ ،‬أي بمعنى من‬
‫صلة قرابة رحم‪ ،‬وهو حرام شرعا‪.‬‬
‫لهم ِ‬
‫]**[  البهيمية هي االتصال الجنسي بين اإلنسان والحيوان‪.‬‬
‫‪197‬‬ ‫مـاذا عن الـمـثـلـيـة الـجـنـسـيـة؟‬

‫ام َرأَة ٌ‬
‫ِف ْ‬ ‫ك َف َت َت َن َّ‬
‫ج َس ب ِ َها‪َ .‬وال َ تَق ِ‬ ‫يم ٍة َم ْض َ‬
‫ج َع َ‬ ‫َوال َ تَ ْ‬
‫ج َع ْل َم َع بَ ِه َ‬
‫يم ٍة لِ ِن َزائِ َها‪ .‬إِن َّ ُه َفاح َ‬
‫ِشةٌ‪( .‬الويين ‪)23 :18‬‬ ‫َ‬
‫أ َما َم بَ ِه َ‬

‫ويدين العهد الجديد (أي اإلنجيل) أيضا ممارسة المثلية الجنسية‪.‬‬


‫فيكتب القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومة ‪–26 :1‬‬
‫‪ 28‬فيقول‪:‬‬

‫وات الدَّني َئةِ‪ ،‬فاس َت ْب َد َل ْ‬


‫ت‬ ‫َّ‬
‫الش َه ِ‬ ‫ولِهذا أس َل َم ُه ُم هللاُ إلى‬
‫ِك‬
‫بيعي‪ ،‬وكذل َ‬
‫ِّ‬ ‫صال َغي َر َّ‬
‫الط‬ ‫َ‬ ‫بيعي ال ِو‬
‫ِّ‬ ‫الط‬
‫صال َ‬
‫ِ‬ ‫نِسا ُؤهُم بال ِو‬
‫ب بَ ُ‬
‫عض ُهم‬ ‫بيعي لِلنِّسا ِء وال َت َه َ‬
‫َّ‬ ‫الط‬
‫صال َّ‬
‫َ‬ ‫جال ال ِو‬
‫ك ال ِّر ُ‬ ‫ت َر َ‬
‫جال ونالوا في‬‫حشا َء بِال ِّر ِ‬ ‫جال ال َف ْ‬
‫ل ال ِّر ُ‬ ‫وفع َ‬
‫َ‬ ‫عض‪.‬‬ ‫شه َو ًة لِ َب ٍ‬ ‫َ‬
‫ِل ل َِضالل ِِهم‪ .‬وألن َّ ُهم َر َفضوا ْ‬
‫أن يَح َتفِظوا‬ ‫جزا َء العاد َ‬‫س ِهمِ ال َ‬ ‫أن ُف ِ‬
‫ب ِ َمعر ِ َف ِة هللاِ‪ ،‬أس َل َم ُه ُم هللاُ إلى فسا ِد ُعقول ِِهم يَقو ُدهُم إلى‬
‫ِن‪.‬‬
‫ل شائ ٍ‬
‫ُل َع َم ٍ‬
‫ك ِّ‬

‫ويقول القديس بولس الرسول أيضا في رسالته األولى إلى أهل‬


‫كورنثوس ‪ 10–9 :6‬في اإلنجيل‪:‬‬

‫لكوت هللاِ؟ ال تَخدَعوا‬


‫َ‬ ‫ثون َم‬
‫ِمين ال يَر ِ َ‬
‫الظال َ‬ ‫أن َّ‬ ‫أما تَعر ِ َ‬
‫فون َّ‬ ‫َ‬
‫َلون‬
‫المبت َ‬
‫قون وال ُ‬‫الفاس َ‬
‫ِ‬ ‫األوثان وال‬
‫ِ‬ ‫سكُم‪ ،‬فال ال ُّزنا ُة وال ُع ّبا ُد‬‫أن ُف َ‬
‫ّيرون وال‬
‫َ‬ ‫السك‬ ‫قون وال ال ُف ّ‬
‫جا ُر وال ِّ‬ ‫السار ِ َ‬
‫نسي وال ّ‬
‫ِّ‬ ‫ج‬ ‫ُّ‬
‫بالشذو ِذ ال ِ‬
‫َ‬
‫لكوت هللاِ‪.‬‬ ‫ثون َم‬
‫ِبون يَر ِ َ‬
‫السال َ‬
‫ّامون وال ّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫الشت‬

‫ويقوم الكثير من الناس بإعادة تفسير هذه اآليات الكتابية ويزعمون‬


‫أن ما يدينه الكتاب المقدس هو السلوك «الظالم» فقط‪ ،‬سواء كان‬
‫جنس مثلي أو غيري‪ ،‬مثل االغتصاب أو اإلباحية‪ .‬لكن‪ ،‬أليس األمر‬
‫واضحا عندما يتحدث الرسول بولس عن «الظالمين المثليين» بأنه‬
‫يشير بالحقيقة إلى الظلم (األذى) الذي تسببه المثلية الجنسية بحد‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪198‬‬

‫ذاتها؟ فلو كان ظلم المثلية الجنسية وحده هو الشرير‪ ،‬فماذا إذن‬
‫عن بقية الظلم الذي ذكره القديس بولس الرسول في الفقرة نفسها‪:‬‬
‫الزناة‪ ،‬عباد األوثان‪ ،‬الفاسقون‪ . . . .‬إلخ‪.‬‬

‫وما عساه أن يكون أوضح من كالم القديس بولس في رسالته‬


‫إلى أهل رومة حينما يسمي سلوك المثلية الجنسية (أي سلوك‬
‫اللواط والسحاق) بأنه «شهوة دنيئة‪ ،‬وفجور» ويضيف بأنه «إهانة‬
‫وفحشاء»؟ ثم ماذا عن كالمه القاطع بشأن تسليم اإلنسان نفسه‬
‫نصه اإلنجيلي‪:‬‬
‫«للفساد»؟ وإليك ّ‬

‫هينون‬
‫َ‬ ‫وات ُقلوب ِ ِهم إلى ال ُفجور ِ ُي‬ ‫ِك أس َل َم ُه ُم هللاُ ب ِ َ‬
‫ش َه ِ‬ ‫لذل َ‬
‫وع َبدوا‬ ‫ِّ‬
‫الحق اإللهي َ‬ ‫ن‬
‫ل بَدَال ً مِ َ‬ ‫بِه أجسا َدهُم‪ .‬اتَّ َ‬
‫خذوا الباطِ َ‬
‫ك إلى األب ِد آمين‪.‬‬ ‫ِق‪ ،‬تَبا َر َ‬
‫ُون الخال ِ‬
‫خدَمو ُه مِ ْن د ِ‬‫خلوق و َ‬
‫َ‬ ‫الم‬
‫َ‬
‫ت‬‫وات الدَّني َئةِ‪ ،‬فاس َت ْب َد َل ْ‬ ‫َّ‬
‫الش َه ِ‬ ‫ولِهذا أس َل َم ُه ُم هللاُ إلى‬
‫ِك‬ ‫بيعي‪ ،‬وكذل َ‬
‫ِّ‬ ‫صال َغي َر َّ‬
‫الط‬ ‫َ‬ ‫بيعي ال ِو‬
‫ِّ‬ ‫الط‬
‫صال َ‬
‫ِ‬ ‫نِسا ُؤهُم بال ِو‬
‫شه َو ًة‬
‫عض ُهم َ‬‫ب بَ ُ‬ ‫بيعي لِلنِّسا ِء وال َت َه َ‬
‫َّ‬ ‫الط‬
‫صال َّ‬
‫َ‬ ‫جال ال ِو‬
‫ك ال ِّر ُ‬‫ت َر َ‬
‫س ِهمِ‬ ‫جال ونالوا في أن ُف ِ‬‫حشا َء بِال ِّر ِ‬‫جال ال َف ْ‬
‫ل ال ِّر ُ‬ ‫وفع َ‬
‫َ‬ ‫عض‪.‬‬ ‫لِ َب ٍ‬
‫أن يَح َتفِظوا ب ِ َمعر ِ َف ِة‬
‫ِل ل َِضالل ِِهم‪ .‬وألن َّ ُهم َر َفضوا ْ‬
‫جزا َء العاد َ‬
‫ال َ‬
‫ل‬ ‫هللا إلى فسا ِد ُعقول ِِهم يَقو ُدهُم إلى ك ِّ‬
‫ُل َع َم ٍ‬ ‫ُ‬ ‫هللاِ‪ ،‬أس َل َم ُه ُم‬
‫ِن‪( .‬رومة ‪)28–24 :1‬‬
‫شائ ٍ‬

‫إن ممارسات المثلية الجنسية باطلة دائما‪ ،‬ألنها تشوه مشيئة هللا‬
‫دائما فيما يخص اإلنجاب والخلق‪ .‬واألمر بكل بساطة هو أنه ال يوجد‬
‫أي سند في الكتاب المقدس يمكن استخدامه للدفاع بأي شكل من‬
‫األشكال عن هذه الممارسات‪ 29.‬وينطبق هذا أيضا على الممارسات‬
‫حب ّية» مديدة الحياة‪ .‬ألنه‬
‫التي تجري ضمن ما يسمونه بعالقة « ُ‬
‫حتى عالقات الزنى الغيرية التي قد ينظر الناس إليها كذلك بأنها‬
‫‪199‬‬ ‫مـاذا عن الـمـثـلـيـة الـجـنـسـيـة؟‬

‫حب ّية وقد تكون طويلة األمد‪ ،‬إال أن هذا ال يجعلها على ّ‬
‫حق‪.‬‬ ‫عالقة ُ‬

‫ومن الشائع اليوم أن نسمع الناس يتشكون الظلم الذي يصيب‬


‫تحملهم ذنب ميولهم المثلية أو‬
‫ّ‬ ‫الناس المثليين ألن أصابع االتهام‬
‫حتى ذنب أسلوب الحياة الذي ربما لم يختاروه هم ألنفسهم‪ .‬ولكن‬
‫هذا مجرد ذريعة للخطيئة‪ .‬فأصحاب المثلية الجنسية سواء كانوا‬
‫مسؤولين أو غير مسؤولين عن ميولهم الجنسية‪ ،‬فذلك ليس له‬
‫صلة بأح ِّق َّية أو بُطالن سلوكهم وممارستهم للمثلية الجنسية‪ .‬ألن‬
‫تفسير السلوك شيء‪ ،‬أما تبرير السلوك فهو شيء مختلف تماما‪.‬‬

‫لقد نُ ِ‬
‫شر في اآلونة األخيرة عدد غزير من الكتب التي تجادل‬
‫بأن الكتاب المقدس ال يدين أبدا «الزواج» المثلي؛ وإنما يرفض‬
‫مجرد بعض التصرفات المثلية المعينة‪ ،‬مثل‪ :‬اغتصاب مثلي‪ ،‬أو‬
‫عهارة مثلية‪ ،‬أو جنس مثلي إباحي‪ .‬وتجادل تلك الكتب بأن الكتاب‬
‫المقدس ال يدين في أي مكان االنجذاب المثلي بحد ذاته‪ ،‬وال يدين‬
‫أيضا العالقات الملتزمة بين شخصين من الجنس نفسه وشخصين‬
‫راشدَين في نظر القانون وراغبين برضاهما في الدخول إلى عالقة‬
‫جنسية‪ 30.‬غير أن ما فشلت تلك الكتب في أن تتذكّره هو هدف هللا‬
‫األصلي للجنس ونظامه األصلي للزواج‪ ،‬أال وهو‪ :‬اقتران رجل واحد‬
‫بامرأة واحدة اللذين يصيران «جسدا واحدا» لكي يصبح باإلمكان‬
‫خلق حياة جديدة لمولود جديد‪ .‬وبكلمة أخرى‪ ،‬فإن الحب الجنسي‬
‫كما يريده هللا أكبر من نطاق المشاعر الجياشة للجاذبية المتبادلة‬
‫أو عالقة شراكة على أساس الجاذبية–الجنسية‪ .‬ألنه لو لم يتضمن‬
‫الزواج سوى هذين األمرين لجازت المصادقة أيضا على الزواجات‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪200‬‬

‫]**[‬ ‫]*[‬
‫وعلى كل حال‪،‬‬ ‫وعالقات المحارم وتعدُّد العشاق‪.‬‬ ‫المفتوحة‬
‫ح ّب ّية» وطويلة األمد‪ ،‬ولكن‬
‫فقد تكون هذه العالقات هي األخرى « ُ‬
‫ح ّب ّية وطويلة األمد‪ ،‬فإن ذلك ال يجعلها‬
‫من الواضح أنه حتى لو كانت ُ‬
‫‪31‬‬
‫صحيحة وال كتابية‪.‬‬

‫يمكن التغلب على اإلغواء الجنسي‬


‫مهما كان أصله أو نوعه‬
‫قد تكون الدوافع الجنسية للشخص المثلي قوية‪ ،‬ولكن هذا هو‬
‫حال الدوافع الجنسية لدى جميع الناس‪ .‬ألن كل واحد منا َم ّيال‬
‫«بالطبيعة» إلى فعل ما ال ينبغي فعله‪ .‬ولكن لو آمنا بالله‪ ،‬لوجب‬
‫علينا اإليمان أيضا بأنه قادر على إعطائنا النعمة للتغلب على‬
‫أية صراعات قد يتعين علينا تحملها‪ ،‬مثلما قال يسوع المسيح‪:‬‬
‫َمال ُقد َرتي» إلى القديس بولس‬
‫عف يَظ َه ُر ك ُ‬ ‫ِعمتي‪ .‬في ُّ‬
‫الض ِ‬ ‫«تكفيك ن َ‬
‫َ‬
‫الرسول وكما يلي‪:‬‬

‫َمال ُقد َرتي‪».‬‬ ‫عف يَظ َه ُر ك ُ‬ ‫ِعمتي‪ .‬في ُّ‬


‫الض ِ‬ ‫«تكفيك ن َ‬
‫َ‬ ‫فقال لي‪:‬‬
‫َ‬
‫جا ب ِ ُضعفي حتّى ُت َظلِّ َلني ُق َّو ُة‬
‫راض ًيا ُمبت َِه ً‬
‫ِ‬ ‫فأنا‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬أف َت ِ‬
‫خ ُر‬
‫عف واإلهانَ ِة‬ ‫ن ُّ‬
‫الض ِ‬ ‫ل مِ َ‬ ‫ِك فأنا َ‬
‫أرضى بِما أحتَمِ ُ‬ ‫سيح‪ .‬ولذل َ‬
‫ِ‬ ‫الم‬
‫َ‬
‫سيح‪ ،‬ألنِّي عِ ندَما‬ ‫الم‬
‫بيل َ‬ ‫والم َ‬
‫ش َّق ِة في َس ِ‬ ‫َ‬ ‫يق واالضطِ ها ِد‬ ‫ِّ‬
‫والض ِ‬
‫ِ‬
‫أكون ق ِويّاً‪ 2( .‬كورنثوس ‪)10–9 :12‬‬
‫ُ‬ ‫أكون َضعي ًفا‬
‫ُ‬

‫وفي التكلم جهرا ضد مثل هذه الخطايا‪ ،‬يجب أن نتذكر دائما أنه‬
‫بالرغم من أن الكتاب المقدس يدين سلوك المثلية الجنسية‪،‬‬

‫]*[  الزواج المفتوح ‪ Open Marriage‬هو ذلك الزواج الذي يسمح لكال الشريكين بممارسة‬
‫الجنس مع طرف ثالث بعلم الشريك اآلخر‪.‬‬
‫]**[  تعدُّد العشاق هي ظاهرة من إفرازات الحياة المعاصرة لعالقات الحب الفردية مع أكثر من‬
‫عشيق حيث تتضمن أيضا عالقة جنسية مع جميعهم من دون زواج وبعلم وبرضا جميع األطراف‪،‬‬
‫وتسمى باإلنكليزية ‪.Polyamory‬‬
‫‪201‬‬ ‫مـاذا عن الـمـثـلـيـة الـجـنـسـيـة؟‬

‫إال أنه ال يعطينا أبدا رخصة إلدانة الناس المتورطين فيها‪ .‬ونحن‬
‫كمسيحيين‪ ،‬ال يمكننا أن نؤيد إنكار الحقوق األساسية ألي إنسان‬
‫مهما كان السبب‪ .‬ومن السهل جدا علينا أن ننسى أن الكتاب‬
‫المقدس لديه الكثير ليقوله عن خطايا الكبرياء والجشع والسخط‬
‫والزهو بالنفس وأكثر مما لديه عن المثلية الجنسية‪.‬‬

‫ولكن مع ذلك‪ ،‬علينا مقاومة مخططات ومشاريع الذين‬


‫يحاولون تقديم المثلية الجنسية كمجرد «نهج حياتي آخر» –‬
‫سن قوانين جديدة إلباحة الزواج المثلي‬
‫ّ‬ ‫خصوصا ألنها تؤثر في دعم‬
‫– فضال عن جهودهم الرامية إلى إجبار الجماعات الدينية على التخلي‬
‫عن معتقداتها األساسية ودعوتهم إلى قبول الناس الذين يمارسون‬
‫المثلية الجنسية كأفراد في جماعاتهم بل حتى قبولهم كقساوسة‬
‫وأساقفة‪ .‬غير أن اإلنجيل يقول‪:‬‬

‫زان‬
‫خا وه َو ٍ‬ ‫أكتب إ َليكُم ْ‬
‫أن ال ُتخالِطوا َم ْن ُيدعى أ ً‬ ‫ُ‬ ‫اآلن‬
‫لكن َ‬‫ِ‬
‫ثل هذا‬ ‫أوثان أو شتَّا ٌم أو ِسكّير ٌ أو َس ّر ٌ‬
‫اق‪ .‬فمِ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫أو فا ِجر ٌ أو عاب ِ ُد‬
‫ِلطعامِ ‪ 1( .‬كورنثوس ‪)11 :5‬‬ ‫ل ال تَجل ِسوا َ‬
‫مع ُه ل َّ‬ ‫ج ِ‬
‫ال َّر ُ‬

‫جه»‬
‫ومن المهم أيضا أن نأخذ بنظر االعتبار الفرق بين الميول أو «التو ُّ‬
‫المثلي من جهة وبين الممارسة المثلية الجنسية كنهج حياتي فعال‬
‫من جهة أخرى‪ .‬وفي الوقت الذي قد تنشأ الميول المثلية بسبب‬
‫مؤثرات نفسية أو بيئة اجتماعية بل ربما يكون سببه (بحسب رأي‬
‫بعض العلماء) تكوين وتركيب جيني وراثي‪ ،‬إال أن اتخاذ المثلية‬
‫الجنسية كنهج حياتي فعال هو من اختيار الشخص نفسه‪ .‬أما‬
‫جج بأن التقاليد أو األسرة أو الجينات هي التي تجعلنا ال حول‬
‫التح ُّ‬
‫لنا وال حيلة وتجعلنا عاجزين عن اختيار أن نكون في جانب الخطيئة‬
‫أو ضدها‪ ،‬فهذا معناه إنكار لمفهوم حرية اإلرادة‪.‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪202‬‬

‫متعمقة الجذور‪،‬‬
‫ّ‬ ‫جه هي حالة خاصة‬
‫إن المثلية الجنسية كتو ُّ‬
‫ويستحق الذين يصارعون ضدها ويرفضون االنصياع لها الشفقة‬
‫والمساعدة‪ .‬لذلك ينبغي أن نكون دائما مستعدين لقبول الرجل‬
‫جه المثلية الجنسية في كنائسنا – من الذين‬
‫المبتَلي بتو ُّ‬
‫(أو المرأة) ُ‬
‫يصارعون ضدها – وأن نقف جنبا إلى جنب معه (أو معها) في‬
‫صراعه – بصبر وبمحبة‪ ،‬لكن أيضا بكامل الوضوح الذي يرفض‬
‫التسامح مع استمرارية ارتكاب الخطيئة‪ .‬وعالوة على ذلك‪ ،‬فعلينا‬
‫تذكير أولئك المبتلين بالجاذبية المثلية بأن قيمتهم كبشر هي أكبر‬
‫من ميولهم الجنسية‪.‬‬

‫ُ‬
‫قمت بتقديم المشورة االجتماعية للكثير مِ َم ْن صارعوا‬ ‫لقد‬
‫إغواء المثلية الجنسية‪ .‬وكان يبدو موقف الشخص في بعض األحيان‬
‫شهدت بحسب تجاربي في هذا الميدان أنه من‬
‫ُ‬ ‫ميؤوسا منه‪ ،‬لكني‬
‫الممكن في الواقع مساعدتهم حتى لو كانوا مترسخين طويال في‬
‫نهج حياة المثليين‪ .‬فهناك حقيقة تبقى سارية المفعول سواء اتخذ‬
‫الشخص المبتلي بالمثلية إجراءات لمقاومة التجربة أو لم يتخذ‪،‬‬
‫وهي كاآلتي‪ :‬لو التجأ الشخص إلى الرب يسوع من كل قلبه لحصل‬
‫على العون والتح ّرر؛ أما لو كان منقسما في أعماق قلبه‪ ،‬فلن ينفعه‬
‫أي شيء ليتحرر من قيود المثلية الجنسية حتى لو بذل أشجع‬
‫ينشل روح ّيا وسوف‬
‫ّ‬ ‫الجهود في مقاومة التجربة‪ ،‬والنتيجة أنه سوف‬
‫يبقى مق ّيدا بها‪ .‬ثم إن نظرة شهوانية واحدة تب ّين لنا أن الشخص‬
‫ليس عازما عزما أكيدا على اإلقالع عن الخطيئة – ويقول يسوع أن‬
‫مثل هذه النظرة ُتعد زنى في القلب‪ .‬وعليه‪ ،‬فال نحصل على تح ّرر‬
‫دائم إال بعد تصميم قاطع‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬فاألهم من كل هذا هو أن يحاول الناس غير المث ّقلين‬


‫‪203‬‬ ‫مـاذا عن الـمـثـلـيـة الـجـنـسـيـة؟‬

‫بالمثلية الجنسية أن ُيبدوا تف ُّهما كبيرا للمعاناة الروحية الكبيرة‬


‫والعذاب ومشاعر الحزن بسبب الوحدانية التي يعيش بها‬
‫جهة إلى‬
‫وغالبا ما تنشأ شهوتهم الجنسية المتو ِّ‬
‫‪32‬‬
‫المثليون‪.‬‬
‫االتجاه المغلوط عن اشتياق شديد إلى عالقة محبة صادقة مع‬
‫اآلخرين‪ .‬ألن الكثير من المثليين لم يروا مطلقا في حياتهم أية‬
‫حبة وغير مشروطة من ناس من جنسهم (ذكر أو أنثى)‪.‬‬
‫محبة ُم َر ِّ‬
‫ففي بالدنا وفي البيوت التي «بال آباء» يوجد فراغ كفيل بإثارة‬
‫مشاعر االنحراف الجنسي لدى األوالد‪ .‬وكما نعلم‪ ،‬ففي ثقافتنا‪،‬‬
‫المدفوعة بعوامل المنافسة والرغبة في الهيمنة‪ ،‬فمن السهل‬
‫أن يشعر بعض الناس بأنهم متروكون ومنبوذون؛ وقد يلتجئون‬
‫نتيجة لذلك إلى المثلية الجنسية‪.‬‬

‫ُ‬
‫عرفت هاورد ‪ Howard‬وزوجته آن ‪ Ann‬منذ انضمامهما‬ ‫لقد‬
‫إلى كنيستنا قبل عقدين من الزمان‪ ،‬لكني لم استوعب عمق صراع‬
‫هاورد استيعابا كامال إال في المدة األخيرة‪ .‬فقد عامله عمه معاملة‬
‫سيئة في طفولته‪ ،‬ولقي اإلهمال من أبيه المولع بعمله إلى درجة‬
‫اإلدمان‪ ،‬وسخر منه أقرانه الطالب الفتقاره القابلية الرياضية‪ ،‬األمر‬
‫يحس وهو يترعرع بعدم وجود َم ْن يفهمه واعتراه‬
‫ّ‬ ‫الذي أدى إلى أن‬
‫ضيق نفسي وإحساس بأنه شاذ وبعدم مالئمته للمكان الذي هو‬
‫فيه‪ .‬وكم تمنى أن يجذب انتباه أبيه أو الرجال اآلخرين أو األوالد من‬
‫عمره‪ .‬غير أنه‪ ،‬وبمرور الوقت‪ ،‬وفي منتصف مرحلة المراهقة‪ ،‬أخذ‬
‫يمارس المثلية الجنسية بشكل فعلي‪ .‬وبالرغم من أن هاورد ال يلوم‬
‫تربية أهله فيما يتعلق بالخيارات المنحرفة التي صنعها في حياته‬
‫الحقا‪ ،‬إال أن قصته يجب أن تحذر كل أب وكل أم لما قد يحدث‬
‫عندما يشب األوالد دون التمتع بالدعم من قِبل أسرة ترعى أوالدها‪.‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪204‬‬

‫إال أن قصة هاورد أكثر من مجرد تحذير‪ .‬فهي تحمل شهادة‬


‫قوية عن جبروت قوة المسيح في قهر الظالم وتبديده؛ وعن أهمية‬
‫التوبة؛ وعن قدرة الغفران الشافية؛ وعن الفرح الذي يمكن لكل‬
‫واحد منا اختباره‪ .‬فيكتب هاورد ويقول‪:‬‬

‫ُ‬
‫بدأت أعبث مع الفتيان‬ ‫عندما كان عمري ست عشرة‬
‫يمض وقت طويل حتى سمحت للرجال الكبار‬
‫ِ‬ ‫اآلخرين‪ .‬ولم‬
‫علي‪ .‬وكانت هذه الممارسات الجنسية‬
‫ّ‬ ‫بأن «يجروا تجاربهم»‬
‫تثيرني كثيرا‪ ،‬ولكنها كانت تخلف ورائها شعورا بذنب كبير‪.‬‬
‫ولم أكن قادرا على مصارحة أحد بكل ما كنت أم ّر به‪ ،‬حتى‬
‫أني كذبت مرة على أبي عندما واجهني مباشرة وسألني إن‬
‫كان لدي مثل هذه المشاعر‪.‬‬

‫وعند وصولي إلى سن الحادي والعشرين‪ ،‬كنت قد‬


‫فعلت في الواقع كل أفعال الجنس المثلي الممكنة‪ .‬ولكن لم‬
‫يشبعني أي شيء‪ .‬فكانت لقاءاتي مع الرجال فارغة وعقيمة؛‬
‫فكنت أحب مشاهدة الصور الداعرة وأخلق نزوات خاصة‬
‫لنفسي‪ .‬ولم أحاول مطلقا أن أتواجه مع مسألة انجذابي نحو‬
‫الرجال‪ ،‬مبررا ذلك بأنه شيء «ال يمكنني تغييره‪ ».‬وعندما‬
‫بدأت العمل في وظيفتي‪ ،‬دفع لي التأمين الصحي تكاليف‬
‫ُ‬
‫مراجعة طبية ألحد األطباء النفسانيين بسبب بعض اإلجهاد‬
‫في العمل‪ ،‬غير أني لم أذكر له كذلك أي شيء شخصي‪ .‬فكنت‬
‫مقتنعا‪ :‬بأنه ال فائدة من التحدث مع أي شخص بشأنه؛ فلن‬
‫يفهمني أحد‪ ،‬ثم إنه ال يمكنني أن أغ ّير سلوكي على أية حال‪.‬‬

