You are on page 1of 9

‫مصطفى بن بولعيد(‪ )1956-1917‬شخصية ثورية وقائد عسكري جزائري و يعد أحد قادة الثورة الجزائرية و جبهة التحرير‬

‫الوطني لقب بـأسد األوراس و أب الثورة‪ ،‬كان له دور مهم كقائد عسكري في مواجهة االستعمار الفرنسي ‪ ،‬كما كان قائدا سياسيا‬
‫يحسن التخطيط والتنظيم والتعبئة كما امتملك رؤية واضحة ألهدافه وألبعاد قضيته وعدالتها ‪ ،‬وكان يتحلى بإنسانية إلى جانب‬
‫‪.‬تمرسه في القيادة العسكرية والسياسية‬

‫محتويات‬
‫‪-‬حياته‬

‫‪‬‬ ‫‪2‬‬ ‫الوعي المبكر‬


‫‪‬‬ ‫دوره في التحضير لثورة نوفمبر ‪3‬‬
‫‪o‬‬ ‫االعتقال والعودة لقيادة الثورة وإغتياله‬
‫‪o 3.2‬‬ ‫المصادر الخارجية‬
‫‪o‬‬ ‫المراجع‬

‫حياته‬
‫مصطفى بن بولعيد من مواليد ‪ 5‬فيفري ‪ 1917‬بأريس والية باتنة من عائلة أمازيغية ثرية ‪ .‬تلقى تعليمه األولي على أيدي‬
‫شيوخ منطقته فحفظ ما تيسر له من القرآن الكريم وبعد هذا التحصيل تحول إلى مدينة باتنة لاللتحاق بمدرسة األهالي‬
‫‪،.‬لمواصلة دراسته‬

‫الوعي المبكر‬

‫مصطفى بن بولعيد حين قبض عليه‬

‫وهنا الحظ بن بولعيد سياسة التفرقة والتمييز التي تمارسها اإلدارة االستعمارية بين األطفال الجزائريين وأقرانهم من أبناء‬
‫المعمرين‪ .‬وخوفا من تأثره وذوبانه في الشخصية االستعمارية أوقفه والده عن الدراسة‪ ،‬لكن طموح الفتى وإرادته في‬
‫تحصيل المزيد من العلوم دفعه إلى االلتحاق بمدرسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في أريس وكان يشرف عليها‬
‫آنذاك مسعود بلعقون والشيخ عمر دردور ‪ ،‬وفي هذه األثناء كان يساعد والده في خدمة األرض والتجارة غير أن وفاة الوالد‬
‫في ‪ 7‬مارس ‪ 1935‬قلبت حياة الشهيد الذي أصبح المسؤول األول عن عائلته وهو في الثامنة عشر من عمره‪ .‬ونظرا‬
‫لمشاهد البؤس اليومية التي كانت تعيشها الفئات المحرومة أسس بن بولعيد جمعية خيرية كان من أول ما قامت به هو بناء‬
‫مسجد بآريس للمحافظة على الشخصية الجزائرية وليكون محورا للتعاون والتضامن بين المواطنين‪ ،‬خاصة التصدي لروح‬
‫التفرقة والتناحر بين العروش التي كانت تغذيها اإلدارة االستعمارية وأذنابها للتحكم في العباد واألوضاع وكان نشاط بن‬
‫بولعيد االجتماعي عمال إستراتيجيا يرمي من ورائه إلى توثيق اللحمة واألواصر التي تربط بين أبناء المنطقة للتمسك بها‬
‫عند الشدائد‪ .‬في سنة ‪ 1937‬سافر إلى فرنسا واستقر بمنطقة «ميتز» التي تكثر بها الجالية الجزائرية من العمال المحرومين‬
‫من كل الحقوق وقد مكنته مواقفه في حل مشاكلهم والدفاع عنهم إلى ترأس نقابتهم‪ .‬لكن غربته لم تدم أكثر من سنة حيث عاد‬
‫بعدها إلى مسقط رأسه وإلى نشاطه األول والمتعلق بالفالحة والتجارة‪ .‬ومع الوقت تحول محله التجاري إلى شبه ناد يترددـ‬
‫عليه شباب المنطقة من أمثال مسعود عقون‪،‬ابن حاية وغيرهم للخوض في األوضاع التي كانت تعيشها البالد‪ .‬في بداية‬
‫‪ 1939‬استدعي بن بولعيد ألداء الخدمة العسكرية اإلجبارية وتم تسريحه في ‪ 1942‬نتيجة الجروح التي أصيب بها ثم تم‬
‫تجنبده ثانية ما بين سنتي ‪ 1943‬و‪ 1944‬بخنشلة‪ .‬بعد تسريحه نهائيا برتبة مساعد عاد إلى الحياة المدنية وتحصل على‬
‫‪.‬رخصة الستغالل خط نقل بواسطة الحافالت يربط بين أريس وباتنة‬

‫وفي هذه األثناء انخرط بن بولعيدـ في صفوف حزب الشعب تحت قيادة مسعود بلعقون وقد عرف بالقدرة الكبيرة على‬
‫التنظيم والنشاط الفائق مما دفع بالحزب إلى ترشيحه النتخابات المجلس الجزائري في ‪ 1948-04-4‬والتي فاز بالدور األول‬
‫منها لكن اإلدارة الفرنسية لجأت إلى التزوير كعادتها لتزكية أحد المواليين لسياستها‪ .‬وقد تعرض بن بولعيد إلى محاولتي‬
‫‪ 1949‬و‪1950‬‬ ‫‪.‬اغتيال من تدبيرـ العدو وذلك في‬

‫يعتبر بن بولعيد من الطالئع األولى التي انضمت إلى المنظمة السرية بمنطقة األوراس كما كان من الرواد األوائل الذين‬
‫أنيطت بهم مهمة تكوين نواة هذه المنظمة في األوراس التي ضمت آنذاك خمسة خاليا نشيطة واختيار العناصر القادرة على‬
‫جمع األسلحة والتدرب عليها والقيام بدوريات استطالعية للتعرف على تضاريس األرض من جهة ومن جهة ثانية تدبر‬
‫إمكانية إدخال األسلحة عن طريق الصحراء‬

‫دوره في التحضير لثورة نوفمبر‬

‫صورة لمجموعة الستة قبل إعالن ثورة نوفمبر ‪ 1954‬من اليمين إلى اليسار رابح بيطاط ‪ ،‬مصطفى بن بولعيد ‪ ،‬ديدوش‬
‫مراد ‪ ،‬محمد بوضياف ‪ ،‬الجالسين‪ :‬كريم بلقاسم و العربي بن مهيدي‬

