You are on page 1of 160

‫ف‬ ‫َك ْي َ‬

‫ت َأ َّن ُه َن ِب ٌّي؟‬‫َع َر ْف َ‬
‫د‪� /‬أمين خليل البلوي‬
‫ا�سم الكتاب‪ :‬كيف عرفت �أنه نبي؟‬
‫ا�سم امل�ؤلف‪ :‬د‪� /‬أمين خليل البلوي‬
‫مقا�س الكتاب‪20×14 :‬‬
‫جتهيز فني‪ :‬همت العزب‬
‫�إ�شراف ور�ؤية فنية‪ :‬حممود خليل‬
‫الطبعة الأوىل‪2020 :‬‬
‫رقم الإيداع‪2020/13294 :‬‬
‫الرتقيم الدويل‪:‬‬
‫‪978 - 977 - 738-237-3‬‬

‫جميع حقوق الطبع والتوزيع حمفوظة مب�صر والعامل لدى‬

‫بداية‬
‫مؤسسة‬

‫للنشر والتوزيع‬

‫‪� 4‬ش الإ�سراء ‪ -‬ميدان لبنان‪ -‬املهند�سني ‪ -‬ج‪.‬م‪.‬ع‬


‫‪Darbedaia.com‬‬
‫‪Email: Darbedaia@yahoo.com‬‬
‫‪002 0100 573 80 30‬‬

‫‪/darbedaia‬‬
‫اإلهداء‬
‫�إلى الم�ؤمن بنب ّوة محمد ﷺ ليزداد �إيما ًنا و ِب ْ�شرا‬
‫و�إلى المت�شكك بها ليزول �شكُّه وي�ستبدله يقي ًنا ونو ًرا‬
‫و�إلى الباحث عن الحق والحقيقة‬
‫قريرا‬
‫ً‬ ‫لي�صل �إلى �شاطئها مطمئ ًنا‬

‫‪3‬‬
‫شكر وعرفان‬
‫للوالد العزيز والذهب الإبريز‪:‬‬
‫الأ�ستاذ المربي خليل محمد �أبو مالل البلوي‪-‬‬
‫المفت�ش ال�سابق في وزارة التربية في الكويت‪-‬‬
‫على مراجعته الكتاب وتقديمه التوجيهات ال�سديدة‬
‫والمالحظات الر�شيدة‪.‬‬
‫فجزاه اهلل عنا وعن الكتاب خير الجزاء‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫المقدمة‬
‫الحمد لله والصالة والسالم على رسول الله‪:‬‬
‫دون مقدمات‪..‬‬
‫تقترب مني ابنتــي وبيدها مصحف كانت تقرأ منه وتقول لي‪:‬‬
‫كيــف عرفنا يا والدي أن هــذا القرآن الذي أقرأ منه صحيح؟‪ ،‬كيف‬
‫عرفنا أنه من عند الله؟‪.‬‬
‫لم يدهشني الســؤال المنطقي‪ ..‬لكن أن يأتي هذا السؤال من‬
‫ابنتي ولم تكن قد بلغت الثالثة عشرة من ُعمرها هو الذي أدهشني‪..‬‬
‫تبسمت وأثنيت على ســؤالها وأجبتها‪ ..‬فاطمأنت وواصلت‬
‫القراءة‪ ..‬ولله الحمد‪ ..‬وبقيت التساؤالت تتردد في ذهني‪:‬‬
‫وجهت ابنتي هذا السؤال لشخص جاهل‪...‬أو ُمتعالم؟‬
‫ماذا لو ّ‬
‫كم من شــخص دار في نفسه هذا السؤال وتوجه نحو الشبكة‬
‫المض ِّللة؟!‪.‬‬
‫العنكبوتية َفتَا َه في دياجير المواقع ُ‬
‫يا ترى‪ ..‬في زمن تســونامي الشــهوات وأمواج الشبهات هل‬
‫يكفــي االعتماد على إيمان الفطرة؟ هل يصمــد إيمان الوراثة أمام‬
‫األعاصير؟‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫�إ ًذا ال ب��د م��ن �أن يك��ون بنا�ؤن��ا العق��دي متي ًن��ا ُم� ً‬
‫ؤ�س�س��ا على‬
‫براهين العقل ودالئل المنطق‪ ..‬ال بديل عن ذلك �إن �أردنا‪:‬‬
‫‪ ‬تقوية صلة المسلم بربه ودينه ونبيه ﷺ‪.‬‬
‫‪ ‬صناعة درع ُصلب لعقيدة المســلم يقيه ســهام الشــبهات‪،‬‬
‫فالخطــوة األولى للتعامل مع الشــبهات هو ترســيخ براهين وجود‬
‫الخالق وصدق النبوة‪ ،‬وقتها يصبح أمر الشبهات ه ّينًا بإذن الله‪.‬‬
‫فــي كتابي الســابق والمعنون بـ «ســبل الرشــاد في نقض َو ْهم‬
‫اإللحاد» كانت إجابة ســؤال‪ :‬أين الدليــل على وجود الخالق؟ وما‬
‫ثارة حول وجوده؟‬
‫الم َ‬
‫القول في الشبهات ُ‬
‫أمــا في هذا الكتاب فاإلجابة هي عن ســؤال أخطر‪ :‬ما الدليل‬
‫علــى أن محمــدً ا ﷺ نبي مــن الله؟ ما الدليل على أن اإلســام هو‬
‫دين الله؟‪.‬‬
‫والتمكــن من معرفة براهين صدق نبــوة محمد ﷺ أهم من‬
‫براهين وجــود الخالق‪ ،‬ألن براهين النبوة تغنيك عن براهين‬
‫وجــود الخالق فمتى ما اقتنعت أن محمــدا نب ًّيا صاد ًقا فإنك‬
‫تلقائ ًّيا ستســلم بصحة ما يذكره ﷺ مــن آيات وأخبار عن‬
‫الله ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫بينمــا قناعتــك بوجود الخالــق قبل قناعتك بصــدق النبوة لن‬
‫تغنيــك عن البحث فــي دالئل النبوة والنظر فــي الدين الذي رضيه‬
‫الخالق للبشرية‪.‬‬
‫وكالهما ‪-‬براهين وجود الخالق وبراهين صدق النبوة‪ -‬مهم‬
‫ومثمر‪.‬‬
‫وقــد اجتهدت فــي كتابي هذا في تبســيط الدالئــل والبراهين‬
‫المجيبة عن ذلك الســؤال‪ ،‬واخترت مــن البراهين واألدلة ما جمع‬
‫بين صفتين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫‪ ‬الوضوح‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ ‬القوة‪.‬‬
‫وبالتالي مازالت هناك براهين كثيرة للنبوة ودالئلها لم أذكرها‬
‫مفص ًل ‪-‬مثل دليل التشريع‬
‫شرحا ّ‬
‫في هذا الكتاب‪ ،‬إما ألنها تحتاج ً‬
‫اإلسالمي وأسراره‪ -‬وهذا الكتاب لالختصار‪.‬‬
‫وإما لكون الدليل يحتاج مزيدً ا من التثبت والتحقيق‪ ،‬فدينُنا ال‬
‫المح ّققة‪.‬‬
‫ننصره باألدلة المزيفة أو غير ُ‬
‫دالئل النبوة كثيرة ولله الحمد‪ ..‬وال تزيدها األيام إال كثرة‪...‬‬
‫وما كتابي هذا إال باقة عطِرة من حديقة براهين النبوة الطيبة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫فال َت ْعجل أيها القارئ الكريم‪ ...‬فقد ال يقنعك ٌ‬


‫دليل ما في الكتاب‪...‬‬
‫لكن مجموع الدالئل فيه ستوصلك بإذن الله إلى شاطئ اليقين‪.‬‬
‫وحالك مع الكتاب واحد من ثالثة‪:‬‬
‫كنــت مؤمنًا بصدق نبوة محمد ﷺ فســتزداد بهذا الكتاب‬
‫َ‬ ‫◈ إن‬
‫إيمانًا بإذن الله‪.‬‬
‫بح ْو ِل الله ش ُّكك وينقلب طمأنينة‪.‬‬
‫◈ وإن كنت ُمتش ِّك ًكا فسيزول َ‬
‫ُ‬
‫فأسال الله أن يكون هذا الكتاب سب ًبا في‬ ‫أص ًل‬
‫مسلما ْ‬
‫ً‬ ‫◈ وإن لم تكن‬
‫دخولك اإلسالم والدخول بسالم إلى دار السالم‪ ..‬يوم القيامة‪.‬‬
‫ــعره بقلبك وســتصل بإذن الله‬ ‫ْ‬
‫واستش ْ‬ ‫فتأمــل الكتاب بعقلك‬
‫إلى طريق واحد‪..‬‬
‫إلى اختيار منطقي وحيد حول الظاهرة المحمدية‪ :‬إنها نبوة‪.‬‬
‫و�أب�شر يا طيب‪..‬‬
‫اللهــم افتح بهــذا الكتاب العقــول وأنر به القلــوب‪ ..‬واجعله‬
‫ُذ ْخ ًرا لكاتبه وناشــره ومدققه يوم ال ينفــع ٌ‬
‫مال وال بنون إال من أتى‬
‫الله بقلب سليم‪..‬‬
‫اللهــم منك الصواب ومنــي الزلل‪ ..‬فاقبل اللهــم هذا العمل‬
‫وأصلِحِ َ‬
‫الخ َلل‪..‬‬

‫‪8‬‬
‫الفصل األول‪:‬‬
‫تعريفات وممهدات‬

‫املبحث الأول‪ :‬التعريفات‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬مبادئ و�أ�سا�سيات يف التعامل مع‬

‫الأدلة والرباهني‪.‬‬

‫املبحث الثالث‪� :‬أنواع �أدلة �صدق النبوة‪.‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬هل كان القر�آن موجودًا يف عهد النبي ﷺ‬

‫�أم ظهر وكتب بعد ذلك بوقت طويل؟‪.‬‬


‫المبحث األول‪:‬‬
‫التعريفات‬

‫‪� ‬أوال‪ :‬الدليل‪:‬‬


‫المر ِشــدُ وما به اإلرشــاد‪ .‬وفي االصطالح‪:‬‬
‫الدَّ ليل‪ :‬في اللغة ْ‬
‫(((‬
‫هو الذي يلزم من العلم به العلم بشيء آخر‪.‬‬
‫(((‬
‫وهو أعم من البرهان واألمارة وما شابه‪.‬‬
‫مثال‪ :‬علمك بوجود المطر يلزم منه علمك بوجود السحاب‪.‬‬
‫‪ ‬ثانيا‪ :‬ال ُب ْرهانُ ‪:‬‬
‫الح َّج ُة الفاصلة البينة‪.‬‬
‫(((‬
‫لغة‪ُ :‬‬
‫وقد َب ْر َه َن عليه‪ ،‬أي أقام الحجة‪.‬‬
‫(((‬

‫وفي التنزيل‪ ﴿ :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [النمل‪.]64 :‬‬


‫واصطالحا‪ :‬ما صحت به الدعوى‪ ،‬وظهر به صدق المدعي‬
‫(((‬

‫((( التعريفات الفقهية لمحمد الربكتي‪ :‬صفحة ‪.69‬‬


‫((( ميزان األصول يف نتائج العقول‪ :‬صفحة ‪.70 ،71‬‬
‫((( لسان العرب‪.51/13 :‬‬
‫((( الصحاح للفارابي‪.2078/5 :‬‬
‫((( ميزان األصول‪ :‬صفحة ‪.73‬‬

‫‪11‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫وهو قاطع يفيد العلم ‪-‬أي اليقين‪.((( -‬‬


‫ومما سبق يتبين لنا أن كل برهان دليل‪ ،‬وليس كل دليل برهان؛‬
‫ظنــي‪ ،‬والبرهان ال يكون إال‬
‫ّ‬ ‫قطعي ومنه ما هو‬
‫ّ‬ ‫فالدليــل منه ما هــو‬
‫قطع ًّيا‪ ،‬مع اإلشارة إلى أن كثرة األدلة تفيد القطع والجزم‪.‬‬
‫وبلغة تقريبية‪:‬‬
‫البرهان يؤكد النبوة بنسبة ‪ %100‬أو يقاربها‪.‬‬
‫الدليــل يؤكد النبوة بنســبة ‪ %60‬أو أكثــر أو أقل‪...‬وقد يكون‬
‫بنسبة ‪.%100‬‬
‫القطعي‬
‫ّ‬ ‫لذا سنســتعمل كلمة الدليــل عند حديثنا عــن الدليل‬
‫الظني‪ ،‬أما كلمة «برهان» فلن نســتخدمها إال للدليل القطعي أو‬
‫ّ‬ ‫أو‬
‫القريب من القطعية بإذن الله‪.‬‬

‫((( معجم الفروق اللغوية للعسكري‪ :‬صفحة‪.97‬‬

‫‪12‬‬
‫المبحث الثاين‪:‬‬
‫مبادئ وأساسيات يف التعامل مع األدلة والرباهني‬

‫‪ )1‬دالئل �صدق النبوة التي �سنذكرها �صحيحة‪ ،‬وهي مختلفة‬


‫نبي من‬
‫من حيث قوتها‪ ،‬فبعضها يكفي وحده ليثبت أن محمدً ا ﷺ ٌّ‬
‫ربــه‪ ،‬وبعضها صحيحة لكنهــا وحدها قد ال تكفــي إال بانضمامها‬
‫لدالئــل أخرى بنفــس قوتها‪ ،‬وبهــذا االنضمام تصبــح حجة قائمة‬
‫قطعي‪ ،‬ونوضح قضية انضمام الدالئل‬
‫ّ‬ ‫تبرهن صدق النبوة بشــكل‬
‫لبعضها بالمثال اآلتي‪:‬‬
‫شــاهد زيدٌ ً‬
‫طفل يركض في السوق ويقول‪ :‬اهربوا هناك أسد‬
‫هارب في السوق!‪.‬‬
‫كالم الطفــل عن األســد ســيعطي زيــدً ا مصداقية حــول خبر‬
‫هــروب األســد بنســبة ضعيفــة تســاوي تقريبــا ‪..%5‬لماذا النســبة‬
‫ضعيفة؟‪.‬‬
‫ألن ناقل الخبر طفل ويتكلم عن حدث غريب‪ ..‬أسد في السوق!‪.‬‬
‫لكــن ْ‬
‫إن شــاهد زيــد ً‬
‫رجل آخــر يزعم أنه شــاهد األســد في‬
‫الســوق‪ ،‬فســتزداد مصداقية الخبر إلى ‪ %60‬تقريبــا أو أكثر‪ ..‬وإذا‬

‫‪13‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫خبرا في المذيــاع (الراديو) يتكلم عن هروب أســد من‬


‫ســمع زيد ً‬
‫الســيرك فســترتفع مصداقية خبر وجود األســد في الســوق إلى ما‬
‫يقارب ‪ %99‬وربما‪..%100‬لماذا؟‪.‬‬
‫ألن الدالئل‪-‬داللــة كالم الطفل‪ +‬داللة إخبار الرجل‪ +‬داللة‬
‫بعضا‪ ،‬وكذلك دالئل صدق النبوة‬
‫ما أذيع في الراديو يقوي بعضها ً‬
‫بعضا‪.‬‬
‫بعضها ً‬
‫يقوي ُ‬
‫وبعض هذه الدالئل كما قلنا يكفي وحده إلثبات صدق النبوة‬
‫لقوته ووضوحه وعدم وجود ناقض محتمل له‪.‬‬
‫‪� )2‬إما �أن يكون محمد ﷺ ذك ًّيا و�إما �أن ال يكون‪..‬‬
‫االحتمال الأول‪� :‬أال يكون ذك ًّيا‪ ،‬إن كان كذلك فكيف انتصر‬
‫على أعدائه الكثر‪ ،‬وكيف حققت دعوته هذا االنتشــار واالنتصار‪،‬‬
‫وسادت العالم قرونا؟‪.‬‬
‫إذن عــدم ذكائه ‪-‬لــو افترضنا ذلك وحاشــاه‪ -‬دليــل على أن قوة‬
‫عظمى معجزة كانت تؤيده‪ ...‬وهو الله كما قال القاضي عبد الجبار‪.‬‬
‫(((‬

‫لذلك ليس مــن صالح ُمنكِري النبوة افتــراض هذا االحتمال‬


‫ألنه يؤكد التأييد الخارجي اإللهي لمحمد ﷺ‪.‬‬
‫((( تثبيت دالئل النبوة للقاضي عبد الجبار‪.55/1 :‬‬

‫‪14‬‬
‫�إذن يبقى االحتمال الثاني‪ :‬وهو �أن يكون ذك ًّيا‪.‬‬
‫وكونــه ذك ًّيا هو مــا تؤيده انجازاته العظيمة والتي شــهد له بها‬
‫المنصــف الكافــر والمؤمن المناصــر‪ ،‬ومن تلك الشــهادات التي‬
‫ُ‬
‫شــهدت له بالعظمــة والتم ّيز الشــخصي‪-‬والذكاء جــزء أصيل من‬
‫العظمة‪ -‬من غير المسلمين(((‪:‬‬
‫‪KENNETH‬‬ ‫الق���س الأنجليكان��ي كيني��ث ك��راغ‬
‫ُّ‬ ‫‪-1‬ق��ال‬
‫‪:CRAAGG‬‬
‫ميــزا وال ُيمكِن‬
‫النبــي‪ ،‬فريــدً ا و ُم ً‬
‫َّ‬ ‫«لقــد كان محمــد ﷺ هــذا‬
‫قائل‪« :‬لقد شــ َّكل القرآن الكريم إشــارة ُم َّ‬
‫هم ًة‬ ‫ضيــف ً‬
‫ُ‬ ‫تكــراره»‪ ،‬و ُي‬
‫ُ‬
‫واض ًحا على كون رســالة النبي هي وحــي من الله‪ ،‬وبالغة‬ ‫ودليــا ِ‬
‫ً‬
‫القرآن الكريم العربية كانت خير دليل على أنه وحي مِن الله»(((‪.‬‬

‫((( النقــوالت الثــاث اآلتية حول عظمــة النبي ﷺ ومراجعها اقتبســتها من مقالة‬
‫إليهاب كمال أحمد على موقع االلوكة‪:‬‬
‫‪https: //www.alukah.net/sharia/0/75730/.‬‬
‫((( من كتاب «نداء المئذنة» (‪ ،)THE CALL OF THE MINARET‬طبعة دار‬
‫(‪ )OXFORD UNIVERSITY PRESS‬لســنة ‪ ،1964‬صفحــة‪،95 - 94 :‬‬
‫للقس األنجليكاين (‪ )KENNETH CRAGG‬المولود سنة ‪ ،1913‬وصاحب‬
‫الكتابات الشهيرة يف مقارنة األديان‪ ،‬والحاصل على منحة ‪ GRAFTON‬لسنة‬
‫قسيسا سنة ‪.1937‬‬
‫ً‬ ‫‪ ،1934‬وتمت رسامته‬

‫‪15‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫‪-2‬قال �صاحب مو�سوعة الح�ضارة ويل ديوارنت‪WILL DURANT :‬‬

‫«إذا أردنــا أن نَح ُكم على العظمة بما كان للعظيم من تأثير في‬
‫النــاس‪ ،‬لقلنا‪ :‬إن محمدً ا كان مــن أعظم عظماء التاريخ‪ ،‬فلقد أخذ‬
‫على نفســه أن يرفع المستوى الروحي واألخالقي لشعب ألقت به‬
‫الهمجية‪.‬‬
‫الجو وجدب الصحراء في دياجير َ‬
‫حرارة ِّ‬
‫نجاحا لم ُيقاربه‬
‫ً‬ ‫لقــد نجح محمد ﷺ في تحقيق هذا الغرض‬
‫فيه أي ُمصلِح آخر في التاريخ كله‪ ،‬ومن النادر أن نجد إنســانًا غيره‬
‫ح َّقق ما كان يحلم به‪.‬‬
‫فعندما بــدأ محمد ﷺ دعوتــه‪ ،‬كانت الجزيــرة العربية عبارة‬
‫عــن قبائل م ِ‬
‫تناحرة غارقة في الشــرك والوثنيــة‪ ،‬ولكنه عندما مات‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وتركها ﷺ كانت أمة ُمتماسكة» ‪.‬‬
‫(((‬

‫‪ -3‬ماي��كل ه��ارت ‪� MICHAEL HART -‬أ�س��تاذ الفل��ك‬


‫والفيزي��اء وتاري��خ العل��وم ‪ -‬فق��د ق��ال ف��ي كتاب��ه «�أكث��ر ‪100‬‬
‫�شخ�صية م�ؤثرة في التاريخ»‪:‬‬
‫«إن اختيــاري لمحمــد ﷺ ليكــون علــى رأس القائمــة التي‬
‫للمؤرخ والفيلسوف األمريكي‪WILL DURANT‬‬
‫ِّ‬ ‫((( من كتاب «قصة الحضارة»؛‬
‫المتوىف ســنة ‪ ،1981‬الجزءالرابع‪« :‬تاريخ اإليمــان»‪ ،‬صفحة‪ ،174 :‬طبعة دار‬
‫‪ Simon & Schuster NEW YORK‬سنة ‪.1950‬‬

‫‪16‬‬
‫تضــم الشــخصيات التــي كان لها أعظــم تأثير عالمــي في مختلف‬
‫ُّ‬
‫القراء‪ ،‬وقد يكون محل ســؤال‬
‫كثيرا من َّ‬
‫المجــاالت‪ ،‬ربما أدهــش ً‬
‫محمدً ا ﷺ كان الرجــل الوحيد في التاريخ الذي‬ ‫َ‬
‫آلخريــن‪ ،‬ولك ّن َّ‬
‫نجاحا عال ًيا على المستوي ْين الديني والدنيوي»‪.‬‬
‫ً‬ ‫استطاع أن ُيح ِّقق‬
‫وفي حديثه عن التأثير الذي كان ‪-‬وال زال‪ -‬يتمتع به محمد ﷺ‬
‫أسس محمد ﷺ ونشر أحد أعظم األديان في العالم‪،‬‬
‫قال هارت‪« :‬لقد َّ‬
‫وأصبح أحد الزعماء السياسيين العظام‪ ،‬ففي هذه األيام‪ ،‬وبعد مرور‬
‫ثالثة عشر قرنًا على وفاته‪ ،‬فإن تأثيره ال يزال قو ًّيا وعار ًما»(((‪.‬‬
‫‪ -4‬يقول الم�ؤرخ االنجليزي �إدوارد جيبون ‪:Edward Gibbon‬‬
‫«إن عبقريــة محمد جديرة منا بكل إعجاب‪ .‬ولكن نجاحه هو‬
‫ما جذب إعجابنا بدرجة فائقة!»(((‪.‬‬

‫((( مــن كتاب «العظماء المائة»؛ طبعة دار ‪(KENSINGTON PUBLISHING‬‬


‫)‪ .CORP‬لســنة ‪ 1978‬و‪ ،1992‬صفحــة‪ ،3 :‬للكاتــب والمــؤرخ األمريكــي‬
‫اليهودي‪ ،MICHAEL H.HART‬أستاذ علم الفلك والفيزياء وتاريخ العلوم‪،‬‬
‫المولود ســنة ‪ ،1932‬والحاصل على شــهادة الدكتوراه عام ‪ 1972‬من جامعة‬
‫‪.BRINSTON UNIVERSITY‬‬
‫((( من كتاب «اضمحالل اإلمرباطورية الرومانية وســقوطها» للمؤرخ اإلنجليزي‬
‫إدوارد جيبــون ‪ ،87/3 :)1794-1737( Edward Gibbon‬ترجمــة‪:‬‬
‫الدكتور محمد سليم سالم‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫وأهميــة إثبــات كونــه ﷺ ذك ًّيا هي وجــوب تفســير تصرفاته‬


‫تفسيرا ذك ًّيا‪ ،‬ألن الذكي تصرفاته ذكية‪.‬‬
‫ً‬
‫ومــع إقرارنــا بذكائــه ﷺ إال أن عظم إنجازاته تــدل على قوة‬
‫عظمــى كانت راعيــة لهذه اإلنجازات إضافــة لذكائه ﷺ وهي قوة‬
‫الله ســبحانه‪.‬لكننا ســنكتفي بالقــول بذكائــه ونترك قضيــة التأييد‬
‫المح ّققة في هذا الكتاب بإذن الله‪.‬‬
‫اإللهي لتثبتها الدالئل ُ‬
‫‪ )3‬بالرغ��م من �أنه يحق لنا �أن نذكر �أحاديث �صحيحة ُتب ّين‬
‫معجزات النب��ي ﷺ �أو تبرهن على �صدقه‪ ،‬وعلى المنكرين لنبوته‬
‫عدم االعتراض‪ ،‬فهم يســتدلون بهذه األحاديث للطعن بالنبي ﷺ‪،‬‬
‫فليس لهم بالتالي االعتراض علينا إن استدلينا بها على صدق النبوة‪.‬‬
‫أقــول‪ :‬بالرغم من ذلك ســنذكر األحاديث التــي يثبت العقل‬
‫المنصف أن النبي ﷺ قالها ولن نقتصر فقط على صحة السند‪.‬‬
‫‪ )4‬ق��د نجد هناك من يزعم ال��رد على هذه الأدلة‪ ،‬ووجود‬
‫هذا الزعــم ال يعني حقيقة أن هذا الرد المزعــوم صحيح‪ ،‬والكفار‬
‫أنفسهم يوم شاهدوا انشقاق القمر أمامهم قالوا‪ :‬سحر مستمر!‪.‬‬
‫وكم مِن رد مزعوم رأيتــه يؤيد ‪-‬دون قصد‪ -‬هذه المعجزات‬
‫والدالئل على صدق النبوة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫‪ )5‬هن��اك براهي��ن و�أدلة �أخ��رى على �صدق النب��وة غير ما‬
‫ذكرته في الكتاب‪ ،‬فالدالئل متكاثرة‪ ،‬وقد يتجدد لكل منصف أدلة‬
‫جديــدة لم ينتبه لها ســلفه‪ ،‬وإنمــا اخترنا من براهيــن النبوة وأدلتها‬
‫ً‬
‫وتناول‪.‬‬ ‫أسهلها َف ْه ًما‬
‫��دقُ الق��ر�آن و�صح��ة ن�س��بته هلل ‪ ۵‬دلي��ل عل��ى �صدق‬
‫‪�ِ )6‬ص ْ‬
‫النبي ﷺ و�صدق ك ْون الإ�س�لام دي��ن اهلل‪ ،‬وصدق النبي ﷺ ٌ‬
‫دليل‬
‫ِ‬
‫صحة وصدق‬ ‫على صدق ما جاء به‪ ،‬خاصة القرآن الكريم‪ ،‬فإثبات‬
‫أيهما سيثبت صحة اآلخر وصدقه منطق ًّيا وعقل ًّيا‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫المبحث الثالث‪:‬‬
‫أنواع أدلة صدق النبوة‬

‫أدلــة صدق النبــوة متنوعة‪ ،‬وكل نوع ينــدرج تحته براهين‬


‫ودالئــل متعــددة‪ ،‬وإنمــا صنفاهــا فــي أنــواع محددة لتســهيل‬
‫الرجوع إليها‪.‬‬

‫و�أهم �أنواع �أدلة النبوة‪:‬‬

‫أدلة التحدي والتعجيز‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫اإلخبار عن غيبيات مستقبلية قبل حصولها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫اإلخبار عن األمم السابقة وما في الكتب السالفة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫دليل األحوال الشخصية والمواقف الصادقة‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ 5‬بشارات الكتب السابقة به وإقرار علماء تلك الكتب بذلك‪.‬‬


‫اإلعجاز العلمي بشروطه وضوابطه‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫برهان طبيعة الشريعة التي دعا الناس إليها ومحتواها‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪20‬‬
‫المبحث الرابع‪:‬‬
‫موجودا يف عهد النبي ﷺ‬
‫ً‬ ‫هل كان القرآن‬
‫وكتب بعد ذلك بوقت طويل؟‪.‬‬ ‫َأم ظهر ُ‬

‫‪ ‬بداية‪ :‬لماذا هذا ال�س�ؤال؟‬


‫ألنه بمجرد إثباتنا لوجود القرآن الكريم في العهد النبوي ولو‬
‫كوثيقــة ‪-‬بغض النظر عــن كونه وح ًيا من اللــه أم ال‪ -‬بمجرد ذلك‬
‫فإننا سوف نثبت براهين وأدلة ِعدّ ة على صدق النبوة‪.‬‬
‫لذلك ال تستغرب من وجود معاندين ممن ُينكر وجود القرآن‬
‫زاعما أنه كُتِب بعد ذلك بعقود‪ ،‬ألن مجرد وجوده‬
‫في العهد النبوي ً‬
‫حرج لمعاندي النبوة‪.‬‬‫في العهد النبوي ُم ِ‬

‫وبالرغم من �أن هذا ال�س�ؤال ُمخالف للمعقول الب ّين والمعلوم‬


‫الثابت �إال �أننا �سنجيب عليه فيما ي�أتي على �سبيل االخت�صار‪:‬‬
‫المتصل والمســتمر تلقينًا‬
‫أ‪ -‬نقــل القرآن الكريم كان بالتواتر ُ‬
‫جيــا بعد جيل حتى يومنا هذا‪ ،‬واألســانيد التــي يمتلكها اليوم من‬
‫ً‬
‫ِحفــظ القــرآن الكريم بالســند المتصل إلى رســول الله ﷺ تحوي‬

‫‪21‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫أســماء معروفة‪ ،‬لذا ثبــوت وجود القرآن الكريم فــي العهد النبوي‬
‫تواترا قطع ًّيا‪.‬‬
‫مسألة متواترة ً‬
‫ب‪ -‬وجود القــرآن الكريم مرتبــط ارتبا ًطــا ُع ًّ‬
‫ضويا بالصالة‬
‫حيــث أن القــرآن الكريــم من أجزائهــا‪ ،‬إمــا ركنًا كالفاتحــة وإما‬
‫ُمســتح ًبا كالســورة مــع الفاتحة‪ ،‬ومســألة أداء النــاس للصالة قد‬
‫تواترا عمل ًّيا وقــد رآها الناس ً‬
‫جيل بعــد جيل منذ العهد‬ ‫تواتــرت ً‬
‫النبــوي‪ ،‬فبمــا أن قضية وجــود الصالة ُمثبتــة ومنتهية منــذ العهد‬
‫النبوي‪ ،‬فالقرآن إذن وجوده ثابت بوجود الصالة ‪-‬حيث أنه جزء‬
‫منها‪ -‬منذ العهد النبوي‪.‬‬
‫ج‪ -‬بالرغــم مــن أن أســاس ثبوت وجــود القــرآن الكريم في‬
‫العهــد النبوي هــو التواتر إال أن للمخطوطات المكتشــ َفة دالل ًة في‬
‫إثبــات الوجود القرآني في العهد النبوي أو ما يقاربه‪ ،‬وفحص تلك‬
‫المخطوطات لم يكن بأيدي مسلمين ‪-‬فقد ُيتهمون بالمحاباة ‪ -‬بل‬
‫بأيدي غير المسلمين‪ ،‬ومن تلك المخطوطات‪:‬‬
‫‪ -1‬المخطوطة القر�آني��ة الموجودة في برلين‪ ،‬والتي تؤكد‬
‫النتائــج التي توصــل إليها مركــز التحليــل االتحادي السويســري‬

‫‪22‬‬
‫في زيــورخ أن المخطوطــة القرآنية تعتبر األقدم فــي العالم ويعود‬
‫تاريخها للفترة بين عامي ‪ 606‬و‪ 652‬للميالد‪.‬‬
‫وأشــار المركــز السويســري إلى أن نتيجــة التحليــات التي‬
‫أجراهــا على المخطوطة باســتخدام نظائر الكربون المشــع (ســي‬
‫‪ )14‬تبيــن أنها ترجع للســنوات األخيرة في حيــاة النبي محمد ﷺ‬
‫(((‬
‫أو إلى ما بعد وفاته بعشرين عا ًما على األكثر‪.‬‬
‫‪-2‬مخطوط��ة جامع��ة برمنغه��ام‪ ،‬حيث ب ّيــن الفحص الذي‬
‫ُأ ِ‬
‫جري فــي وحدة تقنية الكربون المشــع في جامعة أوكســفورد أن‬
‫النــص مكتوب على قِطع من ِجلد الغنم أو الماعز‪ ،‬وأنها كانت من‬
‫بين أقدم نصوص القرآن المحفوظة في العالم‪.‬‬
‫ويحدد هذا الفحص ُع ْمر المخطوط بنســبة دقة تصل‬
‫إلى ‪ 95‬في المائة‪ ،‬ويشير إلى أن النص الموجود على‬
‫هــذه الجلود يعود تاريخ كتابته إلى الفترة ما بين ‪568‬‬
‫و‪ 645‬ميالدي‪.‬‬

