Professional Documents
Culture Documents
مصطفى بن بولعيد
مصطفى بن بولعيد
الوطني لقب بـأسد األوراس و أب الثورة ،كان له دور مهم كقائد عسكري في مواجهة االستعمار الفرنسي ،كما كان قائدا سياسيا
يحسن التخطيط والتنظيم والتعبئة كما امتملك رؤية واضحة ألهدافه وألبعاد قضيته وعدالتها ،وكان يتحلى بإنسانية إلى جانب
.تمرسه في القيادة العسكرية والسياسية
محتويات
-حياته
حياته
مصطفى بن بولعيد من مواليد 5فيفري 1917بأريس والية باتنة من عائلة أمازيغية ثرية .تلقى تعليمه األولي على أيدي
شيوخ منطقته فحفظ ما تيسر له من القرآن الكريم وبعد هذا التحصيل تحول إلى مدينة باتنة لاللتحاق بمدرسة األهالي
،.لمواصلة دراسته
الوعي المبكر
وهنا الحظ بن بولعيد سياسة التفرقة والتمييز التي تمارسها اإلدارة االستعمارية بين األطفال الجزائريين وأقرانهم من أبناء
المعمرين .وخوفا من تأثره وذوبانه في الشخصية االستعمارية أوقفه والده عن الدراسة ،لكن طموح الفتى وإرادته في
تحصيل المزيد من العلوم دفعه إلى االلتحاق بمدرسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في أريس وكان يشرف عليها
آنذاك مسعود بلعقون والشيخ عمر دردور ،وفي هذه األثناء كان يساعد والده في خدمة األرض والتجارة غير أن وفاة الوالد
في 7مارس 1935قلبت حياة الشهيد الذي أصبح المسؤول األول عن عائلته وهو في الثامنة عشر من عمره .ونظرا
لمشاهد البؤس اليومية التي كانت تعيشها الفئات المحرومة أسس بن بولعيد جمعية خيرية كان من أول ما قامت به هو بناء
مسجد بآريس للمحافظة على الشخصية الجزائرية وليكون محورا للتعاون والتضامن بين المواطنين ،خاصة التصدي لروح
التفرقة والتناحر بين العروش التي كانت تغذيها اإلدارة االستعمارية وأذنابها للتحكم في العباد واألوضاع وكان نشاط بن
بولعيد االجتماعي عمال إستراتيجيا يرمي من ورائه إلى توثيق اللحمة واألواصر التي تربط بين أبناء المنطقة للتمسك بها
عند الشدائد .في سنة 1937سافر إلى فرنسا واستقر بمنطقة «ميتز» التي تكثر بها الجالية الجزائرية من العمال المحرومين
من كل الحقوق وقد مكنته مواقفه في حل مشاكلهم والدفاع عنهم إلى ترأس نقابتهم .لكن غربته لم تدم أكثر من سنة حيث عاد
بعدها إلى مسقط رأسه وإلى نشاطه األول والمتعلق بالفالحة والتجارة .ومع الوقت تحول محله التجاري إلى شبه ناد يترددـ
عليه شباب المنطقة من أمثال مسعود عقون،ابن حاية وغيرهم للخوض في األوضاع التي كانت تعيشها البالد .في بداية
1939استدعي بن بولعيد ألداء الخدمة العسكرية اإلجبارية وتم تسريحه في 1942نتيجة الجروح التي أصيب بها ثم تم
تجنبده ثانية ما بين سنتي 1943و 1944بخنشلة .بعد تسريحه نهائيا برتبة مساعد عاد إلى الحياة المدنية وتحصل على
.رخصة الستغالل خط نقل بواسطة الحافالت يربط بين أريس وباتنة
وفي هذه األثناء انخرط بن بولعيدـ في صفوف حزب الشعب تحت قيادة مسعود بلعقون وقد عرف بالقدرة الكبيرة على
التنظيم والنشاط الفائق مما دفع بالحزب إلى ترشيحه النتخابات المجلس الجزائري في 1948-04-4والتي فاز بالدور األول
منها لكن اإلدارة الفرنسية لجأت إلى التزوير كعادتها لتزكية أحد المواليين لسياستها .وقد تعرض بن بولعيد إلى محاولتي
1949و1950 .اغتيال من تدبيرـ العدو وذلك في
يعتبر بن بولعيد من الطالئع األولى التي انضمت إلى المنظمة السرية بمنطقة األوراس كما كان من الرواد األوائل الذين
أنيطت بهم مهمة تكوين نواة هذه المنظمة في األوراس التي ضمت آنذاك خمسة خاليا نشيطة واختيار العناصر القادرة على
جمع األسلحة والتدرب عليها والقيام بدوريات استطالعية للتعرف على تضاريس األرض من جهة ومن جهة ثانية تدبر
إمكانية إدخال األسلحة عن طريق الصحراء
صورة لمجموعة الستة قبل إعالن ثورة نوفمبر 1954من اليمين إلى اليسار رابح بيطاط ،مصطفى بن بولعيد ،ديدوش