‫جامعتها‪ .‬وقد أحبتني زوجتي آن‬ ‫ُ‬


‫وتزوجت من أول امرأة َ‬
‫وقبلت ما عرفته عني‪ .‬لقد تحدثنا عن مشاعرنا الشخصية‪.‬‬
‫‪205‬‬ ‫مـاذا عن الـمـثـلـيـة الـجـنـسـيـة؟‬

‫ولكن لم أتمكن من أن أبوح بس ّري لها إال بعد مضي سنتين‬


‫من زواجنا وإال بعد استجماع كل شجاعتي لهذا الموضوع‪.‬‬
‫وطبعا ُذهِ َل ْ‬
‫ت زوجتي آن من فرط الدهشة‪ .‬هل هذا معقول؟‬
‫وأخبرتها عن طفولتي وعن األفكار والشهوات التي أثقلت‬
‫وأوضحت لها أني أريد التخلص من هذه‬
‫ُ‬ ‫ضميري بحِملها‪.‬‬
‫قبلت هذا الكالم وبدا لها أن هناك لي أمل في‬
‫ْ‬ ‫األشياء‪ ،‬وقد‬
‫كنت أسقط في لقاءات متفرقة مع رجال‬
‫ُ‬ ‫أن أتغ ّير‪ .‬وحتى لو‬
‫آخرين في أوقات متعددة‪ ،‬إال أن زوجتي كانت تغفر لي دائما‪.‬‬

‫في ذلك الوقت رأيت كثيرا من المثليين يخرجون من‬


‫«سريّتهم» ليكشفوا عن أسلوب حياتهم لألسرة واألصدقاء‬
‫ْ‬
‫ويحاولون الحصول على القبول‪ .‬أما أنا فكنت مفزوعا من‬
‫هذا‪ ،‬ألني كنت متأكدا من أني لن أجد قبوال‪ .‬والواقع‪ ،‬إني لم أكن‬
‫في صميم قلبي أريد القبول؛ بل كنت أريد المساعدة للتغلب‬
‫ُ‬
‫وثقت‬ ‫حكيت قصتي لقسيس علماني‬
‫ُ‬ ‫على مشكلتي‪ .‬وأخيرا‬
‫فيه‪ .‬وقد ساعدني على استلهام القوة والشجاعة ألحكي‬
‫عن صراعي مع المثلية الجنسية أمام جماعة صغيرة من‬
‫الناس كنت أعرفها وأشعر بأني قريب منها‪ .‬وقد ُصد ْ‬
‫ِمت هذه‬
‫الجماعة في البداية‪ ،‬ولكن ما لبث أفرادها أن قدموا لي دعما‬
‫كبيرا‪ ،‬عالمين بأن كل فرد منهم لديه أيضا صراعات ضد‬
‫شتى أنواع الخطايا‪ .‬وكان هذا بداية طريقي إلى الشفاء‪ ،‬لكن‬
‫مجرد بداية‪.‬‬

‫وانضم ْمنَا الحقا أنا وزوجتي إلى جماعة مسيحية تعيش‬


‫َ‬
‫مجتمعاتها حياة مشتركة‪ ،‬معتقدين بأننا قد وصلنا إلى مكان‬
‫يمكن أن نحصل فيه على الشفاء الحقيقي وتنتهي مشاكلنا‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪206‬‬

‫تلقائيا‪ .‬وكان هذا صحيحا إلى ح ّد ما‪ ،‬ولكن في بعض األحيان‬


‫عندما كنت أشعر بالضعف والكآبة‪ ،‬كنت أستسلم لألفكار‬
‫والنظرات الشهوانية‪ ،‬والتي كادت تعود بي إلى ُطرقي القديمة‬
‫في مرات عديدة‪ .‬وصار واضحا لي أني ال أستطيع التغلب على‬
‫مشاكلي بقوتي البشرية الذاتية‪ .‬ولكن بالرغم من كل ذلك‬
‫ُ‬
‫وأقنعت‬ ‫أوهمت نفسي باالعتقاد بأني قادر على ذلك‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فقد‬
‫زوجتي بأني على ما يرام‪ .‬غير أني كنت في تلك األثناء أحجب‬
‫عني كالم يسوع المسيح بشأن وصيته عن النظرة الشهوانية‪.‬‬
‫فتخدّر ضميري أكثر فأكثر‪ .‬وتغلّظ قلبي أكثر فأكثر‪.‬‬

‫واستمرت زوجتي آن في ثقتها بي‪ ،‬ورزقنا هللا بولدين‪.‬‬


‫غرقت أعمق وأعمق في‬
‫ُ‬ ‫ولكن بالرغم من هذه البركات‬
‫الخطيئة‪ .‬ثم حدث في أحد األيام أن صديقا ضبطني وأنا أنظر‬
‫إلى صور خليعة‪ .‬وبالرغم من أني في البداية حاولت الكذب‬
‫جعت أخيرا ألعترف‬
‫للتخلص من الموقف‪ ،‬لكنني تش ّ‬
‫بخطيئتي‪ ،‬أمام كل من زوجتي وأمام اإلخوة واألخوات في‬
‫مجتمع كنيستنا‪ .‬ولكن ماذا اآلن؟ فقد أصبح «كل واحد‬
‫يعرف» بحقيقتي‪ ،‬وتوقعت بين لحظة وأخرى أن «يطردوني‬
‫من مجتمع الكنيسة‪ ».‬وبالرغم من عدم تغاضي أحد عن‬
‫سلوكي‪ ،‬إال أني لم أحس بأني كنت ُمدانا‪ .‬والرجال الذين‬
‫ي بعيني‬ ‫ظننت أنهم سيشمئزون مني‪ ،‬فإذا بهم ينظرون إل ّ‬
‫ُ‬
‫المحبة األخوية الحقيقية‪ .‬وابتدأ قلبي المتحجر يلين‪. . . .‬‬

‫ثم انفصلنا أنا وزوجتي آن لعدة أسابيع لكي أتمكن من‬


‫العودة إلى الطريق القويم ثانية‪ .‬وفي غضون هذه المرحلة‬
‫ظلّت زوجتي آن أمينة على عهدها الذي قدمته بااللتزام‬
‫‪207‬‬ ‫مـاذا عن الـمـثـلـيـة الـجـنـسـيـة؟‬

‫بوفائها نحو مجتمع الكنيسة ونحو عالقتنا الزوجية‪ .‬وقد‬


‫قالت لي فيما بعد‪« :‬عندما تزوجنا لم يكن لدينا أية فكرة عما‬
‫نظل أمناء لله‬
‫ّ‬ ‫سيواجهنا في المستقبل‪ .‬لكننا قد تعهدنا بأن‬
‫وللكنيسة وأحدنا لآلخر‪ ،‬مهما كلف األمر‪ .‬ولم يكن لدينا أية‬
‫فكرة عن الوعد الذي نعد به‪ ،‬لكنني متيقنة من أن هذا الوعد‬
‫هو الذي سترنا وحمانا من االنفصال‪ .‬وهذا الوعد هو الذي‬
‫ج َمع شملنا ثانية‪».‬‬
‫َ‬

‫كانت آن على ّ‬
‫حق طبعا‪ .‬ألنه بفضل نعمة هللا وحدها‪،‬‬
‫صرت قادرا على أن أرى كم كانت حاجتي شديدة إلى أن‬
‫ُ‬
‫أكون نظيفا عفيفا كليا‪ ،‬وإلى أن أفتح قلبي بصورة واسعة‬
‫بشكل غير مسبوق‪ ،‬وإلى أن أص ّ‬
‫حح كل فعل خاطئ أو كل‬
‫متأصل من الماضي‪ .‬لقد رأيت كيف كانت‬
‫ّ‬ ‫موقف باطل‬
‫أحس بأن‬
‫ّ‬ ‫أنانيتي ترقد عند جذور مشكلتي‪ .‬وأصبحت‬
‫عبوديتي للظالم أخذت تزول شيئا فشيئا‪.‬‬

‫تتعمق‪ ،‬زاد فرح قلبي‪ ،‬وزاد‬


‫ّ‬ ‫ْ‬
‫أخذت توبتي‬ ‫وبينما‬
‫انتقلت عائدا إلى زوجتي وأوالدي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تح ُّرر فكري‪ .‬وأخيرا‬
‫وأصبح اآلن بعضنا أقرب إلى بعض كأسرة أكثر من أي‬
‫وقت مضى‪ .‬وتحولت اآلن تلك اللعنة التي عشت معها‬
‫كل حياتي إلى بهجة عارمة‪ .‬فقد وهبني السيد المسيح‬
‫نعمة الضمير الطاهر – وال توجد نعمة أعظم منها‪ .‬فهي‬
‫تمنحني الشجاعة لمواجهة أي شيء قد يأتي في المستقبل‪.‬‬
‫يظل يغويني بالتجارب طوال‬
‫ّ‬ ‫وأعلم بأن الشيطان سوف‬
‫أيام حياتي‪ ،‬لكني أعلم أيضا بأن هناك دائما سبيال الجتياز‬
‫التجربة بمعونة السيد المسيح‪ .‬فبإمكاني تلقي المعونة‬
‫من خارج نطاق قدرتي البشرية‪.‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪208‬‬

‫إن التحرر الحقيقي ممكن لكل رجل ولكل امرأة‪ ،‬إال أن األمر‬
‫متروك لنا‪ :‬أنؤمن بهذه الحقيقة أم ال؟ أما اإلنجيل فيقول‪:‬‬

‫ِنكون أحرا ًرا‪ .‬فاث ُبتوا‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬وال تَعودوا إلى نِير ِ‬
‫َ‬ ‫ح َّر َرنا ل‬
‫سيح َ‬
‫ُ‬ ‫فالم‬
‫َ‬
‫العبو ِديَّةِ‪( .‬غالطية ‪)1 :5‬‬
‫ُ‬

‫يجب أن تذكرنا قصة الزوجين هاورد َو آن بأن ال نتظاهر بأن النصر‬


‫أمر سهل المنال وطريقه ُمع ّبد أو بأنه يمكن تحقيقه مرة واحدة‬
‫وبصورة نهائية‪ .‬ال‪ ،‬ألنه ربما ال يكون كذلك‪ .‬فمقابل كل من أنعم هللا‬
‫عليه بالشفاء سلفا‪ ،‬فهناك العشرات من الذين عليهم أن يصارعوا‬
‫مع التجارب لعدة سنوات‪ ،‬والبعض عليه أن يصارع إلى نهاية عمره‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬أال يحدث الشيء نفسه معنا أيضا ومع بقية الناس؟ فنحن‬
‫لسنا أحسن منهم‪ ،‬فلدينا نحن أيضا تجارب شتى نصارع معها‬
‫لفترات طويلة وقد تكون لمدى الحياة‪ .‬وأقصد هنا‪ :‬أال يختلف معنا‬
‫أيضا وقت الشفاء من شتى أنواع الخطايا واألمراض الروحية؟‬
‫فهناك الكثير من المسيحيين من الذين كانوا يشتاقون إلى التح ّرر‬
‫من عبودية بعض الخطايا ومن ثم حصلوا فعال على نتيجة بعد‬
‫صالتهم لله‪ .‬ألنه في النهاية‪ ،‬سيحررنا السيد المسيح إذا سلمنا‬
‫أنفسنا له بدون تح ّفظ‪.‬‬

‫وبالنسبة إلى العديد من الذين عندهم جاذبية مثلية‪ ،‬فإن الدعوة‬


‫التتلمذ للمسيح قد تعني حياة عزوبة وتبتُّل‪ .‬غير أن األمر‬
‫ُ‬ ‫اإللهية إلى‬
‫ينطبق أيضا على كل مسيحي أو مسيحية غير قادر على الزواج‪ ،‬بما‬
‫في ذلك العديد من الرجال والنساء الذين يبحثون عن شريك زواج‬
‫ولكن ال يجدوه أبدا‪ .‬وبغض النظر عن وضعنا االجتماعي‪ ،‬سواء كنا‬
‫نشك أبدا بأنه ما دمنا مخلوقين‬
‫ّ‬ ‫متزوجين أو عزابا‪ ،‬فينبغي أن ال‬
‫على صورة هللا‪ ،‬فهناك دائما أمل في الحياة األمينة للرب التي تمألها‬
‫الخدمة والمحبة‪.‬‬
‫الفصل السابع عشر‬

‫الحرب الخف ّية‬


‫– منع الحمل واإلجهاض‬

‫دي أ ُ ِّمي‪ .‬فأنا‬


‫وطمأنتَني على ثَ ِ‬
‫ن ال َّرحِمِ ‪َ ،‬‬
‫جتَني مِ َ‬ ‫َ‬
‫أنت أخ َر ْ‬
‫أمي َ‬
‫أنت إلهي‪.‬‬ ‫بطن ِّ‬
‫ِ‬ ‫وب ع َل َ‬
‫يك‪ ،‬ومِ ْن‬ ‫محس ٌ‬
‫ُ‬ ‫ن ال َّرحمِ‬
‫مِ َ‬
‫يق وال نَصير ٌ لي‪ ،‬فال تَ َ‬
‫تباعدْ عنِّي‪.‬‬ ‫ب ِّ‬
‫الض ُ‬ ‫اقت َر َ‬

‫مزمور ‪11 – 9 :22‬‬

‫]*[‬
‫من الزمان تقريبا‪ ،‬وردّا على فكرة تنظيم األسرة‬
‫قبل قرن‬
‫«الحديث‪ »،‬كتب ايبرهارد آرنولد ‪Eberhard Arnold‬‬
‫يقول‪« :‬تتمنى عائالتنا أن ُترزق بأكبر عدد من األوالد مما يشاء هللا‪.‬‬
‫جد قوة هللا الخال َّقة في اإلنجاب‪ .‬ثم إننا نرحب بالعائالت الكبيرة‬
‫ونم ّ‬
‫‪33‬‬
‫باعتبارها واحدة من عطاياه العظيمة‪».‬‬

‫ماذا كان ايبرهارد آرنولد سيقول اليوم في عصر صار فيه منع‬
‫الحمل ممارسة مألوفة وماليين األ ِجنَّة ُيقتلون قانونيا كل عام قبل‬
‫والدتهم؟ فأين هي فرحتنا باألطفال وبالحياة العائلية؟ وأين هو‬
‫امتناننا بما يرزقنا هللا من عطايا؟ وأين هو توقيرنا للحياة ورحمتنا‬
‫على أولئك غير القادرين على الدفاع عن أنفسهم؟ أما يسوع‬

‫]*[  يتضمن تنظيم األسرة استخدام وسائل منع الحمل المختلفة للحد من اإلنجاب أو‬
‫لتحديد النسل‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪210‬‬

‫بأجل وضوح أنه ال أحد يمكنه دخول الملكوت ما لم‬


‫ّ‬ ‫المسيح فيعلن‬
‫يصبح هو أو هي مثل طفل‪.‬‬

‫ممارسة الجنس دون احترام هبة الحياة لمولود جديد‬


‫أمر باطل‬
‫إن روحية عصرنا ال تتعارض مع الروحية الطفولية – روحية البراءة‬
‫‪34‬‬
‫إنها روحية‬ ‫– فحسب بل تتعارض أيضا مع األطفال أنفسهم‪.‬‬
‫الموت‪ ،‬ويمكن رؤيتها في كل مكان في المجتمعات المعاصرة‪ :‬فنراها‬
‫في ارتفاع معدالت جرائم القتل واالنتحار‪ ،‬وفي العنف األسري الواسع‬
‫االنتشار‪ ،‬وفي اإلجهاض‪ ،‬وفي عقوبة اإلعدام‪ ،‬وفي ما يسمى بالقتل‬
‫]*[‬
‫الرحيم‪ .‬وتبدو ثقافتنا المعاصرة أنها مصممة على المضي في‬
‫طريق الموت‪ ،‬وعلى بسط يدها على ما هو أمر هللا‪ .‬وليس الذنب‬
‫ذنب الدولة فقط‪.‬‬

‫فكم كنيسة تجيز قتل األجنّة بحجة دعم حقوق المرأة؟ إن‬
‫«التح ّرر» الجنسي في مجتمعات بالدنا قد زرع دمارا هائال‪ .‬فهو تح ُّرر‬
‫والمتع‪ .‬ويتجاهل‬
‫ُ‬ ‫زائف مبني على السعي األناني إلى إشباع الغرائز‬
‫وتحمل المسؤولية وما‬
‫ُّ‬ ‫التحرر الجنسي التأديب وضبط النفس‬
‫تجلبه هذه الفضائل من تحرر حقيقي‪ .‬ووفقا لما يصفه أستاذ‬
‫الالهوت الجامعي األمريكي ستانلي هاورواز ‪Stanley Hauerwas‬‬
‫فإن هذا التحرر الزائف يعكس «افتقارا حادّا في القناعة التي من‬
‫المفروض أن تشعر بضرورة توريث قيم ومبادئ صالحة إلى الجيل‬
‫‪35‬‬
‫الجديد‪ . . . .‬فنحن راغبون في موتنا‪».‬‬

‫والحقيقة بكل بساطة هي أن الغالبية الساحقة من الناس في‬


‫يومنا هذا وفي جميع البلدان ليست لديها وخز ضمير حينما يجري‬

‫]*[  القتل الرحيم هو قتل المرضى باألمراض المستعصية بدعوى إراحتهم من األلم‪.‬‬
‫‪211‬‬ ‫الـحرب الـخـفـ ّيـة – مـنـع الـحـمـل واإلجـهـاض‬

‫منع والدة حياة إنسان صغير جدا أو تدميرها قبل الوالدة‪ .‬ثم إن‬
‫األطفال الذين كانوا سابقا ُيعتبرون أعظم بركة يهبها هللا‪ ،‬صار ُينظر‬
‫إليهم اآلن نظرة ماديّة على أساس تكاليفهم‪ :‬فهم ُيعتبرون اآلن مثل‬
‫«عبء» و «تهديد» لحرية وسعادة الفرد‪.‬‬

‫في الزواج الحقيقي هناك صلة وثيقة بين الحب الزوجي وإنجاب‬
‫حياة جديدة لمولود جديد‪ .‬فيقول الكتاب المقدس‪:‬‬

‫ِل َع ْه َد ُه؟‬ ‫ل َذل َ‬


‫ِك َو َل ُه بَ ِق َّي ُة َع ٍ‬
‫قل! لِماذا يَح َف ُظ العاق ُ‬ ‫فع ُ‬
‫ح َد يَ َ‬
‫ال أ َ‬
‫حذِرا ً َوال‬ ‫أن تَك َ‬
‫ُون َ‬ ‫ب نَسال ً صالِحا ً مِ َ‬
‫ن هللاِ‪ .‬لِذا يَ ْن َبغِ ي ْ‬ ‫ِلن َّ ُه يَط ُل ُ‬
‫ك‪( .‬مالخي ‪)15 :2‬‬
‫شباب ِ َ‬ ‫المرأ ِة الَّتِي تَ َز َّو ْ‬
‫جتَها ِفي َ‬ ‫تَغ ُد َر ب ِ َ‬

‫عندما يصبح الزوج والزوجة جسدا واحدا‪ ،‬فالبد لهذا الزواج‬


‫أن يصاحبه دائما إدراك توقيري بأنه من خالله قد يولد مولود‬
‫جديد‪ .‬وبهذا يصبح الزواج تعبيرا عن الحب الخال َّق الذي ينجب‪،‬‬
‫وعهدا يخدم الحياة‪ .‬ولكن كم متزوجا اليوم ينظر إلى الجنس بهذه‬
‫ْ‬
‫جعلت حبة منع الحمل أغلب الناس يرون االتصال‬ ‫الطريقة؟ لقد‬
‫وخال من‬
‫ٍ‬ ‫وخال من المسؤولية‬
‫ٍ‬ ‫عرضي‬
‫ّ‬ ‫الجنسي أنه مجرد أمر‬
‫العواقب بحسب اعتقادهم‪.‬‬

‫ونحن كمسيحيين‪ ،‬يجب أن نكون راغبين في التكلم جهرا ضد‬


‫عقلية منع الحمل التي أصابت مجتمعاتنا‪ .‬ألن كثير من األزواج‬
‫اليوم استهوتهم العقلية السائدة بشأن االنغماس في الملذات‬
‫الجنسية وبشأن تنظيم األسرة وتحديدها عند الطلب ومتى ما‬
‫شاءوا‪ ،‬ضاربين بفضائل ضبط النفس والتوكل على هللا عرض‬
‫الحائط‪ .‬أما ممارسة الجنس من أجل المتعة الجنسية فقط‬
‫حتى لو كانت بالحالل ضمن الزواج فسوف ير ِّ‬
‫خص الجنس في‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪212‬‬

‫هذه الحالة من شأن نعمة الزواج من جهة وسوف يعمل على‬


‫تآكُل فضيلة التضحية بالنفس والنفيس لدى الزوجين من الجهة‬
‫األخرى‪ ،‬وهذه الفضيلة ضرورية جدا في تربية األوالد‪ .‬فاالنهماك في‬
‫الملذات الجنسية وكأنها هي هدف الزواج بحد ذاتها دون اعتبار‬
‫لهبة حياة مولود جديد هو أمر باطل‪ .‬وهذا معناه غلق الباب أمام‬
‫األطفال‪ ،‬وبالتالي احتقار كل من الهبة والوهاب‪ .‬وهو عكس ما‬
‫ينطق به هللا بلسان النبي أيوب‪:‬‬

‫ُناك‪.‬‬ ‫طن أ ُ ِّمي ُ‬


‫وعريانا ً أعو ُد إلى ه َ‬ ‫ت مِ ْن بَ ِ‬ ‫«عريانا ً خ َر ْ‬
‫ج ُ‬ ‫وقال‪ُ :‬‬
‫َ‬
‫ب‪( ».‬أيوب ‪)21 :1‬‬
‫اسم ال ّر ِّ‬
‫ُ‬ ‫ب أخ َذ‪ ،‬تبا َر َ‬
‫ك‬ ‫ب أعطى وال ّر ُّ‬
‫ال ّر ُّ‬

‫كما قالت األم تيريزا ذات مرة‪:‬‬

‫إن تدمير قوة اإلنجاب بواسطة منع الحمل معناه أن كل‬


‫من الزوج والزوجة يقوم بإيذاء ذاته هو أو هي‪ .‬وهذا يح ِّول‬
‫االنتباه إلى الذات‪ ،‬وعليه فهو يدمر نعمة محبة اآلخر والعطاء‬
‫في داخله أو في داخلها‪ .‬أما بالمحبة فيجب أن يح ِّول كل من‬
‫الزوج والزوجة االنتباه من ذاتهما إلى اآلخر‪ ،‬مثلما يحصل‬
‫في التنظيم الطبيعي لألسرة‪ ،‬ويجب أن ال ُيح َّول االنتباه إلى‬
‫الذات‪ ،‬مثلما يحصل في منع الحمل‪.‬‬
‫‪36‬‬

‫إن منع الحمل بوسائله الروتينية المعروفة يمنع الزوجين اللذين‬


‫صارا جسدا واحدا من إكمال تحقيق هدف زواجهما وإنجابهما‬
‫لألطفال‪ ،‬وبناء على ذلك‪ ،‬يجب أن نشعر باالشمئزاز من السلوك‬
‫الذي يدفعنا باستمرار إلى تجنب مسؤولية الحمل واإلنجاب‪.‬‬

‫وال نرمي من كل هذا إلى دعوة الناس إلى اإلنجاب بصورة‬


‫غير مسؤولة‪ ،‬أو اإلنجاب على حساب صحة األم وعافيتها‪ .‬ثم إن‬
‫‪213‬‬ ‫الـحرب الـخـفـ ّيـة – مـنـع الـحـمـل واإلجـهـاض‬

‫حجم األسرة ومباعدة المدة بين الوالدات مسألة في غاية األهمية‪.‬‬


‫ويقع على عاتق كل زوجين مسؤولية النظر في هذه المسألة أمام‬
‫هللا بالصالة والتوقير السترشاد القرار الصائب لهما‪ .‬ألن الوالدات‬
‫المتقاربة جدا قد تشكِّل حمال ثقيال جدا على األم‪ .‬وينبغي هنا‬
‫ظهر الزوج احتراما مملوءا بالمحبة والتف ُّهم لزوجته في هذا‬
‫أن ُي ِ‬
‫الموضوع‪ .‬وعلينا مرة أخرى التشديد على ضرورة التفات الزوجين‬
‫إلى هللا بإيمان ليضعا لديه كل مخاوفهما ومستقبلهما المجهول‪،‬‬
‫كما يوصينا الرب يسوع المسيح‪:‬‬

‫فمن‬
‫فتح لكُم‪َ .‬‬ ‫الباب ُي ْ‬
‫َ‬ ‫جدوا‪ُ ،‬د ّقوا‬ ‫عطوا‪ ،‬إط ُلبوا تَ ِ‬ ‫إسأ ُلوا ُت َ‬
‫َح َله‪( .‬متى‬
‫الباب ُيفت ْ‬
‫َ‬ ‫وم ْن يَد َُّق‬
‫جدْ ‪َ ،‬‬
‫ب يَ ِ‬‫وم ْن يَط ُل ْ‬
‫َل‪َ ،‬‬‫سأل يَن ْ‬
‫ْ‬ ‫يَ‬
‫‪)8–7 :7‬‬

‫فإذا كنا منفتحين على إرشاد هللا لنا‪ ،‬فأنا على يقين بأنه سوف‬
‫يرينا الطريق‪.‬‬

‫سخرية بالله‬
‫إجهاض أي طفل ُ‬
‫إن عقلية منع الحمل ما هي سوى تجسيد لروح الموت التي‬
‫تجعل من الحياة الجديدة لمولود جديد غير مرحب بها في بيوت‬
‫كثيرة جدا‪ .‬فتوجد اليوم حرب خف ّية تدور رحاها في كل بقعة من‬
‫بقاع العالم‪ ،‬وهي حرب معادية للحياة‪ .‬إذ يجري انتهاك الكثير من‬
‫األرواح الصغيرة وإبادتها‪ .‬ومن بين التي لم يتم منعها من الدخول‬
‫إلى العالم عن طريق وسائل منع الحمل‪ ،‬فهناك عدد مهول منها‬
‫يجري القضاء عليه بدون رحمة عن طريق اإلجهاض!‬

‫إن تفشي اإلجهاض في مجتمعات البالد قد وصل إلى درجة‬


‫كبيرة‪ ،‬حتى أن مذبحة هيرودس لألطفال األبرياء (في زمن والدة‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪214‬‬

‫السيد المسيح) أصبحت تبدو تافهة أمامها‪ .‬فاإلجهاض جريمة قتل‬


‫– بدون أية استثناءات‪ .‬فلو كانت هناك استثناءات لصارت رسالة‬
‫اإلنجيل متناقضة مع نفسها وبدون معنى‪ .‬ونرى حتى في العهد‬
‫القديم من الكتاب المقدس (وهو عن زمن ما قبل مجيء السيد‬
‫المسيح) نراه يذكر بوضوح أن هللا يكره سفك الدم البريء‪:‬‬

‫عينان‬
‫ِ‬ ‫نفسهُ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ب‪ ،‬بل َسبعةٌ تَم ُقتُها‬ ‫ُناك ِس َّتةٌ ُيبغِ ُضها ال ّر ُّ‬
‫ه َ‬
‫وقلب‬
‫ٌ‬ ‫دان تَس ُف ِ‬
‫كان ال َّد َم البري َء‪،‬‬ ‫كاذب‪ ،‬ويَ ِ‬
‫ٌ‬ ‫ن‬‫تعاليتان ولِسا ٌ‬
‫ِ‬ ‫ُم‬
‫ساوئ‪ ،‬وشاهِ ُد زور ٍ‬
‫ِ‬ ‫سرعان إلى َ‬
‫الم‬ ‫ِ‬ ‫وقدمان ُت‬
‫ِ‬ ‫يَز َر ُع أفكا َر َّ‬
‫الش ِّر‪،‬‬
‫ين اإلخوةِ‪( .‬أمثال ‪)19–16 :6‬‬ ‫يَنش ُر الكَذ َ‬
‫ِب‪ ،‬و ُيلقي الخصا َم بَ َ‬

