You are on page 1of 236

‫‪0‬‬

‫ف‬
‫و ُ‬
‫ّ‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫تــ‬
‫ّ‬ ‫ال‬
‫صاَِدرِ‬
‫م َ‬
‫وال َ‬ ‫المن ْ َ‬
‫شأَ َ‬
‫تأليف الستاذ‬

‫إحسان إلهي ظهير) رحمه الله (‬


‫‪1941‬م ـــ ‪ 1987‬م‬

‫شبكة الدفاع عن السنة‬


‫‪http://www.d-sunnah.net‬‬

‫سنة‬
‫إدارة ترجمان ال ّ‬
‫لهور – باكستان‬
‫‪1‬‬

‫إهـــداء ‪..‬‬
‫إلى شيخي الذي ل يرتضي أن ُيذكَر‬
‫مومي‬ ‫جُرهُ يقاَسمني ه ُ‬ ‫كيل يضيع أ ْ‬ ‫مهُ َ‬
‫س ُ‬‫ا ْ‬
‫وَرِائي في نواِئبِ‬ ‫ف َ‬‫وآلمي ‪ ,‬ويق ُ‬
‫ف وكريم ‪.‬‬ ‫ري ٍ‬‫ش ِ‬‫ة َ‬ ‫ف َ‬‫وقَ َ‬‫ق َ‬ ‫الّزماَن والح ّ‬
‫هُ‬
‫ح ُ‬ ‫عِني خْيــُلهُ و ِ‬
‫سل ُ‬ ‫م تُ ِ‬‫ن لَ ْ‬
‫إ ْ‬
‫كرا ً ؟‬ ‫س َ‬‫عاَِدي ع ْ‬
‫قَودُ إلى ال َ‬ ‫فمتى أ ُ‬
‫ب إحتراماَ ً لشخصهُ ‪,‬‬ ‫ذا الكتاَ َ‬ ‫ه َ‬ ‫أهدي إليهُ َ‬
‫و َ‬
‫فاَءً‬ ‫و َ‬‫قديرا ً لمواقَفهُ َ‬ ‫حب ّاَ ً لشماَِئلهُ ِ ‪ ,‬وت ْ‬‫و ُ‬
‫لخلصاهُ وإعتزازا ً بهُ ‪.‬‬

‫المؤلف‬
‫‪2‬‬

‫مقدمة ‪:‬‬
‫حمد ا ً للهُ على النعمة الظاَهرة والباَطنة كماَ يليق بجللهُ وجناَبهُ ‪ ,‬وصالة‬
‫وسلماَ على رِسولهُ خير النبيين وأشرف المرسلين ‪ ,‬ومن تمسك بسنتهُ ‪,‬‬
‫وعض عليهاَ باَلنواجذ ‪ ,‬واهتدى بهديهُ من أصاحاَب من أصاحاَبهُ وأهل بيتهُ‬
‫وأتباَعهُ إلى يوم الدين ‪ .‬وبعد ‪:‬‬
‫فإنني قَد إشتغلت بكتاَبي هذا منذ زمن غير قَصير ‪ ,‬أقَدم عليهُ تاَرِهُ وأتأَخر‬
‫عنهُ أخرى ‪ ,‬مترددا ً بين الحجاَم والقَدام ‪.‬‬

‫ولكنناَ لماَ رِأيناَ احتياَج الناَس إلى معرفة هذهُ الفئة من الناَس وأفكاَرِهاَ و‬
‫آرِائهاَ ومعتقداتهاَ ‪ ,‬وكونهم مترددين متذبذبين في تقييمهاَ ووضعهاَ في‬
‫مكاَنهاَ اللئق الصحيح ‪ ,‬خرجناَ من ترددناَ وتذبذبناَ خاَئفين من وعيد اللهُ‬
‫وتهديدهُ ‪:‬‬
‫ً‬
‫} وإن فريقاَ منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون { ‪ .‬و } ول تكتموا الشهاَدة‬
‫‪1‬‬

‫ومن يكتمهاَ فإنهُ آثم قَلبهُ { ‪ 2‬وقَولهُ ‪ } :‬لم تلبسون الحق باَلباَطل وتكتمون‬
‫الحق وأنتم تعلمون { ‪. 3‬‬

‫ويعلم اللهُ أنهُ لم يكن هذا التحفظ للحفاَظ على نفسي وعرضي وماَلي‬
‫لكونهاَ مهددة من قَبل الضاَلين‪ ,‬الغاَلين ‪ ,‬والمبطلين المنتحلين ‪ ,‬الذين‬
‫اكتشفناَ أمرهم وكشفناَهُ للناَس واهتديناَ إلى خباَياَهم وخفاَياَهم‬
‫فأَظهرناَهاَ أماَم الخرين ‪ ,‬وعرضناَ صاورِتهم الحقيقية بإزالة نقاَب التقية‬
‫والتستر عن وجوههم ‪ ,‬وإماَطة اللثاَم عن أسرارِهم وعقاَئدهم وتعاَليمهم‬
‫الصالية الحقيقية ‪ ,‬لن نفسي وجسمي وماَلي وعرضي جعلتهاَ فداء لوجهُ‬
‫رِبي وابتغاَء مرضاَتهُ ‪:‬‬
‫} إن صالتي ونسكي ومحياَي ومماَتي للهُ رِب العاَلمين ل شريك لهُ وبذلك‬
‫أمرت وأناَ أول المسلمين {‪. 4‬‬

‫فنفسي وعرضي وماَلي فداء شريعتهُ تعاَلى وسنة نبيهُ وصافيهُ ‪ ,‬خير البرية‬
‫‪:‬‬

‫لعرض محمد منكم وقَاَء‬ ‫فإن أبي ووالدتي وعرضي‬

‫وكاَن ذلك مسلك أحباَئهُ ورِفاَقَهُ وتلمذتهُ ‪ ,‬أصاحاَبهُ الراشدين وآلهُ‬


‫الطاَهرين والمتبعين لهم بإحساَن ‪:‬‬

‫فوارِس صادقَوا فيهم ظنوني‬ ‫فدت نفسي وماَ ملكت يميني‬

‫وإن التحفظ لم يكن حرصااَ على نفس وعرض وماَل ‪ ,‬فإن لكل شيء قَدرِا ‪,‬‬
‫وأن أجل اللهُ لت } ولكل أمة أجل فإذا جاَء أجلهم ل يستأَخرون ساَعة ول‬

‫سورة البقرة ‪146‬‬ ‫‪1‬‬

‫البقرة ‪. 283‬‬ ‫‪2‬‬

‫آل عمران ‪. 71‬‬ ‫‪3‬‬

‫النعام ‪. 163‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪3‬‬
‫} وكاَن أمر اللهُ قَدرِا ً مقدورِا ً { ‪ 2‬و } كل نفس بماَ كسبت‬ ‫‪1‬‬
‫يستقدمون {‬
‫رِهينة { ‪. 3‬‬

‫كنت أظن أول المر أن بعض الغلة هم الذين أساَءوا إلى التصوف‬
‫والصوفية ‪ ,‬وأن الغلو والتطرف هو الذي جلبِ عليهم الطعن وأوقَعهم في‬
‫التشاَبهُ مع التشيع والشيعة ‪ ,‬ولكنني وجدت كلماَ تعمقت في الموضوع ‪,‬‬
‫وتأَملت في القوم ورِساَئلهم ‪ ,‬وتوغلت في جماَعتهم وطرقَهم ‪ ,‬وحققت‬
‫في سيرهم وتراجمهم – أنهُ ل إعتدال عندهم كاَلشيعة تماَماَ ‪ ,‬فإن‬
‫العتدال عندهم كاَلعنقاَء في الطيورِ ‪ ,‬والشيعي ل يكون شيعياَ إل حين‬
‫يكون مغاَلياَ متطرفاَ ً ‪ ,‬وكذلك الصوفي تماَماَ ‪ ,‬فمن ل يعتقد إتصاَف الخلق‬
‫بأَوصااَف الخاَلق ‪,‬ل يمكن ان يكون صاوفياَ وولياَ من أولياَء اللهُ ‪.‬‬
‫ومن الطرائف أن ظني ذلك كاَن يجعلني ويحثني على أن أسمي مجموعة‬
‫الكتاَبة عن المتصوفة ) التصوف بين العتدال والتطرف ( ولكنني لماَ كتبت‬
‫وجدت أن هذا السم ل يمكن أن يناَسبِ تلك المجموعة من الناَس لعدم‬
‫وجود العتدال مع محاَولتي أن أجدهُ لدافع عنهم وأجاَدل ‪ ,‬وأبررِ بعض‬
‫مواقَفهم ‪ ,‬وأجد المعاَذير للبعض الخرى ‪ ,‬ولكني بعد قَراءتي الطويلة‬
‫العميقة العريضة لكتبِ الصوفية ومؤلفاَت التصوف ‪ ,‬وجدت نفسي ‪ ,‬إماَ أن‬
‫أجاَدل بغير علم ول هدى ول كتاَب منير ‪ ,‬وأتبع كل شيطاَن مريد – ول‬
‫جعلني اللهُ منهم – وإماَ أن أقَول الحق ول أخاَف في اللهُ لومة لئم ‪,‬‬
‫وأتقي اللهُ وأكون مع الصاَدقَين ‪ ,‬جعلني اللهُ منهم ورِزقَني الستقاَمة‬
‫والثباَت عليهُ ‪. ,‬‬

‫أماَ بعد ‪ :‬فهذا كتاَب جديد نقدمهُ إلى القراء في موضوع جديد وقَديم ‪ ,‬جديد‬
‫حيث أنهُ يبحث عن التصوف والصوفية ‪ ,‬وقَديم لنهُ من نفس السلسلة‬
‫التي كتبناَ عنهاَ وعاَهدناَ اللهُ عز وجل أن نكتبِ ونتحدث عنهاَ ‪ ,‬ونتكلم فيهاَ ‪,‬‬
‫ونزنهاَ بميزان الكتاَب والسنة ‪ ,‬ونضعهاَ في معياَرِ النقد والتجزئة والتحليل‬
‫ماَ دمناَ أحياَء نستطيع الكتاَبة والخطاَبة ‪ ,‬وماَ دام في أناَ ملناَ قَدرِة في‬
‫إمساَك القلم ‪ ,‬وفي اللساَن رِمق للتفوهُ والتكلم ‪ ,‬لنؤيد الحق وندعمهُ ‪,‬‬
‫ونعلي كلمتهُ ونرفع علمهُ ‪ ,‬ولنبطل الباَطل ونرد عليهُ ‪ ,‬ولندحض شبهاَتهُ‬
‫ونفند مزاعمهُ ‪.‬‬

‫وإنناَ كناَ نقصد أول ماَ بدأناَ في الكتاَبة عن التصوف أن نقدم درِاستناَ فيهُ‬
‫بصورِة كتاَب متوسط الحجم ل يزيد على ثلثماَئة صافحة ‪ ,‬ويشتمل على‬
‫تاَرِيخ التصوف ‪ ,‬بدايتهُ ‪ ,‬منشأَهُ ومولدهُ ‪ ,‬مصاَدرِهُ وتعاَليمهُ ‪ ,‬عقاَئدهُ ونظاَمهُ‬
‫‪ ,‬سلسلهُ وزعماَئهُ وقَاَدتهُ ‪ ,‬ولكنناَ رِأيناَ بعد المضي في الكتاَبة أن المر‬
‫يتطلبِ أكثر من كتاَب ‪ ,‬وعلى القَل كتاَبين ‪.‬‬
‫ل من تطرق إليهاَ‬ ‫الول يشتمل على نشأَة التصوف ومصاَدرِهُ ‪ ,‬وقَ ّ‬
‫بتفصيل ‪ ,‬وكل الكتاَب الذين بحثوا التصوف مروا عليهاَ كعاَبر سبيل مع أن‬
‫أهمية المصاَدرِ والمآخذ لطاَئفة وجماَعة ل تقل عن أهمية تلك الجماَعة‬
‫وأفكاَرِهاَ ‪ ,‬بل قَد تزيد عليهاَ بفاَرِق كبير حيث إن المصاَدرِ والمآخذ كثيرا ماَ‬

‫العراف ‪. 34‬‬ ‫‪1‬‬

‫الحزاب ‪. 38‬‬ ‫‪2‬‬

‫المدثر ‪. 38‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪4‬‬
‫تحسم النزاع في معتقدات وعقاَئد ‪ ,‬وتجعل تلك المعتقدات والعقاَئد تاَبعة‬
‫لتلك المصاَدرِ ‪.‬‬

‫وعلى هذا فقد فصلناَ القول في ذلك ‪ ,‬في كتاَب مستقل نضعهُ اليوم بين‬
‫أيدي الباَحثين والقراء رِاجين أن يناَل رِضاَهم ‪ ,‬ولعلناَ سددناَ بذلك ثغرة‬
‫كاَنت في احتياَج لن تسد ولو أنهاَ تتطلبِ المزيد ‪ ,‬كماَ أنناَ نظن أنناَ في‬
‫بحثناَ عن مصاَدرِ التصوف استطعناَ أن نضع النقاَط على الحروف ‪ ,‬وخاَصاة‬
‫بمقاَرِنة النصوص والعباَرِات عند الخذ باَلنصوص والعباَرِات عند المأَخوذ‬
‫عنهُ ‪ ,‬ومقاَرِنة المقتبس باَلمقتبس منهُ ‪ ,‬من الكتبِ المعتمدة والمصاَدرِ‬
‫الموثوق بهاَ لدى الطراف المعنية كلهاَ ‪ ,‬وخاَصاة في الباَب الثاَلث عن‬
‫التصوف والتشيع ‪.‬‬

‫سبقناَ إلى هذا البحث من قَبل بعض الباَحثين الذين‬ ‫ومع إعترافناَ بأَنناَ قَد ُ‬
‫كتبوا في هذا الموضوع سيجد القاَرِئ ويلحظ الباَحث أنناَ أضفناَ إليهُ أشياَء‬
‫واستدرِكناَ عليهم أشياَء كثيرة في مختصرناَ هذا لم يتطرق واحد منهم‬
‫إليهاَ ‪ ,‬مع المقاَرِنة الواضحة ‪ ,‬والمشاَبهة الصريحة ‪ ,‬والموافقاَت الجليلة ‪,‬‬
‫والنصوص الكثيرة من كل الطرفين بدون تصنع وتكلف واستنتاَج بعيد‬
‫واستشهاَد شاَرِد غريبِ ‪ ,‬وأعرضناَ عن الشياَء التي كاَن يمكن إيداعهاَ‬
‫وإيرادهاَ في هذا المبحث ‪ ,‬ولكن باَلكلفة والستنباَط فاَخترناَ ماَ ل يسع‬
‫أحد إنكاَرِهُ ‪.‬‬

‫فنحن إستدرِكناَ على الساَبقين مباَحث هي أكثر أهمية وأكبر وزناَ وأعظم‬
‫شأَناَ مماَ اشتركناَ في إيرادهاَ ‪ ,‬ولم يذكروهاَ البتة ‪ ,‬من إشتراك الشيعة‬
‫والصوفية في إجراء النبوة بعد محمد صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ ‪ ,‬ونزول‬
‫الوحي ‪ ,‬وإتياَن الملئكة ‪ ,‬وتكليم اللهُ إياَهم ‪ ,‬وعدم خلو الرِض من شخص‬
‫بهُ ثباَت الرِض ووجودهاَ ‪ ,‬وعدم قَبول العباَدة بدونهُ ‪ ,‬وتفضيل الوصاي على‬
‫النبي و ونسخ الشريعة ‪ ,‬ورِفع التكاَليف ‪ ,‬وإباَحة المحظورِات وإتياَن‬
‫المنكرات وغيرهاَ من المواضيع الهاَمة العديدة ‪ ,‬فاَلحمد للهُ على ذلك ‪.‬‬

‫وكذلك يجد القاَرِئ في الباَب الثاَني من هذا الكتاَب عند بحثناَ عن‬
‫المسيحية باَعتباَرِهاَ أحد المصاَدرِ الهاَمة للتصوف أنناَ قَد انفردناَ بإيراد‬
‫نصوص مسيحية أصالية لمقاَرِنتهاَ باَلنصوص الصوفية شهاَدة على الخذ‬
‫والمأَخوذ عنهُ ‪.‬‬
‫وقَد إخترناَ في هذا المبحث مسلكاَ ذا أبعاَد ثلثة ‪:‬‬

‫أول ‪:‬ل نكتفي بإيراد النص الصوفي بل نورِد معهُ النص الذي يشاَبههُ من‬
‫الدياَناَت الخرى على خلف ماَ تعودهُ الكّتاَب الثقة منهم بأَن القاَرِئ‬
‫والباَحث يعرف ذلك ‪ ,‬فليس بضرورِي أن يكون القاَرِئ متخصصاَ في هذا‬
‫الموضوع حتى يكون لهُ إلماَمة بنصوص تلك الدياَناَت ‪.‬‬

‫ثاَنياَ ‪ :‬أورِدناَ تأَييدات من قَبل الباَحثين والكتاَب من المسلمين‬


‫والمستشرقَين الذين إشتغلوا في درِاسة التصوف بإعتباَرِهاَ شهاَدات‬
‫خاَرِجية بعد الشهاَدات الداخلية الناَتجة من مقاَرِنة النصوص نفسهاَ ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫وثاَلثاَ ‪ :‬جمع النصوص من المتصوفة المتقدمين والمتأَخرين المشهورِين‬
‫باَلعتدال والموثوق لدى العاَمة ‪ ,‬وكذلك نصوص الخرين من المتصوفة‬
‫غير المعتدلين وغير الغلة أيضاَ ‪.‬‬

‫وحاَولناَ أن تكون هذهُ النصوص من الكتبِ المختلفة والمتفاَوتة زمناَ‬


‫ومنهجاَ كي يكون الموضوع شاَمل وكاَمل ‪ ,‬وافياَ شاَفياَ قَدرِ الستطاَعة ‪,‬‬
‫وعلة لم يجتمع هذا العدد من النصوص في مختصر آخر مثل مختصرناَ هذا ‪.‬‬
‫فاَلحمد للهُ الذي بتوفيقهُ ومددهُ وتأَييدهُ تتم العماَل وهو ولي الهداية‬
‫والرشاَد ‪.‬‬

‫ويجدرِ بناَ أن نذكر ههناَ أن الكتاَب الثاَني سيشمل على عقاَئد وتعاَليم‬
‫صاوفية كماَ يشمل هذا الكتاَب على أصالهاَ ومنشأَهاَ ومصاَدرِهاَ و وليس‬
‫معنى هذا أن هذا الكتاَب خاَل عن معتقداتهم ‪ ,‬بل ان أعظم قَسط منهُ‬
‫يشمل على العقاَئد والمعتقدات وإنناَ لم نبحث عن مصاَدرِ التصوف ومآخذهُ‬
‫تاَرِيخياَ وسردناَ لذلك شهاَدات وتوثيقاَت ‪ ,‬بل أورِدناَ فيماَ أورِدناَ عقاَئد‬
‫القوم ‪ ,‬الخاَصاة بهم ‪ ,‬وتعاَليمهم التي إمتاَزوا بهاَ عن غيرهم ‪ ,‬ثم ذكرناَ‬
‫عمن أخذوا هذهُ المعتقدات ‪ ,‬وأقَتبسوا هذهُ التعاَليم ‪ ,‬واحدة بعد واحدة‬
‫على أنهاَ شهاَدات داخلية ‪ ,‬فعلى ذلك هذا الكتاَب مع عنوانهُ ) المنشأَ‬
‫والمصاَدرِ ( لم يبحث في الحقيقة والصال إل العقاَئد والمعتقدات ‪ ,‬بهذا ل‬
‫يكون هذا الكتاَب موضوعياَ صارف ‪ ,‬بل يؤدي رِساَلتهُ لبياَن حقيقة هذهُ‬
‫العصاَبة من الناَس وكنههاَ ولرِجاَع المورِ إلى نصاَبهاَ ‪ ,‬ووضع الشياَء في‬
‫محلهاَ ومقاَديرهاَ ‪ ,‬وذلك هو العدل ‪.‬‬

‫والنقطة الخرى التي أشرناَ إليهاَ قَبل قَليل ‪ ,‬ونريد أن نركز عليهاَ هي أنناَ‬
‫ماَ بنيناَ حكمناَ ‪ ,‬ول وضعناَ احتجاَجناَ واستدللناَ إل على المتصوفة‬
‫المشهورِين المعروفين ‪ ,‬والموثوق بهم المعتدلين لدى الجميع ‪ ,‬وذلك أيضاَ‬
‫استشهاَدا ‪,‬ل استدلل ‪ ,‬كماَ يلحظ الباَحث أنناَ لم نورِد في كل هذا القسم‬
‫من الحلج ‪ ,‬ول من طاَئفتهُ وجماَعتهُ رِواية واحدة ‪,‬ل استدلل ول‬
‫استشهاَدا ‪ ,‬كي ل يتهمناَ متهم أنناَ اخترناَ الغلة ورِواياَتهم للحكم على‬
‫التصوف ‪ ,‬لنهُ في رِأيناَ كماَ قَلناَ آنفاَ ل إعتدال في التصوف ولدى‬
‫المتصوفة ‪ ,‬اللهم إل الزهاَد الوائل فإنهم ليسوا منهم ‪ ,‬ول هؤلء من‬
‫أولئك ‪.‬‬

‫فإن التصوف امر زائد وطاَرِئ على الزهد ‪ ,‬ولهُ كياَنهُ وهيئتهُ ‪ ,‬ونظاَمهُ‬
‫وأصاولهُ ‪ ,‬قَواعدهُ وأسسهُ ‪ ,‬كتبهُ ومؤلفاَتهُ ورِساَئلهُ ومصنفاَتهُ ‪ ,‬كماَ أن لهُ‬
‫رِجاَل وسدنة وزعماَء وأعياَناَ ‪.‬‬

‫فإن الزهد عباَرِة من ترجيح الخرة على الدنياَ ‪ ,‬والتصوف اسم لترك الدنياَ‬
‫تماَماَ ‪.‬‬
‫والزهد هو تجنبِ الحرام ‪ ,‬والقَتصاَد في الحلل ‪ ,‬والتمتع بنعم اللهُ‬
‫باَلكفاَف ‪ ,‬وإشراك الخرين في آلء اللهُ ونعمهُ وخدمة الهل والخوان‬
‫والخلن ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫والتصوف تحريم الحلل ‪ ,‬وترك الطيباَت ‪ ,‬والتهرب من الزواج ومعاَشرة‬
‫الهل والخوان ‪ ,‬وتعذيبِ النفس باَلتجوع والتعري والسهر ‪.‬‬

‫فاَلزهد منهج وسلوك مبني على الكتاَب و السنة ‪ ,‬وليس التصوف كذلك ‪,‬‬
‫لذلك إحتيج لبياَنهُ إلى ) التعرف لمذهبِ أهل التصوف ( و ) قَواعد‬
‫التصوف ( و ) الرساَلة القشيرية ( و ) اللمع ( و) قَوت القلوب ( و ) قَواعد‬
‫التصوف ( و ) عوارِف المعاَرِف ( وغيرهاَ من الكتبِ ‪ ,‬وسيأَتي تفصيل ذلك‬
‫في الكتاَب القاَدم إن شاَء اللهُ ‪.‬‬

‫فعندماَ نكتبِ نكتبِ عن هذا المذهبِ أي مذهبِ التصوف ل عن الزهد ‪ ,‬لن‬


‫الزهد كماَ ورِد في حديث الترمذي ) ليس الزهد بتحريم الحلل ‪ ,‬ول إضاَعة‬
‫الماَل ولكن الزهد أن تكون بماَ في يد اللهُ أوثق بماَ في يدك ‪ ,‬وأن تكون‬
‫في ثواب المصيبة إذا أصابت أرِغبِ منك فيهاَ لو أنهاَ بقيت لك ( لن اللهُ‬
‫تعاَلى يقول ‪ } :‬لكيل تأَسوا على ماَ فاَتكم ول تفرحوا بماَ آتاَكم { ‪. 1‬‬

‫وهذا المر أي عدم وجود العتدال في التصوف ينطبق على التشيع ‪ ,‬وهذا‬
‫هو القدرِ الخر المشترك بينهماَ لنناَ في بحثناَ الطويل في التشيع لم نجد‬
‫طاَئفة يمكن أن توصاف باَلعتدال ‪ ,‬فاَلغلو والتطرف من لوازم مذهبِ‬
‫التشيع كماَ قَاَلهُ الرجاَلي الشيعي المشهورِ ‪ ,‬الماَمقاَني في تنقيحهُ ‪,‬‬
‫فكذلك التصوف ل يعرف إل الغلو والتطرف ‪.‬‬

‫فاَللهُ أسأَل أن يجعلناَ أمة وسطاَ حقاَ ومن الذين يستمعون القول فيتبعون‬
‫أحسنهُ ‪ ,‬يتمسكون بكتاَب رِبهم وسنة نبيهم ‪ ,‬ويعضون عليهاَ باَلنواجذ ‪,‬‬
‫ويدافعون عن حرماَت اللهُ وحرماَت رِسولهُ ‪ ,‬وأعراض أصاحاَب محمد وأهل‬
‫بيتهُ ‪ ,‬ويذبون عن المسلك القويم المستقيم ومنهج السلف الصاَلحين ‪,‬‬
‫ويردون كيد الضاَلين المنحرفين ‪ ,‬ومكر المبطلين المنتحلين ‪,‬ل يهاَبون‬
‫جموعهم المتكاَثرة ‪ ,‬وأحزابهم المتكاَلبة ‪ ,‬وفرقَهم المعاَضد بعضهاَ بعضاَ ‪,‬‬
‫ل‬‫ويقولون للغاَضبين الناَقَمين الحاَسدين ماَ قَاَلهُ أصافياَء اللهُ وأخياَرِهُ } قَُ ِ‬
‫ب‬‫ل ال ْك َِتاَ َ‬ ‫هُ ال ّ ِ‬
‫ذي ن َّز َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬
‫ول ِّيـ َ‬
‫ن َ‬ ‫فلَ ُتنظُِرو ِ‬
‫ن ‪ 195‬إ ِ ّ‬ ‫ن َ‬
‫دو ِ‬
‫كي ُ‬ ‫م ثُ ّ‬
‫م ِ‬ ‫كاَءك ُ ْ‬
‫شَر َ‬ ‫عوا ْ ُ‬ ‫ادْ ُ‬
‫ن ‪ { 196‬وآخر دعواناَ أن الحمد للهُ رِب العاَلمين ‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫حي َ‬‫صاَل ِ ِ‬‫ولى ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫و ي َت َ َ‬
‫ه َ‬‫و ُ‬‫َ‬

‫إحساَن إلهي ظهير‬


‫ابتساَم كاَتيج – شاَدماَن – ل هورِ‬
‫فبراير ‪ 1986‬الموافق‬
‫جماَدى الخرة ‪1406‬هـ‬

‫فتاوى شيخ السلم ج ‪ 10‬ص ‪ 641‬ط الرياض‬ ‫‪1‬‬

‫العراف ‪196- 195‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪7‬‬

‫الباَب الول‬

‫وت َطَ ّ‬
‫وَرِاتهُ‬ ‫خهُ َ‬
‫ف نشأَتهُ ‪ ,‬ت َِاَرِي ُ‬
‫و ُ‬
‫ص ّ‬
‫الت ّ َ‬
‫الفصل الول‬

‫إن السلم دين البساَطة ودين الفطرة التي فطر الناَس عليهاَ ‪ ,‬أنزلهُ اللهُ‬
‫على قَلبِ سيد الخلق لهداية البشر ‪.‬‬
‫َ‬
‫ول َ ْ‬
‫و‬ ‫ن ك ُل ّ ِ‬
‫هُ َ‬ ‫عَلى ال ّ‬
‫دي ِ‬ ‫هَرهُُ َ‬ ‫ْ‬
‫ق ل ِي ُظ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫وِدي ِ‬
‫دى َ‬ ‫هُ ِباَل ْ ُ‬
‫ه َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫س َ‬
‫ل َرِ ُ‬ ‫ذي أْرِ َ‬ ‫و ال ّ ِ‬
‫ه َ‬
‫} ُ‬
‫ن ‪. { 33‬‬
‫‪1‬‬ ‫ُ‬
‫ركو َ‬ ‫ْ‬
‫مش ِ‬ ‫ْ‬ ‫كَ ِ‬
‫رهَُ ال ُ‬

‫وأمر سبحاَنهُ جل وعل أن يتمسك بهُ ‪ ,‬ويقدمهُ إلى الناَس ليعرفوهُ‬


‫ويتمسكوا بهُ بدورِهم ‪.‬‬
‫وأنهُ عباَرِة عن القَرارِ بوحدانية اللهُ عز وجل ل شريك لهُ ‪ ,‬والشهاَدة بأَن‬
‫محمدا عبدهُ ورِسولهُ صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ ‪ ,‬وإقَاَمة الصلوات الخمس ‪,‬‬
‫وإيتاَء الزكاَة بعد مرورِ عاَم على ملك النصاَب ‪ ,‬وكذلك صاوم شهر رِمضاَن‬
‫من اثني عشر شهرا ‪ ,‬وحج البيت إن إستطاَع إليهُ سبيل ‪ ,‬كماَ ورِد في‬
‫حديث جبريل عليهُ الصلة والسلم أنهُ جاَء يوماَ من الياَم يسأَل النبي صالى‬
‫اللهُ عليهُ وسلم السلم ‪ ,‬فقاَل ‪:‬‬
‫) السلم أن تشهد أن ل إلهُ إل اللهُ وأن محمد رِسول اللهُ ‪ ,‬وتقيم الصلة ‪,‬‬
‫وتؤتي الزكاَة ‪ ,‬وتصوم رِمضاَن ‪ ,‬وتحج البيت إن إستطعت إليهُ سبيل ( ‪. 2‬‬

‫أو كماَ ورِد في حديث أعرابي جاَء صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ فقاَل لهُ ‪:‬‬
‫) دلني على عمل إذا عملتهُ دخلت الجنة( ‪.‬‬
‫قَاَل ‪ ) :‬تعبد اللهُ ول تشرك بهُ شيئاَ ‪ ,‬وتقيم الصلة المكتوبة ‪ ,‬وتؤتي الزكاَة‬
‫المفروضة ‪ ,‬وتصوم رِمضاَن ( ‪ ,‬قَاَل ‪ ) :‬والذي نفسي بيدهُ ل أزيد على هذا‬
‫شيئاَ ول أنقص منهُ ( ‪ ,‬فلماَ وّلى ‪ ,‬قَاَل النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ) :‬من‬
‫سرهُ أن ينظر إلى رِجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ( ‪. 3‬‬
‫أو بتعبير آخر أن السلم يعّبر عن التمسك بأَوامر اللهُ وأوامر رِسولهُ صالى‬
‫اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬واجتناَب ماَ نهى اللهُ عنهُ ورِسولهُ صالى اللهُ عليهُ‬
‫وسلم ‪,‬وقَضاَء حياَة مثل ماَ قَضاَهاَ رِسول اللهُ ‪ ,‬واختياَرِ الطرق والسنن‬
‫التي اختاَرِهاَ أصاحاَب رِسول اللهُ صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ كماَ أمر بهُ الرب‬
‫تباَرِك وتعاَلى في كلمهُ المحكم ‪:‬‬
‫َ‬
‫عل ّك ُ ْ‬
‫ل لَ َ‬
‫سو َ‬ ‫عوا ْ الل ّ َ‬
‫‪4‬‬
‫ن ‪{ 132‬‬
‫مو َ‬
‫ح ُ‬
‫م ت ُْر َ‬ ‫والّر ُ‬
‫هُ َ‬ ‫طي ُ‬
‫} َأ ِ‬
‫عن ْهُ َ‬ ‫َ‬
‫ول ّ ْ‬
‫ول َ ت َ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫عوا ْ الل ّ َ‬
‫‪5‬‬
‫ن ‪{ 20‬‬
‫عو َ‬
‫م ُ‬
‫س َ‬
‫م تَ ْ‬
‫وأنت ُ ْ‬
‫وا َ ُ َ‬ ‫هُ َ‬ ‫وَرِ ُ‬
‫هُ َ‬ ‫طي ُ‬
‫و}أ ِ‬
‫التوبة الية ‪33‬‬ ‫‪1‬‬

‫رواه مسلم‬ ‫‪2‬‬

‫متفق عليه‬ ‫‪3‬‬

‫آل عمران ‪132‬‬ ‫‪4‬‬

‫النفال ‪20‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪8‬‬

‫‪1‬‬
‫ب ‪{ 13‬‬ ‫قاَ ِ‬ ‫ع َ‬‫ديدُ ال ْ ِ‬
‫ش ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫هُ َ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫سول َ ُ‬
‫هُ َ‬ ‫وَرِ ُ‬ ‫ق الل ّ َ‬
‫هُ َ‬ ‫قَ ِ‬
‫شاَ ِ‬ ‫من ي ُ َ‬ ‫و}َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دا‬
‫خاَل ِ ً‬
‫م َ‬
‫هن ّ َ‬
‫ج َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫هُ َناََرِ َ‬ ‫فأَ ّ‬ ‫سول َ ُ‬
‫هُ َ‬ ‫وَرِ ُ‬ ‫د الل ّ َ‬
‫هُ َ‬ ‫د ِ‬‫حاَ ِ‬
‫من ي ُ َ‬ ‫هُ َ‬ ‫موا ْ أن ّ ُ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م يَ ْ‬‫و } أل َ ْ‬
‫‪2‬‬
‫م ‪{ 63‬‬ ‫ظي ُ‬‫ع ِ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫خْز ُ‬‫ك ال ْ ِ‬ ‫هاَ ذَل ِ َ‬
‫في َ‬
‫ِ‬

‫هُ َ‬ ‫هاَك ُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ل َ‬
‫سو ُ‬ ‫ماَ آَتاَك ُ ُ‬
‫‪3‬‬
‫هوا {‬
‫فاَنت َ ُ‬ ‫عن ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ماَ ن َ َ‬
‫و َ‬
‫ذوهُُ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫و َ‬
‫و} َ‬

‫فاََز َ‬
‫قدْ َ‬
‫ف َ‬ ‫سول َ ُ‬
‫هُ َ‬ ‫ع الل ّ َ‬
‫‪4‬‬
‫ماَ ‪{ 71‬‬
‫ظي ً‬
‫ع ِ‬
‫وًزا َ‬
‫ف ْ‬ ‫وَرِ ُ‬
‫هُ َ‬ ‫من ي ُطِ ْ‬
‫و َ‬
‫} َ‬
‫في رِسول الل ّ ُ‬
‫جو الل ّ َ‬
‫هُ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫ة لّ َ‬
‫من َ‬
‫كاَ َ‬ ‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬
‫وةٌ َ‬
‫س َ‬
‫هُ أ ْ‬
‫ِ‬ ‫َ ُ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫كاَ َ‬ ‫و } لَ َ‬
‫قدْ َ‬
‫وذَك ََر الل ّ َ‬
‫هُ ك َِثيًرا ‪{ 21‬‬ ‫م اْل ِ‬ ‫وال ْي َ ْ‬
‫‪5‬‬
‫خَر َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬

‫م‬ ‫ماَ ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫فأَ ُن َب ّئ ُ ُ‬
‫كم ب ِ َ‬ ‫عك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ج ُ‬
‫مْر ِ‬ ‫م إ ِل َ ّ‬
‫ي َ‬ ‫ب إ ِل َ ّ‬
‫ي ثُ ّ‬
‫َ‬
‫ن أَناَ َ‬
‫م ْ‬ ‫سِبي َ‬
‫ل َ‬ ‫ع َ‬
‫وات ّب ِ ْ‬
‫و} َ‬
‫‪6‬‬
‫ن ‪. { 15‬‬ ‫مُلو َ‬‫ع َ‬
‫تَ ْ‬
‫وأوامر اللهُ ورِسولهُ ‪ ,‬وكذلك نواهي اللهُ ونواهي رِسولهُ موجودة محفوظة‬
‫في الكتاَب والسنة ‪ ,‬والكتاَب المنزل على سيد البشر وخاَتم النبياَء‬
‫والرسل صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ ‪ ,‬المعبر عنهُ باَلذكر الحكيم والفرقَاَن‬
‫الحميد والقرآن المجيد ‪ ,‬الذي جعلهُ اللهُ شفاَء وهدى ورِحمة للمؤمنين ‪,‬‬
‫وسنة رِسول اللهُ المعبر عنهاَ باَلحكمة في قَولهُ جل وعل ‪ } :‬ويعلمكم‬
‫الكتاَب والحكمة { وباَلحديث النبوي الشريف ‪ ,‬ماَ ثبت عنهُ وصاح من أقَوالهُ‬
‫وأفعاَلهُ وتقريراتهُ ‪ ,‬الكتاَب والسنة اللذين ذكرهماَ الرسول صالى اللهُ عليهُ‬
‫وسلم في قَولهُ حيث حّرض أمتهُ ‪ ,‬وحثهم على التمسك والتشبث بهماَ‬
‫قَاَئل ‪ ) :‬تركت فيكم أمرين لن تضلوا ماَ تمسكتم بهماَ كتاَب اللهُ وسنة‬
‫رِسولهُ ( ‪. 7‬‬

‫ثم رِ ّبى أصاحاَبهُ وتلمذتهُ في ظلهماَ وضوئهماَ تربية نموذجية لكي يكونوا‬
‫قَدوة لمن يأَتي بعدهم إلى يوم القياَمة ‪ ,‬ومثل علياَ لمن أرِاد أن يهتدي‬
‫بهدي اللهُ جل وعل وهدى رِسولهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ .‬فكاَنوا صاورِة حية‬
‫لتعاَليم الرب تباَرِك وتعاَلى وإرِشاَدات رِسولهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم متبعين‬
‫مقتدين ‪ ,‬غير مبتدعين محدثين ‪ ,‬متقدمين بين يدي اللهُ ورِسولهُ ‪ ,‬مبتغين‬
‫مرضاَت اللهُ ‪ ,‬ومقتفين آثاَرِ رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم مهتدين‬
‫بهديهُ ‪ ,‬ساَلكين بمسلكهُ ‪ ,‬منتهجين منهجهُ ‪ ,‬غير باَغين ول عاَدين ‪ ,‬ول‬
‫مفرطين ول مفّرطين في أمورِ دينهم ودنياَهم ‪ } :‬أولئك الذين هدى‬
‫اللهُ فبهداهم اقَتدهُ { ‪. 8‬‬

‫النفال ‪13‬‬ ‫‪1‬‬

‫التوبة ‪63‬‬ ‫‪2‬‬

‫الحشر ‪7‬‬ ‫‪3‬‬

‫الحزاب ‪71‬‬ ‫‪4‬‬

‫الحزاب ‪21‬‬ ‫‪5‬‬

‫لقمان ‪15‬‬ ‫‪6‬‬

‫رواه مالك في الموطأ‬ ‫‪7‬‬

‫النعام ‪90‬‬ ‫‪8‬‬


‫‪9‬‬

‫وكاَن خياَرِ هؤلء كلهم ‪ -‬وكلهم خياَرِ الخلق أجمعين – أصاحاَب بيعة‬
‫الرضوان الذين باَيعوا رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم على الموت وهم‬
‫في الحديبية ‪ ,‬فأَنزل اللهُ لهم البشرى برضوانهُ وجعل يدهُ فوق أيديهم ‪:‬‬
‫} لقد رِضي اللهُ عن المؤمنين إذ يباَيعونك تحت الشجرة { ‪. 1‬‬
‫و } إن الذين يباَيعونك إنماَ يباَيعون اللهُ يد اللهُ فوق أيديهم { ‪. 2‬‬
‫وفاَقَهم في المنزلة والشأَن أهل بدرِ ‪ ,‬الذين اطلع اللهُ عليهم فقاَل ‪:‬‬
‫) اعملوا ماَ شئتم فقد وجبت لكم الجنة ( ‪. 3‬‬

‫وزاد على هؤلء فضل ومنقبة ومكاَنة من رِفعهم اللهُ بتبشيرهُ إياَهم‬
‫باَلجنة واحدا واحدا باَلسم والمسمى على لساَن نبيهم الناَطق باَلوحي ‪,‬‬
‫الذي ل ينطق عن الهوى إن هو أل وحي يوحى ‪ ,‬الصاَدق المصدوق صالوات‬
‫اللهُ وسلمهُ عليهُ ‪ ,‬العشرة المبشرة } لهم البشرى في الحياَة الدنياَ‬
‫وفي الخرة ل تبديل لكلماَت اللهُ ‪ ,‬وذلك هو الفوز العظيم { ‪.‬‬
‫ولو أنهُ زادهم رِفعة وعظمة من قَاَل في حقهماَ سيدناَ علي بن أبي طاَلبِ‬
‫رِضي اللهُ عنهُ ‪ ) :‬خير الخلئق بعد نبي اللهُ أبو بكر ثم عمر ( ‪. 4‬‬

‫فمن أرِاد أن يرى السلم المتجسد في شخصهم ‪ ,‬وذواتهم ‪ ,‬وخلقهم ‪,‬‬


‫وعاَداتهم ‪ ,‬وأقَوالهم ‪ ,‬وأفعاَلهم ‪ ,‬فلينظر إلى هؤلء ‪ ,‬فإنهم كاَنوا ممثلي‬
‫السلم الصحيح ‪ ,‬الكاَمل ‪ ,‬غير المشوب بشوائبِ البدع والمحدثاَت ‪,‬‬
‫والخرافاَت والضللات التي لحقت السلم بعد أدوارِ وأطوارِ ‪ ,‬فإنهم كاَنوا‬
‫تلمذة المدرِسة السلمية الولى التي كاَن أستاَذهاَ والمعلم فيهاَ سيد ولد‬
‫آدم ‪ ,‬المحفوظ بحفظ اللهُ ‪ ,‬والمعصوم بعصمة اللهُ ‪ ,‬والمؤيد بوحي اللهُ ‪,‬‬
‫والهاَدي إلى الصراط المستقيم صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪.‬‬
‫ولجل ذلك حصر اللهُ رِضاَهُ والدخول في الجنة لمتبعيهم بإحساَن لكل من‬
‫يأَتي بعدهم ‪ } ,‬والذين اتبعوهم بإحساَن رِضي اللهُ عنهم ورِضوا عنهُ { ‪. 5‬‬

‫فهم أولياَء اللهُ الذين ل خوف عليهم ول هم يحزنون لنهم هم الذين حببِ‬
‫إليهم اليماَن وكَرهُ إليهم الكفر والفسوق والعصياَن وأولئك هم الراشدون‬
‫‪.‬‬

‫وهم القدوة الحسنة والمحك والمعياَرِ لمعرفة الحق من الباَطل ‪ ,‬والهدى‬


‫من الزيغ والضلل ‪.‬‬
‫فكل عمل يخاَلف عملهم وكل قَول يعاَرِض قَولهم ‪ ,‬وكل طريق في الحياَة‬
‫يناَهض طريقهم مردود مرفوض مطرود ‪ ,‬لنهم شاَهدوا من رِسول اللهُ ماَ‬
‫لم يشاَهدهُ غيرهم ‪ ,‬وسمعوا من نبي اللهُ ماَ لم يسمعهُ الخرون ‪ ,‬ورِباَهم‬
‫من لم يرب هؤلء ‪ ,‬وتتلمذوا على من لم يتتلمذ عليهُ أولئك ‪ ,‬فهم أشبهُ‬
‫الناَس في أقَوالهم وأفعاَلهم ‪ ,‬وأخلقَهم وعاَداتهم ‪ ,‬وعباَداتهم‬
‫ومعاَملتهم ‪ ,‬ومعاَشرتهم ومعاَشهم برسول اللهُ صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ‬
‫‪ 1‬الفتح ‪18‬‬
‫‪ 2‬الفتح ‪10‬‬
‫‪ 3‬متفق عليه‬
‫‪ 4‬هذا الحديث رواه البخاري عن علي ‪ ,‬وأطرف من ذلك أن هذا الحديث ورد في كتب الشيعة أيضا – أنظر لذلك كتابنا‬
‫الشيعة وأهل البيت ‪.‬‬
‫‪ 5‬التوبة ‪10‬‬
‫‪10‬‬
‫من غيرهم ‪ ,‬فلذلك ُأمر المؤمنون باَتباَعهم ‪ ,‬وإلى ذلك أشاَرِ نبي الرحمة‬
‫صالى اللهُ عليهُ وسلم في قَولهُ ) ماَ أناَ عليهُ وأصاحاَبي ( حيث جعلهم معهُ‬
‫على طريقة واحدة ومنهج واحد ‪ ,‬ولم ُيدخل في هذا الختصاَص أحد غيرهم‬
‫ولم يخصهم بهذهُ المزية والفضيلة إل بأَمر من اللهُ وإيعاَزهُ حيث أنزل عليهُ‬
‫في محكم كتاَبهُ أن يقول ‪ } :‬قَل هذهُ سبيلي أدعو إلى اللهُ على بصيرة أناَ‬
‫ومن اتبعني { ‪. 1‬‬

‫ولم يرد من قَولهُ ) ومن اتبعني ( آنذاك إل صاحاَبهُ ورِفاَقَهُ ‪ ,‬تلمذتهُ‬


‫الراشدين و أوفياَئهُ الصاَدقَين ‪ ,‬الهاَدين المهديين رِضي اللهُ عنهم أجمعين‬
‫‪.‬‬

‫ففي ضوء الكتاَب والسنة ‪ ,‬وأسوة الرسول وسيرتهُ ‪ ,‬وعمل أصاحاَبهُ‬


‫وحياَتهم توضع وتوزن أعماَل المسلمين المتخلفين وأقَوال من جاَء‬
‫بعدهم ‪ ,‬فماَ وجد لهاَ سند ودليل يحكم عليهاَ باَلصحة والصواب ‪ ,‬قَطع‬
‫النظر عمن صادرِت عنهُ ‪ ,‬وممن ورِدت ‪.‬‬

‫وماَ لم يعاَضدهاَ الكتاَب ولم تناَصارهاَ السنة ‪ ,‬ولم يوجد لهاَ أثر في حياَة‬
‫الصحاَبة وأفعاَلهم يحكم عليهاَ باَلفساَد والبطلن ‪ ,‬سواء ورِدت من صاغير‬
‫أو كبير ‪ ,‬تقي أو شقي ‪ ,‬لن ) أحسن الكتاَب كتاَب اللهُ ‪ ,‬وخير المورِ‬
‫أوسطهاَ ‪ ,‬وشر المورِ محدثاَتهاَ ‪ ,‬وكل محدثة بدعة ‪ ,‬وكل بدعة ضللة ‪ ,‬وكل‬
‫ضللة في الناَرِ ( ‪. 2‬‬
‫وقَاَل عليهُ الصلة والسلم ‪ ) :‬من أحدث في أمرناَ هذا ماَليس منهُ فهو رِد (‬
‫‪.3‬‬

‫وإن المسلمين لملزمون أن يؤمنوا بأَن اللهُ لم يترك خيرا لمة محمد صالى‬
‫اللهُ عليهُ وسلم إل وقَد بينهُ لرسولهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬ول شرا إل وقَد‬
‫صر‬‫نبههُ عليهُ ‪ ,‬ثم رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم لم يكتم بياَنهُ ‪ ,‬ولم يق ّ‬
‫في تبليغهُ إلى الناَس ‪ ,‬فأَخبر الخلق بكل ماَ أخبر عن اللهُ عز وجل‬
‫بِ‬
‫غي ْ ِ‬‫عَلى ال َ‬
‫ْ‬ ‫و َ‬
‫ه َ‬
‫ماَ ُ‬
‫و َ‬
‫ص شخصاَ دون شخص } َ‬ ‫لصلحهم وفلحهم ‪ ,‬ولم يخ ّ‬
‫ن{‪.4‬‬ ‫ضِني ٍ‬
‫بِ َ‬
‫هاَ‬ ‫َ‬
‫وكاَن مأَمورِا من اللهُ بأَن يبلغ كل ماَ نزل إليهُ ‪ ,‬قَاَل تعاَلى ‪َ } :‬ياَ أي ّ َ‬
‫ُ‬
‫ساَل َت َ ُ‬
‫هُ‬ ‫رِ َ‬
‫ت ِ‬
‫غ َ‬‫ماَ ب َل ّ ْ‬
‫ف َ‬‫ل َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ف َ‬‫م تَ ْ‬ ‫وِإن ل ّ ْ‬‫ك َ‬ ‫من ّرِب ّ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬
‫ز َ‬
‫ماَ أن ِ‬
‫غ َ‬‫ل ب َل ّ ْ‬
‫سو ُ‬ ‫الّر ُ‬
‫ن{ ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫كاَ ِ‬ ‫و َ‬‫ق ْ‬‫دي ال ْ َ‬ ‫هُ ل َ ي َ ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫س إِ ّ‬‫ن الّناَ ِ‬ ‫م َ‬‫ك ِ‬‫م َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫والل ّ ُ‬
‫هُ ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫وكماَ أن المسلمين مطاَلبون أيضاَ أن يؤمنوا بأَن الدين قَد كمل في حياَة‬
‫رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬ولم يتوفهُ اللهُ إل بعد إتماَم السلم }‬
‫ال ْيوم أ َك ْمل ْت ل َك ُم دين َك ُم َ‬
‫سلَ َ‬
‫م ِديًناَ {‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬
‫م ال ِ ْ‬ ‫ضي ُ‬
‫وَرِ ِ‬
‫مِتي َ‬
‫ع َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫م نِ ْ‬ ‫ت َ‬
‫م ُ‬
‫م ْ‬
‫وأت ْ َ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ َ‬
‫‪.6‬‬

‫يوسف ‪108‬‬ ‫‪1‬‬

‫رواه أبو داوود‬ ‫‪2‬‬

‫متفق عليه‬ ‫‪3‬‬

‫التكوير ‪24‬‬ ‫‪4‬‬

‫المائدة ‪67‬‬ ‫‪5‬‬

‫المائدة ‪3‬‬ ‫‪6‬‬


‫‪11‬‬
‫ومن يعتقد أن شيئاَ من الدين لو صاغيرا بقي ولم ينزلهُ اللهُ على نبيهُ ‪ ,‬أو‬
‫لم يبينهُ صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ فإنهُ ل يؤمن بكماَل الدين على رِسولهُ‬
‫صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬ول تماَم السلم في حياَتهُ ‪ ,‬لنهُ بدون هذا ينقص‬
‫الدين ول يكمل ‪ ,‬وهذا معاَرِض لقول اللهُ عز وجل ‪ ,‬ومناَف لختم نبوة محمد‬
‫صالوات اللهُ عليهُ وسلمهُ عليهُ ‪.‬‬

‫ويتضح بذلك جلياَ أنهُ ل بد من العتقاَد أن كل شيء ل يوجد في كتاَب اللهُ‬


‫وسنة رِسولهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم فليس من الدين ‪ -‬وهو محدث وبدعة‬
‫وضللة ‪ ,‬وهذا هو الصحيح الثاَبت عن اللهُ وعن رِسولهُ – أماَ اعتقاَد أنهُ من‬
‫الدين وأن الدين لم يكمل بعج ‪ ,‬فهذا هو عين الكفر والضللة ‪ ,‬وقَاَئلهُ ليس‬
‫من المؤمنين والمسلمين باَلتفاَق ‪ ,‬فل بد من أحد المرين ‪ ,‬إماَ هذا أو ذلك‬
‫ة‬
‫عن ب َي ّن َ ٍ‬ ‫ي َ‬‫ح ّ‬‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫حَيى َ‬ ‫وي َ ْ‬‫ة َ‬ ‫عن ب َي ّن َ ٍ‬ ‫ك َ‬ ‫هل َ َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫ك َ‬ ‫‪ ,‬ول يمكن الجمع بينهماَ } ل ّي َ ْ‬
‫هل ِ َ‬
‫ن‬‫م ٌ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫كم ّ‬‫من ُ‬‫و ِ‬
‫فٌر َ‬ ‫م َ‬
‫كاَ ِ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م َ‬‫قك ُ ْ‬‫خل َ َ‬
‫ذي َ‬ ‫و ال ّ ِ‬‫ه َ‬
‫م{‪.1‬و} ُ‬ ‫عِلي ٌ‬
‫ع َ‬ ‫مي ٌ‬‫س ِ‬‫هُ ل َ َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫وإ ِ ّ‬
‫َ‬
‫صيٌر { ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ن بَ ِ‬ ‫ُ‬
‫ملو َ‬ ‫ع َ‬‫ماَ ت َ ْ‬
‫هُ ب ِ َ‬‫ّ‬
‫والل ُ‬ ‫َ‬

‫ومن هذا المنظورِ والرؤية نرى التصوف ‪ ,‬وننظر في الصوفية ‪ ,‬ونبحث في‬
‫وقَواعدهُ وأصاولهُ ونحقق أسسهُ ومباَدئهُ ‪ ,‬ومناَهجهُ ومشاَرِبهُ ‪ ,‬هل لهاَ أصال‬
‫في القرآن والسنة ‪ ,‬أو سند في خياَرِ خلق اللهُ أصاحاَب رِسول اللهُ الذين‬
‫هم أولياَء اللهُ الحقيقيون الولون من أمة محمد ‪ ,‬الذين ل خوف عليهم‬
‫ولهم يحزنون ‪.‬‬

‫صُروا ْ‬ ‫ووا ْ ّ‬
‫ون َ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬
‫هُ َ‬ ‫سِبي ِ‬‫في َ‬ ‫دوا ْ ِ‬‫ه ُ‬
‫جاَ َ‬ ‫جُروا ْ َ‬
‫و َ‬ ‫هاَ َ‬
‫و َ‬ ‫مُنوا ْ َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫وال ّ ِ‬ ‫}ُ َ‬
‫‪3‬‬
‫م{‬ ‫ري ٌ‬ ‫َ‬
‫رِْزقٌ ك ِ‬‫و ِ‬‫فَرةٌ َ‬‫غ ِ‬
‫م ْ‬
‫هم ّ‬ ‫ّ‬
‫قاَ ل ُ‬ ‫ح ّ‬‫ن َ‬
‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫م ال ُ‬‫ه ُ‬ ‫َ‬
‫أولـئ ِك ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫وال ِ ِ‬
‫م َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬
‫هُ ب ِأَ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫دوا ْ ِ‬ ‫ه ُ‬
‫جاَ َ‬
‫و َ‬‫َ‬ ‫جُروا ْ‬ ‫هاَ َ‬
‫و َ‬ ‫َ‬ ‫مُنوا ْ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫و } ال ّ ِ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ول َئ ِ َ‬ ‫عند الل ّهُ ُ‬ ‫م أَ ْ‬ ‫وَأن ُ‬
‫م‬
‫ه ْ‬
‫شُر ُ‬ ‫ن ‪ 20‬ي ُب َ ّ‬ ‫فاَئ ُِزو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫وأ ْ‬‫ِ َ‬ ‫ة ِ َ‬ ‫ج ً‬ ‫م دََرِ َ‬ ‫عظ َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫دي َ‬‫خاَل ِ ِ‬‫م ‪َ 21‬‬ ‫قي ٌ‬ ‫م ِ‬
‫م ّ‬ ‫عي ٌ‬
‫هاَ ن َ ِ‬‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ّ‬
‫تل ُ‬ ‫جّناَ ٍ‬‫و َ‬‫ن َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ض َ‬ ‫رِ ْ‬‫و ِ‬‫هُ َ‬‫من ْ ُ‬‫ة ّ‬ ‫م ٍ‬‫ح َ‬ ‫هم ب َِر ْ‬ ‫َرِب ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ‪{ 22‬‬ ‫ظي ٌ‬‫ع ِ‬ ‫جٌر َ‬ ‫عندَهُُ أ ْ‬ ‫هُ ِ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫دا إ ِ ّ‬ ‫هاَ أب َ ً‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫‪4‬‬

‫ُ‬
‫ز َ‬
‫ل‬ ‫ي أن ِ‬ ‫عوا ْ الّنوَرِ ال ّ ِ‬
‫ذ َ‬ ‫وات ّب َ ُ‬
‫صُروهُُ َ‬
‫ون َ َ‬
‫عّزُرِوهُُ َ‬
‫و َ‬‫هُ َ‬‫مُنوا ْ ب ِ ِ‬‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫فاَل ّ ِ‬
‫و} َ‬
‫مع ُ‬
‫ن{‪.5‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م ْ‬‫م ال ْ ُ‬‫ه ُ‬‫ك ُ‬‫وَلـئ ِ َ‬ ‫هُ أ ْ‬
‫َ َ ُ‬
‫فإن كاَن كذلك فعلى المؤمنين كاَفة القَرارِ والتسليم ‪ ,‬والتمسك واللتزام‬
‫ة‬
‫من َ ٍ‬
‫ؤ ِ‬ ‫وَل ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن َ‬
‫م ٍ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫ماَ َ‬
‫كاَ َ‬ ‫و َ‬
‫‪ ,‬وليس لهم الخياَرِ في الترك أو القبول ‪َ } ,‬‬
‫َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫مًرا َأن ي َ ُ‬ ‫ضى الل ّهُ ورِسول ُ َ‬
‫من‬
‫و َ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫ر ِ‬
‫م ِ‬
‫نأ ْ‬‫م ْ‬
‫خي ََرةُ ِ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫كو َ‬ ‫هُ أ ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ َ َ ُ‬ ‫ذا َ‬
‫قَ َ‬ ‫إِ َ‬
‫ناَ { ‪.‬‬ ‫مِبي ً‬‫ضَلًل ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬
‫قدْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫سول َ ُ‬
‫هُ َ‬ ‫وَرِ ُ‬ ‫ص الل ّ َ‬
‫هُ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫‪6‬‬

‫النفال ‪42‬‬ ‫‪1‬‬

‫التغابن ‪2‬‬ ‫‪2‬‬

‫النفال ‪74‬‬ ‫‪3‬‬

‫التوبة ‪22 , 21 ,20‬‬ ‫‪4‬‬

‫العراف ‪157‬‬ ‫‪5‬‬

‫الحزاب ‪36‬‬ ‫‪6‬‬


‫‪12‬‬
‫م لَ‬
‫م ثُ ّ‬
‫ه ْ‬‫جَر ب َي ْن َ ُ‬‫ش َ‬‫ماَ َ‬ ‫في َ‬ ‫ك ِ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬‫ى يُ َ‬‫حت ّ َ‬
‫ن َ‬‫مُنو َ‬ ‫ك ل َ يُ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫وَرِب ّ َ‬‫فل َ َ َ‬
‫وأيضاَ } َ‬
‫ماَ { ‪. 1‬‬ ‫سِلي ً‬‫موا ْ ت َ ْ‬‫سل ّ ُ‬‫وي ُ َ‬‫ت َ‬ ‫ضي ْ َ‬‫قَ َ‬‫ماَ َ‬
‫م ّ‬‫جاَ ّ‬
‫حَر ً‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫في أن ُ‬ ‫دوا ْ ِ‬
‫ج ُ‬
‫يَ ِ‬
‫وشمل قَول اللهُ عز وجل في الية القرآنية الخرى أصاحاَب نبيهُ صالى اللهُ‬
‫عليهُ وسلم لكونهم قَدوة متبعون بعد اللهُ ورِسولهُ حيث قَاَل ‪:‬‬

‫} ومن يشاَقَق الرسول من بعد ماَ تبين لهُ الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين‬
‫نولهُ ماَ تولى ونصلهُ جهنم وساَءت مصيرا ً {‪. 2‬‬

‫وماَ لم يكن كذلك فتركهُ واجبِ ‪ ,‬واللتفاَف إليهُ حرام ‪ ,‬يقطع النظر عمن‬
‫قَاَلهُ وعمل بهُ ‪.‬‬

‫وبمثل ذلك قَاَل الماَم أبو إسحاَق الشاَطبي في إعتصاَمهُ ‪:‬‬

‫) والثاَني ‪ :‬إن الشريعة جاَءت كاَملة ل تحتمل الزياَدة ول النقصاَن ‪ ,‬لن اللهُ‬
‫تعاَلى قَاَل فيهاَ ‪ } :‬ال ْيوم أ َك ْمل ْت ل َك ُم دين َك ُم َ‬
‫مِتي‬ ‫ع َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫م نِ ْ‬ ‫ت َ‬
‫م ُ‬
‫م ْ‬
‫وأت ْ َ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ديًناَ { ‪.‬‬ ‫سل َ َ‬
‫م ِ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬
‫م ال ِ ْ‬ ‫ضي ُ‬
‫وَرِ ِ‬
‫َ‬
‫وفي حديث العرباَض بن ساَرِية ‪ :‬وعظناَ رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم‬
‫موعظة ذرِفت منهاَ العين ووجلت منهاَ القلوب ‪ ,‬فقلناَ ‪ :‬ياَ رِسول اللهُ ‪ ,‬إن‬
‫هذهُ موعظة مودع فماَ تعهد إليناَ ؟ قَاَل ‪ ) :‬تركتكم على البيضاَء ليلهاَ‬
‫كنهاَرِهاَ ‪ ,‬ول يزيغ عنهاَ إل هاَلك ‪ ,‬ومن يعش منكم فسيرى إختلفاَ كثيرا‬
‫فعليكم بماَ عرفتم من سنتي و سنة الخلفاَء الراشدين من بعدي ( الحديث ‪.‬‬

‫وثبت أن النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم لم يمت حتى أتى ببياَن جميع ماَ‬
‫يحتاَج إليهُ في أمر الدين والدنياَ وهذا ل مخاَلف عليهُ من أهل السنة ‪.‬‬

‫فإذا كاَن كذلك ‪ ,‬فاَلمبتدع إنماَ محصول قَولهُ بلساَن حاَلهُ أو مقاَلهُ ‪ :‬إن‬
‫الشريعة لم تتم ‪ ,‬وأنهُ بقي منهاَ أشياَء يجبِ أو يستحبِ استدرِاكهاَ ‪ ,‬لنهُ لو‬
‫كاَن معتقدا لكماَلهاَ وتماَمهاَ من كل وجهُ ‪ ,‬لم يبتدع ول استدرِك عليهاَ ‪.‬‬
‫وقَاَئل هذا ضاَل عن الصراط المستقيم ‪.‬‬

‫قَاَل ابن الماَجشون ‪ :‬سمعت ماَلكاَ يقول ‪ :‬من ابتدع في السلم بدعة‬
‫يراهاَ حسنة فقد زعم أن محمد صالى اللهُ عليهُ وسلم خاَن الرساَلة ‪ ,‬لن‬
‫اللهُ يقول ‪ } :‬ال ْيو َ‬
‫م { فماَ لم يكن يومئذ ديناَ ‪ ,‬فل يكون‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬
‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬
‫َ ْ َ‬
‫اليوم ديناَ ‪.‬‬

‫ق لهُ ‪ ,‬لن الشاَرِع قَد عين المطلبِ‬‫والثاَلث ‪ :‬إن المبتدع معاَند للشرع ومشاَ ٌ‬
‫العبد طرقَ اَ ً خاَصاة على وجوهُ خاَصاة ‪ ,‬وقَصر الخلق عليهاَ باَلمر والنهي‬
‫ديهاَ – إلى غير ذلك ‪,‬‬
‫والوعد والوعيد وأخبر أن الخير فيهاَ ‪ ,‬وأن الشر في تع ّ‬
‫لن اللهُ يعلم ونحن ل نعلم ‪ ,‬وأنهُ إنماَ أرِسل الرسول صالى اللهُ عليهُ وسلم‬
‫م طرقَاَ أخر ‪ ,‬ليس‬
‫د لهذا كلهُ ‪ ,‬فإنهُ يزعم أن ث ّ‬
‫رِحمة للعاَلمين ‪ .‬فاَلمبتدع رِا ٌ‬
‫ماَ حصرهُ الشاَرِع بمحصورِ ‪ ,‬ول ماَعينهُ بمتعين ‪ ,‬كأَن الشاَرِع يعلم ‪ ,‬ونحن‬
‫النساء ‪65‬‬ ‫‪1‬‬

‫النساء‬ ‫‪2‬‬
‫‪13‬‬
‫أيضاَ نعلم ‪ .‬بل رِبماَ يفهم من استدرِاكهُ الطرق على الشاَرِع ‪ ,‬أنهُ علم ماَ‬
‫لم يعلمهُ الشاَرِع ‪.‬‬

‫وهذا إن كاَن مقصودا للمبتدع فهو كفر باَلشريعة والشاَرِع ‪ ,‬وإن كاَن غير‬
‫مقصود ‪ ,‬فهو ضلل مبين ‪.‬‬

‫وإلى هذا المعنى أشاَرِ عمر بن عبد العبد العزيز رِضي اللهُ عنهُ‪ ,‬إذ كتبِ لهُ‬
‫ي بن أرِطاَهُ يستشيرهُ في بعض القدرِية ‪ ,‬فكتبِ إليهُ ‪.‬‬
‫عد ّ‬
‫) أماَ بعد فإني أوصايك بتقوى اللهُ والقَتصاَد في أمرهُ واّتباَع سنة نبيهُ‬
‫صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬وترك ماَ أحدث المحدثون فيماَ قَد جرت سنتهُ وكفوا‬
‫مؤنتهُ ‪ ,‬فعليك بلزوم السنة ‪ ,‬فإن السنة إنماَ سّنهاَ من قَد عرف ماَ في‬
‫خلفهاَ من الخطأَ والزلل والحمق والتعمق ‪ ,‬فاَرِض لنفسك بماَ رِضي بهُ‬
‫القوم لنفسهم ‪ ,‬فإنهم على علم وقَفوا ‪ ,‬وببصر ناَفذ ‪ ,‬قَد كفوا وهم كاَنوا‬
‫على كشف المورِ أقَوى ‪ ,‬وبفضل كاَنوا فيهُ أحرى ‪ .‬فلئن قَلتم ‪ :‬أمر حدث‬
‫بعدهم ‪ ,‬ماَ أحدثهُ بعدهم إل من اتبع غير سننهم ‪ ,‬ورِغبِ بنفسهُ عنهم ‪,‬‬
‫إنهم لهم الساَبقون ‪ ,‬فقد تكلموا منهُ ماَ يكفي ‪ ,‬ووصافوا منهُ ماَ يشفي ‪,‬‬
‫فماَ دونهم مقصر ‪ ,‬وماَ فوقَهم محسر ‪ ,‬لقد قَصر عنهم آخرون فقلوا‬
‫وأنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم ( ‪.‬‬

‫ثم ختم الكتاَب بحكم مسئلتهُ ‪.‬‬

‫فقولهُ ‪ ) :‬فإن السنة إنماَ سنهاَ من قَد عرف ماَفي خلفهاَ ( فهو مقصود‬
‫الستشهاَد ‪.‬‬

‫والرابع ‪ :‬إن المبتدع قَد نزل نفسهُ منزلة المضاَهي للشاَرِع ‪ ,‬لن الشاَرِع‬
‫وضع الشرائع وألزم الخلق الجري على سنتهاَ ‪ ,‬وصااَرِ هو المنفرد بذلك ‪,‬‬
‫لنهُ حكم بين الخلق فيماَ كاَنوا فيهُ يختلفون ‪ .‬وإل فلو كاَن التشريع من‬
‫مدرِكاَت الخلق لم تنزل الشرائع ‪ ,‬ولم يبق الخلف بين الناَس ‪ .‬ول احتيج‬
‫إلى بعث الرسل عليهم السلم ‪.‬‬

‫هذا الذي ابتدع في دين اللهُ قَد صاير نفسهُ نظيرا ومضاَهياَ ‪ ,‬حيث شرع مع‬
‫الشاَرِع ‪ ,‬وفتح للختلف باَباَ ً ‪ ,‬ورِد قَصد الشاَرِع في النفراد باَلتشريع‬
‫وكفى بذلك ( ‪. 1‬‬

‫وبعد هذهُ التوطئة المختصرة والمهمة أيضاَ ننتقل إلى المقصود‬


‫والمطلوب ‪ ,‬وهو معرفة التصوف والصوفية ‪ ,‬وجعل الشرع حاَكماَ عليهماَ ‪,‬‬
‫وعرض آرِائهماَ وأفكاَرِهماَ عليهُ ‪ .‬وباَللهُ التوفيق ‪.‬‬

‫العتصام للشاطبي ص ‪ 48‬إلى ‪ 51‬ط مطبعة السعادة مصر‬ ‫‪1‬‬


‫‪14‬‬

‫الفصل الثاَني‬

‫هُ‬ ‫وا ْ‬
‫شتقاَقَ ِ‬ ‫ف َ‬
‫و ِ‬
‫ص ّ‬ ‫صا ُ‬
‫ل الت ّ َ‬ ‫أ ْ‬
‫قَبل أن بحث في التصوف ونشأَتهُ وتاَرِيخهُ نريد أن نذكر أصال اشتقاَقَهُ‪ ,‬من‬
‫أين اشتق ؟ وكيف كاَن اشتقاَقَهُ ؟ واختلف الباَحثين فيهُ والصوفية‬
‫أنفسهم أيضاَ ‪ ,‬ولقد سئل الشبلي ‪ :‬لم سميت بهذا السم ؟ ‪.‬‬

‫فقاَل ‪ ) :‬هذا السم الذي أطلق عليهم اختلف في أصالهُ وفي مصدرِ‬
‫اشتقاَقَهُ ( ‪.1‬‬

‫ول زالوا مختلفين فيهُ حتى اليوم ‪.‬‬

‫في كتاَبهُ الذي يعد أقَدم مرجع‬ ‫‪2‬‬


‫فلقد نقل الطوسي أبو نصر السراج‬
‫صاوفي ‪ ,‬عن صاوفي أنهُ قَاَل ‪:‬‬

‫) كاَن في الصال صافوي ‪ ,‬فاَستثقل ذلك ‪ ,‬فقيل ‪ :‬صاوفي – وبمثل ذلك نقل‬
‫عن أبي الحسن الكناَد ‪ :‬هو مأَخوذ من الصفاَء ( ‪. 3‬‬

‫وينقل الكلباَذي أبو بكر محمد الصوفي المشهورِ ‪ 4‬عن الصوفية أقَوال‬
‫عديدة في أصال هذهُ الكلمة واشتقاَقَهاَ ‪ ,‬فقاَل ‪:‬‬

‫قَاَلت طاَئفة ‪ :‬إنماَ سميت الصوفية صاوفية لصفاَء أسرارِهاَ ‪ ,‬ونقاَء آثاَرِهاَ ‪.‬‬
‫وقَاَل بشر بن الحاَرِث ‪ :‬الصوفي من صافت للهُ معاَملتهُ ‪ ,‬فصفت لهُ من اللهُ‬
‫عز وجل كرامتهُ ‪.‬‬

‫وقَاَل قَوم ‪ :‬إنماَ سموا صاوفية لنهم في الصف الول بين يدي اللهُ عز‬
‫وجل باَرِتفاَع هممهم إليهُ ‪ ,‬وإقَباَلهم عليهُ ‪ ,‬ووقَوفهم بساَئرهم بين يديهُ ‪.‬‬

‫وقَاَل قَوم ‪ :‬إنماَ سموا صاوفية لقرب أوصااَفهم من أوصااَف أهل الصفة ‪,‬‬
‫الذين كاَنوا على عهد رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ .‬وقَاَل قَوم ‪ :‬إنماَ‬
‫سموا صاوفية للبسهم الصوف ‪.‬‬

‫وأماَ من نسبهم إلى الصفة والصوف فإنهُ عّبر عن ظاَهر أحوالهم ‪ ,‬وذلك‬
‫أنهم قَوم قَد تركوا الدنياَ ‪ ,‬فخرجوا عن الوطاَن ‪ ,‬وهجروا الخدان ‪,‬‬
‫وساَحوا في البلد ‪ ,‬وأجاَعوا الكباَد ‪ ,‬وأعروا الجساَد ‪ ,‬لم يأَخذوا من الدنياَ‬
‫إل من الدنياَ إل ماَ ل يجوز تركهُ ‪ ,‬من ستر عورِة ‪ ,‬وسد جوعة ‪.‬‬
‫‪ ) 1‬أبحاث في التصوف ( للدكتور عبد الحليم محمود ‪ ,‬المدرجة في مجموعة مؤلفاته ص ‪ 55‬ط دار الكتاب اللبناني الطبعة‬
‫الولى ‪ 1979‬م ‪ .‬هو أبو بكر محمد الكلباذي الملقب بتاج السلم قيل في شأن كتابه ) التعرف ( ‪ :‬لول التعرف لما عرف‬
‫التصوف ) مقدمة كتابه ( ‪.‬‬
‫‪ 2‬هو أبو النصر عبد الله بن علي السراج الطوسي الملقب بطاووس الفقراء ‪ ,‬توفي في رجب سنة ‪ 378‬هـ ‪.‬‬
‫‪ 3‬انظر ) كتاب اللمع ( ص ‪ 46‬بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود طه عبد الباقي سرور ط دار الكتب الحديثة بمصر ‪1960‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪ 4‬هو أبو بكر محمد الكلباذي الملقب بتاج السلم قيل في شأن كتابه ) التعرف ( ‪ :‬لول التعرف لما عرف التصوف ) مقدمة‬
‫كتابه ( ‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫فلخروجهم عن الوطاَن سموا غرباَء ‪ .‬ولكثرة أسفاَرِهم سموا سياَحين ‪.‬‬

‫ومن سياَحتهم في البرارِي وإيوائهم إلى الكهوف عند الضرورِات سماَهم‬


‫بعض أهل الدياَرِ ) شكفتية ( والشكفت بلغتهم ‪ :‬الغاَرِ والكهف ‪.‬‬

‫وأهل الشاَم سموهم ) جوعية ( لنهم إنماَ يناَلون من الطعاَم قَدرِ ماَ يقيم‬
‫الصلبِ للضرورِة ‪ ,‬كماَ قَاَل النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ) بحسبِ ابن آدم‬
‫أكلت يقمن صالبهُ ( ‪.‬‬

‫وقَاَل السري السقطي ‪ ,‬ووصافهم فقاَل ‪ :‬أكلهم أكل المرضى ‪ ,‬ونومهم‬


‫نوم الغرقَى ‪ ,‬وكلمهم كلم الخرقَى ‪.‬‬

‫ومن تخيلهم عن الملك سموا فقراء ‪.‬‬

‫قَيل لبعضهم ‪ :‬من الصوفي ؟ قَاَل ‪ :‬الذي ل َيملك و ل ُيملك ‪ .‬يعني ل‬


‫يسترقَهُ الطمع ‪.‬‬

‫وقَاَل آخر ‪ :‬هو الذي ل يملك شيئاَ ‪ ,‬وإن ملكهُ بذلهُ ‪.‬‬

‫ومن لبسهم وز ّيهم سموا صاوفية ‪ ,‬لنهم لم يلبسوا لحظوظ النفس ماَ لن‬
‫مسهُ ‪ ,‬وحسن منظرهُ ‪ ,‬وإنماَ لبسوا لستر العورِة ‪ ,‬فتجّزوا باَلخشن من‬
‫الشعر ‪ ,‬والغليظ من الصوف ‪.‬‬

‫ثم هذهُ كلهاَ أحوال أهل الصفة ‪ ,‬الذين كاَنوا غرباَء فقراء مهاَجرين ‪,‬‬
‫أخرجوا من دياَرِهم وأموالهم ‪ ,‬ووصافهم أبو هريرة و فضاَلة بن عبيد‬
‫فقاَل ‪ :‬يخرون من الجوع حتى تحسبهم العراب مجاَنين ‪ .‬وكاَن لباَسهم‬
‫الصوف ‪ ,‬حتى إن كاَن بعضهم يعرق فيهُ فيوجد منهُ رِائحة الضأَن إذا أصااَبهُ‬
‫المطر ‪.‬‬

‫هذا وصاف بعضهم لهم ‪ ,‬حتى قَاَل عيينة بن حصن للنبي صالى اللهُ عليهُ‬
‫وسلم ‪ :‬إنهُ ليؤذيني هؤلء أماَ يؤذيك رِيحهم ؟ ‪.‬‬

‫ثم الصوف لباَس النبياَء ‪ ,‬وزي الولياَء ‪.‬‬

‫وقَاَل أبو موسى الشعري عن النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ) :‬إنهُ مّر‬
‫باَلصخرة من الروحاَء سبعون نبياَ حفاَة عليهم العباَء يؤمون البيت العتيق ( ‪.‬‬

‫وقَاَل الحسن البصري ‪ :‬كاَن عيسى عليهُ السلم يلبس الشعر ‪ ,‬ويأَكل من‬
‫الشجرة ‪ ,‬ويبيت حيث أمسى ‪.‬‬
‫وقَاَل أبو موسى ‪ :‬كاَن النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم يلبس الصوف ‪ ,‬ويركبِ‬
‫الحماَرِ ‪ ,‬ويأَتي مدعاَة الضعيف ‪.‬‬
‫ً‬
‫وقَاَل الحسن البصري ‪ :‬لقد أدرِكت سبعين بدرِياَ ماَ كاَن لباَسهم إل الصوف‬
‫‪.‬‬
‫فلماَ كاَنت هذهُ الطاَئفة بصفة أهل الصفة فيماَ ذكرناَ ‪ ,‬ولبسهم وزيهم زي‬
‫صافية وصاوفية ‪.‬‬
‫أهلهاَ ‪ ,‬سموا ُ‬
‫‪16‬‬
‫ومن نسبهم إلى إلى الصفة والصف الول فإنهُ عبر عن أسرارِهم‬
‫فى اللهُ‬‫وبواطنهم ‪ ,‬وذلك أن من ترك الدنياَ وزهد فيهاَ وأعرض عنهاَ ‪ ,‬صا ّ‬
‫سرهُ ‪ ,‬ونورِ قَلبهُ ‪.‬‬
‫قَاَل النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ) :‬إذا دخل النورِ في القلبِ انشرح‬
‫وانفسح ( ‪ ,‬قَيل ‪ :‬وماَ علمة ذلك ياَ رِسول اللهُ ؟ قَاَل ‪ ) :‬التجاَفي عن دارِ‬
‫الغرورِ ‪ ,‬و الناَبة إلى دارِ الخلود ‪ ,‬والستعداد للموت قَبل نزولهُ ( ‪.‬‬

‫فأَخبر النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم أن من تجاَفى عن الدنياَ نورِ اللهُ قَلبهُ ‪.‬‬
‫وقَاَل حاَرِثة حين سأَلهُ النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ :‬ماَ حقيقة إيماَنك ؟‬
‫قَاَل ‪ :‬عزفت بنفسي عن الدنياَ ‪ ,‬فأَظمأَت نهاَرِي ‪ ,‬وأسهرت ليلي ‪ ,‬وكأَني‬
‫أنظر إلى عرش رِبي باَرِزا ‪ ,‬وكأَني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورِون ‪ ,‬وإلى‬
‫أهل الناَرِ يتعاَدون ‪.‬‬
‫فأَخبر أنهُ لماَ عزف عن الدنياَ نورِ اللهُ قَلبهُ ‪ ,‬فكاَن ماَ غاَب عنهُ بمنزلة ماَ‬
‫يشاَهدهُ ‪ .‬وقَاَل النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ) :‬من أحبِ أن ينظر إلى عبد‬
‫ورِ القلبِ ‪.‬‬
‫نورِ اللهُ قَلبهُ فلينظر إلى حاَرِثة ‪ ,‬فأَخبر أنهُ من ّ‬

‫وسميت هذهُ الطاَئفة نورِية لهذهُ الوصااَف ‪.‬‬

‫ن َأن‬
‫حّبو َ‬ ‫جاَ ٌ‬
‫ل يُ ِ‬ ‫رِ َ‬
‫هُ ِ‬
‫في ِ‬
‫وهذا أيضاَ من أوصااَف أهل الصفة ‪ ,‬قَاَل اللهُ تعاَلى ‪ِ } :‬‬
‫ن{ ‪.‬‬
‫ري َ‬ ‫مطّ ّ‬
‫ه ِ‬ ‫بِ ال ْ ُ‬
‫ح ّ‬ ‫والل ّ ُ‬
‫هُ ي ُ ِ‬ ‫هُروا ْ َ‬
‫ي َت َطَ ّ‬
‫والتطهر باَلظواهر عن النجاَس ‪ ,‬وباَلبواطن عن الهجاَس ‪.‬‬

‫وقَاَل اللهُ تعاَلى ‪ } :‬رِجاَل ل تلهيهم تجاَرِة ول بيع عن ذكر اللهُ { ‪ .‬ثم لصفاَء‬
‫أسرارِهم تصدق فراستهم ‪.‬‬

‫قَاَل أبو أماَمة الباَهلي رِضي اللهُ عنهُ عن النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪:‬‬
‫) اتقوا فراسة المؤمن فإنهُ ينظر بنورِ اللهُ ( ‪.‬‬
‫وقَاَل أبو بكر الصديق رِضي اللهُ عنهُ ‪ :‬ألقى في رِوعي أن ذا بطن بنت‬
‫خاَرِجة ‪ ,‬فكاَن كماَ قَاَل ‪.‬‬
‫وقَاَل النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ) :‬إن الحق لينطق على لساَن عمر ( ‪.‬‬
‫وقَاَل أبو أويس القرني لهرم بن حياَن حين سلم عليهُ ‪ :‬وعليك السلم ياَ‬
‫هرم بن حياَن ‪ ,‬ولم يكن رِآهُ قَبل ذلك ‪ ,‬ثم قَاَل لهُ ‪ :‬عرف رِوحي رِوحك ‪.‬‬
‫وقَاَل أبو عبد اللهُ النطاَكي ‪ :‬إذا جاَلستم أهل الصدق فجاَلسوهم باَلصدق‬
‫فإنهم جواسيس القلوب يدخلون في أسرارِكم ويخرجون من هممكم ‪.‬‬
‫ثم من كاَن بهذهُ الصفة من صافوة سرهُ وطهاَرِة قَلبهُ ونورِ صادرِهُ فهو في‬
‫الصف الول ‪ ,‬لن هذهُ أوصااَف الساَبقين ‪.‬‬

‫قَاَل النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ) :‬يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاَ بغير‬
‫حساَب ( ثم وصافهم وقَاَل ‪ ) :‬الذين ل يرقَون و ل يسترقَون ‪ ,‬ول يكوون ول‬
‫يكتوون ‪ ,‬وعلى رِبهم يتوكلون ( ‪.‬‬
‫فلصفاَء أسرارِهم ‪ ,‬وشرح صادورِهم ‪ ,‬وضياَء قَلوبهم ‪ :‬صاحت معاَرِفهم باَللهُ‬
‫‪ ,‬فلم يرجعوا إلى السباَب ثقة باَللهُ عز وجل ‪ ,‬وتوكل عليهُ ‪ ,‬ورِضاَ بقضاَئهُ ‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫فقد إجتمعت هذهُ الوصااَف كلهاَ ‪ ,‬ومعاَني هذهُ السماَء كلهاَ في أساَمي‬
‫القوم وألقاَبهم ‪ ,‬وصاحت هذهُ العباَرِات وقَربت هذهُ المآخذ ‪.‬‬
‫وإن كاَنت هذهُ اللفاَظ متغيرة في الظاَهر ‪ ,‬فإن المعاَني متفقة لنهاَ إن‬
‫أخذت من الصفاَء والصفوة كاَنت صاوفية‪.‬‬
‫صافّية ‪ ,‬ويجوز أن يكون‬‫صافّية أو ُ‬
‫وإن أضيفت إلى الصف أو الصفة كاَنت َ‬
‫صفية إنماَ كاَنت من تداول‬ ‫تقديم الواو على الفاَء في لفظ الصفية أو ال ّ‬
‫اللسن ‪.‬‬
‫وإن جعل مأَخذهُ من الصوف ‪ :‬استقاَم اللفظ ‪ ,‬وصاحت العباَرِة من حيث‬
‫اللغة ‪.‬‬
‫وجميع المعاَني كلهاَ من التخلي عن الدنياَ وعزوف النفس عنهاَ وترك‬
‫الوطاَن ولزوم السفاَرِ ‪ ,‬ومنع النفوس حظوظهاَ ‪ ,‬وصافاَء المعاَملت ‪,‬‬
‫وصافوة السرارِ ‪ ,‬وانشراح الصدورِ وصافة للسباَق ‪.‬‬

‫وقَاَل بندارِ بن الحسين ‪ :‬الصوفي من اختاَرِهُ الحق لنفسهُ فصاَفاَهُ ‪ ,‬وعن‬


‫مل وتكلف بدعوى ‪.‬‬ ‫نفسهُ برأهُ ‪ ,‬ولم يردهُ إلى تع ّ‬

‫وصاوفي على زنة عوفي ‪ ,‬أي عاَفاَهُ اللهُ فعوفي وكوفي ‪ ,‬أي كاَفاَهُ اللهُ‬
‫فكوفي ‪ ,‬وجوزي ‪ ,‬أي جاَزاهُ اللهُ ‪ ,‬ففعل اللهُ بهُ ظاَهر في اسمهُ واللهُ‬
‫المتفرد بهُ ( ‪. 1‬‬
‫هذا ماَ تخبط بهُ الكلباَذي من الخلط والغلط قَطع النظر عن ضعف أكثر‬
‫الرواياَت التي ساَقَهاَ وسردهاَ ‪.‬‬

‫ويكتبِ من الصوفية المتقدمين أبو العباَس أحمد بن زرِوق ‪ 2‬في كتاَبهُ‬


‫قَواعد التصوف ‪ :‬وقَد كثرت القَوال في اشتقاَق التصوف ‪ ,‬وأمسى ذلك‬
‫باَلحقيقة خمسة ‪.‬‬
‫الول ‪ :‬قَول من قَاَل ‪ :‬من الصوفة ‪ ,‬لنهُ مع اللهُ كاَلصوفة المطروحة ل‬
‫تدبير لهُ ‪.‬‬
‫الثاَني ‪ :‬أنهُ من صاوفة القفاَ ‪ ,‬للينهاَ ‪ ,‬فاَلصوفي هّين لّين كهي ‪.‬‬
‫الثاَلث ‪ :‬أنهُ من الصفة ‪ ,‬إذ جعلتهُ اتصاَف باَلمحاَسن وترك الوصااَف‬
‫المذمومة ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أنهُ من الصفاَء ‪ ,‬وصاحح هذا القول حتى قَاَل أبو الفتح البستي‬
‫رِحمهُ اللهُ ‪:‬‬

‫وظنهُ البعض مشتقاَ من‬ ‫تناَزع النــــاَس في الصوفي واختلفوا‬


‫الصــــوف‬
‫صااَفي فصوفي حتى سمى‬ ‫ولست أمنح هذا الســـم غيــــر فتــى‬
‫الصوفي‬

‫‪ ) 1‬التعرف لمذهب التصوف ( للكلباذي ص ‪ 34 – 28‬تحقيق محمود أمين النواوي الطبعة الثالثة ‪ 1400‬هـ مكتبة الكليات‬
‫الزهرية ‪ .‬القاهرة ‪.‬‬
‫‪ 2‬هو أبو العباس أحمد بن محمد بن زروق ‪ :‬علم من أعلم الصوفية ‪ ,‬وإمام من أئمة أهل الحقيقة ) أنظر الصفحة الفوقانية‬
‫لكتاب قواعد التصوف ( ‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫الخاَمس ‪ :‬أنهُ منقول من الصفة لن صااَحبهُ تاَبع لهلهاَ فيماَ أثبت اللهُ لهم‬
‫ن‬
‫دو َ‬
‫ري ُ‬
‫ي يُ ِ‬
‫ش ّ‬ ‫وال ْ َ‬
‫ع ِ‬ ‫ة َ‬
‫دا ِ‬ ‫هم ِباَل ْ َ‬
‫غ َ‬ ‫ن َرِب ّ ُ‬
‫عو َ‬
‫} ي َدْ ُ‬ ‫من الوصاف حيث قَاَل تعاَلى ‪:‬‬
‫هُ { ‪ .‬وهذا هو الصال الذي يرجع إليهُ كل قَول فيهُ ( ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ه ُ‬
‫ج َ‬
‫و ْ‬
‫َ‬

‫وقَاَل أبو نعيم الصابهاَني المتوفى ‪430‬هـ في حليتهُ ‪:‬‬


‫أبو نعيم الصابهاَني المتوفى ‪430‬هـ في حليتهُ ‪:‬‬
‫واشتقاَقَة من حيث الحقاَئق التي أوجبت اللغة فإنهُ تفعل من أحد أرِبعة‬
‫أشياَء ‪ ,‬من الصوفاَنة ‪ ,‬وهي بقلة رِعناَء قَصيرة ‪ ,‬أو من صاوفة وهي قَبيلة‬
‫كاَنت في الدهر الول تجيز الحاَج وتخدم الكعبة ‪ ,‬أو من صاوفة القفاَء وهي‬
‫الشعرات الناَبتة في متأَخرهُ ‪ ,‬أو من الصوف المعروف على ظهورِ الضأَن (‬
‫‪.2‬‬

‫وقَاَل مرجحاَ كونهُ مأَخوذا من الصفاَء ‪:‬‬


‫) اشتقاَقَهُ عند أهل الشاَرِات والمنبئين عنهُ باَلعباَرِات من الصفاَء‬
‫والوفاَء ( ‪. 3‬‬
‫وذهبِ إلى هذا الرأي فريد الدين العطاَرِ المتوفى ‪ 586‬هـ تقريباَ نقل عن‬
‫بشر الحاَفي ‪. 4‬‬

‫وكذلك الصوفي الهندي الملقبِ بكنج شكر المتوفى ‪ 669‬هـ ‪. 5‬‬


‫ولكن السهرورِدي الذي فصل القول في هذا يرى رِأياَ آخر ‪ ,‬وهو أنهُ مشتق‬
‫من الصوف ولبسهُ ‪ ,‬فإليكم ماَ قَاَلهُ في كتاَب ) عوارِف المعاَرِف ( في‬
‫الباَب الساَدس تحت عنوان ‪ :‬ذكر تسميتهم بهذا السم ‪:‬‬
‫) أخبرناَ الشيخ أبو زرِعة طاَهر بن محمد بن طاَهر ‪ ,‬وقَاَل أخبرني والدي ‪,‬‬
‫قَاَل أخبرناَ أبو علي الشاَفعي بمكة حرسهاَ اللهُ تعاَلى ‪ ,‬قَاَل أخبرناَ أحمد‬
‫بن إبراهيم ‪ ,‬قَاَل أخبرناَ أبو جعفر محمد بن إبراهيم ‪ ,‬قَاَل ‪ :‬أخبرناَ أبو عبد‬
‫اللهُ المخزومي ‪ ,‬قَاَل حدثناَ سفياَن عن مسلم عن أنس بن ماَلك ‪ ,‬قَاَل ‪:‬‬
‫كاَن رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم يجيبِ دعوة العبد ويركبِ الحماَرِ‬
‫ويلبس الصوف ‪ ,‬فمن هذا الوجهُ ذهبِ قَوم إلى أنهم سموا صاوفية نسبة‬
‫لهم إلى ظاَهر اللبسة ‪ ,‬لنهم اختاَرِوا لبس الصوف لكونهُ أرِفق ولكونهُ كاَن‬
‫لباَس النبياَء عليهم السلم ‪.‬‬

‫ورِوى عن رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم أنهُ قَاَل ‪ ) :‬مر باَلصخرة من‬
‫الروحاَء سبعون نبياَ حفاَة عليهم العباَء يؤمون البيت الحرام ( ‪.‬‬

