Professional Documents
Culture Documents
) (1/1
نحن ل نعرف من خلقتهم وصورهم وحواسهم إل ما عرفنا ال منها ،فنعلم أن لهم قلوب ا قال تعالى :
) ولقد ذرأنا لجهننم كثي ار من الجن والنس لهم قلو ب
ب ل يفقهون بها ولهم أعيبن ل يبصرون بها ولهم آذابن
ل يسمعون بها أولئاك كالنعام بل هم أضلل ( ]العراف . [179 :
فقد صرح – تبارك وتعالى – بأن للجن قلوبا ،وأعينا وآذانا ،وللشيطان صوتا ،لقوله تعالى :
) واستفزز من استطعت منهم بصوتك ( ] السراء . [ 64 :وثبت في الحاديث أن للشيطان لسان ا ،
وأن الجان يأكلون ،ويشربون ،ويضحكون ،وغير ذلك مما تجده مبثوث ا في هذا الكتاب .
المطلب الرابع
أسماء الجن في لغة العرب وأصنافهم
قال ابن عبد البر " :الجن عند أهل الكلم والعلم باللسان على مراتب :
-1فإذا ذكروا الجن خالص ا قالوا :جمني .
-2فإذا أرادوا أنه مما يسكن مع الناس ،قالوا :عامر ،والجمع :عممار .
-3فإن كان مما يعرض للصبيان قالوا :أرواح .
-4فإن خبث وتعرض ،قالوا :شيطان .
-5فإن زاد على ذلك ،فهو مارد .
-6فإن زاد على ذلك وقوي أمره ،قالوا :عفريت ،والجمع :عفاريت " ). (5
وأخبرنا الرسول صلى ال عليه وسلم أمن ) الجن ثلثة أصناف :فصنف يطير في الهواء ،وصنف
حميات وكلب ،وصنف يحلون ويظعنون ( .رواه الطبراني ،والحاكم ،والبيهقي في السماء والصفات
،بإسناد صحيح ). (6
--------------------------------
) (1آكام المرجان في أحكام الجان :ص . 7
) (2البداية والنهاية . 1/59 :
) (3شرح النووي على مسلم . 18/123 :
) (4صحيح مسلم . 4/2294 :ورقمه . 2996 :
) (5آكام المرجان . 8 :
) (6صحيح الجامع . 3/85 :
إثبات وجود الجن
المطلب الول
ل مجال للتكذيب بعالم الجن
أنكرت قلة من الناس وجود الجمن إنكا ار كلي ا ،وزعم بعض المشركين :أن المراد بالجن أرواح الكواكب )
. (1
) (1/2
وزعمت طائافة من الفلسفة :أن المراد بالجن نوازع الشر في النفس النسانية وقواها الخبيثة ،كما أن
المراد بالملئاكة نوازع الخير فيها ). (2
وزعم فريق من الملحجدثين ) بفتح الدال المخففة ( :أن الجن هم الجراثيم والميكروبات التي كشف عنها
العلم الحديث .
وقد ذهب الدكتور محمد البهي إلى :أن المراد بالجن الملئاكة ،فالجن والملئاكة عنده عالم واحد ل
فرق بينهما ،ومما استدل به :أن الملئاكة مستترون عن الناس ،إل أنه أدخل في الجن من يتخفى من
عالم النسان في إيمانه وكفره ،وخيره وشره ). (3
عدم العلم ليس دليلا :
وغاية ما عند هؤلء المكذبين أنه ل علم عندهم بوجودهم ،وعدم العلم ليس دليلا ) ، (4وقبيح بالعاقل
أن ينفي الشيء لعدم علمه بوجوده ،وهذا مما نعاه ال على الكفرة ) :بل كنذبوا بما لم يحيطوا بعلمه (
] يونس . [39 :وهذه المخترعات الحديثة التي ل يستطيع أحد أن يكابر فيها ،أكان يجوز لنسان
عاش منذ مئاات السنين أن ينكر إمكان حصولها لو أخبره صادق بذلك ؟ وهل عدم سماعنا للصوات
التي يعج بها الكون في كل مكان دليل على عدم وجودها ،حتى إذا اخترعنا ) الراديو ( ،واستطاع
التقاط ما ل نسمع بآَذاننا صدقنا بذلك ؟!
يقول الستاذ سيد قطب – رحمه ال – في ظلله متحدث ا عن النفر من الجن الذين صرفهم ال إلى
رسوله ،فاستمعوا منه القرآن .
) (1/3
ف نفر من الجن ليستمعوا القرآن من النبي صلى ال عليه وسلم ،وحكاية " إنن ذكر القرآن لحادث صر ف
جل
ج
ما قالوا وما فعلوا ،هذا وحده كاف بذاته لتقرير وجود الجن ،ولتقرير وقوع الحادث ،ولتقرير أمن الجن
هؤلء يستطيعون أن يستمعوا للقرآن بلفظه العربي المنطوق ،كما يلفظه رسول ال صلى ال عليه وسلم
،ولتقرير أن الجن خلق قابلون لليمان وللكفران ،مستعدون للهدى وللضلل ،وليس هنالك من حاجة
إلى زيادة تثبيت أو توكيد لهذه الحقيقة ،فما يملك إنسان أن يزيد الحقيقة التي يقررها سبحانه ثبوت ا .
ولكمنا نحاول إيضاح هذه الحقيقة في التصور النساني .
إمن هذا الكون من حولنا حافل بالسرار ،حافل بالقوى والخلئاق المجهولة لنا كنه ا وصفةا وأث ار ،ونحن
نعيش في أحضان هذه القوى والسرار ،نعرف منها القليل ،ونجهل منها الكثير ،وفي كل يوم نكشف
بعض هذه السرار ،وندرك بعض هذه القوى ،ونتعرف إلى بعض هذه الخلئاق تارة بذواتها ،وتارة
بصفاتها ،وتارة بمجرد آثارها في الوجود من حولنا .
ونحن ما نزال في أول الطريق ،طريق المعرفة لهذا الكون ،الذي نعيش نحن وآباؤنا وأجدادنا ،ويعش
أبناؤنا وأحفادنا ،على ذرة من ذراته الصغيرة ؛ هذا الكوكب الرضي الذي ل يبلغ أن يكون شيئا ا يذكر
في حجم الكون أو وزنه !
وما عرفنا اليوم – ونحن في أول الطريق – خيعمد بالقياس إلى معارف البشرية قبل خمسة قرون فقط
عجائاب أضخم من عجيبة الجن ،ولو قال قائال للناس قبل خمسة قرون عن شيء من أسرار الذرة التي
نتحدث عنها اليوم ،لظنه مجنون ا ،أو لظنوه يتحدث عما هو أشد غرابة من الجن قطع ا !
) (1/4
ونحن نعرف ونكشف في حدود طاقتنا البشرية ،المعدة للخلفة في هذه الرض ،ووفق مقتضيات هذه
الخلفة ،وفي دائارة ما جسمخجره ال لنا ؛ ليكشف لنا عن أس ارره ،وليكون لنا ذلولا ،كيما نقوم بواجب
الخلفة في الرض ،ول تتعدى معرفتنا وكشوفنا في طبيعتها وفي مداها مهما امتد بنا الجل – أي
ف لنا من أس ارره – ل تتعدى تلك الدائارة ؛ ما نحتاجبالبشرية – ومهما خسمخر لنا من قوى الكون ،وخكفش ج
إليه للخلفة في هذه الرض ،وفق حكمة ال وتقديره .
وسنكشف كثي ار ،وسنعرف كثي ار ،وستتفتح لنا عجائاب من أسرار هذا الكون وطاقاته ،فممما قد تعمد
أسرار الذرة بالقياس إليه لعبة أطفال ! ولكننا سنظل في حدود الدائارة المرسومة للبشر في المعرفة ،وفي
حدود قول ال سبحانه ) :وما أوتيتم من العلم إلن قليلا ( ] السراء [ 85 :قليلا بالقياس إلى ما في
هذا الوجود من أسرار وغيوب ل يعلمها إل خالقه جوقجميومه ،وفي حدود تمثيله لعلمه غير المحدود ،
ووسائال المعرفة البشرية المحدودة بقوله ) :ولو أننما في الرض من شجرجة أقلبم والبحر يملده من بعده
سبعة أبحر ما نفدت كلمات ال ( ] لقمان . [ 27 :
فليس لنا والحالة هذه أن نجزم بوجود شيء أو نفيه ،وبتصوره أو عدم تصوره ،من عالم الغيب
والمجهول ،ومن أسرار هذا الوجود وقواه ،لمجرد أنه خارج عن مألوفنا العقلي ،أو تجاربنا المشهودة ،
ونحن لم ندرك بعد كل أسرار أجسامنا وأجهزتها وطاقاتها ،فضلا عن إدراك أسرار عقولنا وأرواحنا !
وقد تكون هنالك أسرار ،ليست داخلة في برنامج ما خيكجشف لنا عنه أصلا ،وأسرار ليست داخلة في
برنامج ما خيلكجشف لنا عن كنهه ،فل خيلكجشف لنا إل عن صفته أو أثره ،أو مجرد وجوده ؛ لن هذا ل
يفيدنا في وظيفة الخلفة في الرض .
) (1/5
ف ال لنا عن القدر المقسوم لنا من هذه السرار والقوى ،عن طريق كلمه – ل عن طريق
فإذا جكجش ج
تجاربنا ومعارفنا الصادرة من طاقتنا الموهوبة لنا من لدنه أيضا – فسبيلنا في هذه الحالة أن نتلمقى هذه
الهبة بالقبول والشكر والتسليم ،نتلقاها كما هي ،فل نزيد عليها ،ول ننقص منها ؛ لن المصدر الوحيد
الذي نتلمقى عنه مثل هذه المعرفة لم يمنحنا إل هذا القدر بل زيادة ،وليس هنالك مصدر آخر نتلقى
عنه مثل هذه السرار ! " .
والقول الحق أن الجن عالم ثالث غير الملئاكة والبشر ،وأنهم مخلوقات عاقلة واعية مدركة ،ليسوا
بأعراض ول جراثيم ،وأنهم مكلفون مأمورون منهيون .
المطلب الثاني
الدلة الدالة على وجود الجن
-1وجودهم معلوم من الدين بالضرورة :
يقول ابن تيمية ) " : (5لم يخالف أحد من طوائاف المسلمين في وجود الجن ،ول في أن ال أرسل
محمدا صلى ال عليه وسلم إليهم ،وجمهور طوائاف الكفار على إثبات الجن .أمما أهل الكتاب من
اليهود والنصارى ،فهم مقمرون بهم كإقرار المسلمين ،إوان وجد فيهم من ينكر ذلك ،كما يوجد في
المسلمين من ينكر ذلك ...كالجهمية والمعتزلة ،إوان كان جمهور الطائافة وأئامتها مقمرين بذلك .
وهذا لن وجود الجن تواترت به أخبار النبياء توات ار معلوما بالضرورة ،ومعلوم بالضرورة أنهم أحياء
عقلء فاعلون بالرادة ،بل مأمورون منهيون ،ليسوا صفات وأعراض ا قائامة بالنسان أو غيره ،كما
يزعمه بعض الملحدة ،فلما كان أمر الجن متوات ار عن النبياء توات ار تعرفه العامة والخاصة ،فل
يمكن لطائافة من المنتسبين إلى الرسل الكرام أن تنكرهم " .
وقال أيض ا " :جميع طوائاف المسلمين يقرون بوجود الجن ،وكذلك جمهور الكفار كعامة أهل الكتاب ،
وكذلك عامة مشركي العرب وغيرهم من أولد حام ،وكذلك جمهور الكنعانيين واليونان من أولد يافث ،
فجماهير الطوائاف تقمر بوجود الجن " ). (6
) (1/6
وذكر إمام الحرمين " :أن العلماء أجمعوا في عصر الصحابة والتابعين على وجود الجن والشياطين ،
والستعاذة بال تعالى من شرورهم ،ول يراغم هذا التفاق متدين متشبث بمسكة من الدين " ). (7
-2النصوص القرآنية والحديثية :
جاجءت نصوص كثيرة تقرر وجودهم كقوله تعالى ) :قل أوحي إلني أننه استمع نفبر من الجن ( ] الجن :
، [ 1وقوله ) :وأننه كان رجابل من النس يعوذون برجاجل من الجن فزادوهم رهق ا ( ] الجن . [ 6 :
وهي نصوص كثيرة ذكرنا غالبها في ثنايا هذه الرسالة ،إوان كانت كثرتها وشهرتها تغني عن ذكرها .
-3المشاهدة والرؤية :
كثير من الناس في عصرنا وقبل عصرنا شاهد شيئا ا من ذلك ،إوان كان كثير من الذين يشاهدونهم
ويسمعونهم ل يعرفون أنهم جمن ؛ إذ يزعمون أمنهم أرواح ،أو رجال الغيب ،أو رجال الفضاء ...
وأصدق ما يروى في هذا الموضع رؤية الرسول صلى ال عليه وسلم للجن ،وحديثه معهم ،وحديثهم
معه ،وتعليمه إياهم ،وتلوته القرآن عليهم ،وسيأتي ذكر ذلك في مواضعه .
رؤية الحمار والكلب للجن :
إذا كنا ل نرى الجن فإمن بعض الحياء يرونهم كالحمار والكلب ،ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي
ال عنه :أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ) :إذا سمعتم صياح الديكة ،فاسألوا ال من فضله ،
فإنها رأت ملك ا ،إواذا سمعتم نهيق الحمار ،فتعوذوا بال من الشيطان ،فإنه رأى شيطان ا ( ). (8
وروى أبو داود عن جابر بن عبد ال ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :إذا سمعتم نباح
الكلب ونهيق الحمار ،فتعوذوا بال ،فإنهن يرون ما ل ترون ( ). (9
ورؤية الحيوان لما ل نرى ليس غريب ا ،فقد تحقق العلماء من قدرة بعض الحياء على رؤية ما ل نراه ،
فالنحل يرى الشعة فوق البنفسجية ،ولذلك فإمنه يرى الشمس حال الغيم ،والبومة ترى الفأر في ظلمة
الليل البهيم ....
المطلب الثالث
الرد على الذين يزعمون أن الجن هم الملئاكة
) (1/7
سبق أن ذكرنا الحديث الذي يخبر فيه الرسول صلى ال عليه وسلم ) :أن الملئاكة خلقوا من نور ،
وأن الجن خلقوا من نار ( ،ففرق الرسول صلى ال عليه وسلم بين الصلين ،وهذا يدل على أنهما
عالمان ل عالم ا واحدا .
ومن نظر في النصوص المتحدثة عن الملئاكة والجن ،أيقن بالفرق الكبير بينهما ،فالملئاكة ل يأكلون
ول يشربون ،ول يعصون ال ما أمرهم ،ويفعلون ما يؤمرون ،والجن يكذبون ويأكلون ويشربون ،
ويعصون ربهم ،ويخالفون أمره .
نعم هما عالمان محجوبان عنا ،ل تدركهما أبصارنا ،ولكنهما عالمان مختلفان في أصلهما وصفاتهما
.
--------------------------------
) (1مجموع الفتاوى . 24/280 :
) (2مجموع الفتاوى . 4/346 :
) (3تفسير سورة الجن :ص . 8
) (4ليس لهم أن يحتجوا بما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس أنه كان ينكر مخاطبة الرسول
صلى ال عليه وسلم للجن وتكليمهم له ،فإن إنكاره هنا للمشافهة ل للجن ،ومع ذلك فغير ابن عباس
كابن مسعود – يثبت مشافهة الرسول صلى ال عليه وسلم لهم .ومن حفظ حجة على من لم يحفظ .
) (5مجموع الفتاوى . 19/10 :
) (6مجموع الفتاوى . 19/13
) (7آكام المرجان :ص . 4
) (8رواه البخاري . 6/350 :ورقمه . 3303 :ورواه مسلم . 4/2092 :ورقمه . 2729 :وأبو
داود في سننه .انظر صحيح سنن أبي داود . 3/961 :ورقمه . 4255 :
) (9صحي سنن أبي داود . 3/961 :ورقمه . 4256 :
الشيطان والجان
المطلب الول
التعريف بالشيطان
الشيطان الذي حدثنا ال عنه كثي ار في القرآن من عالم الجمن ،كان يعبد ال في بداية أمره ،وسكن
السماء مع الملئاكة ،ودخل الجنة ،ثمم عصى ربه عندما أمره أن يسجد لدم ،استكبا ار وعلوا ،فطرده
ال من رحمته .
) (1/8
والشيطان في لغة العرب يطلق على كل عاجت متمرد ،وقد أطلق على هذا المخلوق لعتموه وتمرده على
رمبه ) شيطان ( .وأطلق عليه لفظ ) الطاغوت ( ) :انلذين آمنوا يقاتلون في سبيل ال وانلذين كفروا
يقاتلون في سبيل ال ن
طاغوت فقاتلوا أولياء النشيطان إنن كيد النشيطان كان ضعيف ا ( ] النساء . [ 76 :
وهذا السم معلوم عند غالبية أمم الرض باللفظ نفسه ،كما يذكر العقاد في كتابه ) إبليس ( ،إوانما
سمي طاغوت ا لتجاوزه حده ،وتمرده على ربه ،وتنصيبه نفسه إله ا يعبد .
وقد يئاس هذا المخلوق من رحمة ال ،ولذا أسماه ال ) إبليس ( .والججبجلس في لغة العرب :من ل خير
عنده ،وأبلس :يئاس وتحمير .
والذي يطالع ما جاء في القرآن والحديث عن الشيطان يعلم أنه مخلوق يعقل ويدرك ويتحرك و ، ....
وليس كما يقول بعض الذين ل يعلمون " :إنه روح المشر متمثلة في غرائاز النسان الحيوانية التي
تصرفه – إذا تمكنت من قلبه – عن المثل الروحية العليا " ). (1
المطلب الثاني
أصل الشيطان
سبق القول أن الشيطان من الجن ،وقد نازع في هذه المسألة بعض المتقدمين والمتأخرين ،وحجتهم في
ذلك قوله تعالى ) :إواذ قلنا للملئاكة اسجدوا لدم فسجدوا إلن إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ( ]
البقرة . [ 34 :وهذه الية وأمثالها يستثني ال فيها إبليس من الملئاكة ،والمستثنى ل يكون إل من
جنس المستثنى منه عادة .
وقد نقلت لنا كتب التفسير والتاريخ أقوال عدد من العلماء ،يذكرون أن إبليس كان من الملئاكة ،وأنه
كان خازن ا للجنة ،أو للسماء الدنيا ،وأنه كان من أشرف الملئاكة ،وأكرمهم قبيلة ....إلى آخر تلك
القوال .
قال ابن كثير " :وقد روي في هذا آثار كثيرة عن السلف ،وغالبها من السرائايليات التي تنقل لينظر
ق الذي بأيدينا .
فيها ،وال أعلم بحال كثير منها ،ومنها ما يقطع بكذبه ؛ لمخالفته للح م
) (1/9
وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الخبار المتقدمة ؛ لنها ل تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان ،
وقد وضع فيها أشياء كثيرة ،وليس لهم من الحمفاظ المتقنين الذين ينفون عنها تحريف الغالبين ،وانتحال
المبطلين ،كما لهذه المة من الئامة ،والعلماء ،والسادة ،والتقياء ،والبررة ،والنجباء من الجهابذة
النقاد ،والحفاظ الجياد الذين دونوا الحديث ،وحرروا وبينوا صحيحه ،من حسنه ،من ضعيفه ،من
منكره ،وموضوعه ،ومتروكه ،ومكذوبه ،وعرفوا الوضاعين ،والكذابين ،والمجهولين ،وغير ذلك
من أصناف الرجال .كل ذلك صيانة للجناب النبوي ،والمقام المحمدي خاتم الرسل ،وسيد البشر –
صلى ال عليه وسلم – أن ينسب إليه كذب ،أو يحدث عنه بما ليس فيه " ). (2
وما احتجوا به من أن ال استثنى إبليس من الملئاكة ...ليس دليلا قاطع ا ،لحتمال أن يكون
ص على أمنه من الجن في قوله تعالى ) :إواذ قلنا للملئاكة
الستثناء منقطع ا ،بل هو كذلك حقا ،للن م
اسجدوا لدم فسجدوا إلن إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ] (...الكهف . [ 50 :
وقد ثبت لدينا بالنص الصحيح أن الجن غير الملئاكة والنس ،فقد أخبر المصطفى صلى ال عليه
وسلم ) :أن الملئاكة خلقوا من نور ،وأن الجن خلقوا من مارج من نار ،وأن آدم خلق من طين ( .
والحديث في صحيح مسلم .
قال الحسن البصري " :لم يكن إبليس من الملئاكة طرفة عين " ) . (3والذي حققه ابن تيمية " :أن
الشيطان كان من الملئاكة باعتبار صورته ،وليس منهم باعتبار أصله ،ول باعتبار مثاله " ). (4
هل الشيطان أصل الجن أم واحد منهم ؟
ليس لدينا نصوص صريحة تدلنا على أن الشيطان أصل الجن ،أو واحد منهم ،إوان كان هذا الخير
أظهر لقوله ) :إلن إبليس كان من الجن ( ] الكهف . [ 50 :
وابن تيمية رحمه ال يذهب إلى أن الشيطان أصل الجن ،كما أمن آدم أصل النس ). (5
المطلب الثالث
قبح صورة الشيطان
) (1/10
الشيطان قبيح الصورة ،وهذا مستقر في الذهان ،وقد شبه ال ثمار شجرة الزقوم التي تنبت في أصل
الجحيم برؤوس الشياطين ،لما علم من قبح صورهم وأشكالهم ) إننها شجرةب تخرج في أصل الجحيم –
طلعها كأننه خرخؤوخس النشياطين ( ] الصافات . [65-64:
وقد كان النصارى في القرون الوسطى يصورون الشيطان على هيئاة رجل أسود ذي لحية مدببة ،
وحواجب مرفوعة ،وفم ينفث لهبا ،وقرون وأظلف وذيل ). (6
المطلب الرابع
الشيطان له قرنان
في صحيح مسلم عن ابن عمر أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ) :ل تججحمروا بصلتكم طلوع الشمس
،ول غروبها ،فإمنها تطلع بقرني شيطان ( ). (7
وعن ابن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ) :إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلة حتى
تبرز الشمس ،إواذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلة حتى تغيب ،ول تججحلينوا بصلتكم طلوع الشمس
،ول غروبها ،فإمنها تطلع بين قرني شيطان ( ). (8
والمعنى أن طوائاف المشركين كانوا يعبدون الشمس ،ويسجدون لها عند طلوعها ،وعند غروبها ،فعند
ذلك ينتصب الشيطان في الجهة التي تكون فيها الشمس ،حتى تكون عبادتهم له .
وقد جاء هذا مصرح ا به في صحي مسلم ،فقد سأل عمرو بن عبسة السلمي الرسول عن الصلة .
فقال صلى ال عليه وسلم ) :صل صلة الصبح ،ثم أقصر الصلة حتى تطلع الشمس ،حتى ترتفع
،فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان ،وحينئاجذ يسجد لها الكفار ،ثمم صنل ،فإن الصلة مشهودة
محضورة ( .
ثم نهاه عن الصلة بعد العصر ) حتى تغرب الشمس ،فإنها تغرب بين قرني شيطان ،وحينئاجذ يسجد
لها الكفار ( ). (9
وقد نهينا عن الصلة في هذين الوقتين ،والصحيح أن الصلة في هذين الوقتين جائازة ،إذا كان لها
سبب كتحية المسجد ،ول تجوز بل سبب كالنفل المطلق ؛ لقوله صلى ال عليه وسلم ) :ل تججحمينوا ( ؛
أي ل تتقصدوا .
) (1/11
ومما ورد فيه ذكر قرن الشيطان حديث البخاري عن ابن عمر رضي ال عنهما قال :رأيت رسول ال
صلى ال عليه وسلم يشير إلى المشرق ،فقال ) :ها إنن الفتنة هاهنا ،إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع
قرن الشيطان ( ) . (10والمراد بقوله ) :حين يطلع الشيطان ( ؛ أي جهة الشرق .
--------------------------------
) (1دائارة المعارف الحديثة :ص . 357
) (2تفسير ابن كثير . 4/397 :
) (3البداية والنهاية . 1/79 :
) (4مجموع الفتاوى . 4/346 :
) (5راجع مجموع الفتاوى . 346 ، 4/235 :
) (6دائارة المعارف الحديثة . 357 :
) (7صحيح مسلم . 1/567 :ورقمه . 828 :
) (8رواه البخاري . 6/335 :ورقمه . 3273 ، 3272 :ورواه مسلم إلى قوله ) :حتى تغيب( :
. 1/568ورقمه . 829 :
) (9رواه مسلم ، 1/569 :ورقمه . 832 :
) (10رواه البخاري . 6/336 :ورقمه . 3279 :
طعام الجن وشرابهم ونكاحهم
المطلب الول
طعامهم وشرابهم
الجن – والشيطان منهم – يأكلون ويشربون ،ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة – رضي ال عنه –
أن النبي – صل ال عليه وسلم – أمره أن يأتيه بأحجار يستجمر بها وقال له ) :ول تأتيني بعظم ول
روثة ( ،ولما سأل أبو هريرة الرسول – صلى ال عليه وسلم – بعد ذلك عن سمر نهيه عن العظم
والروثة ،قال ) :هما من طعام الجن ،إوامنه أتاني وفد جن نصيبين – ونعم الجن – فسألوني الزاد ،
فدعوت ال لهم :أن ل يمروا بعظم ول بروثة إل وجدوا عليها طعم ا ( ). (1
وفي سنن الترمذي بإسناد صحيح عن عبد ال بن مسعود قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :
ل تستنجوا بالروث ،ول بالعظام ،فإمنه زاد إخوانكم من الجن ( ). (2
) (1/12
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ) :أتاني داعي الجن ،
فذهبت معه ،فقرأت عليهم القرآن ( ،قال :فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم ،وسألوه الزاد فقال :
ف لدوابكم ( .
) لكم كل عظم ذكر اسم ال عليه يقع في أيديكم ،أوفر ما يكون لحم ا ،وكل بعرة عل ب
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :فل تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم ( ). (3
وكون الروث طعام ا للجن أو لدوابهم ليس العلة الوحيدة للنهي عن الستنجاء بالروث ،فقد ذكر الرسول
صلى ال عليه وسلم علة أخرى ،فقد صرح بأن الروث رجس ). (4
وقد أخبرنا الرسول صلى ال عليه وسلم أنن الشيطان يأكل بشماله ،وأمرنا بمخالفته في ذلك ،روى
مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي ال عنهما :أمن النبي صلى ال عليه وسلم قال ) :إذا أكل
فليأكل بيمينه ،إواذا شرب فليشرب بيمينه ،فإن الشيطان يأكل بشماله ،ويشرب بشماله ( ). (5
وفي صحيح مسلم ) :إذا دخل الرجل بيته فذكر ال عند دخوله وعند طعامه ،قال الشيطان :ل مبيت
لكم ول عشاء ،إواذا دخل فلم يذكر ال عند دخوله ،قال الشيطان :أدركتم المبيت ،إواذا لم يذكر ال
عند طعامه ،قال :أدركتم المبيت والعشاء ( ) . (6ففي هذه النصوص دللة قاطعة على أن الشياطين
تأكل وتشرب .
وكما أن النس منهيون عن أكل ما لم يذكر اسم ال عليه من اللحوم ،فكذلك الجن المؤمنون جعل لهم
الرسول صلى ال عليه وسلم طعام ا كل عظم ذكر اسم ال عليه ،فلم يبح لهم متروك التسمية ،ويبقى
متروك التسمية لشياطين كفرة الجن ،فإن الشياطين يستحلون الطعام إذا لم يذكر عليه اسم ال ،ولجل
ذلك ذهب بعض العلماء إلى أن الميتة طعام الشياطين ؛ لنه لم يذكر اسم ال عليها .
) (1/13
واستنتج ابن القيم من قوله تعالى ) :إننما الخمر والميسر والنصاب والزلم رجبس من عمل النشيطان (
] المائادة [ 90 :أن المسكر شراب الشيطان ،فهو يشرب من الشراب الذي عمله أولياؤه بأمره ،
وشاركهم في عمله ،فيشاركهم في شربه ،إواثمه وعقوبته .
ويدل على صحة استنتاج ابن القيم ما رواه النسائاي عن عبد ال بن يزيد قال :كتب إلينا عمر بن
الخطاب رضي ال عنه " :أما بعد :فاطبخوا شرابكم حتى يذهب منه نصيب الشيطان ؛ فإن له اثنين
،ولكم واحد " ). (7
المطلب الثاني
تزاوج الجن وتكاثرهم
الذي يظهر أن الجن يقع منهم النكاح ،وقد استدل بعض العلماء على ذلك بقوله تعالى في أزواج أهل
طفمثلهخنن إنبس قبلهم ول جانن ( ] الرحمن . [ 56 :والطمث في لغة العرب :الجماع ،
الجنة ) :لم جي ل
وقيل هو الجماع الذي يكون معه تدمية تنتج عن الجماع .
وذكر السفاريني حديث ا يحتاج إلى نظر في إسناده ،يقول ) :إن الجن يتوالدون ،كما يتوالد بنو آدم ،
وهم أكثر عددا ( ). (8
وسواء أصح هذا الحديث أم لم يصح ،فإن الية صريحة في أن الجن يتأتى منهم الطمث ،وحسبنا هذا
دليلا .
وأخبرنا ربنا أن الشيطان له ذرية ،قال تعالى مبكت ا عباده الذين يتولون الشيطان وذريته ) :أفتتخذونه
وذرنيته أولياء من دوني وهم لكم عدو ( ] الكهف ، [ 50 :وقال قتادة " :أولد الشيطان يتوالدون كما
يتوالد بنو آدم ،وهم أكثر عددا " ). (9
المطلب الثالث
دعوى بعض أهل العلم أن الجن ل يأكلون
ول يشربون ول يتناكحون
وقد زعم قوم أن الجن ل يأكلون ول يشربون ،ول يتناكحون ،وهذا القول تبطله الدلة التي سقناها من
الكتاب والسنة .
) (1/14
وذكر بعض العلماء أن الجن أنواع :منهم من يأكل ويشرب ،ومنهم من ليس كذلك ؛ يقول وهب بن
منبه " :الجمن أجناس ،فأمما خالص الجن فهم ريح ل يأكلون ،ول يشربون ،ول يموتون ،ول يتوالدون
،ومنهم أجناس يأكلون ،ويشربون ،ويتوالدون ،ويتناكحون ،ويموتون ،قال :وهي هذه السعالي
والغول وأشباه ذلك " .أخرجه ابن جرير ). (10
وهذا الذي ذكره وهب يحتاج إلى دليل ،ول دليل .
وقد حاول بعض العلماء الخوض في الكيفية التي يأكلون بها ،هل هو مضغ وبلع ،أو تشمم واسترواح
،والبحث في ذلك خطأ ل يجوز ؛ لمنه ل علم لنا بالكيفية ،ولم يخبرنا ال ورسوله صلى ال عليه وسلم
بها .
المطلب الرابع
زواج النس من الجن )(11
ل زلنا نسمع أن فلن ا من الناس تزوج جنية ،أو أن امرأة من النس خطبها جني ،وقد ذكر السيوطي
آثا ار وأخبا ار عن السلف والعلماء تدل على وقوع التناكح بين النس والجن ) . (12يقول ابن تيمية )
" : (13وقد يتناكح النس والجن ويولد بينهما ولد ،وهذا كثير معروف " .
وعلى فرض إمكان وقوعه فقد كرهه جمع من العلماء كالحسن وقتادة والحكم إواسحاق .والمام مالك –
رحمه ال – ل يجد دليلا ينهى عن مناكحة الجن ،غير أمنه لم يستحبه ،وعلل ذلك بقوله " :ولكني
أكره إذا وجدت امرأة حاملا فقيل من زوجك ؟ قالت :من الجن ،فيكثر الفساد " ). (14
وذهب قوم إلى المنع من ذلك ،واستدلوا على مذهبهم بأمن ال امتمن على عباده من النس بأمنه جعل لهم
أزواجا من جنسهم ) :ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم نمجوندةا ورحمة ا
( ] الروم . [ 21 :
فلو وقع فل يمكن أن يحدث التآَلف والنسجام بين الزوجين لختلف الجنس ،فتصبح الحكمة من
الزواج لغية ؛ إذ ل يتحقق السكن والمودة المشار إليهما في الية الكريمة .
) (1/15
وعلى كلل فهذه مسألة يزعم بعض الناس وقوعها في الحاضر والماضي ،فإذا حدثت فهي شذوذ ،قلما
يسأل فاعلها عن حكم الشرع فيها ،وقد يكون فاعلها مغلوب ا على أمره ل يمكنه أن يتخلص من ذلك .
طفمثلهخنن إنبس
ومما يدل على إمكان وقوع التناكح بين النس والجن قوله تعالى في حور الجنة ) :لم جي ل
قبلهم ول جانن ( ] الرحمن ، [ 56 :فدلت الية على صلحيتهن للنس والجن على حد سواء .
--------------------------------
) (1رواه البخاري . 7/171 :ورقمه . 3860 :والطعم :الطعام .قال ابن حجر ) فتح الباري :
" : ( 7/73في رواية السرخسي ) :إل وجدوا عليها طعام ا ( .
) (2صحيح سنن الترمذي . 1/8 :ورقمه . 17 :
) (3رواه مسلم . 1/332 :ورقمه . 450 :صحيح سنن الترمذي . 3/104 :ورقمه . 2595:إذا
كمنا نهينا عن إفساد طعام الجن فيحرم علينا من باب أولى إفساد طعام النس .
) (4هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه . 1/256 :ورقمه . 156 :
) (5رواه مسلم . 3/1598 :ورقمه . 2020 :
) (6صحيح مسلم . 3/1598 :ورقمه . 2018 :
) (7صحيح سنن النسائاي . 3/1154 :ورقمه . 5275 :
) (8رواه ابن أبي حاتم ،وأبو الشيخ في :العظمة ،عن قتادة .
) (9لقط المرجان :ص . 51
) (10لوامع النوار . 2/222 :
) (11إن شئات التوسع في هذه المسألة فارجع إلى آكام المرجان :ص . 66
) (12لقط المرجان :ص . 53
) (13مجموع الفتاوى . 19/39 :
) (14آكام المرجان :ص . 67
أعمار الجن وموتهم
ل شك أن الجن – ومنهم الشياطين – يموتون ؛ إذ هم داخلون في قوله تعالى ) :كنل من عليها فاجن –
ويبقى وجه ربك ذو الجلل و الكرام – فجبفأج ي
ي آلء ربكما تكذبان ( ] الرحمن . [ 28-26 :
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يقول ) :أعوذ بعزتك ،الذي
ل إله إل أنت ،الذي ل يموت ،والجن والنس يموتون ( ). (1
) (1/16
أما مقدار أعمارهم فل نعلمها ،إل ما أخبرنا ال عن إبليس اللعين ،أنه سيبقى حمي ا إلى أن تقوم الساعة
) :قال أنظرني إلى يوم يبعثون – قال إننك من المنظرين ( ] العراف . [ 15-14 :
أما غيره فل ندري مقدار أعمارهم ،إل أنهم أطول أعما ار من النس .
ومما يمدل على أنهم يموتون أن خالد بن الوليد قتل شيطانة العزى ) ،الشجرة التي كانت تعبدها العرب
( ،وأن صحابيا قتل الجني الذي تمثل بأفعى ،كما سيأتي بيانه .
--------------------------------
) (1رواه مسلم في صحيحه . 4/1906 :ورقمه . 2451 :
مساكن الجن ومجالسهم وأماكنهم
الجن يسكنون هذه الرض التي نعيش فوقها ،ويكثر تجمعهم في الخراب والفلوات ،ومواضع النجاسات
كالحمامات والحشوش والمزابل والمقابر ،ولذلك – كما يقول ابن تيمية – يأوي إلى كثير من هذه
الماكن ،التي هي مأوى الشياطين :الشيوخ الذين تقترن بهم الشياطين .وقد جاءت الحاديث ناهية
عن الصلة في الحمام ؛ لجل ما فيها من نجاسة ،ولنها مأوى الشياطين ،وفي المقبرة ؛ لنها ذريعة
إلى الشرك .
ويكثر تجمعهم في الماكن التي يستطيعون أن يفسدوا فيها كالسواق ،فقد أوصى سلمان أصحابه قائالا
" :ل تكونن ،إن استطعت ،أول من يدخل السوق ،ول آخر من يخرج منها ،فإنها معركة الشياطين
،وبها ينصب رايته " ). (1
والشياطين تبيت في البيوت التي يسكنها الناس ،وتطردها التسمية ،وذكر ال ،وقراءة القرآن ،خاصة
سورة البقرة ،وآية الكرسي منها ،وأخبر الرسول صلى ال عليه وسلم أن الشياطين تنتشر ،وتكثر
بحلول الظلم ،ولذا أمرنا أن نكف صبياننا في هذه الفترة ،وهو حديث متفق عليه .
صمفد الشياطين .
والشياطين تهرب من الذان ،وفي رمضان تخ ج
والشياطين تحب الجلوس بين الظل والشمس ؛ ولذا نهى الرسول صلى ال عليه وسلم عن الجلوس
بينهما ،وهو حديث صحيح مروي في السنن وغيرها .
--------------------------------
) (1/17
) (1/18
ويدل لصحة قول ابن عقيل أن الحياء في عالمنا الرضي مخلوقة من الماء ،كما قال تعالى :
) وجعلنا من الماء خكنل شجي جحلي ( ] النبياء ، [ 30 :والشياطين مخلوقة من النار .
--------------------------------
) (1رواه مسلم . 3/332 :ورقمه . 450 :
) (2صحيح الجامع . 2/52 :
) (3رواه أبو داود .انظر صحيح سنن أبي داود . 1/37 :ورقمه . 169 :
) (4صحيح سنن ابن ماجة . 1/128 :ورقمه . 623 :
) (5آكام المرجان :ص . 22لقط المرجان :ص . 42
قدرات الجن وعجزهم
المطلب الول
ما أعطاه ال للجن من قدرات
أعطى ال الجمن قدرة لم يعطها للبشر ،وقد حدثنا ال عن بعض قدراتهم ،فمن ذلك :
أولا :سرعة الحركة والنتقال :
فقد تعهد عفريت من الجن لنبي ال سليمان بإحضار عرش ملكة اليمن إلى بيت المقدس في مدة ل
تتجاوز قيام الرجل من جلوسه ،فقال الذي عنده علم من الكتاب :أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك :
ي أميبن – قال انلذي عنده علبم
ت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ج إوفايني عليه لقو ن
) قال عفري ب
من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلنما رآه مستق مار عنده قال هذا من فضل ربي (...
] النمل . [ 40-39 :
ثانيا :سبقهم النسان في مجالت الفضاء :
ومنذ القدم كانوا يصعدون إلى أماكن متقدمة في السماء ،فيسترقون أخبار السماء ،ليعلموا بالجحجدث قبل
أن يكون ،فلما بعث الرسول صلى ال عليه وسلم زيدت الحراسة في السماء ) :وأننا لمسنا النسماء
فوجدناها خملفجئا ل
ت حرس ا شديدا وشهب ا – وأننا كننا نقعد منها مقاعد للنسمع فمن يستمع الن يجد له شهاب ا
نرصدا ( ] الجن . [ 9-8 :
) (1/19
وقد وضح الرسول صلى ال عليه وسلم كيفية استراقهم السمع ،فعن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى ال
عليه وسلم ) :إذا قضى ال المر في السماء ،ضربت الملئاكة بأجنحتها خضعان ا لقوله ،كأنه سلسلة
على صفوان ،فإذا فزع عن قلوبهم ،قالوا :ماذا قال ربكم ؟ قالوا للذي قال :الحق ،وهو العلي الكبير
.
فيسمعها مسترقو السمع ،ومسترقو السمع هكذا بعضه فوق بعض – ووصف سفيان بكفه ،فحرفها
وبدد بين أصابعه – فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ،ثم يلقيها الخر إلى من تحته ،حتى يلقيها
على لسان الساحر أو الكاهن ،فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها ،وربما ألقاها قبل أن يدركه ،فيكذب
معها مائاة كذبة .فيقال :أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا :كذا وكذا ؟ فيصمدق بتلك الكلمة التي سمع من
السماء ( ). (1
خرافة جاهلية :
ومعرفة السبب الذي من أجله يرمي بشهب السماء قضى على خرافة كان يتناقلها أهل الجاهلية ،فعن
عبد ال بن عباس قال :أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم من النصار :أنهم بينما
هم جلوس ليلة مع رسول ال صلى ال عليه وسلم رمي بنجم فاستنار ،فقال لهم رسول ال صلى ال
عليه وسلم ) :ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا ( ؟
قالوا :ال ورسوله أعلم ،كنا نقول :ولد الليلة رجل عظيم ،ومات رجل عظيم ،فقال رسول ال صلى
ال عليه وسلم ) :فإنها ل يرمى بها لموت أحد ول لحياته ؛ ولكمن ربنا – تبارك وتعالى اسمه – إذا
قضى أم ار سمبح حملة العرش ،ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم ،حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء
الدنيا ،ثمم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش :ماذا قال ربكم ؟ فيخبرونهم ماذا قال ،قال
فيستخبر بعض أهل السماوات بعض ا ؛ حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا ،فتخطف الجمن السمع ،
فيقذفون إلى أوليائاهم ،ويرمون به ،فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ،ولكنهم جيلقفرفون فيه ويزيدون ( )
. (2
) (1/20
وقد يكون استراقهم السمع بطريق أهون عليهم من الطريق الولى ،وذلك بأن تستمع الشياطين إلى
الملئاكة الذين يهبطون إلى العنان بما يكون من أحداث قدرها ال ،فعن عائاشة رضي ال عنها عن
النبي صلى ال عليه وسلم قال ) :الملئاكة تتحدث في العنان – والعنان الغمام – بالمر يكون في
الرض ،فتستمع الشياطين الكلمة ،فتقرها في أذن الكاهن كما تقمر القارورة ،فيزيدون معها مائاة كذبة
( ). (3
ثالث ا :علمهم بالعمار والتصنيع :
أخبرنا ال أنه سخر لنبميه سليمان ،فكانوا يقومون له بأعمال كثيرة تحتاج إلى قدرات ،وذكاء ،ومهارات
) :ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب النسعير – يعملون
له ما يشاء من نمحاريب وتماثيل وجفاجن كالجواب وقدوجر نارفسجياجت( ] سبأ . [ 13-12 :
ولعلهم قد توصلوا منذ القدم إلى اكتشاف مثل ) الراديو والتلفزيون ( ،فقد ذكر ابن تيمية أن بعض
الشيوخ الذين كان لهم اتصال بالجن أخبره وقال له " :إن الجن يرونه شيئا ا براق ا مثل الماء والزجاج ،
ويمثلون له فيه ما يطلب منه من الخبار به ،قال فأخبر الناس به ،ويوصلون إلمي كلم من استغاث
بي من أصحابي ،فأجيبه ،فيوصلون جوابي إليه " ). (4
رابعا :قدرتهم على التشكل :
للجن قدرة على التشكل بأشكال النسان والحيوان ،فقد جاء الشيطان المشركين يوم بدر في صورة
سراقة بن مالك ،ووعد المشركين بالنصر ،وفيه أنزل ) :إواذ زنين لهم النشيطان أعمالهم وقال ل غالب
لكم اليوم من النناس ج إوفايني جابر لكم ( ]النفال . [48 :
ولكن عندما التقى الجيشان ،وعاين الملئاكة تتنزل من السماء ،ولى هارب ا ) :فلنما تججراءفت الفئاتان
نكص على عقبيه وقال إني بريبء منكم فإيني أرى ما ل ترون إني أخاف ال ( ] النفال . [ 48 :
) (1/21
وقد جرى مع أبي هريرة قصة طريفة رواها البخاري وغيره ؛ قال أبو هريرة ) :وكلني رسول ال بحفظ
زكاة رمضان ،فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام ،فأخذته ،وقلت :وال لرفعنك إلى رسول ال صلى
ال عليه وسلم ،قال :إني محتاج ،وعلمي عيال ،ولي حاجة شديدة ،قال :فخليت عنه ،فأصبحت ،
فقال النبي صلى ال عليه وسلم :يا أبا هريرة ) ،ما فعل أسيرك البارحة ؟ (
قال :قلت :يا رسول ال شكا حاجة شديدة وعيالا ،فرحمته ،فخليت سبيله ،قال ) :أما إنه كذبك
وسيعود ( ،فعرفت أنه سيعود لقول رسول ال صلى ال عليه وسلم :إنه سيعود ،فرصدته ،فجاجء يحثو
من الطعام ،فأخذته ،فقلت :لرفعنك إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ؛ قال :دعني فإني محتاج
،وعلمي عيال ،ل أعود ،فرحمته ،فخليت سبيله ،فأصبحت ،فقال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم
) :يا أبا هريرة ،ما فعل أسيرك ؟ ( قلت :يا رسول ال شكا حاجة شديدة وعيالا ،فرحمته ،فخليت
سبيله .
