You are on page 1of 123

‫العقيدة في ضوء الكتاب والسنة‬

‫عالم الجن والشياطين‬

‫الدكتور عمر سليمان الشقر‬

‫التعريف بعالم الجن والشياطين‬


‫الجن عالم مستقل ‪:‬‬
‫الجن عالم غير عالم النسان وعالم الملئاكة ‪ ،‬بينهم وبين النسان قدر مشترك من حيث التصاف‬
‫بصفة العقل والدراك ‪ ،‬ومن حيث القدرة على اختيار طريق الخير والشر‪ ،‬ويخالفون النسان في أمور‬
‫أهمها أن أصل الجان مخالف لصل النسان ‪.‬‬
‫لماذا سمموا جمن ا ‪:‬‬
‫وسمو جمن ا لجتنانهم ‪ ،‬أي ‪ :‬استتارهم عن العيون ‪ ،‬قال ابن عقيل ‪ " :‬إنما سممي الجن جمن ا لجتنانهم‬
‫واستتارهم عن العيون ‪ ،‬ومنه سمي الجنين جنينا ‪ ،‬وسممي المجمن مجنا لستره للمقاتل في الحرب " )‪. (1‬‬
‫وجاء في محكم التنزيل ‪ ) :‬إننه يراكم هو وقبيله من حيث ل ترونهم ( ] العراف ‪. [ 27 :‬‬
‫أصلهم وخلقهم‬
‫المطلب الول‬
‫أصلهم الذي منه خلقوا‬
‫أخبرنا ال – جمل وعل – أن الجمن قد خخلقوا من النار في قوله ‪ ) :‬جوالججآَنن خلقناه من قبل من منار النسموم‬
‫( ] الحجر ‪ ، [ 27 :‬وفي سورة الرحمن ‪ ) :‬وخلق الجانن من نمارجج من نناجر ( ] الرحمن ‪ . [ 15 :‬وقد‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والحسن وغير واحد في قوله ‪ ) :‬نمارجج من نناجر ( ‪ :‬طرف اللهب ‪،‬‬
‫وفي رواية ‪ :‬من خالصه وأحسنه )‪ : (2‬وقال النووي في شرحه على مسلم ‪ " :‬المارج ‪ :‬اللهب المختلط‬
‫بسواد النار " )‪. (3‬‬
‫ت‬
‫وفي الحديث الذي أخرجه مسلم عن عائاشة قالت ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬خلق ل‬
‫الملئاكة من نور ‪ ،‬وخلق الجان من مارج من نار ‪ ،‬وخلق آدم مما وصف لكم ( )‪. (4‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫ابتداء خلقهم‬
‫ل شك أن خلق الجن متقدم على خلق النسان ؛ لقوله تعالى ‪ ) :‬ولقد خلقنا النسان من صلصاجل من‬
‫جحجمجإ نمسنوجن – والجآَنن خلقناه من قبل من ننار النسموم ( ] الحجر ‪ ، [ 27-26 :‬فقد ن م‬
‫ص في الية أن‬
‫الجان مخلوق قبل النسان ‪ .‬ويرى بعض السابقين أنهم خلقوا قبل النسان بألفي عام ‪ ،‬وهذا ل دليل‬
‫عليه من كتاب ول سمنة ‪.‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫صفة خلقة الجن‬

‫) ‪(1/1‬‬

‫نحن ل نعرف من خلقتهم وصورهم وحواسهم إل ما عرفنا ال منها ‪ ،‬فنعلم أن لهم قلوب ا قال تعالى ‪:‬‬
‫) ولقد ذرأنا لجهننم كثي ار من الجن والنس لهم قلو ب‬
‫ب ل يفقهون بها ولهم أعيبن ل يبصرون بها ولهم آذابن‬
‫ل يسمعون بها أولئاك كالنعام بل هم أضلل ( ]العراف ‪. [179 :‬‬
‫فقد صرح – تبارك وتعالى – بأن للجن قلوبا ‪ ،‬وأعينا وآذانا ‪ ،‬وللشيطان صوتا ‪ ،‬لقوله تعالى ‪:‬‬
‫) واستفزز من استطعت منهم بصوتك ( ] السراء ‪ . [ 64 :‬وثبت في الحاديث أن للشيطان لسان ا ‪،‬‬
‫وأن الجان يأكلون ‪ ،‬ويشربون ‪ ،‬ويضحكون ‪ ،‬وغير ذلك مما تجده مبثوث ا في هذا الكتاب ‪.‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫أسماء الجن في لغة العرب وأصنافهم‬
‫قال ابن عبد البر ‪ " :‬الجن عند أهل الكلم والعلم باللسان على مراتب ‪:‬‬
‫‪ -1‬فإذا ذكروا الجن خالص ا قالوا ‪ :‬جمني ‪.‬‬
‫‪ -2‬فإذا أرادوا أنه مما يسكن مع الناس ‪ ،‬قالوا ‪ :‬عامر ‪ ،‬والجمع ‪ :‬عممار ‪.‬‬
‫‪ -3‬فإن كان مما يعرض للصبيان قالوا ‪ :‬أرواح ‪.‬‬
‫‪ -4‬فإن خبث وتعرض ‪ ،‬قالوا ‪ :‬شيطان ‪.‬‬
‫‪ -5‬فإن زاد على ذلك ‪ ،‬فهو مارد ‪.‬‬
‫‪ -6‬فإن زاد على ذلك وقوي أمره ‪ ،‬قالوا ‪ :‬عفريت ‪ ،‬والجمع ‪ :‬عفاريت " )‪. (5‬‬
‫وأخبرنا الرسول صلى ال عليه وسلم أمن ) الجن ثلثة أصناف ‪ :‬فصنف يطير في الهواء ‪ ،‬وصنف‬
‫حميات وكلب ‪ ،‬وصنف يحلون ويظعنون ( ‪ .‬رواه الطبراني ‪ ،‬والحاكم ‪ ،‬والبيهقي في السماء والصفات‬
‫‪ ،‬بإسناد صحيح )‪. (6‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬آكام المرجان في أحكام الجان ‪ :‬ص ‪. 7‬‬
‫)‪ (2‬البداية والنهاية ‪. 1/59 :‬‬
‫)‪ (3‬شرح النووي على مسلم ‪. 18/123 :‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم ‪ . 4/2294 :‬ورقمه ‪. 2996 :‬‬
‫)‪ (5‬آكام المرجان ‪. 8 :‬‬
‫)‪ (6‬صحيح الجامع ‪. 3/85 :‬‬
‫إثبات وجود الجن‬
‫المطلب الول‬
‫ل مجال للتكذيب بعالم الجن‬
‫أنكرت قلة من الناس وجود الجمن إنكا ار كلي ا ‪ ،‬وزعم بعض المشركين ‪ :‬أن المراد بالجن أرواح الكواكب )‬
‫‪. (1‬‬

‫) ‪(1/2‬‬

‫وزعمت طائافة من الفلسفة ‪ :‬أن المراد بالجن نوازع الشر في النفس النسانية وقواها الخبيثة ‪ ،‬كما أن‬
‫المراد بالملئاكة نوازع الخير فيها )‪. (2‬‬
‫وزعم فريق من الملحجدثين ) بفتح الدال المخففة ( ‪ :‬أن الجن هم الجراثيم والميكروبات التي كشف عنها‬
‫العلم الحديث ‪.‬‬
‫وقد ذهب الدكتور محمد البهي إلى ‪ :‬أن المراد بالجن الملئاكة ‪ ،‬فالجن والملئاكة عنده عالم واحد ل‬
‫فرق بينهما ‪ ،‬ومما استدل به ‪ :‬أن الملئاكة مستترون عن الناس ‪ ،‬إل أنه أدخل في الجن من يتخفى من‬
‫عالم النسان في إيمانه وكفره ‪ ،‬وخيره وشره )‪. (3‬‬
‫عدم العلم ليس دليلا ‪:‬‬
‫وغاية ما عند هؤلء المكذبين أنه ل علم عندهم بوجودهم ‪ ،‬وعدم العلم ليس دليلا )‪ ، (4‬وقبيح بالعاقل‬
‫أن ينفي الشيء لعدم علمه بوجوده‪ ،‬وهذا مما نعاه ال على الكفرة ‪ ) :‬بل كنذبوا بما لم يحيطوا بعلمه (‬
‫] يونس ‪ . [39 :‬وهذه المخترعات الحديثة التي ل يستطيع أحد أن يكابر فيها ‪ ،‬أكان يجوز لنسان‬
‫عاش منذ مئاات السنين أن ينكر إمكان حصولها لو أخبره صادق بذلك ؟ وهل عدم سماعنا للصوات‬
‫التي يعج بها الكون في كل مكان دليل على عدم وجودها ‪ ،‬حتى إذا اخترعنا ) الراديو ( ‪ ،‬واستطاع‬
‫التقاط ما ل نسمع بآَذاننا صدقنا بذلك ؟!‬
‫يقول الستاذ سيد قطب – رحمه ال – في ظلله متحدث ا عن النفر من الجن الذين صرفهم ال إلى‬
‫رسوله ‪ ،‬فاستمعوا منه القرآن ‪.‬‬

‫) ‪(1/3‬‬
‫ف نفر من الجن ليستمعوا القرآن من النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وحكاية‬ ‫" إنن ذكر القرآن لحادث صر ف‬
‫جل‬
‫ج‬
‫ما قالوا وما فعلوا ‪ ،‬هذا وحده كاف بذاته لتقرير وجود الجن ‪ ،‬ولتقرير وقوع الحادث ‪ ،‬ولتقرير أمن الجن‬
‫هؤلء يستطيعون أن يستمعوا للقرآن بلفظه العربي المنطوق ‪ ،‬كما يلفظه رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ ،‬ولتقرير أن الجن خلق قابلون لليمان وللكفران ‪ ،‬مستعدون للهدى وللضلل ‪ ،‬وليس هنالك من حاجة‬
‫إلى زيادة تثبيت أو توكيد لهذه الحقيقة ‪ ،‬فما يملك إنسان أن يزيد الحقيقة التي يقررها سبحانه ثبوت ا ‪.‬‬
‫ولكمنا نحاول إيضاح هذه الحقيقة في التصور النساني ‪.‬‬
‫إمن هذا الكون من حولنا حافل بالسرار ‪ ،‬حافل بالقوى والخلئاق المجهولة لنا كنه ا وصفةا وأث ار ‪ ،‬ونحن‬
‫نعيش في أحضان هذه القوى والسرار ‪ ،‬نعرف منها القليل ‪ ،‬ونجهل منها الكثير ‪ ،‬وفي كل يوم نكشف‬
‫بعض هذه السرار ‪ ،‬وندرك بعض هذه القوى ‪ ،‬ونتعرف إلى بعض هذه الخلئاق تارة بذواتها ‪ ،‬وتارة‬
‫بصفاتها ‪ ،‬وتارة بمجرد آثارها في الوجود من حولنا ‪.‬‬
‫ونحن ما نزال في أول الطريق ‪ ،‬طريق المعرفة لهذا الكون ‪ ،‬الذي نعيش نحن وآباؤنا وأجدادنا ‪ ،‬ويعش‬
‫أبناؤنا وأحفادنا ‪ ،‬على ذرة من ذراته الصغيرة ؛ هذا الكوكب الرضي الذي ل يبلغ أن يكون شيئا ا يذكر‬
‫في حجم الكون أو وزنه !‬
‫وما عرفنا اليوم – ونحن في أول الطريق – خيعمد بالقياس إلى معارف البشرية قبل خمسة قرون فقط‬
‫عجائاب أضخم من عجيبة الجن ‪ ،‬ولو قال قائال للناس قبل خمسة قرون عن شيء من أسرار الذرة التي‬
‫نتحدث عنها اليوم ‪ ،‬لظنه مجنون ا ‪ ،‬أو لظنوه يتحدث عما هو أشد غرابة من الجن قطع ا !‬

‫) ‪(1/4‬‬

‫ونحن نعرف ونكشف في حدود طاقتنا البشرية ‪ ،‬المعدة للخلفة في هذه الرض ‪ ،‬ووفق مقتضيات هذه‬
‫الخلفة ‪ ،‬وفي دائارة ما جسمخجره ال لنا ؛ ليكشف لنا عن أس ارره ‪ ،‬وليكون لنا ذلولا ‪ ،‬كيما نقوم بواجب‬
‫الخلفة في الرض ‪ ،‬ول تتعدى معرفتنا وكشوفنا في طبيعتها وفي مداها مهما امتد بنا الجل – أي‬
‫ف لنا من أس ارره – ل تتعدى تلك الدائارة ؛ ما نحتاج‬‫بالبشرية – ومهما خسمخر لنا من قوى الكون ‪ ،‬وخكفش ج‬
‫إليه للخلفة في هذه الرض ‪ ،‬وفق حكمة ال وتقديره ‪.‬‬
‫وسنكشف كثي ار ‪ ،‬وسنعرف كثي ار ‪ ،‬وستتفتح لنا عجائاب من أسرار هذا الكون وطاقاته ‪ ،‬فممما قد تعمد‬
‫أسرار الذرة بالقياس إليه لعبة أطفال ! ولكننا سنظل في حدود الدائارة المرسومة للبشر في المعرفة ‪ ،‬وفي‬
‫حدود قول ال سبحانه ‪ ) :‬وما أوتيتم من العلم إلن قليلا ( ] السراء ‪ [ 85 :‬قليلا بالقياس إلى ما في‬
‫هذا الوجود من أسرار وغيوب ل يعلمها إل خالقه جوقجميومه ‪ ،‬وفي حدود تمثيله لعلمه غير المحدود ‪،‬‬
‫ووسائال المعرفة البشرية المحدودة بقوله ‪ ) :‬ولو أننما في الرض من شجرجة أقلبم والبحر يملده من بعده‬
‫سبعة أبحر ما نفدت كلمات ال ( ] لقمان ‪. [ 27 :‬‬
‫فليس لنا والحالة هذه أن نجزم بوجود شيء أو نفيه ‪ ،‬وبتصوره أو عدم تصوره ‪ ،‬من عالم الغيب‬
‫والمجهول ‪ ،‬ومن أسرار هذا الوجود وقواه ‪ ،‬لمجرد أنه خارج عن مألوفنا العقلي ‪ ،‬أو تجاربنا المشهودة ‪،‬‬
‫ونحن لم ندرك بعد كل أسرار أجسامنا وأجهزتها وطاقاتها ‪ ،‬فضلا عن إدراك أسرار عقولنا وأرواحنا !‬
‫وقد تكون هنالك أسرار ‪ ،‬ليست داخلة في برنامج ما خيكجشف لنا عنه أصلا ‪ ،‬وأسرار ليست داخلة في‬
‫برنامج ما خيلكجشف لنا عن كنهه ‪ ،‬فل خيلكجشف لنا إل عن صفته أو أثره ‪ ،‬أو مجرد وجوده ؛ لن هذا ل‬
‫يفيدنا في وظيفة الخلفة في الرض ‪.‬‬

‫) ‪(1/5‬‬

‫ف ال لنا عن القدر المقسوم لنا من هذه السرار والقوى ‪ ،‬عن طريق كلمه – ل عن طريق‬
‫فإذا جكجش ج‬
‫تجاربنا ومعارفنا الصادرة من طاقتنا الموهوبة لنا من لدنه أيضا – فسبيلنا في هذه الحالة أن نتلمقى هذه‬
‫الهبة بالقبول والشكر والتسليم ‪ ،‬نتلقاها كما هي ‪ ،‬فل نزيد عليها ‪ ،‬ول ننقص منها ؛ لن المصدر الوحيد‬
‫الذي نتلمقى عنه مثل هذه المعرفة لم يمنحنا إل هذا القدر بل زيادة ‪ ،‬وليس هنالك مصدر آخر نتلقى‬
‫عنه مثل هذه السرار ! " ‪.‬‬
‫والقول الحق أن الجن عالم ثالث غير الملئاكة والبشر ‪ ،‬وأنهم مخلوقات عاقلة واعية مدركة ‪ ،‬ليسوا‬
‫بأعراض ول جراثيم ‪ ،‬وأنهم مكلفون مأمورون منهيون ‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫الدلة الدالة على وجود الجن‬
‫‪ -1‬وجودهم معلوم من الدين بالضرورة ‪:‬‬
‫يقول ابن تيمية )‪ " : (5‬لم يخالف أحد من طوائاف المسلمين في وجود الجن ‪ ،‬ول في أن ال أرسل‬
‫محمدا صلى ال عليه وسلم إليهم ‪ ،‬وجمهور طوائاف الكفار على إثبات الجن ‪ .‬أمما أهل الكتاب من‬
‫اليهود والنصارى ‪ ،‬فهم مقمرون بهم كإقرار المسلمين ‪ ،‬إوان وجد فيهم من ينكر ذلك ‪ ،‬كما يوجد في‬
‫المسلمين من ينكر ذلك ‪ ...‬كالجهمية والمعتزلة ‪ ،‬إوان كان جمهور الطائافة وأئامتها مقمرين بذلك ‪.‬‬
‫وهذا لن وجود الجن تواترت به أخبار النبياء توات ار معلوما بالضرورة ‪ ،‬ومعلوم بالضرورة أنهم أحياء‬
‫عقلء فاعلون بالرادة ‪ ،‬بل مأمورون منهيون ‪ ،‬ليسوا صفات وأعراض ا قائامة بالنسان أو غيره ‪ ،‬كما‬
‫يزعمه بعض الملحدة ‪ ،‬فلما كان أمر الجن متوات ار عن النبياء توات ار تعرفه العامة والخاصة ‪ ،‬فل‬
‫يمكن لطائافة من المنتسبين إلى الرسل الكرام أن تنكرهم " ‪.‬‬
‫وقال أيض ا ‪ " :‬جميع طوائاف المسلمين يقرون بوجود الجن ‪ ،‬وكذلك جمهور الكفار كعامة أهل الكتاب ‪،‬‬
‫وكذلك عامة مشركي العرب وغيرهم من أولد حام ‪ ،‬وكذلك جمهور الكنعانيين واليونان من أولد يافث ‪،‬‬
‫فجماهير الطوائاف تقمر بوجود الجن " )‪. (6‬‬
‫) ‪(1/6‬‬

‫وذكر إمام الحرمين ‪ " :‬أن العلماء أجمعوا في عصر الصحابة والتابعين على وجود الجن والشياطين ‪،‬‬
‫والستعاذة بال تعالى من شرورهم ‪ ،‬ول يراغم هذا التفاق متدين متشبث بمسكة من الدين " )‪. (7‬‬
‫‪ -2‬النصوص القرآنية والحديثية ‪:‬‬
‫جاجءت نصوص كثيرة تقرر وجودهم كقوله تعالى ‪ ) :‬قل أوحي إلني أننه استمع نفبر من الجن ( ] الجن ‪:‬‬
‫‪ ، [ 1‬وقوله ‪ ) :‬وأننه كان رجابل من النس يعوذون برجاجل من الجن فزادوهم رهق ا ( ] الجن ‪. [ 6 :‬‬
‫وهي نصوص كثيرة ذكرنا غالبها في ثنايا هذه الرسالة ‪ ،‬إوان كانت كثرتها وشهرتها تغني عن ذكرها ‪.‬‬
‫‪ -3‬المشاهدة والرؤية ‪:‬‬
‫كثير من الناس في عصرنا وقبل عصرنا شاهد شيئا ا من ذلك ‪ ،‬إوان كان كثير من الذين يشاهدونهم‬
‫ويسمعونهم ل يعرفون أنهم جمن ؛ إذ يزعمون أمنهم أرواح ‪ ،‬أو رجال الغيب ‪ ،‬أو رجال الفضاء ‪...‬‬
‫وأصدق ما يروى في هذا الموضع رؤية الرسول صلى ال عليه وسلم للجن ‪ ،‬وحديثه معهم ‪ ،‬وحديثهم‬
‫معه ‪ ،‬وتعليمه إياهم ‪ ،‬وتلوته القرآن عليهم ‪ ،‬وسيأتي ذكر ذلك في مواضعه ‪.‬‬
‫رؤية الحمار والكلب للجن ‪:‬‬
‫إذا كنا ل نرى الجن فإمن بعض الحياء يرونهم كالحمار والكلب ‪ ،‬ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي‬
‫ال عنه ‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬إذا سمعتم صياح الديكة ‪ ،‬فاسألوا ال من فضله ‪،‬‬
‫فإنها رأت ملك ا ‪ ،‬إواذا سمعتم نهيق الحمار ‪ ،‬فتعوذوا بال من الشيطان ‪ ،‬فإنه رأى شيطان ا ( )‪. (8‬‬
‫وروى أبو داود عن جابر بن عبد ال ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬إذا سمعتم نباح‬
‫الكلب ونهيق الحمار ‪ ،‬فتعوذوا بال ‪ ،‬فإنهن يرون ما ل ترون ( )‪. (9‬‬
‫ورؤية الحيوان لما ل نرى ليس غريب ا ‪ ،‬فقد تحقق العلماء من قدرة بعض الحياء على رؤية ما ل نراه ‪،‬‬
‫فالنحل يرى الشعة فوق البنفسجية ‪ ،‬ولذلك فإمنه يرى الشمس حال الغيم ‪ ،‬والبومة ترى الفأر في ظلمة‬
‫الليل البهيم ‪....‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫الرد على الذين يزعمون أن الجن هم الملئاكة‬

‫) ‪(1/7‬‬

‫سبق أن ذكرنا الحديث الذي يخبر فيه الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬أن الملئاكة خلقوا من نور ‪،‬‬
‫وأن الجن خلقوا من نار ( ‪ ،‬ففرق الرسول صلى ال عليه وسلم بين الصلين ‪ ،‬وهذا يدل على أنهما‬
‫عالمان ل عالم ا واحدا ‪.‬‬
‫ومن نظر في النصوص المتحدثة عن الملئاكة والجن ‪ ،‬أيقن بالفرق الكبير بينهما ‪ ،‬فالملئاكة ل يأكلون‬
‫ول يشربون ‪ ،‬ول يعصون ال ما أمرهم ‪ ،‬ويفعلون ما يؤمرون ‪ ،‬والجن يكذبون ويأكلون ويشربون ‪،‬‬
‫ويعصون ربهم ‪ ،‬ويخالفون أمره ‪.‬‬
‫نعم هما عالمان محجوبان عنا ‪ ،‬ل تدركهما أبصارنا ‪ ،‬ولكنهما عالمان مختلفان في أصلهما وصفاتهما‬
‫‪.‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬مجموع الفتاوى ‪. 24/280 :‬‬
‫)‪ (2‬مجموع الفتاوى ‪. 4/346 :‬‬
‫)‪ (3‬تفسير سورة الجن ‪ :‬ص ‪. 8‬‬
‫)‪ (4‬ليس لهم أن يحتجوا بما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس أنه كان ينكر مخاطبة الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم للجن وتكليمهم له ‪ ،‬فإن إنكاره هنا للمشافهة ل للجن ‪ ،‬ومع ذلك فغير ابن عباس‬
‫كابن مسعود – يثبت مشافهة الرسول صلى ال عليه وسلم لهم‪ .‬ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ‪.‬‬
‫)‪ (5‬مجموع الفتاوى ‪. 19/10 :‬‬
‫)‪ (6‬مجموع الفتاوى ‪. 19/13‬‬
‫)‪ (7‬آكام المرجان ‪ :‬ص ‪. 4‬‬
‫)‪ (8‬رواه البخاري ‪ . 6/350 :‬ورقمه ‪ . 3303 :‬ورواه مسلم ‪ . 4/2092 :‬ورقمه ‪ . 2729 :‬وأبو‬
‫داود في سننه ‪ .‬انظر صحيح سنن أبي داود ‪ . 3/961 :‬ورقمه ‪. 4255 :‬‬
‫)‪ (9‬صحي سنن أبي داود ‪ . 3/961 :‬ورقمه ‪. 4256 :‬‬
‫الشيطان والجان‬
‫المطلب الول‬
‫التعريف بالشيطان‬
‫الشيطان الذي حدثنا ال عنه كثي ار في القرآن من عالم الجمن ‪ ،‬كان يعبد ال في بداية أمره ‪ ،‬وسكن‬
‫السماء مع الملئاكة ‪ ،‬ودخل الجنة ‪ ،‬ثمم عصى ربه عندما أمره أن يسجد لدم ‪ ،‬استكبا ار وعلوا ‪ ،‬فطرده‬
‫ال من رحمته ‪.‬‬

‫) ‪(1/8‬‬

‫والشيطان في لغة العرب يطلق على كل عاجت متمرد ‪ ،‬وقد أطلق على هذا المخلوق لعتموه وتمرده على‬
‫رمبه ) شيطان ( ‪ .‬وأطلق عليه لفظ ) الطاغوت ( ‪ ) :‬انلذين آمنوا يقاتلون في سبيل ال وانلذين كفروا‬
‫يقاتلون في سبيل ال ن‬
‫طاغوت فقاتلوا أولياء النشيطان إنن كيد النشيطان كان ضعيف ا ( ] النساء ‪. [ 76 :‬‬
‫وهذا السم معلوم عند غالبية أمم الرض باللفظ نفسه ‪ ،‬كما يذكر العقاد في كتابه ) إبليس ( ‪ ،‬إوانما‬
‫سمي طاغوت ا لتجاوزه حده ‪ ،‬وتمرده على ربه ‪ ،‬وتنصيبه نفسه إله ا يعبد ‪.‬‬
‫وقد يئاس هذا المخلوق من رحمة ال ‪ ،‬ولذا أسماه ال ) إبليس ( ‪ .‬والججبجلس في لغة العرب ‪ :‬من ل خير‬
‫عنده ‪ ،‬وأبلس ‪ :‬يئاس وتحمير ‪.‬‬
‫والذي يطالع ما جاء في القرآن والحديث عن الشيطان يعلم أنه مخلوق يعقل ويدرك ويتحرك و ‪، ....‬‬
‫وليس كما يقول بعض الذين ل يعلمون ‪ " :‬إنه روح المشر متمثلة في غرائاز النسان الحيوانية التي‬
‫تصرفه – إذا تمكنت من قلبه – عن المثل الروحية العليا " )‪. (1‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫أصل الشيطان‬
‫سبق القول أن الشيطان من الجن ‪ ،‬وقد نازع في هذه المسألة بعض المتقدمين والمتأخرين ‪ ،‬وحجتهم في‬
‫ذلك قوله تعالى ‪ ) :‬إواذ قلنا للملئاكة اسجدوا لدم فسجدوا إلن إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ( ]‬
‫البقرة ‪ . [ 34 :‬وهذه الية وأمثالها يستثني ال فيها إبليس من الملئاكة ‪ ،‬والمستثنى ل يكون إل من‬
‫جنس المستثنى منه عادة ‪.‬‬
‫وقد نقلت لنا كتب التفسير والتاريخ أقوال عدد من العلماء ‪ ،‬يذكرون أن إبليس كان من الملئاكة ‪ ،‬وأنه‬
‫كان خازن ا للجنة ‪ ،‬أو للسماء الدنيا ‪ ،‬وأنه كان من أشرف الملئاكة ‪ ،‬وأكرمهم قبيلة ‪ ....‬إلى آخر تلك‬
‫القوال ‪.‬‬
‫قال ابن كثير ‪ " :‬وقد روي في هذا آثار كثيرة عن السلف ‪ ،‬وغالبها من السرائايليات التي تنقل لينظر‬
‫ق الذي بأيدينا ‪.‬‬
‫فيها ‪ ،‬وال أعلم بحال كثير منها ‪ ،‬ومنها ما يقطع بكذبه ؛ لمخالفته للح م‬

‫) ‪(1/9‬‬

‫وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الخبار المتقدمة ؛ لنها ل تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان ‪،‬‬
‫وقد وضع فيها أشياء كثيرة ‪ ،‬وليس لهم من الحمفاظ المتقنين الذين ينفون عنها تحريف الغالبين ‪ ،‬وانتحال‬
‫المبطلين ‪ ،‬كما لهذه المة من الئامة ‪ ،‬والعلماء ‪ ،‬والسادة ‪ ،‬والتقياء ‪ ،‬والبررة ‪ ،‬والنجباء من الجهابذة‬
‫النقاد ‪ ،‬والحفاظ الجياد الذين دونوا الحديث ‪ ،‬وحرروا وبينوا صحيحه ‪ ،‬من حسنه ‪ ،‬من ضعيفه ‪ ،‬من‬
‫منكره ‪ ،‬وموضوعه ‪ ،‬ومتروكه ‪ ،‬ومكذوبه ‪ ،‬وعرفوا الوضاعين ‪ ،‬والكذابين ‪ ،‬والمجهولين ‪ ،‬وغير ذلك‬
‫من أصناف الرجال ‪ .‬كل ذلك صيانة للجناب النبوي ‪ ،‬والمقام المحمدي خاتم الرسل ‪ ،‬وسيد البشر –‬
‫صلى ال عليه وسلم – أن ينسب إليه كذب ‪ ،‬أو يحدث عنه بما ليس فيه " )‪. (2‬‬
‫وما احتجوا به من أن ال استثنى إبليس من الملئاكة ‪ ...‬ليس دليلا قاطع ا ‪ ،‬لحتمال أن يكون‬
‫ص على أمنه من الجن في قوله تعالى ‪ ) :‬إواذ قلنا للملئاكة‬
‫الستثناء منقطع ا ‪ ،‬بل هو كذلك حقا ‪ ،‬للن م‬
‫اسجدوا لدم فسجدوا إلن إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ‪ ] (...‬الكهف ‪. [ 50 :‬‬
‫وقد ثبت لدينا بالنص الصحيح أن الجن غير الملئاكة والنس ‪ ،‬فقد أخبر المصطفى صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ) :‬أن الملئاكة خلقوا من نور ‪ ،‬وأن الجن خلقوا من مارج من نار ‪ ،‬وأن آدم خلق من طين ( ‪.‬‬
‫والحديث في صحيح مسلم ‪.‬‬
‫قال الحسن البصري ‪ " :‬لم يكن إبليس من الملئاكة طرفة عين " )‪ . (3‬والذي حققه ابن تيمية ‪ " :‬أن‬
‫الشيطان كان من الملئاكة باعتبار صورته ‪ ،‬وليس منهم باعتبار أصله ‪ ،‬ول باعتبار مثاله " )‪. (4‬‬
‫هل الشيطان أصل الجن أم واحد منهم ؟‬
‫ليس لدينا نصوص صريحة تدلنا على أن الشيطان أصل الجن ‪ ،‬أو واحد منهم ‪ ،‬إوان كان هذا الخير‬
‫أظهر لقوله ‪ ) :‬إلن إبليس كان من الجن ( ] الكهف ‪. [ 50 :‬‬
‫وابن تيمية رحمه ال يذهب إلى أن الشيطان أصل الجن ‪ ،‬كما أمن آدم أصل النس )‪. (5‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫قبح صورة الشيطان‬

‫) ‪(1/10‬‬

‫الشيطان قبيح الصورة ‪ ،‬وهذا مستقر في الذهان ‪ ،‬وقد شبه ال ثمار شجرة الزقوم التي تنبت في أصل‬
‫الجحيم برؤوس الشياطين ‪ ،‬لما علم من قبح صورهم وأشكالهم ) إننها شجرةب تخرج في أصل الجحيم –‬
‫طلعها كأننه خرخؤوخس النشياطين ( ] الصافات ‪. [65-64:‬‬
‫وقد كان النصارى في القرون الوسطى يصورون الشيطان على هيئاة رجل أسود ذي لحية مدببة ‪،‬‬
‫وحواجب مرفوعة ‪ ،‬وفم ينفث لهبا ‪ ،‬وقرون وأظلف وذيل )‪. (6‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫الشيطان له قرنان‬
‫في صحيح مسلم عن ابن عمر أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬ل تججحمروا بصلتكم طلوع الشمس‬
‫‪ ،‬ول غروبها ‪ ،‬فإمنها تطلع بقرني شيطان ( )‪. (7‬‬
‫وعن ابن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلة حتى‬
‫تبرز الشمس ‪ ،‬إواذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلة حتى تغيب ‪ ،‬ول تججحلينوا بصلتكم طلوع الشمس‬
‫‪ ،‬ول غروبها ‪ ،‬فإمنها تطلع بين قرني شيطان ( )‪. (8‬‬
‫والمعنى أن طوائاف المشركين كانوا يعبدون الشمس ‪ ،‬ويسجدون لها عند طلوعها ‪ ،‬وعند غروبها ‪ ،‬فعند‬
‫ذلك ينتصب الشيطان في الجهة التي تكون فيها الشمس ‪ ،‬حتى تكون عبادتهم له ‪.‬‬
‫وقد جاء هذا مصرح ا به في صحي مسلم ‪ ،‬فقد سأل عمرو بن عبسة السلمي الرسول عن الصلة ‪.‬‬
‫فقال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬صل صلة الصبح ‪ ،‬ثم أقصر الصلة حتى تطلع الشمس ‪ ،‬حتى ترتفع‬
‫‪ ،‬فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان ‪ ،‬وحينئاجذ يسجد لها الكفار ‪ ،‬ثمم صنل ‪ ،‬فإن الصلة مشهودة‬
‫محضورة ( ‪.‬‬
‫ثم نهاه عن الصلة بعد العصر ) حتى تغرب الشمس ‪ ،‬فإنها تغرب بين قرني شيطان ‪ ،‬وحينئاجذ يسجد‬
‫لها الكفار ( )‪. (9‬‬
‫وقد نهينا عن الصلة في هذين الوقتين ‪ ،‬والصحيح أن الصلة في هذين الوقتين جائازة ‪ ،‬إذا كان لها‬
‫سبب كتحية المسجد ‪ ،‬ول تجوز بل سبب كالنفل المطلق ؛ لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬ل تججحمينوا ( ؛‬
‫أي ل تتقصدوا ‪.‬‬

‫) ‪(1/11‬‬

‫ومما ورد فيه ذكر قرن الشيطان حديث البخاري عن ابن عمر رضي ال عنهما قال ‪ :‬رأيت رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يشير إلى المشرق ‪ ،‬فقال ‪ ) :‬ها إنن الفتنة هاهنا ‪ ،‬إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع‬
‫قرن الشيطان ( )‪ . (10‬والمراد بقوله ‪ ) :‬حين يطلع الشيطان ( ؛ أي جهة الشرق ‪.‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬دائارة المعارف الحديثة ‪ :‬ص ‪. 357‬‬
‫)‪ (2‬تفسير ابن كثير ‪. 4/397 :‬‬
‫)‪ (3‬البداية والنهاية ‪. 1/79 :‬‬
‫)‪ (4‬مجموع الفتاوى ‪. 4/346 :‬‬
‫)‪ (5‬راجع مجموع الفتاوى ‪. 346 ، 4/235 :‬‬
‫)‪ (6‬دائارة المعارف الحديثة ‪. 357 :‬‬
‫)‪ (7‬صحيح مسلم ‪ . 1/567 :‬ورقمه ‪. 828 :‬‬
‫)‪ (8‬رواه البخاري ‪ . 6/335 :‬ورقمه ‪ . 3273 ، 3272 :‬ورواه مسلم إلى قوله ‪) :‬حتى تغيب( ‪:‬‬
‫‪. 1/568‬ورقمه ‪. 829 :‬‬
‫)‪ (9‬رواه مسلم ‪ ، 1/569 :‬ورقمه ‪. 832 :‬‬
‫)‪ (10‬رواه البخاري ‪ . 6/336 :‬ورقمه ‪. 3279 :‬‬
‫طعام الجن وشرابهم ونكاحهم‬
‫المطلب الول‬
‫طعامهم وشرابهم‬
‫الجن – والشيطان منهم – يأكلون ويشربون ‪ ،‬ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة – رضي ال عنه –‬
‫أن النبي – صل ال عليه وسلم – أمره أن يأتيه بأحجار يستجمر بها وقال له ‪ ) :‬ول تأتيني بعظم ول‬
‫روثة ( ‪ ،‬ولما سأل أبو هريرة الرسول – صلى ال عليه وسلم – بعد ذلك عن سمر نهيه عن العظم‬
‫والروثة ‪ ،‬قال ‪ ) :‬هما من طعام الجن ‪ ،‬إوامنه أتاني وفد جن نصيبين – ونعم الجن – فسألوني الزاد ‪،‬‬
‫فدعوت ال لهم ‪ :‬أن ل يمروا بعظم ول بروثة إل وجدوا عليها طعم ا ( )‪. (1‬‬
‫وفي سنن الترمذي بإسناد صحيح عن عبد ال بن مسعود قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪) :‬‬
‫ل تستنجوا بالروث ‪ ،‬ول بالعظام ‪ ،‬فإمنه زاد إخوانكم من الجن ( )‪. (2‬‬

‫) ‪(1/12‬‬

‫وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬أتاني داعي الجن ‪،‬‬
‫فذهبت معه ‪ ،‬فقرأت عليهم القرآن ( ‪ ،‬قال ‪ :‬فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم ‪ ،‬وسألوه الزاد فقال ‪:‬‬
‫ف لدوابكم ( ‪.‬‬
‫) لكم كل عظم ذكر اسم ال عليه يقع في أيديكم ‪ ،‬أوفر ما يكون لحم ا ‪ ،‬وكل بعرة عل ب‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬فل تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم ( )‪. (3‬‬
‫وكون الروث طعام ا للجن أو لدوابهم ليس العلة الوحيدة للنهي عن الستنجاء بالروث ‪ ،‬فقد ذكر الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم علة أخرى ‪ ،‬فقد صرح بأن الروث رجس )‪. (4‬‬
‫وقد أخبرنا الرسول صلى ال عليه وسلم أنن الشيطان يأكل بشماله ‪ ،‬وأمرنا بمخالفته في ذلك ‪ ،‬روى‬
‫مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي ال عنهما ‪ :‬أمن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬إذا أكل‬
‫فليأكل بيمينه ‪ ،‬إواذا شرب فليشرب بيمينه ‪ ،‬فإن الشيطان يأكل بشماله ‪ ،‬ويشرب بشماله ( )‪. (5‬‬
‫وفي صحيح مسلم ‪ ) :‬إذا دخل الرجل بيته فذكر ال عند دخوله وعند طعامه ‪ ،‬قال الشيطان ‪ :‬ل مبيت‬
‫لكم ول عشاء ‪ ،‬إواذا دخل فلم يذكر ال عند دخوله ‪ ،‬قال الشيطان ‪ :‬أدركتم المبيت ‪ ،‬إواذا لم يذكر ال‬
‫عند طعامه ‪ ،‬قال ‪ :‬أدركتم المبيت والعشاء ( )‪ . (6‬ففي هذه النصوص دللة قاطعة على أن الشياطين‬
‫تأكل وتشرب ‪.‬‬
‫وكما أن النس منهيون عن أكل ما لم يذكر اسم ال عليه من اللحوم ‪ ،‬فكذلك الجن المؤمنون جعل لهم‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم طعام ا كل عظم ذكر اسم ال عليه ‪ ،‬فلم يبح لهم متروك التسمية ‪ ،‬ويبقى‬
‫متروك التسمية لشياطين كفرة الجن ‪ ،‬فإن الشياطين يستحلون الطعام إذا لم يذكر عليه اسم ال ‪ ،‬ولجل‬
‫ذلك ذهب بعض العلماء إلى أن الميتة طعام الشياطين ؛ لنه لم يذكر اسم ال عليها ‪.‬‬

‫) ‪(1/13‬‬
‫واستنتج ابن القيم من قوله تعالى ‪ ) :‬إننما الخمر والميسر والنصاب والزلم رجبس من عمل النشيطان (‬
‫] المائادة ‪ [ 90 :‬أن المسكر شراب الشيطان ‪ ،‬فهو يشرب من الشراب الذي عمله أولياؤه بأمره ‪،‬‬
‫وشاركهم في عمله ‪ ،‬فيشاركهم في شربه ‪ ،‬إواثمه وعقوبته ‪.‬‬
‫ويدل على صحة استنتاج ابن القيم ما رواه النسائاي عن عبد ال بن يزيد قال ‪ :‬كتب إلينا عمر بن‬
‫الخطاب رضي ال عنه ‪ " :‬أما بعد ‪ :‬فاطبخوا شرابكم حتى يذهب منه نصيب الشيطان ؛ فإن له اثنين‬
‫‪ ،‬ولكم واحد " )‪. (7‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫تزاوج الجن وتكاثرهم‬
‫الذي يظهر أن الجن يقع منهم النكاح ‪ ،‬وقد استدل بعض العلماء على ذلك بقوله تعالى في أزواج أهل‬
‫طفمثلهخنن إنبس قبلهم ول جانن ( ] الرحمن ‪ . [ 56 :‬والطمث في لغة العرب ‪ :‬الجماع ‪،‬‬
‫الجنة ‪ ) :‬لم جي ل‬
‫وقيل هو الجماع الذي يكون معه تدمية تنتج عن الجماع ‪.‬‬
‫وذكر السفاريني حديث ا يحتاج إلى نظر في إسناده ‪ ،‬يقول ‪ ) :‬إن الجن يتوالدون ‪ ،‬كما يتوالد بنو آدم ‪،‬‬
‫وهم أكثر عددا ( )‪. (8‬‬
‫وسواء أصح هذا الحديث أم لم يصح ‪ ،‬فإن الية صريحة في أن الجن يتأتى منهم الطمث ‪ ،‬وحسبنا هذا‬
‫دليلا ‪.‬‬
‫وأخبرنا ربنا أن الشيطان له ذرية ‪ ،‬قال تعالى مبكت ا عباده الذين يتولون الشيطان وذريته ‪ ) :‬أفتتخذونه‬
‫وذرنيته أولياء من دوني وهم لكم عدو ( ] الكهف ‪ ، [ 50 :‬وقال قتادة ‪ " :‬أولد الشيطان يتوالدون كما‬
‫يتوالد بنو آدم ‪ ،‬وهم أكثر عددا " )‪. (9‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫دعوى بعض أهل العلم أن الجن ل يأكلون‬
‫ول يشربون ول يتناكحون‬
‫وقد زعم قوم أن الجن ل يأكلون ول يشربون ‪ ،‬ول يتناكحون ‪ ،‬وهذا القول تبطله الدلة التي سقناها من‬
‫الكتاب والسنة ‪.‬‬

‫) ‪(1/14‬‬

‫وذكر بعض العلماء أن الجن أنواع ‪ :‬منهم من يأكل ويشرب ‪ ،‬ومنهم من ليس كذلك ؛ يقول وهب بن‬
‫منبه ‪ " :‬الجمن أجناس ‪ ،‬فأمما خالص الجن فهم ريح ل يأكلون ‪ ،‬ول يشربون ‪ ،‬ول يموتون ‪ ،‬ول يتوالدون‬
‫‪ ،‬ومنهم أجناس يأكلون ‪ ،‬ويشربون ‪ ،‬ويتوالدون ‪ ،‬ويتناكحون ‪ ،‬ويموتون ‪ ،‬قال ‪ :‬وهي هذه السعالي‬
‫والغول وأشباه ذلك " ‪ .‬أخرجه ابن جرير )‪. (10‬‬
‫وهذا الذي ذكره وهب يحتاج إلى دليل ‪ ،‬ول دليل ‪.‬‬
‫وقد حاول بعض العلماء الخوض في الكيفية التي يأكلون بها ‪ ،‬هل هو مضغ وبلع ‪ ،‬أو تشمم واسترواح‬
‫‪ ،‬والبحث في ذلك خطأ ل يجوز ؛ لمنه ل علم لنا بالكيفية ‪ ،‬ولم يخبرنا ال ورسوله صلى ال عليه وسلم‬
‫بها ‪.‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫زواج النس من الجن )‪(11‬‬
‫ل زلنا نسمع أن فلن ا من الناس تزوج جنية ‪ ،‬أو أن امرأة من النس خطبها جني ‪ ،‬وقد ذكر السيوطي‬
‫آثا ار وأخبا ار عن السلف والعلماء تدل على وقوع التناكح بين النس والجن )‪ . (12‬يقول ابن تيمية )‬
‫‪ " : (13‬وقد يتناكح النس والجن ويولد بينهما ولد ‪ ،‬وهذا كثير معروف " ‪.‬‬
‫وعلى فرض إمكان وقوعه فقد كرهه جمع من العلماء كالحسن وقتادة والحكم إواسحاق ‪ .‬والمام مالك –‬
‫رحمه ال – ل يجد دليلا ينهى عن مناكحة الجن ‪ ،‬غير أمنه لم يستحبه ‪ ،‬وعلل ذلك بقوله ‪ " :‬ولكني‬
‫أكره إذا وجدت امرأة حاملا فقيل من زوجك ؟ قالت ‪ :‬من الجن ‪ ،‬فيكثر الفساد " )‪. (14‬‬
‫وذهب قوم إلى المنع من ذلك ‪ ،‬واستدلوا على مذهبهم بأمن ال امتمن على عباده من النس بأمنه جعل لهم‬
‫أزواجا من جنسهم ‪ ) :‬ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم نمجوندةا ورحمة ا‬
‫( ] الروم ‪. [ 21 :‬‬
‫فلو وقع فل يمكن أن يحدث التآَلف والنسجام بين الزوجين لختلف الجنس ‪ ،‬فتصبح الحكمة من‬
‫الزواج لغية ؛ إذ ل يتحقق السكن والمودة المشار إليهما في الية الكريمة ‪.‬‬

‫) ‪(1/15‬‬

‫وعلى كلل فهذه مسألة يزعم بعض الناس وقوعها في الحاضر والماضي ‪ ،‬فإذا حدثت فهي شذوذ ‪ ،‬قلما‬
‫يسأل فاعلها عن حكم الشرع فيها ‪ ،‬وقد يكون فاعلها مغلوب ا على أمره ل يمكنه أن يتخلص من ذلك ‪.‬‬
‫طفمثلهخنن إنبس‬
‫ومما يدل على إمكان وقوع التناكح بين النس والجن قوله تعالى في حور الجنة ‪ ) :‬لم جي ل‬
‫قبلهم ول جانن ( ] الرحمن ‪ ، [ 56 :‬فدلت الية على صلحيتهن للنس والجن على حد سواء ‪.‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬رواه البخاري ‪ . 7/171 :‬ورقمه ‪ . 3860 :‬والطعم ‪ :‬الطعام ‪ .‬قال ابن حجر ) فتح الباري ‪:‬‬
‫‪ " : ( 7/73‬في رواية السرخسي ‪ ) :‬إل وجدوا عليها طعام ا ( ‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح سنن الترمذي ‪ . 1/8 :‬ورقمه ‪. 17 :‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم ‪ . 1/332 :‬ورقمه ‪ . 450 :‬صحيح سنن الترمذي ‪ . 3/104 :‬ورقمه ‪ . 2595:‬إذا‬
‫كمنا نهينا عن إفساد طعام الجن فيحرم علينا من باب أولى إفساد طعام النس ‪.‬‬
‫)‪ (4‬هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه ‪ . 1/256 :‬ورقمه ‪. 156 :‬‬
‫)‪ (5‬رواه مسلم ‪ . 3/1598 :‬ورقمه ‪. 2020 :‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم ‪ . 3/1598 :‬ورقمه ‪. 2018 :‬‬
‫)‪ (7‬صحيح سنن النسائاي ‪ . 3/1154 :‬ورقمه ‪. 5275 :‬‬
‫)‪ (8‬رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬وأبو الشيخ في ‪ :‬العظمة ‪ ،‬عن قتادة ‪.‬‬
‫)‪ (9‬لقط المرجان ‪ :‬ص ‪. 51‬‬
‫)‪ (10‬لوامع النوار ‪. 2/222 :‬‬
‫)‪ (11‬إن شئات التوسع في هذه المسألة فارجع إلى آكام المرجان ‪ :‬ص ‪. 66‬‬
‫)‪ (12‬لقط المرجان ‪ :‬ص ‪. 53‬‬
‫)‪ (13‬مجموع الفتاوى ‪. 19/39 :‬‬
‫)‪ (14‬آكام المرجان ‪ :‬ص ‪. 67‬‬
‫أعمار الجن وموتهم‬
‫ل شك أن الجن – ومنهم الشياطين – يموتون ؛ إذ هم داخلون في قوله تعالى ‪ ) :‬كنل من عليها فاجن –‬
‫ويبقى وجه ربك ذو الجلل و الكرام – فجبفأج ي‬
‫ي آلء ربكما تكذبان ( ] الرحمن ‪. [ 28-26 :‬‬
‫وفي صحيح البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يقول ‪ ) :‬أعوذ بعزتك ‪ ،‬الذي‬
‫ل إله إل أنت ‪ ،‬الذي ل يموت ‪ ،‬والجن والنس يموتون ( )‪. (1‬‬

‫) ‪(1/16‬‬

‫أما مقدار أعمارهم فل نعلمها ‪ ،‬إل ما أخبرنا ال عن إبليس اللعين ‪ ،‬أنه سيبقى حمي ا إلى أن تقوم الساعة‬
‫‪ ) :‬قال أنظرني إلى يوم يبعثون – قال إننك من المنظرين ( ] العراف ‪. [ 15-14 :‬‬
‫أما غيره فل ندري مقدار أعمارهم ‪ ،‬إل أنهم أطول أعما ار من النس ‪.‬‬
‫ومما يمدل على أنهم يموتون أن خالد بن الوليد قتل شيطانة العزى ‪ ) ،‬الشجرة التي كانت تعبدها العرب‬
‫( ‪ ،‬وأن صحابيا قتل الجني الذي تمثل بأفعى ‪ ،‬كما سيأتي بيانه ‪.‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬رواه مسلم في صحيحه ‪ . 4/1906 :‬ورقمه ‪. 2451 :‬‬
‫مساكن الجن ومجالسهم وأماكنهم‬
‫الجن يسكنون هذه الرض التي نعيش فوقها ‪ ،‬ويكثر تجمعهم في الخراب والفلوات ‪ ،‬ومواضع النجاسات‬
‫كالحمامات والحشوش والمزابل والمقابر ‪ ،‬ولذلك – كما يقول ابن تيمية – يأوي إلى كثير من هذه‬
‫الماكن ‪ ،‬التي هي مأوى الشياطين ‪ :‬الشيوخ الذين تقترن بهم الشياطين ‪ .‬وقد جاءت الحاديث ناهية‬
‫عن الصلة في الحمام ؛ لجل ما فيها من نجاسة ‪ ،‬ولنها مأوى الشياطين ‪ ،‬وفي المقبرة ؛ لنها ذريعة‬
‫إلى الشرك ‪.‬‬
‫ويكثر تجمعهم في الماكن التي يستطيعون أن يفسدوا فيها كالسواق ‪ ،‬فقد أوصى سلمان أصحابه قائالا‬
‫‪ " :‬ل تكونن ‪ ،‬إن استطعت ‪ ،‬أول من يدخل السوق ‪ ،‬ول آخر من يخرج منها ‪ ،‬فإنها معركة الشياطين‬
‫‪ ،‬وبها ينصب رايته " )‪. (1‬‬
‫والشياطين تبيت في البيوت التي يسكنها الناس ‪ ،‬وتطردها التسمية ‪ ،‬وذكر ال ‪ ،‬وقراءة القرآن ‪ ،‬خاصة‬
‫سورة البقرة ‪ ،‬وآية الكرسي منها ‪ ،‬وأخبر الرسول صلى ال عليه وسلم أن الشياطين تنتشر ‪ ،‬وتكثر‬
‫بحلول الظلم ‪،‬ولذا أمرنا أن نكف صبياننا في هذه الفترة ‪ ،‬وهو حديث متفق عليه ‪.‬‬
‫صمفد الشياطين ‪.‬‬
‫والشياطين تهرب من الذان ‪ ،‬وفي رمضان تخ ج‬
‫والشياطين تحب الجلوس بين الظل والشمس ؛ ولذا نهى الرسول صلى ال عليه وسلم عن الجلوس‬
‫بينهما ‪ ،‬وهو حديث صحيح مروي في السنن وغيرها ‪.‬‬
‫‪--------------------------------‬‬

‫) ‪(1/17‬‬

‫)‪ (1‬رواه مسلم في صحيحه ‪ . 4/1906 :‬ورقمه ‪. 2451 :‬‬


‫دواب الجن ومراكبهم‬
‫في حديث ابن مسعود في صحيح مسلم ‪ :‬أنن الجن سألوا الرسول صلى ال عليه وسلم الزاد ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫) لكم كل عظم ذكر اسم ال عليه ‪ ،‬يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما ‪ ،‬وكل بعرة علف لدوابكم ( )‬
‫‪. (1‬‬
‫ب ‪ ،‬وأن علف دوابهم بعر دواب النس ‪.‬‬
‫فأخبر أن لهم دوا م‬
‫وأخبرنا ربنا أن للشيطان خيلا يجلب بها على أعدائاه من بني آدم قال تعالى ‪ ) :‬واستفزز من استطعت‬
‫منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك ( ]السراء ‪. [64 :‬‬
‫حيوانات تصاحبها الشياطين ‪:‬‬
‫من هذه الحيوانات البل ‪ ،‬يقول الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬إن البل خلقت من الشياطين ‪ ،‬إوان‬
‫وراء كل بعير شيطانا ( ‪ .‬رواه سعيد بن منصور في سننه بإسناجد مرسل حسن )‪ . (2‬ومن أجل ذلك‬
‫نهى الرسول صلى ال عليه وسلم عن الصلة في مبارك البل ‪ ،‬فعن البراء بن عازب أن الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬ل تصلوا في مبارك البل ‪ ،‬فإنها من الشياطين ‪ ،‬وصلوا في مرابض الغنم ‪،‬‬
‫فإنها بركة ( )‪. (3‬‬
‫وعن عبد ال بن مغفل قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬صلوا في مرابض الغنم ‪ ،‬ول‬
‫تصلوا في أعطان البل ‪ ،‬فإنها خلقت من الشياطين ( )‪. (4‬‬
‫وهذه الحاديث ترد على من قال ‪ :‬إمن علة النهي عن الصلة في مبارك البل نجاسة أبوالها وروثها ‪،‬‬
‫فالصحيح أن روث وبول ما يؤكل لحمه غير نجس ‪.‬‬
‫وقد تساجءل أبو الوفاء ابن عقيل عن معنى قول النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬إن الكلب السود شيطان‬
‫( ‪ ،‬ومعلوم أنه مولود من كلب ‪ ،‬و ) أن البل خلقت من الشياطين ( مع كونها مولودة من البل ‪.‬‬
‫وأجاب ‪ :‬أمن هذا على طريق التشبيه لها بالشياطين ‪ ،‬لن الكلب السود أشمر الكلب وأقلعها نفع ا ‪،‬‬
‫والبل تشبه الجن في صعوبتها وصولتها ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬فلن شيطان ؛ إذا كان صعب ا شري ار )‪. (5‬‬

‫) ‪(1/18‬‬

‫ويدل لصحة قول ابن عقيل أن الحياء في عالمنا الرضي مخلوقة من الماء ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫) وجعلنا من الماء خكنل شجي جحلي ( ] النبياء ‪ ، [ 30 :‬والشياطين مخلوقة من النار ‪.‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬رواه مسلم ‪ . 3/332 :‬ورقمه ‪. 450 :‬‬
‫)‪ (2‬صحيح الجامع ‪. 2/52 :‬‬
‫)‪ (3‬رواه أبو داود ‪ .‬انظر صحيح سنن أبي داود ‪ . 1/37 :‬ورقمه ‪. 169 :‬‬
‫)‪ (4‬صحيح سنن ابن ماجة ‪ . 1/128 :‬ورقمه ‪. 623 :‬‬
‫)‪ (5‬آكام المرجان ‪ :‬ص ‪ . 22‬لقط المرجان ‪ :‬ص ‪. 42‬‬
‫قدرات الجن وعجزهم‬
‫المطلب الول‬
‫ما أعطاه ال للجن من قدرات‬
‫أعطى ال الجمن قدرة لم يعطها للبشر ‪ ،‬وقد حدثنا ال عن بعض قدراتهم ‪ ،‬فمن ذلك ‪:‬‬
‫أولا ‪ :‬سرعة الحركة والنتقال ‪:‬‬
‫فقد تعهد عفريت من الجن لنبي ال سليمان بإحضار عرش ملكة اليمن إلى بيت المقدس في مدة ل‬
‫تتجاوز قيام الرجل من جلوسه ‪ ،‬فقال الذي عنده علم من الكتاب ‪ :‬أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ‪:‬‬
‫ي أميبن – قال انلذي عنده علبم‬
‫ت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ج إوفايني عليه لقو ن‬
‫) قال عفري ب‬
‫من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلنما رآه مستق مار عنده قال هذا من فضل ربي ‪(...‬‬
‫] النمل ‪. [ 40-39 :‬‬
‫ثانيا ‪ :‬سبقهم النسان في مجالت الفضاء ‪:‬‬
‫ومنذ القدم كانوا يصعدون إلى أماكن متقدمة في السماء ‪ ،‬فيسترقون أخبار السماء ‪ ،‬ليعلموا بالجحجدث قبل‬
‫أن يكون ‪ ،‬فلما بعث الرسول صلى ال عليه وسلم زيدت الحراسة في السماء ‪ ) :‬وأننا لمسنا النسماء‬
‫فوجدناها خملفجئا ل‬
‫ت حرس ا شديدا وشهب ا – وأننا كننا نقعد منها مقاعد للنسمع فمن يستمع الن يجد له شهاب ا‬
‫نرصدا ( ] الجن ‪. [ 9-8 :‬‬

‫) ‪(1/19‬‬

‫وقد وضح الرسول صلى ال عليه وسلم كيفية استراقهم السمع ‪ ،‬فعن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ) :‬إذا قضى ال المر في السماء ‪ ،‬ضربت الملئاكة بأجنحتها خضعان ا لقوله ‪ ،‬كأنه سلسلة‬
‫على صفوان ‪ ،‬فإذا فزع عن قلوبهم ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ماذا قال ربكم ؟ قالوا للذي قال ‪ :‬الحق ‪ ،‬وهو العلي الكبير‬
‫‪.‬‬
‫فيسمعها مسترقو السمع ‪ ،‬ومسترقو السمع هكذا بعضه فوق بعض – ووصف سفيان بكفه ‪ ،‬فحرفها‬
‫وبدد بين أصابعه – فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ‪ ،‬ثم يلقيها الخر إلى من تحته ‪ ،‬حتى يلقيها‬
‫على لسان الساحر أو الكاهن ‪ ،‬فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها ‪ ،‬وربما ألقاها قبل أن يدركه ‪ ،‬فيكذب‬
‫معها مائاة كذبة ‪ .‬فيقال ‪ :‬أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا ‪ :‬كذا وكذا ؟ فيصمدق بتلك الكلمة التي سمع من‬
‫السماء ( )‪. (1‬‬
‫خرافة جاهلية ‪:‬‬
‫ومعرفة السبب الذي من أجله يرمي بشهب السماء قضى على خرافة كان يتناقلها أهل الجاهلية ‪ ،‬فعن‬
‫عبد ال بن عباس قال ‪ :‬أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم من النصار ‪ :‬أنهم بينما‬
‫هم جلوس ليلة مع رسول ال صلى ال عليه وسلم رمي بنجم فاستنار ‪ ،‬فقال لهم رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ) :‬ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا ( ؟‬
‫قالوا ‪ :‬ال ورسوله أعلم ‪ ،‬كنا نقول ‪ :‬ولد الليلة رجل عظيم ‪ ،‬ومات رجل عظيم ‪ ،‬فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ) :‬فإنها ل يرمى بها لموت أحد ول لحياته ؛ ولكمن ربنا – تبارك وتعالى اسمه – إذا‬
‫قضى أم ار سمبح حملة العرش ‪ ،‬ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم ‪ ،‬حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء‬
‫الدنيا ‪ ،‬ثمم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش ‪ :‬ماذا قال ربكم ؟ فيخبرونهم ماذا قال ‪ ،‬قال‬
‫فيستخبر بعض أهل السماوات بعض ا ؛ حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا ‪ ،‬فتخطف الجمن السمع ‪،‬‬
‫فيقذفون إلى أوليائاهم ‪ ،‬ويرمون به ‪ ،‬فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ‪ ،‬ولكنهم جيلقفرفون فيه ويزيدون ( )‬
‫‪. (2‬‬

