You are on page 1of 4

‫المي‬ ‫ر إس‬ ‫فك‬

‫أساس الحكم بين الجاهلية واإلسالم‬


‫ا‬ ‫و الهيج‬ ‫رحمن أب‬ ‫د ال‬ ‫دكتور عب‬ ‫بقلم‪ :‬ال‬
‫ٍم‬ ‫ا ِلَق‬ ‫ُن ِم ْن الَّل‬ ‫‪َ‬أَفُح ْك َم اْلَج اِهِلَّي‬
‫وَن ‪.‬‬ ‫ْو ُيوِقُن‬ ‫ُح ْك ًم‬
‫ِه‬
‫وَن َو َمْن َأْح َس‬ ‫ِة َيْبُغ‬
‫لق د ج رب الع امل ك ل الق وانني واألحك ام الوض عية‪ ،‬وه ا حنن الي وم نش هد فش ل ه ذه الق وانني واألحك ام كله ا‪،‬‬
‫طرابات‪.‬‬ ‫ات واض‬ ‫ات وأزم‬ ‫رية من نزاع‬ ‫ه على البش‬ ‫ا جرت‬ ‫ونلمس م‬
‫إهنا جاهلي ة الق رن العش رين‪ ،‬أمل ي أن للن اس أن يقنع وا أن اهلل تع اىل أحكم احلاكمني؟‬

‫أحكام عامة‬

‫احلكم ه و تط بيق أم ر على أم ر‪ ،‬واألس اس ه و ال ذي يب ىن علي ه غ ريه‪ ،‬ف احلكم ه و الق وانني واألنظم ة والش رائع‬
‫والقواع د ال يت تطب ق على الن اس واألش ياء‪ ،‬وأساس ه ه و املص در ال ذي اش ُتق من ه‪.‬‬

‫أم ا قواع د األش ياء وقوانينه ا فتختل ف عن ق وانني الن اس‪ ،‬ألن األش ياء مس رّي ة خاض عة خض وعًا حتمي ًا للق وانني‬
‫الطبيعية‪ ،‬أي اليت حتكم الطبيعة‪ُ :‬ثَّم اْس َتَو ى ِإَلى الَّس َم اِء َو ِه َي ُدَخ اٌن َفَق اَل َلَه ا َو ِلَألْر ِض ِاْئِتَي ا َطْو ًع ا َأْو َك ْر ًه ا َقاَلَت ا َأَتْيَن ا‬
‫َط اِئِعيَن ‪ ‬واإلنس ان من ذ البداي ة حياول أن يع رف ه ذه الق وانني ليس ّخ ر األش ياء خلدم ة أغراض ه‪.‬‬
‫وأم ا اإلنس ان فه و وإن ك ان جس دًا مادي ًا كس ائر األش ياء وخاض عًا لقوانينه ا‪ ،‬لكن ه ميتاز بالعق ل واإلرادة وتبيّن‬
‫األفك ار واحلل ول للمش اكل ال يت تعرتض ه‪ ،‬وحنن ال نتكلم عن املش اكل ال يت حتدث بين ه وبني األش ياء ألن ه يس تطيع حّله ا‬
‫ِف‬ ‫ِت‬ ‫ِف‬
‫بقوانني الطبيعة كما أسلفنا بعد أن يعرفها ‪َ‬أَلْم َتَر ْو ا َأَّن الَّلَه َس َّخ َر َلُك ْم َم ا ي الَّس َم اَو ا َو َم ا ي اَألْر ِض َو َأْس َبَغ َعَلْيُك ْم‬
‫ِنَعَم ُه َظاِه َر ًة َو َباِط َنًة َو ِم ْن الَّناِس َمْن ُيَج اِد ُل ِفي الَّلِه ِبَغْيِر ِع ْلٍم َو َال ُه ًد ى َو َال ِكَتاٍب ُمِنيٍر ‪ .‬إمنا املشاكل اليت نتحدث عنها‬
‫هي تنظيم عالق ة اإلنس ان بغ ريه‪ .‬ه ذه املش اكل‪ ،‬النامجة عن االجتم اع مث عن اختالف النزع ات واملش ارب‪ ،‬مما ي ؤدي إىل‬
‫الص راع بني الن اس على اقتس ام م وارد الطبيع ة‪ ،‬وألن اإلنس ان ك ائن مفك رة فعلي ه أن يفك ر يف أحك ام عام ة ت ؤدي إىل‬
‫االنس جام والوئ ام ب دل اخلص ام‪ ،‬والتكاف ل وال رتاحم واألمن والس المة ب دل اجلوع واخلوف والتش احن‪ ،‬وه ذا م ا ح دث‪.‬‬