‫إن اإلجهاض يقضي على الحياة ويسخر من هللا الذي على صورته‬
‫جنين‪.‬‬
‫ُيخلق كل َ‬

‫وتوجد آيات عديدة في العهد القديم من الكتاب المقدس‬


‫تتحدث عن حضور هللا الفعال في كل حياة بشرية‪ ،‬حتى وهي‬
‫ما تزال في طور التكوين كجنين في الرحم‪ .‬وجاء في سفر التكوين‬
‫ب‬‫‪ 1 :4‬أن حواء بعد أن حملت وولدت قايين قالت‪َ « :‬ر َز َقني‌ ال ّر ُّ‬
‫ب‪ ».‬ونقرأ في مزمور‬ ‫ابناً‪ »،‬ولم تقل رزقني آدم بل « َر َز َقني‌ ال ّر ُّ‬
‫‪ 139‬في الكتاب المقدس‪:‬‬

‫هيب‬ ‫ُك ألن َّ َ‬


‫ك َر‬ ‫أحمد َ‬ ‫خ ْلتَني بَ ْط َ ُ‬
‫ْت قلبي‪ ،‬وأد َ‬
‫أنت َملك َ‬
‫َ‬
‫ٌ‬ ‫ن أ ِّمي‪َ .‬‬
‫المعرِفةِ‪ .‬ما‬
‫ُل َ‬ ‫ك‪ ،‬وأنا أعر ِ ُف هذا ك َّ‬ ‫وعجيب‪ .‬عجيبةٌ هي أعما ُل َ‬
‫ٌ‬
‫فأنت َصن َْعتَني في ال َّرحِمِ‌‪ ،‬وأبد َْعتَني‬
‫َ‬ ‫خ ِف َيت عِ ظامي ع َل َ‬
‫يك‪،‬‬ ‫َ‬
‫ن‪ ،‬وفي ِس ْفر ِ َ‬
‫ك كُ ِت َبت‬ ‫جني ٌ‬
‫عيناك وأنا َ‬
‫َ‬ ‫ُناك في ال َ‬
‫خفاءِ‪ .‬رأ ْتني‬ ‫ه َ‬
‫يكون مِ نها شيءٌ‪( .‬مزمور ‪:139‬‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫وص ِّو َرت َق َ‬
‫بل ْ‬ ‫أيّامي كُلُّها ُ‬
‫‪)16–13‬‬
‫‪215‬‬ ‫الـحرب الـخـفـ ّيـة – مـنـع الـحـمـل واإلجـهـاض‬

‫ويصرخ أيوب قائال‪:‬‬

‫طن أ ُ ِّمي ُه َو الَّذِي َصن ََع خادِمِ ي؟ أ َل ْم‬ ‫أ َل َ‬


‫يس الَّذِي َصن ََعنِي ِفي بَ ِ‬
‫شكِّ ْلنا اإل َل ُه ذا ُت ُه ِفي ال َب ِ‬
‫طن؟ (أيوب ‪)15 :31‬‬ ‫ُي َ‬

‫وقال هللا للنبي إرميا‪:‬‬

‫أن تَخ ُر َج مِ َ‬
‫ن ال َّرحِمِ‬ ‫ك‪ ،‬و َق َ‬
‫بل ْ‬ ‫ن اختَر ُت َ‬ ‫أن أُص ِّو َر َ‬
‫ك في ال َب ْط ِ‬ ‫َق َ‬
‫بل ْ‬
‫ُك نب ًّيا لأل ُ َممِ ‪( .‬إرميا ‪)5 :1‬‬
‫وجعلت َ‬
‫َ‬ ‫كَ َّرست َ‬
‫ُك‬

‫ونقرأ أيضا في العهد الجديد من الكتاب المقدس (وهو اإلنجيل) أن‬


‫األجنّة يدعوها هللا من قبل أن تولد‪:‬‬

‫طن أ ُ ِّمي فدَعاني إلى‬


‫ِعم ِت ِه اختا َرني وأنا في بَ ِ‬
‫ِن هللاَ بِن َ‬
‫ولك َّ‬
‫ِدم ِتهِ‪( .‬غالطية ‪)15 :1‬‬
‫خ َ‬

‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن مواهب الناس الفريدة قد تم التنبؤ بها وهم‬
‫ما يزالون في بطون أمهاتهم‪ .‬وربما نجد أروع اآليات عن الجنين في‬
‫بشارة لوقا في اإلنجيل‪:‬‬

‫نين في بَطنِها‪،‬‬
‫ج ُ‬ ‫ك ال َ‬ ‫ُ‬
‫أليصابات سال َم َمريَ َم‪ ،‬تح َّر َ‬ ‫فلما َسمِ َعت‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫ُس‪ ،‬ف َهت َفت بِأعلى َصوتِها‪:‬‬ ‫وح ال ُقد ِ‬ ‫ُ‬
‫ن ال ُّر ِ‬ ‫أليصابات مِ َ‬ ‫وامتألت‬
‫ِك! َم ْن أنا حتى‬‫ُك ثَمر ُة بَطن ِ‬‫ك ابن ِ‬ ‫ومبا َر ّ‬ ‫ُمباركَةٌ ِ‬
‫أنت في النِّسا ِء ُ‬
‫ك حتى تَح َّر َ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫صوت َسالمِ ِ‬ ‫ي أ ُ ُّم َربّي؟ ما ْ‬
‫إن َسمِ ُ‬
‫عت‬ ‫تَجي َء إل َّ‬
‫ن الف َر ِح في بَطني‪( .‬لوقا ‪)44–41 :1‬‬
‫نين مِ َ‬
‫ج ُ‬ ‫ال َ‬

‫هنا نرى جنينا وهو يوحنا المعمدان‪ ،‬الذي كان بشيرا ليسوع‬
‫المسيح‪ ،‬يتحرك في بطن أمه أليصابات كدليل العترافه بيسوع‪،‬‬
‫ح ِبلت به والدته السيدة مريم العذراء القديسة بقوة الروح‬
‫الذي َ‬
‫القدس مجرد قبل أسبوع أو أسبوعين من زيارة مريم العذراء‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪216‬‬

‫ألليصابات‪ .‬فلذلك أمامنا هنا جنينان‪ :‬أحدهما لديه القدرة على‬


‫التجاوب مع الروح القدس‪ ،‬واآلخر – المسيح بنفسه – حبلت به‬
‫أمه بقوة الروح القدس‪:‬‬

‫ح ُلمِ‬
‫ب في ال ُ‬ ‫األمرِ‪َ ،‬ظ َه َر َله َم ُ‬
‫الك ال َّر ِّ‬ ‫وبَينَما ه َو ُي َفكِّ ُر في هذا ْ‬
‫يم امرأ ًة‬ ‫خ َذ َم ْر َ‬ ‫خ ْف ْ‬
‫أن تأ ُ‬ ‫ابن داودَ‪ ،‬ال ت َ‬ ‫ُ‬
‫يوسف َ‬ ‫وقال َله‪« :‬يا‬
‫َ‬
‫سوع‪،‬‬
‫َ‬ ‫وس َتل ِ ُد ابنا ً ُت ّ‬
‫سمي ِه يَ‬ ‫وح ال ُقد ِ‬
‫ُس‪َ ،‬‬ ‫ح ْبلى مِ َ‬
‫ن ال ّر ِ‬ ‫لك‪َ .‬ف َ‬
‫هي ُ‬ ‫َ‬
‫َث هذا كُلُّه لِ َيت َِّم ما‬ ‫حد َ‬ ‫خطاياه ُْم‪َ ».‬‬‫شع َب ُه مِ ْن َ‬‫ْ‬ ‫خلِّ ُص‬ ‫ألن َّ ُه ُي َ‬
‫الع ْذرا ُء‪ ،‬ف َتل ِ ُد ا ْبنا ً ُيدْ عى‬
‫ل َ‬ ‫ح َب ُ‬
‫«ست ْ‬
‫َّبي‪َ :‬‬
‫ِسان الن ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ب بل‬
‫قال ال َّر ُّ‬
‫َ‬
‫انوئيل‪ »،‬أي هللاُ َم َعنا‪( .‬متى ‪)22–20 :1‬‬
‫َ‬ ‫عِ ّم‬

‫من الواضح أن الفكرة التي مفادها أن الحياة الجديدة الصغيرة‬


‫للجنين ال تتشكل وال تتكون إال من خالل شيء مادي أو جسدي‬
‫هي فكرة زائفة تماما‪ .‬ألن هللا هو الذي يعمل على إحالل الحياة في‬
‫الرحم وله كل الفضل في ذلك‪:‬‬

‫أع ْن َتنِي‪.‬‬
‫ت َ‬‫ِك‪ُ .‬من ُذ ُولِدْ ُ‬ ‫ت تَ َ‬
‫حت عِ نايَت َ‬ ‫ُمن ُذ ِوال َدتِي ُو ِ‬
‫ض ْع ُ‬
‫ح دائِماً‪( .‬مزمور ‪)6 :71‬‬ ‫ِك أ ُ َس ِّب ُ‬
‫ب ِ َفضل َ‬

‫أما اإلجهاض فيدمر عمل هللا هذا دائما‪.‬‬

‫ولهذا السبب رفضت الكنيسة األولى اإلجهاض على صعيد‬


‫عالمي‪ ،‬وأطلقت عليه اسم «قتل الوليد‪ ».‬وال يترك كتاب‬
‫]*[‬
‫ديداخي أي مجال للشك في هذا الموضوع‪ ،‬فيقول‪« :‬ال تزهق‬
‫روح طفل باإلجهاض‪ ».‬ويكتب إكليمندس اإلسكندري ‪Clement of‬‬
‫‪( Alexandria‬وهو من آباء الكنيسة األولى نحو ‪150‬م – نحو ‪215‬م)‬

‫]*[  كتاب ديداخي ‪ Didache‬و ُيسمى أيضا «تعليم الرب لألمم بواسطة الرسل االثني عشر»‬
‫– يضم التعاليم األولى للكنيسة لتعليم المهتدين الجدد‪ ،‬نحو سنة ‪100‬م‪.‬‬
‫‪217‬‬ ‫الـحرب الـخـفـ ّيـة – مـنـع الـحـمـل واإلجـهـاض‬

‫عن هذا الموضوع أيضا حتى أنه يقول أن كل الذين يشتركون في‬
‫‪37‬‬
‫اإلجهاض «يفقدون إنسانيتهم كليا مع الجنين‪».‬‬

‫فأين هو وضوح الكنيسة اليوم؟ إذ نرى أن حربا من الوحشية‬


‫شن على األطفال األبرياء الذين لم ُيو َلدُوا بعد‪ ،‬قد أصبحت‬
‫والموت ُت ّ‬
‫س َّمون مسيحيين – حقيقة واقعة بفظائعها‬
‫– حتى بين الذين ُي َ‬
‫المر ّوعة وأساليبها الهمجية المتسترة تحت قناع الطب والقانون أو‬
‫حتى الحرب التي يجري «تبريرها» بذريعة شتى أنواع الظروف التي‬
‫يمكن تصورها‪.‬‬

‫َمنْ نحن لنحكم فيما إذا كانت‬


‫حياة طفل مرغوب فيها أو ال؟‬
‫أنا أعلم بأنه من غير المستحب قول أن اإلجهاض جريمة قتل‪ .‬وأعلم‬
‫بأن الناس سيقولون عني بأني بعيد عن الواقع – وأعلم أيضا بأن‬
‫بعض الالهوتيين المسيحيين قد سمحوا ببعض األعذار التي تبيح‬
‫اإلجهاض‪ .‬لكني أؤمن بأن هللا ال يسمح بذلك أبدا‪ .‬فناموس هللا‬
‫ناموس محبة‪ .‬ويبقى ثابتا إلى األبد مهما تغيرت األزمنة والظروف‪:‬‬
‫«ال َ تَ ْقت ْ‬
‫ُل‪( ».‬خروج ‪)13 :20‬‬

‫إن حياة اإلنسان مقدسة من الحمل إلى الموت‪ .‬فلو آمنا بهذا‬
‫حقا‪ ،‬لما وافقنا على اإلجهاض مطلقا مهما كانت األسباب؛ ولن يثنينا‬
‫عن موقفنا هذا حتى لو كانت من أكثر الحجج إقناعا سواء كانت‬
‫حجة التقليل من درجة «نوعية المعيشة» (الخاصة برفاهية األبوين)‬
‫أو التش ّوه الجسدي الشديد للطفل أو التخلّف العقلي للطفل‪ .‬فمن‬
‫نحن لنقرر مصير الطفل وفيما إذا سترى روحه الصغيرة النور أو ال‪.‬‬
‫ألنه وفقا لفكر هللا فإن اإلعاقة الجسدية والعقلية يمكن أن ُتس َّ‬
‫خر‬
‫لمجد هللا‪ ،‬كما يعلمنا يسوع المسيح في اإلنجيل‪:‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪218‬‬

‫ريق‪ ،‬رأى أعمى ُمن ُذ َمولِ ِدهِ‪ .‬فسأ َل ُه تالمي ُذ ُه‬ ‫الط ِ‬ ‫وبَينَما ه َو في َّ‬
‫ل أم والدا ُه‪ ،‬حتى ُولِ َد أعمى‪.‬‬ ‫يا ُم َعلِّ ُم‪َ ،‬م ْن أخطأ َ أهذا ال َّر ُ‬
‫ج ُ‬
‫أخطأ َ وال والدا ُه‪ .‬ولك َّن ُه ُولِ َد أعمى‬ ‫ل َ‬ ‫ج ُ‬
‫سوع ال هذا ال َّر ُ‬‫ُ‬ ‫فأجاب يَ‬
‫َ‬
‫ل فيهِ‪( .‬يوحنا ‪)3–1 :9‬‬ ‫وهي تَ َ‬
‫عم ُ‬ ‫َ‬ ‫حتى تَظ َه َر ُقدر ُة هللاِ‬

‫وقال هللا أيضا في الكتاب المقدس‪:‬‬

‫ن الّذي خ َل َق‬ ‫لإلنسان َفما ً َ‬


‫وم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن الذي خ َل َق‬ ‫فقال َله ال ّر ُّ‬
‫ب َم ِ‬ ‫َ‬
‫ب‪.‬‬
‫األصم أ ِو ال َبصي َر أ ِو األعمى أما ه َو أنا ال ّر ُّ‬
‫َّ‬ ‫األخرس أ ِو‬
‫َ‬
‫(خروج ‪)11 :4‬‬

‫كيف نتج ّرأ على أن نحكم ونقرر من هو المرغوب فيه ومن هو غير‬
‫فلنتأمل في جرائم الرايخ الثالث (وهي اإلمبراطورية‬
‫ّ‬ ‫المرغوب فيه؟‬
‫الثالثة التي كانت ألمانيا النازية من ‪1945 – 1933‬م) – حين كان‬
‫ُيسمح لألطفال الرضع من العرق النوردي «الصالحين» بأن تجري‬
‫تربيتهم في حضانات خاصة‪ ،‬في حين كان المعاقون ذوو العاهات‬
‫خ ْل ِق ّية من األطفال الرضع واألوالد والبالغين يجري إرسالهم إلى‬
‫ال ِ‬
‫غرف الغاز السام – فهذه الجرائم يجب أن تصير تحذيرا كافيا لنا‪.‬‬
‫وكما يكتب ديتريش بونهوفر ‪ Dietrich Bonhoeffer‬فيقول‪:‬‬

‫إن أي تفرقة بين الحياة التي تستحق مواصلة الوجود وبين‬


‫الحياة التي ال تستحق مواصلة الوجود سوف تعمل ال محالة‬
‫‪38‬‬
‫على تدمير الحياة نفسها‪ ،‬عاجال أو آجال‪.‬‬

‫والحق إنه حتى عندما تكون حياة األم الحامل في خطر‪ ،‬فليس‬
‫اإلجهاض ّ‬
‫حل أبدا‪ .‬ففي نظر هللا تتساوى قدسية حياة كل من‬
‫الجنين واألم‪ .‬أما اقتراف الشر «ليتسنى للخير أن يأتي» فهذا معناه‬
‫أننا نضع سيادة هللا وحكمته في قبضتنا‪:‬‬
‫‪219‬‬ ‫الـحرب الـخـفـ ّيـة – مـنـع الـحـمـل واإلجـهـاض‬

‫ل َوبارٌّ‪َ ،‬فماذا نَ ُق ُ‬
‫ول؟ أ َل َع َّ‬
‫ل هللاَ‬ ‫أن هللاَ عا ِد ٌ‬
‫ن َّ‬
‫إثمنا ُي َب ِّي ُ‬
‫كان ُ‬ ‫َف ْ‬
‫إن َ‬
‫ي‪.‬‬
‫شر ِ ٍّ‬ ‫ب َوعا َق َبنا؟ أنا أتَكَلَّ ُم مِ ْن َم ُ‬
‫نظور ٍ بَ َ‬ ‫ُون ظالِما ً إذا َغ َض َ‬
‫يَك ُ‬
‫ُن هللاُ عادِالً‪َ ،‬فك َ‬
‫َيف ُيم ِك ُن ُه ْ‬
‫أن يَحك َُم‬ ‫إن َل ْم يَك ِ‬
‫الط ْب ِع ال! ِلن َّ ُه ْ‬
‫ب ِ َّ‬
‫ب َعدَمِ‬
‫س َب ِ‬ ‫ص ُ‬
‫دق هللاِ ب ِ َ‬ ‫ول‪َ « :‬ل َقدْ تَ َع َّز َز ِ‬ ‫َع َلى العا َلمِ ؟ َل ِكن َ‬
‫َّك تَ ُق ُ‬
‫ل ُمدانا ً كَخاطِ ٍ‬
‫ئ؟»‬ ‫ِك‪َ .‬فل ِماذا َ‬
‫أظ ُّ‬ ‫ب َذل َ‬
‫س َب ِ‬ ‫صد ِقي‪َ ،‬و َقدْ تَ َم َّ‬
‫ج َد ب ِ َ‬ ‫ِ‬
‫خي ُر!»‬ ‫َي يَأت َ‬
‫ي ال َ‬ ‫ل َّ‬
‫الش َّر‪ ،‬لِك ْ‬ ‫ِك‪َ « :‬ه ّيا بِنا نَ َ‬
‫فع ُ‬ ‫َوهَذا أش َب ُه ب ِ َقول َ‬
‫ون إنَّنِي‬
‫زع ُم َ‬
‫ِين يَ َ‬
‫عض ُه ْم ح َ‬ ‫َالم الَّذِي يَف َترِي في ِه َع َل َّ‬
‫ي بَ ُ‬ ‫َوه َو الك ُ‬
‫أ ُقو ُلهُ‪َ .‬ف ُه ْم يَنا ُل َ‬
‫ون الدَّينُونَ َة الَّتِي يَس َت ِ‬
‫ح ُّقونَها‪( .‬رومة ‪)8–5 :3‬‬

‫وفي مثل هذه المواقف العصيبة‪ ،‬يجب على الزوجين أن يلتجئا إلى‬
‫صالة كنيستهم‪ ،‬مثلما يوصي اإلنجيل‪:‬‬

‫س ِّب ْح‬
‫َل فيكُم َمسرورٌ؟ فل ُي َ‬ ‫ن؟ َفل ُي َص ِّ‬
‫ل‪ .‬ه ْ‬ ‫َل فيكُم َمحزو ٌ‬
‫ه ْ‬
‫َنيس ِة‬
‫يوخ الك َ‬‫َدع ُش َ‬ ‫َل فيكُم َم ّ‬
‫ريض؟ فل َيست ِ‬ ‫حم ِد هللاِ‪ .‬ه ْ‬ ‫بِ َ‬
‫مع‬‫فالصال ُة َ‬
‫َّ‬ ‫ب‪.‬‬ ‫ل ُي َصلُّوا ع َلي ِه ويَدهنو ُه بِال َّز ِ‬
‫يت با‏سمِ ال َّر ِّ‬
‫َب‬
‫كان ا‏رتك َ‬
‫َ‬ ‫وإن‬
‫ْ‬ ‫ب ُيعافيهِ‪.‬‬
‫ريض‪ ،‬وال َّر ُّ‬ ‫خلِّ ُص َ‬
‫الم َ‬ ‫اإليمان ُت َ‬
‫خطي َئ ًة َغ َف َرها َله‪( .‬يعقوب ‪)15–13 :5‬‬ ‫َ‬

‫تكمن قدرة عظيمة وستر كبير في صالة أي كنيسة متّحدة فيما‬


‫بينها‪ ،‬وأيضا في ذلك اإليمان الذي يرجو أن تتم مشيئة هللا في حياة‬
‫األم وجنينها كليهما‪ .‬وفي النهاية – أقولها بارتعاش – فإن إيمان كهذا‬
‫هو ما يهم؛ «‪ . . . .‬ل َتك ُْن َمشي َئت َ‬
‫ُك‪( » . . . .‬متى ‪.)10 :6‬‬

‫يجب أن نقدم بدائل ال إدانة أخالقية‬


‫ّ‬
‫يحق لنا كمسيحيين أن نطالب فقط بوضع ح ّد لإلجهاض دون‬ ‫ال‬
‫تقديم أي بديل إيجابي لحل هذه المشكلة‪ .‬ويكتب ايبرهارد آرنولد‬
‫‪ Eberhard Arnold‬فيقول‪:‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪220‬‬

‫]*[‬
‫بأن تكون الحياة الجنسية‬ ‫قد يطالب فالسفة األخالقيات‬
‫عفيفة عن طريق اإلصرار على العِ َّفة قبل الزواج وبعده‪ .‬ولكن‬
‫سيكون حتى أفضل هؤالء الفالسفة مرائيا وظالما مالم يب ّين‬
‫بوضوح األساس الفعلي والعملي لمثل هذه المطالب‪ ،‬حتى‬
‫أن اإلجهاض نفسه ال يمكننا انتقاده لو لم يكن هناك إيمان‬
‫بملكوت هللا‪ .‬ألن نظام المجتمع بأكمله مندفع نحو التدمير‬
‫والهالك‪ .‬وسوف تستمر ثقافتنا المعاصرة – المحسوبة‬
‫راقية – في ممارسة هذه المجزرة ما دامت مظاهر الفوضى‬
‫االجتماعية وغياب العدالة واإلنصاف باقية سائدة‪ .‬فال يمكن‬
‫مكافحة قتل األطفال ما دامت الحياة الخاصة والعامة ظلّت‬
‫تحافظ على الوضع الفوضوي القائم على الصعيد االجتماعي‪.‬‬

‫فكل من يجاهد ضد الجشع والتكالب على الماديات‬


‫والغش والخداع في مجتمع تسوده تفرقة اجتماعية جائرة‪،‬‬
‫فيجب عليه الجهاد ضدها بطرق عملية – بطرق ُتظهر وتقدم‬
‫أسلوبا مختلفا من الحياة كإمكانية يمكن تحقيقها وموجودة‬
‫فعال على أرض الواقع‪ .‬وإال فإنه ال يمكننا المطالبة ال بالعفاف‬
‫في الزواج وال بوضع حد لإلجهاض؛ حتى أننا ال يسعنا أن‬
‫نتمنى ألفضل العائالت أن تتبارك بأطفال كثيرين‪ ،‬مثلما‬
‫‪39‬‬
‫ترمي إليه قوى هللا الخال َّقة‪.‬‬

‫نرى أن الكنيسة فشلت هنا في هذا المضمار فشال ذريعا‪ .‬فهناك‬


‫هن مع هذه المسألة‬
‫ج َ‬‫الكثير من األمهات المراهقات اللواتي يتوا َ‬

‫]*[  فالسفة األخالقيات ‪ Moral philosophers‬هم المتخصصون في فلسفة األخالقيات ‪Ethics‬‬


‫‪ or Moral Philosophy‬وهي فرع من الفلسفة التي تحاول وضع مبادئ صالحة بمنظار بشري‬
‫والتوصل إلى أفضل وسيلة للعيش بمنطق بشري ومحاولة إيجاد حلول لمسائل األخالقيات‬
‫ُّ‬
‫البشرية وذلك بتعريف المبادئ مثل الخير والشر والصح والغلظ والفضيلة والرذيلة والعدالة‬
‫والجريمة ‪ .‬وهناك فرق كبير بين األخالق (‪ )Morals‬واألخالقيات (‪.)Ethics‬‬
‫‪221‬‬ ‫الـحرب الـخـفـ ّيـة – مـنـع الـحـمـل واإلجـهـاض‬

‫لن على أي إرشاد روحي وإيماني‪ ،‬وال أي‬


‫يحص َ‬
‫ُ‬ ‫يوميا‪ ،‬ومع ذلك ال‬
‫ن أي‬
‫ن بأنه ليس لدي ُه َّ‬
‫دعم معنوي أو مادي‪ .‬وتشعر كثيرات من ُه َّ‬
‫ُن ضحايا المضايقات الجنسية؛‬
‫ن إما ك َّ‬
‫خيار آخر سوى اإلجهاض‪ :‬ألن ُه َّ‬
‫ِين ضغوط اآلباء‬
‫ين غضب الصديق ‪Boyfriend‬؛ وإما يالق َ‬ ‫َ‬
‫يخش َ‬ ‫وإما‬
‫ِن العودة إلى المنزل‪.‬‬
‫ْن بالطفل فال يمك َّ‬
‫ن لو ِجئ َ‬
‫ن أن ُه َّ‬
‫الذين يقولون ل ُه َّ‬

‫ْ‬
‫تحدثت الكاتبة األمريكية من الطائفة األرثوذكسية‬ ‫عندما‬
‫فريدريكا ماثيوس – جرين ‪ Frederica Mathewes–Green‬مع‬
‫جماعات من النساء كانت لهن حاالت إجهاض‪ ،‬اكتشفت الكاتبة‬
‫جوابا أجمعت عليه تلك النساء بشأن السبب الكامن وراء اقترافهن‬
‫لإلجهاض‪ ،‬أال وهو الضغط الناجم عن العالقات في كل حالة تقريبا‪.‬‬
‫دن الدعم واألمل‪،‬‬
‫دن اإلجهاض بل ُير ِ َ‬
‫فإن النساء – كما تقول – ال ُير ِ َ‬
‫وتردف فريدريكا قائلة‪:‬‬

‫وجدت أن المرأة تميل في الغالب إلى اختيار اإلجهاض‬


‫ُ‬ ‫لقد‬
‫بسبب التزاماتها إما بأن ترضي الناس الذين تهتم بهم وإما‬
‫بأن تحميهم‪ .‬فغالبا ما تكتشف المرأة وبعد فوات األوان أنه‬
‫يوجد شخص آخر له عليها التزامات‪ ،‬وهو جنينها‪ .‬أما الحزن‬
‫الذي ينتاب المرأة بعد اإلجهاض فينبع من قناعتها بأنها قد‬
‫غدرت بطفلها غدرا مميتا عندما كانت تعيش أزمة آنذاك‪،‬‬
‫أي وقت اقترافها لإلجهاض‪.‬‬

‫ن‬ ‫إن تقديم الدعم والمساندة إلى النساء الالتي ي ِ‬


‫جدْ َ‬
‫أنفسهن في حمل غير متوقع يشتمل على االستمرار بالقيام‬
‫بكل ما تفعله مراكز رعاية الحمل‪ :‬أي بمعنى توفير السكن‬
‫والرعاية الطبية والمالبس والمشورة وما إلى ذلك‪ .‬ولكن‬
‫يجب أن نتذكر أيضا بأن نصبح بمثابة الصديق المخلص‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪222‬‬

