You are on page 1of 126

1

2
‫البحث عن الل يف عامل مليء باألمل واحلروب‬

‫"التصور اإلسالمي لقومات بناء السعادة‪ ،‬والطمأنينة‪،‬‬

‫والصحة العقلية"‬

‫ثائر أمحد سالمة‪ ،‬أبو مالك‬

‫‪3‬‬
4
‫اإلهداء‪:‬‬

‫إىل مجيع إذلين يسععععلفه عدا اإل ه‪ ،‬يف ظالل إ تجارب وإ صععععلف ‪ ،‬وإحلروب وإلآالم‪ ،‬والابتالءإ وإحملن إ يت‬
‫نفإهجدا يف إحلياة‪ ،‬وإذلين يلانفه من إمللاانة وإ شع ع اء وإملر وإ ألمل‪ ،‬إىل إذلين يليشعععفه مغفضع عا يكتنعدا‪ ،‬حييط هبا من لك‬
‫إجلدعا ‪ ،‬وإذلين يلعانفه من الاتتاعاب‪ ،‬وإ لق‪ ،‬ويسععع ع أ فه غن إ وعايعف وإ دعاا من إحليعاة‪ ،‬وإذلين يبحثفه غن فدا شعععععامع‬
‫خصعععيصعععا من أ لم‪ ،‬إه إملللفما‬
‫أ‬ ‫للتحااي وإ صعععلاب يف إحلياة‪ ،‬وغن مللاانهتا‪ ،‬ومسعععا اة‪ ،‬هذإ إ كتاب مكتفب‬
‫إملاغفمف برؤيف مسع عريت وة ووا وإ قع عريت ام ةا آايف لآالجا وإ ا ميحف ومل فل عدا إ لامل‪ ،‬وفدا أقع عريباب إ ع ع‬
‫وإملسععلو يف غن ‪ ،‬وقعريتففر ةا مسع أعارإ وإحنأا لف إ سععك نف‪ ،‬وإ سععلا‪،‬ة‪ ،‬وإ أ أني ف‪ ،‬وإالجيابيف‪ ،‬وإالمياه‪ ،‬وقعرييلرففه أين ي ع‬
‫ماكه ه يف إ‪،‬إرة شلوه هذإ إ لامل‪.‬‬
‫يف وقععط غفإ ععي إحلياة و ام إ ي ن‪ ،‬من إ أبيلن أه لس ع أل ولش ع ‪ ،‬وتتسععاءل غن ‪،‬ور ه تلاىل‪ ،‬ب وغن اإل‬
‫ألقع عرياةل إ ل ي ف إ يت يفن يف‬ ‫ه تعسعععو ما جيرن من فك‪ .‬إن جزء من ر ةل إالنسعععاه إ ألمه‪ :‬أن إ بحث غن إ ا‬
‫قلب وجف‪،‬ان‪ .‬متت تتابف هذإ إ كتاب ب أخذ ذك يف الاغتبار‪ ،‬زتويامك برؤى معي ف وملرفف لسا امك ىل إ تن يف إ تضاريس‬
‫إملل اة تحااي إحلياة‪ .‬ال يكتعن إ كتاب هذإ بت امي إال ا ‪ ،‬ب قعع عريي ام م مسععع أعارإ لف إ شعععععاء وإ سععععالم إدلإخيل‪،‬‬
‫وإ أ أني ف وإحلبفر‪،‬‬
‫إه إحلياة ملياف أا تجارب وإحملن‪ ،‬وغا ب أا ما لشععععلر ب أآا لشعععريب لسععععلق إجلبال‪ .‬و كن من خالل إ عدا وإالمياه‪ ،‬من‬
‫خالل لسعععليط إ ضعععفء ىل معدفم إ تفلك ىل ه‪ ،‬ميك م إ لثفر ىل إ رإ ف وإمللن إذلن مي أل نعفقعععم قفة ال مف يف و‬
‫إ صلاب‪.‬‬
‫يف هذه إ صععحا ‪ ،‬قعريتجاوه جتليا إحليفف إ يت ميكهنا وضعع آايف لآالمم‪ .‬قعريتجاوه إ ا مل ف أل ألقعريالتم إلأت‬
‫يف‬ ‫إحلا أ ا فل إ لامل وماكنتم ف ‪ .‬قعريتحصعلفه ىل وضعفا فل ‪،‬ور ه يف إ‪،‬إرة شعلوه هذإ إ لامل‪ ،‬وقعريتارفه أن‬
‫أظمل إللحظعا ‪ ،‬هنعاه هعاا إ د ن إجيعا رإعع يمت حت ع ‪ ،‬ملنعلتم‪ ،‬ومصعععععلحتم‪ ،‬و ومك‪ ،‬قععع عريتجعاوه إدلإفع الجيعابيعف ونعن‬
‫إ سلبيف غن تصفرإ م‪ ،‬وفد م لل لام والابتالءإ وإحملن‪.‬‬
‫إ تجارب وإحملن يه جزء من جتربف إالنسععاه‪ ،‬و كهنا يسععت تلريع أا نا‪ .‬من خالل إالمياه وإ عدا وإالتصععال إ ألمعق ه‪،‬‬
‫ميك م إ لثفر ىل إ سعك نف وإ عرا وإ سعام متجا‪ ،‬ور وإ داا من إحلياة‪ ،‬وإدلإفع للليش‪ .‬إه هذإ إ كتاب هف ‪ ،‬يلم‬
‫يف هذه إ ر ةل إ تحف يف لف اة أت إوإقأا وإشريبا أا‪.‬‬
‫ذلإ‪ ،‬إىل مجيع إذلين يبحثفه غن إ رإ عف‪ ،‬وإىل مجيع إذلين يتفقفه إىل إال عا ‪ ،‬وإىل مجيع إذلين يتفقفه إىل إرتبعا‬
‫مصارإ للتنفير وإ شعاء وإ ألم ‪ ،‬إملرشا لف اة‬ ‫أمعق مع إ ا ق ‪ -‬إ ل فإ أه هذإ إ كتاب مكتفب من أ لم‪ .‬ن أم أه يكفه أ‬
‫ملياف المياه وإ أ أني ف وإ سك نف وإالجيابيف‪ ،‬وإ تفلك‪ ،‬وإ سالم إدلإمئ‪.‬‬

‫‪5‬‬
6
‫الفهرس‬
‫‪5‬‬ ‫اإلهداء‪:‬‬

‫‪9‬‬ ‫التصوراإلسالمي ملقومات بناء السعادة‪ ،‬والطمأنينة‪ ،‬والصحة العقلية‬

‫‪9‬‬ ‫ماذا علي أن أفعل باقي عمري؟‬


‫‪11‬‬ ‫هل الناس في الغرب سعداء؟‬
‫‪15‬‬ ‫"فلسفة اإلسالم في تصور الحياة" (نظام (خطة) الوجود)‬
‫‪20‬‬ ‫القدر يحمل على اإليجابية‪ ،‬بينما القدرية الغيبية فتحمل على التسليم والسلبية‪:‬‬
‫‪21‬‬ ‫االستهداء بقدر معروف لكن توقيته وكيفية تحققه مجهولة لنا‪:‬‬
‫‪22‬‬ ‫جواب مفاجئ من الرسول ﷺ على طلب من أنهكته جراح التعذيب!‬
‫‪26‬‬ ‫صقل اإلسالم عقلية املسلم للتعامل مع املصائب واالبتالءات واملحن بإيجابية ورضا وتفاؤل وطمأنينة‪:‬‬
‫‪28‬‬ ‫الرِِّّب ِّيين مع ما أصابهم في ساحة القتال‪:‬‬
‫ِّ‬
‫درس بليغ من تعامل ِّ‬
‫‪30‬‬ ‫الغاية من الوجود والهدف من الحياة‪:‬‬
‫‪32‬‬ ‫مفهوم الصبر في االسالم‬
‫‪35‬‬ ‫التوكل على هللا‪ ،‬من أعظم مفاهيم االعتقاد‪:‬‬
‫‪38‬‬ ‫نماذج أعمال خارقة قام بها املؤمنون نتيجة التوكل على هللا‪:‬‬
‫‪39‬‬ ‫هزيمة امبراطورية الفرس واإلمبراطورية البزنطية الشرقية في غضون سنوات‪:‬‬
‫‪40‬‬ ‫درس من غزوة تبوك‪:‬‬
‫‪41‬‬ ‫عجائب فتح األندلس بشرى من الرسول ﷺ‬
‫‪44‬‬ ‫األندلس؟‬
‫ِّ‬ ‫فتوحات‬
‫ِّ‬ ‫هل صبغ ِّل ْحي ِّة ْاب ِّن نصير البيضاء بلون أحمر ثم أسود كان سبب‬
‫‪47‬‬ ‫معضلة الشر‪ :‬الحجة املركزية لإللحاد‪:‬‬
‫‪49‬‬ ‫الرؤية املادية امليكانيكية العبثية التي أفرزتها األنظمة العلمانية وانعكاساتها على اإلنسان‪:‬‬
‫‪50‬‬ ‫بابوات الكنيسة‪ ،‬وبابوات الليبرالية الرأسمالية!‬
‫‪54‬‬ ‫إحاطة اإلنسان برؤية مادية ميكانيكية عبثية‬
‫‪56‬‬ ‫تحوالت الليبرالية‪ ..‬من التنظير لتحرير اإلنسان إلى تشييئه تمهيدا البتالعه‪:‬‬
‫‪58‬‬ ‫التحوالت الفكرية بين مفاهيم عصر النهضة وفلسفة ما بعد الحداثة‪:‬‬
‫‪60‬‬ ‫لسنا عنصريين‪ ،‬بل كثير من الناس الغربيين أيضا يكتوون اليوم من نفس النار التي اكتوت منها البشرية‬
‫‪61‬‬ ‫االنتقال من تأليه اإلنسان ومركزيته للكون إلى تأليه ومركزية السوق الحرة!‬
‫‪7‬‬
‫‪64‬‬ ‫العدل اإللهي‪ ،‬والسببية‪:‬‬
‫‪66‬‬ ‫التصور اإلسالمي لفلسفة الخير والشر‪:‬‬
‫‪68‬‬ ‫ملخص تنفيذي ألهم القضايا املتعلقة بنظرة اإلسالم إلى االبتالءات واملحن‪:‬‬
‫‪71‬‬ ‫االبتالءات واملحن والعدل اإللهي‪:‬‬
‫‪72‬‬ ‫املساواة‪ :‬زاوية خطأ لدراسة العدل‪:‬‬
‫‪75‬‬ ‫"اإلرادة الحرة" ومسؤولية الخالق عن "العلل الواضحة" في الخلق‪.‬‬
‫‪77‬‬ ‫القضاء والقدر‪:‬‬
‫‪80‬‬ ‫ادة في عالم سببي حتمي؟‬
‫حرية اإلر ِّ‬
‫خطة الوجود‪ :‬هل اإلنسان مسلوب اإلرادة؟ أين يقع سؤال ِّ‬
‫‪81‬‬ ‫عدل اإلله مطلق القدرة‪ ،‬كلي املحبة‪ /‬كلي الرحمة!‬
‫‪83‬‬ ‫انعدام املقاييس املؤسسة لألخالق وللخير والشر في ظل استبعاد الدين‪:‬‬
‫‪90‬‬ ‫حوار خطير في فيلم املعادل ‪ EQUALIZER 2‬غاية في األهمية!‬
‫‪92‬‬ ‫كل ش يء مباح إذا غاب الدين‪:‬‬
‫‪93‬‬ ‫هل عاملنا أفضل العوالم املمكنة؟ وهل هذا دليل على عجز اإلله؟‬
‫‪96‬‬ ‫إتقان الصنعة‪ ،‬الدقة الالمتناهية في نظام الكون والحياة‪:‬‬
‫‪100‬‬ ‫دليل الحكمة واإلتقان‬
‫‪103‬‬ ‫الفقر والغنى‪ ،‬والصحة واملرض‪ ،‬وخطة الوجود‪:‬‬
‫‪106‬‬ ‫هل مصائب الدنيا هي عقوبات على الذنوب؟ الجواب‪ :‬ال!‬
‫‪112‬‬ ‫الخلود في النار جزاء وفاق‪:‬‬
‫‪117‬‬ ‫عدل هللا تعالى‪ ،‬تأمالت في مناظرة رائعة‬
‫ُ َْ‬ ‫ُ َ َ‬
‫هل يقع السؤال"نحن لم ن ْستش ْر‪ ،‬ولو خ ِّيرنا ربما رفضنا الحياة أصال" تحت بند العدل أم الحكمة؟ ‪122‬‬
‫‪123‬‬ ‫عدل هللا‪ ،‬تأمالت في مناظرة أخرى رائعة!‬

‫‪8‬‬
‫التصور اإلسالمي ملقومات بناء السعادة‪ ،‬والطمأنينة‪ ،‬والصحة العقلية‬
‫ماذا علي أن أفعل باقي عمري؟‬

‫في برنامج على راديو الس ييبي سي ييبي الكندي‪ ،‬اس ييتض يياف الفيلس ييوف لي ماكنتاير ‪ Lee McIntyre‬والذي كانت‬
‫ه‬
‫له تجربة فريدة‪ ،‬حيث نص ي ي ييب في محطة لقطار األنفاق في نيويورك طاولة وض ي ي ييع عل‪:‬ها لوحة كتب عل‪:‬ها‪ :‬اس ي ي ييأل‬
‫الفيلسوف!‬
‫وسع ييد م ي ي ي ييبي بعر الوق ييت توقف ييت امرأة في عق ييده ييا الس ي ي ي ي ييادس وعلى وجهه ييا كييل مالمح الج ييدي يية‪ ،‬وخلع ييت‬
‫معطفهيا‪ ،‬والشي ي ي ي ييال اليذي لغطي رقبتهيا‪ ،‬وقياليت في حزم‪ :‬أنيا امرأة في العقيد السي ي ي ي ييادس من عمري‪ ،‬متقياعيدة عن‬
‫ه‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫العمل براتب مريح‪ ،‬لدي درجة علمية هي املاجس ييتير ال يوجد عندي أس ييرة‪ ،‬فأنا مطلقة‪ ،‬وقد نهض ييت مؤخرا من‬
‫س ي ي ييرير الش ي ي ييفاء بعد عملية خطيرة بقيت ندوبها في رقبتي‪ ،‬وأريد أن أعرف ماذا علي أن أفعله باقي عمري؟ أريد‬
‫ه‬
‫سببا أعيش ألجله!‬
‫ه‬
‫أال يذكرك س ي ي ييؤال هذح املرأة بحيات أنت؟ هل تعرف س ي ي ييببا تعيش ألجله؟ ماذا علي أن تفعل با ي عمرك‬
‫ه‬
‫ليكون لعمرك ولحييياتي معنى حقيقيييا؟ أوليس واقع الحييال أن حيواتنييا مغطيياة "بطبقييات رقيقيية" مييا أس ي ي ي يهييل أن‬
‫تزول‪ ،‬لتنكش ي ي ي ي حقيقية أننيا غيارقون في هيذح الحيياة دون هيدف أو ويي أو طرح تس ي ي ي يياؤالت حقيقيية‪ ،‬ن تظر أن‬
‫نتقاعد كي نكتش ي أن حياتنا العملية التي غطت غالبية الوقت‪ ،‬وأخذت ب ييبابنا وزهرة أعمارنا‪ ،‬واندمجنا ف‪:‬ها‬
‫بصي ي ييناعة املسي ي ييار املظي‪ ،‬واالرتقاء الوقيفي‪ ،‬والرخاء االقتصي ي ييادي‪ ،‬والتسي ي ييوق والرحالت وعطل نهاية األسي ي ييبو ‪،‬‬
‫ومشياهدة خخر األفالم ومتابعة البطوالت الرياضيية‪ ،‬أو حت السي ي ألجل التغلب على الضين واملشيقة‪ ،‬وتأمين‬
‫لقمة العيش‪ ،‬ودفع الفواتير‪ ،‬كي نكتش ي ي ي ي أن هذح كلها ‪-‬مع املتعة املص ي ي ي يياحبة لكل ي ي ي ييبيء ف‪:‬ها‪ ،‬أو العناء‪ ،‬ومع‬
‫أهميتها في حياتنا‪ -‬ليس ي ي ييت الس ي ي ييبب الحقيقي الذي ي ب ي أن نعيش ألجله أو الذي وجدنا في هذا الكون الذي تم‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫تصي ييميمه وتعييرح تعييرا دقيقا منضي ييبطا محكما خارقا لتوجد فيه الحياة ويكون مضي يييافا لها‪ ،‬وليوجد فيه هذا‬
‫املخلوق الذكي القادر على التساؤل واالستكشاف والفهم واإلدراك‪،‬‬
‫فإذا ما ارتفعت تل "الغالالت الرقيقة" وما عاد لها وهجها الذي ص يياحفها في رحلة الش ييباب وبناء املس ييتقبل‬
‫والنظر بتفاؤل ملعيش ي يية مريحة هانئة‪ ،‬أل ‪،‬ا وقتها‪ِّ ،‬وبك ِّ ِّل ق ‪،‬وة ذل الس ي ييؤال الذي س ي ييأل ْته هذح املرأة‪ ،‬ماذا علي أن‬
‫أفعله فيما تبقى لي من عمر! ما هو الس ي ي ييبب الذي س ي ي ييأعيش من أجله! فتعود الذاكرة وقتها للوراء لتس ي ي ييأل‪ :‬هل‬
‫علي أن أعيش له فيما م ب من عمر؟ هل عشت حياتي بشكل صحيح؟‬ ‫كنت أعيش للسبب الذي كان ‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ه‬
‫ق ييد ي تظر املرء في ييه وقت ييا طويال ليكتش ي ي ي ي أن ييه لعيش بال ه ييدف‪ ،‬وأن ييه مفر تم ييام ييا من عن يياص ي ي ي يير الوجود‬
‫ه‬
‫اإلنسي يياني‪ ،‬وأنه مصي يياب ب واء رويي‪ ،‬يركر حياته كلها بال هدف‪ ،‬مشي ييوبا بالقلق والحيرة والتمزق النفسي ييبي‪ ،‬ال‬
‫‪9‬‬
‫ه‬
‫لعرف جوابا على س ي ي ييؤال‪ :‬ما مع؟ الحياة؟ على الرغم من أن هذا الس ي ي ييؤال لص ي ي يييق بالفكر اإلنس ي ي يياني‪ ،‬وب ي ي يير‬
‫أسا بي إلدراك كينونة اإلنسان‪ ،‬كي ال يقع في الخواء الفكري‪ ،‬والفرا األخال ي‪ ،‬والشذوذ السلوكي!‬
‫فميياذا عن ي وأنييت في رحليية كهييذح في هييذح الحييياة الييدنيييا؟ أال ترى أهمييية اإلجييابيية على نظييائر هييذح األس ي ي ي ييئليية‬
‫لتفسر ل سبب وجودك في الحياة‪ ،‬ومن أتى ب ؟ وماذا بعدها؟ وماذا يراد منك؟ ملاذا جئت إلى هذح الحياة؟‬
‫هل الحياة هي‪ :‬املس ي ي ييار املظي؟ وأن تغرق في تفاص ي ي يييله حت تعيش ألجله‪ ،‬ت تظر نهاية الش ي ي ييهر لتحص ي ي ييل على‬
‫ا‬
‫الراتب‪ ،‬وتدفع الفواتير‪ ،‬وتس ي ييتمر عجلة الحياة ‪-‬نمط العيش‪ -‬في روتين ص ي ييارا كأنها متاهة ال تس ي ييتطيع الخروج‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫منها ‪-‬إال لحيظات قليلة ثم تعود إلى تل املتاهة مرغما أو راغبا؟ فإذا ما مات أحدنا هذح السي ي يياعة‪ ،‬وهو في هذح‬
‫املتاهة غير قادر على الخروج منها‪ ،‬فهل لسيتطيع وضيع اإلصيبع على املع؟ الحقيقي لحياته؟ إن السيؤال املركزي‬
‫في الحياة وال ب هو‪ :‬ما هي الغاية من الحياة؟ ملاذا أنت في هذا الوجود؟‬
‫إنما مثل الحياة؛ بمس ي ي ييارها املظي‪ ،‬وبمالها‪ ،‬وبب ينها‪ ،‬وبمتعها الحس ي ي ييية واملعنوية‪ ،‬ومثل اإلنس ي ي ييان يحيا تل‬
‫الحياة‪ ،‬كاملاء بال س ييبة للس ييمكة‪ ،‬تس ييبح فيه‪ ،‬وال تدرك أنه املحيط من حولها‪ ،‬فهي تعيش‪ ،‬إال إنها لن تس ييتطيع‬
‫أن تبلغ أن تكون الحييياة بييال س ي ي ي يبيية لهييا هي املحيط ب جييائبييه وبجمييالييه األخيياذ‪ ،‬وبتوازنييه وتنوعييه واس ي ي ي ييتعييداداتييه‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫الس ي ي ييتقبالها لتعيش في كنفه‪ ،‬فهي ومن كانت س ي ي ييمكة ب ي ي ييفافة ص ي ي ييغيرة‪ ،‬إال إنها قادرة على العيش على أعماق ال‬
‫لس ي ي ي ييتطيعهيا اإلنس ي ي ي ييان بيدون خالت قيادرة على تحميل الض ي ي ي ييغو الهيائلية عل‪:‬هيا‪ ،‬لكنهيا لم تيدرك ذلي ‪ ،‬واقتص ي ي ي ييرت‬
‫ِّ‬
‫"حياتها" على االنش ي ييغال عنه بإب ي ييبا جوعاتها‪ ،‬واتقاء أعدالها‪ ،‬فلم تحفل بتأمل ذل الجمال األخاذ للمحيط‪،‬‬
‫وتدبر تهيئته ‪-‬على ض ي ي ييخامته‪ -‬ليكون حاض ي ي يينة لها‪ ،‬وتهيئتها هي لتتمكن من العيش فيه‪ ،‬وال بتدبر دورها في ذل‬ ‫ِّ‬
‫التوازن العظيم‪ ،‬لم تتأمل في صي ي ي ييلتها بالوجود‪ ،‬وصي ي ي ييلة الوجود بها‪ ،‬لتدرك الغاية من وجودها‪ ،‬والهدف واملع؟‬
‫الييذي يترتييب على ذلي ‪ ،‬وكييذلي اإلنسي ي ي ي ييان الييذي لعيش يومييه يكيأمسي ي ي ي ييه في تلي املتيياهيية‪ ،‬دون تييأمييل وتفكر وتييدبر‬
‫ومدراك!‬

‫‪10‬‬
‫هل الناس في الغرب سعداء؟‬

‫أما فهم الس ي ي ييعادة والطمأنينة في تل الناس في فهمها‪ ،‬وفيما يقيمها في الواقع‪ ،‬فرب فقير يظن س ي ي ييعادته‬
‫ه ه‬
‫يفاء تاما‪ ،‬واملذاهب املادية ترى السي ي ييعادة‬ ‫في أن لغت؟ي‪ ،‬ورب مرير يرى أن سي ي ييعادته ال تتحقق إال أن لشي ي ييفى بي ي ي‬
‫ه‬
‫الحريات وخصي ييوصي ييا الحرية الشي ييخصي ييية‪ ،1‬فهم‬ ‫ِّ‬ ‫يوية بأقصي ييب درجة‪ ،‬وبإطالق‬ ‫والحاجات العضي ي ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ائز‬
‫بإبي ييبا الغر ِّ‬
‫يفهمون السييعادة على أنها "املتعة" أو "ال شييوة" أو "الرفاهية"‪ ،‬األمر الذي انعكس على صييورة فومييب مجتمعية‬
‫ال حد لها‪ ،‬انعكس ي ييت على ص ي ييورة تفع ي ييبي مش ي يياكل العن ‪ ،‬واألمراا‪ ،‬والتفك األس ي ييري‪ ،‬واملخدرات والجريمة‪،‬‬
‫وامتالء الس ييجون بش ييكل غير مس ييبوق في التاريخ‪...،‬الخ‪ ،‬وأض ييمى امتالك الس ييلطة والش ييهرة واملال‪ ،‬وتنميته بأي‬
‫ه‬
‫وس ي ي ي يييلية غيايية الغياييات‪ ،‬األمر اليذي أفرز طبقية قيادرة على التحكم بمقيدرات اليدول‪ ،‬وب ي ي ي ييعوبيا عياملية عنيدهيا بميا‬
‫كل السلطة‬ ‫أقل من خمسة باملائة من السكان أكثر من تسعين باملائة من الثروة‪ ،‬وامتلكوا ‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫يقيم أودها‪ ،‬فامتل‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫أيض ي ي ييا‪ ،‬وتوز البا ي على البا ي م ي ي ي يحوبا بش ي ي ييظ العيش ئديونا هائلة على األفراد واألس ي ي يير ومش ي ي ييقة العمل‪،‬‬
‫فكانت أسباب السعادة لديهم أسباب تعاسة حقيقية!‬
‫وكان التركيز على اإلب ييبا املادي‪ ،‬وال ش ييوة‪ ،‬واملتعة اونية‪ ،‬والف ر باإلنجازات‪ ،‬والثقة بمس ييتوى الرفاهية‪،‬‬
‫الحياة‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫م ي ييحوبا بإغفال أهمية القيمة الروحية وض ي ييرورة إب ي ييباعها‪ ،‬األمر الذي أف ي ييب لتص ي ي ِّيور منقوص عن‬
‫ومجافاة ألثر السي ييعادة على النفس املتمثل بالطمأنينة والراحة النفسي ييية‪ ،‬والسي ييالم النفسي ييبي‪ ،‬والربي ييد العقلي‪،‬‬
‫واإليجابية‪ ،‬والرضي ي ي ييا عن الذات‪ ،‬والذي ال يتم إال بالقناعة بص ح ح حححة مرجعية الس ح ح ححلو ‪ ،‬ووضي ي ي ييوح الهدف من‬
‫الحياة‪ ،‬ووجود املع؟ الحقيقي اإليجاسي الذي لعيش اإلنس ي ييان ألجله‪ ،‬وبالقناعة ب ي ييحة األفكار واملش ي يياعر التي‬
‫يمتلكهيا اإلنسي ي ي ي ييان‪ ،‬والتي لس ي ي ي ييير بهيا حيياتيه‪ ،‬والتي توفر ليه القيدرة الحقية على التعياميل مع ض ي ي ي ييغوطيات الحيياة‪،‬‬
‫يحيحا يف ي ييبي للرض ح ححا والطمأنينة‪ ،‬وليس ي ييت الس ي ييعادة الحقة بالس ي ييعادة ال س ي ييبية ‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫اونية‬ ‫بتفس ي يييرها تفس ي يييرا ص ي ي‬
‫املتقلبيية‪ ،‬أو تلي الييدينيياميكييية املتغيرة‪ ،‬التي تنقلييب إلى س ي ي ي ييلبييية قيياتليية تييدمر رضي ي ي ي ييا اإلنسي ي ي ي ييان عن ذاتييه‪ ،‬أو عن‬
‫ُّ‬
‫الظروف التي تكتنفه حين تقلفها‪.‬‬
‫إن الفصي ي ي ي ييل الييذي تم في الغرب بين اإلنسي ي ي ي ييان ‪-‬الييذي امتلي رفيياهييية في العيش‪ ،-‬وبين املفيياهيم واملقيياييس‬
‫والقناعات التي س ييي بثق عنها النظام املس ي ِّيير للس ييلوك‪ ،‬فاهتمت باألولى ئالرفاهية ‪ ،‬وقطعت الحبل ال ُّسي ي ِّ ِّر ‪،‬ي بين‬
‫ذل اإلنسي ييان وبين الثانية ئأن تكون رفاهيته نتاج مفاهيم ومقاييس وقناعات صي ييحيحة تسي ييير السي ييلوك ‪ ،‬إنما‬
‫هو إحداث ب ي ي ييرا فكري بين الس ي ي ييعادة‪ ،‬وبين األس ي ي يياس الذي ال تنفص ي ي ييل عنه في الحياة‪ ،‬وهو امتالك اإلنس ي ي ييان‬

‫‪" 1‬في التص ي ي ي ييور الحيالي عن العيالم لعتقيد أن الحريية هي إطالق العنيان للرغبيات‪ ،‬في حين أن الحريية الحقيقيية تكمن في التغليب على اليذات والنزوات‪،‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ِّ‬
‫بحيث يص ييل املرء في نهاية املطاف إلى تل الحالة األخالقية التي تمكنه من أن يكون س ي ِّييدا حقيقيا على نفس ييه في أي لحظة‪ .‬أما الس ي ي املس ييتمر وراء‬
‫تحقيق الرغبات الجامحة فال يؤدي إال إلى العبودية" يوميات كاتب‪ ،‬فيودور دوستويفسكي‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫ملفاهيم ومقاييس وقناعات ص ي ييحيحة‪ ،‬تس ي ي ِّيير الس ي ييلوك‪ ،‬فالرفاهية ال تحقق الرض ي ييا عن الذات بالض ي ييرورة‪ ،‬وال‬
‫تحقق الس ي ييالم الداخلي‪ ،‬وال الطمأنينة‪ ،‬بينما الص ي ييلة بين املفاهيم واملقاييس وبين الرض ي ييا والطمأنينة والس ي ييالم‬
‫اليداخلي‪ ،‬وبين الس ي ي ي يعيادة ص ي ي ي يلية دائميية‪ ،‬مهميا تقلبيت الظروف‪ ،‬والتي قيد تتجلى في ص ي ي ي ييورة رفياهيية‪ ،‬أو فقر‪ ،‬أو‬
‫صحة أو مرا‪ ،‬فرب فقير مطمئن سعيد راا‪ ،‬ورب غ؟ي ال ينام الليل من حيرته وتقلبه!‬
‫ولكننا نرى أن عصير الحضيارة الغربية قد أت م م جم األطباء بأنوا ال تحصيب من األمراا النفسيية مثل‬
‫اإلجهاد النفس ي ي ي ييبي )‪ ،(Stress‬واالض ي ي ي ييطراب التوتري النفس ي ي ي ييبي)‪ ، (Stress-related Disorder‬والقلق)‪، (Anxiety‬‬
‫واالكتئي يياب )‪ ،(Depression‬واإلحبي ييا )‪ ،(Frustration‬والتوهم )‪ ،(Delusion‬والفصي ي ي ي ي ييام )‪،(Schizophrenia‬‬
‫والهس ي ي ي ييتيريا )‪ ،(Hysteria‬والهلوس ي ي ي يية )‪ ،(Hallucination‬والهوس االكتئاسي )‪ ،(Bipolar Disorder‬والوس ي ي ي ييواس‬
‫القهري )‪ ،(Obsessive-Compulsive Disorder‬واإلدمي ييان على الكحول )‪ ،(Alcoholism‬واض ي ي ي ييطراب مي ييا بع ييد‬
‫الص ي ي ي ييدمية النفس ي ي ي ييية )‪ ،(Post-Traumatic Stress Disorder - PTSD‬واض ي ي ي ييطراب النوم )‪،(Sleep Disorders‬‬
‫واض ي ي ي ييطراب القلق االجتم ي ييايي )‪ ،(Social Anxiety Disorder‬واض ي ي ي ييطراب فر الحرك ي يية وتش ي ي ي يت ي ييت االنتب ي يياح‬
‫)‪ ،(Attention-Deficit/Hyperactivity Disorder - ADHD‬والهوس )‪ ،(Mania‬واض ي ييطراب الهوس واالكتئاب‬
‫)‪ ،(Cyclothymic Disorder‬واإلدمان )‪ ،(Addiction‬وغيرها‪ ،‬فتجد اإلحص ييائيات املرعبة ألعداد املص ييابين بهذح‬
‫األمراا النفس ي ي ي ييية في الغرب‪ ،‬فمثال تجيد أن ‪ 110‬أش ي ي ي يخياص من كيل أل في الوالييات املتحيدة يتعياطون أدويية‬
‫مض ي ي ييادة ليحبا ‪ ،‬وفي أس ي ي ييتراليا وفي الدنمارك ‪ ،89‬وفي الس ي ي ييويد ‪ 85‬من كل أل ‪ ،‬ويعاني واحد باملائة في أمريكا‬
‫من التوحييد ئ‪ Autism‬في العييام ‪ ،2022‬مقييابييل ‪ 1‬من كييل ‪ 150‬في العييام ‪ ،2000‬ويعيياني ‪ 1.5‬ش ي ي ي ييخص من كييل ‪10‬‬
‫خالف من الفص ي ي ي ييام‪ ،‬وت تهي حيياة ‪ %5‬منهم بياالنتحيار‪ ،‬وتتراوح نس ي ي ي ييب املنتحرين في العيالم الغرسي ئبيل في العيالم‬
‫الذي تسي يييطر عليه الرأسي ييمالية كنمط عيش من كل مائة ألف من السح ح ان في العام ‪ :2023‬ما بين ‪ 10‬إلى ‪25‬‬
‫مثال‪ :‬نس ي ي ييبة االنتحار في الس ي ي ييويد ‪ 14.7‬ش ي ي ييخص ي ي ييا‪ ،‬وكانت الدولة األعلى معدال في االنتحار في العالم الغرسي منذ‬
‫السي ي ييتينيات من القرن املامي ي ييبي‪ ،‬وأما بلجيكا فتبلغ ال سي ي ييبة ف‪:‬ها ‪ ،18.3‬والواليات املتحدة ‪ ،16.1‬وفنلندا ‪،15.3‬‬
‫جدير بالذكر أن ال سبة في روسيا هي ‪ 25.1‬شخصا‪ ،‬وهي التاسعة على مستوى العالم في نسبة االنتحار‪.‬‬

‫صورة تمثل معدل االنتحارفي دول العالم ‪ 2019‬ل ل مئة ألف‪ ،‬األزرق‪ :‬رجال‪ ،‬واألحمر‪ :‬نساء‬
‫‪12‬‬
‫في الص ييورة املرفقة‪ ،‬إحص ييائية تظهر عدد األش ييخاص الذين يتعاطون أدوية مض ييادة ليحبا نس ييبة إلى كل‬
‫ألف ش ح ح ححخل في تلك البالد‪ ،‬أي إن ‪ 110‬أشي ي ي ييخاص مصي ي ي ييابون باالكتئاب في الواليات املتحدة من بين كل أل‬
‫شيخص لعيش ف‪:‬ها‪ ،‬أي نسيبة تقارب العشيرة باملائة‪ ،‬وهي نسيبة هائلة‪ ،‬و‪ 85‬في الدنمارك‪ ،‬و‪ 79‬في السيويد‪ ،‬و‪71‬‬
‫في بريطانيا‪ ،‬و‪ 70‬في فنلندا وفي بلجيكا‪ ،‬و‪ 50‬في فرنسا وفي أملانيا‪:‬‬

‫صورة تمثل معدل من يتعاطى أدوية لإلحباط في دول العالم ل ل ألف من الس ان‪،‬‬
‫كييذل ي فييإن ي تجييد أغنييياء مش ي ي ي ييهورين في قميية املجييد ي تحرون لخواء الحييياة في نظرهم‪ ،‬فييالف ر بيياإلنجيياز‪،‬‬
‫والشيهرة‪ ،‬واملال‪ ،‬والترف‪ ،‬والرفاهية ليسيت بضيمانات حقيقية على تحقيق السيعادة الدائمة‪ ،‬كي ال‪ ،‬وقدرتها‬
‫كلهيا على تحقيق الس ي ي ي يعيادة الحقيقيية مرتبط بوجود القنياعية ب ي ي ي يحية مرجعييات الس ي ي ي ييلوك‪ ،‬وبوجود املفياهيم‬
‫ال ييحيحة عن الحياة‪ ،‬فهذح وحدها الض ييمانة بأن ال تنقلب الس ييعادة تعاس يية حين ي بت وه الش ييهرة‪ ،‬أو يقل‬
‫ه‬
‫امليال‪ ،‬أو تنقليب الرفياهيية ض ي ي ي يييقيا‪ ،‬فيحيار املرء كي يفس ي ي ي يير ذلي كليه‪ ،‬فحذذا لم يدحد في مفحاهيمحه ومقحاييس ح ح ح ححه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الفكرية مرجعيات صح حححيحة تدعل سح ححعادته مسح ححتدامة‪ ،‬أو حين تنقلب رفاهيته "روتينا قاتال"‪ ،‬فذنه أسح ححر‬
‫ما يسيرنحو هاوية االكتئاب والقلق ويتحطم رضاه عن نفسه أو عن مدتمعه!‬
‫"إن األهم من إبي ييبا الغرائز والحاجات العضي ييوية هو كيفية اإلبي ييبا ئأي تنظيمه ال اإلبي ييبا بحد ذاته‪،‬‬
‫فيالقض ي ي ي ييية ليسي ي ي ي ييت كم ييأكيل النياس‪ ،‬ومياذا يلبس ي ي ي ييون‪ ،‬وال كم يتملكون‪ ،‬بيل القض ي ي ي ييية هي مياذا ييأكلون‪ ،‬وكي‬
‫يكسيبون ما لشيترون به ما يأكلون‪ ،‬وكي يتملكون‪ ،‬هل النظام الذي ينظم حياتهم االقتصيادية يجعل تملكهم‬

‫‪13‬‬
‫هييذا يمر عبر نظييام ديون ربوييية تض ي ي ي ييعهم تحييت ثقييل ديون بيياهظيية يييدفعهييا اوبيياء واألبنيياء طوال أعمييارهم؟ نظييام‬
‫مصمم بعناية ليزيد الغ؟ي غ؟ والفقير فقرا؟‬
‫فالقضية ليست هل لعيش الناس أم ال لعيشون‪ ،‬بل القضية ملاذا لعيشون؟ وكي لعيشون حياة تتناغم‬
‫مع الغاية من حياتهم‪ ،‬ال مجرد‪ :‬كي لعيشي ي ييون‪ ،‬وهل يط ى إبي ي ييباعهم لغرائز وحاجات عضي ي ييوية على حسي ي يياب‬
‫ه‬
‫غيرها؟ أم هناك توازن في اإلب ييبا يتمثل في نظام ض ييابط يحقق هذا التوازن؟ ألن عدم التوازن س يييف ييبي حتما‬
‫لالض ييطراب والحيرة والقلق‪ ،‬أي إلى الش ييقاء ال الس ييعادة‪ ،‬هكذا يحكم بأنهم س ييعداء فعال أم س ييعادتهم موهومة‪،‬‬
‫خنية‪ ،‬مب ية على مقاييس خطأ"‪2.‬‬ ‫أو ‪،‬‬
‫وهذا ال لع؟ي أن الناس ال لعيش ي ييون لحظات حياتهم في مس ي يرات وهناء‪ ،‬إذ يتمتعون بمناقر جميلة ونزهات‬
‫لطيفة‪ ،‬ولكن املع؟ أن توجد الس ي ي ييعادة الحقيقية الناب ي ي ييئة عن التوازن في تنظيم حياة اإلنس ي ي ييان‪ ،‬والطمأنينة‬
‫الناب ييئة عن نمط العيش‪ ،‬وعن التفس ييير ال ييحيح ملع؟ الحياة‪ ،‬إذ إن نقير الس ييعادة هو الش ييقاء‪ ،‬فالنظام‬
‫ه‬
‫بقيا ومن كانت لديهم لحظات ِّ‬ ‫‪،‬‬
‫مسرات مؤقتة!‬ ‫الذي ال ينص املجتمع سيجعل جله‬
‫وليس من طبع الحييياة تمييام نعيمهييا‪ ،‬فييإنمييا يتقلييب اإلنسي ي ي ي ييان من محنيية إلى منحيية‪ ،‬ومن نعيم إلى ب ي ي ي يقيياء‪ ،‬ومن‬
‫سي ييعادة إلى كدر‪ ،‬بل فوق ذل ‪ ،‬قد يتطور األمر بمن بي ييقي وانكسي ييرت روحه‪ ،‬وخوى قلبه‪ ،‬فيرتكس في حال من‬
‫التعاس ي ي ي يية واإلجهاد النفس ي ي ي ييبي‪ ،‬والقلق واالكتئاب‪ ،‬واإلحبا ؛ وسعر من وص ي ي ي ييلت بهم الحال لهذا‪ ،‬كانوا في قمة‬
‫مجدهم‪ ،‬وعطالهم‪ ،‬وبهرتهم‪ ،‬وغناهم‪ ،‬إال إن نفوسهم خلت من السعادة القائمة على الطمأنينة‪ ،‬واإليجابية‪،‬‬
‫وعلى الس ي ي ي ييالم الداخلي‪ ،‬والراحة النفس ي ي ي ييية‪ ،‬وعلى اإليمان‪ ،‬بدال من تل الس ي ي ي ييعادة اونية القائمة على إب ي ي ي ييبا‬
‫ه‬
‫الغرائز والحاجات العض ي ي ي ييوية بأقص ي ي ي ييب درجة‪ ،‬وعلى إطالق الحريات وخص ي ي ي ييوص ي ي ي ييا الحرية الش ي ي ي ييخص ي ي ي ييية‪ ،‬تل‬
‫"السعادة" اونية التي تتأسس على أنها "املتعة" أو "ال شوة"‪ ،‬أو "الرفاهية" وتحقيق القيم املادية وحدها‪ ،‬فهذح‬
‫س ي ي ي ييعادة ال تف ي ي ي ييبي إلى الطمأنينة‪ ،‬إذ إنها تغفل القيمة الروحية‪ ،‬وتغفل التوازن في إب ي ي ي ييبا الغرائز والحاجات‬
‫العض ي ييوية بين تحقيق القيم اإلنس ي ييانية والروحية واملادية والخلقية‪ ،‬فالس ي ييعادة الحقيقية‪ ،‬والطمأنينة ناب ي ييئة‬
‫عن نمط العيش الذي يحقق التوازن في تنظيم حياة اإلنس ي ييان‪ ،‬ناب ي ييئة عن تحقيق اإلنس ي ييان لحياة ف‪:‬ها هدف‪،‬‬
‫ف‪:‬ها "مع؟ " لعيش ألجله‪ .‬يقول عالم األعص ي يياب واملحلل النفس ي ييبي النمس ي يياوي ئفكتور فرنكل ئ‪: Vector Frankl‬‬
‫"لدى الكثير من الناس اليوم وسائل تمكنهم من العيش‪ ،‬غير أنهم يفتقدون مع؟ لعيشون ألجله"‪.3‬‬
‫فكي عمل اإلس ي ييالم على إيجاد الطمأنينة واإليجابية‪ ،‬والس ي ييالم الداخلي‪ ،‬والراحة النفس ي ييية‪ ،‬واإليمان‪ ،‬ما هي‬
‫املقومات التي ارتكز عل‪:‬ها اإلس ييالم لي تج ش ييخص يييات إيجابية تس ييتجيب لكافة ض ييغو الحياة دون أن تص ييل إلى‬
‫اإلحبا واإلجهاد النفسبي‪ ،‬والقلق‪ ،‬واالكتئاب‪ ،‬واإلحبا ‪ ،‬واالنفصام‪ ،‬والهستيريا‪ ،‬والهلوسة‪ ،‬وغيرها!‬

‫‪ 2‬بتصرف‪ ،‬عن محاضرة لألستاذ أحمد القصص بعنوان‪ :‬مفهوم السعادة في اإلسالم‪ ،‬إصدارات رابطة الويي الثقافية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 3‬مشكلة الشر ووجود هللا‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري ص ‪26‬‬
‫‪14‬‬
‫"فلسفة اإلسالم في تصورالحياة" (نظام (خطة) الوجود)‬

‫‪،‬‬
‫إن نظام االس ييت الف في األرا اقت ييب أن لس ييت ل هللا اإلنس ييان العاقل املكل املس ييؤول املحاسي يب‪ ،‬ذا‬
‫‪،‬‬ ‫ْ‬
‫اإلرادة الحرة والقدرة على االختيار والت طيط والتنفيذ‪ ،‬وسييخر هللا تعالى لينسييان كل ييبيء‪﴿ ،‬أل ْم تر ْوا أ ‪،‬ن ٱَّلل‬
‫ا [لقمان ‪ ،]20‬لتمكينه من أسييباب ما يلزم السييت الفه في األرا‪ ،‬وفق‬ ‫ْ ْ‬ ‫‪ ،‬تت‬ ‫‪،‬‬ ‫‪،‬‬
‫س يخر لكم ما ِّفى ٱلس يمو ِّت وما ِّفى ٱألر ِّ‬
‫معادلة بش ي ييرية يوض ي ييحها القرخن‪ ،‬س ي يينحاول اختص ي ييار "فلس ح ححفة اإلس ح ححالم في تص ح ححورالحياة" (أي نظام (خطة)‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫الوجود)‪ ،‬وهذح املعادلة ف‪:‬ها مجموعة من العوامل التي تلعب دورا اساسيا في تصور الحياة‪:‬‬
‫أوال‪ :‬العقييل‪ ،‬والعقييل خليية اإلنس ي ي ي ي ييان ملعرفيية خييالقييه ومدراك س ي ي ي يير وجودح في الحييياة‪ ،‬وللعلم وفر كثير من‬
‫مغ يياليق ه ييذا الوجود وتفس ي ي ي يييره ييا ب ييالربط ال ييذكي‪ ،‬والفهم واإلدراك‪ ،‬ومنش ي ي ي ي يياء األفك ييار‪ ،‬والبح ييث واالس ي ي ي ييت ب ييا‬
‫واالس ي ي ي ييتقراء‪ ،‬والعق ييل من ييا التكلي ِّ ‪ .‬وحي ييث كييان للعق ييل ه ييذح املك ييان يية اله ييائل يية في "خط يية الوجود"‪ ،‬وفي امتي يياز‬
‫اإلنس ي ي ييان العاقل عن س ي ي ييائر املخلوقات واالتكال على العقل في إدراك الص ي ي ييلة بالخالق؛ فال ب ي ي ي أنه خلة بالغة‬
‫األهمية‪ ،‬بالغة القدرة‪ .‬ويؤكد القرخن على التحال بين االيمان والحق والعقل‪ .‬ومن أس ي ي ييلوب القرخن أنه يطرح‬
‫األس ي ي ي ييئلية على القيارل بطريقية نقيديية ليجبرح على إعيادة التفكير في معتقيداتيه‪ ،‬ألن الوص ي ي ي ييول إلى الحق لس ي ي ي ييتلزم‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫تحرير العقول من املوروثات‪ ،‬فالتعلم يلعب دورا أساسيا في تطورنا وتزكيتنا كبشر‪.‬‬
‫ه‬
‫يركز اإلسالم بقوة على ترسيخ اإليمان من خالل األدلة العقالنية القطعية التي ال لبس ف‪:‬ها‪ ،‬متجاوزا مجرد‬
‫الخضيو ‪ .‬ويحرم اإلسيالم التقليد في العقيدة‪ ،‬بما في ذل تقليد اعتقاد اوباء أو املجتمع األوسيع‪ .‬بدال من ذل ‪،‬‬
‫يدعو اإلس ي ييالم إلى اإليمان الذي يتم زراعته من خالل البحث الدقيق واالس ي ييتجواب النقدي والتفكير املس ي ييتنير‪.‬‬
‫يؤكيد هيذا الن على أهميية املش ي ي ي يياركية الفكريية الفرديية في رحلية اإليميان‪ ،‬مميا يض ي ي ي ييمن أن اإليميان ليس موروثيا‬
‫فحس ي ييب‪ ،‬بل يتم فحص ي ييه بدقة وتأكيدح ش ي ييخص ي يييا‪ .‬تلعب هذح املن جية دورا حاس ي ييما في تنمية أس ي يياس قوي من‬
‫اإليمان والتحفيز والثقة في املبادل األس يياس ييية التي توجه الفرد طوال رحلة حياته‪ .‬وهذا ض ييروري بش ييكل خاص‬
‫ه‬
‫عند مواجهة الش ي ي ييدائد واالبتالءات واملحن‪ .‬ومن خالل تب؟ي هذا الن ‪ ،‬يكون املس ي ي ييلم مس ي ي ييتعدا جيدا‪ ،‬ويتعزز‬
‫لديه الش ي ي ي ييعور بالرض ي ي ي ييا باالعتماد على هللا‪ ،‬والتوكل عليه‪ ،‬فيس ي ي ي ييتمد القوة منه لتجاوز أي واقع ص ي ي ي ييعب‪ .‬وهذا‬
‫ِّ‬ ‫ه‬
‫يض ي ييمن مرونة متجذرة بعمق في اإليمان‪ ،‬وثقة ال تتزعز في الحكمة اإللهية‪ ،‬مما يمكن الفرد من التنقل وس ي ييط‬
‫تعقيدات الحياة بنعمة وثبات‪ ،‬وصبر ورضا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬التكلي ‪ ،‬واملن ‪ ،‬واملس ي ييؤولية‪ ،‬واملحاس ي ييبة‪ ،‬والواجبات‪ ،‬والحقوق‪ :‬وقد أقام هللا تعالى نظام الوجود‬
‫األرا وال‬ ‫ِّ‬ ‫على العدل ومنع الظلم‪ ،‬ومعطاء كل ذي حق حقه‪ ،‬واس ي ي ييت ل اإلنس ي ي ييان وارت ي ي ييب له أن يص ي ي ييلا في‬
‫ه‬
‫يفسي ي ي ي ييد ف‪:‬هيا‪ ،‬فردا أو جمياعية‪ ،‬ولم يترك تنظيم الحقوق ومقيامية العيدل ومنع الظلم‪ ،‬وض ي ي ي ييبط الس ي ي ي ييلوك اليذي‬
‫يف ييبي ليصييالح ال اإلفسيياد‪ ،‬وفر الخصييومات والنزاعات دون تشييريع وتنظيم يضييبطه وينظمه‪ ،‬ويقيم ال جة‬

‫‪15‬‬
‫على الخالئق‪ ،‬ويحاسي ييفهم على أسي يياسي ييه‪ ،‬لم يتركه للبشي يير وأهوالهم وتسي ييلط قويهم على ضي ييعيفهم‪ ،‬وت بطهم في‬
‫معرفة التنظيم ال ي ي ي ييحيح الذي يصي ي ي ييلا أحوالهم ويقيم نظامهم ويمنع فسي ي ي ييادهم‪ .‬فتشي ي ي ييريع هللا هو الضي ي ي ييامن‬
‫لتحقيق العدل ومقامة ميزان القسي ي ييط في األرا‪ ،‬ويتحقق ذل التنظيم على مسي ي ييتوى الجماعة من خالل دولة‬
‫وأتم به النعمة على املسلمين‪ ،‬وأيأس منه الكافرين‪ .‬واملسؤولية‬ ‫وأنظمة الحياة املختلفة‪ ،‬وقد أكمل هللا الدين‪، ،‬‬
‫مفهوم بالغ األهمية‪ ،‬يتض ي ييمن مس ي ييؤولية اإلنس ي ييان عن أفعاله‪ ،‬ومس ي ييؤوليته عن نفس ي ييه وعن غيرح‪ ،‬ومس ي ييؤوليته‬
‫وواجباته تجاح اوخرين بحمل الدعوة لهم والحرص على ص ييالحهم‪ ،‬واملحافظة على القيم اإلس ييالمية التي تس ييود‬
‫مجتمعهم‪ ،‬كما وتتضمن املسؤولية مع؟ املساءلة عن األفعال والحقوق والواجبات‪.‬‬
‫ثييالثييا‪ :‬العبودييية والطيياعيية‪ ،‬والعييدل واإلحسي ي ي ي ييان‪ ،‬واملراقبيية والتقوى‪ ،‬واملحبيية والخوف والرجيياء‪" ،‬وحيييث إن‬
‫‪،‬‬ ‫الوجود كله من السماوات واألرا وما سواهما هلل تعالى‪ ،‬فهو ْ‬
‫األولى أن لعبد‪ ،‬فيتذلل إليه‪ ،‬وي ضع له‪ ،‬وينقاد‬
‫ِّ‬ ‫ْ‬
‫يادة أن تش ي ي ي يهيد بيأن ال إليه إال هللا‪ ،‬وحيثيية ألوهيتيه األولى أن ليه ملي‬ ‫ألمرح‪ ،‬فيطيا فال لعص ي ي ي ييب ‪ ،‬وأول قمية للعب ِّ‬
‫السي ي ي تيموات واألرا‪"4‬؛ "يدبر أمر عبادح؛ يأمر وينه ‪ ،‬ويرسي ي ييل الرسي ي ييل وينزل الكتب‪ ،‬ويرمي ي ييب ويغضي ي ييب‪ ،‬ويثيب‬
‫ويعيياقييب‪ ،‬ويعطي ويمنع‪ ،‬ويعز ويييذل‪ ،‬وي فر ويرفع‪ ،‬يرى ويس ي ي ي ييمع‪ ،‬ويعلم الس ي ي ي يير والعالنييية‪ ،‬فعييال ملييا يريييد‪،‬‬
‫موص ي ي ي ييوف بكيل كميال‪ ،‬منزح عن كيل عييب‪ ،‬ال تتحرك ذرة فميا فوقهيا إال بيإذنيه‪ ،‬وال تس ي ي ي ييقط ورقيه إال بعلميه‪ ،‬وال‬
‫ه‬
‫لش ي ي ي ييفع أح ايد عنيدح إال بيإذنيه‪ ،‬ليس لعبيادح من دونيه ولي وال ب ي ي ي ييفيع‪ "5‬وميا دام إلهيا فال بيد أن يطيا ‪ ،‬وال يطيا إال‬
‫يريع ِّب ِّه وحدح‪ ،‬واختص ِّب ِّه‬ ‫‪،‬‬
‫بمن ‪ ،‬وال من إال بأمر ًونهي‪ ،‬أي ًبافعل وال تفعل‪ ،‬ولقد حص ي يير هللا تعالى حق التش ي ي ِّ‬
‫ذات يه الع ِّل ‪،‬ي ية‪ ،‬ف ييأنزل ييه كت ححاب ححا وس ح ح ح حن ححة أويى بهم ييا إلى ن ِّب ِِّّي ي ِّه ﷺ‪ ،‬ومنع غيرح من ييه ئوهو م ييا اص ي ي ي ييطلا علي ييه بمس ي ي ي ييم‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ ‪ِّ ،‬‬
‫َّلل [‪ 57‬األنعام‪ 40 ،‬يوسي ‪ 67 ،‬يوسي ]‪ ،‬وقال تعالى‪﴿ :‬وما اختل ْفت ْم‬ ‫الحاكمية‪ ، 6‬قال تعالى‪ِّ ﴿ :‬إن الحكم ِّإال ِّ ِّ‬
‫ّ [الش ييورى ‪ ،]10‬والحكم في اللغة هو املنع ومنه قيل للقض يياء ا‬ ‫‪،‬‬ ‫ْ‬
‫حكم ألنه يمنع من‬ ‫ِّف ِّيه ِّمن ييب ْيء فحكمه ِّإلى ِّ‬
‫يبي‪ ،‬وعليه فلله وحدح الحق في منع املحكومين من أن يتص ي ي ييرفوا إال وفق ب ي ي ييريعته‪ ،7‬فالتش ي ي ييريع يقيم‬ ‫غير املق ي ي ي ِّ‬
‫مع؟ العبودية هلل!‬
‫فالعبودية هلل تحرر اإلنسي ي ييان من أن لسي ي ييتعبدح غيرح من البشي ي يير‪ ،‬بتشي ي ييريعاتهم‪ ،‬وقوانينهم‪ ،‬وأحيط مفهوم‬
‫العبودييية بمفيياهيم املحبححة والخوف والرجححاء‪ ،‬فيياهلل تعييالى ذو الهيبيية والعظميية والجالل‪ ،‬فال بييد لألعنيياق من أن‬

‫‪ 4‬تفسير الشعراوي‪.‬‬
‫‪ 5‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬الفوائد‬
‫‪ 6‬الحاكمية من خصي ي ييائص الربوبية باختصي ي يياص هللا بالتشي ي ييريع‪ ،‬ومن خصي ي ييائص األلوهية بإفرادح تعالى بالعبودية والتقدلس بالتزام ما ب ي ي ير وعدم‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ‪،‬‬ ‫‪،‬‬ ‫ْ ْ ‪، ،‬‬ ‫ْ‬ ‫ه‬
‫َّلل أمر أال ت ْعبيدوا ِّإال ِّإ ‪،‬يياح ذ ِّلي ال ِِّّيدين الق ِِّّيم ول ِّك ‪،‬ن أكثر‬
‫﴿إ ِّن الحكم ِّإال ِّ ِّ‬ ‫ات ياذ غيرح أربيابيا لش ي ي ي ييرعون من ال ِّ‬
‫يدين ميا لم ييأذن بيه هللا‪ ،‬أو لغيروا أحكياميه‪ِّ ،‬‬
‫اس ال ل ْعلمون [يوس ي ي ي ي ‪ ،] 40‬جمع في ه ييذح اوي يية بين حق الط يياع يية وحق العب ييادة‪ ،‬فحق على العب يياد أن يطيعوا هللا فيم ييا أمر‪ ،‬وأن لعب ييدوح‪،‬‬ ‫‪،‬‬
‫الن ي ِّ‬
‫فالربوبية من خص ي ييائص ي ييها ومن مقتض ي يياها الحاكمية التش ي ييريعية ومن يحكم بغير ما أنزل هللا فإنه يرفر ربوبية هللا وخص ي ييائص ي ييها في جانب‪ِّ ،‬‬
‫ويديي‬
‫لنفسه هو حق الربوبية وخصائصها في جانب خخر‪.‬‬
‫‪ 7‬من هنا فإن تشريع العبيد بعضهم لبعر فيه ات اذ بعضهم بعضا أربابا من دون هللا!‬
‫‪16‬‬
‫ت ضي ي ييع لعظمته‪ ،‬وللنفوس من أن تنكسي ي يير أمام هيبته‪ ،‬وتتذلل لعزته‪ ،‬وتسي ي ييتكين أمام كبريائه‪ ،‬وال بد للقلوب‬
‫من أن ت شي ييع له‪ ،‬وللجوارح من أن تسي ييتقيم على أمرح‪ .‬وهللا تعالى ذو الكمال املطلق والجمال الكامل‪ ،‬والحكمة‬
‫بحب يكون له‬ ‫البالغة في أفعاله وتش ي ي ييريعاته‪ ،‬وتص ي ي ييرفه في ملكوته‪ ،‬فال يمل العبد تجاح ذل إال أن يقبل عليه ِّ‬
‫ِّ‬
‫ُّ ه‬ ‫ْ ه‬
‫طبع ييا ال تكلف ييا‪ ،‬وهللا تع ييالى أرحم الراحمين‪ ،‬الب ُّر اللطي ‪ ،‬فتتجلى عبودي يية العب ييد لرب ييه وموالح ب ييانبع يياث الرج يياء‬
‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ه‬
‫واألمييل في كييل أرجيياء نفسي ي ي ي ييه‪ ،‬طمعييا في فض ي ي ي يلييه ورغبيية في تفض ي ي ي يلييه‪ْ ﴿ ،‬ادعوا ر‪،‬بك ْم تض ي ي ي ي ُّر هعيا وخ ْفيية ِّإ ‪،‬نيه ال ي ِّحي ُّب‬
‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫ٱَّلل َقر ٌ‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫وه َخ ْو ًفا َو َط َم ً‬ ‫ْامل ْعت ِّدين ۝ وال ت ْفس يد ْوا في األ ْرا ب ْعد إ ْ‬
‫يب ِّم َن ٱمل ْح ِّس ح ِّنين‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ِّ‬ ‫ۚ‬ ‫ا‬ ‫ع‬ ‫ص يالحها َو ْ‬
‫ٱد ُع ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫[األعراف ‪ ،]56‬وبيإحس ي ي ي ييان الظن بربيه‪ .‬فهو الكيافي‪ ،‬وهو الرزاق‪ ،‬وهو املحيي‪ ،‬وهو املمييت‪ ،‬وهو الرب‪ ،‬كياب ي ي ي ي‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫الضر‪ ،‬بيدح الخير‪ ،‬فيفوا العبد أمرح كله إلى ربه‪ ،‬راضيا بقضائه‪ ،‬واثقا بحكمته‪ ،‬يطمع في أن يتوالح ربه‪.‬‬
‫ه‬
‫ويتيدبر املرء ميا أحيا هللا بيه أحكيام الش ي ي ي ييريعية من جعلهيا حيدودا هلل‪، ،‬بينهيا للنياس‪ ،‬وأمر بيإقيامتهيا‪ ،‬ونه عن‬
‫‪،‬‬ ‫ه‬
‫االعتييداء عل‪:‬هييا‪ ،‬أو تجيياوزهييا‪ ،‬وجعلهييا خيييات هللا‪ ،‬وحييذر من ات يياذهييا هزوا‪ ،‬فهي من الكتيياب والحكميية‪ ،‬وحييذر من‬
‫م يالفية األمر ومعص ي ي ي يييتيه‪ ،‬وتوعيد على ذلي بيالعقوبية بيالعيذاب األليم‪ ،‬وأمر بيالطياعية املطلقية غير املقييدة لألمر‬
‫والنهي‪ ،‬ف ييإن لم تترجم تل ي الط يياع يية إلى عم ييل‪ ،‬ملؤح االمتث ييال والتنفي ييذ‪ ،‬والتس ي ي ي ييليم الت ييام ب ييالحكم‪ ،‬حت ت لو‬
‫ه‬ ‫النفس من كل أثر للحرج من الحكم والقض يياء‪، ،‬‬
‫عد اإليمان زعما ال حقيقة له‪ ،‬وجعل طاعة الرس ييول ﷺ طاعة‬
‫ه‬
‫هلل‪ ،‬واتبيياع يه ب ي ي ي ييرطييا ملحبيية هللا‪ ،‬وأمر بييالتييأ ي ي ي ييبي بييأفعييالييه‪ ،‬وبييالرد إليييه وملى كتييابييه‪ ،‬واألخييذ بكييل مييا يييأتي ف‪:‬همييا‪،‬‬
‫وتحكيمهما في كل ما لشييجر من أمر‪ ،‬وجعلت قضيياء الرسييول ﷺ في أي أمر كقضيياء هللا تعالى ال تخييرفي وجوب‬
‫األخذ به‪ ،‬فقد أحيطت األوامر والنواهي بس ييياج العدل‪ ،‬واالنتقام والعقوبة‪ ،‬والس ييخط لتنقمع النفوس األمارة‬
‫بيالس ي ي ي ييوء‪ ،‬ولتس ي ي ي ييتعين بيذلي على كبح جمياح ب ي ي ي ييهواتهيا‪ ،‬ولهوهيا ولعفهيا‪ ،‬فتنقبر أ ِّع ‪،‬نية رعونياتهيا عن أن تقتحم‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫س ي ي ي ييياج حيدود هللا‪ ،‬امتثياال للطليب‪ ،‬واجتنيابيا للنهي‪ ،‬خوفيا وخش ي ي ي ييية وحيذرا‪ ،‬طياعية وامتثياال وأمال‪ ،‬ورغبية ورهبية‬
‫ه ُّ ه‬
‫وتقربا‪ ،‬وهذح كلها من تجليات العبودية هلل‪.‬‬ ‫ومحبة‬
‫والطاعة والتقرب والتقوى واملراقبة سي ي ييياج يقرب املؤمن من ربه‪ ،‬ويباعدح عن املعا ي ي ييبي‪ ،‬فهو لعلم أن ربه‬
‫سييميع بصييير عليم خبير بذات الصييدور‪ ،‬فال يكتفي العبد باالمتثال بالقول والفعل‪ ،‬بل في خطرات النفس‪ ،‬وفي‬
‫أعماق النوايا والس ي يرائر‪ ،‬يزن كل ذل بميزان الش ي يير ‪ ،‬فال يبقي في أعماق نفس ي ييه وال في قاهر أمرح ما لس ي ييتحيي‬
‫منه من هللا‪ ،‬أو ما ي ال فيه عن أمرح!‬
‫واإلحسي ي ي ييان ير ى به في معالي االرتقاء نحو أعلى الدرجات في صي ي ي ييقل شي ي ي ييخصي ي ي يييته‪ ،‬ومدراك مع؟ إنسي ي ي ييانيته‪،‬‬
‫يمو القرب من هللا‪" .‬وجميا ذلي أنيه س ي ي ي ييبحيانيه يتعرف إلى العبيد بص ي ي ي يفيات‬ ‫واملحبية والخوف والرجياء ي ِِّّبلغيه س ي ي ي ي ‪،‬‬
‫اإللهية‪ :‬املحبة الخاص يية الخالص يية‪ ،‬والش ييوق إلى‬ ‫ِّ‬ ‫يفات‬
‫إلهيته‪ 8‬تارة‪ ،‬وبص ييفات ربوبيته تارة‪ ،‬فيوجب له ب ييهود ص ي ِّ‬

‫إلها ألن الخلق يتألهون إليه ويتض ييرعون في حوائجهم وب ييدائدهم‪ ،‬وهناك خراء م تلفة حول األص ييل اللغوي للكلمة‪ .‬بعر العلماء يرون‬ ‫‪ 8‬سي يمي هللا‪ :‬ه‬
‫ُّ‬
‫والتعبد‪ .‬االسي ي ييم هللا هو تعظيم لهذا املع؟ بإضي ي ييافة األل والالم لكلمة‪:‬‬ ‫أنها مشي ي ييتقة من االرتفا والعلو‪ ،‬والبعر اوخر يراها مشي ي ييتقة من العبادة‬
‫‪17‬‬
‫لقائه‪ ،‬واألنس والفرح به‪ ،‬والسي ييرور ب دمته‪ ،‬واملنافسي يية في قربه‪ ،‬والتودد إليه بطاعته‪ ،‬والل بذكرح‪ ،‬والفرار‬
‫من الخلق إليه‪ ،‬ويصير هو وحدح همه دون ما سواح‪ .‬ويوجب له بهود صفات الربوبية‪ :‬التوكل عليه‪ ،‬واالفتقار‬
‫إليه‪ ،‬واالس ي ي ي ييتعانة به‪ ،‬والذل والخض ي ي ي ييو واالنكس ي ي ي ييار له‪ ،‬وكمال ذل أن لش ي ي ي ييهد ربوبيته‪ 9‬في إلهيته‪ ،‬وملهيته في‬
‫عفوح‪ ،‬وحكمتيه في قض ي ي ي ييائيه وقيدرح‪ ،‬ونعمتيه في بالئيه‪ ،‬وعطياءح في منعيه‪ِّ ،‬‬
‫وبرح‬ ‫ِّ‬
‫ربوبيتيه‪ ،‬وحميدح في ملكيه‪ ،‬وعزح في ِّ‬
‫قيوميته‪ ،‬وعدله في انتقامه‪ ،‬وجودح وكرمه في مغفرته وس ي ي ي ييترح وتجاوزح‪ ،‬ويش ي ي ي ييهد‬ ‫ِّ‬ ‫ولطفه ومحس ي ي ي ييانه ورحمته في‬
‫حكمته ونعمته في أمرح ونهيه‪ ،‬وعزح في رضاح وغضبه‪ ،‬وحلمه في إمهاله‪ ،‬وكرمه في إقباله‪ ،‬وغناح في إعراضه‪."10‬‬
‫رابعيا‪ :‬االجتميا ‪ ،‬والتيدافع‪ ،‬وحياجية اإلنس ي ي ي ييان إلى االجتميا والتعياون على قض ي ي ي يياء املص ي ي ي ييالا وتنظيم رعيايتهيا‬
‫يتطلب اجتماعهم‪ ،‬وس ي ييي تج عن االجتما بالض ي ييرورة أن يتعارف الناس‪ ،‬وأن يتدافعوا‪ ،‬ومن فوائد التدافع أن‬
‫يحصي ي ي ييل التوازن واالسي ي ي ييتقرار والتعارف‪ ،‬وأال تفسي ي ي ييد األرا‪ ،‬إذ إن انتصي ي ي ييار الحق على الباطل حتمي‪ ،‬واألرا‬
‫مسيرح لتدافع الحق مع الباطل‪ ،‬ومن التدافع بين البشير‪ :‬تصيادم الحضيارات‪ ،‬وي تج عنه بروز نزعات السييطرة‬
‫وت تج النزاع ييات والحروب‪ ،‬والع ييدل والظلم‪ ،‬ويري ييد اإلس ي ي ي ييالم أن ي رج العب يياد من عب ييادة العب يياد إلى عب ييادة رب‬
‫العباد‪ ،‬ومن جور األديان إلى عدل اإلسالم‪ ،‬وأن يحقق االست الف والتمكين واألمن والعبادة‪.‬‬
‫ه‬
‫خامس ي ي ييا‪ :‬واإليجابية‪ ،‬واالبتالء‪ ،‬ئاالبتالء بالفتنة‪ ،‬بالخير وبالش ي ي يير‪ ،‬وباملحن والش ي ي ييدائد‪ ،‬والدنيا دار اختبار‬
‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪،‬‬
‫﴿ٱل ي ِّذى خلق ٱمل ْوت وٱلحي توة ِّلي ْبلوك ْم أ ُّيك ْم أ ْحس ي ي ي ين عمال [املل ي ‪ ]2‬وهو اختب ي ايار في كت يياب مفتوح ال مغ يياليق‬
‫فييه‪ ،‬وابتالء التمحيص ئللتمييز ‪ ،‬والعقوبية على املعيا ي ي ي ييبي ‪ ،‬وعلى عكس كيل اليدييانيات يؤكيد القرخن على عيدم‬
‫س ييلبية االبتالء واملعاناة‪ ،‬فهما ض ييروريان لتزكية اإلنس ييان ولص يييرورته‪ ،‬وقد ص ييقل اإلس ييالم معان إيجابية راقية‬
‫للصبروالقدروالرضا بالقضاء وللتوكل وللنفع والضر‪ ،‬واملوت والحياة‪،‬‬

‫نظرا لكثرة اسي ي ييت دام الكلمة‪" .‬هللا" هو املعبود بحق‪ ،‬الذي لسي ي ييتحق العبادة‬ ‫إله‪ ،‬للداللة على العظمة والفرادة‪ ،‬وتم حذف الهمزة لتسي ي ييهيل النطق ه‬
‫والتعظيم والخضو ‪ ،‬وهو ملجأ الخلق في جميع حاجاتهم وبدائدهم‪.‬‬
‫‪ 9‬يأتي الرب في العربية بمعنيين‪ 1 :‬الس يييد أي املتص ييرف املدبر‪ ،‬اومر الناهي‪ ،‬الحاكم املش يير ‪ 2 ،‬املال ‪ :‬أي مال العين أو الع ييبيء ملكية تعطيه حق‬
‫التصرف في العين‪ .‬أنظر‪ :‬الحاكمية وسيادة الشر للدكتور املسعري ص ‪.29-28‬‬
‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫قال ابن فارس‪ :‬ئالرب الراء والباء ُّ‬
‫يبيء والقيام عليه‪ .‬فالرب‪ :‬املال ‪ ،‬والخالق‪ ،‬والصياحب‪ .‬والرب‪ :‬املصي ِّلا للعييبيء‪.‬‬ ‫يدل على أصييول‪ .‬فاألول إصييالح العي ِّ‬
‫والر ُّب‪ :‬ال ي ي ي ي ييم ْ‬
‫س مربوب‪ِّ .‬‬ ‫والر ِّب للعنب وغيرح؛ ِّ‬
‫ألنه ير ُّب به الع ييبيء‪ .‬وفر ا‬ ‫بالر ِّ ِّب‪ُّ .‬‬
‫وب ُّ‬‫فالن ض ييعته‪ ،‬إذا قام على إص ييالحها‪ .‬وهذا س ييقاء مرب ا‬ ‫يقال ر ‪،‬ب ا‬
‫ص ي ِّلا‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ورب ْبته ِّ‬
‫ص ي ي ‪،‬بي أرُّبه‪، ،‬‬ ‫بالر ِّب‪ .‬ورب ْبت ال ‪،‬‬
‫والرِّس ُّي‪ :‬العارف ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫للع يِّ ييبيء‪ .‬وهللا ِّ‬
‫والربيبة الحا ِّض ي ينة‪ .‬م جم مقاييس‬ ‫أرببه‪، .‬‬
‫ِّ‬
‫ِّ‬
‫أحوال خلقه‪ِّ ِّ .‬‬ ‫ِّ‬ ‫الر مب؛ ألنه مص ي ييلا‬‫جل ثناؤح ‪،‬‬
‫اللغة‪.‬‬
‫و ﴿رب في األصيل‪ :‬مصيدر بمع؟ التربية‪ ،‬وهو تبليغ العيبيء إلى كماله بييئا فشييئا‪ ،‬وذل يجمع النعم كلها‪ ،‬ثم وصي به للمبالغة كالصيوم والعدل‪.‬‬
‫يربه‪ ،‬وأص ي ي ييله‪ :‬ربب ثم أدغم‪ ،‬س ي ي ييم به املال ألنه يحف ما يملكه ويربيه‪ ،‬وال يطلق على غيرح تعالى إال بقيد كقوله تعالى‪:‬‬ ‫وقيل‪ :‬هو وص ي ي ي من ِّربه ِّ‬
‫﴿ار ِّج ْع ِّإلى رِِّّبي ‪ .‬قييال ابن جز ِّى‪ :‬ومعييانيييه أرسعيية‪ :‬اإللييه والس ي ي ي ييييد واملييالي واملص ي ي ي ييلا‪ ،‬وكلهييا تص ي ي ي ييلا في ﴿ر ِّ ِّب العي ِّاملين ‪ ،‬إال أن األر ا في معنيياح‪ :‬اإللييه‬
‫ْ‬
‫ِّ‬
‫الختصاصه باَّلل تعالى‪ .‬تفسير البحر املديد البن عجيبة بتصرف‪،‬‬
‫وقال أبو حيان األندلسبي في البحر املحيط‪ :‬الرب‪ :‬السيد واملال والثابت واملعبود واملصلا وزاد بعضهم بمع؟ الصاحب‪.‬‬
‫‪ 10‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬الفوائد‬
‫‪18‬‬
‫فالصي ي ييبر كمفهوم متعلق باألعمال يتمثل في حمل النفس على القيام بالطاعات بأقصي ي ييب ما تطيق‪ ،‬وبحبس‬
‫النفس عن املعيا ي ي ي ييبي بيأبعيد ميا تس ي ي ي ييتطيع البعيد‪ ،‬فيكون الص ي ي ي ييبر بيذا حميل النفس على التزام الحكم الش ي ي ي ييريي‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫ّ باق ولن ْج ِّزي ‪،‬ن ال ِّذين ص ي ي يبروا أ ْجرهم ِّبأ ْحس ي ي ي ِّن ما كانوا‬ ‫بأحس ي ي يين ما يكون االلتزام‪﴿ .‬ما ِّعندك ْم ينفد وما ِّعند ِّ‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫ل ْعملون )‪ (96‬م ْن ع ِّمل صي ي ي ِّالحا ِِّّمن ذكر أ ْو أنُ وهو م ْؤ ِّم ان فلن ْح ِّيي ‪،‬نه حياة ط ِِّّيبة ولن ْج ِّزي ‪،‬نه ْم أ ْجرهم ِّبأ ْحسي ي ي ِّن ما‬
‫ْ‬
‫اجت ِّ بوح‪ ،‬وما أم ْرتك ْم به فافعلوا منه‬ ‫عنه ف ْ‬ ‫كان ْوا ل ْعملون [‪ 97‬النحل]‪ ،‬وروى مسي ي ييلم في صي ي ييحيحه‪« :‬ما نه ْيتك ْم ْ‬
‫ََ َْ ْ‬ ‫َ َ َ ُ َ‬
‫ما ا ْس ي يتط ْعت ْم»‪ ،‬وقال هللا تعالى‪﴿ :‬فا ْس ح حت ِّق ْم ك َما أ ِّم ْرت ومن تاب مع َوال تطغ ْوا ِّإ ‪،‬نه ِّبما ت ْعملون ب ِّص ي ي اير [‪112‬‬
‫هود]‪ ،‬فال ت يير في التزام أمر هللا تعيالى‪ ،‬أي إن ض ي ي ي ييد االس ي ي ي ييتقيامية الطغييان‪ ،‬أي تجياوز األمر وعيدم االلتزام بيه‪،‬‬
‫فإن ابيتد في الطغيان وأسيرف فيه دخل في وصي الطاغوت‪ ،‬أي أعظم الطغيان‪ ،‬الذي أمرنا هللا تعالى بالكفر‬
‫به‪ ،‬ونهانا عن االحتكام إليه‪ ،‬وجاء س ي ي ييفيان بن عبد هللا الثقفي يوما فقال‪ :‬يا رس ي ي ييول هللا‪ :‬حدث؟ي بأمر أعتص ي ي ييم‬
‫‪،‬‬
‫﴿إ ‪،‬ن ال ِّذين قالوا‬ ‫به‪ ،‬قال صييلى هللا عليه وخله وسييلم‪« :‬قل خمنت باهلل‪ ،‬ثم اسييتقم»‪ ،‬رواح مسييلم‪ ،‬وقال هللا تعالى‪ِّ :‬‬
‫استقاموا فال خ ْو اف عل ْ‪ِّ :‬ه ْم وال ه ْم ي ْحزنون [األحقاف ‪ ،]13‬وقال ِّا ْبن ع ‪،‬باس ر ِّمبي ‪ ّ،‬ع ْنهما ِّفي ق ْول‬ ‫رُّبنا ‪ ّ،‬ث ‪،‬م ْ‬
‫ا‬ ‫ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫‪،‬‬
‫ّ تعالى‪﴿ :‬فا ْس يت ِّق ْم كما أ ِّم ْرت ‪ :‬ما نزل ْت على رس يول ّ ﷺ ِّفي ج ِّميع الق ْرخن خية أب ي ِّد وال أب ي ُّق عل ْي ِّه ِّم ْن ه ِّذ ِّح‬
‫صي يح ِّاب ِّه ِّحين قالوا‪ :‬ق ْد أ ْسي ير ِّإل ْي ال ‪،‬شي ي ْيب فقال‪« :‬بي ي ‪،‬يب ْت ِّ؟ي هود وأخواتها»؛ و ِّلذ ِّل قال‬ ‫ْاوية ولذل قال ﷺ أل ْ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ﷺ‪ِّ « :‬ا ْست ِّقيموا ولن تحصوا»ح‬
‫وأما الص ي ي ييبر كمفهوم متعلق باالعتقاد‪ ،‬فيكون بتس ي ي ييليم مقاليد تص ي ي ييري األمور في الكون إلى الخالق‪ ،‬فيما‬
‫يقع في دائرة القض ي ي ي يياء والقيدر‪ ،‬فال تغير ص ي ي ي ييروف اليدهر من حس ي ي ي يين ص ي ي ي يلية املس ي ي ي ييلم بربيه‪ ،‬فال يجز ‪ ،‬وال تغيرح‬
‫االبتالءات واملحن‪ ،‬بل تش ي ي ي ييحذ نفس ي ي ي ييه بعزيمة ليم ي ي ي ييبي في الدنيا عاملا أن ما أص ي ي ي ييابه لم يكن لي طئه‪ ،‬فيبقى‬
‫ص ي ِّاب ِّرين‬ ‫املس ييلم بص ييبرح ب ييامة بين الخالئق ير ى دوما في معالي العال‪﴿ .‬ولن ْبلو ‪،‬نك ْم ح ‪،‬ت ن ْعلم ْاملجاه ِّدين منك ْم وال ‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫‪،‬‬
‫اص ِّب ْر على ما أصاب ِّإن ذ ِّل‬ ‫الصالة و ْأم ْر ب ْامل ْعروف و ْانه عن ْاملنكر و ْ‬ ‫ون ْبلو أ ْخبارك ْم [‪ 31‬محمد]‪﴿ ،‬يا ب؟ ‪،‬ي أ ِّقم ‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ ْ ْ‬
‫ور [‪ 17‬لقمان]‪،‬‬ ‫ِّمن عز ِّم األم ِّ‬

‫‪19‬‬
‫القدريحمل على اإليدابية‪ ،‬بينما القدرية الغيبية فتحمل على التسليم والسلبية‪:‬‬