‫) ‪(1/20‬‬
‫وقد يكون استراقهم السمع بطريق أهون عليهم من الطريق الولى ‪ ،‬وذلك بأن تستمع الشياطين إلى‬
‫الملئاكة الذين يهبطون إلى العنان بما يكون من أحداث قدرها ال ‪ ،‬فعن عائاشة رضي ال عنها عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬الملئاكة تتحدث في العنان – والعنان الغمام – بالمر يكون في‬
‫الرض ‪ ،‬فتستمع الشياطين الكلمة ‪ ،‬فتقرها في أذن الكاهن كما تقمر القارورة ‪ ،‬فيزيدون معها مائاة كذبة‬
‫( )‪. (3‬‬
‫ثالث ا ‪ :‬علمهم بالعمار والتصنيع ‪:‬‬
‫أخبرنا ال أنه سخر لنبميه سليمان ‪ ،‬فكانوا يقومون له بأعمال كثيرة تحتاج إلى قدرات ‪ ،‬وذكاء ‪ ،‬ومهارات‬
‫‪ ) :‬ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب النسعير – يعملون‬
‫له ما يشاء من نمحاريب وتماثيل وجفاجن كالجواب وقدوجر نارفسجياجت( ] سبأ ‪. [ 13-12 :‬‬
‫ولعلهم قد توصلوا منذ القدم إلى اكتشاف مثل ) الراديو والتلفزيون ( ‪ ،‬فقد ذكر ابن تيمية أن بعض‬
‫الشيوخ الذين كان لهم اتصال بالجن أخبره وقال له ‪ " :‬إن الجن يرونه شيئا ا براق ا مثل الماء والزجاج ‪،‬‬
‫ويمثلون له فيه ما يطلب منه من الخبار به ‪ ،‬قال فأخبر الناس به ‪ ،‬ويوصلون إلمي كلم من استغاث‬
‫بي من أصحابي ‪ ،‬فأجيبه ‪ ،‬فيوصلون جوابي إليه " )‪. (4‬‬
‫رابعا ‪ :‬قدرتهم على التشكل ‪:‬‬
‫للجن قدرة على التشكل بأشكال النسان والحيوان ‪ ،‬فقد جاء الشيطان المشركين يوم بدر في صورة‬
‫سراقة بن مالك ‪ ،‬ووعد المشركين بالنصر ‪ ،‬وفيه أنزل ‪ ) :‬إواذ زنين لهم النشيطان أعمالهم وقال ل غالب‬
‫لكم اليوم من النناس ج إوفايني جابر لكم ( ]النفال ‪. [48 :‬‬
‫ولكن عندما التقى الجيشان ‪ ،‬وعاين الملئاكة تتنزل من السماء ‪ ،‬ولى هارب ا ‪ ) :‬فلنما تججراءفت الفئاتان‬
‫نكص على عقبيه وقال إني بريبء منكم فإيني أرى ما ل ترون إني أخاف ال ( ] النفال ‪. [ 48 :‬‬

‫) ‪(1/21‬‬

‫وقد جرى مع أبي هريرة قصة طريفة رواها البخاري وغيره ؛ قال أبو هريرة ‪ ) :‬وكلني رسول ال بحفظ‬
‫زكاة رمضان ‪ ،‬فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام ‪ ،‬فأخذته ‪ ،‬وقلت ‪ :‬وال لرفعنك إلى رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬إني محتاج ‪ ،‬وعلمي عيال ‪ ،‬ولي حاجة شديدة ‪ ،‬قال ‪ :‬فخليت عنه ‪ ،‬فأصبحت ‪،‬‬
‫فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬يا أبا هريرة ‪ ) ،‬ما فعل أسيرك البارحة ؟ (‬
‫قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال شكا حاجة شديدة وعيالا ‪ ،‬فرحمته ‪ ،‬فخليت سبيله ‪ ،‬قال ‪ ) :‬أما إنه كذبك‬
‫وسيعود ( ‪ ،‬فعرفت أنه سيعود لقول رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إنه سيعود ‪ ،‬فرصدته ‪ ،‬فجاجء يحثو‬
‫من الطعام ‪ ،‬فأخذته ‪ ،‬فقلت ‪ :‬لرفعنك إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ؛ قال ‪ :‬دعني فإني محتاج‬
‫‪ ،‬وعلمي عيال ‪ ،‬ل أعود ‪ ،‬فرحمته ‪ ،‬فخليت سبيله ‪ ،‬فأصبحت ‪ ،‬فقال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ ) :‬يا أبا هريرة ‪ ،‬ما فعل أسيرك ؟ ( قلت ‪ :‬يا رسول ال شكا حاجة شديدة وعيالا ‪ ،‬فرحمته ‪ ،‬فخليت‬
‫سبيله ‪.‬‬
‫قال ‪ ) :‬أما إنه كذبك وسيعود ( ‪ ،‬فرصدته الثالثة ‪ ،‬فجعل يحثو من الطعام ‪ ،‬فأخذته ‪ ،‬فقلت ‪ :‬لرفعنك‬
‫إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهذا آخر ثلث مرات ‪ ،‬إنك تزعم ل تعود ‪ ،‬ثمم تعود ! قال ‪:‬‬
‫دعني أعلمك كلمات ينفعك ال بها ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬ما همن ؟‬

‫) ‪(1/22‬‬

‫قال ‪ :‬إذا أويت إلى فراشك ‪ ،‬فاق أر آية الكرسي ) ال ل إله إلن هو الحلي القليوم ( ]البقرة ‪ [255 :‬حتى‬
‫تختم الية ؛ فإمنك لن يزال عليك من ال حافظ ‪ ،‬ول يقربمنك شيطان حتى تصبح ‪ ،‬فخليت سبيله ‪ ،‬فقال‬
‫لي رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬ما فعل أسيرك البارحة ؟ ( قلت ‪ :‬يا رسول ال زعم أمنه يعلمني‬
‫كلمات ينفعني ال بها ‪ ،‬فخليت سبيله ‪ ،‬قال ‪ :‬ما هي ؟ قلت ‪ :‬قال لي ‪ :‬إذا أويت إلى فراشك فاق أر آية‬
‫الكرسي من أولها حتى تختم الية ) ال ل إله إلن هو الحلي القليوم ( ] البقرة ‪ [ 255 :‬وقال لي ‪ :‬لن‬
‫يزال عليك من ال حافظ ‪ ،‬ول يقربك شيطان حتى تصبح ‪ ،‬وكانوا أحرص شيء على الخير ‪.‬‬
‫قال النبي ‪ ) :‬أما إنه قد صدقك وهو كذوب ‪ ،‬تعلم من تخاطب منذ ثلث ليال يا أبا هريرة ؟ ( قال ‪ :‬ل‬
‫‪ ،‬قال ‪ ) :‬ذاك شيطان ( )‪. (5‬‬
‫فقد تشكل هذا الشيطان في صورة إنسان ‪.‬‬
‫وقد يتشكل في صورة حيوان ‪ :‬جمل ‪ ،‬أو حمار ‪ ،‬أو بقرة ‪ ،‬أو كلب ‪ ،‬أو قط ‪ ،‬وأكثر ما تتشكل بالسود‬
‫من الكلب والقطط ‪ .‬وقد أخبر الرسول صلى ال عليه وسلم أن مرور الكلب السود يقطع الصلة ‪،‬‬
‫وعلل ذلك بأن ) الكلب السود شيطان ( )‪ . (6‬يقول ابن تيمية ‪ " :‬الكلب السود شيطان الكلب ‪،‬‬
‫والجن تتصور بصورته كثي ار ‪ ،‬وكذلك بصورة القط السود ؛ لن السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره‬
‫‪ ،‬وفيه قوة الح اررة " ‪.‬‬
‫جنان البيوت ‪:‬‬
‫تتشكل الجان بشكل الحيات وتظهر للناس ‪ ،‬ولذا نهى الرسول صلى ال عليه وسلم عن قتل الحيات‬
‫البيوت ‪ ،‬خشية أن يكون هذا المقتول جني ا قد أسلم ‪ ،‬ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال ‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬إمن بالمدينة جمنا قد أسلموا ‪ ،‬فإذا رأيتم منهم شيئاا فآَذنوه ثلثة أيام‬
‫‪ ،‬فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه ‪ ،‬فإنما هو شيطان ( )‪. (7‬‬

‫) ‪(1/23‬‬
‫وقد قتل أحد الصحابة حمية من حيات البيوت ‪ ،‬فكان في ذلك هلكه ‪ ،‬روى مسلم في صحيحه ‪ :‬أن أبا‬
‫السائاب دخل على أبي سعيد الخدري في بيته ‪ ،‬فوجده يصلي ‪ ،‬قال ‪ ) :‬فجلست أنتظره حتى يقضي‬
‫صلته ‪ ،‬فسمعت تحريك ا في عراجين في ناحية البيت ‪ ،‬فالتفت ‪ ،‬فإذا حمية ‪ ،‬فوثبت لقتلها فأشار إلمي ؛‬
‫أن اجلس ‪ ،‬فجلست ‪.‬‬
‫فما انصرف أشار إلى بيت في الدار ‪ ،‬فقال ‪ :‬أترى هذا البيت ؟ فقلت ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬كان فيه فتى ممنا‬
‫حديث عهد بعرس ‪ ،‬قال ‪ :‬فخرجنا مع رسول ال إلى الخندق ‪ ،‬فكان ذلك الفتى يستأذن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم بأنصاف النهار ‪ ،‬فيرجع إلى أهله ‪ ،‬فاستأذنه يوم ا فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ ) :‬خذ عليك سلحك ‪ ،‬فإني أخشى عليك قريظة ( ‪.‬‬
‫فأخذ الرجل سلحه ‪ ،‬ثمم رجع ‪ ،‬فإذا امرأته بين البابين قائامة ‪ ،‬فأهوى إليها الرمح ليطعنها به ‪ ،‬وأصابته‬
‫غيرة ‪ ،‬فقالت له ‪ :‬اكفف رمحك ‪ ،‬وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني ‪.‬‬
‫فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش ‪ ،‬فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ‪ ،‬ثم خرج ‪ ،‬فركزه في‬
‫الدار ‪ ،‬فاضطربت عليه ‪ ،‬فما يدرى أيهما كان أسرع موت ا ‪ :‬الحية أم الفتى !‬
‫قال ‪ :‬فجئانا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فذكرنا ذلك له ‪ ،‬وقلنا ‪ :‬ادع ال يحييه لنا فقال ‪:‬‬
‫) استغفروا لصاحبكم ( ‪ ،‬ثم قال ‪ ) :‬إمن بالمدينة جمنا قد أسلموا ‪ ،‬فإذا رأيتم منهم شيئاا فآَذنوه ثلثة أيام ‪،‬‬
‫فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه ‪ ،‬فإمنما هو شيطان ( )‪. (8‬‬
‫تنبيهات مهمة حول قتل حيات البيوت ‪:‬‬
‫‪ -1‬هذا الحكم ‪ ،‬وهو النهي عن قتل الحيوانات خاص بالحيات دون غيرها ‪.‬‬
‫‪ -2‬وليس كل الحيات ؛ بل الحيات التي نراها في البيوت دون غيرها ‪ ،‬أمما التي نشاهدها خارج البيوت‬
‫فنحن مأمورون بقتلها ‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا رأينا حيات البيوت فنؤذنها ؛ أي نأمرها بالخروج ‪ ،‬كأن نقول ‪ :‬أقسم عليك بال أن تخرجي من‬
‫هذا المنزل ‪ ،‬وأن تبعدي عمنا شمرك إوال قتلناك ‪ .‬فإن رؤيت بعد ثلثة أيام قتلت ‪.‬‬

‫) ‪(1/24‬‬

‫‪ -4‬والسبب في قتلها بعد ثلثة أيام أننا تأكدنا أنها ليست جمن ا مسلم ا ‪ ،‬لنها لو كانت كذلك ‪ ،‬لغادرت‬
‫المنزل ‪ ،‬فإن كانت أفعى حقيقية فهي تستحق القتل ‪ ،‬إوان كانت جمنا كاف ار متمردا فهو يستحق القتل ؛‬
‫لذاه إواخافته لهل المنزل ‪.‬‬
‫‪ -5‬يستثنى من جنان البيوت نوع يقتل بدون استئاذان ‪ ،‬ففي صحيح البخاري عن أبي لبابة أن الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬ل تقتلوا الفجننان ‪ ،‬إل كمل أبتر ذي طخلفجيتجلين ؛ فإنه يسقط الولد ‪ ،‬ويذهب‬
‫البصر ‪ ،‬فاقتلوه ( )‪. (9‬‬
‫وهل كل الحيات من الجمن أم بعضها ؟ يقول الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬الحميات مسخ الجمن صورة‬
‫‪ ،‬كما مسخت القردة والخنازير من بني إسرائايل ( )‪. (10‬‬
‫خامس ا ‪ :‬الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق ‪:‬‬
‫في صحيحي البخاري ومسلم عن أنس ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬إن الشيطان‬
‫يجري من النسان مجرى الدم ( )‪ ، (11‬وفي الصحيحين عن صفية بنت حيي زوج النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم قالت ‪ " :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم معتكف ا ‪ ،‬فأتيته أزوره ليلا ‪ ،‬فحدثته ‪ ،‬ثمم قمت‬
‫فانقلبت ‪ ،‬فقام معي ليقبلني ) يردني ( وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ‪ ،‬فممر رجلن من النصار ‪،‬‬
‫فلما رأيا النبي صلى ال عليه وسلم أسرعا ‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬على رسلكما ‪ ،‬إنها‬
‫صفية بنت حيي ( ‪ ،‬فقال ‪ :‬سبحان ال يا رسول ال !! قال ‪ ) :‬إن الشيطان يجري من النسان مجرى‬
‫الدم ‪ ،‬إواني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا ( ‪ ،‬أو قال ‪ ) :‬شيئا ا ( )‪. (12‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬رواه البخاري في صحيحه ‪ . 8/538 :‬ورقمه ‪. 4800 :‬‬
‫)‪ (2‬رواه مسلم ‪ . 4/1750 :‬ورقمه ‪ . 2229 :‬ومعنى يقرفون فيه أي الصدق بالكذب ‪ :‬يقذفون ‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه البخاري ‪. 6/338 :‬ورقمه ‪. 3288 :‬‬
‫)‪ (4‬مجموع الفتاوى ‪. 11/309 :‬‬

‫) ‪(1/25‬‬

‫)‪ (5‬صحيح البخاري ‪ . 4/486 :‬ورقمه ‪ . 2311 :‬ويرى بعض العلماء أن الحديث منقطع ؛ لنه لم‬
‫يصرح بالسماع من شيخه عثمان بن الهيثم ‪ ،‬والحديث وصله النسائاي وغيره ‪ .‬انظر ‪ :‬فتح الباري ‪:‬‬
‫‪. 4/488‬‬
‫)‪ (6‬رواه مسلم ‪ . 1/365 :‬ورقمه ‪. 510 :‬‬
‫)‪ (7‬رواه مسلم ‪ . 4/1756 :‬ورقمه ‪. 2236 :‬‬
‫)‪ (8‬رواه مسلم ‪ . 4/1756 :‬ورقمه ‪. 2236 :‬‬
‫)‪ (9‬رواه البخاري ‪ . 6/351 :‬ورقمه ‪. 3311 :‬‬
‫)‪ (10‬رواه الطبراني ‪ ،‬وأبو الشيخ في العظمة ‪ ،‬بإسناد صحيح ‪ ،‬راجع الحاديث الصحيحة ‪. 104 :‬‬
‫)‪ (11‬صحيح البخاري ‪ . 13/159 :‬ورقمه ‪ . 7171 :‬ورواه مسلم ‪ . 4/1712 :‬ورقمه ‪. 2175 :‬‬
‫)‪ (12‬رواه البخاري ‪ . 6/336 :‬ورقمه ‪. 3281 :‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫جوانب ضعف الجن وعجزهم‬
‫الجن والشياطين كالنس فيهم جوانب قوة ‪ ،‬وجوانب ضعف ‪ ،‬قال تعالى ‪ ) :‬إنن كيد النشيطان كان‬
‫ضعيف ا ( ] النساء ‪ ، [ 76 :‬وسنعرض لبعض هذه الجوانب التي عرفنا ال ورسوله بها ‪.‬‬
‫أولا ‪ :‬ل سلطان لهم على عباد ال الصالحين ‪:‬‬
‫لم يعط النرب – سبحانه – الشيطان القدرة على إجبار الناس ‪ ،‬إواكراههم على الضلل والكفر ‪ ) :‬إنن‬
‫عبادي ليس لك عليهم سلطابن وكفى بربك وكيلا ( ] السراء ‪ ) . [ 65 :‬وما كان له عليهم من سلطاجن‬
‫إلن لنعلم من يؤمن بالخرة منمن هو منها في شجك ( ] سبأ ‪. [ 21 :‬‬
‫ومعنى ذلك أن الشيطان ليس له طريق يتسلط بها عليهم ‪ ،‬ل من جهة الحجة ‪ ،‬ول من جهة القدرة ‪،‬‬
‫والشيطان يدرك هذه الحقيقة ‪ ) :‬قال رب بما أغويتني لزيننن لهم في الرض ولغويننهم أجمعين – إلن‬
‫عبادك منهم المخلصين ( ] الحجر ‪. [ 40-39 :‬‬
‫إوانما يتسلط على العباد الذين يرضون بفكره ‪ ،‬ويتابعونه عن رضا وطواعية ‪ ) :‬إنن عبادي ليس لك‬
‫عليهم سلطان إلن من اتنبعك من الغاوين ( ] الحجر ‪ . [ 42 :‬وفي يوم القيامة يقول الشيطان لتباعه‬
‫الذين أضلهم وأهلكهم ‪ ) :‬وما كان لي عليكم من سلطاجن إلن أن دعوتكم فاستجبتم لي ( ] إبراهيم ‪:‬‬
‫‪. [ 22‬‬

‫) ‪(1/26‬‬

‫وفي آية أخرى ‪ ) :‬إننما سلطانه على انلذين يتونلونه وانلذين هم به مشركون ( ]النحل ‪. [100:‬‬
‫والسلطان الذي أعطيه الشيطان هو تسلطه عليهم بالغواء والضلل ‪ ،‬وتمكنه منهم ‪ ،‬بحيث يؤزهم‬
‫على الكفر والشرك ويزعجهم إليه ‪ ،‬ول يدعهم يتركونه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ ) :‬ألم تر أننا أرسلنا النشياطين‬
‫على الكافرين تؤلزهم أ از ( ] مريم ‪ ، [ 83 :‬ومعنى تؤزهم ‪ :‬تحركهم وتهيجهم ‪.‬‬
‫وسلطان الشيطان على أوليائاه ليس لهم فيه حمجة وبرهان ‪ ،‬إوانما استجابوا له بمجرد دعوته إياهم ‪ ،‬لما‬
‫وافقت أهواجءهم وأغراضهم ‪ ،‬فهم الذين أعانوا على أنفسهم ‪ ،‬ومكنوا عدوهم من سلطانه عليهم بموافقته‬
‫ومتابعته ‪ ،‬فلما أعطوا بأيديهم ‪ ،‬واستأسروا له ‪ ،‬خسملط عليهم عقوبةا لهم ‪ .‬فال ل يجعل للشيطان على‬
‫العبد سلطانا ‪ ،‬حتى يجعل له العبد سبيلا بطاعته والشرك به ‪ ،‬فجعل ال حينئاجذ له عليه تسلطا وقه ار ‪.‬‬
‫تسليطه على المؤمنين بسبب ذنوبهم ‪:‬‬
‫ففي الحديث ‪ ) :‬إن ال – تعالى – مع القاضي لم جيخجر ‪ ،‬فإذا جار تب أر منه ‪ ،‬وألزمه الشيطان ( ‪ .‬رواه‬
‫الحاكم ‪ ،‬والبيهقي بإسناد حسن )‪. (1‬‬
‫ويروي لنا أبو الفرج ابن الجوزي – رحمه ال – عن الحسن البصري – رحمه ال – قصة طريفة ‪،‬‬
‫وبغض النظر عن مدى صحتها فهي تصور قدرة النسان على قهر الشيطان إذا أخلصه دينه ل ‪،‬‬
‫وكيف يصرع الشيطان النسان إذا ضمل وزاغ ‪.‬‬
‫يقول الحسن ‪ :‬كانت شجرة تعبد من دون ال ‪ ،‬فجاء إليها رجل ‪ ،‬فقال ‪ :‬لقطعن هذه الشجرة ‪ ،‬فجاء‬
‫ليقطعها غضب ا ل ‪ ،‬فلقيه إبليس في صورة إنسان ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما تريد ؟ قال ‪ :‬أريد أن أقطع هذه الشجرة‬
‫التي تعبد من دون ال ‪ ،‬قال ‪ :‬إذا أنت لم تعبدها فما يضرك من عبدها ؟ قال ‪ :‬لقطعنها ‪.‬‬

‫) ‪(1/27‬‬

‫فقال له الشيطان ‪ :‬هل لك فيما هو خير لك ؟ ل تقطعها ‪ ،‬ولك ديناران كل يوم إذا أصبحت عند‬
‫وسادتك ‪ .‬قال ‪ :‬فمن أين لي ذلك ؟ قال ‪ :‬أنا لك ‪ .‬فرجع ‪ ،‬فأصبح فوجد دينارين عند وسادته ‪ ،‬ثمم‬
‫أصبح بعد ذلك ‪ ،‬فلم يجد شيئاا ‪ .‬فقام غضبا ليقطعها ‪ ،‬فتمثل له الشيطان في صورته ‪ ،‬وقال ‪ :‬ما تريد‬
‫؟ قال ‪ :‬أريد قطع هذه الشجرة التي تعبد من دون ال تعالى ‪ ،‬قال ‪ :‬كذبت ما لك إلى ذلك من سبيل ‪.‬‬
‫فذهب ليقطعها ‪ ،‬فضرب به الرض ‪ ،‬وخنقه حتى كاد يقتله ‪ ،‬قال ‪ :‬أتدري من أنا؟ أنا الشيطان ‪ ،‬جئات‬
‫أول مرة غضب ا ل ‪ ،‬فلم يكن لي عليك سبيل ‪ ،‬فخدعتك بالدينارين ‪ ،‬فتركتها ‪ ،‬فلما جئات غضب ا‬
‫للدينارين سلطت عليك )‪. (2‬‬
‫وقد حدثنا ال في كتابه عن شخص آتاه ال آياته ‪ ،‬فعلمها ‪ ،‬وعرفها ‪ ،‬ثمم إنه ترك ذلك كله ‪ ،‬فسلط ال‬
‫عليه الشيطان ‪ ،‬فأغواه ‪ ،‬وأضله ‪ ،‬وأصبح عبرة تروى ‪ ،‬وقصة تتناقل ‪ ) :‬واتخل عليهم نبأ انلذي آتيناه‬
‫آياتنا فانسلخ منها فأتبعه النشيطان فكان من الغاوين – ولو شئانا لرفعناه بها ولكننه أخلد إلى الرض‬
‫وانتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم انلذين كنذبوا بآَياتنا‬
‫فاقصص القصص لعنلهم يتفنكرون ( ] العراف ‪ . [ 176-175 :‬وواضح أن هذا مثل لمن عرف‬
‫الحق وكفر به كاليهود الذين يعلمون أن محمدا مرسل من ربه ‪ ،‬ثم هم يكفرون به ‪.‬‬
‫أما هذا الذي عناه ال هنا ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬هو بلعام بن باعو ار ‪ ،‬كان صالح ا ثم كفر ‪ ،‬وقيل ‪ :‬هو أمية‬
‫بن أبي الصلت من المتألهين في الجاهلية ‪ ،‬أدرك الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ولم يؤمن به حسدا ‪،‬‬
‫وكان يرجو أن يكون هو النبي المبعوث ‪ ،‬وليس عندنا نص صحيح يعرفنا بالمراد من الية على وجه‬
‫التحديد ‪.‬‬

‫) ‪(1/28‬‬

‫وهذا الصنف ) الذي يؤتى اليات ثم يكفر ( صنف خطر ‪ ،‬به جشجبه من الشيطان ؛ لمن الشيطان كفر‬
‫بعد معرفته الحق ‪ ،‬ولقد تخوف الرسول صلى ال عليه وسلم هذا النوع على أمته ‪ ،‬روى الحافظ أبو‬
‫يعلى عن حذيفة بن اليمان قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬إن مما أتخوف عليكم رجلا‬
‫ق أر القرآن حتى إذا رئايت بهجته عليه ‪ ،‬وكان رداؤه السلم اعتراه إلى ما شاء ال انسلخ منه ‪ ،‬ونبذه‬
‫وراء ظهره ‪ ،‬وسعى على جاره بالسيف ‪ ،‬ورماه بالشرك ( ‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ :‬أيهما أولى‬
‫بالسيف ‪ :‬الرامي أم المرمي ؟ قال ‪ ) :‬بل الرامي ( ‪ ،‬قال ابن كثير ‪ :‬وهذا إسناد جيد )‪. (3‬‬
‫ثانيا ‪ :‬خوف الشيطان من بعض عباد ال وهربه منهم ‪:‬‬
‫إذا تمكن العبد في السلم ‪ ،‬ورسخ اليمان في قلبه ‪ ،‬وكان ومقاف ا عند حدود ال ‪ ،‬فإمن الشيطان يفرق‬
‫منه ‪ ،‬ويفمر منه ‪ ،‬كما قال الرسول صلى ال عليه وسلم لعمر بن الخطاب ‪ ) :‬إن الشيطان ليخاف منك‬
‫يا عمر ( )‪ ، (4‬وقال فيه أيض ا ‪ ) :‬إني لنظر إلى شياطين الجمن والنس قد فمروا من عمر ( )‪، (5‬‬
‫وفي صحيح البخاري عن سعد بن أبي وقاص أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب‬
‫‪ ) :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلى سلك فجا غير فجك ( )‪. (6‬‬
‫وليس ذلك خاص ا بعمر ‪ ،‬فإن جمن قوي إيمانه يقهر شيطانه ‪ ،‬ويذله ‪ ،‬كما في الحديث ‪ ) :‬إن المؤمن‬
‫لينصي شيطانه كما ينصي أحدكم بعيره في السفر ( ‪ .‬رواه أحمد ‪ .‬قال ابن كثير )‪ : (7‬بعد أن ساق‬
‫هذا الحديث ‪ " :‬ومعنى لينصي شيطانه ‪ :‬ليأخذ بناصيته ‪ ،‬فيغلبه ‪ ،‬ويقهره ‪ ،‬كما يفعل بالعبير إذا شرد‬
‫ثم غلبه " ‪.‬‬

‫) ‪(1/29‬‬

‫وقد يصل المر أن يؤثر المسلم في قرينه الملزم له فيسلم ‪ ،‬أخرج مسلم في صحيحه عن ابن مسعود‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬ما منكم من أحد إل وقد خومكل به قرينه من الجن وقرينه‬
‫من الملئاكة ( ‪ ،‬قالوا ‪ :‬إواياك يا رسول ال ؟ قال ‪ ) :‬إواياي ‪ ،‬إل أن ال أعانني عليه فأسلم ‪ ،‬فل‬
‫يأمرني إل بخير ( )‪. (8‬‬
‫ثالثا ‪ :‬تسخير الجن لنبي ال سليمان ‪:‬‬
‫سخر ال لنبيه سليمان – في جملة ما سخر – الجن والشياطين ‪ ،‬يعملون له ما يشاء ‪ ،‬ويعذب ويسجن‬
‫ص–‬‫العصاة منهم ‪ ) :‬فسنخرنا له الريح تجري بأمره رخااء حيث أصاب – والنشياطين كل بنناجء وغنوا ج‬
‫وآخرين مقنرنين في الصفاد ( ] ص ‪. [ 38-36 :‬‬
‫وقال في سورة سبأ ‪ ) :‬ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب‬
‫النسعير – يعملون له ما يشاء من نمحاريب وتماثيل وجفاجن كالجواب وقدوجر نراسياجت ( ] سبأ ‪-12 :‬‬
‫‪. [ 13‬‬
‫وهذا التسخير على هذا النحو استجابة من ال لعبده سليمان حين دعاه وقال ‪ ) :‬وهب لي خملك ا لن ينبغي‬
‫لحجد من بعدي ( ] ص ‪ . [ 35 :‬وهذه الدعوة هي التي منعت نبينا محمدا صلى ال عليه وسلم من‬
‫ربط الجني الذي جاء بشهاب من نار ‪ ،‬يريد أن يرميه في وجهه ‪ ،‬ففي صحيح مسلم عن أبي الدرداء‬
‫قال ‪ :‬قام رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فسمعناه يقول ‪ ) :‬أعوذ بال منك ( ثم قال ‪ ) :‬ألعنك بلعنة‬
‫ال ثلث ا ( ‪ ،‬وبسط يده كأنه يتناول شيئا ا ‪.‬‬
‫فلما فرغ من الصلة قلنا ‪ :‬يا رسول ال لقد سمعناك تقول في الصلة شيئا ا ‪ ،‬لم نسمعك تقوله من قبل ‪،‬‬
‫ورأيناك بسطت يدك ‪ ،‬فقال ‪ ) :‬إن عدمو ال إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي ‪ ،‬فقلت ‪:‬‬
‫أعوذ بال منك ثلث مرات ‪ ،‬ثم قلت ‪ :‬ألعنك بلعنة ال التامة ‪ ،‬فلم يستأخر ثلث مرات ‪ ،‬ثم لاردت أخذه‬
‫‪ ،‬وال لول دعوة أخينا سليمان لصبح موثق ا يلعب به ولدان أهل المدينة ( )‪. (9‬‬

‫) ‪(1/30‬‬

‫وقد تكرر هذا أكثر من مرة ‪ ،‬ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن الرسول صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫) إن عفريتا من الجن جعل يفتك علي البارحة ليقطع علمي الصلة ‪ ،‬إوان ال أمكنني منه ‪ ،‬فججذجعتلهخ ‪ ،‬فلقد‬
‫هممت أن أربطه إلى جنب سارية من سواري المسجد ‪ ،‬حتى تصبحوا تنظرون إليه أجمعون ‪ ) ،‬أو كلكم‬
‫( ‪ ،‬ثمم ذكرت قول أخي سليمان ‪ ) :‬رب اغفر لي وهب لي خملك ا لن ينبغي لحجد من بعدي ( ‪ ،‬فرده ال‬
‫خاسئاا ( )‪ . (10‬ومعنى يفتك ‪ :‬الفتك ‪ :‬الخذ غفلة ‪ .‬وقوله ‪ ) :‬ذعته ( ‪ ،‬أي ‪ :‬خنقته ‪.‬‬
‫كذب اليهود على نبي ال سليمان ‪:‬‬
‫يزعم اليهود وأتباعهم الذين يستخدمون الجن بوساطة السحر أن نبي ال سليمان كان يستخدم الجمن به ‪،‬‬
‫وقد ذكر غير واحد من علماء السلف أنن سليمان لما مات كتبت الشياطين كتب السحر والكفر ‪،‬‬
‫وجعلتها تحت كرسيه ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬كان سليمان يستخدم الجن بهذه ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬لول أن هذا حق جائاز‬
‫ق من‬‫ق لما معهم نبذ فري ب‬
‫لما فعله سليمان ‪ ،‬فأنزل ال قوله ‪ ) :‬ولنما جاءهم رسوبل من عند ال مصد ب‬
‫انلذين أوتوا الكتاب كتاب ال وراء ظهورهم كأننهم ل يعلمون ( ] البقرة ‪ ، [ 101 :‬ثم بين أنهم اتبعوا ما‬
‫كانت تتلوه الشياطين على عهد ملك سليمان ‪ ،‬وب أر سليمان من السحر والكفر ‪ ) :‬وانتبعوا ما تتلوا‬
‫النشياطين على خملفك سليمان وما كفر سليمان ولكنن النشياطين كفروا ( ] البقرة ‪. [ 102 :‬‬
‫رابع ا ‪ :‬عجزهم عن التيان بالمعجزات ‪:‬‬
‫ل تستطيع الجن التيان بمثل المعجزات التي جاءت بها الرسل تدليلا على صدق ما جاءت به ‪.‬‬
‫فعندما زعم بعض الكفرة أن القرآن من صنع الشياطين قال تعالى ‪ ) :‬وما تننزلت به النشياطين – وما‬
‫ينبغي لهم وما يستطيعون – إننهم عن النسمع لمعزولون ( ] الشعراء ‪. [ 212-210 :‬‬
‫وتحدى ال بالقرآن النس والجن ‪ ) :‬قل لفئان اجتمعت النس والجلن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل‬
‫يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبع ج‬
‫ض ظهي ار ( ] السراء ‪. [ 88 :‬‬

‫) ‪(1/31‬‬
‫خامس ا ‪ :‬ل يتمثلون بالرسول صلى ال عليه وسلم في الرؤيا ‪:‬‬
‫والشياطين تعجز عن التمثل في صورة الرسول صلى ال عليه وسلم في الرؤيا ‪:‬‬
‫ففي الحديث الذي يرويه الترمذي عن أبي هريرة عن الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬من رآني فإني أنا‬
‫هو ‪ ،‬فإنه ليس للشيطان أن يتمثل بي ( )‪. (11‬‬
‫وفي الصحيحين عن أنس قال ‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬من رآني في المنام فقد رآني ‪ ،‬فإن‬
‫الشيطان ل يتمثل بي ( ‪ .‬رواه مسلم من رواية أبي هريرة ‪ .‬وفي صحيح البخاري ‪ ) :‬إوان الشيطان ل‬
‫يت ارجءى بي ( ‪.‬‬
‫ق ‪ ،‬فإن الشيطان ل يتكونني ( ‪.‬‬
‫وفيه من رواية أبي سعيد ‪ ) :‬من رآني فقد رأى الح م‬
‫وفي الصحيحين من رواية أبي هريرة ‪ ) :‬ول يتمثل الشيطان بي ( ‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم من حديث جابر ‪ ) :‬من رآني في المنام فقد رآني ‪ ،‬إنه ل ينبغي للشيطان أن يتمثل‬
‫في صورتي ( ‪ .‬وفي رواية أخرى عن جابر ‪ ) :‬فإنه ل ينبغي للشيطان أن يتشبه بي ( )‪. (12‬‬
‫والظاهر من الحاديث أن الشيطان ل يتزميا بصورة الرسول صلى ال عليه وسلم الحقيقية ‪ ،‬ول يمنعه‬
‫هذا من التمثل في غير صورة الرسول صلى ال عليه وسلم والزعم بأمنه رسول ال ‪ ،‬وهذا ما فقهه ابن‬
‫سيرين رحمه ال ‪ ،‬فيما نقله عنه البخاري )‪. (13‬‬
‫ولذلك فل يجوز أن يحتج بهذا الحديث على أن كل من رأى الرسول صلى ال عليه وسلم في المنام أمنه‬
‫رآه حقما ‪ ،‬إل إذا كانت صفته هي الصفة التي روتها لنا كتب الحديث ‪ .‬إوال فكثير من الناس يزعم أمنه‬
‫رآه على صورة مخالفة للصورة المروية في كتب الثقات ‪.‬‬
‫سادس ا ‪ :‬ل يستطيع الجن أن يتجاوزوا حدودهم في أجواز الفضاء ‪:‬‬
‫قال تعالى ‪ ) :‬يا معشر الجن والنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار النسماوات والرض فانفذوا ل‬
‫تنفذون إلن بسلطاجن ( – فجبفأج ي‬
‫ي آلء ربكما تكذبان – يرسل عليكما شواظب من نناجر ونحابس فل تنتصران (‬
‫] الرحمن ‪. [ 35-33 :‬‬

‫) ‪(1/32‬‬

‫فمع قدراتهم وسرعة حركتهم لهم حدود ل يستطيعون أن يتعدوها ‪ ،‬إوال فإنهم هالكون ‪.‬‬
‫سابع ا ‪ :‬ل يستطيعون فتح باب أغلق وذكر اسم ال عليه ‪:‬‬
‫روى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد ال قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬إذا كان‬
‫جنح الليل – أو أمسيتم – فكفوا صبيانكم ‪ ،‬فإن الشياطين تنتشر حينئاجذ ‪ ،‬فإذا ذهب ساعة من الليل‬
‫فحلوهم ‪ ،‬وأغلقوا البواب ‪ ،‬واذكروا اسم ال ‪ ،‬فإن الشيطان ل يفتح باب اج مغلق ا ( )‪. (14‬‬
‫وفي لفظ لمسلم عن جابر ‪ ) :‬غطوا الناء ‪ ،‬وأوكوا السقاء ‪ ،‬وأغلقوا الباب ‪ ،‬وأطفئاوا السراج ‪ ،‬فإن‬
‫الشيطان ل يحمل سقااء ‪ ،‬ول يفتح باب ا ‪ ،‬ول يكشف إناء ( )‪. (15‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬انظر صحيح الجامع ‪. 2/130 :‬‬
‫)‪ (2‬تلبيس إبليس ‪. 43 :‬‬
‫)‪ (3‬انظر تفسير ابن كثير ‪. 3/252 :‬‬
‫)‪ (4‬صحيح سنن الترمذي ‪ . 3/206 :‬ورقمه ‪. 2913 :‬‬
‫)‪ (5‬صحيح سنن الترمذي ‪ . 3/206 :‬ورقمه ‪. 2914 :‬‬
‫)‪ (6‬رواه البخاري ‪ . 6/339 :‬ورقمه ‪. 3294 :‬‬
‫)‪ (7‬البداية والنهاية ‪ ، 1/73 :‬وفي رواية أخرى ‪ ) :‬لينضي شيطانه ( أي يهزله ويجعله نضوا أي‬
‫مهزولا لكثرة إذلله له وجعله أسي ار تحت قهره وتصرفه ‪.‬‬
‫)‪ (8‬رواه مسلم ‪ . 4/2167 :‬ورقمه ‪. 2814 :‬‬
‫)‪ (9‬رواه مسلم ‪ . 1/385 :‬ورقمه ‪. 542 :‬‬
‫)‪ (10‬رواه البخاري ‪ . 6/547 :‬ورقمه ‪ . 3423 :‬ورواه مسلم ‪ . 1/384 :‬ورقمه ‪. 541 :‬‬
‫)‪ (11‬صحيح سنن الترمذي ‪ . 2/260 :‬ورقمه ‪. 1859 :‬‬
‫)‪ (12‬انظر أحاديث عدم قدرة الشيطان على التمثل بالرسول صلى ال عليه وسلم في البخاري ‪:‬‬
‫‪ . 12/383‬وأرقامها ‪ . 6997-6993 :‬وفي صحيح مسلم ‪ . 4/1775 :‬وأرقامها ‪-2266 :‬‬
‫‪. 2268‬‬
‫)‪ (13‬صحيح البخاري ‪. 12/383 :‬‬
‫)‪ (14‬صحيح البخاري ‪ . 10/88 ، 6/350 :‬ورقمها ‪ . 5623 ، 3304 :‬ورواه مسلم ‪:‬‬
‫‪ . 3/1595‬ورقمه ‪. 2012 :‬‬
‫)‪ (15‬صحيح مسلم ‪ . 3/1594 :‬ورقمه ‪. 2012 :‬‬
‫تكليف الجن‬
‫المبحث الول‬
‫الغاية من خلقهم‬

‫) ‪(1/33‬‬
‫خلق ال الجن للغاية نفسها التي خلق النس من أجلها ‪ ) :‬وما خلقت الجنن والنس إلن ليعبدون (‬
‫] الذاريات ‪. [ 56 :‬‬
‫فالجن على ذلك مكلفون بأوامر ونواجه ‪ ،‬فمن أطاع رضي ال عنه ‪ ،‬وأدخله الجنة ‪ ،‬ومن عصى وتمرد ‪،‬‬
‫فله النار ‪ ،‬يدمل على ذلك نصوص كثيرة ‪.‬‬
‫ففي يوم القيامة يقول ال مخاطب ا كفرة الجن والنس موبخ ا مبكت ا ‪ ) :‬يا معشر الجن والنس ألم يأتكم‬
‫صون عليكم آجيافتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغنرتهم الحياة اللدنيا‬
‫رسبل منكم يق ل‬
‫وشهدوا على أنفسهم أننهم كانوا كافرين ( ]النعام ‪. [130 :‬‬
‫ففي هذه اليات دليل على بلوغ شرع ال الجن ‪ ،‬وأنه قد جاءهم من ينذرهم ويبلغهم ‪.‬‬
‫والدليل على أنهم سيعذبون في النار قوله تعالى ‪ ) :‬قال ادخلوا في أمجم قد خلت من قبلكم من الجن‬
‫والنس في الننار ( ] العراف ‪ ، [ 38 :‬وقال ‪ ) :‬ولقد ذرأنا لجهننم كثي ار من الجن والنس ( ] العراف‬
‫‪ ، [ 179 :‬وقال ‪ ) :‬لملنن جهننم من الجننة والنناس أجمعين ( ] السجدة ‪ . [ 13 :‬والدليل على أن‬
‫المؤمنين من الجن يدخلون الجنة قوله تعالى ‪ ) :‬ولمن خاف مقام ربه جننتان – فجبفأج ي‬
‫ي آلء ربكما تكذبان‬
‫( ] الرحمن ‪. [ 47-46 :‬‬
‫والخطاب هنا للجن والنس ؛ لن الحديث في مطلع السورة معهما ‪ ،‬وفي الية السابقة امتنان من ال‬
‫على مؤمني الجن بأنهم سيدخلون الجنة ‪ ،‬ولول أنهم ينالون ذلك لما امتن عليهم به ‪.‬‬
‫يقول ابن مفلح في كتابه الفروع ‪ " :‬الجن مكلفون في الجملة إجماع ا ‪ ،‬يدخل كافرهم النار إجماع ا ‪،‬‬
‫ويدخل مؤمنهم الجنة وفاق ا لمالك والشافعي رضي ال عنهما – ل أنهم يصيرون تراب ا كالبهائام ‪ ،‬إوان‬
‫ثواب مؤمنهم النجاة من النار ‪ ،‬خلف ا لبي حنيفة ‪ ،‬والليث بن سعد ومن وافقهم " ‪.‬‬

‫) ‪(1/34‬‬

‫قال ‪ " :‬وظاهر الول أنهم في الجنة كغيرهم بقدر ثوابهم ‪ ،‬خلف ا لمن قال ل يأكلون ول يشربون‬
‫كمجاهد ‪ ،‬أو أنهم في ربض الجمنة ‪ ،‬حول الجنة كعمر بن عبد العزيز ‪ ،‬قال ابن حامد في كتابه ‪" :‬‬
‫الجن كالنس في التكليف والعبادات " )‪. (1‬‬
‫وقد عقد الشبلي باب ا قال فيه ‪ " :‬باب في أن الجن مكلفون بإجماع أهل النظر " ‪ .‬نقل فيه عن أبي عمر‬
‫بن عبد البر ‪ :‬أن الجن عند الجماعة مكلفون مخاطبون لقوله تعالى ‪ ) :‬فجبفأج ي‬
‫ي آلء ربكما تكذبان (‬
‫] الرحمن ‪ . [ 13 :‬وقال الرازي في تفسيره ‪ " :‬أطبق الكل على أن الجن كلهم مكلفون " ‪.‬‬
‫ونقل الشبلي عن القاضي عبد الجبار قوله ‪ " :‬ل نعلم خلف ا بين أهل النظر في أمن الجن مكلفون ‪ ،‬وقد‬
‫حكى عن بعض المؤلفين في المقالت أن الحشوية قالوا ‪ :‬إنهم مضطرون إلى أفعالهم ‪ ،‬وأنهم ليسوا‬
‫مكلفين " ‪.‬‬
‫قال ‪ " :‬والدليل على أنهم مكلفون ما في القرآن من ذمم الشياطين ولعنهم ‪ ،‬والتحرز من غوائالهم وشرهم ‪،‬‬
‫وذكر ما أعد ال لهم من العذاب ‪ ،‬وهذه الخصال ل يفعلها ال تعالى إل لمن خالف المر والنهي ‪،‬‬
‫وارتكب الكبائار ‪ ،‬وهتك المحارم ‪ ،‬مع تمكنه من أن ل يفعل ذلك ‪ ،‬وقدرته على فعل خلفه ‪ ،‬ويدل على‬
‫ذلك أيضا أنه كان من دين النبي صلى ال عليه وسلم لعن الشياطين ‪ ،‬والبيان عن حالهم ‪ ،‬وأنهم‬
‫يدعون إلى الشر والمعاصي ‪ ،‬ويوسوسون بذلك ‪ .‬وهذا كله يدل على أنهم مكلفون ‪ ،‬وقوله تعالى ‪:‬‬
‫) قل أوحي إلني أننه استمع نفبر من الجن ( ] الجن ‪ [ 1 :‬إلى قوله ‪ ) :‬جفآَجمننا به ولن نشرك بربنا أحدا (‬
‫] الجن ‪. (2) [ 2 :‬‬
‫تكليفهم بحسبهم ‪:‬‬
‫يقول ابن تيمية ‪ " :‬الجن مأمورون بالصول والفروع بحسبهم ‪ ،‬فإنهم ليسوا مماثلين للنس في الحمد‬
‫والحقيقة ؛ فل يكون ما أمروا به ونهوا عنه مساوي ا لما على النس في الحمد ‪ ،‬لكنهم مشاركون النس في‬
‫جنس التكليف بالمر والنهي ‪ ،‬والتحليل والتحريم ‪ ،‬وهذا ما لم أعلم فيه نزاع ا بين المسلمين " )‪. (3‬‬

‫) ‪(1/35‬‬

‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬لوامع النوار البهية ‪. 223-2/222 :‬‬
‫)‪ (2‬غرائاب وعجائاب الجن ‪ ،‬للشبلي ‪ :‬ص ‪. 49‬‬
‫)‪ (3‬مجموع الفتاوى ‪. 4/233 :‬‬
‫كيف يعذبون بالنار وقد خلقوا من النار‬
‫يورد بعض الناس شبهة فيقولون ‪ :‬أنتم تقرون أن الجن خلقوا من نار ‪ ،‬ثمم تقولون ‪ :‬إمن كافرهم يعذب في‬
‫نار جهنم ‪ ،‬ومسترق السمع منهم يقذف بشهب من نار ‪ ،‬فكيف تؤثر النار فيهم وقد خلقوا منها ؟‬
‫الجواب ‪ :‬أمن الصل الذي خلقوا منه النار ‪ ،‬أمما بعد خلقهم فليسوا كذلك ‪ ،‬إذ أصبحوا خلق ا مخالف ا للنار‬
‫‪ ،‬يوضح هذا أن النسان خلق من تراب ‪ ،‬ثم بعد إيجاده أصبح مخالف ا للتراب ‪ ،‬ولو ضربت إنسان ا‬
‫بقطعة مشوية من الطين لقتلته ‪ ،‬ولو رميته بالتراب لذاه ‪ ،‬ولو دفنته فيه لختنق ‪ ،‬فمع أنه من تراب إل‬
‫أن التراب يؤذيه ‪ ،‬فكذلك الجن ‪.‬‬
‫قال أبو الوفاء ابن عقيل ‪ " :‬أضاف الشياطين والجان إلى النار حسب ما أضاف النسان إلى التراب‬
‫والطين والفخار ‪ ،‬والمراد به في حق النسان أن أصله الطين ‪ ،‬وليس الدمي حقيقة ‪ ،‬لكنه كان طين ا ‪،‬‬
‫كذلك الجان كان نا ار في الصل " )‪. (1‬‬
‫ل نسب بين الجن ورب العزة ‪:‬‬
‫هذا الذي ذكرناه من أن الجن خلق من خلق ال ‪ ،‬وعباد من جملة عباده ‪ ،‬خلقهم لطاعته ‪ ،‬وكلفهم‬
‫بشريعته ‪ ،‬يقضي على الخرافات التي تنشأ عن النحراف في التصور ‪ ،‬وعن ضمور العلم وكثرة الجهل‬
‫‪ ،‬فمن ذلك ما شاع عند اليهود ومشركي العرب ‪ ،‬من أن ال – تعالى وتقدس – خطب من سروات الجمن‬
‫وتزوج منهم ‪ ،‬وكان الملئاكة ثمرة هذا الزواج ‪ ،‬وقد حكى ال هذه الخرافة وبين بطلنها ‪ ) :‬وجعلوا بينه‬
‫وبين الجننة نسبا ولقد علمت الجننة إننهم لمحضرون – سبحان ال عنما يصفون – إلن عباد ال‬
‫المخلصين ( ] الصافات ‪. [ 160-158 :‬‬

‫) ‪(1/36‬‬

‫قال ابن كثير عند تفسيره هذه اليات ‪ " :‬قال مجاهد ‪ :‬قال المشركون ‪ :‬الملئاكة بنات ال – تعالى عما‬
‫يقولون – فقال أبو بكر – رضي ال عنه ‪ : -‬فمن أمهاتهمن ؟ قالوا ‪ :‬بنات سروات الجمن ‪ .‬وبمثل قول‬
‫مجاهد قال قتادة وابن زيد ‪ ، ...‬وقال العوفي عن ابن عباس ‪ :‬زعم أعداء ال أنه – تبارك وتعالى – هو‬
‫إوابليس أخوان ‪ ،‬تعالى ال عن ذلك علوا كبي ار " )‪. (2‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬لقط المرجان في أحكام الجان ‪ :‬ص ‪. 33‬‬
‫)‪ (2‬تفسير ابن كثير ‪. 4/24 :‬‬
‫رسل ال إلى الجن‬
‫بما أنهم مكلفون فل بمد أن يبلغهم ال وحيه ‪ ،‬ويقيم عليهم الحجة ‪ ،‬فكيف حصل ذلك ؟ هل لهم رسل‬
‫منهم ‪ ،‬كما للبشر رسل منهم ‪ ،‬أم أن رسلهم هم رسل البشر ؟ ‪.‬‬
‫إن قوله ‪ ) :‬يا معشر الجن والنس ألم يأتكم رسبل منكم ( ] النعام ‪ [ 130 :‬يدمل على أن ال أرسل‬
‫إليهم رسلا ‪ ،‬ولكنها لم تصرح بأن هؤلء الرسل من الجن أو من النس ؛ لن قوله ‪ ) :‬منكم ( يحتمل‬
‫المرين ؛ فقد يكون المراد أن رسل كل جنس منهم ‪ ،‬وقد يراد أن رسل النس والجن من مجموعهما ‪،‬‬
‫فيصدق على أحدهما وهم النس ‪ .‬وقد اختلف في ذلك على قولين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن للجن رسلا منهم ‪ ،‬وممن قال بهذا القول الضحاك ‪ ،‬وقال ابن الجوزي ‪ :‬وهو ظاهر الكلم ‪،‬‬
‫وقال ابن حزم ‪ " :‬لم يبعث إلى الجن نبي من النس ألبمتة قبل محمد صلى ال عليه وسلم " ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن رسل الجن من النس ‪ :‬قال السيوطي ‪ " :‬جمهور العلماء ‪ ،‬سلف ا وخلف ا ‪ ،‬على أنه لم يكن‬
‫من الجن قط رسول ول نبي ‪ ،‬كذا روي عن ابن عباس ومجاهد والكلبي وأبي عبيد " )‪. (1‬‬
‫ومما يرجح أن رسل النس هم رسل الجن قول الجن عند سماع القرآن ‪ ) :‬إننا سمعنا كتاب ا أنزل من بعد‬
‫ص ا في المسألة ‪.‬‬
‫موسى ( ] الحقاف ‪ ، [ 30 :‬ولكنه ليس ن م‬
‫وهذه المسألة ل يبنى عليها عمل ‪ ،‬وليس فيها نص قاطع ‪.‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬لوامع النوار البهية ‪ ، 224-2/223 :‬وانظر لقط المرجان ‪. 73 :‬‬

‫) ‪(1/37‬‬

‫عموم رسالة محمد صلى ال عليه وسلم‬


‫إلى النس والجن‬
‫رسولنا محمد صلى ال عليه وسلم مرسل إلى الجمن والنس ‪ ،‬يقول ابن تيمية )‪ " : (1‬وهذا أصل متفق‬
‫عليه بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئامة المسلمين ‪ ،‬وسائار طوائاف المسلمين ‪ :‬أهل السنة‬
‫والجماعة ‪ ،‬وغيرهم ‪.‬‬
‫يدل على ذلك تحدي القرآن الجن والنس ‪ ) ،‬قل لفئان اجتمعت النس والجلن على أن يأتوا بمثل هذا‬
‫القرآن ل يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبع ج‬
‫ض ظهي ار ( ]السراء ‪.[88 :‬‬
‫وقد سارع فريق من الجن إلى اليمان عندما استمعوا القرآن ‪ ) :‬قل أوحي إلني أننه استمع نفبر من الجن‬
‫فقالوا إننا سمعنا قرآنا عجبا – يهدي إلى الرشد فآَمننا به ولن نشرك بربنا أحدا ( ] الجن ‪. [ 2-1 :‬‬
‫وهؤلء الذين استمعوا القرآن وآمنوا هم المذكورون في سورة الحقاف ‪ ) :‬إواذ صرفنا إليك نف ار من الجن‬
‫يستمعون القرآن فلنما حضروه قالوا أنصتوا فلنما قضي ولنوا إلى قومهم لمنذرين – قالوا يا قومنا إننا سمعنا‬
‫ق مستقيجم – يا قومنا أجيبوا‬
‫كتاب ا أنزل من بعد موسى مصدق ا لما بين يديه يهدي إلى الحق إوالى طري ج‬
‫داعي ال وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاجب أليجم – ومن لن يجب داعي ال فليس بمعججز‬
‫في الرض وليس له من دونه أولياء أولئاك في ضلجل لمبيجن ( ] الحقاف ‪ . [ 32-29 :‬استمعوا للقرآن‬
‫‪ ،‬وآمنوا به ‪ ،‬ورجعوا دعاة يدعون قومهم إلى التوحيد واليمان ‪ ،‬ويبشرونهم وينذرونهم ‪.‬‬

‫) ‪(1/38‬‬

‫وقصة هؤلء الذين استمعوا للرسول صلى ال عليه وسلم يرويها البخاري ومسلم عن ابن عباس –‬
‫رضي ال عنهما – قال ‪ " :‬انطلق النبي صلى ال عليه وسلم في طائافة من أصحابه عامدين إلى سوق‬
‫عكاظ ‪ ،‬وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ‪ ،‬وأرسلت عليهم الشهب ‪ ،‬فرجعت الشياطين إلى‬
‫قومهم ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ما لكم ؟ فقالوا ‪ :‬حيل بيننا وبين خبر السماء ‪ ،‬وأرسلت علينا الشهب ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ما حال‬
‫بينكم وبين خبر السماء إل شيء حدث ‪ ،‬فاضربوا مشارق الرض ومغاربها ‪ ،‬وانظروا ما هذا الذي حال‬
‫بينكم وبين خبر السماء ‪.‬‬
‫فانصرف أولئاك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو بنخلة ‪ ،‬عامدين‬
‫إلى سوق عكاظ ‪ ،‬وهو يصلي بأصحابه صلة الفجر ‪ ،‬فلما سمعوا القرآن ‪ ،‬استمعوا له ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬هذا‬
‫وال الذي حال بينكم وبين خبر السماء ‪ ،‬فهنالك حين رجعوا إلى قومهم فقالوا ‪ ) :‬إننا سمعنا قرآن ا عجب ا‬
‫– يهدي إلى الرشد فآَمننا به ولن نشرك بربنا أحدا ( ] الجن ‪. [ 2-1 :‬‬
‫فأنزل ال على نبيه ) قل أوحي إلني أننه استمع نفبر من الجن ( ] الجن ‪ ، [ 1 :‬إوانما أوحي إليه قول‬
‫الجن " )‪. (2‬‬
‫وفود الجن الذين تلقوا العلم من الرسول صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫تلك كانت بداية معرفة الجمن برسالة محمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬استمعوا لق ارجءة القرآن بدون علم‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فآَمن فريق منهم ‪ ،‬وانطلقوا دعاة هداة ‪.‬‬
‫ثمم جاجءت وفود الجمن بعد ذلك تتلقى العلم من الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وأعطاهم الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم من وقته ‪ ،‬وعلمهم مما علمه ال ‪ ،‬وق أر عليهم القرآن ‪ ،‬وبلغهم خبر السماء ‪ ....‬وكان ذلك‬
‫في مكة قبل الهجرة ‪.‬‬

‫) ‪(1/39‬‬

‫روى مسلم في صحيحه عن عامر ‪ ،‬قال ‪ :‬سألت علقمة ‪ :‬هل كان ابن مسعود شهد مع رسول ال‬
‫ت ‪ :‬هل شهد أحبد منكم‬
‫صلى ال عليه وسلم ليلة الجن ؟ قال ‪ :‬فقال علقمة ‪ :‬أنا سألت ابن مسعود ‪ ،‬فقل خ‬
‫مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ليلة الجن ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬ولكنا كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ذات ليلة ‪ ،‬ففقدناهخ ‪ ،‬فالتمسناهخ في الودية والشعافب ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬استطير أو اغتيل ‪ ،‬قال فبتنا بشر ليلة بات‬
‫بها قوبم ‪ ،‬فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء ‪ ،‬قال ‪ :‬فقلنا ‪ :‬يا رسول ال ! فقدناك فطلبناك فلم‬
‫ت عليهم القرآن‬ ‫نجدك ‪ ،‬فبتنا بشر ليلجة بات بها قوبم ‪ .‬فقال ‪ ) :‬أتاني داعي الجمن ‪ ،‬فذهب خ‬
‫ت معه ‪ ،‬فق أر خ‬
‫( ‪ .‬قال ‪ :‬فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم ‪ ،‬وسألوه الزاد ‪ ،‬فقال ‪ ) :‬لكم كلل عظجم ذكر اسم ال‬
‫عليه يقع في أيديكم ؛ أوفر ما يكون لحم ا ‪ .‬وكل بعرجة عل ب‬
‫ف لدوامبكم ( ‪.‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬فل تستنجوا بهما ‪ ،‬فإنهما طعاخم إخوانكم ( )‪. (3‬‬
‫ومما قرأه عليهم سورة الرحمن ‪ ،‬قال السيوطي ‪ " :‬أخرج الترمذي ‪ ،‬وابن المنذر ‪ ،‬وأبو الشيخ في العظمة‬
‫‪ ،‬والحاكم وصححه ‪ ،‬وابن مردويه ‪ ،‬والبيهقي في الدلئال ‪ ،‬عن جابر بن عبد ال رضي ال عنه قال ‪" :‬‬
‫خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم على أصحابه فق أر عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها ‪،‬‬
‫فسكتوا فقال ‪ ) :‬ما لي أراكم سكوت ا ‪ ،‬لقد قرأتها على الجن ليلة الجن ‪ ،‬فكانوا أحسن مردودا منكم ‪ ،‬كنت‬
‫كلما أتيت على قوله ‪ ) :‬فبأي آلء ربكما تكذبان ( قالوا ‪ :‬ول بشيء من نعمك ربنا نكذب ‪ ،‬فلك الحمد‬
‫( )‪. (4‬‬
‫ولم تكن تلك الليلة هي الليلة الوحيدة ‪ ،‬بل تكرر لقاؤه صلى ال عليه وسلم بالجمن بعد ذلك ‪ ،‬وقد ساق‬
‫ابن كثير في تفسير سورة الحقاف – الحاديث التي وردت بشأن اجتماعه صلى ال عليه وسلم بالجن‬
‫‪ ،‬وفي بعضها أن ابن مسعود كان قريب ا من الرسول صلى ال عليه وسلم في إحدى تلك الليالي ‪.‬‬

‫) ‪(1/40‬‬

‫وقد ورد في بعض الروايات في صحيح البخاري ‪ :‬أن بعض الجن الذين أتوه كانوا من ناحية من نواحي‬
‫اليمن من مكان يسمى ) نصيبين ( ‪ ،‬فقد روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫قال ‪ ) :‬أتاني وفد نصيبين – ونعم الجن – فسألوني الزاد ‪ ،‬فدعوت ال لهم أل يمروا بعظم ول روثة إل‬
‫وجدوا عليها طعام ا ( )‪. (5‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬مجموع الفتاوى ‪. 19/9 :‬‬
‫)‪ (2‬رواه البخاري ‪ . 1/253 :‬ورقمه ‪ . 773 :‬ورواه مسلم ‪ ، 1/331 :‬ورقمه ‪. (449) :‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم ‪ . 1/332 :‬ورقمه ‪. 450 :‬‬
‫)‪ (4‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور ‪ ،‬للسيوطي ‪. 7/690 :‬‬
‫)‪ (5‬رواه البخاري ‪ . 7/171 :‬ورقمه ‪. 3860 :‬‬
‫دعوتهم النس إلى الخير وشهادتهم للمسلم‬
‫ومراتبهم في الصلح والفساد‬
‫وفي الحاديث أن بعض الجن كان له دور في هداية النس ‪ ،‬ففي صحيح البخاري ‪ :‬أن عمر بن‬
‫الخطاب سأل رجلا كان كاهن ا في الجاهلية عن أعجب ما جاءته به جنيته ‪ .‬قال ‪ ) :‬بينما أنا يوم ا في‬
‫السوق جاءتني أعرف فيها الفزع ‪ ،‬فقالت ‪:‬‬
‫ألم تر الجمن إوالبلسها ××× ويأسها بعد إلنكاسها‬
‫ولحوقها بالقلص وألحلسها )‪(1‬‬
‫قال عمر ‪ :‬صدق ‪ ،‬بينما أنا نائام عند آلهتهم ‪ ،‬إذ جاء رجل بعجل فذبحه ‪ ،‬فصرخ به صارخ ‪ ،‬لم أسمع‬
‫صارخ ا قط أشد صوت ا منه ‪ ،‬يقول ‪ :‬يا جليح ‪ ،‬أمر نجيح ‪ ،‬رجل فصيح ‪ ،‬يقول ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فوثب القوم ‪ ،‬قلت ‪ :‬ل أبرح حتى أعلم ما وراء هذا ‪ ،‬ثم نادى ‪ :‬يا جليح ‪ ،‬أمر نجيح ‪ ،‬رجل فصيح ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬فقمت ‪ ،‬فما جنفشبلنا أن قيل ‪ :‬هذا نبي " )‪. (2‬‬