‫ن‪ ،‬وهي أهم مساعدة نقدمها‬


‫الذي يكرس نفسه لخدمت ُه ّ‬
‫ن‪ ،‬باإلضافة إلى بذل كل ما بوسعنا إلصالح العالقات‬
‫ل ُه ّ‬
‫‪40‬‬
‫ن‪.‬‬
‫ضمن عائالت ُه ّ‬

‫في التحدث جهرا ضد اإلجهاض‪ ،‬علينا أن ال ننسى أن هناك خطايا‬


‫أخرى تسبب الحزن والعذاب أكثر من اإلجهاض‪ .‬وهناك عدد قليل‬
‫ن حلوال بديلة عن اإلجهاض بحيث‬
‫جدا من النساء اليوم ُيقدَّم ل ُه ّ‬
‫تكون قابلة للتطبيق‪ ،‬وينعدم تقريبا بين تلك البدائل أي بديل يشير‬
‫إلى هللا الذي هو وحده القادر على س ّد حاجتهن‪ .‬إذ تعاني المرأة‬
‫التي اقترفت اإلجهاض من عذاب مبرح للضمير‪ ،‬وال يمكن شفاء‬
‫عزلتها وألمها غير المحدود إال عند الصليب – وإال باإليمان بالمسيح‪.‬‬
‫ويحتاج المسيحيون إلى أن يتحسسوا بهذا األلم الفظيع الذي تحمله‬
‫الكثير من النساء في قلوبهن على أطفالهن المفقودين‪َ .‬‬
‫فم ْن منا‬
‫يتجاسر على أن يرمي الحجر األول؟ مثلما نرى في قصة الزانية التي‬
‫أحضروها إلى يسوع المسيح لتُرجم‪ .‬فنقرأ في اإلنجيل كما يلي‪:‬‬

‫ج َع إلى‬ ‫يتون‪ .‬وعِ ن َد ال َفجر ِ َر َ‬


‫ِ‬ ‫ل ال َّز‬‫سوع فخ َر َج إلى ج َب ِ‬ ‫ُ‬ ‫أما يَ‬
‫َّ‬
‫خ َذ ُي َعلِّ ُم ُهم‪.‬‬
‫ج َل َس وأ َ‬ ‫عب كُلُّهُ‪ .‬ف َ‬ ‫الش ُ‬ ‫َّ‬ ‫ل إ َلي ِه‬
‫َل‪ ،‬فأق َب َ‬
‫ال َهيك ِ‬
‫عض‬ ‫أمسكَها بَ ُ‬
‫َ‬ ‫ون باَمرأ ٍة‬ ‫وجا َء ُه ُم َعلِّمو َّ‬
‫الشريع ِة وال َف ِّريس ُّي َ‬
‫الحاضرين‪ ،‬وقالوا َله‪:‬‬
‫َ‬ ‫ط‬‫وهي تَزني‪َ ،‬فاوقفوها في َو ْس ِ‬‫َ‬ ‫الناس‬‫ِ‬
‫المرأ َة في ال ِّزنى‪ .‬وموسى أوصى في‬
‫أمسكوا ه ِذ ِه َ‬
‫َ‬ ‫«يا ُم َعلِّ ُم‪،‬‬
‫أنت؟» وكانوا في ذل َ‬
‫ِك‬ ‫جمِ أمثالِها‪ ،‬فماذا تَ ُ‬
‫قول َ‬ ‫شريع ِت ِه ب ِ َر ْ‬ ‫َ‬
‫ُب بإص َبعِ ِه في‬ ‫سوع يكت ُ‬
‫ُ‬ ‫حنى يَ‬‫ج ُه ل َيت َِّهمو ُه‪ .‬فاَن َ‬
‫لون إحرا َ‬
‫ُيحا ِو َ‬
‫وقال ل ُهم‪:‬‬
‫َ‬ ‫ؤال‪ ،‬ر َف َع َ‬
‫رأس ُه‬ ‫حوا ع َلي ِه في ُّ‬
‫الس ِ‬ ‫فلما أل ُّ‬
‫َّ‬ ‫األرض‪.‬‬
‫ِ‬
‫جرٍ‪ ».‬واَنحنى ثان َي ًة‬ ‫خطي َئةٍ‪َ ،‬فل َي ْرمِ ها بأ ّو ِ‬
‫لح َ‬ ‫كان مِ نكُم بِال َ‬
‫«م ْن َ‬
‫َ‬
‫فلما َسمِ عوا هذا الكال َم‪ ،‬أخ َذت َضمائِ ُرهُم‬
‫األرض‪َّ .‬‬
‫ِ‬ ‫ُب في‬
‫يكت ُ‬
‫‪223‬‬ ‫الـحرب الـخـفـ ّيـة – مـنـع الـحـمـل واإلجـهـاض‬

‫صغارِهِ م‪،‬‬ ‫خرجوا واحدًا بَع َد واحدٍ‪ ،‬وكِبا ُرهُم َق َ‬


‫بل ِ‬ ‫ُتبكِّ ُت ُهم‪ ،‬ف َ‬
‫وقال لها‪:‬‬
‫َ‬ ‫سوع‬
‫ُ‬ ‫ج َل َس يَ‬
‫سوع وح َد ُه والمرأ ُة في مكانِها‪ .‬ف َ‬
‫ُ‬ ‫ِي يَ‬
‫وبَق َ‬
‫«أين هُم‪ ،‬يا اَمرأ ُة؟ أما حك ََم ع َل ِ‬
‫يك أح ٌد مِ ن ُهم؟» فأجابَت‪« :‬ال‪،‬‬ ‫َ‬
‫سوع‪« :‬وأنا ال أحك ُُم ع َل ِ‬
‫يك‪ .‬إذهَبي وال‬ ‫ُ‬ ‫فقال لها يَ‬
‫َ‬ ‫يا س ِّيدي!»‬
‫اآلن‪( ».‬يوحنا ‪)11–1 :8‬‬
‫َ‬ ‫ُتخطِ ئي بَع َد‬

‫ويل لنا لو صار تعاملنا في يوم من األيام فاترا وقاسي القلب مع‬
‫امرأة اقترفت إجهاض!‬

‫إن هللا يحب كل امرأة وكل جنين حبا متميزا جدا‪ .‬فقبل كل‬
‫شيء‪ ،‬فإن هللا أرسل ابنه الوحيد‪ ،‬يسوع المسيح‪ ،‬إلى األرض بهيئة‬
‫طفل‪ ،‬من خالل رحم أم‪ .‬ومثلما أشارت األم تيريزا قائلة أنه حتى‬
‫ج َبل هللا كل طفل‬
‫لو انقلبت األم على جنينها فلن ينساه هللا‪ .‬فقد َ‬
‫براحة يديه‪ ،‬ولديه خطة لحياة كل إنسان‪ ،‬ال في الدنيا فحسب بل أيضا‬
‫في اآلخرة‪ .‬أما بالنسبة إلى أولئك اليائسين بالدرجة التي تدفعهم إلى‬
‫عرقلة خطة هللا فنقول لهم مع األم تيريزا‪:‬‬

‫أرجوك ال تقتل الطفل‪،‬‬

‫إني أريد الطفل‪.‬‬

‫أرجوك أعطِ ني الوليد‪.‬‬


‫الفصل الثامن عشر‬

‫الطالق والزواج الثاني‬

‫َم ْن َطلَّ َق امرأتَ ُه وتَز َّو َج َغي َرها َزنى‪َ ،‬‬


‫وم ْن ت َز َّو َج امرأ ًة‬
‫َطلَّ َقها َزو ُ‬
‫جها َزنى‪.‬‬

‫لوقا ‪18 :16‬‬

‫والزواج الثاني ُتعتبر على األرجح من أصعب‬


‫مسألة الطالق‬
‫القضايا التي تواجه الكنائس المسيحية في‬
‫عصرنا هذا‪ .‬وقد أصبح من الصعب إيجاد ناس متزوجين يأخذون‬
‫كالم السيد المسيح التالي على محمل الجد‪« :‬ما َ‬
‫جم َع ُه هللاُ ال‬
‫اإلنسان» (متى ‪ – )6 :19‬أي بمعنى متزوجون يؤمنون‬ ‫ُ‬ ‫ُيف ِّر ُق ُه‬
‫بأن الزواج معناه الوفاء بين رجل واحد وامرأة واحدة‪ ،‬إلى أن يف ّرق‬
‫الموت بينهما‪.‬‬

‫قد يتصدّع رباط الزواج‪ ،‬ولكن ال يجوز ح ّله أبدا‬


‫يؤمن غالبية المسيحيين اليوم بأن الطالق والزواج الثاني أمران‬
‫مسموح بهما أخالقيا وكتابيا‪ .‬ويجادلون بأنه رغم أن هللا يكره‬
‫الطالق‪ ،‬إال أنه يسمح به من قبيل التنازل نظرا لحالتنا البشرية‬
‫الخاطئة‪ .‬ويفسرون ذلك قائلين بأنه بسبب قساوة قلوبنا فيمكن أن‬
‫ل‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬إن هللا يعرف ضعفنا ويقبل‬
‫ح ّ‬
‫فسخ الزواج أو ُي َ‬
‫ُي َ‬
‫حقيقة أننا ال يمكننا تحقيق المثالية دائما السيما أننا نعيش في عالم‬

‫‪224‬‬
‫‪225‬‬ ‫الـطـالق والـزواج الـثـاني‬

‫ساقط في الخطيئة‪ .‬وأنه بفضل غفران هللا يمكن للمرء دائما أن يبدأ‬
‫من جديد‪ ،‬حتى لو كانت بداية جديدة في زواج جديد‪.‬‬

‫ولكن‪ ،‬ماذا عن الرباط المتع َّهد به بين اثنين والمعقود أمام‬


‫هللا‪ ،‬سواء كان بمعرفة أو بغير معرفة؟ هل سبق أن َعنَى غفران‬
‫هللا إمكانية التنكُّر لهذا العهد؟ هل سبق أن سمح هللا بخيانة عهد‬
‫الزواج؟ ألنه كما أن وحدة الكنيسة أبدية وال تتغير‪ ،‬فهكذا الحال مع‬
‫الزواج الحقيقي‪ ،‬فهو يعكس هذه الوحدة وال فكاك منه‪ .‬وأنا أؤمن‪،‬‬
‫إسوة بإيمان المسيحيين األوائل‪ ،‬بأنه طالما أن الزوجين على قيد‬
‫ثان بعد طالق‪ .‬فإن ما جمعه‬ ‫الحياة ال يجوز أن يكون هناك زواج ٍ‬
‫هللا في وحدة الروح القدس ال يمكن أن يفرقه إال الموت‪ .‬أما الخيانة‬
‫الزوجية سواء كانت من أحد الزوجين أو من كليهما فال ُتغ ّير من هذا‬
‫شيئا‪ .‬فال يملك أي شخص مسيحي الحرية ليتزوج من شخص آخر‬
‫ما دامت قرينته (أو قرينها) على قيد الحياة‪ .‬فرباط الوحدة الزوجية‬
‫مهدّد بالضياع‪.‬‬

‫ويب ّين الرب يسوع بوضوح أن النبي موسى قد سمح بالطالق‬


‫في ظل الناموس بسبب قساوة القلب‪:‬‬

‫سوع لِقسا َو ِة ُقلوبِكُم أجا َز لكُم موسى ْ‬


‫أن ُتطلِّقوا‬ ‫ُ‬ ‫فأجابَ ُهم يَ‬
‫ن ال َبد ِء هكذا‪( .‬متى ‪)8 :19‬‬
‫كان األم ُر مِ َ‬
‫نِسا َءكُم‪ .‬وما َ‬

‫أما اآلن فلم تعد قساوة القلب ُعذرا مقبوال بين تالميذ السيد‬
‫المسيح – أولئك المولودين من الروح القدس‪ .‬فنرى أن النبي‬
‫موسى قال‪:‬‬

‫الق‪.‬‬ ‫َم ْن َطلَّ َق امرأتَهُ‪ ،‬ف ْل ُيعطِ ها ك َ‬


‫ِتاب َط ٍ‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪226‬‬

‫أما الرب يسوع فقال‪:‬‬

‫فأقول لكُم َم ْن طلَّ َق امرأتَ ُه إال َّ في حا َل ِة ال ِّزنَى يجع ُلها‬


‫ُ‬ ‫أما أنا‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫وم ْن تَز َّو َج ُمطلَّقة زنَى‪( .‬متى ‪)32–31 :5‬‬ ‫تَ ْزني‪َ ،‬‬

‫وقد فهم التالميذ هذا الكالم القاطع ليسوع فهما كامال‪ ،‬كما يتضح‬
‫من تعقيبهم‪:‬‬

‫مع المرأةِ‪ ،‬ف َ‬


‫خير ٌ‬ ‫ل َ‬‫ج ِ‬
‫حال ال َّر ُ‬
‫ُ‬ ‫فقال َله تالمي ُذ ُه إذا كانَت ه ِذ ِه‬
‫َ‬
‫أن ال يتَز َّو َج‪( .‬متى ‪)10 :19‬‬ ‫َله ْ‬

‫لقد أذِن موسى بالطالق انطالقا من ضرورة محضة‪ ،‬ولكن هذا‬


‫ال يمكنه أن يغ ّير الحقيقة وهي أنه منذ البدء كان المقصود من‬
‫ل الزواج (حتى‬
‫ح ّ‬ ‫ّ‬
‫يحق أن ُي َ‬ ‫الزواج أن يكون مؤبدا وال ينفصم‪ .‬فال‬
‫لو تصدَّع)‪ ،‬ال من قِبل الزوج الذي يهجر زوجته الخائنة‪ ،‬وال من قِبل‬
‫الزوجة التي تهجر زوجها الخائن‪ .‬إذ ال يمكن أن ُيلغى نظام هللا‬
‫‪41‬‬
‫بِسهولة أو باستخفاف‪.‬‬

‫ويكتب القديس بولس الرسول بالوضوح نفسه إلى أهل‬


‫كورنثوس فيقول ما يلي‪:‬‬

‫ب ال مِ نِّي‪،‬‬‫ن ال َّر ِّ‬


‫وهي مِ َ‬
‫َ‬ ‫جون ف َوص َّيتي ل ُهم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫المتَز ِّو‬
‫وأما ُ‬‫َّ‬
‫وإن فا َر َق ْتهُ‪ ،‬ف ْلت َ َ‬ ‫أن ال ُتفار ِ َق المرأ ُة َزو َ‬
‫َبق بِغير ِ َز ٍ‬
‫وج‬ ‫ْ‬ ‫جها‪،‬‬ ‫ْ‬
‫أن ال ُي َطلِّ َق ا‏مرأتَهُ‪1( .‬‬
‫وج ْ‬ ‫جها‪ ،‬وعلى ال َّز ِ‬ ‫أو َفلتُصال ِْح َزو َ‬
‫كورنثوس ‪)11–10 :7‬‬

‫ويكتب أيضا‪:‬‬

‫ُ َ‬
‫َ‬
‫مات‬ ‫فإن‬
‫ْ‬ ‫جها ح ّيا‪،‬‬ ‫تَرتَ ِب ُط المرأة بِشريع ِة ال َّز ِ‬
‫واج ما دا َم َزو ُ‬
‫جا في ال َّر ِّ‬
‫ب‪1( .‬‬ ‫ِن َزوا ً‬‫ح َّر ًة تت َز َّو ُج َم ْن تَشا ُء‪ ،‬ولك ْ‬ ‫عاد ْ‬
‫َت ُ‬
‫كورنثوس ‪)39 :7‬‬
‫‪227‬‬ ‫الـطـالق والـزواج الـثـاني‬

‫ويقول في الرسالة إلى رومة‪:‬‬

‫ِن إذا‬ ‫حيٌّ‪َ ،‬ف َ‬


‫هي زانيةٌ‪ .‬ولك ْ‬ ‫جها َ‬ ‫جل آ َ‬
‫خ َر و َزو ُ‬ ‫ت إلى َر ُ‬ ‫وإن صا َر ْ‬
‫ْ‬
‫ت‬‫إن صا َر ْ‬‫تكون زانِي ًة ْ‬
‫ُ‬ ‫ن الشريعةِ‪ ،‬فال‬ ‫جها تَح َّر َر ْ‬
‫ت مِ َ‬ ‫مات َزو ُ‬
‫َ‬
‫جل آ َ‬
‫خ َر‪( .‬رومة ‪)3 :7‬‬ ‫إلى َر ُ‬

‫وألن الزنى هو خيانة االتحاد الزوجي ذي ِ‬


‫الس ّريّة الخف ّية بين رجل‬
‫واحد وامرأة واحدة اللذين صارا جسدا واحدا‪ ،‬فهو يشكِّل أسوأ‬
‫أشكال الخداع‪ .‬وعلى مجتمع الكنيسة أن يتواجه بصالبة مع الزنى‪،‬‬
‫ويجب أن تجري دعوة الزاني إلى التوبة ويجب أن ُيؤدَّب كذلك‪،‬‬
‫بحسب توجيه اإلنجيل‪:‬‬

‫ُث عِ ندكُم مِ ْن زِنًى‪ ،‬وه َو زِنًى ال‬


‫خ َب ُر ما يَحد ُ‬
‫ُل مكان َ‬
‫شاع في ك ِّ‬
‫َ‬
‫ج َة أبيهِ‪.‬‬
‫عاش ُر َزو َ‬
‫ل مِ نكُم ُي ِ‬
‫ج ّ‬ ‫ثيل َله حتى عن َد ال َوثن ّي َ‬
‫ين ر ُ‬ ‫َم َ‬
‫وكان األو َلى بِكُم ْ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫ن الكِبريا ِء‬ ‫ِك فأنتُم ُمن َتف‬
‫ِخون مِ َ‬
‫َ‬ ‫ومع ذل َ‬
‫َ‬
‫أما أنا‪،‬‬
‫ِعل‪َّ .‬‬
‫َب هذا الف َ‬ ‫تَنوحوا حتى ُتزيلوا مِ ْن بَي ِنكُم َم ِ‬
‫ن ارتك َ‬
‫ت كأنِّي‬ ‫حك َْم ُ‬ ‫وح‪ ،‬ف َ‬
‫حاضر ٌ بال ُّر ِ‬
‫ِ‬ ‫س ِد ول ِكنِّي‬‫ج َ‬
‫ِب َعنكُم بال َ‬
‫فغائ ّ‬
‫عون‪ ،‬وأنا‬
‫َ‬ ‫ِعل‪ .‬فعِ ندَما تَجتَمِ‬ ‫ل هذا الف َ‬ ‫فع َ‬
‫حاضر ٌ على الذي َ‬ ‫ِ‬
‫ل‬
‫ج َ‬ ‫سوع و ُقد َرتِهِ‪َ ،‬سلِّموا هذا ال َّر ُ‬
‫َ‬ ‫وح‪ ،‬باسمِ َربِّنا يَ‬
‫َمعكُم بال ُّر ِ‬
‫ح ُه في يومِ‬ ‫س ُد ُه‪ ،‬فتَخ ُل َص ُرو ُ‬ ‫ج َ‬
‫ِك َ‬‫يطان‪ ،‬حتى يَهل َ‬ ‫ِ‬ ‫إلى َّ‬
‫الش‬
‫ب‪ 1( .‬كورنثوس ‪)5–1 :5‬‬
‫ال َّر ِّ‬

‫المتصدِّع‬
‫الوفاء والمحبة هما العالج لرباط الزواج ُ‬
‫من الجدير بالذكر أنه حتى لو كان الرب يسوع يسمح بالطالق لسبب‬
‫الزنى أو الفحشاء‪ ،‬إال أن ذلك يجب أن ال يكون أبدا نتيجة حتمية‬
‫أو ذريعة للزواج مرة ثانية‪ .‬ألن محبة الرب يسوع المسيح تصالح‬
‫وتغفر‪ .‬أما الذين يسعون إلى الطالق فسوف يحسون دائما بغصة‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪228‬‬

‫استياء مريرة في ضميرهم‪ .‬ومهما يبلغ األلم النفسي الذي يسببه‬


‫الشريك الخائن يجب على الشريك المجروح أن يكون مستعدا ألن‬
‫يصفح وأن يغفر له‪ .‬فلن يكون لنا رجاء في مغفرة هللا لخطايانا‬
‫الشخصية إال عندما نغفر لآلخرين‪ ،‬كما قال لنا الرب يسوع‪:‬‬

‫السماويُّ‬ ‫ّاس َزالّت ِِهم‪ ،‬يَغ ِف ْر لكُم أبوك ُُم َّ‬ ‫فإن كُنتُم تَغف َ‬
‫ِرون لِلن ِ‬ ‫ْ‬
‫ّاس زالّت ِِهم‪ ،‬ال يَغ ِف ُر لكُم أبوك ُُم‬ ‫وإن كُنتُم ال تَغف َ‬
‫ِرون لِلن ِ‬ ‫زالّتِكُم‪ْ .‬‬
‫السماويُّ زالّتِكُم‪( .‬متى ‪)15–14 :6‬‬
‫َّ‬

‫إن المحبة الوف ّية لشريك الحياة‪ ،‬لكن باألخص للسيد المسيح‪ ،‬هي‬
‫المتصدِّع‪.‬‬
‫العالج الوحيد لرباط الزواج ُ‬

‫إن الزوجين ك ْ‬
‫ِنت وا ِيمي ‪ Kent & Amy‬اللذين يخدمان حاليا‬
‫معا كقسيسين ضمن كنيسة واحدة في والية كولورادو األمريكية‪،‬‬
‫كانا مرة أحدهما ُمطلّق من اآلخر‪ .‬وكان وضعهما يائسا إلى أقصى‬
‫درجة يمكن أن يصل إليها زواج‪ .‬ولكن ألنهما أبقيا الباب مفتوحا‬
‫أمام المسيح فقد تمكن أحدهما أن يعود إلى اآلخر ثانية‪ .‬ويحكي لنا‬
‫ك ْ‬
‫ِنت قصته فيقول‪:‬‬

‫منذ اليوم األول‪ ،‬كان زواجنا ينطوي على مشاكل هائلة‪ ،‬وبدأنا‬
‫ثالث سنوات من االنحدار في دوامة من االضطراب الكلي‪.‬‬
‫ُ‬
‫وكنت أظن أن الزواج مجرد فرصة للتنزه معا واالستمتاع‬
‫معا‪ .‬فلم يكن لدي أية فكرة عن العمل الشاق الذي يتطلّبه‬
‫كنت في‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أصبحت مجرد هيكل إنسان‪ ،‬بل‬ ‫الزواج‪ .‬وأخيرا‬
‫ُ‬
‫وحاولت القيام بجميع األمور‬ ‫بعض األحيان أحتقر الحياة‪.‬‬
‫«الروحية» التي ُيفترض أن يقوم بها المرء في ظروفي‪ :‬مثل‬
‫قراءة الكتاب المقدس والصالة واستشارة اآلخرين‪ .‬ولكن‬
‫‪229‬‬ ‫الـطـالق والـزواج الـثـاني‬

‫ْ‬
‫بدت جميعها بال جدوى‪ .‬فقد جئنا أنا وايمي من خلفيات‬
‫متناقضة تماما‪ ،‬ولم نقدر أن نتفاهم رغم محاوالتنا المضنية‪.‬‬

‫وتفاقم األلم بدرجة كبيرة حتى أننا قررنا أن ننفصل‪،‬‬


‫وأن نبدأ بإجراءات الطالق‪ .‬وكان هذا عكس تربية كنيستي‬
‫وعلي أن أخرج‬
‫ّ‬ ‫تماما‪ ،‬لكني شعرت بأني محاصر في فخ يائس‬
‫منه‪ .‬واستمر العذاب النفسي حتى من بعد أن قررنا الطالق‪.‬‬
‫وأصبحت مرهقا نفسيا لدرجة أنه كانت تمر بي أيام أنهض‬
‫ُ‬
‫في الصباح منهوك القوى وال يمكنني حتى أن أز ّرر قميصي‪.‬‬
‫ح ُ‬
‫يت عن عملي‬ ‫ونظرا لعجزي في مجاراة األمور فقد تَ َن َّ‬
‫مدمرة كليا‪ .‬وكنت‬
‫َّ‬ ‫كقسيس‪ .‬وكانت ا ِيمي طوال هذه المدة‬
‫أعرف أنها كانت بودها أن تتحسن األمور‪ ،‬ولكن كان األمر‬

‫بالنسبة أل ّ‬
‫ي أكبر من طاقتي ألتحمله وأتعامل معه‪ .‬وبالرغم‬
‫من تعهداتنا للمسيح وأحدنا لآلخر‪ ،‬فقد ضعنا كالنا تماما‪.‬‬

‫وكمحاولة لعالج آالمي لجأت إلى االنهماك في العمل‪.‬‬


‫ُ‬
‫اخترت البطالة أو‬ ‫أدركت بأني سأصبح خامال وكسوال لو‬
‫ُ‬ ‫فقد‬
‫ُ‬
‫أخذت أعمل وأعمل وأعمل‪.‬‬ ‫دخلت في عالقة أخرى‪ .‬لذلك‬
‫ُ‬
‫وأعتقد بأني وا ِيمي حاولنا أن نثق بالله في قرارة نفسينا‬
‫ونتوكل عليه‪ ،‬لكني شخصيا كنت أقسم يوميا بيني وبين‬
‫نفسي أن ال أعود إليها مرة ثانية‪ .‬وفي كل مرة حاولنا فيها‬
‫التحدث لتصفية األمور‪ ،‬كان الحديث ينتهي بالمشاجرة‪ .‬فقد‬
‫كان حالنا ميؤوسا منه‪.‬‬

‫وصلت إلى ح ّد بحيث لم أعد أستطيع فيه حتى‬


‫ُ‬ ‫لقد‬
‫االلتفات إلى هللا‪ .‬فقد أصبح كل شيء ال فائدة منه‪ ،‬وم ّيتا‪:‬‬
‫وتوالت أسئلة اليأس والشك‪ :‬هل بقي شيء يستدعي‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪230‬‬

‫االهتمام؟ ثم لماذا كنت أعمل بكل هذه المشقة باألساس؟‬


‫ومن الذي كنت أحاول خداعه؟ ولماذا االستمرار في محاولة‬
‫العمل بمشيئة هللا إذا لم ينتج عنها أي شيء صالح؟‬

‫ُ‬
‫فرغت‬ ‫ولكن في وقت متأخر من إحدى الليالي‪ ،‬وعندما‬
‫من العمل‪ ،‬ش ّد نظري منظر القمر الساطع والنجوم المتأللئة‬
‫في كبد السماء‪ .‬واختطف شيء ما قلبي‪ ،‬وشعرت من جديد‬
‫أجهشت في البكاء‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ثوان حتى‬
‫ٍ‬ ‫بجاللة هللا ورحمته‪ .‬وما هي إال‬
‫وفي وسط كل آالمي ويأسي بدأت أشعر ربما ألول مرة في‬
‫حياتي بمعاناتي الحقيقية وبوضعي المزري من ناحية وبمحبة‬
‫هللا الواسعة غير المشروطة من ناحية أخرى‪ .‬وبالرغم من‬
‫عدم وفائي بوعودي لله ولزوجتي‪ ،‬إال أن هللا أكد لي بأنه كان‬
‫يتخل عني ولم يقطع أمله مني‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ما يزال وف ّيا لي وبأنه لم‬
‫وكانت تلك الليلة نقطة تحول حقيقية في حياتي‪ .‬فقد بدأ‬
‫شيء في داخلي يتغ ّير بفضل معجزة النعمة اإللهية‪.‬‬

