You are on page 1of 188

‫الخاتيار في ضوء كلمة‬

‫الله‬

‫‪1‬‬
‫سلسلة ما هو الحق؟‬

‫الخاتيار‬
‫في ضوء كلمة‬
‫الله‬

‫يوسف رياض‬

‫طبعة أولى‬

‫‪2001‬‬

‫‪3‬‬
‫الخاتيار في ضوء كلمة الله‬
‫المؤلف ‪ :‬يوسف رياض‬
‫‪3‬ش أنجه‬ ‫مكتبة الخاوة‬ ‫‪:‬‬ ‫ييطُللبَ من‬
‫هانم ‪ -‬شبرا – مصر ت‪5792284 :‬‬
‫‪brethren_pub@writeme.com‬‬ ‫بريد الكتروني‪:‬‬
‫‪65‬ش نخلة المطُيعي – تريومف‬ ‫‪:‬‬ ‫مصرالجديدة‬ ‫وفروعها‪:‬‬
‫ت‪2904003 :‬‬
‫السكندرية ‪6 :‬ش الفسطُاط – كليوباترا‬
‫ت‪364406:‬‬ ‫‪6 :‬ش الجيش‬ ‫المنيا‬
‫أسيوط ‪21 :‬ش عبدالخالق ثروت ت‪342028 :‬‬
‫ومن المكتبات المسيحية الكبرى‬
‫طبع بمطُبعة الخاوة بجزيرة بدران‬
‫رقم اليداع‪2783/2001 :‬‬
‫‪ISBN 977-321-033-9‬‬ ‫الترقيم الدولى‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫محتويات الكتاب‬
‫‪9‬‬ ‫مقدمة‬
‫‪11‬‬ ‫نظرة تاريخية للقضية‬
‫بلجايوس وهرطقته ‪ -‬أرمينيوس الهولندي ‪-‬‬
‫الكلفينية مقابل الرمينيوسية ‪ -‬العقيدتان في‬
‫مواجاهة ‪ -‬نقاط الضعف ونقاط القوة‬

‫‪21‬‬ ‫مطُلق سلطُان الله‬


‫الله على العرش ‪ -‬المهيمن ‪ -‬سلطُان الله‬
‫المطُلق في المخلوقات ‪ -‬سلطُان الله مع‬
‫المؤمنين ‪ -‬مطُلق سلطُان الله وحقيقة‬
‫الخاتيار‬

‫‪29‬‬ ‫عبودية الرادة‬


‫مخيير؟ ‪ -‬حدود حرية‬‫النسان يمسيير أم ي‬
‫النسان ‪ -‬عجز النسان الكلي ‪ -‬حتمية‬
‫الولدة ثانية‬

‫‪5‬‬
‫‪37‬‬ ‫الكل من الله‬
‫الدعوة العامة والدعوة الملزمة ‪ -‬النسان هو‬
‫موضوع التغيير ل واسطُته ‪ -‬البادئ هو الله ‪-‬‬
‫عطُايا النعمة‬

‫‪47‬‬ ‫مسؤولية النسان‬


‫الدعوة العامة ‪ -‬النعمة العامة لجميع‬
‫البشر ‪ -‬مسئولية النسان ‪ -‬خاطُان واضحان‬
‫في كلمة الله ‪ -‬كيف نوفق بين الخطُين؟‬

‫‪57‬‬ ‫ما ذنبَ غير المختارين؟‬


‫سؤال مضلل ‪ -‬الله يريد أن الجميع‬
‫يخلصون ‪ -‬الخاتيار ليس مبنيا ا على خاطُية‬
‫النسان أو سقطُته ‪ -‬علة هلكا البشر؟ ‪-‬‬
‫توبوا وارجاعوا‪ ،‬لماذا تموتون؟‬

‫‪65‬‬ ‫الشرار وحقيقة الخاتيار‬


‫أمثلة توضيحية ‪ -‬ل تضييع فرصتك العظمى‬
‫‪ -‬ل مجال للقنوط أيها البعيد ‪ -‬محاجاة مع‬
‫المعترضين‬

‫‪6‬‬
‫‪73‬‬ ‫ت عيسو‬
‫ت يعقوب وأبغض ي‬
‫أحبب ي‬
‫معنى »أبغضت عيسو« ‪ -‬سلطُان الله‬
‫وعدله ‪ -‬لماذا أحبَ الله يعقوب؟ ‪ -‬لماذا‬
‫أبغض الله عيسو؟‬

‫‪81‬‬ ‫لماذا قسى الرب قلبَ فرعون؟‬


‫من هو فرعون هذا؟ ‪ -‬القساوة ومعانيها ‪-‬‬
‫أمثلة على التقسية القضائية ‪ -‬شدد الرب‬
‫سى من‬ ‫قلبَ فرعون ‪ -‬حق خاطُير‪ :‬الله يق ي‬
‫يشاء!‬

‫‪89‬‬ ‫هل عيين الله أناسا ا للهلكا؟‬


‫ن‬
‫ي للهلكا ‪ -‬الله ل يريد أ ي‬
‫الله لم يهيئ أوان ل‬
‫أحدا ا يهلك ‪ -‬آيات عسرة الفهم ‪ -‬نظرية ل‬
‫تسندها أقوال الكتاب ‪ -‬مشكلة وتعليق‬

‫‪97‬‬ ‫بعض المور المتخالفة‬


‫الخاتيار ل يعني معرفة الله لما كان‬
‫سيحدث ‪ -‬الخاتيار ليس سلبيا ا ‪-‬‬
‫الخاتيار ليس لشيء فينا ول هو عشوائي ‪-‬‬
‫لول الخاتيار لم يخلص أحد‬

‫‪7‬‬
‫هل يمكن أن أعرف أني مختار؟‬
‫‪105‬‬
‫مؤمنو تسالونيكي ‪ -‬مختار ومختارة ‪-‬‬
‫علمات الخاتيار ‪ -‬تثبيت الخاتيار ‪ -‬ماذا‬
‫بالنسبة لك؟‬

‫‪113‬‬ ‫الخاتيار في نور العهد الجديد‬


‫أنواع الخاتيار في الكتاب ‪-‬‬
‫مقارنة بين اخاتيار إسرائيل واخاتيار الكنيسة‬

‫‪121‬‬ ‫اعتراضات علي الخاتيار‬


‫هل هذا التعليم يتضمن ظلما ا من جاانبَ‬
‫الله؟ ‪ -‬هل يقود هذا التعليم إلى الباحية؟ ‪-‬‬
‫هل يقود تعليم الخاتيار إلى النغلقا؟‬

‫‪129‬‬ ‫إيجابيات الخاتيار‬


‫تعليم الخاتيار يقود إلى تعظيم الله وتنحية‬
‫النسان ‪ -‬تعليم الخاتيار يقود للتضاع ويدعو‬
‫للثقة ‪ -‬تعليم الخاتيار يزود المؤمن بمادة‬
‫عظيمة للسجود والشكر‬

‫‪8‬‬
‫‪135‬‬ ‫نظر لنا شيئا ا أفضل‬
‫المجد والحبَ ‪ -‬الحمل والفداء ‪ -‬القصد‬
‫والنعمة ‪ -‬وعد الحياة البدية ‪ -‬حكمة الله‬
‫المكتومة ‪ -‬سر المسيح ‪ -‬قمة المقاصد‬

‫‪143‬‬ ‫خامس حلقات ذهبية‬


‫سببق معرفة الله ‪ -‬سببق التعيين ‪ -‬دعوة‬
‫الله ‪ -‬التبرير ‪ -‬المجد‬

‫‪153‬‬ ‫قمة المقاصد‬


‫رجااء دعوته ‪ -‬البركات التي لنا في المسيح‬
‫‪ -‬الله المثلث القانيم والخاتيار ‪ -‬أكثر جادا ا‬
‫مما نطُلبَ أو نفتكر ‪ -‬مجموعتان متميزتان‬
‫من البركات‬

‫‪161‬‬ ‫الختام‬

‫‪9‬‬
‫مقدمة‬
‫هذا الكتاب‪ ،‬وهو ضمن سلسلة “ما هو الحق”‪ ،‬يتحدث عععن‬
‫أحععد الموضععوعات المهمععة فععي الكتععاب المقععدس‪ ،‬أعنععي بهععا‬
‫“حقيقة الخاتيار”‪ .‬وهي يتعتبر من أسمى الحقائق التي أعلنهععا‬
‫الوحي الكريم‪ ،‬إذ ل علقة لها بالنسععان أو اسععتحقاقه أو حععتى‬
‫تفكيره‪ ،‬بل هي مرتبطُة بمقاصد الله الزألية وعطُاياه بالنعمععة‬
‫للذين عرفهم وأحبهم في الزأل‪ ،‬الععذين هععم مععدعوون حسععبَ‬
‫قصده‪.‬‬
‫ولقد شعرت من أحاديثي مع بعض إخاوتي المؤمنين بأهمية‬
‫الكتابة في هذا الموضوع‪ ،‬فحقيقة الخاتيار بالسف حقيقة غير‬
‫مفهومععة مععن الكععثيرين مععن المععؤمنين‪ ،‬ومفععترى عليهععا مععن‬
‫بعضهم‪ ،‬وذلك رغم أنها واردة بوضوح في كلمة الله‪.‬‬
‫ولقد رأيت‪ ،‬ليمكن فهم الموضوع بصورة أفضععل‪ ،‬وتغطُيتععه‬
‫من جاوانبه المتعععددة‪ ،‬أن أبععدأ الكتععاب بفصععول تشععتمل علععى‬
‫نظرات استهللية‪ ،‬تتبعها فصول أخارى عن المسععائل الجدليععة‪،‬‬
‫وما أكثرها‪ ،‬ثععم أنتقععل مععن الجععدليات إلعى الجععانبَ التعليمععي‪،‬‬
‫وأخايرا ا نصل إلى قمة الموضوع فععي الفصععول الثلثععة الخايععرة‬

‫‪9‬‬
‫للكتاب‪.‬‬
‫فععي النظععرات السععتهللية نتحععدث عععن نظععرة تاريخيععة‬
‫للقضية‪ ،‬ثم عن مطُلق سلطُان اللععه‪ ،‬ومطُلععق عجععز النسععان‬
‫وفساده الكلي‪ .‬وكيف تداخال الله بنعمته المطُلقععة لخلصععنا‪.‬‬
‫وفعي المسعائل الجدليعة تحعدثنا ععن التوفيعق بيعن نعمعة اللعه‬
‫ومسؤولية النسان‪ ،‬وعن ذنبَ غيععر المختععارين‪ ،‬وعععن موقععف‬
‫الشرار من تلك الحقيقة المجيععدة‪ .‬ثععم عرجانععا للحععديث عععن‬
‫بعض المور الشائكة‪ ،‬مثععل اليععة‪» :‬أحببععت يعقععوب وأبغضععت‬
‫عيسععو«‪ ،‬وأيضععا ا تقسععية الععرب لقلععبَ فرعععون‪ .‬ثععم إجاابععة‬
‫السؤال‪ :‬هل عيين الله أناسا ا للهلكا؟‬
‫ثععم انتقلنععا مععن الجععدليات إلععى الجععانبَ التعليمععي لتلععك‬
‫الحقيقة‪ ،‬لتوضيح ما هو الخاتيععار ومععا ليععس هععو‪ .‬وهععل يمكععن‬
‫للنسان معرفة إن كان مختارا ا أم ل‪ .‬ومنها تحدثنا عن الفارقا‬
‫الكبير بين الخاتيار الن فععي نععور العهععد الجديععد والخاتيععار فععي‬
‫الزأمنة السابقة‪ .‬وكان ل بععد أن نتعععرض لبعععض العتراضععات‬
‫على الخاتيار ونرد عليها‪.‬‬
‫وأخايرا ا وصلنا إلععى ذروة الموضععوع بععأن تحععدثنا عععن ماهيععة‬
‫المسععيحية‪ ،‬وذلععك تمهيععدا ا للوصععول إلععى المعنععى الحقيقععي‬
‫للخاتيار‪ ،‬من خالل الحديث عن المقاصععد اللهيععة الععواردة فععي‬
‫الحلقات الخمععس الذهبيععة فععي روميععة ‪:8‬عع ‪ ،30-28‬ثععم قمععة‬
‫المقاصد كما ترد في اليات الولى من الرسالة إلى أفسس‪.‬‬
‫وطلبتي إلى الله أن يجعل هذا الكتاب ليس فقط مسععاعدا ا‬

‫‪10‬‬
‫لكثيرين لمعرفة تلك الحقيقة الجوهرية في الكتاب المقععدس‪،‬‬
‫بععل أيضععا حععافزا ا للمععؤمنين علععى المزيععد مععن حيععاة القداسععة‬
‫والخدمة والفرح والشكر‪ ،‬وأن يقود كل نفس مخلصععة وباحثععة‬
‫عن الحق إلى المخلص الوحيد في زأمان النعمة‪ ،‬قبل أن يغلق‬
‫الباب‪.‬‬
‫يوسف رياض‬
‫السكندرية‬
‫يناير ‪2001‬‬

‫‪11‬‬
‫نظرة تاريخية للقضية‬
‫‪1‬‬
‫الخاتيار هو إحدى الحقائق الكتابيععة الععتي كععثر فيهععا الجععدل‬
‫على مدى تاريخ الكنيسععة‪ .‬وسععنذكر فععي هععذا الفصععل فكععرة‬
‫سريعة عن هذا الحوار والخلف الذي أثير حول هذه الحقيقععة‪،‬‬
‫قبل أن نتحدث عن فكر الكتاب المقععدس فععي هععذا الموضععوع‬
‫المهم‪.‬‬

‫بلجايوس وهرطقته‬
‫يحتفظ لنا تاريخ الكنيسة البععاكر بععذكر هرطقععة تحمععل اسععم‬
‫“الهرطقة البلجايععة”‪ ،‬نسععباة إلععى صععاحبها وه و راهععبَ أيرلنععدي‬
‫اسمه بلجايوس ظهر فععي أواخاععر القععرن الرابععع وأوائععل القععرن‬
‫الخامس الميلدي‪ .‬هععذا الشععخص أنكععر عجععز النسععان الكلععي‬
‫وفساد طبيعته التام‪ ،‬ونادى بأن لدى النسان قوة داخالية لعمععل‬
‫الخيععر والوصععول إلععي أعلععى درجاععات القداسععة‪ .‬وكمععا أنكععر‬
‫بلجايوس هذا سقوط النسععان وفسععاده التععام فقععد أنكععر أيضععا ا‬
‫عمععل الععروح القععدس فععي النفععس باعتبععاره الطُريععق الوحيععد‬

‫‪11‬‬
‫للخلصا‪ ،‬ونعمة الله فععي نظعره مجععرد نعداء للنسععان ليمععارس‬
‫أفضل ما عنده من نحو الله‪ .‬إن النسععان فععي نظععر بلجايععوس‬
‫يولد في حالة البراءة‪ ،‬مثل آدم في الجنععة‪ ،‬وبالتععالي فقععد أنكععر‬
‫أيضا ا مب دأ وراثعة الخطُيعة معن آدم‪ .‬كعل معا فعي المعر أن آدم‬
‫بسقوطه أعطُى ذريته قدوة سععيئة‪ .‬ومععن الجععانبَ الخاععر فععإن‬
‫المسيح وحياته هما النموذج المثل للخير والصععلح‪ .‬لكععن قبععل‬
‫المسيح كان هناكا أشععخاصا تممعوا النععاموس الدبععي‪ ،‬وآخاععرون‬
‫بعده ألهمهععم المسعيح بمثععاله أن يسععلكوا طريععق الكمعال‪ ،‬وأن‬
‫يدلوا غيرهم من بعدهم على الطُريق ذاته‪.‬‬
‫هذه خالصة ما نادى به بلجايوس في هرطقته‪ .‬ولكععن شععكرا ا‬
‫لله الذي عنده دائما ا أبطُاله الذين يدافعون عن الحق‪ :‬فلما طلع‬
‫آريييوس ببععدعته الشععهيرة الشععريرة أقععام اللععه أثناسيييوس‬
‫السييكندري‪ ،‬ثععم لمععا ظهععر بعععده بلجايييوس‪ ،‬أقععام الععرب‬
‫أغسطينوس‪ .1‬والرب يجيهز البطُال للمأمورية التي يعلم هععو‬
‫مسبقا ا أنهم سيقومون بهعا‪ .‬فلعم يكعن أحعد مناسعبا ا للعرد علعى‬
‫بلجايععوس أكععثر مععن أغسععطُينوس الععذي اخاتععبر منتهععى الفسععاد‬
‫الدبي‪ ،‬كما اخاتبر نعمة الله التي ليس لها حدود‪ .‬فإذ يقول واحد‬
‫إن النسان خايير بطُبيعته‪ ،‬فلن تجد من هو أنسبَ للرد عليععه مععن‬

‫‪ 1‬هناكا العديد مععن المقععابلت بيععن هععاتين الهرطقععتين‪ :‬الهرطقععة الريوسععية‬


‫ظهرت في الشرقا‪ ،‬بينما الهرطقة البلجاية ظهرت في الغعرب‪ .‬الولعى فعي‬
‫أوائل القرن الرابععع‪ ،‬والثانيععة فععي أوائععل القععرن الخععامس‪ .‬الولععى مختصععة‬
‫بلهوت المسيح‪ ،‬والثانية تتعرض لطُبيعة النسان‪ .‬الولى قاومها أثناسيوس‪،‬‬
‫والثانية قاومها أغسطُينوس‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪13‬‬ ‫نظرة تاريخية للقضية‬

‫أغسطُينوس‪ ،‬الذي لععم يبععنِ رده عليععه علععى اخاتبععاره الشخصععي‬


‫فقط‪ ،‬بل استخرج من كلمة الله العبراهين الجازأمعة علعى فسعاد‬
‫النسان المطُلق‪ ،‬بالضافة إلى صورر عن النعمععة جاميلععة وكععثيرة‬
‫لم يعيلم أحد د بمثلها منذ زأمان الرسل‪.‬‬

‫أرمينيوس الهولندي‬
‫ل يكف الشيطُان أبععدا ا عععن تشععويه الحععق وإفسععاد التعليععم‬
‫الصحيح‪ .‬ولهذا فإننا نجد في أقوال الباء فععي تاريععخ الكنيسععة‬
‫الكثير مما يؤيد أفكار بلجايوس هذا‪ ،‬إلعى أن نصعل إلعى أوائعل‬
‫القععرن السععابع عشععر‪ ،‬حيععث قععام راهععبَ مععن هولنععدا اسععمه‬
‫أرمينيوس‪ ،‬نادى بتعععاليم مفادهععا أن النسععان ليععس فاسععدا ا‬
‫تماما ا بحيث يستحيل عليه قبول اليمان للخلصا‪ ،‬ول هو تحععت‬
‫سيطُرة الله المطُلقة بحيث ل يقدر أن يرفض نعمته‪ .‬وإذ ركز‬
‫على مسؤولية النسان‪ ،‬فقد أمسى تعليم الخاتيار في مفهومه‬
‫ل يزيد عن كون الله كلي العلععم‪ ،‬ويعععرف مسععبقا ا موقععف كععل‬
‫إنسان‪ .‬ولمعرفته موقععف البشععر مععن النعمععة واليمععان فقععد‬
‫اخاتار من سوف يؤمن به‪ ،‬ولم يخت لبر الباقين‪.‬‬
‫خص أتباع أرمينيوس أفكععار معلمهععم بعععد مععوته فععي‬
‫ولقد ل ي‬
‫نقععاط تتضععمن العععتراض علععى خامسععة أشععياء هععي‪ :‬مطُلععق‬
‫سلطُان اللعه فعي الخاتيعار‪ ،‬وعجععز النسععان التععام‪ ،‬ومحدوديعة‬
‫الكفارة‪ ،‬وفعالية نعمة اللععه وتأثيرهععا الكيععد‪ ،‬ثععم ضععمان مركععز‬
‫القديسين وثباتهم‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪14‬‬

‫عقد مجمع من عدد كععبير مععن اللهععوتيين فععي هولنععدا‬


‫ولقد ي‬
‫فعععي مدينعععة دورت ععععام ‪1618‬م‪ ،‬حيعععث اسعععتمر البحعععث‬
‫والمداولت في كلمة الله نحو سبعة شهور‪ ،‬عقععدوا فيهععا ‪154‬‬
‫جالسة‪ .‬وفى مايو عام ‪1619‬م صدر قرار المجمع برفض كععل‬
‫النقاط التي قالها أتباع أرمينيوس‪ ،‬وطلعوا بخمععس نقعاط فععي‬
‫سميت بالنقاط الكلفينية‪ 1‬الخمس‪.‬‬
‫مواجاهتها ي‬

‫الكلفينية مقابل الرمينيوسية‬


‫تتعارض العقيعدة الكلفينيعة معع العقيعدة الرمينيوسعية فعي‬
‫خامس نقاط كالتي‪:‬‬
‫النقطة الولييى فييي الفكيير الكلفينييي هععي فسععاد‬
‫النسان المطُلق‪ :‬أي أن النسان فاسععد تمامععا ا ول يمكععن أن‬
‫يعمععل مععن ذاتععه شععيئا ا إن لععم يعملععه اللععه فيععه‪ .‬فهععو ميععت‪،‬‬
‫والميت ل يحتاج إلي مساعدة بل إلي إحياء‪ .‬بععل إن اليمععان‬
‫نفسه هو جازء مععن عطُيععة اللععه للنسععان )أف ‪ ،(8 :2‬وليععس‬
‫عطُيعععة النسعععان للعععه‪ .‬فعععي مقابعععل ذلعععك يقعععول الفكعععر‬
‫الرمينيوسي‪ :‬مع أن النسان فاسد‪ ،‬فنتيجة مساعدة الله له‪،‬‬
‫ونتيجة الكرازأة والععوعظ‪ ،‬يمكنععه أن يختععار الخاتيععار الصععحيح‬

‫‪ 1‬النقاط الكلفينية‪ ،‬نسبة إلععى المصععلح السويسععري الشععهير “كلفععن”‪ ،‬الععذي‬


‫استوحي تلمذته هذه التعاليم من كتاباته وصاغوها في نقاط خامس‪ .‬وعندما‬
‫أصدر مجمع دورت‪ ،‬في عام ‪ ،1619‬رفضه وتحريمه لكل أفكار أرمينيععوس‪،‬‬
‫كان أرمينيوس هذا قد رقد قبل ذلك )عام ‪ .(1609‬كما كان كلفن أيضا ا قد‬
‫رقد قبله )عام ‪.(1564‬‬

‫‪14‬‬
‫‪15‬‬ ‫نظرة تاريخية للقضية‬

‫ويرفض الخطُأ‪.‬‬
‫النقطة الكلفينييية الثانييية‪ :‬اخاتيععار اللععه مطُلععق وغيععر‬
‫مشروط‪ ،‬ومبني علي مطُلق سععلطُان اللععه‪ ،‬ول يتوقععف علععى‬
‫شيء في النسان‪ .‬وفى مقابل ذلك فإن الفكر الرمينيوسععي‬
‫يقول إن الخاتيار مشروط‪ :‬بمعنععى أن اللععه اخاتععار الععذين كععان‬
‫يعرف بسابق علمه أنهم سوف يؤمنون‪.‬‬
‫النقطة الكلفينية الثالثة‪ :‬محدودية الكفارة‪ :‬بمعنى أن‬
‫المسيح مات لكي يفدي المختارين فقط )مر ‪ ،(45 :10‬وحمل‬
‫خاطُايا المؤمنين به دون سواهم‪ ،‬وتحمل عقوبععة الخطُيععة بععدل ا‬
‫من بعض الخطُاة دون غيرهم‪ .‬وبعد أن حمل المسيح عقوبععة‬
‫خاطُايا هؤلء الخطُاة‪ ،‬فقد أعطُاهم الله اليمان ليؤمنععوا بعمععل‬
‫ابنه لجالهم‪ .‬وفي مقابل ذلك كان أرمينيوس وأتباعه يعيلمععون‬
‫مععا بععذل‬
‫أن الكفارة عامة‪ ،‬وتشععمل العععالم أجامععع‪ ،‬والمسععيح ل ي‬
‫نفسه‪ ،‬بذل نفسه فدية لجال الجميع )‪1‬تي ‪.(6 :2‬‬
‫النقطة الكلفينية الرابعة‪ :‬هي نعمععة اللععه الععتي ل ت يععلرد‬
‫وجاهععاد الععروح القععدس الععذي ل ي يقععاوم‪ .‬فعنععدما يتععدخال اللععه‬
‫بالنعمة‪ ،‬وكذلك عندما يعمععل الععروح القععدس فععي الخععاطئ‪ ،‬ل‬
‫يقدر هذا النسان أن يرفض تلك النعمة أو يتجاهل عمل الروح‬
‫القدس فيه‪ .‬وفى مقابل ذلك فإن أرمينيوس وأتباعه ييعل يمععون‬
‫أن النعمة يمكن أن يتقالوم‪ ،‬وأن عمل الروح القدس ممكععن أن‬
‫ييرفض‪.‬‬
‫النقطة الكلفينية الخامسة‪ :‬هي أن مركز المؤمن ثععابت‬

‫‪15‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪16‬‬

‫أبديا ا ول يمكن أن يهلك أحد د من المختارين في الزأل والمععدعوين‬


‫في الزمان‪ ،‬إذ إن المعؤمن الحقيقعي محفعوظ بقعوة الل ه )‪1‬بعط‬
‫‪ .(5 :1‬وفععي مقابععل ذلععك فععإن الفكععر الرمينيوسععي يقععول إن‬
‫المؤمن الحقيقي قد يسقط من النعمععة )غععل ‪ ،(4 :5‬وفععي هععذه‬
‫الحالة يهلك‪.‬‬
‫ومععع أن مجمععع دورت دان الفكععر الرمينيوسععي‪ ،‬فععإن هععذا‬
‫الفكر لعم ينتعه‪ ،‬إذ ععاد وانتعععش معن جاديعد علععى أيعدي بععض‬
‫الرجاععال العظععام أمثععال جاععون وسععلي‪ ،‬ولقععد أصععبحت عقيععدة‬
‫الوسععليين المثوديسععت‪ ،‬بالضععافة إلععى العديععد مععن الكنععائس‬
‫المستقلة في العالم‪ ،‬تتبنى هذا الفكر‪.‬‬
‫والجدول التالي يوضح الفروقا بين العقيدتين‬

‫الفكر‬ ‫الفكر الكلفيني‬


‫الرمينيوسي‬

‫معععععع أن النسعععععان‬ ‫النسعععان فاسعععد تمامعععا ا ول‬


‫فاسعععععد‪ ،‬فنتيجعععععة‬ ‫يمكن أن يعمل من ذاته شيئا ا‬
‫)‪(1‬‬
‫مسععاعدة اللععه لععه‪،‬‬ ‫إن لم يعمله اللععه فيععه‪ .‬لنععه‬
‫حالة‬
‫ونتيجعععععة الكعععععرازأة‬ ‫ميععععت روحيععععا ا )أف ‪،(1 :2‬‬
‫النس‬
‫والععوعظ‪ ،‬يمكنععه أن‬ ‫واليمان نفسه هو جاععزء مععن‬
‫ان‬
‫يختععععععار الخاتيععععععار‬ ‫عطُيعععة اللعععه للنسعععان )أف‬
‫الصععععحيح ويرفععععض‬ ‫‪ ،(8 :2‬وليس عطُية النسان‬
‫الخطُأ‪.‬‬ ‫لله‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪17‬‬ ‫نظرة تاريخية للقضية‬

‫الخاتيععار مشععروط‪:‬‬ ‫اخاتيععار اللععه مطُلععق وغيععر‬


‫)‪(2‬‬
‫بمعنى أن الله اخاتععار‬ ‫مشعععروط‪ ،‬ومبنعععي علعععي‬
‫الخاتي‬
‫الععذين كععان يعععرف‬ ‫مطُلععق سععلطُان اللععه‪ ،‬ول‬
‫ار‬
‫بسععابق علمععه أنهععم‬ ‫يتوقععف علععى شععيء فععي‬
‫الزأل‬
‫سوف يؤمنون‪.‬‬ ‫النسان‪.‬‬
‫ي‬
‫الكفعععععارة عامعععععة‪،‬‬ ‫المسيح مععات لكععي يفععدي‬ ‫)‪(3‬‬
‫وتشمل العالم أجامع‪،‬‬ ‫المختعععارين فقعععط )معععر‬ ‫اتسا‬
‫والمسيح بذل نفسععه‬ ‫‪ ،(45 :10‬وحمععل خاطُايععا‬ ‫ع‬
‫فدية لجاععل الجميععع )‬ ‫المؤمنين به دون سواهم‪.‬‬ ‫الكفا‬

‫‪1‬تي ‪.(6 :2‬‬ ‫رة‬

‫النعمععععة يمكععععن أن‬ ‫نعمععة اللععه ل يتععرلد وجاهععاد‬


‫يتقالوم‪ ،‬وعمل الععروح‬ ‫الععروح القععدس ل ييقععالوم‪.‬‬
‫القعععدس ممكعععن أن‬ ‫فعنععععدما يتععععدخال اللععععه‬ ‫)‪(4‬‬
‫ييرفض‪.‬‬ ‫بالنعمعععة‪ ،‬وكعععذلك عنعععدما‬ ‫عمل‬

‫يعمل الععروح القععدس فععي‬ ‫النعم‬

‫الخعععاطئ‪ ،‬ل يقعععدر هعععذا‬ ‫ة‬

‫النسععان أن يرفععض تلععك‬


‫النعمععة أو يتجاهععل عمععل‬
‫الروح القدس فيه‪.‬‬

‫المؤمن الحقيقي قععد‬ ‫مركعز المعؤمن ث ابت أبعدياا‪،‬‬ ‫)‪(5‬‬

‫‪17‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪18‬‬

‫يسقط مععن النعمععة ‪،‬‬ ‫ول يمكن أن يهلك أحععد د مععن‬ ‫الضم‬
‫وفعععي هعععذه الحالعععة‬ ‫المختععععععارين فععععععي الزأل‬ ‫ان‬
‫يهلك‪.‬‬ ‫والمدعوين في الزمان‪.‬‬ ‫البد‬
‫ي‬

‫العقيدتان في مواجاهة‬
‫ي عن البيان أننا لسنا ملتزمين السععير وراء هععذا الفريععق‬
‫غن ي‬
‫أو ذاكا‪ ،‬ول أن نتقيد بأفكار فريق دون الخار‪ ،‬ول أن ندافع عععن‬
‫معلم أو مذهبَ‪ ،‬لكننا ملزمون أن نؤمن ونتمسععك بمععا تعلمععه‬
‫كلمة الله دون سواها‪ ،‬وذلك بمقارنة كل أقوال الكتاب معععاا‪ ،‬ل‬
‫آيات معينة تسند فكرا ا دون باقي اليات‪.‬‬
‫وبحسععبَ فهمنععا لكلمععة اللععه يمكننععا القععول إن لكععل مععن‬
‫الفريقين أخاطُاءه‪ .‬فمثل ا مسألة محدودية الكفععارة فععي الفكععر‬
‫الكلفيني غير صحيحة‪ ،‬لن كفارة الله شاملة للعالم أجامع )‪1‬يو‬
‫‪ .(2 :2‬لكن لن هذا ييخرجانا عن موضوع الكتاب‪ ،‬وهو الخاتيار‪،‬‬
‫لذلك سنقصر الحديث على النقطُة الثانية من النقاط الكلفينيععة‬
‫الخمس‪.‬‬
‫الخاتيار بالنسبة للفكر الرمينيوسععي هععو اخاتيععار مشععروط‪،‬‬
‫فالله اخاتار قوما ا بناء على سبق معرفته لقبععول هععؤلء لنعمتععه‬
‫وشعورهم بالحاجاة لخلصه‪ .‬أي أن الله اخاتار من علم بسابق‬
‫علمه أنهععم بمحععض إرادتهععم سععيختارون المسععيح‪ .‬وبكلمععات‬

‫‪18‬‬
‫‪19‬‬ ‫نظرة تاريخية للقضية‬

‫أخارى فإن اخاتيار النسان للمسيح وليس اخاتيار اللععه للنسععان‬


‫هو سببَ الخلصا‪ ،‬أو المحركا الول له على القل‪.‬‬

‫على عكس ذلك تماما ا يقف الفكر الكلفيني‪ .‬فهو ينادى أن‬
‫اخاتيار الله لبعض الناس مبني على مطُلق سععلطُان اللععه‪ 1‬ل‬
‫مطُلق علمه فحسبَ‪ .‬إذ ليس علععى أسععاس أي شععيء فععي‬
‫النسععان كالتوبععة واليمععان بنععى اللععه اخاتيععاره للنسععان‪ ،‬بععل‬
‫بععالعكس فععإن اللععه يعطُععي عطُيععة اليمععان للععذين اخاتععارهم‪.‬‬
‫فاليمان في الشخص جااء نتيجة للخاتيار وليس سببا ا لععه‪،‬‬
‫وبالتععالي فععإن اخاتيععار اللععه للخععاطئ‪ ،‬وليععس اخاتيععار الخععاطئ‬
‫للمسيح‪ ،‬هو السببَ الحقيقي للخلصا‪.‬‬

‫لقععد رفععض رجاععال الصععلح الهرطقععة البلجايععة‪ ،‬وحععذوا حععذو‬


‫أغسطُينوس في عزو الخلصا لمطُلق نعمععة اللععه واخاتيععاره غيععر‬
‫المشروط‪ .‬وهو ما عبر عنه جايدا ا الفكععر الكلفينععي‪ ،‬وتمسععك بععه‬
‫بشدة‪ ،‬وحسنا ا فعل‪ ،‬فهذا مععا ييعليععم بععه الكتععاب المقععدس‪ .‬ومععن‬
‫الجععانبَ الخاععر تمسععك الفكععر الرمينيوسععي بشععدة بمسععؤولية‬
‫النسان‪ ،‬وهو ما نجده أيضا ا على صفحات الععوحي‪ ،‬كمععا سنوضععح‬
‫في الفصل الخامس‪.‬‬

‫يتطُرف بعض الكلفينيين ويعيلمون أن الله أيضا ا في سلطُانه اخاتار أشخاصععا ا‬ ‫‪1‬‬

‫للهلكا‪ ،‬كما اخاتار غيرهم للخلصا‪ .‬وهو فكر غير صحيح‪ ،‬وسوف نرد عليه في‬
‫الفصل العاشر‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪20‬‬

‫نقاط الضعف ونقاط القوة‬


‫سنرى في أثناء بحثنا في هذا الكتاب أنه ليس حقا ا ما ذهبَ‬
‫إليه الفكر الرمينيوسي من إنكععار اخاتيععار اللععه المطُلععق وغيععر‬
‫المشروط‪ ،‬ول ما تطُرف إليه بعض الغلة في الفكر الكلفينععي‬
‫من أن الله اخاتار أناسا ا للخلصا‪ ،‬واخاتار غيرهم للهلكا‪.‬‬

‫كلتععا العقيععدتين الكلفينيععة‬


‫وعليععه فيمكععن القععول إن فععي ِ‬
‫والرمينيوسية نقععاط قععوة ونقععاط ضعععف‪ ،‬وكلتيهمععا تشععتمل‬
‫على جازء من الحق وجازء من الضععلل‪ .‬ويبععدو أن المشععكلة‬
‫بالنسععبة لهعذه الخصععومة الععتي تععأبى أن تنتهععي هعي محاولععة‬
‫التوفيععق بيععن الحقععائق الكتابيععة الناصعععة الععتي تبععدو كأنهععا‬
‫متعارضة‪ .‬وإذ يعجز الفكر البشري في التوفيق بينهما‪ ،‬فععإنه‬
‫يجنح لجانبَ وينكعر الجعانبَ الخاعر‪ .‬لك ن دعنعا ل ننس ى أنعه‬
‫ليس غريبععا ا أن يعجععز البشععر أمععام بععض مشععكلت الكتععاب‪،‬‬
‫فهناكا في الخليقة مشكلت لععم يسععتطُع العقععل البشععري أن‬
‫يحلها‪ ،‬وفي الوحي أيضا ا حقععائق ل يسععتطُيع العقععل أن يسععبر‬
‫غورهععا‪ .‬ومرجاععع ذلععك أننععا الن نعلم بعععض العلععم فقععط‪،‬‬
‫وننظر في مرآة‪ ،‬في لغز‪ .‬وعليه فإننا نتمسك بكل قععوة بمععا‬
‫يعلنععه الكتععاب المقععدس بالنسععبة لكل المريععن‪ :‬نعمععة اللععه‬
‫المطُلقة‪ ،‬وكذلك مسؤولية النسان‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪21‬‬ ‫نظرة تاريخية للقضية‬

‫الخلصة‬
‫توجاد اليوم في المسععيحية عقيععدتان بالنسععبة لموضععوع الخاتيععار‪:‬‬
‫العقيدة الكلفينية والعقيدة الرمينيوسععية‪ .‬وفععي ِكلتععا العقيععدتين‬
‫نقاط ضعف ونقاط قوة‪ .‬أما نقاط القوة فهي في ما تمسكت به‬
‫من أقوال الكتاب الصريحة‪ .‬أما نقاط الضعععف فهععي مععا أنكرتععه‬
‫نتيجة استنتاجاات الذهن البشععري‪ .‬لقععد تمسععك الفكععر الكلفينععي‬
‫وبشدة بنعمة الله‪ ،‬وحسنا ا فعل‪ .‬كما تمسك الفكر الرمينيوسععي‬
‫بمسؤولية النسان‪ ،‬وهو مععا يشععدد عليععه فعل ا الكتععاب المقععدس‪.‬‬
‫لكن الرمينيوسيين أخافقوا عندما أنكروا اخاتيار الله المطُلق غيععر‬
‫المشروط‪ ،‬كما أخافق الكلفينيون عندما نادوا بععأن اللععه عي يععن فعي‬
‫الزأل أناسا ا للهلكا البدي‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫مطُلق سلطُان الله‬
‫‪2‬‬
‫حقيقة الخاتيار العتي نتحععدث عنهعا فععي هععذا الكتععاب وثيقعة‬
‫الصلة بحقيقة أخارى جاوهرية وهامة هي حقيقة سععلطُان اللععه‪.‬‬
‫ولقد قال أحدهم إنه ليس عسيرا ا على النسان أن يتصور الله‬
‫في أي مكان إل فوقا الععرش! فهعو يقبعل بعالفطُرة أن يكعون‬
‫الله في الورشة‪ ،‬صانعا ا يتقن العالمين بكلمة‪ ،‬أو في المزرعععة‬
‫يمد خاليقته بأزأمنة مثمرة ويمل قلوبنا طعاما ا وسععروراا‪ ،‬أو فععي‬
‫الكنيسة يتقيبل تعبدنا وسجودنا وتقععدماتنا‪ .‬وهععم يقععرون معنععا‬
‫أنه هو الحامل لكل الشياء بكلمة قدرته‪ .‬أما عندما نقول إنععه‬
‫يجلس فوقا العرش‪ ،‬يفعل ما يشاء في جانععد السععماء وسععكان‬
‫الرض‪ ،‬فهذا ما يلقعى اعتراضعا ا معن قِلبعل بعضعهم فيمعا ييبعدي‬
‫الخارون تحفظاتهم عليه‪.‬‬
‫ترى »ماذا يقول الكتاب« في هذا المر؟‬

‫الله على العرش‬


‫يقول الكتاب‪» :‬إن إلهنا فععي السععماء‪ ،‬كلما شيياء صيينع«‬

‫‪21‬‬
‫)مز ‪» ،(3 :115‬كل ما شاء الرب صنع في السماوات وفى‬
‫الرض‪ ،‬في البحار وفى كل اللجج« )مز ‪ ،(6 :135‬وأيضععا ا إنععه‬
‫»رب السععماء والرض« )أع ‪ ،(24 :17‬وبالجامععال »هععو رب‬
‫الكل« )أع ‪.(36 :10‬‬
‫ت أنععى‬ ‫يلوم الله النسان الشرير في المزمور قائ ا‬
‫ل‪» :‬ظننعع ل‬
‫مثلك« )مز ‪ .(21 :50‬لكن ماذا نقول عندما يظن النسان أن‬
‫الله أقل منه! فمع أن كثيرين يعتقدون أن للنسان حريععة لأن‬
‫يختار الله أو يرفضه‪ ،‬فإن منهم من يرفض العتقاد فععي حريععة‬
‫الله أن يختار من يشاء!! وبينما هععم ل ينكععرون حععق الخععيزاف‬
‫ن‬
‫فععي الطُيععن أن يشععكل مععن كتلععة واحععدة مععا يشععاء مععن أوا ر‬
‫ن للهععوان‪ ،‬فععإنهم ينكععرون حععق الخععالق علععى‬
‫للكرامععة وأوا ر‬
‫خاليقته!‬
‫أما جاماهير التقياء فإنهم مع داود النععبي يقولععون‪» :‬لععك يععا‬
‫رب العظمة والجبروت والجلل والبهاء والمجد‪ ،‬لن لييك كييل‬
‫ملك وقد ارتفعت رأسييا ا‬
‫ما في السماء والرض‪ .‬لك يا رب ال ي‬
‫على الجميع‪ ،‬والغنععى والكرامععة مععن لععدنك وأنععت تتسلط‬
‫على الجميع« )‪1‬أخ ‪ ،(11،12 :29‬ومع أيوب البععار يقولععون‬
‫»أمعا هعو فوحعده فمعن يععرده؟ ونفسععه تشععتهى فيفععل« )أي‬
‫‪.(13 :23‬‬
‫الله الذي نتعبد له هو الله الجالس علي العرش‪ ،‬المتسلط‬
‫في مملكة الناس‪ ،‬وليس الخادم لعوازأهم أو لمزجاتهم‪ .‬كان‬
‫نبوخاذنصععر هععو الملععك العظععم فععي كععل تاريععخ أزأمنععة المععم‪،‬‬

‫‪22‬‬
‫‪23‬‬ ‫مطُلق سلطُان الله‬

‫ووصل في السلطُان البشري الذي منح لععه إلععى القمععة‪ ،‬لكنععه‬


‫أقر بمطُلق سلطُان الله بكلمات في منتهى الوضععوح والقععوة‪،‬‬
‫ي إلععي‬
‫ت الحعع ي‬
‫ت وحمععد ي‬
‫إذ عندما رد الله إليه عقله قال‪» :‬سبح ي‬
‫البد‪ ،‬الذي سلطُانه سععلطُان أبععدي‪ ،‬وملكععوته إلععي دور فععدور‪،‬‬
‫ت جاميع سكان الرض كل شيء‪ ،‬وهو يفعل كما يشاء‬
‫وحسب ي‬
‫في جاند السماء وسععكان الرض‪ ،‬ول يوجاععد مععن يمنع يييده أو‬
‫يقول له ماذا تفعل« )دا ‪.(34،35 :4‬‬

‫نحن نؤمن أن الله هو فعل ا وحقا ا جاالس على العرش‪ ،‬مهيم د‬


‫ن‬
‫ل كععل شععيء حسععبَ رأى‬ ‫جاده لكل شيء‪ ،‬عام د‬‫على كل شيء‪ ،‬يمو ي‬
‫مشيئته )أف ‪ .(11 :1‬هععو الفاعععل للحععداث ل المتفاعععل معهععا‪.‬‬
‫فالله ليس مشاهدا ا لما يجرى من أحداث علععى هععذا الكععوكبَ أو‬
‫في كل الكون‪ ،‬بل إنه مهيمن عليها )مز ‪ .(7 ،6 :135‬وإن إنكار‬
‫مطُلق سلطُان الله هو بمثابة إنكار وجاود الله ذاتععه‪ .‬أمععا إذا كنععا‬
‫نرى طغيان الشر فععي كععل مكععان‪ ،‬وعربععدة الشععيطُان فععي كععل‬
‫المجالت‪ ،‬ومع ذلك يبدو الله صامتا ا وكأنه ل يبععالي‪ ،‬فليععس ذلععك‬
‫إل لننا الن نعيش في زأمان صبر المسيح‪ ،‬وهععو مععا يسععمى فععي‬
‫العوحي »سععر اللععه« )رؤ ‪ ،(7 :10‬وسععينتهي قريبععا ا عنعدما يعأتي‬
‫المسيح ويملك ملكه السعيد على الكون كله‪.‬‬

‫المهيمن‬
‫لقد سمح الله بععدخاول الخطُيععة‪ ،‬ومععا زأال يسععمح بحععدوثها‪،‬‬
‫لكنه مسيطُر عليها‪ ،‬وفي النهاية يحول الكل لمجده‪ .‬وهذا مععا‬

‫‪23‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪24‬‬

‫عيبر عنه المرنم بالقول‪» :‬لن غضععبَ النسععان يحمععدكا‪ ،‬بقيععة‬


‫الغضبَ تتمنطُق بها‪) «1‬مز ‪ .(10 :76‬إنععه حععدد مسععبقا ا مععدى‬
‫سماحه للشر‪ ،‬وعلم كيف ومتى يوقفه‪ ،‬تمامععا ا كمععا يفعععل مععع‬
‫البحر الثائر الهائج الذي يقول له‪» :‬إلععى هنععا تععأتي ول تتعععدى‪.‬‬
‫وهنا تتخم كبرياء لججك« )أي ‪.(11 :38‬‬
‫وفي أصحاح التعزية‪ ،‬إشعععياء ‪ ،40‬يععذكر النععبي بكععل وضععوح‬
‫مطُلق سلطُان الله‪ .‬ولو لم يكن الله ممسكا ا بالزمام فمن أيععن‬
‫كانت تأتينا التعزية في عالم الشر والخطُية؟! في العدد التاسععع‬
‫يحول النبي أنظار شعبه قائل ا »هوذا إلهك«‪ .‬من ثم يشععير إلععى‬
‫الخليقة )ع ‪ ،(12‬وإلى المم )ع ‪ ،(15‬وإلى الرض والسععماء )ع‬
‫‪ ،(26-21‬وفععي هععذا كلععه نجععد اللععه مسععيطُراا‪ ،‬فتهععدأ قلوبنععا‬
‫وتستريح‪.‬‬
‫وبعد ذلك في إشعياء ‪ 10 :46‬نقرأ ل عن مطُلق علععم اللععه‬
‫فحسبَ‪ ،‬وهو حق عظيم نتمسععك بععه كععل التمسععك‪ ،‬بععل أيضععا ا‬
‫مطُلق سلطُانه »يمخِبر منذ البدء بالخاير‪ ،‬ومنذ القديم بمععا لععم‬
‫ل‪ :‬رأيي يقوم وأفعييل كييل‬ ‫ييفعل )باعتباره كلي العلم(‪ ،‬قائ ا‬
‫مسرتي )إذ هو كلي السلطُان(«‪.‬‬
‫نعم الله مطُلق السلطُان‪ .‬هععذا حععق جاععوهري‪ ،‬وأحععد المععور‬
‫الساسية التي تميز الله‪ .‬واسمع ما يقوله المرنم في المزمور‪:‬‬

‫‪ 1‬هذه الية بحسبَ حاشية ترجامة داربي النجليزية تعني أن الله يجعل غضععبَ‬
‫النسان يحمده‪ ،‬وأما بقية الغضبَ )أي ما يتجاوزأ الحدود‪ ،‬ويععرى اللععه بسععابق‬
‫علمه أنه لن يمجده( فإنه يحجزه‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪25‬‬ ‫مطُلق سلطُان الله‬

‫ت النهاير يا رب‪،‬‬
‫»كرسيك مثبته منذ القدم‪ .‬منذ الزأل أنت‪ .‬رفع ب‬
‫ت النهاير صولتها‪ .‬ترفع النهار عجيجهععا‪ .‬مععن أصععوات ميععاه‬
‫رفع ب‬
‫علييى أقييدر« )مععز‬
‫كثيرة‪ ،‬من غمار أمواج البحر‪ ،‬الرب في ال ع‬
‫ت يصععير‬
‫‪ .(4-2 :93‬وفي العهد القديم يقول الرب‪» :‬كما قصععد ي‬
‫ت يثبعععت« )إش ‪ .(24 :14‬وفعععي العهعععد الجديعععد‬
‫وكمعععا نعععوي ي‬
‫‪1‬‬
‫ي كل سلطان‬
‫يقول الرب يسوع المقام من الموات‪» :‬يدفع إل ي‬
‫في السماء وعلي الرض« )مت ‪.(18 :28‬‬
‫وهيا بنا الن في جاولععة سععريعة فععي الخليقععة الواسعععة مععن‬
‫حولنا‪ ،‬لنعرف شيئا ا عن العظمة والسلطُان اللذين ييتصف بهما‬
‫ذاكا الععذي يحصععي شعععور رؤوسععنا‪ ،‬كمععا يحصععي عععدد‬
‫الكواكبَ؛ الذي بأمره يسقط العصفور من السماء وتقوم‬
‫المبراطوريات على الرض!! وسنرى كيف أن سلطُان الله‬
‫هو سلطُان مطُلق على الكل‪ ،‬من أسمى المخلوقات إلى أدناها‪.‬‬
‫رد‪ :‬فل يمكن تجاهله أو رفضه‪.‬‬
‫وهو سلطُان ل يي ل‬

‫سلطُان الله المطُلق في المخلوقات‬


‫في البداية نقععول‪ :‬لمععن الععذي أشععار علععى اللععه أن يشععرع فععي‬
‫عملية الخلق؟ ولمن حدد له ماذا يخلق؟ الجاابععة‪» :‬كععل الشععياء‪..‬‬
‫خالقت« )رؤ ‪.(11 :4‬‬
‫بإرادتك كائنة و ي‬

‫‪ 1‬وهاكا المزيد من الشواهد الكتابية التي تؤكد هذه الحقيقية عينهععا‪ :‬دا نيععال‬
‫‪35 :4‬؛ أفسس ‪11،22 :1‬؛ إشعععياء ‪11-9 :46‬؛ مزمععور ‪3 :115‬؛ ‪6 :135‬؛‬
‫رومية ‪.20،22 :9‬‬

‫‪25‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪26‬‬

‫ولقد خالق الله النسان‪ ،‬لكن آدم سععرعان مععا عصععى اللععه‪.‬‬
‫فما الذي حدث؟ حقا ا كم كععان سععهل ا وميسععورا ا عنععد اللععه أن‬
‫يلشي النسان‪ ،‬بل والعالم كله‪ ،‬من الوجاود‪ ،‬ويخلععق شعععبا ا‬
‫جاديدا ا طاهرا ا نقيا ا ل يخطُئ‪ .‬لكنععه بععدل ذلععك اخاتععار الطُريععق‬
‫الكثر تكلفة‪ ،‬موت ابنه ليفدي البشر‪ ،‬ثم جاهاد الععروح القععدس‬
‫معهععم قائععدا ا إيععاهم للتوبععة‪ ،‬حععتى مععا يكععون أولئععك المفععديون‬
‫جاواهر في إكليله‪ ،‬يعكسون مجده‪ .‬وهنا يحتار فكر النسان‬
‫أمام صلح الله ورحمته ومطُلق نعمته‪ .‬لماذا فعععل ذلععك؟‬
‫ليس من جاواب سوى أنه قرر أن يكون ذلك كذلك!‬
‫ثم انظر إلى السماء من فععوقا‪ ،‬تجععد »أن نجمععا ا يمتععازأ عععن‬
‫نجم‪ 1‬في المجد« )‪1‬كععو ‪ .(41، 40 :15‬لمععاذا؟ مععرة أخاععرى‬
‫نقول إنه ليس من تعليععل لععذلك سععوى أن اللععه أراد أن يكععون‬
‫ذلك كذلك‪.‬‬
‫ن‬
‫ولنتحول الن إلى بنععي البشععر‪ :‬فععالله لععم يسععتأذن النسععا ل‬
‫أيحبَ أن يأتي إلى الوجاود أم ل‪ ،‬ول استشععاره أيعن ومععتى ومعاذا‬
‫يولد‪ .‬هل يفضل أن يولد في اللفية الثالثة بعععد المسعيح أم يولععد‬
‫قبل الطُوفان؟ في المناطق السععتوائية أو المنععاطق القطُبيععة؟‬
‫أن يكون أبيض أم أسود؟ عربيا ا أم أعجمياا؟ ذكرا ا أم أنثى؟‬
‫ثم تأمل حياة البشععر‪ :‬تجععد كيععف يظهععر سععلطُان اللععه فععي‬
‫توزأيع بركاته وعطُاياه ‪ :‬فيعطُي بعضهم غنععى وثععروة وبعضععهم‬
‫كرامة وسؤددا ا‪ ،‬وبعضا ا قوة وصععحة‪ ،‬فيمععا يكععون آخاععرون فععي‬
‫‪ 1‬لحظ أن الله لم يخلق الجارام ثم تركها تدور بمجرد قوانين وضعها هو‪ ،‬بععل‬
‫لك ي‬
‫ل الشياء بكلمة قدرته« )عبَ ‪.(3 :1‬‬ ‫إنه هو »حام د‬

‫‪26‬‬
‫‪27‬‬ ‫مطُلق سلطُان الله‬

‫فاقة أو هوان أو مرض!!‬


‫يولد بعض في قصور الملوكا وبعض في أكععواخ المتسععولين‪.‬‬
‫إنسان يشغل مركزا ا رفيعا ا وآخار يشغل مركزا ا وضيعا ا‪ .‬شخص‬
‫ل يستطُيع رأسه أن يحمل فكرتين معاا‪ ،‬وآخار لععه الفكععر الخلقا‬
‫المبدع‪ ،‬أو يغوصا في أعماقا المشاكل ويجد لهععا الحععل‪ .‬بعععض‬
‫البشر بشخصعيات قياديعة وبعضعهم بشخص يات تابععة‪ .‬ولي س‬
‫لهذا كله من تفسير أو تعليل إل مطُلق سلطُان الله‪ .‬وهذا كلععه‬
‫يععذكرنا بقععول الرسععول »ألعععل الجبلععة تقععول لجابلهععا لميياذا‬
‫صنعتني هكذا؟« )رو ‪.(20 :9‬‬
‫بل في عععالم الحيععوان أيضععا ا نجععد النسععور والديععدان‪ ،‬السععود‬
‫والفئران‪ ،‬النمور والسععلحف‪ .‬بعععض الحيوانععات تمتععازأ بالععذكاء‪،‬‬
‫وحيوانات أخارى »الله أنساها الحكمة«‪ .‬حتى الحميععر‪ :‬منهععا مععا‬
‫تسرح وتمرح ول تخضع لحد‪ ،‬ومنها ما حنى كتفععه للحمععل وصععار‬
‫سخرة للنسان‪ ،‬وذلك لن الله أراد أن يكون ذلك كذلك‪.‬‬
‫أ يوجاد من ينكععر هععذه الحقععائق أم أننععا نقبلهععا ون يسععيلم بهععا؟‬
‫بَ اعترضنا عليها‪ ،‬فما قيمة هذا العتراض؟ ألعل الحقععائق‬
‫وهل ب‬
‫تتأثر في كثير أو قليل لععو أن كععل البشععر وافقععوا عليهععا‪ ،‬أم أن‬
‫الجميع رفضوها وأنكروها؟‬

‫سلطُان الله مع المؤمنين‬


‫ثم تأمل سلطُان الله في تعامله مع المؤمنين‪ ،‬ولحظ جايععدا ا‬
‫القوال الكتابية‪» :‬ثم صعد إلي الجبل ودعا الذين أرادهم«‬