‫أساس الحكم‬
‫فمن الناس من قال أن اإلنسان ماّدة متطورة بسبب التناقض ـ الديالكتيك‪ ،‬وهو لذلك كسائر األشياء يف الطبيعة‬
‫مما اقتضى دراسة قوانني الطبيعة لتطبيقها هي نفسها على العالقات بني الناس‪ .‬ومن الناس من نادى بالعلمانية ـ الالدينية‪،‬‬
‫ويف ق وهلم ه ذا اع رتاف ض مين بال دين وع زل ل ه عن التحّك م يف العالق ات بني الن اس‪ ،‬أو مبع ىن آخ ر حتري ر الن اس من قي د‬
‫ال دين‪ ،‬وه ذا م ا يعنون ه باحلري ة‪ ،‬مث ختيل وا أن اإلنس ان ح اكم يف نفس ه‪ ،‬فه و يض ع الق انون للن اس‪.‬‬
‫ِم‬ ‫ِه‬
‫أما املسلمني فيقولون إن اإلنسان خملوق خلالق جل وعال ‪َ‬ك ْيَف َتْك ُفُر وَن ِبالَّل َو ُك نُتْم َأْم َو اًت ا َفَأْحَي اُك ْم ُثَّم ُي يُتُك ْم‬
‫ُثَّم ُيْح ِييُك ْم ُثَّم ِإَلْي ِه ُتْر َجُع وَن ‪ ‬وه و يعلم من خل ق ‪َ‬أَال َيْع َلُم َمْن َخ َل َق َو ُه َو الَّلِط ي ُف اْلَخ ِب يُر ‪ ،‬وملاذا خل ق ‪َ‬و َم ا َخ َلْق ُت‬

