You are on page 1of 9

‫المالمح الوثائقيَّة واللِّيتورجيَّة لكنيسة اإلسكندريَّة‬

‫في الثَّالثة قرون األولى‬


‫الراهب القس أثناسيوس املقاري‬
‫َّ‬

‫مقدِّمة عامة‬
‫املبكر لكنيسة اإلسكندريَّة حىت بدايات القرن الثَّالث امليالدي ميثِّل حتدياً‬‫إن الغموض الذي يكتنف التَّاريخ ِّ‬
‫َّ‬
‫أن مدينة اإلسكندريَّة كانت أكرب مدينة‬ ‫واضحاً للباحثني والدَّارسني‪ .‬وتتَّضح طبيعة هذا التَّحدي‪ ،‬إذا َّ‬
‫تذكرنا َّ‬
‫يونانيَّة يف العامل آنئذ‪ ،‬بل ومركز العلم فيه‪ ،‬فضالً عن أهنا كانت تضم أكرب جالية يهوديَّة خارج فلسطني‪ ،‬ومن‬
‫واضح لرسالة املسيحيَّة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫هدف‬
‫مثَّ كان من الالزم أن يكون هلا ٌ‬
‫ويف مقابل هذه االعتبارات نُفاجأ مبصادر شحيحة نادرة ملصادر ووثائق كنيسة اإلسكندريَّة يف هذه الفرتة‬
‫الرابع‬
‫املؤرخ يوسابيوس القيصري (‪340-260‬م) يف القرن َّ‬ ‫ِّ‬
‫املبكرة من تارخيها‪ ،‬وهي املصادر اليت فحصها ِّ‬
‫املؤرخني‪،‬‬
‫مؤرخون عظماء ال ميكن نسيان فضلهم‪ ،‬وكان من أهم هؤالء ِّ‬ ‫امليالدي‪ ،‬وأعاد فحصها ودرسها ِّ‬
‫()‬
‫العامل أدولف هارناك ‪1851-1930( Adolf Harnack‬م) ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫مؤخراً يف مصر‪ ،‬وتعود‬ ‫وإذا نظرنا نظرة فاحصة إىل الوثائق والربديَّات اليت توفَّرت لدينا‪ ،‬واليت اكتُشفت َّ‬
‫تعجب من قلَّتها ونُدرهتا‪َّ .‬‬
‫فالرسائل والوثائق القليلة اليت‬ ‫نتعجب أمَّيا ُّ‬
‫إىل الثَّالثة قرون األوىل للمسيحيَّة‪ ،‬فسوف َّ‬
‫()‬ ‫()‬
‫مجعها العامل بيل ‪ H.I. Bell‬ونشرها سنة ‪1944‬م‪ ،‬وتلك اليت حصرها العامل األبهولست ‪J. Van. Haelst‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫السنوات منسنة ‪270‬م إىل سنة ‪350‬م‪ ،‬مع القليل الذيميكن‬ ‫ونشرها سنة ‪1970‬م وهياليت تغطي َّ‬
‫السنوات األخرية فحسب‪.‬‬ ‫إضافته‪ ،‬قد جاء إىل النُّور يف َّ‬
‫والدِّراسة اليت بني يديك‪ ،‬هي حماولة تأريخ لكنيسة اإلسكندريَّة يف هذا العصر ِّ‬
‫املبكر من تارخيها‪ ،‬وذلك‬
‫من خالل شهادة األدب املسيحي احملفوظ يف املخطوطات القدمية املكتشفة يف مصر‪ ،‬سواء كانت خمطوطات‬
‫ختتص باألسفار الكتابيَّة‪ ،‬أو بأية كتابات أخرى‪ .‬فهو إذاً تأريخ ال يعتمد على روايات‪ ،‬بل يعتمد أساساً على‬
‫الرقوق ‪. parchment‬‬
‫وثائق قدمية وصلت إلينا‪ ،‬سواء كانت من الربديَّات ‪ papyrus‬أو اجللد املدبوغ ‪ leather‬أو ُّ‬

‫‪ -1‬أدولف هارناك ‪ Adolf Harnack‬هو ِّ‬


‫مؤرخ كنسي والهويت أملاين اجلنسيَّة‪ ،‬وهو أشهر عامل آبائي يف زمانه‪ .‬وصار هو املرجع‬
‫األول سنة ‪325‬م‪ .‬وهو صاحب مؤلفات غزيرة ال‬ ‫األساسي يف األدب املسيحي ِّ‬
‫املبكر‪ ،‬وخصوصاً يف فرتة ما قبل جممع نيقية املسكوين َّ‬
‫زالت مراجع أساسيَّة للباحثني‪.‬‬
‫‪Cf. Cross, F.L. & Livingstone, E.A. The Oxford Dictionary of The Christian Church (ODCC), (2 nd edition), 1988, p.‬‬
‫‪620.‬‬
‫‪2- H.I. Bell, Evidences of Christianity in Egypt during the Roman period, in HTR., 37 (1944).‬‬
‫‪3- J. Van. Hoelst, Les sources papyrologiques concernant ľEglise en Egypt à ľépoque de Constantin, in Proc. XII, Int‬‬
‫‪congress of Papyrology, Toronto, 1970.‬‬
‫املالمح الوثائقيَّة والليتورجيَّة لكنيسة اإلسكندريَّة يف الثَّالثة قرون األوىل‬ ‫‪2‬‬
‫تتطرق هذه الدِّراسة إىل احلديث عن شكل احلياة املسيحيَّة يف كنيسة اإلسكندريَّة قبل‬
‫ومن جهة أخرى َّ‬
‫الرسول إليها‪ ،‬طبقاً للوثائق القدمية اليت وصلت إلينا‪ .‬مثَّ فحص َّأول وثيقة معروفة حىت‬
‫وصول القدِّيس مرقس َّ‬
‫الرسول ملصر باملسيحيَّة‪ ،‬وهي الوثيقة املعروفة باسم ”أعمال مرقس“‪.‬‬ ‫اآلن‪ ،‬تشرح لنا كرازة القدِّيس مرقس َّ‬
‫آمالً بذلك أن أُلقي بعض الضَّوء على جانب مل ينل حظَّه كامالً يف التَّأريخ ِّ‬
‫املبكر لكنيسة اإلسكندريَّة‬
‫ظل القَّارئ القبطي‬ ‫وثائقياً وليتورجياً‪ ،‬يف هذه احلقبة ِّ‬
‫املبكرة جداً من تارخيها‪ ،‬والسيَّما لقارئ العربيَّة‪ ،‬إذ َّ‬
‫مدوناً بالعربيَّة‪.‬‬
‫العزيز حباجة إىل املزيد عن هذه اجلزئيَّة من تاريخ كنيسته َّ‬