‫‪27‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪28‬‬

‫)مر ‪.(13 :3‬‬


‫وأيضا ا »وأما الن فقد وضع الله العضاء كل واحد منها فععي‬
‫الجسد كما أراد« )‪1‬كو ‪.(18 :12‬‬
‫وأيضا ا »ليكن كل واحد بحسبَ ما أخاييذ موهبععة يخععدم بهععا‬
‫بعضكم بعضا ا كوكلء صالحين علي نعمة الله المتنوعة« )‪1‬بط‬
‫‪.(10 :4‬‬
‫ثم لحظ سلطُان الله في مجععال آخاععر‪ :‬لقععد صععلى موسععى‬
‫إلى الله ليطُيل الله عمره أياما ا فلم يشععأ الععرب )تععث ‪،(26 :3‬‬
‫بينما صلى حزقيا فأطال الله عمره خامععس عشععرة سععنة )إش‬
‫‪.(5 :38‬‬
‫أرامل فقيرات كثيرات كن في إسرائيل في أيام إيليا‪ ،‬لكنه‬
‫سل إل إلى امرأة أممية من صرفة صيدا‪ ،‬وبرصا كثيرون‬
‫لم يير ل‬
‫كانوا في إسرائيل في زأمان أليشععع ولععم يطُهععر سععوى نعمععان‬
‫السرياني )لو ‪!(27-25 :4‬‬
‫بركة بيت حسععدا كععان مضععطُجعا ا حولهعا جامهععور كععبير‪ ،‬لعم‬
‫ف الرب أحدا ا منهم سوى واحد فقط )يو ‪!(18-1 :5‬‬ ‫يش ِ‬
‫يعقوب الرسول مات أول الرسل‪ ،‬ويوحنا أخاععوه مععات آخارهععم!‬
‫طُعت رقبة يعقوب بالسيف‪ ،‬نجا بطُععرس‬ ‫وفي الصحاح الذي فيه قي ِ‬
‫من السجن )أع ‪!(12‬‬
‫هل يستطُيع أحد أن يعطُععي إجاابععة سععديدة علععى السؤال‪:‬‬
‫لمععاذا هععذه الخاتلفععات‪ ،‬إل الجاابععة الععتي خارجاععت مععن فععم‬
‫مخلصنا له المجد »نعم أيهععا الب‪ ،‬لن هكععذا صععارت المسععرة‬

‫‪28‬‬
‫‪29‬‬ ‫مطُلق سلطُان الله‬

‫أمامك« )مت ‪(26 :11‬؟!‬


‫من هذا كله ندركا تماما ا أن حقيقة سلطُان الله هي حقيقععة‬
‫ناصعة كالشمس واضحة كالنهار‪ .‬ولقععد قععال المسععيح منوهععا ا‬
‫بسلطُان الله المطُلق »هكذا يكون الخاِرون أوليععن‪ ،‬والولععون‬
‫آخاِرين‪ ،‬لن كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون« )مت ‪.(16 :20‬‬

‫مطُلق سلطُان الله وحقيقة الخاتيار‬


‫من الهمية بمكان أن ندركا أن حقيقة الخاتيار التي نتحدث‬
‫عنها في هذا الكتاب وثيقة الصلة بحقيقة سلطُان الله‪ ،‬وهو ما‬
‫قرره الرسول بولس في رومية ‪ .9‬وأن يعترض الكافر أو غير‬
‫المؤمن المستهزئ على مطُلق سلطُان الله في الخاتيار فهععذا‬
‫أمر مفهوم ومؤلم‪ ،‬أما أن يعترض المؤمن الحقيقي عليه فهذا‬
‫أيضا ا أمر مؤلم لكنه غير مفهوم‪.‬‬

‫نحن طبعا ا ل نقدر أن ينن ِ‬


‫زل الله مععن علععي عرشععه‪ ،‬وهععذا فععي‬
‫الوقت نفسعه معا ل نتمنعاه‪ .‬ذلععك لننعا نعلععم تمعام العلعم أنععه ل‬
‫يجلس علي عرش من الظلم والبطُش‪ .‬حاشا ألف مرة! بل إن‬
‫»العدل والحق قاعدة كرسيه« )مز ‪.(2 :97‬‬
‫الكتاب المقدس يقرر سلطُان الله‪ .‬وما يعزينا ويمل قلوبنا‬
‫بعالفرح والفخعر أن نععرف هعذا اللعه »الصعانع رحمعة وقضعاء‬
‫وعدل ا في الرض« )إر ‪ .(24 :9‬إن سلطُان الله هذا ليس‬
‫هو سلطُان إلععه مسععتبد نحععن ملععتزمون رغمععا ا عنععا تنفيعذ‬
‫أوامره فععي طاعععة عميععاء‪ ،‬بععل هععو سععلطُان إلععه محععبَ‬

‫‪29‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪30‬‬

‫وصالح وقدوس‪ ،‬محبته اسيتعلنت في النور‪.‬‬


‫وإننا لننحني باحترام أمام سععلطُان اللععه المطُلععق‪ ،‬مععؤمنين‬
‫بما أعلنععه لنععا الععوحي‪» :‬أن كععل أمععوره ل يجععاوِب عنهععا« )أي‬
‫‪ ،(13 :33‬إذ إنه ليس بحاجاة أن يعطُي تفسيرا ا لهععا أو تععبريرا ا‪.‬‬
‫فهو يعمل كل شيء حسبَ رأي مشيئته‪ ،‬وبلغة اليمان الواثععق‬
‫نقول مع ربنا يسوع المسععيح »أحمععدكا أيهععا الب رب السععماء‬
‫والرض‪ ...‬لن هكذا صارت المسرة أمامك« )مععت ‪25،2 :11‬‬
‫‪.(6‬‬

‫الخلصة‬
‫واحد من أمور اللععه غيععر المنظععورة أنععه صععاحبَ سععلطُان مطُلععق‪ ،‬ل‬
‫تحكمععه فععي أعمععاله أيععة قععوانين خاععارج طععبيعته المطُلقععة القداسععة‬
‫والصلح‪ .‬ول يوجاد كائن في الوجاععود يقععدر أن يينععزِل اللععه مععن علععى‬
‫عرشه‪ ،‬وهو ما يسعد قلوب جاميع القديسين‪ .‬فمععع أنععه مطُلععق اليععد‬
‫تماماا‪ ،‬يفعل ما يشاء في جاند السماء وسكان الرض‪ ،‬فإنه يفعل ذلك‬
‫الظلل‪،‬‬‫ي‬ ‫من منطُلق طبيعته التي هي نععور ل تشععوبه ذرة واحععدة مععن‬
‫ومحبة مطُلقة تبذل بكل سرور وتعطُي بغير حدود‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫عبودية الرادة‬
‫‪3‬‬
‫ليمكننا فهم حقيقععة الخاتيععار بصععورة أفضععل‪ ،‬يلزمنععا أنععه كمععا‬
‫عرفنا شيئا ا عن الله الذي اخاتار‪ ،‬نعرف أيضا ا شععيئا ا عععن النسععان‬
‫الذي سر الله أن يختاره‪ .1‬لقد خالق الله النسان مستقيماا‪ ،‬لكععن‬
‫بعد أن سقط النسان في الخطُية لم يعد كمععا خالقععه اللععه‪ .‬لقععد‬
‫صار عبدا ا للخطُية‪ ،‬كمععا قععال المسععيح فععي يوحنععا ‪» 34 :8‬الحععق‬
‫الحق أقول لكم إن كل من يعمل الخطُية هو عبد للخطُية«‪ .‬بععل‬
‫صار ميتا ا روحيا ا )أف ‪1 :2‬؛ لو ‪ .(60 :9‬وبالتالي فل يوجاععد شععيء‬
‫يستطُيع النسان أن يعمل لكي يقترب إلى الله‪ .‬وإن الدعاء بأن‬
‫للنسان إرادة حرة‪ ،‬يقدر بها أن يختار الخيععر وأن يرفععض الشععر‪،‬‬
‫هو إنكار صريح لكتاب الله وكتععاب الخاتبععار علععي السععواء‪ .‬فععأن‬
‫تتحدث عن إرادة النسان الحرة فععي اخاتيععار المسععيح أو رفضععه‪،‬‬
‫فهذا يتضمن أن النسان متعادل أمام كل من الخير والشر‪ ،‬يقدر‬

‫‪ 1‬وسوف نذكر أيضا ا في الفصل السادس عشر شيئا ا عععن ذاكا الععذي اخاتارنععا‬
‫الله إليه‪ ،‬لكي به تكتمل أضلع المثلث‪ ،‬وتتحدد الصورة بأبعادها الثلثععة‪ :‬اللععه‬
‫الذي اخاتار‪ ،‬والنسان الذي اخاتاره الله‪ ،‬وإلى أي شيء اخاتاره‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫أن يميل إلى أيي منهما بالقدر نفسه‪ ،‬وهذا غير صحيح‪ .‬لقد صععار‬
‫النسان بالسقوط عارفا ا الخير ول يقدر أن يعمله‪ ،‬وعارفا ا الشععر‬
‫ول يقدر أن يمتنع عنه‪.‬‬

‫مخيير؟‬
‫مسيير أم ي‬
‫النسان ي‬
‫سؤال قديم ما زأالت المناقشات تدور حوله ساخانة‪ :‬ولعل‬
‫السر في عدم حسمه أنه يشبه السؤال‪ :‬هععل الرمععادي أبيععض‬
‫ض ول هععو أسععود‪.‬‬ ‫أم أسععود؟ فالحقيقععة أن الرمعادي ليعس أبيعع ل‬
‫والنسان ل هو مسيير تماما ا ول هو مخي يععر تمامععاا‪ .‬فهععو مخي يععر‪،‬‬
‫لكنه ليس مخييرا ا بل حدود‪ ،‬أو بصورة مطُلقة‪ .‬ول يوجاععد كععائن‬
‫حر بصعورة مطُلقعة غيعر اللعه وحعده‪ .‬فحعتى الشعيطُان بكعل‬
‫جابروته ليس مطُلق اليد ليعمععل كمععا يريععد‪ :‬فهععو لكععي يجععرب‬
‫أيوب كععان ينبغععي أول ا أن يأخاععذ الذن مععن اللععه‪ ،‬إذ ل يقععدر أن‬
‫يعمععل شععيئا ا للمععؤمن دون إذن مععن الجععالس علععى العععرش‪.‬‬
‫وحتى الذن الذي أخاععذه كععان محععدوداا‪ ،‬ومععا كععان يسععتطُيع أن‬
‫يتجاوزأ حدوده أبعدا ا )أي ‪12-6 :1‬؛ ‪ .(6-1 :2‬وكعذلك الملئكععة‬
‫أيضا هم محدودو السععلطُان‪ .‬حععتى السععرافيم فععي إشعععياء ‪6‬‬
‫ت للنظر لنععه رقععم النقععص ل‬
‫لهم ستة أجانحة‪ ،‬والرقم )‪ (6‬لفِ د‬
‫الكمععال‪ .‬الرقععم )‪ (7‬هععو رقععم الكمععال‪ .‬والععرب لععم يخلععق‬
‫السرافيم بسبعة أجانحة‪ ،‬نعععم لععم يخلقهععم اللععه ولهععم الحريععة‬
‫الكاملة للتحععركا‪ ،‬أو ليتحركععوا بمطُلععق إرادتهععم‪ .‬صععحيح هععم‬
‫أعظم منا قوة وقععدرة‪ ،‬ومععع ذلععك فععإنهم فععي النهايععة كائنععات‬

‫‪30‬‬
‫‪31‬‬ ‫عبودية الرادة‬

‫محدودة القدرة والسلطُان‪.‬‬


‫وكذلك آدم في الجنة‪ ،‬فمع أنه كععان فععي وضععع أفضععل مععن‬
‫وضعنا الن‪ ،‬إذ أنععه كععان بل خاطُيععة‪ ،‬بععل مععا كععانت الخطُيععة قععد‬
‫دخالت بعد إلى العالم‪ ،‬مع ذلك لم يكن أيضا ا مخييععرا ا بل حععدود‪،‬‬
‫لن المخيير بل حدود ل يوضع عليه شرط ول امتحان‪ ،‬وأمععا هععو‬
‫م‬
‫فكان أمامه امتحان‪ .‬ومع أول امتحان له اخاتار الخطُأ‪ِ ،‬من ث ي‬
‫دخالت الخطُية إلى العالم‪ ،‬وط يرِد ل النسععان خاععارج الجنععة‪ ،‬لكنععه‬
‫طرد بالخطُية‪ .‬وما زأال النسان إلى الن مخييرا ا‪ ،‬ولكنه مخيععر‬ ‫ي‬
‫لقد خالق اللععه‬ ‫في حدود الخطُية التي يرزأح تحتها )كو ‪.(7 :3‬‬
‫النسععان مسععتقيما ا‪ ،‬وإذ ذاكا كععان النسععان يقععدر أن يختععار‬
‫الصواب‪ ،‬أما بعد السقوط فما عاد آدم ول نسله قادرين‪ ،‬إذ لم‬
‫تعد إرادة النسان حرة من الخطُية‪.‬‬

‫حدود حرية النسان‬


‫نعم إرادة النسان حرة بمعنى أنه ليس محكوما ا في إرادته‬
‫بقوة خاارجاية تجعله عععاجازا ا عععن الخاتيععار الصععحيح‪ ،‬إل أنععه هععو‬
‫نفسه‪ ،‬وا أسفاه‪ ،‬ليس حراا‪ ،‬وإرادته أصبحت خااضعة للخطُيععة‪.‬‬
‫وهو في هذا مثل الطُائر ذي الجناح المكسور‪ :‬حر ليطُير‪ ،‬لكنه‬
‫غير قادر‪ .‬أو هو مثل عربات الملهي التي تتحععركا بالكهربععاء‪،‬‬
‫وعندما تصطُدم بعربععة أخاععرى يتغيععر مسععارها‪ .‬مععع أن عجلععة‬
‫القيعادة فعي يعد السعائق العذي يحعاول بهعا أل يصعطُدم ببعاقي‬
‫العربات لئل يتغير نتيجة لذلك مسار عربته هو‪ .‬وبهذه العجلععة‬
‫يكون السائق حرا ا يتحركا كما يشاء‪ ،‬لكنه في اخاتيععاره محععدود‬

‫‪31‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪32‬‬

‫بالمنطُقة التي يعمل فيها المجال الكهربي‪ ،‬ول يقدر أن يخععرج‬


‫خاارجاها‪ .‬إنه مخيير ليتحركا لكن داخال مساحة محدودة ودائرة‬
‫مغلقة‪ .‬هكذا النسععان أيضععا ا مخي يععر داخاععل دائععرة مغلقععة هععي‬
‫دائرة الموت وسيادة الخطُية‪ .‬إنه مخيير بيععن خاطُيععة وخاطُيععة‪.‬‬
‫أو بكلمات أخارى‪ :‬هو حر ليفعععل الخيععر لكنععه ل يسععتطُيع‪ ،‬حععر‬
‫لكي يمتنع عععن الشععر لكنععه ل يقععدر‪» ،‬لن اهتمععام الجسععد )أو‬
‫“فكر الجسد” بحسبَ ترجامة داربي( هو مععوت … لن اهتمععام‬
‫)فكر( الجسد هو عععداوة للععه«‪» .‬فالععذين هععم فععي الجسععد ل‬
‫يسععتطُيعون أن يرضععوا اللععه‪ ،‬إذ هو ليععس خااضعععا ا لنععاموس‬
‫الله‪ ،‬لنه أيضا ا ل يستطُيع« )رو ‪.(8-6 :8‬‬
‫يؤكد الكتاب المقدس في آيات ل حصر لها أن النسان عععاجاز‬
‫أمام الخطُية‪ .‬فلقد قال الوحي »الجميععع أخاطُععأوا« )رو ‪.(23 :3‬‬
‫ولم يذكر لععذلك أي اسععتثناءات‪ .‬وأكععد المسععيح أن »ليععس أحععد‬
‫صالحا ا إل واحد وهو الله« )لو ‪.(19 :18‬‬
‫هناكا ك يل يي للتان في نبوة إشعععياء تشععملن جاميععع البشععر‪ ،‬همععا‬
‫ك يل يلية الحال وك يل يلية الفعال‪:‬‬
‫كلية الفعال‪» :‬كلنا كغنم ضللنا« )إش ‪.(6 :53‬‬
‫كلية الحال‪» :‬صرنا كلنا كنجس« )إش ‪.(6 :64‬‬
‫هكذا إلى هذا الحد وصل المر بالبشر جاميعاا‪.‬‬
‫والجععدول التععي يععبين الحععالت الربععع الععتي توجاععد فيهععا‬
‫البشرية‪:‬‬

‫المؤمن‬ ‫النسان‬ ‫النسان‬ ‫النسان‬

‫‪32‬‬
‫‪33‬‬ ‫عبودية الرادة‬

‫في الحالة‬ ‫بعد الولدة‬ ‫قبل السقو بعد السقوط‬


‫البدية‬ ‫من الله‬ ‫ط‬

‫قابل أن يخطُئ قابل أن يخطُئ‬ ‫قابل أن‬


‫يخطُئ‬

‫قابل أل يخطُئ قابل أل يخطُئ‬ ‫قابل أل‬


‫يخطُئ‬

‫غير قابل أل‬


‫يخطُئ‬

‫غير قابل أن‬


‫يخطُئ‬

‫عجز النسان الكلي‬


‫ودعنا نوضح بمزيد من آيات الكتاب المقدس حقيقععة عجععز‬
‫النسان الكلي‪:‬‬
‫‪» -1‬ليييس ميين يفهييم«‪ :‬ليععس أن غالبيععة النععاس ل‬
‫يفهمون‪ ،‬بععل »ليععس مععن يفهععم‪ ..‬ليععس ول واحععد« )رو‬
‫‪ .(11 :3‬وعنععدما وصععف الرسععول بععولس حالععة البشععر‬
‫العامة قال‪» :‬إذ هم مظلمو الفكر‪ ،‬ومتجنبون عععن حيععاة‬
‫الله‪ ،‬لسببَ الجهل الذي فيهععم بسععببَ غلظععة قلععوبهم«‬
‫)أف ‪.(18 :4‬‬
‫‪» -2‬ليس من يطلب الله«‪» :‬كما هعو مكتعوب‪ ...‬ليعس‬

‫‪33‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪34‬‬

‫من يفهم‪ ،‬ليس من يطُلبَ الله‪ ...‬ليس من يعمل صلحا ا‬


‫ليس ول واحد« )رو ‪.(12-10 :3‬عع فالبشر جاميعععا ا ليععس‬
‫فقط لم يفهموا‪ ،‬بل أيضا ا ل يريدون اللععه »يقولععون للععه‪:‬‬
‫سرر« )أي ‪ .(14 :21‬فليس‬ ‫ابعد عنا وبمعرفة طرقك ل ن ي ل‬
‫فينا من سعى وراء الله‪ ،‬ول من طلبه )قععارن رو ‪20 :10‬‬
‫مع إش ‪1 :65‬؛ رو ‪.(30،31 :9‬‬
‫‪ -3‬ليس من بيقببل‪ :‬نحن لم نطُلععبَ اللععه‪ ،‬ولمععا أتععى هععو‬
‫يطُلبنا لم نقبله‪ .‬يقول البشير يوحنا عن المسععيح »إلععي‬
‫خااصته جااء‪ ،‬وخااصعته )شعععبه الخععاصا‪ :‬أمععة اليهعود( لعم‬
‫تقبله« )يو ‪ .(11 :1‬وليعس خااصعته فقعط‪ ،‬بعل النسعان‬
‫بصفة عامة كقول الوحي »النسان الطُبيعي ل يقبل مععا‬
‫لروح الله لنه عنده جاهالة« )‪1‬كععو ‪ ،(14 :2‬أي أن أمععور‬
‫روح الله‪ :‬حكمة الله وأعماقه )ع ‪ (7،10‬تعتععبر بالنسععبة‬
‫للنسان الطُبيعي جاهالة!‬
‫‪ -4‬ليس من يرى‪ :‬يقول الكتاب إن »إله هععذا الععدهر قععد‬
‫أعمى أذهان غير المؤمنين« )‪2‬كععو ‪ .(4 :4‬إذا ا النسععان‬
‫الطُبيعي ليس فقط ل يقبل‪ ،‬بل أيضععا ا ل يععرى‪ .‬وهععو مععا‬
‫قاله الرب يسوع لنيقوديموس‪» :‬إن كان أحد ل يولد من‬
‫فوقا ل يقدر أن يرى ملكوت الله« )يو ‪ .(3 :3‬ولقد كان‬
‫النسان الطُبيعي أعمى إلى الدرجاة التي جاعلتععه ل يععرى‬
‫أي جامال في ذاكا الذي »طلعتععه كلبنععان‪ ،‬فععتى كععالرزأ‪..‬‬
‫وكله مشتهيات« )نش ‪ .(15،16 :5‬ولقد عيبر يوحنا عن‬
‫هذه الحالة التعسة بالقول »النعور يضعيء فعي الظلمعة‪،‬‬

‫‪34‬‬
‫‪35‬‬ ‫عبودية الرادة‬

‫والظلمة لم تدركه« )يو ‪.(5 :1‬‬


‫‪ -5‬ليس من يريد‪ :‬كما قال المسيح لليهود »ول تريدون أن‬
‫ي لتكون لكم حياة« )يو ‪ .(40 :5‬وأيضا ا »كععم مععرة‬
‫تأتوا إل ي‬
‫ولععو كععانت إرادة‬ ‫أردت‪ ..‬ولععم تريععدوا« )مععت ‪.(37 :23‬‬
‫النسان تصلح بأي حال من الحوال‪ ،‬لما كان يوحنععا لينفععي‬
‫تدخال »مشيئة رجال« في مسألة قبول المسيح أو الععولدة‬
‫مععن اللععه )يععو ‪ .(12،13 :1‬وفععي أفسععس ‪ 2،3 :2‬قععال‬
‫الرسععول بععولس عععن البشععر عمومععا ا »عععاملين مشععيئات‬
‫الجسععد والفكععار«‪ ،‬فكععانت النتيجععة أنهععم صععاروا أبنععاء‬
‫المعصية‪ ،‬الذين ل يعرفون سوى أن يقولوا لله »ل«‪.‬‬
‫در‪ :‬قال الرب يسوع »ل يقدر أحد أن يقبل‬
‫‪ -6‬ليس من يق د‬
‫ي إن لم يجتذبه الب« )يو ‪ .(44 :6‬لحظ أن التعبير »ل‬
‫إل ي‬
‫يقدر أحد« هو تعبير شامل جاامع ل يسععتثني أي أحععد علععى‬
‫الطلقا‪ .‬ثم يسععتطُرد قععائل ا »فكععل لمععن سععمع مععن الب‬
‫ي«‪ .‬وهذا معناه أنه ما لم يعمععل اللععه فععي‬ ‫وتعيلم‪ ،‬ييقِبل إل ي‬
‫النسععان فععإنه ل يقععدر أن يتجععاوب مععع نععداء نعمععة اللععه‪.‬‬
‫ودعنععي أسععألك‪ :‬هععل الجثععة فععي القععبر تنتعععش بأعععذب‬
‫اللحععان‪ ،‬أو تنزعععج مععن قصععيف الرعععود؟ هكععذا أيضععا ا‬
‫النسان الميت ل ي ب‬
‫طُرب لوعود ول يضطُرب لوعيد‪.‬‬
‫‪ -7‬ليس هو خااضعا ا‪ :‬فعن الجسد‪ ،‬أي الطُبيعععة البشععرية‬
‫الساقطُة التي ورثناها من آدم يقول الععوحي إنععه »ليععس‬
‫هو خااضعا ا لناموس الله‪ ،‬لنه أيضا ا ل يسععتطُيع‪ .‬فالععذين‬

‫‪35‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪36‬‬

‫هععم فععي الجسععد ل يسععتطُيعون أن يرضععوا اللععه« )رو‬


‫‪.(7،8 :8‬‬
‫هذه هي حالة النسان التعسة‪ :‬إنه ل يفهم‪ ،‬ول يطُلبَ اللععه‪،‬‬
‫ول يخضع له‪ ،‬ول يقبل شخصه أو أموره‪ ،‬ول يععرى‪ ،‬ول يريععد أن‬
‫يكون في علقة مع الله‪ ،‬كما أنه ل يقدر ولو أراد‪.‬‬
‫وبالجامعال فعإنه ل يوجاعد أي ش يء فعي النسعان الطُعبيعي‬
‫يتجاوب مع الله أو نعمته المطُلقععة الغنيععة‪ ،‬وليععس فيععه شععيء‬
‫واحد يسر الله‪ ،‬ولهذا فإنه في يععوم الدينونععة سيسععتد كععل فععم‬
‫)رو ‪ .(19 :3‬فواضح أنه لو وجاد أي شيء صعالح فعي النسعان‬
‫لحتج النسان به‪.‬‬

‫حتمية الولدة ثانية‬


‫قال المسيح لنيقوديموس‪» :‬ل تتعجبَ أني قلت لععك ينبغععي‬
‫أن تولععدوا مععن فععوقا« )يععو ‪ .(7 :3‬نعععم‪ ،‬ليععس هععذا مجععال ا‬
‫للتعجبَ‪ ،‬بل إنه أمعر حتمعي‪» :‬ينبغعي« أن يولعد النسعان معن‬
‫فوقا‪ ،‬وأن يأخاذ طبيعة أخارى من الله‪ ،‬فالنسان مولود بطُبيعة‬
‫فاسدة ساقطُة‪ .‬ومع أنه ل يعمل الخطُية قسراا‪ ،‬بل يلتععذ بهععا‪،‬‬
‫فإنه ل يقدر أن يمتنع عنها‪ .‬النسان ل يقدر أن يععتركا الخطُيععة‬
‫إذا أراد‪ ،‬ولو أنه ل يريد‪ ،‬كما قال المسيح »الحععق الحععق أقععول‬
‫لكم إن كل من يفعل الخطُية هو عبد للخطُية« )يو ‪.(34 :8‬‬
‫لقد أثرت الخطُية فععي الكيععان البشععري كلععه وفععي إمكانيععاته‬
‫وذهنه وإرادته‪ ،‬فلم تعد مسألة الولدة من فوقا مسألة اخاتياريععة‬

‫‪36‬‬
‫‪37‬‬ ‫عبودية الرادة‬

‫أو تكميليععة‪ ،‬لكنهععا مسععألة ابتدائيععة جاوهريععة وحتميععة‪ .‬فكمععا أن‬


‫الحجر لو يتركا لنفسه ل يقدر سوى أن يهوي‪ ،‬ولكععن لكععي يرتفععع‬
‫إلي فوقا ل بد لععه مععن قععوة مععن خاععارجاه ترفعععه‪ ،‬هكععذا الطُبيعععة‬
‫البشرية تجنح تلقائيا إلى الخطُية والشر‪ .‬إن ناموس الجاذبيععة‬
‫فعي مسعألة سعقوط الحجعر يشعبه إلعي حعد كعبير»نعاموس‬
‫الخطُية والموت« في داخال الكيان البشري الشععرير )رو ‪:7‬‬
‫‪23‬؛ ‪.(2 :8‬‬
‫يقول الععرب عععن النسععان فععي إرميععا ‪:13‬عع ‪» 23‬هععل يغيععر‬
‫الكوشععي جالععده؟ أو النمععر رقطُععه؟ فععأنتم أيضععا ا تقععدرون أن‬
‫تصنعوا خايرا ا أيها المتعلمون‪ 1‬الشر«‪ .‬وقال المسععيح »ل تقععدر‬
‫شجرة جايدة أن تصنع أثمارا ا ردي يععة‪ ،‬ول شععجرة ردي يععة أن تصععنع‬
‫أثمارا ا جايد ا‬
‫ة« )مت ‪ .(18 :7‬لحظ تكرار فكععرة عععدم القععدرة‬
‫سواء في كلم الرب يسوع أو كلم الوحي بفم إرميا النبي‪.‬‬
‫صحيح أن هناكا تعبيرات وردت في العهععد القععديم مثععل »إن‬
‫شئتم وسمعتم« )إش ‪ 19 :1‬قارن تث ‪ ،(19 :30‬لكن نحن نعلم‬
‫أن الناموس أعطُي ليبرهن فشل النسان وعجزه‪ .‬فهععو ليععس‬
‫وسيلة الخلصا‪ ،‬بل وسيلة معرفة المشكلة »بالناموس معرفععة‬
‫الخطُية« )رو ‪ .(20 :3‬لقد أعطُععى اللععه النععاموس قععديما ا وهععو‬
‫يحتوي علي عبارة »إن شئت«‪ ،‬ولععو ويجاععد شععخص واحععد فقععط‬

‫‪ 1‬في ترجامة داربي "أيها المعتادون الشر"‪ .‬وفي الترجامة التفسععيرية وردت‬
‫هكذا‪" :‬هل يمكعن للثيعوبي أن يغيعر جالعده‪ ،‬أو للنمعر رقطُعه؟ كعذلك أنتعم ل‬
‫تقدرون ان تصنعوا خايرا ا بعد ان ألفتم ارتكاب الشر"‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪38‬‬

‫خالععص بالنععاموس كععان يمكععن القععول إن ثمععة أمل ا فععي إرادة‬


‫النسان‪ .‬لكن بعد ألف وخامسمائة عام استد كععل فععم‪ ،‬وأصععبح‬
‫كل العالم تحت قصاصا من الله )رو ‪ .(19 :3‬ومع أن اللععه فععي‬
‫تثنية ‪ 30‬أوضح سهولة الطُاعة )قارن ع ‪ ،(14-11‬فعلى رغععم‬
‫السهولة لم ينجح أحععد‪ .‬أ ليععس هععذا دليل ا علععى عجععز النسععان‬
‫الكلي وحاجاته المطُلقة إلى نعمة الله الععتي ظهععرت فععي إتيععان‬
‫المسيح إلى العالم وموته على الصليبَ؟!‬

‫الخلصة‬
‫النسان بالسقوط صار في حالة العجز الكلععي‪ ،‬ل يقععدر أن يمتنععع‬
‫عن الخطُية لو أراد‪ ،‬مع أنه ل يريد‪ .‬لقد صار ‪ -‬كما قععال المسععيح‬
‫»عبدا ا للخطُية«‪ .‬بععل صععار ميتععا ا روحيععاا‪ ،‬والميععت ل يسععتطُيع أن‬
‫يعمل شيئا ا ليقترب إلى الله‪ .‬ولقد أعطُى الله الناموس‪ ،‬لكن لم‬
‫يكن قصد الله من الناموس أن يخلص النسان بواسععطُته‪ ،‬بععل أن‬
‫يعرفه مقدار خاطُيته وعجزه‪ ،‬ليهرع النسععان إلععى المسععيح‪ :‬علج‬ ‫ي‬
‫الله الوحيد للنسان الخاطئ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫الكل من الله‬

‫عرفنا من الفصل السابق أن النسان ميت روحياا‪ .‬والميت ل‬


‫‪4‬‬
‫يستطُيع أن يعمل شيئا ا ليقترب إلى الله‪ ،‬بل ل بد أن يسعتلم الل ه‬
‫زأمام المبادأة بأن يقترب إليه بواسععطُة بشععارة النجيععل‪ ،‬بعععد أن‬
‫يحييه بعمععل روحععه المطُلععق‪ .‬وعرفنععا أيضععا ا أن النسععان مخي يععر‬
‫ولكععن فععي دائععرة بععؤس وتعاسععة‪ ،‬ول يسععتطُيع أن يتخععذ القععرار‬
‫السليم لو يتركا لرادته‪ .‬هذا عين مععا أوضععحه المسععيح فععي مثععل‬
‫العشاء العظيم الذي ذكره فععي لوقععا ‪ ،14‬إذ لمععا وجاععه النسععان‬
‫الععدعوة للمععدعوين لكععي يحضععروا إلععى عشععائه العظيععم يقععول‬
‫المسيح »فابتدأ الجميع برأي واحد يستعفون«‪ .‬لحظ اتفععاقا‬
‫الجميععع علععى أمععر واحععد‪ ،‬هععو رفععض الععدعوة اللهيععة؛ ذلععك لن‬
‫النسان روحيا ا أعمى وأصم ل يتجاوب مععع نعداء النعمععة وأنغامهععا‬
‫الشجية‪ .‬لكن صاحبَ العشاء العظيععم كل يععف عبععده بعععد ذلععك أن‬
‫يذهبَ إلى شوارع المدينة وأزأقتها‪ ،‬وأن يخرج أيضععا ا إلععى الطُععرقا‬
‫والسععياجاات‪ ،‬وأعطُععاه أمععرا ا محععددا ا »ألزمهععم بالععدخاول« )لععو‬
‫‪(23 :14‬‬

‫‪37‬‬
‫الدعوة العامة والدعوة الملزمة‬
‫مععن المثععل السععابق أمكننععا أن نفهععم أن هنععاكا دعععوتين‬
‫مختلفتين يوجاههما الله إلى البشر‪ :‬الولى هي دعععوة النجيععل‬
‫الحارة لكععل البشععر دون اسععتثناء‪ ،‬كمععا سنشععرح فععي الفصععل‬
‫التعالي‪ ،‬ويمكععن تسععميتها الععدعوة العامعة‪ .‬لكععن هنعاكا دعععوة‬
‫أخارى بالضافة إلى هذه الععدعوة العامععة لجميععع البشععر يمكععن‬
‫تسععميتها الععدعوة الملزمععة‪ .‬ونريععد الن أن نمععر علععى بعععض‬
‫المثلة الكتابية لهذه الدعوة الملزمة والنعمة التي ل ت يلرد‪:‬‬
‫‪ -1‬متى العشار‪ :‬كانت لحظة فاصلة في حياة متى عندما‬
‫اجاتازأ يسوع‪ ،‬وكان متى وقتها جاالسا ا عند مكان الجبايععة‪،‬‬
‫فنظععر الععرب إليععه نظععرة خااصععة‪ ،‬ونععاداه قععائل ا لععه‪:‬‬
‫»اتبعنععي!«‪ .‬وعلععى الفععور لععبى مععتى النععداء دون أن‬
‫يخعالجه أي تعردد‪ ،‬إذ يقعول العوحي‪» :‬فعتركا كعل شعيء‬
‫وقام وتبعه« )لو ‪ .(27،28 :5‬لقد وصععلت هععذه الكلمععة‬
‫لشخص كان روح الله قد هييأ قلبععه‪ .‬ومععع أنععه كععان فععي‬
‫مكان الطُمع‪ ،‬ومع أن الثراء العريض كان أمامه‪ ،‬والمال‬
‫الععوفير كععان بيععن يععديه‪ ،‬لكععن عنععدما بلغتععه دعععوة اللععه‬
‫الملزمة تركا الكل وتبع المسيح‪.‬‬
‫‪ -2‬زأكا رئيس العشارين‪ :‬صورة أخاععرى لهععذه الععدعوة‬
‫الملزمة نجدها في قصة زأكا رئيس العشارين من مدينة‬
‫أريحا )لوقا ‪ .(19‬لقد كان زأكا خااطئا ا مشععهوراا‪ ،‬محبععا ا‬
‫للمال‪ ،‬وجاشعاا‪ .‬لكن مقاصد الله كععانت أن يخلععص هععذا‬

‫‪38‬‬
‫‪39‬‬ ‫الكل من الله‬

‫النسان‪ ،‬ويدخال المسيح بيته وقلبه‪ .‬ولقد طلبَ زأكا أن‬


‫يرى يسعوع‪ ،‬فلعم يقعدر بسعببَ الجمعع لنعه كعان قصعير‬
‫القامة‪ .‬لكن إذ تميلكته رغبة عارمة ليرى ذلك الشخص‬
‫المباركا‪ ،‬ما كان منه إل أنه صعد فوقا جاميزة‪ ،‬ظانععا ا أنععه‬
‫في هذا الموقع سيكون بوسعه أن يععرى يسععوع ول يععراه‬
‫يسعوع! وانتظعر أن يمعر المسعيح معن تحعت الجميعزة‪.‬‬
‫ومر المسععيح‪ ،‬وبلغععة سععبرجاون‪“ :‬صععيوب المسععيح نحععو‬
‫الشجرة‪ ،‬وحال ا سقط العصفور”! لقد نزل زأكا مسرعا ا‬
‫وقبل المسيح فرحا ا‪ .‬لن مععا وصععل إلععى زأكععا فععي ذلععك‬
‫اليوم لم يكن مجرد نداء سمعته أذنا زأكا من فععم الععرب‪،‬‬
‫بل هو نعمة الله ودعععوته الفعالععة المععؤثرة الععتي ل ت يععرلد‪.‬‬
‫المخلصين‪ ،‬فكل مؤمن فععي‬
‫ي‬ ‫وهو عين ما حدث مع جاميع‬
‫دوره سقط من شجرة خاطُاياه‪ ،‬وخار عند قدمي الفععادي‬
‫العظيم‪.‬‬
‫‪ -3‬لعازأر الميت‪ :‬ولعل أغرب تلك المثلة هو ما سنذكره‬
‫الن‪ .‬فلقد مات لعازأر ود يفععن فععي القععبر‪ ،‬ويأغلععق القععبر‬
‫بحجر كبير )يععو ‪ .(11‬لكععن المسعيح وصععل بنفسعه إلععى‬
‫بيععت عنيععا ليقيععم لعععازأر‪ .‬ولمععا قععال المسععيح »ارفعععوا‬
‫الحجر« اعترضت أخات الميت على المسيح قائلععة‪» :‬يععا‬
‫سيد‪ ،‬قد أنتن«‪ .‬وهو فعل ا كان قد أنتن‪ .‬لكن الذي قال‬
‫»ارفعوا الحجر« هو ابن الله الذي صوته يحيي المععوتى‪.‬‬
‫وعندما رفعوا الحجر قال يسوع بصوت عظيم‪» :‬لعععازأر‪،‬‬

‫‪39‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪40‬‬

‫م خاارجااا«‪ .‬ورغم أن هذا النداء وصل إلى جاثة إنسان‬


‫هلل ي ي‬
‫كعان قعد معات منععذ أربععة أيعام‪ ،‬وتحعول إلعى كتلعة معن‬
‫الفساد‪ ،‬وكان الدود قد بدأ وليمته الشهية عليه‪ ،‬لكن مععا‬
‫أن دعا الرب لعازأر للخروج من القبر‪ ،‬حتى خاععرج لعععازأر‬
‫بحياة جاديدة!‬
‫هذا هو تماما ا ما يحدث مع النفس عندما تصععلها دعععوة اللععه‬
‫الملزمة أو الععدعوة الفعالععة‪ ،‬إذ أنهععا تحمععل معهععا القععوة علععى‬
‫طاعتها )لو ‪.(23 :14‬‬
‫ولعل التمييز بين هاتين الدعوتين‪ ،‬الدعوة العامععة والععدعوة‬
‫الملزمة‪ ،‬يفسر لنا آيتين متتعاليتين قعد يبعدو بينهمعا تنعاقض‪ ،‬إذ‬
‫يقول يوحنا المعمدان عن المسيح »ما رآه وسمعه بععه يشععهد‪،‬‬
‫وشهادته ليس أحد يقبلهييا«‪ .‬ثععم يقععول فععي اليععة التاليععة‬
‫مباشرة »ومن قبل شهادته فقد خاتم أن الله صععادقا« )يععو‬
‫‪ .(32،33 :3‬فكيف يقول فععي اليععة ‪ 33‬أن هنععاكا مععن يقبععل‬
‫شهادته‪ ،‬رغم أنه قال صراحة فععي اليععة ‪ 32‬أن شععهادته ليععس‬
‫أحد يقبلها؟ الجاابة أنه نتيجة الدعوة العامة لم يقبل أحد هععذه‬
‫الشععهادة‪ ،‬والكععل بععرأي واحععد اسععتعفى‪ .‬لكععن إذ تععدخال اللععه‬
‫بنعمتععه‪ ،‬ونتيجععة لععدعوته الملزمععة‪ ،‬قبععل بعضععهم الشععهادة‪ ،‬إذ‬
‫ألزمهم الروح القدس!‬

‫‪40‬‬
‫‪41‬‬ ‫الكل من الله‬

‫النسان هو موضوع التغيير ل‬


‫واسطُته‬
‫الخلصا يشبيه في الكتاب المقدس بولدة‪ ،‬وإحياء‪ ،‬وخاليقععة‬
‫جاديدة‪ ،‬وتغيير القلبَ‪ .‬ونحن نسأل‪ :‬هل كان لنععا فععي الععولدة‬
‫الولععى دور إيجععابي أو إرادة؟ كل‪ .‬وهععل سععمعت عععن ميععت‬
‫طلبَ من الرب أن يحييه؟! مستحيل‪ .‬إنها نعمة مطُلقععة مععن‬
‫جاانبَ الله‪ .‬أيمكن أن يقععوم إنسععان بتغييععر قلبععه؟! ل يمكععن‬
‫مطُلقاا‪ .‬وهكذا نحن أيضا ا في الخلصا تلقينا عملا ا أجاععراه اللععه‬
‫فينا‪.‬‬
‫النسان هو موضوع التغيير ل واسععطُته‪ .‬والتغييععر هععو‬
‫شيء اخاتبرناه ل شععيء أجارينععاه‪ .‬وتصععوير ذلععك نععراه فععي‬
‫العمععى منععذ ولدتععه المععذكورة قصععته فععي يوحنععا ‪ .9‬أليععس‬
‫الخاتيار واضحا ا فيه‪ ،‬كقول المسيح عنععه »لتظهععر أعمععال اللععه‬
‫فيععه«‪ .‬وشععاول الطُرسوسععي ذلععك المجععدف والمضععطُهد‬
‫والمفتري‪ :‬هل غير نفسه ليصععبح رسععول ا للمسععيح؟ أمععا كععان‬
‫ذلععك المتكععبر يحتقععر يسععوع الناصععري ويضععطُهد أتبععاعه حععتى‬
‫غيره أحد من الناس؟ أ كان بوسععع‬
‫السجن والموت؟! ثم هل ي‬
‫بطُرس أن يقول له‪" :‬لماذا تضعطُهد المسعيح وأتبعاعه ؟" بعل‬
‫إننععا نقععول‪ :‬أ كععان بطُععرس أو سععواه يظععن أن هععذا المجععدف‬
‫سيصبح يوماا أحد تلميذ المسيح؟ كل‪ .‬لكن أتى الوقت الععذى‬
‫فيه ناداه المسيح نفسه‪ .‬فخر ذلععك العععاتي علععى الرض مععن‬
‫بهاء النور الذي رآه‪ ،‬وسمع من السماء من يقععول لععه »شععاول‬

‫‪41‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪42‬‬

‫شاول لماذا تضععطُهدنى؟ صعععبَ عليععك أن ترفععس منععاخاس«‪.‬‬


‫فأجاابه شاول وهو مرتعبَ ومرتعععد مععن أنععت يععا سععيد ؟ فقععال‬
‫الرب‪» :‬أنا يسوع الذي أنت تضطُهده«‪ .‬وما هععي إل لحظععات‬
‫حتى بدأ يحس بخطُيته البشعة فى اضطُهاد يسوع‪ ،‬ثم ساعات‬
‫حتى تييقن من غفران الععرب لععه‪ ،‬وأيععام حععتى بععدأ يكععرزأ باسععم‬
‫المسيح!! وهو نفسه ما حدث بعد ذلععك مععع اللف والملييععن‬
‫من الخطُاة العتاة‪.‬‬
‫نعم إن النسان الخععاطئ هععو موضععوع التغييععر ل واسععطُته‪.‬‬
‫ولقد تمت في شاول الطُرسوسي‪ ،‬وفي المليين نظيععره مععن‬
‫الذين خالصتهم نعمة الله المطُلقة كلمات الرب »وجاععدت مععن‬
‫الذين لم يطُلبوني‪ ،‬صععرت ظععاهرا ا للععذين لععم يسععألوا عنععي«‪.‬‬
‫ويمكننعا القعول إنعه لعول الخاتيعار مععا خالعص أحععد مععن البشععر‪.‬‬
‫فالنسان لو يتركا لنفسه لن يتركا الخطُية ويختار اللععه‪ ،‬كقععول‬
‫الرب قديما ا »صاروا كقوس مخطُئه« )هو ‪ .(16:7‬وإن نظر‬
‫الله إلى النسان في ذاتععه‪ ،‬وقععال‪“ :‬لن هععذا النسععان صععالح‪،‬‬
‫فسععوف أخاتععاره”‪ ،‬فمععن فينععا كععان يسععتحق أي بركععة‪ .‬إن أي‬
‫صلح فينا لسععنا نحععن مصععدره‪ ،‬كقععول الرسععول بععولس »مععن‬
‫يميزكا؟ وأي شيء لك لم تأخاذه؟« )‪1‬كو ‪.(7 :4‬‬

‫البادئ هو الله‬
‫في ضوء ما ذكرناه سابقا ا‪ ،‬من الجميل أن نرى كيف يوضح‬
‫الععوحي أن الععرب وليععس النسععان هععو البععادئ دائمععا ا بالعمععل‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫‪43‬‬ ‫الكل من الله‬

‫صحيح نحن نحبَ الله‪ ،‬ونعرفه‪ ،‬واخاترنا القرب منععه‪ ،‬وطلبنععاه‪،‬‬


‫لكن في هذا كله كان الرب هو البادئ ل النسان‪.‬‬
‫‪ -1‬المحبة‪» :‬ليس أننا نحن أحببنا الله‪ ،‬بل انه هو أحبنععا ‪..‬‬
‫ل« )‪1‬يععو ‪ .(10،19 :4‬فكمععا‬ ‫نحن نحبه لنه هععو أحبنععا أو ا‬
‫ذكرنا‪ ،‬نحن نحبَ الله‪ ،‬لكنه هو الععذي بععدأ بععالحبَ »اللععه‬
‫بيين محبتععه لنععا‪ ،‬لنععه ونحععن بعععد خاطُععاة‪ ،‬مععات المسععيح‬
‫لجالنا‪ ..‬إن كنا ونحن أعداء قععد صععولحنا معع اللعه بمعوت‬
‫ابنه« )رو ‪.(10-8 :5‬‬
‫عرفتم‬
‫عرفتم الله‪ ،‬بل بالحري ي‬
‫‪ -2‬المعرفة‪» :‬أما الن إذ ل‬
‫من الله« )غل ‪ .(9:4‬كانت معرفة الله لنا معرفععة فععي‬
‫الزأل‪ ،‬أما نحن فبعد أن ولدنا وظللنا زأمنععا ا طععويل ا نقععول‬
‫سر« )أي ‪.(14 :21‬‬
‫له بقلوبنا »بمعرفة طرقك ل ن ي ي‬
‫‪ -3‬الخاتيار‪» :‬أ ليس أني أنا اخاترتكم الثني عشر‪ ..‬ليس‬
‫أنتم اخاترتموني بل أنا اخاععترتكم« )يععو ‪70 :6‬؛ ‪.(16 :15‬‬
‫وسنرى في هذا الكتاب كيف أن الله اخاتارنععا فععي الزأل‪،‬‬
‫وأما نحن فبعد عمل الروح القدس المحيععي فععي قلوبنععا‬
‫لكي نختاره‪.‬‬
‫‪-4‬الطلب‪ :‬يقول الكتاب »ليس من يطُلبَ الله ‪ ..‬ليس ول‬
‫واحد« )رو ‪ ،(11،12 :3‬أي ليس من يبادر بطُلععبَ اللععه‪،‬‬
‫فلم يكن آدم هو الذي بحث عن الله بعععد مععا أخاطُععأ‪ ،‬بععل‬
‫الله هو الذي بحث عن آدم )تك ‪ .(3‬وفععي حادثععة خالصا‬
‫زأكا‪ ،‬مع أننا نقععرأ أن زأكععا طلععبَ أن يععرى يسععوع‪ ،‬فصعععد‬

‫‪43‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪44‬‬

‫فوقا الجميزة‪ ،‬فإن القصة تختم بتوضيح أن المسععيح هععو‬


‫الذي طلبَ النسان فنزل من السماء »لن ابن النسان‬
‫قد جااء لكي يطُلبَ ويخلص ما قععد هلععك« )لععو ‪.(10:19‬‬
‫فالمبادرة دائما ا من جاانبَ الله‪.‬‬

‫عطُايا النعمة‬
‫يمكننا من الوحي أن نتتبع العديد من العطُايا الععتي تلقيناهععا‬
‫من الله بالنعمة‪:‬‬
‫‪ -1‬التوبة والرجاوع‪ :‬يقععول الرسععول بطُععرس »ليعطُععي‬
‫إسرائيل التوبة وغفران الخطُايا« )أع ‪ .(31 :5‬والمر‬
‫نفسه عن المم »إذا ل أعطُى الله المم التوبة للحيعععاة«‬
‫)أع ‪ .(18 :11‬وأيضا ا يقول الرسععول بععولس »عسععى أن‬
‫يعطُيهم الله توبة لمعرفة الحق« )‪2‬تي ‪.(26 ،25 :2‬‬
‫‪ -2‬اليمان والقبال‪» :‬إلععى الععذين نععالوا معنععا إيمانييا ا‬
‫ثميناا« )‪2‬بط ‪ .(1 :1‬وأيضا ا »يوهبَ لكم ‪ ..‬ل أن تؤمنوا‬
‫وأيضععا ا »لنكععم بالنعمععة‬ ‫بععه فقععط« )فععي ‪.(29 :1‬‬
‫مخلصون‪ ،‬باليمان‪ ،‬وذلك ليييس منكييم‪ ،‬هععو عطُيععة‬
‫الله« )أف ‪ .(8 :2‬فاليمان شيء نلناه‪ ،‬كما أنه هبة الله‬
‫وعطُيته لن ا‪ .‬ويقعول العوحي »آمعن جاميعع العذين كعانوا‬
‫معينيععن للحيععاة البديععة« )أع ‪.(48 :13‬عع وهععذا معنععاه‬
‫ببساطة أنهم آمنوا لنهععم كععانوا معينيععن للحيععاة البديععة‪.‬‬
‫والعكععس أيضععا ا صععحيح كقععول المسععيح لبعععض اليهععود‬

‫‪44‬‬
‫‪45‬‬ ‫الكل من الله‬

‫»لستم تؤمنون لنكم لستم من خارافي« )يو ‪.(26 :10‬‬


‫‪ -3‬فتح القلب وإنارته‪» :‬فتح الععرب قلععبَ )ليععديا(« )أع‬
‫‪ 14 :16‬انظر أيضا ا لععو ‪ .(45 :24‬وهععذا ينطُبععق ل علععى‬
‫ليديا وحععدها‪ ،‬بععل علععى كععل المخل يصععين فععي كععل زأمععان‬
‫ومكان‪ ،‬كقول الرسول »الله الذي قععال أن يشععرقا نععور‬
‫من ظلمة هو الععذي أشععرقا فععي قلوبنا لنععارة معرفععة‬
‫مجد الله في وجاه يسوع المسيح« )‪2‬كععو ‪ ،(6 :4‬وقععول‬
‫الرب على فم النععبي »أنععزع قلععبَ الحجععر مععن لحمكععم‪،‬‬
‫وأعطُيكم قلب لحم« )حز ‪26 :36‬؛ انظععر أيضععا ا تثنيععة‬
‫‪.(4-2 :29‬‬
‫ي لكم أن تعرفوا… وأما‬ ‫ي‬
‫‪ -4‬المعرفة والعلن‪» :‬أعطُ ل‬
‫ط« )مت ‪.(11 :13‬عع فالمعرفة أيضععا ا هععي‬
‫لولئك فلم ييع ل‬
‫إحدى عطُايا الله لنا بالنعمععة‪ .‬ويقععول المسععيح »ل أحععد‬
‫يعععرف الب إل البععن‪ ،‬ومععن أراد البن أن يعلععن لععه«‬
‫)مت ‪ .(27 :11‬فمعرفة الب ميسورة فقععط لمععن أراد‬
‫البن أن يعلن له‪.‬‬
‫‪ -5‬السمع والطاع ة‪» :‬المختععارين بمقتضععى علععم اللععه‬
‫الب السععابق فععي تقععديس الععروح للطُاعععة‪ 1‬ورش دم‬

‫‪ 1‬ذكر الرسول بطُرس في هذه الية الجميلععة القععانيم الثلثععة‪ :‬الب‪ ،‬والععروح‬
‫القدس‪ ،‬والبن‪» .‬مختارين بمقتضى علععم اللععه )الب( السععابق فععي تقععديس‬
‫الروح )القدس( للطُاعة ورش دم يسوع المسيح )البن(« أو "لطُاعة يسععوع‬
‫المسيح‪ ،‬ورش دمه"‪ .‬ويرتبط هنا بكل أقنوم مععن القععانيم الثلثععة أداة ربععط‬
‫معينععة‪ .‬فبالنسععبة للب يقععول )‪ (by‬بمقتضععى علععم اللععه الب السععابق‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫يسععوع المسععيح« )‪1‬بععط ‪ .(1،2 :1‬لقععد عمععل الععروح‬
‫القدس فينا‪ ،‬مقدسا ا إيانععا للطُاعععة‪ ،‬كمععا عمععل مععع أبععي‬
‫المؤمنين إبراهيم إذ اخاتاره )إش ‪ ،(8،9 :41‬ودعاه )إش‬
‫‪ ،(2 :51‬ولهذا قيل »باليمان إبراهيم لمعا يدععي أط اع«‬
‫)عبَ ‪.(8 :11‬‬
‫‪ -6‬الولدة والحياء‪» :‬الذين ولدوا ليس من دم‪ ،‬ول مععن‬
‫مشيئة جاسد‪ ،‬ول من مشععيئة رجاععل‪ ،‬بععل مععن اللععه« )يععو‬
‫فكما لم يكن لنا دخال في ولدتنعا الولعى معن‬ ‫‪.(13:1‬‬
‫أبوينععا الجسععديين‪ ،‬هكععذا فععي مسععألة ولدتنععا مععن اللععه‪.‬‬
‫ويقول الرسععول يعقععوب عععن اللععه »شععاء فولععدنا« )يععع‬
‫‪.(18 :1‬عع والمر نفسه أيضا ا عن الحياء‪ ،‬كقول المسععيح‬
‫»كذلك البن أيضا ا يحيي من يشاء« )يو ‪ ،(21 :5‬وقععوله‬
‫أيضعا ا لنيقوديمعوس »الريععح تهععبَ حيععث تشععاء‪ ،‬وتسععمع‬
‫صوتها‪ ،‬لكنك ل تعلم من أين تععأتي ول إلععى أيععن تععذهبَ‪،‬‬
‫هكذا كل من ولد من الروح« )يو ‪.(8 :3‬‬
‫‪ -7‬الرادة والعمل‪» :‬اللععه هععو العامعل فيكععم أن تريعدوا‬
‫وأن تعملوا من أجال المسرة« )في ‪.(12 :2‬‬
‫فماذا بقي لي لعمله أنا؟ لقد بقي لنا جاميعا ا شيء واحععد‪:‬‬