‫بعد اكتشاف المنظمة السرية من قبل السلطات االستعمارية في مارس ‪ 1950‬برز دور بن بولعيد بقوة لما أخذ على عاتقه‬
‫التكفل بايواء بعض المناضلين المطاردين وإخفائهم عن أعين العدو وأجهزته األمنية‪ ،‬وقد أعقب اكتشاف المنظمة حملة‬
‫واسعة من عمليات التمشيط واالعتقال واالستنطاق الوحشي بمنطقة األوراس على غرار باقي مناطق الوطن‪ .‬ولكن بالرغم‬
‫من كل المطاردات والمضايقات وحمالت التفتيش والمداهمة تمكن بن بولعيد بفضل حنكته وتجربته من اإلبقاء على المنظمة‬
‫الخاصة واستمرارها في النشاط على مستوى المنطقة‪ .‬وبالموازاة مع هذا النشاط المكثف بذل مصطفى بن بولعيد كل ما في‬
‫وسعه من أجل احتواء األزمة بصفته عضو قيادي في اللجنة المركزية للحزب‪ .‬وقد كلف بن بولعيد في أكتوبر ‪1953‬‬
‫باالتصال بزعيم الحزب مصالي الحاج الذي كان قد نفي في ‪ 14‬ماي ‪ 1954‬إلى فرنسا ‪OS‬ص‪ L‬وبتدعيم من نشطاء‬
‫ووضع تحت اإلقامة الجبرية‪ ،‬وذلك في محاولة إليجاد حل وسطي يرضي المركزيين والمصاليين‪ .‬وبعد ذلك توصل أنصار‬
‫العمل الثوري المسلح وفي طليعتهم بن بولعيد إلى فكرة إنشاء «اللجنة الثورية للوحدة والعمل» واإلعالن عنها في ‪06‬‬
‫مارس ‪ 1954‬من أجل تضييق الهوة التي تفصل بين المصاليين والمركزيين من جهة وتوحيد العمل وااللتفاف حول فكرة‬
‫من جهة ثانية‬ ‫‪.‬العمل الثوري‬
‫تم عقد اللقاء التاريخي لمجموعة الـ‪ 22‬بدار المناضل المرحوم الياس ‪ OS‬وبعد عدة إتصاالت مع بقايا التنظيم السري‬
‫دريش بحي المدنيةـ في ‪ 24‬جوان ‪ 1954‬الذي حسم الموقف لصالح تفجير الثورة المسلحة السترجاع السيادة الوطنية‬
‫المغتصبة منذ أكثر من قرن مضى‪ .‬ونظرا للمكانة التي يحظى بها بن بولعيد فقد أسندت إليه باإلجماع رئاسة اللقاء الذي‬
‫انجر عنه تقسيم البالد إلى مناطق خمس وعين على كل منطقة مسؤول وقد عين مصطفى بن بولعيد على رأس المنطقة‬
‫األولى‪ :‬األوراس كما كان أحد أعضاء لجنة «الستة» «بوضياف‪ ،‬ديدوش‪ ،‬بن بولعيد‪ ،‬بيطاط‪ ،‬بن مهيدي‪ ،‬كريم»‪ .‬ومن أجل‬
‫توفير كل شروط النجاح واالستمرارية للثورة المزمع تفجيرها‪ ،‬تنقل بن بولعيدـ رفقة‪ :‬ديدوش مراد‪ ،‬محمد بوضياف ومحمد‬
‫العربي ين مهيدي إلى سويسرا خالل شهر جويلية ‪ 1954‬بغية ربط االتصال بأعضاء الوفد الخارجي «بن بلة‪ ،‬خيضر‬
‫‪.‬وآيت أحمد» لتبليغهم بنتائج اجتماع مجموعة الـ‪ 22‬من جهة وتكليفهم بمهمة اإلشراف على الدعاية لصالح الثورة‬

‫ومع اقتراب الموعد المحدد لتفجير الثورة تكثفت نشاطات بن بولعيد من أجل ضبط كل كبيرة وصغيرة إلنجاح هذا‬
‫المشروع الضخم‪ ،‬وفي هذا اإلطار تنقل بن بولعيدـ إلى ميلة بمعية كل من محمد بوضياف وديدوش مراد لالجتماع في‬
‫ضيعة تابعة لعائلة بن طوبال وذلك في سبتمبر ‪ 1954‬بغرض متابعة النتائج المتوصل إليها في التحضير الجاد إلعالن‬
‫الثورة المسلحة ودراسة احتياجات كل منطقة من عتاد الحرب كأسلحة والذخيرة‪ .‬وفي ‪ 10‬أكتوبر ‪ 1954‬التقى بن بولعيد‪،‬ـ‬
‫ورابح بيطاط في منزل مراد بوقشورة بالرايس حميدو وأثناء هذا االجتماع تم االتفاق على‬ ‫‪:‬كريم بلقاسم‬

‫باسم جبهة التحرير الوطني ‪1.‬‬ ‫‪.‬إعالن الثورة المسلحة‬


‫إعداد مشروع بيان أول نوفمبر ‪2. 1954‬‬
‫‪3.‬‬ ‫‪.‬تحديد يوم ‪ 22‬أكتوبر ‪ 1954‬موعدا الجتماع مجموعة الستة لمراجعة مشروع بيان أول نوفمبر وإقراره‬
‫اإلثنين أول نوفمبر ‪ 1954‬موعدا النطالق الثورة ‪4.‬‬ ‫تحديدـ منتصف ليلة‬
‫المسلحة‬ ‫‪.‬‬