قال ) :أما إنه كذبك وسيعود ( ،فرصدته الثالثة ،فجعل يحثو من الطعام ،فأخذته ،فقلت :لرفعنك
إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وهذا آخر ثلث مرات ،إنك تزعم ل تعود ،ثمم تعود ! قال :
دعني أعلمك كلمات ينفعك ال بها ،قال :قلت :ما همن ؟
) (1/22
قال :إذا أويت إلى فراشك ،فاق أر آية الكرسي ) ال ل إله إلن هو الحلي القليوم ( ]البقرة [255 :حتى
تختم الية ؛ فإمنك لن يزال عليك من ال حافظ ،ول يقربمنك شيطان حتى تصبح ،فخليت سبيله ،فقال
لي رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :ما فعل أسيرك البارحة ؟ ( قلت :يا رسول ال زعم أمنه يعلمني
كلمات ينفعني ال بها ،فخليت سبيله ،قال :ما هي ؟ قلت :قال لي :إذا أويت إلى فراشك فاق أر آية
الكرسي من أولها حتى تختم الية ) ال ل إله إلن هو الحلي القليوم ( ] البقرة [ 255 :وقال لي :لن
يزال عليك من ال حافظ ،ول يقربك شيطان حتى تصبح ،وكانوا أحرص شيء على الخير .
قال النبي ) :أما إنه قد صدقك وهو كذوب ،تعلم من تخاطب منذ ثلث ليال يا أبا هريرة ؟ ( قال :ل
،قال ) :ذاك شيطان ( ). (5
فقد تشكل هذا الشيطان في صورة إنسان .
وقد يتشكل في صورة حيوان :جمل ،أو حمار ،أو بقرة ،أو كلب ،أو قط ،وأكثر ما تتشكل بالسود
من الكلب والقطط .وقد أخبر الرسول صلى ال عليه وسلم أن مرور الكلب السود يقطع الصلة ،
وعلل ذلك بأن ) الكلب السود شيطان ( ) . (6يقول ابن تيمية " :الكلب السود شيطان الكلب ،
والجن تتصور بصورته كثي ار ،وكذلك بصورة القط السود ؛ لن السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره
،وفيه قوة الح اررة " .
جنان البيوت :
تتشكل الجان بشكل الحيات وتظهر للناس ،ولذا نهى الرسول صلى ال عليه وسلم عن قتل الحيات
البيوت ،خشية أن يكون هذا المقتول جني ا قد أسلم ،ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال :
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :إمن بالمدينة جمنا قد أسلموا ،فإذا رأيتم منهم شيئاا فآَذنوه ثلثة أيام
،فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه ،فإنما هو شيطان ( ). (7
) (1/23
وقد قتل أحد الصحابة حمية من حيات البيوت ،فكان في ذلك هلكه ،روى مسلم في صحيحه :أن أبا
السائاب دخل على أبي سعيد الخدري في بيته ،فوجده يصلي ،قال ) :فجلست أنتظره حتى يقضي
صلته ،فسمعت تحريك ا في عراجين في ناحية البيت ،فالتفت ،فإذا حمية ،فوثبت لقتلها فأشار إلمي ؛
أن اجلس ،فجلست .
فما انصرف أشار إلى بيت في الدار ،فقال :أترى هذا البيت ؟ فقلت :نعم .قال :كان فيه فتى ممنا
حديث عهد بعرس ،قال :فخرجنا مع رسول ال إلى الخندق ،فكان ذلك الفتى يستأذن رسول ال صلى
ال عليه وسلم بأنصاف النهار ،فيرجع إلى أهله ،فاستأذنه يوم ا فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم
) :خذ عليك سلحك ،فإني أخشى عليك قريظة ( .
فأخذ الرجل سلحه ،ثمم رجع ،فإذا امرأته بين البابين قائامة ،فأهوى إليها الرمح ليطعنها به ،وأصابته
غيرة ،فقالت له :اكفف رمحك ،وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني .
فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش ،فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ،ثم خرج ،فركزه في
الدار ،فاضطربت عليه ،فما يدرى أيهما كان أسرع موت ا :الحية أم الفتى !
قال :فجئانا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فذكرنا ذلك له ،وقلنا :ادع ال يحييه لنا فقال :
) استغفروا لصاحبكم ( ،ثم قال ) :إمن بالمدينة جمنا قد أسلموا ،فإذا رأيتم منهم شيئاا فآَذنوه ثلثة أيام ،
فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه ،فإمنما هو شيطان ( ). (8
تنبيهات مهمة حول قتل حيات البيوت :
-1هذا الحكم ،وهو النهي عن قتل الحيوانات خاص بالحيات دون غيرها .
-2وليس كل الحيات ؛ بل الحيات التي نراها في البيوت دون غيرها ،أمما التي نشاهدها خارج البيوت
فنحن مأمورون بقتلها .
-3إذا رأينا حيات البيوت فنؤذنها ؛ أي نأمرها بالخروج ،كأن نقول :أقسم عليك بال أن تخرجي من
هذا المنزل ،وأن تبعدي عمنا شمرك إوال قتلناك .فإن رؤيت بعد ثلثة أيام قتلت .
) (1/24
-4والسبب في قتلها بعد ثلثة أيام أننا تأكدنا أنها ليست جمن ا مسلم ا ،لنها لو كانت كذلك ،لغادرت
المنزل ،فإن كانت أفعى حقيقية فهي تستحق القتل ،إوان كانت جمنا كاف ار متمردا فهو يستحق القتل ؛
لذاه إواخافته لهل المنزل .
-5يستثنى من جنان البيوت نوع يقتل بدون استئاذان ،ففي صحيح البخاري عن أبي لبابة أن الرسول
صلى ال عليه وسلم قال ) :ل تقتلوا الفجننان ،إل كمل أبتر ذي طخلفجيتجلين ؛ فإنه يسقط الولد ،ويذهب
البصر ،فاقتلوه ( ). (9
وهل كل الحيات من الجمن أم بعضها ؟ يقول الرسول صلى ال عليه وسلم ) :الحميات مسخ الجمن صورة
،كما مسخت القردة والخنازير من بني إسرائايل ( ). (10
خامس ا :الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق :
في صحيحي البخاري ومسلم عن أنس ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :إن الشيطان
يجري من النسان مجرى الدم ( ) ، (11وفي الصحيحين عن صفية بنت حيي زوج النبي صلى ال
عليه وسلم قالت " :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم معتكف ا ،فأتيته أزوره ليلا ،فحدثته ،ثمم قمت
فانقلبت ،فقام معي ليقبلني ) يردني ( وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ،فممر رجلن من النصار ،
فلما رأيا النبي صلى ال عليه وسلم أسرعا ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم ) :على رسلكما ،إنها
صفية بنت حيي ( ،فقال :سبحان ال يا رسول ال !! قال ) :إن الشيطان يجري من النسان مجرى
الدم ،إواني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا ( ،أو قال ) :شيئا ا ( ). (12
--------------------------------
) (1رواه البخاري في صحيحه . 8/538 :ورقمه . 4800 :
) (2رواه مسلم . 4/1750 :ورقمه . 2229 :ومعنى يقرفون فيه أي الصدق بالكذب :يقذفون .
) (3رواه البخاري . 6/338 :ورقمه . 3288 :
) (4مجموع الفتاوى . 11/309 :
) (1/25
) (5صحيح البخاري . 4/486 :ورقمه . 2311 :ويرى بعض العلماء أن الحديث منقطع ؛ لنه لم
يصرح بالسماع من شيخه عثمان بن الهيثم ،والحديث وصله النسائاي وغيره .انظر :فتح الباري :
. 4/488
) (6رواه مسلم . 1/365 :ورقمه . 510 :
) (7رواه مسلم . 4/1756 :ورقمه . 2236 :
) (8رواه مسلم . 4/1756 :ورقمه . 2236 :
) (9رواه البخاري . 6/351 :ورقمه . 3311 :
) (10رواه الطبراني ،وأبو الشيخ في العظمة ،بإسناد صحيح ،راجع الحاديث الصحيحة . 104 :
) (11صحيح البخاري . 13/159 :ورقمه . 7171 :ورواه مسلم . 4/1712 :ورقمه . 2175 :
) (12رواه البخاري . 6/336 :ورقمه . 3281 :
المطلب الثاني
جوانب ضعف الجن وعجزهم
الجن والشياطين كالنس فيهم جوانب قوة ،وجوانب ضعف ،قال تعالى ) :إنن كيد النشيطان كان
ضعيف ا ( ] النساء ، [ 76 :وسنعرض لبعض هذه الجوانب التي عرفنا ال ورسوله بها .
أولا :ل سلطان لهم على عباد ال الصالحين :
لم يعط النرب – سبحانه – الشيطان القدرة على إجبار الناس ،إواكراههم على الضلل والكفر ) :إنن
عبادي ليس لك عليهم سلطابن وكفى بربك وكيلا ( ] السراء ) . [ 65 :وما كان له عليهم من سلطاجن
إلن لنعلم من يؤمن بالخرة منمن هو منها في شجك ( ] سبأ . [ 21 :
ومعنى ذلك أن الشيطان ليس له طريق يتسلط بها عليهم ،ل من جهة الحجة ،ول من جهة القدرة ،
والشيطان يدرك هذه الحقيقة ) :قال رب بما أغويتني لزيننن لهم في الرض ولغويننهم أجمعين – إلن
عبادك منهم المخلصين ( ] الحجر . [ 40-39 :
إوانما يتسلط على العباد الذين يرضون بفكره ،ويتابعونه عن رضا وطواعية ) :إنن عبادي ليس لك
عليهم سلطان إلن من اتنبعك من الغاوين ( ] الحجر . [ 42 :وفي يوم القيامة يقول الشيطان لتباعه
الذين أضلهم وأهلكهم ) :وما كان لي عليكم من سلطاجن إلن أن دعوتكم فاستجبتم لي ( ] إبراهيم :
. [ 22
) (1/26
وفي آية أخرى ) :إننما سلطانه على انلذين يتونلونه وانلذين هم به مشركون ( ]النحل . [100:
والسلطان الذي أعطيه الشيطان هو تسلطه عليهم بالغواء والضلل ،وتمكنه منهم ،بحيث يؤزهم
على الكفر والشرك ويزعجهم إليه ،ول يدعهم يتركونه ،كما قال تعالى ) :ألم تر أننا أرسلنا النشياطين
على الكافرين تؤلزهم أ از ( ] مريم ، [ 83 :ومعنى تؤزهم :تحركهم وتهيجهم .
وسلطان الشيطان على أوليائاه ليس لهم فيه حمجة وبرهان ،إوانما استجابوا له بمجرد دعوته إياهم ،لما
وافقت أهواجءهم وأغراضهم ،فهم الذين أعانوا على أنفسهم ،ومكنوا عدوهم من سلطانه عليهم بموافقته
ومتابعته ،فلما أعطوا بأيديهم ،واستأسروا له ،خسملط عليهم عقوبةا لهم .فال ل يجعل للشيطان على
العبد سلطانا ،حتى يجعل له العبد سبيلا بطاعته والشرك به ،فجعل ال حينئاجذ له عليه تسلطا وقه ار .
تسليطه على المؤمنين بسبب ذنوبهم :
ففي الحديث ) :إن ال – تعالى – مع القاضي لم جيخجر ،فإذا جار تب أر منه ،وألزمه الشيطان ( .رواه
الحاكم ،والبيهقي بإسناد حسن ). (1
ويروي لنا أبو الفرج ابن الجوزي – رحمه ال – عن الحسن البصري – رحمه ال – قصة طريفة ،
وبغض النظر عن مدى صحتها فهي تصور قدرة النسان على قهر الشيطان إذا أخلصه دينه ل ،
وكيف يصرع الشيطان النسان إذا ضمل وزاغ .
يقول الحسن :كانت شجرة تعبد من دون ال ،فجاء إليها رجل ،فقال :لقطعن هذه الشجرة ،فجاء
ليقطعها غضب ا ل ،فلقيه إبليس في صورة إنسان ،فقال :ما تريد ؟ قال :أريد أن أقطع هذه الشجرة
التي تعبد من دون ال ،قال :إذا أنت لم تعبدها فما يضرك من عبدها ؟ قال :لقطعنها .
) (1/27
فقال له الشيطان :هل لك فيما هو خير لك ؟ ل تقطعها ،ولك ديناران كل يوم إذا أصبحت عند
وسادتك .قال :فمن أين لي ذلك ؟ قال :أنا لك .فرجع ،فأصبح فوجد دينارين عند وسادته ،ثمم
أصبح بعد ذلك ،فلم يجد شيئاا .فقام غضبا ليقطعها ،فتمثل له الشيطان في صورته ،وقال :ما تريد
؟ قال :أريد قطع هذه الشجرة التي تعبد من دون ال تعالى ،قال :كذبت ما لك إلى ذلك من سبيل .
فذهب ليقطعها ،فضرب به الرض ،وخنقه حتى كاد يقتله ،قال :أتدري من أنا؟ أنا الشيطان ،جئات
أول مرة غضب ا ل ،فلم يكن لي عليك سبيل ،فخدعتك بالدينارين ،فتركتها ،فلما جئات غضب ا
للدينارين سلطت عليك ). (2
وقد حدثنا ال في كتابه عن شخص آتاه ال آياته ،فعلمها ،وعرفها ،ثمم إنه ترك ذلك كله ،فسلط ال
عليه الشيطان ،فأغواه ،وأضله ،وأصبح عبرة تروى ،وقصة تتناقل ) :واتخل عليهم نبأ انلذي آتيناه
آياتنا فانسلخ منها فأتبعه النشيطان فكان من الغاوين – ولو شئانا لرفعناه بها ولكننه أخلد إلى الرض
وانتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم انلذين كنذبوا بآَياتنا
فاقصص القصص لعنلهم يتفنكرون ( ] العراف . [ 176-175 :وواضح أن هذا مثل لمن عرف
الحق وكفر به كاليهود الذين يعلمون أن محمدا مرسل من ربه ،ثم هم يكفرون به .
أما هذا الذي عناه ال هنا ،فقال بعضهم :هو بلعام بن باعو ار ،كان صالح ا ثم كفر ،وقيل :هو أمية
بن أبي الصلت من المتألهين في الجاهلية ،أدرك الرسول صلى ال عليه وسلم ،ولم يؤمن به حسدا ،
وكان يرجو أن يكون هو النبي المبعوث ،وليس عندنا نص صحيح يعرفنا بالمراد من الية على وجه
التحديد .
) (1/28
وهذا الصنف ) الذي يؤتى اليات ثم يكفر ( صنف خطر ،به جشجبه من الشيطان ؛ لمن الشيطان كفر
بعد معرفته الحق ،ولقد تخوف الرسول صلى ال عليه وسلم هذا النوع على أمته ،روى الحافظ أبو
يعلى عن حذيفة بن اليمان قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :إن مما أتخوف عليكم رجلا
ق أر القرآن حتى إذا رئايت بهجته عليه ،وكان رداؤه السلم اعتراه إلى ما شاء ال انسلخ منه ،ونبذه
وراء ظهره ،وسعى على جاره بالسيف ،ورماه بالشرك ( .قال :قلت :يا رسول ال :أيهما أولى
بالسيف :الرامي أم المرمي ؟ قال ) :بل الرامي ( ،قال ابن كثير :وهذا إسناد جيد ). (3
ثانيا :خوف الشيطان من بعض عباد ال وهربه منهم :
إذا تمكن العبد في السلم ،ورسخ اليمان في قلبه ،وكان ومقاف ا عند حدود ال ،فإمن الشيطان يفرق
منه ،ويفمر منه ،كما قال الرسول صلى ال عليه وسلم لعمر بن الخطاب ) :إن الشيطان ليخاف منك
يا عمر ( ) ، (4وقال فيه أيض ا ) :إني لنظر إلى شياطين الجمن والنس قد فمروا من عمر ( )، (5
وفي صحيح البخاري عن سعد بن أبي وقاص أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب
) :والذي نفسي بيده ،ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلى سلك فجا غير فجك ( ). (6
وليس ذلك خاص ا بعمر ،فإن جمن قوي إيمانه يقهر شيطانه ،ويذله ،كما في الحديث ) :إن المؤمن
لينصي شيطانه كما ينصي أحدكم بعيره في السفر ( .رواه أحمد .قال ابن كثير ) : (7بعد أن ساق
هذا الحديث " :ومعنى لينصي شيطانه :ليأخذ بناصيته ،فيغلبه ،ويقهره ،كما يفعل بالعبير إذا شرد
ثم غلبه " .
) (1/29
وقد يصل المر أن يؤثر المسلم في قرينه الملزم له فيسلم ،أخرج مسلم في صحيحه عن ابن مسعود
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :ما منكم من أحد إل وقد خومكل به قرينه من الجن وقرينه
من الملئاكة ( ،قالوا :إواياك يا رسول ال ؟ قال ) :إواياي ،إل أن ال أعانني عليه فأسلم ،فل
يأمرني إل بخير ( ). (8
ثالثا :تسخير الجن لنبي ال سليمان :
سخر ال لنبيه سليمان – في جملة ما سخر – الجن والشياطين ،يعملون له ما يشاء ،ويعذب ويسجن
ص–العصاة منهم ) :فسنخرنا له الريح تجري بأمره رخااء حيث أصاب – والنشياطين كل بنناجء وغنوا ج
وآخرين مقنرنين في الصفاد ( ] ص . [ 38-36 :
وقال في سورة سبأ ) :ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب
النسعير – يعملون له ما يشاء من نمحاريب وتماثيل وجفاجن كالجواب وقدوجر نراسياجت ( ] سبأ -12 :
. [ 13
وهذا التسخير على هذا النحو استجابة من ال لعبده سليمان حين دعاه وقال ) :وهب لي خملك ا لن ينبغي
لحجد من بعدي ( ] ص . [ 35 :وهذه الدعوة هي التي منعت نبينا محمدا صلى ال عليه وسلم من
ربط الجني الذي جاء بشهاب من نار ،يريد أن يرميه في وجهه ،ففي صحيح مسلم عن أبي الدرداء
قال :قام رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فسمعناه يقول ) :أعوذ بال منك ( ثم قال ) :ألعنك بلعنة
ال ثلث ا ( ،وبسط يده كأنه يتناول شيئا ا .
فلما فرغ من الصلة قلنا :يا رسول ال لقد سمعناك تقول في الصلة شيئا ا ،لم نسمعك تقوله من قبل ،
ورأيناك بسطت يدك ،فقال ) :إن عدمو ال إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي ،فقلت :
أعوذ بال منك ثلث مرات ،ثم قلت :ألعنك بلعنة ال التامة ،فلم يستأخر ثلث مرات ،ثم لاردت أخذه
،وال لول دعوة أخينا سليمان لصبح موثق ا يلعب به ولدان أهل المدينة ( ). (9
) (1/30
وقد تكرر هذا أكثر من مرة ،ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن الرسول صلى ال عليه وسلم قال :
) إن عفريتا من الجن جعل يفتك علي البارحة ليقطع علمي الصلة ،إوان ال أمكنني منه ،فججذجعتلهخ ،فلقد
هممت أن أربطه إلى جنب سارية من سواري المسجد ،حتى تصبحوا تنظرون إليه أجمعون ) ،أو كلكم
( ،ثمم ذكرت قول أخي سليمان ) :رب اغفر لي وهب لي خملك ا لن ينبغي لحجد من بعدي ( ،فرده ال
خاسئاا ( ) . (10ومعنى يفتك :الفتك :الخذ غفلة .وقوله ) :ذعته ( ،أي :خنقته .
كذب اليهود على نبي ال سليمان :
يزعم اليهود وأتباعهم الذين يستخدمون الجن بوساطة السحر أن نبي ال سليمان كان يستخدم الجمن به ،
وقد ذكر غير واحد من علماء السلف أنن سليمان لما مات كتبت الشياطين كتب السحر والكفر ،
وجعلتها تحت كرسيه ،وقالوا :كان سليمان يستخدم الجن بهذه ،فقال بعضهم :لول أن هذا حق جائاز
ق منق لما معهم نبذ فري ب
لما فعله سليمان ،فأنزل ال قوله ) :ولنما جاءهم رسوبل من عند ال مصد ب
انلذين أوتوا الكتاب كتاب ال وراء ظهورهم كأننهم ل يعلمون ( ] البقرة ، [ 101 :ثم بين أنهم اتبعوا ما
كانت تتلوه الشياطين على عهد ملك سليمان ،وب أر سليمان من السحر والكفر ) :وانتبعوا ما تتلوا
النشياطين على خملفك سليمان وما كفر سليمان ولكنن النشياطين كفروا ( ] البقرة . [ 102 :
رابع ا :عجزهم عن التيان بالمعجزات :
ل تستطيع الجن التيان بمثل المعجزات التي جاءت بها الرسل تدليلا على صدق ما جاءت به .
فعندما زعم بعض الكفرة أن القرآن من صنع الشياطين قال تعالى ) :وما تننزلت به النشياطين – وما
ينبغي لهم وما يستطيعون – إننهم عن النسمع لمعزولون ( ] الشعراء . [ 212-210 :
وتحدى ال بالقرآن النس والجن ) :قل لفئان اجتمعت النس والجلن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل
يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبع ج
ض ظهي ار ( ] السراء . [ 88 :
) (1/31
خامس ا :ل يتمثلون بالرسول صلى ال عليه وسلم في الرؤيا :
والشياطين تعجز عن التمثل في صورة الرسول صلى ال عليه وسلم في الرؤيا :
ففي الحديث الذي يرويه الترمذي عن أبي هريرة عن الرسول صلى ال عليه وسلم ) :من رآني فإني أنا
هو ،فإنه ليس للشيطان أن يتمثل بي ( ). (11
وفي الصحيحين عن أنس قال :قال النبي صلى ال عليه وسلم ) :من رآني في المنام فقد رآني ،فإن
الشيطان ل يتمثل بي ( .رواه مسلم من رواية أبي هريرة .وفي صحيح البخاري ) :إوان الشيطان ل
يت ارجءى بي ( .
ق ،فإن الشيطان ل يتكونني ( .
وفيه من رواية أبي سعيد ) :من رآني فقد رأى الح م
وفي الصحيحين من رواية أبي هريرة ) :ول يتمثل الشيطان بي ( .
وفي صحيح مسلم من حديث جابر ) :من رآني في المنام فقد رآني ،إنه ل ينبغي للشيطان أن يتمثل
في صورتي ( .وفي رواية أخرى عن جابر ) :فإنه ل ينبغي للشيطان أن يتشبه بي ( ). (12
والظاهر من الحاديث أن الشيطان ل يتزميا بصورة الرسول صلى ال عليه وسلم الحقيقية ،ول يمنعه
هذا من التمثل في غير صورة الرسول صلى ال عليه وسلم والزعم بأمنه رسول ال ،وهذا ما فقهه ابن
سيرين رحمه ال ،فيما نقله عنه البخاري ). (13
ولذلك فل يجوز أن يحتج بهذا الحديث على أن كل من رأى الرسول صلى ال عليه وسلم في المنام أمنه
رآه حقما ،إل إذا كانت صفته هي الصفة التي روتها لنا كتب الحديث .إوال فكثير من الناس يزعم أمنه
رآه على صورة مخالفة للصورة المروية في كتب الثقات .
سادس ا :ل يستطيع الجن أن يتجاوزوا حدودهم في أجواز الفضاء :
قال تعالى ) :يا معشر الجن والنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار النسماوات والرض فانفذوا ل
تنفذون إلن بسلطاجن ( – فجبفأج ي
ي آلء ربكما تكذبان – يرسل عليكما شواظب من نناجر ونحابس فل تنتصران (
] الرحمن . [ 35-33 :
) (1/32
فمع قدراتهم وسرعة حركتهم لهم حدود ل يستطيعون أن يتعدوها ،إوال فإنهم هالكون .
سابع ا :ل يستطيعون فتح باب أغلق وذكر اسم ال عليه :
روى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد ال قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :إذا كان
جنح الليل – أو أمسيتم – فكفوا صبيانكم ،فإن الشياطين تنتشر حينئاجذ ،فإذا ذهب ساعة من الليل
فحلوهم ،وأغلقوا البواب ،واذكروا اسم ال ،فإن الشيطان ل يفتح باب اج مغلق ا ( ). (14
وفي لفظ لمسلم عن جابر ) :غطوا الناء ،وأوكوا السقاء ،وأغلقوا الباب ،وأطفئاوا السراج ،فإن
الشيطان ل يحمل سقااء ،ول يفتح باب ا ،ول يكشف إناء ( ). (15
--------------------------------
) (1انظر صحيح الجامع . 2/130 :
) (2تلبيس إبليس . 43 :
) (3انظر تفسير ابن كثير . 3/252 :
) (4صحيح سنن الترمذي . 3/206 :ورقمه . 2913 :
) (5صحيح سنن الترمذي . 3/206 :ورقمه . 2914 :
) (6رواه البخاري . 6/339 :ورقمه . 3294 :
) (7البداية والنهاية ، 1/73 :وفي رواية أخرى ) :لينضي شيطانه ( أي يهزله ويجعله نضوا أي
مهزولا لكثرة إذلله له وجعله أسي ار تحت قهره وتصرفه .
) (8رواه مسلم . 4/2167 :ورقمه . 2814 :
) (9رواه مسلم . 1/385 :ورقمه . 542 :
) (10رواه البخاري . 6/547 :ورقمه . 3423 :ورواه مسلم . 1/384 :ورقمه . 541 :
) (11صحيح سنن الترمذي . 2/260 :ورقمه . 1859 :
) (12انظر أحاديث عدم قدرة الشيطان على التمثل بالرسول صلى ال عليه وسلم في البخاري :
. 12/383وأرقامها . 6997-6993 :وفي صحيح مسلم . 4/1775 :وأرقامها -2266 :
. 2268
) (13صحيح البخاري . 12/383 :
) (14صحيح البخاري . 10/88 ، 6/350 :ورقمها . 5623 ، 3304 :ورواه مسلم :
. 3/1595ورقمه . 2012 :
) (15صحيح مسلم . 3/1594 :ورقمه . 2012 :
تكليف الجن
المبحث الول
الغاية من خلقهم
) (1/33
خلق ال الجن للغاية نفسها التي خلق النس من أجلها ) :وما خلقت الجنن والنس إلن ليعبدون (
] الذاريات . [ 56 :
فالجن على ذلك مكلفون بأوامر ونواجه ،فمن أطاع رضي ال عنه ،وأدخله الجنة ،ومن عصى وتمرد ،
فله النار ،يدمل على ذلك نصوص كثيرة .
ففي يوم القيامة يقول ال مخاطب ا كفرة الجن والنس موبخ ا مبكت ا ) :يا معشر الجن والنس ألم يأتكم
صون عليكم آجيافتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغنرتهم الحياة اللدنيا
رسبل منكم يق ل
وشهدوا على أنفسهم أننهم كانوا كافرين ( ]النعام . [130 :
ففي هذه اليات دليل على بلوغ شرع ال الجن ،وأنه قد جاءهم من ينذرهم ويبلغهم .
والدليل على أنهم سيعذبون في النار قوله تعالى ) :قال ادخلوا في أمجم قد خلت من قبلكم من الجن
والنس في الننار ( ] العراف ، [ 38 :وقال ) :ولقد ذرأنا لجهننم كثي ار من الجن والنس ( ] العراف
، [ 179 :وقال ) :لملنن جهننم من الجننة والنناس أجمعين ( ] السجدة . [ 13 :والدليل على أن
المؤمنين من الجن يدخلون الجنة قوله تعالى ) :ولمن خاف مقام ربه جننتان – فجبفأج ي
ي آلء ربكما تكذبان
( ] الرحمن . [ 47-46 :
والخطاب هنا للجن والنس ؛ لن الحديث في مطلع السورة معهما ،وفي الية السابقة امتنان من ال
على مؤمني الجن بأنهم سيدخلون الجنة ،ولول أنهم ينالون ذلك لما امتن عليهم به .
يقول ابن مفلح في كتابه الفروع " :الجن مكلفون في الجملة إجماع ا ،يدخل كافرهم النار إجماع ا ،
ويدخل مؤمنهم الجنة وفاق ا لمالك والشافعي رضي ال عنهما – ل أنهم يصيرون تراب ا كالبهائام ،إوان
ثواب مؤمنهم النجاة من النار ،خلف ا لبي حنيفة ،والليث بن سعد ومن وافقهم " .
) (1/34
قال " :وظاهر الول أنهم في الجنة كغيرهم بقدر ثوابهم ،خلف ا لمن قال ل يأكلون ول يشربون
كمجاهد ،أو أنهم في ربض الجمنة ،حول الجنة كعمر بن عبد العزيز ،قال ابن حامد في كتابه " :
الجن كالنس في التكليف والعبادات " ). (1
وقد عقد الشبلي باب ا قال فيه " :باب في أن الجن مكلفون بإجماع أهل النظر " .نقل فيه عن أبي عمر
بن عبد البر :أن الجن عند الجماعة مكلفون مخاطبون لقوله تعالى ) :فجبفأج ي
ي آلء ربكما تكذبان (
] الرحمن . [ 13 :وقال الرازي في تفسيره " :أطبق الكل على أن الجن كلهم مكلفون " .
ونقل الشبلي عن القاضي عبد الجبار قوله " :ل نعلم خلف ا بين أهل النظر في أمن الجن مكلفون ،وقد
حكى عن بعض المؤلفين في المقالت أن الحشوية قالوا :إنهم مضطرون إلى أفعالهم ،وأنهم ليسوا
مكلفين " .
قال " :والدليل على أنهم مكلفون ما في القرآن من ذمم الشياطين ولعنهم ،والتحرز من غوائالهم وشرهم ،
وذكر ما أعد ال لهم من العذاب ،وهذه الخصال ل يفعلها ال تعالى إل لمن خالف المر والنهي ،
وارتكب الكبائار ،وهتك المحارم ،مع تمكنه من أن ل يفعل ذلك ،وقدرته على فعل خلفه ،ويدل على
ذلك أيضا أنه كان من دين النبي صلى ال عليه وسلم لعن الشياطين ،والبيان عن حالهم ،وأنهم
يدعون إلى الشر والمعاصي ،ويوسوسون بذلك .وهذا كله يدل على أنهم مكلفون ،وقوله تعالى :
) قل أوحي إلني أننه استمع نفبر من الجن ( ] الجن [ 1 :إلى قوله ) :جفآَجمننا به ولن نشرك بربنا أحدا (
] الجن . (2) [ 2 :
تكليفهم بحسبهم :
يقول ابن تيمية " :الجن مأمورون بالصول والفروع بحسبهم ،فإنهم ليسوا مماثلين للنس في الحمد
والحقيقة ؛ فل يكون ما أمروا به ونهوا عنه مساوي ا لما على النس في الحمد ،لكنهم مشاركون النس في
جنس التكليف بالمر والنهي ،والتحليل والتحريم ،وهذا ما لم أعلم فيه نزاع ا بين المسلمين " ). (3
) (1/35
--------------------------------
) (1لوامع النوار البهية . 223-2/222 :
) (2غرائاب وعجائاب الجن ،للشبلي :ص . 49
) (3مجموع الفتاوى . 4/233 :
كيف يعذبون بالنار وقد خلقوا من النار
يورد بعض الناس شبهة فيقولون :أنتم تقرون أن الجن خلقوا من نار ،ثمم تقولون :إمن كافرهم يعذب في
نار جهنم ،ومسترق السمع منهم يقذف بشهب من نار ،فكيف تؤثر النار فيهم وقد خلقوا منها ؟
الجواب :أمن الصل الذي خلقوا منه النار ،أمما بعد خلقهم فليسوا كذلك ،إذ أصبحوا خلق ا مخالف ا للنار
،يوضح هذا أن النسان خلق من تراب ،ثم بعد إيجاده أصبح مخالف ا للتراب ،ولو ضربت إنسان ا
بقطعة مشوية من الطين لقتلته ،ولو رميته بالتراب لذاه ،ولو دفنته فيه لختنق ،فمع أنه من تراب إل
أن التراب يؤذيه ،فكذلك الجن .
قال أبو الوفاء ابن عقيل " :أضاف الشياطين والجان إلى النار حسب ما أضاف النسان إلى التراب
والطين والفخار ،والمراد به في حق النسان أن أصله الطين ،وليس الدمي حقيقة ،لكنه كان طين ا ،
كذلك الجان كان نا ار في الصل " ). (1
ل نسب بين الجن ورب العزة :
هذا الذي ذكرناه من أن الجن خلق من خلق ال ،وعباد من جملة عباده ،خلقهم لطاعته ،وكلفهم
بشريعته ،يقضي على الخرافات التي تنشأ عن النحراف في التصور ،وعن ضمور العلم وكثرة الجهل
،فمن ذلك ما شاع عند اليهود ومشركي العرب ،من أن ال – تعالى وتقدس – خطب من سروات الجمن
وتزوج منهم ،وكان الملئاكة ثمرة هذا الزواج ،وقد حكى ال هذه الخرافة وبين بطلنها ) :وجعلوا بينه
وبين الجننة نسبا ولقد علمت الجننة إننهم لمحضرون – سبحان ال عنما يصفون – إلن عباد ال
المخلصين ( ] الصافات . [ 160-158 :
) (1/36
قال ابن كثير عند تفسيره هذه اليات " :قال مجاهد :قال المشركون :الملئاكة بنات ال – تعالى عما
يقولون – فقال أبو بكر – رضي ال عنه : -فمن أمهاتهمن ؟ قالوا :بنات سروات الجمن .وبمثل قول
مجاهد قال قتادة وابن زيد ، ...وقال العوفي عن ابن عباس :زعم أعداء ال أنه – تبارك وتعالى – هو
إوابليس أخوان ،تعالى ال عن ذلك علوا كبي ار " ). (2
--------------------------------
) (1لقط المرجان في أحكام الجان :ص . 33
) (2تفسير ابن كثير . 4/24 :
رسل ال إلى الجن
بما أنهم مكلفون فل بمد أن يبلغهم ال وحيه ،ويقيم عليهم الحجة ،فكيف حصل ذلك ؟ هل لهم رسل
منهم ،كما للبشر رسل منهم ،أم أن رسلهم هم رسل البشر ؟ .
إن قوله ) :يا معشر الجن والنس ألم يأتكم رسبل منكم ( ] النعام [ 130 :يدمل على أن ال أرسل
إليهم رسلا ،ولكنها لم تصرح بأن هؤلء الرسل من الجن أو من النس ؛ لن قوله ) :منكم ( يحتمل
المرين ؛ فقد يكون المراد أن رسل كل جنس منهم ،وقد يراد أن رسل النس والجن من مجموعهما ،
فيصدق على أحدهما وهم النس .وقد اختلف في ذلك على قولين :
الول :أن للجن رسلا منهم ،وممن قال بهذا القول الضحاك ،وقال ابن الجوزي :وهو ظاهر الكلم ،
وقال ابن حزم " :لم يبعث إلى الجن نبي من النس ألبمتة قبل محمد صلى ال عليه وسلم " .
الثاني :أن رسل الجن من النس :قال السيوطي " :جمهور العلماء ،سلف ا وخلف ا ،على أنه لم يكن
من الجن قط رسول ول نبي ،كذا روي عن ابن عباس ومجاهد والكلبي وأبي عبيد " ). (1
ومما يرجح أن رسل النس هم رسل الجن قول الجن عند سماع القرآن ) :إننا سمعنا كتاب ا أنزل من بعد
ص ا في المسألة .
موسى ( ] الحقاف ، [ 30 :ولكنه ليس ن م
وهذه المسألة ل يبنى عليها عمل ،وليس فيها نص قاطع .
--------------------------------
) (1لوامع النوار البهية ، 224-2/223 :وانظر لقط المرجان . 73 :
) (1/37
) (1/38
وقصة هؤلء الذين استمعوا للرسول صلى ال عليه وسلم يرويها البخاري ومسلم عن ابن عباس –
رضي ال عنهما – قال " :انطلق النبي صلى ال عليه وسلم في طائافة من أصحابه عامدين إلى سوق
عكاظ ،وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ،وأرسلت عليهم الشهب ،فرجعت الشياطين إلى
قومهم ،فقالوا :ما لكم ؟ فقالوا :حيل بيننا وبين خبر السماء ،وأرسلت علينا الشهب ،قالوا :ما حال
بينكم وبين خبر السماء إل شيء حدث ،فاضربوا مشارق الرض ومغاربها ،وانظروا ما هذا الذي حال
بينكم وبين خبر السماء .
فانصرف أولئاك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو بنخلة ،عامدين
إلى سوق عكاظ ،وهو يصلي بأصحابه صلة الفجر ،فلما سمعوا القرآن ،استمعوا له ،فقالوا :هذا
وال الذي حال بينكم وبين خبر السماء ،فهنالك حين رجعوا إلى قومهم فقالوا ) :إننا سمعنا قرآن ا عجب ا
– يهدي إلى الرشد فآَمننا به ولن نشرك بربنا أحدا ( ] الجن . [ 2-1 :
فأنزل ال على نبيه ) قل أوحي إلني أننه استمع نفبر من الجن ( ] الجن ، [ 1 :إوانما أوحي إليه قول
الجن " ). (2
وفود الجن الذين تلقوا العلم من الرسول صلى ال عليه وسلم :
تلك كانت بداية معرفة الجمن برسالة محمد صلى ال عليه وسلم ،استمعوا لق ارجءة القرآن بدون علم
الرسول صلى ال عليه وسلم ،فآَمن فريق منهم ،وانطلقوا دعاة هداة .
ثمم جاجءت وفود الجمن بعد ذلك تتلقى العلم من الرسول صلى ال عليه وسلم ،وأعطاهم الرسول صلى ال
عليه وسلم من وقته ،وعلمهم مما علمه ال ،وق أر عليهم القرآن ،وبلغهم خبر السماء ....وكان ذلك
في مكة قبل الهجرة .
) (1/39
روى مسلم في صحيحه عن عامر ،قال :سألت علقمة :هل كان ابن مسعود شهد مع رسول ال
ت :هل شهد أحبد منكم
صلى ال عليه وسلم ليلة الجن ؟ قال :فقال علقمة :أنا سألت ابن مسعود ،فقل خ
مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ليلة الجن ؟ قال :ل ،ولكنا كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم
ذات ليلة ،ففقدناهخ ،فالتمسناهخ في الودية والشعافب ،فقلنا :استطير أو اغتيل ،قال فبتنا بشر ليلة بات
بها قوبم ،فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء ،قال :فقلنا :يا رسول ال ! فقدناك فطلبناك فلم
ت عليهم القرآن نجدك ،فبتنا بشر ليلجة بات بها قوبم .فقال ) :أتاني داعي الجمن ،فذهب خ
ت معه ،فق أر خ
( .قال :فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم ،وسألوه الزاد ،فقال ) :لكم كلل عظجم ذكر اسم ال
عليه يقع في أيديكم ؛ أوفر ما يكون لحم ا .وكل بعرجة عل ب
ف لدوامبكم ( .
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :فل تستنجوا بهما ،فإنهما طعاخم إخوانكم ( ). (3
ومما قرأه عليهم سورة الرحمن ،قال السيوطي " :أخرج الترمذي ،وابن المنذر ،وأبو الشيخ في العظمة
،والحاكم وصححه ،وابن مردويه ،والبيهقي في الدلئال ،عن جابر بن عبد ال رضي ال عنه قال " :
خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم على أصحابه فق أر عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها ،
فسكتوا فقال ) :ما لي أراكم سكوت ا ،لقد قرأتها على الجن ليلة الجن ،فكانوا أحسن مردودا منكم ،كنت
كلما أتيت على قوله ) :فبأي آلء ربكما تكذبان ( قالوا :ول بشيء من نعمك ربنا نكذب ،فلك الحمد
( ). (4
ولم تكن تلك الليلة هي الليلة الوحيدة ،بل تكرر لقاؤه صلى ال عليه وسلم بالجمن بعد ذلك ،وقد ساق
ابن كثير في تفسير سورة الحقاف – الحاديث التي وردت بشأن اجتماعه صلى ال عليه وسلم بالجن
،وفي بعضها أن ابن مسعود كان قريب ا من الرسول صلى ال عليه وسلم في إحدى تلك الليالي .