‫فالمقتضى الوحيد الذي جاعل الله يختارنععا هععو علععم اللععه الب السععابق‪ .‬فععي‬
‫تقديس الععروح ‪ -‬بالنجليزيعة )‪ (through‬فالوسععيلة أو الواسععطُة هععي تقععديس‬
‫الروح‪ .‬وبالنسبة لطُاعة يسععوع المسععيح ورش دم ه يسعتخدم أداة الربعط )‬
‫‪ (unto‬وكأنه اخاتارنا لهذا الهدف‪ ،‬كي نكون مطُيعين‪ ،‬ل طاعة الناموس بل‬
‫من نوع طاعة المسيح بالذات‪ ،‬وأيضا ا رش دم يسوع المسيح‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫‪47‬‬ ‫الكل من الله‬

‫أن نظل إلى أبد البدين نعظم النعمة‪ ،‬ونشكر الله بل انقطُاع‪.‬‬

‫الخلصة‬
‫قصة النسان من البداية توضح لنا حقيقته‪ .‬فمن جاانبَ النسععان‬
‫كانت الخطُية‪ ،‬ثم كان الهروب من الله والخاتباء مععن وجاهععه )تععك‬
‫‪ ،(3‬ثم التوغل في البعد عنه )تك ‪ .(4‬أما الله فهو العذي خاطُعط‬
‫مشععروع الخلصا فععي الزأل وأتمععه عنععد انقضععاء الععدهور فععي‬
‫الصععليبَ‪ ،‬ثععم حاصععر الععروح القععدس الخععاطئ عنععدما جاععاء دوره‬
‫ليؤمن‪ ،‬وأتى به إلى الله! لقد قرر في الزأل أن يقيم وليمة نعمة‬
‫غنيعة للخطُ اة المس اكين‪ ،‬وقعدم ابنعه الوحيعد فعي ملعء الزم ان‬
‫ليكون هو نفسه تلك الوليمة‪ ،‬ثم أرسععل الععروح القععدس لكععي مععا‬
‫يلزمني بالدخاول إلى وليمة نعمته العجيبة‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫مسؤولية النسان‬
‫‪5‬‬
‫إن ما تحدثنا عنه فععي الفصععول السععابقة‪ ،‬وهععو الحععق اللهععي‬
‫الصععريح‪ ،‬ل يتعععارض مطُلقععا ا مععع كععون النسععان مسععؤول ا أمععام‬
‫قداسة الله المطُلقة التي تكره الخطُيععة وتععدعوه للتوبععة‪ ،‬وأمععام‬
‫نعمة الله العجيبة التي تحبَ الخععاطئ وتععدعوه لليمععان‪ .‬ويقععرر‬
‫الكتاب بأسلوب ل لبععس فيععه أن نعمععة اللععه قععد ظهععرت لجميععع‬
‫الناس‪ ،‬وأنها تقدم خالصا ا لجميععع البشععر‪ .‬ومععع أن اللععه بالنعمععة‬
‫يقدم ذلك الخلصا للجميع‪ ،‬إل أن هناكا ما ل يحصى من الملييععن‬
‫من البشر ل يبالون بهذه العطُية المجانية‪ ،‬وعنهم تنطُبق كلمععات‬
‫الرسول »كيف ننجو نحن إن أهملنا خالصا هذا مقداره‪ ،‬قد ابتععدأ‬
‫الرب بالتكلم به‪ ،‬ثم تثبت لنا من الذين سمعوا« )عبَ ‪.(3 :2‬‬

‫الدعوة العامة‬
‫ذكرنا في الفصعل السعابق أن هنععاكا دععوة ملزمععة يقعدمها‬
‫الروح القدس للنفوس التي يريععد أن يحييهععا‪ ،‬وهععي تلععك الععتي‬
‫أمر بها ذلك الداعي الكريععم عنععدما قععال لعبععده‪» :‬اخاععرج إلععى‬

‫‪47‬‬
‫الطُرقا والسياجاات وألزمهم‪1‬بالدخاول« )لو ‪ .(23 :14‬لكن‬
‫هناكا بالضافة إلععى هععذه الععدعوة الملزمععة‪ ،‬وأسععبق منهععا‪ ،‬مععا‬
‫يمكن أن نسميه الدعوة العامة‪ .‬وعن هذا ترد كلمععات الملععك‬
‫للخععدام فععي مععتى ‪» 9 :22‬كععل مععن وجاععدتموه فععادعوه إلععى‬
‫العرس«‪ .‬فالله الذي أحبَ العالم‪ ،‬حتى بذل ابنعه الوحيعد )يعو‬
‫‪ ،(16 :3‬الله الذي يريد أن جاميع الناس يخلصون وإلى معرفة‬
‫الحق يقبلون )‪1‬تي ‪ ،(4 :2‬وجاه دعوته الغنية بالنعمة إلععى كععل‬
‫البشر بدون استثناء‪ .‬إنها شهادة الله المقدمة إلى كل إنسان‬
‫في العالم‪ ،‬والتي قععال عنهععا الرسععول بععولس »الشععهادة فععي‬
‫أوقاتها الخاصة« )‪1‬تي ‪ .(6 :2‬و“الوقات الخاصععة” فععي هععذه‬
‫الية تعني »ملء الزمان« )غععل ‪ ،(4 :4‬أو »انقضععاء الععدهور«‬
‫)عبَ ‪ ،(26 :9‬بعد أن اسععتعلن فشععل النسععان تحععت التععدابير‬
‫المختلفة‪ ،‬وتبرهن عجزه المطُلق عن تخليص نفسععه‪ .‬عنععدها‬
‫أرسععل اللععه ابنععه ليفععدي النسععان الثيععم‪ ،‬وبعععد قيععامته مععن‬
‫الموات‪ ،‬وصعوده إلى السماء‪ ،‬فقد أتى الروح القدس ليحمل‬
‫تلك الشهادة العجيبة لكل النفوس التي في العالم‪.‬‬
‫هذه الشهادة هي تلك التي يقععدمها المبشععر للنفععوس الععتي‬
‫تسمع النجيل‪ .‬فالمبشر يوصععل دعععوة النعمععة الغنيععة للجميععع‬
‫دون تمييعز‪ ،‬لن أمعر المسعيح هععو »اذهبعوا إلعى الععالم أجامعع‪،‬‬

‫و»العبد« في لوقا ‪ 14‬هو صورة للروح القدس‪ ،‬ولهععذا يقععول لععه السععيد‬ ‫‪1‬‬

‫"ألزمهم"‪ .‬لكن في إنجيل متى عندما تكلم الملك مععع الخععدام لععم يقععل لهععم‬
‫"ألزموهم بالدخاول" لن هذا ليس في مقدور الخدام البشععر أن يعملععوه‪ ،‬بععل‬
‫كل ما في مقدورهم هو أن يوجاهوا الدعوة ول شيء أكثر من ذلك‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫‪49‬‬ ‫مسؤولية النسان‬

‫واكععرزأوا بالنجيععل للخليقة كلها« )مععر ‪ .(15 :16‬وهععا بععوقا‬


‫النعمة يدوي من ألفي عام‪ .‬ولمن يقرأ هذه الكلمات فهو حتما ا‬
‫سمع صوت النعمة بصورة أو بأخارى‪ ،‬هذا الصعوت العذي ينعادي‬
‫»أيها العطُاش جاميعععا ا هلمععوا إلععى الميععاه …هلمععوا اشععتروا بل‬
‫فضة وبل ثمن …« )إش ‪.(1 :55‬‬
‫يوضح لنا الكتاب المقععدس أن البشععر عنععدما وصععلتهم دعععوة‬
‫خِلصة‪ ،‬فإنهم لم يحفلوا ول اهتمععوا‬
‫الله‪ ،‬تلك الدعوة الحارة والم ب‬
‫بها‪ ،‬ولقد عيبر المسيح عن هذا الرفض الجماعي لدعوة الله فععي‬
‫مثل العشاء العظيم‪ ،‬عندما قال »مضوا واحد إلععى حقلععه‪ ،‬وآخاععر‬
‫إلى تجارته« )مت ‪ .(5 :22‬والنسان بحسبَ الطُبيعة‪ ،‬لنه معاد ر‬
‫لله‪ ،‬أهمل هذه الدعوة واحتقرها ومضى في طريقععه غيععر عععابئ‬
‫بها‪ .‬لكن لحظ أنه رغم كون هذه الدعوة قد يرفضععت واحت يقععرت‬
‫فإن النسان ليس له عذر في رفضها‪ .‬فهععذه الععدعوة العامععة‬
‫تحمل معها سلطُانا ا حتى إن من يرفضها لن يكون له عذر‬
‫في يوم الدينونة )أم ‪31-24 :1‬؛ قارن أيضا ا رو ‪20 :1‬؛ ‪.(1 :2‬‬

‫النعمة العامة لجميع البشر‬


‫إن لنعمععة اللععه العامععة المتجهععة لجميععع البشععر‪ ،‬ل مظهععرا ا‬
‫واحداا‪ ،‬بل العديد من المظاهر‪ ،‬ونجملها في هذه السباعية‪:‬‬
‫‪ -1‬عطايييا اللييه‪ :‬وأقصععد بهععا عطُايععاه وخايراتععه الزمنيععة‬
‫والجسدية‪ ،‬والتي أشار إليها سيدنا فععي موعظععة الجبععل‬
‫عندما قال عن الله »إنه يشرقا شمسه علععى الشييرار‬

‫‪49‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪50‬‬

‫والصييالحين‪ ،‬ويمطُععر علععى البييرار والظييالمين«‬


‫)مت ‪ .(45 :5‬وقال عنها الرسول بععولس »اللععه الحععي‬
‫الذي خالق السماء والرض والبحر وكععل مععا فيهععا‪ ..‬وهععو‬
‫يفعل خايراا‪ ،‬يعطُينا من السماء أمطُععارا ا وأزأمنععة مثمععرة‪،‬‬
‫ويمل قلوبنا طعاما ا وسععروراا« )أع ‪ ،(17-15 :14‬وأيضععا ا‬
‫»اللععه الععذي خالععق العععالم وكععل مععا فيععه‪ ..‬هععو يعطي‬
‫الجميع حياة ونفسا ا وكل شيء« )أع ‪.(24،25 :17‬‬
‫‪ -2‬لطف الله‪ :‬أقصععد بهععا معععاملته الرقيقععة مععع البشععر‪.‬‬
‫فيقول الرسول بولس للنسان الشرير الذي سوف يدان‬
‫بالعدل في يوم الدينونة »أم تستهين بغنى لطُفه وإمهاله‬
‫وطول أناته‪ ،‬غير عععالم أن لطُععف اللععه إنمععا يقتععادكا إلععى‬
‫التوبة« )رو ‪ .(4 :2‬وعن هذا المر يقول المرنم »الععرب‬
‫صالح للكل‪ ،‬ومراحمه على كععل أعمععاله« )مععز ‪.(9 :145‬‬
‫وعلى مدى التاريخ أظهر الله هذا اللطُف مع العديععد مععن‬
‫المم والفراد‪ ،‬فلقد أظهره اللععه فععي تعععامله مععع نينععوى‬
‫قديماا‪ ،‬عندما »ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصععنعه‬
‫بهم‪ ،‬فلم يصنعه« )يون ‪ ،(10 :3‬كمععا قععال ليونععان »أفل‬
‫أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة‪ ،‬الععتي يوجاععد فيهععا‬
‫أكثر من اثنتي عشرة ربوة من النععاس الععذين ل يعرفععون‬
‫يمينهم من شمالهم‪ ،‬وبهائم كععثيرة« )يععون ‪ .(11 :4‬كمععا‬
‫أظهععره أيضععا ا لمععوآب )إش ‪ ،11-9 :16‬انظععر أيضععا ا إر‬
‫‪ .(47-31 :48‬وهو ما تكععرر بعععد ذاكا مععع أورشععليم )لععو‬
‫‪ ،(44-41 :19‬ثم مع المم بصفة عامة )رو ‪.(22 :11‬‬

‫‪50‬‬
‫‪51‬‬ ‫مسؤولية النسان‬

‫‪ -3‬صوت الله‪ :‬وأقصد به ضمير النسان الععذي صععار فععي‬


‫داخالععه بعععد السععقوط‪ ،‬والععذي هععو صععوت اللععه إليععه‪.‬‬
‫والنسان اليوم عن طريق الضمير صار يعرف الخير من‬
‫الشر )تك ‪ .(22 :3‬ولهذا فععإنه ليععس فقععط يعععرف اللععه‬
‫بالعقل الذي ميزه الله به )رو ‪ ،(21-19 :1‬بل أيضا ا عن‬
‫طريق الضععمير يعععرف حكععم اللععه علععى الععذين يفعلععون‬
‫الشر )رو ‪32 :1‬؛ ‪.(16-14 :2‬‬
‫‪ -4‬تحذيرات اللييه‪ :‬وهععي تلععك المتضععمنة فععي كلمععة اللععه‪،‬‬
‫والواضحة أيضا ا في معاملت عنععايته مععع بنععي البشععر‪ .‬لقععد‬
‫كان من المفترض أن المرض الخطُير الذي ابتلي بعه نبوخاعذ‬
‫نصر يكون درسععا ا وعععبرة لبنععه الفاسععد المععاجان بيلشاصععر‪.‬‬
‫وعندما احتقر الصوت أتععت نهععايته المرعبععة )دا ‪.(24-18 :5‬‬
‫وبلسععان الحكمععة يتكلععم الععرب فععي سععفر المثععال قععائ ا‬
‫ل‪:‬‬
‫»ارجاعوا عند تععوبيخي‪ .‬هأنععذا أفيععض لكععم روحععي‪ ،‬أعلمكععم‬
‫كلماتي« )أم ‪.(23 :1‬‬
‫‪ -5‬روح اللييه‪ :‬فقععديما ا قععال اللععه »ل يععدين روحععي فععي‬
‫النسان إلى البد« )تععك ‪ .(3 :6‬وهععذا معنععاه أن الععروح‬
‫القدس ل يكععف عععن أن يجاهععد فععي نفععوس جاميععع بنععي‬
‫البشر‪ ،‬محول ا إياهم رجاوعا ا إلى الله‪ .‬لكن ما أكععثر مععن‬
‫يقاومون الروح القدس كما ذكر اسععتفانوس لليهععود )أع‬
‫‪.(51 :7‬‬
‫‪ -6‬خالصا الله‪ :‬فلقد ريتبَ اللععه الفديععة والكفععارة لجميععع‬
‫البشر‪ ،‬كقععول الرسععول بععولس »لنععه يوجاععد إلععه واحععد‪،‬‬

‫‪51‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪52‬‬

‫ووسيط واحد بين الله والناس‪ ،‬النسان يسوع المسععيح‪،‬‬


‫الععذي بييذل نفسييه فدييية لجاييل الجميييع« )‪1‬تععي‬
‫‪ .(5،6 :2‬وهذا بكل يقين أعظععم مظهععر لنعمععة اللععه‪ ،‬إذ‬
‫»مععات )المسععيح( لجاععل الجميععع« )‪2‬كععو ‪ ،(15 :5‬لهععذا‬
‫السببَ يقول الوحي »كيف ننجو نحن إن أهملنععا خالصععا ا‬
‫هذا مقداره؟« )عبَ ‪.(3:2‬‬
‫‪ -7‬إنجيل الله‪ :‬الله يقدم أيضا ا إنجيله لجميع الناس بدون‬
‫ي‬
‫اسععتثناء‪ .‬يقععول اللععه فععي العهععد القععديم »التفتععوا إلعع ي‬
‫واخالصعععوا يعععا جاميعععع أقاصعععي الرض« )إش ‪.(22 :45‬‬
‫ي يا جاميييع‬
‫والمسيح في أيام جاسععده قععال »تعععالوا إلعع ي‬
‫المتعبين والثقيلي الحمال‪ ،‬وأنععا أريحكععم« )مععت‬
‫ي ل أخارجاه خاارجاععاا« )يععو‬
‫‪ .(28 :11‬وأيضا ا »من يقبل إل ي‬
‫‪ .(37 :6‬وأيضا ا »من يعطُش فليععأت‪ ،‬ومععن يععرد فليأخاعذ‬
‫مععاء حيععاة مجانععاا« )رؤ ‪ .(17 :22‬ولهععذا قععال الرسععول‬
‫بولس عن النجيل إنه »مكروزأ به في كل الخليقععة الععتي‬
‫تحت السماء‪ ،‬الذي ‪ ...‬ننععادي بععه منععذرين كععل إنسععان«‬
‫)كو ‪.(23،28 :1‬‬

‫مسؤولية النسان‬
‫الكتاب المقدس يعلن بصورة ل تحتمععل أي التبععاس حقيقععة‬
‫مسؤولية النسان‪ .‬فعندما يقدم الله للنسععان دعععوة النجيععل‬
‫الغنية المجانية‪ ،‬فأن يمضي النسان غيععر عععابئ بهععذه الععدعوة‬
‫التي تتضمنها بشارة النجيععل الشععجية‪ ،‬وكالصععل الصععم يسععد‬

‫‪52‬‬
‫‪53‬‬ ‫مسؤولية النسان‬

‫أذنيه لكي ل يسمع رنين أجاععراس النعمععة الععتي تععدوي مععع كععل‬
‫صباح جاديد‪ ،‬فإنه يجلبَ على نفسه غضبَ الله‪.‬‬
‫هناكا العديد من فصول الوحي المقدس تؤك د علعى مس ؤولية‬
‫النسان‪ .‬فيقول العرب ف ي إش عياء ‪» 18 :1‬هلعم نتحاجاعج يقعول‬
‫الععرب‪ .‬إن كععانت خاطُايععاكم كععالقرمز تععبيض كالثلععج‪ ،‬وأن كععانت‬
‫حمععراء كالععدودي تصععير كالصععوف«‪ .‬وفععي العهععد الجديععد يقععول‬
‫المسيح »هكذا أحبَ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي ل يهلك‬
‫كل من يؤمن به بل تكون له الحياة البدية« )يععو ‪ ،(16 :3‬ويقععول‬
‫أيضععا ا »مععن يقبععل إلععى ل أخارجاععه خاارجاععاا« )يععو ‪ .(37 :6‬ويقععول‬
‫الرسول بولس »لن الكتاب يقول كل من يؤمن به ل يخزى‪ ..‬لن‬
‫كل من يدعو باسم الرب يخلص« )رو ‪.(13-11 :10‬‬
‫ونلحععظ أن اللععه يطُلععبَ مععن الخععاطئ البعيععد أن يتععوب وأن‬
‫يععؤمن‪ .‬فهععو ليععس فقععط يعلععن أن طريععق الخلصا هععو التوبععة‬
‫واليمان‪ ،‬بل إنه يطُلبَ من النسان أن يفعععل ذلععك‪ .‬فلقععد قععال‬
‫المسيح في بداية خادمته »قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله‪،‬‬
‫فتوبوا وآمنوا بالنجيل« )مر ‪ .(15 :1‬كما قال الرسول بطُععرس‬
‫لليهود »فتوبوا وارجاعوا لتمحى خاطُاياكم لكي تأتي أوقات الفرج‬
‫من وجاه الرب« )أع ‪ .(19 :3‬كما قال الرسععول بععولس لسععجان‬
‫فيلبي »آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتععك« )أع‬
‫‪31 :16‬؛ انظر أيضا ا أع ‪21 :20‬؛ ‪.(20 :26‬‬
‫لو لم يكن النسان مسؤول ا عن اليمان والقبععال والطُاعععة‬
‫لما احتوى العهد الجديد علععى دععوة الععرب الصعريحة للخطُععاة‬
‫ليأتوا إليه‪ ،‬ولما تضمن العلن الصريح بدينونة الله على من ل‬

‫‪53‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪54‬‬

‫يأتي إليه‪ .‬يقول الرسول إن الله سيعاقبَ بهلكا أبععدي الععذين‬


‫ل يطُيعون إنجيل ربنععا يسععوع المسععيح )‪2‬تععس ‪ .(8،9 :1‬فهععل‬
‫ل؟! وعليه فإني أناشععدكا‬ ‫تظن أن ديان كل الرض ل يصنع عد ا‬
‫إن كنت لم تخلص بعد أن ترجاع إلععى الععرب تائبععا ا ونادمععا ا علععى‬
‫خاطُاياكا‪ ،‬نعم أناشدكا باسم المسععيح مخلصععك اليععوم إن تبععت‬
‫وآمنت‪ ،‬وديانك غدا ا إن رفضت التوبة أو أجالتها‪ ،‬أن تسرع إليععه‬
‫وتحتمععي فععي كفايععة عملععه‪ ،‬فتنععال باسععمه الخلصا والحيععاة‬
‫البدية‪.‬‬

‫خاطُان واضحان في كلمة الله‬


‫إننا نقرأ في كلمة الله كلما ا واضحا ا عععن نعمععة اللععه‪ .‬وكععم‬
‫هذه النعمة عجيبة وفائقة! وكم هي تمل الكتاب المقدس كله‬
‫من أول سفر فيه إلى آخار سععفر بععل وآخاععر آيععة‪ .‬وكععل الععذين‬
‫خالصععوا علععى مععر الزأمععان خالصععوا بمقتضععى هععذه النعمععة‪.‬‬
‫والشيء العجيبَ أن هذه النعمة الن قد ظهرت لجميع الناس‪،‬‬
‫هذا الخط المبععاركا‬ ‫حاملة معها بشرى الخلصا )تي ‪.(11 :2‬‬
‫واضح كل الوضوح فععي الكتععاب المقععدس‪ .‬لكععن هنععاكا خاطُععا ا‬
‫آخار‪ ،‬ل يمكن أن ننكره‪ ،‬ول يصح أن نتغافل عنه قععط‪ ،‬كمععا أنععه‬
‫مثل الخط الول واضح تماما ا في الكتاب المقدس‪ ،‬وأعنععي بععه‬
‫خاط مسؤولية النسان‪ .‬ونظرا ا لن النسان مخلوقا عاقل فإنه‬
‫مسؤول تماما ا عن كل تصرفاته‪.‬‬
‫هذان الخطُان‪ ،‬إذ أنهما مععذكوران بكععل وضععوح فععي كلمععة‬
‫اللععه‪ ،‬فععإن علينععا أن نقبلهمععا باعتبارهمعا معن إعلنععات العوحي‬

‫‪54‬‬
‫‪55‬‬ ‫مسؤولية النسان‬

‫الكريم‪ ،‬ل أن نجنح إلى عقائد البشر التي تمسك بأحد طرفععي‬
‫الخيط وتهمل الخار‪.‬‬
‫إن مسئولية النسان مقررة في كلمة الله بالقدر نفسه من‬
‫الوضوح مثل نعمته تماماا‪ .‬فالمر الول ل يتعععارض مععع المععر‬
‫الخاير‪ .1‬وعندما قال الرسول إن الخلصا بالنعمة فععإنه أضععاف‬
‫قائل ا »باليمان« )أف ‪ .(8 :2‬النعمععة واليمععان همععا وجاهععان‬
‫لعملة واحدة‪ ،‬أو هما طرفان لخيعط واحعد‪ .‬وأن نمسعك بأحععد‬
‫الطُرفين ونهمل الخار أمر يؤدي إلى البلبلة والتشععويش‪ .‬وإن‬
‫كان الرسول بولس في رومية ‪ 9‬قد أكد ي مطُلق سععلطُان اللععه‬
‫ونعمته في الخاتيار‪ ،‬فإنه في الصحاح التالي مباشععرة )روميععة‬
‫‪ (10‬أكد ي مسؤولية النسان‪ ،‬وحتمية اليمان‪.‬‬
‫وهناكا المزيد من الفصول الكتابية العتي تؤكعد علععى الخطُيعن‬
‫معا ا أتركا للقععارئ العزيععز إن أراد أن يقرأهععا بتمعععن ليععرى كيععف‬
‫يؤكد الوحي الكريم علعى كعل م ن النعمعة والمسعؤولية فعي آن‪:‬‬
‫أع ‪48-46 :13‬؛‬ ‫‪69-40،44،65-36 :6‬؛‬ ‫يوحنععععا ‪13-11 :1‬؛‬
‫‪14 :16‬‬

‫‪ 1‬هذا المععر ل ينصععرف فقععط علععى دعععوة الخععاطئ‪ ،‬بععل يمتععد ليشععمل حيععاة‬
‫المععؤمنين أيضععاا‪ .‬فحيععاة الخدمععة والقداسععة هععي نعمععة مععن جاععانبَ اللععه‪،‬‬
‫ومسؤولية من جاانبَ المؤمن‪ ،‬في آن‪ .‬وكععذلك فهععم أفكععار اللععه‪ .‬عععن هععذا‬
‫يقول الرسول بولس لتيموثاوس في الرسالة الثانية ‪» 7 :2‬افهععم مععا أقععول«‬
‫)هذه هي المسؤولية(‪ ،‬ثععم يسععتطُرد قععائل ا »فليعطُععك الععرب فهمععا ا فععي كععل‬
‫شيء« )هنا تبرزأ النعمة(‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪56‬‬

‫كيف نوفق بين الخطُين؟‬


‫أل يتعارض عجز النسان مع مسئوليته؟ فهناكا مععن يتحييععر‬
‫أمام التوفيق بين حقيقة عجز البشر المطُلق التي أكدناها في‬
‫الفصل الثالث‪ ،‬وبين مسععئوليتهم‪ .‬لكننععا نجيععبَ بععأنه لععو وجاععد‬
‫شخص مديون بمبلغ معين‪ ،‬فإنه ولو كان مفلسا ا وعععاجازا ا عععن‬
‫السداد فهذا لن يعفيه من المساءلة‪ ،‬وقد يتعععرض للسععجن إذا‬
‫لم يقدر أن يوفي ما عليه‪ ،‬رغم أنه قد يكون عععاجازا ا حقععا ا عععن‬
‫السداد‪ .‬هكذا النسان هنا ليس له عذر في رفض دعوة اللععه‪،‬‬
‫ولو أن البشر جاميعا ا قد رفضوها بالفعل‪.‬‬
‫إن سععقوط النسععان المريععع وحععالته التعسععة لععم تنععف‬
‫مسعععئوليته‪ .‬فمعععع أن فشعععل النسعععان مقعععرر تمامعععا ا فعععي‬
‫الصعععحاحات الولعععى مععن رسعععالة روميعععة )انظععر مثل ا رو‬
‫‪ ،(20 :3‬فإن تقرير مسئوليته وأنه بل عذر واضحان أيضا ا فععي‬
‫تلك الصحاحات عينها )انظر مثل ا رو ‪ .(1 :2‬لقد خالععق اللععه‬
‫النسان على صورته وشبهه‪ .‬ومع أن النسععان بعععد السععقوط‬
‫فقد المشابهة الدبية مع الله‪ ،‬فإنه مععا زأال علععى صععورة اللععه‪،‬‬
‫أي ما زأال مسؤو ا‬
‫ل‪.‬‬
‫وهناكا أيضا ا من يتحير من التوفيق بين مطُلق سلطُان اللععه‬
‫ومسؤولية النسععان‪ ،‬ويقولععون ‪ -‬معع ذلععك المععترض‪» :‬لمعاذا‬
‫يلوم )الله( بعد؟ لن من يقاوم مشععيئته؟« )رو ‪ .(19 :9‬لكنععا‬
‫نجيبَ إن الرسول بطُرس في آية واحدة أكد على الثنين معععا ا‬
‫عندما قال‪» :‬هذا أخاععذتموه مسععلما ا بمشععورة اللععه المحتومععة‬

‫‪56‬‬
‫‪57‬‬ ‫مسؤولية النسان‬

‫)مطُلق سلطُان الله( وعلمه السابق )مطُلق علمععه(‪ ،‬وبأيععدي‬


‫أثمة صلبتموه وقتلتموه )مسؤولية النسان(« )أع ‪.(23 :2‬‬
‫مشكلة بعضهم أنهم يضيعون وقتهعم فعي محاولعة التوفيعق‬
‫بين إعلنات الوحي الصريحة‪ .‬لكن هععذا مجهععود ل طائععل مععن‬
‫ورائععه‪ ،‬فمسععألة التوفيععق هععذه هععي فععوقا أفهععام البشععر‬
‫المحدودين‪ .‬ونحن نفضل أن نعمل بنصيحة واحد من الحكماء‬
‫إذ قال‪“ :‬ل تدع ما ل تعرفه يضييع من يدكا ما تعرفه”‪.‬‬
‫وللتبسععيط نقععول هنععاكا خاطُععوط متوازأيععة‪ .‬والمتوازأيععان ل‬
‫يتقابلن مع يعضهما مطُلقا ا إل في ما ل نهاية‪ .‬إذا ا فعندنا نحععن‬
‫البشر محدودي الفهم والدراكا يمكننعا ببسععاطة أن نفهععم كععل‬
‫خاط من هذين الخطُين على حععدة‪ .‬فكععل واحععد منهمععا واضععح‬
‫وساطع في كلمة الله‪ .‬أما أن نوفق بينهما فهو ما نعجععز نحعن‬
‫عنه‪ ،‬لكنهما إذ يلتقيان معا ا في ما ل نهاية فإن التوفيععق بينهمععا‬
‫بالنسبة لله ليس مشكلة على الطلقا‬

‫الخلصة‬
‫في كلمة الله خاطُعان واضعحان‪ :‬الخعط الول مطُلععق نعمععة اللعه‪،‬‬
‫والخط الخار مسؤولية النسان‪ .‬النسان مسععؤول‪ ،‬ل شععك فععي‬
‫جاه له الدعوة من لدن اللععه ليقبلهععا أو‬
‫ذلك على الطلقا‪ ،‬ولهذا يتو ي‬
‫ليرفضها‪ .‬أما بالنسبة لنا نحن الذين قبلنععا الععدعوة‪ ،‬فععإن الفضععل‬
‫أول ا وأخايرا ا يعود لنعمة الله‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫‪6‬‬
‫ما ذنبَ غير المختارين؟‬

‫هناكا سؤال يردده الكثيرون وهو‪ :‬ما ذنبَ غير المختارين ؟‬


‫ما دام الكل من الله‪ ،‬وليس من يقاوم مشععيئته‪ ،‬فمععاذا بوسععع‬
‫الخاطئ المسكين أن يفعل‪ ،‬إن لم يكن الله قد اخاتاره؟‬

‫سؤال مضلل‬
‫والسؤال بهذه الصورة غير دقيق‪ ،‬لنه ل ذنبَ لغير المختععارين‬
‫من حيث كونهم لم ييختاروا‪ ،‬لكن ذنبهم ‪ -‬شأن كل البشر الخارين‬
‫‪ -‬أنهم أخاطُأوا إلى الله‪.‬‬
‫ولتوضيح ذلععك نسععوقا هععذا المثععل‪ :‬يعي يععن رئيععس البلد عععادة‬
‫بعض الشخاصا بالخاتيار الحر لمجلس الشعبَ‪ .‬فإذا قتععل رجاععل‬
‫شخصا ا ما‪ ،‬ثم حاول في المحكمة أن يدافع عن جاريمته بععالقول‪:‬‬

‫‪81‬‬
‫“أنا قتلت‪ ،‬لن رئيس الجمهورية لم يخععترني لمجلعس الشعععبَ”‪،‬‬
‫فل بد أن تتحقق المحكمة معن مععدى سععلمة قععواه العقليععة‪ ،‬فمععا‬
‫دخاععل الجععرم الععذي ارت يكععبَ‪ ،‬بعععدم اخاتيععار رئيععس البلد لععه؟ إن‬
‫الرئيس يختار أناسا ا لكي يشغلوا مناصبَ معينة‪ ،‬لكن لمععاذا قتععل‬
‫هو؟! إن المحكمة تحاسبَ الجاني ليععس لن رئيععس الجمهوريععة‬
‫لم يختره‪ ،‬فهعو فعي هععذا ليععس مسعئو ا‬
‫ل‪ ،‬بععل تحاسعبه لنعه قتعل‪.‬‬
‫وهكذا أيضا ا الله عندما يحاسبَ الناس‪ ،‬لن يحاسععبهم عععن سععببَ‬
‫عدم اخاتيارهم‪ ،‬بععل سيحاسععبهم لنهععم أخاطُععأوا عمععدا ا إلععى اللععه‪،‬‬
‫ولنهم رفضوا التوبة‪.‬‬
‫يحاول بعضهم تشويه حقيقة الخاتيععار المجيععدة بوضععع تصععوير‬
‫سخيف وممسوخ فيقولععون‪ :‬هععبَ أن أبععا ا حكععم علععى بعععض مععن‬
‫أولده بأشد أنواع العقععاب‪ ،‬بينمععا قععرر أن يسعععد بعضععا ا بعطُايععاه‬
‫وخايراتععه‪ ،‬وذلععك مععن مطُلععق إرادتععه الخاصععة‪ ،‬فهععل هععذا عععدل؟‬
‫والجاابة إن تصرف الب يعتبر تصرفا ا أحمععق ومعيبععاا‪ ،‬وحاشععا أن‬
‫ننسبَ تصرفا ا مثل هذا لله‪ .‬لكن المر الععذي نبحثععه الن يختلععف‬
‫كل الخاتلف عن هذا التشبيه اخاتلف النور عن الظلمة‪ .‬فالناس‬
‫الشرار في وضعهم هذا ليسوا في مركز البناء البرياء‪ ،‬ول اللععه‬
‫القدوس البار هو هنا في مركععز الب الععودود الععذي يععدلل أولده‪.‬‬
‫بل إن النسان العاصي الشرير هو متهم ثبتت التهمة عليه‪ ،‬والله‬
‫هو ديان كل الرض العادل‪.‬‬
‫لكن الله قبل أن يحاسععبَ النععاس فععي المسععتقبل باعتبععاره‬
‫ديععان كععل الرض‪ ،‬فععإنه الن يريععد خالصا جاميععع البشععر‪ .‬إنععه‬

‫‪82‬‬
‫‪83‬‬ ‫ما ذنبَ غير المختارين؟‬

‫يناديهم ويتحدث إلى قلوبهم بوده الغامر‪ ،‬ويقتادهم إلى التوبة‪.‬‬


‫وهذا إن لم يكسر إرادتهم مقتادا ا إياهم إلى التوبة‪ ،‬فإنه سيزيد‬
‫من دينونتهم كقول الوحي »أم تسععتهين بغنععى لطُفععه وإمهععاله‬
‫وطول أناته غير عالم أن لطُف اللعه إنمعا يقتعادكا إلعى التوبعة‪.‬‬
‫ولكنك من أجاععل قسععاوتك وقلبععك غيععر التععائبَ تععذخار لنفسععك‬
‫غضبا ا فععي يععوم الغضععبَ واسععتعلن دينونععة اللععه العادلععة« )رو‬
‫‪.(4،5 :2‬‬

‫الله يريد أن الجميع يخلصون‬


‫دعني الن أسععوقا إليععك توضععيحا ا آخاععر ‪ :‬أ ِمعع ل‬
‫ن الصععواب أن‬
‫نقول إن عدم وجاود الطُبيبَ في المكان كان السببَ في موت‬
‫إنسععان؟ كل‪ ،‬فليععس هععذا بكععل تأكيععد هععو سععببَ مععوت ذلععك‬
‫النسان‪ .‬ربما يصععلح أن نقععول إن عععدم وجاععود الطُععبيبَ كععان‬
‫الظرف الذي أدى إلى عععدم شععفاء المريععض‪ ،‬وبالتععالي مععوته‪.‬‬
‫لكنه ليس سببَ موته على أي حال‪.‬‬
‫لكن فععي المجععال الروحععي‪ ،‬أحقععا ي لععم يكععن هنععاكا طععبيبَ؟‬
‫)انظر إرميا ‪22 :8‬؛ ‪ .(9 :51‬ألم يقل الرب للشعبَ في أيام‬
‫جاسده‪» :‬كم مرة أردت أن أجامعع أولدكا كمعا تجمعع الدجااجاعة‬
‫فراخاها تحت جاناحيها‪ .‬و)أنتم( لم تريدوا« )مععت ‪ .(37 :23‬أل‬
‫يقول أيضا ا عن كنيسة ثياتيرا »أعطُيتها زأمانا ا لكععي تتععوب عععن‬
‫زأناها ولم تتععبَ« )رؤ ‪(21 :2‬؟ وبالنسععبة للفععراد قععال الععوحي‬
‫أيضاا‪» :‬غير عالم أن لطُف الله إنمععا يقتععادكا إلععى التوبععة« )رو‬

‫‪83‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪84‬‬

‫‪ ،(4 :2‬وفي سفر المثال يقول »لني دعععوت فععأبيتم ومععددت‬


‫يدي وليس من يبالي« )أم ‪.(24 :1‬‬
‫لحظ‪ ،‬عزيزي القارئ‪ ،‬أن ليس المختارين دون غيرهم هععم‬
‫الذين هلكوا‪ ،‬كل‪ ،‬بل كل الجنس البشري‪ .‬والمسيح أتععى مععن‬
‫السماء لكي يطُلبَ ويخلص ما قد هلك )لو ‪ ،(10 :19‬أي لكي‬
‫يخلص جاميع البشر‪ .‬وهو يريععد أن جاميع النيياس يخلصععون‪،‬‬
‫وإلى معرفة الحق ييقبلون )‪1‬تي ‪ .(4 :2‬فععأن يحتقععر الخععاطئ‬
‫محبة المسيح الفدائية‪ ،‬ونعمته الغنية‪ ،‬ودعوته المجانية‪ ،‬ويصر‬
‫على أن يظل في شره ويستمر في غيه‪ ،‬أفل يضاعف هذا مععن‬
‫ذنبَ الخاطئ؟‬
‫من هذا كله نخلص إلى أن النسان البعيد عن الله ليس هعو‬
‫شخصا ا يريد أن يتوب ول يسععتطُيع‪ ،‬بععل إنععه ل يريععد أن يتععوب‪،‬‬
‫وذلك لنه يحبَ الخطُية )مت ‪37 :23‬؛ يو ‪.(40 :5‬‬

‫الخاتيار ليس مبنياا على خاطُية‬


‫النسان أو سقطُته‬
‫ثم لحظ أيضا ا أن الخاتيار في الكتاب المقدس شععيء إيجععابي‬
‫وليس شيئا ا سلبياا‪ .‬وسوف نعود إلى هععذه النقطُععة الععتي يخطُععئ‬
‫فهمها الكثيرون )الفصل الحادي عشر(‪ .‬لكن الن نكتفي بالقول‬
‫إن اللععه اخاتارنععا فععي الزأل قبععل خاطُيععة آدم وبغععض النظععر عععن‬
‫خاطُيته‪ .‬وبعد ما أخاطُأ آدم أصبح كل البشر هالكين‪ .‬فماذا فعععل‬
‫الله؟ لقد أحععبَ اللععه العععالم‪ ،‬فأرسععل ابنععه الوحيععد )يععو ‪.(16 :3‬‬

‫‪84‬‬
‫‪85‬‬ ‫ما ذنبَ غير المختارين؟‬

‫أ لعله أرسععله لجاععل المختععارين فحسععبَ‪ ،‬كمععا يقععول بعععض غلة‬


‫الكلفينيين؟ كل! وفكرة كون الكفارة قاصععرة علععى المختععارين‪،‬‬
‫كما أشرنا قب ا‬
‫ل‪ ،‬ليست فكرة كتابية‪ ،‬لأن الله أحبَ العالم كله )يععو‬
‫‪ ،(16 :3‬وبذل ابنه فدية لجال الجميع )‪1‬تععي ‪» ،(5 :2‬وهععو مععات‬
‫جاعه‬
‫لجال الجميعع« )‪2‬كعو ‪ ،(15 :5‬والمسعيح فعي أيعام جاسعده و ي‬
‫دعوته لكل الخطُاة قائل ا‪» :‬تعالوا إل ي‬
‫ي ‪ -‬ليس يا جاميع المختارين‪،‬‬
‫بل ‪ -‬يعا جاميععع المتعععبين« )معت ‪ .(28 :11‬وفععي معوته لعم يكعن‬
‫كفارة لخطُايانا فقط‪ ،‬بل لكل العععالم أيضععا ا )‪1‬يععو ‪ .(2 :2‬فهععل‬
‫ى للسؤال‪ :‬ما ذنبَ غير المختارين؟‬
‫يكون بعد ذلك معن ا‬
‫ولتوضيح هذه الفكرة أقول‪ :‬لنفترض أني استضفت أخاوين‬
‫لوليمة في بيتي )وطبعا ا ل يوجاد منطُق يجبرني على استضافة‬
‫جاميع البشر إلى بيتي(‪ .‬وبينما أنا في طريقععي للععبيت وجاععدت‬
‫خالوان اللذان‬
‫عشرة أشخاصا واقعين في حفرة‪ ،‬من ضمنهم ال ل‬
‫استضععفتهما‪ .‬فمععا كععان منععي إل أنععي مععددت يععدي للعشععرة‬
‫لنقذهم‪ .‬فمد الخاوان أيعديهما لقيمهمععا معن س قطُتهما‪ ،‬أمعا‬
‫الثمانية الخارون فرفضوا‪ ،‬وحجتهم فععي ذلععك أنععي لععم أدعهععم‬
‫إلى الوليمة!!‬
‫حسنا ا أنا ل أتكلم الن معكم عن الوليمععة بععل عععن الورطععة‬
‫التي أنتم فيها‪ .‬فواضح أن كل واحد من العشععرة محتععاج إلععى‬
‫من يخلصه‪ ،‬ولقد أبديت اسععتعدادي لن أفعععل ذلععك‪ ،‬وبسععطُت‬
‫يدي للنقاذ‪ .‬لكن إذا استمر الإصرار من جاععانبَ الثمانيععة علععى‬
‫ت أني لم أدعهم إلى الوليمة في بيتي‪،‬‬
‫رفض مساعدتي ما دم ي‬

‫‪85‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪86‬‬

‫فععإني بعععد أن أقععدم لهععم النععداء مععرات سععأتركهم يواجاهععون‬


‫مصيرهم التعس‪.‬‬
‫وطبعا ا لم يكن الله ملزمععا ا بععأي شععيء‪ ،‬مععا كععان ملزمععا ا أن‬
‫يختار ول أن يبذل ابنه الوحيد لجال الخطُاة‪ .‬لكنععه فععي نعمتععه‬
‫اخاتار للمجد في الزأل أناسا ا أحبهم‪ ،‬سبق فعرفهم‪ .‬وهععذا هععو‬
‫الخاتيار‪ .‬ثم إذ كان الجميع محتععاجاين إليععه لععم يتععأخار‪» .‬أحععبَ‬
‫الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد‪ ،‬لكي ل ليهِلك ك ر‬
‫ل من يؤمن به‬
‫بل تكون له الحيععاة البديععة« )يععو ‪ .(16 :3‬أ فبعععد ذلععك يقععول‬
‫النسان المعترض‪ :‬ما ذنبَ غير المختارين؟ أجاععابتي عععن هععذا‬
‫السؤال هي أن غير المختارين فضلوا الخطُية على المسيح‪.‬‬

‫علة هلكا البشر؟‬


‫دعنععي أسععألك‪ :‬مععا هععي علععة هلكا البشععر؟ أليسععت هععي‬
‫الخطُيععة؟ فهععل اللععه هععو السععببَ فععي الخطُيععة الععتي يفعلهععا‬
‫النسععان الخععاطئ؟ هععل روح اللععه أقنععع النسععان‪ ،‬ولععو مععرة‬
‫واحععدة‪ ،‬أن يرتكععبَ الخطُيععة؟ هععل شععجعته كلمععة اللععه علععى‬
‫السععتمرار فععي التكععال علععى بععره الععذاتي؟ كل‪ ،‬إن اللععه لععم‬
‫يمارس مع النسان مطُلقا ا أي شععيء مععن شععأنه التععأثير علععى‬
‫قراراتععه ليسععلك فععي طريععق الهلكا‪ .‬إن كععل تعععاليم الععوحي‬
‫وبشارة النجيل إنما لتقنع النسان بتركا الخطُية والرجاوع إلى‬
‫الله‪ .‬أما أن يصر النسان على رفض نداء الله‪ ،‬وجاهاد روحععه‪،‬‬
‫ودعوة النجيل الحارة‪ ،‬ويمضععي إلععى الهلكا‪ ،‬فإنمععا هععو يهلععك‬

‫‪86‬‬
‫‪87‬‬ ‫ما ذنبَ غير المختارين؟‬

‫نفسه بإرادته‪ ،‬ول يجععبَ أن يلقععي اللععوم علععى أي واحععد غيععره‬


‫على الطلقا‪.‬‬
‫يقععول الععرب بلسععان الحكمععة فععي سععفر المثععال ‪» 36 :8‬كععل‬
‫ي يحبون المععوت«‪ .‬ومعنععى حبهعم للمععوت‪ ،‬أنهععم متلععذذون‬
‫مبغض ي‬
‫بالخطُية الععتي تفصععلهم عععن اللععه مصععدر الحيععاة‪ .‬يفكععر النسععان‬
‫الشرير في نفسه‪ ،‬نتيجة جانوح طبيعته للشر‪ :‬يا ليععت اللععه يسععمح‬
‫للبشر أن يحصععلوا علععى الخلصا مععن جاهنعم مععع اسعتمرارهم فععي‬
‫العيشة في خاطُاياهم! لكن ذلك ل يمكن أن يكععون‪ .‬لععذلك يقععول‬
‫الله »ليتركا الشرير طريقه‪ ،‬ورجال الثم أفكاره‪ ،‬وليتبَ إلى الععرب‬
‫فيرحمه« )إش ‪ .(7 :55‬فمشكلة البشر الحقيقية ليست في الله‪،‬‬
‫الذي هو محبة‪ ،‬بل في قلبهععم الععذي هععو شععرير‪ .‬فالنسععان يحععبَ‬
‫الخطُية‪ ،‬ول يريد أن يتركها‪ ،‬لذلك يتمحك بالقول‪ :‬لو كنت مختاراا!‬
‫إذا ا السؤال الخاصا بذنبَ غير المختارين‪ :‬ذنبهععم أنهععم‬
‫يعيشون في الخطُية‪ ،‬ويحبون الخطُيععة‪ ،‬ول يريععدون تععركا‬
‫الخطُية‪ ،‬كقول الوحي »أحبَ الناس الظلمة أكععثر مععن النععور‪،‬‬
‫لن أعمالهم كانت شريرة« )يو ‪.(19 :3‬‬
‫ومن كلمععة اللععه‪ ،‬الكتععاب المقععدس‪ ،‬نتعلععم أن الخلصا هععو‬
‫عطُية مجانية مقدمة لجميع البشر‪ ،‬كقول الرسععول »لنععه قععد‬
‫ظهععرت نعمععة اللععه المخلصععة لجميععع النععاس« )تععي ‪.(11 :2‬‬
‫وأيضا ا »الله الذي يريد أن جاميع الناس يخلصون وإلععى معرفععة‬
‫الحق يقبلون« )‪1‬تي ‪ .(3،4 :2‬أما الهلكا فهو اخاتيار يختععاره ‪-‬‬
‫وا أسععفاه ‪ -‬الكععثيرون لنفسععهم كقععول المسععيح »مععاذا ينتفععع‬

‫‪87‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪88‬‬

‫النسان لو ربح العالم كلععه وأهلك نفسييه أو خاسععرها« )لععو‬


‫‪ .(25 :9‬كمععا يقععول الرسععول بطُععرس »يجلبييون علييى‬
‫أنفسهم هلكا ا سريعاا« )‪2‬بط ‪ .(1 :2‬وهععذا معنععاه بوضععوح‬
‫أن النسان هو الذي ييهلك نفسه بإرادته‪.‬‬

‫توبوا وارجاعوا‪ ،‬لماذا تموتون؟‬


‫يقعول العرب فععي نبععوة حزقيععال »توبعوا وارجاععوا ععن كععل‬
‫معاصيكم‪ ،‬ول يكون لكم الثم مهلكة‪ ..‬فلماذا تموتون يععا بيععت‬
‫ويععا لهععا مععن دعععوة حععارة‬ ‫إسععرائيل؟« )حععز ‪.(30،31 :18‬‬
‫للنفوس!‬
‫والناس أمام هذه الععدعوة فريقععان‪ :‬فريععق يقبلهععا وبالتععالي‬
‫سيذهبَ إلى السععماء‪ ،‬وفريععق آخاععر يرفضععها وسععيذهبون إلععى‬
‫جاهنم‪ .‬بالنسبة للذين سيذهبون إلى السماء سععيكون الفضععل‬
‫في ذلك للرب وحده‪ ،‬وأما من يجد نفسه فععي جاهنععم فععإنه هععو‬
‫نفسه سيكون سببَ ذلك‪ .‬فليس مسئول ا عن توصيل النسان‬
‫إن مععن‬
‫إلععى جاهنععم غيععر إرادتععه العاصععية‪ .‬بكلمععات أخاععرى‪ ،‬ي‬
‫سيصل إلععى السععماء سيشععكر اللععه‪ ،‬ومععن سععيذهبَ إلععى‬
‫جاهنم سيلوم نفسه‪.‬‬
‫الله ينادي الخطُاة للرجاوع )زأكا ‪ ،(3،4 :1‬بل إنه يأمر جاميع‬
‫الناس أن يتوبوا )أع ‪ .(30 :17‬هععذا هععو المععر اللهععي القعاطع‬
‫والصريح‪ ،‬ومن لم يتبَ فسيحاسبه الله على عدم توبته‪.‬‬
‫فالذي سععيهلك‪ ،‬سععيهلك لنععه لععم يتععبَ‪ .‬سععيهلك لنععه رفععض‬

‫‪88‬‬
‫‪89‬‬ ‫ما ذنبَ غير المختارين؟‬

‫المسيح واحتقر المخليص‪ ،‬وليس أنه سععيهلك لكععونه غيععر مختععار‪.‬‬


‫فبغض النظر عن الخاتيار فإن النسان هالك‪ .‬وقد كان بوسع أي‬
‫خااطئ أن يهرب مععن الغضععبَ التععي لععو تععاب‪ .‬وفععي هععذا يقععول‬
‫الرسععول »لععم يستحسععنوا أن يبقععوا اللععه فععي معرفتهععم« )رو‬
‫‪ ،(28 :1‬وأيضا ا »لنهم لم يقبلععوا محبععة الحععق حععتى يخلصععوا« )‬
‫‪2‬تس ‪ .(10 :2‬وهذا معناه بكل وضوح أن سر عدم خالصهم هو‬
‫أنهم لم يقبلوا محبة الحق‪.‬‬
‫ونلحظ أن الوحي في هذا الفصل الخاير )‪2‬تس ‪ (2‬أوضح لنععا‬
‫كل ا من سر هلكا البشععر وسععر خالصععهم‪ .‬فالععذين هلكععوا هلكععوا‬
‫لنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا‪ .‬ولماذا لم يقبلوا محبععة‬
‫الحق؟ لنهم من أب هو إبليس‪ .‬ورغم نداء روح اللععه الععذي هععو‬
‫روح الحق‪ ،‬ومجاهدته معهم‪ ،‬فقععد فضععلوا روح الكععذب‪ ،‬الكععذاب‬
‫وأبوا الكذاب‪ .‬أما سر خالصا المؤمنين فهو أن الله اخاتارهم منذ‬
‫البدء للخلصا بتقديس الععروح وتصععديق الحععق‪ .‬بكلمععات أخاععرى‬
‫نقول إن الذين هلكوا‪ ،‬هلكوا لنهم لم يحبوا الحق‪ ،‬والذين خالصوا‬
‫خالصوا لن اللععه أحبهععم‪ .1‬ليععس أنععه خالصععهم بغععض النظععر عععن‬
‫حالتهم‪ ،‬بل إن الخلصا تضمن تقديس الروح وتصديق الحق‪.‬‬
‫ونلحظ أن الوحي يربط دائمععا ا بيععن الحععق والخلصا سععواء‬
‫في أفسس ‪13 :1‬؛ أو في ‪ 2‬تسععالونيكي ‪ 13 :2‬فالععذي يقبععل‬
‫الحععق ويحبععه يخلععص‪ .‬هنععا نجععد المسععار والمصععير‪ ،‬الوسععيلة‬

‫‪ 1‬الذي هلك هلك بإرادته )مت ‪ ،(37 :23‬وأما الذي خالص فخلص بإرادة الله‬
‫»الذين ولدوا ليس من ‪ ..‬مشععيئة جاسععد‪ ،‬ول من مشيييئة رجاييل‪ ،‬بععل ميين‬
‫الله« )يو ‪(13 :1‬‬

‫‪89‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪90‬‬

‫والنهاية‪ .‬وما أخاطُر أن يقف النسععان بالنسععبة للحععق موقععف‬


‫الحياد‪ .‬فإن لهذا الموقف السلبي نتائعج أبديععة رهيبععة‪ .‬لحععظ‬
‫أن الرسول لم يقل إنهععم كرهععوا الحععق أو حععاربوه‪ ،‬بععل يشععير‬
‫فقط إلى عدم محبتهم له‪ .‬يكفي أن النسععان ل يحععبَ الحععق‪،‬‬
‫وسيكمل الشيطُان معه المشوار ليععؤدي بععه فععي النهايععة إلععى‬
‫الهلكا البدي‪.‬‬

‫الخلصة‬
‫ليس من المنطُق ول من الحكمة أن نربط في أذهاننا بين اخاتيععار‬
‫الله أناسا ا للبركات والمجاد السماوية‪ ،‬وارتكاب الخارين للخطُية‬
‫وجانوحهم إلى العصيان‪ ،‬ثم بعد ذلك رفضهم الخابار السارة‪ ،‬التي‬
‫تضمن الخلصا لمن يقبلهعا‪ ،‬عل ى أسعاس ب ذل اللعه ابنعه الوحيعد‬
‫لجالهم‪ .‬والكتاب عندما يعلمنا أن »الكل من الله«‪ ،‬فإنمععا يقصععد‬
‫كل الصلح والخير )يع ‪ ،(17 :1‬أما الشر فل يمكن أن يكون الله‬
‫مصدره )يع ‪:1‬عع ‪ .(13‬وبالنسبة للشرار سععوف يحاسععبهم اللععه‬
‫ليس على كونهم لم ييختاروا‪ ،‬بل سيحاسبهم علععى الخطُايععا الععتي‬
‫فعلوها‪ ،‬وأيضا ا علععى رفضععهم نععداء الععروح القععدس المتكععرر لهععم‬
‫للتوبة والرجاوع‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫‪7‬‬
‫الشرار وحقيقة الخاتيار‬

‫نلحظ أن الكتاب المقدس لم يشر قط عنعد الحعديث إلعى‬


‫غير المععؤمنين إلععى موضععوع الخاتيععار‪ .‬فبالنسععبة للبشععر غيععر‬
‫المخليصين فإن الله يدعوهم للتوبة والرجاوع إليه‪ ،‬كما يتحععدث‬
‫أيضا ا إليهم عما عمله الله في المسيح يسوع لجال خالصهم إن‬
‫هم آمنوا‪ .‬وعندما يتوبون ويؤمنون فإن الوحي يوضح لهم تلك‬
‫الحقيقة المجيدة وهي أنهم مختارون في المسععيح يسععوع مععن‬
‫قبل تأسيس العالم‪ .‬وعلى هذا فإنه يمكن القول إن الحععديث‬
‫عن الخاتيار هو حديث عائلي‪ ،‬موجاه إلى عائلعة اللعه‪ ،‬ول شعأن‬
‫للغرباء به‪.‬‬
‫شبه أحدهم ذلك بوليمة عملها إنسان عظيم‪ ،‬ووضععع لفتععة‬
‫على الباب الخارجاي للمكععان‪ ،‬مكتععوب عليهععا “الععدعوة عامععة‪،‬‬