‫((( نشر على موقع الجزيرة يف بتاريخ ‪.2014-4-21‬‬

‫‪23‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫ويقــول البروفســور ديفيــد تومــاس‪ ،‬األســتاذ المختــص في‬


‫المســيحية واإلســام إن «هذه النصوص قد ُتعيدنا إلى الســنوات‬
‫األولى من صدر اإلسالم»‪.‬‬
‫إذ ُتشــير الســيرة النبويــة إلى أن الوحــي ُأنزل‪ ،‬على الرســول‬
‫محمد‪ ،‬بين ‪ 610‬و‪ 632‬ميالدي‪ ،‬وهو تاريخ وفاته‪.‬‬
‫ويضيف البروفيســور تومــاس أن «العمر التقديري لمخطوط‬
‫برمنغهــام يعنــي أنه من المحتمل جــدً ا أن كاتبه قد عــاش في زمن‬
‫النبي محمد»(((‪.‬‬
‫د‪ -‬لــم نســمع مــن األقليــات غير المســلمة التي عاشــت في‬
‫دولة المســلمين في القرن األول وما بعــده أي إنكار لوجود القرآن‬
‫روج‬
‫الكريم‪ ،‬فلو كان وجود القرآن الكريم في القرن األول أكذوبة ّ‬
‫لها المســلمون بعد القرن األول أو الثاني لما انطلت هذه األكذوبة‬
‫على هذه األقليات ولكشــفوها ألهل مِ ّلتِهم على األقل‪ ،‬ولتداولوا‬
‫فيما بينهم أن المسلمين يكذبون في زعمهم وجود القرآن في القرن‬
‫األول‪ ،‬ولم نجد منهم ذلك ولله الحمد‪.‬‬

‫((( نشر على موقع البي بي سي بالعربية بتاريخ ‪.2015-7-22‬‬

‫‪24‬‬
‫هـــ‪ -‬هنــاك مستشــرقون اقــروا بــأن القــرآن الكريم لــم يكن‬
‫موجو ًدا أيام النبي محمد ﷺ فحسب‪ ،‬بل إنه لم يتعرض للتحريف‬
‫والنقص!‪ ،‬منهم(((‪:‬‬
‫‪ ‬المستشــرق اإلسكتلندي وليم موير (‪)1905 - 1819‬‬
‫‪.((( William Muir‬‬
‫(((‬
‫‪ ‬المستشرق البريطاني أدريان براكت ‪Adrian Brockett‬‬

‫‪‬المستشرق الفرنسي جورج ألوي ‪Georges-Louis Leblois‬‬


‫(((‬

‫(((‬
‫‪‬المستشرق األمريكي ‪Charles Cutler Torrey‬‬

‫((( ذكر الدكتور سامي عامري عل قناته يف اليوتيوب أسماء مجموعة من المستشرقين‬
‫ممن أقر بســامة القرآن عن النقــص والتحريف‪ ،‬اخرتنا منهم هــؤالء‪ ،‬ومن أراد‬
‫المزيد فليراجع قناته على اليوتيوب‪ :‬د‪ .‬سامي عامري ‪Dr. Sami Ameri‬‬
‫((( يف كتابه «حياة محمد»‪ The Life of Mohamed‬صفحة‪.558 ،557 :‬‬
‫((( يف كتابه‪"Approaches to the History of the Interpretation of the :‬‬
‫"‪Qur′an‬صفحة‪.44 :‬‬
‫((( يف كتابه‪ ، "Le Koran et la Bible hébraïque":‬صفحة‪ 54 :‬طبعة سنة ‪.1887‬‬
‫((( يف كتابه‪ ،"The Jewish Foundation of Islam" :‬صفحة‪.2 :‬‬

‫‪25‬‬
‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫أدلة التحدي والتعجيز‬

‫املبحث الأول‪ :‬التحدي بالإتيان مبثل القر�آن الكرمي‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬حتدي �شق القمر‪.‬‬


‫تحدي الكف��ار بالإتيان ب�أمر مماث��ل لأمر جاء‬
‫ويق�ص��د به��ا ّ‬
‫ب��ه النب��ي ﷺ‪ْ ،‬‬
‫وعجز الكف��ار عن الإتي��ان بمثله‪ ،‬كم��ا ح�صل مع‬
‫التح��دي بالإتيان بمثل القر�آن الكريم‪ ،‬مم��ا يدل على �أن القر�آن‬
‫الكريم من م�صدر فوق ب�شري عظيم وهو اهلل‪.‬‬
‫�أو قب��ول تح��د م��ن قب��ل الكف��ار ب�أمر خ��ارق ال يمكن لب�ش��ر‬
‫ع��ادي الإتيان بمثله مثل تحديهم للنبي ﷺ �أن ي�ش��ق لهم القمر‪،‬‬
‫مم��ا يبره��ن على الت�أيي��د الإلهي لمحمد ﷺ حي��ث َق ِبل التحدي‬
‫وتم ان�شقاق القمر �أمام �أعينهم‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫المبحث األول‪:‬‬
‫التحدي باإلتيان بمثل القرآن الكريم‪.‬‬

‫أوضــح دليل ظاهر وأقوى إعجاز باهر تحدّ ي الكفار باإلتيان‬


‫بمثل القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ ‬لكن ما وجهُ الإعجاز والقهر فيه؟‪.‬‬
‫‪ ‬كيف ُ�أق ِنع �ضعي ًفا باللغة العربية بهذا الإعجاز؟‪.‬‬
‫والإجابة مخت�صرة في تلك المعادلة‪:‬‬

‫قمة اال�ستفزاز ‪ +‬قمة التحدي= �إعجاز القر�آن القاهر‪.‬‬


‫ومعجزة القر�آن الكريم فيها داللتان على �صدق النبوة‪:‬‬
‫أول‪ :‬داللة العجز عن اإلتيان بمثله‪.‬‬
‫‪ً � ‬‬
‫‪ ‬ثان ًيا‪ :‬داللة الصدق في اختيار نوع التحدي‪.‬‬
‫وفيما يلي البيان‪:‬‬
‫‪ً �‬‬
‫أول‪ :‬داللة العجز عن الإتيان بمثله‪.‬‬
‫وهــذا َج ّل ٌّي واضح من خالل أجواء التحدي واالســتفزاز مع‬

‫‪29‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫العجز عــن قبول الن ِ َ‬


‫ــزال كاألبطال‪ ،‬وإلى أجــواء التحدي نأخذكم‬
‫فيما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬أكثــر النــاس قو ًة في البالغة ودقة فــي الفصاحة هم عرب‬
‫الجاهلية الذين ُبعث فيهم النبي ﷺ‪ ،‬وأشــعارهم البليغة تشهد لهم‬
‫بذلــك‪ .‬ومن جــاء بعدهم كان َّ‬
‫أقــل منهم في ذلك‪ ،‬بــل كان عرب‬
‫الجاهلية مرجع ّية لمن جاء بعدهم في البالغة والفصاحة!‪.‬‬
‫‪ -2‬ثــم يأتيهم من يســتفزّهم ببيــان بطالن أغلى مــا يملكون‪:‬‬
‫يضــر‬
‫ّ‬ ‫بالح َج ِ‬
‫ــر الــذي ال ينفــع وال‬ ‫آلهتهــم!‪ ،‬ويســفهها ويصفهــا َ‬
‫ويتوعدها بالحرق!‪.‬‬
‫﴿ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﴾ [األنبياء‪.]99 ،98 :‬‬
‫‪ -3‬ثم هو ِمن أقاربهم‪ ،‬وداعي المنافسة بين األقارب أشدّ ‪.‬‬
‫‪ -4‬ثــم يتحداهم القرآن بأن يأتــوا بمثله وهم أهل أنفة وحم ّية‬
‫وإ َباء يضحون ألجل كرامتهم‪..‬‬
‫﴿ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ﴾ [الطور‪.]34 ،33 :‬‬
‫ويكون هذا التحدي بأقوى ما يملكون‪ :‬لسانهم وبالغتهم!‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫‪ -5‬ثــم يزداد االســتفزاز والتحدي فيخبرهم أنهــم لو تعاونوا‬
‫أيضا فلن يســتطيعوا أن‬
‫جمي ًعــا مع بعضهم‪ ،‬بل وتعاونوا مع الجن ً‬
‫يأتوا بمثل هذا القرآن!!‪.‬‬
‫﴿ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ﴾ [اإلسراء‪.]88 :‬‬
‫‪ -6‬ويستمر مسلســل القهر والتحدي فيطالبهم باإلتيان بعشر‬
‫سور فقط!‬
‫مع تذكيرهم وح ّثهم على التعاون في ذلك!‪.‬‬
‫﴿ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﴾ [هود‪.]13 :‬‬
‫يق ِ‬
‫ف األمــر عند هذا االســتفزاز بل أمرهــم باإلتيان‬ ‫‪ -7‬ولــم ِ‬

‫بسورة واحدة مثله!!‬


‫﴿ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ﴾ [يونس‪.]38 :‬‬
‫‪ -8‬ولم يحدد القرآن الكريم مدة زمنية محددة لهذا التحدي!‪،‬‬
‫بل ترك لهم الزمن كله‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫ولو حدد لهم مهلة زمنية محددة لهذا التحدي لقالوا‪ :‬نستطيع‬
‫اإلتيان بمثل القرآن الكريم لكننا نحتاج بعض الوقت!‪.‬‬
‫‪ -9‬وقــد أمرهم القــرآن والرســول ﷺ بأمور فيها مشــقة من‬
‫عبادة وجهــاد وإنفاق‪ ،‬وهذه مطالب ال تقبلها النفوس إال إن كانت‬
‫متيقنــة من صدق القــرآن‪ ،‬وال يكون القرآن صاد ًقــا إال عند العجز‬
‫عن اإلتيان بمثله‪ ،‬فهذا مبرر للمســلمين ‪-‬قبل إسالمهم‪ -‬لمحاولة‬
‫اإلتيــان بمثــل القــرآن الكريم قبــل أن يتبعوا النبــي ﷺ‪ ،‬فلما اتبعه‬
‫المســلمون على ما في شــرعه من جهد ومشــقة دل هذا على أنهم‬
‫تأكدوا استحالة اإلتيان بمثله وكونه من رب العالمين‪.‬‬
‫نعم هناك محاوالت كوميدية صدرت من مســيلمة الكذاب‬
‫وآخرون لإلتيان بمثل القرآن الكريم لكنها تذكر على ســبيل‬
‫الدعابــة‪ ،‬وحتــى الكفار أنفســهم لــم يتعاملوا معهــا بجدية‬
‫لسخافتها وركاكتها‪..‬‬
‫اعترا�ض يرف�ضه العقل‪:‬‬
‫(تكذيــب محمد ﷺ لم يكن يهم كفار مكــة‪ ،‬ولوكان يهمهم‬
‫ألتــوا بمثــل هذا القــرآن‪ ،‬أي عدم إتيانهــم بمثل القرآن ســببه عدم‬
‫الرغبة ال عدم القدرة!)‬

‫‪32‬‬
‫وجواب هذا االعترا�ض‪:‬‬
‫كل الدالئل تدل على أنهم كانوا معنيين ومهتمين أشد االهتمام‬
‫بإبطــال دعوتــه وتكذيبــه‪ ،‬فعذبوا أتباعــه وقتلوا بعضهــم‪ ،‬وحاربوا‬
‫المســلمين بأنفســهم وأوالدهم وأموالهم‪ ،‬وخســروا أقرب الناس‬
‫لقلوبهــم في تلك الحروب مع المســلمين‪ ،‬ولــم يقصروا في ذلك‪،‬‬
‫وهــذا دليل عجزهــم التام عن اإلتيــان بمثل هذا القــرآن‪ ،‬فلو كانوا‬
‫قادريــن لما كلفوا أنفســهم هذه الحروب والدماء بــل لقاموا بقبول‬
‫التحدي واإلتيان بســورة من مثل هذا القرآن الكريم وأبطلوا دعوى‬
‫النبوة‪...‬وأنهوا دعوة النبي ﷺ‪ ،‬لكنهم أدركوا أن الحروب والدماء‬
‫واألشالء أسهل عليهم من اإلتيان بمثل هذا القرآن الكريم!‪.‬‬
‫وصدق الله العظيــم القائل‪ ﴿ :‬ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﴾ [السجدة‪.]2 :‬‬
‫‪ ‬ثان ًيا‪ :‬داللة ال�صدق في اختيار نوع التحدي‪.‬‬
‫فهل يعقل أن يكون ُمدع ًيا للنبوة كذ ًبا ‪-‬حاشاه ﷺ‪ -‬ثم يتحداهم‬
‫في أقوى ما يملكون؟! هل ُيعقل أن يكون هذا فعل الكاذبين؟‪.‬‬
‫لماذا لم يتحداهم في علم من العلوم التي ال يتقنونها كالطب‬
‫مثال؟‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫ال يقدم على اختيار هذا النوع من التحدي �إال اثنان‪:‬‬


‫‪ ‬إما مجنون‪ ،‬وقد ب ّينا اســتحالة الجنون عليه ﷺ من أقوال‬
‫المنصفين ومن التأمل في منجزاته‪.‬‬
‫‪ ‬وإما صادق ف ُيعرف أنه مؤيد من الله‪ .‬وهذا هو االحتمال‬
‫الوحيد‪.‬‬
‫�س���ؤال �أخير‪ :‬وماذا تقول في المحاوالت المعا�صرة‬
‫للإتيان بمثل القر�آن الكريم؟‬
‫قــرأت واطلعــت على محاوالت بائســة لإلتيان بمثــل القرآن‬
‫الكريــم‪ ،‬وســأجيب عنها جوا ًبــا عقل ًّيــا يدركه المتمكن فــي اللغة‬
‫العربية وغير المتمكن فأقول‪:‬‬
‫يعرف القاصي والداني والعالــم والجاهل أن عصر الجاهلية‬
‫وعصــر النبــوة هــو العصر األرقى فــي ميــدان اللغة العربيــة بالغ ًة‬
‫ونثرا‪...‬بل هو العصر الذي منه خرجت قواعد اللغة‬
‫ومتانة‪..‬شعرا ً‬
‫ً‬
‫العربيــة وصيغــت فيه ألوان البيــان‪ ،‬ومع ذلك عجــزوا عن اإلتيان‬
‫بمثل القرآن الكريم‪ ،‬فهل يرى أصحاب المحاوالت البائســة أنهم‬
‫كانوا أكثر بالغة وتمكنًا في اللغة العربية من أهل العصور األولى؟‬
‫إن قالــوا نعــم فقد شــهدوا على أنفســهم أنهم جهلــة بمعايير اللغة‬

‫‪34‬‬
‫العربية وتاريخها‪ ،‬والجاهل في اللغة ال يســتحق أن ننظر في إنتاجه‬
‫اللغوي‪.‬‬
‫وإن قالوا‪ :‬بل أهل العصور األولى أبلغ وأكثر تمكنًا من اللغة‬
‫العربية منا‪ ...‬فليجيبوا وقتها عن ســؤال‪ :‬فلماذا عجزوا وهم أمكن‬
‫منكم لغ ًة وأحرص منكم على تكذيب النبي ﷺ؟‪.‬‬

‫وبعبارة �أخرى‪ :‬تحدي الإتيان بمثل هذا القر�آن‬ ‫‪‬‬


‫حقّق هدفه ولم يعد في الإمكان التفكير‬
‫بالإتيان بمثله‪ ...‬وال�سالم‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪35‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫المبحث الثاين‪:‬‬
‫حتدي ّ‬
‫شق القمر‬
‫يعالــج البعض‪-‬ولألســف‪-‬قضية انشــقاق القمــر باعتبارهــا‬
‫ُ‬
‫«شــبهة» يــرد عليهــا ال باعتبارهــا دليل نبــوة ُمعت َبر‪ ،‬ولعل الســبب‬
‫فــي ذلك يرجــع لالنهــزام النفســي وربمــا اإليماني أمــام الهجمة‬
‫التشكيكية ضد اإلســام‪ ،‬ولضعف الملكة الحوارية البرهانية عند‬
‫الكثيرين من أبناء اإلسالم‪.‬‬
‫وسنثبت ‪-‬بعون الله‪ -‬فيما يأتي أن انشقاق القمر ليس «شبهة»‬
‫بل دليل حق على صدق النبوة‪:‬‬
‫¬� ً‬
‫أول‪ :‬حادثة االن�شقاق في الكتاب وال�سنة وداللتها‪.‬‬
‫حادثة انشــقاق القمر ُذكِرت في القرآن الكريم في قوله تعالى‬
‫في ســورة القمر‪﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾‪.‬‬
‫وفي أحاديث نبوية صحيحة عدة‪ ،‬حتى قال ابن كثير في تفسيره‪:‬‬
‫ول ال َّل ِه ﷺ‪،‬‬
‫ان رس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َان َه َذا في َز َم َ ُ‬
‫«قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮮ ﮯ ﴾ َقدْ ك َ‬
‫يح ِة» (((‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ك ََما ورد َذل َك في ْالَ َحاديث ا ْل ُمت ََوات َرة بِ ْالَ َسانيد َّ‬
‫الصح َ‬
‫((( تفسير ابن كثير‪ ،437/7 :‬طبعة دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫وقــد رواهــا مــن الصحابــة ابــن مســعود وابن عبــاس وأنس‬
‫بــن مالــك وجبير بن مطعم وحذيفــة بن اليمان ‪-‬رضــي الله عنهم‬
‫(((‬
‫أجمعين‪ -‬كما قال الحافظ ابن كثير في تحفة الطالب‪.‬‬
‫ومن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن مســعود ﭬ‬
‫ــه ﷺ فِ ْر َق َت ْي ِن‪ ،‬فِ ْر َق ًة َف ْو َق‬
‫ــول ال َّل ِ‬
‫ــق ال َقمر َع َلى َع ْه ِد رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َُ‬ ‫أنه قال‪ :‬ان َْش َّ‬
‫(((‬
‫«اش َهدُ وا»‪.‬‬ ‫ول ال َّل ِه ﷺ‪ْ :‬‬ ‫الج َبلِ‪َ ،‬وفِ ْر َق ًة ُدو َن ُه‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫َ‬
‫وكان هذا االنشــقاق بناء على طلب مــن بعض كفار مكة كما‬
‫(((‬
‫في رواية البخاري عن أنس ﭬ‪.‬‬
‫وهذا االنشــقاق داللــة ب ّينة على نبوة محمــد ﷺ‪ ،‬حيث رآها‬
‫الكفار وذكرت في القرآن الكريم على مســمع منهم دون اعتراض‬
‫المنكرين لهــا كفار قريش‬
‫أو تكذيــب‪ ،‬فلــو كانت كذ ًبا لــكان أول ُ‬
‫حيث قــرئ القرآن بوجودهــم وعلمهم فلم ينكروهــا وإنما قالوا‪:‬‬
‫سحر مستمر!(((‪.‬‬

‫((( تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب‪ ،‬صفحة‪.152-150 :‬‬
‫((( رواه البخاري وهي برقم‪.4864 :‬‬
‫((( وهي برقم‪.3637 :‬‬
‫((( كمــا يف رواية الرتمــذي التي صححها األلباين يف صحيح ســنن الرتمذي‪ ،‬وهي‬
‫برقم‪.3289 :‬‬

‫‪37‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫¬ ثان ًيا‪ :‬اعترا�ضات و�شبهات مدحو�ضة‪.‬‬


‫وهناك بعض الشبهات واالعتراضات على هذا الدليل نذكرها‬
‫ونبين بطالنها بإذن الله فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬الشــبهة األولــى‪ :‬ما الدليــل على أن هــذه الحادثة قد‬
‫ً‬
‫وقعت أصل؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫‪ -1‬الوجــه األول الذي ذكرناه وهــو أن أولى الناس بتكذيب‬
‫هــذه القصــة هــم كفــار مكة فهــي تدينهــم وتعكــر كفرهــم‪ ،‬وهم‬
‫حريصــون أشــد الحرص على إبطال نبوة محمــد ﷺ‪ ،‬وقد ُذكرت‬
‫الحادثة في القرآن الكريم وســمعوها فلم ينكروها‪ ،‬وكان أقوى رد‬
‫لديهم هو‪ :‬سحرنا محمد ﷺ!‪.‬‬
‫فدليلن��ا هنا �س��كوت الكف��ار مع �إقراره��م بحدوث‬
‫ف�سروه بال�سحر‪.‬‬
‫االن�شقاق و�إن ّ‬
‫‪ -2‬لــو كانت الحادثة كذ ًبا لكان هناك اعتراض من المســلمين‬
‫أنفســهم خاصة وأن الحادثة مك ّيــة وذكرت في القرآن المكي‪ ،‬وكان‬
‫المســلمون في ضعف واضطهــاد وتعذيب‪ ،‬فلو كانــت اختال ًقا من‬
‫النبــي ﷺ العترضــوا وربمــا ارتدوا‪ ،‬فهم لــم يتحملــوا المعاناة إال‬
‫العتقادهم صدق النبي ﷺ‪ ،‬فما المبرر التباعه لو ثبت كذبه عليهم؟‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫‪ ‬الشبهة الثانية‪ :‬لماذا لم يرها أهل األرض كلهم؟‪.‬‬
‫لو كانت هذه الحادثة ‪-‬انشقاق القمر‪ -‬قد حصلت ً‬
‫فعل لرآها‬
‫أهل األرض‪ ،‬و َل َرواها جمع كبير من البشر غير النفر المسلمين من‬
‫أهل مكة!‪ ،‬فلماذا لم يذكرها إال المسلمون فقط من أهل مكة؟‬
‫لذا هذه الحادثة لم تقع!‪.‬‬
‫والجواب على هذه ال�شبهة المتهافتة من عدة وجوه‪:‬‬
‫‪ -1‬هــذه الحادثــة كانت بناء علــى طلب مجموعــة من كفار‬
‫قريــش‪ ،‬فكانت تحدي لهم خاصــة‪ ،‬وال مانع ً‬
‫عقل من حجب هذه‬
‫الحادثة عن أهل األرض باستثناء من توجه لهم التحدي‪ ،‬وال وجه‬
‫لالســتغراب من ذلك خاصــة في زمننا هذا الــذي تطورت أدوات‬
‫التصويــر وفنون اإلخراج و«الفوتوشــوب» بشــكل مذهل من قِ َبل‬
‫البشر‪ ،‬فما با ُلنا ِّ‬
‫برب البشر؟!‪.‬‬
‫‪ -2‬ومن الممكن غفلة أكثر أهل األرض عنها ألنها جاءت في‬
‫وقت نوم لكثير منهم‪ ،‬وغفلة عن الرصد لبقية أخرى منهم‪ ،‬كما أن‬
‫الســقوف تحجب الرؤيا‪ ،‬والظاهر أنهــا حصلت في ثوان معدودة‪،‬‬
‫وربما رآهــا البعض فظن أن هناك ً‬
‫خلل في بصره ولم يصدق نظره‬
‫لغرابة الحادثة‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫وقد أشار إلى قريب من ذلك الرازي في تفسيره عندما أعطى‬


‫«و َأ َّما‬
‫محتمل إلغفال البعض ذكر حادثة االنشقاق‪َ :‬‬ ‫ً‬ ‫تفســيرا‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫يخ في َأ ْك َث ِر ْالَ ْم ِر َي ْســ َت ْعم ُل َها‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون َفت ََركُــو ُه‪ ،‬لَ َّن الت ََّو ِار َ‬
‫ا ْل ُم َؤ ِّر ُخ َ‬
‫ا ْلمنَجم‪ ،‬و ُهو َلما و َقع ْالَمر َقا ُلوا‪ :‬بِ َأ َّنه مِ ْث ُل ُخس ِ‬
‫ــوف ا ْل َق َم ِر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ِّ ُ َ َ َّ َ َ ْ ُ‬
‫ف ا ْل َق َم ِر فِي َم ْو ِض ٍع‬ ‫ور َشــي ٍء فِي ا ْلجو َع َلى َشــ ْك ِل نِص ِ‬ ‫َو ُظ ُه ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ْ‬
‫آخر َفتَركُوا ِح َكاي َته فِي َتو ِار ِ‬
‫يخ ِه ْم»(((‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫وذكر القاضي عياض في الشفا احتماالت أخرى منطقية لعدم‬
‫اض‬‫«و َل ُي ْل َت َف ُت إِ َلى ا ْعتِ َر ِ‬ ‫رؤية انشقاق القمر من قبل األكثرية فقال‪َ :‬‬
‫ض إِ ْذ هو شــيء‬ ‫ول بِأنَّــ ُه َل ْو كان هذا لم يخــف عل َأ ْهل ْالَ ْر ِ‬ ‫ــذ ٍ‬ ‫َم ْخ ُ‬
‫ض َر َصدُ و ُه تِ ْل َك ال َّل ْي َل َة‬ ‫اهر لِج ِم ِ‬
‫يع ِه ْم‪ ،‬إِ ْذ َل ْم ُينْ َق ْل َلنَا َع ْن َأ ْهل ْالَ ْر ِ‬ ‫َظ ٌ َ‬
‫ِ‬
‫وز َتما ُل ُؤ ُه ْم ل ِ َك ْث َرتِ ِه ْم َع َلى‬‫َف َل ْم َي َر ْو ُه ان َْش َّق‪َ ،‬و َل ْو ن ُِق َل إلينا َع َّم ْن َل َي ُج ُ‬
‫اح ٍد ل ِ َج ِمي ِع‬ ‫ب َلما كَان َْت َع َلينَا بِ ِه حج ٌة إِ ْذ َليس ا ْل َقمر فِي حدِّ و ِ‬
‫َ َ‬ ‫َُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫ا ْل َكذ ِ َ‬
‫اآلخ ِري َن‪َ ،‬و َقدْ‬‫ض‪َ ،‬ف َقدْ َي ْط ُل ُع َع َلى َق ْو ٍم َق ْب َل َأ ْن َي ْط ُل َع َع َلى َ‬ ‫َأ ْهــ ِل ْالَ ْر ِ‬
‫ول‬ ‫ض‪َ ،‬أ ْو َي ُح ُ‬ ‫ار ْالَ ْر ِ‬ ‫ون من َق ْو ٍم بِ ِضدّ َما ُه َو من ُم َقابِلِ ِه ْم من َأ ْق َط ِ‬ ‫َي ُك ُ‬
‫ض‬ ‫ات فِي َب ْع ِ‬ ‫َجدُ ا ْل ُكســو َف ِ‬
‫ُ‬
‫اب َأ ْو ِج َب ٌال‪َ ،‬ول ِ َه َذا ن ِ‬
‫ــح ٌ‬‫َب ْي َن َق ْو ٍم َو َب ْينَ ُه َس َ‬
‫ض َوفِي َب ْع ِض َها ُج ْزئِ َّي ٌة َوفِي َب ْع ِض َها ُك ّل ّي ٌة َوفِي َب ْع ِض َها‬ ‫ون َب ْع ٍ‬ ‫ــا ِد ُد َ‬ ‫ا ْلبِ َ‬

‫((( التفسير الكبير للرازي‪.288/29 :‬‬

‫‪40‬‬
‫يم‪َ ،‬وآ َي ُة‬ ‫ــك َت ْق ِد ُير ا ْل َع ِز ِ‬
‫يــز ا ْل َعلِ ِ‬ ‫ــون ل ِ ِع ْل ِم َهــا‪َ ،‬ذل ِ َ‬
‫المدَّ ُع َ‬ ‫َل َي ْع ِر ُف َهــا َّإل ُ‬
‫اف‬ ‫يج ُ‬ ‫ون َوإِ َ‬ ‫الس ُك ُ‬ ‫ليل َوا ْل َعا َد ُة مِ َن الن ِ‬
‫َّاس بِال َّل ْي ِل ا ْل ُهدُ ُّو َو ُّ‬ ‫ا ْل َق َم ِر كَان َْت ً‬
‫ور الســم ِ‬ ‫اب و َق ْطع التَّصر ِ‬
‫اء َشــ ْي ًئا َّإل‬ ‫ف من ُأ ُم ِ َّ َ‬ ‫ف َو َل َي َكا ُد َي ْع ِر ُ‬ ‫ْالَ ْب َو ِ َ ُ َ ُّ‬
‫ــوف ا ْل َق َم ِر ُّي‬
‫ــون ا ْل ُك ُس ُ‬ ‫ــه‪َ ،‬ول ِ َذل ِ َك َما َي ُك ُ‬ ‫ــك و ْاه َتب َل بِ ِ‬ ‫ِ‬
‫مــن َر َصــدَ َذل َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫بــا ِد و َأ ْك َثر ُهم َل يع َل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ث‬ ‫يــرا َما ُي َحدّ ُ‬‫ــم بِه َحتَّى ُي ْخ َب َر َوكَث ً‬ ‫يــرا في ا ْل َ َ ُ ْ َ ْ ُ‬ ‫كَث ً‬
‫اهدُ ون ََها من َأن َْو ٍار َون ُُجو ٍم َط َوال ِ َع ِع َظا ٍم َت ْظ َه ُر فِي‬ ‫ات بِعجائِب ي َش ِ‬
‫ال َّث َق ُ َ َ َ ُ‬
‫اء َو َل ِع ْل َم عند َأ َح ٍد مِن َْها»(((‪.‬‬ ‫ان بِال ّلي ِل فِي السم ِ‬ ‫األحي ِ‬
‫َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫‪ -3‬مــع التذكير أن انشــقاق القمر كان ً‬
‫ليل وهذا يســتثني من‬
‫نهارا يوم‬
‫رؤيته نصف ســكان األرض على األقل حيث كان وقتهم ً‬
‫كان وقت أهل مكة ً‬
‫ليل‪.‬‬
‫‪ً -4‬‬
‫عقل يقدم المثبت على النافي إن وجد من ينفي‪.‬‬
‫فلــو قال زيد‪ :‬رأيت أســدً ا‪ .‬وقال عمــرو‪ :‬لم َأر أســدً ا‪ .‬فقول‬
‫زيــد يقدم ألن عنده زيادة علم‪ ،‬وأما عمرو فكل ما في كالمه أنه لم‬
‫يشاهد أسدً ا ومن المحتمل أن األسد جاء ولم يشاهده‪.‬‬
‫فلو افترضنا أن هناك َمن قال‪ :‬شــاهدت انشــقاق القمر‪ ،‬وقال‬
‫آخر لم أشاهد انشقاق القمر فقول األول هو المقدم‪.‬‬
‫((( الشفا بتعريف حقوق المصطفى‪ ،‬للقاضي عياض‪.283/1 :‬‬

‫‪41‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫مــع العلــم أن لم ينقل ‪-‬فيما أعلم‪ -‬عن شــخص مــا أنه راقب‬
‫السماء في تلك الليلة بشكل كامل ودقيق ثم قال لم أشاهد االنشقاق‪.‬‬
‫‪ -5‬ومــع كل ذلــك هنــاك حضارات ذكــرت هذا االنشــقاق‬
‫وأرخت له وتكلمت عنه‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪-‬منها ً‬
‫مثــا حضارة (المايا) في أمريكا الوســطى‪ ،‬حيث ذكر‬
‫موقع متخصص بتلك الحضارة ً‬
‫مقال بعنوان‪:‬‬
‫‪The Split Moon of the Madrid Codex and Persian Manuscripts‬‬

‫�أو‪:‬‬
‫المنشــق فــي وثائقيــات مدريــد والمخطوطــات‬
‫القمــر ُ‬
‫الفارسية!!‬
‫وذكــر فيــه اعتمــاد حادثة انشــقاق القمر فــي التاريــخ المايي‬
‫وتأريخه بتاريخ موافق لحياة النبي ﷺ قبل الهجرة!‪.‬‬
‫أيضا وثيقة فارسية تشير النشقاق القمر!(((‪.‬‬
‫وذكر ً‬

‫((( نشــرت صفحة «الباحثون المســملون» تحقيقا علميــا تاريخيا رصينا حول‬
‫هــذه الحادثــة تجده تحت عنــوان‪ :‬هل النشــقاق القمر من شــواهد علمية‬
‫وتاريخية؟‬

‫‪42‬‬
‫‪43‬‬
‫�صورة لمن�شور «القمر المن�شق في وثائقيات مدريد والمخطوطات الفار�سية»‬
‫وقد ح�صلنا عليه من موقع ار�شيف النت ب�سبب حذفه �أكثر من مرة!‪.‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫‪-‬هناك مخطوطة هندية نقلها الشيخ عبد المجيد الزنداني عن‬