‫وقَيل ‪ :‬إن عيسى عليهُ السلم كاَن يلبس الصوف والشعر ‪ ,‬ويأَكل من‬
‫الشجر ويبيت حيث أمسى ‪.‬‬
‫وقَاَل الحسن البصري رِضي اللهُ عنهُ ‪ :‬لقد أدرِكت سبعين بدرِياَ كاَن‬
‫لباَسهم الصوف ‪ ,‬ووصافهم أبو هريرة وفضاَلة بن عبيد فقاَل ‪ :‬كاَنوا يخرون‬
‫‪ ) 3‬قواعد التصوف ( لبن زروق الطبعة الثانية ص ‪ 293‬ط ‪ 1396‬هـ مكتبة الكليات الزهرية القاهرة ‪ ,‬أيضا ) لطائف المنن (‬
‫لبن عطاء الله السكندري ط مطبعة حسان مصر ‪ ,‬أيضا ) الدر الثمين ‪ ,‬والمورد المعين ( لمحمد بن أحمد المالكي ج ‪ 2‬ص‬
‫‪ 169‬مصطفى البابي الحلبي ‪ 1954‬م ‪ .‬أيضا ) إيقاظ الهمم في شرح الحكم ( لحمد بن عجيبة الحسني ط مصطفى البابي‬
‫الطبعة الثالثة ‪ 1982‬م ‪.‬‬
‫‪ ) 2‬حلية الولياء وطبقات الصفياء ( للصبهاني ج ‪ 1‬ص ‪ 17‬ط دار الكتاب العربي ببيروت الطبعة الثالثة ‪ 1400‬هـ ‪.‬‬
‫‪ 3‬نفس المصدر ‪.‬‬
‫‪ ) 4‬تذكرة الولياء( للعطار ص ‪ 68‬ط باكستان ‪.‬‬
‫‪ 5‬أنظر ) أسرار الولياء ( ص ‪ 129‬ط باكستان الطبعة الثالثة ‪ 1983‬م ‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫من الجوع حتى يحسبهم العراب مجاَنين ‪ ,‬وكاَن لباَسهم الصوف حتى إن‬
‫بعضهم كاَن يعرق في ثوبهُ فيوجد منهُ رِائحة الضأَن إذا أصااَبهُ الغيث ‪ .‬وقَاَل‬
‫بعضهم ‪ :‬إنهُ ليؤذيني رِيح هؤلء ‪ ,‬أماَ يؤذيك رِيحهم ياَ رِسول اللهُ صالى عليهُ‬
‫وسلم بذلك ‪ ,‬فكاَن اختياَرِهم للبس الصوف لتركهم زينة الدنياَ ‪ ,‬وقَناَعتهم‬
‫بسد الجوعة وستر العورِة ‪ ,‬واستغراقَهم في أمر الخرة ‪ ,‬فلم يتفرغوا‬
‫لملذ النفوس ورِاحاَتهاَ ‪ ,‬لشدة شغلهم بخدمة مولهم ‪ ,‬وانصراف هممهم‬
‫إلى أمر الخرة ‪ ,‬وهذا الختياَرِ يلئم ويناَسبِ من حيث الشتقاَق ‪ ,‬لنهُ‬
‫يقاَل ) تصوف ( إذا لبس الصوف ‪ ,‬كماَ يقاَل ) تقمص ( إذا لبس القميص ‪.‬‬

‫ولماَ كاَن حاَلهم بين سير وطير لتقلبهم في الحوال وارِتقاَئهم من عاَل‬
‫إلى أعلى منهُ ‪,‬ل يفيدهم وصاف ول يحسبهم نعت ‪ ,‬وأبواب المزيد علماَ ً‬
‫وحاَلً عليهم مفتوحة ‪ ,‬وبواطنهم معدن الحقاَئق ومجمع العلوم ‪ ,‬فلماَ تعذرِ‬
‫تقيدهم لتنوع وجدانهم وتجنس مزيدهم ‪ ,‬نسبوا إلى ظاَهر اللبسة ‪ .‬وكاَن‬
‫ذلك أبين في الشاَرِة إليهم ‪ ,‬وأدعى إلى حصر وصافهم ‪ ,‬لن لبس الصوف‬
‫كاَن غاَلباَ على المتقدمين من سلفهم ‪ ,‬وأيضاَ لن حاَلهم حاَل المقربين‬
‫كماَ سبق ذكرهُ ‪ ,‬ولماَ كاَن العتزاء إلى القرب وعظم الشاَرِة إلى قَرب‬
‫اللهُ تعاَلى أمر صاعبِ يعز كشفهُ والشاَرِة إليهُ ‪ ..‬وقَعت الشاَرِة إلى زيهم‬
‫سترا لحاَلهم وغيرة على عزيز مقاَمهم أن تكثر الشاَرِة إليهُ وتتداولهُ‬
‫اللسنة ‪ ,‬فكاَن هذا أقَرب إلى الدب ‪ ,‬والدب في الظاَهر والباَطن والقول‬
‫والفعل عماَد أهل الصوفية ‪.‬‬

‫وفيهُ معنى آخر ‪ :‬وهو أن نسبتهم إلى اللبسة تنبئ عن تقللهم من الدنياَ‬
‫وزهدهم فيماَ تدعو النفس إليهُ باَلهوى من الملبوس الناَعم ‪ ,‬حتى إن‬
‫المبتدئ المريد الذي يؤثر طريقهم ويحبِ الدخول في أمرهم يوطن نفسهُ‬
‫على التقشف والتقلل ‪ ,‬ويعلم أن المأَكول أيضاَ من جنس الملبوس‬
‫فيدخل في طريقهم على بصيرة ‪ ,‬وهذا أمر مفهوم معلوم عند المبتدئ ‪,‬‬
‫والشاَرِة إلى شيء من حاَلهم في تسميتهم بهذا أنفع وأولى ‪ ,‬وأيضاَ غير‬
‫هذا المعنى مماَ يقاَل إنهم سموا صاوفية لذلك يتضمن دعوى وإذا قَيل‬
‫سموا صاوفية للبسهم الصوف كاَن أبعد من الدعوى ‪ ,‬وكل ماَ كاَن أبعد من‬
‫الدعوى كاَن أليق بحاَلهم ‪ ,‬وأيضاَ لن لبس الصوف حكم ظاَهر على الظاَهر‬
‫من أمرهم ‪ ,‬ونسبتهم من أمر آخر من حاَل أو مقاَم أمر باَطن ‪ ,‬والحكم‬
‫باَلظاَهر أوفق وأولى ‪ ,‬فاَلقول بأَنهم سموا صاوفية للبسهم الصوف أليق‬
‫وأقَرب إلى التواضع ‪ ,‬ويقرب أن يقاَل ‪ :‬لماَ أثاَرِوا الذبول والخمول‬
‫والتواضع والنكاَرِ والتخفي والتوارِي ‪ ,‬كاَنوا كاَلخرقَة الملقاَة والصوفية‬
‫المرمية التي ل يرغبِ فيهاَ ول يلتفت إليهاَ ‪ ,‬فيقاَل ) صاوفي ( نسبة إلى‬
‫الصوفة ‪ ,‬كماَ يقاَل ) كوفي ( نسبة إلى الكوفة ‪ ,‬وهذا ماَ ذكرهُ بعض أهل‬
‫العلم ‪ ,‬والمعنى المقصود بهُ قَريبِ ويلئم الشتقاَق ‪ ,‬ولم يزل لبس‬
‫الصوف اختياَرِ الصاَلحين والزهاَد والمنشقين والعباَد ‪.‬‬

‫أخبرناَ أبو زرِعة طاَهر عن أبيهُ ‪ ,‬قَاَل أخبرناَ عبد الرزاق بن عبد الكريم ‪,‬‬
‫قَاَل أخبرناَ أبو الحسن محمد بن محمد ‪ ,‬قَاَل حدثناَ أبو علي بن إسماَعيل‬
‫بن محمد ‪ ,‬قَاَل حدثناَ الحسن بن عرفة ‪ ,‬قَاَل حدثناَ خلف بن خليفة عن‬
‫حميد بن العرج عن عبد اللهُ بن الحاَرِث عن عبد اللهُ بن مسعود رِضي اللهُ‬
‫قَاَل ‪ :‬قَاَل رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ :‬يوم كلم اللهُ تعاَلى موسى‬
‫‪20‬‬
‫عليهُ السلم كاَن عليهُ جبة صاوف وسراويل صاوف وكمهُ من صاوف ونعلهُ‬
‫من جلد حماَرِ غير مذكى ‪.‬‬

‫وقَيل ‪ :‬سموا صاوفية لنهم في الصف الول بين يدي اللهُ عز وجل باَرِتفاَع‬
‫هممهم وإقَباَلهم على اللهُ تعاَلى بقلوبهم ووقَوفهم بسرائرهم بين يديهُ ‪.‬‬
‫وقَيل ‪ :‬كاَن هذا السم في الصال صافوي ‪ ,‬فاَستثقل ذلك وجعل صاوفياَ ‪.‬‬
‫وقَيل سموا صاوفية نسبة إلى الصفة التي كاَنت لفقراء المهاَجرين على‬
‫عهد رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬الذين قَاَل اللهُ تعاَلى فيهم‬
‫} للفقراء الذين أحصروا في سبيل اللهُ ل يستطيعون ضرباَ في الرِض {‬
‫الية ‪ ,‬وهذا وإن كاَن ل يستقيم من حيث الشتقاَق اللغوي ولكنهُ صاحيح من‬
‫حيث المعنى ‪ ,‬لن الصوفية يشاَكل حاَلهم حاَل أولئك لكونهم مجتمعين‬
‫متآلفين متصاَحبين للهُ وفي اللهُ ‪ ,‬كأَصاحاَب الصفة ‪ ,‬وكاَنوا نحوا من‬
‫أرِبعماَئة رِجل لم تكن لهم مساَكن باَلمدينة ول عشاَئر ‪ ,‬جمعوا أنفسهم‬
‫في المسجد كاَجتماَع الصوفية قَديماَ وحديثاَ في الزواياَ والربط ‪ ,‬وكاَنوا ل‬
‫يرجعون إلى زرِع ول ضرع ول إلى تجاَرِة ‪ ,‬كاَنوا يحتطبون ويرضخون النوى‬
‫باَلنهاَرِ ‪ ,‬وباَلليل يشتغلون باَلعباَدة وتعلم القرآن ) تلوتهُ ( وكاَن رِسول اللهُ‬
‫صالى الهُ عليهُ وسلم يواسيهم ويحث الناَس على مواساَتهم ويجلس معهم‬
‫هم‬ ‫ن َرِب ّ ُ‬‫عو َ‬‫ن ي َدْ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ولَ ت َطُْرِد ال ّ ِ‬
‫ويأَكل معهم ‪ ,‬وفيهم نزل قَولهُ تعاَلى ‪َ } :‬‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ع ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك َ‬‫س َ‬‫ف َ‬ ‫صاب ِْر ن َ ْ‬
‫وا ْ‬ ‫هُ { وقَولهُ تعاَلى ‪َ } :‬‬‫ه ُ‬‫ج َ‬
‫و ْ‬
‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬‫ي يُ ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫وال ْ َ‬
‫ع ِ‬ ‫ة َ‬ ‫دا ِ‬ ‫ِباَل ْ َ‬
‫غ َ‬
‫س‬
‫عب َ َ‬ ‫ي { ونزل في ابن مكتوم قَولهُ تعاَلى ‪َ } :‬‬ ‫ش ّ‬ ‫ع ِ‬‫وال ْ َ‬‫ة َ‬ ‫دا ِ‬‫غ َ‬‫هم ِباَل ْ َ‬ ‫ن َرِب ّ ُ‬‫عو َ‬ ‫ي َدْ ُ‬
‫َ‬
‫جاَءهُُ اْل ْ‬ ‫َ‬
‫مى { وكاَن من أهل الصفة ‪ ,‬فعوقَبِ النبي صالى اللهُ‬ ‫ع َ‬ ‫وّلى )‪(1‬أن َ‬ ‫وت َ َ‬
‫َ‬
‫عليهُ وسلم لجلة ‪ ,‬وكاَن رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم إذا صااَفحهم ل‬
‫ينزع يدهُ من أيدهم ‪ ,‬وكاَن يفرقَهم على أهل الجدة والسعة يبعث مع كل‬
‫واحد ثلثة ومع الخر أرِبعة ‪ ,‬وكاَن سعد بن معاَذ يحمل إلى بيتهُ منهم‬
‫ثماَنين يطعمهم ‪.‬‬

‫وقَاَل أبو هريرة رِضي اللهُ عنهُ ‪ :‬لقد رِأيت سبعين من أهل الصفة يصلون‬
‫في ثوب واحد ‪ ,‬منهم من ليبلغ رِكبتيهُ ‪ ,‬فإذا رِكع أحدهم قَبض بيديهُ مخاَفة‬
‫أن تبدو عورِتهُ ‪ .‬وقَاَل بعض أهل الصفة ‪ :‬جئناَ جماَعة إلى رِسول اللهُ صالى‬
‫اللهُ عليهُ وسلم وقَلناَ ياَ رِسول اللهُ أحرق بطونناَ التمر فسمع بذلك‬
‫رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم فصعد المنبر ثم قَاَل ‪ :‬ماَ باَل أقَوام‬
‫يقولون أحرق بطونناَ التمر ‪ ,‬أماَ علمتم أن هذا التمر هو طعاَم أهل المدينة‬
‫وقَد واسوناَ بهُ وواسيناَكم مماَ واسوناَ بهُ ‪ ,‬والذي نفس محمد بيدهُ إن منذ‬
‫شهرين لم يرتفع من بيت رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم دخاَن للخبز ‪,‬‬
‫وليس لهم إل السودان الماَء والتمر ‪.‬‬

‫أخبرناَ الشيخ أبو الفتوح محمد بن عبد الباَقَي في كتاَبهُ ‪ ,‬قَاَل ‪ :‬أخبرناَ‬
‫الشيخ أبو بكر بن زكرياَ الطريثيثي قَاَل أخبرناَ الشيخ أبو عبد الرحمن‬
‫السلمي ‪ ,‬قَاَل حدثناَ محمد بن محمد ابن سعيد النماَطي ‪ ,‬قَاَل حدثناَ‬
‫الحسن بن يحى بن سلم ‪ ,‬قَاَل حدثناَ محمد ابن علي الترمذي ‪ ,‬قَاَل‬
‫حدثني سعيد بن حاَتم البلخي ‪ ,‬قَاَل حدثناَ سهل بن أسلم عن خلد بن‬
‫محمد عن أبي عبد الرحمن السكري عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن‬
‫عباَس رِضي اللهُ عنهم قَاَل ‪ :‬وقَف رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم يوماَ ً‬
‫‪21‬‬
‫على أهل الصفة فرأى فقرهم وجهدهم وطيبِ قَلوبهم فقاَل ) أبشروا ياَ‬
‫أصاحاَب الصفة فمن بقي منكم على النعت الذي أنتم عليهُ اليوم رِاضياَ بماَ‬
‫هو فيهُ فإنهُ من رِفقاَئي يوم القياَمة ( ‪.‬‬

‫وقَيل ‪ :‬كاَن منهم طاَئفة بخراساَن يأَوون إلى الكهوف والمغاَرِات ول‬
‫يسكنون القرى والمدى ‪ ,‬ويسمونهم في خراساَن شكفتية ‪ ) ,‬لن شكفت(‬
‫اسم الغاَرِ ‪ ,‬ينسبونهم إلى المأَوى والمستقر وأهل الشاَم يسمونهم‬
‫جوعية ‪ ,‬واللهُ تعاَلى ذكر في القرآن طوائف الخير والصلح فسمى قَوماَ‬
‫أبرارِا وآخرين مقربين ‪ ,‬ومنهم الصاَبرون والصاَدقَون ‪ ,‬والذاكرون ‪,‬‬
‫والمحبون ‪ ,‬واسم الصوفي مشتمل على جميع المتفرق في هذهُ السماَء‬
‫المذكورِة ‪ ,‬وهذا السم لم يكن في زمن رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪,‬‬
‫وقَيل كاَن في زمن التاَبعين ‪.‬‬

‫ونقل عن الحسن البصري رِحمة الل عليهُ أنهُ قَاَل ‪ :‬رِأيت صاوفياَ في‬
‫الطواف فأَعطيتهُ شيئاَ فلم يأَخذهُ وقَاَل معي أرِبع دوانيق يكفيني ماَ معي‬
‫ويشيد هذا ماَ رِوى عن سفياَن أنهُ قَاَل لول أبو هاَشم الصوفي ماَ عرفت‬
‫دقَيق الرياَء ‪ .‬وهذا يدل على أن هذا السم كاَن يعرف قَديماَ وقَيل لم‬
‫يعرف هذا السم إلى الماَئتين من الهجرة العربية ( ‪. 1‬‬

‫فهل هناَك تعاَرِض وتناَقَض أكثر من ذلك ؟‪.‬‬

‫ورِجح الرأي الخير أبو المفاَخر يحيى الباَخرزي ‪. 2‬‬

‫ونجم الدين كبرى‪ 3‬رِجح كون كلمة التصوف مشتقة من الصوف ‪ ,‬وأضاَف‬
‫) بأَن أول من لبس الصوف آدم وحواء ‪ ,‬لنهماَ أول ماَ نزل في الدنياَ كاَناَ‬
‫عرياَنين ‪ ,‬فنزل جبريل باَلخروف فأَخذا منهُ الصوف ‪ ,‬فغزلت حواء ونسجهُ‬
‫آدم ولبساَهُ ‪ ,‬وكذلك موسى عليهُ السلم لبس الصوف ‪ ,‬وأن يحيى وزكرياَ‬
‫ونبيناَ محمدا صالى اللهُ عليهُ وسلم أيضاَ كاَنوا يلبسون الصوف ‪.‬‬
‫ونسبة الصوفي إلى الصوف ‪ ,‬وإذا ألبس الصوف طلبِ من نفسهُ حقهُ ‪ ,‬لن‬
‫الصوف مركبِ من الحرف الثلثة ‪ :‬الصاَد ‪ ,‬والواو ‪ ,‬والفاَء ‪ ,‬فيطلبِ من‬
‫الصاَد العبر والصلبة والصدق والصلة ‪ ,‬ويطلبِ من الواو الوفاَء والوجد ‪,‬‬
‫وباَلفاَء الفرج والفرح ( ‪. 4‬‬

‫ومن الطرائف أن نجم الدين كبرى هذا زاد على الخرين حيث بين ألوان‬
‫الصوف الذي يلبسهُ الصوفية على اختلف أوصااَفهم وأحوالهم فقاَل ‪:‬‬
‫) إن الذي قَهر نفسهُ وقَتلهاَ بسيف المجاَهدة والمكاَبدة ‪ ,‬وجلس في مآتم‬
‫النفس ‪ ,‬عليهُ أن يلبس الصوف السود ‪ ,‬وإن كاَن تاَئباَ عن المخاَلفاَت‬
‫وغسل ملبوس عمرهُ بصاَبون الناَبة والرياَضة ‪ .‬ونقى صاحيفة قَلبهُ عن‬
‫ذكر الغير فعليهُ الصوف البيض ‪ ,‬وإن كاَن من الذين اجتاَزوا العاَلم‬

‫‪ ) 1‬عوارف المعارف ( للسهروردي عبد القاهر بن عبد الله ص ‪ 59‬إلى ‪ 63‬ط دار الكتاب العربي بيروت الطبعة الثانية‬
‫‪ 1403‬هـ ‪.‬‬
‫‪ 2‬انظر لذلك كتاب ) أوراد الحباب وفصوص الداب ( لبي المفاخر يحيى الباخرزي المتوفى ‪ 736‬هـ ج ‪ 2‬ص ‪ 14‬باهتمام‬
‫أفشار ط ز طهران ‪ 1966‬م ‪.‬‬
‫‪ 3‬هو أبو عبد الله أحمد بن عمر بن محمد بن عبد الله خوارزمي المشهور بنجم الدين كبرى الملقب بالطامة الكبرى‬
‫المتوفى ‪ 618‬هـ وله مؤلفات كثيرة في اللغة الفارسية واللغة العربية ‪.‬‬
‫‪ ) 4‬آداب الصوفية ( لنجم الدين كبرى ) فارسي ( ص ‪ 28‬ط كتاب فرشي زوار هجري قمري إيران ‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫السفلي ‪ ,‬ووصال العاَلم العلوي بهمتهُ فعليهُ أن يلبس الصوف الزرِق ‪,‬‬
‫لنهُ لون السماَء ( ‪. 1‬‬

‫ويترشح أيضاَ من كلم أبي طاَلبِ المكي ‪ 2‬في قَوتهُ بأَنهُ أيضاَ من الذين‬
‫يرحجون اشتقاَقَهُ من الصوف ‪ ,‬حيث يورِد رِواية مكذوبة على رِسول اللهُ‬
‫صالى اللهُ عليهُ وسلم أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) البسوا الصوف ‪ ,‬وشمروا ‪ ,‬وكلوا في أنصاَف البطون تدخلوا في ملكوت‬
‫السماَء ( ‪. 3‬‬

‫ولكن القشيري أباَ القاَسم عبد الكريم ‪ 4‬رِد على هذا الرأي وذاك ‪ ,‬حيث قَاَل‬
‫في رِساَلتهُ ‪:‬‬
‫وف إذا لبس الصوف‬ ‫) فأَماَ قَول من قَاَل ‪ :‬إنهُ من الصوف ‪ ,‬ولهذا يقاَل ‪ :‬تص ّ‬
‫كماَ يقاَل ‪ :‬تقمص إذا لبس القميص ‪ ,‬فذلك وجهُ ‪ .‬ولكن القوم لم يختصوا‬
‫بلبس الصوف ‪.‬‬
‫ومن قَاَل ‪ :‬أنهم منسوبون إلى صافة مسجد رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ‬
‫وسلم ‪ ,‬فاَلنسبة إلى الصفة ل تجيء على نحو الصوفي ‪.‬‬

‫ومن قَاَل ‪ :‬أنهُ مشتق من الصفاَء ‪ ,‬فاَشتقاَق الصوفي من الصفاَء بعيد في‬
‫مقتضى اللغة ‪.‬‬
‫ومن قَاَل ‪ :‬أنهُ مشتق من الصف ‪ ,‬فكأَنهم في الصف الول بقلوبهم‬
‫فاَلمعنى صاحيح ‪ ,‬ولكن اللغة ل تقتضي هذهُ النسبة إلى الصف ( ‪. 5‬‬

‫وأماَ الصوفي الفاَرِسي عبد الرحمن الجاَمي المتوفى ‪ 898‬هـ فلقد ذكر في‬
‫نفحاَتهُ أنهُ مأَخوذ من الستصفاَء ‪ ,‬مستدل بكلم الصوفي المشهورِ عبد‬
‫اللهُ بن خفيف أنهُ قَاَل ‪ :‬الصوفي من استصفاَهُ الحق لنفسهُ توددا ( ‪. 6‬‬

‫وقَريباَ من ذلك قَاَل قَبلهُ صاوفي فاَرِسي آخر ‪ ,‬وهو عبد العزيز بن محمد‬
‫النسفي ‪ :‬إن التصوف مأَخوذ من الصفوة ‪. 7‬‬
‫ولقد ذكر في أصال التصوف واشتقاَقَهُ أقَوال أخرى ‪ ,‬منهاَ ماَ ذكرهاَ الماَم‬
‫أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ‪ ,‬والماَم ابن تيمية ‪ ,‬عند ذكرهماَ‬
‫التصوف والصوفية ‪ ,‬واللفظ الول ‪:‬‬
‫) قَد ذهبِ قَوم إلى أن التصوف منسوب إلى أهل الصفة ‪ .‬وإنماَ ذهبوا إلى‬
‫هذا لنهم رِأوا أهل الصفة على ماَ ذكرناَ من صافة صاوفة في النقطاَع‬
‫إلى اللهُ عز وجل وملزمة الفقر فإن أهل الصفة كاَنوا فقراء يقدمون‬
‫على رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم وماَلهم أهل ول ماَل فبنيت لهم‬
‫‪ 1‬نفس المصدر ‪.‬‬
‫‪ 2‬هو أبو طالب محمد بن أبي الحسن علي بن عباس المكي ‪ ,‬قيل فيه ‪ :‬هو شيخ الصوفية وأهل السنة ‪ ,‬المتبحر في‬
‫التفسير وغيره من أهل العلم وله تفسير كبير ‪ ,‬وكتابه ) قوت القلوب ( كتاب جليل ) الصفحة الولى من كتابه ( توفي سنة‬
‫‪ 386‬هـ ببغداد ‪.‬‬
‫‪ ) 3‬قوت القلوب ( لبي طالب المكي ج ‪ 2‬ص ‪ 167‬ط المطبعة الميمنية مصر ‪ 1310‬هـ ‪.‬‬
‫‪ 4‬هو أبو القاسم عبد الكريم القشيري النيسابوري الشافعي قيل فيه ‪ :‬هو المام مطلقا ‪ ,‬الفقيه ‪ ,‬المتكلم ‪ ,‬الصولي ‪,‬‬
‫المفسر ‪ ,‬الديب ‪ ...‬لسان عصره ‪ ,‬وسر الله في خلقه ‪ ,‬مدار الحقيقة ‪ ,‬وعين السعادة ‪ ,‬وقطب السيادة ‪ ,‬من جمع بين‬
‫الشريعة والحقيقة ) مقدمة كتاب الرسالة القشيرية ص ‪ ,( 15‬وقال عنه أبو الحسن الباخرزي ‪ :‬لو ارتبط إبليس في مجلسه‬
‫لتاب ) دمية القصر ( ‪ ,‬توفي سنة ‪ 465‬هـ‪.‬‬
‫‪ 5‬الرسالة القشيرية لبي القاسم عبد الكريم القشيري ج ‪ 2‬ص ‪ 550‬ط مطبعة حسان القاهرة ‪. 1974‬‬
‫‪ 6‬نفحات النس ) الفارسي ( للجامي ص ‪ 12‬إيران ‪ 1337‬هجري شمسي ‪.‬‬
‫‪ 7‬كشف الحقائق لعبد العزيز النسفي بتحقيق وتعليق الدكتور أحمد مهدوي ص ‪ 120‬ط طهران ‪ 1359‬هجري قمري ‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫صافة في مسجد رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم وقَيل أهل الصفة ‪.‬‬
‫والحديث بإسناَد عن الحسن ‪ .‬قَاَل بنيت صافة لضعفاَء المسلمين فجعل‬
‫المسلمون يوصالون إليهاَ ماَ استطاَعوا من خير ‪ .‬وكاَن رِسول اللهُ صالى‬
‫اللهُ عليهُ وسلم يأَتيهم فيقول ‪ :‬السلم عليكم ياَ أهل الصفة ‪ .‬فيقولون ‪:‬‬
‫وعليك السلم ياَ رِسول اللهُ ‪ .‬فيقول كيف أصابحتم ‪ .‬فيقولون بخير ياَ‬
‫رِسول اللهُ ‪ .‬وبإسناَد عن نعيم بن المجمر عن أبيهُ عن أبي ذرِ قَاَل كنت من‬
‫أهل الصفة وكناَ إذا أمسيناَ حضرناَ باَب رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪,‬‬
‫فيأَمر كل رِجل فينصرف برجل فيبقى من بقى من أهل الصفة عشرة أو‬
‫أقَل فيؤثرناَ النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم بعشاَئهُ فنتعشى فإذا فرغناَ قَاَل‬
‫رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ .‬ناَموا في المسجد ‪.‬‬

‫قَاَل المصنف ‪ :‬وهؤلء القوم إنماَ قَعدوا في المسجد ضرورِة ‪ .‬وإنماَ أكلوا‬
‫الصدقَة ضرورِة ‪ .‬فلماَ فتح اللهُ على المسلمين استغنوا عن تلك الحاَل‬
‫وخرجوا ‪ ,‬ونسبة الصوفي إلى أهل الصفة غلط لنهُ لو كاَن كذلك لقيل‬
‫صافي ‪ ,‬وقَد ذهبِ إلى أنهُ من الصوفاَنة وهي بقلة رِعناَء قَصيرة ‪ .‬فنسبوا‬
‫إليهاَ لجتزائهم بنباَت الصحراء وهذهُ أيضاَ غلط لنهُ لو نسبوا أليهاَ لقيل‬
‫صاوفاَني ‪ .‬وقَاَل آخرون هو منسوب إلى صاوفة القفاَ ‪ .‬وهي الشهرات‬
‫الناَبتة في مؤخرة كأَن الصوفي عطف بهُ إلى الحق وصارفهُ عن الخلق ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقَيل ‪ :‬أن أصال التصوف منسوب إلى صاوفة ‪ ,‬فيقول ابن الجوزي ‪:‬‬
‫قَاَل أبو محمد عبد الغني بن سعيد الحاَفظ ‪ :‬قَاَل ‪ :‬سأَلت وليد بن القاَسم ‪:‬‬
‫إلى أي شيء ينسبِ الصوفي ‪.‬‬

‫فقاَل ‪ :‬كاَن قَوم في الجاَهلية يقاَل لهم صاوفة ‪ ,‬انقطعوا إلى اللهُ عز وجل‬
‫‪ ,‬وقَنطوا الكعبة ‪ ,‬فمن تشبهُ بهم فهم الصوفية ‪ ,‬قَاَل عبد الغني ‪ :‬فهؤلء‬
‫المعروفون بصوفة ولد الغوث بن مر بن أخي تميم بن مر ( ‪. 2‬‬

‫وبمثل ذلك ذكرهُ أهل اللغة والمعاَجم ‪. 3‬‬

‫وهناَك البعض الخرون من المتقدمين والحديثين أدلوا بدلوهم ‪ ,‬وأبدوا‬


‫رِأيهم في هذا ‪ ,‬فمن المتقدمين البيروني أبو الريحاَن المتوفى سنة ‪440‬‬
‫هـ ‪ ,‬الذي نسبِ التصوف إلى سوفياَ اليوناَنية ‪ ,‬معناَهاَ الحكمة ‪ ,‬فلقد لخص‬
‫كلمهُ صااَدق نشأَت نقل عن كتاَبهُ ) ذكر ماَ للهند من مقولة مقبولة أو‬
‫مرذولة ( ‪ ,‬وهذا نصهُ ‪:‬‬

‫) إن قَدماَء اليوناَن أي الحكماَء السبعة مثل سولن الثيني وطاَليس‬


‫الماَلطي كاَنوا يعتقدون قَبل تهذيبِ الفلسفة بعقيدة الهنود ‪ ,‬بأَن الشياَء‬
‫إنماَ هي شيء واحد وكاَنوا يقولون ليس للنساَن فضل على الجماَد‬
‫والنباَت إل بسببِ القرب إلى العلة الولية في الرتبة ‪ ,‬وكاَن بعضهم يعتقد‬
‫أن الوجود الحقيقي هو العلة الولى نفسهاَ لنهاَ غنية بذاتهاَ وماَ سواهاَ‬

‫‪ 1‬تلبيس ابليس لبن الجوزي المتوفى ‪ 597‬ص ‪ 157‬دار القلم بيروت ‪ ,‬أيضا الصوفية والفقراء لشيخ السلم ابن تيمية ط‬
‫دار الفتح القاهرة ‪ 1984‬م ‪ ,‬أيضا تاريخ التصوف في السلم للدكتور قاسم غني ترجمة عربية صادق نشأت ص ‪ 61 , 60‬ط‬
‫مكتبة النهضة المصرية ‪.‬‬
‫‪ 2‬تلبيس ابليس لبن الجوزي الباب العاشر ص ‪. 156‬‬
‫‪ 3‬انظر لسان العرب لبن منظور الفريقي ج ‪ 9‬ص ‪ 200‬ط دار صادر بيروت ‪ ,‬والقاموس المحيط للفيروز آبادي ج ‪ 3‬ص‬
‫‪ 169‬ط مصطفى البابي الحلبي ‪ ,‬أيضا أساس البلغة للزمخشري ص ‪ 262‬ط احياء المعاجم العربية القاهرة ‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫محتاَج في الوجود إلى الغير فوجودهاَ في حكم الخياَل والحق هو الواحد‬
‫الول فقط ‪ ,‬ويقول في أعقاَب هذا التفصيل ‪ .‬وهذا رِأي السوفية وهم‬
‫الحكماَء ‪ ,‬فإن ) سوف ( باَليوناَنية ) الحكمة ( وبهاَ سمي الفيلسوف ) بيل‬
‫سوباَ ( أي محبِ الحكمة ‪ ,‬ولماَ ذهبِ في السلم قَوم إلى قَريبِ من رِأيهم‬
‫سموا باَسمهم ‪ ,‬ولم يعرف بعضهم اللقبِ فنسبهم للتوكل إلى الصفة‬
‫وأنهم أصاحاَبهاَ في عصر النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬ثم صاحف بعد ذلك‬
‫فصير في صاوف التيوس وعدل أبو الفتح البستي عن ذلك أحسن عدول‬
‫في قَولهُ ‪:‬‬

‫قَـدماَ وظنوهُ مشتـــقاَ من الصوفي‬ ‫تناَزع الناَس في الصوفي واختلوا‬


‫صااَفي فصوفي حتى لقبِ‬ ‫ولســـــت أنحل هذا السـم غير فتى‬
‫الصوفي‬

‫وكذلك ذهبوا إلى أن الموجود شيء واحد وأن العلة الولى تتراءى فيهُ‬
‫بصورِ مختلفة وتحل قَوتهاَ في أبعاَضهُ بأَحوال متباَينة توجبِ التغاَير مع‬
‫التحاَد ‪ ,‬فكاَن فيهم من يقول أن المنصرف بكليتهُ إلى العلة الولى‬
‫متشبهاَ بهاَ على غاَية إمكاَنهُ يتحد بهاَ عند ترك الوساَئل وخلع العلئق‬
‫والعوائق وهذهُ أرِاء يذهبِ إليهاَ الصوفية لتشاَبهُ الموضوع وكاَنوا في‬
‫ألنفس والرِواح أنهاَ قَاَئمة بذواتهاَ قَبل التجسد باَلبدان معدودة مجندة‬
‫تتعاَرِف وتتناَكر ( ‪. 1‬‬

‫وبهذا القول قَاَل فون هاَمر المستشرق اللماَني ‪ ,‬وعبد العزيز إسلمبولي‬
‫‪ ,‬ومحمد لطفي جمعهُ من الحديثين ‪. 2‬‬
‫بسببِ المشاَبهة الصوتية بين كلمة ) صاوفي ( والكلمة اليوناَنية ) صاوفياَ ( ‪,‬‬
‫وكذلك لوجهُ الشبهُ الموجود بين كلمة ) تصوف ( ‪ ) ,‬تيوصاوفياَ ( ‪ ,‬وأن كلمتي‬
‫صاوفي وتصوف أخذتاَ من الكلمتين اليوناَنيتين ) سوفياَ ( و )وتيوسوفياَ ( إل‬
‫أن نولدكهُ أثبت خطأَ هذا الزعم كماَ كماَ أيدهُ في ذلك نيكلسون ‪ ,‬وماَ‬
‫سينيون ‪ ,‬وباَلضاَفة إلى البراهين القوية الخرى التي أقَاَمهاَ نولدكهُ ‪ ,‬فإنهُ‬
‫يدلل على أن ) س( اليوناَنية نقلت إلى العربية كماَ هي سيناَ ‪,‬ل صااَدا كماَ‬
‫أنهُ ل يوجد في اللغة الرِامية كلمة تعد واسطة لنتقاَل سوفياَ إلى‬
‫الصوفي (‪. 3‬‬

‫فهذا هو الختلف الواقَع في أصال لفظة التصوف واشتقاَقَهاَ ‪ ,‬ولذلك‬


‫ى الهجويري المتوفى سنة ‪ 465‬هـ إلى أن‬ ‫اضطر الصوفي القديم عل ّ‬
‫يقول ‪:‬‬
‫) إن اشتقاَق هذا السم ل يصح من مقتضى اللغة في أي معنى ‪ ,‬لن هذا‬
‫السم أعظم من أن يكون لهُ جنس ليشتق منهُ ( ‪. 4‬‬

‫وبمثل ذلك قَاَل القشيري في رِساَلتهُ ‪:‬‬

‫‪ 1‬الكتاب المذكور ص ‪ 16‬ط ليبزك نقل عن تاريخ التصوف في السلم ترجمة عربية لصادق نشأت ص ‪. 68 , 67‬‬
‫‪ 2‬انظر التصوف السلمي في الدب والخلق لزكي مبارك ج ‪ 1‬ص ‪ 51‬ط دار الجيل لبنان ‪ ,‬أيضا أبحاث في التصوف‬
‫للدكتور عبد الحليم محمود ص ‪. 153‬‬
‫‪ 3‬انظر تاريخ التصوف في السلم للدكتور قاسم غني ترجمة عربية ص ‪. 68 , 67‬‬
‫‪ 4‬كشف المحجوب للهجويري ترجمة عربية دكتورة أسعاد عبد الهادي قنديل ص ‪ 230‬ط دار النهضة العربية بيروت ‪ 1980‬م‬
‫‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫) ليس يشهد لهذا السم من حيث العربية قَياَس ول اشتقاَق ( ‪. 1‬‬
‫كماَ أنهُ مماَ لشك فيهُ أنهُ ل يصح ول يستقيم اشتقاَقَهُ من حيث اللغة إل‬
‫من الصوف ‪ ,‬ولو أنهُ هو اختياَرِ الكثيرين من الصوفية وغيرهم كاَلطوسي ‪,‬‬
‫وأبي طاَلبِ المكي ‪ ,‬والسهرورِدي وأبي المفاَخر يحيى باَخرزي ‪ ,‬وابن‬
‫تيمية ‪ ,‬وابن خلدون من المتقدمين ‪.‬‬

‫والستاَذ مصطفى عبد الرزاق ‪ ,‬والدكتورِ زكي مباَرِك ‪ ,‬والدكتورِ عبد‬


‫الحليم محمود ‪ ,‬والدكتورِ قَاَسم غني ‪ ,‬ومن المستشرقَين مرجليوس ‪,‬‬
‫ونيكلسون ‪ ,‬وماَسينيون ‪ ,‬ونولدكهُ وغيرهم من المتأَخرين ‪ ,‬مع انكاَرِ ذلك‬
‫من أعلم الصوفية وأقَطاَبهاَ كماَ مر ساَبقاَ ‪.‬‬

‫ومن الطرائف أن الدكتورِ زكي مباَرِك استشهد القشيرية على رِدّ من جعل‬
‫اشتقاَق التصوف من الصفاَء باَلقشيري ‪ ,‬واستند إلى قَولهُ قَاَئل ‪:‬‬
‫) وقَد استبعد ذلك القشيري وهو من أقَطاَب الصوفية ( ‪. 2‬‬
‫مع أنهُ هو نفسهُ يورِد بعد أسطر من هذا الستشهاَد والستناَد رِأيهُ في‬
‫الموضوع بأَن التصوف مأَخوذ من الصوف ‪ ,‬مع أن القشيري رِدّ على هذا‬
‫كماَ رِدّ على ذلك ‪.‬‬

‫وأطرف من ذلك أن السراج الطوسي من متقدمي الصوفية هو الخر من‬


‫يرجح نسبة التصوف إلى الصوف كماَ مر ساَبقاَ ‪ ,‬ولكنهُ نفسهُ يرد كلمهُ‬
‫حيث يذكر عن يحيى بن معاَذ الرازي أنهُ كاَن يلبس الصوف والخلقاَن في‬
‫ابتداء أمرهُ ‪ ,‬ثم كاَن في آخر عمرهُ يلبس الخز اللين ‪ ...‬وأن أباَ حفص‬
‫النيساَبورِي كاَن يلبس قَميصاَ خزا وثياَباَ فاَخرهُ ‪ ,‬ثم ذكر ‪ :‬وآداب الفقراء‬
‫في اللباَس أن يكونوا مع الوقَت إذا وجدوا الصوف أو اللبدة أو المرقَعة‬
‫لبسوا ‪ ,‬وإذا وجدوا غير ذلك لبسوا ( ‪. 3‬‬

‫هذا ومثل هذا كثير في كتبِ الخرين من الصوفية المتقدمين منهم‬


‫والمتأَخرين ‪ .‬ول بأَس بنقل عباَرِات مختصرة عن مصطفى عبد الرزاق‬
‫حيث يقول ‪:‬‬
‫أماَ أصال هذا التعبير فاَلقَاَويل فيهُ كثيرة ‪:‬‬
‫فمن مرجح أنهُ لفظ جاَمد غير مشتق كاَلقشيري ‪.‬‬
‫ومن قَاَئل ‪ :‬أنهُ مشتق من الصفاَء أو الصفو ‪.‬‬
‫ومن قَاَئل ‪ :‬أن اللفظ مأَخوذ من الصوف لن لباَس الصوف كاَن يكثر في‬
‫الزهاَد ‪.‬‬
‫وقَاَل قَاَئلون ‪ :‬إن الصوفية نسبة إلى الصفة التي ينسبِ إليهاَ كثير من‬
‫الصحاَبة ‪ ....‬لكن النسبة إلى الصفة ل تجيء على الصوفي ‪ ,‬بل على‬
‫الصفي ‪.‬‬

‫وثم أقَوال ضعيفة أخرى ‪ ,‬كاَلقول بأَن الصوفي نسبة إلى الصف الول ‪,‬‬
‫لنهم في الصف الول بقلوبهم من حيث المحاَضرة والمناَجاَة ‪.‬‬

‫الرسالة القشيرية لعبد الكريم القشيري ج ‪ 2‬ص ‪ 550‬دار الكتب الحديثة القاهرة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫التصوف السلمي في الدب والخلق للدكتور زكي مبارك ج ‪ 1‬ص ‪. 51‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر اللمع للطوسي ص ‪. 249‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪26‬‬
‫وكاَلقول بأَنهم منسوبون إلى صاوفة القفاَ ‪.‬‬
‫أو منسوبون إلى صاوفة بن مروان ‪.‬‬

‫وأرِجح القَوال وأقَربهاَ إلى العقل مذهبِ القاَئلين بأَن الصوفي نسبة إلى‬
‫الصوف ‪ ,‬وأن المتصوف مأَخوذ منهُ أيضاَ ‪ ,‬فيقاَل ‪ :‬تصوف إذا لبس الصوف (‬
‫‪.1‬‬

‫وأظن أن هذا الذي أوقَع أحد الكتاَب في التصوف في بحاَرِ الحيرة ‪ ,‬وجعلهُ‬
‫مضطرا إلى أن يردد بعد ملحظة هذهُ الختلفاَت الكثيرة في أصال كلمة‬
‫التصوف واشتقاَقَهاَ ‪ ,‬ونقل أقَوالهم فيهُ ‪.‬‬

‫) هذا معناَهُ أن الصوفية يوصادون الباَب حتى أماَم من يسأَلهم عن معنى‬


‫اسمهم ‪ ..‬وهذا دليل على أمر من أمورِ ثلثة ‪ ,‬وأماَ أن التصوف سر ‪ ,‬وأماَ‬
‫أنهُ أمر خلفي بحت ‪ ,‬وأماَ أنهُ متعدد الجوانبِ كاَلفن الغني ‪ ,‬وسوف نترك‬
‫للقاَرِئ أن يجد الجواب بنفسهُ ( ‪. 2‬‬

‫التصوف لمصطفى عبد الرزاق ص ‪ 57‬إلى ‪ 62‬ط دار الكتاب اللبناني بيروت ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫بحار الحب عند الصوفية لحمد بهجت ص ‪ 32‬ط المختار السلمي القاهرة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪27‬‬

‫الفصل الثاَلث‬
‫ف‬
‫و ِ‬
‫ص ّ‬
‫ف الت َ‬
‫ري ُ‬
‫ع ِ‬
‫ت ْ‬
‫ول يقل اختلف الصوفية في اختلف تعريف التصوف عن اختلفهم في‬
‫أصالهُ واشتقاَقَهُ ‪ ,‬بل ازدادوا تعاَرِضاَ وتناَقَضاَ فيهُ كثيرا ‪ ,‬ولقد ذكر صاوفي‬
‫فاَرِسي قَطبِ الدين أبو المظفر منصورِ بن أرِدشير السنجي المروزي‬
‫المتوفى سنة ‪ 491‬هـ أكثر من عشرين تعريفاَ ‪. 1‬‬
‫وكذلك السراج الطوسي ‪. 2‬‬
‫والكلباَذي ‪. 3‬‬
‫والسهرورِدي ‪. 4‬‬
‫وابن عجيبة الحسني ‪. 5‬‬
‫وأماَ القشيري فلقد ذكر في رِساَلتهُ أكثر من خمسين تعريفاَ من الصوفية‬
‫المتقدمين ‪ . 6‬كماَ ذكر المستشرق نيكلسون ثماَنية وسبعين تعريفاَ ‪. 7‬‬

‫وليس معنى ذلك أن هذا العدد هو الخير في تعريف التصوف ‪ ,‬بل ذكر‬
‫السراج في لمعة أن تعريفاَتهُ تتجاَوز ماَئة تعريف ‪. 8‬‬
‫وقَاَل السهر ورِدي ‪ ) :‬وأقَوال المشاَئخ في ماَهية التصوف تزيد على ألف‬
‫قَول ( ‪. 9‬‬

‫وقَاَل الحاَمدي ‪ ) :‬القَوال المأَثورِة في التصوف قَيل ‪ :‬أنهاَ زهاَء ألفين (‬


‫‪. 10‬‬

‫ونختاَرِ من هذهُ التعريفاَت الكثيرة بعضهاَ نموذجاَ للقراء والباَحثين ‪ ,‬فينقل‬


‫السراج الطوسي أن الجنيد سئل عن التصوف ‪ ,‬فقاَل ‪ ) :‬أن تكون مع اللهُ‬
‫تعاَلى بل علقَهُ ( ‪.‬‬
‫وقَاَل سمنون في جواب ساَئل سأَلهُ ‪ :‬أن ل تملك شيئاَ ول يمكلك شيء ‪.‬‬
‫وقَيل لبي الحسين أحمد بن محمد النورِي ‪ :‬من الصوفي ؟ ‪ ,‬فقاَل ‪ :‬من‬
‫سمع السماَع وآثر باَلسباَب ‪. 11‬‬
‫وينقل القشيري عن الجنيد أنهُ قَاَل ‪ ) :‬التصوف عقدة ل صالح فيهاَ (‪.‬‬
‫وأيضاَ ‪ :‬هم أهل بيت واحد ل يدخل فيهُ غيرهم ‪.‬‬
‫وعن أبي حمزة البغدادي أنهُ قَاَل ‪ :‬علمة الصوفي الصاَدق أن يفتقر بعد‬
‫الغنى ‪ ,‬ويذل بعد العز ‪ ,‬ويخفى بعد الشهرة ‪.‬‬
‫وعن الشبلي أنهُ قَاَل ‪ :‬التصوف برقَة محرقَة ‪.‬‬
‫‪ 1‬انظر مناقب الصوفية فارسي ص ‪ 31‬وما بعد باهتمام محمد تقي دانش بيوه وايرج أفشارط ط طهران ‪ 1362‬هجري‬
‫قمري ‪.‬‬
‫‪ 2‬انظر اللمع للطوسي ص ‪ 45‬وما بعد ‪.‬‬
‫‪ 3‬انظر التعرف لمذهب أهل التصوف ص ‪ 28‬وما بعد ‪.‬‬
‫‪ 4‬انظر عوارف المعارف ص ‪ 53‬وما بعد ‪.‬‬
‫‪ 5‬انظر إيقاظ الهمم ص ‪ 4‬وما بعد ‪.‬‬
‫‪ 6‬انظر الرسالة القشيرية ج ‪ 2‬ص ‪ 551‬وما بعد ‪.‬‬
‫‪ 7‬انظر التصوف السلمي وتاريخه ترجمة عربية للدكتور أبي العلء العفيفي ص ‪ 28‬وما بعد ط القاهرة ‪.‬‬
‫‪ 8‬كتاب اللمع للطوسي ص ‪. 47‬‬
‫‪ 9‬عوارف المعارف للسهروردي ص ‪ , 57‬أيضا نشر المحاسن الغالية لليافعي ج ‪ 2‬ص ‪. 343‬‬
‫‪ 10‬النسان والسلم لمحمد طاهر الحامدي نقل عن مقدمة التعرف لمذهب أهل التصوف ‪ ,‬لمحمود النواوي ص ‪. 11‬‬
‫‪ 11‬اللمع للطوسي ص ‪ 47‬وما بعد ‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫وعنهُ أنهُ قَاَل ‪ :‬التصوف هو العصمة عن رِؤية الكون ‪. 1‬‬

‫ونقل منصورِ بن أرِدشير عن الحسين بن منصورِ أنهُ قَاَل في جواب من‬


‫سأَلهُ عن الصوفي ‪ :‬هو وحداني الذات ل يقبلهُ أحد ‪ ,‬ول يقبل أحدا ( ‪.2‬‬

‫ونقل محمد بن إبراهيم النفزي الرندي عن أحد الصوفية ‪ ) :‬أن الصوفي‬


‫من كاَن دمهُ هدرِا ‪ ,‬وملكهُ مباَحاَ ( ‪ . 3‬وذكر السلمي عن أبي محمد المرتعش‬
‫النيساَبورِي أنهُ سئل عن التصوف ‪ ,‬فقاَل الشكاَل والتلبيس والكتماَن ‪.‬‬
‫وذكر عن أبي الحسين النورِي أنهُ قَاَل ‪ ) :‬التصوف ترك كل حظ النفس ( ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ونقل الكلباَذي وعبد السلم السمر الفيتورِي عن الجنيد أنهُ سئل عن‬
‫التصوف ‪ ,‬فقاَل ‪ :‬تصفية القلبِ من موافقة البرية ‪ ,‬ومفاَرِقَة الخلق‬
‫الطبيعية ‪ ,‬وإخماَد الصفاَت البشرية ‪ ,‬ومجاَنبة الدواعي النفساَنية ‪ ,‬ومناَزلة‬
‫الصفاَت الروحاَنية ‪ ,‬والتعلق باَلعلوم الحقيقية ‪.‬‬

‫وذكر عن سهل بن عبد اللهُ التستري أنهُ سأَلهُ رِجل ‪ :‬من أصاحبِ من‬
‫طوائف الناَس ؟‪.‬‬
‫فقاَل ‪ :‬عليك باَلصوفية ‪ ,‬فإنهم ل يستكثرون ‪ ,‬ول يستنكرون شيئاَ ‪ ,‬ولكل‬
‫فعل عندهم تأَويل ‪ ,‬فهم يعذرِونك على كل حاَل ‪.‬‬
‫وعن يوسف بن الحسين أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫سأَلت ذا النون ‪ :‬من أصاحبِ ؟ فقاَل ‪ :‬من ل يملك ‪ ,‬ول ينكر عليك حاَل من‬
‫أحوالك ‪ ,‬ول يتغير بتغيرك وإن كاَن عظيماَ ‪ ,‬فاَنك أحوج ماَ تكون إليهُ أشد ماَ‬
‫كنت تغيرا ( ‪. 5‬‬

‫وذكر الهجويري أن الصوفي هو الفاَني عن نفسهُ ‪ ,‬والباَقَي باَلحق قَد تحررِ‬


‫من قَبضة الطباَئع ‪ ,‬واتصل بحقيقة الحقاَئق ‪.‬‬

‫ونقل عن الجنيد أنهُ قَاَل ‪ :‬التصوف نعت أقَيم العبد فيهُ ‪ ,‬قَيل ‪ :‬نعت للعبد‬
‫أو نعت للحق ؟ ‪.‬‬
‫فقاَل نعت الحق حقيقة ‪ ,‬ونعت العبد رِسماَ ‪.‬‬

‫وعن الشبلي أنهُ قَاَل ‪ :‬التصوف شرك لنهُ صاياَنة القلبِ عن الغير ‪ ,‬ول‬
‫غير ( ‪. 6‬‬

‫وذكر عبد الرحمن الجاَمي أن الصوفي هو الخاَرِج عن النعوت والرسوم ‪.‬‬


‫ونقل عن أبي العباَس النهاَوندي أنهُ قَاَل ‪ :‬التصوف بدايتهُ الفقر ( ‪. 7‬‬

‫‪ 1‬الرسالة القشيرية ج ‪ 2‬ص ‪ 550‬وما بعد ‪.‬‬


‫‪ 2‬مناقب الصوفية لمنصور بن أردشير ص ‪. 33‬‬
‫‪ 3‬غيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية للنفزي الرندي ج ‪ 1‬ص ‪ 203‬بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود والدكتور‬
‫محمد بن الشريف ط دار الكتب الحديثة القاهرة ‪1970‬م ‪.‬‬
‫‪ 4‬طبقات السلمي ص ‪. 38‬‬
‫‪ 5‬التعرف للكلباذي ص ‪ , 35 , 34‬أيضا الوصية الكبرى لعبد السلم السمر الفيتوري ص ‪ 37‬ط مكتبة النجاح طرابلس ليبيا‬
‫الطبعة الولى ‪ 1396‬هـ ‪.‬‬
‫‪ 6‬انظر كشف المحجوب للهجويري ص ‪ 231‬وما بعد ‪.‬‬
‫‪ 7‬نفحات النس للجامي ) فارسي ( ص ‪. 12‬‬
‫‪29‬‬
‫وذكر العطاَرِ عن أبي الحسن الخرقَاَني أنهُ قَاَل ‪ ) :‬أن التصوف عباَرِة عن‬
‫الجسم الميت والقلبِ المعدوم والروح المحرقَة ‪.‬‬
‫وأنهُ قَاَل ‪ :‬إن الخلق كلهُ مخلوق ‪ ,‬والصوفي غير مخلوق ‪ ,‬لنهُ معدوم و‪ ,‬أو‬
‫أن الصوفي من عاَلم المر ‪,‬ل من عاَلم الخلق ( ‪. 1‬‬

‫ونقل العطاَرِ أيضاَ عن الجنيد أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) الصوفي هو الذي سلم قَلبهُ كقلبِ إبراهيم من حبِ الدنياَ ‪ ,‬وصااَرِ بمنزلة‬
‫الحاَمل لوامر اللهُ ‪ ,‬وتسليمهُ تسليم إسماَعيل ‪ ,‬وحزنهُ حزن داوود ‪ ,‬وفقرهُ‬
‫فقر عيسى ‪ ,‬وصابرهُ صابر أيوب ‪ ,‬وشوقَهُ شوق موسى وقَت المناَجاَهُ ‪,‬‬
‫وإخلصاهُ إخلص محمد ( ‪. 2‬‬
‫وقَاَل الصوفي الهندي فريد الدين الملقبِ بكنج شكر ‪ ) :‬إن التصوف أن ل‬
‫يبقى في ملكك شيء ‪ ,‬ول يبقى وجودك في مكاَن ‪.‬‬
‫وقَاَل ‪ :‬إن أهل التصوف يقيمون صالواتهم على العرش يومياَ ‪.‬‬
‫وقَاَل ‪ :‬إن الصوفي من ل يخفى على قَلبهُ شيء ( ‪. 3‬‬

‫فهذهُ هي تعريفاَت التصوف والصوفية لدى أعلم الصوفية وأقَطاَبهم‬


‫أنفسهم ‪ ,‬ونقلناَهم من كتبهم ‪ ,‬تضاَرِبت فيهاَ أرِاء القوم ‪ ,‬وتعاَرِضت فيهاَ‬
‫أقَوالهم ‪,‬ل جمع بينهماَ ول وفاَق رِغم ماَ ادعاَهُ بعض المتأَخرين ‪ ,‬وحاَولوا‬
‫التوفيق ولكن دونهُ خرط القتاَد ‪ ,‬لن كل تعريف مستقل عن التعريف‬
‫الخر ‪ ,‬وحتى التعريفاَت العديدة التي صادرِت عن شخص واحد تباَعد بعضهاَ‬
‫ي لكل من نظر فيهاَ وقَرأهاَ تأَمل‬ ‫عن بعض كل البعد وهذا التباَعد ظاَهر جل ّ‬
‫وتدبر ‪ ,‬وتحقق وتعمق ‪.‬‬

‫ويجدرِ الشاَرِة ههناَ إلى أن تعريفاَت التصوف المتعددة التي ذكرناَهاَ‬


‫واخترناَهاَ من تعريفاَت كثيرة جدا تنبئ صاراحة عن حقيقة إدعاَء علقَة‬
‫التصوف باَلسلم ‪ ,‬وكونهُ رِوحهُ وعصاَرِتهُ ‪. 4‬‬
‫المر الذي سوف يفصل الكلم فيهُ ‪ ,‬في البواب القاَدمة إن شاَء اللهُ‬
‫تعاَلى ‪.‬‬

‫‪ 1‬تذكرة الولياء للعطار ص ‪ 288‬وما بعد ط باكستان ‪ ,‬أيضا أحوال وأقوال شيخ أبي الحسن الخرقاني ) فارسي ( الطبعة‬
‫الثالثة ‪ 1363‬هجري قمري إيران ‪.‬‬
‫‪ 2‬تذكرة الولياء لفريد الدين العطار ) أردو ( تحت ذكر الجنيد ص ‪ 192‬باكستان ‪.‬‬
‫‪ 3‬أسرار الولياء ص ‪ 129 , 128‬ط باكستان ‪.‬‬
‫‪ 4‬أنظر النسان والسلم لمحمد طاهر الحامدي ‪ ,‬ومقدمه التعرف لمحمود أمين النواوي ‪.‬‬
‫‪30‬‬

‫الفصل الرابع‬
‫هورِهُ‬
‫وظ ُ‬
‫ف َ‬
‫و ِ‬
‫ص ّ‬
‫ب َدْءُ الت ّ َ‬
‫إن الناَس اختلفوا في بدء ظهورِ هذهُ الكلمة واستعماَلهاَ كاَختلفهم في‬
‫أصالهُ وتعريفهُ ‪ ,‬فذكر ابن تيمية وسبقهُ ابن الجوزي وابن خلدون في هذا‬
‫أن لفظ الصوفية لم يكن مشهورِا في القرون الثلثة الولى ‪ ,‬وإنماَ اشتهر‬
‫التكلم بهُ بعد ذلك ‪ ,‬وقَد نقل التكلم بهُ عن غير واحد من الئمة والشيوخ‬
‫كاَلماَم أحمد بن حنبل ‪ ,‬وأبي سليماَن الدارِاني وغيرهماَ ‪ ,‬وقَد رِوى عن‬
‫سفياَن الثورِي أنهُ تكلم بهُ ‪ ,‬وبعضهم يذكر ذلك عن الحسن البصري ‪. 1‬‬

‫وقَاَل السراج الطوسي في الباَب الذي خصصهُ للرد على من قَاَل ‪ :‬لم‬
‫نسمع بذكر الصوفية في القديم وهو إسم مستحدث ‪ :‬يقول في هذا‬
‫الباَب ‪:‬‬
‫) إن سأَل ساَئل فقاَل ‪ :‬لم نسمع بذكر الصوفية في أصاحاَب رِسول اللهُ‬
‫صالى اللهُ عليهُ وسلم ورِضي عنهم أجمعين ‪ ,‬ول فيمن كاَن بعدهم ‪ ,‬ول‬
‫نعرف إل العّباَد والّزهاَد والسّياَحين والفقراء ‪ ,‬وماَ قَيل لحد من أصاحاَب‬
‫رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ :‬صاوفي ‪ ,‬فنقول وباَللهُ التوفيق ‪.‬‬

‫الصحبة مع رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم لهاَ حرمة ‪ ,‬وتخصيص من‬
‫شملهُ ذلك ‪ ,‬فل يجوز أن يعلق عليهُ اسم على أنهُ أشرف من الصحبة ‪ ,‬وذلك‬
‫لشرف رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم وحرمتهُ ‪ ,‬أل ترى أنهم أئمة الزهاَد‬
‫والعباَد والمتوكلين والفقراء والراضين والصاَبرين والمختبين ‪ ,‬وغير ذلك ‪,‬‬
‫وماَ ناَلوا جميع ماَ ناَلوا إل ببركة الصحبة مع رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ‬
‫وسلم ‪ ,‬فلماَ نسبوا إلى الصحبة والتي هي أجل الحوال استحاَل أن‬
‫يفضلوا بفضيلة غير الصحبة التي هي أجل الحوال وباَللهُ التوفيق ‪.‬‬

‫وأماَ قَول القاَئل ‪ :‬إنهُ اسم محدث أحدثهُ البغداديون ‪ ,‬فمحاَل ‪ ,‬لن في‬
‫وقَت الحسن البصري رِحمهُ اللهُ كاَن يعرف هذا السم ‪ ,‬وكاَن الحسن قَد‬
‫أدرِك جماَعة من أصاحاَب رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ورِضي عنهم ‪,‬‬
‫وقَد ُرِوي عنهُ أنهُ قَاَل ‪ :‬رِأيت صاوفياَ في الطواف فأَعطيتهُ شيئاَ فلم يأَخذهُ‬
‫وقَاَل ‪ :‬معي أرِبعة دوانيق يكفيني ماَ معي ‪.‬‬
‫ورِوي عن سفياَن الثورِي رِحمهُ اللهُ أنهُ قَاَل ‪ :‬لول أبو هاَشم الصوفي ماَ‬
‫جمع فيهُ أخباَرِ مكة عن محمد‬
‫عرفت دقَيق الرياَء ‪ ,‬وقَد ذكر الكتاَب الذي ُ‬
‫ً‬
‫بن إسحاَق بن يساَرِ ‪ ,‬وعن غيرهُ يذكر فيهُ حديثاَ ‪ :‬أنهُ قَبل السلم قَد خلت‬
‫مكة في وقَت من الوقَاَت ‪ ,‬حتى كاَن ل يطوف باَلبيت أحد ‪ ,‬وكاَن يجيء‬
‫من بلد بعيد رِجل صاوفي فيطوف باَلبيت وينصرف ‪ ,‬فإن صاح ذلك فإنهُ يدل‬
‫على أنهُ قَبل السلم كاَن يعرف هذا السم ‪ ,‬وكاَن ُينسبِ إليهُ أهل الفضل‬
‫والصلح ‪ ,‬واللهُ أعلم ( ‪. 2‬‬

‫‪ 1‬الصوفية والفقراء لشيخ السلم بن تيمية ص ‪ 5‬ط القاهرة ‪ ,‬أيضا مقدمة ابن خلدون ص ‪ , 467‬تلبيس أبليس لبن الجوزي‬
‫ص ‪ 157‬دار القلم بيروت لبنان ‪.‬‬
‫‪ 2‬اللمع للطوسي ص ‪ , 43 , 42‬أيضا الفتوحات اللهية لبن عجيبة الحسنى ص ‪ 53‬ط عالم الفكر القاهرة ‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫وبمثل ذلك قَاَل السهرورِدي ‪ ) :‬وهذا السم لم يكن في زمن رِسول اللهُ‬
‫صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬وقَيل ‪ :‬كاَن في زمن التاَبعين – ثم نقل عن الحسن‬
‫البصري وماَ نقلناَهُ عن الطوسي أيضاَ – ثم قَاَل ‪ :‬وقَيل ‪ :‬لم يعرف هذا‬
‫السم إلى الماَئتين من الهجرة العربية ( ‪. 1‬‬

‫وصارح عبد الرحمن الجاَمي ‪:‬‬


‫) أن أباَ هاَشم الكوفي أول من دعى باَلصوفي ‪ ,‬ولم يسم أحد قَبلهُ بهذا‬
‫السم ‪ ,‬كماَ أن أول خاَنقاَهُ بني للصوفية هو ذلك الذي في رِملة الشاَم ‪,‬‬
‫والسببِ في ذلك أن المير النصراني كاَن قَد ذهبِ للقنص فشاَهد فشاَهد‬
‫شخصين من هذهُ الطاَئفة الصوفية سنح لهُ لقاَؤهماَ وقَد احتضن أحدهماَ‬
‫الخر وجلساَ هناَك ‪ ,‬وتناَول معاَ كل ماَ كاَن معهماَ من طعاَم ‪ ,‬ثم ساَرِا‬
‫لشأَنهماَ ‪ ,‬فسّر المير النصراني من معاَملتهماَ وأخلقَهماَ ‪ ,‬فاَستدعى‬
‫أحدهماَ ‪ ,‬وقَاَل لهُ ‪ :‬من هو ذاك ؟‬
‫قَاَل ‪:‬ل أعرفهُ ‪ ,‬قَاَل ‪ :‬وماَ صالتك بهُ ؟ ‪.‬‬
‫قَاَل ‪:‬ل شيء ‪ .‬قَاَل ‪ :‬فمن كاَن ؟ ‪.‬‬
‫قَاَل ‪:‬ل أدرِي ‪ ,‬فقاَل المير ‪ :‬فماَ هذهُ اللفة التي كاَنت بينكماَ ؟ ‪.‬‬
‫فقاَل الدرِويش ‪ :‬إن هذهُ طريقتناَ ‪ ,‬قَاَل ‪ :‬هل لكم من مكاَن تأَوون إليهُ ؟ ‪.‬‬
‫قَاَل ‪:‬ل ‪ ,‬قَاَل ‪ :‬فإني أقَيم لكماَ محل تأَوياَن إليهُ ‪ ,‬فبنى لهماَ هذهُ الخاَنقاَهُ‬
‫في الرملة ( ‪. 2‬‬

‫وأماَ القشيري فقاَل ‪ :‬اشتهر هذا السم لهؤلء الكاَبر قَبل الماَئتين من‬
‫الهجرة ( ‪. 3‬‬

‫وأماَ الهجويري فلقد ذكر أن التصوف كاَن موجودا في زمن رِسول اللهُ‬
‫صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬وباَسمهُ ‪ ,‬واستدل بحديث موضوع مكذوب على‬
‫رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم أنهُ قَاَل ‪ ) :‬من سمع صاوت أهل التصوف‬
‫فل يؤمن على دعاَئهم كتبِ عند اللهُ من الغاَفلين ( ‪. 4‬‬

‫مع أنهُ نفسهُ كتبِ في نفس الباَب في آخرهُ شاَرِحاَ كلم أبي الحسن‬
‫البوشنجي ) التصوف اليوم اسم بل حقيقة ‪ ,‬وقَد كاَن من قَبل حقيقة بل‬
‫اسم ( فكتبِ تحتهُ موضحاَ ‪:‬‬

‫) يعني أن هذا السم لم يكن موجودا وقَت الصحاَبة والسلف ‪ ,‬وكاَن المعنى‬
‫موجودا في كل منهم ‪ ,‬والن يوجد السم ‪ ,‬ول يوجد المعنى ( ‪. 5‬‬

‫وأماَ المستشرقَون الذين كتبوا عن التصوف ‪ ,‬ويعدون من موالي الصوفية‬


‫وأنصاَرِهم ‪ ,‬فمنهم نيكلسون فإنهُ يرى مثل ماَ يراهُ الجاَمي أن لفظة‬
‫التصوف أطلقت أول ماَ أطلقت على أبي هاَشم الكوفي المتوفى سنة‬
‫‪ 150‬هُ ‪. 6‬‬
‫‪ 1‬عوارف المعارف للسهروردي ص ‪. 63‬‬
‫‪ 2‬نفحات النس للجامي الطبعة الفارسية ص ‪ 32 , 31‬ط إيران ‪.‬‬
‫‪ 3‬الرسالة القشيرية ج ‪ 1‬ص ‪ 53‬بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود ومحمود الشريف ‪ ,‬أيضا جمهرة الولياء للمنوفي‬
‫الحسيني ج ‪ 1‬ص ‪ 269‬ط مؤسسة الحلبي القاهرة ‪.‬‬
‫‪ 4‬كشف المحجوب للهجويري مؤسسة ترجمة عربية ص ‪. 227‬‬
‫‪ 5‬أيضا ص ‪. 239‬‬
‫‪ 6‬انظر في التصوف السلمي وتاريخه لنيكلسون ترجمة عربية لبي العلء العفيفي ص ‪ 3‬ط القاهرة ‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫ولكن المستشرق الفرنسي المشهورِ ماَ سينيون يرى غير ذلك ‪ ,‬فيقول ‪:‬‬

‫ورِد لفظ الصوفي لول مرة في التاَرِيخ في النصف الثاَني من القرن‬


‫الثاَمن الميلدي إذ نعت بهُ جاَبر بن حياَن ‪ ,‬وهو صااَحبِ كيمياَء شيعي من‬
‫أهل الكوفة ‪ ,‬لهُ في الزهد مذهبِ خاَص ‪ ,‬وأبو هاَشم الكوفي الصوفي‬
‫المشهورِ ‪.‬‬

‫أماَ صايغة الجمع ) الصوفية ( التي ظهرت عاَم ‪ 189‬هـ ) ‪ 814‬م ( في خبر فتنة‬
‫قَاَمت باَلسكندرِية فكاَنت تدل قَرابة ذلك العهد على مذهبِ من مذاهبِ‬
‫التصوف السلمي يكاَد يكون شيعياَ نشأَ في الكوفة ‪ ,‬وكاَن عبدك الصوفي‬
‫آخر أئمتهُ ‪ ,‬وهو من القاَئلين بأَن الماَمة باَلرِث والتعيين ‪ ,‬وكاَن ل يأَكل‬
‫اللحم ‪ ,‬وتوفى ببغداد حوالي عاَم ‪ 210‬هـ ‪.‬‬

‫وإذن فكلمة صاوفي كاَنت أول أمرهاَ مقصورِة على الكوفة ( ‪. 1‬‬

‫وقَاَل أيضاَ ‪:‬‬


‫صااَحبِ عزلة بغدادي ‪ ,‬وهو أول من لقبِ باَلصوفي ‪ ,‬وكاَن هذا اللفظ يومئذ‬
‫يدل على بعض زهاَد الشيعة باَلكوفة ‪ ,‬وعلى رِهط من الثاَئرين باَلسكندرِية‬
‫د من الزناَدقَة بسببِ إمتناَعهُ عن أكل اللحم ‪ ,‬ويريد الستاَذ أول‬ ‫‪ ,‬وقَد يع ّ‬
‫من لقبِ باَلصوفي في بغداد كماَ يؤخذ مماَ نقلهُ عن الهمذاني ‪ ,‬ونصهُ ‪:‬‬
‫) ولم يكن الساَلكون لطرق اللهُ في العصاَرِ الساَلفة والقرون الولى‬
‫يعرفون باَسم المتصوفة ‪ ,‬وإنماَ الصوفي لفظ أشتهر في القرن الثاَلث ‪,‬‬
‫وأول من سمي ببغداد بهذا السم عبدك الصوفي ‪ ,‬وهو من كباَرِ المشاَئخ‬
‫وقَدماَئهم ‪ ,‬وكاَن قَبل بشر بن الحاَرِث الحاَفي والسري بن المفلس‬
‫السقطي ( ‪. 2‬‬

‫مو بهذا‬‫والجدير باَلذكر أن هؤلء الثلثة الذين يقاَل عنهم بأَنهم أول من س ّ‬
‫السم ‪ ,‬وتلقبوا بهذا اللقبِ مطعونون في مذاهبهم وعقاَئدهم ‪ ,‬ورِمى كل‬
‫واحد منهم باَلفسق والفجورِ وحتى الزندقَة ‪ ,‬وخاَصاة جاَبر بن حياَن ‪,‬‬
‫وعبدك كماَ سيأَتي ذلك مفصل في محلهُ من الكتاَب إن شاَء اللهُ ‪.‬‬

‫وقَد سبق كلم شيخ السلم ابن تيمية حيث قَاَل ‪ ) :‬إن لفظ الصوفية لم‬
‫يكن مشهورِا في القرون الثلثة ‪ ,‬وإنماَ اشتهر التكلم بهُ بعد ذلك ( ‪. 3‬‬

‫وبمثل ذلك قَاَل ابن خلدون ‪. 4‬‬


‫فخلصاة الكلم أن الجميع متفقون على حداثة هذا السم ‪ ,‬وعدم وجودهُ‬
‫في عهد رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم وأصاحاَبهُ والسلف الصاَلحين ‪.‬‬

‫‪ 1‬دائرة المعارف السلمية أردو ج ‪ 6‬ص ‪ 419‬ط جامعة بنجاب باكستان ‪ ,‬أيضا دائرة المعارف السلمية الطبعة العربية‬
‫مادة تصوف ج ‪ 5‬ص ‪. 266‬‬
‫‪ 2‬التصوف لماسينيون ومصطفى عبد الرزاق ص ‪ 56 , 55‬ط دار الكتاب اللبناني ‪ 1984‬م ‪ ,‬أيضا تاريخ التصوف في السلم‬
‫للدكتور قاسم غني ترجمة عربية لصادق نشأت ص ‪ 64‬ط مكتبة النهضة المصرية القاهرة ‪.‬‬
‫‪ 3‬انظر الصوفية والفقراء لشيخ السلم بن تيمية ص ‪. 5‬‬
‫‪ 4‬انظر مقدمة ابن خلدون ص ‪. 476‬‬
‫‪33‬‬
‫نعم‪ ,‬كاَن رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم أزهد خلق اللهُ في الدنياَ‬
‫دون الدنياَ وماَ فيهاَ لهوا‬
‫وزخاَرِفهاَ ‪ ,‬وأصاحاَبهُ على سيرتهُ وطريقتهُ ‪ ,‬يع ّ‬
‫ولعباَ ‪ ,‬زائلة فاَنية ‪ ,‬والموال والولد فتنة ابتلي المؤمنون بهاَ ‪ ,‬فلم يكونوا‬
‫يجعلون أكبر همهم إل ابتغاَء مرضاَة اللهُ ‪ ,‬يرجون لقاَءهُ وثوابهُ ‪ ,‬ويخاَفون‬
‫غضبهُ وعقاَبهُ ‪ ,‬آخذين من الدنياَ ماَ أباَح اللهُ لهم أخذهُ ‪ ,‬ومجتنبين عنهاَ ماَ‬
‫نهى اللهُ عنهُ ‪ ,‬ساَلكين مسلك العتدال ‪ ,‬منتهجين منهج المقتصد ‪ ,‬غير‬
‫باَغين ول عاَدين ‪ ,‬مفرطين ول متطرفين ‪ ,‬وعلى رِأسهم بعد رِسول اللهُ‬
‫صالى اللهُ عليهُ وسلم الخلفاَء الراشدون ‪ ,‬وبقية العشرة المبشرة ‪ ,‬ثم‬
‫البدرِيون ‪ ,‬ثم أصاحاَب بيعة الرضوان ‪ ,‬ثم الساَبقون الولون من المهاَجرين‬
‫والنصاَرِ ‪ ,‬ثم عاَمة الصاحاَب ‪ ,‬على ترتيبِ الفضلية كماَ مّر ساَبقاَ في‬
‫الفصل الول من هذا الباَب ‪.‬‬
‫وتبعهم في ذلك التاَبعون لهم بإحساَن ‪ ,‬واتباَع التاَبعين ‪ ,‬أصاحاَب خير‬
‫القرون ‪ ,‬المشهود لهم باَلخير والفضيلة ‪ ,‬ولم يكن لهؤلء كلهم في غير‬
‫رِسول اللهُ أسوة ول قَدوة ‪ ,‬الذي قَاَل فيهُ جل وعل ‪:‬‬

‫عاَئ ًِل‬ ‫ضاَّل َ‬ ‫َ‬


‫جد َ َ‬
‫ك َ‬ ‫و َ‬
‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫دى ‪7‬‬ ‫ه َ‬‫ف َ‬ ‫ك َ‬ ‫جد َ َ‬
‫و َ‬‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫وى ‪6‬‬ ‫َ‬ ‫ماَ َ‬
‫فآ‬ ‫ك ي َِتي ً‬ ‫جدْ َ‬ ‫م يَ ِ‬‫} أل َ ْ‬
‫فَل ت َن ْهر ‪َ 10‬‬ ‫قهر ‪َ 9‬‬ ‫غَنى ‪َ َ 8‬‬ ‫فأَ َ ْ‬
‫ماَ‬
‫وأ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ل َ‬
‫ساَئ ِ َ‬
‫ماَ ال ّ‬‫وأ ّ‬
‫َ‬ ‫فَل ت َ ْ َ ْ‬
‫م َ‬ ‫ماَ ال ْي َِتي َ‬ ‫فأَ ّ‬ ‫َ‬
‫ث ‪{ 11‬‬ ‫حدّ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ك َ‬ ‫ة َرِب ّ َ‬
‫م ِ‬‫ع َ‬ ‫ب ِن ِ ْ‬
‫والذي إذا وجد طعاَماَ فأَكل وشكر ‪ ,‬وإذا لم يجد فرضي وصابر ‪ ,‬وأحبِ لبس‬
‫الثياَب البيض ‪ ,‬واكتسبِ جّبة رِومية ‪ ,‬ونهى عن التصدق بأَكثر من ثلث‬
‫الماَل ‪ ,‬وأمر بحفظ حقوق النفس والهل والولد ‪ ,‬ونهى عن تعذيبِ النفس‬
‫و اتعاَب الجسد والبدن ‪ ,‬وحّرص متبعيهُ على طلبِ الحلل ‪ ,‬وطلبِ‬
‫الحسناَت في الدنياَ والخرة ‪ ,‬ومنع اللهُ تعاَلى من التعنت والتطرف في‬
‫ترك الدنياَ وطيباَتهاَ في آياَت كثيرة في القرآن الكريم ‪ ,‬سنورِدهاَ في‬
‫موضعهاَ من الكلم إن شاَء اللهُ ‪.‬‬

‫ثم خلف من بعدهم خلف فتطرفوا ‪ ,‬وذهبوا بعيدا في نعيم الدنياَ وزخاَرِفهاَ‬
‫‪ ,‬وفتحت عليهم أبواب الترف والرخاَء ‪ ,‬ودّرِت عليهم الرِض والسماَء ‪,‬‬
‫وأقَبلت عليهم الدنياَ بكنوزهاَ وخزائنهاَ ‪ ,‬وفتحت عليهم الفاَق فاَنغمسوا‬
‫في زخاَرِفهاَ وملذاتهاَ ‪ ,‬وبخاَصاة العرب الفاَتحون الغزاة ‪ ,‬والغاَلبون‬
‫الظاَهرون ‪ ,‬فحصل رِّد الفعل ‪ ,‬وفي نفوس المغلوبين المغزوين‬
‫والمقهورِين ‪ ,‬من الموالي والفرس والمفلسين وأصاحاَب النفوس‬
‫دهاَ ‪,‬‬‫دهاَ وك ّ‬ ‫الضعيفة المتوانية خاَصاة ‪ ,‬فهربوا عن الحياَة ومناَضلتهاَ ‪ ,‬وج ّ‬
‫ولجأَوا إلى الخاَنقاَوات والتكاَياَ والزواياَ والرباَطاَت ‪ ,‬فرارِا من المباَرِزة‬
‫د الفعل صابغة دينية ‪ ,‬ولون‬ ‫والمناَضلة ‪ ,‬وصابغوا هذا الفرارِ والنهزام ورِ ّ‬
‫قَداسة وطهاَرِة ‪ ,‬وتنزهُ وقَرابة ‪ ,‬كماَ كاَن هناَلك أسباَب ودوافع ومؤثرات‬
‫أخرى ‪ ,‬وكذلك أيدي خفية دفعتهم إلى تكوين فلسفة جديدة للحياَة ‪ ,‬وطراز‬
‫آخر من المشرب والمسلك ‪ ,‬وأسلوب جديد للعيش والمعاَش ‪ ,‬فظهر‬
‫التصوف بصورِة مذهبِ مخصوص ‪ ,‬وبطاَئفة مخصوصاة اعتنقهُ قَوم ‪ ,‬وسلكهُ‬
‫أشخاَص ساَذجون بدون تفكير كثير ‪ ,‬وتدبر عميق كمسلك الزهد ‪ ,‬ووسيلة‬
‫التقرب إلى اللهُ ‪ ,‬غير عاَرِفين باَلسس التي قَاَم عليهاَ هذا المشرب ‪,‬‬
‫والقواعد التي أسس عليهاَ هذا المذهبِ ‪ ,‬بسذاجة فطرية ‪ ,‬وطيبة طبيعية ‪,‬‬
‫كماَ تستر بقناَعهُ ‪ ,‬وتنقبِ بنقاَبهُ بعض آخرون لهدم السلم وكياَنهُ ‪,‬‬
‫‪34‬‬
‫وإدخاَل اليهودية والمسيحية في السلم ‪ ,‬وأفكاَرِهماَ من جاَنبِ ‪,‬‬
‫والزرِادشتية والمجوسية والشعوبية من جاَنبِ آخر ‪ ,‬وكذلك الهندوكية‬
‫والبوذية والفلسفة اليوناَنية الفلطونية من ناَحية أخرى ‪ ,‬وتقويض أرِكاَن‬
‫السلم وإلغاَء تعاَليم سيد الرسل صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬ونسخ السلم‬
‫وإبطاَل شريعتهُ بنعرة وحدة الوجود ‪ ,‬ووحدة الدياَن ‪ ,‬وإجراء النبوة ‪,‬‬
‫وترجيح من يسمى باَلولي على أنبياَء اللهُ ورِسلهُ ‪ ,‬ومخاَلفة العلم ‪,‬‬
‫والتفريق بين الشريعة والحقيقة ‪ ,‬وترويج الحكاَياَت والباَطيل‬
‫والساَطير ‪ ,‬باَسم الكراماَت والخوارِق وغير ذلك من الخلفاَت والترهاَت ‪.‬‬

‫فلم يظهر التصوف مذهباَ ومشرباَ ‪ ,‬ولم يرج مصطلحاَتهُ الخاَصاة بهُ ‪ ,‬وكتبهُ ‪,‬‬
‫ومواجيدهُ وأناَشيدهُ ‪ ,‬تعاَليمهُ وضوابطهُ ‪ ,‬أصاولهُ وقَواعدهُ ‪ ,‬وفلسفتهُ ‪,‬‬
‫ورِجاَلهُ وأصاحاَبهُ إل في القرن الثاَلث من الهجرة وماَ بعدهُ ‪.‬‬

‫وبذلك يقول ابن الجوزي في كتاَبهُ تلبيس إبليس ‪:‬‬


‫) كاَنت النسبة في زمن رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم إلى اليماَن‬
‫والسلم ‪ .‬فيقاَل ‪ :‬مسلم ومؤمن ‪ ,‬ثم حدث اسم زاهد وعاَبد ‪ ,‬ثم نشأَ‬
‫أقَوام تعلقوا باَلزهد والتعبد ‪ ,‬فتخلوا عن الدنياَ ‪ ,‬وانقطعوا إلى العباَدة ‪,‬‬
‫واتخذوا في ذلك طريقة تفردوا بهاَ ‪ ,‬وأخلقَاَ تخلقوا بهاَ ‪ ,‬ثم قَاَل ‪ :‬وهذا‬
‫السم ظهر للقوم قَبل سنة ماَئتين ‪ ,‬ولماَ أظهرهُ أوائلهم تكلموا فيهُ ‪,‬‬
‫وعبروا عن صافتهُ بعباَرِات كثيرة ‪ ,‬وحاَصالهاَ أن التصوف عندهم رِياَضة‬
‫النفس ‪ ,‬ومجاَهدة الطبع برّدهُ عن الخلق الرذيلة ‪ ,‬وجعلهُ على الخلق‬
‫الجميلة من الزهد والحلم والصبر والخلص والصدق إلى غير ذلك من‬
‫الخصاَل الحسنة التي تكسبِ المدائح في الدنياَ والثواب في الخرى ‪...‬‬
‫وعلى هذا كاَن أوائل القوم ‪ ,‬فلّبس عليهم إبليس في أشياَء ‪ ,‬ثم لبس على‬
‫بعدهم من تاَبعيهم فكلماَ مضى قَرن زاد طمعهُ في القرن التاَلي فزاد‬
‫تلبيسهُ عليهم إلى أن تمكن من المتأَخرين غاَية التمكن ‪.‬‬
‫وكاَن أصال تلبيسهُ عليهم أنهُ صادهم عن العلم وأرِاهم أن المقصود العمل‬
‫فلماَ أطفأَ مصباَح العلم عندهم تخبطوا في الظلماَت ‪ .‬فمنهم من أرِاهُ أن‬
‫المقصود من ذلك ترك الدنياَ في الجملة فرفضوا ماَيصلح أبدانهم ‪ .‬وشبهوا‬
‫الماَل باَلعقاَرِب ‪ ,‬ونسوا أنهُ خلق للمصاَلح وباَلغوا في الحمل على النفوس‬
‫حتى أنهُ كاَن فيهم من ل يضطجع وهؤلء كاَنت مقاَصادهم حسنة غير أنهم‬
‫على غير الجاَدة ‪ .‬وفيهم من كاَن لقلة علمهُ يعمل بماَ يقع إليهُ من‬
‫الحاَديث الموضوعة وهو ل يدرِي ‪.‬‬

‫ثم جاَء أقَوام فتكلموا لهم في الجوع والفقر والوسواس والخطرات‬


‫وصانفوا في ذلك مثل الحاَرِث المحاَسبي ‪ .‬وجاَء آخرون فهذبوا مذهبِ‬
‫التصوف وأفردوهُ بصفاَت ميزوهُ بهاَ من الختصاَص باَلمرقَعة والسماَع‬
‫والوجد والرقَص والتصفيق وتميزوا بزياَدة النظاَفة والطهاَرِة ‪ .‬ثم ماَزال‬
‫المر ينمى والشياَخ يضعون لهم أوضاَعاَ ويتكلمون بواقَعاَتهم ‪ .‬ويتفق‬
‫بعدهم عن العلماَء ل بل رِؤيتهم ماَ هم فيهُ أوفى العلوم حتى سموهُ العلم‬
‫الباَطن وجعلوا علم الشريعة العلم الظاَهر ‪ .‬ومنهم من خرج بهُ الجوع إلى‬
‫الخياَلت الفاَسدة فاَدعى عشق الحق والهيماَن فيهُ فكأَنهم تخاَيلوا شخصاَ‬
‫مستحسن الصورِة فهاَموا بهُ ‪ .‬وهؤلء بين الكفر والبدعة ثم تشعبت بأَقَوام‬
‫منهم الطرق ‪ .‬ففسدت عقاَئدهم ‪ .‬فمن هؤلء من قَاَل باَلحلول ومنهم من‬
‫‪35‬‬
‫قَاَل باَلتحاَد ‪ .‬وماَ زال إبليس يخبطهم بفنون البدع حتى جعلوا لنفسهم‬
‫سنناَ وجاَء أبو عبد الرحمن السلمي فصنف لهم كتاَب السنن وجمع لهم‬
‫حقاَئق التفسير فذكر عنهم فيهُ العجبِ في تفسيرهم القرآن بماَ يقع لهم‬
‫من غير إسناَد ذلك إلى أصال من أصاول العلم ‪ .‬وإنماَ حملوهُ على مذاهبهم ‪.‬‬
‫والعجبِ من ورِعهم في الطعاَم وانبساَطهم في القرآن ‪ .‬وقَد أخبرناَ أبو‬
‫منصورِ عبد الرحمن القزاز ‪ ,‬قَاَل ‪ :‬أخبرناَ أبو بكر الخطيبِ قَاَل ‪ :‬قَاَل لي‬
‫محمد بن يوسف القطاَن النيساَبورِي قَاَل كاَن أبو عبد الرحمن السلمي‬
‫غير ثقة ولم يكن سمع من الصام إل شيئاَ يسيرا ً فلماَ ماَت الحاَكم أبو عبد‬
‫اللهُ بن البيع حدث عن الصام بتاَرِيخ يحيى بن معين وبأَشياَء كثيرة سواهُ ‪.‬‬
‫وكاَن يضع للصوفية الحاَديث ‪.‬‬
‫وصانف لهم أبو نصر السراج كتاَباَ سماَهُ لمع الصوفية ذكر فيهُ من العتقاَد‬
‫القبيح والكلم المرذول ماَ سنذكر منهُ جملة إن شاَء اللهُ تعاَلى ‪ .‬وصانف‬
‫لهم أبو طاَلبِ المكي قَوت القلوب فذكر فيهُ الحاَديث الباَطلة وماَل يستند‬
‫فيهُ من أصال من صالوات الياَم واللياَلي وغير ذلك من الموضوع وذكر فيهُ‬
‫العتقاَد الفاَسد ‪ .‬ورِدد فيهُ قَول – قَاَل بعض الكاَشفين – وهذا كلم فاَرِغ‬
‫وذكر فيهُ عن بعض الصوفية إن اللهُ عز وجل يتجلى في الدنياَ لولياَئهُ ‪.‬‬
‫أخبرناَ أبو منصورِ القزاز أخبرناَ أبو بكر الخطيبِ قَاَل ‪ :‬قَاَل أبو طاَهر محمد‬
‫بن العلف ‪ ,‬قَاَل ‪ :‬دخل أبو طاَلبِ المكي إلى البصرة بعد وفاَة أبي الحسين‬
‫بن ساَلم فاَنتمى إلى مقاَلتهُ وقَدم بغداد فاَجتمع الناَس عليهُ في مجلس‬
‫الوعظ فخلط في كلمهُ فحفظ عنهُ أنهُ قَاَل ‪ :‬ليس على المخلوق أضر من‬
‫الخاَلق ‪ .‬فبدعة الناَس وهجروهُ فاَمتنع من الكلم على الناَس بعد ذلك قَاَل‬
‫الخطيبِ ‪ :‬وصانف أبو طاَلبِ المكي كتاَباَ سماَهُ قَوت القلوب على لساَن‬
‫الصوفية وذكر فيهُ أشياَء منكرة مستبشعة في الصفاَت ‪.‬‬

‫وجاَء أبو نعيم الصابهاَني فصنف لهم كتاَب الحلية ‪ .‬وذكر في حدود‬
‫التصوف أشياَء منكرة قَبيحة ولم يستح أن يذكر في الصوفية أباَبكر وعمر‬
‫وعثماَن وعلي اَ ً وساَدات الصحاَبة رِضي اللهُ عنهم ‪ .‬فذكر عنهم فيهُ العجبِ‬
‫وذكر منهم شريح اَ ً القاَضي والحسن البصري وسفياَن الثورِي وأحمد بن‬
‫حنبل وكذلك ذكر السلمي في طبقاَت الصوفية الفضيل وإبراهيم‬
‫وإبراهيم بن أدهم ومعروفاَ ً الكرخي وجعلهم من الصوفية بأَن أشاَرِ إلى‬
‫أنهم من الزهاَد ‪.‬‬

‫فاَلتصوف مذهبِ معروف يزيد على الزهد ويدل على الفرق بينهماَ ‪ .‬أن‬
‫الزهد لم يذمهُ أحد وقَد ذموا التصوف على ماَ سيأَتي ذكرهُ وصانف لهم عبد‬
‫الكريم بن هوازن القشيري كتاَب الرساَلة فذكر فيهاَ العجاَئبِ من الكلم‬
‫في الفناَء والبقاَء ‪ ,‬والقبض ‪ ,‬والبسط ‪ ,‬والوقَت ‪ ,‬والحاَل ‪ ,‬والوجد والوجود‬
‫‪ ,‬والجمع و والتفرقَة ‪ ,‬والصحو والسكر ‪ ,‬والذوق ‪ ,‬والشرب ‪ ,‬والمحو ‪,‬‬
‫والثباَت ‪ ,‬والتجلي ‪ ,‬والمحاَضرة والمكاَشفة ‪ ,‬واللوائح والطوالع ‪,‬‬
‫واللوامع ‪ ,‬والتكوين ‪ ,‬والتمكين والشريعة ‪ ,‬والحقيقة ‪ .‬إلى غير ذلك من‬
‫التخليط الذي ليس بشيء وتفسيرهُ وأعجبِ منهُ ‪ ,‬وجاَء محمد بن طاَهر‬
‫المقدسي فصنف لهم صافوة التصوف فذكر فيهُ أشياَء يستحي العاَقَل من‬
‫ذكرهاَ سنذكر منهاَ ماَ يصلح ذكرهُ في مواضعهُ إن شاَء اللهُ تعاَلى ‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫وكاَن شيخناَ أبو الفضل بن ناَصار الحاَفظ يقول ‪ :‬كاَن ابن طاَهر يذهبِ‬
‫مذهبِ الباَحة ‪ :‬قَاَل وصانف كتاَباَ ً في جواز النظر إلى المراد أورِد فيهُ‬
‫حكاَية عن يحيى بن معين قَاَل ‪ :‬رِأيت جاَرِية بمصر مليحة صالى اللهُ عليهاَ ‪.‬‬
‫فقيل لهُ تصلي عليهاَ فقاَل صالى اللهُ عليهاَ وعلى كل مليح ‪ .‬قَاَل شيخناَ‬
‫ابن ناَصار ‪ ,‬وليس ابن طاَهر بمن يحتج بهُ ‪ ,‬وجاَء أبو حاَمد الغزالي فصنف‬
‫لهم كتاَب الحياَء على طريقة القوم وملهُ باَلحاَديث الباَطلة وهو ل يعلم‬
‫بطلنهاَ وتكلم في علم المكاَشفة وخرج عن قَاَنون الفقهُ ‪ ,‬وقَاَل أن المراد‬
‫باَلكوكبِ والشمس والقمر اللواتي رِآهن إبراهيم صالوات اللهُ عليهُ أنوارِ‬
‫هي حجبِ اللهُ عز وجل ولم يرد هذهُ المعروفاَت ‪ .‬وهذا من جنس كلم‬
‫الباَطنية ‪ .‬وقَاَل في كتاَبهُ المفصح باَلحوال ‪ .‬إن الصوفية في يقظتهم‬
‫يشاَهدون الملئكة وأرِواح النبياَء ويسمعون منهم أصاواتاَ ويقتبسون منهم‬
‫فوائد ثم يترقَى الحاَل من مشاَهدة الصورِة إلى درِجاَت يضيق عنهاَ نطاَق‬
‫النطق ( ‪. 1‬‬
‫ون هذا المذهبِ ‪ ,‬وصااَرِ مستقل بمباَدئهُ وآرِائهُ ‪ ,‬ولهُ مصاَدرِهُ‬ ‫فهكذا ك ّ‬
‫ومراجعهُ ‪ ,‬وتعاَليمهُ ورِسومهُ ‪.‬‬
‫وإلى هناَ نأَتي إلى آخر هذا الباَب ‪.‬‬