‫ومفهوم اإليمان بالقدر أبعد ما يكون من أن يوض ييع في قالب التس ييليم واالس ييتس ييالم‪ ،‬وقالب "ما هو مكتوب‬
‫على الجبين ال بد أن تراح العين"‪ ،‬مع أن الغيب ئاملكتوب علمه عند هللا! وال لسييتقيم أن لسييتسييلم املؤمن الذي‬
‫أعطاح هللا مس ي ييئولية العمل واألخذ باألس ي ييباب‪ ،‬لواقع ط ِّلب منه التفاعل معه وتغييرح‪ ،‬فبدال من التغيير واألخذ‬
‫باألس ي ييباب لس ي ييتبدل بها القعود والتواكل‪ ،‬وكأن واقعه الس ي ييبيء "مكتوب عليه ال يتحمل مس ي ييئولية تغييرح"؛ األمر‬
‫الذي أف ي ييب النتشي ييار القدرية الغيبية بين املسي ييلمين‪ ،‬بدال من القالب ال ي ييحيح الذي صي ي ‪،‬بت العقيدة فيه‪ ،‬أي‬
‫قالب اإليمان بالقض ي ي ي يياء والقدر‪ ،‬وقالب التوكل على هللا‪ ،‬وهو قالب اإليجابية والتحري والدفع للقيام بالعمل‬
‫على أفض ي ييل وجه‪ ،‬من هنا كان ال بد من فص ي ييل القدر عن القالب الذي ص ي يب فيه في عص ي ييور االنحطا والتأثر‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫بالغيب دافعا إيجابيا للعمل‪،‬‬‫ِّ‬ ‫بالفلسييفات األخرى‪ ،‬ومعادة مزجه بالقالب األصييلي العقدي‪ ،‬أي أن ي ‪،‬ت ذ اإليمان‬
‫ه‬
‫وقيادة فكرية تذلل الصعاب وتبعث على الطمأنينة والتوكل الحق‪،‬‬
‫[مثال عملي‪ :‬فص ي ي ي ييل موق من العمل‪ ،‬وهذا أمر مقدر من هللا‪ ،‬فقد يتص ي ي ي ييرف بأن يقعد عن البحث عن‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫عمل محتجا أو مقتنعا بأنه مقدر عليه الشي ييقاء وأن لعاني‪ ،‬وفي الواقع هو ال لعلم هل مكتوب عليه الشي ييقاء أم‬
‫الس ي ييعادة! فال ي ي ييا أن ي لط "قنوطه" وت ريص ي ييه بأنه مكتوب عليه الش ي ييقاء بعمله‪ ،‬فهذا الخلط هو القدرية‬
‫أي تفكير يض ي ي ي ييع في االعتبيار أنيه مكتوب علييه كيذا أو كيذا‪ .‬ألنيه ال لعلم‪،‬‬ ‫الغيبيية‪ ،‬ويجيب أن ي ْفصي ي ي ي يل عن العميل ُّ‬
‫فلعل في فص ييله من عمله األول خير له‪ ،‬فحين لس ي ى ويحص ييل على العمل الجديد يجدح أفض ييل من س ييابقه ئفي‬
‫‪،‬‬ ‫ِّ ه‬
‫قيدا له عن البحث عن عمل أفضييل‪ ،‬ف لصييه هللا من هذا القيد‪،‬‬ ‫دنياح وعاقبة أمرح ‪ ،‬وأن عمله السييابق كان م ِّ‬
‫لذل فاملوق الس ي ي ي ييليم هو أن يتص ي ي ي ييرف بأن يأخذ باألس ي ي ي ييباب ويبحث عن عمل جديد‪ ،‬وحص ي ي ي ييوله على عمله‬
‫ه‬
‫الجديد األفض ييل هو بقدر هللا أيض ييا‪ ،‬لم يكن لعلمه‪ ،‬ولكن حس يين قنه باهلل‪ ،‬وأن ما يأتيه من هللا كله خير‪ ،‬وما‬
‫أص ي ي ي ييابه ما كان لي طئه‪ ،‬وميمانه بأن الرزق من عند هللا‪ ،‬كلها ب ي ي ي ييكلت عندح دافعا لييجابية والس ي ي ي ي ي والهمة‬
‫والطميأنينية بيدال من االرتكياس والييأس والقنو اليذي تيدفعيه ليه القيدريية الغيبيية والقعود‪ ،‬ليذلي ي ب ي فص ي ي ي ييل‬
‫العميل عن القياليب األول ئقياليب القيدريية الغيبيية ودمجيه بيالقياليب الثياني‪ :‬أي الطميأنينية واإليجيابيية والثقية بياهلل‪،‬‬
‫قدر ‪،‬‬
‫علي فص ي ي ي ييلي من العمل‪ ،‬والش ي ي ي ييقاء‪ ،‬وهو مكتوب‪،‬‬ ‫دون أن يض ي ي ي ييع في حس ي ي ي يياباته حين الس ي ي ي ي ي بحث أن هللا ‪،‬‬
‫ونتيجته الطبيعية املعاناة ونقص في األموال‪ ،‬ئفالفص ي ي ييل عن قالب القدرية الغيبية هو املطلوب لكن ال يمكن‬
‫أن نفصي ي ييل املسي ي ييلم عن فهم القدر اإليجاسي املب؟ي على الثقة باهلل وأنه الرزاق‪ ،‬فهذا قالب إسي ي ييالمي عقدي‪ ،‬وفي‬
‫كل األحوال ي ب ي الس ي ي ي ي ي واألخذ باألس ي ي ي ييباب‪ ،‬إن اإليمان بالقدريش ح ح ح ح ل‪ :‬قيادة فكرية إيدابية تدفع املؤمن‬
‫للعمل ولتذليل الصعاب]‬

‫‪20‬‬
‫االستهداء بقدرمعروف لكن توقيته وكيفية تحققه مدهولة لنا‪:‬‬

‫على أنييه ثميية فرق بين االس ي ي ي ييتهييداء بقححدرمعروف‪ ،‬رغم أن توقيتححه غير معلوم‪ ،‬وكيفييية تحققييه غير معلوميية لنييا‪،‬‬
‫كوعد هللا تعالى أنبياءح والذين خمنوا بنصحره‪ ،‬وتكفله سييبحانه وتعالى لعبادح بالرزق‪ ،‬فيطمئن املؤمن إلى أن هللا‬
‫س ييينص ييرح‪ ،‬وس يييرزقه‪ ،‬وأنه حس ييبه إذا توكل عليه‪ ،‬فال يبالي حينها بمقدار اض ييطراب موازين القوة في الدنيا‪ ،‬وال‬
‫يقول‪ :‬إذا قييامييت الييدوليية اإلس ي ي ي ييالمييية فكي لهييا أن تق في وجييه الش ي ي ي ييرق والغرب‪ ،‬وبييالتييالي‪ :‬ي ْق ي ِّدم على العمييل‬
‫مطمئنا مشي ييحونا بعزيمة وطاقة هائلة‪ ،‬ب الف من يتسي ييرب اليأس إليه‪ ،‬ويترك السي ي ي والعمل‪ ،‬ويثبط العزائم‬
‫نياقرا في موازين القوى مس ي ي ي ييتثنييا منهيا ميزان أن هللا نياص ي ي ي يير دينيه ومتم نورح ولو كرح الكيافرون‪ ،‬فيالنياقر في حيال‬
‫الرس ي ي ي ييول ﷺ قبيل بيعة العقبة يرى أن قومه كانوا قد قاطعوح مقاطعة ب ي ي ي يياملة‪ ،‬ألجأت املؤمنين إلى أكل ورق‬
‫الش ي ييجر والجلود‪ ،‬وكان جل املؤمنين له في الحبش ي يية‪ ،‬ومن كان في مكة كان املس ي ييتض ي ييعفون منهم لس ي ييامون س ي ييوء‬
‫التعذيب‪ ،‬ومن لعالش حاال كهذا يصعب عليه أن ي ْقبل أن األسباب املادية تويي باقتراب نصر مؤزر‪ ،‬ومع ذل‬
‫كان ال حابة يؤمنون بفتح فارس منذ ذل الوقت! األمر الذي تحقق بعد تل املعاناة بعشرين سنة فقط!‬

‫‪21‬‬
‫جواب مفاجئ من الرسول ﷺ على طلب من أنهكته جراح التعذيب!‬

‫اليدرس العميق اليذي يمكن اس ي ي ي ييت الص ي ي ي ييه من فترة تعيذييب املؤمنين في مكية‪ ،‬هو أنيه‪ ،‬حت في ذروة الش ي ي ي ييدائيد‪،‬‬
‫اقترب ص ي ي ي يحيياسي بي ي ي ي يياب فقير من النبي ﷺ‪ ،‬وعلى قهرح خثييار نييدوب عميقيية‪ ،‬مثييل األخيياديييد‪ ،‬جراء تعييذيييب قيياس‬
‫بيالحيدييد املحم ‪ ،‬طيال هبيا التيدخيل اإللهي للنص ي ي ي يير والعون‪ .‬بعكس ميا يمكن توقعيه من رد فعيل الرس ي ي ي ييول ﷺ بيأن‬
‫يرفع يديه إلى الس ي ييماء داعيا هللا تعالى تحقيق ما يطلبه خباب‪ ،‬وبانتص ي ييار اإلس ي ييالم وقهورح وتحقيق الغاية التي‬
‫من أجلها أرس ييل الرس ييول! رد النبي‪ ،‬ﷺ‪ ،‬بمنظور تاريخي مؤثر‪ ،‬بالغ التعبير‪ ،‬ب ييديد الروعة؛ قال اإلمام الب اري‬
‫ه‬ ‫خباب بن ِّ‬
‫األرت قال‪" :‬بي ي ييك ْونا إلى رسي ي ييول هللا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬وهو متو ِّ ِّسي ي ي اد بردة له في قل الكعبة‪ ،‬قلنا‬ ‫ِّ‬ ‫‪،‬‬
‫‪ -‬رحمه هللا ‪ :-‬عن ِّ‬
‫له‪ :‬أال تس ي ييتنص ي يير لنا‪ ،‬أال تدعو هللا لنا‪ ،‬قال‪« :‬كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في األرا‪ ،‬فيجعل فيه‪ ،‬فيجاء‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫لحمه‬‫بامل شار‪ ،‬فيوضع على ر ِّأسه‪ ،‬فيشق باث تين‪ ،‬وما يصدح ذل عن دي ِّنه‪ ،‬ويمشط بأمشا ِّ الحديد ما دون ِّ‬
‫تمن هييذا األمر حت لس ي ي ي ييير الراكييب من ص ي ي ي يينعيياء إلى‬ ‫من ع ْظم أو عص ي ي ي ي يب‪ ،‬ومييا يصي ي ي ي ي ُّيدح ذلي عن دينيه‪ ،‬وهللا لي ‪،‬‬
‫ِّ‬
‫غنمه‪ ،‬ولكنكم تست جلون»‪.‬‬ ‫حضرموت ال ي اف إال هللا أو الذئب على ِّ‬
‫أما أهم الدروس املس ي ي ييتفادة من هذا الجواب التاريخي املس ي ي ييطر بماء الذهب‪ ،‬فهو أن الثقة املطلقة بقوة أفكار‬
‫العقيدة اإلس ي ييالمية‪ ،‬وقدرتها على إمداد املؤمنين بها بطاقة هائلة تجعلهم يتحملون أب ي ييد األهوال دون أن يدور‬
‫في م يليية أحييدهم أن يتنييازل عنهييا‪ ،‬إنمييا ألنهييا الحق الييذي ال بيياطييل فيييه‪ ،‬وألنهييا انعقييدت في قلوبهم‪ ،‬جراء تميزهييا‬
‫ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫إطار من عق ِّد ِّي ب ييامل راق ك ِّل ِّي غا ِّي‬ ‫يور في ِّ‬ ‫ِّب ِّر ِّي تص يو ِّرها عن الكون واإلنس ييان والحياة‪ ،‬ثم في تمث ِّل هذا التص ي ِّ‬
‫ِّ‬
‫يف ِّس ير الكون والحياة‪ ،‬ويحدد عالقات اإلنس ييان بالحقائق الكونية الكبرى‪ ،11‬وعالقاتها هي باإلنس ييان‪ ،‬على وجه‬
‫ه‬
‫صييحيح‪ ،‬ويوضييا له غايته من الوجود‪ ،‬ويبين لينسييان موقعه ومسييؤولياته ودورح في الحياة‪ ،‬رابطا ذل بما قبل‬
‫الحياة الدنيا‪ ،‬وما بعدها‪.‬‬
‫يتقل‪ ،‬وفق طبيعته الكلية‪ ،‬التي ت اطب‬ ‫ذاتي مس ي ي ي ِّ‬ ‫العقدي الش ي ي ييامل في قالب " ِّ‬‫‪،‬‬ ‫ولقد ص ي ي ي ‪،‬يب اإلس ي ي ييالم ذل املن‬
‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬
‫الكينونة البشي ي ييرية جملة‪ ،‬بكل مقوماتها وطاقاتها‪ ،‬وال ت اطب "الفكر البشي ي ييري" وحدح خطابا باردا مصي ي ييبوبا في‬
‫‪،‬ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫بالحياة‪ ،‬ال فلس ي ي ي ييفة جافة‬
‫ِّ‬ ‫قالب املنطق الذه؟ي"‪ ،12‬فزاوج بين اإليمان والعمل الص ي ي ي ييالا! فكان عقيدة نابض ي ي ي يية‬
‫والطمي ْأن ْينية وال ‪،‬تيأ ُّثر وال ‪،‬تيأث ْير‪، ،‬‬
‫والت ْف ِّكير‬
‫ُّ‬ ‫ه‬
‫بياردة‪ ،‬كيان مفياهيم حيويية تحرك النفوس‪ ،‬وتبعيث في ْأرجي ِّالهيا ال ‪،‬س ي ي ي ي ِّك ْينية‬
‫ه‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫‪ُّ ،‬‬
‫وامتالكها‪ ،‬والعمل بمقتضي يياها!‬ ‫ِّ‬ ‫املطلقة‬
‫ِّ‬ ‫للحقيقة‬
‫ِّ‬ ‫والثقة املطلقة بالوصي ييو ِّل‬ ‫لحمل رسي ييال ِّت ِّه‪ِّ ،‬‬
‫والتدبر‪ ،‬واالنطالق ِّ‬
‫وهيذا يفس ي ي ي يير لنيا كي اس ي ي ي ييتطياعيت هيذح النفوس التي ص ي ي ي ييقليت بهيذا الفهم الراس ي ي ي ييخ واإليميان العميق للعقييدة‬
‫اإلس ي ييالمية أن تدخل نص ي ي الكرة األرض ي ييية املعروفة في ذل الزمان في س ي ييلطان اإلس ي ييالم وعدله‪ ،‬دون أن تكرح‬

‫‪ 11‬هللا‪ ،‬والربوبية‪ ،‬واأللوهية‪ ،‬واملل والسلطان‪ ،‬والحاكمية‪ ،‬وصلة الخلق‪ ،‬والتنظيم‪ ،‬والتدبير‪.‬‬
‫‪ 12‬خصائص التصور اإلسالمي ومقوماته‪ ،‬الشهيد سيد قطب رحمه هللا‪ ،‬كلمة في ْ‬
‫املن ‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫‪22‬‬
‫ِّ‬
‫أحدا على تغيير معتقدح‪ ،‬لكنها بس ي ي ييطت نمط العيش الرا ي‪ ،‬والحض ي ي ييارة التي س ي ي ييمت باإلنس ي ي ييان‪ ،‬حيث لش ي ي ي ِّيكل‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫وانتماء حض ي ي يياريا وتاري يا ص ي ي ييا املقومات الخاص ي ي يية والعامة للش ي ي ييعوب‬ ‫اإلس ي ي ييالم هوية ثقافية ومزاجا نفس ي ي يييا‪،‬‬
‫واألعراق التي دانييت بييه أو خض ي ي ي يعييت لييه‪ ،‬فص ي ي ي ييهرتهييا بعملييية ص ي ي ي ييهرييية فريييدة ليس لهييا نظير في التيياريخ‪ ،‬في بوتقيية‬
‫العقيدة اإلس ييالمية والش ييريعة الس ييمحة لتكون قوام أمة واحدة من دون األمم‪ ،‬هي خير أمة أخرجت للناس‪ ،‬بل‬
‫ولقد أثرت الحضي ي ييارة اإلسي ي ييالمية حت في األمم التي بارزتها العداء أحيانا! ولقد امتل اإلسي ي ييالم القدرات الجبارة‬
‫على تحري املنتمين لألمة في معارك الوجود الفاصييلة‪ ،‬وكان بمثابة خط الصييمود األول والدفا املسييتميت عن‬
‫كرامة األمة وهويتها‪ ،‬وعن س ييلطان األمة وس يييادة أحكامه في معترك الحياة‪- ،‬عقيدة تتحرك في الجوانح‪ ،‬ونظاما‬
‫س ي ي ييياس ي ي يييا لش ي ي ييكل الدر الواقية التي يقاتل من ورالها ويتقى بها‪ ،‬وش ي ي ييخص ي ي يييات فذة‪ ،‬وقادة‪ ،‬وعلماء‪ ،‬ومدارس‬
‫فقهية‪ ،‬ومراكز علمية‪ ،-‬فانتقل اإلس ي ي ي ييالم باألمة نقلة نوعية ليكون مس ي ي ي ييو وحدتها‪ ،‬ومص ي ي ي ييدر قوتها‪ ،‬وتميزها‪،‬‬
‫وقوامتهيا على البش ي ي ي ييريية‪ ،‬وخيريتهيا‪ ،‬وليكون بعيدهيا النفس ي ي ي ييبي والفكري املحرك ملجتمعهيا في مييدان ص ي ي ي ييالحهيا وفق‬
‫أحكام بريعتها‪.‬‬
‫ه‬
‫ولقييد يكيان اإلس ي ي ي ييالم من جييا لص ي ي ي يييياغيية حر يكيات املجتمعييات املتعيياقبيية وتييدافعهييا عبر التيياريخ مع غيرهييا من األمم‪،‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫ومقيياس ي ي ي ييا لنهوض ي ي ي يهيا وانحطياطهيا‪ ،‬ووازعيا لهيا للنهوا بعيد كيل كبوة‪ ،‬من خالل منظومية دقيقية للفهم‪ ،‬محكومية‬
‫ه‬
‫بنواميس وس ي ي ي يينن كونييية ربييانييية يكون اكتش ي ي ي ي ييافهييا وتييدبرهييا وفهمهييا وتنزيلهييا على الواقع طريقييا من طرق العبييادة‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫والتقرب إلى هللا‪ ،‬ودافعييا للعمييل دومييا القتعيياد مقعييد الس ي ي ي ييييادة والريييادة والقواميية على البش ي ي ي ييرييية‪ ،‬والقيييام على‬
‫ه ه‬
‫األمييانيية التي أنيطييت بيياألميية‪ ،‬ذلي الن وتلي املقيياييس رفضي ي ي ي ييت رفضي ي ي ي ييا تييامييا أي نو من التهويم والعش ي ي ي ييوائييية‬
‫ه‬
‫واالرتجالية وأن ت ضي ي ييع حركة املجتمع لضي ي ييرب من التجارب‪ ،‬بل عوضي ي ييا عن ذل تسي ي ييلحت الفكرة اإلسي ي ييالمية‬
‫بالعلم وأدواته الدقيقة املنضييبطة بالويي‪ ،‬فقدم للعقل البشييري فرصييته االسييتثنائية لكي يتحرك حرا في الفهم‬
‫واالبدا واالس ييت تاج‪ ،‬بعد أن قدمت له الفكرة اإلس ييالمية منظومة متكاملة من القيم والش يرا ع واملقاييس التي‬
‫لست بط منها األحكام الالزمة لعمارة األرا وتحقيق قيمة االست الف ف‪:‬ها‪.‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫ولقد تجلى اإلس ييالم منبرا ومدرس يية معرفية‪ ،‬وتجلى هوية حض ييارية لألمة على عظيم دورها وض ييخامة قيمتها‪ ،‬وملى‬
‫جيانيب ذلي كيان حياميل منظومية قيميية ومفياهيم لينسي ي ي ي ييانيية ترتقي على حيدود العرق واللون والطبقيية‪ ،‬ليكون‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫نظام حياة لينسييان الذي ي ضييع ألحكامه‪ ،‬مسييلما كان أم ذميا‪ ،‬يقيم اإلسييالم في املجتمع ميزان الحق والعدل‪،‬‬
‫على اعتبار أنه رحمة للعاملين‪ .‬ويقيم على البشرية وما لديها من نظم وثقافة ال جة بقيمه ورحمته وأنظمته‪.‬‬
‫والدرس الثمين الثاني من هذح القص ي ي ي يية العظيمة ‪-‬قص ي ي ي يية خباب‪ -‬هنا هو املس ي ي ي ييؤولية العميقة التي نتحملها في‬
‫إنق يياذ اإلنس ي ي ي ي يياني يية من قلم يات الكفر إلى نور اإليم ييان‪ .‬نحن مق ييدر لن ييا أن نق ي ي ي ييبي على الظلم‪ ،‬ونقيم الع ييدال يية‬
‫الحقيقية‪ ،‬ونحرر املظلومين‪ ،‬ونض ي ي ييمن توزيع الثروة بش ي ي ييكل عادل‪ ،‬بتطبيق ب ي ي يير هللا تعالى‪ .‬إن اإلس ي ي ييالم يجعل‬

‫‪23‬‬
‫املؤمن ال يرم ي ي ي ييب أن لعيش على هيامش الحيياة‪ ،‬بيل يض ي ي ي ييطلع بيدور املس ي ي ي ييؤوليية عن الغير‪ ،‬بيل عن األمم األخرى‬
‫بحمل الرسالة والدعوة لي شر الخير ويهدي الناس للدين الحق‪،‬‬
‫ثابتا وص ي ي ييالبة‪ .‬األمر الذي س ي ي يييف ي ي ييبي قطعا إلى االص ي ي ييطدام العني مع‬ ‫إيمانا ه‬‫إن هذح املهمة الض ي ي ييخمة تتطلب ه‬
‫الهيياكيل الس ي ي ي ييلطويية القيائمية‪ ،‬التي يتالعيب بهيا أولئي اليذين ي يدمون مص ي ي ي ييالحهم‪ ،‬وال بيد إذن أن نثبيت جيدارتنيا‬
‫بيأننييا حقيقون بيالييدعم اإللهي إلنجيياز التغيير‪ .‬لكي نكسي ي ي ي ييب هييذا‪ ،‬يجييب أن نتبع خطى األمم السي ي ي ي ييابقيية‪ ،‬ونظهر‬
‫إيمياننيا الثيابيت‪ ،‬ونثبيت جيدارتنيا في الحفياه على هيذح املهمية السي ي ي ي يياميية‪ .‬وبيذلي ‪ ،‬نغنم ثواب كيل عميل لعمليه أي‬
‫مس ي ي ي ييلم ييأتي من بعيد إلى يوم القييامية‪ ،‬ال ينقص من ثوابهم ب ي ي ي يييئيا‪ ،‬وأجر كيل روح تجيد الهيدايية وتؤدي األعميال‬
‫الص ي ييالحة تحت عدل اإلس ي ييالم‪ ،‬وتنجو من العذاب‪ .‬وهذا بدورح‪ ،‬لعزز من مرتبتنا في الجنة‪ .‬ئيرجى أخذ األهمية‬
‫العميقة لهذا املفهوم بعين االعتبار لفهم السيبب الذي يجعل الجهاد والكفاح املسيلا قد لسيت دم كوسييلة من‬
‫قبل األنبياء واملؤمنين عند مواجهة الظلم والش ي ييخص ي يييات الس ي ييلطوية التي تقاوم الس ي ييماح لنور اإلس ي ييالم وقيام‬
‫العدل باالنتش ييار في اإلنس ييانية واملجتمع‪ ،‬إلى جانب أن اإلس ييالم ليس بفلس ييفة جامدة‪ ،‬ولكنه من عيش ونظام‬
‫دولة‪ ،‬وال يمكن للدولة إال أن تمتل القوة للدفا عن نفسي ي ي ييها وعن رعاياها‪ ،‬أو ملواجهة خصي ي ي ييومها أو لتحقيق‬
‫موقعهييا املتنيياس ي ي ي ي ييب مع مس ي ي ي ييؤوليتهييا التيياري ييية عن البش ي ي ي ييرييية وأهييدافهييا‪ .‬عالوة على ذل ي ‪ ،‬تبرز هييذح القص ي ي ي ي يية‬
‫للمجتمعات أهمية الصيالبة في أوقات الشيدة‪ .‬إن مثل هذح املحن تطهر إيماننا‪ ،‬تقربنا من هللا وتجعلنا جديرين‬
‫بدعمه النها ي في هذا العالم واوخرة‪.‬‬
‫بل وفي قل هذا الوض ي ييع طلب الرس ي ييول ﷺ النص ي ييرة من ب؟ي ب ي يييبان‪ ،‬فوافقوا على نص ي ييرة مش ي ييروطة منقوص ي يية‬
‫لعطونه إياها على العرب دون ال جم‪ ،‬الرتباطهم بعهود ومواثيق مع الفرس‪ ،‬فرفر الرسول ﷺ قبول نصرتهم‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ّ ل ْن ي ْنص ي ي ي يرح إال م ْن حاطه ِّم ْن ج ِّم ِّيع جوا ِّن ِّب ِّه»‪ ،‬وما هي إال أن س ي ي ي ي ‪،‬يخر هللا لهم األنص ي ي ي ييار حت قامت‬
‫ألن « ِّدين ِّ‬
‫الدولة‪ .‬وأيضي ييا‪ ،‬ب الف قدر غير معلوم‪ ،‬ومثاله‪ :‬هل الخير في هذا العمل أو في هذا الت صي ييص من الدراسي يية أم‬
‫ال؟ فأمثال هذا ال يوضي ييع الغيب في الحسي ييبان‪ ،‬يأخذ باألسي ييباب ويفوا األمر إلى هللا أن ي تار له أحسي يينه‪ ،‬وفي‬
‫ِّ‬
‫هذا يدخل موضي ي ييو االسي ي ييت ارة‪ ،‬التي كان الرسي ي ييول ﷺ لعلمها أصي ي ييحابه في كل بي ي ييأن‪ ،‬فعل‪:‬هم األخذ باألسي ي ييباب‬
‫والقيام بالخيارات‪ ،‬ومن ثم لست يرون هللا بأن ي تار لهم الخير‪ ،‬وأن يوفقهم ملا فيه خيري الدنيا واوخرة‪.‬‬
‫ومن املهم بمكييان أن يفهم املس ي ي ي ييلمون أهمييية هييذا املفهوم‪" :‬االس ي ي ي ييتهييداء بقحدرمعروف‪ ،‬رغم أن توقيتحه غير‬
‫معلوم‪ ،‬وكيفيية تحققيه غير معلومية لنيا"‪ ،‬فمثال‪ :‬حين تقع على املس ي ي ي ييلم مص ي ي ي يييبية أو يبتلى بيابتالء‪ ،‬فيإنيه لعيش‬
‫قروفا ص ي ي ييعبة تتقلب ف‪:‬ها نفس ي ي ييه بين األمل والخوف‪ ،‬والطمع والظنون‪ ،‬لكنه لس ي ي ييتعمل تل القوانين الربانية‬
‫التي صياغتها العقيدة اإلسيالمية ليسيتهدي بها‪ ،‬فمثال‪ :‬مهما ضياقت عليه أمور الرزق‪ ،‬يؤمن قطعا بأن الرزاق هو‬
‫أن ن ْف هسا ْ‬
‫لن‬ ‫«إن روح القدس نفث في رويي ‪،‬‬ ‫هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬سيأتيه بالفرج بعد العسر‪ ،‬في الحديث قال ﷺ ِّ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ْ ْ‬
‫الر ْز ِّق‬ ‫ِّ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ ‪،‬‬
‫لب وال يح ِّملن أحدكم اس ي ِّتبطاء ِّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫تموت حت تس يتك ِّمل أجلها وتس يتو ِّعب ِّرزقها‪ ،‬فاتقوا هللا وأج ِّملوا ِّفي الط ِّ‬

‫‪24‬‬
‫إال ِّبطياع ِّتي ِّه»‪ ،‬ف"قيانون" أن الرزق بييد هللا‪ ،‬وقيانون‬ ‫ِّ‬ ‫أن ي ْطلبيه بم ْعص ي ي ي ييية هللا‪ ،‬ف ِّ‬
‫يإن هللا ‪-‬تعيالى‪ -‬ال ينيال ميا ِّع ْنيدح‬ ‫ْ‬
‫ِّ ِّ ِّ‬
‫ْ ْ‬
‫ص ي ي ي ير امل ْؤ ِّم ِّنين [الروم ‪ ،]47‬وقانون‪ :‬أن النفع والض ي ي ي يير بيدح وحدح‪ ،‬وبيد هللا تعالى كش ي ي ي ي‬ ‫﴿وكان ح ًّقا عل ْينا ن‬
‫ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫ْ‬
‫ّ ما ال ينفع وال يض ي ي ُّرك ف ِّإن فعلت‬ ‫الض ي يير‪ ،‬ومرادة اإلنس ي ييان بالخير‪ ،‬وأن يمس ي ييه بالخير‪ ﴿ ،‬وال تد ِّمن دو ِّن ِّ‬
‫الظاملين ۝ وم ْن ي ْمسي ْسي ‪ ّ،‬بضي ِّر فال كابي له إ ِّال هو َوإ ْن ُير ْد َ ب َخ ْير فال ر ‪،‬اد لف ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫‪ ،‬ه‬
‫ضي ِّل ِّه ي ِّصييب‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ف ِّإن ِّإذا ِِّّمن ِّ ِّ‬
‫الر ِّحيم [‪107-106‬يونس]‪﴿ ،13‬أفرأيتم ما تدعون من دون هللا إن أرادني‬ ‫ب ِّه م ْن لش ي ي ياء ِّم ْن ِّعب ِّاد ِّح وهو ْالغفور ‪،‬‬
‫ِّ‬
‫هللا بض ي ي ي يير هيل هن كياب ي ي ي يفييات ض ي ي ي ييرح أو أرادني برحميية هيل هن ممس ي ي ي يكييات رحمتييه [الزمر ‪ ،]38‬هيذح القوانين‬
‫ونظائرها لسييتعين بها املؤمن دوما لتقودح قيادة فكرية إيجابية فال تنكسيير نفسييه لظرف ملم‪ ،‬وال ي عييب أحدا‪،‬‬
‫ه‬
‫وال يرجو أحدا إال هللا‪ ،‬وال يتس ي ي ييرب اليأس إليه‪ ،‬وال تنكس ي ي يير عزيمته‪ ،‬وال يض ي ي ييع وال لس ي ي ييتكين‪ ،‬وال لش ي ي ي وال‬
‫للحظة واحدة بمعية هللا تعالى‪ ،‬وبإنفاذح تعالى لتل القوانين‪،‬‬
‫ْ‬
‫ألم تر إلى حال املؤمنين حين أحا األحزاب باملدينة املنورة‪ ،‬فوصي ييفه هللا تعالى بأبلغ الوصي ي ﴿ ِّإذ جاؤوكم ِِّّمن‬
‫‪ُّ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ ْ ْ ْ‬
‫اَّلل الظنونا ۝ هن ِّال ْابت ِّلي‬ ‫اجر وتظنون ِّب ِّ‬ ‫فو ِّقكم و ِّمن أس ي ي ي يفل ِّمنكم و ِّمذ زاغت األبص ي ي ي يار وبلغ ِّت القلوب الحن ِّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫امل ْؤ ِّمنون وزل ِّزلوا ِّزلزاال بي ِّد هيدا [األحزاب ‪ ،14]11-10‬بلغت الشيدة والزلزلة أن زاغت األبصيار‪ ،‬أبصيار املؤمنين‪،‬‬
‫وزْيغ األبص ي ي ي ييار أن يريد البص ي ي ي يير التوجه نحو ناحية فيقع إلى ص ي ي ي ييوب خخر من ب ي ي ي ييدة الرعب واالنذعار‪ ،‬وبلغت‬
‫مقارها‪ ،‬وترتفع من ب ييدة‬ ‫القلوب الحناجر‪ ،‬تمثيال لش ييدة اض ييطراب القلوب من الفز والهلع‪ ،‬حت كأنها جاوزت ِّ‬
‫خفقانها من الص ي ي ي ييدور لتبلغ الحناجر‪ ،‬من ب ي ي ي ييدة الض ي ي ي يييق‪ ،‬واملراد بزلزلة املؤمنين ب ي ي ي ييدة االنزعاج والذعر ألن‬
‫ه‬
‫أحزاب العييدو تفوقهم عيددا وعيدة‪ ،‬واب ي ي ي يتييد البالء وطيال حت قنييت األنفس بياهلل الظنون‪ ،‬وتظنون بياهلل تعييالى‬
‫أنوا الظنون املختلفة؛ فاملؤمن ومن كان يثق بوعد ربه لكنه ال يأمن غض ي ي ي ييبه من جراء تقص ي ي ي يييرح‪ ،‬وي ع ي ي ي ييب أن‬
‫مرجأ إلى زمن خخر‪ ،‬فإن ما في علم هللا وحكمته ال يحا به‪ ،‬واملنافق يظن أن ما وعد هللا لرس ييوله‬ ‫يكون النص يير ‪،‬‬
‫ميا هو إال غرور‪ ،‬ويظن املخلص ي ي ي ييون منكم الثيابتون في س ي ي ي يياحية اإليميان أن ينجز س ي ي ي ييبحيانيه وعيدح في إعالء دينيه‬
‫ُ‬ ‫ص ح ح َد َق ُ‬ ‫َ َ ََ ُْ ْ ُ َ َ ْ َ َ َ ُ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ َ ُ ُ‬
‫َّللا َو َر ُس ح حول ُه َو َما َز َاد ُه ْم ِّإال‬ ‫ول ُه َو َ‬ ‫ونص ي ييرة نبيه ﷺ‪﴿ ،‬وملا رأى املؤ ِّمنون األحزاب قالوا هذا ما وعدنا َّللا ورس ح ح‬
‫َ‬
‫ِّإ َيم ًانا َوت ْس ح ح ح ِّل ًيما إذن‪ ،‬فاوية الكريمة تنفهنا إلى ض ي ي ييرورة إحس ي ي ييان الظن باهلل حت في أحل امللمات‪ ،‬فاهلل تعالى‬
‫أهل للتوكل عليه والثقة به‪.‬‬ ‫ويعز جندح ويهزم األحزاب وحدح‪ ،‬ا‬ ‫أهل ألن ينصر دينه ‪،‬‬ ‫ا‬
‫ه‬
‫‪ 13‬واإلرادة بالخير‪ :‬تقديرح والقصييد إليه‪ .‬وملا كان الذي ال ل جزح ييبيء وال يتردد علمه فإذا أراد بيييئا فعله‪ ،‬فإطالق اإلرادة هنا كناية عن اإلصييابة كما‬
‫‪،‬‬
‫يدل عليه قوله بعدح‪﴿ :‬يصيييب به من لشيياء من عبادح ‪ ،‬وقد عبر باملس في موضييع اإلرادة في نظيرها في سييورة [األنعام ‪﴿ ]17‬و ِّمن ي ْمس ي ْس ي ّ ِّبض ي ِّر‬
‫َ‬ ‫‪،‬‬
‫فال كا ِّبي ي له ِّإال هو َو ِّإن َي ْم َسح ح ْسح ح َك ِّبخ ْير فهو على ك ِّ ِّل ي ييب ْيء ق ِّد اير﴾ ولكن عبر هنا باإلرادة مبالغة في سي ييلب املقدرة عمن يريد معارضي يية مرادح تعالى‬
‫ه‬
‫كيائنيا من كيان بحييث ال لس ي ي ي ييتطيع التعرا هلل في خيرح ولو كيان بمجرد إرادتيه قبيل حص ي ي ي ييول فعليه‪ ،‬فيإن التعرا حي ئيذ أهون ألن اليدفع أس ي ي ي يهيل من‬
‫الرفع‪ ،‬وأما خية س ييورة األنعام فس ييياقها في بيان قدرة هللا تعالى ال في تنزيهه عن املعارا واملعاند [التحرير والتنوير البن عاب ييور]‪ .‬هذح القوانين تدفع‬
‫‪،‬‬
‫املس ي ييلم إلى الطمأنينة‪ ،‬فما قنه برب العاملين؟ روى الب اري في الحديث‪« :‬يقول ّ تعالى‪ :‬أنا ِّع ْند ق ِّ ِّن ع ْب ِّدي سي‪ ،‬وأنا معه إذا ذكرِّني» فمن قن باهلل‬
‫خيرا في حال الشدائد‪ ،‬وذكر هللا‪ ،‬كان هللا معه‪ ،‬وكان عند قنه به‪.‬‬
‫‪ 14‬التحرير والتنوير البن عابور‪ ،‬وروح املعاني لآللو بي بتصرف بديد‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫ص ححقل اإلس ححالم عقلية املس ححلم للتعامل مع املص ححائب واالبتالءات واملحن بذيدابية ورض ححا وتفا ل‬
‫وطمأنينة‪:‬‬

‫أما املصائب واالبتالءات واملحن‪ ،‬والنفع والضر‪ ،‬فقد صقل اإلسالم عقلية املسلم لتتعامل معها بإيجابية‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ِّ ْ‬ ‫‪ََ ُ َ ََ ،‬‬ ‫‪،‬‬
‫ّ فليتو ‪،‬ك ِّل امل ْؤ ِّمنون‬ ‫ْ‬
‫وبنظرة ملؤها التفاؤل والطمأنينة‪﴿ ،‬قل لن ي ِّص ييبنا ِّإال ما كتب َّللا لنا هو موالنا وعلى ِّ‬
‫إال بتقدير هللا ملص ححلحة املس ححلمين في ذل ‪ ،‬فهو نفع محض كما ِّ‬ ‫ِّ‬
‫تدل‬ ‫[التوبة ‪ ،]51‬أي إن كل ما يص ححيبنا ما كان‬
‫يدو يفرح‬ ‫علي ييه تع ييدي يية فع ييل ﴿كت يب ب ييالالم املؤذن يية ب ييأ ِّن يه كت ييب ذل ي لنفعهم‪ ،‬وموقع ه ييذا الجواب هو أن الع ي ِّ‬
‫أن النبي ﷺ ال يحزن مليا أصي ي ي ي ييابيه زال فرحهم‪ .‬وفييه تعليم‬ ‫يدوح ويحزنيه‪ ،‬فيإذا علموا ِّ‬ ‫يدوح أل ِّنيه ينكيد ع ِّ‬ ‫بمصي ي ي ي يياب ع ِّ‬
‫للمسلمين الت لق بهذا الخلق وهو أن ال يحزنوا ملا يصيفهم لئال يهنو وتذهب قوتهم"‪،15‬‬
‫‪،‬‬ ‫‪ َ،‬ك ‪ ،‬ت‬ ‫ت‬ ‫‪،‬‬ ‫﴿ما أصي ياب ِّمن ُّم ِّصي ييب أة في َٱأل َ‬
‫ٱَّلل ل ِّسي ي اير ۝‬ ‫ا وال ِّفي أنف ِّسي يك َم ِّإال ِّفي ِّكت أب ِِّّمن ق َب ِّل أن نبرأها ِّإن ذ ِّل على ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ر‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫ت َۗۡ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ِّ‬
‫ِّلك َيال تأس َوا عل تى ما فاتك َم وال تفرحوا ِّبما ءاتىكم وٱَّلل ال ي ِّحب كل م ت أال ف ور [الحديد ‪،]23-22‬‬
‫‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫وقد أرب ي ييدنا رس ي ييول هللا ﷺ إلى س ي ييبيل الوقاية‪ ،‬وطريق التوفيق‪ ،‬فعن عبد هللا بن عباس رم ي ييبي هللا عنهما‪:‬‬
‫َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫هللا يحفظ حك‪ ،‬احف ِّ هللا ت ِّج ي ْدح‬ ‫أعلم ي كلم ييات‪ :‬احف ِّظ‬ ‫هللا ﷺ يو هم يا ق ييال ي ييا غالم‪ ،‬إني ِّ‬ ‫«كن ييت خل رس ي ي ي ييو ِّل ِّ‬
‫ْ‬ ‫واعلم ‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬
‫اجتمعت على أن ينفعوك‬ ‫أن األمة لو‬ ‫بال‪،‬‬
‫تجاه ‪ ،‬إذا سي ي ييألت فاسي ي ي ِّيأل هللا‪ ،‬وإذا اس ح ححتعنت فاس ح ححت ِّعن ِّ‬
‫ومن اجتمعوا على أن يضي ي ُّروك بعي ييبيء لم يضي يروك إال بعي ييبيء قد‬ ‫بعي ييبيء‪ ،‬لم ينفعوك إال بعي ييبيء قد كتبه هللا ل ‪ِّ ،‬‬
‫كتبه هللا علي ‪ ،‬ر ِّفع ِّت األقالم وج ‪،‬ف ِّت ال ُّ ي ي ي يح »‪ ،‬وقد حوى هذا الحديث من القوانين ما لش ي ي ي ييكل مدادا لكل‬
‫كتاب لسي ي ي ييطرح املؤمن في سي ي ي يييرح في حياته‪ ،‬وقيادة فكرية تبعث الطاقة الهائلة على الثقة والطمأنينة ومعية هللا‬
‫تعالى‪ ،‬والتوكل عليه واالستعانة به‪.‬‬
‫‪،‬‬ ‫ت‬ ‫‪،‬‬ ‫‪ْ،‬‬ ‫ت‬ ‫‪،‬‬ ‫َ ْ ْ‬
‫ا وال ِّفى أنف ِّسي ي يك ْم ِّإال ِّفى ِّكت َب ِِّّمن ق ْب ِّل أن نبرأها ك ِّإن ذ ِّل على ِّ‬
‫ٱَّلل ل ِّسي ي ي اير‬ ‫ُّ‬
‫﴿ما أصي ي ياب ِّمن م ِّصي ي ييبة ِّفى ٱألر ِّ‬
‫ْ‬ ‫‪ْ ،‬‬ ‫ْ ‪ ،‬ا ْ‬ ‫[الحيديد ‪﴿ ،]22‬وما ِّم ْن د ‪،‬ابة في ْاأل ْ‬
‫اب ِّم ْن ي ي ي ييب ْيء ك‬ ‫ْ‬
‫ا وال طا ِّئر ي ِّطير ِّبجنياحيي ِّه ِّإال أمم أمثيالكم ك ما فرطنيا ِّفي ال ِّكت ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ر‬ ‫ِّ‬
‫ث ‪،‬م ِّإل تى ِّرِّب ِّه ْم ي ْحش ي ي ي يرون [األنع ييام ‪ ]38‬معن يياه ييا إال أمم أمث ييالكم مكتوب أرزاقه ييا‪ ،‬وخج يياله ييا وأعم يياله ييا‪ ،‬كم ييا كت ييب‬
‫أرزاقكم وخج ييالكم وأعم ييالكم‪ ،‬م ييا تركن ييا وم ييا أغفلن ييا في اللوح املحفوه من ي ي ي ييبيء‪ ،‬ف ييأطلق الكت يياب على اللوح‬
‫املحفوه‪ ،‬أي كيل ي ي ي ييبيء مكتوب في اللوح املحفوه‪ ،‬وهيذا كنيايية عن علم هللا‪ ،‬أي ميا من ي ي ي ييبيء إال وهللا لعلميه‪.‬‬
‫ت‬ ‫‪،‬‬ ‫‪، ْ ْ َ،‬‬
‫ٱَّلل ِّر ْزقها وي ْعلم م ْسي يتق ‪،‬رها وم ْسي يت ْودعها ك ك مل ِّفى ِّكت َب ُّم ِّب َين [هود ‪ ،]6‬ومن ع ِّلم‬ ‫ا ِّإال على ِّ‬ ‫﴿وما ِّمن دابة ِّفى ٱألر ِّ‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫أن رزقيه على هللا وأجليه بييد هللا‪ ،‬وأن ميا أص ي ي ي ييابيه لم يكن لي طئيه‪، ،‬‬
‫وأن أحيدا ال يملي ليه نفعيا وال ض ي ي ي يرا إال هللا‬ ‫ِّ ِّ‬
‫تعيالى‪ ،‬وأن رزقيه وأجليه ليس بييد أحيد غير هللا‪ ،‬وال يطول عمرح‪ ،‬وال يقص ي ي ي يير‪ ،‬س ي ي ي ييار في الحيياة غير هيياب‪ ،‬س ي ي ي ييار‬
‫‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫‪،‬‬
‫اس‬ ‫مطمئنا واثقا مس ي ييتعليا بإيمانه س ي ييعيدا بمعية ربه‪ ،‬روى أبو س ي ييعيد الخدري‪« :‬أال ال يمنعن أحدكم رهبة الن ِّ‬
‫‪ 15‬التحرير والتنوير البن عابور‬
‫‪26‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫أن يقول بح ِّق إذا رخح أو ب ي ي ي يهيدح؛ فيإ ‪،‬نيه ال ُي ُ‬ ‫ْ‬
‫ذكر بعظيم»‪،‬‬ ‫قرب من أجحل‪ ،‬وال يبحا ِّعحد من ِّرزق؛ أن يقول بحق أو يي ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫فاملؤمن الذي يدمج إيمانه بهذه املعاني للقدرمع أفعاله‪ :‬ال ي عب إال هللا‪ ،‬وال يتهاون في أداء أمر بمعروف وال‬
‫ْ‬ ‫‪ْ ،‬‬ ‫نهي عن منكر م يافية اقتراب أجيل أو انقطيا رزق‪﴿ ،‬إ ‪،‬نميا ل ْعمر مسي ي ي ي ياجيد ‪ْ ،‬‬
‫اَّلل والي ْو ِّم او ِّخ ِّر وأقيام‬
‫ّ من خمن ِّبي ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ت ِّ‬
‫ْْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ‪، ،‬‬ ‫ص ي ي ي يالة وختى ‪،‬‬
‫الز يكاة ول ْم ي ش ِّإال ّ و فعس ي ي ي ييب ت أول ِّئي أن يكونوا ِّمن املهتي ِّدين [التوبية ‪ ،]18‬ولم ي ش إال هللا‬ ‫ال ‪،‬‬
‫ه‬
‫فيقول الحق‪ ،‬فهيذا هو املع؟ اإليجياسي ليدمج اإليميان بيالقيدر بيالعميل‪ ،‬فهو طياقية هيائلية تعطي املؤمن زخميا هيائال‬
‫هياب‪ ،‬وأن يتعامل مع امللمات بطمأنينة ورضا وثقة‪،‬‬ ‫ألداء األعمال غير ِّ‬

‫‪27‬‬
‫َ‬
‫الرِّبيين مع ما أصابهم في ساحة القتال‪:‬‬
‫درس بليغ من تعامل ِّ‬
‫وقد امتاز املؤمنون بتس ي ييليمهم ورض ي يياهم بقض ي يياء هللا وقدرح على غيرهم من األمم‪ ،‬األمر الذي مأل نفوس ي ييهم‬
‫طمأنينة ورض ييا‪ ،‬وحياتهم إيجابية‪ ،‬فلم يرتكس ييوا ملا أص ييابهم‪ ،‬ولم يهنوا ولم يض ييعفوا؛ ﴿وكأ ِِّّي ْن ِّم ْن ن ِّب ِّي قاتل معه‬
‫ص ي ي ي ِّاب ِّرين ۝ وما كان‬ ‫ّ وما ض ي ي يعفوا وما ا ْس ي ي يتكانوا ۗۡ و ‪ ّ،‬ي ِّح ُّب ال ‪،‬‬ ‫‪،‬‬
‫ِّرِّب ُّيون ك ِّث اير فما وهنوا ِّملا أص ي ي يابه ْم ِّفي س ي ي ي ِّب ِّيل ِّ‬
‫ِّ‬
‫َت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫‪،‬‬
‫ق َوله َم ِّإال أن ق يالوا ر‪،‬بن يا ٱغ ِّف َر لن يا ذنوبن يا و ِّم َس ي ي ي يرافن يا ِّفي أ َم ِّرن يا وث ِِّّب ي َت أق يدامن يا وٱنص ي ي ي ي َرن يا على ٱلق َو ِّم ٱلك ِّف ِّرين ۝‬
‫ٱَّلل ي ِّح ُّب َٱمل َح ِّسي ي ي ِّنين [خل عمران ‪ِّ ،16]148 - 146‬‬
‫وئالرِّب ُّيون‬ ‫َ ۗۡ ‪،‬‬
‫اب ٱأل ِّخر ِّة و‬ ‫َ‬ ‫ُّ َ‬ ‫ت ‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ف ي ي ي ي ي ي يات هم ٱَّلل ثواب ٱلدنيا وحسي ي ين ثو ِّ‬
‫الرب مثيل الرِّبياني‪ ،‬واملراد بهم هنيا أتبيا الرس ي ي ي ييل وتالميذة األنبيياء‪ ،‬حين تقرأ اويية‬ ‫املتبع لش ي ي ي ييريعية ِّ‬ ‫جمع ِّس ِّي وهو ِّ‬
‫ِّرِّ‬
‫الس ي ي ييابقة فترى أن معركة قادها نبي‪ ،‬وقاتل معه ِّرِّب ُّيون كثير‪ ،‬تظن أن النص ي ي يير لن ي طاهم‪ ،‬فتتفاجأ بأن نتيجة‬
‫املعركة كانت هزيمتهم‪ ،‬لكن هذح الهزيمة لم تض ي ي ييع عزائمهم‪ ،‬طاملا أنهم يقاتلون في س ي ي ييبيل هللا تعالى‪ ،‬فاألجر‬
‫أن األنبييياء ال‬ ‫الرب ِّيون إذ من املعلوم ِّ‬ ‫متحصي ي ي ي ييل لهم بغر النظر عن نتيجيية املعركيية‪ ،‬وقولييه‪﴿ :‬فميا وهنوا أي ِّ‬
‫ْ‬
‫يهنون فالقدوة املقص ي ي ي ييودة هنا‪ ،‬هي االقتداء بأتبا األنبياء‪ ،‬أي ال ي ب ي أن يكون أتبا من م ي ي ي ييب من األنبياء‪،‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫أج يدر ب ييالعزم من أ ْتب ييا محم ييد ﷺ‪ ،‬وجمع بين الوهن وال ِّ‬
‫ض ي ي ي يع ‪ ،‬وهم ييا متق ييارب ييان تق ييارب ييا قريب ييا من الترادف؛‬ ‫ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫‪،‬‬
‫فالوهن قلة القدرة على العمل‪ ،‬وعلى النهوا في األمر‪ ،‬والضع ي ي ي بضم الضاد وفتحها ي ي ي ضد القوة في البدن‪،‬‬
‫‪،‬‬ ‫ياألول أقرب إلى خور العزيم ي يية‪ ،‬ودبي ي ييب الي ي ييأس في ُّ‬ ‫وهم ي ييا هن ي ييا مج ي ييازان‪ ،‬ف ي ي ِّ‬
‫النفوس والفكر‪ ،‬والث ي ياني أقرب إلى‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫االستسالم والفشل في املقاومة‪ِّ .‬‬
‫للعدو‪ ،‬وقد نفاها كلها عنهم رغم مصابهم‪.‬‬ ‫وأما االستكانة فهي الخضو واملذلة‬
‫الذكر على حسي ييب ترتيفها في الحصي ييول‪، :‬‬ ‫ِّ‬
‫فإنه إذا خارت العزيمة ف ِّشي يلت األعضي يياء‪ ،‬وجاء‬ ‫ومن اللطائ ترتيفها في‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫للعدو‪ ،‬لذل اس ييتحقوا محبة هللا على ص ييبرهم‪ ،‬لم تثنهم الهزيمة عن أن‬ ‫االس ييتس ييالم‪ ،‬فتبعته املذلة والخض ييو‬
‫تظهر خص ي ي ييالهم اإليجابية فال وهن وال ض ي ي ييع وال اس ي ي ييتكانة‪ ،‬بل عزيمة ومض ي ي يياء على معاودة الكرة‪ ،‬ودراس ي ي يية‬
‫ألسباب الوضع الذي هم فيه للتحضير ملا بعدح!‬
‫ومن اإليجابية أن اإلس ييالم رفر أن يكون فلس ييفة جامدة‪ ،‬ومنما كان عقيدة حية مؤثرة‪ ،‬تص ييو الحياة على‬
‫مزاجها اإليجاسي‪ ،‬لسيير فيه املؤمن مغمورا بسيعادة الرضيا بالقرب من هللا وطاعته‪ ،‬ويحس على الحقيقة أن كل‬
‫ما أص ي ييابه هو مما كتبه هللا له ال عليه‪ ،‬وأن أمرح كله خير‪ ،‬روى مس ي ييلم في ص ي ييحيحه من حديث رس ي ييول هللا ﷺ‪:‬‬
‫إن أص يياب ْته س ي ‪،‬راء ب يكر‪ ،‬فكان خ ْي هرا له‪ْ ،‬‬
‫ومن‬ ‫إن ْأمرح ك ‪،‬له خ ْي ار‪ ،‬وليس ذاك ألحد ‪،‬إال ل ْلم ْؤمن‪ْ ،‬‬ ‫«عج هبا أل ْمر امل ْؤمن‪، ،‬‬
‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫أص ي يياب ْته ض ي ي ‪،‬راء‪ ،‬ص ي يبر فكان خ ْي هرا له»‪ ،‬والش ي ييكر والص ي ييبر عالمة على محبة هللا له‪ ،‬يبتليه ليرفع درجاته‪ ،‬وليحط‬
‫عن سي ي يييئاته‪ ،‬ومن مع العسي ي يير لسي ي يرا‪ ،‬ومن هللا تعالى بقدرته قادر على أن لسي ي ييخر له من األسي ي ييباب ما ال يحسي ي يينه‬
‫بقدراته البشي ي ي ييرية‪ ،‬إذا ما أحسي ي ي يين التوكل عليه‪ ،‬وأن التوفيق من عند هللا‪ ،‬لسي ي ي ييتنهر اإلسي ي ي ييالم عزيمته ليقوم‬
‫ص يطف ْينا‬ ‫بمعالي األمور‪ ،‬وي تهي عن سييفاسييفها‪ ،‬دائم السي ي للكمال ومحسييان العمل ﴿ث ‪،‬م أ ْورْثنا ْالكتاب ‪،‬ال ِّذين ا ْ‬
‫ِّ‬

‫‪ 16‬التحرير والتنوير البن عابور‪ ،‬بتصرف‪.‬‬


‫‪28‬‬
‫ْ ْ ْ‬ ‫ْ ‪،‬‬ ‫ا ْ ْ‬ ‫ْ ْ ا ْ‬ ‫ِّ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ض يل الك ِّبير [فاطر‬ ‫ّ ذ ِّل هو الف‬ ‫ات ِّب ِّإذ ِّن ِّ‬ ‫ِّمن ِّعب ِّادنا ف ِّمنه ْم ق ِّال ام ِّلنف ِّس ي ِّه و ِّمنهم ُّمقت ِّص يد و ِّمنه ْم س ي ِّابق ِّبالخير ِّ‬
‫‪ .]32‬وباب التوبة مفتوح‪ ،‬فال يأس حت مع اإلسراف في املعا بي‪ .‬ووافقت أقوالهم أفعالهم‪ ،‬فدل طلفهم من هللا‬
‫‪ِّ ،‬‬
‫ألنه ملا وص ي ي ي ييفهم برباطة الجأل‪ ،‬وثبات القلب‪،‬‬ ‫أن لغفر لهم ذنوبهم‪ ،‬مع ما فيه من العط على ﴿فما وهنوا‬
‫أن ما‬ ‫اللس ي ي ييان ‪،‬التي تجري عليه عند االض ي ي ييطراب والجز ‪ ،‬أي ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫وص ي ي ييفهم بعد ذل بما ِّ‬
‫يدل على الثبات من أقوال ِّ‬
‫أن ذلي ي لحكم يية‬ ‫يذم ار‪ ،‬ب ييل علموا ِّ‬ ‫ترد اد في صي ي ي ي ي ييدق وع ييد هللا‪ ،‬وال بي يدر منهم ت ي ِّ‬ ‫أصي ي ي ي ي ييابهم لم ي ييالجهم بس ي ي ي ييبب ييه ِّ‬
‫‪،‬‬
‫لعلمها سييبحانه‪ ،‬أو لعله كان جز هاء على تقصييير منهم في القيام بواجب نصيير دينه‪ ،‬أو في الوفاء بأمانة التكلي ‪،‬‬
‫َ‬
‫فلذل ابتهلوا إليه عند نزول املصي ي ي يييبة بقولهم‪﴿ :‬ر‪،‬بنا ٱغ ِّف َر لنا ذنوبنا و ِّم َسي ي ي يرافنا ِّفي أ َم ِّرنا خشي ي ي ييية أن يكون ما‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫أص ي ييابهم جزاء على ما فر منهم‪ ،‬ث ِّم س ي ييألوح النص ي يير وأس ي ييبابه ثانيا فقالوا‪﴿ :‬وث ِِّّب َت أقدامنا وٱنص ي ي َرنا على ٱلق َو ِّم‬
‫النص يير‪ ،‬فص يييغة القص يير في قوله‪ :‬ن وما كان قولهم إال‬ ‫َٱل تكفرين فلم يصي ي ِّدهم ما لحقهم من الهزيمة عن رجاء ‪،‬‬
‫ِّ ِّ‬
‫ه‬
‫يتوهم ‪،‬أنهم قييالوا أقواال تنبئ عن الجز ‪ ،‬أو الهلع‪ ،‬أو الشي ي ي ي ي ِّ في‬ ‫ِّ‬ ‫لرد اعتقيياد من قييد‬ ‫أن قييالوا ق قص ي ي ي يير إضي ي ي ي ييافي ِّ‬
‫الحد‪ ،‬ويجوز عندي [ابن عاب ييور في تفس يييرح] أن‬ ‫النص يير‪ ،‬أو االس ييتس ييالم للكفار‪ .‬واإلس يراف هو اإلفرا وتجاوز ِّ‬ ‫‪،‬‬
‫يكون املراد باإل ْسي ي ي يراف في األمر التقصي ي ي ييير في بي ي ي ييأنهم ونظامهم فيما يرجع إلى أهبة القتال‪ ،‬واالسي ي ي ييتعداد له‪ ،‬أو‬
‫ُّ‬ ‫ِّ‬
‫العدو‪ ،‬وهذا الظاهر من كلمة ْأمر‪ ،‬بأن يكونوا ب ييكوا أن يكون ما أص ييابهم من هزيمتهم في الحرب مع‬ ‫الحذر من‬
‫ه‬ ‫عي ِّ‬
‫يدوهم نيياب ي ي ي يئييا عن س ي ي ي ييببين‪ :‬بيياطن وقيياهر‪ ،‬فييالبيياطن هو غضي ي ي ي ييب هللا عل‪:‬هم من جهيية الييذنوب‪ ،‬والظيياهر هو‬
‫ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫ُّ ْ‬ ‫‪،‬‬
‫اوخر ِّة وّ ي ِّح ُّب امل ْح ِّس ي ِّنين‬
‫اب ِّ‬
‫ْ‬
‫تقص يييرهم في االس ييتعداد والحذر‪ ،‬وقوله‪﴿ :‬فآتاهم ّ ثواب الدنيا وحس ين ثو ِّ‬
‫إعالم بت جييل إجيابية دعوتهم ِّلحص ي ي ي ييول خيري اليدنييا واوخرة‪ ،‬فثواب ال ِّيدنييا هو الفتح والغنيمية‪ ،‬وثواب اوخرة‬
‫خير وأبقى‪.‬‬ ‫ألنه ا‬ ‫هو ما كتب لهم حي ئذ من حسن عاقبة اوخرة‪ ،‬ولذل وصفه بقوله‪﴿ :‬وح ْسن ثواب اوخرة ‪،‬‬
‫ِّ ِّ ِّ‬
‫ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬
‫س ييادس ييا‪ :‬واالختيار ئفي قل أن اإلنس ييان كائن أخال ي‪ ،‬لديه نواز للخير وأخرى للش يير ﴿وهد ْيناح النجد ْي ِّن ‪،‬‬
‫وقيدرة على االختييار بين اإليميان أو الكفر‪ ،‬بين الهيدى أو الض ي ي ي ييالل‪ ،‬بين االتبيا أو املعص ي ي ي ييية‪ ،‬بين اإلص ي ي ي ييالح أو‬
‫ومما كف ه‬‫﴿إنا هد ْيناح ال ‪،‬س ي ي ي يبيل ِّإما ب ي ي ي ي ِّياك هرا ِّ‬ ‫ه ِّ‬ ‫ه‬
‫ورا ‪ ،‬فقد أعطي‬ ‫ِّ‬ ‫اإلفس ي ي ي يياد‪ ،‬بين االختيار أن يكون ب ي ي ي يياكرا أو كفورا‬
‫اإلنس ي ي ي ييان مطلق حريية اإلرادة في اختييار معتقيداتيه وأفعياليه‪ ،‬وتمكينيه من خييار اتبيا املن الربياني أو اإلعراا‬
‫عنه‪ ،‬مع تحميله املس ي ي ييئولية الكاملة على أفكارح وأفعاله وقراراته‪ ،‬وما ي تج عنها من قلم لنفس ي ي ييه أو لغيرح‪ ،‬ومع‬
‫املحاسي ي ي ييبة الدقيقة على أفكارح وسي ي ي ييلوكه وعالقاته‪ ،‬والثواب والعقاب‪ ،‬ومنصي ي ي يياف املظلوم من الظالم في الدنيا‬
‫واوخرة‪.‬‬
‫ه‬
‫س ي ي ي ييابعيا‪ :‬اليدنييا واوخرة‪ ،‬والثواب والعقياب‪ ،‬والجنية والنيار‪ ،‬فياوخرة خير لي من األولى‪ ،‬واليدنييا ممر لآلخرة‪،‬‬
‫والدنيا زائلة‪ ،‬واوخرة باقية‪ ،‬يحاس ي ي ي ييب اإلنس ي ي ي ييان على أعماله التي قام بها في الدنيا‪ ،‬ويرى جزاء مثقال الذر من‬
‫الخير والشير‪ ،‬فيحاسيب نفسيه قبل أن يحاسيبه هللا‪ ،‬ويمتنع عن املسياس بحقوق اوخرين لعلمه بأنه سييضيطر‬
‫للتكفير عنها وأنها مب ية على املشاححة ال املسامحة‪ ،‬فال تفريط‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫الغاية من الوجود والهدف من الحياة‪:‬‬

‫ه‬ ‫ه‬
‫ثامنا‪ :‬تحقيق الغاية من الوجود والهدف من الحياة‪ .‬فلم ي لق هللا الكون عبثا‪ ،‬ولم يترك اإلنس ي ي ييان س ي ي ييدى‬
‫بال أمر ونهي‪" ،‬وبالبحث في القرخن نجد أن أقصي ي ي ييب ما سي ي ي يييحققه البشي ي ي يير في الدنيا واوخرة هو عالقة الحب مع‬
‫هللا‪ ،‬ونجييد في القرخن ذكر رحميية هللا وكرمييه وتوفيقييه وعطيياءح‪ ،‬وسي ي ي ي ييائر ص ي ي ي يفييات هللا‪ ،‬لعط‪:‬هييا هللا لكييل البش ي ي ي يير‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫املقبلين عليه بال موانع‪ ،‬من تقرب إليه ب ي ييبرا تقرب إليه باعا‪ ،‬وأبوابه مش ي ييرعة‪ ،‬ويدح مبس ي ييوطة‪ ،‬وعفوح قريب‪،‬‬
‫ويبسط رزقه حت للكافر!‬
‫والحييب هو عالقيية بين اثنين‪ ،‬أميا وقييد غمرنييا هللا برحمتييه ومغفرتييه وعطييائييه وتوفيقييه ورعييايتييه‪ ،‬فييإذا لم نقم‬
‫بمقتض ي ي ي ييييات املحبيية بعييد هييذا العطيياء بييأداء حق هللا‪ ،‬فكييأنمييا نكون رفض ي ي ي ينييا عطيياءح‪ ،‬ولم نحبييه على الحقيقيية‪،‬‬
‫والنتيج يية أنن ييا لم نتمكن من الش ي ي ي ييعور بعالق يية الح ييب مع هللا‪ ،‬ألنن ييا لم نفتح قلوبن ييا ل ييه‪ ،‬وح ييب هللا ي تظرن ييا ولن‬
‫ه‬
‫نحصي ي ي ي ييل على محبيية هللا مييا لم ن ْس ي ي ي يع لييذلي ‪ ،‬فال ينمو هييذا الحييب أبييدا‪ .‬وكفر النعميية يحييدث من خالل الرفر‬
‫والتجاهل والتنكر للنعمة التي لعط‪:‬ها هللا لنا‪ .‬من ناحية أخرى فالقرخن يؤكد أن املؤمنين املتبعين س ي ي ي يييتمتعون‬
‫بهيذح العالقية من الح ِّيب مع هللا‪﴿ ،‬قي ْل إ ْن ك ْنت ْم ت ِّح ُّبون هللا في ‪،‬اتبعو ِّني ي ْحب ْبكم هللا وي ْغ ِّف ْر لك ْم ذنوبك ْم وهللا غف ا‬
‫ور‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ه‬ ‫ر ِّح ا‬
‫يم [خل عمران ‪ ]31‬وهللا يؤكد أنه يحب ص ي ي ييفات معينة في البش ي ي يير كالتقوى واإلحس ي ي ييان‪ ،‬والرحمة‪ ،‬والكرم‪،‬‬
‫والصبر‪.‬‬
‫وبهذا يتضييا من القرخن بشييكل جلي بأن الهدف من الحياة‪ ،‬أن هللا اسييت ل اإلنسييان في األرا‪ ،‬ال ليفسييد‬
‫ف‪:‬ها وال ليسي ييف الدماء‪ ،‬بل أراد مجموعة من البشي يير أنشي ييأت بإرادتها الحرة‪ ،‬وبتفكيرها املسي ييتنير‪ ،‬وبقدرتها على‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫التفاعل مع ما سييخرح هللا لها‪ ،‬عالقة سييامية من معرفة هللا‪ ،‬ومن الحب مع هللا‪ ،‬وهؤالء سيييسييتمتعون بسييعادة‬
‫في عالقتهم مع البش ي يير وفي عالقتهم مع هللا‪ ،‬وهي أقص ي ييب املتع التي س ي يتب جهم في الدنيا وكذل في اوخرة‪ ،‬عندما‬
‫ت تهي كل املش ي ييوب ي ييات لألبد‪ ،‬لكن يلا س ي ييؤال مهم وهو أنه كان باإلمكان أن ي لقنا هللا في الجنة‪ ،‬ويبرمجنا على‬
‫ه‬
‫حبه‪ ،‬فلماذا كان ال بد من اإليمان واالبتالء والصبر واالختبار والتكلي طريقا للجنة؟‬
‫ليج يياب يية عن الس ي ي ي ييؤال‪ ،‬يج ييب أن نج ييد الرابط بين املؤمنين وبين هللا‪ .‬إن م ييا يطلب ييه القرخن من املؤمنين هو‬
‫الر ْح تمن و ًّدا [مريم ‪ ،]96‬ومذا‬ ‫ات سيي ْجعل لهم ‪،‬‬ ‫صي ِّالح ِّ‬ ‫صيفات معينة يحفها هللا ف‪:‬هم‪﴿ ،‬إ ‪،‬ن ‪،‬ال ِّذين خمنوا وعملوا ال ‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ما حص ييرنا قائمة األعمال الص ييالحة والص ييفات الحس يينة‪ ،‬كالرحمة والرأفة واملس ييامحة والكرم والعلم والحكمة‬
‫حد‬‫والحق وحب اوخرين؛ وس ي ييألنا أنفس ي يينا‪ :‬ما الذي ي برنا القرخن عن الطرف الثاني في العالقة ئهللا ؟ هللا هو أ ا‬
‫يي ال يموت‪ ،‬الخ‪ ،‬لذل فليس هناك وجه مقارنة‬ ‫يمد‪ ،‬ليس كمثله ي ي ي ييبيء‪ ،‬غير محدود بالزمان وال باملكان‪ ،‬ا‬ ‫صي ي ي ي ا‬
‫وال تكافؤ بين هللا واملخلوقات‪ ،‬ويص ي ي ي ييعب حينها الوص ي ي ي ييول للرابط األس ي ي ي يياس بي نا وبين هللا‪ ،‬فأين هي الص ي ي ي ييفات‬
‫الجامعة في العالقة بين اإلنس ييان وبين هللا تعالى؟ ولو تأملت القرخن‪ ،‬فس ييتجد اويات تصي ي هللا بوصي ي ثنا ي‪:‬‬

‫‪30‬‬
‫بيأنييه رحمن رحيم‪ ،‬وأنييه غفور ب ي ي ي ييكور‪ ،‬وأنييه عزيز حكيم‪ ،‬وأنييه حليم غفور‪ ،‬وتس ي ي ي ييتطيع معرفيية العش ي ي ي يرات من‬
‫ص ييفات هللا في القرخن وهذح هي االس ييماء الحس يي؟ ‪ ،‬فإذا ما قابلتها بص ييفات املؤمنين التي أرادها منهم‪ ،‬اذن ي ب ي‬
‫علينا التحلي بهذح الص ي ي ييفات‪ ،‬نحن هنا في الدنيا لنعبد هللا ونحب هللا ونقيم معه عالقة‪ ،‬ولكن كي نقيم معه‬
‫عالقة ونحن محدودون نف؟ ونموت وهو أزلي غير محدود‪ ،‬فهذح صييفات متضييادة بي نا وبين هللا‪ .‬فكي نصييبح‬
‫قريبين من هللا بهذح الص ييفات؟ إذا أردت أن أكون قريبا من عل ِّي أن أب ييارك في ييبيء مش ييترك بي نا‪ ،‬تماما كما‬
‫يحدث بين الناس بعضهم بعضا‪،‬‬
‫ولكن كي لش ييخص أن يقترب من هللا؟ ما املش ييترك بي نا وبينه؟ لو نظرنا لوجدنا أنه س ييبحانه أعطانا عند‬
‫خلقنيا نف ية من روحيه‪ .‬ليذلي نيأتي الى اليدنييا بهيذح الص ي ي ي يفيات وامليزات بس ي ي ي يبيب نف ية الروح هيذح‪ ،‬ونحن بيدورنيا‬
‫كبش يير إما ان ند ِّ ييبي هذح الص ييفات أو أن نزك‪:‬ها‪ ،‬والتزكية ليس ييت فقط تش ييعرنا بالس ييعادة بس ييبب هذح الخبرة في‬
‫الحيياة اليدنييا‪ ،‬ولكن س ي ي ي ي تمكن من اإلحس ي ي ي يياس بص ي ي ي يفيات هللا الرا عية من الجميال والقيدرة والرحمية والود وكيل‬
‫أس ييمائه الحس يي؟ ‪ ،‬وكل هذح الص ييفات الالمتناهية تأتي من املص ييدر الالمتناهي لهذح الص ييفات الحس يي؟ من هللا‪،‬‬
‫كلميا جياهيدنيا لنتص ي ي ي ي بيالرحمية تمكنيا من االقتراب من الرحمية العظم لرب العياملين في هيذح الحيياة اليدنييا وفي‬
‫اوخرة‪ ،‬وكذل األمر بال س ي ييبة للرأفة ولنص ي ييرة الحق‪ ،‬وكلما جاهدنا لنتص ي ي بص ي ييفات املؤمنين كلما تمكنا من‬
‫االقتراب من هللا ذي الصي ي ي ييفات الحسي ي ي يي؟ وبالتالي نسي ي ي ييتطيع أن ندرك هللا ونعرفه‪ ،‬فكلما تزكينا اقتربنا من هللا‪،‬‬
‫قرب أعظم من القرب املييادي او العيياطفي أو العقلي إنييه االقتراب من الخييالق املعبود‪،‬‬ ‫وأدركنييا عظميية هللا‪ ،‬وهو ا‬
‫املسي ي ييتحق للعبادة‪ ،‬الرب املال املرسي القائم على إصي ي ييالح أحوالنا‪ ،‬إنها أعظم املشي ي يياعر التي يمكن أن ت تبرها‬
‫وتمر بها على االطالق‪ ،‬لكن‪ ،‬وألننا كائنات تنمو وتتزكى بالفعل‪ ،‬ولكننا ال نسي ييتطيع أن نتصي ي بصي ييفات هللا‪ ،‬وال‬
‫أن نر ى بش ي ي ييخص ي ي ييياتنا اإلس ي ي ييالمية لنتقرب إليه‪ ،‬ما لم نمر بهذح األمور الس ي ي ييابق ذكرها‪ ،‬من االبتالء‪ ،‬والتفكير‪،‬‬
‫واإليجابية في تعاملنا مع القدر‪ ،‬والرض ي ي ييا بالقض ي ي يياء‪ ،‬والتقوى واإلحس ي ي ييان‪ ...‬فهي اذن هي كلها الزمة وأس ي ي يياس ي ي ييية‬
‫لتزكييية النفس البش ي ي ي ييرييية‪ ،‬وال يمكن إس ي ي ي يقييا أي عييامييل منهييا من أجييل أن تكون هييذح النفس مؤهليية لعالقيية مع‬
‫هللا"‪.17‬‬

‫‪ 17‬النقطة الثامنة مب ية على محاضرة بعنوان‪ :‬الهدف من الحياة ‪ -‬قصة إسالم البروفيسور جيفري النج املحاضرة الكاملة‪ .‬بتصرف بديد‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫مفهوم الصبرفي االسالم‬

‫إن ملفهوم الص ي ييبر كجزء من مفاهيم األعماق في عقلية الس ي ييواد األعظم من أبناء األمة االس ي ييالمية مع؟ س ي ييلبيا‪،‬‬
‫يتمثل في خليط من االس ييتس ييالم إلى الواقع الس ييبيء‪ ،‬وال جز‪ ،‬والتواكل‪ ،‬والقدرية الغيبية‪ ،‬والقعود عن التغيير‪،‬‬
‫ولس ي ي ي ييان حال فئات عظيمة من املس ي ي ي ييلمين أنه طاملا أننا ال نمل تغيير الواقع‪ ،‬فليس علينا إال الص ي ي ي ييبر‪ ،‬بمع؟‬
‫االستسالم‪ ،‬وكأن الواقع وتغييرح واقع في دائرة القضاء والقدر‪ ،‬كطول االنسان ولون عي يه‪ ،‬وموعد موته‪.‬‬
‫يقول الحق س ي ي ييبحانه وتعالى في أول خية تناولت موض ي ي ييو الص ي ي ييبر في القرخن نزوال‪﴿ :‬ولرب فاص ي ي ييبر [‪ 7‬املدثر]‪،‬‬
‫وهذح الس ييورة التي بها طلب من النبي عليه الص ييالة والس ييالم أن ينذر بقوله تعالى‪﴿ :‬قم فأنذر ‪ ،‬وال بد ملن ينذر‬
‫ْ ه‬
‫قوميه‪ ،‬م ِّرجيا إيياهم من عبيادة الطياغوت إلى عبيادة هللا الواحيد القهيار أن ي ْؤذى في دعوتيه وال بيد ليه أن يص ي ي ي ييبر‬
‫على حمل الدعوة وما في حملها من بدائد‪.‬‬
‫ه‬
‫ص ي ْبر الح ْبس‪ ،‬وكل من حبس ب يييئا فقد ص يبرح؛ ومنه الحديث‪ :‬نه عن امل ْ‬ ‫قال في لس ييان العرب‪ :‬وأص ييل ال ‪،‬‬
‫ص يبورة‬
‫الروح؛ واملصبورة التي نه عنها؛ هي امل ْحبوسة على امل ْوت‪.‬‬ ‫ونه عن ص ْبر ِّذي ُّ‬
‫ِّ‬
‫قال ابن عابييور في تفسييير سييورة العصيير في التحرير والتنوير‪ :‬وحقيقة الصييبر أنه‪ :‬منع املرء نفسييه من تحصيييل‬
‫ْ‬ ‫ما لش ي ييتهيه أو من محاولة تحص ي يييله ئإن كان ص ي ييعب الحص ي ييول فيترك محاولة تحص ي يييله ْ‬
‫لخو ِّف ض ي يير ي ش ي ييأ عن‬
‫تناوله ك وف غضيب هللا أو عقاب والة األمور أو لرغبة في حصيول نفع منه ئكالصيبر على مشيقة الجهاد وال‬
‫رغبة في الثواب والصبر على األعمال الشاقة رغبة في تحصيل مال أو سمعة أو نحو ذل ‪.‬‬
‫ومن الصبر‪ :‬الصبر على ما يالقيه املسلم إذا أمر باملعروف من امتعاا بعر املأمورين به أو ِّمن أذاهم بالقول‬
‫ِّ‬
‫كمن يقول ومرح‪ :‬هال نظرت في أمر نفس ‪ ،‬أو نحو ذل ‪ .‬انته‬
‫فالص ي ييبر إذن حبس النفس عن الش ي ييهوات‪ ،‬وبذا يلزم املس ي ييلم نفس ي ييه بالبعد عن كل ما حرم هللا‪ ،‬أي إن الص ي ييبر‬
‫يقود املسييلم ليلتزم الحكم الشييريي‪ ،‬بل ليلتزم تحري القيام بما أمر به على أفضييل صييورة باذال أقصييب وسييعه في‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫حسيين القيام باألعمال‪ ،‬ومتحريا أن ينآى بعدا عن كل ما يقرب من املعا ييبي‪ ،‬إذا دعته عيناح للنظر إلى ما حرم‬
‫هللا تييذكر أن هللا قييد أعييانييه عل‪:‬همييا بطبقين فيطبق‪ ،‬ومن نييازعييه لسي ي ي ي ييانييه في قول مييا حرم هللا‪ ،‬يتييذكر أن هللا قييد‬
‫أعانه عليه بطبقين فيطبق‪ ،‬ويص ي ي ي ييبر نفس ي ي ي ييه عن املحرم‪ ،‬وعن أي فعل يقود إلى الحرام‪ ،‬فيكون ملتزما بالحكم‬
‫الشريي‪.‬‬
‫ه‬
‫والصبر أيضا حبس النفس في طاعة الخالق سبحانه‪ ،‬فبعر التكالي تحتاج لجلد لتحمل مشقاتها‪ ،‬كالجهاد‬
‫وال ‪ ،‬والخش ي ييو في الص ي ييالة‪ ،‬وحمل الدعوة االس ي ييالمية بمقتض ي يييات هذا الحمل من قول كلمة الحق عند كل‬
‫ذي س ي ي ي ييلطييان جيائر‪ ،‬فتنيياز املس ي ي ي ييلم نفسي ي ي ي يه كي يركن إلى دعي ِّة العيش ويترك واجيب األمر بياملعروف والنهي عن‬
‫املنكر‪ ،‬وقول كلمة الحق ال ي ع ي ي ييب في هللا لومة الئم‪ ،‬فيحبس نفس ي ي ييه في ركن هللا املتين‪ ،‬متذكرا الحديث الذي‬