‫وكنت أتمنى لو كانت هناك معجزات كثيرة لتجمعنا‬


‫على الفور أنا وا ِيمي ثانية‪ .‬ولكن لم يحدث أي شيء من‬
‫هذا القبيل‪ .‬فقد عاد أحدنا إلى اآلخر عن طريق بذل الكثير‬
‫من الجهود الشاقة‪ .‬فلم يحصل جمع شمل األسرة بشكل‬
‫فوري؛ بل استغرق عامين‪ .‬فكان يترتب علينا أن نحكي معا‬
‫بخصوص الكثير من األمور‪ ،‬وأن يغفر ويسامح أحدنا اآلخر‬
‫كثيرا‪ .‬وكلما كنا نحكي مع بعض ويفتح أحدنا قلبه لآلخر‬
‫كان يزول قدر كبير من العذاب والحواجز النفسية التي كانت‬
‫جانا هللا وحده‪ ،‬وليس سواه‪.‬‬
‫موجودة من قبل‪ .‬وأخيرا‪ ،‬ن ّ‬
‫فهو الذي أعاننا لكي نُبقي الباب مفتوحا له وأحدنا لآلخر‬
‫‪231‬‬ ‫الـطـالق والـزواج الـثـاني‬

‫– بالرغم من ضعفنا البشري والعراقيل التي نضعها‪ .‬وهو‬


‫الذي نجانا من فخ األكذوبة المنصوبة لنا في مثل ظروفنا‪،‬‬
‫لحل المشاكل هو عن طريق‬
‫ّ‬ ‫التي مفادها أن أفضل طريقة‬
‫إقامة عالقة مع شخص آخر أكثر مالئمة من األول‪.‬‬

‫وما يزال زواجنا يمر عبر مناطق وعرة‪ .‬وربما لن تنتهي‬


‫المناطق الوعرة‪ .‬ثم إننا – أنا وزوجتي – ما نزال نختلف كثيرا‬
‫ّزت تفكيري زيادة عن اللزوم في نقاط‬
‫أحدنا عن اآلخر‪ .‬ولو رك ُ‬
‫ضعفي أو نقاط ضعف زوجتي فلن أتحمل الوضع وسوف‬
‫أهرب‪ ،‬وبالتالي سوف ننفصل‪ ،‬ولكن الشيء الذي يجمعنا‬
‫ويحافظ على الحب بيننا هو وفاء هللا وإحسانه‪ .‬وهذا الوفاء‬
‫اإللهي هو الذي يحفظ نظري مثبتا على مشيئته ويجعلني‬
‫ملتزما بوعودي‪.‬‬

‫بطبيعة الحال‪ ،‬ال ينتهي كل صراع زوجي نهاية سعيدة مثلما حدث‬
‫مع الزوجين ك ْ‬
‫ِنت وا ِيمي‪ .‬ففي كنيستي على سبيل المثال‪ ،‬سبق‬
‫وأن حدث عدة مرات أن أحد الزوجين أصبح خائنا وطلّق شريكه‬
‫وهجر مجتمع الكنيسة وتزوج ثانية‪ .‬وكان الشريك المتروك يقرر‬
‫في كل مرة تقريبا أن يبقى في مجتمع الكنيسة وف ّيا لعهد عضويته‬
‫في الكنيسة ولعهد الزواج‪ .‬وعلى الرغم من أن هذا القرار يعتبر خيارا‬
‫مؤلما طبعا – ويكون األلم مضاعفا في حالة وجود أطفال – إال أنه‬
‫التتلمذ للمسيح‪ .‬فلو التجأنا‬
‫ُ‬ ‫جزء من الثمن الباهظ الذي يقتضيه‬
‫لله‪ ،‬فسوف يهبنا القوة على الثبات‪.‬‬

‫عند كل زواج يحدث في مجتمعات كنيستنا‪،‬‬


‫ُيسأل الشريكان السؤال التالي (ذا النقاط المتعددة‬
‫والمتمحورة حول موضوع واحد) الذي صاغه جدي‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪232‬‬

‫ايبرهارد آرنولد ‪ – Eberhard Arnold‬الذي كان‬


‫قسيسا ألمان ّيا ناهض السياسة التعسفية للحكومة‬
‫النازية في ألمانيا – والسؤال كاآلتي‪:‬‬

‫أخي‪ ،‬هل تمتنع كل ّيا عن اِتِّباع زوجتك فيما هو باطل –‬


‫وأختي‪ ،‬هل تمتنعين كل ّيا عن اِتِّباع زوجك فيما هو باطل؟‬
‫ولو حصل وأن أراد أحدكما أن يهجر طريق يسوع المسيح‬
‫وأن يترك الكنيسة‪ ،‬فهل يضع اآلخر اإليمان بمعلمنا يسوع‬
‫الناصري والوحدة في روحه القدوس قبل زواجه دائما‪،‬‬
‫وكذلك في حالة التواجه مع السلطات الحكومية؟ أسألكما‬
‫بن‬
‫هذا لعلمي بأن الزواج يكون مبنيا على الرمل‪ ،‬ما لم ُي َ‬
‫على صخرة اإليمان‪ ،‬أي بمعنى اإليمان بالرب يسوع المسيح‪.‬‬

‫في هذا السؤال حكمة عميقة فهو يدخل في صلب الموضوع ويضع‬
‫يده على الجرح سواء كان للزواج الذي يحصل اليوم أو في السابق‪.‬‬
‫ويمكننا القول أن هذا السؤال يذكِّرنا‪ ،‬وبكل بساطة‪ ،‬بال َ‬
‫خيار الموجود‬
‫المدّعين بأننا تالميذ يسوع المسيح‪ :‬فهل‬
‫أمام كل واحد منّا‪ ،‬نحن ُ‬
‫نحن مستعدون ألن نتبع يسوع مهما كلّف األمر؟ ألم يحذرنا هو‬
‫نفسه من الثمن الذي ندفعه؟ فقد قال‪:‬‬

‫ح ِّب ِه ألبي ِه وأ ُ ِّم ِه وا‏مرأتِ ِه‬


‫ي وما أح َّبني أكث َر مِ ْن ُ‬ ‫َم ْن جا َء إل َّ‬
‫أن‬‫َفسهِ‪ ،‬ال يَق ِد ُر ْ‬ ‫وأوال ِد ِه وإخوتِ ِه وأخواتِهِ‪ ،‬بل أك َث َر مِ ْن ُ‬
‫ح ِّب ِه لِن ِ‬
‫يكون تِلمي ًذا لي‪( .‬لوقا ‪)26 :14‬‬
‫َ‬

‫لو أخذ الزوجان هذا التحذير على محمل الجد‪ ،‬فقد يسبب بينهما‬
‫انشقاقا‪ ،‬ولكن سوف ُتصان قدسية رباط زواجهما حقا‪ .‬فالموضوع‬
‫هنا ليس الزواج في حد ذاته فحسب‪ ،‬بل أيضا رباط الوحدة السامية‬
‫‪233‬‬ ‫الـطـالق والـزواج الـثـاني‬

‫بين اثنين متّحدين في المسيح وفي روحه القدوس‪:‬‬

‫األخ أو األ ُ ُ‬
‫خت‬ ‫ُ‬ ‫ن‪ ،‬فل ُيفار ِ ْق‪َ .‬ل َ‬
‫يس‬ ‫إن فا َر َق َغي ُر المؤمِ ِ‬
‫ولكن ْ‬
‫ولكن هللاَ قد دَعانا في‬‫َّ‬ ‫األحوال‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ُمستَع َبدًا في مِ ِ‬
‫ثل ه ِذ ِه‬
‫ل؟‬
‫ج َ‬
‫صين ال َّر ُ‬
‫َ‬ ‫خلّ‬
‫المرأ ُة‪ ،‬هل ُت َ‬ ‫كيف تع َل َ‬
‫مين أيَّتُها َ‬ ‫السالمِ ‪ .‬ألن َّ ُه َ‬
‫َّ‬
‫خلّ ُص َ‬
‫المرأ َة؟ (‪ 1‬كورنثوس‬ ‫ل‪ ،‬هل ُت َ‬ ‫كيف تع َل ُم أيُّها ال َّر ُ‬
‫ج ُ‬ ‫أو َ‬
‫‪)16–15 :7‬‬

‫فكلما َظ َّ‬
‫ل الرجل وف ّيا لشريكة حياته (أو المرأة لشريك حياتها) –‬
‫بصرف النظر عن عدم وفاء ذاك الشريك – َقدَّم بذلك شهادة عن‬
‫هذه الوحدة السامية‪ .‬فبوسع الوفاء األبدي لله ولكنيسته أن يجدد‬
‫ُ‬
‫رأيت أكثر من مرة كيف تمكن‬ ‫االلتزام الزوجي ويزرع أمال جديدا‪ .‬وقد‬
‫وفاء شريك مؤمن أن ُيهدي شريكه غير المؤمن ويعيده إلى الرب‬
‫يسوع‪ ،‬وإلى الكنيسة‪ ،‬وإلى زواج رصين‪.‬‬

‫وقصة آن وزوجها هاورد (التي ذكرتها لكم في الفصل السادس‬


‫عشر) تعتبر مثاال على ذلك‪ .‬فنرى أنه حتى عندما عاد هاورد وسقط‬
‫في الخطيئة ثانية‪ ،‬لم تهتز التزامات زوجته آن نحو المسيح والكنيسة‬
‫مطلقا‪ .‬ومع أنها أبت االنصياع إلى مساومة زوجها هاورد‪ ،‬إال أنها لم‬
‫ُت ِد ْنه‪ .‬ولكنها وبدال من إدانته استدرجته بهدوء إلى الصراع من أجل‬
‫التوبة ومن أجل صنع بداية جديدة‪ .‬لذلك نرى أن ثبات وصبر الزوجة‬
‫آن كان لهما الفضل الكبير في استعادة كل من زواجهما وإيمان‬
‫زوجها هاورد‪.‬‬

‫الوفاء الحقيقي هو ليس مجرد عدم التورط في الزنى‬


‫خال من‬
‫ٍ‬ ‫لما كان هللا يبغض الطالق‪ ،‬فإنه سيدين أيضا كل زواج‬
‫ّ‬
‫المحبة وكل زواج هامد تسري فيه برودة الموت‪ ،‬ويجب أن يكون‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪234‬‬

‫هذا تحذيرا لكل منا‪ .‬فكم منا كان فاتر القلب أو غير محب لشريك‬
‫حياته بين حين وآخر؟ وكم آالفا من األزواج‪ ،‬بدال من أن يحب بعضهم‬
‫بعضا‪ ،‬يقتصر األمر على أنهم يتواجدون تحت سقف واحد؟ فليس‬
‫الوفاء الحقيقي مجرد عدم التورط في الزنى‪ ،‬بل أنه يشترط أن يكون‬
‫هناك التزام قلبي وروحي أيضا بين الزوجين‪ .‬وكلما افتقر الزوجان‬
‫إلى االلتزام أحدهما باآلخر وكان كل منهما يعيش حياة متوازية (ال‬
‫تؤدي إلى التالقي)‪ ،‬أو كانت بينهما قطيعة‪ ،‬فإن االنفصال والطالق‬
‫يقفان لهما بالمرصاد‪.‬‬

‫تطل‬
‫ّ‬ ‫ثم إن مهمة كل كنيسة هي محاربة روح الزنى حيثما‬
‫برأسها وتب ّين وجهها القبيح‪ .‬وأنا ال أقصد هنا الزنى كمجرد فعل‬
‫جسدي؛ ففي الحقيقة والواقع‪ ،‬فإن كل شيء في داخل الزواج يؤدي‬
‫إلى ضعف الحب أو الوحدة والوئام أو العفاف أو يعيق روح التوقير‬
‫المتبادل‪ُ ،‬يعتبر زنى‪ ،‬ألنه يغذي وينمي روح الزنى‪ .‬ولهذا السبب‬
‫سمى هللا عدم إخالص شعب إسرائيل بالزنى (راجع مالخي ‪:2‬‬ ‫ّ‬
‫‪.)16–10‬‬

‫وفي العهد القديم (أي قبل مجيء السيد المسيح) يستخدم‬


‫األنبياء الوفاء في الزواج كمثال على التزام هللا بشعبه إسرائيل‪،‬‬
‫الشعب المختار – عروسه‪( ،‬راجع هوشع ‪ .)1 :3‬ويقارن الرسول‬
‫بولس بطريقة مماثلة الزواج بعالقة الوحدة بين المسيح العريس‬
‫وكنيسته العروس‪ .‬وال يسعنا النظر بوضوح في مسألة الطالق والزواج‬
‫الثاني إال في ظل روحية هذه الصور َ‬
‫المجازية للكتاب المقدس‪.‬‬

‫وعندما تفشل أي كنيسة في رعاية العالقات الزوجية ألفرادها‪،‬‬


‫فكيف إذن يمكنها أن تدّعي ببراءتها عندما تنهار هذه العالقات؟‬
‫جم َع ُه هللاُ ال ُيف َّر ُق ُه‬
‫وعندما تتحاشى الكنيسة الشهادة أيضا بأن‪« :‬ما َ‬
‫‪235‬‬ ‫الـطـالق والـزواج الـثـاني‬

‫اإلنسان» فكيف تتوقع من أعضائها المتزوجين أن يبقوا ملتزمين‬


‫ُ‬
‫لمدى الحياة؟‬

‫وفي تأملنا لهذه المسائل والنظر فيها فهناك مبدآن مهمان‬


‫يجب عدم تناسيهما وإال تح َّوال إلى مزلقين من الواجب تجنبهما‪:‬‬
‫المبدأ األول‪ ،‬هو أننا ال يمكننا أبدا الموافقة على الطالق؛ والثاني‪،‬‬
‫يجب أن ال نعامل أبدا بحرفية الشريعة أو بالقسوة الناس الذين‬
‫يعانون من عذاب الطالق وآالمه‪ .‬ففي رفضنا للطالق ال يمكننا‬
‫المطلّق‪ ،‬حتى لو تزوج ثانية‪ .‬ويجب أن نتذكر دائما‬
‫رفض الشخص ُ‬
‫أنه بالرغم من أن الرب يسوع يتكلم بصرامة ضد الخطيئة‪ ،‬ولكن ال‬
‫تنعدم عنده الرأفة أبدا‪ .‬ولما كان الرب يسوع يشتاق إلى أن يعتق‬
‫كل خاطئ من عبودية الخطيئة ويهبه شفاء الروح والجسد والحياة‬
‫فهو يطلب التوبة عن كل خطيئة‪ .‬وهذا ما يطلبه أيضا من كل عالقة‬
‫زوجية ُمتصدِّعة‪.‬‬

‫ويجب علينا طبعا أن ال ندين اآلخرين أبدا‪ .‬ولكن علينا في‬


‫الوقت نفسه أن نكون أوفياء للمسيح قبل كل شيء آخر‪ .‬وعلينا‬
‫احتضان كامل الحق اإللهي الذي يطرحه – وليس مجرد تلك‬
‫األجزاء من هذا الحق التي تبدو مناسبة الحتياجاتنا‪ .‬فيقول السيد‬
‫المسيح في اإلنجيل‪:‬‬

‫راؤون!‬
‫َ‬ ‫الم‬
‫ون ُ‬ ‫َّ‬
‫الشريع ِة وال َف ِّريس ُّي َ‬ ‫يل لكُم يا ُم َعلِّمي‬
‫ال َو ُ‬
‫والصع َتر ِ والك َُّم ِ‬
‫ون‪ ،‬ولك َّنكُم‬ ‫َ‬ ‫نع‬
‫ن الن َْع ِ‬‫الع ْش َر مِ َ‬
‫ون ُ‬ ‫ُت ُ‬
‫عط َ‬
‫دق‪ ،‬وهذا‬ ‫والص َ‬
‫َّ‬ ‫دل وال َّرحم َة‬
‫الع َ‬
‫الشريعةِ‪َ :‬‬ ‫أهم ما في َّ‬ ‫ُتهمِ َ‬
‫لون َّ‬
‫دون أن ُتهمِ لوا َ‬
‫ذاك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫عملوا بِه مِ ْن‬ ‫جب ع َليكُم ْ‬
‫أن تَ َ‬ ‫كان يَ ُ‬
‫ما َ‬
‫ن ال َب َ‬
‫عوضةِ‪ ،‬ولك َّنكُم‬ ‫ميان! ُت َص ّف َ‬
‫ون الما َء مِ َ‬ ‫ُ‬ ‫أيٌّها القا َد ُة ُ‬
‫الع‬
‫ل‪( .‬متى ‪)24–23 :23‬‬
‫الجم َ‬
‫َ‬ ‫تَب َتل َ‬
‫ِعون‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪236‬‬

‫ولهذا السبب ال تز ِّوج كنيستنا أفرادا مطلقين لديها (مادام الشريك‬


‫السابق على قيد الحياة)؛ وللسبب نفسه ال تقبل كنيستنا أشخاصا‬
‫كأعضاء فيها من الذين قد تزوجوا مرة ثانية (بعد حالة طالق)‬
‫ويعيشون في عالقة زوجية مع شريك جديد مادام شريكهم السابق‬
‫على قيد الحياة‪ .‬ثم إن الزواج الثاني يزيد من تعقيد خطيئة الطالق‪،‬‬
‫حول دون إمكانية المصالحة مع الشريك األول‪ .‬فموقفنا في الزواج‬
‫ويَ ُ‬
‫هو موقف الوالء والوفاء لمدى الحياة‪ .‬فال يوجد موقف آخر يتوافق‬
‫مع الحب الحقيقي ومصداقية الزواج سوى هذا الموقف‪.‬‬

‫يحتاج األمر إلى إعادة اكتشاف المغزى من تقديم االلتزامات‬


‫في الزواج‪ .‬فها نحن اآلن قد بدأنا نتواجه ونرى األضرار التي يسببها‬
‫الطالق ألوالدنا‪ .‬فالطالق في نظر األوالد‪ ،‬دع عنك الراشدين‪ُ ،‬يعتبر‬
‫شيئا ال يمكن «التعافي منه» بسهولة‪ .‬فقد أظهرت الدراسات الحديثة‬
‫المتتالية أن معظم األوالد الذين يلجأ آباءهم إلى الطالق يعانون من‬
‫القلق والفشل الدراسي وعدم الثقة بالنفس‪ .‬وتستمر معاناتهم من‬
‫المشاكل النفسية كالخوف والكآبة والسلوك المعادي للمجتمع‬
‫حتى بعد عشر سنوات من انفصال والديهم‪.‬‬

‫أما األسر الربيبة – وهي أُسر فيها أوالد للزوج أو للزوجة –‬


‫فال تقدم حال ّ شافيا‪ .‬فال يمكن استرداد البنية األصلية لألسرة في‬
‫هذه األسر الربيبة‪ ،‬مهما تم بذله من محاوالت شاقة لتقليدها‪ .‬وفي‬
‫الحقيقة‪ ،‬فإن األوالد الذين يعيشون في أسر ربيبة تظهر عليهم‬
‫بوادر عدم األمان النفسي بدرجة أكبر مما يحصل مع األوالد الذين‬
‫يعيشون في بيوت ليس فيها سوى أحد أبويهم الحقيقيين‪ 42.‬لذلك‬
‫نرى أن جيال من األوالد ينشؤون بدون والديهم الذين من المفروض‬
‫أن يكونوا مثاال صالحا ألوالدهم – حتى أن العديد من األطفال ليس‬
‫‪237‬‬ ‫الـطـالق والـزواج الـثـاني‬

‫لهم والدون حقيقيون أساسا‪ .‬فأين يمكن لألوالد الحصول على‬


‫الدعم والمساندة عندما يحين وقتهم للزواج وتأسيس أسرة ب ِ ِن َّية‬
‫حسنة مثلهم مثل غيرهم من الشباب في يومنا الحاضر؟‬

‫كل شيء مستطاع عند هللا‬


‫بطبيعة الحال‪ ،‬لو أردنا تجنب الطالق‪ ،‬لوجب على مجتمع الكنيسة‬
‫أن يقدم ألفراده التوجيه واإلرشاد باإلضافة إلى الدعم العملي قبل‬
‫فترة طويلة من انهيار زواجهم‪ ،‬فينبهنا اإلنجيل‪:‬‬

‫ث بَ ْع ُضنَا بَ ْعضا ً‬ ‫ح َّ‬‫ين‪ ،‬لِ َن ُ‬ ‫خر ِ َ‬‫ُل َوا ِح ٍد مِ نَّا أ َ ْن يَ ْن َت ِب َه لِآل َ‬ ‫َو َع َلى ك ِّ‬
‫ح ُدك ُْم‬‫حةِ‪ . . . .‬ا ْن َت ِب ُهوا أَال َّ يَ ْس ُق َط أ َ َ‬
‫الصالِ َ‬ ‫ال َّ‬ ‫ح َّب ِة َواأل َ ْع َم ِ‬
‫َع َلى ا ْل َم َ‬
‫ب‬‫س ِّب َ‬‫ج ْذ ُر َم َرا َرةٍ‪َ ،‬ف ُي َ‬ ‫ل بَ ْي َنك ُْم َ‬ ‫حتَّى ال َ يَتَأ َ َّص َ‬ ‫مِ ْن ن ِْع َم ِة هللاِ‪َ ،‬‬
‫بَ ْل َب َل ًة‪َ ،‬و ُي َن ِّ‬
‫ج َس كَثِير ِ َ‬
‫ين مِ ْنك ُْم‪( .‬عبرانيين ‪َ 24 :10‬و ‪)15 :12‬‬

‫تدل على أن‬


‫ّ‬ ‫المقل ِقة التي‬
‫وبمجرد مالحظتنا لبعض المؤشرات ُ‬
‫ل ومع َّر ٌض للخطر فيجدر أن يكون المرء صادقا وصريحا‬
‫الزواج َعلي ٌ‬
‫ْ‬
‫كبرت ال ُه َّوة بين الزوجين كثيرا‪ ،‬فقد يتطلب األمر‬ ‫بشأنه‪ .‬أما إذا‬
‫كاف السترجاع العالقة القلبية بينهما‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫إلى توفير مكان لهما ووقت‬
‫وفي وضع كهذا‪ ،‬أو في الوضع الذي يصبح أحد الشريكين متعديا‬
‫وعنيفا‪ ،‬فإن االنفصال المؤقت قد يكون ضروريا‪ .‬وينبغي أن يجد‬
‫مجتمع الكنيسة السيما في هذه األوضاع وسائل عملية لمساعدة‬
‫كال الزوجين – أوال لكي ينشدا التوبة‪ ،‬وثانيا لكي يحصال على الثقة‬
‫المتبادلة والغفران المتبادل الضروريين الستعادة الزواج‪.‬‬

‫من المحزن رؤية شيمة األمانة في مجتمعات اليوم المعاصرة‬


‫قد صارت عملة نادرة جدا حتى أصبح ُينظر إليها وكأنها فضيلة‬
‫«بطولية‪ ».‬أال ينبغي أن تكون أمرا بديهيا لنا باعتبارها حجر األساس‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪238‬‬

‫إليماننا؟ فيقول اإلنجيل‪:‬‬

‫والصب ُر واللُّ ُ‬
‫طف‬ ‫َّ‬ ‫الم‬
‫والس ُ‬
‫َّ‬ ‫المح َّب ُة وال َف َر ُح‬
‫وح فه َو َ‬
‫ثم ُر ال ُّر ِ‬
‫أما َ‬‫َّ‬
‫الح واألمانَ ُة‪( .‬غالطية ‪)22 :5‬‬ ‫والص ُ‬‫َّ‬

‫وباعتبارنا من أتباع المسيح‪ ،‬أال ينبغي أن يكون كل منا راغبا في البقاء‬


‫أمينا في السراء والضراء ولغاية الموت‪ ،‬للمسيح ولمجتمع كنيسته‪،‬‬
‫ولزوجته أو لزوجها؟ فليس بغير مثل هذه العزيمة والتصميم يكون‬
‫لدينا أمل في البقاء أمناء لوعود زواجنا‪.‬‬

‫إن طريق المسيح ض ّيق‪ ،‬ولكن‪ ،‬بفضل الصليب‪ ،‬يتمكن كل‬


‫من يسمع كالم يسوع أن يضع تعاليمه في حيز التطبيق ويعيش‬
‫وفقا لها‪ ،‬فيوصينا يسوع المسيح‪:‬‬

‫ِل بَنى‬
‫ل عاق ٍ‬
‫ج ٍ‬ ‫يكون مِ ْث َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل بِه‬
‫فم ْن سمِ َع كالمي هذا وعمِ َ‬
‫َ‬
‫ياح‬
‫ت ال ِّر ُ‬
‫يول و َه َّب ِ‬
‫الس ُ‬
‫وفاضت ُّ‬
‫ِ‬ ‫الم َط ُر‬
‫ل َ‬ ‫الص ْ‬
‫خرِ‪ .‬فن َز َ‬ ‫بَي َت ُه على َّ‬
‫الصخرِ‪( .‬متى‬
‫أساس ُه على َّ‬
‫َ‬ ‫يت فما س َق َط‪َّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫ِك ال َب ِ‬
‫على ذل َ‬
‫‪)25–24 :7‬‬

‫لو كان تعليم الرب يسوع بشأن الطالق والزواج الثاني يبدو صعبا‪،‬‬
‫فال يرجع ذلك سوى إلى أن الكثيرين في أيامنا هذه لم يعودوا يؤمنوا‬
‫بجبروت قدرة التوبة والمغفرة ودورهما في تغيير الحياة‪ .‬وكذلك ألننا‬
‫نعد نؤمن بأن ما جمعه هللا يمكن بنعمته أن يظل متماسكا؛‬
‫لم ُ‬
‫ي ٍء ُم ْست ََطا ٌع عِ ْن َد للاَّ‪».‬‬ ‫ُل َ‬
‫ش ْ‬ ‫نعد نؤمن أيضا بقول يسوع‪« ،‬ك َّ‬
‫ولم ُ‬

‫وينبغي أن ال يكون هناك أي شيء عسيرا علينا‪ ،‬لو كان من‬


‫متطلبات اإلنجيل‪ .‬إذ يقول لنا السيد المسيح بنفسه‪:‬‬
‫‪239‬‬ ‫الـطـالق والـزواج الـثـاني‬

‫ال‪َ ،‬وأَنَا أُرِي ُ‬


‫حك ُْم‪.‬‬ ‫ِيلي األ َ ْ‬
‫ح َم ِ‬ ‫يع ا ْل ُمت َْع ِب َ‬
‫ين َوال َّثق ِ‬ ‫جمِ َ‬ ‫تَ َعا َل ْوا إ ِ َل َّ‬
‫ي يَا َ‬
‫اض ُع ا ْل َق ْل ِ‬
‫ب‬ ‫حمِ ُلوا نِيرِي َع َل ْيك ُْم َوتَ َعلَّ ُموا مِ نِّي‪ ،‬ألَنِّي َود ٌ‬
‫ِيع َو ُم َت َو ِ‬ ‫اِ ْ‬
‫ِيف‪( .‬متى‬ ‫خف ٌ‬ ‫ن َوح ِْم ِلي َ‬ ‫ن نِيرِي َه ِّي ٌ‬ ‫وسك ُْم‪ .‬أل َ َّ‬
‫ح ًة لِ ُن ُف ِ‬‫جدُوا َرا َ‬‫َف َت ِ‬
‫‪)30–28 :11‬‬