‫الرسول إليها&‬
‫المسيحيَّة في مصر& قبل وصول القدِّيس& مرقس َّ‬
‫األول والثَّاين للميالد‪،‬‬ ‫إن الغموض الذي يكتنف التَّاريخ ِّ‬
‫املبكر للكنيسة املسيحيَّة يف مصر يف القرنني َّ‬ ‫َّ‬
‫يشكل أمامنا حتدياً واضحاً‪ .‬ولكن بدراسة‬ ‫والذي ال تنقشع غمامته إالَّ مع بداية القرن الثَّالث امليالدي‪ِّ ،‬‬
‫السائدة‪ ،‬اليت عرفتها املسيحيَّة املصريَّة ِّ‬
‫املبكرة‪ ،‬ميكن أن ينفتح‬ ‫املخطوطات الربديَّة‪ ،‬وحالة اجملتمع‪ ،‬والعقائد َّ‬
‫َّعرف على بواكري احلياة املسيحيَّة يف مصر‪ .‬هذا ما يقوله العامل كولني روبرتس ‪Colin H.‬‬ ‫أمامنا جمال خصب للت ُّ‬
‫()‬
‫‪ Roberts‬أحد أبرز علماء الربديَّات يف عاملنا املعاصر ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫فإن الوثائق الربديَّة ال تستطيع أن مت ّدنا بأي أحداث مفيدة عن تلك الفرتة ِّ‬
‫املبكرة لكنيسة مصر‪،‬‬ ‫ويف احلقيقة َّ‬
‫أي فيما قبل القرن الثَّالث امليالدي‪ .‬ومبعىن آخر َّ‬
‫فإن األحداث الوثائقيَّة للمسيحيَّة يف مصر تبدأ مع بدايات القرن‬
‫األول‬
‫الثَّالث امليالدي فحسب‪ .‬وجتدر اإلشارة هنا إىل أنه ليست هناك أيَّة برديَّات على اإلطالق تعود إىل القرن َّ‬
‫امليالدي‪.‬‬

‫ولقد أوىل العامل روبرتس ‪ُ Colin H. Roberts‬ج َّل اهتمامه بأقدم الربديَّات املصريَّة اليت أشارت إىل املسيحيَّة‬
‫توصل إليها يف هذا اجملال هي ذات أمهيَّة بالغة‪ .‬فلقد استطاع أن يغرِّي نظريَّة‬
‫وإن النَّتائج اليت َّ‬ ‫ِّ‬
‫املبكرة يف مصر‪َّ .‬‬
‫العامل والرت بوير ‪ Walter Bauer‬تغيرياً ُكلياً بعد فحصها ونقدها‪ ،‬وهي النَّظريَّة اليت انتشرت يف األوساط العلميَّة‬
‫املبكرة يف مصر كان هرطوقياً‪ ،‬وبالتَّحديد غنوسياً‪.‬‬ ‫بأن نوع املسيحيَّة ِّ‬
‫الدِّينيَّة انتشاراً واسعاً‪ ،‬واليت كانت تقول َّ‬
‫وهو ما سأشرحه بالتَّفصيل فيما بعد‪.‬‬

‫مصر تعود إىل القرن الثَّاين‬


‫()‬
‫شامل لربديَّات حمفوظة يف‬
‫()‬
‫لقد قام العامل روبرتس ‪ Colin H. Roberts‬مبسح‬
‫امليالدي‪ .‬وسلَّط الضَّوء على عشر برديَّات كتابيَّة منها ‪ ،‬وأربع أخرى غري كتابيَّة ‪ .‬ومل يظهر من بني هذه‬
‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬

‫العشر سوى برديَّة واحدة هبا ميل حنو الغنوسيَّة‪ ،‬وهي ”إجنيل توما“‪ ،‬وحىت هذا امليل الغنوسي ُمبهم‬
‫()‬
‫الربديَّات‬
‫وغري واضح ‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪4- Birger A. Pearson, Earliest Christianity in Egypt, Some Observations, in The Roots of Egyptian Christianity, Editors,‬‬
‫‪Birger A. Pearson ; James E. Goehring, U.S.A., 1986, p. 132 ; Colin H. Roberts, Manuscript, Society and Belief in Early‬‬
‫‪Christian Egypt, Oxford University Press, 1979, p. 1.‬‬
‫الرسول إىل تيطس‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪ -‬سبع برديَّات منها من العهد القدمي‪ ،‬وثالث من العهد اجلديد‪ ،‬وهي إجنيل يوحنا‪ ،‬وإجنيل مىت‪ ،‬ورسالة بولس َّ‬
‫(وجد يف برديَّة يف مدينة أكسريينخوس‬ ‫‪6‬‬
‫‪ -‬وهي‪ )1( :‬إجنيل إجيريتون )‪ Egerton Gospel ، (2‬إجنيل توما ‪ُ Gospel of Thomas‬‬
‫’البهنسا احلاليَّة‘ ‪ )3( ،)P. Oxy. 1, 26-28‬كتاب ضد اهلرطقات إليريناؤس ‪. Irenaeus, Adversus Haerses‬‬
‫‪7- Birger A. Pearson, op. cit., p. 132, 133 ; Colin H. Roberts, op. cit., p. 52.‬‬
‫‪3‬‬ ‫مقدِّمة عامة‬

‫لقد ألقت دراسات روبرتس ‪ Colin H. Roberts‬ضوءاً جديداً على أصول املسيحيَّة يف مصر‪ .‬وهو خيلُص‬
‫أن كنيسة أورشليم هي أقدم مصدر للكنيسة املسيحيَّة يف مصر‪َّ .‬‬
‫وأن‬ ‫بأن الدَّالئل الكثرية تشري إىل َّ‬
‫إىل القول َّ‬
‫املبكرة يف مصر كانت يهوديَّة‪ .‬وفضالً عن ذلك َّ‬
‫فإن املسيحينِّي األوائل يف مصر نُظر إليهم كيهود أو‬ ‫املسيحيَّة ِّ‬
‫ألن اإلسكندريَّة كانت موطن أكرب جالية‬ ‫كجماعة متميِّزة مستقلَّة‪ ،‬ذات عقائد خاصة‪ .‬وهذا واضح بالطبَّع َّ‬
‫يهوديَّة يف العامل القدمي‪ ،‬ومن هذه اجلالية خرج املبشرون املسيحيُّون األوائل ليكرزوا باملسيحيَّة يف مصر‪.‬‬

‫أن تاريخ املسيحيَّة يف مصر قبل زمن‬‫واحلقيقة اليت يلزم أن تبقى ماثلة أمام أذهاننا ‪ -‬وحىت اليَوم ‪ -‬هي َّ‬
‫كان) العامل روبرتس ‪ Colin H. Roberts‬على حق‬‫(‬
‫اإلمرباطور هدريان (‪138 -117‬م)‪ُ ،‬مبهم للغاية‪ .‬ولقد‬
‫أن معرفتنا بالغنوسيَّة يف مصر قبل زمن هدريان ‪ ،‬هي أكثر غموضاً من املسيحيَّة غري الغنوسيَّة‬
‫‪8‬‬
‫حينما) يذكر َّ‬
‫(‬
‫فيها ‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫نشأة& المسيحيَّة في مصر& في وسط يهودي‬


‫يرى كثريٌ من العلماء أمثال العامل روبرتس ‪ ، Colin H. Roberts‬العامل دانييلو ‪ ، Daniélou‬العامل هورنشو‬
‫أن املسيحيَّة يف كنيسة مصر كانت يف بدايتها ذات خاصيَّة مسيحيَّة‬ ‫‪ ، Hornschuh‬والعامل كوسرت ‪َّ Koester‬‬
‫‪ ، A Jewish- Christian‬وطبقاً هلذه الرؤية‪ ،‬فعلينا أن نتحدَّث عن نشأة املسيحيَّة يف مصر يف‬
‫( )‬
‫يهوديَّة ‪Character‬‬
‫وسط يهودي أوالً ‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫الصلة باليهوديَّة من جهة اللُّغة‬