‫) ‪(1/41‬‬
‫قال ابن كثير في تفسير سورة الحقاف بعد أن ساق هذا الحديث ‪ ) :‬هذا سياق البخاري ‪ ،‬وقد رواه‬
‫البيهقي من حديث ابن وهب بنحوه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬وظاهر هذه الرواية يوهم أن عمر – رضي ال عنه –‬
‫بنفسه سمع الصارخ يصرخ من العجل الذي ذبح ‪ ،‬وكذلك هو صريح في رواية ضعيفة عن عمر رضي‬
‫ال عنه ‪ ،‬وسائار الروايات تدل على أن الكاهن هو الذي أخبر بذلك عن رؤيته وسماعه ‪ ،‬وال أعلم ‪ ،‬ثم‬
‫قال ‪ :‬وهذا الرجل ) الكاهن( هو سواد بن قارب ( ‪.‬‬
‫وسيأتي الحديث الذي يخبر فيه الرسول صلى ال عليه وسلم بأن قرينه من الجن أسلم ‪ ،‬فل يأمره إل‬
‫بخير ‪.‬‬
‫وقد قال أبو سعيد الخدري لبي صعصعة ‪ ) :‬إني أراك تحب الغنم والبادية ‪ ،‬فإذا كنت في غنمك أو‬
‫باديتك فأذنت بالصلة ‪ ،‬فارفع صوتك بالنداء ‪ ،‬فإمنه ل يسمع مدى صوت المؤذن جمن ول إنس ‪ ،‬ول‬
‫شيء إل شهد له يوم القيامة ( ‪ ،‬قال أبو سعيد ‪ :‬سمعته من رسول ال صلى ال عليه وسلم )‪ .(3‬فقد‬
‫أخبر أن الجن يشهدون يوم القيامة لمن يسمعون صوت أذانه ‪.‬‬
‫وهم في الصلح والفساد مراتب ‪:‬‬
‫فمنهم الكامل في الستقامة والطيبة وعمل الخير ‪ ،‬ومنهم من هو دون ذلك ‪ ،‬ومنهم البله المغفلون ‪،‬‬
‫ومنهم الكفرة ‪ ،‬وهم الكثرة الكاثرة ‪.‬‬
‫صالحون ومننا دون ذلك‬
‫يقول ال سبحانه في حكايته عن الجن الذين استمعوا إلى القرآن ‪ ) :‬وأننا مننا ال ن‬
‫كننا ط ارفئاق قددا ( ] الجن ‪ [ 11 :‬؛ أي منهم الكاملون في الصلح ‪ ،‬ومنهم أقل صلح ا ‪ ،‬فهم مذاهب‬
‫مختلفة ‪ ،‬كما هو حال البشر ‪.‬‬
‫ويقول ال عنهم ‪ ) :‬وأننا مننا المسلمون ومننا القاسطون فمن أسلم فأولئاك تحنروا رشدا – وأنما القاسطون‬
‫فكانوا لجهننم حطبا ( ] الجن ‪ [ 15-14 :‬؛ أي ‪ :‬أمن منهم المسلمين ‪ ،‬والظالمين أنفسهم بالكفر ‪ ،‬فمن‬
‫أسلم منهم ‪ ،‬فقد قصد الهدى بعمله ‪ ،‬ومن ظلم نفسه ‪ ،‬فهو حطب جهنم ‪.‬‬
‫‪--------------------------------‬‬

‫) ‪(1/42‬‬

‫)‪ (1‬البلس ‪ :‬اليأس ‪ ،‬والحزن ‪ ،‬والنكسار ‪ .‬والنكاس ‪ :‬الضعف ‪ ،‬والهوان ‪ ،‬والقلص ‪ :‬جمع‬
‫قلوص ‪ ،‬وهي الناقة الشابة ‪ ،‬والحلس ‪ :‬ما يوضع فوق ظهر الدابة كالسرج ‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري ‪ . 7/177 :‬ورقمه ‪. 3866 :‬‬
‫)‪ (3‬رواه البخاري ‪ . 2/88 :‬ورقمه ‪. 609 :‬‬
‫طبيعة الشيطان وهل يمكن أن يسلم‬
‫أعطى ال الجمن القدرة على اليمان والكفر ‪ ،‬ولذلك كان الشيطان عابدا مع الملئاكة ثم كفر ‪.‬‬
‫فلما تحمول إلى الكفر ‪ ،‬ورضي به ‪ ،‬وأصبح محب ا للشمر ‪ ،‬طالب ا له ‪ ،‬يتلذذ بفعله والدعوة إليه ‪ ،‬ويحرص‬
‫عليه بمقتضى خبث نفسه ‪ ،‬إوان كان موجب ا لعذابه ‪ ) :‬قال فبعنزتك لغويننهم أجمعين – إلن عبادك منهم‬
‫المخلصين ( ] ص ‪. [ 83-82 :‬‬
‫وهذا يكون في النسان ‪ ،‬فالنسان إذا فسدت نفسه أو مزاجه ‪ ،‬يشتهي ما يضره ‪ ،‬ويلتذ به ‪ ،‬بل يعشق‬
‫ذلك عشق ا يفسد عقله ودينه وخلقه وبدنه وماله ‪ ،‬وحسبك أن تتأمل في حال شارب الخمر وشارب‬
‫الدخان ‪ ،‬فإمن هذين المشروبين يقتلن شاربيهما ‪ ،‬ويفتكان بهما ‪ ،‬ول يستطيعان منهما خلص ا إل بشق‬
‫النفس ‪.‬‬
‫هل يمكن أن يسلم الشيطان ؟‬
‫الشيطان الكبر الذي هو إبليس ل يمكن أن يسلم لخبر ال فيه أنه سيبقى على الكفر ‪ ،‬أما غيره فالذي‬
‫يظهر لنا أن الشيطان يمكن أن يسلم ‪ ،‬بدليل أن شيطان الرسول صلى ال عليه وسلم أسلم )‪ ، (1‬إل أمن‬
‫بعض العلماء يرفض ذلك ويقول ‪ :‬إن الشيطان ل يكون مؤمن ا ‪ ،‬منهم شارح الطحاوية ووجه قوله ‪:‬‬
‫) فأسلم ( ؛ أي فانقاد واستسلم )‪. (2‬‬
‫وبعض العلماء يرى أن الرواية ) فأسلخم ( برفع الميم ‪ ،‬أي فأنا أسلخم منه ‪ ،‬ومع أن شارح الطحاوية يرى‬
‫أمن رواية الرفع تحريف للفظ ‪ ،‬إل أن النووي في شرحه على مسلم قال ‪ " :‬هما روايتان مشهورتان " وع از‬
‫إلى الخطابي أمنه رجح رواية الضم ‪ ،‬وحكى عن القاضي عياض أنه اختار الفتح ‪ ،‬وهو اختيار النووي )‬
‫‪. (3‬‬

‫) ‪(1/43‬‬

‫وممن يرى أن الشيطان يمكن أن يسلم ابن حبان ‪ ،‬قال معلق ا على الحديث ‪ " :‬في هذا الخبر دليل على‬
‫أن شيطان المصطفى صلى ال عليه وسلم أسلم ‪ ،‬حتى إنه لم يكن يأمره إل بخير ‪ ،‬إل أمنه كان يسلم‬
‫منه إوان كان كاف ار " ‪.‬‬
‫وما ذهب إليه شارح الطحاوية من أمن الشيطان ل يكون إل كاف ار فيه نظر ‪ ،‬فإن كان يرى أن الشيطان‬
‫ل يطلق إل على كافر الجن ‪ ،‬فهذا صحيح ‪ ،‬إوان كان يرى أن الشيطان ل يمكن أن يتحول إلى السلم‬
‫‪ ،‬فهو بعيد جدا ‪ ،‬والحديث حمجة عليه ‪ ،‬وحسبنا أن نعلم أن الشيطان كان مؤمن ا ثمم كفر ‪ ،‬وأن الشياطين‬
‫مكلفون باليمان ‪ ،‬معذبون على كفرهم ‪ ،‬فاليمان والكفر حالتان تعتوران هذا المخلوق كالنسان ‪.‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬الحديث الذي يخبر فيه الرسول صلى ال عليه وسلم أن ال أعانه على شيطانه فأسلم ‪ ،‬فل يأمره‬
‫إل بالخير ‪ ،‬رواه مسلم في صحيحه ‪ . 4/2168 :‬ورقمه ‪. 2814 :‬‬
‫)‪ (2‬شرح العقيدة الطحاوية ‪ :‬ص ‪. 439‬‬
‫)‪ (3‬شرح النووي على مسلم ‪. 17/158 :‬‬
‫العداء بين النسان والشيطان‬
‫المبحث الول‬
‫أسباب العداء وتاريخه وشدة هذا العداء‬
‫العداء بين النسان والشيطان عداء بعيد الجذور ‪ ،‬يعود تاريخه إلى اليوم الذي صور ال فيه آدم ‪ ،‬قبل‬
‫أن ينفخ فيه الروح ‪ ،‬فأخذ الشيطان يطيف به ‪ ،‬ففي صحيح مسلم عن أنس ‪ :‬أمن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قال ‪ ) :‬لما صمور ال آدم في الجنة ‪ ،‬تركه ما شاء ال أن يتركه ‪ ،‬فجعل إبليس خيطيف به ‪،‬‬
‫ينظر ما هو ‪ ،‬فلما رآه أجوف ‪ ،‬عرف أنه خلق خلق ا ل يتمالك ( )‪. (1‬‬
‫فلما نفخ ال في آدم الروح ‪ ،‬وأمر الملئاكة بالسجود لدم ‪ ،‬وكان إبليس يتعبد ال مع ملئاكة السماء ‪،‬‬
‫فشمله المر ‪ ،‬ولكنه تعاظم في نفسه واستكبر ‪ ،‬وأبى السجود لدم ‪ ) :‬قال أنا خيبر منه خلقتني من نناجر‬
‫وخلقته من طيجن ( ] العراف ‪. [ 12 :‬‬

‫) ‪(1/44‬‬

‫لقد فتح أبونا آدم عينيه ‪ ،‬فإذا به يجد أعظم تكريم ‪ ،‬يجد الملئاكة ساجدين له ‪ ،‬ولكمنه يجد عدوا رهيب ا‬
‫يتهدده وذريته بالهلك والضلل ‪.‬‬
‫وطرد ال الشيطان من جنة الخلد بسبب استكباره ‪ ،‬وحصل على وعد من ال بإبقائاه حمي ا إلى يوم القيامة‬
‫‪ ) :‬قال أنظرني إلى يوم يبعثون – قال إننك من المنظرين ( ]العراف ‪ ، [ 15-14 :‬وقد قطع اللعين‬
‫على نفسه عهدا بإضلل بني آدم ‪ ) :‬قال فبما أغويتني لقعدنن لهم صراطك المستقيم – ثخنم لتفجينخهم من‬
‫بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن جشجمآَئافلففهلم ول تجد أكثرهم شاكرين ( ] العراف ‪. [ 17-16 :‬‬
‫وقوله هذا يصور مدى الجهد الذي يبذله لضلل بني آدم ‪ ،‬فهو يأتيه من كل طريق ‪ ،‬عن اليمين وعن‬
‫الشمال ‪ ،‬ومن المام ومن الخلف ؛ أي من جميع الجهات ‪ ،‬قال الزمخشري في تفسير هذه الية ‪ " :‬ثم‬
‫لتينهم من الجهات الربع التي يأتي منها العدو في الغالب ‪ ،‬وهذا مثل لوسوسته إليهم ‪ ،‬وتسويله لهم ما‬
‫أمكنه وقدر عليه كقوله ‪ ) :‬واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك (‬
‫] السراء ‪. (2) [ 64 :‬‬
‫تحذير الرحمن من الشياطين ‪:‬‬
‫وقد أطال القرآن في تحذيرنا من الشيطان لعظم فتنته ‪ ،‬ومهارته في الضلل ‪ ،‬ودأبه وحرصه على ذلك‬
‫‪ ) :‬يا بني آدم ل يفتنننكم النشيطان ( ] العراف ‪. [ 27 :‬‬
‫وقال ‪ ) :‬إنن النشيطان لكم عند فانتخذوه عدموا ( ] فاطر ‪ ، [ 6 :‬وقال ‪ ) :‬ومن ينتخذ النشيطان ولميا من‬
‫دون ال فقد خسر خسران ا لمبين ا ( ] النساء ‪ . [ 119 :‬وعداوة الشيطان ل تحول ول تزول ؛ لنه يرى‬
‫أن طرده ولعنه إواخراجه من الجنة كان بسبب أبينا آدم ‪ ،‬فل بمد أن ينتقم من آدم وذريته من بعده ‪ ) :‬قال‬
‫ك هذا انلذي كنرمت جعلجني لفئان أنخرتن إلى يوم القيامة لجلحتجنفجكنن ذرنيته إلن قليلا ( ] السراء ‪. [ 62 :‬‬
‫أج جأجرليتج ج‬

‫) ‪(1/45‬‬

‫صروا في التعرف على عدوهم اللدود ‪.‬‬


‫وأرباب السلوك اعتنوا بذكر النفس وعيوبها وآفاتها ‪ ،‬ولكنهم ق م‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬رواه مسلم ‪ ، 4/2016 :‬ورقمه ‪. 2611 :‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الكشاف ‪. 2/71 :‬‬
‫أهداف الشيطان‬
‫المطلب الول‬
‫الهدف البعيد‬
‫هناك هدف وحيد يسعى الشيطان لتحقيقه في نهاية المر ‪ ،‬هو أن يلقي النسان في الجحيم ‪ ،‬ويحرمه‬
‫من الجمنة ‪ ) ،‬إننما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب النسعير ( ] فاطر ‪. [ 6 :‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫الهداف القريبة‬
‫ذلك هو هدف الشيطان البعيد ‪ ،‬أما أهدافه القريبة فإنها كثيرة منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬إيقاع العباد في الشرك والكفر ‪:‬‬
‫وذلك بدعوتهم إلى عبادة غير ال ‪ ،‬والكفر بال وبشريعته ‪ ) :‬كمثل النشيطان إذ قال للنس الكفخلر فلنما‬
‫قال إني بريبء منك ( ] الحشر ‪. [ 16 :‬‬
‫وروى مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار أن النبي صلى ال عليه وسلم خطب ذات يوم ‪ ،‬فقال‬
‫في خطبته ‪ ) :‬يا أيها الناس ‪ ،‬إن ال أمرني أن أعلمكم ما جهلتهم مما علمني يومي هذا ‪ ،‬كل مال‬
‫نحلته عبدا حلل ‪ ،‬إواني خلقت عبادي حنفاء كلهم ‪ ،‬إوانهم أتتهم الشياطين ‪ ،‬فاجتالتهم عن دينهم ‪،‬‬
‫وحرمت عليهم ما أحللت لهم ‪ ،‬وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ( )‪. (1‬‬
‫‪ -2‬إيقاعهم في الذنوب والمعاصي ‪:‬‬
‫فإذا لم يستطع إيقاعهم في الشرك والكفر ‪ ،‬فإنه ل ييأس ‪ ،‬ويرضى بما دون ذلك من إيقاعهم في الذنوب‬
‫والمعاصي ‪ ،‬وغرس العداوة والبغضاء في صفوفهم ‪ ،‬ففي سنن الترمذي ‪ ) :‬أل إوان الشيطان قد أيس‬
‫أن يعبد في بلدكم هذه أبدا ‪ ،‬ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم ‪ ،‬فسيرضى به ( )‪. (2‬‬

‫) ‪(1/46‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن جابر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬إن الشيطان قد أيس أن‬
‫يعبده المصلون في جزيرة العرب ‪ ،‬ولكن في التحريش بينهم ( )‪ (3‬؛ أي بإيقاع العداوة والبغضاء بينهم‬
‫‪ ،‬إواغراء بعضهم ببعض ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ ) :‬إننما يريد النشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في‬
‫الخمر والميسر ويصندكم عن ذكر ال وعن ال ن‬
‫صلة فهل أنتم منتهون ( ] المائادة ‪. [ 91 :‬‬
‫وهو يأمر بكل شر ‪ ) :‬إننما يأمركم باللسوء والفحشاء وأن تقولوا على ال ما ل تعلمون ( ] البقرة ‪:‬‬
‫‪. [ 169‬‬
‫وخلصة المر ‪ :‬أن كل عبادة محبوبة ل بغيضة إلى الشيطان ‪ ،‬وكل معصية مكروهة للرحمن‬
‫محبوبة للشيطان ‪.‬‬
‫‪ -3‬إيقاعهم في البدعة ‪:‬‬
‫وهي أحب إلى الشيطان من الفسوق والمعاصي ؛ لن ضررها في الدين ‪ ،‬قال سفيان الثوري ‪ " :‬البدعة‬
‫أحب إلى إبليس من المعصية ؛ لن المعصية يتاب منها ‪ ،‬والبدعة ل يتاب منها " )‪. (4‬‬
‫‪ -4‬صمده العباد عن طاعة ال ‪:‬‬
‫وهو ل يكتفي بدعوة الناس إلى الكفر والذنوب والمعاصي ‪ ،‬بل يصدهم عن فعل الخير ‪ ،‬فل يترك‬
‫سبيلا من سبل الخير ‪ ،‬يسلكه عبد من عباد ال إل قعد فيه ‪ ،‬يصمدهم ويميل بهم ‪ ،‬فعن سبرة بن أبي‬
‫فاكه قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪ ) :‬إن الشيطان قعد لبن آدم بأطرقه ‪ ،‬فقعد له‬
‫بطريق السلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬تسلم وتذر دينك ودين آبائاك وآباء آبائاك ؟! فعصاه ‪ ،‬فأسلم ‪.‬‬
‫ثم قعد له بطريق الهجرة ‪ ،‬فقال ‪ :‬تهاجر وتدع أرضك وسماءك ؟ إوانما مثل المهاجر كمثل الفرس في‬
‫الطول )‪ . (5‬فعصاه ‪ ،‬فهاجر ‪.‬‬
‫ثم قعد له بطريق الجهاد ‪ ،‬فقال ‪ :‬تجاهد فهو جهد النفس والمال ‪ ،‬فتقاتل فتقتل ‪ ،‬فتنكح المرأة ويقسم‬
‫المال ؟! فعصاه ‪ ،‬فجاهد ‪.‬‬
‫فمن فعل ذلك ‪ ،‬كان حمقا على ال أن يدخله الجمنة ‪ ،‬ومن قتل ‪ ،‬كان حقماج على ال أن يدخله الجمنة ‪ ،‬إوان‬
‫غرق ‪ ،‬كان حقا على ال أن يدخله الجنة ‪ ،‬أو وقصته دابته ‪ ،‬كان حقما على ال أن يدخله الجنة ( )‬
‫‪. (6‬‬

‫) ‪(1/47‬‬

‫ومصداق ذلك في كتاب ال ما حكاه ال عن الشيطان أنه قال لرب العزة ‪ ) :‬قال فبما أغويتني لقعدنن‬
‫لهم صراطك المستقيم – ثخنم لتفجينخهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن جشجمآَئافلففهلم ول تجد أكثرهم‬
‫شاكرين ( ] العراف ‪. [ 17-16 :‬‬
‫وقوله ‪ ) :‬لقعدنن لهم صراطك ( أي ‪ :‬على صراطك ‪ ،‬فهو منصوب بنزع الخافض ‪ ،‬أو هو منصوب‬
‫بفعل مضمر ‪ ،‬أي ‪ :‬للزممن صراطك ‪ ،‬أو لرصجدمنه ‪ ،‬أو لعوجنه ‪.‬‬
‫وعبارات السف في تفسير الصراط متقاربة ‪ ،‬فقد فسر ابن عباس ‪ :‬بأنه الدين الواضح ‪ ،‬وابن مسعود ‪:‬‬
‫بأنه كتاب ال ‪ ،‬وقال جابر ‪ :‬هو السلم ‪ ،‬وقال مجاهد ‪ :‬هو الحق ‪.‬‬
‫فالشيطان ل يدع سبيلا من سبل الخير إل قعد فيه يصد الناس عنه ‪.‬‬
‫‪ -5‬إفساد الطاعات ‪:‬‬
‫إذا لم يستطع الشيطان أن يصدهم عن الطاعات ‪ ،‬فإنه يجتهد في إفساد العبادة والطاعة ‪ ،‬كي يحرمهم‬
‫الجر والثواب ‪ ،‬ومن ذلك أن الصحابي عثمان بن أبي العاص أتى إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال‬
‫‪ " :‬إن الشيطان قد حال بيني وبين صلتي وقراءتي ‪ ،‬جيلفبسها علمي " ‪.‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬ذلك شيطان يقال له ‪ :‬فخلنزب ‪ ،‬فإذا أحسسته فتعوذ بال منه ‪،‬‬
‫واتفل على يسارك ثلث ا ( ‪ .‬قال ‪ :‬ففعلت ذلك ‪ ،‬فأذهبه ال عني " )‪. (7‬‬
‫فإذا دخل العبد صلته أجلب عليه الشيطان يوسوس له ‪ ،‬ويشغله عن طاعة ال ‪ ،‬ويذفكره بأمور الدنيا ؛‬
‫ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي ال عنه ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬إذا‬
‫نودي للصلة أدبر الشيطان وله ضراط ‪ ،‬حتى ل يسمع التأذين ‪ ،‬فإذا قضي النداء أقبل ‪ ،‬حتى إذا ثوب‬
‫بالصلة أدبر ‪ ،‬حتى يخطر بين المرء ونفسه ‪ ،‬يقول اذكر كذا ‪ ،‬اذكر كذا ‪ ،‬لما لم يكن يذكر ‪ ،‬حتى‬
‫يظل الرجل ل يدري كم صلى ( )‪. (8‬‬
‫دفع الشيطان النسان للمرور بين يدي المصلي ‪:‬‬

‫) ‪(1/48‬‬

‫عن أبي صالح السممان قال ‪ :‬رأيت أبا سعيد الخدري في يوم الجمعة يصلي إلى شيء يسخترهخ من الناس‬
‫‪ ،‬فأراد شا ن‬
‫ب من بني أبي خمعيط أن يجتاز بين يديه ‪ ،‬فدفع أبو سعيد في صدره ‪ ،‬فنظر الشاب فلم يجد‬
‫مساغا إل بين يديه ‪ ،‬فعاد ليجتاز فدفعه أبو سعيد أشد من الولى ‪ ،‬فنال من أبي سعيد ‪ ،‬ثم دخل مروان‬
‫فشكا إليه ما لقي من أبي سعيد ‪ ،‬ودخل أبو سعيد خلفه على مروان ‪ ،‬فقال ‪ :‬مالك ولبن أخيك يا أبا‬
‫ت النبي صلى ال عليه وسلم يقول ‪ ) :‬إذا صلى أحدكم إلى شيء يسخترهخ من الناس‬
‫سعيد ؟ قال ‪ :‬سمع خ‬
‫فأراد أحبد أن يجتاز بين يديه فليدفعه ‪ ،‬فإن أبى ‪ ،‬فليقاتله ‪ ،‬فإنما هو شيطان ( )‪. (9‬‬
‫والمراد بقوله ‪ ) :‬فإنما هو شيطان ( ؛ أي فعله فعل شيطان كما يقول ابن حجر العسقلني ‪.‬‬
‫إل أن ابن حجر ذكر احتمالا آخر أصح من الول ‪ ،‬فإنه قال ‪ ) :‬ويحتمل أن يكون المعنى ‪ :‬فإنما‬
‫الحامل على ذلك الشيطان ‪ ،‬وقد وقع في رواية السماعيلي ‪ ) :‬فإن معه الشيطان ( ‪ ،‬ونحوه لمسلم من‬
‫حديث ابن عمر بلفظ ‪ ) :‬فإن معه القرين ( )‪. (10‬‬
‫كل مخالفة للرحمن فهي طاعة للشيطان ‪:‬‬
‫يقول تعالى ‪ ) :‬إن يدعون من دونه إلن إناث ا إوان يدعون إلن نشيطان ا نمريدا – نلعنة ال وقال لنتخذنن من‬
‫عبادك نصيبا نمفروضا ( ] النساء ‪ . [ 118-117 :‬فكل من عبد غير ال من صنم أو وثن ‪ ،‬أو‬
‫شمس وقمر ‪ ،‬أو هوى ‪ ،‬أو إنسان ‪ ،‬أو مبدأ ‪ ،‬فهو عابد للشيطان ‪ ،‬رضي أم أبى ؛ لن الشيطان هو‬
‫المر بذلك والمرغب فيه ‪ ،‬ولذلك فإن عمباد الملئاكة يعبدون الشيطان في الحقيقة ‪ ) :‬ويوم يحشرهم‬
‫جميع ا ثنم يقول للملئاكة أهؤلء إمياكم كانوا يعبدون – قالوا سبحانك أنت وللينا من دونهم بل كانوا يعبدون‬
‫الجنن أكثرهم بهم لمؤمنون ( ] سبأ ‪ . [ 41-40 :‬يعني أن الملئاكة لم تأمرهم بذلك ‪ ،‬إوانما أمرتهم بذلك‬
‫الجن ‪ ،‬ليكونوا عابدين للشياطين الذين يتمثلون لهم ‪ ،‬كما يكون للصنام شياطين ‪.‬‬
‫الخلصة ‪:‬‬

‫) ‪(1/49‬‬

‫والشيء الذي نخلص إليه أن الشيطان يأمر بكل شمر ‪ ،‬ويحث عليه ‪ ،‬وينهى عن كمل خير ‪ ،‬ويخوف‬
‫منه ؛ كي يرتكب الول ‪ ،‬ويترك الثاني ‪.‬‬
‫كما قال تعالى ‪ ) :‬النشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء وال يعدكم نمغفرةا منه وفضلا ( ] البقرة ‪:‬‬
‫‪ . [ 268‬وتخويفه إيانا الفقر بأن يقول ‪ :‬إن أنفقتم أموالكم افتقرتم ‪ ،‬والفحشاء التي يأمرنا بها ‪ :‬هي كل‬
‫فعلة فاحشة خبيثة من البخل والزنا وغير ذلك ‪.‬‬
‫‪ -6‬اليذاء البدني والنفسي ‪:‬‬
‫كما يهدف الشيطان إلى إضلل النسان بالكفر والذنوب ‪ ،‬فإنه يهدف إلى إيذاء المسلم في بدنه ونفسه‬
‫‪ ،‬ونحن نسوق بعض ما نعرفه من هذا اليذاء ‪:‬‬
‫أ‪ -‬مهاجمة الرسول صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫ذكرنا في غير هذا الموضع الحديث الذي يخبر فيه الرسول صلى ال عليه وسلم بمهاجمة الشيطان له‬
‫‪ ،‬ومجيء الشيطان بشهاب من نار ليرميه في وجه الرسول صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ب‪ -‬الحلم من الشيطان ‪:‬‬
‫للشيطان قدرة على أن يرى النسان في منامه أحلما تزعجه وتضايقه ‪ ،‬بهدف إحزانه إوايلمه ‪.‬‬
‫فقد أخبر الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أن الرؤى التي يراها المرء في منامه ثلثة أنواع ‪ ،‬فعن أبي‬
‫هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬الرؤيا ثلث ‪ :‬فبشرى ‪ ،‬من الرحمن ‪ ،‬وحديث نفس ‪،‬‬
‫وتخويف من الشيطان ( ‪.‬‬
‫وفي رواية عن عوف بن مالك ‪ ) :‬إن الرؤيا ثلث ‪ :‬منها أهاويل من الشيطان ؛ ليحزن بها ابن آدم ( )‬
‫‪. (11‬‬
‫وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪ ) :‬إذا رأى‬
‫أحدكم رؤيا يحبها ‪ ،‬فإنما هي من ال ‪ ،‬فليحمد ال عليها ‪ ،‬وليحمدث بها ‪ ،‬إواذا رأى غير ذلك مما يكره ‪،‬‬
‫فإنما هي من الشيطان ‪ ،‬فليستعذ من شرها ‪ ،‬ول يذكرها لحد ‪ ،‬فإنها ل تضره ( )‪. (12‬‬
‫ج‪ -‬إحراق المنازل بالنار ‪:‬‬

‫) ‪(1/50‬‬

‫وذلك بوساطة بعض الحيوانات التي يغريها بذلك ‪ ،‬ففي سنن أبي داود بإسناد صحيح أن الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬إذا نمتم فأطفئاوا خسخرجكم ‪ ،‬فإن الشيطان يدمل مثل هذه ) الفأرة ( على هذا‬
‫) السراج ( فيحرقكم ( )‪. (13‬‬
‫د‪ -‬تخبط الشيطان النسان عند الموت ‪:‬‬
‫وقد كان الرسول صلى ال عليه وسلم يستعيذ من ذلك فيقول ‪ ) :‬اللهم إني أعوذ بك من التردي ‪ ،‬والهدم‬
‫‪ ،‬والغرق ‪ ،‬والحريق ‪ ،‬وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت ‪ ،‬وأعوذ بك أن أموت في سبيلك‬
‫مدب ار ‪ ،‬وأعوذ بك أن أموت لديغ ا ( )‪. (14‬‬
‫هـ‪ -‬إيذاؤه الوليد حين يولد ‪:‬‬
‫في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬كمل بني آدم يممسه الشيطان‬
‫يوم ولدته أممه إل مريم وابنها ( )‪. (15‬‬
‫وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬كل بني آدم يطعن‬
‫الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد غير عيسى ابن مريم ‪ ،‬ذهب يطعن ‪ ،‬فطعن الحجاب ( )‪. (16‬‬
‫وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫) ما من بني آدم مولود إل يمسه الشيطان حين يولد ‪ ،‬فيستهل صارخ ا من مس الشيطان ‪ ،‬غير مريم‬
‫وابنها ( )‪. (17‬‬
‫والسبب في حماية مريم وابنها من الشيطان استجابة ال دعاء أم مريم حين ولدتها ‪ ) :‬إوانني أعيذها بك‬
‫وذريتها من النشيطان النرجيم ( ] آل عمران ‪ . [ 36 :‬ولذا فإن أبا هريرة ق أر هذه الية بعد روايته للحديث‬
‫السابق )‪. (18‬‬
‫فلما كانت أم مريم – عليها السلم – صادقة في طلبها استجاب ال لها ‪ ،‬فأجار مريم وابنها من‬
‫الشيطان الرجيم ‪.‬‬
‫وممن أجاره ال أيضا عمار بن ياسر ‪ ،‬ففي صحيح البخاري ‪ :‬أن أبا الدرداء سأل علقمة ‪ ،‬وكان من‬
‫أهل الكوفة ‪ ،‬فقال ‪ " :‬أفيكم الذي أجاره ال من الشيطان على لسان نبيه صلى ال عليه وسلم ؟ " قال‬
‫المغيرة ‪ " :‬الذي أجاره ال على لسان نبيه صلى ال عليه وسلم يعني عما ار " )‪. (19‬‬

‫) ‪(1/51‬‬

‫و‪ -‬مرض الطاعون من الجن ‪:‬‬


‫أخبر الرسول صلى ال عليه وسلم أن ) فناء أمته بالطعن والطاعون ؛ وخز أعدائاكم من الجمن ‪ ،‬وفي‬
‫كمل شهادة ( )‪ ، (20‬وفي مستدرك الحاكم ‪ ) :‬الطاعون وخز أعدائاكم من الجن ‪ ،‬وهو لكم شهادة ( )‬
‫‪. (21‬‬
‫وما أصاب نبي ال أيوب كان بسبب الجن كما قال تعالى ‪ ) :‬واذكر عبدنا أليوب إذ نادى ربه أنني‬
‫جمنسنفي النشيطان بنصجب وعذاجب ( ] ص ‪. [ 41 :‬‬
‫ج‬
‫ز‪ -‬بعض المراض الخرى ‪:‬‬
‫قال صلى ال عليه وسلم للمرأة المستحاضة ‪ ،‬وهي حمنة بنت جحش ‪ ) :‬إنما هذه ركضة من ركضات‬
‫الشيطان ( )‪. (22‬‬
‫ح‪ -‬مشاركته لبني آدم في طعامهم وشرابهم ومسكنهم ‪:‬‬
‫ومن الذى الذي يجلبه الشيطان للنسان أن يعتدي على طعامه وشرابه فيشركه فيهما ‪ ،‬ويشركه في‬
‫المبيت في منزله ‪ ،‬ويكون ذلك منه إذا خالف العبد هدي الرحمن ‪ ،‬أو غفل عن ذكر ال ‪ ،‬أمما إذا كان‬
‫ملتزم ا بالهدى الذي هدانا ال إليه ‪ ،‬ل يغفل عن ذكر ال ‪ ،‬فإن الشيطان ل يجد سبيلا إلى أموالنا‬
‫وبيوتنا ‪.‬‬
‫فالشيطان ل يستحل الطعام إل إذا تناول منه أحد بدون أن خيجسممي ‪ ،‬فإذا ذكر اسم ال عليه ‪ ،‬فإمنه يحرم‬
‫على الشيطان ‪ ،‬روى مسلم في صحيحه عن حذيفة ‪ ،‬قال ‪ " :‬كنا إذا حضرنا مع النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم طعام ا لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فيضع يده ‪ ،‬إوامنا حضرنا معه مرة‬
‫طعام ا ‪ ،‬فجاجءت جارية كأنها تدفع ‪ ،‬فذهبت لتضع يدها في الطعام ‪ ،‬فأخذ رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم بيدها ‪ ،‬ثم جاء أعرابي كأنما يدفع ‪ ،‬فأخذ بيده " ‪.‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬إمن الشيطان ليستحل الطعام أن ل يذكر اسم ال عليه ‪ ،‬إوانه‬
‫جاء بهذه الجارية ليستحمل بها ‪ ،‬فأخذت بيدها ‪ ،‬فجاء بهذا العرابي ليستحمل به ‪ ،‬فأخذت بيده ‪ ،‬والذي‬
‫نفسي بيدي إن يده في يدي مع يدها ( )‪. (23‬‬

‫) ‪(1/52‬‬
‫وقد أمرنا الرسول صلى ال عليه وسلم أن نحفظ أموالنا من الشيطان وذلك بإغلق البواب ‪ ،‬وتخمير‬
‫النية ‪ ،‬وذكر اسم ال ؛ فإن ذلك حرز لها من الشيطان ‪ ،‬ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد ال‬
‫رضي ال عنهما قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬أغلقوا البواب ‪ ،‬واذكروا اسم ال ‪ ،‬فإن‬
‫الشيطان ل يفتح بابا مغلقا ‪ ،‬وأوكوا قربكم ‪ ،‬واذكروا اسم ال ‪ ،‬وخمروا آنيتكم ‪ ،‬واذكروا اسم ال ‪ ،‬ولو أن‬
‫تعرضوا عليها شيئا ا ‪ ،‬وأطفئاوا مصابيحكم ( )‪. (24‬‬
‫ويشرب الشيطان مع النسان إذا شرب واقف ا ‪ ،‬عن أبي هريرة رضي ال عنه ‪ :‬أن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم رأى رجلا يشرب قائام ا ‪ ،‬فقال له ‪ ) :‬فقله ( ‪ ،‬قال ‪ :‬لمه ؟ قال ‪ ) :‬أيسرك أن يشرب معك الهر ؟ (‬
‫قال ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪ ) :‬فإنه قد شرب معك من هو شمر منه الشيطان ( )‪. (25‬‬
‫وكي تطرد الشياطين من المنزل ل تنس أن تذكر اسم ال عند دخول المنزل ‪ ،‬وقد أرشدنا الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم لذلك ‪ ،‬حيث يقول ‪ ) :‬إذا دخل الرجل بيته ‪ ،‬فذكر ال عند دخوله وعند طعامه ‪ ،‬قال‬
‫الشيطان ‪ :‬ل مبيت لكم ول عشاء ‪ ،‬إوان دخل ‪ ،‬فلم يذكر ال عند دخوله ‪ ،‬قال الشيطان ‪ :‬أدركتم‬
‫المبيت ‪ ،‬إوان لم يذكر ال عند طعامه ‪ ،‬قال ‪ :‬أدركتم المبيت والعشاء ( )‪. (26‬‬
‫ط‪ -‬مس الشيطان للنسان ) الصرع ( ‪:‬‬
‫يقول ابن تيمية )‪ " : (27‬دخول الجن في بدن النسان ثابت باتفاق أئامة أهل السنة والجماعة ‪ ،‬قال ال‬
‫تعالى ‪ ) :‬انلذين يأكلون اليرجبا ل يقومون إلن كما يقوم انلذي يتخنبطه النشيطان من الجميس ( ] البقرة ‪275 :‬‬
‫[ ‪ ،‬وفي الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬إن الشيطان يجري من النسان مجرى الدم ( )‬
‫‪. (28‬‬
‫وقال عبد ال بن المام أحمد بن حنبل ‪ " :‬قلت لبي ‪ :‬إن أقوام ا يقولون ‪ :‬إن الجني ل يدخل في بدن‬
‫المصروع ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا بني يكذبون ‪ ،‬هذا يتكلم على لسانه " ‪.‬‬

‫) ‪(1/53‬‬

‫ضرب‬
‫يقول ابن تيمية ‪ " :‬هذا الذي قاله مشهور ‪ ،‬فإمنه يصرع الرجل ‪ ،‬فيتكلم بلسان ل يعرف معناه ‪ ،‬وخي ل‬
‫على بدنه ضربا عظيما ‪ ،‬لو ضرب به جمل ‪ ،‬لثر به أث ار عظيما ‪ ،‬والمصروع مع هذا ل يحس‬
‫الضرب ‪ ،‬ول بالكلم الذي يقوله ‪ ،‬وقد خيججمر المصروعخ ‪ ،‬وغير المصروع ‪ ،‬ويجر البساط الذي يجلس‬
‫عليه ‪ ،‬ويحول اللت ‪ ...‬ويجري غير ذلك من المور من شاهدها أفادته علما ضروريا ‪ ،‬بأن الناطق‬
‫على لسان النس ‪ ،‬والمحرك لهذه الجسام ‪ ،‬جنس آخر غير النسان " ‪.‬‬
‫ويقول رحمه ال " وليس في أئامة المسلمين من ينكر دخول الجن في بدن المصروع وغيره ‪ ،‬ومن أنكر‬
‫ذلك ‪ ،‬وادعى أن الشرع يكذب ذلك ‪ ،‬فقد كذب على الشرع ‪ ،‬وليس في الدلة الشرعية ما ينفي ذلك " ‪.‬‬
‫وذكر أمن ممن أنكر دخول الجن بدن المصروع طائافة من المعتزلة ‪ ،‬كالجبائاي وأبي بكر الرازي )‪. (29‬‬
‫وسنحاول أن نلقي مزيدا من الضوء على هذا الموضوع فيما بعد ‪.‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬رواه مسلم ‪ . 4/2197 :‬ورقمه ‪. 2865 :‬‬
‫)‪ (2‬صحيح سنن الترمذي ‪ . 2/230 :‬ورقمه ‪. 1753 :‬‬
‫)‪ (3‬مشكاة المصابيح ‪ . 1/27 :‬ورقمه ‪. 10 :‬‬
‫)‪ (4‬غرائاب وعجائاب الجن ‪ ،‬للشبلي ‪ :‬ص ‪. 206‬‬
‫)‪ (5‬الطول ‪ :‬الحبل الطويل ‪ ،‬يشد أحد طرفيه في وتد أو غيره ‪ ،‬والطرف الخر في يد الفرس ليدور فيه‬
‫‪ ،‬ويرعى ول يذهب لوجهه ‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح سنن النسائاي ‪ . 2/657 :‬ورقمه ‪. 2937 :‬‬
‫)‪ (7‬رواه مسلم ‪ . 4/1728 :‬ورقمه ‪. 2203 :‬‬
‫)‪ (8‬رواه البخاري ‪ . 2/84 :‬ورقمه ‪ . 608 :‬وانظر رقم ‪ . 1232 ، 1231 ، 1222 :‬ورواه مسلم‬
‫‪ . 1/291 :‬ورقمه ‪. 389 :‬‬
‫)‪ (9‬رواه البخاري ‪ . 1/582 :‬ورقمه ‪. 509 :‬‬
‫)‪ (10‬فتح الباري ‪. 1/584 :‬‬
‫)‪ (11‬رواهما ابن ماجة ‪ .‬انظر صحيح ابن ماجة ‪ . 1/340 :‬ورقمهما ‪. 3155-3154 :‬‬
‫)‪ (12‬رواه البخاري ‪ . 12/369 :‬ورقمه ‪. 6958 :‬‬
‫)‪ (13‬صحيح سنن أبي داود ‪ . 3/958 :‬ورقمه ‪. 4369 :‬‬
‫)‪ (14‬صحيح سنن النسائاي ‪ . 3/1123 :‬ورقمه ‪. 5104 :‬‬
‫)‪ (15‬رواه مسلم ‪ . 4/1838 :‬ورقمه ‪. 2366 :‬‬

‫) ‪(1/54‬‬

‫)‪ (16‬رواه البخاري ‪ . 6/337 :‬ورقمه ‪. 3286 :‬‬


‫)‪ (17‬رواه البخاري ‪ . 6/469 :‬ورقمه ‪. 3431 :‬‬
‫)‪ (18‬انظر صحيح البخاري ‪ . 6/469 :‬ورقمه ‪ . 3431 :‬وصحيح مسلم ‪ . 4/1838 :‬ورقمه ‪:‬‬
‫‪. 2366‬‬
‫)‪ (19‬صحيح البخاري ‪ . 6/337 :‬ورقمه ‪ . 3287 :‬وانظر أيض ا ‪ . 7/90 :‬ورقمه ‪-3742 :‬‬
‫‪. 3743‬‬
‫)‪ (20‬صحيح الجامع الصغير ‪ . 4/90 :‬وانظر إرواء الغليل ‪ ، 6/70 :‬ورقمه ‪. 1367 :‬‬
‫)‪ (21‬راجع إرواء الغليل ‪. 6/70 :‬‬
‫)‪ (22‬صحيح سنن أبي داود ‪ . 1/56 :‬ورقمه ‪ ، 267 :‬وصحيح سنن النسائاي ‪ ، 1/40 :‬ورقمه ‪:‬‬
‫‪ . 110‬ولفظ النسائاي ‪ ) :‬إنما هي ركضة من الشيطان ( ‪.‬‬
‫)‪ (23‬رواه مسلم ‪ . 3/1597 :‬ورقمه ‪. 217 :‬‬
‫)‪ (24‬رواه مسلم ‪ . 3/1594 :‬ورقمه ‪. 2012 :‬‬
‫)‪ (25‬سلسلة الحاديث الصحيحة ‪ :‬ج ‪ ، 1‬ورقم الحديث ‪ . 175 :‬وقال فيه الهيثمي ‪ :‬رواه أحمد‬
‫والبزار ‪ ،‬ورجال أحمد ثقات ‪ .‬مجمع الزوائاد ‪. 3/79 :‬‬
‫)‪ (26‬رواه مسلم ‪ . 3/1598 :‬ورقمه ‪. 2018 :‬‬
‫)‪ (27‬مجموع فتاوى شيخ السلم ‪. 24/276 :‬‬
‫)‪ (28‬صحيح البخاري ‪ . 6/336 :‬ورقمه ‪ . 3281 :‬ورواه مسلم ‪ . 4/1712 :‬ورقمه ‪. 2175 :‬‬
‫)‪ (29‬مجموع فتاوى شيخ السلم ‪. 19/12 :‬‬
‫قائاد المعركة في الصراع‬
‫الدائار بين عالم الشياطين وعالم البشر‬
‫إبليس هو الذي يخطط للمعركة مع بني النسان ويقودها ‪ ،‬ومن قاعدته يرسل البعوث والسرايا في‬
‫التجاهات المختلفة ‪ ،‬ويعقد مجالس يناقش جنوده وجيوشه فيما صنعوه ‪ ،‬ويثني على الذين أحسنوا‬
‫وأجادوا في الضلل وفتنة الناس ‪.‬‬
‫روى المام مسلم في صحيحه عن جابر – رضي ال عنه – عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬إن‬
‫إبليس يضع عرشه على الماء ‪ ،‬ثم يبعث سراياه ‪ ،‬فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة ‪ ،‬يجيء أحدهم فيقول‬
‫‪ :‬فعلت كذا وكذا ‪ ،‬فيقوخل ‪ :‬ما صنعت شيئا ا ‪ .‬قال ‪ :‬ثمم يجيء أحدهم فيقول ‪ :‬ما تركته حتى فرقت بينه‬
‫وبين امرأته قال ‪ :‬فيدنو منه ‪ ،‬ويقول ‪ :‬نعم أنت ( )‪. (1‬‬

‫) ‪(1/55‬‬

‫وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد أن الرسول صلى ال عليه وسلم قال لبن صائاد وقد لقيه في بعض‬
‫طرق المدينة ؛ ) وكان يشك صلى ال عليه وسلم أمنه الدجال ( ‪ ) :‬ما ترى ( ؟ قال ‪ :‬أرى عرشا على‬
‫الماء ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬ترى عرش إبليس على البحر ( )‪. (2‬‬
‫والشيطان له خبرة طويلة مديدة في مجال الضلل ‪ ،‬ولذلك فإمنه يجيد وضع خططه ‪ ،‬ونصب مصايده‬
‫وأحابيله ‪ ،‬فهو لم يزل حمي ا يضل الناس منذ وجد النسان إلى اليوم إوالى أن تقوم الساعة ‪ ) :‬قال رب‬
‫فأنظرني إلى يوم يبعثون – قال فإننك من المنظرين – إلى يوم الوقت المعلوم ( ] الحجر ‪. [ 38-36 :‬‬
‫وهو دؤوب على القيام بالشر الذي نذر نفسه له ‪ ،‬ل يكل ول يمل ‪ ،‬ففي الحديث ‪ ) :‬إن الشيطان قال ‪:‬‬
‫وعزتك وجللك ل أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم ‪ ،‬فقال الرب ‪ :‬وعزتي وجللي ل‬
‫أزال أغفر لهم ما استغفروني ( ‪ .‬رواه أحمد والحاكم بإسناد حسن )‪. (3‬‬
‫جنود الشيطان من الجن والنس ‪:‬‬
‫والشيطان له فريقان من الجنود ‪ :‬فريق من الجان ‪ ،‬وفريق من بني النسان ‪.‬‬
‫وقد سبق ذكر حديث إرساله سراياه من الشياطين لضلل الناس ‪ ،‬وفي القرآن ‪ ) :‬واستفزز من‬
‫استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك ‪] ( ...‬السراء ‪ [64:‬فله جنود يهاجمون راكبين‬
‫راجلين ‪ ،‬يرسلهم على العباد ‪ ،‬يحركونهم إلى الشر تحريك ا ‪ ) :‬ألم تر أننا أرسلنا النشياطين على الكافرين‬
‫تولزهم أ ماز ( ] مريم ‪. [ 83 :‬‬
‫لكل إنسان قرين ‪:‬‬

‫) ‪(1/56‬‬

‫وكل إنسان له شيطان يلزمه ل يفارقه ‪ ،‬كما في حديث عائاشة عند مسلم ‪ :‬أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم خرج من عندها ليلا ‪ ،‬قالت ‪ :‬فغرت عليه ‪ ،‬فجاء ‪ ،‬فرأى ما أصنع ‪ ،‬فقال ‪ ) :‬ما لك يا‬
‫عائاشة ؟ أغرت ؟ ( فقلت ‪ :‬وما لي ل يغار مثلي على مثلك ؟ فقال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬أقد جاءك‬
‫شيطانك ( ‪ .‬قالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أو معي شيطان ؟ قال ‪ ) :‬نعم ( ‪ ،‬قلت ‪ :‬ومع كل إنسان ؟ قال ‪) :‬‬
‫نعم ( ‪ ،‬قلت ‪ :‬ومعك يا رسول ال ؟ قال ‪ ) :‬نعم ‪ ،‬ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم ( )‪. (4‬‬
‫وروى مسلم عن عبد ال بن مسعود ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬ما منكم من أحد إل‬
‫وقد خومكجل به قرينه من الجن ‪ ،‬وقرينه من الملئاكة ( ‪ ،‬قالوا ‪ :‬إواياك يا رسول ال ؟ قال ‪ ) :‬إواياي ‪ ،‬إل‬
‫أمن ال أعانني عليه فأسلم ‪ ،‬فل يأمرني إل بخير ( )‪. (5‬‬
‫وفي القرآن ‪ ) :‬ومن يعش عن ذكر النرحمن نقيض له شيطان ا فهو له قريبن ( ] الزخرف ‪ ، [ 36 :‬وفي‬
‫الية الخرى ‪ ) :‬وقنيضنا لهم قرناء فزنينوا لهم نما بين أيديهم وما خلفهم ( ] فصلت ‪. [ 25 :‬‬
‫وللشيطان أتباع من النس اتخذوه ولمي ا ‪ ،‬يسيرون على خطاه ‪ ،‬ويرضون بفكره ‪ ،‬مع أنه العدو الول‬
‫الذي يسعى في إهلكهم ‪ ،‬وقبيح بالنسان العاقل أن يتخذ عدوه ولمي ا ‪ ) :‬أفتتخذونه وذرنيته أولياء من‬
‫ظالمين بدلا ( ]الكهف ‪. [50 :‬‬‫دوني وهم لكم عدنو بئاس لل ن‬

‫) ‪(1/57‬‬

‫ولقد خسروا باتخاذه ولي ا خسران ا مبين ا ‪ ) :‬ومن ينتخذ النشيطان ولمي ا من دون ال فقد خسر خسران ا لمبين ا (‬
‫] النساء ‪ . [ 119 :‬خسروا لن الشيطان سيدمسي نفوسهم ويفسدها ‪ ،‬ويحرمهم من نعمة الهداية ‪،‬‬
‫طاغوت يخرجونهم من اللنور إلى‬‫ويرمي بهم في الضللت والشبهات ‪ ) :‬وانلذين كفروا أولياؤهم ال ن‬
‫ال ل‬
‫ظلمات أولئاك أصحاب الننار هم فيها خالدون ( ] البقرة ‪ ، [ 257 :‬وخسروا لنه سيقودهم إلى النار ‪:‬‬
‫) إننما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب النسعير ( ] فاطر ‪ ، [ 6 :‬وهؤلء أولياء الشيطان يتخذهم‬
‫الشيطان مطية وجنودا ‪ ،‬ينفذ بهم مخططاته وأهدافه ‪.‬‬
‫كيده وخذلنه لوليائاه ‪:‬‬
‫يتولى كثير من الناس الشيطان ‪ ،‬ولكنه يكيد لهم ويوردهم الموارد التي فيها هلكهم وعطبهم ‪ ،‬ويتخلى‬
‫عنهم ‪ ،‬ويسلمهم ‪ ،‬ويقف يشمت بهم ‪ ،‬ويضحك منهم ‪ ،‬فيأمرهم بالقتل والسرقة والزنا ‪ ،‬ويدلل عليهم ‪،‬‬
‫ويفضحهم ‪ ،‬فعل ذلك بالمشركين في معركة بدر ‪ ،‬عندما جاجءهم متمثلا في صورة سراقة بن مالك ‪،‬‬
‫ووعدهم بالنصر والغلب ‪ ) :‬وقال ل غالب لكم اليوم من النناس إواني جابر نلكم ( ] النفال ‪، [ 48 :‬‬
‫فلما رأى عدو ال الملئاكة نزلت لنصرة المؤمنين ‪ ،‬ولى هارب ا وأسلمهم ‪ ،‬كما قال حسان بن ثابت ‪:‬‬
‫دلهم بخغخرور ثمم أسلمهم ××× إن الخبيث لمن واله غ ارخر‬
‫وكذلك فعل بالراهب الذي قتل المرأة وولدها ‪ ،‬فإنه أمره بالزنا ‪ ،‬ثمم بقتلها ‪ ،‬ثمم دمل أهلها عليه ‪ ،‬وكشف‬
‫أمره لهم ‪ ،‬ثمم أمره بالسجود له ‪ ،‬فلما فعل فمر عنه وتركه ‪ ،‬كما سيأتي بيانه ‪.‬‬
‫وفي يوم القيامة يقول لوليائاه بعد دخوله ودخولهم النار ‪ ) :‬فإيني كفرت بما أشركتمون من قبل (‬
‫] إبراهيم ‪ ، [ 22 :‬فأوردهم شمر الموارد ‪ ،‬ثمم تب أر منهم كل البراءةج ‪.‬‬
‫وستأتي قصة ذلك يمدعي أمنه عالم روحاني ‪ ،‬وكيف تخلت عنه الشياطين بعد أن بلغ مبلغ ا كبي ار من‬
‫الشهرة ‪ ،‬فأصبح حائا ار ل يدري ما يفعل ‪.‬‬
‫الشيطان يجند أولياجءه لخدمته ومحاربة المؤمنين ‪:‬‬

‫) ‪(1/58‬‬

‫الناس فريقان ‪ :‬أولياء الرحمن ‪ ،‬وأولياء الشيطان ‪ .‬وأولياء الشيطان هم الجكفججرة على اختلف مللهم‬
‫ونحلهم ‪ ):‬إننا جعلنا النشياطين أولياء لنلذين ل يؤمنون ( ]العراف ‪. [27:‬‬
‫والشيطان يسمخر هؤلء لتضليل المؤمنين بما يلقونه من الشبه ‪ ) :‬إوانن النشياطين ليوحون إلى أوليائاهم‬
‫ليجادلوكم إوان أطعتموهم إننكم لمشركون ( ] النعام ‪. [ 121 :‬‬
‫وما هذه الشبهات التي يقوم بها المستشرقون والصليبيون واليهود والملحدون إل من هذا القبيل ‪.‬‬
‫ويدفع الشيطان أولياجءه ليذاء نفوس المؤمنين ‪ ) :‬إننما الننجوى من النشيطان ليحزن انلذين آمنوا (‬
‫] المجادلة ‪ . [ 10 :‬فقد كان يدفع المشركين للتناجي حين وجود المسلمين على مقربة منهم ‪ ،‬فيظن‬
‫المسلم أنه يتآَمرون عليه ‪...‬‬
‫بل يدفعهم إلى حرب المسلمين وقتالهم ‪ ) :‬انلذين آمنوا يقاتلون في سبيل ال وانلذين كفروا يقاتلون في‬
‫سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء النشيطان إنن كيد النشيطان كان ضعيف ا ( ]النساء ‪. [76 :‬‬
‫وهو دائام ا يخوف المؤمنين أولياجءه ‪ ) :‬إننما ذلكم النشيطان يخوف أولياءه فل تخافوهم وخافون إن كنتم‬
‫لمؤمنين ( ] آل عمران ‪ ، [ 175 :‬وأولياؤه جمع كبير ‪ ) :‬ولقد صندق عليهم إبليس ظننه فانتبعوه إلن فريق ا‬
‫من المؤمنين ( ] سبأ ‪. [ 20 :‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬رواه مسلم ‪ . 4/2167 :‬ورقمه ‪. 2814 :‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم ‪ . 4/2241 :‬ورقمه ‪. 2025 :‬‬
‫)‪ (3‬صحيح الجامع الصغير ‪. 2/72 :‬‬
‫)‪ (4‬رواه مسلم ‪ . 4/2168 :‬ورقمه ‪. 2815 :‬‬
‫)‪ (5‬رواه مسلم ‪ ، 4/2168 :‬ورقمه ‪. 2814 :‬‬
‫أساليب الشيطان في إضلل النسان ) الجزء الول (‬
‫ل يأتي الشيطان إلى النسان ويقول له ‪ :‬اترك هذه المور الخيرة ‪ ،‬وافعل هذه المور السيئاة ؛ كي‬
‫تشقى في دنياك وأخراك ؛ لنه لو فعل ذلك فلن يطيعه أحد ‪ ،‬ولكنه يسلك سبلا كثيرة ‪ ،‬يغرر بها بعباد‬
‫ال ‪.‬‬
‫‪ -1‬تزيين الباطل ‪:‬‬

‫) ‪(1/59‬‬

‫هذا هو السبيل الذي كان الشيطان ‪ ،‬ول يزال ‪ ،‬يسلكه لضلل العباد ‪ ،‬فهو يظهر الباطل في صورة‬
‫الحق ‪ ،‬والحق في صورة الباطل ‪ ،‬ول يزال بالنسان يحسن له الباطل ‪ ،‬ويكرهه بالحق ‪ ،‬حتى يندفع إلى‬
‫ب العزة ‪ ) :‬قال رب بما أغويتني لزيننن لهم في‬
‫فعل المنكرات ‪ ،‬ويعرض عن الحق ‪ ،‬كما قال اللعين لر م‬
‫الرض ولغويننهم أجمعين – إلن عبادك منهم المخلصين ( ] الحجر ‪. [ 40-39 :‬‬
‫يقول ابن القيم في هذا الصدد ‪ " :‬ومن مكايده أنه يسحر العقل دائام ا حتى يكيده ‪ ،‬ول يسلم من سحره إل‬
‫من شاء ال ‪ ،‬فيزين له الفعل الذي يضره ‪ ،‬حتى يخيل إليه أمنه أنفع الشياء ‪ ،‬وينفره من الفعل الذي هو‬
‫أنفع الشياء له ‪ ،‬حتى يخيل له أمنه يضره ‪ ،‬فل إله إل ال ‪ ،‬كم فتن بهذا السحر من إنسان ! وكم حال‬
‫به بين القلب وبين السلم واليمان والحسان ! وكم جل الباطل وأبرزه في صورة مستحسنة ‪ ،‬وشنع‬
‫الحق وأخرجه في صورة مستهجنة ! وكم بهرج من الزيوف على الناقدين ‪ ،‬وكم روج من الزغل على‬
‫العارفين !‬
‫فهو الذي سحر العقول حتى ألقى أربابها في الهواء المختلفة والراء المتشعبة ‪ ،‬وسلك بهم من سبل‬
‫الضلل كل مسلك ‪ ،‬وألقاهم من المهالك في مهلك بعد مهلك ‪ ،‬وزين لهم عبادة الصنام ‪ ،‬وقطيعة‬
‫الرحام ‪ ،‬ووأد البنات ‪ ،‬ونكاح المهات ‪ ،‬ووعدهم بالفوز بالجنات ‪ ،‬مع الكفر بصفات الرب تعالى‬
‫وعلوه وتكلمه بكتبه ووضعهم ذلك في قالب التنزيه ‪ ،‬وترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر في قالب‬
‫التودد إلى الناس ‪ ،‬وحسن الخلق معهم ‪ ،‬والعمل بقوله ‪ ) :‬عليكم أنفسكم ( ] المائادة ‪، [ 105 :‬‬
‫والعراض عما جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم في قالب التقليد ‪ ،‬والكتفاء بقول من هو أعلم منهم‬
‫‪ ،‬والنفاق والدهان في دين ال في قالب العقل المعيشي الذي يندرج به العبد بني الناس " )‪. (1‬‬