‫‪32‬‬
‫رواح الترميذي وغيرح عن ابن عبياس رم ي ي ي ييبي هللا عنهميا قيال‪« :‬كنيت خل رس ي ي ي ييول هللا ﷺ يوميا فقيال ييا غالم إني‬
‫أعلم كلمات احف هللا يحفظ احف هللا تجدح تجاه إذا سيألت فاسيأل هللا ومذا اسيتعنت فاسيتعن باهلل‬
‫واعلم أن األمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بع ييبيء لم ينفعوك إال بع ييبيء قد كتبه هللا ل ولو اجتمعوا على أن‬
‫يضيروك بعيبيء لم يضيروك إال بعيبيء قد كتبه هللا علي رفعت األقالم وجفت ال يح »‪ ،‬قال أبو عيسيب هذا‬
‫حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫ه‬
‫ففي كل األحوال اقترن الصييبر بحبس النفس في علياء عبوديتها هلل‪ ،‬فال تفعل بيييئا نهاها رب العزة عنه‪ ،‬وتفعل‬
‫ما أمرت بأقصي ي ييب طاقة تسي ي ييتطيعها‪ ،‬روى الب اري رمي ي ييبي هللا عنه عن األعرج عن أسي هريرة عن النبي ﷺ قال‬
‫«دعوني ما تركتكم إنما هل من كان قبلكم بسي ييؤالهم واختالفهم على أنبيالهم فإذا نهيتكم عن ي ييبيء فاجت بوح‬
‫ومذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»‪.‬‬
‫‪،‬‬ ‫ْ‬
‫الرس ِّل وال ت ْست ْ ِّجل له ْم كأ ‪،‬نه ْم‬ ‫اصب ْر كما صبر أ ْولوا الع ْزم ِّمن ُّ‬
‫ِّ‬
‫ْ‬
‫ومن أمثلة الصبر التي يتضا ف‪:‬ها هذا املفهوم‪﴿ :‬ف ِّ‬
‫ي ْوم ير ْون ما يوعدون ل ْم ي ْلبثوا إ ‪،‬ال سياع هة ِّمن ‪،‬نهار بال ا فه ْل ي ْهل إ ‪،‬ال ْالق ْوم ْالفاسيقون [‪ 35‬األحقاف]‪﴿ ،‬وا ْ‬
‫صي ِّب ْر‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُّ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪،‬‬
‫ن ْفسي ي ي ي مع ال ِّذين ي ْدعون ر‪،‬بهم ِّبالغد ِّاة والعع ي يِّ ييب ِّي ي ِّريدون وجهه وال تعد عيناك عنهم ت ِّريد ِّزينة الحي ِّاة الدنيا وال‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬
‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ ْ‬
‫ت ِّط ْع م ْن أغفلنا قلبه عن ِّذك ِّرنا و ‪،‬اتبع هواح وكان أ ْمرح فرطا [‪ 28‬الكه ]‪.‬‬
‫ففي حمل الدعوة ي ب ي الص ي ي ي ييبر اقتداء بأولي العزم من الرس ي ي ي ييل‪ ،‬الذين دعوا قومهم ليال ونهارا‪ ،‬س ي ي ي يرا وجهارا‪،‬‬
‫وأوذوا فما النت لهم قناة‪ ،‬حت بلغ بهم الحال في بي ييدة البأسي يياء والض ي يراء التي أصي ييابتهم إلى أن يتضي ييرعوا إلى هللا‬
‫س ييائلين النص يير‪ ،‬ولكن دون أن تفت عض ييدهم ب ييدة‪ ،‬أو تص ييرفهم عن الحق قيد أنملة كل مغريات الدنيا‪ ،‬قال‬
‫ْ ْ‬
‫ضي ‪،‬راء وزل ِّزلوا ح ‪،‬ت‬ ‫تعالى‪﴿ :‬أ ْم حسي ْبت ْم أن ت ْدخل ْوا ْالج ‪،‬نة ومل‪،‬ا ي ْأتكم ‪،‬مثل ‪،‬الذين خل ْو ْا من ق ْبلكم ‪،‬م ‪،‬سي ْتهم ْالب ْأسياء وال ‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ّ قر ا‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫يقول ‪،‬‬
‫يب [‪ 214‬البقرة]‪ ،‬وقد اقترن الص ييبر بالثقة‬ ‫ّ أال ِّإن نص ير ِّ ِّ‬ ‫الرس يول وال ِّذين خمنوا معه مت نص ير ِّ‬
‫‪،‬‬ ‫‪،‬‬ ‫‪، ْ ،‬‬
‫ّ ح مق ف ِّإ ‪،‬ما ن ِّري ‪،‬ن ب ْعر ال ِّذي ن ِّعده ْم أ ْو نتوفي ‪،‬ن ف ِّإل ْينا ي ْرجعون [‪ 77‬غافر]‪،‬‬ ‫ْ‬
‫بوعد هللا‪﴿ :‬فاصي ي ي ي ِّب ْر ِّإن وعد ِّ‬
‫ات‬ ‫ولبلو هذح املرتبة العالية‪ ،‬ي ب ي على حامل الدعوة أن يتزود بالتقوى والص ييبر على الطاعات‪﴿ :‬ر ُّب ال ‪،‬س يماو ِّ‬
‫صي ي يط ِّب ْر‬ ‫صي ي يالة وا ْ‬ ‫صي ي يطب ْر ِّل ِّعباد ِّت ِّه ه ْل ت ْعلم له سي ي يم ِّي ها [‪ 65‬مريم]‪﴿ ،‬و ْأم ْر أ ْهل بال ‪،‬‬ ‫اعب ْدح وا ْ‬ ‫و ْاأل ْرا وما ب ْينهما ف ْ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫ْ ه‬ ‫ْ‬
‫عل ْ‪:‬ها ال نسي ي يأل ِّرزقا نحن نرزق والعا ِّقبة ِّللتقوى [‪ 132‬طه]‪ ،‬كذل من بي ي ييأن املؤمنين الصي ي ييبر في سي ي يياحات‬ ‫ْ‬
‫الجهاد‪ ،‬يدفعون أعداء هللا عن دار االس ي ييالم‪ ،‬ويحملون الدعوة إلى س ي ييبيل هللا في كل حدب وص ي ييوب‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫يم [‪110‬‬ ‫ور ‪،‬ر ِّح ا‬ ‫﴿ث ‪،‬م إ ‪،‬ن ر‪،‬ب ي ِّل ‪،‬ل ي ِّذين ه ياجر ْوا من ب ْع ي ِّد م يا ف ِّتن ْوا ث ‪،‬م ج ياه يد ْوا وص ي ي ي يبر ْوا إ ‪،‬ن ر‪،‬ب ي من ب ْع ي ِّده يا لغف ا‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ ‪،‬‬
‫النحل]‪﴿ ،‬يا أيها ال ِّذين خمنوا اص ي ي ي ي ِّبروا وص ي ي ي ي ِّابروا ور ِّابطوا واتقوا ّ لعلكم تف ِّلحون [‪ 200‬خل عمران]‪﴿ ،‬وملا‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ود ِّح قالوا ر‪،‬بنا أف ِّر عل ْينا ص ي ي ْبرا وث ِِّّب ْت أقدامنا وانص ي ي ْرنا على الق ْو ِّم الكا ِّف ِّرين )‪ (250‬فهزموهم‬ ‫برزوا ِّلجالوت وجن ِّ‬
‫ُّ ‪ْ ِّ ُّ ،‬‬ ‫ْ ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ ِّ‬
‫ا امل ْؤ ِّم ِّنين‬ ‫‪،‬‬
‫ّ [‪ 251‬البقرة]‪﴿ .‬يا أيها الن ِّبي حسي ي ي يب ّ وم ِّن اتبع ِّمن املؤ ِّم ِّنين )‪ (64‬يا أيها الن ِّبي ح ِّر ِّ‬
‫ُّ ‪ْ ُّ ،‬‬
‫ِّب ِّإذ ِّن ِّ‬
‫ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫ا ْ ْ ْ ه‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫على ال ِّقت ِّال ِّإن يكن ِِّّمنك ْم ِّعشيرون صي ِّابرون لغ ِّلبوا ِّمئت ْي ِّن و ِّمن يكن ِِّّمنكم ِِّّمئة لغ ِّلبوا ألفا ِِّّمن ال ِّذين كفروا ِّبأ ‪،‬نه ْم‬

‫‪33‬‬
‫ا ْ ْ‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ِّ‬ ‫‪،‬‬
‫ق ْو ام ال ي ْفقهون )‪ (65‬اون خ ‪،‬ف ّ عنك ْم وع ِّلم أ ‪،‬ن ِّفيك ْم ض ي ي ْعفا ف ِّإن يكن ِِّّمنكم ِِّّمئة ص ي ي ِّابرة لغ ِّلبوا ِّمئت ْي ِّن و ِّمن‬
‫ّ و ِّّ مع ‪،‬‬ ‫ْ ا ْ ْ ْ ْ ْ ِّ‬
‫الص ِّاب ِّرين [‪ 66‬األنفال]‪،‬‬ ‫يكن ِِّّمنك ْم أل لغ ِّلبوا ألفي ِّن ِّب ِّإذ ِّن ِّ‬
‫والص ي ي ييبر أخيرا يتمثل في بلو املرء بإيمانه قمة عالية‪ ،‬برض ي ي يياح بقض ي ي يياء هللا‪ ،‬وعلمه أن فقد عزيز لع؟ي أن الحق‬
‫س ييبحانه أعطى وهو من أخذ‪ ،‬فيحبس نفس ييه عن أن تجز لقض يياء هللا‪ ،‬ويس ييلم أمرح ملدبر الكون‪ ،‬مدركا أن هللا‬
‫يق ييبي في كل أمر بحكمة‪ ،‬فال يقابل علمه أن أمرا ما تم بحكمة هللا بجز ‪ ،‬ويعلم أن هللا يبتلي املس ييلم في حياته‬
‫بأمراا وباليا وخطوب‪ ،‬فيحبس نفس ي ييه في ثوب الش ي ييكر متذكرا أن هللا جعل الدنيا دار مفر واوخرة دار مقر‪،‬‬
‫وأن هللا يجزي على الصبر أعظم الثواب‪.‬‬
‫اب [‪ 44‬ص]‪﴿ ،‬ولن ْبلو ‪،‬نك ْم ِّبعييب ْيء‬ ‫ضيرب ِّب ِّه وال ت ْحن ْث إ ‪،‬نا وج ْدناح صياب هرا ِّن ْعم ْالع ْبد إ ‪،‬نه أ ‪،‬و ا‬ ‫ْ ه ْ‬ ‫ْ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫﴿وخذ ِّبي ِّدك ِّضيغثا فا ِّ ِّ‬
‫ا‬ ‫‪،‬‬
‫صي ي ِّاب ِّرين )‪ (155‬ال ِّذين ِّإذا أصي ياب ْتهم ُّم ِّصي ييبة‬ ‫ات وس ِّ ِّشي ير ال ‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ر‬‫م‬
‫‪،‬‬
‫الث‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫األنف‬ ‫و‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫م‬‫األ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫وف و ْالجو ون ْقص ِّ‬‫ِّ ْ ْ‬
‫ِّمن الخ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َّلل و ِّمنيا ِّإل ْي ِّه ر ِّاجعون [‪ 156‬البقرة]‪.‬‬ ‫‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ْ ‪،‬‬
‫قالوا ِّإنا ِّ ِّ‬
‫وهكييذا فييالص ي ي ي ييبر كمفهوم متعلق بيياألعمييال يتمثييل في حمييل النفس على القيييام بييالطيياعييات بييأقص ي ي ي ييب مييا تطيق‪،‬‬
‫وبحبس النفس عن املعييا ي ي ي ييبي بييأبعييد مييا تس ي ي ي ييتطيع البعييد‪ ،‬فيكون الص ي ي ي ييبر بييذا حمييل النفس على التزام الحكم‬
‫ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫ّ باق ولن ْج ِّزي ‪،‬ن ال ِّذين ص يبروا أ ْجرهم ِّبأ ْحسي ِّن ما‬ ‫الشييريي بأحسيين ما يكون االلتزام‪﴿ .‬ما ِّعندك ْم ينفد وما ِّعند ِّ‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ْ‬
‫كانوا ل ْعملون )‪ (96‬م ْن ع ِّمل ص ِّالحا ِِّّمن ذكر أ ْو أنُ وهو م ْؤ ِّم ان فلن ْح ِّيي ‪،‬نه حياة ط ِِّّيبة ولن ْج ِّزي ‪،‬نه ْم أ ْجرهم ِّبأ ْحس ِّن‬
‫ْ‬
‫ما كانوا ل ْعملون [‪ 97‬النحل]‪،‬‬
‫وأما الصييبر كمفهوم متعلق باالعتقاد‪ ،‬فيكون بتسييليم مقاليد تصييري األمور في الكون إلى الخالق‪ ،‬فيما يقع في‬
‫دائرة القض ي يياء والقدر‪ ،‬فال تغير ص ي ييروف الدهر من حس ي يين ص ي ييلة املس ي ييلم بربه‪ ،‬فال يجز ‪ ،‬وال تغيرح االبتالءات‬
‫واملحن‪ ،‬بل تشي ييحذ نفسي ييه بعزيمة ليم ي ييبي في الدنيا عاملا أن ما أصي ييابه لم يكن لي طئه‪ ،‬فيبقى املسي ييلم بصي ييبرح‬
‫بي ي ي ي ي ييام يية بين الخالئق ير ى دوم ييا في مع ييالي العال‪﴿ .‬ولن ْبلو ‪،‬نك ْم ح ‪،‬ت ن ْعلم ْاملجي ياهي ي ِّدين منك ْم وال ‪،‬‬
‫صي ي ي ي ي ي ِّاب ِّرين ون ْبلو‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ص ي يب ْر على ما أص ي ياب إ ‪،‬ن ذل منْ‬ ‫ص ي يالة و ْأم ْر ب ْامل ْعروف و ْانه عن ْاملنكر وا ْ‬ ‫أ ْخبارك ْم [‪ 31‬محمد]‪﴿ .‬يا ب؟ ‪،‬ي أ ِّقم ال ‪،‬‬
‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ ْ‬
‫ور [‪ 17‬لقمان]‪ .‬والحمد هلل رب العاملين‬ ‫ِّ‬ ‫م‬‫األ‬ ‫عز ِّم‬

‫‪34‬‬
‫التوكل على هللا‪ ،‬من أعظم مفاهيم االعتقاد‪:‬‬

‫من الخط ححأ خله مفهوم الس ح ح ح ححببي ححة بمفهوم التوك ححل‪ ،‬فل ححل دوره‪ ،‬ومفهوم التوك ححل من أعظم مف ححاهيم‬
‫َ‬
‫العقيدة وأخطرها‪ ،‬وله أثرمباشر على العمل‪ ،‬فهو ليس مدرد مفهوم غيبي ُينحى عن الو اقع!!‬
‫قال اإلمام تقي الدين النفهاني‪" :‬وأما التوكل على هللا‪ ،‬فإن املس ي ي ييلمين األوائل قد فهموح حق الفهم‪ ،‬وتوكلوا‬
‫على هللا حق التوكل‪ ،‬ولذل قاموا بعظائم األمور‪ ،‬واقتحموا أب ي ي ييد الص ي ي ييعاب‪ ،‬ب الف املس ي ي ييلمين املتأخرين‪...،‬‬
‫فكان من نتيجة ذل أن انحطت الهمم‪ ،‬وضعفت العزائم‪ ،‬وضاق األفق في النظرة إلى الحياة‪ ،‬فصاروا يحسون‬
‫ب ييال جز‪ ،‬ويعتق ييدون أن ق ييدرتهم مح ييدودة‪ ،‬وأنهم ال لس ي ي ي ييتطيعون إال م ييا اس ي ي ي ييتط يياعوا تحقيق ييه‪ ،‬وله ييذا لن يرجع‬
‫املس ي ي ي ييلمون إلى اقتعياد ذرى املجيد‪ ،‬واالنيدفيا في الحيياة لتحقيق املعيالي‪ ،‬إال إذا فهم التوكيل على هللا حق الفهم‪،‬‬
‫وتوكلوا على هللا حق توكله‪ ،‬فإن عظائم األمور ال يمكن أن يحققها الرجال إذا حدوا قدرتهم بقواهم اإلنسانية‬
‫وححدهحا‪ ،‬فيإن هيذح القوى اإلنس ي ي ي ييانيية إذا نظر إل‪:‬هيا وحيدهيا‪ ،‬وعميل بمقيدار نظرتيه هيذح قص ي ي ي ييرت بياعيه‪ ،‬حت عن‬
‫تحقيق األمور الع ييادي يية‪ ،‬فض ي ي ي ييال عن األمور غير الع ييادي يية‪ ،‬ولكن إذا خمن الرج ييال أن هن يياك قوى وراء اإلنس ي ي ي ي ييان‬
‫تسي ي ي يياعدح على تحقيق طلباته‪ ،‬فإنه وال بي ي ي ي يندفع إلى ما هو أكبر من قوته‪ ،‬معتمدا على تل القوى‪ ...‬فكي‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫باملس ييلم وهو يؤمن بال عن دليل قاطع‪ ،‬ويص ييدق بوجود هللا تص ييديقا جازما مطابقا للواقع عن دليل‪ ،‬فإنه وال‬
‫ب ي يحقق بتوكله على هللا أض ييعاف أض ييعاف ما يحققه غير املس ييلمين‪ ،‬ومن هنا كان التوكل على هللا من أعظم‬
‫مقوميات األمية اإلس ي ي ي ييالميية ومن أهم أفكيار اإلس ي ي ي ييالم‪ ...‬وطليب التوكيل على هللا في هيذح األدلية كلهيا لم ييأت مقرونيا‬
‫بش ي ي ي يير ‪ ،‬وال مش ي ي ي ييروطييا فيييه عمييل من األعمييال‪ ،‬بييل جيياءت األدليية مطلقيية في طلييب التوكييل‪ ،‬فيكون الواجييب هو‬
‫التوكل على هللا بشكل مطلق‪ ،‬في كل أمرمن األمور‪ ،‬وفي كل عمل من األعمال‪ ،‬يجب أن نتوكل على هللا‪.‬‬
‫ه‬
‫وبذل يكون التوكل على هللا فرض ييا بغض النظر عن األس ححباب واملس ححببات‪ ،‬وهي ليس ححت قيدا له‪ ،‬وال بيانا‬
‫لحكمحه‪ ،‬ألن أدلتيه جياءت مطلقية غير مقييدة‪ ،‬ولم تقييد وال بنص من النص ي ي ي ييوص‪ ،‬وألن أدلتيه ليس ي ي ي ييت مجملية‪،‬‬
‫حت تحتاج إلى بيان‪ ،‬ومسألة األخذ باألسباب واملسببات‪ ،‬مسألة أخرى غيرمسألة التوكل‪ ،‬فهي مسألة ثانية‬
‫ه‬
‫غير التوكل‪ ،‬وأدلتها غير أدلة التوكل‪ ،‬فال يص ح ححش أن تحش ح ححرمعه‪ ،‬أو تجعل قيدا له‪ .‬فكما يدب على املس ح ححلمين‬
‫أن يأخذوا باألسح ح ححباب واملسح ح ححببات‪ ،‬كما ثبت ذلك باألدلة الشح ح ححرعية‪ ،‬كذلك يدب عل هم أن يتوكلوا على هللا‬
‫تعالى‪ ،‬كما ثبت ذل باألدلة الشرعية‪ ،‬وليس أحدهما بقيد لآلخر‪ ،‬وال برطا من بروطه‪.18".‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يربه القرآن األسح ح ححباب باملسح ح ححببات ربطا ماديا حين يحتاال ذلك‪ ،‬وأحيانا ال يربه األسح ح ححباب باملسح ح ححببات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ربطا ماديا تظهر فيه كي تؤثر القوة أو الطاقة القادرة على التأثير في ال ي ييمس ِّب ِّب إلحداث التغيير في حالته‪ ،‬بل‬
‫‪،‬‬
‫قد ال تجد عالقة س ي ي ي ييببية مباب ي ي ي ييرة البتة بين طرفي املعادلة الس ي ي ي ييببية‪ ،‬قال هللا تعالى‪﴿ :‬وم ْن ي ‪،‬ت ِّق ّ ي ْجع ْل له‬

‫‪ 18‬ئ"إزالة األتربة عن الجذور" ربط األفكار واألحكام بالعقيدة اإلسالمية‪ ،‬لحزب التحرير‬
‫‪35‬‬
‫‪،‬‬ ‫‪،‬‬
‫ّ فهو ح ْس ي ي ي يبيه ِّإ ‪،‬ن ّ بي ِّالغ أ ْم ِّر ِّح قي ْد جعيل ّ ِّلكي ِّ ِّل‬
‫‪،‬‬ ‫ْ ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ ه‬
‫م رجيا ۝ وي ْرزقيه ِّمن ح ْييث ال يحت ِّسي ي ي ي يب ومن يتوكي ْل على ِّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ي ييب ْيء ق ْد هرا [الطالق‪ ،]3-2 :‬وقال تعالى على لسي ييان رسي ييوله نوح عليه السي ييالم‪﴿ :‬فقلت ا ْس ي يتغ ِّفروا ر‪،‬بك ْم ِّإ ‪،‬نه كان‬
‫السماء عل ْيك ْم ِّم ْدر هارا ۝ وي ْم ِّد ْدك ْم ِّبأ ْموال وب ِّنين وي ْجع ْل لك ْم ج ‪،‬نات وي ْجع ْل لك ْم أ ْنه هارا [نوح‪:‬‬ ‫غ ‪،‬ف هارا ۝ ي ْر ِّس ْل ‪،‬‬
‫‪.]12-10‬‬
‫ه‬
‫اويات املذكورة أعالح من سي ييورة الطالق وسي ييورة نوح تفيد أن كثيرا من النتائج ت تج من أسي ييباب ال لسي ييتطيع‬
‫اإلنس ي ييان رؤية الرابط ف‪:‬ها بين الس ي ييبب والنتيجة‪ .‬فهي ليس ي ييت من نو األس ي ييباب املادية التي ت تج عادة مثل هذح‬
‫النتيائج املياديية‪ .‬فيالرابط بين هيذح األس ي ي ي يبياب ونتيائجهيا رابط غيبي‪ ،‬أعلمنيا هللا بيه‪ .‬وليذلي فيإن اليذي ال يؤمن بياهلل‬
‫ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫وتفرج‬ ‫وخياته ال يؤمن بهذا النو من األس ي ييباب لهذح النتائج‪ .‬إذ كي يتص ي ييور امللحد أن تقوى هللا تحل املش ي يياكل ِّ‬
‫الكروب وتجلب الرزق؟! وكي يص ي ِّيدق امللحد أن االس ييتغفار يني ي ي ي ي ييزل املطر‪ ،‬ويأتي باألموال واألوالد والبس يياتين؟‬
‫وهو ال يرى عالقة مادية بين االستغفار وبين هذح األبياء‪.‬‬
‫يقينا ْ‬‫ه‬
‫أن ال حركة وال سي ييكون‬ ‫أما املؤمن الذي يوقن أن هللا هو خالق كل ي ييبيء ومسي ي ِّيير كل ي ييبيء‪ ،‬فإنه لعلم‬
‫إال بأمر هللا‪ ،‬ويعلم أن هللا حين لعطي ال يحتاج إلى أس ييباب مادية‪ .‬والطفل الص ييغير حين يص ييرا تس يير إليه أمه‬
‫لترى ميا حياجتيه‪ .‬فيالص ي ي ي ييرخية من حييث هي ال تنقيذ الطفيل‪ ،‬بيل عط أميه هو اليذي لس ي ي ي يياعيدح‪ .‬وليذلي فيالطفيل‬
‫يتكل على عط أمه ومساعدتها‪ .‬واإلنسان املؤمن العاقل يتكل على رحمة ربه وعونه وتوفيقه‪.‬‬
‫ْ ْ َ َْ‬ ‫ُُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ُ ْ ْ َْ َ َ ُ ً َ ُ‬
‫ض ذل حوال ف ح ح ْامش ح ح ح ح حوا ِّف حي َم حن ح حا ِّك ح ِّ ح َه ح حا َوك حل حوا ِّم حن ِّرز ِّق ح ح ِّه و ِّإل حي ح ح ِّه‬ ‫وق ي ييال ت يع ي ييال ييى‪ُ ﴿ :‬ه ح َو ال ح ح ِّذي ج حع ح حل ل حك حم األر‬
‫ور [املل ‪ .]15:‬وقال تعالى‪َ ﴿ :‬و َأع ُّدوا َل ُه ْم َما ا ْس ح ح َت َط ْع ُت ْم م ْن ُقوة َوم ْن َب ْ َ ْ ُ ُ َ َ ُ‬ ‫ُّ‬
‫الن ُش ح ح ُ‬
‫اط الخي ِّل ت ْر ِّهبون ِّب ِّه عدو ِّ‬
‫َّللا‬ ‫ِّ ِّر ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫آخر َ‬ ‫َ َُ ُ ْ َ َ‬
‫ين ِّم ْن ُد ِّون ِّه ْم [األنفال‪.]60:‬‬ ‫وعدوكم و ِّ‬
‫واويتييان املييذكورتييان أعالح من س ي ي ي ييورة امللي وس ي ي ي ييورة األنفييال تفيييدان أن اإلنسي ي ي ي ييان مييأمور من هللا أن يربط‬
‫ه‬
‫النتيائج املياديية بيأس ي ي ي يبيابهيا املياديية أيضي ي ي ي ييا‪ ،‬وليس أن يكتفي بربط النتيائج بيأس ي ي ي يبيابهيا الغيبيية فقط‪ .‬فياويية تقول‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ُُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫﴿ف ْامش ح حوا ِّفي َمن ِّاك ِّ َها َوكلوا ِّم ْن ِّرز ِّق ِّه فاملؤمن رغم معرفته أن هللا هو مق ِّس ي يم األرزاق‪ ،‬يرى أن مق ِّس ي يم األرزاق‬
‫يأمرح أن لسي ى لكسيب الرزق‪ ،‬وأن التوكل على هللا ليس معناح إهمال األسيباب املادية‪ ،‬وقد ورد في الحديث عن‬
‫ً‬
‫رس ي ي ي ييول هللا ﷺ‪« :‬لو أنكم تتوكلون على هللا حق توكلح ححه لرزقكم كمح ححا يرزق الطير‪ ،‬تغح ححدو ِّخمح ححاصح ح ح ح ح ححا وتروح‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ً‬
‫بطانا» [رواح أحمد والترمذي وال سا ي وابن ماجة] فأثبت له رواحا وغد ِّوا لطلب الرزق‪ ،‬وفي حين أن الرزق بيد‬
‫هللا‪ ،‬وأن الس ي حالة من الحاالت التي يتنزل ف‪:‬ها الرزق‪ ،‬إال أن األخذ بأسباب الس ي يندرج تحت السببية التي‬
‫أقام هللا الوجود عل‪:‬ها‪ ،‬فالتاجر مثال يحسي يين عرا بضي يياعته‪ ،‬ويقوم بالدعاية املطلوبة لها‪ ،‬ويحسي يين تسي ييعيرها‬
‫وما إلى ذل من أسباب الزمة لتحقق إحسان الس ي للوقو في مظنة الرزق‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫واوية األخرى تقول‪َ ﴿ :‬وأ ِّع ُّدوا ل ُه ْم َما ا ْسحتط ْعت ْم ِّم ْن قوة واملسيلم لعرف أن النصير من هللا‪ .‬ومع ذل فإن‬
‫قوة‪ .‬ولم ي ْقبل هللا من املس ي ييلمين أن‬ ‫تكفل للمؤمنين بالنص ي يير أمرهم أن لع ِّدوا كل ما لس ي ييتطيعون من ِّ‬
‫ِّ‬
‫هللا الذي ِّ‬

‫‪36‬‬
‫يجهز الجيش‪ ،‬وكان يأمر بالتدريب‬ ‫يكتفوا بالتقوى والتوكل على هللا ويهملوا األسيباب املادية‪ .‬فكان الرسيول ﷺ ِّ‬
‫كالرماية والس ي ي ي ييباحة وركوب الخيل‪ .‬وكان يناور في الحرب‪ ،‬ويس ي ي ي ييمح بالكذب على العدو‪ ،‬ويحرا املؤمنين على‬
‫القتال‪ ،‬ويحفر الخندق‪ ،‬ويأمر من يتجسس على العدو‪ ،‬ويعقد الصلا مع عدو ليتفر لعدو كما فعل في صلا‬
‫الحديبية مع قريش ليستفرد ب يبر‪.‬‬
‫ولذل فاألس ي ي ييباب في نظر املس ي ي ييلم نوعان‪ :‬األول هو تقوى هللا‪ .‬والثاني هو األس ي ي ييباب املادية التي من ب ي ي ييأنها‬
‫عادة أن ت تج النتيجة املطلوبة‪ .‬وال يجوز للمسلم أن يكتفي بأحد هذين السببين مت كان لستطيعهما‪.19‬‬
‫وصي ي ي ييحابة رسي ي ي ييول هللا ﷺ حين خالفوا عن طاعة الرسي ي ي ييول ﷺ في غزوة أحد‪ ،‬ارتفعت عنهم سي ي ي يينة النصي ي ي يير‬
‫اإللهية لت لفهم عن بعر أهم أس ييبابها‪ ،‬وخض ييعوا للس يينة اإلنس ييانية الثابتة في انتص ييار القوي على الض ييعي ‪،‬‬
‫انتصييار من لعد العدة أفضييل‪ ،‬سييواء العدة الحربية من عتاد وجند وسييالح‪ ،‬أو الخطة والحنكة‪ ،‬فكانت الغلبة‬
‫ْ ْ‬ ‫لعدوهم! قال تعالى يص ي ذل املوق ‪﴿ :‬إ ْن ي ْمس ي ْس يك ْم ق ْر اح فق ْد م ‪،‬‬
‫س الق ْوم ق ْر اح ِّمثله و ِّتل األ ‪،‬يام ند ِّاولها ب ْين‬ ‫ِّ‬
‫اس خل عمران‪ ،140/‬فسيماهم بالناس‪ ،‬وعد ما حصيل لهم في غمار ما يحصيل للناس في مثل تل املواق !‬ ‫‪،‬‬
‫الن ِّ‬
‫اس ف ضعوا بذل للسنن التي ي ضع لها سائر الناس‪ ،‬لعدم استحقاقهم‬ ‫الن‬‫وقال‪﴿ :‬وت ْل األ ‪،‬يام نداولها ب ْين ‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫حصولهم على السنة اإللهية في قل عدم طاعتهم للرسول ﷺ‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬فقد أمر الشي ييار اإلنسي ييان باألخذ باألسي ييباب املؤدية لتحقيق النتائج‪ ،‬ولكن اإلنسي ييان اوخذ باألسي ييباب‬
‫ِّ‬
‫ي فق أحييانيا في بلو غيايياتيه‪ ،‬فجلى اإلس ي ي ي ييالم لينسي ي ي ي ييان مفهوم التوكيل على هللا تعيالى‪ ،‬وهو إطيار عقيدي جيامع‬
‫مانع‪ ،‬يتجاوز معض ييلة ض ييع اإلمكانيات الالزمة لتحقيق املراد‪ ،‬لوجود العوائق‪ ،‬أو لتجاوز معض ييلة أن الس يينن‬
‫املجتمعيية تق ي ي ي ييبي بيانتص ي ي ي ييار القوي على الض ي ي ي ييعي ‪ ،‬فيربط عمليه بياالتكيال على هللا لييدبر ليه من ب ي ي ي ييأنيه ميا ال‬
‫قدرها بمعطياته اإلنس ييانية البش ييرية القاص ييرة‪ ،‬بأن لعلم أن هللا تعالى عون له ونص ييير‪،‬‬ ‫لس ييتطيعه بأس ييبابه التي ِّ‬
‫وأن هللا العلي القوي القدير وراءح‪ ،‬لس ي ييندح ويس ي يياعدح على تحقيق معالي األمور‪ ،‬فيندفع بعزيمة ترفعه القتعاد‬
‫ه‬
‫ذروة ال سيير بين األمم مو ِّقنا أن قوته البشييرية املحدودة مسيينودة بقوة غير محدودة‪ ،‬وأن خططه وغاياته أوسييع‬
‫من أن تحد باالقتصي ي ييار على اإلنجازات العادية القاصي ي ييرة‪ ،‬معتمدا على قوة هللا وعلى أنه لسي ي ييير جنديا لتحقيق‬
‫الغايات العظيمة التي ألجلها خلق هللا الخلق وأرسل الرسل!‬

‫‪ 19‬مقال في مجلة الويي العدد ‪- 128‬السيينة الحادية عشييرة – رمضييان ‪ – 1418‬كانون الثاني ‪1998‬م بين التوكل على هللا وربط األسييباب باملسي ِِّّيببات‪،‬‬
‫بتصرف‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫نماذال أعمال خارقة قام بها املؤمنون نتيدة التوكل على هللا‪:‬‬

‫فيفوا أمرح كله هلل‪ ،‬بل يدفعه هذا التوكل للقيام بعظائم األمور‪ ،‬واقتحام أب ييد الص ييعاب‪ ،‬واقتعاد ذروة‬
‫املجد‪ ،‬واالندفا في الحياة لتحقيق املعالي األمر الذي جعل اإلسالم ينتشر من أقصب الشرق ألقصب األرا في‬
‫أقل من مائة س ي ي يينة‪ ،‬فتجاوزت إنجازاتهم ما لس ي ي ييتطيعه البش ي ي يير بقواهم الذاتية‪ ،‬فحفروا خندقا ب ي ي ييمال املدينة‬
‫املنورة‪ ،‬ليربط بين طرفي حرة واقم وحرة الوبرة‪ ،‬وهي املنطق يية الوحي ييدة املكش ي ي ي ييوف يية أم ييام الغزاة‪ ،‬وك ييان طول ييه‬
‫ه‬
‫خمسيية خالف ذرا ئأي حوالي ‪ 2.5‬كيلومترا ‪ ،‬وحددته بعر املصييادر ب ئ‪ 2725‬مترا‪ ،‬وعرضييه تسييعة أذر ‪ ،‬ئأي‬
‫حوالي ‪ 4.5‬مترا ‪ ،‬وعمقه من س ي ييبعة أذر إلى عش ي ييرة‪ .‬ئأي ما بين ‪ 3.5‬إلى ‪ 5‬أمتار ‪ ،‬وجاء في كتاب‪ :‬أطلس الس ي يييرة‬
‫ه‬
‫النبوية للدكتور ب ي ييو ي أبو خليل‪ :‬أن طول الخندق كان خمس ي يية خالف وخمس ي ييمائة وأرسعة وأرسعين مترا ئ‪5544‬‬
‫ومتوس ييط عرض ييه أرسعة أمتار فاص ييلة اثنين وس ييتين ئ‪ 4.62‬ومتوس ييط عمقه ثالثة أمتار فاص ييلة ثالثة وعش ييرين‬
‫ئ‪. 3.23‬‬
‫وهيذح األبعياد تيدل على أن حجم األرا التي تم حفرهيا يبلغ حوالي ‪ 83‬أل متر مكعيب‪ ،‬وفي أرا ص ي ي ي ييخريية‬
‫تحتاج والت خاص يية‪ ،‬إال أن هذا الخندق الض ييخم بكل املعايير تم حفرح في أس ييبوعين‪ ،‬بأدوات بدائية بس يييطة‪،‬‬
‫متضييمنا أعمال الحفر وأعمال نقل التراب املحفور من الحفرة إلى أماكن بعيدة‪ ،‬وكان عدد املسييلمين في املدينة‬
‫‪ ،3000‬منهم املرير والشي ي يييخ املسي ي يين‪ ،‬والعامل في الخدمة اللوجسي ي ييتية للمشي ي ييرو ‪ ،‬والقائم بالحفر فعال‪ ،‬وكان‬
‫ه‬
‫على كل عش ي ييرة من املس ي ييلمين حفر أرسعين ذراعا‪ ،‬وعلى كل واحد حفر أرسعة أذر ‪ ،‬فتح الباري ئ‪ ، 397/3‬وكانت‬
‫الس ي ي ي يمية العيامية للمش ي ي ي ييتغلين بيالحفر أن عض ي ي ي ييهم الجو والبرد القيارس‪ ،‬فقيد كيان الجو ب ه‬
‫ياردا‪ ،‬والريح ب ي ي ي ييدييدة‬
‫والحيالية املعيش ي ي ي ييية ص ي ي ي ييعبية‪ ،‬بياإلض ي ي ي ييافية إلى الخوف من قيدوم العيدو اليذي يتوقعونيه في كيل لحظية‪ ،‬األمر اليذي‬
‫ه‬
‫يجعل العمل خارقا يتجاوز أي إنجاز بشييري بالقوى البشييرية الذاتية‪ .‬قال أبو طلحة‪« :‬بييكونا إلى رسييول هللا ﷺ‬
‫الجو فرفعنا عن بطوننا عن حجر حجر‪ ،‬فرفع رسول هللا ﷺ عن حجرين»‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫هزيمة امبراطورية الفرس واإلمبراطورية البيزنطية الشرقية في غضون سنوات‪:‬‬

‫وفي نحو عش ييرين س يينة من تل الواقعة أنه املس ييلمون كيان االمبراطورية الفارس ييية‪ ،‬وأقص ييوا اإلمبراطورية‬
‫الرومية عن الشي ي ييرق وهزموها هزائم منكرة‪ ،‬وفي نحو سي ي ييبعين سي ي يينة من تطبيق اإلسي ي ييالم‪ :‬ممي الفقر من الدنيا‬
‫أيام عمر بن عبد العزيز!‬
‫إن النيياس الييذين دخلوا مع املس ي ي ي ييلمين في الص ي ي ي يرا الييدموي على مر العص ي ي ي ييور‪ ،‬لم يكونوا يييدركون مييدى مييا‬
‫للعقييدة اإلس ي ي ي ييالميية‪ ،‬أي للفكر‪ ،‬من قوة وتيأثير في القوة املياديية‪ ،‬وليذلي كيانوا لعتميدون على زييادة قوتهم املياديية‬
‫على قوة املس ي ييلمين ل‪:‬هزموا املس ي ييلمين‪ ،‬ولكنهم بالرغم من هذح الزيادة في القوة كان املس ي ييلمون ي تص ي ييرون عل‪:‬هم‬
‫رغم ض ي ي ييع املس ي ي ييلمين وقلة عددهم‪ ،‬ولم تنفع زيادة القوة املادية أص ي ي ييحابها في ميادين الحرب‪ ،‬وق ‪،‬ل النص ي ي يير‬
‫ه‬
‫حليفا للمسي ي ييلمين‪ .‬هكذا كان حال املشي ي ييركين مع رسي ي ييول هللا ﷺ وأصي ي ييحابه‪ ،‬وهكذا كان حال الروم والفرس مع‬
‫ال ي ي ي يحيابية‪ ،‬يق ثالثية خالف من املس ي ي ي يلمين أميام عش ي ي ي يرات اوالف من الروم في مؤتية‪ ،‬وفي اليرموك كيان تعيداد‬
‫املس ي ي ي ييلمين ‪ 36‬ألفييا مقييابييل ‪ 70‬ألفييا من الروم‪ ،‬بييأس ي ي ي ييلحتهم ودروعهم وعتييادهم الحرسي الييذي فيياق كثيرا مييا لييدى‬
‫املس ي ي ي ييلمين‪ ،‬وخبراتهم القتالية الدولية‪ ،‬وكان تعداد جيش الفتح الذي اجتاح فارس ‪ 18‬ألفا من املس ي ي ي ييلمين‪ ،‬لم‬
‫تص ييمد أمامهم راية‪ ،‬وانهارت مدائن الفرس واحدة تلو األخرى‪ ،‬وفي القادس ييية كان املس ييلمون ‪ 30‬ألفا‪ ،‬والفرس‬
‫ه ه‬
‫قضاء تاما‪.‬‬ ‫حوالي ‪ 70‬ألفا‪ ،‬وانتصر املسلمون‪ ،‬وقضوا على اإلمبراطورية الفارسية ما بين ‪ 11‬ه‪ ،‬و‪23‬ه‬
‫هذح القض ي ي ييايا تقع في دائرة الس ي ي يينن اإللهية‪ ،‬وهي ت تل عن الس ي ي يينن املجتمعية‪ ،‬إذ األخيرة ال تحاسي أحدا‪،‬‬
‫فاألقوى في املعركة سي ييي تصي يير سي ييواء قوة العسي ييكر أو الخطة أو اوالت‪ ،‬سي ييي تصي يير حتما‪ ،‬ولكن السي يينن اإللهية‬
‫التي أمرت باإلعداد قدر االس ييتطاعة‪ ،‬وعلم هللا أن س ييتكون قروف ال لس ييتطيع ف‪:‬ها املؤمنون اإلعداد فوق قدرة‬
‫أعدالهم‪ ،‬فال يملكون األسي ييلحة النووية والصي ييواريخ‪ ،‬فكان من رحمته أن جعل س ي ي نا إلهية تل ي مفعول السي يينن‬
‫املجتمعي يية وتحقق االنتص ي ي ي ي ييار للمؤمنين‪ ،‬فب ييالط يياع يية‪ ،‬والص ي ي ي ييبر‪ ،‬واليقين ب ييالنص ي ي ي يير من هللا مع اإلع ييداد ق ييدر‬
‫االستطاعة والتوكل على هللا يحصل النصر مهما كانت قوة الكفار‪.‬‬
‫هذح القضيايا تبين صيحة عقيدة التوكل على هللا‪ ،‬وأنها فوق األسحباب‪ ،‬وأنها تحقق لألمة انتصيارات تجعلها‬
‫سي يييدة األمم في أقل وقت إن هي اعتصي ييمت بأمر ربها‪ ،‬ولم تسي ييتنصي يير إال به‪ ،‬ولم تتوكل إال عليه‪ ،‬ومن هي أقامت‬
‫دولتها وحكمت بريعة ربها‪ ،‬وأخلصت هلل نياتها‪ .‬وليس مع؟ أنها فوق األسباب أنها ال تجري وفقا لسنن الوجود‪،‬‬
‫وأنهيا م جزات‪ ،‬ولكن هللا تعيالى لس ي ي ي ييخر لهيا من العواميل ميا يحققهيا ومن كيانيت س ي ي ي يينن العيادة ال تيدل على تحقق‬
‫نظائرها‪ ،‬أو لس ييخر هللا من أس ييباب الوجود ما ليس بإمكان أحد غيرح تس ييخيرح‪ ،‬كتس ييخير الريح الش ييديدة نص ييرة‬
‫للمؤمنين في الخن ييدق‪ ،‬ومم ييدادهم ب يياملالئك يية في ب ييدر‪ ،‬أو تعمي يية عيونهم فال تبص ي ي ي ييرهم كم ييا في الغ ييار‪ ،‬فال أح ييد‬
‫ه‬
‫لستطيع أن يضع في الخطة السببية تسخير الريح مثال‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫درس من غزوة تبو ‪:‬‬

‫والحص ييان يحتاج يوميا ألرسعين ليتر من املاء عالوة على الزاد‪ ،‬ومن ال جيب أن نرى أن املس ييلمين س يياروا من‬
‫ه‬
‫املدينة إلى تبوك في أب ي ي ي ييد ما يكون الص ي ي ي ييي حرا‪ ،‬اس ي ي ي ييتغرقت الغزوة على أقل تقدير خمس ي ي ي ييين يوما‪ ،‬إذ تتراوح‬
‫املسي ي ي ي ييافية من امليدينية الى تبوك بين ‪ 580‬كم الى ‪ 600‬كم ومن املعتياد أن تقطع القوافيل في مثيل هيذح الحيالية من‬
‫ه‬
‫‪ 50-40‬كم كل يوم‪ .‬لهذا من املحتمل أن تقطعها القافلة في ‪ 12‬يوم ئمرحلة إذا كان السي ييير متواصي ييال‪ ،‬لكن من‬
‫ع ييادة القواف ييل الراح يية ليوم أو يومين بع ييد كييل ‪ 5-3‬مراح ييل‪ ،‬ونعتق ييد أنهم أق يياموا فترة يوم أو يومين في كييل من‪:‬‬
‫مرحلة "ذو خش ي ي ي ييب"‪ ،‬وادي القرى‪ ،‬وفي الجو قرب قا الال‪ ،‬إض ي ي ي ييافة إلى الفترة التي لب ها ﷺ في املنطقة يرس ي ي ي ييل‬
‫السرايا ويحمل الدعوة‪.‬‬
‫جاء في املواهب اللدنية للقس ييطالني متحدثا عن غزوة تبوك‪ :‬وكان معه عليه الص ييالة والس ييالم ثالثون ه‬
‫ألفا‪:‬‬
‫ه‬ ‫ألفا‪ ،‬وفي رواية عنه أي ه‬‫وعند أسي زرعة س ي ي ييبعون ه‬
‫ضي ي ي يا أرسعون ألفا‪ ،‬وكانت الخيل عش ي ي ييرة خالف فرس‪ .‬انته ‪ .‬األمر‬
‫اليذي لع؟ي الحياجية لتيأمين أرسعميائية أل ليتر من املياء يومييا للخييل وحيدهيا‪ ،‬نياهيي عن الجيش‪ ،‬أي أنهم كيانوا‬
‫بحاجة لنهر جار!‬
‫ه‬
‫س ي ي ييل الجيش النبوي عبر درب معروف هو درب القوافل بين املدينة والش ي ي ييام‪ ،‬أوال عبر وادي الحمر‪ ،‬ثم‬
‫أسي ي ي ييفل وادي الجزل‪ ،‬ثم عبر وادي القرى والعال‪ ،‬ثم ال جر‪ ،‬وسعد ال جر تركوا الدرب املعهود للشي ي ي ييام‪ ،‬والذي‬
‫يمر بياملعظم‪ ،‬واعتس ي ي ي ييفوا ص ي ي ي ييعود حرة عويرا رغم ص ي ي ي ييعوبتهيا وارتفياعهيا‪ ،‬لكن ألجيأهم لهيا أنهم بحياجية ملرايي‬
‫ه‬
‫منطقة الجو ومائه‪ .‬نزلوا من عويرا الى وادي الشي ييق‪ ،‬وعسي ييكروا في منطقة الجو يوما أو يومين كي ترتاح اإلبل‬
‫وتتغذى على املريى الجيد والشيرب سييكون من مماسي املاء في وادي الشيق‪ .‬بعدها تركوا الجو واتجهوا الى درب‬
‫البكرة ألنيه أخص ي ي ي يير اليدروب وأس ي ي ي ييهلهيا ولتوفر خزان مياء ض ي ي ي ييخم فييه‪ ،‬س ي ي ي ييلكوا عبر درب البكرح قياطعين وادي‬
‫األخضيير ثم الزرداب ثم وصييلوا العقبة أو الث ية املشييهورة ئالنقب ثم تركوا جبل برك يمينهم ووصييلوا الى تبوك‪،‬‬
‫وقد قدر زيد العدد بثالثين ألفا وهذا عدد كبير جدا ال تتحمله موارد الدرب‪ .‬ئخص ي ي ييوص ي ي ييا حاجات الخيل للماء‬
‫كميا أس ي ي ي ييلفنيا لهيذا واجه الركب النبوي حاالت عطش عديدة‪ 20.‬في ب ي ي ي ييدة الحر‪ ،‬لذل كان توكلهم على هللا هو‬
‫الدافع إلنجاز ضخم بكل املقاييس كهذا الذي أنجزوح!‬
‫كي اس ي ي ي ييتطيياعييت مكيية واملييدينيية توفير الييدعم الكييافي خالل أيييام الفتوحييات مع أن إمكييانيتهمييا تكيياد ال تعتبر‬
‫ذات قيمة باملقارنة مع مدن اإلمبراطورية الرومانية والفارسية خنذاك؟‬

‫‪ 20‬تحقيق زمن و درب غزوة تبوك‪.‬‬


‫‪40‬‬
‫عجائب فتح األندلس بشرى من الرسول ﷺ‬
‫ْ‬ ‫ا‬
‫جرى حوار لطي بين الرس ييول ﷺ وبين خالته من الرض يياعة أم حرام ب ت ِّملحان زوج عبادة بن الص ييامت‪:‬‬
‫ْ ْ‬ ‫‪،‬‬
‫ّ ﷺ يي ْدخيل على أ ِّ ِّم حرام ب ي ِّت ِّملحييان‪ ،‬و يكياني ْت ت ْحيت عبييادة ِّبن‬ ‫روى الب يياري رم ي ي ي ييبي هللا عنييه‪ « :‬يكيان رس ي ي ي ييول ِّ‬
‫ض ي يح ‪،‬‬ ‫فأطعم ْته‪ ،‬وجعل ْت ت ْفلي ْرأس ي يه‪ ،‬فنام رس ي ييول ‪ ّ،‬ﷺ‪ ،‬ث ‪،‬م ا ْس ي يت ْيق وهو ي ْ‬ ‫ْ‬
‫ص ي ي ِّام ِّت‪ ،‬فدخل عل‪:‬ها ي ْو هما‬‫ال ‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫‪،‬‬ ‫‪ ،‬ه‬ ‫‪،‬‬ ‫ا‬ ‫‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ّ‪ ،‬ي ْركبون ثبج هذا‬ ‫بيل ِّ‬ ‫ّ؟ قال‪ :‬ناس ِّمن أمتي ع ِّرض ي يوا علي غزاة في س ي ي ِّ‬ ‫قالت‪ :‬فقلت‪ :‬ما يض ي ي ِّحك يا رس ي ييول ِّ‬
‫وكا على األس ي ي ‪،‬رة ‪ْ -‬أو‪ :‬م ْثل امللوك على األس ي ي ‪،‬رة‪ ،‬ب ي ي ‪ ،‬إ ْس ي يحاق‪ -‬قال ْت‪ :‬فقلت‪ :‬يا س ي ييول ‪ْ ،ّ،‬اد ‪ْ ّ،‬‬ ‫ه‬
‫أن‬ ‫ِّ‬ ‫ر‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫الب ْح ِّر‪ ،‬مل‬
‫ضي ِّحك يا رسيول‬ ‫ضيح ‪ ،‬فقلت‪ :‬ما ي ْ‬ ‫منهم‪ ،‬فدعا لها رسيول ‪ ّ،‬ﷺ‪ ،‬ث ‪،‬م وضيع ْرأسيه‪ ،‬ث ‪،‬م ا ْسيت ْيق وهو ي ْ‬ ‫ي ْجعل؟ي ْ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ل ‪، ْ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫‪ ،‬ه‬ ‫‪،‬‬ ‫ا‬ ‫‪،‬‬
‫ّ‪ ،‬اد ّ‬ ‫ّ‪ ،‬كما قال في األولى‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت‪ :‬يا رس ييو ِّ‬ ‫بيل ِّ‬ ‫ّ؟ قال‪ :‬ناس ِّمن أمتي ع ِّرض يوا علي غزاة في س ي ِّ‬ ‫ِّ‬
‫األو ِّلين‪ .‬فر ِّكب ِّت الب ْحر في زمان معاوية بن أسي سي ي ْفيان‪ ،‬فصي يرع ْت عن ‪،‬‬
‫داب ِّتها ِّحين‬ ‫منهم‪ ،‬قال‪ْ :‬أن ِّت من ‪،‬‬ ‫أن ي ْجعل؟ي ْ‬ ‫ْ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫خرجي ْت ِّمن الب ْح ِّر‪ ،‬فهلكي ْت»‪ .‬ويعتبر اإلمييام ابن حزم في رسي ي ي ي ييالتييه القيميية في فضي ي ي ي ييل األنييدلس‪ ،‬التي حفظهييا لنييا‬
‫ْ‬
‫امل ‪،‬قري يكيامليية فيياتمي األنييدلس هم ثييانييية الجميياعتين اللتين أخبر عنهمييا رس ي ي ي ييول هللا ﷺ في الحييديييث الش ي ي ي ييري في‬
‫فض ييل الجهاد في البحر‪ ،‬وهو تش ييري لفاتمي األندلس‪ ،‬فيقول‪" :‬ومثل هذا التأويل ال يتس يياهل فيه ذو ور دون‬
‫برهان واض ي ييا وبيان الئح‪ ،‬ال يحتمل التوجيه‪ ،‬وال يقبل الترجيح‪ ،‬فالجواب‪ ،‬وباهلل التوفيق‪ ،‬أنه ص ي ييلى هللا عليه‬
‫وس ي ي ييلم قد أوتي جوامع الكلم وفص ي ي ييل الخطاب‪ ،‬وأمر بالبيان ملا أويي إليه‪ ،‬وقد أخبر في ذل الحديث املتص ي ي ييل‬
‫س ي ي ي ينيدح بيالعيدول عن العيدول بطيائفتين من أمتيه يركبون ثبج هيذا البحر غزاة واحيدة بعيد واحيدة‪ ،‬فس ي ي ي ييألتيه أم‬
‫حرام أن ييدعو ربيه تعيالى أن يجعلهيا منهم‪ ،‬فيأخبرهيا ﷺ وخبرح الحق بيأنهيا من األولين‪ ،‬وهيذا من أعالم نبوتيه ﷺ‪،‬‬
‫وخرت عن بغلتها‬ ‫وهو إخبارح بالع ييبيء قبل كونه‪ ،‬وض ييا البرهان على رس ييالته بذل ‪ ،‬وكانت من الغزاة إلى قبرس‪، ،‬‬
‫هناك فتوفيت‪ ،‬رحمها هللا تعالى‪ ،‬فثبت يقينا أن الغزاة إلى قبرس هم األولون الذين بش ي ي ي يير بهم النبي ﷺ‪ ،‬وكانت‬
‫أم حرام منهم كمييا أخبر ص ي ي ي ييلوات هللا تعييالى وس ي ي ي ييالمييه عليييه"‪ ،21‬وحين نتييأمييل ال جييائييب التي رافقييت هييذا الفتح‬
‫العظيم‪ ،‬وركوب البحر وما فيه من أهوال‪ ،‬وما كان ي تظر املسييلمين على طرفه اوخر من قوم أولي بأس بييديد‪،‬‬
‫أدركنا عظيم برف ما صنعوا‪ ،‬واستاهالهم لشرف بشرى الرسول ﷺ بص يعهم العظيم هذا!‬
‫كي اس ي ييتطا املس ي ييلمون عبور البحر إلى إس ي ييبانيا‪ ،‬وبأية أعداد‪ ،‬وبأية أدوات حربية‪ ،‬مع العلم أن الفرس‬
‫والجمييل ال يتحمييل دوران البحر؟ ولو فرض ي ي ي ينييا أن الجيش اس ي ي ي ييتطييا عبور البحر؛ فكي تمكن من الص ي ي ي ييمود‬
‫واالنتص ي ي ي ييار والتوغيل في مجياهيل تلي البالد البعييدة والغريبية؟ "بين س ي ي ي ييبتية في املغرب‪ ،‬وجبيل طيارق في األنيدلس‬
‫مسي ي ييافة ‪ 14‬كم‪ ،‬وجرت مراسي ي ييالت بين مو ي ي ييب بن نصي ي ييير والخليفة في دمشي ي ييق‪ :‬الوليد بن عبد املل ‪ ،‬الذي أمر‬
‫مو ي ييب بأن يجرب األندلس بالس ي يرايا أوال‪ ،‬وهكذا كان‪ ،‬وكانت أول سي ييرية من خمسي ييمائة‪ ،‬معهم مائة فارس على‬
‫الخيل بقيادة طري بن مال ‪ ،‬وهو بربري مسي ييلم‪ ،‬لقبه‪ :‬أبو ز ْرعة‪ ،‬وذهبوا في رمضي ييان سي يينة ‪ 91‬لل جرة‪ ،‬ونزلوا‬

‫‪ 21‬نفح الطيب‪ ،‬عن‪ :‬التاريخ األندلسبي من الفتح اإلسالمي حت سقو غرناطة للدكتور عبد الرحمن الحجي‪ .‬ص ‪.51‬‬
‫‪41‬‬
‫في الجزيرة في لسييان أرمييبي داخل في املحيط األطلسييبي لعرف اون باسييم طريفة‪ ،‬دخلوا بالدا كان يحكمها القو‬
‫منذ قرنين‪ ،‬وهم قوم أولو بأس في الحرب‪ ،‬ولم يكن انتصار املسلمين بسبب ضع جيش القو ‪ ،‬أو الخيانات‬
‫فيه كما يروج من لم يقرأ التاريخ‪ ،‬بل إن القو أمة عس ي ييكرية لم تعرف الهزيمة طيلة قرنين من الزمن‪ ،‬إال على‬
‫يد املس ي ييلمين‪ ،‬وعادت الس ي ييرية بأخبار البالد ملو ي ييب ‪ ،‬ومعلومات أعانت على وض ي ييع خطة للفتح‪ ،‬فجهز الجيش‪،‬‬
‫فتجمع لديه سي ييبعة خالف‪ ،‬غالبيتهم السي يياحقة من البربر املسي ييلمين‪ ،‬واختار لها القائد املسي ييلم البربري طارق بن‬
‫زياد‪ ،‬أمير الحامية العس ييكرية في مدينة طنجة املغربية‪ ،‬الذي كانت له ص ييوالت وجوالت في الجهاد في الس يينغال‪،‬‬
‫ْ‬
‫وكان عمرح ‪ 28‬عاما‪ ،‬وهو من قبيلة ن ْفزة‪ ،‬من البربر البتر‪ ،‬واملسافة بين طنجة وجبل طارق ‪ 22‬كم‪ ،‬وكل العبور‬
‫أمد املس ييلمين باملراكب للعبور‪،‬‬ ‫تم من مدينة س ييبتة‪ ،‬ولم تفتح س ييبتة‪ ،‬وحاكمها كان من القو ‪ ،‬واس ييمه ي ْليان‪، ،‬‬
‫كل مركب يحمل ما يقارب الخمس ي ي ييين إلى املائة على أقص ي ي ييب تقدير‪ ،‬فإذا ما اص ي ي ييطحبوا معهم الجمال والخيل‪،‬‬
‫فإن حمولة السفينة لن تزيد عن الخمسين في كل مرة‪ ،‬وعلى األر ا أنه كان للمسلمين مراكفهم أيضا‪ ،‬ألن عدد‬
‫الجيش كبير يتطلب مراكب كثيرة‪ ،‬إذ كانت لديهم دور لص ي ييناعة الس ي ييفن منذ فجر اإلس ي ييالم في ب ي ييمال أفريقيا‪،‬‬
‫وكانوا قد خاض ي ي ييوا معركة ذات الص ي ي ييواري في س ي ي يينة ‪ 33‬ه من تونس باس ي ي ييتعمال أس ي ي ييطول إس ي ي ييالمي قوامه مائتي‬
‫س ييفينة‪ ،‬وفتحوا ص ييقلية في س يينة ‪ 46‬ه بأس ييطول من مائتي س ييفينة‪ ،‬واألمة التي لش ييغلها ب ييأن الفتوحات ونش يير‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫اإلس ي ي ي ييالم ال بيد أنهيا أخيذت عيدتهيا بلوازم الفتح برا وبحرا‪ ،‬وييذكر ابن حييان أن طيارقيا تجهز "في س ي ي ي ييبعية خالف من‬
‫ُّ‬
‫املس ييلمين جلهم من البربر‪ ،‬في أربع س ححفن‪ ،‬وحط بجبل طارق امل س ييوب إليه يوم الس ييبت في ب ييعبان س يينة اث تين‬
‫وتسعين‪ ،‬ولم تزل املراكب تعود [إلى سبتة وتجلب با ي الجند] حت توافى جميع أصحابه عندح بالجبل"‪ ،22‬وخخر‬
‫فوج كان فيه طارق بن زياد‪،‬‬
‫يقول املؤرا اإلس يباني ئاغناس يييو اوال في في كتابه‪ :‬ئالثورة اإلس ييالمية في الغرب ‪ .‬الص ييادر في برب ييلونة س يينة‬
‫‪ 1974‬ما نص ي ي ي ييه‪" :‬للوص ي ي ي ييول إلى ايبيريا كان على العرب أن يجتازوا املض ي ي ي يييق البحري الذي يفص ي ي ي ييل أفريقيا عن‬
‫أوروبا؛ الجمل ئسي ي ييفينة ال ي ي ييحراء الذي لسي ي ييبب "دوار البحر" ملن يمتطيه دون خبرة‪ ،‬هو سي ي ييفينة صي ي ييحرواية‬
‫وليسي ي ي ي ييت بحرييية‪ .‬كييذلي البربر لم يكن لييديهم س ي ي ي ييفن حربييية‪ .‬وحت لو تزود العرب الزوارق‪ ،‬فقييد يكيان عل‪:‬هم أن‬
‫ه‬
‫يجدوا الربابنة املهرة‪ .‬خص ي ييوص ي ييا أن مض ي يييق جبل طارق الذي يص ي ييل بين املتوس ي ييط الخالي من املد والجزر وبين‬
‫ه‬
‫األطلنطي‪ ،‬لش ي ي ي ييكل ممرا لتيارات قوية تس ي ي ي ييير باالتجاهين‪ ،‬وت ض ي ي ي ييه بص ي ي ي ييورة دائمة رياح عنيفة‪ .‬إنه ممر خطر‬
‫للغاية‪ ،‬ويعرف عنه أنه مقبرة البواخر"‪" .‬حسي ي يب رواية ئأخبار مجموعة أعار املدعو يليان العرب [املسي ي ييلمين]‬
‫ه‬
‫أرسعة زوارق‪ ،‬ال يزيد الحد األقصيب لحمولة الزورق الواحد عن خمسيين رجال إضيافة إلى البحارة‪ .‬يحتاج طارق‪،‬‬
‫ه‬
‫في هذح الحالة‪ ،‬لنقل جيش ييه إلى خمس وثالثين رحلة‪ .‬أي حوالي س ييبعين يوما‪ .‬ألن هذا النو من الزوارق يحتاج‪،‬‬
‫على األقل‪ ،‬إلى يوم واحد ليقطع املسافة‪ .‬ومذا حسبنا األسابيع ذات الطقس السيئ والتي تتوق ف‪:‬ها الرحالت‪،‬‬

‫‪ 22‬نفح الطيب ‪ 161/3‬عن‪ :‬التاريخ األندلسبي من الفتح اإلسالمي حت سقو غرناطة للدكتور عبد الرحمن الحجي‪ .‬ص ‪.51‬‬
‫‪42‬‬
‫تصي ي ييل هذح املدة إلى ثالثة أبي ي ييهر؛ ال يمكن أن يتم إبحارح كهذا إال إذا تمكن النازلون على بي ي ييواط إسي ي ييبانيا من‬
‫النجاة من مجزرة‪ .‬ذل حت يتمكنوا من استقبال من سيلحق بهم"‪.‬‬
‫دخل طارق بن زياد املضي يييق في ‪ 5‬رجب‪ ،‬وبينما هم في السي ييفينة في املضي يييق‪ ،‬أخذته نومة ثم صي ييحا من نومه‬
‫وسشير من في السيفينة أنه رخى رسيول هللا ﷺ‪ ،‬الذي بشيرح بالنصير وأوصياح بمن معه خيرا‪ ،‬وبمن سييفتح بالدهم‬
‫خيرا‪ ،‬وملا وص ي ي ييل طارق جبل طارق في الجانب األندلس ي ي ييبي‪ ،‬في املوض ي ي ييع الوطيء الذي كان قد عزم النزول فيه إلى‬
‫البر‪ ،‬وجييد القو بييانتظييارح بييالس ي ي ي ييالح‪ ،‬وعل‪:‬هم ت ي ْدمير‪ ،‬فييابتكر طييارق خطيية جييديييدة على الفور‪ ،‬فلمييا منع أوهم‬
‫العي ييدو بي ييأني ييه يرجع للمغرب‪ ،‬وبقي يبحر حت حي ييل الظالم‪ ،‬ثم كر راجعي ييا من س ي ي ي ييبيي ييل خخر في البحر إلى خل‬
‫ه‬
‫الجبل‪ ،23‬وهي منطقة تمثل منحدرا بالغ االنحدار والص ي ي ي ييعوبة‪ ،‬كأن الجبل مقص ي ي ي ييوص قص ي ي ي ييا يرتفع عش ي ي ي يرات‬
‫فوطأح باملجادف وبراذ الدواب‪ ،‬ونزل منه إلى البر وهم ال لعلمون‪ ،‬وص ي ي ي ييعدوا‬ ‫األمتار‪ ،‬ونزل إلى املوض ي ي ي ييع الوعر ِّ‬
‫الجبل والتحقوا باألفواج التي سييبقتهم‪ ،‬ليكتمل الجيش ‪ ،7000‬وقبل املعركة الفاصييلة‪ ،‬كان كل فوج يصييل من‬
‫املسي ييلمين إلى األندلس لسي ييتقبله أكبر قائد قوطي اسي ييمه ت ْدمير‪ ،‬الذي كان محافظا إلحدى املناطق والتي تسي ييم‬
‫بيياس ي ي ي يمييه إلى اليوم‪ ،‬وقييد انهزم تي ْدمير أمييام املس ي ي ي ييلمين في جميع املعييارك دون اس ي ي ي ييتثنيياء‪ ،‬فت جييب‪- ،‬وهو القييائييد‬
‫ه‬
‫العس ييكري الفذ‪ -‬ملا يحدث له‪ ،‬فكتب تدمير بعد لقائه بأفواج املس ييلمين فوجا إثر فوج رس ييالة إلى املل القوطي‬
‫لوذريق ئرودريكو ‪- ،‬الذي كان م ش ي ي ي ييغال بقمع بعر الثورات في الش ي ي ي ييمال‪ ،-‬قائال‪" :‬أيها املل ‪ ،‬أدرك؟ي‪ ،‬فقد ِّ‬
‫حل‬
‫إلي بنفس ي ي ي ي "‪ ،‬فلما جاءح‬ ‫قوم ال ندري أهم من أهل األرا أم من أهل الس ي ي ي ييماء‪ ،‬وقد لقيتهم فلتنهر ‪،‬‬ ‫بأرض ي ي ي يينا ا‬
‫الخبر‪ ،‬ووقع عليه وقع الص يياعقة‪ ،‬انبرى من توح إلعداد الجيش الض ييخم ملنازلة املس ييلمين‪ .‬وعلم طارق بالجمو‬
‫التي جمعها القو له‪ ،‬فكتب إلى مو ب بن نصير يطلب املدد‪ ،‬فأرسل له خمسة خالف بقيادة طري بن مال ‪،‬‬
‫فييأص ي ي ي ييبح عييدد الجيش اإلس ي ي ي ييالمي ‪ 12‬ألفييا‪ ،‬بينمييا يكيان عييدد الجيش القوطي بتقييدير أقييل الروايييات ‪ 100‬أل ‪،‬‬
‫يمدهم من خلفهم عش ي يرات اوالف حين الحاجة‪ ،‬وقد نازل الجيش اإلس ي ييالمي هذا العدد الض ي ييخم في أرض ي ييهم‪،‬‬
‫وبين قهران‪:‬هم ميدنهم‪ ،‬ومميداداتهم االس ي ي ي ييتراتيجيية‪ ،‬وروح القو املعنويية عياليية‪ ،‬كيانوا متيأكيدين من النص ي ي ي يير إلى‬
‫درجة أنهم جهزوا الحبال التي س ي ي ي يييوثقون بها املس ي ي ي ييلمين أس ي ي ي ييرى ويس ي ي ي ييوقونهم‪ ،‬جاءوا بتل الحبال على عربات‬
‫خاص ي ي يية لكتاف أس ي ي ييرى املس ي ي ييلمين‪ ،‬وبدأت املعركة في يوم ‪ 28‬رمض ي ي ييان س ي ي يينة ‪ 92‬لل جرة‪ ،‬س ي ي يينة ‪ 711‬ميالدية‪،‬‬
‫واستمرت املعركة تسعة أيام‪ ،‬إلى نحو السادس من بوال‪ ،‬فقاتل الفريقان قتاال بديدا‪ ،‬وصبرا صبرا عظيما‪،‬‬
‫في معرك يية وادي لك ي ْه‪ ،‬أو وادي برب ييا ‪ ،‬أو معرك يية ب ي ي ي ي ييذون يية‪ ،‬وكله ييا أس ي ي ي يم يياء لنفس املعرك يية‪ ،‬ب ييأس ي ي ي يم يياء املواقع‬
‫باإلس ي ي ييبانية‪ ،‬حت أنزل هللا تعالى نص ي ي ييرح على املس ي ي ييلمين‪ ،‬فلم ينج من القو إال من نجاح الفرار‪ ،‬ومنهم لوذريق‪،‬‬
‫ملكهم الذي قتل في املعركة‪ ،‬وقد تابع طارق بن زياد الجيش املنهزم حت وصل طليطلة عاصمتهم"‪24.‬‬

‫‪ 23‬وقصة حرق السفن‪ ،‬وخطبته في الجيش أن البحر من خلفكم والعدو من أمامكم من األساطير التي ال أساس لها من ال حة‪.‬‬
‫‪ 24‬تفاصيل معركة الفتح اإلسالمي لألندلس ‪ -‬الدكتور عبد الرحمن َ‬
‫الح ِّجي (رحمه هللا)‪ ،‬بتصرف‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫األندلس؟‬ ‫فتوحات‬ ‫سبب‬
‫َ َ‬
‫كان َ‬ ‫أسود‬ ‫ثم‬ ‫َ‬
‫أحمر‬ ‫ن‬‫بلو‬ ‫َ‬
‫البيضاء‬ ‫ير‬‫ص‬‫صبغ ل ْح َية ْابن ُن َ‬
‫ُ‬
‫هل‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬

‫ويتابع املؤرا اإلسييباني الجاد ئاغناسيييو اوال في في كتابه‪ :‬ئالثورة اإلسييالمية في الغرب فيقول‪" :‬يقول كتاب‬
‫ئأخبار مجموعة أن مو ييب بن نص ييير حين أراد أن يدفع أهل مدينة ماردة املس ييورة ئبس ييور لم ي ْب ِّن إنس ييان مثله‬
‫إلى االسي ي ييتسي ي ييالم‪ ،‬قد صي ي ييبغ لحيته البيضي ي يياء بلون أحمر بعد االتصي ي ييال باملفاوضي ي ييين‪ .‬ثم جاء إلى االجتما الثاني‬
‫ئالبد أنه واحد من أكلة لحوم البشير وليس ذل الشيخص الذي رأيناح في‬ ‫بلحيته الحمراء‪ ،‬صيرا أحد املندوبين‪ِّ :‬‬
‫املرة املاضية ‪ .‬في االجتما الثالث صبغ لحيته باألسود؛ ولدى عودة املفاوضين إلى املدينة قالوا لسكانها وهم في‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫حالة ذهول؛ أنكم تقاتلون أناس ييا يتغيرون بمش يييئتهم؛ وملكهم الذي كان منذ أس ييبو ب ييي ا مس يينا هو اون رجل‬
‫باب‪ .‬اذهبوا واستسلموا له‪ .‬هذا مطلبه"‪.‬‬
‫ئالبد أن العرب فقدوا‬ ‫"كانت هذح املدينة من أهم مدن ايبيريا؛ كان لسي ييكنها أكثر من نص ي ي مليون نسي ييمة‪ِّ .‬‬
‫ه‬ ‫ه ه‬ ‫ه‬
‫عقولهم أمام عظمتها ‪ .‬وقد قلت مركزا حض ي ي يياريا هاما خص ي ي ييوص ي ي ييا بعماراتها األنيقة‪ ،‬ولم تكن مأهولة بس ي ي ييكان‬
‫جهلة‪ .‬ولم يكن من املمكن خداعهم بحيلة تغيير لون اللحية"‪.‬‬
‫"وماذا عن املدن الحصي ي ي ييينة مثل طليطلة أو رندة‪ ،‬صي ي ي ييمدت هذح األخيرة نصي ي ي ي قرن في وجه أمراء قرطبة‬
‫ه‬
‫األبي ييد قوة من طارق ومو ي ييب مجتمعين‪ .‬أن يأخذ العرب مدنا بالخدعة الحربية أو بفعل الخيانات املحلية أمر‬
‫يمكن فهمييه‪ ،‬ولكن أن يجتيياحوا بس ي ي ي ييهوليية بييالغيية مئييات املييدن‪ .‬يكيان بعض ي ي ي يهييا من أهم مييدن العييالم خنييذاك‪ ،‬فييأمر‬
‫خخر!!"‬
‫ويسييتمر في طرح األسييئلة الكبيرة والعميقة؛ فيقول‪" :‬من املدهش أنه بعد فتح اإلسييكندرية بدأت املسييافات‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫تص ييبح ب يييئا فش يييئا طويلة‪ .‬وبدأ العرب يواجهون بالدا ذات طبيعة جغرافية ص ييعبة‪ .‬وباملقابل بدأ الوقت الالزم‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫الجتياح هذح املس ييافات يقص يير ب يييئا فش يييئا‪ .‬ثالث وخمس ييون س يينة للس يييطرة على تونس‪ .‬عش يير س يينوات لكامل‬
‫بي ييمال أفريقيا‪ .‬وثالث سي يينوات لشي ييبه الجزيرة االيبيرية‪ ،‬صي ييحاري وأنهار وسي ييالسي ييل جبلية تم اجتيازها بسي ييهولة‬
‫بالغة"‪.‬‬
‫" في الواقع ال يمكن لحمليية عس ي ي ي ييكرييية أن تس ي ي ي ييتمر إلى مييا ال نهيياييية‪ .‬ألن الحمليية تفقييد قوتهييا بقييدر مييا تتوغييل‬
‫وتتقدم‪ .‬وعندما يتقدم الفاتح‪ ،‬وتفقد قواعدح األولى القدرة على تموينه‪ ،‬يجب عليه أن يؤسي ي ييس قواعد بديلة؛‬
‫ه‬
‫األمر الذي كان يتطلب وقتا في القرن السابع‪ .‬لكن العرب [املسلمين] حسب التاريخ التقليدي أهملوا هذا املبدأ‬
‫االس ييتراتيجي األس ييا ييبي في تل املرحلة‪ .‬فما أن لس يييطروا على بلد حت ينطلقوا الجتياح بلد خخر‪ .‬لقد وص ييلوا إلى‬
‫ه‬
‫تونس واتجهوا فورا نحو املغرب؛ وم ييا أن رأوا أمواج املحيط حت أبحروا نحو أوروب ييا‪ .‬ثالث س ي ي ي يينوات فيم ييا بع ييد‬
‫تسللوا عبر جبال التبيري؟ي واجتاحوا مقاطعة اكيتانيا في فرنسا"‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫"لم يكن العرب على معرفة دقيقة بهذح األهداف العس ي ي ييكرية‪ ،‬ولم يكن لديهم بعد خرائط وال لعرفون حت‬
‫ملاذا جاءوا وما سيفعلون في إيبيرية"‪ .‬انته ‪.‬‬
‫ه‬
‫لنيأخيذ اجتمياعيات مو ي ي ي ييب بن نص ي ي ي ييير امليذكورة س ي ي ي ييابقيا‪ .‬هيل ت ض ي ي ي يييب لحيية القيائيد بيالحنياء هو اليذي فتح‬
‫ه‬
‫الحص ي يين‪ ،‬وأدخل الناس في الدين أفواجا‪ ،‬وجعلهم يدافعون عنه ويس ي ييتش ي ييهدون في س ي ييبيله‪ .‬ذل أمر مرفوا‬
‫ه‬
‫حتمييا‪ .‬الييذي جعييل النيياس تؤمن هو مييا يكيان يييدور في تلي االجتميياعييات‪ ،‬من نقييال وحوار وجييدال بين قوة أفكييار‬
‫‪،‬‬
‫اإلس ي ي ي ييالم ووهن أفكيار الكفر‪ .‬وحت إذا ميا ثبيت ألولئي املعيذبين بنيار اإلقطيا وغموا التثلييث‪ ،‬وبطش القو‬
‫أن التوحيييد هو الحق‪ ،‬وأن الرجييال الييذين يحملون هييذح الييدعوة صي ي ي ي ييادقون واعون مؤثرون قييادرون على إنزال‬
‫الهزائم النكراء بمثل تل املجتمعات املتهاوية من الداخل‪ ،‬فتحوا لهم الحص ي ييون‪ ،‬وأقبلوا على اإلس ي ييالم يلتزمون‬
‫به ويدافعون عنه‪ِّ ،‬ملا ملسوح وباهدوح من عظمته وعدله‪.‬‬
‫"فق ييد ك ييان القو ال ييذين حكموا األن ييدلس يظلمون أه ييل البالد ئالون ييدال والروم ييان واألخال األخرى من‬
‫البش ي ي ي يير واألعراق التي كييان ييت ق ييدم ييت من غ ي ِّالي يية وبالد الجرم ييان واللومب ييارد غزاة ثم اس ي ي ي ييتقروا ف‪:‬ه ييا‪ ،‬ومن قب ييائ ييل‬
‫الوندال جاء اس ي ييم األندلس ‪ ،‬ثم جاء القو قبائل متبربرة من أقص ي ييب الش ي ييمال‪ ،‬وغلبوا على البالد واس ي ييتأثروا‬
‫ً‬
‫ب يراتهييا‪ ،‬وبطش ي ي ي ييوا بكييل من خييالفهم‪ ،‬فلمححا جححاء املس ح ح ح ححلمون وجححدوا قومححا ال يريححدون ش ح ح ح ححيئححا أك ر وال أهم من‬
‫التخلل من ظلم القوط"‪.25‬‬
‫يحتج الجيش إلى مؤنة تص ي ي ييله من املدينة املنورة ليكمل املس ي ي ييير‪ .‬فالذين دخلوا في الدين س ي ي ييمعوا‬ ‫لذل لم ْ‬
‫ّ في ْقتلون‬ ‫‪،‬‬ ‫ْ ‪،‬‬ ‫‪،‬‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫‪ْ ، ،‬‬
‫﴿إن ّ اب ي ي ي يترى ِّمن املؤ ِّم ِّنين أنفس ي ي ي يه ْم وأ ْمواله ْم ِّبيأن له ْم الجنية يقيا ِّتلون ِّفي س ي ي ي ي ِّبيي ِّيل ِّ‬
‫قولييه تعييالى‪ِّ :‬‬
‫وي ْقتلون﴾‪ ،‬فبذلوا النفس واملال‪ .‬ولم يحتج الجيش إلى الخرائط‪ ،‬ألن الذين خمنوا من أهل البالد حملوا اإلسالم‬
‫بأنفسي ييهم‪ ،‬أو وجدوا في اإلسي ييالم عدال كانوا ي تظرونه‪ ،‬وسي يياعدوا جيشي ييهم ‪-‬الجيش اإلسي ييالمي‪ -‬على التوغل‪ .‬ولم‬
‫يحتج الجيش إلى خبييار ميياء متنقليية أو تقنييية متطورة‪ ،‬ألنييه اس ي ي ي ييت ييدم ذلي املتوفر بييدافع تلي الطيياقيية الحيوييية‬
‫الهائلة التي زرعها اإلسالم في قلوب امللتزمين به‪.‬‬
‫وال بي أن الدعوة سييبقت املعركة؛ فالرسييول ‪ -‬ﷺ ‪ -‬أرسييل الرسييائل إلى امللوك والعظماء‪ .‬فسييار على سي ته‬
‫ه‬
‫الخلفاء كابرا خل كابر‪ .‬وأمر ال ييحابة بوجوب دعوة الناس قبل قتالهم‪ ،‬واالكتفاء بالجزية إذا قبلوا سييلطان‬
‫ه‬
‫اإلس ي ي ي ييالم ورفض ي ي ي ييوا اعتنياق اليدين‪ .‬فيالتزم املس ي ي ي ييلمون بيذلي جيال بعيد جييل‪ .‬األمر اليذي يؤكيد أن النياس علميت‬
‫باإلس ي ي ييالم وعظمته وعدله قبل وص ي ي ييول املجاهدين‪ .‬فإذا ما وص ي ي ييل املجاهدون‪ ،‬وب ي ي يياهدتهم الش ي ي ييعوب الض ي ي ييالة‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫إس ي ي ييالما يتحرك فعال‪ :‬إس ي ي ييالما ال لعتدي‪ ،‬وال يظلم‪ ،‬وال لس ي ي ييرق‪ ،‬وال لغتص ي ي ييب‪ ،‬إس ي ي ييالما ينص ي ي يير املظلوم ويعين‬
‫الض ييعي ‪ ،‬ويحل العقدة الكبرى عند اإلنس ييان‪ ،‬إس ييالما يطبق قوانين الدولة اإلس ييالمية على املس ييلمين وغيرهم‬

‫‪،‬‬
‫‪ 25‬الدكتور وليد سي ‪ ،‬صقر قريش‪ ،‬حوار بين بدر وبين أحد املولدين‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫س ي ي ي ييواء بس ي ي ي ييواء من دون تمييز‪ ،‬دخيل النياس في دين هللا أفواجيا‪ ،‬أو بقوا على معتقيداتهم خمنين من اإلكراح على‬
‫تركها‪ ،‬مطمئنين إلى العدل واإلنصاف وحسن املعاملة‪26.‬‬

‫ولعلنا نأخذ من التاريخ العبرة‪ ،‬فشي ي ي ييعوب األرا اليوم تكتوي من قلم الرأسي ي ي ييمالية‪ ،‬ومن ضي ي ي يين العيش‪،‬‬
‫فلعلها تفتح أبواب مدنها وقلوبها ليسالم فتدخل فيه أفواجا حين تأت‪:‬هم جمو املسلمين فاتحة بالخير العظيم‬
‫إن باء هللا تعالى‪.‬‬
‫ً‬
‫إذن‪ ،‬فمفححاهيم العقيححدة كححانححت محركححا دافعححا للعمححل دائمححا عنححد املس ح ح ح ححلمين‪ ،‬وطححاقححة هححائلححة تفتح ا فححاق‬
‫للقيام بأعمال عظيمة لم يكن الذين قاموا بها أنفسحهم يتصحورون إم انية القيام بها بقواهم الذاتية يوما‪،‬‬
‫إال بعد إيمانهم بهذا الدين‪ ،‬وبوعد هللا ورس ييوله لهم بالنص يير ولدينه بالتمكين‪ ،‬وميمانهم بأنهم أص ييحاب رس ييالة‪،‬‬
‫وأمة خيرية وبهادة تشهد على األمم!‬

‫‪ 26‬أنظر التفاصييل في مقال في مجلة الويي‪ ،‬العدد ‪ ،83‬السينة السيابعة بيوال ‪1414‬هي ي ي ي يي‪ ،‬اذار ‪1994‬م‪ :‬الفتح اإلسيالمي يذهل املسيتشيرقين‪ ،‬بتصيرف‬
‫بديد‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫معضلة الشر‪ :‬الحجة املركزية لإللحاد‪:‬‬