‫ويُفرتض يف املسيحيَّة اليهوديَّة أهنا شكل من أشكال املسيحيَّة وثيق ِّ‬
‫األفكار وهذا الالهوت تتغرَّي طبقاً لشكل اليهوديَّة اليت‬ ‫( )‬
‫وإن خصائص هذه اللُّغة وهذه‬
‫واألفكار والالهوت‪َّ .‬‬
‫وطوعها املسيحيُّون يف أي منطقة يعيشون فيها ‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫تبنَّاها َّ‬
‫بعض من التَّقاليد‬ ‫إن ما ِّ‬
‫يؤكد اإلمجاع على وجود تأثري طاغ لليهوديَّة على املسيحيَّة النَّاشئة يف مصر هو ٌ‬ ‫َّ‬
‫وتطورها ِّ‬
‫املبكر‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫املبكرة عن أصل املسيحيَّة يف مصر ُّ‬
‫( )‬
‫حيث نقرأ عن رجل يهودي إسكندري‬ ‫( )‬
‫الر ُسل ‪،‬‬
‫فأقدم مصدر معروف لدينا هو ما ورد يف سفر أعمال ُّ‬
‫‪12‬‬

‫بالروح يُدعى أبولوس ‪ Apollos‬وهو أحد‬ ‫حار ُّ‬


‫‪13‬‬
‫اجلنس‪ ،‬يصفه سفر األعمال بأنه فصيح مقتدر يف ال ُكتُب‪ٌ ،‬‬
‫الرسول يف أفسس وكورنثوس‪ ،‬فهذا وفد إىل أفسس قادماً من اإلسكندريَّة‪ ،‬وكان يعلِّم يف‬ ‫املساعدين لبولس َّ‬
‫أفسس عن أمور ختتص بيسوع بكل تدقيق‪ ،‬عارفاً معموديَّة يوحنا املعمدان فقط‪ ،‬فأخذه إليهما أكيال ‪Aquila‬‬

‫تدقيق‪ .‬والقراءة املدقِّقة لسفر أعمال ُّ‬


‫الر ُسل‬ ‫( )‬
‫الرب بأكثر‬
‫وبرسكال ‪ Priscilla‬وكانا مسيحينَّي ‪ ،‬وشرحا له طريق َّ‬
‫الرجل كان قد تعلَّم الكلمة يف وطنه ‪ .‬وهو ما يُفرتض معه وجود‬
‫‪14‬‬
‫(أعمال ‪ِّ )25:18‬‬
‫تؤكد َّ‬
‫أن هذا َّ‬

‫‪ -8‬أي يف أثناء فرتة ظهور الغنوسيَّان باسيليدس ‪ Basilides‬وفالنتينوس ‪. Valentinus‬‬


‫‪9- Birger A. Pearson, op. cit., p. 134.‬‬
‫‪10- A.F.J. KLIJN, Jewish Christianity in Egypt, in The Roots of Egyptian Christianity, Editors, Birger A. Pearson ; James‬‬
‫‪E. Goehring, U.S.A., 1986, p. 162.‬‬
‫‪11- A.F.J. KLIJN, op. cit., p. 162.‬‬
‫‪ -12‬أعمال ‪25 ،24:18‬‬
‫‪ -13‬انظر‪ :‬أعمال ‪19 ،18‬‬
‫‪14- Birger A. Pearson, op. cit., p. 136.‬‬
‫املالمح الوثائقيَّة والليتورجيَّة لكنيسة اإلسكندريَّة يف الثَّالثة قرون األوىل‬ ‫‪4‬‬
‫األولامليالدي‪ .‬أي‬
‫مسيحيِّني منأصل يهودي يف اإلسكندريَّة يف أواخر األربعينيَّاتأو أوائل اخلمسينيَّات منالقرن َّ‬
‫يف فرتة حكم اإلمرباطور كلوديوس (‪54-41‬م)‪.‬‬

‫أن مجاعة من اليهود يف اإلسكندريَّة‬ ‫يوضح لنا َّ‬ ‫وهذه النُّقطة ال ميكن أن نعرب عليها بسهولة‪َّ ،‬‬
‫ألن هذا األمر ِّ‬
‫الروح ال ُق ُدس‬
‫أن يسوع هو املسيح‪ ،‬بعد أن فحصوا ال ُكتُب‪ ،‬لكن بدون أن يعرفوا شيئاً عن ُّ‬ ‫كانوا قد أيقنوا َّ‬
‫أناس منهم ليكرزوا هبذا اإلميان خارج وطنهم‬ ‫وحلوله يوم اخلمسني‪ .‬إذ آمنوا باملسيح أنه املسيَّا‪ ،‬بل وخرج ٌ‬
‫يهود من‬
‫الروح ال ُق ُدس يوم اخلمسني قد شهده ٌ‬ ‫كما فعل أبولوس يف أفسس‪ .‬فكيف حيدث هذا وحلول ُّ‬
‫كل‬
‫انتشر يف ِّ‬
‫( )‬
‫الروح ال ُق ُدس قد‬ ‫اإلسكندريَّة وعادوا إىل وطنهم خيربون مبا رأوه ومسعوه؟ بل َّ‬
‫إن خرب حلول ُّ‬
‫كل أحناء األرض تتكلَّم مخس عشرة لغة على األقل ‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫العامل‪ ،‬إذ عاينه جاليات يهوديَّة منتشرة يف ِّ‬
‫الروح ال ُق ُدس‪ .‬والغريب أيضاً َّ‬
‫أن‬ ‫بالروح‪ ،‬وهو مل يقبل بعد ُّ‬
‫حار ُّ‬
‫رجل ٌ‬
‫والعجيب حقاً أن يكون أبولوس ٌ‬
‫جمئ أبولوس إىل أفسس كان حوايل سنة ‪ 55‬ميالديَّة أو قبلها بقليل‪ ،‬أي بعد مضي أكثر من عشرين سنة على‬
‫الرجال الذين بشَّرهم باملسيح‪ ،‬وآمنوا به‬
‫الروح ال ُق ُدس يف يوم اخلمسني‪ ،‬ومل يعلم هبا أبولوس وال ِّ‬
‫حلول ُّ‬
‫( )‬
‫حادثة‬
‫على يديه ‪.‬‬ ‫‪16‬‬

‫مهدت فعالً الطَّريق لإلميان باملسيح‪ ،‬ليس‬


‫هنا إشارة ضمنيَّة عن تأثري وفعل كرازة يوحنا املعمدان‪ ،‬وكيف َّ‬
‫يف فلسطني وحدها‪ ،‬بل تعدَّهتا إىل أقطار أخرى أيضاً‪ .‬وهنا أيضاً إشارة هامة عن يهود من اإلسكندريَّة آمنوا‬
‫بأن البعض منهم كانوا‬‫الروح ال ُق ُدس يوم اخلمسني‪ .‬ممَّا يدفعنا إىل االعتقاد َّ‬
‫حلول ُّ‬
‫( )‬
‫باملسيح قبل أن يسمعوا خبرب‬
‫على صلة جبماعة ”األسينيِّني“ ‪.‬‬ ‫‪17‬‬