‫) ‪(1/60‬‬

‫وبهذا السبيل كاد إبليس اللعين آدم عليه السلم ؛ إذ زين له الكل من الشجرة التي حرمها ال عليه ‪ ،‬فما‬
‫زال به يزعم له أن هذه هي شجرة الخلد ‪ ،‬وأن الكل منها يجعله خالدا في الجنة ‪ ،‬أو ملك ا من الملئاكة ‪،‬‬
‫حتى أطاعه ‪ ،‬فخرج من الجنة ‪.‬‬
‫وانظر إلى أولياء الشيطان اليوم كيف يستخدمون هذا السبيل في إضلل العباد ‪.‬‬
‫فهذه الدعوات إلى الشيوعية والشتراكية ‪ ، ....‬يزعمون أنها هي المذاهب التي تخلص البشرية من‬
‫الحيرة والقلق والضياع والجوع ‪ ... ،‬وهذه الدعوات التي تدعو إلى خروج المرأة كاسية عارية باسم‬
‫الحرية ‪ ،‬وتدعو إلى هذا التمثيل السخيف الذي تداس فيه العراض والخلق ‪ ،‬وتنتهك فيه الحرمات‬
‫باسم الفن ‪.‬‬
‫وتلك الفكار المسمومة التي تدعو إلى إيداع المال في البنوك بالربا ؛ لتحقيق الرباح باسم التنمية‬
‫والربح الوفير ‪.‬‬
‫وتلك الدعوات التي تزعم أن التمسك بالدين رجعية وجمود وتأخر ‪ ،‬والتي تسم دعاة السلم بالجنون‬
‫والعمالة لدول الشرق والغرب ‪ ...‬إلخ ‪.‬‬
‫كل ذلك امتداد لسبيل الشيطان الذي كاد به آدم منذ عهد بعيد ‪ ،‬وهو تزيين الباطل وتحسينه ‪ ،‬وتقبيح‬
‫الحق وتكريه الناس به ‪ ) :‬تال لقد أرسلنا إلى أمجم من قبلك فزنين لهم النشيطان أعمالهم ( ] النحل ‪63 :‬‬
‫[‪.‬‬
‫وهو – وال – سبيل خطر ؛ لن النسان إذا زين له الباطل فرآه اندفع بكل قواه ؛ لتحقيق ما يراه حقا ‪،‬‬
‫إوان كان فيه هلكه ‪ ) :‬قل هل ننبئاكم بالخسرين أعمالا – انلذين ضنل سعيهم في الحياة اللدنيا وهم‬
‫يحسبون أننهم يحسنون صنعا ( ]الكهف ‪. [104-103:‬‬
‫ق والهدى ‪) ،‬‬
‫وهؤلء يندفعون لصمد الناس عن دين ال ومحاربة أولياء ال ‪ ،‬وهم يظنون أنفسهم على الح م‬
‫إواننهم ليصندونهم عن النسبيل ويحسبون أننهم مهتدون ( ] الزخرف ‪. [ 37 :‬‬

‫) ‪(1/61‬‬
‫وهذا هو السبب الذي من أجله آثر الكفار الدنيا ‪ ،‬وأعرضوا عن الخرة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ ) :‬وقنيضنا لهم‬
‫قرناء فزنينوا لهم نما بين أيديهم وما خلفهم ( ] فصلت ‪ . [ 25 :‬فالقرناء هم الشياطين ‪ ،‬زينوا لهم ما بين‬
‫أيديهم من أمر الدنيا حتى آثروها ‪ ،‬ودعوهم إلى التكذيب بالخرة ‪ ،‬وزينوا لهم ذلك حتى أنكروا البعث‬
‫والحساب والجمنة والنار ‪.‬‬
‫تسمية المور المحرمة بأسماء محببة ‪:‬‬
‫ومن تغرير الشيطان بالنسان وتزيينه الباطل أن يسممي المور المحرمة ‪ ،‬التي هي معصية ل ‪،‬‬
‫بأسماء محببة للنفوس خداعا للنسان وتزوي ار للحقيقة ‪ ،‬كما سممى الشجرة المحرمة بشجرة الخلد ‪ ،‬كي‬
‫يزين لدم الكل منها ‪ ) :‬قال يا آدم هل أدللك على شجرجة الخلد وخملجك ل جيلبجلى( ] طه ‪. [ 120 :‬‬
‫يقول ابن القيم ‪ " :‬ومنه ورث أتباعه تسمية المور المحرمة بالسماء التي تحب النفوس مسمياتها ‪،‬‬
‫فسموا الخمر ‪ :‬أم الفراح ‪ ،‬وسموا أخاها بلقمة الراحة ‪ ،‬وسموا الربا بالمعاملة ‪ ،‬وسموا المكوس بالحقوق‬
‫السلطانية ‪. " ...‬‬
‫واليوم يسمون الربا الفائادة ‪ ،‬والرقص والغناء والتمثيل وصناعة التماثيل فنا ‪.‬‬
‫‪ -2‬الفراط والتفريط ‪:‬‬
‫يقول ابن القيم في هذه المسألة ‪ " :‬وما أمر ال – عمز وجمل – بأمر إل وللشيطان فيه نزعتان ‪ :‬إما‬
‫تقصير وتفريط ‪ ،‬إواما إفراط وغلمو ‪ ،‬فل يبالي بما ظفر من العبد من الخطيئاتين ‪ ،‬فإمنه يأتي إلى قلب‬
‫العبد فيشاممه ‪ ،‬فإن وجد فيه فتو ار وتواني ا وترخيص ا أخذه من هذه الخطة ‪ ،‬فثبطه وأقعده ‪ ،‬وضربه‬
‫بالكسل والتواني والفتور ‪ ،‬وفتح له باب التأويلت والرجاء وغير ذلك ‪ ،‬حتى ربما ترك العبد المأموجر‬
‫جملة ‪.‬‬

‫) ‪(1/62‬‬

‫إوان وجد عنده حذ ار وفجمدا ‪ ،‬وتمشي ار ونهضة ‪ ،‬وأيس أن يأخذه من هذا الباب ‪ ،‬أمره بالجتهاد الزائاد ‪،‬‬
‫وسمول له أن هذا ل يكفيك ‪ ،‬وهمتك فوق هذا ‪ ،‬وينبغي لك أن تزيد على العاملين ‪ ،‬وأن ل ترقد إذا رقدوا‬
‫‪ ،‬وأن ل تفطر إذا أفطروا ‪ ،‬وأن ل تفتر إذا فتروا ‪ ،‬إواذا غسل أحدهم يديه ووجهه ثلث مرات ‪،‬فاغسل‬
‫أنت سبع ا ‪ ،‬إواذا توضأ للصلة ‪ ،‬فاغتسل أنت لها ‪ ،‬ونحو ذلك من الفراط والتعدي ‪ ،‬فيحمله على الغلو‬
‫والمجاوزة ‪ ،‬وتعدي الصراط المستقيم ‪ ،‬كما جيلحفمخل الول على التقصير دونه وأل يقربه ‪.‬‬
‫ومقصوده من الرجلين إخراجهما عن الصراط المستقيم ‪ :‬هذا بأل يقربه ول يدنو منه ‪ ،‬وهذا بأن يجاوزه‬
‫ويتعداه ‪ ،‬وقد فتن بهذا أكثر الخلق ‪ ،‬ول خيلنجي من ذلك إل علم راسخ ‪ ،‬إوايمان وقوة على محاربته ‪،‬‬
‫ولزوم الوسط ‪ .‬وال المستعان " )‪. (2‬‬
‫‪ -3‬تثبيطه العباد عن العمل ورميهم بالتسويف والكسل ‪:‬‬
‫وله في ذلك أساليب وطرق ‪ ،‬ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قال ‪ ) :‬يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ) القافية ‪ :‬مؤخر الرأس ( ‪ ،‬إذا هو نام ثلث عقد ‪،‬‬
‫يضرب مكان كل عقدة ‪ ،‬عليك ليل طويل فارقد ‪ ،‬فإن استيقظ فذكر ال ‪ ،‬انحلت عقدة ‪ ،‬فإن توضأ ‪،‬‬
‫انحلت عقدة ‪ ،‬فإن صلى ‪ ،‬انحلت عقدة ‪ ،‬فأصبح نشيط ا طيب النفس ‪ ،‬إوال أصبح خبيث النفس كسلن‬
‫( )‪. (3‬‬
‫وفي البخاري ومسلم ‪ ) :‬إذا استقظ أحدكم من منامه فتوضأ ‪ ،‬فليستثر ثلث ا ‪ ،‬فإن الشيطان يبيت على‬
‫خيشومه ( )‪. (4‬‬
‫وفي صحيح البخاري ‪ :‬أن الرسول صلى ال عليه وسلم ذكر عنده رجل نام ليلة حتى أصبح ‪ ،‬فقال ‪) :‬‬
‫ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه ( )‪. (5‬‬

‫) ‪(1/63‬‬

‫وهذا الذي ذكرناه تكسيل وتثبيط من الشيطان بفعله ‪ ،‬وقد يثبط النسان بالوسوسة ‪ ،‬وسبيله في ذلك أن‬
‫يحبب للنسان الكسل ‪ ،‬ويسموف العمل ‪ ،‬ويسند المر إلى طول المل ‪ ،‬يقول ابن الجوزي في هذا ‪:‬‬
‫ب السلم ‪ ،‬فل يزال إبليس يثبطه ‪ ،‬ويقول ‪ :‬ل تعجل‬
‫) كم قد خطر على قلب يهودي ونصراني ح م‬
‫وتمهل النظر ‪ ،‬فيسوفه حتى يموت على كفره ‪ ،‬وكذلك يسوف العاصي بالتوبة ‪ ،‬فيعجل له غرضه من‬
‫الشهوات ‪ ،‬ويمنيه النابة ‪ ،‬كما قال الشاعر ‪:‬‬
‫ل تعجل الذنب لما تشتهي ××× وتأمل التوبة من قابل‬
‫وكم من عازم على الجمد سوفه ! وكم ساع إلى مقام فضيلة ثجمبطه ! فلربما عزم الفقيه على إعادة درسه ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬استرح ساعة ‪ ،‬أو انتبه العابد في الليل يصلي ‪ ،‬فقال له ‪ :‬عليك وقت ‪ ،‬ول يزال يحبب الكسل ‪،‬‬
‫ويسوف العمل ‪ ،‬ويسند المر إلى طول المل ‪.‬‬
‫فينبغي للحازم أن يعمل على الحزم ‪ ،‬والحزم تدارك الوقت ‪ ،‬وترك التسويف ‪ ،‬والعراض عن المل ‪،‬‬
‫فإمن المخوف ل يؤمن ‪ ،‬والفوات ل يبعث ‪ ،‬وسبب كل تقصير ‪ ،‬أو ميل إلى شمر طول المل ‪ ،‬فإن‬
‫النسان ل يزال يحمدث نفسه بالنزوع عن الشر ‪ ،‬والقبال على الخير ‪ ،‬إل أنه جيفعخد نفسه بذلك ‪ ،‬ول ريب‬
‫أنه من أممل أن يمشي بالنهار سار سي ار فات ار ‪ .‬ومن أمل أن يصبح عمل في الليل عملا ضعيف ا ‪ ،‬ومن‬
‫صمور الموت عاجلا جمد ‪...‬‬
‫وقال بعض السلف ‪ :‬أنذركم ) سوف ( ‪ ،‬فإنها أكبر جنود إبليس ‪ ،‬ومثل العامل على الحزم والساكن‬
‫لطول المل ‪ ،‬كمثل قوم في سفر ‪ ،‬فدخلوا قرية ‪ ،‬فمضى الحازم ‪ ،‬فاشترى ما يصلح لتمام سفره ‪،‬‬
‫وجلس متأهب ا للرحيل ‪ ،‬وقال المفرط ‪ :‬سأتأهب فربما أقمنا شه ار ‪ ،‬فضرب بوق الرحيل في الحال ‪،‬‬
‫ف المفرط ‪.‬‬‫فاغتبط المحترز ) المتوقي الحازم ( ‪ ،‬وتحير الجفس خ‬

‫) ‪(1/64‬‬

‫فهذا مثل الناس في الدنيا ‪ ،‬منهم المستعد المستيقظ ‪ ،‬فإذا جاء ملك الموت لم يندم ‪ ،‬ومنهم المغرور‬
‫المسموف يتجرع مرير الندم وقت الرحلة ‪ .‬فإذا كان في الطبع حب التواني وطول المل ‪ ،‬ثم جاء إبليس‬
‫يحث على العمل بمقتضى ما في الطبع ‪ ،‬صعبت المجاهدة ‪ ،‬إل أنه من انتبه لنفسه علم أنه في صف‬
‫طن له مكيدة ‪ ،‬وأقام له كمينا " )‪. (6‬‬
‫حرب ‪ ،‬وأن عدموه ل يفتر عنه ‪ ،‬فإن فتر في الظاهر ‪ ،‬ب م‬
‫‪ -4‬الوعد والتمنية ‪:‬‬
‫وهو يعد الناس بالمواعيد الكاذبة ‪ ،‬ويعللهم بالماني المعسولة ؛ كي يوقعهم في وهدة الضلل ‪:‬‬
‫) يعدهم ويمنيهم وما يعدهم النشيطان إلن غرو ار ( ] النساء ‪. [ 120 :‬‬
‫يعد الكفرة في قتالهم المؤمنين بالنصر والتمكين والعزة والغلبة ‪ ،‬ثم يتخلى عنهم ‪ ،‬ويولي هاربا ‪ ) :‬إواذ‬
‫زنين لهم النشيطان أعمالهم وقال ل غالب لكم اليوم من النناس ج إوفايني جابر لكم فلنما تراءت الفئاتان نكص‬
‫على عقبيه وقال إفيني برئب منكم ( ] النفال ‪. [ 48 :‬‬
‫ويعد الغنياء الكفرة بالثروة والمال في الخرة بعد الدنيا ‪ ،‬فيقول قائالهم ‪ ) :‬ولفئان لردد ل‬
‫ت إلى جريبي لجدنن‬
‫خي ار منها منقلب ا ( ] الكهف ‪ ، [ 36 :‬فيدمر ال جنته في الدنيا ‪ ،‬فيعلم أمنه كان مغرو ار مخدوع ا ‪.‬‬
‫ويشغل النسان بالماني المعسولة ‪ ،‬التي ل وجود لها في واقع الحياة ‪ ،‬فيصده عن العمل الجاد المثمر‬
‫‪ ،‬ويرضى بالتخيل والتمني ‪ ،‬وهو ل يفعل شيئاا ‪.‬‬
‫‪ -5‬إظهار النصح للنسان ‪:‬‬
‫يدعو الشيطان المرء إلى المعصية ‪ ،‬يزعم أنه ينصح له ويريد خيره ‪ ،‬وقد أقسم لبينا على أنه ناصح له‬
‫‪ ) :‬وقاسمهما فإيني لكما لمن النناصحين ( ] العراف ‪. [ 21 :‬‬
‫وقد روى وهب بن منبه هذه القصة الطريفة عن أهل الكتاب )‪ ، (7‬نسوقها لنعلم أسلوب ا من أساليب‬
‫الشيطان في إضلله العباد ‪ ،‬وكي نحذر نصحه ‪ ،‬ونخالفه فيما يدعونا إليه ‪.‬‬

‫) ‪(1/65‬‬

‫يقول وهب ‪ " :‬إن عابدا كان في بني إسرائايل ‪ ،‬وكان من أعبد أهل زمانه ‪ ،‬وكان في زمانه ثلثة إخوة ‪،‬‬
‫لهم أخت ‪ ،‬وكانت بك ار ‪ ،‬ليس لهم أخت غيرها ‪ ،‬فخرج البعث على ثلثتهم ‪ ،‬فلم يدروا عند من يخلفون‬
‫أختهم ‪ ،‬ول من يأمنونه عليها ‪ ،‬ول عند من يضعونها ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فأجمع رأيهم على أن يخلفوها عند عابد بني إسرائايل ‪ ،‬وكان ثقة في أنفسهم ‪ ،‬فأتوه فسألوه عن أن‬
‫يخلفوها عنده ‪ ،‬فتكون في كنفه وجواره إلى أن يرجعوا من غزاتهم ‪ ،‬فأبى ذلك عليهم ‪ ،‬وتعوذ بال منهم‬
‫ومن أختهم ‪ ،‬قال ‪ :‬فلم يزالوا به حتى أطاعهم ‪ .‬فقال ‪ :‬أنزلوها في بيت حذاء صومعتي ‪ .‬فأنزلوها في‬
‫ذلك البيت ‪ ،‬ثم انطلقوا وتركوها ‪.‬‬
‫فمكثت في جوار ذلك العابد زمن ا ينزل إليها بالطعام من صومعته ‪ ،‬فيضعه عند باب الصومعة ‪ ،‬ثم‬
‫يغلق بابه ويصعد إلى الصومعة ‪ ،‬ثم يأمرها فتخرج من بيتها ‪ ،‬فتأخذ ما وضع لها من الطعام ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فتلطف له الشيطان ‪ ،‬فلم يزل يرغبه في الخير ‪ ،‬ويعظم عليه خروج الجارية من بيتها نها ار ‪ ،‬ويخوفه أن‬
‫يراها أحد فيعلقها ‪ ،‬فلو مشيت بطعامها حتى تضعه على باب بيتها كان أعظم أج ار ‪ .‬قال ‪ :‬فلم يزل به‬
‫حتى مشى إليها بطعامها ‪ ،‬ووضعه على باب بيتها ‪ ،‬ولم يكلمها ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فلبث على هذه الحال زمان ا ‪ ،‬ثم جاجءه إبليس فرمغبه في الخير والجر وحضه عليه ‪ ،‬وقال ‪ :‬لو‬
‫كنت تمشي إليها بطعامها حتى تضعه في بيتها كان أعظم لجرك ‪ ،‬فلم يزل به حتى مشى إليها‬
‫بالطعام ‪ ،‬ثم وضعه في بيتها ‪ ،‬فلبث على ذلك زمان ا ‪.‬‬
‫ضه عليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬لو كنت تكلمها وتحدثها فتأنس بحديثك ‪ ،‬فإنها قد‬
‫ثم جاءه إبليس فرمغبه في الخير وح م‬
‫طلع إليها من فوق صومعته ‪.‬‬
‫استوحشت وحشة شديدة ‪ ،‬فلم يزل به حتى حدثها زمان ا ي م‬

‫) ‪(1/66‬‬

‫ثم أتاه إبليس بعد ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬لو كنت تتنزل إليها فتقعد على باب صومعتك وتحدثها ‪ ،‬وتقعد هي على‬
‫باب بيتها ‪ ،‬فتحدثك كان آنس لها ‪ .‬فلم يزل به حتى أنزله وأجلسه على باب صومعته يحدثها وتحدثه ‪،‬‬
‫وتخرج الجارية من بيتها حتى تقعد على باب بيتها ‪ ،‬فلبثا زمانا يتحدثان ‪.‬‬
‫ثم جاجءه إبليس فرغبه في الجر والثواب فيما يصنع بها ‪ ،‬وقال ‪ :‬لو خرجت من باب صومعتك ‪ ،‬ثم‬
‫جلست قريب ا من بيتها ‪ ،‬فحدثتها كان آنس لها ‪ ،‬فلم يزل به حتى فعل ‪ .‬فلبثا زمن ا على ذلك ‪.‬‬
‫ثم جاءه إبليس ‪ ،‬فقال ‪ :‬لو دخلت البيت معها فحدثتها ‪ ،‬ولم تتركها تبرز وجهها لحد كان أحسن بك ‪،‬‬
‫فلم يزل به حتى دخل البيت فجعل يحدثها ‪ ،‬نهارها كله ‪ ،‬فإذا مضى النهار صعد صومعته ‪.‬‬
‫ثم أتاه إبليس بعد ذلك ‪ ،‬فلم يزل يزينها له حتى ضرب العابد على فخذها وقبلها ‪ ،‬فلم يزل به إبليس‬
‫يحسنها في عينه ‪ ،‬ويسول له حتى وقع عليها ‪ ،‬فأحبلها فولدت له غلم ا ‪ ،‬فجاء إبليس فقال ‪ :‬أرأيت إن‬
‫جاء إخوة الجارية ‪ ،‬وقد ولدت منك فكيف تصنع ؟ ل آمن عليك أن تفتضح أو يفضحوك ‪ ،‬فاعمد إلى‬
‫ابنها فاذبحه وادفنه ‪ ،‬فإنها ستكتم ذلك عليك مخافة إخوتها أن يطلعوا على ما صنعت بها ‪ ،‬ففعل ‪.‬‬
‫فقال له ‪ :‬أتراها تكتم إخوتها ما صنعت بها وقتلت ابنها ‪ ،‬خذها واذبحها ‪ ،‬وادفنها مع ابنها ‪ ،‬فلم يزل به‬
‫حتى ذبحها ‪ ،‬وألقاها في الحفرة مع ابنها ‪ ،‬وأطبق عليهما صخرة عظيمة ‪ ،‬وسموى عليهما ‪ ،‬وصعد إلى‬
‫صومعته يتعبد فيها ‪ ،‬فمكث بذلك ما شاء ال أن يمكث ‪ ،‬حتى أقبل إخوتها من الغزو ‪ ،‬فجاؤوا فسألوه‬
‫عنها ‪ ،‬فنعاها لهم ‪ ،‬وترحم عليها وبكاها ‪ .‬وقال ‪ :‬كانت خير امرأة ‪ ،‬وهذا قبرها ‪ ،‬فانظروا إليه ‪ .‬فأتى‬
‫إخوتها القبر فبكوا أختهم ‪ ،‬وترحموا عليها ‪ ،‬فأقاموا على قبرها أياما ‪ ،‬ثمم انصرفوا إلى أهاليهم ‪.‬‬

‫) ‪(1/67‬‬

‫فلما جمن عليهم الليل ‪ ،‬وأخذوا مضاجعهم ‪ ،‬جاجءهم الشيطان في النوم على صورة رجل مسافر ‪ ،‬فبدأ‬
‫بأكبرهم ‪ ،‬فسأله عن أختهم ‪ ،‬فأخبره بقول العابد وموتها وترحمه عليها ‪ ،‬وكيف أراهم موضع قبرها‬
‫فأكذبه الشيطان ‪ .‬وقال ‪ :‬لم يصدقكم أمر أختكم إنه قد أحبل أختكم وولدت منه غلم ا ‪ ،‬فذبحه وذبحها‬
‫معه فزعا منكم ‪ ،‬وألقاهما في حفيرة احتفرها خلف باب البيت الذي كانت فيه عن يمين من دخله ‪ ،‬فإنكم‬
‫ستجدونها كما أخبرتكم هناك جميع ا ‪ .‬وأتى الوسط في منامه ‪ ،‬فقال له مثل ذلك ‪ .‬ثم أتى أصغرهم ‪،‬‬
‫فقال له مثل ذلك ‪.‬‬
‫فلما استيقظ القوم ‪ ،‬أصبحوا متعجبين مما رأى كل واحد منهم ‪ ،‬فأقبل بعضهم على بعض يقول كل‬
‫واحد منهم ‪ :‬لقد رأيت الليلة عجب ا ‪ ،‬فأخبر بعضهم بعض ا بما رأى ‪.‬‬
‫فقال كبيرهم ‪ :‬هذا حلم ليس بشيء ‪ ،‬فامضوا بنا ودعوا هذا عنكم ‪ ،‬قال أصغرهم ‪ :‬وال ل أمضي حتى‬
‫آتي هذا المكان ‪ ،‬فأنظر فيه ‪ .‬قال ‪ :‬فانطلقوا حتى أتوا البيت الذي كانت فيه أختهم ‪ ،‬ففتحوا الباب ‪،‬‬
‫وبحثوا الموضع الذي وصف لهم في منامهم ‪ ،‬فوجدوا أختهم وابنها مذبوحين في الحفيرة ‪ ،‬كما قيل لهم ‪،‬‬
‫فسألوا عنها العابد فصمدق قول إبليس فيما صنع بهما ‪ ،‬فاستجلعجدلوا عليه ملكهم ‪ ،‬فأنزل من صومعته ‪،‬‬
‫وقمدم ليصلب ‪.‬‬
‫فلما أوثقوه على الخشبة ‪ ،‬أتاه الشيطان ‪ ،‬فقال له ‪ :‬قد علمت أني أنا صاحبك الذي فتنتك بالمرأة ‪ ،‬حتى‬
‫أحبلتها ‪ ،‬وذبحتها وابنها ‪ ،‬فإن أنت أطعتني اليوم ‪ ،‬وكفرت بال الذي خلقك وصمورك ‪ ،‬خلصتك مما‬
‫أنت فيه ‪ ،‬فكفر العابد ‪ ،‬فلما كفر بال تعالى ‪ ،‬خلى الشيطان بينه وبين أصحابه فصلبوه " )‪. (8‬‬
‫وهذه القصة يذكرها المفسرون عند قوله تعالى ‪ ) :‬كمثل النشيطان إذ قال للنسان اكفر فلنما كفر قال‬
‫إنني بريبء منك ( ] الحشر ‪ ، [ 16 :‬ويذكرون أن المعنمي بالنسان هذا العابد وأمثاله ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫‪ -6‬التدرج في الضلل ‪:‬‬

‫) ‪(1/68‬‬
‫ومن القصة السابقة نعلم أسلوب ا من أساليب الشيطان في الضلل ‪ ،‬وهو أن يسير بالنسان خطوة‬
‫خطوة ‪ ،‬ل يكل ول يممل ‪ ،‬كلما رموضه على معصية ما ‪ ،‬قاده إلى معصية أكبر منها ‪ ،‬حتى يوصله إلى‬
‫المعصية الكبرى ‪ ،‬فيوبقه ويهلكه ‪ ،‬وتلك سنة ال في عباده ‪ ،‬أنهم إذا زاغوا سلط عليم الشيطان ‪ ،‬وأزاغ‬
‫قلوبهم ‪ ) :‬فلنما زاغوا أزاغ ال قلوبهم ( ]الصف ‪. [5 :‬‬
‫‪ -7‬إنساؤه العبد ما فيه خيره وصلحه ‪:‬‬
‫ومن ذلك ما فعله بآَدم ‪ ،‬فما زال يوسوس له حتى أنساه ما أمره به رمبه ‪ ) :‬ولقد عهدنا إلى آدم من قبل‬
‫فججنفسي ولم نجد له عزم ا ( ] طه ‪ ، [ 115 :‬وقال صاحب موسى لموسى ‪ ) :‬فإني نسيت الحوت وما‬
‫ج‬
‫ن‬
‫جأنجسافنيهخ إل الشيطان أن أذكره ( ] الكهف ‪. [ 63 :‬‬
‫ن‬
‫ونهى ال رسوله أن يجلس هو أو واحد من أصحابه في المجالس التي يسته أز فيها بآَيات ال ‪ ،‬ولكن‬
‫الشيطان قد ينسي النسان أمر ربه ‪ ،‬فيجالس هؤلء المستهزئاين ‪ ) :‬إواذا رأيت انلذين يخوضون في آياتنا‬
‫فأعرض عنهم حنتى يخوضوا في حديجث غيره إوانما ينسيننك النشيطان فل تقعد بعد الذكرى مع القوم‬
‫ال ن‬
‫ظالمين ( ] النعام ‪. [ 68 :‬‬
‫وطلب نبي ال يوسف إلى السجين الذي ظمن بأنه سينجو من القتل ‪ ،‬ويعود لخدمة الملك أن يذكره عند‬
‫مليكه ‪ ،‬فأنسى الشيطان هذا النسان أن يذكر لملكه نبي ال يوسف ‪ ،‬فمكث يوسف في السجن بضع‬
‫سنين ‪ ) :‬وقال لنلذي ظنن أننه ناجج منهما اذكرني عند ربك فأنساه النشيطان ذكر ربه فلبث في السجن‬
‫بضع سنين ( ]يوسف ‪. [42 :‬‬
‫إواذا تمكن الشيطان من النسان تمكن ا كلي ا ‪ ،‬فإنه ينسيه ال بالكلية ‪ ) :‬استحوذ عليهم النشيطان فأنساهم‬
‫ذكر ال أولئاك حزب النشيطان أل إنن حزب النشيطان هم الخاسرون ( ] المجادلة ‪ . [ 19 :‬وهؤلء هم‬
‫المنافقون ‪ ،‬كما دلت عليه الية السابقة لهذه الية ‪ .‬وسبيل التذكر هو ذكر ال ؛ لنه يطرد الشيطان ‪:‬‬
‫) واذكر رنبك إذا نسيت ( ]الكهف ‪. [24 :‬‬
‫‪ -8‬تخويف المؤمنين أولياجءه ‪:‬‬

‫) ‪(1/69‬‬

‫ومن وسائاله أن يخوف المؤمنين من جنده وأوليائاه ‪ ،‬فل يجاهدونهم ‪ ،‬ول يأمرونهم بالمعروف ‪ ،‬ول‬
‫ينهونهم عن المنكر ‪ ،‬وهذا من أعظم كيده بأهل اليمان ‪ ،‬وقد أخبرنا سبحانه عن هذا فقال ‪ ) :‬إننما‬
‫ذلكم النشيطان يخوف أولياءه فل تخافوهم وخافون إن كنتم لمؤمنين ( ] آل عمران ‪. [ 175 :‬‬
‫والمعنى ‪ :‬يخوفكم بأوليائاه ‪ ،‬قال قتادة ‪ " :‬يعظمهم في صدوركم ‪ ،‬ولهذا قال ‪ ) :‬فل تخافوهم وخافون‬
‫إن كنتم لمؤمنين ( ‪ ،‬فكلما قوي إيمان العبد زال من قلبه خوف أولياء الشيطان ‪ ،‬وكلما ضعف إيمانه‬
‫قوي خوفه منهم " ‪.‬‬
‫‪ -9‬دخوله إلى النفس من الباب الذي تحبه وتهواه ‪:‬‬
‫يقول ابن القيم في هذا الموضوع ‪ " :‬إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ‪ ،‬حتى يصادف نفسه‬
‫ويخالطها ‪ ،‬ويسألها عمما تحبه وتؤثره ‪ ،‬فإذا عرفه استعان بها على العبد ‪ ،‬ودخل عليه من هذا الباب ‪،‬‬
‫وكذلك جعملم إخوانه وأولياجءه من النس ‪ ،‬إذا أرادوا أغراضهم الفاسدة من بعضهم بعضا أن يدخلوا عليهم‬
‫من الباب الذي يحبونه ويهوونه ‪ ،‬فإمنه باب ل يخذل عن حاجته من دخل منه ‪ ،‬ومن رام الدخول من‬
‫غيره ‪ ،‬فالباب عليه مسدود ‪ ،‬وهو عن طريق مقصده مصدود " )‪. (9‬‬
‫ومن هاهنا دخل الشيطان على آدم وحواء كما قال تعالى ‪ ) :‬وقال ما نهاكما رلبكما عن هذه النشجرة إلن‬
‫أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ( ] العراف ‪ . [ 20 :‬يقول ابن القيم ‪ " :‬فشام عدو ال البوين‬
‫‪ ،‬فأحس منهما إيناسا وركونا إلى الخلد في تلك الدار في النعيم المقيم ‪ ،‬فعلم أمنه ل يدخل عليهما من‬
‫غير هذا الباب ‪ ،‬فقاسمهما بال إمنه لهما لمن الناصحين ‪ ،‬وقال ‪ ) :‬ما نهاكما رلبكما عن هذه النشجرة إلن‬
‫أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ( ] العراف ‪." [ 20 :‬‬
‫‪ -10‬لقاء الشبهات ‪:‬‬

‫) ‪(1/70‬‬

‫ومن أساليبه في إضلل العباد زعزعة العقيدة بما يلقيه من شكوك وشبهات ‪ ،‬وقد حذرنا الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم من بعض هذه الشبهات التي يلقيها ‪ ،‬ففي حديث البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال ‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬يأتي الشيطان أحدكم فيقول ‪ :‬من خلق كذا وكذا ؟ من خلق كذا‬
‫؟ حتى يقول ‪ :‬من خلق ربك ؟ فإذا بلغه فليستعذ بال وللينتفه ( )‪. (10‬‬
‫ولم يسلم الصحابة – رضوان ال عليهم – من شبهاته وشكوكه ‪ ،‬وجاء بعضهم إلى الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم يشكون ما يعانونه من شكوكه ووساوسه ‪ ،‬ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي ال عنه‬
‫– قال ‪ :‬جاء ناس من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى النبي صلى ال عليه وسلم فسألوه ‪:‬‬
‫إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به ! قال ‪ ) :‬أو قد وجدتموه ؟ ( قالوا ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ ) :‬ذلك‬
‫صريح اليمان ( )‪. (11‬‬
‫وصريح اليمان دفعهم وسوسة الشيطان وكراهيتهم واستعظامهم لها ‪ ،‬وقد سئال الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم عن الوسوسة فقال ‪ ) :‬تلك محض اليمان ( )‪. (12‬‬
‫وانظر إلى شمدة ما كان يعانيه الصحابة من شكوكه ‪ ،‬روى أبو داود في سننه عن ابن عباس قال ‪ :‬جاء‬
‫رجل إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن أحدنا يجد في نفسه – يعرض بالشيء –‬
‫ب إليه من أن يتكلم به ‪ ،‬فقال ‪ ) :‬ال أكبر ‪ ،‬ال أكبر ‪ ،‬ال أكبر ‪ ،‬الحمد ل الذي‬
‫لن يكون حممة أح م‬
‫رد كيده إلى الوسوسة ( )‪. (13‬‬
‫) ‪(1/71‬‬

‫ومن جملة ما يلقيه في النفوس مشكك ا ما حدثنا ال عنه في قوله ‪ ) :‬وما أرسلنا من قبلك من رسوجل ول‬
‫جنبفلي إلن تمننى ألقى النشيطان في أمننيته فينسخ ال ما يلقي النشيطان ثنم يحكم ال آياته وال عليم حكيم –‬
‫ظالمين لفي شقاق بعيجد –‬ ‫ليجعل ما يلقي النشيطان فتنةا لنلذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم إوانن ال ن‬
‫ب‬
‫ت له قلوبهم إوانن ال لهاد انلذين آمنوا إلى‬ ‫وليعلم انلذين أوتوا العلم أننه الح ل‬
‫ق من ربك فيؤمنوا به فجتخلخبف ج‬
‫ص ارجط مستقيجم ( ] الحج ‪. [54-52:‬‬
‫والمراد بالتمني هنا حديث النفس ‪ ،‬والمراد أن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا حدث نفسه ألقى‬
‫الشيطان في حديثه على جهة الحيلة ‪ ،‬فيقول ‪ :‬لو سألت ال – عز وجل – أن يغنمك ليتسع المسلمون‬
‫‪ ،‬أو يتمنى إيمان الناس جميع ا ‪ ....‬فينسخ ال ما يلقيه الشيطان بوسواسه في أمنية النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وذلك بتنبيهه إلى الحق ‪ ،‬وتوجيهه إلى مراد ال ‪ ، ...‬وما قيل من أن مراد الية أن‬
‫الشيطان يدخل في القرآن ما ليس منه ففيه بعد ‪ ،‬ويرده أن الرسول صلى ال عليه وسلم معصوم في‬
‫التبليغ ‪.‬‬
‫يقول شقيق ‪ ،‬مبينا بعض الشبهات التي قذفها الشيطان في نفس ا لنسان ‪ :‬ما من صباح إل قعد لي‬
‫الشيطان على أربعة مراصد ‪ :‬من بين يدي ‪ ،‬ومن خلفي ‪ ،‬وعن يميني ‪ ،‬وعن شمالي ‪ ،‬فيقول ‪ :‬ل‬
‫تخف فإن ال غفور رحيم ‪ ،‬فأق أر ‪ ) :‬إواني لغنفابر لمن تاب وآمن وعمل صالح ا ثنم اهتدى ( ] طه ‪:‬‬
‫‪ ، [ 82‬إواما من خلفي فيخوفني الضيعة على من أخلفه ‪ ،‬فأق أر ‪ ) :‬وما من دانبجة في الرض إلن على‬
‫ال رزقها ( ] هود ‪ ، [ 6 :‬ومن قبل يميني ‪ ،‬يأتيني من قبل النساء ‪ ،‬فأق أر ‪ ) :‬والعاقبة للمنتقين (‬
‫] العراف ‪ ، [ 128 :‬ومن قبل شمالي ‪ ،‬فيأتيني من قبل الشهوات ‪ ،‬فأق أر ‪ ) :‬وحيل بينهم وبين ما‬
‫يشتهون ( ] سبأ ‪. [ 54 :‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬إغاثة اللهفان ‪. 1/130 :‬‬
‫)‪ (2‬الوابل الصيب ‪:‬ص ‪. 19‬‬

‫) ‪(1/72‬‬

‫)‪ (3‬رواه البخاري ‪ . 3/24 :‬ورقمه ‪. 1143 :‬‬


‫)‪ (4‬صحيح البخاري ‪ . 6/339 :‬ورقمه ‪ . 3295 :‬ورواه مسلم ‪ . 1/213 :‬ورقمه ‪ ، 238 :‬واللفظ‬
‫للبخاري ‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه البخاري ‪ . 3/28 :‬ورقمه ‪. 1144 :‬‬
‫)‪ (6‬تلبيس إبليس ‪. 458 :‬‬
‫)‪ (7‬هذه القصة وأمثالها من السرائاليات ل تصدق ول تكذب ‪ ،‬ويجوز التحديث بها يقول الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ) :‬وحدثوا عن بني إسرائايل ول حرج ( ‪.‬‬
‫)‪ (8‬تلبيس إبليس ‪ :‬ص ‪. 39‬‬
‫)‪ (9‬إغاثة اللهفان ‪. 1/132 :‬‬
‫)‪ (10‬رواه البخاري ‪ . 6/336 :‬ورقمه ‪ . 3277 :‬ورواه مسلم ‪ . 1/120 :‬ورقمه ‪. 134 :‬‬
‫)‪ (11‬رواه مسلم ‪ . 1/119:‬ورقمه ‪. 132 :‬‬
‫)‪ (12‬رواه مسلم ‪ . 1/119 :‬ورقمه ‪. 133 :‬‬
‫)‪ (13‬صحيح سنن أبي داود ‪ . 3/964 :‬ورقمه ‪. 4271 :‬‬
‫أساليب الشيطان في إضلل النسان ) الجزء الثاني (‬
‫‪ -11-14‬الخمر والميسر والنصاب والزلم ‪:‬‬
‫قال تعالى ‪ ) :‬إننما الخمر والميسر والنصاب والزلم رجبس من عمل النشيطان فاجتنبوه لعنلكم تفلحون‬
‫– إننما يريد النشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصندكم عن ذكر ال وعن‬
‫صلة فهل أنتم لمنتهون ( ] المائادة ‪. [ 91-90 :‬‬
‫ال ن‬
‫والخمر ‪ :‬كل ما يسكر ‪ ،‬والميسر ‪ :‬القمار ‪ ،‬والنصاب ‪ :‬كل ما نصب كي يعبد من دون ال ‪ ،‬من‬
‫حجر ‪ ،‬أو شجر ‪ ،‬أو وثن ‪ ،‬أو قبر ‪ ،‬أو علم ‪ .‬والزلم ‪ :‬القداح كانوا يستقسمون بها المور ؛ أي ‪:‬‬
‫يطلبون بها علم ما قسم لهم ‪.‬‬
‫صميات أو غير ذلك ‪ ،‬يكون مكتوبا على واحد منها أمرني ربي ‪،‬‬
‫وهذه قد تكون أقداحا أو سهاما أو خح ج‬
‫وعلى الخر نهاني ربي ‪ ،‬فإذا شاء أحدهم زواج ا أو سف ار أو نحو ذلك ‪ ،‬أدخل يده في الشيء الذي فيه‬
‫هذه القداح أو السهام ‪ ،‬فإن خرج الذي فيه المر بالفعل فعل ‪ ،‬إوان خرج الخر ترك ‪.‬‬

‫) ‪(1/73‬‬

‫فالشيطان يحض الناس على هذه الربع ؛ لنها ضلل في نفسها ‪ ،‬وتؤدي إلى نتائاج وخيمة ‪ ،‬وآثار‬
‫سيئاة ‪ ،‬فالخمر تفقد شاربها عقله ‪ ،‬فإذا فقد عقله فعل الموبقات ‪ ،‬وارتكب المحرمات ‪ ،‬وترك الطاعات ‪،‬‬
‫وآذى عباد ال ‪.‬‬
‫ذكر ابن كثير في تفسيره عن عثمان بن عفان قال ‪ " :‬اجتنبوا الخمر ‪ ،‬فإنها أمم الخبائاث ‪ ،‬إنه كان رجل‬
‫فيمن خل قبلكم يتعبد ويعتزل الناس ‪ ،‬فعلقته امرأة غومية ‪ ،‬فأرسلت إليه جاريتها أن تدعوه لشهادة ‪،‬‬
‫فدخل معها ‪ ،‬فطفقت كلما دخل باب ا تغلقه دونه ‪ ،‬حتى أفضى إلى امرأة وضيئاة ‪ ،‬عندها غلم ‪ ،‬وباطية‬
‫خمر ‪.‬‬
‫فقالت ‪ :‬إني وال ما دعوتك لشهادة ‪ ،‬ولكن دعوتك لتقع علمي ‪ ،‬أو تقتل هذا الغلم ‪ ،‬أو تشرب هذا‬
‫الخمر ‪ ،‬فسقته كأس ا ‪ ،‬فقال ‪ :‬زيدوني ‪ ،‬فلم يرم حتى وقع عليها ‪ ،‬وقتل النفس ‪ ،‬فإنها ل تجتمع هي‬
‫واليمان أبدا إل أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه " )‪. (1‬‬
‫وروى ابن جرير ‪ ،‬وابن المنذر ‪ ،‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬وأبو الشيخ ‪ ،‬وابن مردويه ‪ ،‬والنحاس في ناسخه عن‬
‫سعد بن أبي وقاص ‪ :‬أن رجلا من النصار صنع طعام ا لبعض الصحابة ‪ ،‬ثمم سقاهم خم ار قبل أن‬
‫ينزل تحريمها ‪ ،‬فلما سكروا تفاخروا ‪ ،‬فتعاركوا ‪ ،‬وأصاب سعد بن أبي وقاقص من هذا العراك أذى ‪ ،‬فقد‬
‫ضربه أحدهم بلحي بعير ‪ ،‬فأصاب أنفه ‪ ،‬فأثر فيه أث ار صاحبه طيلة حياته )‪. (2‬‬
‫وتقدم أحخد الصحابة يصلي بالناس وهو سكران ‪ ،‬قبل نزول تحريم الخمر فق أر ‪ ) :‬قل يا أيها الكافرون‬
‫صلة وأنت سكارى حنتى تعلموا ما تقولون ( ]النساء ‪[43 :‬‬
‫أعبد ما تعبدون ( فأنزل ال ‪ ) :‬ل تقربوا ال ن‬
‫)‪. (3‬‬
‫وقد رأينا الرجل الذي بلغ من الكبر فعمتي ا عندما يشرب الخمر يتصرف تصرفات المجانين ‪ ،‬ويضحك‬
‫منه الكبار والصغار ‪ ،‬ويفترش الطريق تدوسه الناس بأقدامها ‪.‬‬
‫والميسر مرض خطير كالخمر ‪ ،‬إذا تأصل في نفس النسان صعب الشفاء منه ‪ ،‬وهو سبيل لضياع‬
‫الوقت والمال ‪ ،‬والميسر ينشئ الحقاد ‪ ،‬ويدفع الحرام ‪.‬‬

‫) ‪(1/74‬‬

‫والشيطان يدعو إلى إقامة النصب كي تتخذ بعد ذلك آلهة ختعبد من دون ال ‪ ،‬وقد انتشرت عبادة‬
‫النصاب قديم ا وحديث ا ‪ ،‬والشياطين تلزم هذه الصنام ‪ ،‬وتخاطب عبادها في بعض الحيان ‪ ،‬وتريهم‬
‫بعض المور التي تجعل عابديها يثقون بها ‪ ،‬فيقصدونها بالحاجات ‪ ،‬ويدعونها في الكربات ‪،‬‬
‫ويستنصرون بها في الحروب ‪ ،‬ويقدمون لها الذبائاح والهدايا ‪ ،‬ويرقصون حولها ويطربون ‪ ،‬ويقيمون لها‬
‫العياد والحتفالت ‪ ،‬وقد أضمل بهذا الكثير ‪ ،‬كما قال إبراهيم داعي ا ربه ‪ ) :‬واجنبني وبني أن ننعبد‬
‫الصنام – رب إنهنن أضللن كثي ار من النناس ( ] إبراهيم ‪. [ 36-35 :‬‬
‫ول تزال عبادة القبور منتشرة بين المسلمين ‪ ،‬يقصدونها بالدعاء واللطاف والذبائاح ‪ ...‬وانتشرت بدعة‬
‫جديدة اليوم – يضحك بها الشيطان على بني النسان – تلك هي نصب الجندي المجهول ‪ ،‬يزعمون أنه‬
‫رمز الجندي المقاتل ‪ ،‬ويكرمونه بالهدايا والورود والتعظيم ‪ ،‬وكلما زار البلد التي فيها مثل هذه النصب‬
‫زعيم ‪ ،‬جاء هذا النصب وقدم له هدية ‪ ،‬وكل هذا من عبادة النصاب ‪ ،‬التي هي من عمل الشيطان ‪.‬‬
‫الستقسام بالزلم ‪:‬‬
‫المور المستقبلية من مكنون علم ال ‪ ،‬ولذلك شرع لنا الرسول صلى ال عليه وسلم الستخارة ‪ ،‬إذا أردنا‬
‫سف ار أو زواج ا أو غير ذلك ‪ ،‬نرجو من ال أن يختار لنا خير المور‪.‬‬
‫وأبطل الستقسام بالزلم ‪ ،‬فإن السهام والقداح ل تعلم أين الخير ول تدريه ‪ ،‬فاستشارتها خلل في العقل‬
‫‪ ،‬وقصور في العلم ‪.‬‬
‫ومثل ذلك زجر الطير ‪ :‬كان من يريد سف ار ‪ ،‬إذا خرج من بيته ‪ ،‬وممر بطائار زجره ‪ ،‬فإن تيامن ‪ ،‬كان‬
‫سف ار ميمون ا ‪ ،‬إوان ممر عن شماله ‪ ،‬كان سف ار مشؤوم ا ‪ ، ...‬وكل ذلك من الضلل ‪.‬‬
‫‪ -15‬السحر )‪: (4‬‬

‫) ‪(1/75‬‬

‫ومما يضل به الشيطان أبناء آدم السحر ‪ ،‬فهم يعلمونهم هذا العلم ‪ ،‬الذي يضر ول ينفع ‪ ،‬ويكون هذا‬
‫العلم سبيلا للتفريق بين المرء وزوجه ‪ ،‬والتفريق بين الزوجين ‪ :‬يعمده الشيطان من أعظم العمال التي‬
‫يقوم بها جنوده كما سبق أن ذكرنا ‪.‬‬
‫قال تعالى ‪ ) :‬وما كفر سليمان ولكنن النشياطين كفروا يعلمون النناس السحر وما أنزل على الملكين‬
‫ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحجد حنتى يقول إننما نحن فتنةب فل تكفر فيتعنلمون منهما ما يفرخقون‬
‫به بين المرء وزوجه وما هم بضآَمرين به من أحجد إلن بإذن ال ويتعنلمون ما يضلرهم ول ينفعهم ولقد علموا‬
‫ق ولبئاس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ( ] البقرة ‪. [ 102 :‬‬ ‫لمن اشتراه ما له في الخرة من خل ج‬
‫هل للسحر حقيقة ؟‬
‫اختلف العلماء في ذلك فمن قائال ‪ :‬إمنه تخييل ل حقيقة له ‪ ) :‬فإذا حبالهم وعصليهم يخنيل إليه من‬
‫سحرهم أننها تسعى ( ] طه ‪ ، [ 66 :‬ومن قائال ‪ :‬إن له حقيقة كما دلت عليه آية البقرة ‪ ،‬والصحيح أمنه‬
‫نوعان ‪ :‬نوع هو تخييل ‪ ،‬يعتمد على الحيل العلمية وخفة الحركة ‪ ،‬ونوع له حقيقة ‪ ،‬يفرق به بين المرء‬
‫وزوجه ‪ ،‬ويؤذى به ‪...‬‬
‫سحر اليهود للرسول صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫روى البخاري عن عائاشة رضي ال عنها قالت ‪:‬‬
‫" جسجحر رسوجل ال صلى ال عليه وسلم رجبل من بني خزرجيق له لبيد بن العصم ‪ ،‬حتى كان رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬خيخميل إليه أنه يفعل الشي وما فعله ‪.‬‬
‫حتى إذا كان ذات يوم ‪ ،‬أو ذات ليلة – وهو عندي ‪ ،‬لكنه دعا ودعا ‪ ،‬ثم قال ‪ ) :‬يا عائاشة ‪ ،‬أشعرفت‬
‫أن ال أفتاني فيما استفتيته فيه )‪ (5‬؟ أتاني رجلن ‪ ،‬فقعد أحدهما عند رأسي ‪ ،‬والخر عند رجلمي ‪.‬‬
‫فقال أحدهما لصاحبه ‪ :‬ما وجع الرجل ؟ قال ‪ :‬مطبوب )‪ . (6‬قال ‪ :‬ومن طمبه؟ قال ‪ :‬لبيد بن العصم‬
‫ف طلع نخلة ذكر )‪. (8‬‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬في أي شيء ؟ قال ‪ :‬في خمشط وخمشاطة )‪ (7‬وخج م‬
‫قال ‪ :‬وأين هو ؟ قال ‪ :‬في بئار ذروان ‪.‬‬
‫) ‪(1/76‬‬

‫فأتاها رسول ال صلى ال عليه وسلم في ناس من أصحابه ‪ ،‬فجاء فقال ‪ ) :‬يا عائاشة ‪ ،‬كأن ماءها‬
‫نقاعة الحناء ‪ ،‬وكأمن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين ( ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أفل استخرجته ؟ قال ‪ ) :‬قد عافاني ال ‪ ،‬فكرهت أن أثير على الناس فيه ش ار ‪،‬‬
‫فأمر بها فخدفنت ( )‪. (9‬‬
‫ول يقال ‪ :‬إن سحر الرسول صلى ال عليه وسلم يوجب له لبس ا في النبوة والرسالة ؛ لن أثر السحر لم‬
‫يتجاوز ظاهر الجسم الشريف ‪ ،‬فلم يصل إلى القلب والعقل ‪ .‬فهو كسائار المراض التي قد تعرض له ‪،‬‬
‫والتشريع محفوظ بحفظ ال تعالى ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ ) :‬إننا نحن ننزلنا الذكر إواننا له لحافظون ( ] الحجر ‪:‬‬
‫‪.[9‬‬
‫‪ -16‬ضعف النسان ‪:‬‬
‫في النسان نقاط ضعف كثيرة ‪ ،‬هي في الحقيقة أمراض ‪ ،‬والشيطان يعمق هذه المراض في نفس‬
‫النسان ‪ ،‬بل تصبح مداخله إلى النفس النسانية ‪ ،‬ومن هذه المراض ‪ :‬الضعف ‪ ،‬واليأس ‪ ،‬والقنوط ‪،‬‬
‫والبطر ‪ ،‬والفرح ‪ ،‬والعجب ‪ ،‬والفخر ‪ ،‬والظلم ‪ ،‬والبغي ‪ ،‬والجحود ‪ ،‬والكنود ‪ ،‬والعجلة ‪ ،‬والطيش ‪،‬‬
‫والسفه ‪ ،‬والبخل ‪ ،‬والشح ‪ ،‬والحرص ‪ ،‬والجدل ‪ ،‬والمراء ‪ ،‬والشك ‪ ،‬والريبة ‪ ،‬والجهل ‪ ،‬والغفلة ‪ ،‬واللدد‬
‫في الخصومة ‪ ،‬والغرور ‪ ،‬والدعاء الكاذب ‪ ،‬والهلع ‪ ،‬والجزع ‪ ،‬والمنع ‪ ،‬والتمرد ‪ ،‬والطغيان ‪ ،‬وتجاوز‬
‫الحدود ‪ ،‬وحب المال ‪ ،‬والفتتان بالدنيا ‪.‬‬
‫فالسلم يدعو إلى إصلح النفس ‪ ،‬والتخلص من أمراضها ‪ ،‬وهذا يحتاج إلى جهد يبذل ‪ ،‬كما يحتاج‬
‫إلى صبر على مشمقات الطريق ‪.‬‬
‫أمما اتباع الهوى ‪ ،‬وما تميله النفس المارة بالسوء ‪ ،‬فإنه سهل ميسور ‪ ،‬فالول مثله مثل من يصعد‬
‫بصخرة إلى أعلى الجبل ‪ ،‬ومثل الثاني كمن يهوي من أعلى الجبل إلى أسفله ‪ ،‬ولذلك كانت الستجابة‬
‫للشيطان كثيرة ‪ ،‬جوجوجد دعاة الحق صعوبة ‪ ،‬وأي صعوبة في الدعوة إلى ال تعالى ‪.‬‬
‫ونحن نسوق إليك بعض كلم السلف ؛ لنوضح كيف يستغل الشيطان نقاط الضعف في النسان ‪.‬‬

‫) ‪(1/77‬‬

‫حكى المعتمر بن سليمان عن أبيه أنه قال ‪ " :‬ذكر لي أن الشيطان الوسواس ينبعث في قلب ابن آدم‬
‫عند الحزن والفرح ‪ ،‬فإذا ذكر ال خنس" )‪. (10‬‬
‫وقال وهب بن منبه ‪ " :‬قال راهب للشيطان وقد بدا له ‪ :‬أي أخلق ابن آدم أعون لك عليهم ؟ قال ‪:‬‬
‫الحمدة ) صفة تعتري النسان كالغضب ( ‪ ،‬إن العبد إذا كان حديدا ‪ ،‬قلبناه كما يقلب الصبيان الكرة " )‬
‫‪. (11‬‬
‫ويذكر ابن الجوزي أيض ا عن ابن عمر ‪ " :‬أن نوح ا سأل الشيطان عن الخصال التي يهلك بها الناس ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬الحسد والحرص " ‪.‬‬
‫وليس بعيدا عمنا ما فعله الشيطان بيوسف إواخوته ‪ ،‬وكيف أوغر صدور الخوة على أخيهم ‪ ،‬وقد قال‬
‫يوسف ‪ ) :‬وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن ننزغ النشيطان بيني‬
‫وبين إخوتي ( ] يوسف ‪. [ 100 :‬‬
‫‪ -17‬النساء وحب الدنيا ‪:‬‬
‫وقد أخبرنا الرسول صلى ال عليه وسلم أنه ما ترك بعده فتنة أشد على الرجال من النساء ‪ ،‬ولذلك أمرت‬
‫المرأة بستر جسدها كله إل الوجه والكفين ‪ ،‬وأمر الرجال بغض أبصارهم ‪ ،‬ونهى الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم عن الخلوة بالمرأة ‪ ،‬وأخبر أمنه ما خل رجل بامرأة إل كان الشيطان ثالثهما ‪ .‬وفي سنن الترمذي‬
‫بإسناد صحيح ‪ ) :‬المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان ( )‪. (12‬‬
‫ونحن اليوم نشاهد عظم فتنة خروج النساء كما وصفهم الرسول صلى ال عليه وسلم كاسيات عاريات ‪،‬‬
‫قامت مؤسسات في الشرق والغرب تستخدم جيوشا من النساء والرجال لترويج الفاحشة بالصورة المرئاية‬
‫‪ ،‬والقصة الخليعة ‪ ،‬والفلم التي تحكي الفاحشة وتدعو لها !‬
‫ب الدنيا فهو رأس كل خطيئاة ‪ ،‬وما سفكت الدماء ‪ ،‬وهتكت العراض ‪ ،‬وغصبت الموال ‪،‬‬
‫أما ح م‬
‫وقطعت الرحام ‪ ... ،‬إل لجل حيازة الدنيا ‪ ،‬والصراع على حطامها الفاني ‪ ،‬وحرص ا على متعها‬
‫الزائادة ‪.‬‬
‫‪ -18‬الغناء والموسيقى ‪:‬‬

‫) ‪(1/78‬‬

‫الغناء والموسيقى طريقان يفسد الشيطان بهما القلوب ‪ ،‬ويخرب النفوس ‪ ،‬يقول ابن القيم ‪ " :‬ومن مكايد‬
‫عدو ال ومصايده التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين ‪ ،‬وصاد بها قلوب الجاهلين‬
‫والمبطلين ‪ :‬سماع المكاء والتصدية ‪ ،‬والغناء باللت المحرمة ‪ ،‬الذي يصد القلوب بها عن القرآن ‪،‬‬
‫ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان ‪ ،‬فهو قرآن الشيطان ‪ ،‬والحجاب الكثيف عن الرحمن ‪ ،‬وهو‬
‫رقية اللواط والزنى ‪ ،‬كاد به الشيطان النفوس المبطلة ‪ ،‬وحسنه لها مك ار وغرو ار ‪ ،‬وأوحى لها الشبه‬
‫الباطلة على حسنه ‪ ،‬فقبلت وحيه ‪ ،‬واتخذت لجله القرآن مهجو ار ‪. (13) " ....‬‬
‫ومن عجب أن بعض الناس ‪ ،‬الذين يمدعون التعبد ‪ ،‬يتخذون الغناء والرقص والتمايل طريقا للتعبد ‪،‬‬
‫يتركون السماع الرحماني ‪ ،‬ويذهبون إلى السماع الشيطاني ‪ ،‬وقد عمد ابن القيم )‪ (14‬لهذا السماع‬
‫بضعة عشر اسم ا ‪ :‬اللهو ‪ ،‬واللغو ‪ ،‬والباطل ‪ ،‬والزور ‪ ،‬والمكاء ‪ ،‬والتصدية ‪ ،‬ورقية الزنى ‪ ،‬وقرآن‬
‫الشياطين ‪ ،‬ومنبت النفاق في القلب ‪ ،‬والصوت الحمق ‪ ،‬والصوت الفاجر ‪ ،‬وصوت الشيطان ‪،‬‬
‫ومزمور الشيطان ‪ ،‬والسمود ‪.‬‬
‫وأطال النفس في بيان تحريمه ‪ ،‬وما فيه من زور وبهتان ‪ ،‬فراجعه إن شئات ‪.‬‬
‫الجرس مزامير الشيطان ‪:‬‬
‫أخبرنا الرسول صلى ال عليه وسلم أن ‪ ) :‬الجرس مزامير الشيطان ( ‪ .‬رواه مسلم في صحيحه عن‬
‫أبي هريرة )‪ . (15‬ولذا فإن الملئاكة ) ل تصحب رفقة فيها كلب ول جرس ( ‪ .‬رواه مسلم في صحيحه‬
‫‪ ،‬عن أبي هريرة )‪. (16‬‬
‫‪ -19‬تهاون المسلمين في تحقيق ما أمروا به ‪:‬‬
‫إذا التزم المسلم بإسلمه فإن الشيطان ل يجد سبيلا لضلله والعبث به ‪ ،‬فإذا تهاون وتكاسل في بعض‬
‫المور ‪ ،‬فإن الشيطان يجد فرصة ‪ ،‬قال تعالى ‪ ) :‬يا أنيها انلذين آمنوا ادخلوا في السلم كافنةا ول تنتبعوا‬
‫خطوات النشيطان إننه لكم عدبو لمبيبن ( ]البقرة ‪. [208:‬‬