) (1/40
وقد ورد في بعض الروايات في صحيح البخاري :أن بعض الجن الذين أتوه كانوا من ناحية من نواحي
اليمن من مكان يسمى ) نصيبين ( ،فقد روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم
قال ) :أتاني وفد نصيبين – ونعم الجن – فسألوني الزاد ،فدعوت ال لهم أل يمروا بعظم ول روثة إل
وجدوا عليها طعام ا ( ). (5
--------------------------------
) (1مجموع الفتاوى . 19/9 :
) (2رواه البخاري . 1/253 :ورقمه . 773 :ورواه مسلم ، 1/331 :ورقمه . (449) :
) (3رواه مسلم . 1/332 :ورقمه . 450 :
) (4الدر المنثور في التفسير بالمأثور ،للسيوطي . 7/690 :
) (5رواه البخاري . 7/171 :ورقمه . 3860 :
دعوتهم النس إلى الخير وشهادتهم للمسلم
ومراتبهم في الصلح والفساد
وفي الحاديث أن بعض الجن كان له دور في هداية النس ،ففي صحيح البخاري :أن عمر بن
الخطاب سأل رجلا كان كاهن ا في الجاهلية عن أعجب ما جاءته به جنيته .قال ) :بينما أنا يوم ا في
السوق جاءتني أعرف فيها الفزع ،فقالت :
ألم تر الجمن إوالبلسها ××× ويأسها بعد إلنكاسها
ولحوقها بالقلص وألحلسها )(1
قال عمر :صدق ،بينما أنا نائام عند آلهتهم ،إذ جاء رجل بعجل فذبحه ،فصرخ به صارخ ،لم أسمع
صارخ ا قط أشد صوت ا منه ،يقول :يا جليح ،أمر نجيح ،رجل فصيح ،يقول :ل إله إل ال ،قال :
فوثب القوم ،قلت :ل أبرح حتى أعلم ما وراء هذا ،ثم نادى :يا جليح ،أمر نجيح ،رجل فصيح ،
يقول :ل إله إل ال ،فقمت ،فما جنفشبلنا أن قيل :هذا نبي " ). (2
) (1/41
قال ابن كثير في تفسير سورة الحقاف بعد أن ساق هذا الحديث ) :هذا سياق البخاري ،وقد رواه
البيهقي من حديث ابن وهب بنحوه ،ثم قال :وظاهر هذه الرواية يوهم أن عمر – رضي ال عنه –
بنفسه سمع الصارخ يصرخ من العجل الذي ذبح ،وكذلك هو صريح في رواية ضعيفة عن عمر رضي
ال عنه ،وسائار الروايات تدل على أن الكاهن هو الذي أخبر بذلك عن رؤيته وسماعه ،وال أعلم ،ثم
قال :وهذا الرجل ) الكاهن( هو سواد بن قارب ( .
وسيأتي الحديث الذي يخبر فيه الرسول صلى ال عليه وسلم بأن قرينه من الجن أسلم ،فل يأمره إل
بخير .
وقد قال أبو سعيد الخدري لبي صعصعة ) :إني أراك تحب الغنم والبادية ،فإذا كنت في غنمك أو
باديتك فأذنت بالصلة ،فارفع صوتك بالنداء ،فإمنه ل يسمع مدى صوت المؤذن جمن ول إنس ،ول
شيء إل شهد له يوم القيامة ( ،قال أبو سعيد :سمعته من رسول ال صلى ال عليه وسلم ) .(3فقد
أخبر أن الجن يشهدون يوم القيامة لمن يسمعون صوت أذانه .
وهم في الصلح والفساد مراتب :
فمنهم الكامل في الستقامة والطيبة وعمل الخير ،ومنهم من هو دون ذلك ،ومنهم البله المغفلون ،
ومنهم الكفرة ،وهم الكثرة الكاثرة .
صالحون ومننا دون ذلك
يقول ال سبحانه في حكايته عن الجن الذين استمعوا إلى القرآن ) :وأننا مننا ال ن
كننا ط ارفئاق قددا ( ] الجن [ 11 :؛ أي منهم الكاملون في الصلح ،ومنهم أقل صلح ا ،فهم مذاهب
مختلفة ،كما هو حال البشر .
ويقول ال عنهم ) :وأننا مننا المسلمون ومننا القاسطون فمن أسلم فأولئاك تحنروا رشدا – وأنما القاسطون
فكانوا لجهننم حطبا ( ] الجن [ 15-14 :؛ أي :أمن منهم المسلمين ،والظالمين أنفسهم بالكفر ،فمن
أسلم منهم ،فقد قصد الهدى بعمله ،ومن ظلم نفسه ،فهو حطب جهنم .
--------------------------------
) (1/42
) (1البلس :اليأس ،والحزن ،والنكسار .والنكاس :الضعف ،والهوان ،والقلص :جمع
قلوص ،وهي الناقة الشابة ،والحلس :ما يوضع فوق ظهر الدابة كالسرج .
) (2صحيح البخاري . 7/177 :ورقمه . 3866 :
) (3رواه البخاري . 2/88 :ورقمه . 609 :
طبيعة الشيطان وهل يمكن أن يسلم
أعطى ال الجمن القدرة على اليمان والكفر ،ولذلك كان الشيطان عابدا مع الملئاكة ثم كفر .
فلما تحمول إلى الكفر ،ورضي به ،وأصبح محب ا للشمر ،طالب ا له ،يتلذذ بفعله والدعوة إليه ،ويحرص
عليه بمقتضى خبث نفسه ،إوان كان موجب ا لعذابه ) :قال فبعنزتك لغويننهم أجمعين – إلن عبادك منهم
المخلصين ( ] ص . [ 83-82 :
وهذا يكون في النسان ،فالنسان إذا فسدت نفسه أو مزاجه ،يشتهي ما يضره ،ويلتذ به ،بل يعشق
ذلك عشق ا يفسد عقله ودينه وخلقه وبدنه وماله ،وحسبك أن تتأمل في حال شارب الخمر وشارب
الدخان ،فإمن هذين المشروبين يقتلن شاربيهما ،ويفتكان بهما ،ول يستطيعان منهما خلص ا إل بشق
النفس .
هل يمكن أن يسلم الشيطان ؟
الشيطان الكبر الذي هو إبليس ل يمكن أن يسلم لخبر ال فيه أنه سيبقى على الكفر ،أما غيره فالذي
يظهر لنا أن الشيطان يمكن أن يسلم ،بدليل أن شيطان الرسول صلى ال عليه وسلم أسلم ) ، (1إل أمن
بعض العلماء يرفض ذلك ويقول :إن الشيطان ل يكون مؤمن ا ،منهم شارح الطحاوية ووجه قوله :
) فأسلم ( ؛ أي فانقاد واستسلم ). (2
وبعض العلماء يرى أن الرواية ) فأسلخم ( برفع الميم ،أي فأنا أسلخم منه ،ومع أن شارح الطحاوية يرى
أمن رواية الرفع تحريف للفظ ،إل أن النووي في شرحه على مسلم قال " :هما روايتان مشهورتان " وع از
إلى الخطابي أمنه رجح رواية الضم ،وحكى عن القاضي عياض أنه اختار الفتح ،وهو اختيار النووي )
. (3
) (1/43
وممن يرى أن الشيطان يمكن أن يسلم ابن حبان ،قال معلق ا على الحديث " :في هذا الخبر دليل على
أن شيطان المصطفى صلى ال عليه وسلم أسلم ،حتى إنه لم يكن يأمره إل بخير ،إل أمنه كان يسلم
منه إوان كان كاف ار " .
وما ذهب إليه شارح الطحاوية من أمن الشيطان ل يكون إل كاف ار فيه نظر ،فإن كان يرى أن الشيطان
ل يطلق إل على كافر الجن ،فهذا صحيح ،إوان كان يرى أن الشيطان ل يمكن أن يتحول إلى السلم
،فهو بعيد جدا ،والحديث حمجة عليه ،وحسبنا أن نعلم أن الشيطان كان مؤمن ا ثمم كفر ،وأن الشياطين
مكلفون باليمان ،معذبون على كفرهم ،فاليمان والكفر حالتان تعتوران هذا المخلوق كالنسان .
--------------------------------
) (1الحديث الذي يخبر فيه الرسول صلى ال عليه وسلم أن ال أعانه على شيطانه فأسلم ،فل يأمره
إل بالخير ،رواه مسلم في صحيحه . 4/2168 :ورقمه . 2814 :
) (2شرح العقيدة الطحاوية :ص . 439
) (3شرح النووي على مسلم . 17/158 :
العداء بين النسان والشيطان
المبحث الول
أسباب العداء وتاريخه وشدة هذا العداء
العداء بين النسان والشيطان عداء بعيد الجذور ،يعود تاريخه إلى اليوم الذي صور ال فيه آدم ،قبل
أن ينفخ فيه الروح ،فأخذ الشيطان يطيف به ،ففي صحيح مسلم عن أنس :أمن رسول ال صلى ال
عليه وسلم قال ) :لما صمور ال آدم في الجنة ،تركه ما شاء ال أن يتركه ،فجعل إبليس خيطيف به ،
ينظر ما هو ،فلما رآه أجوف ،عرف أنه خلق خلق ا ل يتمالك ( ). (1
فلما نفخ ال في آدم الروح ،وأمر الملئاكة بالسجود لدم ،وكان إبليس يتعبد ال مع ملئاكة السماء ،
فشمله المر ،ولكنه تعاظم في نفسه واستكبر ،وأبى السجود لدم ) :قال أنا خيبر منه خلقتني من نناجر
وخلقته من طيجن ( ] العراف . [ 12 :
) (1/44
لقد فتح أبونا آدم عينيه ،فإذا به يجد أعظم تكريم ،يجد الملئاكة ساجدين له ،ولكمنه يجد عدوا رهيب ا
يتهدده وذريته بالهلك والضلل .
وطرد ال الشيطان من جنة الخلد بسبب استكباره ،وحصل على وعد من ال بإبقائاه حمي ا إلى يوم القيامة
) :قال أنظرني إلى يوم يبعثون – قال إننك من المنظرين ( ]العراف ، [ 15-14 :وقد قطع اللعين
على نفسه عهدا بإضلل بني آدم ) :قال فبما أغويتني لقعدنن لهم صراطك المستقيم – ثخنم لتفجينخهم من
بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن جشجمآَئافلففهلم ول تجد أكثرهم شاكرين ( ] العراف . [ 17-16 :
وقوله هذا يصور مدى الجهد الذي يبذله لضلل بني آدم ،فهو يأتيه من كل طريق ،عن اليمين وعن
الشمال ،ومن المام ومن الخلف ؛ أي من جميع الجهات ،قال الزمخشري في تفسير هذه الية " :ثم
لتينهم من الجهات الربع التي يأتي منها العدو في الغالب ،وهذا مثل لوسوسته إليهم ،وتسويله لهم ما
أمكنه وقدر عليه كقوله ) :واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك (
] السراء . (2) [ 64 :
تحذير الرحمن من الشياطين :
وقد أطال القرآن في تحذيرنا من الشيطان لعظم فتنته ،ومهارته في الضلل ،ودأبه وحرصه على ذلك
) :يا بني آدم ل يفتنننكم النشيطان ( ] العراف . [ 27 :
وقال ) :إنن النشيطان لكم عند فانتخذوه عدموا ( ] فاطر ، [ 6 :وقال ) :ومن ينتخذ النشيطان ولميا من
دون ال فقد خسر خسران ا لمبين ا ( ] النساء . [ 119 :وعداوة الشيطان ل تحول ول تزول ؛ لنه يرى
أن طرده ولعنه إواخراجه من الجنة كان بسبب أبينا آدم ،فل بمد أن ينتقم من آدم وذريته من بعده ) :قال
ك هذا انلذي كنرمت جعلجني لفئان أنخرتن إلى يوم القيامة لجلحتجنفجكنن ذرنيته إلن قليلا ( ] السراء . [ 62 :
أج جأجرليتج ج
) (1/45
) (1/46
وفي صحيح مسلم عن جابر قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :إن الشيطان قد أيس أن
يعبده المصلون في جزيرة العرب ،ولكن في التحريش بينهم ( ) (3؛ أي بإيقاع العداوة والبغضاء بينهم
،إواغراء بعضهم ببعض ،كما قال تعالى ) :إننما يريد النشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في
الخمر والميسر ويصندكم عن ذكر ال وعن ال ن
صلة فهل أنتم منتهون ( ] المائادة . [ 91 :
وهو يأمر بكل شر ) :إننما يأمركم باللسوء والفحشاء وأن تقولوا على ال ما ل تعلمون ( ] البقرة :
. [ 169
وخلصة المر :أن كل عبادة محبوبة ل بغيضة إلى الشيطان ،وكل معصية مكروهة للرحمن
محبوبة للشيطان .
-3إيقاعهم في البدعة :
وهي أحب إلى الشيطان من الفسوق والمعاصي ؛ لن ضررها في الدين ،قال سفيان الثوري " :البدعة
أحب إلى إبليس من المعصية ؛ لن المعصية يتاب منها ،والبدعة ل يتاب منها " ). (4
-4صمده العباد عن طاعة ال :
وهو ل يكتفي بدعوة الناس إلى الكفر والذنوب والمعاصي ،بل يصدهم عن فعل الخير ،فل يترك
سبيلا من سبل الخير ،يسلكه عبد من عباد ال إل قعد فيه ،يصمدهم ويميل بهم ،فعن سبرة بن أبي
فاكه قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ) :إن الشيطان قعد لبن آدم بأطرقه ،فقعد له
بطريق السلم ،فقال :تسلم وتذر دينك ودين آبائاك وآباء آبائاك ؟! فعصاه ،فأسلم .
ثم قعد له بطريق الهجرة ،فقال :تهاجر وتدع أرضك وسماءك ؟ إوانما مثل المهاجر كمثل الفرس في
الطول ) . (5فعصاه ،فهاجر .
ثم قعد له بطريق الجهاد ،فقال :تجاهد فهو جهد النفس والمال ،فتقاتل فتقتل ،فتنكح المرأة ويقسم
المال ؟! فعصاه ،فجاهد .
فمن فعل ذلك ،كان حمقا على ال أن يدخله الجمنة ،ومن قتل ،كان حقماج على ال أن يدخله الجمنة ،إوان
غرق ،كان حقا على ال أن يدخله الجنة ،أو وقصته دابته ،كان حقما على ال أن يدخله الجنة ( )
. (6
) (1/47
ومصداق ذلك في كتاب ال ما حكاه ال عن الشيطان أنه قال لرب العزة ) :قال فبما أغويتني لقعدنن
لهم صراطك المستقيم – ثخنم لتفجينخهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن جشجمآَئافلففهلم ول تجد أكثرهم
شاكرين ( ] العراف . [ 17-16 :
وقوله ) :لقعدنن لهم صراطك ( أي :على صراطك ،فهو منصوب بنزع الخافض ،أو هو منصوب
بفعل مضمر ،أي :للزممن صراطك ،أو لرصجدمنه ،أو لعوجنه .
وعبارات السف في تفسير الصراط متقاربة ،فقد فسر ابن عباس :بأنه الدين الواضح ،وابن مسعود :
بأنه كتاب ال ،وقال جابر :هو السلم ،وقال مجاهد :هو الحق .
فالشيطان ل يدع سبيلا من سبل الخير إل قعد فيه يصد الناس عنه .
-5إفساد الطاعات :
إذا لم يستطع الشيطان أن يصدهم عن الطاعات ،فإنه يجتهد في إفساد العبادة والطاعة ،كي يحرمهم
الجر والثواب ،ومن ذلك أن الصحابي عثمان بن أبي العاص أتى إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال
" :إن الشيطان قد حال بيني وبين صلتي وقراءتي ،جيلفبسها علمي " .
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :ذلك شيطان يقال له :فخلنزب ،فإذا أحسسته فتعوذ بال منه ،
واتفل على يسارك ثلث ا ( .قال :ففعلت ذلك ،فأذهبه ال عني " ). (7
فإذا دخل العبد صلته أجلب عليه الشيطان يوسوس له ،ويشغله عن طاعة ال ،ويذفكره بأمور الدنيا ؛
ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي ال عنه :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ) :إذا
نودي للصلة أدبر الشيطان وله ضراط ،حتى ل يسمع التأذين ،فإذا قضي النداء أقبل ،حتى إذا ثوب
بالصلة أدبر ،حتى يخطر بين المرء ونفسه ،يقول اذكر كذا ،اذكر كذا ،لما لم يكن يذكر ،حتى
يظل الرجل ل يدري كم صلى ( ). (8
دفع الشيطان النسان للمرور بين يدي المصلي :
) (1/48
عن أبي صالح السممان قال :رأيت أبا سعيد الخدري في يوم الجمعة يصلي إلى شيء يسخترهخ من الناس
،فأراد شا ن
ب من بني أبي خمعيط أن يجتاز بين يديه ،فدفع أبو سعيد في صدره ،فنظر الشاب فلم يجد
مساغا إل بين يديه ،فعاد ليجتاز فدفعه أبو سعيد أشد من الولى ،فنال من أبي سعيد ،ثم دخل مروان
فشكا إليه ما لقي من أبي سعيد ،ودخل أبو سعيد خلفه على مروان ،فقال :مالك ولبن أخيك يا أبا
ت النبي صلى ال عليه وسلم يقول ) :إذا صلى أحدكم إلى شيء يسخترهخ من الناس
سعيد ؟ قال :سمع خ
فأراد أحبد أن يجتاز بين يديه فليدفعه ،فإن أبى ،فليقاتله ،فإنما هو شيطان ( ). (9
والمراد بقوله ) :فإنما هو شيطان ( ؛ أي فعله فعل شيطان كما يقول ابن حجر العسقلني .
إل أن ابن حجر ذكر احتمالا آخر أصح من الول ،فإنه قال ) :ويحتمل أن يكون المعنى :فإنما
الحامل على ذلك الشيطان ،وقد وقع في رواية السماعيلي ) :فإن معه الشيطان ( ،ونحوه لمسلم من
حديث ابن عمر بلفظ ) :فإن معه القرين ( ). (10
كل مخالفة للرحمن فهي طاعة للشيطان :
يقول تعالى ) :إن يدعون من دونه إلن إناث ا إوان يدعون إلن نشيطان ا نمريدا – نلعنة ال وقال لنتخذنن من
عبادك نصيبا نمفروضا ( ] النساء . [ 118-117 :فكل من عبد غير ال من صنم أو وثن ،أو
شمس وقمر ،أو هوى ،أو إنسان ،أو مبدأ ،فهو عابد للشيطان ،رضي أم أبى ؛ لن الشيطان هو
المر بذلك والمرغب فيه ،ولذلك فإن عمباد الملئاكة يعبدون الشيطان في الحقيقة ) :ويوم يحشرهم
جميع ا ثنم يقول للملئاكة أهؤلء إمياكم كانوا يعبدون – قالوا سبحانك أنت وللينا من دونهم بل كانوا يعبدون
الجنن أكثرهم بهم لمؤمنون ( ] سبأ . [ 41-40 :يعني أن الملئاكة لم تأمرهم بذلك ،إوانما أمرتهم بذلك
الجن ،ليكونوا عابدين للشياطين الذين يتمثلون لهم ،كما يكون للصنام شياطين .
الخلصة :
) (1/49
والشيء الذي نخلص إليه أن الشيطان يأمر بكل شمر ،ويحث عليه ،وينهى عن كمل خير ،ويخوف
منه ؛ كي يرتكب الول ،ويترك الثاني .
كما قال تعالى ) :النشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء وال يعدكم نمغفرةا منه وفضلا ( ] البقرة :
. [ 268وتخويفه إيانا الفقر بأن يقول :إن أنفقتم أموالكم افتقرتم ،والفحشاء التي يأمرنا بها :هي كل
فعلة فاحشة خبيثة من البخل والزنا وغير ذلك .
-6اليذاء البدني والنفسي :
كما يهدف الشيطان إلى إضلل النسان بالكفر والذنوب ،فإنه يهدف إلى إيذاء المسلم في بدنه ونفسه
،ونحن نسوق بعض ما نعرفه من هذا اليذاء :
أ -مهاجمة الرسول صلى ال عليه وسلم :
ذكرنا في غير هذا الموضع الحديث الذي يخبر فيه الرسول صلى ال عليه وسلم بمهاجمة الشيطان له
،ومجيء الشيطان بشهاب من نار ليرميه في وجه الرسول صلى ال عليه وسلم .
ب -الحلم من الشيطان :
للشيطان قدرة على أن يرى النسان في منامه أحلما تزعجه وتضايقه ،بهدف إحزانه إوايلمه .
فقد أخبر الرسول صلى ال عليه وسلم :أن الرؤى التي يراها المرء في منامه ثلثة أنواع ،فعن أبي
هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ) :الرؤيا ثلث :فبشرى ،من الرحمن ،وحديث نفس ،
وتخويف من الشيطان ( .
وفي رواية عن عوف بن مالك ) :إن الرؤيا ثلث :منها أهاويل من الشيطان ؛ ليحزن بها ابن آدم ( )
. (11
وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ) :إذا رأى
أحدكم رؤيا يحبها ،فإنما هي من ال ،فليحمد ال عليها ،وليحمدث بها ،إواذا رأى غير ذلك مما يكره ،
فإنما هي من الشيطان ،فليستعذ من شرها ،ول يذكرها لحد ،فإنها ل تضره ( ). (12
ج -إحراق المنازل بالنار :
) (1/50
وذلك بوساطة بعض الحيوانات التي يغريها بذلك ،ففي سنن أبي داود بإسناد صحيح أن الرسول صلى
ال عليه وسلم قال ) :إذا نمتم فأطفئاوا خسخرجكم ،فإن الشيطان يدمل مثل هذه ) الفأرة ( على هذا
) السراج ( فيحرقكم ( ). (13
د -تخبط الشيطان النسان عند الموت :
وقد كان الرسول صلى ال عليه وسلم يستعيذ من ذلك فيقول ) :اللهم إني أعوذ بك من التردي ،والهدم
،والغرق ،والحريق ،وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت ،وأعوذ بك أن أموت في سبيلك
مدب ار ،وأعوذ بك أن أموت لديغ ا ( ). (14
هـ -إيذاؤه الوليد حين يولد :
في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ) :كمل بني آدم يممسه الشيطان
يوم ولدته أممه إل مريم وابنها ( ). (15
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :كل بني آدم يطعن
الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد غير عيسى ابن مريم ،ذهب يطعن ،فطعن الحجاب ( ). (16
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي ال عنه قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول :
) ما من بني آدم مولود إل يمسه الشيطان حين يولد ،فيستهل صارخ ا من مس الشيطان ،غير مريم
وابنها ( ). (17
والسبب في حماية مريم وابنها من الشيطان استجابة ال دعاء أم مريم حين ولدتها ) :إوانني أعيذها بك
وذريتها من النشيطان النرجيم ( ] آل عمران . [ 36 :ولذا فإن أبا هريرة ق أر هذه الية بعد روايته للحديث
السابق ). (18
فلما كانت أم مريم – عليها السلم – صادقة في طلبها استجاب ال لها ،فأجار مريم وابنها من
الشيطان الرجيم .
وممن أجاره ال أيضا عمار بن ياسر ،ففي صحيح البخاري :أن أبا الدرداء سأل علقمة ،وكان من
أهل الكوفة ،فقال " :أفيكم الذي أجاره ال من الشيطان على لسان نبيه صلى ال عليه وسلم ؟ " قال
المغيرة " :الذي أجاره ال على لسان نبيه صلى ال عليه وسلم يعني عما ار " ). (19
) (1/51
) (1/52
وقد أمرنا الرسول صلى ال عليه وسلم أن نحفظ أموالنا من الشيطان وذلك بإغلق البواب ،وتخمير
النية ،وذكر اسم ال ؛ فإن ذلك حرز لها من الشيطان ،ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد ال
رضي ال عنهما قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :أغلقوا البواب ،واذكروا اسم ال ،فإن
الشيطان ل يفتح بابا مغلقا ،وأوكوا قربكم ،واذكروا اسم ال ،وخمروا آنيتكم ،واذكروا اسم ال ،ولو أن
تعرضوا عليها شيئا ا ،وأطفئاوا مصابيحكم ( ). (24
ويشرب الشيطان مع النسان إذا شرب واقف ا ،عن أبي هريرة رضي ال عنه :أن النبي صلى ال عليه
وسلم رأى رجلا يشرب قائام ا ،فقال له ) :فقله ( ،قال :لمه ؟ قال ) :أيسرك أن يشرب معك الهر ؟ (
قال :ل ،قال ) :فإنه قد شرب معك من هو شمر منه الشيطان ( ). (25
وكي تطرد الشياطين من المنزل ل تنس أن تذكر اسم ال عند دخول المنزل ،وقد أرشدنا الرسول صلى
ال عليه وسلم لذلك ،حيث يقول ) :إذا دخل الرجل بيته ،فذكر ال عند دخوله وعند طعامه ،قال
الشيطان :ل مبيت لكم ول عشاء ،إوان دخل ،فلم يذكر ال عند دخوله ،قال الشيطان :أدركتم
المبيت ،إوان لم يذكر ال عند طعامه ،قال :أدركتم المبيت والعشاء ( ). (26
ط -مس الشيطان للنسان ) الصرع ( :
يقول ابن تيمية ) " : (27دخول الجن في بدن النسان ثابت باتفاق أئامة أهل السنة والجماعة ،قال ال
تعالى ) :انلذين يأكلون اليرجبا ل يقومون إلن كما يقوم انلذي يتخنبطه النشيطان من الجميس ( ] البقرة 275 :
[ ،وفي الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم ) :إن الشيطان يجري من النسان مجرى الدم ( )
. (28
وقال عبد ال بن المام أحمد بن حنبل " :قلت لبي :إن أقوام ا يقولون :إن الجني ل يدخل في بدن
المصروع ،فقال :يا بني يكذبون ،هذا يتكلم على لسانه " .
) (1/53
ضرب
يقول ابن تيمية " :هذا الذي قاله مشهور ،فإمنه يصرع الرجل ،فيتكلم بلسان ل يعرف معناه ،وخي ل
على بدنه ضربا عظيما ،لو ضرب به جمل ،لثر به أث ار عظيما ،والمصروع مع هذا ل يحس
الضرب ،ول بالكلم الذي يقوله ،وقد خيججمر المصروعخ ،وغير المصروع ،ويجر البساط الذي يجلس
عليه ،ويحول اللت ...ويجري غير ذلك من المور من شاهدها أفادته علما ضروريا ،بأن الناطق
على لسان النس ،والمحرك لهذه الجسام ،جنس آخر غير النسان " .
ويقول رحمه ال " وليس في أئامة المسلمين من ينكر دخول الجن في بدن المصروع وغيره ،ومن أنكر
ذلك ،وادعى أن الشرع يكذب ذلك ،فقد كذب على الشرع ،وليس في الدلة الشرعية ما ينفي ذلك " .
وذكر أمن ممن أنكر دخول الجن بدن المصروع طائافة من المعتزلة ،كالجبائاي وأبي بكر الرازي ). (29
وسنحاول أن نلقي مزيدا من الضوء على هذا الموضوع فيما بعد .
--------------------------------
) (1رواه مسلم . 4/2197 :ورقمه . 2865 :
) (2صحيح سنن الترمذي . 2/230 :ورقمه . 1753 :
) (3مشكاة المصابيح . 1/27 :ورقمه . 10 :
) (4غرائاب وعجائاب الجن ،للشبلي :ص . 206
) (5الطول :الحبل الطويل ،يشد أحد طرفيه في وتد أو غيره ،والطرف الخر في يد الفرس ليدور فيه
،ويرعى ول يذهب لوجهه .
) (6صحيح سنن النسائاي . 2/657 :ورقمه . 2937 :
) (7رواه مسلم . 4/1728 :ورقمه . 2203 :
) (8رواه البخاري . 2/84 :ورقمه . 608 :وانظر رقم . 1232 ، 1231 ، 1222 :ورواه مسلم
. 1/291 :ورقمه . 389 :
) (9رواه البخاري . 1/582 :ورقمه . 509 :
) (10فتح الباري . 1/584 :
) (11رواهما ابن ماجة .انظر صحيح ابن ماجة . 1/340 :ورقمهما . 3155-3154 :
) (12رواه البخاري . 12/369 :ورقمه . 6958 :
) (13صحيح سنن أبي داود . 3/958 :ورقمه . 4369 :
) (14صحيح سنن النسائاي . 3/1123 :ورقمه . 5104 :
) (15رواه مسلم . 4/1838 :ورقمه . 2366 :
) (1/54
) (1/55
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد أن الرسول صلى ال عليه وسلم قال لبن صائاد وقد لقيه في بعض
طرق المدينة ؛ ) وكان يشك صلى ال عليه وسلم أمنه الدجال ( ) :ما ترى ( ؟ قال :أرى عرشا على
الماء ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :ترى عرش إبليس على البحر ( ). (2
والشيطان له خبرة طويلة مديدة في مجال الضلل ،ولذلك فإمنه يجيد وضع خططه ،ونصب مصايده
وأحابيله ،فهو لم يزل حمي ا يضل الناس منذ وجد النسان إلى اليوم إوالى أن تقوم الساعة ) :قال رب
فأنظرني إلى يوم يبعثون – قال فإننك من المنظرين – إلى يوم الوقت المعلوم ( ] الحجر . [ 38-36 :
وهو دؤوب على القيام بالشر الذي نذر نفسه له ،ل يكل ول يمل ،ففي الحديث ) :إن الشيطان قال :
وعزتك وجللك ل أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم ،فقال الرب :وعزتي وجللي ل
أزال أغفر لهم ما استغفروني ( .رواه أحمد والحاكم بإسناد حسن ). (3
جنود الشيطان من الجن والنس :
والشيطان له فريقان من الجنود :فريق من الجان ،وفريق من بني النسان .
وقد سبق ذكر حديث إرساله سراياه من الشياطين لضلل الناس ،وفي القرآن ) :واستفزز من
استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك ] ( ...السراء [64:فله جنود يهاجمون راكبين
راجلين ،يرسلهم على العباد ،يحركونهم إلى الشر تحريك ا ) :ألم تر أننا أرسلنا النشياطين على الكافرين
تولزهم أ ماز ( ] مريم . [ 83 :
لكل إنسان قرين :
) (1/56
وكل إنسان له شيطان يلزمه ل يفارقه ،كما في حديث عائاشة عند مسلم :أن رسول ال صلى ال
عليه وسلم خرج من عندها ليلا ،قالت :فغرت عليه ،فجاء ،فرأى ما أصنع ،فقال ) :ما لك يا
عائاشة ؟ أغرت ؟ ( فقلت :وما لي ل يغار مثلي على مثلك ؟ فقال صلى ال عليه وسلم ) :أقد جاءك
شيطانك ( .قالت :يا رسول ال ،أو معي شيطان ؟ قال ) :نعم ( ،قلت :ومع كل إنسان ؟ قال ) :
نعم ( ،قلت :ومعك يا رسول ال ؟ قال ) :نعم ،ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم ( ). (4
وروى مسلم عن عبد ال بن مسعود ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :ما منكم من أحد إل
وقد خومكجل به قرينه من الجن ،وقرينه من الملئاكة ( ،قالوا :إواياك يا رسول ال ؟ قال ) :إواياي ،إل
أمن ال أعانني عليه فأسلم ،فل يأمرني إل بخير ( ). (5
وفي القرآن ) :ومن يعش عن ذكر النرحمن نقيض له شيطان ا فهو له قريبن ( ] الزخرف ، [ 36 :وفي
الية الخرى ) :وقنيضنا لهم قرناء فزنينوا لهم نما بين أيديهم وما خلفهم ( ] فصلت . [ 25 :
وللشيطان أتباع من النس اتخذوه ولمي ا ،يسيرون على خطاه ،ويرضون بفكره ،مع أنه العدو الول
الذي يسعى في إهلكهم ،وقبيح بالنسان العاقل أن يتخذ عدوه ولمي ا ) :أفتتخذونه وذرنيته أولياء من
ظالمين بدلا ( ]الكهف . [50 :دوني وهم لكم عدنو بئاس لل ن
) (1/57
ولقد خسروا باتخاذه ولي ا خسران ا مبين ا ) :ومن ينتخذ النشيطان ولمي ا من دون ال فقد خسر خسران ا لمبين ا (
] النساء . [ 119 :خسروا لن الشيطان سيدمسي نفوسهم ويفسدها ،ويحرمهم من نعمة الهداية ،
طاغوت يخرجونهم من اللنور إلىويرمي بهم في الضللت والشبهات ) :وانلذين كفروا أولياؤهم ال ن
ال ل
ظلمات أولئاك أصحاب الننار هم فيها خالدون ( ] البقرة ، [ 257 :وخسروا لنه سيقودهم إلى النار :
) إننما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب النسعير ( ] فاطر ، [ 6 :وهؤلء أولياء الشيطان يتخذهم
الشيطان مطية وجنودا ،ينفذ بهم مخططاته وأهدافه .
كيده وخذلنه لوليائاه :
يتولى كثير من الناس الشيطان ،ولكنه يكيد لهم ويوردهم الموارد التي فيها هلكهم وعطبهم ،ويتخلى
عنهم ،ويسلمهم ،ويقف يشمت بهم ،ويضحك منهم ،فيأمرهم بالقتل والسرقة والزنا ،ويدلل عليهم ،
ويفضحهم ،فعل ذلك بالمشركين في معركة بدر ،عندما جاجءهم متمثلا في صورة سراقة بن مالك ،
ووعدهم بالنصر والغلب ) :وقال ل غالب لكم اليوم من النناس إواني جابر نلكم ( ] النفال ، [ 48 :
فلما رأى عدو ال الملئاكة نزلت لنصرة المؤمنين ،ولى هارب ا وأسلمهم ،كما قال حسان بن ثابت :
دلهم بخغخرور ثمم أسلمهم ××× إن الخبيث لمن واله غ ارخر
وكذلك فعل بالراهب الذي قتل المرأة وولدها ،فإنه أمره بالزنا ،ثمم بقتلها ،ثمم دمل أهلها عليه ،وكشف
أمره لهم ،ثمم أمره بالسجود له ،فلما فعل فمر عنه وتركه ،كما سيأتي بيانه .
وفي يوم القيامة يقول لوليائاه بعد دخوله ودخولهم النار ) :فإيني كفرت بما أشركتمون من قبل (
] إبراهيم ، [ 22 :فأوردهم شمر الموارد ،ثمم تب أر منهم كل البراءةج .
وستأتي قصة ذلك يمدعي أمنه عالم روحاني ،وكيف تخلت عنه الشياطين بعد أن بلغ مبلغ ا كبي ار من
الشهرة ،فأصبح حائا ار ل يدري ما يفعل .
الشيطان يجند أولياجءه لخدمته ومحاربة المؤمنين :
) (1/58
الناس فريقان :أولياء الرحمن ،وأولياء الشيطان .وأولياء الشيطان هم الجكفججرة على اختلف مللهم
ونحلهم ):إننا جعلنا النشياطين أولياء لنلذين ل يؤمنون ( ]العراف . [27:
والشيطان يسمخر هؤلء لتضليل المؤمنين بما يلقونه من الشبه ) :إوانن النشياطين ليوحون إلى أوليائاهم
ليجادلوكم إوان أطعتموهم إننكم لمشركون ( ] النعام . [ 121 :
وما هذه الشبهات التي يقوم بها المستشرقون والصليبيون واليهود والملحدون إل من هذا القبيل .
ويدفع الشيطان أولياجءه ليذاء نفوس المؤمنين ) :إننما الننجوى من النشيطان ليحزن انلذين آمنوا (
] المجادلة . [ 10 :فقد كان يدفع المشركين للتناجي حين وجود المسلمين على مقربة منهم ،فيظن
المسلم أنه يتآَمرون عليه ...
بل يدفعهم إلى حرب المسلمين وقتالهم ) :انلذين آمنوا يقاتلون في سبيل ال وانلذين كفروا يقاتلون في
سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء النشيطان إنن كيد النشيطان كان ضعيف ا ( ]النساء . [76 :
وهو دائام ا يخوف المؤمنين أولياجءه ) :إننما ذلكم النشيطان يخوف أولياءه فل تخافوهم وخافون إن كنتم
لمؤمنين ( ] آل عمران ، [ 175 :وأولياؤه جمع كبير ) :ولقد صندق عليهم إبليس ظننه فانتبعوه إلن فريق ا
من المؤمنين ( ] سبأ . [ 20 :
--------------------------------
) (1رواه مسلم . 4/2167 :ورقمه . 2814 :
) (2صحيح مسلم . 4/2241 :ورقمه . 2025 :
) (3صحيح الجامع الصغير . 2/72 :
) (4رواه مسلم . 4/2168 :ورقمه . 2815 :
) (5رواه مسلم ، 4/2168 :ورقمه . 2814 :
أساليب الشيطان في إضلل النسان ) الجزء الول (
ل يأتي الشيطان إلى النسان ويقول له :اترك هذه المور الخيرة ،وافعل هذه المور السيئاة ؛ كي
تشقى في دنياك وأخراك ؛ لنه لو فعل ذلك فلن يطيعه أحد ،ولكنه يسلك سبلا كثيرة ،يغرر بها بعباد
ال .
-1تزيين الباطل :
) (1/59
هذا هو السبيل الذي كان الشيطان ،ول يزال ،يسلكه لضلل العباد ،فهو يظهر الباطل في صورة
الحق ،والحق في صورة الباطل ،ول يزال بالنسان يحسن له الباطل ،ويكرهه بالحق ،حتى يندفع إلى
ب العزة ) :قال رب بما أغويتني لزيننن لهم في
فعل المنكرات ،ويعرض عن الحق ،كما قال اللعين لر م
الرض ولغويننهم أجمعين – إلن عبادك منهم المخلصين ( ] الحجر . [ 40-39 :
يقول ابن القيم في هذا الصدد " :ومن مكايده أنه يسحر العقل دائام ا حتى يكيده ،ول يسلم من سحره إل
من شاء ال ،فيزين له الفعل الذي يضره ،حتى يخيل إليه أمنه أنفع الشياء ،وينفره من الفعل الذي هو
أنفع الشياء له ،حتى يخيل له أمنه يضره ،فل إله إل ال ،كم فتن بهذا السحر من إنسان ! وكم حال
به بين القلب وبين السلم واليمان والحسان ! وكم جل الباطل وأبرزه في صورة مستحسنة ،وشنع
الحق وأخرجه في صورة مستهجنة ! وكم بهرج من الزيوف على الناقدين ،وكم روج من الزغل على
العارفين !
فهو الذي سحر العقول حتى ألقى أربابها في الهواء المختلفة والراء المتشعبة ،وسلك بهم من سبل
الضلل كل مسلك ،وألقاهم من المهالك في مهلك بعد مهلك ،وزين لهم عبادة الصنام ،وقطيعة
الرحام ،ووأد البنات ،ونكاح المهات ،ووعدهم بالفوز بالجنات ،مع الكفر بصفات الرب تعالى
وعلوه وتكلمه بكتبه ووضعهم ذلك في قالب التنزيه ،وترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر في قالب
التودد إلى الناس ،وحسن الخلق معهم ،والعمل بقوله ) :عليكم أنفسكم ( ] المائادة ، [ 105 :
والعراض عما جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم في قالب التقليد ،والكتفاء بقول من هو أعلم منهم
،والنفاق والدهان في دين ال في قالب العقل المعيشي الذي يندرج به العبد بني الناس " ). (1
) (1/60
وبهذا السبيل كاد إبليس اللعين آدم عليه السلم ؛ إذ زين له الكل من الشجرة التي حرمها ال عليه ،فما
زال به يزعم له أن هذه هي شجرة الخلد ،وأن الكل منها يجعله خالدا في الجنة ،أو ملك ا من الملئاكة ،
حتى أطاعه ،فخرج من الجنة .
وانظر إلى أولياء الشيطان اليوم كيف يستخدمون هذا السبيل في إضلل العباد .
فهذه الدعوات إلى الشيوعية والشتراكية ، ....يزعمون أنها هي المذاهب التي تخلص البشرية من
الحيرة والقلق والضياع والجوع ... ،وهذه الدعوات التي تدعو إلى خروج المرأة كاسية عارية باسم
الحرية ،وتدعو إلى هذا التمثيل السخيف الذي تداس فيه العراض والخلق ،وتنتهك فيه الحرمات
باسم الفن .
وتلك الفكار المسمومة التي تدعو إلى إيداع المال في البنوك بالربا ؛ لتحقيق الرباح باسم التنمية
والربح الوفير .
وتلك الدعوات التي تزعم أن التمسك بالدين رجعية وجمود وتأخر ،والتي تسم دعاة السلم بالجنون
والعمالة لدول الشرق والغرب ...إلخ .
كل ذلك امتداد لسبيل الشيطان الذي كاد به آدم منذ عهد بعيد ،وهو تزيين الباطل وتحسينه ،وتقبيح
الحق وتكريه الناس به ) :تال لقد أرسلنا إلى أمجم من قبلك فزنين لهم النشيطان أعمالهم ( ] النحل 63 :
[.
وهو – وال – سبيل خطر ؛ لن النسان إذا زين له الباطل فرآه اندفع بكل قواه ؛ لتحقيق ما يراه حقا ،
إوان كان فيه هلكه ) :قل هل ننبئاكم بالخسرين أعمالا – انلذين ضنل سعيهم في الحياة اللدنيا وهم
يحسبون أننهم يحسنون صنعا ( ]الكهف . [104-103:
ق والهدى ) ،
وهؤلء يندفعون لصمد الناس عن دين ال ومحاربة أولياء ال ،وهم يظنون أنفسهم على الح م
إواننهم ليصندونهم عن النسبيل ويحسبون أننهم مهتدون ( ] الزخرف . [ 37 :
) (1/61
وهذا هو السبب الذي من أجله آثر الكفار الدنيا ،وأعرضوا عن الخرة ،كما قال تعالى ) :وقنيضنا لهم
قرناء فزنينوا لهم نما بين أيديهم وما خلفهم ( ] فصلت . [ 25 :فالقرناء هم الشياطين ،زينوا لهم ما بين
أيديهم من أمر الدنيا حتى آثروها ،ودعوهم إلى التكذيب بالخرة ،وزينوا لهم ذلك حتى أنكروا البعث
والحساب والجمنة والنار .