‫أن اإلميان باملسيح بني ٍ‬


‫أناس من اجلالية اليهوديَّة اليت عاشت يف اإلسكندريَّة قد حدث‬ ‫أوضح َّ‬
‫أردت أن ِّ‬
‫لقد ُ‬
‫الروح ال ُق ُدس يوم اخلمسني‪ ،‬أو على األقل قبل أن يعرف هؤالء هبذا احلدث اجللل‪ .‬وهكذا‬ ‫فعالً قبل حلول ُّ‬
‫فإن املسيحينِّي من أصل يهودي كانوا يعيشون يف مصر يف تاريخ ِّ‬
‫مبكر‬ ‫َّ‬
‫يتأك(د )لدينا أنه طبقاً لسفر األعمال َّ‬
‫جداً ‪.‬‬ ‫‪18‬‬

‫عمن يكون املنظِّم َّ‬


‫األول‬ ‫يصمت متاماً َّ‬
‫اجلديد ُ‬‫( )‬
‫ويقول العامل بريجر بريسون ‪َّ ” : B.A. Person‬‬
‫إن العهد‬
‫فإن هذه املسيحيَّة النَّاشئة‬ ‫‪19‬‬ ‫لكنيسة اإلسكندريَّة يف هذه الفرتة ِّ‬
‫املبكرة جداً من تارخيها“ ‪ .‬ولكن احلقيقة َّ‬
‫يف مصر يف شكل مجاعاتال نستطيع أن نسميها كنيسة باملعين الدَّقيق ملفهوم الكنيسة‪ ،‬بل كانتحىت‬
‫الر ُسل‪،‬‬
‫الوقتاجتهادات– حىت ولو كانتمجاعيَّة ‪ -‬مل تأخذ صبغتها القانونيَّة ككنيسة مبنيَّة علىأساس ُّ‬ ‫ذلك َ‬
‫‪ -15‬أعمال ‪11-9:2‬‬
‫‪ -16‬أعمال ‪7:19‬‬
‫كل من فيلو (‪13‬ق‪.‬م‪50 -‬ب‪.‬م)‬ ‫‪17‬‬
‫‪ -‬مل تُذكر مجاعة األسينيِّني يف الكتاب املقدَّس وال يف التَّلمود اليهودي‪ ،‬وقد أشار إليها ٌ‬
‫تكونت يف القرن الثَّاين قبل امليالد‪ ،‬وظلَّت قائمة حىت‬
‫ويوسيفوس (‪101-37‬م) وبليين األكرب‪ .‬واالسم يعين ”األتقياء“‪ ،‬ويبدو أهنا مجاعة َّ‬
‫القرن الثَّاين بعد امليالد‪ .‬وهي مل خترج عن حدود فلسطني‪ .‬فقد سكنوا وادي قمران يف فلسطني‪ .‬ويف بدء ظهور املسيحيَّة كان عددهم‬
‫أربعة آالف شخص‪ ،‬وكانت حياهتم الشَّخصيَّة منظَّمة للغاية‪ ،‬وكانوا يعيشون حياة مشرتكة‪ .‬وكان طالب االنضمام إليهم يبقى ثالث‬
‫سنوات حتت التَّعليم واالختبار‪ ،‬مع إدالء قَ َسم الطَّاعة‪ ،‬واحلفاظ على سريَّة اجلماعة‪ .‬ويُظن أن تفاصيل عبادهتم وتعليمهم أتت من مصادر‬
‫غري يهوديَّة‪ .‬واالعتقاد بأن القدِّيس يوحنا املعمدان كان من بينهم‪ ،‬هو اعتقاد قابل لالحتمال‪.‬‬
‫‪Cf. Cross, F.L. & Livingstone, E.A. The Oxford Dictionary of The Christian Church (ODCC), (2 nd edition), 1988 p. 471.‬‬
‫‪18- A.F.J. KLIJN, op. cit., p. 163.‬‬
‫‪19- Birger A. Pearson, op. cit., p. 136.‬‬
‫‪5‬‬ ‫مقدِّمة عامة‬

‫سر الكهنوت‬ ‫ليؤسس كنيستها‪ ،‬ولينقلإليها َّ‬ ‫الرسول قد وفد إىل اإلسكندريَّة ِّ‬
‫حيثمل يكن القدِّيس مرقس َّ‬
‫املقدَّس بوضع اليد‪ ،‬إلقامة أساقفة يعاوهنم القسوس والشَّمامسة‪ ،‬حيملون األمانة املقدَّسة املسلَّمة إليهم عرب‬
‫زمان غربة الكنيسة على األرض‪.‬‬

‫ولقد كان هلذه اجلماعة املسيحيَّة األوىل ذات األصول اليهوديَّة تأثريٌ يف تشكيل جانب من احلياة اللِّيتورجيَّة‬
‫فإن تأثري أفكار فيلو – وهو أحد الشَّخصيَّات‬ ‫العامل‪َّ .‬‬
‫ِّ ( )‬
‫لكنيسة اإلسكندريَّة‪ ،‬بل وعلى الكنيسة املسيحيَّة يف كل‬
‫الرمزييف تفسري ال ُكتُباملقدَّسة‪،‬‬
‫وأن أسلوبه َّ‬‫املعتربة بينهم – كان قوياً يف مدرسة اإلسكندريَّة الالهوتيَّة ‪َّ ،‬‬
‫‪20‬‬

‫كل أحناء العامل املسيحي السيَّما يف كنيسة‬‫والبحثعناملعىن املختبئ وراء الكلمات‪،‬قد انتشر يف ِّ‬
‫اإلسكندريَّة عرب العالَّمة كليمندس اإلسكندري( ‪215-150‬م)‪ ،‬ومنبعده العالَّمة أورجيانوس (‪-185‬‬
‫‪254‬م)‪ ،‬وغريمها‪ .‬وقد تأثَّروا كثرياً مبنهج فيلو يف البحثوالدِّراسة‪.‬‬
‫( )‬
‫الصلة بني‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬كان ليهود اإلسكندريَّة والقريوان جممع خاص هبم يف أورشليم ‪ .‬وكانت ِّ‬
‫‪21‬‬

‫وتنصروا‪ ،‬مل‬
‫اإلسكندريَّة وأورشليم متَّصلة على الدَّوام‪ .‬ألنه بعد أن آمن بعض من هؤالء اليهود باملسيحيَّة َّ‬
‫أن هذه هي‬ ‫الصلة بني عوائدهم اليهوديَّة القدمية وديانتهم اجلديدة‪ ،‬بل إننا نرى َّ‬
‫السهل أن تنقطع ِّ‬
‫يكن من َّ‬
‫اجلذور األوىل اليت ربطت بني كنيسة اإلسكندريَّة وكنيسة أورشليم‪ ،‬حىت أصبحت كنيسة اإلسكندريَّة هي‬
‫احلارس األمني لكثري من الطُّقوس القدمية لكنيسة أورشليم‪ ،‬وحىت اليَوم‪.‬‬