‫‪81‬‬
‫مرحبَ بالجميع”‪ .‬لكععن مععن يععدخال إلععى الععداخال يكتشععف أن‬
‫اسمه مكتوب على أحد الموائععد‪ ،‬تحععت عبععارة “معرفععون مععن‬
‫قبل تأسيس العالم”‪.‬‬
‫ول توجاد كلمات أوضح من كلمات النجيل التي تقدم للنسان‬
‫القلق بسببَ خاطُايععاه والععذي يريععد أن يحظععى بععالخلصا‪ .‬يقععول‬
‫اللععه‪» :‬التفتععوا إلععي واخالصععوا يععا جاميععع أقاصععي الرض« )إش‬
‫‪ .(22 :45‬وكلمععة اللعه تؤكععد أن كععل مععن ينظععر إلععى المصععلوب‬
‫سينال الحياة‪ .‬أما أن يرفععض شععخص التوبعة رغعم قعول الععوحي‬
‫»الله الن يأمر جاميع الناس في كل مكان أن يتوبوا متغاضيا ا عن‬
‫أزأمنة الجهل« )أع ‪ ،(30 :17‬وذلععك بحجععة أنععه قععد ل يكععون مععن‬
‫المختارين للحياة البدية‪ ،‬فهذا أمر ليس فقط غيععر منطُقععي‪ ،‬بععل‬
‫هو أيضا ا في منتهى الحماقة‪.‬‬

‫أمثلة توضيحية‬
‫دعنععي أقتبععس مععن تشععارلس سععبرجاون المثلععة التيععة‬
‫للتوضيح‪:‬‬
‫‪ -1‬إنني أعلععم أن ليس بععالخبز وحععده يتغععذى الجسععد‪ ،‬لنععه‬
‫»ليس بالخبز وحده يحيا النسان‪ ،‬بل بكل كلمة تخععرج مععن‬
‫فم الله« )مت ‪ .(4 :4‬ول شك أن الله هو الععذي يقععرر إن‬
‫كان هذا الخبز هو الذي سععيغذي جاسععدي أم ل‪ .‬فلععو سععمح‬
‫الله‪ ،‬ربما يكون الخبز سببا ا فععي مععوتي بععدل ا مععن أن يكععون‬
‫سببا ا في حياتي‪ .‬فهل عنععدما أجاععوع أضععع يععدي فععي جايععبي‬
‫وأرفض أن آكل من المائدة الممتلئة بالطعمة لني ل أعلم‬

‫‪82‬‬
‫‪83‬‬ ‫الشرار وحقيقة الخاتيار‬

‫ما قرره الله‪ ،‬إن كان الخبز سيقيتني أم يقتلنععي؟ إننععي لععو‬
‫فعلت ذلك أكون في هذه الحالة غرا ا أو مجنوناا‪ .‬وأكون في‬
‫ذلك كمن ينتحر ويموت موت أحمق‪.‬‬
‫‪ -2‬أو لنفرض شخصا ا آخار يقول‪ :‬إنني غير متأكععد مععن أنععه‬
‫سيكون هناكا محصول في حقلي السنة القادمععة‪ ،‬لننععي‬
‫ل أعلم إن كان الله قععد قععرر أن الحنطُععة تطُلععع وتنضععج‪.‬‬
‫فربما كل مجهوداتي في الرض تضيع عبثاا‪ .‬فهنععاكا دود‬
‫فععي الرض‪ ،‬وصععقيع فععي الجععو‪ ،‬وطيععور فععي السععماء‪،‬‬
‫وفطُريات في الهععواء‪ ،‬وكععل هععذه قععد تععدمر محصععولي‪،‬‬
‫وتجعلني ل أحصل حتى على الحبععوب الععتي ألقيتهععا فععي‬
‫الرض‪ .‬ومع أن كل هذا صحيح‪ ،‬فهععل مععن المعقععول أن‬
‫نتركا الرض دون فلحة لن المزارع ل يعلم إن كان الله‬
‫قد قرر أن يعطُيه محصعول ا أم ل؟! أليعس معن الحماقعة‬
‫والجهعل أن نجععل مقاصعد اللعه السعرية تكئعة لن ا لكعي‬
‫نتكاسل عن قيامنا بمسئولياتنا وواجاباتنا؟!‬
‫‪ -3‬أو لنفترض شخصا ا ثالثا ا مريضاا‪ ،‬أتى إليه الطُبيبَ حععامل ا‬
‫معه الدواء‪ .‬لكنه مثل صععاحبينا السععابقين ليععس متيقنععا ا‬
‫إن كان الدواء سيشفيه أم ل‪ .‬صععحيح إن الععدواء شععفى‬
‫كثيرين قبله‪ ،‬ولكن لو أن اللعه كعان قعد قعرر أنعه يمعوت‬
‫فسوف يموت‪ ،‬سواء أخاذ العدواء أو لعم يأخاعذ منعه علعى‬
‫الطلقا‪.‬‬
‫ل شععك إن مععن يقععول مثععل هععذا الكلم ليععس إل مجنونععا ا أو‬

‫‪83‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪84‬‬

‫ساذجااا‪ .‬وأنا على يقيععن إنععه ل يوجاععد مععن يتصععرف مثععل هععذه‬
‫التصرفات السخيفة‪ .‬نعم‪ ،‬وفي أمور الله أيضا ا ل يوجاد عاقععل‬
‫يقول‪ :‬إنني لن أومن بالمسيح لني خاععائف مععن أن أكععون غيععر‬
‫مختار‪ .‬وأنا أميل إلى العتقاد بأن قائل هذه الحجة الخائبة هو‬
‫شخص يريد أن يعيش فعي النجاسعة والشععر‪ ،‬وكلمععه هعذا هعو‬
‫محاولععة منععه لتضععليل ضععميره وإفسععاده علععى مبععدأ أن حجععة‬
‫سخيفة أفضل من ل شيء‪ ،‬وأن محععاورة غبيععة أفضععل مععن أن‬
‫يقف المرء صامتا ا عن الكلم!‬

‫ل تضييع فرصتك العظمى‬


‫أيها الصديق العزيز إن كل مععن أتععى إلععى المسعيح جاععاء إليععه‬
‫بشعور أنه خااطئ هالك‪ ،‬فنال الخلصا والحيععاة‪ ،‬وليععس بشعععور‬
‫أنه مختعار وصعاحبَ حعق‪ ،‬ويطُلعبَ ص رف الشعيك الخ اصا بعه‪.‬‬
‫لذلك ل داعي أن تض يع فرصعتك بمماحكعات الكلم‪ ،‬المعر غي ر‬
‫النافع‪ .‬ل تعلل نفسك بأنك إذا كنت مختارا ا فإن الله سيأتي بك‬
‫حتما ا إليه‪ ،‬أو بلغة أكثر صراحة‪ :‬سععيأتي اللععه إليععك‪ ،‬يرجاععوكا أن‬
‫تقبل دعوته‪ ،‬حتى ل توقعه في ورطة! دعني أقول لك إنععك إن‬
‫فكرت هكذا تكون في وهععم قاتععل‪ ،‬فععأنت خاععاطئ هالععك‪ ،‬وفععي‬
‫أمس الحتياج إلععى المخلععص‪ ،‬والمسععيح هععو مخلصععك الوحيععد‪،‬‬
‫وليععس بأحععد غيععره الخلصا‪ .‬فلمععاذا تععدمر بيععديك القنطُععرة‬
‫الوحيدة التي توصلك إلى بر المان والسعادة إلى أبد البدين؟‬
‫إنك لن تخلص أيها القارئ العزيز باعتباركا مختاراا‪ ،‬بععل‬

‫‪84‬‬
‫‪85‬‬ ‫الشرار وحقيقة الخاتيار‬

‫باعتباركا خااطئاا‪ .‬فإن أتيت إلى المسيح كخععاطئ فهععو حتمععا ا‬


‫سيرحبَ بك‪.‬‬
‫وكما ذكرت في البداية‪ :‬ل يتكلم الكتاب المقععدس للخطُععاة‬
‫عن الخاتيار‪ .‬فالخاتيار شأن من شععؤون العائلععة‪ ،‬وسععر مجيععد‬
‫يتحععدث بععه اللععه إلععى أحبععائه الععذين اخاتععارهم‪ .‬أمععا المبشععر‬
‫فيتحععدث إلععي النفععوس الهالكععة برسععالة التوبععة‪ .‬لععذلك فععإن‬
‫الرسول بولس عندما ذهبَ إلععى أثينععا لععم يقععل لحكمائهععا فععي‬
‫أريوس باغوس إن الله اخاتار بعضا ا منهععم‪ ،‬بععل قععال لهععم بكععل‬
‫وضوح »الله الن يأمر جاميع الناس في كل مكععان أن يتوبععوا«‬
‫)أع ‪ .(30:17‬وإن لعم يتوبعوا فجميعهععم حتمعا ا سععيهلكون )لعو‬
‫‪.(3،5 :13‬‬
‫الكتععاب المقععدس واضععح تمامععا ا فععي أن أمععام النسععان‬
‫اخاتيارين‪ :‬إيما يتوب فيخلص‪ ،‬وإيمععا يظععل فععي خاطُايععاه ويهلععك‪.‬‬
‫هذا المر واضح من كلمات الرسول بطُرس أن الله »ل يشععاء‬
‫أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة« )‪2‬بط ‪.(9 :3‬‬
‫إذا ا فإما التوبة وإما الهلكا‪ :‬هذا أو ذاكا‪.‬‬
‫أيها النسان الخاطئ إنععك إذا هلكععت فعلععى رأسععك وحععدكا‬
‫سيقع الوزأر‪ .‬إن ضميركا يقول لك كذلك‪ ،‬وكلمة الله تؤكد لععك‬
‫ذلك‪ .‬ولن يكون في وسعك يوم الدينونة أن تلقي التبعععة علععى‬
‫أي شخص آخار سوى نفسك‪ .‬في مثل عععرس ابععن الملععك لمععا‬
‫دخال الملك لينظر المتكئين رأى إنسانا ا لعم يكعن لبسعا ا لب اس‬
‫العرس‪ ،‬فقال له الملععك‪» :‬يعا صعاحبَ‪ ،‬كيعف دخالعت إلععى هنعا‬

‫‪85‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪86‬‬

‫وليس عليك لبععاس العععرس؟ فسععكت« )مععت ‪ .(13 :22‬لععم‬


‫يستطُع هععذا البععائس أن يعطُععي أي جاععواب‪ ،‬ول كععان عنععده أي‬
‫تبرير لحماقته هذه أمام الملك‪ .‬وهكععذا لععن يقععدر الشععرير أن‬
‫يبرر نفسه قدام الله‪ .‬نعم لن يقدر أن يحتج قائ ا‬
‫ل‪ :‬لقد عيينتني‬
‫للهلكا‪ ،‬ومععا كععان فععي إمكععاني أن أغيععر حععالي مهمععا قمععت‬
‫بمحاولت‪.‬‬
‫وإنععي أقولهععا لكععل مععن يهمععل الخلصا بحجععة أنععه إن كععان‬
‫مختارا ا فسيأتي الله به حتما ا إليه‪ ،‬نعم أقول لمثال هؤلء‪ ،‬بكل‬
‫محبة وصراحة‪ :‬إنك إذا هلكت فذلك لنك انتحرت أبدياا‪.‬‬

‫ل مجال للقنوط أيها البعيد‬


‫ل ينبغي أن ينزعج الخاطئ بيتعاة معن حقيقعة الخاتيعار‪ .‬نععم‬
‫أكرر قائ ا‬
‫ل‪ :‬ل مجال للقنوط أيها الخععاطئ البعيععد‪ .‬لكععن ليععس‬
‫شر بسببَ حقيقة الخاتيار‪.‬‬
‫فقط ل داعي للقنوط‪ ،‬بل تشجع وأب ِ‬
‫إن حقيقععة الخاتيععار مععن شععأنها أن تملكا بالمععل والرجاععاء‪ ،‬ل‬
‫باليأس والقنوط‪ .‬فماذا لو قلععت لععك إن اللععه لععم يعي يعع ن أحععدا ا‬
‫للحياة البدية؟ أ ليس من شأن هذا أن يملكا بععالفزع ويجعلععك‬
‫ل‪“ :‬إذا ا كيعف يمكننعي أنعا أن أخالعص‪،‬‬
‫تعقد يديك في يعأس قعائ ا‬
‫حيث إن الله لم يخلتر أحداا؟”‪ .‬لكنني على العكس أقععول لععك‪:‬‬
‫هناكا جاماهير ل يتحصى من المختارين‪ ،‬ليس بوسع مخلععوقا أن‬
‫دهم‪ .‬لذلك تشجع أيها الخاطئ‪ .‬اطرح عنك اليأس‪ ،‬فلماذا‬ ‫ي لعي ي‬
‫ل تكون أنت واحدا ا من هؤلء المختارين؟‬

‫‪86‬‬
‫‪87‬‬ ‫الشرار وحقيقة الخاتيار‬

‫لكن ليس فقط تشجع‪ ،‬بل لمععاذا ل تععذهبَ وت يجععيرب؟ بدايععة‬


‫أقول ‪ :‬إنك إن لم تكن مختارا ا فلن تخسر شيئاا‪ .‬أل يذكرنا هععذا‬
‫بما سجله لنا الكتاب المقدس في ‪ 2‬ملوكا ‪ 7‬حيث يخبرنا عععن‬
‫الرجاال اليبرصا الربعععة الععذين ذهبععوا إلععى العععداء لنهععم قععالوا‬
‫»هلم نسقط إلى محلة الرامييععن‪ .‬فععإن اسععتحيونا حيينععا‪ ،‬وإن‬
‫قتلونا متنا« )‪2‬مل ‪ .(4 :7‬لقععد كععان هنععاكا أمععل لهععم لععو أنهععم‬
‫ذهبوا لعدائهم‪ ،‬بينما لم يكن لهم أي أمل لو لبثوا في مكععانهم‪.‬‬
‫لهععذا فععإني أقععول لععك أيهععا الخععاطئ‪ :‬تعععال إلععى عععرش نعمععة‬
‫الخاتيار‪ ،‬فأنت ستموت وتهلععك حتمععا ا حيععث أنععت‪ .‬اذهععبَ إلععى‬
‫الله‪ .‬وافرض أنه رفضك وطععردكا مععن محضععره ‪ -‬وهععو شععيء‬
‫مستحيل تماما ا بحكم نصوصا الوحي ‪ -‬فمععا الععذي ستخسععره؟!‬
‫أنت لن تصبح أشد بؤسا ا مما أنت عليه الن‪ .‬ثم حتى لو هلكت‬
‫فستكون لك تعزيعة نسعبية ف ي جاهن م‪ ،‬إذ س يكون بوسععك أن‬
‫ترفع عينيك هنععاكا وتقععول للععه لقععد طلبععت الرحمععة منععك ولععم‬
‫تعطُني إياها؛ لقد أتيت إليك ورفضتني‪ .‬لكن ثق أنك لعن تقعول‬
‫هذا قط‪ ،‬لنك لو ذهبت إليه طالبا ا مراحمه‪ ،‬فإنك حتما ا سععتنال‪،‬‬
‫إذ إنه لم يرفض أحدا ا قط‪ .‬نعم يستحيل أن يأتي النسععان إلععى‬
‫الله‪ ،‬والله يقول له‪“ :‬أنا ل أريعدكا‪ ،‬ولس ت مسعتعدا ا لقبولعك”‪.‬‬
‫ي ل أخارجاععه خاارجاععاا« )يععو‬
‫ن ييقبععل إلعع ي‬
‫بععل إن الععرب يقععول »لمعع ب‬
‫ن ييرد فليأخاذ ماء حياة مجانععاا« )رؤ‬ ‫‪.(37 :6‬عع ويقول أيضا ا »ولم ب‬
‫‪.(17 :22‬‬

‫‪87‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪88‬‬

‫محاجاة مع المعترضين‬
‫يقول البعض إن التعليعم القائعل إن الخلصا هعو معن العرب‬
‫وحده‪ ،‬من شأنه أن يمل قلبَ البشر بالحباط‪ ،‬وينزع كل تعزية‬
‫في الكتاب المقدس من أمعام النفعوس الباحثعة ععن الخلصا‪.‬‬
‫لكععن دعنععي أؤكععد أن هععذه الحقيقععة المجيععدة ل تتعععارض مععع‬
‫حقائق الكتاب المعزية والواضحة في كلمة الله علععى الطلقا‬
‫مثل‪» :‬تعالوا إلععي يععا جاميععع المتعععبين والثقيلععي الحمععال وأنععا‬
‫أريحكم« )مت ‪:11‬عع ‪(28‬؛ »أيها العطُاش جاميعععا ا هلمععوا إلععى‬
‫الميعاه‪ ،‬والعذي ليعس لعه فضعة‪ ،‬تععالوا اشعتروا وكلعوا‪ ،‬هلمعوا‬
‫اشععتروا بل فضععة وبل ثمععن« )إش ‪:55‬عع ‪(1‬؛ »مععن يعطُععش‬
‫فليأتي‪ ،‬ومن يرد فليأخاذ ماء حياة مجاناا« )رؤ ‪.(17 :22‬‬
‫ويعترض بعضهم على سلطُان الله في اخاتيار بعععض النععاس‪.‬‬
‫لكني أقول لذلك المعترض‪ :‬إن كنت تحبَ حياة التقوى وتشتاقا‬
‫مخلصا ا إليها‪ ،‬فاطلبها من الله وأنت حتما ا سععتنالها‪ .‬أمععا إذا لععم‬
‫تكن تحبَ ول ترغبَ في ذلك‪ ،‬فأي حق لك أن تقععول‪ :‬إنععه كععان‬
‫يجبَ‪ ،‬لكي يكون الله عاد ا‬
‫ل‪ ،‬أن يعطُيك ما ل ترغبَ أنععت نفسععيك‬
‫فععي الحصععول عليععه؟! إن كنععت تبععالي بغفععران خاطُايععاكا‪ ،‬وأن‬
‫تكون لك الروح المستقيمة‪ ،‬وأن تحيععا حيععاة القداسععة‪ ،‬وتتمنععى‬
‫صادقا ا أن تكون مختارا ا لهذه المور‪ ،‬فتعال فععورا ا فععأنت مختععار‬
‫لهذه كلها‪ .‬ولكن إن لم يكن كذلك‪ ،‬فلماذا تعترض؟ إنك تعتععبر‬
‫هذه المور تافهة ومضيعة للوقت‪ ،‬فكيف تعترض على اللععه أنععه‬
‫ظلمك إذا أعطُى هذه المور للمختارين؟ أما إذا كنت ترى أنهععا‬

‫‪88‬‬
‫‪89‬‬ ‫الشرار وحقيقة الخاتيار‬

‫أمور حسنة واشعتهيت صعادقا ا أن تكععون لععك‪ ،‬فإنهععا فعل ا معععدة‬


‫وجااهزة لك‪ ،‬فخذها من الله فورا ا فإنه يعطُععي بسععخاء كععل مععن‬
‫يريد‪ .‬أما إذا لم تكن ترغبَ فيها‪ ،‬فمن أنت الذي تريد أن تنسبَ‬
‫الخطُأ إلى الله‪ ،‬إذا كانت إرادتك المنحرفة عن الله تبعععدكا عععن‬
‫امتلكا هذه المور المجيدة؟‬
‫لكني أسمعك تقول‪“ :‬أنععا ل أفكععر هكععذا‪ ،‬بععل المشععكلة أن‬
‫الله اخاتععار أناسععا ا للسععماء‪ ،‬وآخاريععن لجهنععم”‪ .‬أجايبععك أن هععذا‬
‫المر يختلف تمامعا ا ععن تعليعم النجيعل وإعلن العوحي‪ ،‬العذي‬
‫يعلم صراحة أن الله اخاتار أناسا ا ليعيشوا معععه عيشععة التقععوى‬
‫والقداسععة‪ .‬هععؤلء يعيشععون مععع اللععه هععذه العيشععة السعععيدة‬
‫والممتعة هنا‪ ،‬كما سيعيشونها في صورة أكععثر روعععة وإمتاعععا ا‬
‫هناكا في السماء‪.‬‬
‫ثمة شيء آخار أحبَ أن أسععجله هنععا‪ ،‬وهععو أن اللععه ل ييغل لععبَ‬
‫أبدا ا‪ ،‬بل هو دائما ا يتمجد‪ .‬فإذا آمن النسان وجااء إليععه متضعععا ا‬
‫تائبا ا نادما ا فسيتمجد الله في خالصه‪ ،‬وإذا رفض فسيتمجد الله‬
‫في هلكه‪ .‬فمشيئة الله أن ل يهلك أحد )‪2‬بععط ‪ ،(9 :3‬بععل أن‬
‫يرجاع عن طريقه الرديئة ويحيععا )حععز ‪ .(23،32 :18‬ولكععن إذا‬
‫قاوم النسان مشيئة الله فإن اللععه لععن ييغل لععبَ أبععداا‪ .‬سععيتمجد‬
‫ب النسان وخالص‪ ،‬وسيتمجد أيضا ا إن لم يتبَ وهلك‪.‬‬
‫الله إذا تا ل‬
‫اللععه العظيععم سععيتمجد فينععا عنععدما نععذهبَ لنكععون معععه فععي‬
‫السععماء‪ ،‬وسععيتمجد فععي الشععرار وهععم فععي جاهنععم يقاسععون‬
‫العععذاب البععدي‪ .‬فععالله رابععح فععي الحععالتين‪ ،‬ول بععد أن يكععون‬

‫‪89‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪90‬‬

‫رضا ا‬
‫كذلك‪ .‬نعم إنه رابح في الذين يخلصون حيث سنكون لمع ِ‬
‫لحكمته ولنعمته عندما »ييظِهر في الدهور التية غنععى نعمتععه«‬
‫)أف ‪ .(7 :2‬كما أنه بالنسبة أيضا ا للخاطئ الذي رفض التوبة‪،‬‬
‫لنه يحبَ الخطُية‪ ،‬سيتمجد الله أيضا ا في هلكه‪.‬‬

‫الخلصة‬
‫الخلصا هو من النعمة الغنية المجانيععة وحععدها‪ .‬والهلكا هععو مععن‬
‫الخطُية والستحقاقا البشري وحدهما‪ .‬الخلصا هو من الله‪ ،‬مععن‬
‫اللف إلى الياء‪ ،‬ول فضل لمن خالصععوا علععى الطلقا‪ ،‬أمععا الهلكا‬
‫والدينونة فإنهما من النسان ل من الله‪ ،‬وكل من يهلك فععإن دمععه‬
‫مععن يععده ييطُلععبَ‪ .‬ويمكععن القععول إن جاهنععم ليسععت فقععط مكانععا ا‬
‫يستحقه الخاطئ‪ ،‬بل إنه مكان اخاتاره لنفسه كل من رفععض ابععن‬
‫الله وقبول إنجيل النعمة‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫ت‬
‫ت يعقوب وأبغض ي‬
‫عيسو‬
‫أحبب ي‬
‫‪8‬‬
‫ل شك أن حقيقة الخاتيار تتضمن العديد من العقبات الععتي‬
‫يصععطُدم بهععا عقععل النسععان الطُععبيعي‪ .‬وواحععدة مععن تلععك‬
‫العقبععات هععي اليععة الععتي فععي عنععوان هععذا الفصععل »أحببععت‬
‫يعقوب‪ ،‬وأبغضت عيسو«‪.‬‬

‫يقول الرسول في رومية ‪» 13-11 :9‬لنهما وهما لم يولدا‬


‫بعععد‪ ،‬ول فعل خايععرا ا أو شععراا‪ ،‬لكععي يثبععت قصععد اللععه حسييب‬
‫الخاتيار‪ ،‬ليس من العمال بل من العذي ي دعو‪ ،‬قي ل لهعا إن‬
‫الكععبير يسععتعبد للصععغير‪ ،‬كمععا هععو مكتععوب‪ :‬أحببععت يعقععوب‬
‫وأبغضت عيسو«‪.‬‬

‫هععذه اليععة تعتععبر فععي نظععر الكععثيرين بمثابععة حجععر صععدمة‬


‫وصخرة عثرة‪ ،‬يرتبك فكرهم إزأاءهععا ويتحيععر‪ .‬وعنععدما أبععدت‬
‫سيدة حيرتها من هذه الية للواعظ الشهير مسععتر سععبرجاون‪،‬‬
‫سألها الواعظ المشهور ما هععو الجععزء الععذي يحيرهععا؟ أجاععابته‬

‫‪57‬‬
‫الجزء الذي يقول إن الله أبغض عيسععو‪ .‬رد عليهععا سععبرجاون‪:‬‬
‫يا سعيدتي هعذا بالنس بة لعي ل يمثعل مشعكلة‪ ،‬إنمعا المشعكلة‬
‫عندي والتي ل أدري لها ح ا‬
‫ل‪ ،‬هي لماذا أحبَ الله يعقوب؟‬

‫«‬ ‫معنى »أبغضت عيسو‬


‫وليمكننا فهم هذه العبععارة المحيععرة لكععثيرين ‪ ،‬يلزمنععا فععي‬
‫البداية أن نؤكد عدة أمور هامة‪:‬‬
‫‪ -1‬أن البغضة في هذه الية‪ ،‬شأنها شأن آيات كثيرة أخاععرى‬
‫فععي الععوحي‪ ،‬تعنععي بحسععبَ الصععطُلح العععبري عععدم‬
‫التفضيل‪ .‬فمثلا يقول الكتععاب إن يعقععوب أحععبَ راحيععل‬
‫أكثر من ليئة‪ .‬ثم يقععول بعععد ذلععك »رأى الععرب أن ليئععة‬
‫مكروهة ففتح رحمها« )تك ‪ .(31 ،30 :29‬الكتاب إذا ا‬
‫أوضح أن يعقوب أحبَ كل ا من راحيل وليئة‪ ،‬إل أنه أحععبَ‬
‫راحيععل أكععثر‪ ،‬فمععن هععذا المنطُلععق اعيتععبرت ليئععة أنهععا‬
‫مكروهة‪ .‬وفي نفس العظة التي حرضععنا المسععيح فيهععا‬
‫أن نحععبَ حععتى العععداء‪ ،‬قععال‪» :‬ل يقععدر أحععد أن يخععدم‬
‫سيدين‪ ،‬لنه إما أن يبغض الواحععد ويحععبَ الخاععر« )مععت‬
‫‪ ،(24 :6‬البغضة هنا تعني أنه يفضل الخاععر عليععه‪ .‬وهععو‬
‫نفس المعنى الذي قصده الرب في لوقا ‪ 26 :14‬عنععدما‬
‫قال إن على التلميذ أن يبغعض أبعاه وأمععه‪ ،‬فلقععد يذكعرت‬
‫الية نفسها في متى ‪» 37 :10‬من أحبَ أبا ا أو أمععا ا أكععثر‬
‫منعي فل يسعتحقني«‪ .‬فععي كعل اليععات السعابقة كععانت‬

‫‪58‬‬
‫‪59‬‬ ‫أحببت يعقوب وأبغضت عيسو‬

‫البغضة تعني عدم التفضيل‪ ،‬وأن يحت ي‬


‫ل الشخص المرتبة‬
‫فضل يعقوب على‬ ‫ي‬ ‫الثانية‪ .‬وعليه فإن آيتنا تعني أن الله‬
‫عيسععو‪ ،‬وهععذا طبعععا ا مععن سععلطُان اللععه المطُلععق الععذي‬
‫ناقشناه في الفصل الثاني‪.‬‬
‫‪ -2‬أن هععذه المحبععة وهععذه البغضععة ل علقععة لهمععا البتععة‬
‫بالخاتيار الزألي أو المستقبل البدي‪ ،‬بل إن الفصل كلععه‬
‫)رو ‪ ،(9‬باسععتثناء ع ‪ 23‬منععه‪ ،‬ل يتحععدث عععن البركععات‬
‫عه أن اللععه اخاتععار إبراهيععم‪ ،‬وإسععحاقا‪،‬‬
‫البدية‪ ،‬بل موضو ي‬
‫ويعقوب لبركات زأمنية أرضععية‪ ،‬ل دخاععل لهععا بقصععد اللععه‬
‫البدي تجاه هؤلء الشخاصا‪ ،‬بالنسبة لوصولهم السععماء‬
‫أو عدمه‪ .‬فهذه المحبة وهذه البغضة لهما فقععط علقععة‬
‫بأعمالهما‪ ،‬ومن ثم بوضعهما على الرض‪.‬‬
‫‪ -3‬مع أن غلة الكلفينيين يقولون إن الله أبغض عيسو قبل‬
‫أن يولد‪ ،‬فمن المهم أن نلحظ أن الله لم يقل هذا الكلم‬
‫مقدماا‪ ،‬بل قاله بعد موت كل من يعقوب وعيسو بحوالي‬
‫‪ 1400‬سنة )كما سنوضح بعد قليل(‪ .‬ولئن أمكننا القول‬
‫بأن الله أحبَ يعقوب من البدايععة‪ ،‬فمععن المؤكععد أنععه لععم‬
‫يشر إلى بغضته لعيسو إل في آخار أسفار العهععد القععديم‪،‬‬
‫بعد أن أظهر عيسو عداوة لله ولفكاره‪ .‬وفععي هععذا تععرد‬
‫كلمات أليهو عن الله »هوذا الله عزيععز )قععوي(‪ ،‬ولكنععه ل‬
‫يرذل أحداا« )أي ‪ .(5 :36‬وعليه فليس من المنطُق أن‬
‫نقول إن أدوم ‪ -‬كشعبَ ‪ -‬تصرف بشراسة ضد إسععرائيل‬

‫‪59‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪60‬‬

‫لن الله أبغضه‪ ،‬بل أن اللععه أبغععض هععذا الشعععبَ بسععببَ‬


‫أعماله الشريرة‪ ،‬وقسوته مع أخايه )انظر نبععوة عوبععديا(‪.‬‬
‫فلو أن عيسو أو الشعبَ الدومي أطععاعوا اللععه وعبععدوه‪،‬‬
‫فإنه حتما ا ما كان أبغضهم بععل كععان أحبهععم‪ ،‬حععتى لععو لععم‬
‫يكونوا من المختارين لبركات أرضية أو زأمنية‪.‬‬

‫سلطُان الله وعدله‬


‫نعود إلى اليات ‪ 13-11‬من رومية ‪ .9‬فهنا نجد اقتباسين‬
‫من العهد القديم‪ :‬القتباس الول جاععاء فععي أول أسععفار العهععد‬
‫القديم )سفر التكوين(‪ ،‬والقتباس الثاني مععن آخاععر سععفر فيععه‬
‫)نبععوة ملخاععي(‪ .‬اليععة الولععى »قيععل لهععا‪ :‬إن الكععبير يسععتعبد‬
‫للصغير«‪ ،‬وهذا يؤكد سلطُان الله‪ .‬أمععا اليععة الثانيععة »أحببععت‬
‫يعقوب وأبغضت عيسو«‪ ،‬فلم تكن قبل أن يولععدا‪ ،‬بععل بعععد أن‬
‫ولدا وعاشا وماتا‪ ،‬ومر على موتهما نحو ‪ 1400‬سنة‪.‬‬
‫الله ذو سلطُان‪ ،‬ول ينكر سلطُان اللععه سععوى مععن ل يعععرف‬
‫الله ول يعرف الكتاب‪ .‬وهو بصفته صاحبَ السلطُان المطُلععق‬
‫قال لرفقة »في بطُنك أمتعان‪ ،‬ومعن أحشعائك يفعترقا ش عبان‪.‬‬
‫شعبَ يقوى على شعبَ‪ ،‬وكبير يستعبد لصغير« )تععك ‪،(23 :25‬‬
‫لكنه لم يقل لها مطُلقا ا قبل أن يولدا »أحببت يعقوب وأبغضععت‬
‫عيسو«‪ ،‬كل‪ ،‬بل قال هذا بعدما أثبت عيسو عداوته ليعقوب‪ ،‬بل‬
‫عداوته لله أيضاا‪ ،‬كما أثبت استخفافه بكل المقدسععات اللهيععة‪:‬‬
‫احتقاره لبركة الله‪ ،‬ولدعوة الله‪ ،‬وتبرهنت فيه كلمععات الععوحي‬

‫‪60‬‬
‫‪61‬‬ ‫أحببت يعقوب وأبغضت عيسو‬

‫»لئل يكععون أحععد زأانيععا ا أو مسععتبيحا ا كعيسععو« )عععبَ ‪.(16 :12‬‬


‫فلقد كان يريد الخطُية ويريد البركة‪ ،‬فلما أراد أن يععرث البركععة‬
‫يرفض‪ ،‬إذ لم يجد للتوبة مكانا ا مع أنه طلبهعا )أي طلعبَ البركعة(‬
‫بدموع‪ .‬فل يمكن مطُلقا ا الجمع بين البركة والخطُية‪ .‬هذا هععو‬
‫المستحيل بعينه‪.‬‬
‫نعععود للحيععرة الععتي ذكرتهععا السععيدة لمسععتر سععبرجاون‪.‬‬
‫فكثيرون نظير هذه السيدة يتحيرون من قععول الععوحي إن اللععه‬
‫أحبَ يعقوب وأبغض عيسو‪ .‬وهؤلء مشععكلتهم أنهععم يحععاولون‬
‫الجاابة عن هعذين السعؤالين مععا ا‪ :‬لمعاذا أح بَ اللعه يعقعوب؟‬
‫ولماذا أبغض عيسو؟ لكن في الواقع تستحيل علينا الجاابة عن‬
‫السؤالين معاا‪ ،‬لن الحيثيات التي دععت للولعى مختلفعة تمامععا ا‬
‫عن الحيثيات التي دعت للثانية‪ .‬لععذلك دعنععا نجععاوب عععن كععل‬
‫سؤال من هذين السؤالين على حدة‪.‬‬

‫لماذا أحبَ الله يعقوب؟‬


‫والجاابة عن هذا السؤال ليسععت مسععتحيلة علينععا حيععث إن‬
‫الرب قععد قالهععا بنفسععه‪» :‬ليععس مععن كععونكم أكععثر مععن سععائر‬
‫الشعوب التصق الرب بكم واخاتععاركم‪ ،‬لنكععم أقععل مععن سععائر‬
‫الشعوب‪ ،‬بععل مععن محبععة الععرب إيععاكم وحفظععه القسععم الععذي‬
‫أقسم لبائكم« )تث ‪ ،(7،8 :7‬وأيضا ا »ل من أجالكم أنععا صععانع‬
‫يقول السيد الرب‪ ،‬فليكن معلوما ا لكم‪ .‬فاخاجلوا واخاععزوا مععن‬
‫طرقكم يا بيت إسرائيل« )حز ‪ .(32:36‬فل يعقوب كشخص‪،‬‬

‫‪61‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪62‬‬

‫ول ذريته كشعبَ‪ ،‬يستحقون المحبة فععي أشخاصععهم‪ ،‬بععل كمععا‬


‫ل«‪ .‬لقععد أحبهععم‬‫قال الرب في هوشع ‪» 4 :14‬أنا‪ ..‬أحبهم فض ا‬
‫الله إذا ا من مطُلق نعمته‪.‬‬
‫ونستطُيع أن نتيقن من دراسععتنا للكتععاب المقععدس إنععه لعم‬
‫يكن في يعقوب على الطلقا ما يجعل الله يحبه‪ ،‬بل كان‬
‫فيه كل ما من شأنه أن يجعل الله يبغضه‪ ،‬تماما ا كما فعل‬
‫مع عيسو‪ ،‬بل ربما أكثر‪ .‬فأن يستغل يعقوب أخااه استغللا ا‬
‫سيئا ا‪ ،‬ويبيعه طبق عععدس بالبكوريععة‪ ،‬لهععو أمععر رديععء‪ ،‬أمععا أن‬
‫يسرقا البركة ويغش أباه ويكذب عليه فهذا أسععوأ بكععل يقيععن‪.‬‬
‫ثم تأمله بعد أن هرب من بيت أبيه‪ :‬تأمله في تكععوين ‪ 28‬وهععو‬
‫يساوم الله‪ ،‬وتأمله في تكوين ‪ 32‬عندما أراد الله أن يخلصععه‬
‫من المكر والخداع‪ ،‬ويجعل منه أميرا ا مع الله‪ ،‬ومع ذلععك كعذب‬
‫على أخايه عيسو مععرة أخاععرى )تععك ‪ .(16-12 :33‬وعليععه فععإن‬
‫يعقوب أخاذ البركة ليس لكونه أهل ا لها‪ ،‬بل أخاذها مععن مطُلععق‬
‫نعمة الله وحدها‪ .‬وإن من يقرأ تاريععخ يعقععوب‪ ،‬كمععا جاععاء فععي‬
‫سفر التكوين يدركا تماما ا أننا لم نكن قساة عليه لما قلنععا إنععه‬
‫لم يكن فيه قط ما يستحق محبة الله له‪.‬‬
‫هذا يأتي بنا إلى السؤال الثاني‪:‬‬

‫لماذا أبغض الله عيسو؟‬


‫كما ذكرنا قبل ا فععإن الحيثيععات الععتي دععت اللعه لبغضععة عيسعو‬

‫‪62‬‬
‫‪63‬‬ ‫أحببت يعقوب وأبغضت عيسو‬

‫مختلفة تماما ا عن الحيثيات التي دعته ليحبَ يعقوب‪ .‬فععإذا كععانت‬


‫محبة الله ليعقوب يرجاععع السععببَ فيهععا للععه‪ ،‬فععإن البغضععة لعيسععو‬
‫يرجاع أسبابها إلى عيسو نفسه )قارن مع تثنية ‪.(5 :9‬‬
‫ولنستعِد ب معا ا قصة عيسو من البداية كما صععورها لنععا سععفر‬
‫التكوين ابتداء من أصععحاح ‪ ،25‬فهععي قصععة مليئععة بالمآسععي‪.‬‬
‫لقد خاسر عيسو البكورية‪ ،‬ول يلومن أحد الله على ذلك‪ ،‬فلقععد‬
‫باعها عيسو بكامل إرادته ووعيه‪.‬‬
‫حقا ا ل يقدر عيسو أن يقول إنه خاسر البكورية لن الله أراد‬
‫له ذلك‪ ،‬أو أن قضاء الله وقدره هما المسععؤولن‪ .‬كل‪ ،‬فليععس‬
‫لقدلر الله بل ِقدبر العدس‪ .‬ول أقول ِقدر العدس‪ ،‬فالثمن الععذي‬
‫به باع بكوريته لم يكععن قععدرا ا مععن العععدس‪ ،‬بععل مجععرد “طبععق‬
‫عدس”!‬
‫صحيح يعقوب أخاذ البكورية بقضاء الععرب‪ ،‬أمععا عيسععو فقععد‬
‫خاسرها لنععه باعهععا‪ ،‬وقبععض ثمنهععا صععحنا ا مععن طبيععخ العععدس‪،‬‬
‫التهمه في لحظة نشوة وشره‪ .‬أ يقدر أن ينكر ذلك؟ أ ليست‬
‫هي الصفقة التي عقدها مع أخايه‪ ،‬وسععاقا لهععا مععن السععباب –‬
‫كيما يبرر نفسه ‪ -‬قائل ا »ها أنا ما ر‬
‫ض إلععى المععوت‪ ،‬فلمععاذا لععي‬
‫بكورية؟« )تك ‪.(32 :25‬‬
‫وهععذا البععائس الععذي بععاع بكععوريته بطُبععق عععدس‪ ،‬ظععن أنععه‬
‫يحصل على البركة بأكلة أخارى أفضل يأكلها أبععوه مععن صععيده‪.‬‬
‫أولليس هذا عين ما يفكر فيععه الخععاطئ‪ .‬يقععول‪ :‬لقععد خاسععرت‬

‫‪63‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪64‬‬

‫السماء بأفعالي الردية‪ ،‬وسأستعيدها ثانيععة بأعمععال أفضععل‪ ،‬أو‬


‫بأن أزأور ذلك المكان‪ ،‬أو بععالكف عععن بعععض الخطُايععا‪ ،‬وبعمععل‬
‫بعععض الحسععنات‪ .‬هععذا مسععتحيل‪ .‬والخععاطئ المطُععرود مععن‬
‫محضر الله بسببَ أعماله‪ ،‬ل يقدر أن يعود إلى محضر الله من‬
‫جاديععد إل علععى أسععاس مختلععف تمامععاا‪ ،‬هععو النعمععة المطُلقععة‪.‬‬
‫بالعدل خاسر الخاطئ نفسه‪ ،‬وبالنعمة وحدها يربحهععا‪ :‬النعمععة‬
‫اللهية الغنية التي قدمت المسيح فدية عن خاطُايانا‪.‬‬
‫وقد يظن واحد أن عيسو لما بكى أمععام إسععحاقا أبيععه كععان‬
‫تائبا ا حقيقياا‪ .‬أبدا ا! أ تعرف مععاذا أراد ذلععك التععائبَ النععادم أن‬
‫يفعل لما رأى أنه فشل في الحصول على البركة؟ لقد قععال‪:‬‬
‫»قربت أيام مناحة أبي‪ ،‬فأقتل يعقوب أخاي« )تك ‪.(41 :27‬‬
‫لقد خااف عيسو أباه ولكن لععم يكععن خاععوف اللععه أمععام عينيععه‪.‬‬
‫فهل تستغرب القول إنه إن كان الله قد أبغععض عيسععو فععذلك‬
‫لنه يستحق البغضة؟‬
‫ثم ماذا عن تاريخ نسل عيسو السييئ؟ إنهم هم أيضا ا نظير‬
‫أبيهم بالتمام‪ .‬فمع أننا ل نقرأ في الكتاب المقدس عن أوثان‬
‫لشعععبَ أدوم‪ ،‬فإننععا أيضععا ا ل نقععرأ عععن اللععه‪ .‬لقععد ظنععوا فععي‬
‫كبريائهم أنهم ليسوا فععي حاجاععة إلععى معبععود‪ ،‬بععل كععان إلههععم‬
‫ألهععوا ذواتهععم ناسععين اللععه‬‫بطُنهم‪ ،‬وذواتهم هي المعبود‪ .‬لقد ي‬
‫)عوبععديا ‪ ،(3‬فكععانت النتيجععة ظلمععا ا مععن جاهععة معرفععة اللععه‪،‬‬
‫وظلما ا من نحو النسان )عو ‪ 14-12‬قارن مز ‪14‬؛ ‪ .(53‬ثم‬
‫استمع إلى كلمععات الععرب فععي عععاموس ‪:1‬عع ‪» 11‬هكععذا قععال‬

‫‪64‬‬
‫‪65‬‬ ‫أحببت يعقوب وأبغضت عيسو‬

‫الرب‪ :‬من أجال ذنوب أدوم الثلثة والربعة‪ ،‬ل أرجاععع‪ ،‬لنععه تبععع‬
‫بالسيف أخااه وأفسد مراحمععه‪ ،‬وغضععبه إلععى الععدهر يفععترس‪،‬‬
‫وسخطُه يحفظه إلى البد«‪.‬‬
‫إيعه يعا عيسعو! إن تاريخعك الشخصعي وتاريعخ نسعلك فعي‬
‫الكتاب المقدس إنمععا هععو تاريععخ أسععود تمامععا ا‪ :‬نحععن ل ننسععى‬
‫عماليق حفيدكا‪ ،‬وذريته الذين قال الرب عنهم‪» :‬للرب حععرب‬
‫مع عماليق من دور إلى دور« )تك ‪12-9 :36‬؛ خار ‪16-8 :17‬؛‬
‫عد ‪ ،(20 :24‬ثم أجااج الذي جااء من عماليق )‪1‬صم ‪ ،(15‬ثععم‬
‫هامععان الرديععء مععن أجاععاج )إس ‪1 :3‬؛ ‪ ،(3 :8‬وأخايععرا ا عائلععة‬
‫الهرادسة في العهد الجديععد )الناجايععل وسععفر العمععال(‪ ،‬تلععك‬
‫العائلة المستبيحة والقاتلة! فبغضة الرب لععك هععي إذا ا بغضععة‬
‫بارة‪ ،‬ل يشوبها ذرة واحدة من الظلم‪.‬‬

‫الخلصة‬
‫ل من يعقوب وعيسو‪ ،‬وأيضا ا معع نسععليهما‪،‬‬ ‫في تعاملت الله مع ك ر‬
‫نجد أن الرب استخدم النعمة والعدل علععى التععوالي‪ ،‬وليععس عنععد‬
‫الله ظلم على الطلقا‪ .‬وهو مبدأ ينصرف علععى تعامععل اللععه مععع‬
‫جاميع البشر‪ .‬يمكن القععول إن اللععه تععركا عيسععو علععى مععا كععانه‪،‬‬
‫وعمععل يعقععوب مععا صععاره‪ .‬كمععا أن النعمععة جاعلععت مععن شعععبَ‬
‫إسرائيل شعبَ الله‪ ،‬أما عدله فتركا شعبَ أدوم غريبععا ا عنععه إلععى‬
‫البد‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫سى الرب قلبَ‬
‫لماذا ق ي‬
‫فرعون؟‬ ‫‪9‬‬
‫يشععتمل الصععحاح التاسععع مععن الرسععالة إلععى روميععة علععى‬
‫العديععد مععن العقبععات الععتي يصععطُدم بهععا النسععان المفكععر‪.‬‬
‫فبالضافة إلى المشكلة التي ناقشععناها فععي الفصععل السععابق‪،‬‬
‫نناقش في هذا الفصل مشكلة أخارى ترد أيضععا ا فععي روميععة ‪9‬‬
‫سى قلبَ فرعون؟‬
‫وهي‪ :‬كيف يقول الكتاب عن الله إنه ق ي‬

‫سلطُان الله في رومية ‪9‬‬


‫يقععع هععذا الفصععل العظيععم )رو ‪ (9‬فععي مجموعععة مععن ثلثععة‬
‫إصحاحات تناقش التوفيق بين خالصا الله المجاني بالنعمععة لكععل‬
‫البشر‪ ،‬كما أعلنه الرسول بولس فععي الصععحاحات السععابقة مععن‬
‫رسالة رومية‪ ،‬ومواعيد الله السابقة لليهود باعتبارهم شعبَ اللععه‬
‫المختععار قععديماا‪ .‬ويقععرر الرسععول بععولس فععي هععذا الفصععل أن‬
‫إسرائيل هم آخار الذين يمكنهم أن يعترضوا على مطُلق سععلطُان‬
‫الله‪ .‬فكيف تميععزوا هععم عععن الخاريععن؟ أ علععى أسععاس الععولدة‬

‫‪67‬‬
‫الجسععدية؟ كل‪ ،‬لنععه علععى هععذا الأسععاس فععإن كل ل مععن نسععل‬
‫إسماعيل ونسل عيسو أحق منهم‪ .‬أ فعلى أساس العمععال إذا ا؟‬
‫كل‪ ،‬فالعجل الذهبي على سعفح جابعل سعيناء‪ ،‬بععد خاروجاهعم م ن‬
‫أرض مصععر‪ ،‬يشععهد ضععدهم‪ .‬فكيععف إذاا؟ الجاابععة هععي مطُلععق‬
‫سلطُان الله‪ ،‬وهععو معا قعاله العرب لموسعى عنعد صعععوده للمعرة‬
‫الثانية فوقا جابل سيناء‪» :‬إني أتراءف على من أتععراءف‪ ،‬وأرحععم‬
‫مععن أرحععم« )خاععر ‪ .(19 :33‬وبمععا أن للععه سععلطُانا ا مطُلقععا ا فععي‬
‫إظهار الرحمة‪ ،‬فإن له الحق في إظهارها لمععن يريععد‪ ،‬وهععذا فتععح‬
‫باب النعمة للمم المساكين‪.‬‬
‫ويقرر الرسول في هذا الفصل العظيم )رومية ‪ (9‬مطُلععق‬
‫سلطُان الله في ثلث دوائر كالتي‪:‬‬
‫سعععلطُان اللعععه فييي الخاتيييار‪ :‬إذ اخاتعععار إسعععحاقا ل‬
‫إسماعيل‪ ،‬يعقوب وليس عيسو )ع ‪.(13-7‬‬
‫سلطُان الله في الرحمة‪ :‬فالشععبَ عنعدما أخاطُعأ فعي‬
‫حادثة العجل الذهبي‪ ،‬وحق عليهعم القضعاء والفنعاء فعإن‬
‫الععرب تععدخال بسععلطُانه فععي إظهععار الرحمععة لهععم )ع‬
‫‪.(14،15‬‬
‫سلطُان اللععه في القضيياء‪ :‬وهععو مععا أظهععره اللععه مععع‬
‫فرعون عندما قسى قلبه حععتى يقضععى عليععه عععدل ا لأنععه‬
‫يستحق )ع ‪ ،(17‬وهو ما سنناقشه في هذا الفصل‪.‬‬
‫نعود إلى مشععكلتنا‪ :‬كيععف يقسععى اللععه قلععبَ فرعععون؟ ومععن‬
‫المهم أن نعرف أول ا‬

‫‪68‬‬
‫‪69‬‬ ‫لماذا قسى الرب قلبَ فرعون‬

‫من هو فرعون هذا؟‬


‫إنه ملك كافر ومتبجح وقععاسر‪ .‬وكععان هععذا الشععبل )خاععر ‪(5‬‬
‫من ذاكا السد‪ :‬قاتل صععبيان العععبرانيين )خاععر ‪ .(16 :1‬بععل إن‬
‫كر أن يستأسعد علعى اللعه نفسعه‪ ،‬ل علعى ش عبه‬ ‫الشبل هذا ف ي‬
‫فحسبَ‪ .‬أ نستكثر أن يقضي الله عليععه‪ ،‬وأن يخل يععص البشععرية‬
‫دى الله‪ ،‬وكان ل بد‬
‫من أذاه‪ ،‬ويطُهر الرض من أمثاله؟ لقد تح ي‬
‫أن ينال جاععزاءه العععادل‪،‬لنععه »مععن تصععلبَ عليععه فسععلم« )أي‬
‫‪(4 :9‬؟‬
‫لقد أعطُى الله مركزا ا كبيرا ا لفرعون‪ ،‬فقد كان ملكععا ا علععى‬
‫أعظععم مملكععة فععي زأمععانه‪ ،‬لكععن أول عبععارة مسععجلة لهععذا‬
‫الفرعون في الكتاب هي‪» :‬من هو الععرب حععتى أسععمع لقععوله‬
‫فأطلق إسرائيل؟ ل أعرف الرب‪ ،‬وإسرائيل ل أطلقععه« )خاععر‬
‫‪ .(2 :5‬ثم في تحد ر لله ثيقل العمل على الشعبَ لكي ل يلتفتوا‬
‫إلى كلم الله الذي قععال عنععه فععي تبجععح »كلم الكععذب« )خاععر‬
‫‪ .(9 :5‬كان ممكنا ا أن يسحق الله فورا ا تلك الدودة الحقيععرة‬
‫التي تطُاولت عليه‪ ،‬لكن الله بدل ذلك أعطُاه النذارات وعمل‬
‫له العجائبَ‪ .‬لكععن هععذا كلععه لععم يلععن قلععبَ ذلععك المتغطُععرس‬
‫العاتي‪ .‬من ثم فإن الرب أوقع عليه ضععرباته‪ .‬وعندئععذ طلععبَ‬
‫فرعون الصلة لجالععه لكععي يترفلععع عنععه الضععربة‪ ،‬مظهععرا ا توبععة‬
‫صورية فقط‪ .‬فلمععا رفععع اللععه قضععاءه عنععه غي يععر ذلععك الملععك‬
‫الفاسد الكلم الذي سبق أن قاله‪ ،‬وكأن ذلك الكذاب المغرور‬
‫يلعبَ مع الله‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪70‬‬

‫يقول الرسول »لنه يقول الكتاب لفرعون‪ :‬إني لهذا بعينععه‬


‫أقمتك‪ ،‬لكي أظهر فيك قوتي‪ ،‬ولكععي ينععادى باسععمي فععي كععل‬
‫سي من يشاء«‪ .‬والمعر‬ ‫الرض‪ .‬فإذا ا هو يرحم من يشاء‪ ،‬ويق ي‬
‫الخاير »يقسععي مععن يشععاء« هععو مععا حععدث فعل ا مععع فرعععون‪،‬‬
‫فالرب قسى قلبه‪.‬‬
‫وعبارة »لهذا أقمتك« تعني أني أنا الععذي جاعلتععك فععي هععذا‬
‫المنصبَ العالي‪ :‬فالرب – كما نعلم – به تملك الملوكا وتقضي‬
‫العظماء عععد ا‬
‫ل‪ .‬وإذ ينحععرف الملععك أو القاضععي عععن الطُريععق‬
‫السوي فالله بنفسه يحاسبه علععى ذلععك‪ .‬وعلععى قععدر ارتفععاع‬
‫المقام الذي يكون فيه النسان يكون حسابه أكبر‪ .‬والرب هنا‬
‫يقول لهذا الفرعون »لهذا أقمتك«‪ ،‬أي أنني أنععا الععذي جاعلتععك‬
‫ملكا ا عظيما ا لمملكعة عظيمععة‪ .‬ولمعاذا؟ يقعول »لكععي أظهعر‬
‫فيك قوتي‪ ،‬ولكي ينادى باسمي فعي كعل الرض«‪ ،‬أو بكلمععات‬
‫أخارى‪ :‬حتى يسعمع بتحطُيمععك القاصععي والعداني‪ .‬فلقععد كعان‬
‫فرعون آتية هوان هيئت نفسها للغضبَ‪.‬‬

‫القساوة ومعانيها‬
‫عندما يقول الوحي إن الله قسى قلبَ فرعون فإنه يمكننععا‬
‫أن نفهم هذه القساوة المشار إليها هنا بأحد المفاهيم التية‪:‬‬
‫التقسية بمفهوم إيجابي‪ :‬بمعنععى أن اللععه هععو مصععدر‬
‫التقسية وسببها‪ .‬لكن هذا المفهوم يجعل الله مصععدرا ا للشععر‪.‬‬
‫وهو ما يتعارض مع آيات أخاععرى كععثيرة فععي الكتععاب المقععدس‪،‬‬
‫وبالتالي فإن هذا ل يمكن أن يكون صحيحا ا )انظر تععك ‪25 :18‬؛‬

