You are on page 1of 46

‫ةيفسلفلاو ةيفرعملا طناك ءارآ‬

‫آراء كانط المعرفية والفلسفية‬

‫حازم عبد الجبار حسن‬

‫الخالصة‬
‫شــخصي ٍة ذاع صيتُها يف القرون‬
‫ّ‬ ‫أفاكر‬
‫ٍ‬ ‫نســى يف ٰهذه املقالة إىل إلقاء الضوء ىلع‬
‫ّ‬
‫الســابقة‪ ،‬ورسى تأثريها إىل يومنا ٰهذا‪ ،‬بعد أن قامت بإقصاء العقل‪ ،‬وحددته حبدو ٍد‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الشخصية ‪ -‬حصيلة‬ ‫احلواس‪ ،‬فاكنت املعرفة ‪ -‬كما ترى ٰهذه‬ ‫شاق ٍة جعلته يدور مدار‬
‫َ‬
‫القبْ ّ‬ ‫ّ‬
‫لية‪ ،‬وباتلايل ال يمكن لإلنســان أن‬ ‫احلــس واملعارف‬ ‫اتلعايط ما بني معطيات‬
‫‪193‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يتعرف إل ىلع ظواهر األشــياء املؤطرة بالزمان واملاكن دون ذاتها وذاتياتها‪ .‬ومن هنا‬
‫ّ ّ‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ادلينية‪ ،‬وىلع‬ ‫اكنــت ٰلهذه األفاكر وغريها أحداث مبعرثة هلا لوازم خطرية ىلع العقيدة‬
‫ولهذا انربى ابلاحث لربــط جمريات أحداث ٰهذه‬ ‫احلقة؛ ٰ‬ ‫ّ‬
‫يه يف الفلســفة‬ ‫ابلعد اإلل ٰ ّ‬
‫يل لظاهرة اإلحلاد املعارص‪.‬‬ ‫األفاكر‪ ،‬وبيان دورها اتلأصي ّ‬
‫ّ‬
‫املعرفية‬ ‫األول‪ :‬الربط ما بني حلقات األسس‬ ‫فاملقالة ترتكز ىلع أمرين رئيسني‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفلسيف‪ ،‬وباخلصوص‬ ‫ّ‬ ‫الشــخصية‪ .‬واثلاين‪ :‬بيان تأثريها يف ابلحث‬ ‫اليت صاغتها ٰهذه‬
‫َ‬
‫والغ ّ‬
‫ييب‪.‬‬ ‫يه‬‫ابلعد اإلل ٰ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اللكمات املفتاحية‪ :‬إيمانويل اكنط؛ اإلحلاد؛ العقل؛ نظرية املعرفة؛ الفلسفة‪.‬‬

‫ّ‬
‫مدرس يف قسم الفلسفة‪ ،‬لك ّية الشهيد الصدر‪.‬‬
‫)*( حازم عبد اجلبار حسن‪ ،‬العراق‪ّ ،‬‬

‫‪hazem.1975@yahoo.com‬‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫ العدد السادس‬/ ‫مجلة الدليل‬

The Epistemological and Philosophical views of Kant and


their founding role in the phenomenon of contemporary atheism

Abstract:
In this study, we will try to shed light on the thoughts of a
well-known personality of past centuries who has been effective in
the intellectual landscape until today, where he disqualified reason
and imposed strict restrictions on it, making it dependent on the
senses. According to Kant, knowledge is the result of the interaction
between sense perception and a priori knowledge. As a result,
humans can know nothing more than appearances of material
things, without getting to their essence and essentials. Therefore,
these thoughts and others had various effects that carried serious
consequences for the religious doctrine and the theological aspect 194
of true philosophy. That is why the writer has set out to relate
the course of effects resulting from these ideas, and to show their
founding role in the phenomenon of contemporary atheism. This
study concentrates on two main points: the first is the connection
between the series of epistemological foundations formulated
by this personality, and the second point is showing their effect
on the philosophical inquiry, especially in the theological and
metaphysical aspects.
Keywords: Immanuel Kant, atheism, reason, epistemology,
philosophy.

2019 ‫العدد السادس السنة الثانية خريف‬


‫ةيفسلفلاو ةيفرعملا طناك ءارآ‬

‫مقد ٌ‬
‫مة‬ ‫ّ‬
‫ٰ‬
‫البرشيــة مجعاء يه اتلديّن‪ ،‬واالنتمــاء إىل اإلل أو‬
‫ّ‬ ‫الصفــة الغابلة ىلع‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ادلينية يه ديدن الشعوب‪ ،‬فلم ختل مرحلة من‬ ‫اآلهلة‪ ،‬والطقوس والشــعائر‬
‫ّ‬
‫اإلغرييق‬ ‫املؤرخ‬ ‫اإلنسانية ّإل والزمتها ٰهذه االعتقادات؛ ٰ‬
‫ولهذا يقول ِّ‬ ‫ّ‬ ‫مراحل‬
‫ٌ‬
‫حصون‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫فلوطرخــس)*( (‪« :)Πλούταρχος‬لقد ُوجدت يف اتلاريخ مدن بال‬
‫ٌ‬
‫قط مدن بال معابد»‬ ‫مدارس‪ ،‬ولٰكن لم َ‬
‫توجد ّ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫قصور‪ ،‬ومدن بال‬
‫ٌ‬
‫ومــدن بال‬
‫ٍ‬
‫وذلك إلحساس اإلنسان ً‬ ‫ٰ‬
‫دائما‬ ‫[البغدادي‪ ،‬بيان الفساد ف ي� مغالطة اإللحاد‪ ،‬ص ‪]21‬؛‬
‫ّ‬

‫بالقصور‪ ،‬وعدم الكمال واالستغناء‪ ،‬والشعور باالنتماء أو االعتماد ىلع مبد ٍإ‬
‫ً‬ ‫أىلع يتجاوز حدود الطبيعة‪ٰ ،‬‬
‫اغمضا‪ ،‬ومهما بدت‬ ‫وهذا الشــعور مهما اكن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يظل انلبع األص ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫األساســية‬ ‫واخللفية‬ ‫يل‪،‬‬ ‫صور كثــرة ختفيه أو حتجبه‪ ،‬فإنه‬
‫َّ‬ ‫ُْ‬ ‫ٰ‬ ‫ّ ً‬
‫باجل ِبل ِة أو ال ِفطرة‪ .‬وهو ما أشــار إيله‬ ‫لدلين واتلدين معا‪ ،‬وهذا ما قد يعرف ِ‬
‫َْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ ُّ َ ْ َ َ‬
‫آد َم م ْن ُظ ُ‬ ‫ّ‬
‫ور ِه ْم ذ ِّر َّيتَ ُه ْم َوأش َه َده ْم‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫احلق سبحانه وتعاىل‪ :‬وإِذ أخذ ربك ِمن ب ِن‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ ْ َ ُ ُ َ ْ َ ْ َ َ َّ ُ َّ َ‬ ‫َ َ َ ْ ُ ْ َ َ ْ ُ َ ِّ ُ ْ َ ُ َ َ َ‬
‫‪195‬‬ ‫ام ِة ِإنا كنا ع ْن ٰهذا‬ ‫ــهدنا أن تقولوا يوم ال ِقي‬
‫ِ‬ ‫ش‬ ‫ع أنف ِس ِهم ألست بِربكم قالوا بل‬
‫ني‪[ ‬سورة األعراف‪.]172 :‬‬ ‫َغفل َ‬
‫ِِ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫مكتسبًا‪ ،‬بل‬
‫َ‬ ‫أمرا طارئا وال‬‫يعد ً‬ ‫خالق للكون ال‬
‫ٍ‬ ‫ٰلهذا اكن االعتقاد بوجود‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلنســانية‪ ،‬فاإلنسان ُط ِبع ىلع اتلديّن واالعتقاد‬ ‫ٌ‬
‫مغروز يف طبيعة انلفس‬ ‫إنه‬
‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ٰ‬
‫إل؛ وذلا فإن معرفة اهلل اكنت واجبة‪ ،‬وعبادته ‪ ‬وتعظيمه فرض ىلع‬ ‫بوجود ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جمهورية أفالطون‪ ،‬ص ‪]178‬‬ ‫[المنياوي‪،‬‬ ‫إنسان‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫لك‬

‫ٌّ‬ ‫ّ ٌ‬ ‫ٌ‬
‫يوناين‪ ،‬ودل يف مدينة‬ ‫ومؤرخ‬ ‫)*( فلوطرخس أو بلوتارك (‪ Plutarch) ( 125 - 45‬م) فيلسوف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األفالطوين أمونيوس‪ .‬ومؤلفاته‬ ‫خريونيا‪ ،‬وتلق تعليمه يف أثينا حيث أخذ عن الفيلســوف‬
‫ّ‬
‫لعل ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أهمها كتاب (الســر املقارنة لعظماء ايلونان والرومان)‪،‬‬ ‫يف اتلاريخ وفرية ومشــهورة‪،‬‬
‫وكتاب (األخالق)‪.‬‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫مجلة الدليل ‪ /‬العدد السادس‬

‫ّ‬ ‫ٰ‬
‫جذور لإلحلاد من هنا أو هناك‪ ،‬وإل ل ِ َم أوجب‬
‫ٍ‬ ‫كــن ٰهذا ال ينيف وجود‬
‫ّ‬ ‫ول‬
‫ّ‬
‫باأللوهية؟ فاإلحلاد‬ ‫ّ‬
‫مجهوريته)*( االعتقاد‬ ‫احلكيم أفالطون (‪ 347-427‬ق‪ .‬م‪ ).‬يف‬
‫ف ّ‬
‫الحن�‪ ،‬المعجم الشــامل‬ ‫وامللحد هو املنكر لوجود اإلهل [انظر‪:‬‬
‫ِ‬ ‫هــو الكفر باإلهل‪،‬‬
‫ي‬
‫وهذا املعىن للكمة (إحلاد) هو املستعمل يف اللغات‬‫لمصطلحات الفلسفة‪ ،‬ص ‪ٰ .]89‬‬
‫ٌ ّ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫ايلونانيــة‪ ،‬ويه لكمة مركبة من مقطعني‪،‬‬ ‫األورب ّيــة‪ ،‬وهو مأخوذ من اللغة‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫إل؛ ٰ‬ ‫ٰ‬ ‫ٌ‬
‫االشتقايق‪ :‬نيف اهلل‬ ‫ولهذا صار معناها‬ ‫سلب أو ٌ‬
‫نيف بإضافة لكم ٍة تساوي‬
‫وهكذا اســتُع ِمل مفهوم اإلحلاد‬
‫[انظــر‪ :‬بــدوي‪ ،‬موســوعة الفلســفة‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪ٰ .]219‬‬
‫َّ‬
‫امللحد هو َمن ال يعرتف‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫الفرنســية‪ ،‬بمعىن أن‬ ‫يف موسوعة (أونيفرساليس)‬
‫بقوى ّ‬
‫فعال ٍة خارج جمال‬ ‫بوجــود اإلهل‪ ،‬وينكر وجوده‪ ،‬أو بمعىن عدم اإليمان ً‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫قوى أىلع من الطبيعة البرشية‪[ .‬نقل عن‪:‬‬ ‫املادة املحدودة الّيت يراها‪ ،‬أو بوجود ً‬
‫ّ‬

‫زينب عبد العزيز‪ ،‬اإللحاد وأسبابه‪ ..‬الصفحة السوداء للكنيسة‪ ،‬ص ‪]7‬‬

‫َ‬
‫ً‬
‫تميزيا هل عن‬ ‫بهذا املعىن هو ما نصبُو إيلــه يف ٰهذه الصفحات؛‬
‫واإلحلــاد ٰ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اكلربوبية‪ ،‬والال ّ‬
‫اشرتاك‬
‫ٍ‬ ‫أدرية‪ ،‬فإن بينهما جهة‬ ‫بايق املفاهيم ذات العالقة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫‪196‬‬
‫وثيقة‪ ،‬ويه اتفاق لكمتهم ىلع إنكار ادلين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نتحســس تاريخ اإلحلاد وجذوره ال بد أن نسلك طريق‬ ‫وإذا ما أردنا أن‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التشــكيكية واملاديّة؛ ألن اإلحلــاد ليس ظاهرة‬ ‫معرفة نشــوء املنظومة‬
‫ّ ٰ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫الطبيعية‪ .‬وذلك‬ ‫مغلقــة‪ ،‬وإنما هو ركزية أوىل ٰلهذه املنظومة‪ ،‬أو من نتاجئها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الربهاين‪،‬‬ ‫يك الي اتذته ضــد العقل‬ ‫ّ‬
‫الســليب التشــكي ّ‬ ‫يرجع إىل املوقف‬
‫ّ‬
‫املعرفية اليت يمكن أن ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يتكئ عليها اإلنسان يف طلب الواقع‬ ‫الي هو األداة‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ومعرفته‪ ،‬كما يمكن بواســطته أن تُ ّ‬
‫الكونية‬ ‫صحح العقائد‪ ،‬وتبىن الرؤية‬
‫الصحيحة للفرد واملجتمع‪.‬‬
‫ّ ٌ‬
‫متشعبة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫كتاب ألّفه أفالطون وهو ّ‬
‫أهم ما ّ‬
‫سطره‪ ،‬وفيه أحباث‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫)*( “اجلمهورية”‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫ةيفسلفلاو ةيفرعملا طناك ءارآ‬

‫قوة نظر‪ ،‬وطاقة تفكري‪ ،‬وجهاز حتليل وتركيب‪ ،‬وبه يُعرف ّ‬


‫احلق‬ ‫فالعقل ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ال بالرجال‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫املوضويع‪،‬‬ ‫فما اكن للسفســطائيّني إل أن ســلطوا ســيف نقدهم غري‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املعرفية‪ ،‬ويه ملكة العقل‪ ،‬اليت َمن ر ِكبها‬
‫ّ‬ ‫وشــكهم غري ّ‬
‫املربر ٰ‬
‫بهذه األداة‬
‫ّ‬ ‫الشك والسفسطة‪ ،‬ورسا ىلع ايلقني‪َ ،‬‬ ‫ّ‬
‫ومن ختلف عنها هلك‬ ‫جنا من معاول‬
‫ّ‬
‫اتلوجه يف القول املأثــور عن بروتاغوراس‬
‫)*(‬
‫جتســد ٰهذا‬
‫وأهلك غريه‪ .‬وقد ّ‬
‫ً‬
‫مجيعا‪ ،‬هو‬ ‫(‪ 420-487( )Πρωταγόρας‬ق‪ .‬م‪« :).‬اإلنســان معيار األشــياء‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫معيــار وجود ما يوجد منها‪ ،‬ومعيار ال وجود ما ال يوجد» [انظر‪ :‬وليــم َ‬
‫ديورانت‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫قصة الحضارة‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.]214‬‬
‫بمعىن آخر‪« :‬فاألشــياء بالنســبة ّ‬
‫إيل ىلع ما تبدو يل‪ ،‬ويه بالنسبة إيلك‬
‫ٌ‬
‫واحد هو يف ذاته بذاته‪ ،‬فما ّ‬ ‫ٌ‬
‫حنســه فهو‬ ‫يشء‬ ‫ىلع ما تبدو لك‪ ،‬فــا يوجد‬
‫ٰ‬ ‫حنسه‪ ،‬وما ليس يف ّ‬
‫حسنا فهو غري موجو ٍد‪ ،‬وىلع ذلك‬ ‫موجود ىلع انلحو ّالي ّ‬
‫ٌ‬
‫ّ‬ ‫ّ ٌ ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫‪197‬‬ ‫تبطل احلقيقة املطلقة‪ ،‬تلحل حملها حقائق متعددة بتعدد األشخاص‪ ،‬وتعدد‬
‫ّ‬
‫اليونانية‪ ،‬ص ‪ 63‬و‪]64‬‬ ‫حاالت الشخص الواحد»‪[ .‬انظر‪ :‬كرم‪ ،‬تاري ــخ الفلسفة‬

‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫كتاب اســمه (حول اآلهلة)‪ ،‬تظهر فيه لغة الشك وعدم‬ ‫ولربوتاغوراس‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املعريف والعقدي‪ ،‬فيقول‪ :‬بالنسبة لآلهلة ال يمكنين اجلزم بأنها‬ ‫االســتقرار‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫موجودة أو غري موجود ٍة‪ ،‬أو اجلزم بهيئتها أو شــلها؛ ألن هناك أشياء كثرية‬
‫ّ‬
‫اإلنسانية‬ ‫ّ‬
‫ايلقينية‪ ،‬ويه غموض املوضوع وقرص احلياة‬ ‫تقف يف سبيل املعرفة‬
‫ديورانت‪ّ ،‬‬
‫قصة الحضارة‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.]214‬‬ ‫[انظر‪ :‬وليم َ‬
‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واألمر الالفت للنظر ها هنا أن بروتاغــوراس لم يقل إن اآلهلة موجودة‬

‫)*( هو زعيم الفكر السوفسطايئ يف القرن اخلامس قبل امليالد‪.‬‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫مجلة الدليل ‪ /‬العدد السادس‬

‫مؤمن بها‪ ،‬وغري موجود ٍة بالنسبة إىل َمن ينكرها!‬


‫ٌ‬ ‫بالنسبة إىل من هو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫الشخصيات اليت ذكرتها كتب اتلاريخ يف‬ ‫نموذج من‬ ‫السفســطائيون هم‬
‫ٰ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ٰهذا الســياق‪ ،‬فاكنوا بذرة غري صاحل ٍة غرســت يف املجتمع من ذلك احلني‪،‬‬
‫ّ ّ‬ ‫ٰ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وبغــض انلظر عن أن ٰهؤالء اكنوا ملحدين أو ليســوا كذلــك‪ ،‬إل أنهم ‪-‬‬
‫أسســوا لظاهرة اإلحلاد من خالل أقواهلم وأفعاهلم‪،‬‬‫وملاكنتهم يف املجتمع ‪ّ -‬‬

‫وتوهينهم العقل‪ ،‬وبيان عجزه عن معرفة الواقع‪.‬‬


‫ّ‬
‫وشــخصي ٍة أخرى يف‬ ‫نموذج آخر‬ ‫مــن هنا جاءت ٰهذه املقالة تلقف عند‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الغريب إمانويل اكنــط (‪(*))Immanuel Kant‬؛‬ ‫نفس الســياق‪ ،‬وهو املفكر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫اتلأسييس لظاهرة‬ ‫والفلسفية‪ ،‬وبيان دورها‬ ‫املعرفية‬ ‫لتسلط الضوء ىلع آرائه‬
‫ّ‬
‫اإلحلاد املعارص‪ ،‬بعد أن ألقت بظالهلــا ىلع العقل وحددته حبدود الظواهر‬
‫ّ‬
‫العلمية‪،‬‬ ‫احلس ّية‪ ،‬وحكمت عليه بأحاكمٍ أنزلت من قيمته‬ ‫ّ‬
‫العينية واتلجربة ّ‬
‫ً‬
‫أبعادا ّ‬ ‫لغطا ً‬‫ول ً‬ ‫ّ ّ‬ ‫ٰ‬
‫تمس جوهر‬ ‫ّ‬
‫الفلسيف‪ ،‬وأخذ يأخذ‬ ‫كبريا يف ابلحث‬ ‫وهذا مما‬ ‫‪198‬‬
‫ّ‬
‫ادلينية‪.‬‬ ‫العقيدة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وال بد من اإلشارة إىل أن املقالة ليست يف مقام اتلقييم آلراء ٰهذا املفكر‪،‬‬
‫اللكمات فيها من أجل بيان أحد األسباب ّ‬‫ُ‬ ‫ّ‬
‫املهمة لظاهرة اإلحلاد‬ ‫وإنما انعقدت‬
‫ّ ّ ً‬ ‫ٌ‬
‫ّ‬
‫املوضويع‪ ،‬بل‬ ‫أهم ّية عن مرحلة اتلقييم وانلقد‬ ‫املعارص‪ ،‬ويه مرحلة ال تقل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أملاين ُودل يف مدينة كوجنسربج (‪ )Konigsberg‬الواقعة ىلع احلدود الشمايلة يف بروسيا‬ ‫ٌّ‬ ‫)*( مفك ٌر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الرشقية‪ ،‬يف الشهر الرابع من سنة ‪ ،1724‬من أبوين فقريين‪ ،‬كما يذكر أن وادله اكنت مهنته‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫وأمه من اعئلة متواضعة تنتيم إىل حركة ّ‬ ‫اجا‪ّ ،‬‬ ‫رس ً‬
‫ّ ‪ietisme‬‬
‫(اتلقوي‪،)P‬‬ ‫مســيحي ٍة حمافظ ٍة تدىع‬ ‫ديني ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫شــخصية اكنط يف املســتقبل‪ .‬تويف اكنط ســنة ‪،1804‬‬ ‫وهلذه الزنعة املوروثة أثر يف تكوين‬
‫ٍّ‬
‫بشــل تفصييل انظر‪ :‬كوبلستون‪ ،‬فردريك‪ ،‬تاريخ الفلسفة ( الفلسفة‬ ‫ّ‬
‫وللتعرف ىلع حياته‬
‫ٍ‬
‫احلديثة)‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪ 259‬وما بعدها‪.‬‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫ةيفسلفلاو ةيفرعملا طناك ءارآ‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نستطيع القول إن مرحلة تشخيص األسباب وادلوافع لظاهر ٍة ما تعد الرشوع‬
‫الفع ّ‬
‫يل لعالجها‪.‬‬