‫وهناك وثيقة قدمية جداً‪ ،‬تُعد أحد أهم الوثائق اليت تلقي ضوءاً ولو قليالً على وجود مسيحيِّني يف مصر‬
‫الرسالة الشَّهرية‬
‫السماء مبا ال يتعدى عشر سنوات فقط‪ .‬ونقصد هبذه الوثيقة تلك ِّ‬
‫بعد صعود السيِّد املسيح إىل َّ‬
‫واملؤرخة بتاريخ ‪ 10‬نوفمرب سنة ‪41‬م‪،‬‬
‫اليت أرسلها اإلمرباطور كلوديوس (‪54 -41‬م) إىل اإلسكندريِّني‪َّ ،‬‬
‫ونعين هبا الفقرة اليت تقول‪:‬‬
‫”‪ ...‬وال أن يستقدموا (أي اليهود الذين يعيشون يف اإلسكندريَّة) أو يزوروا يهوداً قادمني من سوريا أو‬
‫كل مكان كمثريي‬ ‫شك أكرب من جهتهم‪ .‬وإذا مل يطيعوا فسوف أتعقَّبهم يف ِّ‬‫مصر‪ ،‬وإالَّ فسأكون مدفوعاً إىل ٍّ‬
‫إزعاج لكل العامل“‪ .‬فاالحتمال القائم هنا يف عبارة ”يهوداً قادمني من سوريا“ هو أهنا إرساليَّات مسيحيَّة‬
‫يهوديَّة وفدت من فلسطني إىل مصر‪ .‬وبرغم ذلك فليس لدينا تأكيدات ميكن أن نقطع هبا يف هذا الشَّأن‪.‬‬
‫أن اإلرساليَّات املسيحيَّة ِّ‬
‫املبكرة‬ ‫وعلى أي حال مهما كان معىن خطاب اإلمرباطور كلوديوس‪ ،‬فمن الواضح فيه َّ‬
‫وفدت) إىل اإلسكندريَّة رمبا كانت يهوداً متنصرين قادمني من سوريا‪ ،‬أي من فلسطني‪ ،‬وخصوصاً من‬ ‫(‬
‫اليت‬
‫أورشليم ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫الرسول قد وفدوا إىل‬‫عظة )بطرس َّ‬


‫(‬
‫الر ُسل َّ‬
‫أن يهوداً من الذين مسعوا‬ ‫وال نغفل هنا ما يشري إليه سفر أعمال ُّ‬
‫يقاومون‬
‫( )‬
‫أورشليم قادمني من مصر وأجزاء من ليبيا السيَّما من سريين (أو قريين) ‪ . Cyrene‬والذين كانوا‬
‫‪23‬‬

‫إسطفانوس – اهلليين – َّأول شهداء املسيحيَّة‪ ،‬كانوا هم أيضاً يهوداً من سريين ‪ Cyrene‬واإلسكندريَّة ‪ .‬وإن‬
‫‪24‬‬

‫كان املوطن األصلي للشَّهيد إسطفانوس ومخسة من مساعديه مل يُفصح عنه‪ ،‬لكنَّهم كلّهم كانوا يهوداً حيملون‬
‫‪20- ODCC, 2nd edition, p. 1083.‬‬
‫‪ -21‬انظر‪ :‬أعمال ‪9:6‬‬
‫‪22- Birger A. Pearson, op. cit., p. 134.‬‬
‫‪ -23‬انظر‪ :‬أعمال ‪10:2‬‬
‫‪ -24‬انظر‪ :‬أعمال ‪9:6‬‬
‫املالمح الوثائقيَّة والليتورجيَّة لكنيسة اإلسكندريَّة يف الثَّالثة قرون األوىل‬ ‫‪6‬‬
‫( )‬ ‫( )‬
‫أمساء يونانيَّة ‪ ،‬ورمبا جاء بعضهم من اإلسكندريَّة ‪.‬‬
‫‪26‬‬ ‫‪25‬‬

‫وعلى أي احلاالت َّ‬


‫فإن حركة املرور بني أورشليم واإلسكندريَّة كانت واسعة شاملة يف كال االجتاهني‪.‬‬
‫حتولوا إىل املسيحيَّة يف فلسطني‬ ‫وميكن لنا بكل سهولة أن نفرتض َّ‬
‫أن بعضاً من اإلسكندريني اليهود الذين َّ‬
‫يهود تشتَّتوا (من )وطنهم أورشليم بسبب‬
‫عادوا إىل وطنهم لينشروا اإلميان اجلديد‪ .‬ورمبا كان من بني هؤالء ٌ‬
‫إن األحداث هنا ال‬‫االضطهاد العظيم الذي حصل للكنيسة اليت يف أورشليم‪ ،‬فجالوا مبشرين بالكلمة ‪َّ .‬‬
‫‪27‬‬

‫الصغرى واليونان وروما‪،‬‬ ‫الر ُسل كان ِّ‬


‫يركز ُج َّل اهتمامه ناحية آسيا ُّ‬ ‫أعمال ُّ‬
‫( )‬
‫تشفي الغليل بسبب َّ‬
‫أن كاتب سفر‬
‫أكثر من اهتمامه مبصر واإلسكندريَّة ‪.‬‬ ‫‪28‬‬

‫الرسول إليها ‪ -‬بني‬ ‫وهكذا احنصرت املسيحيَّة يف مصر يف بداياهتا ِّ‬


‫املبكرة جداً – قبل جمئ القدِّيس مرقس َّ‬
‫مجاعات من اليهود آمنوا باملسيح‪.‬‬

‫وصف للحياة& المسيحيَّة في بواكيرها األولى في مصر‬


‫إن جمموعة الكتابات اليت استقر التَّقليد على نسبتها إىل كنيسة مصر‪ ،‬ال تعطينا أي أساسيَّات لوصف‬ ‫َّ‬
‫يفسر لنا احلرية اليت ال زلنا فيها حىت اليَوم خبصوص‬ ‫املبكرة يف مصر‪ ،‬فمحتوياهتا خارجيَّة‪ .‬وهذا ِّ‬ ‫املسيحيَّة ِّ‬
‫أن كثرياً من الكتابات الشَّعبيَّة يف مصر‬ ‫املسيحيَّة ِّ‬
‫املبكرة يف كنيسة مصر‪ .‬وميكننا أن خنلُص إىل نتيجة مفادها‪َّ ،‬‬
‫اليهوديَّة املسيحيَّة‪ ،‬ولكن ذلك ال يعطينا صورة دقيقة عن الوضع احلقيقي لكنيسة‬ ‫( )‬
‫تظهر لنا بعض التَّأثريات‬
‫أن أقدم الوثائق املسيحيَّة يف مصر‬ ‫إىل ) َّ‬
‫(‬
‫مصر يف بواكريها األوىل ‪ .‬ويشري العامل روبرتس‪Colin H. Roberts‬‬ ‫‪29‬‬