‫وطيلة المدة الفاصلة بين االجتماعين لم يركن بن بولعيد إلى الراحة بل راح ينتقل بين مختلف مناطق الجهة المكلف بها‬
‫"األوراس" ضمن العديد من الزيارات الميدانية للوقوف على االستعدادات والتحضيرات التي تمت وكذا التدريبات التي‬
‫يقوم بها المناضلون على مختلف األسلحة وصناعة القبائل والمتفجرات التقليدية‪ .‬وفي التاريخ المحدد التأم شمل الجماعة‬
‫التي ضمت‪ :‬بن بولعيد‪ ،‬بوضياف‪ ،‬بيطاط‪ ،‬بن مهيدي‪ ،‬ديدوش وكريم وذلك بمنزل مراد بوقشورة أين تم االتفاق على النص‬
‫النهائي لبيان أول نوفمبر ‪ 54‬إثر مراجعته والتأكيد بصورة قطعية على الساعة الصفر من ليلة فاتح نوفمبر ‪ 54‬لتفجير‬
‫الثورة المباركة وأجمع الحاضرون على التزام السرية بالنسبة للقرار النهائي التاريخي والحاسم ثم توجه كل واحد إلى‬
‫المنطقة التي كلف باإلشراف عليها في انتظار الساعة الصفر واإلعداد إلنجاح تلك العملية التي ستغير مجرى تاريخ الشعب‬
‫الجزائري‪ .‬وهكذا عقد بن بولعيد عدة اجتماعات بمنطقة األوراس حرصا منه على انتقاء الرجال القادرين على الثبات وقت‬
‫األزمات والشدائد‪ ،‬منها اجتماع بلقرين يوم ‪ 1954-10-20‬الذي حضره الكثير من مساعديه نذكر منهم على الخصوص‪:‬‬
‫عباس لغرور‪ ،‬شيهاني بشير‪ ،‬عاجل عجول والطاهر نويشي وغيرهم وخالل هذا اللقاء أعلم بن بولعيد رفاقه بالتاريخ‬
‫المحدد لتفجير ثورة التحرير كما وزع على الحضور بيان أول نوفمبر وضبط حصة كل جهة من األسلحة والذخيرة‬
‫المتوفرة‪ .‬وقبل مرور أسبوع على هذا اللقاء عقد بن بولعيد اجتماعين آخرين في ‪ 30‬أكتوبر ‪ 1954‬أحدهما في دشرة‬
‫«اشمول» واآلخر بخنقة الحدادة التقى أثناءهما بمجموعة من المناضلين وألقى كلمة حماسية شحذ فيه همم الجميع‪ .‬وفي الغد‬
‫عقد اجتماعا قبل الساعة صفر‪ ،‬وقد ضم هذا األخير قادة النواحي واألقسام وفيه تقرر تحديدـ دشرة أوالد موسى وخنقة‬
‫لحدادة اللتقاء أفواج جيش التحرير الوطني واستالم األسلحة وأخذ آخر التعليمات الالزمة قبل حلول الموعد التاريخي‬
‫‪.‬واالنتقال إلى العمل المسلح ضد األهداف المعنيةـ‬

‫وفي تلك الليلة قال بن بولعيد قولته الشهيرة‪" :‬إخواني سنجعل البارود يتكلم هذه الليلة" وتكلم البارود في الموعد المحدد‬
‫وتعرضت جل األهداف المحددة إلى نيران أسلحة جيش التحرير الوطني وسط دهشة العدو وذهوله‪ .‬وفي صبيحة يوم أول‬
‫نوفمبر ‪ 54‬كان قائد منطقة األوراس مصطفى بن بولعيد يراقب ردود فعل العدو من جبل الظهري المطل على أريس بمعية‬
‫شيهاني بشير‪ ،‬مدور عزوي‪ ،‬عاجل عجول ومصطفى بوستة‪ .‬وقد حرص بن بولعيد على عقد اجتماعات أسبوعية تضم‬
‫‪.‬القيادة ورؤساء األفواج لتقييم وتقويم العمليات وتدارس ردود الفعل المتعلقة بالعدو والمواطنين‬

‫وفي بداية شهر جانفي ‪ 1955‬عقد هذا األخير اجتماعا في تاوليليت مع إطارات الثورة تناول باألخص نقص األسلحة‬
‫والذخيرة‪ ،‬وقد فرضت هذه الوضعية على بن بولعيد اعالم المجتمعينـ بعزمه على التوجه إلى بالد المشرق بهدف التزود‬
‫‪.‬بالسالح ومن ثم تعيينـ شيهاني بشير قائدا للثورة خالل فترة غيابه ويساعده نائبان هما‪ :‬عاجل عجول وعباس لغرور‬

‫االعتقال والعودة لقيادة الثورة وإغتياله‬


‫تمثال مصطفى بن بولعيد بأريس والية باتنة‬

‫وفي ‪ 24‬جانفي ‪ 1955‬غادر بن بولعيدـ األوراس باتجاه المشرق وبعد ثالثة أيام من السير الحثيث وسط تضاريس طبيعية‬
‫صعبة وظروف أمنية خطيرة وصل إلى «‪ ‬القلعة «‪ ‬حيث عقد اجتماعا لمجاهدي الناحية الطالعهم على األوضاع التي‬
‫تعرفها الثورة وأرسل بعضهم موفدينـ من قبله إلى جهات مختلفة من الوطن‪ .‬بعدـ ذلك واصل بن بولعيدـ ومرافقه عمر‬
‫المستيري الطريق باتجاه الهدف المحدد‪ .‬وبعد مرورهما بناحية نقرين «تبسة «‪ ‬التقيا في تامغرة بعمر الفرشيشي الذي ألح‬
‫على مرافقتهما كمرشد‪ .‬وعند الوصول إلى «‪ ‬أرديف «‪ ‬المدينة المنجمية التونسية‪ ،‬وبها يعمل الكثير من الجزائريين‪ ،‬اتصل‬
‫بن بولعيد ببعض هؤالء المنخرطين في صفوف الحركة الوطنية‪ ،‬وكان قد تعرف عليهم عند سفره إلى ليبيا في منتصف‬
‫أوت ‪ ،1954‬وذلك لرسم خطة تمكن من إدخال األسلحة‪ ،‬الذخيرة واألموال إلى الجزائر عبر وادي سوف‪ .‬وانتقل بن بولعيد‬
‫من أرديف إلى المتلوي بواسطة القطار ومن هناك استقل الحافلة إلى مدينةـ قفصة حيث بات ليلته فيها رفقة زميليه‪ .‬وفي الغد‬
‫اتجه إلى مدينة قابس حيث كان على موعد مع المجاهد حجاج بشير ‪ ،‬لكن هذا اللقاء لم يتم بين الرجلين نظرا العتقال بشير‬
‫حجاج من قبل السلطات الفرنسية قبل ذلك‪ .‬وعند بلوغ الخبر مسامع بن بولعيد ومخافة أن يلقى نفس المصير غادر مدينةـ‬
‫قابس على جناح السرعة على متن أول حافلة باتجاه بن قردان‪ .‬وعند وصول الحافلة إلى المحطة النهائية بن قرادن طلب‬
‫هؤالء من كل الركاب التوجه إلى مركز الشرطة‪ ،‬وحينها أدرك بن بولعيد خطورة الموقف فطلب من مرافقه القيام بنفس‬
‫الخطوات التي يقوم بها‪ ،‬وكان الظالم قد بدأ يخيم على المكان فأغتنما الفرصة وتسلال بعيدا عن مركز الشرطة عبر األزقة‪.‬‬
‫ولما اقترب منهما أحد أفراد الدورية أطلق عليه بن بولعيدـ النار من مسدسه فقتله‪ .‬وواصال هروبهما سريعا عبر الطريق‬
‫الصحراوي كامل الليل وفي الصباح اختبأ‪ ،‬وعند حلول الظالم تابعا سيرهما معتقدينـ أنهما يسيران باتجاه الحدود‬
‫‪.‬التونسيةالليبية ألن بن بولعيد كان قد أضاع البوصلة التي تحدد اإلتجاه‪ ،‬كما أنه فقد إحدى قطع مسدسه عند سقوطه‬