تسمية المور المحرمة بأسماء محببة :
ومن تغرير الشيطان بالنسان وتزيينه الباطل أن يسممي المور المحرمة ،التي هي معصية ل ،
بأسماء محببة للنفوس خداعا للنسان وتزوي ار للحقيقة ،كما سممى الشجرة المحرمة بشجرة الخلد ،كي
يزين لدم الكل منها ) :قال يا آدم هل أدللك على شجرجة الخلد وخملجك ل جيلبجلى( ] طه . [ 120 :
يقول ابن القيم " :ومنه ورث أتباعه تسمية المور المحرمة بالسماء التي تحب النفوس مسمياتها ،
فسموا الخمر :أم الفراح ،وسموا أخاها بلقمة الراحة ،وسموا الربا بالمعاملة ،وسموا المكوس بالحقوق
السلطانية . " ...
واليوم يسمون الربا الفائادة ،والرقص والغناء والتمثيل وصناعة التماثيل فنا .
-2الفراط والتفريط :
يقول ابن القيم في هذه المسألة " :وما أمر ال – عمز وجمل – بأمر إل وللشيطان فيه نزعتان :إما
تقصير وتفريط ،إواما إفراط وغلمو ،فل يبالي بما ظفر من العبد من الخطيئاتين ،فإمنه يأتي إلى قلب
العبد فيشاممه ،فإن وجد فيه فتو ار وتواني ا وترخيص ا أخذه من هذه الخطة ،فثبطه وأقعده ،وضربه
بالكسل والتواني والفتور ،وفتح له باب التأويلت والرجاء وغير ذلك ،حتى ربما ترك العبد المأموجر
جملة .
) (1/62
إوان وجد عنده حذ ار وفجمدا ،وتمشي ار ونهضة ،وأيس أن يأخذه من هذا الباب ،أمره بالجتهاد الزائاد ،
وسمول له أن هذا ل يكفيك ،وهمتك فوق هذا ،وينبغي لك أن تزيد على العاملين ،وأن ل ترقد إذا رقدوا
،وأن ل تفطر إذا أفطروا ،وأن ل تفتر إذا فتروا ،إواذا غسل أحدهم يديه ووجهه ثلث مرات ،فاغسل
أنت سبع ا ،إواذا توضأ للصلة ،فاغتسل أنت لها ،ونحو ذلك من الفراط والتعدي ،فيحمله على الغلو
والمجاوزة ،وتعدي الصراط المستقيم ،كما جيلحفمخل الول على التقصير دونه وأل يقربه .
ومقصوده من الرجلين إخراجهما عن الصراط المستقيم :هذا بأل يقربه ول يدنو منه ،وهذا بأن يجاوزه
ويتعداه ،وقد فتن بهذا أكثر الخلق ،ول خيلنجي من ذلك إل علم راسخ ،إوايمان وقوة على محاربته ،
ولزوم الوسط .وال المستعان " ). (2
-3تثبيطه العباد عن العمل ورميهم بالتسويف والكسل :
وله في ذلك أساليب وطرق ،ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم
قال ) :يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ) القافية :مؤخر الرأس ( ،إذا هو نام ثلث عقد ،
يضرب مكان كل عقدة ،عليك ليل طويل فارقد ،فإن استيقظ فذكر ال ،انحلت عقدة ،فإن توضأ ،
انحلت عقدة ،فإن صلى ،انحلت عقدة ،فأصبح نشيط ا طيب النفس ،إوال أصبح خبيث النفس كسلن
( ). (3
وفي البخاري ومسلم ) :إذا استقظ أحدكم من منامه فتوضأ ،فليستثر ثلث ا ،فإن الشيطان يبيت على
خيشومه ( ). (4
وفي صحيح البخاري :أن الرسول صلى ال عليه وسلم ذكر عنده رجل نام ليلة حتى أصبح ،فقال ) :
ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه ( ). (5
) (1/63
وهذا الذي ذكرناه تكسيل وتثبيط من الشيطان بفعله ،وقد يثبط النسان بالوسوسة ،وسبيله في ذلك أن
يحبب للنسان الكسل ،ويسموف العمل ،ويسند المر إلى طول المل ،يقول ابن الجوزي في هذا :
ب السلم ،فل يزال إبليس يثبطه ،ويقول :ل تعجل
) كم قد خطر على قلب يهودي ونصراني ح م
وتمهل النظر ،فيسوفه حتى يموت على كفره ،وكذلك يسوف العاصي بالتوبة ،فيعجل له غرضه من
الشهوات ،ويمنيه النابة ،كما قال الشاعر :
ل تعجل الذنب لما تشتهي ××× وتأمل التوبة من قابل
وكم من عازم على الجمد سوفه ! وكم ساع إلى مقام فضيلة ثجمبطه ! فلربما عزم الفقيه على إعادة درسه ،
فقال :استرح ساعة ،أو انتبه العابد في الليل يصلي ،فقال له :عليك وقت ،ول يزال يحبب الكسل ،
ويسوف العمل ،ويسند المر إلى طول المل .
فينبغي للحازم أن يعمل على الحزم ،والحزم تدارك الوقت ،وترك التسويف ،والعراض عن المل ،
فإمن المخوف ل يؤمن ،والفوات ل يبعث ،وسبب كل تقصير ،أو ميل إلى شمر طول المل ،فإن
النسان ل يزال يحمدث نفسه بالنزوع عن الشر ،والقبال على الخير ،إل أنه جيفعخد نفسه بذلك ،ول ريب
أنه من أممل أن يمشي بالنهار سار سي ار فات ار .ومن أمل أن يصبح عمل في الليل عملا ضعيف ا ،ومن
صمور الموت عاجلا جمد ...
وقال بعض السلف :أنذركم ) سوف ( ،فإنها أكبر جنود إبليس ،ومثل العامل على الحزم والساكن
لطول المل ،كمثل قوم في سفر ،فدخلوا قرية ،فمضى الحازم ،فاشترى ما يصلح لتمام سفره ،
وجلس متأهب ا للرحيل ،وقال المفرط :سأتأهب فربما أقمنا شه ار ،فضرب بوق الرحيل في الحال ،
ف المفرط .فاغتبط المحترز ) المتوقي الحازم ( ،وتحير الجفس خ
) (1/64
فهذا مثل الناس في الدنيا ،منهم المستعد المستيقظ ،فإذا جاء ملك الموت لم يندم ،ومنهم المغرور
المسموف يتجرع مرير الندم وقت الرحلة .فإذا كان في الطبع حب التواني وطول المل ،ثم جاء إبليس
يحث على العمل بمقتضى ما في الطبع ،صعبت المجاهدة ،إل أنه من انتبه لنفسه علم أنه في صف
طن له مكيدة ،وأقام له كمينا " ). (6
حرب ،وأن عدموه ل يفتر عنه ،فإن فتر في الظاهر ،ب م
-4الوعد والتمنية :
وهو يعد الناس بالمواعيد الكاذبة ،ويعللهم بالماني المعسولة ؛ كي يوقعهم في وهدة الضلل :
) يعدهم ويمنيهم وما يعدهم النشيطان إلن غرو ار ( ] النساء . [ 120 :
يعد الكفرة في قتالهم المؤمنين بالنصر والتمكين والعزة والغلبة ،ثم يتخلى عنهم ،ويولي هاربا ) :إواذ
زنين لهم النشيطان أعمالهم وقال ل غالب لكم اليوم من النناس ج إوفايني جابر لكم فلنما تراءت الفئاتان نكص
على عقبيه وقال إفيني برئب منكم ( ] النفال . [ 48 :
ويعد الغنياء الكفرة بالثروة والمال في الخرة بعد الدنيا ،فيقول قائالهم ) :ولفئان لردد ل
ت إلى جريبي لجدنن
خي ار منها منقلب ا ( ] الكهف ، [ 36 :فيدمر ال جنته في الدنيا ،فيعلم أمنه كان مغرو ار مخدوع ا .
ويشغل النسان بالماني المعسولة ،التي ل وجود لها في واقع الحياة ،فيصده عن العمل الجاد المثمر
،ويرضى بالتخيل والتمني ،وهو ل يفعل شيئاا .
-5إظهار النصح للنسان :
يدعو الشيطان المرء إلى المعصية ،يزعم أنه ينصح له ويريد خيره ،وقد أقسم لبينا على أنه ناصح له
) :وقاسمهما فإيني لكما لمن النناصحين ( ] العراف . [ 21 :
وقد روى وهب بن منبه هذه القصة الطريفة عن أهل الكتاب ) ، (7نسوقها لنعلم أسلوب ا من أساليب
الشيطان في إضلله العباد ،وكي نحذر نصحه ،ونخالفه فيما يدعونا إليه .
) (1/65
يقول وهب " :إن عابدا كان في بني إسرائايل ،وكان من أعبد أهل زمانه ،وكان في زمانه ثلثة إخوة ،
لهم أخت ،وكانت بك ار ،ليس لهم أخت غيرها ،فخرج البعث على ثلثتهم ،فلم يدروا عند من يخلفون
أختهم ،ول من يأمنونه عليها ،ول عند من يضعونها .
قال :فأجمع رأيهم على أن يخلفوها عند عابد بني إسرائايل ،وكان ثقة في أنفسهم ،فأتوه فسألوه عن أن
يخلفوها عنده ،فتكون في كنفه وجواره إلى أن يرجعوا من غزاتهم ،فأبى ذلك عليهم ،وتعوذ بال منهم
ومن أختهم ،قال :فلم يزالوا به حتى أطاعهم .فقال :أنزلوها في بيت حذاء صومعتي .فأنزلوها في
ذلك البيت ،ثم انطلقوا وتركوها .
فمكثت في جوار ذلك العابد زمن ا ينزل إليها بالطعام من صومعته ،فيضعه عند باب الصومعة ،ثم
يغلق بابه ويصعد إلى الصومعة ،ثم يأمرها فتخرج من بيتها ،فتأخذ ما وضع لها من الطعام ،قال :
فتلطف له الشيطان ،فلم يزل يرغبه في الخير ،ويعظم عليه خروج الجارية من بيتها نها ار ،ويخوفه أن
يراها أحد فيعلقها ،فلو مشيت بطعامها حتى تضعه على باب بيتها كان أعظم أج ار .قال :فلم يزل به
حتى مشى إليها بطعامها ،ووضعه على باب بيتها ،ولم يكلمها .
قال :فلبث على هذه الحال زمان ا ،ثم جاجءه إبليس فرمغبه في الخير والجر وحضه عليه ،وقال :لو
كنت تمشي إليها بطعامها حتى تضعه في بيتها كان أعظم لجرك ،فلم يزل به حتى مشى إليها
بالطعام ،ثم وضعه في بيتها ،فلبث على ذلك زمان ا .
ضه عليه ،فقال :لو كنت تكلمها وتحدثها فتأنس بحديثك ،فإنها قد
ثم جاءه إبليس فرمغبه في الخير وح م
طلع إليها من فوق صومعته .
استوحشت وحشة شديدة ،فلم يزل به حتى حدثها زمان ا ي م
) (1/66
ثم أتاه إبليس بعد ذلك ،فقال :لو كنت تتنزل إليها فتقعد على باب صومعتك وتحدثها ،وتقعد هي على
باب بيتها ،فتحدثك كان آنس لها .فلم يزل به حتى أنزله وأجلسه على باب صومعته يحدثها وتحدثه ،
وتخرج الجارية من بيتها حتى تقعد على باب بيتها ،فلبثا زمانا يتحدثان .
ثم جاجءه إبليس فرغبه في الجر والثواب فيما يصنع بها ،وقال :لو خرجت من باب صومعتك ،ثم
جلست قريب ا من بيتها ،فحدثتها كان آنس لها ،فلم يزل به حتى فعل .فلبثا زمن ا على ذلك .
ثم جاءه إبليس ،فقال :لو دخلت البيت معها فحدثتها ،ولم تتركها تبرز وجهها لحد كان أحسن بك ،
فلم يزل به حتى دخل البيت فجعل يحدثها ،نهارها كله ،فإذا مضى النهار صعد صومعته .
ثم أتاه إبليس بعد ذلك ،فلم يزل يزينها له حتى ضرب العابد على فخذها وقبلها ،فلم يزل به إبليس
يحسنها في عينه ،ويسول له حتى وقع عليها ،فأحبلها فولدت له غلم ا ،فجاء إبليس فقال :أرأيت إن
جاء إخوة الجارية ،وقد ولدت منك فكيف تصنع ؟ ل آمن عليك أن تفتضح أو يفضحوك ،فاعمد إلى
ابنها فاذبحه وادفنه ،فإنها ستكتم ذلك عليك مخافة إخوتها أن يطلعوا على ما صنعت بها ،ففعل .
فقال له :أتراها تكتم إخوتها ما صنعت بها وقتلت ابنها ،خذها واذبحها ،وادفنها مع ابنها ،فلم يزل به
حتى ذبحها ،وألقاها في الحفرة مع ابنها ،وأطبق عليهما صخرة عظيمة ،وسموى عليهما ،وصعد إلى
صومعته يتعبد فيها ،فمكث بذلك ما شاء ال أن يمكث ،حتى أقبل إخوتها من الغزو ،فجاؤوا فسألوه
عنها ،فنعاها لهم ،وترحم عليها وبكاها .وقال :كانت خير امرأة ،وهذا قبرها ،فانظروا إليه .فأتى
إخوتها القبر فبكوا أختهم ،وترحموا عليها ،فأقاموا على قبرها أياما ،ثمم انصرفوا إلى أهاليهم .
) (1/67
فلما جمن عليهم الليل ،وأخذوا مضاجعهم ،جاجءهم الشيطان في النوم على صورة رجل مسافر ،فبدأ
بأكبرهم ،فسأله عن أختهم ،فأخبره بقول العابد وموتها وترحمه عليها ،وكيف أراهم موضع قبرها
فأكذبه الشيطان .وقال :لم يصدقكم أمر أختكم إنه قد أحبل أختكم وولدت منه غلم ا ،فذبحه وذبحها
معه فزعا منكم ،وألقاهما في حفيرة احتفرها خلف باب البيت الذي كانت فيه عن يمين من دخله ،فإنكم
ستجدونها كما أخبرتكم هناك جميع ا .وأتى الوسط في منامه ،فقال له مثل ذلك .ثم أتى أصغرهم ،
فقال له مثل ذلك .
فلما استيقظ القوم ،أصبحوا متعجبين مما رأى كل واحد منهم ،فأقبل بعضهم على بعض يقول كل
واحد منهم :لقد رأيت الليلة عجب ا ،فأخبر بعضهم بعض ا بما رأى .
فقال كبيرهم :هذا حلم ليس بشيء ،فامضوا بنا ودعوا هذا عنكم ،قال أصغرهم :وال ل أمضي حتى
آتي هذا المكان ،فأنظر فيه .قال :فانطلقوا حتى أتوا البيت الذي كانت فيه أختهم ،ففتحوا الباب ،
وبحثوا الموضع الذي وصف لهم في منامهم ،فوجدوا أختهم وابنها مذبوحين في الحفيرة ،كما قيل لهم ،
فسألوا عنها العابد فصمدق قول إبليس فيما صنع بهما ،فاستجلعجدلوا عليه ملكهم ،فأنزل من صومعته ،
وقمدم ليصلب .
فلما أوثقوه على الخشبة ،أتاه الشيطان ،فقال له :قد علمت أني أنا صاحبك الذي فتنتك بالمرأة ،حتى
أحبلتها ،وذبحتها وابنها ،فإن أنت أطعتني اليوم ،وكفرت بال الذي خلقك وصمورك ،خلصتك مما
أنت فيه ،فكفر العابد ،فلما كفر بال تعالى ،خلى الشيطان بينه وبين أصحابه فصلبوه " ). (8
وهذه القصة يذكرها المفسرون عند قوله تعالى ) :كمثل النشيطان إذ قال للنسان اكفر فلنما كفر قال
إنني بريبء منك ( ] الحشر ، [ 16 :ويذكرون أن المعنمي بالنسان هذا العابد وأمثاله .وال أعلم .
-6التدرج في الضلل :
) (1/68
ومن القصة السابقة نعلم أسلوب ا من أساليب الشيطان في الضلل ،وهو أن يسير بالنسان خطوة
خطوة ،ل يكل ول يممل ،كلما رموضه على معصية ما ،قاده إلى معصية أكبر منها ،حتى يوصله إلى
المعصية الكبرى ،فيوبقه ويهلكه ،وتلك سنة ال في عباده ،أنهم إذا زاغوا سلط عليم الشيطان ،وأزاغ
قلوبهم ) :فلنما زاغوا أزاغ ال قلوبهم ( ]الصف . [5 :
-7إنساؤه العبد ما فيه خيره وصلحه :
ومن ذلك ما فعله بآَدم ،فما زال يوسوس له حتى أنساه ما أمره به رمبه ) :ولقد عهدنا إلى آدم من قبل
فججنفسي ولم نجد له عزم ا ( ] طه ، [ 115 :وقال صاحب موسى لموسى ) :فإني نسيت الحوت وما
ج
ن
جأنجسافنيهخ إل الشيطان أن أذكره ( ] الكهف . [ 63 :
ن
ونهى ال رسوله أن يجلس هو أو واحد من أصحابه في المجالس التي يسته أز فيها بآَيات ال ،ولكن
الشيطان قد ينسي النسان أمر ربه ،فيجالس هؤلء المستهزئاين ) :إواذا رأيت انلذين يخوضون في آياتنا
فأعرض عنهم حنتى يخوضوا في حديجث غيره إوانما ينسيننك النشيطان فل تقعد بعد الذكرى مع القوم
ال ن
ظالمين ( ] النعام . [ 68 :
وطلب نبي ال يوسف إلى السجين الذي ظمن بأنه سينجو من القتل ،ويعود لخدمة الملك أن يذكره عند
مليكه ،فأنسى الشيطان هذا النسان أن يذكر لملكه نبي ال يوسف ،فمكث يوسف في السجن بضع
سنين ) :وقال لنلذي ظنن أننه ناجج منهما اذكرني عند ربك فأنساه النشيطان ذكر ربه فلبث في السجن
بضع سنين ( ]يوسف . [42 :
إواذا تمكن الشيطان من النسان تمكن ا كلي ا ،فإنه ينسيه ال بالكلية ) :استحوذ عليهم النشيطان فأنساهم
ذكر ال أولئاك حزب النشيطان أل إنن حزب النشيطان هم الخاسرون ( ] المجادلة . [ 19 :وهؤلء هم
المنافقون ،كما دلت عليه الية السابقة لهذه الية .وسبيل التذكر هو ذكر ال ؛ لنه يطرد الشيطان :
) واذكر رنبك إذا نسيت ( ]الكهف . [24 :
-8تخويف المؤمنين أولياجءه :
) (1/69
ومن وسائاله أن يخوف المؤمنين من جنده وأوليائاه ،فل يجاهدونهم ،ول يأمرونهم بالمعروف ،ول
ينهونهم عن المنكر ،وهذا من أعظم كيده بأهل اليمان ،وقد أخبرنا سبحانه عن هذا فقال ) :إننما
ذلكم النشيطان يخوف أولياءه فل تخافوهم وخافون إن كنتم لمؤمنين ( ] آل عمران . [ 175 :
والمعنى :يخوفكم بأوليائاه ،قال قتادة " :يعظمهم في صدوركم ،ولهذا قال ) :فل تخافوهم وخافون
إن كنتم لمؤمنين ( ،فكلما قوي إيمان العبد زال من قلبه خوف أولياء الشيطان ،وكلما ضعف إيمانه
قوي خوفه منهم " .
-9دخوله إلى النفس من الباب الذي تحبه وتهواه :
يقول ابن القيم في هذا الموضوع " :إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ،حتى يصادف نفسه
ويخالطها ،ويسألها عمما تحبه وتؤثره ،فإذا عرفه استعان بها على العبد ،ودخل عليه من هذا الباب ،
وكذلك جعملم إخوانه وأولياجءه من النس ،إذا أرادوا أغراضهم الفاسدة من بعضهم بعضا أن يدخلوا عليهم
من الباب الذي يحبونه ويهوونه ،فإمنه باب ل يخذل عن حاجته من دخل منه ،ومن رام الدخول من
غيره ،فالباب عليه مسدود ،وهو عن طريق مقصده مصدود " ). (9
ومن هاهنا دخل الشيطان على آدم وحواء كما قال تعالى ) :وقال ما نهاكما رلبكما عن هذه النشجرة إلن
أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ( ] العراف . [ 20 :يقول ابن القيم " :فشام عدو ال البوين
،فأحس منهما إيناسا وركونا إلى الخلد في تلك الدار في النعيم المقيم ،فعلم أمنه ل يدخل عليهما من
غير هذا الباب ،فقاسمهما بال إمنه لهما لمن الناصحين ،وقال ) :ما نهاكما رلبكما عن هذه النشجرة إلن
أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ( ] العراف ." [ 20 :
-10لقاء الشبهات :
) (1/70
ومن أساليبه في إضلل العباد زعزعة العقيدة بما يلقيه من شكوك وشبهات ،وقد حذرنا الرسول صلى
ال عليه وسلم من بعض هذه الشبهات التي يلقيها ،ففي حديث البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال :
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :يأتي الشيطان أحدكم فيقول :من خلق كذا وكذا ؟ من خلق كذا
؟ حتى يقول :من خلق ربك ؟ فإذا بلغه فليستعذ بال وللينتفه ( ). (10
ولم يسلم الصحابة – رضوان ال عليهم – من شبهاته وشكوكه ،وجاء بعضهم إلى الرسول صلى ال
عليه وسلم يشكون ما يعانونه من شكوكه ووساوسه ،ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي ال عنه
– قال :جاء ناس من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى النبي صلى ال عليه وسلم فسألوه :
إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به ! قال ) :أو قد وجدتموه ؟ ( قالوا :نعم .قال ) :ذلك
صريح اليمان ( ). (11
وصريح اليمان دفعهم وسوسة الشيطان وكراهيتهم واستعظامهم لها ،وقد سئال الرسول صلى ال عليه
وسلم عن الوسوسة فقال ) :تلك محض اليمان ( ). (12
وانظر إلى شمدة ما كان يعانيه الصحابة من شكوكه ،روى أبو داود في سننه عن ابن عباس قال :جاء
رجل إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول ال ،إن أحدنا يجد في نفسه – يعرض بالشيء –
ب إليه من أن يتكلم به ،فقال ) :ال أكبر ،ال أكبر ،ال أكبر ،الحمد ل الذي
لن يكون حممة أح م
رد كيده إلى الوسوسة ( ). (13
) (1/71
ومن جملة ما يلقيه في النفوس مشكك ا ما حدثنا ال عنه في قوله ) :وما أرسلنا من قبلك من رسوجل ول
جنبفلي إلن تمننى ألقى النشيطان في أمننيته فينسخ ال ما يلقي النشيطان ثنم يحكم ال آياته وال عليم حكيم –
ظالمين لفي شقاق بعيجد – ليجعل ما يلقي النشيطان فتنةا لنلذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم إوانن ال ن
ب
ت له قلوبهم إوانن ال لهاد انلذين آمنوا إلى وليعلم انلذين أوتوا العلم أننه الح ل
ق من ربك فيؤمنوا به فجتخلخبف ج
ص ارجط مستقيجم ( ] الحج . [54-52:
والمراد بالتمني هنا حديث النفس ،والمراد أن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا حدث نفسه ألقى
الشيطان في حديثه على جهة الحيلة ،فيقول :لو سألت ال – عز وجل – أن يغنمك ليتسع المسلمون
،أو يتمنى إيمان الناس جميع ا ....فينسخ ال ما يلقيه الشيطان بوسواسه في أمنية النبي صلى ال
عليه وسلم ،وذلك بتنبيهه إلى الحق ،وتوجيهه إلى مراد ال ، ...وما قيل من أن مراد الية أن
الشيطان يدخل في القرآن ما ليس منه ففيه بعد ،ويرده أن الرسول صلى ال عليه وسلم معصوم في
التبليغ .
يقول شقيق ،مبينا بعض الشبهات التي قذفها الشيطان في نفس ا لنسان :ما من صباح إل قعد لي
الشيطان على أربعة مراصد :من بين يدي ،ومن خلفي ،وعن يميني ،وعن شمالي ،فيقول :ل
تخف فإن ال غفور رحيم ،فأق أر ) :إواني لغنفابر لمن تاب وآمن وعمل صالح ا ثنم اهتدى ( ] طه :
، [ 82إواما من خلفي فيخوفني الضيعة على من أخلفه ،فأق أر ) :وما من دانبجة في الرض إلن على
ال رزقها ( ] هود ، [ 6 :ومن قبل يميني ،يأتيني من قبل النساء ،فأق أر ) :والعاقبة للمنتقين (
] العراف ، [ 128 :ومن قبل شمالي ،فيأتيني من قبل الشهوات ،فأق أر ) :وحيل بينهم وبين ما
يشتهون ( ] سبأ . [ 54 :
--------------------------------
) (1إغاثة اللهفان . 1/130 :
) (2الوابل الصيب :ص . 19
) (1/72
) (1/73
فالشيطان يحض الناس على هذه الربع ؛ لنها ضلل في نفسها ،وتؤدي إلى نتائاج وخيمة ،وآثار
سيئاة ،فالخمر تفقد شاربها عقله ،فإذا فقد عقله فعل الموبقات ،وارتكب المحرمات ،وترك الطاعات ،
وآذى عباد ال .
ذكر ابن كثير في تفسيره عن عثمان بن عفان قال " :اجتنبوا الخمر ،فإنها أمم الخبائاث ،إنه كان رجل
فيمن خل قبلكم يتعبد ويعتزل الناس ،فعلقته امرأة غومية ،فأرسلت إليه جاريتها أن تدعوه لشهادة ،
فدخل معها ،فطفقت كلما دخل باب ا تغلقه دونه ،حتى أفضى إلى امرأة وضيئاة ،عندها غلم ،وباطية
خمر .
فقالت :إني وال ما دعوتك لشهادة ،ولكن دعوتك لتقع علمي ،أو تقتل هذا الغلم ،أو تشرب هذا
الخمر ،فسقته كأس ا ،فقال :زيدوني ،فلم يرم حتى وقع عليها ،وقتل النفس ،فإنها ل تجتمع هي
واليمان أبدا إل أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه " ). (1
وروى ابن جرير ،وابن المنذر ،وابن أبي حاتم ،وأبو الشيخ ،وابن مردويه ،والنحاس في ناسخه عن
سعد بن أبي وقاص :أن رجلا من النصار صنع طعام ا لبعض الصحابة ،ثمم سقاهم خم ار قبل أن
ينزل تحريمها ،فلما سكروا تفاخروا ،فتعاركوا ،وأصاب سعد بن أبي وقاقص من هذا العراك أذى ،فقد
ضربه أحدهم بلحي بعير ،فأصاب أنفه ،فأثر فيه أث ار صاحبه طيلة حياته ). (2
وتقدم أحخد الصحابة يصلي بالناس وهو سكران ،قبل نزول تحريم الخمر فق أر ) :قل يا أيها الكافرون
صلة وأنت سكارى حنتى تعلموا ما تقولون ( ]النساء [43 :
أعبد ما تعبدون ( فأنزل ال ) :ل تقربوا ال ن
). (3
وقد رأينا الرجل الذي بلغ من الكبر فعمتي ا عندما يشرب الخمر يتصرف تصرفات المجانين ،ويضحك
منه الكبار والصغار ،ويفترش الطريق تدوسه الناس بأقدامها .
والميسر مرض خطير كالخمر ،إذا تأصل في نفس النسان صعب الشفاء منه ،وهو سبيل لضياع
الوقت والمال ،والميسر ينشئ الحقاد ،ويدفع الحرام .
) (1/74
والشيطان يدعو إلى إقامة النصب كي تتخذ بعد ذلك آلهة ختعبد من دون ال ،وقد انتشرت عبادة
النصاب قديم ا وحديث ا ،والشياطين تلزم هذه الصنام ،وتخاطب عبادها في بعض الحيان ،وتريهم
بعض المور التي تجعل عابديها يثقون بها ،فيقصدونها بالحاجات ،ويدعونها في الكربات ،
ويستنصرون بها في الحروب ،ويقدمون لها الذبائاح والهدايا ،ويرقصون حولها ويطربون ،ويقيمون لها
العياد والحتفالت ،وقد أضمل بهذا الكثير ،كما قال إبراهيم داعي ا ربه ) :واجنبني وبني أن ننعبد
الصنام – رب إنهنن أضللن كثي ار من النناس ( ] إبراهيم . [ 36-35 :
ول تزال عبادة القبور منتشرة بين المسلمين ،يقصدونها بالدعاء واللطاف والذبائاح ...وانتشرت بدعة
جديدة اليوم – يضحك بها الشيطان على بني النسان – تلك هي نصب الجندي المجهول ،يزعمون أنه
رمز الجندي المقاتل ،ويكرمونه بالهدايا والورود والتعظيم ،وكلما زار البلد التي فيها مثل هذه النصب
زعيم ،جاء هذا النصب وقدم له هدية ،وكل هذا من عبادة النصاب ،التي هي من عمل الشيطان .
الستقسام بالزلم :
المور المستقبلية من مكنون علم ال ،ولذلك شرع لنا الرسول صلى ال عليه وسلم الستخارة ،إذا أردنا
سف ار أو زواج ا أو غير ذلك ،نرجو من ال أن يختار لنا خير المور.
وأبطل الستقسام بالزلم ،فإن السهام والقداح ل تعلم أين الخير ول تدريه ،فاستشارتها خلل في العقل
،وقصور في العلم .
ومثل ذلك زجر الطير :كان من يريد سف ار ،إذا خرج من بيته ،وممر بطائار زجره ،فإن تيامن ،كان
سف ار ميمون ا ،إوان ممر عن شماله ،كان سف ار مشؤوم ا ، ...وكل ذلك من الضلل .
-15السحر ): (4
) (1/75
ومما يضل به الشيطان أبناء آدم السحر ،فهم يعلمونهم هذا العلم ،الذي يضر ول ينفع ،ويكون هذا
العلم سبيلا للتفريق بين المرء وزوجه ،والتفريق بين الزوجين :يعمده الشيطان من أعظم العمال التي
يقوم بها جنوده كما سبق أن ذكرنا .
قال تعالى ) :وما كفر سليمان ولكنن النشياطين كفروا يعلمون النناس السحر وما أنزل على الملكين
ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحجد حنتى يقول إننما نحن فتنةب فل تكفر فيتعنلمون منهما ما يفرخقون
به بين المرء وزوجه وما هم بضآَمرين به من أحجد إلن بإذن ال ويتعنلمون ما يضلرهم ول ينفعهم ولقد علموا
ق ولبئاس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ( ] البقرة . [ 102 : لمن اشتراه ما له في الخرة من خل ج
هل للسحر حقيقة ؟
اختلف العلماء في ذلك فمن قائال :إمنه تخييل ل حقيقة له ) :فإذا حبالهم وعصليهم يخنيل إليه من
سحرهم أننها تسعى ( ] طه ، [ 66 :ومن قائال :إن له حقيقة كما دلت عليه آية البقرة ،والصحيح أمنه
نوعان :نوع هو تخييل ،يعتمد على الحيل العلمية وخفة الحركة ،ونوع له حقيقة ،يفرق به بين المرء
وزوجه ،ويؤذى به ...
سحر اليهود للرسول صلى ال عليه وسلم :
روى البخاري عن عائاشة رضي ال عنها قالت :
" جسجحر رسوجل ال صلى ال عليه وسلم رجبل من بني خزرجيق له لبيد بن العصم ،حتى كان رسول ال
صلى ال عليه وسلم ،خيخميل إليه أنه يفعل الشي وما فعله .
حتى إذا كان ذات يوم ،أو ذات ليلة – وهو عندي ،لكنه دعا ودعا ،ثم قال ) :يا عائاشة ،أشعرفت
أن ال أفتاني فيما استفتيته فيه ) (5؟ أتاني رجلن ،فقعد أحدهما عند رأسي ،والخر عند رجلمي .
فقال أحدهما لصاحبه :ما وجع الرجل ؟ قال :مطبوب ) . (6قال :ومن طمبه؟ قال :لبيد بن العصم
ف طلع نخلة ذكر ). (8
.قال :في أي شيء ؟ قال :في خمشط وخمشاطة ) (7وخج م
قال :وأين هو ؟ قال :في بئار ذروان .
) (1/76
فأتاها رسول ال صلى ال عليه وسلم في ناس من أصحابه ،فجاء فقال ) :يا عائاشة ،كأن ماءها
نقاعة الحناء ،وكأمن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين ( .
قلت :يا رسول ال ،أفل استخرجته ؟ قال ) :قد عافاني ال ،فكرهت أن أثير على الناس فيه ش ار ،
فأمر بها فخدفنت ( ). (9
ول يقال :إن سحر الرسول صلى ال عليه وسلم يوجب له لبس ا في النبوة والرسالة ؛ لن أثر السحر لم
يتجاوز ظاهر الجسم الشريف ،فلم يصل إلى القلب والعقل .فهو كسائار المراض التي قد تعرض له ،
والتشريع محفوظ بحفظ ال تعالى ،قال ال تعالى ) :إننا نحن ننزلنا الذكر إواننا له لحافظون ( ] الحجر :
.[9
-16ضعف النسان :
في النسان نقاط ضعف كثيرة ،هي في الحقيقة أمراض ،والشيطان يعمق هذه المراض في نفس
النسان ،بل تصبح مداخله إلى النفس النسانية ،ومن هذه المراض :الضعف ،واليأس ،والقنوط ،
والبطر ،والفرح ،والعجب ،والفخر ،والظلم ،والبغي ،والجحود ،والكنود ،والعجلة ،والطيش ،
والسفه ،والبخل ،والشح ،والحرص ،والجدل ،والمراء ،والشك ،والريبة ،والجهل ،والغفلة ،واللدد
في الخصومة ،والغرور ،والدعاء الكاذب ،والهلع ،والجزع ،والمنع ،والتمرد ،والطغيان ،وتجاوز
الحدود ،وحب المال ،والفتتان بالدنيا .
فالسلم يدعو إلى إصلح النفس ،والتخلص من أمراضها ،وهذا يحتاج إلى جهد يبذل ،كما يحتاج
إلى صبر على مشمقات الطريق .
أمما اتباع الهوى ،وما تميله النفس المارة بالسوء ،فإنه سهل ميسور ،فالول مثله مثل من يصعد
بصخرة إلى أعلى الجبل ،ومثل الثاني كمن يهوي من أعلى الجبل إلى أسفله ،ولذلك كانت الستجابة
للشيطان كثيرة ،جوجوجد دعاة الحق صعوبة ،وأي صعوبة في الدعوة إلى ال تعالى .
ونحن نسوق إليك بعض كلم السلف ؛ لنوضح كيف يستغل الشيطان نقاط الضعف في النسان .
) (1/77
حكى المعتمر بن سليمان عن أبيه أنه قال " :ذكر لي أن الشيطان الوسواس ينبعث في قلب ابن آدم
عند الحزن والفرح ،فإذا ذكر ال خنس" ). (10
وقال وهب بن منبه " :قال راهب للشيطان وقد بدا له :أي أخلق ابن آدم أعون لك عليهم ؟ قال :
الحمدة ) صفة تعتري النسان كالغضب ( ،إن العبد إذا كان حديدا ،قلبناه كما يقلب الصبيان الكرة " )
. (11
ويذكر ابن الجوزي أيض ا عن ابن عمر " :أن نوح ا سأل الشيطان عن الخصال التي يهلك بها الناس ،
فقال :الحسد والحرص " .
وليس بعيدا عمنا ما فعله الشيطان بيوسف إواخوته ،وكيف أوغر صدور الخوة على أخيهم ،وقد قال
يوسف ) :وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن ننزغ النشيطان بيني
وبين إخوتي ( ] يوسف . [ 100 :
-17النساء وحب الدنيا :
وقد أخبرنا الرسول صلى ال عليه وسلم أنه ما ترك بعده فتنة أشد على الرجال من النساء ،ولذلك أمرت
المرأة بستر جسدها كله إل الوجه والكفين ،وأمر الرجال بغض أبصارهم ،ونهى الرسول صلى ال عليه
وسلم عن الخلوة بالمرأة ،وأخبر أمنه ما خل رجل بامرأة إل كان الشيطان ثالثهما .وفي سنن الترمذي
بإسناد صحيح ) :المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان ( ). (12
ونحن اليوم نشاهد عظم فتنة خروج النساء كما وصفهم الرسول صلى ال عليه وسلم كاسيات عاريات ،
قامت مؤسسات في الشرق والغرب تستخدم جيوشا من النساء والرجال لترويج الفاحشة بالصورة المرئاية
،والقصة الخليعة ،والفلم التي تحكي الفاحشة وتدعو لها !
ب الدنيا فهو رأس كل خطيئاة ،وما سفكت الدماء ،وهتكت العراض ،وغصبت الموال ،
أما ح م
وقطعت الرحام ... ،إل لجل حيازة الدنيا ،والصراع على حطامها الفاني ،وحرص ا على متعها
الزائادة .
-18الغناء والموسيقى :
) (1/78
الغناء والموسيقى طريقان يفسد الشيطان بهما القلوب ،ويخرب النفوس ،يقول ابن القيم " :ومن مكايد
عدو ال ومصايده التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين ،وصاد بها قلوب الجاهلين
والمبطلين :سماع المكاء والتصدية ،والغناء باللت المحرمة ،الذي يصد القلوب بها عن القرآن ،
ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان ،فهو قرآن الشيطان ،والحجاب الكثيف عن الرحمن ،وهو
رقية اللواط والزنى ،كاد به الشيطان النفوس المبطلة ،وحسنه لها مك ار وغرو ار ،وأوحى لها الشبه
الباطلة على حسنه ،فقبلت وحيه ،واتخذت لجله القرآن مهجو ار . (13) " ....
ومن عجب أن بعض الناس ،الذين يمدعون التعبد ،يتخذون الغناء والرقص والتمايل طريقا للتعبد ،
يتركون السماع الرحماني ،ويذهبون إلى السماع الشيطاني ،وقد عمد ابن القيم ) (14لهذا السماع
بضعة عشر اسم ا :اللهو ،واللغو ،والباطل ،والزور ،والمكاء ،والتصدية ،ورقية الزنى ،وقرآن
الشياطين ،ومنبت النفاق في القلب ،والصوت الحمق ،والصوت الفاجر ،وصوت الشيطان ،
ومزمور الشيطان ،والسمود .
وأطال النفس في بيان تحريمه ،وما فيه من زور وبهتان ،فراجعه إن شئات .
الجرس مزامير الشيطان :
أخبرنا الرسول صلى ال عليه وسلم أن ) :الجرس مزامير الشيطان ( .رواه مسلم في صحيحه عن
أبي هريرة ) . (15ولذا فإن الملئاكة ) ل تصحب رفقة فيها كلب ول جرس ( .رواه مسلم في صحيحه
،عن أبي هريرة ). (16
-19تهاون المسلمين في تحقيق ما أمروا به :
إذا التزم المسلم بإسلمه فإن الشيطان ل يجد سبيلا لضلله والعبث به ،فإذا تهاون وتكاسل في بعض
المور ،فإن الشيطان يجد فرصة ،قال تعالى ) :يا أنيها انلذين آمنوا ادخلوا في السلم كافنةا ول تنتبعوا
خطوات النشيطان إننه لكم عدبو لمبيبن ( ]البقرة . [208:
) (1/79
فالدخول في السلم في كل المور هو الذي يخلص من الشيطان ،فمثلا إذا كانت صفوف المصلين
مرصوصة ،فإن الشياطين ل تستطيع أن تتخلل المصلين ،فإذا ختركت خفربج بين الصفوف ،فإن
الشياطين تتراقص بين صفوف المصلين ؛ ففي الحديث ) :أقيموا صفوفكم ،ل تتخللكم الشياطين
كأمنها أولد الجحجذف ( .قيل يا رسول ال :وما أولد الحذف ؟ قال ) :سود خجرد بأرض اليمن ( .رواه
أحمد والحاكم بإسناد صحيح ). (17
وفي الحديث الخر ) :أقيموا صفوفكم ،وتراصوا ،فوالذي نفسي بيده ،إني لرى الشيطان بين
صفوفكم كأنها غنم خعلفر ( .رواه أبو داود الطيالسي بإسناد صحيح ). (18
--------------------------------
) (1رواه البيهقي ،وصحح ابن كثير إسناده .
) (2راجع :الدر المنثور ،للسيوطي . 3/158:
) (3راجع روايات الحديث في الدر المنثور . 7/545 :
) (4بسط القول في السحر في مؤلف مستقل أ.د.عمر الشقر عنون له بعنوان :عالم السحر والشعوذة
.
) (5أي أجابني فيما طلبته .
) (6أي مسحور .
) (7المشاطة :شعر سقط من الرأس بعد تسريحه .
) (8جف طلع نخلة ،أي :غشاء الطلع .
) (9صحيح البخاري . 10/221 :ورقمه . 5763 :
) (10تفسير ابن كثير . 17/423 :
) (11تلبيس إبليس . 42 :
) (12صحيح سنن الترمذي . 1/343 :ورقمه . 936 :وقوله :استشرفها ،أي :زينها في نظر
الرجال .
) (13إغاثة اللهفان . 1/242 :
) (14إغاثة اللهفان . 1/256 :
) (15صحيح مسلم . 3/1672 :ورقمه . 2114 :
) (16صحيح مسلم . 3/1672 :ورقمه . 2113 :
) (17صحيح الجامع . 1/384 :وأولد الجحذف :الغنم الصغار ،والمراد الشياطين ،فإنها تدخل في
أوساط الصفوف كأولد الحذف .خجرد ،أي :ليس على جلدها شعر .
) (18صحيح الجامع . 1/384 :
كيف يصل الشيطان بوسوسته إلى نفس النسان
المطلب الول
الوسوسة
) (1/80
الشيطان يستطيع أن يصل إلى فكر النسان وقلبه بطريقة ل ندركها ،ول نعرفها ،يساعده على ذلك
طبيعته التي خلق عليها ،وهذا هو الذي نسميه بالوسوسة ،وقد أخبرنا ال بذلك إذ سماه ) :الوسواس
الخنناس – انلذي يوسوس في صدور النناس ( ]الناس . [5-4 :قال ابن كثير في تفسيره ) :الوسواس
الخنناس ( :الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ،فإذا سها وغفل وسوس ،فإذا ذكر ال خنس .
وقد ثبت في الصحيحين عن أنس أن الرسول صلى ال عليه وسلم قال ) :إن الشيطان يجري من ابن
آدم مجرى الدم ( ). (1
وبهذه الوسوسة أضل آدم وأغواه بالكل من الشجرة ) :فوسوس إليه النشيطان قال يا آدم هل أدللك على
شجرجة الخلد وملجك ل يبلى ( ] طه . [ 120 :
وقد تتمثل الشياطين في صورة بشر ،وقد يحمدثون النسان ،وخيسفمعونه ،ويأمرونه ،وينهونه ،بمرادهم
...كما سيأتي بيانه .