‫حميــد الله وهــي موجودة في مكتبة مكتب دائــرة الهند بلندن التي‬
‫تحمــل رقم المرجــع‪ :‬عربي ‪ 152 ،2807‬إلى ‪ 173‬وقد اقتبســها‬
‫حميد الله في كتابه محمد رسول الله‪.‬‬
‫وتبي��ن هذه المخطوطة �أن �س��بب �إ�س�لام �أح��د �أمراء‬
‫الهند حادثة ان�شقاق القمر‪ ،‬ومما جاء فيها‪:‬‬
‫«شــاهد ملك ما جبــار «ماالبار» بالهنــد (جاكرواني فرماس)‬
‫انشقاق القمر؛ الذي وقع لمحمد‪ ،‬وعلم عند استفساره عن انشقاق‬
‫القمــر بأن هناك نبوة عن مجيء رســول من جزيرة العرب‪ ،‬وحينها‬
‫ع ّيــن ابنه خليفــة له‪ ،‬وانطلق لمالقاته‪ .‬وقد اعتنق اإلســام على يد‬
‫النبــي‪ ،‬وعندما عاد إلى وطنه‪ -‬بناء علــى توجيهات النبي‪ -‬وتوفي‬
‫في ميناء ظفار»(((‪.‬‬
‫‪-‬ي�ضاف �إلى ذلك ما نقله الحافظ ابن كثير عن بع�ض‬
‫من عاد من الهند‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫اح ٍد مِ َن ا ْل ُم َســافِ ِري َن َأن َُّه ْم َش َ‬
‫ــاهدُ وا‬ ‫« َع َلــى َأ َّنه َقــدْ َذكَر َغيــر و ِ‬
‫َ ْ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫(((‬
‫َه ْي َك ًل بِا ْل ِهن ِْد َم ْكتُو ًبا َع َل ْيه إِ َّن ُه ُبن َي في ال َّل ْي َلة ا َّلتي ان َْش َّق ا ْل َق َم ُر ف َيها»‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫((( بينات الرسول ﷺ ومعجزاته للزنداين‪ ،‬صفحة‪ 225 :‬وهامشها‪.‬‬


‫((( البداية والنهاية البن كثير‪.564/6 :‬‬

‫‪44‬‬
‫‪ ‬الشبهة الثالثة‪ :‬الحادثة وتعارضها مع العلم التجريبي!‪.‬‬
‫من الناحية العلمية ال يمكن القول بحدوث االنشقاق للقمر‪،‬‬
‫ألن هذا االنشــقاق له آثار جانبية لو حصل مثل اختالل حركة المد‬
‫والجــزر‪ ،‬كمــا أن تضاريــس القمر ال تــدل على حدوث انشــقاق‪،‬‬
‫بمعنى آخر علم ًّيا لم يثبت وال يثبت انشقاق القمر!‪.‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫ال تصدر هذه الشبهة إال عمن يجهل حقيقة المعجزة وغايتها‪.‬‬
‫المعجزة أمر خارق للعادة خــارق للقوانين العلمية التجريبية‬
‫ولــو كانت المعجزة خاضعة لقواعــد البحث العلمي التجريبي لما‬
‫كانــت معجزة بل مجرد ســبق واكتشــاف علمي‪ ،‬ولمــا دلت على‬
‫أنهــا من عند إلــه قوي عزيز جبار عليم‪ ،‬ولكانت اكتشــافات نيوتن‬
‫وأينشتاين معجزات!‪.‬‬
‫العقــل يتصور المعجزة ويفهــم غايتها‪ ،‬لكــن أدوات البحث‬
‫العلمي التجريبي ال تنطبق عليها ألنها ببساطة معجزة للبشر‪.‬‬
‫شــق القمر ال يعجز عن جعل هذا االنشــقاق بال‬
‫وبالتالي من ّ‬
‫توابــع وال مؤثرات علــى المد والجزر‪ ،‬وألعاد القمر إن شــاء كما‬
‫كان بال أي أثر على وجود انشقاق فيه‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫‪ ‬الشبهة الرابعة‪ :‬هذا االنشقاق يوم القيامة!‪.‬‬


‫االنشــقاق الوارد في اآلية الكريمــة يحدث يوم القيامة‪ ،‬وجاء‬
‫بصيغة الماضي كناية عن تحققه كقوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ﴾ [النحل‪.]1 :‬‬
‫وهــذا االعتراض يصدر من بعض المســلمين ال إنكارا للنبوة‬
‫ولكن استبعا ًدا لحدوث االنشقاق في الدنيا‪.‬‬
‫والجواب عليه في من عدة وجوه‪:‬‬
‫‪ -1‬أن انشقاق القمر ُروي بأحاديث صحيحة أوصلها البعض‬
‫للتواتــر كابــن كثيــر(((‪ ،‬والمنــاوي(((‪ ،‬والشــوكاني(((‪ ،‬فــا مجال‬
‫إلنكارها وال مبرر‪.‬‬
‫‪ -2‬القــول بحــدوث االنشــقاق مجمــع عليــه‪ .‬قــال القاضي‬
‫اضــي َوإِ ْع َر ِ‬
‫اض‬ ‫عيــاض‪َ « :‬أ ْخبــر َتعا َلــى بِو ُقو ِع ان ِْشــ َقاقِ ِه بِ َل ْف ِ‬
‫ــظ ا ْلم ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫وع ِه»(((‪.‬‬
‫ون و َأ ْه ُل السن َِّة َع َلى و ُق ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ا ْل َك َف َرة َع ْن آ َياته َو َأ ْج َم َع ا ْل ُم َف ِّس ُر َ َ‬

‫((( انظر تفسير ابن كثير‪.437/7 :‬‬


‫((( العجالة السنة على الفية السيرة النبوية‪ :‬صفحة‪65‬‬
‫((( فتح القدير للشوكاين‪145/5 :‬‬
‫((( الشفا‪281/1 :‬‬

‫‪46‬‬
‫‪ -3‬ســياق اآليات ومعانيها تدل علــى أن هذا الحدث حصل‬
‫في الدنيا ال أنه سيحصل يوم القيامة‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪-‬صيغــة الماضــي في لفظة «انشــق» تــدل علــى حدوثها في‬
‫الماضــي وال قرينــة تصــرف هــذا المعنى عــن حقيقته‪ ،‬وال يســلم‬
‫مقارنتهــا مــع قولــه تعالــى‪ ﴿ :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ﴾ [النحل‪]1 :‬‬

‫حيث قوله تعالى‪﴿ :‬ﮋ ﮌ﴾ يصرف المعنى عن الماضي‪.‬‬


‫‪-‬قولــه تعالــى‪﴿ :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾‬
‫[القمــر‪ ]2 :‬يــدل على أن الكالم عن قوم شــاهدوا آية صدق وعالمة‬
‫نبــوة ومع ذلك أعرضــوا ولم يؤمنوا‪ ،‬وأحداث يوم القيامة ليســت‬
‫آيــات لإليمــان‪ ،‬وإنما آيات اإليمــان والتصديق فــي الدنيا وألهل‬
‫الدنيا حيث ينفع اإليمان والعمل الصالح‪.‬‬
‫كما أن قولهم‪﴿ :‬ﯗ ﯘ﴾ يدل على الحدوث في الدنيا‬
‫حيث ال يجرؤ أحد على هذا القول يوم القيامة‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫اإلخبار عن غيبيات مستقبلية قبل حصوهلا‪.‬‬

‫املبح��ث الأول‪ :‬الإخب��ار بغلب��ة الروم على الفر���س بع��د هزميتهم يف‬

‫�سنِ َ‬
‫ني»‪.‬‬ ‫ع ِ‬ ‫فرتة زمنية حمددة قريبة ن�سبيًّا» ِف ب ْ‬
‫ِ�ض ِ‬

‫املبح��ث الث��اين‪ :‬نبوءة تط��اول البدو بالعمران وتناف�س��هم يف ذلك‪.‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬الإخبار مبوت �أبي لهب وزوجته على الكفر‪.‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬الكا�سيات العاريات‪ ..‬و�صف نبوي دقيق‪.‬‬

‫املبح��ث اخلام���س‪ :‬الإخب��ار بالهج��وم الكب�ير عل��ى امل�س��لمني م��ع‬

‫الإخبار بكرثتهم �آنذاك‪.‬‬

‫املبحث ال�ساد�س‪ :‬الإخبار بالنار العظيمة التي خرجت من احلجاز‪.‬‬

‫املبح��ث ال�س��ابع‪ :‬الإخب��ار بانت�ص��ار امل�س��لمني وه��م �ضعف��اء‬

‫م�ست�ضعفون يف مكة‪.‬‬
‫ح�ص��ول �أحداث ف��ي الم�س��تقبل �أخبر عنها النب��ي ﷺ قبل‬
‫ح�صوله��ا دلي��ل عقلي عل��ى �أن النبي ﷺ م�ؤيد م��ن القوة العظمي‬
‫العالم��ة بالغي��ب‪ ،‬خا�صة ل��و كان الإخب��ار النب��وي دقي ًقا ي�صعب‬
‫قوله تخمي ًنا‪ .‬وفيما ي�أتي بع�ض تلك الإخبارات‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫المبحث األول‪:‬‬
‫اإلخبار بغلبة الروم عىل الفرس بعد هزيمتهم يف فرتة‬
‫ِض ِع ِس ِن َ‬
‫ني»!‪.‬‬ ‫نسبيا ِ«ف ب ْ‬
‫زمنية حمددة قريبة ًّ‬

‫ٌّ‬
‫ظــان أن دليل النبوة فــي هذا اإلخبار‬ ‫في بــادئ األمر قد يظن‬
‫منحصر في كونه قد تحقق‪ ،‬وهذا غير صحيح‪ ،‬فقد يتوقع شــخص‬
‫مــا فوز فريق على فريق فيتحقق توقعه‪ ،‬فهل هذا يدل على أنه ُملهم‬
‫مــن عند الله؟! بالطبع ال‪ ..‬لكن قوة هــذا الدليل على صدق النبوة‬
‫أكبر من ذلك بكثير‪ ،‬وفيما يأتي برهان كالمي‪.‬‬
‫‪� ‬أوال‪ :‬ال�س��رد القر�آن��ي والحديث��ي لهذا الإخب��ار الغيبي‬
‫الم�ستقبلي‪.‬‬
‫فقــد قــال تعالى في ســورة الــروم‪ ﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯛ ﯜﯝ‬ ‫ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ﴾ [الروم‪.]5 - 2 :‬‬
‫وقــد ثبت في الســنة النبويــة تفاصيــل أكثر حول هــذا اإلنباء‬
‫الغيبي المذهل‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫واخت�ص��ارا في الطرح نورد لكم تفا�صيل هذا الإخبار‬


‫ً‬
‫كما ورد في مجمل الأحاديث ال�صحيحة فيما ي�أتي‪:‬‬
‫ــه َت َعا َلى‪ ﴿ :‬ﮫ ﮬ‬ ‫اس ﭭ َأنَّــه َق َال فِي َقول ِ ِ‬ ‫«و َعــ ْن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ــو َم ن ََز َل ْت‬ ‫ــار ُس َي ْ‬ ‫َــت َف ِ‬‫ــال‪ :‬كَان ْ‬ ‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﴾‪َ ،‬ق َ‬
‫ون ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الرو ِم‬ ‫ور ُّ‬ ‫ــون ُظ ُه َ‬‫ح ُّب َ‬ ‫َان ا ْل ُم ْســل ُم َ ُ‬ ‫لــرومِ‪َ ،‬وك َ‬ ‫َهــذه ْال َي ُة َقاه ِري َن ل ُّ‬
‫ُون ي ِ‬ ‫ــل كِت ٍ‬ ‫ِ‬
‫ون َأ ْن‬ ‫ح ُّب َ‬ ‫ــرك َ ُ‬ ‫َان ا ْل ُم ْش ِ‬‫َــاب‪َ ،‬وك َ‬ ‫اه ْم َأ ْه ُ‬ ‫ــم َوإِ َّي ُ‬
‫ــم‪ ،‬لَن َُّه ْ‬ ‫َع َل ْي ِه ْ‬
‫اهم َأ ْه ُل ْالَو َث ِ‬ ‫ِ‬ ‫ــر َأ ْه ُل َف ِ‬
‫ان‪َ ،‬و َل ْي ُســوا‬ ‫ْ‬ ‫الرومِ‪ ،‬لَن َُّه ْم َوإِ َّي ُ ْ‬ ‫ار َس َع َلى ُّ‬ ‫َي ْظ َه َ‬
‫ــر ﭬ َف َذك ََر ُه‬ ‫َــرو ُه ِلَبِــي َب ْك ٍ‬ ‫ٍ‬
‫يمــان بِ َب ْعــث‪َ ،‬ف َذك ُ‬
‫ٍ‬ ‫بِ َأ ْهــ ِل كِت ٍ‬
‫َــاب َو َل إِ َ‬
‫ْــز َل اللــ ُه َت َعا َلى َه ِذ ِه ْال َيــةَ‪َ ،‬ق َال‬ ‫اللــه ﷺ‪َ ،‬ف َل َّما َأن َ‬ ‫ــول ِ‬ ‫َأ ُبــو َب ْك ٍر لِرس ِ‬
‫َ ُ‬
‫ون»‪ ،‬وفِي َذل ِ َك َقو ُل ِ‬ ‫ِ‬ ‫الله ﷺ‪َ :‬‬ ‫ــول ِ‬
‫الله َت َعا َلى‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫«أ َما إِن َُّه ْم َســ َيغْل ُب َ َ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫﴿ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ‬
‫ــر ي ِصيــح فِــي نَو ِ‬
‫احــي َم َّكةَ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ــر َج َأ ُبــو َب ْك ٍ َ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ﴾ َف َخ َ‬
‫﴿ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ‬
‫ش ِلَبِي‬ ‫َاس مِ ْن ُق َر ْي ٍ‬ ‫ــال ن ٌ‬ ‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ﴾‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ار َس‬ ‫ب َف ِ‬ ‫الرو َم َســ َت ْغلِ ُ‬ ‫َب ْك ٍ‬
‫ــر‪َ :‬ف َذل َك َب ْينَنَــا َو َب ْينَ ُك ْم‪َ ،‬ز َع َم َصاح ُب َك َأ َّن ُّ‬
‫ــال‪َ :‬ب َلى ‪َ -‬و َذل ِ َك َق ْب َل‬ ‫اهن َُك َع َلى َذل ِ َك؟‪َ ،‬ق َ‬ ‫فِي بِ ْض ِع ِســنِين‪َ ،‬أ َف َل نُر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يم الر َه ِ‬
‫ان ‪َ -‬ف ْار َت َه َن َأ ُبو َب ْك ٍر َوا ْل ُم ْش ِ‬
‫الر َه َ‬
‫ان‪،‬‬ ‫اض ُعوا ِّ‬ ‫ُون‪َ ،‬و َت َو َ‬ ‫ــرك َ‬ ‫َت ْح ِر ِ ِّ‬

‫‪52‬‬
‫َــك َأ َج ًل‪َ ،‬فإِ ْن َظ َه ْرنَا‪ ،‬ك َ‬ ‫ِ‬
‫َان َلنَا ك ََذا‬ ‫اج َع ْل َب ْينَنَا َو َب ْين َ‬‫َو َقا ُلــوا لَبِي َب ْك ٍر‪ْ :‬‬
‫ــت ِســنِي َن‪،‬‬ ‫َان َل ُك ْم ك ََذا َوك ََذا‪َ ،‬ف َج َع َل َأ َج ًل‪ِ ،‬س َّ‬ ‫َوك ََذا‪َ ،‬وإِ ْن َظ َه ْر ُت ْم‪ ،‬ك َ‬
‫ُون َر ْه َن َأبِي‬‫ــرك َ‬‫ــت ِســنِي َن َق ْب َل َأ ْن َي ْظ َه ُروا‪َ ،‬ف َأ َخ َذ ا ْل ُم ْش ِ‬ ‫َف َم َض ْت ِّ‬
‫الس ُّ‬
‫ار َس‪....‬‬ ‫الرو ُم َع َلــى َف ِ‬‫ــر ْت ُّ‬ ‫الســابِ َعةُ‪َ ،‬ظ َه َ‬‫الســنَ ُة َّ‬ ‫َب ْك ٍ‬
‫ــر َف َل َّما َد َخ َل ْت َّ‬
‫َاس كَثِ ٌير(((‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َأ ْس َل َم عنْدَ َذل َك ن ٌ‬
‫وجاء فــي رواية صحيحة أن النبي ﷺ ذكّــر أبا بكر أن البضع‬
‫ليس ست سنين بل هو ما دون العشر سنين‪ ،‬فانتبه وكسب الرهان(((‪.‬‬
‫والب�ضع في اللغة‪ :‬ما بين ال َّث َل ِ‬
‫ث إِلى الت ِّْس ِع(((‪.‬‬
‫‪ ‬ثانيا‪ :‬معالم القوة في هذا البرهان على �صدق النبوة‪.‬‬
‫وهي كثيرة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ -1‬القــرآن أخبرهــم عــن انتصار الــروم في فترة زمنيــة قادمة‬
‫محــدودة‪ ،‬وال يمكن لمحمد ﷺ أن يخبر عــن هذا الحدث الغيبي‬
‫مضطرا‬
‫ً‬ ‫ويخاطر إال إن كان واث ًقا من أنه نبي من العليم الخبير‪ ،‬وليس‬
‫ً‬
‫أصل لهذه المغامرة‪-‬وهو الشخص الذكي كما ب ّينا في المقدمات‪-‬‬
‫((( الجامع الصحيح للسنن والمسانيد‪ ،‬لصهيب عبد الجبار‪ ،303/14 :‬نسخة إلكرتونية‪.‬‬
‫((( رواه أحمد يف مســنده برقم‪ ،2769 :‬وقال عنه محققو المســند‪ :‬إسناده صحيح‬
‫على شرط الشيخين‪.‬‬
‫((( الكشاف للزمخشري‪ ،472/2 :‬تاج العروس للزبيدي‪.332/20 :‬‬

‫‪53‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫لو افترضنا أنه مدعي للنبوة كذ ًبا ‪-‬حاشاه‪ ،-‬خاصة وأن دعوته كلها‬
‫ســوف تنهار لو لــم يتحقق هذا اإلخبــار الغيبي‪ ،‬وهــذا برهان على‬
‫صدقه في النقل عن ربه وصلته بالقوة العظمى وثقته بها‪.‬‬
‫‪-2‬هــذا اإلخبار الغيبــي كان في مكة وكانت قوة المســلمين‬
‫المادية وقتهــا ضعيفة جدً ا‪ ،‬وكان التعذيــب عليهم واقع‪ ،‬ولو ثبت‬
‫كــذب خبره عن الــروم لزاد عليهــم التنكيل والتعذيــب‪ ،‬هذا على‬
‫فرض بقاء أنصار له وقتها‪ ،‬فهل يعرض عاقل نفســه لزيادة التنكيل‬
‫إال إذا كان واث ًقا من مصدر الخبر وأنه من إله عليم خبير؟‪.‬‬
‫‪-3‬تحقــق هــذا الوعــد الغيبي بنصــرة الــروم وحصوله ثابت‬
‫قط ًعــا‪ ،‬ألن الله ذكــره في القــرآن وكان يتلى على مســامع الكفار‪،‬‬
‫فلــو لم يقع هذا الحدث الســتغل الكفار هــذا األمر وقالوا‪ :‬محمد‬
‫كذاب‪...‬أخبركم بنصر الروم ولم ينتصروا!‪.‬‬
‫بل لو لم يحدث هذا األمر العترض أصحاب النبي ﷺ عليه‪،‬‬
‫ولقالوا‪ :‬لم يصدق معنا القرآن‪ ،‬ولو كان القرآن من الله لتحقق هذا‬
‫اإلخبار الغيبي!‪.‬‬
‫وبمــا أن األعداء واألصحاب لــم يعترضوا فدل ذلك على أن‬
‫هذا اإلخبار قد وقع بالفعل‪ ،‬بل في الحديث الحســن عند الترمذي‬

‫‪54‬‬
‫أن هناك أناس كثر قد أسلموا بعد تحقق اإلخبار الغيبي(((‪.‬‬
‫فلو قال لنا قائل‪ :‬تاريخيا لم يثبت انتصار الروم‪-‬وكالمه خطأ‬
‫حتى تاريخ ًّيا‪ ،-‬فقل له‪ِ :‬أرح نفســك يا صديقي فلو لم يكن انتصار‬
‫الــروم وقتهــا ثابتًــا تاريخ ًّيــا العترض قبلــك كفار قريــش ومنافقو‬
‫المدينة ويهودها‪ ،‬وقد كانوا أحرص منك على تكذيب النبي ﷺ‪.‬‬
‫‪-4‬األســلوب القرآني في بيان هذا الحدث الغيبي المستقبلي‬
‫كان ملي ًئــا بالثقــة المطلقة وبالتحدي‪ ،‬فقد قــال تعالى‪ ﴿ :‬ﮫ ﮬ‬
‫ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﴾‪...‬تحديد زمني!‪.‬‬
‫ثم قال بعدها مباشرة‪ ﴿ :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﴾ زيادة‬
‫في تأكيد أن األمر من الله‪ ،‬تأكيدً ا من الصعب أن يجزم به بشــر من‬
‫عند نفسه!‪.‬‬
‫ثم بعدها بقليل يقــول تعالى‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾ قمة في التأكيد والثقة بتحقق األمر بال ريب!‪.‬‬
‫�أ ر�أيتم قوة الخطاب في هذا الأمر الغيبي الم�ستقبلي!‬ ‫‪‬‬
‫على ماذا يدل ذلك؟‪.‬‬
‫‪‬‬
‫((( حسنه األلباين يف صحيح الرتمذي برقم‪.3194 :‬‬

‫‪55‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫هــذا تحليل مبدئــي لهذا البرهــان على صدق النبــوة ماله من‬
‫توهجا وإشــرا ًقا لو‬
‫ً‬ ‫دافــع لطالــب الحق‪ ،‬وربما يزداد هــذا البرهان‬
‫تأملناه بشكل أكبر‪...‬والحمد لله‪.‬‬
‫‪ ‬ثال ًثا‪ :‬محاوالت بائ�سة لهدم هذا الدليل!‪.‬‬
‫كانــت هناك محــاوالت بائســة للعبــث بهــذا البرهــان‪ ،‬تار ًة‬
‫باالســتناد على قراءات شــاذة وروايات ضعيفــة مخالفة للقراءات‬
‫المتواترة والروايات الصحيحة‪ ،‬وتار ًة بإنكار حدوث هذا االنتصار‬
‫للروم في تلك المدة المذكورة في القرآن الكريم‪.‬‬
‫أمــا محاولــة االســتعانة بروايــات أخــرى تخالــف النبــوءة‬
‫فيدحضها كون القــراءات المتواترة الثابتة متفقة على كون الحادثة‬
‫إخبارا عن غيب مستقبلي‪ ،‬فال اعتبار لما يخالفها من روايات شاذة‬ ‫ً‬
‫مردودة أكانت تلك الروايات قرآنية أم حديثية‪.‬‬
‫قــال الطبري‪ :‬والصواب مــن القراءة في ذلــك عندنا الذي ال‬
‫يجوز غيــره ﴿ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﴾ بضم الغين؛ إلجماع الحجة‬
‫القراء عليه(((‪.‬‬
‫من ّ‬
‫وقــال القرطبي عن الرواية الشــاذة التي تعلــق بها المرجفون‪:‬‬
‫ات بِ ِه(((‪.‬‬
‫الر َوا َي ُ‬ ‫وفِي َه ِذ ِه ا ْل ِقراء ِة َق ْلب ل ِ ْلمعنَى ا َّل ِذي َت َظ َ ِ‬
‫اه َرت ِّ‬ ‫ٌ َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫((( جامع بيان للطربي‪.66/20 :‬‬
‫((( تفسير القرطبي‪.5/14 :‬‬

‫‪56‬‬
‫وإما محاولة اإلنكار التاريخي لهزيمة الروم ثم غلبتهم وفق ما‬
‫أخبر به القرآن فقد ارتدت علــى أصحابها‪ ،‬وأثبت التتبع التاريخي‬
‫صحة الواقعة تاريخ ًّيا‪.‬‬
‫فقد انت�صر الفر�س على الروم �سنة (‪615‬م=‪7‬ق‪.‬هـ)ـ‪.‬‬
‫وكان��ت بداي��ات انت�ص��ار ال��روم عل��ى الفر���س بي��ن عام��ي‬
‫(‪623-622‬م=‪2-1‬هـ)‪.‬‬
‫وهذا موافق للنبوءة القرآنية(((‪.‬‬
‫ونذكر مرة أخرى أن الحادثة لو لم تكن ثابتة تاريخ ًّيا بشــكل‬
‫قطعي النتهز الفرصة أعداء اإلســام وقتها من قريش ويهود‬
‫ومنافقيــن للطعــن فــي صــدق القــرآن الكريــم‪ ،‬والعترض‬
‫الصحابــة أنفســهم على عــدم تحقق النبــوءة القرآنيــة‪ ،‬فلما‬
‫ســكت المعارضون لإلســام واســتيقن المؤيدون له عرفنا‬
‫يقينًا أن الحادثة تاريخ ًّيا قد حصلت‪.‬‬

‫((( ولمزيد من التفاصيل والتوثيق التاريخي ينظر البحث العلمي المحكم للدكتور‬
‫عبد الرحيم خير اهلل الشــريف وهو بعنوان‪ :‬الشــبهات التي أثيرت حول اإلخبار‬
‫بالغيب يف أول ســورة الروم والرد عليها‪ ،‬المنشــور يف مجلة الجامعة اإلسالمية‬
‫يف غزة‪ ،‬العدد الثاين‪ ،‬يونيو ‪2015‬م‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫المبحث الثاين‪:‬‬
‫نبوءة تطاول البدو بالعمران وتنافسهم يف ذلك!‬

‫˚ �أوال‪ :‬النبوءة كما في الحديث‪.‬‬


‫جاء في الحديث الصحيح‪-‬صحيح مســلم‪-‬عن جبريل وهو‬
‫«ما ا ْل َم ْســئ ُ‬ ‫ِ‬ ‫يخاطــب النبــي ﷺ‪َ « :‬ف َأ ْخبِ ْرنِي َع ِ‬
‫ُول‬ ‫الســا َعة‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫ــن َّ‬
‫الســائِ ِل» َق َال‪َ :‬ف َأ ْخبِ ْرنِي َع ْن َأ َم َارتِ َهــا‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫«أ ْن ت َِلدَ‬ ‫ِ‬
‫َعن َْهــا بِ َأ ْع َل َم م َن َّ‬
‫ون فِي‬ ‫الش ِ‬
‫ــاء َي َت َط َاو ُل َ‬ ‫ْالَ َم ُة َر َّبت ََها‪َ ،‬و َأ ْن ت ََرى ا ْل ُح َفا َة ا ْل ُع َرا َة ا ْل َعا َل َة ِر َعا َء َّ‬
‫ان»(((‪.‬‬ ‫ا ْل ُبنْ َي ِ‬

‫˚ ثان ًيا‪ :‬معالم القوة في هذا الإخبار‪.‬‬


‫ويمكننا ذكر أهمها فيما يأتي‪:‬‬
‫‪-1‬وصــف (الحفــاة العــراة العالــة) ‪-‬أي الفقــراء‪ -‬ينطبــق‬
‫بشــكل تام على أهل الخليج العربي بشــكل عام قبل سنوات قليلة‬
‫نســب ًّيا‪ ،‬حيث الصور القديمة تظهرهم بهذه الصورة الدقيقة‪ ،‬ولفظ‬
‫الحديث يشعر أن الفارق الزمني قليل نسبيا بين كونهم حفاة وعراة‬
‫وبين تطاولهم في البنيان!‪.‬‬

‫((( صحيح مسلم برقم‪.8 :‬‬

‫‪58‬‬
‫‪59‬‬
‫�صور من الإمارات في ال�ستينيات‬
‫ن�شرها موقع «الإمارات اليوم» بتاريخ‪ 17 :‬مايو ‪2015‬م‪.‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫جزء من �سوق الريا�ض عام ‪1937‬م من كتاب «ال�سعودية في عيون �أوائل‬


‫الم�صورين» لوليام في�سي وجيليان غرانت‪� ،‬صفحة‪.66 :‬‬

‫‪60‬‬
‫‪-2‬النبــي ﷺ عندما قال هــذا الحديث لم تكن هناك أي بوادر‬
‫عمران في المدينة لنقول أنه توقع ذلك‪ ،‬بل كان الناس مشغولين في‬
‫الجهاد في ســبيل الله ال في العمران‪ ،‬فــكان إخباره بأمر غير متوقع‬
‫دليل على استناده للعليم الخبير‪ ،‬خاصة وقد حدث ما قاله ﷺ‪.‬‬
‫‪-3‬الحديــث لم يقل‪ :‬يطالون البنيان بل يتطاولون وكأن بينهم‬
‫تنافــس في ذلــك‪ ،‬ومدن الخليج الكبرى متنافســة فــي ذلك ً‬
‫فعل‪،‬‬
‫مترا وهو‬
‫فانظــر مثال (بــرج خليفة) في دبي الذي يبلغ طولــه ‪ً 828‬‬
‫األول عالم ًّيا وينافســه (بــرج جدة) المتوقع أن يبلــغ طوله ‪1000‬‬
‫متر خالل سنوات قليلة‪ ،‬وأهل دبي وجدة كانوا من الحفاة العراة!‪.‬‬

‫برج خليفة في دبي‪� :‬أطول برج في العالم حتى الآن!‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫‪-4‬وهناك روايــات أخرى تخدم هذا المعنى وهي أكثر غرابة‬


‫ودهشــة‪ ،‬نعم ســندها ليس بقوة ســند ذاك الحديث لكنها موجودة‬
‫فــي كتب كتبت قبل ‪ 1000‬ســنة وتنقل ذلك عــن النبي ﷺ‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫َح ِديث َع ْبد ال َّله ْبن ُع َمر‪« :‬إِذا َر َأ ْيت َمكَّة قد ُب ِعجت كِظائم وساوى‬
‫بناؤها ُرؤُ وس ا ْلج َبال َفا ْع َلم َأن ْالَمر قد أظلك َفخذ حذرك»‪ .‬وهو‬
‫في كتاب (غريب الحديث) ألَبي ُعبي ٍد ال َق ِ‬
‫اســم ب ُن َســاَّم المتوفى‬ ‫ُ َْ‬
‫سنة‪224‬هـ(((‪.‬‬
‫ــت َم َّك َة َقدْ َب َع َج ْت‬‫وفــي مصنف ابن أبي شــيبة (((‪َ ..« :‬فإِ َذا َر َأ ْي َ‬
‫وس ا ْل ِ‬
‫ج َب ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َفا ْع َل ْم َأ َّن ْالَ ْم َر َقدْ َأ َظ َّل َك»‪،‬‬ ‫َك َظائ َم َو َر َأ ْي َت ا ْلبِنَا َء َي ْع ُلو ُر ُء َ‬
‫وابن أبي شيبة متوفى سنة‪ 235‬هـ‪.‬‬
‫الحظوا تاريخ وفاتهما!‬
‫أمــا معنى بعجبــت فقد جاء في (النهاية فــي غريب الحديث)‬
‫ائم» َأ ْي ُش َّقت و َفتِ َحت‬ ‫ِ‬
‫البن األثير ‪« :‬إِ َذا َرأ ْي َت م َّكة َقدْ ُبع َجت ك َظ َ‬
‫(((‬

‫ض‪».‬‬ ‫َب ْع ُض َها فِي َب ْع ٍ‬

‫((( غريب الحديث‪.269/1 :‬‬


‫((( مصنف ابن ابي شيبة‪.461/7 :‬‬
‫((( النهاية يف غريب الحديث واألثر‪ ،‬البن األثير‪.139/1 :‬‬

‫‪62‬‬
‫وهذه الروايات فيها �إخباران غيبيان مده�شان‪:‬‬
‫‪ ‬الأول‪ :‬أن مكــة تصبــح مفتوحة على بعضها وهو ما يشــبه‬
‫شوارع مكة اليوم وأنفاقها!‪.‬‬
‫‪ ‬الثان��ي‪ :‬أن العمــران في مكــة لن يكون عاد ًّيا بل يســاوي‬
‫جبال مكة ارتفا ًعا أو يزيد!!‪.‬‬
‫و(برج الساعة) في مكة ارتفاعه تقري ًبا ‪ 601‬مترا وهو الثالث عالم ًّيا!‪.‬‬
‫فالروايــة ما تكلمت عن تطاول بســيط في البنيان بل عن بينان‬
‫يطاول الجبال!‪.‬‬
‫وهذا لم يكن موجو ًدا في زمن الرواية وال حتى ما يقاربه!‪.‬‬
‫إضافة إلى أن من بنا أبراج البيت هم من الحفاة العراة ساب ًقا!!‪.‬‬
‫ف�سبحان اهلل‪ ،‬و�صدق ر�سول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫برج ال�ساعة في مكة الثالث عالميا من حيث ارتفاعه!‬

‫‪63‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫المبحث الثالث‪:‬‬
‫اإلخبار بموت أيب هلب وزوجته عىل الكفر‪.‬‬