‫صييرح مايكل روس ئ‪ Michael Ruse‬أحد أبييهر فالسييفة العلوم في مناقرته مع الالهوتي فزاال رانا ئ ‪Fazale‬‬
‫‪ Rana‬تحيت عنوان "أص ي ي ي ييل الحيياة‪ :‬التطور أم التص ي ي ي ييميم؟" س ي ي ي ينية ‪ 2013‬أنيه ال يرفر اإليميان بوجود هللا إال‬
‫لسي ي ي ييبب واحد وهو مشي ي ي ييكلة الشي ي ي يير‪ ،‬إنها الشي ي ي ييفهة التي وصي ي ي ييفها الشي ي ي يياعر األملاني امللحد جورج بوخنر ئ ‪George‬‬
‫‪ Büchner‬بي ييأنهي ييا "ص ي ي ي ييخرة اإللحي يياد"‪ .‬وفي مني يياقرتي ييه مع الالهوتي ويليي ييام كريغ ئ‪ William Lane Craig‬ص ي ي ي ييرح‬
‫الفيلسوف األمريكي مايكل تولي ئ‪ Tooley Michael‬أن "ال جة املركزية ليلحاد هي ح ‪،‬جة الشر"‪27.‬‬

‫مل يياذا هن يياك ألم ومع ييان يياة في الع ييالم؟ ه ييل يج ييب على اإلل ييه أن "يح ييب املخلوق ييات" وأن "يرحمه ييا"‪ .‬كون اإلل ييه‬
‫مطلق القدرة وكلي املحبة غير متس ييقة مع الش يير الواض ييا والعيوب التي في العالم‪ ،‬من هو املس ييؤول عن الش يير؟‬
‫ما هي طبيعة الشر؟ ملاذا لسمح اإلله بوجود الشر في ملكوته؟ مآل الشر؟ هل األلم واملعاناة بر؟‬
‫لعلي أختصيير على كل مشييك أو متسييائل عن وجود الشيير في العالم‪ ،‬وأقطع عليه حجته في اسييت دام هذح‬
‫املس ييألة للتش ييكي في وجود هللا‪ ،‬أو دورح‪ ،‬أو عدالته‪ ،‬أو للتنص ييل من مس ييؤولية اإلنس ييان املباب ييرة عن الغالبية‬
‫الس ي يياحقة مما نش ي يياهد من حروب وأمراا وفقر وخالم‪ ،‬بحل واحد يقطع ال جة عليه‪ :‬لقد احتج املؤمنون بأن‬
‫هللا تعالى قد وهب اإلنس ي ييان اإلرادة الحرة‪ ،‬وأن اإلنس ي ييان أس ي يياء اس ي ييت دامها‪ ،‬ولم ل جب هذا الجواب الكثيرين!‬
‫وتساءلوا‪ :‬هل هذا أفضل العوالم التي لستطيع اإلله القدير خلقها؟‬
‫ه‬
‫حسنا‪ ،‬ما رأيكم بعالم ي لو من اإلرادة الحرة؟ يجبر فيه اإلنسان على كل تصرف وفكر وسلوك‪ ،‬بل ويجبر‬
‫فيه على مس ييتوى النيات واألس يرار الداخلية‪ ،‬فيس ييير كالريش يية في مهب الريح‪ ،‬أو كالس يين في الدوالب؟ أهذا عالم‬
‫أفضي ييل من العالم الذي أعطيت فيه اإلرادة الحرة لينسي ييان فاختار أن يمأل العالم بالشي يير؟ ما رأيكم في العيش‬
‫في ذل العالم؟‬
‫ولكن‪ ،‬حين نبحث في معض ييلة الش يير‪ ،‬وانتش ييار األمراا النفس ييية واملجتمعية‪ ،‬وانتش ييار الفقر واملجاعات‪،‬‬
‫والحروب‪ ،‬وقبل النظر في نسبة املسؤولية عن الغالبية الساحقة من املشاكل التي لعاني منها اإلنسان اليوم إلى‬
‫الخالق أم إلى اإلنسيان‪ ،‬فإنه يلزمنا أن نفهم بدقة أثر نمط العيش السيائد‪ ،‬والفكر الغربي الذي نشحأ في أوروبا‬
‫منذ القرن السح ححابع عشح ححرامليالدي‪ ،‬ومن ثم طغى في العالم عبرموجات من االسح ححتعماروالهيمنة السح ححياسح ححية‬
‫واالقتصادية والثقافية‪ ،‬التي امتدت إلى اليوم‪ ،‬والحروب واالستثمارات االقتصادية‪ ،‬وكان أثرذلك واضحا‬
‫على هذا اإلنسان‪ ،‬ودوره في إفرازهذه املشاكل‪ ،‬ودوره في تشكيل عقلية ونفسية اإلنسان الذي يعيش نمه‬
‫الحياة الذي أس حس ححت له الحض ححارة الغربية‪ ،‬في العالم الغربي‪ ،‬بل وحتى في البالد التي س ححيطرت عل ها‪ ،‬س ححواء‬
‫من خالل اإلعالم‪ ،‬أو التعليم‪ ،‬أو الس ح ححياس ح ححة واالقتص ح ححاد واالجتما ‪ ،‬أو النمه الثقافي الس ح ححائد‪ ،‬أو أس ح ححلوب‬

‫‪ 27‬مشكلة الشر‪ ،‬ووجود هللا‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري ص‪.18‬‬


‫‪47‬‬
‫العيش‪ ،‬أي إننا ندرس هنا جذوراملش ح ح لة التي أفض ح ححت إلى انتش ح ححارغيرمس ح ححبوق "للش ح ححر" في العالم‪ ،‬ونحمل‬
‫الفكر الغربي املتمث ححل ب ححالعلم ححاني ححة والليبرالي ححة وال ححديمقراطي ححة والرأس ح ح ح حم ححالي ححة والح ححداث ححة وم ححا بع ححد الح ححداث ححة‬
‫والعوملة واالسح ح ححتعمار والشح ح ححركات العابرة للقارات‪ ،‬والبنك الدولي‪ ،‬والسح ح ححوق الحرة مسح ح ححئولية ضح ح ححخمة عن‬
‫الشرالذي يعاني منه العالم‪:‬‬

‫‪48‬‬
‫الر ية املادية املي انيكية العبثية التي أفرزتها األنظمة العلمانية و انع اساتها على اإلنسان‪:‬‬

‫وس ي ييندرس ثالث أفكار مركزية لوض ي ييع اليد على هذح الرؤية العبثية‪ ،‬أولها‪ :‬نش ي ييأة العلمانية‪ ،‬وقطعها للحبل‬
‫ال ُّسي ي ي ِّ ِّري بين اإلنس ي ييان وبين الفكر عن الوجود‪ ،‬وعن وقيفته في الحياة‪ ،‬وأثر ذل ‪ ،‬وثان‪:‬ها‪ :‬إحاطة اإلنس ي ييان من‬
‫كييل جوانبييه بييالرؤييية امليكييانيكييية املييادييية التي ال تعترف بييأب ي ي ي ييواق روحييية‪ ،‬وحص ي ي ي ييرهييا للمنفعيية بيياملنفعيية املييادييية‪،‬‬
‫والرفاهية‪ ،‬وتأسييسيها للنظام االجتمايي على أسياس ال شيوة واملتعة‪ ،‬وثال ها‪ :‬التحوالت الفكرية في الفكر الغرسي‬
‫من الحداثة إلى ما بعد الحداثة والتحول من مركزية اإلنسييان في الكون إلى مركزية السييوق الحرة‪ ،‬واالنتقال من‬
‫النض ييال والتنظير لتحرير اإلنس ييان إلى تش ييييئه تمهيدا البتالعه واس ييتغالله‪ .‬جدير بالذكر‪ ،‬أننا فص ييلنا تفص يييال‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫حول هذح القضي ي ي ييايا مب يا على األدلة ومسي ي ي ييتندا إلى اوراء الفكرية املبابي ي ي ييرة من أفواح منظري املبدأ الرأسي ي ي ييمالي‬
‫العلماني الديمقراطي الليبرالي أنفسيهم‪ ،‬ومن تاريخ تطور ذل املبدأ‪ ،‬في كتابنا‪ :‬الصيندوق األسيود للفكر الغرسي‪:‬‬
‫مأزق الدولة الحديثة‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫بابوات الكنيسة‪ ،‬وبابوات الليبرالية الرأسمالية!‬

‫صادرت الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى عقل اإلنسان برمته‪ ،‬ومنعته أن لستقي تصورح للوجود‬
‫املحتكرة للكتاب املقدس‪ ،‬وس ي ي يينرى كي أن الفكر الغرسي الذي نش ي ي ييأ في عص ي ي يير النهض ي ي يية‬ ‫ِّ‬ ‫إال من خالل تأويالتها‬
‫انته بإيجاد بابوات جدد لس ي يييطرون على اإلعالم والتعليم‪ ،‬وعلى االقتص ي يياد والس ي ييياس ي يية‪ ،‬والحروب واألدوية‪،‬‬
‫والبن الدولي‪ ،‬واحتكروا ألنفسهم الحق في سيادة العالم وتسييرح خل أطماعهم!‬
‫نش ييأت العلمانية كمذهب فكري في القرن الس ييابع عش يير في أوروبا‪ ،‬إبان عص يير النهض يية‪ ،‬وقام منظرو عص يير‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫النهضي يية بوضي ييع األسي ييس الفكرية للعلمانية بص ححورة جعلتها "تأس ح ُحر َ‬
‫وتحتكرما كانت الكنيس ححة‬ ‫العلم واملعرفة"‬
‫تحتكره! وتبع سيييطرة العلمانية على املعرفة سيييطرة الليبرالية الرأسييمالية على املجتمع بتفتيته عبر النظر إليه‬
‫على أنه كومة أفراد وكومة أقليات؛ ئأقليات‪ :‬من حيث القدرة على التأثير في الس ي ي ي ييياس ي ي ي يية ال من حيث األعداد ‪،‬‬
‫وبيالتيالي لس ي ي ي يهيل على األحزاب الس ي ي ي ييياس ي ي ي ييية والرأس ي ي ي يمياليين املتنفيذين أن يتحكموا بمفياص ي ي ي ييل اليدولية والحيياة‪،‬‬
‫فس ي ي يييطروا على الدولة ئبقص ي ي يير دورها على تنظيم مص ي ي ييالا الطبقة الرأس ي ي ييمالية وعلى العلمانية ئباس ي ي ييتعمالها‬
‫وس ي ي ي يييليية ‪ ،‬ومن ثم قهر وبكييل وض ي ي ي ييوح أن "البححابوات" الجححدد (بعححد تنحيححة دور بححابوات الكنيس ح ح ح ححة في القرون‬
‫الوسطى) هم النيوليبراليون الرأسماليون ُ‬
‫الجدد!‬
‫وكيانيت امليزة األخطر في التحول الفكري إبيان عص ي ي ي يير النهض ي ي ي يية هو التحرر من الويي‪ ،‬واالس ي ي ي ييتعياض ي ي ي يية عنيه‬
‫بالعقيل‪ ،‬بهيدف واض ي ي ي ييا‪ :‬هو نبيذ الغييب جملية وتفص ي ي ي يييال‪ ،‬والقطيعية التيامة بكيل ما ال يقع الحس علييه‪ ،‬ومن ثم‬
‫س ي ي يييطرت العلمانية على الدولة‪ ،‬وس ي ي يييطر الرأس ي ي ييماليون على مفاص ي ي ييل االقتص ي ي يياد في الدولة‪ ،‬وس ي ي ييخروا غايتهم‬
‫وأدواتهم املعرفية املتمثلة في القياس والت بؤ والس ي يييطرة والتحكم على العلم والفلس ي ييفة واملعرفة‪ ،‬بحيث غدت‬
‫غاياتها‪ :‬هي القدرة على الت بؤ ألجل التحكم في األبياء‪ ،‬بعد أن كانت مهمة العلم واملعرفة والفلسفة هي املعرفة‬
‫ه‬
‫لذاتها‪ ،‬وتوج‪:‬هها نحو تفسييير العالم‪ ،‬ومدراك الحقيقة‪ ،‬ونحو اسييتكشيياف قوانينه وتفسيييرح تفسيييرا م سييجما مع‬
‫طبيعة األبحاث بغر النظر عن نو النتيجة‪ ،‬أكانت روحية أم مادية‪ ،‬إنسانية أم أخالقية‪ ،‬فيزيقية أم غيبية‪،‬‬
‫والعقل‪ ،‬وال بي ي ي ي يت يل املنفعة املادية في نواح قد ال تكون فعال متحققة ف‪:‬ها‪ ،‬ويكتشي ي ي ي ضي ي ي ييررها الحقا‪ ،‬أو‬
‫تكون منفعتهييا نس ي ي ي ييبييية‪ ،‬أو خيياص ي ي ي ي يية بفئيية دون فئيية‪ ،‬ومذن‪ ،‬فهو توجيييه للبحييث في أحيييان كثيرة وجهيية منتقيياة‪،‬‬
‫م تيارة‪ ،‬لغياييات معينية‪ ،‬ال مطلق املنفعية‪ ،‬أو مطلق النتيجية‪ ،‬وهيذا توجييه خطير لبوص ي ي ي يلية العلم والفلس ي ي ي يفية‬
‫ه‬
‫واملعرفة‪ ،‬تس ييهل على الرأس ييماليين اس ييتعمالها ألغراض ييهم النفعية‪ ،‬فقد أص ييبحت النفعية غاية للمعرفة والعلم‬
‫ه‬
‫والفلسيفة معا‪ ،‬مقتصيرا على الناحية املادية الدنيوية‪ ،‬فعلى سيبيل املثال‪ :‬قد تنصيرف بيركات الدواء عن إنتاج‬
‫دواء لعال أمراضي ي ي ييا كثيرة إذا لم يكن بمقدورها ج؟ي األرباح الطائلة عبر احتكارح ببراءة اخترا ‪ ،‬وكان تحضي ي ي يييرح‬
‫سي ييهال بمواد متوفرة‪ ،‬فال تكتفي باالنصي يراف عن إنتاجه‪ ،‬ولكنه ال تظهر أبحالها للبشي يير ليسي ييتفيدوا من العالج‪،‬‬

‫‪50‬‬
‫أو ترفر أن تعطي ب ييركات محلية حق إنتاجه بأس ييعار في متناول يد املرم ييب الفقراء في دول أخرى ينتش يير ف‪:‬ها‬
‫ه‬
‫املرا‪ ،‬بينما ثمن الدواء الذي ت تجه تل الشركات مرتفع جدا‪.‬‬
‫يقول غنيار س ي ي ي ييكيربي ونيلز غيلجي في كتيابهميا ئتياريخ الفكر الغرسي ‪" :‬تميزت حقبية عص ي ي ي يير التنوير بيالتفياؤل‬
‫التقدمي داخل الطبقة الوس ي ي ي ييطى املتوس ي ي ي ييعة‪ ،‬فهناك ثقة متيقظة في العقل وفي اإلنس ي ي ي ييان‪ ،‬كان هناك مذهيب‬
‫خالص مدني‪ ،‬حل فيه العقل محل اإلنديل‪ ،‬وسعون من العقل ص ي ي ي ييار بإمكان اإلنس ي ي ي ييان أن يكش ي ي ي ي الجوهر‬
‫ه‬
‫الداخلي للواقع ويحقق التقدم املادي‪ .‬وسيييسييتقل اإلنسييان تدريجيا‪ ،‬ويسييتغ؟ي عن السييلطة التي ال أسيياس لها‪،‬‬
‫وعن الوص ي ي يياية الالهوتية‪ ،‬لقد تحررالفكر ألن اإلنس ح ح ححان ش ح ح ححعرأنه حاكم نفس ح ح ححه‪ ،‬و أنه مس ح ح ححتقل عن الو ي‬
‫والتقليد وصار اإللحاد زي العصر"‪ 28‬وقال جون لوك‪" :‬إنه لم تبق حاجة للويي طاملا أن اإلله أعطي ي ييانا وسائي ي ييل‬
‫ه‬
‫حسية أكثر يقين ي ي ييا لنت ي ي ييوصل به ي ي ييا إلى املعرفة"‪ ،29‬ويقول موريس باربيه ئ‪ Maurice Barbier‬في كتابه ئالالئكية ‪:‬‬
‫"تع؟ي الالئكييية في مفهومهييا الواس ي ي ي ييع الفصي ي ي ي ييل بين الييدين والحقييائق الييدنيوييية‪ ،‬فهي تفترا أن هييذح الحقييائق ال‬
‫ت ضي ي ي ييع الحتواء الدين أو تأثيرح‪ ،‬سي ي ي ييواء ع؟ الدين إيمانا ما أو جمعية ما أو سي ي ي ييلطة دي ية ما‪ ،‬وهكذا‪ ،‬نرى أن‬
‫الفلسفة في الغرب استقلت عن الالهوت‪ ،‬وأن م تل العلوم تكونت خارج إطار املسيحية‪ ،‬بل ضدها أحيانا‪،‬‬
‫وأن كل الحقائق اإلنس ي ي ي ييانية‪ :‬الس ي ي ي ييياس ي ي ي ييية واالجتماعية والثقافية وغير ذل قد اس ي ي ي ييتقلت عن الدين‪ .‬وقد تم‬
‫تحقيق هذا عبر إجراء من الفصي ي ي ييل ليس بقصي ي ي ييير املدى‪ ،‬وهو ما نطلق عليه العلمنة ئ‪ ، Secularization‬ولهذا‬
‫الس ي ييبب يمكن أن نص ي ي مجتمعا ما أو فكرا ما أو أخالقا ما بالالئكية إذا ت لص ي ييت تماما من أي أثر دي؟ي‪ ،‬ولم‬
‫تطع إال املبادل الص ي ييرفة ض ي ييمن النظام العقالني أو الطبي ي‪ ،‬وأما باملع؟ الض ي يييق للكلمة‪ ،‬فيمكننا أن نتحدث‬
‫عن الئكية التعليم للداللة على أنه ال يحوي أي خصائص طائفية ئدي ية ‪".‬‬
‫لكن العلم يياني يية إذ اكتف ييت بفص ي ي ي ي ييل املعرف يية والعلم والفلس ي ي ي يف يية عن ال ييدين واألخالق والع ييادات والتق ييالي ييد‪،‬‬
‫وحص ي ي ي ييرته ييا ب ييالعق ييل املجرد‪ ،‬فه ييل تمل ي العلم يياني يية فكرة كلي يية )‪ (holistic world view‬عن الكون واإلنس ي ي ي ي ييان‬
‫ه‬
‫والحيياة؟ هيل تمثيل العلميانيية عقييدة تس ي ي ي ييتطيع معهيا أن تش ي ي ي يكيل منظومية فكريية لتجييب على تس ي ي ي يياؤالت تؤهلهيا‬
‫لتكون إطارا تنبثق منه أس ييس عقدية تنبثق عنها أنظمة ملعالجة املش يياكل؟ س ييواء أكانت مش يياكل اقتص ييادية‪ ،‬أو‬
‫سياسية‪ ،‬أو اجتماعية‪ ،‬أو أخالقية؟‬
‫فهي حين تهدف إلى تنظيم حياة املجتمع والدولة‪ ،‬ال بد لها من نظرة بييمولية تسييتطيع على أسيياسييها تنظيم‬
‫هيذح الحيياة‪ ،‬وحين ترييد أن تض ي ي ي ييع قوانين لس ي ي ي ييير عل‪:‬هيا املجتمع لتنظيم معياب ي ي ي ييه‪ ،‬ال بيد لهيا من أفكيار ومقياييس‬

‫‪ 28‬نقر الفكر الغرسي الرأسمالي مبدأ وحضارة وثقافة‪ ،‬من إصدارات حزب التحرير صفر ‪ 1443‬ه‪ ،‬أيلول ‪ 2021‬م‪ .‬ص ‪14-13‬‬
‫‪ 29‬مع؟ كالميه أن اإلنس ي ي ي ييان لعلم أكثر من الخيالق! فال حياجية للويي طيامليا أن العقيل أقيدر على الوص ي ي ي ييول لليقين من الويي! وهيذح بحدايحة نزعحة جعحل‬
‫اإلنسان سيد الكون!‬
‫‪51‬‬
‫فكرية تعال هذح املش ي يياكل‪ ،‬وال بد لها من مرجعية معينة ئمقاييس تس ي ييتطيع على أس ي يياس ي ييها إرجا الحلول لها‬
‫ه‬ ‫ِّ‬
‫لتكون متناسقة متسقة متناغمة تف بي إلى أال تتناقر مع بعضها بعضا!‬
‫وجود ِّح‪ ،‬ولم ت ْسر ْد‬
‫لينسان الغاية من ِّ‬‫ِّ‬ ‫باإلضافة إلى أن العلمانية لم تقم بتقديم س ْر ِّد ‪،‬ية أو رواية تفسر ف‪:‬ها‬
‫له قص يية وجودح وارتباطه بالخالق وبالكون وبالحياة‪ ،‬وأثر ذل التفس ييير على س ييلوكه بما يتض ييمنه من تفاص يييل‬
‫من الحياة الذي يجب أن لعيش على أس يياس ييه‪ ،‬وبما يحويه من نظرية قيمية تحدد لينس ييان القيم التي لعيش‬
‫لتحقيقها أو التي يمكنه ات اذها مقاييس ألعماله‪ ،‬فإنها عمدت إلى فصييله عن الرواية أو التفسييير الذي يمتلكه‬
‫هو عن الكون واإلنس ي ي ييان والحياة‪ ،‬بما عمدت إليه من قطع الحبل ال ُّس ي ي ي ِّ ِّر ِّ ِّي بينه وبين ذل املن ‪ ،‬وتل القيم‪،‬‬
‫فال هي قدمت له من جا وال تفسيييرا‪ ،‬وال حت حفلت بالقيم‪ ،‬وال تركته لعيش وفق من جه وتفسيييرح وقيمه! وهذا‬
‫األمر تناقر عقلي‪ ،‬ومبكال فكري ضخم‪.‬‬
‫فييإن إدراك الغيياييية من الوجود ليس بيياألمر الثييانوي الييذي يمكن أن تتجنبييه األيييديولوجيييات بس ي ي ي ييهوليية‪ ،‬وال‬
‫ه‬
‫يمكن أن يكون أثر انعدامه من التصي ي ييور على حياة البشي ي يير إال مدمرا‪ ،‬إذ ال يمكن بحال إحداث بي ي ييرا فكري في‬
‫العقل البشي ي ي ييري بين التصي ي ي ييور عن الغاية من الوجود واملن والقيم من جهة‪ ،‬وبين الحياة من جهة أخرى‪ ،‬كما‬
‫وال ي ا أن ت لو الحياة من ذل التصور؛ والعلمانية إنما هي فصل لذل التصور عن الحياة نفسها!‬
‫ه‬
‫كيذلي ‪ ،‬إن فص ي ي ي ييل من الحيياة ‪-‬اليذي ترييد العلميانيية لينس ي ي ي ييان أن ي طيه بعييدا عن أي معتقيد يض ي ي ي ييع ليه‬
‫ه‬
‫تص ي ي ي ييورا عن وقيفيية ذلي اإلنسي ي ي ي ييان في الحييياة ئالغيياييية من وجودح‪ ،‬واملس ي ي ي ييئوليييات والتكييالي املترتبيية على هييذا‬
‫التصي ي ييور ‪ -‬هو أمر بالغ في التناقر! فكي إلنسي ي ييان أن لعزل من حياته عن السي ي ييؤال املركزي املتعلق بدورح‬
‫ووقيفته ومسئولياته التي وجد في هذح الحياة ليقوم بها!‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫حي ييث إن ذل ي التص ي ي ي ييور عن الوجود والحي يياة ال ب ييد وأن لعطي خلي يية ئميك ييانيزم ييا أو طريق يية أو من ج ييا يبين‬
‫الس ي ي ي ييلوك واالعتقاد الذي يجب القيام به ألجل بلو تل الغاية أو ذل الهدف الذي ألجله لعيش اإلنس ي ي ي ييان في‬
‫هذح الحياة!‬
‫خص ييوص ييا وأن العلمانية نأت بنفس ييها عن أن تقدم له تفس يييرا يوض ييا دورح ووقيفته في الوجود‪ ،‬وهدفه من‬
‫العيش ‪-‬باس ي ي ي ييتثناء التركيز على املنافع واللذات اونية ومطالق العنان للحريات الس ي ي ي ييلوكية‪ -‬وبالتالي فهي عمدت‬
‫على أن تقطع الحبل ال ُّس ي ي ِّ ِّر ‪،‬ي بين الس ي ييلوك واالعتقاد الذي تريد لينس ي ييان أن يطبقه في الحياة عن أي خلية تبين‬
‫ليه األهيداف التي تترتيب على قيياميه بيذلي الس ي ي ي ييلوك في إطيار تحقيق أي غيايية وجوديية ليه! فيالعلميانيية ‪-‬من خالل‬
‫نظرية املعرفة الخاصة بها (األبستمولوجيا)‪ -‬ترفر بحث "الغائية" والغيب بشكل كامل أصال!‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫كذل األمر فإن العلمانية نفس ييها ال تقدم رواية س ييردية أو تفس يييرا داخليا من نفس ييها ليبرر وجودها أو الحاجة‬
‫ِّ‬
‫وباملخلص وما ب ي ييابه من قض ي ييايا‪ ،‬فإن هذا اإليمان يجعله‬ ‫ِّ‬ ‫إل‪:‬ها هي‪ ،‬فمثال حين يؤمن املس ي يييمي باإلله وبالتثليث‬
‫ِّ‬ ‫ه‬
‫مسييحيا وعلى أسياسيه يتبع تعاليم الديانة املسييحية ئمن أخالق وسيلوك ‪ ،‬وقس على هذا سيائر األديان وسعر‬

‫‪52‬‬
‫املناه األيديولوجية‪ ،‬فالش يييويي يؤمن باملادية أو باملاركس ييية‪ ،‬وهو ملحد‪ ،‬األمر الذي يبرر وص ييفه بالش يييويي‪،‬‬
‫بياقتنياعيه بياملياديية والقوانين الجيدليية والنظريية االب ي ي ي ييتراكيية والنظيام املنبثق عنهيا للحيياة‪ .‬بينميا األمر ليس كيذلي‬
‫في العلم يياني يية‪ ،‬ف ييالعلم يياني يية ليس ي ي ي ي ييت إال مجرد مح يياول يية براغم يياتي يية إلفراز ح ييل ق يياب ييل للتطور والتغيير مع الوق ييت‬
‫والظروف‪ ،‬ال يمكن وض ي ي ي ييع اليييد على معيياملييه الفكرييية‪ ،‬إذ إنييه قييابييل للتلون والتحوير‪ ،‬وهو نس ي ي ي ييبي‪ ،‬متغير دائمييا‬
‫بحجيية التطوير‪ ،‬ويتهرب من أن يض ي ي ي ييع مقيياييس أص ي ي ي ييولييية فكرييية تب؟ عل‪:‬هييا الحلول املفروضي ي ي ي يية للواقع‪ ،‬بحجيية‬
‫الحيادية أو عدم تس ي ييلط فئة على غيرها في املجتمع‪ ،‬أو بحجة دوام التغير والتطور‪ ،‬أو بحج أخرى‪ ،‬وس ي ييتترك‬
‫للمش ييرعين في الدول أن ي تاروا ض ييوابط لعالقات املجتمع وفقا ورالهم بوص ييفهم فقهاء دس ييتوريين‪ ،‬ومش ييرعين‪،‬‬
‫وأحزابا س ي ييياس ي ييية‪ ،‬دون أن تؤصح ححل لهم أي أصح ححول يتبعونها عند التشح ححر ع‪ ،‬ودون أن تبين لهم مقاصح ححد عامة‬
‫يراد للتش ح ح ح ححر عحات تحقيقهحا‪ ،‬وبيذلي نرى أن العلميانيية فكرة س ح ح ح ححلبيحة‪ ،‬تعرف ميا ال ترييد‪ ،‬فهي ال تريحد أن يكون‬
‫التش ي ي ي ييريع ص ي ي ي ييادرا عن أي دين أو قيم خلقية أو عادات مجتمعية‪ ،‬ولكنها ال تعرف ما تريد‪ ،‬فهي ال تقدم حلوال‬
‫ملش يياكل اإلنس ييان‪ ،‬ال تقدم تص ححورا للمقاييس والقيم والقناعات واملقاص ححد التي يراد للتش ححر ع أن يوجدها في‬
‫أي مدتمع أو دولة حت يرجع املشي ي ي ييرعون إل‪:‬ها حين قيامهم بالتشي ي ي ييريع‪ ،‬وأقصي ي ي ييب ما قدمته هي مفاهيم هالمية‬
‫عامة غامض ي ي ي يية ض ي ي ي ييبابية‪ 30‬مثل تأليه العقل ونواتجه‪ ،‬فهو معيار الص ي ي ي ييواب والخطأ‪ ،‬ومثل "العقل الس ي ي ي ييليم"‪،‬‬
‫والحق الطبيعي (ب ححدال من نظري ححة‪ :‬الحق اإلل ي)‪ ،‬ومث ييل الحري ييات‪ ،‬وعص ي ي ي يم يية اإلرادة الع ييام يية‪ ،‬وجع ييل الع ييدل‬
‫الطبي ي واإلخاء والحرية واملسي يياواة هي وحدها مصي ييدر التشي ييريع‪ ،‬وهذح كلها مفاهيم فضي ييفاضي يية غامضي يية قابلة‬
‫للتأويل والتغيير والتضارب بحيث يصعب على املشر مراعاتها أو حت التحقق من مراعاتها في كل بأن‪ ،‬وبح ها‬
‫املوغل في النظرية‪ ،‬واملنفصل عن الواقع في فصل السلطات ومنع استئثار قلة من املجتمع بها‪ ،‬ملنع االستبداد‪،‬‬
‫ه‬
‫األمر الذي نجدها قد غضت الطرف عنه تماما حين مورست العلمانية في الواقع!‬

‫‪ 30‬على س ييبيل املثال "دارت أفكار املدارس العلمانية التي تمثل عقالنية عص يير التنوير‪ ،‬وعاطفية روس ييو‪ ،‬ونفعية ب ثام على األفكار التالية‪ :‬إن العقل‬
‫خي ار بطبيعته‪ ،‬ولكن املؤسيسييات االجتماعية قد أفسييدته‪ ،‬تقاليد البشيير أسيياطير خادعة‪ ،‬قدرة‬ ‫املجرد هو املوجه ملسييار التطور االجتمايي واإلنسييان ِّ‬
‫ِّ‬
‫البشي ييرية على التقدم الالنها ي‪ ،‬غاية املصي ييلا األخال ي والسي يييا ي ييبي تحرير اإلنسي ييان من العقائد القديمة واملؤسي يسي ييات القديمة‪ ،‬ومسي ييتقبل اإلنسي يان‬
‫يكمن في حرية خالصية وديمقراطية بال حدود‪ ،‬والسيلطة السيياسيية هي أداة اإلصيالح"‪ .‬ئاألصيولية والعلمانية‪ ،‬مراد وهبة ص ‪ .21-20‬فكما ترى هذح‬
‫أفكار فلسفية وليست مقاييس تشريعية‪ ،‬وليست حلوال تفصيلية للمشاكل الناتجة عن االجتما ‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫إحاطة اإلنسان بر ية مادية مي انيكية عبثية‬

‫أميا عن الرؤيية املياديية امليكييانيكييية التي أحياطيت اإلنسي ي ي ي ييان بهييا‪ ،‬فيإننييا س ي ي ي يينجييد لو أنعمنييا النظر في التحوالت‬
‫الخطرة التي أسييبغتها هيمنة الحضييارة الغربية وتسييلطها اليوم في العالم وعلى البشييرية‪ ،‬سيينجدها أعادت هيكلة‬
‫اإلنس ي ي ييان في هذا العص ي ي يير وفق رؤية علمانية ميكانيكية‪ ،‬أرخت العنان ل سي ي ي ي حياته وفق ماكينة مادية بحتة‪،‬‬
‫ْ ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫فص ي يل ْته عن ذاته‪ ،‬وس ي ي ْ‬
‫خالق‬
‫ِّ‬ ‫يموات‬
‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫إله‬ ‫عن‬ ‫ا‬‫ي‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ِّ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫يانيته‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫إن‬ ‫عن‬ ‫غريبا‬ ‫يانا‬ ‫يحقت كينونته‪ ،‬ليتمظهر إنس ي ي‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ْ ه‬
‫الحياة‪ ،‬مق ِّبال على‬ ‫ِّ‬ ‫العمل في هذح‬ ‫ِّ‬ ‫املوعود جز هاء على إحس ي ي ي ِّيان‬ ‫ِّ‬ ‫يماء‬
‫فردوس الس ي ي ي ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫والحياة‪ ،‬وعن‬
‫ِّ‬ ‫الكو ِّن واإلنس ي ي ي ِّيان‬
‫ِّ ه‬ ‫ه‬
‫التق؟ي حينا خخر‪ ،‬ت ِّعدح‬ ‫ِّ‬ ‫التقدم‬
‫ِّ‬ ‫يتار‬
‫والحداثة حينا‪ ،‬وس ي ي ي ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫العلمانية‬
‫ِّ‬ ‫بغطاء‬
‫ِّ‬ ‫عبادة خلهة أرض ي ي ييية جديدة‪ ،‬محجوبة‬ ‫ِّ‬
‫اللذات‪ ،‬فأورثته هذح النظرة األرض ي ييية ض ي يين‬ ‫ِّ‬ ‫يبي تس ي ييوس ي يه الرغبات والش ي ييهوات الهائجة‪ ،‬وتعظيم‬ ‫بفردوس أرم ي ي ِّ‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫وبقوة الروح‪ ،31‬وخواء الفكر‪ ،‬وحيرة وال أدرية تس ْربل بها‪ ،‬ولم لعد يبالي!‬ ‫املعيشة‪ِّ ،‬‬
‫لو أنعمنييا النظر أكثر لوجييدنييا انقالبييا يكيامال على مفيياهيم الثقييافي ِّية والحضي ي ي ي ييارة بتفريغهييا التي ِّ‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫يام من كييل قيميية‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ِّ‬ ‫‪،‬‬ ‫ِّ ِّ‬
‫واألخالق والتقالي ِّيد‬ ‫ِّ‬ ‫واملعتقدات والفنو ِّن‬ ‫ِّ‬ ‫واملعارف‬
‫ِّ‬ ‫االجتماعي ِّة‬ ‫القيم‬
‫يمثل س ي ي ي يلم ِّ‬ ‫ومع؟ ‪ ،‬ومن كل بعد إنس ي ي ي يياني ِّ‬
‫يات‪ ،‬وتحويلهيا إلى القيم ِّية امليادي ِّية واملنفع ِّية اون ‪،‬يي ِّة‬ ‫املميزة للمجتمع ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫يادات‬
‫ات والع ِّ‬ ‫والفلس ي ي ي يف ِّية وبيا ي املواه ِّيب والقيابل ِّيي ِّ‬
‫ومعدالت إنتاج واستهالك‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫اكمة الك ِّ ِّم على الك ِّ ِّم‪ ،‬من سلع‬ ‫والربح فقط‪ ،‬ومر ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫والتسويق‬
‫ِّ‬ ‫اإلنتاج‬
‫ِّ‬ ‫واختز ِّالها في زياد ِّة‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫لترويج سييلعة ال يزيد‬ ‫ِّ‬ ‫حت غدا االخترا هو أبو الحاجة‪ ،‬وتحول اإلنسحان نفسحه ليكون سحلعة‪ ،‬أو مادة دعائية‬
‫رسع دينار!‬ ‫ثمنها عن ِّ‬
‫نمط عي ِّشي يها إلى مجموعات اس ييتهالكية‪،‬‬ ‫وتحولت املجتمعات من أن تكون كيانات ثقافية تتجس ييد قيمها في ِّ‬
‫ه‬
‫يافي الحض ي ي ي ييار ِّ ِّي ذلي ‪ ،‬واليذي ص ي ي ي يياحبيه إذك اياء لن ِّيار العنص ي ي ي ييري ِّية والتفرق ِّية‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫خوالهيا الفكر ِّي الثق ِّ‬ ‫لم تلبيث طويال بعيد ِّ‬
‫ياحر واإلفن ِّياء حت دارت فيميا بينهيا ريى حروب ودمياء تس ي ي ي يفي ‪ ،‬لهيا أول وميا لهيا خخر‪ ،‬وانفهر النياس بيالتقيدم‬ ‫والتن ِّ‬
‫القيم اإلنسي ي ي ي ييان ‪،‬يي ِّة‪ ،‬ولم تتمكن العلوم والتقنييية من حي ِّ ِّيل‬ ‫التكنولوجي على حسي ي ي ي يياب التراجع الشي ي ي ي ييديييد في مجييال ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ه‬
‫والت ْي ِّه والوحشي ي ِّية‬ ‫ِّ‬ ‫الوجود‪ ،‬ولم تزد الالأدريين إال مزيدا من الشي ي‬ ‫ِّ‬ ‫عالم‪ ،‬وال أفض ححت لتفس ح ِّحيرمعنى‬ ‫يكالت ال ِّ‬ ‫مشي ي ِّ‬
‫دود‪ ،‬لذل ‪ ،‬نجد أن العلمانية لم تجب على األسييئلة املصيييرية لينسييان‪ ،‬فكانت ِّأول مبدأ في تاريخ‬ ‫صي ِّ‬ ‫والح ْيرة وال ُّ‬
‫ِّ‬
‫البش ييرية يقوم على تجاهل قض ييية اإلنس ييان املص يييرية‪ ،‬مما أنتج حض ييارة الش ييقاء والقلق‪ ،‬حيث لعيش اإلنس ييان‬
‫ه‬
‫جاهال بكينونته وصيرورته‪.‬‬
‫ْ‬
‫يقول كولن ولس ييون في كتاب ئس ييقو الحض ييارة ‪" :‬أنظر إلى حض ييارتنا نظري إلى ييبيء رخيص تافه‪ ،‬باعتبار‬
‫أنها تمثل انحطا جميع املقاييس العقلية‪".‬‬

‫‪ 31‬الدكتورة كريمة دوز‪ :‬الوث ية الجديدة‪ :‬األبكال الجديدة لعبادة اإلنسان الحديث بتصرف‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫ويقول املؤرا أرنولد توينبي‪" :‬إن الحض ي ي ي ييارة الغربية مص ي ي ي ييابة بالخواء الرويي الذي ي ِّ‬
‫حول اإلنس ي ي ي ييان إلى قزم‬
‫مشي ي ي ي ِّيوح يفتقد عناصي ي ي يير الوجود اإلنسي ي ي يياني‪ ،‬فيعيش الحد األدنى من حياته‪ ،‬وهو حد وجودح املادي فحسي ي ي ييب‪،‬‬
‫واليذي ُيحول املجتمع إلى قطيع يركض بال هحدف‪ ،‬ويحول حيياتيه إلى جحيم مش ح ح ح ححوب بحالقلق والحيرة والتمزق‬
‫النفس ي"‪.‬‬
‫ويقول الكاتب والسي ي يييا ي ي ييبي الفرنسي ي ييبي أندري مالرو‪" Malraux :‬حضي ي ييارتنا هى األولى في التاريخ‪ ،‬الت إذا طرح‬
‫السؤال األهم "ما مع؟ الحياة؟"‪ ،‬أجابت "ال أعرف" على مدى القرن‪ ،‬فشلت كل محاوالت اإلجابة"!‪32‬‬

‫وق ححال تي‪ .‬إس‪ .‬إليوت‪" :‬أكبر دلي ييل على انحط ييا ثق ييافتن ييا هو رد فعلن ييا املرتب ي تج يياح اس ي ي ي ييم هللا"‪" .‬أين هو‬
‫الحكمة التي فقدناها في املعرفة؟ أين هو املعرفة التي فقدناها في املعلومات؟"‬

‫‪ 32‬أنظر مقيالية بعنوان‪ :‬الفياتحية‪ :‬من هللا‪ ..‬هلل‪ ..‬إلى هللا‪ ..‬الكياتيب‪ :‬يياس ي ي ي ييين بن علي‪ .‬واليدكتورة كريمية دوز‪ :‬الوث يية الجيدييدة‪ :‬األب ي ي ي يكيال الجيدييدة لعبيادة‬
‫اإلنسان الحديث بتصرف‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫تحوالت الليبرالية‪ ..‬من التنظير لتحريراإلنسان إلى تشييئه تمهيدا البتالعه‪:‬‬

‫في مقالته الش ي ي ييهيرة‪ ،‬التي نش ي ي ييرت عام ‪ ،1784‬أوض ي ي ييا الفيلس ي ي ييوف األملاني "إيمانويل كانط" جوهر مش ي ي ييرو‬
‫التنوير والحداثة‪ ،‬وهو "تحرير اإلنسان من كل قوى االستالب التي تق بينه وبين حريته في ممارسة اختياراته‬
‫ومعمال عقله وتحديد مصيرح‪ ،‬وتشكيل تصوراته عن العالم"‪33‬؛‬
‫ه‬
‫ذل العالم الذي أخذ يقتص يير ب يييئا فش يييئا على مملكة الطبيعة‪ ،‬أي العالم الحس ييبي املادي الذي يمكن أن‬
‫ي ض ي ي ي ييع للتجربيية‪ ،‬والييذي يحمييل جميع أس ي ي ي يرارح وخليييات فهمييه داخلييه‪ ،‬دون الحيياجيية إلقحييام امليتييافيزيقيييا أو أي‬
‫مرجعيات غيبية تتجاوزح في عملية فهمه‪ ،‬خصي ييوصي ييا في "عصي يير التنوير‪ ،‬عصي يير اإليمان بقدرة العقل على فض‬
‫كل مغاليق هذا الوجود‪.35!"،34".‬‬
‫فالحرية باعتبارها ‪-‬من وجهة نظرهم‪ -‬إعادة االعتبار لينس ي ي ييان في هذا العالم‪ ،‬ئاإلنس ي ي ييان األبير األوروسي‬
‫املنتمي للقوى البورجوازية الصي ي يياعد نجمها في أوروبا‪ ،‬صي ي يياحب الطموحات االقتصي ي ييادية الواسي ي ييعة‪ ،‬الراغبة في‬
‫إنهيياء امللكييية املطلقيية والقض ي ي ي ي يياء على النظييام اإلقطييايي الييذي يق بينهييا وبين حقهييا في حرييية التمل ي والتجييارة‬
‫والتنقل والتص ي ي ي ييرف ورفع أغالل القوى التي تس ي ي ي ييلب وجودح وذاتيته؛ كانت الحرية هي الشح ح ح ححعاراألبرز لعصح ح ح ححر‬
‫التنوير والحداثة‪ ،‬واعتبرت تل الحقوق أخالقيات عامة ومقدس ي ي يية ال يمكن التنازل عنها‪ ،‬وتمركزت فلس ي ي ييفتها‬
‫حول اإلنسان‪.‬‬
‫بتمركزه ي ييا حول الحري ي يية الفردي ي يية كقيم ي يية مطلق ي يية‪ ،‬اعتبر أن ي ييدرو هيود أن األي ي ييديولوجي ي ييا الليبرالي ي يية "هي‬
‫ه‬
‫األيديولوجيا األك رارتباطا بفلسفة التنوير وتعبيرا عنها وبنظرتها لينسان والتاريخ"‪.‬‬

‫‪ 33‬أنظر‪ :‬استذئاب الليبرالية‪ ..‬من النضال لتحرير اإلنسان إلى النضال البتالعه‪ ،‬ويحيا الفرد ويسقط املجتمع‪ ..‬املسيرة املظلمة للفردانية في الغرب‪،‬‬
‫ب ييري مراد‪ ،‬ميدان‪ ،‬الجزيرة نت‪ .‬هوبز‪ :‬الدولة التنين ن اإلرهاص ييات األولية للعقد االجتماييق‪ ،‬س ييليم اللويزي‪ ،‬ما هي الليبرالية؟ موقع‪ :‬حكمة‪ ،‬نص‬
‫مترجم د‪ .‬جيرالد غس وخخرون‪ ،‬ترجمة‪ :‬أمين حمزاوي‪ ،‬مراجعة‪ :‬سيرين الحاج حسين‪ ،‬وامل شور على ئموسوعة ستانفورد للفلسفة ‪ .‬نقد الليبرالية‪،‬‬
‫عيوب الليبرالية وأخطاؤها‪ ،‬د‪ .‬الطيب بوعزة‪ ،‬مفهوم الحرية‪ ،‬عبد هللا العروي‪.‬‬
‫‪ 34‬فلسفة العلم في القرن العشرين د‪ .‬يم؟ طري الخولي ص ‪،12‬‬
‫‪ 35‬يقول األس ي ييتاذ عباس العقاد في كتابه "هللا" ص ‪" : 51-49‬وقد كان للحاس ي يية الدي ية فض ي ييل اإلنقاذ من هذح الجهالة الحيوانية [لع؟ي جهالة قص ي يير‬
‫املوجودات على املحس ييوس فقط‪ ،‬باالدعاء أن كل ما هو منظور أو ملموس أو مس ييمو فهو واقع ال ب ي فيه‪ ،‬وكل ما خفي على النظر فهو واملعدوم‬
‫س ييواء]‪ ،‬ألنها جعلت عالم الخفاء مس ييتقر وجود‪ ،‬ولم تتركه مس ييتقر فناء‪ ،‬فتعلم اإلنس ييان أن يؤمن بوجود ييبيء ال يراح وال يلمس ييه بيديه‪ ،‬وكان هذا‬
‫فتحا علميا‪ ،‬لم ينحصيير في عالم التدين واالعتقاد‪ ،‬ألنه وسييع خفاق الوجود وفتح البصيييرة للبحث عنه في عالم غير عالم املحسييوسييات وامللموسييات‪،‬‬
‫ولو قل اإلنس ييان ينكر كل ييبيء ال يحس ييه ملا خس يير بذل الديانات وحدها‪ ،‬بل خس يير معها العلوم واملعارف وقيم اوداب واألخالق‪ ....‬ويجيء املاديون‬
‫في الزمن األخير فيحسي ي ي ييبون أنهم جماعة تقدم ومصي ي ي ييالح للعقول وتقويم ملبادل التفكير‪ ،‬والواقع أنهم في إنكارهم كل ما عدا املادة يرجعون القهقرى‬
‫إلى أعرق عص ي ي ي ييور في القدم‪ ،‬ليقولوا للناس مرة أخرى إن املوجود هو املحس ي ي ي ييوس ومن املعدوم في األنظار واألس ي ي ي ييما معدوم كذل في قاهر الوجود‬
‫وخافيه‪ ،‬وكل ما بينهم وهمج البداءة من الفرق في هذا الخطأ‪ ،‬أن حسهم الحديث يلبس النظارة ويضع املسما على أذنيه‪ .".‬انته م تصرا‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫خذن القرن الس ييابع عش يير والثامن عش يير بتحوالت فكرية هائلة في أوروبا‪ ،‬التي رزحت تحت مزيج من النظام‬
‫الك س ي ييبي‪ /‬االقطايي الذي كان يحول بين اإلنس ح ححان األوروبي وبين "حقه" في التملك والحرية‪ ،‬وتحديد مص ي يييرح‬
‫بنفسي ييه‪ ،‬بال حقوق سي ييياسي ييية تمكنه من املشي يياركة في الحكم واختيار من يحكمه‪ ،‬إذ تصي ييارعت امللكية ومجلس‬
‫النواب ئالبرملان والكنيسي ي يية على تل الحقوق ئأواخر القرن السي ي ييادس عشي ي يير أوائل السي ي ييابع عشي ي يير‪ ،‬في مجتمع‬
‫بريطيياني بروتس ي ي ي يتييانتي لعمييل على قلع كييل أثر للبييابوييية املكروهيية‪ ،‬إبييان بروز توميياس هوبز ئ‪ 1679-1588‬وجون‬
‫ِّ‬
‫منظران س ييياس يييان ‪ ،‬وال أخرى تعطيه قيمة إنس ييانية ترتفع به‪ ،‬ويش ييعر‬ ‫لوك ئ‪ 1704-1632‬ئوهما فيلس ييوفان ِّ‬
‫معها بكرامته ودورح في الحياة‪.36‬‬

‫‪ 36‬أنظر‪ :‬استذئاب الليبرالية‪ ..‬من النضال لتحرير اإلنسان إلى النضال البتالعه‪ ،‬ويحيا الفرد ويسقط املجتمع‪ ..‬املسيرة املظلمة للفردانية في الغرب‪،‬‬
‫ب ييري مراد‪ ،‬ميدان‪ ،‬الجزيرة نت‪ .‬هوبز‪ :‬الدولة التنين ن اإلرهاص ييات األولية للعقد االجتماييق‪ ،‬س ييليم اللويزي‪ ،‬ما هي الليبرالية؟ موقع‪ :‬حكمة‪ ،‬نص‬
‫مترجم د‪ .‬جيرالد غس وخخرون‪ ،‬ترجمة‪ :‬أمين حمزاوي‪ ،‬مراجعة‪ :‬سيرين الحاج حسين‪ ،‬وامل شور على ئموسوعة ستانفورد للفلسفة ‪ .‬نقد الليبرالية‪،‬‬
‫عيوب الليبرالية وأخطاؤها‪ ،‬د‪ .‬الطيب بوعزة‪ ،‬مفهوم الحرية‪ ،‬عبد هللا العروي‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫التحوالت الفكرية بين مفاهيم عصرالنهضة وفلسفة ما بعد الحداثة‪:‬‬

‫وأميا أثر التحوالت الفكريية في الفكر الغرسي‪ ،‬وأثرهيا على اإلنسي ي ي ي ييان واملجتمع‪ ،‬فكيانيت مرحلية الحيداثية وكيان‬
‫عمادها وركنها هو إلغاء الدين‪ ،‬أو تحييدح‪ ،‬أو فص ييله‪ ،‬أو بتعبير مارتن هايدجر "االنس ييالا عن املقدس ييات ونز‬
‫الطييابع اإللهي عنهييا"‪ ،‬ويقول خالن توران في كتييابييه ئنقييد الحييداثيية ‪" :‬تحييل فكرة الحييداثيية فكرة العلم‪ ،‬محييل فكرة‬
‫"هللا" في قليب املجتمع‪ ،‬وتقص ي ي ي يير االعتقيادات اليدي يية على الحيياة الخياصي ي ي ي يية بكيل فرد‪ ،‬هيذا من جهية‪ ،‬ومن جهية‬
‫ث يياني يية‪ ،‬ف ييإن ييه ال يكفي أن تكون هن يياك تطبيق ييات تكنولوجي يية للعلم كي نتكلم عن مجتمع ح ييدي ييث‪ ،‬ي ب ي أيض ي ي ي ي ييا‬
‫حماية ال ش ي ي ي ييا العقلي من الدعايات الس ي ي ي ييياس ي ي ي ييية أو االعتقادات الدي ية‪ ...‬ترتبط فكرة الحداثة إذن ارتباطا‬
‫وثيقا بالعقلنة"‪37‬‬

‫تأس ي ي يسي ي ييت الحداثة‪ 38‬بتأثر بي ي ييديد بأفكار عصي ي يير التنوير على فكرتين‪ :‬فكرة الثورة على التقليد‪ ،‬وفكرة مركزية‬
‫العقل‪ ،‬لكن على حس ي يياب املش ي يياعر والقيم اإلنس ي ييانية‪ ،‬بحيث أض ي ييحت العقالنية قهرا‪ ،‬وتركيزا لتفوق اإلنس ي ييان‬
‫األبير األوروسي وغطرسيته‪ ،‬وحقه في اسيتالب واسيتعباد البشير واألمم األخرى‪ ،‬وفي هذا السيياق "صيفق عظيم‬
‫مفكري الحداثة في أوروبا ئهيجل ملا س ي ي ي ‪،‬يماح بانتص ي ي ييار الروح األوروبية وعودتها إلى مجدها عند احتالل فرنس ي ي ييا‬
‫للجزائر"‪ ،‬وكانت خطابات االس ي ييتش ي يراق تتمركز حول الطابع االس ي ييتعماري‪ ،‬نجد أيض ي ييا أن فرانس ي ييوا ماري أرويه‬
‫املعروف باس ي ييم فولتير الذي هاجم الكنيس ي يية الكاثوليكية وخمن أن "مص ي ييير اإلنس ي ييان بين يديه وليس في الجنة"‪.‬‬
‫ه‬
‫وش ي ييجعت أفكارح الناس على القتال ض ي ييد امتيازات وهيمنة الكنيس ي يية‪ ،‬واعتبر الفيلس ي ييوف الفرنس ي ييبي "رمزا لعهد‬
‫التنوير"‪ ،‬وذاعت بي ي ي ييهرته بسي ي ي ييبب سي ي ي ييخريته الفلسي ي ي ييفية الظريفة ودفاعه عن الحريات املدنية وخاصي ي ي يية حرية‬
‫املعتقد‪ ،‬نجد أنه‪ :‬كان عنصييريا بحسييب تقرير ملجلة فورين بوليسييبي‪ ،‬كان فولتير قد اسييتثمر شييخصي هييا في بييركة‬
‫الهند الشرقية الفرنسية‪ ،‬التي تأسست عام ‪ 1664‬الستغالل العالم الجديد‪ ،‬بما في ذل تجارة العبيد األفارقة‬
‫الذين تم بيعهم كس ييلع من أجل الربح‪ .‬ومع ذل ‪ ،‬فقد أحب تعري نفس ييه بأنه "فيلس ييوف تاجر" وبالتأكيد قام‬
‫بتمويل بييركة الهند الشييرقية الفرنسييية بال ب ي في أرسعي يات القرن ‪ ،18‬عندما ركزت فرقاطاتها املسييلحة على‬
‫الرحالت التجارية إلى أفريقيا‪ .‬باإلض ييافة إلى امتالك أس ييهم الش ييركات‪ ،‬تم توثيق أن فولتير وض ييع أمواله الخاص يية‬
‫مباب ي ي ييرة في مغامرات نقل الرقيق بواس ي ي ييطة س ي ي ييفن مثل ‪ ،Le Saint-Georges‬التي غادرت قادس‪ ،‬إس ي ي ييبانيا‪ ،‬في‬
‫دلس ي ي ي ييمبر‪/‬كيانون األول ‪ 1751‬متجهية إلى غي ييا‪ ...‬وكيانيت كراهيتيه الش ي ي ي ييدييدة للجمياعيات اليدي يية كيافيية بس ي ي ي ييهولية‬

‫‪ 37‬نقر الفكر الغرسي الرأسمالي مبدأ وحضارة وثقافة‪ ،‬من إصدارات حزب التحرير صفر ‪ 1443‬ه‪ ،‬أيلول ‪ 2021‬م‪ .‬ص ‪15-14‬‬
‫‪ 38‬الحداثة هي مدرسي ي يية فكرية أو حركة قهرت في أواخر القرن التاسي ي ييع عشي ي يير وأوائل القرن العشي ي ييرين‪ .‬وتمتد فترة ما بعد الحداثة من سي ي يينة ‪-1970‬‬
‫‪ 1990‬م‪ ،‬ويعيد كثير من الباحثين نشأة مفهوم ما بعد الحداثة ومرهاصاته إلى الفيلسوف األملاني نيتشه الذي نادى بموت اإلله ئاإلنسان املقدس ‪،‬‬
‫وليعلن أنه ال حقيقة مطلقة طاملا أن هناك اكتش ي ييافات جديدة خارج س ي يييطرة اإلنس ي ييان‪ ،‬ويؤرا لها توينبي بس ي ييبعينات القرن التاس ي ييع عش ي يير‪ ،‬أي إن‬
‫هناك اختالفات في تاريخ قهور الحركة‪ ،‬ولكن الحداثة تأثرت تأثرا واضحا بأفكار عصر التنوير والنهضة األوروسي منذ القرن السابع عشر‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫للتحرير على العن ضي ي ييدهم‪ ،‬وأكدت عنصي ي ييريته البيولوجية أن هناك تدرجات ألبي ي ييكال الحياة وأن السي ي ييود‬
‫جياؤوا في مكيان ميا بيالقرب من القيا ‪ ،‬بعي هيدا عن "القرود"‪ .‬وعيام ‪ 1769‬ص ي ي ي ييور فولتير في أحيد كتبيه األفيارقية على‬
‫أنهم "حيوانات" ذات "أن أسي ييود مسي ييطح بذكاء ضي ييئيل أو معدوم"‪ 39" .‬األمر الذي دفع إلزالة تمثال فولتير من‬
‫خييارج األ يكياديمييية الفرنس ي ي ي يييية في بيياريس في أغس ي ي ي ييطس‪/‬خب في حمييأة مهيياجميية رموز العنص ي ي ي ييرييية والعبودييية التي‬
‫اجتاحت العالم الغرسي في أواسط عام ‪ 2020‬إثر تحركات "حياة السود مهمة" ‪Black Lives Matter.‬‬
‫إذن‪ ،‬فمن الطبي ي أن نتسياءل عن بيعارات العلمانية وعصير التنوير األولى‪ :‬الحرية‪ ،‬املسياواة‪ ،‬اإلخاء‪ ،‬هل‬
‫هي لكل البشر؟ أم للج س األبير فقط؟‪ 40‬بل فوق ذل ‪ :‬للرجال من الج س األبير دون ال ساء!‬
‫"ناقش س ي ي ي ييتيوارت ميل في كتاب "عن الحرية" أن "الحرية كمبدأ‪ ،‬ال مجال لتطبيقها على أية حالة س ي ي ي ييابقة‬
‫على الوقت الذي يبلغ فيه البشي يير القدرة على التطور بواسي ييطة املناقشي يية الحرة على قدم املسي يياواة" من ثم فإن‬
‫غالبا ما يتم‬ ‫"االس ييتبداد هو نظام مش ييرو للحكم في التعامل مع البرابرة‪ ،‬على ب يير أن تكون غايته تطورهم‪ .41‬ه‬
‫تجاهل هذا املقطع – املش ي ي ي ي ِّيبع بالروح اإلمبريالية للقرن التاس ي ي ي ييع عش ي ي ي يير‪ -‬ئوربما كما لعتقد البعر العنص ي ي ي ييرية‬
‫الكامنة من قبل املدافعين عن ميل وذل بدايي الحرج‪ 42.‬لكن هذا ال لع؟ي أن مثل هذح املقاطع امليلي ية قلت‬
‫من دون مدافعين "مرمو ي الفكر"‪– .‬انظر على سبيل املثال‪43". Inder Marawah (2011).‬‬

‫"املبجل"‪ ..‬هل نش يير فولتير التنوير أم الظالم واالس ييتعباد؟ الجزيرة نت‪ .‬وتقرير املجلة األميركية فورين بوليس ييبي‪ ،‬الذي‬ ‫ِّ‬ ‫‪ 39‬فيلس ييوف الثورة الفرنس ييية‬
‫كتبته ال حفية الفرنسية الجزائرية نبيلة رمضان‪.‬‬
‫ه‬
‫‪ 40‬لش ي ييير مص ي ييطلا "التفوق األبير")‪ ، (White Supremacy‬وفقا مل جم ميريام ويبس ي ييتر‪ ،‬إلى األيديولوجية العنص ي ييرية الش ي يياملة التي ترى أن العرق‬
‫األبير متفوق في األصل على با ي األعراق‪ ،‬وي ب ي أن لسود عل‪:‬ها‪.‬‬
‫)‪41 (1963, vol. 18: 224‬‬

‫)‪42 (Parekh, 1994; Parekh, 1995; Mehta, 1999; Pitts, 2005‬‬

‫‪ 43‬مييا هي الليبرالييية؟ موقع‪ :‬حكميية‪ ،‬نص مترجم د‪ .‬جيرالييد غس وخخرون‪ ،‬ترجميية‪ :‬أمين حمزاوي‪ ،‬مراجعيية‪ :‬س ي ي ي يييرين الحيياج حس ي ي ي ييين‪ ،‬وامل ش ي ي ي ييور على‬
‫ئموسوعة ستانفورد للفلسفة ‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫ً‬
‫لس ح ح ححنا عنص ح ح ححريين‪ ،‬بل كثيرمن الناس الغربيين أيض ح ح ححا يكتوون اليوم من نفس النارالتي اكتوت‬
‫منها البشرية‬

‫لكن قد يتس يياءل إنس ييان غرسي‪- ،‬وهو ص ييادق في تس يياؤله‪ -‬ليقول‪ :‬أنا ال أؤمن بالعنص ييرية‪ ،‬وال بتفوق الج س‬
‫األبير‪ ،‬ولم أرث هذح املوروثات الثقافية‪ ،‬ولس ي ي ي ييت أؤيد الحروب‪ ،‬ومع ذل ‪ ،‬فإننا نريد أن نؤكد وسش ي ي ي ييدة‪ ،‬أننا‬
‫نناهر كل أبيكال العنصيرية ونبغضيها‪ ،‬وال يمكن أن ننظر إلى اإلنسيان الغرسي كج س أبير‪ ،‬ومنما كنا ندرس‬
‫مرحلية بغيض ي ي ي يية في تياريخ البش ي ي ي ييريية قياميت في أوروبيا منيذ عص ي ي ي يير النهض ي ي ي يية‪ ،‬مألت جنبيات العيالم بتياريخ متوحش‬
‫لالسي ييتعمار األوروسي‪ ،‬وفظا عه التي تعتبر من أسي ييوأ التصي ييرفات في تاريخ الج س البشي ييري‪ ،‬وال بي ي بأن نتائجها‬
‫مس ييتمرة إلى اليوم‪ ،‬وأن كثيرا من الدول الغربية اليوم‪ ،‬ما زالت تس ييتعمر أجزاء كثيرة من أفريقيا وخس يييا وأمريكا‬
‫الجنوبية‪ ،‬وما زالت تمارس نفس املمارسيات االسيتعمارية السيابقة‪ ،‬بأبيكال جديدة‪ ،‬وما زال العالم يكتوي بنار‬
‫هيمنتها الرأسي ي ي ييمالية‪ ،‬وبي ي ي ييركاتها العابرة للقارات‪ ،‬ونهفها لثروات الشي ي ي ييعوب‪ ،‬وال يتحمل أحد وزرأحد‪ ،‬فنحن ال‬
‫نحمل اإلنسييان الغرسي اليوم الذي ينظر إلى االسييتعمار نظرة ازدراء‪ ،‬ويسييتنكر الحروب‪ ،‬ويرى حق األمم األخرى‬
‫في العيش الكريم‪ ،‬ال نحمله أيا من أوزار اإلنسي ي ييان األوروسي في القرون السي ي ييابقة‪ ،‬والذي كان لعترف بعنصي ي ييريته‬
‫ويؤمن بتفوق الج س األبير وحقه في اسي ي ي ييتعمار الشي ي ي ييعوب األخرى‪ ،‬واسي ي ي ييتقى نظرته تل من مفكري عصي ي ي يير‬
‫النهض يية‪ ،‬وس ييار في ركاب دوله التي انطلقت تس ييتعمر العالم‪ ،‬وتنهب خيرات الش ييعوب وثرواتها‪ ،‬وتس ييوقها عبيدا‪،‬‬
‫ومن ثم ت وا الحروب تلو الحروب‪ ،‬ذل هو اإلنس ييان الذي هاجمناح في الس ييطور املاض ييية‪ ،‬بل فوق ذل ‪ :‬إن‬
‫كثيرا من الناس في الغرب اليوم لعانون أب ي ي ي ييد املعاناة من خثار هذح الرؤى الثقافية واالقتص ي ي ي ييادية والنفس ي ي ي ييية‪،‬‬
‫فتنتش ي ي يير ف‪:‬هم األمراا النفس ي ي ييية وقد غرقوا في وحل الديون الهائلة‪ ،‬والفرا الرويي وانتش ي ي ييرت من حولهم في‬
‫مجتمعاتهم خفات الش ييذوذ الس ييلوكي والجريمة والس ييجون املكتظة‪ ،‬فهم أيض ييا ض ييحايا لعين املش ييكلة التي لعاني‬
‫منهييا النيياس في العييالم كلييه جراء هيمنيية الحض ي ي ي ي ييارة الغربييية على العييالم‪ ،‬وجراء س ي ي ي يييياس ي ي ي ي ييات دولهم الحيياض ي ي ي ييرة‬
‫االقتصادية والثقافية والقانونية التي أفرزت تل األوضا !‬

‫‪60‬‬
‫االنتقال من تأليه اإلنسان ومركزيته للكون إلى تأليه ومركزية السوق الحرة!‬

‫وتمركزت الحيداثية حول فكرة الحريية والعلميانيية‪ ،‬واعتبرت أن اإلنس ي ي ي ييان هو جوهر كيل ي ي ي ييبيء‪ ،‬فهو س ي ي ي يييد‬
‫الكون‪ ،‬ومركزح‪ ،‬وكانت أفكار "إيمانويل كانط" ذات بريق مهم في تطوير األفكار التي قامت الحداثة عل‪:‬ها‪ ،‬ولكن‬
‫الحداثة لم تس ييتطع تحرير اإلنس ييان‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬كانت ب ييعاراتها املناهض يية للعنص ييرية وت ليص االنس ييان‬
‫من االستغالل واهية وغير حقيقية‪.‬‬
‫والحداثة هي مرحلة انتقالية قصح ح ححيرة اس ي ي ييتمرت ف‪:‬ها س ي ي يييادة الفكر النف ي مع تزايد وتعمق خثارح على كافة‬
‫أص ي ي ي يع ييدة الحي يياة‪ ،‬فلق ييد واجه ييت ال ييدول يية القومي يية تح ييدي ييات بظهور النزع ييات العرقي يية‪ ،‬األمر ال ححذي أفرز حربين‬
‫عحامليتين‪ ،‬وكيذلي أص ي ي ي ييبحيت حركييات الس ي ي ي ييوق ئالخياليية من القيم تهيدد س ي ي ي يييادة اليدولية القوميية‪ ،‬واس ي ي ي ييتبيدل‬
‫االسيتعمار العسيكر ‪،‬ي بأبيكال أخرى من االسيتعمار السييا يبي واالقتصيادي والثقافي‪ ،‬واتجه السيلوك العام نحو‬
‫االس ي ي ي ييتهالكييية الش ي ي ي ييرهيية‪ ،‬واس ي ي ي ييتمرت مرحليية الحييداثيية حت قهرت إرهيياصي ي ي ي ييات مييا بعييد الحييداثيية كردة فعييل على‬
‫اإلخفاقات الحضارية والفكرية التي أفرزها عصرالتنوير‪.‬‬
‫ثم قهرت "مييا بعييد الحييداثيية" في قروف س ي ي ي يييياس ي ي ي يييية معقييدة فترة مييا بعييد الحرب العيياملييية الثييانييية‪ ،‬والحرب‬
‫الباردة‪ ،‬وانتشار التسلا النووي‪ ،‬وقهور حقوق اإلنسان‪ ،‬وقهور وانتشار الفلسفات الالعقالنية‪ ،‬كالسريالية‪،‬‬
‫ِّ ه‬
‫عبرا رئيسي ي ي ييا لالنتقال من مرحلة الحداثة‬ ‫والوجودية‪ ،‬والفرويدية‪ ،‬والعبثية‪ ،‬والعدمية… وقد كانت التفكيكية م‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫إلى ميا بعيد الحيداثية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فقيد كيانيت ميا بعيد الحيداثية مفهوميا منياقض ي ي ي ييا وميدلوال مض ي ي ي ييادا للحيداثية‪ .‬وليذلي ‪،‬‬
‫"احتفلت ما بعد الحداثة بأنموذج التشح ح ح ححظي والتشح ح ح ححتيت والالتقريرية كمقابل لش ي ي ي ييموليات الحداثة وثوابتها‪،‬‬
‫وزعزعي ييت الثقي يية بي يياألنموذج الكوني‪ ،‬وبي ييالخطيي يية التقي ييدميي يية‪ ،‬وسعالقي يية النتيجي يية بي ييأس ي ي ي يبي ييابهي ييا‪ ،‬وح ححارب ححت العق ححل‬
‫والعقالنية‪ ،‬ودعت إلى خلق أسيياطير جديدة تتناسييب مع مفاهيمها التي ترفر النماذج املتعالية‪ ،‬وتضييع محلها‬
‫الضرورات الروحية‪ ،‬وضرورة قبول التغيير املستمر‪ ،‬وتبجيل اللحظة الحاضرة املعابة"‪.44‬‬
‫في هييذح املرحليية تن ‪،‬حي ْت فكرة مركزييية اإلنسي ي ي ي ييان جييانبييا‪ ،‬وألجييل بلو األهييداف التي س ي ي ي يعييت الحييداثيية لبلوغهييا‬
‫وفشيلت ف‪:‬ها‪ ،‬قامت مرحلة ما بعد الحداثة على نقد "وت يحيح داخلي" ألفكار الحداثة‪ ،‬بما يتواءم مع األبيكال‬
‫الجيديدة للهيمنية‪ ،‬في قل عقليية غربيية ئأوروبيية وأمريكيية قائمية على الس ي ي ي يييطرة واالس ي ي ي ييتالب‪ ،‬عن طريق أف حار‬
‫تقوم بتفتيت اإلنسححان وتفكيكه‪ ،‬عبر تحويله إلى كائن عبثي متناقض مغترب‪ .‬وتفكيك املجتمعات وتفتيتها‪،‬‬
‫بييإقييامتهييا على فكرة الفردانيححة وفكرة األقليححات‪ ،‬فال "أغلبييية" في املجتمع لهييا حق فرا قيمهييا أو تش ي ي ي ييريعيياتهييا في‬
‫الحياة‪ ،‬فالكل أقليات‪ ،‬املرأة والطفل والشواذ واملستقيمون واألقليات العرقية والدي ية‪...‬الخ‪.‬‬

‫‪ 44‬د‪ .‬سعد البازيي وميجان الرويلي‪ :‬دليل الناقد األدسي‪ ،‬ص‪ .142:‬مدخل إلى مفهوم ما بعد الحداثة د‪ .‬جميل حمداوي‪ ،‬موقع األلوكة‪،‬‬
‫‪61‬‬
‫أص ح ححبح االس ح ححتهال هو الهدف النهائي من الوجود‪ ،‬ومحركه‪ :‬الحرية واللهو والتملك‪ ،‬واتس ي ييعت معدالت‬
‫العوملة لتتض ح ح ححخم مؤس ح ح حس ح ح ححات الش ح ح ححركات متعددة الجنس ح ح ححيات والعابرة للقارات واملنظمات غيرالحكومية‬
‫والتحرر إلى قضييايا املحافظة على البيئة‪ ،‬واملسيياواة بين املرأة‬ ‫ِّ‬ ‫الدولية‪ ،‬وتتحول القضييايا العاملية من االسييتعمار‬
‫غيرت ميا بعيد الحيداثية‬ ‫والرجيل وبين النياس‪ ،‬وحميايية حقوق اإلنسي ي ي ي ييان‪ ،‬ورعيايية الحيوان‪ ،‬وثورة املعلوميات‪ .‬لقيد ِّ‬
‫النظام اإلمبريالي القديم املب؟ي على توازن الرعب‪ ،‬إلى نظام يدعو إلى الديمقراطية وفتح العقول والحدود أمام‬
‫العوملحة والس ح ح ح ححوق الواححدة والرأس ح ح ح حمحاليحة‪ ،‬فكيانيت مرحلية انتقيال من عن الحيداثية إلى الليونية واالنس ي ي ي ييياب؛‬
‫إلغراء ا خر وتفكيكحه تححت ش ح ح ح حعحارات وأمنيحات خيحاليحة‪ .‬من وجهية أخرى ض ي ي ي ييعفيت في املجتمعيات الص ي ي ي ينياعيية‬
‫ا‬ ‫املتقدمة مؤس ي يس ي ي ا‬
‫يات اجتماعية ص ي ييغيرة بطبعها مثل األسح ححرة‪ ،‬بس ي ييبب اإلس ي ييهاب في مس ي يألة املس ي يياواة بين الرجل‬
‫واملرأة‪ ،‬وقهرت بجانفها أبي ي ييكال أخرى للمعيشي ي يية العائلية مثل زواج الرجال أو زواج ال سي ي يياء‪ ،‬وزاد عدد ال سي ي يياء‬
‫ه‬
‫الالتي يطلبن الطالق فشي ي يياعت قاهرة امرأة وطفل أو امرأتان وأطفال‪ ،‬كل ذل مسي ي ييتندا على خلفية من غياب‬
‫الثواب ييت واملع ييايير الح يياكم يية ألخالقي ييات املجتمع والتطور التكنولوجي ال ييذي يتيح ب ييدائ ييل لم تكن موجودة من‬
‫قبل‪45.‬‬

‫لقد قامت ما بعد الحداثة لنقد فش ح ححل أف ارالحداثة وأس ي يياليفها في بلو غاياتها‪ ،‬واالس ي ييتعاض ي يية عنها بأفكار‬
‫وأس ي ي ي ييالييب جيدييدة تعيحد النظر في املجتمعحات واألس ح ح ح ححرة والثقحافحات واإلنس ح ح ح ححان والطبيعحة وخلييات التش ي ي ي ييتييت‬
‫والتش ي ي ي ييكي ي والتش ي ي ي ييريح والتفكي ي ئب ييانتق يياد اللوغوس‪ ،‬أي ق ييانون التفكير املنطقي ‪ ،‬واالختالف‪ ،‬والتغري ييب‪،‬‬
‫والعدمية‪ ،‬والفوض ى‪ ،‬والالنظام‪ ،‬والالانسجام‪ ،‬وعدم وضوح الهوية‪ ،‬والالمعنى‪ ،‬والالمركز‪.‬‬
‫كيانيت ميا بعيد الحيداثية تهيدف إلى تقوير الفكر الغرسي‪ ،‬وفض ي ي ي ييا األييديولوجييات الس ي ي ي ييائيدة املتيآكلية‪ ،‬وذلي‬
‫باس ي ي ي ييتعمال لغة االختالف والتض ي ي ي يياد والتناقر‪ ،‬والتشح ح ح ححكيك في املعارف اليقينية‪ ،‬وتقوير ئالعقل واملنطق‬
‫ُ‬
‫غي ُب املعنى‪ ،‬بمع؟ أن فلسفات‬ ‫واالنسجام والنظام ‪ ،‬وتقوم في ذل باالتكاء على فلسفة عدمية‪ ،‬فوضوية‪ِّ ،‬‬
‫ت‬
‫ما بعد الحداثة هي فلسيفات ال تقدم بدائل عملية واقعية وبرجماتية‪ ،‬بل هي فلسيفات عبثية ال معقولة‪ ،‬ت شير‬
‫اليأس والشكوى والفومب في املجتمع‪.‬‬
‫وفي هذا الص ي ي ي ييدد‪ ،‬يقول ديفييد كارتر ئ‪ David Karter‬في كتيابه ئالنظرية األدبيية ‪" :‬وتعبر هذح املواق من‬
‫"ما بعد الحداثة" عن موق متش ححكك بش ح ل جوهري لجميع املعارف البش ححرية‪ ،‬وقد أثرت هذح املواق على‬
‫العديد من الت صي ي يصي ي ييات األكاديمية وميادين ال شي ي ييا اإلنسي ي يياني ئمن علم االجتما إلى القانون والدراسي ي ييات‬
‫الثقييافييية‪ ،‬من بين امليييادين األخرى ‪ .‬وبييال س ي ي ي يبيية للكثيرين تعححد مححا بعححد الحححداثححة عححدميححة على نحو خطير‪ ،‬ف ي‬
‫تقوض أي معنى للنظام والسيطرة املركزية للتدربة‪ .‬فال العالم وال الذات لهما وحدة متماسكة"‪46.‬‬

‫‪ 45‬الدكتور عبد الوهاب املسيري‪ ،‬العلمانية‪ ،‬أربي إسالم أون الين‪.‬‬


‫‪ 46‬ديفيد كارتر‪ :‬النظرية األدبية‪ ،‬ص‪.131:‬‬
‫‪62‬‬
‫ه‬
‫وسعد‪ 47‬أن كان اإلنسح ح ححان في العلمانية األولى هو سح ح ححيد الكون ومركزه‪ ،‬وكان مرجعية ذاته الفردية‪ ،‬منغلقا‬
‫فرد ال يفكر إال في‬ ‫يان ا‬‫عل‪:‬هييا‪ ،‬ال لس ي ي ي ييتمييد معييياريي هية إال من ذاتييه‪ ،‬متجيياو هزا الطبيعيية واملييادة بقوة إرادتيه‪ ،‬فهو إنسي ي ي ي ي ا‬
‫ِّ ِّ ِّ‬
‫ه‬ ‫‪،‬‬ ‫‪،‬‬
‫الطبيعة وفي مواجهة اوخرين‪ ،‬وأصي ييبح إنسي ييانا‬ ‫ِّ‬ ‫مصي ييلحته ولذته‪ ،‬كفرد‪ ،‬أي إن اإلنسي ييان قد أله ذاته في مواجهة‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫إمبرياليا عنص ي ي ي ييريا يحاول اس ي ي ي ييتعباد اوخرين‪ ،‬ثم ما لبثت التحوالت الفكرية في الفكر الغرسي أن اكتش ي ي ي ييفت أن‬
‫الطبيعة أو املادة هي موض ي ييع الحلول‪ ،‬وأنها مرجعية ذاتها‪ ،‬تكتفي بذاتها‪ ،‬ف ي مركزالكون بدال من اإلنس ح ححان‪،‬‬
‫إذ إن لها قوانينها التي ي ضع لها اإلنسان‪ ،‬وال لستطيع تجاوزها‪ ،‬فال بد لينسان من أن يذعن للطبيعة‪ ،‬أي تم‬
‫تفكيك اإلنساني ورده إلى الطبيعي املادي‪ ،‬فأضحت املادة والطبيعة مركز الكون في املصطلا املا بعد حداثي‪،‬‬
‫ثم ما لبثت التحوالت الفكرية في فكر ما بعد الحداثة أن ات ذت الصحيرورة والنسحبية مركزالحلول واملرجعية‬
‫النهححائيححة‪ ،‬فال مطلق ييات‪ ،‬وال ثب ييات‪ ،‬والتغيير هو الث يياب ييت الوحي ييد‪ ،‬وتفكححك العححالم بحيححع لم يعححد لححه أي مركز‪،‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫عالم ال يوجد فيه قمة أو قا ‪ ،‬أو يمين أو لسي ي ييار‪ ،‬أو ذكر أو أنُ ‪ ،‬ومنما يأخذ بي ي ييكال مسي ي ييطحا تق فيه جميع‬
‫الكائنات اإلنس ي ييانية والطبيعية على نفس الس ي ييطح وتص ي ي ِّفى فيه كل الثنائيات‪ ،‬وتنفص ي ييل الدوال عن املدلوالت‬
‫فتتراقص بال جذور‪ ،‬وال مرجعية وال أسي ي ي ييس‪ ،‬وتصي ي ي ييبح كلمة إنسي ي ي ييان داال بال مدلول‪ ،‬أو داال متعدد املدلوالت‪،‬‬
‫وهيذا هو التفكيي الكياميل‪ ،‬وهو أيضي ي ي ي ييا االنتقيال من عيالم التحيدييث والحيداثية ئاإلمبريياليية إلى عص ي ي ي يير ميا بعيد‬
‫الحييداثيية ئوالنظييام العيياملي الجييديييد ‪ ،‬وتم تغييييب اإلنسي ي ي ي يياني وتفكيكييه وتقويضي ي ي ي ييه‪ ،‬وتييذويبييه إمييا في عييالم مركزح‬
‫الطبيعية أو في عيالم ال مركز ليه‪ .‬كيل هيذح التحوالت في قيل ص ح ح ح حرا داروني يكون البقحاء فيحه لألقوى‪ ،‬اس ي ي ي ييتمر‬
‫الحال حت تم ابتال اإلنس ي ي ييان والت لص من فكرة أنه مركزي‪ ،‬وتحويل اإلنس ي ي ييان لع ي ي ييبيء مادي في عالم مركزه‪:‬‬
‫السوق الحرة!‬
‫إذا تركزت ليديي هيذح التحوالت الخطيرة في الفكر الغرسي‪ ،‬والتي انعكس ي ي ي ييت على حيياة اإلنس ي ي ي ييان‪ ،‬فيإني لن‬
‫تجد ص ييعوبة في ربط مش يياكل اإلنس ييان‪ ،‬وخوائه الرويي‪ ،‬وب ييذوذح الس ييلوكي‪ ،‬وفراغه الذي أس ييقطه في مس ييتنقع‬
‫الالأدرية‪ ،‬والعبثية‪ ،‬وبالتالي كان عرضية لألمراا النفسيية‪ ،‬وكانت املجتمعات والدول عرضية السيتعمار القوي‬
‫للضعي ‪ ،‬ونهب الثروات‪ ،‬ومفراز الفقر‪ ،‬وما ي تج عن هذا كله من مشاكل مألت أرجاء األرا‪ ،‬ثم يقوم السائل‬
‫بالس ي ي ييؤال‪ :‬أين عدل هللا؟ ملاذا ال يتدخل اإلله لينهي الش ي ي يير املنتش ي ي يير في األرا! أو ملاذا لم ي لقنا هللا في الجنة!‬
‫وهي وال ب أسئلة غير مشروعة!‬