‫تلبيس إبليس لبن الجوزي ص ‪ 156‬إلى ‪ 160‬ط دار القلم بيروت لبنان ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪37‬‬

‫ب الثاَني‬
‫الَباَ ُ‬
‫خذُهُُ‬
‫مآ ِ‬
‫و َ‬
‫ف َ‬
‫و ِ‬
‫صاَِدُرِ الّتص ّ‬
‫م َ‬
‫َ‬
‫إن أمر التصوف كلهُ مختلف فيهُ ‪ ,‬فكماَ أختلف في أصالهُ واشتقاَقَهُ ‪ ,‬وحدهُ‬
‫وتعريفهُ ‪ ,‬بدئهُ وظهورِهُ ‪ ,‬وفي أول من تسمى بهُ وتلقبِ بهُ ‪ ,‬كذلك اختلف‬
‫في منبعهُ ومأَخذهُ ‪ ,‬ومصدرِهُ ومرجعهُ ‪ ,‬فتشعبت الرِاء وتنوعت القَوال ‪,‬‬
‫وتعددت الفكاَرِ ‪ ,‬فقاَل قَاَئل ‪ :‬إنهُ إسلمي بحت في أشكاَلهُ وصاورِهُ ‪,‬‬
‫ومباَدئهُ ومناَهجهُ ‪ ,‬وأصاولهُ وقَواعدهُ ‪ ,‬وأغراضهُ ومقاَصادهُ ‪ ,‬حتى في‬
‫ألفاَظهُ وعباَرِاتهُ ‪ ,‬وفلسفتهُ وتعاَليمهُ ‪ ,‬ومواجيدهُ وأناَشيدهُ ‪ ,‬ومصطلحاَتهُ‬
‫ومدلولتهُ ‪ ,‬وهذا هو إدعاَء الصوفية ومن والهم ‪ ,‬وناَصارهم ‪ ,‬ودافع عنهم ‪.‬‬

‫وقَاَل قَوم ‪:‬ل علقَهُ لهُ باَلسلم إطلقَاَ ‪ ,‬قَريبة ول بعيدة في اليوم الذي‬
‫نشأَ فيهُ ‪ ,‬ولبعد ماَتطورِ ‪ ,‬وهو أجنبي عنهُ كاَسمهُ ‪ ,‬فلذلك ل يفتش عن‬
‫مصاَدرِهُ ومآخذهُ في القرآن والسنة وإرِشاَداتهماَ ‪ ,‬بل يبحث عنهاَ في‬
‫الفكر الجنبي ‪ ,‬وهو رِأي أكثر السلفيين ومن نهج منهجهم وسلك مسلكهم‬
‫وكذلك الفقهاَء والمتكلمين من أهل السنة من المتقدمين ‪ ,‬والكثرية‬
‫الساَحقهُ من المستشرقَين ‪ ,‬والكثير من الباَحثين والمفكرين المتحررِين‬
‫من الجمود وعصبية التقليد ‪ ,‬من المتأَخرين ‪.‬‬

‫وقَاَلت طاَئفة ‪ :‬إنهُ اسم للزهد المتطورِ بعد القرون المشهود لهاَ باَلخير‬
‫كر ّد فعل لزخرفة المدينة وزينتهاَ التي انفتحت أبوابهاَ على المسلمين بعد‬
‫الغزوات والفتوحاَت وانغماَسهم في ترف الدنياَ ونعيمهاَ ‪ ,‬ثم حصلت فيهُ‬
‫التطورِات ‪ ,‬ودخلت أفكاَرِ أجنبية والفلسفاَت غير السلمية وذهبِ إلى هذا‬
‫الرأي ابن تيمية والشوكاَني من السلفيين وغيرهم من بعض أعلم أهل‬
‫السنة ‪ ,‬حتى الصوفية أنفسهم وبعض المستشرقَين ‪.‬‬

‫وقَاَل الخرون ‪ :‬إن التصوف وليد الفكاَرِ المختلطة من السلم واليهودية‬


‫والمسيحية ومن الماَنوية والمجوسية والمزدكية ‪ ,‬وكذلك الهندوكية‬
‫والبوذية ‪ ,‬وقَبل كل ذلك من الفلسفة اليوناَنية وآرِاء الفلطونية الحديثية ‪,‬‬
‫وتمسك بهذا الرأي بعض الكّتاَب في الصوفية من المسلمين وغير‬
‫المسلمين ‪.‬‬

‫فهذهُ هي خلصاة الختلف والرِاء المختلفة في أصال التصوف ومأَخذهُ ‪,‬‬


‫ننقاَشهاَ في هذا الباَب ‪ ,‬وندعم رِأيناَ الذي نراهُ من بين هذهُ الرِاء المتعددة‬
‫‪ ,‬باَلدلة والشواهد ‪ ,‬الخاَرِجية منهاَ والداخلية ‪ ,‬فنقول ‪ :‬إن أفضل طريق‬
‫للحكم على طاَئفة معينة وفئة خاَصاة من الناَس هو الحكم المبني على‬
‫آرِائهُ وأفكاَرِهُ التي نقلوهاَ في كتبهم المتعمدة والرساَئل الموثوق بهاَ‬
‫لديهم بذكر النصوص والعباَرِات التي يبني عليهاَ الحكم ‪ ,‬ويؤسس عليهاَ‬
‫الرأي ول يعتمد على أقَوال الخرين ونقول الناَقَلين ‪ ,‬اللهم إل للستشهاَد‬
‫على صاحة استنباَط الحكم وإستنتاَج النتيجة ‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫وهذهُ الطريقة ولو أنهاَ طريقة وعرة شاَئكة ‪ ,‬صاعبة مستعصبة ‪ ,‬وقَل من‬
‫يختاَرِهاَ ويسلكهاَ ‪ ,‬ولكنهاَ هي الطريقة الصحيحة المستقيمة التي يقتضيهاَ‬
‫العدل والنصاَف ‪.‬‬

‫وعلى ذلك عندماَ نتعمق في تعاَليم الصوفية الوائل والواخر ‪ ,‬وأقَاَويلهم‬


‫المنقولة منهم ‪ ,‬والمأَثورِة في كتبِ الصوفية ‪ ,‬القديمة والحديثة نفسهاَ ‪,‬‬
‫نرى بوناَ شاَسعاَ بينهماَ وبين تعاَليم القرآن والسنة ‪ ,‬وكذلك ل نرى جذورِهاَ‬
‫وبذورِهاَ في سيرة سيد الخلق محمد صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ وأصاحاَبهُ‬
‫الكرام البررِة خياَرِ خلق اللهُ وصافوة الكون ‪ ,‬بل بعكس ذلك نراهاَ مأَخوذة‬
‫مقتبسة من الرهبنة المسيحية ‪ ,‬والبرهمة الهندوكية ‪ ,‬وتنسك اليهودية ‪,‬‬
‫وزهد البوذية ‪ ,‬والفكر الشعوبي اليراني المجوسي عند الوائل ‪,‬‬
‫والغنوصاية اليوناَنية والفلطونية الحديثة لدى الذين جاَءوا من بعدهم ‪,‬‬
‫وتدل على ذلك تعريفاَت القوم للتصوف ‪ ,‬التي نقلناَهاَ عن كباَرِهم فيماَ‬
‫سبق ‪. 1‬‬
‫وكماَ تنطق وتشهد تعاَليمهم التي هي بمثاَبة السس للتصوف ‪ ,‬والضوابط‬
‫لمن يدخل في طريقتهم ‪.‬‬

‫فنبدأ أول بإبراهيم بن أدهم ‪ ,‬وهو من الطبقة الولى وأئمة التصوف‬


‫الوائل ‪ ,‬وكثير ا ً ماَ تبدأ كتبِ طبقاَت الصوفية بذكرهُ واسمهُ ‪ ,‬ول يخلوا‬
‫كتاَب من كتبِ التصوف وسيرتهُ ‪.‬‬

‫ومماَ يذكر بياَناَ لشأَنهُ الرفيع ومكاَنتهُ الساَمية أنهُ كاَن من أبناَء الملوك‬
‫وملكاَ لبلخ ‪ ,‬وتزوج من امرأتهُ جميلة ‪ ,‬ولهُ ولد ‪ ,‬ولكنهُ ترك الملك والزوجة‬
‫والولد ‪ ,‬وكل من كاَن يملكهُ ‪ ,‬للنداء الغيبي ‪ ,‬أو للقاَء الخضر الذي لقنهُ‬
‫ذلك ‪ ,‬مثل ماَ ترك بوذا ملكهُ وزوجتهُ ‪ ,‬وأبنهُ وملذ الدنياَ وزخاَرِفهاَ طبقاَ‬
‫بطبق ‪ ,‬وحذو القذة باَلقذة ‪ ,‬خلفاَ لتعاَليم السلم وأسوة الرسول وسيرة‬
‫الصحاَبة ‪ ,‬ول يوجد لهُ أي مثاَل في الكتاَب ول في السنة ‪ ,‬ول من السلف‬
‫جل الصوفية ذكرهُ ‪ ,‬ولذلك يجعلونهُ قَدوة يقتدى ‪ ,‬ومثاَل‬ ‫الصاَلح ومع ذلك يب ّ‬
‫يحتذى ‪ ,‬ويفتخرون بذكرهُ وأحوالهُ ‪ ,‬مع أن أحوالهُ تلك ليست إل ناَطقة‬
‫باَلبوذية المنسوخة الممسوخة التي لم ينزل اللهُ بهاَ من سلطاَن ‪.‬‬
‫فنود أن نورِد تلك الحكاَية الصوفية الباَطلة ‪ ,‬من التصوف القديم الصايل ‪,‬‬
‫د من العلم والقَطاَب مقاَرِنة بقصة بوذا ‪ ,‬المنقولة‬ ‫ومن الصوفي الذي يع ّ‬
‫من الكتبِ البوذية ‪ ,‬ولبياَن أنهاَ تشتمل على ترهاَت وأكاَذيبِ فاَحشة‬
‫مكشوفة تنطق بكونهاَ مختلفة موضوعة مكذوبة ‪ ,‬وننقل هذهُ القصة من‬
‫تذكرة صاوفية قَديمة ) تذكرة الولياَء ( لفريد اليدن العطاَرِ ‪ ,‬مقتبسين‬
‫ترجمتهاَ العربية من صااَدق نشأَت ‪:‬‬

‫) إن إبراهيم بن أدهم كاَن ملكاَ لبلخ ‪ ,‬وتحت إمرتهُ عاَلم ‪ ,‬وكاَنوا يحملون‬
‫أرِبعين سيفاَ من الذهبِ وأرِبعين عمودا من الذهبِ من أماَمهُ ومن خلفهُ ‪,‬‬
‫وكاَن ناَئماَ ذات ليلة على السرير ‪ ,‬فتحرك سقف البيت ليل ‪ ,‬كأَنماَ يمشي‬
‫أحد على السطح ‪ ,‬فناَدى ‪ :‬من هذا ‪ ..‬؟ فقاَل ‪ :‬صاديق فقدت بعيرا أبحث‬
‫عنهُ على هذا السقف ‪ ,‬فقاَل ‪ :‬أيهاَ الجاَهل ‪ ,‬أتبحث عن البعير فوق‬
‫السطح ‪...‬؟ فقاَل لهُ ‪ :‬وأنت أيهاَ الغاَفل تطلبِ الوصاول إلى اللهُ في ثياَب‬
‫انظر الفصل الثالث من الباب الول من هذا الكتاب ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪39‬‬
‫حريرية وأنت ناَئم على سرير من ذهبِ ‪...‬؟ فوقَعت الهيبة في نفسهُ من‬
‫هذا الكلم ‪ ,‬واندلعت في قَلبهُ ناَرِ ‪ ,‬فلم يستطع النوم حتى الصباَح ‪ ,‬وعندماَ‬
‫أشرق الصبح ذهبِ إلى اليوان وجلس على السرير متحيرا مفكرا حزيناَ ‪,‬‬
‫ووقَف أرِكاَن الدولة كل في مكاَنهُ واصاطف الغلماَن وأذنوا إذناَ عاَماَ ‪,‬‬
‫فدخل رِجل مهيبِ من الباَب بحيث لم يكن لي أحد من الخدم أو الحشم‬
‫الجرأة على أن يقول لهُ من أنت ‪ ,‬ولم ينبسوا ببنت شفهُ ‪ ,‬وتقدم الرجل‬
‫حتى واجهُ سرير إبراهيم ‪ ,‬فقاَل لهُ ‪ :‬ماَذا تريد ‪..‬؟ قَاَل ‪ :‬أنزل في هذا‬
‫الرباَط ‪ ,‬قَاَل ‪ :‬ليس هذا برباَط ‪ ,‬إنماَ هو قَصري ‪ ,‬وإنك لمجنون ‪ ,‬فقاَل ‪:‬‬
‫لمن كاَن هذا القصر قَبل هذا ؟ قَاَل ‪ :‬كاَن لبي ‪ ,‬قَاَل وقَبل ذلك ‪ ,‬قَاَل ‪ :‬كاَن‬
‫ملكاَ لجدي ‪ ...‬وقَبل ذلك ؟ قَاَل ‪ :‬ملكاَ لفلن ‪ ,‬قَاَل ‪ :‬أو ليس الرباَط هو ماَ‬
‫يحل بهُ أحد و يغاَدرِهُ الخر ‪ ..‬؟ قَاَل هذا و اختفى ‪ ,‬وكاَن هو الخضر عليهُ‬
‫السلم ‪ ,‬فاَزدادت حرقَة رِوح إبراهيم ولوعتهُ ‪ ,‬وازداد ألمهُ حدة نتيجة لهذهُ‬
‫الحاَل ‪ ,‬وازدادت هذهُ الحاَل من واحد إلى ماَئة ضعف ‪ ,‬إذ أنهُ رِأى أنهُ قَد‬
‫اجتمع ماَ شاَهدهُ نهاَرِا مع ماَ وقَع ليل ولم يعرف مماَ سمع ‪ ,‬ولم يعلم ماَذا‬
‫رِأى اليوم ‪ ,‬فقاَل ‪ :‬أسرجوا الجواد لني أرِيد الذهاَب للصيد ‪ ,‬فقد حدث لي‬
‫اليوم شيء لست أدرِي ماَ هو ‪ ,‬فياَ إلهي إلى أين تنتهي هذهُ الحاَل ‪ ...‬؟‬
‫فأَسرجوا لهُ جوادا ‪ ,‬وتوجهُ للصيد ‪ ,‬فكاَن يتجول في البرية دهشاَ بحيث لم‬
‫يعرف ماَذا يفعل ‪ ,‬فأَنفصل عن جيشهُ وهو في تلك الحاَل من الدهش ‪,‬‬
‫فسمع صاوتاَ في الطريق يقول لهُ ‪ :‬انتبهُ ‪ ,‬فاَنتبهُ ‪ ,‬ولم يصغ إليهُ ‪ ,‬وذهبِ‬
‫وجاَءهُ هذا النداء للمرة ثاَنية ‪ ,‬فلم يعرهُ سمعاَ للمرة الثاَلثة نفس ذلك‬
‫النداء ‪ ,‬فأَبعد نفسهُ عنهُ ‪ ,‬وسمع للمرة الرابعة من يقول ‪ ) :‬انتبهُ قَبل أن‬
‫تنبهُ ( ففقد صاوابهُ تماَماَ وفجأَة ظهرت غزالة فشغل نفسهُ بهاَ ‪ ,‬فأَخذت‬
‫الغزالة تخاَطبهُ قَاَئلة ‪ :‬إنهم بعثوني لصيدك ‪ ,‬وإنك لن تستطيع صايدي ‪,‬‬
‫ألهذا خلقت ؟ أو بهذا أمرت ؟ إنك خلقت للذي للذي تعملهُ وليس لك عمل‬
‫آخر ‪ ,‬فقاَل إبراهيم ‪ :‬ترى ماَ هذهُ الحاَل ‪....‬؟ وأشاَح بوجههُ عن الغزالة ‪,‬‬
‫فأَرِتفع نفس ذلك الصوت الذي قَد سمعهُ من الغزالة من قَربوس السرج ‪,‬‬
‫فوقَر في نفسهُ الخوف والفزع وأزداد كشفاَ ‪ ,‬وحيث أن الحق تعاَلى أرِاد‬
‫أن يتم المر ارِتفع ذلك الصوت ثلث مرات أخر من حلقة جيبهُ ‪ ,‬وبلغ ذلك‬
‫الكشف هناَ حد الكماَل ‪ ,‬وأنفتح عليهُ الملكوت ونزل ‪ ,‬وحصل لهُ اليقين ‪,‬‬
‫فاَبتلت الملبس والجواد من ماَء عينيهُ ‪ ,‬وتاَب توبة نصوحاَ ‪ ,‬وانتحى ناَحية‬
‫من الطريق ‪ ,‬فرأى رِاعياَ يرتدي لباَدا ‪ ,‬وقَد وضع قَلنسوة من اللباَد على‬
‫رِأسهُ ‪ ,‬وأماَمهُ الغناَم وأخذ منهُ اللباَد ولبسهُ ووضع قَلنسوة اللباَد على‬
‫رِأسهُ وطفق يسير رِاجل في الجباَل والبرارِي هاَئماَ على وجههُ ينوح من‬
‫ذنوبهُ ‪ ,‬ثم غاَدرِ المكاَن إلى أن بلغ نيساَبورِ ‪ ,‬فأَخذ يبحث عن زاوية خاَلية‬
‫يتعبد فيهاَ حتى وصال إلى ذلك الغاَرِ المعروف واعتكف فيهُ تسعة أعوام ‪.‬‬

‫ومن ذا الذي يعلم ماَ كاَن يفعلهُ هناَك في الليل والنهاَرِ ‪ ,‬إنهُ ينبغي أن‬
‫يكون رِجل عظيماَ ذا ماَدة واسعة حتى يستطيع القَاَمة في مثل ذلك‬
‫المكاَن ‪ ,‬وصاعد إبراهيم يوم خميس إلى ظاَهر الغاَرِ وجمع حزمة حطبِ‬
‫واتجهُ في الصباَح إلى نيساَبورِ حيث باَعهاَ ‪ ,‬وصالى الجمعة واشترى بثمن‬
‫الحطبِ خبزا ‪ ,‬وأعطى نصفهُ لفقير وتناَول النصف الخر ‪ ,‬وأتخذ منهُ‬
‫إفطاَرِهُ وداوم صاياَمهُ حتى السبوع التاَلي ‪ ,‬وبعد أن وقَف الناَس على‬
‫شأَنهُ هرب من الغاَرِ وتوجهُ إلى مكة ‪ ,‬وقَيل أنهُ بقي أرِبعة عشر عاَماَ‬
‫يطوي الباَدية حيث كاَن يصلي ويتضرع طوال الطريق حتى أشرف على‬
‫‪40‬‬
‫مكة ‪ ,‬ورِوي أنهُ كاَن لهُ طفل رِضيع عند مغاَدرِتهُ بلخ ‪ ,‬ولماَ أيفع طلبِ من‬
‫أمهُ أباَهُ ‪ ,‬فقصت لهُ الم الحاَل قَاَئلة ‪ :‬إن أباَك قَد تاَهُ ‪ ,‬ونقل عنهُ أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫عندماَ كنت أسير في الباَدية متوكل ‪ ,‬ولم أتناَول شيئاَ مدة ثلثة أياَم جاَءني‬
‫إبليس وقَاَل ‪ :‬أنت ملك ‪ ,‬وتركت هذهُ النعمة لتذهبِ جاَئعاَ إلى الحج ‪...‬؟ لقد‬
‫كاَن بمقدورِك الحج بعز وجلل حتى ل يصيبك كل هذا الذى ‪ ,‬قَاَل ‪ :‬عندماَ‬
‫سمعت هذا الكلم منهُ رِفعت صاوتي وقَلت ‪ :‬إلهي !! سلطت العدو على‬
‫الصديق حتى يحرقَني فأَغثني حتى أستطيع قَطع هذهُ الباَدية بعونك ‪,‬‬
‫فسمعت صاوتاَ يقول ‪ :‬ياَ إبراهيم ! ألق ماَ في جيبك حتى تكشف ماَ هو في‬
‫الغيبِ فمددت يدي إلى جيبي فوجدت أرِبعة دوانيق فضية كاَنت قَد بقيت‬
‫منسية ‪ ,‬ولماَ رِميتهاَ جفل إبليس مني وظهرت قَوة من الغيبِ ( ‪. 1‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫وورِد ذكرهُ وحكاَيتهُ أيضاَ في ) طبقاَت الصوفية ( للسلمي‬
‫وفي ) حلية الولياَء ( للصابهاَني ‪. 3‬‬
‫وفي ) الرساَلة ( للقشيري ‪. 4‬‬
‫وفي ) جمهرة الولياَء ( للمنوفي الحسيني ‪. 5‬‬
‫وفي ) نفحاَت النس ( للجاَمي ‪. 6‬‬
‫وفي ) طبقاَت الولياَء ( لبن الملقن المتوفى ‪ 804‬هـ ‪. 7‬‬
‫وفي ) الطبقاَت الكبرى ( للشعراني ‪. 8‬‬

‫فهذهُ هي قَصة إبراهيم بن أدهم ‪ ,‬وفيهاَ ماَ فيهاَ من ترك الهل والزوج‬
‫والولد بدون جريمة إرِتكبوهاَ ‪ ,‬وإثم اقَترفوهُ ‪ ,‬خلفاَ لوامر القرآن‬
‫وإرِشاَدات الرسول صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬المشهورِة المعروفة شبهاَ ببوذا‬
‫‪ ,‬وهاَهي خلصاة قَصتهُ ‪:‬‬

‫) وكاَنت قَبيلة ساَكياَس تقطن في شماَل بناَرِس ‪ ,‬وهي التي ولد فيهاَ‬
‫أواسط القرن الساَدس قَبل الميلد ‪ ,‬وقَد ماَت في سنة ‪ 478‬قَبل الميلد‬
‫بعد أن عمر ثماَنين عاَماَ ‪ .‬وتزوج بوذا في سن التاَسعة عشرة ابنة عمهُ ‪,‬‬
‫وكاَن في رِغد وسعاَدة ‪ .‬وبينماَ كاَن يسير يوماَ إلى الصيد وهو في التاَسعة‬
‫والعشرين شاَهد رِجل قَد بلغ من كبر سنهُ منتهى الضعف والعجز ‪ ,‬ورِأى‬
‫في وقَت آخر شخصاَ مبتلى بمرض استعصى علجهُ ويحتمل اللم وبعد‬
‫مدة أخرى تأَثر واشمأَز لرؤية منظرا كريهاَ لجثة في حاَلة من الفساَد ‪,‬‬
‫وكاَن خاَدمهُ وصااَحبهُ الوفي المسمى ) جاَناَ ( يذكرهُ وينبههُ في كل هذهُ‬
‫الحاَلت ويقول لهُ ‪ ) :‬هذا هو مصير حياَة البشر ( وشاَهد بوذا أحد النساَك‬
‫يمر عليهُ وهو في منتهى الراحة والبهة والكرامة فسأَل جاَناَ ماَ حاَل هذا‬
‫الرجل ‪ ..‬؟ فحكى لهُ جاَناَ تفصيل عن أخلق الزهاَد الذين أعرضوا عن كل‬
‫شيء وعن أحوالهم ‪ ,‬وقَاَل لهُ ‪ :‬إن هؤلء الجماَعة في سير وأرِتحاَل دائم‬
‫وهم يعلمون الناَس أثناَء سياَحتهم ورِحلتهم تعاَليم هاَمة باَلقول والعمل ‪.‬‬

‫انظر ) تذكرة الولياء ( لفريد الدين العطار ص ‪ 53‬وما بعد ط باكستان ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫طبقات السلمي ص ‪ 12‬مطابع الشعب القاهرة ‪1380‬هـ ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫حلية الولياء للصبهاني ج ‪ 7‬ص ‪ 367‬وما بعد ط دار الكتاب العربي لبنان ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫الرسالة القشيرية ج ‪ 1‬ص ‪ 54‬وما بعد ط دار الكتب الحديثة – القاهرة بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫جمهرة الولياء ج ‪ 2‬ص ‪ 125‬ط مؤسسة الحلبي ‪ -‬القاهرة ‪1967‬م ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫نفحات النس للجامي ص ‪ 41‬الطبعة الفارسية إيران ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫طبقات الولياء لبن ملقن ص ‪ 5‬نشر مكتبة الخانجي – القاهرة الطبعة الولى ‪ 1393‬هـ ‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫الطبقات الكبرى للشعراني ج ‪ 1‬ص ‪. 69‬‬ ‫‪8‬‬


‫‪41‬‬
‫والخلصاة أنهُ برغم إختلف الرواياَت ل شك في أن ذهن هذا المير الشاَب‬
‫قَد أخذ يضطرب تدرِيجياَ وينفر من الحياَة وضوضاَئهاَ ‪.‬‬

‫ووفد عليهُ رِسول يوماَ في أثناَء أزماَعهُ العودة من النزهة وبشرهُ بميلد‬
‫ولد هو أول مولود لهُ ‪ ,‬فقاَل بوذا لنفسهُ في تلك الحاَلة النفسية‬
‫المضطربهُ دون أن يشعر ‪ ) :‬ماَ هي ذي رِابطة جديدة تربطني باَلدنياَ ( ‪.‬‬
‫والخلصاة أنهُ عاَد إلى المدينة بينماَ كاَن المطربون يلتفون حولهُ ‪ .‬فطرب‬
‫ورِقَص في تلك الليلة أقَاَرِبهُ وذوو رِحمهُ فرحاَ باَلمولود الجديد ‪ .‬لكن بوذا‬
‫كاَن من المتعاَض والضطراب بحيث لم يكترث بتلك الوضاَع أبدا ‪ .‬وأخيرا‬
‫نهض من فراشهُ في آخر الليل كمن التهمت الناَرِ دارِهُ وأوعز إلى جاَناَ أن‬
‫يحضر لهُ الفرس ومد رِأسهُ في هذهُ الثناَء إلى غرفة زوجتهُ وولدهُ الوحيد‬
‫من غير أن يوقَظهماَ وعلى العتبة أخذ على نفسهُ عهدا أل يعود إلى دارِهُ‬
‫ماَ لم يصبح ) بوذا ( أي ) حكيماَ مستنيرا ( وقَاَل ‪:‬‬
‫) أذهبِ لعود إليكم معلماَ وهاَدياَ ل زوجاَ ووالدا ( والخلصاة أنهُ خرج مع جاَناَ‬
‫وهاَم في البرارِي ‪ ,‬وفي هذهُ اللحظة ظهر في السماَء ) ماَرِا ( أي‬
‫الوسواس الكبير ) إبليس أو النفس الماَرِة ( ووعدهُ باَلملك والعز في‬
‫الدنياَ بأَسرهاَ لكي يرجع عن عزمهُ لكنهُ لم يقع في شرك الوسوسة ‪ .‬فساَرِ‬
‫بوذا قَليل في تلك الليلة على شاَطئ النهر ثم وهبِ لجاَناَ جوهرهُ وملبسهُ‬
‫الفاَخرهُ وأعاَدهُ ومكث سبعة أياَم بلياَليهاَ في غاَبة ثم التحق إلتحق بخدمة‬
‫برهمي يدعى ) الرِا ( كاَن في تلك البقعة وأختاَرِ بعد ذلك صاحبة برهمي‬
‫آخر يسمى ) أودرِاكاَ ( وتعلم من هذين الرجلين حكمة وعلوم الهند كلهاَ ‪,‬‬
‫ولكن قَلبهُ لم يستقر بعد فذهبِ إلى غاَبة كاَنت في أحد الجباَل ‪ ,‬وهناَك‬
‫صاحبِ خمسة من التلميذ الذين كاَنوا يحيطون بهُ وماَرِس التوبة‬
‫والرياَضاَت الشاَقَة ست سنين حتى اشتهر في تلك الناَحية ‪ ,‬فاَعتزم لهذا‬
‫أن يهجر ذلك المكاَن ولماَ قَاَم ليذهبِ سقط على الرِض لشدة ضعفهُ‬
‫وعجزهُ ‪ ,‬وغاَب عن وعيهُ بحيث ظن تلميذهُ أنهُ فاَرِق الحياَة ‪ ,‬ولكنهُ عاَد إلى‬
‫رِشدهُ فترك الرياَضاَت الشاَقَة منذ ذلك الحين وأخذ يأَكل طعاَمهُ باَنتظاَم ‪,‬‬
‫ولماَ رِأى التلميذ الخمسة الذين كاَنوا في صاحبتهُ أنهُ مل من الرياَضة‬
‫نفضوا أيديهم من إحترامهُ وتركوهُ وذهبوا بناَرِس ‪.‬‬

‫أماَ بوذا فإنهُ ترك ملذات الدنياَ وثروتهاَ والمقاَم فيهاَ حتى يناَل الضمير‬
‫والطمأَنينة عن طريق التعلم والفلسفة وحكمة الخرين فلم يستطع أن‬
‫يناَل بتلك الرياَضة والتوبة طمأَنينة القلبِ التي كاَن يصبوا إليهاَ والحاَصال‬
‫أنهُ بقي حيران في أمرهُ ذاهل وفي نفس ذلك اليوم الذي تفرق فيهُ عن‬
‫تلمذتهُ مكث بوذا تحت شجرة يتأَمل ويفكر في نفسهُ ‪ ,‬ماَذا يعمل ‪ ...‬؟ وأي‬
‫طريق يتبع ‪ ..‬؟ وهاَجمتهُ وساَوس كثيرة وتاَقَت نفسهُ إلى الزوجة والولد‬
‫والجاَهُ والثروة والترف والنعيم ‪ ,‬واستمر هذا الكفاَح والجهاَد مع النفس‬
‫حتى غروب الشمس ‪ .‬ونتيجة لهذا الكفاَح اتصل ) بنير فاَناَ ( وتأَكد لديهُ أنهُ‬
‫أصابح ) بوذا( أي أنهُ ناَل الشراق واستناَرِ ‪ ,‬وحينئذ ناَل بوذا ماَ كاَن يصبو‬
‫إليهُ من الراحة والطمأَنينة ‪ .‬لذلك عزم أن يماَرِس الرِشاَد ‪ .‬وأن يعرض‬
‫رِغبتهُ على الخرين ‪ ,‬وكاَن بوذا وقَتئذ في الخاَمسة والثلثين من عمرهُ‬
‫فقصد في باَدئ المر أستاَذيهُ ) الرِا ( و ) أودرِاكاَ ( ولكنهُ علم بعد ‪ ,‬بأَنهماَ‬
‫قَد توفياَ ‪ ,‬فذهبِ إلى تلمذتهُ الخمسة من بناَرِس وأرِشدهم وجعلهم من‬
‫‪42‬‬
‫أتباَعهُ ‪ ,‬وآمن بهُ أبوهُ وأمهُ وزوجتهُ كذلك ‪ ,‬ثم أمر زمرة من خواص مريديهُ‬
‫أن يقوموا بإرِشاَد الناَس ( ‪. 1‬‬

‫فهذهُ هي خلصاة قَصة بوذا ‪ ,‬وهي عين ماَ ذكرهُ الصوفية عن إبراهيم بن‬
‫ي الدرِاويش ‪ ,‬وبلغ درِجة‬ ‫أدهم ابن المير البلخي الذي طلق الدنياَ وتزّياَ بز ّ‬
‫أكاَبر الصوفية برياَضتهُ الطويلة ‪ ,‬وتلك صاورِة طبق لصال لماَ كاَنوا قَد‬
‫سمعوهُ عن حياَة بوذا ‪. 2‬‬

‫ثم عّلق عليهُ الدكتورِ قَاَسم غني الباَحث اليراني بقولهُ ‪:‬‬

‫) وحدس ) جولدزيهر ( يمكن أن يكون صاحيحاَ وهو من الحتماَلت القريبة‬


‫من الواقَع ‪ ,‬وقَد شوهدت لهاَ نظاَئر كثيرة – إلى أن قَاَل ‪ : -‬وإذا ماَ قَاَرِن‬
‫أحد بين قَصة بوذا كماَ ورِدت في مدوناَت البوذيين بقصة إبراهيم بن أدهم‬
‫ذات الطاَبع السطورِي ‪ ,‬الوارِدة في كتبِ تراجم العاَرِفين مثل ) حلية‬
‫الولياَء ( للصافهاَني ‪ ,‬و ) تذكرة الولياَء ( للشيخ العطاَرِ وجد شبهاَ عجيباَ‬
‫بين تلك القصتين يستلف نظرة ( ‪. 3‬‬

‫هذا وهناَك أقَوال لبراهيم بن أدهم وغيرهُ من كباَرِ الصوفية وأقَطاَبهم‬


‫في الزواج والولد تخبر بجلء عن موارِدهاَ ومناَبعهاَ ‪ ,‬فهاَ هي تلك القَوال‬
‫من أهم كتبِ الصوفية ‪:‬‬
‫ينقل الطوسي والعطاَرِ عن إبراهيم بن أدهم أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) إذا تزوج الفقير فمثلهُ مثل رِجل قَد رِكبِ السفينة ‪ ,‬فإذا ولد لهُ ولد قَد‬
‫غرق ( ‪. 4‬‬

‫ونقل السهرورِدي عنهُ أنهُ قَاَل ‪ ) :‬من تعود أفخاَذ النساَء ل يفلح ( ‪.5‬‬
‫ونقل أبو طاَلبِ المكي ‪ -‬وهو من أعلم الصوفية الباَرِزين وأئمتهم‬
‫المتوفى سنة ‪ 386‬هـ – عن قَطبِ من أقَطاَب الصوفية الوائل عن أبي‬
‫سليماَن الدارِاني المتوفى سنة ‪ 215‬هـ ‪:‬‬
‫) من تزوج فقد رِكن إلى الدنياَ ( ‪. 6‬‬
‫ونقل السهرورِدي في ) عوارِفهُ ( الذي هو أشهر كتاَب في التصوف عن‬
‫أبي سليماَن الدارِاني أيضاَ أنهُ قَاَل ‪ ) :‬ماَ رِأيت أحدا من أصاحاَبناَ تزوج فثبت‬
‫على مرتبتهُ ( ‪. 7‬‬

‫ونقل المكي عن سيد الطاَئفة الجنيد البغدادي أنهُ قَاَل ‪ ) :‬أحبِ للمريد‬
‫المبتدي أن ل يشغل قَلبهُ باَلتزوج ( ‪. 8‬‬

‫‪ 1‬انظر للت دستر الباب الحادي والعشرون فقرات ‪ , 131 , 127 , 126 , 125‬أيضا دائرة المعارف البريطانية نقل عن تاريخ‬
‫التصوف في السلم للدكتور قاسم غني ترجمة عربية ص ‪ 223‬وما بعد ‪ ,‬أيضا جستجودر تصوف إيران ) فارسي ( للدكتور‬
‫عبد الحسين زرين كوب ص ‪ 7 , 6‬ط مؤسسة انتشادات امير كبير طهران ‪ 1363‬هجري قمري ‪.‬‬
‫‪ 2‬نفس المصدر السابق أيضا ‪.‬‬
‫‪ 3‬انظر تاريخ التصوف في السلم للدكتور قاسم غني عربية ص ‪. 223‬‬
‫‪ 4‬كتاب اللمع للطوسي ص ‪ 265‬باب آداب المتأهلين ومن ولد بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود وطه عبد الباقي سرور ‪,‬‬
‫وتذكرة الولياء للعطار ص ‪ 57‬ط باكستان ‪.‬‬
‫‪ 5‬عوارف المعارف للسهروردي ص ‪ , 166‬أيضا غيث المواهب العلمية للنفزي الرندي ج ‪ 1‬ص ‪. 208‬‬
‫‪ 6‬قوت القلوب لبي طالب المكي ج ‪ 1‬ص ‪ 252‬ط دار صادر بيروت ‪ ,‬غيث المواهب العلية ج ‪ 1‬ص ‪. 208‬‬
‫‪ 7‬عوارف المعارف للسهروردي الباب الحادي والعشرون ص ‪ 165‬ط دار الكتاب العربي بيروت ‪ 1983‬م ‪.‬‬
‫‪ 8‬انظر قوت القلوب في معاملة المحبوب لبي طالب المكي ج ‪ 1‬ص ‪. 267‬‬
‫‪43‬‬
‫كماَ نقل عن بشر بن الحاَرِث أنهُ قَيل لهُ ‪ ) :‬إن الناَس يتكلمون فيك ‪,‬‬
‫فقاَل ‪ :‬وماَ عسى يقولون ؟ قَيل ‪ :‬يقولون ‪ :‬إنك تاَرِك السنة يعنون النكاَح ‪.‬‬
‫فقاَل ‪ :‬قَل لهم ‪ :‬إني مشغول باَلفرض عن السنة ‪ ,‬وقَاَل مرة ‪ :‬ماَ يمنعني‬
‫من ذلك إل آية في كتاَب اللهُ تعاَلى قَولهُ ‪ } :‬ولهن مثل الذي عليهن { ‪ ,‬و‬
‫لعسى أن ل أقَوم بذلك ‪ ,‬وكاَن يقول ‪ :‬لو كنت أعول دجاَجة لخفت أن أكون‬
‫جلد ا ً على الجسر هذا ‪ .‬يقولهُ في سنة عشرين وماَئتين والحلل والنساَء‬
‫أحمد عاَقَبة ‪ ,‬فكيف بوقَتناَ هذا ؟‬
‫فاَلفضل للمريد في مثل زماَنناَ هذا ترك التزويج ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ويقول السهرورِدي ‪:‬‬


‫) التزوج انحطاَط من العزيمة إلى الرخص ‪ ,‬وجوع من الترمح إلى النقص ‪,‬‬
‫وتقيدا باَلولد والزواج ‪ ,‬ودورِان حول مظاَن العوجاَج ‪ ,‬والتفاَف إلى‬
‫الديناَ بعد الزهاَدة ‪ ,‬وانعطاَف على الهوى بمقتضى الطبيعة والعاَدة ( ‪. 2‬‬
‫ثم نقل حديثاَ مكذوباَ على رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) خيركم بعد الماَئتين رِجل خفيف الحاَذ ‪ ,‬قَيل ‪ :‬ياَ رِسول اللهُ وماَ خفيف‬
‫الحاَذ ؟ ‪ .‬قَاَل ‪ :‬الذي ل أهل لهُ ول ولد ‪ .‬وقَاَل بعض الفقراء ‪ -‬لماَ قَيل لهُ ‪:‬‬
‫تزوج ‪ : -‬أناَ إلى أن أطلق نفسي أحوج مني إلى التزوج ( ‪. 3‬‬

‫وصاوفي آخر محمد بن إبراهيم النفزي الرندي المتوفى سنة ‪ 792‬هـ ينقل‬
‫عن صاوفي قَديم آخر ‪ ,‬وهو سهل بن عبد اللهُ التستري أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫عدات من الحكمة‬ ‫) إياَكم والستمتاَع باَلنساَء ‪ ,‬والميل إليهن ‪ ,‬فإن النساَء مب ّ‬
‫‪ ,‬قَريباَت من الشيطاَن ‪ ,‬وهي مصاَيدهُ وحظهُ من بني آدم ‪ ,‬فمن عطف‬
‫إليهن بكليتهُ فقد عطف على حظ الشيطاَن ‪ ,‬ومن حاَد عنهن يئس منهُ ‪,‬‬
‫وماَ ماَل الشيطاَن إلى أحد كميلهُ إلى من استرق باَلنساَء ‪ ,‬وإن الشر معهن‬
‫ن ‪ ,‬فإذا رِأيتم في وقَتكم من قَدرِكن إليهن فاَيأَسوا منهُ ‪.‬‬‫حيث ك ّ‬

‫ي من دنياَكم ثلث ‪,‬‬ ‫قَيل لهُ ‪ :‬فحديث النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ :‬حّببِ إل ّ‬
‫فذكر النساَء ؟ ‪.‬‬
‫ّ‬
‫فقاَل ‪ :‬النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم معصوم ‪ ,‬وقَد بلغكم ماَ كاَن فيهُ معهن ‪,‬‬
‫وة الرجل ظاَهرا وباَطناَ ‪ ,‬إن ظهرت لهُ لمحبة أهلكتهُ ‪ ,‬وإن أضمر‬ ‫هي عد ّ‬
‫تهاَلهُ ‪ ,‬وإن اللهُ عز وجل جعلهن فتنة ‪ ,‬فنعوذ باَللهُ من فتنتهن ( ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ونقل عن صاوفي آخر حذيفة المرعشي المتوفى ‪ 207‬هـ أنهُ قَاَل ‪:‬‬

‫) كاَن ينبغي للرجل لو خّير بين أن يضرب عنقهُ ‪ ,‬وبين أن يتزوج امرأة في‬
‫الفتنة لختاَرِ ضرب العنق على تزويج امرأة في الفتنة ( ‪. 5‬‬
‫ونقل ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر علي المصري المتوفى ‪804‬‬
‫هـ في كتاَبهُ عن أحد كباَرِ الصوفية ‪:‬‬

‫‪ 1‬قوت القلوب ج ‪ 2‬ص ‪ , 238‬أيضا عوارف المعارف ص ‪ , 165‬أيضا الطبقات الكبرى للشعراني ج ‪ 1‬ص ‪ 73‬ط دار العلم‬
‫للجميع ‪ -‬القاهرة ‪ 1954‬م ‪.‬‬
‫‪ 2‬انظر عوارف المعارف ص ‪. 165 , 164‬‬
‫‪ 3‬نفس المصدر ص ‪. 165‬‬
‫‪ 4‬غيث المواهب العلية في شرح حكم العطائية لبي عبد الله محمد بن إبراهيم النفزي ج ‪ 1‬ص ‪ 209‬بتحقيق الدكتور عبد‬
‫الحليم محمود والدكتور محمود الشريف ط مطبعة السعادة القاهرة ‪.‬‬
‫‪ 5‬نفس المصدر ‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫) ماَ تزوج أحد من أصاحاَبناَ إل تغير ( ‪. 6‬‬
‫ونقل الشعراني عن رِباَح بن عمرو القيسي ‪ -‬من الصوفية الوائل ‪ -‬أنهُ‬
‫قَاَل ‪:‬ل يبلغ الرجل إلى مناَزل الصديقين حتى يترك زوجتهُ كأَنهاَ أرِملة ‪,‬‬
‫وأولدهُ كأَنهم أيتاَم ‪ ,‬ويأَوي إلى مناَزل الكلب ‪. 2‬‬

‫وكتبِ صاوفي قَديم آخر ‪ ,‬وهو أبو الحسن علي الهجويري المتوفى قَريباَ‬
‫سنة ‪ 465‬هـ قَصة غريبة في العزلة والتجرد نقل عن إبراهيم الخواص أنهُ‬
‫قَاَل ‪:‬‬
‫) وصالت إلى قَرية بقصد زياَرِة عظيم كاَن هناَلك ‪ ,‬ولماَ ذهبت إلى دارِهُ‬
‫رِأيت بيتاَ نظيفاَ مثل معبد الولياَء ‪ ,‬وقَد جعل في زاويتين من البيت‬
‫محرابين ‪ ,‬وجلس في أحدهماَ شيخ ‪ ,‬وفي الخر عجوز نظيفة وضيئة ‪ ,‬وقَد‬
‫ضعف كلهماَ من كثرة العباَدة ‪ ,‬فأَظهر السرورِ بقدومي ‪ ,‬وبقيت هناَلك‬
‫ثلثة أياَم ‪ ,‬ولماَ أرِدت العودة سأَلت الشيخ ‪ :‬من تكون لك تلك العفيفة ؟‬
‫قَاَل ‪ :‬هي من ناَحية ابنهُ عمي ‪ ,‬ومن ناَحية أخرى زوجي ‪ ,‬فقلت ‪ :‬رِأيتكماَ‬
‫خلل هذهُ الياَم الثلثة كاَلغربيين تماَماَ في الصحبة ‪ ,‬قَاَل ‪ :‬نعم ‪ ,‬منذ‬
‫خمسة وستين عاَماَ ونحن كذلك فسأَلتهُ عن سببِ ذلك ‪ ,‬فقاَل ‪ :‬إعلم إنناَ‬
‫كناَ عاَشقين لحدناَ الخر في الصغر ‪ ,‬ولم يكن أبوهاَ يعطيهاَ لي لن محبتناَ‬
‫صااَرِت معروفة ‪ ,‬فتحملت ذلك حتى توفى أبوهاَ ‪ ,‬وكاَن والدي عمهاَ ‪,‬‬
‫فزوجهاَ لي ‪ ,‬فلماَ كاَنت الليلة الولى من تلقَيناَ قَاَلت لي ‪ :‬أنت تعلم أية‬
‫نعمة أنعمهاَ اللهُ عليناَ إذ أوصال كلمناَ إلى الخر ‪ ,‬وأفرغ قَلبيناَ من القيود‬
‫والفاَت السيئة ‪ ,‬فقلت ‪ :‬نعم ‪ ,‬قَاَلت ‪ :‬فلنمنع أنفسناَ الليلة عن هوى‬
‫النفس ‪ ,‬وندس على مرادناَ ‪ ,‬ونعبد اللهُ شكرا ً على هذهُ النعمة ‪ ,‬فقلت ‪ :‬هذا‬
‫صاواب ‪ ,‬وقَاَلت هذا نفسهُ في الليلة التاَلية ‪ .‬وقَلت أناَ في الليلة الثاَلثة ‪:‬‬
‫لقد أديناَ الشكر ليلتين من أجلك ‪ ,‬فلنقض ليلتين أيضاَ في العباَدة من‬
‫أجلي ‪ .‬وقَد تمت الن خمسة وستون عاَماَ لم يمس أحدناَ الخر ‪ ,‬ونحن‬
‫نقضي كل العمر في شكر النعمة ( ‪. 3‬‬

‫وقَاَل بعد نقلهاَ ونقل أشياَء أخرى ‪:‬‬


‫) وفي الجملة ‪ :‬إن أول فتنة قَدرِت على آدم في الجنة كاَن أصالهاَ امرأة ‪.‬‬
‫وأول فتنة ظهرت في الدنياَ ‪ -‬أي فتنة هاَبيل وقَاَبيل ‪ -‬كاَنت أيضاَ بسببِ‬
‫امرأة ‪ .‬وحين أرِاد اللهُ تباَرِك وتعاَلى أن يعذب إثنين من الملئكة جعل سببِ‬
‫ذلك امرأة ‪ .‬وهن جميعاَ إلى يومناَ هذا سببِ جميع الفتن الدينية والدنيوية ‪,‬‬
‫لقولهُ عليهُ السلم ‪ ) :‬ماَ تركت بعدي فتنة أضر على الرجاَل من النساَء ( ‪,‬‬
‫فإذا كاَنت فتنتهن بهذا القدرِ في الظاَهر ‪ ,‬فكيف تكون في الباَطن ؟‬
‫وأناَ علي بن عثماَن الجلبي ‪ ,‬من بعد أن حفظني الحق تعاَلى من آفة‬
‫الزواج أحد عشر عاَماَ ‪ ,‬قَدرِ أن وقَعت في الفتنة ‪ ,‬وصااَرِ ظاَهري وباَطني‬
‫أسير الصفة التي كاَنوا عليهاَ معي ‪ ,‬دون أن تكون هناَلك رِؤية ‪ ,‬وقَد‬
‫استغرقَت في ذلك عاَماَ ‪ ,‬بحيث كاَن يفسد على ديني ‪ ,‬إلى أن بعث الحق‬
‫ن‬‫تعاَلى بكماَل فضلهُ وتماَم لطفهُ عصمتهُ لستقباَل قَلبي المسكين ‪ ,‬وم ّ‬
‫ي باَلخلص برحمتهُ ‪ ,‬والحمد للهُ على جزيل نعماَئهُ ‪.‬‬
‫عل ّ‬

‫طبقات الولياء لبن الملقن ص ‪ 36‬نشر مكتبة الخانجي القاهرة الطبعة الولى ‪ 1393‬هـ ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫طبقات الشعراني ج ‪ 1‬ص ‪. 46‬‬ ‫‪2‬‬

‫كشف المحجوب للهجويري ص ‪. 611 , 610‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪45‬‬
‫وفي الجملة فإن قَاَعدة هذا الطريق وضعت على التجريد ‪ ,‬وعندماَ جاَء‬
‫التزويج اختلف أمرهم ‪ ,‬ول يوجد أي عساَكر الشهوة إل ويمكن إخماَد ناَرِهُ‬
‫باَلجتهاَد ‪ ,‬لن الفة التي تنشأَ منك تكون آلة دفعهاَ معك أيضاَ ‪ ,‬ول يلزم‬
‫الغير حتى تزول عنك تلك الصفة ‪.‬‬

‫وزوال الشهوة يكون بشيئين ‪ :‬واحد يدخل تحت دائرة التكلف ‪ ,‬وواحد يخرج‬
‫عن دائرة الكسبِ والمجاَهدة ‪ ,‬فماَ يدخل في تكلف الدمي ومقدورِهُ هو‬
‫الجوع ‪ ,‬وأماَ ماَ يخرج من التكلف الهمم ‪ ,‬وتنشر المحبة سلطاَنهاَ في أجزاء‬
‫الجسد ‪ ,‬وتعزل كل الحواس عن أوصااَفهم ‪ ,‬وتجذب كل العبد ‪ ,‬وتغني عنهُ‬
‫الهزل ‪.‬‬

‫وإن الحمد بن حماَد السرخسي ‪ ,‬الذي كاَن رِفيقي في ماَ ورِاء النهر ‪ ,‬رِجل‬
‫محتشماَ ‪ ,‬قَيل لهُ ‪ :‬أبك حاَجة إلى التزويج ‪ ,‬قَاَل ‪:‬ل ‪ ,‬قَاَلوا ‪ :‬لم ؟ قَاَل ‪ :‬إنني‬
‫في حاَلي إماَ أن أكون غاَئباَ عن نفسي ‪ ,‬وإماَ أن أكون حاَضرا بنفسي ‪.‬‬
‫وحين أكون غاَئباَ ل أفكر في الكونين ‪ ,‬وحين أكون حاَضرا فإنني أجعل‬
‫نفسي بحيث إذا وجدت رِغيفاَ تعتبر أنهاَ وجدت ألفاَ من الحورِ ‪ .‬فاَنشغاَل‬
‫القلبِ بكل ماَ تريدهُ يكون عظيماَ ‪ ,‬فتنبهُ ( ‪. 1‬‬

‫وذكر السراج الطوسي أيضاَ قَصة صاوفي تزوج من امرأة فبقيت عندهُ‬
‫ثلثين سنة وهي بكر ‪. 2‬‬
‫وذكر العطاَرِ عن عبد اللهُ بن خفيف الصوفي المشهورِ أنهُ تزوج أرِبعماَئة‬
‫امرأة ولكنهُ لم يجاَمع واحدة منهن ‪. 3‬‬
‫وهل لساَئل أن يسأَل ‪ :‬ماَ الغرض الذي كاَن من نكاَحهُ إياَهن ؟ ‪.‬‬
‫والشعراني أيضاَ عن صاوفي آخر ياَقَوت العرشي أنهُ تزوج ابنة شيخهُ أبي‬
‫العباَس المرسي فمكثت عندهُ ثماَني عشرة سنة ل يقربهاَ حياَء من والدهاَ‬
‫ومنهاَ ‪ ,‬وفاَرِقَهاَ باَلموت وهي بكر ‪. 4‬‬

‫ونقل عن الشعراني أيضاَ عن أحد المتقدمين من الصوفية مطرف بن عبد‬


‫اللهُ الشغير المتوفى سنة ‪ 207‬هـ أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) من ترك النساَء والطعاَم فلبد لهُ من ظهورِ كرامة ( ‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫ونقل أيضاَ في كتاَبهُ ) تنبيهُ المغتربين ( من أحد الصوفية أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫من تزوج فقد أدخل الدنياَ بيتهُ ‪ ...‬فاَحذرِوا من التزويج ‪. 6‬‬

‫وينقل ابن الجوزي عن أبي حاَمد الغزالي أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) ينبغي أن ل يشغل المريد نفسهُ باَلتزويج ‪ ,‬فإنهُ يشغلهُ عن السلوك‬
‫ويأَنس باَلزوجة ‪ ,‬ومن أنس بغير اللهُ شغل عن اللهُ تعاَلى ( ‪. 7‬‬
‫هذا ومثل هذا كثير ‪.‬‬
‫‪ 1‬كشف المحجوب الطبعة العربية ‪. 611 , 610‬‬
‫‪ 2‬اللمع للسراج الطوسي ص ‪. 264‬‬
‫‪ 3‬انظر تذكرة الولياء لفريد الدين العطار ص ‪ 241‬ط باكستان ‪.‬‬
‫‪ 4‬الخلق المتبولية لعبد الوهاب الشعراني ج ‪ 3‬ص ‪ 179‬بتحقيق الدكتور منيع عبد الحليم محمود ط مطبعة دار التراث‬
‫العربي – القاهرة ‪ 1974‬م ‪.‬‬
‫‪ 5‬طبقات الشعراني ص ‪. 34‬‬
‫‪ 6‬تنبيه المغتربين للشعراني ص ‪. 29‬‬
‫‪ 7‬انظر تلبيس إبليس لبن الجوزي ص ‪. 286‬‬
‫‪46‬‬
‫ولقد بوب الصوفية في كتبهم أبواباَ مستقلة في مدح العزوبة وذم التزويج‬
‫‪ ,‬وهذا المر ل يحتاَج إلى بياَن أنهُ لم يأَخذهُ المتصوفة إل من رِهباَن‬
‫النصاَرِى ونساَك المسيحية الذين ألزموا أنفسهم التبتل ‪ ,‬خلفاَ لفطرة اللهُ‬
‫التي فطر الناَس عليهاَ ‪.‬‬

‫تقليدا لهم واتباَعاَ لسنتهم ‪ ,‬واقَتداء لمساَلكهم ومشاَرِبهم ‪ ,‬مخاَلفبن‬


‫أوامر اللهُ وأوامر رِسولهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم الناَسخ لجميع الشرائع‬
‫والدياَن ‪ ,‬المبعوث بمكاَرِم الخلق وفضاَئل العاَدات ‪ ,‬فاَللهُ يأَمر المؤمنين‬
‫في محكم كتاَبهُ بنكاَح النساَء مثنى وثلث ورِباَع وعند الخوف من عدم‬
‫العدل بواحدة ‪ ,‬فيقول جل من قَاَئل ‪:‬‬

‫مث َْنى‬
‫ساَء َ‬ ‫ن الن ّ َ‬‫م َ‬‫كم ّ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫طاَ َ‬‫ماَ َ‬‫حوا ْ َ‬‫فاَنك ِ ُ‬‫مى َ‬ ‫في ال ْي ََتاَ َ‬ ‫طوا ْ ِ‬‫س ُ‬ ‫ق ِ‬‫م َأل ّ ت ُ ْ‬ ‫خ ْ‬
‫فت ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫وإ ِ ْ‬
‫} َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك أدَْنى أل ّ‬ ‫ماَن ُك ُ ْ‬
‫م ذَل ِ َ‬ ‫ت أي ْ َ‬‫ملك َ ْ‬‫ماَ َ‬
‫و َ‬‫حدَةً أ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫دلوا َ‬
‫ف َ‬ ‫م أل ّ ت َ ْ‬
‫ع ِ‬ ‫خ ْ‬
‫فت ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫فإ ِ ْ‬‫ع َ‬ ‫وُرَِباَ َ‬
‫ث َ‬ ‫وُثل َ َ‬ ‫َ‬
‫عوُلوا { ‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫ْ‬ ‫تَ ُ‬
‫َ‬ ‫وقَاَل } َ‬
‫م ِإن ي َ ُ‬
‫كوُنوا‬ ‫ماَئ ِك ُ ْ‬
‫وإ ِ َ‬ ‫عَباَِدك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫حي َ‬‫صاَل ِ ِ‬
‫وال ّ‬‫م َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫مى ِ‬ ‫حوا اْلَياَ َ‬ ‫وأنك ِ ُ‬ ‫َ‬
‫م{ ‪. 2‬‬ ‫عِلي ٌ‬‫ع َ‬
‫س ٌ‬‫وا ِ‬ ‫هُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫وال‬ ‫هُ‬ ‫ل‬‫ض‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫من‬ ‫هُ‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ف َ‬
‫ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫غ ِ‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫قَراء ي ُ ْ‬

‫وجعل الزواج سبباَ لحصول السكون والطمأَنينة حيث قَاَل عز وجل ‪:‬‬
‫فسك ُ َ‬ ‫َ‬ ‫} ومن آياَت ِ َ‬
‫ل ب َي ْن َ ُ‬
‫كم‬ ‫ع َ‬
‫ج َ‬
‫و َ‬ ‫سك ُُنوا إ ِل َي ْ َ‬
‫هاَ َ‬ ‫جاَ ل ّت َ ْ‬
‫وا ً‬‫م أْز َ‬ ‫ن أن ُ ِ ْ‬ ‫م ْ‬‫كم ّ‬ ‫ق لَ ُ‬‫خل َ َ‬‫ن َ‬‫هُ أ ْ‬
‫َ ِ ْ َ ِ‬
‫ن{‬ ‫فكُرو َ‬ ‫ّ‬ ‫وم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ّ‬
‫تل َ‬
‫ق ْ‬ ‫َ‬
‫ك لَياَ ٍ‬‫في ذَل ِ َ‬ ‫ن ِ‬‫ة إِ ّ‬
‫م ً‬
‫ح َ‬‫وَرِ ْ‬
‫ودّةً َ‬
‫م َ‬
‫ّ‬

‫ورِسولهُ صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ يحذرِ المعرضين عنهُ في حديث طويل‬
‫أورِدهُ البخاَرِي ومسلم من حديث أنس من حديث أنس رِضي اللهُ عنهُ أنهُ‬
‫قَاَل ‪:‬‬

‫) إن نفر ا ً من أصاحاَب رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم سأَلوا أزواج النبي‬
‫عليهُ السلم عن عملهُ في السر فأَخبرهم فقاَل بعضهم ‪:‬ل آكل اللحم ‪,‬‬
‫وقَاَل بعضهم ‪:‬ل أتزوج النساَء ‪ ,‬وقَاَل بعضهم ‪:‬ل أناَم على فراش ‪ ,‬وقَاَل‬
‫بعضهم ‪ :‬أصاوم ول أفطر ‪ ,‬فحمد اللهُ النبي عليهُ الصلة والسلم وأثنى‬
‫عليهُ ‪ ,‬ثم قَاَل ‪ :‬ماَ باَل أقَوام قَاَلوا كذا وكذا ‪ ,‬لكني أصالي وأناَم وأصاوم‬
‫وأفطر وأتزوج النساَء ‪ .‬فمن رِغبِ عن سنتي فليس مني ( ‪. 3‬‬
‫وقَاَل ‪ ) :‬تزوجوا الولود الودود فإني مكاَثر بكم المم يوم القياَمة ( ‪. 4‬‬
‫وقَاَل عليهُ الصلة والسلم ‪ ) :‬حببِ إلى من الدنياَ الطيبِ والنساَء ‪ ,‬وجعلت‬
‫قَرة عيني في الصلة ( ‪. 5‬‬
‫وعن أبي ذرِ رِضي اللهُ عنهُ عن رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) وفي بضع أحدكم صادقَة ‪ ,‬قَاَلوا‪ :‬يأَتي أحدناَ شهوتهُ ويكون فيهاَ لهُ أجر ؟ ‪.‬‬
‫قَاَل ‪ :‬أفرأيتم لو وضعهُ في حرام ‪ ,‬هل عليهُ وزرِ ؟ قَاَلوا ‪ :‬نعم ‪ .‬قَاَل ‪:‬‬
‫فكذلك إذا وضعهاَ في الحلل كاَن لهُ أجر ( ‪. 6‬‬
‫سورة النساء الية ‪. 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫النور ‪. 32‬‬ ‫‪2‬‬

‫متفق عليه واللفظ للبخاري ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫رواه أبو داوود والنسائي والبيهقي عن معقل بن يسار ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫رواه أحمد والنسائي ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫رواه مسلم ‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫‪47‬‬

‫وماَ أحسن ماَ قَاَل إماَم أهل السنة والجماَعة أحمد بن حنبل رِحمة اللهُ‬
‫عليهُ ‪:‬‬
‫) ليس العزوبة من أمر السلم في شيء ‪ ,‬النبي عليهُ الصلة والسلم تزوج‬
‫أرِبع عشرة امرأة وماَت عن تسع ‪ ,‬ثم قَاَل ‪ :‬لو كاَن بشر بن الحاَرِث تزوج‬
‫قَد تم أمرهُ كلهُ ‪ ,‬لو ترك الناَس النكاَح لم يغزوا ولم يحجوا ولم يكن كذا ‪,‬‬
‫وقَد كاَن النبي عليهُ الصلة والسلم يصبح وماَ عندهُ شيء ‪ ,‬وكاَن يختاَرِ‬
‫النكاَح ويحث عليهُ ‪ ,‬وينهى عن التبتل ‪ ,‬فمن رِغبِ عن عمل النبي عليهُ‬
‫الصلة والسلم فهو على غير الحق ‪ .‬ويعقوب عليهُ السلم في حزنهُ قَد‬
‫تزوج وولد لهُ ‪ .‬والنبي عليهُ الصلة والسلم قَاَل ‪ ) :‬حببِ إلى النساَء ( ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫فهذهُ هي تعاَليم شريعة السلم المستقاَة من أصالين أساَسيين لشرع اللهُ‬


‫الكتاَب والسنة ‪.‬‬

‫وتلك هي أقَوال الصوفية ‪ ,‬التي لم يأَخذوهاَ من هذا المورِد العذب ‪,‬‬


‫والمنهل الصاَفي ‪ ,‬بل أخذوهاَ من الكهنة والبوذية كماَ مر ذلك ‪ ,‬ونساَك‬
‫الجينية ‪ ,‬ورِهباَن المسيحية ‪ .‬وأمر أولئك في هذا الباَب مشهورِ ومعروف ل‬
‫يحتاَج إلى كثير من البياَن ‪ ,‬ولكن لقَاَمة البرهاَن ننقل بعض آياَت من‬
‫إنجيل ‪ ,‬فقاَل المسيح ‪:‬‬
‫) ويوجد خصياَن خصوا أنفسهم لجل ملكوت السماَوات ‪ ,‬من استطاَع أن‬
‫يقبل فليقبل ( ‪. 2‬‬

‫ويقول رِسول المسيحيين في رِساَلتهُ إلى أهل كورِنتوس ‪:‬‬


‫) وأماَ من جهة المورِ التي كتبتم عنهاَ فحسن للرجل أن ل يمس امرأة ( ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وكذلك يقول ‪:‬‬


‫‪4‬‬
‫) أقَول لغير المتزوجين والرِامل ‪ :‬إنهُ حسن لهم إذا لبثوا كماَ أناَ ( ‪.‬‬
‫ويقول ‪ ) :‬فأَرِيد أن تكونوا بلهم ‪ .‬يهتم فيماَ للرب كيف يرضى الرب ‪ .‬وأماَ‬
‫المتزوج فيهتم في ماَ للعاَلم كيف يرضى امرأتهُ ‪ .‬إن بين الزوجة والعذرِاء‬
‫فرقَاَ ‪ .‬غير المتزوجة تهتم في ماَ للرب لتكون مقدمة جدا ورِوحاَ ‪ .‬وأماَ‬
‫المتزوجة فتهتم في ماَ للعاَلم كيف ترضى رِجلهاَ ‪.‬‬
‫هذا أقَولهُ لخيركم ليس لكي ألقى عليكم وهقاَ ‪ ,‬بل لجل اللياَقَة والمثاَبرة‬
‫للرب من دون ارِتباَك ‪ .‬ولكن إن كاَن يظن أنهُ يعمل بدون لياَقَهُ نحو عذرِائهُ‬
‫إذا تجاَوزت الوقَت ‪ ,‬وهكذا لزم أن يصبر فليفعل ماَ يريد ‪ .‬إنهُ ل يخطئ‬
‫فيتزوجاَ ‪ .‬وأماَ من أقَاَم رِاسخاَ في قَلبهُ وليس لهُ سلطاَن على إرِادتهُ ‪ ,‬وقَد‬
‫عزم على هذا في قَلبهُ أن يحفظ عذرِاء فحسناَ يفعل ‪ .‬إذن من زوج فحسناَ‬
‫يفعل ‪ .‬ومن ل يزوج يفعل أحسن ( ‪. 5‬‬

‫هذا ومثل هذا كثير ‪.‬‬

‫تلبيس إبليس لبن الجوزي ص ‪. 286 , 285‬‬ ‫‪1‬‬

‫الية ‪ 12‬من إنجيل متى من العهد الجديد ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫رسالة بولس في رسالته إلى أهل كورنتوس من العهد الجديد الصحاح السابع الية ‪. 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫أيضا الية ‪. 8‬‬ ‫‪4‬‬

‫الصحاح السابع الية ‪ 31‬إلى ‪. 39‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪48‬‬
‫هذهُ هي تعاَليم المسيحية ‪ ,‬المنقولة منهم تجاَهُ الزواج ‪ ,‬ومن هذهُ التعاَليم‬
‫ي من أولياَء المسيحية اورِيغن ) ‪ ( ORIGEN‬الذي يعدونهُ أحد‬ ‫تأَثر ول ّ‬
‫بِ ذكرهُ ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫القديسين ‪ ,‬العاَئش ماَ بين ‪ 185‬و ‪ , 254‬وج ّ‬

‫والجدير باَلذكر أن أحد المتصوفة أتى بمثل هذا العمل ‪ ,‬وفعل فعلتهُ فيهُ‬
‫كماَ ذكر الشعراني أن عبد الرحمن المجذوب ‪:‬‬
‫) كاَن رِضي اللهُ عنهُ من الولياَء الكاَبر ‪ ,‬وكاَن سيدي على الخواص رِضي‬
‫اللهُ عنهُ يقول ‪ :‬ماَ رِأيت قَط أحدا من أرِباَب الحوال دخل مصر إل ونقص‬
‫حاَلهُ إل الشيخ عبد الرحمن المجذوب ‪ ,‬وكاَن مقطوع الذكر قَطعهُ بنفسهُ‬
‫أوائل جذبهُ ( ‪. 2‬‬
‫وصاوفي هندي آخر أيضاَ فعل ذلك ‪. 3‬‬

‫وكتبِ هينس ) ‪ ) ( HANS‬أن المسيحيين القدامى كاَنوا يعدون ترك الزواج‬


‫من المورِ الواجبة والمحببة إلى اللهُ ‪ ,‬والمقربة إلى ملكوتهُ ( ‪. 4‬‬

‫ومن خصاَئص المسيحية وتعاَليمهاَ ترك الدنياَ ‪ ,‬والتجرد عن الماَل ‪ ,‬والتجوع‬


‫‪ ,‬وتعري الجساَد والعراض عن زينة الحياَة ‪ ,‬المباَحة ‪ ,‬وتحريم الطيباَت‬
‫باَسم النقطاَع إلى الخرة ‪ ,‬ورِهباَنية ابتدعوهاَ ‪ ,‬وتعذيبِ النفس ‪.‬‬
‫فلقد ورِد في الناَجيل عن المسيح أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫)ل تكنزوا كنوزا على الرِض ‪ ,‬حيث يفسد السوس والصدأ ‪ ,‬وحيث ينقبِ‬
‫الساَرِقَون ويسرقَون ‪ .‬بل اكنزوا لكم كنوزا في السماَء حيث ل يفسد‬
‫سوس ول صادأ ‪ ,‬وحيث ل ينقبِ ساَرِقَون ول يسرقَون ‪ .‬لنهُ حيث يكون‬
‫كنزك هناَك يكون قَلبك أيضاَ ( ‪. 5‬‬

‫ونقل عنهُ أيضاَ أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫)ل يقدرِ أحد أن يخدم سيدين ‪ .‬لنهُ إماَ أن يبغض الواحد ويجبِ الخر ‪ ,‬أو‬
‫يلزم الواحد ويحتقر الخر ‪.‬ل تقدرِون أن تخدموا اللهُ والماَل ‪ .‬لذلك أقَول‬
‫لكم ‪:‬ل تهتموا لحياَتكم بماَ تأَكلون وبماَ تشربون ‪ .‬ول لجساَمكم بماَ‬
‫تلبسون ‪ .‬أليست الحياَة أفضل من الطعاَم ‪ ,‬والجسد أفضل من اللباَس ‪.‬‬
‫أنظروا إلى طيورِ السماَء أنهاَ ل تزرِع ول تحصد ول تجمع إلى مخاَزن ‪,‬‬
‫وأبوكم السماَوي يقوتهاَ ‪ .‬ألستم أنتم باَلحري أفضل منهاَ ومن منكم إذا‬
‫اهتم يقدرِ أن يزيد على قَاَمتهُ ذرِاعاَ واحدة ‪ ,‬ولماَذا تهتمون باَللباَس ‪,‬‬
‫تأَملوا زناَبق الحقل كيف تنمو ل تتعبِ ول تغزل ‪ ,‬ولكن أقَول لكم ‪ :‬إنهُ ول‬
‫سليماَن في كل مجدهُ كاَن يلبس كواحدة منهاَ ‪ ,‬فإن كاَن عشبِ الحقل‬
‫الذي يوجد اليوم ويطرح غدا في التنورِ يلبسهُ اللهُ هكذا ‪ ,‬أفليس باَلحري‬
‫جدا يلبسكم أنتم قَليلي اليماَن ‪ ,‬فل تهتموا قَاَئلين ‪ :‬ماَذا نأَكل ‪ ,‬أو ماَذا‬
‫نلبس ‪ ,‬فإن هذهُ كلهاَ تطلبهاَ المم ‪.‬‬
‫لن أباَكم السماَوي يعلم أنكم تحتاَجون إلى هذهُ كلهاَ ‪ ,‬لكن اطلبوا أول‬
‫ملكوت اللهُ وبرهُ ‪ ,‬وهذهُ كلهاَ تزداد لكم ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪. Oxford History Christian Church P 992 London , 1958‬‬
‫انظر طبقات الشعراني ج ‪ 2‬ص ‪. 142‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر تذكرة أولياء بر صغير لميرزه محمد اختر الدهلوي ج ‪ 3‬ص ‪. 33‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫‪. Bookings of the Christian Churchs P. 135 London . 1955‬‬
‫إنجيل متى الصحاح السادس ‪. 21 , 20 , 19‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪49‬‬
‫فل تهتموا للغد ‪ ,‬لن الغد يهتم بماَ لنفسهُ ‪ .‬يكفي اليوم شرهُ ( ‪. 6‬‬

‫وورِد في هذا النجيل أيضاَ ) أن شاَباَ تقدم إلى المسيح وقَاَل لهُ ‪ :‬أيهاَ‬
‫المعلم الصاَلح أي صالح أعمل بهُ لتكون لي الحياَة البدية ؟ ‪.‬‬
‫فأَجاَبهُ المسيح ببعض الجوبة ثم قَاَل لهُ ‪ :‬إن أرِدت أن تكون كاَمل فأَذهبِ‬
‫وبع أملكك ‪ ,‬وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماَء وتعاَل اتبعني ‪ .‬فلماَ‬
‫سمع الشاَب الكلمة مضى حزيناَ ‪ ,‬لنهُ كاَن ذا أموال كثيرة ‪.‬‬
‫فقاَل يسوع لتلميذهُ ‪ :‬الحق أقَول لكم ‪ ,‬إنهُ يعسر أن يدخل غني إلى‬
‫ملكوت السماَوات ‪ ,‬وأقَول لكم أيضاَ ‪ :‬إن مرورِ جمل من ثقبِ إبرهُ أيسر‬
‫من أن يدخل غني إلى ملكوت اللهُ ( ‪. 2‬‬

‫وقَاَل أيضاَ ‪:‬‬


‫ً‬
‫) وكل من ترك بيوتاَ أو اخوة أو أخوات أو أباَ أو أماَ أو امرأة أو أولدا أو‬
‫حقول من أجل اسمي يأَخذ ماَئة ضعف ‪ ,‬ويرث الحياَة البدية ( ‪.3‬‬

‫ونقل عنهُ أيضاَ أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫)ل تكنزوا ذهباَ ول فضة ول نحاَساَ في مناَطقكم ‪ ,‬ول مزودا للطريق ‪ ,‬ول‬
‫ثوبين ‪ ,‬ول أحذية ‪ ,‬ول عصاَ ( ‪. 4‬‬
‫وليس هذا فحسبِ ‪ ,‬بل نقل عنهُ لوقَاَ في إنجيلهُ أنهُ جاَءهُ جموع كثيرة‬
‫ساَئرين معهُ ‪ ,‬فاَلتفت إليهم وقَاَل ‪:‬‬
‫) إن كاَن أحد يأَتي إلي ول يبغض أباَهُ وأمهُ وامرأتهُ وأولدهُ واخوتهُ وإخوانهُ‬
‫حتى نفسهُ أيضاَ فل يقدرِ أن يكون لي تلميذا ( ‪. 5‬‬

‫وقَاَل أيضاَ ‪:‬‬


‫) فكذلك كل واحد منكم ل يترك جميع أموالهُ ل يقدرِ أن يكون لي تلميذا ( ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫وبمثل ذلك نقل متى في إنجيلهُ ‪:‬‬


‫) لماَ رِأى يسوع جموعاَ كثيرة حولهُ أمر باَلذهاَب إلى العبر ‪ ,‬فتقدم كاَتبِ‬
‫وقَاَل لهُ ‪ :‬ياَ معلم ‪ ,‬أتبعك أينماَ تمضي ‪ .‬فقاَل لهُ يسوع ‪ :‬للثعاَلبِ أوجرة ‪,‬‬
‫ولطيورِ السماَء أوكاَرِ ‪ .‬وأماَ ابن النساَن فليس لهُ أين يسند رِأسهُ ‪ .‬وقَاَل‬
‫لهُ آخر من تلميذهُ ‪ :‬ياَ سيد ‪ ,‬ائذن لي أمضي أول وأدفن أبي ‪ .‬فقاَل لهُ‬
‫يسوع ‪ :‬اتبعني ‪ ,‬ودع الموتى يدفنون موتاَهم ( ‪. 7‬‬

‫هذا ومثل هذا كثير في الناَجيل وأعماَل الرسل وغيرهاَ من الكتبِ‬


‫المسيحية ‪ ,‬وعلى هذهُ التعاَليم أسسوا نظاَم الرهبنة ‪ ,‬أي التجرد عن علئق‬
‫الدنياَ ومتطلباَتهاَ وحاَجاَتهاَ ‪.‬‬
‫وزادوا عليهاَ تعذيبِ النفس ‪ ,‬وتحمل المشاَق واللم ‪ ,‬تعمقاَ في التجرد ‪,‬‬
‫ومغاَلة في تجنبِ الدنياَ ‪ ,‬واحتقاَرِا لزخاَرِفهاَ ‪ ,‬كماَ أن هناَلك أسباَباَ أخرى‬
‫لختياَرِ الرهبنة ‪ ,‬فقد ذكر علماَء المسيحية الكثيرون وكتاَبهاَ وباَحثوهاَ ‪.‬‬
‫إنجيل متى الصحاح السادس الية ‪ 24‬إلى آخر الصحاح ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫الصحاح التاسع عشر الية ‪ 16‬إلى ‪. 24‬‬ ‫‪2‬‬

‫أيضا الية ‪. 29‬‬ ‫‪3‬‬

‫الصحاح العاشر الية ‪. 10 , 9‬‬ ‫‪4‬‬

‫إنجيل لوقا الصحاح الرابع عشر الية ‪. 26‬‬ ‫‪5‬‬

‫أيضا الية ‪. 33‬‬ ‫‪6‬‬

‫إنجيل مّتى الصحاح الثامن الية ‪ 18‬إلى ‪. 23‬‬ ‫‪7‬‬


‫‪50‬‬
‫وجمع هذهُ القَاَويل والمقولت ول ديورِانت في موسوعتهُ الكبرى ) قَصة‬
‫الحضاَرِة ( ‪ ,‬فيقول ‪ ) :‬لماَ أن أصابحت الكنيسة منظمة تحكم المليين من‬
‫بني النساَن ‪ ,‬ولم تعد كماَ كاَنت جماَعة من المتعبدين الخاَشعين ‪ ,‬أخذت‬
‫تنظر إلى النساَن وماَ فيهُ من ضعف نظرة أكثر عطفاَ من نظرتهاَ الساَبقة‬
‫‪ ,‬ول ترى ضيرا ً من أن يستمتع الناَس بملذ الحياَة الدنياَ ‪ ,‬وأن تشاَرِكهم‬
‫أحياَناَ في هذا الستمتاَع ‪ ,‬غير أن أقَلية من المسيحيين كاَنت ترى في‬
‫النزول إلى هذا الدرِك خياَنة للمسيح ‪ ,‬واعتزمت أن تجد مكاَنهاَ في السماَء‬
‫عن طرق الفقر ‪ ,‬والعفة ‪ ,‬والصلة ‪ ,‬فاَعتزلت العاَلم اعتزال تاَماَ ً ‪ .‬ولربماَ‬
‫كاَن مبشرو أشوكاَ ‪ ) Ashoka‬حوالي ‪ 250‬ق م ( قَد جاَءوا إليهُ بنظرية‬
‫البوذية وقَوانينهاَ الخلقَية ‪ ,‬ولربماَ كاَن النساَك الذين وجدوا في العاَلم‬
‫قَبل المسيحية أمثاَل سرابيس ‪ Serapis‬في مصر أو جماَعاَت السنيين‬
‫في بلد اليهود قَد نقلوا إلى أنطونيوس وباَخوم المثل العلياَ للحياَة الدينية‬
‫الصاَرِمة وأساَليبِ هذهُ الحياَة ‪ .‬وكاَن الكثيرون من الناَس يرون في الرهبنة‬
‫ملذ ا ً من الفوضى والحرب اللذين أعقباَ غاَرِات المتبربرين ‪ ,‬فلم يكن في‬
‫الدير ول في الصومعة الصحراوية ضرائبِ ‪ ,‬أو خدمة عسكرية ‪ ,‬أو مناَزعاَت‬
‫حربية ‪ ,‬أو كدح ممل ‪ .‬ولم يكن يطلبِ إلى الراهبِ ماَ يطلبِ إلى القسيس‬
‫من مراسم قَبل رِساَمتهُ ‪ ,‬وكاَن يوقَن أنهُ سوف يحظى باَلسعاَدة البدية‬
‫بعد سنين قَليلة من حياَة السلم ‪.‬‬

‫ويكاَد مناَخ مصر أن يغري الناَس بحياَة الديرة ‪ ,‬ولهذا غصت باَلبرهاَن‬
‫النساَك الفرادى والمتجمعين في الديرة يعيشون في عزلة كماَ كاَن‬
‫يعيش أنطونيوس ‪ ,‬أو جماَعاَت كماَ كاَن يعيش باَخوم في تاَبن ‪Tabenne‬‬
‫وأنشئت الديرة للرجاَل والنساَء على طول ضفتي النيل ‪ ,‬وكاَن بعضهاَ‬
‫يحتوي نحو ثلثمئة من الرهباَن والراهباَت ‪ .‬وكاَن أنطونيوس ) ‪( 356 – 251‬‬
‫أشهر النساَك الفرادى ‪ ,‬وقَد أخذ ينتقل من عزلة حتى استقر بهُ المقاَم‬
‫على جبل القلزم القريبِ من شاَطئ البحر الحمر ‪ .‬وعرف مكاَنهُ المعجبون‬
‫بهُ فحذوا حذوهُ في تعبدهُ ونسكهُ ‪ ,‬وبنوا صاوامعهم في أقَرب مكاَن منهُ‬
‫سمح لهم بهُ ‪ ,‬حتى امتلت الصحراء قَبل موتهُ بأَبناَئهُ الروحيين ‪ .‬وقَلماَ كاَن‬
‫يغتسل ‪ ,‬وطاَلت حياَتهُ حتى بلغ ماَئة وخمساَ ً من السنين ‪ ,‬ورِفض دعوة‬
‫وجههاَ إليهُ قَسطنطين ولكنهُ ساَفر إلى السكندرِية في سن التسعين‬
‫ليؤيد أثناَسيوس ضد اتباَع أرِيوس ‪ ,‬وكاَن يليهُ في شهرتهُ باَخوم الذي أنشأَ‬
‫في عاَم ‪ 325‬تسعة أديرة للرجاَل وديرا ً واحدا ً للنساَء ‪ .‬وكاَن سبعة آلف من‬
‫أتباَعهُ الرهباَن يجتمعون أحياَناَ ليحتفلوا بيوم من الياَم المقدسة ‪ ,‬وكاَن‬
‫أولئك الرهباَن المجتمعون يعملون ويصلون ‪ ,‬ويركبون القوارِب في النيل‬
‫من حين إلى حين ليذهبوا إلى السكندرِية حيث يبيعون ماَ لديهم من‬
‫البضاَئع ويشترون حاَجياَتهم ويشتركون في المعاَرِك الكنسية – السياَسية ‪.‬‬

‫ونشأَت بين النساَك الفرادى مناَفسة قَوية في بطولة النسك يتحدث عنهاَ‬
‫دوشين ‪ Abbe Duchesne‬بقولهُ إن مكاَرِيوس السكندرِي ) لم يكن يسمع‬
‫بعمل من أعماَل الزهد إل حاَول أن يأَتي بأَعظم منهُ ( ‪ ,‬فإذا امتنع غيرهُ من‬
‫الرهباَن عن أكل الطعاَم المطبوخ في الصوم الكبير امتنع هو عن أكلهُ‬
‫سبع سنين ‪ ,‬وإذا عاَقَبِ بعضهم أنفسهم باَلمتناَع عن النوم شوهد‬
‫مكاَرِيوس وهو ) يبذل جهد المستميت لكي يظل مستيقظاَ ً عشرين ليلة‬
‫متتاَبعة ( وحدث مرة في صاوم كبير أن ظل واقَفاَ طوال هذا الصوم ليل‬
‫‪51‬‬
‫ونهاَرِا ل يذوق الطعاَم إل مرة واحدة في السبوع ‪ ,‬ولم يكن طعاَمهُ هذا‬
‫أكثر من بعض أورِاق الكرنبِ ‪ ,‬ولم ينقطع خلل هذهُ المدة عن مماَرِسة‬
‫صاناَعتهُ التي اختص بهاَ وهي صاناَعة السلل ‪ .‬ولبث ستة أشهر يناَم في‬
‫مستنقع ‪ ,‬ويعرض جسمهُ العرياَن للذباَب الساَم ‪ .‬ومن الرهباَن من أوفوا‬
‫على الغاَية في أعماَل العزلة ‪ ,‬من ذلك سرابيون ‪ Serapion‬الذي كاَن‬
‫يعيش في كهف في قَاَع هاَوية لم يجرؤ على النزول إليهاَ إل عدد قَليل من‬
‫الحجاَج ‪ .‬ولماَ وصال جيروم وبول إلى صاومعتهُ هذهُ وجدوا فيهاَ رِجل ل يكاَد‬
‫يزيد جسمهُ على بضعة عظاَم وليس عليهُ إل خرقَة تستر حقويهُ ‪ ,‬ويغطي‬
‫الشعر وجههُ وكتفيهُ ‪ ,‬ول تكاَد صاومعتهُ تتسع لفراشهُ المكون من لوح من‬
‫الخشبِ وبعض أورِاق الشجر ‪ .‬ومع هذا فإن هذا الرجل قَد عاَش من قَبل‬
‫بين أشراف رِومة ‪ ,‬ومن النساَك من كاَنوا ل يرقَدون قَط أثناَء نومهم‬
‫ومنهم من كاَن يداوم على ذلك أرِبعين عاَماَ مثل بساَرِيون ‪ Bessarion‬أو‬
‫خمسين عاَماَ مثل باَخوم ‪ .‬ومنهم من تخصصوا في الصمت وظلوا عددا‬
‫كبيرا من السنين ل تنفرج شفاَههم عن كلمة واحدة ‪ .‬ومنهم من كاَنوا‬
‫يحملون معهم أوزاناَ ثقاَل أينماَ ذهبوا ‪ .‬ومنهم من كاَنوا يشدون أعضاَءهم‬
‫بأَطواق أو قَيود أو سلسل ‪ ,‬ومنهم من كاَنوا يفخرون بعدد السنين التي‬
‫لم ينظروا فيهاَ إلى وجهُ امرأة ‪ .‬وكاَن النساَك المنفردون جميعهم تقريباَ‬
‫يعيشون على قَدرِ قَليل من الطعاَم ‪ .‬ومنهم من عمروا طويل ‪ .‬ويحدثناَ‬
‫جيروم عن رِهباَن لم يطعموا شيئاَ غير التين وخبز الشعير ‪ ,‬ولماَ مرض‬
‫مكاَرِيوس جاَءهُ بعضهم بعنبِ فلم تطاَوعهُ نفسهُ على التمتع بهذا الترف ‪,‬‬
‫وبعث بهُ إلى ناَسك آخر ‪ ,‬وأرِسلهُ هذا إلى ثاَلث حتى طاَف العنبِ جميع‬
‫الصحراء ) كماَ يؤكد لناَ رِوفينس ( ‪ ,‬وعاَد مرة أخرى كاَمل إلى مكاَرِيوس ‪.‬‬
‫وكاَن الحجاَج ‪ ,‬الذين جاَءوا من جميع أنحاَء العاَلم المسيحي لشاَهدوا‬
‫رِهباَن الشرق ‪ ,‬يعزون إلى أولئك الرهباَن معجزات ل تقل في غرابتهاَ عن‬
‫معجزات المسيح ‪ ,‬فكاَنوا – كماَ يقولون ‪ -‬يشفون المراض ويطردون‬
‫الشياَطين باَللمس أو باَلنطق بكلمة ‪ ,‬وكاَنوا يروضون الفاَعي أو الساَد‬
‫بنظرة أو دعوة ‪ ,‬ويعبرون النيل على ظهورِ التماَسيح ‪ ,‬وقَد أصابحت‬
‫مخلفاَت النساَك أثمن ماَ تملكهُ الكناَئس المسيحية ‪ ,‬ول تزال مدخرة فيهاَ‬
‫حتى اليوم ‪.‬‬

‫وكاَن رِئيس الدير يطلبِ إلى الرهباَن أن يطيعوهُ طاَعة عمياَء ‪ ,‬ويمتحن‬
‫الرهباَن الجدد بأَوامر مستحيلة التنفيذ يلقيهاَ عليهم ‪ ,‬وتقول إحدى‬
‫القصص إن واحدا ً من أولئك الرؤساَء أمر رِاهباَ ً جديدا ً أن يقفز في ناَرِ‬
‫مضطرمة فصدع الراهبِ الجديد باَلمر ‪ ,‬فاَنشقت الناَرِ حتى خرج منهاَ‬
‫بسلم ‪ .‬وأمر رِاهبِ جديد آخر أن يغرس عصاَ رِئيسهُ في الرِض ويسقيهاَ‬
‫حتى تخرج أزهر ا ً ‪ ,‬فلبث الراهبِ عدة سنين يذهبِ إلى نهر النيل على بعد‬
‫ميلين من الدير يحمل منهُ الماَء ليصبهُ على العصاَ ‪ ,‬حتى رِحمهُ اللهُ في‬
‫السنة الثاَلثة فأَزهرت ‪ .‬ويقول جيروم إن الرهباَن كاَنوا يأَمرون باَلعمل‬
‫) لئل تضلهم الوهاَم الخطرة ( ‪ .‬فمنهم من كاَن يحرث الرِض ‪ ,‬ومنهم من‬
‫كاَن يعني باَلحدائق أو ينسج الحصر أو السلسل ‪ ,‬أو يصنع أحذية من‬
‫الخشبِ ‪ ,‬أو ينسخ المخطوطاَت ‪ .‬وقَد حفظت لناَ أقَلمهم كثيرا من الكتبِ‬
‫القديمة ‪ .‬على أن كثيرين من الرهباَن المصريين كاَنوا أميين يحتقرون‬
‫العلوم الدنيوية ويرون أنهاَ غرورِ وباَطل ‪ .‬ومنهم من كاَن يرى أن النظاَفة‬
‫ل تتفق مع اليماَن ‪ ,‬وقَد أبت العذرِاء سلفياَ أن تغسل أي جزء من جسدهاَ‬
‫‪52‬‬
‫عدا أصااَبعهاَ ‪ ,‬وكاَن في أحد الديرة النساَئية ‪ 130‬رِاهبة لم تستحم واحدة‬
‫والي آخر‬
‫منهن قَط أو تغسل قَدميهاَ ‪ ,‬ولكن الرهباَن أنسوا إلى الماَء ح ّ‬
‫القرن الرابع ‪ ,‬وسخر الب إسكندرِ من هذا النحطاَط فأَخذ يحن إلى تلك‬
‫الياَم التي لم يكن فيهاَ الرهباَن ) يغسلون وجوههم قَط ( ‪.‬‬

‫وكاَن الشرق الدنى يناَفس مصر في عدد رِهباَنهاَ ورِاهباَتهاَ وعجاَئبِ‬


‫فعاَلهم ‪ .‬فكاَنت أنطاَكية وبيت المقدس خليتين مليئتين باَلصوامع‬
‫والرهباَن والراهباَت ‪ ,‬وكاَنت صاحراء سورِياَ غاَصاة باَلنساَك ‪ ,‬منهم من كاَن‬
‫يشد نفسهُ باَلسلسل إلى صاخرة ثاَبتة ل تتحرك كماَ يفعل فقراء الهنود ‪,‬‬
‫ومنهم من كاَن يحتقر هذا النوع المستقر من المساَكن ‪ ,‬فيقضي حياَتهُ‬
‫في الطواف فوق الجباَل يطعم العشبِ البري ‪ .‬ويروي لناَ المؤرِخون أن‬
‫سمعاَن العمودي ‪390 ) Simeon Stylites‬؟ ‪ ( 459 -‬كاَن ل يذوق الطعاَم طوال‬
‫الصوم الكبير الذي يدوم أرِبعين يوماَ ً ‪ .‬وقَد أصار في عاَم من العوام أثناَء‬
‫هذا الصوم كلهُ على أن يوضع في حظيرة وليس معهُ إل القليل من الخبز‬
‫والماَء ‪ .‬وأخرج من بين الجدرِان في يوم عيد الفصح فوجد أنهُ لم يمس‬
‫الخبز أو الماَء ‪ .‬وبني سمعاَن لنفسهُ في عاَم ‪ 422‬عمودا ً عند قَلعة سمعاَن‬
‫في شماَلي سورِياَ وعاَش فوقَهُ ‪ .‬ثم رِأى أن هذا اعتدال في الحياَة يجللهُ‬
‫العاَرِ فأَخذ يزيد من ارِتفاَع العمد التي يعيش فوقَهاَ حتى جعل مسكنهُ‬
‫الدائم فوق عمود يبلغ ارِتفاَعهُ ستين قَدماَ ً ولم يكن محيطهُ في أعلهُ يزيد‬
‫على ثلثة أقَدام ‪ ,‬وكاَن حول قَمتهُ سورِ يمنع القديس من السقوط على‬
‫الرِض حين يناَم ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وعاَش سمعاَن على هذهُ البقعة الصغيرة ثلثين عاَماَ متوالية معرضاَ للمطر‬
‫والشمس والبرد ‪ .‬وكاَن أتباَعهُ يصعدون إليهُ باَلطعاَم وينقلون فضلتهُ على‬
‫سلم يصل إلى أعلى العمود ‪ ,‬وقَد شد نفسهُ على هذا العمود بحبل حز في‬
‫جسمهُ ‪ ,‬فتعفن حولهُ ‪ ,‬ونتن وكثرت فيهُ الديدان ‪ ,‬فكاَن يلتقط الدود الذي‬
‫يتساَقَط من جروحهُ ويعيدهُ إليهاَ ويقول ‪ ) :‬كلي مماَ أعطاَك اللهُ !( ‪ .‬وكاَن‬
‫يلقى من منبرهُ العاَلي مواعظ على الجماَهير التي تحضر لمشاَهدتهُ ‪,‬‬
‫وكثير ا ً ماَ هدى المتبربرين ‪ ,‬وعاَلج المرضى ‪ ,‬واشترك في السياَسة‬
‫الكنسية ‪ ,‬وجعل المرابين يستحون فينقصون فوائد ماَ يقرضون من الماَل‬
‫إلى ستة في الماَئة بدل اثني عشر ‪ .‬وكاَنت تقواهُ سبباَ ً في إيجاَد طريقة‬
‫النسك فوق العمدة ‪ ,‬وهي الطريقة التي دامت اثني عشر قَرناَ ً ‪ ,‬ول تزال‬
‫باَقَية حتى اليوم بصورِة دنيوية خاَلصة ( ‪. 1‬‬
‫ومثل ذلك ذكر هرلبت في كتاَبهُ ‪. 2‬‬
‫ودي سي سيندرِول ‪. 3‬‬
‫وستر زي غواسكي ‪. 4‬‬
‫وبروكوبيوس ‪. 5‬‬
‫وونكل مين ‪. 6‬‬