‫‪70‬‬
‫‪71‬‬ ‫لماذا قسى الرب قلبَ فرعون‬

‫يع ‪.(13،17 :1‬‬


‫التقسية بمفهوم سلبي‪ :‬وهععي كمععا عععبر عنهععا أحععدهم‬
‫س لقساوة قلوبهم‪ ،‬أو أن يرفععع عنهععم‬ ‫“أن يسلم الله النا ل‬
‫حواجاز عنععايته‪ ،‬ويزيععد مععن حريتهععم‪ ،‬فيكععون بععذلك كمععن‬
‫يرخاي لهم طولا ا أكبر مععن الحبععل لكععي يشععنقوا أنفسععهم‬
‫به”‪ .‬ليس أن الله أوجاد مزيدا ا مععن الشععر فععي داخاععل قلععوبهم‪،‬‬
‫فالله ‪ -‬كما أشرنا ‪ -‬ل يمكن أن يكون مصدرا ا للشر )يع ‪،(13 :1‬‬
‫بل إنه فقط يرفع عنهم يده المقدسة التي كانت تحجز تهورهم‪.‬‬
‫وهو يشبه‪ ،‬إلى حد ما‪ ،‬قول الرسعول‪» :‬ل يتهلععك بطُعامععك ذلعك‬
‫الذي مات المسيح لجاله« )رو ‪15 :14‬؛ ‪1‬كو ‪ .(11 :8‬وقرينة‬
‫اليات ل تذكر أن الشخص عمل شيئا ا لكي ييهلك أخااه‪ ،‬بل تععذكر‬
‫أنه تركه ولم يفعل شيئا ا يحععول دون هلكععه‪ ،‬ولععو بالمتنععاع عععن‬
‫أكلة‪ .‬هكذا هنا‪ ،‬فالله تركا الشخص لشيرهِ وبطُله وجاهلععه‪ ،‬كمععا‬
‫أن الروح القدس كف عن تبكيته‪ ،‬وتركه ليصععدقا الكععذب الععذي‬
‫سر هو به‪.‬‬
‫ي‬
‫التقسية بمفهوم قضييائي‪ :‬فعنععدما يقسععي النسععان‬
‫قلبه‪ ،‬ويفعل ذلك بتكرار وإصرار‪ ،‬فإن اللععه يقسععي قلععبَ ذلععك‬
‫الشخص قضائياا‪ .‬ونقععرأ عععن ممارسعة العرب هععذا النععوع معن‬
‫التقسععية القضععائية مععرات متعععددة‪ :‬فععي الماضععي والحاضععر‬
‫والمستقبل؛ مع الفععراد والشعععوب‪ .‬لقععد مارسععه قععديما ا مععع‬
‫المععم‪ ،‬ويمارسععه الن مععع إسععرائيل‪ ،‬وسععوف يمارسععه فععي‬
‫المستقبل مع المسيحية‪ .‬لكن في كل هذه الحوال سبق الله‬
‫وأعلن حقه بوضوح‪ ،‬وصلبر بطُول أناة‪ ،‬فلما رفضوا حععق اللععه‪،‬‬

‫‪71‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪72‬‬

‫قسى الرب قلوبهم‪.‬‬


‫ي‬ ‫واحتقروا طول أناته‪،‬‬

‫أمثلة على التقسية القضائية‬


‫لقد مارس الرب التقسية قديما ا مع المم‪ .‬يقول الرسععول‬
‫»لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله‪ ،‬بععل حمقععوا فععي‬
‫أفكارهم‪ ،‬وأظلم قلبهم الغبي ‪ ..‬لععذلك أسيلمهم اللييه أيضععا ا‬
‫في شهوات قلوبهم إلى النجاسة ‪ ..‬لذلك أسلمهم الله إلععى‬
‫أهواء الهوان ‪ ..‬وكما لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم‬
‫أسلمهم الله إلععي ذهععن مرفععوض ليفعلععوا مععا ل يليععق« )رو‬
‫‪.(28-21 :1‬‬
‫ويحاجاج الرب شعبه القديم قائل ا »اسمع يا شعبي فأحذركا‪ ،‬يا‬
‫إسرائيل إن سمعت لي‪ ...‬أنا الرب إلهك الذي أصعدكا مععن أرض‬
‫مصر‪ ،‬أفغر فاكا فأمله‪ .‬فلم يسععمع شععبي لصعوتي‪ ،‬وإسعرائيل‬
‫لم يرض بي‪ .‬فسلمتهم إلى قساوة قلوبهم‪ ،‬ليسلكوا فععي‬
‫مؤامرات أنفسهم« )معز ‪.(12-8 :81‬ع فرغعم طعول أنعاة العرب‬
‫على بني إسرائيل لمئات من السنين فإنهم عصوا اللععه وكسععروا‬
‫ناموسه وقتلوا أنبياءه‪ ،‬بل قتلوا ابنه أيضاا‪ ،‬وأخايرا ا رفضوا شععهادة‬
‫الروح القدس‪ ،‬فتم فيهم قول العرب »غليععظ قلعبَ هععذا الشعععبَ‪،‬‬
‫وثقيل أذنيععه‪ ،‬واطمععس عينيععه‪ ،‬لئل يبصععر بعينيععه‪ ،‬ويسععمع بععأذنيه‪،‬‬
‫ويفهععم بقلبععه ويرجاععع فييشععفى« )إش ‪10 :6‬؛ يععو ‪40 :12‬؛ أع‬
‫‪.(26،27 :28‬‬
‫وهععو عينععه مععا سععوف يعملععه الععرب فععي المسععتقبل مععع‬
‫المسيحية السمية‪ ،‬كقععول الرسععول »لنهععم لععم يقبلععوا محبععة‬

‫‪72‬‬
‫‪73‬‬ ‫لماذا قسى الرب قلبَ فرعون‬

‫الحععق حععتى يخلصععوا ولجاععل هععذا سيرسععل إليهععم اللععه عمععل‬


‫الضلل‪ ،‬حتى يصدقوا الكذب« )‪2‬تس ‪.(10 :2‬‬
‫وهناكا تقسية قضائية مع الفراد أيضاا‪ ،‬كما حدث مععع بلعععام‬
‫العراف الشرير‪ .‬لقد حذره الله من الععذهاب مععع رسععل ملععك‬
‫ي‬
‫بالقا‪ ،‬وأفهمه أن محاولته ستفشععل‪ ،‬لن الشعععبَ الععذي يريععد‬
‫بالقا أن يلعنه مباركا من الرب‪ ،‬لكنه استغل هذا النذار نفسه‬
‫وسيلة لمساومة الملك ليزيد لععه حلويععن العرافععة‪ .‬ولمععا رأى‬
‫الرب‪ ،‬عند وصول الوفد الثععاني‪ ،‬رغبععة بلعععام للععذهاب معهععم‪،‬‬
‫سمح له بذلك‪ ،‬مسلما ا ذلك العراف الشرير لطُريقععه الرديئععة‪،‬‬
‫وفي الوقت نفسه مسيطُرا ا على الشر حتى ل يتجاوزأ حدوده‪.‬‬
‫نعععم سععمح لععذلك الشععرير أن يسععتمر فععي طريقععه لمصععرعه‬
‫الزمني وهلكه البدي الذي اخاتاره لنفسه رغم تحذير اللععه لععه‬
‫)عد ‪25،31 :22‬؛ يش ‪22 :13‬؛ ‪2‬بط ‪15،16 :2‬؛ يععه ‪11‬؛ رؤ‬
‫‪.(14 :2‬‬

‫شدد الرب قلبَ فرعون‬


‫لنعد الن إلى قضية فرعون‪ ،‬والتي تعتبر حجععر عععثرة كععبير‬
‫في نظر الكععثيرين‪ .‬لقععد ذكرنععا أن فرعععون كععان أول شععخص‬
‫أرسل الله إليه آياته وعجععائبه بواسععطُة موسععى‪ ،‬وأطععال اللععه‬
‫أناته عليه طوال تسع ضععربات‪ ،‬ثععم أخايععرا ا قععال الععرب‪ :‬كفععى‪،‬‬
‫ستكون الضربة القادمة هي الضربة القاضية‪ .‬فهل تظععن أنععه‬
‫بعد تلععك الضععربة الخايععرة تععاب؟ أبععداا‪ .‬فلقععد قععال لموسععى‪:‬‬
‫اخارجاوا حال ا معن مصعر‪ ،‬وخاعذوا معكعم معا شععئتم أن تأخاععذوه‪،‬‬

‫‪73‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪74‬‬

‫اذهبوا وباركوني أيضاا‪ .‬وبعععد أن خاععرج الشعععبَ فع ا‬


‫ل‪ ،‬ووصععلوا‬
‫إلى شاطيء البحر الحمر‪ ،‬فقد تغي يععر قلععبَ ذلععك الغععر العنيععد‪،‬‬
‫فشد على مركبته وأخاذ قومه معه‪ .‬ولمععا دخاععل الشعععبَ إلععى‬
‫البحر الحمر وعبروا‪ ،‬سار هو وراءهم‪ .‬لكن الماء رجاع وغطُى‬
‫جاميع مركبات جايش فرعون وفرسانه‪ ،‬حتى لم يبععق منهععم ول‬
‫واحد!‬
‫سي قلبه فعل ا لهلكععه‪ .‬ونحععن نقععرأ فععي كلمععة اللععه‬
‫فالله ق ي‬
‫عشر مرات أن فرعون قسى قلبه )خار ‪13،22 :7‬؛ ‪15،19، :8‬‬
‫‪32‬؛ ‪7،34،35 :9‬؛ ‪ ،(5 :14‬كما نقععرأ عشععر مععرات أن الععرب‬
‫قسععى قلععبَ فرعععون )‪21 :4‬؛ ‪3 :7‬؛ ‪12 :9‬؛ ‪1،22،27 :10‬؛‬
‫‪10 :11‬؛ ‪ .(4،17 :14‬لقد كان الرب يعرف النهاية من البداية‪:‬‬
‫فعرف أن فرعععون سيقسععي قلبععه )خاععر ‪ ،(19 :3‬وأنععه بالتععالي‬
‫سيضاعف قساوة قلبَ فرعععون )خاعر ‪21 :4‬؛ ‪ ،(3 :7‬لكعن معن‬
‫تسلسل الحداث نرى كيف بدأ فرعون بالتطُاول على الله )خاعر‬
‫‪ ،(2 :5‬كما ذكر الرب فع ا‬
‫ل‪ ،‬لنه كلي العلععم ول تأخاععذه مفاجاععأة‪،‬‬
‫كما نرى أن فرعون م ع أول ضعربة معن الضعربات قسعى قلبعه‬
‫)خار ‪ ،(22،23 :7‬واستمر هكذا مع تتابع الضربات‪ ،‬حععتى نهععايته‬
‫المحتومة‪.‬‬
‫فلقد قسى فرعون قلبه بتكرار‪ ،‬فضاعف الله تقسية قلبععه‪.‬‬
‫فالشمس التي تذيبَ الثلععوج تيبععس الطُيععن‪ ،‬وكمععا أنهععا تععبييض‬
‫مر البشععرة‪ .‬وإن كععان منكسععرو القلععوب‬ ‫الثيععاب فإنهععا تسعع ي‬
‫يذوبون أمام مراحم اللعه ونعمتعه‪ ،‬فعإن المتكعبرين يحتقرونهعا‬
‫لهلكا أنفسهم‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫‪75‬‬ ‫لماذا قسى الرب قلبَ فرعون‬

‫حق خاطُير‪ :‬الله يقسيى من يشاء!‬


‫بعد أن أشار الرسول بولس في روميععة ‪ 15 :9‬إلععى تعامععل‬
‫الله بالرحمة‪ ،‬وفي ع ‪ 17‬إلى تعامله بالغضبَ‪ ،‬فإنه فععي ع ‪18‬‬
‫جامع الفكرتين معا ا إذ قال‪» :‬هو يرحم من يشاء‪ ،‬ويقسععي مععن‬
‫يشاء«‪ .‬هذا حق خاطُير‪ ،‬ونحن ليس من حقنععا أن نخفععف مععن‬
‫وقعه‪ .‬فعندما يوصل الرب صوته لنسان وهذا النسان يحتقر‬
‫صوت الله الذي وص له بوضعوح‪ ،‬فقعد يغلعق عليعه العرب بعاب‬
‫التوبة حتى وهو في هذه الحياة‪ ،‬ويسلمه لقساوة قلبععه‪ .‬وهععو‬
‫ما نععراه مثل ا مععع هيععرودس الملععك‪ .‬فلقععد وصععل صععوت اللععه‬
‫بوضوح إلى ذلك الملععك الفاسععد‪ ،‬وعععوض التوبععة اسععتمر فععي‬
‫الشر‪ ،‬بل وقتل يوحنا المعمدان‪ ،‬ولذلك فإنه بعد ذلععك‪ ،‬عنععدما‬
‫سععأل الععرب بكلم كععثير‪ ،‬لععم يجبععه الععرب بكلمععة واحععدة )لععو‬
‫‪19،20 :3‬؛ ‪ .(9 :23‬وقبععل هيععرودس نععرى المععر عينععه مععع‬
‫فرعون‪ .‬فلقد وجاه الله صوته إليه المرة بعد الخارى‪ ،‬فقسى‬
‫قلبه‪ ،‬فضاعف الله من قساوة قلبه‪ .‬وفي هذا يقول الرسول‪:‬‬
‫»أم تستهين بغنى لطُفه وإمهععاله وطععول أنععاته‪ ،‬غيععر عععالم أن‬
‫لطُف الله إنما يقتادكا إلى التوبة‪ .‬ولكنععك مععن أجاععل قسععاوتك‬
‫وقلبععك غيععر التععائبَ تععذخار لنفسععك غضععبا ا فععي يععوم الغضععبَ‪،‬‬
‫واستعلن دينونة الله العادلة« )رو ‪.(4،5 :2‬‬
‫يستطُرد الرسول قائل ا »فستقول لي لمععاذا يلععوم بعععد؟ لنععه‬
‫ن يشععاء‪،‬‬
‫سععي لمعع ب‬
‫ن يقاوم مشيئته؟«‪ .‬بمعنى‪ ،‬ما دام الععرب يق ي‬
‫لم ب‬
‫فماذا عسى الخاطئ المسكين أن يفعععل؟ وإن كععان هععو يرحععم‬

‫‪75‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪76‬‬

‫ن يقعاوم‬
‫سي من يشاء‪ ،‬فلمعاذا يلعوم بععد؟ لنعه لمع ب‬
‫من يشاء ويق ي‬
‫مشععيئته؟ لكععن أل يوجاععد مععن يقععاوم مشععيئة اللععه؟ ألععم يقععاوم‬
‫فرعون مشيئة الله؟ والخاطئ أيضا ا عنععدما يععدعوه اللععه للتوبععة‬
‫فيقسي قلبه‪ ،‬أل يقاوم مشيئته؟ »اللععه الن يععأمر جاميععع النععاس‬
‫فععي كععل مكععان أن يتوبععوا« )أع ‪ ،(30:17‬وعليععه فععإن كععل مععن‬
‫يرفض التوبة يقاوم مشيئته‪ .‬وللشرير المستمر فععي عنععاده ثععم‬
‫يسأل قائ ا‬
‫ل‪ :‬من يقاوم مشيئته؟ فإني أجايبععه بععالقول‪» :‬أنععت هععو‬
‫الرجال«‪.‬‬

‫الخلصة‬
‫قسى الرب قلبَ فرعون لن فرعون المتغطُرس قسى قلبه‬ ‫ي‬ ‫لقد‬
‫ل‪ .‬وهي ليست حالة استثنائية‪ ،‬بل إن كل شخص يقسععي قلبععه‬ ‫أو ا‬
‫بتكرار وإصرار رافضا ا ف ي احتقعار نعمعة اللعه‪ ،‬قعد يتع رض لهعذه‬
‫التقسية القضائية‪ ،‬وفي هذه الحالة ل يكون هناكا أدنعى أمععل فعي‬
‫خالصا هذا الشخص‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫هل عيين الله أناسا ا‬
‫للهلكا؟‬ ‫‪1‬‬
‫ذكرنا في الفصل السابق أن النسان إذا قسى قلبه رافضا ا‬
‫حق الله‪ ،‬محتقرا ا أناته‪ ،‬مزدريا ا بروح نعمته‪ ،‬فقععد يقسععي اللععه‬
‫قلبَ هذا الشخص بأسععلوب قضععائي‪ ،‬كمععا فعععل مععع فرعععون‪.‬‬
‫لكن هل يمكن أن نضيف أن الله قد يفعل ذلك مقدماا‪ ،‬أي قبل‬
‫أن تععوجاه للشععخص رسععالة النععذار مععرات‪ ،‬أو أنععه يفعععل ذلععك‬
‫بموجابَ قرار أزألي؟ الجاابة أنه ل يوجاد أي سند في كلمة اللععه‬
‫لهذا الفكر‪ .‬وكما قال أحد الشراح‪ :‬إن التعليم بأن الله عيين‬
‫مسبقا ا مصير كل البشر‪ ،‬هو تشويه محزن للحق العظيععم‬
‫الخاصا بالخاتيار‪.‬‬

‫واني للهلكا‬
‫ل‬ ‫الله لم يهيئ أ‬
‫في الصحاح التاسع من رسالة رومية‪ ،‬وهععو الصععحاح الععذي‬
‫انشغلنا به فععي الفصععلين السععابقين‪ ،‬نقعرأ قععول الرسعول‪» :‬أم‬
‫ليس للخزاف سلطُان على الطُين أن يصنع من كتلة واحدة إنااء‬

‫‪77‬‬
‫للكرامة وآخار للهوان؟« )رو ‪ .(21 :9‬ونقطُة مجادلة الرسول‬
‫هنا أنه إذا كان للخزاف سلطُان‪ ،‬أفل يكون لله ‪ -‬بالحرى جاععدا ا ‪-‬‬
‫السلطُان أن يفعل بنا ما يشاء؟ والجاابة المؤكدة هي أن الله ‪-‬‬
‫بكل يقين ‪ -‬له هذا السلطُان‪ .‬لكن الرسول يسععتطُرد موضععحا ا‬
‫أن الخزاف عنعده سعلطُان وهعو يفععل ذلعك‪ ،‬وأمععا اللعه فعنعده‬
‫سلطُان لكنه ل يفعل ذلك‪ .‬إنه ل يفعل ذلك ليععس مععن منطُلععق‬
‫أن ليس له السلطُان عليه‪ ،‬بل مععن منطُلععق طععبيعته الععتي هععي‬
‫نور‪ ،‬والتي هي محبة )يو ‪5 :1‬؛ ‪ ،(8،16 :4‬وهنععا يكمععن الفععارقا‬
‫العظيم‪.‬‬
‫لو كان الله قد خالقنا ليلقي بنا جاميعا ا في جاهنم مععا كععان مععن‬
‫حقنا أن نقول له‪ :‬لماذا تفعل هكذا؟ فهو حععر تمامععا ا ليفعععل مععا‬
‫يشاء‪ .‬لكنه هعو ل يفععل ذل ك مطُلق اا‪ .‬وإننعا نكعرر الق ول إنعه‬
‫بحسبَ مطُلق سلطُان الله‪ ،‬لو أن اللعه عي ي ن أناسعا ا للهلكا لمعا‬
‫كان لنا نحن – كطُين في يد الفخععاري ‪ -‬حععق العععتراض‪ .‬لكععن‬
‫المر المباركا أن الله لم يستخدم مطُلقا ا هذا الحق‪ .‬نعععم اللععه‬
‫له سلطُان مطُلق‪ ،‬كما فهمنا من الفصل الثاني‪ ،‬لكن هذا جاانبَ‬
‫واحد من العملة‪ ،‬أما الجانبَ الخار فهو صلح الله »الرب صععالح‬
‫للكل‪ ،‬ومراحمه على كل أعميياله« )مععز ‪ .(9 :145‬وصععلح‬
‫الله جاعله يستخدم سلطُانه في اتجاه واحد‪ ،‬هععو اتجععاه البركععة‪.‬‬
‫»لنه يقول لموسى إني أرحععم مععن أرحععم وأتععراءف علععى مععن‬
‫أتراءف«‪ .‬أما الخارون فهععم الععذين اخاتععاروا مصععيرهم التعععس‬
‫بأنفسهم‪ ،‬كما سيتضح لنا في هذا الفصل‪.‬‬
‫ولهذا فإن الرسول بولس يسععتطُرد قععائلا ا‪» :‬فمععاذا إن كععان‬

‫‪78‬‬
‫‪79‬‬ ‫عل عيين الله أناسا ا للهلكا؟‬

‫الله وهو يريد أن يظهر غضبه ويبيين قوته احتمل بأناة كثيرة‬
‫آنيععة غضععبَ مهيأة للهلكا«‪ .‬لحععظ – عزيععزي القععارئ ‪ -‬أن‬
‫الرسول لم يقل هنا إن الله هيأ تلك الواني للهلكا؛ حاشععا‪ ،‬بععل‬
‫على العكس قال إن الله »احتمل بأناة كثيرة«‪ :‬مما يدل علععى‬
‫أن هذا لم يكععن متوافقععا ا معع إرادتعه الصععالحة‪ ،‬فهععو ل يريععد أن‬
‫تهلك الناس‪ .‬ثم يقول »ولكي يبيين غنى مجده على آنية رحمة‬
‫قد سبق فأعدها للمجد«‪ .‬هنععا يقععول الرسععول إن اللععه هععو‬
‫الذي أعد أواني الرحمة للمجد‪.‬‬
‫فالرب إذا ا تعامل مع بعض البشر بالرحمة‪ ،‬وآخارون تعامععل‬
‫ظلمععا ا علععى‬
‫معهم بالعععدل‪ .‬ول يسععتطُيع أحععد أن ينسععبَ للععه ي‬
‫الطلقا‪.‬‬

‫ن أحدا ا يهلك‬
‫الله ل يريد أ ي‬
‫ي للهلكا‪ ،‬بععل علععى‬
‫إن الله الصالح القععدوس لععم يهيععئ أوانعع ل‬
‫العكس من ذلعك يقععول الرسععول إنععه احتمععل بأنععاة كععثيرة آنيععة‬
‫مهيأة )اسم مفعول بصيغة المجهععول( للهلكا‪ ،‬ممععا يععدل‬
‫غضبَ ي‬
‫على أنه ليس المسؤول عن تهيئتها للهلكا‪ .‬وليععس ذلععك فقععط‬
‫بل يؤكد الوحي أن روح الله يجاهد مع البشر الخطُععاة‪ .‬فيقععول‬
‫الرب في تكوين ‪» 3 :6‬ل يدين روحي في النسان إلى البععد«‪،‬‬
‫كما نقرأ في عبرانيين ‪ 29 :10‬قول الرسول »فكم عقابععا ا أشععر‬
‫تظنون أنه يحسبَ مستحقا ا من داس ابن الله وحسبَ دم العهد‬
‫الذي قدس به دنسا ا‪ ،‬وازأدرى بروح النعميية«‪ .‬ومععن الجععانبَ‬
‫سععرر بالرأفععة )مععي ‪،(18 :7‬‬
‫الخار يذكر الوحي صراحة أن اللععه ي ل‬

‫‪79‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪80‬‬

‫كما يذكر أنه ل يسر بالدينونة‪ ،‬بل أن الدينونة هي عمله الغريبَ‬


‫)إش ‪.(21 :28‬‬
‫فمن المتسببَ في هلكا البشر؟ الكتاب المقدس يعلن أن‬
‫النسان هو الذي ييهلك نفسه وليس الله »مععن أراد أن يخلععص‬
‫نفسه يهلكها« )مععت ‪ ،(25 :16‬والنسععان هععو الععذي يقسععي‬
‫قلبه »لذلك كما يقول الروح القدس‪ ،‬اليوم إن سععمعتم صععوته‬
‫أما الله فعلععى العكعس‪:‬‬ ‫فل تقسوا قلوبكم« )عبَ ‪.(7 :3‬‬
‫إنه »ل يشاء أن يهلك أناس« )‪2‬بععط ‪ ،(9 :3‬بعل هعو »يريعد أن‬
‫جاميع النععاس يخلصععون‪ ،‬وإلععى معرفععة الحععق يقبلععون« )‪1‬تععي‬
‫‪.(4 :2‬‬
‫تحععدث الكتععاب المقععدس عععن المكتععوبين فععي السععماء )لععو‬
‫‪ ،(20:10‬لكععن عبثععا ا نفتععش فيععه عععن الشععارة إلععى أشععخاصا‬
‫مكتوبين في جاهنم‪ .‬كما حععدثنا عععن سععفر الحيععاة‪ ،‬والمكتععوبين‬
‫فيه‪ ،‬لكنه لم يتحدث أبدا ا عععن سععفر اسععمه سععفر الهلكا‪ .‬وفععي‬
‫دينونة الحياء سيقول الملك للذين عن يمينه »تعالوا يا مبععاركي‬
‫أبي«‪ ،‬لكنه لن يستطُرد قائل للذين عن اليسار‪“ :‬اذهبوا عني يععا‬
‫ملعين أبي”‪ ،‬بل فقععط »اذهبععوا عنععي يععا ملعيععن«‪ .‬وسععيقول‬
‫للخراف‪» :‬رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم«‪ ،‬لكنععه‬
‫لن يستطُرد قائل ا للجععداء‪“ :‬اذهبععوا عنععي‪ ...‬إلععى النععار المعععدة‬
‫لكم”‪ ،‬بععل »اذهبععوا عنععي‪ ...‬إلععى النععار البديععة المعععدة لبليععس‬
‫وملئكته« )مت ‪ ،(41-34 :25‬وفي دينونة اليوم العظيم لا نقرأ‬
‫عن فتععح سععفر الهلكا ليععرى اللععه مععن سععبق فكتبهععم فععي هععذا‬
‫السفر؛ حاشا‪ ،‬بل إن سفر الحياة هو الذي سييفتح‪ ،‬وكل من لععم‬

‫‪80‬‬
‫‪81‬‬ ‫عل عيين الله أناسا ا للهلكا؟‬

‫ييوجاد مكتوبا ا فيه سييطُرح في بحيرة النار )رؤ ‪.(12،15 :20‬‬

‫آيات عسرة الفهم‬


‫ن هناكا بعض اليات قععد تسععببَ حيععرة لععدى أذهععان‬
‫صحيح أ ي‬
‫بعضهم‪ ،‬لكن التأمل المتأني فيها يوصلنا إلى المعنى الحقيقععي‬
‫المقصود‪ ،‬والذي يتوافق مع كل تعليم الكتاب‪.‬‬
‫‪ -1‬فععي ‪ 1‬بطُععرس ‪ 8 :2‬يقععول الرسععول إن المسععيح صععار‬
‫للبعض »حجر صدمة وصخرة عثرة‪ ،‬الذين يعععثرون غيععر‬
‫جاعلوا له« )‪1‬بعععط ‪.(8 :2‬‬
‫طائعين للكلمة‪ ،‬المر الذي ع‬
‫جاعلوا له« تشععير إلععى‬
‫يعتبر بعضد أن عبارة »المر الذي ي‬
‫سبق التعيين للهلكا‪ .‬لكن لحظ جايدا ا‪ ،‬عزيزي القععارئ‪،‬‬
‫أن الفعل في هذه العبارة مبني للمجهول‪ .‬فاليععة إذا ا ل‬
‫تقععول مطُلقععا ا إن اللععه هععو الععذي جاعععل هععؤلء النععاس‬
‫إن هذا كان موافقععا ا لرغبتععه الصععالحة‪.‬‬
‫يعثرون‪ ،‬ول حتى ي‬
‫صحيح هوعلم مسبقا ا به‪ ،‬وسمح أيضا ا به‪ ،‬لن كل شععيء‬
‫في الكون ل يتععم إل بععإذنه‪ ،‬تمامععا ا كمععا قيععل عععن حادثععة‬
‫الصليبَ »هذا أخاذتموه مسلما ا بمشورة اللععه المحتومععة‬
‫وعلمه السابق‪ ،‬وبأيععدي أثمععة صععلبتموه وقتلتمععوه« )أع‬
‫‪.(23 :2‬‬
‫علق الخ ف‪ .‬و‪ .‬جارانت على هذه الية بالقول‪“ :‬الفجار‬
‫لم يعيينوا من قِلبل الله ليكونوا فجععاراا‪ ،‬بععل إذ إنهععم فجععار‬
‫فإن اللععه عي يععن أن يتععبرهن هععذا بكععل جالء ووضععوح فععي‬
‫رفضععهم للمسععيح”‪ .‬لكععن الرسععول نفسععه أوضععح فععي‬

‫‪81‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪82‬‬

‫الرسالة الثانية أن الله ل يريد »أن يهلععك أنععاس‪ ،‬بععل أن‬


‫ييقبل الجميع إلى التوبة« )‪2‬بط ‪.(9 :3‬‬
‫‪ -2‬في رسالة يهوذا يقول الكاتبَ »لنه دخال خالسة أنععاس‬
‫كدتبوا منذ القديم لهذه الدينونة« )يه ‪ .(4‬يعتبر‬ ‫قد ع‬
‫بعضهم أن هذه الية تعيلم أن الله بقرار أزألي حدد مصير‬
‫أشخاصا قبل أن يخلقهم‪ ،‬وقععرر أن يععدينهم ل لشععيء إل‬
‫لنه رأى ذلك‪ .‬لكن قرينة هذه الية توضععح أنهععا تتحععدث‬
‫عن علم الله وليس عن إرادتععه‪ .‬فمععع أن المععؤمنين لعم‬
‫يلحظوا دخاول هؤلء الشرار المخادعين‪ ،‬لنهععم "دخالععوا‬
‫خالسة"‪ ،‬لكن الله لم ييخدع بهم‪ ،‬ول حتى فوجائ بهم‪ ،‬ول‬
‫بشععيرهم‪ ،‬بععل إذ كععان يعرفهععم مععن البدايععة فقععد حععدد‬
‫دينععونتهم منععذ القععديم )وليععس مععن الزأل(‪ .‬نعععم‪ ،‬حععدد‬
‫دينونتهم بكل وضوح عندما تحععدث أنبيععاء العهععد القععديم‬
‫عن أمثععال هععؤلء قععائلين إن دينونععة اللععه ل بععد أن تحععل‬
‫عليهم‪ ،‬وهو عين مععا ذكععره يهععوذا بعععد ذلععك »وتنبععأ عععن‬
‫هؤلء أيضا ا أخانوخ السابع مععن آدم قععائ ا‬
‫ل‪ :‬هععوذا قععد جاععاء‬
‫الرب في ربوات قديسععيه ليصععنع دينونععة علععى الجميععع‪،‬‬
‫ويعاقبَ جاميع فجارهم على جاميع أعمال فجورهم الععتي‬
‫فجروا بها‪ ،‬وعلى جاميع الكلمات الصعبة الععتي تكلععم بهععا‬
‫عليه خاطُاة فجار« )يععه ‪ .(14،15‬وهععذا ‪ -‬كمععا قلنععا ‪ -‬ل‬
‫يعنععي أن اللععه حععدد مععن هععم الشععرار الععذين ل بععد أن‬
‫يطُرحهم فععي جاهنععم مهمععا عملععوا‪ ،‬بععل إنععه حععدد مصععير‬
‫الشرار‪ .‬فل يوجاد للشرار سوى مصععير مظلععم تعيععس‬
‫لهم‪ ،‬هو الدينونة البدية‪ .‬وفي هذا يقول النبي إشعععياء‬

‫‪82‬‬
‫‪83‬‬ ‫عل عيين الله أناسا ا للهلكا؟‬

‫»ويل للشععرير شعر‪ ،‬لن مجععازأاة يععديه تيعمععل بععه« )إش‬


‫‪ ،(11 :3‬كما يقول الحكيم أيضا ا في أمثععال ‪» 5:11‬أمععا‬
‫الشرير فيسقط بشيره«‪ ،‬وليس بسبق التعيين الزألي‪.‬‬

‫نظرية ل تسندها أقوال الكتاب‬


‫إن فكرة تعيين اللععه أناسعا ا للهلكا‪ ،‬هععي فكععرة مبنيععة علععي‬
‫الستنتاج‪ ،‬ل على نصوصا الكتاب‪ ،‬ول يمكععن لحععد أن يععدعمها‬
‫بعبارة »هكذا قال الرب«‪ .‬ونحن محيرضون فععي الععوحي أن ل‬
‫نفتكر فوقا ما هععو مكتععوب )‪1‬كععو ‪ .(6 :4‬علععى العكععس فإنهععا‬
‫فكرة تتعارض مع روح الكتاب‪ ،‬ومع قلبَ الله‪.‬‬
‫وليععس أسععلوبا ا صععحيحا ا للتفسععير أن نبنععي تعليمععا ا علععي‬
‫الاستنتاج‪ .‬فأن يقول المسيح مثل ا في يوحنا ‪ 40 :8‬إنه إنسان‪،‬‬
‫ل يعطُينا الحق أن نفعل كما فعععل شععهود يهععوه ومععن ينسععجون‬
‫على منعوالهم فنسعتنتج معن ذلعك أنعه ليعس اللععه )يعو ‪،(3-1 :1‬‬
‫فالستنتاج في هذه الحالة ل يوصلنا إلى الحق بل إلى الضلل‪.‬‬
‫ل‪ ،‬نكععععرر الن أن كل ا مععععن الكلفينييععععن‬
‫وكمععععا ذكرنععععا قب ا‬
‫والرمينيوسععيين قععد أخافقععوا عنععدما خارجاععوا عععن نطُععاقا الععوحي‬
‫المقععدس واسععتندوا علععى الععذهن البشععري‪ .‬فغلة الكلفينييععن‬
‫استنتجوا من حقيقة الخاتيعار عقيعدة باطلعة‪ ،‬هعي أن اللعه سعبق‬
‫وعيعن أناسعا ا للهلكا‪ ،‬المعر العذي رفضعته الرمينيوسعية بشعدة‪،‬‬
‫ولهم الحق‪ .‬ولكنهم هععم أيضععا ا تطُرفععوا فععي التجععاه الخاععر‪ ،‬وإذ‬
‫ركزوا على مسؤولية النسان فقد أنكععروا اخاتيععار اللععه المطُلععق‬
‫وغير المشروط‪ .‬فكلتا العقيدتين تحوي الضلل والحععق فععي آن‬

‫‪83‬‬
‫واحد‪ 1‬كما أوضحنا في الفصل الول‪ :‬الحق في كععل مععا تمسععكوا‬
‫به من المكتوب‪ ،‬والضععلل عنععدما أدخالععوا الفكععر البشععري فععوقا‬
‫ده‪.‬‬
‫المكتوب أو ض ي‬
‫يقول الرب على فم عبده إشعياء »أفكاري ليست أفكاركم‬
‫‪ ..‬لنه كما علت السماوات عن الرض‪ ،‬هكذا علت طرقي عن‬
‫طرقكععم‪ ،‬وأفكععاري عععن أفكععاركم« )إش ‪ .(8،9 :55‬وعليععه‬
‫فالحل الوحيد الِمن الذي يحمعي سعفينة اليمعان معن الجنعوح‬
‫ليس ما نراه نحن مناسبا ا ومعقول ا في نظرنا‪ ،‬بععل مععاذا يقععول‬
‫الكتاب‪ .‬ومع أبي المؤمنين إبراهيم نستطُيع أن نقول‪» :‬أديان‬
‫ل؟« )تك ‪.(25 :18‬‬‫كل الرض ل يصنع عد ا‬

‫مشكلة وتعليق‬
‫وهنا ليرد هذا السؤال‪ :‬ما دام الله – كما أوضععحنا – يريععد أن‬
‫جاميع الناس يخلصون‪ ،‬فلماذا وكيف ل يخلصون؟ والجاابة أنععه‬
‫يجبَ أن نميز بين إرادة الله المعلنة‪ ،‬بمعنى رغبته أو مسععرته‪،‬‬
‫وإرادة الله النافذة المفعول‪ .‬إرادة الله ‪ -‬أي رغبتععه ‪ -‬هععي أن‬
‫الكل يخلصون‪ ،‬ولهذا فقد وجاه الله لجميع البشر دعوته العامة‬
‫)انظر الفصل الخامس(‪ ،‬لكنهم وا أسفاه تهاونوا بل ورفضععوا‪.‬‬
‫وهنا تدخالت إرادته النافذة المفعول‪.‬‬
‫‪ 1‬في مجمع دورت الععذي سعبقت الشععارة إليعه فععي الفصععل الول أصععر أحععد‬
‫اللهوتيين الرمينيين الذين كانوا في المجمع على وضع قضية سععبق التعييععن‬
‫للهلكا على رأس القائمة في المناقشة‪ ،‬لكن المجمع العذي كعان معن أغلبيعة‬
‫كلفينية رفض هذا الطُلبَ‪ .‬وهذا يعطُععي انطُباعععا ا أيععن تكمععن نقععاط الضعععف‬
‫ونقاط القوة في كل من العقيدتين‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫‪85‬‬ ‫عل عيين الله أناسا ا للهلكا؟‬

‫ومن الهمية بمكان كبير أن يتقرر هذا الحق الصريح‪ ،‬الععذي‬


‫ناقشناه في الفصل الخامس‪ :‬أن الله لم يكن ملزما ا أن يختععار‬
‫صر‪ ،‬حاشا! بل إن لمن اخاتععارهم اللععه فقععد كععان ذلععك‬
‫الكل فق ي‬
‫من مطُلق نعمته‪ .‬أما الباقون فقد ح ي‬
‫ذرهم وأشهدهم‪ ،‬وتركهم‬
‫يسلكون في طرقهم‪.‬‬
‫في اخاتيار الله أناسا ا‪ ،‬وتركه الخارين‪ ،‬استعلنت حكمععة‬
‫كل م ن الع دل والرحمعة‪ ،‬وإل‬
‫الله‪ .‬فبهذا أمكنه أن يعبين ي‬
‫غابت واحدة مععن هععاتين الصعفتين عععن الظهعور‪ .‬فلععو أن‬
‫الكل خالصوا فكيف كان الله يسعتعلن بععره وععدله فععي دينونععة‬
‫الشرار؟ وكيف كان يبين غضععبه؟ ولععو أنععه تععركا كععل البشععر‬
‫لمصيرهم التعس ولم يتدخال لخلصا بعض الناس فكيف كانت‬
‫تظهر رحمته ونعمته؟‬

‫الخلصة‬
‫نحن ل نجد ف ي ك ل الكت اب أن اللعه عيعن أناسعا ا للهلكا‪ .‬وعبثعا ا‬
‫مععا يسععمى مرسععوم الهلكا البععدي‬ ‫نفتععش فععي كععل الععوحي ع ي‬
‫يضعا أي مؤشععر يقععود‬ ‫ا‬ ‫لشخاصا قبل أن يوجادوا‪ .‬كما أننععا ل نجععد أ‬
‫إلى استنتاج وجاود هذا المرسوم‪ ،‬فليس فقععط أن اللععه لععم يعي يععن‬
‫أناسععا ا لجهنععم‪ ،‬بععل إن جاهنععم أساسععا ا ليسععت معععدة للبشععر علععى‬
‫الطلقا‪ ،‬بل هي معدة لبليس وملئكته )مععت ‪:25‬عع ‪ .(41‬علععى‬
‫العكس فإن الله ل يشاء أن ليِهلك أناس‪ ،‬بل أن يقبل الجميععع إلععى‬
‫التوبة‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫بعض المور المتخالفة‬

‫سععنتحدث بنعمععة الععرب فععي هععذا الفصععل عععن‬


‫‪1‬‬
‫ثلثية ما ليس هو الخاتيار بحسععبَ مععا تعلمنععا إيععاه كلمععة اللععه‪،‬‬
‫وذلك ليمكننا إدراكا هععذه الحقيقععة المجيععدة‪ ،‬حقيقععة الخاتيععار‪،‬‬
‫بصورة أفضل‪.‬‬

‫الخاتيار ل يعني معرفة الله لما كان‬


‫سيحدث‬
‫يعتقد قوم أن الخاتيععار معنععاه أن اللععه كععان يعععرف بسععابق‬
‫علمه الذين سيؤمنون‪ ،‬فاخاتارهم‪ .‬لكن هذا الكلم غير صععحيح‬
‫ويتضمن طعنا ا في الله وطعنا ا في كلمته‪ .‬فبالمفهوم السععابق‬
‫ذكره يكون النسان هو الذي يحركا الله‪ ،‬ويكون اللععه متفععاعل ا‬
‫مععع الحععداث ل فععاعل ا لهععا‪ .‬وفععي هععذه الحالععة ل يكععون اللععه‬
‫صاحبَ سلطُان مطُلق‪ ،‬بل يكععون معتمععدا ا فععي اخاتيععاره علععى‬
‫النسان‪ .‬كما أنه يتضمن طعنا ا في كلمة الله‪ ،‬إذ يتعععارض مععع‬
‫نصعوصا العوحي الصعريحة العتي تعلعم بحقيقعة عجعز النسعان‬
‫المطُلق وموته روحيا ا واخاتياره المنحععرف‪ .‬كمععا يتعععارض مععع‬

‫‪87‬‬
‫العديد من النصوصا الكتابية عن حقيقة الخاتيار‪.‬‬
‫يقععول الرسععول فععي روميععة ‪:8‬عع ‪» 29‬لن الععذين سععبق‬
‫فعرفهم‪ ،‬سبق فعيينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه«‪ .‬وعبارة‬
‫»لن الععذين« ل تشععير إلععى أحععداث سععوف تحععدث‪ ،‬لن كلمععة‬
‫»الذين« لغويا ا تشير إلى أشخاصا ل إلى أشياء‪ .‬إذا ا المعرفععة‬
‫هنا ليست معرفة الله بما سيجري من أحداث‪ ،‬بل هي معرفععة‬
‫الله لأشخاصا بذواتهم‪.‬‬
‫نحن نؤمن أن معرفة الله هي معرفة مطُلقة‪ ،‬وتشععمل كععل‬
‫شيء وكل شخص‪ ،‬لكن معرفععة اللععه بالمسععتقبل شععيء‪ ،‬ومععا‬
‫يقوله الرسول هنا شيء آخار‪ .‬فهو هنا يتحدث عن معرفة الله‬
‫لأشخاصا‪ .‬ليس أنه ععرف أشعياء عععن هعؤلء الشععخاصا‪ ،‬بععل‬
‫عرفهم هم أنفسهم‪.‬‬
‫كل‪ ،‬إن الخاتيار ل يعني معرفة أحداث بل معرفة أشخاصا‪.‬‬
‫والن ماذا يعني أن الله عرف أشخاصاا؟‬
‫غني عن البيان أنه ل يوجاد شخص ل يعرفه اللععه‪ ،‬لكععني هنععاكا‬
‫اخاتلفا ا بين معرفة الله لكل البشر ومعرفععة أخاععرى هععي معرفععة‬
‫المعيزة والمحبة‪ .‬وهناكا فصلن في إنجيل يوحنا يوضععحان هععذه‬
‫الحقيقة‪ :‬ففي يوحنا ‪ 6‬نقرأ عن الذين سعوا وراء المسيح ل حبععا ا‬
‫في شخصه ول إيمانا ا بإرساليته بعل طمععا ا فعي أكلعة معن الخعبز‬
‫والسمك؛ وعندما لم يجبَ المسيح طلبهم‪ ،‬ول أعطُععاهم بغيتهععم‪،‬‬
‫نكصوا علعى أعقعابهم‪ ،‬ورجاععوا إلعى العوراء‪ .‬هععؤلء يقعول لهععم‬
‫المسيح »الروح هو الذي يحيي‪ ،‬أما الجسد فل يفيد شعيئاا‪ .‬الكلم‬
‫الذي أكلمكم به هععو روح وحيععاة‪ ،‬لكععن منكععم قععوم ل يؤمنععون«‪،‬‬

‫‪88‬‬
‫‪89‬‬ ‫بعض المور المتخالفة‬

‫ويعلق البشير على ذلك بالقول »لن يسوع ِمن البدء علم ميين‬
‫هم الذين ل يؤمنون‪ ،‬ومن هو الذي يسلمه« )يو ‪.(63،64 :6‬‬
‫لكن هذه المعرفة تختلف عن تلك الواردة في الصععحاح العاشععر‬
‫من نفس النجيل‪ ،‬حيث يقول الرب في يوحنا ‪» 14 :10‬أعرف‬
‫خااصتي وخااصععتي تعرفنععي«‪ ،‬كمععا يقععول أيضععا ا »خارافععي تسععمع‬
‫صععوتي‪ ،‬وأنععا أعرفها فتتبعنععي« )يععو ‪ ،(27 :10‬فهععذه معرفععة‬
‫العلقة الخاصة‪ .‬وبينما المعرفة الولى هي معرفة عامة‪ ،‬فععالله‬
‫يعرف المسععتقبل تمامععا ا كمععا يعععرف الماضععي‪ ،‬كمععا أنععه يعععرف‬
‫البشعر جاميععاا‪ ،‬لكنعه هنعا يقعول أنعا »أععرف خااصعتي« )معرفعة‬
‫المعيزة(‪ .‬وبعالمعنى السععابق عينععه قععال العرب لبراهيععم‪» :‬هعل‬
‫يأخافي عن إبراهيم ما أنا فاعله ‪ ..‬لنععي عرفتييه« )تععك ‪-17 :18‬‬
‫‪ .(19‬ونحن نعلم يقينا ا أن الرب لم يعععرف إبراهيععم فقععط‪ ،‬ول‬
‫عرف سكان مدن الدائرة الشرار الذين أهلكهم فحسبَ‪ ،‬بل إنه‬
‫يعرف أيضا ا جاميع الناس باعتبععاره ديععان كععل الرض الععذي يصععنع‬
‫لكنه كان يتكلم مع إبراهيم عععن المعرفععة‬ ‫عدل ا )تك ‪.(25 :18‬‬
‫الخاصة‪ ،‬معرفة المعيزة أو معرفة الخاتيار‪.‬‬
‫هذا المر نفسه واضح في نبوة عاموس‪ .‬فبينمععا نجععد فععي‬
‫الصحاحين ‪ 1،2‬من هذه النبوة كلما ا عن المم‪ ،‬وفيهما يذكر‬
‫الرب خاطُاياهم‪ ،‬مما يعدل علعى أنعه يععرف كعل شعيء عنهعم‪،‬‬
‫كقول المرنم في المزمور»الرب يعععرف أفكععار النسععان أنهععا‬
‫باطلة« )مز ‪ ،(11 :94‬نسمعه في عاموس ‪ 2 :3‬يقول لشعبه‬
‫»إياكم فقط عرفت مععن جاميععع قبائععل الرض« )عععا ‪.(2 :3‬‬
‫هذه المعرفة هي معرفة الخاتيار‪ ،‬كأنه يقول لهم‪ :‬أنا اخاععترتكم‬
‫أنتععم وحععدكم مععن دون بقيععة الشعععوب‪ .‬وهععو بعينععه مععا قععاله‬

‫‪89‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪90‬‬

‫الرسول بولس في رومية ‪» 2 :11‬لم يرفض الله شعبه الذي‬


‫سبق أن عرفه«‪ ،‬وأيضا ا قوله عععن المععؤمنين »إن كععان أحععد‬
‫يحبَ الله فهذا )الشخص( معروف عنده« )‪1‬كو ‪.(3 :8‬‬
‫والعكس أيضا ا صحيح‪ ،‬فعندما يقععول الععرب‪ ،‬فععي ذلععك اليععوم‪،‬‬
‫لكثيرين من الذين تنبععأوا باسععمه‪ ،‬وأخارجاععوا الشععياطين‪ ،‬وصععنعوا‬
‫القوات الكثيرة‪» :‬إني لم أعرفكعم قعط‪ ،‬اذهبعوا عن ي يعا فعاعلي‬
‫الثم« )مت ‪23 :7‬؛ قارن مع ‪ .(12 :25‬واضح أنععه هنععا ل يتكلععم‬
‫عن المعرفة بصفة عامة‪ ،‬بل عن معرفة‪ 1‬العلقة الخاصة‪.‬‬
‫من هذا نفهم أن قول الرسععول فععي روميععة ‪» 29 :8‬الععذين‬
‫سبق فعرفهم« ل تعني مطُلقا ا أنه عععرف عععن أشععخاصا أنهععم‬
‫سععيؤمنون‪ ،‬بععل تعنععي أنععه فععي الزأل عععرف هععؤلء المختععارين‬
‫بأشخاصهم‪ ،‬وعيينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنعه‪ ،‬وذلعك قبعل‬
‫أن يولد أي واحد منهععم‪ ،‬أو يعمععل خايععرا ا أو شععراا‪ .‬أ ليععس هععذا‬
‫واضحا ا فععي روميععة ‪ ،9‬الصععحاح الععذي سععبق أن تأملنععا فيععه؟‬
‫عندما تكلععم الرسععول عععن حقيقععة الخاتيععار قععال عععن يعقععوب‬
‫وعيسو »لنه وهما لم ييولدا بعععد‪ ،‬ول فعل خايععرا ا أو شععراا‪ ،‬لكععي‬
‫يثبت قصد الله حسب الخاتيار‪ ،‬ليس مععن العمععال بععل مععن‬
‫الذي يدعو« )ع ‪.(11‬‬

‫‪ 1‬توجاد بعض اليات تتكلم عن هذا النوع من المعرفة لكن في التجععاه الخاععر‪:‬‬
‫معرفععة المععؤمن للهععه‪ ،‬فيقععول الععرب لشعععبه القععديم »إلهععا ا سععواي لست‬
‫تعرف‪ ،‬ول مخلص غيري« )هو ‪ .(4 :13‬المعرفة هنا ل تعنععي معرفععة العلععم‬
‫الذي هو عكس الجهل‪ ،‬بل معرفة الخاتيار والتخصيص واللتجاء والتعبد لواحد‬
‫فقط هو الرب‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫‪91‬‬ ‫بعض المور المتخالفة‬

‫الخاتيار ليس سلبيا ا‬


‫تحدثنا في الفصععل السععابق أن بعضععا ا مععن ي‬
‫غلة الكلفينييععن‬
‫ظنوا أنه كما عيين الله أناسا ا للخلصا يكون بالضرورة قد عيععن‬
‫أناسا ا للهلكا‪ .‬لكن عندما ندركا أن الخاتيععار هععو شعيء أسععبق‬
‫من السقوط وأسمى مععن مجععرد علج مشععكلة الخطُيععة )كمععا‬
‫سنشرح بتفصيل أكثر في الفصعلين ‪(17،18‬ع يتضععح لنعا علعى‬
‫التو فساد هذا الفكر‪ .‬إن الخاتيععار الزألععي هععو أمععر إيجععابي‪ ،‬ل‬
‫مجرد علج لسععقطُة حععدثت فععي الزمععان‪ ،‬ولععو أنعه بالضعرورة‬
‫يتضمنه كأمر حتمي في الطُريق‪ ،‬لكنعه ليعس الهععدف‪ .‬وعليععه‬
‫فإن غفران الخطُايا وبالتالي عدم الذهاب إلى جاهنم ليععس هععو‬
‫الخاتيار‪ ،‬ولو أن هععذا طبععا ا متضعع ي‬
‫من فععي الخطُععة )أف ‪:1‬عع ‪.(7‬‬
‫نحن نعلم أنه من خاارج الكنيسة )أعنععي قبععل تأسيسععها‪ ،‬وبعععد‬
‫رحيلهععا مععن الرض(‪ ،‬هنععاكا الملييععن الععذين لهععم نصععيبَ فععي‬
‫ي‬
‫غفران الخطُايا‪ ،‬ولكن ليس لهم نصععيبَ فععي الخاتيععار بمفهععوم‬
‫العهد الجديد‪ .‬وبالنسبة لنا فلقد لزم غفران خاطُايانععا قبععل أن‬
‫يمكننا التمتع بالبركات السماوية‪ ،‬لكععن الغفععران نفسععه ليععس‬
‫جازءا ا من الخاتيار‪.‬‬
‫ونفععس المععر يقععال عععن الفععداء‪ .‬فععالله لععم يخععتر أناسععا ا‬
‫ليفديهم‪ ،‬بل إن المسيح بذل نفسه فدية لجاععل الجميععع )‪1‬تععي‬
‫‪.(6 :2‬عع وعليه فإن الخاتيار ليس للفععداء‪ ،‬ولععو أن الفععداء كععان‬
‫ضروريا ا وحتميا ا لتمتعنا ببركات الخاتيار‪.‬‬
‫ومن المهم أن ندركا أن هناكا خادمتين متميزتين فععي كلمععة‬

‫‪91‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪92‬‬

‫الله‪ :‬خادمة النجيل المكروزأ بععه فععي كععل الخليقععة الععتي تحععت‬
‫السماء‪ ،‬وهذه الخدمة تتضمن كل البركات السلبية الععتي كععان‬
‫يحتاج إليها الخاطئ مثل الغفران والتحرير والفداء‪..‬إلخ‪ .‬كمععا‬
‫أن هناكا خادمة السر‪ :‬أعني الكنيسة‪ ،‬جاسععد المسععيح ببركاتهععا‬
‫السماوية السامية‪ .‬وهذه الخدمة ل تخص كل الخليقة‪ ،‬أو كل‬
‫البشر‪ ،‬بل هنا تبرزأ مسألة الخاتيار‪.‬‬
‫نعم لول الخطُية لما ذهبَ أحد من البشععر إلععي جاهنععم‪،‬‬
‫لكن أيضععا ا لععول الخاتيععار لمععا ذهععبَ أحععد إلععى بيععت الب‪.‬‬
‫والسقوط لم يغيير شيئا ا في مسألة الخاتيار‪ .‬فأي حق لععي‬
‫أنا النسان الخاطئ‪ ،‬ذرية آدم الساقط في البنويععة للععه‪ ،‬وفععي‬
‫الميراث البدي‪ ،‬وفي السكنى في بيت الب؟! ل شععيء علععى‬
‫الطلقا‪ .‬وكل من سيحظى بهععذه البركععات فلن اللععه اخاتععاره‬
‫في الزأل لها‪.‬‬

‫الخاتيار ليس لشيء فينا ول هو‬


‫عشوائي‬
‫نحن نؤمن تماما ا أن قصععد اللععه الصععالح مععن نحععو النسععان‬
‫مبني على مطُلق سلطُان الله‪ .‬فكععل مقاصععد اللععه ل تسععتمد‬
‫جاذورها من النسان وإرادته المنحرفة‪ ،‬أو مزاجاه المتقلبَ‪ ،‬بل‬
‫من الله نفسععه‪ .‬وعليععه فععإنه ليععس علععى أسععاس شععيء فععي‬
‫النسان كالتوبة واليمان بنى الله اخاتيعاره للنسعان‪ ،‬بعل علعى‬
‫العكس فإن الله يعطُي التوبة واليمان للذين سبق واخاتارهم‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫‪93‬‬ ‫بعض المور المتخالفة‬