‫قال تعالى في ّ‬
‫حق عم النبي ﷺ في سورة المسد‪﴿ :‬ﮈ ﮉ‬
‫ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ‬
‫ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ‬
‫ﮢ ﴾‪.‬‬
‫‪� ‬أوال‪ :‬معالم قوة هذا الدليل‪.‬‬
‫ومعالم القوة في هذا الدليل ظاهرة قوية‪.‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬اآليات ذكرت أبو لهب باالسم ومعه زوجته‪ ،‬وكانا وقتها‬
‫أحياء!‪.‬‬
‫‪ -2‬لــم تســتثن اآلية ولم تقــل ً‬
‫مثل‪ :‬ما لم يتوبا! بل حســمت‬
‫القضية‪.‬‬
‫‪ -3‬إســام أبو لهب كان ممكنًا‪ ،‬فشــقيقه حمزة أســلم‪ ،‬وابنا‬
‫أيضا أســلما‪ ،‬وحتــى عمر بن الخطــاب الذي‬
‫أخيــه علــي وجعفر ً‬
‫كانت عداوته للنبي ﷺ والمسلمين شديدة أسلم!‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫فالجزم بأن أبا لهب سيموت على الكفر ويدخل النار مغامرة‬
‫ال يقــدم عليهــا عاقل إال إن كان واث ًقا مــن مصدر معلوماته‪،‬‬
‫وأن هذا المصدر عليم خبير‪ ...‬الله ‪.۵‬‬
‫خاصة وأن محمدً ا ﷺ يعرف أن أعداءه في مكة ينتظرون منه‬
‫كذبة واحدة ليبطلوا دينه‪ ،‬ومع ذلك أخبرهم بهذا الخبر!‪.‬‬
‫‪ -3‬هناك مخاطرة أخرى كبيرة وهي أن يقوم أبو لهب بإحراج‬
‫محمد ﷺ بإعالنه اإلسالم ولو كذ ًبا ليثبت كذب القرآن أمام الناس‪.‬‬
‫احتمــال وارد‪ ،‬ومع ذلك يأتي اإلخبار بأن أبا لهب ســيموت‬
‫على الكفر!‪.‬‬
‫وال يقــدم على هذا اإلخبار ‪-‬خاصة مع وجود احتمال إعالن‬
‫أبي لهب اإلسالم‪ -‬عاقل إال إن كان مستيقنًا أنه من عند اإلله العالم‬
‫بالغيب والشهادة والماضي والمستقبل‪.‬‬
‫أخيرا‪..‬ما أخبر به القرآن الكريم قد حصل ً‬
‫فعل ومات أبو‬ ‫‪ً -4‬‬
‫لهب وزوجته على الكفر والعياذ بالله‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫‪ ‬ثان ًيا‪ :‬توهم غير مقبول‪.‬‬


‫قــد يقول قائــل‪ :‬لعل القرآن أخبر بذلــك ألن عداوة أبي لهب‬
‫لمحمد ﷺ شديدة فموته على الكفر كان متوق ًعا!‪.‬‬
‫وهم غير مقبول ل�سببين‪:‬‬
‫وهذا ْ‬
‫‪� ‬أولهما‪ :‬أن احتمال إسالم أبي لهب وارد بالرغم من عداوته‬
‫للنبي ﷺ‪ ،‬وها هو عمر كان شديد العداوة واإليذاء للمسلمين ومع‬
‫ذلك أسلم‪.‬‬
‫مبررا‬
‫‪ ‬ثانيهم��ا‪ :‬أن هــذه العــداوة من قبل أبي لهــب تعطي ً‬
‫ألبــي لهب ليعلن إســامه كذ ًبــا ليحرج النبــي ﷺ ويكذب القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬فهذا الوهم حقيقة قد يزيد هذا الدليل قوة وال يضعفه‪.‬‬

‫ومع ذلك لم يعلن �أبو لهب �إ�سالمه ولو كذ ًبا وتحقق فيه‬
‫أخيرا‪.‬‬ ‫هذا الإخبار الغيبي‪ ،‬والحمد هلل � ً‬
‫أول و� ً‬

‫‪66‬‬
‫المبحث الرابع‪:‬‬
‫الكاسيات العاريات‪ ..‬وصف نبوي دقيق!‬

‫«صنْ َف ِ‬
‫ان‬ ‫الله ﷺ أنه قال‪ِ :‬‬ ‫ــول ِ‬ ‫جاء في صحيح مســلم‪ :‬عن َر ُس ُ‬
‫َــاب ا ْل َب َقرِ َي ْضرِ ُب َ‬
‫ون‬ ‫َّار َل ْم َأ َر ُه َما‪َ ،‬ق ْو ٌم َم َع ُه ْم ِســ َي ٌ‬
‫اط ك ََأ ْذن ِ‬ ‫ِم ْن َأ ْه ِ‬
‫ــل الن ِ‬
‫ِ‬ ‫اري ٌ ِ‬ ‫بِها النَّاس‪ ،‬ونِســاء ك ِ‬
‫ــه َّن‬
‫وس ُ‬‫ات ُمم َيل ٌت َمائ َل ٌت‪ُ ،‬ر ُء ُ‬ ‫ات َع ِ َ‬ ‫َاســ َي ٌ‬ ‫َ َ َ ٌ‬ ‫َ‬
‫ت ا ْل َمائِ َل ِة‪َ ،‬ل َيدْ ُخ ْل َن ا ْل َجنَّــةَ‪َ ،‬و َل َي ِ‬
‫جدْ َن ِر َ‬
‫يح َها‪َ ،‬وإِ َّن‬ ‫ك ََأســنِم ِة ا ْلبخْ ِ‬
‫ْ َ ُ‬
‫وجدُ ِم ْن َم ِس َير ِة ك ََذا َوك ََذا»(((‪.‬‬ ‫ِر َ‬
‫يح َها َل ُي َ‬
‫في هذا الحديث �إخباران غيبيان قد تحققا‪:‬‬
‫‪ ‬الأول‪ :‬أولئك الذين يضربون الناس بســياط يشبه أذناب‬
‫البقــر‪ ،‬وقد وجد ذلك خاصة عند األمــراء الظلمة والطغاة الفجرة‪،‬‬
‫وهذا الشق األقل قوة في هذا الدليل‪.‬‬
‫‪ ‬الثاني‪ :‬وهو الشق األقوى ً‬
‫دليل على صدق النبوة‪ ،‬حيث‬
‫اإلخبار بظهور «الكاسيات العاريات»‪.‬‬

‫((( صحيح مسلم برقم‪.2128 :‬‬

‫‪67‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫وف�سرها ال�سابقون بعدة تف�سيرات منها‪:‬‬


‫« َي ْست ُْر َن َب ْع َض َبدَ نِ ِه َّن َو َي ْك ِش ْف َن َب ْع َض ُه إِ ْظ َه ًارا ل ِ َج َمال ِ ِه َّن َوإِ ْب َر ًازا‬
‫َاســي ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ل ِ َك َمال ِ ِه َّن‪َ ،‬وقِ َيل‪َ :‬ي ْل َب ْســ َن َث ْو ًبا َرقِي ًقا َي ِص ُ‬
‫ات‬ ‫ف َبدَ ن َُه َّن َوإِ ْن ُك َّن ك َ‬
‫اري ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اب َع ِ ٍ ِ‬ ‫لِل ِّث َي ِ‬
‫ات‬ ‫ار َيات في ا ْل َحقي َقة‪َ ،‬أ ْو كَاس َيات بِا ْل ُح َلى َوا ْل ُحل ِّي‪َ ،‬ع ِ َ‬
‫اس ال َّت ْق َوى»(((‪.‬‬‫مِ ْن ل ِ َب ِ‬
‫وأكاد أجــزم لــو رأى علماؤنــا أولئــك حــال كثير مــن فتياتنا‬
‫المســلمات اليوم لجزموا بتفســير واحد وهــو‪َ ( :‬ي ْل َب ْســ َن َث ْو ًبا َرقِي ًقا‬
‫ات فِي ا ْل َح ِقي َق ِة)‪.‬‬ ‫اري ٍ‬ ‫ات لِل ِّث َي ِ‬
‫اب َع ِ َ‬
‫َاسي ٍ‬
‫ِ‬ ‫َي ِص ُ‬
‫ف َبدَ ن َُه َّن َوإِ ْن ُك َّن ك َ‬
‫والإعجاز هنا يكمن في �أمرين‪:‬‬
‫أ‪ -‬دقة الوصف‪.‬‬
‫ب‪ -‬الحديــث عــن أمــر لم يكــن معهــو ًدا عند العــرب في‬
‫العهد النبوي!‪.‬‬

‫ولبا�س كثير من الم�سلمات اليوم ناطق ب�صحة هذا‬


‫الدليل‪....‬واهلل الم�ستعان!‪.‬‬

‫((( انظر مرقاة المصابيح للمال القاري‪.2302/6 :‬‬

‫‪68‬‬
‫أما شــرح الحديث بشــكل عام فننقله من شرح النووي على‬
‫َات النُّ ُب َّو ِة‬
‫جز ِ‬ ‫يث ِم ْن ُم ْع ِ‬ ‫«ه َذا ا ْل َح ِد ُ‬ ‫صحيح مسلم حيث قال‪َ :‬‬
‫ان وفِ ِ‬
‫يــه َذ ُّم َه َذ ْي ِن‬ ‫ان َو ُه َمــا َم ْو ُجــو َد ِ َ‬ ‫الصنْ َف ِ‬‫ان ِّ‬ ‫ــذ ِ‬ ‫ــع َه َ‬ ‫َف َقــدْ َو َق َ‬
‫ــات ِم ْن‬ ‫ار َي ٌ‬ ‫ــة ال َّل ِه َع ِ‬
‫ات ِمن نِعم ِ‬ ‫ِ‬
‫يــل َم ْعنَــا ُه كَاســ َي ٌ ْ ْ َ‬ ‫ــن ِق َ‬‫الصنْ َف ْي ِ‬ ‫ِّ‬
‫ف َب ْع َض ُه إِ ْظ َه ًارا‬ ‫يل َم ْعنَا ُه ت َْست ُُر َب ْع َض َبدَ نِ َها َو َتك ِْش ُ‬ ‫ُشــ ْكرِ َها َو ِق َ‬
‫ف َل ْو َن َبدَ نِ َها‬ ‫يــل َم ْعنَا ُه َت ْل َب ُس َث ْو ًبا َر ِقي ًقا َي ِص ُ‬ ‫بِ َحالِ َها َون َْح ِو ِه َو ِق َ‬
‫ــن َطا َع ِة ال َّل ِه َو َمــا َي ْلز َُم ُه َّن ِح ْف ُظ ُه‬ ‫يل َم ْعنَا ُه َع ْ‬ ‫َو َأ َّمــا َمائِ َل ٌت َف ِق َ‬
‫يل َمائِ َل ٌت‬ ‫ــن َغ ْي َر ُه َّن فِ ْع َل ُه َّن ا ْل َم ْذ ُمــو َم َو ِق َ‬
‫ي ُي َع ِّل ْم َ‬ ‫يــا ٌت َأ ْ‬ ‫ُم ِم َ‬
‫يل َمائِ َل ٌت َي ْم ُش ْط َن‬ ‫ت ِلَ ْكتَافِ ِه َّن َو ِق َ‬ ‫ات م ِم َيل ٍ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ــين ُم َت َبخْ ت َر ُ‬ ‫َي ْمش َ‬
‫ِ‬

‫ا ْل ِم ْشــ َط َة ا ْل َمائِ َل َة َو ِه َي ِم ْش َط ُة ا ْل َبغ ََايا ُم ِم َيل ٌت َي ْم ُش ْط َن َغ ْيرِ ِه َّن‬


‫ت َأ ْن ُي َك ِّب ْرن ََها‬ ‫ك المشــطة ومعنى رؤوسهن ك ََأســنِم ِة ا ْلبخْ ِ‬ ‫تِ ْل َ‬
‫ْ َ ُ‬
‫ف ِع َم َام ٍة أو عصابة أو نحوها»(((‪.‬‬ ‫َو ُي َع ِّظ ْمن ََها بِ َل ِّ‬

‫((( شرح النووي على صحيح مسلم‪.110/14 :‬‬

‫‪69‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫المبحث الخامس‪:‬‬
‫اإلخبار باهلجوم الكبري عىل املسلمني‬
‫مع اإلخبار بكثرهتم آنذاك!‪.‬‬

‫مم أن تَدا َعى عليكم‬ ‫جاء في الحديث الصحيح (((‪ِ :‬‬


‫«يوش ُ‬
‫ك ُاأل ُ‬
‫ٍ‬
‫يومئذ؟‬ ‫كمــا تَدا َعى األَ َك َل ُة إلى َق ْص َعتِهــا» فقال قائل‪ :‬ومن ق َّل ٍة نحن‬
‫يل‪ ،‬و َلين ِْز َع َّن الل ُه‬
‫الس ِ‬ ‫ٍ‬
‫كثير‪ ،‬ولكنَّكم ُغثا ٌء كغثاء َّ‬
‫قال‪« :‬بل أنتم يومئذ ٌ‬
‫الو ْه َن»‪.‬‬ ‫وليقذفن الل ُه في قلوبِكم َ‬
‫َّ‬ ‫عدوكم المهاب َة منكم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫صدور ِّ‬ ‫ِمن‬
‫«حب الدُ نيا وكراهي ُة‬ ‫ُّ‬ ‫رس َ‬
‫ــول الله‪ ،‬وما الوه ُن؟ قــال‪:‬‬ ‫فقال ٌ‬
‫قائل‪ :‬يا ُ‬
‫اه َي ُتك ُُم ا ْل ِقت ََال»‪.‬‬
‫الموت‪-‬وفي رواية ألحمد‪ :‬حبكُم الدُّ ْنيا وكَر ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫ُ ُّ ُ‬
‫ِ‬

‫✾ ودليل النبوة في هذا الإخبار الغيبي يت�ألق من عدة �أوجه‪:‬‬


‫أ‪ -‬إخباره بهجو ٍم من قبل أعداء المســلمين‪ ،‬والهجوم متوقع‬
‫لكن ذكر أنه هجوم متزامن‪ِ :‬‬
‫مم أن تَدا َعى عليكم» أي‪:‬‬ ‫ــك األُ ُ‬ ‫«يوش ُ‬
‫َيدْ ُع َو َب ْع ُض ُه ْم َب ْع ًضا ل ِ ُم َقا َت َلتِ ُك ْم َوك َْس ِر َش ْوكَتِ ُك ْم َو َس ْل ِ‬
‫ب َما َم َل ْكت ُُمو ُه‬
‫ال(((‪.‬‬ ‫ار َو ْالَم َو ِ‬
‫ْ‬ ‫مِ َن الدِّ َي ِ‬

‫((( رواه أحمد يف مســنده برقم ‪ ،8713‬وأبو داود يف سننه برقم‪ ،4297 :‬وصححه‬
‫األلباين يف السلسلة الصحيحة برقم‪ ،958 :‬وحسنه شعيب األرنؤوط يف تحقيقه‬
‫لسنن أبي داود برقم‪.4297 :‬‬
‫((( مرقاة المفاتيح‪.3366/8 :‬‬

‫‪70‬‬
‫ومن تأمل االســتعمار الغربي لدول العالم اإلسالمي في القرن‬
‫التاسع عشر والعشرين تعجب من دقة الوصف النبوي‪ ،‬حيث تقاسم‬
‫الفرنســيون والبريطانيون واإليطاليون ً‬
‫دول إسالمية‪ ،‬ثم جاء بعدهم‬
‫األمريكان والروس لتقاسم كثير من تلك الدول على شكل نفوذ‪.‬‬
‫ب‪ -‬الحديث ذكر في وقت كان المسلمون فيه قلة‪ ،‬ومع ذلك‬
‫تنبأ بكثرتهم في ذلك الوقت‪ ،‬وهو ما حصل ً‬
‫فعل‪.‬‬
‫قائــا يقول‪ :‬لقد وضــع رواة الحديث هذا الحديث‬‫ج‪ -‬لعل ً‬
‫في وقت كانت فيه اســتباحة لدولة اإلســام من قبل الكفار وقتها‪،‬‬
‫فالحديث وصف للحال‪ ،‬وضعه رواة الحديث وصفا لوقتهم‪.‬‬
‫والــرد على هذا الزعم هو بالقــول‪ :‬أن أقدم ٍ‬
‫راو لهذا الحديث‬
‫المتو َّفى ‪ 241‬هـ‬
‫من أئمة الحديث المشــهورين هو أحمد بن حنبل ُ‬
‫أي في وقت الخليفة العباســي المتوكل المتوفى ‪ 247‬هــ‪ ،‬والدولة‬
‫العباسية في زمانه كانت قوية مسيطرة‪ ،‬ال كما يصف الحديث‪.‬‬
‫�إذن لم يكن الحديث و�ص ًفا لحالة قائمة بل لزمن قادم‪.‬‬
‫أيضــا دليل نبــوة حيث‬
‫د‪ -‬تشــخيص الحديــث لحالــة المســلمين ً‬
‫وصفهم بـحب الدنيا وكراهية الموت أو القتال في رواية أخرى‪ ،‬والمتتبع‬
‫لحالة األمة وقت الهجوم االســتعماري عليها ال يشــك أن تعلقها بالدنيا‬
‫وتقاعسها عن فريضة القتال كان هو الغالب عليها‪ ،‬والله المستعان‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫المبحث السادس‪:‬‬
‫اإلخبار بالنار العظيمة التي خرجت من احلجاز‬

‫جاء في الحديــث المتفق عليه‪« :‬الَ َت ُقو ُم َّ‬


‫الســا َع ُة َحتَّى تَخْ ُر َج‬
‫اإلبِ ِل بِ ُب ْص َرى»(((‪.‬‬ ‫َاق ِ‬ ‫از ت ُِضي ُء َأ ْعن َ‬ ‫ض ِ‬
‫الح َج ِ‬ ‫َار ِم ْن َأ ْر ِ‬
‫ن ٌ‬
‫ــي َم ِدينَــ ُة‬‫ه‬‫الشــا ِم و ِ‬
‫َّ‬ ‫وبصــرى‪ :‬بِ َضــم ا ْلب ِ‬
‫ــاء َم ِدينَــ ٌة َم ْع ُرو َفــ ٌة بِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ َ‬ ‫َُ ْ َ‬
‫ان(((‪.‬‬‫ور َ‬ ‫ُح َ‬
‫ــل بِ ُب ْص َرى»‪ :‬تعلــو النار وتضيء‬ ‫اإلبِ ِ‬‫َــاق ِ‬‫ومعنــى «ت ُِضي ُء َأ ْعن َ‬
‫الجــو‪ ،‬بحيث يصــل ضوؤها بصــرى‪ ،‬ويظهر بها أعنــاق اإلبل في‬
‫سواد الليل كما قال البيضاوي(((‪.‬‬
‫‪ً �‬‬
‫أول‪ :‬هل تحققت هذه النبوءة؟‪.‬‬
‫نعــم‪ ،‬وقد نقل نبأ تحققها غير واحــد من العلماء األعالم‪ ،‬بل‬
‫ونقل بعضهم تواتر رؤية الناس لهذا الحدث الضخم سنة ‪654‬هـ‪،‬‬
‫ومنهم على سبيل المثال‪:‬‬

‫((( رواه البخاري برقم‪ ،7118 :‬ومسلم برقم‪.2902 :‬‬


‫((( النووي يف شرحه على مسلم‪.30/18 :‬‬
‫((( يف تحفة األبرار شرح مصابيح السنة‪.350/3 :‬‬

‫‪72‬‬
‫‪-1‬اإلمــام القرطبــي المتوفــى ســنة ‪671‬هـــ‪ ،‬فقــد قــال فــي‬
‫التذكــرة(((‪« :‬قوله‪ :‬حتى تخرج نار من أرض الحجاز‪ ،‬فقد خرجت‬
‫نــار عظيمــة‪ ،‬وكان بدؤها زلزلة عظيمــة‪ ،‬وذلك ليلــة األربعاء بعد‬
‫العتمة الثالث من جمادى اآلخرة سنة أربع وخمسين وستمائة إلى‬
‫ضحى النهار يوم الجمعة»‪.‬‬
‫ثم قال بعدها بقليل‪« :‬قلت‪ :‬وسمعت أنها رئيت من مكة ومن‬
‫جبال بصرى»‪.‬‬
‫‪-3 ،2‬اإلمامــان‪ :‬الحافظ أبو شــامة المقدســي المتوفى ســنة‬
‫‪665‬هـ والحافظ ابن كثير المتوفى سنة ‪774‬هـ‪.‬‬
‫فقد قال ابــن كثير في البداية بعد ذكــره لحديث تلك النار(((‪:‬‬
‫وع َه َذا فِي‬ ‫ــر ُو ُق ُ‬ ‫َّاريخِ َو َغ ْي ُر ُه ْم مِــ َن الن ِ‬
‫َّاس‪َ ،‬و َت َوا َت َ‬ ‫ــل الت ِ‬ ‫َو َقــدْ َذك ََر َأ ْه ُ‬
‫ال َما ُم ا ْل َحافِ ُظ َشــ ْي ُخ‬ ‫الشــ ْي ُخ ْ ِ‬‫َســن َِة َأ ْر َبــ ٍع َو َخ ْم ِســي َن َو ِســت ِِّمائ ٍَة؛ َق َال َّ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الر ْح َم ِن‬‫ين َع ْبــدُ َّ‬ ‫اب الدِّ ِ‬ ‫ا ْل َحديــث َوإِ َمــا ُم ا ْل ُم َؤ ِّرخي َن في َز َمانه ش َ‬
‫ــه ُ‬
‫ــه»‪ :‬إِن ََّها َظ َه َر ْت َي ْو َم‬‫يخ ِ‬ ‫ار ِ‬‫ب بِ َأبِي َشــا َمةَ‪ ،‬فِي « َت ِ‬ ‫بن إِس ِ‬
‫ــماع َيل ا ْل ُم َل َّق ُ‬ ‫ْ ُ ْ َ‬
‫س جمادى ْال ِخر ِة ســنَ َة َأرب ٍع و َخم ِســين و ِست ِِّمائَة‪ٍ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫َْ َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ا ْل ُج ُم َعة في َخام ِ ُ َ َ‬

‫((( التذكرة بأحوال الموتى وأمور اآلخرة للقرطبي‪.1236 :‬‬


‫((( البداية والنهاية البن كثير‪ 297/9 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫است ََم َّر ْت َش ْه ًرا َو َأ ِزيدَ مِنْ ُه‪َ .‬و َذك ََر ُك ُت ًبا ُمت ََواتِ َر ًة َع ْن َأ ْه ِل ا ْل َم ِدين َِة‬‫َو َأن ََّها ْ‬
‫ادي َش َظا‪ ،‬تِ ْل َقا َء ُأ ُح ٍد»‪.‬‬ ‫َاحي ِة و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ور َها َش ْرق َّي ا ْل َمدينَة م ْن ن َ َ‬ ‫فِي َك ْي ِف َّي ِة ُظ ُه ِ‬
‫ــت‪ :‬و َأمــا بصــرى َف َأ ْخبرنِي َق ِ‬
‫اضي‬ ‫ََ‬ ‫ثــم قال بعدهــا بقليل‪ُ « :‬ق ْل ُ َ َّ ُ َ َ‬
‫ــي َق َال‪:‬‬ ‫َِ َ ِ ٍ ِ ِ ْ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُْ‬
‫ــي ْب ُن أبــي قاســم التَّميم ُّي ال َحنَف ُّ‬ ‫الق َضــاة َصــدْ ُر الدِّ ين َعل ُّ‬
‫ين ُمدَ ِّر ُس ُب َص َرى‪َ ،‬أ َّن ُه َأ ْخ َب َر ُه‬ ‫الش ْي ُخ ِص ِفي الدِّ ِ‬ ‫َأ ْخ َب َرنِي َوال ِ ِدي‪َ ،‬و ُه َو َّ‬
‫ُّ‬
‫اض َر ِة َب َل ِد‬ ‫َان بِح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يحــ َة ت ْل َك ال َّل ْي َلة َمــ ْن ك َ َ‬ ‫اب َصبِ َ‬ ‫اح ٍد مِ َن ْالَ ْع َر ِ‬ ‫َغيــر و ِ‬
‫ْ ُ َ‬
‫َّار ا َّلتِي‬‫ــو ِء َه ِذ ِه الن ِ‬ ‫ِ‬
‫َاق إِبِلِ ِه ْم في َض ْ‬ ‫ات َأ ْعن ِ‬ ‫بصــرى‪َ ،‬أنَّهــم ر َأوا ص َفح ِ‬
‫ُ ْ َ ْ َ َ‬ ‫ُ َ َ‬
‫از‪».‬‬ ‫ح َج ِ‬ ‫ض ا ْل ِ‬
‫َظ َه َر ْت مِ ْن َأ ْر ِ‬

‫‪-4‬اإلمام النووي المتوفى ســنة ‪676‬هـ‪ ،‬حيث قال في شرحه‬


‫«و َقدْ َخ َر َج ْت فِي َز َمانِنَا ن ٌَار بِا ْل َم ِدين َِة َسنَ َة َأ ْر َب ٍع َو َخ ْم ِسي َن‬ ‫على مسلم‪َ :‬‬
‫ــرقِ ِّي َو َرا َء‬
‫الش ْ‬‫ْب ا ْل َم ِدين َِة َّ‬ ‫يم ًة ِجدًّ ا مِ ْن َجن ِ‬ ‫ِ‬
‫َــارا َعظ َ‬
‫ِ ِ ٍ‬
‫َوســتِّمائَة َوكَان َْت ن ً‬
‫ان َو َأ ْخ َب َرنِي َم ْن‬
‫الشــا ِم وسائِ ِر ا ْلب ْلدَ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ا ْل َح َّر ِة َت َوا َت َر ا ْل ِع ْل ُم بِ َها ِعنْدَ َج ِمي ِع َّ‬
‫َح َض َر َها مِ ْن َأ ْه ِل ا ْل َم ِدين َِة»(((‪.‬‬

‫((( شرح النووي على مسلم‪.28/18 :‬‬

‫‪74‬‬
‫‪-5‬اإلمــام ابن الســبكي المتوفى ســنة ‪771‬هـ حيــث قال في‬
‫طبقات الشافعية((( عن حادثة ظهور النار في المدينة‪:‬‬
‫صلوات الله َع َل ْي ِه َح ْي ُث َي ُقول‬ ‫ِ ِ‬
‫«وهي م َّما أخبر َبها ا ْل ُم ْص َطفى َ‬ ‫َ‬
‫الســا َعة َحتَّى تخرج نَار مــن َأرض ا ْلحجاز تضــئ َأ ْعنَاق‬ ‫َل تقــوم َّ‬
‫َان ببصرى بِال َّل ْي ِل َو َرأى‬ ‫احد مِ َّمن ك َ‬
‫البِل ببصرى وقد حكى غير و ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِْ‬
‫البِل فِي ضوئها»‪.‬‬ ‫َأ ْعنَاق ْ ِ‬

‫‪-6‬اإلمــام ابن رجــب الحنبلي المتوفــى ســنة ‪795‬هـ‪.‬فقد قال‬


‫‪ :((($‬ففي الصحيحين عــن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال‪« :‬ال تقوم‬
‫الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق اإلبل ببصرى»‪.‬‬
‫وهذه النار خرجت من وادي بقرب مدينة النبي ﷺ سنة أربع‬
‫وخمسين وستمائة‪ ،‬واشتهر أمرها وشوهد من ضوئها بالليل عناق‬
‫اإلبل ببصرى‪ ،‬واستفاض»‬
‫‪ ‬ثانيا‪ :‬اعترا�ض مرفو�ض!‬
‫قد يق��ول قائل‪ :‬لماذا ال نقول �أن ادعاء علماء الم�س��لمين‬
‫تدلي�س��ا على‬
‫ً‬ ‫وق��وع ه��ذه الحادثة م��ن االخت�لاق والكذب‬
‫وتلبي�سا؟‪.‬‬
‫ً‬ ‫النا�س‬
‫((( طبقات الشافعية الكربى البن السبكي‪.267 ،266/8 :‬‬
‫((( مجموع رسائل ابن رجب‪.231/3 :‬‬

‫‪75‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫نقول في الإجابة عن هذا ال�س�ؤال‪:‬‬


‫‪-1‬لــو كان تأكيــد العلمــاء وقــوع هــذه الحادثة مــن الكذب‬
‫واالختالق لما وجدنا شــراح الحديث قبل زمــن تلك الحادثة أي‬
‫قبل ســنة‪654‬هـ يشــرحون الحديث دون ذكر حصوله في الواقع‪،‬‬
‫مثل‪ :‬ابن بطال المتوفى سنة ‪449‬هـ ـ في شرحه للبخاري والقاضي‬
‫عياض المتوفى سنة ‪544‬هـ في كتابه (إكمال معلم بفوائد مسلم)‪،‬‬
‫وهذا دليل على أمانة علماء المسلمين وصدقهم‪ ،‬وأن الذين ذكروا‬
‫حــدوث تلك الواقعة لم يذكروهــا إال وقد وقعت ً‬
‫فعل‪ ،‬وال يمكن‬
‫لعاقــل أن يقول‪ :‬العلماء قبل تاريخ‪654‬هـــ كانوا صادقين وبعدها‬
‫أصبحوا كاذبين!‪.‬‬
‫‪-2‬الكذب في ملة علماء اإلســام محــرم وال يجيزونه حتى‬
‫لنصرة الدين وإظهار براهين النبوة‪.‬‬
‫‪-3‬لــو كان ما قاله العلمــاء عن تلك الحادثــة اختال ًقا وافترا ًء‬
‫لكذ َبهــم المعاصــرون لهــم والمقاربون لزمانهم قبــل غيرهم‪ ،‬وما‬ ‫َّ‬
‫وجدنا لهم مكذ ًبا من المعاصرين لهم ولله الحمد‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫المبحث السابع‪:‬‬
‫اإلخبار بانتصار املسلمني وهم ضعفاء‬
‫مستضعفون يف مكة!‬
‫وم��ن تل��ك الآي��ات الت��ي نزل��ت ف��ي مك��ة وتب�ش��ر بانت�ص��ار‬
‫الم�سلمين وهزيمة الكافرين‪:‬‬
‫‪-1‬قولــه تعالــى‪ ﴿ :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ﴾ [القمــر‪ ،]45 ،44 :‬وهي ســورة مكيــة كما قال جمهور‬
‫المفسرين(((‪.‬‬
‫وقد قرأها النبي ﷺ قبل غزوة بدر كما في صحيح البخاري(((‪.‬‬
‫وهــذه اآليــة أثــارت تســاؤل عمر بــن الخطــاب ﭬ وقت‬
‫نزولهــا‪ ،‬فقد روى عبــد الرزاق الصنعاني في تفســيره أن ُع َم َر َق َال‪:‬‬
‫ــول‪َ :‬أ ُّي َج ْم ٍع‬
‫ــت َأ ُق ُ‬
‫ــت ﴿ﯰ ﯱ﴾ [القمــر‪َ ]45 :‬ج َع ْل ُ‬ ‫َل َّمــا ن ََز َل ْ‬
‫ب فِي الدِّ ْرعِ‪َ ،‬و ُه َو‬ ‫ِ‬
‫ــي ﷺ‪َ « :‬يث ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ َ‬ ‫َ‬ ‫ُي ْه َ َ َ‬
‫ــز ُم؟ فل َّما كَان َي ْو ُم َبدْ ر َو َرأ ْي ُت النَّب َّ‬
‫ول ﴿ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [القمر‪.(((]45 :‬‬ ‫َي ُق ُ‬

‫((( زاد المسير يف علم التفسير البن الجوزي‪ ،196/4 :‬تفسير القرطبي‪.125/17 :‬‬
‫((( صحيح البخاري برقم‪.4875 :‬‬
‫((( تفسير عبد الرزاق برقم‪.3069 :‬‬

‫‪77‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫ودليل النبوة في هذه الآية من وجهين‪:‬‬


‫˚ الأول‪ :‬تحقق ما أخبرت به اآلية من هزيمة للكفار‪ .‬‬
‫˚ الثان��ي‪ :‬الثقــة التي دفعــت النبي ﷺ لإلخبار بهذه البشــارة‬
‫بالرغــم من ضعفهم آنــذاك‪ ،‬وقــوة عدوهم وتمكنــه منهم‪،‬‬
‫وهي ثقة ال تصدر إال عمن يحدث وينقل عن القوة العظمى‬
‫العالمة بالغيب‪.‬‬
‫‪ -2‬قولــه تعالــى‪ ﴿ :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾‬
‫[ص‪ ،]11 :‬وهــي ســورة مكيــة بإجماع المفســرين‪ ،‬قــال القرطبي‪:‬‬
‫ور ُة ص َم ِّك َّي ٌة فِي َق ْو ِل ا ْل َج ِمي ِع(((‪.‬‬ ‫ُس َ‬
‫ون ا َّل ِذي َن ُه ْم فِي ِع َّز ٍة‬ ‫قال ابن كثير‪َ « :‬أ ْي‪َ :‬ه ُؤ َل ِء ا ْل ُجنْدُ ا ْل ُم َك ِّذ ُب َ‬
‫ُون ك ََما ُكبِ َت ا َّل ِذي َن مِ ْن َق ْبلِ ِه ْم مِ َن‬ ‫ون َو ُي ْك َبت َ‬‫ون َو ُي ْغ َل ُب َ‬ ‫َو ِشــ َق ٍ‬
‫اق َس ُي ْه َز ُم َ‬
‫ــذ ِه َك َق ْول ِ ِه‪ ﴿ :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬ ‫اب ا ْلم َك ِّذبِين و َه ِ‬
‫َ َ‬ ‫ــز ِ ُ‬ ‫ْالَ ْح َ‬
‫َان َذل ِ َك َي ْو َم َبدْ ٍر»(((‪.‬‬ ‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾ َوك َ‬
‫ووجه الدليل هنا نفس الوجهين اللذين ُذكرا في اآلية السابقة‪.‬‬