‫‪ 47‬بتصرف عن الدكتور عبد الوهاب املسيري‪ :‬قضية املرأة بين التحرير والتمركز حول األنُ ‪ ،‬ص ‪8-4‬‬
‫‪63‬‬
‫العدل اإلل ي‪ ،‬والسببية‪:‬‬
‫بداية ال يقاس العدل اإللهي على مفهوم العدل كما يفهمه البش ي ي يير‪ ،‬وال لس ي ي ييأل هللا تعالى عما يفعل‪ ،‬فليس‬
‫املقص ييود من البحث هنا إس ييقا فهم البش يير للعدل على هللا تعالى‪ ،‬ولكن املقص ييود أنه قد ثبت أن هللا تعالى قد‬
‫بين لنا أنه أقام القس ي ي ييط والعدل في الس ي ي ييموات واألرا‪ ،‬وحرم على نفس ي ي ييه الظلم‪ ،‬فهذح "محاولة" لفهم نظام‬
‫الكون وكي جرى مفهوم القسي ي ييط والعدل في ثناياح بما يقيم ال جة على املخلوقات بأنهم تسي ي يياووا في الفرص‪،‬‬
‫واوالت‪ ،‬واألنظمة‪ ،‬واملسي ي ييئوليات‪ ،‬وتسي ي ييخير السي ي يينن والقوانين والنواميس لهم لتحقيق العدل‪ ،‬وأن من ت ل‬
‫قلم من أخذ باألس ي ييباب ولكنه اس ي ييتغلها اس ي ييتغالال خطأ‪ ،‬أو‬
‫عن فهم القوانين الناقمة لهذا كله‪ ،‬ووقع ض ي ييحية ِّ‬
‫ضي ي ي ييحية عدم أخذح باألسي ي ي ييباب‪ ،‬فذنه يتحمل مس ح ح ححئولية ذلك‪ ،‬وال يقال بأن نظام القسي ي ي ييط الذي أقامه هللا في‬
‫الدنيا لم يحقق له ما حققه لغيرح!‬
‫فحجة هللا تعالى بالغة‪ ،‬وقائمة‪ ،‬وال ينفع اإلنس ح ححان أن يغفل أو يتهاون في دراس ح ححة الس ح ححببية والس ح ح ن وأن‬
‫يأخذ بها!‬
‫فقد وجدت بالتفكير أن هللا تعالى إذ‪:‬‬
‫‪ 1‬قدر وخلق الكون واإلنسي ييان والحياة واملجتمعات وفقا لسي يينن كونية‪ ،‬وأخرى مجتمعية‪ ،‬وألنظمة سي ييببية‬
‫دقيقة‪ ،‬ثابتة‪ ،‬مضطردة‪ ،‬ال تحاسي أحدا‪،‬‬
‫‪ 2‬وأرسي ي ي ي ييل رس ي ي ي يليه بيالبينيات ليقوم النياس بيالقس ي ي ي ييط‪ ،‬أي إنيه أنزل النظيام الحكيم اليذي يحقق الغيايية من‬
‫الخلق!‬
‫‪ 3‬وزود الناس بآلة العقل والتفكير بالغة التعقيد والدقة والقدرة‪،‬‬
‫‪ 4‬وجعل لالجتما وفقا لغايات معينة قوة تجلب تحقيق غايات ال لستطيعها الفرد بمفردح‪،‬‬
‫ْ‬
‫‪ 5‬وجعل ذل في مكنة اإلنسان واملجتمع وأربدح لطرق استثمار ذل كله ليحقق الغايات!‬
‫فإنه قد أقام ال جة على الخلق جميعا‪ ،‬فمن أخذ بأسباب الفالح من إنسان أو مجتمع ارتقى‪ ،‬ومن أعرا‬
‫مزود بقدرات خارقة للفهم واإلدراك‪ ،‬والحركة في ُّ‬
‫الدنيا‪،‬‬ ‫عنها ارتكس‪ ،‬فعلى ص ي ييعيد الفرد‪ ،‬وجدنا أن اإلنس ي ييان ا‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫فإن اس ييتغلها االس ييتغالل ال ييحيح وأخذ باألس ييباب حص ييلت له الي ي ي ي ي ييمس ي ‪،‬ببات‪ ،‬ولكن هناك عوائق مجتمعية قد‬
‫تحول بين ييه وبين بلو املس ي ي ي ييبب ييات‪ ،‬كييأن يكون املجتمع وال ييدول يية منحطتين‪ ،‬أو أن يتحكم أولوا القوة بمق ييدرات‬
‫الدولة فيمنعون عنها األفراد أو ما بابه‪،‬‬
‫لذل وجدنا أس ييباب تغيير ونهض يية املجتمعات في متناول اليد‪ ،‬وقوانينها الص ييارمة تجري في كل مجتمع‪ ،‬فال‬
‫أوجد فيه من أس ي ي ييباب‬‫بد أن لعمل اإلنس ي ي ييان أيض ي ي ييا على هذا الص ي ي ييعيد كي ير ى‪ ،‬وينهر ويتمكن من تحقيق ما ِّ‬
‫فردييية لم يتمكن منهييا كفرد أن يحصي ي ي ي ييل على الغييايييات‪ ،‬لوجود املعوقييات‪ ،‬فييإذا ميا أزيلييت تلي املعوقييات بحالعمحل‬
‫الجماعي املنظم وتحمل املسئوليات الجماعية‪ ،‬تحققت الغايات‪ ،‬فاألصل أن يكون نتاج ذل أن توز الثروات‬

‫‪64‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫توزيعا صحيحا‪ ،‬وبالتالي أن يممي الفقر‪ ،‬ألن األرا ممتلئة بالثروات بما يكفي أن لغمر البشرية كلها بالخيرات‪،‬‬
‫واألصييل أن يكث الناس البحث العلمي لدراسيية األمراا واكتشيياف أدويتها وعالجها‪ ،‬دون أن تتدخل األغراا‬
‫الرأس ييمالية الجش ييعة في ص ييرف األبحاث إلى وجهة زيادة ثراء ب ييركات األدوية فقط‪ ،‬على حس يياب عالج األمراا‪،‬‬
‫وأن يرافق هذح الجهود اضي ي ي ييطال الدولة بمسي ي ي ييؤوليات رعوية تقيم برامج صي ي ي ييحية عالية املسي ي ي ييتوى وتمكن منها‬
‫الجميع‪ ،‬وهذا من بي ييأنه أن ي لص املاليين من أمراضي ييهم‪ ،‬واألصي ييل أن يق الناس في وجه من يط ى ويسي ييتأثر‬
‫بالحكم ويقيم الحروب لغايات اس ي ييتعمارية‪ ،‬وهكذا فإن الكثير من أنوا الش ي يير واملآ ي ييبي هي نتاج مباب ي يير لعمل‬
‫اإلنسان‪ ،‬وفي مكنته أن يمنعها‪.‬‬
‫وهك ييذا‪ ،‬ف ييإن الع ييدل في إيج يياد ومنش ي ي ي ي يياء الكون وفق ييا لقوانين الس ي ي ي ييببي يية‪ ،‬تمكن الن يياس جميع ييا من االرتق يياء‬
‫واالنتفا والعيش بما يحقق لهم التس يياوي ئمع ييبيء من االختالف في التوزيع‪ ،‬فقد يحص ييل البعر على ب ييطر‬
‫أكبر من املال مقابل بي ييطر أقل من األوالد مثال‪ ،‬واوخرون بالعكس‪ ،‬ولكنهم في النهاية نالوا نصي يييفهم الكامل من‬
‫الحصيص ‪ ،‬ولكن الناس إذا أعرضيوا عن األخذ باألسيباب‪ ،‬وارتكسيوا ولم يتحقق حصيولهم على ما به يتسياوون‬
‫في التوزيع‪ ،‬فإنها مس ييئوليتهم وذنفهم‪ ،‬وس ييتجد التفاوت أينما نظرت‪ ،‬وس ييتتس يياءل عن حال أقوام اس ييتش ييرت بهم‬
‫األوبئة والفقر والض ي ييالل‪ ،‬وتقارنه بحال أقوام لم يجدوا من ذل ب ي يييئا‪ ،‬وقد ت جب! ولكن إن فهمت وتأملت‬
‫في أن العدل اإللهي املطلق كان قد وفر لهم األسي ي ي ييباب ووفر لهم اوالت‪ ،‬ووفر لهم النظام ال ي ي ي ييحيح‪ ،‬ووفر لهم‬
‫كل ما لو أخذوا به الرتقوا ونهض ييوا وعزوا واغتنوا ورض ييوا‪ ،‬وأنا بهم التكلي واملس ييئوليات‪ ،‬فالس ييببية حققت‬
‫وحملت اإلنس ي ييان مس ي ييئولية أن يرفع عن نفس ي ييه ومجتمعه الظلم واالس ي ييتعمار والتفاوت‬ ‫العدل بش ي ييكل دقيق‪ِّ ،‬‬
‫وجور األحكام‪ ،‬وما بابه‪ ،‬فإن قصر فعليه أن يتحمل التبعات! لزال عن الت جب!‬
‫ومن التطبيق العملي لهذا األمر‪ ،‬أننا وجدنا مثال أن عص ي ي ي يير التابعين امتاز بالس ي ي ي ييكوت على نظام الوراثة في‬
‫انتقال الحكم بدال من الش ي ييورى‪ ،‬وكان ذل نتيجة أنهم رأوا االقتتال والصي ي يرا في عص ي يير ال ي ييحابة رم ي ييبي هللا‬
‫عنهم في معركة صييفين‪ ،‬ووقعة الجمل‪ ،‬وما صيياحبه من دماء‪ ،‬فآثروا عدم التغيير‪ ،‬ومضييت سيينة الوراثة‪ ،‬وكانت‬
‫وبيياال عظيمييا على الييدوليية‪ ،‬فهؤالء إذ رض ي ي ي ييوا بهييذا فييإنهم لم يييأخييذوا بيياألس ي ي ي يبيياب املجتمعييية للتغيير ومقهييار ثقييل‬
‫املجتمع في رفر االنحراف عن فكرة الش ي ي ي ييورى‪ ،‬والض ي ي ي ييغط بقوة الكي ييان املجتم ي بقي ييادة العلم يياء ليمنعوا‬
‫االنحراف‪ ،‬فلما سي ييكتوا‪ ،‬أو ملا لم يلتحقوا بالثورات التي عملت على التغيير لتحقق القوة القادرة على تحصي يييل‬
‫املطلوب‪ ،‬مض ييت ف‪:‬هم عادة الوراثة زهاء أل وأرسعمائة س يينة! فالنظام اإلس ييالمي بين لهم س يينن التغيير‪ ،‬وس يينن‬
‫اإلنكار‪ ،‬وسنن الشورى‪ ،‬فإذ لم يأخذوا بها حصل ما حصل من فواجع في التاريخ!‬

‫‪65‬‬
‫التصوراإلسالمي لفلسفة الخيروالشر‪:‬‬

‫من الطبي ي أن يكون األخذ والرد بين الفالس ي ييفة املاديين وبين الالهوتيين في أوروبا حيال هذح املس ي ييألة‪ ،‬ألن‬
‫نظرتهم للمس ي ييألة قاص ي ييرة‪ ،‬وتحوي عناص ي يير الهوتية ال أص ي ييل لها‪ ،‬وفي املقابل‪ ،‬فإن الفالس ي ييفة املاديين ينظرون‬
‫ه‬
‫للمسييألة نظرة مادية بحتة منفصييلة عن فلسييفة الوجود‪ ،‬وسييوف ترى تفنيدا تاما لنظرتهم إن بيياء هللا‪ ،‬وعلينا‬
‫هنا أن نبرز جوانب تظهر بعر خصائص التصور اإلسالمي لفلسفة الخير والشر‪.‬‬
‫وحين تفكر أرسييطو في الصييفات التي يتوجب على الذات التي لعهد إل‪:‬ها تفسييير وجود العالم ونشييأته وبنيته‬
‫الش ي ي ي يياس ي ي ي يعية أن تمتلكهيا‪ ،‬توص ي ي ي ييل إلى الص ي ي ي يفيات التياليية‪" :‬الثبيات‪ ،‬والالمياديية‪ ،‬وطالقية القيدرة‪ ،‬وطالقية العلم‪،‬‬
‫والوحدانية أو عدم القابلية للتجزئة‪ ،‬والخيرالتام‪ ،‬والوجود الضروري"‪.‬‬
‫إن العقل قد يض ي ي ييفي على الخالق س ي ي ييبحانه ص ي ي ييفات خاطئة ال وجود لها‪ ،‬كما فعلت الجن بظنهم أن لن‬ ‫إال ‪،‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫يبعث هللا أحدا‪ ،‬وفعل الذين يتقربون إلى هللا بعبادة خلهة تكون وسي ي يييطا بينهم وبينه‪ ،‬وأيضي ي ييا افترا النصي ي ييارى‬
‫ِّ‬
‫أنييه لس ي ي ي ييتوجييب على هللا تعييالى القييدير الرحيم أن يكون ئك ِّل ‪،‬ي املحبيية والقييدرة والرحميية والخير ‪ ،‬ممييا ترتييب عليييه‬
‫س ي ي ي ييؤال امللحييدين‪ :‬هييل "يجييب" على اإللييه أن تتجلى هييذح املحبيية والرحميية والقييدرة والخير‪ ،‬بييأن يتييدخييل بقييدرتييه‬
‫ومحبته فيمنع بقاء البشرية وحروبها وخالمها‪ ،‬بل وأن يق بي على الشر كله في الحياة الدنيا!‬
‫ه‬
‫فكان التس يياؤل هذا مب يا على أهوالهم التي افترض ييت طريقة وتص ييورات أوجبوا على الخالق أن يتعامل وفقا‬
‫ه‬ ‫انبت تماما عن تصيور فلسيفة الوجود‪ ،‬و ‪،‬‬ ‫لها مع املخلوقات‪ ،‬في تار لهم األصيلا‪ ،‬وفقا لفهمهم الذي ‪،‬‬
‫انبت أيضيا‬
‫عن من االس ي ي ييت الف الرباني ال ي ي ييحيح لعمارة األرا‪ ،‬ذل املن الض ي ي ييامن ملنع اإلفس ي ي يياد في األرا وس ي ي ييف‬
‫الدماء ف‪:‬ها بغير حق‪ ،‬والضي ييامن إلحقاق الحقوق ليقوم الناس بالقسي ييط‪ ،‬والقائم على ابتالء واختبار اإلنسي ييان‬
‫العيياقييل في الحييياة الييدنيييا بييإعطييائييه مطلق حرييية اإلرادة في اختيييار معتقييداتييه وأفعييالييه‪ ،‬وتمكينييه من خيييار اتبييا‬
‫املن الربياني أو اإلعراا عنيه‪ ،‬مع تحميليه املس ي ي ي ييئوليية الكياملية على أفكيارح وأفعياليه وقراراتيه‪ ،‬وميا ي تج عنهيا من‬
‫قلم لنفس ي ي ي ييه أو لغيرح‪ ،‬ومع املحاس ي ي ي ييبة الدقيقة على أفكارح وس ي ي ي ييلوكه وعالقاته‪ ،‬والثواب والعقاب‪ ،‬ومنص ي ي ي يياف‬
‫املظلوم من الظالم في الدنيا واوخرة‪.‬‬
‫حملوا الخالق ِّوزر قلم وطغيان واسييتبداد الناس بعضييهم ببعر‪ ،‬حين انحرف الناس‬ ‫وواقع األمر أنهم قد ِّ‬
‫عن من هللا تعيالى‪ ،‬فيأس ي ي ي يياءوا اس ي ي ي ييتعميال حريية اإلرادة واالختييار وأفس ي ي ي ييدوا‪ ،‬وزودهم هللا تعيالى بياملن القويم‬
‫لالسي ي ي ييت الف في األرا ليمنع اإلفسي ي ي يياد والظلم فأعرضي ي ي ييوا عنه‪ ،‬واسي ي ي ييتبدلوا به من جا قائما على رؤية علمانية‬
‫مادية ميكانيكية فصيلت اإلنسيان عن ذاته‪ ،‬وسيحقت كينونته‪ ،‬واسيتسيلم لرغباته الجامحة وبيهواته الهائجة‪،‬‬
‫مما أورثه ض يين املعيش يية‪ ،‬وب ييقوة الروح‪ ،‬وخواء الفكر‪ ،‬وأمراا النفس‪ ،‬وحيرة وال أدرية تس ييربل بها‪ ،‬ولم لعد‬
‫يبالي! وانعكس هذا على تصورهم للصالا والفاسد‪ ،‬والخير والشر‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫وكان التس يياؤل هذا مب يا أيض ييا على فهمهم الذي ال يتس ييق مع التص ييور ال ييحيح من خلق اإلنس ييان والحياة‬
‫الختبار اإلنس ي ييان أيهم أحس ي يين عمال‪ ،‬في الس ي يراء والض ي يراء‪ ،‬وبتس ي ييخير الكون لغاية هذا االختبار‪ ،‬وتنظيم الكون‬
‫وفقا لنواميس كونية ثابتة ال تت ل ‪ ،‬وتنظيم الخالق حياة البش ي يير وفقا لنواميس إنس ي ييانية ومجتمعية س ي ييببية‬
‫أربي ي ييدهم إل‪:‬ها يمكنهم اسي ي ييتغاللها ملكافحة وعالج أسي ي ييباب الشي ي يير والفسي ي يياد الذي ي شي ي ييأ عن م الفتهم للتنظيم‬
‫الرباني ال ي ي ييحيح لعمارة األرا‪ ،‬والتي تص ي ي ييوب لهم تقدير الخير والش ي ي يير‪ ،‬فليس كل ما تكرهه ب ي ي يير‪ ،‬وال كل ما‬
‫تحبه خير‪ ،‬وهللا لعلم وأنتم ال تعلمون‪.‬‬
‫ذل التنظيم الرباني الذي يربط الحياة الدنيا باوخرة‪ ،‬فيضي ييفي على مفاهيم الصي ييبر على االبتالء‪ ،‬والتوكل‬
‫ه‬
‫على هللا‪ ،‬واألجر ورفع الدرجات رفعة لفاعلها‪ ،‬ونظرة إيجابية لها تهون معها مصائب الدنيا وتذل معها صعابها‪.‬‬
‫فهمهم املنبيت عن حكمية االبتالء بيالخير والش ي ي ي يير‪ ،‬وعن حكمية تيدافع النياس واحتيياجهم بعض ي ي ي ييهم لبعر‪،‬‬
‫ه‬
‫ورفع بعض ي ي ي ييهم فوق بعر ض ي ي ي ييرورة لعمارة األرا ولت في ثقل مس ي ي ي ييئوليات اإلنس ي ي ي ييان عن إب ي ي ي ييبا حاجاته‬
‫األساسية والكمالية عليه‪ ،‬باعتمادح على غيرح في ذل اإلببا ‪ ،‬ولضمان قدرته على الوصول للسلع والخدمات‬
‫بصورة لستطيعها ضمن كيان مجتم ي‪.‬‬
‫ه‬
‫ففلس ي ي ي يفية الوجود هيذح التي يمكن أن نس ي ي ي ييم‪:‬هيا تجياوزا "بيالخطية الكونيية" ال تتفق أبيدا مع جعيل األرا جنية‬
‫خ ييالي يية من الش ي ي ي يق يياء والعن ييت‪ ،‬وت ييدافع الن يياس واحتي يياجهم بعض ي ي ي ييهم لبعر‪ ،‬وأس ي ي ي يب يياب الفالح والنج يياح واأللم‬
‫واألمراا التي تييذكر بنعم هللا‪ ،‬وتييدفع النيياس لش ي ي ي ييكرح عل‪:‬هييا‪ ،‬أو التقرب إليييه لش ي ي ي يفييالهييا‪ ،‬وفي كي ِّيل خير لهم‪ ،‬أو‬
‫تكافؤهم أض ي ييعاف عنتهم في الدنيا وفي اوخرة‪ ،‬وغير ذل من املفاهيم التي تجعل الس ي ييؤال األص ي ييلي عن تجليات‬
‫محبة هللا ورحمته وقدرته بالغ الخطأ أصال!‬
‫لقد كتب هللا تعالى على نفسي ي ي ييه الرحمة‪ ،‬ولكن كثيرا من البشي ي ي يير أعرا عنه واضي ي ي ييطروا أنفسي ي ي ييهم إلى أن ال‬
‫يقعوا في موجبات رحمته ‪-‬سي ييبحانه وتعالى‪ -‬لشي ييدة قلمهم ألنفسي ييهم‪ ،‬وأعرضي ييوا عن من جه الضي ييمين بأن لعيش‬
‫ه‬
‫الناس رغد العيش‪ ،‬فكان إعراضهم سببا مبابرا ملعيشة ضنكا‪.‬‬
‫ولعل في الباب التالي تلخيصي ي ييا لبعر القضي ي ييايا التي تبين "فلسي ي ييفة اإلسي ي ييالم" في االبتالء والخير والشي ي يير‪ ،‬ثم‬
‫سنتناول بعبيء من التفصيل إقهار الجوانب العظيمة مما قاهرح االبتالء في األبواب التي تلي‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫ملخل تنفيذي ألهم القضايا املتعلقة بنظرة اإلسالم إلى االبتالءات واملحن‪:‬‬

‫االبتالءات واملحن من حيع املسئولية‪:‬‬


‫أوال‪ :‬نو ناتج عن تقص ييير اإلنس ييان في معرفة الس يينن واألخذ باألس ييباب والتفاعل مع القدر‪ ،‬تقع مس ييئوليته على‬
‫اإلنسان‪ ،‬ئيمكن تفاديه ‪:‬‬
‫أمثلة‪ :‬أمراا وراثية يمكن تفاديها بإجراء فحوصييات قبل الزواج‪ ،‬سييكوت العامة على طغيان الخاصيية‬
‫يوقعهم في العقوبة‪ ،‬العيش في منطقة نشا بركاني‪ ،‬تنقيب عن ثروات باطنية يف بي لخلل في طبقات‬
‫األرا ي تج عنيه زالزل‪ ،‬جلطيات نياتجية عن إهميال ال ي ي ي يحية‪ ،‬س ي ي ي ييرطيان نياتج عن التيدخين‪ ،‬تعياطي األم‬
‫للكحول خالل الحميل‪ ،‬الحروب‪ ،‬االس ي ي ي ييتعميار‪ ،‬الفقر النياتج عن الحروب واالس ي ي ي ييتعميار وتوزيع الثروات‬
‫غير العادل بين الناس‪ ،‬وعدم استغاللهم للسنن املجتمعية التي تكافح االستعمار وتحسن التصرف في‬
‫استغالل الثروات وتوزيعها‪ ،‬األمراا الناتجة عن تلوث البيئة‪ ،‬تدمير الناس للنظام البيئي‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬ونو يصيب الناس بغير علمهم أو خيارهم أو تقصيرهم ئالقضاء ‪ .‬ئال يمكن تفاديه‬
‫أمثلة‪ :‬زلزال في منطقة غير معروفة بال ش ي ي ي ييا الزلزالي‪ ،‬تس ي ي ي ييونامي يص ي ي ي ييعب الت بؤ به‪ ،‬أن يولد الطفل‬
‫أعم ‪.‬‬
‫االبتالءات من حيع األهداف‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أهداف إيدابية‪ :‬ئاألصل أن ينظر لالبتالءات كلها نظرة إيجابية‪ ،‬وأجر الصبر على االبتالء أعظم من كثير‬
‫من الطاعات‬
‫‪ .1‬كشي ي ي ي عن معدن اإليمان والصي ي ي ييدق‪ ،‬ت جيل عقوبة‪ ،‬تكفير سي ي ي يييئات‪ ،‬رفع درجات‪ ،‬تقريب العبد من‬
‫ربه‪ ،‬تطهير وتقوية وصقل للنفوس‪ ،‬تمييز للصفوف‪.‬‬
‫‪ .2‬تنبيه عن غفلة للرجو إلى هللا ئت وي للمبتلى نفسه أو غيرح ‪ ،‬تحذير وعبرة للغير لردهم إلى هللا‪.‬‬
‫‪ .3‬تذكير بنعم م سية‪ ،‬فاملرا يذكر بنعمة ال حة‪ ،‬فيشكر هللا عل‪:‬ها‪.‬‬
‫‪ .4‬ضرورات كونية ناتجة عن نظام الوجود ئيمكن تفادي بعضها بدراسة السنن‪ ،‬وال يمكن تفادي بعضها‬
‫اوخر ئالزالزل‪ ،‬البراكين‪ ،‬الفيضي ي ييانات‪ ،‬انفجارات املسي ي ييتعرات األعظمية ضي ي ييرورات لصي ي ييالحية األرا‬
‫للحياة واستمرارها ضمن نظام الوجود‪.‬‬
‫‪ .5‬دليييل على تحكم هللا في الكون‪ ،‬فلم يمييارس هللا تعييالى س ي ي ي ييلطييانييه مرة واحييدة فقط حين خلق النواميس‬
‫وأجرى الكون بنياء عل‪:‬هيا‪ ،‬بيل هي من مقتض ي ي ي يييات قيوميتيه س ي ي ي ييبحيانيه وتعيالى‪ ،‬فيظهر ف‪:‬هيا قيدرتيه‪ ،‬ويظهر‬
‫منهييا حيياجيية الكون لخييالقييه‪" ،‬ليس في الكون مييا يييدل على أنييه‪ ،‬ككييل أو بييأجزائييه‪ ،‬واجييب الوجود‪ ،‬أي‪ :‬مييا‬
‫يلزم من عدمه محال عقلي‪ ،‬ومن دالئل حقيقة أنه كذل وجود الشي يير فيه كنقص معبر عن قصي ييورح‪،‬‬

‫‪68‬‬
‫وفي تعبير الكون عن قص ي ي ي ييورح داللححة على حححاجتححه إلى واجححب الوجود الييذي ير ا وجودح على عييدمييه‪،‬‬
‫وهو هللا س ي ي ييبحانه‪ ،‬فالش ي ي يير بذل دليل من األدلة على وجود هللا‪ ،‬إذ ال لس ي ي ييتقيم فهمنا ألص ي ي ييل الوجود‬
‫دون واجب للوجود في كون ممكن الوجود"‪.48‬‬
‫‪ .6‬وهييذا الييدليييل على تحكم هللا لعطي الحييياة مع؟ إيجييابيييا‪ ،‬إذ إن الحييياة من غير هللا تكون مييادييية بحتيية‪،‬‬
‫تعين الخير والش ي ي ي يير‪ ،‬والحس ي ي ي يين والقبح‪،‬‬ ‫عبثية بحتة‪ ،‬عدمية بحتة ئ‪ Nihilism‬خالية من أي مقاييس ِّ‬
‫تص ي ي ي يييب الناس بالتأزم النفس ي ي ي ييبي‪ ،‬واالنكفاء واالنطواء للفش ي ي ي ييل الذريع في أي محاولة لتفس ي ي ي ييير الوجود‬
‫ومعناح‪ ،‬والحياة والغاية منها‪ ،‬واملقاييس التي س ي يييب؟ي عل‪:‬ها اإلنس ي ييان س ي ييلوكه‪ ،‬لذل فوجود ئالش ي يير أو‬
‫ئاالبتالء من أعظم األدليية على الحيياجيية للخييالق ومن أعظم الطرق لجعييل حييياة اإلنس ي ي ي ي ييان ذات قيميية‬
‫بوصل اإلنسان ب القه‪ ،‬وبتعميق هذح الصلة من خالل االبتالءات‪.‬‬
‫‪" .7‬إذا كان هللا غير موجود‪ ،‬فالقيم األخالقية املوضي ي ي ييوعية‪ ،‬والخير والشي ي ي يير غير موجودة‪ ،‬لكن معضي ي ي ييلة‬
‫الشر تنطلق من إثبات وجود الشر‪ ،‬إذن فاملعايير األخالقية املوضوعية‪ ،‬والخير والشر موجودة‪ ،‬إذن‪:‬‬
‫فاهلل موجود‪ "49‬ومذا اقت ييب التفكير وجود أمور على ص ييورة معينة هي الخير‪ ،‬وأنها األص ييل في الوجود‪،‬‬
‫فال بيد من معييار متعيال على امليادة يفرا على اليذهن أن يتص ي ي ي ييور وجود تمييز بين الخير والش ي ي ي يير‪ ،‬وال‬
‫يمكن ذل في كون مادي بحت كما است بط الدكتور سامي عامري‪.‬‬
‫‪ .8‬مثال أن يهدم العدو بيتا ملجاهد‪ ،‬أو أن يقتل أس ييرة بص يياروا‪ ،‬فينظر املؤمن ملص ييير هذح األس ييرة بأن هللا‬
‫اجتبيياهييا ب ي ي ي يهييداء‪ ،‬فييانتقلييت إلى خير دار وخير جوار‪ ،‬فهو خير لهييا‪ ،‬ورفع درجييات‪ ،‬ومقيياميية لل جيية على‬
‫‪،‬‬ ‫‪،‬‬
‫﴿إال تنص يروح فق ْد نص يرح ّ ‪ ،‬إن لم تقوموا بمس ييئولية نص ييرة الدين واملس ييتض ييعفين‪ ،‬فهي‬ ‫املس ييلمين ِّ‬
‫تحص يييل حاص ييل نص يير من هللا‪ ،‬فإما أن تنالوا ب ييرف القيام بواجبكم أو لس ييت ل قوما غيركم يحفهم‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫ْ ْ‬
‫﴿إذ أخرجيه الي ِّذين كفروا ثيا ِّني اثن ْي ِّن ِّإذ هميا ِّفي‬ ‫ويحبونيه وينص ي ي ي ييرون هللا ودينيه‪ ،‬وينص ي ي ي يير هللا بهم دينيه‪ِّ ،‬‬
‫‪،‬‬ ‫‪،‬‬ ‫َ َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َّللا َم َعنحا فيأنزل ّ س ي ي ي ي ِّكي تيه عل ْيي ِّه وأ ‪،‬ييدح ِّبجنود ل ْم تر ْوهيا وجعيل‬ ‫اح ِّبي ِّه ال ت ْح َزن ِّإن‬
‫الغي ِّار ِّإذ يقول ِّلص ي ي ي ي ِّ‬
‫اك‬ ‫ر‬‫ات و ْاأل ْ‬
‫ِّ‬ ‫او‬‫م‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َّلل جنود ال ‪،‬‬
‫س‬ ‫ِّ‬
‫‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫﴿و‬ ‫‪،‬‬ ‫يم‬ ‫كلمة ‪،‬الذين كفر ْوا ال ُّس ي ي ي ي ْفلى وكلمة ‪ ّ،‬هي ْالع ْليا َو ُ‬
‫َّللا َعز ٌيز َح ِّك ٌ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َو حكان َّللا َع ِّز ًيزا َح ِّكي ًمحا ‪ ،‬فمن وثق بنص ي ي ي يير هللا وأن هلل جنود الس ي ي ي ييموات واألرا‪ ،‬أقوى من حيامالت‬
‫الطائرات والقنابل النووية‪ ،‬لس ي ييخرها لنص ي ييرة دينه وأوليائه‪ ،‬تفوق كل ما لديهم من عدد وعدة وعتاد‪،‬‬
‫نظر إلى معييايير النص ي ي ي يير والهزيميية بعين غير التي ينظر بهييا غيرح‪ ،‬ولم يحزن‪ ،‬ألن هللا معنييا‪ ،‬وحين يتييأمييل‬
‫ِّ ْ ‪ْ ،‬‬ ‫‪ََ ُ َ ََ ،‬‬ ‫‪،‬‬
‫ّ فليتوكي ِّل امل ْؤ ِّمنون [التوبية ‪،]51‬‬ ‫ْ‬
‫قوليه تعيالى ﴿قيل لن ي ِّص ي ي ي ييبنيا ِّإال ميا كتحب َّللا لنحا هو موالنيا وعلى ِّ‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫‪ 48‬صييا هذا البرهان أبو منصييور املاتريدي‪ ،‬مشييكلة الشيير‪ ،‬ووجود هللا‪ ،‬د‪ .‬سييامي عامري ص ‪ .67‬يراجع كتابنا‪ :‬ئنشيأة الك ْو ِّن‪ ،‬د ْلي ال ع ْق ِّل مي ِّعل ِّم مي ِّح ِِّّسييب مي‬
‫ْ‬
‫عل ْى وج ْو ِّد الخ ِّال ِّق فصل‪" :‬دليل اإللزام العقلي بين الوجود والعدم" لتفصيل برح هذا التدليل‪.‬‬
‫‪ 49‬الالهوتي وليام لين كريغ‪ ،‬مش ييكلة الش يير‪ ،‬ووجود هللا‪ ،‬د‪ .‬س ييامي عامري ص ‪ .64 – 62‬راجع أيض ييا‪ :‬تاريخ الفلس ييفة الغربية‪ ،‬براتراند راس ييل‪ ،‬الكتاب‬
‫الثالث‪ :‬الفلسفة الحديثة‪ ،‬ص ‪ 182‬تعري لوك للشر والخير‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫ِّ‬
‫أي إن كل ما يص ح ح ححيبنا ما كان إال بتقدير هللا ملص ح ح ححلحة املس ح ح ححلمين في ذل ‪ ،‬فهو نفع محض‪ ،‬فليس ح ح ححت‬
‫النهاية أن يموت من يموت تحت ركام بيت مقصوف‪ ،‬أو قنبلة فسفورية‪ ،‬بل إن نهاية دنياهم بشرى‬
‫َْ َ‬ ‫ُ َ ََ‬
‫﴿إن َي ْم َس ح ْس حك ْم ق ْر ٌح فق ْد َمس الق ْو َم ق ْر ٌح‬ ‫لهم بما اص ححطفاهم هللا واختارهم من بين خلقه ش ححهداء‪ِّ ،‬‬
‫ُ ْ ُ َ َ َ ُ َ‬
‫َّللا ال ُي ِّحح ُّب‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ين َآمنوا َو َيت ِّخ حذ ِّمنكم ش ح ح ح حه حداء و‬
‫َ ُ‬ ‫ام ُن ح َداو ُل َه حا َب ْي َن الن حاس َول َي ْع َل َم ُ‬
‫َّللا ال ح ِّذ‬ ‫م ْث ُل ح ُه َوت ْل ح َك األي ح ُ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ ْ َ َ َ ُْ ْ َ َ ُ َ ُ ْ َ َ ْ َ َ ُ َ َ ُ ُ ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫﴿إن َّللا اش ح حترى ِّمن املؤ ِّم ِّنين أنفس ح حهم وأموالهم ِّبأن لهم الجنة‬
‫َ ُْ ْ ََ ْ َْ َ‬ ‫املين﴾‪ ،‬وذلك كله في ظل قانون ِّ‬ ‫الظ ِّ ِّ‬
‫َْ َ‬ ‫َ ْ ُُ َ َُ ْ َُ َ َ ْ ً ََْ َ ي‬ ‫َ‬ ‫َُ ُ َ َ‬
‫ندي ح ِّحل والقرآ ِّن ومن أوفى‬ ‫َّللا فيقتلون ويقتلون وع حدا علي ح ِّه حق حا ِّفي التور ِّاة و ِّ‬
‫اإل ِّ‬ ‫يق حا ِّتلون ِّفي س ح ح ح ح ِّبي ح ِّحل ِّ‬
‫يم﴾‪ ،‬ش ححعربمدى البش ححرى‬ ‫ب َع ْهده م َن َّللا َفا ْس ح َت ْبش ح ُر ْوا ب َب ْيع ُك ُم الذي َب َاي ْع ُتم به َو َذل َك ُه َو ْال َف ْو ُز ْال َعظ ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬
‫والفوز العظيم الححذي نححالهم‪ ،‬ولم ينظر بعين الخوف ملححا يمتلكححه عححدوهم من آالت قتححل وتححدمير‪ ،‬ولم‬
‫يسأل عن الدائرة‪ ،‬فذن هللا تعالى ناصردينه ومعزاملؤمنين‪ ،‬ومذل ال افرين‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أهداف سلبية ئاستحقاق‪ ،‬جزاء وفاق للذنوب ‪:‬‬
‫‪ .1‬عقوبات عاجلة ئجراء ذنوب‪ ،‬جراء عدم تفعيل السنن‪ ،‬والسكوت على الظاملين ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أهداف غيرمعروفة العو اقب لإلنس ححان‪ :‬ئيميل اإلنس ييان لتفس ييير االبتالءات بناء على ما يص يييب من نفع‬
‫أو ض ي ي ي يير مت ي ييل لينس ي ي ي ي ييان‪ ،‬وال لعلم العواق ييب الحقيقي يية على الحقيق يية‪ ،‬وال يربط االبتالء املعين بنعم أخرى‬
‫تعوا عنه‪ ،‬فيت يل أنه ابتالء في حين أنه نعمة‪ ،‬مثال بيتهوفن أصي يييب بالصي ييمم وكان أعظم موسي يييقي ‪ ،‬مثال‪:‬‬
‫أن يصي ي يياب املولود بالعم ‪ ،‬ويعوضي ي ييه هللا نعما أخرى‪ ،‬أو يدخله الجنة بغير حسي ي يياب‪ ،‬أن يموت في زلزال فيكون‬
‫ه‬
‫بهيدا‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫االبتالءات واملحن والعدل اإلل ي‪:‬‬

‫قصور عقل اإلنسان عن إدراك الحكم جراء عدم معرفته باملعلومات الكافية الالزمة لدراسة القضايا‬ ‫‪1‬‬
‫املتعلقة‪ ،‬فال لعلم عواقب األمور‪ ،‬واملقاييس ال حيحة للحكم‪ ،‬وال أحوال اوخرة‪.‬‬
‫ات اذ اإلنس ييان ملقاييس خطأ للنفع والض يير‪ ،‬وقنه أن الخير هو ما جلب له منفعة مادية‪ ،‬أو ب ييهوة أو‬ ‫‪2‬‬
‫لذة‪،‬‬
‫توزيع عادل للنعم‪ :‬س ي ي ييلب نعمة البص ي ي يير مقابل زيادة في نعمة البص ي ي يييرة‪ ،‬توزيع النعم املختلفة ب س ي ي ييب‬ ‫‪3‬‬
‫متفاوتة‪ ،‬لكن املحصلة النهائية هو توزيع عادل للنعم على الخلق‪.‬‬
‫ال بييد لينسي ي ي ي ييان من أين يموت‪ ،‬فييأن يق ي ي ي ييبي هللا بموتييه في زلزال‪ ،‬ويجعييل هييذا املوت عبرة للغير‪ ،‬ليس‬ ‫‪4‬‬
‫بظلم لينسان الذي يموت في الزلزال‪.‬‬
‫العقوبات على الذنوب‪ ،‬والعقوبات زواجر جوابر وهي موافقة للذنوب ال تتعدى‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫ال يفسي ييد الشي ييذوذ الذي يحصي ييل في األفراد صي ييحة النظام الكلي‪ ،‬ويرجع بعضي ييه ملسي ييئوليات قصي يير ف‪:‬ها‬ ‫‪6‬‬
‫اإلنسي ييان عن إدراك السي يينن وتفعيلها‪ ،‬وسعضي ييها من التوزيع املتفاوت للنعم‪ ،‬فيسي ييلط النظر على النعم‬
‫املفقودة متناسيا النعم األخرى‪ ،‬أو لسلط النظر على مقارنة إنسان بغيرح في نعمة واحدة‪ ،‬دون مقارنة‬
‫إجمالي النعم املوزعة على كل‪:‬هما‪ ،‬وسعضها من القضاء الذي ي سجم مع خطة الوجود ئاملوت حتمي‬
‫ال يبحث موضي ي ي ييو االبتالء ومعضي ي ي ييلة الشي ي ي يير‪ ،‬إال إذا عم النظر إلى الجانب اوخر‪ ،‬وهو الخير ونعم هللا‬ ‫‪7‬‬
‫ا‬‫تعيالى الس ي ي ي ييابغية على املخلوقيات‪ ،‬والتنظيم اليدقيق للكون وللحيياة‪ ،‬فياالبتالء اس ي ي ي ييتثنياء والش ي ي ي يير عر ا‬
‫يوز‪ ،‬من األص ي ييل الذي لعم‪ ،‬وحاالت خاص ي يية ت دم أغراض ي ييا خاص ي يية‪ ،‬واألص ي ييل هو النظام والخير‪.‬‬ ‫ونش ي ي ا‬
‫ئيقول ديفي ييد ب ي ئ‪" : David Beck‬لو كييان اإللح يياد حق ييا‪ ،‬مل ييا كييان علين ييا أن نتوقع أن يكون الخير هو‬
‫الرئيس أو األكثر أص ي ي ييالة من الش ي ي يير‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬كنا سي ي ي ي توقع أال يكون هناك قس ي ي ييما الخير والش ي ي يير‬
‫أصال"‪50‬‬

‫‪ 50‬مشكلة الشر‪ ،‬ووجود هللا‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري ص ‪.59‬‬


‫‪71‬‬
‫املساواة‪ :‬زاوية خطأ لدراسة العدل‪:‬‬

‫ْ‬ ‫ْ‬
‫يقول هللا تعالى‪﴿ :‬وقالوا ل ْوال ن ِّ ِّزل هذا الق ْرخن على رجل ِّم ْن الق ْريت ْي ِّن ع ِّظيم ئ‪ 31‬أه ْم ي ْق ِّس ي ي ي يمون ر ْحمة رِِّّب‬
‫ْ‬
‫ض يا س يخ ِّرًّيا‬ ‫الد ْنيا ورف ْعنا ب ْعض يه ْم ف ْوق ب ْعر درجات لي ‪،‬ت ذ ب ْعض يه ْم ب ْع ه‬ ‫ن ْحن قس ي ْمنا ب ْينه ْم معيش يته ْم في ْالحياة ُّ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ور ْحمة رِِّّب خ ْي ار ِّم ‪،‬ما يجمعون ئ‪ ﴾ 32‬الزخرف‬
‫ْ‬
‫حين ني ييدرس كثيرا من القيم التي تقوم عل‪:‬هي ييا األس ي ي ي ييس الفكريي يية للعلمي ييانيي يية‪ ،‬التي يروج من خاللهي ييا لفكرة‬
‫"املس يياواة"‪ ،‬فإننا نلح ملحظا هاما لس ييري على تل "القيم" وهو "ض ييبابية املص ييطلا"‪ ،‬فماذا نع؟ي باملس يياواة؟‬
‫هل هي التطابق؟ ئقطعا ال‪ ،‬الختالف الهوية والطبيعة بين الرجل واملرأة مثال ‪ ،‬فتجريد املرأة من هويتها لتطابق‬
‫الرجل لع؟ي إهمال أهميتها في املجتمع‪ ،‬وجعل الرجل مثاال متفوقا غايتها أن تبلغ ب ي ي ييأوح‪ ،‬أم التش ي ي ييابه ئالتطابق‬
‫التقريبي ؟ أم التماثل؟ ئوهو أقرب مع؟ للمسي ي ي يياواة ‪ ،‬يفترا حكم املسي ي ي يياواة وجود فرق بين األبي ي ي ييياء التي تتم‬
‫وفقا لهذا التعري ‪ ،‬فإن فكرة املساواة "الكاملة" أو "املطلقة" متناقضة مع نفسها‪51 .‬‬ ‫مقارنتها‪ .‬ه‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإننا وجدنا أنه ال بد في الحياة من وجود فروقات تف ي ي ييبي إلى اختالف الذكر عن األنُ ‪،‬‬
‫اختالف الخبير عن غير الخبير‪ ،‬اختالف املهنييدس عن الطبيييب‪ ،‬وهكييذا‪ ،‬فهييل هييذح الفروقييات مهميية في الحييياة‪،‬‬
‫أم أنه في األساس ال بد أن يكون الكل سواسية؟‬
‫ال لش عاقل أن من ضرورات الحياة وجود االختالفات بين الناس‪ ،‬فألجل تمام حصول االجتما املف بي‬
‫إلى قيام مجتمع س ي ييليم‪ ،‬يحتاج املجتمع إلى الص ي ييانع واملس ي ييتهل ‪ ،‬وملى الطبيب واملدرس‪ ،‬وملى الذكر واألنُ ‪ ،‬وأي‬
‫محاولة إلزالة هذح الفروقات يؤدي إلى دمار املجتمعات وملى الثغرات الهائلة التي تف بي إلى فساد الحياة‪.‬‬
‫ومن املهم إدراك أن بعر هييذح الفروقييات مترتبيية على اختيييار البش ي ي ي يير‪ ،‬مثييل أن ي تييار اإلنسي ي ي ي ييان أن يكون‬
‫طبيبيا‪ ،‬أو مهنيدسي ي ي ي ييا‪ ،‬أو أال لعميل‪ ،‬وبيالتيالي فتفياوت القيمية واملنزلية والعطياء املترتيب على ذلي أمر طبي ي‪ ،‬ي تج‬
‫عنه أن لس ييد كل منهم مكانا ودورا في الحياة‪ ،‬لكن هللا ختاهم أس يياس ييا العقل وامللكات ‪-‬في أص ييل الخلقة‪ -‬والتي تيهئ‬
‫لكل منهم أن ي تار‪ ،‬ويبلغ‪ ،‬إال إن بعر الخيارات قد تكون ص ي ي ي ييعبة نتيجة الظلم االجتمايي في املجتمعات التي‬
‫ال تقيم موازين العدالة في تمكين الناس من الفرص نفس ي ي ي ييها‪ ،‬أو الظلم النا ي ي ي ييبئ عن تطبيق نظام معين برمته‪،‬‬
‫كالنظام الرأس ي ي ييمالي على س ي ي ييبيل املثال وطريقة تركيبة النظام التي تش ي ي ييكلت من أجل ض ي ي ييمان حقوق فئات على‬
‫حساب فئات أخرى‪ ،‬وهناك فروق ال خيار للبشر ف‪:‬ها‪ ،‬كأن يكون اإلنسان ذكرا أو أنُ ‪،‬‬
‫ومن املهم فهم أن كال من الييذكر واألنُ ‪ ،‬من الطبيييب واملييدرس والعييامييل لسي ي ي ي ييد ثغرة مهميية في املجتمع فلييه‬
‫قيميية اجتميياعييية مهميية‪ ،‬وأن بعر هييذح الفروقييات ترفع البعر فوق البعر في حيياالت معينيية‪ ،‬وتسي ي ي ي يياويهم في‬
‫حاالت أخرى‪ ،‬فمكانة األم مثال ال تض يياه‪:‬ها مكانة! بس ييبب الجهود املطلوبة للوص ييول لهذح املنزلة‪ ،‬يمكن تفاوتهم‬

‫‪51 https://plato.stanford.edu/entries/equality/‬‬

‫‪72‬‬
‫في األجور‪ ،‬فمثال الطبيب يدرس س ي ييبع س ي يينوات طب يص ي ييل ف‪:‬ها الليل بالنهار‪ ،‬والذي اختار ت ص ي يص ي ييا أس ي ييهل في‬
‫الحياة ال يحتاج ملثل هذا املجهود ال ي ي ييا أن لس ي يياوى بينهما في األجر‪ ،‬ولكنهما يتس ي يياويان في القيمة اإلنس ي ييانية‬
‫وفي أسي يياس االسي ييتعدادات على سي ييبيل املثال! وفي تمكين الكل من الفرص نفسي ييها بالتسي يياوي‪ ،‬ئبما لشي ييبه األواني‬
‫املستطرقة ‪.‬‬
‫إن ات اذ مس ييألة املس يياواة أس يياس ييا في البحث خطأ فكري جس يييم‪ ،‬ألن "كون املرأة تس يياوي الرجل‪ ،‬أو الرجل‬
‫لسياوي املرأة ليسيت باملسيألة ذات البال التي تؤثر في مجرى الحياة‪ ،‬بل املسيألة التي يجب أن تبحث هي الحقوق‬
‫والواجبيات التي لينسي ي ي ي ييان‪ ،‬فهي متمياثلية بين الرجيل واملرأة حيثميا تقت ي ي ي ييبي طبيعتهميا التمياثيل‪ ،‬ومن العيدل أن‬
‫ت تل تل الحقوق والواجبات حين تقت ييبي طبيعتهما االختالف‪ ،‬ومن الظلم أن تتسيياوى الحقوق والواجبات‬
‫حين االختالف في طبيعتهميا‪ ،‬وهيذا التبياين ال يبحيث من بياب املسي ي ي ي يياواة أو عيدم املسي ي ي ي يياواة‪ ،‬بيل يبحيث بوص ي ي ي يفيه‬
‫يلوك وعالقات مجتمعية تقت ي ي ييبي حال وعالجا بوص ي ي ي اإلنس ي ي ييان ‪-‬ذكرا كان أم أنُ ‪ -‬كائنا‬ ‫مش ي ي ييكلة ي تج عنها س ي ي ي ا‬
‫اجتماعيا متفاوت القوى واالستعدادات بما يؤثر في طبيعة حقوقه وواجباته بناء على ذل ‪.‬‬
‫فحين تكون الحقوق والواجبات إنس ييانية تتعلق باإلنس ييان كإنس ييان تجد التماثل في الحقوق والواجبات بين‬
‫الييذكر واألنُ في اإلس ي ي ي ييالم‪ ،‬قييال تعييالى في س ي ي ي ييورة ئالنحييل ‪﴿ : 97‬م ْن ع ِّميل ص ي ي ي ي ي ِّال هحيا ِِّّمن ذكر أ ْو أنُ وهو م ْؤ ِّم ان‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫فلن ْح ِّيي ‪،‬نه حياة ط ِِّّيبة ولن ْج ِّزي ‪،‬نه ْم أ ْجرهم ِّبأ ْحسي ِّن ما كانوا ل ْعملون ‪ ،‬وكذل جعل للمرأة كما للرجل الحق في أن‬
‫تمتل ما تش ي يياء وأن تنمي أموالها كما تش ي يياء ‪-‬وفقا لض ي ييوابط الش ي يير املنطبقة على الذكر واألنُ س ي ييواء بس ي ييواء‪-‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫يب ِِّّم ‪،‬ما اكتس يبوا‬‫ض يل ‪ ّ،‬ب ِّه ب ْعض يك ْم على ب ْعر ِِّّل ِّلرجال ن ِّص ي ا‬ ‫قال تعالى في س ييورة ئال س يياء ‪﴿ : 32‬وال تتم ‪،‬ن ْوا ما ف ‪،‬‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫‪،‬‬ ‫اسأل ْوا ‪ ّ،‬من ف ْ‬
‫ض ِّل ِّه ِّإ ‪،‬ن ّ كان ِّبك ِّ ِّل ب ْيء ع ِّل هيما ‪.‬‬ ‫يب ِّم ‪،‬ما ْاكتس ْبن و ْ‬ ‫ِّ‬
‫ِّ‬ ‫و ِّلل ِّ ساء ن ِّص ا ِّ‬
‫وحين تكون هيذح الحقوق والواجبيات متعلقية بياختالف في طبيعية الرجيل واملرأة كيأنُ لهيا مكيانتهيا في املجتمع‬
‫جعلت هذح الحقوق والواجبات متنوعة‪ ،‬ويتجلى ذل في باب الشي ييهادات على سي ييبيل املثال‪ ،‬فشي ييهادة الرجل في‬
‫الرض ييا ال تقبل‪ ،‬وتكفي فيه ب ييهادة امرأة واحدة‪ ،‬ألن هذح األمور في العادة ال يطلع عل‪:‬ها إال ال س يياء‪ ،‬كالش ييهادة‬
‫على البكارة والش ي ي ييهادة على الوالدة‪ ،‬وعلى ذل فجميع األمور بين الرجل واملرأة تس ي ي ييير وفق ما تقتض ي ي يييه الحياة‬
‫ملجتمع صالا في بيئة إسالمية من التماثل أو التنو أو التفاوت"‪52.‬‬

‫وحيييث إن للمسي ي ي ي يياواة مفيياهيم متعييددة‪ ،‬فمثال قييد ال يكون من العييدل أن تسي ي ي ي يياوي بين ض ي ي ي ييعي وقوي في‬
‫التكييالي املرهقيية التي تحتيياج لقوة بييدنييية‪ ،‬فتس ي ي ي ييتفيييد بييدال من ذلي من قييدرات الض ي ي ي ييعي األخرى‪ ،‬كقييدراتييه‬
‫الذهنية مثال‪ ،‬وباملثل‪ ،‬فال يجب أن يكون مفهوم املس ي يياواة أن تحمل املرأة والرجل على القيام بعين األعمال‪ ،‬في‬
‫حين إن حاجة املجتمع ملحة الض ي ي ييطال املرأة بأعمال معينة‪ ،‬والرجل بأعمال أخرى‪ ،‬فتكون النظرة للمس ي ي يياواة‬

‫‪ 52‬الشخصية اإلسالمية‪ ،‬تقي الدين النفهاني الطبعة األولى سنة ‪ 1952‬ص ‪ .76‬فصل‪ :‬املساواة بين املرأة والرجل‪ ،‬بتصرف بسيط‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫أعمق وأبعد نظرا من مجرد القيام بنفس األعباء الجسي ي ي ييدية في العمل‪ ،‬فهو ينقل أثقاال على قهرح من الشي ي ي ييار‬
‫للطابق الخامس في مشرو بناء‪ ،‬وهي تفعل األمر ذاته!‬
‫بل تتحقق املسي يياواة بقيامه بواجبات معينة تتناسي ييب مع قدراته وطبيعة خلقته وحاجات املجتمع‪ ،‬وقيامها‬
‫بواجبات معينة مناس ي ي ييبة لطبيعة خلقتها وقدراتها وحاجات املجتمع وحاجاتها هي‪ ،‬وحين تتكامل املهام وحس ي ي يين‬
‫القيام بها يتسياوون في الثواب والقيمة االجتماعية‪ ،‬وذل بالضيبط مثل أنه ال ي يا أن يكون كل أفراد املجتمع‬
‫أطباء‪ ،‬فاملجتمع بحاجة للطبيب وللنجار وللمدرس وللوزير‪ ،‬وكذل بحاجة للذكر ولألنُ !‬
‫درس ي ي ي يية وللطبيبية حياجتيه للميدرس‬ ‫ِّ‬
‫ويمكن لليذكر واألنُ أيض ي ي ي ييا أن لعمال نفس األعميال لحياجية املجتمع للمي ِّ‬
‫وللطبيب! ال مانع من أن تعمل املرأة ما يناسب ِّخلقتها وطبيعتها من األعمال املباحة!‬
‫ثم لنيأخيذ املس ي ي ي يياواة غير املش ي ي ي ييروطية بين فئيات املجتمع في الحقوق الس ي ي ي ييياس ي ي ي ييية‪ ،‬فياملجتمع بحياجية لحلول‬
‫املشيياكل‪ ،‬فإذا كان لدينا مشييكلة اقتصييادية وسيياوينا بين الناس في رأيهم في حلها‪ ،‬سيياوينا بين من امتل دكتوراة‬
‫في االقتص ي ي يياد الس ي ي يييا ي ي ييبي‪ ،‬وبين أي ش ي ي ييخص خخر لم يدرس كتابا في االقتص ي ي يياد في حياته‪ ،‬فهل يا ترى مثل هذح‬
‫املس يياواة س ييي تج عنها الحل األمثل ملش يياكل املجتمع أم أن الغالبية التي ال عالقة لها باالقتص يياد س ييتفرا حلوال‬
‫تناسب نظرتها السطحية للمشكلة والتي تتعلق بحلول تتناسب وأهواءها وال تتناسب مع الصالا العام؟‬
‫فالنظام السي ي ي يييا ي ي ي ييبي الذي يتجاهل الفروق العلمية واإلدراكية ألفراد املجتمع‪ ،‬ويتجاهل القيمة ال سي ي ي ييبية‬
‫لبعر أفراد املجتمع‪ ،‬بل ويفرا نوعا من املسي ي يياواة غير املشي ي ييروطة بين أفراد هذا املجتمع سي ي ييتف ي ي ييبي به هذح‬
‫املساواة إلى كوارث على املجتمع!‬
‫لذل ‪ ،‬فالخالص ي يية أن القض ي ييية األس ي يياس هي‪ :‬النظام ال ي ييحيح الذي يض ي ييع كل مس ي ييألة في نص ي ييابها لص ي ييالح‬
‫الحياة‪ ،‬وس ي ييعادة املجتمع‪ ،‬وأن لس ي ييتوي الكل في قض ي ييايا معينة‪ ،‬وي تلفوا في قض ي ييايا أخرى‪ ،‬وبهذا تفهم قض ي ييية‬
‫العدل‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫"اإلرادة الحرة" ومسؤولية الخالق عن "العلل الواضحة" في الخلق‪.‬‬

‫يص الفيلسوف اإلنجليزي أنتوني فلو موقفه القديم والجديد ملعضلة الشر في كتابه‪ :‬ئهناك إله ‪:‬‬
‫"القض ي ي ي يييية األخرى التي غيرت رأيي ف‪:‬هييا هي حرييية اإلرادة؛ حرييية اإلنسي ي ي ي ييان املطلقيية‪ .‬هييذح املسي ي ي ي ييأليية لهييا ثقلهييا‬
‫وأهميتهيا‪ ،‬ألن مسي ي ي ي ييألية ميا إذا كنيا أحر هارا أم ال؟ تكمن في جوهر أغليب األدييان الرئيس ي ي ي ييية‪ .‬في بيدايياتي في الكتيابية‬
‫ِّ‬ ‫لفت االنتباح إلى تناقر وجود الشير في كون خلقه ويحكمه ا‬ ‫املناهضية لألديان‪ُّ ،‬‬
‫القدرة وك ِّل ُّي املحبة‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫كيان مطلق‬
‫جاء رد املؤمنين على ذل التناقر املدرك املحسوس بادعاء أن اإلله يهب اإلنسان حرية اإلرادة‪ ،‬وأن معظم –‬
‫إن لم يكن كل– تل الشي ي ي ييرور الواضي ي ي ييحة املخزية‪ ،‬سي ي ي ييبفها جميعا سح ح ح ححوء اسح ح ح ححتخدام اإلنسح ح ح ححان لهذه العطية‬
‫الخطيرة‪ ،‬ولكن النتييائج النهييائييية لتحقق ذل ي في املجمو ‪ ،‬س ي ي ي ييتكون أكثر خيرييية ممييا قييد يتيياح في انعييدام وجود‬
‫اإلرادة الحرة‪ .‬في الواقع‪ ،‬كنت أول من لسمي ذل ب "دفا عن اإلرادة الحرة‪".‬‬
‫وسححواء ُر ِّم َزإل ها كمناظرة بين "حرية اإلرادة" و"القدراملسححبق"‪ ،‬أو في اإلطارالعلماني بين "حرية اإلرادة"‬
‫و"الحتمية"‪ ،‬فإن س ي ي ي ييؤال ما إذا كان لدينا حرية أم ال؛ أمر جوهري‪ .‬رددت بمحاولة للجمع بين كال االتجاهين‪،‬‬
‫وذل ي ي من خالل طرح افتراا لعرف حي يياليي ييا بي ييالتوافقيي يية )‪ ،(Compatibilism‬فبينمي ييا يقول غير التوافقي أن‬
‫الجبرية التامة غير متوافقة مع حرية اإلرادة‪ ،‬يؤكد التوافقي ليس فقط على إمكانية اتس ي ي يياقهما؛ بل الجمع بين‬
‫القول ب ييأن ييه يمكن لش ي ي ي ييخص م ييا ات يياذ قرار بحري يية‪ ،‬ومدراك أن ه ييذا القرار املس ي ي ي ييتقبلي معلوم س ي ي ي ييلف ييا لجه يية‬
‫مسييتقبلية‪ ،‬ولكن أيضييا أن القرارات الحرة يمكنها أن تكون حرة وقرارات في خن‪ ،‬حت ولو كان السييبب في حدولها‬
‫بالطريقة التي حدثت بها سبب فيزيا ي‪ ،‬وحت ولو كان حدولها بهذح الطريقة تحتم حدولها بقانون ما أو بقوانين‬
‫الطبيعة‪.‬‬
‫بينما ال زلت أؤمن بقدرة البش يير على االختيار الحر‪ ،‬لك؟ي توص ييلت في األعوام الالحقة الس ييتحالة الجمع بين‬
‫اإليمييان بكون الخيييارات حرة وكونهييا نتيياج أس ي ي ي يبيياب فيزيييائييية في نفس الوقييت‪ ،‬بعبييارة أخرى‪ ،‬مبييدأ التوافقييية ال‬
‫ه‬
‫لعمل‪ .‬قانون الطبيعة ليس بيانا لحقيقة مجردة عمياء في أن حدثا معينا ‪-‬كما يحدث‪ -‬سيعقب بعر األحداث‬
‫ه‬
‫األخرى‪ ،‬ولكنه حدوث حدث معين‪ ،‬والذي لسي ي ي ييتلزم فيزيائيا حتمية حدوث مجموعة أخرى من األحداث‪ ،‬األمر‬
‫اليذي يجعيل من عيدم حيدوث املجموعية األخرى من األحيداث "اس ي ي ي ييتحيالية فيزييائيية" وليس هيذا الحيال إطالقيا في‬
‫"االختيار الحر‪".53‬‬
‫"وفي ض ييوء ارتدادي عن االقتنا الكامل بمبدأ التوافقية‪ ،‬فإن أغلب موادي امل ش ييورة عن االختيار واإلرادة‬
‫الحرة‪ ،‬في الس ي ييياقات الدي ية أو العلمانية على حد س ي ييواء‪ ،‬تتطلب املراجعة والت ي ييحيح‪ .‬ونظرا إلى أن القض ي ييية‬
‫هنا تتعلق بالتسي ي يياؤل الثاني ملجموعة التسي ي يياؤالت الفلسي ي ييفية الثالثة لعمانويل كانت ئاإلله‪ ،‬والحرية‪ ،‬واألزلية ‪،‬‬

‫‪ 53‬هناك إله ص ‪73-72‬‬


‫‪75‬‬
‫فإن تحولي في هذا األمر‪ ،‬وكما كان الحال في تحولي بش ي ييأن موض ي ييو اإلله؛ تحو ال جذر اي"‪ .54‬وقد أجبنا على هذح‬
‫التس يياؤالت بوض ييوح ب ييديد في كتابنا‪ :‬إقامة الدولة اإلس ححالمية في ظل قانون الس ححببية والس ح ن اإللهية والس ح ن‬
‫التاريخية‪ ،‬في أبواب‪ :‬الس ي ي ييببية والحتمية في قل تدبير هللا‪ ،‬والت بؤ وس ي ي ييؤال حرية إرادة اإلنس ي ي ييان‪ ،‬وباب‪ :‬خطة‬
‫الوجود‪ :‬هل اإلنس ييان مس ييلوب اإلرادة؟ أين يقع س ييؤال حرية اإلرادة في عالم س ييببي حتمي؟ ويجدر التنبيه أيض ييا‬
‫إلى ضي ي ي ييرورة التفريق بين السي ي ي يينن الكونية والعالقة السي ي ي ييببية الفورية ف‪:‬ها بين السي ي ي ييبب والنتيجة‪ ،‬وبين السي ي ي يينن‬
‫املجتمعية اإلنسانية‪ ،‬التي لعترا العالقة السببية ف‪:‬ها‪ :‬اإلنسان العاقل الحر املريد املسئول عن خياراته‪.‬‬
‫وملخص ذل ‪ :‬ما يهمنا هنا هو الس ي ي ييؤال الذي ثار في الغرب وملخص ي ي ييه‪ :‬إن س ي ي ييلوك األب ي ي ييياء الحتمي نتيجة‬
‫خض ي ي ييوعها للس ي ي ييببية‪ ،‬ونتيجة خض ي ي ييوعها للقوانين الكونية لس ي ي ييلب عنها حرية اإلرادة‪ ،‬وبتعبير خخر يدعل كتاب‬
‫ً‬
‫القدرمفتوحا‪ ،‬فيس ي ي ييتطيع املس ي ي ييتقرل للس ي ي ييلوك الحتمي لألب ي ي ييياء حين تفاعلها أن يت بأ بما س ي ي يييحدث‪ ،‬فيت بأ‬
‫بموعيد والدة الهالل بيدقية‪ ،‬ويت بيأ بع ي ي ي ييبيء من اليدقية بيأحوال الطقس وتقلبياتيه‪ ،‬ئبمقيدار ميا ليدييه من املعلوميات‬
‫الالزمية للت بؤ ‪ ،‬والجواب علييه هو أنيه ص ي ي ي ييحيح‪ ،‬فكتياب القيدر ال لع؟ي "القض ي ي ي يياء"‪ ،‬بيل لع؟ي الخص ي ي ي ييائص التي‬
‫أودعها هللا في األب ييياء والس يينن في املجتمعات‪ ،‬لذل يمكن أن لس ييتقرئه اإلنس ييان بدقة ويتفاعل معه‪ ،‬وليس في‬
‫خص ي ي ييائص األب ي ي ييياء وال س ي ي يينن املجتمعات ما يجبر اإلنس ي ي ييان ‪-‬حين تفاعله معها‪ -‬على س ي ي ييلوك معين يحمله على‬
‫الخروج عن إرادته الحرة‪ ،‬فهو لديه القدر فاعل وليس بمنفعل في الدائرة التي لس يييطر عل‪:‬ها‪ ،‬قادر على التغيير‬
‫وليس ريشة في مهب الريح وال سنا في الدوالب‪،‬‬

‫‪ 54‬هناك إله ص ‪.76‬‬


‫‪76‬‬
‫القضاء والقدر‪:‬‬

‫ثم إن علينا أن نفهم موضي ي ي ييو القضي ي ي يياء والقدر ئوالذي فصي ي ي ييلنا فيه تفصي ي ي يييال دقيقا بالغا في كتابنا‪ :‬إقامة‬
‫الدولة اإلسح ح ححالمية في ظل قانون السح ح ححببية والس ح ح ح ن اإللهية والس ح ح ح ن التاريخية‪ ،‬في فص ي ي ييل‪ :‬القض ي ي يياء والقدر‬
‫والنصر والرزق واإلماتة؛ أين يقع بحث السنن والسببية منها؟ ونقول هنا باختصار غير م ل‪:‬‬
‫أوال‪ :‬اإلرادة الحرة ليسييت نظير حرية السييلوك أو التصييرف‪ ،‬ئأي ليس كالحرية الشييخصييية أو حرية التدين‬
‫وحين ترى تعاري اإلرادة الحرة تجدها كما لعرفها قاموس ميريام وسسي ي ييتر‪" :‬حرية اإلنسي ي ييان في ات اذ خيارات ال‬
‫إلهي"‪ .‬بمع؟ خخر‪ :‬هي الجواب على س ي ي ي ييؤال‪ :‬هيل اإلنس ي ي ي ييان مجبر ئمن قبيل‬ ‫تحيددهيا أس ي ي ي يبياب س ي ي ي ييابق اية أو تيدخ ايل م‬
‫ه‬
‫الخيالق أم هو م ير! فيإذا كيان م يرا فهيذا لع؟ي أنيه يملي اإلرادة الحرة في أن يفعيل أو ال يفعيل"‪ ،‬أي إن النياس‬
‫ولدوا أحرارا ال يجوز ألحد أن لس ي ي ييتعبدهم لغير خالقهم‪ ،‬وال تناقر في هذا مع وجود اإلرادة واملش ي ي يييئة والقدرة‬
‫على القيام بالفعل عندهم‪ ،‬فاإلنسان يمتل إرادة حرة في الدائرة التي لسيطر عل‪:‬ها‪.‬‬
‫ه‬
‫ثانيا‪ :‬بالنظر في األفعال إجماال نرى اإلنس ي ييان لعيش في دائرتين‪ ،‬دائرة يكون اإلنس ي ييان ف‪:‬ها مس ي يييرا‪ ،‬ال يمل‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫االختيار في أفعاله وتصرفاته في ضمنها‪ ،‬ودائرة ثانية لسير ف‪:‬ها اإلنسان سيرا اختياريا ال إكراح فيه وال جبر‪ ،‬وقد‬
‫أحاطت النصي ي ييوص الشي ي ييرعية هذح الدائرة الثانية بجملة من التكالي واملعالجات‪ ،‬وترك له الخيار للقيام بما‬
‫أمر به أو عدم القيام به‪ ،‬وعلى أس ي ي يياس اختيارح يتم الحس ي ي يياب ويكون الثواب والعقاب‪ ،‬وهذح الدائرة ال عالقة‬
‫لها بموضو القضاء والقدر‪ ،‬بل هي دائرة التكلي واملحاسبة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬وأما الدائرة التي تس ي يييطر عليه ويجبر ف‪:‬ها على أفعال ال خيار له ف‪:‬ها‪ ،‬فعلى قس ي ييمين‪ :‬قس ي ييم يقتض ي يييه‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫نظام الوجود مبابي ييرة‪ ،55‬ي ضي ييع اإلنسي ييان ف‪:‬ها مبابي ييرة لنظام الوجود ويسي ييير بحسي ييبه سي يييرا جبريا‪ ،‬طبق ذل‬
‫النظام الذي ال يت ل ‪ ،‬على غير إرادة من اإلنسان‪،‬‬
‫وقسم ال يقتضيه نظام الوجود مبابرة‪ ،‬ومن كان كل بيء ال ي رج عن نظام الوجود‪.‬‬
‫ه‬
‫فأما ما يقتضيييه نظام الوجود‪ :‬يأتي اإلنسييان للحياة جبرا عنه‪ ،‬وبييكل رأسييه‪ ،‬ولون عي يه‪ ،‬وكونه لسييير على‬
‫األرا ال يطير في الهواء‪ ،‬هذح كلها من القس ييم الذي يقتض يييه نظام الوجود‪ ،‬فاهلل تعالى خلق الكون وأجرى فيه‬

‫‪ 55‬فالنار تحرق إذا كانت املادة األخرى ف‪:‬ها قابلية االحتراق‪ ،‬ومذا لم تكن ف‪:‬ها قابلية االحتراق ال تحرقها‪ .‬وسعر األحماا تذيب بعر العناص ي ي ي يير وال‬
‫ه‬
‫تذيب غيرها‪ .‬وسعر العناصير تتحد مع عناصير أخرى وتتفاعل معها وال تتفاعل مع غيرها‪ ،‬وذرتان من الهيدروجين مع ذرة من األكسيجين ت تج ماءا‪،‬‬
‫ولكن حت نحصييل على املاء الثقيل ال بد من اتحاد ذرتين من الهيدروجين الثقيل مع ذرة من األكسييجين‪ .‬فهذح األبييياء لم تسييتطع أن تتصييرف في كل‬
‫ييبيء وال أن ت تقل من حالة إلى أية حالة أخرى إال ضييمن وضييع قاصيير على حاالت معينة‪ ،‬وال تسييتطيع سييواها إال بإحداث تغيير ف‪:‬ها أو في سييواها‪ ،‬أو‬
‫بعامل خخر‪ ،‬اقت ب نظام الوجود إمكانية أن يحدث مثل هذا التغيير‪ ،‬مثل أن تطير بطائرة فتت طى الجاذبية‪ ،‬فهي إذن محتاجة‪ ،‬وخاضعة لنظام‬
‫ه‬
‫الوجود جبرا‪.‬‬
‫‪77‬‬
‫قوانين معينة تجعل الكون ص ييالحا للمعيش يية‪ ،‬مثل قانون الجاذبية‪ ،‬ومثل أن الجينات تتحكم في ج س املولود‬
‫مفطور على السير وفق هذح القوانين‪.‬‬ ‫ا‬ ‫ولون عي يه‪ ،‬وال أثر للعبد وال عالقة له في ذل ‪ ،‬فالوجود‬
‫ه‬
‫وهناك قسيم ال يقتضييه نظام الوجود مبابيرة‪ ،‬ومن كان خاضيعا لنظام الوجود‪ ،‬مثل أن لسيقط جسيم من‬
‫أعلى على ش ي ييخص دون تحكم منه في ذل ‪ ،‬ولو أطلق ش ي ييخص رص ي يياص ي يية في الهواء فأص ي ييابت ش ي ييخص ي ييا لم يكن‬
‫يقصي ييد أن يصي يييبه‪ ،‬فهو قضي يياء عل‪:‬هما معا‪ ،‬أو أطلق عليه الرصي يياصي يية بإرادة القاتل‪ ،‬فهو قضي يياء على املقتول ال‬
‫لسي ي ي ييتطيع دفعه‪ ،‬والقاتل يحاسي ي ي ييب على فعله‪ ،‬ومثل تدهور السي ي ي يييارة‪ ،‬وسي ي ي ييقو طائرة لخطأ لم يكن باإلمكان‬
‫تالفيه‪ ،‬هذح األفعال وقعت على اإلنسان أو منه على غير إرادة منه‪ ،‬وهي ليست في مقدورح‪ ،‬وال ِّقبل له بدفعها‪،‬‬
‫وال يقتض‪:‬ها نظام الوجود‪ ،‬فتدخل في الدائرة التي تسيطر عليه‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬الدائرة التي تس ي يييطر على اإلنس ي ييان تس ي ييم دائرة القض ي يياء‪ ،‬ألن هللا هو الذي ق ي ييب الفعل‪ ،‬وال توجد‬
‫حرية إرادة للعبد في الفعل أي ليس له اختيار‪ ،‬ولذل ال يحاسي ييب العبد عل‪:‬ها مهما كان ف‪:‬ها من نفع‪ ،‬أو ضي ييرر‪،‬‬
‫أو حب‪ ،‬أو كراهية بال س ييبة لينس ييان‪ ،‬أي مهما كان ف‪:‬ها من خير أو ب يير حس ححب تفس ححيراإلنس ححان لها‪ ،‬وإن كان‬
‫هللا وحده هو الذي يعلم الش ح ح ححر والخيرفي هذه األفعال‪ ،‬ألن اإلنس ي ي ييان ال أثر له بها وال لعلم عنها وال عن كيفية‬
‫ه‬
‫إيجيادهيا وال يملي دفعهيا أو جلفهيا مطلقيا‪ ،‬وليذلي ال يثياب وال لعياقيب عل‪:‬هيا‪ .‬فهيذا هو القض ي ي ي يياء‪ ،‬ويقيال حي ئيذ أن‬
‫الفعل وقع قضاء‪ ،‬وعلى اإلنسان أن يؤمن بهذا القضاء أنه من هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫خامس ي ييا‪ :‬أما القدر‪ :‬فالخاص ي يييات التي قدرها هللا في األب ي ييياء‪ ،‬والس ي يينن املجتمعية التي قدرها في املجتمعات‪،‬‬
‫والس يينن اإلنس ييانية التي يتفاعل معها اإلنس ييان في س ييير حياته‪ ،‬فالص ححفات والخص ححائل التي في األب ييياء تس ييم‬
‫بالقدر‪ ،‬ألن هللا تعالى هو الذي قدرف ها هذه الخاص ححيات‪ ،‬وذل أن األفعال التي تحص ييل من اإلنس ييان أو عليه‬
‫في أي من الدائرتين ئاملس يييطرة عليه أو التي لس يييطر عل‪:‬ها تقع أفعاله على أب ييياء أو من أب ييياء من مادة الكون‬
‫والحياة فيحدث هذا الفعل أثرا‪ ،‬أي يترتب على هذا الفعل أمر ما‪ ،‬فهذح اوثار ليسي ي ييت من خلق اإلنسي ي ييان حين‬
‫قيامه بالفعل‪ ،‬ومنما هي من الخص ي ي ييائص التي قدرها هللا في األب ي ي ييياء فتتفاعل مع األفعال على نحو م ص ي ي ييوص‬
‫حين القييام بيالفعيل أي يظهر أثر هيذح الخواص‪ ،‬ك ياص ي ي ي ييية اإلحراق في النيار‪ ،‬وخياص ي ي ي ييية القطع في الس ي ي ي ييكين‪،‬‬
‫وخاصية إنبات الن ل من النواة‪ ،‬وخاصية حب البقاء في الكائن المي‪.‬‬
‫فقيد قدر هللا تعيالى في األب ي ي ي ييياء ص ي ي ي يفيات ثابتية‪ ،‬كص ي ي ي يفية اللون والطول والص ي ي ي ييالبة والس ي ي ي يييولة‪ ،‬تظهر هذح‬
‫الخاصيات‪ ،‬والتي هي في األساس صفات ذاتية الزمة في األبياء‪ ،‬فإذا‬ ‫ِّ‬
‫ِّ‬ ‫الصفات حال االستقرار‪ ،‬وق ‪،‬در في األبياء‬
‫ما تفاعلت الص ح ح ححفات مع األس ح ح ححباب وتحركت انبثقت الخاص ح ح ححيات‪ ،56‬مثل قابلية الخش ي ي ييب لالحتراق‪ ،‬وقابلية‬

‫‪ 56‬فمثال في علم املعادن ‪ Metallurgy‬نرى اعتماد خصائص املعادن ‪ properties of materials‬على الروابط ما بين الذرية‪ ،‬فتجد بعضها غير متبلور‬
‫‪ ،amorphous‬وسعضيها متبلورا ‪ ،crystalline‬واألخير تجد أن الذرات فيه تصيط بشيكل بي ْع ِّر ِّي ‪ lattice‬ثالثي األبعاد‪ ،‬وتكرر هذح األبيكال ال ‪،‬شي ْع ‪،‬رية‬
‫طريقيية تكوينهييا في كييل االتجيياهييات بنفس الطريقيية البلورييية الهنييدس ي ي ي يييية‪ ،‬وذلي عبر قوى ترابط كيميييائييية بين تلي البلورات تكرر ال س ي ي ي ييق ذاتييه‪ ،‬ومن‬
‫الخصي ييائص املهمة مقياس الحبيبة ‪ size of the grain‬وهذا يحدد الخصي ييائص الخاصي يية بذل املعدن‪ ،‬ومن الخصي ييائص األخرى تجد مثال الصي ييالبة‬
‫‪78‬‬
‫إرواء املاء للعطش ي ييان‪ ،‬وقابلية تحول املاء الس ي ييائل إلى ب ار بالتس ي ييخين‪ ،‬فالخاص ح ححية هي االنفعال الحاص ح ححل في‬
‫الشح ح ح يء بس ح ححبب فعل وقع عليه‪ ،‬وباطراد التالزم املؤثر بين هذا الفعل واالنفعال الناتج نسي ي ييت بط وجود عالقة‬
‫ثابتة بينهما نس ي ييم‪:‬ها الخاص ي ييية‪ .‬ويمكن دراس ي ييتها بدقة بالغة‪ ،‬كما وجدنا س ي ييابقا في علم املعادن‪ ،‬وحين يحص ي ييل‬
‫التأثير بين الس ي ي ي ييبب الذي يمتل طاقة س ي ي ي ييببية كافية للتفاعل مع الص ي ي ي ييفات أو الخواص فتنفعل بهذح الطاقة‬
‫وتتعاون معها الشي ييرو الالزمة‪ ،‬فال بد أن يحصي ييل التغيير بشي ييكل حتمي ضي ييروري‪ ،‬ومن لم يحصي ييل التغيير فإما‬
‫أن الطيياقيية الس ي ي ي ييببييية يكيانييت غير يكيافييية‪ ،‬ئمثال درجيية الحرارة لم تكن يكيافييية لتحويييل خصي ي ي ي ييائص املعييدن أو أن‬
‫الش ييرو لم تتوفر كلها‪ ،‬ففي كل هذح العالقات تجد ض ييرورة تفاعل الص ييفات مع األس ييباب بش ييكل دقيق إلنتاج‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫النتيجية‪ ،‬فهيذح هي الض ي ي ي ييرورة والحتميية بياملفهوم الفكري العقلي الفلس ي ي ي ييفي‪ ،‬واليذي يثبيت علمييا أيض ي ي ي ييا‪ ،‬وعلى‬
‫أساسه تقوم العلوم التي تبحع خواص األشياء!‬
‫سييادسييا‪ :‬سييخر هللا تعالى األبييياء في الكون لينسييان حت لسييتفيد منها ويسييتعمل خواصييها في عمارة األرا‪،‬‬
‫لذل ي تج عن وجود مادة قابلية لالحتراق‪ ،‬ونار قابلية ليحراق‪ ،‬وأكس ي ي ي ييجين بكمييات كافيية من كل منهيا ي تج عن‬
‫هذا نار بش ييكل حتمي‪ ،‬يتفاعل اإلنس ييان مع هذح الص ييفات والخواص‪ ،‬ويس ييتغلها لقض يياء حوائجه‪ ،‬ألنها مس ييخرة‬
‫بأمر هللا تعالى له‪ ،‬وي ضي ييع اإلنسي ييان كما قلنا لقوانين الكون مثل قانون الجاذبية‪ ،‬وي تج األثر الحتمي لوجودح‬
‫في نطياقهيا فورا‪ ،‬فيإذا ميا قيذف حجرا في الهواء بطياقية تتغليب على الجياذبيية‪ ،‬ال تلبيث تلي الطياقية أن تتفياعيل مع‬
‫الجاذبية فتتحول من طاقة حركة لطاقة وض ييع تبلغ ذروتها حين تض ييامر الطاقة الحركية فيرجع ال جر لألرا‬
‫ه‬
‫ثانية متأثرا بقوة الجاذبية ئس يينة كونية ‪ ،‬قدر‪ ،‬وعليه فاإلنس ييان ي ض ييع للقدر في نواميس ييه‪ ،‬ال لس ييتطيع تغيير‬
‫تل النواميس‪ ،‬وما سخر له منها لستطيع التفاعل معها واستغاللها‪.‬‬