‫فهذه المور كلها هي نتيجة للخاتيار ل سببه‪.‬‬


‫نعم ليععس أن اللععه سععبق ورأى العمععال ول حععتى اليمععان‪.‬‬
‫هذا المر واضح تماما ا من العديد مععن الفصععول الكتابيععة مثععل‪:‬‬
‫رومية ‪16-11 :9‬؛ ‪6 ،5 :11‬؛ فيلبي ‪6 :1‬؛ ‪2‬تيموثاوس ‪9 :1‬؛‬
‫أعمععععال ‪31 :5‬؛‬ ‫‪2‬كورنثععععوس ‪5 :3‬؛‬ ‫أفسععععس ‪10-8 :2‬؛‬
‫‪2‬تيموثاوس ‪ .25 :2‬وبحسبَ ما هو وارد في أعمععال ‪ 13‬نفهععم‬
‫أن الذين آمنوا بكرازأة الرسول بولس فععي أنطُاكيععة بيسععيدية‪،‬‬
‫آمنوا لنهم كانوا معينين للحياة البدية )‪ ،(48 :13‬أما الخارون‪،‬‬
‫فمع أنه قي ي‬
‫دمت لهم الكلمة ذاتها التي تحمل دعوة الله الحععارة‬
‫إليهم )قارن ع ‪ ،(38،39‬فقد دفعوا كلمة اللععه عنهععم‪ ،‬وبععذلك‬
‫حكموا أنهععم غيععر مسععتحقين للحيععاة البديععة‪ .‬فععالفريق الول‬
‫الذي خالص ل فضل له‪ ،‬فلقد كان معينا ا للحياة البدية من قبععل‬
‫تأسيس العالم‪ ،‬والفريععق الخاععر الععذي هلععك ل عععذر لععه‪ ،‬فلقععد‬
‫قي ي‬
‫دمت له الكلمة لكنه رفضععها واحتقرهععا‪ ،‬فحكععم علععى نفسععه‬
‫بعدم استحقاقه للحياة البدية‪.‬‬
‫ولن اخاتيععار اللععه لنععا هععو مععن مطُلععق سععلطُان اللععه )مععت‬
‫و»حسععععبَ مسععععرة مشععععيئته« )أف ‪،(5 :1‬‬ ‫‪،(27-25 :11‬‬
‫و»بمقتضى علم الله الب السابق« )‪1‬بط ‪ ،(2 :1‬فل يصح أن‬
‫نعتبره اخاتيارا ا عشوائياا‪ ،‬أو ضربة حظ سععرمدية‪ ،‬فأعمععال اللععه‬
‫كلها بالحكمعة صعينعت )معز ‪ .(24 :104‬ومعع أنعه فعي مسعألة‬
‫الخاتيار ل يوجاد أي سععببَ فينععا‪ ،‬لكععن ليععس معنععى ذلععك أنععه ل‬
‫يوجاد له أي سببَ على الطلقا‪ ،‬أو أنه ل يوجاععد لععه سععببَ عنععد‬
‫الله‪ ،‬وكأن الله يعمل شئيا ا اعتباطا ا ودون حكمة‪ ،‬حاشا‪ .‬وكمععا‬

‫‪93‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪94‬‬

‫أن كل أعماله معمولععة بالحكمععة‪ ،‬فإنهععا أيضععا ا مؤسسععة علععى‬


‫نعمته الغنية‪ .‬وبالتالي يمكن القول إن اخاتيار الله هو اخاتيععار‬
‫سيادي مؤسس على مطُلق نعمة الله‪.‬‬
‫ويا له من أمر يمل قلبَ المؤمن بععالفرح والتعزيععة‪ .‬فليععس‬
‫فقط هو بوسعه أن يععزج بنفسععه ضععمن دائععرة البركععات لينععال‬
‫منها حصة‪ ،‬بل إنه مختار لهذا عينه‪ ،‬ومعيععن بالسععم لكععل هععذه‬
‫البركات من قِلبل الله‪ .‬هذا طبعا ا ينطُبق على المختععارين فععي‬
‫كل التععدابير‪ ،‬ولععو أن اخاتيارنععا نحععن ككنيسععة هععو أسععمى كمععا‬
‫سنوضح في الفصل الثععالث عشععر‪ .‬وفععي هععذا يقععول الععوحي‬
‫الكريم‪» :‬يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه! ما أبعععد أحكععامه‬
‫عععن الفحععص‪ ،‬وطرقععه عععن الستقصععاء‪ ،‬لن مععن عععرف فكععر‬
‫الرب‪ ،‬أو من صار له مشيراا‪ ،‬أو من سبق فأعطُاه فيكافععأ‪ ،‬لن‬
‫منه وبه ولععه كععل الشععياء‪ .‬لععه المجععد إلععى البععد‪ ،‬آميععن« )رو‬
‫‪.(36-33 :11‬‬
‫الخاتيععار إذا ا – بنععاء علععى مععا سععبق – يختلععف عععن القععول‬
‫جببري يععة‪ .‬فالجبريععة تعنععي أن أمععور الكععون‬
‫بالقضاء والقدر أو ال ل‬
‫هي في يد قوة غير عاقلة‪ ،‬أما الخاتيار فيضع أمورنا في يد آب‬
‫حكيم ورحيم‪ ،‬قوي ومحبَ‪.‬‬

‫لول الخاتيار لم يخلص أحد‬


‫من كلمة الله نتعلم هذه الحقيقة الخطُيرة‪ :‬أنه لو لم يخععتر‬
‫الله أحدا ا لما خالص أحد‪ ،‬وذلك نظرا ا لعجععز النسععان وفسععاده‬
‫وانحراف إرادته‪ .‬هعذا المعر واضععح تمامعا ا معن مثعل العشععاء‬

‫‪94‬‬
‫‪95‬‬ ‫بعض المور المتخالفة‬

‫فلو أن اللععه لععم يلععزم الععذين أرادهععم‬ ‫العظيم في لوقا ‪.14‬‬


‫بالدخاول‪ ،‬حتى يمتلئ البيت‪ ،‬لمعا دخاعل أحعد‪ .‬لحعظ أنعه دععا‬
‫الكثيرين‪ ،‬لكنه لم يلزمهم جاميعاا‪ ،‬بل ألزم بعضا ا فقط‪ .‬فعلعى‬
‫أساس الدعوة العامة لم يحضر أحععد‪ ،‬وعلععى أسععاس الععدعوة‬
‫الفعالة الملزمة ل بد أن يمتلععئ الععبيت »لن كععثيرين يععدعون‪،‬‬
‫وقليلين ينتخبون« )مت ‪ .(14 :22‬ولول الخاتيععار لكععان علينععا‬
‫أن نتصععور اللععه وهععو يقععول‪“ :‬كنععت أريععد أن جاميععع النععاس‬
‫ي في النهاية أن‬
‫يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون‪ .‬لكن عل ي‬
‫أقبل ل ما أريد أنا‪ ،‬بل ما أرادوا هم”‪.‬‬

‫الخلصة‬
‫إن مسألة سبق المعرفة بحسبَ رومية ‪ 29 :8‬ل تعني أن الله كان‬
‫يعرف ما سيعمله البشر‪ ،‬فاخاتععار الععذين كععانوا سععيؤمنون‪ ،‬فمطُلععق‬
‫علم الله شيء ومطُلق سلطُان اللععه شععيء آخاععر‪ .‬والخاتيععار مبنععي‬
‫على مطُلق سلطُان الله‪ ،‬ل مطُلق علمه‪ .‬إن اخاتيار الله للخععاطئ‪،‬‬
‫وليس اخاتيار الخاطئ للععه‪ ،‬هععو السععببَ الحقيقععي للخلصا‪ .‬ثععم إن‬
‫ل كل الدهور عععرف أناسععا ا‬ ‫المفهوم الحقيقي للخاتيار هو أن الله قب ب ل‬
‫بأشخاصععهم‪ ،‬وعيينهععم لسععمى البركععات والمتيععازأات‪ .‬نعععم عيينهععم‬
‫ليكونوا في هذا المكان السمى‪ :‬بيت الب‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫هل يمكن أن أعرف أني‬
‫مختار؟‬ ‫‪1‬‬
‫هل يستطُيع المؤمن أن يعرف أنه مختار؟ الجاابععة هععي‪ :‬نعععم‬
‫بكل تأكيد‪ ،‬فمن حق المختارين أن يعرفوا هعذه الحقيقعة الرائعععة‬
‫والسامية لتعزيتهم وفرح قلوبهم‪.‬‬

‫مؤمنو تسالونيكي‬
‫يبدأ الرسول بولس رسالته الولى للمؤمنين فععي تسععالونيكي‬
‫مقدما ا الشكر لله من جاهتهم‪ ،‬بسببَ الثمععر المبععاركا الععذي ظهععر‬
‫في حياتهم‪ .‬ثم يتقدم فيقول‪»:‬عالمين‪ 1‬أيهععا الخاععوة المحبوبععون‬
‫وهذا يوضععح أنععه يمكننععا مععن‬ ‫من الله اخاتياركم« )‪1‬تس ‪.(4:1‬‬
‫الثمر الظاهر في حياة المؤمنين معرفة أنهم مختارون‪.‬‬
‫والرسول بولس عندما ذهبَ مع سلوانس وتيموثاوس إلععى‬
‫تسالونيكي في الرحلة التبشيرية الثانية‪ ،‬وبشر أهلها‪ ،‬لم يكععن‬

‫‪ 1‬يقول العارفون باليونانية إن كلمة »عالمين«‪ ،‬هي الكلمعة اليونانيععة “أويععدا”‬


‫الععتي تعنععي المعرفععة‪ ،‬ليععس بواسععطُة العلن‪ ،‬ول بالحععدس والتخميععن‪ ،‬بععل‬
‫بواسطُة الملحظة الدقيقة‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫دم بشارة النجيععل‬
‫وقتئذ ر يعرف من هم المختارون‪ ،‬فالكارزأ ييق ي‬
‫لجميع البشر‪ ،‬كقول الرب له المجد »اذهبوا إلى العالم أجامععع‪،‬‬
‫لقععد بشععر‬ ‫واكرزأوا بالنجيععل للخليقععة كلهععا« )مععر ‪.(15 :16‬‬
‫بولس ورفيقاه كل التسالونيكيين الذين تقابلوا معهم‪ ،‬لكن لععم‬
‫يتجععاوب الكععل مععع هععذه البشععارة‪ ،‬بععل آمععن أنععاس بالكلمععة‬
‫والخارون لم يؤمنوا‪ .‬والععذين آمنععوا هععم الععذين قبلععوا الكلمععة‬
‫بفرح شديد‪ ،‬وهم الععذين ظهععرت فيهععم تلععك المععور العظيمععة‬
‫المصاحبة للخلصا‪ ،‬الععتي يقععول عنهععا الرسععول »متععذكرين بل‬
‫انقطُعاع عمععل إيمعانكم‪ ،‬وتعععبَ محبتكعم‪ ،‬وصععبر رجاعائكم ربنعا‬
‫يسوع المسيح«‪ ،‬وبعدئذ ر يقول الرسول »عععالمين أيهععا الخاععوة‬
‫المحبوبون من الله اخاتياركم«‪ .‬وغني عن البيان أن بولس لم‬
‫ي ي‬
‫طُلع علععى سععفر الحيععاة فععي السععماء ليعععرف منععه أن هععؤلء‬
‫المؤمنين التسالونيكيين من المختارين‪ .‬كل‪ ،‬بل إنععه إذ لحععظ‬
‫التغيير الواضح فععي حيععاتهم الجديععدة‪ ،‬ثععم إذ وصععلته أخابععارهم‬
‫المفرحة من تيموثاوس‪ ،‬فقد عرف عععن يقيععن أن هععؤلء حقععا ا‬
‫من المختارين!‬

‫مختار ومختارة‬
‫يكتبَ الرسول بولس في رومية ‪ 13 :16‬عععن واحععد اسععمه‬
‫روفس ويقول‪» :‬سععلموا علععى روفععس المختار فععي الععرب‪،‬‬
‫وعلى أمه أمي«‪ .‬والرجاععح أن روفععس هععذا هععو ابععن سععمعان‬
‫المشععار إليععه فععي مرقععس ‪» 21 :15‬سععمعان القيروانععي أبععو‬
‫الكسععندرس وروفععس«‪ .‬ومععن لقبععه المععذكور هنععا نفهععم أن‬

‫‪98‬‬
‫‪99‬‬ ‫هل يمكن أن أعرف أني مختار؟‬

‫سمعان هععذا كععان مععن بلد القيععروان فععي شععمال أفريقيععا‪ ،‬ول‬
‫نعرف الظععروف الععتي أتععت بععه إلععى أرض إسععرائيل فععي أيععام‬
‫المسيح‪ .‬كما نفهم أيضا ا من قصة النجيل أن سمعان هذا لععم‬
‫يكن له سابق علقة بالمسيح‪ ،‬بععل إذ كععان راجاعععا ا مععن الحقععل‬
‫سخروه ليحمل الصليبَ خالععف يسععوع‪ .‬وكععان حملععه الصععليبَ‬
‫في ذلك اليوم هو بداية علقته بالمسيح‪ .‬لكعن يبعدو أنعه أدركا‬
‫سريعا ا أن المسيح هو الذي حمل الصليبَ بدل ا عنه‪ ،‬وليس هععو‬
‫الذي حمل الصليبَ خالف يسوع‪ .‬فآمن به‪ ،‬كما آمععن بععه أيضععا ا‬
‫أبناه‪ ،‬وأنععه كععان معروفععا ا فععي الكنيسععة الولععى‪ ،‬وإل لمععا قععال‬
‫البشير مرقس عنه »سععمعان ‪ ..‬أبععو الكسععندرس وروفععس«‪،‬‬
‫فما قيمة أن أعرف اسمي ابنيه إن كانا هما وأبوهما قد هلكوا‪.‬‬
‫ما أعجععبَ هععذه المعععاملت اللهيععة‪ .‬فهنععا نحععن نجععد شخصععا ا‬
‫سععائرا ا فععي طريقععه‪ ،‬ي يععؤلمر أمععرا ا تعسععفيا ا بععأن يحمععل صععليبَ‬
‫شخص محكوم عليععه‪ ،‬ولكععن هععذا قععاده لن يتعععرف بالمسععيح‬
‫م آمن به وخالص‪ ،‬وكععذلك ولععداه أيضععاا‪ ،‬بععل إن‬‫المخيلص‪ ،‬من ث ي‬
‫زأوجاتعه آمنعت أيضعا ا لن بعولس يقععول »سععلموا علعى روفععس‬
‫المختار في الرب‪ ،‬وعلى أمه أمي«!‬
‫وبوسعنا أن نقول إن هعذه الحقيقعة المجيعدة ليسعت وقفعا ا‬
‫على سمعان فقط دون سواه‪ ،‬بل إن كل واحد من المختععارين‬
‫له حادثة لقاء مع المخلص‪ ،‬تحكي عن نعمة اللععه العجيبععة فععي‬
‫بحثها عنه‪.‬‬
‫وعندما يصف بولس الرسول روفس هذا بأنه »المختار في‬
‫الرب«‪ ،‬فهذا يجعلنا نتساءل‪ :‬ما الذي جاعل بععولس يعععرف أن‬

‫‪99‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪100‬‬

‫روفس مختار؟ أ لن أبععاه حمععل الصععليبَ خالععف يسععوع‪ ،‬فهععذا‬


‫جاعله من المختارين؟ كل‪ ،‬بل إن التغيير الععذي تععم فععي حيععاته‬
‫برهن على أنه فعل ا مختار في الرب‪.‬‬
‫ن هناكا رجال ا مختارا ا سلم عليه بولس‪ ،‬فهنععاكا أيضععا ا‬
‫وكما أ ي‬
‫امرأة مختارة كتبَ إليها يوحنا‪ ،‬إذ يقول» الشععيخ )يوحنععا( إلععى‬
‫كيرية )السععيدة( المختارة« )‪2‬يععو ‪ .(1‬وكععذلك أيضععا ا هنععاكا‬
‫امرأة مختارة بعث الرسول بطُرس بتحياتها للمؤمنين )‪1‬بط‬
‫‪ .(13 :5‬وهكذا نظير هؤلء هنععاكا ملييععن الرجاععال المختععارين‬
‫والنساء المختارات‪.‬‬

‫علمات الخاتيار‬
‫ل يمكن لواحد أن يدعي أنه اطلع على سععفر الحيععاة وعلععم‬
‫عن يقين من هم المختارون لدى الله‪ .‬ومع ذلك فهناكا العديد‬
‫من علمات الخاتيار تؤكد أن الشخص مختار من الله‪.‬‬
‫تعتبر الطُاعة هي واحدة من أولى الدلة علععى أن الشععخص‬
‫مختار مععن اللععه‪ .‬فلقععد ربععط الرسععول بطُععرس بيععن الخاتيععار‬
‫والطُاعة عندما قععال »إلععى‪ ...‬المختععارين بمقتضععى علععم اللععه‬
‫الب السابق‪ ،‬في تقععديس الععروح للطاعة‪ ،‬ورش دم يسععوع‬
‫المسيح« )‪1‬بط ‪ .(1،2 :1‬وهذا معناه أن المختار يعمل الروح‬
‫القدس في قلبه ليجعلععه يطُيععع مععن ذات نععوع طاعععة المسععيح‬
‫نفسه‪ .‬وهو ما نراه أيضا ا في حياة الرسول بولس الععذي قععال‬
‫للملك أغريباس »من ثم أيها الملك أغريباس لم أكن معاندا ا‬
‫للرؤيا السماوية« )أع ‪.(19 :26‬‬

‫‪100‬‬
‫‪101‬‬ ‫هل يمكن أن أعرف أني مختار؟‬

‫ثععم إن الصععلة والصععراخ إلععى الععرب تعتععبر مععن أهععم أدلععة‬


‫الخاتيععار‪ .‬لمععا أراد الععرب أن يطُمئععن حنانيععا إلععى أن شععاول‬
‫الطُرسوسععي هععو إنععاء مختععار‪ ،‬قععال عنععه »هععوذا يصععلي« )أع‬
‫‪ .(11،15 :9‬فالمختععار يتجععه تلقائيععاا‪ ،‬ل سععيما فععي ظروفععه‬
‫الصعبة‪ ،‬إلى الله‪ .‬يقول المسيح »أفل ينصف اللععه مختيياريه‬
‫الصارخاين إليه نهارا ا ولي ا‬
‫ل‪ ،‬وهو متمهل عليهم« )لععو ‪.(7 :18‬‬
‫لحظ أنه ل يقول إن الله ينصف مختاريه متى صرخاوا إليه‪ ،‬بل‬
‫إنععه ينصععف »مختععاريه الصييارخاين إليييه«‪ .‬وليععس فقععط‬
‫صارخاين إليه بل »صارخاين إليه نهارا ا وليل ا«‪ .‬وليععس ذلععك‬
‫فقط‪ ،‬بل أيضا ا »وهعو متمهعل عليهعم«‪ .‬فحعتى لعو تعأنى اللعه‬
‫وتمهل على المختارين‪ ،‬فإنهم لن يتحولوا عن الله إلععى غيععره‪،‬‬
‫بل سيظلون ناظرين إليه منتظرين إيععاه‪ .‬إن رأيععت شخصععا ا‬
‫معتادا ا على الصلة إلى اللععه فععي كععل الظععروف‪ ،‬الحلععوة‬
‫والمرة‪ ،‬في الصحو والغيم‪ ،‬فهذا الشخص هو بكععل يقيععن‬
‫من المختارين‪ .‬هذه النفس تصععلي إلععى اللععه دائمععا ا دون أن‬
‫تشعر في بعض الحيان‪ ،‬فهناكا صلة داخالية دون توقععف‪ ،‬هععي‬
‫أشواقا القلبَ الداخالية التي تتعلق بالرب وتتمسك باسمه‪.‬‬
‫كما أن حياة الثمر تعتبر علمة أكيدة للخاتيار‪ ،‬وهو ما ذكععره‬
‫الرسول بولس عععن المععؤمنين فععي تسععالونيكي‪ ،‬إذ قععال لهععم‬
‫»متذكرين بل انقطُاع عمععل إيمععانكم‪ ،‬وتعععبَ محبتكععم‪ ،‬وصععبر‬
‫رجاائكم«‪ ،‬وبعدها مباشرة قال »عالمين ‪ ..‬اخاتياركم« )‪1‬تععس‬
‫‪(3،4 :1‬‬

‫‪101‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪102‬‬

‫تثبيت الخاتيار‬
‫هناكا العديععد مععن المععؤمنين ‪ -‬وا أسععفاه ‪ -‬يعععوزأهم اليقيععن‬
‫بأنهم من المختارين‪ ،‬وعليهم تنطُبق كلمات الرسععول بطُععرس‬
‫»لن الذي ليس عنده هذه‪ ،‬هو أعمى قصير البصععر‪ ،‬قععد نسععي‬
‫تطُهير خاطُاياه السالفة« )‪2‬بط ‪ .(9 :1‬فهذا الشععخص مععع أن‬
‫خاطُاياه تطُهرت‪ ،‬ل يمتلك الفضائل المسيحية التي يكتبَ عنهععا‬
‫الرسول‪» :‬هذه إذا كانت فيكم وكثرت تصيركم ل متكاسععلين‪،‬‬
‫ول غير مثمرين لمعرفععة ربنععا يسععوع المسععيح«‪ ،‬ثععم يسععتطُرد‬
‫ل‪» :‬لن الذي ليس عنده هذه هعو أعمعى قصعير البصععر قععد‬ ‫قائ ا‬
‫نسععي تطُهيععر خاطُايععاه السععالفة‪ .‬لععذلك بععالكثر اجاتهععدوا أيهععا‬
‫الخاوة أن تجعلوا دعوتكم واخاتياركم ثابتين«‪.‬‬
‫عندما يكون المؤمن في تزعععزع مععن جاهععة إيمععانه يكععون فععي‬
‫عذاب‪ .‬وبعض من أولد الله العزاء‪ ،‬في إخالصهم وحبهم للرب‪،‬‬
‫يتمنون الموت عندما تكععون حععالتهم الروحيععة مرتفعععة‪ ،‬ليضععمنوا‬
‫الذهاب إلي السماء‪ ،‬لنهم ل يضمنون أنفسهم للغد‪ .‬فإذا كععانت‬
‫هذه حالتك أيها القارئ العزيز فععدعني أقععول لععك‪ :‬إن المسععيحية‬
‫تدعونا إلى حياة أسعد من هذه‪ ،‬حياة الفرح المستمر فععي الععرب‬
‫)في ‪ ،(4 :4‬وحياة الثقة الكاملة فعي العرب )ف ي ‪ ،(6 :1‬ل حيعاة‬
‫الخوف والشك‪ .‬يقول الرسول يوحنععا »لن الخععوف لععه عععذاب‪،‬‬
‫مل في المحبة« )‪1‬يو ‪.(18 :4‬‬
‫وأما من خااف فلم يتك ي‬
‫لهذا السببَ يكتبَ الرسول بطُرس للمؤمنين قائ ا‬
‫ل‪» :‬لععذلك‬
‫بععالكثر اجاتهععدوا أيهععا الخاععوة أن تجعلععوا دعععوتكم واخاتيععاركم‬
‫ثابتين«‪ .‬ونلحظ أن الرسول في هذه الية وضع الدعوة قبععل‬

‫‪102‬‬
‫‪103‬‬ ‫هل يمكن أن أعرف أني مختار؟‬

‫الخاتيار‪ ،‬مع أن الخاتيار أزألععي‪ ،‬مععن قبععل تأسععيس العععالم )أف‬


‫‪ ،(4 :1‬أما الدعوة فهي في الزمان )رو ‪ -29 :8‬انظععر الفصععل‬
‫السابع عشر(‪ .‬لكن سببَ الترتيبَ بهذه الصععورة أن الرسععول‬
‫ينظر إلى المور هنا‪ ،‬ل نظرة المقاصد اللهيععة كمععا نراهععا فععي‬
‫رومية ‪ ،8‬بل النظرة البشرية‪ ،‬نظرة الواقع الفعلي‪.‬‬
‫ونتذكر أن بطُرس الذي كتبَ هذه القعوال هعو نفسعه أنكعر‬
‫ة‪ .‬وعلى الرجاح أنعه لمعا أنكعر المسعيح شعك فعي‬ ‫المسيح مر ا‬
‫نفسه‪ ،‬وربما شك باقي التلميذ أيضا ا فيه‪ .‬فلئن كان يهوذا باع‬
‫المسيح بالمال فإن بطُرس باعه بالمجععان‪ .‬ونحععن ل نسععتبعد‬
‫حدوث هذا الشك عند التلميذ لن الملكا قال للمريمععات بعععد‬
‫القيامة‪» :‬قولوا للتلميذ ولبطُرس«‪ .‬لمععاذا يقععول‪“ :‬للتلميععذ‬
‫ولبطُرس”؟ أ ليس بطُرس واحدا ا من التلميذ؟ قععد نفهععم مععن‬
‫هعذه الضعافة أن الشعك قععد بععدأ يتسعرب إلععى بعضععهم‪ :‬أحقعا ا‬
‫بطُععرس واحععد منهععم؟ فبعععدما أنكععر بطُععرس الععرب بععدأت‬
‫الشكوكا تحوم حول دعوته واخاتياره‪ .‬لكن الذي كان الرب قععد‬
‫سبق وقال له‪» :‬وأنت متى رجاعت ثبت إخاوتك« )لو ‪،(32 :22‬‬
‫ها هو يحرض المؤمنين قائل ا لهم »اجاتهدوا أن تجعلوا دعوتكم‬
‫واخاتياركم ثابتين«‪.‬‬

‫ماذا بالنسبة لك؟‬


‫لعععل واحععدا ل يقععول‪“ :‬مععن يععدريني أنععي أنععا شخصععيا ا مععن‬
‫المختععارين؟” أو “آه لععو أطمئععن أن اللععه قععد اخاتععارني فعل ا”‪.‬‬
‫والجاابة عن ذلععك بسععيطُة جاععداا‪ .‬فإنععك لععو قبلعع ل‬
‫ت دعععوة اللععه‬

‫‪103‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪104‬‬

‫المجانية‪ ،‬وأخاذت نعمته الغنيععة‪ ،‬وآمنععت بقلبععك بععالرب يسععوع‬


‫المسيح‪ ،‬فهذا يعتبر دليل ا ليس بعده دليل على أنك فعل ا مختار‬
‫ن فيلععبي‬
‫جا ي‬
‫)أع ‪ .(48 :13‬يا له من أمر بسيط! لمععا وجاععه سعع ي‬
‫سؤاله إلى الرسول‪» :‬ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخالععص؟« لععم‬
‫يقل له بولس‪“ :‬أنععت ل تقععدر أن تعمععل أي شععيء‪ ،‬فالمسععألة‬
‫متوقفة علي كونك مختارا ا أم ل‪ .‬فإن كنت غير مختععار فليععس‬
‫ثمة أمل”‪ .‬كل لم يقععل لععه ذلععك‪ .‬بععل قععال لععه‪» :‬آمععن بععالرب‬
‫يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتععك« )أع ‪ .(31 :16‬تععذكر‬
‫خار نداء في الكتاب‪» :‬لمن يعطُش فليأت ومن يرد‬ ‫أيها العزيز آ ِ‬
‫فليأخاذ ماء حياة مجاناا« )رؤ ‪6 :21‬؛ ‪ ،(17 :22‬هععذا معنععاه أن‬
‫دعوة الله الحارة والصادقة هي لك‪ .‬فتعال إليه فوراا‪.‬‬
‫أما إذا كنت قد أتيت للمسيح ولكععن الشععكوكا تععراودكا فععي‬
‫مسععألة خالصععك‪ ،‬فاسععتمع إذا ا إلععى كلمععات الرسععول بطُععرس‬
‫»اجاتهدوا أن تجعلوا دعوتكم واخاتياركم ثابتين«‪ .‬وهذا معناه‬
‫أنك إذا عشت حيععاة الجهععاد والثمععر فإنععك سععتعيش فععي ملععء‬
‫اليقين بهاتين الحقيقتين المجيدتين‪ :‬الدعوة والخاتيار‪.‬‬
‫لحظ ‪ -‬عزيزي القارئ ‪ -‬أن بطُرس هنعا لعم يطُلععبَ منععا أن‬
‫شيئا إلى إيماننا‪ .‬كل‪ ،‬بعل كعل المطُلععوب هععو أن نقعدم‬
‫ا‬ ‫نضيف‬
‫فععي إيماننععا فضععيلة‪ ،‬وأن نقععدم فععي الفضععيلة معرفععة‪ ،‬وفععي‬
‫المعرفة تعرففاا‪ ،‬ثم صبراا‪ ،‬ثم تقوى‪ ،‬ثم مودة أخاوية‪ ،‬ثم محبععة‪.‬‬
‫أي أن كل ما طلبه الرسول بطُرس منا هو أن نستثمر خالصععنا‬
‫ونشتغل بما عندنا‪ .‬والنتيجة لذلك مزدوجاة ومباركة‪ :‬أننا الن‬
‫لن نزل أبدا ا‪ .‬أ ليس هذا شيئا ا رائعاا؟! ثم إننععا فععي يععوم ي‬
‫ملععك‬

‫‪104‬‬
‫‪105‬‬ ‫هل يمكن أن أعرف أني مختار؟‬

‫سيلقدم لنا بسعععة دخاععول إلععى ملكععوت‬


‫المسيح في المستقبل ي‬
‫ربنا ومخلصنا يسوع المسيح البدي!‬

‫الخلصة‬
‫من حق كععل مععؤمن ‪ -‬كمععا يعلمنععا الكتععاب المقععدس ‪ -‬أن يعععرف‬
‫حقيقة اخاتياره‪ .‬فكععل مععن أتعى باتضععاع إلعى المسععيح المخلععص‪،‬‬
‫وقلِبل باليمان عطُايا النعمة‪ ،‬هو بكل يقين مختار في المسيح قبل‬
‫تأسيس العالم‪ .‬وعلى المؤمن الحقيقي أن يعيش حيععاة التقععوى‬
‫والقداسة والثمر‪ ،‬فيجعل حقيقة اخاتياره ثابتععة لععدى ضععميره هععو‪،‬‬
‫وضمائر باقي المؤمنين أيضاا‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫الخاتيار في نور العهد‬
‫الجديد‬ ‫‪1‬‬
‫وردت كلمة “إكليكتوس” اليونانية‪ ،‬والتي تععترجام فععي العهععد‬
‫الجديد مختار أو مختععارين ‪ 22‬مععرة‪ ،1‬الرقععم الععذي يرتبععط فععي‬
‫الوحي بالبهجة والنعمععة والتسععبيح‪ .‬فحقيقععة الخاتيعار المجيعدة‬
‫مععن شععأنها أن تقععود المععؤمن إلععى الفععرح والسععجود‪ .‬كمععا أن‬
‫الكلمعة “إكلعوجاي” المترجامعة اخاتي ار ت رد ‪ 7‬م رات فعي العهعد‬
‫الجديد‪.‬‬

‫أنواع الخاتيار في الكتاب‬


‫ذي ِ‬
‫كر الخاتيععار فععي الكتععاب المقععدس فععي مجععالت متنوعععة‬
‫وعديدة نذكر منها‬
‫‪ -1‬اخاتيار أمة‪ :‬وهذا معا نععراه فعي العهعد القعديم‪ ،‬عنععدما‬
‫اخاتار الله المة اليهودية )تث ‪6 :7‬؛ رو ‪.(2،28 :11‬‬

‫‪ 3 1‬مرات عن المسيح؛ ومرة عن الملئكة؛ ‪ 9‬مرات ععن رعايعا الملكعوت؛ ‪9‬‬


‫مرات عن قديسي الوقت الحاضر‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫ملعععك فعععي الحكعععم‬‫‪ -2‬اخاتييييار لوظيفييية‪ :‬فوظيفعععة ال ي‬
‫الثيوقراطي في إسرائيل قديما ا تمت باخاتيار الععرب لمععن‬
‫يشغل هذه الوظيفة‪ .‬والرب أول ا مسح شاول ملكا ا على‬
‫إسرائيل‪ ،‬ثععم بعععد ذلععك اخاتععار داود‪ ،‬ثععم سععليمان ونسععله‬
‫ملك على شعبه )‪1‬صم ‪13-1 :16‬؛ ‪1‬أخ ‪(4،5 :28‬؛ كما‬ ‫لل ي‬
‫اخاتار سليمان ليبني الهيكل )‪1‬أخ ‪ .(6 :28‬والمععر نفسععه‬
‫بالنسععبة للخدمععة الكهنوتيععة‪ ،‬فمععا كععان أحععد يأخاععذ هععذه‬
‫الوظيفة بنفسه‪ ،‬بل المدعو من الله كما هارون أيضا ا )عد‬
‫‪5:17‬؛ مز ‪26 :105‬؛ عبَ ‪(4 :5‬؛ وفي العهد الجديد اخاتار‬
‫المسيح الرسل الثني عشر )لو ‪16-13 :6‬؛ يو ‪70 :6‬؛ أع‬
‫‪ ،(2،24 :1‬وبعدهم اخاتار بولس أيضا ا رسععول ا )أع ‪15 :9‬؛‬
‫‪.(14 :22‬‬
‫‪-3‬اخاتيار الملئكة‪ :‬فنحن نعرف أن بعض الملئكعة تبععوا‬
‫إبليس في سقوطه‪ ،‬وبالمقابلععة مععع هععذا الفريععق هنععاكا‬
‫فريق آخار‪ ،‬ظلوا علعى ولئهعم‪ ،‬ولعم يتبععوا إبليعس‪ ،‬هعم‬
‫الملئكة المختارون‪ ،‬ويسمون أيضا ا الملئكععة القديسععين‬
‫)‪1‬تي ‪21 :5‬؛ مر ‪.(38 :8‬‬
‫إذا عقدنا مقارنة بين أنواع الخاتيار‪ 1‬المختلفععة وبيععن اخاتيععار‬
‫الكنيسة فسنجد ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬بالنسبة لسرائيل‪ :‬كان اخاتيارهم كأمععة‪ ،‬بينمععا اللععه‬
‫اخاتارنا نحععن كععأفراد‪ .‬وسععوف نعععود للتوسععع فععي هععذه‬

‫‪ 1‬ول ننسى أن المسيح نفسه هو مختار الله كما نقرأ مثل ا في إشعياء ‪1 :42‬؛‬
‫‪1‬بطُرس ‪6 ،4 :2‬‬

‫‪108‬‬
‫‪109‬‬ ‫الخاتيار في نور العهد الجديد‬

‫النقطُة بعد قليل‪.‬‬


‫‪ -2‬الخاتيار للوظيفة‪ :‬اخاتار الله أشخاصا ا ليكونوا ملوكاا‪،‬‬
‫واخاتار آخاريععن ليكونععوا كهنععة‪ ،‬وكععان يسععتحيل أن يجمععع‬
‫الشخص بيععن الملكععوت والكهنعوت‪ ،‬فالملععك اخاتععص بعه‬
‫سبط يهوذا‪ ،‬والكهنوت اخاتص به سبط لوي‪ .‬أمععا نحععن‬
‫فالمسيح جاعلنا ملوكا ا وكهنة )‪1‬بط ‪9 :2‬؛ رؤ ‪.(5 :1‬‬
‫‪ -3‬اخاتيار الملئكة‪ :‬هؤلء الملئكة‪ ،‬هم ‪ -‬بموجابَ اخاتيار‬
‫اللععه لهععم ‪ -‬قديسععون وبل لععوم‪ ،‬لكنهععم ليسععوا معينيععن‬
‫للتبنععي‪ ،‬إذ أنهععم عبيععد‪ ،‬أمععا نحععن فععالله اخاتارنععا لنكععون‬
‫قديسين وبل لععوم قععدامه فععي المحبععة‪ ،‬كمععا سععبق الب‬
‫وعيننا للتبني بيسوع المسععيح لنفسععه‪ ،‬كمعا سععنذكر فععي‬
‫الفصل الثامن عشر )قارن أف ‪5 :1‬؛ عبَ ‪.(14 :1‬‬

‫مقارنة بين اخاتيار إسرائيل واخاتيار‬


‫الكنيسة‬
‫هناكا أشععخاصا حيثمععا يقععرأون فععي الكتععاب المقععدس عععن‬
‫المختارين يعتبرون ذلك إشارة إلى الكنيسة‪ .1‬لكن مععن كلمععة‬
‫الله نتعلم أن كلمة المختارين هي كلمة أكععثر شععمول ا ‪ .‬فقبععل‬
‫‪ 1‬الذين يعتقدون أن اخاتطُاف الكنيسة سيكون بعد الضيقة العظيمععة يقولععون‬
‫صر تلك اليام« يععدل علععى‬ ‫إن القول الوارد في متى ‪» 24‬لجال المختارين تق ي‬
‫أن الكنيسة ستكون موجاودة في الضيقة العظيمة‪ .‬ولكننا نقول إنععه ل عبععارة‬
‫المؤمنين ول عبارة المختععارين تنصععرف علععي الكنيسععة دون سععواها ‪ .‬فقبععل‬
‫الكنيسة وأيضععا ا بعععدها هنعاكا مؤمنعون ومختععارون‪ .‬والععذين خالصععوا فعي كعل‬
‫التدابير‪ ،‬ما كان ممكنا ا لهم أن يخلصوا مععن دون التوبععة واليمععان مععن جاععانبَ‬
‫النسان )عبَ ‪ ،(6 :11‬والنعمة والخاتيار من جاانبَ الله )قارن تك ‪.(8:6،9‬‬

‫‪109‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪110‬‬

‫الكنيسة كعان هنعاكا مختعارون‪ ،‬وبععد الكنيسعة سعيكون هنعاكا‬


‫أيضا ا مختارون‪ .‬لكن الكنيسة في اخاتيارها لها امتيازأات خااصة‬
‫وفريدة‪ .‬ويمكن القول إن مبدأ الخاتيار قديم‪ ،‬فععالله فععي كععل‬
‫الزأمنة والتدابير هععو صععاحبَ السععلطُان المطُلععق‪ ،‬يفعععل كمععا‬
‫يشاء في جاند السماء وسكان الرض‪ ،‬لكن نوع اخاتيار الكنيسة‬
‫جاديد ومجيد‪ .‬ولكي يبرزأ لنا سمو نوعية اخاتيار الكنيسععة علععى‬
‫اخاتيار المععة اليهوديععة )الشعععبَ المختععار( فععي العهعد القعديم‪،‬‬
‫سأذكر أربعة فروقا جاوهرية بين اخاتيارنا واخاتيارهم‪:‬‬
‫‪ -1‬بالنسبة لهم فإن اخاتيارهم كأمة وكشعب‪ .‬فمثل ا يقعععول‬
‫في تثنية ‪» 6 :7‬لنك أنت شعبَ مقدس للرب إلهععك‪ ،‬إيععاكا‬
‫ص مععن جاميععع‬‫قد اخاتار الرب إلهك لتكععون لععه شعععبا ا أخاعع ي‬
‫الشعوب الذين علععى وجاععه الرض«‪ .‬وهنععاكا آيععات أخاععرى‬
‫كثيرة تشير إلى اخاتيارهم كشعبَ ليكونوا شعبا ا خااصعا ا للعه‬
‫علي الرض‪ ،‬وهذا يعطُيهم وضعا ا خاارجايا ا مميععزاا‪ .‬ويرتبععط‬
‫بهذا الخاتيار أمران هما‪ :‬ولدة جاسدية من أبوين يهععوديين‪،‬‬
‫ثم ممارسة الختان‪.‬‬
‫أما بالنسبة للكنيسة فإن كل قديس فيها مختععار اخاتيععارا ا‬
‫فردياا‪ ،‬وهذا يتضمن كتابة اسمه فععي سععفر الحيععاة )فععي‬
‫‪ ،(3 :4‬فععي السععماوات )لععو ‪ ،(20 :10‬وعليععه لفكرلهععم‬
‫معروفون‪ 1‬واحدا ا واحدا ا عند الله‪ ،‬لنه »سبق فعرفهععم«‬
‫)رو ‪.(29 :8‬‬

‫‪ 1‬المقصود بالمعرفة هنا ل معرفة الله المطُلقة‪ ،‬بل معرفة المعيزة‪ ،‬كما أشرنا في‬
‫الفصل الحادي عشر‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫‪111‬‬ ‫الخاتيار في نور العهد الجديد‬

‫ي‪ :‬بمعنععى أن اللععه اخاتععار إسععرائيل‬


‫‪ -2‬اخاتيععارهم أرضيي ي‬
‫لبركات أرضية‪ ،‬ول يععدخال ضععمنها أيععة بركععات سععماوية‪.‬‬
‫بل إننا ل نقرأ عن السماويات إطلقا ا في العهد القععديم‪.‬‬
‫ويوضح الوحي أنه لما حصععلت بلبلععة اللسععنة أيععام بععرج‬
‫فرقا الرب المم‪ ،‬كان في ذهنععه شعععبه الرضععي‪،‬‬
‫بابل‪ ،‬و ي‬
‫كقول موسى فععي نشععيده الععذي نطُععق بععه فععي مسععامع‬
‫الشعبَ »حين قسم العلي للمم‪ ،‬وحين فععيرقا بنععي آدم‪،‬‬
‫نصبَ تخوما ا لشعوب حسبَ عععدد بنععي إسععرائيل« )تععث‬
‫‪ .(8 :32‬إذا ا فهم اخاتيععارهم أرضععي‪ ،‬وترتبععط بععه بركععات‬
‫أرضية‪ :‬ندى السماء ودسم الرض )تك ‪ ،(28 :27‬بركععة‬
‫في المدينة وبركة في الحقل )تث ‪ ،(3 :28‬سلته مباركة‬
‫وكذلك معجنه )تث ‪ ،(5 :28‬ذريته كثيرون وعمره مديد‪،‬‬
‫امرأته مثل كرمة مثمععرة فععي جاععوانبَ بيتععه وبنععوه مثععل‬
‫غروس الزيتون حول مائدته )مز ‪ ،(3 :128‬بالجامال هي‬
‫كلها بركات أرضية‪ ،‬لن اخاتيارهم مرتبط بالرض‪.‬‬
‫أما بالنسبة لنا فبركاتنا‪ ،‬على العكس من ذلك‪ ،‬ل علقععة‬
‫لها بالرض بل إن الله أبانا »باركنا بكل بركة روحية فععي‬
‫السععماويات« )أف ‪ ،(3 :1‬ولهععذا فععإن أسععماءنا أيضععا ا‬
‫مكتوبععة فععي السععماوات )عععبَ ‪ ،(23 :12‬وسععيرتنا )أو‬
‫جانسيتنا( هي في السماوات )فععي ‪ .(20 :3‬وعليععه فععإن‬
‫الععذين ينععادون بإنجيععل الصععحة والغنععى‪ ،1‬وبصععفة عامععة‬

‫‪ 1‬ينادي البعض بأن المؤمنين بالمسيح الن لهععم أن يتمتعععوا بالصععحة الكاملععة‬
‫التي ل يصيبها أي مرض‪ ،‬على أساس أن المسيح في الكفارة حمل أمراضنا‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫البركة علي الرض‪ ،‬دلععوا علععي عععدم فهععم الفععارقا بيععن‬
‫إسرائيل وبركاته الرضية‪ ،‬والكنيسة وبركاتها السععماوية‬
‫التي ل علقة لها بالرض‪ ،‬ول بالزمان‪.‬‬
‫‪ -3‬اخاتيارهم منذ تأسيس العالم‪ :‬فطُالمععا أن اخاتيععارهم‬
‫أرضععي فل يمكععن أن يكععون مععن قبععل تأسععيس العععالم‪.‬‬
‫ولذلك فإننا نقرأ أيضا ا في رؤيا ‪ 13‬عن المختارين هنععاكا‬
‫أن أسععماءهم مكتوبععة فععي سععفر حيععاة الخععروف منييذ‬
‫تأسيس العالم‪ .‬وهكذا أيضا ا في متى ‪» 34 :25‬تعععالوا‬
‫يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكععم منذ تأسيييس‬
‫العالم«‪ .‬إذا ا فاخاتيارهم بدايته تأسععيس هععذا العععالم‪ ،‬أي‬
‫مع بداية الزمان‪ .‬والعهد القديم كما نعلم يبدأ مع بدايععة‬
‫الزمان‪ ،‬فأول آية فيه »في البعدء خالعق اللعه السعماوات‬
‫والرض«‪ ،‬أما العهد الجديد فيعود إلى ما هو أسععبق مععن‬
‫هععذا البععدء‪ ،‬إذ يتحععدث كععثيرا ا عععن الزأل )انظععر الفصععل‬
‫السادس عشر(‪ .‬ولهذا فإن الكنيسععة قععد اخاتارهععا اللععه‬
‫فععي المسععيح قبععل تأسععيس العععالم‪ ،‬كمععا سنوضععح فععي‬
‫الفصل الثامن عشر )أف ‪.(3 :1‬‬

‫كما وينادون بأن المسيحي له أن يطُلبَ كععل معا يشععتهي‪ ،‬والععرب بكعل تأكيععد‬
‫سيعطُيه ما يطُلبه‪ .‬هؤلء ييعتبرون هراطقعة‪ ،‬ومزييفيعن لكلمعة اللعه‪ .‬فليعس‬
‫في الكفارة حمل المسيح أمراضنا بل أنه عندما كععان يشععفي المرضععى فقععد‬
‫حمل أمراضهم في نفسه )مت ‪ ،(16،17 :8‬إذ دخال بعععواطفه فععي متععاعبهم‬
‫)مر ‪ .(34-32 :7‬لكن نظرا ا لن جاسدنا لم يفتد بعد‪ ،‬فإن المععؤمن يتعععرض ‪-‬‬
‫إذا سمحت مشيئة الله ‪ -‬للمراض )في ‪27،30 :2‬؛ ‪1‬تي ‪23 :5‬؛ ‪2‬تي ‪،(20 :4‬‬
‫بل وأيضا ا للموت‪ .‬ونفس المر يقال عععن موضععوع الغنععى والفقععر )انظععر أع‬
‫‪6 :3‬؛ ‪1‬كو ‪11 :4‬؛ ‪2‬كو ‪10 :6‬؛ يع ‪.(5 :2‬‬

‫‪112‬‬
‫‪113‬‬ ‫الخاتيار في نور العهد الجديد‬

‫‪ -4‬اخاتيارهم ينتهي بنهاييية الزميين‪ :‬فلن اخاتيععارهم منععذ‬


‫تأسيس العالم‪ ،‬فععإنه مرتبععط بهععذا العععالم‪ ،‬وينتهععي بنهايععة‬
‫الزمععن أو نهايععة العععالم‪ ،‬وبعدئععذ ل يبقععى شععيء اسععمه‬
‫إسععرائيل‪ .‬ففععي البديععة سععيكون هنععاكا "اللععه والنععاس"‬
‫)الناس بصفة عامة(‪ ،‬وكل الخاتلفات بيععن الجانععاس‪ ،‬بمععا‬
‫فيها مركز إسعرائيل الممتعازأ فعي الملعك اللفعي سعينتهي‬
‫بنهاية الزمن لنه مرتبط بالرض‪ .‬أمععا بالنسععبة للكنيسععة‪،‬‬
‫فلن اخاتيارها أزألي‪ ،‬فإنها سععتظل أيضععا ا إلععى أبععد البععدين‬
‫باعتبارها العروس السماوية امرأة الخروف )أف ‪.(27 :5‬‬

‫اخاتيار الكنيسة‬
‫والن دعنا نمر على سباعية مرتبطُة باخاتيععار الكنيسععة كمععا‬
‫هي واضحة في العهد الجديد‪:‬‬
‫‪ -1‬سييلطة الخاتيييار‪ :‬الخاتيععار هععو عمععل اللععه‪ ،‬وذلععك‬
‫بمقتضى نعمته السيادية »من سيشععتكي علعى مختععاري‬
‫الله« )رو ‪(33 :8‬؛ »المختارين بمقتضى علم‪ 1‬الله الب‬
‫السععابق« )‪1‬بععط ‪ ،(2 :1‬انظععر أيضععا ا أفسععس ‪5-3 :1‬؛‬
‫رومية ‪30، 29 :8‬؛ تيطُس ‪.1 :1‬‬
‫‪ -2‬زأمان الخاتيار‪ :‬قبل تأسععيس العععالم )أف ‪ .(4 :1‬أي‬
‫قبل أن تولد الجبععال أو تبععدأ الرض المسععكونة‪ .‬فمهمععا‬
‫رجاعنا إلى الوراء عصورا ا ودهورا ا وحقباا‪ ،‬فإننععا لععن نصععل‬

‫‪ 1‬والعلم هنا كما سععبق أن ذكرنععا‪ ،‬ليععس مجععرد المعرفععة‪ ،‬بععل أيضععا ا النعمععة‬
‫والقصد‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫إلى الزأل‪ ،1‬عندما لم يكن للكون وجاود‪ ،‬وعندما لم يكععن‬
‫هنععاكا خاليقععة ول حركععة ول زأمععن‪ ،‬ل شععيء سععوى اللععه‬
‫وحده‪ .‬في تلععك الزأليععة الععتي ل نعلععم عنهععا شععيئاا‪،‬‬
‫حيث لم يكعن ملكا ييسعيبح‪ ،‬ول كعروب يطُيععر‪ ،‬فعي‬
‫ذلك الزأل السحيق كان المختارون ف ي فكعر اللعه‬
‫ومقاصده الثابتة‪.‬‬
‫‪ -3‬مسوغات الخاتيار‪ :‬الخاتيار هو »حسبَ مسععرة مشععيئة‬
‫اللععه« )أف ‪ ،(5 :1‬و»حسععبَ اخاتيععار النعمععة« )رو ‪.(5 :11‬‬
‫وبالتععالي فهععو ليععس مبنيععا ا علععي أي اسععتحقاقا مععن جاععانبَ‬
‫النسان‪) 2‬رو ‪13-11:9‬؛ ‪20:10‬؛ ‪16-4:11‬؛ يععو ‪ .(9‬فل‬
‫العمععال الصععالحة‪ ،‬ول حععتى التوبععة واليمععان‪ ،‬كععانت سععببا ا‬
‫للخاتيار‪ ،‬بل هذه كلها جااءت نتيجة له وبرهانا ا عليععه‪ .‬ولهععذا‬
‫فإن الرسول يسععمي أشخاصععا ا بعأنهم مختععارون حععتى قبععل‬
‫خالصهم )‪2‬تى ‪ ،(10 :2‬تماما ا كما دعععا اللععه جاماعععة بععأنهم‬
‫شعبه قبل رجاوعهم إليه )أع ‪.(10 :18‬‬
‫‪ -4‬غاية الخاتيار‪ :‬ليس الخاتيار هو لكي ل نهلك‪ ،‬ول حتى‬
‫رد كحلقة متوسععطُة تربععط بيععن‬
‫لكي نخلص‪ .‬فالخلصا ي ل ِ‬
‫الخاتيار الزألي والمجعد البعدي )‪2‬تعس ‪ .(13 :2‬ولكيمعا‬
‫يمكننععا أن نصععل إلععي المجععد كععان يلععزم الخلصا‪ 3‬مععن‬

‫‪ 1‬لقد خالق الله السماوات والرض »في البدء« )تك ‪ ،(1 :1‬ول يوجاد من يقععدر أن‬
‫يعرف كم من المليين أو البليين من السنين مععرت منععذ أن خالععق اللععه السععماوات‬
‫والرض‪ .‬لكنا نعرف أن الله اخاتارنا قبل ذلك‪.‬‬
‫‪ 2‬انظر الفصل الحادي عشر‬
‫‪ 3‬هنا نجد المرة الوحيدة في الوحي التي تربعط بيعن الخاتيعار والخلصا‪ .‬ولنعا‬

‫‪114‬‬
‫‪115‬‬ ‫الخاتيار في نور العهد الجديد‬

‫الخطُية وتوابعها‪ .‬أما الن بعد الصليبَ وتمجيد المسععيح‬


‫ومجيء الروح القدس‪ ،‬فقععد كشععف اللععه عععن مقاصععده‬
‫الزأليعععة السعععماوية‪ ،‬إذ أراد أن يمتلعععك لنفسعععه شععععبا ا‬
‫يسععكنون معععه إلععي أبععد البععدين فععي بيتععه السععرمدي‪،‬‬
‫ويكونون مشابهين صورة ابنه الحبيبَ ليشاركوه في كل‬
‫مجده‪ ،‬ولكي ينظروا مجده الخاصا )يو ‪.(24-20 :17‬‬
‫‪ -5‬مدى الخاتيار‪ :‬إن اخاتيار الكنيسة هو إلععى أبععد البععدين‪،‬‬
‫لذلك يرد القول‪» :‬له المجد في الكنيسة في المسيييح‬
‫يسوع إلى جاميع أجايال دهيير الييدهور« )أف ‪،(21 :3‬‬
‫إذ سيظل لنا وضع خااصا ومميز إلى أبد البدين‪.‬‬
‫‪ -6‬برهان الخاتيار‪ :‬القبول واليمععان والطُاعععة بالنسععبة‬
‫لإعلن النجيل فععي البدايععة‪ ،‬ثععم حيععاة الصععلة والتقععوى‬
‫والقداسة والعمال الصالحة بقية العمر والحيععاة )‪2‬بععط‬
‫‪.(11-5 :1‬‬

‫على ذلك تعليق ثلثي‪:‬‬


‫ل‪ :‬الخلصا هنا هو بالمقابلة مع الهلكا الذي ذكععره الرسععول فععي العععداد‬ ‫أو ا‬
‫السابقة‪ .‬فإن كان الذين لم يحبوا الحق مصيرهم الهلكا‪ ،‬فإن الخلصا‬
‫من نصيبَ الذين أحبهم الله‪.‬‬
‫ثانياا‪ :‬نلحظ أنه عندما جااء الكلم عن الخلصا يقول الوحي »اخاتععاركم منذ‬
‫البدء«‪ ،‬فليس أن الله اخاتارنا للخلصا من قبل تأسيس العععالم‪ .‬ففععي‬
‫الزأل لم تكعن هنعاكا خاطُيعة‪ ،‬وبالتعالي ل اخاتيعار للخلصا‪ .‬وأمعا لنكععون‬
‫مشابهين صورة ابن الله فقد اخاتارنا الله‪.‬‬
‫ثالثاا‪ :‬أن كلمة الخلصا كلمة شاملة وكععبيرة‪ ،‬تتضععمن الوصععول إلععى المجععد‬
‫)الخلصا في مرحلته الثالثة‪ ،‬أو المرحلة المستقبلة(‪ .‬وهععو مععا يقصععده‬
‫ل‪» :‬الخلصا‪ ،‬المععر الععذي دعععاكم إليععه‬ ‫الرسول هنععا لنععه يسععتطُرد قععائ ا‬
‫بإنجيلنا لقتناء مجد ربنا يسوع المسيح«‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪116‬‬

‫‪ -7‬هدف الخاتيييار النهييائي‪ :‬مجععد اللععه ومجععد نعمتععه‬


‫»حسبَ مسرة مشيئته‪ ،‬لمدح مجد نعمته التي أنعم بهععا‬
‫علينعععا فعععي المحبعععوب‪ ..‬لنكعععون لمعععدح مجعععده« )أف‬
‫‪.(5،6،12 :1‬‬

‫الخلصة‬
‫مبدأ الخاتيار هو مبدأ قديم‪ ،‬وهو ما نراه من أول الكتاب المقدس‬
‫عندما اخاتار الله إبراهيم‪ ،‬ثم اخاتار إسحاقا‪ ،‬ثم اخاتعار يعقعوب‪ ،‬ث م‬
‫اخاتار الشعبَ الرضي‪ ،‬وهكذا‪ .‬لكن نوع اخاتيار الكنيسة‪ ،‬هو نععوع‬
‫جاديد ومجيد‪ ،‬وهو ما سنراه بأكثر وضوح في الفصلين ‪.17،18‬‬