‫وما أن طلع النهار حتى كانت فرقة الخيالة تحاصر المكان وطلب منهما الخروج وعندما حاول بن بولعيد استعمال مسدسه‬
‫‪ 11‬فيفري‬ ‫وجده غير صالح وإثر ذلك تلقى هذا األخير ضربة أفقدته الوعي وهكذا تم اعتقال بن بولعيد يوم‬

‫وفي ‪ 3‬مارس ‪ 1955‬قدم للمحكمة العسكرية الفرنسية بتونس التي أصدرت يوم ‪ 28‬ماي ‪ 1955‬حكما باألشغال الشاقة‬
‫المؤبدة بعدها نقل إلى قسنطينة لتعاد محاكمته من جديد أمام المحكمة العسكرية في ‪ 21‬جوان ‪ 1955‬وبعد محاكمة مهزلة‬
‫أصدرت الحكم عليه باإلعدام‪.‬ونقل إلى سجن الكدية الحصين‪.‬وفي السجن خاض بن بولعيد نضاال مريرا مع اإلدارة لتعامل‬
‫مساجين الثورة معاملة السجناء السياسيين وأسرى الحرب بما تنص عليه القوانين الدولية‪ .‬ونتيجة تلك النضاالت ومنها‬
‫اإلضراب عن الطعام مدة ‪ 14‬يوما ومراسلة رئيس الجمهورية الفرنسية تم نزع القيود والسالسل التي كانت تكبل المجاهدين‬
‫داخل زنزاناتهم وتم السماح لهم بالخروج صباحا ومساء إلى فناء السجن‪ .‬وفي هذه المرحلة واصل بن بولعيد مهمته‬
‫النضالية بالرفع من معنويات المجاهدين ومحاربة الضعف واليأس من جهة والتفكير الجدي في الهروب من جهة ثانية‪ .‬وبعد‬
‫تفكير متمعن تم التوصل إلى فكرة الهروب عن طريق حفر نفق يصلها بمخزن من البناء االصطناعي وبوسائل جد بدائية‬
‫شرع الرفاق في عملية الحفر التي دامت ‪ 28‬يوما كامال‪ .‬وقد عرفت عملية الحفر صعوبات عدة منها الصوت الذي يحدثه‬
‫‪.‬عملية الحفر في حد ذاتها ثم األتربة والحجارة الناتجة عن الحفر‬

‫وقد تمكن من الفرار من هذا السجن الحصين والمرعب كل من مصطفى بن بولعيد‪،‬ـ محمد العيفة‪ ،‬الطاهر الزبيري‪ ،‬لخضر‬
‫‪.‬مشري‪ ،‬علي حفطاوي‪ ،‬إبراهيم طايبي‪ ،‬رشيد أحمد بوشمال‪ ،‬حمادي كرومة‪ ،‬محمد بزيان‪ ،‬سليمان زايدي وحسين عريف‬

‫وبعد مسيرة شاقة على األقدام الحافية المتورمة والبطون الجائعة والجراح الدامية النازفة وصبر على المحن والرزايا‬
‫وصلوا إلى مراكز الثورة‪ .‬وفي طريق العودة إلى مقر قيادته انتقل إلى كيمل حيث عقد سلسلة من اللقاءات مع إطارات‬
‫الثورة ومسؤوليها بالناحية‪ ،‬كما قام بجولة تفقدية إلى العديد من األقسام للوقوف على الوضعية النظامية والعسكرية بالمنطقة‬
‫األولى "األوراس"‪ .‬وقد تخلل هذه الجولة إشراف بن بولعيد على قيادة بعض أفواج جيش التحرير الوطني التي خاضت‬
‫معارك ضارية ضد قوات العدو وأهمها‪ :‬معركة إيفري البلح يوم ‪ 1956-01-13‬ودامت يومين كاملين والثانية وقعت بجبل‬
‫‪.‬أحمر خدو يوم ‪1956-01-18‬‬

‫لقد طبق المجاهد عاجل عجول القانون المعمول به في الثورة ال اكثر وال اقل الن بن لولعيد ليس نبيا ليستثنى من قوانين‬
‫الثورة و كما قال عجول سجن الكديا مهوش كرطونوسجن الكديا مبني فوق صخرة وليس ارض يمكن حفرها بسهولة كما‬
‫ان العقيد الذي اعدم تحت قيادة المجاهد عجول كان يمارس الرذيلة مع أحد اعوانه و قد تم تحذيره ولكنه لم ينته من اتباع‬
‫شهواته فطبق عليه حكم االعدام وقد دبرت لعجول ‪ 3‬محاوالت لالغتيال فقد فيها اصبعه وحين سلم نفسه إلى فرنسا بحسب‬
‫اقوال شهود عرضته فرنسا في أحد الساحات باالوراس فقال‪ :‬انا هللا غالب ماقدرتش نكمل السباب خاصة أنتم يلزمكم تكملو‬
‫من بعدي وقد مات عجول البطل المهندس الكبير للمعارك الكبرى و الرجل الذي رغم تكالب الخونة عليه إلى انه لم ينزل‬
‫إلى مستواهم و كان المجاهد الصادق لدينه ووطنه‪ .‬واقول لعاجل عجول‪ :‬ال تأسفن على غدر الزمان لطالمارقصت على‬
‫جثث األسود كالب التحسبن برقصها تعلو على أسيادها تبقى األسود أسوداً والكالب كالب تموت األسود في الغابات جوعا ً‬
‫ولحم الضأن تأكله الكالب وذو جهل قد ينام على حرير وذو علم مفارشه التراب‬