‫) ‪(1/79‬‬

‫فالدخول في السلم في كل المور هو الذي يخلص من الشيطان ‪ ،‬فمثلا إذا كانت صفوف المصلين‬
‫مرصوصة ‪ ،‬فإن الشياطين ل تستطيع أن تتخلل المصلين ‪ ،‬فإذا ختركت خفربج بين الصفوف ‪ ،‬فإن‬
‫الشياطين تتراقص بين صفوف المصلين ؛ ففي الحديث ‪ ) :‬أقيموا صفوفكم ‪ ،‬ل تتخللكم الشياطين‬
‫كأمنها أولد الجحجذف ( ‪ .‬قيل يا رسول ال ‪ :‬وما أولد الحذف ؟ قال ‪ ) :‬سود خجرد بأرض اليمن ( ‪ .‬رواه‬
‫أحمد والحاكم بإسناد صحيح )‪. (17‬‬
‫وفي الحديث الخر ‪ ) :‬أقيموا صفوفكم ‪ ،‬وتراصوا ‪ ،‬فوالذي نفسي بيده ‪ ،‬إني لرى الشيطان بين‬
‫صفوفكم كأنها غنم خعلفر ( ‪ .‬رواه أبو داود الطيالسي بإسناد صحيح )‪. (18‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬رواه البيهقي ‪ ،‬وصحح ابن كثير إسناده ‪.‬‬
‫)‪ (2‬راجع ‪ :‬الدر المنثور ‪ ،‬للسيوطي ‪. 3/158:‬‬
‫)‪ (3‬راجع روايات الحديث في الدر المنثور ‪. 7/545 :‬‬
‫)‪ (4‬بسط القول في السحر في مؤلف مستقل أ‪.‬د‪.‬عمر الشقر عنون له بعنوان ‪ :‬عالم السحر والشعوذة‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (5‬أي أجابني فيما طلبته ‪.‬‬
‫)‪ (6‬أي مسحور ‪.‬‬
‫)‪ (7‬المشاطة ‪ :‬شعر سقط من الرأس بعد تسريحه ‪.‬‬
‫)‪ (8‬جف طلع نخلة ‪ ،‬أي ‪ :‬غشاء الطلع ‪.‬‬
‫)‪ (9‬صحيح البخاري ‪ . 10/221 :‬ورقمه ‪. 5763 :‬‬
‫)‪ (10‬تفسير ابن كثير ‪. 17/423 :‬‬
‫)‪ (11‬تلبيس إبليس ‪. 42 :‬‬
‫)‪ (12‬صحيح سنن الترمذي ‪ . 1/343 :‬ورقمه ‪ . 936 :‬وقوله ‪ :‬استشرفها ‪ ،‬أي ‪ :‬زينها في نظر‬
‫الرجال ‪.‬‬
‫)‪ (13‬إغاثة اللهفان ‪. 1/242 :‬‬
‫)‪ (14‬إغاثة اللهفان ‪. 1/256 :‬‬
‫)‪ (15‬صحيح مسلم ‪ . 3/1672 :‬ورقمه ‪. 2114 :‬‬
‫)‪ (16‬صحيح مسلم ‪ . 3/1672 :‬ورقمه ‪. 2113 :‬‬
‫)‪ (17‬صحيح الجامع ‪ . 1/384 :‬وأولد الجحذف ‪ :‬الغنم الصغار ‪ ،‬والمراد الشياطين ‪ ،‬فإنها تدخل في‬
‫أوساط الصفوف كأولد الحذف ‪ .‬خجرد ‪ ،‬أي ‪ :‬ليس على جلدها شعر ‪.‬‬
‫)‪ (18‬صحيح الجامع ‪. 1/384 :‬‬
‫كيف يصل الشيطان بوسوسته إلى نفس النسان‬
‫المطلب الول‬
‫الوسوسة‬

‫) ‪(1/80‬‬

‫الشيطان يستطيع أن يصل إلى فكر النسان وقلبه بطريقة ل ندركها ‪ ،‬ول نعرفها ‪ ،‬يساعده على ذلك‬
‫طبيعته التي خلق عليها ‪ ،‬وهذا هو الذي نسميه بالوسوسة ‪ ،‬وقد أخبرنا ال بذلك إذ سماه ‪ ) :‬الوسواس‬
‫الخنناس – انلذي يوسوس في صدور النناس ( ]الناس ‪ . [5-4 :‬قال ابن كثير في تفسيره ‪ ) :‬الوسواس‬
‫الخنناس ( ‪ :‬الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ‪ ،‬فإذا سها وغفل وسوس ‪ ،‬فإذا ذكر ال خنس ‪.‬‬
‫وقد ثبت في الصحيحين عن أنس أن الرسول صلى ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬إن الشيطان يجري من ابن‬
‫آدم مجرى الدم ( )‪. (1‬‬
‫وبهذه الوسوسة أضل آدم وأغواه بالكل من الشجرة ‪ ) :‬فوسوس إليه النشيطان قال يا آدم هل أدللك على‬
‫شجرجة الخلد وملجك ل يبلى ( ] طه ‪. [ 120 :‬‬
‫وقد تتمثل الشياطين في صورة بشر ‪ ،‬وقد يحمدثون النسان ‪ ،‬وخيسفمعونه ‪ ،‬ويأمرونه ‪ ،‬وينهونه ‪ ،‬بمرادهم‬
‫‪ ...‬كما سيأتي بيانه ‪.‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬مشكاة المصابيح ‪ . 1/26 :‬ورقمه ‪. 68 :‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫تمثل الشياطين‬
‫أحيان ا تأتي الشياطين ل بطريق الوسوسة ؛ بل تتراءى له في صورة إنسان ‪ ،‬وقد يسمع الصوت ‪ ،‬ول‬
‫يرى الجسم ‪ ،‬وقد تتشكل بصور غريبة ‪ ...‬وهي أحيان ا تأتي الناس وتعرفهم بأنها من الجن ‪ ،‬وفي بعض‬
‫الحيان تكذب في قولها ‪ ،‬فتزعم أنها من الملئاكة ‪ ،‬وأحيان ا تسمي نفسها برجال الغيب ‪ ،‬أو تدعي أنها‬
‫من عالم الرواح ‪....‬‬
‫وهي في كل ذلك تحدث بعض الناس ‪ ،‬وتخبرهم بالكلم المباشر ‪ ،‬أو بوساطة شخص منهم يسمى‬
‫الوسيط ‪ ،‬تتلبس وتتحدث على لسانه ‪ ،‬وقد تكون الجابة بوساطة الكتابة ‪...‬‬
‫وقد تقوم بأكثر من ذلك ‪ ،‬فتحمل النسان ‪ ،‬وتطير به في الهواء ‪ ،‬وتنقله من مكان إلى مكان ‪ ،‬وقد تأتي‬
‫ب الرض والسماوات ‪ ،‬أو‬
‫له بأشياء يطلبها ‪ ،‬ولكنها ل تفعل هذا إل بالضالين ‪ ،‬الذين يكفرون بال ر م‬
‫يفعلون المنكرات والموبقات ‪....‬‬

‫) ‪(1/81‬‬

‫وقد يتظاهر هؤلء بالصلح والتقوى ‪ ،‬ولكنهم في حقيقة أمرهم من أضمل الناس وأفسقهم ‪ ،‬وقد ذكر‬
‫القدامى والمحدثون من هذا شيئا ا كثي ار ‪ ،‬ل مجال لتكذيبه والطعن فيه ؛ لبلوغه مبلغ التواتر ‪.‬‬
‫فمن ذلك ما ذكره ابن تيمية عن الحلج قال ‪ " :‬وكان صاحب سيمياء وشياطين تخدمه أحيانا ‪ ،‬كانوا‬
‫معه ) بعض أتباعه ( على جبل أبي قبيس ‪ ،‬فطلبوا منه حلوة ‪ ،‬فذهب إلى مكان قريب ‪ ،‬وجاء بصحن‬
‫حلوى ‪ ،‬فكشفوا المر فوجدوا ذلك قد سرق من دكان حلوي باليمن ‪ ،‬حمله شيطان تلك البقعة " ‪.‬‬
‫قال ‪ " :‬ومثل هذا يحدث كثي ار لغير الحلج ممن له حال شيطاني ‪ ،‬ونح نعرف كثي ار من هؤلء في‬
‫زمننا وغير زمننا ‪ ،‬مثل شخص هو الن ) في زمن ابن تيمية ( بدمشق ‪ ،‬كان الشيطان يحمله من جبل‬
‫الصالحية إلى قرية حول دمشق ‪ ،‬فيجيء من الهواء إلى طاقة البيت ‪ ،‬فيدخل وهم يرونه ‪ ،‬ويجيء‬
‫بالليل على باب الصغير ) باب من أبواب دمشق الستة التي كانت يومئاذ ( ‪ ،‬فيعبر منه هو ورفيقه ‪،‬‬
‫وهو من أفجر الناس ‪.‬‬
‫وآخر كان بالشوبك ) قلعة حصينة في أطراف الشام ( من قرية يقال لها ‪ :‬الشاهدة ‪ ،‬يطير في الهواء‬
‫إلى رأس الجبل والناس يرونه ‪ ،‬وكان شيطان يحمله ‪ ،‬وكان يقطع الطريق‪.‬‬
‫وأكثرهم شيوخ الشمر ‪ ،‬يقال لحدهم ‪ ) :‬البوشي أبي المجيب ( ينصبون له خركاه في ليلة مظلمة ‪،‬‬
‫ويصنعون خب از على سبيل القربات ‪ ،‬فل يذكرون ال ‪ ،‬ول كتاب فيه ذكر ال ‪ ،‬ثم يصعد ذلك البوشي‬
‫في الهواء وهم يرونه ‪ ،‬ويسمعون خطابه للشيطان ‪ ،‬وخطاب الشيطان له ‪ .‬ومن ضحك أو سرق من‬
‫الخبز ضربه الدف ‪ ،‬ول يرون من يضرب به ‪.‬‬
‫ثم إن الشيطان يخبرهم ببعض ما يسألونه عنه ‪ ،‬ويأمرهم بأن يقربوا له بق ار وخيلا وغير ذلك ‪ ،‬وأن‬
‫يخنقوها خنقا ‪ ،‬ول يذكرون اسم ال عليها ‪ ،‬فإذا فعلوا قضى حاجتهم " ‪.‬‬

‫) ‪(1/82‬‬

‫ويذكر ابن تيمية أيض ا عن " شيخ أخبر عن نفسه أنه كان يزني بالنساء ويتلوط الصبيان ‪ ،‬وكان يقول ‪:‬‬
‫يأتيني كلب أسود بين عينيه نكتتان بيضاوان ‪ ،‬فيقول لي ‪ :‬فلن ابن فلن نذر لك نذ ار ‪ ،‬وغدا نأتيك به‬
‫‪ ،‬فيصبح ذلك الشخص يأتيه بذلك النذر ‪ ،‬ويكاشفه هذا الشيخ الكافر " ‪.‬‬
‫ويذكر عن هذا الشيخ أنه قال ‪ " :‬وكنت إذا طلب مني تغيير مثل ) اللدن ( )صمغ يستعمل عط ار‬
‫ودواء( أقول ‪ :‬حتى أغيب عن عقلي ‪ ،‬إواذا باللدن في يدي أو في فمي ‪ ،‬وأنا ل أدري من وضعه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وكنت أمشي وبين يدي عمود أسود عليه نور ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فلما تاب هذا الشيخ ‪ ،‬وصار يصلي ويصوم ‪ ،‬ويجتنب المحارم ‪ ،‬ذهب الكلب ‪ ،‬وذهب التغيير ‪،‬‬
‫فل يأتي باللدن ول غيره ‪.‬‬
‫ويحكى عن شيخ آخر كان له شياطين يرسلهم يصرعون بعض الناس ‪ ،‬فيأتي أهل ذلك المصروع إلى‬
‫الشيخ يطلبون إب ارجءه ‪ ،‬فيرسل إلى أتباعه ‪ ،‬فيفارقون ذلك المصروع ‪ ،‬ويعطون الشيخ دراهم كثيرة ‪،‬‬
‫وكان أحيان ا تأتيه الجن بدراهم وطعام تسرقه من الناس ‪ ،‬حتى إن بعض الناس كان له تين في كوارة ‪،‬‬
‫فيطلب الشيخ من شياطينه تينا فيحضرونه له ‪ ،‬فيطلب أصحاب الكوارة التين ‪ ،‬فيجدونه قد ذهب ‪.‬‬
‫ويذكر عن آخر أنه كان مشتغلا بالعلم فجاجءته الشياطين وأغوته ‪ ،‬وقالوا له ‪ :‬نحن نسقط عنك الصلة‬
‫‪ ،‬ونحضر لك ما تريد ‪ ،‬فكانوا يأتونه بالحلوى ‪ ،‬حتى حضر عند بعض الشيوخ العارفين بالسنة فاستتابه‬
‫‪ ،‬وأعطى أهل الحلوة ثمن حلوتهم التي أكلها ذلك المفتون بالشيطان " )‪. (1‬‬
‫وبين شيخ السلم بعض طرق الشيطان في الغواء ‪ ،‬فقال )‪ " : (2‬أنا أعرف من تخاطبه النباتات بما‬
‫فيها من المنافع ‪ ،‬إوانما يخاطبه الشيطان الذي دخل فيها ‪ ،‬وأعرف من يخاطبهم الشجر والحجر ‪،‬‬
‫وتقول ‪ :‬هنيئا ا لك يا ولي ال ‪ ،‬فيق أر آية الكرسي فيذهب ذلك ‪ ،‬وأعرف من يقصد صيد الطير ‪ ،‬فتخاطبه‬
‫العصافير وغيرها ‪ ،‬وتقول ‪ :‬خذني حتى يأكلني الفقراء ‪ ،‬ويكون الشيطان قد دخل فيها كما يدخل في‬
‫النسان ويخاطبه بذلك ‪.‬‬

‫) ‪(1/83‬‬
‫ومنهم من يكون في البيت وهو مغلق ‪ ،‬فيرى نفسه خارجه ‪ ،‬وهو لم يفتح ‪ ،‬وبالعكس ‪ ،‬وكذلك في أبواب‬
‫المدينة ‪ ،‬وتكون الجن قد أدخلته وأخرجته بسرعة يتصورون بصورة صاحبه ‪ ،‬فإذا ق أر آية الكرسي مرة‬
‫بعد مرة ذهب ذلك كله " ‪.‬‬
‫ويقول رحمه ال ‪ " :‬وأعرف من يخاطبه مخاطب ويقول له ‪ :‬أنا من أمر ال ‪ ،‬ويعده بأنه المهدي الذي‬
‫بشر به الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ويظهر له الخوارق ‪ ،‬مثل أن يخطر بقلبه تصرف في الطير‬
‫والجراد في الهواء ‪ ،‬فإذا خطر بقلبه ذهاب الطير أو الجراد يمين ا أو شمالا ذهب حيث أراد ‪ ،‬إواذا خطر‬
‫بقلبه قيام بعض المواشي ‪ ،‬أو نومه ‪ ،‬أو ذهابه ‪ ،‬حصل له ما أراد من غير حركة منه في الظاهر ‪،‬‬
‫وتحمله إلى مكة وتأتي به ‪ ،‬وتأتيه بأشخاص في صورة جميلة ‪ ،‬وتقول له ‪ :‬هؤلء الملئاكة الكروبيون‬
‫جاؤوا لزيارتك ‪ ،‬فيقول في نفسه ‪ :‬كيف تصوروا بصورة المردان ؟ ! فيرفع رأسه فيجدهم بلحى ‪،‬‬
‫ويقولون له ‪ :‬علمة أنك المهدي أنك تنبت في جسدك شامة ‪ ،‬فتنبت ويراها ‪ ،‬وغير ذلك ‪ ،‬وكله من‬
‫مكر الشيطان " )‪. (3‬‬
‫وبين رحمه ال " أن أهل الضلل والبدع الذين فيهم زهد وعبادة على غير الوجه الشرعي ‪ ،‬ولهم أحيان ا‬
‫مكاشفات وتأثيرات ‪ ،‬يأوون كثي ار إلى مواضع الشياطين التي خنهي عن الصلة فيها ؛ لن الشياطين‬
‫تتنزل عليهم بها ‪ ،‬وتخاطبهم الشياطين ببعض المور كما تخاطب الكهان ‪ ،‬وكما كانت تدخل في‬
‫الصنام ‪ ،‬وتكلم عابدي الصنام ‪ ،‬وتعينهم في بعض المطالب كما تعين السحرة ‪ ،‬وكما تعين عباد‬
‫الصنام وعباد الشمس والقمر والكواكب ‪ ،‬إذا عبدوها بالعبادات التي يظنون أنها تناسبها ‪ ،‬من تسبيح‬
‫لها ولباس وبخور وغير ذلك ؛ فإنه قد تنزل عليهم شياطين يسمونها روحانية الكواكب ‪ ،‬وقد تقضي‬
‫بعض حوائاجهم " )‪. (4‬‬
‫الذين تخدمهم الشياطين يتقربون إليها بالمعاصي ‪:‬‬

‫) ‪(1/84‬‬

‫هؤلء الذين يزعمون الولية – والحقيقة أن الشياطين تخدمهم – ل بمد أن يتقربوا إلى الشياطين بما تحبه‬
‫من الكفر والشرك ؛ كي يقضوا بعض أغراضه ‪ ،‬ويذكر ابن تيمية )‪ : (5‬أن كثي ار من هؤلء يكتبون‬
‫كلم ال بالنجاسة ‪ ،‬وقد يقلبون حروف كلم ال عمز وجمل ‪ ،‬إمما حروف الفاتحة ‪ ،‬إواما حروف ) قل هو‬
‫ال أحد ( ‪ ،‬إواما غيرهما – ويذكر أنهم قد يكتبون كلم ال بالدم أو بغيره من النجاسات ‪ ،‬وقد يكتبون‬
‫غير ذلك مما يرضاه الشيطان ‪ ،‬أو يتكلمون بذلك ‪.‬‬
‫فإذا قالوا أو كتبوا ما ترضاه الشياطين ‪ ،‬أعانتهم على بعض أغراضهم ‪ :‬إما تغوير ماء من المياه ‪ ،‬إواما‬
‫أن يحمل في الهواء إلى بعض المكنة ‪ ،‬إواما أن يأتيه بمال من أموال بعض الناس ‪ ،‬كما تسرقه‬
‫الشياطين من أموال الخائانين ‪ ،‬ومن لم يذكر اسم ال عليه ‪ ،‬وتأتي به ‪ ،‬إواما غير ذلك ‪.‬‬
‫رجال الغيب ‪:‬‬
‫يذكر شارح الطحاوية ‪ " :‬أن من الشياطين ما يسميه الناس رجال الغيب ‪ ،‬وأن بعض الناس يخاطبونهم‬
‫‪،‬وتحصل لهؤلء خوارق يزعمون بها أنهم أولياء ال ‪ ،‬وأن بعض هؤلء يعين المشركين على المسلمين ‪،‬‬
‫صلوا " ‪.‬‬
‫ويقول ‪ :‬إن الرسول أمره بقتال المسلمين مع المشركين ‪ ،‬لكون المسلمين جع ج‬
‫ويعقب شارح الطحاوية على ذلك قائالا ‪ " :‬هؤلء في الحقيقة إخوان المشركين ‪ ،‬وذكر أمن الناس من‬
‫أهل العلم في رجال الغيب ثلثة أحزاب ‪:‬‬
‫‪ -1‬حزب يكذبون بوجود رجال الغيب ‪ ،‬ولكن قد عاينهم الناس ‪ ،‬وثبت عمن عاينهم ‪ ،‬أو حدثه الثقات‬
‫بما رأوه ‪ ،‬وهؤلء إذا رأوهم وتيقنوا وجودهم ‪ ،‬خضعوا لهم ‪.‬‬
‫‪ -2‬وحزب عرفوهم ‪ ،‬ورجعوا إلى القدر ‪ ،‬واعتقدوا أن ثجمم في الباطن طريقا إلى ال غير طريقة النبياء ‪.‬‬
‫‪ -3‬وحزب ما أمكنهم أن يجعلوا ولي ا خارج ا عن دائارة الرسول ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يكون الرسول هو محمدا‬
‫للطائافتين ‪ .‬فهؤلء معظمون للرسول جاهلون بدينه وشرعه " ‪.‬‬

‫) ‪(1/85‬‬

‫ثم قال مبين ا حقيقة هؤلء وأتباعهم ‪ " :‬والحق أن هؤلء من أتباع الشياطين ‪ ،‬وأن رجال الغيب هم الجن‬
‫‪ ،‬ويسمون رجالا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ ) :‬وأننه كان رجابل من النس يعوذون برجاجل من الجن فزادوهم رهقا (‬
‫] الجن ‪ ، [ 6 :‬إوال فالنس يؤنسون ‪ ،‬أي يشهدون ويرون ‪ ،‬إوانما يحتجب النس أحيان ا ‪ ،‬ل يكون دائام‬
‫الحتجاب عن أبصار النس ‪ ،‬ومن ظنهم من النس فمن غلطه وجهله " ‪.‬‬
‫ثم بين أن السبب في الختلف فيهم وفي افتراق هذه الحزاب الثلثة عدم الفرقان بين أولياء الشيطان‬
‫وأولياء الرحمن ‪ ،‬وبمين أنه يجب عرض أفعال الناس وأقوالهم وحالهم على الكتاب والسنة ‪ ،‬فما وافقهما‬
‫كان صالحا ‪،‬وما خالفهما كان غالطا ‪ ،‬ومهما فعل النسان وتبدى من حاله ل يكون مؤمنا ول وليا ل –‬
‫إوان طار في الهواء ‪ ،‬ومشى على الماء ما لم يكن ملتزم ا بالكتاب والسنة )‪. (6‬‬
‫فل بد أن يكون عند العبد الميزان الذي يفرق به بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪ ،‬والصالحين‬
‫ضل وزاغ ‪ ،‬وظن أعداء ال أولياجءه ‪ ،‬هذا الميزان هو الكتاب والسنة ‪ ،‬فإذا كان العبد‬
‫والطالحين ‪ ،‬إوال م‬
‫ملتزم ا بهما فنعم ‪ ،‬إوال فإمنه ليس على شيء ‪ ،‬ولو رأيناه يحي الموات ‪ ،‬ويحول المعادن الخسيسة إلى‬
‫معادن نفيسة ‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية ‪ " :‬ومن لم يميز بين الحوال الرحمانية والنفسانية اشتبه عليه الحق بالباطل ‪ ،‬ومن لم‬
‫ينمور ال قلبه بحقائاق اليمان واتباع القرآن ‪ ،‬لم يعرف طريق المحق من المبطل ‪ ،‬والتبس عليه المر‬
‫والحال ‪ ،‬كما التبس على الناس حال مسيلمة صاحب اليمامة وغيره من الكذابين في زعمهم أنهم أنبياء‬
‫إوانما هم كذابون " )‪. (7‬‬
‫وقد ألف ابن تيمية كتاب ا عظيم ا ‪ ،‬إذا عرفته ‪ ،‬تبين لك الفارق الكبير بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان‬
‫بحيث ل يشتبه عليك بعد ذلك أمر أولياء الشيطان ‪ ،‬وقد أسماه " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء‬
‫الشيطان " ‪.‬‬
‫ل تسخر الجن لحد بعد نبي ال سليمان ‪:‬‬

‫) ‪(1/86‬‬

‫استجاب ال لنبيه سليمان ‪ ،‬ووهب له ملك ا ل ينبغي لحد من بعده ‪ ،‬فإذا حصل طاعة من الجن لحد‬
‫من النس ‪ ،‬فل يكون على سبيل التسخير ‪ ،‬إوانما برضى الجني ‪ ،‬وهل يجوز ذلك ؟‬
‫يقول ابن تيمية )‪ " : (8‬الجن مع النس على أحوال ‪ :‬فمن كان من النس يأمر الجن بما أمر ال به‬
‫ورسله من عبادة ال وحده وطاعة نبيه ‪ ،‬ويأمر النس بذلك ‪ ،‬فهذا من أفضل أولياء ال تعالى ‪ ،‬وهو‬
‫في ذلك من خلفاء الرسول صلى ال عليه وسلم ونوابه ‪.‬‬
‫ومن كان يستعمل الجن في أمور مباحة له ‪ ،‬فهو كمن استعمل النس في أمور مباحة له ‪ ،‬وهذا كأن‬
‫يأمرهم بما يجب عليهم ‪ ،‬وينهاهم عما حمرم عليهم ‪ ،‬ويستعملهم في مباحات له ‪ ،‬فيكون بمنزلة الملوك ‪،‬‬
‫الذين يفعلون مثل ذلك ‪ ،‬وهذا إذا قمدر أنه من أولياء ال ‪ ،‬فغايته أن يكون في عموم أولياء ال مثل النبي‬
‫الملك مع العبد الرسول ‪ ،‬كسليمان ويوسف مع إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات ال وسلمه‬
‫عليهم أجمعين ‪.‬‬
‫ومن كان يستعمل الجمن فيما ينهى ال عنه ورسوله إما في الشرك ‪ ،‬إواما في قتل معصوم الدم ‪ ،‬أو في‬
‫العدوان عليهم بغير القتل ‪ ،‬كتمريضه إوانسائاه العلم ‪ ،‬وغير ذلك من الظلم ‪ ،‬إواما في فاحشة ‪ ،‬كجلب‬
‫من يطلب منه الفاحشة ‪ ،‬فهذا قد استعان بهم على الثم والعدوان ‪ ،‬ثمم إن استعان بهم على الكفر فهو‬
‫كافر ‪ ،‬إوان استعان بهم على المعاصي فهو عاص ‪ :‬إما فاسق ‪ ،‬إواما مذنب غير فاسق ‪.‬‬
‫إوان لم يكن تام العلم بالشريعة ‪ ،‬فاستعان بهم فيما يظن أنه من الكرامات ‪ ،‬مثل أن يستعين بهم على‬
‫الحج ‪ ،‬أو يطيروا به عند السماع البدعي ‪ ،‬أو أن يحملوه إلى عرفات ‪ ،‬ول يحج الحج الشرعي الذي أمره‬
‫ال به ورسوله ‪ ،‬وأن يحملوه من مدينة إلى مدينة ‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ،‬فهذا مغرور قد مكروا به " ‪.‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬جامع الرسائال لبن تيمية ‪ :‬ص ‪. 194-190‬‬
‫)‪ (2‬مجموع الفتاوى ‪. 11/300 :‬‬
‫)‪ (3‬مجموع الفتاوى لشيخ السلم ‪. 11/300 :‬‬
‫)‪ (4‬مجموع الفتاوى ‪. 19/41 :‬‬
‫) ‪(1/87‬‬

‫)‪ (5‬مجموع الفتاوى ‪. 19/35 :‬‬


‫)‪ (6‬شرح العقيدة الطحاوية ‪. 572-571 :‬‬
‫)‪ (7‬جامع الرسائال ‪ :‬ص ‪. 197‬‬
‫)‪ (8‬مجموع الفتاوى ‪. 11/307 :‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫تحضير الرواح‬
‫انتشر في عصرنا القول بتحضير الرواح ‪ ،‬وصمدق بهذه الففرية كثير من الذين يعمدهم الناس عقلء‬
‫وعلماء ‪.‬‬
‫وتحضير الرواح المزعوم سبيله ليس واحدا ‪ ،‬فمنه ما هو كذب صراح ‪ ،‬يستعمل فيه اليحاء النفسي ‪،‬‬
‫والمؤثرات المختلفة ‪ ،‬والحيل العلمية ‪ ،‬ومنه ما هو استخدام للجمن والشياطين ‪.‬‬
‫وقد كشف الستاذ الدكتور محمد محمد حسين في كتابه ) الروحية الحديثة ( كثي ار من خداع هؤلء‬
‫وتزويرهم للحقيقة ‪ ،‬فهم ل يجرون تجاربهم كلها إل في ضوء أحمر خافت ‪ ،‬هو أقرب إلى الظلم ‪،‬‬
‫وظواهر التجسيد ‪ ،‬والصوت المباشر ‪ ،‬ونقل الجسام ‪ ،‬وتحريكها تجرى في الظلم الدامس ‪ ،‬ول‬
‫يستطيع المراقب أن يتبين مواضع الجالسين ‪ ،‬ول مصدر الصوت ‪ ،‬ول يستطيع كذلك أن يميز شيئا ا من‬
‫تفاصيل المكان ‪ ،‬كجدرانه أو أبوابه أو نوافذه ‪.‬‬
‫وتكلم الدكتور محمد عن ) الخباء ( وهو حجرة جانبية معزولة عن الحاضرين أو جزء من الحجرة التي‬
‫يجلسون فيها تفصل بحجاب كثيف ‪ ،‬وهذا المكان المنفصل معمد لجلوس الوسيط الذي تجرى على يديه‬
‫ظواهر التجسد المزعوم ‪ .‬ومن هذا المكان المحجوب بستار يضاف إلى حجاب الظلم السابق تخرج‬
‫الرواح المزعومة متجسدة ‪ ،‬إواليه تعود بعد قليل ‪ ،‬ول يسمح للحاضرين بلمس الشباح ‪.‬‬
‫ويرى الدكتور أن الروحيين ل يلعفدمون في مثل هذا الجو المظلم قوالب علمية يصبون فيها حيلهم ‪.‬‬

‫) ‪(1/88‬‬

‫والتدليس على الناس بالحيل طريقة قديمة معروفة ‪ ،‬يضمل بها شياطين النس عباد ال ‪ ،‬يطلبون‬
‫الوجاهة عند الناس ‪ ،‬كما يطلبون مالهم ‪ ،‬فقد ذكر ابن تيمية )‪ (1‬عن فرقة في عصره كانت تسمى‬
‫) البطائاحية ( ‪ :‬أنهم كانوا يمدعون علم الغيب والمكاشفة ‪ ،‬كما يدعون أنهم يرون الناس رجال الغيب ‪،‬‬
‫ثم كشف شيئاا من دجلهم ‪ ،‬فقد كانوا يرسلون بعض النساء إلى بعض البيوت يستخبرون عن أحوال‬
‫أهلها الباطنة ‪ ،‬ثم يكاشفون صاحب البيت بما علموه ‪ ،‬زاعمين أن هذا من المور التي اختصوا‬
‫بالطلع عليها ‪.‬‬
‫ووعدوا رجلا – كانوا يمنونه بالملك – أن يروه رجال الغيب ‪ ،‬فصنعوا خشب ا طوالا ‪ ،‬وجعلوا عليها من‬
‫يمشي كهيئاة الذي يلعب بأكر الزجاج ‪ ،‬فجعلوا يمشون على جبل المزة ‪ ،‬وذلك المخدوع ينظر من بعيد ‪،‬‬
‫فيرى قوم ا يطوفون على جبل ‪ ،‬وهم يرتفعون عن الرض ‪ ،‬وأخذوا منه مالا كثي ار ‪ ،‬ثم انكشف له أمرهم‬
‫‪.‬‬
‫ودلسوا على آخر كان يدعى )قفجق( ‪ ،‬إذ أدخلوا رجلا في القبر يتكلم ‪ ،‬وأوهموه أن الموتى تتكلم ؛ وأتوا‬
‫به إلى مقابر باب الصغير إلى رجل زعموا أنه الشعراني الذي بجبل لبنان ‪ ،‬ولم يقربوه منه ‪ ،‬بل من بعيد‬
‫‪ ،‬لتعود عليه بركته ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إنه طلب منه جملة من المال ‪ ،‬فقال )قفجق( ‪ :‬الشيخ يكاشف وهو يعلم‬
‫أن خزائاني ليس فيها هذا كله ‪ ،‬وتقرب قفجق ‪ ،‬وجذب الشعر ‪ ،‬فانقلع الجلد الذي ألصقوه على جلده من‬
‫جلد الماعز ‪.‬‬
‫وقد بين الدكتور محمد محمد حسين أن الوسيط – وهو شخص يزعم أهل هذا المذهب الروحيون أن فيه‬
‫استعدادا فطري ا يؤهله لن يكون أداة يجري عن طريقها التواصل – غالب ا ما يكون دجالا كبي ار ‪ ،‬وغشاش ا‬
‫مدلسا ‪ ،‬وبين كيف أن كثي ار من هؤلء الوسطاء ل يكون على خلق ول دين ‪ ،‬بل إن الروحانيين ل‬
‫يشترطون في الوسيط شيئا ا من ذلك ‪ ،‬وقد ذكر حادثة جرت معه شخصي ا تبين له بعد تحقيق منه في‬
‫الموضوع أن الوسيط كان دجالا كاذب ا ‪.‬‬

‫) ‪(1/89‬‬

‫وبين كيف أن بعض الحضور يكونون متواطئاين مع المحضرين ‪ ،‬وكيف يحترس في انتقاء الذين يسمح‬
‫لهم بحضور مثل هذه الجلسات ‪ ،‬وكيف يعللون إخفاقهم إذا وجد في الحضور بعض الذكياء النبهاء ‪.‬‬
‫وقد أفاض الدكتور محمد محمد حسين في الكشف عن الطريق الولى التي يزعم الروحانيون أنهم‬
‫يحضرون بها الرواح ‪ ،‬وهي طريق الدجل والكذب ‪ ،‬واستعمال المؤثرات النفسية والحيل العلمية ‪.‬‬
‫وأشار مجرد إشارة إلى الطريق الثانية وهي استخدام الجن ‪ ،‬وأرى أن غالب الدعوات التي يزعم‬
‫أصحابها تحضير الرواح هي من هذا القبيل ‪.‬‬
‫تحضير الرواح دعوة قديمة ‪:‬‬
‫دعوى تحضير الرواح ليست جديدة ‪ ،‬بل هي قديمة ‪ ،‬وقديمة جدا ‪ ،‬وقد نقلنا فيما سبق كيف كان‬
‫بعض الناس يتصلون بالجن ‪ ،‬بل حفظت لنا كتب الثقات أن بعض الناس كانوا يزعمون أن أرواح‬
‫الموتى تعود إلى الحياة بعد الموت ‪ ،‬يقول ابن تيمية ‪ " :‬ومن هؤلء ) أي أهل الحال الشيطاني من‬
‫الكفرة والمشركين والسحرة ونحوهم ( من إذا مات لهم ميت يعتقدون أنه يجيء بعد الموت يكلمهم ‪،‬‬
‫ويقضي ديونه ‪ ،‬ويرد ودائاعه ‪ ،‬ويوصيهم بوصايا ‪ ،‬فإنهم يأتيهم تلك الصورة التي كانت في الحياة ‪ ،‬وهو‬
‫شيطان تمثل في صورته ‪ ،‬فيظنونه إياه " )‪. (2‬‬
‫تجربة معاصرة ‪:‬‬
‫هذه تجربة حصلت مع الكاتب أحمد عز الدين البيانوني ‪ ،‬ذكرها في كتاب اليمان بالملئاكة ‪ ،‬حرصت‬
‫على نقلها بنصها في هذا الموضوع يقول الكاتب ‪:‬‬
‫" لقد شغل ) استحضار الرواح ( المزعوم أفكار الناس في الشرق والغرب ‪ ،‬فخكتبت فيه مقالت ‪،‬‬
‫بلغات مختلفات ‪ ،‬خنشرت في مجلت عربية وغير عربية ‪ ،‬وألفت فيه مؤلفات ‪ ،‬وبحث فيه باحثون ‪،‬‬
‫وجربه مجربون ‪ ،‬اهتدى بعد ذلك العقلء منهم إلى أنه كذب وبهتان ‪ ،‬ودعوة إلى كفر وطغيان ‪.‬‬
‫ب ودجل وخداع ‪ ،‬وما الرواح المزعومة إل‬
‫إن استحضار الرواح ‪ ،‬الذي يزعمه الزاعمون ‪ ،‬كذ ب‬
‫شياطين تتلعب بالنسان ‪ ،‬وتخادعه ‪.‬‬

‫) ‪(1/90‬‬

‫وليس في استطاعة أحد أن يستحضر روح أحد ؛ فالرواح بعد أن تفارق الجساد ‪ ،‬تصير إلى عالم‬
‫البرزخ ‪.‬‬
‫ثم هي إما في نعيم إواما في عذاب ‪ ،‬وهي في شغل شاغل عما يدعيه مستحضرو الرواح ‪.‬‬
‫ت أنا إلى ذلك ‪ ،‬من قبل هذه الرواح ‪ ،‬وجربته بنفسي تجربة طويلة ‪ ،‬وظهر لي أنه كذب‬
‫وقد خدعي خ‬
‫ودجل وخداع ‪ ،‬علي أيدي شياطين تتلعب ‪ ،‬غرضهم من ذلك تضليل الناس وخداعهم ‪ ،‬وموالة من‬
‫يواليهم ‪. " ....‬‬
‫بدء التجربة ‪:‬‬
‫ويتابع أحمد عمز الدين كلمه قائالا ‪:‬‬
‫" عرفت منذ أكثر من عشر سنوات تقريب ا رجلا ‪ ،‬يزعم أنه يستخدم الجن في أمور صالحة في خدمة‬
‫النسان ‪ ،‬وذلك بوساطة وسيط من البشر ‪.‬‬
‫صل إلى ذلك بتلوات وأذكار طويلة ‪ ،‬قضى فيها زمنا طويلا ‪ ،‬دمله عليها بعض من يزعم‬
‫ويزعم أنه تو م‬
‫أنه على معرفة بهذا العلم !‬
‫جاءني الوسيط ذات يوم يبلغني دعوة فلجن وفلنة من الجن ‪ ،‬لحديث هامم ‪ ،‬لي فيه شأن عظيم ‪.‬‬
‫فذهبت في الموعد المحدد ‪ ،‬متوكلا على ال ‪ ،‬فرح ا بذلك ‪ ،‬لطلع في هذه التجربة على جديد " ‪.‬‬
‫كيف بدأت المخادعة ؟‬
‫" من أول أساليب الخداع التي خسلكت معي ‪ ،‬أن طريقة الستحضار ‪ ،‬استغفار وتهليل وأذكار ‪ ،‬مما‬
‫يجعل النسان لول وهلة ‪ ،‬يظن أنه يتحدث مع أرواح علوية صادقة طاهرة ‪.‬‬
‫دخلت بيت الوسيط ‪ ،‬وخلونا مع ا في غرفة ‪ ،‬وجلس هو على فراش ‪ ،‬وبدأنا – بدللته طبع ا نستغفر‬
‫ونهلل – حتى أخذته إغفاءة ‪ ،‬جفأضجعته أنا على فراشه ‪ ،‬وسجيته بغطاء ‪ ،‬كما علمني أن أفعل ‪ ،‬إواذا‬
‫بصوت خافت ‪ ،‬يسلم صاحبه علمي ‪ ،‬ويظهر حفاوته بي وحبه ‪ ،‬ويعرفني بنفسه ‪ ،‬إنه مخلوق ‪ ،‬يزعم أنه‬
‫ليس من الملئاكة ‪ ،‬ول من الجمن ‪ ،‬ولكنه خلق آخر ‪ ،‬من نوع آخر ‪ ،‬خوجد بقوله تعالى " كن " فكان ‪.‬‬
‫وهذا على زعمه أمن الجن ل يصدرون إل عن أمره ‪ ،‬وأن بينه وبين ال تعالى في تلقي الوامر خمس‬
‫وسائاط فقط ‪ ،‬خامسهم جبريل عليه السلم ‪.‬‬

‫) ‪(1/91‬‬

‫وأخذ يثني علمي ‪ ،‬ويقول ‪ :‬إنهم سيقطعون كل علقة لهم بالبشر ‪ ،‬وسيكتفون بلقائاي ‪ ،‬لني على زعمهم‬
‫صاحب الخصوصية في هذا العصر ‪ ،‬وموضع العناية من ال تعالى ‪ ،‬وأن ال تعالى هو الذي اختارني‬
‫لذلك ‪.‬‬
‫ووعدني بوعود رائاعة ‪ ،‬فيها العجب العجاب ‪.‬‬
‫واستسلمت لهذه التجربة الجديدة ‪ ،‬والدعوة الخادعة ‪ ،‬متوكلا على ال عمز وجمل ‪ ،‬سائالا ال تعالى أن‬
‫ق المبين ‪ ،‬مستضيئا ا بنور العلم ‪ ،‬سالك ا سبيل الستقامة ‪،‬‬
‫يعصمني من الزلل ‪ ،‬وأن يهديني إلى الح م‬
‫والحمد ل تعالى ‪.‬‬
‫ولما انقضى اللقاء الول ‪ ،‬دعاني إلى لقاء آخر ‪ ،‬في موعد آخر ‪ ،‬ثم دلني هو نفسه على تلوة خاصة‬
‫؛ ليقاظ الوسيط من غيبوبته ‪.‬‬
‫وكان ذلك ‪ ،‬وجلس الوسيط ‪ ،‬وعرك عينيه ‪ ،‬كأنه انتبه من نوم عميق ‪ ،‬ول علم له بشيء مما جرى ‪.‬‬
‫ورجعت في الموعد المحدد أيض ا ‪ ،‬وتم بيننا بعد لقاءات مدة طويلة ‪ ،‬وفي كل لقاء ‪ ،‬تتجدد الوعود‬
‫ي‪.‬‬
‫الحسنة ‪ ،‬ويوصف لي المستقبل الرائاع الذي ينتظرني ‪ ،‬والنفع العظيم الذي تلقاه المة على يد م‬
‫تطور الموضوع ‪:‬‬
‫وتطور المر ‪ ،‬فأخذ كثير من الرواح يزورونني في كل لقاء ‪ ،‬بمقدمات من الذكار ‪ ،‬وبغير مقدمات ‪،‬‬
‫فقد أكون مع الوسيط على طعام ‪ ،‬أو على تناول كأس من الشاي ‪ ،‬فتأخذه الغفاءة المعهودة ‪ ،‬فيميل‬
‫رأسه إلى المام ‪ ،‬وتلتصق ذقنه بصدره ‪ ،‬ويحدثني الزائار الذي يزعم أنه من الملئاكة ‪ ،‬أو من الجن ‪،‬‬
‫أو من الصحابة ‪ ،‬أو من الولياء ‪ ،‬حديثا يغلب عليه طابع الحترام والجلل ‪ ،‬والتبرك بزيارتي ‪،‬‬
‫وتبشيري بالمستقبل الزاهر المبارك ‪ ،‬ثم ينصرف ‪ ،‬ويجيء غيره وغيره ‪. " ...‬‬
‫من الزائارون ؟‬

‫) ‪(1/92‬‬
‫" ازرني فيما زعموا أفراد من الملئاكة ‪ ،‬وأفراد من الجن ‪ ،‬وأبو هريرة رضي ال عنه من الصحابة ‪،‬‬
‫وطائافة من الولياء ‪ ،‬أمثال أبي الحسن الشاذلي رضي ال عنه ‪ ،‬وطائافة من أهل العلم والفضل ‪،‬‬
‫المشهود لهم بالعلم والولية ‪ ،‬أمثال الشيخ أحمد الترمانيني رحمه ال تعالى ‪ ،‬وبعض من أدركتهم من‬
‫أهل العلم والفضل ‪ ،‬ثم أدركتهم الوفاة ‪ ،‬ومنهم والدي رحمه ال تعالى ‪.‬‬
‫وبشروني بزيارة والدي إياي ‪ ،‬في وقت عينوه ‪ ،‬وانتظرت الموعد بلهف ‪ ،‬ولما كان الموعد المنتظر ‪،‬‬
‫كلفوني أن أق أر سورة )) الواقعة (( جه ار ‪ ،‬فقرأتها ‪ ،‬ولما فرغت من ق ارجءتها ‪ ،‬قالوا ‪:‬‬
‫سيحضر والدك بعد لحظات ‪ ،‬فاسمع ما يقول ‪ ،‬ول تسأله عن شيء !!! " ‪.‬‬
‫بدء انتباهي ‪:‬‬
‫" وبعد دقائاق جاءني ‪ ،‬جاء من يزعم أنه أبي ‪ ،‬فسلم علي ‪ ،‬وأظهر سروره بلقائاي ‪ ،‬وفرحه بي على‬
‫صلتي بهذه الرواح ‪ ،‬وأوصاني أن أعتني بالوسيط وأهله ! وأن أرعاه رعاية عطف إواحسان ‪ ،‬إذ ل‬
‫مورد له من المال إل من هذا الطريق ‪.‬‬
‫وختم حديثه بالصلة البراهيمية ‪ ،‬وأنا أعلم أنه رحمه ال تعالى ‪ ،‬كان شديد الولع بالصلة على النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ول سيما البراهيمية ‪.‬‬
‫وكان من العجب أن لهجة المتحدث شبيهة إلى حمد ما بلهجة الوالد ‪ .‬ثم سلم وانصرف ‪.‬‬
‫وأخذت أتسائال في نفسي ‪ :‬لم أوصوني أن ل أسأله عن شيء ؟ !‬
‫في المر سر ول شك !‬
‫السر الخفي الذي انكشف لي آنذاك ‪ ،‬أنه ليس بوالدي ‪ ،‬ولكنه قرينه من الجن ‪ ،‬الذي صحبه مدة حياته‬
‫‪ ،‬فجاءني يمثل لي صوته ‪ ،‬ويتشبه بخصوصية من خصوصياته ‪.‬‬
‫أوصوني أن ل أسأله عن شيء ؛ لن القرين من الجن ‪ ،‬مهما عرف من شأن والدي وحفظ من أحواله ‪،‬‬
‫فلن يستطيع أن يحفظ كل جزئاية يعرفها الولد من أبيه ‪ ،‬فحذروا أن أسأله عن شيء من ذلك ‪ ،‬فل‬
‫يجيبني ‪ ،‬فيفتضح المر ‪.‬‬
‫ثم سلكوا معي في لقائاي مع الخرين ‪ ،‬أن ل يعرفوني بأسمائاهم إل عند انصرافهم ‪ ،‬فيقول أحدهم ‪ :‬أنا‬
‫فلن ‪ ،‬ويسلم ‪ ،‬وينصرف على الفور ‪.‬‬

‫) ‪(1/93‬‬

‫وفي ذلك من السر ما ذكرت ‪ :‬فلو أخبرني واحد منهم عن نفسه ‪ ،‬وهو مشهود له بالعلم ‪ ،‬فبحثت معه‬
‫في إشكال علمي ‪ ،‬لعجز عن الجواب ‪ ،‬وانكشف المر ‪.‬‬
‫وقد أتاني آجت مرة يناقشني في إباحة كشف وجه المرأة ‪ ،‬وأنه ليس بعورة ‪ ،‬فرددت عليه ‪ ،‬ورد علمي ردا‬
‫ليس فيه رائاحة العلم ‪ ،‬واحتدم الجدال بيننا ‪.‬‬
‫فقلت له ‪ :‬وماذا تجيب عن أقوال الفقهاء الذي قالوا ‪:‬‬
‫إن وجه المرأة عورة ‪ ،‬أو يجب ستره خشية الفتنة ؟‬
‫وانتهى الجدال إلى غير جدوى ‪ ،‬ثم أخبرني أنه الشيخ أحمد الترمانيني ‪ ،‬وانصرف ‪.‬‬
‫فانكشف لي أنه الكذب ل شك فيه ‪ ،‬لن الشيخ المذكور من كبار فقهاء الشافعية ‪ ،‬والسادة الشافعية‬
‫يقولون ‪ :‬المرأة كلها عورة ‪ ،‬ولو عجو از شمطاء ‪.‬‬
‫فلو أنه كان هو الشيخ المذكور ‪ ،‬وانكشف له من العلم جديد ‪ ،‬وهو في عالم البرزخ ‪ ،‬لخبرني بذلك ‪،‬‬
‫وأرشدني إلى دليله ‪.‬‬
‫ولكنه الكذب والخداع ‪ ،‬إوارادة التضليل ‪ .‬وأبى ال تعالى – والحمد ل – إل هداي ‪ ،‬وثباتي على الحق‬
‫والهدى ‪.‬‬
‫ف المرأة وجهها ‪ ،‬ول سيما في هذا الزمان الفاسد والمجتمع المريض ‪ ،‬أمر ل خيقره ذو عقل ودين " ‪.‬‬
‫فكش خ‬
‫انكشاف الحقيقة !‬
‫" ولم تزل تنكشف لي الحقيقة على وجهها مرة بعد مرة ‪ ،‬وفي تجربة بعد تجربة ‪ ،‬حتى تحقق عندي أن‬
‫المر كله كذب وبهتان ‪ ،‬ودجل وطغيان ‪ ،‬ل أساس له من تقوى ‪ ،‬ول قائامة له على دين ‪.‬‬
‫فالوسيط الذي يعتنون بشأنه ‪ ،‬ويوصون بحسن رعايته إواكرامه ‪ ،‬تارك صلة ‪ ،‬ول يأمرونه بها ‪.‬‬
‫وهو يحلق لحيته ‪ ،‬ول يأمرونه بفإطلقها ‪.‬‬
‫ثم هو يأكل أموال الناس بالباطل ‪ ،‬وبالوعود الخادعة ‪ ،‬ول مورد له إل من هذا الطريق الخبيث ‪.‬‬
‫جاءني رجل بعدما عرف صلتي بهذا الوسيط ‪ ،‬يشكو إلمي أنه خدعه ‪ ،‬فأخذ منه ثلثمائاة ليرة سورية ‪،‬‬
‫وهو فقير ‪ ،‬وفي أشد الحاجة إليها ‪.‬‬
‫فألزمت الوسيط برمدها إليه ‪ ،‬فاستجاب لذلك حرص ا منه ومن شياطينه على بقاء صلتي بهم ‪.‬‬
‫والوسيط وأسرته تقوم حياتهم على الكذب في أكثر شؤونهم ( ‪.‬‬
‫الخاتمة ‪:‬‬

‫) ‪(1/94‬‬

‫وختم الشيخ أحمد عز الدين كلمه على هذه التجربة بقوله ‪:‬‬
‫" حاولت هذه الرواح بعدما انكشف لي أمرها أن تسلك معي مسلك التهديد ‪ ،‬فلم يزلزل ذلك من قلبي‬
‫شيئاا ‪ ،‬والحمد ل ‪.‬‬
‫وقد كنت كتبت في هذه المدة الطويلة مما حدثوني به ما مل دفترين كبيرين ‪ ،‬جمعت فيهما أكثر ما‬
‫حدثوني به ‪.‬‬
‫ولما ظهر الباطل ظهو ار ل يحتمل التأويل ‪ ،‬قطعت الصلة بهم ‪ ،‬وحكمت عليهم بما حكمت ‪ ،‬وأحرقت‬
‫الدفترين اللذين امتلا بالكذب والخداع ‪.‬‬
‫فهذه الرواح التي تمدعي أنها أرواح رجال من الصحابة والولياء والصالحين ‪ ،‬كلها شياطين ‪ ،‬ل ينبغي‬
‫لمؤمن عاقل أن ينخدع بها ‪.‬‬
‫وجميع الصور التي اعتادها مستحضرو الرواح كذب وباطل ‪.‬‬
‫سواء في ذلك طريقة الوسيط التي ذكرتها وجربتها ‪ ،‬وطريقة المنضدة والفناجين التي ذكرها لي بعض‬
‫من جربها ‪ ،‬ووصل إلى النتيجة التي وصلت إليها ‪.‬‬
‫ومن عجيب المر أني قرأت بعد ذلك كتبا مؤلفةا في هذا الموضوع ‪ ،‬فإذا بالمجربين العاقلين وصولوا‬
‫إلى مثل ما وصلت إليه ‪ ،‬وحكموا على تلك الرواح ‪ ،‬أنها قرناء بني آدم من الجن ‪ ،‬كما هداني ال‬
‫تعالى إلى ذلك من قبل ‪ ،‬والحمد ل ‪.‬‬
‫وقد أديت بكلمتي هذه النصح الواجب ‪ ،‬وال الهادي والموفق " ‪.‬‬
‫خطر هذه الدعوات ‪:‬‬
‫هذه الدعوات التي تزعم أن بإمكانها تحضير الرواح اتخذها شياطين الجن والنس سبيلا لفساد الدين‬
‫ضر ‪ ،‬وهي في الحقيقة شياطين تتكلم بكلم يحطم الدين وينسفه ‪ ،‬وتقر مبادئ‬
‫‪ ،‬فهذه الرواح التي ختح م‬
‫ومثلا جديدة تعارض الحق كل المعارضة ‪ ،‬ففي واحدة من هذه الجلسات زعمت الروح ) الشيطان (‬
‫على لسان الوسيط أن جبريل قد حضر هذه الجلسة ‪ ،‬ولما كان الحضور ل يعرفون جبريل قالت ‪ " :‬أل‬
‫تعرفون جبريل الذي كان ينزل بالقرآن على محمد ؟ ! إنه يبارك هذا الجتماع " ‪.‬‬

‫) ‪(1/95‬‬

‫وينقل الدكتور محمد محمد حسين عن مجلة ) عالم الروح ( من مقال لها بعنوان )حديث الروح الكبير‬
‫هوايت هوك( ما يأتي ‪ ) :‬يجب أن نتحد في هذه الحركة ‪ ،‬في هذا الدين الجديد ‪ ،‬يجب أن تسودنا‬
‫المحبة ‪ ،‬ويجب أن تكون لنا قدرة على الحتمال والتفاهم ‪...‬‬
‫رسالتي ) المتحدث هنا الروح أي الشيطان ( أي أواسي المحروم ‪ ،‬وأساعد النسان على تحرره في‬
‫نفسه من ال تعالى ‪ ) ،‬وصدق وهو كذوب فهذه رسالته ‪ ،‬أي يجعله يكفر بال ( النسان إله مكسو‬
‫بعناصر الرض )هكذا ينفخ في النسان ‪ ،‬ويكذب عليه ليضله( ‪ ،‬وهو لن يدرك ما في مقدوره ما لم‬
‫يحس بجزئاه الملئاكي اللهي ‪ ، ...‬الروحية ستكون أقدر من غيرها على تأسيس دين جديد واسع للعالم‬
‫كله " ‪.‬‬
‫وينقل عن هذه المجلة أيض ا تعريف ا بالمنظمة التي أسست لهذه الغاية " إن هذه المنظمة ستكون لكل‬
‫البشرية ‪ ،‬وعن طريقها سوف يوضح لنا سكان العالم الروحي طريقة جديدة للحياة ‪ ،‬ويعطوننا فكرة‬
‫جديدة عن ال ومشيئاته ‪ ،‬إنهم سوف يأتون لنا بالسلم والطمأنينة الروحية وبسعادة النفس والقلب ‪،‬‬
‫سوف يحطمون الحواجز بين الشعوب والفراد ‪ ،‬وبين العقائاد والديان )هكذا( ‪ ...‬إمن العضوية في هذه‬
‫المنظمة بدون نظر للوطن أو اللون أو الدين أو المذهب السياسي " ‪.‬‬
‫وقد تزعم الرواح أنها مرسلة من عند ال ‪ ،‬فالدكتور محمد محمد حسين يذكر أن محمد فريد وجدي نقل‬
‫عن هذه الرواح ) الشياطين ( قولها ‪ " :‬نحن مرسلون من عند ال كما أرسل المرسلون قبلنا ‪ ،‬غير أن‬
‫تعاليمنا أرقى من تعاليمهم ‪ ،‬فإلهنا هو إلههم ‪ ،‬إل أن إلهنا أظهر من إلههم ‪ ،‬وأقل صفات بشرية وأكثر‬
‫صفات إلهية ‪ ، ...‬ل تخضع لي عقيدة مذهبية ‪ ،‬ول تقبل بل بصر ول روية تعاليم ل تستند إلى العقل‬
‫"‪.‬‬

‫) ‪(1/96‬‬

‫وهم يزعمون أمن الرسل والنبياء ما هم إل وسطاء على درجة عالية من الوساطة ‪ ،‬وأن المعجزات التي‬
‫جرت على أيديهم ليست إل ظواهر روحية ‪ ،‬كالظواهر التي تحدث في حجرة تحضير الرواح ‪،‬‬
‫ويزعمون أنهم يستطيعون أن يعيدوا أحداث ما نسب للمسيح عن طريق الرواح ‪.‬‬
‫وقد قامت بعض الصحف بحملة دعائاية كبيرة ‪ ،‬زعمت أن أحد محضري الرواح في أمريكا يستطيع أن‬
‫يقوم بمثل معجزات المسيح ‪ ،‬فهو يعيد البصر إلى العمى ‪ ،‬والنطق إلى البكم ‪ ،‬والحركة للمشلول ‪،‬‬
‫بقي أن تعلم أن الطبيب المزعوم طفل في العاشرة من عمره يدعى ) ميشيل ( ‪ .‬وعندما يأتيه المريض‬
‫يضع أنامله عليه ‪ ،‬ويتمتم ببعض الدعية والكلمات فتحدث المعجزة ‪ .‬ويقولون ‪ :‬إن هذا الطفل ورث‬
‫الموهبة الروحانية عن والده ‪ ،‬وهو ل يتقاضى شيئا ا من المال عما يقوم به من أعمال )‪. (3‬‬
‫ووراثة هذا الطفل العمال من أبيه تذكرنا بقصة تروى في بعض نواحي فلسطين ‪ ،‬يقول الرواة ‪ :‬إن أحد‬
‫الرجال الذين كانوا يظهرون الصلح والتقى ‪ ،‬كان يفعل عجب ا ‪ ،‬فقد كان – في ذلك الوقت الذي لم‬
‫تظهر فيه الطائارة والسيارة – ينطلق إلى الحج في ليلة عرفة ‪ ،‬فيشهد ذلك اليوم مع الحجيج ‪ ،‬ويسلمهم‬
‫رسائال من أقاربهم وذويهم ‪ ،‬ويأخذ منهم رسائال إلى أقاربهم وذويهم ‪ ،‬ويعود في الليلة الخرى ‪ ،‬وكان‬
‫كثير من الناس يعتقد فيه الصلح والخير ‪ ،‬على الرغم من أنه ما كان يقوم بمناسك الحج ‪ ،‬ول يمكث‬
‫في منى المدة المقررة ‪ ،‬ول يرمي الجمرات ‪.‬‬

‫) ‪(1/97‬‬
‫ثم شاء ال أن يكشف باطله ‪ ،‬ويظهر أمره للناس ‪ ،‬فعندما جاجءه الموت استدعى ابنه الكبر ‪ ،‬وأخبره أن‬
‫جملا سيأتيه ليلة عرفة ‪ ،‬ويحمله إلى عرفات في كل عام ‪ ،‬ولما جاء الجمل وركبه البن ‪ ،‬وسار مسافة‬
‫وقف ‪ ،‬وتحدث إلى البن وأخبره أنه شيطان ‪ ،‬وأن أباه كان يعبده ‪ ،‬ويسجد له ‪ ،‬وفي مقابل ذلك يخدمه‬
‫مثل هذه الخدمات ‪ ،‬ولما رفض البن السجود له ‪ ،‬واستعاذ بال منه ‪ ،‬تركه في الصحراء ‪ ،‬وقدر ال له‬
‫الرجوع ‪ ،‬وكشف حقيقة أبيه الكافر ‪.‬‬
‫وقد أشار إلى هذه القصة البيانوني في كتابه ) الملئاكة ( بأخصر مما أثبتناه هنا ‪.‬‬
‫هل يمكن استحضار الرواح ؟‬
‫لقد وضعت مجلة ) سينتفيك أمريكان ( جائازة مالية ضخمة لمن يقيم الحجة على صدق الظواهر‬
‫الروحية ‪ ،‬ول تزال الجائازة قائامة لم يظفر بها أحد على الرغم من انتشار الروحيين ونفوذهم وبراعتهم في‬
‫أمريكا ‪ ،‬وقد ضم إلى هذه الجائازة جائازة أخرى تبرع بها الساحر المريكي دننجر للغرض نفسه ‪ ،‬ولم‬
‫يظفر بها أحد أيض ا ‪.‬‬
‫حكم الشريعة في تحضير الرواح ‪:‬‬
‫ما موقف السلم من إمكان إحضار روح المتوفى ؟ إن التأمل في النصوص التي وردت في هذا تجعل‬
‫الباحث يعطي حكما جازما أن ذلك مستحيل ‪ ،‬فقد أخبرنا ال أن الروح من عالم الغيب الذي ل سبيل‬
‫إلى إدراكه ‪ ) :‬ويسألونك عن اللروح قل اللروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلن قليلا ( ] السراء ‪:‬‬
‫‪. [ 85‬‬
‫ق – تبارك وتعالى – أنه يتوفى النفس ‪ ،‬وأنه يمسك النفوس عند موتها ‪ ):‬ال يتونفى النفس‬
‫وأخبر الح م‬
‫حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك انلتي قضى عليها الموت ويرسل الخرى إلى أججل مسممى (‬
‫ا‬
‫] الزمر ‪. [ 42 :‬‬
‫وقد ومكل ال بالنفس ملئاكة يعذبونها إن كانت شقية كافرة ‪ ،‬وينعمونها إن كانت صالحة تقية ‪.‬‬
‫وقد بين لنا الرسول صلى ال عليه وسلم كيف يقبض ملك الموت الرواح وما يفعل بها بعد ذلك ‪.‬‬