‫‪116‬‬
‫اعتراضات على الخاتيار‬

‫رغععم أن حقيقععة الخاتيععار واضععحة تمامععا ا فععي‬


‫‪1‬‬
‫الكتاب المقدس‪ ،‬ول سيما أسفار العهد الجديعد‪ ،‬فعإن بعضعا ا ل‬
‫يقبلونها‪ .‬ول يرجاع رفضهم لها إلى عدم وضوحها في الععوحي‪،‬‬
‫بل إلى عدم استعداد الذهن الجسدي للنحناء لسلطُان الله أو‬
‫لنعمته‪ ،‬أو لكليهما معاا‪.‬‬
‫والعتراض على مبدأ الخاتيار نقرأ عنه في لملثل فللعلة الكرم‬
‫)متى ‪ .(20‬كما أن الرسول بولس في رسععالة روميععة سععجل‬
‫بالوحي جاانبا ا من هععذه العتراضععات‪ ،‬كمععا ذكرنععا فععي الفصععل‬
‫التاسع‪ .‬ومن المهم أن نلحظ أن الرسول بولس لم يرد على‬
‫هععذا المعععترض‪ ،‬بععل بععالحري أغلععق أمععامه علععى الفععور بععاب‬
‫المناقشععة إذ أجاععابه‪» :‬مععن أنععت أيهععا النسععان‪..‬؟«‪ ،‬ذلععك لن‬
‫السائل هنا ل يستفسر ويستوضح لكي يفهم‪ ،‬بععل إنععه يعععترض‬
‫على الله‪ .‬ونحن نعلم أن المؤمن التقي ل يستجوب اللععه‪ ،‬بععل‬
‫يخلع حذاءه من رجاليعه وهعو ف ي محض ر اللعه‪ ،‬ويغطُعي وجاهعه‬
‫مهابة واحتراماا‪ ،‬ويقول مثل أيوب »لكنععي قععد نطُقععت بمععا لععم‬
‫أفهم‪ ،‬بعجائبَ فوقي لععم أعرفهععا« )أي ‪ ،(3 :42‬ومععع حبقععوقا‬

‫‪117‬‬
‫يقول »أما الرب ففي هيكععل قدسععه‪ ،‬فاسععكتي قععدامه يععا كععل‬
‫الرض« )حبَ ‪.(20 :2‬‬
‫ليس أن الله حاكم مستبد‪ ،‬ل يقبل من البشععر مناقشععة‪ ،‬ول‬
‫يريععد للنععاس الفهععم‪ ،‬حاشععا! فلقععد خالقنععا اللععه علععى شععبهه‬
‫كصععورته‪ .‬وكععثيرا ا عنععدما سععقط القديسععون علععى وجاععوههم‬
‫أمععامه‪ ،‬أقععامهم وعلمهععم أفكععاره‪ ،‬لن »سععر الععرب لخععائفيه‪،‬‬
‫وعهده لتعليمهم« )مز ‪.(14 :25‬‬
‫* * *‬
‫والناس في اعتراضععاتهم علععى مبعدأ الخاتيععار يتجهعون إلعى‬
‫اتجاهات ثلثة‪ :‬نحو الله‪ ،‬ونحو المؤمنين ونحو العععالم‪ .‬فهععم‬
‫يقولون إن هذا التعليم يتضمن ظلمعا ا مععن الخععالق لبعععض معن‬
‫خاليقته‪ ،‬وهو ما ل يليق بالله‪ .‬ثم يقولون إنه قد يقود المؤمنين‬
‫للباحية وعدم التدقيق في سلوكهم‪ .‬ثم يقولون أخايرا ا إنه قععد‬
‫يقععود المععؤمنين للنغلقا علععى أنفسععهم‪ ،‬فيهملععون الكععرازأة‬
‫للنفوس الهالكة‪.‬‬

‫هل هذا التعليم يتضمن ظلما ا من‬


‫جاانبَ الله؟‬
‫لقععد ورد هععذا العععتراض فععي روميععة ‪ 14 :9‬عنععدما سععأل‬
‫الرسععول‪» :‬أ لعععل عنععد اللععه ظلمععاا« ؟ وكععانت إجاععابته هععي‬
‫»حاشا«‪ .‬وهو تعبير ‪ -‬كما ذكر أحد العارفين لليونانيععة ‪ -‬يعنععي‬
‫“كل البتة”‪ ،‬أو “ل‪ ،‬وألف مرة ل”‪ .‬إن مجرد احتضان فكر كهذا‬
‫في ذهن النسان يعتبر تجديفاا‪ .‬وإبراهيم أبععو المععؤمنين قععال‪:‬‬

‫‪118‬‬
‫‪119‬‬ ‫اعتراضات على الخاتيار‬

‫»أديان كل الرض ل يصنع عد ا‬


‫ل؟« )تك ‪.(25 :18‬‬
‫سععبق أن عرفنععا أن سععلطُان اللععه المععذكور فععي روميععة ‪9‬‬
‫يستخدمه اللععه فععي اتجععاه واحععد فقععط‪ ،‬هععو اتجععاه الرحمععة فععي‬
‫الخلصا‪ ،‬وليس الظلععم فععي القضععاء »لنععه يقععول لموسععى إنععي‬
‫أرحم من أرحم وأتراءف علعى معن أتعراءف« )رو ‪ ،(14 :9‬ولعم‬
‫يقل أيضا ا وأظلم من أظلم‪ .‬والرحمة التي يظهرهععا اللععه لبععض‬
‫الناس ل تمثل ظلما ا للخاريععن‪ .‬فرئيععس البلد مثل ا مععن حقععه أن‬
‫يعفععو عععن الجععاني إذا رأى بحسععبَ وجاهععة نظععره أن العفععو عععن‬
‫الجاني سيكون أكثر ملئمة للدولة من تنفيععذ الحكععم عليععه‪ .‬أمععا‬
‫الجاني الذي يستحق العدام‪ ،‬ول يعفو عنه رئيس البلد فهععو لععم‬
‫يمت بريئا ا مظلوماا‪ ،‬بل نال بالعدل استحقاقا ما فعل‪.‬‬
‫والناس يفهمون العععدل بععأن “المسععاواة فععي الظلععم عععدل”‪.‬‬
‫فلو تركا الله كل البشر يهلكون )علما ا بأن هععذا مععن جاععانبَ اللععه‬
‫ليس ظلماا(‪ ،‬أ فيكون ذلك في نظر المعترض أكثر عععدل ا مععن أن‬
‫يختار الله بعضاا‪ ،‬دون استحقاقا منهم‪ ،‬ويباركهم!!‬
‫إن كل البشر خاطُاة ويستحقون الهلكا‪ .‬ولو أن اللععه قصععد‬
‫أن يدين أي إنسان لكان هذا هو العدل‪ .‬أما أن يرحععم اللععه أي‬
‫واحد مما يستحق‪ ،‬ثم يجزل له العطُاء‪ ،‬فهذا فقط من مطُلععق‬
‫نعمته‪ .‬والكتاب يوضح أن الله أحبَ العععالم‪ ،‬وأنععه أعععد كفععارة‬
‫للجميع‪ ،‬وأن روح الله يجاهععد مععع النسععان‪ ،‬وأن المسععيح فتععح‬
‫البععاب أمععام جاميععع البشععر قععائل ا‪» :‬مععن يقبععل إلععي ل أخارجاععه‬
‫خاارجااا«‪ .‬ومن هذا كله يمكن القول إن جاميععع البشععر عوملععوا‬
‫أفضل جادا ا مما يستحقون‪ ،‬وأنععه ول واحععد عومععل بأسععوأ ممععا‬

‫‪119‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪120‬‬

‫يستحق‪.‬‬
‫ولقد أوضح الرب هذا المبدأ في مثل فعلة الكععرم المععذكور‬
‫في متى ‪ ،20‬فهو اتفق في الصباح الباكر مع الفعلععة علععى أن‬
‫يعملوا فععي كرمععه مقابععل أن يعطُيهععم فععي آخاععر اليععوم دينععارا ا‬
‫واحداا‪ .‬وهو ما فعله فعل ا معهم فععي آخاععر النهععار‪ .‬فهععل يكععون‬
‫صععاحبَ الكععرم فععي هععذه الحالععة قععد ظلععم أحععداا؟ كل‪ .‬لكععن‬
‫صاحبَ الكرم أعطُى أيضا ا الذي اشتغل سععاعة واحععدة دينععاراا‪.‬‬
‫أ ليس هذا من حقععه؟ ولمععا اعععترض أحععد العبيععد الععذين اتفععق‬
‫معهم على الدينار قال له » يا صاحبَ ما ظلمتك‪ .‬أما اتفقععت‬
‫معي على دينار؟ فخذ الذي لك واذهبَ‪ .‬فإني أريد أن أعطُي‬
‫هذا الخاير مثلك‪ .‬أ لول ما يحل لي أن أفعل ما أريععد بمععا لععي؟ أم‬
‫عينك شريرة لنععي أنععا صععالح؟«‪ .‬فصععاحبَ الكععرم إذا ا عامععل‬
‫بعضا ا بالبر وبعضا ا بالصلح‪ ،‬لكن هل ظلم أحععداا؟ لععو لععم يعععط‬
‫الذي اتفععق معععه علععى الععدينار دينععارا ا لكععان ممكنععا ا أن نتهمععه‬
‫بالظلم‪ ،‬أيمععا كععونه أعطُععى بعضععا ا أكععثر ممععا يسععتحقون‪ ،‬فهععذا‬
‫بالطُبع ليس ظلما ا‪.‬‬
‫وسواء نال النسان ما يستحقه )وهذا عدل(‪ ،‬أو لم ينل‬
‫من العقاب ما يستحقه )وهذه رحمة(‪ ،‬أو نال مععن الجععود‬
‫والحسان ما لم يكن يستحقه )وهذه نعمععة(‪ ،‬ففععي كععل‬
‫الحوال ليس عند الله ظلم على الطلقا‪.‬‬
‫وواضح أن الله ليس ملزمعا ا أن يظهعر جاعوده للجميعع‪ .‬أمعا‬
‫الظلم فحاشا أن ننسبه لله‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫‪121‬‬ ‫اعتراضات على الخاتيار‬

‫هل يقود هذا التعليم إلى الباحية؟‬


‫ضهم مععن أن تقععود معرفععة حقيقععة الخاتيععار لععدى‬
‫يخشى بع ي‬
‫بعض المؤمنين إلى حياة الباحية‪ .‬لكن تتبعنععا لقععوال الععوحي‬
‫عن الخاتيار ل يقودنا إلى هذه النتيجة قط‪ ،‬بل عكسها‪ .‬يقععول‬
‫الععوحي المقععدس‪» :‬هععوذا للععرب إلهععك السععماوات وسععماء‬
‫السماوات‪ ،‬والرض وكل مععا فيهععا‪ .‬ولكععن الععرب إنمععا التصععق‬
‫بآبائك ليحبهم‪ .‬فاخاتار من بعدهم نسلهم الذي هو أنتععم‪ ،‬فععوقا‬
‫جاميع الشعععوب‪ ،‬كمععا فععي هععذا اليععوم«‪ ،‬ثععم يعلععق علععى ذلععك‬
‫بالقول‪»:‬فاخاتنوا غرلة قلوبكم‪ ،‬ول تصلبوا رقعابكم بععد« )تععث‬
‫‪ .(16-14 :10‬فبعععد أن أكععد علععى حقيقععة الخاتيععار فععي ع ‪15‬‬
‫فإنه مباشرة أكد على تأثيرها العملي اليجابي‪.‬‬
‫ومععن الهميععة بمكععان أن نععدركا هععذا المععر الجععوهري الععذي‬
‫أشرنا إليه مراراا‪ ،‬وهو أن اخاتيار الله لنا ليس لكي ل نذهبَ إلععى‬
‫جاهنم‪ ،‬فل يوجاد نص كتابي يقول ذلك‪ ،‬بل إن الله اخاتارنا لنكععون‬
‫قديسين )أف ‪ .(4 :1‬فكيف يكون اخاتيار الله لشخاصا ليكونععوا‬
‫قديسععين أمععرا ا يععدعو هععؤلء الشععخاصا لعيشععة الخطُيععة أو‬
‫النجاسععة! وفععي هععذا التجععاه عينععه يقععول الرسععول بطُععرس‬
‫للمؤمنين »إلى‪ ..‬المختارين بمقتضى علععم اللععه الب السععابق‪،‬‬
‫في تقديس الروح للطاعة« )‪1‬بط ‪.(2، 1 :1‬عع فهععل هععؤلء‬
‫كه م له ذا الحعق‬‫الذين اخاتارهم الب لكي يطُيعوا‪ ،‬يقودهم امتل ي‬
‫السامي إلى أن يحيوا حياة العصيان أو الإباحية؟!‬
‫لقد اخاتار الله أشخاصا ا ليكونوا ملوكا ا وكهنععة للععه‪ .‬فعنععدما‬

‫‪121‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪122‬‬

‫تتغلغل في قلبَ المؤمن هذه الحقيقة المجيدة‪ ،‬أن الله اخاتاره‬


‫ليكون ملكاا‪ ،‬هل يقول مثل هذا المععؤمن‪“ :‬لقععد اخاتععارني اللععه‬
‫لكون ملكاا‪ ،‬ولهذا سأعيش متسو ا‬
‫ل‪ .‬لقد تعيينت للعرش ولهذا‬
‫السببَ سأرتدي السمال وأعيش في الوحال”؟! هذا محال‪.‬‬
‫وهكععذا تمامععا ا مععن يقععول إن الععذين اخاتععارهم اللععه ليكونععوا‬
‫قديسين‪ ،‬فإن معرفتهععم لهععذه الحقيقععة سععتقودهم إلععى حيععاة‬
‫الباحيععة والنجاسععة‪ .‬العكععس هععو الصععحيح كقععول الرسععول‬
‫»فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبععوبين أحشععاء رأفععات‬
‫ولطُفا ا وتواضعا ا ووداعععة‪) «...‬كععو ‪ .(12 :3‬هععذه كلهععا يلبسععها‬
‫المؤمنون باعتبارهم مختاري الله القديسين المحبوبين‪.‬‬
‫إذا ا فالفكر القائل بأن حقيقة الخاتيار تقود إلى الباحية غيععر‬
‫صحيح على الطلقا‪ ،‬بل عكسه تماما ا هو الصحيح‪ .‬فععالمؤمن‬
‫عندما يعرف أن الله أحبه حبا ل خااصلا‪ ،‬وأكرمه إكراما ا لععم يكععرم‬
‫به غيره‪ ،‬وذلك من مطُلق نعمتعه الغنيعة‪ ،‬فعإنه حتمعا ا سععيعيش‬
‫حياة مختلفة عن الخارين‪ ،‬يمكنه فيهععا أن يقععول مععع الرسععول‬
‫بولس »لننا نحن عمله‪ ،‬مخلوقين في المسيح يسععوع لعمععال‬
‫صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها« )أف ‪.(10 :2‬‬

‫هل يقود تعليم الخاتيار إلى النغلقا؟‬


‫ض أن يؤدي اقتناع المؤمنين بحقيقعة اخاتيعار اللعه‬
‫يخشى بع د‬
‫للبعض من قلببل تأسععيس العععالم‪ ،‬إلععى النغلقا علععى أنفسععهم‬
‫وعدم التفكير في نفوس الهالكين من حولنا‪ ،‬إذ إن المختععارين‬
‫سيأتي الرب بهم حتما ا إليه‪ ،‬وعليه فليس مععن دارع لن ننشععغل‬

‫‪122‬‬
‫‪123‬‬ ‫اعتراضات على الخاتيار‬

‫بهم‪ .‬لكن هذا الفكر أيضا ا غير صحيح لجملة أسباب‪ :‬الول هو‬
‫أن المؤمن عندما يتجه ببشععارة النجيععل إلععى العععالم الخععاطئ‬
‫فععإنه يفعععل ذلععك ‪ -‬فععي المقععام الول ‪ -‬إتمامععا ا لوصععية الععرب‬
‫لتلميذه »اذهبوا إلى العالم أجامع‪ ،‬واكععرزأوا بالنجيععل للخليقععة‬
‫كلهععا« )مععر ‪ .(15 :16‬فبغععض النظععر عععن النفععوس )مععع أننععا‬
‫نحبها( فنحن‪ ،‬بكرازأتنا للهالكين‪ ،‬نتمم وصية الرب‪.‬‬
‫ثم ثانياا‪ :‬صحيح إن هؤلء المختارين ل بد أن يأتي الععرب بهععم‬
‫إليه‪ .‬لكنه لن يأتي بهم دون وصول الكرازأة إليهم‪ ،‬لنععه »كيععف‬
‫يدعون بمن لم يؤمنوا به؟ وكيف يؤمنون بمن لم يسععمعوا بععه؟‬
‫وكيف يسمعون بل كارزأ« )رو ‪ .(14 :10‬وإذا قصععر فريععق مععن‬
‫المؤمنين في توصيل كلمة البشارة للنفوس الهالكة‪ ،‬فإن الرب‬
‫سيستخدم غيرهعم‪ .‬أمعا هعؤلء العذين قصعروا فستضعيع منهعم‬
‫فرصة خادمة السيد وربح النفوس له‪ .‬ذلععك لن اللععه كمععا عييعن‬
‫المختارين بأسمائهم‪ ،‬فإنه حدد طريقة وأسلوب خالصهم‪ .‬هععذا‬
‫السلوب هو النجيل ول شيء آخار سوى النجيععل‪) 1‬رو ‪17 :10‬؛‬
‫‪1‬تس ‪4،5 :1‬؛ ‪2‬تس ‪13،14 :2‬؛ أع ‪ .(48 :13‬والرسعول قبعل‬
‫أن يقول »انظروا دعوتكم‪ ...‬اخاتار الله«‪ ،‬قال‪» :‬استحسن الله‬
‫أن يخلص المؤمنين بجهالة الكرازأة« )‪1‬كو ‪ .(28-21 :1‬وعليععه‬
‫فكثيرا ا ما نشاهد شخصا ا بسععيطُا ا يسععتخدمه روح اللععه بكلمععات‬
‫قليلة فتخلص النفوس‪ .‬ذلك لن روح الله عمل بدعوته الفعالة‬

‫‪ 1‬نحن نعرف ما قاله الرسول بولس للتسالونيكيين المختارين من الله‪ ،‬فلقععد‬


‫قال لهم إن الله »دعاكم‪ ...‬بإنجيلنا لقتناء مجد ربنا يسوع المسععيح« )‪2‬تععس‬
‫‪ .(13،14 :2‬ومن هذا نتعلم أن الخاتيار ل يبطُل التبشير‪ ،‬فالدعوة تصل إلععى‬
‫المختارين من طريق التبشير بالنجيل‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪124‬‬

‫في هذه النفس‪ ،‬والتي بدونها لن يستطُيع أقدر المبشرين على‬


‫تخليص نفس واحدة‪.‬‬
‫إن الصلة والكرازأة ليسععا همععا سععببَ الخلصا بععل وسععيلته‬
‫فقط‪ .‬أما سببَ الخلصا فهو عمل الله بالنعمة المطُلقععة بنععاء‬
‫على الخاتيار الزألي‪.‬‬
‫كل‪ ،‬إن تعليععم الخاتيععار مععتى فيهععم فهمععا ا صععحيحاا‪ ،‬ل يقععود‬
‫المععؤمن الفععرد‪ ،‬ول المععؤمنين كجماعععة لن يتقوقعععوا علععى‬
‫أنفسهم ناسين النفععوس الهالكععة الععتي مععات المسععيح لجالهععا‪.‬‬
‫فالعكس هو الصحيح‪ .‬فلقد شجع الرب الرسول بععولس بهعذه‬
‫الحقيقة المجيدة عندما قععال لععه‪» :‬تكلععم ول تسععكت‪..‬لن لععي‬
‫شعبا ا كثيرا ا في هذه المدينة« )أع ‪.(9،10 :18‬‬
‫لقد اخاتار الله إبراهيم‪ ،‬لكنه اخاتاره ليكععون بركععة ل لعععائلته‬
‫فحسبَ )تك ‪ ،(19 :18‬بل لجميععع قبائععل الرض )تععك ‪.(3 :12‬‬
‫وفي هذا التجاه عينه يقععول الرسععول بطُععرس عععن المععؤمنين‬
‫»وأمععا أنتععم فجنععس مختار‪ ..‬لكييي تخييبروا بفضععائل الععذي‬
‫دعاكم« )‪1‬بط ‪ .(9 :2‬لحظ كيععف ربععط الرسععول بيععن فكععرة‬
‫الخاتيار وفكرة الخابار‪.‬‬
‫إن معرفة حقيقة الخاتيار هي حقيقة تشجع علععى التبشععير‪،‬‬
‫ل تثبط الهمم من جاهته‪ .‬فمععاذا لععو عرفععت أن اللععه لععم يخععتر‬
‫أحععدا ا للخلصا‪ ،‬وأن المععر مععتروكا لقععدرة المبشععر ولفراسععة‬
‫السامعين‪ .‬لو كان المر كذلك إذا ا لمتل قلبي بالحباط‪ ،‬فإني‬
‫قطُعا ا لن أتمكن من أن أجاذب نفسا ا واحدة للمسيح‪ .‬أما وأنععا‬

‫‪124‬‬
‫‪125‬‬ ‫اعتراضات على الخاتيار‬

‫أعرف من كلمة الله أن الله في الزأل عيين مختععارين كععثيرين‪،‬‬


‫فإنني سأسعى جااهدا ا لكي أصععل بالنجيععل إلععى هععؤلء‪ ،‬وبلغععة‬
‫الرسول بولس سوف »أصبر على كل شيء لجال المختارين‪،‬‬
‫لكي يحصلوا هم أيضا ا على الخلصا الذي في المسعيح يسععوع‪،‬‬
‫مع مجد أبدي« )‪2‬تي ‪.(10 :2‬‬

‫الخلصة‬
‫الخاتيار حقيقة مباركة وسامية‪ ،‬أسععاء الكععثيرون فهمهععا‪ .‬وهععؤلء‬
‫الذين أساءوا فهمهما ادعوا أنها تنسبَ الظلم لله‪ ،‬مع أنهععا تعظععم‬
‫نعمته؛ وادعوا أنها تقود إلى حياة الباحية مع أن اخاتيار الله أناسععا ا‬
‫هو ليكونوا قديسععين؛ وادعععوا أنهععا تقععود للنغلقا مععع أنهععا أعظععم‬
‫مشجع للقديس ليخبر بفضائل الذي دعاه من الظلمععة إلععى نععوره‬
‫العجيععبَ‪ ،‬وأعظععم مشععجع للمبشععر علععى تحمععل المصععاعبَ فععي‬
‫طريق خادمته‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫إيجابيات الخاتيار‬

‫عرفنا من الفصل السابق أن حقيقععة الخاتيععار‬


‫‪1‬‬
‫ليست كما يظن البعض تنسبَ الظلم إلى الله‪ ،‬أو تقععود إلععى‬
‫الباحية‪ ،‬أو تؤدي إلى النغلقا‪ ،‬بل العكس هععو الصععحيح‪ ،‬كمععا‬
‫سنرى ونحن ندرس هذا الفصل‪ .‬فهععذا التعليععم يعظععم اللععه‪،‬‬
‫وينحي جاانبا ا النسان‪ ،‬كما يقود للتضاع‪ ،‬ويدعو للثقة‪ ،‬ويععدفع‬
‫إلى السجود والشكر‪.‬‬
‫من أوضح أسفار الكتاب المقدس التي تععبيين سععلطُان اللععه‬
‫ونعمته‪ ،‬هو سفر يونان في العهد القديم‪ .‬والعجيععبَ أن ليععس‬
‫فقط النقاد الكفرة هم الذين اعترضوا علععى هععذا السععفر‪ ،‬بععل‬
‫قبلهم اعترض النبي يونان نفسه على الله‪ .‬لقد اعترض النبي‬
‫على سلطُان الله واخاتياره ونعمته في خالصا أهل نينععوى‪ ،‬مععع‬
‫أنه لول سلطُان الله ونعمته ما خالص يونان نفسععه مععن جاععوف‬
‫الحوت‪ .‬وهكذا المؤمن الذي في جاهععل يعععترض علععى حقيقععة‬
‫الخاتيار‪ ،‬يعترض عليها مععع أنععه مععدين بالفضععل كلععه للععه علععى‬
‫نعمته وسلطُانه في اخاتياره هو شخصياا‪.‬‬
‫لكننا في هذا الفصل سنجد أن فهمنا الكتابي لتلك الحقيقة ل‬

‫‪127‬‬
‫يدع أي مجال للعتراض أو التشععكي‪ ،‬كمععا حععوله فكععر النسععان‬
‫المنحرف‪ .‬فهععو ل يتضععمن أدنععى ظلععم مععن جاععانبَ اللععه‪ ،‬لكنععه‬
‫يفسح في المجال لمدح مجد نعمته ولمدح مجده‪.‬‬

‫تعليم الخاتيار يقود إلى تعظيم الله‬


‫وتنحية النسان‬
‫تعليم الخاتيار يعطُي المجد كله لله‪ ،‬إذ يصععبح هععو المحععركا‬
‫الول للخلصا‪ .‬فهععو ليععس منفعل ا بالحععداث بععل يمععو ي‬
‫جاه لهععا‪،‬‬
‫ويعمل كل شيء حسبَ رأي مشيئته »قائل ا رأيي يقوم وأفعل‬
‫كل مسرتي« )إش ‪ .(10 :46‬وما أحلي كلمععات ربنععا المعبععود‬
‫يسععوع للب »أحمععدكا أيهععا الب رب السععماء والرض‪ ،‬لنععك‬
‫أخافيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للطفال‪ .‬نعم أيها‬
‫الب لن هكذا صارت المسرة أمامك« )مت ‪.(25،26 :11‬‬
‫والرسول بولس عندما تحدث عععن خاطُععة اللععه للبركععة فععي‬
‫أفسس ‪ 1‬فإنه لم يشر إلى أي امتيازأ من جاانبَ النسععان‪ ،‬بععل‬
‫على العكس أوضح أن الب سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح‬
‫لنفسه حسب مسرة مشيئته )أف ‪ .(5 :1‬ومرة ثانية يقول‬
‫عن الله »الذي يعمل كل شيء حسب رأي مشيييئته« )أف‬
‫‪ (10 :1‬وبالتالي فإن كل مشععروع اللععه إنمععا هععو »لمععدح مجععد‬
‫نعمته«‪ ،‬وأيضا »لمدح مجده« )ع ‪.(6،12،14‬‬
‫وعنععدما يتغلغععل هععذا التعليععم عميقععا ا فععي النفععس‪ ،‬ويععدركا‬
‫المؤمن أن »الكل من الله«‪ ،‬فإن هذا سيقود حتما ا إلى تنحيععة‬

‫‪128‬‬
‫‪129‬‬ ‫إيجابيات الخاتيار‬

‫النسان من المشهد‪ ،‬ويحول نظر المؤمن عن نفسه‪ ،‬بل وعن‬


‫البشر على الطلقا‪ .‬وهو ما نرى لمحة منه فععي داود بحسععبَ‬
‫‪ 2‬صموئيل ‪:6‬عع ‪ 22-14‬عندما رقص أمام الععرب‪ ،‬فهععو إذ كععان‬
‫مشغول ا باخاتيار الرب له‪ ،‬فإنه لم يهتم بما يقوله النععاس عنععه‪،‬‬
‫ول طلبَ مجد البشر‪ .‬كما أنه لم يكن يعنيه مدحهم ول يزعجه‬
‫قدحهم‪ ،‬بل كان ساجاداا‪ .‬وإن شاهد قوم ما فعله داود في تلك‬
‫المناسبة‪ ،‬فإن الرب وحده كان ملء فكعر داود وقلبعه‪ ،‬إذ قعال‬
‫لميكععال‪» :‬إنمععا أمععام الععرب الععذي اخاتارني«‪ .‬وفععي العهععد‬
‫الجديد عندما تحدث الرسول بولس عن دعوة الرب واخاتيععاره‬
‫للمؤمنين في كورنثوس فقد مهد له بالقول‪» :‬أ لم يجهل اللععه‬
‫حكمة هذا العالم؟ ‪ ..‬لن جاهالة الله أحكم مععن النععاس« )‪1‬كععو‬
‫‪.(25، 20 :1‬‬
‫تعاليم البشر تحاول دائما ا أن تنسبَ ولو جاععزءا ا يسععيرا ا مععن‬
‫المجد للذات‪ ،‬أما تعليم الكتاب المقععدس فهععو ينحععي النسععان‬
‫جاانبا ا دائما ا »حتى كما هو مكتوب‪ ،‬من افتخر فليفتخر بععالرب«‬
‫)‪1‬كو ‪.(31 :1‬‬
‫ولن هععذا التعليععم يعظععم اللععه فهععذا يفسععر سععببَ محاربععة‬
‫الشيطُان له‪ ،‬ولنه ينحي النسان جاانبععا ا فهععذا يفسععر لنعا عععدم‬
‫تقبل الذوقا النساني له‪ ،‬ورفضه من جاانبَ النسان الطُبيعي‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪130‬‬

‫تعليم الخاتيار يقود للتضاع ويدعو‬


‫للثقة‬
‫وتعليم الخاتيععار أيضععا ا يجعلنععا ل ننظععر إلععى أنفسععنا نظععرة‬
‫اليعجبَ‪ :‬فالكل مععن اللععه‪ ،‬ول فضععل للنسععان علععى الطلقا‪.‬‬
‫عنععدما تحععدث الرسععول بععولس عععن حقيقععة الخاتيععار قععال‬
‫»انظروا دعوتكم أيها الخاععوة )أي تأملوهععا واخارجاععوا بععالعبرة‬
‫منها( ‪...‬اخاتار الله جاهال العالم ليخزي الحكماء‪ .‬واخاتععار اللععه‬
‫ضعععفاء العععالم ليخععزي القويععاء‪ .‬واخاتععار اللععه أدنيععاء العععالم‬
‫والمزدرى وغير الموجاود ليبطُل الموجاود‪ ،‬لكي ل يفتخععر كععل‬
‫ذي جاسد أمامه ‪ ..‬حتى كما هو مكتععوب مععن افتخععر فليفتخععر‬
‫بالرب« )‪1‬كو ‪:1‬عع ‪ .(29-26‬وقال أيضاا‪» :‬معن يميعزكا؟ وأي‬
‫شيء لك لم تأخاذه؟ وإن كنت قد أخاذت فلماذا تفتخععر كأنععك‬
‫لم تأخاذ؟« )‪1‬كو ‪ .(7 :4‬وإذا تذكرنا داود مععرة أخاععرى فععي ‪2‬‬
‫صموئيل ‪ 6‬فلقد قال لمرأته ميكال إنه يتصععاغر أمععام الععرب‬
‫الذي اخاتاره‪ ،‬ويكون وضيعا ا في عيني نفسه‪.‬‬
‫ثم إن هذا التعليم يعرفنا أن أمن المؤمن‪ ،‬وضمانه البدي ل‬
‫يتوقفان مطُلقا ا على ما فينا‪ ،‬وإل لهلكنا ل محالععة‪ .‬لكععن أمننععا‬
‫وضععماننا متوقفععان تمامععا ا علععى مقاصععد اللععه الزأليععة‪ .‬تلععك‬
‫المقاصد التي شرحها الرسول في رومية ‪ ،29 :8‬فالذي عرف‬
‫عين‪ ،‬والذي يدعو في الزمان هععو‬
‫في الزأل هو الله‪ ،‬وهو الذي ي‬
‫الله‪ ،‬وهو الذي يبرر ويمجد‪ .‬لذا ما أقوى صيحة التحععدي الععتي‬
‫أطلقها الرسول بولس بعد استعراضه لمقاصد الله الزألية من‬

‫‪130‬‬
‫‪131‬‬ ‫إيجابيات الخاتيار‬

‫نحونععا إذ قععال‪» :‬مععن سيشععتكي علععى مختععاري اللععه؟« )رو‬


‫‪.(33 :8‬‬
‫ويمكن القول‪ :‬إن المقاصد الزألية هي التي تضمن الخلصا‬
‫البععدي‪ .‬ولهععذا فععإنه حيععث تتسععرب الشععكوكا فععي المقاصععد‬
‫الزألية‪ ،‬وتشوب الظلل تلك الحقيقة المجيدة‪ ،‬فإنه في الحال‬
‫تثور التساؤلت العديدة فععي ضععمان الخلصا‪ ،‬ويتععم التشععكيك‬
‫فععي يقينيتععه وأبععديته‪ .‬الخاتيععار الزألععي والضععمان البععدي‬
‫يقفان معا ا أو يسقطُان معاا‪ .‬وشكرا ا لله لن كلمععة اللععه‬
‫تؤكد لنا كليهما‪.‬‬
‫ولن هذا التعليم ل يضع أساس الخلصا في النسععان‪ ،‬لععذا‬
‫فإنه يمل القلبَ سلما ا وهدوءاا‪ .‬إنه ل يضع مرسععاة السععفينة‬
‫في السفينة نفسععها‪ ،‬بععل يضععع مرسععاتها فعي صععخر العدهور‪.‬‬
‫قععال رجاععل اللععه ف‪ .‬و‪ .‬جارانععت ‪“ :‬إن المحبععة الععتي وجاععدتنا‬
‫مفلسين فزودتنا بكل شيء‪ ،‬هععي محبععة ل تحتععوي علععى ذرة‬
‫واحدة من التغيير”‪.‬‬

‫تعليم الخاتيار يزود المؤمن بمادة‬


‫عظيمة للسجود والشكر‬
‫أخايرا ا نقععول إن هععذا التعليععم يمععدنا بمععادة عظيمععة للشععكر‬
‫والسجود‪ .‬وعودة مرة أخارى لداود فإن معرفته باخاتيار الرب‬
‫له ليكون ملكا ا جاعلته يرقص طربا ا بكل قوته أمام الرب الععذي‬
‫اخاتععاره‪ ،‬كمععا جاعلتععه فععي مناسععبة أخاععرى ينشععد بفععرح قععائل ا‪:‬‬

‫‪131‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪132‬‬

‫»أحمدكا من أجال أني قد امتزت عجباا« )مز ‪ .(14 :139‬فكم‬


‫ملععك أرضععي‬
‫بالحرى معنا نحن عندما نتذكر اخاتيار الله لنععا ل ل ي‬
‫بل للبركات البدية والمجاد السماوية‪.‬‬
‫ويا له من أمر يمل قلبَ المععؤمن بععالفرح والتعزيععة ويجعععل‬
‫ينبوعععا ا فائضععا ا بالشععكر والسععجود يتصععاعد مععن قلبععه‪ ،‬عنعدما‬
‫يدركا المؤمن أنه ليس فقط بوسعه أن يزج بنفسه ضمن‬
‫تلك الدائرة المجيدة‪ ،‬دائرة البركععات البديععة والسععماوية‬
‫لينال منهععا حصععة‪ ،‬بععل إنععه مختععار لهععا مععن قبععل تأسععيس‬
‫العالم‪ .‬هذا ما جاعل الرسول بولس في العهد الجديععد يسععجد‬
‫لله ويباركه‪ .‬فعندما تحدث في أفسععس ‪ 1‬عععن الخاتيععار فععإنه‬
‫بدأ فائضا ا ومسبحا ا ومباركا ا الله أبا ربنععا يسععوع المسععيح‪ .‬ثععم‬
‫عنععدما تحععدث عععن الخاتيععار فععي روميععة ‪ 11-9‬خاتم حععديثه‬
‫بأنشودة تسبيح وحمد‪ .‬ويحق لنا جاميعععا ا أن نشععاركا الرسععول‬
‫بولس في تسبحته الجميلة تلك »يا لعمعق غنعى اللعه وحكمتعه‬
‫وعلمه‪ .‬ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقععه عععن الستقصععاء‪.‬‬
‫لن من عرف فكر الرب أو من صار له مشععيراا‪ .‬أو مععن سععبق‬
‫فأعطُاه فيكافأ‪ .‬لن منه وبه وله كععل الشعياء‪ .‬لععه المجعد إلععي‬
‫البد‪ ،‬آمين« )رو ‪.(36-33 :11‬‬
‫بعل إن هععذا هععو الععذي سعيجعل المععؤمن فعي المجعد طعول‬
‫البدية يردد قائل ا‪» :‬مستحق أنت أيها الخروف المذبوح«‪ .‬بل‬
‫إن هذا ما ينبغي أن نكون عليه من الن‪ ،‬فنقضععي بقيععة عمرنععا‬
‫لمدح مجد نعمته‪ ،‬قائلين مع المرنم‬

‫‪132‬‬
‫‪133‬‬ ‫إيجابيات الخاتيار‬

‫ويعععا لنععععام ر ثميعععن‬ ‫بَ أزألععععي‬


‫فيععععا لحعععع ر‬
‫معععةِ اللفعععاِدي‬
‫ِمعععن ِنع ل‬ ‫فك ر‬
‫ل ذا قععد صععار لععي‬
‫الِميععععععععععععععععععععن‬
‫وليس السجود فقط‪ ،‬بععل الخدمععة أيضععا ا والتكريععس‪ .‬ب لقععد‬
‫كان سر خادمة الرسول بولس المتفانية للرب أنه شعر بفضل‬
‫الرب العظيم عليه إذ جاعل منه إناء مختاراا‪.‬‬

‫الخلصة‬
‫حقيقة الخاتيار حقيقة مباركة وسامية‪ ،‬والمعرفة الصععحيحة لهععذه‬
‫الحقيقة تعظم نعمة اللععه‪ ،‬وتنحععي النسععان مععن المشععهد‪ ،‬فتقععود‬
‫المؤمن للتضععاع وتمل قلبععه بععاليقين والثقععة‪ .‬كمععا تععزوده بمععادة‬
‫عظيمة للسجود والشكر‪ ،‬وتدفعه لحياة التكريس والخدمة‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫نظر لنا شيئا ا أفضل‬

‫ذكرنععا فععي الفصععل الحععادي عشععر أن الخاتيععار‬


‫‪1‬‬
‫ليس شيئا ا سلبياا‪ ،‬بل هو شيء إيجابي‪ .‬فالله لم يخترنا لكي ل‬
‫نذهبَ إلى الجحيم‪ ،‬بل اخاتارنا للبركععات والمجععد‪ .‬كمععا ذكرنععا‬
‫فععي الفععص الثععالث عشععر الفععارقا بيععن اخاتيععار الكنيسععة الن‬
‫واخاتيار إسرائيل قديماا‪ .‬ولهذا فإنه من المهععم أن نتوقععف هنععا‬
‫قليل ا لنتحععدث عععن طععابع المسععيحية وبركاتهععا العظمععى الععتي‬
‫منها‪ ،‬وبالتالي ما يميز المسيحية عن غيرها‪.‬‬
‫تتض ي‬
‫إن المسيحية في جاوهرها‪ ،‬كما أعلنها المسععيح هععي اسععتعلن‬
‫للمور السماوية السرمدية‪ ،‬أما الديانة فل يمكن أن ترتقي فععوقا‬
‫الرض‪ ،‬وهعععذه يقعععدمها للبشعععر أنعععاس أرضعععيون‪ ،‬ومععن الرض‬
‫يتكلمون‪ .‬حتى موسى‪ ،‬مع أنه صعد فوقا الجبل‪ ،‬فهععو لععم ينععزل‬
‫من السماء‪ .‬وأما المسعيح فهعو وحععده الععذي أتععى معن السعماء‪،‬‬
‫ولهذا فهو وحده أيضا ا الذي أمكنه أن يكلمنا عن السععماويات )يععو‬
‫‪ ،(12،13 :3‬كقول المعمععدان »الععذي يععأتي مععن فععوقا هععو فععوقا‬
‫الجميععع ‪ ...‬الععذي يععأتي مععن السععماء هععو فععوقا الجميععع‪ .‬ومععا رآه‬
‫وسمعه به يشهد« )انظر يوحنا ‪.(34-31 :3‬‬

‫‪135‬‬
‫المسيحية فععي مفهومهععا الصععحيح‪ ،‬كمععا ذكرنععا‪ ،‬هععي إعلن‬
‫للمور السماوية السععرمدية‪ ،‬ولكععي يمكععن إعلن هععذه المععور‬
‫السماوية كان يلزم أمران‪:‬‬
‫ل‪ :‬أن ابن الله الكريم يأتي من السععماء متجسععدا ا »البععن‬
‫أو ا‬
‫الوحيد الذي هو في حضن الب هو خايبر« )يو ‪.(18 :1‬‬
‫وثانياا‪ :‬أنه بعد موت المسيح وقيامته وصعوده إلى السععماء‪،‬‬
‫يأتي الروح القععدس مععن السععماء لكععي يسععكن فععي المععؤمنين‬
‫كأفراد‪ ،‬وفى الكنيسة كجماعة‪ ،‬ليرشدنا إلى جاميع الحق‪ ،‬حتى‬
‫تلك الحقائق التي لم يقدر المسيح أن يعلنها لتلميذه لما كععان‬
‫بينهم بالجسد‪ ،‬لنهم لم يكونوا بعد يحتملون فععي ذلععك الععوقت‬
‫)يو ‪.(12،13 :16‬‬
‫هذان المران العظيمان ‪ -‬إنسععان جاععالس فععي المجععد‬
‫بعد إكمال عمل الفداء‪ ،‬وأقنوم إلهي ساكن على الرض ‪-‬‬
‫هما ما يميزان المسيحية‪ .‬وبذلك فقط أمكععن إعلن المععور‬
‫السماوية السرمدية التي كانت في قلععبَ اللععه تجاهنععا‪ ،‬والععتي‬
‫يمكن تتبعها في سبع فصول في العهد الجديد كالتي‪:‬‬

‫أول ا ‪ :‬يوحنا ‪ - 17‬المجد والحبَ‬


‫يقععول المسععيح فععي يوحنععا ‪ 17‬للب‪» :‬أنععا مجععدتك علععى‬
‫دني‬
‫ج ب‬
‫الرض‪ .‬العمل الذي أعطُيتني لعمل قد أكملته‪ .‬والن م ي‬
‫أنت أيها الب عند ذاتععك بالمجععد الععذي كععان لععي عنععدكا قبل‬
‫كون العالم« )ع ‪.(4،5‬‬
‫والمجد الذي للمسععيح قبععل كععون العععالم‪ ،‬هععو مجععد أزألععي‪،‬‬

‫‪136‬‬
‫‪137‬‬ ‫نظر لنا شيئا ا أفضل‬

‫وبالتالي هو المجد اللهي‪ .‬والمسيح هنا يطُلبه‪ ،‬ليس باعتباره‬


‫الله‪ ،‬لنه بهذا العتبار لم يتركا هذا المجععد ول تخلععى عنععه‪ ،‬بععل‬
‫إنه يطُلبَ أن يأخاذ هذا المجد باعتبععاره »النسععان«‪ .‬فبصععفته‬
‫النسان الذي أكمل عمل الفداء على الصليبَ‪ ،‬كان مزمعععا ا أن‬
‫م أمكنه أن يقول في )ع ‪» (22‬وأنععا‬ ‫يقبل المجد الزألي‪ ،‬وِمن ث ل ي‬
‫قد أعطُيتهم المجععد الععذي أعطُيتنععي‪ ،‬ليكونععوا واحععدا ا كمععا أننععا‬
‫واحد«‪.‬‬
‫من ثم يتقدم )في ع ‪(24‬عع ليقول‪» :‬أيها الب‪ ،‬أريععد أن هععؤلء‬
‫الذين أعطُيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي‬
‫أعطُيتني‪ ،‬لنك أحببتني قبل إنشاء العييالم«‪ .‬هععذا معنععاه أن‬
‫البن في الزأل كان هدفا ا لمحبععة الب العجيبععة والزأليععة‪ .‬وكععان‬
‫يمكن أن يستمر المر كذلك إلى أبد البدين‪ :‬هو مستقر المحبععة‬
‫الزأليععة‪ ،‬ومتمتععع بالمجععد الزألععي‪ .‬لكععن اللععه فععي محبععة تفععوقا‬
‫المداركا أراد إشععراكا خالئععق مععه فعي هععذا المجععد )انظععر ععبَ‬
‫‪10 :2‬؛ رو ‪ ،(29 :8‬وأيضا ا في محبته لبنه‪ ،‬فكان الخاتيععار الععذي‬
‫نتحدث عنه!‬
‫لقد كان من المستحيل أن نصبح نحن مثل اللععه‪ ،‬أو أن‬
‫نراه )يو ‪:1‬عع ‪ .(18‬لكن لم يكن مستحيل ا أن يصععير البععن‬
‫إنساناا‪ ،‬أن يتخذ جاسععدا ا ويحعع ي‬
‫ل بيننعا )يعو ‪:1‬عع ‪ .(14‬لكععن‬
‫التجسد وحده ما كان يكفي لتمام مقاصد اللععه‪ ،‬لنععه »إن لععم‬
‫تقع حبة الحنطُة في الرض وتمت فهي تبقى وحدها‪ ،‬ولكععن‬
‫إن ماتت تأتي بثمر كثير« )يو ‪ .(24 :12‬فليس بالتجسععد‪ ،‬بععل‬
‫بالموت أمكننا أن نتحد بالمسيح‪ .‬لقد كان المسععيح هنععا علععى‬

‫‪137‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪138‬‬

‫الرض يمتلك المجد الزألي باعتباره الله‪ ،‬وكعان المععر يتطُلععبَ‬


‫أن يكتسععبَ المسععيح هععذا المجععد باعتبععاره النسععان )ع ‪،(5‬‬
‫كمكافأة له على عمل الصليبَ‪ ،‬ليمكنه كرأس الجنس الجديععد‬
‫ركنا نحن فيه )ع ‪.(22‬‬
‫أن ييش ِ‬

‫ثانيا ا ‪1 :‬بطُرس ‪ - 1‬الحمل والفداء‬


‫يقول الرسول بطُرس‪» :‬عالمين أنكم افتديتم ل بأشياء تفنى‬
‫بفضة أو ذهبَ من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الباء‪ ،‬بل‬
‫بدم كريم كما من حمل بل عيبَ ول دنس‪ ،‬دم المسععيح‪ ،‬معروفععا ا‬
‫سابقا ا قبل تأسيس العالم« )‪(20-18 :1‬‬
‫يبدأ هععذا الصععحاح )‪1‬بطُععرس ‪(1‬عع بالحععديث عععن الخاتيععار‪ ،‬إذ‬
‫يقول الرسول إننا مختععارون بمقتضععى علععم اللععه الب السععابق‪.‬‬
‫لكن كما أن الله في سابق علمه اخاتارنا فععي الزأل )ع ‪ ،(2‬فععإنه‬
‫في سابق معرفته أيضا ا حدد الحمععل )ع ‪ (20، 19‬الععذي يقععدمه‬
‫اللععه كالمحرقععة‪ .‬ففك بععير اللععه فععي الزأل هععو أن يععأتي المسععيح‪،‬‬
‫وبعمله على الصليبَ يتمجد الله تمامععاا‪ ،‬ونتيجععة لععذلك يمكععن أن‬
‫يستقر كععل الرضععى علععى الععذين هععم فععي المسععيح‪ .‬وإن كععانت‬
‫خاطُية آدم أدخالت اللعنة على الرض كلها‪ ،‬فإن محرقععة المسععيح‬
‫الكاملة )باعتباره الحمل‪ 1‬الععذي بل عيععبَ ول دنععس( ليععس فقععط‬
‫أزأالت اللعنة بل أيضا ا أدخالت البركة )قارن تك ‪25 ،24 :8‬؛‪1 :9‬؛‬
‫‪ .(2،17،18 :22‬صحيح أنععه بسععببَ خاطُيععة آدم دخالععت مشععكلة‬

‫مل كما يعلمنا الكتاب المقععدس مرتبععط بالمحرقععة‪ ،‬كمععا يرتبععط الععتيس‬ ‫‪ 1‬ال ل‬
‫ح ل‬
‫بذبيحة الخطُية‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫‪139‬‬ ‫نظر لنا شيئا ا أفضل‬

‫الخطُية إلى المشهد وأضافت سببا ا جاديدا ا لمجيء المسععيح إلععى‬


‫العالم وموته فوقا الصليبَ )يو ‪ ،(14 :3‬لكن ليععس هععذا هععو كععل‬
‫غرض التجسد‪ ،‬ول هو أهم أغراضععه )يععو ‪ .(16 :3‬فحععتى لععو لععم‬
‫تكن الخطُية قد دخالت المشهد‪ ،‬ما كان ممكنا ا للبشر ‪ -‬بوصععفهم‬
‫بشرا ا ‪ -‬أن يسععاكنوا اللععه فععي السععماء‪ ،‬بععل كععان يلععزم أن يععأتي‬
‫جد الله بوصفه المحرقة‪ ،‬فيحصل نتيجععة هععذا‬ ‫المسيح إنسانا ا ويم ي‬
‫العمل علي مجده اللهي كالنسععان‪ ،‬فيمكننععا بهععذه الطُريقععة أن‬
‫نحصل نحن على هذا المجد أيضاا‪.‬‬

‫ثالثا ا ‪2 :‬تيموثاوس ‪ - 1‬القصد والنعمة‬


‫يقول الرسععول بععولس‪» :‬اللععه الععذي خالصععنا ودعانععا دعععوة‬
‫مقدسة‪ ،‬ل بمقتضى أعمالنا‪ ،‬بل بمقتضى القصد والنعمة الععتي‬
‫أعطُيت لنا في المسيح يسوع قبل الزأمنة الزألييية« )‪2‬تععي‬
‫‪.(9 :1‬‬
‫هذه النعمة التي يأعطُيت لنا في الزأل لم تكععن طبعععا ا لعلج‬
‫مشكلة الخطُية‪ ،‬لن الخطُية دخالت فعي الزمعان‪ ،‬وبالتعالي معا‬
‫كانت مشورات الزأل لتدور حول ما حدث عرضا ا في الزمععان‪،‬‬
‫وما كنا نحن في الزأل نحتاج إلى نعمة كهععذه )وإل افترضععنا أن‬
‫الخطُية هي جازء من مشروع الله‪ ،‬وحاشا أن يكون هو مصدرا ا‬
‫للخطُيععة(‪ ،‬ولكنهععا النعمععة فععي مفهومهععا اليجععابي‪ :‬أن بشععرا ا‬
‫ييعيينون للمجد‪ ،‬ليكونوا مشابهين صورة ابن الله‪ .‬لععذلك يقععول‬
‫الرسول هنا‪ :‬إن الله خايلصنا‪ ،‬ودعانا دعوة مقدسععة‪ .‬والخلصا‬
‫دائمععا ا سععلبي فععي مفهععومه ‪ -‬خالصععنا مععن ‪ -‬لكععن مععن الناحيععة‬

‫‪139‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪140‬‬

‫الإيجابية يقععول‪» :‬ودعانععا دعععوة مقدسععة«‪ .‬ويوضععح أن هععذه‬


‫الدعوة لم تكن بمقتضى أعمالنا‪ .‬وإذا سل ي ب‬
‫منا جادل ا بأنه يمكععن‬
‫لعمالنععا أن تنجينععا مععن عععذاب جاهنععم ‪ -‬مععع أن هععذا طبعععا ا‬
‫مسععتحيل‪ -1‬فهععل يمكععن أن يكععون لهععا أي دخاععل فععي وصععولنا‬
‫للمجد؟ كل‪ ،‬بل لقد حصلنا على هذا المقام السامي بمقتضى‬
‫القصد والنعمة الزألية‪.‬‬

‫رابعا ا ‪ :‬تيطُس ‪ - 1‬وعد الحياة البدية‬


‫يقول الرسول بولس أيضاا‪» :‬على رجااء الحياة البدية الععتي‬
‫وعد بها الله المنزه عن الكذب قبل الزأمنة الزألييية« )تععي‬
‫‪.(2 :1‬‬
‫ضععهم مجععرد حيععاة بل‬
‫هذه الحياة البدية ليست كما يظن بع ي‬
‫نهاية‪ ،‬بل إنها نوع خااصا من تلك الحياة‪ ،‬فهي حياة اللععه ذات يهععا‪،‬‬
‫إذ يقول الرسول عنهععا »الحيعاة البديععة الععتي كعانت عنععد الب‬
‫وأظهرت لنا« )‪1‬يو ‪ ،(2 :1‬ثم يقول أيضا ا »هذا هو الله الحععق‬
‫والحياة البدية« )‪1‬يو ‪ .(20:5‬وبمجيععء المسععيح إلعى الععالم‬
‫جااءت الحياة البدية إلى الرض‪ .‬لكنها وقتئذ كانت فيه وحده‪.‬‬
‫إلى أن مات وقام‪ ،‬فلما وقعت حبة الحنطُة ومععاتت أمكنهععا أن‬
‫تأتي بثمر كثير له بالذات نوع حياة البذرة التي وقعت ومععاتت‪.‬‬
‫ولقد أعطُانا المسععيح هععذه الحيععاة البديععة بعععد مععوته وقيععامته‬
‫عندما » نفخ وقال )لتلميذه( اقبلعوا الععروح القععدس )أو روحععا ا‬
‫قدسا ا(« )يو ‪ ،(22 :20‬وبهذا تم القول الوارد فعي ‪1‬كورنثعوس‬

‫انظر كتاب الكفارة في المفهوم المسيحي‪ ،‬للمؤلف‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪140‬‬
‫‪141‬‬ ‫نظر لنا شيئا ا أفضل‬

‫‪» 45 :15‬صار آدم‪ ،‬النسان الول‪ ،‬نفسا ا حية )وهو بهذا يشير‬
‫إلى ما حدث في تكوين ‪ 7 :2‬عندما تلقى آدم النسمة من اللععه‬
‫خاالقه‪ ،‬فصار نفسا ا حية(‪ ،‬وآدم الخاير روحا ا محييا ا )مشيرا ا إلى‬
‫ما عمله المسيح في يوحنا ‪ ،22:20‬في عشععية يععوم القيامععة‪،‬‬
‫عندما أعطُى تلميذه نوع حياته بعينه(‪ ،‬فنلنا بععذلك ذات حيععاته‬
‫المقام من الموات‪ ،‬إتماما ا لقععوله الكريععم »أمععا أنععا‬
‫كالنسان ي‬
‫فقد أتيت لتكون لهم حياة‪ ،‬ويكون لهم أفضل« )يو ‪.(10 :10‬‬
‫ونلحععظ أن اللععه المنععزه عععن الكععذب وعععد ‪ -‬فععي الزأل ‪-‬‬
‫بإعطُاء الحياة البدية‪ .‬ترى من وعد الله فععي الزأل حيععث لععم‬
‫يكن سوى الب والبن والروح القدس‪ .‬الجاابة كما نفهمها من‬
‫‪2‬تيموثاوس ‪ 1 :1‬أن الله وعدنا نحن بها‪ ،‬لكنععه وعععدنا بهععا فععي‬
‫المسيح يسوع‪.‬‬
‫وعنععدما نقععول إن اللععه وعععد بإعطُائنععا الحيععاة البديععة‪ ،‬فععي‬
‫المسيح‪ ،‬فهذا يمل القلبَ بالسلم‪ .‬فلقد أعطُى اللععه آدم فععي‬
‫الزمان نوع حياة أقل بكثير من الحياة البدية‪ ،‬فأضاعها‪ .‬لكععن‬
‫قبل ذلك ‪ -‬في الزأل ‪ -‬كان قصد الله واخاتياره أن يعطُينا نحععن‬
‫المؤمنين بالمسيح نوع ل الحياة الفضل والرقى‪ :‬الحياة البدية‪.‬‬
‫لكنه رأى أل يعطُينا إياها في ذواتنععا‪ ،‬بععل فععي المسععيح يسععوع‪،‬‬
‫ليكون ذلك ضمانا ا لستمرار هذه الحياة!‬

‫خاامسا ا ‪1 :‬كورنثوس ‪ - 2‬حكمة الله‬


‫المكتومة‬
‫يقععول الرسععول بععولس‪ » :‬نتكلععم بحكمععة اللععه فععي سععر‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪142‬‬