مراد ،محمد بوضياف ،الجالسين :كريم بلقاسم و العربي بن مهيدي
بعد اكتشاف المنظمة السرية من قبل السلطات االستعمارية في مارس 1950برز دور بن بولعيد بقوة لما أخذ على عاتقه
التكفل بايواء بعض المناضلين المطاردين وإخفائهم عن أعين العدو وأجهزته األمنية ،وقد أعقب اكتشاف المنظمة حملة
واسعة من عمليات التمشيط واالعتقال واالستنطاق الوحشي بمنطقة األوراس على غرار باقي مناطق الوطن .ولكن بالرغم
من كل المطاردات والمضايقات وحمالت التفتيش والمداهمة تمكن بن بولعيد بفضل حنكته وتجربته من اإلبقاء على المنظمة
الخاصة واستمرارها في النشاط على مستوى المنطقة .وبالموازاة مع هذا النشاط المكثف بذل مصطفى بن بولعيد كل ما في
وسعه من أجل احتواء األزمة بصفته عضو قيادي في اللجنة المركزية للحزب .وقد كلف بن بولعيد في أكتوبر 1953
باالتصال بزعيم الحزب مصالي الحاج الذي كان قد نفي في 14ماي 1954إلى فرنسا OSص Lوبتدعيم من نشطاء
ووضع تحت اإلقامة الجبرية ،وذلك في محاولة إليجاد حل وسطي يرضي المركزيين والمصاليين .وبعد ذلك توصل أنصار
العمل الثوري المسلح وفي طليعتهم بن بولعيد إلى فكرة إنشاء «اللجنة الثورية للوحدة والعمل» واإلعالن عنها في 06
مارس 1954من أجل تضييق الهوة التي تفصل بين المصاليين والمركزيين من جهة وتوحيد العمل وااللتفاف حول فكرة
من جهة ثانية .العمل الثوري
تم عقد اللقاء التاريخي لمجموعة الـ 22بدار المناضل المرحوم الياس OSوبعد عدة إتصاالت مع بقايا التنظيم السري
دريش بحي المدنيةـ في 24جوان 1954الذي حسم الموقف لصالح تفجير الثورة المسلحة السترجاع السيادة الوطنية
المغتصبة منذ أكثر من قرن مضى .ونظرا للمكانة التي يحظى بها بن بولعيد فقد أسندت إليه باإلجماع رئاسة اللقاء الذي
انجر عنه تقسيم البالد إلى مناطق خمس وعين على كل منطقة مسؤول وقد عين مصطفى بن بولعيد على رأس المنطقة
األولى :األوراس كما كان أحد أعضاء لجنة «الستة» «بوضياف ،ديدوش ،بن بولعيد ،بيطاط ،بن مهيدي ،كريم» .ومن أجل
توفير كل شروط النجاح واالستمرارية للثورة المزمع تفجيرها ،تنقل بن بولعيدـ رفقة :ديدوش مراد ،محمد بوضياف ومحمد
العربي ين مهيدي إلى سويسرا خالل شهر جويلية 1954بغية ربط االتصال بأعضاء الوفد الخارجي «بن بلة ،خيضر
.وآيت أحمد» لتبليغهم بنتائج اجتماع مجموعة الـ 22من جهة وتكليفهم بمهمة اإلشراف على الدعاية لصالح الثورة
ومع اقتراب الموعد المحدد لتفجير الثورة تكثفت نشاطات بن بولعيد من أجل ضبط كل كبيرة وصغيرة إلنجاح هذا
المشروع الضخم ،وفي هذا اإلطار تنقل بن بولعيدـ إلى ميلة بمعية كل من محمد بوضياف وديدوش مراد لالجتماع في
ضيعة تابعة لعائلة بن طوبال وذلك في سبتمبر 1954بغرض متابعة النتائج المتوصل إليها في التحضير الجاد إلعالن
الثورة المسلحة ودراسة احتياجات كل منطقة من عتاد الحرب كأسلحة والذخيرة .وفي 10أكتوبر 1954التقى بن بولعيد،ـ
ورابح بيطاط في منزل مراد بوقشورة بالرايس حميدو وأثناء هذا االجتماع تم االتفاق على :كريم بلقاسم
وطيلة المدة الفاصلة بين االجتماعين لم يركن بن بولعيد إلى الراحة بل راح ينتقل بين مختلف مناطق الجهة المكلف بها
"األوراس" ضمن العديد من الزيارات الميدانية للوقوف على االستعدادات والتحضيرات التي تمت وكذا التدريبات التي
يقوم بها المناضلون على مختلف األسلحة وصناعة القبائل والمتفجرات التقليدية .وفي التاريخ المحدد التأم شمل الجماعة
التي ضمت :بن بولعيد ،بوضياف ،بيطاط ،بن مهيدي ،ديدوش وكريم وذلك بمنزل مراد بوقشورة أين تم االتفاق على النص
النهائي لبيان أول نوفمبر 54إثر مراجعته والتأكيد بصورة قطعية على الساعة الصفر من ليلة فاتح نوفمبر 54لتفجير
الثورة المباركة وأجمع الحاضرون على التزام السرية بالنسبة للقرار النهائي التاريخي والحاسم ثم توجه كل واحد إلى
المنطقة التي كلف باإلشراف عليها في انتظار الساعة الصفر واإلعداد إلنجاح تلك العملية التي ستغير مجرى تاريخ الشعب