‫الـوعـي – العـدد الحادي عشر ‪ -‬السـنـة األولى ‪ -‬شعبان ‪1408‬هـ ‪ -‬نيسان ‪1988‬م‬
‫‪1‬‬
‫ِم‬ ‫ِع ِن‬ ‫ِم ِم ٍق‬ ‫ِن‬ ‫ِل‬ ‫ِج‬
‫اْل َّن َو اِإل نَس ِإَّال َيْع ُب ُد و ‪َ ‬م ا ُأِر يُد ْنُه ْم ْن ِر ْز َو َم ا ُأِر يُد َأْن ُيْط ُم و ‪ ‬ويعلم م ا يناس ب املخلوق ات ‪َ‬و ُنَنِّز ُل ْن‬
‫ِلِم‬ ‫ِل ِم ِن‬ ‫ِش‬ ‫ِن‬
‫اْلُقْر آ َم ا ُه َو َف اٌء َو َر ْح َم ٌة ْلُم ْؤ يَن َو َال َيِز يُد الَّظا يَن ِإَّال َخ َس اًر ا‪ ‬وهو حيكم على الناس وينظم عالقاهتم ‪َ‬و َأْن اْح ُك ْم‬
‫َبْيَنُه ْم ِبَم ا َأنَز َل الَّلُه َو َال َتَّتِبْع َأْه َو اءُه ْم َو اْح َذ ْر ُه ْم َأْن َيْف ِتُن وَك َعْن َبْع ِض َم ا َأنَز َل الَّل ُه ِإَلْي َك َف ِإ ْن َتَو َّل ْو ا َف اْعَلْم َأَّنَم ا ُيِر يُد‬
‫الَّل ُه َأْن ُيِص يَبُه ْم ِبَبْع ِض ُذُنوِبِه ْم َو ِإَّن َك ِث يًر ا ِم ْن الَّناِس َلَف اِس ُقوَن ‪َ ‬أَفُح ْك َم اْلَج اِهِلَّي ِة َيْبُغ وَن َو َمْن َأْح َس ُن ِم ْن الَّل ِه ُح ْك ًم ا‬
‫ٍم‬ ‫ِل َق‬
‫وَن ‪.‬‬ ‫ْو ُيوِق ُن‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن العقيدة هي األساس الذي تنبثق عنه القوانني‪ ،‬وال بد هلذه العقيدة أن تكون مقنعة للعقل ليؤمن هبا‪،‬‬
‫فاإلميان تصديق عقلّي جازم مطابق للواقع عن دليل‪ ،‬وإن مل يكن كذلك فال يؤدي إىل الطمأنينة والسكينة واألمن أي إىل‬
‫اإلميان‪ .‬وال ب د للعقي دة أيض ًا أن تواف ق م ا يف نفس اإلنس ان من فط رة التّد ين لكي تنس جم عقليته م ع نفس يته‪ ،‬عقل ه م ع‬
‫حاجات ه وغرائ زه‪ .‬أم ا وحنن نعيش عص ر التغرّي ات الص عبة املهم ة يف جمتمعاتن ا الي وم‪ ،‬فعلين ا أن نتح اور هبدوء وص راحة‬
‫ووضوح‪ ،‬كي نصل مع ًا إىل األساس املتني الصحيح الذي نبين عليه حياتنا‪ ،‬ونأخذ منه نظامنا بناًء سليمًا ال ينهار عندما‬
‫هتب عليه العواص ف ال يت توشك أن تطيح ب دول لتق وم غريه ا‪ ،‬وتقض ي على أمم ليخ رج غريه ا تطيح ب دول لتق وم غريه ا‬
‫ِب ِه ِف‬ ‫ٍف‬ ‫ٍن‬ ‫ِم َّلِه‬
‫‪َ‬أَفَم ْن َأَّس َس ُبْنَياَنُه َعَلى َتْق َو ى ْن ال َو ِر ْض َو ا َخ ْيٌر َأْم َمْن َأَّس َس ُبْنَياَنُه َعَلى َش َف ا ُج ُر َه اٍر َفاْنَه اَر ي َناِر َج َه َّنَم‬