‫املبكرة ال ميكن متييزها عنتلك الوثائق اليهوديَّة ‪.‬‬


‫‪30‬‬ ‫يف تلك الفرتة ِّ‬

‫مصر‪ ،‬كما وردت يف كتاب‬ ‫إالَّ أننا نتقابل مع وصف لشكل ومضمون املسيحيَّة يف نشأهتا ِّ‬
‫املبكرة يف‬
‫( )‬ ‫( )‬
‫عما يصفه فيلو& ‪ Philo‬الفيلسوف اليهودي‬
‫‪32‬‬
‫ً َّ‬ ‫ال‬ ‫نق‬ ‫م)‬‫‪340‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪260‬‬ ‫(‬ ‫”تاريخ الكنيسة“ ليوسابيوس القيصري‬
‫‪31‬‬

‫املتضرعني“ عن املسيحينِّي األوائل يف كنيسة اإلسكندريَّة‬ ‫التأمل“‪ ،‬أو ”يف ِّ‬ ‫(‪13‬ق‪.‬م‪50-‬ب‪.‬م) يف كتابه ”حياة ُّ‬
‫كل‬
‫نساك مصر“ أو ”عبَّاد مصر“‪ .‬ويقول بأهنم قد انتشروا يف ِّ‬ ‫‪ -‬وهم من أصل يهودي – والذين يدعوهم ” َّ‬
‫خصصوا فيها‬
‫مديريَّاهتا‪ ،‬والسيَّما يف نواحي اإلسكندريَّة‪ .‬وبعد أن يصف لنا حياهتم النُّسكيَّة وبيوهتم اليت َّ‬
‫مقدساً“‪ ،‬يتحدَّث عن كنائسهم اليت انتشرت هنا وهناك‪ ،‬وعن األغاين والرَّت انيم‬ ‫للصالة دعوه ” ِ‬
‫مكاناً مقدَّساً َّ‬
‫اليت ألَّفوها لريتِّلوها هلل يف كنائسهم بكل أنواع األوزان‪.‬‬

‫فيقول يوسابيوس القيصري نقالً عن فيلو (‪340-260‬م)‪:‬‬


‫‪ -25‬انظر‪ :‬أعمال ‪5:6‬‬
‫‪ -26‬نيقوالوس فقط هو املهتدي إىل اليهوديَّة‪ ،‬وكان قد قدم من أنطاكية‪.‬‬
‫‪ -27‬انظر‪ :‬أعمال ‪4 ،1:8‬‬
‫‪28- Birger A. Pearson, op. cit., p. 135.‬‬
‫‪29- A.F.J. KLIJN, op. cit., p. 167.‬‬
‫‪30- Birger A. Pearson, op. cit., p. 134.‬‬

‫جتسد الكلمة وحىت سنة ‪324‬م وهو العمل الذي ألجله نال‬ ‫‪31‬‬
‫‪ -‬كتب يوسابيوس القيصري تارخياً للكنيسة يف عشرة كتب‪ ،‬بدءًا من ُّ‬
‫لقب ”أبو التَّاريخ الكنسي“‪.‬‬
‫َّ‬
‫املؤرخ والفيلسوف اليهودي اإلسكندري (‪13‬ق‪.‬م‪50 -‬ب‪.‬م) يف عهد اإلمرباطور كاليجوال (‪41-37‬م)‪ ،‬حيث ألف‬ ‫‪ -32‬اشتهر فيلو ِّ‬
‫تفاسري كثرية على األسفار املقدَّسة‪ ،‬باإلضافة إىل مؤلََّفات فلسفيَّة وتارخييَّة ودينيَّة‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫مقدِّمة عامة‬

‫األقدمني حسب طريقة اليهود ‪...‬‬ ‫( )‬


‫”يبدو أهنم كانوا من أصل عرباين‪ ،‬ولذلك كانوا يراعون معظم عوائد‬
‫دعني طبيبات ‪ ...‬كانوا يعاجلون ويشفون‬
‫‪33‬‬
‫يدعون أطباء‪َّ ،‬‬
‫وأن النِّساء املرافقات هلم تُ َ‬ ‫الرجال كانوا َ‬‫إن هؤالء ِّ‬‫َّ‬
‫َّهوات الفاسدة‪ ،‬أو من هذه احلقيقة‪ ،‬أهنم كانوا‬ ‫( )‬
‫نفوس الذين كانوا يأتون إليهم‪ ،‬بإسعافهم وإنقاذهم من الش‬
‫كل شئ قد تركوا ممتلكاهتم‪.‬‬ ‫يعبدون اهلل وخيدمونه بطهارة وإخالص‪ .‬وعلى أي حال فهو يشهد أهنم َّأول ّ‬
‫‪34‬‬

‫كل‬
‫كل ممتلكاهتم ألقارهبم‪ .‬وبعد أن ينبذوا َّ‬ ‫ويقول‪ :‬إهنم عندما يبدأون طريقة احلياة الفلسفيَّة يتنازلون عن ِّ‬
‫أن االختالط مبن خيتلفون‬‫اهتمامات احلياة خيرجون من امل ُدن‪ ،‬ويقطنون احلقول املوحشة واحلدائق‪ ،‬عاملني متاماً َّ‬
‫الوقت حتت تأثري إميان ملتهب بسرية‬ ‫ُ‬
‫واملرجح أهنم فعلوا هذا يف ذلك َ‬
‫ومضر‪َّ .‬‬ ‫عنهم يف املشارب عدمي اجلدوى ُ‬
‫األنبياء ‪...‬‬
‫كل مكان يف العامل يوجد هذا اجلنس ‪ ...‬على َّ‬
‫أن هذا اجلنس‬ ‫وبعد ذلك يضيف الوصف التَّايل‪’ :‬ويف ( ) ِّ‬
‫كل‬
‫كل مديريَّاهتا ‪ ،‬السيَّما نواحي اإلسكندريَّة‪ .‬وأصبح أفاضل النَّاس من ِّ‬‫يكثر يف مصر بنوع أخص‪ ،‬يف ِّ‬
‫‪35‬‬

‫تل منخفض‬
‫ناحية يهاجرون كما إىل مستعمرة األطباء‪ ،‬إىل موقع مناسب جداً يشرف على حبرية مريوط‪ ،‬فوق ٍّ‬
‫ممتاز املوقع‪ ،‬بسبب توفُّر األمن فيه وجودة مناخه‘‪.‬‬

‫وبعد ذلك بقليل‪ ،‬بعد أن يصف نوع بيوهتم‪ ،‬يتحدَّث كما يلي عن كنائسهم اليت كانت منتشرة هنا‬
‫يؤدون أسرار احلياة الدِّينيَّة يف عُزلة تامة‪.‬‬
‫كل بيت يوجد مكان مقدَّس يدعى قُدساً وديراً‪ ،‬حيث ُّ‬ ‫وهناك‪’ .‬يف ِّ‬
‫أي شئ يتَّصل حباجيَّات اجلسد‪ ،‬بل الشَّرائع فقط‬ ‫أي شئ‪ ،‬ال طعام وال شراب‪ ،‬وال َّ‬ ‫وهم ال يُدخلون إليه َّ‬
‫الصباح إىل‬‫وكل الفرتة من َّ‬ ‫وأقوال األنبياء احليَّة والرَّت انيم وغريها ممَّا يساعد على كمال معرفتهم وتقواهم ‪ُّ ...‬‬
‫ويفسرون فلسفة آبائهم بطريقة رمزيَّة‪،‬‬ ‫املساء هي وقت رياضة (روحيَّة) هلم‪ ،‬ألهنم يقرأون ال ُكتُب املقدَّسة ِّ‬
‫معتربين الكلمات املكتوبة رموزاً حلقائق خفيَّة أُعطيت يف صورة غامضة‪ .‬ولديهم أيضاً كتابات من القدماء‬
‫مؤسسي مجاعتهم الذين تركوا آثاراً كثرية رمزيَّة‪ .‬وهؤالء يتَّخذوهنم قدوة هلم ويقلِّدون مبادئهم‘‪.‬‬ ‫ِّ‬