‫الفلسفي‬
‫ّ‬ ‫نظرية المعرفة وتأثيرها في البحث‬
‫ّ‬ ‫ّأو ًل‪:‬‬
‫ٌ ُْ َ ُ‬
‫حث فيه عن أحوال املوجود‬ ‫الفلســفة األوىل ‪ -‬ما بعد الطبيعة ‪ -‬علم يب‬
‫ٰ‬ ‫لك‪ ،‬كما أُطلق عليها ً‬
‫أيضا (العلم اإلل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫موجود ىلع وج ٍه ٍّ‬
‫يه أو األىلع)؛‬ ‫بما هو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ألن ّ‬
‫أهم مباحثها هو اهلل باعتباره املوجود ّ‬
‫األول‪ ،‬والعلة األوىل للوجود [انظر‪:‬‬
‫ئ‬
‫الطباطبا�‪ ،‬بداية الحكمة‪ ،‬ص ‪ 6‬و‪.]7‬‬
‫ي‬

‫املهمة الّيت َّ‬


‫يعول عليها يف‬ ‫املختربية ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نظرية املعرفة فيه من املباحث‬ ‫ّ‬
‫وأما‬
‫رســم خريط ٍة ملباحث أخرى؛ إذ يُراد بها ابلحث يف إماكن العلم بالوجود أو‬
‫ّ‬
‫يطمنئ إىل‬ ‫العجز عن معرفته‪ ،‬وهل يف وسع اإلنسان أن يدرك احلقائق‪ ،‬وأن‬
‫ّ‬ ‫أن قدرته ىلع معرفة األشياء ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مثار للشك؟‬ ‫وصحة معلوماته‪ ،‬أم‬ ‫صدق إدراكه‬
‫‪199‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫موضعا للشك فما حدود املعرفة؟‬ ‫البرشية ممكنة وليســت‬ ‫وإذا اكنت املعرفة‬
‫ترجيحي ٌة أم أنّها تتجاوز مرتبة االحتمال إىل درجة ايلقني؟ ّ‬
‫ثم‬ ‫ّ‬ ‫ّ ٌ‬
‫احتمايلــة‬ ‫أيه‬
‫ثم ما‬ ‫ما منابــع ٰهذه املعرفة؟ وما أدواتها؟ أيه العقــل أم ّ‬
‫احلس أم احلدس؟ ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫املدركة بالقوى اليت‬ ‫طبيعة ٰهــذه املعرفة وما حقيقتها؟ وما عالقة األشــياء‬
‫تدركها؟ [الطويل‪ ،‬أسس الفلسفة‪ ،‬ص ‪]71‬‬

‫ّ‬
‫الفكري‬ ‫ّ‬
‫عملية اتلنقيب‬ ‫ّ‬
‫نظرية املعرفة‪ ،‬وبعد‬ ‫ٰهذه األســئلة تقع ىلع عهدة‬
‫ً‬
‫يتم اإلجابة عنها سلبًا أو إجيابًا‪ ،‬صدقا أو كذبًا‪ .‬فيه تواجه‬
‫وابلحث واتلدقيق‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مشــلة الشك يف احلقيقة‪ ،‬أو ايلقني بها‪ ،‬كما أنها تواجه مسألة أدوات املعرفة‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫اليت يه واسطة يف العلم باألشياء‪ ،‬فتسىع بليان حدود ٰهذه األدوات واختصاصها‪.‬‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫مجلة الدليل ‪ /‬العدد السادس‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬


‫املصريية‬
‫)*(‬
‫اتلنصل عن األسئلة‬ ‫فاإلنســان العاقل ‪ -‬مثل ‪ -‬ال يســتطيع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واخلاص‪ ،‬ومن هنا يأيت‬ ‫العام‬ ‫يف حياته‪ ،‬واإلجابة عنها يه ما حيدد ســلوكه‬
‫ّ‬
‫عملية تنقيب أدوات املعرفة‬ ‫ّ‬
‫احلقييق من خالل‬ ‫ّ‬
‫املعــريف يلأخذ دوره‬ ‫ابلحث‬
‫ّ‬
‫يتم اتلوصل إيله هناك‪ ،‬منها‬ ‫حبسب حدودها ومنابعها وقيمتها‪ ،‬وحصيلة ما ّ‬
‫ّ‬
‫علم‪ ،‬ومنها علم الفلســفة‪ .‬ويف ٰهذا‬‫بيان املنهج الصالح لالســتعمال يف لك ٍ‬
‫للعلمة مرتىض مطهــري‪ ،‬ويه‪َ :‬‬ ‫ٌ ّ ٌ ّ‬
‫«من ال يعرف ترشيح‬ ‫الســياق عبارة قيمة‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫نظريــة المعرفــة‪ ،‬ص ‪ ،]15‬وفيها‬ ‫اذلهن ال يعرف الفلســفة» [نقــا عــن‪ :‬إبراهيميــان‪،‬‬
‫ٌ‬
‫أهم ّية دراسة حبث املعرفة‪ ،‬وحتليل اذلهن من أجل فهم موضواعت‬ ‫إشارة إىل ّ‬

‫مسائل الفلسفة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ومن ٰهذه انلقطة ّ‬
‫احلساسة تســابق بعض املفكرين تلغيري معالم ابلحث‬
‫ّ‬
‫املعريف‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الفلسيف من خالل الرجوع إىل ابلحث‬
‫ّ‬
‫الربهاين‪ ،‬واعتربوه األداة الرئيسة يف‬ ‫الفالسفة واحلكماء اعتمدوا ىلع العقل‬
‫ّ‬ ‫ف‬ ‫كشف الواقع كما هو عليه [انظر‪ :‬الش� ّ‬
‫‪200‬‬
‫العقلية األربعة‪،‬‬ ‫ازي‪ ،‬الحكمة المتعالية ي� األسفار‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ّ ،‬‬
‫مرشوعيتها منه‪ ،‬وتعمل حتت إرشافه‪.‬‬ ‫وأما سائر املناهج فتستمد‬ ‫ج ‪ ،1‬ص‪]47‬‬

‫احلس ّ‬ ‫ّ‬
‫املاديّــون فاعتمدوا ىلع ّ‬
‫احلس واتلجربة ّ‬ ‫ّ‬
‫ــية‪ ،‬واعتربوها األداة‬ ‫أما‬
‫خارج عن حريم اتلجربة‪.‬‬ ‫الوحيدة لكشف الواقع‪ ،‬ولم يعتربوا ّ‬
‫أي يش ٍء‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫وأما أهل امللل وانلحل اكبن ّ‬
‫تيمية (‪ 728 - 661‬ـه) وأتباعه فاعتمدوا ىلع‬
‫ّ‬
‫انلقل واألخبار يف معرفة الواقع وتوقفوا عليها‪.‬‬
‫ّ ٌ‬
‫أهم ّية قصوى من حيث تأثريه املبارش‬ ‫ّ‬
‫املعرفية‬ ‫ومن هنا اكن نلتائج ابلحث‬

‫)*( وت ُ ّ‬
‫سم باألسئلة الوجوديّة‪ ،‬ويه‪ :‬من أين أتيت؟ وملاذا أتيت؟ وإىل أين سوف أذهب؟‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫ةيفسلفلاو ةيفرعملا طناك ءارآ‬

‫ً‬
‫منهجا‬ ‫ّ‬
‫الربهاين‬ ‫الفلسيف ونتاجئه‪ ،‬فمن اختار العقل‬ ‫ّ‬ ‫يف حتديد معالم ابلحث‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫اخلاصة‪ ،‬وكذا من‬ ‫وطريقا لألجوبة عن ٰهذه األسئلة الوجوديّة اكنت هل نتاجئه‬
‫ولهذا يقول صاحب كتاب‬
‫ً‬
‫وأداة ملعرفة الواقع؛ ٰ‬ ‫ً‬
‫منهجــا‬ ‫اختار املنهج ّ ّ‬
‫احلس‬
‫ّ‬
‫الكونية بصور ٍة رئيســ ٍة ىلع‬ ‫(أصــول املعرفة واملنهج العق ّ‬
‫يل)‪« :‬تبتين الرؤية‬
‫املستعمل يف الكشف عن الواقع ومعرفة اخلطإ من الصواب‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫املعريف‪،‬‬ ‫املنهج‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫فاملنهج الي خيتاره اإلنســان هل عظيم األثر يف اختيــار الرؤية الكونية اليت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العملية املؤثرة يف تكوين‬ ‫األيديولوجيات‬ ‫تســاخنه‪ ،‬واليت من خالهلا تنطلق‬
‫ّ‬
‫[المرصي‪ ،‬أصول المعرفة‬ ‫االختياري القائم ىلع ٰهذه الرؤية سلبًا وإجيابًا»‬
‫ّ‬ ‫السلوك‬
‫العقل‪ ،‬ص ‪.]22‬‬
‫ّ‬
‫ي‬ ‫والمنهج‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الفلسيف وتفريغه‬ ‫واكن إمانويل اكنط من الين تسابقوا ىلع تغيري ابلحث‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫من نتاجئه اإللٰ ّية‪ُ ،‬‬
‫وب ُ‬
‫عملية إقصاء العقل‪ ،‬بعد أن اتذ‬ ‫ّ‬
‫الغييب من خالل‬ ‫عده‬
‫ًّ‬ ‫ّ‬
‫مطية لكشــف الواقع‪ ،‬وحرص املعرفة باألشــياء املحسوسة‬ ‫احلس واتلجربة‬
‫‪201‬‬ ‫حبث موضوعه (املوجود من حيث هو‬
‫فقط‪ ،‬وعندها ال يمكن االنتقــال إىل ٍ‬
‫يقينيا يمكن أن ّ‬
‫ًّ‬ ‫ّ‬
‫إن هناك ً‬ ‫ٌ‬
‫نسميه باسم‬ ‫علما‬ ‫موجود)‪ .‬وعليه فال موضع للقول‬
‫علم (ما بعد الطبيعة)‪.‬‬

‫الفكرية‬
‫ّ‬ ‫ثانيا‪ّ :‬‬
‫تقلبات كانط‬ ‫ً‬

‫النقدية‬
‫ّ‬ ‫‪ - 1‬كانط ما قبل‬
‫ّ‬ ‫اســتقر فكرهم من ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أول األمر‪ ،‬بل ظل يف حرك ٍة‬ ‫لم يكن اكنط من الين‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫الفطرية‪ ،‬حيث يتقلب ما بني‬ ‫دؤوب ٍة يبحث عن لك ما يُشــبع به غريزتــه‬
‫ّ‬ ‫املايض واحلارض‪ ،‬ما بني ارتكاز فكره ىلع مبادئ العقل ّ‬
‫األو ّ‬
‫يلة وبني اتلخل‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫مجلة الدليل ‪ /‬العدد السادس‬

‫احلس واتلجربة‪ ،‬ومــا بني قبول أدلّة الوجود اإلل ٰ ّ‬


‫يه وما‬ ‫ّ‬ ‫عنها واللجوء إىل‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫بني رفضها؛ ٰ‬
‫(إيضــاح جديد للمبادئ األوىل‬ ‫ولهذا جند يف كتابه املوســوم‬
‫يلة‪ ،‬كمبدإ اتلناقض‬ ‫ّ‬
‫العقليــة ّ‬
‫األو ّ‬ ‫أهم املعارف‬ ‫ّ‬
‫البرشيــة) ّ‬
‫يتبن ّ‬ ‫للمعرفة‬
‫ّ‬
‫واهلوية ومبدإ العل ّية‪ .‬فاكنت الزنعة الســائدة يف ٰهــذا الكتاب يه الزنعة‬
‫ّ‬
‫ٰ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫نسق من احلقائق‬
‫العقلية‪ ،‬سواء يف املنهج أو الغاية‪ ،‬واهلدف من ذلك تقرير ٍ‬
‫ًّ‬
‫هرميا رأســه فكرة اهلل تعاىل‪ ،‬بوصفه‬ ‫ً‬
‫نظاما‬ ‫ّ‬
‫فيتصور‬ ‫ّ‬
‫الرضورية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫العقليــة‬
‫ّ‬
‫والرضورية‬ ‫ينبوع احلقائق‪ .‬كما أنّــه اعترب قانون العلّ ّية من القوانني ّ‬
‫املهمة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سابق‬
‫ٍ‬ ‫بســبب‬
‫ٍ‬ ‫إل‬ ‫ملعرفة احلقائق‪ ،‬ىلع أن املوجود املمكن ال يرى نور الوجود‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عنــه‪ ،‬وال بد للسلســلة أن تقف عند العلة األوىل الــي يه علة العلل‪.‬‬
‫[انظر‪ :‬بدوي‪ ،‬موســوعة الفلســفة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ 270‬و‪]271‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كما أنه ّ‬ ‫ّ‬
‫يقســم العلة إىل قسمني‪ :‬علة املعرفة‪ ،‬وعلة الوجود الفع ّ‬
‫يل [انظر‪:‬‬
‫ّ‬
‫بــدوي‪ ،‬إمانويــل كانــط‪ ،‬ص ‪ .]135‬واملقصــود من علة املعرفة ما يؤمن بها املذهب‬ ‫‪202‬‬
‫البرشية بني بعض املعلومات وبعضها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السببية يف املعرفة‬ ‫العق ّ‬
‫يل بقيام عالقة‬
‫تتول عن معرفة ســابقة‪ٰ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫وهكذا تلك املعرفة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اآلخر؛ فــإن لك معرف ٍة إنما‬
‫ّ ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يلة اليت لم تنشأ عن‬ ‫العقلية األو‬ ‫حت ينتيه التسلســل الصاعد إىل املعارف‬
‫معارف سابق ٍة‪ ،‬وتعترب العلل األوىل للمعرفة‪.‬‬
‫من ٰهذه العبارات وغريها يف ٰذلك السفر من أسفار اكنط‪ّ ،‬‬
‫يتضح نلا ًّ‬
‫جليا‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫العقلية‬ ‫انتماؤه إىل املنهج العق ّ‬
‫يل األصيل‪ ،‬من خالل اعتماده ىلع املعلومات‬
‫وكذلك يف استدالهل ىلع الوجود اإلل ٰ ّ‬
‫يه بادليلل املشهور بني‬
‫ٰ‬ ‫ّ‬
‫ابلدهية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫األو ّ‬
‫يلة‬
‫‪،‬املسم بربهان (اإلماكن والوجوب)‪.‬‬‫ّ‬ ‫احلكماء والفالسفة‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫ةيفسلفلاو ةيفرعملا طناك ءارآ‬

‫النقدية‬
‫ّ‬ ‫‪ - 2‬كانط ما بعد‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫جديدا أطلق عليه (أحالم‬ ‫ويف ســنة ‪ 1766‬م صدر اكنط للمكتبة كتابًا‬
‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫ميتافزييقي ٍة) وفيه من اتللميع والرفعة للتجربة‬ ‫صاحب رؤى مفس ٍة بأحالمٍ‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصوري وقانون‬ ‫املعريف‪ ،‬كما فيه أيضا أسئلة حول انلظام‬ ‫كريس العرش‬ ‫ىلع‬
‫اتلصورات‪ ،‬وهل يه الّــي ّ‬
‫تمي الوجود الوايع عن احلُلم؟‬ ‫ّ‬ ‫عدم اتلناقض يف‬
‫كما يف اخليال؟ من ٰهذه األسئلة وغريها ّ‬
‫يتضح‬ ‫وهل العقل حيتوي ىلع أحالمٍ‬
‫كيف بدأ اكنط بتقييد العقل واالســتهانة به وبقدراته‪ ،‬فاكنت أجوبته ىلع‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ٰهذه األسئلة أجوبة لم تكن يف فلسفته من ذي قبل؛ إذ أعلن أن اتلجربة يه‬
‫ّ‬
‫العقلية واملبادئ ّ‬
‫األو ّ‬ ‫ّ‬
‫يلة‪ ،‬وباتلايل‬ ‫اليت تفيد املعرفة بالواقــع‪ ،‬دون الرباهني‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واحلس‪.‬‬ ‫املوضويع فال ســبيل إيله إل عن طريق اتلجربة‬ ‫إذا ما أردنا الصدق‬
‫نقيم األخالق ىلع أســاس إدرااكت‬ ‫ومن هنــا يدخل يف مورد آخر‪ ،‬وهو أن ّ‬
‫ٍ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫القوية ىلع حنو الرتقب لعالم آخر‪ ،‬ال أن ّ‬‫ّ‬
‫نقيم حسن سلوك انلفس ىلع‬ ‫ٍ‬ ‫انلفس‬
‫‪203‬‬ ‫َ‬
‫قيام اعل ٍم آخر قادمٍ ‪[ .‬انظر‪ :‬بدوي‪ ،‬موسوعة الفلسفة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪]271‬‬

‫ٌ‬
‫واضح انتقل اكنط من املعرفة وفلســفة اذلهن‪ ،‬إىل فلسفة الواقع‬ ‫كما هو‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫والوجود‪ ،‬ومنها إىل فلســفة األخالق ُ‬
‫وأسســها‪ ،‬ويه انتقاالت هلا دالالت‬
‫ّ‬ ‫ّ ٰ‬ ‫ّ‬
‫اجلذري لفكره‪ ،‬كما ســوف يتجل ذلــك يف مؤلفاته القادمة‬ ‫ىلع اتلغيــر‬
‫ّ‬
‫وباخلصوص كتابه املشهور بـ (نقد العقل املحض)‪ ،‬الي ّ‬
‫أسس فيه مذهبه‬
‫ّ‬
‫الكوبرنيكية)*( يف‬ ‫الفكــري اجلديد‪ ،‬إذ يصف فيه ٰهــذه املرحلة باثلــورة‬
‫ّ‬

‫ّ ّ‬ ‫ّ ُ‬
‫الكوبرنيكية اكليت أحدثها‬ ‫الكوبرنيكية‪ :‬توصف «الفلســفة انلقديّة» لاكنــط باثلورة‬ ‫)*( اثلورة‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫كوبرنيكوس يف علم الفلك؛ إذ اكتشــف اعم ‪ 1520‬أن األرض كوكب يدور حول الشمس‬
‫ً‬
‫اكلكواكــب األخرى‪ ،‬خالفا للفكرة القديمة عن األفالك ‪ -‬منذ عرص بطليموس ‪ -‬القائلة‪:‬‬
‫ّ‬
‫إن األرض مركز الكون‪.‬‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫مجلة الدليل ‪ /‬العدد السادس‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫وباألخص ما يرتتب ىلع‬ ‫نظرية املعرفة‪،‬‬ ‫الفلســفة؛ إذ جاء بآرا ٍء جديد ٍة يف‬
‫موقفــه من امليتافزييقا؛ إذ أنكر الفكرة اتلقليديّة عن امليتافزييقا‪ ،‬فقد اكن‬
‫ٌ‬ ‫ٌ ّ ٌّ ٰ ّ‬ ‫ّ‬
‫لية‪ ،‬لكنها حمالة‪.‬‬ ‫يرى أن امليتافزييقا منذ أرسطو معرفة تأم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بنقد‬
‫إن مرشوع اكنط انلقدي لم يقف عند نقد العقل انلظري‪ ،‬بل أردفه ٍ‬
‫ٰ ّ ّ‬ ‫َ َ‬
‫كن الي‬ ‫ثالث هو نقد ملكة احلكم‪ ،‬ول‬
‫وبنقد ٍ‬
‫ٍ‬ ‫يل‪،‬‬‫آخر‪ ،‬وهو نقد العقل العم ّ‬
‫تأت شهرته من انلقدين‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬
‫اكن سببا رئيسيا يف شــهرته هو انلقد األول؛ إذ لم ِ‬
‫أهم من انلقد ّ‬
‫األول)*(‪.‬‬ ‫أهم ّيتهما‪ ،‬بل قد يُقال هما ّ‬
‫اثلاين واثلالث‪ ،‬رغم ّ‬