‫) ‪(1/98‬‬

‫والرواح إذا كانت خملمسكة عند ربها وكل ال بها حفظة أقوياء مهرة ‪ ،‬فل يمكن أن تتفلت منهم ‪ ،‬وتهرب‬
‫لتأتي إلى هؤلء الذين يتلعبون بعقول العباد ‪.‬‬
‫ضر روح عبد من عبيد ال الصالحين من النبياء والشهداء ‪ ،‬فكيف يتركون‬
‫وبعض هؤلء يزعم أنه ح م‬
‫جنان الخلد إلى حجرة التحضير المظلمة ‪ ،‬فقد أخبرنا ال أن الشهداء أحياء عند ربهم ‪ ) :‬ول تحسبنن‬
‫انلذين قتلوا في سبيل ال أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ( ] آل عمران ‪. [ 169 :‬‬
‫وقد بين الرسول صلى ال عليه وسلم ) أن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر ‪ ،‬لها قناديل معلقة‬
‫بالعرش ‪ ،‬تسرح من الجنة حيث شاجءت ‪ ،‬ثمم تأوي إلى تلك القناديل ( ‪ .‬رواه مسلم في صحيحه )‪، (4‬‬
‫فكيف يزعم دجالو العصر أنهم يحضرون أرواح هؤلء ؟ كيف ؟ ) كبرت كلمةا تخرج من أفواههم إن‬
‫يقولون إلن كذب ا ( ] الكهف ‪. [ 5 :‬‬
‫شبهة وجوابها ‪:‬‬
‫يقولون ‪ :‬فكيف تعللون معرفة الرواح بأخلق وأعمال الرجل الذي تزعم أنها كانت تسكنه ؟‬
‫قلنا ‪ :‬هذا الذي يزعم أنه روح إنما هو شيطان ‪ ،‬ولعل هذا الشيطان هو القرين الذي كان يلزم النسان‬
‫‪ ،‬وقد ذكرنا النصوص التي تدمل على أن لكل إنسان شيطان ا ‪ ،‬فهذا القرين الملزم للنسان يعلم عنه‬
‫الكثير من أخلقه وعاداته وصفاته ‪ ،‬ويعرف أقاربه وأصدقاءه ‪.‬‬
‫فعندما خيلختججبخر ما أسهل أن يجيب ؛ لنه على علم ودراية ‪ ،‬فإن قيل ‪ :‬كيف تفسرون الجابات العلمية‬
‫التي قد نحصل عليها من الرواح ؟ نقول ‪ :‬سبق أن بينا أن الشياطين والجن لديهم القدرات العلمية التي‬
‫تمكنهم من الجابة والفادة ‪.‬‬
‫ولكنها إفادة تحمل في طياتها الضلل العظيم ‪ ،‬فهم ل يفيدوننا إل بمقدار ‪ ،‬كي نثق بهم ‪ ،‬ثم يوجهوننا‬
‫الوجهة الضالة السيئاة ‪ ،‬التي توبقنا في دنيانا وأخرانا ‪.‬‬
‫تخلي الشياطين عن أتباعها ‪:‬‬

‫) ‪(1/99‬‬

‫هؤلء الذين خيدعون بالروحانيين ‪ ،‬ويزعمون أنهم يحضرون الرواح ويعالجون بها كاذبون ‪ ،‬وما هذه‬
‫الرواح إل شياطين ‪ ،‬وقد تتخلى الشياطين عن هؤلء فتذلهم وتخذلهم ‪ ،‬نشرت جريدة القبس الكويتية )‬
‫‪ (5‬مقالا جاء فيه ‪ " :‬بريطانيا بأسرها تتحدث هذه اليام عن العالم الروحاني ) بيتر غودوين ( الذي‬
‫كان يتمتع بمواهب ) روحانية ( خارقة ‪ ،‬يستطيع بوساطتها أن يشفي المرضى من المراض‬
‫المستعصية ‪ ،‬ويكشف الشياء المفقودة ‪ ،‬ويسخر الرواح لخدمة النسان ‪.‬‬
‫وكان ) بيتر غودوين ( يتمتع بقدرة فريدة يستطيع بوساطتها أن يوجد في أكثر من مكان في وقت واحد‬
‫‪ ،‬فقد كان يشاهده أصدقاؤه في لندن مثلا ‪ ،‬ويشاهده آخرون في اللحظة نفسها في ليفربول ‪ ،‬وآخرون‬
‫في مانشستر ‪ ،‬بينما يؤكد فريق رابع أنه لم يكن في هذا المكان ول ذلك ‪ ،‬إوانما كان يجلس في منزله بين‬
‫زوجته وأولده ‪.‬‬
‫وأحيان ا كانت أجساده الثيرية المختلفة تتجمع في مكان واحد ‪ ،‬فيكون جالس ا بين أصدقائاه مثلا ‪ ،‬وفجأة‬
‫‪ ...‬تدخل عليهم جميع شخصياته الخرى ‪ ...‬وتشاركهم الجلسة ‪ ...‬فتأتي شخصيته الثانية والثالثة ‪،‬‬
‫والرابعة والخامسة ‪ ،‬ويصبح ) بيتر غودوين ( عبارة عن خمس شخصيات تجالس الحضور ‪ ،‬وتتحدث‬
‫إليهم ‪ ،‬أو تتحدث بعضها مع بعض ‪ ، ...‬بينما يكون الجميع مبهورين ‪ ، ...‬وفجأة خسر ) بيتر‬
‫غودوين ( كمل شيء وتحول إلى إنسان عادي ‪ ،‬ولم يعد قاد ار على شفاء المرضى ‪ ،‬ول اكتشاف الشياء‬
‫المفقودة ‪ ،‬ولكشف المستقبل ‪ ،‬ول تسخير الرواح لخدمة الناس ‪.‬‬
‫وقد بدأت مأساة ) غودوين ( في السنة الماضية عندما حاول استغلل المواهب التي منحت له لتحقيق‬
‫مكاسب مادية ‪ ، ...‬وهو ينظر الن إلى الماضي القريب ويقول ‪ :‬إن ما حدث لي لم يكن في الحسبان‬
‫‪ ،‬فقد غضبت الرواح مني ‪ ،‬وسلبتني بركتها ‪.‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬مجموع الفتاوى ‪. 11/458 :‬‬
‫)‪ (2‬جامع الرسائال ‪ :‬ص ‪. 195-194‬‬
‫)‪ (3‬ملحق جريدة القبس الكويتية ‪17/10/1977 :‬م ‪.‬‬

‫) ‪(1/100‬‬

‫)‪ (4‬مشكاة المصابيح ‪ . 2/351 :‬ورقمه ‪. 3804 :‬‬


‫)‪ (5‬ملحق جريدة القبس ‪ ،‬تاريخ ‪12/6/1978‬م ‪.‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫الجن وعلم الغيب‬
‫شاع لدى كثير من الناس أن الجمن يعلمون الغيب ‪ ،‬ومردة الجن يحاولون أن يؤكدوا هذا الفهم الخاطئ‬
‫عند البشر ‪ ،‬وقد أبان ال للناس كذب هذه الدعوى ‪ ،‬عندما قبض روح نبيه سليمان ‪ ،‬وكان قد سخر له‬
‫الجن يعملون بين يديه بأمره ‪ ،‬وأبقى جسده منتصبا ‪ ،‬واستمر الجمن يعملون ‪ ،‬وهم ل يدرون بأمر وفاته‬
‫‪ ،‬حتى أكلت دابة الرض عصاه المتكئ عليها ‪ ،‬فسقط ‪ ،‬فتبين للناس كذبهم في دعواهم ‪ ،‬أنهم يعلمون‬
‫الغيب ‪ ) :‬فلنما قضينا عليه الموت ما جدلنهخلم على موته إلن دانبة الرض تأكل منسأته فلنما خنر تبنينت‬
‫الجلن أن نلو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ( ] سبأ ‪. [ 14 :‬‬
‫وقد سبق القول كيف أنهم كانوا يسترقون خبر السماء ‪ ،‬وكيف زيد في حراسة السماء بعد البعثة ‪ ،‬فقلما‬
‫يستطيع الجن استراق السمع بعد ذلك ‪.‬‬
‫العمرافون والكهان ‪:‬‬
‫وبذلك يعلم عظم الخطأ الذي يقع فيه عوام الناس باعتقادهم أن بعض البشر كالعرافين والكهان يعلمون‬
‫الغيب ‪ ،‬فتراهم يذهبون إليه يسألونهم عن أمور حدثت من سرقات وجنايات ‪ ،‬وأمور لم تحدث مما‬
‫سيكون لهم ولبنائاهم ‪ ،‬ولق خاب السائال والمسؤول ‪ ،‬فالغيب علمه عند ال ‪ ،‬ل يظهر ال عليه إل من‬
‫شاء من رسله ‪ ) :‬عالم الغيب فل يظهر على غيبه أحدا – إلن من ارتضى من نرسوجل فإننه يسلك من‬
‫بين يديه ومن خلفه رصدا – ليعلم أن قد أبلغوا رسالت ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيجء عددا (‬
‫] الجن ‪. [ 28 :‬‬
‫والعتقاد بأن فلن ا يعلم الغيب اعتقد آثم ضال ‪ ،‬يخالف العقيدة السلمية الصحيحة التي تجعل علم‬
‫الغيب ل وحده ‪.‬‬

‫) ‪(1/101‬‬

‫إما إذا تعدى المر إلى استفتاء أدعياء الغيب ‪ ،‬فإن الجريمة تصبح من العظم بمكان ‪ ،‬ففي صحيح‬
‫مسلم عن بعض أزواج النبي عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬من أتى عراف ا فسأله عن شيجء ‪،‬‬
‫لم تقبل له صلة أربعين ليلة ( )‪. (1‬‬
‫وتصديق هؤلء كفر ‪ ،‬ففي السنن ومسند أحمد عن أبي هريرة مرفوع ا ‪ ) :‬من أتى كاهن ا ‪ ،‬فصدقه بما‬
‫يقول ‪ ،‬فقد برئ مما أنزل على محمد ( )‪. (2‬‬
‫قال شارح العقيدة الطحاوية ‪ " :‬والمنجم يدخل في اسم ) العراف ( عند بعض العلماء ‪ ،‬وعند بعضهم‬
‫هو في معناه " ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬فإذا كانت هذه حال السائال ‪ ،‬فكيف بالمسؤول ؟ " ومراده إذا كان السائال ل‬
‫تقبل له صلة أربعين يوما ‪ ،‬إواذا كان الذي يصدق الكاهن والعراف يكفر بالمنزل على الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فكيف يكون حكم الكاهن والعراف ؟‬
‫سؤال العرافين والكهنة على وجه المتحان ‪:‬‬
‫يرى ابن تيمية أن سؤال الكهنة ‪ ،‬بقصد امتحان حالهم ‪ ،‬واختبار باطنهم ‪ ،‬ليميز صدقهم من كذبهم ‪،‬‬
‫جائاز ‪ ،‬واستدل بحديث الصحيحين ‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم سأل ابن صياد ‪ ،‬فقال ‪ ) :‬ما ترى‬
‫؟ ( فقال ‪ :‬يأتيني صادق وكاذب ‪ ،‬قال ‪ :‬خلط المر عليك ‪ .‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬إني‬
‫قد خبأت لك خبيئا ا ( ‪ ،‬قال ‪ :‬هو الدخ ‪ ،‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬اخسأ ‪ ،‬فلن تعدو قدرك ( )‬
‫‪ . (3‬فأنت ترى أن الرسول صلى ال عليه وسلم سأل هذا الممدعي ‪ ،‬ليكشف أمره ‪ ،‬ويبين للناس حاله ‪.‬‬
‫المنجمون ‪:‬‬
‫وصناعة التنجيم التي مضمونها ‪ :‬الحكام والتأثير ‪ ،‬وهو الستدلل على الحوادث الرضية بالحوال‬
‫الفلكية ‪ ،‬أو التمزيج بين القوى الفلكية والقوابل الرضية ‪ :‬صناعة محرمة بالكتاب والسنة ؛ بل هي‬
‫محرمة على لسان جميع المرسلين ‪ ،‬قال تعالى ‪ ) :‬ول يفلح النساحر حيث أتى ( ] طه ‪ . [ 69 :‬وقال‬
‫تعالى ‪ ) :‬ألم تر إلى انلذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت وال ن‬
‫طاغوت ( ] النساء ‪. [ 51 :‬‬
‫قال عمر بن الخطاب ‪ :‬الجبت السحر )‪. (4‬‬

‫) ‪(1/102‬‬
‫تعليل صدق المنجمين والعرافين في بعض الحيان ‪:‬‬
‫قد يزعم قائال أن العرافين والكهنة والمنجمين يصدقون أحيان ا ‪ ،‬والجواب ‪ :‬أن صدقهم في كثير من‬
‫الحيان يكون من باب التلبيس على الناس ‪ ،‬فإنهم يقولون للناس كلم ا عام ا يحتمل وجوه ا من التفسير‬
‫‪ ،‬فإذا حدث المر ‪ ،‬فإنه يفسره لهم تفسي ار يوافق ما قال ‪.‬‬
‫وصدقهم في المور الجزئاية إما أنه يرجع إلى الفراسة والتنبؤ ‪ ،‬إواما أن تكون هذه الكلمة الصادقة مما‬
‫خطفه الجن من خبر السماء ‪ .‬ففي الصحيحين عن عائاشة ‪ ،‬قالت ‪ :‬سئال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم عن الكهان ؟ فقال ‪ ) :‬ليسوا بشيء ( ‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنهم يحدثوننا بالشيء فيكون حق ا !‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني ‪ ،‬فيقذفها في أذن وليه ‪،‬‬
‫فيخلطون معها مائاة كذبة ( )‪. (5‬‬
‫إواذا كانت القضية التي صدق فيها من المور التي حدثت كمعرفته بالسارق ‪ ،‬أو معرفته باسم الشخص‬
‫الذي يقدم عليه لول مرة وأسماء أبنائاه وأسرته ‪ ،‬فهذا قد يكون بحيلة ما ‪ ،‬كالذي يضع شخص ا ليسأل‬
‫الناس ‪ ،‬وتكون عنده وسيلة لستماع أقوالهم قبل أن يمثلوا بين يديه ‪ ،‬أو يكون هذا من فعل الشياطين ‪،‬‬
‫وعلم الشياطين بالمور التي حدثت ووقعت ليس بالمر المستغرب ‪.‬‬
‫الكهنة رسل الشياطين ‪:‬‬

‫) ‪(1/103‬‬

‫يقول ابن القيم )‪ " : (6‬الكهنة رسل الشيطان ؛ لن المشركين يهرعون إليهم ‪ ،‬ويفزعون إليهم في أمورهم‬
‫العظام ‪ ،‬ويصدقونهم ‪ ،‬ويتحاكمون إليهم ‪ ،‬ويرضون بحكمهم ‪ ،‬كما يفعل أتباع الرسل بالرسل ‪ ،‬فإنهم‬
‫يعتقدون أنهم يعلمون الغيب ‪ ،‬ويخبرون عن المغيبات التي ل يعرفها غيرهم ‪ ،‬فهم عند المشركين بهم‬
‫بمنزلة الرسل ‪ ،‬فالكهنة رسل الشيطان حقيقة ‪ ،‬أرسلهم إلى حزبه من المشركين ‪ ،‬وشبههم بالرسل‬
‫الصادقين ‪ ،‬حتى استجاب لهم حزبه ‪ ،‬ومثل رسل ال بهم لينفر عنهم ‪ ،‬ويجعل رسله هم الصادقين‬
‫العالمين بالغيب ‪ ،‬ولما كان بين النوعين أعظم التضاد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬من أتى‬
‫عرافا أو كاهنا ‪ ،‬فصدقه بما يقول ‪ ،‬فقد كفر بما أنزل على محمد ( )‪. (7‬‬
‫فإن الناس قسمان ‪ :‬أتباع الكهنة ‪ ،‬وأتباع الرسل ‪ ،‬فل يجتمع في العبد أن يكون من هؤلء وهؤلء ‪ ،‬بل‬
‫ب الرسول بقدر تصديقه للكاهن ‪.‬‬
‫يبعد عن الرسول صلى ال عليه وسلم بقدر قربه من الكاهن ‪ ،‬وخيجكمذ خ‬
‫أقول ‪ :‬ومن يدرس تواريخ المم يعلم أن الكهان والسحرة كانوا يقومون مقام الرسل ‪ ،‬ولكنهم رسل‬
‫الشياطين ‪ ،‬فالسحرة والكهنة كانت لهم الكلمة المسموعة في أقوامهم ‪ ،‬يحلون ويحمرمون ‪ ،‬ويأخذون‬
‫المال ‪ ،‬ويأمرون بأنواع من العبادة والطقوس ترضي الشياطين ‪ ،‬ويأمرون بقطيعة الرحام ‪ ،‬وانتهاك‬
‫العراض ‪ ،‬وقد بين العقاد شيئا ا من ذلك في كتابه المسمى بـ ) إبليس ( ‪.‬‬
‫واجب المة نحو هؤلء ‪:‬‬

‫) ‪(1/104‬‬

‫ما يدعيه المنجمون ‪ ،‬والعرافون ‪ ،‬والسحرة ‪ ،‬ضلل كبير ومنكر ل يستهان به ‪ ،‬وعلى الذين أعطاهم‬
‫ال دينه ‪ ،‬وعلمهم كتابه وسنة نبيه أن ينكروا هذا الضلل بالقول ‪ ،‬ويوضحوا هذا الباطل بالحجة‬
‫والبرهان ‪ ،‬وعلى الذين في أيديهم السلطة أن يأخذوا على أيدي هؤلء الذين يمدعون الغيب من العرافين‬
‫والكهنة وضاربي الرمل والحصى ‪ ،‬والناظرين في اليد ) والفنجان ( ‪ ،‬وعليهم أن يمنعوا نشر خزعبلتهم‬
‫في الصحف والمجلت ‪ ،‬ويعاقبوا من يتظاهر ببضاعته وضللته في الطرقات ‪ ،‬وقد ذمم ال بني‬
‫إسرائايل لتركهم التناهي عن المنكر ‪ ) :‬كانوا ل يتناهون عن لمنكجر فعلوه لبئاس ما كانوا يفعلون (‬
‫] المائادة ‪. [ 79 :‬‬
‫وفي السنن عن النبي صلى ال عليه وسلم برواية الصديق – رضي ال عنه – أنه قال ‪ ) :‬إن الناس إذا‬
‫أروا منك ار فلم يغيروه يوشك أن يعمهم ال بعقابه ( ‪ .‬رواه ابن ماجة والترمذي وصححه )‪. (8‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬رواه مسلم ‪ . 4/1751 :‬ورقمه ‪. 2230 :‬‬
‫)‪ (2‬مشكاة المصابيح ‪ . 2/525 :‬ورقمه ‪. 4599 :‬‬
‫)‪ (3‬رواه البخاري ‪ . 6/172 :‬ورقمه ‪ . 3055 :‬ورواه مسلم ‪ . 4/2244 :‬ورقمه ‪. 2930 :‬‬
‫)‪ (4‬شرح العقيدة الطحاوية ‪ . 568 :‬وراجع في علم النجوم ‪ ،‬أبجد العلوم لصديق حسن القنوجي ‪ :‬ص‬
‫‪. 542‬‬
‫)‪ (5‬جامع الصول لبن الثير ‪. 5/63 :‬‬
‫)‪ (6‬إغاثة اللهفان ‪. 1/271 :‬‬
‫)‪ (7‬رواه بهذا اللفظ أحمد ‪ 2/429 :‬والطبراني في الوسط ‪ (1453) :‬ورواه أبو داود ‪ 4/225 :‬رقم ‪:‬‬
‫)‪ ، (3904‬والترمذي ‪ 1/164 :‬رقم ‪ ، (135) :‬وابن ماجة ‪ 1/209 :‬رقم ‪ ، (639) :‬والدارمي ‪:‬‬
‫‪ 1/207‬رقم )‪ (1136‬بلفظ ‪ ) :‬من أتى حائاض ا أو امرأة في دبرها أو كاهن ا فصدقه بما يقول فقد كفر‬
‫بما خأنزل على محمد ( ‪.‬‬
‫)‪ (8‬مشكاة المصابيح ‪ . 2/643 :‬ورقمه ‪. 5412 :‬‬
‫المطلب الخامس‬
‫الجن والطباق الطائارة‬
‫) ‪(1/105‬‬

‫كثر الحديث في هذه اليام عن الطباق الطائارة ‪ ،‬فل يكاد يمر أسبوع إل ونسمع أن شخص ا أو عدة‬
‫أشخاص أروا طبقا طائا ار ‪ ،‬رأوه في الجمو محلقا ‪ ،‬أو على الرض جاثما ‪ ،‬أو أروا مخلوقات مخالفة لشكل‬
‫النسان تخرج منه ‪ ،‬ووصل المر إلى الدعاء بأن بعض هذه المخلوقات طلبت إلى بعض الناس‬
‫مصاحبتها إلى الطبق ‪ ،‬وأجرت فحوص ا عليه ‪.‬‬
‫ول يدعي هذه الدعوى أناس مغمورون فحسب ‪ ،‬بل يزعم ذلك رجال بارزون أمثال رئايس الوليات‬
‫المتحدة المريكية ‪ ،‬فإنه يعتقد أمنه لمح شيئا ا طائا ار لم يتعرف على ماهيته في سماء ولية جورجيا عام‬
‫‪. 1973‬‬
‫وهو يبدي اهتمام ا خاص ا بالمخلوقات الخرى التي بدأت تغزو الرض ‪ ،‬فقد أمضى الرئايس المريكي )‬
‫كما نشرت الصحف ( أمسية يناقش أحد العلماء المقتنعين بأن النسان ليس المخلوق الوحيد في الكون‬
‫‪ ،‬وكان يرافق الرئايس كارتر )فرانك برس( مستشاره للشؤون العلمية ‪ ،‬وبعد ذلك شاهد كارتر داخل‬
‫المرصد القومي أفلم ا توجز آخر ما توصلت إليه البحاث حول المخلوقات التي تعيش خارج نطاق‬
‫الرض ‪ ،‬وقام بعرض هذه الفلم )كارل ساجان( ‪ ،‬مدير معمل الدراسات الكونية بجامعة )كورنل( ‪،‬‬
‫الذي ترجع إليه دائام ا وكالة الفضاء المريكية في المور المتعلقة بالمخلوقات التي تعيش خارج نطاق‬
‫كوكب الرض )‪. (1‬‬
‫وينسب ملحق صحيفة الهدف الكويتية الصادر بتاريخ ‪ 23/3/78‬إلى الرئايس الصيني السبق‬
‫) ماوتسي تنغ ( أنه كان يؤمن بوجود مخلوقات غيرنا في الكواكب الخرى ‪.‬‬
‫ويذكر كاتب المقال أن حوالي ‪ %61‬من الشعب المريكي مقتنعون بذلك ‪ ،‬وتزعم الصحف المريكية‬
‫أن قرابة نصف مليون أمريكي شاهدوا هذه الطباق ‪ ،‬وبعض هؤلء استطاعوا أن يتصلوا بهم اتصالا‬
‫مباش ار ‪.‬‬
‫وقد أخرج السينمائاي المريكي ) ستيفن سبيلبرغ ( ) فيلم ا ( سينمائاي ا بعنوان ) مواجهة من النوع الثالث‬
‫( بلغت تكاليفه اثنين وعشرين مليون ا من الدولرات المريكية ‪.‬‬

‫) ‪(1/106‬‬

‫وقد وضع الفيلم بعد تجميع المعلومات من الذين شاهدوا الطباق الطائارة ‪ ،‬أو اتصلوا بها ‪.‬‬
‫وقد عرض الفيلم لول مرة في البيت البيض ‪ ،‬وكان الرئايس المريكي أول مشاهديه ‪.‬‬
‫وبعد خروج هذا الفيلم اقتنعت وكالة الفضاء المريكية بضرورة البحث في هذا المجال ‪ ،‬وخصصت‬
‫مليون دولر لبحاث عام ‪ ، 1979‬وقد أطلقت على المشروع السري اسم )سيتي( ‪ .‬ويتلخص في‬
‫إطلق أجهزة خاصة للفضاء الخارجي ؛ للبحث عن رسائال لسلكية قادمة من كواكب أخرى ‪.‬‬
‫ويمكننا بعد هذا العرض أن نقرر ما يأتي ‪:‬‬
‫‪ -1‬ل مجال للتكذيب بوجود مخلوقات غريبة غير النسان ‪ ،‬إذ تواترت الرؤية من عشرات اللوف بل‬
‫ت ما قيل في هذا الموضوع فترة طويلة ‪ ،‬فكنت أجد مقالا كل أسبوع تقريب ا أو‬
‫مئاات اللوف ‪ ،‬وقد تابع خ‬
‫أكثر أو أقل حول رؤية جماعة أو شخص لشيء من هذا )‪. (2‬‬
‫‪ -2‬احتار الناس في تفسير حقيقة هذه الطباق ‪ ،‬وحقيقة المخلوقات التي تستخدمها ‪ ،‬خاصة أن سرعة‬
‫هذه الطباق خيالية تفوق سرعة أي مركبة اخترعها النسان ‪.‬‬
‫‪ -3‬أكاد أجزم بأن هذه المخلوقات هي من عالم الجن الذي يسكن أرضنا هذه ‪ ،‬والذين تحدثنا عنهم فيما‬
‫سبق ‪ ،‬وبينا ما لديهم من قدرات إوامكانات تفوق قدرة البشر ‪ ،‬ولقد أعطوا سرعة تفوق سرعة الصوت‬
‫والضوء ‪ ،‬كما أعطوا القدرة على التشكل ‪ ،‬وهم يستطيعون أن يتمثلوا للنسان في صور وأشكال مختلفة‬
‫‪.‬‬
‫وبذلك يتبين لنا فضل ال علينا إذ عرفنا بهذه الحقائاق ‪ ،‬خاصة ونحن نشعر بالحيرة والقلق لدى الذين ل‬
‫يعلمون ما علمناه ‪ ،‬وبذلك نوفر طاقاتنا العقلية وقدراتنا العلمية وأموالنا ؛ كي نوجهها وجهة نافعة ‪.‬‬

‫) ‪(1/107‬‬

‫وقد يتساءل بعضنا عن السمر في ظهور هذه الطباق في أيامنا هذه ‪ ،‬وعدم ظهورها في العصور‬
‫الخالية ‪ ،‬فالجواب أن الجن يلبسون لكل عصر لبوسه ‪ ،‬وهذا العصر عصر التقدم العلمي ‪ ،‬ولذلك فإنهم‬
‫يضللون البشر بالطريقة التي تثير انتباههم ‪ ،‬وتشد نفوسهم ‪ ،‬والناس اليوم يتطلعون إلى معرفة شيء‬
‫عن الفضاء الواسع ‪ ،‬وعن إمكانية وجود مخلوقات غيرهم فيه ‪.‬‬
‫وقد تحدثنا في كتابنا )) عالم الملئاكة (( عن تنزل الملئاكة لقراءة القرآن ‪ ،‬وأن بعض الصحابة رأى‬
‫ظلة فيها مثل المصابيح ‪ ،‬وتنزل الملئاكة على هذا النحو ليس قص ار على عهد النبوة ‪.‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬راجع جريدة السياسة الكويتية العدد )‪. 5/12/77 : (33999‬‬
‫)‪ (2‬وآخر ذلك ما حدث في الكويت ‪ ،‬فقد قرر أكثر من شخص أنه رأى طبقا طائا ار ‪ ،‬وقد نشرت‬
‫الصحف الكويتية النبأ في حينه ‪.‬‬
‫أسلحة المؤمن في حربه مع الشيطان ) الجزء الول (‬
‫أولا ‪ :‬الحذر والحيطة ‪:‬‬
‫هذا العدو الخبيث الماكر حريص على إضلل بني آدم ‪ ،‬وقد علمنا أهدافه ووسائاله في الضلل ‪،‬‬
‫فبمقدار علمك بهذا العدو ‪ :‬أهدافه ووسائاله والسبل التي يضلنا بها تكون نجاتنا منه ‪ ،‬أما إذا كان‬
‫النسان غافلا عن هذه المور فإن عدوه يأسره ويوجهه الوجهة التي يريد ‪.‬‬
‫وقد صور ابن الجوزي هذا الصراع بين النسان والشيطان تصوي ار بديع ا حيث يقول ‪ " :‬واعلم أن القلب‬
‫كالحصن ‪ ،‬وعلى ذلك الحصن سور ‪ ،‬وللسور أبواب وفيه ثلم )‪ ، (1‬وساكنه العقل ‪ ،‬والملئاكة تتردد‬
‫على ذلك الحصن ‪ ،‬إوالى جانبه ربض )‪ (2‬فيه الهوى ‪ ،‬والشياطين تختلف إلى ذلك الربض من غير‬
‫مانع ‪ ،‬والحرب قائامة بين أهل الحصن وأهل الربض ‪ ،‬والشياطين ل تزال تدور حول الحصن تطلب‬
‫غفلة الحارس والعبور من بعض الثلم ‪.‬‬
‫فينبغي للحارس أن يعرف جميع أبواب الحصن الذي قد وكل بحفظه وجميع الثلم ‪ ،‬وأل يفتر عن‬
‫الحراسة لحظة ‪ ،‬فإن العدو ل يفتر ‪ .‬قال رجل للحسن البصري ‪ :‬أينام إبليس ؟ قال ‪ :‬لو نام لوجدنا‬
‫راحة ‪.‬‬

‫) ‪(1/108‬‬

‫وهذا الحصن مستنير بالذكر مشرق باليمان ‪ ،‬وفيه مرآة صقيلة يتراءى فيها صورة كل ما يممر به ‪،‬‬
‫فأول ما يفعل الشيطان في الربض إكثار الدخان ‪ ،‬فتسومد حيطان الحصن ‪ ،‬وتصدأ المرآة ‪ ،‬وكمال‬
‫الفكر يرد الدخان ‪ ،‬وصقل الذكر يجلو المرآة ‪ ،‬وللعدو حملت ‪ ،‬فتارة يحمل فيدخل الحصن ‪ ،‬فيكر‬
‫عليه الحارس فيخرج ‪ ،‬وربما دخل فعاث ‪ ،‬وربما أقام لغفلة الحراس ‪ ،‬وربما ركدت الريح الطاردة للدخان‬
‫‪ ،‬فتسود حيطان الحصن ‪ ،‬وتصدأ المرآة فيمر الشيطان ول يدري به ‪ ،‬وربما جرح الحارس لغفلته ‪ ،‬وأسر‬
‫واستخدم ‪ ،‬وأقيم يستنبط الحيل في موافقة الهوى ومساعدته " )‪. (3‬‬
‫ثاني ا ‪ :‬اللتزام بالكتاب والسمنة ‪:‬‬
‫أعظم سبيل للحماية من الشيطان هو اللتزام بالكتاب والسنة علما وعملا ‪ ،‬فالكتاب والسنة جاءا‬
‫بالصراط المستقيم ‪ ،‬والشيطان يجاهد كي يخرجنا عن هذا الصراط قال تعالى ‪ ) :‬وأنن هذا صراطي‬
‫صاكم به لعنلكم تنتقون ( ] النعام ‪[ 153 :‬‬
‫مستقيم ا فانتبعوه ول تنتبعوا اللسبل فتفنرق بكم عن سبيله ذلكم و ن‬
‫‪.‬‬
‫وقد شرح الرسول صلى ال عليه وسلم هذه الية فعن عبد ال بن مسعود قال ‪ " :‬خط لنا رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم خطا ‪ ،‬ثمم قال ‪ ) :‬هذا سبيل ال ( ثمم خط خطوطا عن يمينه وشماله وقال ‪ ) :‬هذه‬
‫سبل ‪ ،‬على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ( وق أر ‪ ) :‬وأنن هذا صراطي مستقيم ا فانتبعوه ( ] النعام ‪:‬‬
‫‪ . [ 153‬رواه المام أحمد والنسائاي والدارمي )‪. (4‬‬
‫فاتباع ما جاءنا من عند ال من عقائاد وأعمال وأقوال وعبادات وتشريعات ‪ ،‬وترك كل ما نهى عنه ‪،‬‬
‫يجعل العبد في حرز من الشيطان ‪ ،‬ولذلك قال سبحانه وتعالى ‪ ) :‬يا أنيها انلذين آمنوا ادخلوا في السلم‬
‫كافنةا ول تنتبعوا خطوات النشيطان إننه لكم عدنو لمبيبن ( ]البقرة ‪. [208 :‬‬

‫) ‪(1/109‬‬

‫والسلم ‪ :‬هو السلم ‪ .‬وقيل طاعة ال ‪ ،‬وفسره مقاتل بأنه العمل بجميع العمال ووجوه البر ‪ ،‬وعلى‬
‫ذلك فقد أمرهم بالعمل بجميع شعب اليمان وشرائاع السلم ما استطاعوا ‪ ،‬ونهاهم عن اتباع خطوات‬
‫الشيطان ‪ ،‬فالذي يدخل في السلم مبتعد عن الشيطان وخطواته ‪ ،‬والذي يترك شيئا ا من السلم فقد‬
‫اتبع بعض خطوات الشيطان ‪ ،‬ولذلك كان تحليل ما حرم ال ‪ ،‬وتحريم ما أحل ال ‪ ،‬أو الكل من‬
‫المحرمات والخبائاث ‪ ،‬كل ذلك من اتباع خطوات الشيطان التي نهينا عنها ‪ ) :‬يا أنيها النناس كلوا منما‬
‫في الرض حللا طيبا ول تنتبعوا خطوات النشيطان إننه لكم عدنو لمبين ( ] البقرة ‪. [ 168 :‬‬
‫إن اللتزام بالكتاب والسنة قولا وعملا يطرد الشيطان ويغيظه أعظم إغاظة ‪ ،‬روى مسلم في صحيحه‬
‫عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬إذا ق أر ابخن آدم السجدة فسجد ‪ ،‬اعتزل‬
‫الشيطان يبكي ‪ ،‬يقول ‪ :‬يا ويله ‪ ) ،‬وفي رواية أبي كريب ‪ :‬يا ويلي ( أمر ابن آدم بالسجود فسجد ‪ ،‬فله‬
‫ت بالسجود فأبيت ‪ ،‬في النار ( )‪. (5‬‬
‫الجمنة وخأمر خ‬
‫ثالثا ‪ :‬اللتجاء إلى ال والحتماء به ‪:‬‬
‫خير سبيل للحتماء من الشيطان وجنده هو اللتجاء إلى ال والحتماء بجنابه ‪ ،‬والستعاذة به من‬
‫الشيطان ‪ ،‬فإنه عليه قادر ‪ .‬فإذا أجار عبده فأنى يخلص الشيطان إليه ‪ ،‬قال تعالى ‪ ) :‬خذ العفو وأمر‬
‫بالعرف وأعرض عن الجاهلين – إوانما ينزغننك من النشيطان نزغب فاستعذ بال إننه سميع عليم (‬
‫] العراف ‪. [ 200-199 :‬‬
‫وقد أمر ال رسوله صلى ال عليه وسلم بالستعاذة بال من همزات الشياطين وحضورهم ‪ ) :‬وقل رب‬
‫أعوذ بك من همزات النشياطين – وأعوذ بك رب أن يحضرون ( ]المؤمنون ‪. [98-97 :‬‬
‫وهمزات الشياطين ‪ :‬نزغاتهم ووساوسهم ‪ ،‬فال يأمرنا بالستعاذة به من العدو الشيطاني ل محالة ؛ إذ‬
‫ل يقبل مصانعة ول إحسانا ‪ ،‬ول يبتغي غير هلك ابن آدم ‪ ،‬لشدة العداوة بينه وبين آدم ‪.‬‬

‫) ‪(1/110‬‬

‫يقول ابن كثير في تفسيره ‪ " :‬والستعاذة هي اللتجاء إلى ال تعالى ‪ ،‬واللتصاق بجنابه من شمر كل‬
‫ذي شمر ‪ ، ...‬ومعنى ) أعوذ بال من الشيطان الرجيم ( ؛ أي ‪ :‬أستجير بجناب ال من الشيطان الرجيم‬
‫‪ ،‬أن يضرني في ديني ودنياي ‪ ،‬أو يصدني عن فعل ما أمرت به ‪ ،‬أو يحثني على فعل ما نهيت عنه ‪،‬‬
‫فإن الشيطان ل يكمفه عن النسان إل ال ؛ ولهذا أمر تعالى بمصانعة شيطان النس ومداراته بإسداء‬
‫الجميل إليه ليرده طبعه عما هو فيه من الذى ‪ ،‬وأمر بالستعاذة به من شيطان الجمن ؛ لنه ل يقبل‬
‫رشوة ‪ ،‬ول يؤثر فيه جميل ؛ لنه شرير بالطبع ‪ ،‬ول يكفه عنك إل الذي خلقه " )‪. (6‬‬
‫وقد كان صلى ال عليه وسلم يكثر من الستعاذة بربه من الشيطان بصيغ مختلفة ‪ ،‬فكان يقول بعد‬
‫دعاء الستفتاح في الصلة ‪ ) :‬أعوذ بال السميع العليم من الشيطان الرجيم ‪ ،‬من همزه ونفخه ونفثه‬
‫( ‪ ،‬روى ذلك أصحاب السنن الربعة وغيرهم عن أبي سعيد )‪. (7‬‬
‫مواضع الستعاذة ‪:‬‬
‫‪ -1‬الستعاذة عند دخول الخلء ‪:‬‬
‫وكان إذا دخل الخلء يستعيذ من الشياطين ذكورهم إواناثهم ‪ ،‬كما في الصحيحين عن أنس بن مالك‬
‫رضي ال عنه قال ‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم إذا دخل الخلء ‪ ،‬قال ‪ ) :‬اللهم إني أعوذ بك من‬
‫الخبث والخبائاث ( )‪. (8‬‬
‫وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن زيد بن أرقم قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬إن‬
‫هذه الحشوش محتضرة ‪ ،‬فإذا أتى أحدكم الخلء فليقل ‪ :‬أعوذ بال من الخبث والخبائاث ( )‪. (9‬‬
‫‪ -2‬الستعاذة عند الغضب ‪:‬‬
‫صجرد قال ‪ :‬استب رجلن عند النبي صلى ال عليه وسلم ونحن عنده جلوس ‪ ،‬وأحدهما‬
‫عن سليمان بن خ‬
‫يسب صاحبه مغضب ا ‪ ،‬قد احممر وجهه ‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬إني لعلم كلمة لو قالها‬
‫لذهب عنه ما يجد ‪ :‬أعوذ بال من الشيطان الرجيم ( ‪ .‬رواه البخاري ومسلم )‪. (10‬‬

‫) ‪(1/111‬‬

‫وقد عنلم الرسول صلى ال عليه وسلم أبا بكر إذا أصبح إواذا أمسى أن يقول ‪ ) :‬اللهم فاطر السماوات‬
‫ب كل شيء ومليكه ‪ ،‬أعوذ بك من شر نفسي ‪،‬‬
‫والرض ‪ ،‬عالم الغيب والشهادة ‪ ،‬ل إله إل أنت ‪ ،‬ر م‬
‫ومن شمر الشيطان وشركه ‪ ،‬وأن أقترف على نفسي سوءا ‪ ،‬أو أجره إلى مسلم ( )‪ . (11‬رواه الترمذي ‪.‬‬
‫‪ -3‬الستعاذة عند الجماع ‪:‬‬
‫وحثنا على الستعاذة حين يأتي الرجل أهله ‪ ،‬فعن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ ) :‬لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال ‪ :‬بسم ال ‪ ،‬اللهم جنبنا الشيطان ‪ ،‬وجنب الشيطان ما رزقتنا‬
‫‪ ،‬فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا ( ‪ .‬متفق عليه )‪. (12‬‬
‫‪ -4‬الستعاذة عند نزول واجد أو منزل ‪:‬‬
‫إواذا نزل المرء وادي ا أو منزلا ‪ ،‬فعليه أن يستعيذ بال ‪ ،‬ل كما كان يفعل أهل الجاهلية يستعيذون بالجن‬
‫والشياطين ‪ ،‬فيقول قائالهم ‪ :‬أعوذ بزعيم هذا الوادي من سفهاء قومه ‪ ،‬فكانت العاقبة أن استكبرت الجن‬
‫وآذتهم ‪ ،‬كما حكى ال عنهم ذلك في سورة الجن ‪ ) :‬وأننه كان رجابل من النس يعوذون برجاجل من الجن‬
‫فزادوهم رهق ا ( ]الجن ‪ [6 :‬؛ أي الجن زادت النس رهق ا ‪.‬‬
‫وقد علمنا الرسول صلى ال عليه وسلم كيف نستعيذ بال عندما ننزل منزلا فعن خولة بنت حكيم ‪ :‬أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬لو أن أحدكم إذا نزل منزلا قال ‪ :‬أعوذ بكلمات ال التامة من شمر ما‬
‫خلق ‪ ،‬لم يضره في ذلك المنزل شيء ‪ ،‬حتى يرتحل منه ( ‪ .‬رواه ابن ماجة بإسناد صحيح )‪. (13‬‬
‫‪ -5‬التعوذ بال من الشيطان عند سماع نهيق الحمار ‪:‬‬
‫يقول الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬إذا نهق الحمار فتعوذوا بال من الشيطان الرجيم ( ‪ .‬رواه‬
‫الطبراني في معجمه الكبير بإسناد صحيح )‪ ، (14‬وقد أخبرنا الرسول صلى ال عليه وسلم أن الحمار‬
‫إذا نهق فإنه يكون قد رأى شيطان ا )‪. (15‬‬
‫‪ -6‬التعوذ حين ق ارجءة القرآن ‪:‬‬

‫) ‪(1/112‬‬

‫قال تعالى ‪ ) :‬فإذا قرأت القرآن فاستعذ بال من النشيطان النرجيم – إننه ليس له سلطان على انلذين آمنوا‬
‫وعلى ربهم يتونكلون ( ] النحل ‪. [ 99-98 :‬‬
‫وقد بين ابن القيم الحكمة في الستعاذة بال من الشيطان حين ق ارجءة القرآن ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫‪ " -1‬إن القرآن شفاء لما في الصدور يذهب لما يلقيه الشيطان فيها من الوساوس والشهوات والرادات‬
‫الفاسدة ‪ ،‬فهو دواء لما أمره الشيطان فيها ‪ ،‬فأمر أن يطرد مادة الداء ‪ ،‬ويخلي منه القلب ‪ ،‬ليصادف‬
‫الداء محلا خالي ا ‪ ،‬فيتمكن منه ‪ ،‬ويؤثر فيه ‪ ،‬كما قيل ‪:‬‬
‫أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ××× فصادف قلبا خاليا فتمكنا‬
‫فيجيء هذا الدواء الشافي إلى القلب ‪ ،‬وقد خل من مزاحم ومضاد له ‪ ،‬فينجع فيه ‪.‬‬
‫‪ -2‬ومنها ‪ :‬أن القرآن مادة الهدى والعلم والخير في القلب ‪ ،‬كما أمن الماء مادة النبات ‪ ،‬والشيطان نار‬
‫يحرق النبات أولا فأولا ‪ ،‬فكلما أحمس بنبات الخير من القلب ‪ ،‬سعى في إفساده إواحراقه ‪ ،‬فأمر أن‬
‫يستعيذ بال – عمز وجمل – منه ‪ ،‬لئال يفسد عليه ما يحصل له بالقرآن ‪.‬‬
‫والفرق بين هذا الوجه والوجه الذي قبله أن الستعاذة في الوجه الول لجل حصول فائادة القرآن ‪ ،‬وفي‬
‫الوجه الثاني لجل بقائاها وحفظها ‪.‬‬
‫‪ -3‬ومنها ‪ :‬أن الملئاكة تدنو من قارئ القرآن ‪ ،‬وتستمع لقراءته ‪ ،‬كما في حديث أسيد بن حضير لما‬
‫كان يق أر ورأى مثل الظلة فيها المصابيح ‪ ،‬فقال عليه الصلة والسلم ‪ ) :‬تلك الملئاكة ( ‪ ،‬والشيطان‬
‫ضد الملك وعدوه ‪ ،‬فأمر القارئ أن يطلب من ال تعالى مباعدة عدوه عنه ‪ ،‬حتى يحضره خاص‬
‫ملئاكته ‪ ،‬فهذه منزلة ل يجتمع فيها الملئاكة والشياطين ‪.‬‬
‫‪ -4‬ومنها ‪ :‬أن الشيطان يجلب على القارئ بخيله ورجله ‪ ،‬حتى يشغله عن المقصود بالقرآن ‪ ،‬وهو‬
‫تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به سبحانه ‪ ،‬فيحرص بجهده على أن يحول بين قلبه وبين مقصود‬
‫القرآن ‪ ،‬فل يكمل انتفاع القارئ به ‪ ،‬فأمر عند الشروع في القراءة أن يستعيذ بال من الشيطان الرجيم ‪.‬‬

‫) ‪(1/113‬‬

‫‪ -5‬ومنها ‪ :‬أن القارئ يناجي ال تعالى بكلمه ‪ ،‬وال أشد أذن ا للقارئ الحسن الصوت بالقرآن من‬
‫صاحب القينة إلى قينته ‪ ،‬والشيطان إنما ق ارجءته الشعر والغناء ‪ ،‬فأمر القارئ أن يطرده بالستعاذة عند‬
‫ب ق ارجءته ‪.‬‬
‫مناجاة ال تعالى واستماع الر م‬
‫‪ -6‬ومنها ‪ :‬أن ال سبحانه أخبر أمنه ما أرسل من رسول ول نبي إل إذا تممنى ألقى الشيطان في أمنيته ‪،‬‬
‫والسلف كلهم على أن المعنى ‪ :‬إذا تل ألقى الشيطان في تلوته ‪ ، ...‬فإذا كان هذا مع الرسل عليهم‬
‫الصلة والسلم فكيف بغيرهم ‪ .‬ولهذا يغلط الشيطان القارئ تارة ‪ ،‬ويخلط عليه الق ارجءة ‪ ،‬ويشوشها عليه‬
‫‪ ،‬فيخبط عليه لسانه ‪ ،‬أو يشوش عليه ذهنه وقلبه ‪ ،‬فإذا حضر عند الق ارجءة ‪ ،‬لم يعدم منه القارئ هذا أو‬
‫هذا ‪ ،‬وربما جمعها له ‪.‬‬
‫‪ -7‬ومنها ‪ :‬أن الشيطان أحرص ما يكون على النسان عندما يهم بالخير ‪ ،‬أو يدخل فيه ‪ ،‬فهو يشتد‬
‫عليه حينئاذ ؛ ليقطعه عنه " )‪. (16‬‬
‫‪ -7‬تعويذ البناء والهل ‪:‬‬
‫عن ابن عباس رضي ال عنهما قال ‪ :‬كان الرسول صلى ال عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ‪:‬‬
‫) أعيذكما بكلمات ال التامة ‪ ،‬من كل شيطان وهامة ‪ ،‬ومن كل عين لمة ( ‪ .‬ويقول ‪ ) :‬إن أباكما‬
‫كان يعوذ بها إسماعيل إواسحاق ( ‪ .‬رواه البخاري )‪. (17‬‬
‫قال أبو بكر ابن النباري ‪ " :‬الهامة ‪ :‬واحد الهوام ‪ ،‬ويقال ‪ :‬هي كل نسمة تهم بسوء ‪ ،‬واللمة ‪ :‬الملمة‬
‫‪ ،‬إوانما قال ‪ :‬لمة ليوافقه لفظ هامة ‪ ،‬فيكون أخف على اللسان " )‪. (18‬‬
‫خير ما يتعوذ به المتعوذون ‪:‬‬
‫وخير ما يتعوذ به المتعوذون سورتا الفلق والناس ‪ ،‬فقد أمر الرسول صلى ال عليه وسلم عبد ال بن‬
‫خبيب أن يق أر ‪ ) :‬قل هو ال أحد ( ‪ ،‬والمعوذتين حين يمسي ‪ ،‬وحين يصبح ‪ ،‬ثلثا ‪ .‬وقال له ‪:‬‬
‫) يكفيك ال كل شيء ( ‪.‬‬
‫وفي رواية أخرى أمره بق ارجءة المعوذتين ‪ ،‬ثم قال له ‪ ) :‬ما تعوذ الناس بأفضل منهما ( ‪.‬‬

‫) ‪(1/114‬‬
‫وفي بعض الروايات ‪ :‬أن هذه القصة كانت مع عقبة بن عامر ‪ .‬وفي رواية أن الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم قال لبن عابس الجهني ‪ ) :‬إن أفضل ما تعوذ به المتعوذون المعوذتان ( ‪ .‬وقال الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم في بعض روايات حديث عقبة ‪ ) :‬ما سأل سائال بمثلهما ‪ ،‬ول استعاذ مستعيذ بمثلهما (‬
‫)‪. (19‬‬
‫كيف تصنع بالشيطان إذ سمول لك الخطايا ؟‬
‫حكي عن أحد علماء السلف أنه قال لتلميذه ‪ " :‬ما تصنع بالشيطان إذا سمول لك الخطايا ؟ قال ‪:‬‬
‫أجاهده ‪ .‬قال ‪ :‬فإن عاد ؟ قال ‪ :‬أجاهده ‪ .‬قال ‪ :‬فإن عاد ؟ قال ‪ :‬أجاهده ‪.‬‬
‫قال هذا يطول ‪ ،‬أرأيت إن مررت بغنم فنبحك كلبها ‪ ،‬أو منعك من العبور ما تصنع ؟ قال ‪ :‬أكابده‬
‫جهدي وأرده ‪ .‬قال ‪ :‬هذا أمر يطول ‪ ،‬ولكن استعن بصاحب الغنم يكمفه عنك " )‪. (20‬‬
‫وهذا فقه عظيم من هذا العالم الجليل ‪ ،‬فإن الحتماء بال ‪ ،‬واللتجاء إليه ‪ ،‬هو السبيل القوي الذي يطرد‬
‫الشيطان ويبعده ‪ ،‬وهذا ما فعلته أم مريم إذ قالت ‪ ) :‬إواني أعيذها بك وذريتها من النشيطان النرجيم (‬
‫] آل عمران ‪. [ 36 :‬‬
‫لماذا ل يذهب الشيطان عندما يستعيذ منه النسان ؟‬
‫يقول بعض الناس ‪ :‬إننا نستعيذ بال ‪ ،‬ومع ذلك فإننا نحس بالشيطان يوسوس لنا ‪ ،‬ويحرضنا على‬
‫الشر ‪ ،‬ويشغلنا في صلتنا ‪.‬‬
‫والجواب ‪ :‬أن الستعاذة كالسيف في يد المقاتل ‪ ،‬فإن كانت يده قوية ‪ ،‬أصاب من عدوه مقتلا ‪ ،‬إوال‬
‫فإنه قد ل يؤثر فيه ‪ ،‬ولو كان السيف صقيلا حديدا ‪.‬‬
‫وكذلك الستعاذة إذا كانت من تقمي ورع كانت نا ار تحرق الشيطان ‪ ،‬إواذا كانت من مخلط ضعيف‬
‫اليمان فل تؤثر في العدو تأثي ار قويا ‪.‬‬

‫) ‪(1/115‬‬

‫قال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه ال ‪ " :‬واعلم أن مثل إبليس مع المتقي والمخلط ‪ ،‬كرجل جالس بين‬
‫يديه طعام ولحم ‪ ،‬فممر به كلب ‪ ،‬فقال له ‪ :‬اخسأ ‪ ،‬فذهب ‪ .‬فممر بآَخر بين يديه طعام ولحم فكملما‬
‫أخسأه )طرده( لم يبرح ‪ .‬فالول مثل المتقي يمر به الشيطان ‪ ،‬فيكفيه في طرده الذكر ‪ ،‬والثاني مثل‬
‫المخلط ل يفارقه الشيطان لمكان تخليطه ‪ ،‬نعوذ بال من الشيطان " )‪. (21‬‬
‫فعلى المسلم الذي يريد النجاة من الشيطان وأحابيله أن يشتغل بتقوية إيمانه ‪ ،‬والحتماء بال ربه ‪،‬‬
‫واللتجاء إليه ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال ‪.‬‬
‫رابع ا ‪ :‬الشتغال بذكر ال ‪:‬‬
‫ذكر ال من أعظم ما ينجي العبد من الشيطان ‪ ،‬وفي الحديث ‪ :‬أن ال أمر نبي ال يحي أن يأمر بني‬
‫إسرائايل بخمس خصال ‪ ،‬ومن هذه ‪ ) :‬وآمركم أن تذكروا ال تعالى ‪ ،‬فإن مثل ذلك مثل رجل خرج‬
‫العمدو في أثره سراعا ‪ ،‬حتى إذا أتى إلى حصن حصين ‪ ،‬فأحرز نفسه منهم ‪ ،‬كذلك العبد ل يحرز نفسه‬
‫من الشيطان إل بذكر ال ( ‪.‬‬
‫يقول ابن القيم )‪ " : (22‬فلو لم يكن في الذكر إل هذه الخصلة الواحدة لكان حقيق ا بالعبد أن ل يفتر‬
‫لسانه من ذكر ال تعالى ‪ ،‬وأن ل يزال لهج ا بذكره ‪ ،‬فإمنه ل يحرز نفسه من عدوه إل بالذكر ‪ ،‬ول يدخل‬
‫عليه العدو إل من باب الغفلة ‪ ،‬فهو يرصده ‪ ،‬فإذا غفل ‪ ،‬وثب عليه وافترسه ‪ ،‬إواذا ذكر ال تعالى ‪،‬‬
‫انخنس عدو ال وتصاغر ‪ ،‬وانقمع ‪ ،‬حتى يكون كالجوصع ] طائار أصغر من العصفور [ ‪ ،‬وكالذباب ‪،‬‬
‫ولهذا سمي ) الوسواس الخناس ( ؛ لنه يوسوس في صدور الناس ‪ ،‬فإذا ذكر ال خنس ‪ ،‬أي كف‬
‫وانقبض ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ :‬الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ‪ ،‬فإذا سها وغفل وسوس ‪ ،‬فإذا ذكر ال‬
‫تعالى خنس " ‪.‬‬

‫) ‪(1/116‬‬

‫ويقول ابن القيم ‪ " :‬الشياطين قد احتوشت العبد وهم أعداؤه ‪ ،‬فما ظنك برجل قد احتوشه أعداؤه‬
‫المحنقون عليه غيظ ا ‪ ،‬وأحاطوا به ‪ ،‬وكل منهم يناله بما يقدر عليه من الشمر والذى ‪ ،‬ول سبيل إلى‬
‫تفريق جمعهم عنه إل بذكر ال عمز وجمل " ‪.‬‬
‫ثم ساق – رحمه ال – حديث عبد الرحمن بن سمرة ‪ ،‬قال ‪ :‬خرج علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يوم ا ‪ ،‬وكنا في صفمجة بالمدينة ‪ ،‬فقام علينا وقال ‪ ) :‬إمني رأيت البارحة عجب ا ‪ :‬رأيت رجلا من أمتي أتاه‬
‫ملك الموت ليقبض روحه ‪ ،‬فجاءه بمره بوالديه ‪ ،‬فرد ملك الموت عنه ‪.‬‬
‫ورأيت رجلا قد بسط عليه عذاب القبر ‪ ،‬فجاءه وضوؤه ‪ ،‬فاستنقذه من ذلك ‪.‬‬
‫ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الشياطين ‪ ،‬فجاءه ذكر ال عمز وجمل ‪ ،‬فطرد الشياطين عنه ‪.‬‬
‫ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته ملئاكة العذاب ‪ ،‬فجاءته صلته ‪ ،‬فاستنقذته من أيديهم ‪.‬‬
‫ورأيت رجلا من أمتي يلتهب – وفي رواية ‪ :‬يلهث – عطش ا ‪ ،‬كلما دنا من حوض منع وطرد ‪ ،‬فجاءه‬
‫صيام شهر رمضان ‪ ،‬فأسقاه وأرواه ‪.‬‬
‫ورأيت رجلاج من أمتي ورأيت النبيين جلوس ا فحجلق ا فحجلق ا ‪ ،‬كلما دنا إلى حلقة طرد ‪ ،‬فجاءه غسلخهخ من‬
‫الجنابة ‪ ،‬فأخذ بيده ‪ ،‬فأقعده إلى جنبي ‪.‬‬
‫ت رجلا من أمتي ‪ ،‬بين يديه ظلمة ‪ ،‬ومن خلفه ظلمة ‪ ،‬وعن يمينه ظلمة ‪ ،‬وعن يساره ظلمة ‪ ،‬ومن‬
‫ورأي خ‬
‫فوقه ظلمة ‪ ،‬ومن تحته ظلمة ‪ ،‬وهو متحمير فيها ‪ ،‬فجاءه حجة وعمرته ‪ ،‬فاستخرجاه من الظلمة ‪،‬‬
‫وأدخله في النور ‪.‬‬
‫ورأيت رجلا من أمتي يتقي بيده وهج النار وشرره ‪ ،‬فجاءته صدقته ‪ ،‬فصارت سترة بينه وبين النار ‪،‬‬
‫وظللت على رأسه ‪.‬‬
‫ورأيت رجلا من أمتي يكلم المؤمنين ول يكلمونه ‪ ،‬فجاءته صلته لرحمه فقالت ‪ :‬يا معشر المسلمين ‪،‬‬
‫إنه كان وصولا لرحمه فكلموه ‪ ،‬فكلمه المؤمنون ‪ ،‬وصافحوه وصافحهم ‪.‬‬
‫ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الزبانية ‪ ،‬فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ‪ ،‬فاستنقذه من‬
‫أيديهم ‪ ،‬وأدخله في ملئاكة الرحمة ‪.‬‬

‫) ‪(1/117‬‬

‫ورأيت رجلا من أمتي جاثيا على ركبتيه ‪ ،‬وبينه وبين ال عمز وجمل حجاب ‪ ،‬فجاءه خحسن خلقه ‪ ،‬فأخذ‬
‫بيده ‪ ،‬فأدخله على ال عمز وجمل ‪.‬‬
‫ورأيت رجلا من أمتي قد ذهبت صحيفته من قبل شماله ‪ ،‬فجاءه خوفه من ال عمز وجمل ‪ ،‬فأخذ صحيفته‬
‫‪ ،‬فوضعها في يمينه ‪.‬‬
‫ف ميزانه فجاء أفراطه )‪ ، (23‬فثقلوا ميزانه ‪.‬‬
‫ورأيت رجلا من أمتي خ م‬
‫ورأيت رجلا من أمتي قائاما على شفير جهنم ‪ ،‬فجاءه رجاؤه في ال عمز وجمل ‪ ،‬فاستنقذه من ذلك ومضى‬
‫‪.‬‬
‫ورأيت رجلا من أمتي قد أقوى في النار ‪ ،‬فجاءته دمعته التي بكى من خشية ال عمز وجمل فاستنقذته من‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫ورأيت رجلا من أمتي قائام ا على الصراط يرعد كما ترعد المسجعفة في ريح عاصف ‪ ،‬فجاءه خحلسخن ظنفه‬
‫بال عمز وجمل ‪ ،‬فجسكن رعجدتجهخ ومضى ‪.‬‬
‫ف على الصراط ‪ ،‬ويحبوا أحيان ا ‪ ،‬ويتعلق أحيان ا ‪ ،‬فجاءته صلته ‪ ،‬فأقامته‬
‫ورأيت رجلا من أمتي يزح خ‬
‫على قدميه ‪ ،‬وأنقذته ‪.‬‬
‫ورأيت رجلا من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة ‪ ،‬فغلقت البواب دونه ‪ ،‬فجاءته شهادة أن ل إله إل ال ‪،‬‬
‫ففتحت له البواب ‪ ،‬وأدخلته الجنة ( ‪.‬‬
‫رواه الحافظ أبو موسى المديني في كتاب ) الترغيب في الخصال المنجية ‪ ،‬والترهيب من الخلل‬
‫المردية ( ‪ ،‬وبنى كتابه عليه وجعله شرح ا له ‪ ،‬وقال ‪ :‬هذا حديث حسن جدا ‪ ،‬رواه عن سعيد بن‬
‫المسيب ‪ :‬عمرو بن آزر ‪ ،‬وعلي بن زيد بن جدعان ‪ ،‬وهلل أبو جبلة ‪ .‬وكان شيخ السلم ابن تيمية ‪،‬‬
‫قدس ال روحه ‪ ،‬يعظم شأن هذا الحديث ‪ ،‬وبلغني عنه أنه كان يقول ‪ :‬شواهد الصحة عليه ‪.‬‬
‫والمقصود منه قوله صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الشياطين ‪ ،‬فجاءه ذكر‬
‫ال عمز وجمل ‪ ،‬فطرد الشيطان عنه ( فهذا مطابق لحديث الحارث الشعري )‪. (24‬‬
‫وقوله فيه ‪ ) :‬وآمركم بذكر ال عمز وجمل ‪ ،‬إوان مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو ‪ ،‬فانطلقوا في طلبه‬
‫فسراع ا ‪ ،‬وانطلق حتى أتى حصن ا جحصين ا ‪ ،‬فأحرز نفسه فيه ( ‪.‬‬