‫الحكمععة المكتومععة الععتي سععبق اللععه فعينهععا قبييل الييدهور‬


‫لمجدنا« )‪1‬كو ‪.(7 :2‬‬
‫لقد رأت الملئكة حكمععة اللععه لمعا خالععق العععالمين وأبععدعها‬
‫بالحكمة )مز ‪ ،(24 :104‬ولهذا فقد ترنمت كواكبَ الصبح معاا‪،‬‬
‫وهتف جاميع بنى الله )أى ‪ .(7 :38‬لكن لمعا ولعد المسعيح رأى‬
‫الملئكععة خاععالقهم‪ ،‬بععل رأوا ذات حكمععة اللععه )أم ‪ ،(8‬ذلععك‬
‫الشععخص » المععذخار فيععه جاميععع كنععوزأ الحكمععة والعلععم« )كععو‬
‫‪ .(3 :2‬ثم ظهرت الحكمععة بصععورة أروع فععي الصععليبَ عنععدما‬
‫جارد الله الرياسات والسلطين وأشهرهم جاهععارا ا ظععافرا ا بهععم‬
‫في الصليبَ )كو ‪15 :2‬؛ ‪1‬كو ‪ .(25-18 :1‬أمعا إعلن الحكمعة‬
‫الكامل فتم في قيامة المسععيح وصعععوده‪ ،‬عنععدما تكععونت مععن‬
‫الخلئق المسكينة والخاطئة أعضاء لجسد المسيح! نعم هععذه‬
‫هي الحكمة التي عينها الله قبل الدهور لمجععدنا‪ ،‬والععتي جاعلهععا‬
‫الصليبَ ومحرقععة المسععيح قابلععة لن تقععدم للخلئععق نظيرنععا‪،‬‬
‫والن يعلنها الروح القدس لنا! فيا لسمو مقاصد اللععه الزأليععة‬
‫من نحونا!‬

‫سادسا ‪ :‬أفسس ‪ -3‬سر المسيح‬


‫ا‬
‫يقول الرسول بولس‪ » :‬سر المسيح‪ ،‬الذي في أجايال أ يخاععر‬
‫لم يعيرف به بنو البشر ‪ ...‬السر المكتوم منييذ الييدهور فععي‬
‫الله خاالق الجميع بيسوع المسيح« )أف ‪.(9-3 :3‬‬
‫السععر فععي رسععالة أفسععس هععو ارتبععاط المسععيح باعتبععاره‬
‫الرأس بالكنيسة أعضاء الجسد‪ .‬وهذا السر كان مكتومعا ا فععي‬

‫‪142‬‬
‫‪143‬‬ ‫نظر لنا شيئا ا أفضل‬

‫الله منذ الدهور‪ ،‬مما يعني أنه كان فععي قلععبَ اللععه فععي الزأل‪.‬‬
‫وعن هذا السر يقععول الرسععول إن الرؤسععاء والسععلطين فععي‬
‫السماويات تتعلم حكمة الله المتنوعة‪ .‬فلقد رأى هؤلء حكمة‬
‫الله بواسطُة الكنيسة‪ ،‬التي هي جاماعععة المختععارين مععن قبععل‬
‫تأسيس العالم لكععي يشععاركوا المسععيح فععي مجععده علععى كععل‬
‫الكون‪ ،‬وأن الكنيسة ملء الذي يمل الكل في الكل‪ ،‬ولها الحق‬
‫في بيت الب‪ :‬أعلععى مكععان فععي السععماء‪ ،‬المكععان‪ 1‬الععذي لععم‬
‫يدخاله مخلوقا‪ ،‬ول يسكنه سوى الب والبن والععروح القععدس‪،‬‬
‫باعتبار أن الله ساكن في نور ل يدنى منععه‪ .‬إلععى هععذا المكععان‬
‫نفسعه صعار للكنيسععة باعتبارهععا أعضعاء لجسععد المسعيح مقععرر‬
‫ومقام‪ .‬قال المسيح »في بيت أبى منازأل كثيرة ‪ ..‬أنا أمضععي‬
‫لعد لكم مكاناا‪ ،‬وإن مضععيت وأعععددت لكععم مكانععا ا آتععي أيضععا ا‬
‫ي« )يو ‪ .(2،3 :14‬فمكان الكنيسة البدي ليس‬ ‫آخاذكم إل ي‬
‫في الرض الجديدة‪ ،‬ول حتى في السععماء الجديععدة‪ ،‬بععل‬
‫في بيت الب نفسه‪ .‬هذا هو قصد الدهور الععذي قصععده‬
‫الله في نفسه‪.‬‬

‫سابعا ا ‪ :‬أفسس ‪ - 1‬قمة المقاصد‬


‫يقول الرسول بولس أيضا ا في أفسس ‪ » 3،4 :1‬مباركا اللععه‬
‫أبععو ربنععا يسععوع المسععيح الععذي باركنععا بكععل بركععة روحيععة فععي‬

‫‪ 1‬عندما نقول عن بيععت الب إنععه مكععان‪ ،‬فععذلك علععي قععدر اسععتيعاب عقولنععا‬
‫المحدود‪ .‬رغم أن بيت الب ل يمكععن أن يكععون مجععرد مكععان‪ ،‬فععالله ل يحععده‬
‫مكان‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪144‬‬

‫السماويات في المسععيح كمععا اخاتارنععا فيععه قبععل تأسععيس العععالم‬


‫لنكععون قديسععين وبل لععوم قععدامه فععي المحبععة«‪ .‬وهععذه اليععة‬
‫العظيمة تحدثنا صراحة عن الخاتيار الزألععي‪ ،‬وعنهععا سععيكون لنععا‬
‫حديث مستقل‪.‬‬

‫الخلصة‬
‫المسيحية في جاوهرها ‪ -‬كما أعلنها المسيح ‪ -‬هي استعلن للمور‬
‫السماوية السرمدية‪ .‬تلك المععور الععتي عيينهععا اللععه قبععل الععدهور‬
‫لمجدنا )بموجابَ الخاتيار(‪ ،‬والتي من أجال تحقيقهععا كععان التجسععد‬
‫وعمل المسيح على الصليبَ‪ ،‬ثم مجيعء العروح القعدس ليواصععل‬
‫هذا العمل‪ ،‬الععذي سععيكتمل قريبععا ا عنععد الخاتطُععاف‪ ،‬فنععدركا تلععك‬
‫البركة السامية ونتمتع بها‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫خامس حلقات ذهبية‬

‫يخبرنا الرسول بععولس فععي ‪ 2‬تيموثععاوس ‪9 :1‬‬


‫‪1‬‬
‫أن دعوة الله لنا هي حسبَ القصد الزألي‪ .‬ومن هذا المنطُلق‬
‫فإنهعا يقينعا ا ليعس له ا أدنعى علقعة بالنسعان واسعتحقاقه‪ ،‬فل‬
‫يمكن أن يكون لمقاصد اللععه مصععدر سععوى اللععه نفسععه‪ ،‬أو أن‬
‫تكتمل إل بواسطُة الله وحده‪.‬‬
‫وعن هذا القصد الزألي يتحدث الرسععول بععولس أيضععا ا فععي‬
‫الرسالة إلى رومية‪ .‬ونحن نعععرف أن الرسععالة إلععى روميععة ل‬
‫تتحدث في المقام الول عن مقاصد اللععه‪ ،‬بععل عععن مسععؤولية‬
‫النسان‪ :‬أول ا كخاطئ‪ ،‬ثم بعد ذلك كمؤمن‪ .‬ومع ذلععك فإنهععا‬
‫تتضمن واحد من أروع الشارات إلى مقاصد الله‪.‬‬
‫يخبرنا الرسول بولس في رومية ‪:8‬عع ‪ 28‬عن جاماعة يقععول‬
‫عنها‪» :‬المدعوون حسععبَ قصععده«‪ .‬ثععم يتقععدم فععي العععددين‬
‫التععاليين ليشععرح لنععا هععذا القصععد‪ ،‬موضععحا ا أن مقاصععد اللععه‬
‫الصالحة من نحونا مسجلة لنا في حلقات خاماسية تبدأ الحلقة‬
‫الولى منها في الزأل قبل بداية الزمان‪ ،‬وتنتهي آخار الحلقععات‬
‫بالبد بعد أن يزول الزمان‪ .‬وغني عن البيان أن هذه المقاصد‬

‫‪145‬‬
‫ل بد أن تتم‪ ،‬لن الذي خاطُط لها هو الله الكلي الحكمة والكلي‬
‫القدرة‪.‬‬
‫يقول الرسول‪» :‬لن الذين سععبق فعرفهععم‪ ،‬سععبق فعينهععم‬
‫ليكونععوا مشععابهين صععورة ابنععه‪ ،‬ليكععون هععو بكععرا ا بيععن إخاععوة‬
‫كثيرين‪ .‬والذين سععبق فعينهععم فهععؤلء دعععاهم أيضععاا‪ ،‬والععذين‬
‫دعاهم فهععؤلء بررهععم أيضععاا‪ ،‬والععذين بررهععم فهععؤلء مجععدهم‬
‫أيضاا«‪.‬‬
‫إنها ‪ -‬كما ذكرنا ‪ -‬حلقات خاماسية تربط الزأل بالبد‪ ،‬مرورا ا‬
‫بدعوة الله لنا في الزمان‪.‬‬

‫الحلقة الولى ‪ :‬سببق معرفة الله‬


‫»لن الذين سبق فعرفهم«‪ .‬سبق أن شرحنا فععي الفصععل‬
‫الحععادي عشععر أن هععذه المعرفععة ليسععت هععي المعرفععة‬
‫السلبية‪ ،‬معرفة الله لما سوف يحدث‪ ،‬بععل هععي المعرفععة‬
‫اليجابية التي تحدد ما يجبَ أن يحدث‪ .‬إنها ليسععت معرفععة‬
‫الله أن هؤلء الناس سوف يؤمنون بالمسيح‪ ،‬بل المقصععود هنععا‬
‫أن هناكا أشخاصا ا معروفين بأسمائهم في الزأل‪ ،‬ومختارين من‬
‫الله )‪1‬بط ‪ .(2 :1‬إنها معرفة العلقة الشخصية والمحبة‪.‬‬
‫وحقا ا إنه ل فضل للبشر في مسألة الخاتيععار علععى الطلقا‪.‬‬
‫فالذين اخاتارهم الله في الزأل بحسبَ أفسععس ‪ ،1‬هععم الععذين‬
‫يقول عنهم الرسول في الرسالة عينهععا أصععحاح ‪ 3-1 :2‬أنهععم‬
‫كانوا »أمواتا ا بالعذنوب والخطُايعا«‪ ،‬وأيضعا ا »أبنعاء المعصعية«‪،‬‬

‫‪146‬‬
‫‪147‬‬ ‫خامس حلقات ذهبية‬

‫وأيضا ا »أبناء الغضبَ كالبععاقين أيضععاا«‪ .‬فل فععرقا بيععن إنسععان‬


‫وآخار على الطلقا )رو ‪.(24 :3‬‬
‫وفي ‪1‬بطُرس ‪ 1‬يذكر الرسول سبق المعرفة مرتين‪ :‬المععرة‬
‫الولى بالنسبة لنا )ع ‪ ،( ،1‬والمرة الثانيععة بالنسععبة للمسععيح )ع‬
‫‪ .(19،20‬فكمععا أن المسععيح محععدد ومعييععن مععن الزأل ليكععون‬
‫المحرقة‪ ،‬وما كان ينفع سواه‪ ،‬هكذا نحن أيضا ا بموجابَ المقاصععد‬
‫الزألية‪ ،‬معروفون ومحععددون فععي الزأل‪ ،‬ولععن يسععد ي مكاننععا أحععد‬
‫سوانا‪.‬‬
‫عدد المختارين‪ :‬وبهععذه المناسععبة نععذكر أن هنععاكا تعععبيرا ا‬
‫شائعا ا بين المؤمنين هععو “كمععال عععدد المختععارين”‪ .‬وهععو تعععبير‬
‫تعععوزأه الدقععة‪ :‬فالمختععارون ليسععوا عععددا ا معينععاا‪ ،‬بععل أشععخاصا‬
‫معروفععون بأسععمائهم )قععارن ‪ 1‬أخابععار ‪ .(31 :12‬وبالتععالي فععإن‬
‫فكرة كمال عدد المختارين ليست هي فكرة كتابية‪ ،‬كما أنها غير‬
‫دقيقة‪.‬‬

‫الحلقة الثانية ‪ :‬سببق التعيين‬


‫»سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه‪ ،‬ليكون هو بكرا ا‬
‫بين إخاوة كثيرين«‪.‬‬
‫في هذه الحلقة ل يتحدث الرسول عن جاماعععة المختععارين‪،‬‬
‫بل عن القصد من وراء اخاتيارهم‪ .‬لقععد عععرف اللععه أشخاصععاا‪،‬‬
‫عينهم الله أيضا ا لمركز‬
‫ن هؤلء المختارين ي‬
‫وهذا هو الخاتيار‪ ،‬لك ي‬

‫‪147‬‬
‫سام ر ومقام ر رفيع‪ ،‬وهذا هو سببق التعيين‪.1‬‬
‫والن ما هو هذا المركز الذي عيننا الله له؟ نحن نعععرف أن‬
‫السماوات سماوات للرب‪ ،‬وأما الرض فأعطُاها لبني آدم )مز‬
‫‪ .(16 :115‬ومع ذلك فهناكا الن إنسان في المجععد‪ ،‬سععبق أن‬
‫مجد الله لما كان هنا علععى الرض‪ .‬إنععه ربنععا يسععوع المسععيح‪.‬‬
‫وهو لم يدخال هناكا بمقتضى حقه الشخصي كالبن الزألي‪ ،‬بل‬
‫بمقتضى ما عمله‪ .‬هذا الشخص بعد موته وقيامته ارتبط بثمر‬
‫كثير‪ ،‬دخال هو السماء كسابق لجالهم‪ .‬إنه بلغة روميععة ‪ 8‬بكععر‬
‫بين إخاوة كثيرين‪ ،‬له بينهم المركز الول‪ .‬أي أنه متحد معهم‪،‬‬
‫ولو أنه متميز عنهم‪.‬‬
‫والرسول يقول في أفسععس ‪ 5 :1‬إن اللععه عينهععم للتبنععي‪،2‬‬
‫وفي هذا التجاه نفسه يقول الرسول هنا إنه عينهععم »ليكونععوا‬
‫مشابهين صورة ابنه‪ ،‬ليكون هو بكرا ا بين إخاععوة كععثيرين«‪ .‬إذا ا‬
‫فالرسول هنا في رومية ‪ 8‬يشير إلى سبق المعرفة ثععم سععبق‬
‫التعيين‪ ،‬وفي أفسععس ‪ 5 ،4 :1‬يشععير إلععى الخاتيععار ثععم سععبق‬
‫التعيين‪ .‬ومن هذا يتأكد لنا ‪ -‬كما فهمنا ‪ -‬أن سبق المعرفة هو‬
‫بعينه الخاتيار الذي نتحدث عنه‪ .‬الخاتيار أو سبق المعرفة هععو‬
‫للشخاصا‪ ،‬بينمععا سععبق التعييععن هععو للبركععات وللمركععز‪ .‬فععي‬
‫الخاتيار نحن مشغولون بالسؤال‪ :‬لمن الذي له بركات اللععه؟‬
‫بينما في سبق التعيين السؤال هو‪ :‬معا هعي تلعك البركععات؟‬

‫نقرأ عن سبق التعيين أيضا ا في أعمال ‪28 :4‬؛ ‪1‬كو ‪.7 :2‬‬ ‫‪1‬‬

‫يستطُرد الرسول في أفسس ‪ 11 :1‬ليربط سبق التعيين بالميراث‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪148‬‬
‫سبق التعيين‪ 1‬إذا ا يمثل قصد الله في الخاتيار‪.‬‬
‫ومن هذا يتضح لنا ما سبق أن ذكرنعاه‪ ،‬فعالله لعم يخعتر أناسعا ا‬
‫لكي يتغلفر خاطُاياهم‪ ،‬بل اخاتععارهم للحيععاة البديععة‪ .‬ليععس لكععي ل‬
‫يذهبوا إلى جاهنم‪ ،‬بل ليأتي بهم إلى المجد )عبَ ‪ ،(10 :2‬أو كمععا‬
‫يقول هنا‪» :‬ليكونوا مشابهين صورة ابنه«‪.‬‬
‫كان ممكناا أن يعطُينععا اللععه ذات مكععان الملئكععة الععذين لععم‬
‫يسقطُوا‪ ،‬وهم خادام السماء المقتدرون قوة‪ ،‬وكان مععن شععأن‬
‫هذا أن يعتبر فضل ا عظيمععا ا‪ ،‬أن يرفعع إلععى هعذا المركعز تععراب‬
‫الرض الذين أخاطُأوا إليه‪ ،‬لكنععه لععم يفعععل‪ .‬وكععان بوسعععه أن‬
‫يعطُينا مركععز رؤسععاء الملئكععة‪ ،‬وهععم الكععاملون فععي الجمععال‬
‫)قارن حزقيال ‪ ،(28‬لكنه لو فعل ذلك لما كان في هذه الحالة‬
‫قد فعل أفضل ما عنععده مععن جاهععة غنععى مجععد نعمتععه‪ .‬لكنععه ‪-‬‬
‫تباركا اسععمه ‪ -‬أراد أن يجعلنععا مشععابهين صععورة ابنععه‪ .‬فنحععن‬
‫معيينون للتبني‪ ،‬لنكون مشابهين صورة ابنه‪ ،‬وبالتععالي معي ينععون‬
‫للميراث )أف ‪.(11 :1‬‬
‫وعنععدما يقععول »يكععون هععو )المسععيح( بكععرا ا بيععن إخاععوة‬
‫كثيرين«‪ ،‬فإن كلمة "بكععر" تأخاععذ فكرنععا إلععى كععونه النسععان‪.2‬‬
‫م القيامععة لمريععم المجدليععة‪» :‬اذهععبي إلععى‬
‫ويذكرنا بما قاله يو ل‬

‫‪ 1‬من المهم أن نؤكد هنا مرة أخارى أنه إن كععان هنععاكا سععبق تعييععن للبركععات‬
‫والمجد‪ ،‬إل أن الوحي ل يحدثنا مطُلقا ا عن سبق تعيين للهلكا )انظععر الفصععل‬
‫العاشر(‪.‬‬
‫‪ 2‬من جاهة لهوته هو »البن الوحيد«‪ ،‬ومن جاهة ناسوته هو البكر بيععن الخاععوة‬
‫الكثيرين‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫إخاوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم‪) «1‬يععو ‪.(17 :20‬‬
‫حقا ا إنه »ل يستحي أن يدعونا إخاوة« )عبَ ‪.(11 :2‬‬
‫لقد ولدنا بحسبَ الطُبيعة مشععابهين صععورة آدم الول )تععك‬
‫‪ ،(3 :5‬ولكن بالنعمة ل بد أن نكون مشابهين صورة ابن الله‪.‬‬
‫وليس قبل أن نصل إلى المجد سندركا مقدار عظمة عمععل‬
‫الفداء‪ ،‬وكثرة أولئك الخاوة الذين سيكون المسيح بكرا ا بينهم‪،‬‬
‫وكذا كثرة البناء الذين سيأتي بهععم اللععه إلععى المجععد )عععبَ ‪:2‬‬
‫‪ ،(10‬عندما يمتلئ بهم بيت الب بمنازأله الكثيرة‪.‬‬

‫الحلقتان السابقتان‪ ،‬أعني سبق المعرفععة وسععبق التعييععن‪،‬‬


‫تأخاذاننا إلى الزأل‪ .‬ومع أن الله أعلن لنا هاتين الحلقععتين فععي‬
‫الوحي‪ ،‬فهو لم يشرحهما لنا‪ ،‬ونحععن نقبلهمععا باليمععان‪ ،‬بخلف‬
‫الحلقة الثالثة التي سععنتأملها الن‪ :‬فهععي مععا نععراه بعيوننععا فععي‬
‫المليين الذين يخلصون‪.‬‬

‫الحلقة الثالثة ‪ :‬دعوة الله‬


‫»والذين عينهم فهؤلء دعاهم«‪ .‬والدعوة‪ 2‬هنا ليسععت هععي‬
‫دعععوة النجيععل العامععة لجميععع البشععر لكععي يععتركوا خاطُايععاهم‬
‫ويلجأوا إلى المخلص‪ ،‬ليست هي الدعوة المفتوحة الععتي نقععرأ‬
‫عنها مثل ا في سفر المثال »لكم أيها الناس أنادي وصوتي إلى‬

‫‪ 1‬نلحظ أنه لم يقل‪ :‬إني أصعد إلى أبينا وإلهنا‪ ،‬بل »إلى أبععي وأبيكععم‪ ،‬وإلهععي‬
‫وإلهكم«‪ .‬فهو ليس أحد الخاوة‪ ،‬بل البكر بين هؤلء الخاوة‪.‬‬
‫‪ 2‬ترد عبارة المدعوين في العهد الجديد ‪ 11‬مرة منها ‪ 7‬مععرات فععي كتابععات‬
‫الرسول بولس‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫‪151‬‬ ‫خامس حلقات ذهبية‬

‫بني آدم« )أم ‪ ،(4 :8‬ففي هذه الدعوة العامة تبرزأ المسؤولية‬
‫الفردية )الفصل الخامس(‪ .‬لكننا هنا فعي روميعة ‪ 8‬نقعرأ ععن‬
‫قصد الله »المدعوين حسب قصده«‪ .‬وما دام هذا قصد الله‬
‫فهو ل بد أن يتم‪ ،‬كما يقول النبي »قد حلف رب الجنععود قععائ ا‬
‫ل‪:‬‬
‫أنه كما قصدت يصير‪ ،‬وكما نويت يثبت« )إش ‪ ،24 :14‬انظععر‬
‫أيضا روميععة ‪ .(11 :9‬هععذه هععي إذا ا الععدعوة الفعالععة الملزمععة‬
‫)انظر الفصل الرابععع(‪ ،‬إذ نتجععت عنهععا النتيجععة المرجاععوة‪ ،‬كمععا‬
‫يقععول الرسععول هنععا »والععذين دعععاهم فهععؤلء بررهععم أيضععاا«‪.‬‬
‫والفرقا بين الدعوتين‪ :‬الدعوة العامة والدعوة الملزمة‪ ،‬نتبينه‬
‫فععي قععول المسععيح »لن كععثيرين يععدعون )الععدعوة العامععة(‪،‬‬
‫وقليلين ينتخبون )الععدعوة الملزمععة(« )مععت ‪ .(16 :20‬وهععذه‬
‫الدعوة ل يمكن للنسععان أن يقاومهععا بععأن يقسععي قلبععه‪ ،‬لنهععا‬
‫تزيل القساوة من القلبَ‪ .‬إنها تنزع قلبَ الحجر وتعطُععي بععدلا‬
‫منه قلبَ لحم‪ .‬وهكذا فإن الله معنا تداخال بقوته‪ ،‬كي ما‬
‫يتمم مقاصد محبته‪.‬‬
‫في الحلقتين السابقتين رأينا المقاصد المصممة في الزأل‪،‬‬
‫بينما تشرح لنععا هععذه الحلقععة تتميععم تلععك المقاصععد فععي ملععء‬
‫الزمععان‪ .‬فهععذه الععدعوة الفعالععة إذا ا هععي الععتي ربطُععت معععا ا‬
‫المقاصد اللهية لنحولنععا )سععبق المعرفععة وسععبق التعييععن( مععن‬
‫جاانبَ‪ ،‬وخالصنا )التبرير والتمجيد( من الجانبَ الخار‪.‬‬
‫يخبرنا المسيح عن هذه الدعوة الفعالة في يوحنا ‪ 10‬إذ يقول‬
‫عن شخصه الكريم باعتباره الراعي الصععالح إنععه »يععدعو خارافععه‬

‫‪151‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪152‬‬

‫الخاصة بأسماء ويخرجاها«‪ ،‬نعم يخرجاها مما كععانت قبل ا فيععه )يععو‬
‫‪ .(3،16،27 :10‬والمثلة على ذلك في الوحي كععثيرة‪ :‬زأكععا )لععو‬
‫‪ ،(10-1 :19‬المرأة السامرية )يو ‪ ،(30 -1 :4‬الخصي الحبشي‬
‫)أع ‪ ،(39-26 :8‬شاول الطُرسوسي )أع ‪ ،(22-1 :9‬ليديا بياعععة‬
‫وسععععجان فيلععععبي )أع ‪-19 :16‬‬ ‫الرجاععععوان )أع ‪،(15-13 :16‬‬
‫‪...(34‬الخ‬
‫والوحي يربط بيعن الخاتيعار والعدعوة فيقعول فعي ‪ 2‬بطُعرس‬
‫ا‬ ‫وأيضا‬ ‫‪» 10 :1‬اجاتهدوا‪ ...‬أن تجعلوا دعوتكم واخاتياركم ثابتين«‪،‬‬
‫يقول الرسععول »لمععا سععر اللععه الععذي أفرزأنععي مععن بطُععن أمععي‪،‬‬
‫ودعاني بنعمته أن يعلن ابنه فيي« )غععل ‪ 15 :1‬انظععر أيضععا ع ‪،(6‬‬
‫ويقول »الذي خالصنا ودعانا دعععوة مقدسععة‪ ...‬بمقتضععى القصععد‬
‫والنعمة« )‪2‬تي ‪ .(9 :1‬ومن هذا نفهم أن هذه الدعوة هي عمل‬
‫داخالي في روح النسان بنعمة الله )‪1‬بط ‪15 :1‬؛ ‪ 9 :2‬قععارن رو‬
‫‪.(29 :11‬‬
‫يمكن القععول إن اللععه دعععا المختععارين‪ :‬خاارجايععا ا بالنجيععل )‬
‫‪1‬تععس ‪ ،(12 :2‬وداخاليععا ا بععالروح القععدس‪ .‬الععدعوة الخارجايععة‬
‫وصلت إلى الذان‪ ،‬والدعوة الداخالية وصلت إلى القلبَ‪ .‬وقععد‬
‫يقدر النسان على أن يوجاه الدعوة الولى‪ ،‬لكععن ليععس سععوى‬
‫روح الله يقوى على الثانية‪.‬‬

‫الحلقة الرابعة ‪ :‬التبرير‬


‫»والذين دعاهم هؤلء بررهععم أيضععا«‪ .‬ومععع أنهعم بقبععولهم‬

‫‪152‬‬
‫‪153‬‬ ‫خامس حلقات ذهبية‬

‫للنجيل باليمان نتج عن ذلك تبريرهم‪ ،‬فإن مشغولية الرسول‬


‫بولس هنا ليس بوسيلة التبرير‪ ،‬أعنععي اليمععان‪ ،‬بععل بالمقاصععد‬
‫الزألية‪ ،‬باعتبار الله هو مصدر التبرير )قارن ع ‪.(33‬‬
‫وبهذه المناسبة نذكر عدة ارتباطععات بععالتبرير نتعلمهععا مععن‬
‫الكتاب المقدس‪:‬‬
‫مصدر التبرير‪ :‬الله )رو ‪.(30،33 :8‬‬
‫إعلن التبرير‪ :‬النجيل )رو ‪.(16،17 :1‬‬
‫أسععاس التععبرير ‪ :‬الكفععارة والفععداء والععدم )رو ‪24،25 :3‬؛‬
‫‪.(9 :5‬‬
‫مبدأ التبرير‪ :‬النعمة )رو ‪24 :3‬؛ تي ‪.(7 :3‬‬
‫برهان التبرير‪ :‬القيامة )رو ‪.(25 :4‬‬
‫وسيلة التبرير‪ :‬اليمان )رو ‪17 :1‬؛ ‪22 :3‬؛ ‪.(1 :5‬‬
‫نتيجة التبرير‪ :‬العمال الصالحة )يع ‪.(26-20 :2‬‬

‫الحلقة الخامسة ‪ :‬المجد‬


‫»والععذين بررهععم فهععؤلء مجععدهم‪ 1‬أيضععاا«‪ .‬ومععع أن هععذه‬
‫الحلقععة لععم تتععم حععتى الن‪ ،‬فلن الرسععول بععولس يتكلععم عععن‬
‫مقاصد الله‪ ،‬والله طبعا ا ‪ -‬باعتبعاره »ملععك الععدهور« )‪1‬تعي ‪:1‬‬

‫‪ 1‬وفي ‪ 2‬تسالونيكي ‪ 13 :2‬يجمل الرسول تلك الخطُة في أمور ثلثة‪ ،‬إذ يشير‬
‫إلى الحلقات الولى والثالثة والخامسة من حلقاتنععا الذهبيععة‪ ،‬فيقععول‪» :‬أن اللععه‬
‫اخاتاركم منذ البدء للخلصا‪ ،‬بتقديس الروح وتصديق الحق‪ ،‬المر الذي دعاكم‬
‫إليه بإنجيلنا‪ ،‬لقتناء مجد ربنا يسوع المسيح«‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪154‬‬

‫ض‬
‫‪ ،(17‬ل يتأثر بالزمن كما هو الحال معنا‪ ،‬فهو ليس عنده ما ر‬
‫وحاضر ومستقبل‪ ،‬بل كل المور قدامه على قععدم المسععاواة‪،‬‬
‫فإنه هنا يقول إن الله مجدهم‪.‬‬

‫الخلصة‬
‫مقاصد الله الزألية ل بد أن تتم‪ ،‬وهي تتكععون مععن خامععس حلقععات‬
‫رائعة وعجيبة‪ ،‬تبدأ بالزأل حيث الخاتيار والتعيين‪ ،‬مععرورا ا بععالزمن‬
‫حيث الدعوة والتبرير‪ ،‬انتهااء بالبد حيث المجد‪ ،‬وحيث يصععل اللععه‬
‫إلى غرضه من الخاتيععار وهععو أن نكععون نحععن الخلئععق المسععكينة‬
‫والسععاقطُة مشععابهين صععورة ابنععه‪ ،‬ليكععون هععو بكععرا ا بيععن إخاععوة‬
‫كثيرين‪ .‬هذا هو الخاتيار‪ ،‬بل هذا هو المشروع الزألي بيععن أقععانيم‬
‫اللهوت‪ :‬خاطُطُوا له‪ ،‬وبدأوه‪ ،‬وواصلوه‪ ،‬وسوف يختمونه‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫قمة المقاصد‬

‫الرسالة إلى أفسس هععي إحععدى قمععم العلن‬


‫‪1‬‬
‫اللهي‪ ،‬إن لم تكن أعلهععا جاميعععاا‪ .‬وبينمععا تبععدأ الرسععالة إلععى‬
‫رومية التي تأملنا فيها في الفصععل السععابق‪ ،‬بالنسععان وحععالته‬
‫الساقطُة التاعسععة‪ ،‬فععإن هععذه الرسعالة تبععدأ بععالله ومقاصععده‬
‫الصالحة بالنعمة‪ ،‬مقاصده من نحو المسيح والكنيسة‪ .‬وبينمععا‬
‫ل تشير رسالة رومية إلى السر المكتوم إل إشارة عععابرة فععي‬
‫آخاععر الرسععالة )‪:16‬عع ‪ ،(26 ،25‬فععإن إعلن هععذا السععر هععو‬
‫الموضوع الرئيسي لرسالة أفسس‪.‬‬
‫إن الخلصا الذي يقدمه النجيل يبدأ بالله‪ ،‬ويسععتمد وجاععوده‬
‫منه‪ .‬وفي هذه الرسالة يرتبط كععل شععيء بععالله‪ :‬فنقععرأ عععن‬
‫مشيئة الله‪ ،1‬وعن نعمة الله‪ ،‬وعن مسرته‪ ،‬ودعوته‪ ،‬وميراثععه‪،‬‬
‫ومجده‪ ،‬وشدة قوته‪ ،‬ويمينه‪.‬‬

‫‪ 1‬نلحظ أن كل ا من الرسل الثلثة اخاتص بالحديث عن جاانبَ معين في الله‪ :‬فتكلم‬


‫الرسول يوحنا عن طبيعععة اللععه‪ ،‬وتكلععم الرسععول بطُععرس عععن حكومععة اللععه‪ ،‬أمععا‬
‫الرسول بولس فتكلم عن مشيئة الله‪ .‬ول شععك أنععه ل توجاععد رسععالة أفععاض فيهععا‬
‫الرسول الحديث عن مشيئة الله‪ ،‬من أول آية فيها‪ ،‬مثل هذه الرسالة‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫رجااء دعوته‬
‫نظرا ا لن موضوع هذه الرسالة هو السععر فإننععا نتوقععع أنهععا‬
‫تولي موضوع الخاتيار أهمية خااصة‪ .‬وهو فعل ا ما بدأت به هذه‬
‫الرسالة العظيمة‪.‬‬
‫يقول الرسول‪» :‬مباركا الله‪ ،‬أبو ربنا يسوع المسيح‪ ،‬الععذي‬
‫باركنا بكععل بركععة روحيععة فععي السععماويات فععي المسععيح‪ ،‬كمععا‬
‫اخاتارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبل لوم قدامه‬
‫في المحبة«‪.‬‬
‫تنشغل تلك اليات بأولى الموضوعات التي أشععار إليهععا‬
‫الرسععول بعععد ذلععك فععي العععداد ‪ 19-17‬عنععدما صععلى لجاععل‬
‫القديسين في أفسس لكي يعطُيهععم إلععه ربنععا يسععوع المسععيح‬
‫روح الحكمة والعلن في معرفته‪ ،‬مسععتنيرة عيععون )قلععوبهم(‬
‫ليعلموا ثلثة أشياء في منتهى الهمية‬
‫أول ا‪ :‬ما هو رجااء دعوته ‪ -‬وهو مععا تحععدث عنععه الرسععول‬
‫في أصحاح ‪ 5-3 :1‬وهو ما سنتحدث عنه في هذا الفصل‪.‬‬
‫ثانيا ا‪ :‬ما هو غنى مجد ميراثه فعي القديسعين ‪ -‬وهعو معا‬
‫تحدث عنه الرسول في أصحاح ‪14-8 :1‬‬
‫ثالثييا ا‪ :‬ومععا هععي عظميية قييدرته الفائقععة نحونععا نحععن‬
‫المععؤمنين‪ ،‬حسععبَ عمععل شععدة قععوته‪ .‬وهععو مععا أشععار إليععه‬
‫الرسول في أصحاح ‪ 20 :1‬وحتى أصحاح ‪10 :2‬‬
‫وتحدثنا اليتان ‪ 3،4‬من هذا الصععحاح عععن سععباعية جاميلععة‬
‫من البركات التي في قلبَ الله أبينا من نحونا كالتي‪:‬‬

‫‪156‬‬
‫‪157‬‬ ‫قمة المقاصد‬

‫الله ‪» -‬إله وأبو‪ 1‬ربنا يسوع‬ ‫‪:‬‬ ‫مصدر البركات‬


‫المسيح«‪.‬‬
‫بل عدد ‪» -‬باركنا بكل بركة«‪.‬‬ ‫كمية البركات ‪:‬‬
‫روحية ‪» -‬كل بركة روحية«‪.‬‬ ‫نوع البركات ‪:‬‬
‫السماويات ‪» -‬كل بركة روحية‬ ‫‪:‬‬ ‫مجال البركات‬
‫في السماويات«‪.‬‬
‫في المسيح ‪» -‬كل بركة‬ ‫ضمان البركات ‪:‬‬
‫روحية في السماويات في المسيح«‪.‬‬
‫الزأل ‪» -‬كما اخاتارنا فيه قبل‬ ‫زأمان إعطاء البركات ‪:‬‬
‫تأسيس العالم«‪.‬‬
‫جاو البركات ‪ :‬المحبة ‪» -‬لنكون قديسين وبل لوم قدامه‬
‫في المحبة«‪.‬‬
‫فل توجاد إذا ا أيية بركة روحية في مجال السماويات عند الله‬
‫أبينا‪ ،‬إل منحنا إياها في المسيح‪ .‬إنه ل م يعطُنعا هعذه البركعات‬
‫في أيدينا‪ ،‬فيكون في المكان أن نخسرها‪ ،‬كما حععدث مععع آدم‬
‫في الجنة‪ ،‬بل أعطُانا إياهععا فععي المسععيح ليكععون هععو الضععامن‬
‫لستمرارها معنا وتمتعنا بها‪.‬‬

‫الله المثلث القانيم والخاتيار‬


‫ويمكن أن نربط مقاصد الله الزألية المذكورة فععي أفسععس‬
‫‪ 4 ،3 :1‬بأقانيم الثالوث كالتي‪:‬‬
‫فالله أبونا باركنا واخاتارنا‪ :‬هنا نرى الب مصدر البركات‪.‬‬
‫بحسبَ ترجامة داربي النجليزية‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪157‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪158‬‬

‫وهو باركنا بكل بركة روحية‪ :‬ول تمتع بالبركات الروحية إل‬
‫بالروح القدس‪.‬‬
‫ثععم إنععه باركنععا بكععل بركععة روحيععة فععي السععماويات فييي‬
‫المسيح‪ :‬ليكون المسيح هو الضامن لها‪.‬‬
‫فالب الصالح هو مصدر تلك البركات‪ ،‬والبععن المبععاركا هععو‬
‫الضامن لها‪ ،‬والروح القدس يهيئ لنا جاو تمتعنا بها‪.‬‬
‫وليس ذلك فقط‪ ،‬بل إن العععداد مععن ‪ - 14-3‬وهععي تحععدثنا‬
‫عن الماضي )ع ‪6-3‬أ(‪ ،‬والحاضععر )ع ‪6‬ب‪ ،(9-‬والمسععتقبل )ع‬
‫‪ - (14-10‬نجد في كل قسم من هذه القسععام الثلثععة إشععارة‬
‫إلى أحد أقانيم اللهوت‪ :‬الب واخاتياره لنععا فععي الماضععي‪ ،‬ثععم‬
‫البن وسفك دمه الكريم لجالنا في ملء الزمان‪ ،‬وأخايععرا ا خاتععم‬
‫الععروح القععدس للمععؤمن وصععيرورته عربععون ميراثنععا البععدي‬
‫المجيد‪.‬‬
‫وكما يرتبط اللععه فععي ثععالوث أقععانيمه بالخاتيععار فععي فاتحععة‬
‫رسالة أفسس‪ ،‬فإننععا نجععد المععر نفسععه فععي افتتاحيععة رسععالة‬
‫بطُععرس الولععى حيععث يقععول الرسععول‪» :‬إلععى ‪ ..‬المختععارين‬
‫بمقتضى علم الله الب السابق‪ ،‬في تقديس الروح للطُاعععة‪،‬‬
‫ورش دم يسوع المسيح« )‪1‬بط ‪ .(1،2 :1‬فيععذكر الرسععول‬
‫أن مشععروع اللععه هععذا قععد صععممه الب فععي الزأل )الخاتيععار(‪،‬‬
‫وموله البن في ملء الزمان‪ ،‬متكفل ا بالكلفة الكععبيرة لتمععامه‬
‫)الععدم الكريععم(‪ ،‬ويقععوم الععروح القععدس بتنفيععذه فععي عععرض‬
‫الزمععان‪ ،‬إذ يعمععل فععي قلععوب المختععارين بععدعوته الفعالععة‬
‫الملزمععة‪ ،‬قائععدا ا إيععاهم للطُاعععة‪ ،‬طاعععة يسععوع المسععيح‪ ،‬أي‬

‫‪158‬‬
‫‪159‬‬ ‫قمة المقاصد‬

‫الطُاعة التي من ذات نوع طاعة يسوع المسيح‪ .‬فمععا أعجععبَ‬


‫أن نجععد هنععا القععانيم الثلثععة مشععغولين ومشععتركين ببركععة‬
‫البشر الذين كانوا موضوع المشورات الزألية‪.‬‬

‫أكثر جادا ا مما نطُلبَ أو نفتكر‬


‫يتقدم الرسول في عددي ‪ 5 ،4‬ليشرح لنا ما ذكععره مجمل ا‬
‫فععي ع ‪ .3‬فيععذكر أن اللععه اخاتارنععا لنكععون قديسععين وبل لععوم‬
‫قدامه في المحبة‪ ،‬كما أنه عيننععا أيضععا ا للتبنععي لنفسععه! وكمععا‬
‫ذكرنا قب ا‬
‫ل‪ ،‬ل مجال فععي هععذه العععداد السععامية لي اسععتحقاقا‬
‫بشري‪ ،‬بل إن ما أعده الله للذين يحبونه هو أسمى جاداا‪ ،‬ل من‬
‫استحقاقهم فحسعبَ‪ ،‬بعل معن تفكيرهعم أيضعاا‪ .‬وتوضعح هعذه‬
‫العععداد أن البععاعث لكععل ذلععك هععو مسععرة مشععيئة الب‪ ،‬وأن‬
‫الهدف هو مدح مجد نعمته )ع ‪ ،(6‬أما مجال ذلك كله فهو ‪ -‬ويا‬
‫للعجبَ ‪ -‬النسان الساقط الثيم! وفععي هععذا قععال رجاععل اللععه‬
‫"داربي" ‪" :‬إذا افترضنا أن رجال ا عظيما ا تبينى ولدا ا منبوذاا‪ ،‬فما‬
‫الذي سيفعله مع هذا الولد؟ إنه لن يفعل مععه معا يحتعاج إليعه‬
‫الولععد فقععط‪ ،‬ول بحسععبَ مععا يفكععر فيععه الولععد المسععكين‪ ،‬بععل‬
‫بحسبَ فكر ذلك الرجال العظيععم وقلبععه‪ .‬هععذا مععا حععدث فعل ا‬
‫معنا عندما اخاتارنا الله الب في الزأل قبل تأسيس العالم‪.‬‬
‫وهناكا قصة فععي العهععد القععديم تصععور لنععا تلععك المعععاملت‬
‫اللهية العجيبة من نحونا‪ :‬فلقد أعطُععى الملععك سععليمان ملكععة‬
‫سبا أول ا حسب مشتهاها‪ ،‬وما طلبتععه‪ ،‬لكنععه أعطُاهععا أيضععا ا‬
‫بعد ذلك حسبَ كرم الملك‪ .‬هكذا فعل الله معنا‪ ،‬فقد قدم لنا‬

‫‪159‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪160‬‬

‫باعتبارنععا خاطُععاة مسيياكين مععا كنععا نشععتهيه‪ :‬أعنععي غفععران‬


‫الخطُايا‪ ،‬لكنه أعطُانا أيضا ا ما هو أكثر جادا ا من أفكارنا البشرية‬
‫المحدودة‪ ،‬إذ أعطُانا حسبَ مسرة مشيئته‪.‬‬
‫والصورة أوضح لهذا المر في العهد الجديد في مثععل البععن‬
‫الضال )لو ‪ ،(15‬فعنعدما خاعرج الب ليسعتقبل البعن الض ال‪،‬‬
‫وعندما وقع على عنقععه وقب يلععه‪ ،‬فععإن هععذا يمثععل غنععى النعمععة‪،‬‬
‫وهكذا واجاه الله أول ا احتياجااتنا كلها‪ ،‬ليس بحسبَ ما كنا نفكععر‬
‫نحن فيه بل بحسب غنى نعمته‪ .‬ولكععن بعععد ذلععك‪ ،‬عنععدما‬
‫قال الب لعبيععده »أخارجاععوا الحلععة الولععى وألبسععوه‪ ،‬واجاعلععوا‬
‫خااتما ا في يده‪ ،‬وحععذاء فععي رجاليععه‪ ،‬وقععدموا العجععل المسععمن‬
‫واذبحوه فنأكل ونفرح«‪ ،‬فهذا ل يمثععل تسععديد أعععوازأ الخطُععاة‬
‫حسبَ غنى نعمة الله‪ ،‬بل يمثل عطُايا الب لنا حسب مسرة‬
‫مشيئته‪ ،‬ولمدح مجد نعمته‪.‬‬

‫مجموعتان متميزتان من البركات‬


‫إن البركععات الععتي كععانت فععي قلععبَ اللععه تجاهنععا يمكععن أن‬
‫نقسمها إلى مجموعتين متميزتين‪ :‬تحععدث الرسععول فععي ع ‪4‬‬
‫عععن المجموعععة الولععى‪ ،‬وفععي ع ‪ 5‬عععن المجموعععة الثانيععة‪.‬‬
‫المجموعة الولى يلخصها عبارة »اخاتارنا«‪ ،‬والمجموعة الثانية‬
‫يلخصها عبارة »عيننا«‪.‬‬
‫أول ا‪» :‬اخاتارنييا‪ ..‬لنكععون قديسععين وبل لععوم قععدامه فععي‬
‫المحبة«‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫‪161‬‬ ‫قمة المقاصد‬

‫هععذه هععي المجموعععة الولععى مععن البركععات‪ ،‬وهععي بركععات‬


‫ثلثية‪:‬‬
‫‪ -1‬قديسين‪ :‬هذه هي الحالة شرعاا‪.‬‬
‫‪ -2‬بل لوم‪ :‬السلوكا الدبي‪.‬‬
‫‪ -3‬قدامه ‪ :‬المقام‪.‬‬
‫وهذا كله صار لنا في جاو المحبة‪.‬‬
‫ثانياا‪» :‬إذ سععبق فعيننييا للتبنععي بيسععوع المسععيح لنفسععه‬
‫حسبَ مسرة مشيئته«‪.‬‬
‫فليس فقط أن الله جاعلنا أولده‪ ،‬فهذا متضمن في ع ‪ ،4‬لن‬
‫حصولنا علي طبيعته يتضمن ولدتنا منه‪ .‬لكنه أيضا ا عيننا للتبنععي‬
‫)ع ‪ .(5‬وهععذا التعييععن يشععير ل إلععى الطُبيعععة بععل إلععى المركععز‪.‬‬
‫فالمؤمنون نالوا الن مركز البنين‪ ،‬بما لهععذا المركععز مععن كرامععة‬
‫وحرية وألفة‪ ،‬وهو المركز الذي ما كان ممكنا ا لحد أن يحظى به‬
‫قبل موت ابن الله نفسه ليفتدي الذين هم تحت النععاموس )غععل‬
‫‪ 4 :4‬و ‪ .(5‬ومع أننا من الن في هععذا المركععز فعل ا )رو ‪ 15 :8‬و‬
‫‪ ،(16‬إل أننا ننتظر حصولنا على فداء الجاسععاد‪ ،‬فيظهععر عظمععة‬
‫هذا المركز أمام الجميع عندما يتم فداء الجسد‪ ،‬فينال الجسد‬
‫أيضا ا حرية وكرامة هذا المركز )التبني(‪.‬‬
‫يمكن القول إذا ا إن الخاتيار مرتبط بالولدة‪ ،‬لنحصل بهعا علعى‬
‫طبيعة الله‪ ،‬أما سبق التعيين فمرتبط بالتبني‪ ،‬فالمؤمنون ليسععوا‬
‫فقط أولد الله‪ ،‬بل أيضا ا أبناءه‪.‬‬
‫نعم هما بركتععان مععا أسععماهما‪ :‬الخاتيععار والتعييععن‪ .‬الخاتيععار‬
‫بمقتضى سابق علم الله الب‪ ،‬وأمععا التبنععي وسععبق التعييععن لععه‬

‫‪161‬‬
‫الخاتيار‬ ‫‪162‬‬

‫فهو بحسبَ مسععرة مشععيئته‪ .‬فنحععن نلحععظ أنععه عنععدما يقععول‬


‫الرسول إن الله أحضرنا قديسين وبل لوم قععدامه فععي المحبععة‪،‬‬
‫فإنه ل يضيف »حسبَ مسرة مشيئته«‪ ،‬لنه مععا كععان يمكععن أن‬
‫يكون بخلف ذلك‪ .‬فل هذا يليق بالله وبمجده )عبَ ‪ ،(11 :2‬ول‬
‫هو يجعلنا نحن سعداء‪ ،‬إذ كيععف يمكععن أن نسعععد فععي محضععره‬
‫ونحن ما زألنا خاطُاة نجسين )قارن إش ‪ .(5 :6‬في هععذه الحالععة‬
‫يكون وجاودنا أمامه هو بعينه العذاب لنا‪ .‬لكن بعععد ذلععك عنععدما‬
‫يقول الرسول إن الب عيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه‪ ،‬فإنه‬
‫هنا يضيف قائل ا »حسبَ مسرة مشيئته«‪ .‬لنععه كععان يمكععن أن‬
‫يحضرنا إلي السماء كعبيد مثل الملئكة‪ ،‬وكان هذا يعتععبر فضععل ا‬
‫عظيما ا من الله )كما ذكرنا في الفصععل السععابق(‪ ،‬لكععن مسععرة‬
‫مشيئة الله قصدت لنا شيئا ا أفضل‪ .‬لقد أتى الله بنا إلي مركععز‬
‫أسمى من الملئكة‪ ،‬أتى بنا إلي حضرته ذاتها بوصفنا أبناء‪.‬‬
‫هذا كله ربطُه الرسول بولس بإله وأبي ربنا يسوع المسيح‪.‬‬
‫فهو كإله ربنا يسوع المسيح "اخاتارنا"‪ ،‬ولكنه كأبي ربنعا يسعوع‬
‫المسععيح "عيننععا للتبنععي"‪ .‬البركععة الولععى‪ ،‬عنععدما اخاتارنععا‬
‫لنشععاركه طععبيعته‪ ،‬فإننا نجععد »اللععه نععور«؛ والبركععة الثانيععة‪،‬‬
‫عندما عيننا لنكون أبناء له‪ ،‬فإننا نجد »الله محبة«‪.‬‬
‫إذا ا فنحن ليس فقععط نلنععا طبيعععة اللععه حسععبَ اخاتيععار اللععه‬
‫هلنععا للقععتراب منععه والسععكن معععه فععي‬
‫الزألععي‪ ،‬المععر الععذي أ ي‬
‫السماء‪ ،‬بل أخاذنا ما هو أكثر‪ :‬ل مجرد رعايا فععي السععماء‪ ،‬بععل‬
‫أبنععاء‪ .‬إذا ا هنععاكا بركععة ثانيععة بالضععافة لخاتيارنععا‪ ،‬فععإن هععؤلء‬
‫المختارين عينهم الله للتبني‪ .‬لم يكن هذا لزأما ا لععدخاولنا إلععي‬

‫‪162‬‬
‫‪163‬‬ ‫قمة المقاصد‬

‫السماء‪ ،‬لكنه بركة إضافية‪.‬‬


‫وبهذا اسيتعل ِلنت مشيئة الله من نحونا عندما سمح لنععا ليععس‬
‫فقط أن ندخال السماء‪ ،‬ول أن نسكن هناكا فحسبَ‪ ،‬بععل عيننععا‬
‫للتبني لنفسه حسبَ مسرة مشيئته »التي أنعم بها علينععا فععي‬
‫المحبوب«‪ .‬ما أجامل هذا‪ ،‬فهو ل يقول هنا إنه أنعم علينععا فععي‬
‫المسيح‪ ،‬بععل فععي "المحبععوب"‪ ،‬أي فععي ذاكا الععذي هععو غععرض‬
‫محبة الب‪ ،‬وابن حضنه الزألي البدي‪» ،‬ابععن محبتععه« )كععو ‪:1‬‬
‫‪ ،(13‬والذي فيه أمكنه أن يفيض علينا بغنى عطُاياه وبركاته‪.‬‬

‫الخلصة‬
‫موه أن الله فععي الزأل كععان يقصععد لنععا‬ ‫عظمة الخاتيار الزألي وس ر‬
‫بركات أسمى بكثير من تلك التي كانت لدم في الجنة‪ .‬وبمجيء‬
‫المسععيح لععم تتععم فقععط معالجععة الثععار المترتبععة علععى السععقوط‬
‫والخطُية‪ ،‬بل استعلنت مقاصده الزألية الصالحة من نحونا‪ .‬وبهذا‬
‫تمجععدت نعمععة اللععه عنععدما أمكععن لبشععر خاطُععاة ومسععاكين ل أن‬
‫يساكنوا الله فحسععبَ‪ ،‬وأن يعطُيهععم مععا يلععزم ذلععك‪ ،‬بععل أن تزيععد‬
‫النعمة فتعطُينا ما هو حسبَ مسرة مشيئته‬

‫‪163‬‬
‫الختام‬
‫لقد تحدثنا في هذا الكتاب عن حالة النسان التعسة‪ ،‬وعن فساده‬
‫الكامل بالسقوط‪ .‬لكن من الجانبَ الخار تحدثنا عن عظمة اللععه‬
‫الكلي السلطُان والكلي النعمعة‪ ،‬وععن عظمعة اخاتي اره لن ا ‪ ،‬ومعا‬
‫دعانا إليه‪ .‬فلقد تداخال في طريقنا ل ليرجاعنععا إلععى مععا كنععا عليععه‬
‫قبل السقوط‪ ،‬بل إلى ما لم يكن لنا قط ول خاطُععر لنععا علععى بععال‪.‬‬
‫مثل ا قبل السقوط لم يكن قديسا ا وبل لوم‪ ،‬المععر الععذي صععار لنععا‬
‫الن‪ .‬ولقد صارت لنا كععل بركععات المسععيحية السععامية والعجيبععة‬
‫والععتي ليسععت لي واحععد مععن قديسععين التععدابير الخاععرى خاععارج‬
‫الكنيسة‪ .‬وإننا نختم هذا الكتاب الععذي انشععغلنا فيععه بواحععدة مععن‬
‫أعظم إعلنات الععوحي الكريععم‪ ،‬أعنععي حقيقععة الخاتيععار‪ ،‬بعبععارات‬
‫قالها أحد القديسين‪" :‬نحن ل نعرف الن‪ ،‬يا اللععه‪ ،‬مععا هععذا الععذي‬
‫فعلته‪ ،‬ولماذا فعلته‪ ،‬لكننا عن يقين سنعرف في ما بعد‪ .‬ونحن ل‬
‫نجرؤ‪ ،‬ول نسألك لماذا ولي سببَ؟ لكننا نسععألك أن تفتععح عيععون‬
‫أذهاننا لكي ندركا ونعلم ما هو رجااء دعوتك‪ .‬آمين"‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫بقلم المؤلف‬
‫‪ ‬تأملت في الموعظة على الجبل‬
‫طبعة‬ ‫‪ ‬وحي الكتاب المقدس‬
‫ثالثة‬
‫‪ ‬الشيطُان‬
‫‪ ‬معجزات المسيح‬
‫‪ ‬مواسم الرب‬
‫طبعة ثالثة‬ ‫‪ ‬مختصر شرح سفر الرؤيا‬
‫‪ ‬الصليبَ وكلمات المصلوب‪.‬‬
‫‪ ‬المعمودية المسيحية‬
‫طبعة‬ ‫‪ ‬ثلث حقائق أساسية في اليمان المسيحي‬
‫خاامسة‬
‫‪ ‬المسيح الطُبيبَ العظيم‬
‫‪ ‬المسيح المنقذ العظيم‬
‫‪ ‬المسيح الرفيق العظيم‬
‫‪ ‬شهود يهوه‬
‫‪ ‬المسيح المتألم‬
‫‪ ‬أجاراس النعمة‬
‫‪ ‬رحلة الكنيسة‬
‫‪ ‬الصلة النموذجاية‬
‫‪ ‬ييييييي يي ييييييي ييييييي‬
‫‪ ‬عودة الهارب‬
‫‪ ‬في مجمع الناصرة‬
‫تحت الطبع‬

‫‪83‬‬
‫المزامير المسياوية‬

‫‪84‬‬

You might also like