الجزائري .وهكذا عقد بن بولعيد عدة اجتماعات بمنطقة األوراس حرصا منه على انتقاء الرجال القادرين على الثبات وقت
األزمات والشدائد ،منها اجتماع بلقرين يوم 1954-10-20الذي حضره الكثير من مساعديه نذكر منهم على الخصوص:
عباس لغرور ،شيهاني بشير ،عاجل عجول والطاهر نويشي وغيرهم وخالل هذا اللقاء أعلم بن بولعيد رفاقه بالتاريخ
المحدد لتفجير ثورة التحرير كما وزع على الحضور بيان أول نوفمبر وضبط حصة كل جهة من األسلحة والذخيرة
المتوفرة .وقبل مرور أسبوع على هذا اللقاء عقد بن بولعيد اجتماعين آخرين في 30أكتوبر 1954أحدهما في دشرة
«اشمول» واآلخر بخنقة الحدادة التقى أثناءهما بمجموعة من المناضلين وألقى كلمة حماسية شحذ فيه همم الجميع .وفي الغد
عقد اجتماعا قبل الساعة صفر ،وقد ضم هذا األخير قادة النواحي واألقسام وفيه تقرر تحديدـ دشرة أوالد موسى وخنقة
لحدادة اللتقاء أفواج جيش التحرير الوطني واستالم األسلحة وأخذ آخر التعليمات الالزمة قبل حلول الموعد التاريخي
.واالنتقال إلى العمل المسلح ضد األهداف المعنيةـ
وفي تلك الليلة قال بن بولعيد قولته الشهيرة" :إخواني سنجعل البارود يتكلم هذه الليلة" وتكلم البارود في الموعد المحدد
وتعرضت جل األهداف المحددة إلى نيران أسلحة جيش التحرير الوطني وسط دهشة العدو وذهوله .وفي صبيحة يوم أول
نوفمبر 54كان قائد منطقة األوراس مصطفى بن بولعيد يراقب ردود فعل العدو من جبل الظهري المطل على أريس بمعية
شيهاني بشير ،مدور عزوي ،عاجل عجول ومصطفى بوستة .وقد حرص بن بولعيد على عقد اجتماعات أسبوعية تضم
.القيادة ورؤساء األفواج لتقييم وتقويم العمليات وتدارس ردود الفعل المتعلقة بالعدو والمواطنين
وفي بداية شهر جانفي 1955عقد هذا األخير اجتماعا في تاوليليت مع إطارات الثورة تناول باألخص نقص األسلحة
والذخيرة ،وقد فرضت هذه الوضعية على بن بولعيد اعالم المجتمعينـ بعزمه على التوجه إلى بالد المشرق بهدف التزود
.بالسالح ومن ثم تعيينـ شيهاني بشير قائدا للثورة خالل فترة غيابه ويساعده نائبان هما :عاجل عجول وعباس لغرور
وفي 24جانفي 1955غادر بن بولعيدـ األوراس باتجاه المشرق وبعد ثالثة أيام من السير الحثيث وسط تضاريس طبيعية
صعبة وظروف أمنية خطيرة وصل إلى « القلعة « حيث عقد اجتماعا لمجاهدي الناحية الطالعهم على األوضاع التي
تعرفها الثورة وأرسل بعضهم موفدينـ من قبله إلى جهات مختلفة من الوطن .بعدـ ذلك واصل بن بولعيدـ ومرافقه عمر
المستيري الطريق باتجاه الهدف المحدد .وبعد مرورهما بناحية نقرين «تبسة « التقيا في تامغرة بعمر الفرشيشي الذي ألح
على مرافقتهما كمرشد .وعند الوصول إلى « أرديف « المدينة المنجمية التونسية ،وبها يعمل الكثير من الجزائريين ،اتصل
بن بولعيد ببعض هؤالء المنخرطين في صفوف الحركة الوطنية ،وكان قد تعرف عليهم عند سفره إلى ليبيا في منتصف
أوت ،1954وذلك لرسم خطة تمكن من إدخال األسلحة ،الذخيرة واألموال إلى الجزائر عبر وادي سوف .وانتقل بن بولعيد
من أرديف إلى المتلوي بواسطة القطار ومن هناك استقل الحافلة إلى مدينةـ قفصة حيث بات ليلته فيها رفقة زميليه .وفي الغد
اتجه إلى مدينة قابس حيث كان على موعد مع المجاهد حجاج بشير ،لكن هذا اللقاء لم يتم بين الرجلين نظرا العتقال بشير
حجاج من قبل السلطات الفرنسية قبل ذلك .وعند بلوغ الخبر مسامع بن بولعيد ومخافة أن يلقى نفس المصير غادر مدينةـ
قابس على جناح السرعة على متن أول حافلة باتجاه بن قردان .وعند وصول الحافلة إلى المحطة النهائية بن قرادن طلب
هؤالء من كل الركاب التوجه إلى مركز الشرطة ،وحينها أدرك بن بولعيد خطورة الموقف فطلب من مرافقه القيام بنفس
الخطوات التي يقوم بها ،وكان الظالم قد بدأ يخيم على المكان فأغتنما الفرصة وتسلال بعيدا عن مركز الشرطة عبر األزقة.