‫‪ 1‬قصة الحضارة لول ديورانت ترجمة عربية لمحمد بدران ج ‪ 12‬ص ‪ 119‬إلى ‪ 123‬ط الدارة الثقافية في جامعة الدول‬
‫العربية القاهرة ‪ 1964‬هـ ‪.‬‬
‫‪. The Story Of The Christian Church P8 89 , 1933 2‬‬
‫‪. A Short History Of Our Religion London , 1922 3‬‬
‫‪. Origin Christian Church Art , 4-6 Oxford , 1933 4‬‬
‫‪. Buildings , Loeb . Lib I ,10 5‬‬
‫‪. History Of Ancient Art , I , 350-1, Finlay , 195 . 6‬‬
‫‪53‬‬
‫فجاَء السلم فهذب هذهُ التعاَليم ونقحهاَ ‪ ,‬وحذف منهاَ الغلو والتطرف ‪,‬‬
‫ومنع الناَس عن التشدد في الدين ‪ ,‬وتعذيبِ النفس ‪ ,‬وعرفهم الحنيفية‬
‫السمحة البيضاَء ‪ ,‬النزيهة عن النغماَس في الدنياَ والجري ورِاء ملذاتهاَ‬
‫وشهواتهاَ ‪ ,‬كماَ رِاعى جاَنبِ الطبيعة والفطرة ‪ ,‬وأباَح الطيباَت من الرزق‬
‫والحلل من الماَل ‪ ,‬والتمتع باَلجاَئز من الدنياَ ‪ ,‬فوضع عن الناَس إصارهم‬
‫والغلل التي كاَنت عليهم ‪ ,‬وأمرهم باَلقصد والعتدال بين التجرد المحض‬
‫والتزهد الصرف ‪ ,‬وبين السراف المطلق والتقتير الفاَحش ‪ ,‬فقاَل جل‬
‫وعل في كتاَبهُ الذي أنزلهُ على سيد البشر صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ ‪:‬‬

‫فوا ْ إ ِن ّ ُ‬
‫هُ‬ ‫ر ُ‬‫س ِ‬‫ولَ ت ُ ْ‬ ‫شََرُبوا ْ َ‬‫وا ْ‬ ‫د وك ُُلوا ْ َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عندَ ك ُ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫زين َت َك ُ ْ‬ ‫خ ُ ْ‬
‫ذوا ِ‬ ‫م ُ‬ ‫} َياَ ب َِني آدَ َ‬
‫ت‬ ‫ّ‬
‫والطي َّباَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫هُ َ‬ ‫عَباَِد ِ‬‫ج لِ ِ‬‫خَر َ‬‫يأ ْ‬ ‫ّ‬
‫هُ الت ِ َ‬ ‫ّ‬
‫ة الل ِ‬ ‫زين َ َ‬ ‫قَ ْ‬ ‫ن ‪ُ 31‬‬ ‫بِ ال ْ ُ‬ ‫لَ ي ُ ِ‬
‫م ِ‬ ‫حّر َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫في َ‬ ‫ر ِ‬
‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ّ‬
‫ة‬
‫م ِ‬
‫قَياَ َ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫و َ‬‫ة يَ ْ‬‫ص ً‬
‫خاَل ِ َ‬
‫ة الدّن َْياَ َ‬‫حَياَ ِ‬ ‫ْ‬
‫في ال َ‬ ‫ْ‬
‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫هي ل ِل ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫قَ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ن الّرْز ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫‪1‬‬
‫ن{‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫عل ُ‬ ‫وم ٍ ي َ ْ‬ ‫ت لِ َ‬
‫ق ْ‬ ‫ل الَياَ ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫كذَل ِ َ‬
‫ك نُ َ‬ ‫َ‬

‫ن الدّن َْياَ‬ ‫م َ‬
‫ك ِ‬ ‫صيب َ َ‬
‫س نَ ِ‬ ‫وَل َتن َ‬‫خَرةَ َ‬‫داَرِ اْل ِ‬ ‫ك الل ّ ُ‬
‫هُ ال ّ‬ ‫ماَ آَتاَ َ‬
‫في َ‬
‫غ ِ‬ ‫واب ْت َ َ ِ‬‫وقَاَل ‪َ } :‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫بِ‬
‫ح ّ‬‫هُ ل ي ُ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ض إِ ّ‬ ‫في الْرِ ِ‬ ‫ساَدَ ِ‬ ‫َ‬
‫غ ا لف َ‬ ‫ول ت َب ْ ِ‬ ‫َ‬
‫هُ إ ِلي ْك َ‬
‫ن الل ُ‬ ‫س َ‬‫ح َ‬‫ماَ أ ْ‬ ‫سن ك َ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫‪2‬‬
‫ن{‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ْ‬
‫مف ِ‬ ‫ْ‬
‫ال ُ‬

‫ميعاَ ً {‬ ‫َ‬ ‫ق لَ ُ‬
‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫في الْرِ ِ‬ ‫ماَ ِ‬‫كم ّ‬ ‫خل َ َ‬‫ذي َ‬ ‫و ال ّ ِ‬
‫ه َ‬‫وقَاَل ‪ُ } :‬‬
‫‪3‬‬

‫ة‬ ‫ْ‬
‫حلي َ ً‬ ‫هُ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫من ْ ُ‬
‫جوا ِ‬ ‫ر ُ‬
‫خ ِ‬
‫ست َ ْ‬
‫وت َ ْ‬ ‫رّياَ َ‬‫ماَ ط ِ‬ ‫ح ً‬
‫هُ ل ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫حَر ل ِت َأَكلوا ِ‬ ‫خَر الب َ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ال ِ‬ ‫ه َ‬‫و ُ‬‫وقَاَل ‪َ } :‬‬
‫‪4‬‬
‫ن{‬
‫شكُرو َ‬ ‫ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ُ‬
‫علك ْ‬‫ّ‬ ‫َ‬
‫ول َ‬ ‫هُ َ‬
‫ضل ِ ِ‬ ‫َ‬
‫من ف ْ‬ ‫ْ‬
‫غوا ِ‬ ‫ول ِت َب ْت َ ُ‬ ‫هُ َ‬ ‫في ِ‬‫خَر ِ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫وت ََرى الفلك َ‬ ‫هاَ َ‬ ‫ت َل ْب َ ُ‬
‫سون َ َ‬

‫عاَم ِ ب ُُيوًتاَ‬ ‫جُلوِد ال َن ْ َ‬ ‫من ُ‬ ‫كم ّ‬‫ل لَ ُ‬ ‫ع َ‬‫ج َ‬ ‫و َ‬‫سك ًَناَ َ‬ ‫م َ‬ ‫من ب ُُيوت ِك ُ ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫هُ َ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫وقَاَل ‪َ } :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هاَ‬
‫رِ َ‬
‫عاَ ِ‬‫ش َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫هاَ َ‬
‫رِ َ‬
‫وَباَ ِ‬ ‫وأ ْ‬ ‫هاَ َ‬
‫ف َ‬‫وا ِ‬‫صا َ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و ِ‬‫م َ‬ ‫مت ِك ُ ْ‬ ‫قَاَ َ‬ ‫م إِ َ‬‫و َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫م َ‬‫عن ِك ُ ْ‬‫م ظَ ْ‬ ‫و َ‬‫هاَ ي َ ْ‬
‫فون َ َ‬ ‫خ ّ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫ل لَ ُ‬‫ع َ‬ ‫ج َ‬‫و َ‬ ‫َ‬ ‫ق ظِلَلً‬ ‫خل َ َ‬ ‫ماَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫هُ َ‬‫والل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن ‪80‬‬ ‫ٍ‬ ‫عاَ إ َِلى ِ‬
‫حي‬ ‫مَتاَ ً‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫أ ََثاًَثاَ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ك َذَل ِ َ‬
‫ك‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫كم ب َأَ َ‬ ‫قي ُ‬ ‫ل تَ ِ‬ ‫سَراِبي َ‬ ‫و َ‬‫حّر َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫قيك ُ ُ‬ ‫ل تَ ِ‬ ‫سَراِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫ل أك َْناًَناَ َ‬ ‫جَباَ ِ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ن ‪{ 81‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬ ‫م لَ َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬‫هُ َ‬ ‫مت َ ُ‬‫ع َ‬ ‫م نِ ْ‬ ‫ي ُت ِ ّ‬
‫‪5‬‬

‫ْ‬
‫هاَ‬
‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ول َك ُ ْ‬ ‫ن‪َ 5‬‬ ‫هاَ ت َأَك ُُلو َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫و ِ‬ ‫عَ َ‬‫ف ُ‬ ‫مَناَ ِ‬‫و َ‬‫فء ٌ َ‬ ‫هاَ ِد ْ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫هاَ ل َك ُ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫خل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫عاَ َ‬‫وال َن ْ َ‬ ‫وقَاَل ‪َ } :‬‬
‫كوُنوا ْ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ّ‬
‫دل ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م إ ِلى ب َل ٍ‬ ‫ُ‬
‫قاَلك ْ‬ ‫َ‬ ‫ل أث ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫وت َ ْ‬‫ن‪َ 6‬‬ ‫حو َ‬ ‫سَر ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫حي َ‬ ‫و ِ‬‫ن َ‬ ‫حو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫حي َ‬ ‫ل ِ‬‫ماَ ٌ‬
‫ج َ‬ ‫َ‬
‫م‪{7‬‬ ‫َ‬
‫م لَر ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ق الن ُ‬ ‫ّ‬
‫حي ٌ‬ ‫ف ّرِ ِ‬ ‫ؤو ٌ‬ ‫ن َرِب ّك ْ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫هُ إ ِل ب ِ ِ‬ ‫غي ِ‬
‫َباَل ِ ِ‬
‫‪6‬‬

‫ل الل ّ ِ‬
‫هُ‬ ‫من َ‬ ‫ْ َ‬ ‫صَلةُ َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫فإ ِ َ‬ ‫وقَاَل ‪َ } :‬‬
‫ض ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫غوا ِ‬ ‫واب ْت َ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫في الْرِ ِ‬ ‫شُروا ِ‬ ‫فاَنت َ ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ضي َ ِ‬ ‫قَ ِ‬
‫ن{‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬ ‫هُ ك َِثيًرا ل ّ َ‬ ‫واذْك ُُروا الل ّ َ‬
‫‪7‬‬
‫َ‬

‫وجعل الماَل قَواماَ ً للنساَن حيث قَاَل ‪:‬‬

‫قََياَماَ ً {‬ ‫َ‬
‫م ِ‬‫هُ ل َك ُ ْ‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ع َ‬ ‫م ال ِّتي َ‬
‫ج َ‬ ‫وال َك ُ ُ‬
‫م َ‬
‫هاَء أ ْ‬ ‫ؤُتوا ْ ال ّ‬
‫س َ‬
‫ف َ‬ ‫ولَ ت ُ ْ‬
‫‪8‬‬
‫‪.‬‬ ‫} َ‬

‫العراف ‪. 32, 31‬‬ ‫‪1‬‬

‫القصص ‪. 77‬‬ ‫‪2‬‬

‫البقرة ‪. 29‬‬ ‫‪3‬‬

‫النحل ‪. 14‬‬ ‫‪4‬‬

‫النحل ‪. 81 , 80‬‬ ‫‪5‬‬

‫النحل ‪ 5‬إلى ‪. 7‬‬ ‫‪6‬‬

‫الجمعة ‪. 10‬‬ ‫‪7‬‬

‫النساء ‪. 5‬‬ ‫‪8‬‬


‫‪54‬‬

‫وقَاَل ‪َ } :‬‬
‫م الّرَباَ { ‪. 1‬‬
‫حّر َ‬
‫و َ‬ ‫ع َ‬‫هُ ال ْب َي ْ َ‬‫ل الل ّ ُ‬
‫ح ّ‬
‫وأ َ‬
‫َ‬
‫ب {‪.2‬‬ ‫ساَ‬ ‫ح‬
‫ِ ْ ِ ِ َ ٍ‬ ‫ر‬ ‫ي‬‫غ‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫شاَء‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫والل ّ ُ‬
‫هُ ي َ ْ ُ ُ َ‬
‫ق‬ ‫ز‬ ‫ر‬ ‫و} َ‬

‫وأمر المؤمنين أن يتوجهوا إليهُ بطلبِ الدنياَ وحسناَتهاَ مع الخرة‬


‫وحسناَتهاَ قَاَئلين ‪:‬‬
‫رِ { ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ب الّناَ ِ‬ ‫ع َ‬
‫ذا َ‬ ‫قََناَ َ‬
‫و ِ‬‫ة َ‬‫سن َ ً‬‫ح َ‬ ‫ة َ‬ ‫خَر ِ‬‫في ال ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ة َ‬ ‫سن َ ً‬‫ح َ‬‫في الدّن َْياَ َ‬ ‫} َرِب َّناَ آت َِناَ ِ‬
‫كماَ أمر من إجتمع عندهُ ماَل الدنياَ ورِزقَهاَ أن يخرج منهاَ حقاَ للساَئل‬
‫والمحروم وزكاَة وصادقَة ‪ ,‬وأن يعمروا مساَجد اللهُ ‪ ,‬وينفقوا على ذوي‬
‫القربى واليتاَمى والمساَكين وابن السبيل فقاَل تعاَلى ‪:‬‬
‫َ‬
‫حُروم ِ {‬ ‫م ْ‬‫وال ْ َ‬
‫ل َ‬ ‫ق ّلل ّ‬
‫ساَئ ِ َِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وال ِ‬ ‫م َ‬‫في أ ْ‬ ‫و ِ‬
‫‪4‬‬
‫ِ‬ ‫} َ‬
‫هُ { ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫صاَِد ِ‬
‫ح َ‬ ‫م َ‬‫و َ‬‫هُ ي َ ْ‬
‫حق ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫وآُتوا َ‬‫مَر َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫هُ إ ِذا أث َ‬ ‫ر ِ‬‫م ِ‬ ‫َ‬
‫من ث َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وقَاَل ‪ } :‬كلوا ِ‬

‫ن‬ ‫خي ٌْر ل ّل ّ ِ‬


‫ذي َ‬ ‫ل ذَل ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫واب ْ َ‬
‫ن َ‬
‫كي َ‬
‫س ِ‬ ‫وال ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫هُ َ‬
‫ق ُ‬‫ح ّ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬
‫قْرَبى َ‬ ‫ت َ‬‫فآ ِ‬ ‫وقَاَل ‪َ } :‬‬
‫هُ { ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫هُ الل ّ ِ‬
‫ج َ‬‫و ْ‬
‫ن َ‬
‫دو َ‬‫ري ُ‬
‫يُ ِ‬

‫هُ‬
‫ن ل َِرب ّ ِ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طاَ ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫و َ‬
‫كاَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫كاَُنوا ْ إ ِ ْ‬
‫ن َ‬ ‫مب َذّ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫طي ِ‬
‫شَياَ ِ‬ ‫وا َ‬‫خ َ‬ ‫رِي َ‬ ‫وقَاَل مع ذلك ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫كَ ُ‬
‫فوًرِا { ‪. 7‬‬
‫ن{ ‪.‬‬ ‫في َ‬
‫ر ِ‬‫س ِ‬
‫م ْ‬‫بِ ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫فوا ْ إ ِن ّ ُ‬
‫هُ لَ ي ُ ِ‬ ‫ر ُ‬
‫س ِ‬‫ولَ ت ُ ْ‬
‫كماَ قَاَل ‪َ } :‬‬
‫‪8‬‬

‫فهذا ماَ قَد ورِد في كتاَب اللهُ ‪ ,‬وماَ أكثرهُ في هذا المعنى ‪.‬‬
‫وأماَ سنة رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬الصال الثاَني للشريعة‬
‫السلمية فلم يرد فيهاَ أن صااَحبهاَ صالى اللهُ عليهُ وسلم قَاَل لمن أرِادهُ أن‬
‫يتبعهُ ‪ :‬بع واتبعني ‪ ,‬بل قَاَل لمن كاَن يريد أن يتصدق بأَكثر ماَلهُ – وهو سعد‬
‫بن أبي وقَاَص – وكاَن مريضاَ في حجة الوداع فعاَودهُ الرسول صالى اللهُ‬
‫عليهُ وسلم وكاَن عاَزماَ على الصدقَة بثلثي ماَلهُ ‪ ,‬وفي رِواية أخرى ‪ :‬بماَلهُ‬
‫كلهُ ‪ ,‬فسأَلهُ الرسول صالى اللهُ عليهُ وسلم عماَ ترك لولدهُ – وفي رِواية أنهُ‬
‫لم يكن لهُ إل بنت ‪ , -‬فقاَل ‪ :‬الثلث ‪ ,‬والثلث كثير ‪ ,‬إنك إن تذرِ ورِثتك أغنياَء‬
‫خير من أن تدعهم عاَلة يتكففون الناَس ‪. 9‬‬

‫وكذلك نهى كعبِ بن ماَلك عن التصدق بجميع ماَلهُ كماَ ورِد في الصحيحين‬
‫أن عبيد اللهُ بن كعبِ بن ماَلك قَاَل ‪:‬‬
‫) سمعت كعبِ بن ماَلك يحدث بحديث توبتهُ ‪ ,‬قَاَل فقلت ‪ :‬ياَ رِسول اللهُ ‪ ,‬إن‬
‫من توبتي أن أنخلع من ماَلي صادقَة إلى اللهُ عز وجل وإلى رِسولهُ صالى‬
‫اللهُ عليهُ وسلم فقاَل ‪ :‬أمسك بعض ماَلك فهو خير لك ( ‪. 10‬‬

‫‪ 1‬البقرة ‪. 275‬‬
‫‪ 2‬البقرة ‪. 212‬‬
‫‪ 3‬البقرة ‪. 201‬‬
‫‪ 4‬الذاريات ‪. 19‬‬
‫‪ 5‬النعام ‪. 141‬‬
‫‪ 6‬الروم ‪. 38‬‬
‫‪ 7‬السراء ‪. 27‬‬
‫‪ 8‬النعام ‪. 141‬‬
‫‪ 9‬رواه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجه ‪.‬‬
‫‪ 10‬متفق عليه ‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫وعن عمرو بن العاَص رِضي اللهُ عنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) نعم الماَل الصاَلح للرجل الصاَلح ( ‪. 1‬‬

‫وعن ابن مسعود رِضي اللهُ عنهُ قَاَل ‪ :‬قَاَل رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ‬
‫وسلم ‪:‬‬
‫)ل حسد إل في اثنتين ‪ :‬رِجل آتاَهُ اللهُ ماَل فسلطهُ على هلكتهُ في الحق ‪,‬‬
‫ورِجل آتاَهُ اللهُ الحكمة فهو يقضي بهاَ ويعلمهاَ ( ‪. 2‬‬

‫وفي الصحيحين أيضاَ عن أم سليم أنهاَ قَاَلت ‪ ) :‬ياَ رِسول اللهُ ‪ ,‬خاَدمك أنس‬
‫ادع لهُ – فدعاَ لهُ رِسول اللهُ عليهُ الصلة والسلم – وفيماَ دعاَ لهُ أن يكثر‬
‫ماَلهُ ‪ ,‬وإليك النص ‪ :‬اللهم أكثر ماَلهُ وولدهُ وباَرِك لهُ فيهماَ ( ‪. 3‬‬
‫وكاَن صالى اللهُ عليهُ وسلم يردد كثيرا ‪ ) :‬ماَ نفعني ماَل كماَل أبي بكر ( ‪. 4‬‬
‫ن الناَس علي في ماَلهُ وصاحبتهُ أبو بكر ( ‪. 5‬‬‫و ) إن من أم ّ‬
‫كماَ أمر أم هاَنئ باَتخاَذ الغنم حيث قَاَل ‪ ) :‬اتخذي غنماَ ‪ ,‬فإن فيهاَ بركة ( ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫وادخر رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم لهلهُ قَوت سنة كماَ ورِد في‬
‫الصحاَح ‪ ,‬واللفظ لمسلم عن عمر أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) كاَنت أموال بني النضير مماَ أفاَء اللهُ على رِسولهُ مماَ لم يوجف عليهُ‬
‫المسلمون بخيل ول رِكاَب ‪ ,‬فكاَنت للنبي صالى اللهُ عليهُ وسلم خاَصاة ‪,‬‬
‫فكاَن ينفق على أهلهُ نفقة سنة ‪ ,‬وماَ بقي يجعلهُ في الكراع والسلح عدة‬
‫في سبيل اللهُ – وفي رِواية – كاَن يحبس منهُ قَوت أهلهُ لسنة ( ‪. 7‬‬

‫وبين رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم أحكاَم الزكاَة والصدقَاَت والنفاَق‬
‫في سبيل اللهُ ‪ ,‬ولم تكن هذهُ الحكاَم إل لمن يملكهُ ‪ ,‬ولو لم يكن ماَ كاَن‬
‫لبياَنهاَ غرض ول فاَئدة ‪.‬‬

‫فهذهُ هي تعاَليم الكتاَب والسنة ‪ ,‬وفي ضوء هذهُ نرى الصوفية والمتقدمين‬
‫منهم باَلخص والمتأَخرين أيضاَ بأَيتهماَ يتمسكون ؟‬
‫لكي يتضح المر عن مرجع تصوفهم ومعول أمرهم ‪.‬‬
‫فذكر المحاَسبي المتوفى ‪ 243‬هُ عن صاوفي قَديم آخر إبراهيم بن أدهم أنهُ‬
‫قَاَل ‪:‬‬
‫إن كنت تحبِ أن تكون للهُ ولياَ ‪ ,‬وهو لك محباَ فدع الدنياَ والخرة ‪ ,‬ول‬
‫ترغبن فيهماَ ‪. 8‬‬

‫ونقل السهر ورِدي والسراج الطوسي والقشيري عن السري السقطي‬


‫المتوفى سنة ‪ 251‬هـ أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫)ل يكن معك شيء تعطي منهُ أحد ( ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫رواه أحمد وإسناده صحيح ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫رواه البخاري ومسلم وغيرهما ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫رواه أحمد وابن ماجه ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫رواه مسلم في صحيحه ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫رواه البيهقي وابن ماجه وإسناده صحيح ورجاله ثقات ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫رواه مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم ‪ ,‬واللفظ لمسلم ‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫المحبة للمحاسبي نقل عن ملحق تاريخي في آخر كتاب ختم الولياء بتحقيق عثمان إسماعيل ط بيروت ‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫عوارف المعارف للسهروردي ص ‪ , 92‬اللمع للطوسي ص ‪ , 262‬الرسالة القشيرية ج ‪ 1‬ص ‪. 71‬‬ ‫‪9‬‬
‫‪56‬‬
‫وذكر القشيري عن واحد آخر من الصوفية الوائل داود الطاَئي المتوفى‬
‫‪ 165‬هـ أنهُ قَاَل ‪ ) :‬صام عن الدنياَ ‪ ,‬واجعل فطرك الموت ‪ ,‬وفر من الناَس‬
‫كفرارِك من السبع ( ‪. 1‬‬

‫وسيد الطاَئفة الجنيد البغدادي يقول ‪:‬‬


‫) أحبِ للمريد المبتدئ أن ل يشغل قَلبهُ باَلتكسبِ ‪ ,‬وإل تغير حاَلهُ ( ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ويقول أيضاَ ‪:‬‬


‫) ماَ أخذناَ التصوف عن القيل والقاَل ‪ ,‬لكن عن الجوع وترك الدنياَ وقَطع‬
‫المأَلوفاَت والمستحسناَت ( ‪. 3‬‬

‫ويبين ابن عجيبة الحسني حاَلة أهل التصوف في كتاَبهُ ) إيقاَظ الهمم ( ‪:‬‬
‫) وكاَن بعضهم إذا أصابح عندهُ شيء أصابح حزيناَ ‪ ,‬وإذا لم يصبح عندهُ سيء‬
‫أصابح فرحاَ مسرورِا ( ‪. 4‬‬

‫وقَاَل أيضاَ ‪:‬‬


‫) الفقر أساَس التصوف ‪ ,‬وبهُ قَوامهُ ( ‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫ورِوى مثل ذلك عن أبي محمد رِويم المتوفى ‪ 303‬هـ أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) مبنى التصوف على الفقر ( ‪. 6‬‬

‫نعم ‪ ,‬الفقر الذي تعوذ منهُ سيد الخلئق المدعم باَلوحي ‪ ,‬والمعصوم‬
‫بعصمة اللهُ وقَاَل ‪ ) :‬اللهم إني أعوذ بك من الفقر ( ‪. 7‬‬
‫فجعلوا ذلك الفقر أساَس التصوف وقَوامهُ ‪ ,‬وأقَاَموا بناَءهُ عليهُ ‪.‬‬
‫ونقل الطوسي عن الجنيد أنهُ سئل عن الزهد فقاَل ‪:‬‬
‫) الزهد هو تخلي اليدي من الملك ( ‪. 8‬‬

‫وبمثل ذلك قَاَل رِويم بن أحمد الصوفي المتوفى ‪ 303‬هـ حينماَ سئل عن‬
‫الزهد ماَ هو ؟ ‪ .‬فقاَل ‪ ) :‬هو ترك حظوظ النفس من جميع ماَ في الدنياَ ( ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫وذكر الشعراني عن ابن عربي أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) من أرِاد فهم المعاَني الغاَمضة من كلم اللهُ عز وجل وكلم رِسولهُ‬
‫وأولياَئهُ فليزهد في الدنياَ حتى يصير ينقبض خاَطرهُ من دخولهاَ ‪ ,‬ويفرح‬
‫لزوالهاَ ( ‪. 10‬‬

‫وينقل أيضاَ عن إبراهيم المتبولي أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫‪.‬‬ ‫‪11‬‬
‫) كل فقير ل يحصل لهُ جوع ول عري فهو من أبناَء الدنياَ (‬
‫‪ 1‬الرسالة القشيرية لبي القاسم القشيري ج ‪ 1‬ص ‪. 84‬‬
‫‪ 2‬قوت القلوب لبي طالب المكي ج ‪ 1‬ص ‪ , 267‬أيضا غيث المواهب العلية للنفزي الرندي ص ‪. 208‬‬
‫‪ 3‬الرسالة القشيرية ج ‪ 1‬ص ‪. 117‬‬
‫‪ 4‬إيقاظ الهمم لبن عجيبة الحسني ص ‪ 213‬الطبعة الثالثة مصطفى البابي الحلبي ‪ 1402‬هـ ‪.‬‬
‫‪ 5‬أيضا ‪.‬‬
‫‪ 6‬اصطلحات الصوفية لكمال الدين عبد الرزاق القاشاني من صوفية القرن الثامن الهجري ص ‪ 76‬ط الهيئة المصرية‬
‫العامة للكتاب مصر ‪.‬‬
‫‪ 7‬رواه النسائي ‪.‬‬
‫‪ 8‬اللمع للطوسي ص ‪ , 72‬أيضا مناقب الصوفية لقطب الدين المروزي ص ‪ 55‬ط طهران ‪ 1362‬هجري قمري ‪.‬‬
‫‪ 9‬اللمع للطوسي ص ‪. 72‬‬
‫‪ 10‬اليواقيت والجواهر للشعراني ج ‪ 1‬ص ‪ 26‬مصطفى البابي ‪ 1378‬هـ ‪.‬‬
‫‪ 11‬الخلق المتبولية للشعراني ج ‪ 2‬ص ‪ 94‬تحقيق منيع عبد الحليم محمود ط مطبعة حسان – القاهرة ‪.‬‬
‫‪57‬‬

‫وذكر الصوفي عماَد الدين الموي في كتاَبهُ ) حياَة القلوب ( أن رِجل دخل‬
‫على بعض الصوفية يتكلم في الزهد وعندهُ قَميص معلق وعليهُ آخر ‪,‬‬
‫فقاَل ‪:‬‬
‫ياَ شيخ ‪ ,‬أماَ تستحي أن تتكلم في الزهد ولك قَميصاَن ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وزجر السري السقطي رِجل كاَن يملك عشرة درِاهم وقَاَل ‪:‬‬
‫أنت تقعد مع الفقراء ومعك عشرة درِاهم ‪. 2‬‬
‫وذكر الكلباَذي عن أحمد بن السمين أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫كنت أمشي في طريق مكة ‪ ,‬فإذا أناَ برجل يصيح ‪ :‬أغثني ياَ رِجل ‪ ,‬اللهُ ‪ ,‬اللهُ‬
‫‪ .‬قَلت ماَلك ‪ ,‬ماَلك ؟‬
‫خذ مني هذهُ الدرِاهم ‪ ,‬فإني ماَ أقَدرِ أن أذكر اللهُ وهي معي ‪ ,‬فأَخذتهاَ منهُ‬
‫فصاَح ‪ :‬لبيك اللهم لبيك ‪ ,‬وكاَنت أرِبعة عشر درِهماَ ‪. 3‬‬

‫وقَاَل سهل بن عبد اللهُ التستري ‪:‬‬


‫اجتمع الخير كلهُ في هذهُ الرِبع خصاَل ‪ ,‬وبهاَ صااَرِ البدال أبدال ‪ :‬أخماَص‬
‫البطون ‪ ,‬والصمت والخلوة ‪ ,‬والسهر ‪. 4‬‬

‫وينقل الهجويري عن أبي بكر الشبلي أن واحدا من علماَء الظاَهر سأَلهُ‬


‫على سبيل التجربة عن الزكاَة قَاَئل ‪ ) :‬ماَ الذي يجبِ أن يعطى من‬
‫الزكاَة ؟ ‪.‬‬
‫قَاَل ‪ :‬حين يكون البخل موجودا ويحصل الماَل فيجبِ أن يعطى خمسة‬
‫درِاهم عن كل ماَئتي درِهم ‪ ,‬ونصف ديناَرِ عن كل عشرين ديناَرِا ‪ ,‬هذا في‬
‫مذهبك ‪.‬‬
‫أماَ في مذهبي فيجبِ أن ل تملك شيئاَ حتى تتخلص من مشغلة الزكاَة ( ‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫وقَاَل الهجويري ‪:‬‬


‫) السكون إلى مأَلوفاَت الطبع يقطع صااَحبهاَ عن بلوغ درِجاَت الحقاَئق ( ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫وينقلون عن الرفاَعي أحمد بن أحمد بن أبي الحسين صااَحبِ الطريقة‬


‫الرفاَعية أنهُ كاَن يقول ‪:‬‬
‫) أكرهُ للفقراء دخول الحماَم ‪ ,‬وأحبِ لجميع أصاحاَبي الجوع والعري‬
‫والفقر والذل والمسكنة ‪ ,‬وأفرح لهم إذا نزل بهم ذلك ( ‪. 7‬‬

‫ونقل أبو المظفر أن أباَ بكر الورِاق قَاَل ‪:‬‬


‫) الزهد مركبِ من الحروف الثلثة ‪ :‬الزاء ‪ ,‬والهاَء ‪ ,‬والدال ‪ ,‬فاَلزاي ترك‬
‫الزينة ‪ ,‬والهاَء ترك الهوى ‪ ,‬والدال ترك الدنياَ ( ‪. 8‬‬

‫‪ 1‬حياة القلوب في كيفية الوصول على إلى المحبوب لعماد الدين الموي ج ‪ 2‬ص ‪ 122‬على هامش قوت القلوب ‪.‬‬
‫‪ 2‬طبقات الولياء لبن الملقن المتوفى ‪ 804‬هـ نشر مكتبة الخانجي القاهرة ‪ 1393‬هـ ‪.‬‬
‫‪ 3‬التعرف لمذهب أهل التصوف للكلباذي ص ‪ 185‬ط القاهرة ‪ 1400‬هـ ‪.‬‬
‫‪ 4‬غيث المواهب العلية للنفزي الرندي المتوفى ‪ 792‬هـ ص ‪ 93 , 92‬ط القاهرة‪.‬‬
‫‪ 5‬كشف المحجوب للهجويري ص ‪. 558‬‬
‫‪ 6‬نفس المصدر ‪. 361‬‬
‫‪ 7‬النفحة العلية في أوراد الشاذلية لعبد القادر زكي ص ‪ 263‬ط مكتبة المثنى القاهرة ‪ ,‬أيضا النوار القدسية للشعراني ج ‪1‬‬
‫ص ‪ 132‬ط دار إحياء التراث العربي بغداد ‪ 1984‬م ‪.‬‬
‫‪ 8‬انظر مناقب الصوفية ) فارسي ( لبي المظفر المروزي ص ‪ 55‬باهتمام محمد تقي وايرج افشار ط إيران ‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫ونقل أبو طاَلبِ المكي عن سفياَن أنهُ قَاَل ‪ ) :‬الصاَئم إذا اهتم في أول‬
‫النهاَرِ بعشاَئهُ كتبِ عليهُ خطيئة ‪ ,‬وكاَن سهل ) التستري ( يقول ‪ :‬إن ذلك‬
‫ينقص من صاومهُ ( ‪. 1‬‬

‫ونقل عن حذيفة المرعشي أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) منذ أرِبعين سنة لم أملك إل قَميصاَ واحدا ( ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وذكر الكلباَذي في تعرفة عن أبي الحسن محمد بن أحمد الفاَرِسي أنهُ‬


‫قَاَل ‪ ) :‬من أرِكاَن التصوف ترك الكتساَب وتحريم الدخاَرِ ( ‪. 3‬‬
‫ونقل نجم الدين الكبري المتوفى ‪ 618‬هـ ‪ :‬التصوف هو نبذ الدنياَ كلهاَ ‪. 4‬‬
‫ويقول الهروي عبد اللهُ النصاَرِي المتوفي ‪ 481‬هـ ‪:‬‬
‫) الزهد أصالهُ تعذيبِ الظاَهر بترك الدنياَ ( ‪. 5‬‬
‫وينقل ابن الملقن عن أستاَذ الجنيد أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) علمة الفقير الصاَدق أن يفتقر بعد الغنى ‪ ,‬وينحط بعد الشهرة ( ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫وينقل السلمي عن سمنون المحبِ – وهو من أصاحاَب السري السقطي –‬


‫أنهُ سئل عن الفقير الصاَدق فقاَل ‪ ) :‬الذي يأَنس باَلعدم كماَ يأَنس الجاَهل‬
‫باَلغنى ‪ ,‬ويستوحش من الغنى كماَ يستوحش الجاَهل من الفقر ( ‪. 7‬‬

‫وذكروا عن أبي يزيد البسطاَمي أنهُ سئل ‪ :‬بأَي شيء نلت هذهُ المعرفة ؟‬
‫فقاَل ‪ ) :‬ببطن جاَئع وبدن عاَرِ ( ‪. 8‬‬
‫وأخيرا ذكر الكلباَذي عن الصوفية فقاَل ‪:‬‬
‫) أنهم قَوم تركوا الدنياَ فخرجوا عن الوطاَن ‪ ,‬وهجروا الخدان ‪ ,‬وساَحوا‬
‫في البلد ‪ ,‬وأجاَعوا الكباَد ‪ ,‬وأعروا الجساَد ( ‪. 9‬‬

‫مع اعترافهم بأَن هذهُ هي المسيحية كماَ نص على ذلك أبو طاَلبِ المكي‬
‫حيث قَاَل ‪:‬‬
‫) رِويناَ عن عيسى عليهُ السلم أنهُ قَاَل ‪ ) :‬أجيعوا أكباَدكم ‪ ,‬وأعروا‬
‫أجساَدكم لعل قَلوبكم ترى اللهُ عز وجل ( ‪. 10‬‬
‫فاَلنصوص في هذا المعنى أكثر من أن تعد وتحصى ‪ ,‬وأن يسعهاَ كتاَب‬
‫فهيهاَت هيهاَت أن يسعهاَ باَب أو جزء من الباَب ‪ ,‬وكل هذهُ النصوص تنطق‬
‫صاراحة عن مصدرِهاَ الصالي ومرجعهاَ الحقيقي ‪ ,‬ول علقَة لهاَ بتعاَليم‬
‫السلم وإرِشاَداتهُ ‪ ,‬بل أنهاَ مخاَلفة تماَماَ لتلك ‪ ,‬ولكي يسهل على القراء‬
‫والباَحثين المقاَرِنة ذكرناَ ماَ ورِد في القرآن والسنة في هذا الخصوص ‪,‬‬
‫كماَ أورِدناَ قَبل ذلك توجيهاَت مسيحية وتعاَليم رِهباَنية وعلى ذلك قَاَل ‪C.H.‬‬
‫‪ BECKER‬وآسين بلثيوس ‪ ,‬ونيكلسون بأَن ترك الدنياَ ‪ ,‬ومعنى التوكل جاَء‬
‫في التصوف من المسيحية ‪.‬‬

‫‪ 1‬قوت القلوب لبي طالب المكي ج ‪ 2‬ص ‪. 9‬‬


‫‪ 2‬أيضا ص ‪. 21‬‬
‫‪ 3‬التعرف لمذهب أهل التصوف ص ‪ 108‬ط مكتبة الكليات الزهرية القاهرة ‪.‬‬
‫‪ 4‬فواتح الجمال وفواتح الجلل لنجم الدين الكبري ص ‪. 59‬‬
‫‪ 5‬منازل السائرين مع العلل والمقامات ص ‪ 296‬ط إيران ‪ 1361‬هجري قمري ‪.‬‬
‫‪ 6‬طبقات الولياء لبن الملقن المتوفى ‪ 804‬هـ ص ‪ 152‬ط مكتبة الخانجي القاهرة ‪ 1973‬م ‪.‬‬
‫‪ 7‬طبقات السلمي ص ‪. 47‬‬
‫‪ 8‬قوت القلوب ص ‪ , 168‬أيضا الرسالة للقشيري ص ‪. 88‬‬
‫‪ 9‬التعرف للكلباذي ص ‪. 29‬‬
‫‪ 10‬انظر قوت القلوب لبي طالب المكي ج ‪ 2‬ص ‪. 167‬‬
‫‪59‬‬

‫ونص فون كريمر على أن الزهد الصوفي نشأَ بتأَثير من الزهد المسيحي ‪. 1‬‬
‫وقَاَل جولد زيهر ‪:‬‬
‫) إن مدح الفقر وإيثاَرِهُ على الغنى كاَن من العناَصار النصرانية ( ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وأقَر بذلك الكاَتبِ اليراني الكبير الدكتورِ قَاَسم غني في كتاَبهُ ) تاَرِيخ‬
‫التصوف في السلم ( ‪. 3‬‬

‫‪ 1‬انظر لذلك كتاب فون كريمر تاريخ الفكار الواردة في السم نقل عن مقدمة الكتاب في التصوف السلمي وتاريخه‬
‫للكتور أبي العلء العفيفي صهـ ‪ ,‬و ‪ .‬وأيضا الفكر العربي ومكانته في التاريخ للمستشرق أوليري ترجمة تمام حسان ص‬
‫‪ 195 , 194‬ط القاهرة ‪.‬‬
‫‪ 2‬انظر كتاب التصوف السلمي منهجا وسلوكا للدكتور عبد الرحمن عميره ص ‪ 33‬ط مكتبة الكليات الزهرية – القاهرة ‪,‬‬
‫وكتاب مدخل إلى التصوف السلمي للدكتور التفتازاني ص ‪. 28‬‬
‫‪ 3‬انظر ص ‪ 100‬ترجمة عربية ‪.‬‬
‫‪60‬‬

‫و المل ْب َ ُ‬
‫س‬ ‫ة َ‬
‫الّزاوي َ ُ‬
‫وأماَ التزام الصوفية لبس الصوف لكونهُ شعاَرِا وعلمة لهم فأَيضاَ مأَخوذ‬
‫من رِهبنة المسيحية لنهُ كاَن زيهم الخاَص بهم كماَ أقَر بذلك الصوفي‬
‫المشهورِ في طبقاَتهُ عن أبي العاَلية أنهُ كاَن ) يكرهُ للرجل زي الرهباَن من‬
‫الصوف ‪ ,‬ويقول ‪ :‬زينة المسلمين التجمل بلباَسهم ( ‪ 1‬ز‬

‫ومثل ذلك نقل ابن عبد رِبهُ في ) العقد الفريد ( عن حماَد بن سلمة أنهُ قَاَل‬
‫لفرقَد السنجي حينماَ رِآهُ لبساَ الصوف ‪:‬‬
‫) دع عنك هذهُ النصرانية ( ‪. 2‬‬

‫وأورِد ابن الجوزي مثل هذهُ الرواية بسندهُ حيث قَاَل ‪:‬‬
‫) أخبرناَ محمد بن عبد الباَقَي بن أحمد ‪ ,‬حدثناَ حمد بن أحمد الحداد ‪ ,‬حدثناَ‬
‫أبو نعيم الحاَفظ ‪ ,‬حدثناَ أبو حاَمد بن جبلة ‪ ,‬حدثناَ حمد بن إسحاَق ‪ ,‬حدثناَ‬
‫إسماَعيل بن أبي الحاَرِث ‪ ,‬حدثناَ هاَرِون بن معروف ‪ ,‬عن ضمرة ‪ ,‬قَاَل ‪:‬‬
‫سمعت رِجل يقول ‪ :‬قَدم حماَد بن سلمة البصرة ‪ ,‬فجاَءهُ فرقَد السنجي‬
‫وعليهُ ثوب صاوف ‪ ,‬فقاَل لهُ حماَد ‪ :‬ضع عنك نصرانيتك هذهُ ‪ ,‬فلقد رِأيتناَ‬
‫ننتظر إبراهيم – يعني النخعي – فيخرج عليناَ وعليهُ معصفرة ( ‪. 3‬‬

‫وأورِد أيضاَ رِواية أخرى مسندة بطريق البخاَرِي رِحمة اللهُ عليهُ قَاَل ‪:‬‬
‫أخبرناَ محمد بن ناَصار وعمر بن ظفر ‪ ,‬قَاَل ‪ :‬حدثناَ محمد بن الحسن‬
‫الباَقَلوي ‪ ,‬حدثناَ القاَضي أبو العلء الواسطي ‪ ,‬حدثناَ أبو نصر أحمد بن‬
‫محمد الساَزكي ‪ ,‬حدثناَ أبو الخير أحمد بن حمد البزارِ ‪ ,‬حدثناَ محمد بن‬
‫إسماَعيل البخاَرِي ‪ ,‬حدثناَ علي بن حجر ‪ ,‬حدثناَ صااَلح بن عمر الواسطي عن‬
‫أبي خاَلد ‪ ,‬قَاَل ‪:‬‬
‫جاَء عبد الكريم أبو أمية إلى أبي العاَلية وعليهُ ثياَب صاوف ‪ ,‬فقاَل لهُ أبو‬
‫العاَلية ‪ ) :‬إنماَ هذهُ ثياَب الرهباَن ‪ ,‬إن المسلمين إذا تزورِوا تجملوا ( ‪. 4‬‬

‫ونقل الشعراني عن سهل التستري حكاَية باَطلة غريبة تدل على أن‬
‫الصوف كاَن لباَس أصاحاَب المسيح ‪ ,‬وهذا هو نصهاَ ‪ :‬أن سهل بن عبد اللهُ‬
‫التستري كاَن يقول ‪:‬‬
‫) اجتمعت بشخص من أصاحاَب المسيح عليهُ السلم في دياَرِ قَوم عاَد‬
‫فسلمت عليهُ ‪ ,‬فرد علي السلم ‪ ,‬فرأيت عليهُ جبة من صاوف فيهاَ طراوة ‪,‬‬
‫فقاَل لي ‪ :‬إن لهاَ علي من أياَم المسيح ‪ ,‬فتعجبت من ذلك ‪.‬‬

‫فقاَل ‪ :‬ياَ سهل إن البدان ل تخلق الثياَب ‪ ,‬إنماَ يخلقهاَ رِائحة الذنوب ‪,‬‬
‫ومطاَعم السحت ‪ ,‬فقلت لهُ ‪ :‬فكم لهذهُ الجبة عليك ؟‬
‫فقاَل ‪ :‬لهاَ سبعماَئة سنة ( ‪. 5‬‬
‫طبقات الشعراني ج ‪ 1‬ص ‪. 35‬‬ ‫‪1‬‬

‫العقد الفريد لبن عبد ربه ج ‪ 3‬ص ‪ 378‬ط القاهرة ‪ 1293‬هـ ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫تلبيس إبليس لبن الجوزي المتوفى ‪ 596‬هـ ص ‪ 219‬ط دار الوعي المربى بيروت ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫تلبيس إبليس لبن الجوزي ص ‪. 220 , 219‬‬ ‫‪4‬‬

‫الطبقات الكبرى للشعراني ج ‪ 1‬ص ‪. 78‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪61‬‬

‫وذكر السهر ورِدي أيضاَ أنهُ كاَن الصوف لباَس عيسى عليهُ السلم فقاَل ‪:‬‬
‫) كاَن عيسى عليهُ السلم يلبس الصوف ‪ ,‬ويأَكل من الشجرة ‪ ,‬ويبيت حيث‬
‫أمسى ( ‪. 1‬‬

‫ومثل ذلك ذكر الكلباَذي ‪. 2‬‬


‫) وعلى ذلك قَاَل نولدكة ونيكلسون وماَسينيون إن التصوف السلمي أخذ‬
‫لبسة الصوف من الرهباَن النصاَرِى ( ‪.‬‬
‫وزاد نيكلسون أشياَء في مقاَلتهُ العديدة التي نشرت في دوائر المعاَرِف ‪,‬‬
‫وجمعت بعضهاَ باَسم ) الدرِاساَت في التصوف السلمي وتاَرِيخهُ ( منهاَ ماَ‬
‫قَاَلهُ تحت عنوان ‪ :‬الزهد في السلم ‪:‬‬
‫) كاَن عرب الجاَهلية على حظ قَليل من التفكير الديني ‪ ,‬وكاَن تفكيرهم‬
‫في هذهُ الناَحية مضطرباَ ً وغاَمضاَ ً ‪ .‬وقَد شغلهم انهماَكهم في متع الحياَة‬
‫ومتاَعبهاَ عن التفكير في حياَة أخروية ‪ ,‬ولم يخطر بباَلهم أن يعدوا‬
‫أنفسهم لحياَة رِوحية ورِاء حدود القبر ‪ .‬وقَد غرست المسيحية – ل الكنيسة‬
‫المسيحية ‪ ,‬بل المسيحية غير التقليدية وغير المنظمة – بذورِ الزهد في‬
‫بلد العرب قَبل البعثة المحمدية ‪ ,‬وظل أثرهاَ يعمل عملهُ في تطورِ الزهد‬
‫في المبراطورِية السلمية في عصورِهاَ الولى ‪ .‬ونحن نعلم أن المسيحية‬
‫كاَنت منتشرة قَبل السلم بين قَباَئل شماَلي الجزيرة العربية ‪ ,‬وأن كثيرا ً‬
‫من العرب كاَنوا على شيء من العلم – مهماَ كاَن قَليل وسطحياَ – بعقاَئد‬
‫الدياَنة المسيحية وطقوسهاَ ‪ .‬بل إن الشاَرِات التي ورِدت في الشعر‬
‫الجاَهلي عن رِهباَن المسيحيين لتدل على أن عرب الباَدية كاَنوا يجلون‬
‫هؤلء الرهباَن ويعظمونهم ‪ ,‬وكاَنوا يهتدون بأَنوارِهم المنبعثة من‬
‫صاوامعهم في ظلم الليل وهم يسيرون في الصحراء فضرب هؤلء‬
‫الرهباَن وغيرهم من الزهاَد الهاَئمين على وجوههم ‪ ,‬مثل للعرب الوثنيين‬
‫في الزهد ‪ ,‬وحركوا في نفوس بعضهم ‪ ,‬وهم المعروفون باَلحنفاَء ‪ ,‬ميلً‬
‫إلى النفورِ من الوثاَن ورِفض عباَدتهاَ ‪ .‬فدان هؤلء بعقيدة التوحيد ‪,‬‬
‫واصاطنع بعضهم الزهد ومجاَهدة النفس ‪ ,‬ولبسوا الصوف وحرموا على‬
‫أنفسهم بعض أنواع الطعاَم ( ‪. 3‬‬

‫وقَاَل أيضاَ ‪:‬‬


‫) كاَنت الثياَب المصنوعة من خشن الصوف علمة على الزهد قَبل السلم ‪,‬‬
‫وفي هذا حاَكى العرب رِهباَن المسيحيين ‪ .‬وقَد شاَع استعماَل هذا النوع‬
‫من الثياَب بين زهاَد المسلمين الوائل ‪ ,‬ومنهُ اشتق اسم الصوفية الذي‬
‫استعمل قَبل نهاَية القرن الثاَني الهجري ‪ .‬على أن اسماَ آخر أطلق على‬
‫هؤلء الزهاَد وإن كاَن أقَل شيوعاَ من اسم الصوفي وهو ) مسوحي ( نسبة‬
‫إلى مسوح جمع مسح وهو اللباَس من الشعر ‪.‬‬
‫وقَد جرت العاَدة بأَن يلبس الزهاَد ‪ ,‬رِجاَل كاَنوا أو نساَء ‪ ,‬جبة مدرِعة من‬
‫الصوف وأن تلبس المرأة أحياَناَ غطاَء على الرأس من القماَش نفسهُ ‪,‬‬
‫وهذا الغطاَء هو المعروف باَلخماَرِ ‪.‬‬

‫عوارف المعارف للسهر وردي ص ‪ 59‬باب في ذكر تسميتهم بهذا السم ط دار الكتاب العربي ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫التعرف لمذهب أهل التصوف لبي بكر محمد الكلباذي ص ‪. 31‬‬ ‫‪2‬‬

‫دراسات في التصوف السلمي وتاريخه لنيكلسون ترجمة أبي العلء العفيفي ص ‪. 43 , 42‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪62‬‬
‫وقَد استنكر سفياَن الثورِي المتوفى سنة ‪ 161‬هـ لبس الصوف ‪ ,‬وعدهُ بدعة‬
‫‪ ,‬واستنكر كذلك غيرهُ من المسلمين لنهم اعتبروهُ رِمزا للمسيحية وعلمة‬
‫على الرياَء ( ‪. 1‬‬

‫وقَاَل أيضاَ تحت عنوان التصوف باَحثاَ عن كلمة الصوفي نقل عن نولدكهُ ‪:‬‬
‫) إن المسلمين في القرنين الولين للسلم كاَنوا يلبسون الصوف ‪,‬‬
‫وبخاَصاة من سلك منهم طريق الزهد ‪ ,‬وأنهم كاَنوا يقولون ‪ :‬لبس فلن‬
‫الصوف ‪ :‬بمعنى تزهد ورِغبِ عن الدنياَ ‪.‬‬

‫فلماَ انتقل الزهد إلى التصوف قَاَلوا ‪ :‬لبس فلن الصوف بمعنى ‪ :‬أصابح‬
‫صاوفياَ ‪ .‬وكذلك الحاَل في اللغة الفاَرِسية ‪ :‬فإن قَولهم ) بشميناَ بوش (‬
‫معناَهُ ‪ :‬يلبس لباَس الصوف ‪.‬‬
‫وقَد أخذ زهاَد المسلمين الوائل عاَدة لبس الصوف عن رِهباَن المسيحيين‬
‫ونساَكهم ‪ ,‬يدل على ذلك أن حماَد بن أبي سليماَن قَدم البصرة ‪ ,‬فجاَءهُ‬
‫فرقَد السنجي وعليهُ ثياَب صاوف فقاَل لهُ حماَد ضع عنك نصرانيتك هذهُ ‪.‬‬
‫وقَد أطلقوا على هذهُ الثياَب ) زي الرهباَن ( ‪ ,‬واستشهدوا بحديث معناَهُ أن‬
‫النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم قَاَل ‪ :‬إن عيسى كاَن يلبس ثياَب الصوف ( ‪. 2‬‬

‫وقَاَل جولدزيهر ‪:‬‬


‫) وقَد حاَكى هؤلء الزهاَد المسلمون وعباَدهم نساَك النصاَرِى ورِهباَنهم ‪,‬‬
‫فاَرِتدوا الصوف الخشن ( ‪. 3‬‬

‫هذا وبمثل هذا قَاَل الدكتورِ قَاَسم غني ‪:‬‬


‫) إن ارِتداء الملبس الصوفية أو التصوف الذي نشأَ عنهُ كلمة الصوفية كماَ‬
‫تقدم كاَن من عاَدات الرهباَن المسيحيين ‪ ,‬ثم صااَرِ فيماَ بعد شعاَرِا للزهد‬
‫عند الصوفية ‪ .‬والدلق الذي ورِد ذكرهُ في أشعاَرِ الصوفية وكتبهم استعمل‬
‫في معنى لباَس الصوفية في كل مكاَن ‪ .‬أي الخرقَة التي كاَنوا يرتدونهاَ‬
‫فوق جميع الملبس والظاَهر أنهاَ كاَنت من صاوف ‪ .‬والدلق إماَ أن يكون من‬
‫قَطعة واحدة أو مرقَعاَ ‪ ,‬ويسمى باَلدلق المرقَع في هذهُ الحاَل ‪ ,‬وإذا كاَن‬
‫من ألوان مختلفة يسمى حينئذ ) الدلق الملمع ( والدلق عند صاوفية السلم‬
‫سواء كاَن لونهُ أزرِق أو كاَن أسود يسمى دائماَ ‪ ) :‬باَلدلق الزرِق ( وخرقَة‬
‫الرهباَن التي كاَنت على ماَ يظهر بيضاَء في باَدئ المر صااَرِت بعد ذلك‬
‫سوداء وزمرة ) السوكوارِان ( أي المفجوعون ‪ ,‬الذين يتكلم عنهم‬
‫الفردوسي في الشاَهناَمة ليسوا إل أساَقَفة المناَظرة المسيحيين ممن‬
‫لجأَوا إلى إيران في القرن الثاَلث الميلدي وهم الذين كاَنوا يلبسون‬
‫ملبس الصوف الخشنة على أجساَمهم كي يكون ذلك نوعاَ من التقشف‬
‫والخششاَن ‪ ,‬فكاَن إصاطلح ) صاوفي ( و ) وصاوفية ( الذي هو باَلفاَرِسية‬
‫) بشمينهُ بوش ( أي لبس الصوف وكاَن يطلق على رِجاَل المسيحيين‬
‫ونساَئهم ( ‪. 4‬‬

‫‪ 1‬نفس المصدر ص ‪. 48‬‬


‫‪ 2‬نفس المصدر ص ‪. 68 , 67‬‬
‫‪ 3‬المجلة السيوية الملكية ‪ 1891‬ص ‪ 153‬نقل عن نشأة الفلسفة الصوفية للدكتور عرفان عبد الحميد ص ‪ 111‬ط المكتب‬
‫السلمي بيروت ‪ 1974‬م ‪.‬‬
‫‪ 4‬تاريخ التصوف في السلم لقاسم غني ترجمة عربية لصادق نشأت ص ‪ 10201 , 10110‬ط مكتبة النهضة القاهرة ‪ 1970‬م‬
‫‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫ول بأَس من إيراد تعليقة ذكرت تحت هذهُ العباَرِة ‪:‬‬
‫) ويقول ياَقَوت في كتاَب ) معجم البلدان ( في حواشي ) دير العذارِى ( ‪:‬‬
‫وقَاَل أبو الفرج ‪:‬ودير العذارِى بسر من رِأى إلى الن موجود يسكنهُ‬
‫الرواهبِ ‪ .‬وحدث الجاَحظ في كتاَب ) المعلمين ( قَاَل ‪ :‬حدثني ابن الفرج‬
‫الثعلبي ‪ :‬أن فتياَناَ من بني ملص من ثعلبة أرِادوا القطع على ماَل يمر‬
‫بهم قَرب دير العذارِى فجاَءهم من أخبرهم أن السلطاَن قَد علم بهم وأن‬
‫الخيل قَد أقَبلت تريدهم ‪ ,‬فاَستخفوا في دير العذارِى ‪ ,‬فلماَ صااَرِوا فيهُ‬
‫سمعوا وقَع حوافر الخيل التي تطلبهم رِاجعة ‪ ,‬فأَمنوا ثم قَاَل بعضهم‬
‫لبعض ‪ :‬ماَ لذي يمنعكم أن تأَخذوا باَلقس فتشدوا وثاَقَهُ ثم يخلوا كل واحد‬
‫منكم بهذهُ البكاَرِ ‪ ,‬فإذا طلع الفجر تفرقَناَ في البلد ‪ ,‬وكناَ جماَعة بعدد‬
‫البكاَرِ اللواتي كن أبكاَرِا في حساَبناَ ‪ .‬ففعلناَ ماَ اجتمعناَ عليهُ ‪ ,‬فوجدناَهن‬
‫جميعاَ ثيباَت قَد فرغ منهن القس قَبلناَ ‪ ..‬فقاَل بعضناَ ‪:‬‬

‫وعند القسوس حديث عجيبِ‬ ‫ودير العذارِى فضوح لهن‬


‫نــيك الرواهبِ أمر غريبِ‬ ‫خلوناَ بعشــــرين صاـوفية‬
‫وباَب المدينة فج رِحيبِ‬ ‫إذا هن يرهزن رِهز الظراف‬

‫ويبدو من تعبير ) الصوفية ( في هذا الشعر أن المقصود منهُ الراهباَت‬


‫المسيحياَت ( ‪. 1‬‬

‫ولذلك خاَلف علماَء المة وفقهاَؤهاَ لبسهُ ‪.‬‬

‫فلقد نقل الماَم ابن تيمية عن أبي الشيخ الصابهاَني عن إسناَدهُ أن ابن‬
‫سيرين بلغهُ أن قَوماَ يفضلون لباَس الصوف فقاَل ‪:‬‬
‫) إن قَوماَ يتخيرون الصوف يقولون إنهم متشبهون بعيسى بن مريم ‪,‬‬
‫وهدي نبيناَ أحبِ إليناَ ‪ ,‬وكاَن النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم يلبس القطن‬
‫وغيرهُ ( ‪. 2‬‬

‫كماَ نقل ابن الجوزي عن أحمد بن أبي الجوارِي أنهُ قَاَل ‪ :‬قَاَل لي سليماَن‬
‫بن أبي سليماَن ‪ ) :‬أي شيء أرِادوا بلباَس الصوف ؟‬
‫قَلت ‪ :‬التواضع ‪.‬‬
‫قَاَل ‪ :‬ماَ يتكبر أحد إل إذا لبس الصوف ‪.‬‬

‫ونقل عن سفياَن الثورِي أنهُ قَاَل لرجل عليهُ صاوف ‪ :‬لباَسك هذا بدعة ‪.‬‬
‫كماَ رِوى عن الحسن بن الربيع أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫سمعت عبد اللهُ بن المباَرِك يقول لرجل رِأى عليهُ صاوفاَ مشهورِا ‪ :‬أكرهُ‬
‫هذا ‪ ,‬أكرهُ هذا ‪.‬‬

‫ورِوي عن بشر بن الحاَرِث أنهُ سئل عن لبس الصوف ‪.‬‬


‫فشق عليهُ ‪ ,‬وتبين الكراهة في وجههُ ‪ ,‬ثم قَاَل ‪ :‬لبس الخز والمعصفر أحبِ‬
‫إلي من لبس الصوف في المصاَرِ ‪.‬‬

‫أيضا تعليقه رقم ‪ 2‬ص ‪. 102‬‬ ‫‪1‬‬

‫الصوفية والفقراء لشيخ السلم ابن تيمية ص ‪ 7‬ط دار الفتح القاهرة ‪ 1984‬م ‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪64‬‬
‫ورِوي عن أبي سليماَن الدارِاني أنهُ قَاَل لرجل لبس الصوف ‪ :‬إنك قَد‬
‫أظهرت آلة الزاهدين ‪ ,‬فماَذا أورِثك هذا الصوف ‪.‬‬

‫كماَ رِو يعن النضر بن شميل أنهُ قَاَل لبعض الصوفية ‪:‬‬
‫تبيع جبتك الصوف ؟‬
‫فقاَل ‪ :‬إذا باَع الصياَد شبكتهُ بأَي شيء يصطاَد ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫هذا ونقل عن غيرهُ مثل هذا ‪.‬‬

‫هذا من ناَحية الملبس ‪.‬‬


‫وأماَ اتخاَذهم الخاَنقاَوات والتكاَياَ والزواياَ ‪ ,‬وانعزالهم عن الدنياَ فلم تكن‬
‫إل مأَخوذة من الرهبنة المسيحية أيضاَ كماَ ذكرناَ فيماَ مر نقل عن الجاَمي‬
‫في نفحاَتهُ أن أول خاَنقاَهُ بنيت هي التي بناَهاَ أمير مسيحي من الرملة‬
‫في الشاَم ‪. 2‬‬

‫وهي تشبهُ تماَماَ أديرة الرهباَن النصاَرِى ذات السوارِ العاَلية البعيدة عن‬
‫عاَلم الناَس والعمران ‪ ,‬نتيجة للهروب من عاَلم الترف الماَدي إلى عاَلم‬
‫الترف الروحي ‪ ,‬ومن هذهُ الديرة تطورِت كثير من الفكاَرِ اليجاَبية ‪ ,‬خرج‬
‫بهاَ رِهباَن لفتح حقول جديدة على مباَدئ من الطهاَرِة والفقر والخضوع ‪.‬‬

‫) أماَ الطهاَرِة فكاَن معناَهاَ ليس تطهير الجسد باَلصوم ‪ ,‬بل كاَنت تعني‬
‫فوق ذلك قَطع علقَاَت محبة الب أو الم أو البن أو الخت حتى يكون‬
‫الراهبِ أقَدرِ على خدمة البشر ‪ ,‬وتصبح المحبة هناَ دياَنة إنساَنية شاَملة ز‬
‫أماَ الفقر فكاَن يعني التحررِ المطلق من قَيود الشياَء ‪ ,‬ورِفض المصاَلح‬
‫الماَدية من أجل خدمة النساَن ‪ ,‬وكاَن الخضوع يعني الستسلم الكاَمل‬
‫لرِادة اللهُ للقياَم باَلواجباَت ( ‪. 3‬‬

‫ولقد صارح الكتورِ قَاَسم غني أن المسيحية ‪ ) :‬استطاَعت أن تعلم صاوفية‬


‫المسلمين آداباَ وعاَدات كثيرة عن طريق زمرة المتقشفين وفرق الرهباَن‬
‫المتجولين ‪ ,‬ول سيماَ الجماَعاَت السورِية المتجولة في كل مكاَن ممن كاَنوا‬
‫على الغلبِ من فرق النصاَرِى النسطورِيين ‪ ,‬في حين أن تأَثير كناَئس‬
‫المسيحية في المسلمين كاَن في نطاَق محدود جدا ‪.‬‬

‫وأن الحياَة في الصوامع والخاَنقاَوات كاَنت أيضاَ مقتبسة من المسيحية‬


‫إلى حد كبير ( ‪. 4‬‬

‫وبمثل ذلك قَاَل نيلكسون ‪ ,‬المستشرق النجليزي الكبير الذي عرف‬


‫باَختصاَصاهُ في الدرِاساَت عن التصوف ‪ ,‬حيث يذكر تحت تطورِ الزهد في‬
‫العصورِ الوسطى ‪:‬‬

‫انظر تلبيس إبليس لبن الجوزي ص ‪. 222 , 221‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر نفحات النس للجامي ) فارسي ( ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫الفلسفة الصوفية في السلم للكتور عبد القادر محمود ص ‪ 39‬ط دار الفكر العربي القاهرة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫تاريخ التصوف في السلم للكتور قاسم غني ترجمة عربية ص ‪. 103‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪65‬‬
‫) لم يخرج الصوفية كثيرا على الحديث القاَئل ‪:‬ل رِهباَنية في السلم إل‬
‫بعد مضي عدة قَرون – إلى أن يقول ‪ : -‬وإنناَ ل نعلم إل القليل عن نظاَم‬
‫الزهد الرهباَني ونشأَتهُ في العصورِ السلمية الولى ‪ ,‬ويقاَل ‪ :‬أن أول‬
‫خاَنقاَهُ أسست لمتصوفة المسلمين كاَنت برملة في فلسطين قَبل نهاَية‬
‫الماَئة الثاَمنة الميلدية على ماَ يظهر ‪ ,‬وأن مؤسسهاَ كاَن رِاهباَ مسيحياَ ‪...‬‬
‫وقَد الصوفية بعض الحاَديث المدخولة على النبي ‪ ,‬التي تشير لباَحة‬
‫العزوبة لجميع المسلمين بعد الماَئتين من الهجرة فقد ظهر نظاَم الرهبنة‬
‫في السلم حوالي هذا التاَرِيخ تقريباَ ‪ .‬نعم لم يعم الزهد في العاَلم‬
‫السلمي ‪ ,‬ولم تظهر فيهُ الربط والزواياَ المنظمة إل في عصر متأَخر ‪ ,‬لن‬
‫القاَرِئ للكتبِ التي ألفت في التصوف حتى منتصف القرن الخاَمس‬
‫الهجري ‪ ,‬مثل قَوت القلوب لبي طاَلبِ المكي ‪ ,‬وحلية الولياَء لبي نعيم ‪,‬‬
‫والرساَلة للقشيري ‪ ,‬قَلماَ يجد فيهاَ إشاَرِة إلى هذا الربط والزواياَ ‪ ,‬ومع‬
‫ذلك نجد أن كباَرِ الصوفية من رِجاَل القرنين الثاَلث والرابع قَد اجتمع‬
‫حولهم المريدون ليأَخذوا عنهم الطريق ويتأَدبوا بآدابهُ ‪ .‬ومن الطبيعي أن‬
‫هؤلء المريدين أقَاَموا في بيوت دينية من نوع ماَ ‪ ,‬كلماَ وجدوا إلى ذلك‬
‫سبيل ‪ .‬ويذكر المقريزي أن الخاَنقاَوات وجدت في السلم في القرن‬
‫الخاَمس الهجري المقاَبل للقرن الحاَدي عشر الميلدي ‪ .‬وإذا سلمناَ بقول‬
‫المقريزي فعلى معنى أن خاَنقاَوات الصوفية التي كاَن يجتمع فيهاَ‬
‫المريدون تحت إشراف مشاَيخهم ‪ ,‬لم تكثر وتنتشر في بلد المملكة‬
‫السلمية إل في هذا التاَرِيخ ‪ ,‬وهذا يتفق مع ماَ ورِد في كتاَب آثاَرِ البلد‬
‫للقزويني حيث يقول إن أباَ سعيد بن أبي الخير ) المتوفى ‪ 1049‬م ل حوالي‬
‫‪ 815‬كماَ يقول دي ساَسي خطأَ – ول كماَ يقول دوزي وفون كريمر نقل عن‬
‫دي ساَسي ( يذكر عنهُ أنهُ مؤسس نظاَم الرهبنة في التصوف السلمي‬
‫وأول واضع لقواعدهُ وقَوانينهُ ‪ .‬وبعد ذلك بماَئتي سنة – أي بين ‪– 650 , 450‬‬
‫زيد في نظاَم الرهبنة وانتشر هذا النظاَم على أيدي رِجاَل الطرق ‪,‬‬
‫كاَلعدوية والقاَدرِية والرفاَعية وغير ذلك من الطرق التي توالى ظهورِهاَ‬
‫سريعاَ ( ‪. 1‬‬

‫هذا باَلنظر إلى أنهُ ل يوجد في تعاَليم القرآن والسنة رِسم ول أثر لهذهُ‬
‫التكاَياَ والزواياَ والخاَنقاَوات والربط ‪ ,‬بل أمر المسلمين ببناَء المسجد‬
‫للعباَدة كماَ أمروا بتعمير بيوتهم بقراءة القرآن فيهاَ والعباَدة ‪.‬‬

‫وأماَ بناَء المكنة الخاَصاة للتعبد والذكر والورِاد فليس إل تقليل لشأَن‬
‫المساَجد ‪ ,‬وصارف الناَس عنهاَ ‪ ,‬وإعطاَء التكاَياَ والزواياَ والربط مكاَنتهاَ‬
‫وشأَنهاَ ‪ ,‬وفي هذا مخاَلفة لوامر اللهُ وتعاَليم رِسولهُ صالوات اللهُ وسلمهُ‬
‫عليهُ ‪ .‬وعلى ذلك قَاَل ابن الجوزي ‪:‬‬
‫) أماَ بناَء الرِبطة فإن قَوماَ من المتعبدين الماَضين اتخذوهاَ للنفراد‬
‫باَلتعبد ‪ ,‬وهؤلء إذا صاح قَصدهم فهم على الخطأَ من ستة أوجهُ ‪:‬‬
‫أحدهاَ ‪ :‬أنهم ابتدعوا هذا البناَء وإنماَ بنياَن أهل السلم المساَجد ‪.‬‬
‫والثاَني ‪ :‬أنهم جعلوا للمساَجد نظيرا يقلل جمعهاَ ‪.‬‬
‫والثاَلث ‪ :‬أنهم أفاَتوا أنفسهم نقل الخطى إلى المساَجد ‪.‬‬
‫والرابع ‪ :‬أنهم تشبهوا باَلنصاَرِى باَنفرادهم في الديرة ‪.‬‬
‫والخاَمس ‪ :‬أنهم تعزبوا وهم شباَب وأكثرهم محتاَج إلى النكاَح ‪.‬‬
‫في التصوف السلمي وتاريخه لنييكلسون ترجمة عربية للدكتور أبي العلء العفيفي ص ‪. 58 , 57 , 56‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪66‬‬
‫والساَدس ‪ :‬أنهم جعلوا لنفسهم علماَ ينطق بأَنهم زهاَد فيوجبِ ذلك‬
‫زياَرِتهم والتبرك بهم ‪ .‬وإن كاَن قَصدهم غير صاحيح فإنهم قَد بنوا دكاَكين‬
‫للكوبة ومناَخاَ للبطاَلة وأعلماَ لظهاَرِ الزهد ‪.‬‬

‫وقَد رِأيناَ جمهورِ المتأَخرين منهم مستريحين في الرِبطة من كد المعاَش‬


‫متشاَغلين باَلكل والشرب والغناَء والرقَص يطلبون الدنياَ من كل ظاَلم ول‬
‫يتورِعون من عطاَء ماَكس ‪ .‬وأكثر أرِبطتهم قَد بناَهاَ الظلمة ‪ ,‬ووقَفوا‬
‫عليهاَ الموال الخبيثة ‪ .‬وقَد لبس عليهم إبليس أن ماَ يصل إليكم رِزقَكم‬
‫فاَسقطوا عن أنفسكم كلفة الورِع ‪ .‬فهمتهم دورِان المطبخ والطعاَم‬
‫والماَء الباَرِد ‪ .‬فأَين جوع بشر ‪ ,‬وأين ورِع سري ‪ ,‬وأين جد الجنيد ‪ .‬وهؤلء‬
‫أكثر زماَنهم ينقضي في التفكهُ باَلحديث أو زياَرِة أبناَء الدنياَ ‪ ,‬فإذا أفلح‬
‫أحدهم أدخل رِأسهُ في زرِماَنقتهُ فغلبت عليهُ السوداء ‪ ,‬فيقول ‪ :‬حدثناَ‬
‫قَلبي عن رِبي ‪ .‬ولقد بلغني أن رِجل قَرأ القرآن في رِباَط فمنعوهُ ‪ ,‬وأن‬
‫قَوماَ قَرأوا الحديث في رِباَط ‪ ,‬فقاَلوا لهم ‪ :‬ليس هذا موضعهُ ( ‪. 1‬‬

‫هذا وقَد أورِد ابن الجوزي حديثاَ بسندهُ إلى الرسول صالى اللهُ عليهُ وسلم‬
‫عن أبي عماَمة أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫خرجناَ مع رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم في سرية من سراياَهُ ‪ ,‬قَاَل ‪:‬‬
‫فمر رِجل بغاَرِ فيهُ شيء من ماَء ‪ ,‬قَاَل ‪ :‬فحدث نفسهُ بأَن يقيم في ذلك‬
‫الغاَرِ فيقوتهُ ماَ كاَن فيهُ ‪ ,‬وفيهُ شيء من ماَء ‪ ,‬ويصيبِ ماَ حولهُ من البقل ‪,‬‬
‫ويتخلى عن الدنياَ ‪ .‬ثم قَاَل ‪ :‬لو أني أتيت نبي اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم‬
‫فذكرت ذلك لهُ ‪ ,‬فإن أذن لي فعلت ‪ ,‬وإل لم افعل ‪ ,‬فأَتاَهُ فقاَل ‪ :‬ياَ نبي اللهُ‬
‫‪ ,‬إني مررِت بغاَرِ فيهُ ماَ يقوتني من الماَء والبقل فحدثتني نفسي بأَن‬
‫أقَيم فيهُ وأتخلى من الدنياَ ‪.‬‬
‫قَاَل ‪ :‬فقاَل نبي اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪:‬‬
‫) إني لم أبعث باَليهودية ول باَلنصرانية ولكنني بعثت باَلحنيفية السمحة ‪,‬‬
‫والذي نفس محمد بيدهُ ‪ ,‬لغدوة أو رِوحة في سبيل اللهُ خير من الدنياَ وماَ‬
‫فيهاَ ( ‪. 2‬‬
‫وأماَ استماَعهم إلى نصاَئح الرهباَن ودرِوسهم ومواعظهم ‪ ,‬وإنصاَتهم لهم‬
‫وتلمذهم عليهم ‪ ,‬وتمجيدهم إياَهم ‪ ,‬والثناَء عليهم فمنقول عنهم بكثرة ‪,‬‬
‫فإن إبراهيم بن أدهم – وهو من أوائل الصوفية – صارح بذلك حيث قَاَل ‪:‬‬
‫) تعلمت المعرفة من رِاهبِ يقاَل لهُ ‪ :‬سمعاَن ‪ ,‬دخلت عليهُ في صاومعتهُ‬
‫فقلت لهُ ‪ :‬ياَ سمعاَن ‪ ,‬منذ كم وأنت في صاومعتك هذهُ ؟ ‪.‬‬
‫قَاَل ‪ :‬منذ سبعين سنة ‪.‬‬
‫قَلت ‪ :‬ماَ طعاَمك ؟‬
‫قَاَل ‪ :‬ياَ حنيفي وماَ دعاَك إلى هذا ؟‬
‫قَلت ‪ :‬أحببت أن أعلم ‪.‬‬
‫قَاَل ‪ :‬في ليلة حمصة ‪ .‬قَلت ‪ :‬فمن الذي يهيج من قَلبك حتى تكفيك هذهُ‬
‫الحمصة ؟‬
‫قَاَل ‪ :‬ترى الذين بحذائك ؟ قَلت ‪ :‬نعم ‪ ,‬قَاَل إنهم يأَتونني في كل سنة يوماَ‬
‫واحدا فيزنون صاومعتي ‪ ,‬ويطوفون حولهاَ ‪ ,‬يعظمونني بذلك ‪ ,‬وكلماَ‬
‫تثاَقَلت نفسي عن العباَدة ذكرتهاَ تلك الساَعة ‪ ,‬فأَناَ أحتمل جهد سنة لعّز‬

‫تلبيس إبليس لبن الجوزي الباب العاشر ص ‪. 196 , 195‬‬ ‫‪1‬‬

‫أيضا ص ‪. 324‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪67‬‬
‫ساَعة ‪ ,‬فاَحتمل ياَ حنيفي جهد ساَعة لعّز البد ‪ ,‬فوقَر في قَلبي المعرفة ‪,‬‬
‫فقاَل ‪ :‬أزيدك ؟‬
‫ي رِكوة فيهاَ‬
‫قَلت ‪ :‬نعم ‪ ,‬قَاَل ‪ :‬أنزل عن الصومعة ‪ ,‬فنزلت فأَدلى إل ّ‬
‫عشرون حمصة ‪.‬‬
‫فقاَل لي ‪ :‬أدخل الدير فقد رِأوا ماَ أدليت إليك ‪ ,‬فلماَ دخلت الدير اجتمعت‬
‫النصاَرِى ‪ ,‬فقاَلوا ‪ :‬ياَ حنيفي ‪ ,‬ماَ الذي أدلى إليك الشيخ ؟‬
‫قَلت ‪ :‬من قَوتهُ ‪ ,‬قَاَلوا ‪ :‬وماَ تصنع بهُ ؟ نحن أحق بهُ ‪ .‬ساَوم ‪ ,‬قَلت ‪ :‬عشرين‬
‫ديناَرِا ‪ ,‬فأَعطوني عشرين ديناَرِا ‪ ,‬فرجعت إلى الشيخ ‪ ,‬فقاَل ‪ :‬أخطأَت لو‬
‫ساَومتهم عشرين ألفاَ لعطوك ‪ ,‬هذا عز من ليعبدهُ ‪ ,‬فاَنظر كيف تكون‬
‫بعز من تعبدهُ ياَ حنيفي ‪ ,‬أقَبل على رِبك ( ‪. 1‬‬

‫ونقل الهجويري عن صاوفي قَديم آخر ‪ ,‬وهو ‪ :‬إبراهيم الخواص أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) سمعت ذات مرة أن ببلد الروم رِاهباَ مقيماَ باَلدير منذ سبعين سنة بحكم‬
‫الرهباَنية ‪ ,‬فقلت ‪ :‬واعجباَ ! شرط الرهباَنية أرِبعون سنة ‪ .‬بأَي شرف أخلد‬
‫هذا الرجل إلى الدير سبعين سنة ؟ وقَصدتهُ ‪ ,‬فلماَ اقَتربت من ديرهُ فتح‬
‫كوة وقَاَل لي ‪ :‬ياَ إبراهيم ! عرفت لي أمر جئت ‪ .‬أناَ لم أقَم هناَ رِهباَنية‬
‫في هذهُ السبعين عاَماَ ‪ ,‬بل لن لي كلباَ هاَئجاَ ‪ ,‬فأَقَمت هناَ أحرسهُ وأكفي‬
‫الخلق شرهُ ‪ ,‬وإل فلست أناَ هذا ) الذي تظن ( ‪ .‬فلماَ سمعت منهُ هذا الكلم‬
‫قَلت ‪ :‬ياَ إلهي تعاَليت ! أنت قَاَدرِ على أن تهدي العبد طريق الصواب في‬
‫عين الضللة ‪ ,‬وتكرمهُ باَلصراط المستقيم ‪ .‬فقاَل لي ‪ :‬ياَ إبراهيم ! إلم‬
‫تطلبِ الناَس ؟ إمض واطلبِ نفسك ‪ ,‬وإذا وجدتهاَ فاَحرسهاَ ‪ ,‬لن الهوى‬
‫يرتدي ثوب اللهية كل يوم على ثلثماَئة وستين لوناَ ‪ ,‬ويدعو العبد إلى‬
‫الضللة ( ‪. 2‬‬
‫وذكر الشعراني أن بعض أسلف الصوفية حاَولوا تقرير مذهبِ رِهباَن‬
‫النصاَرِى ‪ ,‬وكونهم على الحق والصواب ‪ ,‬ومن قَبل رِسول اللهُ الناَطق‬
‫باَلوحي صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ – كذباَ وزورِا ‪ ) : -‬أن قَولهُ صالى اللهُ عليهُ‬
‫وسلم ‪ :‬دعوا الرهباَن وماَ انقطعوا إليهُ ‪ ,‬تقرير لهم على ماَ هم عليهُ من‬
‫حيث عموم رِساَلتهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم كماَ قَررِ أهل الكتاَب على سكنى‬
‫دارِ السلم باَلجزية ‪.‬‬
‫قَاَلوا ‪ :‬وهي مسأَلة خفية جليلة في عموم رِساَلتهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪.‬ل‬
‫ينتبهُ لهاَ إل الغواصاون على الدقَاَئق ( ‪. 3‬‬
‫هذا ولقد ذكر في طبقاَتهُ عن صاوفي آخر – وهو إبراهيم بن عصفير – الذي‬
‫يقول عنهُ ‪ ) :‬كاَن كثير الكشف ‪ ,‬ولهُ وقَاَئع مشهورِة ‪ ,‬وظهرت لهُ الكراماَت‬
‫وهو صاغير ‪ ,‬وكاَن يأَتي البلد وهو رِاكبِ الذئبِ أو الضبع ‪ ,‬وكاَن يمشي على‬
‫الماَء ل يحتاَج إلى مركبِ ‪ ,‬وكاَن بولهُ كاَللبن الحليبِ أبيض ‪ ... ,‬وماَ ضبطت‬
‫عليهُ كشفاَ أخرم فيهُ ‪ .‬يكتبِ عن هذا الصوفي الذي بلغ أقَصى درِجاَت‬
‫الولية ‪:‬‬
‫) كاَن أكثر نومهُ في الكنيسة ‪ ,‬ويقول ‪ :‬النصاَرِى ل يسرقَون النعاَل في‬
‫الكنيسة بخلف المسلمين ‪ ,‬وكاَن رِضي اللهُ عنهُ يقول ‪ :‬أناَ ماَ عندي من‬
‫صاوم حقيقة إل من ل يأَكل لحم الضأَن أياَم الصوم كاَلنصاَرِى ‪ ,‬وأماَ‬

‫تلبيس إبليس لبن الجوزي الباب العاشر ص ‪. 171 , 170‬‬ ‫‪1‬‬

‫كشف المحجوب للهجويري ترجمة عربية ص ‪ 439‬ط دار النهضة العربية بيروت ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫الجواهر والدرر للشعراني ص ‪ 237‬بهامش البريز للدباغ ط مصر ‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪68‬‬
‫المسلمون الذين يأَكلون لحم الضأَن والدجاَج أياَم الصوم فصومهم عندي‬
‫باَطل ( ‪. 1‬‬

‫وكذلك وجد مدح الرهباَن النصاَرِى في كتبِ صاوفية كثيرة مثل ماَ ذكر‬
‫الصابهاَني في حليتهُ عن عبد اللهُ بن الفرج أنهُ قَاَل لهُ رِجل ‪:‬‬
‫) ياَ أباَ محمد ‪ ,‬هؤلء الرهباَن يتكلمون باَلحكمة وهم أهل كفر وضللة ‪ ,‬فمم‬
‫ذلك ؟‬
‫قَاَل ‪ :‬ميراث الجوع ‪ ,‬متعت بك ( ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وأيضاَ ذكر عن إبراهيم بن الجنيد أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫وجدت هذهُ البياَت على ظهر كتاَب لمحمد بن الحسين البرجلني ‪:‬‬
‫وأخباَرِ صادق عن نفـوس كوافر‬ ‫) مواعظ رِهبـاَن وذكــر فعاَلــهم‬
‫وإن كاَنت النباَء عـن كل كـــاَفر‬ ‫مواعظ تشـــفيناَ فنحن نحــوزهاَ‬
‫وتـتركهاَ ولهاَء حـــول المقــاَبر‬ ‫مواعظ بر تـورِث النفس عــبرة‬
‫تهيج أحزاناَ من القـلبِ ثـــــاَئر ( ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫مواعظ أ ّنى تسأَم النفس ذكـرهاَ‬

‫ومثل ذلك ماَ نقلهُ أبو طاَلبِ المكي عن عيسى عليهُ السلم أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) المحبِ للهُ يحبِ النصبِ ‪ .‬ورِوى عنهُ أنهُ مر على طاَئفة من العباَد قَد‬
‫احترقَوا من العباَدة كأَنهم الشناَن الباَلية ‪ ,‬فقاَل ‪ :‬ماَ أنتم ؟‬
‫فقاَلوا ‪ :‬نحن عباَد ‪ .‬قَاَل ‪ :‬لي شيء تعبدتم ؟‬
‫قَاَلوا ‪ :‬خوفناَ اللهُ من الناَرِ فخفناَ منهاَ ‪ ,‬فقاَل ‪ :‬حق على اللهُ أن يؤمنكم ماَ‬
‫خفتم ‪.‬‬
‫ثم جاَوزهم فمر بآخرين أشد عباَدة منهم ‪ ,‬فقاَل ‪ :‬لي شيء تعبدتم ؟‬
‫قَاَلوا ‪ :‬شوقَناَ اللهُ إلى الجناَن وماَ أعد فيهاَ لولياَئهُ ‪ ,‬فنحن نرجو ذلك ‪,‬‬
‫فقاَل ‪ :‬حق على اللهُ أن يعطيكم ماَ رِجوتم ‪.‬‬
‫ثم جاَوزهم ‪ ,‬فمر بآخرين يتعبدون ‪ ,‬فقاَل ‪ :‬ماَ أنتم ؟‬
‫قَاَلوا ‪ :‬نحن المحبون للهُ لم نعبدهُ خوفاَ من ناَرِ ‪ ,‬ول شوقَاَ إلى جنة ولكن‬
‫حباَ لهُ وتعظيماَ لجللهُ ‪ ,‬فقاَل ‪ :‬أنتم أولياَء اللهُ حقاَ ‪ ,‬معكم أمرت أن أقَيم ‪,‬‬
‫فأَقَاَم بين أظهرهم وفي لفظ آخر قَاَل للولين ‪ :‬مخلوقَاَ خفتم ‪ ,‬ومخلوقَاَ‬
‫أحببتم ‪ .‬وقَاَل لهؤلء ‪ :‬أنتم المقربون ( ‪. 4‬‬
‫) ويستخلص من هذا أن الصوفية المسلمين لم يجدوا حرجاَ في الستماَع‬
‫إلى مواعظ الرهباَن وأخباَرِ رِياَضاَتهم الروحية والستفاَدة منهاَ ‪ ,‬رِغم أنهاَ‬
‫صااَدرِة عن نصاَرِى ‪ ,‬ونحن نجد فعل كثيرا من أخباَرِ رِياَضاَت الرهباَن‬
‫وأقَوالهم في ثناَياَ كتبِ الصوفية وطبقاَت الصوفية ( ‪. 5‬‬
‫وقَبل هذا كتبِ الدكتورِ البدوي في هذا الكتاَب الذي اقَتبسناَ منهُ السطر‬
‫الخيرة ‪ ,‬والذي دافع فيهُ عن التصوف دفاَعاَ شديدا ‪ ,‬وحاَول فيهُ محاَولة‬
‫فاَشلة لثباَت أصاول التصوف ومصاَدرِهُ في السلم ‪ ,‬ومن تعاَليمهُ ‪ ,‬كتبِ‬
‫فيهُ ‪:‬‬
‫) الختلط بين المسلمين والنصاَرِى العرب في الحيرة والكوفة ودمشق‬
‫ونجران وخصوصااَ في مضاَرِب القباَئل العربية التي انتشرت فيهاَ‬
‫المسيحية قَبل السلم وبعدهُ ‪ :‬بنو تغلبِ ‪ ,‬قَضاَعة ‪ ,‬تنوخ ‪ ,‬وتتحدث بعض‬
‫‪ 1‬الطبقات الكبرى للشعراني ج ‪ 2‬ص ‪. 140‬‬
‫‪ 2‬حلية الولياء للصبهاني ج ‪ 10‬ص ‪ 151‬الطبعة الثالثة دار الكتاب العربي بيروت لبنان ‪ 1980‬م ‪.‬‬
‫‪ 3‬أيضا ‪.‬‬
‫‪ 4‬قوت القلوب لبي طالب المكي ج ‪ 2‬ص ‪. 56‬‬
‫‪ 5‬تاريخ التصوف السلمي للدكتور عبد الرحمن بدوي ص ‪ 35‬ط وكالة المطبوعات بالكويت ‪ 1978‬م ‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫الحباَرِ عن أن بعض الصوفية المسلمين الوائل كاَنوا يستشيرون بعض‬
‫الرهباَن النصاَرِى في أمورِ الدين ‪ :‬كماَ يروي عبد الواحد بن زيد ‪ ,‬والعتاَبي ‪,‬‬
‫وأبي سليماَن الدارِاني ( ‪. 1‬‬

‫وهذهُ هي الشياَء التي جعلت نيلكسون النجليزي ‪ ,‬وفون كريمر اللماَني ‪,‬‬
‫وجولد زيهر النمساَوي يضطرون إلى أن يقولوا ‪ ,‬واللفظ للول ‪:‬‬
‫) ويجبِ أل ننسى في هذا المقاَم أثر المسيحية في الزهد السلمي في‬
‫العصر المبكر فإن المر لم يقتصر على اللباَس وعهود الصمت وكثير من‬
‫آداب طريق الزهد التي يمكن رِدهاَ إلى أصال مسيحي ‪ ,‬بل إنناَ نجد في‬
‫أقَدم كتبِ تراجم الصوفية – إلى جاَنبي الحكاَياَت العديدة التي تمثل‬
‫الراهبِ المسيحي يلقي المواعظ في صاومعتهُ أو عمودهُ على زهاَد‬
‫المسلمين الساَئحين في الصحراء – أدلة قَاَطعة على أن مذاهبِ هؤلء‬
‫الزهاَد كاَنت إلى حد كبير مستندة إلى تعاَليم وتقاَليد يهودية ومسيحية ‪.‬‬
‫ومن ذلك آياَت كثيرة من التورِاة والنجيل مذكورِة بين القَوال المنسوبة‬
‫إلى أولياَء المسلمين ‪ ,‬وأن القصص النجيلية التي كاَن يقصهاَ رِهباَن‬
‫المسيحيين على طريقتهم الخاَصاة كاَن يتلهف على قَراءتهاَ المسلمون ‪:‬‬
‫مثاَل ذلك المجموعة المعروفة باَسم السرائيلياَت التي يقاَل إن وهبِ بن‬
‫منبهُ ) المتوفى سنة ‪ 628‬م ( قَد جمعهاَ ‪ ,‬وكتاَب قَصص النبياَء الذي كتبهُ‬
‫الثعاَلبي ) المتوفى سنة ‪ 1036‬م ( ‪ ,‬وهذا الخير ل يزال موجودا ً ( ‪. 2‬‬

‫وأماَ قَضية المصطلحاَت التي رِوجوهاَ بين الناَس ‪ ,‬واستعملوهاَ فيماَ بينهم‬
‫فل يشك أحد في كونهاَ أجنبية في السلم ولغة السلم العربية ‪,‬‬
‫ومقتبسة مأَخوذة من المسيحية بحروفهاَ وألفاَظهاَ ‪ ,‬معاَنيهاَ ومدلولتهاَ‬
‫مثل ‪ ) :‬ناَموس ‪ ,‬رِحموت ‪ ,‬رِهبوت ‪,‬ل هوت ‪ ,‬جبروت ‪ ,‬رِباَني ‪ ,‬رِوحاَني ‪,‬‬
‫نفساَني ‪ ,‬جثماَني ‪ ,‬شعشعاَني ‪ ,‬وجدانية ‪ ,‬فردانية ‪ ,‬رِهباَنية ‪ ,‬عبودية ‪,‬‬
‫رِبوبية ‪ , ,‬ألوهية ‪ ,‬كيفوية ( ‪. 3‬‬

‫والجدير باَلذكر ‪ ,‬ومن الشياَء اللفتة للنظاَرِ أن كل من حاَول تبرئة‬


‫التصوف عن كونهُ مأَخوذا ومقتبساَ من الرهبنة المسيحية لم يسعهُ النكاَرِ‬
‫عن كون المسيحية إحدى مصاَدرِ التصوف ‪ ,‬وأنهُ استفاَد منهاَ ‪ ,‬ولو أنهم‬
‫أصاروا مع ذلك كونهُ إسلمياَ بحتاَ ‪ ,‬معاَرِضين مع ماَ قَاَلوهُ ‪ ,‬ومناَقَضين مع ماَ‬
‫أثبتوهُ ‪ ,‬مقرين عليهم باَلتعاَرِض الفكري ‪ ,‬والتضاَرِب القولي ‪ ,‬وإنكاَرِ ماَ هو‬
‫ثاَبت ل يمكن رِدهُ ول إنكاَرِهُ ‪ ,‬فيقول واحد من هؤلء – ول حظ الزحزحة‬
‫الفكرية ‪ ,‬والتناَقَض الشديد ‪ ,‬والتعاَرِض الغريبِ ‪ ,‬والعجز الظاَهر عن الدفاَع‬
‫‪ ,‬وضعف القوة وقَلة الحيلة ‪ ,‬مع النكاَرِ والقَرارِ في وقَت واحد ‪ ,‬لحظ‬
‫واقَرأ واستمع – فيقول أحد الكتاَب ‪ -‬وهو دكتورِ في العلوم – رِدا على من‬
‫يجعل النصرانية إحدى مصاَدرِ التصوف ‪:‬‬