‫‪ Hardness‬والهش يياب يية ‪ Brittleness‬والليونة ‪ ،Ductility‬والقوة ‪ Strength‬وهكذا‪ ،‬وبتأثير الحرارة على املعدن تتغير أب ييكال البلورات وتراتيفها بش ييكل‬
‫متناس ي ييب مع درجات الحرارة وطريقة التبريد‪ ،‬وبالتالي لس ي ييتطيع اإلنس ي ييان االس ي ييتفادة من هذح املعادن ومعرفة خص ي ييائص ي ييها على نحو دقيق! ففي كل‬
‫مدال من درجات الحرارة تجد خصائص املعادن تتشكل بصورة معينة‪ ،‬فإذا انتقلت إلى نطاق درجات حرارة آخر بالتسخين أو التبريد تغيرت تل‬
‫الخصائص‪ ،‬لكن بشكل متناسب مع درجات الحرارة وطريقة التبريد‪ ،‬فهي خصائص دقيقة اإلحكام ال عشوائية!‬
‫‪79‬‬
‫ادة في عالم سببي حتمي؟‬
‫حرية اإلر ِّ‬
‫خطة الوجود‪ :‬هل اإلنسان مسلوب اإلرادة؟ أين يقع سؤال ِّ‬
‫ه‬
‫س ي ي ‪،‬ين هللا للناس س ي ي نا ئمجتمعية ئتاري ية ‪ /‬إنس ي ييانية ‪ ،‬وطلب من الناس معرفتها أو اكتش ي ييافها‪ ،‬وكان من‬
‫طبيعة هذح الس ي ي يينن أنها ذات طابع انس ي ي يياني؛ ألنها ال تفص ي ي ييل اإلنس ي ي ييان عن دورح اإليجاسي‪ ،‬وال تعطل فيه إرادته‬
‫وحريية اختييارح‪ ،‬ومنميا تؤكيد أكثر فيأكثر على مس ي ي ي ييؤوليتيه على الس ي ي ي يياحية التياري يية واملجتمعيية‪ِّ ،‬‬
‫وزود اإلنس ي ي ي ييان‬
‫وزود اإلنسي ي ييان بالدما القادر على‬ ‫بأدوات املعرفة‪ :‬الحواس‪ ،‬التي تنقل له صي ي ييورة الواقع ليفكر فيه ويفسي ي ييرح‪ِّ ،‬‬
‫التفكير‪ ،‬وس ي ي ي ييخر ميا في األرا لينسي ي ي ي ييان لس ي ي ي ييتطيع أن يتفياعيل مع خواص األب ي ي ي ييياء التي قيدرهيا ف‪:‬هيا‪ ،‬فتفياعيل‬
‫اإلنس ي ييان مع غيرح ال يتم على ب ي يياكلة الس ي يينن الكونية بين املواد والقوى والطاقات‪ ،‬بل يظهر أثر حرية اإلرادة في‬
‫صورة القدرة على االختيار والتفاعل املسؤول‪ ،‬وذل كي يتس؟ لينسان القيام بواجب االست الف في األرا‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫عدل اإلله مطلق القدرة‪ ،‬كلي املحبة‪ /‬كلي الرحمة!‬

‫تقوم حجة مشي ييكلة الشي يير على أن "وجود الشي يير في العالم يتنافى مع أن يكون الرب عليما ألن علمه يقت ي ييبي‬
‫أن يمنع هذا الشر من الوجود‪ ،‬ويتنافى مع أنه قدير‪ ،‬ألن قدرته تقت بي أن يمنع هذا الشر من الوجود‪ ،‬ويتنافى‬
‫مع أنه رحيم‪ ،‬ألن رحمته تقت ي ي ييبي بمنع هذا الشي ي يير من الوجود‪ ،‬ولذل فإن وجود الشي ي يير ينفي وجود هذا اإلله‬
‫الذي ال يمكن أن يفتقد الص ي ي ي ييفات الثالث الس ي ي ي ييابقة جملة‪" "57‬وتقوم حجة مش ي ي ي ييكلة الش ي ي ي يير على مغالطة وهي‬
‫افتراا أن كمييال هللا يتعييارا مع إرادتييه‪ ،‬فييإرادتييه مقيييدة بكمييالييه‪ ،‬وأن الحكميية تقت ي ي ي ييبي أن يكون كييل م لوق‬
‫كامل الصيينعة في ذاته‪ ،‬وهو يحصيير أبواب الحكمة"‪ 58‬في زاوية واحدة ئانتفاء األلم‪ ،‬ودوام امللذات دون التأمل‬
‫في مزايا الزوايا األخرى التي أوردناها في امللخص التنفيذي ألهم القض ي ي ييايا املتعلقة بمعض ي ي ييلة الش ي ي يير‪ ،‬األمر الذي‬
‫ي تهي في النه يياي يية ب ييأن على هللا أن "ي لق إله ييا مثل ييه" حت يثب ييت ل ييه كم ييال الكم ييال‪ ،‬وتفترا ال ج يية أن الش ي ي ي يير‬
‫يتعارا مع الحكمة‪ ،‬ومع القدرة‪ ،‬لكننا بالتأمل وجدنا قص ي ييورا وس ي ييطحية في حص ي يير الحكمة بمقتض ي يييات هذح‬
‫النظرة‪ ،‬فمثال‪ :‬حين يجتمع الناس على دولة واحدة بنظام ير ي ييبي ف‪:‬هم الطمأنينة واألمن واالس ي ييتقرار‪ ،‬ويأتي من‬
‫يناز على الحكم ويشي ييق الصي ي ‪ ،‬ويريد فرا نظام يف ي ييبي للفسي يياد‪ ،‬فإن قتله ئوالذي هو في قاهرح بي يير إنما‬
‫خير للمجمو ‪ ،‬وعقاب له على ما أراد من اإلفس ي ي ي يياد‪ ،‬حت ومن حش ي ي ي ييد معه جماعة تؤيدح ملص ي ي ي ييالا خنية لها‪،‬‬ ‫هو ا‬
‫ا‬
‫وموافق للحكمة‪.‬‬ ‫تضر باملصلحة العامة للمجتمع‪ ،‬فقتلهم جميعا فيه صالح للمجمو ‪،‬‬
‫حر اإلرادة املس ي ي ييؤول عن االس ي ي ييت الف في‬ ‫كما أن املعض ي ي ييلة تغفل التأمل في خطة الوجود‪ ،‬وخلق اإلنس ي ي ييان ِّ‬
‫األرا‪ ،‬واختب ييارح في خي ييارات ييه‪ ،‬األمر ال ييذي يتع ييارا مع "جبره على أن يكون كححامال خ ححالي ححا من العيوب وا ث ححام‬
‫واألخطاء"‪ ،‬وهم بذل يدعلون الجبرأفض ح ححل من االختيار‪ ،‬ويجعلون غاية خلق اإلنس ي ييان إس ي ييعاد اإلنس ي ييان ال‬
‫اختبييارح على محي العبودييية هلل‪ ،‬ويجعلون إس ي ي ي يعيياد اإلنسي ي ي ي ييان متمثال بيياللييذات اونييية‪ ،‬واملتع املييادييية‪ ،‬ويغفلون‬
‫ه‬
‫القيم اإلنس ي ي ي ي يياني يية والخلقي يية وال ييدي ي يية التي تجع ييل للحي يياة رونق ييا خ يياص ي ي ي ي ييا‪ ،‬ويغفلون ل ييذة أن يتقرب هللا لعب ححده‬
‫باالبتالء‪ ،‬فيتضي ي ي يير العبد إلى ربه‪ ،‬ويقترب من ربه‪ ،‬فيحس بسي ي ي ييعادة روحية هائلة بعد أن نآى عن ربه وراء دنيا‬
‫مادية‪ ،‬ويغفلون لذة مصارعة الشر بأنواعه‪ ،‬والصبر على الوجع تقربا من هللا‪ ،‬ورضا بقضائه‪ ،‬ومال فإن النفس‬
‫املسي ييرفة في اللذات‪ ،‬الغارقة في املادية سح ححرعان ما سح ححيصح ححي ها الضح ححجر‪ ،‬والذي سي يييعقبه بشي ييكل حتمي أمراا‬
‫نفس ي ي ي ييية من كيآبية‪ ،‬ولوال اعتراا الليذات بياأللم مليا كيان لليذات املع؟ الرا ع لهيا اليذي يجل‪:‬هيا‪ ،‬فييدرك اإلنسي ي ي ي ييان‬
‫عندها حجم النعم التي يرفل ف‪:‬ها دون أن ينتبه إل‪:‬ها‪.‬‬

‫‪ 57‬مشكلة الشر‪ ،‬ووجود هللا‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري ص ‪.22‬‬


‫‪ 58‬مشكلة الشر‪ ،‬ووجود هللا‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري ص ‪ 60‬بتصرف‬
‫‪81‬‬
‫ثم إن السي ييؤال عن الحكمة من الشي يير ال يمكن أن يكون ذا مع؟ إال إذا خمن السي ييائل بقيمة الحياة‪ ،‬وتلمس‬
‫الحكمة في جوانفها املختلفة‪ ،‬ثم رخى أن الحكمة من الش ي يير غير متوافقة وغير متالئمة مع نس ي يييج الحكمة العام‬
‫الذي يكتن الحياة‪ ،‬فهذا لع؟ي أن امللحد الذي يطرح قض ي ييية الش ي يير دليال على عدم وجود اإلله ال يمل إال أن‬
‫يرى الحكمة متألقة في جنبات الكون‪ ،‬إال في نوايي ب ي ي ييذت عن ذل اإلطار في نظرح‪ ،‬بحيث لس ي ي ييتطيع تعدادها‪،‬‬
‫أو تعييداد أب ي ي ي يكييالهييا ئالحروب واألمراا واملجيياعييات والفقر‪ ...‬أمييا البييا ي ممييا يمأل جنبييات األرا والس ي ي ي ييموات‪،‬‬
‫فاملرا خروج عن أصل العافية‪ ،‬أو فساد لعمل عضو بينما با ي أعضاء الجسد ب ير وعافية‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فالبا ي‬
‫إذن‪ :‬خير موافق للحكمة‪ ،‬فهو أمام إب ي ي ييكالين‪ :‬كي يمكن مللحد ينكر وجود اإلله أن يفس ي ي يير كي لكون عبُي‬
‫مادي لسيير بال غاية أن يمتلئ بمؤبيرات على الحكمة لم ير إال بيذوذات قليلة عنها؟ فالخير هو األصيل‪ ،‬والشير‬
‫ه‬
‫نش يياز عن ذل األص ييل‪ ،‬ولكن الكون العدمي العبُي املادي ال لعرف قيمتي الخير والش يير أص ييال‪ ،‬فاملادة والطاقة‬
‫ال تعرفان‪ :‬الرحمة والعطاء‪ ،‬وال التنظيم والتدبير‪ ،‬وال الخير والش ي ي يير‪ ،‬وال الحب والكرح‪ ،‬وال األخالق‪ ،‬وال العقل‬
‫وال العيياطفيية‪ ،‬فييإذا لم يكن ثميية إلييه‪ ،‬فلم ومن أين جيياء كييل هييذا الخير الييذي وصي ي ي ي ييل أن يكون أص ي ي ي ييال قورنييت بييه‬
‫ه‬
‫ب ي ييذوذات قليلة في منظور امللحد املادي العبُي! فالش ي يير ال لعرف لنفس ي ييه وجودا إال إذا كان ثمة خير يقارن به‪،‬‬
‫فيكون الشي ي يير غيابا للخير في تل الجزئيات ئبحسي ي ييب املنظور املادي البحت ‪ ،‬وقد أدرك الفيلسي ي ييوف الوجودي‬
‫امللحد جون بأول سي ييارتر مبلغ اإلحراج الفكري في مسي ييألة أصي ييل التمييز األخال ي بين الخير والشي يير‪ ،‬ولذل قال‪:‬‬
‫"يجييد الوجودي حرجييا بييالغييا في أال يكون هللا موجودا‪ ،‬ألنييه بعييدم وجودح تنعييدم كييل إمكييانييية للعثور على قيم في‬
‫عيالم واض ي ي ي ييا‪ ،‬ال يمكن أن يكون هنياك خير بيدهي‪ ،‬ألنيه ال يوجيد ويي ال نهيا ي وكياميل من املمكن التفكير فييه‪ ،‬لم‬
‫يكتييب في أي مكييان أن "الخير" موجود‪ ،‬وال أن على املرء أن يكون ص ي ي ي ي ييادقييا أو أال يكييذب‪ ،"59‬ويوافقييه تش ي ي ي ي ييارلز‬
‫دوكينز بقوله‪" :‬إنه من العسير جدا الدفا عن األخالق املطلقة على أسس غير دي ية‪60‬‬

‫إننا حين نحس باأللم فإن ذل إنما لوجود جهاز عص ي ييبي لس ي ييتش ي ييعر األلم وينقله ض ي ييمن ب ي ييبكة من ألياف‬
‫طويلة جدا بوسي ي ييائل غاية في التعقيد إلى الدما ‪ ،‬فلم وجد هذا الجهاز لتحقيق هذا الشي ي ييعور؟ وكي اختلفت‬
‫الرسي ي ييائل العصي ي ييبية الناقلة لأللم في حدتها بناء على نو األلم‪ ،‬ونو التحذير؟ أهي الصي ي ييدفة أم العشي ي ييوائية أو‬
‫العبثية؟ أم إن لهذا الجهاز فوائد جمة تجعل اإلنسي ي ييان حين لشي ي ييعر باأللم يلجأ للطبيب ليكتشي ي ي أنه بحاجة‬
‫لعالج ومال ربما تل أحد أعض ي ييائه وأف ي ييب به للموت؟ ال يمكن لينس ي ييان العاقل أن ي ع ي ييبئ منظومة هندس ي ييية‬
‫معقدة تحل محل النظام العص ي ييبي الناقل لأللم‪ ،‬فاأللم من أعظم مزايا تص ي ييميم الجس ي ييد البش ي ييري‪ ،‬ومن أكثرح‬
‫فائدة لينسان" ‪61‬‬

‫‪59 Jean-Paul Sartre, Basic Writings 2001 p 32.‬‬

‫‪60 Richard Dawkins, The God Delusion, p 232.‬‬

‫‪ 61‬مشكلة الشر‪ ،‬ووجود هللا‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري ص ‪ 72-57‬بتصرف‬


‫‪82‬‬
‫انعدام املقاييس املؤسسة لألخالق وللخير والشرفي ظل استبعاد الدين‪:‬‬

‫أوال‪ :‬ال يمكن أن تؤس ي ي ي ييس العلمي ييانيي يية ئوال الي ييديمقراطيي يية وال الليبراليي يية وال اإللحي يياد ملقي يياييس لألخالق وال‬
‫للفضيييلة وال للخير وال للشيير‪ ،‬ففلسييفة العلمانية قامت على أسيياس "مادي‪ ،‬حسييبي" يف ييبي النفضيياا "املعرفة‬
‫العلميانيية" عن الغييب‪ ،‬وع ِّميا وراء الطبيعية‪ ،‬والتركيز على الطبيعية‪ ،‬مملكية املعرفية اإلنس ي ي ي ييانيية‪ ،‬ومفياهيم الخير‬
‫والش يير ليس ييت مفاهيم مادية‪ ،‬وال يقع الحس عل‪:‬ها لقياس ييها أو إخض يياعها للتجربة‪ ،‬وبالتالي "فالض ييمير األخال ي"‬
‫أو "اإلنسي ي ي ي يياني" مفياهيم غير مياديية‪ ،‬فكي س ي ي ي ييتبح هيا العلميانيية وتؤس ي ي ي ييس عل‪:‬هيا مرجعيية للس ي ي ي ييلوك لوص ي ي ي يفيه‬
‫باألخال ي؟‬
‫يقول الدكتور عبد الوهاب املس ي ي ي يييري‪" :‬الفلس ي ي ي ييفة الهيومانية في الغرب‪ ،‬بتأكيدها القيم األخالقية املطلقة‬
‫ومق ييدرة اإلنس ي ي ي ي ييان على تج يياوز واقع ييه الطبي ي‪ /‬امل ييادي وذات ييه الطبيعي يية‪ /‬امل ييادي يية‪ ،‬تعبير عن اإلل ييه الخفي وعن‬
‫البحححع غير الوايي من قبييل اإلنس ي ي ي ي ييان املححادي عن املقححدس‪ ،‬فمثييل هييذح القيم‪ ،‬ومثييل هييذح املقييدرة ليس لهمححا‬
‫أساس مادي"‪62‬‬

‫من هنا‪" ،‬عند مناقشي ي يية السي ي ييؤال األنطولوجي ئالوجودي لألخالق وهو السي ي ييؤال الفلسي ي ييفي املتعلق بوجود‬
‫األخالق من عدمها‪ ،‬يفر املالحدة [واملاديون] فتراهم يحاولون ص ي ي ي ييرف املوض ي ي ي ييو إلى الس ي ي ي ييؤال اإلبس ي ي ي ييتمولوجي‬
‫ئنظري يية املعرف يية وهو س ي ي ي ييؤال يتعلق بكيفي يية التعرف على القيم األخالقي يية‪ ... ،‬فحين نتح ييدث عن الفلس ي ي ي يف يية‬
‫األخالقية‪ ،‬ثمة مستويان مهمان للحديث‪ :‬املستوى األول‪ :‬هل للقيم األخالقية املطلقة وجود أم ال؟‬
‫املستوى الثاني‪ :‬كي نتعرف على تل القيم األخالقية إن كان لها وجود؟‬
‫فياملياديون يبقون الس ي ي ي ييؤال األول معلقيا دون جواب‪ ،‬ألنيه لش ي ي ي يكيل ميأزقيا حقيقييا ض ي ي ي ييخميا للفلس ي ي ي يفية املياديية‬
‫اإللحادية"‪ 63‬ئوذل ألنهم ماديون‪ ،‬واألخالق والضمير‪ ،‬والخير والشر كلها مفاهيم غيبية ال يقع الحس عل‪:‬ها ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬في قل طغيان الليبرالية كأسياس معرفي منذ عصير النهضية في أوروبا‪ ،‬حرص املنظرون على عدم وضيع‬
‫مبادل منطقية أو س ي ي ييلطوية أو ثقافية أو طائفية أو تراثية أو دي ية أو غير ذل توجه التفكير البش ي ي ييري ملعرفة‬

‫‪ 62‬العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة ‪،189/1 /‬‬


‫‪ 63‬عبيد هللا ال جيري‪ ،‬ميليش ي ي ي يييا اإللحياد‪ ،‬ميدخيل لفهم اإللحياد الجيدييد‪ ،‬مركز تكوين‪ ،‬ص ‪ ،150‬ويض ي ي ي ييرب أمثلية منهيا محياولية س ي ي ي ييام هيارس في كتيابيه‪:‬‬
‫"املش ي ي ي ييهد األخال ي" التنظير أن العلم التجريبي يحدد القيم اإلنس ي ي ي ييانية بأنها التي ترتقي بعافية اإلنس ي ي ي ييان‪ ،‬وبما أن العلم قادر على إخبارنا بما يحقق‬
‫العيافيية‪ ،‬فهو قيادر على تحيدييد القيم األخالقيية الحس ي ي ي ينية والقبيحية" ويقول ريتش ي ي ي ييارد دوكنز في كتياب "وهم اإلليه"‪" :‬ليس ي ي ي ييت جميع األحكيام املطلقية‬
‫مس ي ي ي ييتميدة من اليدين‪ ،‬ولكن من الص ح ح ح حعحب جحدا الحدفحا عن القيم األخالقيحة املطلقحة على أرض ح ح ح حيحة أخرى غيرالحدين" ‪،The God Delusion 232‬‬
‫ويقول دوكنز أيض ي ييا‪" :‬ما الذي يمنعنا من القول بأن هتلر كان على ص ي ييواب؟ أع؟ي هذا س ي ييؤال ص ي ييعب فعال" ‪http://byfaithonline.com/Richard-‬‬
‫‪ ،dawkins-the-oatheist-evangelist‬وفي مناقرة بين حمزة تزوريتزلس‪ ،‬والبروفيسييور لورنس كراوس‪ ،‬في بريطانيا عنوانها اإلسييالم أو اإللحاد‪ ،‬أيهما‬
‫أكثر منطقيية؟ قيال لورنس كراوس مجيبيا على س ي ي ي ييؤال حول س ي ي ي يبيب كون زنيا املحيارم خطيأ‪ ،‬قيال‪" :‬ال يظهر لي أنيه خطيأ" وأكيد "أنيه ال يرى مش ي ي ي ييكلية من‬
‫ممارسة الج س بين األا وأخته"‪.‬‬
‫‪83‬‬
‫الخير من الشي ي يير‪ ،‬بدعوى أن هذا سي ي يييحد من قدرة العقل على التفكير‪ ،‬وبالتالي يركزون على "خيرية اإلنسي ي ييان"‬
‫ذل املفهوم املس ييتعار من املس يييحية‪[ ،‬وهم هنا يقعون في إب ييكال فلس ييفي عظيم يقعون فيه في الدور‪ ،‬إذ كي‬
‫خيرا‪ ،‬أم أنها ص ي ي‬ ‫خير بدون أن تقيس ي ييه بمقاييس الخير والش ي يير فما يفعله من خير يجعله ِّ‬ ‫تعرف أن اإلنس ي ييان ِّ‬
‫خيرا؟] ومسيئولياتهم عن قراراتهم اإلنسيانية‪ ،‬دون‬ ‫غفران لينسيان لعطيه العلمانيون له يفعل ما لشياء بوصيفه ِّ‬
‫مرجعية إيمان أو دين تحدد لهم أن سلوكياتهم أخالقية أو غير أخالقية‪،‬‬
‫ثالثا‪ :‬وهناك توجه عواقبي يبدأ فيه املرء باألهداف ال بالقواعد األخالقية‪ ،‬ال بمقياس خير أو بر‪ ،‬ومن ثم‬
‫يقيس ي ي ي ييون الس ي ي ي ييلوك من خالل تحقيقيه لألهيداف‪ ،‬فيالفعيل خير أو حس ي ي ي يين أو أخال ي أو ص ي ي ي ييائيب إذا جر نتيجية‬
‫صي ي ي ي ي ييالح يية‪ ،‬أو ع يياقب يية حس ي ي ي ين يية‪ ،‬وه ييذح الع يياقب يية الحس ي ي ي ين يية أو الصي ي ي ي ي ييالح يية من املقي يياس الغرسي هي‪ :‬النفعي يية‬
‫ئ‪ Utilitarianism‬املادية؛ األس ي يياس الذي ب ت عليه الحض ي ييارة الغربية مفهوم الس ي ييعادة‪ ،‬والتي ارتبطت بها فكرة‬
‫الليذة‪ 64‬ئ‪ Hedonism‬الحس ي ي ي ييية‪ ،‬وفكرة الرفياهيية ئ‪ Welfare‬كمقياييس غيائيية‪ ،‬ينقيل برترانيد راسي ي ي ي ييل في كتيابيه‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫تاريخ الفلس ي ي ي ييفة الغربية عن لوك نظريته األخالقية فيقول لوك‪" :‬تكون األب ي ي ي ييياء خيرا أو ب ي ي ي يرا فقط من حيث‬
‫ارتبيياطهييا بيياللييذة أو األلم‪ ،‬بحيييث إننييا نييدعو "خيرا" مييا هو خليق بييأن لس ي ي ي يبييب اللييذة أو يزيييدهييا‪ ،‬أو ي ف األلم‬
‫فينا"‪" ،‬ما الذي يحرك الرغبة؟ أجيب‪ :‬الس ي ي ييعادة‪ ،‬والس ي ي ييعادة فقط"‪" ،‬إن تفض ي ي يييل الرذيلة على الفض ي ي يييلة هو‬
‫حكم خاط واضا الخطأ"‪65‬‬

‫"والتبرير النف ي البراغم يياتي لألخالق يفق ييد األخالق قيمته ييا‪ ...‬وتقرير أن األخالق نس ي ي ي ييبي يية يفق ييده ييا قيمته ييا‬
‫املطلقة"‪66‬‬

‫وحين ل ْعرا لنا الس ييلوك نفس ييه من ش ييخص ييين ج ‪،‬ر على أحدهما نفعا وعلى اوخر ض ييررا‪ ،‬ئفأحدهما ربح في‬
‫أن قاتال مأجورا قتل شيخصيا وقبر‬ ‫القمار واوخر خسير منه‪ ،‬أو أن الشيخص نفسيه ربح مرة وخسير مرات؟ أو ِّ‬
‫ثمنا ماديا مقابل فعله‪ ،‬بل أص ي ييال فوق ذل ‪ ،‬كي س ي ييتصي ي ي القتل نفس ي ييه بأنه خير أو ب ي يير؟ أو أن تاجرا روج‬

‫‪ 64‬الفعل الذي ي تج منفعة لينس ي ييان ئالفرد هو املرغوب فيه‪ ،‬واملنفعة ‪-‬كما عرفها جيريمي ب ثام‪ -‬هي‪" :‬كل لذة أو كل س ي ييبب إليجاد لذة‪ ،‬إنها القدرة‬
‫الكافية في غرا معين على إنتاج ربح أو نفع أو امتياز أو لذة أو خير أو سي ييعادة"‪ ،‬وهكذا تحدد النفعية ئ‪ Utilitarianism‬غاية اإلنسي ييان بسي ييعيه إلى‬
‫الحص ي ييول على الس ي ييعادة‪ ،‬وهذح الس ي ييعادة تتحقق بكل ما ينفعه‪ ،‬وما ينفع اإلنس ي ييان هو اللذة‪ ،‬وهذا الرأي هو الذي لش ي ييكل التص ي ييور العملي الغرسي‬
‫يقوم الفعل للقبول األخال ي أو الرفر ولعدح حس ي يينا أو قبيحا بحسي ييب‬ ‫للحياة‪ ،‬إال أنهم لعبرون عنه حديثا بمفهوم الرفاهية ئ‪ ، Welfare‬فيقولون‪ِّ :‬‬
‫ما يحقق من رفاح لينس ي ييان بوص ي ييفه الفردي أو الجم ي‪ ،‬وما القيم واملعايير املوض ي ييوعة إال لتحقيق ذل ‪ ،‬فالنتيجة واحدة وهي النفعية التي يقررها‬
‫العقل البشري‪ ،‬وال دخل للدين أو اإلله ف‪:‬ها‪،‬‬
‫‪ 65‬تاريخ الفلسفة الغربية‪ ،‬برتراند راسل‪ ،‬الكتاب الثالث‪ :‬الفلسفة الحديثة‪ ،‬ترجمة د‪ .‬محمد فتمي الش يطي‪ ،‬ص ‪184-183‬‬
‫‪ 66‬عبيد هللا ال جيري‪ ،‬ميليش ي ي ي يييا اإللحياد‪ ،‬ميدخيل لفهم اإللحياد الجيدييد‪ ،‬مركز تكوين‪ ،‬ص ‪ ،149‬ون تل معيه في اعتبيار األخالق قيميا مطلقية‪ ،‬إذ إن‬
‫البحث ليس في أنها مطلقة أو نس ي ي ييبية‪ ،‬إذ إن الفعل ال يحمل قيمة ذاتية فيه‪ ،‬بل لعتبر خيرا باعتبارات خارجية عنه‪ ،‬فقد يكون القتل خيرا أو بي ي ي يرا‬
‫بحسب االعتبارات الخارجية املسلطة عليه‪ ،‬وهنا مربط الفرس‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫للم درات واكتس ي ييب ثروة طائلة‪ ،‬ثم اس ي ييتغل نفوذح في الدولة لتقنين تجارتها مثل القنب الهندي مثال؟‪ 67‬فعلى‬
‫أي أس ي يياس س ي يينفاض ي ييل في اختيار النظام األخال ي الذي س ي يييس ي ييود املجتمع؟ ال بد أن تص ي ييبح مفاض ي ييلة أي نظام‬
‫أخال ي على خخر مسألة عشوائية ال يمكن الدفا عنها‪.‬‬
‫ه‬
‫رابعا‪ :‬اإلنس ي ييان كائن اجتمايي‪ ،‬وال بد أن تض ي ييبط عالقاته بالغير على أس ي ييس منها تحقيق املص ي ييلحة العامة‪،‬‬
‫وفعل األصي ييوب الذي يرتضي يييه املجتمع ومن خال عن رضي ييا الفرد‪ ،‬األمر الذي لسي ييتوجب مقاييس تحدد الخير‬
‫والش ي يير‪ ،‬والص ي ييواب والخطأ‪ ،‬والحس ي يين والقبح‪ ،‬والثواب والعقاب‪ ،‬فليس ي ييت مقاييس الخير والش ي يير إال ض ي ييرورة‬
‫لتسي ي ييتقيم حياة البشي ي يير‪ ،‬ويصي ي ييلا اجتماعهم‪ ،‬وال يمكن للفرد أن لسي ي ييتغ؟ي عن هذح املقاييس واملفاهيم في حال‬
‫االجتما ‪ ،‬بحجة قدرته على فعل ما لش ي ي ي يياء‪ ،‬وملا كان األمر كذل ‪ ،‬كررنا بالس ي ي ي ييؤال عن مص ي ي ي ييدر ص ي ي ي ييحيح يت ذ‬
‫مقياس ييا لهذح القض ييايا الض ييرورية‪ ،‬ووجدنا عدم قدرة العقل أن يكون املرجع ال ييحيح لهذح القض ييايا‪ ،‬فلزم أن‬
‫تؤخذ من الخالق‪.‬‬
‫ه‬
‫خيامس ي ي ي ييا‪ :‬يقول الالهوتي ولييام لين كريغ‪" :‬إذا كيان هللا غير موجود‪ ،‬فيالقيم األخالقيية املوض ي ي ي ييوعيية‪ ،‬والخير‬
‫والشي يير غير موجودة‪ ،‬لكن معضي ييلة الشي يير تنطلق من إثبات وجود الشي يير‪ ،‬إذن فاملعايير األخالقية املوضي ييوعية‪،‬‬
‫والخير والش يير موجودة‪ ،‬إذن‪ :‬فاهلل موجود" ويض ييي كريغ‪" :‬رغم أن املعاناة تش ييك على املس ييتوى الس ييطمي في‬
‫وجود هللا‪ ،‬إال إنها على مسيتوى أعمق تثبت وجود هللا‪ ،‬إذ إنه في غياب هللا ال تمثل املعاناة بييئا قبيحا‪ ،‬إذا خمن‬
‫يقدم أحكاما أخالقية ال يمكن أن توجد إال‬ ‫ِّ‬ ‫امللحد أن املعاناة يبيء يبيء‪ ،‬أو أنها أمر يجب أال يكون‪ ،‬فهو بذل‬
‫إذا وجد هللا"‬
‫وفي مناقرة بهيرة بين الفيلسوف برتراند راسل‪ ،‬والفيلسوف‪ :‬فردري كوبلستون‪ ،‬جاء ف‪:‬ها‪:‬‬
‫راسل‪ :‬أنا أبعر أن بعر األبياء جيدة‪ ،‬واألخرى قبيحة‪ ،‬أنا أحب األبياء الجيدة‪ ،‬التي أعتقد أنها جيدة‪،‬‬
‫وأكرح األبياء التي أعتقد أنها قبيحة‪ ،‬أنا ال أقول‪ :‬إن هذح األبياء جيدة ألنها تشارك في الصالح اإللهي‪.‬‬
‫كوبلستون‪ :‬نعم‪ ،‬ولكن ما هو مبررك للتمييز بين الجودة والقبح؟ أو كي ترى التمييز بينهما؟‬
‫راس ح ح ح ححل‪ :‬ليس عنيدي أي تبرير أكثر مميا ليدي مليا أميز بين األزرق واألص ي ي ي ييفر‪ ،‬ميا هو تبريري للتمييز بين األزرق‬
‫واألصفر؟ بإمكاني أن أرى أنهما مت الفين‪.‬‬
‫كوبلسح ح ححتون‪ :‬جيد‪ ،‬هذا تبرير ممتاز‪ ،‬وأنا أوافق ‪ ،‬أنت تميز بين األزرق واألص ي ي ييفر برؤيت لهما‪ ،‬فبأي ملكة‬
‫أنت إذن تميز بين الجودة والقبح؟‬
‫راسل‪ :‬بمشاعري"‬

‫‪ 67‬عائلة دوبونت في أميريكا من العائالت صي ي يياحبة النفوذ الضي ي ييخم‪ ،‬برزت في صي ي ييناعة البارود واملتفجرات‪ ،‬وخالل الحرب العاملية األولى أنتجت ‪%40‬‬
‫من القنابل واملتفجرات املس ي ي ييتعملة في الحرب‪ ،‬وتس ي ي يييطر على تجارة القنب الهندي ئاملاريجوانا ‪ ،‬والذي ت لص ي ي ييت من الحظر املفروا عليه مقابل‬
‫تص ي ي ي ي يعها للبلوتونيوم املسي ي ي ييتعمل في القنابل الذرية‪ ،‬والدعم املقدم منها في الحرب العاملية الثانية للحكومة األمريكية ئلشي ي ي ييك البعر في مسي ي ي ييألة‬
‫عالقة العائلة باملاريجوانا !‬
‫‪85‬‬
‫اس ييتفز الحديث الس ييابق أحد الفالس ييفة ليقول‪ :‬لقد كان كوبلس ييتون مؤدبا للغاية‪ ،‬ولو كنت مكانه لس ييألت‬
‫راسي ي ي ييل‪" :‬تدعو بعر الحضي ي ي ييارات إلى أن نحب جيراننا‪ ،‬وتدعو أخرى إلى أن نأكلهم‪ ،‬واالختيار قائم في كل منهما‬
‫على املشاعر‪ ،‬هل عندك تفضيل ألي منهما؟"‬
‫"وقد أدرك الفيلس ييوف الوجودي امللحد الش ييرس ئجون بول س ييارتر مبلغ اإلحراج الفكري في مس ييألة أص ييل‬
‫التمييز األخال ي بين الخير والشي ي يير‪ ،‬ولذل قال‪" :‬يجد الوجودي حرجا بالغا في أال يكون هللا موجودا‪ ،‬ألنه بعدم‬
‫وجودح تنعدم كل إمكانية للعثور على قيم في عالم واضي ييا‪ ،‬ال يمكن أن يكون هناك خير بدهي ألنه ال يوجد ويي‬
‫ال نه ييا ي وكييام ييل من املمكن التفكير في ييه‪ ،‬لم يكت ييب في أي مك ييان أن "الخير" موجود‪ ،‬وال أن على املرء أن يكون‬
‫صادقا أو أال يكذب"‪،‬‬
‫ويوافقه ديكنز بقوله "إنه من العسير جدا الدفا عن األخالق املطلقة على أسس غير دي ية"‪.68‬‬
‫ه‬
‫س ييادس ييا‪" :‬وأما التيار اإللحادي الذي يديي أن األخالق نس ييبية‪ ،‬ويقولون بأن الذوق األخال ي نس ييبي‪ ،‬فردي‪،‬‬
‫شييخصييبي‪ ،‬وليس ألحد أن يلوم غيرح على فعل ما أو عادة ما إذا كان يرضيياهما امللوم‪ ،‬فإن مشييكلة الشيير ال يمكن‬
‫أن تتأس ي ييس على القول ب س ي ييبية األخالق‪ ،‬إذ االعتراا على وجود الرب الرحيم‪ ،‬القدير العليم بوجود الش ي يير ال‬
‫يمكن أن يكون حت يثبت وجود الش يير الذي ال ي تل في أنه ب يير‪ ،‬ولكن عندما يكون الش يير محل خالف ذو ي‪،‬‬
‫فيإنيه بيذلي لغيدو مجرد رأي وليس حقيقية لعترا بهيا على وجود هللا"‪ ،69‬كميا أن األخالق ال س ي ي ي ييبيية ال يمكن أن‬
‫تص ييلا أرض ييية للتعالش بين الناس في املجتمعات‪ ،‬فال بد من جهة تحدد الخير والش يير‪ ،‬والص ييواب والخطأ‪ ،‬وأن‬
‫تفرا رأيها على املجتمع‪ ،‬وملا فش ي ي ييل النظام الغرسي في إيجاد جهة تمثل رأي الناس بش ي ي ييكل ص ي ي ييحيح‪ ،‬فإن وجود‬
‫األخالق ال سييبية سيييف ييبي إلى فسيياد اجتما الناس‪ ،‬وتنمر قويهم على ضييعيفهم بحجة الحرية في التصييرف‪ ،‬أو‬
‫أن ي ضعوا لدكتاتورية الدولة التي تفرا عل‪:‬هم رؤاها‪ ،‬وبالتالي فهذا يثبت فشل نظرية األخالق ال سبية‪.‬‬
‫ه‬
‫س ي ييابعا‪ :‬وقد الح الثيولوجي املس ي يييمي "رون رودز" أنه "من املس ي ييتحيل تفريق الش ي يير والخير من دون وجود‬
‫خيرة مطلقة" أي اإلله‪.‬‬ ‫نقطة إحالة تكون ِّ‬
‫وأضي ملالحظته‪ :‬أيضا من دون مقاييس تؤصل أساسا ملا يمكن وصفه بالخير أو بالشر وأن يكون مصدر‬
‫ه‬
‫هييذح املقيياييس قطعيييا لتف ي ي ي ييبي إلى أخالق مطلقيية بغر النظر عن اإلنس ي ي ي ي ييان‪ ،‬وزمييانييه‪ ،‬ومكييانييه‪ ،‬أو مجتمعييه‪:‬‬
‫مبتناها على صي ي ي ييحة األحكام‪ ،‬والعصي ي ي ييمة من التناقر واالختالفات والنقص والخلل والعبثية‪ ،‬وللموضي ي ي ييوعية‬
‫املتمثلة في البراءة من التحيز والهوى وامليل مع األهواء واملصييالا‪ ،‬فال تحاسي أحدا على أحد‪ ،‬والقدرة على النفاذ‬
‫إلى أعمياق املش ي ي ي ييكالت املختلفية وميا يؤثر ف‪:‬هيا وميا يتيأثر ف‪:‬هيا واإلحياطية بهيا‪ ،‬بمعرفية النفس اإلنسي ي ي ي ييانيية وحقيقية‬
‫دوافعها وتطلعاتها وأب ي ييواقها‪ ،‬ومعرفة الحياة البش ي ييرية وتنو احتياجاتها وتقلباتها‪ ،‬وتحقيق التوازن في إب ي ييبا‬

‫‪ 68‬مشكلة الشر‪ ،‬ووجود هللا‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري ص ‪64 – 62‬‬


‫‪ 69‬مشكلة الشر‪ ،‬ووجود هللا‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري ص ‪.64‬‬
‫‪86‬‬
‫حاجات اإلنس ي ي ييان العض ي ي ييوية وغرائزح‪ ،‬والتوازن في تحص ي ي يييل الحقوق الفردية واملص ي ي ييلحة العامة والحق العام‪،‬‬
‫وتحقيق العدل واإلنصي ي يياف والتيسي ي ييير ورفع الحرج‪ ،‬فهذح أسي ي ييس أسي ي يياسي ي ييية ال بد أن توجد في املقياس القط ي‬
‫إلضفاء صفة الخير أو الشر أو تحقيق الصواب والحسن أو القبح في السلوك‪،70‬‬
‫ه‬ ‫و ِّ‬
‫عبر روس ييو عن هذا الواقع ببراعة قائال‪"Il faudrait des Dieux pour donner des lois aux hommes" :‬‬
‫أي "أننا نحتاج إلى خلهة لكي ِّ‬
‫نسن القوانين للناس"!‬
‫وبالتالي لتتأس ييس على أس يياس ييها الس ييلطة التي س ييتكون مرجعية قانونية للثواب والعقاب‪ ،‬وهذح ال يمكن أن‬
‫توجد إال عند الخالق سبحانه‪ ،‬وال يمكن أن يتوصل إل‪:‬ها بالعقل‪.71‬‬
‫ه‬
‫ثامنا‪ :‬بحث املتكلمون املس ي ييلمون قديما تحديد موق اإلنس ي ييان من الفعل الض ي ييابط للس ي ييلوك على أس ي يياس‬
‫زاوية الحسين والقبح‪ ،‬ومبتناها على أسياس الكمال والجمال‪ ،‬وزاوية الخير والشير‪ ،‬ومبتناها على أسياس النظرة‬
‫العقائدية أو األخالقية‪ ،‬أي تس ح ححليه قيم اإلنس ح ححان على الفعل والش ح ح يء لوص ح ححفه بالخيروالش ح ححر‪ ،‬وزاوية املدح‬
‫والذم أو الثواب والعقاب‪ ،‬ومبتناها تسليط نتيجة القيام بالفعل والغاية املرجوة من القيام به عليه‪.‬‬
‫فالحس ي ي ي يين والقبح باعتبار مالءمة طبع اإلنس ي ي ي ييان وميوله الفطرية وأغراض ي ي ي ييه أو منافرته لها‪ ،‬كقولنا إنقاذ‬
‫الغريق حس ي ي يين‪ ،‬واتهام البريء قبيح‪ ،‬وما وافق الغرا وجلب منفعة أو دفع ض ي ي يرا كان حس ي ي يينا‪ ،‬وأس ي ي ييماح علماء‬
‫"أصول الفقه" باملناسب‪.‬‬
‫لكن العبرة ليس ي ي ي ييت بمجرد إص ي ي ي ييدار حكم أي حكم‪ ،‬ومنما لض ي ي ي ييمان ص ي ي ي ييوابية الحكم ومقدرته على معالجة‬
‫مش يياكل بش ييرية متعلقة بذل الس ييلوك عالجا ص ييحيحا‪ ،‬دائميا يص ييل لكل إنس ييان في كل زمان ومكان‪ ،‬ولتحقيق‬
‫قيم مجتمعية وفردية‪ ،‬فال يكفي إلصححدارالحكم على الفعل أن يشححعراإلنسححان بفطرته بالنفورمنه‪ ،‬أو امليل‬
‫له‪،‬‬
‫األمر اليذي ال يحيط العقيل بيه لكثرة املالبسي ي ي ي ييات الخيارجيية عنيه وتعقييداتهيا‪ ،‬فليس األمر نظير الحكم على‬
‫الع ييبيء بأنه حلو وبالتالي حس يين‪ ،‬أو مر وبالتالي فهو قبيح‪ ،‬أو ص ييفة الص ييدق بأنها حس يينة‪ ،‬والغش بأنها تص ييرف‬
‫قبيح‪ ،‬إذ إن الص ييدق في املعركة قبيح‪ ،‬فهو اعتبار خارجي ض ييابط للتص ييرف‪ ،‬فالفعل في ذاته خال من مر حات‬
‫الحس ي ي ي يين والقبح‪ ،‬ف يياألهواء تجع ييل بعر العقول تمي ييل للزنى‪ ،‬ولش ي ي ي ييرب الخمر‪ ،‬فال يكفي ذل ي لجع ييل الحكم‬
‫الص ي ي ييادر عن العقل ص ي ي ييوابا‪ ،‬فق ْد ف ِّقد امليزان واملقياس الس ي ي ييليم‪ ،‬والفطرة وامليول قد يتأثران بعوامل خارجية‬
‫وثقافية تجعل فطرة الغرسي غير فطرة املس ييلم‪ ،‬والعقول تتراوح قوة وض ييعفا‪ ،‬دقة في الفهم وض ييبابية‪ ،‬فال يتأتى‬

‫‪ 70‬قال فولتير ‪ -‬كما أوردها ول ديورانت في ئقص ي ي ي يية الفلس ي ي ي ييفة ‪..." :‬ال بد للبلد ليكون ص ي ي ي ييالحا أن يكون له دين‪ .‬أريد من زوجتي وخياطي ومحاميي أن‬
‫يؤمنوا باهلل‪ ،‬وبذلك يقحل غش ح ح ح حهم وس ح ح ح ححرقاتهم لي‪ .‬ومن كان ال وجود هلل يجيب علينيا أن ن تر إلهيا‪ "...‬فالخلق نفس ي ي ي ييه في الفكر الغرسي الزم بمقيدار ما‬
‫يحقق من مصلحة أو منفعة"‪.‬‬
‫‪ 71‬راجع كتابنا‪ :‬ئالصي ي ي ييندوق األسي ي ي ييود للفكر الغرسي فيه تفصي ي ي يييالت تتعلق بإناطة التشي ي ي ييريعات للدولة في النظام الغرسي‪ ،‬ومثبات أن هذا أف ي ي ي ييب إلى‬
‫دكتاتورية األحزاب السياسية‪ ،‬وتسلطها على اإلرادة العامة‪ ،‬وسلط الضوء أيضا على اإلبكاليات القانونية التي تتعلق بمرجعية الدستور‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫للعقل القدرة على الحكم على كل األفعال في م تل الظروف والحاالت لغياب عوامل غيبية‪ ،‬أو بس ي ي ييبب نظرة‬
‫جزئييية غير بي ي ي ي ييامليية‪ ،‬أو مر حييات يتبين فسي ي ي ي ييادهييا فيمييا بعييد‪ ،‬أو ممييا قييد ال يتفطن لييه العقييل من فهم مجزوء‬
‫للواقع‪ ،‬تقلب الحكم إلى نقير الص ييواب في عواقبه‪ ،‬فما تراءى له مص ييلحة أو جالبا ملنفعة اتض ييا له أن الش ي ‪،‬ير‬
‫يكمن في أحد زواياح املعتمة‪ ،‬إذ ال علم له بشييكل قاطع بمآالت األفعال ونتائجها‪ ،‬لهذا السييبب درجت تشييريعات‬
‫البشر على االنتقال والتقلب من أقصب النقير إلى نقيضه!‬
‫وهذا ال يجرد العقل البش ييري ئاملتأثر بالثقافة الدي ية‪ ،‬بش يير أن يكون غير مادي من القدرة على إص ييدار‬
‫األحكام جملة وتفص يييال‪ ،‬مثل حس يين العدل والص ييدق‪ ،‬وقبح الظلم والعدوان‪ ،‬إال أن العقل ال لس ييتطيع إدراك‬
‫حسيين وال قبح جملة من األفعال ال ضييرورة وال بالتفكر والتأمل‪ ،‬وال أن يجزم بعاقبة أي فعل‪ ،‬أو الشييرو التي‬
‫تكتنفه لتجعله حس يينا مطلقا ص ييوابا في ذل املوق ‪ ،‬أو ب تائجه على الفرد واملجتمع واملص ييلحة العامة‪ ،‬فال بد‬
‫له أن يأخذ ذل من الشي ي ي يير ال من العقل‪ ،‬فليس في الفعل مقومات ذاتية تجعل الحكم عليه واضي ي ي ييحا ال لبس‬
‫فيه‪.‬‬
‫هيذا‪ ،‬ومن كيان العيدل حس ي ي ي ينيا بحكم العقيل‪ ،‬إال أن تحقيق ميا يقيميه أمر وراء قيدرة العقيل على الحكم فييه‪،‬‬
‫فقد يظن البعر أن العدل لع؟ي مس يياواة الرجل واملرأة في امليراث‪ ،‬أو في املس ييئوليات العامة والخاص يية‪ ،‬فيتبين‬
‫قص ي ي ي ييور تلي النظرة وأنهيا تكرس الظلم ال العيدل في أحييان كثيرة‪ ،‬ألن نظيام اجتميا اليذكر واألنُ أعقيد من أن‬
‫يتعلق بقضيية ميراث أو عمل‪ ،‬بل يتعلق به نظام مسيئوليات رعوية‪ ،‬وواجبات‪ ،‬وحقوق‪ ،‬وقدرات واسيتعدادات‬
‫متفاوتة‪ ،‬وأحوال م تلفة‪ ،‬مما يجعل تحقيق العدل في كل بأن منها أمرا ال لستطيع العقل الحكم عليه‪.‬‬
‫ومثل ذل يقال عن زاوية الخير والش ي يير‪ ،‬إذ أطلق اإلنس ي ييان على ما يض ي ييرح أو يكرهه وصي ي ي الش ي يير‪ ،‬بغر‬
‫النظر عن الحس ي ي ي يين والقبح‪ ،‬ئأي إن الزاويية التي ينظر من خاللهيا هنيا هي زاويية أثر قيميه في وص ي ي ي ي الفعيل‪ ،‬ال‬
‫زاوييية كمييال الفعييل أو نقير كمييالييه ‪ ،‬وسغر النظر عن الص ي ي ي ييواب والخطييأ‪ ،‬وبنيياء على هييذح النظرة ي ْقي ِّدم على‬
‫الفعل وي ْح ِّجم عنه‪ ،‬فجاء الت حيح لهذح النظرة بأن الفعل ال يقال إنه خير أو بر حسب الكراهية والحب أو‬
‫بمقوم الحب‬ ‫يقومان ِّ‬ ‫ومنما قياس كونه خي هرا أو ب ي هرا هو مرضيياة هللا تعالى‪ ،‬أي إن الخير والشيير ال ِّ‬ ‫ِّ‬
‫النفع والضيير‪،‬‬
‫والكراهية‪ ،‬أو النفع والض ي يير‪ ،‬ئفالخمر وامليس ي يير ف‪:‬هما ض ي يير كبير‪ ،‬ومثم عظيم‪ ،‬ومنافع للناس‪ ،‬ومثمهما أكبر من‬
‫مادية أو‬‫قيمية‪ ،‬وليس ملنافع ومضي ي ي ييار ح ِّسي ي ي ي ِّية ِّ‬ ‫نفعهما ومنما ِّ‬
‫بمقوم مرضي ي ي يياة هللا‪ ،‬فالخير والشي ي ي يير أثران لنظرة ِّ‬
‫معنوية‪ ،‬وهذح النظرة القيمية خارجة عن الفعل نفسي ييه‪ ،‬وتتفاوت القيم عند البشي يير‪ ،‬فالقتل قد يوصي ي بأنه‬ ‫ِّ‬
‫خير أو ب ي ي يير بما يكتنفه من عوامل خارجية‪ ،‬وبتس ي ي ييليط القيم التي ال تس ي ي ييتطيع الحكم بالخير أو الش ي ي يير إال أن‬
‫تكون صي ي ييحيحة بمرجعيتها اإللهية‪ ،‬لتحكم حكما صي ي ييحيحا على الفعل بأنه خير أو بي ي يير‪ ،‬وبالتالي فال بد لها من‬
‫مصدر معصوم عن الخطأ واألهواء والتحيز‪...‬الخ‪،‬‬

‫‪88‬‬
‫إذن‪ :‬ليس لألفعال قيمة ذاتية توص ي ي ي على أس ي ي يياس ي ي ييها بأنها خير أو ب ي ي يير‪ ،‬ومنما وص ي ي ي الخير والش ي ي يير يأتي‬
‫بياعتبيارات ومالبس ي ي ي ييات خيارجيية عن الفعيل‪ ،‬ئأي من النظيام‪ ،‬واليذي بيدورح ال بيد أن يض ي ي ي ييمن ص ي ي ي يحية معيالجياتيه‬
‫لتحقق ص ي ي ييواب الوص ي ي ي بالخير أو الش ي ي يير بالص ي ي ييورة التي فص ي ي ييلنا ف‪:‬ها عن طبيعة املقاييس في النقطة الرابعة‬
‫أعالح‪ ،‬والتي ال تتمثل إال بنظام إلهي املص ي ييدر بغر النظر عن النفع والض ي يير‪ ،‬الحب والكرح‪ ،‬فالقتل قد يكون‬
‫خيرا وقد يكون ب يرا‪ ،‬فقتل العدو املعتدي خير وقتل النفس بغير حق ب يير‪ ،‬واملرجعية في هذا كله إلى الدين‪ ،‬ال‬
‫للعقل‪ ،‬ألن العقل عرض يية للتفاوت واالختالف والتناقر‪ ،‬إذ قياس ييات العقل للحس يين والقبح تتأثر بالبيئة التي‬
‫لعيش ف‪:‬ها‪ ،‬بل تتفاوت وت تل بالعص ي ي ي ييور على تعاقفها‪ ،‬فإذا ترك قياس القبح والحس ي ي ي يين للعقل كان الع ي ي ي ييبيء‬
‫قبيحا عند فئة من الناس‪ ،‬وحسي يينا عند خخرين‪ ،‬بل قد يكون العي ييبيء الواحد حسي يينا في عصي يير‪ ،‬قبيحا في عصي يير‬
‫خخر‪ ،‬مع أن وصي ي الفعل بالقبح أو الحس يين يجب أن يكون س يياريا على جميع ب؟ي اإلنس ييان في جميع العص ييور‪،‬‬
‫وليذلي كيان ال بيد من أن يكون بييان كون الفعيل حس ي ي ي ينيا أو قبيحيا ختييا من قوة وراء العقيل‪ ،‬وهو هللا س ي ي ي ييبحيانيه‪،‬‬
‫وعليه فإن قياس ييات اإلنس ييان للخير والش يير‪ ،‬وللحس يين والقبح قياس ييات متفاوتة ومتناقض يية لص ييدورها عن عقل‬
‫قاصيير‪ ،‬وبييعور متفاوت غير ثابت‪ ،‬فال ي ييا إذن أن يترك قياس الخير والشيير‪ ،‬والحسيين والقبح لينسييان‪ ،‬ألنه‬
‫يجعلهييا م تلفيية من عص ي ي ي يير إلى خخر‪ ،‬ومن فئيية إلى أخرى‪ .72،‬واالعتبييارات الخييارجييية التي تكتن الفعييل تجعييل‬
‫الزوايا التي يجب مراعاتها عند الحكم بالحس يين أو القبح‪ ،‬بالخير أو الش يير كثيرة قد ال يحيط العقل بأكثرها‪ ،‬أو‬
‫بيأثرهيا املس ي ي ي ييتقبلي على الفياعيل‪ ،‬أو على املجتمع‪ ،‬فتظهر ليه منفعية خنيية تنقليب ض ي ي ي ييررا بعيد حين أو العكس‪ ،‬أو‬
‫تجل ييب نفع ييا على ش ي ي ي ييخص وض ي ي ي يرا على املجتمع‪ ،‬أو العكس‪ ،‬فيص ي ي ي ي ييدر حكم ييا ثم يتبين ل ييه نقص ذل ي الحكم‬
‫العتبارات أخرى لم يحسب لها حسابا‪ ،‬فيعيد النظر ف‪:‬ها وهكذا‪.‬‬
‫ه‬
‫بالخيرية أو ال ‪،‬شي ي ي ي ِّ ِّر‪،‬ية‪ ،‬وهذح القيم هي عين قولنا‪:‬‬
‫‪،‬‬ ‫تاسي ي ي ييعا‪ :‬لذل فالقيم هي التي يوصي ي ي ي من خاللها الفعل‬
‫الش يير هو من يحكم بالخير أو الش يير‪ ،‬أما القيم البش ييرية‪ ،‬فإن جعلها أس يياس ييا للحكم بالخير أو الش يير هو دور‪،‬‬
‫وهو باطل‪ ،‬ألنها هي نفس ي ي ييها بحاجة لتوص ي ي ي بالخير أو الش ي ي يير‪ ،‬لع؟ي لو فرض ي ي يينا أن القيم الرأس ي ي ييمالية هي التي‬
‫س ييتس ييلط على الفعل لوص ييفه بالخير أو الش يير‪ ،‬وهذح القيم نتاج العقل‪ ،‬وقد اتفقنا على أن العقل ال لس ييتطيع‬
‫الحكم على الفعل بالخير أو الشي ي يير إال بتسي ي ييليط قيم خارجية‪ ،‬فهذح القيم الخارجية إن أتت من العقل نفسي ي ييه‬
‫فهي بحاجة ملا يص ي ي ييفها بالخير أو الش ي ي يير أو يجعلها ص ي ي ييالحة لوص ي ي ي الفعل بالخير أو الش ي ي يير‪ ،‬وهذا دور والدور‬
‫باطل ومستحيل! فوجب أن يؤخذ الحكم بالخير أو الشر من الشر ال من العقل!‬

‫‪ 72‬نقر الفكر الغرسي الرأسمالي مبدأ وحضارة وثقافة‪ ،‬من إصدارات حزب التحرير صفر ‪ 1443‬ه‪ ،‬أيلول ‪ 2021‬م‪ .‬ص ‪.33- 26‬‬
‫‪89‬‬
‫حوارخطيرفي فيلم املعادل ‪ equalizer 2‬غاية في األهمية!‬

‫يكتش املمثل املبد "دينزل وابنطن" أن رفيقه القديم في املهنة "ديفيد" هو من قتل صديقتهما املحققة‬
‫"سي ي ييوزان" في بلجيكا‪ ،‬كي تحول "ديفيد" من رجل مهمات خاصي ي يية يفترا ف‪:‬ها أنها تقتل األعداء واملجرمين إلى‬
‫قاتل أجير؟‬
‫لقد بدأ األمر حين أنهوا خدمات "ديفيد"‪ ،‬فبدأ لعمل لحس ي ي ي ييابه الخاص! قبل ذل كانت تأتيه أس ي ي ي ييماء من‬
‫يديق؟ خ ِِّّي ار أم ِّب ي ي ي ِّر اير؟ هل لس ي ي ييتحق القتل أم‬
‫عدو أو ص ي ي ي ا‬
‫عليه تص ي ي ييفيتهم من "األعداء"‪ ،‬لكن من يحدد أن هذا ا‬
‫الحياة؟‬
‫كان مست دمهم األول ئالحكومة هو من يحدد لهم ذل !‬
‫واون حين أص ييبح "ديفيد" لعمل لحس ييابه‪ ،‬أي أص ييبح مرتزقا‪ ،‬كان عليه أن لعيد تعري من هو العدو‪ ،‬من‬
‫هو السبيء؟ من هو الذي لستحق املوت؟‬
‫كان عليه أن لعيد "جرد" مبادئه وقيمه‪ ،‬واملرجعية التي على أسياسيها سييحدد الخير من الشير! إن كان يهمه‬
‫أصال مرجعية معينة‪ ،‬أو إن كان يؤمن بعبيء اسمه الخير‪ ،‬وخخر اسمه الشر!‬
‫اكتشي فجأة أن هذح تعريفات زائفة‪ ،‬فال يوجد يبيء اسيمه عدو أو " يبيء" أو "بيرير"‪ ،‬بحيث إن صياحب‬
‫تل األوص ي يياف لس ي ييتحق ألجل هذح األوص ي يياف القتل! بل يوجد ي ييبيء اس ي ييمه " ي ييبيء الح "‪ ،‬وقع عليه االختيار‬
‫ليموت‪،‬‬
‫كان االختيار يقع في السححابق من قبل "الحكومة"‪ ،‬وا ن يقوم من يسححتعمله بأجرة بتحديد من يقع عليه‬
‫االختيار!‬
‫ثم أض ي يياف "ديفيد"‪ :‬ال تعط؟ي مواع عن تأنيب الض ي ييمير‪ ،‬وال عن اإلثم‪ ،‬ألنه ال يوجد ي ييبيء اس ي ييمه إثم وال‬
‫تأنيب ضمير! بل ال يوجد "ضمير‪".‬‬
‫هذا الحوار لس ي ي ييتفز األعماق للتفكير بالقض ي ي ييية التي يجل‪:‬ها‪ ،‬خص ي ي ييوص ي ي ييا إذا ما قرن بترويج كثير من األفالم‬
‫األمريكية لفكرة الرجل الخارق أو البطل الهمام‪ ،‬مثل "الس ي ي ييوبرمان"‪ ،‬و"املنتقمون" وغيرهم‪ ،‬ذل البطل الذي‬
‫يحل مش ي يياكل املجتمع بنفس ي ييه‪ ،‬فهو القام ي ييبي والجالد في الوقت نفس ي ييه‪ ،‬هو الخص ي ييم والحكم واملنفذ للحكم في‬
‫نفس الوقيت‪ ،‬واملرجعيية هي ميا يراح هو من خير وب ي ي ي يير‪ ،‬ويحيدد الش ي ي ي ييرير ويعياقبيه فورا دون محياكمية وال دفيا ‪،‬‬
‫وه ييذح الفكرة في أغل ييب افالم "هوليوود" تجع ييل الع ييدال يية الن يياجزة هي الخالص من الش ي ي ي يير‪ ،‬وحت في األفالم التي‬
‫يحكم بها القضاء أحكاما ال توافق هوى الضحية يقوم بتصفية املجرم على أدراج املحكمة!‬
‫عودا على بدء‪ ،‬في الحوار أعالح‪ ،‬نطرح السؤال ‪،‬‬
‫الهام التالي‪:‬‬

‫‪90‬‬
‫كي س يينعرف الخير من الش يير؟ من س يييحدد القيم واملرجعيات الفكرية لتحديدهما؟ من س يييحدد أن هذا‬
‫إثم‪ ،‬أو انتبه للسؤال األخطر التالي‪ :‬هل هناك "إثم"؟ هل هناك "خير وبر"؟‬
‫االثم م الفة لقواعد معينة‪ ،‬س ييواء أكانت أعرافا مجتمعية‪ ،‬أو تش ييريعات دي ية‪ ،‬أو تش ييريعات قانونية‪ ،‬أو‬
‫قواعد معينة تواضع عل‪:‬ها الناس!‬
‫ف ييإذا م ييا كييان ال ييدافع لحرك يية الن يياس في الحي يياة هي "الحري يية"‪ ،‬أي االنعت يياق من املرجعي ييات س ي ي ي ييواء تل ي التي‬
‫مص ييدرها األعراف املجتمعية‪ ،‬أو التش ييريعات الدي ية‪ ،‬أو القوانين التي وض ييعها "الغير"‪ ،‬ممن س يييحدد لينس ييان‬
‫أن هذا خير‪ ،‬وهذا بر‪ ،‬هذا إثم ال يجوز اقترافه‪ ،‬بل ستعاقب على فعله!‬
‫فيقفز الدايي للحرية ليقول‪ :‬عقلي هو من س ي يييحدد لي الخير من الش ي يير‪ ،‬والص ي ييواب من الخطأ‪ ،‬أنا إنس ي ييان‬
‫عاقل مفكر‪ ،‬حر‪ ،‬فرد أبحث عن تحقيق ذاتي‪ ،‬دون " أعراف مجتمعية"!‬
‫لكن ي أيه ييا الع يياق ييل املفكر ال تعيش في غ يياب يية‪ ،‬وال في جزيرة معزول يية‪ ،‬ب ييل تعيش وس ي ي ي ييط أن يياس‪ ،‬ت تلط بهم‪،‬‬
‫فتحتيياج عالقييات ي الييدائمييية معهم لتنظيم‪ ،‬وتقنين وتش ي ي ي ييريعييات واتفيياق على مييا يجوز ومييا ال يجوز‪ ،‬فييأنييت ترى‬
‫إباحة اإلباحية‪ ،‬والعري التام في الش ي ييوار ئكما في أوروبا ‪ ،‬وغيرك يريد منعها تماما‪ ،‬تض ي يياربت النظرة وال بد من‬
‫حل!‬
‫بعر األمور ش ي ي ي ييخص ي ي ي ييية في املنزل‪ ،‬ولكن معظم األمور من الحياة العامة التي س ي ي ي ييت تلط بالغير ويجب أن‬
‫يتحدد املوق ! هل س سمح بالتصرف الفالني وماذا سنفعل مع من ي الفه من عقوبات!‬
‫وهذا الحل بالض ييرورة س يييقيد حرية كل من لعيش في ذل املجتمع بما تواض ييع عليه املجتمع‪ ،‬وس يييعاقبونه‬
‫لو قرر ممارسة "حريته" بما يف بي للخروج على ما اتفقوا عليه!‬
‫وال بيد أن يكون في مواد كثيرة من هيذح التش ي ي ي ييريعيات ميا ال يوافق رأي هيذا الش ي ي ي ييخص أو ذاك‪ ،‬وبيالتيالي فقيد‬
‫يتفقوا على بعر األمور‪ ،‬ولكنهم س ي ي ي ييي تلفون على أكثرهييا‪ ،‬وس ي ي ي يييض ي ي ي ييطرون للتنييازل عن "حرييياتهم" وأفكييارهم‬
‫لصالا ما تواضع عليه املجتمع! إذن‪ ،‬ال يمكن وجود بيء اسمه حرية في الواقع نهائيا!‬
‫مص ييطلا الحرية يتناقر تماما مع عيش البش يير مجتمعين وحاجتهم لذل االجتما ‪ ،‬حت في القض ييايا التي‬
‫تواض ي ي ي ييع عل‪:‬هييا املجتمع ووافقييت أهواءك‪ ،‬فييأنييت لسي ي ي ي ييت حرا ألني تمييارس ي ي ي يهييا ألن "الغير ئالقييانون " س ي ي ي ييمح لي‬
‫بممارستها‪ ،‬ولو تغيرت نظرة "الغير ئالسلطة " لها الضطررت لتغيير موقف للنقير!‬

‫‪91‬‬
‫كل ش يء مباح إذا غاب الدين‪:‬‬

‫إذن‪ ،‬فال يوجد سي ييلطة للعلمانية للتأسي يييس لألخالقية‪ ،‬أو لل “قيمية" وخصي ييوصي ييا ألخالقيات أو مرجعيات‬
‫األمر والنهي‪ ،‬أو للقيم التي سيقوم املجتمع على تحقيقها ئإضافة للقيمة املادية النفعية ‪،‬‬
‫في را عته األدبية "اإلخوة كارامازوف" قام الروا ي الرو يبي الكبير دوسيتويفسيكي بالتعرا ملواضييع فلسيفية‬
‫وجودييية وطرح عالقتهييا مع الخييالق واإلرادة الحرة واألخالق‪ .‬وهي عمييل درامي رويي تتصي ي ي ي ييار فيييه رؤى أخالقييية‬
‫م تلفة بما ي ص اإليمان والش والعقل‪ ،‬وروسيا املعاصرة لفترة الرواية‪.‬‬
‫أبطيال الروايية هم األب فيودور كياراميازوف؛ رجيل بال واز أخال ي وال مبيادل‪ ،‬وأوالدح الثالثية اليذين يمثيل كيل‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫منهم نموذجا ملا كان بييا عا في املجتمع الرو ييبي في القرن التاسييع عشيير؛ فالصييغير رجل تقي‪ ،‬والثاني مفكر مادي‬
‫معرفة إبكالية ماذا يترتب على "عدم وجود الخالق"‪ ،‬وإذا كان كل ش يء سيصبح مباحا ومسموحا‬ ‫ِّ‬ ‫يبحث عن‬
‫بححه في هححذه الحححالححة‪ ،‬وأكبرهم رجييل متهور تتص ي ي ي ي ييار في ييه الرذيل يية والفض ي ي ي يييل يية بقوة‪ ،‬وهييذا األخير تتجس ي ي ي ي ييد في ييه‬
‫الشخصية الروسية بحسب املؤل ‪.‬‬
‫ما هي املرجعية التي سيتؤسيس للخير والشير؟ لألخالق واملقاييس التي سيتضيبط السيلوك اإلنسياني في حياته‬
‫اليومية ئفيما هو أكثر من مجرد االلتزام أو عقوبة م الفة قوانين الدولة !‬
‫وما يهمنا أيض ييا هو أثر تغييب أثر اإليمان باهلل والحس يياب في اوخرة على أفعال اإلنس ييان في الدنيا‪ ،‬وعلى أي‬
‫أس ححاس س يييقوم إنس ييان ما بوض ححع قوانين ملزمة إلنس ححان آخر تحدد له الخير والش يير كمقاييس لدفعه للقيام‬
‫بأفعال معينة أو االنتهاء عن غيرها‪ ،‬كي س ي ي ييتس ي ي ييد العلمانية هذح الفجوة الهائلة املؤثرة في الس ي ي ييلوك البش ي ي ييري‬
‫‪،‬‬
‫والعالقييات املجتمعييية بش ي ي ي يكييل كبير! وهييذا عين مييا نظرت لييه "الليبرالييية" حين حيياربييت "نظريييا" مبييدأ أن تفرا‬
‫الدولة تش ييريعاتها على األفراد‪ ،‬وفش ييلت فش ييال ذريعا ألن الناس ال بد أن لعيش ييوا في مجتمعات‪ ،‬ال على األش ييجار‬
‫في األدغال!‬

‫‪92‬‬
‫هل عاملنا أفضل العوالم املمكنة؟ وهل هذا دليل على عجزاإلله؟‬

‫ه‬
‫بل إن "براتراند راس ييل" يقول في كتابه‪" :‬ملاذا أنا لس ييت مس يييحيا" في الص ييفحة العاب ييرة‪" :‬إنه من املدهش أنه‬
‫عندما ننظر إلى حجة التصييميم هذح‪ ،‬نجد أن الناس بإمكانهم أن يؤمنوا أن هذا العالم‪ ،‬بكل األبييياء التي فيه‪،‬‬
‫بكل عيوبه‪ ،‬ي ب ي أن يكون العالم األفض ييل الذي أمكن لكائن كلي القدرة والعلم أن ي ش ييئه في ماليين الس يينين‪،‬‬
‫أنا ال أس ي ييتطيع في الحقيقة أن أؤمن بذل "‪ 73‬إذن‪ ،‬فراس ي ييل لعتبر أن وجود الش ي يير يتناقر مع دليل التص ي ييميم‬
‫الذكي الحكيم‪ ،‬باعتبار أن هذا العالم ليس أفضل العوالم املمكنة‪ ،‬أي إنه ليس الجنة! أو بمع؟ ‪ :‬أليس بإمكان‬
‫هللا فعل أفضل مما فعل‪ ،‬في لق عاملا أقرب إلى الجنة‪ ،‬ي لو من الشقاء واألمراا والحروب وضن العيش؟‬
‫فهيذح امليدرس ي ي ي يية في التفكير‪ 74‬ات يذت ميا قنتيه ب ي ي ي ييذوذات أو عيوبيا في الكون دليال على عيدم وجود الخيالق‪،‬‬
‫وم ييدرس ي ي ي ي يية أخرى اعتبرت رت يياب يية النظ ييام في الكون دليال على ع ييدم وجود اإلل ييه وأن االرتق يياء وال ش ي ي ي ييوء إنم ييا يتم‬
‫باالنتقاء الطبي ي‪.‬‬
‫ولكن النظر في نظام الكون وأنه غير فاسد يدل على وحدانية الخالق‪ ،‬والنظر في النظام دليل على املنظم‪،‬‬
‫والنظر في الشييذوذات والحوادث التي تجري تبعا لسيييطرة اإلله على حوادث الكون دليل على وجود اإلله‪ ،‬وعلى‬
‫أنه لم ي لق الكون ونواميس ي ي ييه ويتركها تعمل دون س ي ي يييطرة وتدخل منه‪ ،‬أي إنه لم يمارس س ي ي ييلطانه مرة واحدة‬
‫فقط حين خلق الكون والنواميس‪ ،‬بل س ي ي ي ييلطانه مس ي ي ي ييتمر‪ ،‬فحين ي رق الناموس‪ ،‬أو حين يجري على أكثر من‬
‫صورة‪ ،75‬فإن هذا يدل على الخالق أيضا‪ ،‬أو لحكمة بالغة تصب في تنظيم الكون‪ ،‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬تنفجر‬
‫نسي ي ييبة معينة من النجوم انفجارات مسي ي ييتعرة أعظمية‪ ،‬لكن النظر املسي ي ييتنير إلى هذح الظاهرة يجد أنها ليسي ي ييت‬
‫بشي ي ي ي ييذوذات‪ ،‬بيل ض ي ي ي ييرورة للخلق ولتش ي ي ي ييكييل النظم املجريية والنجميية الجيدييدة‪ ،‬فتجيد النظيام "يحكم اليذرات‬
‫املتناثرة الناجمة من الجيل الس ي ي ييابق من املس ي ي ييتعرات املتفجرة الوقت‪ ،‬لتتجمع في أنظمة ب ي ي ييمس ي ي ييية من الجيل‬
‫الالحق من النجوم‪ ،‬وليض ي ي ييمن توز وتكرار االنفجارات النجمية باعتدال‪ ،‬فال لش ي ي ييتد فيغرق أس ي ي ييطح الكواكب‬
‫ه‬
‫بحميم األب ي ي ي يعية القياتلية مرارا‪ ،‬وال يقيل ليدرجية تمنع ص ي ي ي يينع كفيايية من اليذرات الثقيلية في املس ي ي ي ييتعرات األعظميية‬

‫‪ 73‬مشكلة الشر‪ ،‬ووجود هللا‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري ص ‪41‬‬


‫‪ 74‬استفدنا بعر األفكار في هذا الباب من محاضرة‪ :‬ما الحكمة في البالء؟" ‪ -‬تفسير الشعراوي لآليات من ‪ 78‬إلى ‪ 79‬من سورة ال ساء‬
‫ه‬ ‫ه ه ه‬
‫‪ 75‬وقد رأينا أن هللا تعالى أحدث اختالفا في بعر األنظمة الحيوية لفتا للنظر أنها ال تسي ي ي ييير سي ي ي يييرا خليا ذاتيا ميكانيكيا بال تدبير أو تدخل منه‪ ،‬فمثال‬
‫وجيدنيا فرس البحر والكيائنيات التي ت تمي إلى نفس فص ي ي ي يييلتيه مثيل األس ي ي ي يمياك األنبوبيية وتنين البحر املورق كيائنيات غير عياديية للغيايية‪ ،‬فيحميل اليذكور‬
‫ه‬
‫األجنة في كيس لشبه نوعا ما كيس الكنغر‪ ،‬ويلدون بدال من األنُ ‪ ،‬ورأينا بعر النباتات تحمل العضو املذكر واملؤنث معا‪ ،‬وسعر الكائنات تتكاثر‬
‫باالنقسي ي ي ييام ئالتكاثر الالج سي ي ي ييبي‪ ،‬في الكائنات وحيدة الخلية ‪ ،‬ووجدنا بعر الحيوانات جرابية ئكالكنغر والكواال‪ ،‬تكمل حمل وليدها بعد والدته في‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫الجراب ‪ ،‬وسعضي ييها ثدييا‪ ،‬وسعضي ييها يبير‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وهذا كله وفقا للسي ييببية‪ ،‬ولكن قدر هللا أبي ييكاال متعددة تجري وفقا لها حت ال يظن قان أن هللا‬
‫ه‬
‫تعالى خلق الكون ووضعه ‪-‬كالقطار‪ -‬على سكة‪ ،‬وكل بيء ي تج تلقائيا وحتميا وخليا بنفس الصورة دون تدخل من الخالق سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫لتتجمع على س ي ييطح الكواكب املتكونة حديثا" ‪ 76‬فاالنفجار قاهرح حدث يموت فيه نجم‪ ،‬وينفجر‪ ،‬لكن التأمل‬
‫في هذح الظاهرة يراها سببا ضروريا لتوزيع الذرات الثقيلة في مناطق كونية احتاجت لها‪ ،‬فالنجم مات لي ْحيي‪.‬‬
‫وتجد البراكين ت ِِّّنفس الض ييغط الهائل والحرارة من باطن األرا‪ ،‬وتمد القش ييرة األرض ييية بمعادن ض ييرورية‪،‬‬
‫ولهييا فوائييد أخرى‪ ،‬وتجييد الزالزل ت لص بيياطن األرا من الطيياقيية املوجودة فييه‪ ،‬إذ إن للغييازات املحبوسي ي ي ي يية في‬
‫باطن األرا تأثير كبير في إحداث اهتزازات عنيفة في قش ييرة األرا أو انفجارات بركانية‪ ،‬وهذح الغازات تنكمش‬
‫أحيانا وتتمدد أحيانا أخرى‪ ،‬فتحدث موجة من املد ت ترق طبقات ال يخور في قشيرة األرا‪ ،‬في اتجاح أفقي أو‬
‫رأ ييبي‪ ،‬ينتتج عنها الهزة األرض ييية‪ ،‬وتتش ييكل نتيجة لحركات طبقات األرا الجبال‪ ،‬وفي دراس يية في جامعة هارفرد‬
‫في العيام ‪ ،2008‬قيدر الفلكيون أن كتلية األرا تقع في ححالحة ححديحة لكوكحب قحابحل الس ح ح ح ححتقب ِّحال الحي ِّحاة‪ ،‬وأنيه لو‬
‫كانت كتلة أو حجم األرا أص ي ييغر‪ ،‬فإن الص ي ييفائح البنائية ‪ tectonics plates‬التي تش ي ييكلها الطبقات ال ي ييخرية‬
‫لألرا ئتتحرك لت ش ي ي ييأ عنها اليابس ي ي يية ‪ ،‬هذح الحركات كانت لتكون مس ي ي ييتحيلة لو كانت األرا على غير حجمها‬
‫الح ييالي‪ ،‬وق ييد ق ييارنوا األرا ب ييالزهرة التي لع ييادل حجمه ييا ‪ 85‬ب ييامل ييائ يية من حجم األرا‪ ،‬فوج ييدوا أن ييه ال أثر له ييذح‬
‫ال شياطات الصيفائحية البنائية على سيطحه‪ ،‬لذا اعتبر حجم األرا ومسياحة سيطحها‪ ،‬وكتلتها‪ ،‬والتناسيب بين‬
‫ذل كله مثاليا الستقبال الحياة عل‪:‬ها"‪ 77‬فالزالزل والبراكين ضرورية لجعل األرا صالحة للحياة!‬
‫لكن الش ي ي ييذوذ عن االنتظام يظهر على ص ي ي ييعيد جزيئات ال على ص ي ي ييعيد النظام العام‪ ،‬فال يفس ي ي ييد الش ي ي ييذوذ‬
‫الفردي صييحة االنتظام‪ ،‬فيولد طفل بسييتة أصييابع‪ ،‬ويكون بعر الناس عقيما‪ ،‬أو أعم ‪ ،‬أو أصييم‪ ،‬فقسييم من‬
‫هؤالء جراء أمراا وراثية كان باإلمكان تفاديها بدراسية الجينات قبل الزواج‪ ،‬وقسيم ناتج عن سيوء تصيرف األم‬
‫مقدر من قبل هللا تعالى ال عالقة له بالقس ييمين الس ييابقين‪ ،‬وال لس ييأل هللا‬ ‫خالل الحمل كتعاطي الخمر‪ ،‬وقس ييم ِّ‬
‫ه‬
‫عن حكمته في توزيع النعم على الخالئق‪ ،‬فيمنع أحدهم نعمة البص ي ي يير مقابل أن لس ي ي ييبغ عليه نعما أخرى ال حد‬
‫لها تعوض ي ي ي ييه‪ ،‬كنعمة الذاكرة والبص ي ي ي يييرة‪ ،‬وما مثال بيتهوفن األص ي ي ي ييم الذي كان عالمة فارقة في دنيا املوس ي ي ي يييقى‬
‫وم ْن ِّحك ِّم ِّه في هذا‬ ‫ببعيد‪ ،‬أو أن لعوضييه عن فقدان بصييرح دخول الجنة بغير حسيياب‪ ،‬بينما هو يحاسييب غيرح‪ِّ ،‬‬
‫أن يلفت نظر عموم الناس إلى هذح النعم التي يرونها في أنفس ي ييهم أو في غيرهم‪ ،‬فمن ذهب إلى املس ي ييتش ي ييفى تذكر‬
‫نعم هللا علي ييه التي يرف ييل ف‪:‬ه ييا دون أن يت ب ييه له ييا‪ ،‬أو أن ي وف هللا الن يياس ب ييالحوادث ك ييالزالزل فيرجعوا إلي ييه‪،‬‬
‫ويتض ي ي ي ييرعوا ل ييه‪ ،‬فيكون رجعوهم إلي ييه ع يياص ي ي ي يم ييا لهم من ع ييذاب اوخرة بغفلتهم عن ييه‪ ،‬أو لع ييذب الع ييام يية بعم ييل‬
‫الخاص يية‪ ،‬حين س ييكت العامة عن إفس يياد الخاص يية في املجتمعات‪ ،‬ذل اإلفس يياد الذي أنتج ب ييرورا ال حص يير لها‬

‫‪ 76‬قدر الطبيعة‪ ،‬قوانين الحياة تف ا عن وجود الغاية في الكون‪ .‬د‪ .‬مايكل دي تون‪ ،‬ترجمة د‪ .‬موسب إدريس وخخرين‪ ،‬مركز براهين‪ ،‬ص ‪51 - 49‬‬
‫‪77 However، a 2008 study by the Harvard-Smithsonian Center for Astrophysics suggests that the dividing line may be higher.‬‬