‫((( تفسير القرطبي‪.142/15 :‬‬


‫((( تفسير ابن كثير‪.56/7 :‬‬

‫‪78‬‬
‫الفصل الرابع‪:‬‬
‫اإلخبار عن األمم السابقة وما يف الكتب السالفة‪.‬‬

‫املبحث الأول‪ :‬مفهوم هذا الدليل ومعامل‬

‫قوته و�أ�س�سها‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪� :‬شبهات حول هذا دليل والرد عليها‪.‬‬
‫المبحث األول‪:‬‬
‫(((‬
‫مفهوم هذا الدليل ومعامل قوته وأسسها‬

‫‪� ‬أوال‪ :‬مفهوم هذا الدليل‪.‬‬


‫أخبــر القرآن الكريم عن أحداث حصلت مع األمم الســابقة‪،‬‬
‫ولــم تكــن معلومة هــذه عند أهل مكــة‪ ،‬ولم يكن يعلمهــا إال أهل‬
‫الكتــاب‪ ،‬وأحيانــا علماء أهــل الكتــاب‪ ،‬وفي ذلك دليــل على أن‬
‫محمــدً ا ﷺ لــم يأت بهــذه األخبار من عنده بل عــن طريق الوحي‬
‫من الله ‪.۵‬‬
‫ذاكرا هذا الدليل المنطقي‪﴿ :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫قــال تعالى ً‬
‫ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [طه‪.]133 :‬‬
‫‪ ‬ثان ًيا‪ :‬معالم قوة هذا الدليل و�أ�س�سه‪.‬‬
‫‪ -1‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﴾ [هــود‪ ]49 :‬وهذه اآلية مكية وتليت على‬

‫((( للمزيد حول هذا الدليل والشــبهات حوله ينظر براهين النبوة للدكتور عامري‪،‬‬
‫(الفصــل الرابــع‪ :‬إعجــاز العلم بخرب أهــل الكتــاب)‪ ،‬وقد افادين كثيــرا يف هذا‬
‫الفصل‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫مسامع كفار مكة ومسلميها فلم ينكروها‪ ،‬وهذا إقرار منهم على أن‬
‫هذه األخبار التي جاء بها القرآن الكريم لم تكن معلومة في مكة‪.‬‬
‫‪ -2‬كان النبــي ﷺ ُأم ًّيــا ال يعــرف القراءة والكتابــة‪ ،‬وقد ذكر‬
‫القرآن هذه الحقيقــة فقال‪ ﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ﴾ [العنكبوت‪.]48 :‬‬
‫‪ -3‬لم يكن هناك تواجد حقيقي ألهل الكتاب في مكة‪ ،‬وهذا‬
‫ما دعا بعض المستشرقين للزعم أن مكة لم تكن في الحجاز بل في‬
‫الشام حيث يوجد يهود ونصارى هناك!‪.‬‬
‫بل قال بعضهــم‪ :‬لو كانت فعال مكة في الحجاز حيث الوثنية‬
‫وحيث ال وجود ألهل الكتاب فإن القرآن وحي من عند الله!‬
‫(((‬

‫((( منهــم علــى ســبيل المثال المستشــرق الصحفــي الربيطاين تــوم هوالند ‪Tom‬‬
‫‪ Holland‬يف مقطــع لــه على اليوتيــوب ترجمه الدكتور ســامي عامري وعلق‬
‫عليه وهو موجود يف قناته بعنوان‪ :‬أغرب دليل على نبوة محمد ﷺ!‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫المبحث الثاين‪:‬‬
‫شبهات حول هذا الدليل والرد عليها‬

‫√ ال�ش��بهة الأول��ى‪ :‬لقد �أخذ النبي ﷺ ه��ذه الأخبار من‬


‫كتب �أهل الكتاب!‪.‬‬
‫والرد عليها من عدة وجوه‪:‬‬
‫‪ -1‬لــم يكن النبــي ﷺ يعلم القــراءة والكتابــة‪ ،‬والقرآن ذكر‬
‫ذلــك عنه كما بينا في معالم قوة هــذا الدليل‪ ،‬ونضيف على أن أمية‬
‫أقر بها غير واحد من المستشــرقين‪ ،‬منهم‪( :‬مرتشــي)‬
‫النبي ﷺ قد ّ‬
‫و(بريدو) و(أوكلي) و(جروك) وغيرهم(((‪.‬‬
‫‪ -2‬وحتــى لو كان ﷺ يعلــم الكتابة والقراءة فــإن كتب أهل‬
‫الكتــاب وقتها لم تكن مترجمة للغة العربية بل كانت بالعبرية‪ ،‬ففي‬
‫َان َأ ْه ُل الكِت ِ‬
‫َاب‬ ‫صحيح البخــاري عن أبي هريرة ﭬ أنه قــال‪« :‬ك َ‬
‫ــة‪َ ،‬و ُي َفســرون ََها بِال َعربِ َّي ِة ِلَ ْه ِل ِ‬
‫العبرانِي ِ‬
‫ِ‬
‫َّــو َرا َة بِ ْ َ َّ‬ ‫ــر ُء َ‬
‫اإل ْســاَمِ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِّ ُ‬ ‫ون الت ْ‬ ‫َي ْق َ‬
‫ــل الكِت ِ‬
‫َــاب َوال ُتك َِّذ ُب ُ‬
‫وه ْم‪،‬‬ ‫ــه ﷺ‪« :‬ال ت َُصدِّ ُقوا َأ ْه َ‬ ‫ــول ال َّل ِ‬
‫ــال َر ُس ُ‬
‫َف َق َ‬
‫َو ُقو ُلوا‪ ﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [البقرة‪ ]136 :‬اآل َيةَ»(((‪.‬‬
‫((( انظر براهين النبوة للدكتور سامي عامري‪ ،‬صفحة‪.322 ،321 :‬‬
‫((( رواه البخاري يف صحيحه برقم‪4485 :‬‬

‫‪83‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫وهذا ما أقر به أيضا طائفة من الغربيين والمستشــرقين‪ ،‬منهم‪:‬‬


‫البحاثة األمريكي (بروس متزجر)‪ ،‬والمستشــرق البريطاني (جون‬
‫(((‬
‫مدوز رودويل)‬
‫‪ -3‬هنــاك توافــق فــي أخبار األمم الســابقة بين أهــل الكتاب‬
‫وبيــن القرآن الكريم‪ ،‬لكن هذا التوافق ليس تا ًما‪ ،‬بل هناك تفاصيل‬
‫قرآنية مختلفة عما عند أهل الكتاب المعاصرين للنبي ﷺ‪ ،‬وهناك‬
‫تصحيحــات قرآنية لبعض قصصهم‪ ،‬فلــو كانت كتب أهل الكتاب‬
‫هي مصدر النبي ﷺ لوافقهم في كل التفاصيل ولما خالفهم(((‪.‬‬
‫ناهيــك عــن الرد القرآنــي على العقائــد النصرانيــة المحرفة‪،‬‬
‫فكيف يأخذ منهم وهو يفند عقائدهم المحرفة؟‬
‫√ ال�شبهة الثانية‪ :‬ورقة بن نوفل م�صدر هذا الإخبار!‪.‬‬
‫لقد علم النبي ﷺ هذه األخبار من ابن عم زوجته خديجة ڤ‬
‫ورقــة بن نوفل‪ ،‬فهو الذي أعلمه بهــذه األخبار والقصص ألنه كان‬
‫نصران ًّيا وكان يجيد العبرية كما جاء في صحيح البخاري(((‪.‬‬
‫((( براهين النبوة للعامري‪ .328 ،327 :‬وقد وثق كالمهما بالمصدر والصفحة‪.‬‬
‫((( عدد الدكتور ســامي عامري خمســين وجه اختالف يف قصة يوسف بين القرآن‬
‫الكريم وبين التوراة‪ ،‬انظر براهين النبوة صفحة‪383 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( برقم‪3 :‬‬

‫‪84‬‬
‫والرد على هذه ال�شبهة الركيكة من �أ وجه‪:‬‬
‫‪ -1‬الرواية التي يســتدل بها أصحاب هذه الشــبهة هي الرواية‬
‫الموجودة في البخاري وسيرة ابن هشام‪ ،‬وقد رواها ابن هشام عن‬
‫ابن إسحاق‪ ،‬وفي تلك الروايات شهادة ورقة بن نوفل للنبي ﷺ أنه‬
‫نبي‪ ،‬وأن الذي رآه في غار حراء هو الوحي الذي جاء موسى ڠ‪،‬‬
‫فكيــف اســتنبطوا منها هــذه الشــبهة المتهافتة على الرغــم من انها‬
‫(((‬
‫شهادة لصالح نبوة النبي ﷺ!‬
‫‪ ‬ه��ل ف��ي الرواي��ة �أن النبي ﷺ قد جال���س ورق��ة بن نوفل‬
‫وتعلم منه و�أخذ منه العقائد والأخبار؟‪.‬‬
‫‪ ‬لم��اذا �أخ��ذوا م��ن الرواي��ة «�أن��ه التق��ى بورقة ب��ن نوفل»‬
‫وتركوا بقية الرواية؟ �أين الأمانة العلمية في ذلك؟‪.‬‬
‫إما أن يأخذوا الرواية كلها أو يتركوها كلها‪..‬‬
‫قضيتهم إذن قضية قرار مســبق للتشــكيك بصدق النبوة بعيدً ا‬
‫عن التدقيق العلمي النزيه!‪.‬‬
‫اهَّلل َع َلى‬ ‫ِ‬
‫وس ا َّلذي ن ََّز َل ُ‬‫((( جاء يف وراية البخاري برقم ‪َ « :3‬ف َق َال َل ُه َو َر َقةُ‪َ :‬ه َذا النَّا ُم ُ‬
‫ِ‬
‫ول اهَّلل ﷺ‪:‬‬ ‫وسى‪َ ،‬يا َل ْيتَنِي فِي َها َج َذ ًعا‪َ ،‬ل ْيتَنِي َأك ُ‬
‫ُون َح ًّيا إِ ْذ ُي ْخ ِر ُج َك َق ْو ُم َك‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫ُم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«أ َو ُمخْ رِج َّي ُه ْم»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ل ْم َي ْأت َر ُج ٌل َق ُّط بِم ْث ِل َما ج ْئ َت بِه إِ َّل ُعود َي‪َ ،‬وإِ ْن‬‫ِ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُيدْ ركْني َي ْو ُم َك َأن ُْص ْر َك ن َْص ًرا ُم َؤ َّز ًرا»‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫تاللــه إن هــذه الفريــة تســتحق أن توضــع فــي براهيــن النبوة‬


‫ودالئلها ال في الشبهات حولها!‬
‫‪ -2‬لو كان لهذه الشبهة نصيب من القوة والمنطق لكان أول من‬
‫اســتدل بها لتكذيب النبي ﷺ هم كفار قريش‪ ،‬لكننا لم نســمع منهم‬
‫من زعم أن أخبار القرآن الكريم مصدرها الحقيقي ورقة بن نوفل‪.‬‬
‫‪ -3‬توفى ورقــة بن نوقل في بدايات الدعوة النبوية يوم كانت‬
‫ســرية‪ ،‬ونزلــت بعــد وفاته آيــات وأخبــار عديدة‪ ،‬وبعضهــا كانت‬
‫إجابات قرآنية على أسئلة سئل عنها النبي ﷺ كسؤاله عن أصحاب‬
‫الكهف‪ ،‬فهل تلقى النبي ﷺ اإلجابة من قبر ورقة بن نوفل؟!‪.‬‬
‫√ ال�شبهة الثالثة‪ :‬بُحيرا الراهب هو م�صدر هذه الأخبار!‪.‬‬
‫فقد أخذ محمد ﷺ هذه األخبار والقصص من بحيرا الراهب‬
‫أثناء سفره إلى الشام!‪.‬‬
‫والرد من وجهين‪:‬‬
‫‪� ‬أوال‪ :‬هذه ال�شبهة ت�ستحق �أن تكون دليل نبوة ك�سابقتها‪،‬‬
‫لأن م�ص��در الرواي��ة التي �أخذت منه ه��ذه الفرية مليء بعالمات‬
‫النبوة ودالئلها!‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫وإليكــم مجمــوع الروايات أضعهــا بين أيديكم لتســتخرجوا‬
‫منهــا أمــارات نبــوة ال شــبهات غوايــة‪ ،‬وإليكــم النص‪َ ( :‬عــ ْن َأبِي‬
‫الشامِ‪َ ،‬و َخ َر َج َم َع ُه‬ ‫ب إِ َلى َّ‬ ‫وسى ْالَ ْش َع ِر ِّي ﭬ َق َال‪َ :‬خ َر َج َأ ُبو َطال ِ ٍ‬ ‫ُم َ‬
‫ش‪َ ،‬ف َلما َأ ْشــر ُفوا َع َلى الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رس ُ ِ‬
‫ب‪،‬‬ ‫اه ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ــول الله ﷺ في َأ ْشــ َياخٍ م ْن ُق َر ْي ٍ َّ‬ ‫َ ُ‬
‫ون ِر َحا َل ُه ْم‬ ‫ِ‬
‫ب‪َ ،‬و ُه ْم َي ُح ُّل َ‬ ‫الراه ُ‬ ‫َه َب ُطوا َف َح ُّلوا ِر َحا َل ُه ْم‪َ ،‬ف َخ َر َج إِ َل ْي ِه ْم َّ‬
‫ــم َو َل َي ْلت َِف ُت‪َ -‬ف َج َع َل‬ ‫فل َي ْخ ُر ُج إِ َل ْي ِه ْ‬ ‫ون بِ ِه َ‬ ‫ــل َذل ِ َك َي ُم ُّر َ‬‫‪-‬وكَانُــوا َق ْب َ‬ ‫َ‬
‫اللــه ﷺ َف َق َال‪َ :‬ه َذا‬ ‫ــول ِ‬ ‫َخ َّل ُل ُهم‪َ ،‬حتَّى َجاء َف َأ َخ َذ بِ َي ِد رس ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ــب َيت َ ْ‬ ‫الراه ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول َر ِّب ا ْل َعا َلمي َن‪َ ،‬ي ْب َع ُث ُه الل ُه َر ْح َم ًة ل ْل َعا َلمي َن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َس ِّيدُ ا ْل َعا َلمي َن‪َ ،‬ه َذا َر ُس ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اخ مِ ْن ُق َر ْي ٍ‬
‫ــر ْفت ُْم‬‫ــش‪َ :‬ما ع ْل ُم َك؟‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬إِ َّن ُك ْم حي َن َأ ْش َ‬ ‫َف َق َال َل ُه َأ ْشــ َي ٌ‬
‫ــاجدً ا‪ ،‬و َل يســجدَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‬ ‫ــج ٌر َو َل َح َج ٌر إِ َّل َخ َّر َس ِ َ َ ْ ُ‬ ‫م ْن ا ْل َع َق َبة‪َ ،‬ل ْم َي ْب َق َش َ‬
‫وف كَتِ ِف ِه مِ ْث َل‬ ‫إِ َّل لِنَبِــي‪ ،‬وإِنِّي َأ ْع ِر ُفه بِ َخا َت ِم النُّبو ِة َأســ َف َل مِن ُغ ْضــر ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ٍّ َ‬
‫َان ُه َو فِي‬ ‫‪-‬وك َ‬ ‫ــم بِه َ‬
‫اه ِ‬
‫ــع َف َصن ََع َل ُه ْم َط َعا ًما‪َ ،‬ف َل َّما َأ َت ُ ْ‬
‫ال ُّت َّف ِ‬
‫احــة‪ُ ،‬ث َّم َر َج َ‬ ‫َ‬
‫ــه َغ َما َم ٌة ُتظِ ُّل ُه‪َ ،‬ف َل َّما َدنَا‬ ‫البِلِ‪َ -‬ق َال‪َ :‬أر ِســ ُلوا إِ َلي ِه‪َ ،‬ف َأ ْقب َل و َع َلي ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِر ْع َي ِة ْ ِ‬
‫الش َج َر ِة‪َ ،‬ف َل َّما َج َل َس َم َال َف ْي ُء‬ ‫مِ ْن ا ْل َق ْو ِم َو َجدَ ُه ْم َقدْ َس َب ُقو ُه إِ َلى َف ْي ِء َّ‬
‫الش َج َر ِة َم َال َع َل ْي ِه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َب ْين ََما‬ ‫الش َج َر ِة َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ا ْن ُظ ُروا إِ َلى َف ْي ِء َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرو َم‬ ‫الرومِ‪َ ،‬فإِ َّن ُّ‬ ‫ب َقائ ٌم َع َل ْي ِه ْم ُينَاشــدُ ُه ْم َأ ْن َل َي ْذ َه ُبوا بِه إِ َلى ُّ‬ ‫الراه ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫الص َفة‪َ ،‬ف َي ْق ُت ُلو َن ُه‪َ ،‬فا ْل َت َف َت َفإِ َذا بِ َســ ْب َعة َقدْ َأ ْق َب ُلوا م ْن‬ ‫ِ‬
‫إِ َذا َر َأ ْو ُه َع َر ُفــو ُه بِ ِّ‬

‫‪87‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫ــم؟‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬جا َءنَا َأ َّن َه َذا النَّبِ َّي‬ ‫اســ َت ْق َب َل ُه ْم‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ما َجا َء بِ ُك ْ‬
‫الرومِ‪َ ،‬ف ْ‬ ‫ُّ‬
‫َاس‪َ ،‬وإِنَّا إ ْذ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ــه ِر‪َ ،‬ف َل ْم َي ْب َق َط ِر ٌيق إِ َّل ُبع َث إِ َل ْيــه بِ ُأن ٍ‬ ‫ِ‬
‫ــار ٌج في َه َذا َّ‬ ‫َخ ِ‬
‫الش ْ‬
‫ُأ ْخبِ ْرنَا َخ َب َر ُه ُب ِع ْثنَا إِ َلى َط ِر ِيق َك َه َذا‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ه ْل َخ ْل َف ُك ْم َأ َحدٌ ُه َو َخ ْي ٌر‬
‫مِنْ ُك ْم؟‪َ ،‬ف َقا ُلــوا‪ :‬إِن ََّما ُأ ْخبِ ْرنَا َخ َب َر ُه بِ َط ِر ِيق َك َه َذا‪َ ،‬ق َ‬
‫ــال‪َ :‬أ َف َر َأ ْيت ُْم َأ ْم ًرا‬
‫َّــاس َر َّد ُه؟ َقا ُلوا‪َ :‬ل‪،‬‬ ‫يع َأ َحدٌ مِ ْن الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ َرا َد اللــ ُه َأ ْن َي ْقض َيــ ُه‪َ ،‬ه ْل َي ْســتَط ُ‬
‫الله‪َ ،‬أ ُّي ُك ْم َول ِ ُّي ُه؟‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪:‬‬
‫َق َال‪َ :‬فبايعوه و َأ َقاموا معه‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬أن ُْشدُ كُم بِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َُ ُ َ ُ ََُ‬
‫ب)(((‪.‬‬ ‫َاشدُ ُه َحتَّى َر َّد ُه َأ ُبو َطال ِ ٍ‬ ‫ب‪َ ،‬ف َلم ي َز ْل ين ِ‬
‫ْ َ ُ‬ ‫َأ ُبو َطال ِ ٍ‬
‫فلمــاذا تركوا كل هذه النبوءات فــي الرواية وأخذوا منها فقط‬
‫«أنه التقى ب ُبحيرا الراهب»!‬
‫‪ ‬ثاني��ا‪ :‬كي��ف يمكن للقاء ق�صي��ر �أن ي�صدر عن��ه كل هذه‬
‫الق�ص�ص والأخبار وبهذه التفا�صيل؟‪.‬‬

‫((( الجامع الصحيح للسنن والمسانيد‪.241/14 :‬‬

‫‪88‬‬
‫الفصل اخلامس‪:‬‬
‫دليل األحوال الشخصية واملواقف الصادقة‪.‬‬

‫املبحث الأول‪ :‬دليل الأحوال ال�شخ�صية �أو‬

‫«االحتمال الوحيد»‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬دليل املواقف ال�صادقة‪.‬‬


‫المبحث األول‪:‬‬
‫دليل األحوال الشخصية أو «االحتامل الوحيد»‪.‬‬

‫وهو ما أســميته «االحتمال الوحيد» حيث أن االحتماالت في‬


‫وصــف وضعيــة محمد ﷺ وحالته تــكاد تكون محصــورة منطق ًّيا‬
‫وعقل ًّيا في أربع‪:‬‬
‫‪� ‬أوال‪ :‬احتمال �أن يكون محمد كاذ ًبا‪-‬حا�شاه ﷺ‪!-‬‬
‫وهذا االحتمال مردود ً‬
‫عقل لما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬الــكاذب ال يتحمــل العــذاب واألذى الــذي تعــرض لــه‬
‫وألصحابه طوال العهد المكي‪ ،‬بل وكاد الموت أن يكون نهايته‪...‬‬
‫فأي كذاب يحتمل هذا األذى وهذه المخاطرة للنفس ألجل كذبة!‪.‬‬
‫لذا قال ‪-‬المستشرق اإلنجليزي المعاصر «مونتجمري وات»‬
‫"‪:"William Montogmery Watt‬‬
‫منذ ألقى كارليل ‪ Carlyle‬محاضرته عن محمد ضمن سلسلة‬
‫محاضراتــه عن األبطال والبطولة‪ ،‬أصبح الغرب على وعى بوجود‬
‫أســاس طيب لالعتقاد فى إخالص محمد ﷺ‪ .‬فاستعداده لتحمل‬
‫االضطهاد فى سبيل معتقداته‪ ،‬وســمو الرجال الذين آمنوا برسالته‬

‫‪91‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫والذيــن اعتبــروه قائدا لهــم‪ ،‬وعظمة ما تمخضت عنــه جهوده من‬


‫انجــازات‪ -‬كل هذا يبرهن على تكامله األساســي (نظرته الكلية)‪.‬‬
‫لقــد تصور الغرب محمدا دجــاال أثار من القضايا أكثر مما قدم من‬
‫الحلول»(((‪.‬‬
‫وقبله قال توما�س كارليل ‪-‬الكاتب اال�سكتلندي‪:‬‬
‫«أفــكان أحدكــم يظن أن هذه الرســالة التي عــاش بها ومات‬
‫عليهــا الماليين الفائقــة الحصر واإلحصاء كذبــة وخدعة؟‪ ،‬أما أنا‬
‫فال أستطيع أن أرى هذا الرأي أبدً ا‪ ،‬ولو أن الكذب والغش يروجان‬
‫عنــد خلق الله هــذا الرواج‪ ،‬ويصادفــان منهم مثل ذلــك التصديق‬
‫والقبــول‪ ،‬فمــا النــاس إال بلــه أو مجانيــن‪ ،‬وما الحياة إال ســخف‬
‫وعبث وأضلولة‪ ،‬كان األولى بها أال تخلق»(((‪.‬‬
‫‪-2‬من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن يستطيع اإلنسان‬
‫الكــذب على الناس وعلى أصحابه بل وعلى أهله فترة طويلة دون‬
‫أن ينكشف أمره‪ ،‬فكيف إن كان ذلك الرجل قد تزوج أكثر من عشر‬
‫من النساء وكل تفاصيل حياته كانت مكشوفة للناس‪ ،‬ومع ذلك ال‬
‫يزداد الناس به إال إيمانًا وتصدي ًقا‪.‬‬
‫((( من كتابه محمد ﷺ يف مكة‪ ،‬صفحة‪.121 :‬‬
‫((( األبطال لتوماس كارليل‪ ،‬صفحة‪54 :‬‬

‫‪92‬‬
‫ويصوغ ابــن أبي العــز الحنفي‪-‬شــارح العقيــدة الطحاوية‪-‬‬
‫ادقِي َن َأ ْو‬
‫عبــارة منطقية فيقول‪َ « :‬فإِ َّن النُّبو َة إِنَّما يدَّ ِعيهــا َأصدَ ُق الص ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ َّ َ َ َ ْ‬
‫اهلِي َن»(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اذبِين‪ ،‬و َل ي ْل َتبِس َه َذا بِه َذا إِ َّل َع َلى َأجه ِل ا ْلج ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َأك َْذ ُب ا ْل َك َ َ َ ُ‬
‫‪ -3‬الكاذب ال يضع نبوءة مســتقبلية يتحدى بها الناس خاصة‬
‫إن كان زمن تحقق تلك النبوءة قريب من الممكن أن ينكشــف في‬
‫حياته‪ ،‬وقد فعل النبي ﷺ ذلك في إخباره عن غلبة الروم في بضع‬
‫سنين نقال عن ربه‪ ،‬فلو كان كاذبا‪-‬حاشاه‪ -‬لما غامر هذه المغامرة‪.‬‬
‫‪-4‬من الصعب تصــور أن يكذب محمد ﷺ كذبة بهذا الحجم‬
‫وتكون حياته كلها صدق‪ ،‬فمن يكذب مثل هذه الكذبة ويدعي النبوة‬
‫البد أن تكون حياته سلسلة من األكاذيب ليغطي كذبته الكبرى وليبرر‬
‫لنفســه ما يريد‪ ،‬ومثل هذه الحيــاة المليئة بالكذب ال يمكن أن تخفى‬
‫على المقربين منه ﷺ لو كان ً‬
‫فعل كاذ ًبا‪ ،‬فلما رأينا أصحابه المقربين‬
‫يزدادون به إيمانًا وتصدي ًقا عرفنا استحالة أن يكون كاذ ًبا‪ ..‬ﷺ‪.‬‬
‫ً‬
‫مري�ضا نف�س ًّيا!‪.‬‬ ‫‪ ‬ثان ًيا‪ :‬احتمال �أن يكون محمد ﷺ‬
‫أي أن ما يراه من الوحي هو هلوسات ناتجة عن مريض نفسي‬
‫يتخيل ويشطح‪ ..‬وهذا االحتمال مصادم للعقل والمنطق لما يلي‪:‬‬
‫((( شرح العقيدية الطحاوية البن أبي العز الحنفي‪140/1 :‬‬

‫‪93‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫أ‪ -‬المريض النفســي ال يقــود الجيوش وينتصــر في المعارك‬


‫معركة تلــو األخرى ويضع التكتيكات العســكرية الناجحة‪ ،‬وفعل‬
‫محمد ذلك‪.‬‬
‫ب‪ -‬المريــض النفســي ال يســتطيع صناعــة كالم بليغ معجز‬
‫للبلغاء ومحير في صنعته للعقالء حتى يعجزوا عن اإلتيان بمثله‪.‬‬
‫ج‪ -‬والمريض النفسي ال يخفى أمره أبدً ا عن المقربين منه من‬
‫األهل واألصدقاء طوال هذه الفترة‪.‬‬
‫د‪ -‬والمريض النفسي ال يأتي بأحكام اقتصادية ونظم أخالقية‬
‫و ُأ ُطر سياسية سابقة لزمانه‪.‬‬
‫هـــ‪ -‬والمريــض النفســي ال يؤســس دولــة تقضي علــى أكبر‬
‫دولتين فــي زمانه وفي وقت واحد‪ ،‬ثم تصبــح هذه الدولة عاصمة‬
‫العلم والثقافة لقرون وسيدة العالم لدهور‪.‬‬
‫‪ ‬ثالثا‪ :‬احتمال كونه ﷺ مجرد م�صلح اجتماعي!‪.‬‬
‫بالمصلِح االجتماعي ذاك‬ ‫ً‬
‫عقــا‪ ..‬ويقصد ُ‬ ‫أيضا مردود‬
‫وهذا ً‬
‫الشــخص الذي يقضــي حياته في رفــع الظلم عن اآلخرين ونشــر‬
‫األخالق الفاضلة ونشر العدالة‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫عقل هنا لي���س كونه ﷺ ُم ً‬
‫�صلح��ا اجتماع ًّيا بل‬ ‫والمرفو���ض ً‬
‫ح�ص��ر و�صفه بالإ�صالح االجتماع��ي دون النبوة‪ ..‬ويرد المنطق‬
‫ْ‬
‫هذا االحتمال لما ي�أتي‪:‬‬
‫أ‪ -‬المصلــح االجتماعــي ال يقضــي ثلــث عمــره تقري ًبا وهو‬
‫يفتري على الله‪ ،‬وينسب له ما لم ي ُق ْله! أي مصلح هذا!!‪.‬‬
‫مصلحــا اجتماع ًّيا‪ ،‬وفي نفــس الوقت يقول‬
‫ً‬ ‫محمــد ﷺ كان‬
‫نبي من عند اللــه‪ ،‬وأن الله أمره بهــذه اإلصالحات مع‬
‫للنــاس إنــه ٌّ‬
‫إصالح العقيدة ً‬
‫أول‪.‬‬
‫مصلحا وال نب ًّيا‪،‬‬
‫ً‬ ‫مصلحا ونب ًّيا وإمــا أنه لم يكن‬
‫ً‬ ‫فإمــا أن يكون‬
‫أما أنه مصلح وفــي نفس الوقت يكذب بادعاء النبوة فمن الصعب‬
‫ً‬
‫مســتحيل أن يجتمع اإلصــاح مع الكــذب‪ ..‬خاصة‬ ‫إن لــم يكــن‬
‫الكذب الشنيع على الخالق!‪.‬‬
‫ب‪ -‬كانــت الدعوة للعــدل ولرفع الظلم ولمــكارم األخالق‬
‫جــز ًءا مــن دعــوة محمــد ﷺ بــا ريــب‪ ،‬لكن الجــزء األهــم من‬
‫دعوته وأساســها هو الدعــوة لتوحيد اللــه ‪ ۵‬وعبادته‪ ،‬والمصلح‬
‫االجتماعي حصر ًّيا دعوته ال عالقة لها بتوحيد الله وعبادته‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫مصلحا‬
‫ً‬ ‫بعب��ارة �أخ��رى‪ :‬لــو كان محمــد ﷺ مجــرد‬
‫اجتماع ًّيا ولــم يكن نب ًّيا‪ ..‬فلماذا جعــل قضيته األولى‬
‫هي توحيد الله والكفر بعبادة غيره من أصنام وغيرها؟‬
‫لمــاذا يفتح على نفســه معركــ ًة حامية شرســة بدعوته‬
‫لعبادة الله وحده؟‪ ،‬كان بإمكانه أن يركز على اإلصالح‬
‫االجتماعــي مــن رعاية للمســاكين ونصــرة للمظلوم‬
‫وأمثال ذلك دون الخوض في قضية التوحيد‪.‬‬
‫مصلحا اجتماع ًّيا بل‬
‫ً‬ ‫وفــي ذلك داللة على أنه لم يكن مجــرد‬
‫مصلحا ونب ًّيا من عند الله تعالى‪.‬‬
‫ً‬ ‫كان‬
‫‪ ‬راب ًعا‪ :‬بقي االحتمال الأخير!‪.‬‬
‫أن يكون محمد نب ًّيا من الله ‪...۵‬وهذا هو االحتمال الوحيد‬
‫الذي تؤيده سيرة محمد ﷺ وما حصل له من معجزات‪ ..‬والحمد‬
‫لله رب العالمين‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫المبحث الثاين‪:‬‬
‫دليل املواقف الصادقة‬