‫أن مؤلَّفات ال ُقدماء – اليت يقول إهنا كانت عندهم – هي األناجيل وكتابات ُّ‬
‫الر ُسل‪ ،‬ورمبا‬ ‫واملرجح جداً َّ‬
‫َّ‬
‫الرسول‪.‬‬
‫الرسالة إىل العربانيني‪ ،‬والكثري من رسائل القديس بولس َّ‬
‫تتضمنه ِّ‬
‫ُّبوات القدمية‪ ،‬كما َّ‬ ‫تفسري بعض الن َّ‬
‫َّأمالت فحسب‪ ،‬بل‬ ‫وأيضاً يكتب ما يلي عن املزامري اجلديدة اليت صنَّفوها‪’ :‬وهكذا ال يقضون وقتهم يف الت ُّ‬
‫أيضاً يؤلِّفون األغاين والرَّت انيم هلل بكل أنواع األوزان واألحلان‪ .‬ولو أهنم ِّ‬
‫يقسموهنا بطبيعة احلال إىل مقاييس خمتلفة‬
‫‪...‬‬

‫َّفلسف كعمل خليق بالنُّور‪َّ ،‬أما‬ ‫وال يتناول أحدهم طعاماً أو شراباً قبل غروب الشَّمس‪ ،‬ألهنم يعتربون الت ُ‬
‫فيخصصون جزءاً‬ ‫ِّ‬ ‫لألول‪َّ ،‬أما الثَّاين‬ ‫االهتمام حباجيَّات اجلسد‪ ،‬فال يتَّفق إالَّ مع الظَّالم‪ ،‬ولذلك ِّ‬
‫خيصصون النَّهار َّ‬
‫قليالً من اللَّيل ‪...‬‬

‫الرجال والنِّساء أثناء هذه‬


‫وتصرفات ِّ‬
‫وهل من الضَّروري أن نضيف إىل هذه األمور اجتماعاهتم ُّ‬
‫االجتماعات‪ ،‬والعادات اليت ال نزال نراعيها إىل اليَوم‪ ،‬والسيَّما تلك اليت جنريها يف عيد آالم املخلِّص‪ ،‬مع‬
‫‪ -33‬حيمل األصل اليوناين لكلميت ”أطباء وطبيبات“ معىن العبادة أو الطب‪.‬‬
‫السابق ذكره‪.‬‬ ‫‪34‬‬
‫‪ -‬يقصد به فيلو الفيلسوف اليهودي يف كتابه َّ‬
‫‪ -35‬كانت مصر عدا مدينيت اإلسكندريَّة وبتوملايس تنقسم إىل ‪ 36‬مديرية (حمافظة)‪.‬‬
‫املالمح الوثائقيَّة والليتورجيَّة لكنيسة اإلسكندريَّة يف الثَّالثة قرون األوىل‬ ‫‪8‬‬
‫( )‬
‫الصوم وسهر اللَّيل‪ ،‬ودرس الكلمة اإلهليَّة‘؟‪ .‬هذه األمور رواها املؤلِّف املشار إليه يف كتابه ‪ ،‬موضحاً نوع‬
‫‪36‬‬
‫َّ‬
‫ومدوناً بصفة خاصة سهرات اللَّيل اليت ميارسوهنا مبناسبة العيد‬ ‫احلياة (اليت) ال زلنا وحدنا حنافظ عليها اليَوم‪ِّ ،‬‬
‫السهرات‪ ،‬والرَّت انيم اليت اعتدنا تالوهتا‪ ،‬ومبيِّناً‬
‫(الروحيَّة) اليت كانت مُت ارس خالل تلك َّ‬ ‫والرياضة ُّ‬
‫العظيم ‪ِّ ،‬‬ ‫‪37‬‬

‫الوقت احملدَّد‪ ،‬كان اآلخرون يصغون يف صمت وال يشرتكون يف الرَّت انيم‬ ‫كيف أنه عندما كان الواحد يرمِّن يف َ‬
‫إالَّ يف آخرها ‪ ...‬وعالوة على هذه يصف فيلو ُرتَب الشَّرف الكائنة بني الذين ميارسون خدمات الكنيسة‪،‬‬
‫أن فيلو عندما كتب هذه األمور‬
‫( )‬
‫كل ما عداها ‪َّ ...‬أما َّ‬‫ذاكراً رتبة الشَّماسيَّة‪ ،‬ورتبة األسقفيَّة اليت تتقدَّم على ِّ‬
‫لكل أحد“ ‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫واضح ِّ‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫الر ُسل‪ ،‬فهذا ٌ‬ ‫كان واضعاً نصب عينيه سفراء اإلجنيل واألوائل املسلَّمة منذ البدء من ُّ‬
‫املبكرة عن وجود مجاعات مسيحيَّة يف مصر من أصل يهودي‪ ،‬وكان من‬ ‫هذه واحدة من أهم اإلشارات ِّ‬
‫حتول أعضاؤها من اليهوديَّة‬ ‫أشهر هذه اجلماعات هي جماعة الثيرابيوتا اليت عاشت حول حبرية مريوط بعد أن َّ‬
‫الرسول فيه‪ .‬فعادوا إىل وطنهم الثَّاين‬ ‫إىل املسيحيَّة إثر أحداث يوم اخلمسني يف أورشليم‪ ،‬وعظة القدِّيس بطرس َّ‬
‫مصر‪ ،‬حيث كانت اجلالية اليهوديَّة يف اإلسكندريَّة من أكرب اجلاليات اليهوديَّة يف العامل آنذاك‪ ،‬ليدينوا بدينهم‬
‫أن املسيَّا الذي ظلُّوا ينتظرونه هذه القرون الطَّويلة هو يسوع املسيح ابن اهلل‪ ،‬الذي دخل‬ ‫اجلديد بعد أن أيقنوا َّ‬
‫حل‬
‫إىل العامل وأكمل اخلالص الذي كان يف فكر أبيه منذ األزل‪ .‬وهو ما استُعلن يف يوم اخلمسني عندما َّ‬
‫الر ُسل مع آخرين من رجال ونساء‪ ،‬ليعلن االبن خملِّصاً‬ ‫الروح ال ُق ُدس على الكنيسة يف العُليَّة اليت اجتمع فيها ُّ‬
‫ُّ‬
‫الصليب عن حياة العامل‪ ،‬تلك احلياة‬‫ورباً‪ ،‬جاء ليعلن حمبَّة اهلل اآلب للعامل‪ ،‬حىت إىل حد بذل ابنه وحيده على َّ‬
‫األول‪.‬‬
‫اليت فقدها بعصيان اإلنسان َّ‬