‫) لم يقتصر الكلم في المصاَدرِ الصوفية على المصدرِ الفاَرِسي أو الهندي‬


‫بل ذهبِ فريق آخر من الباَحثين إلى أن ثمة عناَصار أخرى رِوحية يمكن أن‬
‫ترد أصاولهاَ إلى أصاول نصرانية ‪.‬‬
‫‪ 1‬أيضا ص ‪. 34 , 33‬‬
‫‪ 2‬في التصوف السلمي وتاريخه ص ‪ , 47‬أيضا تاريخ الفكار الواردة في السلم لفون كريمر ص ‪ , 52‬أيضا المجلة الملكية‬
‫السيوية مقال جولد زيهر ‪.‬‬
‫‪ 3‬تاريخ التصوف السلمي للبدوي ص ‪. 333‬‬
‫‪70‬‬
‫ويؤيد هذا الفريق مذهبهُ بماَ كاَن يوجد من صالت بين العرب والنصاَرِى‬
‫سواء في الجاَهلية أو في السلم ‪ ,‬وبماَ يلحظ من أوجهُ الشبهُ الكثيرة بين‬
‫حياَة الزهاَد والصوفية وتعاَليمهم وفنونهم في الرياَضة والخلوة والتعبد ‪.‬‬
‫وبين ماَ يقاَبل هذا كلهُ في حياَة المسيح وأقَوالهُ وأحوال الرهباَن‬
‫والقسيسين وطرقَهم في العباَدة واللباَس ‪.‬‬

‫ومن الباَحثين والمؤيدين ‪ :‬لهذا التجاَهُ ) فون كريمر ‪ ,‬وجولدزيهر ‪,‬‬


‫ونيكولسون وفلسنك وآسين وبلسيوس ‪ ,‬وأندرِيهُ وأوليري ‪.‬‬
‫ويرى ‪ ) :‬فون كريمر ( ‪ :‬أن التصوف السلمي والقَوال المأَثورِة عن‬
‫الصوفية على أنهماَ ثمرات نمت وترعرعت ونضجت في بلد العرب تحت‬
‫تأَثير جاَهلي ‪ ,‬حيث كاَن كثير من العرب الجاَهلين نصاَرِى ‪ ,‬وكاَن كثير من‬
‫هؤلء النصاَرِى قَسيسين ورِهباَناَ ً ‪.‬‬

‫وجولد زيهر ‪ :‬يستند إلى ماَ تقررِهُ النصرانية من إيثاَرِ الفقر والفقراء على‬
‫الغنى والغنياَء ‪ ,‬فيزعم أن ماَ ورِد في الحديث النبوي من هذا المعنى‬
‫مستمد من النصرانية ‪ ,‬ويعني هذا أن يترتبِ عليهُ أن الفقر والتخشن في‬
‫الحياَة إنماَ يرجع إلى أصال نصراني ‪ ,‬ويضيف عليهُ نيكولسون أيضاَ ً ‪ .‬ماَ‬
‫يصطنعهُ الصوفية من صامت وذكر فيزعم أنهُ مأَخوذ من النصرانية ‪.‬‬

‫هذا من حيث ‪ :‬أن التصوف زهد وطريقة في العباَدة والرياَضة واللباَس ‪.‬‬
‫أماَ فيماَ يتعلق بهاَ من حيث هي مذاهبِ تصورِ مناَزع أصاحاَبهاَ الفلسفية‬
‫واتجاَهاَتهم الروحية والفلسفية معاَ ً ‪ :‬فإن هناَك طاَئفة من القصص‬
‫والقَوال التي تروي عن المسيح مماَ ورِد في كتبِ الصوفية أنفسهم ‪,‬‬
‫ويمكن أن يؤخذ على أنهُ مصدرِ لبعض المذاهبِ الصوفية السلمية ‪....‬‬

‫على أنناَ ل ننكر ول أحد يستطيع أن ينكر ماَ يوجد من أوجهُ الشبهُ بين حياَة‬
‫الزهاَد ولباَسهم وبعض تعاَليم الصوفية وطرقَهم في العباَدة ومذاهبهم‬
‫في الحبِ اللهي ‪ ,‬وبين حياَة الرهباَن ولباَسهم ‪ ,‬وبعض ماَ اثر عن المسيح‬
‫وحوارِييهُ من أقَوال في المحبة وغيرهاَ من شئون الحياَة الروحية ‪.‬‬

‫فإنناَ ل نستطيع مع ذلك أن نجزم بأَن مصدرِ التصوف والحياَة الروحية في‬
‫السلم إنماَ هو نصراني صارف ‪.‬‬

‫فصحيح أيضاَ أنهُ كاَن ممن ماَل إلى الرهبنة من العرب من يبني الديرة –‬
‫فقد رِوى عن حنظلة الطاَئي أنهُ فاَرِق قَومهُ وتنسك ‪ ,‬وبنى ديرا ً باَلقرب‬
‫من شاَطئ الفرات حيث ترهبِ فيهُ حتى ماَت ‪ ,‬وكذلك قَيل عن قَس بن‬
‫ساَعدة كاَن يتقفر القفاَرِ ‪ ,‬ول تكنهُ دارِ ‪ ,‬يتحسس بعض الطعاَم ‪ ,‬ويأَنس‬
‫باَلوحوش والهوام ‪.‬‬

‫وصاحيح أنهُ يروي عن أمية بن أبي الصلت أنهُ ليس باَلمنسوخ تعبدا ً وأن لكل‬
‫من قَس وأمية نثرا وشعرا ً وطبعاَ ً بطاَبع ديني ‪ ,‬وأصاطبغاَ بصبغة الزهد في‬
‫الدنياَ والنظر في الكون ‪ ,‬وصاحيح بعد هذا كلهُ ‪ ,‬وفوق هذا كلهُ ‪ ,‬أن القسس‬
‫والرهباَن كاَنوا ينبثون مناَ وهناَك في أسواق العرب ويبشرون ويتحدثون‬
‫‪71‬‬
‫عن العبث والحساَب والجنة والناَرِ كماَ يدل على ذلك كثير من آياَت القرآن‬
‫الكريم التي تتحدث عنهم وتحكي أقَوالهم وتفند مذاهبهم ‪.‬‬

‫وتصورِ إلى أي حد كاَنت تعاَليمهم بين العرب ‪ ,‬فهذا كلهُ صاحيح ل شبهة فيهُ‬
‫ول غباَرِ عليهُ ولكن الذي ليس بصحيح هو أن نجعل منهُ أساَساَ ً يبني عليهُ‬
‫القول بأَن وحدة مصدرِ التصوف السلمي ‪.‬‬

‫ولكن هناَك تساَءلً وهو لماَذا يقصر الباَحثون أنظاَرِهم على حياَة المسيح‬
‫وأقَوالهُ والرهباَن وأحوالهم حين يحاَولون رِبط الصوفية باَلمصاَدرِ‬
‫النصرانية ولم ل يجوز أن يكون هذا التصوف أيضاَ ً كاَن مساَيرة لطبيعة‬
‫الحياَة العربية الجاَهلية ‪.‬‬
‫وقَد كاَنت وقَتئذ حياَة خشنة ل حظ لهاَ من ترف ‪ ,‬ول أثر فيهاَ لنعومة بحيث‬
‫يمكن أن يقاَل ‪ :‬إن حياَة الزهاَد والصوفية في السلم إنماَ هي استمرارِ‬
‫لهذهُ الحياَة الخشنة البعيدة عن الزخرف والنعيم ‪ ,‬والتي كاَن يحياَهاَ العرب‬
‫الجاَهليون بصفة عاَمة ‪ ,‬والتي تصطبغ عند بعضهم بصبغة الخلوة‬
‫والنقطاَع عن الناَس ‪ ,‬إلى التفكر والتقرب من اللهة يلتمسون عندهم‬
‫الخير والحكمة ؟‬

‫بل وماَ الذي يمنع أيض اَ ً من أن يكون مرجع الحياَة الروحية السلمية هو‬
‫مذهبِ الحياَة التي كاَن يحياَهاَ قَوم في الجاَهلية يعرفون ببني صاوفة ‪,‬‬
‫الذين انفردوا لخدمة اللهُ عند بيتهُ الحرام ؟‬

‫ومع هذا ل أحد ينكر ماَ للمسيحية والرهباَن من تأَثير باَلغ في الحياَة‬
‫الجاَهلية الساَبقة ‪.‬‬
‫وباَلضاَفة إلى ماَ نلتقي بهُ في ثناَياَ بعض النظرياَت الصوفية في الحبِ‬
‫اللهي ببعض اللفاَظ والعباَرِات والعقاَئد التي هي من أصال نصراني مثل‬
‫القول ‪ ) :‬باَللهوت والناَسوت ( أو ) حلول اللهوت في الناَسوت ( أي حلول‬
‫اللهُ ) اللهوت ( في المسيح النساَن ) الناَسوت ( أو حلول الول في‬
‫الثاَني إذا بلغ هذا درِجة معينة من الصفاَء الروحي ‪.‬‬

‫ومثل القول ) باَلكلمة ( التي هي في النصرانية واسطة بين اللهُ والخلق ‪,‬‬
‫والتي اصاطنعهاَ بعض الصوفية في التعبير عن نظرياَتهم في الحقيقة‬
‫المحمدية ‪ ,‬باَعتباَرِهاَ أول مخلوق خلقهُ اللهُ ‪ ,‬أو ‪ :‬أول تعين للذات اللهية‬
‫فاَضت منهُ بقية التعييناَت الخرى من رِوحية وماَدية ‪ ,‬ولم تظهر هذهُ‬
‫العناَصار النصرانية وأشباَههاَ إل بعد أن كاَن المسلمون قَد اختلطوا‬
‫باَلنصاَرِى وأخذوا يحاَورِونهم ويجاَدلونهم في العقاَئد ‪ ,‬فكاَن طبيعياَ أن‬
‫ينتشر بعض هذهُ العقاَئد النصرانية ‪ ,‬وأن يعمل عملهُ في البيئة السلمية ‪,‬‬
‫ويتردد صاداهُ في أقَاَويل الصوفية ومذاهبهم في الحبِ اللهي وفيماَ يتصل‬
‫بهُ ‪ ,‬من اتحاَد بين الرب والعبد ‪ ,‬ومن حلول الرب في العبد ‪.‬‬

‫وهذا أمر طبعي ملزم لسنة الحياَة وتطورِهاَ ‪ :‬إذ ل يمكن وقَد تطورِ‬
‫التصوف وقَد استحاَل إلى علم لهُ مناَهجهُ ومذاهبهُ ومناَزعهُ الروحية‬
‫المصطبغة بصبغة فلسفية ‪ ,‬أن يظل الصوفية بمعزل عن هذا الجو الذي‬
‫امتل باَلفكاَرِ والعقاَئد النصرانية وماَ يدورِ حولهاَ وجدل بين المسلمين‬
‫‪72‬‬
‫والنصاَرِى دون أن يكون لهُ أثر فيماَ صادرِ عنهم من أقَوال ‪ ,‬وماَ ذهبوا إليهُ‬
‫من مذاهبِ ‪,‬ل سيماَ إذا كاَنت هذهُ القَوال والمذاهبِ تدورِ حول مساَئل‬
‫تتصل من قَريبِ أو بعيد باَلعقاَئد ( ‪. 1‬‬

‫ويقول الدكتورِ التفتاَزاني بعد الرد على المستشرقَين القاَئلين بأَن كثيرا‬
‫من أمورِ التصوف مأَخوذة من النصرانية ‪ ,‬يقول بعد الرد عليهم ‪:‬‬
‫) ومع هذا ل ننكر تأَثر بعض الصوفية المتفلسفين باَلمسيحية ‪ ,‬على نحو ماَ‬
‫نجد عند الحلج الذي استخدم في تصوفهُ اصاطلحاَت مسيحية كاَلكلمة‬
‫واللهوت والناَسوت وماَ إليهاَ ‪ ,‬ولكن هذا لم يظهر إل في وقَت متأَخر‬
‫) أواخر القرن الثاَلث الهجري ( بعد أن كاَن زهد الزهاَد قَد استقر في‬
‫القرنين ‪ :‬الول والثاَني الهجريين ‪ ,‬واصابح دعاَمة لكل تصوف لحق ‪.‬‬

‫ولذلك فإن من النصاَف العلمي القول بأَن مذاهبِ الصوفية في العلم ‪,‬‬
‫ورِياَضاَتهم العلمية ‪ ,‬ترد إلى مصدرِ إسلمي ‪ ,‬إل أنهُ بمرورِ الوقَت وبحكم‬
‫التقاَء المم واحتكاَك الحضاَرِات ‪ ,‬تسرب إليهاَ شيء من المؤثرات‬
‫المسيحية أو غير المسيحية ‪ ,‬فظن بعض المستشرقَين خطأَ أن الصوفية‬
‫أخذوا أول ماَ أخذوا عن المسيحية ( ‪. 2‬‬
‫فهذهُ هي خلصاة الكلم في ذلك ‪ ,‬نكتفي بهاَ ظاَنين بأَنهاَ كاَفية لجلء‬
‫الموضوع ‪ ,‬وتنوير الطريق لمن أرِاد أن يتقدم إليهُ ويسلك فيهُ ‪.‬‬

‫أضواء على التصوف للدكتور طلعت غنام ص ‪ 84‬إلى ‪ 88‬ط عالم الكتب القاهرة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫مدخل إلى التصوف السلمي للدكتور أبي الوفاء الغنيمي التفتازاني ص ‪ 30 , 29‬ط دار الثقافة للنشر والتوزيع القاهرة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪73‬‬

‫و‬
‫بِ الهْنديــــــة َ‬
‫المذاه ُ‬
‫ال َ‬
‫فاَرِســـــــّية‬
‫وأماَ كون التصوف وتعاَليمهُ وفلسفتهُ ‪ ,‬أورِادهُ وأذكاَرِهُ ‪ ,‬وطرق الوصاول‬
‫إلى المعرفة ‪ ,‬والمؤدية إلى الفناَء ‪ ,‬مأَخوذة مستقاَة من المذاهبِ الهندية‬
‫والماَنوية ‪ ,‬والزرِادشتية أيضاَ فل ينكرهاَ منكر ‪ ,‬ول يردهاَ أحد ‪ ,‬ول يشك‬
‫فيهاَ شاَك ‪ ,‬بل إن كباَرِ الكتاَب عن التصوف والباَحثين فيهُ من‬
‫المستشرقَين والمسلمين ‪ ,‬وحتى الصوفية أقَروا بذلك حيث لم يسعهم إل‬
‫العتراف بهذهُ الحقيقة الظاَهرة الجلية التي ل يمكن تجاَهلهاَ ول إغفاَلهاَ‬
‫البتة ‪.‬‬

‫فإن الستاَذ أباَ العلء العفيفي كتبِ في ثناَياَ بحثهُ عن المشتغلين من‬
‫المستشرقَين في الدرِاسة عن التصوف ‪:‬‬
‫) وأماَ رِيتشورِد هاَرِتماَن ‪ ,‬وماَرِكس هورِتين فنزعتهماَ واحدة ‪ :‬وهي أن‬
‫التصوف يستمد أصاولهُ من الفكر الهندي ‪ ,‬وإن كاَن هورِتين قَد بذل من‬
‫المجهود في إثباَت هذهُ النظرية ماَ لم يبذلهُ أي كاَتبِ آخر ‪ .‬فقد كتبِ في‬
‫سنتي ‪ 1928 , 1927‬مقاَلتين حاَول أن يثبت في إحداهماَ ‪ ,‬بعد تحليل تصوف‬
‫الحلج والبسطاَمي والجنيد ‪ ,‬أن التصوف السلمي في القرن الثاَلث‬
‫الهجري كاَن مشبعاَ باَلفكاَرِ الهندية ‪ ,‬وأن الثر الهندي أظهر ماَ يكون في‬
‫حاَلة الحلج ‪ .‬وفي المقاَلة الثاَنية يؤيد النظرية نفسهاَ عن طريق بحث‬
‫المصطلحاَت الصوفية الفاَرِسية بحثاَ فيلولوجياَ ‪ ,‬وينتهي إلى أن التصوف‬
‫السلمي هو بعينهُ مذهبِ الفيدانتاَ الهندية ‪.‬‬

‫ويستند هاَرِتماَن في إثباَت نفس الدعوى إلى النظر في الصوفية أنفسهم‬


‫وفي مراكز الثقاَفة القديمة التي كاَنت منتشرة في بلدهم ‪,‬ل إلى‬
‫المصطلحاَت الصوفية كماَ فعل هورِتن ‪ .‬وقَد نشر في مسأَلة أصال‬
‫التصوف مقاَل هاَماَ ً سنة ‪ 1916‬في مجلة ‪ Der Islam‬وخلصاة بحثهُ أن‬
‫التصوف السلمي مدين للفلسفة الهندية التي وصالت إليهُ عن طريق مترا‬
‫وماَني من جهة ‪ ,‬وللقّباَلة اليهودية والرهبنة المسيحية والغنوصاية‬
‫والفلطونية الحديثة من جهة أخرى ‪ .‬وهو يرى أن الذي جمع هذهُ العناَصار‬
‫كلهاَ ومزجهاَ مزجاَ تاَماَ في التصوف هو أبو القاَسم الجنيد البغدادي‬
‫) المتوفى سنة ‪ 297‬هـ ( ‪ ,‬فإليهُ يجبِ أن تتجهُ عناَية الباَحثين ‪ .‬أماَ حججهُ في‬
‫تأَييد الصال الهندي فهي ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬أن معظم أوائل الصوفية من أصال غير عربي كإبراهيم بن أدهم‬
‫وشقيق البلخي وأبي يزيد البسطاَمي ويحيى بن معاَذ الرازي ‪.‬‬
‫ثاَنياَ ‪:‬أن التصوف ظهر أول وأنتشر في خراساَن ‪.‬‬

‫ثاَلثاَ ‪ :‬أن تركستاَن كاَنت قَبل السلم مركز تلقَي الدياَناَت والثقاَفاَت‬
‫الشرقَية والغربية ‪ ,‬فلماَ دخل أهلهاَ في السلم صابغوهُ بصبغتهم الصوفية‬
‫القديمة ‪ .‬وهذا كلم أشبهُ ماَ يكون بماَذكرهُ كل من ثولك وفون كريمر في‬
‫هذا الموضوع ‪.‬‬
‫رِابعاَ ‪ :‬أن المسلمين أنفسهم يعترفون بوجود الثر الهندي ‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫خاَمساَ ‪ :‬أن الزهد السلمي الول هندي في نزعتهُ وأساَليبهُ ‪ .‬فاَلرضاَ‬
‫فكرة هندية الصال ‪ ,‬واستعماَل الزهاَد للمخلة في سياَحتهم ‪,‬‬
‫واستعماَلهم للسبح ‪ ,‬عاَدتاَن هنديتاَن ( ‪. 1‬‬

‫ثم علق الستاَذ عفيفي على كلم هورِتماَن بقولهُ ‪:‬‬


‫) ولكن المسأَلة أعقد من ذلك بكثير ‪ ,‬فقد تبين لي من البحث في تصوف‬
‫مشاَيخ خراساَن وتصوف مدرِسة نيساَبورِ خاَصاة ‪ ,‬أنهُ وإن كاَنت لهُ صابغة‬
‫محلية إلى حد ماَ ‪ ,‬متأَثر بتياَرِات غير محلية وصالت إليهُ من مراكز التصوف‬
‫الخرى في العراق والشاَم ‪ ,‬وأنهُ كاَنت لبعض الحركاَت غير الدينية –‬
‫كحركة الفتوة التي كاَنت في بدء أمرهاَ اجتماَعية بحتة – شأَن كبير في‬
‫تشكيل بعض تعاَليم هؤلء الصوفية ( ‪. 2‬‬

‫ثم إن الستاَذ عفيفي في مقاَلهُ هذا لم يذكر واحدا من المستشرقَين‬


‫الذين كتبوا عن التصوف إل وقَد ذكروا رِأياَ يشبهُ رِأي هاَتماَن ‪ ,‬وهورِتن ‪.‬‬

‫وقَد سبق هؤلء المستشرقَين والقاَئلين بهذا الرأي من الباَحثين ‪ ,‬سبقهم‬


‫جميعاَ البيروني ‪ ,‬حيث قَاَرِن بين العقاَئد الهندية والعقاَئد الصوفية في‬
‫كتاَبهُ المشهورِ ) تحقيق ماَ للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة ( ‪.‬‬

‫وأوجهُ الشبهُ التي ذكرهاَ البيروني بين العقاَئد الهندية والعقاَئد الصوفية‬
‫هي تتلخص في أمورِ ثلثة ‪:‬‬

‫أول ‪ :‬الرِواح ‪.‬‬


‫ثاَنياَ‪ :‬في طريق الخلص ‪.‬‬
‫ثاَلثاَ‪ :‬الغاَء التماَيز ومحو الشاَرِة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫هذا والقاَرِئ لقَوال الصوفية ‪ ,‬والعاَرِف بأَحوالهم ورِياَضاَتهم ومجاَهداتهم‬


‫يلحظ بنفسهُ تشاَبهاَ كبيرا بين هؤلء وأولئك ‪ ,‬وخاَصاة في تعذيبِ النفس ‪,‬‬
‫وتحمل المشاَق ‪ ,‬والتجوع ‪ ,‬وحبس النفس ‪ ,‬وإماَتة الشهوات ‪ ,‬والهروب من‬
‫الهل والولد ‪ ,‬والجلوس في الخلوات ‪ ,‬مراقَبة صاورِة الشيخ ‪ ,‬طرق‬
‫الذكر ‪ ,‬وكثير من العاَدات والتقاَليد والرسوم ‪ ,‬حيث ل يرى فيهاَ إل مشاَبهة‬
‫تاَمة بتلك المذاهبِ وأصاحاَبهاَ ‪ ,‬كماَل يرى فيهاَ أي أثر للسلم وتعاَليمهُ ‪,‬‬
‫ول ثبوت من حاَملي رِايتهُ ‪ ,‬ومتمسكي سبيلهُ ‪ ,‬متبعي طريقهُ ‪.‬‬

‫ولوضع النقاَط على الحروف ل نرضى مقولت الناَس ‪ ,‬بل نورِد شهاَدات‬
‫داخلية ‪ ,‬واعترافاَت ذاتية ‪ ,‬وعباَرِات ناَطقة عن مناَبعهاَ ومصاَدرِهاَ ‪.‬‬

‫فنبدأ بسيد الطاَئفة الذي قَاَل فيهُ أبو العباَس عطاَء ‪:‬‬
‫) إماَمناَ في هذا العلم و مرجعناَ المقتدى بهُ ( ‪. 4‬‬
‫والذي قَيل فيهُ ‪:‬‬

‫‪ 1‬مقدمة كتاب في التصوف السلمي وتاريخه ص ح ‪ ,‬ط‬


‫‪ 2‬أيضا ‪.‬‬
‫‪ 3‬انظر لذلك كتاب تاريخ التصوف السلمي للدكتور قاسم غني ترجمة عربية لصادق نشأت ‪ ,‬وكتاب مدخل إلى التصوف‬
‫السلمي للدكتور التفتازاني ‪.‬‬
‫‪ 4‬نفحات النس للجامي الطبعة الفارسية ص ‪. 80‬‬
‫‪75‬‬
‫) إن الرجاَل من هذهُ الطاَئفة ثلثة ل رِابع لهم ‪ :‬الجنيد ببغداد ‪ .‬وأبو عبد اللهُ‬
‫باَلشاَم ‪ ,‬وأبو عثماَن بنيساَبورِ ( ‪. 1‬‬

‫ونقل نيكلسون عن الجاَمي أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) أن الجنيد أول من صااَغ المعاَني الصوفية ‪ ,‬وشرحهاَ كتاَبة ‪ ,‬وأنهُ كاَن يعّلم‬
‫التصوف في بيوت خاَصاة وفي السراديبِ ( ‪. 2‬‬

‫ويكفي لبياَن مقاَمهُ ومكاَنتهُ عند القوم تلقيبهم إياَهُ بسيد الطاَئفة ‪ ,‬فنبدأ‬
‫بهُ فيقول ‪:‬‬
‫) ماَ أخذناَ التصوف عن القيل والقاَل ‪ ,‬لكن عن الجوع ‪ ,‬وترك الدنياَ ‪ ,‬وقَطع‬
‫المأَلوفاَت والمستحسناَت ( ‪. 3‬‬

‫وسئل أبو يزيد البسطاَمي ‪:‬‬


‫) بأَي شيء وجدت هذهُ المعرفة ؟‬
‫فقاَل ‪ :‬ببطن جاَئع وبدن عاَرِ ( ‪. 4‬‬

‫ونقل الطوسي عن يحيى بن معاَذ أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) لو علمت أن الجوع يباَع في السوق ماَ كاَن ينبغي لطلب الخرة إذا دخلوا‬
‫السوق أن يشتروا غيرهُ ( ‪. 5‬‬

‫ونقل النفزي الرندي المتوفى ‪ 792‬هـ عن حاَتم الصام أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) من دخل في مذهبناَ هذا فليجعل في نفسهُ أرِبع خصاَل من الموت ‪ :‬موت‬
‫أحمر ‪ ,‬وموت أسود ‪ ,‬وموت أبيض ‪ ,‬وموت أخضر ‪.‬‬
‫فاَلموت البيض الجوع ‪ ,‬والموت السود احتماَل أذى الناَس ‪ , ,‬والموت‬
‫الحمر مخاَلفة النفس ‪ ,‬والموت الخضر طرح الرقَاَع بعضهاَ على بعض ( ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫والسلمي أيضاَ نقل عنهُ أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) ماَ من صاباَح إل والشيطاَن يقول لي ‪ :‬ماَ تأَكل ؟ وماَ تلبس ؟ وأين تسكن ؟‬
‫‪.‬‬
‫فأَقَول ‪ :‬آكل الموت ‪ ,‬وألبس الكفن ‪ ,‬وأسكن القبر ( ‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫والشعراني نقل في طبقاَتهُ عن أبي محمد عبد اللهُ الخراز أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) الجوع طعاَم الزاهدين ( ‪. 8‬‬

‫ونقل الغزالي عن سهل بن عبد اللهُ التستري أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) ماَ صااَرِ البدال إل بإخماَص البطون ‪ ,‬والسهر ‪ ,‬والصمت ‪ ,‬والخلوة ( ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫أيضا ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫في التصوف السلمي وتاريخه ص ‪. 20‬‬ ‫‪2‬‬

‫الرسالة القشيرية ج ‪ 1‬ص ‪ 117‬بتحقيق عبد الحليم محمود ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫أيضا ص ‪ , 88‬قوت القلوب لبي طالب المكي ج ‪ 2‬ص ‪. 168‬‬ ‫‪4‬‬

‫كتاب اللمع للطوسي ص ‪. 269‬‬ ‫‪5‬‬

‫غيث المواهب العلية للنفزي الرندي ج ‪ 2‬ص ‪ 166‬بتحقيق عبد الحليم محمود ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫طبقات السلمي ص ‪ 23‬ط مطابع الشعب ‪ 1380‬هـ ‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫طبقات الشعراني ج ‪ 1‬ص ‪. 7‬‬ ‫‪8‬‬

‫إحياء علوم الدين للغزالي ج ‪ 3‬ص ‪ 79‬ط دار القلم بيروت الطبعة الولى ‪.‬‬ ‫‪9‬‬
‫‪76‬‬
‫ثم ‪ ,‬ورِوى الغزالي في إحياَئهُ رِواياَت كثيرة مكذوبة على النبي صالى اللهُ‬
‫عليهُ وسلم في فضل الجوع ‪. 1‬‬

‫ومماَ يجدرِ ذكرهُ أن المحقق كتبِ في تعليقاَتهُ عن جميع تلك الرواياَت في‬
‫فضل الجوع أنهُ لم يجد لهاَ أصال ‪. 2‬‬

‫هذا ‪ ,‬ونقل عماَد الدين الموي عن عيسى عليهُ السلم أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) طوبى للجياَع العطاَش فإنهم هم الذين يرون اللهُ ( ‪. 3‬‬

‫وقَاَل السهر ورِدي ‪:‬‬


‫) قَد اتفق المشاَئخ على أن بناَء أمرهم على أرِبعة أشياَء ‪ :‬قَلة الطعاَم ‪,‬‬
‫وقَلة المناَم ‪ ,‬وقَلة الكلم ‪ ,‬والعتزال على الناَس ( ‪. 4‬‬

‫ثم بّين طريق التد ّرِب على الجوع ‪ ,‬وهي تشبهُ تماَماَ طريقة يوجاَ الهندية‬
‫حذو القذة باَلقذة ‪ ,‬وطبق النعل ‪ ,‬فيقول ‪:‬‬
‫) وقَد اتفق مشاَيخ الصوفية على أن بناَء أمرهم على أرِبعة أشياَء ‪ :‬قَلة‬
‫الطعاَم وقَلة المناَم وقَلة الكلم والعتزال عن الناَس ‪ ,‬وقَد جعل للجوع‬
‫وقَتاَن ‪ ,‬أحدهماَ ‪ :‬آخر الرِبع والعشرين ساَعة فيكون من الرطل لكل‬
‫ساَعتين أوقَية بأَكلة واحدة يجعلهاَ بعد العشاَء الخرة أو يقسمهاَ أكلتين ‪,‬‬
‫كماَ ذكرناَ ‪ ,‬والوقَت الخر ‪ :‬على رِأس اثنتين وسبعين ساَعة ‪ ,‬فيكون الطي‬
‫ليلتين والفطاَرِ في الليلة الثاَلثة ‪ ,‬ويكون لكل يوم ثلث رِطل ‪ ,‬وبين هذين‬
‫الوقَتين وقَت وهو أن يفطر من كل ليلتين ليلة ‪ ,‬ويكون لكل يوم وليلة‬
‫نصف رِطل ‪ ,‬وهذا ينبغي أن يفعلهُ إذا لم ينتج عليهُ سآمة وضجرا ً وقَلة‬
‫انشراح في الذكر والمعاَملة ‪ ,‬فإذا وجد شيئاَ من ذلك فليفطر كل ليلة‬
‫ويأَكل الرطل في الوقَتين أو في الوقَت الواحد ‪ ,‬فاَلنفس إذا أخذت‬
‫باَلفطاَرِ من كل ليلتين ليلة ‪ ,‬ثم رِدت إلى الفطاَرِ كل ليلة تقنع ‪ ,‬وإن‬
‫سومحت باَلفطاَرِ كل ليلة ل تقنع باَلرطل وتطلبِ الدام والشهوات ‪,‬‬
‫وقَس على هذا ‪ ,‬فهي إن أطمعت طمعت ‪ ,‬وإن أقَنعت قَنعت ‪ ,‬وقَد كاَن‬
‫بعضهم ينقص كل ليلة بقدرِ نشاَف العود ‪ ,‬ومنهم من كاَن ينقص كل ليلة‬
‫رِبع سبع الرغيف حتى يفنى الرغيف في شهر ‪ ,‬ومنهم من كاَن يؤخر‬
‫الكل ول يعمل في تقليل القوت ولكن يعمل في تأَخيرهُ باَلتدرِيج حتى‬
‫تندرِج ليلة في ليلة ‪ ,‬وقَد فعل ذلك طاَئفة حتى انتهى طّيهم إلى سبعة‬
‫أياَم وعشرة أياَم وخمسة عشر يوماَ إلى الرِبعين ‪.‬‬
‫وقَد قَيل لسهل بن عبد اللهُ ‪ :‬هذا الذي يأَكل في كل أرِبعين وأكثر أكلهُ أين‬
‫يذهبِ لهبِ الجوع عنهُ ؟‪.‬‬
‫قَاَل ‪ :‬يطفئهُ النورِ ( ‪. 5‬‬

‫وكذلك التعري لم يأَخذهُ الصوفية إل من البوذية والجينية ‪.‬‬

‫انظر ص ‪ 77‬وما بعد ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫أيضا ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫حياة القلوب لعماد الدين الموي بهامش قوت القلوب ج ‪ 2‬ص ‪. 9‬‬ ‫‪3‬‬

‫عوارف المعارف للسهروردي ص ‪ 223‬ط دار الكتاب العربي الطبعة الثانية ‪ 1983‬م ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫عوارف المعارف للسهر وردي ص ‪. 224 , 223‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪77‬‬
‫وج ّ‬
‫ل تماَثيل البوذا وصاورِ رِجاَل الدياَناَت الهندوكية كلهاَ ناَطقة منبئة عمن‬
‫أخذهاَ القوم هذهُ القباَحة والوقَاَحة ‪ .‬حتى إن طاَئفة من طوائف الجينية‬
‫تسمى ويجاَمبرة أي أصاحاَب الزي السماَوي ‪ ,‬الذين لم يتخذوا كساَء لهم‬
‫غير السماَء ‪ ,‬وهم الذين يقولون ‪ ) :‬إن العرفاَء الكاَملين ل يقتاَتون بشيء ‪,‬‬
‫وإن من يملك شيئاَ من متع الدنياَ ولو كاَن ثوباَ واحدا يستر بهُ عورِتهُ ل ينجو‬
‫(‪.1‬‬

‫وإنناَ لنجد كثير ا ً من الصوفية ‪ ,‬ويسمون المجاَذيبِ ‪ ,‬يتجردون عن الثياَب‬


‫البتة ‪ ,‬ويمشون في السواق ‪ ,‬ويجلسون في الخاَنقاَوات كماَ خلقهم اللهُ ‪.‬‬

‫ولقد ذكر أصاحاَب الطبقاَت الصوفية ‪ ,‬الكثيرين من هؤلء ‪ .‬ونورِد ههناَ‬


‫واحدا ممن ذكرهم الشعراني ) قَطبِ زماَنهُ وإماَم عصرهُ ( في طبقاَتهُ ‪,‬‬
‫فيقول ‪:‬‬
‫ّ‬
‫) الشيخ إبراهيم العرياَن ‪ :‬كاَن رِضي اللهُ عنهُ إذا دخل بلدا سلم على أهلهاَ‬
‫كباَرِا وصاغاَرِا بأَسماَئهم ‪ ,‬حتى كأَنهُ تربى بينهم ) يعني كاَن يعلم الغيبِ ( ‪,‬‬
‫وكاَن رِضي اللهُ عنهُ يطلع المنبر ويخطبِ عرياَناَ ( ‪. 2‬‬

‫وأماَ هجر الهل والولد ‪ ,‬والخروج إلى الغاَرِات والجباَل ‪ ,‬والجلوس في‬
‫البرارِي والحفرات والسراديبِ ‪ ,‬والمكوث مع الحياَت والثعاَبين فليست‬
‫منقولة إل من الدياَناَت الهندية التي عرفت واشتهرت بمثل هذهُ المورِ ‪.‬‬

‫فلقد أورِدناَ في أول المقاَل قَصة إبراهيم بن أدهم الصوفي القديم ‪,‬‬
‫وتركهُ للهل والولد ‪ ,‬مقاَرِنة بقصة بوذا وحياَتهُ ‪ ,‬وأنهاَ مطاَبقة تماَماَ لهاَ ‪.‬‬

‫وهناَك أقَوال ونصوص كثيرة في هذا المعنى ‪ ,‬ذكرناَ بعضاَ منهاَ فيماَ مّر ‪,‬‬
‫وسنذكر البعض الخر إن شاَء اللهُ في الجزء الثاَني من هذا الكتاَب ‪.‬‬

‫وإنناَ ننقل ههناَ بعض الرِاء والوقَاَئع التي لهاَ علقَة مباَشرة ووطيدة‬
‫باَلمذاهبِ والفلسفاَت الهندية ‪.‬‬
‫فمنهاَ ترك الماَل والخروج منهُ‪ ,‬وحتى القوت الذي يحتاَج إليهُ لبقاَء الحياَة‪,‬‬
‫ثم التسول أماَم الناَس ‪ ,‬والستجداء منهم ‪ .‬كماَ ذكر أبو طاَلبِ المكي عن‬
‫أحد الصوفية أنهُ دفع إليهُ كيس فيهُ مئون درِاهم في أول النهاَرِ ففرقَهُ‬
‫كلهُ ‪ ,‬ثم سأَل قَوتاَ في يدهُ بعد عشاَء الخرة ‪. 3‬‬

‫وأورِد الطوسي مثلهُ عن أبي حفص الحداد أنهُ كاَن أكثر من عشرين سنة‬
‫يعمل كل يوم بديناَرِ وينفقهُ على الصوفية ‪ ,‬ثم يخرج بين العشاَئين‬
‫فيتصدق من البواب ‪. 4‬‬

‫والمعروف أن التسول والستجداء والوقَوف على أبواب الناَس ‪ ,‬وحمل‬


‫المخلة والكشكول من لوازم الدياَنة البوذية ‪ ,‬ومن نصاَئح بوذا الثماَنية‬
‫‪ 1‬انظر فلسفة الهند القديمة لمحمد عبد السلم المبوري ص ‪ , 64‬كذلك أديان الهند الكبرى للشلبي ص ‪ 126‬ط القاهرة‬
‫‪ 1964‬م ‪.‬‬
‫‪ 2‬انظر طبقات الشعراني ج ‪ 2‬ص ‪. 143‬‬
‫‪ 3‬قوت القلوب لبي طالب المكي الفصل الحادي والربعون في فضل الفقر والفقراء ج ‪ 2‬ص ‪. 206‬‬
‫‪ 4‬اللمع للطوسي‬
‫‪78‬‬
‫المشهورِة التي نصح بهاَ درِاويشهُ ورِهباَنهُ ‪ ,‬كماَ أنهُ ألزمهم سير البرارِي ‪,‬‬
‫وقَطع الصحاَرِي ‪ ,‬أو المكوث في الخاَنقاَوات ‪ ,‬والنشغاَل فيهاَ باَلذكر ‪.‬‬

‫ولقد أخذت الصوفية هذا النظاَم بكاَملهُ من البوذية ‪ ,‬وألزموا أنفسهم بهُ ‪,‬‬
‫كأَنهم هم الذين نصحهم بوذا بذلك فيقول الطوسي ‪:‬‬
‫) الكل باَلسؤال أجمل من الكل باَلتقوى ( ‪. 1‬‬

‫وقَاَل ‪ ) :‬كاَن بعض الصوفية ببغداد ل يكاَد يأَكل شيئاَ إل ب ِذُ ّ‬


‫ل السؤال ( ‪. 2‬‬

‫ويروي الهجويري عن ذي النون المصري أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) كاَن لي رِفيق موافق دعاَهُ عز وجل إليهُ ‪ ,‬وأنتقل من محنة الدنياَ إلى‬
‫نعمة العقبى ‪ ,‬ورِأيتهُ في النوم فقلت لهُ ‪ :‬ماَ فعل اللهُ بك ؟‪.‬‬
‫قَاَل ‪ :‬غفر لي ‪.‬‬
‫قَلت ‪ :‬بأَي خصلة ؟‪.‬‬
‫ّ‬
‫قَاَل ‪ :‬أوقَفني وقَاَل ‪ :‬ياَ عبدي ‪ ,‬لقد تحملت كثيرا من الذل والمشقة من‬
‫السفلة والبخلء ومددت إليهم يدك ‪ ,‬وصابرت في ذلك ‪ ,‬وقَد غفرت لك بذلك‬
‫(‪.3‬‬

‫ونقل السهرورِدي عن إبراهيم بن أدهم أنهُ كاَن معتكفاَ بجاَمع البصرة‬


‫‪4‬‬
‫مدة ‪ ,‬وكاَن يفطر في كل ثلث لياَل ليل ‪ ,‬وليلة إفطاَرِهُ يطلبِ من البواب‬
‫‪.‬‬
‫كماَ نقل عن أبي جعفر الحداد وكاَن أستاَذ الجنيد أنهُ كاَن يخرج بين‬
‫العشاَئين ‪ ,‬ويساَل من باَب أو باَبين ‪. 5‬‬

‫د يدهُ ويسأَل الناَس ‪. 6‬‬


‫وذكر عن النورِي أنهُ كاَن يم ّ‬

‫م‬
‫وذكر النفزي الرندي عن أبي سعيد الخراز أنهُ كاَن يمدّ يدهُ ويقول ‪ ) :‬ث ّ‬
‫شيء للهُ ( ‪. 7‬‬

‫وذكر الشعراني أشياَء طريفة عن فقراء الزاوية التي بناَهاَ يوسف العجمي‬
‫‪ ,‬الذي قَاَل عنهُ ‪ :‬هو أول من أحياَ طريقة الشيخ الجنيد بمصر بعد‬
‫إندرِاسهاَ ‪ ,‬يقول الشعراني عن هذا الصوفي وتلميذهُ ‪:‬‬
‫) كاَنت طريقة التجريد ‪ ,‬وأن يخرج كل يوم من الزاوية فقيرا يسأَل الناَس‬
‫إلى آخر النهاَرِ فمهماَ أتى بهُ يكون قَوت الفقراء ذلك النهاَرِ كاَئناَ من كاَن ‪.‬‬

‫وكاَن الفقراء يأَتي أحدهم باَلحماَرِ محمل خبزا وبصل وخياَرِا وفجل ولحماَ ‪,‬‬
‫ويوم سيدي يوسف يأَتي ببعض كسيرات ياَبسة يأَكلهاَ فقير واحد ‪ ,‬فسأَلوهُ‬
‫عن ذلك ‪ ,‬فقاَل ‪:‬‬
‫‪ 1‬اللمع للطوسي ص ‪. 255‬‬
‫‪ 2‬أيضا ص ‪. 253‬‬
‫‪ 3‬كشف المحجوب للهجويري ص ‪. 605‬‬
‫‪ 4‬انظر عوارف المعارف للسهروردي ص ‪ , 150‬أيضا غيث المواهب العلية للنفزي الرندي ج ‪ 2‬ص ‪ , 66‬أيضا إيثاظ الهمم‬
‫لبن عجيبة ص ‪. 333‬‬
‫‪ 5‬انظر عوارف المعارف ص ‪ , 150‬أيضا غيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية ج ‪ 2‬ص ‪. 65‬‬
‫‪ 6‬عوارف المعارف ص ‪. 157‬‬
‫‪ 7‬غيث المواهب العلية للنفزي الرندي ج ‪ 2‬ص ‪. 65‬‬
‫‪79‬‬
‫أنتم بشريتكم باَقَية ‪ ,‬وبينكم وبين الناَس ارِتباَط فيعطونكم ‪ ,‬وأناَ بشريتي‬
‫جاَرِ والسوقَة وأبناَء الدنياَ كبير‬
‫فنيت حتى ل تكاَد ترى فليس بيني وبين الت ّ‬
‫مجاَنسة ‪.‬‬

‫دهاَ‬
‫وكاَن صاورِة سؤالهُ أن يقف على الحاَنوت أو الباَب ويقول ‪ :‬اللهُ ‪ ,‬ويم ّ‬
‫حتى يغيبِ ‪ ,‬ويكاَد يسقط على الرِض ‪ ,‬فيقول من ل يعرفهُ ‪ :‬هذا العجمي‬
‫رِاح في الزقَزية ‪.‬‬
‫وكاَن رِضى اللهُ عنهُ يغلق باَب الزاوية طول النهاَرِ لحد إل للصلة ‪.‬‬
‫ق داق الباَب يقول للنقيبِ ‪:‬‬‫وكاَن إذا د ّ‬
‫اذهبِ فاَنظر من شقوق الباَب ‪ ,‬فإن كاَن معهُ شيء من الفتوح للفقراء‬
‫فاَفتح لهُ ‪ ,‬وإل فهي زياَرِات فشاَرِات ( ‪.1‬‬
‫فلحظ ماَ فيهُ من الطرائف و الضحوكاَت ‪.‬‬

‫وابن عجيبة الحسني ذكر عن التجيبي ابن ليون أنهُ بين أصال السؤال‬
‫ومسأَلة الزنبيل ‪ ,‬فيقول ‪:‬‬
‫) كيفيتهُ ‪ :‬أن يتوضأَ الرجل ويصلي رِكعتين ‪ ,‬ويأَخذ الزنبيل ) يعني وعاَء (‬
‫بيدهُ اليمنى ‪ ,‬ويخرج إلى السوق ومعهُ رِجل آخر يذكر اللهُ ويذكر الناَس ‪,‬‬
‫والناَس يعطونهُ في ذلك الزنبيل حتى يجمع ماَ تيسر من الطعاَم ‪ ,‬ويعّبهُ‬
‫بين الفقراء فيأَكلون طعاَماَ حلل بل تكلف ول كلفة ‪ ,‬هذا ماَ تيسر لناَ في‬
‫حكم السؤال ( ‪. 2‬‬

‫ول في البرارِي فكثيرون جدا ً ‪ ,‬وقَد نقل‬ ‫وأماَ من عاَش في الصحاَرِى ‪ ,‬وتج ّ‬
‫السهرورِدي عن بشر بن الحاَرِث أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) ياَ معشر القراء ‪ ,‬سيحوا تطيبوا ( ‪. 3‬‬

‫وقَاَل ‪:‬‬
‫أو من جملة المقاَصاد في السفر ‪ :‬رِؤية الثاَرِ والعبر ‪ ,‬وتسريح النظر في‬
‫مساَرِح الفكر ‪ ,‬ومطاَلعة أجزاء الرِض والجباَل ومواطئ أقَدام الرجاَل ‪,‬‬
‫واستماَع التسبيح من ذوات الجماَدات ‪ ,‬والفهم من لساَن حاَل القطع‬
‫المتجاَورِات ‪ ,‬فقد تتجدد اليقظة بتجدد ومستودع العبر والياَت ‪ ,‬وتتوفر‬
‫بمطاَلعة المشاَهد والمواقَف الشواهد والدللت ‪ .‬قَاَل اللهُ تعاَلى ‪} :‬‬
‫فسهم حّتى يت َبين ل َه َ‬ ‫َ‬
‫ق { ‪.‬‬ ‫هُ ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫م أن ّ ُ‬
‫َ َ ّ َ ُ ْ‬ ‫في أن ُ ِ ِ ْ َ‬
‫و ِ‬
‫ق َ‬ ‫في اْل َ‬
‫فاَ ِ‬ ‫م آَياَت َِناَ ِ‬
‫ه ْ‬‫ري ِ‬
‫سن ُ ِ‬
‫َ‬

‫وقَد كاَن السري يقول للصوفية ‪ :‬إذا خرج الشتاَء ودخل آذارِ وأورِقَت‬
‫الشجاَرِ طاَب النتشاَرِ ‪.‬‬
‫ومن جملة المقاَصاد للسفر ‪ :‬إيثاَرِ الخمول وإطراح حظ القبول ( ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وكاَن قَسم منهم يساَفر دوماَ ‪ ,‬ولذلك سمو باَلسياَحيين كماَ قَاَل‬
‫الكلباَذي ‪:‬‬

‫طبقات الشعراني ج ‪ 2‬ص ‪. 67 , 66‬‬ ‫‪1‬‬

‫ايقاظ الهمم لبن عجيبة الحسني ص ‪ 333‬ط مصطفى البابي الحلبي مصر الطبعة الثالثة ‪1402‬هـ ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫عوارف المعارف للسهروردي ص ‪. 125‬‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر السابق ص ‪. 122‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪80‬‬
‫موا ‪ :‬سياَحين ‪ ,‬ومن سياَحتهم في البرارِي وإيوائهم إلى‬‫) ولكثرة أسفاَرِ س ّ‬
‫الكهوف عند الضرورِات سماَهم بعض أهل الدياَرِ شكفتية ‪ .‬والشكفت‬
‫بلغتهم الغاَرِ والكهف ( ‪. 1‬‬

‫وقَد ذكر أصاحاَب الطبقاَت وكتبِ الصوفية أحوال الكثيرين منهم ‪.‬‬
‫فيذكر أحد الصوفية القدامى الهجويري عن أبي عثماَن المغربي ‪:‬‬
‫) أنهُ في بداية حاَلة أعتزل عشرين سنة في البوادي بحيث لم يكن يسمع‬
‫سم الخياَط ‪ ,‬وتحول‬ ‫آدمياَ ‪ ,‬حتى ذابت بنيتهُ من المشقة ‪ ,‬وصااَرِت عيناَهُ ك ّ‬
‫عن صاورِة الدميين ‪ ,‬وجاَءهُ المر باَلصحبِ بعد عشرين عاَماَ ‪ ,‬وقَيل لهُ ‪:‬‬
‫أصاحبِ الخلق ‪ .‬فقاَل لنفسهُ ‪ :‬فلبدأ بصحبة أهل اللهُ ومجاَورِي بيتهُ ‪ ,‬ليكون‬
‫ذلك أكثر بركة ‪ ,‬فقصد مكة ‪ ,‬وأطلع المشاَئخ على مجيئة بقلوبهم ‪ ,‬خرجوا‬
‫لستقباَلهُ ‪ ,‬فوجدوهُ وقَد تبدلت صاورِتهُ ‪ ,‬وفي حاَل لم يكن قَد بقي عليهُ‬
‫فيهاَ شيء سوى رِق الخلقة ( ‪. 2‬‬

‫وقَاَل أبو طاَلبِ المكي ‪:‬‬


‫ّ‬
‫قَد كاَن الخواص ل يقيم في بلد أكثر مت أرِبعين يوماَ ‪ ,‬ويرى أن ذلك علة‬
‫في توكلهُ ‪ ,‬فيعمل في إختباَرِ نفسهُ وكشف حاَلهُ ‪.‬‬
‫وحدثناَ عن بعض الشيوخ قَاَل ‪ ) :‬لبثت في البرية أحد عشر يوماَ لم أطعم‬
‫شيئاَ ( ‪. 3‬‬

‫كماَ يقول ‪ ) :‬خرجت طاَئفة البدال إلى الكهوف تخّلياَ من أبناَء الدنياَ ( ‪. 4‬‬

‫ونقل السهرورِدي عن إبراهيم الخواص أنهُ ماَ كاَن يقيم في بلد أكثر من‬
‫أرِبعين يوماَ ‪ ,‬وكاَن يرى ‪ :‬إن أقَاَم أكثر من أرِبعين يوماَ يفسد عليهُ توكلهُ ‪,‬‬
‫فكاَن علم الناَس ومعرفتهم إياَهُ سبباَ ومعلوماَ ‪.‬‬

‫وحكى عنهُ أنهُ قَاَل ‪ :‬مكثت في الباَدية أحد عشر يوماَ لم آكل ‪ ,‬وتطلعت‬
‫نفسي أن آكل من حشيش البر ‪ ,‬فرأيت الخضر مقبل نحوي فهربت منهُ ‪,‬‬
‫ثم التفت فإذا هو رِجع عني ‪ ,‬فقيل ‪ :‬لم هربت منهُ ؟ ‪.‬‬
‫قَاَل ‪ :‬تشوفت نفسي أن يغيثني ‪ ,‬فهؤلء الفرارِون بدينهم ( ‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫ونقل الشعراني عن عدي بن مساَفر الموي الذي قَاَل فيهُ ‪ :‬هو أحد أرِكاَن‬
‫الطريقة وأعلى العلماَء بهاَ ‪ ,‬والذي نقل فيهُ عن الشيخ عبد القاَدرِ أنهُ‬
‫قَاَل ‪:‬‬
‫لو كاَنت النبوة تناَل باَلمجاَهدة لناَلهاَ عدي بن مساَفر ‪ ,‬يقول عنهُ‬
‫الشعراني ‪ :‬أنهُ أقَاَم أول أمرهُ زماَناَ في المغاَرِات والجباَل والصحاَرِي‬
‫مجردا ساَئحاَ يأَخذ نفسهُ بأَنواع المجاَهدات ‪ ,‬وكاَنت الحياَت والهوام‬
‫والسباَع تأَلفهُ فيهاَ ‪. 6‬‬

‫التعرف لمذهب أهل التصوف للكلباذي ص ‪ 29‬الطبعة الثانية مكتبة الكليات الزهرية القاهرة ‪ 1400‬هـ ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫كشف المحجوب للهجويري ص ‪ , 416‬أيضا تذكرة الولياء لفريد الدين العطار ص ‪ 347‬ط باكستان ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫قوت القلوب لبي طالب المكي ج ‪ 2‬ص ‪. 207‬‬ ‫‪3‬‬

‫أيضا ج ‪ 2‬ص ‪. 152‬‬ ‫‪4‬‬

‫عوارف المعارف للسهروردي ص ‪ , 126‬أيضا قوت القلوب لبي طالب المكي ج ‪ 2‬ص ‪ 207‬ط دار صادر بيروت ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫الطبقات الكبرى للشعراني ج ‪ 1‬ص ‪. 137 , 136‬‬ ‫‪6‬‬


‫‪81‬‬
‫وكذلك ينقل الشعراني عن شيخهُ أمين الدين أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) كاَن شخص من أرِباَب الحوال بناَحية شاَن شلمون باَلشرقَية جاَلساَ في‬
‫البرية ‪ ,‬وقَد ح ّلق على نفسهُ بزرِب شوك ‪ ,‬وعندهُ داخل هذهُ الحلقة الحياَت‬
‫والثعاَلبِ والثعاَبين والقطط والذئاَب والخرفاَن والوز والدجاَج ( ‪. 1‬‬

‫هذا ومثل هذا كثير في كتبِ الطبقاَت العربية والفاَرِسية والرِدية ‪ ,‬وكتبِ‬
‫اللغاَت الخرى التي ألفت تراجم الصوفية ‪.‬‬

‫وأماَ الجلوس في الخاَنقاَوات ‪ ,‬وملزمة الربط والتكاَياَ والزواياَ فهو من‬


‫لوازم التصوف ‪ ,‬فإن الصوفية خصصوا أبواباَ مستقلة في كتبهم لبياَن‬
‫فضاَئل ملزمتهاَ ‪ ,‬والمكوث فيهاَ ‪ ,‬كماَ أنهم بّينوا فيهاَ آداب الخلوة‬
‫والدخول إليهاَ والمكوث فيهاَ ‪.‬‬

‫كماَ قَاَل السهرورِدي ‪ ) :‬إعلم أن تأَسيس هذهُ الربط من زينة هذهُ الملة‬
‫الهاَدية المهدية ‪ ,‬ولسكاَن الربط أحوال تميزوا بهاَ عن غيرهم من الطوائف‬
‫‪ ,‬وهم على هدى من رِبهم ( ‪. 2‬‬

‫وذكر الصوفي المشهورِ الكمشخاَنوي في كتاَبهُ ) جاَمع الصاول في‬


‫الولياَء ( آداب الخلوة ‪ ,‬فيقول ‪:‬‬
‫) للدخول في الخلوة آداب وشروط ‪ ,‬منهاَ ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يستأَذن الشيخ في دخول الخلوة ‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يدخل الشيخ الخلوة ويصلي فيهاَ رِكعتين قَبل دخول المريد ‪.‬‬
‫دماَ رِجلهُ اليمنى ‪ ,‬مبسمل متعوذا ‪.‬‬ ‫‪ .3‬أن يدخلهاَ كماَ يدخل المسجد مق ّ‬
‫‪ .4‬أن تكون الخلوة مظلمة ل يدخلهاَ شعاَع الشمس ول ضوء النهاَرِ ‪.‬‬
‫‪ .5‬أن ل يستند إلى جدارِ الخلوة ‪.‬‬
‫‪ .6‬الصوم ‪.‬‬
‫‪ .7‬أن يعتقد في نفسهُ أنهُ إنماَ يدخل الخلوة لكي يستريح الناَس من‬
‫شرهُ ‪.‬‬
‫‪ .8‬أن ل يتكلم مع أحد في الخلوة أو خاَرِجهاَ إل مع شيخهُ ‪.‬‬
‫ط رِأسهُ ورِقَبتهُ بشيء مطرقَاَ‬ ‫‪ .9‬إذا خرج إلى الصلة أو الوضوء فليغ ّ‬
‫إلى الرِض غير ناَظر إلى أحد ‪.‬‬
‫‪ .10‬دوام تخيل صاورِة شيخهُ ‪ ,‬وهو الرابطة بينهُ وبين خاَلقهُ ‪ ...‬فإنهُ إذا‬
‫م بمعصية يتمثل لهُ الشيخ فينزجر عن فعلهاَ ‪ -‬إلى آخر الكلم (‪. 3‬‬ ‫ه ّ‬

‫وأماَ التشاَبهُ بين الذكر الصوفي وذكر الطوائف الهندية فهو كماَ ذكر‬
‫القشيري ‪:‬‬
‫) المبتدئ في الحوال يجبِ أن يسكن حواسهُ ول يتحرك أنفاَسهُ ول يحرك‬
‫بدنهُ ‪ ,‬ول يحرك جزء منهُ ول يردد طرفهُ ول شيئاَ ‪ ,‬ويكون مراعياَ لهمتهُ ‪ ,‬ول‬
‫يحرك البتة جزء من نفسهُ ول من بدنهُ ول من باَطنهُ حتى تبدو الحوال لهُ‬
‫بعد طول المراعاَة ‪.‬‬

‫أيضا ج ‪ 2‬ص ‪. 122‬‬ ‫‪1‬‬

‫عوراف المعارف للسهروردي ص ‪. 111‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر جامع الصول في الولياء لحمد الكمشخانوي النقشبندي ط المطبعة الوهبية الشام ‪ 1298‬هـ ‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪82‬‬
‫ثم يجبِ أل ينظر إليهاَ ول إلى ماَ يبدو لهُ البتة لئل يحجبِ عنهاَ ‪ ,‬فل يزال‬
‫في المزيد منهاَ إن شاَء اللهُ تعاَلى ‪.‬‬
‫د فيهُ من طول المجاَهدة‬ ‫قَاَل ‪ :‬وهذا الطريق الذي هو طريق اللهُ تعاَلى ل ب ّ‬
‫ومقاَساَة ماَ يحتملهُ السماَع والقلوب من الشدائد لو حّلت بهاَ ‪ ...‬وكنت‬
‫أحياَناَ في بدو المجاَهدة وأحوال الذكر لو استتر مني في السماَء لكاَن‬
‫الستر على أهون من أن أقَوم للكل ‪ ,‬وأتحرك للوضوء والفرض لنهُ كاَن‬
‫يعيبِ عني الذكر ( ‪. 1‬‬

‫وذكر الشعراني عن سيدهُ البدوي أنهُ لزم الصمت ‪ ,‬وماَ كاَن يكلم الناَس إل‬
‫باَلشاَرِة ‪. 2‬‬

‫وملزمة الصمت من العاَدات البوذية كماَ يظهر من تماَثيل بوذا ‪.‬‬

‫وكذلك ذكر الشعراني أيضاَ عن سيدهُ عبد الرحمن المجذوب أنهُ كاَن ثلثة‬
‫أشهر يتكلم ‪ ,‬ثلثة أشهر يسكت ‪. 3‬‬

‫وهناَك عقيدة بوذية تسمى سماَدهي ) ‪ ( SAMADHI‬وهذهُ آخر درِجاَت الذاكر‬


‫يفنى فيهاَ ذاتهُ في الذات اللهي ‪. 4‬‬

‫يذكر نفس هذا الشيء صاوفي مشهورِ بحرق الحضرمي في رِساَلتهُ‬


‫) ترتيبِ السلوك ( ‪ ,‬فيقول ‪ :‬من لم يتيسر لهُ شيخ ‪ ,‬وأرِاد دخول الخلوة‬
‫فليقدم الغتساَل ‪ ,‬وغسل ثياَبهُ ومصلهُ ‪ ,‬ويهيئ أسباَبهُ بحيث ل يحتاَج إلى‬
‫الخروج ‪ ,‬ويرتبِ لحوائجهُ من قَوت وغيرهُ ‪ ...‬ثم ليلزم الجوع فيكون صااَئماَ‬
‫مقتصرا على قَدرِ معلوم من الطعاَم والماَء مقتصدا ل يزيد عليهُ أبدا ‪,‬‬
‫وليلزم السهر فل يناَم إل في وقَت معلوم ‪ ,‬وليلزم الذكر فيقتصر على‬
‫ملزمة ذكر واحد ‪.‬‬

‫ينطق بذلك الذكر بعينهُ بحيث يظن من يسمعهُ أن معهُ في خلوتهُ ألف ذاكر‬
‫للهُ ‪ ,‬ثم يغلبِ عليهُ حاَل الذكر فل ينظر في الوجود شيئاَ يقع عليهُ نظرهُ إل‬
‫معلناَ بذلك الذكر بعينهُ بحيث لو كاَن عندهُ ألف شخص ‪ ,‬كل منهم يذكر بذكر‬
‫مخاَلف للخر لم يسمعهم ينتطقون إل بذكرهُ الذي غلبِ عليهُ ‪ ,‬وحينئذ‬
‫يبقى منتظرا لماَ يفتح اللهُ بهُ على قَلبهُ من رِحمتهُ وعلم غيبهُ ‪ ,‬وأول ماَ‬
‫يظهر غاَلباَ أنوارِ إلهية كأَنهاَ البرق الخاَطف تلمع بسرعة ‪ ,‬ويختفي وهي‬
‫لذيذة جدا يحصل بوجودهاَ الوجد ‪ ,‬وباَختفاَئهاَ الحنين إليهاَ ‪ ,‬وبماَ غشيتهُ‬
‫أنوارِهاَ ‪.‬‬

‫ثم يصير قَلبهُ كاَلمرآة المجلوهُ فيكون مقاَبل للجناَب القدس ‪ ,‬فيصير كل‬
‫شيء كأَنهُ مشاَهد للحق سبحاَنهُ علماَ وحاَل فاَنياَ عن نفسهُ ‪ ,‬فضل عن‬
‫خيرهاَ ‪ ,‬فحينئذ يعبد اللهُ كأَنهُ يراهُ ويشهدهُ ‪. 5‬‬

‫رسالة ترتيب السلوك من الرسائل القشيرية ص ‪ 77 , 76‬ط المعهد المركزي للبحاث السلمية إسلم آباد باكستان ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫طبقات الشعراني ص ‪. 182‬‬ ‫‪2‬‬

‫أيضا ج ‪ 2‬ص ‪. 141‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪4‬‬
‫‪. The Buddha And The Criste P. 84 By B.H Streeter London 1932‬‬
‫‪83‬‬
‫وأماَ الفناَء في الشيخ فيذكر الشعراني في كتاَبهُ ) النوارِ القدسية ( ‪:‬‬

‫) اعمل أيهاَ المريد على أن تتحد بشيخك ‪ ,‬فيكون ماَ عندهُ من المعاَرِف‬
‫د سواء ويكون تميزهُ عليك إنماَ هو باَلضاَفة ل غير ‪ ,‬قَاَل ‪:‬‬ ‫عندك على ح ّ‬
‫وقَد قَاَل لي الشيخ أبو الحسن الشاَذلي يوماَ ‪ :‬ياَ أباَ العباَس ‪ ,‬ماَ صاحبتك إل‬
‫لتكون أنت أناَ وأناَ أنت ( ‪. 1‬‬

‫وأماَ تعذيبِ النفس ‪ ,‬وحبس الدم ‪ ,‬والرياَضاَت الشاَقَة فمنهاَ ماَ ذكرناَهاَ‬
‫أثناَء الوقَاَئع التي سردناَهاَ آنفاَ ‪.‬‬

‫ومن ذلك ماَ ذكرهُ الشعراني في طبقاَتهُ عن البدوي انهُ ‪:‬‬

‫) كاَن طول نهاَرِهُ وليلهُ قَاَئماَ شاَخصاَ ببصرهُ إلى السماَء وقَد انقلبِ سواد‬
‫عينيهُ بجمرة تتوقَد كاَلجمر ‪ .‬وكاَن يمكث الرِبعين يوماَ وأكثر ل يأَكل ول‬
‫يشرب ول يناَم ( ‪. 2‬‬

‫د إلى اثنتي عشرة‬


‫ويقول المنوفي ‪ ,‬وأبو الهدى الرفاَعي أن مكوثهُ هذا امت ّ‬
‫سنة حيث يقولن ‪ ) :‬ومكث على السطوح حوالي اثنتي عشرة سنة ( ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ويذكر الطوسي والقشيري والعطاَرِ والهجويري والغزالي والشعراني‬


‫وغيرهم‬
‫) أن الشبلي كاَن يكتحل باَلملح ليعتاَد السهر ول يأَخذهُ النوم ‪ ,‬وأحياَناَ كاَن‬
‫يحمي الميل فيكتحل بهُ ( ‪. 4‬‬

‫وينقل القشيري في رِساَلتهُ ) ترتيبِ السلوك ( ‪:‬‬


‫) كنت أرِيد أن ل أناَم لئل أغيبِ عن الذكر لحظة ‪ ,‬فكنت أقَعد على حجر ناَتئ‬
‫من جدرِان بيتناَ من الحجر قَدرِ ماَ أضع عليهُ قَدمي ‪ ,‬وتحتي واد ‪ ,‬وفوقَي‬
‫شاَهق حتى ل يأَخذني النوم (‪. 5‬‬

‫وكتبِ الدكتورِ عبد الحليم محمود شيخ الجاَمع الزهر ساَبقاَ ‪ ,‬وصاوفي‬
‫مشهورِ ‪ ,‬عن أحمد الدرِدير أنهُ رِدد الذكر ستة أشهر حتى أحرق الذكر‬
‫جسمهُ ‪ ,‬وأذهبِ لحمهُ ودمهُ حتى صااَرِ مجرد الجلد على العظم ( ‪. 6‬‬

‫وذكر الدرِيني عبد العزيز الصوفي المتوفى ‪697‬هـ عن داود بن أبي هند أنهُ‬
‫) صااَم أرِبعين سنة لم يعد الناَس عنهُ ول أهل بيتهُ ‪ ,‬وكاَن يؤتى باَلناَء‬
‫ناَقَصاَ ً فيتمهُ باَلدموع ( ‪.7‬‬
‫‪ 5‬ترتيب السلوك إلى ملك الملوك لجمال الدين محمد بن عمر بحرق الحضرمي ص ‪ 249 , 248‬ط جامعة بنجاب لهور‬
‫باكستان ‪.‬‬
‫‪ 1‬النوار القدسية لعبد الوهاب الشعراني ج ‪ 2‬ص ‪ 21‬ط إحياء التراث العربي بغداد العراق ‪.‬‬
‫‪ 2‬الطبقات الكبرى للشعراني ج ‪ 1‬ص ‪ , 183‬النفحة العلية في أوراد الشاذلية لعبد القادر زكي ص ‪ 253‬ط القاهرة ‪.‬‬
‫‪ 3‬جمهرة الولياء للمنوفي الحسيني ج ‪ 2‬ص ‪ , 237‬أيضا قلدة الجواهر في ذكر الرفاعي وأتباعه الكابر لمحمد أبي الهدى‬
‫الرفاعي ص ‪ 399‬الطبعة الولى ‪ 1400‬هـ بيروت لبنان ‪.‬‬
‫‪ 4‬انظر اللمع للطوسي ص ‪ , 275‬الرسالة القشيرية ص ‪ , 160‬تذكرة الولياء للعطار ص ‪ , 305‬مكاشفة القلوب للغزالي ص‬
‫‪ , 30‬النوار القسية للشعراني ص ‪ , 54‬الطبقات الكبرى للشعراني ج ‪ 1‬ص ‪. 103‬‬
‫‪ 5‬رسالة ترتيب السلوك من الرسائل القشيرية لعبد الكريم القشيرية المتوفى ‪ 465‬هـ ص ‪ 78‬ط باكستان ‪.‬‬
‫‪ 6‬سيدي أحمد الدردير للدكتور عبد الحليم محمود ص ‪ 76‬ط القاهرة ‪ 1974‬م ‪.‬‬
‫‪ 7‬طهارة القلوب لعبد العزيز الدريني ص ‪ 209‬وما بعد ط مصطفى البابي الحلبي ‪ 1971‬م‪.‬‬
‫‪84‬‬

‫ويذكر الطوسي عن أبي عبد اللهُ الصبيحي أنهُ ‪:‬‬


‫) لم يخرج ثلثين سنة من بيت من تحت الرِض ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ويذكر فريد الدين العطاَرِ عن الصوفي المشهورِ أبي بكر الشبلي أنهُ‬
‫) كاَنت في يدهُ قَضيبِ يضرب بهُ فخذهُ وساَقَهُ حتى تبدد لحمهُ ‪ 2‬وتناَثر ( ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وحكى عبد العزيز الدباَغ عن صاوفي أنهُ ) رِمى بنفسهُ في بداية مجاَهدتهُ‬
‫من حلقة دارِهُ إلى أسفل تسعين مرة ( ‪.4‬‬

‫ويحكي عماَد الدين الموي قَصة صاوفي هندي دمعت إحدى عينية ولم تبك‬
‫الخرى ‪ ,‬فقاَل لعينهُ التي لم تدمع ‪:‬‬
‫) لحرمنك النظر إلى الدنياَ ‪ ,‬وغمض عينهُ ‪ ,‬فلم يفتح عينهُ أكثر من ستين‬
‫سنة ( ‪. 5‬‬

‫وذكر عن صاوفي هندي خضر سيوستاَني القاَدرِي أنهُ ) كاَن يسكن في‬
‫المقاَبر ‪ ,‬ول يلبس إل رِداء واحدا ‪ ,‬وكاَن يأَكل العشبِ وأورِاق الشجاَرِ ‪,‬‬
‫كاَن لهُ تنورِ يحميهُ ويتعبد فيهُ ‪ ,‬وكاَنت حيواناَت الباَدية تجاَلسهُ وتأَوي إليهُ ‪,‬‬
‫صهُ لنفسهُ ( ‪. 6‬‬
‫وكاَن يتعبد في فصل الصيف على حجر حاَّرِ خ ّ‬

‫ويذكر الميرزهُ محمد أختر الدهلوي عن الصوفي فخر الدين رِازي أنهُ ) كاَن‬
‫يسكن ليل نهاَرِ في الغاَباَت ( ‪. 7‬‬

‫‪ 1‬اللمع للطوسي ص ‪. 500‬‬


‫‪ 2‬كل ما ذكرناه حتى الن وأوردناها من عبارات وشواهد وشهادات ‪ ,‬لم نذكرها ولم نوردها إل عن التصوف المعتدل ‪,‬‬
‫والصوفية المعتدلين ‪ ,‬أو المتصوفة الذين أتفق على كونهم من هذه الطائفة قاصدين متعمدين ‪ ,‬وإل مانقل عن المتطرفين‬
‫الغلة أو الذين اختلف في أمرهم فكثير مثل ما ذكر الغزالي عن الحلج أنه قّيد نفسه من كعبه إلى ركبته بثلثة عشر قيدا ‪,‬‬
‫وكان يصلي مع ذلك كل يوم وليلة ألف ركعة ) انظر مكاشفة القلوب للغزالي ص ‪ 30‬تحقيق عبد الله أحمد أبو زينه ط‬
‫القاهرة (‪.‬‬
‫وحكي عن الترمذي الملقب بالحكيم أنه قال ‪:‬‬
‫ى حب الخلوة في‬ ‫ألهمت منع الشهوات ‪ ...‬حتى ربما أمنع نفسي الماء البارد ‪ ,‬وأتورع عن شرب ماء النهار ‪ ...‬ووقع عل ّ‬
‫المنزل والخروج إلى الصحراء ‪ ,‬فكنت أطوف في الخربات والنواويس ‪ ,‬واعتصمت بها ) انظر رسالة بدوّ شأن أبي عبد الله‬
‫للحكيم الترمذي من مجموعة ختم الولياء تحقيق عثمان إسماعيل يحيى ص ‪ 15‬ط المطبعة الكاثوليكية بيروت ( ‪.‬‬
‫وذكر الشعراني عن ابن عربي ‪ :‬أنه كان رضي الله عنه أول من الموقعين عند بعض ملوك المغرب‪ ,‬ثم إنه طرقه طارق من‬
‫الله عز وجل ‪ ,‬فخرج في البراري على وجهه إلى أن نزل في قبر ‪ .‬فمكث فيه مدة ‪ .‬ثم خرج من القبر يتكّلم بهذه العلوم‬
‫التي نقلت عنه ‪ ,‬ولم يزل سائحا في الرض يقيم في كل بلد بحسب الذن ‪ ,‬ثم يرحل منها ) انظر اليواقيت والجواهر‬
‫للشعراني ج ‪ 1‬ص ‪ 7 , 6‬ط مصطفى البابي الحلبي القاهرة ( ‪.‬‬

‫وأما ابن الفارض فيقول عنه ابنه ‪:‬‬


‫سمعت والدي ابن الفارض ‪ :‬كنت في أول تجريدي أستأذن أبي وأطلع إلى وادي المستضعفين بالجبل الثاني من المقطم‬
‫وآوي فيه ‪ ,‬وأقيم في هذه السياحة ليل ونهارا ) انظر جمهرة الولياء لمحمود أبي الفيض المنوفي الحسيني ج ‪ 2‬ص ‪ 246‬ط‬
‫القاهرة ‪ 1387‬هـ ( ‪.‬‬
‫وعلى ذلك قال ابن عربي ‪ :‬إن التصوف طريق الشدة ‪ ,‬ليس للرخاء فيه مدخل ) المر المحكم المربوط لبن عربي الملحق‬
‫بذخائر اعلق له أيضا ص ‪ 268‬بتحقيق محمد عبد الرحمن الكروي ط القاهرة ( ‪.‬‬
‫‪ 3‬تذكرة الولياء لفريد الدين العطار ص ‪ 305‬ط باكستان ‪ ,‬أيضا طبقات الشعراني ج ‪ 1‬ص ‪. 88‬‬
‫‪ 4‬انظر البريز للدباغ ص ‪. 105‬‬
‫‪ 5‬حياة القلوب للموي ص ‪ 219‬بهامش قوت القلوب ‪.‬‬
‫‪ 6‬انظر تذكرة أولياء بر صغير لميرزه محمد أختر الدهلوي ج ‪ 3‬ص ‪ 31‬ط باكستان ‪.‬‬
‫‪ 7‬نفس المصدر ج ‪ 1‬ص ‪. 157‬‬
‫‪85‬‬
‫وحكى عن صاوفي هندي مشهورِ مياَن أمير أنهُ ) كاَن يسكن الجباَل بعيدا‬
‫عن الناَس ( ‪. 1‬‬

‫وهناَك صاوفي مشهورِ فريد الدين الملقبِ بكنج شكر فيحكي عنهُ أنهُ ) عّلق‬
‫نفسهُ معكوسة في بئر ‪ ,‬ولم يزل على هذهُ الحاَل أرِبعين سنة لم يأَكل ولم‬
‫يشرب شيئاَ ( ‪. 2‬‬

‫وصاوفي هندي آخر أحمد عبد الحق ) حفر لنفسهُ قَبرا ‪ ,‬واشتغل فيهُ‬
‫باَلعباَدة ستة أشهر ( ‪. 3‬‬

‫وأماَ حبس الدم فيذكر القشيري ‪:‬‬


‫) المبتدئ في الحوال يجبِ أن يسكن حواسهُ ‪ ,‬ول يتحرك أنفاَسهُ ( ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ويذكر الصوفي الهندي الدكتورِ ظهورِ حسن شاَرِب أن الصوفي الهندي‬


‫المشهورِ مياَن مير ) كاَن يقضي الليل كلهُ في نفس واحدة ( ‪. 5‬‬

‫ويذكر عن صاوفي آخر مل شاَهُ أنهُ كاَن ) يقضي الليل كلهُ في نفسين فقط‬
‫(‪.6‬‬

‫وهذا كلهُ عمل بقول الصوفية ‪:‬‬


‫) مقاَم المريد المجاَهدات والمكاَبدات ‪ ,‬وتحمل المشاَق ‪ ,‬وتجرع المرارِات (‬
‫‪.7‬‬

‫وأيضاَ بقولهم ‪ ) :‬إن الصوفية يلزمون أنفسهم باَلغلظ والشق من أقَوال‬


‫العلماَء ( ‪. 8‬‬

‫هذا ومثل هذهُ المورِ كثيرة جدا ‪ ,‬التي لم تؤخذ ولم تقتبس إل من الدياَناَت‬
‫الهندية ول وجود لهاَ في تعاَليم السلم ‪ ,‬ولم تنقل إلى الصوفية إل منهاَ ‪.‬‬

‫وقَبل أن ننتقل إلى فكرة أخرى نريد أن نبين أمرا آخر ‪ ,‬وهو أن الصوفية‬
‫بمختلف مشاَرِبهم وطرقَهم يتباَهون بحبهم للجميع ‪ ,‬وعدم العتراض على‬
‫مذهبِ دون مذهبِ ومسلك دون مسلك ‪ .‬وإنهم ل يفّرقَون بين دياَنة‬
‫ودياَنة ‪ ,‬ول يم ّيزون بين طاَئفة وطاَئفة وجماَعة وجماَعة ‪ ,‬بل يحترمون‬
‫جميع الرِاء والمعتقدات وأصاحاَبهاَ ‪ ,‬وقَد نقلوا فيهاَ أقَوال عديدة ‪.‬‬

‫مع أنهاَ ل أساَس لهاَ في شريعة السلم وتعاَليمهاَ ‪ ,‬حيث أن هذا المر‬
‫أصال من أصاول فلسفة اليوجاَ التي ترى في كل الدياَناَت وفي كل‬
‫الفلسفاَت حقاَ ‪ ,‬ول يعترض على دين وفلسفة مهماَ اختلفوا وتباَعدوا في‬

‫تذكرة أولياء باك وهند للدكتور ظهور الحسن شارب ص ‪ 282‬ط باكستان ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫تذكرة أولياء بر صغير لميرزه الدهلوي ج ‪ 1‬ص ‪ 96‬ط باكستان ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر تذكرة أولياء باك وهند للدكتور ظهور الحسن شارب ص ‪ 179‬ط باكستان ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫انظر رسالة ترتيب السلوك من الرسائل القشيرية ص ‪ , 6‬ط باكستان ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫تذكرة أولياء باك وهند ص ‪. 286‬‬ ‫‪5‬‬

‫أيضا ص ‪. 307‬‬ ‫‪6‬‬

‫حياة القلوب لعماد الدين الموي ص ‪ 268‬بهامش قوت القلوب للمكي ‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫أيضا ص ‪. 266‬‬ ‫‪8‬‬


‫‪86‬‬
‫المشرب والمسلك ‪ ,‬ويسع مذهبهُ لمعتقدات الجميع ‪ ,‬ويأَبى أن يتقيد بقيود‬
‫ي منهاَ ‪. 1‬‬
‫أ ّ‬

‫والجدير باَلذكر أن هناَك كتاَباَ ترجم إلى اللغة العربية باَسم ) فلسفة‬
‫رِاجاَيوجاَ ( بطبع عبد الغني أحمد ‪ ,‬وترجمة حسن حسين ‪ ,‬فيهُ فصل خاَص‬
‫لمقاَرِنة هذهُ الفلسفة الهندية باَلفلسفة الصوفية و كماَ أن الكتاَب كلهُ‬
‫يشتمل على الرياَضاَت والمجاَهدات وطرق الورِاد والذكر ‪ ,‬التي نقلناَهاَ‬
‫آنفاَ من المتصوفة الكباَرِ وأقَطاَب هذهُ الطاَئفة وأعلمهاَ ‪.‬‬

‫وأماَ قَضية وحدة الوجود والحلول والتحاَد ‪ ,‬المقاَئد التي ناَدى بهاَ الحلج‬
‫وابن عربي وجلل الدين الرومي وغيرهم ممن سلك مسلكهم ‪ ,‬ونهج‬
‫منهجهم ‪ .‬فلم يشك أحد في كونهاَ مأَخوذة مقتبسة بتماَمهاَ من ) فيدانتاَ (‬
‫الهندية ‪.‬‬

‫ومن قَرأ آرِاء شري شنكر أجاَرِياَ في فلسفة ) فدانتاَ ( عرف جيدا أنهاَ عين‬
‫ماَ قَاَلهُ الحلوليون والتحاَديون وأصاحاَب وحدة الوجود ‪ ,‬وأن ماَ بّينهُ شنكر ‪,‬‬
‫صل القول فيهُ في شرح فلسفة وحدة الوجود أو فيدنتاَ هي التي توجد‬ ‫وف ّ‬
‫في كتبِ الوجوديون بكلياَتهاَ وجزئياَتهاَ ‪.‬‬

‫وأكثر من ذلك تعرض تعاَليم شنكر أجاَرِياَ وتقرأ مكتوباَتهُ على من قَرأ كتبِ‬
‫ابن عربي ‪ ,‬وشاَرِحهُ ابن الفاَرِض ‪ ,‬ومفسرهُ في العجم جلل الدين الرومي‬
‫‪ ,‬لم يستطع التفريق في مقولتهم ومكتوباَتهم ‪ ,‬وحتى السلوب والمنهج‬
‫والتعبير وبياَن الطرق الموصالة إلى حصول المعرفة والدرِاك ‪.‬‬

‫وبذلك اعترف صاوفي كبير من شبهُ القاَرِة الهندية الباَكستاَنية ‪ ,‬وكاَتبِ‬


‫شهير في تعاَليم التصوف وتاَرِيخهُ أن مسلك وحدة الوجود بمعنى أنهُ ل‬
‫ي مثل الشعلة التي‬ ‫موجود في الحقيقة إل اللهُ ‪ ,‬وأن وجود الممكناَت وهم ّ‬
‫تظهر بتحريكهاَ سريعة دائرة وهمية ‪ ,‬يظنهاَ الناَظر دائرة حيث ل يكون لهاَ‬
‫وجود حقيقة ‪ ,‬بل حركة الشعلة بسرعة هي التي أوهمت الناَظر بوجودهاَ ‪,‬‬
‫فكذلك الكون والممكناَت ‪ .‬فهذا مسلك شري شنكر أجاَرِياَ ‪ ,‬الذي أسسهُ‬
‫وأوضحهُ في شروحهُ لوينشد ‪ ,‬وأخذ منهُ هذهُ الفلسفة من المسلمين‬
‫) حضرة القَداس إماَم العرفاَء محي الدين ابن عربي ‪ ,‬والمعروف باَلشيخ‬
‫الكبر ( ‪.‬‬

‫كماَ أنهُ تأَثر بفلسفة حكماَء المغرب مثل اسنبوزا ‪ ,‬لئبنز ‪ ,‬فختهُ ‪ ,‬هيجل ‪,‬‬
‫شوين هاَورِ ‪ ,‬باَذنكويت ‪ ,‬وبردليهُ ‪ ,‬كماَ أن الشهوديين من المسلمين أخذوا‬
‫فلسفة وحدة الشهود أيضاَ من العرفاَء الهندوكيين ‪ .‬وهذا المسلك مأَخوذ‬
‫من رِام نوج أجاَرِياَ أحد شراح اوبنشاَد الرِبعة المعروفين ‪. 2‬‬

‫فاَلدياَناَت الهندية هي المصدرِ الخر للتصوف الذي رِاح بين المسلمين ‪,‬‬
‫وأختاَرِهُ طاَئفة من الناَس الذين أرِادوا أن يكونوا عرفاَء من بين‬

‫‪ 1‬انظر فلسفة اليوجا تأليف يوجي راما شاركه ص ‪ 198‬نقل عن أديان الهند الكبرى للدكتور أحمد الشلبي ص ‪ 171‬ط ‪1964‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪ 2‬انظر تاريخ تصوف ليوسف سليم جشتي ص ‪ 30‬وما بعد ط مجمع العلماء أوقاف لهور ‪ 1976‬م ‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫المسلمين ‪ ,‬واختاَرِوا نفس المناَهج التي وضعهاَ أصاحاَب الدياَناَت الهندية‬
‫لحصول ) نروان ( أي المعرفة ‪ ,‬وجعلوا غورِديسياَ ) أي تعذيبِ النفس (‬
‫وجبِ وكياَن دهياَن ) أي الصمت والتفكير والذكر ( وسيلة للوصاول إليهاَ ‪,‬‬
‫د اضطر المراعون للتصوف ‪,‬‬ ‫وكاَن هذا ظاَهرا جلياَ واضحاَ إلى ح ّ‬
‫والمداهنون للصوفية ‪ ,‬والمدافعون عنهم أن يقّروا بهُ على مل من الناَس ‪:‬‬
‫) فاَلتصوف السلمي الحقيقي مبناَهُ على الكتاَب والسنة وعلى أحوال‬
‫الرسول النبي العربي صالى اللهُ عليهُ وسلم وإن تعرجت مؤخرا تعاَليم‬
‫التصوف وتلونت بعض فروعهُ ألواناَ عدة واتجهت تلك الفروع اتجاَهاَت‬
‫مختلفة بسببِ المذاهبِ المورِوثة للداخلين المحدثين في السلم من هنود‬
‫وفرس وإسرائليين ومسحيين ول سيماَ في عصر الترجمة الذي شجع عليهُ‬
‫المأَمون ومن بعدهُ من الخلفاَء العباَسيين فترجم المسلمون كتباَ ً كثيرة من‬
‫التصوف الهندي واليوناَني والفاَرِسي وطمعت بعض فروع التصوف‬
‫السلمي الخاَلص بماَ دخل عليهاَ من النزعاَت الفلطونية الحديثة أو‬
‫القديمة وبعض المذاهبِ الهندية والفاَرِسية في التصوف كنظرية الحلول‬
‫والتحاَد والتقمص والتناَسخ وماَ إلى ذلك ) ولكل دين تصوفهُ وطبعاَ ( ‪.‬‬

‫ومع ذلك ظل التصوف السلمي الصميم والذي مصدرِة الكتاَب والسنة‬


‫قَاَئماَ على حاَلهُ في صادورِ رِجاَلهُ وفي الكتبِ السلمية كتواليف الحسن‬
‫البصري والقشيري وأبي طاَلبِ المكي والسراج والغزالي ( ‪. 1‬‬

‫) وشذ عن ذلك أمثاَل الحلج الذي قَاَل باَلحلول والقاَئل ) أناَ الحق وماَ في‬
‫الجبة سوى اللهُ ( ومحي الدين القاَئل ) خضناَ بحرا ً وقَف النبياَء بساَلحلهُ (‬
‫وبرأهُ من فكرهُ الحلول قَولهُ باَلسكر وغلبة الحاَل ‪ .‬وأكثر الصوفية العاَجم‬
‫خلطوا بين الفلسفة الفاَرِسية القديمة أو الهندية وماَ قَبسوهُ عن اليوناَنية‬
‫والفلطونية الحديثة وبين تصوفهم الخاَص ( ‪.‬‬

‫وقَد تأَثر أمثاَل ببراهمة الهند والغرس في أزياَئهم وطقوسهم ‪ ,‬واعتنقوا‬


‫من أفكاَرِهم ( ‪. 2‬‬

‫ويقول صاوفي متقدم لساَن الدين بن الخطيبِ ‪:‬‬


‫) ومن الهنود الذي وضع لهم الحكمة المصلحية ‪ ,‬الشلم ‪ ,‬والمهندم ‪,‬‬
‫والبرهماَن ‪ ,‬والصولية ‪ ,‬والبردة ‪ ,‬والزهاَد ‪ ,‬والعباَد ‪ ,‬ورِجاَل الرماَد ‪,‬‬
‫وأصاحاَب الفطرة ‪ ,‬وهم يهجرون اللذات الطبيعية جملة ‪ ,‬ويكثرون الجوع‬
‫والرياَضة ‪ ,‬عشاَق فيماَ وّلوا وجوههم شطرهُ ( ‪. 3‬‬

‫وقَاَل الخر ماَ خلصاتهُ ‪:‬‬


‫) وشك أن ابن عربي في مدرِسة وحدة الوجود وسوابق بذورِهاَ في مدرِسة‬
‫الحلج ولواحقهاَ حتى عبد الكريم الجيلي وماَ بعدهُ قَد تأَثر باَلمصدرِ الهندي‬

‫‪ 1‬والباحث والقارئ يلحظ هذه المعالجة كثير اما تمسك بها الصوفية ومن دافع عنهم ‪ ,‬ولجل ذلك لم نورد النصوص‬
‫والعبارات في هذا المبحث كله ‪ ,‬ولم نبن الحكم على ما كتبه هؤلء ومن تبعهم في موقفهم ومسلكهم ومشربهم ‪ ,‬ولم‬
‫نتعرض إلى أقوال الوجوديين والحلوليين والتحاديين مع تمسك القوم بكتبهم ومقولتهم والمباهاة بعرفانهم وكرامتهم‬
‫والمبالغة في تمجيدهم والثناء عليهم ‪.‬‬
‫‪ 2‬جمهرة الولياء لمحمود أبي الفيض المنوفي الحسيني ج ‪ 1‬ص ‪. 267 , 266‬‬
‫‪ 3‬روضة التعرف بالحب الشريف للسان الدين بن الخطيب ص ‪ 543‬بتحقيق عبد القادر أحمد عطا ط دار الفكر العربي ‪.‬‬
‫‪88‬‬
‫الذي أنطق مذهبِ النبثاَق الرواقَي والفيوضاَت والصدورِ عند‬
‫الفلطونية ( ‪. 1‬‬

‫وقَاَل ماَسينيون ‪:‬‬


‫دت إلى إدخاَل الذكر في‬
‫) ونجد من ناَحية أخرى أن بحث المراحل التي أ ّ‬
‫طرق الصوفية المحدثين تدلناَ على تسرب بعض طرائف الهنود إلى‬
‫التصوف السلمي ( ‪. 2‬‬

‫زبمثل ذلك قَاَل أوليري المستشرق الخر ‪:‬‬


‫) وثمة شبيهُ هندي للفناَء ‪ ,‬ولكن ليس في البوذية ‪ ,‬وإنماَ فيماَ تقول بهُ‬
‫الفيدانتاَ من وحدة الوجود ( ‪. 3‬‬

‫ونيلكسون كذلك ‪ ,‬فيقول في إحدى مقاَلتهُ وهو يتكلم في الفناَء الصوفي‬


‫‪:‬‬
‫) أماَ في شرق فاَرِس حيث ظهرت فكرة الفناَء لول مرة ظهورِا واضحاَ ‪,‬‬
‫د أنهاَ كاَنت متأَثرة إلى حد كبير بأَفكاَرِ هندية وفاَرِسية ‪.‬‬
‫فل ب ّ‬

‫ويدل تعريف الصوفية للفناَء من الناَحية الخلقية بأَنهُ محو الصفاَت الذميمة‬
‫‪ ,‬والتخلق بكل خلق حميد ‪ ,‬ووصافهم لوساَئل قَمع الهوى والشهوات ‪ ,‬على‬
‫وجود أثر للفلسفة البوذية فيهم مماَ ل يدع مجاَل للشك ‪ ,‬لن تعريفهم هذا‬
‫تماَم التفاَق مع تعريف النرفاَناَ ‪.‬‬

‫أماَ الفناَء في عرف أصاحاَب وحدة الوجود فربماَ كاَن أشد اتصاَل بفكرة‬
‫الفيدانتاَ وماَ يماَثلهاَ من الفكاَرِ الهندية ‪ ...‬مثاَل ذلك أن أباَ يزيد البسطاَمي‬
‫كاَن من أهل خراساَن ‪ ,‬وكاَن جدهُ زرِادشتياَ وشيخهُ في التصوف كردياَ ‪.‬‬
‫ويقاَل ‪ :‬أنهُ أخذ عقيدة الفناَء الصوفي عن أبي علي السندي الذي عّلمهُ‬
‫الطريقة الهندية التي يسمونهاَ مراقَبة النفاَس ‪ ,‬والتي وصافهاَ هو بأَنهاَ‬
‫عباَدة العاَرِف باَللهُ ‪.‬‬

‫وإنك لتلمح نزعة أبي يزيد إلى وحدة الوجود ماَئلة في القَوال المعزوة‬
‫إليهُ ‪.‬‬
‫مثاَل ذلك ك‬
‫ي ) ياَ من أناَ أنت ( ‪.‬‬
‫خرجت من الحق إلى الحق حتى صااَحوا مني ف ّ‬
‫إني أناَ اللهُ ل إلهُ إل أناَ فاَعبدني ‪ :‬سبحاَني ماَ أعظم شأَني ‪.‬‬

‫للخلق أحوال ‪ ,‬ول حاَل للعاَرِف ‪ ,‬لنهُ محيت رِسومهُ ‪ ,‬وفنيت هويتهُ بهوية‬
‫غيرهُ ‪ ,‬وغيبت آثاَرِهُ بآثاَرِ غيرهُ ( ‪. 4‬‬

‫وقَد كررِ هذا القول في مواضع كثيرة مختلفة في مقاَلتهُ من التصوف‬


‫والصوفية ‪.‬‬

‫أضواء على التصوف للدكتور طلعت غنام ص ‪. 113‬‬ ‫‪1‬‬

‫مقال ماسينيون عن التصوف ص ‪ 49‬ط دار الكتاب اللبناني بيروت ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫الفكر العربي ومكانته في طريق ترجمة عربية ص ‪ 200‬ط ‪ 1961‬م ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫في التصوف السلمي وتاريخه ترجمة الدكتور أبي العلء عفيفي ص ‪. 75‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪89‬‬
‫وكتبِ الدكتورِ أبو العلء عفيفي البحاَثة المصري الكبير معلقاَ على إحدى‬
‫عباَرِاتهُ ‪ ,‬ومصدقَاَ كلمهُ ‪ ,‬ماَ نصهُ ‪:‬‬