ولما اقترب منهما أحد أفراد الدورية أطلق عليه بن بولعيدـ النار من مسدسه فقتله .وواصال هروبهما سريعا عبر الطريق
الصحراوي كامل الليل وفي الصباح اختبأ ،وعند حلول الظالم تابعا سيرهما معتقدينـ أنهما يسيران باتجاه الحدود
.التونسيةالليبية ألن بن بولعيد كان قد أضاع البوصلة التي تحدد اإلتجاه ،كما أنه فقد إحدى قطع مسدسه عند سقوطه
وما أن طلع النهار حتى كانت فرقة الخيالة تحاصر المكان وطلب منهما الخروج وعندما حاول بن بولعيد استعمال مسدسه
11فيفري وجده غير صالح وإثر ذلك تلقى هذا األخير ضربة أفقدته الوعي وهكذا تم اعتقال بن بولعيد يوم
وفي 3مارس 1955قدم للمحكمة العسكرية الفرنسية بتونس التي أصدرت يوم 28ماي 1955حكما باألشغال الشاقة
المؤبدة بعدها نقل إلى قسنطينة لتعاد محاكمته من جديد أمام المحكمة العسكرية في 21جوان 1955وبعد محاكمة مهزلة
أصدرت الحكم عليه باإلعدام.ونقل إلى سجن الكدية الحصين.وفي السجن خاض بن بولعيد نضاال مريرا مع اإلدارة لتعامل
مساجين الثورة معاملة السجناء السياسيين وأسرى الحرب بما تنص عليه القوانين الدولية .ونتيجة تلك النضاالت ومنها
اإلضراب عن الطعام مدة 14يوما ومراسلة رئيس الجمهورية الفرنسية تم نزع القيود والسالسل التي كانت تكبل المجاهدين
داخل زنزاناتهم وتم السماح لهم بالخروج صباحا ومساء إلى فناء السجن .وفي هذه المرحلة واصل بن بولعيد مهمته
النضالية بالرفع من معنويات المجاهدين ومحاربة الضعف واليأس من جهة والتفكير الجدي في الهروب من جهة ثانية .وبعد
تفكير متمعن تم التوصل إلى فكرة الهروب عن طريق حفر نفق يصلها بمخزن من البناء االصطناعي وبوسائل جد بدائية
شرع الرفاق في عملية الحفر التي دامت 28يوما كامال .وقد عرفت عملية الحفر صعوبات عدة منها الصوت الذي يحدثه
.عملية الحفر في حد ذاتها ثم األتربة والحجارة الناتجة عن الحفر
وقد تمكن من الفرار من هذا السجن الحصين والمرعب كل من مصطفى بن بولعيد،ـ محمد العيفة ،الطاهر الزبيري ،لخضر
.مشري ،علي حفطاوي ،إبراهيم طايبي ،رشيد أحمد بوشمال ،حمادي كرومة ،محمد بزيان ،سليمان زايدي وحسين عريف
وبعد مسيرة شاقة على األقدام الحافية المتورمة والبطون الجائعة والجراح الدامية النازفة وصبر على المحن والرزايا
وصلوا إلى مراكز الثورة .وفي طريق العودة إلى مقر قيادته انتقل إلى كيمل حيث عقد سلسلة من اللقاءات مع إطارات
الثورة ومسؤوليها بالناحية ،كما قام بجولة تفقدية إلى العديد من األقسام للوقوف على الوضعية النظامية والعسكرية بالمنطقة
األولى "األوراس" .وقد تخلل هذه الجولة إشراف بن بولعيد على قيادة بعض أفواج جيش التحرير الوطني التي خاضت
معارك ضارية ضد قوات العدو وأهمها :معركة إيفري البلح يوم 1956-01-13ودامت يومين كاملين والثانية وقعت بجبل
.أحمر خدو يوم 1956-01-18
لقد طبق المجاهد عاجل عجول القانون المعمول به في الثورة ال اكثر وال اقل الن بن لولعيد ليس نبيا ليستثنى من قوانين
الثورة و كما قال عجول سجن الكديا مهوش كرطونوسجن الكديا مبني فوق صخرة وليس ارض يمكن حفرها بسهولة كما
ان العقيد الذي اعدم تحت قيادة المجاهد عجول كان يمارس الرذيلة مع أحد اعوانه و قد تم تحذيره ولكنه لم ينته من اتباع
شهواته فطبق عليه حكم االعدام وقد دبرت لعجول 3محاوالت لالغتيال فقد فيها اصبعه وحين سلم نفسه إلى فرنسا بحسب
اقوال شهود عرضته فرنسا في أحد الساحات باالوراس فقال :انا هللا غالب ماقدرتش نكمل السباب خاصة أنتم يلزمكم تكملو
من بعدي وقد مات عجول البطل المهندس الكبير للمعارك الكبرى و الرجل الذي رغم تكالب الخونة عليه إلى انه لم ينزل
إلى مستواهم و كان المجاهد الصادق لدينه ووطنه .واقول لعاجل عجول :ال تأسفن على غدر الزمان لطالمارقصت على
جثث األسود كالب التحسبن برقصها تعلو على أسيادها تبقى األسود أسوداً والكالب كالب تموت األسود في الغابات جوعا ً
ولحم الضأن تأكله الكالب وذو جهل قد ينام على حرير وذو علم مفارشه التراب
وقد عقد آخر اجتماع له قبل استشهاده يوم 22مارس 1956بالجبل األزرق بحضور إطارات الثورة بالمنطقة األولى