‫فلو نظرنا إلى تعاليم الرب يسوع بشأن الطالق والزواج الثاني بهذا‬
‫اإليمان لرأينا أنه تعليم ينطوي على وعد عظيم‪ ،‬وأمل كبير‪ ،‬وقوة‬
‫مقتدرة‪ .‬وإن ب ِ ّر هذا التعليم أعظم بكثير من ب ِ ّر تعليم األخالقيين‬
‫المتزمتين والفالسفة‪ .‬إذ إنه ب ِ ّر الملكوت‪ ،‬وهو تعليم مؤسس على‬
‫حقيقة القيامة والحياة الجديدة‪.‬‬
‫الفصل التاسع عشر‬

‫فلنسهر إذن‬

‫أعمال َّ‬
‫الظالمِ‬ ‫َ‬ ‫ب النَّها ُر‪ .‬ف ْلن َْط َر ْح‬ ‫تَناهى الَّ ُ‬
‫ليل واق َت َر َ‬
‫لوك في النَّهارِ‪:‬‬
‫الس ُ‬
‫ليق ُّ‬ ‫الح النّورِ‪ .‬لِنَس ُلك كما يَ ُ‬ ‫ونَحمِ ْل ِس َ‬
‫ال َعربَ َد َة وال ُسك َر‪ ،‬وال ُفجو َر وال َف َ‬
‫حش‪ ،‬وال خِصا َم وال‬
‫المسيح‪ ،‬وال تَ َ‬
‫نشغِ لوا‬ ‫ِ‬ ‫سوع َ‬‫َ‬ ‫سلَّحوا بال َّر ِّ‬
‫ب يَ‬ ‫حسدَ‪ .‬بَ ْل تَ َ‬
‫َ‬
‫بالجس ِد إلِشباع َ‬
‫ش َهواتِه‪.‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬

‫رومة ‪14–12 :13‬‬

‫قلة الحياء والعهارة التي يتسم بهما عصرنا‪ ،‬إال‬


‫على الرغم من‬
‫أن حياة العِ ّفة والحب الوفي ما يزاالن ممكنين‬
‫حتى في يومنا هذا‪ .‬وبالرغم من أن كنائس كثيرة أهملت المناداة‬
‫بأن السعادة الجنسية ليست ممكنة سوى في إطار التزامات الزواج‪،‬‬
‫شك في أن‬
‫ّ‬ ‫إال أننا ما نزال على يقين بهذه الحقيقة‪ .‬وال يساورنا أي‬
‫الكثير من الناس اليوم لديهم اشتياق كبير إلى حياة العِ ّفة والوفاء‪.‬‬
‫ولكن ال يكفي االشتياق وحده‪ .‬ألنه ليس بمقدورنا أن نلمس بركات‬
‫الروح القدس العظيمة وتقديس حياتنا يوميا إال عندما نريد اِتِّباع‬
‫وإطاعة إرشاد الروح القدس مهما كلف األمر‪ .‬أنؤمن من أعماق‬
‫كياننا بقدرة الروح القدس؟ وهل نحن راغبون في أن ندع هللا يغ ّير‬
‫جرة تغييرا كل ّيا بحيث يقلب حياتنا رأسا على عقب لكي‬
‫قلوبنا المتح ِّ‬
‫تستقيم؟ فها هي دعوة اإلنجيل‪:‬‬

‫‪240‬‬
‫‪241‬‬ ‫فـلـنـسهر إذن‬

‫وال تت َ‬
‫َش َّبهوا بِما في ه ِذ ِه الدُّنيا‪ ،‬بل تَ َغ َّيروا بِتَجدي ِد ُعقولِكُم‬
‫رضيٌّ‪ ،‬وما ه َو‬
‫ح‪ ،‬وما ه َو َم ِ‬ ‫لِتَعرِفوا َمشي َئ َة هللاِ‪ :‬ما ه َو صالِ ٌ‬
‫ل‪( .‬رومة ‪)2 :12‬‬
‫كامِ ٌ‬

‫يتطلب الصراع في سبيل العِ َّفة تصميما يوميا‬


‫نحن كلنا نعرف التجربة وإغواء إبليس‪ ،‬ونحن كلنا قد استسلمنا‬
‫للتجربة‪ .‬ونحن كلنا قد فشلنا بين حين وآخر في عالقاتنا سواء‬
‫كانت في العمل أو في البيت أو في الزواج أو في حياتنا الشخصية‪.‬‬
‫وكلما أسرعنا في التواجه مع هذه الحقيقة كان أفضل لنا‪ .‬ومع ذلك‬
‫يمكننا الحصول على تعزية روحية حتى لو كنا نصارع في النجاحات‬
‫أو اإلخفاقات‪ ،‬وحتى لو تبعت أوقات النصرة أوقات من الشك‪ .‬فال‬
‫ب أيضا‪ ،‬وبكافة الطرق التي نُج ّرب بها‬
‫ج ِّر َ‬
‫ننسى أن يسوع نفسه قد ُ‬
‫نحن البشر‪ ،‬كما يشهد اإلنجيل‪:‬‬

‫ِيس ا ْلكَ َه َن ِة الَّذِي َلنَا‪َ ،‬ل ْي َس َعا ِجزا ً َع ْن تَ َف ُّهمِ‬ ‫ن َرئ َ‬ ‫ِك أل َ َّ‬ ‫َذل َ‬
‫ن َل َها‪،‬‬ ‫ب الَّتِي نَت ََع َّر ُض نَ ْ‬
‫ح ُ‬ ‫َض َع َفاتِنَا‪ ،‬بَ ْل إِن َّ ُه َقدْ تَ َع َّر َض لِل َّت َ‬
‫جار ِ ِ‬
‫إِال َّ أَن َّ ُه بِال َ َ‬
‫خطِ َّيةٍ‪( .‬عبرانيين ‪)15 :4‬‬

‫وبمعونته يمكننا الحصول على العِ َّفة التي تحمينا من كل تجربة‬


‫وإغراء‪ .‬ويقول القديس يعقوب الرسول‪:‬‬

‫ان‬
‫ح َ‬‫االم ِت َ‬ ‫ح َن َة ب ِ َص ْبرٍ‪َ .‬فإِنَّهُ‪ ،‬بَ ْع َد أ َ ْن يَ ْ‬
‫جتَا َز ْ‬ ‫ل ا ْلمِ ْ‬ ‫ُطوبَى ل َِم ْن يَ َت َ‬
‫ح َّم ُ‬
‫ح ِّبيهِ‪.‬‬ ‫ح َياةِ» الَّذِي َو َع َد ب ِ ِه ال َّر ُّ‬
‫ب ُم ِ‬ ‫ِيل ا ْل َ‬
‫َال «إ ِ ْكل َ‬
‫اح‪َ ،‬س َين ُ‬
‫ج ٍ‬‫ب ِ َن َ‬
‫(يعقوب ‪)12 :1‬‬

‫فالمهم هنا هو اإلرادة القلبية الخالصة أي بمعنى ما نتمناه من‬


‫صميم قلوبنا – تلك األمنية التي تتكلم في دواخلنا في كل مرة نم ُثل‬
‫أمام هللا بالصالة‪.‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪242‬‬

‫وفي صراعنا الروحي من أجل أن نكون أمناء للرب‪ ،‬فمن‬


‫الضروري جدا أن تكون إرادتنا بأكملها مصممة على العِ َّفة‪ .‬فالقلب‬
‫المنقسم – المرتاب والمتردد – لن يتمكن من الصمود أبدا‪:‬‬

‫وج‬ ‫ألن الّذي يَ ُ‬


‫رتاب ُيش ِب ُه َم َ‬ ‫ارتياب فيهِ‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫بإيمان ال‬
‫ٍ‬ ‫و ْل َيط ُل ْبها‬
‫ح ٌد كهذا أن َّ ُه يَ ُ‬
‫نال‬ ‫ج ْتهُ‪ .‬وال يَ ُظ َّ‬
‫نأ َ‬ ‫يح ف َه َّي َ‬
‫ت بِه ال ِّر ُ‬‫البحر ِ إذا َلعِ َب ْ‬
‫ب شيئًا‪( .‬يعقوب ‪)7–6 :1‬‬
‫ن ال َّر ِّ‬
‫مِ َ‬

‫غير أن قوة اإلرادة وحدها ال تقدر على تحقيق اليقين واالطمئنان‬


‫وعدم تشتيت الفكر‪ .‬فلو أرهقنا نفوسنا داخليا في جنون مطبق‪،‬‬
‫حتى لو تمكَّنا من المواكبة بعض الشيء‪ ،‬واستطعنا رفع رؤوسنا‬
‫فوق الماء والعوم‪ ،‬إذا جاز التعبير‪ ،‬فسرعان ما نتعب ونغرق‪ .‬ولكن‬
‫لو سلمنا حياتنا ليسوع الستطاعت قوة نعمته اإللهية في هذه الحالة‬
‫أن تمألنا‪ ،‬وتعطينا قوة جديدة وعزما جديدا‪.‬‬

‫وفي معركتنا مع روحية عصرنا الفاسدة فينبغي أن ال نجاهد‬


‫ضد الخطايا الواضحة مثل خطيئة الزنى والخداع والقتل‪ . . . .‬إلخ‬
‫فحسب‪ ،‬بل أيضا ضد الالمباالة والفتور والخوف‪ .‬وطبعا‪ ،‬ليس هناك‬
‫أي شخص يقول أنه ضد الوفاء وضد الحب‪ ،‬أو أنه يعارض العدل‬
‫والسالم‪ ،‬ولكن كم واحدا منا على استعداد للجهاد في سبيل هذه‬
‫األمور بالقول والفعل؟ ولنعلم بأن روحية عصرنا الفاسدة قد شلّتنا‬
‫روحيا ووجدانيا وألبستنا تهاونا ُمهل ِكا تجاه الوضع الراهن الفاسد‪،‬‬
‫بحيث إننا اعتدنا على أن ندير وجوهنا له ونتغاضى عنه‪ .‬ولكن لو لم‬
‫نتكلم جهرا ضد ش ّر زماننا من خالل أسلوب حياتنا‪ ،‬ألصبحنا عندئذ‬
‫مذنبين تماما مثل أولئك الذين يذنبون عن عمد‪ .‬فيجب علينا كلنا‬
‫أن نتغير‪ ،‬ويجب علينا أن نبدأ بمواجهة الالمباالة التي في حياتنا‬
‫الشخصية قبل كل شيء‪.‬‬
‫‪243‬‬ ‫فـلـنـسهر إذن‬

‫قبل مجرد نصف قرن من الزمان‪ ،‬كان الناس يعتبرون‬


‫ممارسة الجنس قبل الزواج والطالق وممارسات المثلية الجنسية‬
‫وما شابه ذلك أمورا باطلة أخالقيا‪ .‬أما اليوم فتُعتبر هذه األمور‬
‫أسلوب حياة بديل ومقبول‪ .‬ولألسف‪ ،‬فإن عددا متزايدا من‬
‫الكنائس تتبنى هذا الموقف أيضا‪ .‬واآلن نرى أن البهيمية (االتصال‬
‫الجنسي مع الحيوانات) وتعدُّد الزوجات وتعدُّد العشاق والساديّة‬
‫(التل ّذذ بالعنف الجنسي) أصبحت كلها تحظى بالدعم والمساندة‬
‫كوسيلة من وسائل «التعبير الجنسي‪ ».‬ومنذ عقود قليلة فقط لم‬
‫نكن نسمع عما يسمى بالتغيير الجنسي (إجراء عمليات جراحية‬
‫للتحول من ذكر إلى أنثى أو بالعكس)‪ .‬أما اليوم فأخذ يحظى هذا‬
‫اإلجراء الكافر بقبول واسع في العالم الغربي‪ .‬ثم إن التكاليف الباهظة‬
‫لهذه العمليات الجراحية هي في حد ذاتها جريمة ضد اإلنسانية إذا‬
‫ما أخذنا بعين االعتبار المجاعات المنتشرة والفقر السائد في العالم‬
‫الثالث بما في ذلك حاراتنا األمريكية الفقيرة‪.‬‬

‫وبالرغم من أن كل هذه التوجهات مرعبة‪ ،‬ولكن ينبغي أن ال‬


‫يخاف اآلباء من أن يقوموا بتحذير أوالدهم من هول هذه االنحرافات‪،‬‬
‫وذلك لتجنب الجراح التي قد تنشأ عنها‪ .‬ألنه وبالرغم من أن الرب‬
‫يسوع يقول أن جميع الخطايا يمكن أن ُيغفر لها‪ ،‬إال أن خبرتي في‬
‫مجال المشورة االجتماعية ب ّينت لي أن الذين لديهم ضلوع في مثل‬
‫هذه األعمال يجرحون نفوسهم بجراح دائمة‪.‬‬

‫فما رأي هللا بِقلّة الحياء التي يتسم بها زماننا؟ نرى في الرواية‬
‫]*[‬
‫الشهيرة «اإلخوة كارامازوف» للكاتب فيودور دوستويفسكي‬

‫]*[  فيودور دوستويفسكي ‪ Dostoevsky Fyodor‬واحد من أكبر الكُتّاب الروسيين ومن أفضل‬
‫الكُتّاب العالميين‪.‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪244‬‬

‫بأنه يذكرنا بما يلي‪« :‬لو لم يكن هللا موجودا لصار كل شيء ُمباحا‪».‬‬
‫أال نرى اآلن انفالت «كل شيء»؟ فمتى سنتوقف لكي نرى روح‬
‫التمرد المروعة الكامنة في حياتنا األثيمة؟ ومتى سنتذكر تحذيرات‬
‫هللا بشأن غضبه على الخطأة في نهاية األزمنة؟ ولنتذكر كالم القديس‬
‫بولس الرسول في اإلنجيل كاآلتي‪:‬‬

‫سكُم‪ :‬ه َو هللاُ ال ُيستَه َزأ ُ بِه‪ ،‬وما يَز َر ُع ُه اإلنسان‬


‫ال تَخدَعوا أن ُف َ‬
‫س ِد ال َفسادَ‪،‬‬
‫ج َ‬
‫ن ال َ‬
‫حص َد مِ َ‬
‫س ِد َ‬ ‫فم ْن َز َر َع في ال َ‬
‫ج َ‬ ‫حصدُ‪َ :‬‬
‫فإيّا ُه يَ ُ‬
‫وح الحيا َة األب ِديَّ َة‪( .‬غالطية‬
‫ن ال ُّر ِ‬
‫ح َص َد مِ َ‬ ‫وم ْن َز َر َع في ال ُّر ِ‬
‫وح َ‬ ‫َ‬
‫‪)8–7 :6‬‬

‫لنسأل هللا رحمته في يوم الحساب قبل فوات األوان‪ .‬ولنسأله ليه ّز‬
‫ضمائرنا الم ّيتة وينقينا ويهبنا حياة جديدة‪.‬‬

‫نحن في أمس الحاجة في هذه األيام إلى ناس كثيرين من أمثال‬


‫يوحنا المعمدان‪ .‬ولكن أين هؤالء الناس؟ أين هي «األصوات الصارخة‬
‫في البرية» والمنادية بالتوبة واالهتداء واإليمان والحياة الجديدة؟‬
‫لقد كانت رسالة يوحنا المعمدان بسيطة وواضحة‪ُ « :‬توبُوا‪ ،‬ألَن َّ ُه َق ِد‬
‫ات!» (متى ‪ )2 :3‬ولم يَ َ‬
‫خش يوحنا المعمدان‬ ‫السما َو ِ‬
‫ُوت َّ‬ ‫ا ْق َت َر َ‬
‫ب َم َلك ُ‬
‫من مواجهة أي إنسان‪ ،‬بما في ذلك الزعماء الروحيين وقتذاك‪ ،‬حتى‬
‫أنه واجه الملك هيرودس نفسه بشأن زواجه الفاحش‪ ،‬قائال له‪« :‬ال‬
‫أن تَتَز َّو َ‬
‫جها‪ »،‬كما هو مكتوب في اإلنجيل‪:‬‬ ‫ك ْ‬‫ِل َل َ‬
‫يَح ُّ‬

‫أجل‬
‫ِ‬ ‫ج َن ُه مِ ْن‬
‫وس َ‬
‫َ‬ ‫ك يوحنَّا و َق َّي َد ُه‬
‫أمس َ‬ ‫َ‬ ‫ُس‬‫وكان هيرود ُ‬ ‫َ‬
‫ِل‬‫يقول َله‪« :‬ال يَح ُّ‬
‫ُ‬ ‫كان‬
‫ألن يوحنَّا َ‬ ‫هيرو ِديَّ َة امرأ ِة أخي ِه فيل ُّب َس‪َّ ،‬‬
‫أن تَتَز َّو َ‬
‫جها‪( ».‬متى ‪)4 –3 :14‬‬ ‫ك ْ‬‫َل َ‬

‫ولعل أهم عمل قام به يوحنا المعمدان هو محاسبته وتوبيخه‬


‫‪245‬‬ ‫فـلـنـسهر إذن‬

‫للناس األتقياء والمتديّنين والناس «الفاضلين» بشكل زائف‪:‬‬

‫جيئون‬
‫َ‬ ‫ين يَ‬
‫والصدُّوق ِّي َ‬
‫َ‬ ‫ن ال َف َّريس ّي َ‬
‫ين‬ ‫أن كثي ًرا مِ َ‬
‫حنَّا َّ‬‫ورأى يو َ‬
‫أن‬‫فقال َل ُهم‪« :‬يا أوال َد األفاعي‪َ ،‬م ْن علَّمكُم ْ‬‫َ‬ ‫إليه ل َيعتَمِ دوا‪،‬‬
‫ن على تَ ْوب ِتكُم‪.‬‬ ‫ب اآلتي؟ أ ْثمِ روا َ‬
‫ثم ًرا ُي َب ْرهِ ُ‬ ‫ن َ‬
‫الغ َض ِ‬ ‫تَه ُربوا مِ َ‬
‫(متى ‪)8–7 :3‬‬

‫ال تكفي األعمال الصالحة عند الجهاد في سبيل ملكوت هللا‬


‫في بشارة الرسول متى في اإلنجيل‪ ،‬يقول يسوع المسيح لتالميذه‪:‬‬
‫ليلون‪( ».‬متى ‪ )37 :9‬فما أصدق‬
‫َ‬ ‫ال َق‬
‫الع َّم َ‬
‫ولكن ُ‬
‫َّ‬ ‫حصا ُد كثيرٌ‪،‬‬
‫«ال َ‬
‫هذا الكالم اليوم! ألن الكثير من الناس يشتاقون إلى التح ّرر الذي‬
‫يهبه السيد المسيح ولكنهم باقون مك ّبلون بخطاياهم‪ .‬وال يجرأ على‬
‫المجازفة والشهادة لهم عن جبروت السيد المسيح سوى القليل‬
‫من المسيحيين‪ .‬فالمهمة جسيمة‪.‬‬

‫مما ال شك فيه أن معظم الناس لديهم نوايا حسنة؛ ويشتاقون‬


‫بشغف إلى عمل أعمال صالحة وأن يحيوا حياة مستقيمة‪ .‬ولكن‬
‫ال يكفي هذا‪ .‬ألنه هناك حقيقة إيّانا أن ننساها وهي أن الجهاد في‬
‫سبيل ملكوت هللا ليس مجرد معركة مع الطبيعة البشرية‪ :‬فإننا‬
‫نتعامل مع شيء أقوى بكثير جدا من البشر‪ ،‬إننا نتعامل مع‬
‫الرؤساء والسالطين ووالة العالم‪ ،‬فها هو اإلنجيل يبين لنا ذلك‪:‬‬

‫ئاس ِة‬
‫أصحاب ال ِّر َ‬
‫َ‬ ‫ب أعدا ًء مِ ْن َلحمٍ ودَمٍ ‪ ،‬بَ ْل‬ ‫َحن ال نُحار ِ ُ‬
‫فن ُ‬
‫والسيا َد ِة على هذا العا َلمِ ‪ ،‬عا َلمِ َّ‬
‫الظالمِ واألرواح‬ ‫ِّ‬ ‫لطان‬
‫ِ‬ ‫والس‬
‫ُّ‬
‫ِّ‬
‫الش ِّري َر ِة في األجوا ِء َّ‬
‫السما ِويَّةِ‪( .‬أفسس ‪)12 :6‬‬

‫إننا نتعامل مع الروح الشيطانية المدمرة‪ ،‬التي يسميها القديس‬


‫ن ا ْل َها ِويَةِ‪( ».‬رؤيا ‪)7 :11‬‬ ‫يوحنا الرسول‪« ،‬ا ْل َو ْ‬
‫ح ُش َّ‬
‫الصاعِ ُد مِ َ‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪246‬‬

‫إن الوحش يحكم سيطرته على كل بلد وعلى كل حكومة‪،‬‬


‫وعالمته موجودة وآخذة باالنتشار في كل مكان في زماننا هذا‪ :‬فنراها‬
‫في اضمحالل عالقات الصداقة الدائمة‪ ،‬وتالشي حياة التضامن‬
‫والمقاسمة‪ ،‬وفي ظلم الفقراء‪ ،‬وفي استغالل النساء واألطفال‪.‬‬
‫ونراها في جرائم القتل بالجملة لألجنّة‪ ،‬وفي إعدام المسجونين‪.‬‬
‫كما نراها على األكثر في اليأس المطبق لماليين كثيرة من الناس‬
‫الذين يعيشون وحيدين‪.‬‬

‫إننا نعيش في نهاية األزمنة‪ .‬فإنها الساعة األخيرة (راجع ‪ 1‬يوحنا‬


‫‪ .)18 :2‬ويجب علينا أن نسهر دائما لو أردنا أن ال نقع تحت الدينونة‬
‫في ساعة التجربة األخيرة‪ .‬فيلزمنا أن نسأل هللا من أجل أن تتقوى‬
‫روحنا وتمتلئ عزيمة وشجاعة لكي نتكلم جهرا عن هللا وعن قضيته‬
‫ومقاصده‪ ،‬حتى لو بدا لنا أنه ال يوجد من يريد االستماع إلينا‪.‬‬

‫وم َث ُ‬
‫ل يسوع عن العذارى العشر بشأن يوم الحساب يجب أن‬ ‫َ‬
‫يكون تحذيرا وتحديا لنا كلنا‪ .‬ألن يسوع ال يتحدث في هذا المثل عن‬
‫عالم ضال في جانب‪ ،‬وعن كنيسة في الجانب اآلخر‪ :‬ألن جميع النساء‬
‫العشرة في القصة عذارى‪ ،‬وجميعهن يستعدن لمقابلته – العريس‪.‬‬
‫لذلك فهو يخاطب الكنيسة‪ ،‬فتعالوا نتأمله معا‪:‬‬

‫ن‬
‫ح ُه َّ‬ ‫حم ْل َ‬
‫ن َمصابي َ‬ ‫ماوات َعش َر َعذارى َ‬
‫ِ‬ ‫الس‬ ‫ُ‬
‫لكوت َّ‬ ‫و ُيش ِب ُه َم‬
‫مس‬ ‫الت و َ‬
‫خ ٌ‬ ‫ن جاهِ ٍ‬
‫مس مِ ن ُه َّ‬ ‫وكان َ‬
‫خ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ريس‪.‬‬
‫الع ِ‬
‫ن لِلقا ِء َ‬
‫ج َ‬
‫وخ َر ْ‬
‫هن‬
‫مع َّ‬
‫ذن َ‬ ‫ن‪ ،‬وما أ َ‬
‫خ َ‬ ‫ح ُه َّ‬ ‫لت الجاهِ ُ‬
‫الت َمصابي َ‬ ‫ح َم ِ‬
‫ِالت‪ .‬ف َ‬
‫عاق ٍ‬
‫ن َزيتًا في ِوعاءٍ‪.‬‬‫مع َمصابيح ِِه َّ‬ ‫ن َ‬ ‫خ ْذ َ‬ ‫ِالت‪ ،‬فأ َ‬
‫وأما العاق ُ‬‫َزيتًا‪َّ .‬‬
‫يل َعال‬‫ِصف اللَّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِمن‪ .‬وعِ ن َد ن‬
‫جميعا ون َ‬ ‫ً‬ ‫سن‬
‫ريس‪ ،‬فنَعِ َ‬ ‫وأبطأ َ َ‬
‫الع ُ‬
‫الع ْش ُر‬
‫العذارى َ‬ ‫ت َ‬ ‫فقام ِ‬
‫َ‬ ‫ن لِلقائِهِ!‬ ‫ج َ‬ ‫ريس‪ ،‬فا َ ْ‬
‫خ ُر ْ‬ ‫الع ُ‬
‫ياح‪ :‬جا َء َ‬
‫الص ُ‬
‫ِّ‬
‫ِالت‪ :‬أعطينَنا من‬
‫الت لِلعاق ِ‬ ‫ن‪ .‬فقا َل ِ‬
‫ت الجاهِ ُ‬ ‫ح ُه َّ‬ ‫وه َّيأْ َ‬
‫ن َمصابي َ‬
‫‪247‬‬ ‫فـلـنـسهر إذن‬

‫ت العاق ُ‬
‫ِالت‪ُ :‬ربَّما ال يكفي‬ ‫حنا تَنط ِف ُ‬
‫ئ‪ .‬فأجابَ ِ‬ ‫ألن َمصابي َ‬ ‫َز ْي ِتك َّ‬
‫ُن‪َّ ،‬‬
‫ُن‬ ‫ج َتك َّ‬
‫ُن‪ .‬وبَينَما ه َّ‬ ‫اعين واَشتر ِ َ‬
‫ين حا َ‬ ‫َ‬ ‫ُن‪ ،‬فاَذ َه ْب َ‬
‫ن إلى ال َب ّي‬ ‫لنا َولك َّ‬
‫المستعِ د ُ‬
‫ّات‬ ‫مع ُه ُ‬ ‫ت َ‬ ‫ريس‪ .‬فدَخ َل ْ‬‫الع ُ‬ ‫ل َ‬
‫وص َ‬
‫شترين‪َ ،‬‬‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ذاهبات ل َي‬
‫العذارى‬‫ت َ‬‫ج َع ِ‬ ‫حين ر َ‬
‫ٍ‬ ‫الباب‪ .‬وبَع َد‬
‫ُ‬ ‫رس وأ ُ َ‬
‫غلق‬ ‫الع ِ‬
‫مكان ُ‬ ‫ِ‬ ‫إلى‬
‫العريس‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ن‬
‫َح لنا! فأجابَ ُه َّ‬ ‫لن‪ :‬يا س ِّيدُ‪ ،‬يا س ِّيدُ‪ ،‬اَفت ْ‬ ‫األ ُ َ‬
‫خ ُر ف ُق َ‬
‫فون‬ ‫ُن‪ :‬أنا ال أعر ِ ُفك َّ‬
‫ُن‪ .‬فاَس َهروا‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬ألنَّكُم ال تَعر ِ َ‬ ‫أقول لك َّ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫الحق‬
‫اع َة‪( .‬متى ‪)13–1 :25‬‬ ‫الس َ‬
‫اليو َم وال ّ‬

‫هل نحن على استعداد لتقديم برهان منظور للناس عن‬


‫وجود طريق جديد؟‬
‫ال يسعنا ببساطة أن نتغاضى عن التحديات التي تضعها الخطيئة‬
‫أمامنا ونتهرب منها‪ .‬ولكن‪ ،‬وبدال من التغاضي عنها‪ ،‬فيجب علينا‬
‫أن نعيش في احتجاج فعال ضد كل ما يقاوم هللا‪ .‬ويجب أن نحارب‬
‫جهرا كل ما ير ِّ‬
‫خص من قيمة الحياة أو يدمرها‪ ،‬وكل ما يؤدي إلى‬
‫االنفصال واالنقسام‪ .‬وينبغي أن ندرك أيضا أن االحتجاج وحده –‬
‫كاف‪ .‬أما اللجوء إلى هجر‬
‫ٍ‬ ‫والذي غالبا ما يؤدي إلى العنف – غير‬
‫العالم أو التخلي عن الزواج أو رفض شتى أنواع المتع البريئة فال‬
‫جدوى منها أيضا‪.‬‬