‫)ل شك أن التصوف السلمي في ناَحيتهُ العلمية كاَن إلى حد ماَ على‬


‫التصوف البوذي ‪ .‬يدل على ذلك ماَ ذكر الجاَحظ في كتاَب الحيوان عن‬
‫رِهباَن الزناَدقَة الذين كاَنوا يخرجون للسياَحة أزواجاَ ‪ ,‬ول يقيمون في‬
‫مكاَن واحد أكثر من ليلتين ‪ .‬وكاَنوا يأَخذون أنفسهم بتطهير القلبِ والعفة‬
‫والصدق والفقر ‪ .‬ويذكر الجاَحظ قَصة رِجلين منهم دخل مدينة الهواز ( ‪. 1‬‬

‫ويقول جولد زيهر ‪:‬‬

‫) إن نظرية الصوفيين في فناَء الشخصية هي التي تقرب وحدهاَ من فكرة‬


‫الجوهر الذاتي ) اتماَن ( ‪ ,‬إذا لم تكن تتفق معهاَ تماَماَ ‪ ,‬ويطلق الصوفيين‬
‫على هذهُ الحاَلة لفظ الفناَء أو المحورِ و الستهلك (‪. 2‬‬

‫وقَاَل أحد الكّتاَب ‪:‬‬


‫) أماَ زيهر فقد ذهبِ إلى أن الربط بين الفناَء والنرفاَناَ دعوى ل تحتاَج إلى‬
‫برهاَن ‪ ,‬معتمدا في ذلك على قَول لبي يزيد جاَء فيهُ ‪:‬‬
‫صاحبت أباَ علي السندي فكنت أل ّ‬
‫قنهُ ماَ يقيم بهُ فرضاَ ‪ ,‬وكاَن يعلمني‬
‫التوحيد والحقاَئق صارفاَ ‪.‬‬

‫فاَلنص – في نظرهُ – ل يفهم منهُ سوى أن أباَ يزيد كاَن يعّلم السندي‬
‫الفروض الدينية ‪ ,‬باَعتباَرِهُ حديث عهد باَلسلم ‪ ,‬مقاَبل تلقيهُ عنهُ علم‬
‫الحقيقة والفناَء ‪ ,‬الذي لم يكن على علم بهُ ( ‪. 3‬‬

‫ونريد أن نثبت ههناَ أيضاَ نص ماَ ذكرهُ الباَحث اليراني المشهورِ الدكتورِ‬
‫قَاَسم غني ‪ ,‬فيقول ‪:‬‬
‫) إذا كاَن رِأي أولئك الذين يعتقدون أن التصوف وليد المعتقدات البوذية‬
‫والهندية مباَلغاَ فيهُ ‪ ,‬فينبغي أن يقاَل في القَل أن من جملة ماَ كاَن لهُ‬
‫تأَثير في التصوف السلمي أفكاَرِ البوذية والهندية ونزعاَتهماَ وعاَداتهماَ ‪.‬‬

‫والسلم الذي خرج من حدود الجزيرة العربية بسرعة البرق بعد ظهورِهُ‬
‫بفترة قَصيرة سرعاَن ماَ أخذ يتقدم في كل ناَحية ‪ ,‬ولم تطل المدة حتى‬
‫بلغ تخوم الصين وفتحت بلد السند في عهد بني أمية ‪ ,‬وتوثقت علقَاَت‬
‫تجاَرِية واقَتصاَدية بين المسلمين والشعوب والقباَئل التي كاَنت تختلف من‬
‫ناَحية الفكر والحضاَرِة والخلق عن أقَوام البلد الخرى ‪.‬‬

‫ومنذ القرن الثاَني وماَ بعدهُ وحين بدأ المسلمون بنقل كتبِ الشعوب‬
‫الخرى واتسعت دائرة العلوم ‪ ,‬ترجم مقدارِ من آثاَرِ البوذية والهندية مماَ‬
‫يدخل في باَب التصوف العملي أي الزهد وترك الدنياَ ووصاف العباَدات‬
‫والتقاَليد الهندية والبوذية في هذا الباَب ‪ ,‬ناَهيك بنقل كتبِ هندية وبوذية‬

‫أيضا تعليقه رقم ‪ 2‬ص ‪. 24‬‬ ‫‪1‬‬

‫العقيدة والشريعة في السلم لجولدزيهر ترجمة عربية ص ‪. 162‬‬ ‫‪2‬‬

‫المعراج في الكتابات الصوفية للدكتور قاسم السامرائي ص ‪. 216‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪90‬‬
‫في القرن الثاَني للهجرة والصلت التجاَرِية والقَتصاَدية القاَئمة بين‬
‫المسلمين والهنود في أوائل الخلفة العباَسية وقَد انتشرت طاَئفة من‬
‫تاَرِكي الدنياَ والساَئحين من الهنود والماَنويين في العراق وساَئر البلد‬
‫السلمية الخرى وكماَ كاَنوا يتحدثون في القرن الول عن الرهباَن‬
‫والساَئحين مع المسيحيين كذلك أخذوا يتحدثون في القرن الثاَني عن‬
‫رِهباَن وسياَح ممن لم يكونوا مسلمين ول نصاَرِى وهم الذين سماَهم‬
‫الجاَحظ ) رِهباَن الزناَدقَة ( واعتبرهم من زهاَد الماَنوية ‪.‬‬

‫قَاَل الجاَحظ ‪ ) :‬إن هؤلء سياَح والسياَحة باَلنسبة لهم في حكم التوقَف‬
‫واعتزال الساَطرة في الصوامع والديرة ‪ ,‬وتلك الجماَعة يساَفرون دائماَ‬
‫اثنين اثنين ويسيحون بحيث إذا رِأى النساَن واحدا منهم يتيقن أن الثاَني‬
‫ليس ببعيد عنهُ إلى حد ماَ ‪ ,‬وسيظهر قَريباَ ‪ .‬ومن عاَداتهم أنهم ل يناَمون‬
‫ليلتين في مكاَن واحد ‪ ,‬ولهؤلء السياَح خصاَل أرِبع ‪ :‬القدس والطهر‬
‫والصدق والمسكنة ( ‪.‬‬

‫وهؤلء السياَح تركوا بدورِهم أثرا في صاوفية المسلمين كماَ أثر فيهم أيضاَ‬
‫السياَح والمتجولون والمرتاَضون من البوذيين الذين أذاعوا قَصة بوذا‬
‫وقَدموهُ مثاَل للزهد والعراض عن الدنياَ ‪ ,‬بحيث أن المرتاَضين كاَنوا‬
‫يعرفونهُ في كتاَباَتهم باَلمثاَل الكاَمل للزهد ‪ .‬وهو المير القوي الشكيمة‬
‫الذي رِمى الدنياَ ظهرياَ وحررِ نفسهُ ‪ .‬أو يقولون أنهُ أسير جدير باَلثناَء‬
‫خليق باَلحترام متزيياَ بزي الفقراء ‪ .‬وهذا الموضوع أوجد قَصصاَ ذات صاورِ‬
‫مختلفة والنقطة الهاَمة التي يجبِ أل تنسى هي أن الدياَنة البوذية كاَنت‬
‫قَد انتشرت في شرق إيران أي بلخ وبخاَرِى وفي ماَ ورِاء النهر كذلك قَبل‬
‫السلم بأَكثر من ألف سنة ‪ ,‬وكاَنت لهاَ صاوامع ومعاَبد مشهورِة وكاَنت‬
‫معاَبد بلخ البوذية أكثر شهرة بنوع خاَص ‪ ,‬وصااَرِت بلخ ونواحيهاَ من أهم‬
‫المراكز الصوفية في القرون السلمية الولى ‪ ,‬وكاَن صاوفيو خراساَن‬
‫يعدون في الرعيل الول من الصوفية في الشجاَعة الفكرية والحرية‬
‫الشخصية ‪ ,‬والعقيدة المعروفة ) باَلفناَء في اللهُ ( المقتبسة من الفكاَرِ‬
‫الهندية إلى حد ماَ والتي انتشرت على الكثر بواسطة صاوفية خراساَن ‪.‬‬
‫مثل أبي يزيد البسطاَمي وأبي سعيد الخير ( ‪. 1‬‬

‫وقَبل أن ننتقل إلى فكرة أخرى نريد أن نلفت النظاَرِ إلى أن معتنقي‬
‫البوذية والجينية والدياَناَت الهندية الخرى كاَن لهم أن يترهبوا ‪ ,‬ويتجردوا‬
‫عن الدنياَ وماَ فيهاَ ‪ ,‬ويختاَرِوا العزلة والخلوة ‪ ,‬ويتيهوا في المفاَوز‬
‫والخلوات ‪ ,‬ويعيشوا في المغاَرِات والخاَنقاَوات ‪ ,‬ويعذبوا أنفسهم ‪ ,‬ويأَتوا‬
‫باَلمجاَهدات والرياَضاَت ‪ ,‬ويتحملوا المشاَق ‪ ,‬ويتعمقوا في المراقَباَت‬
‫والمكاَشفاَت وغير ذلك من المورِ ‪ ,‬لن قَاَدتهم وزعماَءهم ‪ ,‬هداتهم‬
‫ومرشديهم فعلوا مثل ذلك لحصول المعرفة ‪ ,‬واكتشاَف الحق ‪ ,‬والوصاول‬
‫إلى طمأَنينة الروح والقلبِ ‪ ,‬والتصاَل باَلخاَلق والتحاَد بهُ – حسبِ زعمهم‬
‫– تشبهاَ لهم واقَتداء بهم ‪ ,‬وتمسكاَ بأَسوتهم ‪ ,‬واقَتفاَء آثاَرِهم ومناَهجهم ‪.‬‬

‫فعلى المتبعين أن يسلكوا جميع تلك المراحل التي سلكهاَ ساَدتهم‬


‫وكبراؤهم ‪ ,‬وأن يكاَبدوا في هذا السبيل تلك اللم التي تكبدهاَ أولئك ‪.‬‬
‫تاريخ التصوف في السلم ترجمة عربية لصادق نشأت ص ‪. 222 , 221‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪91‬‬

‫وكذلك النصاَرِى ‪.‬‬

‫أول ‪ :‬لنهُ نقل عن مسيحهم ماَ يشجعهم على التبتل والعزلة ‪.‬‬

‫ديسي المسيحية الوائل تحملوا أنواعاَ من‬ ‫ثاَنياَ ‪ :‬أن حوارِيي المسيح ‪ ,‬وقَ ّ‬
‫العذاب في سبيل التمسك بمذهبهم ‪ ,‬فأَوذوا وأجبروا على ترك المساَكن‬
‫والمواطن وعاَشوا في الصحاَرِى والمغاَرِات فرارِا بدينهم ‪ ,‬وحفاَظاَ على‬
‫ذب الخرون ‪.‬‬ ‫إيماَنهم ‪ ,‬فحبس منهم وقَّتل منهم كثيرون ‪ ,‬وع ّ‬

‫فتأَسياَ بهم وتقديرا لهم حرموا أنفسهم من ملذات الدنياَ ونعيمهاَ ‪,‬‬
‫وألزموا عليهم العزبة والجوع والمشاَق ‪ ,‬وهجروا العيش بين الهل‬
‫والولد ‪.‬‬

‫وأماَ المسلمون فل نبّيهم أمرهم بذلك ‪ ,‬ول أصاحاَبهُ ورِفاَقَهُ البرارِ خيرة‬
‫خلق اللهُ ‪ ,‬وأبرارِ هذهُ المة عملوا بهُ ‪ ,‬ودينهم دين العتدال والدين‬
‫الوسط ‪ ,‬الناَسخ لجميع الشرائع السماَوية منهاَ والرِضية ‪ ,‬اللهاَمية وغير‬
‫اللهاَمية ‪.‬‬

‫ن{‬
‫ري َ‬
‫س ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫خاَ ِ‬ ‫م َ‬
‫ة ِ‬
‫خَر ِ‬
‫في ال ِ‬
‫و ِ‬
‫ه َ‬
‫و ُ‬
‫هُ َ‬
‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫فَلن ي ُ ْ‬
‫قب َ َ‬ ‫سلَم ِ ِديًناَ َ‬ ‫غ َ‬
‫غي َْر ال ِ ْ‬ ‫من ي َب ْت َ ِ‬
‫و َ‬
‫} َ‬
‫‪.1‬‬

‫والذي كمل قَبل انتقاَل محمد صالى اللهُ عليهُ وسلم إلى المل العلى ‪.‬‬
‫} ال ْيوم أ َك ْمل ْت ل َك ُم دين َك ُم َ‬
‫سلَ َ‬
‫م ِديًناَ {‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬
‫م ال ِ ْ‬ ‫ضي ُ‬
‫وَرِ ِ‬
‫مِتي َ‬
‫ع َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫م نِ ْ‬ ‫ت َ‬
‫م ُ‬
‫م ْ‬
‫وأ ت ْ َ‬
‫‪2‬‬
‫ْ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ َ‬

‫وماَ لم يكن فيهماَ فهو ابتداع وإحداث فيهُ ‪ ,‬وليس منهُ ‪ ,‬ول لهُ علقَة بهُ ‪.‬‬

‫ول ندرِي ممن أخذ متصوفة المسلمين ونساَكهم من المسلمين هذا المنهج‬
‫والمسلك الذي بنوا عليهُ تصوفهم وزهدهم ‪ .‬اللهم إل ممن ذكرناَهم من‬
‫المسيحية ‪ ,‬وأصاحاَب الدياَناَت الهندية ‪ ,‬وهذهُ أحوال معتدلي الصوفية‬
‫ومتقدميهم ‪.‬‬

‫وأماَ المتطرفون والمتأَخرون فقد زادوا على هذين المصدرِين مصدرِا آخر‬
‫استقوا منهُ فلسفتهم ومشربهم ‪ ,‬وتشبثوا بآرِائهُ ومقولتهُ ‪ .‬وهو‬
‫الفلطونية الحديثة ‪.‬‬

‫آل عمران الية ‪. 85‬‬ ‫‪1‬‬

‫المائدة الية ‪. 3‬‬ ‫‪2‬‬


92
‫‪93‬‬

‫الفــلَطـونّية الحــ ِ‬
‫ديثـة‬
‫ولقد ذكر جمع من الكّتاَب والباَحثين في التصوف ممن اشتغلوا باَلتصوف‬
‫من المسلمين وغير المسلمين ‪ .‬وقَل من شذ عنهم أن الفلطونية الحديثة‬
‫هي أحد المصاَدرِ الساَسية للتصوف ‪ ,‬بل إنهاَ هي المصدرِ الول باَلنسبة‬
‫للقاَئلين بوحدة الوجود والحلول بدءا ً من أبي اليزيد البسطاَمي ‪ ,‬وسهل‬
‫التستري ‪ ,‬والترمذي الملقبِ باَلحكيم ‪ ,‬ابن عطاَء اللهُ السكندرِي ‪ ,‬وابن‬
‫سبعين ‪ ,‬وابن الفاَرِض ‪ ,‬والحلج ‪ ,‬ولساَن الدين بن الخطيبِ ‪ ,‬وابن عربي ‪,‬‬
‫والرومي ‪ ,‬والجيلي ‪ ,‬والعراقَي ‪ ,‬والجاَمي ‪ ,‬والسهرورِدي المقتول ‪,‬‬
‫وباَيزيد النصاَرِي وغيرهم ‪.‬‬

‫وأن هؤلء أخذوا نظرية الفيض والمحبة والمعرفة والشراق مع الرِاء‬


‫الخرى التي تمسكوا بهاَ عن الفلطونية المحدثة ‪.‬‬

‫وعباَرِات الصوفية أنفسهم ناَطقة بهاَ وشاَهدة عليهاَ ولو أنهم اختلطت‬
‫عليهم آرِاء الفلطونية الحديثة وآرِاء أفلطون وأرِسطو وغيرهم من‬
‫حكماَء اليوناَن الخرين ‪ ,‬حيث نسبوا ذلك إلى هذا ‪ ,‬وهذا إلى تلك ‪.‬‬

‫فيقول صاوفي معاَصار ‪:‬‬


‫وأماَ وحدة الوجود الحلولية التي تجعل من اللهُ كاَئناَ يحل في مخلوقَاَتهُ أو‬
‫التحاَدية باَلمعنى المفهوم خطاَ تلك التي تجعل من الكاَئن الفاَني شخصية‬
‫تتحد باَلموجود الدائم الباَقَي المنزهُ عن ساَئر النسبِ والضاَفاَت والحياَز‬
‫الزماَنية والمكاَنية المحدثة أو يتحد بهُ شيء منهاَ فإنهاَ مذهبِ هندي أو‬
‫مسيحي وليس بإسلمي ول يعرفهُ السلم ‪ ,‬استمدهُ أهل الشذوذ في‬
‫التصوف السلمي من الفلسفة الباَئدة ‪ ,‬وغذوا بهُ مذهبهم الشاَذ بفكر‬
‫أفلطونية وآرِاء بوذية وفاَرِسية عن طريق الفاَرِابي وابن سيناَ ‪ ,‬حاَلهُ أن‬
‫المتتبع لحياَة الحلج ومؤلفاَت السهرورِدي وابن عربي يرى أنهم تأَثروا‬
‫باَلمتفلسفة المسلمين الذين أخذوا عن الفلسفة الفلطونية الحديثة‬
‫والرِسطو طاَليسية ‪. 1‬‬

‫وكتبِ قَبلهُ بقليل ‪:‬‬


‫) فكاَن يعلن بعضهم أنهُ اطلع على الغيبِ وأن في مقدورِهُ التياَن بخوارِق‬
‫العاَدات ثم يذهبِ إلى ماَ هو أبعد من هذا مثل قَولة الحلج المشهورِة ‪ :‬ماَ‬
‫في الجبة غير اللهُ – وغيرهُ ‪ :‬أناَ الحق وبمثل هذا وذاك ثاَرِ على الحلج‬
‫معاَصاروهُ ورِموهُ باَلسحر تاَرِة والجنون أخرى وعذب عذاباَ أليماَ إلى أن‬
‫ماَت في أوائل القرن الرابع ‪ ,‬واللهُ أعلم بحاَلهُ وكاَن من أمثاَل الحلج من‬
‫باَلغوا مباَلغة قَلت أم كثرت كشهاَب الدين عمر السهرورِدي المقتول‬
‫رِئيس جماَعة الشراقَيين ومحيي الدين بن عربي الندلسي ‪ .‬وابن سبعين‬
‫الصقلي ‪ ,‬وهم من رِجاَل القرنين الساَدس والساَبع وتاَبعهم جماَعة من‬
‫شعراء الفرس أمثاَل جلل الدين الرومي وفريد الدين العطاَرِ وكلهم يرمي‬

‫جمهرة الولياء وأعلم أهل التصوف للمنوفي الحسيني ج ‪ 1‬ص ‪ 292‬ط القاهرة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪94‬‬
‫إلى أن يقيم التصوف السلمي على دعاَئم فلسفية أو فاَرِسية وهندية أو‬
‫يوناَنية ( ‪. 2‬‬

‫ويقول الدكتورِ عبد القاَدرِ محمود ‪:‬‬


‫) فإذا عدناَ إلى تاَرِيخ التصاَلت الولى نجد أن الثقاَفة اليوناَنية كاَنت هي‬
‫الثقاَفة المسيطرة على العقول في الشرق منذ عهد السكندرِ باَلضاَفة‬
‫إلى ثقاَفاَت الشرق نفسهُ ‪ ,‬حتى إذا أقَبل المسلمون على حضاَرِات غيرهم‬
‫من المم القديمة كاَن إقَباَلهم على الثقاَفة الهللينية بمعونة نساَطرة‬
‫ساَن ‪ ,‬والسرياَن في الشاَم وغيرهاَ ‪ ,‬والصاَبئة من أتباَع‬ ‫الحيرة وبمعاَقَبة غ ّ‬
‫زرِادشت ‪ ,‬واليهود والنصاَرِى ‪ .‬لكن الذي نؤكدهُ أن باَب التصاَل المباَشر‬
‫كاَن الفلوطينية المحدثة ولو أن المسلمين حسبوهاَ لرِسطو حين اعتقدوا‬
‫خطأَ أن كتاَب الربوبية لهُ ‪ ,‬وهو في الواقَع لفلوطين الذي عرفوا من‬
‫ورِائهُ أفلطون والثقاَفة اليوناَنية القديمة ‪.‬‬

‫إنناَ نلحظ أن الستاَذ نسلكسون يرى أن الثر كاَن في القرن الساَدس‬


‫الهجري ‪ ,‬ويختلف معهُ ماَسينيون ‪ ,‬فيرى على وجهُ أصاح أنهُ كاَن في القرن‬
‫الرابع ‪ ,‬والواقَع أنهُ في القرن الثاَلث ‪ ,‬بدليل أن الربوبية ظهرت عربية في‬
‫الوسط السلمي في القرن الثاَلث الهجري وكاَن لهاَ أثرهاَ المباَشر في‬
‫نظرياَت التصاَل الفاَرِابية ‪ ,‬ونظرياَت البسطاَمي والحلج ‪ .‬فإذا اعتمدناَ‬
‫ديللي الغنوصاي السرياَني الذي كاَن أستاَذا ً في‬ ‫صا ّ‬
‫على جهد اصاطفاَن بن ُ‬
‫مجمع ) أرِيو باَجوس ( الذي تخرج منهُ ديونيسيوس ‪ Dionysius‬الرِيوباَجي ‪,‬‬
‫والذي كاَن معاَصارا ليعقوب السروجي الديبِ السرياَني المشهورِ ) ت ‪521‬‬
‫ديللي ‪ ,‬وجهودهُ في النصف الثاَني‬ ‫صا ّ‬
‫م ( أقَول – إذا عدناَ إلى اصاطفاَن بن ُ‬
‫من القرن الخاَمس الميلدي وفي ) الّرهاَ ( باَلذات فإنناَ نجد من جهودهُ‬
‫الخطيرة أنهُ نقل بعد رِحلتهُ في مصر وغيرهاَ مذاهبِ وحدة الوجود وعاَد‬
‫ونشرهاَ في ) الّرهاَ ( و كماَ اشتغل بشرح النجيل ‪ ,‬وأنكر أبدية عذاب‬
‫جهنم ‪ ,‬وأكد أن المذنبين سيعودون إلى الجنة بعد تطهير ‪ .‬وكاَن لهذا أثرهُ‬
‫في سخط أهل الّرهاَ فطردوهُ ورِموهُ باَللحاَد ‪ ,‬فرحل إلى دير في بيت‬
‫المقدس ‪ ,‬ووجد لرِائهُ هناَك أرِضاَ خصبة ‪ ,‬وجمع آرِاءهُ ‪ ,‬ونسبهاَ إلى‬
‫ديونيسيوس لشهرتهُ ‪ .‬من هناَ ل نجد غرابة مطلقاَ ً في الدوائر الصوفية‬
‫في السلم انتشاَرِ مثل هذهُ القَوال التي شاَعت مع جهم بن صافوان ‪ ,‬ثن‬
‫اندفعت في أفق الفكر السلمي ‪ ,‬حيث شكلت مذاهبِ الفيض والشراق‬
‫والمعرفة والجذب والحلول والتحاَد ووحدة الشهود ووحدة الوجود ‪ ,‬وكل‬
‫مركباَت ) الثيوصاوفية ( بتأَثير المشاَج المختلطة مع الغنوص الشرقَي‬
‫القديم ‪ .‬فإذا نظرناَ في مذاهبِ الفيض الفلوطيني ‪ -‬نجد أن اللهُ والعقل‬
‫الول والنفس الكلية والماَدة غير المصورِة والنفوس الجزئية – كل أولئك‬
‫عباَرِة عن مراتبِ الوجود الفلوطينية ‪ ,‬وهذا ماَ نجدهُ في مدرِسة ابن‬
‫عربي في الحقيقة المحمدية أول فيض من الذات اللهية ‪ ,‬ثم بقية‬
‫الفيوضاَت في جميع الموجودات ‪ ,‬وعند ابن الفاَرِض في وحدة الشهودية‬
‫وفي مذهبهُ القطبية والحقيقة المحمدية ‪ ,‬وعند الشراقَية السهرورِدية‬
‫والشيرازية التي تجعل اللهُ نورِ النوارِ فياَضاَ ً باَلنوارِ القاَهرة وهي‬
‫النفوس والعقول ‪ ,‬وباَلجواهر الغاَسقة الناَشئة عن النوارِ ‪ ,‬وهي‬
‫الجساَم ‪ ,‬حتى المصطلحاَت في المثل أو المعاَني الزلية ‪ ,‬والحقيقة ‪,‬‬
‫أيضا ص ‪. 276‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪95‬‬
‫وحقيقة الحقاَئق ‪ ,‬والعلة والمعلول ‪ ,‬والوحدة والكثرة ‪ ,‬وتحقق الذات في‬
‫الموضوع وشيوع الموضوع في الذات ‪.‬‬

‫كل هذا يعود إلى أصاولهُ الفلوطينية التي تعود هي الخرى إلى الغنوص‬
‫الشرقَي والغربي المؤول في الفلسفاَت اليهودية والمسيحية اللهوتية ‪.‬‬
‫لقد أخذت النظرياَت الصوفية لدى الصوفية الفلسفة أو الفلسفة الخلص‬
‫لدى المشاَئية السلمية وجوهرهاَ من الفلوطينية ‪ ,‬وخاَصاة في المعرفة‬
‫هرهاَ وتحررِهاَ ‪ ,‬ويكفيناَ‬‫الشراقَية ‪ ,‬التي ُتلقى إلقاَء في النفس عند ت َطَ ّ‬
‫دليل التاَسوع الخاَمس لفلوطين الذي يقول ‪ ) :‬النفس التي ل تضاَء بضوئهُ‬
‫تظل بغير رِؤية ( ‪ ,‬فإذا أضيئت فإنهاَ تحتوي على كل ماَ تنشدهُ فترى‬
‫السمى باَلسمى – ترى السمى الذي هو في الوقَت نفسهُ وسيلة الرؤية‬
‫لن ماَ يضيء النفس هو نفسهُ الذي تريد رِؤيتهُ ‪ ,‬كماَ أنناَ نرى الشمس‬
‫بضوء الشمس ‪ .‬لقد ماَرِس أفلوطين ) ت ‪ 205‬م ( هذهُ التجربة ‪ ,‬وأعطى‬
‫التجاَهُ للفاَرِابي وابن سيناَ ‪ ,‬والحلج والسهرورِدي ‪ ,‬وابن عربي وابن‬
‫الفاَرِض ‪ ,‬وابن سبعين وبقية الركبِ المشاَئي أو الصوفي ‪ .‬يقول أفلوطين‬
‫ت في نفسي ‪,‬‬ ‫) وقَد حدث مرات عدة أن ارِتفعت خاَرِج جسدي بحيث دخل ُ‬
‫كنت حينئذ أحياَ ‪ ,‬وأظفر باَتحاَد مع اللهي ( ‪ ) .‬يجبِ على أن أدخل في‬
‫ي أن‬
‫نفسي ‪ ,‬ومن هناَ أستيقظ ‪ .‬وبهذهُ اليقظة أتحد باَللهُ ( ‪ ) .‬يجبِ عل ّ‬
‫أحجبِ عن نفسي النورِ الخاَرِجي لكي أحياَ وحدي في النورِ الباَطن ( ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ويقر هذا المر الدكتورِ عبد الرحمن بدوي – ولو أنهُ يختلف مع الدكتورِ عبد‬
‫القاَدرِ في طرق وصاولهاَ إلى الصوفية – حيث أنهُ يقول تحت عنوان التأَثير‬
‫اليوناَني في التصوف ‪:‬‬
‫) وأهم نص في هذا الباَب هو كتاَب ) أثولوجياَ أرِسطو طاَليس ( وهو كماَ‬
‫نعلم فصول ومقتطفاَت ‪ ,‬منتزعة من التساَعاَت الفلطونية ‪ ,‬وفيهُ‬
‫نظرياَت الفيض والواحد التي ستلعبِ دورِا خطيرا في التصوف السلمي ‪,‬‬
‫خصوصااَ عند السهرورِدي المقتول وابن عربي ‪ ,‬وفيهُ نظرية ) الكلمة ( أو‬
‫اللوغوس ‪.‬‬

‫ول شك في تأَثر الصوفية المسلمين ابتداء من القرن الخاَمس الهجري بماَ‬


‫في ) أثولوجياَ ( من آرِاء ‪ .‬وإنماَ الخلف هناَ هو في هل وصال تأَثيرهُ إلى‬
‫التصوف السلمي مباَشرة ‪ ,‬أو عن طريق كتبِ السماَعيلية ‪ ,‬وكلهاَ حاَفلة‬
‫باَلتأَثر بهُ ‪.‬‬

‫ويتلوهُ في الهمية الكتبِ المنسوبة إلى هرمس ‪ ..‬وشخصية باَرِزة التأَثير‬


‫عند السهرورِدي المقتول ‪ ,‬وابن عربي ‪ .‬الول خصوصااَ في فكرة الطباَع‬
‫التاَم ‪ ,‬التي تأَثر بهل كل الشراقَيين بعد السهرورِدي ‪ ,‬والطباَع التاَم هو‬
‫) النوس ( ‪ .‬ويسمى أيضاَ الروجاَنية و الطبيعة الكريمة ‪.‬‬

‫ويتصل بهُ ماَ يرد من علم الصنعة سواء عند الصنوعيين ) الكيماَويين ( وعند‬
‫الصوفية المسلمين ‪.‬‬

‫الفلسفة الصوفية في السلم للدكتور عبد القادر محمود ص ‪ 33 , 32 , 31‬ط دار الفكر العربي ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪96‬‬
‫ومن النصوص المهمة المنسوبة إلى هرمس ‪ :‬رِساَلة هرمس في معاَذلة‬
‫النفس ‪ ,‬التي نشرناَهاَ في كتاَبناَ ‪ :‬الفلطونية المحدثة عند العرب ‪ ,‬فهي‬
‫مناَجياَت للنفس وتحليل لهاَ ‪ ,‬وتأَنيبِ للنفس الماَرِة ‪ ,‬ودعوة للنفس من‬
‫أجل التطهر والتقديس ‪.‬‬
‫ومن السهل أن نجد أصاداء لهاَ ومشاَبهُ في مناَجياَت الصوفية المسلمين ‪.‬‬

‫ثم إن هناَك فصول منحولة لفلطون وسقراط وغيرهماَ من الفلسفة‬


‫اليوناَنيين معظمهاَ آداب وأقَوال ‪ ....‬وكلهاَ تتشاَبهُ في بعض آرِائهاَ مع‬
‫القَوال المنسوبة إلى كباَرِ الصوفية المسلمين في كتبِ طبقاَت الصوفية‬
‫المختلفة ) القشيري ‪ ,‬السلمي ‪ ,‬الشعراني ‪ ,‬الهروي ‪ ,‬العطاَرِ ‪ ,‬الجاَمي الخ‬
‫الخ ( ‪. 1‬‬

‫ولقد أقَر الدكتورِ أبو العلء العفيفي أيضاَ بتأَثر ابن عربي ومن نهج منهجهُ‬
‫في المورِ الكثيرة وفي نظرية الفيض بأَفلطونية المحدثة ‪. 2‬‬
‫وكتبِ الدكتورِ التفتاَزاني كلماَ يشبهُ هؤلء حيث قَاَل ك‬
‫) ونحن ل ننكر الثر اليوناَني على التصوف السلمي ‪ ,‬فقد وصالت‬
‫الفلسفة اليوناَنية عاَمة ‪ ,‬والفلطونية المحدثة خاَصاة ‪ ,‬إلى صاوفية السلم‬
‫عن طريق الترجمة والنقل ‪ ,‬أو الختلط مع رِهباَن النصاَرِى في الرهاَ‬
‫وحران ‪ .‬وقَد خضع المسلمون لسلطاَن أرِسطو ‪ ,‬وإن كاَنوا قَد عرفوا‬
‫فلسفة أرِسطو على أنهاَ فلسفة إشراقَية ‪ ,‬لن عبد المسيح بن ناَعمة‬
‫الحمصي حينماَ ترجم الكتاَب المعروف بـ ) أثولوجياَ أرِسطو طاَليس ( قَدمهُ‬
‫إلى المسلمين على أن لرِسطو على حين أنهُ مقتطفاَت من تاَسوعاَت‬
‫أفلوطين ‪.‬‬

‫وليس من شك في أن فلسفة أفلوطين السكندرِي التي تعتبر أن المعرفة‬


‫مدرِكة باَلمشاَهدة في حاَل الغيبة عن النفس وعن العاَلم المحسوس ‪ ,‬كاَن‬
‫لهاَ أثرهاَ في التصوف السلمي فيماَ نجدهُ من كلم متفلسفي الصوفية‬
‫عن المعرفة ‪ .‬وكذلك ‪ ,‬كاَن لنظرية أفلوطين السكندرِي في الفيض‬
‫وترتيبِ الموجودات عن الواحد أو الول ‪ .‬أثرهاَ على الصوفية المتفلسفين‬
‫من أصاحاَب الوحدة كاَلسهرورِدي المقتول ‪ ,‬ومحي الدين بن عربي ‪ ,‬وابن‬
‫الفاَرِض ‪ ,‬وعبد الخاَلق بن سبعين ‪ ,‬وعبد الكريم الجيلي ‪ ,‬ومن نحاَ نحوهم ‪.‬‬

‫ونلحظ بعد ذلك أن أولئك المتفلسفة من الصوفية نتيجة اطلعهم على‬


‫الفلسفة اليوناَنية قَد اصاطنعوا كثيرا من مصطلحاَت هذهُ الفلسفة مثل ‪:‬‬
‫الكلمة – العقل الول ‪ -‬العقل الكلي – العلة والمعلول ز الكلي ‪ ....‬إلخ ( ‪. 3‬‬

‫وبمثل ذلك قَاَل الدكتورِ محمد كماَل جعفر ‪. 4‬‬


‫والدكتورِ مصطفى حلمي ‪. 5‬‬

‫انظر تاريخ التصوف السلمي للدكتور عبد الرحمن بدوي ص ‪. 42 , 41‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر تعليقات أبي العلء العفيفي من فصوص الحكم لبن عربي الجزء الثاني ص ‪ 9‬ط دار الكتاب العربي بيروت ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر مدخل إلى التصوف السلمي للدكتور أبي الوفا الغنيمي التفتازاني ص ‪. 34 , 33‬‬ ‫‪3‬‬

‫انظر مقدمة كتاب المعارضة والرد لسهل بن عبد الله التستري ط دار النسان القاهرة ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫انظر القيم الروحية ص ‪ 58‬وما بعد ‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪97‬‬
‫والدكتورِ زكي مباَرِك ‪. 6‬‬
‫والدكتورِ محمد جلل شرف ‪. 2‬‬
‫والدكتورِ هلل إبراهيم هلل ‪. 3‬‬
‫وأماَ الدكتورِ قَاَسم غني الفاَرِسي فكتبِ ‪:‬‬

‫) وأن طريق الوصاول إلى المبدأ والحصول على التمتع البدي هو تطهير‬
‫النفس السفلية عن طريق التجرد من الشهوات الجسماَنية والميول‬
‫الحسية ومماَرِسة الفضاَئل الرِبع ‪ ,‬وهي ‪ :‬العفة ‪ ,‬والعدل ‪ ,‬والشجاَعة ‪,‬‬
‫والحكمة ‪ .‬هذهُ نماَذج من آرِاء الفلسفة الفلطونية الحديثة التي وفق‬
‫المسلمون بينهاَ وبين الشرع السلمي ‪ .‬ولهذا الغرض حذفوا منهاَ أشياَء‬
‫وزادوا عليهاَ أشياَء وسموهاَ ) حكمة الشراق ( ‪.‬‬

‫وقَد أثر في التصوف والعرفاَن ذيوع آرِاء أفلطون وظهورِ الفلسفة‬


‫الفلطونية الحديثة بين المسلمين أكثر من أي شيء ‪ .‬وبعباَرِة أخرى ‪,‬‬
‫أحرز التصوف الذي كاَن إلى ذلك الحين زهدا عملياَ أساَساَ نظرياَ وعملياَ ‪.‬‬

‫وإذا دقَقناَ في آرِاء الفلطونية الحديثة وجدناَ أن الصوفي الزاهد الذي‬


‫غض الطرف عن الدنياَ وماَ فيهاَ بحكم أنهاَ فاَنية ‪ ,‬وتعلق خاَطرهُ بماَ هو‬
‫خاَلد ‪ .‬يشعر بلذة الرضاَ في فلسفة أفلوطين ‪ .‬بل يحصل على منتهى غاَيتهُ‬
‫في تلك الرِاء ‪ ,‬وموضوع وحدة الوجود في الفلسفة الفلطونية الحديثة‬
‫جذب أنظاَرِ الصوفية أكثر من أي شيء آخر لن الذين يؤمنون بهذهُ العقيدة‬
‫يرون أن العاَلم كلهُ مرآة لقدرِة الحق تعاَلى وكل موجود بمثاَبة مرآة تتجلى‬
‫ذات اللهُ فيهاَ إل أن المراياَ كلهاَ ظاَهرة ‪ ,‬والوجود المطلق والموجود‬
‫الحقيقي هو اللهُ ‪ .‬ينبغي على النساَن أن يسعى حتى يمزق الحجبِ‬
‫ويجعل نفسهُ محل لتجلي جماَل الحق الكاَمل ويبلغ السعاَدة البدية ‪.‬‬

‫على الساَلك أن يطير بجناَح العشق نحو اللهُ تعاَلى ويحررِ نفسهُ من قَيد‬
‫وجودهُ الذي ليس إل مظهرا فحسبِ ‪ .‬وينمحي ويفنى في ذات اللهُ أي‬
‫الموجود الحقيقي ( ‪. 4‬‬

‫هذا وبمثل ذلك قَاَل الخرون من الفرس الذين اشتهروا باَشتغاَلهم في‬
‫التصوف ‪ ,‬مثل الدكتورِ عبد الحسين زرِين كوب ‪. 5‬‬
‫والستاَذ مهدي توحيدي بورِ ‪. 6‬‬
‫وقَبلهم الرِدبيلي أحمد بن محمد ‪. 7‬‬
‫وغيرهم الكثيرون الكثيرون ‪.‬‬

‫وأماَ صاوفية الهند وكتاَب شبهُ القاَرِة عن التصوف فأَيضاَ أقَروا بتلك‬
‫الحقيقة الناَصاعة التي ل يمكن التهرب والعراض عنهاَ ‪.‬‬

‫‪ 6‬انظر التصوف السلمي في الدب والخلق ج ‪ 1‬ص ‪. 249‬‬


‫‪ 2‬انظر دراسات في التصوف السلمي ص ‪. 346‬‬
‫‪ 3‬انظر ولية الله والطريق إليها ‪ ,‬مقدمة ‪.‬‬
‫‪ 4‬انظر التصوف السلمي للدكتور قاسم غني ترجمة صادق نشأت ص ‪. 143 , 142‬‬
‫‪ 5‬انظر كتابه دنباله جستجودر تصوف إيران ص ‪ 267‬وما بعد ط طهران ‪ 1362‬هجري شمسي ‪.‬‬
‫‪ 6‬انظر مقدمة نفحات النس للجامي الطبعة الفارسية ص ‪ 83‬وما بعد ط إيران ‪. 1337‬‬
‫‪ 7‬انظر حديقة الشيعة ص ‪ 266‬ط طهران ‪.‬‬
‫‪98‬‬
‫فلقد قَاَل البروفيسورِ يوسف سليم جشتي في كتاَبهُ الكبير عن التصوف ‪,‬‬
‫بعد ماَ استعرض آرِاء الفلطونية الحديثة ونظريتهاَ مفصلة ‪ ,‬قَاَل ‪:‬‬

‫) إن التصوف لم يقتبس ‪ ,‬ولم يؤخذ إل من المناَبع الصاَفية والمصاَدرِ‬


‫الطاَهرة ‪ ,‬وعلى رِأسهاَ الفلطونية المحدثة ‪ ,‬وتبني الشيخ الكبر محيي‬
‫الدين بن عربي نفس الفكاَرِ التي نشرهاَ أفلوطين السكندرِي ‪ ,‬المبنية‬
‫على الفكر الفلسفي والمشاَهدة الذاتية ‪ ,‬والذي بين أن تزكيهُ النفس ل‬
‫يمكن إل باَلتبتل عن العلئق الدنيوية والعاَلم الماَدي ‪ ,‬ولهاَ مراتبِ ثلث ‪:‬‬

‫تصفية النفس ‪ ,‬وتجلية النفس ‪ ,‬وتحلية النفس ‪.‬‬

‫ول يمكن الوصاول إليهاَ إل باَلمراحل الثلث ‪:‬‬


‫أول ‪ :‬باَلفن والداب ‪ ,‬والمراد منهاَ طلبِ الحقيقة وجماَلهاَ ‪ .‬وأن هذين‬
‫الشيئين أي ) ‪ ( Truth and Beauty‬اسماَن لشيء واحد في الحقيقة ‪.‬‬

‫ثاَنياَ ‪ :‬باَلعشق ‪.‬‬


‫ثاَلثاَ ‪ :‬باَلحكمة ‪.‬‬

‫وأهم الشياَء في فلسفة أن طريق تهذيبِ النفس وتكميل الروح ليس‬


‫ببرهاَني ول عقلي ‪ ,‬بل هو وجداني وكشفي ‪ ,‬كماَ أن فلسفتهُ في اللهياَت‬
‫تدورِ على وحدة الوجود ‪ ,‬وهذا عين ماَ كاَن يؤمن بهُ الشيخ الكبر ابن عربي‬
‫وغيرهُ ‪ ,‬كماَ أومن بهُ أناَ أيضاَ ( ‪. 1‬‬

‫وبمثل ذلك قَاَل الخر ‪:‬‬


‫ول يبعد أن التصوف السلمي قَد تأَثر إلى حد كبير باَلفلسفة اليوناَنية‬
‫والتصوف الهندي والدياَن الخرى المجاَورِة للعرب كاَلمسيحية في الشاَم‬
‫واليهودية في اليمن والزرِادشتية في العراق وبلد الفرس وغيرهاَ إذ تم‬
‫الختلط بين العرب وبين معتنقي هذهُ الدياَناَت في القرن الثاَني والثاَلث‬
‫الهجري ‪ ,‬وترجمت الفلسفة اليوناَنية كماَ ترجمت الثقاَفاَت الخرى التي‬
‫كاَنت موجودة عند أهل هذهُ البلد المفتوحة قَبل دخولهم في الدين‬
‫السلمي ‪.‬‬
‫لذلك رِأى بعض العلماَء أن التصوف السلمي هو إيجاَد الفلسفة اليوناَنية ‪.‬‬
‫بينماَ قَاَل البعض الخر ‪ :‬أنهُ نواة الدين المسيحي ‪ ,‬في حين أن فريقاَ من‬
‫المحققين يميلون إلى التصوف السلمي قَد أخذتهُ العرب من الهنود كماَ‬
‫أخذت العرب الفلسفة من اليوناَن إذ كاَن التصوف شاَئعاَ رِائجاَ بين الهنود‬
‫قَبل السلم بقرون ‪ ,‬ولم يظهر عند العرب في صاورِة مذهبِ مستقل إل‬
‫بعد فتح البلد الهندية واختلطهم بأَهل تلك البلد ( ‪. 2‬‬

‫فهذهُ هي عباَرِات ونصوص الباَحثين من المسلمين الذين عرفوا باَلبحث‬


‫والكتاَبة عن التصوف والصوفية ‪ ,‬والكثر منهم عرفوا باَلولء للصوفية‬

‫انظر تاريخ التصوف باللغة الردية ليوسف سليم جشتي ص ‪ 63‬وما بعد ط علماء اكيدمي وزارة الوقاف باكستان ‪ 1976‬م‬ ‫‪1‬‬

‫‪.‬‬
‫مقدمة كتاب بايزيد النصاري للدكتور مير ولي خان الطبعة العربية ص ‪ 99‬ط مجمع البحوث السلمية باكستان ‪ 1396‬هـ ‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪99‬‬
‫د من الصوفية ويحسبِ‬
‫ع ّ‬
‫والدفاَع عنهم وعن معتقداتهم ‪ ,‬والبعض منهم ي ُ َ‬
‫على التصوف ‪.‬‬

‫هذا ولجل ذلك ذهبِ معظم المستشرقَين إلى أن الفلطونية الحديثة من‬
‫أهم مصاَدرِ التصوف ‪ ,‬وخاَصاة للتصوف المتأَخر من القرون الولى ‪ ,‬ولقد‬
‫بحث المستشرق النجليزي نيكلسون هذا المر في مقاَلتهُ عن التصوف‬
‫بمواضع عديدة ‪ ,‬فأَرِجع نشأَتهُ إلى عوامل خاَرِجة عن السلم عملت عملهاَ‬
‫ابتداء من القرن الثاَلث الهجري ‪ .‬وأهم هذهُ العوامل وأبرزهاَ في نظرهُ هو‬
‫الفلطونية الحديثة المتأَخرة التي كاَنت شاَئعة في مصر والشاَم إلى عهد‬
‫ذي النون المصري ومعروف الكرخي ‪ ,‬ولهذا يتخذ من ذي النون المصري‬
‫محورِا لبحثهُ في هذهُ المقاَلة ‪ ,‬فيأَتي بكثير من الساَنيد التاَرِيخية عن حياَة‬
‫ذي النون ونشأَتهُ ‪ ,‬ويستدل بهاَ على أن ذا النون كاَن على علم باَلحكمة‬
‫اليوناَنية الشاَئعة في عصرهُ ‪ .‬ويتتبع حركة الثقاَفة اليوناَنية المتأَخرة‬
‫وطرق وصاولهاَ إلى المسلمين ‪.‬‬

‫وينتهي إلى أن التصوف في ناَحيتهُ النظرية مأَخوذة من الفلطونية‬


‫الحديثة موافقاَ في ذلك رِأي ميركس الذي شرح هذهُ النظرية في كتاَبهُ‬
‫) التاَرِيخ العاَم للتصوف ومعاَلمهُ ( هيد لبرج سنة ‪ 1893‬م ‪. 1‬‬

‫ويقول نيكلسون ‪:‬‬


‫) ول حاَجة بناَ إلى الطناَب في الكلم عن انتشاَرِ الثقاَفة الهلينية بين‬
‫المسلمين في ذلك العصر ‪ ,‬فإن كل من لهُ إلماَم بتاَرِيخ العرب الدبي يعلم‬
‫كيف طغت موجة العلوم اليوناَنية – وقَد بلغت ذرِوتهاَ آنئذ ‪ -‬على العراق‬
‫من مراكز ثلثة ‪ :‬من الديرة المسيحية في الشاَم ‪ ,‬ومن مدرِسة جنديساَبورِ‬
‫الفاَرِسية في خوزستاَن ‪ ,‬ومن وثني حران أو الصاَبئة في الجزيرة ‪ .‬وقَد‬
‫نقل إلى العرب كتبِ ل حصر لعددهاَ في الفلسفة والطبِ وساَئر العلوم‬
‫اليوناَنية الخرى ‪ ,‬وعكف على درِاستهاَ المسلمون وأتخذوهاَ أساَساَ قَاَمت‬
‫عليهُ اتجاَهاَتهم الجديدة في البحث ‪ ,‬حتى لتكاَد العلوم والفلسفة‬
‫السلمية تكون مؤسسة على حكمة اليوناَن وحدهاَ ‪.‬‬

‫وأبرز شخصية يوناَنية في الفلسفة السلمية هي أرِسطو طاَليس ل‬


‫أفلطون ‪ ,‬ولكن العرب استمدوا أول علمهم بفلسفة أرِسطو طاَليس من‬
‫شراح الفلطونية الحديثة ‪ ,‬وكاَن المذهبِ الذي غلبِ عليهم هو مذهبِ‬
‫أفلوطين وفورِ فورِيوس وأبرقَلس ‪ .‬وليس كتاَب ) أثولوجياَ أرِسطو‬
‫طاَليس ( الذي نقل إلى العربية حوالي ‪ 840‬م حسبِ تقدير دتريصي إل‬
‫ملخص اَ ً لمذهبِ الفلطونية الحديثة ‪ .‬ومعنى هذا أن الفكاَرِ الفلطونية‬
‫الحديثة قَد انتشرت بين المسلمين انتشاَرِا واسعاَ ً ‪ ...‬ول داعي الن إلى‬
‫السترساَل في هذا الموضوع بأَكثر من هذا القدرِ ‪ ,‬ويكفي القول بأَن‬
‫المسلمين قَد وجدوا المذهبِ الفلطوني الحديث أينماَ حلوا وفي أي مكاَن‬
‫اتصلوا فيهُ باَلحضاَرِة اليوناَنية ‪.‬‬

‫وقَد كاَن لمصر والشاَم دائماَ الصدارِة بين المم التي انتشرت فيهاَ‬
‫الحضاَرِة اليوناَنية ‪ ,‬وهماَ البلدان اللذان ظهر التصوف فيهماَ لول مرة‬
‫انظر مقدمة الكتور أبي العلء العفيفي لطائفة من الدراسات المجموعة باسم في التصوف السلمي وتاريخه ص ) س( ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪100‬‬
‫بمعناَهُ الدقَيق وتطورِ كماَ أسلفناَ ‪ .‬والرجل الذي اضطلع بأَكبر قَسط في‬
‫تطورِ هذا النوع من التصوف ‪ ,‬هو ذو النون المصري الذي وصاف بأَنهُ حكيم‬
‫كيمياَئي ‪ ,‬أو بأَنهُ – بعباَرِة أخرى – أحد أولئك الذين نهلوا من منهل الثقاَفة‬
‫اليوناَنية ‪ .‬فإذا أضفناَ إلى هذا أن المعاَني التي تكلم فيهاَ ذو النون هي _‬
‫في جوهرهاَ – المعاَني التي نجدهاَ في كتاَباَت يوناَنية مثل كتاَباَت‬
‫ديونيسيون ‪........‬‬

‫وليس عندي من شك في أن المذهبِ الغنوصاي بعد ماَ أصااَبهُ من التغيير‬


‫والتحوير على أيدي مفكري المسيحية واليهودية ‪ ,‬وبعد امتزاجهُ باَلنظرياَت‬
‫اليوناَنية كاَن من المصاَدرِ الهاَمة التي أخذ عنهاَ رِجاَل التصوف السلمي ‪,‬‬
‫وأن بين التصوف والغنوصاية مواضع اتفاَق كثيرة هاَمة ‪ .‬ول شك عندي‬
‫أيض اَ ً في أن درِاسة هذهُ المسأَلة درِاسة دقَيقة وافية لماَ يأَتي بأَطيبِ‬
‫الثمرات ‪ ,‬ولكنني على يقين من أنناَ إذا نظرناَ إلى الظروف التاَرِيخية التي‬
‫أحاَطت بنشأَة التصوف بمعناَهُ الدقَيق ‪ ,‬استحاَل عليناَ أن نرد أصالهُ إلى‬
‫عاَمل هندي أو فاَرِسي ‪ ,‬ولزم أن نعتبرهُ وليدا ً لتحاَد الفكر اليوناَني‬
‫والدياَناَت الشرقَية ‪ :‬أو بمعنى أدق وليد اتحاَد الفلسفة الفلطونية الحديثة‬
‫والدياَنة المسيحية والمذهبِ الغنوصاي ( ‪ 1‬ز‬

‫ويقول في مقاَل آخر ‪:‬‬


‫) ومماَ يحملناَ على الجزم بوجود أثر للفلسفة اليوناَنية في التصوف‬
‫السلمي أن نظرية المعرفة فيهُ ظهرت في غربي آسياَ ومصر في بلد‬
‫تأَصالت فيهاَ الثقاَفة اليوناَنية أحقاَباَ طويلة ‪ ,‬وكاَن بعض المبرزين في‬
‫الكلم فيهاَ من أصال غير عربي ( ‪. 2‬‬

‫وفي مقاَل آخر صارح بأَن التصوف الفلسفي اللهي هو أثر من آثاَرِ النظر‬
‫اليوناَني ‪ ,‬ول يمكن النكاَرِ من امتزاج الفكر اليوناَني والدين السلمي في‬
‫التصوف وخاَصاة الفلطونية المحدثة ‪. 3‬‬
‫وبمثل ذلك قَاَل براون في كتاَبهُ ‪ 0‬تاَرِيخ فاَرِس الدبي ( ‪ ,‬والمستشرق‬
‫الوليري في كتاَبهُ ) الفكر العربي ومكاَنتهُ في التاَرِيخ ( ‪. 4‬‬

‫ومير كس في كتاَبهُ ‪. 5‬‬

‫ويقول ماَسينيون المستشرق الفرنساَوي ‪:‬‬


‫) وتسربت الفلسفة اليوناَنية إلى العاَلم السلمي ‪ ,‬وأخذ يزداد باَطراد منذ‬
‫أياَم الذرِية القرامطة القدامى ‪ ,‬والرازي الطبيبِ إلى عهد ابن سيناَ ‪ ,‬وكاَن‬
‫من نتيجة ذلك أن استحدثت في القرن الرابع الهجري مصطلحاَت‬
‫ميتاَفيزيقة أدق من ساَبقتهاَ يفهم منهاَ أن الروح والنفوس جواهر غير‬
‫ماَدية ‪ ,‬وأن ثمة معاَني عاَمة وسلسلة من العلل الثاَنية وغير ذلك ‪ ,‬وأن هذهُ‬

‫‪ 1‬انظر في التصوف السلمي وتاريخه لنكلسون ترجمة عربية ص ‪ 14‬وما بعد ‪.‬‬
‫‪ 2‬أيضا ص ‪. 74 , 73‬‬
‫‪ 3‬صوفية السلم ص ‪. 15‬‬
‫‪ 4‬انظر ص ‪ , 196‬أيضا مدخل إلى التصوف للتفتازاني ص ‪. 33 , 32‬‬
‫‪ 5‬انظر كتابه التاريخ العام للتصوف ومعالمه ‪.‬‬
‫‪101‬‬
‫المصطلحاَت اختلطت باَللهياَت المنحولة لرِسطو ‪ ,‬وبمثل أفلطون ‪,‬‬
‫وفيوضاَت أفلوطين ‪ ,‬وقَد كاَن لهذا كلهُ أثر باَلغ في تطورِ التصوف ( ‪. 1‬‬

‫فهذهُ هي آرِاء المستشرقَين ‪ ,‬تشبهُ تماَماَ آرِاء من ذكرناَهم قَبل ذلك من‬
‫المسلمين ‪.‬‬

‫وهناَك في كتبِ بعض الصوفية المتقدمين ماَ يدل على ارِتباَطهم‬


‫باَلفلسفة اليوناَنية وأخذهم عنهاَ ‪ ,‬وتأَثرهم بهاَ ‪ ,‬حيث مجدوهاَ وباَلغوا في‬
‫الثناَء عليهاَ ‪ ,‬وعلى من أوجدهاَ وطرحهاَ ونشرهاَ بين الناَس ‪ ,‬ولو حصل‬
‫الخطأَ في نسبة بعض الرِاء والفكاَرِ إلى البعض دون البعض ‪ ,‬وإلى الواحد‬
‫دون الخر كماَ مرت الشاَرِات إلى ذلك أثناَء نقل العباَرِات الساَبقة عنهم ‪.‬‬

‫فيقول الجيلي في كتاَبهُ ) النساَن الكاَمل في معرفة الواخر والوائل (‬


‫في الجزء الثاَني منهُ ماَ يدل على حبهُ العميق لموجدي الفلسفة اليوناَنية‬
‫والربط الشديد لموجديهاَ ‪ ,‬فيقول ‪:‬‬

‫) ولقد اجتمعت بأَفلطون الذي يعدونهُ أهل الظاَهر كاَفرا ‪ ,‬فرأيتهُ وقَد مل‬
‫العاَلم الغيبي نورِا وبهجة ‪ ,‬ورِأيت لهُ مكاَنة لم أرِهاَ إل لحاَد من الولياَء ‪,‬‬
‫فقلت لهُ ‪ :‬من أنت ؟‬
‫قَاَل ‪ :‬قَطبِ الزماَن وواحد الوان ‪ ,‬ولكم رِأيناَ من عجاَئبِ وغرائبِ مثل هذا‬
‫ليس من شرطهاَ أن تفشي ‪ ,‬وقَد رِمزناَ لك في هذا الباَب أسرارِا ً كثيرة ماَ‬
‫كاَن يسعناَ أن نتكلم فيهاَ بغير هذا اللساَن ‪ ,‬فأَلق القشر من الخطاَب وخذ‬
‫اللبِ إن كنت من أولي اللباَب ( ‪. 2‬‬

‫وفي مقاَم آخر من كتاَبهُ كتبِ أن أرِسطو تلميذ أفلطون لزم خدمة الخضر‬
‫واستفاَد منهُ علوماَ جمة ‪ ,‬وكاَن من تلمذتهُ ‪. 3‬‬

‫وهذا غير ماَ ذكر من آرِائهُ وآرِاء أفلطون وفلسفتهماَ ‪ ,‬والتعلق والتمسك‬
‫بهاَ ومصطلحاَتهاَ التي استعملهاَ واعتنقهاَ وآمن بهاَ ‪.‬‬

‫وبمثل ذلك كتبِ لساَن الدين بن الخطيبِ في كتاَبهُ الصوفي الكبير ) رِوضة‬
‫التعريف باَلحبِ الشريف ( حيث يلقبِ أفلطون كلماَ يذكرهُ بمعلم الخير ‪,‬‬
‫وأرِسطو بحكيم متأَلهُ ‪ ,‬وسقراط وهرمس وغيرهم من أهل النوارِ ‪.‬‬

‫وحكى عن أرِسطو ) خطأَ ( أنهُ حصل لهُ التحاَد باَلذات اللهية ‪ .‬فيقول نقل‬
‫عن أرِسطو أنهُ قَاَل ‪:‬‬

‫) إني رِبماَ خلوت بنفسي كثير ا ً ‪ ,‬وجعلت بدني جاَنباَ ‪ ,‬وصارت كأَني مجردا بل‬
‫بدن ‪ ,‬عري من الملبس الطبيعية ‪ ,‬فأَكون داخل في ذاتي ‪ ,‬خاَرِجاَ من ساَئر‬
‫الشياَء ‪ .‬فأَرِى في ذاتي من الحسن والسناَء ‪ ,‬والبهاَء والضياَء والمحاَسن‬
‫العجيبة ‪ ,‬والمناَظر النيقة ‪ ,‬ماَ أبقى لهُ متعجباَ متحيرا ً باَهتاَ ً ‪ ,‬فأَعلم أني‬

‫التصوف لماسينيون ص ‪. 39 , 38‬‬ ‫‪1‬‬

‫النسان الكامل لعبد الكريم الجيلي ج ‪ 2‬ص ‪ 53 , 52‬الطبعة الرابعة ‪ 1981‬م ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫أيضا ج ‪ 2‬ص ‪. 117‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪102‬‬
‫جزء من أجزاء العاَلم العلى الشريف ‪ .‬فلماَ أيقنت بذلك ‪ ,‬رِقَيت بذهني‬
‫إلى العلة اللهية المحيطة باَلكل ‪ ,‬فصرت كأَني موضوع متعلق بهاَ ‪ .‬فأَكون‬
‫فوق العاَلم كلهُ ‪ ,‬فأَرِاني كأَني واقَف في ذلك الموقَف الشريف المقدس‬
‫اللهي فأَرِى هناَلك من النورِ والبهاَء ‪ ,‬والبهجة والسناَء ‪ ,‬ومل تقدرِ اللسن‬
‫على صافتهُ ‪ ,‬ول السماَع على نعتهُ ‪ ,‬ول الوهاَم أن تحيط بهُ ‪ ,‬فإذا‬
‫استغرقَني ذلك النورِ والبهاَء ‪ ,‬لم أطق على احتماَلهُ ‪ ,‬ول الصبر عليهُ‬
‫فاَرِتددت عاَجزا ً عن النظر إليهُ ‪ ,‬وهبطت من العقل إلى الفكر والروية ‪,‬‬
‫فإذا صارت في عاَلم الفكر والروية ‪ ,‬حجبت الفكرة عني ذلك النورِ والبهاَء ‪,‬‬
‫وحاَلت بيني وبينهُ الوهاَم ‪ ,‬فأَبقى متعجباَ ً كيف انحدرِت من ذلك الموضع‬
‫الشاَهق العاَلي اللهي ‪ ,‬وصارت سفل في موضع الفكر والضيقة ‪ ,‬بعد أن‬
‫قَويت نفسي على التخلف عن بدنهاَ ‪ ,‬والرجوع إلى ذاتهاَ ‪ ,‬والترقَي إلى‬
‫العاَلم العقلي ‪ ,‬ثم العاَلم اللهي ‪ ,‬مع العقول فوق العوالم كلهاَ ‪ ,‬حتى‬
‫صااَرِت في موضع البهاَء والنورِ والسناَء مجتلية الذي هو علة كل نورِ وبهاَء ‪,‬‬
‫وسببِ كل دواء وبقاَء ‪.‬‬

‫ومن العجبِ ‪ .‬أني كنت رِأيت نفسي ممتلئة نورِا ً ‪ ,‬وهي في البدن كهيئتهاَ ‪,‬‬
‫والبدن معهاَ ‪ ,‬وهي خاَرِجة عنهُ ‪ ,‬على أني لماَ أطلت الفكرة ‪ ,‬ومحضت‬
‫الروية ‪ ,‬وأجلت الرأي ‪ ,‬وصارت كاَلمتحير المبهوت ‪ ,‬تذكرت الفلنطوس ‪,‬‬
‫فإنهُ أمر باَلطلبِ والبحث عن جوهر النفس الشريفة ‪ ,‬والحرص على‬
‫الصعود إلى ذلك العاَلم الشريف العلى ‪ .‬وقَاَل ‪ :‬إنهُ من حرص على ذلك ‪,‬‬
‫وارِتقى إلى العاَلم العلى ‪ ,‬ولحق باَلجواهر اللهية ‪ ,‬والسباَب الكلية ‪,‬‬
‫يجزي أحسن الجزاء اضطرارِا ‪ .‬فل ينبغي لحد أن يفتر عن الطلبِ والحرص‬
‫‪ ,‬والجد في الرِتقاَء إلى ذلك العاَلم ‪ ,‬وإن تعبِ وكد ونصبِ ‪ ,‬فإن أماَمهُ‬
‫الراحة التي ل تعبِ بعدهاَ ‪ ,‬في حياَة دائمة ‪ ,‬وعيشة رِاضية ‪ ,‬ولذات باَقَية ل‬
‫يتناَهى أمدهاَ ‪ ,‬ول يقطع مددهاَ ‪ ,‬مخلوقَة للنساَن كلهاَ ‪ ,‬والنساَن مخلوق‬
‫لهاَ ‪ ,‬أليس عجزا أن تمر ساَعة من عمرهُ في غير ماَ خلق لهُ من ذلك ؟‬
‫أليس من فرط في السعي لذلك ظاَلماَ لنفسهُ ‪ ,‬ومهلكاَ ذاتهُ ‪ ,‬وفاَعل‬
‫بجوهرتهُ النفيسة ماَ لم يفعل بهُ أعدى عدو لهُ ‪ ,‬فيندم حين ل ينفعهُ الندم (‬
‫‪.1‬‬

‫ثم علق عليهُ بقولهُ ‪:‬‬


‫) وبياَن هذهُ السعاَدة ‪ :‬من تعرض لهُ ‪ ,‬فقد تعاَطى ماَ ل يستقل بهُ نفس ‪,‬‬
‫ول تطمع فيهُ قَوة ‪ ...‬وسبيل السعاَدة عندهم الرياَضة ‪ ,‬وعلج الخلق ‪,‬‬
‫حتى يصير شيبهاَ باَلخير المحض وهو المبدأ ‪ ,‬وتلطيف السر ‪ ,‬وأن يصرف‬
‫عن النفس شواغل الجسم ‪ ,‬ويترقَى في معاَرِج المحبة والشوق إلى ذلك‬
‫الكماَل باَلفكرة ‪ ,‬حتى تحس النفس باَنجذابهاَ إلى عاَلمهاَ ‪ ,‬وتفيض عليهاَ‬
‫عجاَئبهُ ‪ .‬وقَد أخبر هؤلء اللهيون عن أنفسهم عن أنفسهم بماَ ذكرناَهُ آنفاَ‬
‫‪ ,‬من أنهم نزعوا جلبيبِ الجسماَنية في هذا العاَلم ‪ ,‬وترقَوا إلى العاَلم‬
‫العلوي ‪ ,‬فأَبصروا من نورِهُ ولذاتهُ أمورِا ً مذهلة ‪ ,‬ثم عاَدوا إلى عاَلم الحس ‪,‬‬
‫ورِمزوا ذلك في كتبهم ‪ ,‬حسبماَ نقل سقراط الدناَن ‪ ,‬ومعلم الخير‬
‫أفلطون وإماَم المشاَئين أرِسطو ( ‪. 2‬‬

‫روضة التعريف للسان الدين بن الخطيب ص ‪. 561 , 560 , 559‬‬ ‫‪1‬‬

‫أيضا ص ‪. 560‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪103‬‬
‫وهذهُ العباَرِات منثورِة مبعثرة في كتبِ القوم كثيرا ‪ ,‬ناَطقة عن كنههم‬
‫وحقيقة مشربهم الذي اختاَرِوهُ منهجاَ ومسلكاَ من التصوف والصوفية‬
‫كشهاَدات داخلية واعترافاَت ذاتية ‪.‬‬

‫وعلى ذلك قَاَل الصوفي المشهورِ عبد الوهاَب الشعراني عن شيخهُ ‪:‬‬
‫) وكاَن سيدي أفضل الدين رِحمهُ اللهُ يقول ‪:‬‬
‫كثير من كلم الصوفية ل يتمشى ظاَهرهُ إل على قَواعد المعتزلة‬
‫والفلسفة فاَلعاَقَل ل يباَدرِ إلى النكاَرِ بمجرد عزو الكلم إليهم ‪ ,‬بل ينظر‬
‫ويتأَمل في أدلتهم التي استندوا إليهاَ ‪ ,‬فماَ كل ماَ قَاَلهُ الفلسفة‬
‫والمعتزلة في كتبهم يكون باَطل ( ‪. 1‬‬

‫وبعد هذهُ الشهاَدات والعترافاَت ل نرى الحتياَج إلى ذكر عباَرِات‬


‫الصوفية ‪ ,‬ومقاَرِنتهاَ بآرِاء الفلسفة والفلطونية المحدثة كي ل يطول بناَ‬
‫الحديث ولو أنناَ سوف نتكلم في هذا الخصوص ونضطر إلى سرد تلك‬
‫النصوص في محل آخر من الكتاَب عند الحتياَج والضرورِة ‪.‬‬

‫فهذهُ هي مصاَدرِ التصوف ‪ ,‬التي استقى منهاَ شجرتهُ حتى نمت وازدهرت ‪,‬‬
‫فأَينعت وأثمرت ‪ ,‬ول يمكن رِدهُ إلى مصدرِ واحد ) فإن أثر المسيحية‬
‫والفلطونية الحديثة والفلسفة البوذية عاَمل ل سبيل لناَ إلى إنكاَرِهُ في‬
‫التصوف السلمي ‪ .‬وقَد كاَنت هذهُ المذاهبِ والفلسفاَت متغلغلة في‬
‫د من أن تترك طاَبعهاَ في‬ ‫الوساَط التي عاَش فيهاَ الصوفية ‪ ,‬فلم يكن ب ّ‬
‫مذاهبهم ‪ ,‬ولديناَ أدلة كاَفية توضح أثرهاَ في التصوف ومكاَنتهاَ منهُ ‪ ,‬ولو أن‬
‫الماَدة التي بين أيديناَ ل تمكنناَ من تتبع أثرهاَ باَلتفصيل ‪ .‬وباَلجملة يمكن‬
‫القول بأَن التصوف في القرن الثاَلث – شأَنهُ في ذلك شأَن التصوف في‬
‫عصر من عصورِهُ – ظهر نتيجة لعوامل مختلفة أحدثت أثرهاَ في مجتمعهُ ‪.‬‬
‫أعني بهذهُ العوامل البحوث النظرية في معنى التوحيد السلمي ‪ ,‬والزهد‬
‫والتصوف المسيحيين ‪ ,‬ومذهبِ الغنوصاية ‪ ,‬والفلسفة اليوناَنية والهندية (‬
‫‪.2‬‬

‫وكاَن هناَك مصدرِ هاَم لهُ تأَثير قَوي في تكوين التصوف وتشكيلهُ ‪ ,‬وتحوير‬
‫منهجهُ وتطويرهُ ‪ ,‬وترويج الفكاَرِ الجنبية البعيدة عن السلم وتعاَليمهُ فيهُ‬
‫‪ ,‬غير هذهُ المصاَدرِ التي ذكرناَهاَ ‪ ,‬وهو ‪ :‬التشيع الذي وضع نواتهُ اليهود ‪,‬‬
‫وساَهمت في تنشئتهُ وتنميتهُ الدياَناَت الفاَرِسية ‪.‬‬

‫ولكن لماَ لهذا المصدرِ من أهمية كبيرة وتأَثير كبير لتغيير وجهة التصوف‬
‫ومجراهُ ‪ ,‬وتخليق أفكاَرِ غريبة فوق الغرابة التي وجدت فيهُ من المصاَدرِ‬
‫الخرى رِبماَ تصطدم بنصوص صاريحة للقرآن والسنة ل تحمل التأَويل‬
‫وتقضي على تعاَليمهاَ ‪.‬‬

‫ولفاَرِق آخر وهو أن مصاَدرِ التصوف الخرى أخذ منهاَ التصوف أفكاَرِهاَ ‪,‬‬
‫واقَتبس منهاَ آرِاءهاَ دون أن يكون لتلك المصاَدرِ قَصد ورِغبة ‪ ,‬وهدف‬

‫‪ 1‬الطبقات الكبرى للشعراني ج ‪ 1‬ص ‪. 11‬‬


‫‪ 2‬نيكلسون ‪ :‬التصوف ‪ :‬دائرة معارف الدين والخلق ج ‪ 12‬ص ‪ 10‬وما بعد ‪ 1934‬م ‪ ,‬أيضا ) في التصوف السلمي وتاريخه (‬
‫ص ‪. 72‬‬
‫‪104‬‬
‫وغرض ‪ ,‬ولتلقين المتصوفة تعاَليمهاَ وفلسفاَتهاَ ‪ ,‬ونشرهاَ بينهم ‪ ,‬غير أن‬
‫ج نظرياَتهُ بين الصوفية عن قَصد‬ ‫س معتقداتهُ ‪ ,‬ورِو ّ‬
‫ث أفكاَرِهُ ود ّ‬
‫التشيع ب ّ‬
‫وعمد لتشويش المسلمين في عقاَئدهم ومعتقداتهم وتبكيت أهل السنة‬
‫عن العتراض على التشيع وزيغهُ وضللهُ ‪ ,‬وإلزامهم السكوت بإبراز طاَئفة‬
‫تنتمي إليهم ‪ ,‬وتحسبِ عليهم ‪ ,‬وتحمل نفس المعتقدات التي تشتمل عليهاَ‬
‫هي ‪ ,‬وهذا أمر خطير في تاَرِيخ الطوائف والفرق ‪ ,‬والملل والنحل ‪.‬‬

‫ولذلك نخصص لبياَنهُ باَباَ مستقل ليكون الباَحث والقاَرِئ على إطلع كاَمل‬
‫على ماَ يحتاَجهُ هذا البحث ‪ ,‬وتتطلبهُ هذهُ القضية ‪.‬‬
‫‪105‬‬

‫ب الثاَلث‬
‫الَباَ ُ‬
‫وف‬
‫ص ّ‬
‫و الت ّ َ‬ ‫التــ َ‬
‫شـّيع َ‬
‫إن التشيع أوجدهُ اليهود ‪ ,‬وأسسوا أسسهُ ‪ ,‬وأصالوا أصاولهُ ‪ ,‬وأرِسو قَواعدهُ ‪,‬‬
‫ي‬
‫ووضعوا عقاَئدهُ ومعتقداتهُ ‪ ,‬بواسطة إبنهم الباَرِ عبد اللهُ بن سبأَ ‪ ,‬المتز ّ‬
‫ي السلم ‪ ,‬واللبس ثوبهُ ولباَسهُ ‪ ,‬تقية وخداعاَ ‪ ,‬الذي أرِسل إلى عاَصامة‬ ‫بز ّ‬
‫الخلفة السلمية أياَم الخليفة الراشد الثاَلث عثماَن بن عفاَن رِضي اللهُ‬
‫عنهُ من قَبل يهود صانعاَء اليمن لتقويض دعاَئم السلم ‪ ,‬وفناَء دولتهُ ‪,‬‬
‫ومسخ شريعتهُ السماَوية البيضاَء ‪ ,‬وهدم قَوائمهاَ وأرِكاَنهاَ ‪ ,‬وترويج عقاَئد‬
‫اليهودية بين المسلمين ‪ ,‬وإيجاَد الفرقَة والختلف بينهم ‪ ,‬وإسعاَرِ ناَرِ‬
‫الحقد والبغضاَء ‪ ,‬وفتح باَب المطاَعن والتلعن ‪ ,‬والسباَب والشتاَئم ‪ ,‬بدل‬
‫د والتعاَطف والتراحم ‪:‬‬ ‫الخوة الصاَدقَة والتوا ّ‬
‫) إن عبد اللهُ بن سبأَ كاَن يهودياَ فأَسلم ‪ ,‬ووالى علياَ عليهُ السلم ‪ ,‬وكاَن‬
‫ي موسى باَلغلو ‪ ,‬فقاَل في‬ ‫يقول وهو على يهوديتهُ في يوشع بن نون وصا ّ‬
‫ي مثل ذلك ‪ ,‬وكاَن‬ ‫إسلمهُ بعد وفاَة رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وآلهُ في عل ّ‬
‫ى ‪ ,‬وأظهر البراءة من أعدائهُ ‪,‬‬ ‫أول من أشهر القول بفرض إماَمة عل ّ‬
‫وكاَشف مخاَلفيهُ ‪ ,‬وكفرهم ‪ .‬ومن هناَ قَاَل من خاَلف الشيعة ‪ :‬إن التشيع‬
‫والرفض مأَخوذ من اليهودية ( ‪. 1‬‬

‫فاَجتمع حولهُ وتحت لواء التشيع كثر من أبناَء اليهودية البغيضة ‪ ,‬والفرس‬
‫المهزومين ‪ ,‬والباَبليين المكسورِين ‪ ,‬والموالي المقهورِين ‪ ,‬والكاَرِهين‬
‫للعرب حكاَمهم ‪ ,‬والفاَتحين بلدهم ‪ ,‬والخذين زماَم أمورِهم ‪ ,‬بعد فشلهم‬
‫في محاَرِبة السلم وجيوشهُ المظفرة المنصورِة وجهاَ لوجهُ ‪ ,‬واندحاَرِ‬
‫قَوتهم ‪ ,‬وانكساَرِ شوكتهم ‪ ,‬فغّيروا أسلوبهم في مزاحمة السلم جهرا ‪,‬‬
‫وجوا‬ ‫فتس ّتروا بستاَرِ السلم ‪ ,‬ودخلوا في صافوفهُ ‪ ,‬واندمجوا في بيئتهُ ‪ ,‬ورِ ّ‬
‫بين المسلمين أفكاَرِا يهودية ومجوسية ونصرانية ‪ ,‬وعقاَئد مدخولة‬
‫مدسوسة ‪ ,‬نقمة على السلم والمسلمين ‪ ,‬من حلول اللهُ أو الجزء اللهي‬
‫في الخلق ‪ ,‬وإجراء النبوة بعد خاَتم النبيين صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ ‪,‬‬
‫ونزول الوحي وإتياَن الملئكة ‪ ,‬وحصول العصمة ‪ ,‬ووجود شخص في كل‬
‫عصر وزماَن بهُ قَياَم الرِض وثباَتهاَ ‪ ,‬وعقيدة الوصااَية والولية ‪ ,‬والخفاَء‬
‫والكتماَن ‪ ,‬والتأَويل ‪ ,‬و انقساَم العلم إلى الظاَهر والباَطن ‪ ,‬وتقسيم‬
‫الناَس إلى العاَمة والخاَصاة ‪ ,‬وتعطيل الشريعة ومسخهاَ ‪ ,‬ومسخ تعاَليمهاَ ‪,‬‬
‫ورِفع التكليف وغير ذلك من الخرافاَت والترهاَت مماَ ل علقَة لهاَ‬
‫باَلسلم ‪ ,‬قَريبة ول بعيدة ‪ ,‬ولم يقصد من بّثهاَ ودسهاَ إل ضرب السلم‬
‫ومحوهُ من الوجود وتفريق كلمتهُ ‪ ,‬وتشتيت قَوتهُ ‪ ,‬ودرِء هيمنتهُ ‪ ,‬وخرق‬
‫هيبتهُ ‪.‬‬

‫فكاَن هذا هو المقصود من تكوين التشيع وإنشاَئهُ ‪ ,‬فأَدى التشيع في سبيل‬


‫ذلك خدماَت جليلة ‪ ,‬وكاَن أول ضحيتهُ سيدناَ الماَم المظلوم عثماَن بن‬
‫‪ 1‬رجال الكشي ص ‪ 101‬ط مؤسسة العلمي بكربلء ‪ -‬العراق ‪ .‬أيضا تنقيح المقال للمامقاني ج ‪ 2‬ص ‪ 184‬ط طهران ‪,‬‬
‫أيضا فرق الشيعة للنوبختي ص ‪ 44 , 43‬ط المطبعة الحيدرية بالنجف العراق ‪ 1379‬هـ ‪ ,‬كتاب المقالت والفرق لسعد بن‬
‫عبد الله القمي ص ‪ 21‬ط طهران ‪1962‬م ‪ ,‬رجال الطوسي ص ‪ 51‬ط نجف ‪ ,‬تحفة الحباب ص ‪ , 184‬ناسخ التواريخ ج ‪3‬‬
‫ص ‪ 393‬ط إيران ‪ ,‬كتاب الرجال للحلي ص ‪ 469‬ط طهران ‪ 1383‬هـ ‪ ,‬منهج المقال للسترابادي ص ‪ , 303‬شرح ابن أبي‬
‫الحديد ج ‪ 2‬ص ‪ 309‬وغير ذلك من الكتب الشيعية الكثيرة ‪ ,‬ومثله في كتب السنة ‪.‬‬
‫‪106‬‬
‫عفاَن الخليفة الراشد الثاَلث وصاهر رِسول اللهُ ‪ ,‬كماَ كاَن أول ثمرتهُ‬
‫التفرق والتمزق ‪ ,‬والتشتت والتحزب في المة السلمية الواحدة ‪,‬‬
‫المتفقة العقاَئد ‪ ,‬المتحدة الرِاء والفكاَرِ ‪ ,‬فولدت الفرق ‪ ,‬ونشأَت‬
‫الطوائف العديدة وبرزت الرِاء الجديدة ‪ ,‬ورِاجت بين المسلمين مذاهبِ لم‬
‫تكن موجودة ول معروفة من قَبل ‪ ,‬وكثير من المذاهبِ المنحرفة والعقاَئد‬
‫عمت ‪ ,‬ولو أنهُ‬ ‫دت ود ّ‬‫ميت ورِّبيت ‪ ,‬وأم ّ‬
‫ذيت من قَبل التشيع ‪ ,‬ون ّ‬ ‫الزائفة غ ّ‬
‫بعد حين صااَرِ هذا الزيغ والضلل من لوازم تلك النحلة ‪ ,‬وعلئم تلك‬
‫الطاَئفة ‪ ,‬حيث أنسى تقاَدم العهد المصدرِ الصالي ‪ ,‬والمنبع الحقيقي ‪,‬‬
‫م الفتنة ‪,‬‬ ‫والموجد الول ‪ ,‬والمنشئ الصالي ‪ ,‬وكاَن الهدف من هذا أن تع ّ‬
‫ويكثر البلوى ‪ ,‬وتبعد أمة محمد صالى اللهُ عليهُ وسلم من محمد عليهُ الصلة‬
‫والسلم وإرِشاَداتهُ وتوجيهاَتهُ ‪ ,‬وعن الكتاَب الذي أنزل على قَلبهُ الطاَهر ‪,‬‬
‫وعن أحكاَمهُ وضوابطهُ ‪ ,‬وأن تضعف كذلك ‪ ,‬ويضعف سلطاَنهاَ ‪ ,‬وينكمش‬
‫حكمهاَ ‪ ,‬سلطتهاَ و اختياَرِهاَ ‪.‬‬

‫فكاَن إحدى هذهُ الفرق والنحل والمشاَرِب والمذاهبِ ‪ ,‬الصوفية‬


‫والتصوف ‪ ,‬كماَ يظهر لمن درِس كتبِ التاَرِيخ والعقاَئد والمساَلك ‪ ,‬وتعمق‬
‫في منشأَ ومولد الطوائف والنحل أن كل فتنة ظهرت في تاَرِيخ السلم ‪,‬‬
‫وكل دياَنة طلعت من العدم إلى الوجود كاَن رِأسهاَ ومديرهاَ ‪ ,‬أو منشئهاَ‬
‫ومدبرهاَ واحد من الشيعة ‪.‬‬

‫وكذلك كاَن أمر الصوفية ‪ .‬فإن الثلثة الذين اشتهروا في التاَرِيخ السلمي‬
‫باَسم الصوفي ولقبهُ باَدئ ذي بدء كاَن اثناَن منهم من الشيعة أو متهمين‬
‫باَلتشيع ‪ ,‬كماَ أن هؤلء الثلثة كلهم كاَنوا من موطن الشيعة آنذاك ‪ ,‬وهو‬
‫الكوفة ‪.‬‬

‫فأَبو هاَشم الكوفي الذي فصلناَ فيهُ القول فيماَ مر لم يرم باَلتشيع ولكنهُ‬
‫كاَن من الكوفة الشيعية ‪ ,‬ومتهماَ باَلزندقَة والدهرية ‪. 1‬‬
‫أماَ جاَبر بن حياَن فيذكرهُ ماَسينيون بقولهُ ‪:‬‬
‫) وورِد لفظ الصوفي لقباَ مفردا لول مرة في التاَرِيخ في النصف الثاَني‬
‫من القرن الثاَمن الميلدي إذ نعت بهُ جاَبر بن حياَن وهو صااَحبِ كيمياَء‬
‫شيعي من أهل الكوفة ‪ ,‬لهُ في الزهد مذهبِ خاَص ( ‪. 2‬‬

‫وذكرهُ نيكلسون بقولهُ ‪:‬‬


‫) جاَبر بن حياَن الكيمياَئي المعروف كاَن يدعي جاَبر الصوفي ‪ ,‬وأنهُ تقلد‬
‫كماَ تقلد ذو النون المصري علم الباَطن الذي يطلق عليهُ القفطي مذهبِ‬
‫المتصوفين من أهل السلم ( ‪. 3‬‬

‫ويذكر المستشرق التشيكوسلوي بي كراؤس ‪ P. KRAUS‬وم بلسنر ‪M.‬‬


‫‪ PLESSNER‬أن ) جاَبر بن حياَن كاَن من الشيعة الغلة ‪ ,‬ولعلهُ كاَن من‬

‫‪ 1‬انظر طرائق الحقائق للحاج معصوم علي ج ‪ 1‬ص ‪. 101‬‬


‫‪ 2‬انظر دائرة المعارف السلمية أردو ج ‪ 6‬ص ‪ 419‬ط جامعة بنجاب باكستان الطبعة الولى ‪1962‬م ‪ ,‬كذلك التصوف‬
‫لماسينيون ترجمة عربية ص ‪ 26‬ط دار الكتاب اللبناني ‪1984‬م ‪.‬‬
‫‪ 3‬انظر كتاب في التصوف السلمي وتاريخه ترجمة الدكتور أبي العلء العفيفي ص ‪. 11‬‬
‫‪107‬‬
‫القرامطة أو السماَعيلية ‪ ,‬وكاَن يرجح مثل النصيرية سلماَن على محمد ‪,‬‬
‫كماَ كاَن يعتقد مثل الغلة والنصيرية عقيدة تناَسخ الرِواح (‪. 1‬‬

‫وهذان المستشرقَاَن ينقلن عن جاَبر بن حياَن نفسهُ أنهُ يقول ‪:‬‬


‫) إنهُ أخذ جميع علومهُ عن جعفر الصاَدق معدن الحكمة ‪ ,‬وأنهُ ليس إل‬
‫الناَقَل المحض والمرتبِ ( ‪. 2‬‬

‫وبمثل ذلك قَاَل هولمياَرِد النجليزي الذي نشر عديدا من كتبِ جاَبر بن‬
‫حياَن ‪. 3‬‬
‫وأماَ الشيعة فيعدونهُ من أعياَنهم ‪.‬‬
‫فلقد كتبِ السيد محسن المين الشيعي المشهورِ في ترجمتهُ أكثر من‬
‫ثلثين صافحة في كتاَبهُ ) أعياَن الشيعة ( فيقول ‪:‬‬
‫) أبو عبد اللهُ ‪ ,‬ويقاَل ‪ :‬أبو موسى جاَبر بن حياَن بن عبد اللهُ الطرطوسي‬
‫الكوفي المعروف باَلصوفي ‪ ....‬كاَن حكيماَ رِياَضياَ فيلسوفاَ عاَلماَ باَلنجوم‬
‫طبيباَ منطقياَ رِصادياَ مؤلفاَ مكثرا في جميع هذهُ العلوم وغيرهاَ ‪ :‬كاَلزهد‬
‫والمواعظ ‪ ,‬من أصاحاَب الماَم جعفر الصاَدق عليهُ السلم ‪ ,‬وأحد أبوابهُ ‪,‬‬
‫ومن كباَرِ الشيعة ‪ ,‬وماَيأَتي عند تعداد مؤلفاَتهُ يدل على أنهُ كاَن من عجاَئبِ‬
‫الدنياَ ونوادرِ الدهر ‪ ,‬وأن عاَلماَ يؤلف ماَ يزيد على ‪ 3900‬كتاَب في علوم‬
‫جهلهاَ عقلية وفلسفية لهو حقاَ من عجاَئبِ الكون ‪ ,‬فبيناَ هو فيلسوف‬
‫حكيم ومؤلف مكثر في الحيل والنرنجياَت والعزائم ومؤلف في الصناَئع‬
‫وآلت الحرب ‪ ,‬إذا هو زاهد واعظ مؤلف كتباَ في الزهد والمواعظ ( ‪. 4‬‬

‫دوهُ من‬
‫ثم نقل عن عديد من الشيعة أنهم ذكروا في كتبهم الرجاَلية ‪ ,‬وع ّ‬
‫تلمذة جعفر بن الباَقَر ‪ ,‬ثم قَاَل ‪:‬‬
‫) يستفاَد مماَ سلف أمورِ ‪ ,‬وهي ‪ :‬تشيعهُ ‪ ,‬وعلمهُ بصناَعة الكيمياَء ‪ ,‬وتصوفهُ‬
‫‪ ,‬وفلسفتهُ ‪ ,‬وتلمذتهُ على الصاَدق عليهُ السلم ‪ ,‬واشتهاَرِهُ عند أكاَبر‬
‫العلماَء ‪ ,‬واشتهاَرِ كتبهُ بينهم اشتهاَرِا ل مزيد عليهُ ( ‪. 5‬‬

‫ثم كتبِ تحت عنوان ) أماَ تشيعهُ ( ‪:‬‬


‫د ابن طاَوس لهُ في منجمي الشيعة ‪ ,‬ورِواية ابني بسطاَم‬ ‫) فيدل عليهُ ع ّ‬
‫عنهُ عن الصاَدق عليهُ السلم ‪ ,‬ورِوايتهُ خمسماَئة رِساَلة للصاَدق عليهُ‬
‫السلم كماَ ذكرهُ الياَفعي ‪ ,‬ونقل ابن النديم عن الشيعة أنهُ من كباَرِهم‬
‫وأحد البواب ‪ ,‬وأنهُ إنماَ كاَن يعني بسيدهُ جعفر هو الصاَدق ‪,‬ل جعفر‬
‫البرمكي ‪ ,‬ول يناَفيهُ زعم الفلسفة أنهُ منهم ‪ ,‬فإنهُ ل تناَفي بين كونهُ‬
‫فيلسوفاَ وشيعياَ ‪ ,‬إذ المراد الفلسفة السلمية ‪,‬ل فلسفة الحكماَء‬
‫القدماَء التي قَد تناَفي الشريعة ‪ ,‬وقَول ابن النديم ‪ :‬أن لهُ كتباَ في مذاهبِ‬
‫الشيعة كماَ تقدم ذلك كلهُ ( ‪. 6‬‬

‫انظر دائرة المعارف السلمية اردو ج ‪ 7‬ص ‪ 6‬مقال ) بي كراؤس ( و ) م بلنسر ( ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫دائرة المعارف السلمية اردو ج ‪ 7‬ص ‪. 6‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر مقدمة كتاب الرحمة المنشور هولميارد ‪ ,‬وكتاب البيان وغيرهما ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫أعيان الشيعة لمحسن المين الشيعي ج ‪ 15‬ص ‪ 88 , 87‬ط دار التعارف للمطبوعات بيروت ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫أيضا ص ‪. 102‬‬ ‫‪5‬‬

‫أيضا ص ‪. 105‬‬ ‫‪6‬‬


‫‪108‬‬
‫ونقل أيضاَ عن الدكتورِ أحمد فؤاد الهواني أن ) والد جاَبر بن حياَن قَتل‬
‫في خراساَن لتهاَمهُ باَلتشيع (‪. 1‬‬

‫ونضيف إلى ذلك أن الرجاَلي الشيعي المشهورِ الطهراني أيضاَ عدهُ من‬
‫رِجاَل الشيعة حيث ذكر في موسوعتهُ كتاَبين لهُ ‪ ) :‬كتاَب الرحمة الصغير ‪,‬‬
‫وكتاَب الرحمة الكبير لجاَبر بن حياَن الصوفي الطوسي الكوفي المتوفى‬
‫سنة ماَئتين من الهجرة ( ‪. 2‬‬

‫وأماَ من متقدمي الشيعة فيذكرهُ ابن النديم بقولهُ ‪:‬‬


‫) وهو أبو عبد اللهُ جاَبر بن حياَن بن عبد اللهُ الكوفي المعروف باَلصوفي ‪,‬‬
‫واختلف الناَس في أمرهُ ‪.‬‬
‫فقاَلت الشيعة ‪ :‬أنهُ كاَن من كباَرِهم وأحد البواب ‪ ,‬وزعموا أنهُ كاَن صااَحبِ‬
‫جعفر الصاَدق رِضي اللهُ عنهُ ‪ ,‬وكاَن من أهل الكوفة ‪.‬‬

‫وزعم قَوم من الفلسفة أنهُ كاَن منهم ‪ ,‬ولهُ في المنطق والفلسفة‬


‫مصنفاَت ‪.‬‬
‫وزعم أهل صاناَعة الذهبِ والفضة أن الرياَسة انتهت إليهُ في عصرهُ ‪ ,‬وأن‬
‫أمرهُ كاَن مكتوم ‪ .‬وزعموا أنهُ كاَن يتنقل في البلدان ل يستقر بهُ بلد خوفاَ‬
‫من السلطاَن على نفسهُ ‪.‬‬

‫وقَيل ‪ :‬إنهُ كاَن في جملة البرامكة ومنقطعاَ إليهاَ ‪ ,‬ومتحققاَ بجعفر بن‬
‫يحيى ‪ .‬فمن زعم هذا قَاَل ‪ :‬أنهُ عنى بسيدهُ جعفر هو البرمكي ‪.‬‬
‫وقَاَلت الشيعة ‪ :‬إنماَ عنى جعفر الصاَدق ( ‪. 3‬‬

‫ثم أصادرِ رِأيهُ في معتقداتهُ بقولهُ ‪:‬‬


‫) ولهذا الرجل كتبِ في مذاهبِ الشيعة ( ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ونقل عنهُ أنهُ )كاَن تلميذا لجعفر بن محمد الباَقَر ‪ ,‬أو عبدهُ ( ‪. 5‬‬

‫ومماَ يدل على تشيعهُ وكونهُ من الحلوليين والمغاَلين في التشيع ماَ نقلهُ‬
‫في رِساَئلهُ التي تنسبِ إليهُ أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) بعد ماَ سمعت كلم الصاَدق في الكيمياَء والطلسم فخررِت ساَجدا ‪ ,‬فقاَل‬
‫) أي جعفر ( ‪ :‬لو كاَن سجودك لي وحدك لكنت من الفاَئزين ‪ ,‬قَد سجد لي‬
‫آباَئك الولون ‪ ,‬وسجودك لي سجودك لنفسك ( ‪. 6‬‬
‫وأماَ كونهُ تلميذا لجعفر فيقرهُ الحاَج خليفة في ) كشف الظنون ( ‪ ,‬وابن‬
‫خلكاَن في وفياَتهُ ‪. 7‬‬
‫وغيرهمـــــاَ ‪.‬‬
‫ولقد فاَت الدكتورِ الشيبي عندماَ أنكر على جاَبر بن حياَن التصوف حيث‬
‫قَاَل ‪:‬‬
‫أعيان الشيعة ج ‪ 15‬ص ‪. 87‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج ‪ 10‬ص ‪. 171‬‬ ‫‪2‬‬