‫َو الَّلُه َال َيْه ِد ي اْلَق ْو َم الَّظاِلِم يَن ‪ .‬واألسس املطروحة للنقاش هي هذه الثالثة ولن يكون غريها‪ ،‬وهي‪ :‬إما أن يكون إله‬
‫كما تقول االشرتاكية العلمية‪ ،‬أو غض النظر عنه واحلجر عليه ومنعه من التص ّر ف إذا كان موجودًا كما تقول العلمانية‬
‫الرأمسالية‪ ،‬وإما أن ال يكون إله إال اهلل‪ ،‬أي ال حاكم وال آمر إال هو‪ ،‬والناس عباد مسلمون مطيعون منقادون منفذون كما‬
‫يق ول اإلس الم ‪َ‬فَال َو َر ِّب َك َال ُيْؤ ِم ُن وَن َح َّتى ُيَح ِّك ُم وَك ِفيَم ا َش َج َر َبْيَنُه ْم ُثَّم َال َيِج ُد وا ِفي َأنُفِس ِه ْم َح َر ًج ا ِم َّم ا َقَض ْيَت‬
‫ِليًم ا‪.‬‬ ‫ِّلُم وا َت ْس‬ ‫َو ُي َس‬
‫نظرية مستحيلة‬
‫أم ا االش رتاكية العلمي ة ف نرى أن النظ ام يش تق من ق وانني الطبيع ة بع د دراس تها‪ ،‬مث تطب ق على اجملتم ع‪ ،‬وه و نظ ام‬
‫حتمي‪ ،‬أي أن ه ذه الق وانني حتكم الن اس ش اؤوا أم أَب وا‪ ،‬ب ل ليس هلم مش يئة على اإلطالق‪ ،‬فاإلنس ان ش يء من األش ياء‬
‫اخلاضعة لسنة الكون‪ .‬وهذا معىن قوهلم‪ :‬إن تطور اجملتمع يعتمد على األسباب املادية وليس على أفكار الناس ورغباهتم‪...‬‬
‫وإن ت اريخ اجملتم ع ب دأ ينظ ر إلي ه أن ه عملي ة حتمي ة لتوايل أس اليب اإلنتاج من األدىن إىل األعلى‪ ،‬عملي ة خاض عة للق وانني‬
‫املوض وعية ال تعتم د على إرادة اإلنس ان‪[ .‬كتاب "م وجز في تاريخ الفلسفة ـ نظ رة ماركس ية" لكلي ا ب نيش]‪.‬‬
‫ويف ذلك ما فيه من عدم التفريق بني الفاعل املريد أي اإلنسان واألشياء املسخرة فاقدة اإلرادة‪ .‬فحىت هتيئة الشاي‬
‫صباحًا يف البيت صار قانونًا موضوعيًا يفعله اإلنسان خاضعًا حتم ًا دون إرادة منه‪ ،‬متام ًا مثل سقوط املطر ودوران األرض‬
‫ح ول الش مس ومحل البح ر للس فن‪ ،‬ك ل ه ذه الق وانني موض وعية متش اهبة‪.‬‬
‫ولن أسرتس ل يف الش رح والتفس ري هلذه األفك ار ألهنا رجعت نظري ة كم ا ب دأت‪ ،‬م ع أن بعض الن اس ال يزال ون‬
‫يؤمنون هبا‪ .‬ويكفي أن مجيع الدول األشخاص الذين أرادوا تطبيقها ملسوا استحالة ذلك فعادوا عنها مبربرات هتدم النظرية‬
‫وتقلعها من جذورها ابتداًء بلينني وستالني وماو خروشيف‪ ،‬وانتهاء جبيفارا وغورباتشيف اجملّد د‪ ،‬وابتداًء بتحول احلرب‬