‫ً‬
‫وأقوال‬ ‫ومفهوم هذا الدليل يتلخص في أن للنبي ﷺ مواقف‬
‫في أحــداث معينة من الصعــب أن يفعلها أو يقولها لــو كان مدع ًيا‬
‫للنبوة وكاذ ًبا في تبنيها‪.‬‬
‫ومن هذه المواقف‪:‬‬
‫◈ �أوال‪ :‬موقفه من حادثة ك�سوف ال�شم�س‪.‬‬
‫(((‬
‫ففــي الحديــث الــذي رواه اإلمــام أحمــد(((‪ ،‬والبخــاري‬
‫ومســلم(((‪ ،‬ولفظه كما في البخاري من حديث المغيرة بن شــعبة‪:‬‬
‫ــول ال َّل ِ‬
‫الشــم ُس َع َلى َع ْه ِد رس ِ‬ ‫ِ‬ ‫َق َ‬
‫ــات ابنه‬ ‫ــه ﷺ َي ْو َم َم َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ــال‪ :‬ك ََســ َفت َّ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اهيم‪َ ،‬ف َق َال النَّاس‪ :‬كَس َف ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫ول‬ ‫الش ْم ُس ل َم ْوت إِ ْب َراه َ‬
‫ت َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫إِ ْب َر ُ‬
‫ت َأ َح ٍد َوالَ لِ َح َياتِ ِه‪،‬‬ ‫ان لِمو ِ‬ ‫ِ‬
‫ــم َس َوال َق َم َر الَ َينْكَســ َف ِ َ ْ‬ ‫ال َّل ِه ﷺ‪« :‬إِ َّن َّ‬
‫الش ْ‬
‫َفإِ َذا َر َأ ْيت ُْم َف َص ُّلوا‪َ ،‬وا ْد ُعوا ال َّل َه»‪.‬‬

‫((( يف مسنده برقم‪ 18218 :‬وصححه محققو المسند‪.‬‬


‫((( يف صحيحه برقم‪.143 :‬‬
‫((( يف صحيحه برقم‪904 :‬‬

‫‪97‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫فهــل يمكــن لعاقــل يدعــي النبــوة أن يفــوت فرصة كســوف‬


‫الشمس يوم وفاة ابنه ليربط بين هذه المناسبة وبين وفاة ابنه؟!‪.‬‬
‫وأي فرصة له أكبر من ادعاء أن كسوف الشمس كان لوفاة ابنه‬
‫مما يدل على ُعلو شأنه عند الله الذي يزعم أنه رسول من عنده!‪.‬‬
‫لكن النبي ﷺ لم يفعل ذلك‪ ،‬وهو يعلم أن كســوف الشــمس‬
‫لــم يكــن لوفــاة ابنه‪ ،‬وهو صــادق صــدوق ال يدعي مــا ليس بحق‬
‫ــم َس َوال َق َم َر الَ‬ ‫وصــدق‪ ،‬بل كان جوابه ﷺ حازما صادقا‪« :‬إِ َّن َّ‬
‫الش ْ‬
‫ت َأ َح ٍد َوالَ لِ َح َياتِ ِه»!‪.‬‬
‫ان لِمو ِ‬ ‫ِ‬
‫َينْكَس َف ِ َ ْ‬
‫فيالها من داللة �صدق نقية و�أمارة نبوة جلية!‪.‬‬
‫والتشــكيك في ثبوت هذا الحديث من حيث السند ال مبرر له‪،‬‬
‫فالمنطق يقول‪ :‬لو أراد رواة الحديث وضع رواية كاذبة عن النبي ﷺ‬
‫لربطوا في روايتهم المكذوبة بين كســوف الشــمس وبين وفاة ابن‬
‫النبي ﷺ‪ ،‬لكن رواة الحديث والســنن كأحمد والبخاري ومســلم‬
‫ال يجيــزون الكذب حتى لو كان الكذب يدعم نبوة محمد ﷺ‪ ،‬بل‬
‫نقلــوا الحديــث كما هو‪ ،‬ونقلــوا نفي النبي ﷺ الربط بين كســوف‬
‫الشمس وبين وفاة ابنه إبراهيم‪ ،‬فلله درهم ما أنصفهم وما أصدقهم‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫◈ ثانيا‪ :‬موقفه ﷺ من وفاة عمه �أبي طالب على الكفر‪.‬‬
‫الو َفاةُ‪،‬‬
‫ــب َ‬ ‫ــر ْت َأ َبا َطال ِ ٍ‬ ‫فقــد ثبت في الصحيحيــن ‪َ « :‬ل َّما َح َض َ‬
‫(((‬

‫ــول ال َّل ِه ﷺ َف َو َجدَ ِعنْدَ ُه َأ َبا َج ْهلٍ‪َ ،‬و َع ْبدَ ال َّل ِه ْب َن َأبِي ُأ َم َّي َة ْب ِن‬ ‫َجا َء ُه َر ُس ُ‬
‫اج َل َك بِ َها ِعنْدَ ال َّل ِه»‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫المغ َيرة‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬أ ْي َع ِّم ُق ْل‪ :‬ال إِ َل َه إِلَّ ال َّل ُه كَل َم ًة ُأ َح ُّ‬‫ُ‬
‫الم َّطلِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ب؟‬ ‫ب َع ْن م َّلة َع ْبد ُ‬ ‫َف َق َال َأ ُبو َج ْهلٍ‪َ ،‬و َع ْبدُ ال َّله ْب ُن َأبِي ُأ َم َّيةَ‪َ :‬أ َت ْر َغ ُ‬
‫الم َقا َل ِة‪َ ،‬حتَّى‬ ‫ِ ِ ِِ ِ‬
‫ــول ال َّله ﷺ َي ْع ِر ُض َها َع َل ْيــه‪َ ،‬و ُيعيدَ انه بِت ْل َك َ‬
‫َف َلم ي َز ْل رس ُ ِ‬
‫ْ َ َ ُ‬
‫ب‪َ ،‬و َأ َبى َأ ْن َي ُق َ‬ ‫الم َّطلِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َق َال َأ ُبو َطال ٍ‬
‫ول‪:‬‬ ‫ب آخ َر َما َك َّل َم ُه ْم‪َ :‬ع َلى م َّلة َع ْبد ُ‬
‫«وال َّل ِه َلَ ْســ َتغ ِْف َر َّن َل َك َما َل ْم‬ ‫ال إِ َله إِ َّل ال َّله‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َال رس ُ ِ‬
‫ــول ال َّله ﷺ‪َ :‬‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ْــز َل ال َّلــ ُه‪ ﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬ ‫ُأنْــ َه َعن َ‬
‫ْــك» َف َأن َ‬
‫ب‪َ ،‬ف َق َال لِرس ِ‬
‫ــول‬ ‫ﭪ﴾ [التوبــة‪َ ]113 :‬و َأن َْز َل ال َّل ُه فِي َأبِي َطال ِ ٍ‬
‫َ ُ‬
‫ت َو َلكِ َّن ال َّل َه َي ْه ِدي َم ْن َي َشا ُء»‪.‬‬
‫َّك ال ت َْه ِدي َم ْن َأ ْح َب ْب َ‬‫ال َّل ِه ﷺ‪« :‬إِن َ‬
‫�أل��م يكن من المنطقي �أن يعلن محمد ﷺ �أن عمه الذي ن�صره‬
‫و�آزره وتحمل معه الأذى قد مات م�سل ًما ِ�س ًّرا بينه وبين ربه؟‪.‬‬
‫�ألي���س من المنطق��ي �أن يفعل ذلك ل��و كان مدع ًّيا للنبوة ال‬
‫ً‬
‫�صادقا فيها؟!‪.‬‬
‫علــى العكس من ذلك‪ ،‬يعلن للجميــع بل وبآيات قرآنية تتلى‬
‫أن عمه قد مات على الكفر!!‪.‬‬
‫((( البخاري برقم‪ ،4772 :‬ومسلم برقم‪ 24 :‬واللفظ للبخاري‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫أرأيتم كاذ ًبا مدع ًيا للنبوة يصدم قومه بهذا الخبر المحزن؟!‪.‬‬
‫ومتــى!! وهــم فــي مكة‪..‬فــي حالــة ضعــف وقهر‪...‬آخر ما‬
‫يحتاجونه هو هذا الخبر الذي قد يحبط معنويات بعض منهم!‪.‬‬
‫بأمانة علمية وبموضوعية تامة‪ :‬ال يفعل ذلك إال نبي ُيب ِّلغ عن‬
‫ربه‪...‬ســواء أكان وحي ربه يوافق ما يحــب أم يخالف ما يحب‪...‬‬
‫سواء أكان مما يطلبه الجمهور ويحبه؟ أم مما يكرهه؟‪.‬‬
‫◈ ثال ًثا‪ :‬زواجه ﷺ من �إحدى ع�شرة امر�أة!‬
‫(((‬

‫قــد يســتغرب بعض القــراء من وضعــي هذه المســألة‪-‬وهي‬


‫زواجه ﷺ بهذا العدد من النســاء‪-‬في بــاب براهين النبوة ً‬
‫بدل من‬
‫وضعها في باب الشبهات‪.‬‬
‫والصحيــح أن زواجــه ﷺ بهذا العدد من النســاء دليــل نبوة‪ ،‬إذ‬
‫يصعب وربما يستحيل على مد ٍع للنبوة كاذب فيها أن يخدع هذا العدد‬
‫رحه وغضبه‬ ‫من النساء وهن يرينه في أحواله جميعها‪ ،‬يرينه في فرحه و َت ِ‬
‫تناقضا بين‬
‫وسروره‪ ،‬ثم يخفى عليهن كذبه في دعواه للنبوة‪ ،‬وال يرين ً‬
‫حاله وصفاته الحياتية وبين صفات النبي المفترضة في النبي‪.‬‬
‫قــد يخدع اإلنســان الجماهير‪ ،‬قد يخــدع بعض أقاربــه‪ ،‬وربما يخدع‬
‫زوجته الوحيدة‪ ،‬أما أن يخدع إحدى عشرة زوجة فهذا ضرب من المستحيل‪.‬‬

‫((( انظر سبل الهدى والرشاد البن يوسف الصالحي‪.143/11 :‬‬

‫‪100‬‬
‫الفصل السادس‪:‬‬
‫تبشري األمم السابقة وكتبها بالنبي ﷺ‬

‫املبحث الأول‪� :‬إخبار اليهود يف املدينة بقرب قدوم‬


‫نبي من اهلل ‪.۵‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬ب�شارة يف الباب ال�ساد�س ع�رش من‬


‫�إجنيل يوحنا‪.‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬ب�شارة يف خمطوطة مكت�شفة حديثًا‪.‬‬


‫وهذه الب�شارات تبرهن �أمرين‪:‬‬
‫‪ -1‬وجود خالق قد �أر�س��ل الر�س��ل و�أنزل الكتب ؛ لأن تحقق‬
‫نب��وءات �أولئك الر�س��ل وتل��ك الكتب ت��دل على م�صدره��ا الإلهي‬
‫الذي يعلم الغيب ويخبر به‪ ،‬مع اعتقادنا بوقوع التحريف فيها‪.‬‬
‫‪� -2‬ص��دق نب��وة محم��د ﷺ‪ ،‬حي��ث ب�ش��رت ب��ه تل��ك الأم��م‬
‫ال�سابقة‪.‬‬
‫والمب�ش��رات كثي��رة بف�ض��ل اهلل‪ ،‬و�س��نذكر بع���ض �أه��م تلك‬
‫الب�شارات فيما ي�أتي(((‪.‬‬

‫((( و قد جمع الدكتور فاضل الســامرائي أكثر من ثالثة وعشرين بشارة من الكتب‬
‫السابقة يف كتابه (نبوة محمد من الشك إلى اليقين)‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫المبحث األول‪:‬‬
‫إخبار اليهود يف املدينة بقرب قدوم نبي من اهلل ‪.۵‬‬

‫فقد روى ابن إســحاق بســند صحيح(((عن عاصم بن عمر بن‬


‫مما دعانا إلى اإلســا ِم َ‬
‫‪-‬مع‬ ‫قتــادة عن رجال من قومه قالــوا‪َّ :‬‬
‫«إن َّ‬
‫ِ‬
‫اليهود وكنَّا‬ ‫ِ‬
‫رجال‬ ‫نســمع مِــن‬ ‫لما كنَّا‬ ‫رحمــة ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫وهدا ُه لنا‪َّ -‬‬
‫الله تعالى ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أهل ِش ٍ‬
‫يس لنا‪،‬‬ ‫علم َل َ‬
‫كتاب عندَ هم ٌ‬ ‫أوثان‪ ،‬وكانوا َ‬
‫أهل‬ ‫أصحاب‬
‫َ‬ ‫رك‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫يكرهون‬ ‫شرور‪ ،‬فإذا نِلنا مِنهم َ‬
‫بعض ما‬ ‫ٌ‬ ‫وكانت ال ُ‬
‫تزال َبينَنا وبينَهم‬
‫قتل ٍ‬
‫عاد‬ ‫اآلن نقت ُلكم مع ُه َ‬
‫بعــث َ‬
‫زمان نبي ُي ُ‬ ‫تقارب ُ‬ ‫قالــوا لنا‪ :‬إ َّن ُه قــد‬
‫ٍّ‬ ‫َ‬
‫بعث الل ُه رســو َله ص َّلى‬‫فلما َ‬ ‫ذلك منهم‪َّ ،‬‬ ‫نســمع َ‬ ‫ُ‬ ‫كثيرا ما‬
‫وإر َم‪ ،‬فكنَّا ً‬
‫ِ‬
‫اللــه تعالى‪،‬‬ ‫حيــن دعانا إلى‬ ‫عليــه وع َلى آلِه وســ َّل َم أجبنا ُه‬
‫ِ‬ ‫ال َّلــ ُه‬
‫َ‬
‫به وكفروا‬ ‫إليــه‪ ،‬فآمنَّا ِ‬
‫رناهم ِ‬ ‫َوعدونَنا ِ‬
‫بــه‪ ،‬فبا َد ُ‬ ‫وعرفنــا مــا كانوا يت َّ‬‫َ‬
‫البقرة ﴿ ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫ِ‬ ‫اآليات مِن‬
‫ُ‬ ‫بــه‪ ،‬ففينا وفيهم نز َلت هذه‬ ‫ِ‬

‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ﴾ [البقرة ‪.»]89‬‬

‫((( صححــه األلبــاين يف (صحيح الســيرة النبوية)‪ ،‬صفحة‪ ،57 :‬وحســنه الوادعي‬
‫يف(صحيح دالئل النبوة)‪ ،‬صفحة‪.93 :‬‬

‫‪103‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫وهذا يفسر سبب ســرعة انتشار اإلسالم في المدينة لِما كانوا‬


‫يسمعونه من تبشير اليهود بنبينا محمد ﷺ‪.‬‬
‫ومما يزيد هذا الحدث ثبوتا أن هذه اآليات تليت على‬
‫أهل المدينة وأقروا ما فيها‪ ،‬ولو كان القرآن مفتر ًيا في‬
‫نقل خبر تبشير اليهود بنبي قادم لكان أول المعترضين‬
‫هم أهل المدينة أنفســهم‪ ،‬ولقالوا لمحمد ﷺ‪ :‬ال لم‬
‫يحصل هذا‪...‬والقرآن يفتري هذا الخبر!‪.‬‬
‫لكنهــم أقــروا بحصــول حادثة تبشــير اليهود بالنبــي ﷺ‪ ،‬بل‬
‫بادروا إلى اإليمان به وف ًقا لها‪.‬‬
‫ولو كان تبشــير يهود المدينة بمحمــد ﷺ من اختالق القرآن‬
‫الســتخدمها اليهود كوســيلة التهام النبي ﷺ باالفتــراء‪ ،‬لكنهم لم‬
‫يفعلوا‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫المبحث الثاين‪:‬‬
‫بشارة يف الباب السادس عرش من إنجيل يوحنا‬

‫جاء في الباب الســادس عشــر من إنجيل يوحنا‪:‬‬


‫«‪( 7‬لكنــي أقــول لكم الحــق أنه خير لكــم أن انطلق‬
‫ألني إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط فأما إن انطلقت‬
‫أرسلته إليكم)‪».‬‬
‫و(فارقليــط) معربــة مــن كلمــة‪( :‬بيركليتــوس) اليونانيــة‬
‫(‪ )PERIQLYTOS‬التــي تعنــي اســم‪ :‬أحمــد‪ ،‬صيغــة المبالغة من‬
‫الحمد(((‪.‬‬
‫وقــد ذكــر الشــيخ عبــد الوهــاب النجار فــي كتابــه « قصص‬
‫األنبيــاء» أنــه كان فــي ســنة ‪1894‬م زميــل دراســة اللغــة العربيــة‬
‫المستشــرق اإليطالي «كارلونالينو»‪ ،‬وقد ســأله الشــيخ النجار في‬
‫ليلــة ‪1311/7/27‬هـ ما معنــى «بيريكلتوس»؟ فأجابــه ً‬
‫قائل‪ :‬إن‬

‫((( ذكرهــا محمــود عبد الرحمــن قدح محقق كتــاب (تخجيل من حــرف التوراة‬
‫واإلنجيل) لصالح بن الحسين الجعفري يف الهامش‪.703/2 :‬‬

‫‪105‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫«المعــزي»‪ ،‬فقال النجار‪:‬‬


‫ِّ‬ ‫القســس يقولون‪ :‬إن هذه الكلمة معناها‬
‫إني أسأل الدكتور «كارلونالينو» الحاصل على الدكتوراة في آداب‬
‫يسا‪ ،‬فقال‪ :‬إن معناها‬
‫قس ً‬
‫اليهود باللغة اليونانية القديمة ولست أسأل ِّ‬
‫«الذي لــه حمد كثير»‪ ،‬فقال النجار‪ :‬هل ذلك يوافق أفعل التفضيل‬
‫مــن «حمد»؟ فقال الدكتور‪ :‬نعم‪ ،‬فقال النجار‪ :‬إن رســول الله ﷺ‬
‫من أسمائه «أحمد»(((‪.‬‬

‫((( قصــص األنبياء لعبــد الوهاب النجار الطبعة الثالثــة‪ ،‬دار إحياء الرتاث العربي‪:‬‬
‫‪.397 ،398‬‬

‫‪106‬‬
‫المبحث الثالث‪:‬‬
‫بشارة يف خمطوطة مكتشفة حديثًا‬

‫ذك��ر موقع الجزي��رة على ال�ش��بكة العنكبوتية خبر‬


‫اكت�ش��اف مخطوطة لإنجيل فيه اعتراف وتب�ش��ير بقدوم‬
‫محمد ﷺ‪ ،‬وجاء في الخبر(((‪:‬‬
‫«كشــفت صحيفة بريطانية أن السلطات في تركيا عثرت على‬
‫ما ُيظن أنها النســخة األصلية إلنجيل بِ ْرنَابا الذي بشر برسول يأتي‬
‫من بعد المسيح ڠ اسمه أحمد‪ ،‬مما سيثير ً‬
‫جدل في المعتقدات‬
‫المسيحية السائدة‪.‬‬
‫وذكــرت صحيفة ذي ديلي ميل أن المخطوطة المكتشــفة من‬
‫إنجيــل برنابا مكتوبة على جلــد حيوان ويعود تاريخهــا إلى القرن‬
‫الخامس الميالدي‪ ،‬لكن ُعثر عليها قبل ‪ 12‬عا ًما فقط‪.‬‬
‫ونســبت الصحيفة إلى وسائل إعالم إيرانية القول إن اإلنجيل‬
‫المكتشف ينص صراحة على أن المسيح عيسى بن مريم لم ُيصلب‪،‬‬
‫وأنه يبشر بمجيء النبي محمد ﷺ ليكون خاتم األنبياء‪.»..‬‬

‫((( موقع الجزيرة على الشبكة العنكبوتية بتاريخ ‪.2012/5/26‬‬

‫‪107‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫ومما يجدر اإلشــارة إليه أن هذا اإلنجيل وإن كان فيه إشــارة‬
‫وتبشــير بنبوة محمد ﷺ إال أن ذلك ال يعني أن كل ما فيه صحيح‪،‬‬
‫وربمــا نالــه بعض التحريــف‪ ،‬لكن ذلك التحريف لــم يمنع وجود‬
‫تلك البشارة‪.‬‬

‫وحتى لو افتر�ضنا �أن هذا االنجيل مزيف ف�إن ما ذكرنا‬


‫من المب�شرات يكفي بف�ضل اهلل‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫الفصل السابع‪:‬‬
‫اإلعجاز العلمي يف الكتاب والسنة‪.‬‬

‫املبحث الأول‪ :‬تعريف الإعجاز العلمي وداللته‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬مراتب العلم و�ضوابط الإعجاز العلمي‪.‬‬

‫املبحث الثالث‪� :‬أمثلة من الإعجاز العلمي‪:‬‬

‫‪ -1‬الإخبار النبوي بعدد مفا�صل الإن�سان‪.‬‬

‫‪ -2‬الإعجاز العلمي يف الو�صف الدقيق ملراحل‬

‫خلق اجلنني‪.‬‬

‫‪ -3‬الإعجاز القر�آين يف حديثه عن الأمواج‬

‫العميقة �أو الداخلية «‪.»internal waves‬‬


‫لو توق��ف كتابنا هنا ولم يقتحم ب��اب الإعجاز العلمي لكان‬
‫ما ذكرناه من قبل من دالئل النبوة كاف ًيا لطالب الحق والحقيقة‬
‫��ر بنب��وة محمد ﷺ‪ ،‬وم��ع ذلك ولزي��ادة اليقين في النفو���س‬ ‫ل ُي ِق ّ‬
‫ر�أي��ت �أن �أخت��ار �أمثل��ة م��ن بي��ن ع�ش��رات الأمثلة عل��ى الإعجاز‬
‫العلمي‪ ،‬وذلك بعد التعريف وال�ضوابط‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫المبحث األول‪:‬‬
‫تعريف اإلعجاز العلمي وداللته‬

‫هو إخبار القرآن أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي‬


‫وثبــت عــدم إمكانية إدراكها بالوســائل البشــرية في زمن الرســول‬
‫محمد ﷺ مما يظهر صدقه فيما اخبر عن ربه ‪.(((‬‬
‫وهــذا اإلخبار يثبت صــدق النبــي ﷺ فيما يدعيه مــن النبوة‬
‫واإلخبار عن الله ‪ ،۵‬حيث استحالة معرفة النبي ﷺ بهذه الحقيقة‬
‫بغير وحي من الله‪.‬‬
‫وهذا هو التعريف الدارج عند جمهور المشــتغلين باإلعجاز‬
‫العلمي‪.‬‬
‫ونــرى أن يضاف إلى هذا التعريف تلك الحقائق العلمية التي‬
‫أخبــر بها النبي ﷺ‪ ،‬ولم تكن معروفة في بيئته وال في محيطه‪ ،‬وإن‬
‫كانت معروفة في خارج الجزيرة العربية(((‪.‬‬

‫((( اإلعجــاز العلمــي يف القرآن والســنة للدكتــور عبد اهلل المصلــح والدكتور عبد‬
‫الجواد الصاوي وآخرون‪ ،‬صفحة‪.28 :‬‬
‫((( وممــن أضــاف هــذه اإلضافة الدكتور ســامي عامــري يف (براهيــن النبوة)‬
‫صفحة‪.559 :‬‬

‫‪111‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫عليما‬
‫والمبــرر فــي هذه اإلضافــة هــي أن النبي ﷺ لم يكــن ً‬
‫األســفار وال يعرف‬
‫بالحضــارات التــي حولــه‪ ،‬خاصــة وهو نــادر ْ‬
‫القــراءة وال الكتابــة‪ ،‬فمعرفتــه بالحقيقــة العلميــة عــن طريق تلك‬
‫الحضارات شبه مستحيلة‪ ،‬فيكون مصدرها الوحي ال غيره‪.‬‬
‫˚ والإعج��از العلمي لي���س في قوة دالئ��ل النبوة‬
‫الأخ��رى‪ ،،‬ولعل��ه �أ�ضعفه��ا‪ ،‬وم��ع ذل��ك ه��و‬
‫دليل معتبر ب�ش��رط �أن ي�ؤخذ �ضمن �ش��روطه‬
‫و�ضوابطه‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫المبحث الثاين‪:‬‬
‫مراتب العلم وضوابط اإلعجاز العلمي‬

‫˚ �أوال‪ :‬مراتب العلم‪:‬‬


‫ومعرفــة مراتــب العلــم مهمــة لقيــاس مدى صحــة اإلعجاز‬
‫العلمي في قضية ما‪.‬‬
‫وهذه المراتب هي(((‪:‬‬
‫‪-1‬الحقيقة العلمية‪:‬‬
‫هــي المفهوم الذي تجــاوز المراحــل الفرضية والدراســات‬
‫النظريــة حتــى أصبــح ثابتًــا ُم ْج َم ًعــا عليــه مــن قِ َبــل كافــة العلماء‬
‫المختصين‪ ،‬كتمدد المعادن بالحرارة وانكماشــها بالبرودة‪ ،‬وتبخر‬
‫الماء عند درجة مئوية تحت الضغط الجوي العادي‪ ،‬وتجمده عند‬
‫درجة الصفر المئوي‪.‬‬
‫‪ -2‬النظرية‪:‬‬
‫توضيــح عالقــة األثر والســبب بين المتغيرات وذلك لشــرح‬
‫ظواهر معينة‪.‬‬
‫((( انظر اإلعجاز العلمي يف القرآن والسنة تاريخه وضوابطه للدكتور عبد المصلح‪،‬‬
‫صفحة‪.29 ،28 :‬‬

‫‪113‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫والنظريات مراتب بحسب قربها وبعدها من الحقائق‪.‬‬


‫وأقوى النظريات هي تلك التي ُتقدم ً‬
‫شرحا أكثر منطقية لتلك‬
‫المالحظات‪.‬‬
‫والنظرية أقل رتبة من حيث الثبوت من الحقيقة العلمية‪.‬‬
‫‪-3‬الفر�ض �أو (الفر�ضية)‪:‬‬
‫هو تخمين واستنتاج ذكي يصوغه ويتبناه الباحث مؤقتًا لشرح‬
‫بعض ما يالحظ من الحقائق والظواهر‪.‬‬
‫وهو أقل رتبة من الحقيقة العلمية والنظرية‪.‬‬
‫˚ ثانيا‪� :‬ضوابط الإعجاز العلمي في الكتاب وال�سنة‪.‬‬
‫التعامل مع المســائل المنســوبة لإلعجــاز العلمي بال فحص‬
‫كثيرا إلى مصداقية هذا اإلعجاز فنسبت إليه مسائل‬
‫وال ضبط أساء ً‬
‫ال عالقــة لهــا باإلعجاز العلمــي‪ ،‬حيــث اعتمدت علــى أحاديث‬
‫ضعيفــة أو معلومات غير صحيحــة أو ما زالت في مرحلة الفرضية‬
‫أو النظرية‪.‬‬
‫لــذا وضع المنشــغلون فــي قضيــة اإلعجاز العلمــي ضوابط‬
‫وشروط مهمة ليكون هذا النوع من اإلعجاز ذا مصداقية‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫ومن �أهم تلك ال�ضوابط(((‪:‬‬
‫‪ 1‬ثبــوت النص وصحته إن كان حدي ًثــا‪ ،‬أما القرآن فصحته‬
‫تواترا‪.‬‬
‫ثابتة ً‬
‫‪ 2‬ثبــوت الحقيقة العلمية ثبو ًتا قاط ًعــا‪ ،‬وتوثيق ذلك علم ًّيا‬
‫متجاوزة مرحلة الفرض والنظرية إلى القانون العلمي‪.‬‬
‫‪ 3‬وجود اإلشــارة إلى الحقيقة العلمية في النص القرآني أو‬
‫الحديثي بشكل واضح ال مرية فيه‪.‬‬

‫فإذا تم ذلك أمكنت دراسة القضية‬


‫الستخراج وجه اإلعجاز‪.‬‬

‫((( انظر اإلعجاز العلمي يف القرآن والسنة تاريخه وضوابطه‪ ، ،‬صفحة‪ 31‬بتصرف‬
‫يسير‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫المبحث الثالث‪:‬‬
‫أمثلة من اإلعجاز العلمي‬

‫‪ -1‬الإخبار النبوي بعدد مفا�صل الإن�سان‪.‬‬


‫ففي صحيح مســلم من حديث عائشة ڤ أن النبي ﷺ قال‬
‫ِّين َو َث َلثِ ِمائ َِة َم ْف ِص ٍل‪َ ،‬ف َم ْن‬ ‫ِ‬ ‫«إِ َّنه ُخ ِل َق ك ُُّل إِنْس ٍ ِ ِ‬
‫ــان م ْن َبني آ َد َم َع َلى ست َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َك َّب َر الل َه‪َ ،‬و َح ِمدَ الل َه‪َ ،‬و َه َّل َل الل َه‪َ ،‬و َســ َّب َح الل َه‪َ ،‬و ْاس َت ْغ َف َر الل َه‪َ ،‬و َعز ََل‬
‫َّاس‪َ ،‬و َأ َم َر‬
‫يق الن ِ‬ ‫ــو َك ًة َأ ْو َع ْظ ًما َع ْن َطرِ ِ‬ ‫َّاس‪َ ،‬أ ْو َش ْ‬‫يق الن ِ‬ ‫َح َج ًرا َع ْن َطرِ ِ‬
‫ك الســتِّين و َ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫الس َل َمى‪،‬‬ ‫الثَّلثمائَة ُّ‬ ‫بِ َم ْع ُروف َأ ْو ن ََهى َع ْن ُمنْ َكرٍ‪َ ،‬عدَ َد ت ْل َ ِّ َ َ‬
‫َفإِ َّن ُه َي ْم ِشي َي ْو َمئِ ٍذ َو َقدْ ز َْحز ََح َن ْف َس ُه َع ِن الن ِ‬
‫َّار»(((‪.‬‬
‫والم ْف ِصل‪ :‬ك ُُّل ُم ْل َت َقى َع ْظ َم ْي ِن مِ َن ا ْل َج َس ِد(((‪.‬‬
‫َ‬
‫والســامى من معانيــه المفصل كما قال المناوي في تفســيره‬
‫لمعناها حيث قال‪« :‬عظام الجسد أو أنامله أو مفاصله»(((‪.‬‬
‫والمعنى اإلجمالــي للحديث وضحه ابــن الملك فقال‪« :‬من‬
‫فعــل الخيرات المذكورة ونحوها عدد تلك الســتين والثالث مئة‪،‬‬
‫((( برقم‪.1007 :‬‬
‫((( لسان العرب‪.521/11 :‬‬
‫((( فيض القدير‪.21/5 :‬‬

‫‪116‬‬
‫فإنه يمشي يومئذ‪ ،‬وقد زحزح نفسه؛ أي‪ :‬باعدها عن النار»(((‪.‬‬
‫وشــاهد اإلعجاز في هذا الحديث ِذكر النبي ﷺ عدد مفاصل‬
‫ً‬
‫انشغال‬ ‫ً‬
‫مفصل‪ ،‬ولم يعرف عن النبي ﷺ‬ ‫اإلنسان وهو‪360 :‬‬
‫ً‬
‫منشغل بهما لما استطاع أن‬ ‫بالطب أو التشريح‪ ،‬وحتى لو كان‬
‫يصــل إلى هذا الرقم الدقيق لعدد مفاصل الجســم خاصة في‬
‫عصره المتأخر في علم التشــريح على مستوى العالم‪ ،‬ناهيك‬
‫عن عيشه في بيئة بدوية ال ُيعرف عنها العلم بمجمل صنوفه‪.‬‬
‫وزي��ادة في المحاججة وقط ًعا للمجادل��ة فقد اخترنا م�صادر‬
‫طبية غربية بعيدة عن �شبهة التع�صب للحديث النبوي وت�ؤيد هذا‬
‫الرقم النبوي ‪ 360-‬مف�صال‪ ،-‬والم�صادر كثيرة وقد اخترنا منها‪:‬‬
‫‪ -1‬الموسوعة األمريكية للطب والعالج الطبيعي‪.‬‬
‫(((‬

‫‪ -2‬موقــع لمستشــفى مينيابوليس االمريكيــة لجراحة العظام‬


‫ً‬
‫مفصل(((‪.‬‬ ‫تؤكد أن عدد المفاصل ‪360‬‬

‫الملك‪.468/2 :‬‬
‫((( شرح المصابيح البن ُ‬
‫((( ?‪http://naturatomica.com/category/joints-bones-muscles‬‬
‫‪fbclid=IwAR2j-GMnm-CfDEAo6mviP6KTVDQy15WkEHkffj‬‬
‫‪gJOnT4RkbDFFITQgeUE68.‬‬
‫((( ‪https: //www.mplsortho.com/faq/#how-many-joints‬‬

‫‪117‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫‪ -3‬موقع مركز العظام والمفاصل في ســياتل األمريكية يقرر‬


‫أن عدد المفاصل ‪.(((360‬‬
‫وقد قدم الباحثون‪ :‬أ‪.‬د‪/‬شريف أحمد جالل‪ ،‬أ‪.‬د‪/‬أحمد عبد‬
‫المنعــم العياط‪ ،‬د‪/‬مصطفى محمد عبد المنعم ببيان تفصيلي لهذه‬
‫العظــام في بحث لهم منشــور على موقــع الهيئــة العالمية للكتاب‬
‫والسنة التابعة لرابطة العالم اإلسالمي(((‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬اعترا�ض مردود‪:‬‬
‫حــاول بعضهم التشــغيب على هــذا الدليل بالقــول أن هناك‬
‫مصادر صينية قديمة قبل اإلســام ذكرت أن عدد مفاصل اإلنسان‬
‫‪360‬؟ فأين اإلعجاز العلمي هنا؟‬
‫والجواب‪:‬‬
‫أن العــدد الصحيح في تلك المراجع هــو ‪ 365‬وليس ‪،360‬‬
‫وقــد برر هــذا الصينيون هذا الرقم قديما لموافقته عدد أيام الســنة‪،‬‬
‫وعدد أيامها هو ‪ 365‬كما هو معلوم‪.‬‬