‫األول الميالدي&‬ ‫انعدام& َّ‬


‫الشواهد الوثائقيَّة& لكنيسة& اإلسكندريَّة& في القرن َّ‬
‫امليالدي )كما كانت يف أفسس أو كورنثوس‪ ،‬فإنَّنا جيب‬
‫(‬
‫األول‬
‫لو كانت املسيحيَّة نشطة يف مصر يف القرن َّ‬
‫أن نتوقَّع وجود بعض النُّصوص من العهد القدمي يف هذا القرن ‪ .‬إالَّ َّ‬
‫أن انعدام الشَّواهد الوثائقيَّة يف كنيسة‬ ‫‪39‬‬

‫األولامليالدي‪ ،‬وندرهتا يف القرن الثَّاين للميالد سواء يف مصادرنا األدبيَّة أو‬


‫اإلسكندريَّة تقريباً يف القرن َّ‬
‫الوثائقيَّة يرجع إىل عدَّة أسباب‪.‬‬

‫األول امليالدي كانت قليلة العدد‪.‬‬ ‫فبادئ ذي بدء جيب علينا أالَّ ننكر َّ‬
‫أن كنيسة اإلسكندريَّة يف القرن َّ‬
‫فإن تفسري ذلك يكمن يف عالقتها باليهوديَّة‪.‬‬ ‫وهي وإن كانت غري ذي شأن يف هذا الوقت‪َّ ،‬‬

‫لقد كان صعباً يف البداية أن ينتقل اإلميان املسيحي من اليهود الذين آمنوا باملسيح إىل األممينِّي أي الوثنيني‬
‫السيئة‬
‫ألن العالقات َّ‬ ‫األول امليالدي أو بعده بقليل‪ ،‬ذلك َّ‬‫احمليطني هبم يف هذه البالد‪ ،‬على األقل خالل القرن َّ‬
‫بني اليهود وجرياهنم من الوثنيني خارج فلسطني‪ ،‬أي يف الشَّتات‪ ،‬كانت أمراً شائعاً يف العامل القدمي‪.‬‬

‫السابق ذكره‪.‬‬ ‫‪36‬‬


‫‪ -‬يقصد به فيلو الفيلسوف اليهودي يف كتابه َّ‬
‫‪ -37‬أي عيد القيامة‪.‬‬
‫‪ -38‬يوسابيوس القيصري‪ ،‬تاريخ الكنيسة‪ ،‬ترمجة القمص مرقس داود‪ ،‬الطبعة الثانية القاهرة‪1979 ،‬م‪24-2:17:2 ،‬‬
‫‪ -39‬مثل شذرة عن سفر التَّكوين ‪ Genesis‬موجودة يف مكتبة ‪ Yale‬وصفها ناشرها بأهنا تعود إىل هناية القرن َّ‬
‫األول امليالدي‪ .‬ولكن‬
‫يرتدد يف قبول هذا التَّاريخ‪.‬‬
‫روبرتس ‪َّ Colin H. Roberts‬‬
‫‪Cf. Colin H. Roberts, Manuscript, Society and Belief in Early Christian Egypt, Oxford, 1979, p. 55.‬‬
‫‪9‬‬ ‫مقدِّمة عامة‬

‫إن اليهود كانوا يتحفَّظون حتفُّظ اخلوف من الوثنيني‪ ،‬ولذا فقد نالوا احتقارهم‬ ‫فيقول شاف ‪َّ Schaff‬‬
‫بكفاحهم )وحصافتهم أن جيمعوا ثروات طائلة‪ ،‬وأن‬
‫(‬
‫كأعداء للجنس البشري‪ .‬ومع ذلك فقد استطاع اليهود‬
‫الرومانيَّة ‪ .‬لقد كان ناموسهم مينعهم من التَّعامل أو‬
‫‪40‬‬
‫تكون هلم مكانة يف بعض املدن ال ُكربى يف اإلمرباطوريَّة ُّ‬
‫االتصال باألمم األخرى‪.‬‬

‫َّأما يف مصر ويف اإلسكندريَّة بالتَّحديد فقد حدثت مصادمات بني اليهود واليونانينِّي ‪ ،‬وسنعدِّد هنا تلك‬
‫األول امليالدي‪.‬‬
‫املصادمات اليت حدثت بينهما يف القرن َّ‬
‫ففي سنة ‪38‬م أثناء زيارة هريودس أغريباس لإلسكندريَّة‪ ،‬حدث شغب من اليهود‪ ،‬انتهى إىل مذابح‬
‫الروماين‬
‫دمويَّة رهيبة بني اليهود واليونانينِّي ‪ .‬وكان رد الفعل من اليهود لالنتقام سنة ‪41‬م ما اضطر الوايل ُّ‬
‫الستخدام َّقواته لردع اليهود‪ ،‬ممَّا تسبَّب بالتَّايل يف إراقة دماء يهوديَّة كثرية‪.‬‬

‫وعند بدء قيام ثورة يهود فلسطني سنة ‪66‬م‪ ،‬ثار معهم أيضاً يهود اإلسكندريَّة متضامنني مع إخوهتم‪،‬‬
‫ف ُقتل منهم – طبقاً لقول يوسيفوس ‪ 50-‬ألف يهودي‪.‬‬

‫وأخريا كانت هناك ثورة اليهود املشئومة يف عهد اإلمرباطور تراجان (‪117 -98‬م) واليت امتدت من‬
‫( )‬
‫الوسطى‪ ،‬حىت بلغت إىل صعيد مصر‪ ،‬كما ختربنا الوثائق الربديَّة ‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫القريوان ‪ Cyrenaica‬إىل اإلسكندريَّة ومصر ُ‬
‫الصعب على مؤمين كنيسة اإلسكندريَّة وهم من اليهود املستوطنني فيها‪ ،‬أن متتد كرازهتم‬ ‫إذاً فقد كان من َّ‬
‫باملسيح خارج وسطهم اليهودي بسبب بُغضة اليونانيني هلم‪ .‬فقد كان املسيحيُّون األوائل معتربين أهنم يهوداً يف‬
‫متطرفة أو خارجه عن اليهوديَّة‪ .‬وكما رأينا َّ‬
‫وتأكدنا‬ ‫نظر الوثنيِّني‪ ،‬ويف أحسن احلاالت نُظر إىل املسيحيَّة كشيعة ِّ‬
‫أن املسيحيَّة اليت وصلت إىل اإلسكندريَّة كانت متأثِّرة باليهوديَّة‪ ،‬أو كانت ذات صبغة يهوديَّة‪ ،‬لذلك يصبح من‬ ‫َّ‬
‫العسري أن متتد الكرازة املسيحيَّة إىل الوثنيِّني أو خارجاً عن نطاقها اليهودي‪ ،‬يف هذه الفرتة ِّ‬
‫املبكرة من تاريخ‬ ‫( )‬
‫الكنيسة ‪.‬‬
‫‪42‬‬

‫يتبع‬

‫‪40- Schaff, Vol. 1, p. 63, 64.‬‬


‫‪41- Colin H. Roberts, op. cit., p. 56.‬‬
‫‪42- Ibid., p. 56.‬‬

You might also like