--------------------------------
) (1مشكاة المصابيح . 1/26 :ورقمه . 68 :
المطلب الثاني
تمثل الشياطين
أحيان ا تأتي الشياطين ل بطريق الوسوسة ؛ بل تتراءى له في صورة إنسان ،وقد يسمع الصوت ،ول
يرى الجسم ،وقد تتشكل بصور غريبة ...وهي أحيان ا تأتي الناس وتعرفهم بأنها من الجن ،وفي بعض
الحيان تكذب في قولها ،فتزعم أنها من الملئاكة ،وأحيان ا تسمي نفسها برجال الغيب ،أو تدعي أنها
من عالم الرواح ....
وهي في كل ذلك تحدث بعض الناس ،وتخبرهم بالكلم المباشر ،أو بوساطة شخص منهم يسمى
الوسيط ،تتلبس وتتحدث على لسانه ،وقد تكون الجابة بوساطة الكتابة ...
وقد تقوم بأكثر من ذلك ،فتحمل النسان ،وتطير به في الهواء ،وتنقله من مكان إلى مكان ،وقد تأتي
ب الرض والسماوات ،أو
له بأشياء يطلبها ،ولكنها ل تفعل هذا إل بالضالين ،الذين يكفرون بال ر م
يفعلون المنكرات والموبقات ....
) (1/81
وقد يتظاهر هؤلء بالصلح والتقوى ،ولكنهم في حقيقة أمرهم من أضمل الناس وأفسقهم ،وقد ذكر
القدامى والمحدثون من هذا شيئا ا كثي ار ،ل مجال لتكذيبه والطعن فيه ؛ لبلوغه مبلغ التواتر .
فمن ذلك ما ذكره ابن تيمية عن الحلج قال " :وكان صاحب سيمياء وشياطين تخدمه أحيانا ،كانوا
معه ) بعض أتباعه ( على جبل أبي قبيس ،فطلبوا منه حلوة ،فذهب إلى مكان قريب ،وجاء بصحن
حلوى ،فكشفوا المر فوجدوا ذلك قد سرق من دكان حلوي باليمن ،حمله شيطان تلك البقعة " .
قال " :ومثل هذا يحدث كثي ار لغير الحلج ممن له حال شيطاني ،ونح نعرف كثي ار من هؤلء في
زمننا وغير زمننا ،مثل شخص هو الن ) في زمن ابن تيمية ( بدمشق ،كان الشيطان يحمله من جبل
الصالحية إلى قرية حول دمشق ،فيجيء من الهواء إلى طاقة البيت ،فيدخل وهم يرونه ،ويجيء
بالليل على باب الصغير ) باب من أبواب دمشق الستة التي كانت يومئاذ ( ،فيعبر منه هو ورفيقه ،
وهو من أفجر الناس .
وآخر كان بالشوبك ) قلعة حصينة في أطراف الشام ( من قرية يقال لها :الشاهدة ،يطير في الهواء
إلى رأس الجبل والناس يرونه ،وكان شيطان يحمله ،وكان يقطع الطريق.
وأكثرهم شيوخ الشمر ،يقال لحدهم ) :البوشي أبي المجيب ( ينصبون له خركاه في ليلة مظلمة ،
ويصنعون خب از على سبيل القربات ،فل يذكرون ال ،ول كتاب فيه ذكر ال ،ثم يصعد ذلك البوشي
في الهواء وهم يرونه ،ويسمعون خطابه للشيطان ،وخطاب الشيطان له .ومن ضحك أو سرق من
الخبز ضربه الدف ،ول يرون من يضرب به .
ثم إن الشيطان يخبرهم ببعض ما يسألونه عنه ،ويأمرهم بأن يقربوا له بق ار وخيلا وغير ذلك ،وأن
يخنقوها خنقا ،ول يذكرون اسم ال عليها ،فإذا فعلوا قضى حاجتهم " .
) (1/82
ويذكر ابن تيمية أيض ا عن " شيخ أخبر عن نفسه أنه كان يزني بالنساء ويتلوط الصبيان ،وكان يقول :
يأتيني كلب أسود بين عينيه نكتتان بيضاوان ،فيقول لي :فلن ابن فلن نذر لك نذ ار ،وغدا نأتيك به
،فيصبح ذلك الشخص يأتيه بذلك النذر ،ويكاشفه هذا الشيخ الكافر " .
ويذكر عن هذا الشيخ أنه قال " :وكنت إذا طلب مني تغيير مثل ) اللدن ( )صمغ يستعمل عط ار
ودواء( أقول :حتى أغيب عن عقلي ،إواذا باللدن في يدي أو في فمي ،وأنا ل أدري من وضعه .
قال :وكنت أمشي وبين يدي عمود أسود عليه نور .
قال :فلما تاب هذا الشيخ ،وصار يصلي ويصوم ،ويجتنب المحارم ،ذهب الكلب ،وذهب التغيير ،
فل يأتي باللدن ول غيره .
ويحكى عن شيخ آخر كان له شياطين يرسلهم يصرعون بعض الناس ،فيأتي أهل ذلك المصروع إلى
الشيخ يطلبون إب ارجءه ،فيرسل إلى أتباعه ،فيفارقون ذلك المصروع ،ويعطون الشيخ دراهم كثيرة ،
وكان أحيان ا تأتيه الجن بدراهم وطعام تسرقه من الناس ،حتى إن بعض الناس كان له تين في كوارة ،
فيطلب الشيخ من شياطينه تينا فيحضرونه له ،فيطلب أصحاب الكوارة التين ،فيجدونه قد ذهب .
ويذكر عن آخر أنه كان مشتغلا بالعلم فجاجءته الشياطين وأغوته ،وقالوا له :نحن نسقط عنك الصلة
،ونحضر لك ما تريد ،فكانوا يأتونه بالحلوى ،حتى حضر عند بعض الشيوخ العارفين بالسنة فاستتابه
،وأعطى أهل الحلوة ثمن حلوتهم التي أكلها ذلك المفتون بالشيطان " ). (1
وبين شيخ السلم بعض طرق الشيطان في الغواء ،فقال ) " : (2أنا أعرف من تخاطبه النباتات بما
فيها من المنافع ،إوانما يخاطبه الشيطان الذي دخل فيها ،وأعرف من يخاطبهم الشجر والحجر ،
وتقول :هنيئا ا لك يا ولي ال ،فيق أر آية الكرسي فيذهب ذلك ،وأعرف من يقصد صيد الطير ،فتخاطبه
العصافير وغيرها ،وتقول :خذني حتى يأكلني الفقراء ،ويكون الشيطان قد دخل فيها كما يدخل في
النسان ويخاطبه بذلك .
) (1/83
ومنهم من يكون في البيت وهو مغلق ،فيرى نفسه خارجه ،وهو لم يفتح ،وبالعكس ،وكذلك في أبواب
المدينة ،وتكون الجن قد أدخلته وأخرجته بسرعة يتصورون بصورة صاحبه ،فإذا ق أر آية الكرسي مرة
بعد مرة ذهب ذلك كله " .
ويقول رحمه ال " :وأعرف من يخاطبه مخاطب ويقول له :أنا من أمر ال ،ويعده بأنه المهدي الذي
بشر به الرسول صلى ال عليه وسلم ،ويظهر له الخوارق ،مثل أن يخطر بقلبه تصرف في الطير
والجراد في الهواء ،فإذا خطر بقلبه ذهاب الطير أو الجراد يمين ا أو شمالا ذهب حيث أراد ،إواذا خطر
بقلبه قيام بعض المواشي ،أو نومه ،أو ذهابه ،حصل له ما أراد من غير حركة منه في الظاهر ،
وتحمله إلى مكة وتأتي به ،وتأتيه بأشخاص في صورة جميلة ،وتقول له :هؤلء الملئاكة الكروبيون
جاؤوا لزيارتك ،فيقول في نفسه :كيف تصوروا بصورة المردان ؟ ! فيرفع رأسه فيجدهم بلحى ،
ويقولون له :علمة أنك المهدي أنك تنبت في جسدك شامة ،فتنبت ويراها ،وغير ذلك ،وكله من
مكر الشيطان " ). (3
وبين رحمه ال " أن أهل الضلل والبدع الذين فيهم زهد وعبادة على غير الوجه الشرعي ،ولهم أحيان ا
مكاشفات وتأثيرات ،يأوون كثي ار إلى مواضع الشياطين التي خنهي عن الصلة فيها ؛ لن الشياطين
تتنزل عليهم بها ،وتخاطبهم الشياطين ببعض المور كما تخاطب الكهان ،وكما كانت تدخل في
الصنام ،وتكلم عابدي الصنام ،وتعينهم في بعض المطالب كما تعين السحرة ،وكما تعين عباد
الصنام وعباد الشمس والقمر والكواكب ،إذا عبدوها بالعبادات التي يظنون أنها تناسبها ،من تسبيح
لها ولباس وبخور وغير ذلك ؛ فإنه قد تنزل عليهم شياطين يسمونها روحانية الكواكب ،وقد تقضي
بعض حوائاجهم " ). (4
الذين تخدمهم الشياطين يتقربون إليها بالمعاصي :
) (1/84
هؤلء الذين يزعمون الولية – والحقيقة أن الشياطين تخدمهم – ل بمد أن يتقربوا إلى الشياطين بما تحبه
من الكفر والشرك ؛ كي يقضوا بعض أغراضه ،ويذكر ابن تيمية ) : (5أن كثي ار من هؤلء يكتبون
كلم ال بالنجاسة ،وقد يقلبون حروف كلم ال عمز وجمل ،إمما حروف الفاتحة ،إواما حروف ) قل هو
ال أحد ( ،إواما غيرهما – ويذكر أنهم قد يكتبون كلم ال بالدم أو بغيره من النجاسات ،وقد يكتبون
غير ذلك مما يرضاه الشيطان ،أو يتكلمون بذلك .
فإذا قالوا أو كتبوا ما ترضاه الشياطين ،أعانتهم على بعض أغراضهم :إما تغوير ماء من المياه ،إواما
أن يحمل في الهواء إلى بعض المكنة ،إواما أن يأتيه بمال من أموال بعض الناس ،كما تسرقه
الشياطين من أموال الخائانين ،ومن لم يذكر اسم ال عليه ،وتأتي به ،إواما غير ذلك .
رجال الغيب :
يذكر شارح الطحاوية " :أن من الشياطين ما يسميه الناس رجال الغيب ،وأن بعض الناس يخاطبونهم
،وتحصل لهؤلء خوارق يزعمون بها أنهم أولياء ال ،وأن بعض هؤلء يعين المشركين على المسلمين ،
صلوا " .
ويقول :إن الرسول أمره بقتال المسلمين مع المشركين ،لكون المسلمين جع ج
ويعقب شارح الطحاوية على ذلك قائالا " :هؤلء في الحقيقة إخوان المشركين ،وذكر أمن الناس من
أهل العلم في رجال الغيب ثلثة أحزاب :
-1حزب يكذبون بوجود رجال الغيب ،ولكن قد عاينهم الناس ،وثبت عمن عاينهم ،أو حدثه الثقات
بما رأوه ،وهؤلء إذا رأوهم وتيقنوا وجودهم ،خضعوا لهم .
-2وحزب عرفوهم ،ورجعوا إلى القدر ،واعتقدوا أن ثجمم في الباطن طريقا إلى ال غير طريقة النبياء .
-3وحزب ما أمكنهم أن يجعلوا ولي ا خارج ا عن دائارة الرسول ،فقالوا :يكون الرسول هو محمدا
للطائافتين .فهؤلء معظمون للرسول جاهلون بدينه وشرعه " .
) (1/85
ثم قال مبين ا حقيقة هؤلء وأتباعهم " :والحق أن هؤلء من أتباع الشياطين ،وأن رجال الغيب هم الجن
،ويسمون رجالا ،كما قال تعالى ) :وأننه كان رجابل من النس يعوذون برجاجل من الجن فزادوهم رهقا (
] الجن ، [ 6 :إوال فالنس يؤنسون ،أي يشهدون ويرون ،إوانما يحتجب النس أحيان ا ،ل يكون دائام
الحتجاب عن أبصار النس ،ومن ظنهم من النس فمن غلطه وجهله " .
ثم بين أن السبب في الختلف فيهم وفي افتراق هذه الحزاب الثلثة عدم الفرقان بين أولياء الشيطان
وأولياء الرحمن ،وبمين أنه يجب عرض أفعال الناس وأقوالهم وحالهم على الكتاب والسنة ،فما وافقهما
كان صالحا ،وما خالفهما كان غالطا ،ومهما فعل النسان وتبدى من حاله ل يكون مؤمنا ول وليا ل –
إوان طار في الهواء ،ومشى على الماء ما لم يكن ملتزم ا بالكتاب والسنة ). (6
فل بد أن يكون عند العبد الميزان الذي يفرق به بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ،والصالحين
ضل وزاغ ،وظن أعداء ال أولياجءه ،هذا الميزان هو الكتاب والسنة ،فإذا كان العبد
والطالحين ،إوال م
ملتزم ا بهما فنعم ،إوال فإمنه ليس على شيء ،ولو رأيناه يحي الموات ،ويحول المعادن الخسيسة إلى
معادن نفيسة .
يقول ابن تيمية " :ومن لم يميز بين الحوال الرحمانية والنفسانية اشتبه عليه الحق بالباطل ،ومن لم
ينمور ال قلبه بحقائاق اليمان واتباع القرآن ،لم يعرف طريق المحق من المبطل ،والتبس عليه المر
والحال ،كما التبس على الناس حال مسيلمة صاحب اليمامة وغيره من الكذابين في زعمهم أنهم أنبياء
إوانما هم كذابون " ). (7
وقد ألف ابن تيمية كتاب ا عظيم ا ،إذا عرفته ،تبين لك الفارق الكبير بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
بحيث ل يشتبه عليك بعد ذلك أمر أولياء الشيطان ،وقد أسماه " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء
الشيطان " .
ل تسخر الجن لحد بعد نبي ال سليمان :
) (1/86
استجاب ال لنبيه سليمان ،ووهب له ملك ا ل ينبغي لحد من بعده ،فإذا حصل طاعة من الجن لحد
من النس ،فل يكون على سبيل التسخير ،إوانما برضى الجني ،وهل يجوز ذلك ؟
يقول ابن تيمية ) " : (8الجن مع النس على أحوال :فمن كان من النس يأمر الجن بما أمر ال به
ورسله من عبادة ال وحده وطاعة نبيه ،ويأمر النس بذلك ،فهذا من أفضل أولياء ال تعالى ،وهو
في ذلك من خلفاء الرسول صلى ال عليه وسلم ونوابه .
ومن كان يستعمل الجن في أمور مباحة له ،فهو كمن استعمل النس في أمور مباحة له ،وهذا كأن
يأمرهم بما يجب عليهم ،وينهاهم عما حمرم عليهم ،ويستعملهم في مباحات له ،فيكون بمنزلة الملوك ،
الذين يفعلون مثل ذلك ،وهذا إذا قمدر أنه من أولياء ال ،فغايته أن يكون في عموم أولياء ال مثل النبي
الملك مع العبد الرسول ،كسليمان ويوسف مع إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات ال وسلمه
عليهم أجمعين .
ومن كان يستعمل الجمن فيما ينهى ال عنه ورسوله إما في الشرك ،إواما في قتل معصوم الدم ،أو في
العدوان عليهم بغير القتل ،كتمريضه إوانسائاه العلم ،وغير ذلك من الظلم ،إواما في فاحشة ،كجلب
من يطلب منه الفاحشة ،فهذا قد استعان بهم على الثم والعدوان ،ثمم إن استعان بهم على الكفر فهو
كافر ،إوان استعان بهم على المعاصي فهو عاص :إما فاسق ،إواما مذنب غير فاسق .
إوان لم يكن تام العلم بالشريعة ،فاستعان بهم فيما يظن أنه من الكرامات ،مثل أن يستعين بهم على
الحج ،أو يطيروا به عند السماع البدعي ،أو أن يحملوه إلى عرفات ،ول يحج الحج الشرعي الذي أمره
ال به ورسوله ،وأن يحملوه من مدينة إلى مدينة ،ونحو ذلك ،فهذا مغرور قد مكروا به " .
--------------------------------
) (1جامع الرسائال لبن تيمية :ص . 194-190
) (2مجموع الفتاوى . 11/300 :
) (3مجموع الفتاوى لشيخ السلم . 11/300 :
) (4مجموع الفتاوى . 19/41 :
) (1/87
) (1/88
والتدليس على الناس بالحيل طريقة قديمة معروفة ،يضمل بها شياطين النس عباد ال ،يطلبون
الوجاهة عند الناس ،كما يطلبون مالهم ،فقد ذكر ابن تيمية ) (1عن فرقة في عصره كانت تسمى
) البطائاحية ( :أنهم كانوا يمدعون علم الغيب والمكاشفة ،كما يدعون أنهم يرون الناس رجال الغيب ،
ثم كشف شيئاا من دجلهم ،فقد كانوا يرسلون بعض النساء إلى بعض البيوت يستخبرون عن أحوال
أهلها الباطنة ،ثم يكاشفون صاحب البيت بما علموه ،زاعمين أن هذا من المور التي اختصوا
بالطلع عليها .
ووعدوا رجلا – كانوا يمنونه بالملك – أن يروه رجال الغيب ،فصنعوا خشب ا طوالا ،وجعلوا عليها من
يمشي كهيئاة الذي يلعب بأكر الزجاج ،فجعلوا يمشون على جبل المزة ،وذلك المخدوع ينظر من بعيد ،
فيرى قوم ا يطوفون على جبل ،وهم يرتفعون عن الرض ،وأخذوا منه مالا كثي ار ،ثم انكشف له أمرهم
.
ودلسوا على آخر كان يدعى )قفجق( ،إذ أدخلوا رجلا في القبر يتكلم ،وأوهموه أن الموتى تتكلم ؛ وأتوا
به إلى مقابر باب الصغير إلى رجل زعموا أنه الشعراني الذي بجبل لبنان ،ولم يقربوه منه ،بل من بعيد
،لتعود عليه بركته ،وقالوا :إنه طلب منه جملة من المال ،فقال )قفجق( :الشيخ يكاشف وهو يعلم
أن خزائاني ليس فيها هذا كله ،وتقرب قفجق ،وجذب الشعر ،فانقلع الجلد الذي ألصقوه على جلده من
جلد الماعز .
وقد بين الدكتور محمد محمد حسين أن الوسيط – وهو شخص يزعم أهل هذا المذهب الروحيون أن فيه
استعدادا فطري ا يؤهله لن يكون أداة يجري عن طريقها التواصل – غالب ا ما يكون دجالا كبي ار ،وغشاش ا
مدلسا ،وبين كيف أن كثي ار من هؤلء الوسطاء ل يكون على خلق ول دين ،بل إن الروحانيين ل
يشترطون في الوسيط شيئا ا من ذلك ،وقد ذكر حادثة جرت معه شخصي ا تبين له بعد تحقيق منه في
الموضوع أن الوسيط كان دجالا كاذب ا .
) (1/89
وبين كيف أن بعض الحضور يكونون متواطئاين مع المحضرين ،وكيف يحترس في انتقاء الذين يسمح
لهم بحضور مثل هذه الجلسات ،وكيف يعللون إخفاقهم إذا وجد في الحضور بعض الذكياء النبهاء .
وقد أفاض الدكتور محمد محمد حسين في الكشف عن الطريق الولى التي يزعم الروحانيون أنهم
يحضرون بها الرواح ،وهي طريق الدجل والكذب ،واستعمال المؤثرات النفسية والحيل العلمية .
وأشار مجرد إشارة إلى الطريق الثانية وهي استخدام الجن ،وأرى أن غالب الدعوات التي يزعم
أصحابها تحضير الرواح هي من هذا القبيل .
تحضير الرواح دعوة قديمة :
دعوى تحضير الرواح ليست جديدة ،بل هي قديمة ،وقديمة جدا ،وقد نقلنا فيما سبق كيف كان
بعض الناس يتصلون بالجن ،بل حفظت لنا كتب الثقات أن بعض الناس كانوا يزعمون أن أرواح
الموتى تعود إلى الحياة بعد الموت ،يقول ابن تيمية " :ومن هؤلء ) أي أهل الحال الشيطاني من
الكفرة والمشركين والسحرة ونحوهم ( من إذا مات لهم ميت يعتقدون أنه يجيء بعد الموت يكلمهم ،
ويقضي ديونه ،ويرد ودائاعه ،ويوصيهم بوصايا ،فإنهم يأتيهم تلك الصورة التي كانت في الحياة ،وهو
شيطان تمثل في صورته ،فيظنونه إياه " ). (2
تجربة معاصرة :
هذه تجربة حصلت مع الكاتب أحمد عز الدين البيانوني ،ذكرها في كتاب اليمان بالملئاكة ،حرصت
على نقلها بنصها في هذا الموضوع يقول الكاتب :
" لقد شغل ) استحضار الرواح ( المزعوم أفكار الناس في الشرق والغرب ،فخكتبت فيه مقالت ،
بلغات مختلفات ،خنشرت في مجلت عربية وغير عربية ،وألفت فيه مؤلفات ،وبحث فيه باحثون ،
وجربه مجربون ،اهتدى بعد ذلك العقلء منهم إلى أنه كذب وبهتان ،ودعوة إلى كفر وطغيان .
ب ودجل وخداع ،وما الرواح المزعومة إل
إن استحضار الرواح ،الذي يزعمه الزاعمون ،كذ ب
شياطين تتلعب بالنسان ،وتخادعه .
) (1/90
وليس في استطاعة أحد أن يستحضر روح أحد ؛ فالرواح بعد أن تفارق الجساد ،تصير إلى عالم
البرزخ .
ثم هي إما في نعيم إواما في عذاب ،وهي في شغل شاغل عما يدعيه مستحضرو الرواح .
ت أنا إلى ذلك ،من قبل هذه الرواح ،وجربته بنفسي تجربة طويلة ،وظهر لي أنه كذب
وقد خدعي خ
ودجل وخداع ،علي أيدي شياطين تتلعب ،غرضهم من ذلك تضليل الناس وخداعهم ،وموالة من
يواليهم . " ....
بدء التجربة :
ويتابع أحمد عمز الدين كلمه قائالا :
" عرفت منذ أكثر من عشر سنوات تقريب ا رجلا ،يزعم أنه يستخدم الجن في أمور صالحة في خدمة
النسان ،وذلك بوساطة وسيط من البشر .
صل إلى ذلك بتلوات وأذكار طويلة ،قضى فيها زمنا طويلا ،دمله عليها بعض من يزعم
ويزعم أنه تو م
أنه على معرفة بهذا العلم !
جاءني الوسيط ذات يوم يبلغني دعوة فلجن وفلنة من الجن ،لحديث هامم ،لي فيه شأن عظيم .
فذهبت في الموعد المحدد ،متوكلا على ال ،فرح ا بذلك ،لطلع في هذه التجربة على جديد " .
كيف بدأت المخادعة ؟
" من أول أساليب الخداع التي خسلكت معي ،أن طريقة الستحضار ،استغفار وتهليل وأذكار ،مما
يجعل النسان لول وهلة ،يظن أنه يتحدث مع أرواح علوية صادقة طاهرة .
دخلت بيت الوسيط ،وخلونا مع ا في غرفة ،وجلس هو على فراش ،وبدأنا – بدللته طبع ا نستغفر
ونهلل – حتى أخذته إغفاءة ،جفأضجعته أنا على فراشه ،وسجيته بغطاء ،كما علمني أن أفعل ،إواذا
بصوت خافت ،يسلم صاحبه علمي ،ويظهر حفاوته بي وحبه ،ويعرفني بنفسه ،إنه مخلوق ،يزعم أنه
ليس من الملئاكة ،ول من الجمن ،ولكنه خلق آخر ،من نوع آخر ،خوجد بقوله تعالى " كن " فكان .
وهذا على زعمه أمن الجن ل يصدرون إل عن أمره ،وأن بينه وبين ال تعالى في تلقي الوامر خمس
وسائاط فقط ،خامسهم جبريل عليه السلم .
) (1/91
وأخذ يثني علمي ،ويقول :إنهم سيقطعون كل علقة لهم بالبشر ،وسيكتفون بلقائاي ،لني على زعمهم
صاحب الخصوصية في هذا العصر ،وموضع العناية من ال تعالى ،وأن ال تعالى هو الذي اختارني
لذلك .
ووعدني بوعود رائاعة ،فيها العجب العجاب .
واستسلمت لهذه التجربة الجديدة ،والدعوة الخادعة ،متوكلا على ال عمز وجمل ،سائالا ال تعالى أن
ق المبين ،مستضيئا ا بنور العلم ،سالك ا سبيل الستقامة ،
يعصمني من الزلل ،وأن يهديني إلى الح م
والحمد ل تعالى .
ولما انقضى اللقاء الول ،دعاني إلى لقاء آخر ،في موعد آخر ،ثم دلني هو نفسه على تلوة خاصة
؛ ليقاظ الوسيط من غيبوبته .
وكان ذلك ،وجلس الوسيط ،وعرك عينيه ،كأنه انتبه من نوم عميق ،ول علم له بشيء مما جرى .
ورجعت في الموعد المحدد أيض ا ،وتم بيننا بعد لقاءات مدة طويلة ،وفي كل لقاء ،تتجدد الوعود
ي.
الحسنة ،ويوصف لي المستقبل الرائاع الذي ينتظرني ،والنفع العظيم الذي تلقاه المة على يد م
تطور الموضوع :
وتطور المر ،فأخذ كثير من الرواح يزورونني في كل لقاء ،بمقدمات من الذكار ،وبغير مقدمات ،
فقد أكون مع الوسيط على طعام ،أو على تناول كأس من الشاي ،فتأخذه الغفاءة المعهودة ،فيميل
رأسه إلى المام ،وتلتصق ذقنه بصدره ،ويحدثني الزائار الذي يزعم أنه من الملئاكة ،أو من الجن ،
أو من الصحابة ،أو من الولياء ،حديثا يغلب عليه طابع الحترام والجلل ،والتبرك بزيارتي ،
وتبشيري بالمستقبل الزاهر المبارك ،ثم ينصرف ،ويجيء غيره وغيره . " ...
من الزائارون ؟
) (1/92
" ازرني فيما زعموا أفراد من الملئاكة ،وأفراد من الجن ،وأبو هريرة رضي ال عنه من الصحابة ،
وطائافة من الولياء ،أمثال أبي الحسن الشاذلي رضي ال عنه ،وطائافة من أهل العلم والفضل ،
المشهود لهم بالعلم والولية ،أمثال الشيخ أحمد الترمانيني رحمه ال تعالى ،وبعض من أدركتهم من
أهل العلم والفضل ،ثم أدركتهم الوفاة ،ومنهم والدي رحمه ال تعالى .
وبشروني بزيارة والدي إياي ،في وقت عينوه ،وانتظرت الموعد بلهف ،ولما كان الموعد المنتظر ،
كلفوني أن أق أر سورة )) الواقعة (( جه ار ،فقرأتها ،ولما فرغت من ق ارجءتها ،قالوا :
سيحضر والدك بعد لحظات ،فاسمع ما يقول ،ول تسأله عن شيء !!! " .
بدء انتباهي :
" وبعد دقائاق جاءني ،جاء من يزعم أنه أبي ،فسلم علي ،وأظهر سروره بلقائاي ،وفرحه بي على
صلتي بهذه الرواح ،وأوصاني أن أعتني بالوسيط وأهله ! وأن أرعاه رعاية عطف إواحسان ،إذ ل
مورد له من المال إل من هذا الطريق .
وختم حديثه بالصلة البراهيمية ،وأنا أعلم أنه رحمه ال تعالى ،كان شديد الولع بالصلة على النبي
صلى ال عليه وسلم ،ول سيما البراهيمية .
وكان من العجب أن لهجة المتحدث شبيهة إلى حمد ما بلهجة الوالد .ثم سلم وانصرف .
وأخذت أتسائال في نفسي :لم أوصوني أن ل أسأله عن شيء ؟ !
في المر سر ول شك !
السر الخفي الذي انكشف لي آنذاك ،أنه ليس بوالدي ،ولكنه قرينه من الجن ،الذي صحبه مدة حياته
،فجاءني يمثل لي صوته ،ويتشبه بخصوصية من خصوصياته .
أوصوني أن ل أسأله عن شيء ؛ لن القرين من الجن ،مهما عرف من شأن والدي وحفظ من أحواله ،
فلن يستطيع أن يحفظ كل جزئاية يعرفها الولد من أبيه ،فحذروا أن أسأله عن شيء من ذلك ،فل
يجيبني ،فيفتضح المر .
ثم سلكوا معي في لقائاي مع الخرين ،أن ل يعرفوني بأسمائاهم إل عند انصرافهم ،فيقول أحدهم :أنا
فلن ،ويسلم ،وينصرف على الفور .
) (1/93
وفي ذلك من السر ما ذكرت :فلو أخبرني واحد منهم عن نفسه ،وهو مشهود له بالعلم ،فبحثت معه
في إشكال علمي ،لعجز عن الجواب ،وانكشف المر .
وقد أتاني آجت مرة يناقشني في إباحة كشف وجه المرأة ،وأنه ليس بعورة ،فرددت عليه ،ورد علمي ردا
ليس فيه رائاحة العلم ،واحتدم الجدال بيننا .
فقلت له :وماذا تجيب عن أقوال الفقهاء الذي قالوا :
إن وجه المرأة عورة ،أو يجب ستره خشية الفتنة ؟
وانتهى الجدال إلى غير جدوى ،ثم أخبرني أنه الشيخ أحمد الترمانيني ،وانصرف .
فانكشف لي أنه الكذب ل شك فيه ،لن الشيخ المذكور من كبار فقهاء الشافعية ،والسادة الشافعية
يقولون :المرأة كلها عورة ،ولو عجو از شمطاء .
فلو أنه كان هو الشيخ المذكور ،وانكشف له من العلم جديد ،وهو في عالم البرزخ ،لخبرني بذلك ،
وأرشدني إلى دليله .
ولكنه الكذب والخداع ،إوارادة التضليل .وأبى ال تعالى – والحمد ل – إل هداي ،وثباتي على الحق
والهدى .
ف المرأة وجهها ،ول سيما في هذا الزمان الفاسد والمجتمع المريض ،أمر ل خيقره ذو عقل ودين " .
فكش خ
انكشاف الحقيقة !
" ولم تزل تنكشف لي الحقيقة على وجهها مرة بعد مرة ،وفي تجربة بعد تجربة ،حتى تحقق عندي أن
المر كله كذب وبهتان ،ودجل وطغيان ،ل أساس له من تقوى ،ول قائامة له على دين .
فالوسيط الذي يعتنون بشأنه ،ويوصون بحسن رعايته إواكرامه ،تارك صلة ،ول يأمرونه بها .
وهو يحلق لحيته ،ول يأمرونه بفإطلقها .
ثم هو يأكل أموال الناس بالباطل ،وبالوعود الخادعة ،ول مورد له إل من هذا الطريق الخبيث .
جاءني رجل بعدما عرف صلتي بهذا الوسيط ،يشكو إلمي أنه خدعه ،فأخذ منه ثلثمائاة ليرة سورية ،
وهو فقير ،وفي أشد الحاجة إليها .
فألزمت الوسيط برمدها إليه ،فاستجاب لذلك حرص ا منه ومن شياطينه على بقاء صلتي بهم .
والوسيط وأسرته تقوم حياتهم على الكذب في أكثر شؤونهم ( .
الخاتمة :
) (1/94
وختم الشيخ أحمد عز الدين كلمه على هذه التجربة بقوله :
" حاولت هذه الرواح بعدما انكشف لي أمرها أن تسلك معي مسلك التهديد ،فلم يزلزل ذلك من قلبي
شيئاا ،والحمد ل .
وقد كنت كتبت في هذه المدة الطويلة مما حدثوني به ما مل دفترين كبيرين ،جمعت فيهما أكثر ما
حدثوني به .
ولما ظهر الباطل ظهو ار ل يحتمل التأويل ،قطعت الصلة بهم ،وحكمت عليهم بما حكمت ،وأحرقت
الدفترين اللذين امتلا بالكذب والخداع .
فهذه الرواح التي تمدعي أنها أرواح رجال من الصحابة والولياء والصالحين ،كلها شياطين ،ل ينبغي
لمؤمن عاقل أن ينخدع بها .
وجميع الصور التي اعتادها مستحضرو الرواح كذب وباطل .
سواء في ذلك طريقة الوسيط التي ذكرتها وجربتها ،وطريقة المنضدة والفناجين التي ذكرها لي بعض
من جربها ،ووصل إلى النتيجة التي وصلت إليها .
ومن عجيب المر أني قرأت بعد ذلك كتبا مؤلفةا في هذا الموضوع ،فإذا بالمجربين العاقلين وصولوا
إلى مثل ما وصلت إليه ،وحكموا على تلك الرواح ،أنها قرناء بني آدم من الجن ،كما هداني ال
تعالى إلى ذلك من قبل ،والحمد ل .
وقد أديت بكلمتي هذه النصح الواجب ،وال الهادي والموفق " .
خطر هذه الدعوات :
هذه الدعوات التي تزعم أن بإمكانها تحضير الرواح اتخذها شياطين الجن والنس سبيلا لفساد الدين
ضر ،وهي في الحقيقة شياطين تتكلم بكلم يحطم الدين وينسفه ،وتقر مبادئ
،فهذه الرواح التي ختح م
ومثلا جديدة تعارض الحق كل المعارضة ،ففي واحدة من هذه الجلسات زعمت الروح ) الشيطان (
على لسان الوسيط أن جبريل قد حضر هذه الجلسة ،ولما كان الحضور ل يعرفون جبريل قالت " :أل
تعرفون جبريل الذي كان ينزل بالقرآن على محمد ؟ ! إنه يبارك هذا الجتماع " .
) (1/95
وينقل الدكتور محمد محمد حسين عن مجلة ) عالم الروح ( من مقال لها بعنوان )حديث الروح الكبير
هوايت هوك( ما يأتي ) :يجب أن نتحد في هذه الحركة ،في هذا الدين الجديد ،يجب أن تسودنا
المحبة ،ويجب أن تكون لنا قدرة على الحتمال والتفاهم ...
رسالتي ) المتحدث هنا الروح أي الشيطان ( أي أواسي المحروم ،وأساعد النسان على تحرره في
نفسه من ال تعالى ) ،وصدق وهو كذوب فهذه رسالته ،أي يجعله يكفر بال ( النسان إله مكسو
بعناصر الرض )هكذا ينفخ في النسان ،ويكذب عليه ليضله( ،وهو لن يدرك ما في مقدوره ما لم
يحس بجزئاه الملئاكي اللهي ، ...الروحية ستكون أقدر من غيرها على تأسيس دين جديد واسع للعالم
كله " .
وينقل عن هذه المجلة أيض ا تعريف ا بالمنظمة التي أسست لهذه الغاية " إن هذه المنظمة ستكون لكل
البشرية ،وعن طريقها سوف يوضح لنا سكان العالم الروحي طريقة جديدة للحياة ،ويعطوننا فكرة
جديدة عن ال ومشيئاته ،إنهم سوف يأتون لنا بالسلم والطمأنينة الروحية وبسعادة النفس والقلب ،
سوف يحطمون الحواجز بين الشعوب والفراد ،وبين العقائاد والديان )هكذا( ...إمن العضوية في هذه
المنظمة بدون نظر للوطن أو اللون أو الدين أو المذهب السياسي " .
وقد تزعم الرواح أنها مرسلة من عند ال ،فالدكتور محمد محمد حسين يذكر أن محمد فريد وجدي نقل
عن هذه الرواح ) الشياطين ( قولها " :نحن مرسلون من عند ال كما أرسل المرسلون قبلنا ،غير أن
تعاليمنا أرقى من تعاليمهم ،فإلهنا هو إلههم ،إل أن إلهنا أظهر من إلههم ،وأقل صفات بشرية وأكثر
صفات إلهية ، ...ل تخضع لي عقيدة مذهبية ،ول تقبل بل بصر ول روية تعاليم ل تستند إلى العقل
".
) (1/96
وهم يزعمون أمن الرسل والنبياء ما هم إل وسطاء على درجة عالية من الوساطة ،وأن المعجزات التي
جرت على أيديهم ليست إل ظواهر روحية ،كالظواهر التي تحدث في حجرة تحضير الرواح ،
ويزعمون أنهم يستطيعون أن يعيدوا أحداث ما نسب للمسيح عن طريق الرواح .
وقد قامت بعض الصحف بحملة دعائاية كبيرة ،زعمت أن أحد محضري الرواح في أمريكا يستطيع أن
يقوم بمثل معجزات المسيح ،فهو يعيد البصر إلى العمى ،والنطق إلى البكم ،والحركة للمشلول ،
بقي أن تعلم أن الطبيب المزعوم طفل في العاشرة من عمره يدعى ) ميشيل ( .وعندما يأتيه المريض
يضع أنامله عليه ،ويتمتم ببعض الدعية والكلمات فتحدث المعجزة .ويقولون :إن هذا الطفل ورث
الموهبة الروحانية عن والده ،وهو ل يتقاضى شيئا ا من المال عما يقوم به من أعمال ). (3
ووراثة هذا الطفل العمال من أبيه تذكرنا بقصة تروى في بعض نواحي فلسطين ،يقول الرواة :إن أحد
الرجال الذين كانوا يظهرون الصلح والتقى ،كان يفعل عجب ا ،فقد كان – في ذلك الوقت الذي لم
تظهر فيه الطائارة والسيارة – ينطلق إلى الحج في ليلة عرفة ،فيشهد ذلك اليوم مع الحجيج ،ويسلمهم
رسائال من أقاربهم وذويهم ،ويأخذ منهم رسائال إلى أقاربهم وذويهم ،ويعود في الليلة الخرى ،وكان
كثير من الناس يعتقد فيه الصلح والخير ،على الرغم من أنه ما كان يقوم بمناسك الحج ،ول يمكث
في منى المدة المقررة ،ول يرمي الجمرات .
) (1/97
ثم شاء ال أن يكشف باطله ،ويظهر أمره للناس ،فعندما جاجءه الموت استدعى ابنه الكبر ،وأخبره أن
جملا سيأتيه ليلة عرفة ،ويحمله إلى عرفات في كل عام ،ولما جاء الجمل وركبه البن ،وسار مسافة
وقف ،وتحدث إلى البن وأخبره أنه شيطان ،وأن أباه كان يعبده ،ويسجد له ،وفي مقابل ذلك يخدمه
مثل هذه الخدمات ،ولما رفض البن السجود له ،واستعاذ بال منه ،تركه في الصحراء ،وقدر ال له
الرجوع ،وكشف حقيقة أبيه الكافر .
وقد أشار إلى هذه القصة البيانوني في كتابه ) الملئاكة ( بأخصر مما أثبتناه هنا .
هل يمكن استحضار الرواح ؟
لقد وضعت مجلة ) سينتفيك أمريكان ( جائازة مالية ضخمة لمن يقيم الحجة على صدق الظواهر
الروحية ،ول تزال الجائازة قائامة لم يظفر بها أحد على الرغم من انتشار الروحيين ونفوذهم وبراعتهم في
أمريكا ،وقد ضم إلى هذه الجائازة جائازة أخرى تبرع بها الساحر المريكي دننجر للغرض نفسه ،ولم
يظفر بها أحد أيض ا .
حكم الشريعة في تحضير الرواح :
ما موقف السلم من إمكان إحضار روح المتوفى ؟ إن التأمل في النصوص التي وردت في هذا تجعل
الباحث يعطي حكما جازما أن ذلك مستحيل ،فقد أخبرنا ال أن الروح من عالم الغيب الذي ل سبيل
إلى إدراكه ) :ويسألونك عن اللروح قل اللروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلن قليلا ( ] السراء :
. [ 85
ق – تبارك وتعالى – أنه يتوفى النفس ،وأنه يمسك النفوس عند موتها ):ال يتونفى النفس
وأخبر الح م
حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك انلتي قضى عليها الموت ويرسل الخرى إلى أججل مسممى (
ا
] الزمر . [ 42 :
وقد ومكل ال بالنفس ملئاكة يعذبونها إن كانت شقية كافرة ،وينعمونها إن كانت صالحة تقية .
وقد بين لنا الرسول صلى ال عليه وسلم كيف يقبض ملك الموت الرواح وما يفعل بها بعد ذلك .
) (1/98
والرواح إذا كانت خملمسكة عند ربها وكل ال بها حفظة أقوياء مهرة ،فل يمكن أن تتفلت منهم ،وتهرب
لتأتي إلى هؤلء الذين يتلعبون بعقول العباد .
ضر روح عبد من عبيد ال الصالحين من النبياء والشهداء ،فكيف يتركون
وبعض هؤلء يزعم أنه ح م
جنان الخلد إلى حجرة التحضير المظلمة ،فقد أخبرنا ال أن الشهداء أحياء عند ربهم ) :ول تحسبنن
انلذين قتلوا في سبيل ال أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ( ] آل عمران . [ 169 :
وقد بين الرسول صلى ال عليه وسلم ) أن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر ،لها قناديل معلقة
بالعرش ،تسرح من الجنة حيث شاجءت ،ثمم تأوي إلى تلك القناديل ( .رواه مسلم في صحيحه )، (4
فكيف يزعم دجالو العصر أنهم يحضرون أرواح هؤلء ؟ كيف ؟ ) كبرت كلمةا تخرج من أفواههم إن
يقولون إلن كذب ا ( ] الكهف . [ 5 :
شبهة وجوابها :
يقولون :فكيف تعللون معرفة الرواح بأخلق وأعمال الرجل الذي تزعم أنها كانت تسكنه ؟
قلنا :هذا الذي يزعم أنه روح إنما هو شيطان ،ولعل هذا الشيطان هو القرين الذي كان يلزم النسان
،وقد ذكرنا النصوص التي تدمل على أن لكل إنسان شيطان ا ،فهذا القرين الملزم للنسان يعلم عنه
الكثير من أخلقه وعاداته وصفاته ،ويعرف أقاربه وأصدقاءه .
فعندما خيلختججبخر ما أسهل أن يجيب ؛ لنه على علم ودراية ،فإن قيل :كيف تفسرون الجابات العلمية
التي قد نحصل عليها من الرواح ؟ نقول :سبق أن بينا أن الشياطين والجن لديهم القدرات العلمية التي
تمكنهم من الجابة والفادة .
ولكنها إفادة تحمل في طياتها الضلل العظيم ،فهم ل يفيدوننا إل بمقدار ،كي نثق بهم ،ثم يوجهوننا
الوجهة الضالة السيئاة ،التي توبقنا في دنيانا وأخرانا .