‫) ‪(1/118‬‬

‫فكذلك الشيطان ل يحرز العباد أنفسهم منه إل بذكر ال عمز وجمل ‪ ،‬فعن أنس بن مالك قال ‪ :‬قال رسول‬
‫ت على ال ‪ ،‬ل حول ول قوة إل‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬إذا خرج من بيته فقال ‪ :‬بسم ال ‪ ،‬توكل خ‬
‫ت ‪ ،‬فيتججنمحى له الشيطان ‪ ،‬ويقول شيطان آخر ‪ :‬كيف لك‬ ‫بال ‪ ،‬يقال له حينئاذ ‪ :‬خهفديت وكخفي ج‬
‫ت وخوفقي ج‬
‫برجل قد هفدي وخكفي وخوقي ؟ ( ‪ .‬رواه أبو داود ‪ ،‬وروى الترمذي إلى قوله ‪ ) :‬له الشيطان ( )‪. (25‬‬
‫وصح عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬من قال ل إله إل ال وحده ل شريك له ‪،‬‬
‫له الملك ‪ ،‬وله الحمد ‪ ،‬وهو على كل شيء قدير ‪ ،‬في يوم مائاة مرة ‪ ،‬كانت له عدل عشر رقاب ‪،‬‬
‫وكتبت له مائاة حسنة ‪ ،‬ومحيت عنه مائاة سيئاة ‪ ،‬وكانت له حر از من الشيطان يومه ذلك ‪ ،‬حتى يمسي‬
‫( ‪ .‬متفق عليه )‪. (26‬‬
‫وقال أبو خلد المصري ‪ :‬من دخل في السلم ‪ ،‬دخل في حصن ‪ ،‬ومن دخل المسجد ‪ ،‬فقد دخل في‬
‫حصنين ‪ ،‬ومن جلس في حلقة يذكر ال عمز وجمل فيها ‪ ،‬فقد دخل في ثلثة حصون ‪.‬‬
‫لني رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وفي صحيح البخاري ‪ ،‬عن محمد بن سيرين ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ " :‬و م‬
‫وسلم زكاة رمضاجن أن احتفظ بها ‪ ،‬فأتاني آجت ‪ ،‬فجعل جيلحثخوا الطعام ‪ ،‬فأخذته ‪ ،‬فقال ‪ :‬دعني فإني ل‬
‫ت إلى‬
‫أعود ‪ . " ....‬فذكر الحديث ‪ ،‬وقال ‪ :‬فقال في الثالثة ‪ " :‬أعلمك كلمات ينفعك ال بهن ‪ ،‬إذا أوي ج‬
‫فراشك ‪ ،‬فاق أر آية الكرسي من أولها إلى آخرها ‪ ،‬فإنه ل يزال عليك من ال حافظ ‪ ،‬ول يقربك شيطان‬
‫ك ‪ ،‬وهو‬
‫صجدقج ج‬
‫حتى تصبح " فخلى سبيله ‪ ،‬فأصبح ‪ ،‬فأخبر النبي صلى ال عليه وسلم بقوله ‪ ،‬فقال ‪ ) :‬ج‬
‫كذوب ( ‪.‬‬
‫وذكر الحافظ أبو موسى من حديث أبي الزبير عن جابر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫ك ‪ :‬اختم بخير ‪ ،‬ويقول الشيطان ‪:‬‬
‫ك وشيطابن ‪ ،‬فيقول المل خ‬‫) إذا أوى النساخن إلى فراشه ‪ ،‬ابتدرهخ مل ب‬
‫اختم بشر ‪ ،‬فإذا ذكر ال ‪ ،‬ثم نام ‪ ،‬بات الملك يكلؤه ‪.‬‬

‫) ‪(1/119‬‬
‫إواذا استيقظ ‪ ،‬قال الملك ‪ :‬افتح بخير ‪ ،‬وقال الشيطان ‪ :‬افتح بشر ‪ ،‬فإن قال ‪ :‬الحمد ل الذي رند علي‬
‫نفسي ‪ ،‬ولم يمتها في منامها ‪ ،‬الحمد ل الذي يمسك السماوات والرض أن تزول ‪ ،‬ولئان زالتا إن‬
‫أمسكهما من أحد من بعده ‪ ،‬الحمد ل الذي يمسك السماء أن تقع على الرض إل بإذنه ‪ ،‬فإن وقع عن‬
‫سريره فمات دخل الجنة ( ‪.‬‬
‫رواه أبو يعلى ‪ ،‬ورجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن الحجاج الشامي وهو ثقة " )‪. (27‬‬
‫وفي الصحيحين عن ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬لو‬
‫أن أحدخكم إذا أراد أن يأتي أهلجهخ فقال ‪ :‬بسم ال ‪ ،‬اللهم جنبنا الشيطاجن ‪ ،‬وجنب الشيطان ما رزقتنا ‪ ،‬فإنه‬
‫إن يقمدر بينهما ولد في ذلك ل يضرهخ شيطابن أبدا ( )‪. (28‬‬
‫وقد ثبت في )) الصحيح (( أن الشيطان يهرب من الذان ‪.‬‬
‫قال سهيل بن أبي صالح ‪ " :‬أرسلني أبي إلى بني حارثة ومعي غلم – أو صاحب لنا – فناداه مناجد من‬
‫حائاط باسمه قال ‪ :‬وأشرف الذي معي على الحائاط ‪ ،‬فلم ير شيئا ا ‪ ،‬فذكرت ذلك لبي ‪ ،‬فقال ‪ :‬لو‬
‫شعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك ‪،‬ولكن إذا سمعت صوت ا فناد بالصلة ‪ ،‬فإني سمعت أبا هريرة يحدث‬
‫عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ ) :‬إمن الشيطان إذا نودي بالصلة ‪ ،‬ولى وله حصاص ( )‬
‫‪. (29‬‬
‫وعن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬إذا نودي للصلة أدبر الشيطان وله‬
‫ضراط حتى ل يسمع التأذين ‪ ،‬فإذا قضي النداء أقبل ‪ ،‬حتى إذا قضي التثويب ‪ ،‬أقبل حتى يخطر ببين‬
‫المرء ونفسه ‪. (30) ( ....‬‬

‫) ‪(1/120‬‬

‫روى المام أحمد أن أبا تميمة سمع أحد الصحابة يحدث أنه كان رديف رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قال ‪ :‬عثر بالنبي صلى ال عليه وسلم حماره ‪ ،‬فقلت ‪ :‬تعس الشيطان ‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ) :‬ل تقل ‪ :‬تعس الشيطان ‪ ،‬فإنك إذا قلت ‪ :‬تعس الشيطان تعاظم ‪ ،‬وقال ‪ :‬بقوتي صرعته ‪،‬‬
‫إواذا قلت ‪ :‬باسم ال تصاغر ‪ ،‬حتى يصير مثل الذباب ( ‪ .‬قال ابن كثير )‪ : (31‬تفرد به أحمد ‪،‬‬
‫إواسناده جيد ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬لزوم جماعة المسلمين ‪:‬‬
‫ومما يبعد المسلم عن الوقوع في أحابيل الشيطان أن يعيش في ديار السلم ‪ ،‬ويختار لنفسه الفئاة‬
‫ضه عليه ‪ ،‬وتذكره بالخيرات ‪ ،‬فإن في التحاد والتجمع قوة وأي‬
‫الصالحة التي تعينه على الحق ‪ ،‬وتح م‬
‫قوة ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬خطبنا عمر بالجابية ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أيها الناس ‪ ،‬إني قمت فيكم كمقام رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فينا ‪ ،‬فكان مما قال ‪ ) :‬عليكم بالجماعة ‪ ،‬إواياكم والفرقة ‪ ،‬فإن الشيطان مع الواحد‬
‫‪ ،‬وهو من الثنين أبعد ‪. (32) ( ..‬‬
‫والجماعة جماعة المسلمين ‪ ،‬إوامام المسلمين ‪ ،‬ول قيمة للجماعة في السلم ما لم تلتزم بالحق ‪:‬‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬فعن أبي الدرداء قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪ ) :‬ما من ثلثة‬
‫في قرية ول بدو ‪ ،‬ل تقام فيهم الصلة ‪ ،‬إل قد استحوذ عليهم الشيطان ‪ ،‬فعليك بالجماعة ‪ ،‬فإنما يأكل‬
‫الذئاب القاصية ( )‪. (33‬‬
‫وروى أبو داود في سننه من حديث معاوية بن أبي سفيان أنه قام فقال ‪ :‬أل إن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قام فينا فقال ‪ ) :‬أل إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة ‪ ،‬إوان هذه‬
‫الملة ستفترق على ثلث وسبعين ‪ ،‬ثنتان وسبعون في النار ‪ ،‬وواحدة في الجنة ‪ ،‬وهي الجماعة ( )‪(34‬‬
‫‪.‬‬
‫سادس ا ‪ :‬كشف مخططات الشيطان ومصائاده )‪: (35‬‬

‫) ‪(1/121‬‬

‫على المسلم أن يتعرف على سبله ووسائاله في الضلل ‪ ،‬ويكشف ذلك للناس ‪ ،‬وقد فعل ذلك القرآن ‪،‬‬
‫وقام بهذه المهمة الرسول صلى ال عليه وسلم خير قيام ‪ ،‬فالقرآن عرفنا السلوب الذي أغوى الشيطان‬
‫به آدم ‪ .‬والرسول صلى ال عليه وسلم كان يعرف الصحابة كيف يسترق الشيطان السمع ‪ ،‬ويلقي‬
‫بالكلمة التي سمع في أذن الكاهن أو الساحر ومعها مائاة كذبة ‪ ،‬يبين ذلك لهم كي ل ينخدعوا بأمثال‬
‫هؤلء ‪ ،‬وبين لهم كيف يوسوس لهم ويشغلهم في صلتهم وعبادتهم ‪ ،‬وكيف يحاول الشيطان أن يوهمهم‬
‫بأن وضوءهم قد فسد ‪ ،‬والمر ليس كذلك ‪ ،‬وكيف يفرق بين المرء وزوجه ‪ ،‬وكيف يوسوس للمرء ‪،‬‬
‫فيقول له ‪ :‬من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول ‪ :‬من خلق ربك ؟‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬الثلمة في السور ‪ :‬الموضع المتهدم منه ‪.‬‬
‫)‪ (2‬الربض ‪ :‬المكان الذي خيؤوى إليه ‪.‬‬
‫)‪ (3‬تلبيس إبليس ‪. 49 :‬‬
‫)‪ (4‬مشكاة المصابيح ‪ . 1/58 :‬ورقمه ‪ . 166 :‬وقال محقق المشكاة ‪ :‬إواسناده حسن ‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم ‪ . 1/87 :‬ورقمه ‪. 81 :‬‬
‫)‪ (6‬تفسير ابن كثير ‪. 1/28 :‬‬
‫)‪ (7‬حديث صحيح ‪ ،‬انظر تخريجه ‪ ،‬وكلم الشيخ ناصر الدين اللباني عليه في إرواء الغليل ‪2/51 :‬‬
‫‪ .‬ورقمه ‪. 341 :‬‬
‫)‪ (8‬رواه البخاري ‪ . 1/242 :‬ورقمه ‪ ، 142 :‬ورواه مسلم ‪ . 1/283 :‬ورقمه ‪. 375 :‬‬
‫)‪ (9‬صحيح سنن أبي داود ‪ . 1/4:‬ورقمه ‪. 4:‬‬
‫)‪ (10‬مشكاة المصابيح ‪ . 1/743 :‬ورقمه ‪. 2418 :‬‬
‫)‪ (11‬صحيح سنن الترمذي ‪ . 3/172 :‬ورقمه ‪. 2798 :‬‬
‫)‪ (12‬مشكاة المصابيح ‪ . 1/732 :‬ورقمه ‪. 3416 :‬‬
‫)‪ (13‬صحيح سنن ابن ماجة ‪ . 2/273 :‬ورقمه ‪. 2857 :‬‬
‫)‪ (14‬راجع صحيح الجامع ‪. 1/286 :‬‬
‫)‪ (15‬الحديث رواه البخاري ومسلم ‪ .‬انظر ‪ :‬مشكاة المصابيح ‪ . 1/743 :‬ورقمه ‪. 2419 :‬‬
‫)‪ (16‬إغاثة اللهفان ‪. 1/109 :‬‬
‫)‪ (17‬مشكاة المصابيح ‪ . 1/488 :‬ورقمه ‪. 1535 :‬‬
‫)‪ (18‬تلبيس إبليس ‪. 47 :‬‬
‫)‪ (19‬انظر هذه الحاديث في صحيح سنن النسائاي ‪ . 1107– 3/1104 :‬وأرقامها ‪-5017 :‬‬
‫‪. 5029‬‬
‫)‪ (20‬تلبيس إبليس ‪. 48 :‬‬

‫) ‪(1/122‬‬

‫)‪ (21‬تلبيس إبليس ‪. 48 :‬‬


‫)‪ (22‬الوابل الصيب ‪ :‬ص ‪. 60‬‬
‫)‪ (23‬جمع فرط ‪ ،‬والمراد به ‪ :‬من مات له من الطفال ‪.‬‬
‫)‪ (24‬الوابل الصيب ‪ :‬ص ‪. 144‬‬
‫)‪ (25‬مشكاة المصابيح ‪ . 1/749 :‬ورقمه ‪. 1442 :‬‬
‫)‪ (26‬مشكاة المصابيح ‪ . 1/708 :‬ورقمه ‪. 2302 :‬‬
‫)‪ (27‬مجمع الزوائاد ‪ . 10/120 :‬أقول ‪ :‬وصوابه السامي بالسين ‪.‬‬
‫)‪ (28‬رواه البخاري ‪ . 13/379 :‬ورقمه ‪ . 7396 :‬ورواه مسلم ‪ . 2/1058 :‬ورقمه ‪. 1434 :‬‬
‫)‪ (29‬رواه مسلم ‪ . 1/290 :‬ورقمه ‪. 389 :‬‬
‫)‪ (30‬رواه البخاري ‪ . 2/48 :‬ورقمه ‪ . 806 :‬وانظره أيضا برقم ‪، 1232 ، 1231 ، 1222 :‬‬
‫‪ . 3285‬ورواه مسلم ‪ . 1/290 :‬ورقمه ‪. 389 :‬‬
‫)‪ (31‬مسند المام أحمد ‪ ، 5/59 :‬البداية والنهاية ‪. 1/65 :‬‬
‫)‪ (32‬صحيح سنن الترمذي ‪ . 2/232 :‬ورقمه ‪. 1758 :‬‬
‫)‪ (33‬صحيح سنن أبي داود ‪ . 1/109 :‬ورقمه ‪. 541 :‬‬
‫)‪ (34‬صحيح سنن أبي داود ‪ . 3/869 :‬ورقمه ‪. 3842 :‬‬
‫)‪ (35‬إذا رغبت في الوقوف على تفاصيل مخططات الشيطان ومكائاده ومصائاده ‪ ،‬وكيف ألبس على‬
‫الناس دينهم في العقائاد والعبادات والمعاملت ‪ ،‬وكيف تلعب باليهود والنصارى والمجوس وعباد‬
‫الوثان – فل غنى لك عن قراءة كتابين ‪ :‬الول ‪ :‬تلبيس إبليس ‪ ،‬لبن الجوزي ‪ ،‬الثاني ‪ :‬إغاثة اللهفان‬
‫‪ ،‬لبن القيم ‪.‬‬
‫أسلحة المؤمن في حربه مع الشيطان ) الجزء الثاني (‬
‫سابع ا ‪ :‬مخالفة الشيطان ‪:‬‬
‫يأتي الشيطان في صورة ناصح يحرص على النسان كما سبق ‪ ،‬فعلى المرء أن يخالف ما يأمر به ‪،‬‬
‫ويقول له ‪ :‬لو كنت ناصحا أحدا لنصحت نفسك ‪ ،‬فقد أوقعت نفسك في النار ‪ ،‬وجلبت لها غضب‬
‫الجمبار ‪ ،‬فكيف ينصح غيره من ل ينصح نفسه ‪.‬‬
‫يقول الحارث بن قيس ‪ " :‬إذا أتاك الشيطان وأنت تصلي ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنك ترائاي فزدها طولا " )‪ . (1‬وهذا‬
‫فقه جيد منه ‪ ،‬رحمه ال ‪.‬‬

‫) ‪(1/123‬‬

‫إواذا علمنا أمن أم ار ما يحمبه الشيطان ‪ ،‬ويتصف به ‪ ،‬فعلينا أن نخالفه ‪ ،‬فمثلا الشيطان يأكل بشماله ‪،‬‬
‫ويشرب بشماله ‪ ،‬ويأخذ بشماله ‪ ،‬لذا وجبت علينا مخالفته ‪ .‬روى أبو هريرة ‪ :‬أن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪ ) :‬ليأكل أحدكم بيمينه ‪ ،‬وليشرب بيمينه ‪ ،‬وليأخذ بيمينه ‪ ،‬وليعط بيمينه ‪ ،‬فإن الشيطان يأكل‬
‫بشماله ‪ ،‬ويشرب بشماله ‪ ،‬ويعطي بشماله ‪ ،‬ويأخذ بشماله ( )‪. (2‬‬
‫والشيطان يشاركنا في الشرب إذا شربنا ‪ ،‬ونحن وقوف ‪ ،‬ولذا أرشدنا الرسول صلى ال عليه وسلم إلى‬
‫الشرب ونحن جلوس ‪.‬‬
‫ورمغبنا الرسول صلى ال عليه وسلم في القيلولة ‪ ،‬معلملا ذلك بأن الشياطين ل تقيل ‪ ) ،‬قيلوا ‪ ،‬فإمن‬
‫ب ‪ ،‬بإسناد حسن )‪. (3‬‬ ‫الشياطين ل تقيل ( ‪ .‬رواه أبو نعيم في الط م‬
‫وحذرنا القرآن من السراف ‪ ،‬وقد عمد المبذرين إخوان الشياطين ‪ ،‬وما ذلك إل لن الشياطين تحب‬
‫إضاعة المال إوانفاقه في غير وجهه ‪.‬‬
‫ومن السراف الكثار من الثاث والفراش الذي ل لزوم له ‪ ،‬روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد‬
‫ال ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ذكر الفرش فقال ‪ ) :‬فراش للرجل ‪ ،‬وفراش لمرأته ‪ ،‬وفراش‬
‫للضيف ‪ ،‬والرابع للشيطان ( )‪. (4‬‬
‫ومن هذا المنطلق أمرنا الرسول صلى ال عليه وسلم بأن نميط الذى عن اللقمة التي تسقط من أحدنا ‪،‬‬
‫ول نتركها للشيطان ‪ ،‬عن جابر رضي ال عنه ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪ ) :‬إن‬
‫الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه ‪ ،‬حتى يحضره عند طعامه ‪ ،‬فإذا سقطت اللقمة ‪،‬‬
‫فليمط ما كان بها من أذى ‪ ،‬ثم ليأكلها ‪ ،‬ول يدعها للشيطان ‪ ،‬فإذا فرغ فليلعق أصابعه ‪ ،‬فإنه ل يدري‬
‫في أي طعامه تكون البركة ( )‪. (5‬‬
‫مراكب الشيطان ‪:‬‬

‫) ‪(1/124‬‬

‫هذه الخيول والدواب التي يقامر عليها ويراهن عليها تعمد من مراكب الشياطين ‪ ،‬يقول الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ) :‬الخيل ثلثة ‪ :‬ففرس للرحمن ‪ ،‬وفرس للشيطان ‪ ،‬وفرس للنسان ‪ ،‬فأما فرس الرحمن ؛‬
‫فالذي يربط في سبيل ال ‪ ،‬فعلفه ‪ ،‬وروثه ‪ ،‬وبوله في ميزانه ‪ ،‬وأمما فرس الشيطان ‪ ،‬فالذي يقامر أو‬
‫يراهن عليه ‪ ،‬وأما فرس النسان ‪ ،‬فالفرس يرتبطها النسان يلتمس بطنها ‪ ،‬فهي ستر من الفقر ( ‪ .‬رواه‬
‫أحمد بإسناد صحيح )‪. (6‬‬
‫العجلة من الشيطان ‪:‬‬
‫من الصفات التي يحبها الشيطان العجلة ؛ لنها توقع النسان في كثير من الخطاء ‪ ،‬يقول الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬التأني من الرحمن والعجلة من الشيطان ( ‪ .‬رواه البيهقي في شعب اليمان‬
‫بإسناد حسن )‪ . (7‬فعلينا أن نخالف الشيطان في ذلك ‪ ،‬ونتبع ما يرضي الرحمن ‪ ،‬ولذلك قال الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم لشج عبد القيس ‪ ) :‬إن فيك لخصلتين يحبهما ال ؛ الحلم والناة ( )‪. (8‬‬
‫التثاؤب ‪:‬‬
‫ومما يحبه الشيطان من النسان التثاؤب ؛ ولذا أمرنا الرسول صلى ال عليه وسلم بكظمه ما استطعنا ‪،‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬التثاؤب من الشيطان ‪ ،‬فإذا‬
‫تثاجءب أحدكم فليرده ما استطاع ‪ ،‬فإن أحدكم إذا قال ‪ :‬ها ‪ ،‬ضحك منه الشيطان ( )‪ . (9‬وذلك لن‬
‫التثاؤب علمة الكسل ‪ ،‬والشيطان يعجبه ويفرحه من النسان كسله وفتوره ؛ إذ بذلك يقل عمله وبذله‬
‫الذي يرفعه عند ربه ‪.‬‬
‫ثامنا ‪ :‬التوبة والستغفار ‪:‬‬
‫ومما يواجه به العبد كيد الشيطان أن يسارع بالتوبة والوبة إلى ال إذا أغواه الشيطان ‪ ،‬وهذا دأب عباد‬
‫ال الصالحين ‪ ،‬قال تعالى ‪ ) :‬إنن انلذين انتقوا إذا منسهم طائا ب‬
‫ف من النشيطان تذنكروا فإذا هم لمبصرون (‬
‫] العراف ‪. [ 201 :‬‬

‫) ‪(1/125‬‬
‫وقد فسر الطائاف بالهمم بالذنب ‪ ،‬أو إصابة الذنب ‪ ،‬وقوله ‪ ) :‬تذنكروا ( أي عقاب ال وجزيل ثوابه ‪،‬‬
‫ووعده ووعيده ‪ ،‬فتابوا ‪ ،‬وأنابوا ‪ ،‬واستعاذوا بال ‪ ،‬ورجعوا إليه من قريب ‪ ) .‬فإذا هم لمبصرون ( أي قد‬
‫استقاموا وصحوا مما كانوا فيه ‪ .‬وهذا يدل على أن الشيطان يكاد يجعل النسان في عماية ل يرى الحق‬
‫ول يبصره بما يلقيه عليه من غشاوة ‪ ،‬وما يغشي به القلب من الشبهات والشكوك ‪.‬‬
‫وأخبرنا الرسول صلى ال عليه وسلم أن الشيطان قال لرب العزة ‪ ) :‬وعزتك يا رب ل أبرح أغوي عبادك‬
‫ب ‪ :‬وعزتي وجللي ل أزال أغفر لهم ما استغفروني ( ‪ .‬رواه‬
‫ما دامت أرواحهم في أجسادهم ‪ ،‬فقال الر م‬
‫أحمد في مسنده ‪ ،‬والحاكم في مستدركه )‪. (10‬‬
‫هذه حال عباد ال ‪ :‬الرجوع من قريب ‪ ،‬والتوبة والنابة إلى ال ‪ ،‬ولهم في ذلك أسوة بأبيهم آدم ‪ ،‬فإنه‬
‫لما أكل من الشجرة ‪ ،‬تلقى من ربه كلمات فتاب عليه ‪ ،‬وتوجه آدم وزوجه إلى ال قائالين ‪ ) :‬رنبنا ظلمنا‬
‫أنفسنا إوان نلم تغفر لنا وترحمنا لنكونمن من الخاسرين ( ] العراف ‪. [ 23 :‬‬
‫أما أولياء الشيطان فهم كما قال ال فيهم ‪ ) :‬إواخوانهم يملدونهم في الجغيي ثنم ل يقصرون ( ] العراف ‪:‬‬
‫‪. [ 202‬‬
‫والمراد بإخوانهم هنا ‪ :‬إخوان الشياطين من النس كقوله ‪ ) :‬إنن المبذرين كانوا إخوان النشياطين (‬
‫] السراء ‪ ، [ 27 :‬وهم أتباعهم والمستمعون لهم ‪ ،‬القابلون لوامرهم يمدونهم في الغمي ‪ :‬أي بالتزيين‬
‫والتحسين للذنوب والمعاصي ‪ ،‬بل كلل ول ملل ‪ .‬كقوله ‪ ) :‬ألم تر أننا أرسلنا النشياطين على الكافرين‬
‫تؤلزهم أ ماز ( ] مريم ‪. [ 83 :‬‬
‫تاسع ا ‪ :‬أزل اللبس والغموض الذي يدخل الشيطان منه إلى النفوس ‪:‬‬
‫ضلح للناس حالك ‪ ،‬حتى ل تدع للشيطان فرصة الوسوسة في‬
‫ل تقف مواقف الشبهة ‪ ،‬إواذا حدث ذلك فججو م‬
‫صدور المسلمين ‪ ،‬ولك أسوة في رسول ال صلى ال عليه وسلم في هذا ‪.‬‬

‫) ‪(1/126‬‬

‫روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن صفية بنت حيي زوج النبي صلى ال عليه وسلم قالت ‪ :‬كان‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم معتكفا ‪ ،‬فأتيته أزوره ليلا فحدثته ‪ ،‬ثم قمت فانقلبت ‪ ،‬فقام معي لجيلقلبني )‬
‫‪ ، (11‬وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ‪ ،‬فممر رجلن من النصار ‪ ،‬فلمما رأيا النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم أسرعا ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬على رسلكما ‪ ،‬إنها صفية بنت حيي ( ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫سبحان ال ‪ ،‬يا رسول ال !! قال ‪ ) :‬إن الشيطان يجري من النسان مجرى الدم ‪ ،‬إواني خشيت أن‬
‫يقذف في قلوبكما ش ار ( ‪ ،‬أو قال ‪ ) :‬شيئا ا ( )‪. (12‬‬
‫قال الخطابي ‪ " :‬في هذا الحديث من العلم استحباب أن يحذر النسان من كل أمر من المكروه مما‬
‫تجري به الظنون ‪ ،‬ويخطر بالقلوب ‪ ،‬وأن يطلب السلمة من الناس بإظهار الب ارجءة من الريب " ‪.‬‬
‫ويحكى في هذا عن الشافعي رضي ال عنه أنه قال ‪ " :‬خاف النبي صلى ال عليه وسلم أن يقع في‬
‫قلوبهما شيء من أمره فيكف ار ‪ ،‬إوانما قاله صلى ال عليه وسلم شفقة منه عليهما ل على نفسه " )‪. (13‬‬
‫ومما أرشدنا ال إليه القول الحسن مع الخرين حتى ل يدخل الشيطان بيننا وبين إخواننا ‪ ،‬فيوقع العداوة‬
‫بيننا والبغضاء ‪ ،‬قال تعالى ‪ ) :‬وقل لعبادي يقولوا انلتي هي أحسن إنن النشيطان ينزغ بينهم ( ] السراء‬
‫‪. [ 53 :‬‬
‫وهذا أمر تساهل فيه بعض الناس ‪ ،‬فتراهم يقولون الكلم الموهم الذي يحتمل وجوه ا عدة بعضها سييء‬
‫‪ ،‬وقد يرمي أحدهم أخاه بألفاظ يكرهها ‪ ،‬ويناديه بألقاب يمقتها ‪ ،‬فيكون ذلك مدخلا للشيطان ‪ ،‬فيفرق‬
‫بينهما ‪ ،‬ويحل العداء محل الوفاق واللفة ‪.‬‬
‫النفس البشرية في معترك الصراع ‪:‬‬

‫) ‪(1/127‬‬

‫في ختام هذا الفصل أحب أن أثبت مبحث ا مهم ا من كلم ابن القيم صمور فيه – رحمه ال – حقيقة‬
‫الصراع وطبيعته ‪ ،‬يقول ابن القيم ما ملخصه ‪ " :‬اختار ال النسان من بين خلقه فكرمه واصطفاه ‪،‬‬
‫وجعله محلا لليمان والتوحيد والخلص والمحبة والرجاء ‪ ،‬وابتله بالشهوة والغضب والغفلة ‪ ،‬وابتله‬
‫بعدوه إبليس ‪ ،‬ل يفتر عنه " )‪. (14‬‬
‫ثم يقول ابن القيم ما نصه ‪ " :‬فهو ) أي الشيطان ( يدخل عليه من البواب التي هي من نفسه وطبعه ‪،‬‬
‫فتميل نفسه معه ؛ لنه يدخل عليها بما تحب ‪ ،‬فيتفق هو ونفسه وهواه على العبد ‪ :‬ثلثة مسلطون‬
‫آمرون ‪ ،‬فيبعثون الجوارح في قضاء وطرهم ‪ ،‬والجوارح آلة منقادة ‪ ،‬فل يمكنها إل النبعاث ‪ ،‬فهذا شأن‬
‫هذه الثلثة ‪ ،‬وشأن الجوارح ‪ ،‬فل تزال الجوارح في طاعتهم كيف أمروا وأين يمموا ‪.‬‬
‫هذا مقتضى حال العبد ‪ ،‬فاقتضت رحمة ربه العزيز الرحيم به أن أعانه بجند آخر ‪ ،‬وأممده بمدد آخر ‪،‬‬
‫يقاوم به هذا الجند الذي يريد هلكه ‪ ،‬فأرسل إليه رسوله ‪ ،‬وأنزل عليه كتابه ‪ ،‬وأيده بملك كريم يقابل‬
‫عدوه الشيطان ‪ ،‬فإذا أمره الشيطان بأمر ‪ ،‬أمره الملك بأمر رمبه ‪ ،‬وبين له ما في طاعة العدو من الهلك‬
‫‪ ،‬فهذا يلم به مرة ‪ ،‬وهذا مرة ‪ ،‬والمنصور من نصره ال عز وجل ‪ ،‬والمحفوظ من حفظه ال تعالى ‪.‬‬
‫وجعل ال له مقابل نفسه المارة نفس ا مطمئانة ‪ ،‬إذا أمرته النفس المارة بالسوء ‪ ،‬نهته عنه النفس‬
‫المطمئانة ‪ ،‬إواذا نهته المارة عن الخير ‪ ،‬أمرته به النفس المطمئانة ‪ ،‬فهو يطيع هذه مرة ‪ ،‬وهذه مرة ‪،‬‬
‫وهو الغالب عليه منهما ‪ ،‬وربما انقهرت إحداهما بالكلية قه ار ل تقوم معه أبدا ‪.‬‬
‫وجعل له مقابل الهوى الحامل له على طاعة الشيطان والنفس المارة نو ار وبصيرة ‪ ،‬وعقلا يرده عن‬
‫الذهاب مع الهوى ‪ ،‬فكلما أراد أن يذهب مع الهوى ‪ ،‬ناداه العقل والبصيرة والنور ‪ :‬الحذر الحذر ‪ ،‬فإن‬
‫طاع الطريق ‪ ،‬إن سرت خلف هذا الدليل ‪.‬‬
‫المهالك والمتالف بين يديك ‪ ،‬وأنت صيد الحرامية ‪ ،‬وق م‬
‫) ‪(1/128‬‬

‫فهو يطيع الناصح مرة ‪ ،‬فيبين له رشده ونصحه ‪ ،‬ويمشي خلف دليل الهوى مرة ‪ ،‬فيقطع عليه الطريق ‪،‬‬
‫ويؤخذ ماله ‪ ،‬وتسلب ثيابه ‪ ،‬فيقول ‪ :‬ترى من أين أتيت ؟‬
‫والعجب أنه يعلم من أين خأتي ‪ ،‬ويعرف الطريق التي قطعت عليه ‪ ،‬وأخذ فيها ‪ ،‬ويأبى إل سلوكها ‪ ،‬لمن‬
‫دليله تمكن منه ‪ ،‬وتحكم فيه ‪ ،‬وقوي عليه ‪ ،‬ولو أضعفه بالمخالفة له ‪ ،‬وزجره إذا دعاه ‪ ،‬ومحاربته إذا‬
‫أراد أخذه ‪ ،‬لم يتمكن منه ‪ ،‬ولكن هو مكنه من نفسه ‪ ،‬وهو أعطاه يده ‪.‬‬
‫فهو بمنزلة الرجل يضع يده في يد عدوه ‪ ،‬فيباشره ثم يسومه سوء العذاب ‪ ،‬فهو يستغيث فل يغاث ‪،‬‬
‫فهكذا يستأسر للشيطان والهوى ولنفسه المارة ‪ ،‬ثم يطلب الخلص ‪ ،‬فيعجز عنه ‪.‬‬
‫فلما أن خبلي العبد بما خبلي به ‪ ،‬أعين بالعساكر والعدد والحصون ‪ ،‬وقيل ‪ :‬قاتل عدوك وجاهده ‪ ،‬فهذه‬
‫الجنود خذ منها ما شئات ‪ ،‬وهذه الحصون تحصن بأي حصن شئات منها ‪ ،‬ورابط إلى الموت ‪ ،‬فالمر‬
‫قريب ‪ ،‬ومدة المرابطة يسيرة جدا ‪ ،‬فكأنك بالملك العظم وقد أرسل إليك رسله ‪ ،‬فنقلوك إلى داره ‪،‬‬
‫واسترحت من هذا الجهاد ‪ ،‬وفرق بينك وبين عدوك ‪ ،‬وأطلقت في دار الكرامة تتقلب فيها كيف شئات ‪،‬‬
‫وسجن عدوك في أصعب الحبوس وأنت تراه ‪.‬‬
‫فالسجن الذي كان يريد أن يودعك فيه قد أدخله وأغلقت عليه أبوابه ‪ ،‬وأيس من الروح والفرج ‪ ،‬وأنت‬
‫فيما اشتهت نفسك ‪ ،‬وقمرت عينك ‪ ،‬ج ازاء على صبرك في تلك المدة اليسيرة ‪ ،‬ولزومك الثغر للرباط ‪،‬‬
‫وما كانت إل ساعة ثمم انقضت ‪ ،‬وكأن الشدة لم تكن ‪.‬‬

‫) ‪(1/129‬‬

‫فإن ضعفت النفس عن ملحظة قصر الوقت وسرعة انقضائاه ‪ ،‬فليتدبر قوله عز وجل ‪ ) :‬كأننهم يوم‬
‫يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلن ساعةا من ننهار ( ] الحقاف ‪ [ 35 :‬وقوله عز وجل ‪ ) :‬كأننهم يوم‬
‫ن‬
‫ضجحاجها ( ] النازعات ‪ ، [ 46 :‬وقوله عمز وجمل ‪ ) :‬قال كم لبثتم في‬ ‫يرونها لم يلبثوا إل عشنيةا أو خ‬
‫الرض عدد سنين – قالوا لبثنا يوما أو بعض يوجم جفالسجأل العادين – قال إن لبثتم إلن قليلا لو أننكم كنتم‬
‫صور ونحشر المجرمين يومئاجذ‬ ‫تعلمون ( ]المؤمنون ‪ ، [114-112 :‬وقوله تعالى ‪ ) :‬يوم ينفخ في ال ل‬
‫زرقا – يتخافتون بينهم إن لبثتم إلن عش ار – نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقةا إن لبثتم إلن يوما‬
‫( ]طه ‪. [104-102 :‬‬
‫وخطب النبي صلى ال عليه وسلم أصحابه يوم ا ‪ ،‬فلما كانت الشمس على رؤوس الجبال ‪ ،‬وذلك عند‬
‫الغروب قال ‪ ) :‬إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى إل كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه ( ‪ .‬رواه‬
‫أحمد في المسند ‪ ،‬والترمذي في سننه ‪ ،‬وقال الترمذي ‪ :‬حديث حسن صحيح ‪.‬‬
‫فليتأمل العاقل الناصح لنفسه هذا الحديث ‪ ،‬وليعلم أي شيء حصل له من هذا الوقت الذي قد بقي من‬
‫الدنيا بأسرها ‪ ،‬ليعلم أنه في غرور وأضغاث أحلم ‪ ،‬وأنه قد باع سعادة البد والنعيم المقيم بحظ خسيس‬
‫ل يساوي شيئاا ‪ ،‬ولو طلب ال تعالى والدار الخرة لعطاه ذلك الحظ هنيئاا موفو ار وأكمل منه ‪ ،‬كما في‬
‫بعض الثار ‪ " :‬ابن آدم ‪ ،‬بع الدنيا بالخرة تربحهما جميع ا ‪ ،‬ول تبع الخرة بالدنيا تخسرهما جميع ا " ‪.‬‬
‫وقال بعض السلف ‪ " :‬ابن آدم ‪ ،‬أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ‪ ،‬وأنت إلى نصيبك من الخرة‬
‫أحوج ‪ ،‬فإن بدأت بنصيبك من الدنيا ‪ ،‬أضعت نصيبك من الخرة ‪ ،‬وكنت من نصيب الدنيا على خطر‬
‫‪ ،‬إوان بدأت بنصيبك من الخرة ‪ ،‬فزت بنصيبك من الدنيا فانتظمته انتظام ا " ‪.‬‬

‫) ‪(1/130‬‬

‫وكان عمر بن عبد العزيز رضي ال عنه يقول في خطبته ‪ " :‬أيها الناس ‪ ،‬إنكم لم تخلقوا عبث ا ‪ ،‬ولم‬
‫تتركوا سدى ‪ ،‬إوان لكم معادا يجمعكم ال – عمز وجمل – فيه للحكم فيكم ‪ ،‬والفصل بينكم ‪ ،‬فخاب وشقي‬
‫عبد أخرجه ال – عمز وجمل – من رحمته التي وسعت كل شيء ‪ ،‬وجنته التي عرضها السماوات‬
‫والرض ‪.‬‬
‫إوانما يكون المان غدا لمن خاف ال تعالى واتقى ‪ ،‬وباع قليلا بكثير ‪ ،‬وفانيا ببا ج‬
‫ق ‪ ،‬وشقاوة بسعادة ‪،‬‬
‫أل ترون أنكم في أصلب الهالكين ‪ ،‬وسيخلفه بعدكم الباقون ؟ أل ترون أنكم في كل يوم تشيعون غادي ا‬
‫رائاح ا إلى ال قد قضى نحبه ‪ ،‬وانقطع أمله ‪ ،‬فتضعونه في بطن صدع من الرض غير مومسد ول ممهد‬
‫‪ ،‬قد خلع السباب ‪ ،‬وفارق الحباب ‪ ،‬وواجه الحساب ؟ " ‪.‬‬
‫والمقصود أن ال – عمز وجمل – قد أمد العبد في هذه المدة اليسيرة بالجنود ‪ ،‬والعدد ‪ ،‬والمداد ‪ ،‬وبين له‬
‫ك نفسه إذا أسر ‪.‬‬
‫بماذا يحرز نفسه من عدوه ‪ ،‬وبماذا جيفتج م‬
‫وقد روى المام أحمد رضي ال عنه – والترمذي ‪ ،‬من حديث الحارث الشعري ‪ ،‬عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم أنه قال ‪ ) :‬إمن ال – سبحانه وتعالى – أمر يحي ابن زكريا صلى ال عليه وسلم بخمس‬
‫كلماجت ‪ :‬أن يعمل بها ‪ ،‬ويأمر بني إسرائايل أن يعملوا بها ‪ ،‬وأنه كاجد أن خيبطئ بها ‪ ،‬فقال له عيسى عليه‬
‫ك بخمس كلمات لتعمل بها ‪ ،‬وتأمر بني إسرائايل أن يعملوا بها ‪ ،‬فإما أن‬ ‫السلم ‪ :‬إن ال – تعالى – أمر ج‬
‫تأمرهم ‪ ،‬إواما أن آمجرخهم ‪ ،‬فقال يحي ‪ :‬أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي وأعذب ‪ ،‬فجمع يحي الناس‬
‫في بيت المقدس ‪ ،‬فامتل المسجد ‪ ،‬وقعدوا على الشرف ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن ال – تبارك وتعالى – أمرني‬
‫بخمس كلمات أن جأعجملجهخمن ‪ ،‬وآمرخكم أن تعملخوا بهن ( ‪.‬‬

‫) ‪(1/131‬‬
‫وخامس هذه الخمسة التي أمرهم بها الذكر ‪ ) ،‬وآمركم أن تذكروا ال تعالى فإن مثل ذلك كمثل رجل‬
‫خرج العدو في أثره سراعا ‪ ،‬حتى أتى على حصن حصين ‪ ،‬فأحرز نفسه منهم ‪ ،‬كذلك العبد ل يحرز‬
‫نفسه من الشيطان إل بذكر ال تعالى ( ‪ .‬قال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح ‪.‬‬
‫ومما أمرهم به في الحديث الصلة ‪ ) :‬آمركم بالصلة ‪ ،‬فإذا صليتم فل تلتفتوا ‪ ،‬فإن ال ينصب وجهه‬
‫لوجه عبده في صلته ما لم يلتفت ( ‪ .‬واللتفات المنهي عنه في الصلة قسمان ؛ أحدهما ‪ :‬التفات‬
‫القلب عن ال عمز وجمل إلى غير ال تعالى ‪ .‬والثاني ‪ :‬التفات البصر ‪ .‬وكلهما منهي عنه ‪ .‬ول يزال‬
‫ال مقبلا على عبده ما دام العبد مقبلا على صلته ‪ ،‬فإذا التفت بقلبه أو بصره ‪ ،‬أعرض ال تعالى عنه‬
‫‪ .‬وقد سألت عائاشة رضي ال عنها رسول ال صلى ال عليه وسلم عن اللتفات في الصلة فقال ‪:‬‬
‫) هو اختلبس جيلختفلخسهخ الشيطاخن من صلة العبد ( )‪. (15‬‬
‫وفي أثر ‪ :‬يقول ال تعالى ‪ ) :‬إلى خير مني ‪ ،‬إلى خير مني ؟ ( ‪ .‬ومثل من يلتفت في صلته ببصره‬
‫أو بقلبه مثخل رجل قد استدعاه السلطان ‪ ،‬فأوقفه بين يديه ‪ ،‬وأقبل يناديه ويخاطبه ‪ ،‬وهو في خلل ذلك‬
‫يلتفت عن السلطان يمينا وشمالا ‪ ،‬وقد انصرف قلبه عن السلطان ‪ ،‬فل يفهم ما يخاطبه به ؛ لن قلبه‬
‫ليس حاض ار معه ‪ ،‬فما ظمن هذا الرجل أن يفعل به السلطان ؟ أفليس أقل المراتب في حمقه أن ينصرف‬
‫من بين يديه ممقوتا مبعدا قد سقط من عينيه ؟ ‪.‬‬

‫) ‪(1/132‬‬

‫فهذا المصلي ل يستوي والحاضر القلب المقبل على ال تعالى في صلته ‪ ،‬الذي قد أشعر قلبه عظمة‬
‫من هو واقف بين يديه ‪ ،‬فامتل قلبه من هيبته ‪ ،‬وذلت عنقه له ‪ ،‬واستحيى من ربه تعالى أن يقبل على‬
‫غيره ‪ ،‬أو يلتفت عنه ‪ .‬وبين صلتيهما كما بين السماء والرض ‪ ،‬قال حسان بن عطية ‪ :‬إن الرجلين‬
‫ليكونان في الصلة الواحدة ‪ ،‬إوان ما بينهما في الفضل كما بين السماء والرض ‪ ،‬وذلك أن أحدهما‬
‫مقبل بقلبه على ال عز وجل ‪ ،‬والخر ساجه غافل ‪ .‬فإذا أقبل العبد على مخلوق مثله ‪ ،‬وبينه وبينه‬
‫حجاب ‪ ،‬لم يكن إقبالا ول تقريب ا ‪ ،‬فما الظن بالخالق عمز وجل ؟‬
‫إواذا أقبل على الخالق عمز وجمل ‪ ،‬وبينه وبينه حجاب الشهوات والوساوس ‪ ،‬والنفس مشغوفة بها ‪ ،‬ملى‬
‫منها ‪ ،‬فكيف يكون ذلك إقبالا وقد ألهته الوساوس والفكار ‪ ،‬وذهبت به كل مذهب ؟‬
‫والعبد إذا قام في الصلة غار الشيطان منه ‪ ،‬فإنه قد قام في أعظم مقام ‪ ،‬وأقربه وأغيظه للشيطان ‪،‬‬
‫وأشده عليه ‪ ،‬فهو يحرص ويجتهد كل الجتهاد أن ل يقيمه فيه ‪ ،‬بل ل يزال به يعده ويممنيه وينسيه ‪،‬‬
‫ويجلب عليه بخيله ورجله حتى يهمون عليه شأن الصلة ‪ ،‬فيتهاون بها فيتركها ‪.‬‬
‫فإن عجز عن ذلك منه ‪ ،‬وعصاه العبد ‪ ،‬وقام في ذلك المقام ‪ ،‬أقبل عدو ال تعالى حتى يخطر بنيه‬
‫وبين نفسه ‪ ،‬ويحول بينه وبين قلبه ‪ ،‬فيذكره في الصلة ‪ ،‬ما لم يكن يذكر قبل دخوله فيها ‪ ،‬حتى ربما‬
‫كان قد نسي الشيء والحاجة ‪ ،‬وأيس منها ‪ ،‬فيذكره إياها في الصلة ليشغل قلبه بها ‪ ،‬ويأخذه عن ال‬
‫عمز وجمل ‪ ،‬فيقوم فيها بل قلب ‪ ،‬فل ينال من إقبال ال تعالى وكرامته وقربه ما يناله المقبل على ربه عمز‬
‫وجمل بقلبه في صلته ؛ فينصرف من صلته مثل ما دخل فيها بخطاياه وذنوبه وأثقاله ‪ ،‬لم تخف عنه‬
‫بالصلة ‪ ،‬فإن الصلة إنما تكفر سيئاات من أدى حقها ‪ ،‬وأكمل خشوعها ‪ ،‬ووقف بين يدي ال تعالى‬
‫بقلبه وقالبه ‪.‬‬

‫) ‪(1/133‬‬

‫فهذا إذا انصرف منها وجد خفة من نفسه ‪ ،‬وأحس بأثقال قد وضعت عنه ‪ ،‬فوجد نشاطا وراحة وروحا ‪،‬‬
‫حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها ‪ ،‬لنها قرة عينيه ‪ ،‬ونعيم روحه ‪ ،‬وجنة قلبه ‪ ،‬ومستراحه في الدنيا ‪،‬‬
‫ق حتى يدخل فيها ‪ ،‬فيستريح بها ‪ ،‬ل منها ‪ ،‬فالمحبون يقولون ‪ :‬نصلي‬ ‫فل يزال كأنه في سججن وضي ج‬
‫فنستريح بصلتنا ‪ ،‬كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم ‪ ) :‬يا بلخل أفرحنا بالصلفة ( ‪ ،‬ولم يقل ‪ :‬أرحنا منها‬
‫‪ ،‬وقال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬خجفعلت قخرة عيني في الصلفة ( ‪ .‬فمن جعلت قرة عينه في الصلة ‪،‬‬
‫كيف تقر عينه صلى ال عليه وسلم بدونها ‪ ،‬وكيف يطيق الصبر عنها ؟‬
‫وقد روي أن العبد إذا قام يصلي ‪ ،‬قال ال عز وجل ‪ " :‬ارفعوا الحجب ‪ ،‬فإذا التفت ‪ ،‬قال ‪ :‬أرخوها " ‪،‬‬
‫وقد فخيسر هذا اللتفات بالتفات القلب عن ال عمز وجمل إلى غيره ‪ ،‬فإذا التفت إلى غيره ‪ ،‬أرخى الحجاب‬
‫بينه وبين العبد ‪ ،‬فدخل الشيطان ‪ ،‬وعرض عليه أمور الدنيا ‪ ،‬وأراه إياها في صورة المرآة ‪ ،‬إواذا أقبل‬
‫بقلبه على ال ولم يلتفت ‪ ،‬لم يقدر الشيطان على أن يتوسط بين ال – تعالى – وبين ذلك القلب ‪ ،‬إوانما‬
‫يدخل الشيطان إذا وقع الحجاب ‪ ،‬فإن فر إلى ال تعالى ‪ ،‬وأحضر قلبه فر الشيطان ‪ ،‬فإن التفت حضر‬
‫الشيطان ‪ ،‬فهو هكذا شأنه وشأن عدوه في الصلة ‪.‬‬
‫كيف يجعل المصلي قلبه حاض ار في الصلة ؟‬
‫إوانما يقوى العبد على حضوره في الصلة واشتغاله فيها بربه عمز وجمل ‪ ،‬إذا قهر شهوته وهواه ‪ ،‬إوال‬
‫فقلب قد قهرته الشهوة ‪ ،‬وأسره الهوى ‪ ،‬ووجد الشيطان فيه مقعدا تمكن فيه ‪ ،‬كيف يخلص من الوساوس‬
‫والفكار ؟ !‬
‫والقلوب ثلثة ‪ :‬قلب خاجل من اليمان وجميع الخير ‪ ،‬فذلك قلب مظلم قد استراح الشيطان من إلقاء‬
‫الوساوس إليه ؛ لنه قد اتخذه بيت ا ووطن ا ‪ ،‬وتحكم فيه بما يريد ‪ ،‬وتمكن منه غاية التمكن ‪.‬‬

‫) ‪(1/134‬‬
‫القلب الثاني ‪ :‬قلب قد استنار بنور اليمان ‪ ،‬وأوقد فيه مصباحه ‪ ،‬لكن عليه ظلمة الشهوات وعواصف‬
‫الهوية ‪ ،‬فللشيطان هناك إقبال إوادبار ‪ ،‬ومجالت ومطامع ‪ ،‬فالحرب دول وسجال ‪.‬‬
‫وتختلف أحوال هذا الصنف بالقلة والكثرة ‪ ،‬فمنهم جملن أوقات غلبته لعدوه أكثر ‪ ،‬ومنهم جملن أوقات غلبة‬
‫عدوه له أكثر ‪ ،‬ومنهم من هو تارة وتارة ‪.‬‬
‫القلب الثالث ‪ :‬قلب محشو باليمان قد استنار بنور اليمان ‪ ،‬وانقشعت عنه حجب الشهوات ‪ ،‬وأقلعت‬
‫عنه تلك الظلمات ‪ ،‬فلنوره في صدره إشراق ‪ ،‬ولذلك الشراق إيقاد لو دنا منه الوسواس لحترق به ‪ ،‬فهو‬
‫كالسماء التي حرست بالنجوم ‪ ،‬فلو دنا منها الشيطان يتخطاها لرجم فاحترق ‪ ،‬وليست السماء بأعظم‬
‫حرمة من المؤمن ‪ ،‬وحراسة ال تعالى له أتم من حراسة السماء ‪ ،‬والسماء متعبد الملئاكة ‪ ،‬ومستقمر‬
‫الوحي ‪ ،‬وفيها أنوار الطاعات ‪ ،‬وقلب المؤمن مستقر التوحيد والمحبة ‪ ،‬والمعرفة واليمان ‪ ،‬وفيه أنوارها‬
‫‪ ،‬فهو حقيق أن يحرس ويحفظ من كيد العدو ‪ ،‬فل ينال منه شيئا ا إل خطفة ‪.‬‬
‫وقد ممثل ذلك بمثال حسن ‪ ،‬وهو ثلثة بيوت ‪:‬‬
‫بيت الملك فيه كنوزه وذخائاره وجواهره ‪.‬‬
‫وبيت للعبد فيه كنوز العبد ‪ ،‬وذخائاره ‪ ،‬وجواهره ‪ ،‬وليس جواهر الملك وذخائاره ‪.‬‬
‫وبيت خال صفر ل شيء فيه ‪ ،‬فجاء اللص يسرق من أحد البيوت ‪ ،‬فمن أيها يسرق ؟‬
‫فإن قلت ‪ :‬من البيت الخالي ‪ ،‬كان محالا ؛ لن البيت الخالي ليس فيه شيء يسرق ‪ ،‬ولهذا قيل لبن‬
‫عباس رضي ال عنهما ‪ :‬إن اليهود تزعم أنها ل توسوس في صلتها ‪ ،‬فقال ‪ :‬وما يصنع الشيطان‬
‫بالقلب الخراب ؟‬
‫إوان قلت ‪ :‬يسرق من بيت الملك ‪ ،‬كان ذلك كالمستحيل الممتنع ‪ ،‬فإن عليه من الحرس واليجزك )‪(16‬‬
‫ما ل يستطيع اللص الدنو منه ‪ ،‬كيف وحارسه الملك بنفسه ‪ ،‬وكيف يستطيع اللص الدنو منه وحوله من‬
‫الحرس والجند ما حوله ؟ فلم يبق للص إل البيت الثالث ‪ ،‬فهو الذي يشن عليه الغارات ‪.‬‬
‫فيلتأمل اللبيب هذا المثال ‪ ،‬ولينزله على القلوب ‪ ،‬فإنها على منواله ‪.‬‬

‫) ‪(1/135‬‬

‫فقلب خل من الخير كله ‪ ،‬وهو قلب الكافر والمنافق ‪ ،‬فذلك بيت الشيطان ‪ ،‬قد أحرزه لنفسه واستوطنه ‪،‬‬
‫واتخذه سكن ا ومستق ار ‪ ،‬فأي شيء يسرق منه ‪ ،‬وفيه خزائانه وذخائاره وشكوكه وخيالته ووساوسه ؟‬
‫وقلب قد امتل من جلل ال – عمز وجمل – وعظمته ومحبته ومراقبته والحياء منه ‪ ،‬فأي شيطان يجترئ‬
‫على هذا القلب ؟ إوان أراد سرقة شيء منه ‪ ،‬فماذا يسرق ؟ وغايته أن يظفر في الحايين منه بخطفة‬
‫ونهب يحصل له على غرة من العبد وغفلة ل بد له منها ‪ ،‬إذ هو بشر ‪ ،‬وأحكام البشرية جارية عليه من‬
‫الغفلة والسهو والذهول وغلبة الطبع ‪.‬‬
‫وقلب فيه توحيد ال تعالى ‪ ،‬ومعرفته ‪ ،‬ومحبته ‪ ،‬واليمان به ‪ ،‬والتصديق بوعده ‪ ،‬وفيه شهوات النفس‬
‫وأخلقها ‪ ،‬ودواعي الهوى والطبع ‪.‬‬
‫وقلب بين هذين الداعيين ؛ فمرة يميل بقلبه داعي اليمان والمعرفة والمحبة ل تعالى إوارادته وحده ‪،‬‬
‫ومرة يميل بقلبه داعي الشيطان والهوى والطباع ‪ ،‬فهذا القلب للشيطان فيه مطمع ‪ ،‬وله منه منازلت‬
‫ووقائاع ‪ ،‬ويعطي ال النصر من يشاء ‪ ) :‬وما الننصر إلن من عند ال العزيز الحكيم ( ] آل عمران ‪:‬‬
‫‪ . [ 126‬وهذا ل يتمكن الشيطان منه إل بما عنده من سلحه ‪ ،‬فيدخل إليه الشيطان ‪ ،‬فيجد سلحه‬
‫عنده ‪ ،‬فيأخذه ويقاتل به ‪ ،‬فإن أسلحته هي الشهوات والشبهات والخيالت والماني الكاذبة ‪ ،‬وهي في‬
‫القلب ‪ ،‬فيدخل الشيطان فيجدها عتيدة ‪ ،‬فيأخذها ويصول بها على القلب ‪ ،‬فإن كان عند العبد عدة‬
‫عتيدة ‪ ،‬من اليمان تقاوم تلك العدة وتزيد عليها ‪ ،‬انتصف من الشيطان ‪ ،‬إوال فالدولة لعدوه عليه ‪ ،‬ول‬
‫حول ول قوة إل بال ‪ .‬فإذا أذن العبد لعدوه ‪ ،‬وفتح له باب بيته ‪ ،‬وأدخله عليه ‪ ،‬ومكنه من السلح يقاتله‬
‫به ‪ ،‬فهو الملوم ‪.‬‬
‫فنلفسك خلم ول تجخلم المطايا ××× وخمت كمدا فليس لك اعتذاخر "‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬تلبيس إبليس ‪. 38 :‬‬
‫)‪ (2‬صحيح سنن ابن ماجة ‪ . 1/225 :‬ورقمه ‪. 2643 :‬‬
‫)‪ (3‬صحيح الجامع ‪. 4/147 :‬‬

‫) ‪(1/136‬‬

‫)‪ (4‬صحيح مسلم ‪ . 3/1651 :‬ورقمه ‪ . 2084 :‬وصحيح سنن أبي داود ‪ . 2/780 :‬ورقمه ‪:‬‬
‫‪. 3489‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم ‪ . 3/1607 :‬ورقمه ‪. 2033 :‬‬
‫)‪ (6‬صحيح الجامع ‪. 3/137 :‬‬
‫)‪ (7‬صحيح الجامع ‪. 3/57 :‬‬
‫)‪ (8‬رواه مسلم في صحيحه ‪ . 49-1/48 :‬ورقمه ‪. (18) ، (17) :‬‬
‫)‪ (9‬رواه البخاري ‪ . 6/338 :‬ورقمه ‪ . 3289:‬ورواه مسلم ‪ . 4/2293 :‬ورقمه ‪ . 2994 :‬واللفظ‬
‫للبخاري ‪ .‬ورواه الترمذي ‪ .‬انظر صحيح سنن الترمذي ‪ . 2/355 :‬ورقمه ‪. 2206 :‬‬
‫)‪ (10‬صحيح الجامع ‪. 2/72 :‬‬
‫)‪ (11‬ليردني إلى منزلي ‪.‬‬
‫)‪ (12‬صحيح البخاري ‪ . 6/336 :‬ورواه مسلم ‪ . 4/1712 :‬ورقمه ‪ . 2175 :‬واللفظ لمسلم ‪.‬‬
‫)‪ (13‬تلبيس إبليس ‪. 46 :‬‬
‫)‪ (14‬الوابل الصيب ‪ :‬ص ‪. 21‬‬
‫)‪ (15‬رواه البخاري ‪ . 2/234 :‬ورقمه ‪. 751 :‬‬
‫)‪ (16‬يزك ويسك )بالتركية( ‪ :‬بمعنى المنع والحظر والزجر ‪.‬‬
‫علج الصرع‬
‫تحدثنا في ما مضى أن الشيطان قد يصيب النسان ‪ ،‬وهو ما نسميه الصرع أو مس الجن ‪ ،‬وسنحاول‬
‫أن نبين أسباب الصرع وعلجه ‪:‬‬
‫أسباب الصرع ‪:‬‬
‫بمين ابن تيمية )‪ " : (1‬أن الصرع للنس قد يكون عن شهوة وهوى وعشق ‪ ،‬كما يتفق للنس مع النس‬
‫‪ ، ...‬وقد يكون – وهو الكثر – عن بغض ومجازاة ‪ ،‬مثل أن يؤذيهم بعض النس ‪ ،‬أو يظنوا أنهم‬
‫يتعمدون أذاهم إما ببول على بعضهم ‪ ،‬إوامما بصب ماء حار ‪ ،‬إواما بقتل بعضهم ‪ ،‬إوان كان النس ل‬
‫يعرف ذلك ‪ ،‬وفي الجن جهل وظلم ‪ ،‬فيعاقبونه بأكثر مما يستحقه ‪ ،‬وقد يكون عن عبث منهم وشمر‬
‫بمثل سفهاء النس " ‪.‬‬
‫واجبنا تجاه هؤلء ‪:‬‬
‫ذكرنا أن الجن عباد مأمورون متعبدون بالشريعة ‪ ،‬فإذا استطاع المسلم أن يصل إلى مخاطبتهم ‪ ،‬كما‬
‫يحدث مع الجني الذي يصرع النسان ‪ ،‬وجب القيام بذلك ‪.‬‬

