‫بعض من وصف قصر البديع‬

‫كان للبديع حسب الفشتالي ما ال يقل عن أربعة وعشرين قبّة أي قاعة كبيرة‪ .‬ولكن أربعة منها كانت تتميّز بحجمها الضخم‬
‫وبوظيفتها‪ 4‬الرمزية والسياسية‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫يرجع اسم قبّة الزجاج التي تقع شرقي‪ 4‬القصر إلى سقفها الزجاجي متع ّدد األلوان‪ .‬كان هذا الجناح الممتد على مائتين وأربعين‬
‫مترا مربّعا مجهّزا بأربعة أبواب عظيمة تنفتح ثالثة منها على الصحن الكبير ويفتح الباب الرابع على الحدائق الخاصة‬
‫بالسلطان المس ّماة المشتهى وتُس ّمى‪ 4‬اآلن عرصة الجاج أي الزجاج‪ .‬وكان هذا الجناح من جهة الصحون محاطا بأروقة ذات‬
‫أعمدة من المرمر تُس ّمى البراطل مفردها برطال‪ .‬كما ت ّم وضع نافورات‪ 4‬أمام األبواب الثالثة التي تًط ّل على الصحن‪ .‬وفي‬
‫مركز القبّة المعبّد بالمرمر‪ 4‬مثل سائر أجنحة القصر الكبرى تقوم نافورة كبيرة مغطاة بالمرمر ذي اللون األخضر الزمردي‪4.‬‬
‫وكانت القبّة التي تغطي قاعة الزجاج مصنوعة باألساس من زجاج متع ّدد األلوان ومن شجر الخالف المموّه بالذهب‪ .‬وإذا‬
‫فإن هيئتها كانت تشبه القاعة المركزية ألضرحة السالطين الزيدانيين أو تلك التي‬ ‫كانت هذه القبة تقوم على أعمدة من المرمر ّ‬
‫للقرويين بفاس‪.456‬‬

‫‪16‬‬
‫أما القبّة الخمسينية التي كانت تقع في الجهة المقابلة فقد كانت أهم قاعات القصر‪ .‬كان للخمسينية التي تقع على مساحة تعادل‬
‫مثيلتها ثالثة أبواب كبيرة من المقرنس تقابلها ثالث نافورات مرمرية‪ .‬ويحيط بهذا الجناح رواق‪ 4‬كبير من المرمر كذلك‪.‬‬
‫وحسب رواية الفشتالي كان تمثاالن لصقرين يزيّنان جانبي الباب الرئيس للقبة‪ .‬وكان الفضاء الداخلي وهو ُمبلّط بالمرمر قد‬
‫ُشيّد حول نافورة يحملها أسود مثل تلك التي بقصر الحمراء وعلى جانبي النافورة ت ّم حفر بركتين صغيرتين‪ .‬وقد تمت تغطية‬
‫الجزء السفلي من الحائط بالزليج متع ّدد األلوان وت ّم فصله عن الجزء العلوى المغطى بالجص المنحوت بشريط‪ 4‬من المرمر‪4‬‬
‫األبيض المرقّش بالمرمر‪ 4‬األسود وقد أمر السلطان بأن يٌكتب عليه أبيات شعرية نظمها الفشتالي في مدحه‪ .‬كانت قبّة هذه‬
‫القاعة التي ال تقوم على أية أعمدة مصنوعة من خشب األرز المطعّم بالذهب اعتمادا على تقنية ِم ْنقار و َميْجم المتمثلة في‬
‫استعمال مطرقة و بيزَر من خشب‪.457‬‬

‫‪17‬‬
‫وفي الجانب الشمالي من القصر ترتفع قبة النصر وال تزال جدرانها الخارجية موجودة إلى اآلن‪ .‬كان بابها الرئيس المقوّى‬
‫برواق من األعمدة يطل على البركة‪ .‬ويكاد‪ 4‬هذا الفضاء أن يكون مطابقا للقاعتين األخريين‪ .‬ففي أرضيتها نجد المرمر ونجد‬
‫الزليج والجص على الجدران التي يفصل بينها شريط‪ 4‬من المرمر‪ 4‬ت ّم ترصيعه بأبيات للفشتالي‪ .‬ومع ذلك فقد كانت قبة هذه‬
‫القاعة تشكل طابعها‪ 4‬المميز‪ .‬فقد ت ّم نحت قبتها المقرنسة من خشب األبنوس ومن العاج وت ّم تلوينها باألصفر واألخضر‪4‬‬
‫أن هذه القاعة وتوابعه كانت تضم جزءا من اإلدارة السلطانية‪ .‬وحسب ما يذكر الفشتالي فقد كان يوجد‬ ‫ك في ّ‬ ‫واألبيض‪ .‬وال ش ّ‬
‫في قبة النصر وتوابعها‪" 4‬محاريب وتماثيل ومفاخر وخزائن ومساجد‪ 4‬ومخازن ومغابن ومنافس"‪ .‬ونحن نعتقد أيضا ّ‬
‫أن الديوان‬
‫واألرشيف‪ 4‬السلطاني ومصالح الترجمة وفك الرموز والمكتبة كانت كلّها توجد في هذه الجهة من القصر‪.458‬‬

‫‪18‬‬
‫وترتفع قبالة قبّة النصر قبّة التيجان التي كان لها نفس الخصائص الفنية‪ .‬وكان االختالف الوحيد يقع مرة أخرى في زينة القبة‪.‬‬
‫أن القبّة المقرنسة التي تعلو القاعة كان يُزينها منمنمات قُ ّدت باألحجار‪ 4‬الكريمة والذهب‪ .‬وكانت هذه القبّة تضّم هي‬
‫ذلك ّ‬
‫األخرى مكتبة الشك أنها كانت مخصّصة لالستعمال الشخصي‪ 4‬للسلطان وتضم‪ 4‬أيضا مسجدا صغيرا‪ 4‬ومحرابا ومخازن‪.‬‬
‫ويُظهر مخطط‪ 4‬گوليوس [‪ ]Golius‬ورشمة ماتام [‪ ]Matham‬هذه القبة باعتبارها‪ 4‬مكان إقامة النساء أي الحريم‪ .‬ولكن‬
‫األجنحة المخصصة للزوجات والمحظيات كانت توجد على عهد المنصور وراء قبة التيجان وليس داخلها بالمعنى الدقيق‬
 ‫للكلمة‪ .459‬و في الجهة الشرقية من قبة التيجان بنى السلطان إقامة صيفية ذكر الفشتالي والمقري أنها تُس ّمى القبّة الخضراء‬
‫‪ .460‬وهو ما يذ ّكرنا بالقباب الخضراء التي كانت في قصور خلفاء دمشق وبغداد‪ .‬ومرة أخرى يبدو هاجس االنخراط‪ 4‬في‬
‫التاريخ العريق للخالفة اإلسالمية جليّا‪ .‬ولم تكن هذه القبّة التي هي نسخة مصغرة من القبة الخمسينية إال مركز المجمع سكني‬
‫كان جناحاه األكثر أهمية هما الدار البيضاء والدار الحمراء‪ .‬وكان في هذه األجنحة عدد كبير من النافورات‪ 4‬والبرك وكان له‬
‫إطاللة على حديقة النهر التي كانت المصادر‪ 4‬االوروبية في القرن السابع عشر تُس ّميها المسرّة الصغرى‪ 4‬وإطاللة على حديقة‬
‫المسرّة الكبرى‪ 461‬التي كان يمكن الوصول إليها عبر باب النهر‪462‬‬