‫لذلك يجب علينا أن نُ ِ‬


‫ظهر أن طريقا جديدا موجود فعال على‬
‫أرض الواقع‪ ،‬ونقدّم للعالم حياة واقعية جديدة‪ ،‬أال وهي حياة ب ِ ّر هللا‬
‫وقداسته‪ ،‬التي تتعارض مع الروح الفاسد لهذا العالم‪ .‬فيجب أن‬
‫نب ّين من خالل حياتنا أن الرجال والنساء يمكنهم أن يعيشوا حياة‬
‫العفاف والنقاوة والسالم والوحدة والمحبة في أي مكان يكرسون‬
‫فيه طاقاتهم للعمل من أجل الصالح العام؛ ليس من خالل خلق‬
‫مجتمع روحي فحسب‪ ،‬بل أيضا من خالل تشييد وتنمية حياة‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪248‬‬

‫عملية منظورة من المقاسمة‪ .‬فأهم ما في الموضوع هو أن نشهد‬


‫لجبروت قدرة المحبة‪ .‬فبوسع كل منا بذل حياته بتقديم خدمات‬
‫المحبة إلى اآلخرين‪ .‬فهذه هي مشيئة هللا لبني البشر‪ .‬فقد قال‬
‫السيد المسيح‪:‬‬

‫عضا‪ .‬ومِ ث َلما أنا‬ ‫أُعطيكُم َوص َّي ًة َ‬


‫جديد ًة‪ :‬أ ِح ُّبوا بَ ُ‬
‫عضكُم بَ ً‬
‫عضكُم‬ ‫عضكُم بَ ً‬
‫عضا‪ .‬فإذا أح َب ْبتُم بَ ُ‬ ‫أح َب ْب ُتكُم أ ِح ُّبوا أنتُم بَ ُ‬
‫جميعا أنَّكُم تالميذي‪( .‬يوحنا ‪:13‬‬ ‫ً‬ ‫عضا‪ ،‬يَعر ِ ُف الن ُ‬
‫ّاس‬ ‫بَ ً‬
‫‪)35 –34‬‬

‫ومن أجل إظهار وتجسيد مشيئة هللا‪ ،‬يجب على مجتمع الكنيسة‬
‫أوال أن يتخذ إجراءات عملية ملموسة لتأسيس «ثقافة جنسية‬
‫شريفة معاكسة لثقافة الفساد‪ ».‬وتتطلب هذه جهودا ملتزمة‬
‫يك ّرس المسيحيون فيها أنفسهم في سبيلها‪ .‬ولنعلم بأن برامج‬
‫العِ ّفة ‪ Chastity programs‬التي تقدمها بعض الكنائس من‬
‫قبل األهالي أو القساوسة في سبيل زيادة وعي األوالد عن أمور‬
‫الجنس ليست كافية هي األخرى‪ .‬وسوف تستمر العالقات الزوجية‬
‫والتشظي ما لم يَ ُقم مجتمع الكنيسة بتشكيل‬
‫ّ‬ ‫والعائالت بالتف ّرق‬
‫حياة متضامنة ومتكافلة في جميع نواحي الحياة وقائمة على قيم‬
‫ومبادئ مختلفة تماما‪ .‬ويتعين على العائالت المسيحية جنبا إلى‬
‫جنب مع القساوسة أن يتع ّهدوا بأن يعيشوا حياتهم الشخصية‬
‫واالجتماعية على نقيض أساليب الحياة التي يعيشها العالم‪ .‬فما‬
‫ن عالقات بعضنا مع بعض على أساس مختلف عن أساس‬ ‫لم نَ ْب ِ‬
‫العالقات التي في العالم لما كان لدينا الكثير لنحتج عليه أو لنقوله‬
‫عن الفساد المنتشر‪ .‬فلو أردنا أن نكون جادين في السعي إلى حياة‬
‫العِ َّفة والنقاوة في هذا العالم‪ ،‬لترتب علينا إذن كإخوة وكأخوات‬
‫‪249‬‬ ‫فـلـنـسهر إذن‬

‫في المسيح أن نتحمل مسؤولية تقويم ومحاسبة بعضنا لبعض‪.‬‬


‫وهذا ينطبق على الحياة اليومية مثل‪ :‬مالبسنا ومظهرنا‪ ،‬وما نسمح‬
‫بإدخاله في بيوتنا‪ ،‬وكيفية تعاملنا نحن وأوالدنا مع الجنس اآلخر‪.‬‬

‫وسيكون للشهادة الح ّية الملموسة التي يقدمها مجتمع‬


‫مسيحي كهذا تأثيرا كبيرا في إقناع مجتمعات بالدنا إلى درجة أن‬
‫تأثيرها أكبر بكثير من تأثير مليون كت ّيب حول موضوع االمتناع عن‬
‫المثل المسيحية‪ ،‬إال أن المبادئ األخالقية‬
‫الملذات‪ .‬فبإمكاننا شرح ُ‬
‫وحدها ال تكفي أبدا‪ .‬ألن الناس لن يرحبوا بهذه القيم والمعايير‬
‫المسيحية إال عندما يرى العالم دليال ح ّيا عن إمكانية تحقيق حياة‬
‫جنسية شريفة محورها المسيح – أي بمعنى الحياة التي يسير فيها‬
‫التحرر الحقيقي من الخطايا جنبا إلى جنب مع التوقير والمسؤولية‪.‬‬

‫غير أننا نرى من ناحية أخرى أنه أينما يجر ِ العمل بمشيئة‬
‫ئ الناس فهمها‪ ،‬وينظرون إليها وكأنها استفزاز‪،‬‬
‫س ْ‬
‫هللا ب ِ ِه َّمة عالية‪ُ ،‬ي ِ‬
‫مثلما يقول اإلنجيل‪:‬‬

‫نساقون َمع ُهم في َمجرى‬


‫َ‬ ‫بون مِ نكُم َ‬
‫كيف ال تَ‬ ‫اآلن يَستَغر ِ َ‬
‫وه ُُم َ‬
‫الع ِة ذاتِها ف ُيهينونَكُم‪ 1( .‬بطرس ‪)4 :4‬‬
‫خ َ‬ ‫ال َ‬

‫تسامحا مع رسالة‬
‫ُ‬ ‫ولم تتمكن ألفا عام من جعل عالمنا الحاضر أكثر‬
‫يسوع المسيح عما كان عليه حال العالم في زمانه‪ .‬ثم إن أولئك غير‬
‫الراغبين في قبول طريقه تراهم مستائين دائما وناقمين وانتقاميين‬
‫من نحو الذين يشهدون لهذا الطريق‪ ،‬أما التصادم فهو أمر حتمي وال‬
‫مفر منه‪ ،‬مثلما قال يسوع المسيح‪:‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪250‬‬

‫أن ُيبغِ َضكُم‪.‬‬ ‫أبغ َضني َق َ‬


‫بل ْ‬ ‫أبغ َضك ُُم العا َل ُم‪ ،‬فتَذكَّروا أن َّ ُه َ‬
‫إن َ‬‫ْ‬
‫ن العا َلمِ ‪ ،‬ألح َّبك ُُم العا َل ُم كأهلِهِ‪ .‬وألنِّي اَخ َت ْر ُتكم مِ ْن‬
‫َلو كُنتُم مِ َ‬
‫أبغ َضك ُُم العا َل ُم‪ .‬تَذكَّروا ما‬
‫ِك َ‬ ‫هذا العا َلمِ وما أنتُم مِ نهُ‪ ،‬لذل َ‬
‫ضط َهدوني‬‫أعظ َم مِ ْن س ِّي ِدهِ‪ .‬فإذا ا َ َ‬
‫كان خا ِد ٌم َ‬‫َ‬ ‫ُقل ُت ُه لكُم‪ :‬ما‬
‫كالمكُم‪( .‬يوحنا‬
‫َ‬ ‫عون‬
‫سم َ‬‫ضط ِهدونَكُم‪ ،‬وإذا َسمِ عوا كالمي يَ َ‬
‫يَ َ‬
‫‪)20–18 :15‬‬

‫لكن لو كنا نحن الذين ندعي بأننا من أتباع المسيح نخاف أن نعيش‬
‫وفقا لوصاياه خشية االضطهاد‪ ،‬فمن سيعمل بها إذن؟ ولو لم تكن‬
‫مهمة الكنيسة جلب ظلمة العالم إلى نور المسيح‪ ،‬فل َِم ْن تكون هذه‬
‫المهمة إذن؟‬

‫يكمن رجاؤنا في ملكوت هللا اآلتي‪ ،‬الذي هو وليمة عرس‬


‫]*[‬
‫فلننتظر ذلك اليوم بكل أمانة‪ .‬وينبغي أن تكون كل‬ ‫ح َمل‪.‬‬
‫ال َ‬
‫كلمة نقولها وكل شيء نفعله ُمستَلهما ومتأثرا برجائنا هذا عن‬
‫المستقبل‪ .‬وينبغي أن تكون كل عالقة وكل زواج رمزا لهذا الرجاء‪.‬‬
‫ويتوقع يسوع المسيح‪ ،‬العريس‪ ،‬أن يجد عروسا ُمهيأة ومنتظرة له‪.‬‬
‫ِيس ًة بَ ِه َّي ًة‬
‫ولكن عندما يأتي‪ ،‬هل نكون مستعدين له؟ فهل نكون «كَن َ‬
‫ج ُّع ٌد أ َ ْو أَيَّ ُة نَق َ‬
‫ِيصةٍ»؟ كما يقول اإلنجيل‪:‬‬ ‫ب أ َ ْو تَ َ‬ ‫ال َ يَ ُ‬
‫شوبُ َها َع ْي ٌ‬

‫ب أ َ ْو تَ َ‬
‫ج ُّع ٌد‬ ‫شوبُ َها َع ْي ٌ‬ ‫ِيس ًة بَ ِه َّي ًة ال َ يَ ُ‬
‫س ِه كَن َ‬ ‫حتَّى يَ ُز َّف َها إلى نَ ْف ِ‬
‫َ‬
‫وب‪.‬‬‫ن ا ْل ُع ُي ِ‬ ‫خالِ َي ًة مِ َ‬
‫َّس ًة َ‬
‫ُون ُم َقد َ‬ ‫شاب ِ َه ٍة بَ ْل تَك ُ‬ ‫أ َ ْو أَيَّ ُة نَق َ‬
‫ِيص ٍة ُم َ‬
‫(أفسس ‪)27 :5‬‬

‫أو هل نكون ممتلئين باألعذار والحجج؟ كما حذرنا الرب يسوع‬

‫ح َمل هو خروف صغير ويرمز هنا إلى يسوع المسيح الذي يرفع خطايا العالم مثلما شهد‬ ‫]*[  ال َ‬
‫ل هللاِ الَّذِي‬
‫ح َم ُ‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ذ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫‹‬ ‫‪:‬‬ ‫ال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ِ‪،‬‬
‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫إ‬ ‫ً‬
‫ُ ِ ِ ْ‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫م‬ ‫وع‬
‫َ‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫َّا‬
‫ن‬
‫َ ُ َ َ ُ‬‫ح‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ظ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫غ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ي‬‫ف‬‫و‬
‫َِ‬ ‫«‬ ‫اإلنجيل‪:‬‬ ‫ي‬‫ف‬ ‫المعمدان‬ ‫يوحنا‬
‫َ‬
‫خطِ َّية ا ْل َعا َلمِ !› » (يوحنا ‪)29 :1‬‬‫يَ ْر َف ُع َ‬
‫‪251‬‬ ‫فـلـنـسهر إذن‬

‫المسيح في اإلنجيل كاآلتي‪:‬‬

‫ِيسوع‪« :‬هَنيئًا‬
‫َ‬ ‫قال ل‬
‫َ‬ ‫ين هذا الكال َم‬
‫دع ِّو َ‬
‫الم ُ‬
‫ح ُد َ‬
‫فلما سمِ َع أ َ‬
‫َّ‬
‫لكوت هللاِ!» فأجابَهُ‪« :‬أقا َم‬
‫ِ‬ ‫ل َِمن يَجل ُِس إلى المائِ َد ِة في َم‬
‫ل‬ ‫ّاس‪ُ .‬ث َّم َ‬
‫أرس َ‬ ‫ن الن ِ‬ ‫ل َوليم ًة كبير ًة‪ ،‬ودَعا إ َليها كثي ًرا مِ َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫ُل شي ٍء‬‫ين‪ :‬تَعا َلوا‪ ،‬فك ُّ‬
‫ِلمدع ِّو َ‬
‫ُ‬ ‫ساع َة ال َوليم ِة يَ ُ‬
‫قول ل‬ ‫َ‬ ‫خاد َِم ُه‬
‫أن‬
‫ب ْ‬‫ج ُ‬
‫حقال ً ويَ ِ‬
‫ت َ‬ ‫ُمه َّيأٌ! فاَعت َذ ُروا كُلُّ ُهم‪َ .‬‬
‫قال َله األ َّو ُل‪ :‬إِشتَريَ ُ‬
‫خمس َة‬
‫يت َ‬ ‫وقال آ َ‬
‫خ ُر‪ :‬إِش َت َر ُ‬ ‫َ‬ ‫أن تَع ُذ َرني‪.‬‬
‫نك ْ‬
‫َب ألرا ُه‪ ،‬أرجو مِ َ‬
‫أذه َ‬
‫وقال‬
‫َ‬ ‫أن تَع ُذ َرني‪.‬‬ ‫ب ألُج ِّربَها‪ ،‬أرجو مِ َ‬
‫نك ْ‬ ‫اآلن ذاهِ ٌ‬
‫دادين‪ ،‬وأنا َ‬
‫َ‬ ‫َف‬
‫ج َع الخاد ُِم إلى‬ ‫ت اَمرأ ًة‪ ،‬فال أق ِد ُر ْ‬
‫أن أجي َء‪ .‬فر َ‬ ‫آخ ُر‪ :‬تَز َّو ْ‬
‫ج ُ‬
‫وقال لِخادِمِ ه‪:‬‬
‫َ‬ ‫يت‬
‫ب ال َب ِ‬ ‫ب َر ُّ‬
‫ض َ‬ ‫جرى‪َ ،‬‬
‫فغ ِ‬ ‫َس ِّيد ِه وأخ َب َر ُه بِما َ‬
‫أُخ ُر ْج ُمسر ِ ًعا إلى َ‬
‫شوار ِ ِع المدين ِة وأز ِ َّقتِها وأدخ ِ‬
‫ِل ال ُف َقرا َء‬
‫جرى‬ ‫فقال الخاد ُِم‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫ميان إلى هُنا‪.‬‬
‫َ‬ ‫والع‬
‫ُ‬ ‫رج‬
‫والع َ‬
‫ُ‬ ‫هين‬
‫والمش َّو َ‬‫ُ‬
‫ت بِه يا َس ِّيدي‪ ،‬وبَ ِق َيت َمقاعِ ُد فار ِ َغةٌ‪ .‬فأجابَ ُه َّ‬
‫الس ِّيدُ‪:‬‬ ‫أم ْر َ‬
‫ما َ‬
‫ُّخول حتّى‬ ‫ِ‬ ‫الناس بالد‬‫َ‬ ‫ُّروب وألزِمِ‬
‫قات والد ِ‬ ‫الط ُر ِ‬‫أُخ ُر ْج إلى ُّ‬
‫ِك‬
‫ح ٌد مِ ْن أولئ َ‬ ‫أقول لكُم‪َ :‬لن يَ َ‬
‫ذوق َعشائي أ َ‬ ‫ُ‬ ‫يَمتَل َ‬
‫ئ بَيتي‪.‬‬
‫ين!» (لوقا ‪)24–15 :14‬‬
‫دع ِّو َ‬
‫الم ُ‬
‫َ‬

‫والسخرية واالفتراء الذي سوف‬


‫ُ‬ ‫يجب أن ال نخاف أبدا من الهزء‬
‫تجلبه علينا شهادتنا المسيحية‪ .‬وينبغي أن نجعل المستقبل اإللهي‬
‫– ذلك المستقبل الرائع لملكوته – هو الذي يملك على قلوبنا‬
‫ويس ّيرنا في الحياة‪ ،‬وليس «واقع» المجتمعات البشرية الحالية‪ .‬ألن‬
‫هللا ماسك بيده الساعة األخيرة للتاريخ‪ ،‬ويجب على كل يوم من‬
‫أيام حياتنا أن يكون استعدادا لتلك الساعة‪.‬‬
‫ُملحقات الكتاب‬

‫‪252‬‬
‫دعوة إلى حياة العِ َّفة والنقاوة‬
‫بيان مشترك‬
‫لألبرشية الكاثوليكية الرومانية لوالية نيويورك‬
‫ولمجتمعات جماعة برودرهوف‬
‫‪ 22‬سبتمبر‪/‬أيلول ‪2014‬م‬

‫األبرشية الكاثوليكية الرومانية لوالية نيويورك‬


‫]*[‬
‫تؤمن كل من‬
‫بأن هللا قد‬ ‫ومجتمعات جماعة برودرهوف‬
‫خل في تاريخ البشرية تد ُّ‬
‫خال حاسما وشافيا من خالل والدة ابنه‬ ‫تتد ّ‬
‫الوحيد يسوع المسيح‪ ،‬ومن خالل حياته األرضية وتعاليمه وصلبه‬
‫وقيامته‪ .‬ويعلمنا يسوع المسيح قائال‪:‬‬

‫اآلب إِال َّ بِي‪.‬‬


‫ِ‬ ‫ح َيا ُة‪ .‬ال َ يَأْتِي أ َ َ‬
‫ح ٌد إلى‬ ‫ح ُّق َوا ْل َ‬
‫يق َوا ْل َ‬ ‫أَنَا ُه َو َّ‬
‫الطر ِ ُ‬
‫(يوحنا ‪)6 :14‬‬

‫إذ إن شخص يسوع المسيح‪ ،‬ابن هللا‪ ،‬هو الذي كشف لنا ملء‬
‫ّ‬
‫الحق اإللهي ومحبته‪.‬‬

‫لقد خلقنا هللا كلنا من أجل أن نخدم أنفسنا ونخدم اآلخرين‪.‬‬


‫فقد قال يسوع المسيح‪:‬‬

‫ُل‬
‫ك وك ِّ‬
‫ُل فِكر ِ َ‬
‫ك وك ِّ‬ ‫ُل نَ ِ‬
‫فس َ‬ ‫ُل َقل ِب َ‬
‫ك وك ِّ‬ ‫ك بِك ِّ‬
‫ب إل َه َ‬
‫ِب ال َّر َّ‬
‫فأح َّ‬
‫ك‪.‬‬ ‫ِب نَ َ‬
‫فس َ‬ ‫ِب َقري َب َ‬
‫ك مِ ثلما ُتح ُّ‬ ‫ُقدرت َ‬
‫ِك‪ .‬والوص َّي ُة ال َّثانِي ُة‪ :‬أح َّ‬

‫]*[  هناك نبذة عن جماعة برودرهوف ‪ The Bruderhof‬في ُملحقات هذا الكتاب‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪254‬‬

‫تين‪( .‬مرقس ‪:12‬‬ ‫من هاتَ ِ‬


‫ين ال َوص َّي َ‬ ‫َ‬
‫أعظ َم ْ‬ ‫وما مِ ْن وص َّي ٍة‬
‫‪)31–30‬‬

‫لقد ُولِدنا نحن البشر لنحب بطهارة قلب‪ .‬فحياة الطهارة والعِ َّفة‬
‫بين الناس – سواء في حالة الزواج أو العزوبة – هي مشيئة هللا‪،‬‬
‫وتجلب معها البهجة والسرور‪ .‬إال ّ أن العِ َّفة تتطلب الوفاء واالستعداد‬
‫للتضحية بالذات‪ .‬فقد قال يسوع المسيح‪:‬‬

‫ُل يومٍ‬
‫فس ُه ويَحمِ ْل َصلي َب ُه ك َّ‬‫أن يَت َب َعني‪ ،‬ف ْل ُين ِك ْر نَ َ‬
‫َم ْن أرا َد ْ‬
‫س َر‬ ‫وم ْن َ‬
‫خ ِ‬ ‫خس ُرها‪َ ،‬‬ ‫خلِّ َص َ‬
‫حياتَ ُه يَ َ‬ ‫أن ُي َ‬ ‫ويَت َب ْعني‪َ .‬م ْن أرا َد ْ‬
‫خلِّ ُصها‪ ( .‬لوقا ‪)24–23 :9‬‬
‫حياتَ ُه في َسبيلي ُي َ‬

‫الزواج‪ ،‬فقد كتب البابا يوحنا بولس الثاني‪ ،‬في‬ ‫وفيما يخص‬
‫ن اإللهية» كما يلي‪:‬‬
‫رسالته الرسولية عن «كرامة النساء ودعوت ُه َّ‬

‫منذ البدء‪ ،‬لم يَدْ ُع هللا الرجل والمرأة ليعيشا مجرد جنبا‬
‫إلى جنب أو معا فحسب بل أيضا ليعيشا وبصورة تبادلية‬
‫«أحدهما في سبيل اآلخر‪ . . . .».‬فعلى أساس مبدأ التعايش‬
‫المتبادل في «خدمة» اآلخر ضمن عالقة «االتحاد» الشخصية‪،‬‬
‫ترتقي في اإلنسانية عندئذ عملية التكامل بين ما هو ذكري‬
‫وما هو أنثوي‪ ،‬وبتوافق مع مشيئة هللا‪.‬‬
‫)‪(Mulieris Dignitatem, no. 7‬‬

‫وبالروح ّية نفسها‪ ،‬فإن كتاب جماعة برودرهوف‪« :‬أساس إيماننا‬


‫ودعوتنا ‪ »Foundations of Our Faith and Calling‬يوضح قائال‪:‬‬

‫لقد أعلن السيد المسيح بأن الزواج هو اقتران مؤبد بين‬


‫رجل واحد وامرأة واحدة جمعهما هللا‪ ،‬ثم إن الزواج مقدس‬
‫‪255‬‬ ‫دعـوة إلى حـيـاة الـعِ ـ َّفـة والـنـقـاوة‬

‫جع َل ُهما هللاُ ذكَ ًرا‬


‫خلي َق ِة َ‬ ‫وش َّرعه هللا منذ البداية‪« :‬فمِ ْن بَد ِء ال َ‬
‫ح ُد باَمرأتِهِ‪ ،‬ف َيصي ُر‬ ‫ل أبا ُه وأ ُ َّم ُه وي َّت ِ‬
‫ج ُ‬
‫ك ال َّر ُ‬ ‫وأُنثى‪ .‬ولذل َ‬
‫ِك يَت ُر ُ‬
‫جس ٌد واحدٌ‪ .‬وما‬ ‫يكونان اَثن ِ‬
‫َين‪ ،‬بل َ‬ ‫ِ‬ ‫جسدًا واحدًا‪ .‬فال‬ ‫االثنان َ‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‪( ».‬مرقس ‪. . . .)9–6 :10‬‬
‫ُ‬ ‫ج َم َع ُه هللاُ ال ُي َف ِّر ُق ُه‬
‫َ‬
‫خ ْلق هللا وليس من اختراع البشر‪ .‬فهو ِس ّر له‬
‫والزواج هو من َ‬
‫مكان الصدارة والسبق قبل سلطة الدولة حتى أنه يفوقها‪.‬‬
‫وعندما يصبح الرجل والمرأة جسدا واحدا في الزواج‪ ،‬فيكون‬
‫القترانهما عالقة سامية مع هللا‪ .‬فقد خلق هللا الرجل والمرأة‬
‫أحدهما لآلخر‪ ،‬وخلقهما على صورته وشبهه‪ ،‬وكان يقصد من‬
‫اقترانهما – وهي عالقة بخالف غيرها من العالقات – أن‬
‫ينجبا ويربيا األوالد‪.‬‬
‫)‪(Foundations, nos. 77–78‬‬

‫ونؤمن كلنا بأن الحياة الجنسية لإلنسان هي نعمة إلهية‪ ،‬موهوبة‬


‫للجميع ولكن المقصود منها أن ال يجري التعبير عنها سوى في‬
‫زواج رجل واحد بامرأة واحدة‪ ،‬وإال فينبغي أن تكون العالقات بين‬
‫الجنسين عالقة صداقة أخوية عفيفة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فمن الواضح أنه‬
‫على مدى نصف القرن الماضي‪ ،‬كان الجنس الشريف والعِ َّفة قد تم‬
‫إفسادهما إلى حد كبير في ثقافتنا‪ .‬إذ تأخذنا الخطيئة البشرية دائما إلى‬
‫عدم قبول ترتيب هللا قبوال كل ّيا‪ .‬ثم إن الشهوة الجنسية ُتعطى حرية‬
‫إباحية كبيرة‪ ،‬السيما في الثقافة الغربية‪ .‬وغالبا ما تقوم الكثير من‬
‫وسائل اإلعالم بتحفيز الشهوة وتسخيرها لتحقيق األرباح المادية‪ .‬ثم‬
‫إن خطايا الزنى‪ ،‬والصور الخليعة واألفالم الخليعة‪ ،‬والمجامعة قبل‬
‫الزواج‪ ،‬وممارسة العادة السرية‪ ،‬واستعمال وسائل منع الحمل‪،‬‬
‫وممارسة المثلية الجنسية‪ ،‬والطالق والزواج الثاني‪ ،‬قد أصبحت‬
‫هذه األمور كلها مقبولة على نحو متزايد‪ ،‬حتى من قبل أولئك الذين‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪256‬‬

‫يقولون أنهم أمناء ليسوع المسيح‪ .‬وهذه الممارسات مدعومة‬


‫صراحة وغالبا ما يحميها القانون المدني‪ .‬وأحد نتائج ذلك هو إضعاف‬
‫اإلخالص في الزواج وفقدان اإلحساس بقدسية العهد الزوجي‪.‬‬

‫إن رؤيتنا عن الحياة التي أبلغنا إياها يسوع المسيح‪ ،‬تعطينا‬


‫الثقة والقوة لمواجهة هذه المشاكل‪ .‬فاإلنجيل أخبار سا ّرة! وما‬
‫نعلنه نحن هو إنجيل الحياة واألخبار السا ّرة للحياة‪ ،‬فقد قال‬
‫يسوع المسيح‪:‬‬

‫ِتكون ل ُه ُم الحيا ُة‪ ،‬بل مِ ل ُء الحياةِ‪( .‬يوحنا‬


‫َ‬ ‫جئ ُ‬
‫ْت ل‬ ‫أما أنا ف ِ‬
‫َّ‬
‫‪)10 :10‬‬

‫إن الرب يسوع المسيح يعلم جيدا بالتجارب وبمكايد إبليس التي‬
‫نخوضها‪ ،‬فيهبنا التوجيه والقوة والنعمة للتغلب عليها‪ .‬وفي الزواج‬
‫المسيحي‪ ،‬تعكس الوحدة بين الزوج والزوجة الوحدة بين السيد‬
‫المسيح وكنيسته المقدسة‪ .‬إذ تحصل وعود زواجهما المتبادلة‬
‫في حضور السيد المسيح وكنيسته‪ .‬والزواج مقدس وال ُي ْف َ‬
‫س ُ‬
‫خ أي‬
‫بمعنى مؤبد‪ .‬وقد حلَّت عليه بركة هللا والكنيسة‪ ،‬وقد رأى الزوجان‬
‫هذه البركة بصيغة الخدمة المتبادلة بينهما والعيش الطاهر العفيف‬
‫جب أيضا‪ .‬فاالثنان‬
‫ومن ِ‬
‫حد ُ‬
‫ثم إن الزواج ُم َو ِّ‬
‫والجمال وسرور القلب‪ّ .‬‬
‫يصيران جسدا واحدا في نظر هللا‪ .‬ويعرف الزوجان ّ‬
‫حق المعرفة –‬
‫َّان توقيرا وجدانيا للزواج – بأنّه من خالل الحب السامي‬
‫وعندما ُيكن ِ‬
‫وبذل النفس سيفتحان نفسيهما ليصيرا خالقين مع هللا لجلب‬
‫حياة جديدة ونفس جديدة إلى العالم‪ .‬فكل طفل يولد لهما إنما هو‬
‫عطية إلهية مباركة باإلضافة إلى مسؤولية جديدة‪ .‬ومن خالل المحبة‬
‫بين الوالدين يحصل األطفال على أول إحساس لمحبة هللا‪.‬‬
‫‪257‬‬ ‫دعـوة إلى حـيـاة الـعِ ـ َّفـة والـنـقـاوة‬