‫ً‬
‫اعتكــف اكنط يف مزنهل منفردا بفكره‪ ،‬يكتــب بقلمه ما تبلورت عليه‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫آراؤه من خالل ّ‬
‫شــهورا وســنني‪ ،‬فجد واجتهد‬ ‫تأمله يف العقل‪ ،‬فدام غيابه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫البرشي‪،‬‬ ‫البرشية‪ ،‬حماول أن حيدد قدرات اذلهن‬ ‫باحثا عن مصادر املعرفة‬
‫ّ‬ ‫ّ ٰ‬
‫فســطره يف كتابه العميق‬ ‫ونتيجة لك ذلك بزغ مذهبه اجلديد اعم ‪ 1781‬م‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬
‫وحمكوم عليه‬ ‫حاكم‬ ‫(نقــد العقل املحض)‪ ،‬فأقام فيه حمكمة للعقــل‪ ،‬فيها‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫‪204‬‬
‫حاكم! فلم‬ ‫مدافع عن األخري‪ ،‬واملديع هو اكنط ويف الوقت نفســه‪ ،‬هو‬ ‫ٍ‬ ‫دون‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫يســلم عندها العقل حت من رفع راية انلرصة هل‪ ،‬فكيف من جحد قدره‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫وحيدا بني ُحكم اجلَور!‬ ‫وأهان رفعته‪ ،‬فاكن‬
‫ّ ّ‬
‫حت أنه وبعد سنني من‬ ‫ّ‬
‫املعريف‪،‬‬ ‫ّ‬
‫اســتقر فكر اكنط‬ ‫هنا ويف ٰهذا الكتاب‬
‫ً‬
‫إضافات بسيطة ىلع ما ذكره‬
‫ٍ‬ ‫صدور الطبعة اثلانية سنة ‪ 1787‬م‪ ،‬أضاف عليه‬
‫يف الطبعة األوىل لم ّ‬
‫تمس جوهر حبثه‪.‬‬

‫كتب نقديّ ٍة‪ ،‬ويه‪“ :‬نقــد العقل املحض” (‪ 1781‬م)‪،‬‬ ‫ّ‬


‫العلمية ثالثة‬ ‫ّ‬
‫)*( أهم إجنازات اكنــط‬
‫ٍ‬
‫كتاب‬
‫ٍ‬ ‫يل» (‪ 1787‬م)‪ ،‬و”نقد ملكة احلكــم” (‪ 1790‬م)‪ ،‬باإلضافة إىل‬ ‫و”نقــد العقل العم ّ‬
‫ٰ‬ ‫ّ‬
‫آخر أطلق عليه “ادلين يف حدود جمرد العقل” (‪ 1793‬م)‪ ،‬يريد اكنط يف هذا األخري تأسيس‬
‫ّ‬ ‫كوين غري ٍّ‬
‫البرشية‪ ،‬ىلع أن يكون خايلًا‬ ‫بشــعب دون آخر‪ ،‬بل دين الطبيعة‬
‫ٍ‬ ‫خاص‬ ‫ٍّ‬ ‫دين عق ٍّ‬
‫يل‬ ‫ٍ‬
‫من الطقوس والشعائر‪.‬‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫ةيفسلفلاو ةيفرعملا طناك ءارآ‬

‫ّ‬
‫وىلع ٰهذا األساس سنسلط الضوء ىلع آخر أفاكره وما وصل إيله يف املعرفة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫انلظري‪ ،‬وفلسفة املعرفة‬ ‫ً‬
‫دستورا للعقل‬ ‫من خالل ٰهذا الكتاب‪ ،‬الي يُعترب‬
‫ّ‬
‫عند اكنط وغريه من مفكري الغرب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ذهنية اكنط؛ ارتأينا أن‬ ‫وألهم ّية ٰهذا الكتاب ومن أجل التسلل إىل آفاق‬
‫ّ‬

‫نتعرف ىلع معاين مفردات عنوانه‪ ،‬وماذا يقصد صاحبنا من العقل املحض‪،‬‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫ومن نقده؟‬

‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬كتاب نقد العقل المحض‬

‫‪ - 1‬طبيعة الكتاب‬
‫ّ‬
‫يقدر بسنني ‪ّ -‬‬
‫حت‬ ‫لوقت من الزمن‬
‫ٍ‬ ‫بعد االنقطاع عن اجلامعة واتلأيلف‬
‫أن اكنط أخذ ً‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫منح آخر وترك طريق اجلامعة‬ ‫ظن بعض األستاذة من زمالئه‬
‫‪205‬‬ ‫واتلأيلف ‪ -‬ظهر صاحبنا بكتابه اجلديد املوســوم بـ (نقد العقل املحض)‪،‬‬
‫ّ‬
‫املعرفية‬ ‫فيه خالصة أفــاره ومذهبه اجلديد‪ّ ،‬الي حيمــل يف ّ‬
‫طياته نتاجئه‬
‫ّ ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حت أنه‬ ‫والفلسفية‪ .‬ويبدو أن صاحبه عمد إىل كتابته بطريق ٍة معقد ٍة جدا‪،‬‬
‫ً‬ ‫لم يكلّف نفسه بســوق أمثلة ّ‬
‫زاعما االختصار‬ ‫تبي مطابله غري الواضحة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬
‫وعدم جدوى اإلطالة‪ ،‬وأنه كتبه إىل خصوص انلاس من الفالسفة املحرتفني‪.‬‬
‫ُ َ ّ‬
‫ّ‬
‫املتمرسني‬ ‫اخلط ّية إىل أحد زمالئه‬
‫أن اكنط أرسل كتابه ٰهذا بنسخته ّ‬ ‫كما ذ ِكر‬
‫يلطلع عليه قبل أن يُطبَع‪ ،‬وبعد فرت ٍة وجزي ٍة‬
‫بعلم الفلســفة اســمه (‪ّ )Herz‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫معتذرا عن إكمال قراءته؛ خوفا من اجلنون الي‬ ‫أرجع صديقه الكتاب إيله‬
‫قد يصيبه لو واصل القراءة فيه [انظــر‪ :‬زك نجيــب محمود‪ّ ،‬‬
‫قصــة الفلســفة الحديثة‪،‬‬ ‫ي‬
‫ص ‪ .]250‬ومن هنا ينبيغ ىلع ابلاحث وغريه احلذر وايلقظة يف فهم مطابله‪.‬‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫مجلة الدليل ‪ /‬العدد السادس‬

‫‪ - 2‬بيان مفرداته‪ :‬نقد‪ ،‬عقل‪ ،‬محض‬

‫أ‪ -‬ن‬
‫مع� “نقد” عند كانط‬
‫لكمة "نقد" اســتعملها اكنط يف صدر عنوان كتابه‪ ،‬ولم يقصد منها ً‬
‫نقدا‬
‫ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ملذهب ّ‬
‫فكر خاص‪ ،‬وإنما أراد بها توجيه سهامه إىل العقل‬
‫معي أو فلسف ٍة أو ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫فقط‪ ،‬أي أنــه أراد من لكمة (نقد) امتحان العقل مــن أجل معرفة قدرته‬
‫ىلع املعرفة‪ ،‬أو فحص قدرة العقــل ىلع املعرفة‪ ،‬أو احلكم ىلع قيمة املعرفة‬
‫«إل أنّين ال أقصد ٰ‬
‫بهذا ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العقلية ومصدرها وحدودها؛ ٰ‬
‫نقدا‬ ‫ولهذا يقول اكنط‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫ٰ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عموما‪ ،‬وذلك بانلظر إىل لك‬ ‫للكتب واملذاهب‪ ،‬بل أقصد نقد َملكة العقل‬
‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬
‫املعارف اليت يمكن أن يســى إىل حتصيلها مستقل عن لك جترب ٍة‪ ،‬وباتلايل‬
‫اعم‪ ،‬وحتديد مصادرها‬ ‫تقرير إماكن أو عدم إماكن وجود ميتافزييقــا بوجه ٍّ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ ٰ‬ ‫ٰ‬
‫ومداها وحدودها‪ ،‬ولكــن ىلع أن يتم هذا لكه ىلع أســاس مبادئ» [كانط‪،‬‬
‫ّ‬
‫نقــد العقــل المحــض‪ ،‬ص ‪ .]20‬وبرصيــح العبارة أقول إن اكنط أراد حتديد مصري‬
‫عملية امتحان العقل وحماكمته‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العليم من خالل‬ ‫امليتافزييقا‬
‫‪206‬‬
‫ب‪ -‬ن‬
‫مع� “العقل” عند كانط‬
‫ّ‬
‫أما "العقل" فهو اكمل القدرة العليا ىلع املعرفة [المصدر الســابق‪ ،‬ص ‪،]804‬‬
‫ّ‬
‫تمدنا بمبادئ املعرفة ًّ‬ ‫ّ‬
‫قبليا [المصــدر الســابق‪ ،‬ص ‪.]78‬‬ ‫أو هو تلك القــدرة اليت‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫القبــ ّ‬ ‫وي َ‬‫ُ‬
‫ي ها هنا هو أن العقل فيه من املعرفــة والعلم ما هو قبل‬ ‫قصد من‬
‫ٌّ‬ ‫ّ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فطرية فينا‪ ،‬وال‬ ‫تصورات‬ ‫باحلس واتلجربة‪ .‬وال تفســر غري أنهــا‬ ‫االتصال‬
‫احلس ّية‪.‬‬
‫شتق من اخلربة ّ‬ ‫تُ ّ‬

‫جـ ‪ -‬ن‬
‫مع� “محض” و“العقل المحض” عند كانط‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫ةيفسلفلاو ةيفرعملا طناك ءارآ‬

‫َ ْ ُ‬
‫المحض من اتلجربة واملالحظة‪ ،‬أي اعتماد‬ ‫"مْض" يُ َ‬
‫قصد منهــا‪:‬‬
‫َ‬
‫لكمة‬
‫العقل ىلع نفســه وذاته فقط دون االســتعانة باتلجربة واملالحظة‪ .‬وحبسب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٰ‬
‫عبارة اكنــط‪ ،‬العقل املحض هو ذلك العقــل الي حيتوي ىلع املبادئ اليت‬
‫أي يش ٍء ًّ‬
‫قبليا ىلع اإلطــاق [المصــدر الســابق‪ ،‬ص ‪.]78‬‬ ‫تســاعدنا ىلع معرفة ّ‬

‫فيقصد منه الفكر واتلفكري غري املستعني باتلجربة‪.‬‬

‫ّ‬
‫العام للكتاب والغاية من تأليفه‬ ‫ن‬
‫المع�‬ ‫د‪-‬‬
‫ّ‬
‫وأمــا معىن عنوان كتابه ىلع وجــه العموم (نقد العقــل املحض) فهو‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫الق ّ‬
‫بلية ومقتضيات العلم السابقة‪ ،‬اليت بفضلها‬ ‫الفحص عن نظام األسس‬
‫ّ‬ ‫ٰ‬
‫القبلية واملقتضيات‬ ‫العلمية‪ ،‬وذلك ببيان استعمال ٰهذه األسس‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تتم املعرفة‬
‫صحة اتلجربة؛ ٰ‬
‫ولهذا يقول‬ ‫الســابقة يف اتلجربة‪ ،‬وحتديد قيمتها لضمان ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اكنط‪« :‬فإن العلم الي يسمح بتقييم العقل املحض ملصادره وحدوده‪ ،‬فهو‬
‫‪207‬‬ ‫حتضــري ملنظومة العقل املحض‪ ،‬ومثــل ٰهذا العلم ال جيب‬
‫ٍّ‬ ‫علم‬
‫بمثابــة ٍ‬
‫يسم مذهبًا‪ ،‬بل جيب أن نكتيف بتســميته "نقد العقل املحض"‪ ،‬ولن‬ ‫أن ّ‬
‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ّ ّ‬
‫سلبية‪ ،‬إذ إنه لن يستخدم للتوسيع‪،‬‬ ‫للتأمل إل فائدة‬ ‫تكون فائدته بالنسبة‬
‫ّ‬
‫بل ســيُقترص ىلع تطهري عقلنا ووقايته من األخطاء‪ ،‬وهو ما يعد يف الواقع‬
‫ً‬
‫كبريا» [المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.]79‬‬ ‫كسبًا‬
‫ًّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫مســؤويلة‬ ‫وخالصة القول إن اكنط ســى يف كتابه ٰهذا أن ي ّمل العقل‬
‫ّ‬
‫لك ‪ -‬ويه‬ ‫أخرى ‪ -‬غري تلك الّيت اكن ىلع ُعهدته من معرفة الوجود ىلع وج ٍه ٍّ‬
‫يتم رصف أخطاء املايض منه‬ ‫أن يَنقد العقل اخلالص نفســه بنفسه‪ ،‬وعندها ُّ‬
‫أن ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املهمة‬ ‫وحتصينه فيما بعد عن لك ما هو خارج عن قدرته‪ .‬وبعبارة رصحية‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫مجلة الدليل ‪ /‬العدد السادس‬

‫ّ‬
‫عملية اختباره) هو أن يرصف انلظر عن‬ ‫أوكت إىل العقل (بعد‬
‫اجلديدة اليت ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫امليتافزييقية وال يلتفت إيلهــا؛ ألنها من أخطاء املايض اليت ينبيغ‬ ‫القضايا‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫رفعها عنه وتطهريه منها‪ ،‬ويه يف حقيقة األمر اكنت تشــل عبئًا ثقيل ىلع‬
‫اكهله (حبسب ما يرى اكنط)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العقليون ‪ -‬هو أن العقل يعرف حدوده وال حيتاج‬ ‫كن ّ‬
‫احلق ‪ -‬كما يراه‬ ‫ول ٰ ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إىل َمــن خيتربه‪ ،‬وأن املحاكمة اليت أقيمــت يف ٰهذا الكتاب لم تكن منصفة‬
‫ٰ‬
‫وذلك لكونه ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يتكئ‬ ‫تغي من األمر شيئًا‪،‬‬
‫خل ونفســه ملا ّ‬ ‫قط؛ ألن العقل لو‬‫ّ‬
‫ّ‬
‫بدهي ٍة ال حتتاج إىل واسط ٍة يف إيضاحها‪ ،‬بل يه اللبنة األوىل‬ ‫ىلع مبادئ ّ‬
‫أو ّ‬
‫يل ٍة‬
‫ّ‬
‫معروف‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫للمعرفة والواسطة يف معرف ِة لك ما هو غري‬
‫ّ‬
‫أحداث ىلع العقل يف ٰهذا الكتاب يف حقيقة األمر ليس‬
‫ٍ‬ ‫إن مــا جرى من‬
‫ّ‬
‫اختبار للعقل بنفســه نلفسه‪ ،‬وإنما اكنط هو َمن حاكم العقل حبسب‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫عملية‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫‪208‬‬
‫(اإليمانية) وحرف مســار انلتائج وجمرياتهــا لصالح ما يميل إيله؛‬ ‫ميوالته‬
‫ٰ‬ ‫ً‬ ‫وذلك عندما ّ‬‫ٰ‬
‫مدافعا عن العلم وادلين‪ ،‬بعد أن شــاع يف ذلك‬ ‫نصب نفســه‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫رصح أنه ال بد من تنحية امليتافزييقا‬ ‫احلني العقل املــاد ّي امللحد‪ ،‬ومن هنا‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫يتســى هل أن جيد لإليمان ماكنا آمنًــا‪ .‬كما أنه اتهم امليتافزييقا‬
‫ّ‬ ‫جانبًا؛ ّ‬
‫حت‬
‫يل أن أضع‬‫مقدمة كتابه‪« :‬لقد اكن ع ّ‬ ‫ّ‬ ‫بأنّها مصدر اإلحلاد؛ ٰ‬
‫ولهذا يقــول يف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫دوغمائية امليتافزييقا‬ ‫آمن لإليمان‪ ،‬وإن‬
‫ماكن ٍ‬
‫ٍ‬ ‫العلــم جانبًا؛ ليك أحصل ىلع‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬أعــي غرورها ‪ -‬اليت تدفعها إىل االعتقاد بأنها قادرة ىلع حتقيق تقدمٍ فيها‬
‫ّ ّ‬
‫ّ‬
‫لألخالقية»‬ ‫احلقييق للك إحلا ٍد ُمعا ٍد‬ ‫نقد للعقل املحض‪ ،‬فيه املصدر‬‫من دون ٍ‬
‫[المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.]46‬‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫ةيفسلفلاو ةيفرعملا طناك ءارآ‬

‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ٰ‬


‫شاهد ىلع أن املحاكمة لم تكن اعدلة ومنصفة؛ ألن قرار إسقاط‬
‫ٍ‬ ‫فهذا خري‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫علميــة امليتافزييقا لم يكن نتيجة انلقد املزعوم‪ ،‬بل قرارات قد اتذت ضد‬
‫العقل خارج نطاق جلسات املحكمة‪.‬‬
‫والزم كالمه تربئة ساحة املعارف الّيت ّ‬
‫تأسست ىلع اتلجربة‪ ،‬فال يطاهلا‬
‫ّ‬
‫الاكنطي‪.‬‬ ‫انلقد‬
‫ّ‬
‫الاكنطية «لقد‬ ‫جي ًدا ٰ‬
‫بهذه العبارة‬ ‫ومن هنا أدعو القارئ الكريم أن ّ‬
‫يتأمل ّ‬

‫آمن لإليمان»؛ من أجل‬‫ماكن ٍ‬


‫ٍ‬ ‫يل أن أضع العلم جانبًا؛ ليك أحصل ىلع‬
‫اكن ع ّ‬
‫تتضح الصورة حول ما جرى يف تلك القرون الغابرة‪ ،‬وكيف ّ‬ ‫أن ّ‬
‫تم االتلفاف‬
‫وبطرق غري مرشوع ٍة ىلع العقل‪.‬‬
‫ٍ‬

‫المعرفية ّالتي حصدها كانط في نقده للعقل‬


‫ّ‬ ‫رابعا‪ :‬األسس‬
‫ً‬
‫ّ‬ ‫هنــا حناول أن نذكر ّ‬
‫‪209‬‬ ‫أهم انلتائج ‪ -‬ذات العالقة ببحثنا ‪ -‬اليت وصل إيلها‬
‫بعد كيف‬‫انلظري‪ ،‬ىلع أن نشري فيما ُ‬
‫ّ‬ ‫اكنط من خالل نقده للعقل املحض أو‬
‫ّ‬
‫الرئييس لظاهرة اإلحلاد‪ ،‬بعد أن‬ ‫ّ‬
‫املعرفية أن يكون هلــا ادلور‬ ‫ٰلهــذه انلتائج‬
‫ومصطلحات مبهم ٍة‪.‬‬ ‫جعلها بقوالب ّ‬
‫أدبي ٍة‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫بد من اإلشــارة إىل أمر ٍّ‬ ‫ّ‬
‫مهم‪ ،‬وهــو أننا ال نعترب اكنط‬ ‫ٍ‬ ‫وقبل الرشوع ال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عدوا لإليمــان‪ ،‬أو أنه ليس بمؤمن‪ ،‬وإنما ّ‬ ‫ًّ‬
‫املعرفية‬ ‫مســؤويلة آرائه‬ ‫حنمله‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والفلســفية‪ ،‬وانلتائج اليت وصل إيلها من خالل حماكمة العقل غري العادلة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬
‫إيمانية حمضة‪،‬‬ ‫نقد للعقل اكنت دوافعه‬
‫بل يمكن القول إن ما قام به اكنط من ٍ‬
‫لكن جهوده أفضت إىل نتائج‬ ‫بمعىن أنّها اكنت من أجل ادلفاع عن اإليمان‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫نؤيد َمن قال يف ٰهذا الســياق‪ :‬إن (ما وقع لم يُقصد‪ ،‬وما‬ ‫ولهذا ّ‬ ‫ّ‬
‫إيماني ٍة؛ ٰ‬ ‫غري‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫مجلة الدليل ‪ /‬العدد السادس‬

‫ً‬ ‫ٰ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬


‫اإليمانية‪ ،‬ولكنه بدل من‬ ‫ق ِصد لم يقع)‪ ،‬أي أن اكنط اكن يريد إنقاذ الزنعة‬
‫ّ‬
‫العقلية‪.‬‬ ‫ٰذلك ّ‬
‫جرد اإليمان من داعمته‬

‫‪ -1‬أهم األسس‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫وأما ّ‬
‫املعرفية ـ اليت وصــل إيلها اكنط يف كتابه (نقد العقل‬ ‫أهم األســس‬
‫املحض) ـ فيه اكتلايل‪:‬‬