‫وقد عقد آخر اجتماع له قبل استشهاده يوم ‪ 22‬مارس ‪ 1956‬بالجبل األزرق بحضور إطارات الثورة بالمنطقة األولى‬
‫وبعض مسؤولي جيش التحرير الوطني بمنطقة الصحراء‪ .‬ومساء اليوم نفسه أحضر إلى مكان االجتماع مذياع الذي كان‬
‫ملغما الذس ألقته قوات االستعمار الفرنسي وعند محاولة تشغيله انفجر مخلفا استشهاد قائد المنطقة األولى مصطفى بن‬
‫بولعيد وخمسة من رفاقه‪ .‬و يشاع أيضا عن وفاته‪ :‬غموض شديد يلف قضية إغتيال البطل الشهيد مصطفى بن بولعيد أحد‬
‫الستة الذين فجروا ثورة التحرير‪ ،‬وأغرب ما في األمر هو محاولة البعض التعتيم على هذه القضية والكثير من القضايا‬
‫التاريخية المتعلقة بثورة التحرير‪ ،‬وحرمان الجيل الجديد من معرفة تاريخ وطنه بكل تفاصيله‪ ،‬رغم مرور أكثر من نصف‬
‫قرن على اندالع الثورة‪ ،‬ورغم أن كل ما كنا نعرفه عن قضية استشهاد بن بولعيد خالل طفولتنا المدرسية هو انفجار مذياع‬
‫مفخخ في ظروف “غامضة” على مصطفى بن بولعيد‪ ،‬ولكن كيف؟ وأين؟ ومتى؟ ومن دبر ونفذ هذا العملية الشنيعة؟ أسئلة‬
‫كثيرة يطرحها جيلنا على جيل الثورة‪ ،‬ويريد إجابات صريحة ودقيقة بعيدا عن أي خلفيات سياسية أو شخصية أو قبلية‪،‬‬
‫وكل ما أردنا ان نفتح هذا الملف بشكل أكثر عمقا وتفصيال‪ ،‬كانو ينصحوننا بعدم الخوض في هكذا مسائل‪ ،‬إال اننا ارتأينا‬
‫‪.‬أنه ال بد من معرفة الحقيقة‪ ،‬وإسكات صراخ هذه األسئلة التي ال نجد لها جوابا‬

‫وعملنا خالل هذا التحقيق على االتصال ببعض المجاهدين والباحثين في تاريخ الثورة واالستعانة ببعض الكتب والمذكرات‬
‫التاريخية التي تناولت قضية اغتيال مصطفى بن بولعيد‪ ،‬وكان ال بد من الرجوع قليال إلى الوراء لمعرفة الصراع بين قادة‬
‫األوراس بعد أسر بن بولعيد قائد المنطقة التاريخية األولى (أوراس النمامشة)‪ ،‬والذي أدى إلى مقتل شيحاني بشير نائب‬
‫مصطفى بن بولعيد بأمر من عجول عجول الذي أصبح عمليا قائدا لألوراس‪ ،‬في حين تمرد عليه عمر بن بولعيد شقيق سي‬
‫مصطفى وفي هذا الجو المشحون بالصراعات‪ ،‬تمكن مصطفى بن بولعيد من الهرب بأعجوبة من سجن الكدية بقسنطينة في‬
‫‪ 10‬نوفمبر ‪ 1955‬رفقة عشرة من رفاقه كان من بينهم الطاهر الزبيري‪ ،‬وبعودته إلى األوراس اكتشف سي مصطفى عدة‬
‫أخطاء ارتكبت في غيابه‪ ،‬كما أن أن عجول القائد الفعلي لألوراس فاجأه تمكن بن بولعيد من الهرب من السجن‪ ،‬كما أن‬
‫السلطات االستعمارية غاضها كثيرا تمكن زعيم األوراس من الفرار من قبضتها وإعادة تنظيمه وتوحيده لصفوف‬
‫‪.‬المجاهدين‬

‫!!عجول يشكك في وطنية بن بولعيد‬

‫حسب رواية الطاهر الزبيري آخر قادة األوراس التاريخيين فإن عودة مصطفى بن بولعيد إلى مركز قيادة منطقة األوراس‬
‫فاجأت عجول عجول الذي آلت إليه قيادة المنطقة عمليا بعدما تمكن من التخلص من شيحاني بشير نائب بن بولعيد الذي‬
‫خلفه على رأس المنطقة قبل اعتقاله على الحدود التونسية الليبية‪،‬ـ وما زاد في تعميق الهوة بين الرجلين هو اكتشاف بن‬
‫بولعيد أن عجول هو الذي أمر بقتل نائبه شيحاني بشير رفقة عدد آخر من المجاهدين بسبب أخطاء ال يرى بن بولعيد أنها‬
‫تستحق عقوبة الموت فالم عجول كثيرا على هذا األمر وقال له “تستقل الجزائر ولن نجد خمسة رجال مثله” فقد كان‬
‫‪.‬شيحاني رجال مثقفا في زمن طغى فيه الجهل واألمية‪ ،‬ولم يستسغ عجول هذا التأنيب‬

‫ويؤكد العقيد الزبيري حسبما رواه له شخصيا المرحوم العقيد الحاج لخضر عبيد أحد قادة األوراس الذي كان قريبا من‬
‫بولعيد في تلك الفترة أن عجول لم يبد كبير ترحاب بنجاة بن بولعيد من األسر وفراره من السجن‪ ،‬بل شكك في صحة هروبه‬
‫فعال من سجن الكدية الحصين عندما قال لبعض المجاهدين “سجن فرنسا ليس كرتونا ليهربوا منه بسهولة”‪ ،‬بل أكثر من‬
‫ذلك رفض عجول إعادة االعتبار لبن بولعيد كقائد للمنطقة األولى رغم أنه واحد من الستة المفجرين لثورة التحرير وواجهه‬
‫قائال “النظام (الثورة) ما يديرش فيك الثقة غير بعد ست أشهر” بمعنى أن نظام الثورة لن يجدد فيك الثقة كقائد للمنطقة إال‬
‫بعد ستة أشهر من التحري والتحقق إلى غاية التأكد بأن بن بولعيد ليس مبعوثا من فرنسا الختراق الثورة وإضعافها‪ ،‬وهذه‬
‫الكلمات فاجأت بن بولعيد وأثارت حفيظته وأزعجته كثيرا وشكا هذا األمر للحاج لخضر عبيد عندما قال له “أتعلم ماذا قال‬
‫‪”.‬لي عجول؟‪..‬الثورة لن تجدد فيك الثقة إال بعد ستة أشهر‬