تخلي الشياطين عن أتباعها :
) (1/99
هؤلء الذين خيدعون بالروحانيين ،ويزعمون أنهم يحضرون الرواح ويعالجون بها كاذبون ،وما هذه
الرواح إل شياطين ،وقد تتخلى الشياطين عن هؤلء فتذلهم وتخذلهم ،نشرت جريدة القبس الكويتية )
(5مقالا جاء فيه " :بريطانيا بأسرها تتحدث هذه اليام عن العالم الروحاني ) بيتر غودوين ( الذي
كان يتمتع بمواهب ) روحانية ( خارقة ،يستطيع بوساطتها أن يشفي المرضى من المراض
المستعصية ،ويكشف الشياء المفقودة ،ويسخر الرواح لخدمة النسان .
وكان ) بيتر غودوين ( يتمتع بقدرة فريدة يستطيع بوساطتها أن يوجد في أكثر من مكان في وقت واحد
،فقد كان يشاهده أصدقاؤه في لندن مثلا ،ويشاهده آخرون في اللحظة نفسها في ليفربول ،وآخرون
في مانشستر ،بينما يؤكد فريق رابع أنه لم يكن في هذا المكان ول ذلك ،إوانما كان يجلس في منزله بين
زوجته وأولده .
وأحيان ا كانت أجساده الثيرية المختلفة تتجمع في مكان واحد ،فيكون جالس ا بين أصدقائاه مثلا ،وفجأة
...تدخل عليهم جميع شخصياته الخرى ...وتشاركهم الجلسة ...فتأتي شخصيته الثانية والثالثة ،
والرابعة والخامسة ،ويصبح ) بيتر غودوين ( عبارة عن خمس شخصيات تجالس الحضور ،وتتحدث
إليهم ،أو تتحدث بعضها مع بعض ، ...بينما يكون الجميع مبهورين ، ...وفجأة خسر ) بيتر
غودوين ( كمل شيء وتحول إلى إنسان عادي ،ولم يعد قاد ار على شفاء المرضى ،ول اكتشاف الشياء
المفقودة ،ولكشف المستقبل ،ول تسخير الرواح لخدمة الناس .
وقد بدأت مأساة ) غودوين ( في السنة الماضية عندما حاول استغلل المواهب التي منحت له لتحقيق
مكاسب مادية ، ...وهو ينظر الن إلى الماضي القريب ويقول :إن ما حدث لي لم يكن في الحسبان
،فقد غضبت الرواح مني ،وسلبتني بركتها .
--------------------------------
) (1مجموع الفتاوى . 11/458 :
) (2جامع الرسائال :ص . 195-194
) (3ملحق جريدة القبس الكويتية 17/10/1977 :م .
) (1/100
) (1/101
إما إذا تعدى المر إلى استفتاء أدعياء الغيب ،فإن الجريمة تصبح من العظم بمكان ،ففي صحيح
مسلم عن بعض أزواج النبي عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ) :من أتى عراف ا فسأله عن شيجء ،
لم تقبل له صلة أربعين ليلة ( ). (1
وتصديق هؤلء كفر ،ففي السنن ومسند أحمد عن أبي هريرة مرفوع ا ) :من أتى كاهن ا ،فصدقه بما
يقول ،فقد برئ مما أنزل على محمد ( ). (2
قال شارح العقيدة الطحاوية " :والمنجم يدخل في اسم ) العراف ( عند بعض العلماء ،وعند بعضهم
هو في معناه " ،ثم قال :فإذا كانت هذه حال السائال ،فكيف بالمسؤول ؟ " ومراده إذا كان السائال ل
تقبل له صلة أربعين يوما ،إواذا كان الذي يصدق الكاهن والعراف يكفر بالمنزل على الرسول صلى ال
عليه وسلم ،فكيف يكون حكم الكاهن والعراف ؟
سؤال العرافين والكهنة على وجه المتحان :
يرى ابن تيمية أن سؤال الكهنة ،بقصد امتحان حالهم ،واختبار باطنهم ،ليميز صدقهم من كذبهم ،
جائاز ،واستدل بحديث الصحيحين :أن النبي صلى ال عليه وسلم سأل ابن صياد ،فقال ) :ما ترى
؟ ( فقال :يأتيني صادق وكاذب ،قال :خلط المر عليك .قال النبي صلى ال عليه وسلم ) :إني
قد خبأت لك خبيئا ا ( ،قال :هو الدخ ،قال النبي صلى ال عليه وسلم ) :اخسأ ،فلن تعدو قدرك ( )
. (3فأنت ترى أن الرسول صلى ال عليه وسلم سأل هذا الممدعي ،ليكشف أمره ،ويبين للناس حاله .
المنجمون :
وصناعة التنجيم التي مضمونها :الحكام والتأثير ،وهو الستدلل على الحوادث الرضية بالحوال
الفلكية ،أو التمزيج بين القوى الفلكية والقوابل الرضية :صناعة محرمة بالكتاب والسنة ؛ بل هي
محرمة على لسان جميع المرسلين ،قال تعالى ) :ول يفلح النساحر حيث أتى ( ] طه . [ 69 :وقال
تعالى ) :ألم تر إلى انلذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت وال ن
طاغوت ( ] النساء . [ 51 :
قال عمر بن الخطاب :الجبت السحر ). (4
) (1/102
تعليل صدق المنجمين والعرافين في بعض الحيان :
قد يزعم قائال أن العرافين والكهنة والمنجمين يصدقون أحيان ا ،والجواب :أن صدقهم في كثير من
الحيان يكون من باب التلبيس على الناس ،فإنهم يقولون للناس كلم ا عام ا يحتمل وجوه ا من التفسير
،فإذا حدث المر ،فإنه يفسره لهم تفسي ار يوافق ما قال .
وصدقهم في المور الجزئاية إما أنه يرجع إلى الفراسة والتنبؤ ،إواما أن تكون هذه الكلمة الصادقة مما
خطفه الجن من خبر السماء .ففي الصحيحين عن عائاشة ،قالت :سئال رسول ال صلى ال عليه
وسلم عن الكهان ؟ فقال ) :ليسوا بشيء ( .قالوا :يا رسول ال ،إنهم يحدثوننا بالشيء فيكون حق ا !
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني ،فيقذفها في أذن وليه ،
فيخلطون معها مائاة كذبة ( ). (5
إواذا كانت القضية التي صدق فيها من المور التي حدثت كمعرفته بالسارق ،أو معرفته باسم الشخص
الذي يقدم عليه لول مرة وأسماء أبنائاه وأسرته ،فهذا قد يكون بحيلة ما ،كالذي يضع شخص ا ليسأل
الناس ،وتكون عنده وسيلة لستماع أقوالهم قبل أن يمثلوا بين يديه ،أو يكون هذا من فعل الشياطين ،
وعلم الشياطين بالمور التي حدثت ووقعت ليس بالمر المستغرب .
الكهنة رسل الشياطين :
) (1/103
يقول ابن القيم ) " : (6الكهنة رسل الشيطان ؛ لن المشركين يهرعون إليهم ،ويفزعون إليهم في أمورهم
العظام ،ويصدقونهم ،ويتحاكمون إليهم ،ويرضون بحكمهم ،كما يفعل أتباع الرسل بالرسل ،فإنهم
يعتقدون أنهم يعلمون الغيب ،ويخبرون عن المغيبات التي ل يعرفها غيرهم ،فهم عند المشركين بهم
بمنزلة الرسل ،فالكهنة رسل الشيطان حقيقة ،أرسلهم إلى حزبه من المشركين ،وشبههم بالرسل
الصادقين ،حتى استجاب لهم حزبه ،ومثل رسل ال بهم لينفر عنهم ،ويجعل رسله هم الصادقين
العالمين بالغيب ،ولما كان بين النوعين أعظم التضاد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :من أتى
عرافا أو كاهنا ،فصدقه بما يقول ،فقد كفر بما أنزل على محمد ( ). (7
فإن الناس قسمان :أتباع الكهنة ،وأتباع الرسل ،فل يجتمع في العبد أن يكون من هؤلء وهؤلء ،بل
ب الرسول بقدر تصديقه للكاهن .
يبعد عن الرسول صلى ال عليه وسلم بقدر قربه من الكاهن ،وخيجكمذ خ
أقول :ومن يدرس تواريخ المم يعلم أن الكهان والسحرة كانوا يقومون مقام الرسل ،ولكنهم رسل
الشياطين ،فالسحرة والكهنة كانت لهم الكلمة المسموعة في أقوامهم ،يحلون ويحمرمون ،ويأخذون
المال ،ويأمرون بأنواع من العبادة والطقوس ترضي الشياطين ،ويأمرون بقطيعة الرحام ،وانتهاك
العراض ،وقد بين العقاد شيئا ا من ذلك في كتابه المسمى بـ ) إبليس ( .
واجب المة نحو هؤلء :
) (1/104
ما يدعيه المنجمون ،والعرافون ،والسحرة ،ضلل كبير ومنكر ل يستهان به ،وعلى الذين أعطاهم
ال دينه ،وعلمهم كتابه وسنة نبيه أن ينكروا هذا الضلل بالقول ،ويوضحوا هذا الباطل بالحجة
والبرهان ،وعلى الذين في أيديهم السلطة أن يأخذوا على أيدي هؤلء الذين يمدعون الغيب من العرافين
والكهنة وضاربي الرمل والحصى ،والناظرين في اليد ) والفنجان ( ،وعليهم أن يمنعوا نشر خزعبلتهم
في الصحف والمجلت ،ويعاقبوا من يتظاهر ببضاعته وضللته في الطرقات ،وقد ذمم ال بني
إسرائايل لتركهم التناهي عن المنكر ) :كانوا ل يتناهون عن لمنكجر فعلوه لبئاس ما كانوا يفعلون (
] المائادة . [ 79 :
وفي السنن عن النبي صلى ال عليه وسلم برواية الصديق – رضي ال عنه – أنه قال ) :إن الناس إذا
أروا منك ار فلم يغيروه يوشك أن يعمهم ال بعقابه ( .رواه ابن ماجة والترمذي وصححه ). (8
--------------------------------
) (1رواه مسلم . 4/1751 :ورقمه . 2230 :
) (2مشكاة المصابيح . 2/525 :ورقمه . 4599 :
) (3رواه البخاري . 6/172 :ورقمه . 3055 :ورواه مسلم . 4/2244 :ورقمه . 2930 :
) (4شرح العقيدة الطحاوية . 568 :وراجع في علم النجوم ،أبجد العلوم لصديق حسن القنوجي :ص
. 542
) (5جامع الصول لبن الثير . 5/63 :
) (6إغاثة اللهفان . 1/271 :
) (7رواه بهذا اللفظ أحمد 2/429 :والطبراني في الوسط (1453) :ورواه أبو داود 4/225 :رقم :
) ، (3904والترمذي 1/164 :رقم ، (135) :وابن ماجة 1/209 :رقم ، (639) :والدارمي :
1/207رقم ) (1136بلفظ ) :من أتى حائاض ا أو امرأة في دبرها أو كاهن ا فصدقه بما يقول فقد كفر
بما خأنزل على محمد ( .
) (8مشكاة المصابيح . 2/643 :ورقمه . 5412 :
المطلب الخامس
الجن والطباق الطائارة
) (1/105
كثر الحديث في هذه اليام عن الطباق الطائارة ،فل يكاد يمر أسبوع إل ونسمع أن شخص ا أو عدة
أشخاص أروا طبقا طائا ار ،رأوه في الجمو محلقا ،أو على الرض جاثما ،أو أروا مخلوقات مخالفة لشكل
النسان تخرج منه ،ووصل المر إلى الدعاء بأن بعض هذه المخلوقات طلبت إلى بعض الناس
مصاحبتها إلى الطبق ،وأجرت فحوص ا عليه .
ول يدعي هذه الدعوى أناس مغمورون فحسب ،بل يزعم ذلك رجال بارزون أمثال رئايس الوليات
المتحدة المريكية ،فإنه يعتقد أمنه لمح شيئا ا طائا ار لم يتعرف على ماهيته في سماء ولية جورجيا عام
. 1973
وهو يبدي اهتمام ا خاص ا بالمخلوقات الخرى التي بدأت تغزو الرض ،فقد أمضى الرئايس المريكي )
كما نشرت الصحف ( أمسية يناقش أحد العلماء المقتنعين بأن النسان ليس المخلوق الوحيد في الكون
،وكان يرافق الرئايس كارتر )فرانك برس( مستشاره للشؤون العلمية ،وبعد ذلك شاهد كارتر داخل
المرصد القومي أفلم ا توجز آخر ما توصلت إليه البحاث حول المخلوقات التي تعيش خارج نطاق
الرض ،وقام بعرض هذه الفلم )كارل ساجان( ،مدير معمل الدراسات الكونية بجامعة )كورنل( ،
الذي ترجع إليه دائام ا وكالة الفضاء المريكية في المور المتعلقة بالمخلوقات التي تعيش خارج نطاق
كوكب الرض ). (1
وينسب ملحق صحيفة الهدف الكويتية الصادر بتاريخ 23/3/78إلى الرئايس الصيني السبق
) ماوتسي تنغ ( أنه كان يؤمن بوجود مخلوقات غيرنا في الكواكب الخرى .
ويذكر كاتب المقال أن حوالي %61من الشعب المريكي مقتنعون بذلك ،وتزعم الصحف المريكية
أن قرابة نصف مليون أمريكي شاهدوا هذه الطباق ،وبعض هؤلء استطاعوا أن يتصلوا بهم اتصالا
مباش ار .
وقد أخرج السينمائاي المريكي ) ستيفن سبيلبرغ ( ) فيلم ا ( سينمائاي ا بعنوان ) مواجهة من النوع الثالث
( بلغت تكاليفه اثنين وعشرين مليون ا من الدولرات المريكية .
) (1/106
وقد وضع الفيلم بعد تجميع المعلومات من الذين شاهدوا الطباق الطائارة ،أو اتصلوا بها .
وقد عرض الفيلم لول مرة في البيت البيض ،وكان الرئايس المريكي أول مشاهديه .
وبعد خروج هذا الفيلم اقتنعت وكالة الفضاء المريكية بضرورة البحث في هذا المجال ،وخصصت
مليون دولر لبحاث عام ، 1979وقد أطلقت على المشروع السري اسم )سيتي( .ويتلخص في
إطلق أجهزة خاصة للفضاء الخارجي ؛ للبحث عن رسائال لسلكية قادمة من كواكب أخرى .
ويمكننا بعد هذا العرض أن نقرر ما يأتي :
-1ل مجال للتكذيب بوجود مخلوقات غريبة غير النسان ،إذ تواترت الرؤية من عشرات اللوف بل
ت ما قيل في هذا الموضوع فترة طويلة ،فكنت أجد مقالا كل أسبوع تقريب ا أو
مئاات اللوف ،وقد تابع خ
أكثر أو أقل حول رؤية جماعة أو شخص لشيء من هذا ). (2
-2احتار الناس في تفسير حقيقة هذه الطباق ،وحقيقة المخلوقات التي تستخدمها ،خاصة أن سرعة
هذه الطباق خيالية تفوق سرعة أي مركبة اخترعها النسان .
-3أكاد أجزم بأن هذه المخلوقات هي من عالم الجن الذي يسكن أرضنا هذه ،والذين تحدثنا عنهم فيما
سبق ،وبينا ما لديهم من قدرات إوامكانات تفوق قدرة البشر ،ولقد أعطوا سرعة تفوق سرعة الصوت
والضوء ،كما أعطوا القدرة على التشكل ،وهم يستطيعون أن يتمثلوا للنسان في صور وأشكال مختلفة
.
وبذلك يتبين لنا فضل ال علينا إذ عرفنا بهذه الحقائاق ،خاصة ونحن نشعر بالحيرة والقلق لدى الذين ل
يعلمون ما علمناه ،وبذلك نوفر طاقاتنا العقلية وقدراتنا العلمية وأموالنا ؛ كي نوجهها وجهة نافعة .
) (1/107
وقد يتساءل بعضنا عن السمر في ظهور هذه الطباق في أيامنا هذه ،وعدم ظهورها في العصور
الخالية ،فالجواب أن الجن يلبسون لكل عصر لبوسه ،وهذا العصر عصر التقدم العلمي ،ولذلك فإنهم
يضللون البشر بالطريقة التي تثير انتباههم ،وتشد نفوسهم ،والناس اليوم يتطلعون إلى معرفة شيء
عن الفضاء الواسع ،وعن إمكانية وجود مخلوقات غيرهم فيه .
وقد تحدثنا في كتابنا )) عالم الملئاكة (( عن تنزل الملئاكة لقراءة القرآن ،وأن بعض الصحابة رأى
ظلة فيها مثل المصابيح ،وتنزل الملئاكة على هذا النحو ليس قص ار على عهد النبوة .
--------------------------------
) (1راجع جريدة السياسة الكويتية العدد ). 5/12/77 : (33999
) (2وآخر ذلك ما حدث في الكويت ،فقد قرر أكثر من شخص أنه رأى طبقا طائا ار ،وقد نشرت
الصحف الكويتية النبأ في حينه .
أسلحة المؤمن في حربه مع الشيطان ) الجزء الول (
أولا :الحذر والحيطة :
هذا العدو الخبيث الماكر حريص على إضلل بني آدم ،وقد علمنا أهدافه ووسائاله في الضلل ،
فبمقدار علمك بهذا العدو :أهدافه ووسائاله والسبل التي يضلنا بها تكون نجاتنا منه ،أما إذا كان
النسان غافلا عن هذه المور فإن عدوه يأسره ويوجهه الوجهة التي يريد .
وقد صور ابن الجوزي هذا الصراع بين النسان والشيطان تصوي ار بديع ا حيث يقول " :واعلم أن القلب
كالحصن ،وعلى ذلك الحصن سور ،وللسور أبواب وفيه ثلم ) ، (1وساكنه العقل ،والملئاكة تتردد
على ذلك الحصن ،إوالى جانبه ربض ) (2فيه الهوى ،والشياطين تختلف إلى ذلك الربض من غير
مانع ،والحرب قائامة بين أهل الحصن وأهل الربض ،والشياطين ل تزال تدور حول الحصن تطلب
غفلة الحارس والعبور من بعض الثلم .
فينبغي للحارس أن يعرف جميع أبواب الحصن الذي قد وكل بحفظه وجميع الثلم ،وأل يفتر عن
الحراسة لحظة ،فإن العدو ل يفتر .قال رجل للحسن البصري :أينام إبليس ؟ قال :لو نام لوجدنا
راحة .
) (1/108
وهذا الحصن مستنير بالذكر مشرق باليمان ،وفيه مرآة صقيلة يتراءى فيها صورة كل ما يممر به ،
فأول ما يفعل الشيطان في الربض إكثار الدخان ،فتسومد حيطان الحصن ،وتصدأ المرآة ،وكمال
الفكر يرد الدخان ،وصقل الذكر يجلو المرآة ،وللعدو حملت ،فتارة يحمل فيدخل الحصن ،فيكر
عليه الحارس فيخرج ،وربما دخل فعاث ،وربما أقام لغفلة الحراس ،وربما ركدت الريح الطاردة للدخان
،فتسود حيطان الحصن ،وتصدأ المرآة فيمر الشيطان ول يدري به ،وربما جرح الحارس لغفلته ،وأسر
واستخدم ،وأقيم يستنبط الحيل في موافقة الهوى ومساعدته " ). (3
ثاني ا :اللتزام بالكتاب والسمنة :
أعظم سبيل للحماية من الشيطان هو اللتزام بالكتاب والسنة علما وعملا ،فالكتاب والسنة جاءا
بالصراط المستقيم ،والشيطان يجاهد كي يخرجنا عن هذا الصراط قال تعالى ) :وأنن هذا صراطي
صاكم به لعنلكم تنتقون ( ] النعام [ 153 :
مستقيم ا فانتبعوه ول تنتبعوا اللسبل فتفنرق بكم عن سبيله ذلكم و ن
.
وقد شرح الرسول صلى ال عليه وسلم هذه الية فعن عبد ال بن مسعود قال " :خط لنا رسول ال
صلى ال عليه وسلم خطا ،ثمم قال ) :هذا سبيل ال ( ثمم خط خطوطا عن يمينه وشماله وقال ) :هذه
سبل ،على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ( وق أر ) :وأنن هذا صراطي مستقيم ا فانتبعوه ( ] النعام :
. [ 153رواه المام أحمد والنسائاي والدارمي ). (4
فاتباع ما جاءنا من عند ال من عقائاد وأعمال وأقوال وعبادات وتشريعات ،وترك كل ما نهى عنه ،
يجعل العبد في حرز من الشيطان ،ولذلك قال سبحانه وتعالى ) :يا أنيها انلذين آمنوا ادخلوا في السلم
كافنةا ول تنتبعوا خطوات النشيطان إننه لكم عدنو لمبيبن ( ]البقرة . [208 :
) (1/109
والسلم :هو السلم .وقيل طاعة ال ،وفسره مقاتل بأنه العمل بجميع العمال ووجوه البر ،وعلى
ذلك فقد أمرهم بالعمل بجميع شعب اليمان وشرائاع السلم ما استطاعوا ،ونهاهم عن اتباع خطوات
الشيطان ،فالذي يدخل في السلم مبتعد عن الشيطان وخطواته ،والذي يترك شيئا ا من السلم فقد
اتبع بعض خطوات الشيطان ،ولذلك كان تحليل ما حرم ال ،وتحريم ما أحل ال ،أو الكل من
المحرمات والخبائاث ،كل ذلك من اتباع خطوات الشيطان التي نهينا عنها ) :يا أنيها النناس كلوا منما
في الرض حللا طيبا ول تنتبعوا خطوات النشيطان إننه لكم عدنو لمبين ( ] البقرة . [ 168 :
إن اللتزام بالكتاب والسنة قولا وعملا يطرد الشيطان ويغيظه أعظم إغاظة ،روى مسلم في صحيحه
عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :إذا ق أر ابخن آدم السجدة فسجد ،اعتزل
الشيطان يبكي ،يقول :يا ويله ) ،وفي رواية أبي كريب :يا ويلي ( أمر ابن آدم بالسجود فسجد ،فله
ت بالسجود فأبيت ،في النار ( ). (5
الجمنة وخأمر خ
ثالثا :اللتجاء إلى ال والحتماء به :
خير سبيل للحتماء من الشيطان وجنده هو اللتجاء إلى ال والحتماء بجنابه ،والستعاذة به من
الشيطان ،فإنه عليه قادر .فإذا أجار عبده فأنى يخلص الشيطان إليه ،قال تعالى ) :خذ العفو وأمر
بالعرف وأعرض عن الجاهلين – إوانما ينزغننك من النشيطان نزغب فاستعذ بال إننه سميع عليم (
] العراف . [ 200-199 :
وقد أمر ال رسوله صلى ال عليه وسلم بالستعاذة بال من همزات الشياطين وحضورهم ) :وقل رب
أعوذ بك من همزات النشياطين – وأعوذ بك رب أن يحضرون ( ]المؤمنون . [98-97 :
وهمزات الشياطين :نزغاتهم ووساوسهم ،فال يأمرنا بالستعاذة به من العدو الشيطاني ل محالة ؛ إذ
ل يقبل مصانعة ول إحسانا ،ول يبتغي غير هلك ابن آدم ،لشدة العداوة بينه وبين آدم .
) (1/110
يقول ابن كثير في تفسيره " :والستعاذة هي اللتجاء إلى ال تعالى ،واللتصاق بجنابه من شمر كل
ذي شمر ، ...ومعنى ) أعوذ بال من الشيطان الرجيم ( ؛ أي :أستجير بجناب ال من الشيطان الرجيم
،أن يضرني في ديني ودنياي ،أو يصدني عن فعل ما أمرت به ،أو يحثني على فعل ما نهيت عنه ،
فإن الشيطان ل يكمفه عن النسان إل ال ؛ ولهذا أمر تعالى بمصانعة شيطان النس ومداراته بإسداء
الجميل إليه ليرده طبعه عما هو فيه من الذى ،وأمر بالستعاذة به من شيطان الجمن ؛ لنه ل يقبل
رشوة ،ول يؤثر فيه جميل ؛ لنه شرير بالطبع ،ول يكفه عنك إل الذي خلقه " ). (6
وقد كان صلى ال عليه وسلم يكثر من الستعاذة بربه من الشيطان بصيغ مختلفة ،فكان يقول بعد
دعاء الستفتاح في الصلة ) :أعوذ بال السميع العليم من الشيطان الرجيم ،من همزه ونفخه ونفثه
( ،روى ذلك أصحاب السنن الربعة وغيرهم عن أبي سعيد ). (7
مواضع الستعاذة :
-1الستعاذة عند دخول الخلء :
وكان إذا دخل الخلء يستعيذ من الشياطين ذكورهم إواناثهم ،كما في الصحيحين عن أنس بن مالك
رضي ال عنه قال :كان النبي صلى ال عليه وسلم إذا دخل الخلء ،قال ) :اللهم إني أعوذ بك من
الخبث والخبائاث ( ). (8
وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن زيد بن أرقم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :إن
هذه الحشوش محتضرة ،فإذا أتى أحدكم الخلء فليقل :أعوذ بال من الخبث والخبائاث ( ). (9
-2الستعاذة عند الغضب :
صجرد قال :استب رجلن عند النبي صلى ال عليه وسلم ونحن عنده جلوس ،وأحدهما
عن سليمان بن خ
يسب صاحبه مغضب ا ،قد احممر وجهه ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم ) :إني لعلم كلمة لو قالها
لذهب عنه ما يجد :أعوذ بال من الشيطان الرجيم ( .رواه البخاري ومسلم ). (10
) (1/111
وقد عنلم الرسول صلى ال عليه وسلم أبا بكر إذا أصبح إواذا أمسى أن يقول ) :اللهم فاطر السماوات
ب كل شيء ومليكه ،أعوذ بك من شر نفسي ،
والرض ،عالم الغيب والشهادة ،ل إله إل أنت ،ر م
ومن شمر الشيطان وشركه ،وأن أقترف على نفسي سوءا ،أو أجره إلى مسلم ( ) . (11رواه الترمذي .
-3الستعاذة عند الجماع :
وحثنا على الستعاذة حين يأتي الرجل أهله ،فعن ابن عباس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم
) :لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال :بسم ال ،اللهم جنبنا الشيطان ،وجنب الشيطان ما رزقتنا
،فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا ( .متفق عليه ). (12
-4الستعاذة عند نزول واجد أو منزل :
إواذا نزل المرء وادي ا أو منزلا ،فعليه أن يستعيذ بال ،ل كما كان يفعل أهل الجاهلية يستعيذون بالجن
والشياطين ،فيقول قائالهم :أعوذ بزعيم هذا الوادي من سفهاء قومه ،فكانت العاقبة أن استكبرت الجن
وآذتهم ،كما حكى ال عنهم ذلك في سورة الجن ) :وأننه كان رجابل من النس يعوذون برجاجل من الجن
فزادوهم رهق ا ( ]الجن [6 :؛ أي الجن زادت النس رهق ا .
وقد علمنا الرسول صلى ال عليه وسلم كيف نستعيذ بال عندما ننزل منزلا فعن خولة بنت حكيم :أن
النبي صلى ال عليه وسلم قال ) :لو أن أحدكم إذا نزل منزلا قال :أعوذ بكلمات ال التامة من شمر ما
خلق ،لم يضره في ذلك المنزل شيء ،حتى يرتحل منه ( .رواه ابن ماجة بإسناد صحيح ). (13
-5التعوذ بال من الشيطان عند سماع نهيق الحمار :
يقول الرسول صلى ال عليه وسلم ) :إذا نهق الحمار فتعوذوا بال من الشيطان الرجيم ( .رواه
الطبراني في معجمه الكبير بإسناد صحيح ) ، (14وقد أخبرنا الرسول صلى ال عليه وسلم أن الحمار
إذا نهق فإنه يكون قد رأى شيطان ا ). (15
-6التعوذ حين ق ارجءة القرآن :
) (1/112
قال تعالى ) :فإذا قرأت القرآن فاستعذ بال من النشيطان النرجيم – إننه ليس له سلطان على انلذين آمنوا
وعلى ربهم يتونكلون ( ] النحل . [ 99-98 :
وقد بين ابن القيم الحكمة في الستعاذة بال من الشيطان حين ق ارجءة القرآن ،فقال :
" -1إن القرآن شفاء لما في الصدور يذهب لما يلقيه الشيطان فيها من الوساوس والشهوات والرادات
الفاسدة ،فهو دواء لما أمره الشيطان فيها ،فأمر أن يطرد مادة الداء ،ويخلي منه القلب ،ليصادف
الداء محلا خالي ا ،فيتمكن منه ،ويؤثر فيه ،كما قيل :
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ××× فصادف قلبا خاليا فتمكنا
فيجيء هذا الدواء الشافي إلى القلب ،وقد خل من مزاحم ومضاد له ،فينجع فيه .
-2ومنها :أن القرآن مادة الهدى والعلم والخير في القلب ،كما أمن الماء مادة النبات ،والشيطان نار
يحرق النبات أولا فأولا ،فكلما أحمس بنبات الخير من القلب ،سعى في إفساده إواحراقه ،فأمر أن
يستعيذ بال – عمز وجمل – منه ،لئال يفسد عليه ما يحصل له بالقرآن .
والفرق بين هذا الوجه والوجه الذي قبله أن الستعاذة في الوجه الول لجل حصول فائادة القرآن ،وفي
الوجه الثاني لجل بقائاها وحفظها .
-3ومنها :أن الملئاكة تدنو من قارئ القرآن ،وتستمع لقراءته ،كما في حديث أسيد بن حضير لما
كان يق أر ورأى مثل الظلة فيها المصابيح ،فقال عليه الصلة والسلم ) :تلك الملئاكة ( ،والشيطان
ضد الملك وعدوه ،فأمر القارئ أن يطلب من ال تعالى مباعدة عدوه عنه ،حتى يحضره خاص
ملئاكته ،فهذه منزلة ل يجتمع فيها الملئاكة والشياطين .
-4ومنها :أن الشيطان يجلب على القارئ بخيله ورجله ،حتى يشغله عن المقصود بالقرآن ،وهو
تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به سبحانه ،فيحرص بجهده على أن يحول بين قلبه وبين مقصود
القرآن ،فل يكمل انتفاع القارئ به ،فأمر عند الشروع في القراءة أن يستعيذ بال من الشيطان الرجيم .
) (1/113
-5ومنها :أن القارئ يناجي ال تعالى بكلمه ،وال أشد أذن ا للقارئ الحسن الصوت بالقرآن من
صاحب القينة إلى قينته ،والشيطان إنما ق ارجءته الشعر والغناء ،فأمر القارئ أن يطرده بالستعاذة عند
ب ق ارجءته .
مناجاة ال تعالى واستماع الر م
-6ومنها :أن ال سبحانه أخبر أمنه ما أرسل من رسول ول نبي إل إذا تممنى ألقى الشيطان في أمنيته ،
والسلف كلهم على أن المعنى :إذا تل ألقى الشيطان في تلوته ، ...فإذا كان هذا مع الرسل عليهم
الصلة والسلم فكيف بغيرهم .ولهذا يغلط الشيطان القارئ تارة ،ويخلط عليه الق ارجءة ،ويشوشها عليه
،فيخبط عليه لسانه ،أو يشوش عليه ذهنه وقلبه ،فإذا حضر عند الق ارجءة ،لم يعدم منه القارئ هذا أو
هذا ،وربما جمعها له .
-7ومنها :أن الشيطان أحرص ما يكون على النسان عندما يهم بالخير ،أو يدخل فيه ،فهو يشتد
عليه حينئاذ ؛ ليقطعه عنه " ). (16
-7تعويذ البناء والهل :
عن ابن عباس رضي ال عنهما قال :كان الرسول صلى ال عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين :
) أعيذكما بكلمات ال التامة ،من كل شيطان وهامة ،ومن كل عين لمة ( .ويقول ) :إن أباكما
كان يعوذ بها إسماعيل إواسحاق ( .رواه البخاري ). (17
قال أبو بكر ابن النباري " :الهامة :واحد الهوام ،ويقال :هي كل نسمة تهم بسوء ،واللمة :الملمة
،إوانما قال :لمة ليوافقه لفظ هامة ،فيكون أخف على اللسان " ). (18
خير ما يتعوذ به المتعوذون :
وخير ما يتعوذ به المتعوذون سورتا الفلق والناس ،فقد أمر الرسول صلى ال عليه وسلم عبد ال بن
خبيب أن يق أر ) :قل هو ال أحد ( ،والمعوذتين حين يمسي ،وحين يصبح ،ثلثا .وقال له :
) يكفيك ال كل شيء ( .
وفي رواية أخرى أمره بق ارجءة المعوذتين ،ثم قال له ) :ما تعوذ الناس بأفضل منهما ( .
) (1/114
وفي بعض الروايات :أن هذه القصة كانت مع عقبة بن عامر .وفي رواية أن الرسول صلى ال عليه
وسلم قال لبن عابس الجهني ) :إن أفضل ما تعوذ به المتعوذون المعوذتان ( .وقال الرسول صلى
ال عليه وسلم في بعض روايات حديث عقبة ) :ما سأل سائال بمثلهما ،ول استعاذ مستعيذ بمثلهما (
). (19
كيف تصنع بالشيطان إذ سمول لك الخطايا ؟
حكي عن أحد علماء السلف أنه قال لتلميذه " :ما تصنع بالشيطان إذا سمول لك الخطايا ؟ قال :
أجاهده .قال :فإن عاد ؟ قال :أجاهده .قال :فإن عاد ؟ قال :أجاهده .
قال هذا يطول ،أرأيت إن مررت بغنم فنبحك كلبها ،أو منعك من العبور ما تصنع ؟ قال :أكابده
جهدي وأرده .قال :هذا أمر يطول ،ولكن استعن بصاحب الغنم يكمفه عنك " ). (20
وهذا فقه عظيم من هذا العالم الجليل ،فإن الحتماء بال ،واللتجاء إليه ،هو السبيل القوي الذي يطرد
الشيطان ويبعده ،وهذا ما فعلته أم مريم إذ قالت ) :إواني أعيذها بك وذريتها من النشيطان النرجيم (
] آل عمران . [ 36 :
لماذا ل يذهب الشيطان عندما يستعيذ منه النسان ؟
يقول بعض الناس :إننا نستعيذ بال ،ومع ذلك فإننا نحس بالشيطان يوسوس لنا ،ويحرضنا على
الشر ،ويشغلنا في صلتنا .
والجواب :أن الستعاذة كالسيف في يد المقاتل ،فإن كانت يده قوية ،أصاب من عدوه مقتلا ،إوال
فإنه قد ل يؤثر فيه ،ولو كان السيف صقيلا حديدا .
وكذلك الستعاذة إذا كانت من تقمي ورع كانت نا ار تحرق الشيطان ،إواذا كانت من مخلط ضعيف
اليمان فل تؤثر في العدو تأثي ار قويا .
) (1/115
قال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه ال " :واعلم أن مثل إبليس مع المتقي والمخلط ،كرجل جالس بين
يديه طعام ولحم ،فممر به كلب ،فقال له :اخسأ ،فذهب .فممر بآَخر بين يديه طعام ولحم فكملما
أخسأه )طرده( لم يبرح .فالول مثل المتقي يمر به الشيطان ،فيكفيه في طرده الذكر ،والثاني مثل
المخلط ل يفارقه الشيطان لمكان تخليطه ،نعوذ بال من الشيطان " ). (21
فعلى المسلم الذي يريد النجاة من الشيطان وأحابيله أن يشتغل بتقوية إيمانه ،والحتماء بال ربه ،
واللتجاء إليه ،ول حول ول قوة إل بال .
رابع ا :الشتغال بذكر ال :
ذكر ال من أعظم ما ينجي العبد من الشيطان ،وفي الحديث :أن ال أمر نبي ال يحي أن يأمر بني
إسرائايل بخمس خصال ،ومن هذه ) :وآمركم أن تذكروا ال تعالى ،فإن مثل ذلك مثل رجل خرج
العمدو في أثره سراعا ،حتى إذا أتى إلى حصن حصين ،فأحرز نفسه منهم ،كذلك العبد ل يحرز نفسه
من الشيطان إل بذكر ال ( .
يقول ابن القيم ) " : (22فلو لم يكن في الذكر إل هذه الخصلة الواحدة لكان حقيق ا بالعبد أن ل يفتر
لسانه من ذكر ال تعالى ،وأن ل يزال لهج ا بذكره ،فإمنه ل يحرز نفسه من عدوه إل بالذكر ،ول يدخل
عليه العدو إل من باب الغفلة ،فهو يرصده ،فإذا غفل ،وثب عليه وافترسه ،إواذا ذكر ال تعالى ،
انخنس عدو ال وتصاغر ،وانقمع ،حتى يكون كالجوصع ] طائار أصغر من العصفور [ ،وكالذباب ،
ولهذا سمي ) الوسواس الخناس ( ؛ لنه يوسوس في صدور الناس ،فإذا ذكر ال خنس ،أي كف
وانقبض .وقال ابن عباس :الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ،فإذا سها وغفل وسوس ،فإذا ذكر ال
تعالى خنس " .
) (1/116
ويقول ابن القيم " :الشياطين قد احتوشت العبد وهم أعداؤه ،فما ظنك برجل قد احتوشه أعداؤه
المحنقون عليه غيظ ا ،وأحاطوا به ،وكل منهم يناله بما يقدر عليه من الشمر والذى ،ول سبيل إلى
تفريق جمعهم عنه إل بذكر ال عمز وجمل " .
ثم ساق – رحمه ال – حديث عبد الرحمن بن سمرة ،قال :خرج علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم
يوم ا ،وكنا في صفمجة بالمدينة ،فقام علينا وقال ) :إمني رأيت البارحة عجب ا :رأيت رجلا من أمتي أتاه
ملك الموت ليقبض روحه ،فجاءه بمره بوالديه ،فرد ملك الموت عنه .
ورأيت رجلا قد بسط عليه عذاب القبر ،فجاءه وضوؤه ،فاستنقذه من ذلك .
ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الشياطين ،فجاءه ذكر ال عمز وجمل ،فطرد الشياطين عنه .
ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته ملئاكة العذاب ،فجاءته صلته ،فاستنقذته من أيديهم .
ورأيت رجلا من أمتي يلتهب – وفي رواية :يلهث – عطش ا ،كلما دنا من حوض منع وطرد ،فجاءه
صيام شهر رمضان ،فأسقاه وأرواه .
ورأيت رجلاج من أمتي ورأيت النبيين جلوس ا فحجلق ا فحجلق ا ،كلما دنا إلى حلقة طرد ،فجاءه غسلخهخ من
الجنابة ،فأخذ بيده ،فأقعده إلى جنبي .
ت رجلا من أمتي ،بين يديه ظلمة ،ومن خلفه ظلمة ،وعن يمينه ظلمة ،وعن يساره ظلمة ،ومن
ورأي خ
فوقه ظلمة ،ومن تحته ظلمة ،وهو متحمير فيها ،فجاءه حجة وعمرته ،فاستخرجاه من الظلمة ،
وأدخله في النور .
ورأيت رجلا من أمتي يتقي بيده وهج النار وشرره ،فجاءته صدقته ،فصارت سترة بينه وبين النار ،
وظللت على رأسه .
ورأيت رجلا من أمتي يكلم المؤمنين ول يكلمونه ،فجاءته صلته لرحمه فقالت :يا معشر المسلمين ،
إنه كان وصولا لرحمه فكلموه ،فكلمه المؤمنون ،وصافحوه وصافحهم .
ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الزبانية ،فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ،فاستنقذه من
أيديهم ،وأدخله في ملئاكة الرحمة .
) (1/117
ورأيت رجلا من أمتي جاثيا على ركبتيه ،وبينه وبين ال عمز وجمل حجاب ،فجاءه خحسن خلقه ،فأخذ
بيده ،فأدخله على ال عمز وجمل .
ورأيت رجلا من أمتي قد ذهبت صحيفته من قبل شماله ،فجاءه خوفه من ال عمز وجمل ،فأخذ صحيفته
،فوضعها في يمينه .
ف ميزانه فجاء أفراطه ) ، (23فثقلوا ميزانه .
ورأيت رجلا من أمتي خ م
ورأيت رجلا من أمتي قائاما على شفير جهنم ،فجاءه رجاؤه في ال عمز وجمل ،فاستنقذه من ذلك ومضى
.
ورأيت رجلا من أمتي قد أقوى في النار ،فجاءته دمعته التي بكى من خشية ال عمز وجمل فاستنقذته من
ذلك .
ورأيت رجلا من أمتي قائام ا على الصراط يرعد كما ترعد المسجعفة في ريح عاصف ،فجاءه خحلسخن ظنفه
بال عمز وجمل ،فجسكن رعجدتجهخ ومضى .
ف على الصراط ،ويحبوا أحيان ا ،ويتعلق أحيان ا ،فجاءته صلته ،فأقامته
ورأيت رجلا من أمتي يزح خ
على قدميه ،وأنقذته .
ورأيت رجلا من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة ،فغلقت البواب دونه ،فجاءته شهادة أن ل إله إل ال ،
ففتحت له البواب ،وأدخلته الجنة ( .
رواه الحافظ أبو موسى المديني في كتاب ) الترغيب في الخصال المنجية ،والترهيب من الخلل
المردية ( ،وبنى كتابه عليه وجعله شرح ا له ،وقال :هذا حديث حسن جدا ،رواه عن سعيد بن
المسيب :عمرو بن آزر ،وعلي بن زيد بن جدعان ،وهلل أبو جبلة .وكان شيخ السلم ابن تيمية ،
قدس ال روحه ،يعظم شأن هذا الحديث ،وبلغني عنه أنه كان يقول :شواهد الصحة عليه .
والمقصود منه قوله صلى ال عليه وسلم ) :ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الشياطين ،فجاءه ذكر
ال عمز وجمل ،فطرد الشيطان عنه ( فهذا مطابق لحديث الحارث الشعري ). (24
وقوله فيه ) :وآمركم بذكر ال عمز وجمل ،إوان مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو ،فانطلقوا في طلبه
فسراع ا ،وانطلق حتى أتى حصن ا جحصين ا ،فأحرز نفسه فيه ( .