‫األساس ّ‬
‫األول‪ :‬تركيب المعرفة من الخارج والذهن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫احلس ّية يه نقطة ابلدء يف لك ما دلينا من معارف‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والعينات ّ‬ ‫إن اتلجربة‬
‫ّ‬ ‫احلس ّ‬
‫وأما صور ّ‬ ‫ّ‬
‫اسية فأشبه ما تكون بالقوالب الفارغة اليت ال يصبح هلا معىن‬
‫ّ‬
‫إل إذا استوعبت احلدوس اآلتية من اعلم اتلجارب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اخلاريج‪ ،‬من خالل االرتباط‬ ‫بمعىن أن اإلنسان تبدأ عنده املعرفة بالواقع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املعرفيــة ال تنهض للعمل الي ينبيغ‬ ‫ّ‬ ‫احلس بالواقع املحســوس؛ ألن قوانا‬ ‫ّ ّ‬ ‫‪210‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫طرق بابُها‪ٰ ،‬‬ ‫وي َ‬‫نبه ُ‬ ‫عليهــا‪ّ ،‬إل أن تُ ّ‬
‫احلواس؛‬ ‫وهذا ال يكــون إل عن طريق‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اكملرئيات واملســمواعت وغريها من‬ ‫حيث يه اليت تقوم بإيقاظ تلك القوى‪،‬‬
‫عطى لإلنسان [كانط‪ ،‬نقد العقل المحض‪ ،‬ص ‪ .]45‬ول ٰ ّ‬
‫كن‬ ‫األمور املحسوسة الّيت تُ َ‬
‫ّ ٌ‬ ‫ّ ّ‬
‫ٰهذا ال يعــي أن لك عنارصها من اتلجربة‪ ،‬بل يه مركبة منها ومن غريها؛‬
‫ُ‬ ‫إن اإلنسان يمتلك يف مرتبة ســابقة عن ّ‬ ‫ّ‬
‫أي جترب ٍة معارف تضاف إىل ما‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إذ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ولهذا أطلق ىلع ٰهذا‬ ‫يلة اليت انبثقت من اتلجربة؛ ٰ‬ ‫املــادة ّ‬
‫األو ّ‬ ‫اعتربها اكنط‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫القبْ ّ‬
‫لية"‪ ،‬فيقول‪« :‬غري أنه إذا اكنت لك معرفتنا‬ ‫انلوع من املعارف "املعارف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً ّ‬ ‫تبدأ مع اتلجربة‪ٰ ،‬‬
‫أبــدا أنها تنجم لكها عن اتلجربة؛ ألنه من‬ ‫فهذا ال يعين‬
‫ّ‬
‫مما نتلقاه من‬ ‫مركبًا مؤلّ ًفا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اتلجريبيــة‬ ‫حت معرفتنا‬ ‫جدا أن تكون ّ‬ ‫ًّ‬
‫املمكن‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫ةيفسلفلاو ةيفرعملا طناك ءارآ‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ــية‪ّ ،‬‬


‫احلس ّ‬
‫ّ‬
‫اخلاصة ىلع املعرفة من‬ ‫ومما تقدمه قدرتنــا‬ ‫طريق االنطبااعت‬
‫[المصدر السابق‪ ،‬ص ‪]57‬‬ ‫عندها نفسها»‬

‫ن‬
‫الثا�‪ :‬حرص المعرفة بظواهر األشياء‬
‫األساس ي‬
‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خمتص‬ ‫انلظري اخلالص هل حــدود ال يمكن أن يتجاوزها‪ ،‬فهو‬ ‫إن العقل‬
‫باحلكم ىلع ظواهر األشــياء‪ّ .‬‬
‫وأما حقائق األشياء يف ذاتها فال يستطيع احلكم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عليها واتلدخل يف شؤونها؛ ألنها ليست من اختصاصه‪ ،‬كما أن العني ليس‬
‫ُ َ‬ ‫ّ‬
‫من اختصاصها ســمع األصوات‪ .‬بمعىن أن العقل لم يلق إلدراك األشياء يف‬
‫ّ ُ‬
‫ذاتها‪ ،‬وإنما خ ِلق إلدراك ظواهر األشياء فقط‪[ .‬انظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪]111‬‬

‫ّ‬ ‫ٍّ ٰ‬ ‫ّ‬


‫مهم كذلك‪ ،‬وهو أن مصطلح "األشــياء‬ ‫أمر‬
‫وهنا ال بد من اإلشــارة إىل ٍ‬
‫َ‬
‫يف ذاتها" يســتعمله اكنط يف موردين‪ ،‬وكالهما ال يمكن للعقل أن يدركهما‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫حواســنا‪ ،‬والي أطلق‬ ‫أحدهما‪ :‬يتعلق بعالم املادة الي نأنس به بواســطة‬
‫ٌ‬ ‫ً ٰ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫‪211‬‬ ‫ظاهرا كذلك هل ذات‬ ‫عليه "اعلم الظواهــر"‪ ،‬أي أن ٰهذا العالم كمــا أن هل‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫يشء يف ذاته) وال يمكن إدراكها ومعرفتها‪ .‬وهنا‬ ‫وحقيقة غري ظاهــر ٍة (أي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ظاهر" و"يش ٍء يف ذاته" ال يتحدث عن اعملني‬ ‫ٍ‬ ‫عندما يتحدث اكنط عن "يش ٍء‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واحد هل وجهان‪ ،‬وجه يمكننا إدراكه ‪ -‬وهو‬ ‫ٍ‬ ‫متمييــن‪ ،‬وإنما يتلكم عن اعل ٍم‬
‫ٌ‬
‫الظاهر منــه ‪ -‬ومعرفته‪ ،‬ووجه نلفس العالــم ال يمكننا إدراكه أو معرفته‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بعالم آخر غري اعلم الظواهر واملادة‪،‬‬ ‫(أي‪ :‬حقيقتــه وذاته)‪ .‬وثانيهما‪ :‬يتعلق ٍ‬
‫ّ‬
‫وهو اعلم العقول واملجردات‪ ،‬ويه أشــياء يف ذاتها [انظر‪ :‬زيدان‪ ،‬كانط وفلســفته‬
‫ّ‬ ‫ٌ ٰ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يتمســك‬ ‫النظرية‪ ،‬ص ‪ ]234‬وال ظاهر هلا‪ ،‬بمعىن أنها اكئنات معقولة‪ ،‬ولكنه‬
‫معينًا عن (تلك) الاكئنات‬ ‫بقاعدة ال استثناء فيها‪ ،‬ويه أنّنا ال نعلم شــيئًا ّ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫أي يش ٍء عنها؛ ألن ّ‬ ‫املعقولــة اخلالصة‪ ،‬وال يمكن معرفــة ّ‬
‫تصورات اذلهن‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫مجلة الدليل ‪ /‬العدد السادس‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املجردة مثل العيانات اخلالصة ال تنطبق إل ىلع موضواعت اتلجربة املمكنة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اتلصورات‬ ‫وباتلايل ىلع الاكئنات املحسوســة فقط‪ ،‬فإذا ما ابتعدنا عنها فإن‬
‫يز‬ ‫مة ّ‬‫ّ ٌ‬ ‫ّ‬
‫مقبلة‪ ،‬ص ‪]86‬‬
‫ٍ‬ ‫ميتاف�يقا‬ ‫لكل‬ ‫تفقد لك دالتلها‪[ .‬انظر‪ :‬كانط‪ ،‬مقد‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ ّ‬
‫والعالم الي وراء اعلم املادة هــو املؤلف من تلك املوجودات‪ ،‬أو املعاين‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ميتافزييقي ٍة مثل‪ :‬هل اهلل موجود؟ ما طبيعة انلفــــس‬ ‫املتضمنة يف أســئل ٍة‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫اإلنسانية؟ هل يه خادلة بعد موت اجلسد؟‬

‫بكلمات‬ ‫ّ‬
‫انلقــدي يوايس العقل‬ ‫ومــن هنا جند صاحبنا يف بداية كتابه‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫البرشي‪ ...‬أن‬ ‫فيها من الشــفقة والرأفة عليه‪ ،‬فيقول‪« :‬ك ِتــب ىلع العقل‬
‫ً‬
‫يكون مثقل بأســئل ٍة ترهقه‪ ،‬وهو ال يســتطيع أن يــرف انلظر عنها؛‬
‫ٰ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫ألنها مفروضة عليه حبكم طبيعة العقل نفســها‪ ،‬لكنه يف الوقت نفســه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫البرشي من‬ ‫ال يســتطيع اإلجابة عنهــا‪ ،‬ألنها جتاوز لك ما يملــك العقل‬
‫قدرات» [كانط‪ ،‬نقــد العقل المحض‪ ،‬ص ‪.]17‬‬ ‫‪212‬‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫رغم أن ٰهذه الصفحات ليســت يف مقام اتلقييــم آلراء اكنط‪ ،‬إل أنه‬
‫ّ‬
‫نمــر عليه مرور الكرام والوقــوف عنده‪ ،‬منه ما‬ ‫ٌ‬
‫كالم جيب أن ال‬ ‫يوجــد‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫آنفا من أنّنا نســلم بوجود اكئنات معقول ٍة‪ ،‬ويه أشــياء يف ذاتها‪ّ ،‬‬
‫ثم‬ ‫ٍ‬ ‫ذكره‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫تناقضا رصحيًا؛ إذ إنه يف‬ ‫ّ‬
‫يتضمن‬ ‫يقول ال نعلم عنها شــيئًا!‪ٰ ،‬‬
‫وهذا الكالم‬
‫ٌ‬
‫وإجياب‬ ‫وهذا ٌ‬
‫علم بالوجود‪،‬‬ ‫بداية عبارته يســلّم بوجود الاكئنات املعقولة‪ٰ ،‬‬

‫وهذا سلب العلم‬ ‫ثم يقول‪« :‬ولٰكن ال نعلم عنها شــيئًا»‪ٰ ،‬‬
‫يف نفســه‪ ،‬ومن ّ‬

‫بالوجود‪ ،‬وهو عني اتلناقض‪.‬‬


‫ٍّ‬ ‫وإذا ما أردنــا أن ّ‬
‫نوجه كالمه ٰهذا ـ من أجل إجيــاد حل ٰلهذا اتلناقض‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫ةيفسلفلاو ةيفرعملا طناك ءارآ‬

‫ّ‬ ‫إن اإلجياب يتعلّق بالعلم بالوجود‪ّ ،‬‬‫ّ‬


‫وأما الســلب فيتعلق‬ ‫الرصيح ـ نقــول‪:‬‬
‫ّ‬ ‫بالعلــم بأحوال الوجود ال نفس الوجود‪ ،‬وبعبار ٍة ثانيــ ٍة‪ :‬العلم ّ‬
‫األول يتعلق‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫إجياب بالوجود‪ ،‬واثلاين وهو عدم العلم فيتعلق‬ ‫بمفاد اهلل ّية البســيطة‪ ،‬وهو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املركبة‪ ،‬وعندها ال يقع اتلناقض‪ ،‬ول ٰ ّ‬ ‫ّ‬
‫كن ٰهذا ال حيل املشــلة‪،‬‬ ‫بمفاد اهلل ّية‬
‫ّ‬
‫تناقض آخر؛ ألنه جيوز نلا أن نسأل اكنط عن العلم بوجود الاكئنات‬ ‫ٍ‬ ‫ونقع يف‬
‫ّ‬
‫املعقولــة الي ّ‬
‫أقر به‪ ،‬أليس هو من نوع معرفة اليشء يف ذاته والعلم بها أم‬
‫ال؟! فكيف تقول‪ :‬ال يمكن نلا العلم باألشياء يف ذاتها؟!‬

‫ّ‬
‫ذهنية الزمان والمكان‬ ‫األساس الثالث‪:‬‬
‫ّ‬
‫أن الزمان واملاكن صورتان قبْ ّ‬ ‫ّ‬
‫ليتان‪ ،‬يسقطهما اذلهن ىلع‬ ‫يؤكد اكنط ىلع‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ ّ ّ‬
‫ــية اليت تأيت إيلنا مبعرثة من اخلارج‪ .‬بمعىن أن أســاس نظام‬ ‫احلدوس احلس‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫العقل املحض ٌ‬
‫صوريت الزمان واملاكن احلاكمني عليه‪ ،‬حبيث لك ما‬ ‫قائم ىلع‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫يُسلَب أو يُ َ‬
‫وجب فيما بعد عيال ىلع ٰهذين املفهومني القبْليني‪ ،‬ومن هنا فلك‬
‫‪213‬‬
‫ُ َ ُ َ‬
‫وماكن‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫زمان‬
‫ٍ‬ ‫درك ويكم عليه فهو يف‬ ‫موجو ٍد ي‬

‫اسية؛ بينما اإلحساس هو‬‫للحس ّ‬


‫ّ‬ ‫فالزمان واملاكن هما الشكالن املحضان‬
‫ّ‬
‫حساسيّتنا بالرضورة وبصف ٍة مطلق ٍة‬ ‫وهذان الشكالن ّ‬
‫حميثان يف ّ‬ ‫مادة املعرفة‪ٰ .‬‬
‫ًّ‬ ‫ٍ‬
‫أنواع خمتلف ٍة جدا‪.‬‬ ‫ـ مهما تكن أنواع إحساساتنا ـ ويه يمكن أن تكون من‬
‫حساسيّتنا اخلاضعة ً‬
‫دائما لرشيط الزمان واملاكن‪،‬‬ ‫وحنن ال نعرف غري طريقة ّ‬
‫ّ‬ ‫أما األشياء يف ذاتها فلن نعرفها ً‬
‫ّ‬
‫أبدا‪ .‬نعم‪ ،‬نعرف فقط كيف تؤثر األشياء يف‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أعضائنا احلاسة‪ ،‬أما األشياء كما يه يف ذاتها فلن نعرفها مطلقا‪[ .‬انظر‪ :‬كانط‪،‬‬

‫نقد العقل المحض‪ ،‬ص ‪]112‬‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫مجلة الدليل ‪ /‬العدد السادس‬

‫ّ‬
‫ذهنية المقوالت‬ ‫األساس الرابع‪:‬‬
‫َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫املقوالت ً‬
‫وحد ٍس‪،‬‬ ‫ذهني ٍة سابق ٍة ىلع لك جترب ٍة‬ ‫بنيات‬
‫ٍ‬ ‫أيضا يه عبارة عن‬
‫ٰ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫ذاتية للفكر؛ وذللك فاإلبصار لألشــياء يف اخلارج يف إطار من‬ ‫رشوط‬ ‫ويه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ٰهذه املقوالت اليت أصبحت ً‬
‫ابلاطنية‪ ،‬تفرض نفسها ىلع‬ ‫نوع من انلظارات‬
‫ّ‬
‫النقدية‪ ،‬ص ‪]65 - 63‬‬
‫ّ‬
‫الظواهر اخلارجية‪[ .‬انظر‪ :‬زكريا إبراهيم‪ ،‬كانط أو الفلسفة‬

‫ّ‬
‫والتنصل عن العوارض الذاتية‬ ‫األساس الخامس‪ :‬تقسيم القضايا‬
‫ّ‬
‫تأيلفي ٍة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫تركيبي ٍة‬ ‫ّ‬
‫وقضي ٍة‬ ‫ّ‬
‫حتليلي ٍة‬ ‫قسم اكنط القضايا إىل قسمني‪ّ ،‬‬
‫قضي ٍة‬ ‫ّ‬

‫ّ‬
‫مقو ًما للموضوع‪ ،‬ويه‬ ‫اتلحليليــة‪ :‬يه مــا اكن املحمول فيها ًّ‬
‫ذاتيــا ّ‬ ‫أ‪-‬‬
‫ّ‬ ‫ٌّ‬
‫تفسريية يف حقيقتها‪ ،‬وال تضيف شيئًا إىل مضمون املعرفة‪ ،‬ويه لكها‬ ‫ٌ‬
‫أحاكم‬
‫جمرد ّ‬
‫تصور املوضوع‪.‬‬ ‫لي ٌة‪ ،‬وال حنتاج إىل اتلجربة يف ٰهذه األحاكم ّإل ّ‬
‫أحاكم َقبْ ّ‬
‫ٌ‬
‫َ‬
‫ومن ث َّم ال يمكن إنكارحمموهلا دون الوقوع باتلناقض‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪214‬‬
‫ذايت للموضوع وجيوز أن‬ ‫الرتكيبيــة‪ :‬يه ما اكن املحمول فيها غــر ٍّ‬ ‫ب‪-‬‬
‫يفارقــه‪ .‬أي ال تكون النســبة بني املحمول واملوضــوع ‪ -‬يف ٰهذا انلوع من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً ًّ‬
‫اهلوية واالتاد‪ ،‬كما‬ ‫ذاتية‪ ،‬وال العالقة بينهما تكون عالقة‬ ‫القضايا ‪ -‬نسبة‬
‫ُ‬ ‫تعريفا‪ ،‬ونتيجة ٰذلك يه عدم حدوث ّ‬‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تناقض فيما لو أنكر‬
‫ٍ‬ ‫أي‬ ‫تتضمن‬ ‫أنها ال‬
‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ٰ‬
‫مضمونها؛ وذلك لعدم تضمنها رضورة منطقية [انظر‪:‬كانــط‪ ،‬نقد العقل المحض‪،‬‬
‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫معلومات جديدة‬
‫ٍ‬ ‫أحاكم مفيدة من شــأنها أن تكسبنا‬ ‫ص ‪ 65‬ومــا يليهــا]‪ .‬ويه‬
‫أيضا بمزيتني رئيسيّتني‪ ،‬هما‪:‬‬ ‫ولهذا فيه تمتاز ً‬
‫بلحاظ الواقع واحلاكية عنه؛ ٰ‬
‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬
‫عنرصا من عنارص املوضوع‪ ،‬بــل املحمول إضافة‬ ‫أول‪ :‬أن حمموهلا ليــس‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫جديدة هل‪ .‬ثانيًا‪ :‬أن سلب حمموهلا ال يلزم منه اجتماع انلقيضني‪.‬‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫ةيفسلفلاو ةيفرعملا طناك ءارآ‬

‫ّ ْ‬ ‫ّ‬
‫تركيبي ٍة َبعديّ ٍة‪ ،‬مصدرها‬ ‫الرتكيبية تنقسم إىل قســمني‪ :‬أحاكمٍ‬ ‫األحاكم‬
‫ّ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ َْ ّ‬
‫اتلجربة‪ ،‬وأحــامٍ تركيبي ٍة قبلي ٍة يف اذلهن والعقل املجرد [انظر‪ :‬كانــط‪ ،‬مقدمة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املختربية ادلقيقة ٰلهذا اتلقســيم جند أن‬ ‫يز‬
‫ميتاف�يقــا مقبلـ ٍـة‪ ،‬ص ‪ .]6‬وبانلظرة‬ ‫لـ ّ‬
‫ـكل‬

‫ولهــذا أصبحت امليتافزييقا‬ ‫اذلايت من العلوم؛ ٰ‬


‫ّ‬ ‫اكنط قد اســتبعد العــرض‬
‫ّ‬
‫العلمية‬ ‫ّ‬
‫مرشوعيتها‬ ‫مرسحا تتداول عليه اآلراء املتناقضة‪ ،‬وبيق اجلدل حول‬ ‫ً‬
‫ّ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫متضمنة يف‬ ‫قائمــا إىل اآلن‪ ،‬باعتبار عدم انطباق أوصــاف موضواعتها أنها‬
‫ٌ ُ َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اتلحليلية)‪ ،‬وال أنها أوصاف تشاهد وتعايَن‬ ‫معناها (فيه ليست من القضايا‬
‫ًّ‬ ‫ً ّ ً‬
‫مضافة مركبة معها (فيه ليســت قضايا تركيبية) [انظــر‪ :‬نــارص‪ ،‬اإللحــاد أســبابه‬

‫ومفاتيح العالج‪ ،‬ص ‪.]162 - 160‬‬

‫ّ‬
‫األساس السادس‪ :‬تقييد قانون العل ّية بالمحسوسات‬
‫ّ‬ ‫وأمــا قانون العلّ ّية يف فكر اكنط ‪ّ -‬الي ُي َع ّد من ِّ‬
‫أهم القوانني اليت تركزت‬ ‫ّ‬
‫ّ ّ َ‬
‫القبْ ّ‬ ‫ّ‬
‫‪215‬‬ ‫لية اليت‬ ‫اذلهنية الرتتبية‬ ‫عليهــا ظاهرة اتلديّن ‪ -‬فقد أصبح من القوالب‬
‫ولهذا فهو ال يُ ّ‬
‫عمم ىلع غري الظواهر اخلارجة‬ ‫ال تستند إىل اتلجربة يف إثباتها؛ ٰ‬