‫الـوعـي – العـدد الحادي عشر ‪ -‬السـنـة األولى ‪ -‬شعبان ‪1408‬هـ ‪ -‬نيسان ‪1988‬م‬
‫‪2‬‬
‫الساخنة اليت أعلنها م اركس على الرأمسالية يف كل مكان‪ ،‬إىل حرب باردة مث تع ايش سلمي‪ ،‬مث وفاق دويل على اقتسام‬
‫ه‪.‬‬ ‫ه وخريات‬ ‫امل ودول‬ ‫كان الع‬ ‫ةس‬ ‫يت هي بقي‬ ‫عوب ال‬ ‫تغالل الش‬ ‫ائم واس‬ ‫الغن‬

‫تحرر من عبادة اهلل‬


‫وأم ا العلم انيون ال ذين ال ميانعون يف وج ود اهلل وال دين ف إهنم فّك وا القي ود ال يت ت ربطهم باخلالق س بحانه‪ ،‬وح ّر روا‬
‫أنفسهم منها كما ي ّد عون وساروا على أهواءهم‪ .‬هم يف احلقيقة ماّديون كغريهم ال يؤمنون باهلل‪ ،‬حىت إن أحدهم ليقول‪:‬‬
‫لو مل يكن اهلل موجودًا لوجب علينا أن خنرتعه لنسيطر به على الناس‪ .‬فاهلل عندهم فكرة اخرتعوها ليتسلطوا بواسطتها على‬
‫الناس‪ ،‬وهذا ما فهمه منهم ماركس حينما قال‪ :‬إن الدين أفيون الشعوب‪ .‬وحنن نقول نعم إن الدين الذي خيرتعه الناس هو‬
‫أفي ون الش عوب ب ل ه و ليس ب دين‪ ،‬ه ذا ال ذي جيع ل من ش خص واح د‪ ،‬بش ر كس ائر البش ر‪ ،‬يتكلم عن نزوات ه وأهوائ ه‪،‬‬
‫وي دعي أن اهلل أوحى ل ه ب ذلك وأن ه معص وم ورس ول‪ ،‬في بيع أراٍض يف اجلن ة ويص در ص كوك الغف ران واحلرم ان‪ .‬ه ؤالء‬
‫العلمانيون ينادون بتحرير الناس من عبودية اهلل وحده‪ ،‬ونقلهم إىل عبودية بعضهم البعض‪ ،‬فالعبودية خضوع وطاعة وهم‬
‫بدأوا بالتذّم ر من عبادة اهلل الفكرة املشخص «باملسيح اإلنسان ورسوله البابا»‪ ،‬ونادوا باحلرية من ذلك‪ ،‬وملا كان ال بد‬
‫لإلنسان من تبعية ـ أي دين ـ وخضوع ـ أي عبادة ـ وانقياد‪ ،‬فقد استعبدوا بعضهم البعض‪ :‬يقدسون القانون الذي وضعه‬
‫أش خاص منهم‪ ،‬أي أهنم خيض عون ويعب دون أق وال بعض هم بعض ًا‪ ،‬ويس مون ه ذه العبودي ة حّر ي ة‪.‬‬