‫وأثار عجول قضية عمر بن بولعيد شقيق مصطفى بن بولعيد الذي انفرد بقيادة ناحية من نواحي المنطقة األولى ونصب‬
‫نفسه قائدا للمنطقة في غياب أخيه ولم يعترف بعجول وعباس لغرور كقائدين لألوراس‪ ،‬فرد عليه سي مصطفى “سأستدعي‬
‫‪”.‬عمر وإن ثبت عليه التهم التي وجهتها إليه فأنا من سينفذ حكم الموت عليه بيدي‬

‫ولم يكن عجول ينظر بعين الرضا إلى الوفود التي كانت تزور مصطفى بن بولعيد وتهنئه على النجاة وتعلن له الوالء‬
‫والطاعة‪ ،‬متجاوزة عجول‪ ،‬ولم يكن يمر يوم على سي مصطفى إال ويجتمع مع هؤالء وهؤالء إلعادة تنظيم منطقة‬
‫األوراس التي نخرتها االنقسامات بفعل الصراعات الشخصية والعروشية والفراغ الذي تركه غيابه ونائبه‪ ،‬وتمكن بن‬
‫بولعيد في فترة قصيرة من حل العديدـ من الخالفات والصراعات وإعادة لحمة منطقة األوراس‪ ،‬فقد كان يحظى بثقة قيادات‬
‫‪.‬الثورة في الداخل والخارج فضال عن مجاهدي األوراس الذين يدينونـ له بالوالء‬

‫!!بن بولعيد يستشهد بطريقة طالما حذر أصحابه منها‬

‫وفي ‪ 22‬مارس ‪ 1956‬استشهد البطل مصطفى بن بولعيد في ظروف غامضة عند انفجار جهاز إشارة (إرسال واستقبال)‬
‫مفخخ بإحدى الكأزمات ومعه سبعة من المجاهدين ولم ينجو منهم إال اثنين أحدهم يدعى علي بن شايبة‪ ،‬ويستغرب الطاهر‬
‫الزبيري كيف يقتل بن بولعيد بجهاز فرنسي مفخخ رغم أنه حرص في كل مرة على غرار ما أوصاهم به قبل الهروب من‬
‫السجن بعدم لمس األشياء المشبوهة حتى ولو كانت قلما‪ ،‬خشية أن تكون مفخخة‪ ،‬مما يوحي بأن هناك مؤامرة دبرت بليل‬
‫ضد مصطفى بن بولعيد‪ ،‬ولكن يبقى التساؤل من قتل هذا البطل؟ ومن خطط لهذه المؤامرة؟‬

‫ويوضح الزبيري أن الجهاز المفخخ الذي أدى إلى استشهاد مصطفى بن بولعيد تركته فرقة للجيش الفرنسي بمكان غير بعيدـ‬
‫عن مركز قيادة األوراس‪ ،‬وعند مغادرتها للمكان عثر المجاهدون على الجهاز فحملوه إلى مصطفى بن بولعيد الذي أراد‬
‫تشغيله فانفجر الجهاز مما أدى إلى استشهاد البطل بن بولعيد‪ ،‬ويستدل أصحاب هذه الرواية باعترافات بعض جنراالت‬
‫فرنسا في مذكراتهم بأنهم هم من خطط وفخخ الجهاز الذي أدى إلى استشهاد قائد المنطقة األولى‪ ،‬غير أن هذه الرواية تبدوا‬
‫غريبة إذا قسنا ذلك بالحذر الذي يميز بن بولعيد في التعامل مع األشياء التي يخلفها جيش االحتالل‪ ،‬إذ كيف يقوم بن بولعيد‬
‫بتشغيل جهاز دون التحقق منه إال إذا كان واثقا من سالمته من المتفجرات بناء على تطمينات من معه؟‬

‫بوضياف‪ :‬بن بولعيد قتله مجاهد ألماني خطأ‬

‫ويروي العقيد الطاهر الزبيري على لسان علي بن شايبة الناجي من االنفجار الذي خلفته القنبلة المخبأة في الجهاز أن‬
‫مصطفى بن بولعيد عندما عاين الجهاز الحظ أنه ال يحتوي على بطاريات فطلب منه إحضار البطاريات ولما جاءه بما‬
‫طلب تم وضعها في الجهاز وبمجرد تشغيله انفجر مخلفا ثماني قتلى وجريحين‪ ،‬ولكن سي الطاهر نفسه يشكك في صحة‬
‫هذه الرواية‪ ،‬ويشير إلى أن المجاهدين تحصلوا خالل كمين نصبوه لفرقة لجيش االحتالل على جهاز إشارة وغنموا منها‬
‫بعض قطع السالح‪ ،‬وعندما أحضر المجاهدون جهاز اإلشارة الصغير هذا قال لهم سي مصطفى ـ حسبما رواه موسى‬
‫حواسنية للطاهر الزبيري ـ “حطوه حتى انشوفولوا خبير يتأكد إذا فيه مينا” بمعنى ضعوا جهاز اإلشارة هذا جانبا حتى‬
‫يفحصه خبير في المتفجرات لعل فيه لغم‪ ،‬وجاء الخبير وفحص جهاز اإلشارة هذا وتأكد من أن الجهاز غير مفخخ‪ ،‬وتؤكد‬
‫هذه الحادثة الحرص الشديدـ لبن بولعيد على عدم استعمال أي جهاز يأتي من العدو حتى ولو غنموه في المعارك‪ ،‬لذلك يبدوا‬
‫األمر غامضا عندما ينفجر جهاز إشارة كبير يستعمل في االتصاالت الدولية في كازمة لقائد المنطقة‪ ،‬خلفه عساكر العدو في‬
‫!!إحدى تنقالتهم‬
‫أما محمد بوضياف المنسق العام للثورة فيؤكد أن مجاهدا ألمانيا كان ضمن صفوف جيش التحرير هو الذي قتل مصطفى بن‬
‫بولعيد عن طريق الخطأ‪ ،‬ويقول في حوار أجراه معه الصحفي والكاتب خالد بن ققة في ‪ 1991‬بالمغرب “‪..‬إن ثورتنا كان‬
‫فيها أناس من أمم أخرى كاأللمان‪ ،‬حتى أن أحدهم قتل مصطفى بن بولعيدـ خطأ‪ ،‬إذ وضع قنبلة في مذياع‪ ،‬ووجده رجال‬
‫الثورة في الطريق‪ ،‬فأخذوه‪ ،‬وعندما فتح بن بولعيد المذياع تفجرت فيه القنبلة”‪ ،‬إال أن بعض المجاهدين يقللون من شهادة‬
‫بوضياف الذي كان في الخارج عند اغتيال مصطفى بن بولعيد ويعتبرون أن شهادته ال يعتدـ بها ما دام لم يكن حاضرا عند‬
‫حادثة االغتيال‪ ،‬إال أن شهادة محمد بوضياف لها أهميتها باعتباره المنسق العام للثورة وبالتالي فإن المعلومات التي يتحصل‬
‫‪.‬عليها هي معلومات رسمية خاصة عندما يتعلق األمر بشخصية بحجم بن بولعيد‬