‫الفهرست لبن اندين ص ‪ 499 , 498‬ط دار المعرفة لبنان ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫أيضا ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫خلصة الثر للمحبي ج ‪ 1‬ص ‪ 213‬نقل عن الشيبي ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫مختار رسائل جابر بن حيان ص ‪. 78‬‬ ‫‪6‬‬

‫انظر وفيات العيان لبن خلكان تحت ترجمة جعفر بن الباقر ‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪109‬‬
‫) أن صالة جاَبر باَلتصوف اسمية لنهُ لم يكن صااَحبِ مجاَهدة أو خوف ‪ ,‬أو‬
‫نطاَقَاَ بأَقَوال زهدية ‪ ,‬وإنماَ نقل عنهُ اشتغاَلهُ باَلكيمياَء ( ‪. 1‬‬

‫قَد فاَتهُ ماَ ذكرهُ ابن النديم في فهرستهُ نقل عن جاَبر بن حياَن نفسهُ أنهُ‬
‫قَاَل ‪:‬‬
‫) ألفت كتباَ في الزهد والمواعظ ( ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وكذلك ماَ نقلهُ هو نفسهُ عن ) أخباَرِ الحكماَء ( أن ) جاَبر بن حياَن كاَن‬


‫مشرفاَ على كثير من علوم الفلسفة ومتقلدا للعلم المعروف بعلم‬
‫الباَطن ‪ ,‬وهو مذهبِ المتصوفين من أهل السلم ‪ ,‬كاَلحاَرِث المحاَسبي ‪,‬‬
‫وسهل بن عبد اللهُ التستري ونظرائهم ( ‪. 3‬‬

‫وكذلك ماَ نقلهُ فيليبِ حتى حيث قَاَل ‪:‬‬


‫) أنهُ ادعى مذهباَ خاَصااَ في الزهد ( ‪. 4‬‬

‫فهذا هو أول الثلثة الذين لقبوا باَلصوفية ‪ ,‬والذي توفي بين ‪ 160‬إلى ‪200‬‬
‫هجرية على اختلف في القَوال ‪.‬‬

‫انظر الصلة بين التصوف والتشيع ج ‪ 1‬ص ‪ 289‬ط دار الندلس بيروت الطبعة الثالثة ‪ 1982‬م ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫الفهرست لبن النديم ص ‪. 503‬‬ ‫‪2‬‬

‫أخبار الحكماء للقفطي ص ‪. 111‬‬ ‫‪3‬‬

‫تاريخ العرب للهتي ج ‪ 2‬ص ‪. 22‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪110‬‬

‫عْبـــــــــــــــــــــدك‬
‫َ‬
‫و أماَ الثاَني فهو عبد اللهُ الصوفي فأَيضاَ ذكرهُ كل من المستشرق‬
‫ماَسينيون والباَحث اليراني الشيعي الدكتورِ قَاَسم غني ‪ ,‬والشيعي‬
‫العراقَي دكتورِ مصطفى الشيبي وغيرهم ‪ ,‬شاَهدين بأَنهُ كاَن شيعياَ‬
‫مغاَلياَ ‪.‬‬

‫فيقول ماَ سينيون ‪:‬‬


‫) أماَ صايغة الجمع ) الصوفية ( التي ظهرت عاَم ‪199‬هـ ) ‪ 814‬م ( في خبر‬
‫فتنة قَاَمت باَلسكندرِية فكاَنت تدل – قَرابة ذلك العهد فيماَ يراهُ‬
‫المحاَسبي والجاَحظ – على مذهبِ من مذاهبِ التصوف السلمي يكون‬
‫شيعياَ نشأَ في الكوفة ‪ ,‬وكاَن عبدك الصوفي آخر أئمتهُ ‪ ,‬وهو من القاَئلين‬
‫بأَن الماَمة باَلتعيين ‪ ,‬وكاَن ل يأَكل اللحم ‪ ,‬وتوفي ببغداد حوالي عاَم ‪210‬هـ‬
‫) ‪ 825‬م( ‪.‬‬

‫وإذن فكلمة ) صاوفي ( كاَنت أول أمرهاَ مقصورِة على الكوفة ( ‪. 1‬‬

‫وكتبِ دكتورِ ) قَاَسم غني ( عنهُ ‪:‬‬


‫) كاَن رِجل معتزل الناَس ‪ ,‬زاهدا ‪ ,‬وكاَن أول من لقبِ بلقبِ الصوفي –‬
‫وأضاَف الدكتورِ قَاَسم غني ‪ :‬وهذا اللفظ كاَن يطلق في تلك الياَم على‬
‫بعض زهاَد الشريعة من الكوفيين ‪ ,‬وقَد أطلقت هذهُ الكلمة أيضاَ في سنة‬
‫‪199‬هـ على بعض الناَس مثل ثوارِ السكندرِية ‪ ,‬ولن عبدك كاَن ل يأَكل‬
‫اللحم ‪ ,‬عدهُ بعض المعاَصارين من الزناَدقَة ‪ .‬وكذلك يقول ماَسينيون ‪ :‬لم‬
‫يكن الساَلكون في القرون الولى يعرفون باَسم الصوفية ‪ ,‬وقَد عرف‬
‫الصوفي في القرن الثاَلث ‪ ,‬وأول من اشتهر في بغداد بهذا السم هو‬
‫عبدك الصوفي الذي كاَن من كباَرِ شيوخهم وأقَطاَبهم ‪ ,‬وهو ساَبق على‬
‫بشر بن الحاَرِث الحاَفي المتوفى سنة ماَئتين وسبع وعشرين ‪ ,‬وأيضاَ قَبل‬
‫السري السقطي المتوفى في سنة ماَئتين وخمس وعشرين ‪.‬‬

‫وبناَء على ذلك ناَلت كلمة الصوفي شهرة في باَدئ المر في الكوفة ‪ ,‬ثم‬
‫أصابحت أهميتهاَ كبيرة بعد نصف قَرن في بغداد ‪ ,‬وصااَرِ المقصود من كلمة‬
‫الصوفية جماَعة عرفاَء العراق باَزاء جماَعة الملمتية الذين كاَنوا من عرفاَء‬
‫خراساَن ‪ ,‬وتجاَوز الطلق حدهُ منذ القرن الرابع وماَ بعدهُ ‪ .‬وأصابح‬
‫المقصود من إطلق كلمة الصوفية ‪ ,‬جميع عرفاَء المسلمين ‪ .‬وارِتداء‬
‫الصوف أي الجبة البيضاَء الصوفية الذي كاَن حوالي أواخر القرن الول من‬
‫عاَدة الخوارِج والمسيحيين ( ‪. 2‬‬

‫هذا ونقل الشيبي عن السمعاَني أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) إن اسم عبدك هو عبد الكريم ‪ ,‬وأن حفيدهُ محمد بن علي بن عبدك‬
‫الشيعي كاَن مقدم الشيعة ( ‪. 3‬‬
‫ثم قَاَل ‪:‬‬

‫دائرة المعارف السلمية أردو ج ‪ 6‬ص ‪ , 419‬أيضا التصوف لماسينيون ترجمة عربية ص ‪. 27‬‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ التصوف في السلم للدكتور قاسم غني ترجمة عربية ص ‪. 65 , 64‬‬ ‫‪2‬‬

‫النساب للسمعاني نقل عن الصلة بين التصوف والتشيع ص ‪. 293‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪111‬‬
‫) وهكذا يبدو عبدك جاَمعاَ لتجاَهاَت عديدة مختلفة ناَبعة من التشيع ‪,‬‬
‫الممتزجة باَلزهد المتأَثر بظروف الكوفة التي انتقل منهاَ كثير من سكاَنهاَ‬
‫إلى بغداد ‪ ,‬بعد أن صااَرِت عاَصامة للدولة الجديدة ‪ ,‬والمهم في شأَن عبدك‬
‫أنهُ أول كوفي يطلق عليهُ اسم صاوفي بعد انتقاَلهُ إلى بغداد ‪ ...‬وقَد رِأيناَ‬
‫أن لبس الصوف قَد نبع من بيئة الكوفة التي عرفت بتمسكهاَ باَلتشيع‬
‫ومعاَرِضتهاَ وحربهاَ باَلسيف أو باَلقول أو باَلقلبِ لمن نكل باَلئمة العلويين‬
‫‪ ,‬وذلك – إذا صاح – يقطع بأَن التصوف في أصاولهُ الولى كاَن متصل‬
‫باَلتشيع ( ‪. 1‬‬

‫هذا ولقد ذكرهُ أيضاَ من المتقدمين الملطي بقولهُ ‪:‬‬


‫) إن عبدك كاَن رِأس فرقَة من الزناَدقَة الذين زعموا أن الدنياَ كلهاَ حرام‬
‫محرم ل يحل الخذ منهاَ إل القوت من حيث ذهبِ أئمة العدل ‪ ,‬ول تحل‬
‫الدنياَ إل بإماَم عاَدل وإل فهي حرام ‪ ,‬ومعاَملة أهلهاَ حرام ‪ ,‬فحل لك أن‬
‫تأَخذ القوت من الحرام من حيث كاَن ( ‪. 2‬‬

‫فهذا هو الرجل الثاَني الذي لقبِ بلقبِ الصوفي بداية المر ‪.‬‬

‫وأماَ الثاَلث فلقد ذكرناَهُ فيماَ مر ‪ ,‬وهو كوفي أيضاَ ‪ ,‬ولكنهُ من العجاَئبِ‬
‫فهو وإن لم يكن متهماَ باَلتشيع متهم باَلزندقَة والدهرية كماَ ذكر الحاَج‬
‫معصوم علي ‪:‬‬
‫كاَن يلبس لباَساَ طويل من الصوف كفعل الرهباَن ‪ ,‬ويرى أنهُ كاَن يقول‬
‫باَلحلول والتحاَد مثل النصاَرِى ‪ ,‬غير أن النصاَرِى أضاَفوا الحلول والتحاَد‬
‫إلى عيسى عليهُ السلم وأضاَفهماَ هو إلى نفسهُ ‪ ,‬وكاَن مترددا بين هاَتين‬
‫الدعوتين ‪ ,‬ولم يعلم على أيهماَ استقر في النهاَية – ونقل عن كتاَب أصاول‬
‫الدياَناَت أنهُ ‪ : -‬كاَن أموياَ وجبرياَ في الظاَهر وباَطنياَ ودهرياَ في الباَطن ‪,‬‬
‫وكاَن مرادهُ من وضع هذا المذهبِ أن يثير الضطراب في السلم ( ‪. 3‬‬

‫ومن الغرائبِ أن شخصاَ آخر وهو ذو النون المصري الذي يقاَل عنهُ ‪ ) :‬أنهُ‬
‫أول من عرف التوحيد باَلمعنى الصوفي ( ‪. 4‬‬

‫وهو ‪ ) :‬رِأس هذهُ الطاَئفة ‪ ,‬فاَلكل قَد أخذ عنهُ وأنتسبِ إليهُ ‪ ,‬وقَد كاَن‬
‫المشاَئخ قَبلهُ ولكنهُ أول من فسر الرِشاَدات الصوفية وتكلم في هذا‬
‫الطريق ( ‪. 5‬‬
‫وأنهُ ‪ ) :‬هو أول من تكلم في بلدهُ في ترتيبِ الحوال ومقاَماَت أهل‬
‫الولية ( ‪. 6‬‬
‫كماَ أثر عنهُ بأَنهُ ) أول من وضع تعريفاَت للوجد والسماَع ( ‪. 7‬‬

‫وعلى ذلك قَاَل بحق ‪ ,‬الكاَتبِ النجليزي المشهورِ عن الصوفية ‪:‬‬

‫الصلة بين التصوف والتشيع ج ‪ 1‬ص ‪. 293‬‬ ‫‪1‬‬

‫التنبيه والرد ّ للملطي تحقيق محمد زاهد الكوثري ص ‪ , 1‬ط مصر ‪ 1360‬هـ ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫طرائق الحقائق للحاج معصوم على ج ‪ 1‬ص ‪. 101‬‬ ‫‪3‬‬

‫انظر الرسالة القشيرية لبي القاسم عبد الكريم القشيري بتحقيق عبد الحليم محمود ط دار الكتب الحديثة – القاهرة ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫نفحات النس للجامي ص ‪ 33‬الطبعة الفارسية إيران ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫النجوم الزاهرة للتغري البردي التابكي ج ‪ 2‬ص ‪ 320‬ط وزارة الثقافة مصر ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫الرسالة القشيرية تحقيق عبد الحليم محمود ط القاهرة ‪.‬‬ ‫‪7‬‬


‫‪112‬‬
‫) هو أحق رِجاَل الصوفية على الطلق بأَن يطلق عليهُ اسم واضع‬
‫التصوف ‪ ,‬وقَد اعترف لهُ باَلفضل في هذا الميدان كّتاَب التراجم المؤرِخون‬
‫من المسلمين ( ‪. 1‬‬

‫فهذا هو الشخص الخر من واضعي التصوف ‪ ,‬وكاَن أيضاَ متهماَ باَلزندقَة‬


‫والشتغاَل باَلسحر والطلسماَت كماَ نقل الماَم الذهبي عن يوسف بن‬
‫أحمد البغدادي أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) كاَن أهل ناَحيتهُ يسمونهُ باَلزنديق ( ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ونقل أيضاَ عن السلمي أنهُ قَاَل ‪:‬‬

‫) ذو النون أول من تكلم ببلدتهُ في ترتيبِ الحوال ‪ ,‬ومقاَماَت الولياَء ‪,‬‬


‫فأَنكر عليهُ عبد اللهُ بن عبد الحكم ‪ ,‬وهجرهُ علماَء مصر ‪ .‬وشاَع أنهُ أحدث‬
‫علماَ لم يتكلم فيهُ السلف ‪ ,‬وهجروهُ حتى رِموهُ باَلزندقَة ‪ .‬فقاَل أخوهُ ‪:‬‬
‫أنهم يقولون ‪ :‬إنك زنديق ‪ .‬فقاَل ‪:‬‬

‫ووضعي كفى تحت خدي‬ ‫وماَلي سوى الطراق والصمت حيلة‬


‫وتذكاَرِي ( ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وقَاَل الماَم الذهبي ‪:‬‬


‫) وقَل ماَ رِوى الحديث ول كاَن يتقنهُ ‪ ,‬وقَاَل الدارِقَطني ‪ :‬رِوى عن ماَلك‬
‫أحاَديث فيهاَ نظر ( ‪. 4‬‬

‫والصوفي المشهورِ فريد الدين العطاَرِ يكتبِ في ترجمتهُ أنهُ ) كاَن من‬
‫الملمتية لنهُ أخفى تقواهُ بظهورِهُ في الناَس باَلستخفاَف بأَمورِ الشرع ‪,‬‬
‫ولذلك عدهُ المصريون زنديقاَ ‪ ,‬ولو أنهم اعترفوا لهُ باَلولية بعد موتهُ ( ‪. 5‬‬

‫وقَد ذكرهُ ابن النديم من الملمين بعلم الكيمياَء ‪ ,‬والعاَرِفين بهُ والكاَتبين‬
‫فيهُ ‪. 6‬‬

‫ويذكرهُ القفطي بقولهُ ‪:‬‬


‫) ذو النون بن إبراهيم الخميمي المصري ‪ ,‬من طبقة جاَبر بن حياَن في‬
‫انتحاَل صاناَعة الكيمياَء ‪ ,‬وتقلد علم الباَطن والشراف على كثير من علوم‬
‫الفلسفة ‪ .‬وكاَن كثير الملزمة لبر باَ بلدة إخميم ‪ ,‬فإنهاَ بيت من بيوت‬
‫الحكمة القديمة ‪ ,‬وفيهاَ التصاَوير العجيبة والمثاَلت الغريبة التي تزيد‬
‫المؤمن إيماَناَ ‪ ,‬والكاَفر طغياَناَ ‪ .‬ويقاَل ‪ :‬أنهُ فتح عليهُ علم ماَ فيهاَ بطريق‬
‫الولية ‪ .‬وكاَنت لهُ كراماَت ( ‪. 7‬‬

‫وكذلك المسعودي يذكر أنهُ ) جمع معلوماَتهُ عن ذي النون من أهل إخميم‬


‫عندماَ زارِ هذا البلد ‪ .‬وهو يروي عنهم أن أباَ الفيض ذا النون المصري‬
‫في التصوف السلمي وتاريخه لينكسون ترجمة أبي العلء العفيفي ص ‪ 7‬ط القاهرة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر سير أعلم النبلء للذهبي ج ‪ 11‬ص ‪. 533‬‬ ‫‪2‬‬

‫أيضا ص ‪. 534‬‬ ‫‪3‬‬

‫أيضا ص ‪. 533‬‬ ‫‪4‬‬

‫تذكرة الولياء لفريد الدين العطار ص ‪ 69‬ط باكستان ‪ ,‬أيضا في التصوف السلمي وتاريخه لنيكلسون ص ‪. 9‬‬ ‫‪5‬‬

‫انظر ابن النديم ص ‪. 504 , 503‬‬ ‫‪6‬‬

‫إخبار العلماء بأخبار الحكماء ص ‪ 185‬المنقول من كتاب في التصوف السلمي وتاريخه لنيلكسون ص ‪. 9‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪113‬‬
‫الخميمي الزاهد كاَن حكيماَ سلك طريقاَ خاَصااَ ‪ ,‬وأتخذ في الدين سيرة‬
‫خاَصاة ‪ ,‬وكاَن من المعنيين بحل رِموز البرابي في إخميم ‪ ,‬كثير التطواف‬
‫بهاَ ‪ .‬وأنهُ وفق إلى حل كثير من الصورِ والنقوش المرسومة عليهاَ ‪ ,‬ثم‬
‫يذكر المسعودي ترجمة لطاَئفة من هذهُ النقوش التي ادعى ذو النون أنهُ‬
‫قَرأهاَ وحلهاَ ( ‪. 1‬‬

‫ثم وبعد ذكر هذهُ العباَرِات كتبِ نيكلسون ماَ خلصاتهُ ‪ ) :‬أن ذا النون كاَن‬
‫كثير العكوف على درِاسة النقوش البصرية المكتوبة على المعاَبد وحل‬
‫رِموزهاَ ‪ ,‬كماَ كاَنت مصر القديمة في نظر المسلمين مهد علوم الكيمياَء‬
‫والسحر وعلوم السرارِ ‪ ,‬وكاَن هو من أصاحاَب الكيمياَء والسحر مع أن‬
‫السلم حرم السحر ‪ ,‬ولذلك سترهُ بلباَس الكراماَت ‪ ,‬ومن هناَ بدا تأَثير‬
‫السحر في التصوف ‪ ,‬ويؤيد ذلك استخدام ذي النون الدعية السحرية‬
‫واستعماَلهُ البخورِ لذلك كماَ ذكرهُ القشيري في رِساَلتهُ ( ‪. 2‬‬

‫فهذا هو الرجل الخر من الثلثة الول الذين يقاَل عنهم بأَنهم أول من‬
‫لقبوا بهذا اللقبِ ‪ ,‬ووصافوا بهذا الوصاف ‪ ,‬وعرفوا بهذا الرسم أو عّرفوا‬
‫هذا الطريق إلى الناَس باَدئ ذي بدء ‪.‬‬

‫انظر في التصوف السلمي وتاريخه نقل عن مروج الذهب ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر السابق ص ‪ 9‬وما بعد‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪114‬‬

‫وف‬
‫ص ّ‬
‫ل الت ّ َ‬ ‫سل َ ِ‬
‫س ُ‬ ‫َ‬
‫ومن شواهد تأَثر التصوف باَلتشيع وعلماَئهاَ أن سلسل التصوف كلهاَ ماَ‬
‫عدا الناَدرِ القليل منهاَ تنتهي إلى علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ دون‬
‫ساَئر أصاحاَب رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬وفي طرق إسناَدهاَ إلى‬
‫علي أسماَء أئمة الشيعة المعصومين حسبِ زعمهم من أولد علي رِضي‬
‫اللهُ عنهُ دون غيرهم ‪ ,‬وأن رِؤساَء هذهُ العصاَبة يذكر لهم اتصاَل وثيق ‪,‬‬
‫وصالت وطيدة مع أئمة القوم كماَ يذكر في تراجمهم وسيرهم وأحوالهم ‪,‬‬
‫إضاَفة إلى ذلك أن الخرقَة الصوفية ل يبدأ ذكرهاَ أيضاَ إل من علي رِضي‬
‫اللهُ عنهُ أيضاَ ‪.‬‬

‫فإن علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ مع كونهُ من ساَدة أصاحاَب رِسول‬
‫اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم وأشرافهم ‪ ,‬ومن العشرة المبشرين باَلجنة ‪,‬‬
‫ورِابع الرِبعة من الخلفاَء الراشدين الذين خلفوا رِسول اللهُ صالى اللهُ‬
‫عليهُ وسلم بعد وفاَتهُ لقياَدة هذهُ المة وتسيير أمورِهاَ ولكنهُ لم يكن أزهد‬
‫من أبي بكر الصديق رِضي اللهُ عنهُ ‪ ,‬ول من عمر الفاَرِوق رِضي اللهُ عنهُ‬
‫) أبي بكر الصديق الساَبق باَلتصديق الملقبِ باَلعتيق ‪ ,‬المؤيد من اللهُ‬
‫باَلتوفيق ‪ ,‬صااَحبِ النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم في الحضر والسفاَرِ ‪,‬‬
‫ورِفيقهُ الشفيق في جميع الطوارِ ‪ ,‬وضجيعهُ بعد الموت في الروضة‬
‫المحفوفة باَلنوارِ ‪ ,‬المخصوص في الذكر الحكيم بمفخر فاَق بهُ كاَفة‬
‫الخياَرِ ‪ ,‬وعاَمة البرارِ ‪ ,‬وبقي لهُ شرفهُ على كرورِ العصاَرِ ‪ ,‬ولم يسم‬
‫إلى ذرِوتهُ همم أولي اليدي والبصاَرِ ‪ ,‬حيث يقول علم السرارِ ‪ :‬ثاَني‬
‫اثنين إذ هماَ في الغاَرِ ‪ ,‬إلى غير ذلك من الياَت والثاَرِ ‪ ,‬ومشهورِ النصوص‬
‫الوارِدة فيهُ والخباَرِ ‪ ,‬التي غدت كاَلشمس في النتشاَرِ ‪ ,‬وفضل كل من‬
‫فاَضل ‪ ,‬وفاَق كل من جاَدل وناَضل ‪ ,‬ونزل فيهُ ‪:‬ل يستوي منكم من أنفق‬
‫من قَبل الفتح وقَاَتل ‪ ,‬توحد الصديق ‪ ,‬في الحوال باَلتحقيق ‪ ,‬واختاَرِ‬
‫الختياَرِ من اللهُ دعاَهُ إلى الطريق ‪ ,‬فتجرد من الموال ‪ ,‬والغراض ‪,‬‬
‫وانتصبِ في قَياَم التوحيد للتهدف والغراض ‪ ,‬صااَرِ للمحن هدفاَ ‪ ,‬وللبلء‬
‫غرضاَ ‪ ,‬وزهد فيماَ عزلهُ جوهرا كاَن أو عرضاَ ( ‪. 1‬‬

‫) وماَت ولم يترك ديناَرِا ول درِهماَ ( ‪. 2‬‬


‫) وكفن في ثوبين مستعملين قَديمين ( ‪. 3‬‬

‫وقَاَل في آخر لحظاَتهُ من الحياَة موصاياَ أهلهُ وورِثتهُ ‪:‬‬


‫) أماَ إ ّناَ منذ وليناَ أمر المسلمين لم نأَكل لهم ديناَرِا ول درِهماَ ولكناَ قَد‬
‫أكلناَ من جريش طعاَمهم في بطونناَ ‪ ,‬ولبسناَ من خشن ثياَبهم على‬
‫ظهورِناَ وليس عندناَ من فيء المسلمين قَليل ول كثير إل هذا العبد‬
‫الحبشي ‪ ,‬وهذا البعير الناَضح ‪ ,‬وجرد هذهُ القطيفة ‪ ,‬فإذا مت فاَبعثي بهن‬
‫إلى عمر وأبرئي منهن ‪ .‬ففعلت ‪.‬‬

‫حلية الولياء وطبقات الصفياء للصفهاني ص ‪ 29 , 28‬ط دار الكتاب العربي بيروت ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫طبقات بن سعد ج ‪ 3‬ص ‪. 195‬‬ ‫‪2‬‬

‫أيضا ‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪115‬‬
‫فلماَ جاَء الرسول بكى عمر حتى جعلت دموعهُ تسيل في الرِض ويقول ‪:‬‬
‫رِحم اللهُ أباَ بكر لقد أتعبِ من بعدهُ ( ‪. 1‬‬

‫وعمر الفاَرِوق رِضي اللهُ عنهُ ) ذو المقاَم الثاَبت المأَنوق ‪ ,‬أعلن اللهُ تعاَلى‬
‫بهُ دعوة الصاَدق المصدوق ‪ ,‬وفرق بهُ بين الفصل والهزل ‪ ,‬وأيد بماَ قَواهُ بهُ‬
‫من لوامع الطول ‪ ,‬ومهد لهُ من مناَئح الفضل شواهد التوحيد ‪ ,‬وبدد بهُ مواد‬
‫التنديد ‪ ,‬فظهرت الدعوة ‪ ,‬ورِسخت الكلمة ‪ ,‬فجمع اللهُ تعاَلى بماَ منحهُ من‬
‫الصولة ‪ ,‬ماَ نشأَت لهم من الدولة ‪ ,‬فعلت باَلتوحيد أصاواتهم بعد تخاَفت ‪,‬‬
‫وتثبتوا في أحوالهم بعد تهاَفت ‪ ,‬غلبِ كيد المشركين بماَ ألزم قَلبهُ من حق‬
‫اليقين ‪,‬ل يلتفت إلى كثرتهم وتواطيهم ‪ ,‬ول يكترث لمماَنعتهم‬
‫وتعاَطيهم ‪ ,‬إتكاَل ‪ ,‬اتكاَل على من هو منشئهم وكاَفيهم ‪ ,‬واستنصاَرِا بمن‬
‫هو قَاَصامهم وشاَفيهم ‪ ,‬محتمل لماَ احتمل الرسول ‪ ,‬ومصطبرا على‬
‫المكاَرِهُ لماَ يؤمل من الوصاول ‪ ,‬ومفاَرِقَاَ لمن اختاَرِ التنعم والترفيهُ ‪,‬‬
‫ومعاَنقاَ لماَ كلف من التشمر والتوجيهُ ‪ ,‬المخصوص من بين الصحاَبة‬
‫باَلمعاَرِضة للمبطلين ‪ ,‬والموافقة في الحكاَم لرب العاَلمين ‪ ,‬السكينة‬
‫تنطق على لساَنهُ ‪ ,‬والحق يجري الحكمة عن بياَنهُ ‪ ,‬كاَن للحق ماَئل ‪ ,‬وباَلحق‬
‫صااَئل ‪ ,‬وللثقاَل حاَمل ‪ ,‬ولم يخف دون اللهُ طاَئل ( ‪. 2‬‬

‫و) كاَن بين كتفيهُ أرِبع رِقَاَع ‪ ,‬وإزارِهُ مرقَوع بأَدم ‪ ,‬وخطبِ على المنبر‬
‫وعليهُ إزارِ فيهُ اثني عشر رِقَعة ‪ ,‬وأنفق في حجتهُ ستة عشر ديناَرِا ‪ ,‬وقَاَل‬
‫لبنهُ ‪ :‬قَد أسرفناَ ‪.‬‬
‫وكاَن ل يستظل بشيء غير أنهُ كاَن يلقى كساَءهُ على الشجر ويستظل‬
‫تحتهُ ‪ ,‬وليس لهُ خيمة ول فسطاَط ( ‪. 3‬‬

‫وقَاَل في وصايتهُ التي وصاى بهاَ ابنهُ في آخر لحظة من عمرهُ ‪ ,‬وقَد‬
‫استسلف ماَل من بيت ماَل المسلمين ‪:‬‬
‫) بع فيهاَ أموال عمر ‪ ,‬فإن وفت وإل فسل بني عدي ‪ ,‬وإن وفت وإل فسل‬
‫قَريشاَ و ل تعدهم ( ‪. 4‬‬

‫دا على الشيعة الذين‬ ‫وإلى ذلك أشاَرِ شيخ السلم ابن تيمية في منهاَجهُ رِ ّ‬
‫قَاَلوا ‪ :‬إن علياَ كاَن أزهد أصاحاَب رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬فقاَل ‪:‬‬
‫) أزهد الناَس بعد رِسول اللهُ الزهد الشرعي أبو بكر وعمر ‪ ,‬وذلك أن أباَ بكر‬
‫كاَن لهُ ماَل يكسبهُ فأَنفقهُ ملهُ في سبيل اللهُ ‪ ...‬ولقد تل أباَ بكر عمر في‬
‫هذا الزهد ‪ ,‬وكاَن فوق علي في ذلك يعني في إعراضهُ عن الماَل واللذات ‪.‬‬

‫وأماَ علي رِضي اللهُ عنهُ فتوسع في هذا الماَل من حلهُ ‪ ,‬وماَت عن أرِبع‬
‫زوجاَت وتسعة عشر أم ولدا ً سوى الخدم ‪ ,‬وتوفي عن أرِبعة وعشرين ولدا‬
‫من ذكر وأنثى ‪ ,‬وترك لهم من العقاَرِ والضياَع ماَ كاَنوا بهُ أغنياَء قَومهم‬
‫ومياَسيرهم ‪ ,‬هذا أمر مشهورِ ل يقدرِ على إنكاَرِهُ من لهُ أقَل علم‬

‫أيضا ص ‪. 196‬‬ ‫‪1‬‬

‫حلية الولياء للصفهاني ج ‪ 1‬ص ‪. 38‬‬ ‫‪2‬‬

‫البداية والنهاية لبن كثير ج ‪ 7‬ص ‪. 135 , 134‬‬ ‫‪3‬‬

‫طبقات ابن سعد ج ‪ 3‬ص ‪. 358‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪116‬‬
‫باَلخباَرِ ‪ ...‬فصح باَلبرهاَن الضرورِي أن أباَ بكر رِضي اللهُ عنهُ أزهد من‬
‫جميع الصحاَبة رِضي اللهُ عنهم ‪ ,‬ثم عمر ( ‪. 1‬‬

‫هذا وكاَن في أصاحاَب رِسول اللهُ زهاَد آخرون ولكن المتصوفة لم ينهوا‬
‫سلسلة سندهم إل إلى علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ مثل الشيعة‬
‫الذين يجعلونهُ أول إماَم لهم ‪ .‬كماَ نقل الهجويري عن الجنيد أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) شيخناَ في الصاول والبلء على المرتضى ‪ ,‬أي أن علي بن أبي طاَلبِ هو‬
‫إماَم هذهُ الطريقة في العلم والمعاَملة ‪ ,‬فأَهل الطريقة يطلقون على علم‬
‫الطريقة اسم الصاول ‪ ,‬ويسمون تحمل البلء فيهاَ باَلمعاَملت ( ‪. 2‬‬

‫وهو الذي نقل عنهُ العطاَرِ أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) ولقد وهبهُ اللهُ تعاَلى من العلم والحكمة والكرامة ‪ ,‬وماَذا كناَ نصنع لو لم‬
‫ينطق المرتضى بهذا القول على سبيل الكرامة ( ‪. 3‬‬
‫ويقول الطوسي أبو نصر السراج ‪:‬‬

‫) ولمير المؤمنين علي رِضي اللهُ عنهُ خصوصاية من بين جميع أصاحاَب‬
‫رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم بمعاَني جليلة ‪ ,‬وإشاَرِات لطيفة ‪ ,‬وألفاَظ‬
‫مفردة ‪ ,‬وعباَرِة وبياَن للتوحيد والمعرفة واليماَن والعلم ‪ ,‬وغير ذلك ‪,‬‬
‫وخصاَل شريفة تعلق وتخلق بهُ أهل الحقاَئق من الصوفية ( ‪. 4‬‬
‫) وأماَ علي بن أبي طاَلبِ كرم اللهُ وجههُ فذاك مدينة العلم ‪ ,‬وأول آخذ‬
‫لبيعة الطريق – طريق الولياَء – وأول ملقن باَلذكر والسر من الرسول‬
‫صالى اللهُ عليهُ وسلم ( ‪. 5‬‬
‫لن جبريل عليهُ السلم نزل إلى رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ) :‬أول‬
‫باَلشريعة ‪ ,‬فلماَ تقررِت ظواهر الشريعة واستقرت نزل إليهُ باَلحقيقة‬
‫المقصودة والحكمة المرجوهُ من أعماَل الشريعة وهي اليماَن والحساَن‬
‫فخص رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم بباَطن الشريعة بعض أصاحاَبهُ دون‬
‫البعض ‪.‬‬

‫وكاَن أول من أظهر علم القوم وتكلم فيهُ سيدناَ على كرم اللهُ وجههُ عن‬
‫رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ( ‪. 6‬‬

‫فإن علياَ رِضي اللهُ عنهُ حسبِ كلم المتصوفة ‪ ) :‬من أصاحاَب العلم وممن‬
‫يعلمون من اللهُ ماَ لم يعلمهُ غيرهُ ( ‪. 7‬‬

‫ول جبرائيل وميكاَئيل لن رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ) لماَ لقن علي‬
‫بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ ‪ ,‬وخلع عليهُ ذلك صااَرِ يقول ‪:‬‬
‫ى رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ماَ ليس‬‫رهُ إل ّ‬
‫عندي من العلم الذي أس ّ‬
‫عند جبريل ول ميكاَئيل ( ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫منهاج السنة النبوية لشيخ السلم ابن تيمية ج ‪ 4‬ص ‪. 131 , 130 , 129‬‬ ‫‪1‬‬

‫كشف المحجوب للهجويري ترجمة عربية للدكتورة اسعاد عبد الهادي ص ‪ 274‬ط بيروت ‪. 1980‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر تذكرة الولياء لفريد الدين العطار ص ‪ 185‬ط باكستان ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫انظر كتاب اللمع للطوسي ص ‪. 179‬‬ ‫‪4‬‬

‫جمهرة الولياء وأعلم أهل التصوف للمنوفي الحسيني ج ‪ 1‬ص ‪. 122‬‬ ‫‪5‬‬

‫أيضا ص ‪. 159‬‬ ‫‪6‬‬

‫الفتوحات المكية لبن عربي ج ‪ 1‬ص ‪. 260‬‬ ‫‪7‬‬

‫درر الغواص للشعراني ص ‪ 73‬بهامش البريز للدباغ ط مصر ‪.‬‬ ‫‪8‬‬


‫‪117‬‬

‫وعلى ذلك نقل الطوسي عن الوجيهي أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫سمعت أباَ علي الروذباَرِي يقول ‪ :‬سمعت جنيدا رِحمهُ اللهُ يقول ‪:‬‬
‫) رِضوان اللهُ على أمير المؤمنين علي ‪ ,‬رِضي اللهُ عنهُ ‪ ,‬لول أنهُ اشتغل‬
‫باَلحروب لفاَدناَ من علمناَ هذا معاَني كثيرة ‪ ,‬ذاك امرؤ أعطى علم الّلدني ‪,‬‬
‫ص بهُ الخضر عليهُ السلم ‪ ,‬قَاَل تعاَلى ‪:‬‬ ‫والعلم الّلدني هو العلم الذي خ ّ‬
‫} وعلمناَهُ من لدّناَ علماَ { ( ‪. 1‬‬

‫ورِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم جعلهُ بمنزلهُ هاَرِون من موسى مع‬
‫الفضل العظيم لبي بكر ) ولم يشرك الحبيبِ الرسول المقرب الخليل في‬
‫مقاَم الخ ّلة كماَ صالح أن يشرك معهُ في مقاَم الخوة علياَ كرم اللهُ وجههُ‬
‫فقاَل ‪ :‬علي مني بمنزلة هاَرِون من موسى ( ‪. 2‬‬

‫وكاَن لهُ مقاَم ومنزلة عند الصوفية إلى أن نقل الشعراني عن أحد‬
‫المتصوفين أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) إن علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ رِفع كماَ رِفع عيسى عليهُ السلم ‪,‬‬
‫وسينزل كماَ ينزل عيسى عليهُ السلم – ثم يقول الشعراني ‪ :‬قَلت ‪ :‬وبذلك‬
‫قَاَل سيدي على الخواص رِضي اللهُ عنهُ فسمعتهُ يقول ‪:‬‬
‫إن نوحاَ عليهُ السلم أبقى من السفينة لوحاَ على اسم علي بن أبي طاَلبِ‬
‫رِضي اللهُ عنهُ يرفع عليهُ إلى السماَء فلم يزل محفوظاَ في صاياَنة القدرِة‬
‫حتى رِفع علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ ( ‪. 3‬‬

‫فهذا هو علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ ومكاَنتهُ ‪ ,‬ومنزلتهُ ‪ ,‬وشأَنهُ ‪ ,‬وقَد‬
‫نقل باَحث شيعي عن جلل الدين الرومي الصوفي الفاَرِسي المشهورِ أنهُ‬
‫ل على رِؤيتهم إلى علي وعقيدتهم فيهُ ‪ ,‬فيقول ‪:‬‬ ‫قَاَل في أبياَتهُ ماَ تد ّ‬

‫ي‬
‫) مـــــنذ كـــــاَنت صاـــــــــــــورِة تركيبِ العـــاَلم كاَن عل ّ‬
‫ي‬
‫مـــــــنذ نقشـــــت الرِض وكـــــاَن الزمــــــاَن كاَن عل ّ‬
‫ي‬
‫كاَن عل ّ‬ ‫ذلك الفاَتح الذي انتزع باَب خيبر بحملة واحدة‬
‫كلــــــــماَ تأَملت في الفــــــاَق ونظــــــــــــرت‬
‫ي‬
‫كاَن عل ّ‬ ‫أيقــــــــــــــنت بأَنـــــــــــهُ في المــــوجــودات‬
‫إن مـــن كــــــاَن هو الـــوجـــود ‪ ,‬ولـــــولهُ‬
‫ي‬
‫كاَن عل ّ‬ ‫لســـــــــرى العــدم في العاَلم الموجود ) إياَهُ (‬
‫إن ســـــر العاَلمـــــين الظاَهر والبـــــاَطن‬
‫ي( ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫كاَن عل ّ‬ ‫الـــــذي بدا في شمـــــس تبريـــــــــــز‬

‫وهذا الغلو في علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ عندماَ يقاَرِن باَلغلو‬
‫ل منهُ في صاورِة من الصورِ ‪.‬‬‫الشيعي فيهُ ‪ ,‬ليس بأَقَ ّ‬

‫وإليهُ تنتسبِ سلسل التصوف كلهاَ كماَ قَاَل محمد معصوم شيرازي‬
‫الملقبِ بمعصوم علي شاَهُ ‪:‬‬
‫كتاب اللمع للطوسي ص ‪. 179‬‬ ‫‪1‬‬

‫الفتوحات المكية لبن عربي ج ‪ 3‬ص ‪. 315‬‬ ‫‪2‬‬

‫طبقات الشعراني ج ‪ 2‬ص ‪. 44‬‬ ‫‪3‬‬

‫غزليات شمس تبريزي ط طهران المنقول من كتاب الصلة بين التصوف والتشيع ص ‪. 85 , 84‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪118‬‬
‫) ولبد لكل سلسلة من سلسل التصوف من الزل إلى البد ‪ ,‬ومن آدم إلى‬
‫انقراض الدنياَ أن تكون متصلة بسيد العاَلمين وأمير المؤمنين ( ‪. 1‬‬
‫لنهُ ) أزهد الصحاَبة عند المتصوفة ( ‪. 2‬‬
‫كماَ هو ) رِأس الفتوة وقَطبهاَ ( ‪. 3‬‬

‫ي عند المتصوفة هو علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ ‪ ,‬ومنهُ‬ ‫فأَول ول ّ‬
‫إنتقل الولية إلى غيرهُ من الولياَء كماَ أنهُ أول إماَم عند الشيعة ‪,‬‬
‫وتسلسلت منهُ فورِثهاَ غيرهُ ‪ ,‬وكذلك الفتوة والقطبية ‪ ,‬وهو الذي ألبس‬
‫خرقَتهُ الحسن البصري ‪ ,‬وهذهُ الخرقَة التي يلبسهاَ المتصوفة خلفاَءهم‬
‫وورِثتهم ‪. 4‬‬

‫ص على تشيع هذا ابن خلدون في مقدمتهُ حيث يقول عند ذكر الصوفية‬ ‫وين ّ‬
‫‪:‬‬
‫) إنهم لماَ أسندوا لباَس خرقَة التصوف ليجعلوهُ أصال لطريقتهم وتخّيلهم‬
‫ي رِضي‬ ‫ي رِضي اللهُ عنهُ وهو من هذا المعنى أيضاَ ‪ ,‬وإل فعل ّ‬ ‫رِفعوهُ إلى عل ّ‬
‫ص من بين الصحاَبة بتخليهُ ول طريقة في اللباَس ول الحاَل‬ ‫اللهُ عنهُ لم يخت ّ‬
‫‪ ,‬بل كاَن أبو بكر وعمر رِضي اللهُ عنهماَ أزهد الناَس بعد رِسول اللهُ صالى‬
‫ص أحد منهم في الدين بشيء‬ ‫اللهُ عليهُ وسلم وأكثرهم عباَدة ‪ ,‬ولم يخت ّ‬
‫يؤثر عنهُ في الخصوص ‪ ,‬بل كاَن الصحاَبة كلهم أسوة في الدين والزهد‬
‫والمجاَهدة ‪ ,‬يشهد لذلك من كلم هؤلء المتصوفة في أمر الفاَطمي وماَ‬
‫شحنوا كتبهم في ذلك مماَ ليس لسلف المتصوفة فيهُ كلم بنفي أو إثباَت ‪,‬‬
‫وإنماَ هو مأَخوذ من كلم الشيعة والرافضة ومذاهبهم في كتبهم واللهُ‬
‫يهدي إلى الحق ( ‪. 5‬‬

‫ي ‪ ,‬ورِواية لبس الحسن‬ ‫وهذا إضاَفة إلى أن هذهُ الخرقَة ونسبتهاَ إلى عل ّ‬
‫البصري كلهاَ باَطل ‪,‬ل أصال لهُ ‪ ,‬لنهُ ) لم يثبت لقاَء الحسن مع علي بن أبي‬
‫طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ على القول الصحيح ‪ ,‬لن علياَ رِضي اللهُ عنهُ انتقل‬
‫من المدينة إلى الكوفة والحسن صاغيرا ( ‪. 6‬‬

‫وعلى كل فإن الصوفية ينهون سند لبس الخرقَة إلى علي بن أبي طاَلبِ‬
‫رِضي اللهُ عنهُ ‪ ,‬كماَ ينهون إليهُ سلسلهم ‪.‬‬
‫ي بن أبي طاَلبِ وحدهُ ‪ ,‬بل يقولون مثل ماَ يقولهُ‬ ‫ول يقتصرون على عل ّ‬
‫الشيعة تماَماَ ‪ ) :‬وثاَمن الفتياَن بعد النبوة والرساَلة علي بن أبي طاَلبِ‬
‫كرم اللهُ وجههُ حيث أسلم صابياَ ‪ ,‬وجاَهد في سبيل اللهُ مراهقاَ ‪ ,‬وبوأهُ اللهُ‬
‫قَطباَنية الولياَء رِجل وكهل ‪.‬‬
‫وعنهُ أخذ الفتوة ابناَهُ الحسن والحسين وهي أعلى مقاَماَت الولية عد‬
‫القطباَنية التي هي منهاَ والصديقة التي هي كماَلهاَ ‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر طرائق الحقائق لمعصوم علي شاه ج ‪ 1‬ص ‪. 251‬‬


‫‪ 2‬انظر قوت القلوب لبي طالب المكي ج ‪ 1‬ص ‪. 267‬‬
‫‪ 3‬آئين جوانمردي مقدمة هنري كاربين ص ‪ , 8‬أيضا فتوت نامه لعبد الرزاق كاشاني ص ‪ 29‬ط طهران ‪ 1363‬شمسي ترجمة‬
‫فارسية إحسان نراقي ‪ ,‬أيضا طبقات الشعراني ج ‪ 2‬ص ‪ , 92‬أيضا جامع الصول في الولياء للكمشخانوي ص ‪. 7‬‬
‫‪ 4‬انظر عوارف المعارف للسهروردي ص ‪ , 98‬أيضا الرسالة القشيرية ج ‪ 2‬ص ‪ , 747‬أيضا فوائح الجمال لنجم الدين الكبرى‬
‫ص ‪ , 282‬أيضا النوار القدسية للشعراني ص ‪. 49‬‬
‫‪ 5‬مقدمة ابن خلدون ص ‪. 473‬‬
‫‪ 6‬انظر تهذيب التهذيب لبن حجر ‪ ,‬والتذكرة للذهبي ‪ ,‬الرسائل والمسائل لبن تيمية ‪ ,‬كذلك التصوف لماسينيون ‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫ومن دلئل فتوة الحسن رِضي اللهُ عنهُ أن آثر الخلفة الباَطنة على الخلفة‬
‫الظاَهرة ‪ ,‬وتناَزل عن الظاَهرة حقناَ لدماَء المسلمين ‪.‬‬

‫ومن دلئل فتوة الحسين أن الشهيد العظم في سبيل اللهُ وفي سبيل‬
‫الماَنة ‪.‬‬

‫ص اللهُ تعاَلى بهاَ علياَ كرم اللهُ وجههُ أنهُ إذا كاَن‬
‫ومن الخصاَئص التي خ ّ‬
‫ي باَبهاَ ‪ ,‬وإن كاَن للفروسية أو الولية فتياَن فهو‬ ‫الرسول مدينة العلم فعل ّ‬
‫فتاَهماَ الول ‪.‬‬
‫فعلي بن أبي طاَلبِ كرم اللهُ وجههُ أول فتياَن هذهُ المة وفتى أولياَئهاَ ‪,‬‬
‫وحسبهُ في ذلك أن أرِاد إفتداء الرسول بنفسهُ ( ‪. 1‬‬

‫ويقول أيضاَ ‪:‬‬


‫) إن علي بن أبي طاَلبِ أخذ البيعة الخاَصاة بطريق اللهُ عن رِسول اللهُ‬
‫صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬ولقن بهاَ ابنهُ الحسن ‪ ,‬ثم الحسين ( ‪. 2‬‬

‫وكاَن الصوفي المشهورِ أبو العباَس المرسي تلميذ الشاَذلي يقول ‪:‬‬
‫) طريقناَ هذهُ ل تنسبِ للمشاَرِقَة ول للمغاَرِبة ‪ ,‬بل واحد عن واحد إلى‬
‫الحسن بن علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ ‪ ,‬وهو أول القَطاَب ( ‪. 3‬‬

‫وقَاَلوا ‪:‬‬
‫) وكاَن من أوائل أهل طريق اللهُ بعد الصحاَبة علي بن الحسين زين‬
‫العاَبدين ‪ ,‬وابنهُ محمد بن علي الباَقَر ‪ ,‬وابنهُ جعفر بن محمد الصاَدق ‪ ,‬وذلك‬
‫بعد علي والحسن والحسين رِضي اللهُ عنهم جميعاَ (‪. 4‬‬

‫ويقول الكلباَذي في الباَب الثاَني من تعرفة ‪:‬‬


‫) ممن نطق بعلومهم ‪ ,‬وعبر عن مواجيدهم ‪ ,‬ونشر مقاَماَتهم ‪ ,‬ووصاف‬
‫أحوالهم قَول وفعل بعد الصحاَبة رِضوان اللهُ عليهم ‪ :‬علي بن الحسين زين‬
‫العاَبدين ‪ .‬وابنهُ محمد الباَقَر ‪ .‬وابنهُ جعفر بن محمد الصاَدق رِضي اللهُ‬
‫عنهم ( ‪. 5‬‬

‫دون الماَم‬ ‫فاَنظر الترتيبِ ‪ ,‬وهذا نفس ترتيبِ الشيعة لئمتهم ‪ ,‬حيث يع ّ‬
‫الول والثاَني والثاَلث عليهُ وابنهُ الحسن والحسين ‪ ,‬والرابع والخاَمس و‬
‫الساَدس ‪ :‬زين العاَبدين ‪ ,‬ومحمد الباَقَر ‪ ,‬وجعفر بن محمد الباَقَر ‪.‬‬
‫ثم الماَم الساَبع والثاَمن عندهم ‪ :‬موسى بن جعفر الملقبِ باَلكاَظم ‪,‬‬
‫وعلي بن موسى الكاَظم الملقبِ باَلرضاَ ‪ ,‬من الئمة الثني عشر ‪.‬‬
‫وهاَهو الشعراني أيضاَ يعدهم أئمة ‪ ,‬واثني عشر أيضاَ ‪ ,‬عندماَ يذكر من بين‬
‫الصوفية وأولياَء اللهُ موسى بن جعفر ‪ ,‬فيقول ‪:‬‬
‫) ومنهم موسى الكاَظم رِضي اللهُ عنهُ أحد الئمة الثني عشر ‪ ,‬وهو‬
‫موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طاَلبِ ‪...‬‬
‫‪ 1‬جمهرة الولياء لبي الفيض المنوفي ج ‪ 1‬ص ‪. 89‬‬
‫‪ 2‬أيضا ص ‪. 122 , 89‬‬
‫‪ 3‬طبقات الشعراني ج ‪ 2‬ص ‪. 14‬‬
‫‪ 4‬جمهرة الولياء ج ‪ 1‬ص ‪. 163‬‬
‫‪ 5‬التعرف لمذهب أهل التصوف للكلباذي ص ‪. 36‬‬
‫‪120‬‬
‫وكاَن يك ّنى باَلعبد الصاَلح لكثرة عباَدتهُ واجتهاَدهُ وقَياَمهُ باَلليل ‪ ,‬وكاَن إذا‬
‫بلغهُ عن أحد يؤذيهُ يبعث إليهُ باَلماَل ( ‪. 1‬‬

‫وأماَ علي بن موسى الرضاَ فيقولون عنهُ ‪ ) :‬أن شيخ مشاَئخ الصوفية‬
‫معروف الكرخي أسلم على يديهُ ( ‪. 2‬‬

‫ويكتبِ القشيري عنهُ ‪ ) :‬أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي كاَن من‬
‫المشاَئخ الكباَرِ ‪ ,‬مجاَب الدعوة ‪ ,‬يستشفى بقبرهُ ‪ ,‬يقول البغداديون ‪ :‬قَبر‬
‫معروف ترياَق مجرب ‪ ,‬وهو من موالي علي بن موسى الرضاَ رِضي اللهُ‬
‫عنهُ ( ‪. 3‬‬

‫وزاد السلمي في طبقاَتهُ ‪ ,‬والجاَمي في نفحاَتهُ أنهُ كاَن من حجبهُ ‪ ,‬فيقول‬


‫‪:‬‬
‫) معروف بن فيروز ‪ ,‬ويقاَل ‪ :‬معروف بن علي ‪ ,‬ويلقبِ باَلزاهد ‪ ,‬وهو من‬
‫أجلة المشاَئخ وقَدماَئهم ‪ ,‬والمعروفين باَلورِع والفتوة ‪ .‬كاَن أستاَذ سري‬
‫السقطي ‪ ,‬وصاحبِ داؤد الطاَئي ‪.‬‬
‫وكاَن معروف أسلم على يد علي بن موسى الرضاَ ‪ ,‬وكاَن بعد إسلمهُ‬
‫يحجبهُ ‪ ,‬فاَزدحم الشيعة يوماَ على باَب علي بن موسى ‪ ,‬فكسروا أضلع‬
‫معروف ‪ ,‬فماَت ‪ ,‬ودفن ببغداد ‪ ,‬وقَبرهُ ظاَهر ‪ ,‬ويتبرك الناَس بزياَرِتهُ ( ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫والجدير باَلذكر أن معروف الكرخي أستاَذ السري السقطي ‪ ,‬وخاَل وأستاَذ‬


‫لسيد الطاَئفة جنيد البغدادي ‪ ,‬ولذلك) يروي الجنيد عن السري السقطي ‪,‬‬
‫وهو عن معروف الكرخي ‪ ,‬وهو عن علي بن موسى الرضاَ ‪ ,‬عن أبيهُ موسى‬
‫الكاَظم ‪ ,‬عن أبيهُ محمد الباَقَر ‪ ,‬عن أبيهُ زين العاَبدين ‪ ,‬عن أبيهُ الحسين بن‬
‫علي بن أبي طاَلبِ ‪ ,‬عن علي بن أبي طاَلبِ ( ‪. 5‬‬

‫وكتبِ عنهُ شيخ الزهر الساَبق والصوفي المعاَصار الدكتورِ عبد الحليم‬
‫محمود عن الرضاَ ‪:‬‬

‫) لهُ كراماَت كثيرة ‪ :‬منهاَ أنهُ قَاَل لرجل صاحيح سليم ‪ :‬استعد لماَ ل بدّ منهُ ‪,‬‬
‫فماَت بعد ثلثة أياَم ‪ ,‬ورِوى الحاَكم أن أباَ حبيبِ قَاَل ‪:‬‬
‫رِأيت المصطفى عليهُ الصلة والسلم في النوم ‪ ,‬في المنزل الذي ينزلهُ‬
‫الحاَج ببلدناَ ‪ ,‬فوجدت عندهُ طبقاَ من خوص فيهُ تمر ‪ ,‬فناَولني ثماَني عشرة‬
‫تمرة ‪ ,‬وبعد عشرين يوماَ قَدم علي الرضاَ من المدينة ونزل ذلك المنزل ‪,‬‬
‫وفزع الناَس للسلم عليهُ ‪ ,‬ومضيت نحوهُ فإذا هو جاَلس باَلموضع الذي‬
‫رِأيت المصطفى جاَلساَ فيهُ ‪ ,‬وبين يديهُ طبق فيهُ تمر صايحاَني ‪ ,‬فناَولني‬
‫قَبضة فإذا عدتهاَ بعدد ماَ ناَولني المصطفى ‪ ,‬فقلت ‪ :‬زدني ‪ .‬فقاَل ‪ :‬لو‬
‫زادك رِسول اللهُ لزدناَك ( ‪. 6‬‬
‫‪ 1‬طبقات الشعراني ج ‪ 1‬ص ‪. 37‬‬
‫‪ 2‬تذكرة العطار ص ‪ 150‬ط باكستان ‪.‬‬
‫‪ 3‬الرسالة القشيرية ج ‪ 1‬ص ‪ 65‬بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود ومحمود بن الشريف ط القاهرة ‪ ,‬أيضا طبقات‬
‫الشعراني ج ‪ 1‬ص ‪. 71‬‬
‫‪ 4‬طبقات الصوفية لبي عبد الرحمن السلمي ترتيب أحمد الشرباصي ط مطابع الشعب ‪ ,‬أيضا نفحات النس للجامي ص‬
‫‪ 39‬الطبعة الفارسية ‪.‬‬
‫‪ 5‬طبقات الولياء لبن الملقن المتوفى ‪ 804‬هـ ص ‪ 493‬ط مكتبة الخانجي القاهرة الطبعة الولى ‪ 1393‬هـ ‪.‬‬
‫‪ 6‬انظر الرسالة القشيرية لعبد الكريم القشيري تعليق رقم ‪ 3‬ص ‪ 65‬لعبد الحليم محمود ومحمود بن الشريف ‪.‬‬
‫‪121‬‬

‫ومن الطرائف أن ذكر الثماَنية هؤلء من أئمة الشيعة الثني عشر‬


‫باَلتسلسل الشيعي في كتبِ المتصوفة الكثيرين مثل ماَ يذكرون عن‬
‫الرفاَعي أحمد الكبير أنهُ ) أخذ العهد والطريق من يد خاَلهُ شيخ الشيوخ‬
‫صااَحبِ الفتح الصمداني سيدناَ منصورِ البطاَئحي الرباَني وهو لبسهاَ من‬
‫خاَلهُ سيدناَ الشيخ أبي المنصورِ الطيبِ وهو لبسهاَ من ابن عمهُ الشيخ أبي‬
‫سعيد يحيى البخاَرِي النصاَرِي وهو لبسهاَ من الشيخ أبي الترمذي وهو‬
‫لبسهاَ من الشيخ أبي القاَسم السندوسي الكبير وهو لبسهاَ من الشيخ أبي‬
‫محمد دويم البغدادي وهو لبسهاَ من خاَلهُ الشيخ سري السقطي وهو‬
‫لبسهاَ من الشيخ معروف الكرخي وهو لبسهاَ من إماَم الزماَن وحجة أهل‬
‫العرفاَن الماَم ابن الماَم علي الرضي وهو لبسهاَ من أبيهُ نورِ حدقَة‬
‫العناَية والماَمة ونورِ حديقة الولية والكرامة ملجأَ الولياَء العاَظم أبي‬
‫الحسن موسى الكاَظم وهو لبسهاَ من أبيهُ صااَحبِ القدم الساَبق الماَم‬
‫جعفر الصاَدق وهو لبسهاَ من أبيهُ صااَحبِ السر الطاَهر الماَم محمد الباَقَر‬
‫وهو لبسهاَ من أبيهُ كهف المحتاَجين وإماَم الفراد أبي محمد الماَم زين‬
‫العاَبدين علي السجاَد وهو لبسهاَ من أبيهُ أحد سبطي رِسول اللهُ شهيد‬
‫كربلء الماَم الحسين أبي عبد اللهُ وهو لبسهاَ من أبيهُ إماَم الئمة ومجن‬
‫هذهُ المة صااَحبِ القدرِ العظيم والشرف الجلي أمير المؤمنين الماَم أبي‬
‫الحسن علي رِضي اللهُ عنهُ وعنهم أجمعين ( ‪. 1‬‬

‫وذكر الرفاَعي نفسهُ بصورِة أخرى ‪ ,‬ويقول ‪:‬‬


‫) أكمل التوبة الفورِية في مقاَم البضعية ‪ ,‬من حيث التحلي بحلوة الطينة‬
‫الذاتيةالحمدية ‪ ,‬إنماَ هي توبة السيدة البتول العذرِاء ‪ ,‬سيدتناَ وقَرة أعينناَ‬
‫فاَطمة أم السبطين الزهراء سلم اللهُ ورِضوانهُ عليهاَ ‪ ,‬وقَاَم عنهاَ بنوبة‬
‫الجزء الزهري بعلهاَ المأَمون المنوهُ على جللة قَدرِهُ وعظيم مكاَنتهُ‬
‫بطاَلعهُ ) علي مني بمنزلة هاَرِون من موسى ( الحديث ‪ .‬فأَدرِع بدرِع‬
‫الخلفة البضعية متحكماَ في مشهد الخلفة المرية ‪ ,‬إصااَلة في مشهد‬
‫الخلفة البضعية وكاَلة حتى لقي اللهُ ‪ ,‬فأَدرِع بمطرهاَ النورِاني السبطاَن‬
‫السعيدان الشهيدان الحسن والحسين سلم اللهُ وتحياَتهُ عليهماَ ‪ ,‬ودارِت‬
‫هذهُ التوبة الجاَمعة المحمدية في السباَط الطاَهرين سبطاَ ً بعد سبط إلى‬
‫أن صاينت في مقاَم الكنزية المضمرة إلى ولي اللهُ المهدي الخلق الصاَلح‬
‫سلم اللهُ عليهُ ‪ ,‬فتلقاَهاَ عنهُ من مقاَم اللباَس النواب الجاَمعون‬
‫المحمدون ‪ ,‬فهم إلى عهدناَ هذا من بني الماَم الحسين السبط شهيد‬
‫كربلء عليهُ وعليهم نوافح السلم والرضوان ( ‪. 2‬‬

‫ولذلك كتبِ محمد معصوم شيرازي ‪:‬‬


‫أن علي بن أبي طاَلبِ خاَتم الولية المحمدية ‪ ,‬فكميل بن زياَد النخعي ‪,‬‬
‫ي بن أبي طاَلبِ عليهُ‬
‫والحسن البصري ‪ ,‬وأويس القرني أخذوا عن عل ّ‬
‫السلم ‪.‬‬
‫والشقيق البلخي أخذ عن الكاَظم عليهُ السلم ‪.‬‬
‫والشيخ أبو زيد أخذ عن جعفر الصاَدق ‪.‬‬

‫‪ ) 1‬قلدة الجواهر في ذكر الرفاعي وأتباعه الكابر ( لمحمد أبي الهدى الرفاعي ص ‪ , 375‬أيضا ) المنهج الموصل إلى‬
‫الطريق النهج ( لمصطفى الصاد في مخطوط ورقة ‪. 32‬‬
‫‪ 2‬المجالس الرفاعية لحمد الرفاعي ص ‪ 108‬ط مطبعة الرشاد بغداد ‪ 1971‬م ‪.‬‬
‫‪122‬‬
‫والشيخ معروف أخذ عن الرضاَ ‪ ,‬والشيخ سري أخذ عنهُ ‪ ,‬والشيخ جنيد أخذ‬
‫عن السري ‪,‬‬
‫وهو ومن الغرائبِ أن المتصوفة يعتقدون للحسن العسكري ابناَ ‪ ,‬كاَلشيعة‬
‫الثني عشرية ‪ ,‬مع إتفاَق أهل السنة والمؤرِخين ‪ ,‬وشهاَدة الشيعة ونقيبِ‬
‫الشراف وأخوهُ العسكري وأمهُ بأَنهُ لم يولد لهُ ولد ‪ ,‬وأثبت رِواية فيهُ‬
‫وأقَوم حجة ماَ رِواهُ الكليني بنفسهُ ‪ ,‬والخرين من مؤرِخي الشيعة‬
‫وأعلمهم أن الحسن العسكري لماَ دفن ) أخذ السلطاَن والناَس في طلبِ‬
‫ولدهُ ‪ ,‬وكثر التفتيش في المناَزل والدورِ ‪ ,‬وتوقَفوا عن قَسمة ميراثهُ ‪ ,‬ولم‬
‫يزل الذين وكلوا بحفظ الجاَرِية التي توهم عليهاَ الحمل ملزمين حتى تبّين‬
‫بطلن الحمل ‪ ,‬فلماَ بطل الحمل قَسم ميراثهُ بين أمهُ وأخيهُ جعفر ‪,‬‬
‫وادعت أمهُ وصايتهُ وثبت ذلك عند القاَضي ( ‪. 1‬‬

‫وذكر هذا الخبر جميع مؤرِخي الشيعة ومؤلفيهم ومحدثيهم من المفيد في‬
‫الرِشاَد ‪. 2‬‬
‫والطبرسي في إعلم الورِى ‪. 3‬‬
‫والرِبلي في كشف الغمة ‪. 4‬‬
‫والمل باَقَر المجلسي في جلء العيون ‪. 5‬‬
‫وصااَحبِ الفصول في الفصول المهمة ‪. 6‬‬
‫والعباَس القمي في منتهى الماَل ‪. 7‬‬
‫وقَاَل النوبختي الشيعي المشهورِ في فرقَهُ ‪:‬‬
‫) أن الحسن توفى ولم يولهُ أثر ‪ ,‬ولم يعرف لهُ ولد ظاَهر ‪ ,‬فاَقَتسم ميراثهُ‬
‫أخوهُ جعفر وأمهُ ( ‪. 8‬‬

‫لكن المتصوفة يقولون أنهُ ولد للحسن العسكري ولد ‪ ,‬وهو الذي سيخرج‬
‫مهدياَ ‪ ,‬كعقيدة الشيعة تماَماَ بدون أدنى تغيير ‪ ,‬فاَسمع ماَذا يقولون ‪:‬‬
‫) فهناَك بترقَبِ خروج المهدي عليهُ السلم ‪ ,‬وهو من أولد حسن‬
‫العسكري ‪ ,‬ومولدهُ عليهُ السلم ليلة النصف من شعباَن سنة خمس‬
‫وخمسين وماَئتين وهو باَق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم عليهُ السلم ‪,‬‬
‫فيكون عمرهُ إلى وقَتناَ هذا ‪ ,‬وهو سنة ثماَن وخمسين و تسعماَئهُ سبعماَئة‬
‫سنة وست سنين ‪ .‬هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقَي المدفون فوق كوم‬
‫الرئيس المطل على بركة الرطل بمصر المحروسة على الماَم المهدي‬
‫حين اجتمع بهُ ‪.‬‬

‫ووافقهُ على ذلك شيخناَ سيدي علي الخواص رِحمهماَ اللهُ تعاَلى ‪.‬‬
‫وعباَرِة الشيخ محيي الدين في الباَب الساَدس والستين وثلثماَئة من‬
‫الفتوحاَت ك‬
‫وأعلموا أنهُ لبد من خروج المهدي عليهُ السلم لكن ل يخرج حتى تمتلئ‬
‫الرِض جورِا وظلماَ فيملؤهاَ قَسطاَ وعدل ولو لم يكن من الدنياَ إل يوم‬
‫كتاب الحجة الكافي ص ‪ 505‬ط طهران ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر ص ‪. 339‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر ص ‪. 378 , 377‬‬ ‫‪3‬‬

‫ج ‪ 3‬ص ‪. 199 , 198‬‬ ‫‪4‬‬

‫تحت ذكر المهدي ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫أيضا ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫أيضا ‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫فرق الشيعة للنوبختي ص ‪ 119 , 118‬ط كربلء العراق ‪.‬‬ ‫‪8‬‬


‫‪123‬‬
‫ول اللهُ تعاَلى ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة وهو من عترة‬ ‫واحد ط ّ‬
‫رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم من ولد فاَطمة رِضي اللهُ عنهاَ جدهُ‬
‫الحسين بن علي بن أبي طاَلبِ ‪ ,‬ووالدهُ حسن العسكري بن الماَم النقي‬
‫باَلنون ابن محمد التقي باَلتاَء ابن الماَم على الرضاَ ابن الماَم موسى‬
‫الكاَظم ابن الماَم جعفر الصاَدق ابن الماَم محمد الباَقَر ابن الماَم زين‬
‫العاَبدين علي بن الماَم الحسين ابن الماَم علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ‬
‫عنهُ ( ‪. 1‬‬

‫دون الرفاَعي الماَم الثاَلث عشر بعد الثاَني‬‫وكذلك الرفاَعيون ‪ ,‬حيث يع ّ‬


‫عشر الموهوم الذي لم يولد ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫فهذهُ هي عقاَئد المتصوفة في علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ ‪ ,‬وأئمة‬
‫الشيعة من أولدهُ ‪ ,‬فإليهم ينتسبون ‪ ,‬وبمسلكهم يسلكون ‪ ,‬وبخرافاَتهم‬
‫يتمسكون ‪.‬‬

‫وهذا وحدهُ كاَف لبياَن تأَثر التشيع في التصوف ‪.‬‬

‫ونختم كلمناَ في هذا على مقولة صاوفي كبير وهو أبو الظفر ظهير الدين‬
‫القاَدرِي حيث يقول ‪ :‬القطبية كاَنت للئمة الثني عشر بطريق الستقلل ‪,‬‬
‫ولمن بعدهم بطريق النياَبة ‪. 3‬‬

‫انظر اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الكابر ج ‪ 2‬ص ‪. 143‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر المجالس الرفاعية المقدمة للسيد خاشع الراوي الرفاعي ص ‪. 6‬‬ ‫‪2‬‬

‫الفتح المبين لظهير الدين القادري ص ‪. 18‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪124‬‬

‫مل َئ ِ َ‬
‫كة‬ ‫ي وإت َْياَن ال َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫وح ِ‬ ‫ن ُُزو ُ‬
‫وبعد هذا نرجع إلى أفكاَرِ الصوفية الخرى ومعتقداتهم الخاَصاة بهم ‪ ,‬لنرى‬
‫التشيع المتستر الظاَهر فيهاَ ‪ ,‬وتأَثيرهُ خفياَ جلياَ ليرى الباَحث والقاَرِئ‬
‫منهل التصوف ومنبعهُ ‪ ,‬مصدرِهُ ومأَخذهُ ‪.‬‬

‫فإن الشيعة يرون بأَن النبوة لم تختم على محمد صالوات اللهُ وسلمهُ‬
‫عليهُ ‪ ,‬حيث لم يكن وحدهُ في زماَنهُ الذي كاَن ينزل عليهُ الوحي ‪ ,‬ويأَتي‬
‫إليهُ الملك ‪ ,‬ويكلمهُ اللهُ من ورِاء حجاَب ‪ ,‬بل كاَن هناَك شخص آخر في‬
‫زماَنهُ وبعدهُ ‪ ,‬كاَن لهُ تلك الوصااَف كلهاَ ‪ ,‬بل وأكثر منهاَ ‪.‬‬

‫حيث أن رِسول اللهُ محمد صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ لم يكن يكلمهُ اللهُ إل‬
‫وحياَ ‪ ,‬أو من ورِاء حجاَب ‪ ,‬أو بإرِساَل رِسول ‪ ,‬فيوحي بإذنهُ ماَ يشاَء ‪.‬‬

‫وأماَ الماَم فكاَن ينزل عليهُ الوحي ‪ ,‬ويرسل إليهُ رِسول ‪ ,‬ويكلمهُ اللهُ‬
‫ويناَجيهُ بل حجاَب ‪ ,‬وقَد أعطى خصاَل لم يسبقهُ إليهاَ أحد ‪ ,‬ثم توارِث هذهُ‬
‫الوصااَف من خلفهُ بعدهُ إلى خاَتم الئمة ‪.‬‬

‫ولقد ورِد في كتبِ الشيعة الثني عشرية – ل في كتبِ السماَعيلية‬


‫‪1‬‬

‫ص على ذلك مثل ماَ ذكر الكليني – وهو‬‫والغلة ‪ -‬وفي أصاحهاَ عندهم ماَ ين ّ‬
‫‪2‬‬

‫كاَلبخاَرِي عند أهل السنة – في كاَفّيهُ ‪ 3‬عن جعفر الصاَدق – الماَم‬


‫المعصوم الساَدس لدى القوم – أنهُ قَاَل ‪:‬‬

‫ي عليهُ السلم آخذ بهُ وماَ نهى عنهُ انتهى عنهُ ‪ ,‬جرى لهُ من‬ ‫) ماَ جاَء بهُ عل ّ‬
‫الفضل مثل ماَ جرى لمحمد صالى اللهُ عليهُ وآلهُ وسلم ولمحمد صالى اللهُ‬
‫قبِ عليهُ‬ ‫عليهُ وآلهُ وسلم الفضل على جميع من خلق اللهُ عز وجل ‪ ,‬المتع ّ‬
‫في شيء من أحكاَمهُ كاَلمتعقبِ على اللهُ وعلى رِسولهُ والراد عليهُ في‬
‫د الشرك باَللهُ ‪ ,‬كاَن أمير المؤمنين عليهُ السلم باَب‬ ‫صاغيرة أو كبيرة على ح ّ‬
‫اللهُ الذي ل يؤتى إل منهُ ‪ ,‬وسبيلهُ الذي من سلك بغيرهُ هلك ‪ ,‬وكذلك يجري‬
‫لئمة الهدى واحدا ً بعد واحد ‪ ,‬جعلهم اللهُ أرِكاَن الرِض أن تميد بأَهلهاَ‬
‫وحجتهُ الباَلغة على من فوق الرِض ومن تحت الثرى ‪ ,‬وكاَن أمير المؤمنين‬
‫صالوات اللهُ عليهُ كثير ا ً ماَ يقول ‪ :‬أناَ قَسيم اللهُ بين الجنة والناَرِ وأناَ‬
‫الفاَرِوق الكبر وأناَ صااَحبِ العصاَ والميسم ولقد أقَّرت لي جميع الملئكة‬
‫والروح والرسل بمثل ماَ أقَّروا بهُ لمحمد صالى اللهُ عليهُ وآلهُ وسلم ولقد‬
‫ب وإن رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ‬ ‫حملت على مثل حمولتهُ وهي حمولة الر ّ‬
‫وآلهُ وسلم يدعى فيكسى ‪ ,‬وادعى فأَكسى ويستنطق واستنطق فأَنطق‬
‫على حد منطقهُ ‪ ,‬ولقد أعطيت خصاَل ماَ سبقني إليهاَ أحد قَبلي علمت‬

‫‪ 1‬حيث أن السماعيلية يرون النبوة مقتسمة بين محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬وعلي رضي الله عنه ‪ ,‬فكان رسول الله‬
‫محمد ناطقا بينما كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه صامتا ‪ ,‬وهو الساس والصل ‪ .‬فانظر لتفصيل ذلك كتابنا‬
‫) السماعيلية تاريخ وعقائد ( ‪.‬‬
‫ي رض الله عنه ‪,‬‬ ‫لنهم يعتقدون أن جبريل اشتبه عليه فنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بدل أن ينزل على عل ّ‬
‫‪2‬‬

‫ي رضي الله عنه ‪,‬ل النبوة فحسب ‪.‬‬


‫وطائفة منهم ترى اللوهية المتجسدة في عل ّ‬
‫‪ 3‬وهو أحد الصول الربعة الشيعية ‪ ,‬وصحاحهم ‪.‬‬
‫‪125‬‬
‫المناَياَ والبلياَ ‪ ,‬والنساَب وفصل الخطاَب ‪ ,‬فلم يفتني ماَ سبقني ‪ ,‬ولم‬
‫يعزب ماَ غاَب عني ( ‪. 1‬‬

‫دونهُ من‬‫ونقل محمد بن حسن الصفاَرِ شيخ الكليني وأستاَذهُ ‪ ,‬الذي يع ّ‬


‫أصاحاَب إماَمهم الحاَدي عشر – حسبِ زعمهم – رِواياَت كثيرة في صاحيحهُ‬
‫لثباَت نزول الوحي على أئمتهم ‪ ,‬ونزول الملئكة عليهم تحت عناَوين‬
‫كثيرة في أبواب شتى ‪ ,‬منهاَ ماَ رِواهاَ عن حمران بن أعين أنهُ قَاَل ‪:‬‬

‫) قَلت لبي عبد اللهُ ) جعفر ( عليهُ السلم ‪ :‬جعلت فداك ‪ ,‬بلغني أن اللهُ‬
‫تعاَلى قَد ناَجى علياَ عليهُ السلم ؟‬
‫قَاَل ‪ :‬أجل ‪ ,‬قَد كاَن بينهماَ مناَجاَة باَلطاَئف نزل بينهماَ جبريل ( ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫لماَ دعاَ رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وآلهُ علياَ يوم خيبر ‪ ,‬فتفل في عينيهُ‬
‫وقَاَل لهُ ‪ :‬إذا أنت فتحتهاَ فقف بين الناَس ‪ ,‬فإن اللهُ أمرني بذلك ‪ ,‬قَاَل أبو‬
‫ي عليهُ السلم وأناَ معهُ ‪ ,‬فلماَ أصابح افتتح خيبر ووقَف‬ ‫رِافع ‪ :‬فمضى عل ّ‬
‫بين الناَس و أطاَل الوقَوف ‪ ,‬فقاَل الناَس ‪:‬‬
‫إن علياَ عليهُ السلم يناَجي رِبهُ ‪ ,‬فلماَ مكث ساَعة أمر باَنتهاَب المدينة التي‬
‫فتحهاَ ‪ ,‬قَاَل أبو رِافع ‪ :‬فأَتيت رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وآلهُ ‪ ,‬فقلت ‪ :‬إن‬
‫علياَ عليهُ السلم وقَف بين الناَس كماَ أمرتهُ ‪ ,‬قَاَل قَوم منهم ‪:‬‬

‫) إن اللهُ ناَجاَهُ ‪ ,‬فقاَل ‪ :‬نعم ياَ رِافع ‪ ,‬إن اللهُ ناَجاَهُ يوم الطاَئف ويوم عقبة‬
‫ويوم حنين ‪ ,‬ويوم غسل رِسول اللهُ ( ‪. 3‬‬

‫ومثل هذهُ الرواياَت كثيرة ل تعدّ ول تحصى ‪. 4‬‬

‫هذا من ناَحية ‪ ,‬ومن ناَحية أخرى يرى الشيعة أن أئمتهم أولئك أفضل من‬
‫النبياَء كماَ صارح بذلك الكليني أن الماَمة فوق النبوة والرساَلة والخلة‬
‫حيث نقل رِواية عن جعفر بن محمد الباَقَر أنهُ قَاَل ‪:‬‬

‫) إن اللهُ اتخذ إبراهيم عبدا قَبل أن يتخذهُ نبياَ ‪ ,‬وإن اللهُ اتخذهُ نبياَ قَبل أن‬
‫يتخذهُ رِسول ‪ ,‬وإن اللهُ اتخذهُ رِسول قَبل أن يتخذهُ خليل ‪ ,‬وإن اللهُ اتخذهُ‬
‫خليل قَبل أن يتخذهُ إماَماَ ( ‪. 5‬‬

‫ورِوى أيضاَ عن يوسف التماَرِ أنهُ سمع جعفر بن الباَقَر أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) ورِب الكعبة ‪ ,‬ورِب البنية –ثلث مرات – لو كنت بين موسى والخضر‬
‫عليهماَ السلم لخبرتهماَ أني أعلم منهماَ ‪ ,‬و لنبئتهماَ بماَ ليس في أيديهماَ‬
‫لن موسى والخضر عليهماَ السلم أعطياَ علم ماَ كاَن ‪ ,‬ولم يعطياَ علم ماَ‬
‫يكون وماَ هو كاَئن حتى تقوم الساَعة (‪. 6‬‬
‫‪ 1‬الصول من الكافي ج ‪ 1‬ص ‪ 197 , 196‬ط إيران ‪.‬‬
‫‪ 2‬بصائر الدرجات للصفار الباب السادس عشر ص ‪ 430‬ط إيران ‪.‬‬
‫‪ 3‬أيضا ص ‪. 431‬‬
‫‪ 4‬وقد أشبعنا الكلم في هذا الخصوص في كتابنا ) الشيعة والسنة ( وقد صدرت له حتى اليوم أكثر من ثلثين طبعة و‬
‫) الشيعة وأهل البيت ( و ) الشيعة والتشيع فرق وتاريخ ( وكذلك كتابنا الجديد بين الشيعة وأهل السنة ( ‪ ,‬ومن أراد‬
‫الستزادة فليرجع إلى تلك ‪.‬‬
‫‪ 5‬كتاب الحجة من أصول الكافي ج ‪ 1‬ص ‪ 175‬ط إيران ‪ ,‬ومثله نقل عن أبيه أيضا ‪.‬‬
‫‪ 6‬الكافي في الصول ج ‪ 1‬ص ‪ 261‬ط إيران ‪.‬‬
‫‪126‬‬

‫وعنهُ أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) إني لعلم ماَ في السموات وماَ في الرِض ‪ ,‬وأعلم ماَ في الجنة وماَ في‬
‫الناَرِ ‪ ,‬وأعلم ماَ كاَن وماَ يكون ( ‪. 1‬‬

‫وقَد بوب الحر العاَملي صااَحبِ موسوعة حديثية شيعية كبيرة باَباَ مستقل‬
‫بعنوان ) الئمة الثني عشر أفضل من ساَئر المخلوقَاَت من النبياَء‬
‫والوصاياَء الساَبقين والملئكة وغيرهم ‪ ,‬وأن النبياَء أفضل من الملئكة ( ‪.‬‬

‫ثم أورِد تحتهُ رِواياَت عديدة ‪ ,‬منهاَ ماَ رِواهاَ عن جعفر أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) إن اللهُ خلق أولي العزم من الرسل ‪ ,‬وفضلهم باَلعلم ‪ ,‬وأورِثناَ علمهم ‪,‬‬
‫وفضلناَ عليهم في علمهم ‪ ,‬وعلم رِسول اللهُ ) ص ( ماَ لم يعلمهم ‪ ,‬وعلمناَ‬
‫علم الرسول وعلمهم ( ‪. 2‬‬

‫وعلى ذلك قَاَل الخميني زعيم شيعة إيران اليوم في كتاَبهُ ) ولية الفقيهُ (‬
‫صهُ ‪:‬‬
‫ماَ ن ّ‬
‫) إن من ضرورِياَت مذهبناَ أنهُ ل يناَل أحد المقاَماَت المعنوية الروحية للئمة‬
‫حتى ملك مقرب ول نبي مرسل ‪ ,‬كماَ رِوي عندناَ بأَن الئمة كاَنوا أنوارِا‬
‫تحت ظل العرش قَبل تكوين هذا العاَلم ‪ ....‬وأنهم قَاَلوا ‪ :‬إن لناَ مع اللهُ‬
‫أحوال ل يسعهاَ ملك مقرب ول نبي مرسل ‪ ,‬وهذهُ المعتقدات من السس‬
‫والصاول التي قَاَم عليهاَ مذهبناَ (‪. 3‬‬

‫فهذهُ هي عقاَئد الشيعة الثني عشرية في أئمتهم بأَنهُ يأَتي إليهم جبريل ‪,‬‬
‫وينزل عليهم الوحي ‪ ,‬ويكلمهم اللهُ من ورِاء حجاَب ‪ ,‬ويناَجيهم من دون‬
‫حجاَب ‪ ,‬وأن النبوة لم تنقطع ولم تختم بمحمد صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ ‪,‬‬
‫وأن الولية أعظم وأفضل من النبوة والرساَلة ‪ ,‬وعلمهم بدون واسطة‬
‫فصاَرِوا يعلمون علم ماَ كاَن وماَ يكون ‪ ,‬وفضلهم على الخلئق من النبياَء‬
‫والرسل ‪.‬‬

‫والنصوص والرواياَت في هذا الخصوص جاَوزت المئاَت ‪ ,‬وعليهاَ أسست‬


‫وبنيت الدياَنة الشيعية نتيجة مؤامرة يهودية للقضاَء على السلم ودعوة‬
‫خاَتم النبيين الناَطق باَلوحي صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪.‬‬

‫هذا ‪ ,‬وبعد هذا عندماَ نرجع إلى آرِاء الصوفية ‪ ,‬وأفكاَرِهم ‪ ,‬عقاَئدهم‬
‫ومعتقداتهم ‪ ,‬كتبهم ورِساَئلهم ‪ ,‬رِواياَتهم ومقولتهم ‪ ,‬تصريحاَتهم‬
‫وعباَرِاتهم ‪ ,‬نجد معظم هذهُ الفكاَرِ وطاَبعهاَ واضحاَ جلياَ ‪ ,‬بل إنهاَ عين هذهُ‬
‫الترهاَت والخزعبلت ‪ ,‬مبثوثة منشورِة في كتبِ الولين منهم والخرين ‪.‬‬
‫وهاَهي النصوص ‪:‬‬

‫فيقول الصوفي الكبير عبد القاَدرِ الحلبي المعروف باَبن قَضيبِ الباَن ‪:‬‬

‫‪ 1‬أيضا باب أن الئمة يعلمون علم ما كان ‪ ,‬وأنه ل يخفى عليه الشيء ج ‪ 1‬ص ‪ 261‬ط إيران ‪.‬‬
‫‪ 2‬الفصول المهمة في أصول الئمة للحر العاملي ص ‪ 152‬ط إيران ‪.‬‬
‫‪ 3‬وليت فقيه در خصوص حكومت إسلمي لنائب المام الخميني تحت باب وليت تكويني من الصل الفارسي ص ‪ 58‬ط‬
‫طهران ‪.‬‬
‫‪127‬‬
‫صت بهُ الولياَء ( ‪. 4‬‬
‫صت بهُ النبياَء ‪ ,‬خ ّ‬
‫) كل ماَ خ ّ‬

‫ب‬
‫وماَ هي اختصاَصااَت النبياَء غير الوحي ‪ ,‬ونزول الملئكة ‪ ,‬وكلم الر ّ‬
‫معهم ‪ ,‬وإخباَرِهم عن الغيبِ ‪ ,‬وكونهم معصومين عن الخطأَ والزلل في‬
‫تبليغ رِساَلت اللهُ ‪ , 2‬التي يريد ابن الباَن إشراك غيرهم معهم من الصوفية‬
‫؟‬
‫وهل لساَئل أن يسأَل ‪ :‬أو بعد مشاَرِكة الغير يبقى الختصاَص اختصاَصااَ ؟‬

‫وقَبل أن نتعمق في هذا نريد أن نضع النقاَط على الحروف ‪ ,‬كي ل يتوهم‬
‫المتوهم أنناَ نلزم القوم على ماَ ل يتقولونهُ ويعتقدونهُ ‪ .‬فنثبت من كتبهم‬
‫أنفسهم ‪ ,‬وبعباَرِاتهم هم ماَ يبرهن قَولناَ ‪ ,‬فيقول الشيخ الكبر للصوفية‬
‫دا على الغزالي ‪:‬‬
‫رِا ّ‬
‫ي ‪ ,‬مع أن‬‫نزول الملك على النبي والول ّ‬ ‫إن الغزالي غلط في التفريق بين‬
‫ي كلهماَ ينزل عليهُ الملك ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫النبي والول ّ‬
‫وقَد ذكر الشعراني أيضاَ بقولهُ ‪:‬‬
‫) فإن قَلت ‪ :‬قَد ذكر الغزالي في بعض كتبهُ ‪ :‬إن الفرق بين تنّزل الوحي‬
‫ي يلهم‬‫على قَلبِ النبياَء وتنزلهُ على قَلوب الولياَء نزول الملك ‪ ,‬فإن الول ّ‬
‫ول ينزل عليهُ ملك قَط ‪ ,‬والنبي ل بد لهُ في الوحي من نزول الملك بهُ ‪,‬‬
‫فهل هذا صاحيح ؟‬
‫فاَلجواب كماَ قَاَلهُ الشيخ في الباَب الرابع والستين وثلثماَئة ‪ :‬أن ذلك غلط‬
‫ي‬
‫‪ ...‬قَاَل الشيخ ‪ :‬وسببِ غلط الغزالي وغيرهُ في منع تنزل الملك على الول ّ‬
‫عدم الذوق ‪ ,‬وظنهم أنهم قَد علموا بسلوكهم جميع المقاَماَت و فلماَ ظنوا‬
‫ذلك بأَنفسهم ولم يروا ملك اللهاَم نزل عليهم أنكروهُ ‪ ,‬وقَاَلوا ‪ :‬ذلك خاَص‬
‫باَلنبياَء ‪ ,‬فذوقَهم صاحيح وحكمهم باَطل ‪ ,‬مع أن هؤلء الذين منعوا قَاَئلون‬
‫بأَن زياَدة الثقة مقبولة ‪ ,‬وأهل اللهُ كلهم ثقاَت ‪.‬‬

‫قَاَل ‪ :‬ولو أن أباَ حاَمد وغيرهُ اجتمعوا في زماَنهم بكاَمل من أهل اللهُ‬
‫ي لقبلوا ذلك ولم ينكروهُ ‪.‬‬
‫وأخبرهم بتنزل الملك على الول ّ‬
‫قَاَل ‪ :‬وقَد نزل عليناَ ملك فللهُ الحمد ( ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ول ندرِي كيف يرد على الغزالي وهو القاَئل ‪:‬‬

‫) ومن أول الطريق تبتدئ المكاَشفاَت والمشاَهدات ‪ ,‬حتى أنهم في‬


‫يقظتهم يشاَهدون الملئكة ‪ ,‬وأرِواح النبياَء ‪ ,‬ويسمعون منهم أصاواتاَ ‪,‬‬
‫ويقتبسون منهم فوائد ‪.‬‬

‫ثم يرتقي الحاَل من مشاَهدة الصورِ والمثاَل إلى درِجاَت يضيق عنهاَ نطاَق‬
‫النطق ( ‪. 5‬‬

‫‪ 4‬المواقف اللهية لبن قضيب البان المتوفى ‪1040‬هـ ص ‪ 160‬ملحق بكتاب النسان الكامل لعبد الرحمن البدوي ط وكالة‬
‫المطبوعات الكويت ‪1976‬م ‪.‬‬
‫‪ 2‬وسوف نفرد للعصمة كلما في محله إن شاء الله ‪.‬‬
‫‪ 3‬البريز لعبد العزيز الدباغ ص ‪ 151‬ط مصر ‪.‬‬
‫‪ 4‬اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الكابر للشعراني ج ‪ 2‬ص ‪ 85‬ط مصطفى البابي الحلبي القاهرة ‪.‬‬
‫‪ 5‬المنقذ من الضلل للغزالي ص ‪ 127‬المنشور في مجموعة مؤلفات الدكتور عبد الحليم محمود ط دار الكتاب اللبناني‬
‫بيروت الطبعة الولى ‪ 1979‬م ‪ .‬أيضا المنقذ من الضلل ص ‪ 50‬بنجاب الباكستان ‪.‬‬
‫‪128‬‬
‫هذا ويقول ابن عربي في كتاَبهُ ) الجواب المستقيم عماَ سأَل عنهُ الترمذي‬
‫الحكيم ( زياَدة على نزول الملك على الولي ‪:‬‬
‫) وليس المر كذلك ‪ ,‬فقد رِآهُ الولياَء في حاَل حديثهُ لهم ‪ ,‬فكل قَاَل ماَ‬
‫شاَهد ‪ ...‬ومشهدهُ صاحيح ‪ ,‬وهذا كلهُ إذا كاَن الحديث من الملك والروح ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ي ويراهُ وقَت نزولهُ‬ ‫ي ينزل عليهُ الملك ويحدثهُ ويشاَهدهُ الول ّ‬ ‫يعني أن الول ّ‬
‫عليهُ ‪ ,‬وكلمهُ بهُ ‪.‬‬

‫وبمثل ذلك يقول صاوفي قَديم آخر نجم الدين الكبري المتوفى ‪ 618‬هـ أن‬
‫الملئكة تنزل على الصوفية ‪. 2‬‬

‫و بمثل ذلك قَاَل الدباَغ ‪ ,‬وبعباَرِة أكثر وضوحاَ من هذهُ العباَرِات ‪:‬‬
‫ي من نزول الملك وعدمهُ‬ ‫) وأماَ ماَ ذكروهُ في الفرق بين النبي والول ّ‬
‫فليس بصحيح ‪ ,‬لن المفتوح عليهُ سواء كاَن ولياَ أو نبياَ ل بد لهُ أن يشاَهد‬
‫الملئكة بذواتهم على ماَ هم عليهُ ‪ ,‬ويخاَطبهم ويخاَطبونهُ ‪ ,‬وكل من قَاَل ‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫ي ل يشاَهد الملك و ل يكلمهُ فذاك دليل على أنهُ غير مفتوح عليهُ (‬ ‫إن الول ّ‬
‫‪.‬‬

‫ونقل النفزي الرندي عن بعض المشاَئخ أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫ي فأَسمع تسليمهاَ ( ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫) إن الملئكة تزورِني فآنس بهاَ ‪ ,‬وتسلم عل ّ‬

‫وليس عاَمة الملئكة فحسبِ ‪ ,‬بل جبريل أيضاَ كماَ ينص على ذلك الشعراني‬
‫مى باَلوحيد ‪:‬‬
‫ناَقَل عن الشيخ عبد الغفاَرِ القوصاي أنهُ قَاَل في كتاَبهُ المس ّ‬

‫ن الشيخ تاَج الدين بن شعباَن كاَن إذا سأَلهُ إنساَن في حاَجة يقول لهُ ‪:‬‬
‫)أ ّ‬
‫اصابر حتى يجيء جبريل ( ‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫وبذلك يقول ابن عربي أن القطبِ ينزل على قَلبهُ الروح المين حيث يذكر‬
‫في كتاَبهُ ) مواقَع النجوم ( ‪:‬‬

‫رِفع الحجاَب وأشرقَت‬ ‫) وهذا المقاَم ) أي مقاَم القطبِ ( وهذهُ أسرارِهُ‬


‫أنوارِهُ‬
‫للناَظرين وزال عنهُ‬ ‫م يســــــطع نــــــــــــــــورِهُ‬‫وبدا هــلل التــــــــ ّ‬
‫أســـــرارِهُ‬
‫يوم العروبة‬ ‫وتنـــــزل الـــــــروح الميــــــــــــــــن لقـــــلبهُ‬
‫وأنقضت أو طــاَرِهُ ( ‪. 6‬‬