‫‪Earth may in fact lie on the lower boundary of habitability، since if it were any smaller، plate tectonics would be impossible.‬‬
‫‪Venus، which has 85 percent Earth's mass، shows no signs of tectonic activity.‬‬
‫‪http://en.wikipedia.org/wiki/Planetary_habitability‬‬
‫‪94‬‬
‫من س ييوء توزيع الثروة‪ ،‬والحروب والطغيان واالس ييتبداد‪ ،‬فاس ييتحق العامة العقاب بس ييكوتهم وعدم اس ييتعمالهم‬
‫للس يينن املجتمعية للتغيير كي لعيش ييوا حياة أفض ييل‪ ،‬وفي هذا كله إقامة لل جة على الخالئق ال لحاجة هللا تعالى‬
‫أن لعلم من يصبر ومن يكفر‪ ،‬بل هكذا تكون الحياة جميلة لها مع؟ ‪ ،‬ب يرها وبرها‪.‬‬
‫قال اإلمام الغزالي في كتاب ئاإلمالء على إب ي ي ي ييكاالت اإلحياء ‪" :‬ليس في اإلمكان أبد من ص ي ي ي ييورة هذا العالم‪،‬‬
‫وال أحس يين ترتيبا‪ ،‬وال أكمل ص يينعا"‪ ،‬وال يفهم من كالم الغزالي أنه ليس في إمكان هللا أن ي لق أفض ييل من هذا‪،‬‬
‫لكنه يقص ي ي ي ييد أن كمال الص ي ي ي يينعة قاهر م جز مفهر‪ ،‬قال اإلمام ابن حزم في الدرة فيما يجب اعتقادح ص ‪:311‬‬
‫عمل بنا؛ ألنه لو كان عندح أصيلا مما فعل بنا‪ ،‬ولم لعطنا إياح‬ ‫"ومن قال‪ :‬إنه ليس عند هللا عز وجل أصيلا مما ِّ‬
‫لكان ب يال محابيا‪ ،‬فهو كافر من وجهين‪:‬‬
‫عجز ربيه‪ ،‬تعيالى‪ ،‬فجعليه عياجزا مطبوعيا‪ ،‬ال يقيدر إال على ميا في قوتيه أن ييأتي بيه فقط‪ ،‬وهيذح‬ ‫أحيدهميا‪ :‬أنيه ِّ‬
‫صفة منقوص الب ية‪ ،‬متناهي القوة‪ ،‬ذي طبيعة‪ ،‬تعالى هللا عن ذل علوا كبيرا‪.‬‬
‫والوجه اوخر‪ :‬تكذيبه القرخن فيما أوردناح‪ ،‬ومع ذل فهو مكابر ال لش ي ي ي ذو مس ي ي ييكة عقل في أنه تعالى كان‬
‫قادرا على أن ي لقنا مالئكة أو أنبياء كلنا‪ ،‬أو في الجنة كما خلق خدم عليه الس ييالم‪ ،‬وال يكلفنا ب يييئا‪ ،‬أو ال ي لق‬
‫من يدري أنه يكفر به‪ ،‬أو لعصيه‪ ،‬أو أن يميتهما قبل البلو كما أمات سائر الصبيان"‪.‬‬
‫"وحييث إن النزا ليس حول تحقيق عياملنيا املخلوق للغيايية من خلقيه‪ ،‬دار اختبيار وممر لآلخرة‪ ،‬ومنميا حول‬
‫إمك ييان خلق ع ييالم أفض ي ي ي ي ييل من ع يياملن ييا‪ ،‬ف يياملعترض ي ي ي ييون من املالح ييدة هن ييا يتح ييدثون عن ع ييالم الل ييذة ال ييذي يحقق‬
‫لينس ييان املتعة دون منغص من ب يير أو ألم‪ ،‬بعيدا عن غائية الخلق ض ييمن هدفي االبتالء والجزاء‪ ،‬إننا نقول إن‬
‫هللا س ي ي ي ييبحانه قادر على خلق عالم ال لعتورح أي نقص باملع؟ اإللحادي‪ ،‬وقادر على إزالة جميع أس ي ي ي ييباب األلم‪،‬‬
‫وتحقيق غيايية اإلمتيا لينس ي ي ي ييان‪ ،‬وأن هللا تعيالى خلق مثحل هحذا العحالم فعال‪ ،‬حقيقية ال افتراض ي ي ي ييا‪ ،‬وهو الجنحة‪،‬‬
‫لكن هذح الجنة هي جنة الجزاء‪ ،‬وليس ي ي ييت محال لقبول غاية الخلق املتمثلة في اختبار العباد‪ ،‬فدعوى س ي ي ييقو‬
‫حقيقة وجود اإلله ألن هذا العالم ليس أفضيل العوالم التي من املمكن إلله قادر وحكيم أن ي لقها قائمة على‬
‫تصور أولي باطل‪ ،‬وهي ساقطة‪،‬‬
‫على أن ييه ال يلزم من كون هللا ك ييامال أن ي لق ع ييامل ييا ك ييامال‪ ،‬إذ إن دواعي الخلق ع ححدي ححدة ومتنوع ححة‪ ،‬وليس‬
‫يفترا أن تؤول كلها إلى أن يكون املخلوق مثاليا"‪ ،78‬والنظر املس ح ححتنير يظهرأنه مثالي في مناس ح ححبته للغاية التي‬
‫خلق من أجلها‪ ،‬كما سنظهر في كل األبواب القادمة‪ ،‬والتي تجلي بصورة ال ريب ف‪:‬ها أن العالم مثالي في مناسبته‬
‫ه‬
‫للغاية التي خلق من أجلها‪ ،‬فيسقط االعتراا جملة وتفصيال‪.‬‬

‫‪ 78‬مشكلة الشر‪ ،‬ووجود هللا‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري ص ‪.45-44‬‬


‫‪95‬‬
‫إتقان الصنعة‪ ،‬الدقة الالمتناهية في نظام الكون والحياة‪:‬‬

‫على أن املتأمل في خلق هللا ونواميس الكون يجد الدقة املتناهية ومحكام الصنعة في كل بيء في الكون‪ ،‬من‬
‫الييذرة إلى املجرة‪ ،‬ويجييد النواميس التي تض ي ي ي ييبط س ي ي ي ييير هييذا كلييه‪ ،‬ال يمكن أن ينيياز في دقيية قوانينييه املفهرة‪ ،‬لقححد‬
‫توقفححت كيميححاء الكون‪ ،‬وعمليححات نش ح ح ح ححوء واس ح ح ح ححتمرار وتطوير الهيححاكححل الفيزيححائيححة الفلكيححة ‪astrophysical‬‬
‫‪ ،structures‬التي يتش ح ح ح ح ححل منهححا الكون‪ ،‬من ندوم ومدرات‪ ،‬وعنححاقيححد‪ ،‬وعنححاقيححد فححائقححة‪ ،‬وتوقفححت عمليححات‬
‫تخليق العناص ح ححرالتي تتم في أعماق الندوم عبراالندماال النووي‪ ،‬وتوقفت العمليات التي أفض ح ححت إلى كون‬
‫ص ح ححديق للحياة‪ ،‬يدعم نش ح ححوءها واس ح ححتمرارها واس ح ححتقرارها‪ ،‬على نظام معقد من التعييراملنض ح ححبه الدقيق‬
‫املحكم ملقاديرالقوى واملجاالت والطاقات‪ ،‬وألشح ح ح ح الها‪ ،‬مما يعني أنها قوانين مص ح ح ححممة مس ح ح ححبقا لض ح ح ححمان‬
‫نشوء الكون والحياة واستمرارهما واستقرارهما من خالل اختيارأنواعها‪( ،‬الجاذبية‪ ،‬والكهرومغناطيسية‬
‫والقوة النووية القوية والضح ححعيفة)‪ ،‬ولطريقة عملها (مثل نطاق تأثيركل منها‪ ،‬وشح ححدتها النسح ححبية)‪ ،‬ولألدوار‬
‫التي تلع ها في تنظيم أنظمة املواد املعقدة‪ ،‬وعلى تفاعلها الس ححببي الذي توقف على اختيار خص ححائل معينة‬
‫محددة في الجس ح ح ح ححيمات أمدتها بهوية معجزة‪ ،‬من كتل وش ح ح ح حححنات وعزم مغزلي‪ ،‬معيرة بدقة بالغة‪ ،‬وجعلتها‬
‫تخضع لها‪ ،‬وتسيروفقا لها‪ ،‬وتتميزبها!‬
‫كان ال بد من تعييرمنضح ححبه دقيق محكم للمعايير‪( ،‬املحددات‪ ،‬املعالم‪ ،‬املتغيرات الوسح ححيطة) الكونية‬
‫‪ ،cosmological parameters‬والثوابت الفيزيائية األسححاسححية ‪ ،fundamental constants‬ولشححدة القوى‬
‫النس ح ح ححبية‪ ،‬التي تص ح ح ححف القوانين الفيزيائية والتي تحدد خص ح ح ححائل كوننا ض ح ح ححمن نطاق من القيم الدقيقة‬
‫ل‬ ‫ى‬ ‫ض ح حيق من الت َ‬ ‫َ َ‬
‫حائل‬
‫ِّ‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫ص‬‫والخ‬ ‫والثوابت‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫والحقو‬ ‫القو‬ ‫وعالقات‬
‫ِّ‬ ‫قيم‬
‫ِّ‬ ‫في‬ ‫به‬ ‫حموح‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫س‬‫امل‬ ‫اين‬
‫ِّ‬ ‫ب‬ ‫ِّ‬ ‫املعينة‪ ،‬وفي ِّإطار‬
‫حادة والطححاقح ِّحة‪ ،‬بحيححع يكون الخروال عن إطححار ذلححك الض ح ح ح ححبه والتعيير املنض ح ح ح ححبه‬ ‫حات الفيزيححائيح ِّحة للمح ِّ‬
‫والعمليح ِّ‬
‫الدقيق املحكم‪ ،‬أو الخروال من نطاق ذلك التباين املس ححموح به مؤذنا باس ححتحالة نش ححوء واس ححتمرار الكون‪ ،‬أو‬
‫استحالة نشوء واستمرار الحياة‪.‬‬
‫ولقد توقف نش ح ححوء الكون واس ح ححتقراره واس ح ححتمراره أيض ح ححا على تعييرمنض ح ححبه دقيق محكم وعلى ص ح ححعد‬
‫متعددة للش ححروط االبتدائية املس ححبقة بالغة الدقة‪ ،‬غيرالعش ححوائية‪ ،‬واملختارة بعناية‪ ،‬التي ص ححاحبت نش ححأة‬
‫الكون وترتب عل ها إم انية نش ح ح ححوء هذه الحياة التي نراها في الكون‪ ،‬من إنتروبية منخفض ح ح حة جدا‪ ،‬و انفتاق‬
‫منتظم للرتق الحذي حوى املحادة والطحاقحة‪ ،‬ومن توس ح ح ح ححع منتظم للكون‪ ،‬ومن كميحة مححددة محس ح ح ح ححوبحة بحدقحة‬
‫للم ححادة والط ححاق ححة‪ ،‬ومن كث ححاف ححة ط ححاق ححة الكون الع ححاملي ححة التي كححان ححت قريب ححة ج ححدا من القيم ححة الحرج ححة‪ ،‬فمنع ححت‬
‫التوسع غيراملنتظم أو االنكماش للكون البدائي‪ ،‬ومن سعة نسبية لتقلبات الكثافة في بدايات الكون‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫بل لقد احتاال نش ح ح ح ححوء واس ح ح ح ححتقرار واس ح ح ح ححتمرار الكون ليس فقه إلى هذا كله‪ ،‬لقد احتاال فوق ذلك إلى‬
‫التناسب املحكم بين هذه كلها‪ ،‬فلو اختل أحدها ملا كان لتوليف وضبه ا خر من منفعة‪ ،‬والضبه هذا ال‬
‫يتم بش ح ح ل آلي ذاتي ملجرد وجود املادة بعضح ححها مع بعض‪ ،‬إذ إنه ثبت أن نطاق تفاعل تلك القوى والثوابت‬
‫واملجاالت والكتل والش ح ح حححنات وخص ح ح ححائل املادة الس ح ح ححببي املتبادل محدود جدا‪ ،‬بحيع إن أي خروال عليه‬
‫كفيل بانهيار املادة‪ ،‬وأيض ح ححا فذنها عالقات تداخلية تحتاال لتض ح ححبه نس ح ححبة كل قوة مع األخرى‪( ،‬مثال القوة‬
‫النووية القوية والكهرومغناطيس ح ححية)‪ ،‬وكل كتلة مع األخرى‪( ،‬مثال كتلة البروتون مع كتلة النيوترون)‪ ،‬وكل‬
‫ش ح حححنة مع األخرى‪( ،‬ش ح حححنة البروتون مع ش ح حححنة اإللكترون)‪ ،‬والقوى مع الش ح حححنات والكتل‪ ،‬وكل قوة مع‬
‫خص ح ح ح ححائل معينة في املادة مهيئة للتفاعل مع تلك القوة بش ح ح ح ح ل معين‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فهو تنظيم على مس ح ح ح ححتوى‬
‫أوس ححع من مدرد اجتما نوعين من القوى أو نوعين من الكتل أو نوعين من الش حححنات فينض ححبطا‪ ،‬بل ال بد‬
‫أن يتم على مستوى املادة والطاقة على مستوى الكون كله‪،‬‬
‫بل ويتوقف نداح س ح ح ح ححير س ح ح ح ححالس ح ح ح ححل من العمليات املختلفة املعقدة املتنوعة‪ ،‬أو معدالت إنتاجها على‬
‫ضبه قوة معينة أو على أن تتصرف تلك القوة بصورة معينة‪،‬‬
‫بل احتاال فوق ذلك إلى تعيير س ححرعة توس ححع الكون‪ ،‬كي تدتمع الجس ححيمات فتشح ح ل الذرات‪ ،‬وإلى تباين‬
‫املج ِّريحة‪ ،‬احتححاال األمر وجود كحل هحذا‬ ‫الكثححافحة‪ ،‬كي تتمكن الجححاذبيححة من إنش ح ح ح ححاء الهيححاكحل الكونيححة والعنححاقيححد َ‬
‫وغيره الكثير في نفس الوقت وبنفس النسب الخارقة املعجزة كي يكون كون‪ ،‬وال تكون فوض ى!‬
‫وأن أيحا من هحذه املقححادير املض ح ح ح ححبوطحة بعنححايحة لو اختلف‪ ،‬أو تخلف عن موقعححه وعملححه وقيمتححه ملحا نش ح ح ح ححأ‬
‫الكون وال الحياة وال اإلنس ححان العاقل الذي يتفكرفي الربه الذكي بين كل هذا التعيير‪ ،‬ويتفكرفي اس ححتحالة‬
‫أن يكون نتاال عمليات عشححوائية غيرعاقلة‪ ،‬وبالتالي فهو تنظيم ومخطه مسححبق‪ ،‬ومفروض على املادة من‬
‫خارجها‪ ،‬أي من الخالق سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ووض ييوح ص ييورة أن هذا لش ييكل نظاما مص ييمما تص ييميما محكما حكيما غائيا س ييببيا‪ ،‬والربط الذكي بين هذا‬
‫ّ‬
‫ْ ‪،‬‬
‫اب ص ي ينع ِّ‬ ‫ح‬‫ي‬ ‫ي‬ ‫كله وأن يكون صح ححنع هللا الذي أتقن كل شح ح يء ﴿وترى ْالجبال ت ْحس ي يفها جامد هة وهي تم ُّر م ‪،‬ر ال ‪،‬‬
‫س‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬ ‫‪،‬‬
‫ال ِّذي أتقن ك ‪،‬ل ب ْيء ِّإ ‪،‬نه خ ِّب اير ِّبما ت ْفعلون ‪ 88‬النمل‪ .‬احتاال ذلك كله إلى الخالق العظيم !‬
‫‪79‬‬

‫أما على ص ي ييعيد الحياة‪ ،‬فقد احتوت الخاليا الحية والكائنات الحية على م طط يمتل ب ي يييفرة كيميائية‪،‬‬
‫تحوي املخطط واملعلوم ييات ال ييداللي يية التي تحرك ييه ب يياتج يياح إق ييام يية أنظم يية معق ييدة‪ ،‬وب يياتج يياح أن يمتل ي ق ييدرة على‬
‫التكيياثر الييذاتي واالس ي ي ي ييتمرار‪ ،‬ومييا ف‪:‬هييا من قييدرة على قراءتييه وتحليلييه وترجمتيه‪ ،‬وت زينييه وحمييايتييه‪ ،‬وتحويلييه إلى‬
‫أنظمة ئالجين مثال وص ي ييفة لتص ي ي يع البروتينات ‪ ،‬أو أوامر أو ص ي ييفات ئلون العيون مثال يحتاجها الكائن المي‪،‬‬
‫وفوق ذل ملاذا هذا التش ي ي ي ييفير بالذات ئخيار من ض ي ي ي ييمن خيارات تحتاج ملر ا‪ ،‬وخيار ذكي ض ي ي ي ييامن لحص ي ي ي ييول‬

‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫‪ 79‬امللخص التنفيذي لكتابنا‪ :‬ئنشأة الك ْو ِّن‪ ،‬د ْلي ال ع ْق ِّل مي ِّعل ِّم مي ِّح ِِّّسب مي عل ْى وج ْو ِّد الخ ِّال ِّق ‪.‬‬
‫‪97‬‬
‫النتييائج وفقييا ملخطط غييا ي من بين خيييارات أخرى يكيان بيياإلمكييان أن ت تكس بييالحييياة وتنه‪:‬هييا‪ ،‬وفوق ذلي أن هييذح‬
‫التعليمات واألوامر فعالة فقط في بيئة قادرة على تأويل املع؟ بالشي ي يييفرة الوراثية"‪ ،‬ثم إن سي ي ييلب الخلية الحية‬
‫اليوم من مكونييات رئيس ي ي ي يييية ف‪:‬هييا‪ ،‬مثييل البروتينييات أو األحميياا النووييية أو األنزيمييات مثال‪ ،‬لعطييل وقييائفهييا‪ ،‬أو‬
‫يفسي ي ييدها ويحدث خلال ف‪:‬ها‪ ،‬فوجود بعضي ي ييها حتمي السي ي ييتمرار حياة الخلية‪ ،‬تتوق عليه الحياة واسي ي ييتمرارها‪،‬‬
‫ه‬ ‫ْ ه‬ ‫ُّ‬
‫وبيالتييالي فهييذا دليييل أيضي ي ي ي ييا على أنهييا‪ ،‬أو جلهيا يجييب أن توجيد دفعية وا ِّحيدة وفي خن واحيد لتقوم بتييأدي ِّية وقيا ِّئ ِّفهييا‪.‬‬
‫وهذح الوقائ تدل على الغائية‪ ،‬وهذا االجتما بالش ي ي ي ييكل املعقد يدل على التص ي ي ي ييميم الذكي الحكيم املس ي ي ي ييبق‬
‫للخلق‪ ،‬واحتاجت لحد أدنى من الجزيئات التي تتركب منها الخلية الحية‪ ،‬في أدنى كائن يي فما فوقه‪ ،‬س ييواء من‬
‫الجينييات‪ ،‬أو من البروتينييات‪ ،‬أو األنزيمييات أو بييا ي الجزيئييات التي تش ي ي ي يكييل الب ييية األسي ي ي ي يياس ي ي ي يييية للخلييية الحييية‪،‬‬
‫واحتاجت لطرق ارتبا ص ي ييحيحة بأب ي ييكال هندس ي ييية بالغة الدقة ثالثية األبعاد‪ ،‬فكانت الحياة م جزة خارقة‬
‫تظهر كمال ودقة الصي يينعة ومحكامها‪ ،‬ومهما حاول البشي يير أن ي ترعوا خالت إبصي ييار أو تصي ييوير فإنها لن تضي يياهي‬
‫العين البش ي ييرية في دقتها‪ ،‬ومذا نظرت إلى األجهزة التي تش ي ييكل تركيب الكائن المي‪ ،‬تجد التنظيم الكياني لألنظمة‬
‫املختلفة ئالس ي ي ييمع واإلبص ي ي ييار واألعص ي ي يياب وتجد التكامل التكوي؟ي بين األنظمة املختلفة التي ت تج كائنات بالغة‬
‫التعقيد والدقة‪ ،‬وقد وصي ي العلماء الكائنات الحية كنظم غاية في التعقيد‪ ،‬على مسي ييتويات وطبقات متعددة‬
‫حيث تعتمد الخص ييائص املميزة لها على "تنظيم الكيان" أكثر من اعتمادها على "تركيب الكائن"‪ ،‬فارتبا الكل‬
‫بأجزائه في عالم الحياة‪ ،‬ال يقتص ي ي يير على التكامل الكمي بينهما‪ ،‬بل لش ي ي ييمل أيض ي ي ييا ما ي تج عن ذل من س ي ي يييطرة‬
‫الكل على أجزائه‪ ،‬وقيام األجزاء بالتفاعالت املخصوصة بحيث تف بي لحصول التكامل‪ ،‬وبحيث يكون الترابط‬
‫ِّ‬
‫بين األجزاء املش ي ي ي ييكليية لألنظميية املختلفيية ب ي ي ي ييرطييا لعمييل النظييام الكلي الكييياني‪ ،‬ومثييال هييذا الكييائن المي نفسي ي ي ي ييه‬
‫كاإلنس ي ي ي ييان والبقرة والبعوض ي ي ي يية بما ف‪:‬ها كلها من أنظمة كلية وص ي ي ي ييفات كيانية وتحكم مركزي في األنظمة‪ .‬فهذا‬
‫دليل قاطع على التصميم الذكي الحكيم املسبق‪ ،‬ويستحيل أن ي تج عن االنتقاء الطبي ي‪.‬‬
‫فهيذح كلهيا تيدل على طالقية قيدرة الخيالق ومحكياميه لص ي ي ي يينعتيه‪ ،‬وهللا تعيالى أرب ي ي ي ييدنيا إلى التفكير العقلي في أن‬
‫الكون غير فاس ييد النظام دليال على وحدانية اإلله س ييبحانه وتعالى‪ ،‬وقد حاول بعر املتفذلكين اإلتيان ببعر‬
‫التصي يياميم للبحث في قصي ييورها أو خطأ التصي ييميم‪ ،‬وفشي ييلوا في تل املحاوالت كلها‪ ،‬كتسي يياؤلهم عن سي ييبب وجود‬
‫أجنحة للبطريق وهو ال يطير‪ ،‬فتبين أنها ض ييرورة لتحقيق مهارته في الس ييباحة‪ ،‬فكان س ييؤالهم دليال على ب ييديد‬
‫قصييور نظرهم وعلمهم‪ ،‬وتسيياؤلهم عن الزائدة الدودية في جسييم اإلنسييان‪ ،80‬وعن "إصييبع الباندا الزائدة التي ال‬
‫قيمية لهيا‪ ،‬على أس ي ي ي يياس أنهيا عظم نيات ال وقيفية ليه‪ ،‬وكيانيت املفياجيأة في دراس ي ي ي يية علميية ييابيانيية نش ي ي ي ييرت في مجلية‬

‫‪ 80‬لسي ييت تج الباحثون أن الزائدة الدودية مصح ححممة لحماية البكتيريا الجيدة في األمعاء‪ .‬بهذح الطريقة‪ ،‬عندما تتأثر القناة الهضي ييمية بنوبة إسي ييهال أو‬
‫أي مرا خخر ينظ األمعاء‪ ،‬يمكن للبكتيريا الجيدة املوجودة في الزائدة الدودية إعادة ملء الجهاز الهضمي والحفاه على صحت ‪.‬‬
‫‪Appendix May Actually Have a Purpose, WebMd.‬‬
‫‪98‬‬
‫الطبيعة س يينة ‪ 1999‬بعد تص ييوير يد الباندا بالرنين املغناطيس ييبي والكش ي عن أمور تش ييريحية لم تكن معروفة‬
‫خلصي ييت تل الدراسي يية إلى أن إصي ييبع الباندا هو "واحد من أعظم أنظمة التحكم الخارقة" في عالم الثدييات"‪81‬‬

‫وغير ذل من األسئلة‪82.‬‬

‫إن الخطأ في دوران األفالك ئمثال يف يبي الصيطدامها أو فسياد نظامها‪ ،‬ولكن النظام غير فاسيد‪ ،‬فثبت أنه‬
‫لستحيل أن لعزب عن هللا تعالى مثقال ذرة في السموات وال في األرا‪ ،‬كما يترتب عليه أن القوانين الكونية التي‬
‫لس ي ي ييير الكون وفقها ‪-‬في حال الخطأ والفس ي ي يياد‪ -‬قد تت ل أو ت ط أحيانا وهذا س ي ي يييترتب عليه دمار أو فس ي ي يياد‬
‫نظييام الكون‪ ،‬وقييد تبين لينسي ي ي ي ييان أن الكون بييالغ التنظيم من خالل اس ي ي ي ييتقراء تجلي ذلي عبر دراسي ي ي ي يية ماليين‬
‫الظواهر والقوانين والثوابيت والحقول وخص ي ي ي ييائص امليادة والطياقية وانتظيام ذلي كليه وفقيا لقوانين بيالغية اليدقة‬
‫من الذرة إلى املجرة‪ ،‬حت بلغ األمر ببعر علماء الفيزياء لوص ي الكون بأنه مكتوب بلغة الرياض يييات املتقدمة‬
‫ه‬
‫جدا ‪.83‬‬

‫‪ 81‬مشكلة الشر‪ ،‬ووجود هللا‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري ص ‪.61‬‬


‫‪ 82‬التي تتبع بعض ييها الدكتور إياد قنيبي في حلقة خاص يية من بحثه‪ :‬س ييلس ييلة رحلة اليقين‪ ،‬في س ييلس ييلة "رحلة اليقين" للدكتور إياد قنيبي ‪ -‬الحلقة ‪29‬‬
‫بعنوان "أحرجت "‪ .‬وتفصيل ذل من جهة علوم الحياة وعلوم وقائ األعضاء لعلم دقتها أهل االختصاص‪ ،‬وليست موضو بحثنا هذا‪.‬‬
‫‪ 83‬مثل جاليليو جاليلي‪ ،‬وعالم الفل اإلنجليزي جيمس جينز ‪ ،James Jeans‬وباول ديراك ‪ Paul A. M. Dirac‬الذي أكمل عمل هايزنبرج وب ييرودنجر‬
‫ه‬
‫بوضييع صييياغة ثالثة لنظرية الكوانتم‪ ،‬حيث صييرح أن "اإلله هو عالم رياضيييات على درجة عالية من التنظيم‪ ،‬وقد اسييتعمل رياضيييات متقدمة جدا‬
‫في بنائه للكون"‪.‬‬
‫‪99‬‬
‫دليل الحكمة واإلتقان‬

‫ِّ‬
‫الدال على أن هللا تعالى حكيم ومتقن لص ححنعته‪،‬‬ ‫أما على ص ييعيد الكون‪ ،‬فإن قوام دليل الحكمة واإلتقان ِّ‬
‫ئأي إنه ال يخطئ ‪ ،‬من خالل مالحظتنا لجميع هذح األبييياء الكونية‪ ،‬باملن العقلي في التفكير‪ ،‬ندرك بداهة في‬
‫ه‬
‫كيل واحيدة منهيا أنيه كيان من املمكن عقال؛ أن ت ‪،‬ت ِّ يذ هيذح األب ي ي ي ييياء ص ي ي ي ييورة وص ي ي ي يفية وحيالية غير ميا هي علييه اون‪،‬‬
‫ه‬
‫فهنال احتماالت كثيرة ال حصر لها في مجال املمكنات‪ ،‬ال يرى العقل مانعا من أن تتحول هذح األبياء الكونية‬
‫إلى واحد منها‪.‬‬
‫ه‬
‫أ‪ -‬فالعقل ال يمنع من أن تت ذ هذح األبياء صورة غير الصورة التي هي عل‪:‬ها‪ ،‬وبكال غير الشكل‬
‫ه‬ ‫‪،‬ه‬ ‫ه‬
‫كما وكيفا؛ فتكون أكبر مما هي عليه أو أص ي ي ي ييغر‪ ،‬أو مركبة غير‬ ‫الذي هي عليه‪ ،‬أو حدا غير حدها الواقع‬
‫التركيب الذي هي عليه‪ ،‬أو في حيز من الكون وزمان من الدهر غير حيزها وزمانها‪ ،‬أو أن تكون لها صييفات‬
‫وقوى غير ص ي ي ي يفيياتهييا وقواهييا‪ ،‬أو حر يكيات ومييدارات وس ي ي ي ييرعييات مغييايرة ملييا هي عليييه‪ ،‬كييل هييذا وأمثييالييه من‬
‫يجوزح العقييل بييداهيية‪ ،‬ويعتبرح من املمكنييات العقلييية‪ ،‬التي لو يكيان‬ ‫االحتميياالت التي ال حص ي ي ي يير لهييا‪ ،‬ممييا ِّ‬
‫تركيب الكون على وفقها؛ لم يكن في ذل منافاة ألصل عقلي‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى؛ حيث إن كل ييبيء في هذا الكون يحتمل أن يكون على واحد من أوضييا كثيرة‬ ‫ب‪-‬‬
‫غير الوض ي ييع الذي هو عليه؛ فإن عقولنا ال بد أن تحكم بداهة بأن ما كان كذل فال بد له من مخص ح ححل‬
‫قد خص ح ح حص ح ح ححه باحتمال مو افق للحكمة واإلبدا واإلتقان؛ من جملة احتماالت كثيرة ئالعين والبص ي ي يير‪،‬‬
‫األذن والس ي ي ي ييمع‪ ،‬الخلييية الحييية ومييا يجري ف‪:‬هييا من عمليييات حيوييية م جزة‪ ،‬الييدمييا وقييدراتييه الهييائليية‪ ،‬الكون‬
‫ونظامه املتقن ‪ ،‬كل هذح أمثلة تبين ض ي ييرورة أن يكون هذا الخلق من ص ي يينع حكيم خبير عليم‪ ،‬ولوال وجود‬
‫املخصححل للزم ترجيح أحد املتسححاويين على ا خرمن غيرمرجش؛ أو القول بأن‪ :‬مو افقة الحكمة فيما ال‬
‫ً‬
‫حصر له من األعداد كان على طريق التصادف‪ ،‬وكالهما مستحيل عقال‪.‬‬
‫وأما أنه موافق للحكمة‪ ،‬فإن نشي ي ييوء واسي ي ييتمرار واسي ي ييتقرار الكون والحياة يتوق عليه‪ ،‬ومن القوانين التي‬
‫تس ي ي ي ييير الكون بيالغية اليدقية والتجيانس بعض ي ي ي يهيا مع بعر‪ ،‬من اليذرة إلى املجرة‪ ،84‬ومن تكياميل تكوين املخلوقيات‬

‫‪ 84‬يقول باول ديفيز‪" :‬إن عالمة القوة في القانون أنه يذهب إلى ما وراء البعد اإليماني في وصي ي أي قاهرة أو طريقة بي ييرحها‪ ،‬ويقوم بربطها مع غيرها‬
‫من الظواهر‪ ،‬وعلى سيبيل املثال‪ ،‬فإن قانون نيوتن عن الجاذبية يمدنا بحسياب دقيق لحركة الكواكب‪ ،‬كما لشيرح لنا قاهرة املد في املحيط‪ ،‬وبيكل‬
‫األرا‪ ،‬والحركة التي يجب أن تسي ي ييير عل‪:‬ها السي ي ييفن الفضي ي ييائية‪ ،‬وكثير غيرها‪ ،‬ونظرية الكهرومغناطيسي ي ييية ملاكسي ي ييويل ذهبت بدورها بعيدا عن مجرد‬
‫وص ي الظاهرة الكهربية أو الظاهرة املغناطيسييية‪ ،‬حيث بييرحت لنا أمواج الضييوء‪ ،‬وت بأت بوجود أمواج الراديو‪ ،‬وهكذا تقوم القوانين األسيياسييية‬
‫والحقيقية ببناء روابه عميقة بين العمليات الفيزيائية املختلفة‪ ،‬وتاريخ العلم يكش ي ي ي ي لنا أنه بمجرد قبول قانون جديد يبدأ البحث عما يترتب‬
‫على هذا القانون‪ ،‬وي ضيع القانون نفسيه لالختبار من خالل مشياهدات‪ ،‬ومنه من املعتاد أن يؤدي ذل إلى اكتشياف الجديد وغير املتوقع والظواهر‬
‫الهامة‪ ،‬وكل ذل يقودني إلى االعتقاد بأننا نكتشي من خالل العلم املر ‪،‬بيد جيدا االضييطرارات الحقيقية والروابط الفعلية‪ ،‬وأننا نقرأ االضييطرارات‬
‫‪100‬‬
‫وأجهزتهيا ووقيائفهيا يوافق الحكمية واليدقية واإلتقيان الش ي ي ي ييدييد‪ ،‬ومن اإلنس ي ي ي ييان إذا ميا أفس ي ي ي ييد النظيام البيئي على‬
‫سبيل املثال‪ ،‬فإنه يرى تبعات ذل التغيير الكارثية‪ ،‬مما يدل على موافقة الحكمة واإلتقان‪.‬‬
‫والعقالء في هذا الوجود ال ي ييا منهم قبول التزام املس ييتحيالت بينما هم يرون أن قوانين هذا الكون ثابتة‬
‫ه‬
‫ال تت ل أبييدا‪ ،‬ومن هييذح القوانين رفر الترجيح بال مر ِّ ِّ ا‪ ،‬ورفر احتمييال املصي ي ي ي ييادفيية في نظييام هييذا الكون‬
‫البدلع‪.‬‬
‫وأيض ي ي ي ي ييا يحي ييل العق ييل أن يكون ه ييذا النظ ييام الحكيم الب ييدلع في الكون نت يياج العش ي ي ي ييوائي يية أو‬ ‫ت‪-‬‬
‫صي ي ي يص حكيم قد‬ ‫املص ي ي ييادفة املس ي ي ييتحيلة‪ ،‬ويفرا العقل أيض ي ي ييا نس ي ي ييبة هذا النظام الحكيم إلى حكمة م ِّ‬
‫ِّ‬
‫خصص هذا املمكن في احتماله املوافق للحكمة!‬ ‫‪،‬‬
‫وال ي ييا القول باملص ييادفة في تفس ييير قيام هذح الظواهر الطبيعية والقوانين الخارقة الص ييارمة في الكون‪،‬‬
‫ذاك النظام الذي ال يت ل ‪ ،‬ولو كان باإلمكان قيامه عن طريق املص ي ي ي ييادفة‪ ،‬ملا اس ي ي ي ييتطا العقل تفس ي ي ي ييير هذح‬
‫املصيادفة التي لم تتعدد ولم تت ل في املسيألة الواحدة التي تعلق البحث ف‪:‬ها لتقنينها ودراسيتها‪ ،‬فلو كان األمر‬
‫ه‬
‫مص ي ييادفة ألمكن أن يت ل القانون أو يتص ي ييرف في كل مكان بطريقة مغايرة لألخرى‪ِّ ،‬أما أنه حقيقة ي تظم وال‬
‫ه‬
‫يت ل ‪ ،‬فيإن هييذا ينفي املصي ي ي ي ييادفيية‪ ،‬إذ لس ي ي ي ييتحيييل عقال تكرارهييا في كييل مرة‪ ،‬ويفرا العقييل وجود التص ي ي ي ييميم‬
‫الحكيم املسبق‪ ،‬أي وجود الخالق!‬
‫يادفة أن املص ي ي ييادفة تكررت‪ ،‬ولم‬‫‪،‬‬
‫فليس أس ي ي ييوأ من تفس ي ي ييير الظواهر الخارقة باملص ي ي ييادفة‪ ،‬إال اإليمان بمص ي ي ي ِّ‬
‫تتع ييدد أنواعه ييا‪ ،‬ولم تت ل وال مرة عن إنت يياج عين الق ييانون ال ييدقيق وس ي ي ي ييري ييان ييه بنفس الطريق يية! ومذا م ييا كييان‬
‫موضو البحث اإلثبات أو النفي فإن املحتمل ال يصلا لالستدالل به على أي منهما‪ ،‬إذ يكون ضربا من الخيال‪،‬‬
‫وحت العالم في املختبر ال لس ي ييتطيع تفس ي ييير الظاهرة املبحوثة إذا ما أمكن حص ي ييولها مص ي ييادفة‪ ،‬فال بد لديه من‬
‫العالقة الس ي ي ي ييببية حت يتمكن من تفس ي ي ي ييير الظواهر‪ ،‬فاملص ي ي ي ييادفة ال تص ي ي ي ييلا تعليال ال في العلم التجريبي وال في‬
‫الفلس ي ييفة‪ ،‬هذا‪ ،‬والحديث هنا ليس عن نفي مص ي ييادفة في أمر عارا‪ ،‬كأن تص ي ييادف ش ي ييخص ي ييا في مكان على غير‬
‫ا‬
‫منظم في جريييانييه وفقييا لقوانين كونييية بييالغيية الييدقيية لس ي ي ي ييري التعيير الييدقيق في مفيياص ي ي ي يليه‪،‬‬ ‫موعييد‪ ،‬بييل إن الكون‬
‫بأرقام بالغة الدقة‪ ،‬فال يمكن أن يكون اجتما كل تل الخوارق التي اعتمد عل‪:‬ها تنظيم الكون على املصادفة!‬
‫وحين اس ح ح ح ححتقرأنحا ش ح ح ح ححواهحد الكون ونظحامحه‪ ،‬ودرس ح ح ح حنحاهحا أيض ح ح ح ححا بحاملن العقلي الوص ح ح ح ححفي‬ ‫ث‪-‬‬
‫االس ححتداللي وتبين لنا أنها مو افقة للعناية والحكمة واإلتقان‪ ،‬حتى إننا اس ححتطعنا في نواميس ححها الكونية‬
‫ً‬
‫اس ح ح ح ححتنبححاط قوانين نححاظمححة لهححا َع ِّلمنححا أنهححا ال تتخلف أبححدا‪ ،‬وفي أنظمححة الحيححاة وجححدنححا تص ح ح ح ححميمححا مححذهال‬
‫لل ححائنححات الحيححة قححامححت فيححه األجهزة بححالت ححامححل التكويني والتنظيم الكيححاني وفقححا ألدق نظححام‪ ،‬وفي تهيئ ححة‬

‫الحقيقية والروابط هذح في الطبيعة وال نض ح ح ححعها أو نكتفها ف‪:‬ها" باول ديفيز‪ ،‬االقتراب من هللا بحث في أص ي ي ييل الكون وكي بدأ‪The Mind of God ،‬‬
‫ترجمة منير بري ص ‪.103-101‬‬
‫‪101‬‬
‫األرض للحياة وجدنا عناية تامة ب ل التفاصح ححيل‪ ،‬وتسح ححخيرا كامال لتضح ححمن معيشح ححة اإلنسح ححان املسح ححتقرة‪،‬‬
‫وفي نواميسح ححها اإلنسح ححانية تدلت في أدق نظام يضح ححمن صح ححالح االجتما والعيش‪ ،‬فذننا نتوصح ححل من ذلك‬
‫كل ححه إلى أن ال ححذي نظم الكون والحي ححاة وال ححائن ححات وفق ححا له ححذه النواميس يوص ح ح ح ححف ب ححالحكم ححة واإلتق حان‬
‫والعنحايحة‪ ،‬فحذذا محا َح َز َب علينحا ْأم ٌر لم نس ح ح ح ححتطع الحكم بحالعقحل أنحه مو افق للحكمحة أو العنحايحة لقص ح ح ح ححور‬
‫العقحل ومححدوديتحه‪ ،‬وجحب أن يس ح ح ح ححلم العقحل بحكمحة الرب فيحه‪ ،‬جريحا على عحدم تخلف الحكمحة والعنحايحة‬
‫واإلتقان فيما يمكن للعقل أن يحكم فيه‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫الفقر والغنى‪ ،‬والصحة واملرض‪ ،‬وخطة الوجود‪:‬‬

‫بقي أن ننظر في خط يية الوجود ب ييال س ي ي ي يب يية لينس ي ي ي ي ييان‪ ،‬ووجود الفقر والغ؟ ‪ ،‬وال ي ي ي يح يية واملرا‪ ،‬والعقم‬
‫واإلنجاب‪ ،‬واملوت والحياة‪ ،‬والجو والش ي ييبع‪ ،‬والس ي ييعادة والش ي ييقاء‪ ،‬وتس ي ييلط األقوياء على الض ي ييعفاء‪ ،‬وينقس ي ييم‬
‫النظر إل‪:‬ها إلى نوعين من البحث‪:‬‬
‫أوال‪ :‬نو ناتج عن تقص ي ييير اإلنس ي ييان في تفعيل النواميس املجتمعية‪ ،‬واألخذ باألس ي ييباب‪ ،‬أو س ي ييوء تس ي ييخيرها‬
‫واسيتعمالها‪ ،‬فتصييب اإلنسيان نتيجتها السييئة‪ ،‬كالحروب واالسيتعمار والفقر واملجاعات ومفسياد النظام البيئي‬
‫وغيرح‪ ،‬فمس ي ييئوليته عن نتائج هذا التقص ي ييير وس ي ييوء االس ي ييتعمال يرجع عليه‪ ،‬وال بد من اإلب ي ييارة إلى العالقة بين‬
‫االس ي ي ي ييتعم ييار ونه ييب خيرات الش ي ي ي ييعوب وتس ي ي ي ييليط حك ييام عمالء للغرب على رق يياب الن يياس ئفي أفريقي ييا مثال وبين‬
‫املجاعات والفقر‪ ،‬على الرغم من أن أفريقيا من أغ؟ وأخصب قارات األرا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ونو ثان‪ :‬هو املصي ييائب التي تصي يييب الناس بغير عملهم‪ ،‬وسغير قدرتهم على دفعها‪ ،‬بقضي يياء هللا تعالى‪،‬‬
‫وقد يملكون القدرة على عالج بعض ي ييها ئكبعر األمراا ‪ ،‬فإن اإلنس ي ييان ال يمل قدرة اس ي ييتيعاب كل حكمة في‬
‫الكون‪ ،‬والنظر العقلي في عواقفها ومآالتها‪ ،‬إذ تتوق اس ييتطاعة العقل على إص ييدار األحكام على العدل والظلم‬
‫والخير والش ي ي ي يير وعلى الحكميية في النوازل عمومييا على فهم طبيعيية األفعييال‪ ،‬واملصي ي ي ي ييالا‪ ،‬والعواقييب‪ ،‬والحس ي ي ي يين‬
‫والقبح‪ ،‬والثواب والعق يياب في ال ييدني ييا واوخرة‪ ،‬وعلى أدوات ومعلوم ييات وق ييدرات ليس ي ي ي ي ييت مت يياح يية ل ييه‪ ،‬ئكمعرف يية‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫عواقب الفعل أو الواقع املستقبلية‪ ،‬هل سيكون خيرا له أم برا عليه؟ هل هو خير عاجل في الدنيا‪ ،‬وبر خجل‬
‫في اوخرة؟ أو العكس؟ هل تكمن املص ي ي ييلحة التي حكم من خاللها بحص ي ي ييول الظلم أو العدل في النفع املادي‪ ،‬أم‬
‫في تحقيق منافع غير مادية؟ فهذح مغاليق ال لس ي ي ي ييتطيع العقل فكها ‪ ،‬أو إن بعر القض ي ي ي ييايا التي تلزم إلنش ي ي ي يياء‬
‫األحكام متاحة بش ي ييكل جز ي للعقل‪ ،‬لكنه ال يكفي إلص ي ييدار األحكام ئكفهم طبيعة الواقع ‪ ،‬أضي ي ي إلى ذل أن‬
‫القضححايا التي تتوقف عل ها صحححة الحكم بالعدل أو بالظلم متشححعبة‪ ،‬أو معلومة بصييورة نسييبية أو غير كاملة‬
‫ه‬
‫للعقل‪ ،‬مما سييؤثر قطعا على أحكامه فلربما يجعل اإلنسيان العدل قلما‪ ،‬أو ينصيرف عن فعل فيه صيالحه إلى‬
‫نقيضي ي ييه لألسي ي ييباب السي ي ييابق ذكرها‪ ،‬من هنا فال مجال للعقل ليحاطة بشي ي ييئون الدنيا ئملاذا هذا مرير‪ ،‬واوخر‬
‫سيليم‪ ،‬وملاذا حصيل لي هذا‪...‬الخ ‪ ،‬وال بشيؤون اوخرة وال بعواقب األمور‪ ،‬وال بحسياب هللا تعالى يوم القيامة‪ ،‬وال‬
‫كي سييق يبي بين الخالئق حت ينصيب اإلنسيان نفسيه حاكما على عدل هللا تبارك وتعالى‪ .85‬وهذا ما سينفصيل‬
‫فيه في باب‪ :‬عدل هللا‪ ،‬تأمالت في مناقرة أخرى را عة‪ ،‬فراجعه هناك‪.‬‬

‫‪ 85‬يراجع كتابنا‪ :‬الص ييندوق األس ييود للفكر الغرسي‪ ،‬فص ييل‪ :‬انعدام املقاييس املؤس حس ححة لألخالق وللخير والش ححرفي ظل اس ححتبعاد الدين‪ ،‬وما بعده من‬
‫فصول‪.‬‬
‫‪103‬‬
‫على أن من يحاكم دقة الصيينعة‪ ،‬وحكمتها‪ ،‬إنما يحاكمها بأهوائه التي صييورت له الحسيين والخير والصييواب‬
‫ما وافقها‪ ،‬والقبيح والش يير والخطأ ما خالفها‪ ،‬مع أن عقل اإلنس ييان محدود‪ ،‬وال لس ييتطيع الحكم على ييبيء من‬
‫ذل ليص ي ي ي ييلا حكمه مقياس ي ي ي ييا تقاس عليه أفعال هللا تعالى‪ ،‬فإن عقولنا ال تمل املعلومات الكافية إلدراك هل‬
‫املرا خير أم ال ييحة خير لينسييان؟ هل رغد العيش أفضييل أم الكفاية امل ييحوبة بالطمأنينة‪ ،‬أم الجو ؟ ألن‬
‫الزاويية التي ينظر منهيا قيد تكون مض ي ي ي ييللية‪ ،‬أو محيدودة بيالنياحيية املياديية فقط‪ ،‬فقيد نس ي ي ي ييلط زاويية أخرى مقيابلية‬
‫وهي‪ :‬أن هللا تعالى يبتلي الناس بالفقر أو باملرا أو بغيرح مما قاهرح الش ي ي ي يير ليرفع درجاتهم في الدنيا واوخرة‪ ،‬أو‬
‫يبتل‪:‬هم لي تبر إيمانهم‪ ،‬فيمحصي ييهم ويجتبي منهم من صي يدق في إيمانه‪ ،‬أو يبتل‪:‬هم ليتقربوا إليه في الشي ييدائد بعد‬
‫أن غفلوا عن التقرب إليه في حال رغد العيش‪ ،‬أو ليدركوا نعمة ال ي ي ييحة التي ال يتفطنون إل‪:‬ها وملى دقائقها إال‬
‫في ح ييال املرا‪ ،‬في ييدرك املرير ال ييذي بلغ الثم ييانين من عمرح حين لس ي ي ي ييعف ييه الطبي ييب ب ييأجهزة التنفس ليلتقط‬
‫واحدا عز عليه التقاطه في حال مرا ‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫ألم به عظمة أن لعيش حياته كلها بغير حاجة ألجهزة اص ييطناعية‬ ‫نفس يا‬
‫ه‬
‫تعين على التنفس! أو أن ل جل لهم عقوبة جراء ما اقترفوح تجبر عنهم عقوبة أعظم‪ ،‬أو يكفر عنهم س ي ي ي يييئاتهم‪،‬‬
‫أو أن يدل البش يير على أن طالقة قدرة هللا هي من تس ييير الكون وأنه ال لس ييير س يييرا رتيبا لس ييتغ؟ي فيه عن خالقه‪،‬‬
‫فيض يير اإلنس ييان إلى خالقه في الش ييدائد واملحن‪ ،‬ويدرك اإلنس ييان عجزح أمام قدرة الخالق‪ ،‬فال يط ى اإلنس ييان‬
‫وال لستبد‪ ،‬فيضر نفسه ويضر غيرح‪.‬‬
‫كما أن هللا تعالى ‪-‬بوصي ييفه ربا مدبرا لشي ييؤون الخلق‪ -‬نظم الكون واملجتمعات بسي يينن ال تحاسي أحدا‪ ،‬تنطبق‬
‫على املس ي ي ي ييلمين وعلى الكفار‪ ،‬مطردة‪ ،‬تنفعل باألس ي ي ي ييباب‪ ،‬وأمر الناس باكتش ي ي ي ييافها‪ ،‬فما من داء إال وله دواء إال‬
‫املوت‪ ،‬فييإذا مييا صي ي ي ي ييادف الييدواء داء عييالجييه‪ ،‬فلم يكن االبتالء بيياملرا إال حيياليية طييارئيية مرحلييية‪ ،‬وكييذلي الفقر‪،‬‬
‫وبين مس ي ي ي ييئوليات الدولة الرعوية‬ ‫فقد وض ي ي ي ييع نظاما عادال يقوم في قس ي ي ي ييم منه على تحقيق التكافل االجتمايي‪ِّ ،‬‬
‫تجياح الرعيية لتكف‪:‬هم حياجياتهم األس ي ي ي يياس ي ي ي ييية‪ ،‬وجعيل هللا األرا ص ي ي ي ييالحية للحيياة وللمعيال‪ ،‬وق ‪،‬يدر ف‪:‬هيا أقواتهيا‪،‬‬
‫فجعيل في التربية قيابليية إنبيات النبيات وف‪:‬هيا الص ي ي ي ييالحيية للزر ‪ ،‬وجعيل في األرا كمييات وافرة من املياء وأنزل هيذا‬
‫املاء من السماء لينتشر فوق األرامبي اليابسة ليعيش منه النبات والحيوان‪.‬‬
‫وبيياإلجمييال فيياهلل تعييالى قييد خلق جميع مييا يلزم ملعييال وحييياة املخلوقييات‪ ،‬وجعييل في األرا أب ي ي ي يييياء خيياصي ي ي ي يية‬
‫بيياإلنس ي ي ي ي ييان بييأن أود ثروات في بيياطن األرا من حييديييد ونحيياس وذهييب وفض ي ي ي ي يية ومعييادن وبترول الخ‪ ،‬وجعلهييا‬
‫بكمييات كيافيية ملعيش ي ي ي يية البش ي ي ي يير‪ ،‬حييث جعيل هللا ف‪:‬هيا قيابليية إعيادة االس ي ي ي ييت يدام مرات ومرات‪ ،‬كيدورة امليياح في‬
‫الطبيعة مثال‪ ،‬ولو وسيد أمر معيشية الناس لدولة إسيالمية ترعاهم لكفت البشير حاجاتهم األسياسيية‪ ،‬والنعدم‬
‫الفقر‪ ،‬وحين لعرا اإلنس ييان عنها فإن له معيش يية ض يينكا‪ ،‬ولكنها الرأس ييمالية الجش ييعة! اس ييتأثر ف‪:‬ها قلة بما هو‬
‫حق للجمو ‪ ،‬ازدادوا غ؟ ليزداد الفقراء فقرا‪ ،‬ونهبوا ثروات دول ليتج يياوزا بش ي ي ي ييعوبهم ح ييد الس ي ي ي ييرف والترف‪،‬‬

‫‪104‬‬
‫وبحسياباتهم البنكية مليارات املليارات‪ ،‬فافتقرت أفريقيا لتغ؟ فرنسيا‪ ،‬ولكنه قلم اإلنسيان لينسيان‪ ،‬وخضيو‬
‫املظلوم للظالم دون أن لستعين بالسنن املجتمعية للتغيير‪.‬‬
‫ولكنها سي ي ي ييوء تدبير الحكام واإلنسي ي ي ييان عموما في أال لسي ي ي ييتغل األرا في الزراعة وفي اسي ي ي ييتصي ي ي ييالحها وعمارتها‬
‫بالص ييورة ال ييحيحة مس ييتفيدا من تس ييخير هللا إياها له‪ ،‬ومفس يياد اإلنس ييان للنظام البيئي الذي ي تج ما ي تج من‬
‫كوارث‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫هل مصائب الدنيا هي عقوبات على الذنوب؟ الجواب‪ :‬ال!‬

‫وأميا العقوبيات‪ ،‬فيإن هللا تعيالى عجيل لألقوام اليذين خلوا من قبيل عقوبيات في اليدنييا جراء ارتكيابهم م يالفية‬
‫محمد ﷺ تغيرت سي يينة هللا في إهالك الكفار الذين يكذبون رسي ييوله‪ .‬وبرز هذا‬ ‫ا‬ ‫الرسي ييل والكفر بهم‪ ،‬وحين أرسي ييل‬
‫التغيير في النصوص التالية‪:‬‬
‫ه‬ ‫‪ْ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫ت‬ ‫‪،‬‬ ‫ْ‬
‫ندك فأ ْم ِّط ْر عل ْينا ِّحجارة ِِّّمن ال ‪،‬س يم ِّاء أ ِّو‬ ‫‪ 1‬ي ي ي ي ي ي قال هللا تعالى‪﴿ :‬و ِّمذ قالوا الله ‪،‬م ِّإن كان هذا هو الحق ِّمن ِّع ِّ‬
‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪،‬‬ ‫ْ‬
‫ائ ِّتنا ِّبعذاب أ ِّليم ۝ وما كان ّ ِّليع ِّذبه ْم وأنت ِّف ِّ‪:‬ه ْم وما كان ّ مع ِّذبه ْم وه ْم ل ْس ي ي يتغ ِّفرون ‪[ ،‬سي ي ييورة األنفال‬
‫‪ 32‬ي ي ي ي ‪ .]33‬والذي أطلق هذا التكذيب والتحدي هو النضر بن الحارث وأبو جهل‪ ،‬وهذا كان لسان حال مشركي‬
‫ان‪:‬هم‪ ،‬واألميان‬ ‫مكية‪ .‬ولم ييأتهم الجواب بياإلهالك‪ ،‬بيل أعطياهم أميانين‪ :‬األميان األول وجود الرس ي ي ي ييول ﷺ بين قهر ْ‬
‫الثاني االستغفار‪ .‬ومذا زال األمان األول بوفاة الرسول ﷺ فإن األمان الثاني ال يزول بالكلية‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫ْ‬
‫اب ول ْوال أج ال ُّمس ًّم لجاءهم العذاب وليأ ِّتي ‪،‬نهم بغتة وه ْم ال لشعرون‬ ‫ْ ْ‬
‫‪ 2‬ي ي ي ي قال تعالى‪﴿ :‬ويست ِّجلون ِّبالعذ ِّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ا ْ‬ ‫ْ‬
‫اب و ِّم ‪،‬ن جه ‪،‬نم مل ِّحيط ية ِّب يالك يا ِّف ِّرين ۝ ي ْوم لغش ي ي ي ي ياهم الع يذاب ِّمن ف ْو ِّق ِّه ْم و ِّمن ت ْح ي ِّت‬ ‫ْ ْ‬
‫۝ لس ي ي ي يت ِّجلون ي ِّب يالع يذ ِّ‬
‫أ ْرج ِّل ِّه ْم ويقول ذوقوا ما كنت ْم ت ْعملون [سورة العنكبوت ‪ 53‬ي ‪.]55‬‬
‫ِّ ِّ‬
‫قييال القرطبي ج‪ /13‬ص ‪ :356‬ئقييال ابن عبيياس‪ :‬لع؟ي هو مييا وعييدتي أال أعييذب قومي وأؤخي ي ي ي ي ي ي ي ييرهم إلى يوم‬
‫الساعة م ْو ِّعده ْم ‪.‬‬ ‫القيامة‪ .‬بيانه ﴿بل ‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫ِّ ‪،‬‬ ‫‪،‬‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ْ ه‬ ‫‪،‬‬ ‫ت‬
‫‪ 3‬ي ي ي ي ي ي قال تعالى‪﴿ :‬وما ينظر هؤال ِّء ِّإال ص ييحة و ِّاحدة ما لها ِّمن فواق ۝ وقالوا ربنا ع ِّجل لنا ِّقطنا قبل يو ِّم‬
‫‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫﴿إال‬ ‫ِّ‬ ‫‪.‬‬ ‫مكة‬ ‫كفار‬ ‫لع؟ي‬ ‫ء‬‫ِّ‬ ‫ال‬ ‫ؤ‬ ‫﴿ه‬ ‫‪.‬‬ ‫تظر‬ ‫ي‬ ‫أي‬ ‫ر‬ ‫نظ‬ ‫﴿ي‬ ‫‪:‬‬ ‫ييرها‬‫س‬ ‫تف‬ ‫في‬ ‫القرطبي‬ ‫قال‬ ‫]‪.‬‬ ‫‪16‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫‪15‬‬ ‫ص‬ ‫يورة‬ ‫س‬ ‫[‬ ‫اب‬
‫ِّ‬ ‫ي‬
‫س‬ ‫ح‬‫ِّ‬ ‫ال‬
‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫ص ْيحة و ِّاحدة أي نف ة القيامة‪ِّ ﴿ .‬قطنا ‪ ،‬قال مجاهد وقتادة‪ :‬عذابنا‪.‬‬
‫ْ‬ ‫‪4‬ي ي ي ي ي قال تعالى‪﴿ :‬كتب عل تى ن ْف ِّس ِّه ‪،‬‬
‫الر ْحمة لي ْجمع ‪،‬نك ْم ِّإل تى ي ْو ِّم ال ِّقيام ِّة ال رْيب ِّف ِّيه ‪[ ،‬سورة األنعام ‪ ]12‬قال‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫القرطبي في تفسيرها‪﴿ :‬كتب عل تى ن ْف ِّس ِّه ‪،‬‬
‫الر ْحمة ‪ ،‬أي وعد بها فضيال منه وكرما‪ ،‬ولذل أ ْمهل‪.‬‬
‫ه‬
‫الناقة م ْب ِّصيرة فظلموا ِّبها‬ ‫‪ 5‬ي ي ي ي ي قال تعالى‪﴿ :‬وما منعنا أن ُّن ْرسيل ب ْاويات إ ‪،‬ال أن ك ‪،‬ذب بها ْاأل ‪،‬ولون وخت ْينا ثمود ‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬
‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫وما ن ْرس يل ب ْاوي ‪ ْ ،‬ه‬
‫ات‬ ‫ات ِّإال ت ِّويفا ‪[ ،‬س ييورة اإلس يراء ‪ .]59‬قال القرطبي في تفس يييرها‪﴿ :‬وما منعنا أن ن ْر ِّس يل ِّباوي ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫التي اقترحوهييا إال أن يكييذبوا بهييا ف‪:‬هلكوا كمييا ف ِّع يل بمن يكيان قبلهم … فييأخر هللا تعييالى العييذاب عن كفييار قريش‬
‫ه‬ ‫لعلم ييه أن ف‪:‬هم من يؤمن وف‪:‬هم من يول ييد مؤمن ي هيا … إنهم طلبوا أن ِّ‬
‫يحول هللا لهم الص ي ي ي يف ييا ذهب ييا وتتنمى الجب ييال‬
‫عنهم‪ ،‬فنزل جبريل وقال‪« :‬إن بيئت كان ما سيأل قوم ي ي ي ي ي ولكنهم إن لم يؤمنوا لم ي ْمه ي ي ي ي ييلوا‪ ،‬ومن بيئت اسيتأنيت‬
‫استأن بهم»‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫بهم» فقال‪« :‬ال‪،‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫‪،‬‬
‫‪ 6‬ي ي ي ي ي ي ي ي ي ق ييال هللا تع ييالى‪﴿ :‬وال ت ْحس ي ي ي يب ‪،‬ن ّ غ يا ِّفال ع ‪،‬م يا ل ْعم يل الظ ي ِّاملون ِّإن َم حا ُيؤ ِّخ ُر ُه ْم ِّل َي ْوم تش ي ي ي يخص ِّفي ي ِّيه‬
‫ْ‬
‫األ ْبصار ‪[ ،‬سورة إبراهيم ‪.]42‬‬
‫‪106‬‬
‫وهذا خطاب من هللا للرسي ييول ﷺ بعد أن ابي ييتد اسي ييتفزاز املشي ييركين وتحديهم له واسي ييتهزاؤهم به وبالعذاب‬
‫الذي يهددهم به‪ .‬وهذا االس ي ييتهزاء والتحدي واالس ي ييتفزاز يبرز في قوله تعالى‪﴿ :‬وقالوا لن ُّن ْؤ ِّمن ل ح ‪،‬ت ت ت ْفجر لنا‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫من ْاأل ْرا ي ب ه‬
‫وعا ۝ أ ْو تكون ل ج ‪،‬نة ِِّّمن ‪،‬ن ِّ يل و ِّعنب فتف ِّ ِّجر األ ْنهار ِّخاللها ت ْف ِّج هيرا ۝ أ ْو ت ْسي ي ي ي ِّقط ال ‪،‬سي ي ي يماء‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ا‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اَّلل واملال ِّئكي ِّة ق ِّبيال ۝ أو يكون لي بييت ِّمن زخرف أو ت ْر تى ِّفي الس ي ي ي يمي ِّاء ولن‬ ‫كميا زعميت علينيا ِّكس ي ي ي يفيا أو تيأ ِّتي ِّبي ِّ‬
‫ه ‪ ،‬ه‬ ‫‪،‬‬
‫ُّن ْؤ ِّمن ِّلر ِّق ِِّّي ح ‪،‬ت ت تن ِّ ِّزل عل ْينا ِّكت هابا ‪،‬ن ْقرؤح ق ْل س ي ْبحان رِِّّسي ه ْل كنت ِّإال بشيرا رس يوال ‪[ ،‬سييورة اإلس يراء ‪ 90‬ي ي ي ي ي ‪]93‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫وقد قام الرس ييول ﷺ من بينهم حزينا متأملا‪ .‬فأنزل هللا عليه تس ييلية له بأن هللا ليس غافال عنهم إنما يؤخرهم إلى‬
‫يوم القيامة‪.‬‬
‫ِّ‬
‫لقد تحدثنا حت اون عن األقوام الذين يأت‪:‬هم رسل هللا فيكذبونهم‪ .‬فما هي سن يية هللا في الناس بشكل عام‪،‬‬
‫ان‪:‬هم يدعوهم إلى هللا‪ ،‬كما كانت الحال في الفترة بين رس ي ييول ورس ي ييول‪ ،‬أو‬ ‫أي حين ال يكون هناك رس ي ييول بين قهر ْ‬
‫كما صارت الحال واستمرت منذ وفاة الرسول محمد ﷺ؟ هذح الحال العامة للناس تحكمها النصوص التالية‪:‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََٰ‬ ‫ْ‬ ‫‪ 1‬ي ي ي ي ي ي ي قال هللا تعالى‪﴿ :‬ول ْو يؤاخذ ‪، ّ،‬‬
‫الناس ِّبظل ِّم ِّهم ‪،‬ما ترك عل ْ‪:‬ها ِّمن د ‪،‬ابة َول ِّكن ُيؤ ِّخ ُر ُه ْم ِّإل َٰى أ َجل ُّم َسح ح ح يمى‬ ‫ِّ‬
‫ه‬ ‫ْ‬
‫ف ِّإذا جاء أجله ْم ال ل ْستأ ِّخرون ساعة وال ل ْست ْق ِّدمون ‪[ ،‬سورة النحل ‪.]61‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََٰ‬ ‫‪2‬ي ي ي ي ي ي ي ي ي قال تعالى‪﴿ :‬ول ْو يؤاخذ ‪، ّ،‬‬
‫الناس ِّبما كس ي ي ي يبوا ما ترك عل تى ق ْه ِّرها ِّمن د ‪،‬ابة َول ِّكن ُيؤ ِّخ ُر ُه ْم ِّإل َٰى أ َجل‬ ‫ِّ‬
‫‪،‬‬
‫ُّم َس يمى ف ِّإذا جاء أجله ْم ف ِّإ ‪،‬ن ّ كان ِّب ِّعب ِّاد ِّح ب ِّصيرا [سورة فاطر ‪.]45‬‬
‫ه‬
‫‪،‬‬ ‫‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫‪ 3‬ي ي ق ي ييال ت ي يع ي ييال ي ييى‪﴿ :‬ورُّب ْالغفور ذو ‪،‬‬
‫الر ْحم ِّة ل ْو يؤ ِّاخذهم ِّبما كسبوا ل ‪،‬جل لهم العذاب‪ ،‬بل لهم ‪،‬م ْو ِّع اد لن‬
‫ه‬
‫ي ِّجدوا ِّمن دو ِّن ِّه م ْو ِّئال ‪[ ،‬سورة الكه ‪.]58‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫‪،‬‬
‫‪ 4‬ي ي ي ي ي ي ي ي ي ق ي ييال تع ي ييالى‪﴿ :‬وال ت ْحس ي ي ي يب ‪،‬ن ّ غ ي يا ِّفال ع ‪،‬م ي يا ل ْعم ي يل الظ ي ي ِّاملون ِّإن َم ح حا ُيؤ ِّخ ُر ُه ْم ِّل َي ْوم تش ي ي ي يخص ِّفي ي ي ِّيه‬
‫ْ‬
‫األ ْبصار ‪[ ،‬سورة إبراهيم ‪.]42‬‬
‫ا‬ ‫ه‬ ‫‪ 5‬ي قال رسول هللا ﷺ‪« :‬اليوم ا‬
‫حساب وال عمل» [رواح الب اري]‪.‬‬ ‫عمل وال حساب‪ ،‬وغدا‬
‫هذح النص ييوص الخمس يية وما كان في معناها تفيد بوض ييوح أن هللا س ييبحانه لم يجعل الدنيا دار حس يياب‪ ،‬بل‬
‫ه‬
‫هي دار عمل‪ ،‬والحساب غدا‪ .‬واستيفاء الحساب يكون يوم القيامة الذي لسم يوم الي ي يحي ي يس ي يياب ﴿و ِّم ‪،‬نما تو ‪،‬ف ْون‬
‫ْ‬
‫أجورك ْم ي ْوم ال ِّقيام ِّة ‪[ ،‬خل عمران ‪.]185‬‬
‫أما ما يص يييب الناس في الدنيا من املص ييائب فهذه تحص ححل بحس ححب سح ح ن الكون وخص ححائل األش ححياء التي‬
‫أودعها هللا ف ها‪ ،‬وهي تصيب املحؤمحن كمحا تصحيب ال افر‪ ،‬وتصحيب الحتحقحي كما تصيب الشقي‪.‬‬
‫واملص ييائب في الدنيا ليس من الض ييرورة أن تكون عقوبة من هللا على معص ييية‪ ،‬وليس من الض ييرورة أن تكون‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬
‫انتقاما إلهيا من العبد املصي ي ي يياب‪ .‬فهذا قول هللا تعالى م اطبا املؤمنين‪﴿ :‬ولن ْبلو ‪،‬نكم ِّبعي ي ي ييب ْيء ِِّّمن الخ ْو ِّف والج ِّو‬
‫‪، ،‬‬ ‫ا‬ ‫‪،‬‬ ‫ات وس ِّ ِّشي ي ير ال ‪،‬‬ ‫‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َّلل و ِّم ‪،‬نا ِّإل ْي ِّه‬ ‫ْ‬
‫صي ي ي ِّاب ِّرين ۝ ال ِّذين ِّإذا أصي ي يابتهم ُّم ِّصي ي ييبة قالوا ِّإنا ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫س والثمر ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ون ْقص ِِّّمن األ ْمو ِّال واألنف‬
‫ْ‬ ‫ت‬ ‫راجعون ۝ أ تولئ عل ْ‪:‬ه ْم صلو ا‬
‫ات ِِّّمن ‪ِّ ،‬رِّب ِّه ْم ور ْحم اة وأول ِّئ هم امل ْهتدون ‪[ ،‬سورة البقرة ‪ 155‬ي ‪ .]157‬وهذا قول‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬

‫‪107‬‬
‫بالء األنبياء‪ ،‬ثم األمثل فاألمثل‪ ،‬يبتلى الرجل على حسيب دينه‪ .‬فما يبرح البالء بالعبد‬ ‫الرسيول ﷺ‪« :‬أب ُّيد الناس ه‬
‫حيتيى يتركه ييميشيي على األرا وما عليه خطيئة» [رواح الب اري]‪.‬‬
‫ه‬
‫فاملؤمن الذي يصي يياب ويصي ييبر ويحتسي ييب ذل عند هللا تكون املصي يييبة نعمة عليه وليسي ييت ِّنقمة‪ ،‬فهي تحط‬
‫من سيئاته وتزيد في حسناته يوم القيامة‪.‬‬
‫ه‬
‫وأما الكافر الذي يص يياب فإن مص يييبته ال تكون محوا لس يييئاته وال زيادة في حس ييناته يوم القيامة‪ ،‬ألنه ليس‬
‫ورا ‪[ ،‬س ي ي ي ييورة الفرقيان‬ ‫ليه حس ي ي ي ينيات يوم القييامية‪ ،‬قيال تعيالى‪﴿ :‬وقي ِّد ْمنيا إل تى ميا عملوا ِّم ْن عميل فجع ْلنياح هبي هاء ‪،‬منث ه‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُّ ْ‬ ‫‪ْ ،‬‬ ‫‪،‬‬
‫‪ .]23‬وق ييال تع ييالى‪﴿ :‬وي ْوم ل ْعرا ال ي ِّذين كفروا على الن ي ِّار أذهبتم ط ِّيب يا ِّتكم ِّفي حي يا ِّتكم ال ييدني يا واس ي ي ي يتمتعتم ِّبه يا‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ ْ ْ‬
‫ا ِّبغ ْي ِّر الح ِّ ِّق و ِّبما كنت ْم ت ْفسي يقون ‪[ ،‬س ييورة األحقاف‬ ‫فاليوم تجزون عذاب الهو ِّن ِّبما كنتم تسي يتك ِّبرون ِّفي األر ِّ‬
‫‪.]20‬‬
‫كييذلي ‪ :‬فبييال س ي ي ي يبيية لغير املؤمن‪ ،‬فييإن االبتالءات يجييب أن تييدفعييه إلى التفكير في نعم هللا التي مألت حييياتييه‪:‬‬
‫نعمية البص ي ي ي يير والس ي ي ي ييمع‪ ،‬ت ييل أن يحتياج املرء إلى جهياز تنفس اص ي ي ي ييطنيايي في س ي ي ي يين متقيدمية‪ ،‬فيإذا بيه يتيذكر ‪-‬‬
‫متأخرا‪ -‬كم هي نعمة أن يأخذ نفسييه بدون صييعوبة في كل سيينوات عمرح‪ ،‬أو أن يضييطر إلى جهاز تنظي الكلى‪،‬‬
‫وما فيه من مشقة عظيمة‪ ،‬فيتذكر نعمة أنه لستطيع تنظي سوائل جسمه يوميا‪ ،‬بال عناء بفضل الكليتين‪،‬‬
‫أو أن تص يياب ركبته بض ييرر فال لس ييتطيع املع ييبي للقيام بأبس ييط ال ش يياطات‪ ،‬فيتذكر عظمة نعمة ال ييحة‪ ،‬أو أن‬
‫يص يياب بمرا فيفحص ييه األطباء ليجدوا أن ب يرايينه ب ييارفت على االنغالق بس ييبب تراكم الدهون وااللتهابات‪،‬‬
‫فيجرون له عملية تطيل حياته‪ ،‬فكان مرضي ي ييه سي ي ييببا في تدارك صي ي ييحته قبل دخوله في جلطة قلبية مثال‪ ،‬أو أن‬
‫يرى االبتالءات التي تحصي ي ييل للغير فيتذكر أنه في عافية‪ ،‬فاألصي ي ييل في هذا كله أن يكون سي ي ييببا ألن يقترب إلى هللا‬
‫بعد نفورح وسعدح عنه‪ ،‬فهي إذن رس ح ح ححائل بليغة تطلب منه أن يتدار نفس ح ح ححه قبل فوات األوان فيرجع إلى هللا‬
‫لينعم بنعيم اوخرة املقيم‪ ،‬ويفوز ب ييالطم ييأنين يية والس ي ي ي ييالم ال ييداخلي فيم ييا تبقى ل ييه من عمر‪ ،‬إذن‪ :‬ف ححاالبتالءات‬
‫رسائل مهمة جدا لإلنسان‪ ،‬مؤمنا كان أم غيرمؤمن‪.‬‬
‫وقد وردت كلمة ئعذاب في النصي ييوص الشي ييرعية بمع؟ العقوبات التي أمر هللا بإيقاعها على العصي يياة‪ ،‬مثل‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ْ ْ‬
‫قوله تعالى‪﴿ :‬وليشيه ْد عذابهما طا ِّئفة ِِّّمن امل ْؤ ِّم ِّنين ‪[ ،‬سييورة النور‪ ،]2‬ومثل‪﴿ :‬وي ْدرأ ع ْنها العذاب أن تشيهد أ ْرسع‬
‫ْ‬ ‫‪،‬‬
‫اَّلل ِّإ ‪،‬نه ِّملن الك ِّاذ ِّبين ‪[ ،‬سورة النور‪.]7‬‬
‫بهادات ِّب ِّ‬
‫وقييد وردت كلميية ئعييذاب وكلميية ئعقيياب وكلميية ئهالك وكلميية ئتييدمير وكلميية ئاس ي ي ي ييتبييدال في النص ي ي ي ييوص‬
‫الش ييرعية بمع؟ ما يص يييب الناس من أذى أو مص ييائب بحس ححب س ححنة الكون‪ ،‬وبحس ححب األس ححباب واملس ححببات‪،‬‬
‫ّ سيبق مل ‪،‬سيك ْم ِّفيما أخ ْذت ْم عذ ا‬ ‫‪،‬‬ ‫‪،‬‬
‫﴿ل ْوال ِّكت ا‬
‫يم ‪[ ،‬سييورة األنفال ‪ ،]68‬أي إن ترك‬ ‫اب ع ِّظ ا‬ ‫اب ِِّّمن ِّ‬ ‫مثل قوله تعالى‪:‬‬
‫ه‬
‫القتل أثناء املعركة والحرص على األس يير طمعا بأخذ فدية األس ييير قد يؤدي إلى خس يرانكم املعركة وأن تص ييبحوا‬
‫أنتم القتلى واألسرى‪ .‬فهذا يرينا أهمية فهم الس ن حتى ال نقع في مظنة السبب فت زل املسببات بساحتنا!‬

‫‪108‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫ومثل قوله تعالى‪﴿ :‬قا ِّتلوه ْم لع ِّذ ْبهم ّ ِّبأ ْي ِّديك ْم وي ِّز ِّه ْم وينص ي ي ْرك ْم عل ْ‪ِّ :‬ه ْم ويش ي ي ِّ ص ي يدور ق ْوم ُّم ْؤ ِّم ِّنين ‪،‬‬
‫[سورة التوبة ‪ .]14‬فتعذيفهم يتم‪ :‬بأيديكم‪ ،‬بأن تحققوا برو نصر هللا‪ ،‬فينصركم‪ ،‬فيكون نصركم‪ ،‬وقتالكم‬
‫لهم إمض يياء للس يينن اإللهية واملجتمعية في خزيهم‪ ،‬ئلذل ‪ :‬فال لس ييألن س ييائل ملاذا ترتفع أك مليارات املس ييلمين‬
‫تل إلى هللا تعالى ب الص الدعاء أن يقوم بإنزال الصيواعق والزالزل ويقتلع كيان يهود‪ ،‬أو أن يقتص من مجرم‬
‫رماهم بالبراميل املتفجرة‪ ،‬وأهل الحرث وال سي ي ييل كاملجرم بشي ي ييار األسي ي ييد‪ ،‬أو أن يظن قان‪ :‬أن مشي ي ييهد األطفال‬
‫الذين يقتلهم كيان يهود ص ييباح مس يياء في غزة بتفجير بيوتهم ومس يياجدهم ومس ييتش ييفياتهم كفيل بأن لس ييتجلب‬
‫ائل هللا ذل ‪ ،‬منتظرا الصييواعق والزالزل والصيييحة والدمار‬ ‫غضييب هللا عل‪:‬هم فيعاجلهم بالعقوبة‪ ،‬ال لسييألن سي ا‬
‫من هللا‪ ،‬دون أن يقوم السييائل والدايي بإمضيياء السيينن التي أمرح هللا بالنظر ف‪:‬ها‪ ،‬وبإمضييالها وتفعيلها‪ ،‬كي يقوم‬
‫بواجبه‪ ،‬ويقوم املسلمون بواجفهم‪ ،‬فيعذب هللا كيان يهود بأيدي املؤمنين ويشفي صدورهم منهم ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬
‫ومثله قوله تعالى‪﴿ :‬و ِّمذا أر ْدنا أن ُّن ْه ِّل ق ْرية أم ْرنا متر ِّف‪:‬ها ففسقوا ِّف‪:‬ها فح ‪،‬ق عل ْ‪:‬ها الق ْول فد ‪،‬م ْرناها تد ِّم هيرا ‪،‬‬
‫[سي ييورة اإلس ي يراء ‪ ،]16‬وذلك حين تقع حروب أهلية بسح ححبب ك رة الفسح ححاد‪ ،‬والذي يفضح ح ي إلى الظلم والتفاوت‬
‫االقتص ححادي‪ /‬االجتماعي‪ ،‬ويولد النقمة وعدم اس ححتقرار املجتمعات‪ ،‬فتنش ححأ الص حراعات والحروب واإلهال‬
‫للوقو في مظنة تلك األسح ح ح ححباب‪ ،‬أو يطمع عدو خارجي حين يرى تل القرية غارقين في الترف واللذات ومهملين‬
‫في أسباب القوة والجهاد‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ ْ ْ ْه ْ ْ ‪،‬‬ ‫‪،‬‬
‫فتولي‬
‫ومثلييه قولييه تعييالى‪﴿ :‬و ِّمن تتولوا لس ي ي ي يتبي ِّدل قوميا غيركم ثم ال يكونوا أمثيالكم ‪[ ،‬س ي ي ي ييورة محمييد ‪ِّ .]38‬‬
‫املسحلمين عن شحر عة هللا سحيؤدي بهم إلى التمزق والضحعف ما يدعل أعداءهم يقضحون عل هم حتى يأتي من‬
‫غير ُهم يتمسكون بدين هللا‪.‬‬ ‫األمة ُ‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ومثله قوله تعالى‪﴿ :‬فم ِّن ‪،‬اتبع هداي فال ي ِّض ي ُّل وال لش يق تى ۝ وم ْن أ ْعرا عن ِّذك ِّري ف ِّإ ‪،‬ن له م ِّعيش ية ض ينكا‬
‫ْ‬
‫ون ْحش يرح ي ْوم ال ِّقيام ِّة أ ْعم ت ‪[ ،‬س ييورة طه ‪ 123‬ي ي ي ي ي ‪ .]124‬فأي النظم غير نظام اإلسححالم يدلب للناس السححعادة‬
‫وحسح ح ح ححن التصح ح ح ححور لسح ح ح ححبب وجودهم‪ ،‬ويدلب حسح ح ح ححن تطبيقه عل هم الرخاء والرضح ح ح ححا‪ ،‬والت افل االجتماعي‪،‬‬
‫وحس ح ح ححن رعاية الرعية من قبل الدولة وتحمل مس ح ح ححئولياتها؟ فذذا ما أعرض ح ح ححوا عنه وقعوا ض ح ح حححية األنظمة‬
‫البشرية الجائرة! فهذه كلها س ن مدتمعية ينبغي فهمها ودراستها!‬
‫ومثل حديث الرسول ﷺ وقد س ي ي ي ِّئل‪« :‬أن ِّهل وفينا الصالحون؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬إذا ك ي ي ييثر الخبث» [رواح الب اري‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ومسييلم]‪ .‬ومثل ذل قول الرسييول ﷺ‪« :‬والذي نفسييبي بيدح لتأمرن باملعروف ولتنهون عن املنكر أو ليوبييك ِّن هللا‬
‫ه‬
‫أن يبعث عليكم عقابا من عندح‪ ،‬ثم لتدع ِّنه فال لستجاب لكم» [رواح اإلمام أحمد والترمذي]‪ .‬وهنا الكالم عن‬
‫سنة إلهية‪ ،‬فال ال يستديب حينها للدعوات‪ ،‬ويقع الناس في عقوبات ما تدلبه عل هم املنكرات من أمراض‬
‫لم تكن فيمن قبلهم‪ ،‬أو في استشراء الفساد واملنكرات والنظم الوضعية الربوية وما شابه!‬