‫) ‪(1/137‬‬

‫فإذا كان صرع الجني للنسي من الباب الول ) عن شهوة وهوى ( ‪ ،‬فهو من الفواحش التي حرمها ال‬
‫تعلى على النس والجن ‪ ،‬ولو كانت برضا الطرف الخر ‪ ،‬فكيف مع كراهته ‪ ،‬فإمنه فاحشة وظلم ‪.‬‬
‫فيخاطب الجن بذلك ‪ ،‬ويعرفون أن هذا فاحشة محرمة ‪ ،‬أو فاحشة وعدوان ؛ لتقوم الحجة عليهم بذلك ‪،‬‬
‫ويعلموا أنه يحكم فيهم بحكم ال ورسوله الذي أرسله إلى جميع الثقلين ‪ :‬النس والجن ‪.‬‬
‫وما كان من الثاني ) إيذاء بعض النس لهم ( ‪ ،‬فإن كان النسي لم جيلعلجلم ‪ ،‬فيخاطبون بأن هذا لم يعلم ‪،‬‬
‫ومن لم يتعمد الذى ل يستحق العقوبة ‪ ،‬إوان كان قد فعل ذلك في داره وملكه عرفوا بأنها ملكه ‪ ،‬فله أن‬
‫يتصرف فيها بما يجوز ‪ ،‬وأنتم ليس لكم أن تمكثوا في ملك النس بغير إذنهم ‪ ،‬بل لكم ما ليس من‬
‫مساكن النس كالخراب والفلوات ‪...‬‬
‫ويقول ابن تيمية )‪ " : (2‬والمقصود أن الجن إذا اعتدوا على النس ‪ ،‬أخبروا بحكم ال ورسوله ‪،‬‬
‫وأقيمت عليهم الحجة ‪ ،‬وأمروا بالمعروف ‪ ،‬ونهوا عن المنكر ‪ ،‬كما يفعل بالنس ؛ لن ال يقول ‪:‬‬
‫) وما كننا معذبين حنتى نبعث رسولا ( ] السراء ‪ ، [ 15 :‬وقال ‪ ) :‬يا معشر الجن والنس ألم يأتكم‬
‫صون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا ( ] النعام ‪ [ 130 :‬؟‬
‫رسبل منكم يق ل‬
‫النهي عن قتل حنيات البيوت ‪:‬‬
‫يقول ابن تيمية ‪ " :‬ولهذا نهى النبي صلى ال عليه وسلم عن قتل حميات البيوت حتى تؤذن ثلث ا " ‪،‬‬
‫وقد سبق ذكر النصوص المبينة لذلك ‪ ،‬وقد ساق ابن تيمية تلك النصوص ‪ ،‬ثمم بين السبب الذي من‬
‫أجله نهى عن قتل جنان البيوت فقال ‪ " :‬وذلك أن قتل الجن بغير حق ل يجوز ‪ ،‬كما ل يجوز قتل‬
‫النس بل حق ‪ ،‬والظلم محرم في كل حال ‪ ،‬فل يحمل لحد أن يظلم أحدا ‪ ،‬ولو كان كاف ار ‪ ،‬بل قال‬
‫تعالى ‪ ) :‬ول يجر مننكم جشجنآَخن قوجم على ألن تعدلوا اعدلوا هو أقرب للنتقوى ( ] المائادة ‪. [ 8 :‬‬

‫) ‪(1/138‬‬

‫فإذا كانت حيات البيوت قد تكون جمن ا فتؤذن ثلث ا ‪ ،‬فإن ذهبت إوال قتلت ‪ ،‬فإنها إن كانت حية قتلت ‪،‬‬
‫إوان كانت جنية ‪ ،‬فقد أصرت على العدوان بظهورها للنس في صورة حمية تفزعهم بذلك ‪ ،‬والعادي هو‬
‫الصائال الذي يجوز دفعه بما يدفع ضرره ولو كان قتلا ‪ ،‬وأما قتلهم بدون سبب يبيح ذلك ‪ ،‬فل يجوز " ‪.‬‬
‫سب الجان وضربهم ‪:‬‬
‫وذكر ابن تيمية أن واجب المؤمن نصرة أخيه المظلوم ‪ ،‬وهذا المصروع مظلوم ‪ ،‬ولكن النصرة يكون‬
‫بالعدل كما أمر ال ‪ ،‬فإذا لم يرتدع الجني بالمر والنهي والبيان ‪ ،‬فإمنه يجوز نهره وسبه وتهديده ولعنه ‪،‬‬
‫كما فعل الرسول صلى ال عليه وسلم مع الشيطان عندما جاء بشهاب ليرميه في وجه الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم فقال عليه السلم ‪ ) :‬أعوذ بال منك ‪ ،‬ألعنك بلعنة ال ثلث ا ( ‪.‬‬
‫وذكر أنه قد يحتاج في إبراء المصروع ودفع الجني عنه إلى الضرب ‪ ،‬فيضرب ضربا كثي ار جمدا ‪،‬‬
‫والضرب إنما يقع على الجني ‪ ،‬ول يحسه المصروع ‪ ،‬حتى يفيق المصروع ‪ ،‬ويخبره أنه لم يحس شيئا ا‬
‫من ذلك ‪ ،‬ول يؤثر في بدنه ‪ ،‬ويكون قد ضرب بعصا قوية على رجليه نحو ثلثمائاة أو أربعمائاة ضربة‬
‫أو أكثر أو أقل ‪ ،‬بحيث لو كان على النسي لقتله ‪ ،‬إوانما هو على الجني ‪ ،‬والجني يصيح ويصرخ ‪،‬‬
‫ويحدث الحاضرين بأمور متعددة ‪ ،‬ويذكر ابن تيمية أنه فعل هذا وجربه مرات كثيرة ‪ ،‬يطول وصفها ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬وقد يستغل الضرب فيمن يظن أن فيه صرع وهو ليس كذلك ‪ ،‬فيكون فيه هلك المضروب ‪،‬‬
‫ولذلك ينبغي تجنفبه ‪.‬‬
‫الستعانة على الجان بالذكر وق ارجءة القرآن ‪:‬‬
‫وخير ما يستعان به على الجني الذي يصرع النسان ذكر ال وق ارجءة القرآن ‪ ،‬ومن أعظم ذلك ق ارجءة آية‬
‫الكرسي ‪ ) ،‬فإن من قرأها ل يزال عليه من ال حافظ ‪ ،‬ول يقربه شيطان حتى يصبح ( ‪ .‬كما صح‬
‫الحديث بذلك ‪.‬‬

‫) ‪(1/139‬‬

‫يقول ابن تيمية )‪ " : (3‬ومع هذا فقد جرب المجربون الذين ل يحصون كثرة أن لها من التأثير في دفع‬
‫الشياطين إوابطال أحوالهم ما ل ينضبط من كثرته وقوته ‪ ،‬فإن لها تأثي ار عظيم ا في دفع الشياطين عن‬
‫نفس النسان وعن المصروع ‪ ،‬وعمن تعينه الشياطين ‪ ،‬مثل أهل الظلم والغضب ‪ ،‬وأهل الشهوة‬
‫والطرب ‪ ،‬وأرباب سماع المكاء والتصدية ‪ ،‬إذا قرئات عليهم بصدق ‪ ،‬دفعت الشياطين ‪ ،‬إذ كانت‬
‫الشياطين يوحون إلى أوليائاهم بأمور يظنها الجهال من كرامات أولياء ال المتقين ‪ ،‬إوانما هي من‬
‫تلبيسات الشياطين على أوليائاهم المغضوب عليهم والضالين " ‪.‬‬
‫طرد الرسول صلى ال عليه وسلم للجن من بدن المصروع ‪:‬‬
‫فعل ذلك الرسول صلى ال عليه وسلم أكثر من مرة ‪ ،‬فعن أم أبان بنت الوازع بن زارع ابن عامر العبدي‬
‫‪ ،‬عن أبيها ‪ ،‬أن جدها الزارع انطلق إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فانطلق معه بابن له مجنون ‪،‬‬
‫أو ابن أخت له ‪.‬‬
‫قال جدي ‪ :‬فلما قدمنا على رسول ال قلت ‪ :‬إن معي ابنا لي ‪ ،‬أو ابن أخت لي مجنون ‪ ،‬أتيتك به‬
‫فتدعو ال له ‪ ،‬قال ‪ ) :‬ائاتني به ( فانطلقت إليه ‪ ،‬وهو في الركاب ‪ ،‬فأطلقت عنه ‪ ،‬وألقيت عنه ثياب‬
‫السفر ‪ ،‬وألبسته ثوبين حسنين ‪ ،‬وأخذت بيده حتى انتهيت به إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫فقال ‪ ) :‬أدنه مني ‪ ،‬واجعل ظهره مما يليني ( ‪ .‬قال ‪ :‬فأخذ بمجامع ثوبه من أعله وأسفله ‪ ،‬فجعل‬
‫يضرب ظهره ‪ ،‬حتى رأيت بياض إبطيه ‪ ،‬ويقول ‪ ) :‬اخرج عدو ال ‪ ،‬اخرج عدو ال ( ‪.‬‬
‫فأقبل ينظر نظر الصحيح ‪ ،‬ليس بنظره الول ‪ .‬ثم أقعده رسول ال صلى ال عليه وسلم بين يديه ‪،‬‬
‫فدعا له ‪ ،‬فمسح وجهه ‪ ،‬فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول ال صلى ال عليه وسلم يفضل عليه ‪.‬‬
‫رواه الطبراني )‪. (4‬‬
‫وفي المسند أيضا عن يعلى بن ممرة قال ‪ " :‬لقد رأيت من رسول ال صلى ال عليه وسلم ثلثا ما رآها‬
‫أحد قبلي ‪ ،‬ول يراها أحد بعدي ‪.‬‬

‫) ‪(1/140‬‬
‫لقد خرجت معه في سفر ‪ ،‬حتى إذا كنا ببعض الطريق مررنا بامراة جالسة معها صبي لها ‪ ،‬فقالت يا‬
‫رسول ال ‪ :‬هذا الصبي أصابه بلء وأصابنا منه بلء ‪ ،‬يؤخذ في اليوم ما أدري كم مرة ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫) ناولينيه ( ‪ ،‬فرفعته إليه ‪ ،‬فجعلته بينه وبين واسطة الرحل ‪ ،‬ثم فغر ) فاه ( ‪ ،‬فنفث فيه ثلث ا ‪ ،‬وقال‬
‫) بسم ال ‪ ،‬أنا عبد ال ‪ ،‬اخسأ عدو ال ( ‪ ،‬ثم ناولها إياه ‪ ،‬فقال ‪ ) :‬القينا في الرجعة في هذا المكان ‪،‬‬
‫فأخبرينا ما فعل ( قال ‪ :‬فذهبنا ‪ ،‬ورجعنا ‪ ،‬فوجدناها في ذلك المكان ‪ ،‬معها ثلث شياه ‪ ،‬فقال ‪ ) :‬ما‬
‫فعل صبيك ؟ ( ‪ ،‬فقالت ‪ :‬والذي بعثك بالحق ما حسسنا منه شيئا ا حتى الساعة ‪ ،‬فاجترر هذه الغنم ‪،‬‬
‫قال ‪ ) :‬انزل خذ منها واحدة ‪ ،‬ورد البقية ( )‪. (5‬‬
‫وعن عثمان بن أبي العاص ؛ قال ‪ :‬لما استعملني رسول ال صلى ال عليه وسلم على الطائاف ‪ ،‬جعل‬
‫يعرض لي شيء في صلتي ‪ ،‬حتى ما أدري ما خأصلي ‪ ،‬فلما رأيت ذلك ‪ ،‬رحلت إلى رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫) البخن أجفبي العا ف‬
‫ص ؟ ( قلت ‪ :‬نعم ‪ :‬يا رسول ال ! قال ‪ ) :‬ما جاء بك ؟ ( ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا رسول ال !‬
‫عرض لي شيء في صلواتي ‪ ،‬حتى ما أدري ما أصلي ‪ .‬قال ‪ ) :‬ذلك الشيطاخن ‪ .‬فالدخنله ( فدنوت منه ‪.‬‬
‫فجلست على صدور قدمي ‪ .‬قال ‪ ،‬فضرب صدري بيده ‪ ،‬وتفل في فمي ‪ ،‬وقال ‪ ) :‬اخخرلج ‪ .‬جعخدمو ال‬
‫ك ( )‪. (6‬‬
‫! ( ففعل ذلك ثلث مرات ‪ .‬ثم قال ‪ ) :‬الحق بجعجمل ج‬

‫) ‪(1/141‬‬

‫إواذا ابتلي المصروع ‪ ،‬ولم يجد علج ا فصبر على بلواه ‪ ،‬فإن له عند ال أج ار عظيم ا ‪ ،‬ففي صحيح‬
‫البخاري عن عطاء بن أبي رباح قال ‪ :‬قال لي عطاء بن أبي رباح ‪ ) :‬قال لي ابن عباس ‪ :‬أل أريك‬
‫امرأة من أهل الجنة ؟ قلت ‪ :‬بلى ‪ .‬قال ‪ :‬هذه المرأة السوداء ‪ ،‬أتت النبي صلى ال عليه وسلم فقالت ‪:‬‬
‫إني أصرع إواني أتكشف ‪ ،‬فادع ال لي ‪ .‬قال ‪ ) :‬إن شئات صبرت ولك الجنة ‪ ،‬إوان شئات دعوت ال أن‬
‫يعافيك ( ‪ .‬فقالت ‪ :‬أصبر ‪ .‬فقالت ‪ :‬إني أتكشف ‪ ،‬فادع ال لي أن ل أتكشف ‪ ،‬فدعا لها " ‪.‬‬
‫حدثنا محمبد أخبرنا مخلبد عن ابن جريج أخبرني عطاء ‪ :‬أنه رأى أم زفر ‪ ،‬تلك المرأة الطويلة السوداء ‪،‬‬
‫على ستر الكعبة )‪ . (7‬وذكر ابن حجر أن هذه المرأة قالت ‪ " :‬إني أخاف الخبيث أن يجردني " )‪. (8‬‬
‫فالرسول صلى ال عليه وسلم أخرج الجني بالمر والنهر واللعن ‪ ،‬ولكن هذه ل تكفي وحدها ‪ ،‬فإمن لقوة‬
‫اليمان وثبات اليقين وحسن الصلة بال أث ار كبي ار في هذا ‪ ،‬يدلك على ذلك ما سنورده في الواقعة التالية‬
‫‪.‬‬
‫المام أحمد يأمر الجني بالخروج فيستجيب ‪:‬‬
‫روي أمن المام أحمد كان جالسا في مسجده ‪ ،‬إذ جاجءه صاحب له من قبل الخليفة المتوكل ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫إن في بيت أمير المؤمنين جارية بها صرع ‪ ،‬وقد أرسلني إليك ‪ ،‬لتدعو ال لها بالعافية ‪.‬‬
‫فأعطاه المام نعلين من الخشب ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫اذهب إلى دار أمير المؤمنين ‪ ،‬واجلس عند رأس الجارية ‪ ،‬وقل للجني ‪ :‬قال لك أحمد ‪ :‬أيما أحب إليك‬
‫‪ :‬تخرج من هذه الجارية ‪ ،‬أو تصفع بهذا النعل سبعين ؟‬
‫فذهب الرجل ومعه النعل إلى الجارية ‪ ،‬وجلس عند رأسها ‪ ،‬وقال كما قال له المام أحمد ‪.‬‬
‫فقال المارد على لسان الجارية ‪ :‬السمع والطاعة لحمد ‪ ،‬لو أمرنا أن نخرج من العراق لخرجنا منه ‪ ،‬إنه‬
‫أطاع ال ‪ ،‬ومن أطاع ال أطاعه كل شيء ‪ ،‬ثم خرج من الجارية ‪ ،‬فهدأت ‪ ،‬ورزقت أولدا ‪.‬‬

‫) ‪(1/142‬‬

‫فلما مات المام ‪ ،‬عاد لها المارد ‪ ،‬فاستدعى لها المير صاحب ا من أصحاب أحمد ‪ ،‬فحضر ‪ ،‬ومعه‬
‫ذلك النعل ‪ ،‬وقال للمارد ‪ :‬أخرج إوال ضربتك بهذا النعل ‪.‬‬
‫فقال المارد ‪ :‬ل أطيعك ول أخرج ‪ ،‬أما أحمد بن حنبل ‪ ،‬فقد أطاع ال فأمرنا بطاعته ‪.‬‬
‫ما ينبغي أن يكون عليه المعالج ‪:‬‬
‫وينبغي للمعالج أن يكون قوي اليمان بال معتمدا عليه ‪ ،‬واثقا بتأثير الذكر وق ارجءة القرآن ‪ ،‬وكلما قوي‬
‫إيمانه وتوكله قوي تأثيره ‪ ،‬فربما كان أقوى من الجني فأخرجه ‪ ،‬وربما كان الجني أقوى فل يخرج ‪ ،‬وربما‬
‫كان المخرج للجني ضعيفا ‪ ،‬فتتقصد الجن إيذاجءه ‪ ،‬فعليه بكثرة الدعاء والستعانة عليهم بال ‪ ،‬وق ارجءة‬
‫القرآن ‪ ،‬خاصة آية الكرسي ‪.‬‬
‫الرقى والتعاويذ ‪:‬‬
‫يقول ابن تيمية رحمه ال تعالى )‪ " : (9‬وأما معالجة الموضوع بالرقى ‪ ،‬والتعويذات فهذا من وجهين ‪:‬‬
‫فإن كانت الرقى والتعاويذ مما يعرف معناها ‪ ،‬ومما يجوز في دين السلم أن يتكلم به الرجل ‪ ،‬داعي ا‬
‫ال ‪ ،‬ذاك ار له ‪ ،‬ومخاطبا لخلقه ‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ،‬فإنه يجوز أن يرقي بها المصروع ‪ ،‬ويعوذه ‪ ،‬فإنه قد ثبت‬
‫في الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ ) :‬اعرضوا علني رقاكم ‪ ،‬ل بأس بالرقى ‪ :‬ما لم يكن‬
‫فيه شرك ( )‪ ، (10‬وقال ‪ ) :‬من استطاع منكم أن ينفع أخيه فلينفعه ( )‪. (11‬‬
‫إوان كان في ذلك كلمات محرمة ‪ ،‬مثل أن يكون فيها شرك ‪ ،‬أو كانت مجهولة المعنى ‪ ،‬يحتمل أن‬
‫يكون فيها كفر ‪ ،‬فليس لحد أن يرقي بها ول يعزم ‪ ،‬ول يقسم ‪ ،‬إوان كان الجني قد ينصرف عن‬
‫المصروع بها ‪ ،‬فإمن ما حرمه ال ورسوله ضرره أكثر من نفعه ‪.‬‬
‫وذكر في موضع آخر )‪ " : (12‬أن أرباب العزائام الشركية كثي ار ما يعجزون عن دفع الجني ‪ ،‬وكثي ار ما‬
‫تسخر منهم الجن إذا طلبوا منهم قتل الجني الصارع للنس أو حبسه ‪ ،‬فيخيلوا إليهم أنهم قتلوه أو حبسوه‬
‫‪ ،‬ويكون ذلك تخييلا وكذب ا ‪.‬‬
‫استرضاء الجن ‪:‬‬
‫) ‪(1/143‬‬

‫وبعض الناس يحاولون استرضاء الجني الذي يصرع النسان بالذبح له ‪ ،‬وهذا من الشرك الذي حرمه‬
‫ال ورسوله ‪ ،‬وروي أنه نهى عن ذبائاح الجن ‪.‬‬
‫وقد يزعم بعض الناس أن هذا من باب التداوي بالحرام ‪ ،‬وهذا خطأ كبير ‪ ،‬فالصواب أن ال لم يجعل‬
‫الشفاء في شيء من المحرمات ‪ ،‬وعلى القول بجواز التداوي بالمحرمات كالميتة والخمر ‪ ،‬فل يجوز أن‬
‫يستدل بذلك على الذبح للجني ؛ لن التداوي بالمحرمات فيه نزاع لبعض العلماء ‪ ،‬أمما التداوي بالشرك‬
‫والكفر ‪ ،‬فل خلف بين العلماء في تحريمه ‪ ،‬ول يجوز التداوي به باتفاق ‪.‬‬
‫وفي الختام أحب أن أنبه أن ليس كل صرع فهو من الجان ‪ ،‬فمنه ما هو أمراض عارضة لها أسبابها‬
‫التي قد يعلمها الطباء ‪ ،‬وقد ل يعلمونها ‪ ،‬وهذا ل ينفي معالجة أمثال هؤلء بالقرآن والرقى ‪ ،‬فالقرآن‬
‫والرقى لها أثر في الشفاء من جميع الدواء ‪.‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬مجموع فتاوى شيخ السلم ‪. 19/39 :‬‬
‫)‪ (2‬مجموع الفتاوى ‪. 19/42 :‬‬
‫)‪ (3‬مجموع الفتاوى ‪. 19/55 :‬‬
‫)‪ (4‬مجمع الزوائاد ‪ . 9/2 :‬وقال الهيثمي فيه ‪ :‬وأم أبان لم يرو عنها غير مطر ‪ .‬وذكر الهيثمي‬
‫الحديث من رواية أحمد في مسنده بأخصر مما ذكره الطبراني ‪.‬وقال ‪ :‬فيه هند بنت الوازع لم أعرفها ‪،‬‬
‫وبقية رجاله ثقات ‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه أحمد في مسنده ‪ ، 4/170 :‬وروى الدارمي ‪ . 1/15) ،‬ورقمه ‪ (17 :‬هذه القصة بلفظ‬
‫مقارب عن جابر رضي ال عنه ‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح سنن ابن ماجة ‪ . 2/273 :‬ورقمه ‪. 2858 :‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري ‪ . 10/114 :‬ورقمه ‪. 5652 :‬‬
‫)‪ (8‬فتح الباري ‪. 10/115 :‬‬
‫)‪ (9‬مجموع الفتاوى ‪. 24/277 :‬‬
‫)‪ (10‬صحيح مسلم ‪ . 4/1727 :‬ورقمه ‪. 2200 :‬‬
‫)‪ (11‬صحيح مسلم ‪ . 4/1727 :‬ورقمه ‪. 2199 :‬‬
‫)‪ (12‬مجموع الفتاوى ‪. 19/46 :‬‬
‫الحكمة من خلق الشيطان‬

‫) ‪(1/144‬‬
‫الشيطان منبع الشرور والثام ‪ ،‬فهو القائاد إلى الهلك الدنيوي والخروي ‪ ،‬ورافع الراية في كل وقت‬
‫ومكان ‪ ،‬يدعو الناس إلى الكفران ‪ ،‬ومعصية الرحمن ‪ ،‬فهل في خلقه من حكمة ؟ وما هذه الحكمة ؟‬
‫أجاب عن هذا السؤال ابن القيم رحمه ال تعالى فقال )‪ " : (1‬في خلق إبليس وجنوده من الحكم ما ل‬
‫يحيط بتفصيله إل ال " ‪.‬‬
‫فمن ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬ما يترتب على مجاهدة الشيطان وأعوانه من إكمال مراتب العبودية ‪:‬‬
‫فمنها أن يكمل لنبيائاه وأوليائاه مراتب العبودية بمجاهدة عدو ال وحزبه ‪ ،‬ومخالفته ومراغمته في ال ‪،‬‬
‫إواغاظته إواغاظة أوليائاه ‪ ،‬والستعاذة به منه ‪ ،‬واللجوء إليه أن يعيذهم من شمره وكيده ‪ ،‬فيترتب على ذلك‬
‫من المصالح الدنيوية والخروية ما لم يحصل بدونه ‪ ...‬والموقوف على الشيء ل يحصل بدونه ‪.‬‬
‫‪ -2‬خوف العباد من الذنوب ‪:‬‬
‫ومنها خوف الملئاكة والمؤمنين من ذنبهم بعدما شاهدوا من حال إبليس ما شاهدوه ‪ ،‬وسقوطه من‬
‫المرتبة الملكية إلى المنزلة البليسية يكون أقوى وأتم ‪ ،‬ول ريب أن الملئاكة لما شاهدوا ذلك ‪ ،‬حصلت‬
‫لهم عبودية أخرى للرب تعالى ‪ ،‬وخضوع آخر ‪ ،‬وخوف آخر ‪ ،‬كما هو المشاهد من حال عبيد الملك إذا‬
‫رأوه قد أهان أحدهم الهانة التي بلغت منه كل مبلغ ‪ ،‬وهم يشاهدونه ‪ ،‬فل ريب أن خوفهم وحذرهم يكون‬
‫أشد ‪.‬‬
‫‪ -3‬جعله ال عبرة لمن اعتبر ‪:‬‬
‫ومنها أن ال جعله عبرة لمن خالف أمره ‪ ،‬وتكبر عن طاعته ‪ ،‬وأصمر على معصيته ‪ ،‬كما جعل ذنب‬
‫أبي البشر عبرة لمن ارتكب نهيه ‪ ،‬أو عصى أمره ‪ ،‬ثم تاب وندم ورجع إلى ربه ‪ ،‬فابتلى أبوي الجن‬
‫والنس بالذنب ‪ ،‬وجعل هذا الب عبرة لمن أصمر وأقام على ذنبه ‪ ،‬وهذا الب عبرة إن تاب ورجع إلى‬
‫ربه ‪ ،‬فلله كم في ضمن ذلك من الحكم الباهرة ‪ ،‬واليات الظاهرة ‪.‬‬
‫‪ -4‬جعله فتنة واختبا ار لعباده ‪:‬‬

‫) ‪(1/145‬‬

‫ومنها أمنه محك امتحن ال به خلقه ‪ ،‬ليتبين به خبيثهم من طيبهم ‪ ،‬فإنه – سبحانه – خلق النوع‬
‫النساني من الرض ‪ ،‬وفيها السهل والحزن ‪ ،‬والطيب والخبيث ‪ ،‬فل بد أن يظهر ما كان في مادتهم ‪،‬‬
‫ففي الحديث عن أبي موسى قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪ ) :‬إن ال خلق آدم من‬
‫قبضة قبضها من جمع الرض ‪ ،‬فجاء بنو آدم على قدر الرض ‪ ،‬منهم الحمر والبيض والسود ‪،‬‬
‫والسهل والحزن ‪ ،‬والطيب والخبيث ( ‪.‬رواه أحمد والترمذي وأبو داود )‪. (2‬‬
‫فما كان في المادة الصلية فهو كائان في المخلوق منها ‪ ،‬فاقتضت الحكمة اللهية إخراجه وظهوره ‪،‬‬
‫فل بمد إذا من سبب يظهر ذلك ‪ ،‬وكان إبليس محمك ا يميز به الطيب من الخبيث ‪ ،‬كما جعل أنبياءه‬
‫ورسله محمكا لذلك التمييز ‪ ،‬قال تعالى ‪ ) :‬نما كان ال ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حنتى يميز‬
‫طيب ( ] آل عمران ‪ ، [ 179 :‬فأرسل رسله إلى المكلفين ‪ ،‬وفيهم الطيب والخبيث ‪،‬‬ ‫الخبيث من ال ن‬
‫فانضاف الطيب إلى الطيب ‪ ،‬والخبيث إلى الخبيث ‪.‬‬
‫واقتضت حكمته البالغة أن خلطهم في دار المتحان ‪ ،‬فإذا صاروا إلى دار القرار يميز بينهم ‪ ،‬وجعل‬
‫لهؤلء دا ار على حدة ‪ ،‬ولهؤلء دا ار على حدة ‪ ،‬حكمة بالغة ‪ ،‬وقدرة باهرة ‪.‬‬
‫‪ -5‬إظهاره كمال قدرته سبحانه بخلق الضداد ‪:‬‬
‫ومن هذه الحكم أن يظهر كمال قدرته بخلق الضداد ‪ ،‬مثل جبريل والملئاكة إوابليس والشياطين ‪ ،‬وذلك‬
‫من أعظم آيات قدرته ومشيئاته وسلطانه ؛ فإنه خالق الضداد كالسماء والرض ‪ ،‬والضياء والظلم ‪،‬‬
‫والجنة والنار ‪ ،‬والماء والنار ‪ ،‬والحر والبرد ‪ ،‬والطيب والخبيث ‪.‬‬
‫‪ -6‬الضد يظهر حسنه الضد ‪:‬‬
‫ومن هذه الحكم أنن خلق أحد الضدين من كمال حسن ضده ‪ ،‬فإنن الضد إنما يظهر حسنه بضده ‪ ،‬فلول‬
‫القبيح لم تعرف فضيلة الجميل ‪ ،‬ولول الفقر لم يعرف قدر الغنى ‪.‬‬
‫‪ -7‬البتلء به إلى تحقيق الشكر ‪:‬‬

‫) ‪(1/146‬‬

‫ب أن يشكر بحقيقة الشكر وأنواعه ‪ ،‬ول ريب أن أولياجءه نالوا بوجود‬


‫ومن هذه الحكم أنه سبحانه ‪ ،‬يح م‬
‫عدو ال إبليس وجنوده ‪ ،‬وامتحانهم به من أنواع شكره ‪ ،‬ما لم يكن ليحصل لهم بدونه ‪ ،‬فكم بين شكر‬
‫آدم وهو في الجنة ‪ ،‬قبل أن يخرج منها ‪ ،‬وبين شكره بعد أن ابتلي بعدوه ‪ ،‬ثم اجتباه ربه ‪ ،‬وتاب عليه‬
‫وقبله ‪.‬‬
‫‪ -8‬في خلق إبليس قيام سوق العبودية ‪:‬‬
‫ومنها أن المحبة والنابة والتوكل والصبر والرضا ونحوها أحب العبودية إلى ال سبحانه ‪ ،‬وهذه العبودية‬
‫إنما تتحقق بالجهاد وبذل النفس ل‪ ،‬وتقديم محبته على كل ما سواه فالجهاد ذروة سنام العبودية ‪ ،‬وأحبها‬
‫إلى الرب سبحانه ‪ ،‬فكان في خلق إبليس وحزبه قيام سوق هذه العبودية وتوابعها التي ل يحصي حكمها‬
‫وفوائادها ‪ ،‬وما فيها من المصالح إل ال ‪.‬‬
‫‪ -9‬وترتب على ذلك ظهور آياته وعجائاب قدرته ‪:‬‬
‫ومن هذه الحكم أن في خلق من يضاد رسله ويكذبهم ويعاديهم ‪ ،‬من تمام ظهور آياته ‪ ،‬وعجائاب قدرته‬
‫‪ ،‬ولطائاف صنعه ما وجوده أحب إليه وأنفع لوليائاه من عدمه ‪ ،‬كظهور آية الطوفان ‪ ،‬والعصا ‪ ،‬واليد ‪،‬‬
‫وفلق البحر ‪ ،‬إوالقاء الخليل في النار ‪ ،‬وأضعاف ذلك من آياته ‪ ،‬وبراهين قدرته ‪ ،‬وعلمه ‪ ،‬وحكمته ‪ ،‬فلم‬
‫يكن خبمد من وجود السباب التي يترتب عليها ذلك ‪.‬‬
‫‪ -10‬الخلق من النار آية ‪:‬‬
‫ومن هذه الحكم أن المادة النارية فيها الحراق والعلو والفساد ‪ ،‬وفيها الشراق والضاجءة والنور ‪ ،‬فأخرج‬
‫منها – سبحانه – هذا وهذا ‪ ،‬كما أمن المادة الترابية الرضية فيها الطيب والخبيث ‪ ،‬والسهل والحزن ‪،‬‬
‫والحمر والسود والبيض ‪ ،‬فأخرج منها ذلك كله حكمة باهرة وقدرة باهرة ‪ ،‬وآية دالة على أنه ) ليس‬
‫كمثله شيء وهو النسميع البصير ( ] الشورى ‪. [ 11 :‬‬
‫‪ -11‬ظهور متعلقات أسمائاه ‪:‬‬

‫) ‪(1/147‬‬

‫ومن هذه الحكم أن من أسمائاه الخافض الرافع ‪ ،‬المعيز الميذل ‪ ،‬الحكم العدل ‪ ،‬المنتقم ‪ ،‬وهذه السماء‬
‫تستدعي متعلقات يظهر فيها أحكامها ‪ ،‬كأسماء الحسان والرزق والرحمة ونحوها ‪ ،‬ول بمد من ظهور‬
‫متعلقات هذه وهذه ‪.‬‬
‫‪ -12‬ظهور آثار تمام ملكه وعموم تصرفه ‪:‬‬
‫ومن هذه الحكم أنه سبحانه الملك التام الملك ‪ ،‬ومن تمام ملكه عموم تصرفه وتنوعه بالثواب والعقاب ‪،‬‬
‫والكرام والهانة والعدل ‪ ،‬والفضل والعزاز والذلل ‪ ،‬فل بمد من وجود من يتعلق به أحد النوعين ‪ ،‬كما‬
‫أوجد من يتعلق به النوع الخر ‪.‬‬
‫‪ -13‬وجود إبليس من تمام حكمته تعالى ‪:‬‬
‫ومن هذه الحكم أن من أسمائاه الحكيم ‪ ،‬والحكمة من صفاته – سبحانه – وحكمته تستلزم وضع كل‬
‫شيء في موضعه الذي ل يليق به سواه ‪ ،‬فاقتضت خلق المتضادات ‪ ،‬وتخصيص كل واحد منها بما ل‬
‫يليق به غيره من الحكام والصفات والخصائاص ‪ ،‬وهل تتم الحكمة إل بذلك ؟ فوجود هذا النوع من تمام‬
‫الحكمة ‪ ،‬كما أنه من كمال القدرة ‪.‬‬
‫‪ -14‬حمده تعالى على منعه وخفضه ‪:‬‬
‫ومنها أن حمده – سبحانه – تام كامل من جميع الوجوه ‪ ،‬فهو محمود على عدله ومنعه ‪ ،‬وخفضه‬
‫ورفعه ‪ ،‬وانتقامه إواهانته ‪ ،‬كما هو محمود على فضله وعطائاه ‪ ،‬ورفعه إواكرامه ‪ ،‬فله الحمد التام الكامل‬
‫على هذا وهذا ‪ ،‬وهو يحمد نفسه على ذلك كله ‪ ،‬ويحمده عليه ملئاكته ‪ ،‬ورسله وأولياؤه ‪ ،‬ويحمده عليه‬
‫أهل الموقف جميعهم ‪ ،‬وما كان من لوازم كمال حمده وتمامه ‪ ،‬فله في خلقه إوايجاده الحكمة التامة ‪،‬‬
‫كما له عليه الحمد التام ‪ ،‬فل يجوز تعطيل حمده ‪ ،‬كما ل يجوز تعطيل حكمته ‪.‬‬
‫‪ -15‬وبخلقه يظهر ال لعباده حلمه وصبره ‪:‬‬

‫) ‪(1/148‬‬

‫ومنها أنه – سبحانه – يحب أن يظهر لعباده حلمه وصبره ‪ ،‬وأناته ‪ ،‬وسعة رحمته ‪ ،‬وجوده ‪ ،‬فاقتضى‬
‫ذلك خلق من يشرك به ‪ ،‬ويضاده في حكمه ‪ ،‬ويجتهد في مخالفته ‪ ،‬ويسعى في مساخطه ‪ ،‬بل يشبهه‬
‫سبحانه وتعالى ‪ ،‬وهو مع ذلك يسوق إليه أنواع الطيبات ‪ ،‬ويرزقه ‪ ،‬ويعافيه ‪ ،‬ويمكن له من أسباب ما‬
‫يلتذ به من أصناف النعم ‪ ،‬ويجيب دعاجءه ‪ ،‬ويكشف عنه السوء ‪ ،‬ويعامله من بره إواحسانه بضد ما‬
‫يعامله هو به من كفره وشركه إواساجءته ‪ ،‬فلله كم في ذلك من حكمة وحمد ‪.‬‬
‫ويتحبب إلى أوليائاه ويتعرف بأنواع كمالته ‪ ،‬كما في الصحيح عن أبي موسى الشعري قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪) :‬ما أحد أصبر على أذى يسمعه من ال ‪ ،‬يدعون له الولد ثم يعافيهم‬
‫ويرزقهم ( ‪ .‬متفق عليه )‪. (3‬‬
‫وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬قال ال‬
‫تعالى ‪ :‬كذبني ابن آدم ‪ ،‬ولم يكن له ذلك ‪ ،‬وشتمني ولم يكن له ذلك ‪ ،‬فأما تكذيبه إياي فقوله ‪ :‬لن‬
‫يعيدني كما بدأني ‪ ،‬وليس أول الخلق بأهون علمي من إعادته ‪ ،‬وأمما شتمه إياي فقوله ‪ :‬اتخذ ال ولدا ‪،‬‬
‫وأنا الحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ‪ ،‬ولم يكن لي كفوا أحد ( ‪ .‬رواه البخاري )‪. (4‬‬
‫وهو سبحانه مع هذا الشتم له ‪ ،‬والتكذيب له ‪ ،‬يرزق الشاتم المكذب ‪ ،‬ويعافيه ‪ ،‬ويدفع عنه ‪ ،‬ويدعوه إلى‬
‫جنته ‪ ،‬ويقبل توبته إذا تاب إليه ‪ ،‬ويبدله بسيئااته حسنات ‪ ،‬ويلطف به في جميع أحواله ‪ ،‬ويؤهله‬
‫لرسال رسله ‪ ،‬ويأمرهم أن يلينوا له القول ‪ ،‬ويرفقوا به ‪.‬‬
‫قال الفضيل بن عياض ‪ " :‬ما من ليلة يختلط ظلمها إل نادى الجليل – جمل جلله – جمن أعظم مني‬
‫جودا ‪ ،‬الخلئاق لي عاصون ‪ ،‬وأنا أكلؤهم في مضاجعهم ‪ ،‬كأنهم لم يعصوني ‪ ،‬وأتولى حفظهم ‪ ،‬كأنهم‬
‫لم يذنبوا ‪ ،‬أجود بالفضل على العاصي ‪ ،‬وأتفضل على المسيء ‪.‬‬
‫من ذا الذي دعاني فلم ألبه ؟ من ذا الذي سألني فلم أعطه ؟‬

‫) ‪(1/149‬‬

‫أنا الجواد ومني الجود ‪ ،‬أنا الكريم ومني الكرم ‪ ،‬ومن كرمي أني أعطي العبد ما سألني ‪ ،‬وأعطيه ما لم‬
‫يسألني ‪ ،‬ومن كرمي أني أعطي التائاب كأنه لم يعصني ‪ ،‬فأين عني يهرب الخلق ‪ ،‬وأين عن بابي‬
‫ينتحي العاصون ؟ " ‪.‬‬
‫وفي أثر إلهي ‪ ) :‬إني والنس والجن في نبأ عظيم ‪ :‬أخلق ويعبد غيري ‪ ،‬وأرزق ويشكر سواي ( ‪.‬‬
‫وفي أثر حسن ‪ ) :‬ابن آدم ما أنصفتني ‪ :‬خيري إليك نازل ‪ ،‬وشمرك إلي صاعد ‪ ،‬كم أتحبب إليك بالنعم‬
‫ك الكريم جيلعخرج إلي منك‬
‫‪ ،‬وأنا غني عنك ‪ ،‬وكم تتبغض إلي بالمعاصي ‪ ،‬وأنت فقير إلي ‪ ،‬ول يزال الجملج خ‬
‫بعمل قبيح ( ‪.‬‬
‫وفي الحديث الصحيح ‪ ) :‬لو لم تذنبوا لذهب ال بكم ‪ ،‬ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون ‪ ،‬فيغفر لهم ( ‪.‬‬
‫‪ -16‬خلق ال خلقه بحيث يظهر فيهم أحكام أسمائاه وصفاته وآثارها ‪:‬‬
‫فال سبحانه لكمال محبته لسمائاه وصفاته اقتضى حمده ‪ ،‬وحكمته أن يخلق خلق ا يظهر فيهم أحكامها‬
‫وآثارها ‪ ،‬فلمحبته للعفو خلق من يحسن العفو عنه ‪ ،‬ولمحبته للمغفرة خلق من يغفر له ‪ ،‬ويحلم عنه ‪،‬‬
‫ويصبر عليه ‪ ،‬ول يعاجله ‪ ،‬بل يكون يحب أمانه إوامهاله ‪.‬‬
‫ولمحبته لعدله وحكمته خلق من يظهر فيهم عدله وحكمته ‪ ،‬ولمحبته للجود والحسان والبر خلق من‬
‫يعامله بالساجءة والعصيان ‪ ،‬وهو سبحانه يعامله بالمغفرة والحسان ‪ ،‬فلول خلقه من يجري على أيديهم‬
‫أنواع المعاصي والمخالفات ‪ ،‬لفاتت هذه الحكم والمصالح وأضعافها وأضعاف أضعافها ‪ ،‬فتبارك ال‬
‫رب العالمين ‪ ،‬وأحكم الحاكمين ‪ ،‬ذو الحكمة البالغة ‪ ،‬والنعم السابغة ‪ ،‬الذي وصلت حكمته إلى حيث‬
‫وصلت قدرته ‪ ،‬وله في كل شيء حكمة باهرة ‪ ،‬كما أن له فيه قدرة قاهرة وهدايات ‪.‬‬
‫‪ -17‬ما حصل بسبب وجود الشيطان من محبوبات للرحمن ‪:‬‬

‫) ‪(1/150‬‬

‫فكم حصل بسبب هذا المخلوق البغيض للرب ‪ ،‬المسخوط له من محبوب له تبارك وتعالى ‪ ،‬يتصل في‬
‫حبه ما حصل به من مكروه ‪ ،‬والحكيم الباهر الحكمة هو الذي يحصل أحب المرين إليه باحتمال‬
‫المكروه الذي يبغضه ويسخطه ‪ ،‬إذا كان طريق ا إلى حصول ذلك المحبوب ‪ .‬ووجود الملزوم بدون لزمه‬
‫محال ‪.‬‬
‫فإن يكن قد حصل بعدو ال إبليس من الشرور والمعاصي ما حصل ‪ ،‬فكم حصل بسبب وجوده ‪،‬‬
‫ووجود جنوده من طاعة هي أحب إلى ال وأرضى له من جهاد في سبيله ‪ ،‬ومخالفة هوى النفس‬
‫ب شيء للحبيب أن يرى محمبه يتحمل‬
‫وشهوتها له ‪ ،‬ويحتمل المشاق والمكاره في محبته ومرضاته ‪ ،‬وأح م‬
‫لجله من الذى والوصب ما يصدق محبته ‪.‬‬
‫من أجلك قد جعلت خدي أرضا ××× بغيتي للشامت والحسود حتى ترضى‬
‫ومن أثر إلهي ‪ ) :‬بغيتي ما يتحمل المتحملون من أجلي ( ‪ ،‬فال ما أحب إليه احتمال محبيه أذى‬
‫أعدائاه لهم فيه ‪ ،‬وفي مرضاته ‪ ،‬وما أنفع ذلك الذى لهم ‪ ،‬وما أحمدهم لعاقبته ‪ ،‬وماذا ينالون به من‬
‫كرامة حبيبهم وقربه قرة عيونهم به ‪ ،‬ولكن حرام على منكري محبة الرب تعالى أن يشموا لذلك رائاحة ‪،‬‬
‫أو يدخلوا من هذا الباب ‪ ،‬أو يذوقوا من هذا الشراب ‪.‬‬
‫قل للعيون العمي للشمس أعين ××× سواك يراها في مغيب ومطلع‬
‫وسامح بؤسا لم يؤهل لحبهم ××× فما يحسن التخصيص في كل موضع‬
‫فإن أغضب هذا المخلوق ربه ‪ ،‬فقد أرضاه فيه أنبياؤه ورسله وأولياؤه ‪ ،‬وذلك الرضا أعظم من ذلك‬
‫الغضب ‪ ،‬إوان أسخطه ما يجري على يديه من المعاصي والمخالفات ‪ ،‬فإمنه سبحانه أشمد فرح ا بتوبة‬
‫عبده من الفاقد لراحلته ‪ ،‬التي عليها طعامه وشرابه ‪ ،‬إذا وجدها في المفاوز المهلكات ‪ ،‬إوان أغضبه ما‬
‫جرى على أنبيائاه ورسله من هذا العدو اللعين ‪ ،‬فقد سمره وأرضاه ما جرى على أيديهم من حربه‬
‫ومعصيته ومراغمته وكبته وغيظه ‪ ،‬وهذا الرضا أعظم عنده وأبمر لديه من فوات ذلك المكروه المستلزم‬
‫لفوات هذا المرضي المحبوب ‪.‬‬

‫) ‪(1/151‬‬

‫إوان أسخطه أكل آدم من الشجرة ‪ ،‬فقد أرضاه توبته إوانابته ‪ ،‬وخضوعه وتذل بين يديه وانكساره له ‪.‬‬
‫إوان أغضبه إخراج أعدائاه لرسوله صلى ال عليه وسلم من حرمه وبلدته ذلك الخروج ‪ ،‬فقد أرضاه أعظم‬
‫الرضا دخوله إليها ذلك الدخول ‪.‬‬
‫إوان أسخطه قتلهم أولياءه وأحبابه ‪ ،‬وتمزيق لحومهم ‪ ،‬إواراقة دمائاهم ‪ ،‬فقد أرضاه نيلهم الحياة التي ل‬
‫أطيب منها ‪ ،‬ول أنعم ‪ ،‬ول ألمذ في قربه وجواره ‪.‬‬
‫إوان أسخطه معاصي عباده ‪ ،‬فقد أرضاه شهود ملئاكته وأنبيائاه ورسله وأوليائاه سعة مغفرته وعفوه وبمره‬
‫وكرمه وجوده والثناء عليه بذلك ‪ ،‬وحمده وتمجيده بهذه الوصاف التي حمده بها والثناء عليه بها ‪،‬‬
‫أحب إليه ‪ ،‬وأرضى له من فوات تلك المعاصي ‪ ،‬وفوات هذه المحبوبات ‪.‬‬
‫واعلم أن الحمد هو الصل الجامع لذلك كله ‪ ،‬فهو عقد نظام الخلق والمر ‪ ،‬والرب تعالى له الحمد كمله‬
‫بجميع وجوهه واعتباراته وتصاريفه ‪ ،‬فما خلق شيئا ا ‪ ،‬ول حكم بشيء إل وله فيه الحمد ‪ ،‬فوصل حمده‬
‫إلى حيث وصل خلقه وأمره ‪ ،‬حمدا حقيقيا يتضمن محبته والرضا به وعنه ‪ ،‬والثناء عليه ‪ ،‬والقرار‬
‫بحكمته البالغة في كل ما خلقه وأمر به ‪ ،‬فتعطيل حكمته غير تعطيل حمده ‪ ...‬فكما أنه ل يكون إل‬
‫حميدا فل يكون إل حكيما ‪ ،‬فحمده وحكمته كعلمه وقدرته ‪ ،‬وحياته من لوازم ذاته ‪ ،‬ول يجوز تعطيل‬
‫شيء من صفاته وأسمائاه ومقتضياتها وآثارها ‪ ،‬فإن ذلك يستلزم النقص الذي يناقض كماله وكبرياءه‬
‫وعظمته ‪.‬‬
‫‪ -18‬محبته سبحانه أن يكون ملذا ومعاذا لوليائاه ‪:‬‬
‫وفي هذا يقول ابن القيم ‪ " :‬كما أن من صفات الكمال وأفعال الحمد والثناء أنه يجود ويعطي ويمنح ‪،‬‬
‫فمنها أمنه يعيذ وينصر ويغيث ‪ ،‬فكما يحب أن يلوذ به اللئاذون يحب أن يعوذ به العائاذون ‪ ،‬وكمال‬
‫الملوك أن يلوذ بهم أولياؤهم ‪ ،‬ويعوذوا بهم ‪ ،‬كما قال أحمد بن حسين الكندي في ممدوحه ‪:‬‬
‫يا من ألوذ به فيما أؤمله ××× ومن أعوذ به مما أحاذره‬

‫) ‪(1/152‬‬

‫ل يجبر الناس عظم ا أنت كاسره ××× ول يهيضون عظم ا أنت جابره‬
‫ولو قال ذلك في ربه وفاطره لكان أسعد به من مخلوق مثله ‪.‬‬
‫والمقصود أن ملك الملوك يحب أن يلوذ به مماليكه ‪ ،‬وأن يعوذوا به ‪ ،‬كما أمر رسوله أن يستعيذ به من‬
‫الشيطان الرجيم في غير موضع من كتابه ‪ ،‬وبذلك يظهر تمام نعمته على عبده إذا أعاذه وأجاره من‬
‫عدوه ‪ ،‬فلم يكن إعاذته إواجارته منه بأدنى النعمتين ‪ ،‬وال تعالى يحب أن يكمل نعمته على عباده‬
‫المؤمنين ‪ ،‬ويريهم نصره لهم على عدوهم ‪ ،‬وحمايتهم منه ‪ ،‬وظفرهم به ‪ ،‬فيا لها من نعمة كمل بها‬
‫سرورهم ونعيمهم ‪ ،‬وعدل أظهره في أعدائاه وخصمائاه ‪.‬‬
‫وما منهما إل له فيه حكمة ××× يقصر عن إدراكها كل باحث‬
‫الحكمة في بقاء إبليس إلى آخر الدهر ‪:‬‬
‫تحدث ابن القيم ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬عن ذلك في ) شفاء العليل ( )‪ (5‬ووضحه ‪ ،‬فمن ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬امتحان العباد ‪:‬‬
‫فمما ذكره رحمه ال تعالى ‪ :‬أمن ال جعله محمك ا ومحنة يخرج به الطيب من الخبيث ‪ ،‬وولميه من عدوه ‪،‬‬
‫ولذا اقتضت حكمته إبقاجءه ليحصل الغرض المطلوب بخلقه ‪ ،‬ولو أماته لفات ذلك الغرض ‪ ،‬كما أن‬
‫الحكمة اقتضت بقاء أعدائاه الكفار في الرض إلى آخر الدهر ‪ ،‬ولو أهلكهم ألبتة لتعطلت الحكم الكثيرة‬
‫في إبقائاهم ‪ ،‬فكما اقتضت حكمته امتحان أبي البشر ‪ ،‬اقتضت امتحان أولده من بعده به ‪ ،‬فتحصل‬
‫السعادة لمن خالفه وعاداه ‪ ،‬وينحاز إليه من وافقه ووله ‪.‬‬
‫‪ -2‬وأبقاه مجازاة له على صالح عمله السابق ‪:‬‬
‫ومنها أنه لما سبق حكمه وحكمته أنه ل نصيب له في الخرة ‪ ،‬وقد سبق له طاعة وعبادة ‪ ،‬جزاه بها في‬
‫الدنيا بأن أعطاه البقاء فيها إلى آخر الدهر ‪ ،‬فإنه سبحانه ل يظلم أحدا حسنة عملها ‪ ،‬فأمما المؤمن ‪،‬‬
‫فيجزيه بحسناته في الدنيا والخرة ‪ ،‬وأمما الكافر ‪ ،‬فيجزيه بحسناته ما عمل في الدنيا ‪ ،‬فإذا أفضى إلى‬
‫الخرة ‪ ،‬لم يكن له شيء ‪ ،‬كما ثبت هذا المعنى في الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ -3‬أملى له ليزداد إثم ا ‪:‬‬

‫) ‪(1/153‬‬
‫وبقاؤه إلى يوم القيامة لم يكن كرامة في حقه ‪ ،‬فإمنه لو مات كان خي ار له ‪ ،‬وأخف لعذابه ‪ ،‬وأقل لشره ‪،‬‬
‫ولكن لما غلظ ذنبه بالصرار على المعصية ومخاصمة من ينبغي التسليم لحكمه ‪ ،‬والقدح في حكمته ‪،‬‬
‫والحلف على اقتطاع عباده ‪ ،‬وصدهم عن عبوديته ‪ ،‬كانت عقوبة الذنب أعظم عقوبة بحسب تغلظه ‪،‬‬
‫فأبقي في الدنيا ‪ ،‬وأملى له ليزداد إثما ‪ ،‬على إثم ذلك الذنب ‪ ،‬فيستوجب العقوبة التي ل تصلح لغيره ‪،‬‬
‫فيكون رأس أهل الشمر في العقوبة ‪ ،‬كما كان رأسهم في الشر والكفر ‪ .‬ولما كان مادة كل شر فعنه تنشأ‬
‫‪ ،‬جوزي في النار مثل فعله ‪ ،‬فكل عذاب ينزل بأهل النار يبدأ فيه ‪ ،‬ثم يسري منه إلى أتباعه عدلا‬
‫ظاه ار وحكمة بالغة ‪.‬‬
‫‪ -4‬وأبقاه ليتولى المجرمين ‪:‬‬
‫ومن حكم إبقائاه إلى يوم الدين أمنه قال في مخاصمته لرمبه ‪ ) :‬أرأيتك هذا النذي كنرمت جعلجني لئان أنخرتن‬
‫إلى يوم القيامة لحتنكنن ذرنيته إلن قليلا ( ] السراء ‪ . [ 62 :‬وعلم ال – سبحانه – أن في الذرية من‬
‫ل يصلح لمساكنته في داره ‪ ،‬ول يصلح إل لما يصلح له الشوك والروث أبقاه له ‪ ،‬وقال له بلسان القدر‬
‫‪ :‬هؤلء أصحابك وأولياؤك ‪ ،‬فاجلس في انتظارهم ‪ ،‬وكلما ممر بك واحد منهم فشأنك به ‪ ،‬فلو صلح لي‬
‫ما ملكتك منه ‪ ،‬فإني أتولى الصالحين ‪ ،‬وهم الذين يصلحون لي ‪ ،‬وأنت ولي المجرمين من الذين غنوا‬
‫عن موالتي وابتغاء مرضاتي ‪ ،‬قال تعالى ‪ ) :‬إننه ليس له سلطان على انلذين آمنوا وعلى ربهم يتونكلون‬
‫– إننما سلطانه على انلذين يتونلونه وانلذين هم مشركون ( ]النحل‪.[100-99 :‬‬

‫) ‪(1/154‬‬

‫فأما إماتة النبياء والمرسلين ‪ ،‬فلم يكن ذلك لهوانهم عليه ‪ ،‬ولكن ليصلوا إلى محل كرامته ‪ ،‬ويستريحوا‬
‫من نكد الدنيا وتعبها ومقاساة أعدائاهم وأتباعهم ‪ ،‬وليحيا الرسل بعدهم ‪ ،‬يري رسولا بعد رسول ‪ ،‬فإماتتهم‬
‫أصلح لهم وللمة ‪ ،‬أما هم فلراحتهم من الدنيا ‪ ،‬ولحوقهم بالرفيق العلى في أكمل لذة وسرور ‪ ،‬ول‬
‫سيما أنه قد خيرهم ربهم بين البقاء في الدنيا واللحاق به ‪.‬‬
‫وأمما المم فيعلم أنهم لم يطيعوهم في حياتهم خاصة ‪ ،‬بل أطاعوهم بعد مماتهم ‪ ،‬كما أطاعوهم في‬
‫حياتهم ‪ ،‬وأن أتباعهم لم يكونوا يعبدونهم ‪ ،‬بل يعبدون ال بأمرهم ونهيهم ‪ ،‬وال هو الحي الذي ل يموت‬
‫‪ ،‬فكم في إماتتهم من حكمة ومصلحة لهم وللمة ‪ .‬هذا وهم بشر ‪ ،‬ولم يخلق ال البشر في الدنيا على‬
‫خلقة قابلة للدوام ‪ ،‬بل جعلهم خلئاف في الرض ‪ ،‬يخلف بعضهم بعض ا ‪ ،‬فلو أبقاهم لفاتت المصلحة‬
‫والحكمة في جعلهم خلئاف ‪ ،‬ولضاقت بهم الرض ‪ ،‬فالموت كمال لكل مؤمن ‪ ،‬ولول الموت لما طاب‬
‫العيش في الدنيا ‪ ،‬ول هناء لهلها بها ‪ ،‬فالحكمة في الموت كالحكمة في الحياة ‪.‬‬
‫إلى أي مدى نجح الشيطان في إهلك بني آدم ؟‬
‫عندما رفض الشيطان السجود لدم ‪ ،‬وطرده ال من رحمته وجنته ‪ ،‬وغضب عليه ولعنه ‪ ،‬أخذ على‬
‫ب العزة بأن يضلنا ويغوينا ‪ ،‬ويعبدنا لنفسه ‪ ) :‬نلعنة ال وقال لنتخذنن من عبادك‬
‫نفسه العهد أمام ر م‬
‫نصيبا نمفروضا – ولضلنننهم ‪] ( ...‬النساء ‪ ) ، [119-118 :‬قال أرأيتك هذا انلذي كنرمت علني لئان‬
‫أنخرتن إلى يوم القيامة لحتنكنن ذرنيته إلن قليلا ( ]السراء ‪. [62 :‬‬
‫فإلى أي مدى حقق الشيطان مراده من بني النسان ؟‬

‫) ‪(1/155‬‬

‫إن المسمرح نظره في تاريخ البشرية يهوله ما يرى من ضلل الناس ‪ ،‬وكيف كذبوا الرسل والكتب ‪،‬‬
‫وكفروا بال ربهم ‪ ،‬وأشركوا به مخلوقاته ‪ ،‬قال تعالى ‪ ) :‬وما أكثر النناس ولو حرصت بمؤمنين (‬
‫] يوسف ‪ ، [ 103 :‬ولذا حق عليهم غضب ال وانتقامه ‪ ) :‬ثنم أرسلنا رسلنا تت ار كنل ما جاء أنمةا‬
‫نرسولها كنذبوه فأتبعنا بعضهم بعض ا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوجم ل يؤمنون ( ] المؤمنون ‪. [ 44 :‬‬
‫وفي الحاضر حيثما نظرنا أبصرنا أولياء الشيطان تعج بهم الحياة يرفعون رايته ‪ ،‬وينادون بمبادئاه ‪،‬‬
‫ويعذبون أولياء ال ‪ ،‬ويدلنا على مدى تحقيق الشيطان لمراده ‪ ،‬أن ال يأمر آدم يوم القيامة أن يخرج من‬
‫ذريته بعث النار ‪ ،‬فلما يستفسر عن مقدار هذا البعث يقول له ‪ :‬تسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى‬
‫الجنة ‪ ،‬وفي رواية ‪ :‬تسعمائاة وتسعة وتسعون في النار ‪ ،‬وواحد في الجنة )‪. (6‬‬
‫وبذلك يصدق ظنه في هذه الذرية التي لم تعتبر بما جرى لبيها ‪ ،‬ول بما جرى لسلفها ‪ ،‬ويبقى هذا‬
‫اللعين يقودها إلى هلكها ‪ ،‬بل أحيانا تسابقه إلى الجحيم ‪.‬‬
‫وما أقبح أن يصدق ظن العدو في عدوه ‪ ) :‬ولقد صندق عليهم إبليس ظننه فانتبعوه إلن فريق ا من المؤمنين‬
‫( ] سبأ ‪ . [ 20 :‬قبيح النسان أن يتحقق فيه ظن الشيطان ‪ ،‬فيطيع هذا العدو ‪ ،‬ويعصي رمبه ‪ .‬ولقد‬
‫بلغ المر حمدا ل يوصف ول يتصور ‪ ،‬فهذه طائافة في العراق وفي جهات أخرى تطلق على نفسها ‪:‬‬
‫عباد الشيطان ‪ ،‬وبعض الكتاب نراهم يحلفون ) بحق الشيطان ( ‪ ،‬فما أعجب أمرهم !‬
‫ل تفكر بكثرة الهالكين ‪:‬‬
‫ي بالعاقل اللبيب أن ل يغتر بكثرة الهالكين ‪ ،‬فالكثرة ليس لها اعتبار في ميزان ال ‪ ،‬إنما العتبار‬
‫حر م‬
‫ق ولو جقمل عدد متبعيه ‪.‬‬
‫بالح م‬
‫فكن من أتباع الحق الذين رضوا بال رمب ا ‪ ،‬وبالسلم دين ا ‪ ،‬وبمحمد رسولا ‪ ،‬الذين عرفوا الشيطان‬
‫وأتباع الشيطان ‪ ،‬فحاربوهم بالحجة والبرهان ‪ ،‬والسيف والسنان ‪ ،‬وقبل ذلك باللتجاء إلى الرحمن ‪،‬‬
‫والتمسك بدينه ‪.‬‬
‫) ‪(1/156‬‬

‫) يا أنيها انلذين آمنوا ادخلوا في السلم كافنةا ول تنتبعوا خطوات النشيطان إننه لكم عدنو مبين – فإن زللتم من‬
‫بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أنن ال عزيز حكيم ( ] البقرة ‪. [ 209-208 :‬‬
‫نسأل ال أن يجعلنا بمنه وكرمه من الذين دخلوا في السلم دخولا كلي ا ‪ ،‬وصلى ال وسلم على عبده‬
‫ورسوله محمد ‪ ،‬وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫‪--------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬شفاء العليل ‪ :‬ص ‪. 322‬‬
‫)‪ (2‬مشكاة المصابيح ‪.1/36 :‬ورقمه ‪. 100 :‬‬
‫)‪ (3‬مشكاة المصابيح ‪ . 1/14 :‬ورقمه ‪. 23 :‬‬
‫)‪ (4‬مشكاة المصابيح ‪ . 1/14 :‬ورقمه ‪. 20 :‬‬
‫)‪ (5‬شفاء العليل ‪. 327 :‬‬
‫)‪ (6‬الحديث رواهما البخاري وغيره ‪ .‬صحيح البخاري ‪ 388 ، 11/387 :‬وراجع مؤلف أ‪.‬د‪ .‬عمر‬
‫الشقر ‪ :‬الجنة والنار ‪ ،‬ص ‪. 76‬‬

‫) ‪(1/157‬‬

You might also like