‫(((‪https://web.archive.org/web/20131207124859/http://‬‬
‫‪theboneandjointcenterofseattle.com/our_physicians.asp‬‬
‫(((‪https://www.eajaz.org/index.php/Scientific-Miracles/Medicine-‬‬
‫‪and-Life-Sciences/326-Miracles-in-an-interview-joints‬‬

‫‪118‬‬
‫وعلى فرض أن الصينيين والبوذيين وغيرهم قالوا بهذا الرقم‬
‫وهو ‪..360‬فمن أين علم النبي ﷺ بهذه المعلومة منهم وهو الذي‬
‫ال يقرأ العربية وال غيرها ولم يسافر إلى ديارهم البتة!‪.‬‬
‫ولماذا اختار هذه المعلومة من بين ركام الخرافات المنتشــرة‬
‫هناك وقتها؟‪.‬‬
‫‪ -2‬الإعج��از العلم��ي ف��ي الو�ص��ف الدقي��ق لمراح��ل خل��ق‬
‫الجنين‪.‬‬

‫واإلعجاز هنا مزدوج‪:‬‬


‫إعجاز في ذكر المراحل‪.‬‬
‫وإعجاز في دقة وصف كل مرحل‪.‬‬

‫وقبــل أن نتكلم عن معالم اإلعجاز في هذا الدليل نســتعرض‬


‫مراحل خلق الجنين في القرآن الكريم والطب الحديث لنرى مدى‬
‫التوافق بينهما‪.‬‬
‫ثــم نذكر بعد ذكر معالــم هذا اإلعجاز نذكر بعض الشــبهات‬
‫حول هذا اإلعجاز‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫¬ �أوال‪ :‬مراح��ل خل��ق الجني��ن في الق��ر�آن الكريم والطب‬


‫الحديث والم�شاهدة‪.‬‬
‫مــن أفضــل مــن كتب فــي هــذا الدليــل الدكتــور جــواد عبد‬
‫الصاوي‪-‬استشــاري طب األطفال‪-‬وذلك في بحث له نشــر على‬
‫موقع اإلعجاز تابع لرابطة العالم اإلسالمي(((‪.‬‬
‫ومن بحثه �أقتب�س ‪-‬مع الت�صرف واالخت�صار‪ -‬ما ي�أتي‪:‬‬
‫«وصــف القرآن الكريم أ ْطوار الجنيــن وص ًفا دقي ًقا من خالل‬
‫إطالق مســمى علي كل َط ْور له بدايــة ونهاية محددة‪ ،‬حيث يصف‬
‫المظهــر الخارجي للجنين‪ ،‬ويعكس عمليــات التخلق الداخلية له‬
‫في فترات زمنية متعاقبة‪.‬‬
‫قــال الله تعالــى‪﴿ :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ‬
‫ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ﴾ [المؤمنون‪.]14 -12 :‬‬

‫((( علــى هــذا الرابــط‪http: //www.eajaz.org/index.php/component/ :‬‬


‫‪content/article/66-Issue-VIII/542-Phases-of-the-fetus-(and-‬‬
‫‪breathed‬‬

‫‪120‬‬
‫ملخصا للدالالت اللغوية وأقوال بعض المفسرين في‬
‫ً‬ ‫وسأذكر‬
‫كل طور ومطابقة ذلك للحقائق المستقرة في علم األجنة الحديث‪.‬‬
‫النطفة‪:‬‬
‫�آ ـ طور ُّ‬
‫تطلــق النطفة علــى الماء القليــل ولو قطرة(((‪.‬وفــي الحديث‬
‫ف َر ْأ ُس ُه َما ًء» [رواه مسلم](((‪.‬‬‫«و َق ِد ا ْغت ََس َل َينْ ُط ُ‬
‫َ‬
‫ــي المــرأة‪ ،‬قال‬‫وقــد أطلقهــا الشــارع علــى منِــي الرجل ومن ِ‬
‫َ ّ‬ ‫َ ّ‬
‫ِ‬
‫األلوســي‪ :‬والحــق أن النطفة كما يعبر بها عــن َمني الرجل يعبر بها‬
‫المنِي مطل ًقا(((‪.‬‬ ‫عن َ‬
‫أيضا على امتــزاج نطفتي الرجل والمرأة‬ ‫كما أطلقها الشــارع ً‬
‫وســماها النطفة األمشــاج في قوله اللــه تعالى‪ ﴿ :‬ﯨ ﯩ ﯪ‬ ‫ّ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﴾ [اإلنسان‪.]2 :‬‬
‫وقد عرف المفســرون النطفة األمشاج بأنها‪ :‬النطفة المختلطة‬
‫التــي اختلــط وامتــزج فيها مــاء الرجل بمــاء المــرأة(((‪ .‬وهذه هي‬
‫((( قال أبو حيان األندلسي يف البحر المحيط ‪ :501/6‬لنُّ ْط َفةُ‪ :‬ا ْل َق ْطر ُة مِن ا ْلم ِ‬
‫اء‪.‬‬ ‫َ َ َ‬
‫((( يف صحيحه برقم‪.605 :‬‬
‫((( روح المعــاين لأللوســي‪ .112/9 :‬وقبل األلوســي قال الفيومــي يف المصباح‬
‫الر ُج ِل َوا ْل َم ْر َأ ِة‪.‬‬
‫المنير ‪َ :611/2‬والنُّ ْط َف ُة َما ُء َّ‬
‫((( قــال الرازي عند تفســيره لقوله تعالــى‪ ﴿ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﴾‬
‫ــة ا ْل َم ْر َأ ِة‪ .‬انظر‬
‫ــة الرج ِل بِنُ ْط َف ِ‬
‫ِ‬
‫اخت َل ُط ُن ْط َف َّ ُ‬
‫ون َع َلى َأنَّــه ْ ِ‬
‫ُ‬ ‫ــر َ‬ ‫[اإلنســان‪َ :]2 :‬ف ْالَ ْك َث ُ‬
‫تفسير الرازي‪.740/30 :‬‬

‫‪121‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫البويضة الملقحة بتطوراتها العديدة والتي ال تزال تأخذ شكل قطرة‬


‫الماء ولها خاصية الحركة االنســيابية كقطرات الماء تما ًما‪ .‬وينتهي‬
‫هذا الطور بتعلق الكيســة األريمية ببطانة الرحم في نهاية األســبوع‬
‫األول مــن التلقيح؛ وهــي الصورة األخيرة للنطفة األمشــاج والتي‬
‫مازالت تحافظ على شكل قطرة الماء بالرغم من تضاعف خالياها‬
‫أضعا ًفا مضاعفة‪ .‬وحينما يفقد هذا الطور حركته االنسيابية ويتعلق‬
‫ببطانة الرحم يتحول إلى طور جديد هو طور العلقة‪.‬‬

‫طور النطفة‬

‫‪122‬‬
‫الع َلقَ ة‪:‬‬
‫ب ـ َط ْور َ‬
‫لهذا الطور عدة أشكال من بدئه وحتى نهايته(((‪ .‬وهذا يتوافق‬
‫مــع َتع ُّلق الجنيــن ببطانة الرحم خــال األســبوع الثاني‪.‬كما يطلق‬
‫العلق على الدم عامة وعلى شــديد الحمــرة وعلى الدم الجامد(((‪.‬‬
‫وهــذا يتوافق مع شــكل الجنين فــي هذا الطور حينمــا تتكون لديه‬
‫األوعية الدموية المقفلة والممتلئة بالدماء خالل األســبوع الثالث‪،‬‬
‫ويظهر على صورة نطفة دم حمراء جامدة‪.‬‬

‫مقارنة في طور العلقة بين الجنين ودودة العلقة!‪.‬‬


‫((( قــال ابن فارس يف معجم مقاييس اللغــة ‪َ ( :125/4‬ع َل َق) ا ْل َع ْي ُن َواللَّ ُم َوا ْل َق ُ‬
‫اف‬
‫الش ْي ِء ا ْل َعالِي‪.‬‬
‫الش ْي ُء بِ َّ‬ ‫اح ٍد‪َ ،‬و ُه َو َأ ْن ُين َ‬
‫َاط َّ‬ ‫حيح ير ِجع إِ َلى معنًى و ِ‬
‫َْ َ‬
‫ِ‬
‫َأ ْص ٌل َكبِ ٌير َص ٌ َ ْ ُ‬
‫ وقــال الســمين الحلبــي يف عمــدة الحفــاظ ‪ :110/3‬وأصــل العلق‪ :‬التشــبث‬
‫بالشيء؛ يقال‪ :‬علق به‪ :‬تعلق‪.‬‬
‫ قلت‪ :‬وكذلك تتعلق وتناط النطفة بالرحم يف هذه المرحلة!‬
‫((( قال الخطيب الشــربيني يف الســراج المنير ‪« :573/3‬علقة» حمراء د ًما غلي ًظا‪،‬‬
‫شديد الحمرة جامدً ا غلي ًظا‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫أيضــا على دودة في الماء تمتص الدم‪ ،‬وتعيش‬


‫وتطلق العلقة ً‬
‫فــي البرك‪ ،‬وتتغذى على دماء الحيوانات التي تلتصق بها‪ ،‬والجمع‬
‫َع َلــق‪ .‬وقد وصف ابن كثير هذا الطور فقال‪ :‬أي صيرنا النطفة علقة‬
‫حمراء على شكل العلقة مستطيلة(((‪.‬‬
‫فالجنيــن فــي نهاية هــذا الطور كمــا يقول المفســرون‪ :‬يكون‬
‫الحمرة لمــا فيها من‬
‫على شــكل علقة مســتطيلة لونها شــديد ُ‬
‫دم متجمد‪ .‬وهذا يتوافق مع الشــكل األخير لهذا الطور حيث‬
‫يأخذ الجنين شكل الدودة التي تمتص الدماء وتعيش في الماء‬
‫ويشــترك الجنيــن معها في قــوة تع ُّلقه بعائلــه والحصول على‬
‫غذائه من امتصــاص دمائه‪ .‬والمدة الزمنية لهذا الطور هي من‬
‫بداية األسبوع الثاني وحتى نهاية األسبوع الثالث من التلقيح‪.‬‬
‫الـم ْ�ضغَ ة‪:‬‬
‫ج ـ طور ُ‬
‫وفــي بدايــة األســبوع الرابــع وبالتحديــد فــي اليــوم الثانــي‬
‫والعشرين يبدأ القلب في النبض وينتقل الجنين إلى طور جديد هو‬
‫طور المضغة‪ .‬ويبدو سطحه من الخارج وقد ظهرت عليه النتوءات‬
‫أو الكتل البدنية حيث تجعله كشــيء َل َك ْت ُه األســنان تما ًما‪ ،‬لكن ال‬

‫((( تفسير ابن كثير‪.466/5 :‬‬

‫‪124‬‬
‫تمايز للمالمح‬
‫شكل فيه وال تخطيط يدل على أنه جنين إنساني وال َ‬
‫اإلنسانية وال استبانة فيه ألي عضو من أعضاء الجسم اإلنساني‪.‬‬
‫وبمــا أن الجنين يتحول ويتغير من يوم إلى يوم بل من ســاعة‬
‫إلــى أخــرى فالجنين في النصف الثاني من هــذا الطور تقري ًبا تظهر‬
‫عليه براعم اليديــن والرجلين والرأس والصدر والبطن كما تتكون‬
‫معظــم براعم أعضائــه الداخلية‪ ،‬ومع احتفاظه بالشــكل الخارجي‬
‫يصدُ ق عليه أنه مخلق وغير مخلق‪.‬‬
‫المشابه لمادة ممضوغة ْ‬
‫وهــا هــو الوصــف القرآنــي يقــرر هــذه الحقيقة قــال تعالى‪:‬‬
‫﴿ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﴾ [الحــج‪ .]5 :‬قــال ابن كثير‪ُ :‬ث َّم‬
‫يط‪-‬‬ ‫َح ُيل َفت َِص ُير ُم ْض َغ ًة ‪-‬قِ ْط َع ًة مِ ْن َل ْح ٍم َل َش ْك َل فِ َيها َو َل َت ْخطِ َ‬
‫َتســت ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّخطيط‪َ ،‬ف ُي َص َّو ُر من َْها َر ْأ ٌس َو َيدَ ان‪َ ،‬و َصدْ ٌر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُث َّم ُي ْش َر ُع في الت َّْشكي ِل َوالت ْ‬
‫ان و ِرج َل ِن‪ ،‬وسائِر ْالَ ْع َض ِ‬ ‫ِ‬
‫اء(((‪.‬‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َو َب ْط ٌن‪َ ،‬و َف ْخ َذ َ ْ‬
‫لذلــك فالوصفــان ﴿ ﮡ ﮢ ﮣ﴾ البــد أن يكونــا‬
‫الزميــن للمضغة‪.‬وفي هذا النــص داللة علــى أن التخليق يبدأ في‬
‫هــذا الطــور وهو ما أكدته حقائــق علم األجنة فــي أن التخليق يبدأ‬
‫مــن أول األســبوع الرابع‪ .‬وينتهي هــذا الطور قبيل نهاية األســبوع‬
‫السادس حيث يبدأ الطور التالي في التخليق‪.‬‬
‫((( تفسير ابن كثير‪.395/5 :‬‬

‫‪125‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫الجنين في طور الم�ضغة وبداية طور العظام‪ ،‬الحظوا ك�أنه‬


‫م�ضغة ولقمة يظهر فيها �أثر الأ�سنان!‪.‬‬

‫د ـ طور العظام‪:‬‬
‫وذلك بتشــكل الجنين في هــذا الطور علــى هيئة مخصوصة‬
‫وإزالــة صورة المضغة عنه واكتســابه صورة جديــدة؛ حيث يتخلق‬
‫الهيكل العظمي الغضروفي‪ ،‬وتظهر أولى مراكز التعظم في الهيكل‬
‫الغضروفــي فــي بدايــة األســبوع الســابع‪ ،‬فيتصلب البــدن وتتميز‬
‫الــرأس من الجذع وتظهر األطراف‪ .‬قال ابــن كثير في قوله تعالى‪:‬‬

‫‪126‬‬
‫﴿ ﮫ ﮬ ﮭ﴾ [المؤمنون‪َ :]12 :‬ي ْعنِي‪َ :‬ش َّك ْلن َ‬
‫َاها َذ َ‬
‫ات‬
‫س َو َيدَ ْي ِن َو ِر ْج َل ْي ِن بِ ِع َظامِ َها َو َع َصبِ َها َو ُع ُروقِ َها(((‪ .‬ثم يبدأ الجنين‬
‫َر ْأ ٍ‬
‫الطور األخير من التخليق وهو طور كساء العظام باللحم‪.‬‬
‫وفــي هذا الطور يزداد تشــكل الجنين على هيئــة أخص‪ .‬قال‬
‫ابــن كثير في قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﴾ [المؤمنون‪:]12 :‬‬
‫« َأي‪ :‬وجع ْلنَا َع َلى َذل ِ َك ما يســتُره وي ُشــدُّ ه وي َقو ِ‬
‫يه»(((‪ .‬وهذا يتوافق‬ ‫ُ َ ُ ِّ‬ ‫َ َْ ُُ ََ‬ ‫ْ َ َ َ‬
‫مــع ما ثبت فــي علم األَ ِجنّــة من أن العظــام ُتخلق ً‬
‫أول ثم تكســى‬
‫بالعضالت في نهاية األســبوع الســابع وخالل األسبوع الثامن من‬
‫تلقيــح البويضة‪.‬وبهــذا تنتهــي مرحلة التخليق حيــث تكون جميع‬
‫األجهزة الخارجية والداخلية قد تشكلت ولكن في صورة مصغرة‬
‫ودقيقة‪ .‬وبنهاية األسبوع الثامن تنتهي مرحلة التخليق والتي يسميها‬
‫علماء األجنة بالمرحلة الجنينية‪ .‬هذا وقد أكد علم الفحص بأجهزة‬
‫الموجات فوق الصوتية أن جميــع التركيبات الخارجية والداخلية‬
‫الموجودة في الشــخص البالــغ تتخ ّلق من األســبوع الرابع وحتى‬
‫األســبوع الثامن من ُع ْم ِر الجنين‪ ،‬كما يمكن أن ترى جميع أعضاء‬
‫الجنين بهذه األجهزة خالل األشهر الثالثة األولى‪.‬‬
‫((( تفسير ابن كثير‪.466/5 :‬‬
‫((( تفسير ابن كثير‪.466/5 :‬‬

‫‪127‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫ثــم يبدأ الجنين بعــد األســبوع الثامن مرحلة أخــرى مختلفة‬


‫يسميها علماء األجنة بالمرحلة الحميلية‪ ،‬ويسميها القرآن الكريم‪:‬‬
‫مرحلة النشــأة خل ًقــا آخر‪ .‬ولذلك يعتبر طور كســاء العظام باللحم‬
‫الحد الفاصل بين المرحلة الجنينية والحميلية‪.‬‬
‫هـ ـ مرحلة الن�ش�أة ً‬
‫خلقا �آخر‬
‫تبدأ مرحلة النشأة في األسبوع التاسع حيث ينمو الجنين ببطء‬
‫إلى األســبوع الثاني عشــر ثم ينمو بعد ذلك بسرعة كبيرة‪ .‬وتستمر‬
‫هذه المرحلة حتى نهاية الحمل‪.‬‬
‫وتختــص هــذه المرحلة بعــدة خصائص أهمهــا‪ :‬تطور ونمو‬
‫أعضــاء وأجهــزة الجنين وذلــك بتهيئتها للقيــام بوظائفهــا» انتهى‬
‫االقتباس من بحث الدكتور جواد عبد الصاوي‪.‬‬
‫¬ ثان ًيا‪ :‬معال��م القوة في �إعجاز و�صف الجنين في القر�آن‬
‫الكريم‪.‬‬
‫‪ -1‬التشــابه الكبير ‪-‬والــذي يصل لدرجــة التطابق في بعض‬
‫المراحــل‪ -‬بين الوصف القرآنــي والمراحل التي يمــر بها الجنين‬
‫حقيقة في بطن أمه ال تحتاج إلى أخصائي ليدركها ويستوعبها‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫بــل يكفي مشــاهدة صــور الجنين وأســفل الصور ذكر اســم‬
‫المرحلــة وفق الوصــف القرآني لتذهل من دقــة الوصف‪ ﴿ ..‬ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ﴾ [الملك‪.]14 :‬‬
‫‪ -2‬هــذا التوافــق بيــن وصــف الجنيــن القرآني وبيــن الطب‬
‫الحديــث لم يؤكده فقط علماء وأطباء مســلمون‪ ،‬فها هو األســتاذ‬
‫كيــث مور أســتاذ علم التشــريح فــي جامعــة تورنتو بكنــدا يقول‪:‬‬
‫«تفســير اآليات القرآنية المتعلقة بتكون اإلنسان لم يكن ممكنًا في‬
‫القرن السابع للميالد‪ ،‬وال حتى منذ مائة سنة‪ ،‬هذا يثبت لي أنه البد‬
‫ً‬
‫رسول من عند الله»(((‪.‬‬ ‫محمدً ا ﷺ ‪ -‬كان‬
‫أن ّ‬
‫‪ -3‬لــم تذكــر اآليات حــول الجنين المراحل بشــكل عام بل‬
‫بالوصف الدقيق‪ ،‬وهذا يعجز عنه أي بشر في زمن النبي ﷺ‪ ،‬حتى‬
‫لو افترضنا‪-‬من باب االفتراض البعيد‪-‬أن النبي ﷺ قد قضى عمره‬
‫كله في مراقبة األجنة في بطون األمهات‪.‬‬

‫((( ‪The Journal of the Islamic Medical Association, Vol.18, Jan-‬‬


‫‪June 1986, pp.15-16A A Scientist’s Interpretation of References‬‬
‫‪to Embryology in the Qur’an Keith L. Moore, Ph.D., F.I.A.C..‬‬
‫نقال عن صفحة الباحثون المسلمون على الشبكة العنكبوتية‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫¬ ثال ًثا‪� :‬شبهات حول هذا الإعجاز‪.‬‬


‫بالتأكيــد لــن يمر هــذا اإلعجاز دون أن يشــوش ويشــغب‬
‫حولــه العلمانيون والمالحدة‪ ،‬وقد جــاءوا باعتراضات ينقضها‬
‫التأمل المنطقــي والبحث العلمي الجــاد الباحث عن الحقيقة‪،‬‬
‫ومن هذه الشبهات‪:‬‬
‫‪ ‬ال�ش��بهة الأولى‪ :‬لقد �أخذ النب��ي ﷺ هذا المعلومات‬
‫من اليونان خا�صة (�أبقراط و�أر�س��طو وجالين) فهم قد تكلموا عن‬
‫�أطوار خلق الجنين قبل القر�آن الكريم وبنف�س الو�صف القر�آني‪.‬‬
‫الرد من وجوه‪:‬‬
‫‪ ‬الوج��ه الأول‪ :‬القول بالتطابق بيــن القرآن الكريم وعلماء‬
‫اليونان كذب بعيد عن التحقيق العلمي‪ ،‬فأبقراط وأرسطو وجالين‬
‫دورا مهما في خلــق الجنين!‪ ،‬والقرآن الكريم‬
‫جعلــوا لدم الحيض ً‬
‫لم يشر إلى هذه الخرافة البتة!‪.‬‬
‫بل كان يقول أبقراط بنظرية «التكوين المسبق» «‪.»Preformation‬‬
‫وتقول نظرية الخلق المســبق أن الجنين يكون مكونًا بشــكل‬
‫كامــل ومصغر جدً ا داخــل خاليا جرثوميــة عند الرجــل أو المرأة‬

‫‪130‬‬
‫«الحيوان المنوي أو البويضة»(((‪.‬‬

‫الجنين وفق بنظرية «التكوين الم�سبق» «‪»Preformation‬‬


‫كما كان يقول �أبقراط!‪.‬‬

‫كمــا أن وصــف الجنيــن بالعلقة والمضغة مثال لــم يرد ال من‬


‫قريــب وال مــن بعيد في كالم أولئــك العلماء‪ ،‬ولــو ال علم أولئك‬

‫((( انظر موســوعة مشــروع األجنــة األمريكية المتخصصة والتابعــة لجامعة والية‬
‫أريزونا على هذا الرباط‪:‬‬
‫‪https: //embryo.asu.edu/pages/history-embryology-1959-joseph-needham‬‬

‫‪131‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫المغرضيــن المشــككين بــأن التتبــع العلمــي مفقود عنــد كثير من‬


‫المسلمين لما تجرؤوا على بث هذه الفرية‪.‬‬
‫جدل أن هنــاك تواف ًقا بين القرآن‬
‫‪ ‬الوج��ه الثان��ي‪ :‬ولنفرض ً‬
‫الكريم وعلماء اليونان حول وصف خلق الجنين‪ ،‬فكيف علم محمد‬
‫بهذه التفاصيل منهم؟ هل كان عنده «‪ »google‬خاص به؟ هل كانت‬
‫بينه وبينهم مراســات علمية؟!‪ ،‬مع التذكير أنه ﷺ لم يعرف القراءة‬
‫والكتابة باللغة العربية فما بالك بلغة العلماء اليونانيين؟‪.‬‬
‫ولــم يثبت تاريخ ًّيا وفق أي مصدر أن النبي ﷺ قد أخذ منهم‪،‬‬
‫بــل هي مجــرد تخمينات وخيــاالت تخيلهــا البعض دون مســتند‬
‫تاريخي حقيقي‪.‬‬
‫وقد ذكر البعض أن الحارث بن كلدة((( هو من علم النبي ﷺ‬
‫هذه العلوم والتي أخذها كلدة من اليونان!‪.‬‬
‫وكيــف أخذها النبي ﷺ من الحارث وهو قد خالف تفاصيل‬
‫علماء اليونان؟!‪.‬‬
‫بــل وكيف يكون أخذها مــن الحارث ولم يثبــت لقاؤه به إال‬
‫في مكة بعد الفتح وآيات خ ْلق الجنين في سورة المؤمنين مكية!!‪.‬‬
‫((( مــن أطباء العــرب‪ ،‬واختلفوا يف إســامه‪ ،‬وقد التقى بالنبــي ﷺ بعد فتح مكة‪،‬‬
‫للمزيد انظر‪ :‬اإلصابة يف تمييز الصحابة البن حجر‪.687/1 :‬‬

‫‪132‬‬
‫ألجل التشكيك المغرض بالقرآن الكريم ال مانع عند البعض‬
‫من نحر المنهج العلمي!‬
‫‪ ‬ال�ش��بهة الثاني��ة‪ :‬القول بخلق العظام قب��ل اللحم خط�أ‬
‫علمي وقع في القر�آن الكريم‪.‬‬
‫والرد‪:‬‬
‫ً‬
‫نقــا عــن الموقــع الطبــي الشــهير ‪ medscape‬الــذي يقــول‬
‫حرف ًّيا(((‪« :‬أنســجة الهيكل العظمي هي أول األنسجة الرئيسة التي‬
‫تظهر بوضوح في عملية التمايز في تطور األطراف العلوية»‪.‬‬
‫‪«The tissues of the skeletal system are the first major tissues‬‬

‫»‪to show overt differentiation in the developing upper limb‬‬

‫مــع اإلشــارة إلــى أن الغضاريف تعتبر مــن العظــام وفق لغة‬


‫العرب التي نزل بها القرآن الكريم(((‪.‬‬
‫فال خط�أ علمي �إال في ذهن الم�شككين!‪.‬‬

‫((( من موقعة على الشبكة على هذا الرابط‪:‬‬


‫‪https: //emedicine.medscape.com/article/1287982-overview#a3‬‬
‫نقال عن صفحة الباحثون المسلمون‪.‬‬ ‫ ‬
‫هري‪.‬‬ ‫وف‪ :‬ك ُُّل َع ْظ ٍم َل ِّي ٍن‪ ،‬ن َق َله َ‬
‫الج ْو ُّ‬ ‫((( جاء يف تاج العروس للزبيدي ‪ :202/24‬وال ُغ ْض ُر ُ‬

‫‪133‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫‪ -3‬الإعج��از القر�آن��ي ف��ي حديثه ع��ن الأم��واج العميقة �أو‬


‫الداخلية «‪.»internal waves‬‬
‫حتــى وقــت قريب لم يكــن يعلم أحــد بوجود أمواج أســفل‬
‫األمــواج التــي نراها على الســطح‪ ،‬ولذا وجدنا جريــدة التيلغراف‬
‫البريطانية تنشــر هذا المقال بتاريخ ‪2007/12/13‬م‪ ،‬وتقول في‬
‫عنوانه‪« :‬العلماء يكتشفون األمواج العميقة في المحيط»‬
‫»‪«Deep ocean waves discovered by scientists‬‬

‫ومما جاء فيه(((‪:‬‬


‫أمواجا تتدفق في أعماق‬
‫ً‬ ‫«علمــاء بريطانيون اكتشــفوا‬
‫المحيط الهادئ!»‪.‬‬
‫«لقد علموا أن مثل هذه األمواج يمكن أن تشاهد على‬
‫سطح المحيط أو قربه‪ ،‬ولكن العلماء كانوا مندهشين‬
‫ألنهم وجدوا هذه األمواج في المحيط العميق‪».‬‬
‫ومما �س��اهم في توثيق هذا االكت�ش��اف �صور الأقمار‬
‫ال�صناعية‪.‬‬

‫((( الرتجمة نقلتها من صفحة اسرا بحث العلمي والقائم عليها الباحث عبد الدائم الكحيل‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫‪135‬‬
‫�صورة عن المقال من موقع الجريدة على ال�شبكة‬
‫نقال عن �صفحة عبد الدائم الكحيل‪.‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫من �صفحة �أ�سرار الإعجاز العلمي لعبد الدايم الكحيل‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫وهذا االكتشــاف العلمي مســطور في القــرآن الكريم‬
‫قبل أكثر من ‪ 1400‬سنة وقبل األقمار الصناعية‪ ،‬فقد‬
‫قــال تعالــى‪ ﴿ :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﴾ [النور‪.]40 :‬‬

‫والمالحظ هنا دقة الوصف القرآني وتطابقه مع االسم العلمي‬


‫لهذه الظاهرة‪ »internal waves« :‬أي األمواج الداخلية‪.‬‬
‫أو كمــا وصفته التيليغراف «‪ :»Deep ocean waves‬أي أمواج‬
‫البحر العميقة!‬

‫وال نجد �أجمل مما ختمت به �آية الأمواج‪:‬‬


‫﴿ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾ [النور‪!]40 :‬‬

‫‪137‬‬
‫اخلامتة‬
‫وفي الختام‪..‬‬

‫لو �س���ألني �س��ائل‪� :‬أجبني بج��واب يقرره عقل��ك وينب�ض به‬


‫قلب��ك ويرتاح له �ضمي��رك‪ ..‬ما الذي ر�أيته م��ن محمد ﷺ حتى‬
‫ت�صدقه كنبي من عند اهلل؟‬
‫لأجبته‪:‬‬
‫ً‬
‫رجــا خرج فــي بيئة تعبــد فيها األصنــام وتقدس‪،‬‬ ‫‪ ‬رأيــت‬
‫و ُتقــام فيها الحروب ألتفه األســباب‪ ،‬والمرأة فيهــا َغ َر ٌض يورث‬
‫وقــد ُتدفــن حيــة خشــية الفقــر أو العار‪...‬والعلم فيهــا مجموعة‬
‫شعوذات وعقائد أسطورية‪..‬‬
‫‪ ‬رأيتــه وقد تجاوز مرحلة المراهقة والشــباب والتهور فقام‬
‫وهــو فــي األربعين من عمره يفتح على نفســه بــاب المعاناة فيخبر‬
‫نبــي من اللــه ويحــذر الناس مــن عبادة األصنــام‪..‬وال‬
‫النــاس أنه ٌّ‬
‫مصلحة مادية له في ذلك!‪.‬‬
‫‪ ‬رأيتــه يدعو إلى عبــادة إله واحد‪ ،‬وتحمل في ذلك العذاب‬
‫واالضطهاد وكان يسعه السكوت فيسلم وربما يغنم!‪.‬‬
‫‪ ‬أتــراه لــو كان معرو ًفا بالكذب من قبــل‪ :‬أيجرؤ على ادعاء‬
‫أنه نبي؟‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫‪ ‬أتراه ال ُيعرف عنه الكذب بين الناس ثم يكذب كذبة كبرى‬


‫على رب الناس ويزعم أنه نبي؟!‪.‬‬
‫خيرا‪...‬بل وجعــل الجنة تحت قدم‬ ‫ِ‬
‫‪ ‬رأيتــه ُيوصي بالنســاء ً‬
‫وقــرر أن تربيــة البنات ِح ْرز من النار وســبب لدخول‬
‫امــرأة (األم) ّ‬
‫الجنة مع األبرار‪.‬‬
‫‪ ‬رأيتــه آخــى بيــن القلــوب المتنافــرة ووحــد الصفــوف‬
‫المتناحرة‪...‬بال جهاز أمني رهيب وال جند خاص َمهيب!‪.‬‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬رأيته ال ي ْغ ُفل حتى عن حقوق الحيوان والرحمة بها‪:‬‬
‫‪ ‬فهذه امرأة ُغفر لها بكلب ســقته‪ ..‬وأخرى دخلت النار في‬
‫ِه ّرة حبستها!‪ ،‬كما ب ّين ون ّبه‪...‬أين مصلحته الشخصية في ذلك؟!‪.‬‬
‫نقل عن ربه‪ ﴿ :‬ﭦ‬ ‫‪ ‬رأيته يحث على العلم والطب فيقول ً‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ [المائدة‪.]32 :‬‬
‫مال غامِ ًرا‪..‬‬
‫عامرا وال ً‬
‫قصرا ً‬
‫‪ ‬رأيته لم يترك خلفه ً‬
‫‪ ‬رأيــت الغريــب يأتــي المدينة فــا ُيميزه من بيــن أصحابه‬
‫لتواضعه وبساطته‪ ..‬حتى أنه يسأل‪ :‬أيكم محمد؟؟‬
‫‪ ‬رأيته يسأل عن موعد القيامة فال يحدد‪ ..‬بل يقول لهم ً‬
‫نقل‬
‫عن ربه ﴿ ﭗﭘﭙﭚ﴾ [األحزاب‪..]63 :‬ولو قال لهم ‪-‬افتراء‪:-‬‬