‫‪109‬‬
‫هذه النتائج التي تنتج حس ح ح ححب قانون الس ح ح ححببية ليس ح ح ححت هي الحس ح ح ححاب على الذنوب‪ ،‬بل الحس ح ح ححاب على‬
‫الذنوب سيأتي يوم القيامة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫الحظوا قوله تعالى‪﴿ :‬ومن أ ْعرا عن ِّذك ِّري ف ِّإن له م ِّعيشية ضينكا ون ْحشيرح ي ْوم ال ِّقيام ِّة أ ْعم ت ۝ قال ر ِّ ِّب‬
‫ْ‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫ِّلم حشي ي ْرت ِّ؟ي أ ْعم ت وق ْد كنت ب ِّصي ي هيرا ۝ قال كذ ِّل أت ْت خياتنا ف ِّسي ييتها وكذ ِّل الي ْوم ت س ييب ت [س ييورة طه ‪ 124‬ي‬
‫‪ .]126‬فاإلعراا عن ذكر هللا ئأي ب ي يير هللا ت تج عنه املعيش ي يية الض ي يين ئأي الش ي ييقاء في الحياة الدنيا‪ ،‬وهذا‬
‫الش ي ييقاء ال يجبر عن ص ي يياحبه عذاب يوم القيامة‪ .‬العذاب الدنيوي الذي يجبر عن ص ي يياحبه عذاب يوم القيامة‬
‫هو العقوبات الش ييرعية من حدود وتعزير‪ ،‬إذ إن هذح العقوبات هي زواجر وجوابر‪ .‬أما املص ييائب واألمراا التي‬
‫تحصييل جراء األسييباب واملسييببات فهذح ليسييت عقوبات تجبر عقوبات يوم القيامة‪ .‬فالذي يرتكب الزنا ويصيياب‬
‫ه‬
‫بمرا اإليدز مثال ال يقال بأن هذح هي عقوبته عجلها هللا له في الدنيا ليسييقطها عنه في اوخرة‪ .‬بل مرا اإليدز‬
‫هو نتيجة حينما تتوفر أسبابه‪ ،‬وتبقى عقوبة الزنا إلى يوم الحساب‪.‬‬
‫أما األمور التي تحصل في الكون‪ ،‬وليس لينسان ف‪:‬ها أي دور‪ ،‬مثل الزالزل واألعاصير والفيضانات والبراكين‬
‫وانحباس املطر وبييدة الحر وبييدة البرد وما ي تج عنها من خثار‪ ،‬فذنها من أفعال هللا وحده‪ ،‬حسحب السح ن التي‬
‫أودعها هللا في األشححياء‪ ،‬هذه األمور تصححيب الناس ال فرق بين مؤمن وكافر‪ ،‬وال بين صححالش وطالش‪ .‬وهي ليس ييت‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫بيرا باملع؟ الشييريي للشيير‪ .‬وهي بال سييبة للمؤمنين ابتالء فإن صييبروا واحتسييبوا كانت خيرا ونعمة‪ .‬وهي بال سييبة‬
‫لجميع الن يياس‪ :‬مؤمنين وكييافرين خي يية من هللا ت ييدعوهم للتفكر واالعتب ييار‪ ،‬وهي ت وي لهم من ع يياقب يية إهم ييالهم‬
‫واستغراقهم في الشهوات العابرة ونسيانهم ما هم مقدمون عليه من نعيم أو حيم‪.‬‬
‫ه‬
‫إن هيذح األحيداث ال تحيدث عش ي ي ي ييوائييا وال ص ي ي ي ييدفية‪ ،‬إنهيا تحيدث حس ي ي ي ييب التقيدير والترتييب اليذي اختيارح هللا‬
‫ْ‬
‫الر ْعيد ِّبح ْمي ِّد ِّح واملال ِّئكية ِّم ْن ِّخيف ِّتي ِّه‬
‫س ي ي ي ييبحييانييه بحكمتييه وعلمييه‪ .86‬كييذلي ‪ :‬نالح أن هللا تعييالى يقول‪﴿ :‬ويس ي ي ي ي ِّبح ‪،‬‬
‫ِّ‬
‫اعق في ِّص ي ييب ِّبها من لش ي ياء [الرعد‪ ،]13 :13 :‬وقد أهل هللا تعالى أربد بن ربيعة‪ ،‬بص ي يياعقة إذ‬ ‫وي ْر ِّس ي يل ال ‪،‬‬
‫ص ي يو ِّ‬
‫حياول اخترا رس ي ي ي ييو ِّل هللا ﷺ بس ي ي ي ييي ‪ ،‬وأنزل هيذح اويية‪ ،‬وقيد دعيا علييه رس ي ي ي ييول هللا ﷺ ‪« :‬اللهم اكفن‪:‬هميا بميا‬
‫ه‬
‫ب ييئت» لع؟ي أربدا وعامر بن الطفيل‪ ،‬فقض يياء من هللا تعالى باملوت‪ ،‬كما يق ييبي باملوت بزلزال أو غيرح‪ ،‬وعقوبة‬
‫فعلتهما تكون يوم القيامة‪ ،‬إعماال باويات السابقة التي بي ت أن هللا يؤخر العقوبة والحساب إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫‪،‬ه‬ ‫ُّ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫انبع ي ياله ْم فث ‪،‬بطه ْم و ِّقي ي ييل اقع ي يدوا مع‬ ‫وقول ي ييه تع ي ييالى‪﴿ :‬ولو أرادوا الخروج ألع ي يدوا ل ي يه ع ي يدة ول ِّكن ك ِّرح ّ ِّ‬
‫ْ‬
‫القيا ِّعي ِّدين [التوبية ‪ ،]46 :9‬ونحوهيا من أن يبتلي هللا تعيالى من ترين اليذنوب على قلبيه بيأن يص ي ي ي ييبح قلبيه غيافال‬
‫عن ذكر هللا‪ ،‬فال يتفطن إلى ذلي ‪ ،‬أو أن ال يقوم هللا‪ ،‬فال يتفطن إلى أن هللا كرح انبعياثيه فثبطيه عن أن يتقرب‬
‫إليه‪ ،‬فأيضييا تفهم في قالل اويات املحكمة السييابقة التي بي ت تأخير هللا للعقوبة إلى القيامة‪ ،‬وقعودهم نتيجة‬
‫طبيعية ملا ران على قلوبهم‪ ،‬فلم يتحركوا بعزيمة املؤمنين ليمض ييوا مع رس ييول هللا ﷺ‪ ،‬واس ييتمرأوا القعود‪ ،‬وكرح‬

‫‪ 86‬هل مصائب الدنيا هي عقوبات على الذنوب؟ مجلة الويي العدد ‪ 150‬بتصرف‬
‫‪110‬‬
‫هللا تعيالى منهم هيذا الخلق وتلي األعميال‪ ،‬فكيانيت س ي ي ي ينية هللا تعيالى أن القلوب إذ تتراكم عل‪:‬هيا اليذنوب ال تجيد ميا‬
‫ْ‬ ‫‪،‬‬
‫يدفعها للقيام بالخيرات‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬كال ب ْل ران على قل ِّوب ِّهم ‪،‬ما كانوا يك ِّسبون [املطففين ‪.]14 :83‬‬
‫‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪ْ ،‬‬
‫اب األكب ِّر لعله ْم ي ْر ِّجعون [الس ي ي ي يجيدة ‪ ،]21 :32‬جياء‬ ‫اب األدنى دون العيذ ِّ‬ ‫وقيال تعيالى‪﴿ :‬ولني ِّذيقنهم ِّمن العيذ ِّ‬
‫في تفس ييير ابن عاب ييور‪" :‬واملقص ييود من هذا‪ :‬التعرير بتهديدهم ألنهم لس ييمعون هذا الكالم أو يبلغ إل‪:‬هم‪ .‬وهذا‬
‫إنذار بما لحقهم بعد نزول اوية وهو ما محنوا به من الجو والخوف وكانوا في أمن منهما وما يص ي ي ي يييفهم يوم بدر‬
‫‪،‬‬
‫من القتييل واألس ي ي ي يير ويوم الفتح من الييذل‪ .‬وجمليية ﴿لعله ْم ي ْر ِّجعون اس ي ي ي ييتئنيياف بييياني لحكميية إذاقتهم العييذاب‬
‫األدنى في ال ييدني ييا ب ييأن ييه لرج يياء رجوعهم‪ ،‬أي رجوعهم عن الكفر ب يياإليم ييان‪ .‬واملراد‪ :‬رجو من يمكن رجوع ييه وهم‬
‫األحياء منهم‪ .‬ومس ي ي ي ييناد الرجو إلى ض ي ي ي ييمير جميعهم باعتبار القبيلة والجماعة‪ ،‬أي لعل جماعتهم ترجع‪ .‬وكذل‬
‫كييان فق ييد خمن كثير من الن يياس بع ييد يوم ب ييدر وب يياص ي ي ي ي يية بع ييد فتح مك يية" إذن‪ :‬فع ييدم خض ي ي ي ييو أعن يياقهم للحق‬
‫وم يياص ي ي ي يميية الرس ي ي ي ييول ﷺ والتييدبير لحربييه أوص ي ي ي ييلهم للحرب‪ ،‬ولقطع املؤن عنهم‪ ،‬وخوفهم من ترقييب الحروب‪،‬‬
‫وتقتيل رؤس ي ييالهم في بدر‪ ،‬كل هذا العذاب الذي نتج عن س ي يينة م اص ي ييمة الحق‪ ،‬وعن الحرب ض ي ييد الرس ي ييول ﷺ‬
‫لحكمة إرجا من عال منهم إلى الحق‪ ،‬وأما عقوبة من قاتل في بدر وغيرها وقتل فمؤجلة إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫وقد كانت العقوبة األخيرة التي نزلت من الس ي ي ي ييماء على البش ي ي ي يير على ب ي ي ي يياكلة األمم الس ي ي ي ييابقة هي رمي الطير‬
‫األبيابييل لجيش أبرهية بحجيارة من س ي ي ي ييجييل‪ ،‬جعلتهم كعص ي ي ي ي ميأكول‪ ،‬وليذلي ‪ ،‬حين هياجم القرامطية بييت هللا‬
‫الحرام في مكة‪ ،‬وقتلوا مقتلة عظيمة في الحرم‪ ،‬وانتزعوا ال جر األسييود من مكانه‪ ،‬وأخذوح معهم إلى عاصييمتهم‬
‫في هجر بالبحرين‪ ،‬ص ي يياح أفجرهم عند البيت الحرام‪ :‬أين الطير األبابيل‪ ،‬أين ال جارة من س ي ييجيل!‪ ،‬ولم تتنزل‬
‫عليه ألن هللا تعالى يؤخر العقوبات إلى يوم القيامة‪ .‬وهللا تعالى أعلى وأعلم‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫الخلود في النارجزاء وفاق‪:‬‬

‫ه‬
‫ولرب سي ي ي ي ييائييل يقول‪ ،‬هييل من العييدل أن لعييذب هللا تعييالى خلقييا من عبييادح على جرائمهم عييذابييا ال نهيياييية لييه؟‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫ي لدون فيه في نار لو غمس واحد ف‪:‬ها غمسة واحدة ألنكر أن يكون مر عليه نعيم قط في حياته!‬
‫ه‬
‫أما العدل اإللهي فال يقاس بمقاييس البشر‪ ،‬وال لستطيع العقل البشري العاجز الضعي أن يكون حكما‬
‫على عدل هللا أو على ي ييبيء من ص ي ييفاته‪ ،‬لض ي يييق أفقه‪ ،‬ومحدودية مواهبه‪ ،‬وض ي ييع مقاييس ي ييه ومث ِّل ِّه‪ ،‬فتراح في‬
‫نظرته إلى األمور األبس ييط من هذا‪ ،‬يتقلب بين الض ييد والض ييد‪ ،‬يقرر قوانين ويعدل عنها بعد أن يتبين له س ييوؤها‬
‫وعواقفها‪ ،‬وي ض ي ييع ألهوائه وب ي ييهواته‪ ،‬ومطامعه ومطامحه‪ ،‬فينظر النظرة الض ي يييقة ال جلى إلى األمور وال يزنها‬
‫ه‬
‫بميزان قويم‪ ،‬لذا فال يمكن ملن كان هذا حاله أن يكون حكما على صفات هللا تعالى وأفعاله‪،‬‬
‫ولقييد أخبرنييا رب العيياملين وهو أصي ي ي ي ييدق القييائلين أن عييذابييه وفيياق الجريميية التي اقترفهييا من لعييذبييه في النييار‪،‬‬
‫فقال‪﴿ :‬جزاء وفاقا ‪ ،‬ومعلوم أن الجرائم‪ ،‬تتناس ي ييب مع عقوباتها‪ ،‬والعبرة ف‪:‬ها عظم الجريمة‪ ،‬وقوة الراد عن‬
‫ارتكييابهييا‪ ،‬ليس ي ي ي ييتقيم ميزان الحق قبييل اقتراف الجريميية‪ ،‬فتكون العقوبيية نصي ي ي ي ييب عين املجرم تمنعييه عن ارتكيياب‬
‫ويحجم!‬
‫قبل ِّ‬ ‫جرمه‪ ،‬وتدفعه للتفكر في أمرح في ِّ‬
‫فمثال جريمة الس ييرقة‪ ،‬تقطع ف‪:‬ها اليد‪ ،‬وربما يكون قد س ييرق ألفا‪ ،‬أو أكثر‪ ،‬العبرة أن الس ييارق إذ تقطع يدح‬
‫ه‬
‫يكون هذا نكاال من هللا‪ ،‬وم وفا لغيرح من الناس أن يقترف الجريمة‪ ،‬كما قيل‪ :‬العقوبات جوابر وزواجر‪ ،‬تجبر‬
‫عيقيوب ي يية اوخيرة‪ ،‬وتيزجير امليجيتيميع أن ييقيوم فيي ي ييه مين ييقيتيرف عييين اليجيرييم ي يية‪ ،‬األمير ال ي ييذي ييوفير ليليميجيتيميع األمين‬
‫ه‬ ‫ا‬
‫والطمأنينة بانعدام الجرائم‪ ،‬وهي رادعة أيض ي ي ي ييا من باب أن ترى في املجتمعات الغربية عقوبات بس ي ي ي يييطة على‬
‫ذنوب كبيرة‪ ،‬فترى أن الناس ال تتور عن القيام بالجريمة ئمثال ذل قتل النفس ‪.‬‬
‫املهم فيميا ي ص موض ي ي ي ييوعنيا‪ ،‬أن جريمية القتيل العميد قيد تس ي ي ي ييتغرق من القياتيل دقيقية‪ ،‬أو لحظية انفعيال‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫أطارت صوابه فتصرف تصرفا خطيرا قام بإزهاق روح‪ ،‬ولربما كان طوال حياته صالحا أو ودلعا‪ ،‬لكنه في لحظة‬
‫ه‬
‫غضي ي ي ي ييب وانفعيال قيام بتلي الجريمية‪ .‬وبميا أن العقوبية الرادعية ال بيد أن تكون نكياال على العميل بقيدر فظياعتيه‪،‬‬
‫ه‬
‫وربما من ج سه فتكون بإزهاق روحه‪ ،‬بغر النظر عن طيب فعاله قبلها‪ ،‬ألنها ال تشفع له أنه أزهق روحا بغير‬
‫يعا وم ْن‬ ‫الناس جم ه‬ ‫حق‪ .‬وقد أخبرنا رب العاملين ﴿أ ‪،‬نه م ْن قتل ن ْف هس ي ي يا بغ ْير ن ْفس أ ْو فس ي ي ياد في ْاأل ْرا فكأ ‪،‬نما قتل ‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ه‬
‫أ ْحيياهيا فكيأ ‪،‬نميا أ ْحييا ال ‪،‬نياس ج ِّمي هعيا ‪ ،‬هكييذا هي هييذح الجريميية بي ي ي ي ييديييدة العظميية‪ ،‬س ي ي ي ييواء يكيان املقتول ِّملكييا‪ ،‬أم‬
‫ا‬ ‫ه‬
‫صييعلوكا‪ ،‬كان ذا مكانة أم من عامة الناس‪ ،‬ال عبرة‪ ،‬املهم أن لنفسييه حرمة ال يجوز االعتداء عل‪:‬ها‪ ،‬ومن اعتدى‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫عل‪:‬هيا كيانيت جريمتيه فظيعية لس ي ي ي ييتحق عل‪:‬هيا أن ننهي حيياتيه قتال‪ ،‬ألن جريمتيه تعيادل وتكيافؤ قتيل النياس جميعيا‪،‬‬
‫وأبسط نظرة للحق أن من قتل الناس جميعا ال بد من قتله ومراحة البشرية من برح!‬

‫‪112‬‬
‫فكما ترى العقوبات تتفاوت حسييب عظم الجريمة‪ ،‬وتقدير فظاعة الجريمة يتفاوت‪ ،‬ما بين جرائم سييرقة‪،‬‬
‫قتل‪ ،‬زنا‪ ،‬خمر‪ ،‬م درات‪ ،‬قلم يقع على فرد أو قلم يقع على أمة بأسرها‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫ومثال إذا كيان املجتمع االس ي ي ي ييالمي مطمئنيا مجتمعيا تحيت كلمية خليفية‪ ،‬وجياء خخر ينيازعيه األمر‪ ،‬ويفرق كلمية‬
‫املسيلمين‪ ،‬فهذح جريمة عظيمة لسيتحق عل‪:‬ها القتل فورا‪ .‬إذ إن تبعات االختالف على مسيتوى القيادة ومحاولة‬
‫اغتصاب السلطة قد تدخل املجتمع في حرب أهلية!‬
‫إذن‪ ،‬ف تق ييدير فظ يياع يية الجريم يية‪ ،‬إذا ك ييان ييت في حق املجتمع فهي أفظع منه ييا إن ك ييان ييت متعلق يية فقط بحق‬
‫شخص‪ ،‬ومن كانت في حق الشخص متعلقة بماله‪ ،‬لم تكن حينها بفظاعة تعلقها بنفسه وهكذا‪ ،‬فالجرائم التي‬
‫تتعلق بجنب هللا تبارك وتعالى‪ ،‬أفظع وأفظع!‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫فقبل أن نذكر بأنه هو الخالق الرازق‪ ،‬املنعم‪ ،‬املتفضيل‪ ،‬نذكر بعظمته‪ ،‬وجالله‪ ،‬ومقامه سيبحانه وتعالى‪،‬‬
‫وال ب أن الجريمة في حق هللا تعالى ال تكافؤها جريمة في حق غيرح مهما كان!‬
‫ثم إن هللا تع ييالى قب ييل أن يحرم الظلم في من ج ييه القويم‪ ،‬حرم ييه على نفس ي ي ي ي ييه‪ ،‬وأق ييام الس ي ي ي يم يياوات واألرا‬
‫وامللكوت األعلى كله على أس يياس الحق والعدل‪ ،‬فأن يأتي أخرق أبله في رق هذا ويبيح الظلم والب ي بغير الحق‬
‫في األرا‪ ،‬وقد حرمها هللا في السماوات واألرا‪ ،‬فهذح جريمة ليست بعدها جريمة!‬
‫خلقي ورزقي وأعطياك نعميه قياهرة وبياطنية‪ ،‬ال تكياد تتفكر في نعمية من نعميه وتقيارن نفسي ي ي ي ي وقيد وهبي‬
‫ه‬
‫إياها بمن حرمه منها‪ ،‬إال وجدته مس ي ي ييتحقا من الش ي ي ييكر من ما ال لس ي ي ييع العمر كله أن تكافئه فيه على نعمة‬
‫ويسبه‪ ،‬ويقول عنه أن له‬ ‫واحدة‪ ،‬فكي وقد أسبغ علي نعمه قاهرة وباطنة! ثم يأتي املشرك فينكر وجودح‪ِّ ،‬‬
‫ولييد‪ ،‬أو كييذا وكييذا‪ ،‬فهييذح الجرائم لتعلقهييا بجنييب هللا‪ ،‬يكيانييت فظيياعتهييا ال متنيياهييية‪ ،‬ال تقيياس بييأييية جريميية لييذلي‬
‫وفاقا‪ .‬وكما قال رب العاملين‪﴿ :‬وما قدروا ‪ ّ،‬ح ‪،‬ق ق ْدرح و ْاأل ْرا جم ه‬
‫يعا ق ْبض ي ي يته ي ْوم‬
‫ه‬
‫كانت عقوبتها فظيعة جز هاء‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ْ‬
‫ات ِّبي ِّمي ِّن ِّه سي ي ي ْبحانه وتعالى ع ‪،‬ما لشي ي ي ِّركون ‪ ،‬وهلل املثل األعلى‪ ،‬لو أس ي ييأت بحق مل ‪،‬‬ ‫ْالقيامة وال ‪،‬سي ي يماوات م ْطو ‪،‬ي ا‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫فإن غضبه سيكون كبيرا‪ ،‬فما بال برب العاملين!! ذي العزة والجالل!‬
‫أنت أيها القارل الكريم ال ب ي ي ي تغض ي ي ييب إن مس أحد عرض ي ي ي ‪ ،‬أو س ي ي ييب والدي ‪ ،‬أو أغل علي بفاحش‬
‫ْ‬ ‫القول‪ ،‬وهللا أحق من ي ب ييأن يكون غض ي ي ي يب ييه أعظم وأعظم‪﴿ ،‬ول يه ْال ِّك ْبري ياء في ال ‪،‬س ي ي ي يم ياو ِّ ْ ْ‬
‫ا وهو الع ِّزيز‬ ‫ات واألر ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ْ‬
‫الح ِّكيم لذل فمن سأل هذا السؤال‪ ،‬واتهم عدل هللا‪ ،‬ما قدر هللا حق قدرح!‬
‫ولو نظر من حول ييه إلى الس ي ي ي يم يياوات بعظمته ييا وعظم يية خلق هللا تب ييارك وتع ييالى وتفكر لحظ يية في عظم يية ه ييذا‬
‫الخييالق س ي ي ي يبحيانييه وتعييالى لعلم أن جاللييه وعزتييه وعظمتييه بمكييانيية تجعييل كييل البش ي ي ي يير لو عبييدوا هللا كييل حييياتهم‪،‬‬
‫قض ي ي ي ييوهيا س ي ي ي يياجيدين‪ ،‬ميا كيافيأوا على نعمية من نعميه‪ ،‬ومن قص ي ي ي يير في ب ي ي ي ييكر النعم‪ ،‬اس ي ي ي ييتحق أن يكيافيأ بعقوبية‬
‫فكي ورب الع يياملين يرم ي ي ي ييب بقلي ييل من الش ي ي ي ييكر مق ييارن يية بم ييا أس ي ي ي ييبغ من نعم‪ ،‬ويعطي علي ييه الجزاء العظيم‬
‫أما ذل الشقي الذي كافأ النعماء بالكفر والرزايا العظام والجحود‪ ،‬فما تقول فيه؟‬

‫‪113‬‬
‫ما تقول فيمن ق ي ي ييب حياته يقتل الناس ويفسي ي ييد في األرا‪ ،‬كهتلر وسي ي ييتالين وبي ي ييارون ونت ياهو ونظرالهم‬
‫م يياتوا وفي أعن يياقهم ماليين القتلى‪ ،‬واألرام ييل واأليت ييام‪ ،‬والخراب في البالد والعمران ال ييذي امت ييد ألجي ييال ع يياب ي ي ي ي ييت‬
‫ه‬ ‫البؤس‪ ،‬وتلط ييت أي ييديهم ب ييدم يياء بريئ يية لم يتركوه ييا تعيش حي يياة الئق يية ب ييالبش ي ي ي يير‪ ،‬إن عق يياب ييه ل ييه ع ي ا‬
‫يادل انتق ييام ييا‬
‫لض ي ي ييحاياح الذين حرمهم من كثير من نعم هللا عل‪:‬هم في ماض ي ي يي‪:‬هم ومس ي ي ييتقبل أيامهم! ما قول في فرعون إذ قال‬
‫عن نفسي ي ي ي ييه أنييه هو رب العيياملين؟ مييا قولي في الطواغيييت الييذين تس ي ي ي ييببوا لكييل رعيياييياهم بض ي ي ي يني العيش طيليية‬
‫حيواتهم؟‬
‫لنض ي ي ي ييرب مثاال يقرب الص ي ي ي ييورة‪ ،‬هب أن رجال لعمل في منجم تحت األرا للفحم‪ ،‬في قروف بالغة التعقيد‬
‫واملشييقة‪ ،‬وندرة األوكسييجين‪ ،‬يمتلئ وجهه بسييخام الفحم صييباح مسيياء‪ ،‬وتمتلئ رئتيه بالكربون وتنغلق ب يرايينه‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫ب ي ي يييئا فش ي ي يييئا‪ ،‬عالوة على الخطر املحدق من حوله من انهيار املنجم في أي لحظة‪ ،‬واألص ي ي ييوات التي تملؤ أذنيه‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫حت يذوي س ي ييمعه ب ي يييئا فش ي يييئا‪ ،‬إنه يض ي ييمي بحياته وقوته وب ي ييبابه ألجل أس ي ييرته‪ ،‬ويرم ي ييب بالقليل مقابل هذا‬
‫الجه ييد العظيم‪ ،‬ت ي ييل أن ل ييه ول ي ايد يرفر أن يض ي ي ي ييطلع ب ييدورح في الحي يياة‪ ،‬ويص ي ي ي يير على العبثي يية واالن ييدم يياج بمتع‬
‫ص ي ي ي يياخبية مكلفية ملجرد ميلء فرا حيياتيه‪ ،‬ويبيذل ف‪:‬هيا جيل ميا لعطى ألبييه من رواتيب على عمليه الش ي ي ي يياق‪ ،‬دون أن‬
‫ه‬
‫لعبأ بهذا‪ ،‬مع أن األب دائما لعظه ويبين له أهمية أن يضييطلع بمسييؤولياته عن الحياة وأن لعيش لغاية وهدف‪،‬‬
‫ويقييدم لييه األدليية والبراهين املقنعيية وال ج الييدامغيية على هييذا‪ ،‬إال إن االبن يرفر فقط ألنييه يؤمن بييالعبثييية‪،‬‬
‫واألب من فر محبتييه البنييه ال لس ي ي ي ييتطيع أن يتركييه دون مييال‪ ،‬ألنييه بهييذا يهلي ‪ ،‬واالبن ال ينفي ِّ لس ي ي ي ييتغييل والييدح‬
‫ه‬
‫الس ي ي ي يينوات الطوال‪ ،‬حت ميات‪ ،‬ال يقيم وزنيا للنعم التي لس ي ي ي ييبغهيا علييه واليدح‪ ،‬وال للرحمية‪ ،‬وال لألدلية والبراهين‪،‬‬
‫فماذا لستحق هذا االبن في نظرك من عقوبة؟‬
‫ه‬
‫لنعطي مثلين خخرين ملن يتس ي ي ي يياءل عن مقارنة األبد بكميات محدودة من الخطايا؟ هب أن ولدا بعد أن بلغ‬
‫الثالثين من عمرح‪ ،‬واس ييتغ؟ عن أمه‪ ،‬أتى ألمه ببرميل من الحليب‪ ،‬وسعر الكميات من الطعام‪ ،‬وقال لها‪ :‬هذا‬
‫علي بع ي ي ي ييبيء‪ ،‬هذا يكافئ الحليب الذي رض ي ي ي ييعته من طيلة س ي ي ي ي تين!‬ ‫مكافئ للحليب الذي أرض ي ي ي ييعت يه‪ ،‬فال تمت؟ي ِّ‬
‫الواقع أن هذا ي س ي ي ييب كل دفقة حنان غمرته بها أمه وهو بين ذراع‪:‬ها‪ ،‬وكل ملس ي ي يية حب مس ي ي ييحت بها جبينه‪ ،‬وكل‬
‫دقة قلب من قلفها س ييمعها وهو يرض ييع أعطته األمان بأنه في حض يين أمه‪ ،‬نس ييبي الش ييهور التس ييعة التي حملته ف‪:‬ها‬
‫أن كي ِّيل لحظيية احتيياج ف‪:‬هييا طيياقيية تمييت عبر حرق‬ ‫وهني هيا على وهن‪ ،‬واأللم في قهرهييا جراء حملييه في بطنهييا‪ ،‬ونس ي ي ي ييبي ِّ‬
‫السي ييكر عن طريق األنسي ييولين من جسي ييد األم‪ ،‬ونسي ييبي أنه كان يتغذى بأفضي ييل ما لديها من املعادن والفيتامينات‬
‫وس ي ي ييائر احتياجاته‪ ،‬كان يتنفس عبر "الغش ي ي يياء العاقل" الذي يربطه بها‪ ،‬ي تار له ذل الغش ي ي يياء من دم األم كل‬
‫مناعتها وجميع اللقاحات التي لقحت بها في صي ييغرها‪ .‬وجميع األمراا التي أورثتها مناعة كي لسي ييتعد للحياة‪ ،‬كان‬
‫الغش ي ي يياء العاقل لعرف احتياجاته لحظة بلحظة‪ ،‬ليزودح بها من م زون األم من الغذاء والعافية‪ ،‬ثم نس ي ي ييبي كل‬

‫‪114‬‬
‫ألم مرت بييه في م يياض ي ي ي يهييا‪ ،‬في كييل طلقيية توجعييت بهييا لحظيية والدتييه‪ ،‬نس ي ي ي ييبي س ي ي ي ييهرهييا عليييه في الليييل والنهييار ترقييب‬
‫عافيته‪ ،‬كل هذا ال يمكن أن يكافأ ببرميل حليب‪ ،‬بل إنه ال ثمن له مهما اجتهد!‬
‫أما املثال الثاني‪ :‬فعندما تسي ي ييتأجر سي ي يييارة من مكتب اسي ي ييتئجار السي ي يييارات تدفع مقابل نو السي ي يييارة ومدة‬
‫سيارة أف م‪ ،‬وأغلى ثمنا‪ ،‬زادت أجرة االستئجار‪ ،‬فما هو يا ترى‬ ‫ه‬
‫است دامها مبالغ مكافئة لذل ‪ ،‬وكلما انتقيت‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫ثمن نعمة البص ي يير في كل لحظة من لحظات الحياة‪ ،‬تس ي ييتعمل فيه خلة ربانية ال يمكن ألي نو كاميرا بش ي ييرية أن‬
‫يضي يياهؤها وال حت أن يقترب من جودتها ودقة صي يينعتها‪ ،‬ماذا عن الكليتين وعملهما الدؤوب ليل نهار على غسي ييل‬
‫الس ييوائل من الجس ييم وطرد الفض ييالت‪ ،‬ماذا عن أي جهاز من األجهزة املعقدة التي هي قوام جس ييم ‪ ،‬كم يا ترى‬
‫ثمن هذح النعم املتراكبة التي تسي ي ييتعملها ليل نهار مدى الحياة؟ كم يا ترى ثمن كل خلية من خاليا الجسي ي ييم التي‬
‫تقوم بأعمال بالغة التعقيد‪ ،‬أبي ييد تعقيدا من أي مصي يينع أنشي ييأح اإلنسي ييان في العالم بآالف املرات‪ ،‬وفي الجسي ييم‬
‫تريليونات كثيرة من هذح الخاليا‪ ،‬وال تنف هذح الخاليا تتجدد لتحاف على ص ييحة البدن‪ ،‬وعطائه‪ ،‬وتفاعالته‬
‫أمد اإلنسان بهذح‬ ‫مع الحياة‪ ،‬فما هو ثمن كل خلية من تل الخاليا‪ ،‬وما هي العقوبة املقترحة على من ينكر من ِّ‬
‫الخالييا وأبقياهيا تتجيدد ميدى الحيياة‪ ،‬بيأرقيام فلكيية من التريليونيات على ميدار الحيياة‪ ،‬فلو عوقيب اإلنس ي ي ي ييان على‬
‫ه‬
‫كل خلية ردحا من الزمن يتناسب مع تعقيدها‪ ،‬ووقيفتها‪ ،‬وأهميتها في جهازح الحيوي‪ ،‬لكان عقابا وفاقا!‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪ْ ْ ، ْ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪،‬‬
‫َّلل املثل األ ْعلى وهو الع ِّزيز الح ِّكيم ‪ ،‬فها أنت ترى أن رب العاملين‬ ‫﴿لل ِّذين ال يؤ ِّمنون ِّباو ِّخر ِّة مثل الس ي يو ِّء وِّ ِّ‬
‫ِّ‬
‫لس ي ي ي ييبغ نعمييه حت على من لعبييد الفييأر والبقرة من دونييه‪ ،‬ومع ذلي فهو لعط‪:‬هم األدليية الواض ي ي ي يحيية الجلييية على‬
‫وجودح‪ ،‬ولكنه يأمرهم باسي ي ي ييتعمال نعمة العقل التي وهفها لهم للتوصي ي ي ييل إلى معرفته وعبادته‪ .‬كمثل األب لعطي‬
‫ابنه أفضييل ما عندح‪ ،‬ويبذر االبن يصييرفها على الخنا واملوبقات‪ ،‬وما يضيير صييحته‪ ،‬فهل ترى من بأس في عقوبة‬
‫من هذا االب البنه؟‬
‫وبعد نقول‪ :‬ا خرة أمرها موكول لرب العاملين‪ ،‬يعذب من يشححاء ويرحم من يشححاء‪ ،‬ويدخل الجنة أقواما‬
‫ما عندهم إال ذرة من إيمان‪ ،‬فد أمرا خرة ل تبار وتعالى واعمل لتندو من عذابه ود تص ح ححريف الخلق‬
‫له يحكم بينهم بعدله وحكمته‪ ،‬واعلم أنه العدل‪ ،‬حرم الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرما!‬
‫فذن اطمأنت نفسح ح ححك إلى هذه الحقيقة القطعية‪ ،‬علمت أنه العدل وزالت كل وسح ح ححاوس الشح ح ححيطان من‬
‫نفس ح ححك‪ ،‬ولكني س ح ححأدعك س ح ححاعة تتفكرفي جم هذا املخلوق الص ح ححغيرالذي يبارز هللا تعالى الكفر‪ ،‬أو الذي‬
‫يتساءل عن عدله في عقوبة من كفره فنسأله السؤال التالي‪:‬‬
‫ترى كم حجم في هذا الكون؟ أال ترى أيها القارل الكريم‪ ،‬أن اإلنس ي ي ي ييان مركزي في خطة الوجود؟ هل أنت‬
‫على علم بدورك املحوري في نس ي ي يييج الخلق الكبير؟ اعلم أن االمتداد الش ي ي يياس ي ي ييع للكون‪ ،‬بكل أجرامه الس ي ي ييماوية‬
‫ونجومه ومجراته‪ ،‬كانت البشرية في املحور األساس لخطة الوجود‪ ،‬ونظام الوجود‪ ،‬يجب أن يؤدي هذا اإلدراك‬
‫إلى لحظيية من االس ي ي ي ييتبطييان والتييأمييل‪ ،‬تييأمييل في التص ي ي ي ييميم الييدقيق والتفيياص ي ي ي ييييل املعقييدة للكون‪ ،‬وكلهييا موجودة‬

‫‪115‬‬
‫إلربي ي ي ي ييادك‪ ،‬وتعزيز العقييل بييداخلي ‪ ،‬وفي النهيياييية‪ ،‬لتقودك نحو االعتراف ب ييالقي ‪ .‬هييذا الترتيييب الكوني بييأكملييه‬
‫بمثييابيية ب ي ي ي يهييادة‪ ،‬أو منييارة تش ي ي ي ييير إلى األلوهييية‪ .‬اون‪ ،‬توق وفكر‪ .‬عنييدمييا يتم وض ي ي ي ييع مثييل هييذا اإلعييداد املتقن‬
‫والعميق لهذا الكون الش ي يياس ي ييع أمام ‪ ،‬والذي اس ي ييتغرق نحو أرسعة عش ي يير مليار س ي يينة‪ ،‬ليص ي ييل إلى هذا التوس ي ييع‬
‫املييذهييل‪ ،‬ويبرز هييذا االنتظييام البييدلع الييدال على وحييدة الخييالق وعظمتييه وعلمييه وحكمتييه‪ ،‬لغرا أس ي ي ي ي يياس هو‬
‫التنوير واالس ي ي ي يتييدالل‪ ،‬ومع ذلي يقييابييل بييالتجيياهييل‪ ،‬ميياذا بعييد؟ إذا اخترت التغييام ي ي ي ييبي عن هييذح األدليية الييدامغيية‪،‬‬
‫وغر الطرف عن العالمات امل سوجة بشكل معقد في نسيج الوجود‪ ،‬أليس حقيقا أن تكون العقوبة بديدة؟‬
‫تأمل حجم هذا الدليل السيماوي‪ ،‬النطاق الكبير لهذا الويي اإللهي املكتوب على أديم السيماء‪ .‬وي ب ي أن تكون‬
‫العقوبة‪ ،‬إذا اقت يب األمر‪ ،‬متناسيبة بالفعل مع الجريمة‪ ،‬بما يتما يب مع االتسيا الهائل لألدلة املقدمة‪ .‬تق‬
‫العظمية الكونيية كش ي ي ي يهيادة‪ ،‬وتجياهيل مثيل هيذح العالمية الض ي ي ي ييخمية هو تجياوز يتطليب املس ي ي ي يياءلية‪ .‬أدرك أهميتي‬
‫املركزية في الخطة اإللهية‪ .‬احتض ي ي يين املس ي ي ييؤولية التي تأتي معها‪ ،‬ود املش ي ي ييهد الكوني ينير طريق نحو الحكمة‬
‫واالتصي ييال ب الق ‪ .‬ألن باعتراف بذل ‪ ،‬فإن تتما ي ييب مع العدالة‪ ،‬وتضي ييمن أن ال تق إلى جانب الجحود‬
‫واإلنكار‪ ،‬عندما يدعوك الكون نفسييه إلى اإليمان والتأمل‪ .‬وحت أقرب ل املثال‪ ،‬هب أن وكالة الفضيياء أرسييلت‬
‫مسي ي ي ييبارا إلى أبعد نقطة في املجموعة الشي ي ي ييمسي ي ي ييية‪ ،‬وقد انطلق الفوياجر ‪ 1‬منذ سي ي ي يينة ‪ ،1977‬وقد تجاوز حافة‬
‫املجموعة الش ي ي ي ييمس ي ي ي ييية ودخل في الفض ي ي ي يياء ما بين النجوم‪ ،‬وبلغت تكلفته مع الفوياجر ‪ 2‬ما يزيد عن ‪ 3.5‬مليار‬
‫دوالر بتكلفية هيذح األييام‪ ،‬اون هيب أن املركبية عثرت على دلييل دامغ علمي يحتياجيه العلمياء بش ي ي ي ييدة‪ ،‬وأخيذ عينية‬
‫بالغة الهشي ي ي ييابي ي ي يية بالغة الصي ي ي ييغر من جرم سي ي ي ييماوي بالغ البعد‪ ،‬وقفل راجعا إلى األرا‪ ،‬وأراد العلماء االحتفاء‬
‫بإنجازهم العظيم‪ ،‬فعرض ييوا العينة بالغة الهش يياب يية على الجمهور‪ ،‬واحترزوا من الحوادث التي قد تتعرا لها‪،‬‬
‫فوض ي ي ييعوها خل ألواح زجاجية‪ ،‬لكن أحد الناس لم ت جبه العملية كلها‪ ،‬فدخل إلى املعرا‪ ،‬وقرر أن لغافل‬
‫الحرس ويطلق النيار على تلي العينية التي ال تقيدر بثمن ويهش ي ي ي ييمهيا ويمحو كيل ميا حوتيه من دالئيل بيالغية األهميية‬
‫للبش ي ي ي ييرييية قيياطبيية‪ ،‬فهييل يييا ترى لو حكمييت عليييه املحكميية ب يأقس ي ي ي ييب العقوبييات التي يمكن أن تت يلهييا هييل تكييافئ‬
‫جريمته؟ إن واقع ذنب وجريمة من أحجم عن دليل بحجم الكون كله السييتعماله لالسييتدالل على خالقه‪ ،‬وقرر‬
‫أن يبارز الخالق العداء ألبد فظاعة من ذنب ذل الرجل‪ ،‬ويستحق عقوبة أبد!‬

‫‪116‬‬
‫عدل هللا تعالى‪ ،‬تأمالت في مناظرة رائعة‬

‫قابلت بي ييابا ولد ونشي ييأ في كندا‪ ،‬مقبال على اإلسي ييالم‪ ،‬وسي ييأل؟ي فقال‪ :‬نحن لم ن ْس ي يتش ي ي ْر في أن نقدم على هذح‬
‫الدنيا‪ ،‬ون ض ييع المتحان رهيب ف‪:‬ها‪ ،‬نتيجته إما جنة ومما نار! ولو كان لي الخيار لربما رفض ييت دخول االمتحان‬
‫أصال‪ ،‬ألني ال أعلم ما يكون م؟ي أو علي!‬
‫ذكرني سؤاله بقصة‪ ،‬ت ْدرس في إطار مسألة أخرى‪ ،‬لكنها تصلا تماما ليجابة على سؤاله!‬
‫في تفسي ي ي ييير القرخن العظيم تص ي ي ي ي ي الشي ي ي يييخ ف ر الدين الرازي في سي ي ي ييورة األنعام‪" :‬أن اإلمام أبا الحسي ي ي يين‬
‫األبي ي ييعري ملا فارق مجلس األسي ي ييتاذ أسي علي الجبا ي وترك مذهبه وكثر اعتراضي ي ييه على أقاويله عظمت الوحشي ي يية‬
‫عالم من الناس‪ ،‬فذهب األب ي ييعر ُّي إلى ذل‬ ‫بينهما‪ ،‬فاتفق يوما أن الجبا ي عقد مجلس التذكير‪ ،‬وحض ي يير عندح ا‬
‫املجلس‪ ،‬وجلس في بعر النوايي م تفيا عن الجبا ي‪ ،‬وقال لبعر من حض ييرح من ال س يياء‪ :‬أنا أعلم ِّ مس ييألة‬
‫‪،‬‬
‫فاذكريها لهذا الشيخ‪ ،‬ثم علمها سؤاال بعد سؤال‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬أيها الشيخ‪ ،‬ما قول في ثالثة مؤمن وكافر وصبي؟‬
‫فقال الجبا ي‪ :‬املؤمن من أهل الدرجات‪ ،‬والكافر من أهل الهلكات‪ ،‬والصبي من أهل النجاة‪.‬‬
‫فقالت املرأة‪ :‬فإن أراد الصبي أن ير ى الى أهل الدرجات هل يمكن؟‬
‫قال الجبا ي‪ :‬ال‪ ،‬يقال له‪ :‬إن املؤمن إنما نال هذح الدرجة بالطاعة‪ ،‬وليس ل مثله‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬فإن قال‪ :‬التقصير ليس م؟ي‪ ،‬فلو أحييت؟ي كنت عملت من الطاعات كعمل املؤمن‪.‬‬
‫ُّ‬
‫قال الجبا ي‪ :‬يقول له هللا‪ :‬كنت أعلم أن لو بقيت لعصيييت وعوقبت‪ ،‬فراعيت مصييلحت ‪ ،‬وأمت قبل أن‬
‫ت تهي إلى سن التكلي ‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فلو قال الكافر‪ :‬يا رب‪ ،‬علمت حاله كما ع ِّل ْمت حالي‪ ،‬فهال راعيت مصلحتي مثله‪.‬‬
‫فانقطع الجبا ي"!‬
‫تذكر هذح الحادثة في مجال الرد على املعتزلة في قولهم إن هللا تعالى يتوجب عليه أن ي تار األصيلا لعبادح‪،‬‬
‫وليسي ي ي ييت هذح مسي ي ي ييألتنا هنا‪ ،‬فلن ن وا ف‪:‬ها‪ ،‬ولك؟ي أذكرها هنا ألبين لكم مسي ي ي ييألة أخرى تظهر جلية من هذح‬
‫املسييألة‪ ،‬وهي ما أجبت به السييائل خنفا! وهي أن هللا تعالى وهو الحكم العدل القائم بالقسييط الرحيم بعبادح‪ ،‬إذ‬
‫يقارن عدله في ص ي ي ييبي مات ولم لس ي ي ييتحق عذابا‪ ،‬وكان في هذا عدال مقارنة بتعذيب مجرم بالنار‪ ،‬فهما متكافئان‬
‫في االب ي ي ييتراك بأس ي ي ييباب النجاة ويس ي ي ييرها عل‪:‬هما وتمكنهما من األخذ بها س ي ي ييواء‪ ،‬إننا حين ننظر في أس ي ي ييباب النجاة‬
‫والعقاب‪ ،‬ونركز النظر عل‪:‬ها‪ ،‬تحل لدينا اإلبكالية بسهولة‪.‬‬
‫وأقول فوق ذل فإنا ال نعلم من حال الص ي ي ييغير في اوخرة ما يناله‪ ،‬وأما املحس ي ي يين واملس ي ي ييبيء فقد ختاهما هللا‬
‫خالت التفكير واألدلة التي تملؤ جنبات الكون‪ ،‬وأنزل البينات وأرس ييل الرس ييل بالنذارة والبش ييارة‪ ،‬فاس ييتحقا جزاء‬

‫‪117‬‬
‫أعميالهميا‪ ،‬فلم تكن عقوبية املس ي ي ي ييبيء بغير س ي ي ي ييابقية نيذارة ومقيامية لل جية علييه‪ ،‬فياس ي ي ي ييتحق ميا قيارفيت ييداح‪ ،‬وأميا‬
‫الص ي ي ي ييغير فلم ييدخيل هيذا االختبيار برمتيه‪ ،‬فلم يكن دخوليه الجنية ونجياتيه من العيذاب قلميا للكبير؛ فياهلل تعيالى‬
‫الولدان املخلدين ويدخلهم الجنة ال جزاء على أعمالهم‪ ،‬ولكن فضي ي ييال منه وكرما لم لسي ي ييتحقهما املسي ي ييبيء‬ ‫ي لق ِّ‬
‫فتأمل!‬
‫من هذح القص ي ي ي يية يظهر أن قياس عدل هللا تعالى على عدل البش ي ي ي يير يوقع الناس في مش ي ي ي يياكل فكرية أص ي ي ي ييل‬
‫التفكير ف‪:‬ها هو الخطأ‪ ،‬فاإلنسان يقيس العدل والخير والشر بمقاييس أرضية محدودة‪ ،‬لذل ال يجوز قياس‬
‫عدل هللا على مفهوم العدل عند البشر‪﴿ .‬أال لعلم من خلق؟ وهو اللطي الخبير !‬
‫ا‬
‫فييإن هللا تعييالى ال لعييذب حت يبعييث رس ي ي ي ييوال نييذيرا ببال مبين بمييا تحويييه هييذح الجمليية من معييان تيياميية‪ ،‬بال‬
‫ا ا‬ ‫ا ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫مبين‪ ،‬واض ي ايا ال لبس فيه‪ ،‬ح ‪،‬جة بالغة‪ ،‬ونذارة تامة ف‪:‬ها مكاب ييفة تامة عن املص ييائر‪ ،‬ويس ييبقها أن يمد هللا تعالى‬
‫اإلنسي ي ي ي ييان بيأعظم خلية في الكون‪ ،‬أال وهي العقيل‪ ،‬بميا فييه من قيدرات خيارقية على الربط والتفكير والتحلييل‪ ،‬وميا‬
‫يحتاجه من أدوات اس ي ي ييتكش ي ي يياف كاألس ي ي ييما واألبص ي ي ييار واإلحس ي ي يياس‪ ،‬فالعقل ال جة األولى على الخلق‪ ،‬ثم تأتي‬
‫ال جة الثانية على الخلق بأن يمتل النبي م جزة خارقة لقوانين الكون‪ ،‬تفرا نفس ي ي ييها على الس ي ي ييامع والقارل‬
‫فرضا فال يجد بدا من أن يراها عالمة واضحة على صدق النبي في رسالته!‬
‫وسعيد هيذح امل جزة الخيارقية تيأتي ال جية الثيالثية اليدامغية متمثلية بيأدلية تمأل جنبيات اإلنسي ي ي ي ييان‪ ،‬وتمأل أرجياء‬
‫الكون‪ ،‬ال مجال ف‪:‬ها لنقر وال حيرة وال ب ي ‪ ،‬كون منظم ال فوم ييب فيه‪ ،‬مض ييبو كأدق س يياعة‪ ،‬فالعالم يجد‬
‫من األدليية مييا ينيياس ي ي ي ي ييب أبحيياثييه وعقلييه وتفكيرح ونظرح‪ ،‬واألديييب يجييد كييذل ي إذ ينظر في بالغيية القرخن ونظميية‪،‬‬
‫والطبيب يجد كذل ‪ ،‬إذ يرى أنس ي ي ييجة اإلنس ي ي ييان وأجهزته‪ ،‬ولقد خض ي ي ييع أكبر ملحد في القرن العش ي ي ييرين "أنتوني‬
‫فلو" مل جزة الدي أن إيه‪ ،‬ولم يمل منها فرارا بالتس ي ي ييليم باس ي ي ييتحالة أن تكون إال من ص ي ي يينع خالق قدير حكيم!‬
‫ِّ‬
‫والفالح إذ ينظر في البذرة واألرا والثمرة واملطر ودورته‪ ،‬وكل إنس ييان يرى في جنبيه من اويات ما ال مجال لردح‬
‫بأنه م لوق لخالق عظيم كريم‪.‬‬
‫ثم تأتي ال جة الرابعة‪ ،‬فقد أتبع هللا تعالى العقل وامل جزة واألدلة بالدين نفسييه‪ ،‬بكتاب حكيم فيه فصييل‬
‫الخطاب‪ ،‬وفيه عقيدة تطمئن لها العقول وتسي ييتبشي يير بها القلوب‪ ،‬قوال فصي ييال حكيما موافقا للفطرة‪ ،‬ثم انبثق‬
‫عنه نظام حياة يضمن السعادة والرفاهية والطمأنينة والعدالة والقيام بالقسط للناس‪،‬‬
‫فهذح األس ييباب األرسعة‪ :‬العقل وامل جزة‪ ،‬واويات‪ ،‬والدين نفس ييه بش ييقيه العقدي والتش ييري ي حجة واض ييحة‬
‫ال لبس ف‪:‬ها على الناس جميعا! وهي من البسي ي يياطة والوضي ي ييوح‪ ،‬والقوة في الداللة بمثابة أنها لو عرضي ي ييت على أي‬
‫ع يياق ييل خ ييال من املعوق ييات الن يياب ي ي ي يئ يية عن زخرف األهواء وض ي ي ي ييالل يية الرغب يية في اإلعراا عن الحق‪ ،‬أو اإلعراا‬
‫بالكلية عن محاولة التفكير واإلخالد لألرا أو الركر وراء املال بطرق غير مش ي ييروعة‪ ،‬وغير ذل من األس ي ييباب‬

‫‪118‬‬
‫التي تتس ي ييبب في إعراا الكافر عن النظر في هذح اويات البينات الواض ي ييحات التي هي حجة دامغة واض ي ييحة‪ ،‬ملا‬
‫وسعه إال أن يتبعها!‬
‫وهي من السهولة كما لو أنها عرضت على صبي لم يبلغ سن التكلي ‪ ،‬فقبلها فنجا من العقاب!‬
‫وهي بالسي ييهولة والبالغة نفسي ييها بال سي ييبة لذل الشي ييقي الذي اختار اإلعراا عنها مع ما ف‪:‬ها من بيان مبين‬
‫وحجة قائمة ال يمكن لعاقل أن يدفعها لشدة سهولها ووضوحها!‬
‫وأما الكافر فتل ال جة أمامه بنفس الوض ي ي ي ييوح ولديه نفس القابلية للنظر من عقل تام‪ ،‬وليس بينه وبين‬
‫تلي ال ج أي معوقيات جبريية تحمليه على الكفر‪ ،‬إنميا قيام بيذلي بمحر اختييارح‪ ،‬فياس ي ي ي ييتحق العيذاب التيام‪،‬‬
‫لذل فالعدل تام متحقق فقد كان الذي أعرا عنه بمنزلة مش ييابهة تماما للص ييبي‪ ،‬ليس ف‪:‬ها تعقيد يبعدح‪ ،‬وال‬
‫باطل يصييرفه‪ ،‬ومنما هي بييقوته التي هو السييبب ف‪:‬ها‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ال إكراح في الدين قد تبين الربييد من ال ي ‪،‬‬
‫نعم‪ ،‬تبين الرب ي ييد من ال ي لدرجة أن ال حاجة ليكراح على قبول الدين لش ي ييدة وض ي ييوحه وتبينه وانفص ي يياله عن‬
‫ال ي ومبالغته في ص ي ييفة الرب ي ييد‪ ،‬أي أن أي حمل على االتبا ال حاجة له‪ ،‬ألنه حق بالغ الوض ي ييوح‪ ،‬ومنما الغرابة‬
‫في اإلعراا عنه‪ ،‬لذل ‪ ،‬فمن دخل هذا االمتحان‪ ،‬فقد وجد أنه قد زودح هللا تعالى بكل أسي ييباب النجاح سي ييهلة‬
‫ميسرة‪ ،‬العقل وامل جزة واألدلة ومنهاج الحياة‪ ،‬فهو امتحان في كتاب مفتوح ال مغاليق فيه!‬
‫وم ش ي ي ييأ هذا الس ي ي ييؤال – االعتراا‪ -‬متعلق بكماالت هللا وص ي ي ييفاته‪ ،‬وسش ي ي ييكل أدق هو متعلق بص ي ي ييفة العدل‬
‫اإللهي‪ ،‬واألس ي ي ييئلة التي من هذا القبيل عادة ما تكون مش ي ي ييكلة ان لم تكن طريقة التفكير ف‪:‬ها مب ية على أس ي ي ييس‬
‫صحيحة‪ ،‬وهذا الذي أوقع املعتزلة في إلزام هللا بأمور بناء على مقاييس بشرية للعدل‪.‬‬
‫ولو عدنا اللتماس الجواب من املصادر الشرعية ملا وجدنا جوابا مبابرا‪ ،‬فاهلل تعالى لم ي برنا عن تجليات‬
‫ص ييفات الخالق بكمالها فيما يتعلق بهذا الس ييؤال ونظائرح‪ ،‬وهذح األس ييئلة‪ ،‬مثل ملاذا خلقنا هللا تعالى‪ ،‬تتفر عن‬
‫السي ي ي ييؤال الكبير الذي لسي ي ي ييبقها وهو من هو هللا تعالى الذي خمنا به وخلقنا على غير إرادة منا؟ هل يتصي ي ي ي هللا‬
‫تعالى بص ييفات الكمال املطلق وبالتالي ال لعتري أفعاله ما لعتري أفعال البش يير من عرض يية الص ييواب والخطأ؟ أم‬
‫يتص ي ي ي ي ب ييالنقص فيحتم ييل فعل ييه الخط ييأ؟ إن التنظيم العظيم ال ييذي نراح حيثم ييا وج ييدن ييا في الكون من حولن ييا‪،‬‬
‫وتقدير كل يبيء بدقة متناهية وبإحكام صينعة قاهر يدل داللة قاطعة على صيفات الكمال‪ ،‬واسيتحالة الخطأ‬
‫والنقص‪ ،‬مما يوجب أن يقع الجواب إلى جانب ال حة والحكمة في خلق اإلنسان وامتحانه‪.‬‬
‫وليجابة على هذا االعتراا يجب مراعاة األمور التالية‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬أن ه ييذا االعتراا مب؟ي على مغ ييالط يية عقلي يية ق يياهرة‪ ،‬وهي أن االنس ي ي ي ي ييان قب ييل وجودح يمكن أن‬
‫لسي ييأل ويسي ييتشي ييار‪ ،‬ويمكنه أن لشي ييعر ويريد ويحدد اختياراته‪ ،‬وهذا أمر مسي ييتحيل‪ ،‬ألن هذح األمور ال يمكن أن‬
‫تتحقق اال ممن يملي أدواتهيا وب ي ي ي ييروطهيا‪ ،‬وأهم ذلي الحيياة ووجود الب يية والعقيل والتمييز‪ ،‬واملعيدوم ال يملي‬
‫ه‬
‫من مقومات الحياة بيئا‪ ،‬فكي يمكنه أن لسأل ويستشار ويت ذ القرارات املصيرية في حياته؟!‬

‫‪119‬‬
‫األمر الثيياني‪ :‬أن هييذا االعتراا منطلق من التعييامييل مع االنس ي ي ي ي ييان على أنييه نييد هلل تعييالى ومنيياقر لييه‪ ،‬ولهييذا‬
‫اس ييتس ييا أن لس ييأل هللا‪ ،‬ويعترا على فعله وخلقه‪ ،‬والحقيقة أن االنس ييان هو مجرد م لوق ص ييغير ال يحق له‬
‫التعياميل مع هللا بنيديية ومنياقرة‪ ،‬وانميا يجيب علييه أن ي ض ي ي ي ييع هلل ويس ي ي ي ييلم ألمرح تعيالى‪ ،‬ويفكر فيميا يجيب علييه‬
‫ه‬
‫القيام به‪ ،‬ويبتعد عن األمور التي لن تغير من حقيقة كونه م لوقا‪ ،‬ومع ذل فالتكلي في ض ي ي ييمن املس ي ي ييتطا ‪،‬‬
‫واالعتقاد قامت عليه أدلة سهلة قاطعة‪ ،‬األمر الذي يجعل االمتحان "في كتاب مفتوح"‪.‬‬
‫ه‬
‫األمر الثالث‪ :‬أن هذا االعتراا عادة ما يصي ي ييدر من انسي ي ييان متألم في حياته‪ ،‬وال تكاد تجد انسي ي ييانا لعيش في‬
‫رغد من العيش وس ي ييعة من الرزق واس ي ييتقرار في الحال يتأف من وجودح‪ ،‬ويعترا على خلق هللا له‪ ،‬وهذا يدل‬
‫على أن منبع ه ييذا الس ي ي ي ييؤال الع يياطف يية‪ ،‬فهو اعتراا ع يياطفي ب ييامتي يياز‪ ،‬وال ي ي ي ي ييا في مق يياييس العق ييل أن تكون‬
‫ه‬
‫العياطفية معييارا تقياس بيه أحيداث الوجود ومظياهرح وحكميه‪ ،‬فيالعياطفية عيادة ميا تكون غير منض ي ي ي ييبطية وخيارجية‬
‫عن املوضوعية واالعتدال‪.‬‬
‫األمر الرابع‪ :‬أن املعترا بهذا االعتراا يميل الى اعتبار العدم أفض ي ي ييل من الوجود‪ ،‬وهذح املفاض ي ي ييلة مب ية‬
‫على أس ييس غير ص ييحيحة‪ ،‬فالعدم بال س ييبة لنا مجهول تمام الجهل‪ ،‬وال ي ييا تفض يييل ييبيء على ييبيء اال بعد‬
‫العلم‪ ،‬فانحصيير حال االنسييان بين أمرين‪ :‬األول‪ :‬حياة لعلم ما ف‪:‬ها‪ ،‬ويشييعر بحجم ما يصيييبه من اوالم ويمكنه‬
‫ه‬ ‫أن لس ي ي ي ى في الت لص منها‪ ،‬والثاني‪ :‬ا‬
‫عدم ال يدري ما فيه‪ ،‬وال لعلم ب ي ي يييئا عن حقيقته وماهيته‪ ،‬وال يدري أفيه‬
‫خير أم بر‪ ،‬أم ال خير وال بر؟‬
‫والعقيل الس ي ي ي ييليم والفطرة املس ي ي ي ييتقيمية توجبيان تقيديم الحيال األولى على الحيال الثيانيية‪ ،‬ألن الحيال التي ف‪:‬هيا‬
‫ه‬
‫خير وب يير أفض ييل من الحال التي ال خير ف‪:‬ها وال ب يير‪ ،‬ومن الحال التي ال لعلم االنس ييان عنها ب يييئا‪ ،‬والحال التي‬
‫تفعل النواميس والس ي يينن التي س ي ييبق ذكرها لي رج بها اإلنس ي ييان من ض ي يين العيش إلى رغدح‪،‬‬ ‫ف‪:‬ها ب ي يير يمكن أن ِّ‬
‫فعلى اإلنس ي ي ييان مس ي ي ييئوليات‪ ،‬ولديه قدرات ئفردية وجماعية تمكنه من التغيير‪ ،‬ورغد العيش ال لع؟ي أن الغ؟‬
‫أفضي ي ييل له من الفقر‪ ،‬بل قد يكون اإلنسي ي ييان الرمي ي ييبي بما قسي ي ييم له ولديه قوت يومه وطمأنينة قلبه أسي ي ييعد من‬
‫غيرح‪ ،‬وبالتالي ال بد من إعادة النظر في املفاهيم واملقاييس والقناعات التي تؤس ي ي ييس لنظرة اإلنس ي ي ييان إلى واقعه‪،‬‬
‫في قل قدراته ومسئولياته عن التغيير‪.‬‬
‫األمر الخ ييامس‪ :‬أن ه ييذا االعتراا مب؟ي على نظرة ن يياقص ي ي ي ي يية للحي يياة والوجود‪ ،‬ف يياملعترا حين وج ييد حي ييات ييه‬
‫الخياص ي ي ي يية مليئية بياألتعياب واملش ي ي ي يياق والتكيالي طفق يتيذمر منهيا‪ ،‬ويعترا على أص ي ي ي ييل وجودح في الحيياة‪ ،‬وكيأنيه‬
‫بذل لشييتر لقبول الحياة في األرا أن تكون حسيينة وجميلة في كل وقت‪ ،‬وفي كل مكان‪ ،‬وأن تكون جارية على‬
‫ه‬
‫ما يحب أبدا‪ ،‬فان لم يجدها كذل حكم عل‪:‬ها بالبطالن والفس ي ي يياد‪ ،‬وأخذ لعترا عل‪:‬ها! فحكمه هي أهواؤح وما‬
‫وافقها!‬

‫‪120‬‬
‫والحقيقية أن طبيعية الحيياة كلهيا ليسي ي ي ي ييت قيائمية على أذواق النياس وال على رغبياتهم‪ ،‬وكيل انسي ي ي ي ييان يجيد من‬
‫املشي ي ي يياق واألتعاب ما يتناسي ي ي ييب مع حاله‪ ،‬بل كل الحيوانات ال تجري الحياة بال سي ي ي ييبة لها على وفق ما تشي ي ي ييتهي‪،‬‬
‫وليس ما لشيته ويوافق األهواء بحسين دائما‪ ،‬واإلنسيان ال لعلم الخير من الشير في حاضير أمرح وعاقبته‪ ،‬فرب‬
‫إنس ييان طرد من عمله‪ ،‬فدفعه طموحه للقيام بعمل أفض ييل منه جر عليه نفعا عاجال أو خجال ما كان ليبلغه لو‬
‫بقي في عمله األول‪ ،‬فس ي ي ي ييؤاله إذن مس ي ي ي ييتظل تماما بظالل جهله بالخير والش ي ي ي يير‪ ،‬والحس ي ي ي يين والقبح‪ ،‬وجري وراء‬
‫األهواء‪ ،‬ال يجعل من تأففه وأهوائه مرجعا للصي ي ييواب والخطأ‪ ،‬وال يدري عواقب األمر الذي لم ل جبه لعل فيه‬
‫الخير له في الدنيا واوخرة!‬
‫فظهر بيذلي أن املعترا في الحقيقية ال لعترا على حياليه فقط‪ ،‬وانميا لعترا على قيانون الحيياة كليه‪ ،‬وهو‬
‫ال يتأف من طبيعة وجودح فقط‪ ،‬وانما يتأف من طبيعة الوجود كله‪ ،‬واملطلوب من االنس ييان أن يتفاعل مع‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫قوانين الحياة وطبيعة الوجود‪ ،‬ألنه جزء منها‪ ،‬وال ي ا أن يطالب بتغييرها وتبديلها‪ ،‬لكون ذل أمرا مستحيال‬
‫ه‬
‫متعذرا‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫ُ َ‬ ‫ُ َ َ‬
‫هل يقع السؤال "نحن لم ن ْستش ْر‪ ،‬ولو خ ِّي ْرنا ربما رفضنا الحياة أصال" تحت بند العدل أم الحكمة؟‬

‫فأما العدل‪ ،‬ئنقير الظلم فيتجلى في حياة البشر في أرسع صور‪:‬‬


‫العيدالية التوزيعيية ئتحيدييد من يحص ي ي ي ييل على مياذا بنياء على معيايير متنياس ي ي ي يبية ئوقيد يكون من العيدل تفياوتهيا‬
‫أحيييانييا أو تسي ي ي ي يياويهييا في أحيييان أخرى ‪ ،‬واإلجرائييية ‪ procedural‬ئتحييديييد كيفييية معييامليية النيياس بييإنصي ي ي ي يياف‪ ،‬كمييا‬
‫يحصي ي ي ي ييل في الحكم ‪ ،‬والعقيياب ئعلى أسي ي ي ي يياس العقوبيية على الفعييل الخيياط بييأن تكون العقوبيية مكييافئيية للجريميية‬
‫ورادعة للمجتمع ‪ ،‬والتصالحية ئالذي يحاول إعادة العالقات إلى "الصواب"‪ ،‬أو الحقوق إلى أهلها ‪.‬‬
‫فبييالتييأمييل في هييذح ال نجييد مسي ي ي ي ييألتنييا منطوييية تحييت أي منهييا‪ ،‬ألن الخلق كلهم وض ي ي ي ييعوا في هييذا االختبييار وفقييا‬
‫للمعايير نفس ي ي ييها‪ ،‬واملقومات التي لس ي ي ييتطيعون معها اجتياز االختبار‪ ،‬وفي التنبيه املس ي ي ييبق ئالبال املبين ملآلهم‪،‬‬
‫فال قلم‪ ،‬وال يرد السؤال تحت بند العدل‪،‬‬
‫بل هو ألصي ي ييق بمفهوم الحكمة‪ ،‬هل من الحكمة أن ي لق هللا خلقا ويعط‪:‬هم األمور األرسعة السي ي ييابق ذكرها‬
‫في املقال لتسي ي ي يياعدهم على اجتياز االختبار؟ وهل هي كافية؟ هل ف‪:‬ها مثالب ال لسي ي ي ييتطيعون معها النجاح‪ ،‬فإذا‬
‫خلت من املثالب‪ ،‬فالحكمة تامة‪.‬‬
‫"عرف ابن تيمي يية وامل يياتري ييدي والغزالي الع ييدل على أن ييه من أفع ييال الحكم يية‪ ،‬ق ييال ابن تيمي يية‪" :‬الظلم وض ي ي ي ييع‬
‫العيبيء في غير موضيعه‪ ،‬والعدل وضيع كل يبيء في موضيعه‪ ،‬وهو سيبحانه حكم عدل يضيع األبيياء موضيعها‪ ،‬وال‬
‫يضي ي ييع بي ي يييئا إال في موضي ي ييعه الذي يناسي ي ييبه وتقتضي ي يييه الحكمة والعدل‪ ،‬وال يفرق بين متماثلين‪ ،‬وال لسي ي ييوي بين‬
‫م تلفين‪ ،‬وال لعيياقييب إال من لس ي ي ي ييتحق العقوبيية فيض ي ي ي ييعهييا موض ي ي ي ييعهييا في ذلي من الحكميية والعييدل"‪ ،87‬وعليييه‪،‬‬
‫فالحكمة في تزويد الناس بما يلزمهم إلتمام االختبار بنجاح تف بي إلى تحقق العدل كامال‪.‬‬

‫‪ 87‬مشكلة الشر‪ ،‬ووجود هللا‪ ،‬د‪ .‬سامي عامري ص ‪.40‬‬


‫‪122‬‬
‫عدل هللا‪ ،‬تأمالت في مناظرة أخرى رائعة!‬

‫وسي ي ي ييأل؟ي سي ي ي ييائل‪ ،‬قد أفهم قضي ي ي ييية تعذيب املترفين الذين كذبوا في هذح الحياة الدنيا‪ ،‬وعابي ي ي ييوها "بالطول‬
‫والعرا" ونالوا كل حظوقهم ف‪:‬ها‪ ،‬أو املتجبرين الذين طغوا في البالد وأكثروا ف‪:‬ها الفسي ي ي يياد‪ ،‬وعم طغيانهم البر‬
‫حت ضاق عنهم‪ ،‬فمألت جرائمهم الجو براميل متفجرات‪ ،‬والبحر "سفينا" حامالت الهاربين منهم ومن جورهم!‬
‫قال عمرو بن كلثوم في معلقته‪:‬‬
‫ْ‬
‫ميألنا الب ‪،‬ير ح ‪،‬ت ضاق ع ‪،‬نيا وقهر الب ْح ِّير ن ْمليؤح س ِّف ْينيا‬
‫لم يكن لعلم أن البش ي ي ي يير الظياملين س ي ي ي يييملؤون الجو أيض ي ي ي ييا بظلمهم بعيد أن يض ي ي ي يييق البر والبحر بهم! يتيابع‬
‫السيائل‪ :‬ولكن‪ ،‬ماذا عن ذل الفالح البسييط الذي عال في "كوريا الشيمالية"‪ ،‬ولم لسيمع عن اإلسيالم بييئا‪ ،‬أو‬
‫ذلي اليذي عيال في الهنيد‪ ،‬واتبع دين خبيائيه وعيال "مس ي ي ي ييخميا"‪ ،‬ثم يق ي ي ي ييبي على الكفر فيعيذبيه هللا‪ ،‬كي أفهم‬
‫ناموس العدالة؟‬
‫ه‬
‫ذكرني هذا السؤال بمناقرة‪ ،‬دخل رجل على أسي علي الجبا ي‪ ،‬فقال‪ :‬هل يجوز أن لسم هللا تعالى عاقال؟‬
‫فقال الجبا ي‪ :‬ال؛ ألن العقل مشتق من العقال‪ ،‬وهو املانع‪ ،‬واملنع في حق هللا تعالى محال‪ ،‬فامتنع اإلطالق‪.‬‬
‫ه‬
‫قال الش يييخ أبو الحس يين األب ييعري رم ييبي هللا عنه فقلت له‪ :‬فعلى قياس ي ال لس ييم هللا س ييبحانه حكيما؛ ألن‬
‫هذا االس ي ييم مش ي ييتق من حكمة اللجام‪ ،‬وهي الحديدة املانعة للدابة عن الخروج‪ ،‬ويش ي ييهد لذل قول حس ي ييان بن‬
‫ثابت‪:‬‬
‫فنحكم بالقوافي من هجانا ونضرب حين ت تلط الدماء‬
‫وقول جرير‪:‬‬
‫أب؟ي حنيفة أحكموا سفهاءكم إني اخاف عليكم أن أغضبا‬
‫أي نمنع بيالقوافي من هجيانيا‪ ،‬وامنعوا س ي ي ي ييفهياءكم فيإذا كيان اللف مش ي ي ي ييتقيا من املنع‪ ،‬واملنع على هللا محيال‬
‫لزم أن تمنع إطالق حكيم عليه سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ه‬
‫قال‪ :‬فلم يحر أبو علي جوابا‪ ،‬إال أنه قال لي ئألسي الحسين األبيعري ‪ :‬فلم منعت أنت أن لسيم هللا سيبحانه‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫وتعالى عاقال واخترت أن لسم حكيما؟‬
‫ه‬
‫قال‪ :‬فقلت له‪ :‬ألن طريقي في مأخذ أسي ي ي ييماء هللا اإلذن الشي ي ي ييريي دون القياس اللغوي‪ ،‬فأطلقت حكيما؛ ألن‬
‫ه‬
‫الشر أطلقه‪ ،‬ومنعت عاقال؛ ألن الشر منعه؛ ولو أطلقه الشر ألطلقته!‬
‫لقد تسيمت فرقة املعتزلة بأهل العدل والتوحيد‪ ،‬ألنهم ات ذوا قاعدة نسيبة العدل املطلق هلل تعالى أسياسيا‬
‫لفهمهم للعقيدة‪ ،‬ولكن وفقا لفهمهم هم ملفهوم العدل الذي يتم بين البشير ومن ثم إسيقا هذا املع؟ والفهم‬
‫على هللا تعالى‪ ،‬فإذا ما تعكر ذل اإلسقا ‪ ،‬حارت ألبابهم وأسقط في أيديهم!‬

‫‪123‬‬
‫إذن‪ ،‬فمقاييسينا نحن البشير ملفهوم العدل واألصيلا واألنفع والخير والشير مفاهيم قاصيرة‪ ،‬ناقصية‪ ،‬ال ترى‬
‫الصورة الكبيرة كما هي‪ ،‬وتقيس ما يحصل في عالم البشر على خالق البشر وهو قياس ال ي ا!‬
‫لكننا سنحل اإلبكال بإذن هللا حال يطرح رؤية جديدة كل الجدة‪ ،‬ناتجة عن تفحص وفهم ودراسة عميقة‬
‫للموضو نسأل هللا أن تبلغ االستنارة‪:‬‬
‫لقد زود هللا تعالى البشر كلهم بآلة العقل‪ ،‬فأما من ال عقل له فقد رفع عنه القلم!‬
‫وجعيل في اإلنسي ي ي ي ييان نجيدين لس ي ي ي ييتهيدي بيأحيدهميا فيقودح للهيدايية‪ ،‬ويس ي ي ي يتيدرجيه اوخر في مغياوي الض ي ي ي يياللية‬
‫فيض ي ي ي ييلله‪ ،‬والنجدان هنا هما اختيار اإلنس ي ي ي ييان لكيفية إب ي ي ي ييبا رغباته وحاجاته العض ي ي ي ييوية‪ ،‬فله مطلق حرية‬
‫االختيييار أن لش ي ي ي ييبعهييا بييأوامر هللا ونواهيييه أم بمييا ي ييال مييا أمر هللا‪ ،‬وجعييل لييه مطلق حرييية االختيييار املب؟ي على‬
‫استعمال العقل أو الهوى والعم ‪ ،‬وزودح باملن القويم ليربدح للحق‪ ،‬ويبين له ما يحذر منه!‬
‫وملا لم يكن اإلنس ييان من طبعه أن لعيش في غابة منفردا مع الوحول‪ ،‬فكان ال بد من س يينن مجتمعية تلزم‬
‫اإلنسي ييان كي يدركها ويسي ييتعملها ليمنع قلم أخيه اإلنسي ييان الذئب عنه‪ ،‬فإن اإلنسي ييان إن اسي ييتطا في أحيان أن‬
‫ي تار س ييبيل الرب يياد ويقودح ذل االختيار لس ييعادة الدنيا واوخرة‪ ،‬فإن خخرين س ييتجبرهم كياناتهم املجتمعية‪،‬‬
‫وتسيلط القوي ف‪:‬ها على الضيعي ‪ ،‬والرأسيمالي على الفقير‪ ،‬والدكتاتور على الشيعب كله على اختيار العم على‬
‫الهدى‪ ،‬أو للعيش عيشية كريهة لوالها ملا كان الرأسيمالي يتحكم بتسيعة أعشيار ثروة املجتمع ويترك للفقير فتات‬
‫العيش!‬
‫لذل كان ال بد من س ي يينن مجتمعية لس ي ييتطيع معها "الفرد" و "الجماعة" أن تغير مفاهيم املجتمع وتركيبته‬
‫وتوزيع ثروته وأن تحتكم لش ي ي ي ييرعة ترض ي ي ي يياها‪ ،‬وهذح الس ي ي ي يينن املجتمعية في متناول اليد‪ ،‬على الفرد والجماعة أن‬
‫تتعلمها وتستعملها فيحصل التغيير املرجو ويسقط قلم اإلنسان عن أخيه اإلنسان!‬
‫فاإلنسيان املسيحوق سييبقى مسيحوقا إذا اسيتسيلم لفرديته‪ ،‬ولم يدرك السينن املجتمعية التي تمكنه من أن‬
‫يتقوى بأخيه في املعاناة في نفس املجتمع‪ ،‬فيتحصي ي ي ييل باجتماعهما لهما ما لم يحصي ي ي ييل ألحدهما بفرديته‪ ،‬لذل‬
‫كان التحزب من صيميم سينن املجتمع التي خلق هللا تعالى املجتمعات وتدافع البشير على أسياسيها بحيث تتشيكل‬
‫األحزاب على فكر معين مثييل فكرة رفع الظلم أو على فكرة أن تس ي ي ي ييود الش ي ي ي ييريعيية في الحييياة محييل التش ي ي ي ييريعييات‬
‫الظاملة التي تف ي ي ييبي لالس ي ي ييتبداد‪ ،‬فإذا ما أخذ البش ي ي يير بتل الس ي ي يينن املجتمعية فإن أحوالهم س ي ي ييتتغير‪ ،‬فيممى‬
‫الفقر‪ ،‬ويرفع الظلم‪ ،‬ويحكم النياس بيالعيدل‪ ،‬ييأتون بيه رغم أن القلية التي تس ي ي ي يتيأثر بيالحكم وبفرا األنظمية‬
‫التي تف ي ي ييبي للقهر والطغيان والجهل واألمراا‪ ،‬لذل فاملس ي ي ييئولية تقع على كاهل الناس أن يفهموا س ي ي يينن هللا‬
‫تعالى في الخلق‪ ،‬تل الس ي يينن التي تتعلق بالفرد وكي لس ي ييتعمل عقله وحواس ي ييه لفهم الوجود ويس ي ييتنير بالهدى‬
‫املرسل له من رب العاملين ليعيش حياة سعيدة راضية مرضية‪ ،‬أو تل السنن املتعلقة بتغيير املجتمعات وأطر‬
‫الظالم على الحق أطرا ومنع الظلم واألمر باملعروف والنهي عن املنكر حت تس ييود القيم الفاض ييلة في املجتمعات‬

‫‪124‬‬
‫وتوز الثروات توزيعا عادال‪ ،‬وال يتسي ي ييلط القوي على الضي ي ييعي ‪ ،‬لذل ‪ ،‬فالوضي ي ييع الغلط الذي تحياح البشي ي ييرية‬
‫والذي يف ي ييبي ألن نرى ذل الفقير املتعوس في الهند وكوريا الش ي ييمالية أو في أمريكا وأفريقيا وغيرها لعيش حياة‬
‫كد وب ي ي ي ييقاء ليعيش الرأس ي ي ي ييمالي حياة رفاح‪ ،‬ويعيش بال هداية ألن أنظمته تمنع عنه النور وتعمي حقيقة الهدى‬
‫عنه بغالف من التضييليل اإلعالمي‪ ،‬هذا الوضييع الغلط الذي سيييف ييبي لنتسيياءل فيه عن كيفية تحقيق العدل‪،‬‬
‫هو من صيينع البشيير‪ ،‬من صيينع الرأسييمالي ومن صيينع الدكتاتور‪ ،‬واألخطر‪ :‬هو من صيينعنا نحن حين نسييكت عن‬
‫الظلم ونسييكت عن األنظمة الفاسييدة والحكام الفاسييدين وعن العرف الفاسييدة في املجتمع حت تسييحقنا تحت‬
‫أرجلها سحقا‪ ،‬ثم نسأل أين عدل هللا!‬
‫إنه سؤال بالغ الظلم!‬
‫وأما كي سيتحقق عدل هللا‪ ،‬فليطمئن السائل‪ ،‬فإن هللا تعالى بعبادح خبير!‬
‫فلسيينا نشي في أن عدل هللا تعالى سيييتحقق في الدنيا واوخرة حت يقول كل كائن يي‪﴿ :‬وق ييبي بينهم بالحق‬
‫وقي ييل الحم ييد هلل رب الع يياملين [الزمر ‪ ،]75 :39‬من ب ي ي ي ي ييدة م ييا يرون من ع ييدل هللا ورحمت ييه وقي ييام ال ج يية على‬
‫الظالم ومنص ي يياف املظلوم‪ ،‬كل هذا س ي يييكون وهو من تمام النظرة الكاملة للص ي ييورة الكاملة لنرى تكامل الحق في‬
‫اليدنييا واوخرة‪ ،‬وحيال العبياد في اوخرة هلل تعيالى يحياس ي ي ي ييفهم وي تص ي ي ي ي لض ي ي ي ييعيفهم من قويهم‪ ،‬ولكن في الوقيت‬
‫نفس ي ي ييه‪ ،‬فإنه قد أخبرنا عن أولئ الذين س ي ي ييكتوا على الطواغيت واألب ي ي يرار فأوردوهم النار‪ ،‬فطلبوا من هللا أن‬
‫يضاع لهم العذاب‪ ،‬فقال لكل ضع ! ألن هؤالء لم يتجبروا إال بسكوت هؤالء!‬

‫كتبه العبد الفقير إلى رحمة ربه‪ :‬ثائرأحمد سالمة‪ ،‬أبو مالك‪،‬‬

‫‪125‬‬
126

You might also like