‫عن إطار اتلجربة‪.‬‬


‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫وبعبار ٍة أوضح‪ :‬إن اعلــم الظواهر خيضع ملبدإ العل ّية الي يمكن اتلعبري‬
‫ً‬
‫كن ٰهذا القانون ليس موجودا يف الطبيعة‬ ‫«للك حادث علّ ٌة»‪ ،‬ول ٰ ّ‬ ‫ّ‬
‫عنه بقونلا‪:‬‬
‫ٍ‬
‫ّ ٌ‬ ‫ّ‬
‫الطبييع قوانني خاصة به يسري بمقتضاها غري القوانني‬ ‫نفسها‪ ،‬أي ليس للعالم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اليت يعمل بها العقل‪ ،‬فقوانني األشياء يه نفسها قوانني الفكر‪ .‬والعالقة اليت‬
‫ّ‬
‫ببعض يه نفســها العالقة اليت تربط األشياء يف الواقع‬ ‫ٍ‬ ‫تربط أفاكرنا بعضها‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫الســببية‪،‬‬ ‫ببعض‪ .‬فإذا كنت ترى األشــياء مرتبطة برابطة‬ ‫ٍ‬ ‫اخلاريج بعضها‬
‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٰ‬
‫عقلية مفطورة فينــا‪ .‬وال غرابة‪ ،‬فنحن ال نعلم‬ ‫الســببية مقولة‬ ‫فذلك ألن‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫مجلة الدليل ‪ /‬العدد السادس‬

‫ٌّ‬ ‫ّ ّ‬
‫فبديه أن تكون تلك القوانني‬ ‫اخلارجية إل بمعونة الفكر وقوانينه‪،‬‬ ‫األشياء‬
‫ّ‬
‫نظرية المعرفة‪ ،‬ص ‪]93‬‬
‫ّ‬
‫العقلية يه نفسها ندركها يف الطبيعة‪[ .‬زك نجيب محمود‪،‬‬
‫ي‬

‫‪ -2‬خالصة تكوين المعرفة عند كانط‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬


‫رات‬
‫إن املعرفة تبدأ باملعطيات احلسية‪ ،‬ثم تنتقل تلكون مفاهيم أو تصو ٍ‬
‫العقلية‪ٰ .‬‬
‫ّ‬ ‫ّ ً‬
‫وهذه العنارص‬ ‫ذهنيــة؛ ليك تصل يف انلهاية إىل األفاكر أو املبــادئ‬
‫اسية‪ّ ،‬‬
‫وقوة‬ ‫احلس ّ‬
‫قوة ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلنسانية ىلع حنو اتلعاقب‪ّ :‬‬ ‫اثلالثة تقع يف قوى انلفس‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ترابط؛ أي هلا‬
‫ٍ‬ ‫وقوة العقل‪ .‬ولك واحد ٍة مــن ٰهذه القوى تمثل وحدة‬
‫اذلهن‪ّ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫تأيلفية حمضة‪.‬‬ ‫وظيفة‬
‫ّ‬
‫ويسميها اكنط‬ ‫ّ‬
‫اخلارجية الكثرية املتناثرة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫اســية تســتقبل املعطيات‬ ‫ّ‬
‫احلس‬
‫ثم ٰهذه احلدوس املشــتّتة الّيت أتت من اخلارج‪ّ ،‬‬
‫تقوم ّ‬
‫قوة‬ ‫احلس ّية‪ّ .‬‬
‫باحلدوس ّ‬
‫قبلية عليها‪( ،‬وهما صورتا الزمان واملاكن)‪ٰ ،‬‬
‫وهذه ّ‬
‫أول‬ ‫اسية بفرض صور ّ‬
‫احلس ّ‬‫ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫‪216‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتأيلف للحدوس املشتتة [انظر‪ :‬كانط‪ ،‬نقد العقل المحض‪ ،‬ص ‪.]165‬‬
‫ٍ‬ ‫توحيد‬
‫ٍ‬ ‫عملية‬
‫ّ‬
‫اســية تصبح ظواهر األشياء نلا؛‬ ‫قوة ّ‬
‫احلس‬ ‫احلس ّ‬
‫ــية يف ّ‬ ‫ثم احلدوس ّ‬ ‫ومن ّ‬
‫ثم ٰهذه الظواهــر يف ّ‬
‫قوة اذلهن أو الفاهمة تفرض‬ ‫أي الــيء كما يبدو نلا‪ّ ،‬‬
‫ً‬
‫عليها درجة من الوحدة واتلأيلف أىلع من ســابقتها‪ ،‬ويه مرحلة املقوالت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يلــة القبلية املجردة عن اتلجربــة‪ ،‬وظيفتها وحدة اتلجربة [انظــر‪ :‬كانط‪،‬‬
‫ّ‬
‫األو ّ‬
‫ّ‬ ‫المصــدر الســابق‪ ،‬ص ‪ّ ،]152‬‬
‫ثــم يأيت دور العقل الي عالقته باذلهن ومقوالته‪،‬‬
‫ٰ‬ ‫ّ‬ ‫أو ّ‬‫وعمله إضفاء وحد ٍة ّ‬
‫املتنوعة‪ ،‬وأداته يف ذلك هو االستدالل‬ ‫يل ٍة ىلع املعارف‬
‫ّ‬
‫النقدية‪ ،‬ص ‪]86 - 84‬‬ ‫والقياس‪[ .‬انظر‪ :‬زكريا إبراهيم‪ ،‬كانط أو الفلسفة‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫ةيفسلفلاو ةيفرعملا طناك ءارآ‬

‫الكانطيــة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المترتبــة علــى أســس المعرفــة‬ ‫خامســا‪ :‬النتائــج‬
‫ً‬
‫التأسيســي لظاهــرة اإللحــاد‬
‫ّ‬ ‫ودورهــا‬

‫ٌ‬
‫تمهيد‬ ‫‪-1‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫انلظري ال بد من‬ ‫الاكنطي للعقل‬ ‫قبل ادلخول يف ما يرتتب من نتائج ىلع انلقد‬
‫مهم‪ ،‬وهو‪ :‬ما يه حقيقة اإلنسان الّيت ّ‬
‫تميه عن بايق احليوانات األخرى؟‬ ‫بيان أمر ٍّ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫اجلواب هو أن اإلنســان يمتاز عن بايق احليوانــات بمرتبة العقل‪ ،‬ويه‬
‫ٰ‬ ‫اإلدراكية عنه ً‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫أبدا؛ وذلك‬ ‫احليثية‬ ‫اليت صار بها إنسانا‪ ،‬وال يمكن رفع ٰهذه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬
‫اذلايت‪.‬‬ ‫واذلايت ال يمكن سلبه عن ذي‬ ‫ذاتية هل‪،‬‬ ‫لكونها‬
‫تصو ّ‬
‫ري ٍة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قوة العقل هلا وظائف تنقســم بانقســام العلم إىل وظائــف‬
‫ّ‬
‫تصديقي ٍة‪.‬‬ ‫وأخرى‬
‫‪217‬‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫رية تتمثل بإدراك املعاين اللك ّية اليت يه فوق اإلشــارات‬‫اتلصو ّ‬
‫ّ‬ ‫الوظائف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ــية‪ً ،‬‬
‫احلس ّ‬
‫ّ‬
‫العرضية وانزتاع املفاهيم‬ ‫اذلاتية عن املعــاين‬ ‫وأيضا تميزي املعاين‬
‫ّ‬
‫عملية اتلحليل والرتكيب‪.‬‬ ‫ّ‬
‫االعتبارية‪ ،‬باإلضافة إىل‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تصديقي ٍة للعقل يه احلكم‪ ،‬فالعقــل هو احلاكم املطلق‬ ‫وأهم وظيفــ ٍة‬
‫إما بنفســه ّ‬
‫وهذا يكون ّ‬ ‫يف مملكة اإلنســان‪ٰ ،‬‬
‫وإما بغريه‪ ،‬وهو االســتعانة‬
‫ّ‬
‫املعرفية)*(‪.‬‬ ‫باألدوات‬

‫يتعرف القــارئ الكريم ىلع تفصيل ٰهذه الوظائف من خالل دراســة علم املنطق‬ ‫ٌ‬
‫)*( ممكــن أن ّ‬
‫ّ‬
‫ونظرية املعرفة‪.‬‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫مجلة الدليل ‪ /‬العدد السادس‬

‫الشــرازي ً‬
‫تبعا لفالسفة‬ ‫ّ‬ ‫ذهب الفالســفة املسلمون ما قبل صدر ادلين‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جمــردة عن املــادة‪ ،‬والرباهني اليت‬ ‫القــوة العاقلة وحدها‬ ‫ايلونــان إىل أن‬
‫كن صدر ادلين‬ ‫القوة العاقلــة‪ .‬ل ٰ ّ‬ ‫ّ‬
‫تنصب ىلع ّ‬ ‫ّ‬
‫جتــرد انلفس‬ ‫أقاموها إلثبات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بــأن ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫ابلاطنية‬ ‫اخليايلــة‪ ،‬بل لك القــوى‬ ‫القوة‬ ‫الشــرازي اتــه إىل القول‬
‫ّ‬
‫املادة‪ ،‬وأثبت ّ‬ ‫ّ ٌ‬
‫جتردها عن طريق عــدم تطابق مزياتها مع مزيات‬ ‫جمردة مــن‬
‫ّ‬
‫املــادة [الطباطبـ ئ ّ‬
‫ـ�‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .]142‬فتكــون‬ ‫ـا�‪ ،‬أصــول الفلســفة والمنهــج الواقـ ّ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫ّ ً‬ ‫ّ‬
‫جمردة عــن املادة وأحاكمها‬ ‫العلميــة ـ أو اإلدراك والعلم كالهما ـ‬ ‫الصــور‬
‫جمرد‪.‬‬
‫ّ‬
‫املــادة عند ّ‬ ‫عرفوا العلــم بأنّه حضور أمــر ّ‬
‫جمر ٍد من‬ ‫ولهــذا ّ‬ ‫أيضا؛ ٰ‬ ‫ً‬
‫ٍ‬
‫ئّ‬
‫الطباطبا�‪ ،‬نهاية الحكمة‪ ،‬ص ‪]259‬‬ ‫[انظر‪:‬‬
‫ي‬

‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬


‫املعرفية ىلع‬ ‫ظاهر من عباراته ‪ -‬فقد بىن أسسه‬ ‫وأما اكنط ‪ -‬حبسب ما هو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الظاهرية‬ ‫ماديّة العقل ومجيــع احلدوس واملفاهيم؛ ألنه يقول بإماكن املعرفة‬
‫املجردة أشياء يف ذاتها ال يمكن نلا أن نعرفها ً‬
‫ّ‬ ‫‪218‬‬
‫أبدا‪.‬‬ ‫لألشياء‪ ،‬واألمور‬
‫ّ‬ ‫وبناء ىلع ما اتّضح ّ‬
‫ً‬
‫يصح القول بأن ما قام به هو جتريد اإلنسان من عقله‬
‫ّ‬
‫الربهاين‪ ،‬وعمل ىلع حتفزي اإلنسان من خالل إثارة أحاسيسه وعواطفه‪ ،‬وأن‬
‫ّ‬
‫األخالقية ابلحتة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫اإليمانية أو‬ ‫ّ‬
‫العاطفية أو‬ ‫ّ‬
‫بمجرد ادلوافع‬ ‫يعيش حياته‬

‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫إن اإلنسان يف طبيعته ٌ‬‫ّ‬


‫احلس والعقل‪،‬‬ ‫اكئن مدراك‪ ،‬واإلدراك عبارة عن‬
‫احلس ورفعــه ىلع العرش‪ٰ .‬‬
‫وهذا ما فعله‬ ‫فال ينبيغ رفــع العقل وابلقاء ىلع ّ‬
‫ّ‬
‫للحس‬ ‫ً‬
‫مســاويا‬ ‫ّ‬
‫انلظري‪ ،‬حينما جعل العقل‬ ‫صاحبنا من خالل نقده للعقل‬
‫واإلدراك ّ ّ‬
‫احلس‪.‬‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫ةيفسلفلاو ةيفرعملا طناك ءارآ‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫انلتائج اليت وصل إيلها اكنط من نقده للعقل‪ ،‬ترتبت عليها نتائج غري متوقع ٍة‬
‫إيمانيا ًّ‬
‫دينيا كما هو ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫رصح‬ ‫انلقدي اكن دافعه‬ ‫لاكنط نفسه‪ ،‬باعتبار أن مرشوعه‬
‫ّ ّ‬ ‫ٰ‬
‫بذلك؛ إذ أراد من خالهل احلفاظ ىلع حياض اإليمان وإنقاذه من العابثني‪ ،‬إل أن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٰ‬
‫ما حصل هو خالف ذلك‪ ،‬بل أطلق رصاصة الرمحة ىلع اإليمان؛ ألن ما حتقق‬
‫يف الواقع هو القضاء ىلع ادلاعمة الرئيسة لإليمان‪ ،‬وهو العقل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫واألمر الالفت للنظر يف نقد اكنط للعقل هو أنّه ّ‬
‫يرصح بأن أحاكم العقل‬
‫تنحرص ىلع ظواهر األشــياء‪ ،‬وال يمكن هل معرفة األشياء يف ذاتها‪ ،‬ومن هنا‬
‫ٌ‬
‫يشء يف ذاته أو هو من ظواهر األشياء؟ فإن‬ ‫ّ‬
‫حيق نلا أن نسأل اكنط‪ :‬هل العقل‬
‫احلس ّية؟ وإن اكن شيئًا يف‬
‫اكن من ظواهر األشــياء فمن أين أخذت معطياته ّ‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫ذاتــه‪ ،‬فكيف لك أن تقيم حمكمة ىلع يش ٍء ال يمكن معرفته؟! بمعىن كيف‬
‫ّ‬
‫يعلن أن اإلنسان ال يستطيع حتصيل معرفة اليشء يف ذاته‪ ،‬ويف الوقت نفسه‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫يستمر يف وصف العقل كيش ٍء يف ذاته‪ ،‬ويقيم حمكمة عليه؟!‬
‫‪219‬‬
‫‪ -2‬النتائج‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املعرفية اليت استفادها اكنط من نقده‬ ‫وأما انلتائج اليت ترتبت ىلع األسس‬
‫ّ‬
‫للعقل‪ ،‬واليت اكن هلا ادلور يف اتلربير واتلجذير لظاهرة اإلحلاد‪ ،‬فيه اكتلايل‪:‬‬

‫ّّ‬
‫النتيجة األوىل‪ :‬مادية النفس والمعرفة‬
‫ّ‬
‫الرويح عن حقيقة اإلنســان يف فلسفة اكنط‪ ،‬وانلظر إيله‬ ‫تغييب ُ‬
‫ابلعد‬
‫ماديّ ًة من مجيــع اجلهات‪ٰ ،‬‬
‫وهذا ّ‬
‫مما ألىق بظــاهل ىلع طبيعة املعرفة‬
‫ً ّ‬
‫نظــرة‬
‫ّ‬
‫واحلكم عليها باحلدود الشاقة)*(‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ٰ‬
‫أمور‪ ،‬منها ‪ :‬تركيب املعرفة والصور عند اكنط‪.‬‬
‫)*( هذه انلتيجة استخلصناها من عدة ٍ‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫مجلة الدليل ‪ /‬العدد السادس‬

‫الميتاف� ق ّ‬
‫ي�‬ ‫ز‬ ‫النتيجة الثانية‪ :‬عدم اعتبار العقل‬
‫ي ي‬
‫ٰ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والعلمية‪ ،‬وذلك ليس ىلع حنو‬ ‫الربهاين من االعتبار‬ ‫إسقاط منهج العقل‬
‫ّ‬ ‫اتلخصييص عن املعرفة‪ ،‬بــل ّ‬
‫ّ‬
‫تم إخراجه عنها ألنه غري‬ ‫اتلعطيل واخلروج‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الغيبية غري املاديّة‪ ،‬كما أن العني ليس من اختصاصها‬ ‫صالح ملعرفة احلقائق‬
‫ٍ‬
‫ٰ‬
‫الســمع‪ ،‬فالعقل كذلك ليس مــن اختصاصه أن خيــوض يف أمور ما وراء‬
‫ً‬ ‫خارج ّ‬‫ٌ‬
‫ختصيصا)*(؛ ٰ‬
‫ولهذا لم يعترب‬ ‫ختص ًصا ال‬ ‫الطبيعة‪ ،‬فهو ‪ -‬أي العقــل ‪-‬‬
‫ّ‬ ‫يل ّ‬
‫اتلأم ّ‬ ‫اكنط املذهب العق ّ‬
‫مكني؛ وذلا فهو ليس‬
‫ٍ‬ ‫أســاس‬
‫ٍ‬ ‫(امليتافزيييق) ذا‬ ‫يل‬
‫ً‬
‫علما‪.‬‬
‫ّ‬
‫وباتلايل يتعذر ىلع العلمــاء وابلاحثني وغريهم اخلوض يف معرفة حقائق‬
‫ّ‬
‫املصريية لإلنسان‪ ،‬واإلجابة عن األسئلة الوجوديّة اليت ال‬‫ّ‬ ‫األشياء‪ ،‬واملسائل‬
‫ّ‬
‫اتلنصل عنها‪.‬‬ ‫شخص‬ ‫يمكن ّ‬
‫ألي‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫من هنا اســتغل األعداء مســألة إقصاء العقل‪ ،‬وعمدوا إىل رضب ٰهذا‬
‫الفطــري واملائز‪ ،‬والضابط الوحيــد لصدق الواقع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫املهم‪ ،‬والقائد‬‫املــزان ّ‬ ‫‪220‬‬
‫ّ ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يصح لك يشءٍ‪،‬‬ ‫قطعيته‪ ،‬ويمكن أن‬ ‫أمر‬
‫والي بإقصائه وســقوطه يفقد لك ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫يشء ما َّ‬
‫الفكرية‪،‬‬ ‫املعرفية والسفســطة‬ ‫أي يشءٍ‪ ،‬ومن ث َّم الفوىض‬ ‫ٌ‬ ‫أو يكون‬
‫فتتحــول احلياة إىل اغبة‪ ،‬ويبىق الرصاع لألقوى‪ ،‬فتنترص الكرثة املأنوس بها‬ ‫ّ‬
‫ويه الشهرة والوهم‪.‬‬
‫ّ‬
‫املعريف أحد‬ ‫َ‬
‫إقصــاء العقل عن االعتبــار‬ ‫ٰ‬
‫ولهــذا اعترب بعض ابلاحثني‬
‫ّ‬
‫واتلخصص ها هنا هو إن اكن للعقل قدرة املعرفة واحلكم ىلع القضايا‬ ‫)*( نقصد من اتلخصيص‬
‫ُ‬ ‫ٰ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫امليتافزييقية ســلبًا أو إجيابا‪ ،‬ثم لعل ٍة ما خنرجه من هذا احلكم ونستثنيه‪ ،‬فهذا اخلروج يسم‬
‫ّ‬ ‫ٰ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ٰ‬ ‫ّ‬
‫اتلخصييص‪ ،‬وإن لم يكن للعقل القدرة ىلع هذا انلوع من املعرفة حبسب طبيعته‪،‬‬ ‫باخلروج‬
‫ّ‬
‫سم باخلروج اتلخص ّ‬
‫يص‪.‬‬ ‫فهذا اخلروج ي ُ ّ‬
‫ٰ‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫ةيفسلفلاو ةيفرعملا طناك ءارآ‬

‫ّ‬ ‫ٰ‬
‫ّ‬
‫الفطري‬ ‫والالدينية؛ وذلك ألنه بسقوط ٰهذا احلاكم‬
‫ّ‬ ‫األسباب الرئيسة لإلحلاد‬
‫ّ‬ ‫تســقط مجيع املبادئ ّ‬
‫األو ّ‬
‫يلة‪ ،‬وعندها ترتفع راية الصدفة واالتفاق؛ تلكون‬
‫يه َمن جييب عن األسئلة الوجوديّة [الغري‪ ،‬إقصاء العقل عن الحياة‪ ،‬ص ‪.]97‬‬

‫ّ‬
‫العقلية‬ ‫النتيجة الثالثة‪ :‬تقييد المبادئ‬
‫ٌّ‬ ‫ّ ّ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عقلية مطلقة‬ ‫يلات‬ ‫انلظري ال يوجد مبادئ وأو‬ ‫الاكنطي للعقل‬ ‫بعد انلقد‬
‫ٰ‬ ‫احلس ّ‬ ‫ّ‬
‫الصدق حبيث تكون مســتقل ًة عن اتلجربة ّ‬
‫ــية‪ .‬ومثال ذلك هو قانون‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صوره اكنــط ىلع أنه ال ينطبق إل ىلع اعلم ظواهر األشــياء‬ ‫الســببية ّالي ّ‬
‫ّ‬
‫ِّ ً‬ ‫ً‬
‫ديلل ىلع‬
‫ٍ‬ ‫يف‬ ‫مــة‬ ‫مقد‬ ‫أو‬ ‫واســطة‬ ‫املحسوســة‪ ،‬وباتلايل ال يصلح أن يكون‬
‫ّ‬
‫وجودات ما وراء اعلم املادة‪.‬‬
‫ٍ‬