) (1/118
فكذلك الشيطان ل يحرز العباد أنفسهم منه إل بذكر ال عمز وجمل ،فعن أنس بن مالك قال :قال رسول
ت على ال ،ل حول ول قوة إل ال صلى ال عليه وسلم ) :إذا خرج من بيته فقال :بسم ال ،توكل خ
ت ،فيتججنمحى له الشيطان ،ويقول شيطان آخر :كيف لك بال ،يقال له حينئاذ :خهفديت وكخفي ج
ت وخوفقي ج
برجل قد هفدي وخكفي وخوقي ؟ ( .رواه أبو داود ،وروى الترمذي إلى قوله ) :له الشيطان ( ). (25
وصح عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ) :من قال ل إله إل ال وحده ل شريك له ،
له الملك ،وله الحمد ،وهو على كل شيء قدير ،في يوم مائاة مرة ،كانت له عدل عشر رقاب ،
وكتبت له مائاة حسنة ،ومحيت عنه مائاة سيئاة ،وكانت له حر از من الشيطان يومه ذلك ،حتى يمسي
( .متفق عليه ). (26
وقال أبو خلد المصري :من دخل في السلم ،دخل في حصن ،ومن دخل المسجد ،فقد دخل في
حصنين ،ومن جلس في حلقة يذكر ال عمز وجمل فيها ،فقد دخل في ثلثة حصون .
لني رسول ال صلى ال عليه وفي صحيح البخاري ،عن محمد بن سيرين ،عن أبي هريرة قال " :و م
وسلم زكاة رمضاجن أن احتفظ بها ،فأتاني آجت ،فجعل جيلحثخوا الطعام ،فأخذته ،فقال :دعني فإني ل
ت إلى
أعود . " ....فذكر الحديث ،وقال :فقال في الثالثة " :أعلمك كلمات ينفعك ال بهن ،إذا أوي ج
فراشك ،فاق أر آية الكرسي من أولها إلى آخرها ،فإنه ل يزال عليك من ال حافظ ،ول يقربك شيطان
ك ،وهو
صجدقج ج
حتى تصبح " فخلى سبيله ،فأصبح ،فأخبر النبي صلى ال عليه وسلم بقوله ،فقال ) :ج
كذوب ( .
وذكر الحافظ أبو موسى من حديث أبي الزبير عن جابر قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :
ك :اختم بخير ،ويقول الشيطان :
ك وشيطابن ،فيقول المل خ) إذا أوى النساخن إلى فراشه ،ابتدرهخ مل ب
اختم بشر ،فإذا ذكر ال ،ثم نام ،بات الملك يكلؤه .
) (1/119
إواذا استيقظ ،قال الملك :افتح بخير ،وقال الشيطان :افتح بشر ،فإن قال :الحمد ل الذي رند علي
نفسي ،ولم يمتها في منامها ،الحمد ل الذي يمسك السماوات والرض أن تزول ،ولئان زالتا إن
أمسكهما من أحد من بعده ،الحمد ل الذي يمسك السماء أن تقع على الرض إل بإذنه ،فإن وقع عن
سريره فمات دخل الجنة ( .
رواه أبو يعلى ،ورجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن الحجاج الشامي وهو ثقة " ). (27
وفي الصحيحين عن ابن عباس ،رضي ال عنهما ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :لو
أن أحدخكم إذا أراد أن يأتي أهلجهخ فقال :بسم ال ،اللهم جنبنا الشيطاجن ،وجنب الشيطان ما رزقتنا ،فإنه
إن يقمدر بينهما ولد في ذلك ل يضرهخ شيطابن أبدا ( ). (28
وقد ثبت في )) الصحيح (( أن الشيطان يهرب من الذان .
قال سهيل بن أبي صالح " :أرسلني أبي إلى بني حارثة ومعي غلم – أو صاحب لنا – فناداه مناجد من
حائاط باسمه قال :وأشرف الذي معي على الحائاط ،فلم ير شيئا ا ،فذكرت ذلك لبي ،فقال :لو
شعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك ،ولكن إذا سمعت صوت ا فناد بالصلة ،فإني سمعت أبا هريرة يحدث
عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ) :إمن الشيطان إذا نودي بالصلة ،ولى وله حصاص ( )
. (29
وعن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :إذا نودي للصلة أدبر الشيطان وله
ضراط حتى ل يسمع التأذين ،فإذا قضي النداء أقبل ،حتى إذا قضي التثويب ،أقبل حتى يخطر ببين
المرء ونفسه . (30) ( ....
) (1/120
روى المام أحمد أن أبا تميمة سمع أحد الصحابة يحدث أنه كان رديف رسول ال صلى ال عليه وسلم
قال :عثر بالنبي صلى ال عليه وسلم حماره ،فقلت :تعس الشيطان ،فقال النبي صلى ال عليه
وسلم ) :ل تقل :تعس الشيطان ،فإنك إذا قلت :تعس الشيطان تعاظم ،وقال :بقوتي صرعته ،
إواذا قلت :باسم ال تصاغر ،حتى يصير مثل الذباب ( .قال ابن كثير ) : (31تفرد به أحمد ،
إواسناده جيد .
خامسا :لزوم جماعة المسلمين :
ومما يبعد المسلم عن الوقوع في أحابيل الشيطان أن يعيش في ديار السلم ،ويختار لنفسه الفئاة
ضه عليه ،وتذكره بالخيرات ،فإن في التحاد والتجمع قوة وأي
الصالحة التي تعينه على الحق ،وتح م
قوة ،عن ابن عمر قال :خطبنا عمر بالجابية ،فقال :يا أيها الناس ،إني قمت فيكم كمقام رسول ال
صلى ال عليه وسلم فينا ،فكان مما قال ) :عليكم بالجماعة ،إواياكم والفرقة ،فإن الشيطان مع الواحد
،وهو من الثنين أبعد . (32) ( ..
والجماعة جماعة المسلمين ،إوامام المسلمين ،ول قيمة للجماعة في السلم ما لم تلتزم بالحق :
الكتاب والسنة ،فعن أبي الدرداء قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ) :ما من ثلثة
في قرية ول بدو ،ل تقام فيهم الصلة ،إل قد استحوذ عليهم الشيطان ،فعليك بالجماعة ،فإنما يأكل
الذئاب القاصية ( ). (33
وروى أبو داود في سننه من حديث معاوية بن أبي سفيان أنه قام فقال :أل إن رسول ال صلى ال
عليه وسلم قام فينا فقال ) :أل إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة ،إوان هذه
الملة ستفترق على ثلث وسبعين ،ثنتان وسبعون في النار ،وواحدة في الجنة ،وهي الجماعة ( )(34
.
سادس ا :كشف مخططات الشيطان ومصائاده ): (35
) (1/121
على المسلم أن يتعرف على سبله ووسائاله في الضلل ،ويكشف ذلك للناس ،وقد فعل ذلك القرآن ،
وقام بهذه المهمة الرسول صلى ال عليه وسلم خير قيام ،فالقرآن عرفنا السلوب الذي أغوى الشيطان
به آدم .والرسول صلى ال عليه وسلم كان يعرف الصحابة كيف يسترق الشيطان السمع ،ويلقي
بالكلمة التي سمع في أذن الكاهن أو الساحر ومعها مائاة كذبة ،يبين ذلك لهم كي ل ينخدعوا بأمثال
هؤلء ،وبين لهم كيف يوسوس لهم ويشغلهم في صلتهم وعبادتهم ،وكيف يحاول الشيطان أن يوهمهم
بأن وضوءهم قد فسد ،والمر ليس كذلك ،وكيف يفرق بين المرء وزوجه ،وكيف يوسوس للمرء ،
فيقول له :من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول :من خلق ربك ؟
--------------------------------
) (1الثلمة في السور :الموضع المتهدم منه .
) (2الربض :المكان الذي خيؤوى إليه .
) (3تلبيس إبليس . 49 :
) (4مشكاة المصابيح . 1/58 :ورقمه . 166 :وقال محقق المشكاة :إواسناده حسن .
) (5صحيح مسلم . 1/87 :ورقمه . 81 :
) (6تفسير ابن كثير . 1/28 :
) (7حديث صحيح ،انظر تخريجه ،وكلم الشيخ ناصر الدين اللباني عليه في إرواء الغليل 2/51 :
.ورقمه . 341 :
) (8رواه البخاري . 1/242 :ورقمه ، 142 :ورواه مسلم . 1/283 :ورقمه . 375 :
) (9صحيح سنن أبي داود . 1/4:ورقمه . 4:
) (10مشكاة المصابيح . 1/743 :ورقمه . 2418 :
) (11صحيح سنن الترمذي . 3/172 :ورقمه . 2798 :
) (12مشكاة المصابيح . 1/732 :ورقمه . 3416 :
) (13صحيح سنن ابن ماجة . 2/273 :ورقمه . 2857 :
) (14راجع صحيح الجامع . 1/286 :
) (15الحديث رواه البخاري ومسلم .انظر :مشكاة المصابيح . 1/743 :ورقمه . 2419 :
) (16إغاثة اللهفان . 1/109 :
) (17مشكاة المصابيح . 1/488 :ورقمه . 1535 :
) (18تلبيس إبليس . 47 :
) (19انظر هذه الحاديث في صحيح سنن النسائاي . 1107– 3/1104 :وأرقامها -5017 :
. 5029
) (20تلبيس إبليس . 48 :
) (1/122
) (1/123
إواذا علمنا أمن أم ار ما يحمبه الشيطان ،ويتصف به ،فعلينا أن نخالفه ،فمثلا الشيطان يأكل بشماله ،
ويشرب بشماله ،ويأخذ بشماله ،لذا وجبت علينا مخالفته .روى أبو هريرة :أن النبي صلى ال عليه
وسلم قال ) :ليأكل أحدكم بيمينه ،وليشرب بيمينه ،وليأخذ بيمينه ،وليعط بيمينه ،فإن الشيطان يأكل
بشماله ،ويشرب بشماله ،ويعطي بشماله ،ويأخذ بشماله ( ). (2
والشيطان يشاركنا في الشرب إذا شربنا ،ونحن وقوف ،ولذا أرشدنا الرسول صلى ال عليه وسلم إلى
الشرب ونحن جلوس .
ورمغبنا الرسول صلى ال عليه وسلم في القيلولة ،معلملا ذلك بأن الشياطين ل تقيل ) ،قيلوا ،فإمن
ب ،بإسناد حسن ). (3 الشياطين ل تقيل ( .رواه أبو نعيم في الط م
وحذرنا القرآن من السراف ،وقد عمد المبذرين إخوان الشياطين ،وما ذلك إل لن الشياطين تحب
إضاعة المال إوانفاقه في غير وجهه .
ومن السراف الكثار من الثاث والفراش الذي ل لزوم له ،روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد
ال :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ذكر الفرش فقال ) :فراش للرجل ،وفراش لمرأته ،وفراش
للضيف ،والرابع للشيطان ( ). (4
ومن هذا المنطلق أمرنا الرسول صلى ال عليه وسلم بأن نميط الذى عن اللقمة التي تسقط من أحدنا ،
ول نتركها للشيطان ،عن جابر رضي ال عنه :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ) :إن
الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه ،حتى يحضره عند طعامه ،فإذا سقطت اللقمة ،
فليمط ما كان بها من أذى ،ثم ليأكلها ،ول يدعها للشيطان ،فإذا فرغ فليلعق أصابعه ،فإنه ل يدري
في أي طعامه تكون البركة ( ). (5
مراكب الشيطان :
) (1/124
هذه الخيول والدواب التي يقامر عليها ويراهن عليها تعمد من مراكب الشياطين ،يقول الرسول صلى ال
عليه وسلم ) :الخيل ثلثة :ففرس للرحمن ،وفرس للشيطان ،وفرس للنسان ،فأما فرس الرحمن ؛
فالذي يربط في سبيل ال ،فعلفه ،وروثه ،وبوله في ميزانه ،وأمما فرس الشيطان ،فالذي يقامر أو
يراهن عليه ،وأما فرس النسان ،فالفرس يرتبطها النسان يلتمس بطنها ،فهي ستر من الفقر ( .رواه
أحمد بإسناد صحيح ). (6
العجلة من الشيطان :
من الصفات التي يحبها الشيطان العجلة ؛ لنها توقع النسان في كثير من الخطاء ،يقول الرسول
صلى ال عليه وسلم ) :التأني من الرحمن والعجلة من الشيطان ( .رواه البيهقي في شعب اليمان
بإسناد حسن ) . (7فعلينا أن نخالف الشيطان في ذلك ،ونتبع ما يرضي الرحمن ،ولذلك قال الرسول
صلى ال عليه وسلم لشج عبد القيس ) :إن فيك لخصلتين يحبهما ال ؛ الحلم والناة ( ). (8
التثاؤب :
ومما يحبه الشيطان من النسان التثاؤب ؛ ولذا أمرنا الرسول صلى ال عليه وسلم بكظمه ما استطعنا ،
فعن أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ) :التثاؤب من الشيطان ،فإذا
تثاجءب أحدكم فليرده ما استطاع ،فإن أحدكم إذا قال :ها ،ضحك منه الشيطان ( ) . (9وذلك لن
التثاؤب علمة الكسل ،والشيطان يعجبه ويفرحه من النسان كسله وفتوره ؛ إذ بذلك يقل عمله وبذله
الذي يرفعه عند ربه .
ثامنا :التوبة والستغفار :
ومما يواجه به العبد كيد الشيطان أن يسارع بالتوبة والوبة إلى ال إذا أغواه الشيطان ،وهذا دأب عباد
ال الصالحين ،قال تعالى ) :إنن انلذين انتقوا إذا منسهم طائا ب
ف من النشيطان تذنكروا فإذا هم لمبصرون (
] العراف . [ 201 :
) (1/125
وقد فسر الطائاف بالهمم بالذنب ،أو إصابة الذنب ،وقوله ) :تذنكروا ( أي عقاب ال وجزيل ثوابه ،
ووعده ووعيده ،فتابوا ،وأنابوا ،واستعاذوا بال ،ورجعوا إليه من قريب ) .فإذا هم لمبصرون ( أي قد
استقاموا وصحوا مما كانوا فيه .وهذا يدل على أن الشيطان يكاد يجعل النسان في عماية ل يرى الحق
ول يبصره بما يلقيه عليه من غشاوة ،وما يغشي به القلب من الشبهات والشكوك .
وأخبرنا الرسول صلى ال عليه وسلم أن الشيطان قال لرب العزة ) :وعزتك يا رب ل أبرح أغوي عبادك
ب :وعزتي وجللي ل أزال أغفر لهم ما استغفروني ( .رواه
ما دامت أرواحهم في أجسادهم ،فقال الر م
أحمد في مسنده ،والحاكم في مستدركه ). (10
هذه حال عباد ال :الرجوع من قريب ،والتوبة والنابة إلى ال ،ولهم في ذلك أسوة بأبيهم آدم ،فإنه
لما أكل من الشجرة ،تلقى من ربه كلمات فتاب عليه ،وتوجه آدم وزوجه إلى ال قائالين ) :رنبنا ظلمنا
أنفسنا إوان نلم تغفر لنا وترحمنا لنكونمن من الخاسرين ( ] العراف . [ 23 :
أما أولياء الشيطان فهم كما قال ال فيهم ) :إواخوانهم يملدونهم في الجغيي ثنم ل يقصرون ( ] العراف :
. [ 202
والمراد بإخوانهم هنا :إخوان الشياطين من النس كقوله ) :إنن المبذرين كانوا إخوان النشياطين (
] السراء ، [ 27 :وهم أتباعهم والمستمعون لهم ،القابلون لوامرهم يمدونهم في الغمي :أي بالتزيين
والتحسين للذنوب والمعاصي ،بل كلل ول ملل .كقوله ) :ألم تر أننا أرسلنا النشياطين على الكافرين
تؤلزهم أ ماز ( ] مريم . [ 83 :
تاسع ا :أزل اللبس والغموض الذي يدخل الشيطان منه إلى النفوس :
ضلح للناس حالك ،حتى ل تدع للشيطان فرصة الوسوسة في
ل تقف مواقف الشبهة ،إواذا حدث ذلك فججو م
صدور المسلمين ،ولك أسوة في رسول ال صلى ال عليه وسلم في هذا .
) (1/126
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن صفية بنت حيي زوج النبي صلى ال عليه وسلم قالت :كان
رسول ال صلى ال عليه وسلم معتكفا ،فأتيته أزوره ليلا فحدثته ،ثم قمت فانقلبت ،فقام معي لجيلقلبني )
، (11وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ،فممر رجلن من النصار ،فلمما رأيا النبي صلى ال عليه
وسلم أسرعا ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :على رسلكما ،إنها صفية بنت حيي ( ،فقال :
سبحان ال ،يا رسول ال !! قال ) :إن الشيطان يجري من النسان مجرى الدم ،إواني خشيت أن
يقذف في قلوبكما ش ار ( ،أو قال ) :شيئا ا ( ). (12
قال الخطابي " :في هذا الحديث من العلم استحباب أن يحذر النسان من كل أمر من المكروه مما
تجري به الظنون ،ويخطر بالقلوب ،وأن يطلب السلمة من الناس بإظهار الب ارجءة من الريب " .
ويحكى في هذا عن الشافعي رضي ال عنه أنه قال " :خاف النبي صلى ال عليه وسلم أن يقع في
قلوبهما شيء من أمره فيكف ار ،إوانما قاله صلى ال عليه وسلم شفقة منه عليهما ل على نفسه " ). (13
ومما أرشدنا ال إليه القول الحسن مع الخرين حتى ل يدخل الشيطان بيننا وبين إخواننا ،فيوقع العداوة
بيننا والبغضاء ،قال تعالى ) :وقل لعبادي يقولوا انلتي هي أحسن إنن النشيطان ينزغ بينهم ( ] السراء
. [ 53 :
وهذا أمر تساهل فيه بعض الناس ،فتراهم يقولون الكلم الموهم الذي يحتمل وجوه ا عدة بعضها سييء
،وقد يرمي أحدهم أخاه بألفاظ يكرهها ،ويناديه بألقاب يمقتها ،فيكون ذلك مدخلا للشيطان ،فيفرق
بينهما ،ويحل العداء محل الوفاق واللفة .
النفس البشرية في معترك الصراع :
) (1/127
في ختام هذا الفصل أحب أن أثبت مبحث ا مهم ا من كلم ابن القيم صمور فيه – رحمه ال – حقيقة
الصراع وطبيعته ،يقول ابن القيم ما ملخصه " :اختار ال النسان من بين خلقه فكرمه واصطفاه ،
وجعله محلا لليمان والتوحيد والخلص والمحبة والرجاء ،وابتله بالشهوة والغضب والغفلة ،وابتله
بعدوه إبليس ،ل يفتر عنه " ). (14
ثم يقول ابن القيم ما نصه " :فهو ) أي الشيطان ( يدخل عليه من البواب التي هي من نفسه وطبعه ،
فتميل نفسه معه ؛ لنه يدخل عليها بما تحب ،فيتفق هو ونفسه وهواه على العبد :ثلثة مسلطون
آمرون ،فيبعثون الجوارح في قضاء وطرهم ،والجوارح آلة منقادة ،فل يمكنها إل النبعاث ،فهذا شأن
هذه الثلثة ،وشأن الجوارح ،فل تزال الجوارح في طاعتهم كيف أمروا وأين يمموا .
هذا مقتضى حال العبد ،فاقتضت رحمة ربه العزيز الرحيم به أن أعانه بجند آخر ،وأممده بمدد آخر ،
يقاوم به هذا الجند الذي يريد هلكه ،فأرسل إليه رسوله ،وأنزل عليه كتابه ،وأيده بملك كريم يقابل
عدوه الشيطان ،فإذا أمره الشيطان بأمر ،أمره الملك بأمر رمبه ،وبين له ما في طاعة العدو من الهلك
،فهذا يلم به مرة ،وهذا مرة ،والمنصور من نصره ال عز وجل ،والمحفوظ من حفظه ال تعالى .
وجعل ال له مقابل نفسه المارة نفس ا مطمئانة ،إذا أمرته النفس المارة بالسوء ،نهته عنه النفس
المطمئانة ،إواذا نهته المارة عن الخير ،أمرته به النفس المطمئانة ،فهو يطيع هذه مرة ،وهذه مرة ،
وهو الغالب عليه منهما ،وربما انقهرت إحداهما بالكلية قه ار ل تقوم معه أبدا .
وجعل له مقابل الهوى الحامل له على طاعة الشيطان والنفس المارة نو ار وبصيرة ،وعقلا يرده عن
الذهاب مع الهوى ،فكلما أراد أن يذهب مع الهوى ،ناداه العقل والبصيرة والنور :الحذر الحذر ،فإن
طاع الطريق ،إن سرت خلف هذا الدليل .
المهالك والمتالف بين يديك ،وأنت صيد الحرامية ،وق م
) (1/128
فهو يطيع الناصح مرة ،فيبين له رشده ونصحه ،ويمشي خلف دليل الهوى مرة ،فيقطع عليه الطريق ،
ويؤخذ ماله ،وتسلب ثيابه ،فيقول :ترى من أين أتيت ؟
والعجب أنه يعلم من أين خأتي ،ويعرف الطريق التي قطعت عليه ،وأخذ فيها ،ويأبى إل سلوكها ،لمن
دليله تمكن منه ،وتحكم فيه ،وقوي عليه ،ولو أضعفه بالمخالفة له ،وزجره إذا دعاه ،ومحاربته إذا
أراد أخذه ،لم يتمكن منه ،ولكن هو مكنه من نفسه ،وهو أعطاه يده .
فهو بمنزلة الرجل يضع يده في يد عدوه ،فيباشره ثم يسومه سوء العذاب ،فهو يستغيث فل يغاث ،
فهكذا يستأسر للشيطان والهوى ولنفسه المارة ،ثم يطلب الخلص ،فيعجز عنه .
فلما أن خبلي العبد بما خبلي به ،أعين بالعساكر والعدد والحصون ،وقيل :قاتل عدوك وجاهده ،فهذه
الجنود خذ منها ما شئات ،وهذه الحصون تحصن بأي حصن شئات منها ،ورابط إلى الموت ،فالمر
قريب ،ومدة المرابطة يسيرة جدا ،فكأنك بالملك العظم وقد أرسل إليك رسله ،فنقلوك إلى داره ،
واسترحت من هذا الجهاد ،وفرق بينك وبين عدوك ،وأطلقت في دار الكرامة تتقلب فيها كيف شئات ،
وسجن عدوك في أصعب الحبوس وأنت تراه .
فالسجن الذي كان يريد أن يودعك فيه قد أدخله وأغلقت عليه أبوابه ،وأيس من الروح والفرج ،وأنت
فيما اشتهت نفسك ،وقمرت عينك ،ج ازاء على صبرك في تلك المدة اليسيرة ،ولزومك الثغر للرباط ،
وما كانت إل ساعة ثمم انقضت ،وكأن الشدة لم تكن .
) (1/129
فإن ضعفت النفس عن ملحظة قصر الوقت وسرعة انقضائاه ،فليتدبر قوله عز وجل ) :كأننهم يوم
يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلن ساعةا من ننهار ( ] الحقاف [ 35 :وقوله عز وجل ) :كأننهم يوم
ن
ضجحاجها ( ] النازعات ، [ 46 :وقوله عمز وجمل ) :قال كم لبثتم في يرونها لم يلبثوا إل عشنيةا أو خ
الرض عدد سنين – قالوا لبثنا يوما أو بعض يوجم جفالسجأل العادين – قال إن لبثتم إلن قليلا لو أننكم كنتم
صور ونحشر المجرمين يومئاجذ تعلمون ( ]المؤمنون ، [114-112 :وقوله تعالى ) :يوم ينفخ في ال ل
زرقا – يتخافتون بينهم إن لبثتم إلن عش ار – نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقةا إن لبثتم إلن يوما
( ]طه . [104-102 :
وخطب النبي صلى ال عليه وسلم أصحابه يوم ا ،فلما كانت الشمس على رؤوس الجبال ،وذلك عند
الغروب قال ) :إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى إل كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه ( .رواه
أحمد في المسند ،والترمذي في سننه ،وقال الترمذي :حديث حسن صحيح .
فليتأمل العاقل الناصح لنفسه هذا الحديث ،وليعلم أي شيء حصل له من هذا الوقت الذي قد بقي من
الدنيا بأسرها ،ليعلم أنه في غرور وأضغاث أحلم ،وأنه قد باع سعادة البد والنعيم المقيم بحظ خسيس
ل يساوي شيئاا ،ولو طلب ال تعالى والدار الخرة لعطاه ذلك الحظ هنيئاا موفو ار وأكمل منه ،كما في
بعض الثار " :ابن آدم ،بع الدنيا بالخرة تربحهما جميع ا ،ول تبع الخرة بالدنيا تخسرهما جميع ا " .
وقال بعض السلف " :ابن آدم ،أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ،وأنت إلى نصيبك من الخرة
أحوج ،فإن بدأت بنصيبك من الدنيا ،أضعت نصيبك من الخرة ،وكنت من نصيب الدنيا على خطر
،إوان بدأت بنصيبك من الخرة ،فزت بنصيبك من الدنيا فانتظمته انتظام ا " .
) (1/130
وكان عمر بن عبد العزيز رضي ال عنه يقول في خطبته " :أيها الناس ،إنكم لم تخلقوا عبث ا ،ولم
تتركوا سدى ،إوان لكم معادا يجمعكم ال – عمز وجمل – فيه للحكم فيكم ،والفصل بينكم ،فخاب وشقي
عبد أخرجه ال – عمز وجمل – من رحمته التي وسعت كل شيء ،وجنته التي عرضها السماوات
والرض .
إوانما يكون المان غدا لمن خاف ال تعالى واتقى ،وباع قليلا بكثير ،وفانيا ببا ج
ق ،وشقاوة بسعادة ،
أل ترون أنكم في أصلب الهالكين ،وسيخلفه بعدكم الباقون ؟ أل ترون أنكم في كل يوم تشيعون غادي ا
رائاح ا إلى ال قد قضى نحبه ،وانقطع أمله ،فتضعونه في بطن صدع من الرض غير مومسد ول ممهد
،قد خلع السباب ،وفارق الحباب ،وواجه الحساب ؟ " .
والمقصود أن ال – عمز وجمل – قد أمد العبد في هذه المدة اليسيرة بالجنود ،والعدد ،والمداد ،وبين له
ك نفسه إذا أسر .
بماذا يحرز نفسه من عدوه ،وبماذا جيفتج م
وقد روى المام أحمد رضي ال عنه – والترمذي ،من حديث الحارث الشعري ،عن النبي صلى ال
عليه وسلم أنه قال ) :إمن ال – سبحانه وتعالى – أمر يحي ابن زكريا صلى ال عليه وسلم بخمس
كلماجت :أن يعمل بها ،ويأمر بني إسرائايل أن يعملوا بها ،وأنه كاجد أن خيبطئ بها ،فقال له عيسى عليه
ك بخمس كلمات لتعمل بها ،وتأمر بني إسرائايل أن يعملوا بها ،فإما أن السلم :إن ال – تعالى – أمر ج
تأمرهم ،إواما أن آمجرخهم ،فقال يحي :أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي وأعذب ،فجمع يحي الناس
في بيت المقدس ،فامتل المسجد ،وقعدوا على الشرف ،فقال :إن ال – تبارك وتعالى – أمرني
بخمس كلمات أن جأعجملجهخمن ،وآمرخكم أن تعملخوا بهن ( .
) (1/131
وخامس هذه الخمسة التي أمرهم بها الذكر ) ،وآمركم أن تذكروا ال تعالى فإن مثل ذلك كمثل رجل
خرج العدو في أثره سراعا ،حتى أتى على حصن حصين ،فأحرز نفسه منهم ،كذلك العبد ل يحرز
نفسه من الشيطان إل بذكر ال تعالى ( .قال الترمذي :هذا حديث حسن صحيح .
ومما أمرهم به في الحديث الصلة ) :آمركم بالصلة ،فإذا صليتم فل تلتفتوا ،فإن ال ينصب وجهه
لوجه عبده في صلته ما لم يلتفت ( .واللتفات المنهي عنه في الصلة قسمان ؛ أحدهما :التفات
القلب عن ال عمز وجمل إلى غير ال تعالى .والثاني :التفات البصر .وكلهما منهي عنه .ول يزال
ال مقبلا على عبده ما دام العبد مقبلا على صلته ،فإذا التفت بقلبه أو بصره ،أعرض ال تعالى عنه
.وقد سألت عائاشة رضي ال عنها رسول ال صلى ال عليه وسلم عن اللتفات في الصلة فقال :
) هو اختلبس جيلختفلخسهخ الشيطاخن من صلة العبد ( ). (15
وفي أثر :يقول ال تعالى ) :إلى خير مني ،إلى خير مني ؟ ( .ومثل من يلتفت في صلته ببصره
أو بقلبه مثخل رجل قد استدعاه السلطان ،فأوقفه بين يديه ،وأقبل يناديه ويخاطبه ،وهو في خلل ذلك
يلتفت عن السلطان يمينا وشمالا ،وقد انصرف قلبه عن السلطان ،فل يفهم ما يخاطبه به ؛ لن قلبه
ليس حاض ار معه ،فما ظمن هذا الرجل أن يفعل به السلطان ؟ أفليس أقل المراتب في حمقه أن ينصرف
من بين يديه ممقوتا مبعدا قد سقط من عينيه ؟ .
) (1/132
فهذا المصلي ل يستوي والحاضر القلب المقبل على ال تعالى في صلته ،الذي قد أشعر قلبه عظمة
من هو واقف بين يديه ،فامتل قلبه من هيبته ،وذلت عنقه له ،واستحيى من ربه تعالى أن يقبل على
غيره ،أو يلتفت عنه .وبين صلتيهما كما بين السماء والرض ،قال حسان بن عطية :إن الرجلين
ليكونان في الصلة الواحدة ،إوان ما بينهما في الفضل كما بين السماء والرض ،وذلك أن أحدهما
مقبل بقلبه على ال عز وجل ،والخر ساجه غافل .فإذا أقبل العبد على مخلوق مثله ،وبينه وبينه
حجاب ،لم يكن إقبالا ول تقريب ا ،فما الظن بالخالق عمز وجل ؟
إواذا أقبل على الخالق عمز وجمل ،وبينه وبينه حجاب الشهوات والوساوس ،والنفس مشغوفة بها ،ملى
منها ،فكيف يكون ذلك إقبالا وقد ألهته الوساوس والفكار ،وذهبت به كل مذهب ؟
والعبد إذا قام في الصلة غار الشيطان منه ،فإنه قد قام في أعظم مقام ،وأقربه وأغيظه للشيطان ،
وأشده عليه ،فهو يحرص ويجتهد كل الجتهاد أن ل يقيمه فيه ،بل ل يزال به يعده ويممنيه وينسيه ،
ويجلب عليه بخيله ورجله حتى يهمون عليه شأن الصلة ،فيتهاون بها فيتركها .
فإن عجز عن ذلك منه ،وعصاه العبد ،وقام في ذلك المقام ،أقبل عدو ال تعالى حتى يخطر بنيه
وبين نفسه ،ويحول بينه وبين قلبه ،فيذكره في الصلة ،ما لم يكن يذكر قبل دخوله فيها ،حتى ربما
كان قد نسي الشيء والحاجة ،وأيس منها ،فيذكره إياها في الصلة ليشغل قلبه بها ،ويأخذه عن ال
عمز وجمل ،فيقوم فيها بل قلب ،فل ينال من إقبال ال تعالى وكرامته وقربه ما يناله المقبل على ربه عمز
وجمل بقلبه في صلته ؛ فينصرف من صلته مثل ما دخل فيها بخطاياه وذنوبه وأثقاله ،لم تخف عنه
بالصلة ،فإن الصلة إنما تكفر سيئاات من أدى حقها ،وأكمل خشوعها ،ووقف بين يدي ال تعالى
بقلبه وقالبه .
) (1/133
فهذا إذا انصرف منها وجد خفة من نفسه ،وأحس بأثقال قد وضعت عنه ،فوجد نشاطا وراحة وروحا ،
حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها ،لنها قرة عينيه ،ونعيم روحه ،وجنة قلبه ،ومستراحه في الدنيا ،
ق حتى يدخل فيها ،فيستريح بها ،ل منها ،فالمحبون يقولون :نصلي فل يزال كأنه في سججن وضي ج
فنستريح بصلتنا ،كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم ) :يا بلخل أفرحنا بالصلفة ( ،ولم يقل :أرحنا منها
،وقال صلى ال عليه وسلم ) :خجفعلت قخرة عيني في الصلفة ( .فمن جعلت قرة عينه في الصلة ،
كيف تقر عينه صلى ال عليه وسلم بدونها ،وكيف يطيق الصبر عنها ؟
وقد روي أن العبد إذا قام يصلي ،قال ال عز وجل " :ارفعوا الحجب ،فإذا التفت ،قال :أرخوها " ،
وقد فخيسر هذا اللتفات بالتفات القلب عن ال عمز وجمل إلى غيره ،فإذا التفت إلى غيره ،أرخى الحجاب
بينه وبين العبد ،فدخل الشيطان ،وعرض عليه أمور الدنيا ،وأراه إياها في صورة المرآة ،إواذا أقبل
بقلبه على ال ولم يلتفت ،لم يقدر الشيطان على أن يتوسط بين ال – تعالى – وبين ذلك القلب ،إوانما
يدخل الشيطان إذا وقع الحجاب ،فإن فر إلى ال تعالى ،وأحضر قلبه فر الشيطان ،فإن التفت حضر
الشيطان ،فهو هكذا شأنه وشأن عدوه في الصلة .
كيف يجعل المصلي قلبه حاض ار في الصلة ؟
إوانما يقوى العبد على حضوره في الصلة واشتغاله فيها بربه عمز وجمل ،إذا قهر شهوته وهواه ،إوال
فقلب قد قهرته الشهوة ،وأسره الهوى ،ووجد الشيطان فيه مقعدا تمكن فيه ،كيف يخلص من الوساوس
والفكار ؟ !
والقلوب ثلثة :قلب خاجل من اليمان وجميع الخير ،فذلك قلب مظلم قد استراح الشيطان من إلقاء
الوساوس إليه ؛ لنه قد اتخذه بيت ا ووطن ا ،وتحكم فيه بما يريد ،وتمكن منه غاية التمكن .
) (1/134
القلب الثاني :قلب قد استنار بنور اليمان ،وأوقد فيه مصباحه ،لكن عليه ظلمة الشهوات وعواصف
الهوية ،فللشيطان هناك إقبال إوادبار ،ومجالت ومطامع ،فالحرب دول وسجال .
وتختلف أحوال هذا الصنف بالقلة والكثرة ،فمنهم جملن أوقات غلبته لعدوه أكثر ،ومنهم جملن أوقات غلبة
عدوه له أكثر ،ومنهم من هو تارة وتارة .
القلب الثالث :قلب محشو باليمان قد استنار بنور اليمان ،وانقشعت عنه حجب الشهوات ،وأقلعت
عنه تلك الظلمات ،فلنوره في صدره إشراق ،ولذلك الشراق إيقاد لو دنا منه الوسواس لحترق به ،فهو
كالسماء التي حرست بالنجوم ،فلو دنا منها الشيطان يتخطاها لرجم فاحترق ،وليست السماء بأعظم
حرمة من المؤمن ،وحراسة ال تعالى له أتم من حراسة السماء ،والسماء متعبد الملئاكة ،ومستقمر
الوحي ،وفيها أنوار الطاعات ،وقلب المؤمن مستقر التوحيد والمحبة ،والمعرفة واليمان ،وفيه أنوارها
،فهو حقيق أن يحرس ويحفظ من كيد العدو ،فل ينال منه شيئا ا إل خطفة .
وقد ممثل ذلك بمثال حسن ،وهو ثلثة بيوت :
بيت الملك فيه كنوزه وذخائاره وجواهره .
وبيت للعبد فيه كنوز العبد ،وذخائاره ،وجواهره ،وليس جواهر الملك وذخائاره .
وبيت خال صفر ل شيء فيه ،فجاء اللص يسرق من أحد البيوت ،فمن أيها يسرق ؟
فإن قلت :من البيت الخالي ،كان محالا ؛ لن البيت الخالي ليس فيه شيء يسرق ،ولهذا قيل لبن
عباس رضي ال عنهما :إن اليهود تزعم أنها ل توسوس في صلتها ،فقال :وما يصنع الشيطان
بالقلب الخراب ؟
إوان قلت :يسرق من بيت الملك ،كان ذلك كالمستحيل الممتنع ،فإن عليه من الحرس واليجزك )(16
ما ل يستطيع اللص الدنو منه ،كيف وحارسه الملك بنفسه ،وكيف يستطيع اللص الدنو منه وحوله من
الحرس والجند ما حوله ؟ فلم يبق للص إل البيت الثالث ،فهو الذي يشن عليه الغارات .
فيلتأمل اللبيب هذا المثال ،ولينزله على القلوب ،فإنها على منواله .
) (1/135
فقلب خل من الخير كله ،وهو قلب الكافر والمنافق ،فذلك بيت الشيطان ،قد أحرزه لنفسه واستوطنه ،
واتخذه سكن ا ومستق ار ،فأي شيء يسرق منه ،وفيه خزائانه وذخائاره وشكوكه وخيالته ووساوسه ؟
وقلب قد امتل من جلل ال – عمز وجمل – وعظمته ومحبته ومراقبته والحياء منه ،فأي شيطان يجترئ
على هذا القلب ؟ إوان أراد سرقة شيء منه ،فماذا يسرق ؟ وغايته أن يظفر في الحايين منه بخطفة
ونهب يحصل له على غرة من العبد وغفلة ل بد له منها ،إذ هو بشر ،وأحكام البشرية جارية عليه من
الغفلة والسهو والذهول وغلبة الطبع .
وقلب فيه توحيد ال تعالى ،ومعرفته ،ومحبته ،واليمان به ،والتصديق بوعده ،وفيه شهوات النفس
وأخلقها ،ودواعي الهوى والطبع .
وقلب بين هذين الداعيين ؛ فمرة يميل بقلبه داعي اليمان والمعرفة والمحبة ل تعالى إوارادته وحده ،
ومرة يميل بقلبه داعي الشيطان والهوى والطباع ،فهذا القلب للشيطان فيه مطمع ،وله منه منازلت
ووقائاع ،ويعطي ال النصر من يشاء ) :وما الننصر إلن من عند ال العزيز الحكيم ( ] آل عمران :
. [ 126وهذا ل يتمكن الشيطان منه إل بما عنده من سلحه ،فيدخل إليه الشيطان ،فيجد سلحه
عنده ،فيأخذه ويقاتل به ،فإن أسلحته هي الشهوات والشبهات والخيالت والماني الكاذبة ،وهي في
القلب ،فيدخل الشيطان فيجدها عتيدة ،فيأخذها ويصول بها على القلب ،فإن كان عند العبد عدة
عتيدة ،من اليمان تقاوم تلك العدة وتزيد عليها ،انتصف من الشيطان ،إوال فالدولة لعدوه عليه ،ول
حول ول قوة إل بال .فإذا أذن العبد لعدوه ،وفتح له باب بيته ،وأدخله عليه ،ومكنه من السلح يقاتله
به ،فهو الملوم .
فنلفسك خلم ول تجخلم المطايا ××× وخمت كمدا فليس لك اعتذاخر "
--------------------------------
) (1تلبيس إبليس . 38 :
) (2صحيح سنن ابن ماجة . 1/225 :ورقمه . 2643 :
) (3صحيح الجامع . 4/147 :
) (1/136
) (4صحيح مسلم . 3/1651 :ورقمه . 2084 :وصحيح سنن أبي داود . 2/780 :ورقمه :
. 3489
) (5صحيح مسلم . 3/1607 :ورقمه . 2033 :
) (6صحيح الجامع . 3/137 :
) (7صحيح الجامع . 3/57 :
) (8رواه مسلم في صحيحه . 49-1/48 :ورقمه . (18) ، (17) :
) (9رواه البخاري . 6/338 :ورقمه . 3289:ورواه مسلم . 4/2293 :ورقمه . 2994 :واللفظ
للبخاري .ورواه الترمذي .انظر صحيح سنن الترمذي . 2/355 :ورقمه . 2206 :
) (10صحيح الجامع . 2/72 :
) (11ليردني إلى منزلي .
) (12صحيح البخاري . 6/336 :ورواه مسلم . 4/1712 :ورقمه . 2175 :واللفظ لمسلم .
) (13تلبيس إبليس . 46 :
) (14الوابل الصيب :ص . 21
) (15رواه البخاري . 2/234 :ورقمه . 751 :
) (16يزك ويسك )بالتركية( :بمعنى المنع والحظر والزجر .
علج الصرع
تحدثنا في ما مضى أن الشيطان قد يصيب النسان ،وهو ما نسميه الصرع أو مس الجن ،وسنحاول
أن نبين أسباب الصرع وعلجه :
أسباب الصرع :
بمين ابن تيمية ) " : (1أن الصرع للنس قد يكون عن شهوة وهوى وعشق ،كما يتفق للنس مع النس
، ...وقد يكون – وهو الكثر – عن بغض ومجازاة ،مثل أن يؤذيهم بعض النس ،أو يظنوا أنهم
يتعمدون أذاهم إما ببول على بعضهم ،إوامما بصب ماء حار ،إواما بقتل بعضهم ،إوان كان النس ل
يعرف ذلك ،وفي الجن جهل وظلم ،فيعاقبونه بأكثر مما يستحقه ،وقد يكون عن عبث منهم وشمر
بمثل سفهاء النس " .
واجبنا تجاه هؤلء :
ذكرنا أن الجن عباد مأمورون متعبدون بالشريعة ،فإذا استطاع المسلم أن يصل إلى مخاطبتهم ،كما
يحدث مع الجني الذي يصرع النسان ،وجب القيام بذلك .
) (1/137
فإذا كان صرع الجني للنسي من الباب الول ) عن شهوة وهوى ( ،فهو من الفواحش التي حرمها ال
تعلى على النس والجن ،ولو كانت برضا الطرف الخر ،فكيف مع كراهته ،فإمنه فاحشة وظلم .
فيخاطب الجن بذلك ،ويعرفون أن هذا فاحشة محرمة ،أو فاحشة وعدوان ؛ لتقوم الحجة عليهم بذلك ،
ويعلموا أنه يحكم فيهم بحكم ال ورسوله الذي أرسله إلى جميع الثقلين :النس والجن .
وما كان من الثاني ) إيذاء بعض النس لهم ( ،فإن كان النسي لم جيلعلجلم ،فيخاطبون بأن هذا لم يعلم ،
ومن لم يتعمد الذى ل يستحق العقوبة ،إوان كان قد فعل ذلك في داره وملكه عرفوا بأنها ملكه ،فله أن
يتصرف فيها بما يجوز ،وأنتم ليس لكم أن تمكثوا في ملك النس بغير إذنهم ،بل لكم ما ليس من
مساكن النس كالخراب والفلوات ...