‫شريعة الغاب‬
‫وملا كان اإلنسان جمبوًال على غرائزه‪ ،‬اصبح العقل عندهم خادم ًا للغرائز والشهوات وسالحًا قوي ًا يفكر كيف‬
‫يتسّلط به على اآلخرين من الناس في ذهّل م ويستعبدهم‪ ،‬ويس ّم ي ذلك استعمارًا وهو استخراب وحرية وهي عبودية وإخاًء‬
‫ومساواة وفيه امتيازات فردية وحصانة رئاسية وبرملانية ودبلوماسية وجنس ممتاز آري أفضل من باقي البشر‪ .‬ومصلحة عامة‬
‫ال جتد فيها إىل مصاحل أنانية مؤقتة لثلة من األغنياء احملتالني يتصرفون بعباد اهلل جتويعًا وتقتيًال وإذالًال‪ .‬كلمات خيالية جوفاء‬
‫تش كل قناع ًا من اجلم ال والنعوم ة واالبتس امة املص طنعة وختفي وراءه ا وجه ًا بش عًا‪.‬‬
‫إذن فالعلمانية جتعل اإلنسان مصدر القانون‪ ،‬واإلنسان جيعل العقل خادم ًا أمين ًا لغرائزه وأنانيته‪ ،‬ويطلق العنان هلذه‬
‫الغرائز‪ ،‬فيؤدي ذلك إىل صراع حمموم حىت املوت من أجل البقاء‪ ،‬متام ًا كصراع عامل الغاب‪ ،‬وهكذا فما تكاد هتدأ يف‬
‫الع امل مش كلة حىت تبدأ غريه ا‪ ،‬وم ا يكاد املغلوب حيّس بفرص ة مواتي ة حىت يثب على الغ الب ليدق عنقه‪ ،‬والتاريخ يعج‬
‫باألمثال‪ .‬هذا هو الظلم‪ ،‬وهو وضع األمور يف غري مواضعها واهلل يأمر بالعدل واإلحسان‪ ،‬والعدل هو وضع األمور يف‬
‫مواضعها وهو اإلسالم‪ ،‬أي تسليم األمر إىل صاحب األمر ‪ُ‬قْل َياَأْه َل اْلِكَتاِب َتَعاَلْو ا ِإَلى َك ِلَم ٍة َس َو اٍء َبْيَنَن ا َو َبْيَنُك ْم َأَّال‬
‫َنْع ُبَد ِإَّال الَّلَه َو َال ُنْش ِر َك ِبِه َش ْيًئا َو َال َيَّتِخ َذ َبْعُضَنا َبْع ًض ا َأْرَباًبا ِم ْن ُدوِن الَّل ِه َف ِإ ْن َتَو َّل ْو ا َفُقوُلوا اْش َه ُد وا ِبَأَّنا ُمْس ِلُم وَن ‪.‬‬
‫تلك هي اجلاهلية‪ ،‬واهلل تعاىل يقول‪َ :‬أَفُح ْك َم اْلَج اِهِلَّيِة َيْبُغوَن َو َمْن َأْح َسُن ِم ْن الَّلِه ُح ْك ًم ا ِلَق ْو ٍم ُيوِقُن وَن ‪ .‬فعلينا‬
‫باالحتكام إىل اهلل تعاىل‪ ،‬واتباع رسالته وهديه‪ .‬وإذا أراد العامل أن يتخلص من جاهليته اآلن‪ ،‬فعليه باالحتكام إىل اإلسالم‬
‫ق‪.‬‬ ‫اىل‪ ،‬واهلل ويل التوفي‬ ‫ادة اهلل تع‬ ‫وعب‬
‫‪َ‬مْن َيْه ِد الَّل ُه َفُه َو اْلُم ْهَت ِد ي َو َمْن ُيْض ِلْل َفَلْن َتِج َد َل ُه َو ِلًّي ا ُمْر ِش ًد ا‪. ‬‬
‫الـوعـي – العـدد الحادي عشر ‪ -‬السـنـة األولى ‪ -‬شعبان ‪1408‬هـ ‪ -‬نيسان ‪1988‬م‬
‫‪3‬‬
‫===============================================‬