‫يه وغريه من‬ ‫إن اتلميزي ما بني الفيلسوف اإلل ٰ ّ‬ ‫ّ‬


‫ومن هنا نســتطيع القول‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفالســفة املاديّني‪ ،‬يكون من خالل االعتقاد بـ قانون الســببية وإطالقه‪،‬‬
‫‪221‬‬ ‫ابلديه‪ ،‬وانطباقه ىلع مجيع املوجودات ســواء‬ ‫ّ‬ ‫فمن يعتقد بوجود ٰهذا القانون‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫ٰ‬
‫ومن ينكر ذلك أو حيدده بعالم‬ ‫فيلســوف إل ٰ ٌّ‬
‫يه‪َ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫املجردة فهو‬
‫ّ‬
‫املاديّة منها أو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املادة فهو من الفالسفة املاديّني‪.‬‬
‫ٰ ّ ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫يه‪ ،‬إل أنه اكتسب‬ ‫ألحد أن يُنكر إيمانه بالوجود اإلل‬
‫ٍ‬ ‫وأما اكنط فال يمكن‬
‫ّ‬
‫انلظري واالعتقاد بقانون‬ ‫طريق آخر‪ ،‬غري طريق العقل‬ ‫إيمانه وعقيدته عن‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫األخاليق‪.‬‬ ‫العقلية األخرى‪ ،‬وإنّما عن طريق العقل العم ّ‬
‫يل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السببية واملبادئ‬
‫)*(‬ ‫ّ‬
‫الربيطاين أنطوين فلو (‪)Antony Flew‬‬ ‫وىلع هذا األساس جند الفيلسوف‬ ‫ٰ‬

‫ّ‬ ‫ً‬
‫واحدا من أكرب املالحدة يف العرص احلايل‪ .‬وباتلايل‬ ‫)*( أنطوين ريتشارد فلو (‪ )1923-2010‬اكن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اســتمرت أكرث من مخسني سنة يف اإلحلاد‪ ،‬وكتابته العديد من الكتب‬ ‫فإن جتربة “فلو” اليت‬
‫ثم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلحلادي‪ ،‬وخوضه العديد من املناظرات اليت تدافع عن اإلحلاد‪ّ ،‬‬ ‫الّيت ّ‬
‫حتوهل‬ ‫تؤيد املوقف‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫مجلة الدليل ‪ /‬العدد السادس‬

‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َُ ّ‬


‫امللحدين واملنظرين ملنظومة اإلحلاد املعارص يف‬ ‫‪ -‬اذلي يعد ســابقا من أشهر ِ‬
‫َ‬
‫غيت ِوجهة نظره جتاه اإلحلاد ابلحث‬ ‫بأن مــن األمور الّيت ّ‬ ‫ّ‬ ‫الغرب ‪ّ -‬‬
‫يرصح‬
‫صورها هيوم يف كتابه‬ ‫السببية‪ ،‬وأنّها ليست كما ّ‬ ‫ّ‬ ‫واتلحقيق يف مسألة قانون‬ ‫َ‬
‫ٰ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫كتاب أطلق عليه “فلو” (فلسفة‬ ‫ٍ‬ ‫اإلنســاين)‪ ،‬واكن ذلك يف‬ ‫(حتقيق يف الفهم‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫هيــوم واالعتقاد)‪ ،‬حيث اعتــر ديفيد هيوم فيلســوفا مضلل عندما قام‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫وضعيف‪ ،‬فيقول‪« :‬ونتيجة خلطإ هيوم‬ ‫ٍ‬ ‫ســاذج‬
‫ٍ‬ ‫بشلك‬
‫ٍ‬ ‫بتحليل قانون العل ّية‬
‫حتليــل يف اغية الضعف‬ ‫أجيــال من أتباع هيوم‪ ،‬بتقديم‬ ‫تم تضليل‬‫ٰهــذا‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أســاس ّ‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إما للقبول بوجود‬ ‫الطبييع؛ ألنه لم يكن هناك‬ ‫للســببي ِة والقانون‬
‫ّ‬
‫السبب وانلتيجة أو بوجود قوانني الطبيعة‪ .‬ويف الوقت نفسه‪ ،‬فإن هيوم ذاته‬
‫احلر ّية والرضورة)‪ ،‬ويف فصل (يف املعجزات) اكن يسىع للكشف‬ ‫يف فصل (يف ّ‬
‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بأســباب تأيت بنتائج أقوى من تلك اليت اكن هيوم مستعدا‬ ‫ٍ‬ ‫أفاكر تتعلق‬
‫ٍ‬ ‫عن‬
‫ٌٰ‬ ‫ً‬
‫العتبارها مرشوعة» [فلو‪ ،‬هناك إله‪ ،‬ص ‪]80‬‬

‫ّ ّ‬
‫‪222‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الســببية‪ ،‬إل‬ ‫هنا يقصد “فلو” من كالمه أن هيوم رغم أنه رفض قانون‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ســببي ٍة! أي أنه أنكر ٰهذا‬
‫ّ‬ ‫أفاكر‬
‫ٍ‬ ‫أنه يبحث يف ٰهذين الفصلني من كتابه عن‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬
‫عمليا‪ ،‬ويه مفارقة واضحة وعجيبة‪.‬‬ ‫نظريا‪ ،‬وعمل به‬ ‫القانون‬
‫ّ‬
‫أهم ّية قانــون العل ّية من حيث الوجود‬
‫والشــاهد يف كالم أنطوين فلو هو ّ‬

‫خالق ٰلهذا الكون‪ ،‬فرنى‬ ‫ّ‬


‫ادلينية واإليمان بوجود‬ ‫والعدم‪ ،‬وتأثريه ىلع العقيدة‬
‫ٍ‬
‫ٰهذا الفيلســوف ّالي ّ‬
‫مر حبال ٍة يُرىث هلا من حيث عدم االستقرار يف العقيدة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ابلديه ‪-‬‬ ‫الفكري ‪ -‬وبســبب ٰهذا القانون العق ّ‬
‫يل‬ ‫ّ‬ ‫واملعرفة‪ ،‬واعش اتلقلب‬
‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مصداقية كبرية ملا يقوهل‪.‬‬ ‫بعد لك تلك السنني إىل اإليمان باهلل تعاىل؛ ال بد أن يضيف‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫ةيفسلفلاو ةيفرعملا طناك ءارآ‬

‫ّ‬
‫ويقر بوجود‬ ‫خيرج من اإليمان إىل اإلحلاد‪ ،‬ومن اإلحلاد يعــود إىل اإليمان‪،‬‬
‫اكئن أسىم!‬
‫ٍ‬

‫ّ ف‬ ‫النتيجة الرابعة‪ّ :‬‬


‫ومكان‬
‫ٍ‬ ‫زمان‬
‫معرفة واقعي ٍة ي� ٍ‬
‫ٍ‬ ‫كل‬
‫إن اكنط جعــل نظام العقل ً‬ ‫ّ‬
‫قائمــا ىلع مفهويم الزمــان واملاكن‪ ،‬وهما‬
‫ّ‬ ‫حاكمان ىلع العقل املحض ســلبًا وإجيابًا‪ ،‬ومن هنا ّ‬
‫مطلق‬
‫ٍ‬ ‫بشلك‬
‫ٍ‬ ‫يتم اتلخل‬
‫ّ‬
‫عن معرفة ما وراء الطبيعة؛ لكون لك ما نعرفه ضمن دائريت الزمان واملاكن‬
‫ً‬
‫خارجا عن هاتني ادلائرتني‪.‬‬ ‫ّ‬
‫امليتافزييقية‬ ‫واملعقوالت‬

‫منافــس‪ ،‬بوصفها وقائع‬ ‫ّ‬


‫املعرفية للفزيياء بدون‬ ‫وعندها تبىق الســاحة‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫احلواس اخلمس‪.‬‬ ‫يدركها الفكر‪ ،‬أو كون موضواعتها تقع حتت سطوة‬
‫ّ‬
‫امليتافزييقية ً‬ ‫ّ‬ ‫ٰ‬
‫رضبا من الوهم‬ ‫ولهــذا يعد اكنط احلديث عن املوضــواعت‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫‪223‬‬ ‫واخليــال ابلاطل الي ال نفع فيه؛ لكون العقل املحض هل حدود ال يمكن هل‬
‫أن يتجاوزها‪ّ ،‬‬
‫وأي خطو ٍة خارج تلك احلدود تقع يف ظلمات اتلناقض‪.‬‬

‫أم العلوم وملكتها‪ ،‬فقد أصبحت فيما‬ ‫وعليه فامليتافزييقا بعد أن اكنت ّ‬
‫ّ‬ ‫للك طامع ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫شاهد‬
‫ٍ‬ ‫ويعرضها هلجماته‪ ،‬وخري‬ ‫يوجه إيلها سهام انلقد‬ ‫ٍ‬ ‫غرضا‬ ‫بعد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٰ‬
‫املنطقية‪ ،‬فقد اعتربت امليتافزييقا قضايا ال معىن هلا‪ ،‬وال‬ ‫الوضعية‬ ‫ىلع ذلك‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بالصح أو اخلطإ‪ ،‬بالصــدق أو الكذب‪ ،‬فيه قضايا مهملة‪.‬‬ ‫يصح أن نصفها‬
‫يز‬ ‫ٌ‬
‫الميتاف�يقا‪ ،‬ص ‪]1‬‬ ‫موقف من‬ ‫[انظر‪ :‬ي‬
‫زك نجيب محمود‪،‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العقلية عىل إثبات الواجب من االعتبار‬ ‫النتيجة الخامسة‪ :‬إسقاط األدلة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفلسفية ىلع وجود الواجب ‪ -‬تعاىل ‪ -‬يف الفلسفة‬ ‫ال جمال إلثبات األدلة‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫مجلة الدليل ‪ /‬العدد السادس‬

‫املعرفية اليت ّ‬
‫ّ‬ ‫ٰ‬ ‫ّ‬
‫أسسها اكنط من خالل نقده‬ ‫الاكنطية؛ وذلك بسبب األســس‬
‫ّ‬
‫جزءا من العالم املاد ّي‪ ،‬فال يمكن أن‬
‫للعقل املحض؛ لكــون اهلل ‪ ‬ليس ً‬

‫[انظر‪ :‬كانط‪ ،‬نقد العقل المحض‪ ،‬ص ‪]121‬‬


‫ً‬
‫موضوع للمعرفة‪.‬‬ ‫يقع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫أنواع من‬ ‫العقلية ىلع وجود اهلل ‪ ‬يف ثالثة‬ ‫من هنا حرص اكنط األدلــة‬
‫ّ‬
‫األدلة‪ ،‬ويه‪:‬‬
‫ّ‬
‫الالهويت (ديلل انلظم)‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الفزييايئ‬ ‫ّ‬
‫األول‪:‬‬
‫ّ‬
‫الكوزمولويج (ديلل اإلماكن والوجوب)‪.‬‬ ‫اثلاين‪:‬‬
‫ّ‬
‫املفهويم)‪.‬‬ ‫ّ‬
‫األنطولويج (ادليلل‬ ‫اثلالث‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫أي تقدمٍ باتاذه ٰهذا‬ ‫ومن ّ‬
‫ثم حياول اكنط أن يربهن ىلع أن العقل ال حيرز‬
‫ّ‬
‫يســميهما‬ ‫الربهــان أو ذاك من ٰهذه الرباهني اثلالثة‪ .‬والربهان ّ‬
‫األول واثلاين‬
‫ولهذا السبب يفحص‬ ‫ترانســندنتايلا أو متعايلًا؛ ٰ‬
‫ًّ‬ ‫جتريبيني‪ ،‬واثلالث ّ‬
‫يسميه‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫‪224‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫احلجة‬ ‫ّ‬
‫األنطولويج‪ ،‬أو‬ ‫واحد من ٰهذه الرباهني اثلالثــة مبتدئا بالربهان‬
‫ٍ‬ ‫لك‬
‫ّ‬
‫املنطقية‬ ‫وهذا ادليلل األخري من ِوجهة نظر اكنط‬‫الوجوديّة إلثبات وجود اهلل‪ٰ ،‬‬
‫ّ‬
‫ولهذا سيكون أول اهتمامه به‪[ .‬انظر‪ :‬كانط‪،‬‬ ‫هو الرشط جلميع األدلّة األخرى؛ ٰ‬

‫نقد العقل المحض‪ ،‬ص ‪]618‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫إشاكالت‪ ،‬منها‪ :‬أن فكرة‬‫ٍ‬ ‫وسجل عليه أربعة‬ ‫األنطولويج‬ ‫بدأ من ادليلل‬
‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫عقلية حمضة‪ ،‬وليس بالرضورة أن يشــر إىل وجو ٍد فع ٍّ‬
‫يل يف الواقع‬ ‫اهلل فكرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اخلاريج [انظر‪ :‬كانط‪ ،‬المصدر الســابق‪ ،‬ص‪ٰ .]619‬هــذا باعتبار أنه لم يتوفر دليه‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫اتلصور‪ ،‬فال نســتطيع اتلحدث عن إماكن وجو ٍد‬ ‫ّ‬ ‫ّ ٌّ‬
‫حــي يقابل ٰهذا‬ ‫حدس‬‫ٌ‬
‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اعتمادا ىلع إماكن ّ‬ ‫ٍّ‬
‫منطقيا فقط‪.‬‬ ‫تصوره إماكنا‬ ‫واقيع ليش ٍء ما‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫ةيفسلفلاو ةيفرعملا طناك ءارآ‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ثم ّ‬ ‫ومن ّ‬


‫الكوزمولويج‪ ،‬منها‪ :‬أن ادليلل‬ ‫إشاكالت ىلع ادليلل‬
‫ٍ‬ ‫يسجل ثالثة‬
‫َ‬
‫القبْ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لية‬ ‫ٌّ‬
‫مشتق من املقولة‬ ‫قوته من مبدإ العل ّية‪ ،‬وهو‬
‫يســتمد ّ‬ ‫ّ‬
‫الكوزمولويج‬
‫للعلّ ّيــة اللكّ ّية يف اعلم الظواهر‪ ،‬لٰكن من اخلطــإ تطبيق ٰهذه املقولة ىلع ّ‬
‫أي‬
‫ٰ‬
‫يش ٍء وراء هذا العالم املحسوس‪[ .‬انظر‪ :‬كانط‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪]633‬‬

‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفزييايئ رغم ثناء اكنط عليــه‪ ،‬إل أن حاهل ال خيتلف عن‬ ‫وأمــا ادليلل‬
‫ســجل عليه أربعة إشاكالت ً‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أيضا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تلك األدلة من حيث اإلشاكالت‪ ،‬فقد‬
‫[انظر‪ :‬كانط‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪ 641‬وما يليها]‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٰ‬
‫بموضوعي ٍة يستطيع لك‬ ‫قرب‪ ،‬وانلظر إيلها‬
‫وحتليل هذه اإلشــاالت عن ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫يقني بأن ٰهذه اإلشاكالت لم تكن لو لم يكن حبثه‬
‫من هل أدىن تأم ٍل أن يصل إىل ٍ‬
‫طبيعي ٌة ترتّبت ىلع منهجه ّ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫احلس‪ .‬وبعبار ٍة أخرى‪:‬‬ ‫املعريف‪ ،‬وما يه إل نتائج‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫معرفي ٍة فقد حصده‪،‬‬ ‫أسس‬
‫املعريف من ٍ‬ ‫إن ما غرســه اكنط يف واحة ابلحث‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفلسيف‪ ،‬وعندها ّ‬
‫الفلسفية‬ ‫تم إسقاط مجيع األدلة‬ ‫ّ‬ ‫وقطف ثماره يف ابلحث‬
‫‪225‬‬ ‫ّ‬
‫العليم!‬ ‫ىلع إثبات واجب الوجود من االعتبار‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ٰهكذا وقعت فلسفة اكنط ىلع َعتبَة الفكر احلديث وقد اتسمت بالشك‪،‬‬
‫وفقدان اإليمان يف ادلين وامليتافزييقا‪ ،‬من خالل حتديد املعرفة واتلرصحيات‬
‫ّ‬ ‫ّ ُ‬
‫بكائن‪ "...‬فال حيدث‬
‫ٍ‬ ‫اليت تفيض إىل الشك واحلرية‪ ،‬فيقول‪ :‬لو قلنا‪" :‬ليس اهلل‬
‫تناقض يف ٰهذه الفكرة [انظر‪ :‬كانط‪ ،‬نقد العقل المحض‪ ،‬ص ‪.]297‬‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫أي‬
‫ً‬ ‫وبناء ىلع ٰهذا فقد ّ‬
‫ً‬
‫أسس اكنط مدرسة أخذت ىلع اعتقها اتلفكيك ما بني‬
‫ّ‬ ‫ادلين واإليمان من جهة‪ ،‬وما ّ‬
‫انلظري من جه ٍة أخرى‪ ،‬وصلت‬ ‫بــن العقل‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الغربية؛ ألنه اعترب اجلمع بينهما يوقع الرضر‬ ‫إىل حد اتلنافر بينهما يف اثلقافة‬
‫دائمــا ىلع ادلين واإليمــان‪ ،‬فجميع من ينقدهما يدخل مــن أبواب العقل‬ ‫ً‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫مجلة الدليل ‪ /‬العدد السادس‬

‫والســهام تنطلق من قوس العقل؛ ٰ‬


‫ولهذا ذهب اكنــط إىل القول باتلفكيك‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫[غفاري‪ ،‬نظام كانط تضييق لدائرة العقل‪ ،‬مجلة االستغراب‪ ،‬العدد ‪ ،9‬ص ‪]16‬‬ ‫بينهما‪.‬‬
‫فيكون ٰ‬
‫بهذا قد ســبق ســورين كري كجــارد (‪)Søren Kierkegaard‬‬
‫)*(‬

‫اإليمانية يف ٰهذا اتلفكيك ما‬


‫ّ‬ ‫(‪ 1855-1813‬م) صاحب الفلســفة الوجوديّة‬
‫انلظري خطأً ً‬
‫كبريا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بني العقل واإليمان‪ ،‬الي اعترب بناء اإليمان ىلع العقل‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إيمانية كري كجارد‪.‬‬ ‫اتلفكيكية تأثريات ىلع مالمح‬ ‫وربما تكون نلظرة اكنط‬

‫تم توظيف‬ ‫واملعرفية الّيت قام بها اكنط‪ّ ،‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفكرية‬ ‫اتلأمالت‬
‫ّ‬
‫لك ٰهذه ّ‬ ‫وبعد‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫فلســفته خلدمة األفاكر اإلحلادية؛ يلجعلوا منها أساســا لإلحلاد املعارص‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ٰ‬
‫واســتنادهم يف ذلك ىلع ما قدمه من عجز العقل عن الربهنة ىلع وجود اهلل‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬تعاىل ‪ -‬عن طريق األدلّة اليت اعتمد عليها احلكماء؛ ٰ‬
‫ولهذا قالوا عنه بأنه‬
‫ٰ‬ ‫ّ‬
‫أسس ملقولة موت اإلل قبل نيتشه (‪ (**))Friedrich Nietzsche‬وما تبعه من‬
‫األملاين شوبنهاور (‪- 1788‬‬ ‫ّ‬ ‫طرح يف اإلحلاد املعارص؛ ٰ‬
‫ولهذا جند الفيلســوف‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫‪226‬‬
‫الفلسيف‬ ‫يقرر أن أكرب خدم ٍة أسداها اكنط للفكر‬ ‫‪ 1860‬م) املعروف بإحلاده‪،‬‬
‫ّ‬
‫يه اتلفرقــة اليت أقامها بني الظاهرة والــيء يف ذاته‪[ .‬زكريــا إبراهيــم‪ ،‬كانــط أو‬
‫ّ‬
‫النقدية‪ ،‬ص ‪]243‬‬ ‫الفلسفة‬

‫تم توظيف فلسفة اكنط خلدمة األفاكر اإلحلاديّة‬ ‫كن ّ‬


‫احلق أن ال نقول ّ‬ ‫ول ٰ ّ‬
‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٰ‬
‫فلسيف‬ ‫معريف‬ ‫تأســيس‬
‫ٍ‬ ‫وحســب‪ ،‬بل يه يف الواقع كذلك‪ ،‬فيه عبارة عن‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الربهاين ومبادئه من‬ ‫لإلحلاد؛ ألن صاحبنا ماذا يأمل عندما أســقط العقل‬

‫)*( فيلسوف دانماريك تنسب ايله مدرسة الفلسفة الوجودية املؤمنة‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫لغوي‪ ،‬وناقد‬ ‫وشاعر وملح ٌن‬
‫ٌ‬ ‫)**( فريدريش فيلهيلم نيتشه (‪ 1900-1844‬م) فيلسوف أملاين‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ٰ‬ ‫ٌّ‬
‫ثقايف‪ .‬وصاحب املقولة الشــهرية بـ(موت اإلل)‪ ،‬وهو من املتأثرين بفلسفة اكنط‪ ،‬وبعد أن‬
‫ٰ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ٰ‬
‫حبزن أوصله إىل حد اجلنون حزنا ىلع إله اذلي أعلن موته‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أعلن موت اإلل أصيب‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫ةيفسلفلاو ةيفرعملا طناك ءارآ‬

‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬


‫فلســفية لألجيال اليت تليه‬ ‫العليم؟! وماذا يأمل من تر ِك ِه رســالة‬ ‫ّ‬ ‫االعتبار‬
‫ًّ‬ ‫ُ‬
‫عقليا ىلع وجود اهلل تعاىل؟!‬ ‫مفادها ال ديلل‬
‫ّ‬
‫يقول أحد ابلاحثــن الغربيّني املعارصين عن انلتائــج اليت وصل إيلها‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املعريف الي قام اكنط‬ ‫انلظري‪« :‬بالرغم من أن املوقف‬ ‫اكنط بعد نقده للعقل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بتطويره يف (نقد العقل املحض) يديع أن وجود اهلل سؤال مفتوح‪ ،‬إل أن ٰهذا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫منفصل عن مؤلفات اكنط األخرى ‪-‬‬ ‫ٍ‬ ‫بشــل‬
‫ً ٍ‬ ‫باألخص إذا تناونلاه‬ ‫املوقف ‪-‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫إماكنية الوصول‬ ‫متأصلة‪ .‬إن إرصاره اجلازم بعدم‬ ‫يالئم بسهول ٍة نظرة إحلاديّة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الطبيعية املاديّة‪،‬‬ ‫العلمية بوجود اهلل من خالل مناهج العلــوم‬ ‫إىل املعرفــة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫يبدو أقل رضرا من انلاحية الفلسفية حني ننظر إيله يف ضوء اتلأكيد ىلع أن‬
‫ّ‬ ‫املوضويع يه تلك الّيت ّ‬ ‫ّ‬
‫يؤمنها العلم املاد ّي»‬ ‫ّ‬ ‫العلمية الوحيدة بالوجود‬ ‫املعرفة‬
‫واالغ�اب‪ ،‬ص ‪ 46‬و‪.]47‬‬ ‫ت‬ ‫[ماس� ُسن‪ ،‬اإللحاد‬
‫ت‬

‫ّ‬ ‫مصدرا ًّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫وبعد أســطر قليل ٍة ِّ‬
‫مهما تتغذى‬ ‫ماسرتسن بأن اكنط صار‬ ‫يرصح‬ ‫ٍ‬
‫ٰ‬
‫ىلع مبانيــه املذاهب اإلحلادية من خــال إرصاره ىلع حتجيم العقل؛ ولهذا‬ ‫ّ‬
‫‪227‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خصب من اإلهلام‬ ‫مصدر‬ ‫نظرية اكنط حــول املعرفة أنها‬ ‫يقول‪« :‬قد أثبتت‬
‫والوضعية اإلحلاديّني» [المصدر السابق]‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ألشاكل خمتلف ٍة من مذهيب الطبيعة‬ ‫ٍ‬
‫الغــريب ّ‬
‫ّ‬ ‫ٰهكذا ّ‬
‫برمته بإقدام اكنط ىلع حتجيم‬ ‫تعزز احلال وتقهقر الفكر‬
‫أحاكم العقل‪ ،‬وجعلها غري ّ‬
‫معب ٍة عن حقيقة األشياء وواقعها‪.‬‬

‫ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬


‫الكانطية‬ ‫تحليلية لمجريات األحداث‬ ‫سادسا‪ :‬قراءة‬

‫الغريب ـ بعد أحداث اكنط انلقديّة ـ يف أزم ٍة عميق ٍة‪ ،‬حيث‬‫ّ‬ ‫سقط الفكر‬
‫ّ‬ ‫ٰ‬ ‫ٌ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫لــم ي َعد بعدها للرموز والعالقات اإلدراكية فائدة تذكر؛ وذلك ألن صاحبنا‬
‫ّ‬
‫فكري ّ‬
‫ٍّ‬ ‫ِّ‬ ‫لم يكن نقده لفكرة ّ‬
‫ملذهب‬
‫ٍ‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬ ‫معي‬
‫ٍ‬ ‫لكتاب‬
‫ٍ‬ ‫أو‬ ‫بعينه‬ ‫ر‬
‫ٍ‬ ‫ملفك‬ ‫معين ٍة أو‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ما‪ ،‬بل إنه نقض األساس الي تنهض به األمم‪.‬‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫مجلة الدليل ‪ /‬العدد السادس‬

‫َ ّ‬ ‫إن ّ‬‫ّ‬
‫قوة العقل ومبادئها اليت اكتشف أرسطو طاليس رموزها‪ ،‬واعتىن بها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ثم ّ‬
‫تم توثيقها‬ ‫للبرشي ِة مجعاء‪ ،‬ومن ّ‬ ‫ذهب‬
‫ٍ‬ ‫خري اعتناءٍ‪ ،‬وقدمها ىلع َطبَ ٍق من‬
‫وتوجيهها من قبل الفالسفة املسلمني ىلع حنو اتلأسيس واتلوسيع واملمارسة؛‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫اكنت يه املــزان الي حتتَ ِكم إيله اخلصوم‪ ،‬وهو املنهج الي يســتند إيله‬
‫ّ‬ ‫ٰ‬ ‫ّ‬
‫املعرفية ىلع الوجود‪،‬‬ ‫للعقل الســيادة‬
‫ِ‬ ‫طلب احلقيقة‪ ،‬ومن ذلك العرص اكن‬
‫حت جاء وقت اكنط وأفقد‬ ‫وباخلصوص املحجوب منه عن أنظار اإلنســان‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العقلية السند‪ ،‬وقلب االرتكازات واألسس اليت انطلق منها‬ ‫إماكن املعرفة‬
‫ّ‬ ‫الفكر األرسطي ً‬
‫عقب‪ ،‬وأصبح الفكر هو الي يصنع العالم‪ ،‬بعد‬ ‫ٍ‬ ‫رأسا ىلع‬
‫ّ‬
‫أن اكن العالم هو الي يصنع الفكر‪[ .‬انظر‪ :‬كانط‪ ،‬نقد العقل المحض‪ ،‬ص ‪]37‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املســؤويلة اكملة ملا آلــت إيله أمور املعرفة يف الغرب‬ ‫يتحمل اكنط‬ ‫وال‬
‫ّ ً‬ ‫ّ‬ ‫ٰ‬ ‫ّ‬
‫مهيأة‬ ‫األرضية‬ ‫وحسب‪ ،‬وإنما اكن دوره منقطع انلظري؛ وذلك بعد أن وجد‬
‫ّ‬
‫الربهاين‪،‬‬ ‫أمامه لقلب املفاهيم‪ ،‬عندها قام بمعوهل بدفن الفلســفة والعقل‬
‫ّ‬
‫عقل؟ إنه‬ ‫راية كتب عليها‪ :‬اآلن بدأ عرص العقل واتلنوير‪ .‬ولٰكن ّ‬
‫أي‬
‫ً‬
‫ورفع‬
‫ٍ‬ ‫‪228‬‬
‫ّ ٰ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫العقل اتلابع وليس املتبوع‪ ،‬العقل المنقاد للحس واتلجربة‪ .‬أدى ذلك إىل‬
‫بشلك من األشاكل‪.‬‬ ‫ّ‬
‫والعلمانية‬ ‫ّ‬
‫والالدينية‬ ‫فتح ابلاب ىلع مرصاعيه لإلحلاد‬
‫ٍ‬
‫ّ ّ‬
‫الفلسفية اليت ظهرت بعد اكنط يف القرن اتلاسع عرش‪،‬‬ ‫فلم تكن املذاهب‬
‫تي ٌ‬ ‫ّ‬
‫سطحية يتدفق من حتتها ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ار‬ ‫موجات‬
‫ٍ‬ ‫واليت نادى بها شوبنهاور ونيتشه إل‬
‫ً‬ ‫ً ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫مكني هو ّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌّ‬
‫ســاع‬ ‫الاكنطية الي ما يزال يزداد عمقا وات‬ ‫تيار الفلســفة‬ ‫قوي‬
‫حت يومنا ٰهذا‪.‬‬ ‫ّ‬

‫ً‬ ‫ّ‬
‫واحد من‬
‫ٍ‬ ‫مستوى‬ ‫وما نريد اإلشــارة إيله هنا هو أن امللحدين ليسوا ىلع‬
‫ً‬ ‫ٌ ًّ‬ ‫ّ‬
‫املنطيق‪ ،‬بل عقوهلم متفاوتة شدة وضعفا‪ ،‬وأغلبهم لم يدرس قواعد‬ ‫اإلدراك‬
‫ّ‬
‫عملية‬ ‫ماهية اتلفكــر وحقيقته‪ ،‬وكيف ّ‬
‫تتم‬ ‫ّ‬ ‫اتلفكري الصحيح‪ ،‬ولم يعرف‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫ةيفسلفلاو ةيفرعملا طناك ءارآ‬

‫أفاكر أخرى‪ .‬وعليه ال‬


‫ٍ‬ ‫االنتقال من األشــياء إىل األفاكر‪ ،‬أو من األفــار إىل‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ودب ّ‬ ‫هب ّ‬ ‫ّ‬
‫للك َمن ّ‬
‫االطالع ىلع فلسفة اكنط اليت لكها تعقيد وغموض‪.‬‬ ‫يمكن‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫نعم‪ ،‬أهل االختصاص الين يأنســون باملعقول هم َمن يستطيعون الغ ْو َر يف‬
‫ٰهذه املفاهيم واألحاكم‪ ،‬واتلميزي بني ّ‬
‫اجليد والرديء منها‪.‬‬
‫َّ‬ ‫إذن ملاذا ّ‬
‫نتهم اكنط بأن آراءه يه الســبب الرئيس وراء انتشــار ظاهرة‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ألغــازا‪ ،‬وال تفهم إل من أهل االختصاص‪،‬‬ ‫اإلحلاد املعارص‪ ،‬إذ اكنت لكها‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وهم فئة قليلة بطبيعة احلال؟‬

‫ديلل عق ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫ٰ‬


‫يل ىلع وجود اهلل‬ ‫بعدم وجود ٍ‬ ‫اجلواب عن ذلك هو أن ترصيح اكنط‬
‫ًّ‬
‫إيمانية‬
‫ً ًّ‬
‫دينية‬ ‫مجوع من البسطاء ّالين لم ّ‬
‫يرتبوا تربية‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -‬تعاىل ‪ -‬يكيف إلحلاد‬
‫ٍّ‬ ‫ٰ‬ ‫ًّ‬
‫فكري‪ ،‬ومعرفة قواعد اتلفكري‬ ‫جهد‬
‫عقلية‪ ،‬حيث ال حتتاج هذه املقولة إىل ٍ‬
‫ســيد املوقف‪ّ .‬‬
‫ولما اكنت‬ ‫ّ‬ ‫لفهمها‪ .‬وعندها يكون اتلقليد يف مســألة اإلحلاد‬
‫مزنلة اكنط وشهرته بعد كتابه (نقد العقل املحض) كشـهرة اغيللو أو نيوتن‬
‫‪229‬‬ ‫يف الفزيياء‪ ،‬وكشــهرة داروين يف علم األحياء‪ ،‬اكن ٌ‬
‫كثري من انلاس يقرؤون‬
‫ّ‬ ‫وال يناقشــون‪ ،‬ومن الطلبة ً‬
‫أيضا يدرسون وال يشلكون‪ .‬وبعبار ٍة أخرى‪ :‬إن‬
‫ّ‬
‫املقدمات؛ ٰ‬ ‫ّ‬
‫ولهذا‬ ‫أغلب امللحدين ســلموا بانلتائج دون الرجوع إىل مناقشة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتخصصني يف الفلســفة واملنطق والفزيياء‬ ‫يقول أحــد املفكرين‪ :‬إن غري‬
‫لك األدلّة ىلع الوجود اإلل ٰ ّ‬
‫يه‪ ،‬فهم يف احلقيقة‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫مثل حينما يعتقــدون بانهدام‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫أشخاص يطمئنون ألحاكمهم‪ ،‬ويثقون بأفاكرهم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫حرصا ىلع أقوال‬ ‫يعتمدون‬
‫صية الاكفية لفحص ٰهذه املقولة ومعرفة‬ ‫ّ‬
‫اتلخص ّ‬ ‫دون أن يكون دليهم املعرفة‬
‫ختوهلم ّ‬ ‫ّ‬
‫املؤهالت اليت ّ‬ ‫ّ‬
‫فإن ّ‬ ‫حقيقتها؛ ٰ‬
‫ابلت‬ ‫اعمة امللحدين ال يملكون‬ ‫ولهذا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٰ‬
‫والفلســفية بالقدر الاكيف‪.‬‬ ‫املنطقية‬ ‫بذلك؛ ألنها تتوقف ىلع امتالك املعرفة‬
‫[نارص‪ ،‬اإللحاد أسبابه ومفاتيح العالج‪ ،‬ص ‪ 73‬و‪]74‬‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫مجلة الدليل ‪ /‬العدد السادس‬

‫رصح بها اكنط ‪ -‬واكنت سهلة املؤنة واملعرفة عند‬‫وانلتيجة األخرى الّيت ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫احلس واتلجربة ملعرفة الواقع‪ ،‬وليس العقل إل‬ ‫اجلميع ‪ -‬أن اإلنسان يملك‬
‫حمدود حبدود العالم ّ ّ‬
‫احلس‪.‬‬
‫ٌ‬
‫وحتليل‪ ،‬وهو‬ ‫وترتيب‬ ‫تنظيم‬
‫ٍ‬ ‫أداة‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ٰهــذه انلتيجة فيما ُ‬
‫ســواء امللحد أو املؤمن ‪-‬‬ ‫بعد صار يتلقفها اجلميع ‪-‬‬
‫تم تشــكيل املنظومة‬ ‫يف املدارس واجلامعــات لقرون من الزمن‪ ،‬ومن هنا ّ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ميتافزييقي ٍة‬ ‫قضي ٍة‬ ‫قابلية ّ‬
‫أي‬ ‫والســلوكية املاديّة القائمة ىلع رفض‬ ‫ّ‬
‫الفكرية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العلميني؛ ألن معىن العلم أصبح هو لك ما يرتكز ىلع‬ ‫لإلثبــات واتلصحيح‬
‫ّ‬
‫والمتدي ن‬
‫ن�‪ ،‬ص ‪]37‬‬ ‫ّ‬
‫العقالنية ن‬
‫ب� الملحدين‬
‫ّ‬
‫احلس واتلجربة‪[ .‬انظر‪ :‬نارص‪ ،‬تجاذب‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األمر اآلخر الي ال بد من اإلشــارة إيلــه يف ٰهذه الصفحات وحتت ٰهذه‬
‫ّ‬
‫الفقرة باخلصوص‪ ،‬يه مسألة اتلفكيك بني العقل وادلين اليت قام بها اكنط‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫فيه مســألة مشــابهة للتفكيك ما بني ادلين من جه ٍة وما بني إدارة ادلولة‬
‫بكل ّ‬ ‫ّ‬ ‫الع ّ‬ ‫ّ‬
‫فإن َ‬
‫قوة إلقصاء ادلين من‬ ‫لمانية)*( سعت‬ ‫واملجتمع من جه ٍة أخرى‪،‬‬
‫دين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪230‬‬
‫حمافل احلياة‪ ،‬وحرصته يف زاوي ٍة ضيق ٍة‪ ،‬وبعد أن أقامت احلياة ىلع غري ٍ‬
‫ّ‬
‫أي أنها فصلت ادلين عن احلياة‪ ،‬جعلت انلاس تلهث وراء ادلنيا‪ ،‬ورصفتهم‬
‫عن االهتمام باآلخرة‪ ،‬وباتلايل ضعف اإليمان ‪ -‬إذا لم نقل مات ‪ -‬يف نفوس‬
‫األورب ّية املعارصة ىلع عبادة اهلوى وحتكيمه من دون‬
‫ّ‬ ‫انلاس؛ ذلا قامت احلياة‬
‫ٰ‬ ‫الرجوع إىل اهلل تعاىل‪ ،‬فلم ُ‬
‫تعد حاجة إىل اإلل يف حياتهم‪.‬‬
‫ّ‬
‫انلتيجة املرتتبة ىلع اتلفكيك ما بني ادليــن وإدارة املجتمع‪ ،‬يه اندثار‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ملحدا‬ ‫ادلينية بمرور الوقت‪ ،‬وعندها أصبح اإلنسان بني أن يكون‬ ‫العقيدة‬
‫ً‬
‫منكرا لألديان‪.‬‬ ‫أو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ص ‪.21‬‬ ‫وتطورها وآثارها يف احلياة‬ ‫العلمانية نشأتها‬ ‫)*( انظر تفصيل املصطلح‪ :‬احلوايل‪،‬‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫ةيفسلفلاو ةيفرعملا طناك ءارآ‬

‫ّ‬ ‫ٰ‬
‫كذلك احلال ال خيتلف من حيث انلتائج اليت حصدها املجتمع بســبب‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫نموذجا من اإليمان‬ ‫اتلفكيــك ما بني ادلين والعقل‪ ،‬بعد أن قدم نلــا اكنط‬
‫الضعيف اهلزيل‪ ،‬اكلطفل ايلتيم ّالي ال حول وال ّ‬
‫قوة هل‪ ،‬حيث جعله فقري‬
‫ّ‬ ‫ابلنية ال ّ‬
‫يتكئ ىلع ِداعم ٍة تسنده أمام الشبهات واإليرادات اليت يمكن أن ترد‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫عليه من العابثني واملشككني‪.‬‬
‫ّ‬
‫جي ًدا جند أن اتلفكيك ما بني ادلين وإدارة املجتمع‪ ،‬يرجع‬ ‫وإذا ما ّ‬
‫تأملنا ّ‬

‫يف حقيقة األمر والواقع إىل اتلفكيك ما بني العقل وادلين!‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بعد لك ٰهذه املآيس اليت جرت‪ ،‬والويالت اليت وقعت ىلع العقل وادلين‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وانلتائج الّيت وصل إيلها اكنط يف نقده ّ‬
‫األول من كتابه الضخم العميق الي‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫حي العقول يف فهمه‪ ،‬فضل عن اتلصديق به‪ ،‬نسأل هل حتقق ُحلم صاحبه‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫وهو إنقاذ العلم واإليمان من معاول الشك واحلرية؟‬
‫ّ‬ ‫ديورانت يف ّ‬
‫َ‬
‫‪231‬‬ ‫قصته عن الفلســفة‪ ،‬فيقول‪« :‬لقد حدد اكنط‬ ‫جييب ِويلم‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫العلم وحرصه يف اعلم الظواهر‪ ،‬فإن تغلغل إىل بلاب األشــياء وحقيقتها زل‬
‫ٰ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن ّ ّ‬ ‫فهكذا أنقذ العلم! ّ‬ ‫وأخطأ‪ٰ ،‬‬
‫إل‬
‫حرية الروح وخلودها‪ ،‬وأن وجود ٍ‬ ‫ثم زعم‬
‫مما يســتعيص ىلع العقل أن يقيم عليه ادليلل‪ٰ ،‬‬
‫وبهذا أنقذ ادلين! وال‬ ‫خالق ّ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عجب أن رجال ادلين يف أملانيا رفضوا االنقــاذ (املزعوم) واحتجوا عليه‪،‬‬
‫ٌّ‬
‫وأرادوا أن ينتقموا ألنفســهم من الفيلســوف (أي‪ :‬من اكنط)‪ ،‬فأطلق لك‬
‫ديورانــت‪ّ ،‬‬
‫قصــة الفلســفة‪ ،‬ص ‪.]347‬‬ ‫منهم ىلع لكبه اســم (إمانويل اكنط)» [وليــم َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ثم يقــول‪« :‬وال غرابة إن أقام هيين (‪ )Heini‬مقارنــة ما بني اكنط انلحيل‬
‫َّ‬ ‫ابلنيــة الضعيف‪ ،‬وبني روبســبري ّ‬
‫املروع املخيف‪ ،‬فقال‪ :‬إن روبســبري لم‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫آالف قليل ٍة من الفرنســيّني ‪ -‬ويه جريمة‬ ‫ً‬
‫يقتــل إل ملك واحدا‪ ،‬وبضعة ٍ‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫مجلة الدليل ‪ /‬العدد السادس‬