‫سعيداني يتهم عجول بتدبيرـ مؤامرة اغتيال بطل األوراس‬

‫غير أن أخطر ما قيل عن استشهاد مصطفى بن بولعيد ما كتبه الرائد الطاهر سعيداني في مذكراته حيث اتهم صراحة‬
‫عجول عجول بتدبير عملية اغتيال مصطفى بن بولعيد عندما أمر علي األلماني بتفخيخ جهاز إشارة للتخلص من أحد‬
‫الخونة‪ ،‬ثم قدم الجهاز المفخخ إلى أحد المجاهدين وطلب منه أن يقدمه لمصطفى بن بولعيد على أساس أنه عثر عليه في‬
‫الخارج‪ ،‬وعندما أراد ذلك المجاهد تنفيذ ما أمر به‪ ،‬كان عجول مع بن بولعيد في إحدى الكأزمات ولما دخل عليهم خرج‬
‫‪.‬عجول وترك بن بولعيد مع المجاهد الذي سلمه الجهاز‪ ،‬وبمجرد أن شغله بن بولعيدـ حتى انفجر وقضى عليه‬

‫ويروي الطاهر السعيداني هذه الحادثة مع بعض التفصيل فيقول “ذات يوم فيما كان مصطفى بن بولعيد يتحدث إلى‬
‫مجاهديه دخل عليهم جندي يحمل بين يديه مذياعا (لم يكن مذياعا وإنما جهاز إشارة) أعطاه لمصطفى بن بولعيد مؤكدا له‬
‫أنه وجده مرميا‪ ،‬ولكن هذا غير صحيح‪ ،‬فما إن أمسكه حتى غادر عجول عجول المكان وحينما حاول بن بولعيد فتح المذياع‬
‫ليستمع إلى األخبار وإذا به ينفجر عليه ويسقط شهيدا” ويضيف سعيداني الذي كان ضابطا في القاعدة الشرقية “… في‬
‫طريقنا لتهنئة الكتيبة التي كان يقودها لخضر بلحاج ـ بعد انتصارها في إحدى المعارك ـ وجدنا وسط المجاهدين جنديين من‬
‫األلمان اللذين كانا مجندينـ في اللفيف األجنبي الفرنسي‪..‬أحدهما يدعى علي األلماني اعتنق اإلسالم في القاعدة الشرقية…‬
‫وكان متخصصا في المتفجرات فطلبنا منه من باب الفضول كيف تم تلغيم المذياع الذي أعطي لبن بولعيد فأجابنا أنه لم يكن‬
‫يعلم بأن المذياع الذي أتاه به عجول عجول من أجل تلغيمه كان موجها لالنفجار في وجه مصطفى بن بولعيد لقتله بل ظن‬
‫انه سيرسل لشخص خائن كما قال له عجول” ويختم المجاهد الطاهر سعيداني كالمه “هذا ما أجابني به علي األلماني وأشهد‬
‫‪”.‬به أمام الشهداء والتاريخ‬

‫وباستشهاد مصطفى بن بولعيدـ تعرضت منطقة األوراس إلى هزة قوية أفقدتها توازنها ولم يتمكن عجول عجول بالرغم من‬
‫صرامته من جمع كلمة المنطقة تحت سلطته فرفض عدد من قادة األوراس االعتراف بقيادته للمنطقة بل وحملوه مسؤولية‬
‫استشهاد البطل مصطفى بن بولعيد‪ ،‬وحاول بعضهم اغتياله لكنه تمكن من النجاة بأعجوبة بعدما أصيب بجراح حسب بعض‬
‫الشهادات وسلم نفسه إلى الجيش الفرنسي ألسباب ما زالت غامضة رغم اعتراف الكثير من المجاهدين حتى أولئك الذين‬
‫‪.‬اختلفوا معه بوطنيته وشجاعته وقوة شخصيته‬
‫‪.‬مصطفى بن بولعيد أثناء الثورة‬

‫المخابرات الفرنسية تفتخر بـ”نجاحها” في اغتيال بن بولعيد‬

‫غير أن الكاتب والباحث محمد عباس المتخصص في قضايا الثورة الجزائرية والحركة الوطنية ينفي بشكل مطلق صحة‬
‫هذه الرواية‪ ،‬ويشكك في مصداقية صاحبها‪ ،‬مؤكدا أن بعض الجهات التي كانت تنافس عجول عجول على قيادة منطقة‬
‫األوراس بعد أسر قائدها هي التي سعت لتلفيق تهمة اغتيال عجول لمصطفى بن بولعيد قصد تشويهه‪ ،‬مضيفا أن عمر بن‬
‫بولعيد شقيق مصطفى كان يسعى لخالفة أخيه على رأس المنطقة األولى عندما كان هذا األخير أسيرا وبعد اغتياله‪ ،‬كما أن‬
‫خالفاته مع عجول معروفة لذلك سعى لترويج رفقة الجماعة التي كانت ملتفة حول مصطفى بن بولعيد إشاعة أن عجول هو‬
‫الذي دبر عملية اغتيال بن بولعيد‪،‬ـ مشيرا إلى أن هذا األخير منع شقيقه عمر بعد فراره من السجن من تولي أي مسؤولية‬
‫‪.‬قيادية‪ ،‬باإلضافة إلى أن عرش بن بولعيدـ نفسه ال يصدقون رواية تورط عجول في اغتيال سي مصطفى‬

‫ويجزم محمد عباس بأن المخابرات الفرنسية وعلى أعلى المستويات في باريس هي التي دبرت عملية اغتيال مصطفى بن‬
‫بولعيد‪،‬ـ باعتراف جنراالتها الذين اعتبروا هذه العملية إنجازا كبيرا لهم يستحق االفتخار‪ ،‬حيث نشر أحد رجال المخابرات‬
‫الفرنسية كتابا تحت اسم مستعار تحدث بالتفصيل عن هذه العملية “الناجحة” التي أدت إلى تعطيل والية األوراس من‬
‫‪ 1956‬إلى غاية نهاية ‪ 1959‬وبداية ‪ 1960‬وتحييدها عن الكفاح المسلح بعد أن كانت قلب الثورة النابض حيث اشتدت‬
‫‪.‬االنقسامات بين قياداتها‪ ،‬ولكن لحسن الحظ أن الثورة امتدت إلى بقية الواليات بشكل ال رجعة فيه‬