وبعض مسؤولي جيش التحرير الوطني بمنطقة الصحراء .ومساء اليوم نفسه أحضر إلى مكان االجتماع مذياع الذي كان
ملغما الذس ألقته قوات االستعمار الفرنسي وعند محاولة تشغيله انفجر مخلفا استشهاد قائد المنطقة األولى مصطفى بن
بولعيد وخمسة من رفاقه .و يشاع أيضا عن وفاته :غموض شديد يلف قضية إغتيال البطل الشهيد مصطفى بن بولعيد أحد
الستة الذين فجروا ثورة التحرير ،وأغرب ما في األمر هو محاولة البعض التعتيم على هذه القضية والكثير من القضايا
التاريخية المتعلقة بثورة التحرير ،وحرمان الجيل الجديد من معرفة تاريخ وطنه بكل تفاصيله ،رغم مرور أكثر من نصف
قرن على اندالع الثورة ،ورغم أن كل ما كنا نعرفه عن قضية استشهاد بن بولعيد خالل طفولتنا المدرسية هو انفجار مذياع
مفخخ في ظروف “غامضة” على مصطفى بن بولعيد ،ولكن كيف؟ وأين؟ ومتى؟ ومن دبر ونفذ هذا العملية الشنيعة؟ أسئلة
كثيرة يطرحها جيلنا على جيل الثورة ،ويريد إجابات صريحة ودقيقة بعيدا عن أي خلفيات سياسية أو شخصية أو قبلية،
وكل ما أردنا ان نفتح هذا الملف بشكل أكثر عمقا وتفصيال ،كانو ينصحوننا بعدم الخوض في هكذا مسائل ،إال اننا ارتأينا
.أنه ال بد من معرفة الحقيقة ،وإسكات صراخ هذه األسئلة التي ال نجد لها جوابا
وعملنا خالل هذا التحقيق على االتصال ببعض المجاهدين والباحثين في تاريخ الثورة واالستعانة ببعض الكتب والمذكرات
التاريخية التي تناولت قضية اغتيال مصطفى بن بولعيد ،وكان ال بد من الرجوع قليال إلى الوراء لمعرفة الصراع بين قادة
األوراس بعد أسر بن بولعيد قائد المنطقة التاريخية األولى (أوراس النمامشة) ،والذي أدى إلى مقتل شيحاني بشير نائب
مصطفى بن بولعيد بأمر من عجول عجول الذي أصبح عمليا قائدا لألوراس ،في حين تمرد عليه عمر بن بولعيد شقيق سي
مصطفى وفي هذا الجو المشحون بالصراعات ،تمكن مصطفى بن بولعيد من الهرب بأعجوبة من سجن الكدية بقسنطينة في
10نوفمبر 1955رفقة عشرة من رفاقه كان من بينهم الطاهر الزبيري ،وبعودته إلى األوراس اكتشف سي مصطفى عدة
أخطاء ارتكبت في غيابه ،كما أن أن عجول القائد الفعلي لألوراس فاجأه تمكن بن بولعيد من الهرب من السجن ،كما أن
السلطات االستعمارية غاضها كثيرا تمكن زعيم األوراس من الفرار من قبضتها وإعادة تنظيمه وتوحيده لصفوف
.المجاهدين
حسب رواية الطاهر الزبيري آخر قادة األوراس التاريخيين فإن عودة مصطفى بن بولعيد إلى مركز قيادة منطقة األوراس
فاجأت عجول عجول الذي آلت إليه قيادة المنطقة عمليا بعدما تمكن من التخلص من شيحاني بشير نائب بن بولعيد الذي
خلفه على رأس المنطقة قبل اعتقاله على الحدود التونسية الليبية،ـ وما زاد في تعميق الهوة بين الرجلين هو اكتشاف بن
بولعيد أن عجول هو الذي أمر بقتل نائبه شيحاني بشير رفقة عدد آخر من المجاهدين بسبب أخطاء ال يرى بن بولعيد أنها
تستحق عقوبة الموت فالم عجول كثيرا على هذا األمر وقال له “تستقل الجزائر ولن نجد خمسة رجال مثله” فقد كان
.شيحاني رجال مثقفا في زمن طغى فيه الجهل واألمية ،ولم يستسغ عجول هذا التأنيب
ويؤكد العقيد الزبيري حسبما رواه له شخصيا المرحوم العقيد الحاج لخضر عبيد أحد قادة األوراس الذي كان قريبا من
بولعيد في تلك الفترة أن عجول لم يبد كبير ترحاب بنجاة بن بولعيد من األسر وفراره من السجن ،بل شكك في صحة هروبه
فعال من سجن الكدية الحصين عندما قال لبعض المجاهدين “سجن فرنسا ليس كرتونا ليهربوا منه بسهولة” ،بل أكثر من
ذلك رفض عجول إعادة االعتبار لبن بولعيد كقائد للمنطقة األولى رغم أنه واحد من الستة المفجرين لثورة التحرير وواجهه
قائال “النظام (الثورة) ما يديرش فيك الثقة غير بعد ست أشهر” بمعنى أن نظام الثورة لن يجدد فيك الثقة كقائد للمنطقة إال
بعد ستة أشهر من التحري والتحقق إلى غاية التأكد بأن بن بولعيد ليس مبعوثا من فرنسا الختراق الثورة وإضعافها ،وهذه
الكلمات فاجأت بن بولعيد وأثارت حفيظته وأزعجته كثيرا وشكا هذا األمر للحاج لخضر عبيد عندما قال له “أتعلم ماذا قال
”.لي عجول؟..الثورة لن تجدد فيك الثقة إال بعد ستة أشهر
وأثار عجول قضية عمر بن بولعيد شقيق مصطفى بن بولعيد الذي انفرد بقيادة ناحية من نواحي المنطقة األولى ونصب