‫‪142‬‬
‫موعدها بعد ألف ســنة! لما كشــف أحد معاصريه افتراءه ولزاد في‬
‫نظرهــم مكان ًة عند الله‪ ..‬لكنه لــم يفعل‪..‬بينما تكلم بتحديد وجزم‬
‫عن انتصار الروم «في بضع سنين»‪ ..‬فيصدق في إخباره‪ ..‬ولم يكن‬
‫فصل لو كان كاذ ًبا‪..‬‬
‫الم ّ‬
‫أصل لهذا اإلخبار ُ‬ ‫مضطرا ً‬
‫ً‬
‫‪ ‬رأيتــه فــي مكــة َي ِعــد المســلمين باالنتصــار والكافريــن‬
‫باالنحدار‪ ..‬كأنه يرى ذلك بعينه!‪ ..‬فيحصل ما وعد‪ ،‬كما وعد!‪.‬‬
‫‪ ‬رأيت آيات القرآن تنتقد خطأه ﷺ‪ ﴿ ..‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﴾ [عبس‪ ]2 ،1 :‬وهو في مكة مضطهد ومحتاج ألي تأييد‪ ..‬مع‬
‫ذلك ال يملك إال أن ينقل هذا النقد من ربه للناس! فأي ُمد ٍع للنبوة‬
‫ينشر عتاب الله له أمام الناس وهو في هذا الظرف العصيب!!‪.‬‬
‫‪ ‬رأيــت النــاس يســتخلصون مــن قرآنــه وكالمــه قوانيــن‬
‫وتشــريعات حكمت اإلمبراطورية اإلسالمية قرونًا وقد استفاد من‬
‫مي ال يقرأ وال يكتب!‪.‬‬ ‫ُ‬
‫قوانينها دول أوروبية وهو مع ذلك أ ٌّ‬
‫‪ ‬رأيتــه يربط الناس ال بذاته بل بربهم‪ ،‬فها هو قرآنه يذكرهم‬
‫بحقيقــة كبــرى‪﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ﴾ [آل عمران‪.]144 :‬‬

‫‪143‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫‪ ‬فأي ُمد ٍع للنبوة يحث الناس على التعلق بالله حتى بعد وفاته؟!‪.‬‬
‫‪ ‬وقــد رأيــت تفاصيــل حياتــه مكشــوفة للنــاس‪ ..‬الزوجية‬
‫والحربية واالجتماعية‪..‬بال أسرار‪ ..‬بال خبايا‪ ..‬ضاح ًكا باك ًيا جا ًّدا‬
‫مازحــا‪ ..‬مكشــو ًفا للناس كالشــمس في ضحاها والقمــر إذا تالها‬
‫ً‬
‫والنهــار إذا ّ‬
‫جلها‪ ..‬ومــا رأيت الناس تنفر منه وال تشــعر بتناقض‬
‫بيــن ما يدعو إليه وبين مــا يفعله‪ ...‬بل ما زادتهــم تلك المعرفة إال‬
‫ُح ًّبا له وتصدي ًقا‪..‬‬

‫ِ‬
‫ت�صديقه‬ ‫بعبارة وجيزة‪ :‬ر�أيت مبررات‬
‫ٍ‬
‫مبررات لتكذيبه‪..‬‬ ‫ولم �أجد‬

‫‪ ‬ر�أيت عمق هذه الو�صية‪:‬‬


‫﴿ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ﴾ [سبأ‪.]46 :‬‬

‫وال�سالم‪..‬‬

‫‪144‬‬
‫أهم المصادر والمراجع‬
‫‪ -1‬الأبطال‪ ،‬توماس كارليل‪ ،‬ترجمة محمد السباعي‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة‪ -1930 :‬المطبعة المصرية باألزهر‪.‬‬
‫‪ -2‬الإ�صاب��ة في تميي��ز ال�صحابة‪ ،‬أبو الفضل أحمد بن علي‬
‫بــن محمــد بن أحمــد بن حجــر العســقالني‪ ،‬المتوفــى‪852 :‬هـ‪-‬‬
‫تحقيق‪ :‬عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض‪ -‬الناشــر‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى ‪ 1415 -‬هـ‪.‬‬
‫‪-3‬الإعج��از العلمي في القر�آن وال�س��نة تاريخه و�ضوابطه‪،‬‬
‫للدكتور عبد الله المصلح‪ ،‬الطبعة الثانية‪1427 :‬هـ‪2006-‬م‪.‬‬
‫‪- 4‬الإعج��از العلم��ي في القر�آن وال�س��نة‪ ،‬للدكتــور عبد الله‬
‫المصلح والدكتور عبد الجواد الصاوي وآخرون‪ -‬دار جياد للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪1429 :‬هـ‪2008-‬م‪.‬‬
‫‪-5‬البح��ر المحيط في التف�س��ير‪ ،‬أبو حيان محمد بن يوسف‬
‫بــن علــي بن يوســف بن حيــان أثيــر الديــن األندلســي‪ ،‬المتوفى‪:‬‬
‫‪745‬هـــ‪ -‬المحقــق‪ :‬صدقي محمــد جميل‪ -‬الناشــر‪ :‬دار الفكر ‪-‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة‪ 1420 :‬هـ‬
‫‪-6‬البداي��ة والنهاي��ة‪ ،‬أبو الفداء إســماعيل بــن عمر بن كثير‬
‫القرشــي البصري ثــم الدمشــقي المتوفى‪774 :‬هـــ‪ -‬تحقيق‪ :‬عبد‬

‫‪145‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫الله بن عبد المحســن التركي‪ -‬الناشــر‪ :‬دار هجر للطباعة والنشــر‬


‫والتوزيع واإلعالن‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1418 ،‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫‪-7‬براهي��ن النب��وة‪ ،‬الدكتور ســامي عامري‪ ،‬اصــدار تكوين‬
‫للدراسات واألبحاث‪ -‬الطبعة األولى‪1439 :‬هـ‪2018 -‬م‪.‬‬
‫‪-8‬بين��ات الر�س��ول �صلى اهلل علي��ه و�آله و�س��لم ومعجزاته‪،‬‬
‫عبد المجيد بن عزيز الزنداني‪ ،‬الناشر‪ :‬دار اإليمان ‪ -‬القاهرة‪.‬‬
‫محمد بن عبد‬
‫محمد بن ّ‬ ‫‪-9‬تاج العرو�س من جواهر القامو�س‪ّ ،‬‬
‫الزبيدي المتوفى‪:‬‬‫الرزاق الحسيني‪ ،‬أبو الفيض‪ ،‬المل ّقب بمرتضى‪َّ ،‬‬
‫ّ‬
‫‪1205‬هـ‪ -‬المحقق‪ :‬مجموعة من المحققين‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الهداية‪.‬‬
‫‪-10‬تثبي��ت دالئ��ل النبوة‪ ،‬القاضــي عبد الجبــار الهمذاني‪،‬‬
‫المتوفى ‪415‬هـ‪ -‬تحقيق الدكتور أحمد السائح والمستشار توفيق‬
‫علي وهبة‪ -‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬الطبعة الثانية‪2015 :‬م‪1436-‬هـ‪.‬‬
‫‪-11‬تحفة الأبرار �ش��رح م�صابيح ال�سنة‪ ،‬القاضي ناصر الدين‬
‫عبــد الله بــن عمــر البيضــاوي‪ ،‬المتوفى ‪685‬هـــ‪ -‬المحقــق‪ :‬لجنة‬
‫مختصة بإشراف نور الدين طالب‪ -‬الناشر‪ :‬وزارة األوقاف والشؤون‬
‫اإلسالمية بالكويت‪ -‬عام النشر‪ 1433 :‬هـ ‪2012 -‬معدد األجزاء‪.‬‬
‫‪-12‬تخجيل من حرف التوراة والإنجيل‪ ،‬صالح بن الحسين‬
‫الجعفري أبو البقاء الهاشمي‪ ،‬المتوفى‪668 :‬هـ‪ -‬المحقق‪ :‬محمود‬

‫‪146‬‬
‫عبــد الرحمن قدح‪ -‬الناشــر‪ :‬مكتبــة العبيكان‪ ،‬الريــاض‪ ،‬المملكة‬
‫العربية السعودية‪ -‬الطبعة‪ :‬األولى‪1419 ،‬هـ‪1998/‬م‪.‬‬
‫‪-13‬التذك��رة ب�أح��وال الموت��ى و�أمور الآخرة‪ ،‬أبــو عبد الله‬
‫محمــد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزرجي شــمس‬
‫الديــن القرطبي‪ ،‬المتوفــى‪671 :‬هـــ‪ -‬تحقيق ودراســة‪ :‬الدكتور‪:‬‬
‫الصادق بن محمد بن إبراهيم‪ -‬الناشــر‪ :‬مكتبة دار المنهاج للنشــر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1425 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪-14‬تف�س��ير عب��د ال��رزاق‪ ،‬أبو بكــر عبد الرزاق بــن همام بن‬
‫نافــع الحميري اليماني الصنعاني‪ ،‬المتوفى‪211 :‬هـ‪ -‬الناشــر‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ -‬دراسة وتحقيق‪ :‬د‪ .‬محمود محمد عبده‪ -‬الناشر‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ ،‬سنة ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪-15‬تف�س��ير القر�آن العظي��م‪ ،‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن‬
‫كثير القرشــي البصري ثم الدمشــقي‪ ،‬المتوفى‪774 :‬هـ‪ -‬المحقق‪:‬‬
‫سامي بن محمد سالمة‪ -‬الناشر‪ :‬دار طيبة للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫الثانية ‪1420‬هـ ‪ 1999 -‬م‪.‬‬
‫‪-16‬جام��ع البيان في ت�أويل القر�آن‪ ،‬محمد بن جرير بن يزيد‬
‫بــن كثير بن غالب اآلملــي‪ ،‬أبو جعفر الطبــري المتوفى‪310 :‬هـ‪-‬‬

‫‪147‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫المحقق‪ :‬أحمد محمد شــاكر‪ -‬الناشر‪ :‬مؤسســة الرسالة‪ ،‬الطبعة‪:‬‬


‫األولى‪ 1420 ،‬هـ ‪2000 -‬م‪.‬‬
‫‪-17‬الجامع لأحكام القر�آن‪ ،‬أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي‬
‫بكر بن فرح األنصاري الخزرجي شــمس الدين القرطبي‪ ،‬المتوفى‪:‬‬
‫‪671‬هـــ‪ -‬تحقيــق‪ :‬أحمد البردونــي وإبراهيم أطفيش‪ -‬الناشــر‪ :‬دار‬
‫الكتب المصرية ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1384 ،‬هـ ‪ 1964 -‬م‪.‬‬
‫‪-18‬الجام��ع الم�س��ند ال�صحي��ح المخت�ص��ر م��ن �أم��ور‬
‫ر�س��ول اهلل ﷺ و�س��ننه و�أيام��ه �صحي��ح البخ��اري‪ ،‬محمــد بــن‬
‫إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي‪ -‬المحقق‪ :‬محمد زهير بن‬
‫ناصر الناصر‪ -‬الناشر‪ :‬دار طوق النجاة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪-19‬روح المعاني في تف�سير القر�آن العظيم وال�سبع المثاني‪،‬‬
‫شــهاب الدين محمود بن عبد الله الحســيني األلوســي‪ ،‬المتوفى‪:‬‬
‫‪1270‬هـــ‪ -‬المحقق‪ :‬علي عبد الباري عطية‪ -‬الناشــر‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪-20‬زاد الم�سير في علم التف�سير‪ ،‬جمال الدين أبو الفرج عبد‬
‫الرحمن بن علي بــن محمد الجوزي المتوفى‪597 :‬هـ‪ -‬المحقق‪:‬‬
‫عبــد الــرزاق المهــدي‪ -‬الناشــر‪ :‬دار الكتــاب العربــي ‪ -‬بيروت‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى ‪ 1422 -‬هـ‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫‪�-21‬سبل الهدى والر�ش��اد‪ ،‬في �سيرة خير العباد‪ ،‬وذكر ف�ضائله‬
‫و�أع�لام نبوت��ه و�أفعال��ه و�أحوال��ه ف��ي المب��د�أ والمع��اد‪ -‬محمد بن‬
‫يوســف الصالحي الشامي‪ ،‬المتوفى‪942 :‬هـ‪ -‬تحقيق وتعليق‪ :‬الشيخ‬
‫عادل أحمد عبد الموجود‪ ،‬الشــيخ علي محمد معوض‪ -‬الناشــر‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1414 ،‬هـ ‪ 1993 -‬م‪.‬‬
‫‪-22‬ال�س��راج المني��ر ف��ي الإعانة عل��ى معرفة بع���ض معاني‬
‫كالم ربن��ا الحكي��م الخبي��ر‪ ،‬شــمس الديــن‪ ،‬محمــد بــن أحمــد‬
‫الخطيب الشــربيني الشــافعي‪ ،‬المتوفى‪977 :‬هـ‪ -‬الناشــر‪ :‬مطبعة‬
‫بوالق (األميرية) ‪ -‬القاهرة‪ ،‬عام النشر‪ 1285 :‬هـ‪.‬‬
‫‪-23‬ال�س��عودية ف��ي عي��ون �أوائ��ل الم�صوري��ن‪ ،‬وليام فيســي‬
‫وجيليــان غرانــت‪ -‬اصــدار الهيئــة العليــا لتطوير مدينــة الرياض‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪.1996 :‬‬
‫‪�-24‬سل�سلة الأحاديث ال�صحيحة و�شيء من فقهها وفوائدها‪،‬‬
‫أبــو عبد الرحمن محمد ناصــر الدين‪ ،‬بن الحاج نوح بن نجاتي بن‬
‫آدم‪ ،‬األشــقودري األلبانــي‪ ،‬المتوفــى‪1420 :‬هـ‪ -‬الناشــر‪ :‬مكتبة‬
‫المعارف للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪.‬‬
‫‪�-25‬س��نن �أبي داود‪ ،‬أبو داود سليمان بن األشعث بن إسحاق‬
‫بن بشير بن شداد بن عمرو األزدي الس ِ‬
‫ج ْستاني‪ ،‬المتوفى‪275 :‬هـ‪-‬‬ ‫ِّ‬

‫‪149‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫مح َّمد كامِل قره بللي‪ -‬الناشــر‪ :‬دار‬


‫المحقق‪ :‬شــ َعيب األرنؤوط ‪َ -‬‬
‫الرسالة العالمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1430 ،‬هـ ‪2009 -‬م‪.‬‬
‫‪�-26‬ش��رح العقي��دة الطحاوية‪ ،‬صدر الديــن محمد بن عالء‬
‫علي بــن محمد ابن أبــي العز الحنفــي‪ ،‬األذرعي الصالحي‬
‫الديــن ّ‬
‫الدمشقي‪ ،‬المتوفى‪792 :‬هـ‪ -‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط ‪ -‬عبد الله‬
‫بن المحســن التركي‪ -‬الناشر‪ :‬مؤسســة الرسالة ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫العاشرة‪1417 ،‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫عز‬
‫محمدُ ب ُن ِّ‬
‫‪�-27‬شرح م�صابيح ال�سنة للإمام البغوي‪ ،‬المؤلف‪َّ :‬‬
‫بن عبد العزيز بــن أمين الدِّ ين ِ ِ‬ ‫يــن ِ‬
‫ومي‬ ‫بن ف ِر ْشــتَا‪ُّ ،‬‬
‫الر ُّ‬
‫عبد اللطيــف ِ‬ ‫الدِّ ِ‬
‫الم َلك‪ ،‬المتوفى‪854 :‬هـ‪ -‬تحقيق‬ ‫الحنفي‪ ،‬المشــهور بـ ابن َ‬
‫ُّ‬ ‫رماني‪،‬‬
‫الك ّ‬
‫َ‬
‫ودراســة‪ :‬لجنــة مختصة مــن المحققين بإشــراف‪ :‬نــور الدين طالب‪-‬‬
‫الناشر‪ :‬إدارة الثقافة اإلسالمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1433 ،‬هـ ‪ 2012 -‬م‪.‬‬
‫‪�-28‬صحيح �سنن الترمذي ‪� -‬ضعيف �سنن الترمذي‪ ،‬الترمذي؛‬
‫محمد بن عيســى بن ســورة بن موسى الســلمي البوغي الترمذي‪،‬‬
‫أبو عيســى‪ -‬المحقق‪ :‬محمد ناصر الدين األلباني‪ -‬الناشر‪ :‬مكتبة‬
‫المعارف‪ ،‬سنة النشر‪ ،1998 - 1419 :‬رقم الطبعة‪.1 :‬‬
‫‪� -29‬صحي��ح ال�س��يرة النبوية‪ ،‬محمد ناصــر الدين األلباني‪،‬‬
‫المتوفى‪1420 :‬هـ‪ -‬الناشر‪ :‬المكتبة اإلسالمية ‪ -‬عمان ‪ -‬األردن‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫‪-30‬ال�صحي��ح الم�س��ند م��ن دالئ��ل النب��وة‪ ،‬مقبــل بــن‬
‫هــادي الوادعــي‪ -‬دار الحرميــن فــي القاهــرة‪ ،‬الطبعــة األولــى‪:‬‬
‫‪2002‬م‪1423-‬هـ‪.‬‬
‫‪-31‬طبق��ات ال�ش��افعية الكبرى‪ ،‬تاج الدين عبــد الوهاب بن‬
‫تقي الدين السبكي‪ ،‬المتوفى‪771 :‬هـ‪ -‬المحقق‪ :‬د‪ .‬محمود محمد‬
‫الطناحي د‪ .‬عبد الفتاح محمد الحلو‪ -‬الناشر‪ :‬هجر للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪-32‬عمدة الحفاظ في تف�سير �أ�شرف الألفاظ‪ ،‬أبو العباس‪،‬‬
‫شــهاب الدين‪ ،‬أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين‬
‫الحلبي‪ ،‬المتوفى‪ 756 :‬هـ‪ -‬المحقق‪ :‬محمد باســل عيون السود‪-‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1417 ،‬هـ ‪ 1996 -‬م‪.‬‬
‫‪ -33‬غريب الحديث‪ ،‬أبو ُعبيد القاســم بن ســاّم بن عبد الله‬
‫الهــروي البغــدادي‪ ،‬المتوفــى‪224 :‬هـ‪ -‬المحقــق‪ :‬د‪ .‬محمد عبد‬
‫المعيد خان‪ -‬الناشــر‪ :‬مطبعة دائرة المعارف العثمانية‪ ،‬حيدر آباد‪-‬‬
‫الدكن‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1384 ،‬هـ ‪ 1964 -‬م‪.‬‬
‫‪ -34‬في�ض القدير �ش��رح الجامع ال�صغي��ر‪ ،‬زين الدين محمد‬
‫المدعــو بعبد الرؤوف بــن تاج العارفين بن علي بــن زين العابدين‬
‫الحــدادي ثم المنــاوي القاهــري‪ ،‬المتوفــى‪1031 :‬هـ‪ -‬الناشــر‪:‬‬
‫المكتبة التجارية الكبرى ‪ -‬مصر‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪.1356 ،‬‬

‫‪151‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫‪ -35‬ق�ص�ص الأنبياء‪ ،‬عبد الوهاب النجار‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬دار‬


‫إحياء التراث العربي‪.‬‬
‫‪-36‬ل�س��ان الع��رب‪ ،‬محمــد بن مكرم بــن على‪ ،‬أبــو الفضل‪،‬‬
‫جمــال الدين ابن منظور األنصــاري الرويفعى اإلفريقى‪ ،‬المتوفى‪:‬‬
‫‪711‬هـ‪ -‬الناشر‪ :‬دار صادر ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة ‪ 1414 -‬هـ‪.‬‬
‫‪-37‬الك�شاف عن حقائق غوام�ض التنزيل‪ ،‬أبو القاسم محمود‬
‫بن عمــرو بن أحمــد‪ ،‬الزمخشــري جار اللــه‪ ،‬المتوفــى‪538 :‬هـ‪-‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الكتاب العربي ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة ‪1407 -‬هـ‪.‬‬
‫‪-38‬مجم��وع ر�س��ائل الحافظ ابن رجب الحنبل��ي‪ ،‬زين الدين‬
‫السالمي‪ ،‬البغدادي‪،‬‬
‫عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحســن‪َ ،‬‬
‫ثم الدمشــقي‪ ،‬الحنبلــي‪ ،‬المتوفى‪795 :‬هـــ‪ -‬المحقق‪ :‬أبو مصعب‬
‫طلعت بن فؤاد الحلواني‪ ،‬الناشر‪ :‬الفاروق الحديثة للطباعة والنشر‪.‬‬
‫‪-39‬محم��د �صلى اهلل عليه و�آله و�س��لم في مكة‪ ،‬المستشــرق‬
‫اإلنجليزي ويليام مونتجمــري وات‪ -‬ترجمه إلى العربية‪ :‬الدكتور‬
‫عبد الرحمن عبد الله الشــيخ‪ -‬راجع الكتاب وعلق عليه‪ :‬الدكتور‬
‫أحمد الشــلبي‪ -‬الناشــر‪ :‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ -‬القاهرة‪،‬‬
‫عام النشر‪ 1415 :‬هـ‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫‪-40‬مرق��اة المفاتي��ح �ش��رح م�ش��كاة الم�صابي��ح‪ ،‬علــي بــن‬
‫(ســلطان) محمد‪ ،‬أبو الحســن نــور الدين المال الهــروي القاري‪،‬‬
‫المتوفى‪1014 :‬هـ‪ -‬الناشــر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بيــروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األولى‪1422 ،‬هـ ‪2002 -‬م‪.‬‬
‫‪-41‬م�س��ند الإم��ام �أحم��د بن حنب��ل‪ ،‬أبو عبد اللــه أحمد بن‬
‫محمــد بــن حنبل بن هالل بن أســد الشــيباني‪ ،‬المتوفى‪241 :‬هـ‪-‬‬
‫المحقــق‪ :‬شــعيب األرنؤوط ‪ -‬عادل مرشــد‪ ،‬وآخرون‪ -‬الناشــر‪:‬‬
‫مؤسسة الرسالة الطبعة‪ :‬األولى‪ 1421 ،‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫‪-42‬الم�س��ند ال�صحي��ح المخت�ص��ر بنق��ل الع��دل ع��ن العدل‬
‫�إلى ر�س��ول اهلل ﷺ‪� -‬صحيح م�س��لم‪ ،‬مسلم بن الحجاج أبو الحسن‬
‫القشــيري النيســابوري‪ ،‬المتوفى‪261 :‬هـ‪ -‬المحقــق‪ :‬محمد فؤاد‬
‫عبد الباقي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪-43‬الم�صب��اح المني��ر ف��ي غريب ال�ش��رح الكبي��ر‪ ،‬أحمد بن‬
‫محمد بــن علي الفيومي ثم الحموي‪ ،‬أبــو العباس‪ ،‬المتوفى‪ :‬نحو‬
‫‪770‬هـ‪ -‬الناشر‪ :‬المكتبة العلمية ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -44‬الم�صن��ف ف��ي الأحاديث والآث��ار‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو بكر بن‬
‫أبــي شــيبة‪ ،‬عبد الله بن محمد بــن إبراهيم بن عثمان بن خواســتي‬
‫العبســي‪ ،‬المتوفــى‪235 :‬هـــ‪ -‬المحقــق‪ :‬كمال يوســف الحوت‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬مكتبة الرشد ‪ -‬الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪.1409 ،‬‬

‫‪153‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫‪-45‬مفاتيح الغيب ‪ -‬التف�س��ير الكبير‪ ،‬أبو عبد الله محمد بن‬


‫عمر بن الحســن بن الحســين التيمي الرازي الملقــب بفخر الدين‬
‫الرازي خطيب الري‪ ،‬المتوفى‪606 :‬هـ‪ -‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث‬
‫العربي ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة ‪ 1420 -‬هـ‪.‬‬
‫‪-46‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬أحمد بن فارس بن زكريا القزويني‬
‫الــرازي‪ ،‬أبو الحســين‪ ،‬المتوفــى‪395 :‬هـ‪ -‬المحقق‪ :‬عبد الســام‬
‫محمد هارون‪ -‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬عام النشر‪1399 :‬هـ ‪1979 -‬م‪.‬‬
‫‪-47‬المنهاج �شرح �صحيح م�سلم بن الحجاج‪ ،‬أبو زكريا محيي‬
‫الديــن يحيى بن شــرف النــووي‪ ،‬المتوفى‪676 :‬هـ‪ -‬الناشــر‪ :‬دار‬
‫إحياء التراث العربي ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪.1392 ،‬‬
‫‪-48‬النهاي��ة ف��ي غري��ب الحدي��ث والأث��ر‪ ،‬مجــد الدين أبو‬
‫الســعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم‬
‫الشــيباني الجــزري ابن األثيــر‪ ،‬المتوفى‪606 :‬هـــ‪ -‬تحقيق‪ :‬طاهر‬
‫أحمد الزاوى ‪ -‬محمود محمد الطناحي‪ ،‬الناشــر‪ :‬المكتبة العلمية‬
‫‪ -‬بيروت‪1399 ،‬هـ ‪1979 -‬م‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫فهرس المواضيع‬

‫اإلهداء ‪3 ..........................................................‬‬
‫شكر وعرفان ‪4......................................................‬‬
‫المقدمة ‪5...........................................................‬‬

‫الف�صل الأول‪ :‬تعريفات وممهدات‬


‫المبحث األول‪ :‬التعريفات ‪11......................................‬‬
‫أوال‪ :‬الدليل ‪11.....................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬ال ُب ْر ُ‬
‫هان ‪11....................................................‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬مبادئ وأساسيات يف التعامل مع األدلة والبراهين ‪13...‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أنواع أدلة صدق النبوة ‪20..........................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬هل كان القرآن موجودا يف عهد النبي ﷺ أم ظهر‬
‫وكتب بعد ذلك بوقت طويل؟ ‪21...................................‬‬

‫الف�صل الثاين‪� :‬أدلة التحدي والتعجيز‬


‫المبحث األول‪ :‬التحدي باإلتيان بمثل القرآن الكريم ‪29.............‬‬

‫‪155‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫أوال‪ :‬داللة العجز عن اإلتيان بمثله ‪29..............................‬‬


‫ثانيا‪ :‬داللة الصدق يف اختيار نوع التحدي ‪33........................‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬تحدي شق القمر ‪36................................‬‬
‫أوال‪ :‬حادثة االنشقاق يف الكتاب والسنة وداللتها ‪36.................‬‬
‫ثانيا‪ :‬اعرتاضات وشبهات مدحوضة ‪38.............................‬‬
‫الشبهة األولى‪ :‬ما الدليل على أن هذه الحادثة قد وقعت أصال؟ ‪38...‬‬
‫الشبهة الثانية‪ :‬لماذا لم يرها أهل األرض كلهم؟ ‪39.................‬‬
‫الشبهة الثالثة‪ :‬الحادثة وتعارضها مع العلم التجريبي! ‪45............‬‬
‫الشبهة الرابعة‪ :‬هذا االنشقاق يوم القيامة! ‪46........................‬‬

‫الف�صل الثالث‪ :‬الإخبار عن غيبيات م�ستقبلية‬


‫قبل ح�صولها‬
‫المبحث األول‪ :‬اإلخبار بغلبة الروم على الفرس بعد هزيمتهم يف‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫فترة زمنية محددة قريبة نسبيا» في بِ ْض ِع سن َ‬
‫ين» ‪51....................‬‬
‫أوال‪ :‬السرد القرآين والحديثي لهذا اإلخبار الغيبي المستقبلي ‪51.....‬‬
‫ثانيا‪ :‬معالم القوة يف هذا الربهان على صدق النبوة ‪53................‬‬

‫‪156‬‬
‫ثالثا‪ :‬محاوالت بائسة لهدم هذا الدليل! ‪56..........................‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬نبوءة تطاول البدو بالعمران وتنافسهم يف ذلك ‪58....‬‬
‫أوال‪ :‬النبوءة كما يف الحديث ‪58.....................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬معالم القوة يف هذا اإلخبار‪58..................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬اإلخبار بموت أبي لهب وزوجته على الكفر ‪64....‬‬
‫أوال‪ :‬معالم قوة هذا الدليل ‪64......................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬توهم غير مقبول ‪66...........................................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬الكاسيات العاريات‪ ..‬وصف نبوي دقيق ‪67........‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬اإلخبار بالهجوم الكبير على المسلمين مع‬
‫اإلخبار بكثرتهم آنذاك ‪70..........................................‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬اإلخبار بالنار العظيمة التي خرجت من الحجاز ‪72....‬‬
‫أوال‪ :‬هل تحققت هذه النبوءة؟ ‪72..................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬اعرتاض مرفوض ‪75..........................................‬‬
‫المبحث السابع‪ :‬اإلخبار بانتصار المسلمين وهم ضعفاء‬
‫مستضعفون يف مكة ‪77..............................................‬‬

‫‪157‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫الف�صل الرابع‪ :‬الإخبار عن الأمم ال�سابقة‬


‫وما يف الكتب ال�سالفة‬
‫المبحث األول‪ :‬مفهوم هذا الدليل ومعالم قوته وأسسها ‪81 .........‬‬
‫أوال‪ :‬مفهوم هذا الدليل ‪81..........................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬معالم قوة هذا الدليل وأسسه ‪81...............................‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬شبهات حول هذا دليل والرد عليها ‪83...............‬‬
‫الشبهة األولى‪ :‬لقد أخذ النبي ﷺ هذه األخبار من كتب أهل‬
‫الكتاب! ‪83.........................................................‬‬
‫الشبهة الثانية‪ :‬ورقة بن نوفل مصدر هذه األخبار! ‪84................‬‬
‫الشبهة الثالثة‪ :‬بحيرا الراهب هو مصدر هذه األخبار! ‪86.............‬‬

‫الف�صل اخلام�س‪ :‬دليل الأحوال ال�شخ�صية‬


‫واملواقف ال�صادقة‬
‫المبحث األول‪ :‬دليل األحوال الشخصية أو «االحتمال الوحيد» ‪91....‬‬
‫أوال‪ :‬احتمال أن يكون محمد كاذبا‪-‬حاشاه ﷺ‪91............... !-‬‬
‫ثانيا‪ :‬احتمال أن يكون محمد ﷺ مريضا نفسيا! ‪93..................‬‬

‫‪158‬‬
‫ثالثا‪ :‬احتمال كونه ﷺ مجرد مصلح اجتماعي! ‪94..................‬‬
‫رابعا‪ :‬بقي االحتمال األخير! ‪96....................................‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬دليل المواقف الصادقة ‪97...........................‬‬
‫أوال‪ :‬موقفه من حادثة كسوف الشمس ‪97...........................‬‬
‫ثانيا‪ :‬موقفه ﷺ من وفاة عمه أبي طالب على الكفر ‪99..............‬‬
‫ثالثا‪ :‬زواجه ﷺ من إحدى عشرة امرأة ‪100........................‬‬

‫الف�صل ال�ساد�س‪ :‬تب�شري الأمم ال�سابقة وكتبها بالنبي ﷺ‬

‫المبحث األول‪ :‬إخبار اليهود يف المدينة بقرب قدوم نبي من‬


‫اهلل ‪103........................................................ ۵‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬بشارة يف الباب السادس عشر من إنجيل يوحنا ‪105....‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬بشارة يف مخطوطة مكتشفة حديثا ‪107.............‬‬

‫الف�صل ال�سابع‪ :‬الإعجاز العلمي يف الكتاب وال�سنة‬


‫المبحث األول‪ :‬تعريف اإلعجاز العلمي وداللته ‪111...............‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬مراتب العلم وضوابط اإلعجاز العلمي ‪113.........‬‬
‫أوال‪ :‬مراتب العلم ‪113.............................................‬‬

‫‪159‬‬
‫كيف عرفت أنه نبي؟‬

‫ثانيا‪ :‬ضوابط اإلعجاز العلمي يف الكتب والسنة ‪114................‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬أمثلة من اإلعجاز العلمي ‪116.....................‬‬
‫‪ -1‬اإلخبار النبوي بعدد مفاصل اإلنسان ‪116......................‬‬
‫‪ -2‬اإلعجاز العلمي يف الوصف الدقيق لمراحل خلق الجنين ‪119....‬‬
‫أوال‪ :‬مراحل خلق الجنين يف القرآن الكريم والطب الحديث‬
‫والمشاهدة ‪120....................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬معالم القوة يف إعجاز وصف الجنين يف القرآن الكريم ‪128....‬‬
‫ثالثا‪ :‬شبهات حول هذا اإلعجاز ‪130...............................‬‬
‫‪ -3‬اإلعجاز القرآين يف حديثه عن األمواج العميقة أو‬
‫الداخلية «‪134.................................. »internal waves‬‬
‫الخاتمة ‪139.......................................................‬‬
‫أهم المصادر والمراجع ‪145.......................................‬‬
‫فهرس المواضيع ‪155..............................................‬‬

‫‪160‬‬

You might also like