‫إن السعي إلى التل ُّذذ الجنسي الذاتي بشتى أشكاله هو إهانة‬
‫لطهارة الزواج‪ ،‬ومن الواجب التغلب عليه بمعونة هللا‪ .‬إذ ُت ِ‬
‫فسد‬
‫البذاءة الجنسية العالقة الزوجية و ُتضعِ فها حينما يستخدم أحد‬
‫الزوجين (أو كالهما) اآلخر كمادة للجنس‪ .‬ويعطينا القديس بولس‬
‫الرسول دليال واضحا على كل من الحياة الزوجية والحياة المسيحية‬
‫على ح ٍّد سواء‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫والصب ُر واللُّ ُ‬
‫طف‬ ‫َّ‬ ‫الم‬
‫والس ُ‬
‫َّ‬ ‫المح َّب ُة وال َف َر ُح‬
‫وح فه َو َ‬ ‫ثم ُر ال ُّر ِ‬
‫أما َ‬‫َّ‬
‫فاف‪( .‬غالطية ‪)23–22 :5‬‬ ‫والع ُ‬ ‫َ‬ ‫داع ُة‬
‫الح واألمانَ ُة وال َو َ‬‫والص ُ‬‫َّ‬

‫وهناك هبة إله َّية متميزة توهب لكل رجل أو امرأة يدعوهما هللا‬
‫ليعيشا حياة ال َّت َبتُّل والعزوبة في خدمة هللا وأخينا اإلنسان‪ .‬ولو‬
‫أخذتنا الظروف أحيانا إلى حياة العزوبة دون أن نختارها‪ ،‬لوجدنا‬
‫أنفسنا أمام تح ٍد متميز لنشهد للعِ َّفة والنقاوة وأيضا لخدمة اآلخرين‪.‬‬
‫ويحتاج هؤالء الرجال والنساء في مثل هذه الحالة إلى نعمة هللا وإلى‬
‫تف ُّهم ودعم كل المسيحيين لهم‪.‬‬

‫وبدافع المحبة للسيد المسيح ولجميع الناس‪ ،‬فالبد لرعاة‬


‫الكنائس المسيحية أن يشجعوا المسيحيين المؤمنين ليكون لهم‬
‫موقف واضح في هذا الموضوع ويشدَّدوا على فضيلة العِ َّفة‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫فبمثل هذه الروحية تتعاون كل من األبرشية الكاثوليكية الرومانية‬
‫لوالية نيويورك ومجتمعات جماعة برودرهوف من أجل هذا الهدف‪.‬‬
‫فنحن كلنا كإخوة وكأخوات في المسيح يتق َّبل بعضنا بعضا باحترام‬
‫وبمقاسمة المحبة األخوية وإبداء اهتمام مشترك بمجتمعات بالدنا‬
‫مآس‪ .‬وبالرغم‬
‫التي قد ا ِكفه َّرت بسبب كل ما قد أفرزته الخطيئة من ٍ‬
‫من حقيقة وجود بعض االختالفات في التعاليم‪ ،‬غير أن مجتمعاتنا‬
‫المؤمنة تقف معا باسم اإلنجيل لتطلق دعوة مشتركة إلى جميع‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪258‬‬

‫أفراد شعب هللا الحتضان قوة العِ َّفة والحشمة واآلداب والعيش‬
‫الشريف في حياتهم الجنسية‪.‬‬

‫للكنيسة الكاثوليكية‬ ‫وبحسب كتاب التعليم المسيحي‬


‫‪ُ ،Catechism of the Catholic Church‬تعتبر العِ َّفة واالحتشام‬
‫ونعمة هللا أمورا متممة للحياة المسيحية‪ .‬أما ضمن الفصل الذي‬
‫يحمل عنوان «المعركة في سبيل العِ َّفة ‪»The Battle for Purity‬‬
‫فتعلن الكنيسة فيه ما يلي‪:‬‬

‫]*[‬
‫فاالحتشام جزء متمم لضبط‬ ‫إن العِ َّفة تستلزم االحتشام‪.‬‬
‫النفس‪ .‬وهو يستر أع ّز ما لدى اإلنسان‪ .‬كما يعني رفض‬
‫كشف النقاب عما يجب أن يكون مستورا‪ . . . .‬فيصون‬
‫االحتشام ِس ّري الشخصين وحبهما‪ .‬ويشجع على الصبر‬
‫واالعتدال في عالقات الحب؛ ويطالب الزوج والزوجة بتنفيذ‬
‫ما َو َعداه من وفاء وعطاء كاملين أحدهما تجاه اآلخر‪. . . .‬‬
‫وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬تحتاج العِ َّفة المسيحية إلى تنقية األجواء‬
‫االجتماعية‪ .‬وتطالب وسائل اإلعالم أن تعطي برامجها أهمية‬
‫قصوى لمسألة االحتشام والتح ُّفظ‪ . . . .‬وما ُيدعى بالتسامح‬
‫األخالقي فما هو سوى مفهوم مغلوط عن حرية اإلنسان؛ ثم‬
‫إن الشرط المسبق الضروري لتطوير الحرية الحقيقية هو أن‬
‫يتعلم المرء القيم األخالقية‪ . . . .‬أما البشرى السا َّرة التي‬
‫يعلنها السيد المسيح فتعمل على تجديد حياة اإلنسان‬
‫الساقط وتجديد تقاليده بصفة مستمرة؛ فتحارب وتزيل اآلثام‬
‫والشرور المتدفقة من الجاذبية الموجودة دائما في الخطيئة‪.‬‬
‫وال ّ‬
‫تكف البشرى السا َّرة أبدا عن تنقية وتهذيب أخالق الناس‪.‬‬

‫]*[  االحتشام في الملبس والسلوك‪.‬‬


‫‪259‬‬ ‫دعـوة إلى حـيـاة الـعِ ـ َّفـة والـنـقـاوة‬

‫إذ إنها تتبنى كل السجايا والمواهب الروحية لكل جيل ولكل‬


‫أمة‪ ،‬وتجعلها ُتزهِ ر وتزدهر‪ ،‬وكأنها تسكن في دواخلهم؛ ويعود‬
‫الفضل في ذلك إلى خصوبة البشرى اإلنجيلية ُ‬
‫المثرية ذات‬
‫وتكملهم وتعيدهم دائما إلى‬
‫ِّ‬ ‫القدرة الخارقة‪ ،‬فهي ُتسلِّحهم‬
‫جادة الصواب في المسيح‪.‬‬
‫)‪(CCC, nos. 2521 – 2527‬‬

‫يناشد فيه‬ ‫وفي كتاب «الجنس والزواج في فكر اللـه»‬


‫المؤلف يوهان كريستوف آرنولد جميع الناس أن يلزموا حياة‬
‫العفاف‪ ،‬فيكتب قائال‪:‬‬

‫ّ‬
‫تخلى‪ ،‬وببساطة‪ ،‬الكثير من الناس في يومنا هذا عن‬ ‫لقد‬
‫إمكانية العيش العفيف الشريف‪ .‬فقد وقعوا في شراك‬
‫خرافة «التح ّرر» الجنسي‪ ،‬وحاولوا التعايش مع ما يسببه‬
‫هذا التح ّرر من خيبات األمل‪ ،‬وعندما تنهار عالقاتهم‬
‫يلتمسون أسبابا أخرى لتبرير فشلهم وإخفاقهم‪ .‬ويعجزون‬
‫عن رؤية مدى روعة وعظمة نعمة العِ َّفة ووصية هللا بالحياة‬
‫العفيفة النقية‪ . . . .‬فحيثما توجد كنيسة مخلصة – أي‬
‫بمعنى أية جماعة مسيحية تَع َّه َد أفرادها بأن يحيوا بعالقات‬
‫مخلصة وصادقة – تحصل على معونة وأمل لكل شخص‬
‫ولكل زواج فيها‪.‬‬
‫كتاب «الجنس والزواج في فكر اللـه» (ص ‪)16 – 15‬‬

‫إن دعوتنا اإللهية المشتركة التِّباع المسيح ورغبتنا المشتركة في‬


‫تشجيع ذوي النوايا الحسنة لكي يحيوا في عفاف ونقاء تعمالن‬
‫ّ‬
‫وتحث األبرشية الكاثوليكية‬ ‫على توحيد جميع مجتمعاتنا المؤمنة‪.‬‬
‫الرومانية لوالية نيويورك ومجتمعات جماعة برودرهوف‪ ،‬جميع‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪260‬‬

‫الناس السيما أولئك المتعمدين باسم يسوع المسيح – على أن‬


‫يعيشوا حياة عفيفة‪ .‬وتلتمس بدورها مجتمعات كنيستينا حياة‬
‫العِ َّفة والنقاوة ألفرادها من خالل مناشدة القوة القديرة لنعمة هللا‪.‬‬
‫أما الذي تحتاج إليه ثقافتنا اليوم أكثر من أي شيء آخر‪ ،‬وما يحتاج‬
‫إليه قلب كل إنسان أكثر من أي شيء آخر‪ ،‬فهو التع ّرف على محبة‬
‫هللا واحتضانها قلب ّيا من خالل أن نحيا وفقا لدعوتنا األساسية التي‬
‫دعانا هللا إليها أال وهي‪ :‬تقديس الحياة‪ .‬وينطبق هذا بصفة خاصة‬
‫على أطفالنا الذين يحتاجون إلينا كمثال صالح ليقتدوا به حتى‬
‫يتعلموا ت َبنّي طريق يسوع المسيح كطريقهم الوحيد إلى السعادة‬
‫ورِضا النفس في الحياة‪.‬‬

‫ثم إننا نأمل ونترجى هللا في صلواتنا بأن يفتح الناس قلوبهم‬
‫أينما كانوا إلى قوة المحبة الحقيقية القادرة على تغيير النفوس‪.‬‬
‫ونحن أيضا على دراية تامة بأننا لو فقدنا الشجاعة لجعل أفراد‬
‫كنائسنا تتواجه مع حقيقة السيد المسيح ولو توقفنا عن إلهامهم‬
‫لصارت جهودنا في سبيل األخالق ذات تأثير شبه معدوم‪ .‬فالفكر‬
‫العفيف والجسد العفيف والنفس العفيفة من المتطلبات الرئيسية‬
‫لحياة السرور والسالم‪ .‬وبالرغم من العقبات الموضوعة بسبب‬
‫انتشار المعايير األخالقية المتضعضعة إال ّ أن بناء تقاليد من الحياة‬
‫التق َّية التي يريدها هللا أمر ممكن‪ .‬ويجب علينا أن ال ننسى أبدا أن‬
‫ي ٍء ُم ْست ََطا ٌع عِ ْن َد هللاِ»‬ ‫ُل َ‬
‫ش ْ‬ ‫هللا يريد مصلحة كل إنسان‪ ،‬وأن «ك َّ‬
‫(مرقس ‪ .)27 :10‬آمين‪.‬‬
‫الـتـوقـيـع‬
‫يوهان كريـستوف آرنولد‬ ‫الكاردينال تيموثي دوالن‬
‫‪Johann Christoph Arnold‬‬ ‫‪Timothy Cardinal Dolan‬‬
‫كبير الـقـسـاوسة‬ ‫رئـيـس األساقفة في والية نيويورك‬
‫لـجـمـاعـة برودرهـوف‬ ‫( الذي كان مرشحـا للـبـابـويـة )‬
‫عن المؤلف‬
‫يوهان كريستوف آرنولد ‪Johann Christoph Arnold‬‬

‫متحدث وكاتب شهير في قضايا الزواج‪ ،‬والتربية‪،‬‬


‫المؤلف يوهان‬
‫والتعليم‪ ،‬ورعاية اإلنسان عندما يتواجه مع‬
‫نهاية حياته لسبب أو آلخر‪ .‬وهو كبير قساوسة جماعة برودرهوف‪،‬‬
‫وهي كنيسة دولية للحياة المشتركة إسوة بحياة الكنيسة الرسولية‬
‫األولى‪ .‬وقد قدّم يوهان مع زوجته فيرينا ‪ Verena‬المشورة الرعوية‬
‫واالجتماعية إلى اآلالف من األفراد واألسر على مدى السنوات‬
‫األربعين الماضية‪ .‬وهو حائز على جائزة أفضل كاتب‪ ،‬فقد نُ ِ‬
‫شر‬
‫له أكثر من مليون نسخة من كتبه المطبوعة بأكثر من عشرين‬
‫لغة‪ ،‬ومن بعض كتبه العربية «لماذا نغفر؟» َو «ا ِسمهم اليوم» َو‬
‫«لماذا يهمنا األطفال»‪.‬‬

‫وقد تبلورت رسالة يوهان كريستوف آرنولد بفضل لقاءاته‬

‫‪261‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪262‬‬

‫مع عظماء صانعي السالم في العالم أمثال مارتن لوثر كينغ‪ ،‬واألم‬
‫تيريزا‪ ،‬ودوروثي داي‪ ،‬وسيزار تشافيز‪ ،‬والبابا يوحنا بولس الثاني‪.‬‬
‫وقد شرع يوهان كريستوف آرنولد باالشتراك مع ضابط الشرطة‬
‫المشلول ستيفن ماكدونالد ‪ ،Steven McDonald‬بتأسيس برنامج‬
‫يدعى «كسر الدائرة ‪ »Breaking the Cycle‬وهو برنامج يتعامل‬
‫مع طالب مئات المدارس الثانوية العامة لترويج المصالحة من‬
‫خالل المسامحة‪ .‬وعمل أيضا كقسيس رسمي في مديرية الشرطة‬
‫المحلية‪.‬‬

‫وهو من والدة إنكلترا عام ‪1940‬م ألبوين الجئين ألمانيين‪ ،‬ثم‬


‫قضى سنوات صباه في أمريكا الجنوبية‪ ،‬وهاجر بعدها إلى الواليات‬
‫المتحدة في عام ‪1955‬م‪ .‬ولدى يوهان وزوجته فيرينا ولدان وست‬
‫بنات وأربعة وأربعون حفيدا‪ ،‬وابن حفيد واحد‪ .‬ويسكنون شمالي‬
‫والية نيويورك األمريكية‪.‬‬

‫الـمـؤلـف يـوهـان يـسـ ّلـم على الـبـابـا فـرنـسـيـس ويـقـدم إلـيـه نـسـخـة من كـتـاب «الـجـنـس والـزواج‬
‫في فـكر اللـه» قـبـل أن يـلـقـيـا كـلـمـتـهـمـا في مـؤتـمـر دولي بـيـن األديـان عن مـوضـوع الـزواج بـتـاريـخ‬
‫نـوفـمـبـر‪/‬تـشـريـن الـثـاني ‪2014‬م بـرعـايـة الـفـاتـيـكان‬
‫عن جماعة برودرهوف‬
‫‪THE BRUDERHOF‬‬

‫برودرهوف من عائالت وعزاب جاؤوا من‬


‫تتألف جماعة‬
‫خلفيات وبلدان مختلفة وك ّرسوا حياتهم لخدمة‬
‫الجماعة وأخيهم اإلنسان المتألم أينما كان وعلى قدر ما يستطيعون‬
‫عليه‪ .‬وهي كنيسة دولية متنامية للحياة المشتركة وغير طائفية‬
‫وتدعو جميع الطوائف إلى العمل من أجل الوحدة الحقيقية فيما‬
‫بين أفرادها والتكاتف والتضامن الشامل‪ .‬وتتناثر مجتمعاتها في‬
‫عدد من دول العالم‪ ،‬التي استلهمت الحياة المشتركة من حياة‬
‫الكنيسة الرسولية األولى كما مدون في اإلنجيل‪:‬‬

‫ؤمنين َقل ًبا واحدًا و ُرو ً‬


‫حا وا ِح َد ًة‪ ،‬ال يَدَّعي أح ٌد‬ ‫َ‬ ‫جماع ُة ُ‬
‫الم‬ ‫وكان َ‬
‫َ‬
‫َشاركون في ك ِّ‬
‫ُل شي ٍء ل ُهم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫خ ُّصهُ‪ ،‬بل كانوا يت‬ ‫مِ ن ُهم ُم ْل َ‬
‫ك ما يَ ُ‬
‫سوع‪ُ ،‬تؤيِّدُها‬
‫َ‬ ‫ب يَ‬ ‫الشها َد َة ب ِ َ‬
‫قيام ِة ال َّر ِّ‬ ‫ُّون َّ‬
‫ل ُيؤد َ‬ ‫وكان ال ُّر ُس ُ‬
‫َ‬
‫كان‬
‫َ‬ ‫جميعا فما‬
‫ً‬ ‫يهم‬ ‫ِّعم ُة وا ِف َر ًة ع َل ِ‬ ‫ُقد َرة ٌ َعظيمةٌ‪ .‬وكانَ ِ‬
‫ت الن َ‬
‫يوت‬‫قول أ ِو ال ُب َ‬
‫ح َ‬ ‫ِكون ال ُ‬ ‫ألن الّ َ‬
‫ذين يَمل َ‬ ‫ح ٌد مِ ن ُهم في حاجةٍ‪َّ ،‬‬ ‫أ َ‬
‫بيع‪ ،‬ف ُيلقونَ ُه عِ ن َد أقدامِ‬
‫الم ِ‬
‫من َ‬ ‫جيئون ب ِ َث ِ‬
‫َ‬ ‫كانوا يَبيعونَها ويَ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الجماعةِ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫ُل واح ٍد مِ َ‬ ‫ل ل ُيو ِّزعو ُه على قدر ِ احت ِ‬
‫ِياج ك ِّ‬ ‫ال ُّر ُس ِ‬
‫(سفر أعمال الرسل ‪)35–32 :4‬‬

‫‪263‬‬
‫الجنس والزواج في فكر اللـه‬ ‫‪264‬‬

‫وأيضا هنا‪:‬‬

‫ِماع إلى تَعليمِ ال ُّر ُس ِ‬


‫ل وعلى الحيا ِة‬ ‫مون على االست ِ‬
‫وكانوا ُيدا ِو َ‬
‫وآيات كثيرة ٌ‬
‫ٌ‬ ‫والصالةِ‪ .‬وتَ َّمت عجائ ُ‬
‫ِب‬ ‫َّ‬ ‫المشتَركَ ِة وك َْسر ِ ال ُ‬
‫خبز ِ‬ ‫ُ‬
‫ُّفوس‪.‬‬
‫جميع الن ِ‬ ‫وف على‬‫خ ُ‬‫ل‪ ،‬فاَستَولى ال َ‬ ‫على أيدي ال ُّر ُس ِ‬
‫ِ‬
‫ُل ما عِ ن َدهُم‬
‫لون ك َّ‬
‫جع َ‬ ‫المؤمِ نون كُلُّ ُهم ُم َّتح َ‬
‫ِدين‪ ،‬يَ َ‬ ‫وكان ُ‬
‫َ‬
‫مون ثَ َمنها‬
‫تقاس َ‬
‫َ‬ ‫بيعون أمالكَ ُهم و َ‬
‫خيرات ِِهم ويَ‬ ‫َ‬ ‫ُمشتَركًا بَي َن ُهم‪ ،‬يَ‬
‫ُل يومٍ في‬
‫َقون ك َّ‬
‫ُل واح ٍد مِ ن ُهم‪ .‬وكانوا يَلت َ‬ ‫على َقدر ِ حا َ‬
‫ج ِة ك ِّ‬
‫َناولون‬
‫َ‬ ‫خب َز في ال ُب ِ‬
‫يوت‪ ،‬ويَت‬ ‫رون ال ُ‬ ‫ويكس َ‬
‫ِ‬ ‫َل ب ِ َق ٍ‬
‫لب واحدٍ‪،‬‬ ‫ال َهيك ِ‬
‫وينالون رِضى‬
‫َ‬ ‫حون هللاِ‪،‬‬
‫َ‬ ‫الطعا َم بِف َر ِح وبَساط ِة َق ٍ‬
‫لب‪ ،‬و ُيس ِّب‬ ‫َّ‬
‫أنعم ع َل ِ‬
‫يهم‬ ‫َ‬ ‫ُل يومِ يَزي ُد َعد َد الّ َ‬
‫ذين‬ ‫بك َ‬ ‫وكان ال َّر ُّ‬
‫َ‬ ‫ّاس كُلِّ ِهم‪.‬‬
‫الن ِ‬
‫بالخالص‪( .‬سفر أعمال الرسل ‪)47 :42 :2‬‬
‫ِ‬

‫وللمزيد من المعلومات إليكم بعض الروابط‪:‬‬

‫‪www.plough.com/ar‬‬

‫‪www.bruderhof.com‬‬

‫‪www.youtube.com/user/BruderhofCommunities‬‬

‫‪www.facebook.com/PloughPublishing‬‬
‫المراجع‬
1 For a readable summary of current findings on the effects of
non–marital sex, read The Ring Makes All the Difference: The Hidden
Consequences of Cohabitation and the Strong Benefits of Marriage, by
Glenn T. Stanton (Chicago: Moody Publishers, 2011).
2 Christoph Friedrich Blumhardt and Johann Christoph Blumhardt,
Now Is Eternity (Farmington, PA: Plough, 1999), 28. Christoph Friedrich
Blumhardt (1842–1919) was a German pastor, author, and religious
socialist.
3 Thomas Merton, New Seeds of Contemplation (New York: New
Directions, 1972), 180.
4 Augustine of Hippo, Sermons, 75.7.
5 Friedrich E. F. von Gagern, Der Mensch als Bild: Beiträge zur
Anthropologie, 2nd ed. (Frankfurt am Main: Verlag Josef Knecht, 1955),
32. Von Gagern (b. 1914) was a German Catholic psychiatrist.
6 Friedrich Nietzsche, Thus Spake Zarathustra, trans. R. J.
Hollingdale (London: Penguin Books, 1961), 95.
7 Der Mensch als Bild, 33–34.
8 Dietrich Bonhoeffer, Ethics (New York: Macmillan, 1975), 19.
9 Der Mensch als Bild, 58.
10 Eberhard Arnold, Love and Marriage in the Spirit (Rifton, NY:
Plough, 1965), 152.
11 J. Heinrich Arnold, Discipleship (Farmington, PA: Plough,
1994), 42.
12 Eberhard Arnold, Innerland (Farmington, PA: Plough, 1999),
37.
13 Dietrich Bonhoeffer, The Cost of Discipleship (New York:
Macmillan, 1958), 95–96.
14 Cf. John J. Friesen, trsl. and ed., Peter Riedemann’s Hutterite
Confession of Faith (Scottdale, PA: Herald Press, 1999), 127.
15 Discipleship, 160–161.
16 Ernst Rolffs, ed., Tertullian, der Vater des abendländischen
Christentums: Ein Kämpfer für und gegen die römische Kirche (Berlin:
Hochweg, 1930), 31–32.
17 Jean Vanier, Man and Woman He Made Them (New York:
Paulist, 1994), 128.
18 Friedrich von Gagern, Man and Woman: An Introduction to the
Mystery of Marriage (Cork, Ireland: Mercier, 1957), 26–27.

265
19 I explore this theme in great depth in my book Why Children
Matter (Rifton, NY: Plough, 2012).
20 Johann Christoph Blumhardt and Christoph Friedrich
Blumhardt, Thoughts About Children (Rifton, NY: Plough, 1980), 29.
21 Thoughts About Children, 9.
22 Discipleship, 169.
23 Discipleship, 177–178.
24 Dietrich Bonhoeffer, The Martyred Christian: 160 Readings
(New York: Collier Macmillan, 1985), 170.
25 Eberhard Arnold, The Early Christians: In Their Own Words
(Farmington, PA: Plough, 1997), 15. ‫الكتاب متوفر بالعربية بطبعة مختصرة‬
‫ شهادة الكنيسة األولى‬:‫بعنوان‬
26 The Wall Street Journal, Dec. 10, 1993.
27 Numerous studies, including those conducted by Planned
Parenthood, conclude that teens who have been through a typical sex
education course have a much higher rate of sexual activity than those
who have not. For more information on teenage sexual activity contact:
Center for Parent/Youth Understanding, www.cpyu.org.
28 “Church report accepts cohabiting couples,” The Tablet, June
10, 1995.
29 See Andreas J. Kostenberger, God, Marriage and Family
(Wheaton, IL: Crossway Books, 2004), ch. 10 for an excellent, readable
summary of the biblical teaching on homosexuality.
30 Many also argue that since Jesus never spoke out against
committed same–sex relationships, they must not be sinful. Not only
is this an argument from silence (Jesus also never speaks out against
incest), but it ignores the fact that Jesus, as a faithful Jew, simply
assumed that marriage was between one man and one woman (Matt.
19:1–10). For a rigorous refutation of common contemporary objections
to the biblical teaching against homosexuality, see Robert A. J. Gagnon,
The Bible and Homosexual Practice: Texts and Hermeneutics (Nashville:
Abingdon, 2001).
31 Sherif Girgis, Robert P. George, and Ryan T. Anderson, What
is Marriage? Man and Woman: A Defense (New York: Encounter Books,
2012).
32 A beautifully written and honest book about what it means
to live with same–sex attractions is Wesley Hill’s Washed and Waiting:
Reflections on Christian Faithfulness and Homosexuality (Grand Rapids,
MI: Zondervan, 2010).
33 Eberhard Arnold, God’s Revolution (Farmington, PA: Plough,
1997), 135. ‫ ثورة هللا‬:‫الكتاب متوفر بالعربية بعنوان‬
34 I explore this more fully in Their Name Is Today: Reclaiming

266
Childhood in a Hostile World (Walden, NY: Plough, 2014). ‫الكتاب متوفر‬
‫ ا ِسمهم اليوم‬:‫بالعربية بعنوان‬
35 Stanley Hauerwas, Unleashing the Scripture: Freeing the Bible
from Captivity to America (Nashville: Abingdon, 1993), 131.
36 Mother Teresa, speech at National Prayer Breakfast, Washington
DC, February 3, 1994.
37 Michael J. Gorman, Abortion and the Early Church: Christian,
Jewish, and Pagan Attitudes in the Greco–Roman World (New York:
Paulist, 1982), 47–62.
38 Ethics, 164.
39 Innerland, 116–117.
40 Frederica Mathewes–Green, “Perspective,” The Plough 56
(Spring 1998), 33.
41 If divorce and remarriage are never justified, then why does
Jesus allow marital unfaithfulness as an exception? (Matt. 5:32; 19:9) He
may well have said this because Jewish law required a husband to divorce
an adulterous wife (e.g. Matt. 1:19). However, he does not say divorce is
always required in such a situation, nor does he apply this exception to
remarriage.
42 Why Marriage Matters, Third Edition: Thirty Conclusions from
the Social Sciences (New York: Institute for American Values, 2011).

267

You might also like