نفسه قائدا للمنطقة في غياب أخيه ولم يعترف بعجول وعباس لغرور كقائدين لألوراس ،فرد عليه سي مصطفى “سأستدعي
”.عمر وإن ثبت عليه التهم التي وجهتها إليه فأنا من سينفذ حكم الموت عليه بيدي
ولم يكن عجول ينظر بعين الرضا إلى الوفود التي كانت تزور مصطفى بن بولعيد وتهنئه على النجاة وتعلن له الوالء
والطاعة ،متجاوزة عجول ،ولم يكن يمر يوم على سي مصطفى إال ويجتمع مع هؤالء وهؤالء إلعادة تنظيم منطقة
األوراس التي نخرتها االنقسامات بفعل الصراعات الشخصية والعروشية والفراغ الذي تركه غيابه ونائبه ،وتمكن بن
بولعيد في فترة قصيرة من حل العديدـ من الخالفات والصراعات وإعادة لحمة منطقة األوراس ،فقد كان يحظى بثقة قيادات
.الثورة في الداخل والخارج فضال عن مجاهدي األوراس الذين يدينونـ له بالوالء
وفي 22مارس 1956استشهد البطل مصطفى بن بولعيد في ظروف غامضة عند انفجار جهاز إشارة (إرسال واستقبال)
مفخخ بإحدى الكأزمات ومعه سبعة من المجاهدين ولم ينجو منهم إال اثنين أحدهم يدعى علي بن شايبة ،ويستغرب الطاهر
الزبيري كيف يقتل بن بولعيد بجهاز فرنسي مفخخ رغم أنه حرص في كل مرة على غرار ما أوصاهم به قبل الهروب من
السجن بعدم لمس األشياء المشبوهة حتى ولو كانت قلما ،خشية أن تكون مفخخة ،مما يوحي بأن هناك مؤامرة دبرت بليل
ضد مصطفى بن بولعيد ،ولكن يبقى التساؤل من قتل هذا البطل؟ ومن خطط لهذه المؤامرة؟
ويوضح الزبيري أن الجهاز المفخخ الذي أدى إلى استشهاد مصطفى بن بولعيد تركته فرقة للجيش الفرنسي بمكان غير بعيدـ
عن مركز قيادة األوراس ،وعند مغادرتها للمكان عثر المجاهدون على الجهاز فحملوه إلى مصطفى بن بولعيد الذي أراد
تشغيله فانفجر الجهاز مما أدى إلى استشهاد البطل بن بولعيد ،ويستدل أصحاب هذه الرواية باعترافات بعض جنراالت
فرنسا في مذكراتهم بأنهم هم من خطط وفخخ الجهاز الذي أدى إلى استشهاد قائد المنطقة األولى ،غير أن هذه الرواية تبدوا
غريبة إذا قسنا ذلك بالحذر الذي يميز بن بولعيد في التعامل مع األشياء التي يخلفها جيش االحتالل ،إذ كيف يقوم بن بولعيد
بتشغيل جهاز دون التحقق منه إال إذا كان واثقا من سالمته من المتفجرات بناء على تطمينات من معه؟
ويروي العقيد الطاهر الزبيري على لسان علي بن شايبة الناجي من االنفجار الذي خلفته القنبلة المخبأة في الجهاز أن
مصطفى بن بولعيد عندما عاين الجهاز الحظ أنه ال يحتوي على بطاريات فطلب منه إحضار البطاريات ولما جاءه بما
طلب تم وضعها في الجهاز وبمجرد تشغيله انفجر مخلفا ثماني قتلى وجريحين ،ولكن سي الطاهر نفسه يشكك في صحة
هذه الرواية ،ويشير إلى أن المجاهدين تحصلوا خالل كمين نصبوه لفرقة لجيش االحتالل على جهاز إشارة وغنموا منها
بعض قطع السالح ،وعندما أحضر المجاهدون جهاز اإلشارة الصغير هذا قال لهم سي مصطفى ـ حسبما رواه موسى
حواسنية للطاهر الزبيري ـ “حطوه حتى انشوفولوا خبير يتأكد إذا فيه مينا” بمعنى ضعوا جهاز اإلشارة هذا جانبا حتى
يفحصه خبير في المتفجرات لعل فيه لغم ،وجاء الخبير وفحص جهاز اإلشارة هذا وتأكد من أن الجهاز غير مفخخ ،وتؤكد
هذه الحادثة الحرص الشديدـ لبن بولعيد على عدم استعمال أي جهاز يأتي من العدو حتى ولو غنموه في المعارك ،لذلك يبدوا
األمر غامضا عندما ينفجر جهاز إشارة كبير يستعمل في االتصاالت الدولية في كازمة لقائد المنطقة ،خلفه عساكر العدو في
!!إحدى تنقالتهم
أما محمد بوضياف المنسق العام للثورة فيؤكد أن مجاهدا ألمانيا كان ضمن صفوف جيش التحرير هو الذي قتل مصطفى بن
بولعيد عن طريق الخطأ ،ويقول في حوار أجراه معه الصحفي والكاتب خالد بن ققة في 1991بالمغرب “..إن ثورتنا كان
فيها أناس من أمم أخرى كاأللمان ،حتى أن أحدهم قتل مصطفى بن بولعيدـ خطأ ،إذ وضع قنبلة في مذياع ،ووجده رجال
الثورة في الطريق ،فأخذوه ،وعندما فتح بن بولعيد المذياع تفجرت فيه القنبلة” ،إال أن بعض المجاهدين يقللون من شهادة
بوضياف الذي كان في الخارج عند اغتيال مصطفى بن بولعيد ويعتبرون أن شهادته ال يعتدـ بها ما دام لم يكن حاضرا عند