‫ويوضح الباحث محمد عباس الذي استقى معلوماته من بعض الشهود والشهادات أن المخابرات الفرنسية وبعد هروب‬
‫مصطفى بن بولعيد من السجن خططت لزعزعة استقرار منطقة األوراس (أصبحت والية بعد مؤتمر الصومام في أوت‬
‫‪ ) 1956‬عن طريق اغتيال بن بولعيد بطريقة ماكرة‪ ،‬وكانت تعلم أن قيادة األوراس بحاجة إلى جهاز إشارة لالتصال بقيادة‬
‫الثورة في الخارج‪ ،‬فأرسلوا فصيل إشارة إلى المنطقة وتعمدوا ترك مؤن على سبيل الخطأ حتى ال يثيروا شكوك المجاهدين‬
‫عندما تركوا جهاز اإلشارة الذي تم تلغيمه بشكل محكم وبمستوى تكنولوجي متطور‪ ،‬وحمل المجاهدون الجهاز إلى‬
‫مصطفى بن بولعيد وقام أحدهم باستعمال بطاريات جهاز اإلشارة إلشعال جهاز إنارة فانفجر الجهاز الملغم واستشهد ثماني‬
‫‪.‬مجاهدين وجرح اثنان وهما علي بن شايبة (ما زال على قيد الحياة)‪ ،‬ومصطفى بوستة (توفي بعد االستقالل)‬

‫وعن السر وراء تعامل بن بولعيد مع جهاز تركه جيش االحتالل بالرغم من أنه طالما حذر رجاله من التقاط األشياء‬
‫المشبوهة خشية أن تكون ملغمة‪ ،‬برر محمد عباس ذلك بان األجل ال ينفع معه الحذر‪ ،‬وأشار إلى حاجة قيادة األوراس‬
‫لجهاز إشارة لالتصال بقيادات الثورة في الداخل والخارج‪ ،‬فضال عن أن الجهاز كان ملغما بشكل محكم يصعب اكتشافه‪،‬‬
‫ولكنه تحدث من جهة أخرى عن محاولة ثانية وبنفس الطريقة قامت بها المخابرات الفرنسية في ‪ 1957‬لتمزيق الوالية‬
‫‪.‬الثالثة (القبائل) عندما انفجر جهاز مفخخ على محند أولحاج قائد الوالية ولكنه أصيب بجروح ولم يستشهد‬

‫عمالء المخابرات الفرنسية هم من قتلوا سي مصطفى‬

‫من جهته يؤكد الدكتور لحسن بومالي الباحث في تاريخ الثورة الجزائرية أن المخابرات الفرنسية هي التي دبرت عملية‬
‫اغتيال مصطفى بن بولعيد ونفذتها عن طريق عمالئها الذين غرستهم في صفوف المجاهدين‪ ،‬ويضيف أن السلطات‬
‫الفرنسية لم تحتمل قضية هروب مصطفى بن بولعيد من سجن الكدية بقسنطينة ببساطة رغم الحراسة المشددة التي كان‬
‫خاضعا لها‪ ،‬فأرادت القضاء عليه بأي وسيلة‪ ،‬مستعينةـ في ذلك بعمالئها المندسين بين صفوف المجاهدين لكنه ال يعطي‬
‫تفاصيل أكثر عن هؤالء العمالء الذين اغتالت المخابرات الفرنسية بأيديهم أحد الستة المفجرين لثورة التحرير وعضو‬
‫‪.‬مجموعة ‪ 22‬التي خططت الندالعها‬

‫إن هذا التحقيق يطرح أمامنا ثالث فرضيات حول اغتيال مصطفى بن بولعيد‪ ،‬الفرضية األولى وهي األقوى تدينـ‬
‫المخابرات الفرنسية بتدبير عملية االغتيال هذه ألنها كانت تسعى للقضاء على قائد األوراس مهما كلفها ذلك من ثمن‪ ،‬وذلك‬
‫منذ تمكن سي مصطفى من الفرار من سجن الكدية وما يشكله ذلك من خطورة على الوجود االستعماري‪ ،‬واعتراف ضباط‬
‫المخابرات الفرنسية في مذكراتهم بأنهم هم من دبروا عملية االغتيال وهذا االعتراف هو سيد األدلة على أنهم هم من قتل‬
‫مصطفى بن بولعيد بدليل أنهم كرروا نفس األسلوب في الوالية الثالثة‪ ،‬وهذه الفرضية يميل إلى تصديقها بعض الباحثين‬
‫‪.‬والمؤرخين والجهات الرسمية‬

‫الفرضية الثانية وترجح وقوع خطأ أدى إلى استشهاد مصطفى بن بولعيد‪ ،‬فعلي األلماني طبقا لشهادتي المرحوم محمد‬
‫بوضياف والرائد الطاهر سعيداني قام بتفخيخ جهاز اإلشارة قصد استعماله ضد عدو‪ ،‬وهذا ما يبرر عدم أخذ مصطفى بن‬
‫بولعيد حذره المعتاد عند استعماله لهذا الجهاز وهذه األخطاء كثيرا ما تقع في الحروب والثورات‪ ،‬وليس مستبعدا أن يكون‬
‫‪.‬مقتل بن بولعيد جاء عن طريق الخطأ‬

‫الفرضية الثالثة وتحمل مسؤولية اغتيال بن بولعيد لعجول إذا فرضنا صدق رواية الرائد سعيداني‪ ،‬وانطالقا من خلفيات‬
‫الصراع بين عجول ومصطفى بن بولعيد الذي وبخه لقتله نائبه شيحاني بشير بطل معركة الجرف‪ ،‬باإلضافة إلى خالفات‬
‫عجول مع شقيق بن بولعيد حول قيادة األوراس‪ ،‬واألخطر من ذلك محاولة عجول التشكيك في حقيقة‬

‫هروب بن بولعيد من السجن ورفضه تجديدـ الثقة به كقائد لألوراس قبل ستة أشهر طبقا لنظام الثورة الذي يعتمد على مبدأ‬
‫“أدنى ثقة يعني أعلى درجة من األمان”‪ ،‬كما أن بعض المجاهدين حاولوا اغتيال عجول التهامه بالتورط في اغتيال بن‬
‫بولعيد لتزعم األوراس‪ ،‬والسؤال الكبير لماذا سلم عجول نفسه إلى الجيش الفرنسي رغم ما يشهد له من الشجاعة في‬
‫محاربة االستعمار‬

You might also like