ويقول ابن تيمية ) " : (2والمقصود أن الجن إذا اعتدوا على النس ،أخبروا بحكم ال ورسوله ،
وأقيمت عليهم الحجة ،وأمروا بالمعروف ،ونهوا عن المنكر ،كما يفعل بالنس ؛ لن ال يقول :
) وما كننا معذبين حنتى نبعث رسولا ( ] السراء ، [ 15 :وقال ) :يا معشر الجن والنس ألم يأتكم
صون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا ( ] النعام [ 130 :؟
رسبل منكم يق ل
النهي عن قتل حنيات البيوت :
يقول ابن تيمية " :ولهذا نهى النبي صلى ال عليه وسلم عن قتل حميات البيوت حتى تؤذن ثلث ا " ،
وقد سبق ذكر النصوص المبينة لذلك ،وقد ساق ابن تيمية تلك النصوص ،ثمم بين السبب الذي من
أجله نهى عن قتل جنان البيوت فقال " :وذلك أن قتل الجن بغير حق ل يجوز ،كما ل يجوز قتل
النس بل حق ،والظلم محرم في كل حال ،فل يحمل لحد أن يظلم أحدا ،ولو كان كاف ار ،بل قال
تعالى ) :ول يجر مننكم جشجنآَخن قوجم على ألن تعدلوا اعدلوا هو أقرب للنتقوى ( ] المائادة . [ 8 :
) (1/138
فإذا كانت حيات البيوت قد تكون جمن ا فتؤذن ثلث ا ،فإن ذهبت إوال قتلت ،فإنها إن كانت حية قتلت ،
إوان كانت جنية ،فقد أصرت على العدوان بظهورها للنس في صورة حمية تفزعهم بذلك ،والعادي هو
الصائال الذي يجوز دفعه بما يدفع ضرره ولو كان قتلا ،وأما قتلهم بدون سبب يبيح ذلك ،فل يجوز " .
سب الجان وضربهم :
وذكر ابن تيمية أن واجب المؤمن نصرة أخيه المظلوم ،وهذا المصروع مظلوم ،ولكن النصرة يكون
بالعدل كما أمر ال ،فإذا لم يرتدع الجني بالمر والنهي والبيان ،فإمنه يجوز نهره وسبه وتهديده ولعنه ،
كما فعل الرسول صلى ال عليه وسلم مع الشيطان عندما جاء بشهاب ليرميه في وجه الرسول صلى ال
عليه وسلم فقال عليه السلم ) :أعوذ بال منك ،ألعنك بلعنة ال ثلث ا ( .
وذكر أنه قد يحتاج في إبراء المصروع ودفع الجني عنه إلى الضرب ،فيضرب ضربا كثي ار جمدا ،
والضرب إنما يقع على الجني ،ول يحسه المصروع ،حتى يفيق المصروع ،ويخبره أنه لم يحس شيئا ا
من ذلك ،ول يؤثر في بدنه ،ويكون قد ضرب بعصا قوية على رجليه نحو ثلثمائاة أو أربعمائاة ضربة
أو أكثر أو أقل ،بحيث لو كان على النسي لقتله ،إوانما هو على الجني ،والجني يصيح ويصرخ ،
ويحدث الحاضرين بأمور متعددة ،ويذكر ابن تيمية أنه فعل هذا وجربه مرات كثيرة ،يطول وصفها .
أقول :وقد يستغل الضرب فيمن يظن أن فيه صرع وهو ليس كذلك ،فيكون فيه هلك المضروب ،
ولذلك ينبغي تجنفبه .
الستعانة على الجان بالذكر وق ارجءة القرآن :
وخير ما يستعان به على الجني الذي يصرع النسان ذكر ال وق ارجءة القرآن ،ومن أعظم ذلك ق ارجءة آية
الكرسي ) ،فإن من قرأها ل يزال عليه من ال حافظ ،ول يقربه شيطان حتى يصبح ( .كما صح
الحديث بذلك .
) (1/139
يقول ابن تيمية ) " : (3ومع هذا فقد جرب المجربون الذين ل يحصون كثرة أن لها من التأثير في دفع
الشياطين إوابطال أحوالهم ما ل ينضبط من كثرته وقوته ،فإن لها تأثي ار عظيم ا في دفع الشياطين عن
نفس النسان وعن المصروع ،وعمن تعينه الشياطين ،مثل أهل الظلم والغضب ،وأهل الشهوة
والطرب ،وأرباب سماع المكاء والتصدية ،إذا قرئات عليهم بصدق ،دفعت الشياطين ،إذ كانت
الشياطين يوحون إلى أوليائاهم بأمور يظنها الجهال من كرامات أولياء ال المتقين ،إوانما هي من
تلبيسات الشياطين على أوليائاهم المغضوب عليهم والضالين " .
طرد الرسول صلى ال عليه وسلم للجن من بدن المصروع :
فعل ذلك الرسول صلى ال عليه وسلم أكثر من مرة ،فعن أم أبان بنت الوازع بن زارع ابن عامر العبدي
،عن أبيها ،أن جدها الزارع انطلق إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فانطلق معه بابن له مجنون ،
أو ابن أخت له .
قال جدي :فلما قدمنا على رسول ال قلت :إن معي ابنا لي ،أو ابن أخت لي مجنون ،أتيتك به
فتدعو ال له ،قال ) :ائاتني به ( فانطلقت إليه ،وهو في الركاب ،فأطلقت عنه ،وألقيت عنه ثياب
السفر ،وألبسته ثوبين حسنين ،وأخذت بيده حتى انتهيت به إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم .
فقال ) :أدنه مني ،واجعل ظهره مما يليني ( .قال :فأخذ بمجامع ثوبه من أعله وأسفله ،فجعل
يضرب ظهره ،حتى رأيت بياض إبطيه ،ويقول ) :اخرج عدو ال ،اخرج عدو ال ( .
فأقبل ينظر نظر الصحيح ،ليس بنظره الول .ثم أقعده رسول ال صلى ال عليه وسلم بين يديه ،
فدعا له ،فمسح وجهه ،فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول ال صلى ال عليه وسلم يفضل عليه .
رواه الطبراني ). (4
وفي المسند أيضا عن يعلى بن ممرة قال " :لقد رأيت من رسول ال صلى ال عليه وسلم ثلثا ما رآها
أحد قبلي ،ول يراها أحد بعدي .
) (1/140
لقد خرجت معه في سفر ،حتى إذا كنا ببعض الطريق مررنا بامراة جالسة معها صبي لها ،فقالت يا
رسول ال :هذا الصبي أصابه بلء وأصابنا منه بلء ،يؤخذ في اليوم ما أدري كم مرة ،قال :
) ناولينيه ( ،فرفعته إليه ،فجعلته بينه وبين واسطة الرحل ،ثم فغر ) فاه ( ،فنفث فيه ثلث ا ،وقال
) بسم ال ،أنا عبد ال ،اخسأ عدو ال ( ،ثم ناولها إياه ،فقال ) :القينا في الرجعة في هذا المكان ،
فأخبرينا ما فعل ( قال :فذهبنا ،ورجعنا ،فوجدناها في ذلك المكان ،معها ثلث شياه ،فقال ) :ما
فعل صبيك ؟ ( ،فقالت :والذي بعثك بالحق ما حسسنا منه شيئا ا حتى الساعة ،فاجترر هذه الغنم ،
قال ) :انزل خذ منها واحدة ،ورد البقية ( ). (5
وعن عثمان بن أبي العاص ؛ قال :لما استعملني رسول ال صلى ال عليه وسلم على الطائاف ،جعل
يعرض لي شيء في صلتي ،حتى ما أدري ما خأصلي ،فلما رأيت ذلك ،رحلت إلى رسول ال صلى
ال عليه وسلم .قال :
) البخن أجفبي العا ف
ص ؟ ( قلت :نعم :يا رسول ال ! قال ) :ما جاء بك ؟ ( ،قلت :يا رسول ال !
عرض لي شيء في صلواتي ،حتى ما أدري ما أصلي .قال ) :ذلك الشيطاخن .فالدخنله ( فدنوت منه .
فجلست على صدور قدمي .قال ،فضرب صدري بيده ،وتفل في فمي ،وقال ) :اخخرلج .جعخدمو ال
ك ( ). (6
! ( ففعل ذلك ثلث مرات .ثم قال ) :الحق بجعجمل ج
) (1/141
إواذا ابتلي المصروع ،ولم يجد علج ا فصبر على بلواه ،فإن له عند ال أج ار عظيم ا ،ففي صحيح
البخاري عن عطاء بن أبي رباح قال :قال لي عطاء بن أبي رباح ) :قال لي ابن عباس :أل أريك
امرأة من أهل الجنة ؟ قلت :بلى .قال :هذه المرأة السوداء ،أتت النبي صلى ال عليه وسلم فقالت :
إني أصرع إواني أتكشف ،فادع ال لي .قال ) :إن شئات صبرت ولك الجنة ،إوان شئات دعوت ال أن
يعافيك ( .فقالت :أصبر .فقالت :إني أتكشف ،فادع ال لي أن ل أتكشف ،فدعا لها " .
حدثنا محمبد أخبرنا مخلبد عن ابن جريج أخبرني عطاء :أنه رأى أم زفر ،تلك المرأة الطويلة السوداء ،
على ستر الكعبة ) . (7وذكر ابن حجر أن هذه المرأة قالت " :إني أخاف الخبيث أن يجردني " ). (8
فالرسول صلى ال عليه وسلم أخرج الجني بالمر والنهر واللعن ،ولكن هذه ل تكفي وحدها ،فإمن لقوة
اليمان وثبات اليقين وحسن الصلة بال أث ار كبي ار في هذا ،يدلك على ذلك ما سنورده في الواقعة التالية
.
المام أحمد يأمر الجني بالخروج فيستجيب :
روي أمن المام أحمد كان جالسا في مسجده ،إذ جاجءه صاحب له من قبل الخليفة المتوكل ،فقال :
إن في بيت أمير المؤمنين جارية بها صرع ،وقد أرسلني إليك ،لتدعو ال لها بالعافية .
فأعطاه المام نعلين من الخشب ،وقال :
اذهب إلى دار أمير المؤمنين ،واجلس عند رأس الجارية ،وقل للجني :قال لك أحمد :أيما أحب إليك
:تخرج من هذه الجارية ،أو تصفع بهذا النعل سبعين ؟
فذهب الرجل ومعه النعل إلى الجارية ،وجلس عند رأسها ،وقال كما قال له المام أحمد .
فقال المارد على لسان الجارية :السمع والطاعة لحمد ،لو أمرنا أن نخرج من العراق لخرجنا منه ،إنه
أطاع ال ،ومن أطاع ال أطاعه كل شيء ،ثم خرج من الجارية ،فهدأت ،ورزقت أولدا .
) (1/142
فلما مات المام ،عاد لها المارد ،فاستدعى لها المير صاحب ا من أصحاب أحمد ،فحضر ،ومعه
ذلك النعل ،وقال للمارد :أخرج إوال ضربتك بهذا النعل .
فقال المارد :ل أطيعك ول أخرج ،أما أحمد بن حنبل ،فقد أطاع ال فأمرنا بطاعته .
ما ينبغي أن يكون عليه المعالج :
وينبغي للمعالج أن يكون قوي اليمان بال معتمدا عليه ،واثقا بتأثير الذكر وق ارجءة القرآن ،وكلما قوي
إيمانه وتوكله قوي تأثيره ،فربما كان أقوى من الجني فأخرجه ،وربما كان الجني أقوى فل يخرج ،وربما
كان المخرج للجني ضعيفا ،فتتقصد الجن إيذاجءه ،فعليه بكثرة الدعاء والستعانة عليهم بال ،وق ارجءة
القرآن ،خاصة آية الكرسي .
الرقى والتعاويذ :
يقول ابن تيمية رحمه ال تعالى ) " : (9وأما معالجة الموضوع بالرقى ،والتعويذات فهذا من وجهين :
فإن كانت الرقى والتعاويذ مما يعرف معناها ،ومما يجوز في دين السلم أن يتكلم به الرجل ،داعي ا
ال ،ذاك ار له ،ومخاطبا لخلقه ،ونحو ذلك ،فإنه يجوز أن يرقي بها المصروع ،ويعوذه ،فإنه قد ثبت
في الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ) :اعرضوا علني رقاكم ،ل بأس بالرقى :ما لم يكن
فيه شرك ( ) ، (10وقال ) :من استطاع منكم أن ينفع أخيه فلينفعه ( ). (11
إوان كان في ذلك كلمات محرمة ،مثل أن يكون فيها شرك ،أو كانت مجهولة المعنى ،يحتمل أن
يكون فيها كفر ،فليس لحد أن يرقي بها ول يعزم ،ول يقسم ،إوان كان الجني قد ينصرف عن
المصروع بها ،فإمن ما حرمه ال ورسوله ضرره أكثر من نفعه .
وذكر في موضع آخر ) " : (12أن أرباب العزائام الشركية كثي ار ما يعجزون عن دفع الجني ،وكثي ار ما
تسخر منهم الجن إذا طلبوا منهم قتل الجني الصارع للنس أو حبسه ،فيخيلوا إليهم أنهم قتلوه أو حبسوه
،ويكون ذلك تخييلا وكذب ا .
استرضاء الجن :
) (1/143
وبعض الناس يحاولون استرضاء الجني الذي يصرع النسان بالذبح له ،وهذا من الشرك الذي حرمه
ال ورسوله ،وروي أنه نهى عن ذبائاح الجن .
وقد يزعم بعض الناس أن هذا من باب التداوي بالحرام ،وهذا خطأ كبير ،فالصواب أن ال لم يجعل
الشفاء في شيء من المحرمات ،وعلى القول بجواز التداوي بالمحرمات كالميتة والخمر ،فل يجوز أن
يستدل بذلك على الذبح للجني ؛ لن التداوي بالمحرمات فيه نزاع لبعض العلماء ،أمما التداوي بالشرك
والكفر ،فل خلف بين العلماء في تحريمه ،ول يجوز التداوي به باتفاق .
وفي الختام أحب أن أنبه أن ليس كل صرع فهو من الجان ،فمنه ما هو أمراض عارضة لها أسبابها
التي قد يعلمها الطباء ،وقد ل يعلمونها ،وهذا ل ينفي معالجة أمثال هؤلء بالقرآن والرقى ،فالقرآن
والرقى لها أثر في الشفاء من جميع الدواء .
--------------------------------
) (1مجموع فتاوى شيخ السلم . 19/39 :
) (2مجموع الفتاوى . 19/42 :
) (3مجموع الفتاوى . 19/55 :
) (4مجمع الزوائاد . 9/2 :وقال الهيثمي فيه :وأم أبان لم يرو عنها غير مطر .وذكر الهيثمي
الحديث من رواية أحمد في مسنده بأخصر مما ذكره الطبراني .وقال :فيه هند بنت الوازع لم أعرفها ،
وبقية رجاله ثقات .
) (5رواه أحمد في مسنده ، 4/170 :وروى الدارمي . 1/15) ،ورقمه (17 :هذه القصة بلفظ
مقارب عن جابر رضي ال عنه .
) (6صحيح سنن ابن ماجة . 2/273 :ورقمه . 2858 :
) (7صحيح البخاري . 10/114 :ورقمه . 5652 :
) (8فتح الباري . 10/115 :
) (9مجموع الفتاوى . 24/277 :
) (10صحيح مسلم . 4/1727 :ورقمه . 2200 :
) (11صحيح مسلم . 4/1727 :ورقمه . 2199 :
) (12مجموع الفتاوى . 19/46 :
الحكمة من خلق الشيطان
) (1/144
الشيطان منبع الشرور والثام ،فهو القائاد إلى الهلك الدنيوي والخروي ،ورافع الراية في كل وقت
ومكان ،يدعو الناس إلى الكفران ،ومعصية الرحمن ،فهل في خلقه من حكمة ؟ وما هذه الحكمة ؟
أجاب عن هذا السؤال ابن القيم رحمه ال تعالى فقال ) " : (1في خلق إبليس وجنوده من الحكم ما ل
يحيط بتفصيله إل ال " .
فمن ذلك :
-1ما يترتب على مجاهدة الشيطان وأعوانه من إكمال مراتب العبودية :
فمنها أن يكمل لنبيائاه وأوليائاه مراتب العبودية بمجاهدة عدو ال وحزبه ،ومخالفته ومراغمته في ال ،
إواغاظته إواغاظة أوليائاه ،والستعاذة به منه ،واللجوء إليه أن يعيذهم من شمره وكيده ،فيترتب على ذلك
من المصالح الدنيوية والخروية ما لم يحصل بدونه ...والموقوف على الشيء ل يحصل بدونه .
-2خوف العباد من الذنوب :
ومنها خوف الملئاكة والمؤمنين من ذنبهم بعدما شاهدوا من حال إبليس ما شاهدوه ،وسقوطه من
المرتبة الملكية إلى المنزلة البليسية يكون أقوى وأتم ،ول ريب أن الملئاكة لما شاهدوا ذلك ،حصلت
لهم عبودية أخرى للرب تعالى ،وخضوع آخر ،وخوف آخر ،كما هو المشاهد من حال عبيد الملك إذا
رأوه قد أهان أحدهم الهانة التي بلغت منه كل مبلغ ،وهم يشاهدونه ،فل ريب أن خوفهم وحذرهم يكون
أشد .
-3جعله ال عبرة لمن اعتبر :
ومنها أن ال جعله عبرة لمن خالف أمره ،وتكبر عن طاعته ،وأصمر على معصيته ،كما جعل ذنب
أبي البشر عبرة لمن ارتكب نهيه ،أو عصى أمره ،ثم تاب وندم ورجع إلى ربه ،فابتلى أبوي الجن
والنس بالذنب ،وجعل هذا الب عبرة لمن أصمر وأقام على ذنبه ،وهذا الب عبرة إن تاب ورجع إلى
ربه ،فلله كم في ضمن ذلك من الحكم الباهرة ،واليات الظاهرة .
-4جعله فتنة واختبا ار لعباده :
) (1/145
ومنها أمنه محك امتحن ال به خلقه ،ليتبين به خبيثهم من طيبهم ،فإنه – سبحانه – خلق النوع
النساني من الرض ،وفيها السهل والحزن ،والطيب والخبيث ،فل بد أن يظهر ما كان في مادتهم ،
ففي الحديث عن أبي موسى قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ) :إن ال خلق آدم من
قبضة قبضها من جمع الرض ،فجاء بنو آدم على قدر الرض ،منهم الحمر والبيض والسود ،
والسهل والحزن ،والطيب والخبيث ( .رواه أحمد والترمذي وأبو داود ). (2
فما كان في المادة الصلية فهو كائان في المخلوق منها ،فاقتضت الحكمة اللهية إخراجه وظهوره ،
فل بمد إذا من سبب يظهر ذلك ،وكان إبليس محمك ا يميز به الطيب من الخبيث ،كما جعل أنبياءه
ورسله محمكا لذلك التمييز ،قال تعالى ) :نما كان ال ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حنتى يميز
طيب ( ] آل عمران ، [ 179 :فأرسل رسله إلى المكلفين ،وفيهم الطيب والخبيث ، الخبيث من ال ن
فانضاف الطيب إلى الطيب ،والخبيث إلى الخبيث .
واقتضت حكمته البالغة أن خلطهم في دار المتحان ،فإذا صاروا إلى دار القرار يميز بينهم ،وجعل
لهؤلء دا ار على حدة ،ولهؤلء دا ار على حدة ،حكمة بالغة ،وقدرة باهرة .
-5إظهاره كمال قدرته سبحانه بخلق الضداد :
ومن هذه الحكم أن يظهر كمال قدرته بخلق الضداد ،مثل جبريل والملئاكة إوابليس والشياطين ،وذلك
من أعظم آيات قدرته ومشيئاته وسلطانه ؛ فإنه خالق الضداد كالسماء والرض ،والضياء والظلم ،
والجنة والنار ،والماء والنار ،والحر والبرد ،والطيب والخبيث .
-6الضد يظهر حسنه الضد :
ومن هذه الحكم أنن خلق أحد الضدين من كمال حسن ضده ،فإنن الضد إنما يظهر حسنه بضده ،فلول
القبيح لم تعرف فضيلة الجميل ،ولول الفقر لم يعرف قدر الغنى .
-7البتلء به إلى تحقيق الشكر :
) (1/146
) (1/147
ومن هذه الحكم أن من أسمائاه الخافض الرافع ،المعيز الميذل ،الحكم العدل ،المنتقم ،وهذه السماء
تستدعي متعلقات يظهر فيها أحكامها ،كأسماء الحسان والرزق والرحمة ونحوها ،ول بمد من ظهور
متعلقات هذه وهذه .
-12ظهور آثار تمام ملكه وعموم تصرفه :
ومن هذه الحكم أنه سبحانه الملك التام الملك ،ومن تمام ملكه عموم تصرفه وتنوعه بالثواب والعقاب ،
والكرام والهانة والعدل ،والفضل والعزاز والذلل ،فل بمد من وجود من يتعلق به أحد النوعين ،كما
أوجد من يتعلق به النوع الخر .
-13وجود إبليس من تمام حكمته تعالى :
ومن هذه الحكم أن من أسمائاه الحكيم ،والحكمة من صفاته – سبحانه – وحكمته تستلزم وضع كل
شيء في موضعه الذي ل يليق به سواه ،فاقتضت خلق المتضادات ،وتخصيص كل واحد منها بما ل
يليق به غيره من الحكام والصفات والخصائاص ،وهل تتم الحكمة إل بذلك ؟ فوجود هذا النوع من تمام
الحكمة ،كما أنه من كمال القدرة .
-14حمده تعالى على منعه وخفضه :
ومنها أن حمده – سبحانه – تام كامل من جميع الوجوه ،فهو محمود على عدله ومنعه ،وخفضه
ورفعه ،وانتقامه إواهانته ،كما هو محمود على فضله وعطائاه ،ورفعه إواكرامه ،فله الحمد التام الكامل
على هذا وهذا ،وهو يحمد نفسه على ذلك كله ،ويحمده عليه ملئاكته ،ورسله وأولياؤه ،ويحمده عليه
أهل الموقف جميعهم ،وما كان من لوازم كمال حمده وتمامه ،فله في خلقه إوايجاده الحكمة التامة ،
كما له عليه الحمد التام ،فل يجوز تعطيل حمده ،كما ل يجوز تعطيل حكمته .
-15وبخلقه يظهر ال لعباده حلمه وصبره :
) (1/148
ومنها أنه – سبحانه – يحب أن يظهر لعباده حلمه وصبره ،وأناته ،وسعة رحمته ،وجوده ،فاقتضى
ذلك خلق من يشرك به ،ويضاده في حكمه ،ويجتهد في مخالفته ،ويسعى في مساخطه ،بل يشبهه
سبحانه وتعالى ،وهو مع ذلك يسوق إليه أنواع الطيبات ،ويرزقه ،ويعافيه ،ويمكن له من أسباب ما
يلتذ به من أصناف النعم ،ويجيب دعاجءه ،ويكشف عنه السوء ،ويعامله من بره إواحسانه بضد ما
يعامله هو به من كفره وشركه إواساجءته ،فلله كم في ذلك من حكمة وحمد .
ويتحبب إلى أوليائاه ويتعرف بأنواع كمالته ،كما في الصحيح عن أبي موسى الشعري قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :ما أحد أصبر على أذى يسمعه من ال ،يدعون له الولد ثم يعافيهم
ويرزقهم ( .متفق عليه ). (3
وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي ال عنه ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :قال ال
تعالى :كذبني ابن آدم ،ولم يكن له ذلك ،وشتمني ولم يكن له ذلك ،فأما تكذيبه إياي فقوله :لن
يعيدني كما بدأني ،وليس أول الخلق بأهون علمي من إعادته ،وأمما شتمه إياي فقوله :اتخذ ال ولدا ،
وأنا الحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ،ولم يكن لي كفوا أحد ( .رواه البخاري ). (4
وهو سبحانه مع هذا الشتم له ،والتكذيب له ،يرزق الشاتم المكذب ،ويعافيه ،ويدفع عنه ،ويدعوه إلى
جنته ،ويقبل توبته إذا تاب إليه ،ويبدله بسيئااته حسنات ،ويلطف به في جميع أحواله ،ويؤهله
لرسال رسله ،ويأمرهم أن يلينوا له القول ،ويرفقوا به .
قال الفضيل بن عياض " :ما من ليلة يختلط ظلمها إل نادى الجليل – جمل جلله – جمن أعظم مني
جودا ،الخلئاق لي عاصون ،وأنا أكلؤهم في مضاجعهم ،كأنهم لم يعصوني ،وأتولى حفظهم ،كأنهم
لم يذنبوا ،أجود بالفضل على العاصي ،وأتفضل على المسيء .
من ذا الذي دعاني فلم ألبه ؟ من ذا الذي سألني فلم أعطه ؟
) (1/149
أنا الجواد ومني الجود ،أنا الكريم ومني الكرم ،ومن كرمي أني أعطي العبد ما سألني ،وأعطيه ما لم
يسألني ،ومن كرمي أني أعطي التائاب كأنه لم يعصني ،فأين عني يهرب الخلق ،وأين عن بابي
ينتحي العاصون ؟ " .
وفي أثر إلهي ) :إني والنس والجن في نبأ عظيم :أخلق ويعبد غيري ،وأرزق ويشكر سواي ( .
وفي أثر حسن ) :ابن آدم ما أنصفتني :خيري إليك نازل ،وشمرك إلي صاعد ،كم أتحبب إليك بالنعم
ك الكريم جيلعخرج إلي منك
،وأنا غني عنك ،وكم تتبغض إلي بالمعاصي ،وأنت فقير إلي ،ول يزال الجملج خ
بعمل قبيح ( .
وفي الحديث الصحيح ) :لو لم تذنبوا لذهب ال بكم ،ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون ،فيغفر لهم ( .
-16خلق ال خلقه بحيث يظهر فيهم أحكام أسمائاه وصفاته وآثارها :
فال سبحانه لكمال محبته لسمائاه وصفاته اقتضى حمده ،وحكمته أن يخلق خلق ا يظهر فيهم أحكامها
وآثارها ،فلمحبته للعفو خلق من يحسن العفو عنه ،ولمحبته للمغفرة خلق من يغفر له ،ويحلم عنه ،
ويصبر عليه ،ول يعاجله ،بل يكون يحب أمانه إوامهاله .
ولمحبته لعدله وحكمته خلق من يظهر فيهم عدله وحكمته ،ولمحبته للجود والحسان والبر خلق من
يعامله بالساجءة والعصيان ،وهو سبحانه يعامله بالمغفرة والحسان ،فلول خلقه من يجري على أيديهم
أنواع المعاصي والمخالفات ،لفاتت هذه الحكم والمصالح وأضعافها وأضعاف أضعافها ،فتبارك ال
رب العالمين ،وأحكم الحاكمين ،ذو الحكمة البالغة ،والنعم السابغة ،الذي وصلت حكمته إلى حيث
وصلت قدرته ،وله في كل شيء حكمة باهرة ،كما أن له فيه قدرة قاهرة وهدايات .
-17ما حصل بسبب وجود الشيطان من محبوبات للرحمن :
) (1/150
فكم حصل بسبب هذا المخلوق البغيض للرب ،المسخوط له من محبوب له تبارك وتعالى ،يتصل في
حبه ما حصل به من مكروه ،والحكيم الباهر الحكمة هو الذي يحصل أحب المرين إليه باحتمال
المكروه الذي يبغضه ويسخطه ،إذا كان طريق ا إلى حصول ذلك المحبوب .ووجود الملزوم بدون لزمه
محال .
فإن يكن قد حصل بعدو ال إبليس من الشرور والمعاصي ما حصل ،فكم حصل بسبب وجوده ،
ووجود جنوده من طاعة هي أحب إلى ال وأرضى له من جهاد في سبيله ،ومخالفة هوى النفس
ب شيء للحبيب أن يرى محمبه يتحمل
وشهوتها له ،ويحتمل المشاق والمكاره في محبته ومرضاته ،وأح م
لجله من الذى والوصب ما يصدق محبته .
من أجلك قد جعلت خدي أرضا ××× بغيتي للشامت والحسود حتى ترضى
ومن أثر إلهي ) :بغيتي ما يتحمل المتحملون من أجلي ( ،فال ما أحب إليه احتمال محبيه أذى
أعدائاه لهم فيه ،وفي مرضاته ،وما أنفع ذلك الذى لهم ،وما أحمدهم لعاقبته ،وماذا ينالون به من
كرامة حبيبهم وقربه قرة عيونهم به ،ولكن حرام على منكري محبة الرب تعالى أن يشموا لذلك رائاحة ،
أو يدخلوا من هذا الباب ،أو يذوقوا من هذا الشراب .
قل للعيون العمي للشمس أعين ××× سواك يراها في مغيب ومطلع
وسامح بؤسا لم يؤهل لحبهم ××× فما يحسن التخصيص في كل موضع
فإن أغضب هذا المخلوق ربه ،فقد أرضاه فيه أنبياؤه ورسله وأولياؤه ،وذلك الرضا أعظم من ذلك
الغضب ،إوان أسخطه ما يجري على يديه من المعاصي والمخالفات ،فإمنه سبحانه أشمد فرح ا بتوبة
عبده من الفاقد لراحلته ،التي عليها طعامه وشرابه ،إذا وجدها في المفاوز المهلكات ،إوان أغضبه ما
جرى على أنبيائاه ورسله من هذا العدو اللعين ،فقد سمره وأرضاه ما جرى على أيديهم من حربه
ومعصيته ومراغمته وكبته وغيظه ،وهذا الرضا أعظم عنده وأبمر لديه من فوات ذلك المكروه المستلزم
لفوات هذا المرضي المحبوب .
) (1/151
إوان أسخطه أكل آدم من الشجرة ،فقد أرضاه توبته إوانابته ،وخضوعه وتذل بين يديه وانكساره له .
إوان أغضبه إخراج أعدائاه لرسوله صلى ال عليه وسلم من حرمه وبلدته ذلك الخروج ،فقد أرضاه أعظم
الرضا دخوله إليها ذلك الدخول .
إوان أسخطه قتلهم أولياءه وأحبابه ،وتمزيق لحومهم ،إواراقة دمائاهم ،فقد أرضاه نيلهم الحياة التي ل
أطيب منها ،ول أنعم ،ول ألمذ في قربه وجواره .
إوان أسخطه معاصي عباده ،فقد أرضاه شهود ملئاكته وأنبيائاه ورسله وأوليائاه سعة مغفرته وعفوه وبمره
وكرمه وجوده والثناء عليه بذلك ،وحمده وتمجيده بهذه الوصاف التي حمده بها والثناء عليه بها ،
أحب إليه ،وأرضى له من فوات تلك المعاصي ،وفوات هذه المحبوبات .
واعلم أن الحمد هو الصل الجامع لذلك كله ،فهو عقد نظام الخلق والمر ،والرب تعالى له الحمد كمله
بجميع وجوهه واعتباراته وتصاريفه ،فما خلق شيئا ا ،ول حكم بشيء إل وله فيه الحمد ،فوصل حمده
إلى حيث وصل خلقه وأمره ،حمدا حقيقيا يتضمن محبته والرضا به وعنه ،والثناء عليه ،والقرار
بحكمته البالغة في كل ما خلقه وأمر به ،فتعطيل حكمته غير تعطيل حمده ...فكما أنه ل يكون إل
حميدا فل يكون إل حكيما ،فحمده وحكمته كعلمه وقدرته ،وحياته من لوازم ذاته ،ول يجوز تعطيل
شيء من صفاته وأسمائاه ومقتضياتها وآثارها ،فإن ذلك يستلزم النقص الذي يناقض كماله وكبرياءه
وعظمته .
-18محبته سبحانه أن يكون ملذا ومعاذا لوليائاه :
وفي هذا يقول ابن القيم " :كما أن من صفات الكمال وأفعال الحمد والثناء أنه يجود ويعطي ويمنح ،
فمنها أمنه يعيذ وينصر ويغيث ،فكما يحب أن يلوذ به اللئاذون يحب أن يعوذ به العائاذون ،وكمال
الملوك أن يلوذ بهم أولياؤهم ،ويعوذوا بهم ،كما قال أحمد بن حسين الكندي في ممدوحه :
يا من ألوذ به فيما أؤمله ××× ومن أعوذ به مما أحاذره
) (1/152
ل يجبر الناس عظم ا أنت كاسره ××× ول يهيضون عظم ا أنت جابره
ولو قال ذلك في ربه وفاطره لكان أسعد به من مخلوق مثله .
والمقصود أن ملك الملوك يحب أن يلوذ به مماليكه ،وأن يعوذوا به ،كما أمر رسوله أن يستعيذ به من
الشيطان الرجيم في غير موضع من كتابه ،وبذلك يظهر تمام نعمته على عبده إذا أعاذه وأجاره من
عدوه ،فلم يكن إعاذته إواجارته منه بأدنى النعمتين ،وال تعالى يحب أن يكمل نعمته على عباده
المؤمنين ،ويريهم نصره لهم على عدوهم ،وحمايتهم منه ،وظفرهم به ،فيا لها من نعمة كمل بها
سرورهم ونعيمهم ،وعدل أظهره في أعدائاه وخصمائاه .
وما منهما إل له فيه حكمة ××× يقصر عن إدراكها كل باحث
الحكمة في بقاء إبليس إلى آخر الدهر :
تحدث ابن القيم ،رحمه ال ،عن ذلك في ) شفاء العليل ( ) (5ووضحه ،فمن ذلك :
-1امتحان العباد :
فمما ذكره رحمه ال تعالى :أمن ال جعله محمك ا ومحنة يخرج به الطيب من الخبيث ،وولميه من عدوه ،
ولذا اقتضت حكمته إبقاجءه ليحصل الغرض المطلوب بخلقه ،ولو أماته لفات ذلك الغرض ،كما أن
الحكمة اقتضت بقاء أعدائاه الكفار في الرض إلى آخر الدهر ،ولو أهلكهم ألبتة لتعطلت الحكم الكثيرة
في إبقائاهم ،فكما اقتضت حكمته امتحان أبي البشر ،اقتضت امتحان أولده من بعده به ،فتحصل
السعادة لمن خالفه وعاداه ،وينحاز إليه من وافقه ووله .
-2وأبقاه مجازاة له على صالح عمله السابق :
ومنها أنه لما سبق حكمه وحكمته أنه ل نصيب له في الخرة ،وقد سبق له طاعة وعبادة ،جزاه بها في
الدنيا بأن أعطاه البقاء فيها إلى آخر الدهر ،فإنه سبحانه ل يظلم أحدا حسنة عملها ،فأمما المؤمن ،
فيجزيه بحسناته في الدنيا والخرة ،وأمما الكافر ،فيجزيه بحسناته ما عمل في الدنيا ،فإذا أفضى إلى
الخرة ،لم يكن له شيء ،كما ثبت هذا المعنى في الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم .
-3أملى له ليزداد إثم ا :
) (1/153
وبقاؤه إلى يوم القيامة لم يكن كرامة في حقه ،فإمنه لو مات كان خي ار له ،وأخف لعذابه ،وأقل لشره ،
ولكن لما غلظ ذنبه بالصرار على المعصية ومخاصمة من ينبغي التسليم لحكمه ،والقدح في حكمته ،
والحلف على اقتطاع عباده ،وصدهم عن عبوديته ،كانت عقوبة الذنب أعظم عقوبة بحسب تغلظه ،
فأبقي في الدنيا ،وأملى له ليزداد إثما ،على إثم ذلك الذنب ،فيستوجب العقوبة التي ل تصلح لغيره ،
فيكون رأس أهل الشمر في العقوبة ،كما كان رأسهم في الشر والكفر .ولما كان مادة كل شر فعنه تنشأ
،جوزي في النار مثل فعله ،فكل عذاب ينزل بأهل النار يبدأ فيه ،ثم يسري منه إلى أتباعه عدلا
ظاه ار وحكمة بالغة .
-4وأبقاه ليتولى المجرمين :
ومن حكم إبقائاه إلى يوم الدين أمنه قال في مخاصمته لرمبه ) :أرأيتك هذا النذي كنرمت جعلجني لئان أنخرتن
إلى يوم القيامة لحتنكنن ذرنيته إلن قليلا ( ] السراء . [ 62 :وعلم ال – سبحانه – أن في الذرية من
ل يصلح لمساكنته في داره ،ول يصلح إل لما يصلح له الشوك والروث أبقاه له ،وقال له بلسان القدر
:هؤلء أصحابك وأولياؤك ،فاجلس في انتظارهم ،وكلما ممر بك واحد منهم فشأنك به ،فلو صلح لي
ما ملكتك منه ،فإني أتولى الصالحين ،وهم الذين يصلحون لي ،وأنت ولي المجرمين من الذين غنوا
عن موالتي وابتغاء مرضاتي ،قال تعالى ) :إننه ليس له سلطان على انلذين آمنوا وعلى ربهم يتونكلون
– إننما سلطانه على انلذين يتونلونه وانلذين هم مشركون ( ]النحل.[100-99 :
) (1/154
فأما إماتة النبياء والمرسلين ،فلم يكن ذلك لهوانهم عليه ،ولكن ليصلوا إلى محل كرامته ،ويستريحوا
من نكد الدنيا وتعبها ومقاساة أعدائاهم وأتباعهم ،وليحيا الرسل بعدهم ،يري رسولا بعد رسول ،فإماتتهم
أصلح لهم وللمة ،أما هم فلراحتهم من الدنيا ،ولحوقهم بالرفيق العلى في أكمل لذة وسرور ،ول
سيما أنه قد خيرهم ربهم بين البقاء في الدنيا واللحاق به .
وأمما المم فيعلم أنهم لم يطيعوهم في حياتهم خاصة ،بل أطاعوهم بعد مماتهم ،كما أطاعوهم في
حياتهم ،وأن أتباعهم لم يكونوا يعبدونهم ،بل يعبدون ال بأمرهم ونهيهم ،وال هو الحي الذي ل يموت
،فكم في إماتتهم من حكمة ومصلحة لهم وللمة .هذا وهم بشر ،ولم يخلق ال البشر في الدنيا على
خلقة قابلة للدوام ،بل جعلهم خلئاف في الرض ،يخلف بعضهم بعض ا ،فلو أبقاهم لفاتت المصلحة
والحكمة في جعلهم خلئاف ،ولضاقت بهم الرض ،فالموت كمال لكل مؤمن ،ولول الموت لما طاب
العيش في الدنيا ،ول هناء لهلها بها ،فالحكمة في الموت كالحكمة في الحياة .
إلى أي مدى نجح الشيطان في إهلك بني آدم ؟
عندما رفض الشيطان السجود لدم ،وطرده ال من رحمته وجنته ،وغضب عليه ولعنه ،أخذ على
ب العزة بأن يضلنا ويغوينا ،ويعبدنا لنفسه ) :نلعنة ال وقال لنتخذنن من عبادك
نفسه العهد أمام ر م
نصيبا نمفروضا – ولضلنننهم ] ( ...النساء ) ، [119-118 :قال أرأيتك هذا انلذي كنرمت علني لئان
أنخرتن إلى يوم القيامة لحتنكنن ذرنيته إلن قليلا ( ]السراء . [62 :
فإلى أي مدى حقق الشيطان مراده من بني النسان ؟
) (1/155
إن المسمرح نظره في تاريخ البشرية يهوله ما يرى من ضلل الناس ،وكيف كذبوا الرسل والكتب ،
وكفروا بال ربهم ،وأشركوا به مخلوقاته ،قال تعالى ) :وما أكثر النناس ولو حرصت بمؤمنين (
] يوسف ، [ 103 :ولذا حق عليهم غضب ال وانتقامه ) :ثنم أرسلنا رسلنا تت ار كنل ما جاء أنمةا
نرسولها كنذبوه فأتبعنا بعضهم بعض ا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوجم ل يؤمنون ( ] المؤمنون . [ 44 :
وفي الحاضر حيثما نظرنا أبصرنا أولياء الشيطان تعج بهم الحياة يرفعون رايته ،وينادون بمبادئاه ،
ويعذبون أولياء ال ،ويدلنا على مدى تحقيق الشيطان لمراده ،أن ال يأمر آدم يوم القيامة أن يخرج من
ذريته بعث النار ،فلما يستفسر عن مقدار هذا البعث يقول له :تسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى
الجنة ،وفي رواية :تسعمائاة وتسعة وتسعون في النار ،وواحد في الجنة ). (6
وبذلك يصدق ظنه في هذه الذرية التي لم تعتبر بما جرى لبيها ،ول بما جرى لسلفها ،ويبقى هذا
اللعين يقودها إلى هلكها ،بل أحيانا تسابقه إلى الجحيم .
وما أقبح أن يصدق ظن العدو في عدوه ) :ولقد صندق عليهم إبليس ظننه فانتبعوه إلن فريق ا من المؤمنين
( ] سبأ . [ 20 :قبيح النسان أن يتحقق فيه ظن الشيطان ،فيطيع هذا العدو ،ويعصي رمبه .ولقد
بلغ المر حمدا ل يوصف ول يتصور ،فهذه طائافة في العراق وفي جهات أخرى تطلق على نفسها :
عباد الشيطان ،وبعض الكتاب نراهم يحلفون ) بحق الشيطان ( ،فما أعجب أمرهم !
ل تفكر بكثرة الهالكين :
ي بالعاقل اللبيب أن ل يغتر بكثرة الهالكين ،فالكثرة ليس لها اعتبار في ميزان ال ،إنما العتبار
حر م
ق ولو جقمل عدد متبعيه .
بالح م
فكن من أتباع الحق الذين رضوا بال رمب ا ،وبالسلم دين ا ،وبمحمد رسولا ،الذين عرفوا الشيطان
وأتباع الشيطان ،فحاربوهم بالحجة والبرهان ،والسيف والسنان ،وقبل ذلك باللتجاء إلى الرحمن ،
والتمسك بدينه .
) (1/156
) يا أنيها انلذين آمنوا ادخلوا في السلم كافنةا ول تنتبعوا خطوات النشيطان إننه لكم عدنو مبين – فإن زللتم من
بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أنن ال عزيز حكيم ( ] البقرة . [ 209-208 :
نسأل ال أن يجعلنا بمنه وكرمه من الذين دخلوا في السلم دخولا كلي ا ،وصلى ال وسلم على عبده
ورسوله محمد ،وعلى آله وصحبه وسلم .
--------------------------------
) (1شفاء العليل :ص . 322
) (2مشكاة المصابيح .1/36 :ورقمه . 100 :
) (3مشكاة المصابيح . 1/14 :ورقمه . 23 :
) (4مشكاة المصابيح . 1/14 :ورقمه . 20 :
) (5شفاء العليل . 327 :
) (6الحديث رواهما البخاري وغيره .صحيح البخاري 388 ، 11/387 :وراجع مؤلف أ.د .عمر
الشقر :الجنة والنار ،ص . 76
) (1/157