‫قضية فلسطين‬
‫القارئة‪ :‬إشراقة أحمد ـ السودان‬
‫إّن ما يس ّم ى بقضية فلسطني موضوع قد شغل العامل اإلسالمي عامة والكافر خاصة‪ ،‬تلك القضية اليت ال ختلوا‬
‫صحيفة أو إذاعة منها منذ العام ‪1948‬م وإىل اليوم‪ .‬مل يتعد احلديث عنها وعقد املؤمترات هلا ح ّد الغوغائية والدوران يف‬
‫ا‪:‬‬ ‫باب أمهه‬ ‫ع ألس‬ ‫ري يرج‬ ‫ك يف نظ‬ ‫ة‪ ،‬وذل‬ ‫ة الفارغ‬ ‫احللق‬
‫أوًال‪ :‬عدم فهم واقع القضية وبالتايل معرفة معاجلتها‪ ،‬ألن الواقع إذا مل يسبق حبكم صحيح مل تص ّح معاجلته‪ ،‬ألهنا‬
‫ه‪.‬‬ ‫ًا ل‬ ‫ون خالف‬ ‫تك‬
‫فأقول ألمة اإلسالم‪ ،‬إن واقع القضية هو أن املشكلة مشكلة مسلمني وليست مشكلة فلسطني‪ ،‬ولعل هذا أهم ما‬
‫يف األمر‪ ،‬ألن املسلمني إذا نظروا إليها غري هذه النظر ال يستشعرهم واجب الذود عنها وإرجاعها إىل ديار اإلسالم (إذا‬
‫الم)‪.‬‬ ‫اك دار إس‬ ‫ان هن‬ ‫ك‬
‫ثانيًا‪ :‬إن أرض فلسطني تعترب أرضًا مغتصبة من بالد املسلمني على يد الكافر‪ ،‬ولذا فواجب املسلمني إرجاعها إىل‬
‫الم‪.‬‬ ‫ار اإلس‬ ‫دي‬
‫ثالثًا‪ :‬إن قضية فلسطني أو كما تسمى‪ ،‬ال ميكن حلها حًال جذريًا صحيحًا إال باإلسالم‪ ،‬واإلسالم يقول بضرورة‬
‫أن تكون هناك دولٌة إسالمية جتمع املسلمني وحتمي بيضة اإلسالم جبيشها الواحد وإمامها الواحد املطاع من قبل املسلمني‪،‬‬
‫والذي يكون من ُأوىل مهامه إرجاع ما انقطع من بالد اإلسالم‪ .‬وهنا تظهر أمهية قيام الدولة حيث الطاعة من قبل اجليش‬
‫واملسلمني مجيع ًا‪ ،‬وأن اهلل يقول‪َ :‬ياَأُّيَه ا اَّلِذ يَن آَم ُنوا َأِط يُع وا الَّل َه َو َأِط يُع وا الَّر ُس وَل َو ُأْو ِلي اَألْم ِر ِم ْنُك ْم ‪ ،‬وألّن اسرتجاع‬
‫فلس طني واجب ألهنا أرض إس المية مغتص بة على ي د الك افر‪ ،‬فيجب إرجاعه ا لإلس الم‪ ،‬ألن ال دين كل ه ال ب د أن يك ون‬
‫أخريًا هلل‪َ :‬و َقاِتُلوُه ْم َح َّتى َال َتُك وَن ِفْتَنٌة َو َيُك وَن الِّديُن ُك ُّل ُه ِلَّل ِه‪ .‬فكيف بفلسطني وهي أرض إسالمية مغتصبة؟ وثاني ًا‪،‬‬
‫ألن احتالل فلسطني من قبل الكافر جيعل على أرض املسلمني سبيًال‪ ،‬وهذا ما هنى اهلل عنه حيث قال‪َ :‬و َلْن َيْجَع َل الَّل ُه‬
‫ِلْلَك اِفِر يَن َعَلى اْلُم ْؤ ِم ِنيَن َس ِبيًال‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن إرجاع فلسطني إىل سلطان اإلسالم أمر واجب‪ ،‬وهذا يقتضي أوًال قيام دولة‬
‫اإلسالم ألن هذا واجبها‪ ،‬والقاعدة الشرعية تقول‪« :‬ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب» وقيام الدولة اإلسالمية يقتض ي‬
‫إزالة األتربة عن جذور العقيدة اإلسالمية وعن املفاهيم اإلسالمية وتوضحيها للناس‪ ،‬وعندها تقام دولة اإلسالم إن شاء‬
‫ايا‪.‬‬ ‫ل القض‬ ‫طني وك‬ ‫ية فلس‬ ‫دورها جتاه قض‬ ‫وم ب‬ ‫اهلل‪ ،‬وتق‬
‫ول ذلك‪ ،‬أق ول حلك ام املس لمني أن م ا تقوم ون ب ه ملعاجلة قض ية فلس طني‪ ،‬س واء ك ان ه ذا باجتماع اتكم احمللي ة أو‬
‫الدولي ة‪ ،‬مبش اورة الك افر ومس اندته م ا ه و إال تعمي ق جلذور االحتالل وتس كني وختدير القل وب املس لمة‪ ،‬ولق د آن األوان‬
‫وابكم‪.‬‬ ‫وا إىل ص‬ ‫اتقوا اهلل وارجع‬ ‫يته‪ ،‬ف‬ ‫لم أن يفهم قض‬ ‫للمس‬

‫الـوعـي – العـدد الحادي عشر ‪ -‬السـنـة األولى ‪ -‬شعبان ‪1408‬هـ ‪ -‬نيسان ‪1988‬م‬
‫‪4‬‬

You might also like