حادثة االغتيال ،إال أن شهادة محمد بوضياف لها أهميتها باعتباره المنسق العام للثورة وبالتالي فإن المعلومات التي يتحصل
.عليها هي معلومات رسمية خاصة عندما يتعلق األمر بشخصية بحجم بن بولعيد
غير أن أخطر ما قيل عن استشهاد مصطفى بن بولعيد ما كتبه الرائد الطاهر سعيداني في مذكراته حيث اتهم صراحة
عجول عجول بتدبير عملية اغتيال مصطفى بن بولعيد عندما أمر علي األلماني بتفخيخ جهاز إشارة للتخلص من أحد
الخونة ،ثم قدم الجهاز المفخخ إلى أحد المجاهدين وطلب منه أن يقدمه لمصطفى بن بولعيد على أساس أنه عثر عليه في
الخارج ،وعندما أراد ذلك المجاهد تنفيذ ما أمر به ،كان عجول مع بن بولعيد في إحدى الكأزمات ولما دخل عليهم خرج
.عجول وترك بن بولعيد مع المجاهد الذي سلمه الجهاز ،وبمجرد أن شغله بن بولعيدـ حتى انفجر وقضى عليه
ويروي الطاهر السعيداني هذه الحادثة مع بعض التفصيل فيقول “ذات يوم فيما كان مصطفى بن بولعيد يتحدث إلى
مجاهديه دخل عليهم جندي يحمل بين يديه مذياعا (لم يكن مذياعا وإنما جهاز إشارة) أعطاه لمصطفى بن بولعيد مؤكدا له
أنه وجده مرميا ،ولكن هذا غير صحيح ،فما إن أمسكه حتى غادر عجول عجول المكان وحينما حاول بن بولعيد فتح المذياع
ليستمع إلى األخبار وإذا به ينفجر عليه ويسقط شهيدا” ويضيف سعيداني الذي كان ضابطا في القاعدة الشرقية “… في
طريقنا لتهنئة الكتيبة التي كان يقودها لخضر بلحاج ـ بعد انتصارها في إحدى المعارك ـ وجدنا وسط المجاهدين جنديين من
األلمان اللذين كانا مجندينـ في اللفيف األجنبي الفرنسي..أحدهما يدعى علي األلماني اعتنق اإلسالم في القاعدة الشرقية…
وكان متخصصا في المتفجرات فطلبنا منه من باب الفضول كيف تم تلغيم المذياع الذي أعطي لبن بولعيد فأجابنا أنه لم يكن
يعلم بأن المذياع الذي أتاه به عجول عجول من أجل تلغيمه كان موجها لالنفجار في وجه مصطفى بن بولعيد لقتله بل ظن
انه سيرسل لشخص خائن كما قال له عجول” ويختم المجاهد الطاهر سعيداني كالمه “هذا ما أجابني به علي األلماني وأشهد
”.به أمام الشهداء والتاريخ
وباستشهاد مصطفى بن بولعيدـ تعرضت منطقة األوراس إلى هزة قوية أفقدتها توازنها ولم يتمكن عجول عجول بالرغم من
صرامته من جمع كلمة المنطقة تحت سلطته فرفض عدد من قادة األوراس االعتراف بقيادته للمنطقة بل وحملوه مسؤولية
استشهاد البطل مصطفى بن بولعيد ،وحاول بعضهم اغتياله لكنه تمكن من النجاة بأعجوبة بعدما أصيب بجراح حسب بعض
الشهادات وسلم نفسه إلى الجيش الفرنسي ألسباب ما زالت غامضة رغم اعتراف الكثير من المجاهدين حتى أولئك الذين
.اختلفوا معه بوطنيته وشجاعته وقوة شخصيته
.مصطفى بن بولعيد أثناء الثورة
غير أن الكاتب والباحث محمد عباس المتخصص في قضايا الثورة الجزائرية والحركة الوطنية ينفي بشكل مطلق صحة
هذه الرواية ،ويشكك في مصداقية صاحبها ،مؤكدا أن بعض الجهات التي كانت تنافس عجول عجول على قيادة منطقة
األوراس بعد أسر قائدها هي التي سعت لتلفيق تهمة اغتيال عجول لمصطفى بن بولعيد قصد تشويهه ،مضيفا أن عمر بن
بولعيد شقيق مصطفى كان يسعى لخالفة أخيه على رأس المنطقة األولى عندما كان هذا األخير أسيرا وبعد اغتياله ،كما أن
خالفاته مع عجول معروفة لذلك سعى لترويج رفقة الجماعة التي كانت ملتفة حول مصطفى بن بولعيد إشاعة أن عجول هو
الذي دبر عملية اغتيال بن بولعيد،ـ مشيرا إلى أن هذا األخير منع شقيقه عمر بعد فراره من السجن من تولي أي مسؤولية
.قيادية ،باإلضافة إلى أن عرش بن بولعيدـ نفسه ال يصدقون رواية تورط عجول في اغتيال سي مصطفى
ويجزم محمد عباس بأن المخابرات الفرنسية وعلى أعلى المستويات في باريس هي التي دبرت عملية اغتيال مصطفى بن
بولعيد،ـ باعتراف جنراالتها الذين اعتبروا هذه العملية إنجازا كبيرا لهم يستحق االفتخار ،حيث نشر أحد رجال المخابرات
الفرنسية كتابا تحت اسم مستعار تحدث بالتفصيل عن هذه العملية “الناجحة” التي أدت إلى تعطيل والية األوراس من
1956إلى غاية نهاية 1959وبداية 1960وتحييدها عن الكفاح المسلح بعد أن كانت قلب الثورة النابض حيث اشتدت
.االنقسامات بين قياداتها ،ولكن لحسن الحظ أن الثورة امتدت إلى بقية الواليات بشكل ال رجعة فيه