‫ٰ‬ ‫األملاين ‪ّ -‬‬


‫ّ‬
‫أما اكنط فقد قتــل اهلل (تعاىل عن ذلك‬ ‫قد يتســامح فيها الرجل‬
‫ّ‬ ‫كبريا)‪ّ ،‬‬
‫ً‬ ‫ًّ‬
‫وقوض أعظم األراكن وادلاعئم اليت يقوم عليها بناء الالهوت»‬ ‫علوا‬
‫[المصدر الســابق‪ ،‬ص ‪.]347‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويف ّ‬
‫قص ٍة أخرى مشابه ٍة تللك‪ ،‬يتلكم أحد املفكرين عن خطر أفاكر اكنط‬
‫ّ ّ‬
‫كبري ما بني حياة ٰهذا الرجل ‪ -‬ويقصد‬ ‫أن اخلالف ٌ‬ ‫ّ‬
‫ادلينية‪ ،‬إذ بي‬ ‫ىلع العقيدة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اخلارجية‪ ،‬وبني أفــاره اهلدامة اليت زلزلت العالــم ! فلو اكن أهل‬ ‫اكنــط ‪-‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كونســرج (املدينة اليت ودل ومات فيها اكنط) قد قدروا لك ما يستتبع أفاكره‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫وهلعــا) لوجود ٰهذا الرجل بينهم أكرث‬
‫ً‬ ‫فزعوا خوفا‬ ‫خطر‪ ،‬الرتاعوا (أي ل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫مــن‬
‫ٰ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫البرشية‪ ،‬ولكن اكن انلاس من الطيبة‬ ‫من خوفهم سفاك ال يقتل إل الاكئنات‬
‫أستاذا للفلسفة‪ ،‬إذا ما خرج يف ساعته املحدودة ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫هزوا هل‬ ‫حبيث لم يروا فيه إل‬
‫حييونه ّ‬
‫حتية الصداقة‪[ .‬زك نجيب محمود‪ّ ،‬‬
‫قصة الفلسفة الحديثة‪ ،‬ص ‪]296‬‬
‫رؤوسهم ّ‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫صحيح ويف اغية ادلقة‪ ،‬فإن خطر األفاكر أشد من خطر‬ ‫نعم‪ ،‬لك ما ذ ِكر‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫فلهؤالء ٌ‬ ‫الطغــاة؛ ٰ‬
‫‪232‬‬
‫املحدق بأهل قري ٍة‬
‫ِ‬ ‫الــر‬ ‫وقت يزولون فيه‪ ،‬ويزول معهم‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ما أو مدينــة‪ّ ،‬‬
‫وأما األفاكر فيه اخلطر ابلايق الي ال حدود جغرافية هل‪ ،‬وال‬ ‫ٍ‬
‫ٰ‬ ‫ٌ‬
‫زمان ما‪ ،‬بل يه اعبرة للحدود واألزمان‪ ،‬والشــاهد ىلع ذلك هو‬ ‫ٍ‬ ‫ينحرص يف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كتابــة ٰهذا ابلحث املتواضع الي بني أيديكم؛ إذ جاء يف ســياق اتلصدي‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫قرون من الزمن وصلت إيلنا‬
‫ٍ‬ ‫نر ُه من قبل‪ ،‬وإنما أفاكره وبعد‬
‫ألفاكر شخص لم َ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫ىلع الرغم من بُعد املسافة اليت بيننا!‬
‫ّ‬
‫املاديّة علينا‪ ،‬حتمل يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫طياتها‬ ‫نظرية املعرفة اليت تفرضها االهتمامات‬ ‫إن‬
‫جدا‪ ،‬وأُرجع الفضل يف ٰذلك للفيلسوف اكنط ً‬ ‫ً ًّ‬ ‫ًّ‬
‫أيضا يف‬ ‫ِ‬ ‫أخالقية خطرية‬ ‫نتائج‬
‫ّ‬ ‫الرش ّ‬
‫مفــر من دفعه ٰلهذا ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫احلقيقية‪.‬‬ ‫لما اعترب املعرفة‬ ‫مالحظة اثلمن الي ال‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الضمين‪،‬‬ ‫األخاليق‬ ‫العملية يستتبع تأثريه‬ ‫إن حرص اإلدراك الصحيح باألمور‬
‫ُ‬ ‫ّ ّ‬
‫اإلنســانية‪ .‬إن ثمن ما أط ِلق عليه "املعرفة‬ ‫وهو جتريد اإلنســان من صفاته‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وحر ّيتنا‬ ‫أن رؤيتنا وفهمنا لألشــياء لم يعودا يضمنان نلا ّ‬
‫هويتنا ّ‬ ‫احلقيقية" هو‬
‫ونظم حياتنا‪ .‬بل ىلع العكس ُحكم علينــا أن نعاين من اتلوتّر ادلاخ ّ‬
‫يل بني‬
‫ٌّ‬
‫حتمية؟ ص ‪]16‬‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫اإلدراك واهلوية‪[ .‬انظر‪ :‬سميث‪ ،‬لماذا الدين �ض ورة‬

‫متشــائما ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫مما جرى ىلع انلاس من‬ ‫يبــدو أن صاحب الكالم أعاله اكن‬
‫ٰ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫احلقيقية)‪ ،‬وذلك من‬ ‫تالعب يف أفاكرهم؛ بســبب ما أط ِلق عليه (املعرفــة‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خالل الرتويج للمعرفة احلسية ورفعها ىلع العرش‪ ،‬وحرص إماكن املعرفة بها‬
‫تم إبعاد اإلنســان عن حقيقته ُ‬
‫وبعده‬ ‫ثم ّ‬
‫واعتبارهاي مصدر احلقيقة‪ ،‬ومن ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرويح‪ ،‬كما ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املسؤويلة ىلع اعتق اكنط‪ ،‬وهم يدفعون‬ ‫محل املتلكم‬ ‫اإلنســاين‬
‫حت الساعة‪.‬‬ ‫ثمن خطوته ٰهذه ّ‬

‫إىل هنا نرجو من ابلاري ‪ ‬أن نكون قد أوصلنا ما نريد إيصاهل إىل طالب‬
‫ّ‬
‫املعرفية لفالسفة الغرب بسهول ٍة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫احلق واحلقيقة‪ ،‬وأن ال خيضع إىل األسس‬
‫ّ‬
‫بل ال بد عليه من الفحص ادلقيق‪ ،‬واتلقييم الصحيح‪.‬‬

‫ٌ‬
‫خاتمة‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫اإلحلاد آفــة تنخر عقول األمــم‪ ،‬وتنهك قواهم‪ ،‬فيه مشــلة خطرية‬
‫ٰ‬ ‫ّ‬
‫تســتديع اتلصدي هلا والوقوف أمام انتشارها‪ ،‬وذلك يكون حبسب الوسائل‬
‫جيد يف نفسه القدرة ىلع ّ‬
‫للك شخص ُ‬ ‫ّ‬
‫اذلب عن حياض ادلين واإليمان‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫املتاحة‬
‫خبالق الكون‪ .‬وىلع ٰهذا األســاس جاءت ٰهــذه املقالة‪ ،‬ويف خطو ٍة أوىل ذات‬
‫أهم األســباب الّيت رصفت ً‬
‫كثريا من انلاس عن‬ ‫ّ‬
‫ارتكازي ٍة‪ ،‬ويه بيان ّ‬ ‫أهم ّي ٍة‬
‫ّ‬
‫مجلة الدليل ‪ /‬العدد السادس‬

‫ّ‬
‫واملجتميع‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الفردي‬ ‫ّ‬
‫والغييب‪ ،‬وباتلايل اتلأثري ىلع سلوكهم‬ ‫ّ‬
‫املعنوي‬ ‫بعدهم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والفلســفية اليت تمثلت بآراء املفكر‬ ‫املعرفية‬ ‫وقد اتضح أن األســباب‬
‫الغريب إمانويل اكنط اكن هلا الســبق يف ٰهذا السياق‪ ،‬ودورها ّ‬
‫املهم يف تشكيل‬ ‫ّ‬
‫وحتديد‬ ‫تعطيل‬ ‫ّ‬
‫عملية‬ ‫املنظومة اإلحلاديّــة اخلاوية بطبيعة احلال‪ ،‬من خالل‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬
‫الربهاين‪ ،‬وإبعاده عن الرئاســة والقيــادة يف املعرفة‪ ،‬وإعطاء‬ ‫ممنهج ٍة للعقل‬
‫قيدت ٰهذه اآلراء ّ‬ ‫أيضا كيف ّ‬ ‫ٰ‬
‫ابلديل القارص عن ذلك)*(‪ .‬كما اتّضــح ً‬
‫أهم‬
‫العلية وسلبته اإلطالق يف الصدق‪ ،‬وجعلته‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫انلظري‪ ،‬كقانون‬ ‫مبادئ العقل‬
‫ّ‬ ‫يعد من ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬
‫أهم القوانني اليت‬ ‫خمتصا بعالم الظواهر واألشياء املحسوسة‪ ،‬والي‬
‫ّ‬
‫امليتافزييقية‪ .‬فال يمكن ٰلهذا القانون‬ ‫ترتكز عليها ظاهرة اتلديّن واملعرفــة‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫العليم‪ ،‬وال يف‬ ‫ابلديه يف فلســفة اكنط أن يكون واســطة‪ ،‬ال يف اإلثبات‬
‫ّ‬
‫الواقيع يف الفلسفة األوىل وما وراء الطبيعة‪.‬‬ ‫اثلبوت‬
‫ًّ‬
‫نظريا أمام ّ‬ ‫ّ‬
‫أي حماولة إثبات عقيل للوجود‬ ‫إن حماولة اكنط أغلقت ابلاب‬
‫اإلل ٰ ّ‬
‫ّ‬
‫‪234‬‬
‫الطبييع‪ .‬ومن هنا ينبيغ‬ ‫ــي‪ ،‬فدعمت موقف املالحدة وأصحاب ادلين‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مة تلقييم ٍّ‬‫ّ ً‬
‫الاكنطية‬ ‫وشــامل للك املحاولة‬
‫ٍ‬ ‫اعم‬ ‫ٍ‬ ‫أن تكون ٰهذه الصفحات مقد‬
‫االتاه ّالي ّ‬‫ّ‬
‫حناه اكنط‪،‬‬ ‫بنحو يكشــف السبب الاكمن وراء‬‫ٍ‬ ‫يف امليتافزييقا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتمهد الطريق ملعاجلة االتلباسات اليت حتيط بدور العقل وقيمته وأحاكمه‪.‬‬

‫ّ‬
‫اتلجرييب‪.‬‬ ‫)*( املنهج ّ ّ‬
‫احلس‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫ةيفسلفلاو ةيفرعملا طناك ءارآ‬

‫‪235‬‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫مجلة الدليل ‪ /‬العدد السادس‬

‫قائمة المصادر‬
‫‪1 .1‬إبراهيميان‪ ،‬الســيد حســن‪ ،‬نظرية املعرفة‪ ،‬ترمجة فضيل اجلزائري‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫مؤسسة أم القرى للتحقيق والنرش‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 2004 ،‬م‪.‬‬

‫‪2 .2‬ألن و‪ .‬وود‪ ،‬اكنط‪ ،‬ترمجــة بدوي عبد الفتاح‪ ،‬القاهرة‪ ،‬املركز القويم للرتمجة‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪ 2014 ،‬م‪.‬‬

‫‪3 .3‬بدوي‪ ،‬عبد الرمحٰن‪ ،‬إمانويل كنت‪ ،‬الكويت‪ ،‬واكلة املطبواعت‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪ 1977‬م‪.‬‬

‫‪4 .4‬بدوي‪ ،‬عبد الرمحٰن‪ ،‬موسوعة الفلســفة‪ ،‬إيران‪ ،‬ذوي القرىب‪ ،‬الطبعة اثلانية‪،‬‬
‫‪1429‬هـ‪.‬‬

‫‪5 .5‬ابلغدادي‪ ،‬ع ّز ادلين بن حممّد‪ ،‬بيان الفساد يف مغالطة اإلحلاد‪ ،‬العراق‪ ،‬مطبعة‬
‫املزيان‪ ،‬الطبعة اثلانية‪ 2017 ،‬م‪.‬‬

‫‪6 .6‬احلنيف‪ ،‬عبد املنعم‪ ،‬املعجم الشــامل ملصطلحات الفلســفة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة‬
‫مدبويل‪ ،‬الطبعة اثلاثلة‪ 2000 ،‬م‪.‬‬

‫‪7 .7‬احلوايل‪ ،‬ســفر بن عبد الرمحٰن‪ ،‬العلمانية نشــأتها وتطورهــا وآثارها يف احلياة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬السعودية‪ ،‬دار اهلجرة‪.‬‬ ‫‪236‬‬
‫قصة احلضــارة‪ ،‬حممد بدران‪ ،‬بلنــان‪ ،‬دار اجليل‪،‬‬
‫‪8 .8‬ديورانــت‪ ،‬ويلم وايريل‪ّ ،‬‬
‫الطبعة‪ 1988 ،‬م‪.‬‬

‫قصة الفلسفة‪ ،‬فتح اهلل حممد‪ ،‬مكتبة املعارف‪ ،‬الطبعة‬


‫‪9 .9‬ديورانت‪ ،‬ويلم وايريل‪ّ ،‬‬
‫السادسة‪ 1988 ،‬م‪.‬‬

‫‪1010‬زكريــا إبراهيم‪ ،‬اكنط أو الفلســفة انلقدية‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬مكتبة مرص‪ ،‬الطبعة‬


‫اثلانية‪ 1972 ،‬م‪.‬‬

‫‪1111‬زيك جنيب حممود‪ ،‬قصة الفلسفة احلديثة‪ ،‬مرص‪ ،‬جلنة اتلأيلف والرتمجة والنرش‪،‬‬
‫‪ 1936‬م‪.‬‬

‫‪1212‬زيك جنيب حممود‪ ،‬موقف من امليتافزييقا‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الرشوق‪ ،‬الطبعة الرابعة‪،‬‬
‫‪ 1993‬م‪.‬‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫ةيفسلفلاو ةيفرعملا طناك ءارآ‬

‫‪1313‬زيك جنيب حممود‪ ،‬نظرية املعرفة‪ ،‬مرص‪ ،‬مطابع وزراة اإلرشاد القويم‪ ،‬الطبعة‪،‬‬
‫‪ 1956‬م‪.‬‬

‫‪1414‬زينب عبد العزيز‪ ،‬اإلحلاد وأســبابه الصفحة الســوداء للكنيسة‪ ،‬سوريا‪ ،‬دار‬
‫الكتاب العريب‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 2004 ،‬م‪.‬‬

‫‪1515‬ســمیث‪ ،‬هوسنت‪ ،‬ملاذا ادلين رضورة حتمية؟ ســعد رستم‪ ،‬سوريا‪ ،‬دار اجلسور‬
‫اثلقافية‪ 2005 ،‬م‪.‬‬

‫‪1616‬الشــرازي‪ ،‬حممّد بن إبراهيم‪ ،‬احلكمة املتعايلة يف األســفار العقلية األربعة‪،‬‬


‫إيران‪ ،‬منشورات طليعة انلور‪ ،‬الطبعة اثلانية‪ 1435 ،‬ـه‪.‬‬

‫‪1717‬الطباطبايئ‪ ،‬حممّدحســن‪ ،‬أصول الفلســفة واملذهب الواقيع (تقديم وتعليق‬


‫العلمة مرتىض مطهري)‪ ،‬عمار أبو رغيف‪ ،‬العراق‪ ،‬املؤسّ ســة العراقية للنرش‬‫ّ‬
‫واتلوزيع‪ ،‬الطبعة‪ 1418 ،‬ـه‪.‬‬

‫‪1818‬الطباطبايئ‪ ،‬حممّدحســن‪ ،‬بداية احلكمة‪ ،‬إيران‪ ،‬مؤسّ ســة النرش اإلساليم‪،‬‬


‫الطبعة اخلامسة والعرشون‪ 1428 ،‬ـه‪.‬‬

‫‪1919‬الطباطبايئ‪ ،‬حممّدحسني‪ ،‬نهاية احلكمة‪ ،‬إيران‪ ،‬مؤسّ سة اإلمام اخلميين للتعليم‬


‫‪237‬‬ ‫وابلحث‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ 1390 ،‬ـه‪ .‬ش‪.‬‬

‫‪2020‬الطويل‪ ،‬توفيق‪ ،‬أســس الفلســفة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة انلهضة‪ ،‬الطبعة اثلاثلة‪،‬‬


‫‪ 1958‬م‪.‬‬

‫‪2121‬الغري‪ ،‬سعد‪ ،‬إقصاء العقل عن احلياة‪ ..‬انلتائج املريرة‪ ،‬بلنان‪ ،‬ومضات للرتمجة‬
‫والنرش‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 2018 ،‬م‪.‬‬

‫‪2222‬غفاري‪ ،‬حســن‪( ،‬نظام اكنط تضييــق دلائرة العقل)‪ ،‬االســتغراب‪ ،‬املركز‬


‫اإلساليم لدلراسات االسرتاتيجية‪ ،‬بريوت‪ ،‬العدد ‪ 2017 ،9‬م‪.‬‬

‫غــر أرشس ملحدٍ رأيــه)‪ ،‬صالح الفضيل‪،‬‬ ‫‪2323‬فلو‪ ،‬أنطــوين‪ ،‬هناك هلإ (كيف ّ‬
‫العراق‪ ،‬دار الكفيل للطباعة والنرش‪ ،‬الطبعة اثلانية‪ 1438 ،‬ـه‪.‬‬

‫‪2424‬اكنط‪ ،‬إمانويل‪ ،‬نقد العقل العميل‪ ،‬اغنم هنا‪ ،‬بريوت‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪ 2008 ،‬م‪.‬‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬


‫مجلة الدليل ‪ /‬العدد السادس‬

‫‪2525‬اكنط‪ ،‬إيمانويــل‪ ،‬مقدمة للك ميتافزييقا مقبل ٍة يمكــن أن تصري علما‪ ،‬نازيل‬
‫إسماعيل وحممد فتيح‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬موفم للنرش‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1991 ،‬م‪.‬‬
‫‪2626‬كَ نْت‪ ،‬إمانويل‪ ،‬نقد العقل املحض‪ ،‬اغنم هنا‪ ،‬بريوت‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪ 2013 ،‬م‪.‬‬
‫‪2727‬كَ نت‪ ،‬إمانويل‪ ،‬نقد العقل املحض‪ ،‬موىس وهبة‪ ،‬بريوت‪ ،‬مركز اإلنماء القويم‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪ 1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪2828‬كوبلســتون‪ ،‬فردريك‪ ،‬تاريخ الفلسفة (الفلســفة احلديثة املجدل السادس)‪،‬‬
‫حبيب الشــاروين وحممود ســيد أمحد‪ ،‬القاهرة‪ ،‬املركز القويم للرتمجة‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪ 2010 ،‬م‪.‬‬
‫‪2929‬ماسرتســن‪ ،‬باترك‪ ،‬اإلحلاد واالغــراب (حبث يف املصادر الفلســفيّة لإلحلاد‬
‫املعارص)‪ ،‬هبة نارص‪ ،‬العراق‪ ،‬املركز اإلساليم لدلراسات االسرتاتيجية‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪ 2017 ،‬م‪.‬‬
‫‪3030‬حممود زيدان‪ ،‬اكنط وفلســفته انلظرية‪ ،‬مــر‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬الطبعة اثلاثلة‪،‬‬
‫‪ 1979‬م‪.‬‬
‫‪3131‬املرصي‪ ،‬أيمن عبــد اخلالق‪ ،‬أصول املعرفة واملنهج العقــي‪ ،‬إيران‪ ،‬أكاديمية‬
‫احلكمة العقلية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 2012 ،‬م‪.‬‬
‫‪3232‬املنياوي‪ ،‬أمحد‪ ،‬مجهورية أفالطون‪ ،‬سوريا‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪238‬‬
‫‪ 2010‬م‪.‬‬
‫‪3333‬نارص‪ ،‬حممد‪ ،‬اإلحلاد‪ ..‬أســبابه ومفاتيح العالج‪ ،‬مؤسســة ادليلل لدلراســات‬
‫وابلحوث العقدية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 2017 ،‬م ‪.‬‬
‫‪3434‬نــارص‪ ،‬حممد‪ ،‬جتاذب العقالنيــة بني امللحدين واملتدينــن‪ ،‬بلنان‪ ،‬ومضات‬
‫للرتمجة والنرش‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 2018 ،‬م‪.‬‬
‫‪3535‬يوسف كرم‪ ،‬تاريخ الفلســفة احلديثة‪ ،‬مرص‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬الطبعة اخلامسة‪،‬‬
‫‪ 1986‬م‪.‬‬
‫‪3636‬يوســف كرم‪ ،‬تاريخ الفلســفة ايلونانية‪ ،‬مرص‪ ،‬مؤسســة هنداوي للتعليم‪،‬‬
‫الطبعة‪ 2014 ،‬م‪.‬‬

‫العدد السادس السنة الثانية خريف ‪2019‬‬

You might also like