ويوضح الباحث محمد عباس الذي استقى معلوماته من بعض الشهود والشهادات أن المخابرات الفرنسية وبعد هروب
مصطفى بن بولعيد من السجن خططت لزعزعة استقرار منطقة األوراس (أصبحت والية بعد مؤتمر الصومام في أوت
) 1956عن طريق اغتيال بن بولعيد بطريقة ماكرة ،وكانت تعلم أن قيادة األوراس بحاجة إلى جهاز إشارة لالتصال بقيادة
الثورة في الخارج ،فأرسلوا فصيل إشارة إلى المنطقة وتعمدوا ترك مؤن على سبيل الخطأ حتى ال يثيروا شكوك المجاهدين
عندما تركوا جهاز اإلشارة الذي تم تلغيمه بشكل محكم وبمستوى تكنولوجي متطور ،وحمل المجاهدون الجهاز إلى
مصطفى بن بولعيد وقام أحدهم باستعمال بطاريات جهاز اإلشارة إلشعال جهاز إنارة فانفجر الجهاز الملغم واستشهد ثماني
.مجاهدين وجرح اثنان وهما علي بن شايبة (ما زال على قيد الحياة) ،ومصطفى بوستة (توفي بعد االستقالل)
وعن السر وراء تعامل بن بولعيد مع جهاز تركه جيش االحتالل بالرغم من أنه طالما حذر رجاله من التقاط األشياء
المشبوهة خشية أن تكون ملغمة ،برر محمد عباس ذلك بان األجل ال ينفع معه الحذر ،وأشار إلى حاجة قيادة األوراس
لجهاز إشارة لالتصال بقيادات الثورة في الداخل والخارج ،فضال عن أن الجهاز كان ملغما بشكل محكم يصعب اكتشافه،
ولكنه تحدث من جهة أخرى عن محاولة ثانية وبنفس الطريقة قامت بها المخابرات الفرنسية في 1957لتمزيق الوالية
.الثالثة (القبائل) عندما انفجر جهاز مفخخ على محند أولحاج قائد الوالية ولكنه أصيب بجروح ولم يستشهد
من جهته يؤكد الدكتور لحسن بومالي الباحث في تاريخ الثورة الجزائرية أن المخابرات الفرنسية هي التي دبرت عملية
اغتيال مصطفى بن بولعيد ونفذتها عن طريق عمالئها الذين غرستهم في صفوف المجاهدين ،ويضيف أن السلطات
الفرنسية لم تحتمل قضية هروب مصطفى بن بولعيد من سجن الكدية بقسنطينة ببساطة رغم الحراسة المشددة التي كان
خاضعا لها ،فأرادت القضاء عليه بأي وسيلة ،مستعينةـ في ذلك بعمالئها المندسين بين صفوف المجاهدين لكنه ال يعطي
تفاصيل أكثر عن هؤالء العمالء الذين اغتالت المخابرات الفرنسية بأيديهم أحد الستة المفجرين لثورة التحرير وعضو
.مجموعة 22التي خططت الندالعها
إن هذا التحقيق يطرح أمامنا ثالث فرضيات حول اغتيال مصطفى بن بولعيد ،الفرضية األولى وهي األقوى تدينـ
المخابرات الفرنسية بتدبير عملية االغتيال هذه ألنها كانت تسعى للقضاء على قائد األوراس مهما كلفها ذلك من ثمن ،وذلك
منذ تمكن سي مصطفى من الفرار من سجن الكدية وما يشكله ذلك من خطورة على الوجود االستعماري ،واعتراف ضباط
المخابرات الفرنسية في مذكراتهم بأنهم هم من دبروا عملية االغتيال وهذا االعتراف هو سيد األدلة على أنهم هم من قتل
مصطفى بن بولعيد بدليل أنهم كرروا نفس األسلوب في الوالية الثالثة ،وهذه الفرضية يميل إلى تصديقها بعض الباحثين
.والمؤرخين والجهات الرسمية
الفرضية الثانية وترجح وقوع خطأ أدى إلى استشهاد مصطفى بن بولعيد ،فعلي األلماني طبقا لشهادتي المرحوم محمد
بوضياف والرائد الطاهر سعيداني قام بتفخيخ جهاز اإلشارة قصد استعماله ضد عدو ،وهذا ما يبرر عدم أخذ مصطفى بن
بولعيد حذره المعتاد عند استعماله لهذا الجهاز وهذه األخطاء كثيرا ما تقع في الحروب والثورات ،وليس مستبعدا أن يكون
.مقتل بن بولعيد جاء عن طريق الخطأ
الفرضية الثالثة وتحمل مسؤولية اغتيال بن بولعيد لعجول إذا فرضنا صدق رواية الرائد سعيداني ،وانطالقا من خلفيات
الصراع بين عجول ومصطفى بن بولعيد الذي وبخه لقتله نائبه شيحاني بشير بطل معركة الجرف ،باإلضافة إلى خالفات
عجول مع شقيق بن بولعيد حول قيادة األوراس ،واألخطر من ذلك محاولة عجول التشكيك في حقيقة
هروب بن بولعيد من السجن ورفضه تجديدـ الثقة به كقائد لألوراس قبل ستة أشهر طبقا لنظام الثورة الذي يعتمد على مبدأ
“أدنى ثقة يعني أعلى درجة من األمان” ،كما أن بعض المجاهدين حاولوا اغتيال عجول التهامه بالتورط في اغتيال بن
بولعيد لتزعم األوراس ،والسؤال الكبير لماذا سلم عجول نفسه إلى الجيش الفرنسي رغم ما يشهد له من الشجاعة في
محاربة االستعمار