‫وينزل عليهُ باَلمر والنهي كماَ نص على ذلك الدباَغ بقولهُ ‪:‬‬
‫ي باَلمر والنهي ( ‪. 7‬‬
‫) ينزل الملك على الول ّ‬
‫‪ 1‬الجواب المستقيم لبن عربي مخطوط ورقة ب ‪ 246‬المندرج في كتاب ختم الولياء للحكيم الترمذي ص ‪ 221‬ط المطبعة‬
‫الكاثوليكية بيروت بتحقيق عثمان إسماعيل يحيى ‪.‬‬
‫‪ 2‬انظر فوائح الجمال وفواتح الجلل لنجم الدين الكبري ص ‪. 10‬‬
‫‪ 3‬البريز للدباغ ص ‪. 151‬‬
‫‪ 4‬غيث المواهب العلية للنفزي الرندي ج ‪ 1‬ص ‪. 262‬‬
‫‪ 5‬الخلق المتبولية للشعراني بتحقيق الدكتور منيع عبد الحليم محمود ج ‪ 1‬ص ‪ 454‬ط مطبعة حسان القاهرة ‪.‬‬
‫‪ 6‬مواقع النجوم لبن عربي ص ‪ 102‬الطبعة الولى ‪ 1325‬هـ مطبعة السعادة مصر ‪.‬‬
‫‪ 7‬البريز للدباغ ‪. 151‬‬
‫‪129‬‬
‫) وتصير قَلوبهم مهبطاَ للوحي ( ‪. 1‬‬

‫ويسمعون كلم اللهُ ) فإذا تحقق الصوفي بهذا الوصاف صااَرِ وقَتهُ سرمدا ‪,‬‬
‫وشهودهُ مؤبدا ‪ ,‬وسماَعهُ متوالياَ متجددا يسمع كلم اللهُ تعاَلى ( ‪. 2‬‬

‫و ) يتلقاَهم ملئكة اللهُ مشرقَين ‪ ,‬يحيونهم بتحاَياَ الملكوت ‪ ,‬ويصبون‬


‫عليهم ماَء النبع من ينبوع البهاَء ‪ ...‬ويقومون في هياَكل القرباَت ‪ ,‬يناَجون‬
‫‪3‬‬
‫ي في الدماَغ (‬‫مع أصاحاَب حجرات العزة ويسمعون صاوتاَ كصوت رِعد أو دو ّ‬
‫‪.‬‬

‫ويقول السهرورِدي المقتول سنة ‪ 587‬هـ هذا أيضاَ أن الولياَء ‪ ,‬ويسميهم‬


‫إخوان التجريد ) يتعلمون العلم من رِوح القدس بل تعلم بشرى ‪ ,‬وتطيعهم‬
‫ماَدة العاَلم العنصري ‪ ,‬وينذرِون الكون ويخبرونهُ باَلجزئياَت الواقَعة في‬
‫الماَضي والمستقبل ( ‪. 4‬‬

‫ي‪:‬‬‫ويكتبِ الحكيم الترمذي في قَضية مكاَلمة اللهُ مع الول ّ‬


‫) الولية لمن ولى اللهُ حديثهُ على طريق أخرى فأَوصالهُ إليهُ ‪ ,‬فلهُ الحديث ‪,‬‬
‫وينفصل ذلك الحديث ذلك الحديث من اللهُ عز وجل على لساَن الحق معهُ‬
‫دث ‪ ,‬فيقلبهُ ويسكن إليهُ ( ‪. 5‬‬‫السكينة تتلقاَهُ السكينة التي في قَلبِ المح ّ‬

‫ونختم هذا على ماَ قَاَلهُ ابن عربي في هذا الخصوص ‪:‬‬
‫ي أن العبد المحقق الصوفي إذا صافاَ وتحقق صااَرِ كعبة لجميع‬‫) اعلم ياَ بن ّ‬
‫السرارِ اللهية من كل حضرة وموقَف ‪ ,‬ويرد عليهُ في كل يوم جمعة ماَ‬
‫دام في ذلك المقاَم ستماَئة ألف سّر ملكوتي ‪ ,‬واحد منهاَ إلهي ‪ ,‬وخمسة‬
‫أسرارِ رِباَنية ‪ ,‬ليس لهاَ في حضرة الكون مدخل ( ‪. 6‬‬

‫وليس هذا فحسبِ ‪ ,‬بل يقولون بعروج المتصوفة إلى السماَء ‪ ,‬ووقَوفهم‬
‫ب ‪ ,‬ومناَجاَتهم بهُ ‪ ,‬وتكليمهُ إياَهم ‪ ,‬فيحكي ابن الباَن عن نفسهُ‬
‫بين يدي الر ّ‬
‫‪:‬‬

‫) أوقَفني الحق على بساَط السرارِ ‪ ...‬وارِتقيت إلى السماَء الولى ‪ . ..‬ثم‬
‫ارِتقيناَ إلى السماَء الثاَنية ‪ ...‬ثم انتهيناَ إلى السماَء الساَبعة ‪ ...‬وفيهاَ ملك‬
‫على كرسي من نورِ ‪ ...‬وفي هذهُ السماَء رِضوان خاَزن الجناَن ‪ ,‬وأجمل‬
‫الملئكة من جندهُ ‪ ,‬وفيهاَ إسرافيل رِئيس عاَلم الجبروت ‪ ,‬وهو الذي‬
‫بشرني باَلقرب والمنزلة الكريمة عند رِبي ‪ ,‬وباَلسعاَدة في الخرة‬
‫والشفاَعة في أمة محمد ) ص( ‪ ,‬وفي هذهُ السماَء رِأيناَ إبراهيم الخليل‬
‫مسندا إلى البيت المعمورِ ‪ ...‬ثم انتهيناَ إلى سبعين حجاَباَ آخر ‪ ...‬حتى‬
‫انتهيت إلى آخر حجاَب هناَك ‪ ,‬وإذا بكرسي من اللؤلؤ منصبة قَوائمهُ من‬
‫الجوهر والياَقَوت الحمر والزبرجد الخضر ‪ ,‬فأَخذ آخذ بيدي وأجلسني عليهُ‬
‫‪ 1‬إبراهيم المتبولي ‪ :‬الخلق المتبولية للشعراني ص ‪. 100‬‬
‫‪ 2‬عوارف المعارف للسهروردي ص ‪. 27‬‬
‫‪ 3‬حكمة الشراق لشهاب الدين السهروردي ص ‪ 244 – 242‬نقل عن ختم الولياء للترمذي ص ‪ 466‬وما بعد ‪.‬‬
‫‪ 4‬اللمحات الشراق لشهاب الدين السهروردي المورد السادس ص ‪ 173 , 172‬المندرج في كتاب يشتمل على رسائله‬
‫الثلثة باسم سه رسالة از شيخ إشراق ط مركز تحقيقات فارسي إيران وباكستان ‪ 1984‬م ‪.‬‬
‫‪ 5‬ختم الولياء للحكيم الترمذي ص ‪ 346‬ط المطبعة الكاثوليكية بيروت ‪.‬‬
‫‪ 6‬مواقع النجوم ومطالع أهلة السرار لبن عربي ص ‪ 171‬ط مطبعة السعادة مصر ‪1325‬هـ ‪.‬‬
‫‪130‬‬
‫ى شيء ودخل جوفي من حيث ل أعلم ‪ ,‬فقاَل لي شيئاَ في‬ ‫‪ ,‬ثم نّزل عل ّ‬
‫س باَطني بهاَ سكن‬
‫قَلبي ‪ .‬هاَ قَد أكرمك مولك باَلسكينة الرباَنية ‪ .‬فلماَ أح ّ‬
‫ي ‪ .‬فكأَني لم أرِ أشياَء ولم يهلني شيء ‪.‬‬‫كل جاَرِحة ف ّ‬

‫ت ‪ :‬ياَ حبيبي و مطلوبي ‪,‬‬ ‫ثم نوديت من مكاَن قَريبِ ‪ .‬وذلك من جهاَتي الس ّ‬
‫ي ‪ ,‬وكنت أسمع بقلبي ذلك الصوت حتى أظنهُ‬ ‫السلم عليك ‪ ,‬فغمضت عين ّ‬
‫ي فصرت‬ ‫ي ‪ ,‬ففتحت عين ّ‬ ‫من جوارِحي لقربهُ مني ‪ ,‬ثم نوديت ‪ :‬انظر عل ّ‬
‫كلي أعيناَ ‪ ,‬وكأَن في باَطني ماَ أرِاهُ في ظاَهري ‪ ,‬وصارت كأَني برزخ بين‬
‫كونين وقَاَب ‪ ,‬كماَ يرى الرائي عند النظر في المرآة ماَ بخاَرِجهاَ ‪ .‬ثم‬
‫سمعت بقاَرِئ يقرأ قَولهُ ‪ :‬آمن الرسول بماَ أنزل إليهُ من رِبهُ والمؤمنون‬
‫كل آمن باَللهُ وملئكتهُ وكتبهُ ورِسلهُ ‪,‬ل نفرق بين أحد من رِسلهُ وقَاَلوا‬
‫سمعناَ وأطعناَ غفرانك رِبناَ وإليك المصير ‪.‬‬

‫وإذا بذلك الحجاَب قَد رِفع وأذن لي باَلدخول ‪ .‬ولماَ دخلتهُ رِأيت النبياَء‬
‫صافوفاَ صافوفاَ ودونهم الملئكة ‪ ,‬ورِأيت أقَربهم للحق أرِبعة أنبياَء ‪ ,‬ورِأيت‬
‫أولياَء أمة محمد أقَرب الناَس إلى محمد وهو أقَرب الخلق إلى اللهُ تعاَلى‬
‫وأقَرب إليهُ أرِبعة أولياَء ‪ ,‬فعرفت منهم السيد محيى الدين عبد القاَدرِ ‪,‬‬
‫وهو الذي تلقاَني إلى باَب الحجاَب ‪ ,‬وأخذ بعضدي حتى دنوت من سيدناَ‬
‫ي ‪ ,‬فل زال‬ ‫محمد صالى اللهُ عليهُ وآلهُ ‪ ,‬فناَولني يمينهُ فأَخذتهُ بكلتاَ يد ّ‬
‫يجذبني ويدنيني حتى ماَ بقي بيني وبين رِبي أحد ‪ ,‬فلماَ حققت النظر في‬
‫رِبي ورِأيتهُ على صاورِة النبي ‪ ,‬إل أنهُ كاَلثلج أشبهُ شيء أعرفهُ في الوجود‬
‫من غير رِداء ول ثياَب ‪ .‬ولماَ وضعت شفتي على محل منهُ لقَبلهُ أحسست‬
‫ببرد الثلج سبحاَنهُ وتعاَلى ‪ ,‬فأَرِدت أخر صاعقاَ ‪ ,‬فمسكني سيدناَ محمد صالى‬
‫اللهُ عليهُ وآلهُ ( ‪. 1‬‬

‫وأماَ ابن عربي فيجعل لعروجهُ محاَكياَ المعراج النبوي الشريف ويقول ‪:‬‬

‫) بينماَ أناَ ناَئم وسر وجودي متهجد قَاَئم جاَءني رِسول التوفيق ‪ ,‬ليهديني‬
‫سواء الطريق ‪ ,‬ومعهُ براق الخلص ‪ ,‬عليهُ لبد الفوز ولجاَم الخلص ‪,‬‬
‫ى ‪ ,‬وشق صادرِي بسكين‬ ‫ى ‪ ,‬وأخذ في نقضى وحل ّ‬ ‫فكشف عن سقف محل ّ‬
‫السكينة ‪ ,‬وقَيل لي ‪ :‬تأَهبِ لرِتقاَء الرتبة المكينة ‪ ,‬وأخرج قَلبي في‬
‫منديل ‪ ,‬لمن من التبديل ‪ ,‬وألقى في طست الرضاَ ‪ ,‬بموارِد القضاَ ‪ ,‬ورِمى‬
‫منهُ حظ الشيطاَن ‪ ,‬وغسل بماَء ‪ :‬إن عباَدي ليس لك عليهم سلطاَن ‪ ...‬ثم‬
‫أتيت باَلخمر واللبن ‪ ,‬فشربت ميراث تماَم اللبن ‪ ,‬وتركت الخمر حذرِا أن‬
‫أكشف السر باَلسكر ‪ ...‬استفتح لي سماَء الجساَم فرأيت سر رِوحاَنية آدم‬
‫عليهُ السلم ‪ ...‬فاَستفتح الرسول الوضاَح ‪ ,‬سماَء الرِواح ‪ ...‬قَاَل لي ‪ :‬مرحباَ‬
‫وأهل – إلى آخر الخرافاَت والمختلقاَت (‪. 2‬‬

‫ويقول أحد من المتقدمين من الصوفية نجم الدين كبري المقتول ‪ 618‬هـ ‪:‬‬
‫) أنهُ أيضاَ ممن عرج بهُ إلى السماَء ( ‪. 3‬‬

‫‪ 1‬المواقف اللهية لبن البان ص ‪ 164‬إلى ‪. 169‬‬


‫‪ 2‬انظر كتاب السراء لبن عربي ص ‪ 18‬من ) رسائل ابن عربي ( الطبعة الولى ص حيدر أباد دكن الهند ‪ 1367‬هـ ‪.‬‬
‫‪ 3‬انظر فوائح الجمال وفواتح الجلل لنجم الدين الكبري بتصحيح دكتور فريتزمائر أستاذ بجامعة بازيل بسويسرا مطبعة‬
‫فرانتزشتاينز ويسبادن المانيا ‪1957‬م ‪.‬‬
‫‪131‬‬
‫كماَ نقل عن أبي الحسن الخرقَاَني أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) صاعدت ظهيرة إلى العرش لطوف بهُ فطفت عليهُ ألف طوفة أو كماَ قَاَل‬
‫‪ ,‬ورِأيت حواليهُ قَوماَ ساَكنين مطمئنين فتعجبوا من سرعة طوافي وماَ‬
‫أعجبني طوافهم ‪ ,‬فقلت ‪ :‬من أنتم ‪ ,‬وماَ هذهُ البرودة في الطواف ؟‬

‫فقاَلوا ‪ :‬نحن ملئكة ‪ ,‬ونحن أنوارِ ‪ ,‬وهذا طبعناَ ل نقدرِ أن نجاَوزهُ ‪ ,‬فقاَلوا ‪:‬‬
‫ومن أنت وماَ هذهُ السرعة في الطواف ؟‬
‫ي نورِ ‪ ,‬وناَرِ هذهُ السرعة من نتاَئج ناَرِ الشوق ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ي ‪ ,‬وف ّ‬
‫فقلت ‪ :‬بل أناَ آدم ّ‬

‫والجيلي كذلك ذكر عروجهُ ومعراجهُ ‪ ,‬ورِؤيتهُ لسدرِة المنتهى وتجلياَت‬


‫ب تباَرِك وتعاَلى ‪. 2‬‬
‫الر ّ‬

‫وكذلك يذكر النفزي الرندي المتوفى ‪ 792‬هـ في تفسير قَولهُ تعاَلى ‪ :‬وملكاَ‬
‫كبيرا ‪:‬‬
‫) أنهُ يرسل اللهُ تعاَلى الملك إلى وليهُ ‪ ,‬ويقول لهُ ‪:‬‬
‫استأَذن على عبدي ‪ ,‬فإن أذن لك فاَدخل ‪ ,‬وإل فاَرِجع ‪ ,‬فيستأَذن عليهُ من‬
‫سبعين حجاَباَ ‪ ,‬ثم يدخل عليهُ ومعهُ كتاَب من اللهُ عز وجل عنوانهُ ‪:‬‬
‫ي الذي ل يموت ‪ ,‬فإذا فتح الكتاَب وجد‬ ‫ي الذي ل يموت إلى الح ّ‬ ‫من الح ّ‬
‫مكتوباَ فيهُ عبدي ‪ ,‬اشتقت إليك فزرِني ‪ ,‬فيقول ‪ :‬هل جئت باَلبراق ؟‬

‫فيقول ‪ :‬نعم ‪ ,‬فيركبِ البراق ‪ ,‬فيغلبِ الشوق على قَلبهُ ‪ ,‬فيحملهُ شوقَهُ ‪,‬‬
‫ويبقى البراق إلى أن يصل إلى بساَط اللقاَء ( ‪. 3‬‬

‫وهناَك آخرون كثيرون ادعوا عروجهم إلى السماَء ‪ ,‬ومعراجهم أو‬


‫مكاَلمتهم الرب ‪ ,‬ومخاَطبتهم إياَهُ ‪ ,‬ومنهم صااَلح بن باَن النقاَ السوداني ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ودفع اللهُ بن محمد الكاَهلي الهذلي السوداني ‪. 5‬‬


‫وفتح اللهُ بورِاس القيرواني ‪. 6‬‬
‫ومحمد بن قَاَئد اللواني العراقَي ‪. 7‬‬
‫وأبو العباَس المرسي ‪. 8‬‬
‫ومثل هؤلء كثيرون ل يعدون ول يحصون ‪.‬‬

‫ويذكر الصوفي القديم المشهورِ عزيز الدين النسفي عن عروج المتصوفة‬


‫إلى السماَء ‪:‬‬
‫) إن بعض الصوفية يعرجون إلى السماَء الولى ويطوفون حولهاَ ‪ ,‬وبعضهم‬
‫يتجاَوزون من السماَء الولى ‪ ...‬وبعضهم يصلون إلى العرش إذا أمكن لهم (‬
‫‪.9‬‬

‫أيضا ص ‪. 13‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر النسان الكامل للجيلي الباب التاسع والربعون في سدرة المنتهى ج ‪ 2‬ص ‪. 13 , 12‬‬ ‫‪2‬‬

‫أيضا ص ‪. 66 , 65‬‬ ‫‪3‬‬

‫انظر كتاب الطبقات لمحمد ضيف الله الجعلي الفضلي ص ‪ 105‬ط لبنان ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫أيضا ص ‪. 89‬‬ ‫‪5‬‬

‫انظر الوصية الكبرى لعبد السلم الفيتوري ص ‪ 74‬ط طرابلس ليبيا ‪ 1976‬م ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫الجواب المستقيم لبن عربي ورقة أ ‪ ,‬ب المنقول من كتاب ختم الولياء للترمذي ص ‪. 224‬‬ ‫‪7‬‬

‫انظر النفحة العلية في أوراد الشاذلية ص ‪. 230‬‬ ‫‪8‬‬

‫انظر زبدة الحقائق لعزيز الدين نسفي ص ‪ 58‬تصحيح وتقديم حق وردي ناصري ط كتابخانة طهوري طهران ‪.‬‬ ‫‪9‬‬
‫‪132‬‬

‫ب لهؤلء المتصوفة‬ ‫هذا باَلنسبة للعروج ‪ ,‬وأماَ من ناَحية مكاَلمة الر ّ‬


‫ي الصفاَت ( ‪:‬‬
‫فللهمية ننقل عباَرِة الجيلي كاَملة ‪ ,‬فيقول تحت عنوان ) تجل ّ‬

‫) ومن المكلمين من يذهبِ بهُ الحق من عاَلم الجساَم إلى عاَلم الرِواح‬
‫وهؤلء أعلى مراتبِ ‪ .‬فمنهم من يخاَطبِ في قَلبهُ ‪ ,‬ومنهم من يصعد‬
‫بروحهُ إلى سماَء الدنياَ ‪ ,‬ومنهم إلى الثاَنية والثاَلثة كل على حسبِ ماَ قَسم‬
‫لهُ ‪ ,‬ومنهم من يصعد بهُ إلى سدرِة المنتهى فيكلمهُ اللهُ هناَك ‪ ,‬وكل من‬
‫المكلمين على قَدرِ دخولهُ في الحقاَئق تكون مخاَطباَت الحق لهُ و لنهُ‬
‫سبحاَنهُ وتعاَلى ل يضع الشياَء إل في مواضعهاَ ‪ .‬ومنهم من يضرب لهُ عند‬
‫عند تكليمهُ إياَهُ نورِ لهُ سرادق من النوارِ ‪ .‬ومنهم من ينصبِ لهُ منبرا من‬
‫نورِ ‪ .‬ومنهم من يرى نورِا في باَطنهُ فيسمع الخطاَب من تلك الجهة‬
‫النورِية ‪ ,‬وقَد يرى النورِ كثيرا وأكثر مستديرا ومتطاَول ‪ .‬ومنهم من يرى‬
‫ن أعلمهُ اللهُ أنهُ هو‬
‫ل ذلك ل يسمى خطاَباَ ‪ ,‬إل إ ْ‬‫صاورِة رِوحاَنية تناَجيهُ ‪ ,‬ك ّ‬
‫المتكلم ‪ ,‬وهذا ل يحتاَج فيهُ إلى دليل ‪ ,‬بل هو على سبيل الوهلة فإن‬
‫خاَصاية كلم اللهُ ل تخفى ‪ ,‬وأن يعلم أن كل ماَ سمعهُ كلم اللهُ فل يحتاَج‬
‫هناَك إلى دليل ول بياَن ‪ ,‬بل بمجرد سماَع الخطيبِ يعلم العبد أنهُ كلم‬
‫اللهُ ‪ ,‬وممن صاعد بهُ إلى سدرِة المنتهى من قَيل لهُ حبيبي إنيتك هي‬
‫هويتي وأنت عين هو وماَ هو إل أناَ ‪ ,‬حبيبي بساَطتك تركيبي وكثرتك‬
‫واحديتي ‪ ,‬بل تركيبك بساَطتي وجهلك درِايتي ‪ ,‬أناَ المراد بك أناَ لك ل لي ‪,‬‬
‫أنت المراد بي أنت لي ل لك ‪ ,‬حبيبي أنت نقطة عليهاَ دائرة الوجود فكنت‬
‫أنت العاَبد فيهاَ والمعبود ‪ ,‬أنت النورِ أنت الظهورِ أنت الحسن و الزين‬
‫كاَلعين للنساَن والنساَن للعين ‪:‬‬

‫وياَ سلوة الحزان للكبد الحّرى‬ ‫أياَ رِوح رِوح الروح والية الكبرى‬
‫حديثك ماَ أحلهُ عندي ومــاَ أمرا‬ ‫وياَ منتهى المـــــاَل ياَ غاَية المنى‬
‫وياَ عرفــاَن الغيبِ ياَ طلعة الغرا‬ ‫وياَ كعبة التحقيق ياَ قَبلة الصـــــفاَ‬
‫تصرف لك الدنياَ جميعاَ مع الخرى‬ ‫أتيناَك أخلفناَك في مــــــــــلك ذاتناَ‬
‫فكنت وكناَ والحقيـــــــقة ل تدرِى‬ ‫فلولك ماَ كناَ ولولي لم تــــــــكن‬
‫وإياَك نعني باَلفقيـــــــــر ول فقرا‬ ‫فإياَك نـــــعني باَلمـــــعزة والغنى‬
‫‪1‬‬
‫(‬

‫فلينظر الباَحث ‪ ,‬وليتعمق و هل بقي هناَك شيء خفي بعد هذا كلهُ ؟‬
‫ولكنناَ لتوثيق ماَ هو موثق نورِد نصوصااَ أخرى من أكاَبر القوم الخرين ‪,‬‬
‫وأعاَظمهم ‪.‬‬

‫منهاَ ماَ نقل المتصوفة عن أبي يزيد البسطاَمي أنهُ كثيرا ماَ كاَن يقول‬
‫للفقهاَء ‪:‬‬
‫ي الذي ل يموت (‬ ‫‪ )2‬أخذتم علمكم ميتاَ عن ميت ‪ ,‬ونحن أخذناَ علمناَ عن الح ّ‬
‫‪.‬‬

‫النسان الكامل لعبد الكريم الجيلي ص ‪ 66 , 65‬الطبعة الرابعة مصطفى البابي الحلبي ‪ 1402‬هـ ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫الجواهر والدرر للشعراني بهامش البريز ص ‪ , 268‬أيضا ذخائر العلق لبن عربي ص ‪. 153‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪133‬‬
‫وهو الذي يذكرون عنهُ أنهُ ذكر معراجهُ ومكاَلمتهُ الرب – تعاَلى اللهُ عماَ‬
‫يقولون بهُ علوا كبيرا – فيقول ‪:‬‬
‫ورِني في الملكوت السفلي ‪ ,‬فأَرِاني‬ ‫) أدخلني في الفلك السفل ‪ ,‬فد ّ‬
‫وف بي‬ ‫الرِضين وماَ تحتهاَ إلى الثرى ‪ ,‬ثم أدخلني في الفلك العلوي فط ّ‬
‫في السموات وأرِاني ماَ فيهاَ من الجناَن إلى العرش ‪.‬‬
‫ي رِأيت حتى أهبهُ لك ‪ ,‬فقلت ‪:‬‬ ‫ثم أوقَفني بين يديهُ فقاَل لي ‪ :‬سلني أ ّ‬
‫ياَ سيدي ماَ رِأيت شيئاَ استحسنتهُ فأَسأَلك إياَهُ ‪ ,‬فقاَل ‪ :‬أنت عبدي حقاَ‬
‫تعبدني لجلي صادقَاَ لفعلن بك ( ‪. 1‬‬

‫ونقل الخرون الكثيرون عنهُ أيضاَ أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) رِفعني مرة فأَقَاَمني بين يديهُ ‪ ,‬وقَاَل لي ‪:‬‬
‫ياَ أباَ يزيد ‪ ,‬إن خلقي يحبون أن يروك ‪.‬‬

‫فقلت ‪ :‬زّيني بوحدانيتك ‪ ,‬وألبسني أناَنيتك ‪ ,‬وارِفعني إلى أحديتك ‪ ,‬حتى‬


‫إذا رِآني خلقك قَاَلوا ‪ :‬رِأيناَك ‪ ,‬فتكون أنت ذاك ‪ ,‬ول أكون أناَ هناَ ( ‪. 2‬‬

‫ونقلوا مثل ذلك عن السري السقطي رِواية عن الجنيد أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫ت عند سري ليلة ‪ ,‬فقاَل لي ‪ :‬أناَئم أنت ؟‬
‫ب ّ‬

‫فقلت ‪:‬ل ‪.‬‬

‫فقاَل ‪ :‬أوقَفني الحق بين يديهُ ‪ ,‬فقاَل ‪ :‬أتدرِي لم خلقت الخلق ؟‬

‫قَلت ‪:‬ل ‪ .‬قَاَل ‪ :‬خلقتهم فاَّدعوا محبتي ‪ ,‬فخلقت الدنياَ ‪ ,‬فاَشتغل بهاَ من‬
‫عشرة آلف تسعة آلف ‪ ,‬وبقي ألف ‪ ,‬فخلقت الجنة فاَشتغل بهاَ تسعماَئة ‪,‬‬
‫وبقي ماَئة ‪ ,‬فسلطت عليهم شيئاَ من بلئي ‪ ,‬فاَشتغل تسعون ‪ ,‬وبقي‬
‫عشرة ‪ ,‬فقلت لهم ‪:‬ل الدنياَ أرِدتم ‪ ,‬ول في الجنة رِغبتم ‪ ,‬ول من البلء‬
‫هربتم ‪ ,‬فماَذا تريدون ؟‬

‫قَاَلوا ‪ :‬إنك تعلم ماَ نريد ‪.‬‬

‫فقاَل ‪ :‬سأَنزل عليكم من البلء ماَ ل تطيقهُ الجباَل ‪ ,‬أفتثبتون ؟‬

‫قَاَلوا ‪ :‬ألست أنت الفاَعل ؟ قَد رِضيناَ بذلك ‪ .‬نحمد ذلك بك وفيك ولك ‪.‬‬
‫فقاَل ‪ :‬أنتم عباَدي حقاَ ‪. 3‬‬

‫ورِووا عن الجنيد أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) لي ثلثون سنة أتكلم مع اللهُ تعاَلى ( ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وعن صاوفي قَديم آخر سهل بن عبد اللهُ التستري أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫‪ 1‬قوت القلوب لبي طالب المكي ج ‪ 2‬ص ‪ , 70‬كذلك محاسن المجالس لبن العريف ص ‪ , 77‬أيضا غيث المواهب العلية‬
‫للنفزي الرندي ص ‪. 305‬‬
‫‪ 2‬انظر كتاب اللمع للطوسي ص ‪. 461‬‬
‫‪ 3‬روضة التعريف للسان الدين بن الخطيب ص ‪ 538 , 537‬ط دار الفكر العربي القاهرة ‪.‬‬
‫‪ 4‬طبقات الشعراني ص ‪. 200‬‬
‫‪134‬‬

‫) أناَ منذ ثلثين سنة أكلم اللهُ والناَس يتوهمون أني أكلمهم ( ‪. 1‬‬

‫والشعراني نقل عن علي الخواص أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) قَد سمعت سيدي إبراهيم المتبولي يقول كثيرا ‪:‬‬
‫لي ثلثون سنة وأناَ مقيم في حضرة اللهُ لم أخرج ‪ ,‬وجميع ماَ أتكلم بهُ إنماَ‬
‫أكلم بهُ الحق سبحاَنهُ وتعاَلى ( ‪. 2‬‬

‫والرفاَعية أيضاَ ل يريدون أن يقل شأَن مرشدهم وهاَديهم ‪ ,‬وتنحط مكاَنتهُ‬


‫ب‬‫في أعين مريديهُ ومقلديهُ ‪ ,‬فنقلوا عنهُ أنهُ كاَن كثيرا بينهُ وبين الر ّ‬
‫مناَجاَة ومخاَطباَت فنقلوا عن ابن جلل في جلء الصد وا نصهُ ‪:‬‬

‫) نقل عن السيد إبراهيم العزب أنهُ قَاَل ‪ :‬كنت جاَلساَ في الغرفة مع‬
‫السيد أحمد الرفاَعي رِضي اللهُ تعاَلى عنهماَ ‪ ,‬ورِأسهُ على رِكبتيهُ ‪ ,‬فرفع‬
‫رِأسهُ وضحك بأَعلى صاوتهُ فضحكت أناَ أيضاَ ثم ألححت عليهُ ليخبرني عن‬
‫سببِ ضحكهُ ‪ ,‬فقاَل ‪:‬‬
‫أي إبراهيم ‪ ,‬ناَداني العزيز سبحاَنهُ ‪ :‬أني أرِيد أن أخسف الرِض ‪ ,‬وأرِمي‬
‫السماَء على الرِض ‪.‬‬

‫فلماَ سمعت هذا النداء تعجبت ‪ ,‬وقَلت ‪ :‬إلهي ‪ ,‬من ذا الذي يعاَرِضك في‬
‫ملكك وإرِادتك ؟‬

‫قَاَل سيدي إبراهيم ‪ :‬فأَخذتهُ الرعدة ووقَع على الرِض وبقي في ذلك‬
‫الحاَل زماَناَ طويل ( ‪. 3‬‬

‫وحينماَ رِأى الشاَذلية هذهُ المكاَنة العاَلية ‪ ,‬والمنزلة الرفيعة لمرشد‬


‫الرفاَعية ‪ ,‬الرفاَعي ‪ ,‬لم يرضوا أن يتخلفوا عنهم ‪ ,‬فقاَلوا ‪ :‬إن ماَ لشاَذليناَ‬
‫لم تكن مخاَطباَت فحسبِ ‪ ,‬بل إن اللهُ جل مجدهُ هو الذي سماَهُ بهذا‬
‫السم ‪ ,‬فيذكر الماَم الكبر الساَبق للزهر ‪ ,‬الدكتورِ عبد الحليم محمود‬
‫نقل عن أبي الحسن الشاَذلي كيفية نزولهُ من جبل زغوان ‪ ,‬ومغاَدرِتهُ‬
‫خلوتهُ ‪ ,‬فيقول ‪:‬‬

‫) قَيل لي ‪ :‬ياَ علي ‪ :‬اهبط إلى الناَس ينتفعوا بك ‪.‬‬


‫ب أقَلني من الناَس فل طاَقَة لي بمخاَلطتهم ‪.‬‬‫فقلت ‪ :‬ياَ رِ ّ‬
‫فقيل لي ‪ :‬انزل فقد أصاحبناَك السلمة ‪ ,‬ودفعناَ عنك الملمة ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬تكلني إلى الناَس آكل من درِيهماَتهم ‪.‬‬

‫فقيل لي ‪ :‬أنفق ياَ علي ‪ ,‬وأناَ الملي ‪ ,‬إن شئت من الجيبِ ‪ ,‬وإن شئت من‬
‫الغيبِ ‪.‬‬

‫التعرف لمذهب أهل التصوف بتحقيق محمود أمين النواوي ص ‪ 172‬ط القاهرة الطبعة الثانية ‪1980‬م ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر الخلق المتبولية للشعراني ج ‪ 1‬ص ‪. 482‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر قلدة الجواهر في ذكر الرفاعي وأتباعه الكابر للسيد محمد أبي الهدى الرفاعي ص ‪. 180‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪135‬‬
‫ونزل الشاَذلي رِضي اللهُ عنهُ من على الجبل ليغاَدرِ شاَذلة ‪ ,‬ويستقبل‬
‫مرحلة جديدة ‪ ,‬فقد انتهت المرحلة الولى التي رِسمهاَ لهُ شيخهُ ‪.‬‬

‫وقَبل أن نغاَدرِ معهُ شاَذلة إلى رِحلتهُ الجديدة نذكر ماَ حكاَهُ رِضي اللهُ عنهُ‬
‫فيماَ يتعلق بنسبتهُ إلى شاَذلة ‪ ,‬قَاَل ‪:‬‬

‫ب لم سميتني باَلشاَذلي ؟ ولست بشاَذلي ؟‬


‫قَلت ك ياَ رِ ّ‬

‫فقيل لي ‪ :‬ياَ علي ‪ ,‬ماَ سميتك باَلشاَذلي وإنماَ أنت ال ّ‬


‫شاَذّ لي ‪ .‬بتشديد‬
‫الذال المعجمة يعني ‪ :‬المنفرد لخدمتي ومحبتي ( ‪. 1‬‬

‫هذا ولقد نقلوا مثل هذهُ المكاَلماَت والمناَجاَة بين ذي النون المصري‬
‫ب تباَرِك وتعاَلى أيضاَ ‪. 2‬‬
‫والر ّ‬

‫دعى مثل هذهُ الدعوى ‪ ,‬وكتبِ‬ ‫وقَلماَ يوجد صاوفي أو متصوف إل وقَد ا ّ‬
‫التراجم وطبقاَت الصوفية مليئة بمثل هذهُ الكاَذيبِ والشناَعاَت ‪ ,‬والجرأة‬
‫على اللهُ ‪ ,‬والنتقاَص من شأَن نبيناَ صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ خاَتم النبيين‬
‫وسيد المرسلين ‪ ,‬حيث ينسبون إلى أنفسهم ‪ ,‬أو إلى مرشديهم‬
‫ومتصوفيهم ماَ لم يكن لبشر أن يحصل عليهُ ‪ ,‬حتى سيد الخلئق وأفضل‬
‫النبيين والمرسلين مثل ماَ أورِدناَ عنهم ‪ ,‬ومثل ماَرِووا عن فتح اللهُ بورِاس‬
‫القيرواني أنهُ كاَن يقول ‪:‬‬

‫) أشهدني اللهُ تعاَلى ماَ في السموات السبع وماَ في الكرسي وماَ في‬
‫اللوح المحفوظ وجميع ماَ في الحجبِ ‪ ,‬وفككت طلسم السموات السبع‬
‫والفلك الثاَمن الذي فيهُ جميع الكواكبِ وجميع الفلك الثاَمن ‪ ,‬وهم بناَت‬
‫نعش والجدي والقطبِ ‪ ,‬ووصالت إلى الفلك التاَسع الذي يسمونهُ الطلس ‪,‬‬
‫ورِصادت جداولهُ وأناَ عند ذلك طفل صاغير لم أبلغ الحلم ( ‪. 3‬‬

‫وكاَن يقول ‪:‬‬


‫ّ‬
‫) وفي الســــــماَء الســـــــاَبعة شــــــاَهدت رِبي وكـــــــلمتهُ‬
‫وفوق العــــــرش والكرسي قَـــــــــــد‬
‫ناَداني وخاَطبتهُ‬

‫وماَ في اللوح المحفوظ من الي والمر والنهي قَد حفظتهُ‬


‫وبيدي بــــــــــــــــاَب الجنــــــــــاَن قَد‬
‫فتحتـــــهُ ودخلتهُ‬

‫وماَ فــــــــــيهُ من الحـــــــــــورِ العين قَد رِأيتهُ وحصـــــيتهُ‬


‫ومــــن رِآني ورِأي مــــــــــــــن رِآني‬
‫وحضـــــر مجلسي‬

‫‪ 1‬انظر كتاب الدكتور عبد الحليم محمود المدرسة الحديثة الشاذلية وإمامها أبو الحسن الشاذلي ص ‪ 35 , 34‬ط دار الكتب‬
‫الحديثة القاهرة ‪.‬‬
‫‪ 2‬انظر تذكرة الولياء للعطار ص ‪ 74‬ط باكستان ‪.‬‬
‫‪ 3‬الوصية الكبرى لشيخ العروسية عبد السلم الفيتوري ص ‪ 75‬ط مكتبة النجاح طرابلس ليبيا ‪.‬‬
‫‪136‬‬
‫في جنة عدن وبــــــستاَنـــــهاَ قَد أســـــــكنتـــــــــــــــــــــهُ ( ‪. 1‬‬

‫ومثل ذلك ذكر الشعراني عن الدسوقَي المتوفى ‪776‬هـ حيث قَاَل ‪:‬‬
‫ي في الرِض خلعتهُ بيدي ‪ .‬ألبس منهم من شئت ‪ ,‬أناَ في السماَء‬ ‫) أناَ كل ول ّ‬
‫شاَهدت رِبي ‪ ,‬وعلى الكرسي خاَطبتهُ ‪ ,‬أناَ بيدي أبواب الناَرِ أغلقتهاَ ‪,‬‬
‫وبيدي جنة الفردوس فتحتهاَ ‪ .‬من زارِني أسكنتهُ جنة الفردوس ( ‪. 2‬‬

‫نعوذ باَللهُ من مثل هذهُ الخرافاَت ‪ ,‬ول يؤاخذناَ اللهُ على نقل ماَ اقَترفتهُ‬
‫ن هي‬ ‫اليدي الثيمة واللسن الخبيثة ‪ ,‬رِبناَ ل تهلكناَ بماَ فعل السفهاَء مناَ إ ْ‬
‫ل بهاَ من تشاَء وتهدي من تشاَء أنت وليناَ فاَغفر لناَ و ارِحمناَ‬ ‫إل فتنتك تض ّ‬
‫وأنت خير الغاَفرين ‪.‬‬
‫صالوا قَاَعدة وحكماَ عاَماَ ‪ ,‬وقَاَلوا ‪:‬‬
‫ثم إن الصوفية أ ّ‬
‫ي متصل باَللهُ تعاَلى إل وهو يناَجي رِبهُ كماَ كاَن موسى عليهُ‬ ‫) ماَ كاَن ول ّ‬
‫السلم يناَجي رِبهُ ( ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫) وإذا صافاَ قَلبِ الفقير صااَرِ مهبط الوحي ( ‪. 4‬‬

‫والدباَغ يقول ‪:‬‬


‫) وكلم الحق سبحاَنهُ يسمعهُ المفتوح عليهُ إذا رِحمهُ اللهُ عز وجل سماَعاَ‬
‫خاَرِقَاَ للعاَدة فيسمعهُ من غير حرفهُ ول صاوت ول إدرِاك لكيفية ‪ ,‬ول يختص‬
‫بجهة دون جهة ‪ ,‬بل يسمعهُ من ساَئر الجهاَت ‪ ,‬بل ومن ساَئر جواهر ذاتهُ ‪,‬‬
‫وكماَ ل يخص السماَع لهُ جهة دون أخرى ‪ ,‬كذلك ل يخص جاَرِحة دون أخرى‬
‫يعني أنهُ يسمعهُ بجميع جواهرهُ وساَئر أجزاء ذاتهُ فل جزء ول جوهر ول‬
‫ن ول ضرس ول شعرة منهُ إل وهو يسمع بهُ ‪ ,‬حتى تكون ذاتهُ بأَسرهاَ‬ ‫س ّ‬
‫كأَذن ساَمعة ‪ , ,‬ثم ذكر اختلف أهل الفتح في قَدرِ السماَع وبّينهُ بماَ ل يذكر‬
‫(‪.5‬‬

‫ب ‪ ,‬ومخاَطبتهُ‬‫) وأن معراج الصوفية ‪ ,‬وخرقَهم السموات ‪ ,‬ومكاَلمتهم الر ّ‬


‫إياَهم جاَئز شرعاَ ونقل ‪ ,‬وهو المنقول عن الشاَذلي ‪ ,‬وابن عطاَء اللهُ في‬
‫) لطاَئف المنن ( ‪ ,‬ومحمد السنوسي في كبراهُ ‪ ,‬والشيخ عبد الباَقَي‬
‫وغيرهم ( ‪. 6‬‬

‫وقَد نقل الشعراني عن الشاَذلي قَولهُ ‪:‬‬


‫)ل إنكاَرِ على من قَاَل ‪ :‬كّلمني اللهُ كماَ كلم موسى ( ‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫ّ‬

‫وأماَ ابن عربي القاَئل دوماَ ‪ ) :‬حدثني قَلبي عن رِبي ‪ ,‬في كتبهُ ورِساَئلهُ ‪ ,‬و‬
‫‪ :‬ماَ صانفت كتاَباَ عن تدبير واختياَرِ إل بأَمر من اللهُ وإرِشاَدهُ ( ‪. 8‬‬

‫أيضا ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر الطبقات الكبرى للشعراني ج ‪ 1‬ص ‪. 180‬‬ ‫‪2‬‬

‫أيضا ج ‪ 1‬ص ‪. 180‬‬ ‫‪3‬‬

‫الخلق المتبولية للشعراني ج ‪ 1‬ص ‪ 100‬المنقول عن إبراهيم المتبولي ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫البريز للدباغ ص ‪. 156‬‬ ‫‪5‬‬

‫كتاب الطبقات للجعلي الفضلي ص ‪. 107‬‬ ‫‪6‬‬

‫مقولة الشاذلي المنقولة في طلقات الشعراني ج ‪ 2‬ص ‪. 69‬‬ ‫‪7‬‬

‫انظر تنبيه المغترين للشعراني ص ‪. 136‬‬ ‫‪8‬‬


‫‪137‬‬
‫ب عندماَ يبلغ الدرِجة العلياَ ‪ ,‬ويتحقق في‬
‫يقول في سماَع الصوفي كلم الر ّ‬
‫مقاَمهُ ‪ ,‬يقول ‪:‬‬

‫) إنماَ يسمع الصوفي في هذا المقاَم ويمتثل ماَ يسمع – كماَ أناَ ماَ زلت‬
‫أسمع متحققاَ في مقاَمي من الحق ( ‪. 1‬‬
‫وأماَ إطلعهم على الغيبِ ‪ ,‬وإحاَطتهم بعلم ماَ كاَن وماَ يكون ‪ ,‬وإخباَرِهم‬
‫بكل ماَ ظهر وماَ بطن فكتبِ القوم مليئة بهذهُ المختلقاَت ‪ ,‬بل يمكن‬
‫لقاَرِئ كتبِ الصوفية والباَحث في تراجمهم وطبقاَتهم أن يقول ‪ :‬إن‬
‫د منهم إل أن يكون حاَمل لذلك العلم‬ ‫شخصاَ ماَ ينسبِ إلى هؤلء الناَس ويع ّ‬
‫الذي هو من خاَصاة رِب السموات والرِض ‪ ,‬حيث أخبر عن ذاتهُ سبحاَنهُ‬
‫تباَرِك وتعاَلى ‪:‬‬

‫ر‬ ‫وال ْب َ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫في ال ْب َّر َ‬ ‫ماَ ِ‬ ‫م َ‬‫عل َ ُ‬ ‫وي َ ْ‬‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫هاَ ِإل ّ ُ‬ ‫م َ‬‫عل َ ُ‬ ‫بِ ل َ ي َ ْ‬ ‫غي ْ ِ‬‫ح ال ْ َ‬ ‫فاَت ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫عندَهُُ َ‬ ‫و ِ‬ ‫} َ‬
‫ول َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ض َ‬ ‫ت الْرِ ِ‬ ‫ماَ ِ‬ ‫في ظل َ‬ ‫ة ِ‬ ‫حب ّ ٍ‬‫ول َ َ‬ ‫هاَ َ‬ ‫م َ‬‫عل ُ‬ ‫ة ِإل ّ ي َ ْ‬ ‫قَ ٍ‬‫وَرِ َ‬ ‫من َ‬ ‫قط ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ماَ ت َ ْ‬ ‫و َ‬
‫َ‬
‫ن{ ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مِبي ٍ‬ ‫ب ّ‬ ‫في ك َِتاَ ٍ‬ ‫س ِإل ِ‬ ‫ول َياَب ِ ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫َرِط ٍ‬
‫‪2‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫هُ { ‪. 3‬‬ ‫مُر ك ُل ّ ُ‬ ‫ع ال ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫هُ ي ُْر َ‬‫وإ ِل َي ْ ِ‬‫ض َ‬ ‫والْرِ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ماَ َ‬ ‫س َ‬‫بِ ال ّ‬ ‫غي ْ ُ‬‫هُ َ‬ ‫ول ِل ّ ِ‬ ‫وقَاَل ‪َ } :‬‬
‫ْ َ‬
‫ت‬‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬‫عِلي ٌ‬ ‫هُ َ‬ ‫ض إ ِن ّ ُ‬ ‫والْرِ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ماَ َ‬‫س َ‬ ‫بِ ال ّ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫عاَل ِ ُ‬‫هُ َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫وقَاَل ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫‪4‬‬
‫رِ { ‪.‬‬ ‫دو ِ‬ ‫ص ُ‬‫ال ّ‬
‫وأخبر عن نفسهُ بنفسهُ ‪:‬‬

‫ة ال ْك َِبيُر ال ْ ُ‬ ‫وال ّ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫‪5‬‬
‫ل{‬
‫عاَ ِ‬
‫مت َ َ‬ ‫هاَدَ ِ‬
‫ش َ‬ ‫بِ َ‬
‫غي ْ ِ‬ ‫عاَل ِ ُ‬
‫} َ‬

‫م {‪. 6‬‬
‫كي ُ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ة ال ْ َ‬
‫ع ِ‬ ‫هاَدَ ِ‬ ‫وال ّ‬
‫ش َ‬ ‫بِ َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫غي ْ ِ‬ ‫عاَل ِ ُ‬
‫و‪َ }:‬‬
‫ص في المسأَلة حيث أمر نبّيهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم أن‬
‫والية التي هي ن ّ‬
‫يقول ‪:‬‬
‫ْ َ‬
‫بِ إ ِّل الل ّ ُ‬ ‫ض ال ْ َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫قَل ّل ي َ ْ‬
‫} ُ‬
‫‪7‬‬
‫‪.‬‬ ‫هُ {‬ ‫غي ْ َ‬ ‫والْرِ ِ‬ ‫ت َ‬
‫وا ِ‬
‫ماَ َ‬
‫س َ‬
‫في ال ّ‬
‫من ِ‬
‫م َ‬
‫كماَ أمر نبيهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم أن ينفي عن نفسهُ الغيبِ ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪8‬‬
‫بِ {‬ ‫م ال ْ َ‬
‫غي ْ َ‬ ‫ول أ َ ْ‬
‫عل َ ُ‬ ‫ن الل ّ ِ‬
‫هُ َ‬ ‫خَزآئ ِ ُ‬
‫دي َ‬
‫عن ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫قَل ل ّ أ َ ُ‬
‫قَو ُ‬ ‫} ُ‬

‫ونقل عن مصطفاَهُ عليهُ الصلة والسلم أنهُ قَاَل ‪:‬‬

‫انظر مواقع النجوم لبن عربي ص ‪ 164‬وما بعد الطبعة الولى ‪ 1325‬هـ مطبعة السعادة مصر ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫النعام ‪. 59‬‬ ‫‪2‬‬

‫هود ‪ , 123‬كذلك النحل ‪. 77‬‬ ‫‪3‬‬

‫فاطر ‪. 38‬‬ ‫‪4‬‬

‫الرعد ‪. 9‬‬ ‫‪5‬‬

‫التغابن ‪. 18‬‬ ‫‪6‬‬

‫النمل ‪. 65‬‬ ‫‪7‬‬

‫النعام ‪ , 50‬ومثله في سورة هود الية ‪. 31‬‬ ‫‪8‬‬


‫‪138‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪9‬‬
‫ر{‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫خي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ست َك ْث َْر ُ‬
‫ت ِ‬ ‫بِ ل َ ْ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫غي ْ َ‬ ‫ت أَ ْ‬
‫عل َ ُ‬ ‫كن ُ‬ ‫ول َ ْ‬
‫و ُ‬ ‫} َ‬
‫وقَاَل نبيهُ مخاَطباَ إياَهُ ‪:‬‬
‫م ال ْ ُ‬ ‫ك إن ّ َ َ‬ ‫سي و َل َ أ َ ْ‬
‫ب‬
‫غُيو ِ‬ ‫عل ّ ُ‬
‫ت َ‬
‫ك أن َ‬ ‫س َ ِ‬ ‫في ن َ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫ماَ ِ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫في ن َ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫ماَ ِ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫} تَ ْ‬
‫{‪.2‬‬

‫والياَت في هذا المعنى كثيرة جدا ‪ ,‬والحاَديث النبوية كذلك ‪.‬‬

‫ولكن القوم يقولون عكس ذلك متأَثرين باَلتشيع ‪ ,‬وآخذين أفكاَرِهم‬


‫ومعتقداتهم ‪ ,‬فيقول القشيري في بياَن درِجاَت السلوك ‪:‬‬
‫) ثم في خلل هذهُ الحوال قَبل وصاولهُ إلى هذا المقاَم الذي هو نهاَية كاَن‬
‫يرى جملة الكون يضيء بنورِ كاَن لهُ حتى لم يخف من الكون عليهُ شيء‬
‫وكاَن يرى جميع الكون من السماَء والرِض رِؤية عياَن ولكن بقلبهُ ‪ ,‬وكاَن ل‬
‫يرى في هذا الوقَت بعين لنهُ شيء ولكن لم يكن هذهُ رِؤية علم ‪ ,‬بل لو‬
‫تحرك في الكون ذرِة أو نملة ( ‪.3‬‬

‫ونقل الكلباَذي عن أبي عبد اللهُ النطاَكي أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) إذا جاَلستم أهل الصدق فجاَلسوهم باَلصدق ‪ ,‬فإنهم جواسيس القلوب ‪,‬‬
‫يدخلون في أسرارِكم ‪ ,‬ويخرجون من هممكم ( ‪. 4‬‬

‫ويقول ابن عجيبة الحسني ‪:‬‬


‫سم الخلق قَسمين وفرقَهم فرقَتين ‪ :‬قَسم اختصهم‬ ‫) إن الحق سبحاَنهُ قَ ّ‬
‫بمحبتهُ ‪ ,‬وجعلهم من أهل وليتهُ ‪ ,‬ففتح لهم الباَب ‪ ,‬وكشف لهم الحجاَب ‪,‬‬
‫فأَشهدهم أسرارِ ذاتهُ ‪ ,‬ولم يحجبهم عنهُ بآثاَرِ قَدرِتهُ ( ‪. 5‬‬

‫فإذا كشف الحجاَب ‪ ,‬وفتح لهم الباَب ) علم العوالم بأَجمعهاَ على ماَ هي‬
‫عليهُ من تفاَرِيعهاَ من المبدأ إلى المعاَد وعلم كل شيء ‪ ,‬كيف كاَن ؟ وكيف‬
‫هو كاَئن ؟ وكيف يكون ؟ وعلم ماَ لم يكن ‪ ,‬ولم ل يكون ماَ لم يكن ؟ ولو‬
‫كاَن ماَ لم يكن كيف كاَن يكون ؟ كل ذلك علماَ ً أصالياَ حكيماَ كشفياَ ذوقَياَ‬
‫من ذاتهُ لسرياَنهُ في المعلوماَت علماَ إجماَلياَ تفصيلً كلياَ جزئياَ مفصل في‬
‫إجماَلهُ ‪ ...‬ومنهم من تجلى اللهُ عليهُ بصفة السمع فيسمع نطق الجماَدات‬
‫والنباَتاَت والحيواناَت ‪ ,‬وكلم الملئكة واختلف اللغاَت ‪ ,‬وكاَن البعيد عنهُ‬
‫كاَلقريبِ ( ‪. 6‬‬

‫وقَاَل عماَد الدين الموي ‪:‬‬


‫) إذا انكشفت الحجبِ عن القلبِ تجلى فيهُ شيء مماَ هو مستورِ في اللوح‬
‫المحفوظ ‪ ,‬ولمع في القلبِ من ورِاء ستر الغيبِ شيء من غرائبِ العلم ( ‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫‪ 9‬العراف ‪. 188‬‬
‫‪ 2‬المائدة ‪. 116‬‬
‫‪ 3‬رسالة ترتيب السلوك للقشيري من مجموعة الرسائل القشيرية لعبد الكريم القشيري المتوفى ‪ 465‬ط المعهد المركزي‬
‫للبحاث السلمية باكستان ‪ 1384‬هـ ‪.‬‬
‫‪ 4‬التعرف للكلباذي ص ‪. 33‬‬
‫‪ 5‬إيقاظ الهمم لبن عجيبة الحسني ص ‪. 77‬‬
‫‪ 6‬النسان الكامل للجيلي ج ‪ 1‬ص ‪. 64 . 63‬‬
‫‪ 7‬حياة القلوب في كيفية الوصول إلى الجنوب لعماد الدين الموي ص ‪ 261‬بهامش قوت القلوب لبي طالب ‪.‬‬
‫‪139‬‬

‫وأيضاَ ‪ ) :‬يشرف على الملكوت العظم ‪ ,‬ويرى عجاَئبهُ ‪ ,‬ويشاَهد غرائبهُ ‪,‬‬
‫مثل اللوح ‪ ,‬والقلم ‪ ,‬واليمين الكاَتبة ‪ ,‬وملئكة اللهُ تعاَلى يطوفون ‪ ,‬حول‬
‫العرش يسبحون بحمد رِبهم ‪ ,‬وباَلبيت المعمورِ ‪ ,‬ويسبحونهُ ويقدسونهُ ‪,‬‬
‫ويفهم كلم المخلوقَين من الحيواناَت والجماَدات ‪ ,‬ثم يتخطى منهاَ إلى‬
‫معرفة الخاَلق للكل والماَلك للكل فتغشاَهم النوارِ ‪ ,‬وتتجلى لقلوبهم‬
‫الحقاَئق ( ‪. 1‬‬

‫ويقول الدباَغ وهو يذكر بعض ماَ يشاَهدهُ المفتوح عليهُ وهو الولي عندهُ ‪,‬‬
‫فيقول ‪:‬‬
‫) أماَ في المقاَم الول فإنهُ يكاَشف فيهُ بأَمورِ ‪ ,‬منهاَ ‪ :‬أفعاَل العباَد في‬
‫خلواتهم ‪.‬‬
‫ومنهاَ ‪ :‬مشاَهدة الرِضين السبع والسموات السبع ‪ ,‬ومنهاَ مشاَهدة الناَرِ‬
‫التي في الرِض الخاَمسة ‪ ,‬وغير ذلك مماَ في الرِض والسماَء ‪ ...‬ومن‬
‫الشياَء التي يشاَهدونهاَ ‪ :‬اشتباَك الرِضين بعضهاَ ببعض ‪ ,‬وكيف تخرج من‬
‫أرِض إلى أرِض أخرى ‪ ,‬وماَ تمتاَز بهُ أرِض عن أرِض أخرى ‪ ,‬والمخلوقَاَت‬
‫التي في كل أرِض ‪.‬‬

‫ومنهاَ ‪ :‬مشاَهدة اشتباَك الفلك بعضهاَ ببعض ‪ ,‬ماَ نسبتهاَ من السموات‬


‫وكيف وضع النجوم التي فيهاَ ‪.‬‬
‫ومنهاَ ‪ :‬مشاَهدة الشياَطين وكيف توالدهاَ ‪.‬‬
‫ومنهاَ ‪ :‬مشاَهدة الجن وأين يسكنون ؟‬
‫ومنهاَ ‪ :‬مشاَهدة سير الشمس والقمر والنجوم ‪ ...‬وأماَ ماَ يشاَهدهُ في‬
‫المقاَم الثاَني فإنهُ يكاَشف باَلنوارِ الباَقَية كماَ كوشف في المقاَم الول‬
‫باَلمورِ الظلماَنية الفاَنية ‪ ,‬فيشاَهد في المقاَم الملئكة والحفظة والديوان‬
‫والولياَء الذين يعمرونهُ ‪ ...‬وأماَ المقاَم الثاَلث فإنهُ يشاَهد فيهُ أسرارِ القدرِ‬
‫في تلك النوارِ المتقدمة ‪.‬‬

‫وأماَ المقاَم الرابع فإنهُ يشاَهد فيهُ النورِ الذي ينبسط عليهُ الفعل ‪ ,‬وينحل‬
‫م في الماَء ‪ ,‬فاَلفعل كاَلسم والنورِ كاَلماَء ‪ ...‬وفي المقاَم‬
‫فيهُ كاَنحلل الس ّ‬
‫الخاَمس يشاَهد انعزال الفعل عن ذلك النورِ ‪ ,‬فيرى النورِ نورِا ‪ ,‬والفعل‬
‫فعل ‪ ...‬والمفتوح عليهُ ل يغيبِ عليهُ ماَ في أرِحاَم النثى فضل عن غيرهُ ( ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وكاَن الدباَغ هذا يرى أيضاَ أن المتصوفة ل يعرفون الغيبِ فحسبِ ‪ ,‬بل‬
‫يعرفون الغيوب الخمسة التي ذكرهاَ اللهُ تعاَلى في محكم كتاَبهُ أنهُ ل‬
‫يعلمهاَ أحد غيرهُ بقولهُ ‪:‬‬

‫في اْل َْرِ َ‬


‫حاَم ِ‬ ‫ماَ ِ‬ ‫م َ‬‫عل َ ُ‬
‫وي َ ْ‬
‫َ‬ ‫ث‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫غي ْ َ‬ ‫وي ُن َّز ُ‬
‫َ‬ ‫ة‬
‫ع ِ‬‫ساَ َ‬
‫م ال ّ‬ ‫عل ْ ُ‬‫عندَهُُ ِ‬‫هُ ِ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫مو ُ‬‫ض تَ ُ‬ ‫ي أْرِ ٍ‬‫س ب ِأَ ّ‬‫ف ٌ‬ ‫رِي ن َ ْ‬
‫ماَ ت َدْ ِ‬
‫و َ‬‫دا َ‬ ‫غ ً‬ ‫بِ َ‬‫س ُ‬ ‫ذا ت َك ْ ِ‬‫ماَ َ‬
‫س ّ‬‫ف ٌ‬ ‫رِي ن َ ْ‬ ‫ماَ ت َدْ ِ‬
‫و َ‬‫َ‬
‫‪3‬‬
‫خِبيٌر {‬ ‫م َ‬ ‫عِلي ٌ‬ ‫هُ َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫إِ ّ‬

‫حياة القلوب ص ‪ 276 , 275‬بهامش قوت القلوب لبي طالب المكي ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫البريز للدباغ ص ‪ 151‬وما بعد ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫لقمان ‪. 34‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪140‬‬
‫ولكنهُ ابن المباَرِك ينقل عنهُ قَاَئل ‪:‬‬
‫) قَلت للشيخ ‪ ) :‬أي عبد العزيز الدباَغ ( رِضي اللهُ عنهُ ‪ :‬إن علماَء الظاَهر‬
‫من المحدثين وغيرهم اختلفوا في النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬هل كاَن‬
‫ة‬
‫ع ِ‬
‫ساَ َ‬ ‫عل ْ ُ‬
‫م ال ّ‬ ‫عندَهُُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫هُ ِ‬ ‫يعلم الخمس المذكورِات في قَولهُ ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫بِ‬
‫س ُ‬‫ذا ت َك ْ ِ‬
‫ماَ َ‬
‫س ّ‬‫ف ٌ‬ ‫رِي ن َ ْ‬
‫ماَ ت َدْ ِ‬
‫و َ‬ ‫في اْل َْرِ َ‬
‫حاَم ِ َ‬ ‫ماَ ِ‬‫م َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫وي َ ْ‬‫ث َ‬‫غي ْ َ‬‫ل ال ْ َ‬
‫وي ُن َّز ُ‬ ‫َ‬
‫ر { ‪ ,‬فقاَل‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫رِي ن َ ْ‬ ‫َ‬
‫خِبي ٌ‬‫م َ‬
‫عِلي ٌ‬ ‫هُ َ‬
‫ن الل َ‬ ‫ت إِ ّ‬
‫مو ُ‬ ‫ض تَ ُ‬‫ي أْرِ ٍ‬‫س ب ِأَ ّ‬
‫ف ٌ‬ ‫ماَ ت َدْ ِ‬
‫و َ‬
‫دا َ‬ ‫غ ً‬
‫رِضي اللهُ عنهُ وعن ساَدتناَ العلماَء ‪:‬‬

‫كيف يخفى أمر الخمس عليهُ والواحد من أهل التصوف من أمتهُ الشريفة‬
‫ل يمكنهُ التصرف إل بمعرفة هذهُ الخمس ( ‪. 1‬‬

‫والجدير باَلذكر أن هذا هو القاَئل ‪:‬‬


‫) ماَ السموات والرِضون السبع في نظر العبد المؤمن إل كحلقة ملقاَة في‬
‫فلة ( ‪. 2‬‬

‫وأيضاَ ‪ ) :‬إن الجنين إذا سقط من بطن أمهُ يراهُ العاَرِف في تلك الحاَلة إلى‬
‫آخر عمرهُ ( ‪. 3‬‬

‫أماَ الرفاَعي أحمد فنقلوا عنهُ أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) إن العبد ماَ يزال يرتقي من سماَء إلى سماَء حتى يصل إلى محل الغوث ‪,‬‬
‫ثم ترتفع صافتهُ إلى أن تصير صافة من صافاَت الحق ‪ ,‬فيطلعهُ على غيبهُ‬
‫حتى ل تنبت شجرة ‪ ,‬ول تحضر ورِقَة إل بنظرهُ ‪ ,‬ويتكلم هناَك عن اللهُ بكلم‬
‫بِ الدنياَ‬
‫ل تسعهُ عقول الخلئق ‪ ...‬وكاَن يقول ‪ :‬إن القلبِ إذا انجلى من ح ّ‬
‫وشهوتهاَ صااَرِ كاَلبّلورِ ‪ ,‬وأخبر صااَحبهُ بماَ مضى وبماَ هو آت من أحوال‬
‫الناَس ( ‪. 4‬‬
‫ونقل ذلك الشعراني أيضاَ منهُ في طبقاَتهُ ‪. 5‬‬

‫ونقلوا عن الشبلي أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) لو دبت نملة سوداء على صاخرة صاماَء في ليلة ظلماَء ولم أشعر بهاَ أو لم‬
‫أعلم بهاَ لقلت أنهُ ممكورِ بي ( ‪.6‬‬
‫ي الصريح الواضح البّين ‪:‬‬ ‫وهذا قَول اللهُ الجل ّ‬
‫ر‬
‫ح ِ‬ ‫وال ْب َ ْ‬
‫في ال ْب َّر َ‬‫ماَ ِ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫وي َ ْ‬
‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫هاَ ِإل ّ ُ‬
‫م َ‬‫عل َ ُ‬‫بِ ل َ ي َ ْ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ح ال ْ َ‬ ‫م َ‬
‫فاَت ِ ُ‬ ‫عندَهُُ َ‬ ‫و ِ‬‫} َ‬
‫َ‬
‫ول َ‬ ‫ض َ‬ ‫ت الْرِ ِ‬ ‫في ظُل ُ َ‬
‫ماَ ِ‬ ‫ة ِ‬ ‫حب ّ ٍ‬ ‫ول َ َ‬‫هاَ َ‬ ‫م َ‬‫عل َ ُ‬‫ة ِإل ّ ي َ ْ‬ ‫وَرِ َ‬
‫قَ ٍ‬ ‫من َ‬ ‫ط ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫س ُ‬‫ماَ ت َ ْ‬‫و َ‬
‫َ‬
‫‪7‬‬
‫ن{‬ ‫بي‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫تاَ‬ ‫ك‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫إل‬ ‫س‬ ‫ب‬ ‫ياَ‬ ‫َ‬ ‫ول‬ ‫بِ‬ ‫ْ‬ ‫ط‬ ‫رِ‬
‫َِ ٍ ّ ِ ٍ‬ ‫َ ِ ٍ ِ‬ ‫ٍ َ‬ ‫َ‬
‫ومع أمر اللهُ عز وجل لنبيهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم أن يقول ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حى إ ِل َ ّ‬ ‫ع إ ِّل َ‬ ‫وَل ب ِك ُ ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫ماَ ي ُ ْ‬
‫‪8‬‬
‫ي{‬ ‫ماَ ُيو َ‬ ‫ن أت ّب ِ ُ‬
‫م إِ ْ‬ ‫ل ِبي َ‬ ‫ف َ‬ ‫رِي َ‬
‫ماَ أدْ ِ‬
‫و َ‬
‫} َ‬
‫البريز ص ‪. 167‬‬ ‫‪1‬‬

‫أيضا ص ‪. 242‬‬ ‫‪2‬‬

‫أيضا ص ‪. 274‬‬ ‫‪3‬‬

‫قلدة الجواهر في ذكر الرفاعي وأتباعه الكابر ص ‪. 148‬‬ ‫‪4‬‬

‫انظر الطبقات الكبرى للشعراني ج ‪ 1‬ص ‪. 142‬‬ ‫‪5‬‬

‫مجموع مخطوط بالفاتكان عربي رقم ‪ 1242‬ورقة ‪ 51‬ب ‪ , 52 -‬أيضا النسان الكامل للجيلي ج ‪ 1‬ص ‪. 122‬‬ ‫‪6‬‬

‫النعام ‪. 59‬‬ ‫‪7‬‬

‫الحقاف ‪. 9‬‬ ‫‪8‬‬


‫‪141‬‬
‫وقَول اللهُ عز وجل ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ن َأنَباَء ال ْ َ‬
‫م َ‬
‫ك‬ ‫و ُ‬ ‫ول َ َ‬
‫قَ ْ‬ ‫ت َ‬
‫هاَ أن َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫ماَ ُ‬
‫كن َ‬ ‫ك َ‬ ‫هاَ إ ِل َي ْ َ‬
‫حي َ‬ ‫بِ ُنو ِ‬‫غي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫} ت ِل ْ َ‬
‫ة ل ِل ْ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ذا َ‬‫هـ َ‬ ‫من َ‬
‫‪1‬‬
‫ن{‬ ‫قي َ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫قَب َ َ‬‫عاَ ِ‬ ‫صاب ِْر إ ِ ّ‬
‫فاَ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قَب ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ولكن القوم عكس ذلك يقولون ماَ ألقى الشيطاَن إليهم من عقاَئد شيعية ‪,‬‬
‫ومعتقدات يهودية ‪ ,‬وكاَن السحرة والكهاَن ‪.‬‬

‫ولقد أّدب اللهُ تباَرِك وتعاَلى نبيهُ ونجيهُ وصافيهُ سيد البشر قَاَئد النبيين‬
‫والمرسلين صالى اللهُ عليهُ وسلم على جوابهُ لمن سأَلهُ عن أصاحاَب الكهف‬
‫وعددهم ‪ ,‬رِجاَء بأَن ينزل عليهُ الوحي ‪ ,‬ويخبر اللهُ عز وجل عنهم ‪ ,‬والوحي‬
‫كاَن ينزل ‪ ,‬وجبريل كاَن يأَتي ‪ ,‬واتصاَلهُ كاَن قَاَئماَ باَلسماَء فقاَل مرسلهُ‬
‫ومنزل الوحي عليهُ ‪:‬‬

‫هُ‬ ‫دا ) ‪ ( 23‬إ ِّل َأن ي َ َ‬


‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫غ ً‬‫ك َ‬ ‫ل ذَل ِ َ‬‫ع ٌ‬ ‫ء إ ِّني َ‬
‫فاَ ِ‬ ‫ي ٍ‬
‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ن لِ َ‬ ‫قول َ ّ‬ ‫وَل ت َ ُ‬ ‫} َ‬
‫ه َ‬
‫ذا‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ن َرِّبي ِل ْ‬ ‫َ‬ ‫قَ ْ‬‫و ُ‬ ‫ك إِ َ‬‫كر ّرِب ّ َ‬ ‫واذْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ب ِ‬‫قََر َ‬ ‫دي َ ِ‬
‫ه ِ‬
‫سى أن ي َ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ل َ‬ ‫ت َ‬
‫سي َ‬ ‫ذا ن َ ِ‬ ‫َ‬
‫‪2‬‬
‫دا { ‪.‬‬ ‫َرِ َ‬
‫ش ً‬
‫وقَبلهُ أقَرت الملئكة بقصورِ علمهم ‪ ,‬واعترافهم بعدم إحاَطتهم بملكوت‬
‫عل ّمت ََناَ إن ّ َ َ‬
‫ت‬
‫ك أن َ‬ ‫ِ‬ ‫م ل ََناَ ِإل ّ َ‬
‫ماَ َ ْ‬ ‫عل ْ َ‬
‫ك لَ ِ‬
‫حاَن َ َ‬ ‫قَاَُلوا ْ ُ‬
‫سب ْ َ‬ ‫السماَء يوم قَاَلوا ‪َ }:‬‬
‫‪3‬‬
‫م{‬
‫كي ُ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫عِلي ُ‬
‫فأَقَرهم اللهُ عز وجل على القصورِ وعدم المعرفة باَلغيبِ بقولهُ ‪:‬‬
‫ماَ‬
‫م َ‬ ‫وأ َ ْ‬
‫عل َ ُ‬ ‫ض َ‬
‫َ‬
‫والْرِ ِ‬
‫ت َ‬
‫وا ِ‬
‫ماَ َ‬
‫س َ‬
‫بِ ال ّ‬
‫غي ْ َ‬ ‫م إ ِّني أ َ ْ‬
‫عل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫قَل ل ّك ُ ْ‬ ‫م أَ ُ‬ ‫قَاَ َ َ‬
‫ل أل َ ْ‬ ‫} َ‬
‫م ت َك ْت ُ ُ‬ ‫ماَ ُ‬
‫‪4‬‬
‫ن{‬ ‫مو َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬‫ت ُب ْ ُ‬
‫هذا وأماَ المنوفي الحسيني فينقل عن إبراهيم الدسوقَي أنهُ كاَن يقول ‪:‬‬

‫) إن للولياَء الطلع على ماَ هو مكتوب على أورِاق الشجر والماَء والهواء‬
‫وماَ في البر والبحر وماَ هو مكتوب على صافحة قَبة خيمة السماَء ‪ ,‬وماَ في‬
‫جباَهُ النس والجاَن مماَ يقع لهم في الدنياَ والخرة ( ‪. 5‬‬

‫وأماَ الشاَذلي فنقلوا عنهُ ‪:‬‬


‫ي المحيي وأكثر منهُ ‪ ,‬ول حد لكثرهُ ‪ ,‬شاَهد حياَة‬‫) من عبد اللهُ باَسمهُ الح ّ‬
‫كل شيء ومحييهُ ‪.‬‬
‫ومن ذكر بهم جميعاَ صاعدت رِوحهُ إلى المل العلى ‪ ,‬وصاعدت رِوحهُ إلى‬
‫العرش ‪ ,‬ليكتبِ عند اللهُ من الكاَملين الصديقين ( ‪. 6‬‬
‫وقَاَل أفضل الدين ‪:‬‬

‫هود ‪. 49‬‬ ‫‪1‬‬

‫الكهف ‪. 24 , 23‬‬ ‫‪2‬‬

‫البقرة ‪. 32‬‬ ‫‪3‬‬

‫البقرة ‪. 33‬‬ ‫‪4‬‬

‫جمهرة الولياء للمنوفي الحسيني ص ‪. 242‬‬ ‫‪5‬‬

‫أبو الحسن الشاذلي للدكتور عبد الحليم محمود ص ‪. 614‬‬ ‫‪6‬‬


‫‪142‬‬
‫)ل يعطى أحد القطبية حتى يعرف جميع عوالم هذهُ العروش والكراسي‬
‫والسموات والرِضين بأَسماَئهم وأنساَبهم وأعماَرِهم وأعماَلهم ( ‪. 1‬‬

‫ونقل الشعراني عن إبراهيم المتبولي أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) يرتسم الوجود كلهُ في قَلبِ الفقير ) أي الصوفي ( فيراهُ من قَلبهُ ‪.‬‬
‫وإيضاَح ذلك أن القلبِ إذا انجلى صااَرِ كاَلمرآة الكبيرة ‪ ,‬فإذا قَاَبلهاَ باَلعاَلم‬
‫العلوي والسفلي ارِتسم كلهُ فيهاَ ( ‪. 2‬‬

‫ورِوى أيضاَ عن علي الخواص أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫)ل يكمل إيماَن عبد حتى يصير الغيبِ عندهُ كاَلشهاَدة في عدم الريبِ ( ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ويقول محمد ضيف اللهُ الجعلي السوداني ‪:‬‬


‫) كشف الولياَء على قَسمين ‪ :‬منهم من ينظر في اللوح فإنهُ ل يتغير ول‬
‫دل كسيدي علي الخواص ‪ .‬ومنهم من ينظر في ألواح المحورِ والثباَت ‪,‬‬ ‫يتب ّ‬
‫ي بكلم‬‫دل ‪ ,‬فإذا أخبر الول ّ‬
‫وعدتهاَ ثلثماَئة وستون لوحاَ فإنهاَ تتغير وتتب ّ‬
‫ولم يقع فل ينكر عليهُ بأَن يقاَل ‪ :‬كذب ‪ ,‬بل يحمل على أنهُ نظر في ألواح‬
‫المحورِ والثباَت ( ‪. 4‬‬

‫فاَنظر هذهُ الخرافة المختلقة ماَ أشنعهاَ وأقَبح بهاَ ‪.‬‬

‫وأماَ ابن عربي ومدرِستهُ فقد تكلموا في مثل هذا كثيرا ‪ ,‬ول يخلو كتاَب‬
‫من كتبهم عن مثل هذهُ الخرافاَت والموبقاَت ‪ ,‬فيقول ابن عربي ‪:‬‬
‫) فأَماَ العلم اللدني ‪ ,‬فمتعلقهُ اللهياَت وماَ يؤدي إلى تحصيلهاَ من الرحمة‬
‫الخاَصاة ‪ .‬وأماَ علم النورِ فظهر سلطاَنهُ في المل العلى قَبل وجود آدم‬
‫بآلف السنين من أياَم الرب ‪.‬‬

‫وأماَ علم الجمع والتفرقَة فهو البحر المحيط ‪ ,‬الذي اللوح المحفوظ جزء‬
‫منهُ ‪ ,‬ومنهُ يستفيد العقل الول ‪ ,‬وجميع المل العلى منهُ يستمدون ‪ .‬وماَ‬
‫ناَلهُ أحد من المم سوى أولياَء هذهُ المة ‪ .‬وتتنوع تجلياَتهُ في صادورِهم‬
‫على ستة آلف وماَئتين ‪.‬‬

‫صل جميع هذهُ النواع ‪ ,‬كأَبي يزيد البسطاَمي ‪ ,‬وسهل‬‫فمن الولياَء من ح ّ‬


‫صل بعضهاَ ( ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫بن عبد اللهُ ‪ ,‬ومنهم من ح ّ‬

‫ويقول في إحدى رِساَئلهُ ‪:‬‬


‫) للرِواح النساَنية إذا صافت وزكت معاَرِج في العاَلم العلوي المفاَرِق وغير‬
‫المفاَرِق فينظر مناَظر الروحاَنياَت المفاَرِقَة ‪ ,‬فترى مواقَع نظرهم في‬
‫أرِواح الفلك ودورِانهاَ بهاَ ‪ ,‬فينزل مع حكم الدوارِ وترسل طرفهاَ في‬
‫رِقَاَئق التنزيلت حتى ترى مساَقَط نجومهاَ في قَلوب العباَد ‪ ,‬فتعرف ماَ‬
‫‪ 1‬الخلق المتبولية للشعراني ج ‪ 1‬ص ‪. 99‬‬
‫‪ 2‬أيضا ج ‪ 3‬ص ‪. 145‬‬
‫‪ 3‬طبقات الشعراني ج ‪ 1‬ص ‪. 156‬‬
‫‪ 4‬كتاب الطبقات في خصوص الولياء والصالحين والعلماء والشعراء في السودان لمحمد ضيف الله الجعلي الفضلي‬
‫المتوفى سنة ‪ 1224‬هـ المكتبة الثقافية بيروت لبنان ‪.‬‬
‫‪ 5‬شرح المسائل الروحانية لبن عربي المنشور في كتاب ختم الولية للترمذي الملقب بالحكيم ص ‪ 143 , 142‬ط المطبعة‬
‫الكاثوليكية بيروت ‪.‬‬
‫‪143‬‬
‫تحويهُ صادورِهم وماَ تنطوي عليهُ ضماَئرهم ‪ ,‬وماَ تدل عليهُ حركاَتهم ‪ ...‬وإذا‬
‫توجهت السرارِ نحو قَاَرِئهاَ بفناَء وبقاَء ‪ ,‬وجمع وفرق سقطت عليهاَ أنوارِ‬
‫الحضرة اللهية من حيثهاَ ‪,‬ل من حيث الذات ‪ ,‬فأَشرقَت أرِض النفوس بين‬
‫يديهُ فاَلتفت فعلم ماَ أدرِكهُ بصرهُ وأخبر باَلغيبِ وباَلسرائر وبماَ تكنهُ‬
‫الضماَئر وماَ يجري في الليل والنهاَرِ ( ‪. 1‬‬

‫ويقول ‪:‬‬
‫) من يكن الحق سمعهُ وبصرهُ فكيف يخفى عليهُ شيء ( ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وقَاَل ‪:‬‬
‫ي إلى عاَلم الغيبِ فيشاَهد اليمين ماَسكة قَلمهاَ وهي تخطط‬
‫الول ّ‬ ‫) يرتقي‬
‫في اللوح ( ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫و ‪ ) :‬من الصوفية من ل يزال عاَكفاَ على اللوح ‪ ,‬ومنهم من يشهدهُ تاَرِة‬


‫تاَرِة ( ‪. 4‬‬

‫ونقل ابن عربي في كتاَبهُ عن الجنيد أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) العاَرِف هو الذي ينطق عن سّرك وأنت ساَكت ( ‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫ولقد بّين في إحدى كتبهُ طريق إطلع الصوفية على الغيبِ فقاَل ‪:‬‬
‫) الكشف والطلع على الغيبِ يكون بطريق التجلي ‪ ,‬إماَ باَلتنزل أو‬
‫باَلعروج ( ‪. 6‬‬

‫ويقول أيضاَ ‪:‬‬


‫) تتجلى صاورِة العقل في ذات الخليقة ‪ ,‬فتلوح لهُ أسرارِ والعلم المنقوشة‬
‫فيهُ ( ‪. 7‬‬

‫فهذهُ هي آرِاء ابن عربي وأقَوالهُ ‪ ,‬صاريحة في معناَهاَ ‪ ,‬جلية في مغزاهاَ ‪,‬‬
‫واضحة في مرادهاَ ‪,‬ل غموض فيهاَ ول تعقيد ‪ ,‬ول تحتاَج إلى التبيين‬
‫والتوضيح ‪.‬‬

‫وأماَ تلميذهُ محمد بن إسحاَق القونوي المتوفى ‪ 673‬هـ فيقول ‪:‬‬


‫) إن الكمل ومن شاَء اللهُ من الفراد أهل الطلع على اللوح المحفوظ ‪,‬‬
‫بل وعلى المقاَم القلمي ‪ ,‬بل وعلى حضرة العلم اللهي ‪ ,‬فيشعرون‬
‫باَلمقدرِ كونهُ لشبق العلم بوقَوعهُ ( ‪. 8‬‬

‫ويقول شهاَب الدين السهرورِدي المقتول ‪:‬‬

‫كتاب التجليات لبن عربي ص ‪ 22‬من مجموعة رسائله ط حيدر أباد دكن الهند ‪ 1367‬هـ ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫التدبيرات اللهية لبن عربي ص ‪ 118‬ط ليدن ‪ 1336‬هـ ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫مواقع النجوم لبن عربي ص ‪. 82‬‬ ‫‪3‬‬

‫أيضا ‪. 148‬‬ ‫‪4‬‬

‫أيضا ‪. 149‬‬ ‫‪5‬‬

‫إنشاء الدوائر لبن عربي ص ‪ 35‬ط مطبعة بريل ليدن ‪ 1336‬هـ ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫التدبيرات اللهية لبن عربي ص ‪ , 159‬ومثله في ص ‪. 171‬‬ ‫‪7‬‬

‫رسالة النصوص لمحمد بن إسحاق القونوي ص ‪ 41 , 40‬ط مشهد إيران ‪.‬‬ ‫‪8‬‬
‫‪144‬‬
‫) النبياَء والفضلء المتأَلهون يتيسر لهم الطلع على المغيباَت ‪ ,‬لن‬
‫نفوسهم إماَ قَوية باَلفطرة أو تتقوى بطرائقهم وعلومهم ‪ ,‬فينتقشون‬
‫باَلمغيباَت ‪ ,‬لن نفوسهم كاَلمراياَ المصقولة تتجلى فيهاَ نقوش من‬
‫الملكوت ‪ .‬فقد يسري شبح إلى الحس المشترك ‪ ,‬يخاَطبهم ألدّ مخاَطبة‬
‫وهو في أشرف صاورِة ‪ ,‬ورِبماَ يرون الغيبِ باَلحس المشترك مشاَهدة ‪,‬‬
‫ورِبماَ يسمعون صاوت هاَتف ‪ ,‬أو يقرؤن من مسطورِ ( ‪. 1‬‬

‫وقَاَل لساَن الدين بن الخطيبِ في رِوضتهُ ‪:‬‬


‫) النفوس عند صافاَئهاَ تتشبهُ باَلمل العلى ‪ ,‬وتنتقش فيهاَ أمثلة الكاَئناَت‬
‫المتعشقة فيهُ بنوع ماَ ‪ ,‬وتشاَهد المحجوباَت ‪ ,‬وتؤثر في العوالم السفلية (‬
‫‪.2‬‬

‫وبمثل ذلك يقول داود بن محمود القيصري ‪:‬‬


‫) إذا خلص الرجل ‪ ,‬وصافاَ وقَتهُ ‪ ,‬وطاَب عيشهُ باَللتذاذ بماَ يجدهُ في طريق‬
‫المحبوب ‪ ,‬بصر باَطنهُ ‪ ,‬فيظهر لهُ لوامع أنوارِ الغيبِ ‪ ,‬وينفتح لهُ باَب‬
‫الملكوت ‪ ,‬ويلوح منهُ لوايح ( ‪. 3‬‬

‫والترمذي الملقبِ باَلحكيم يقول ‪ ) :‬إن الولياَء لهم علماَت وعلوم ‪ ,‬وأماَ ماَ‬
‫يعرفونهُ من العلوم فهي ) علم البدء ‪ ,‬وعلم الميثاَق ‪ ,‬وعلم المقاَدير ‪,‬‬
‫وعلم الحروف ‪ ,‬فهذهُ أصاول الحكمة ‪ ,‬وهي الحكمة العلمية ‪ ,‬وإنماَ يظهر‬
‫هذا العلم عن كبراء الولياَء ويقبلهُ من لهُ حظ في الولية ( ‪. 4‬‬

‫ويقول الجيلي عبد الكريم ‪:‬‬


‫) كل واحد من الفراد والقَطاَب لهُ التصرف في جميع الممكلة الوجودية ‪,‬‬
‫ويعلم كل واحد منهم ماَ اختلج في الليل والنهاَرِ فضل عن لغاَت الطيورِ ‪.‬‬

‫وقَد قَاَل الشبلي رِحمهُ اللهُ تعاَلى ‪ :‬لو دّبت نملة سوداء على صاخرة صاماَء‬
‫في ليلة ظلماَء ولم أسمعهاَ لقلت ‪ :‬أني مخدوع أو ممكورِ بي ‪.‬‬
‫ب إل بقوتي وأناَ‬‫وقَاَل غيرهُ ‪:‬ل أقَول ‪ :‬ولم أشعر بهاَ لنهُ ل يتهيأَ لهاَ أن تد ّ‬
‫محركهاَ ( ‪. 5‬‬

‫هذا ومثل هذا أكثر من أن يسعهُ كتاَب ‪ ,‬أو تشملهُ رِساَلة ‪ ,‬ولقد تأَتي‬
‫حكاَياَت المتصوفة المتضمنة إخباَرِهم باَلغيبِ ‪ ,‬وإحاَطتهم بجميع علوم‬
‫الكون وأحوالهُ ‪ ,‬وإطلعهم على ماَ كاَن وماَ يكون في محلهُ وفي باَب‬
‫مستقل إن شاَء اللهُ ‪.‬‬

‫‪ 1‬اللواح العمادية للسهروردي ص ‪ 64‬المطبوع ضمن رسائله الثلثة باسم سه رسالة شي إشراق بتحقيق نجف قلي‬
‫اليراني ط مركز تحقيقات فارسية إيران باكستان ‪.‬‬
‫‪ 2‬روضة التعريف للسان اليدن ابن الخطيب ص ‪ 463‬بتحقيق عبد القادر أحمد عطاط دار الفكر العربي ‪.‬‬
‫‪ 3‬شرح مقدمة التائية الكبرى لداود القيصري مخطوط ص ‪ 104‬نقل عن كتاب ختم الولياء ص ‪. 496‬‬
‫‪ 4‬ختم الولية للحكيم الترمذي ص ‪. 362‬‬
‫‪ 5‬النسان الكامل للجيلي ص ‪. 122‬‬
145
‫‪146‬‬

‫ي‬
‫ول ّ‬
‫و ال َ‬
‫ي َ‬
‫ن الن ّب ِ ّ‬
‫واة ب َي ْ َ‬
‫ساَ َ‬
‫الم َ‬
‫وأماَ تسوية الصوفية بين الولية والنبوة ‪ ,‬بل وتفضيلهم الولية على النبوة‬
‫والرساَلة ‪ ,‬والولياَء على أنبياَء اللهُ ورِسلهُ ‪ ,‬مثل الشيعة ‪ ,‬فتدل عليهُ‬
‫عباَرِات القوم وتصريحاَتهم ‪ ,‬فيقول لساَن الدين ابن الخطيبِ ‪:‬‬
‫) الولية ‪ :‬أن يتولى اللهُ الواصال على حضر قَدسهُ ‪ ,‬بكثير مماَ تولى بهُ النبي‬
‫‪ ,‬من حفظ وتوفيق ‪ ,‬وتمكين واستخلف وتصريف ‪.‬‬

‫فاَلولي يساَوي النبي في أمورِ ‪ ,‬منهاَ ‪ :‬العلم من غير طريق العلم الكسبي ‪,‬‬
‫والفعل بمجرد الهمة ‪ ,‬فيماَ لم تجر بهُ العاَدة أن يفعل إل باَلجوارِح‬
‫والجسوم ‪ ,‬مماَ ل قَدرِة عليهُ لعاَلم الجسوم ‪.‬‬

‫كاَن الفضيل بن عياَض ‪ ,‬على جبل من جباَل منى ‪ ,‬فقاَل ‪ :‬لو أن ولياَ من‬
‫أولياَء اللهُ أمر هذا الجبل أن يميد لماَد ‪ ,‬فتحرك الجبل ‪ ,‬فقاَل ‪ :‬اسكن ‪ .‬لم‬
‫أرِدك بهذا ‪ ,‬فسكن الجبل ‪.‬‬
‫ويفعل باَلهمة في عاَلم الخياَل وفي الحس ‪ ,‬فإنهُ يسمع ويرى ‪ ,‬ماَ ل يرى‬
‫ول يسمع وهو بين الناَس ‪.‬‬

‫ويفاَرِق الولي النبي في المخاَطبة اللهية ‪ ,‬والمعاَرِج ‪ ,‬فإنهماَ يجتمعاَن في‬


‫الصاول وهي المقاَماَت ‪ ,‬إل أن النبي يعرج باَلنورِ الصالي ‪ ,‬والولي يعرج‬
‫بماَ يفيض من ذلك النورِ الصالي ‪ ,‬وإن جمعهماَ مقاَم اختلفاَ باَلوحدة في‬
‫كل مقاَم ‪ ,‬من فناَء وبقاَء ‪ ,‬وجمع وفرق ‪ .‬والولي يأَخذ المواهبِ بواسطة‬
‫رِوحاَنية نبيهُ ‪ ,‬ومن مقاَمهُ يشهد ‪ ,‬إل ماَ كاَن من الولياَء المحمديين ‪ ,‬فإنهُ‬
‫لماَ كاَن نبيهم صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ جاَمعاَ لمقاَماَت النبياَء ) أورِثهم‬
‫اللهُ مقاَماَت النبياَء ( وأوصال إليهم أنوارِهم ‪ ,‬من نورِ نبيهم الوارِث ‪,‬‬
‫وبوساَطتهُ ‪ ,‬فإنهُ هو الذي أعطى جميع النبياَء والرسل مقاَماَتهم في‬
‫عاَلم الرِواح ‪.‬‬

‫ثم شاَرِكت الولياَء النبياَء في الخذ عنهُ ‪ ,‬وإليهُ الشاَرِة بقولهُ ) أولياَء‬
‫أمتي أنبياَء من دونهم ( فقد يرث ولي من الولياَء آدم ‪ ,‬أو إدرِيس ‪ ,‬أو‬
‫إسحاَق ‪ ,‬أو إسماَعيل ‪ ,‬أو يوسف ‪ ,‬أو موسى ‪ ,‬أو عيسى ‪ ,‬لكن ل يتوصال‬
‫إلى نورِهُ ول حاَلهُ إل من محمد صالوات اللهُ وعليهم وسلمهُ ‪ ,‬إل القطبِ‬
‫وحدهُ ‪ ,‬فإنهُ على قَلبِ محمد صالى اللهُ عليهُ وسلم ) ولمثل هذا المقاَم‬
‫‪1‬‬
‫الكريم فليعمل العاَملون ( (‬

‫و ) أن الولياَء لهم أرِبعة مقاَماَت ‪ :‬الول مقاَم خلفة النبوة ‪ ,‬والثاَني مقاَم‬
‫خلفة الرساَلة ‪ ,‬والثاَلث مقاَم خلفة أولي العزم ‪ ,‬والرابع خلفة مقاَم‬
‫أولي الصاطفاَء ‪.‬‬
‫فمقاَم خلفة النبوة للعلماَء‪.‬‬
‫ومقاَم خلفة الرساَلة للبدال‪.‬‬
‫ومقاَم خلفة أولي العزم للوتاَد ‪.‬‬
‫ومقاَم خلفة الصاطفاَء للقَطاَب ‪.‬‬
‫روضة التعريف للسان الدين بن الخطيب ص ‪. 520 , 519‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪147‬‬

‫فمن الولياَء من يقوم في عاَلم مقاَم النبياَء ‪ ,‬ومنهم من يقوم في عاَلم‬


‫مقاَم الرسل ‪ ,‬ومنهم من يقوم في عاَلم مقاَم أولي العزم ‪ ,‬ومنهم من‬
‫يقوم في عاَلم مقاَم أولي الصاطفاَء ( ‪. 1‬‬

‫وعلى ذلك قَاَلوا ‪:‬‬

‫) الولية ظل النبوة ‪ ,‬والنبوة ظل اللهية ‪ ....‬فاَلنبياَء عليهم السلم مصاَدرِ‬


‫الحق ‪ ,‬والولياَء مظاَهر الصدق ‪ ...‬والولياَء خصوا بإشاَرِات نبوية ‪ ,‬و‬
‫إطلعاَت حقيقة ‪ ,‬وأرِواح نورِية ‪ ,‬وأسرارِ قَدسية ‪ ,‬وأنفاَس رِوحاَنية ‪,‬‬
‫ومشاَهدات أزلية ( ‪. 2‬‬

‫وبمثل هذا قَاَل الكمشخاَنوي في كتاَبهُ جاَمع أصاول الولياَء ‪. 3‬‬

‫وآخر قَاَل بوضوح أكثر ‪:‬‬


‫ي( ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫) ماَ قَيل في النبي يقاَل في الول ّ‬

‫وكذب على رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم أنهُ حكى عن اللهُ عز وجل أنهُ‬
‫قَاَل ‪:‬‬
‫) أولئك كلمهم كلم النبياَء ( ‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫‪ 1‬جامع الصول في الولياء للكمشخاوي ص ‪ 5‬ط المطبعة الوهيبية طرابلس ‪ 1398‬هـ ‪.‬‬
‫‪ 2‬الفتح المبين فيما يتعلق بترياق المحبين لبي الظفر ظهير الدين القادري ص ‪ 52‬ط المطبعة الخيرية مصر الطبعة الولى‬
‫‪ 1306‬هـ ‪.‬‬
‫‪ 3‬انظر ص ‪ 70‬ط المطبعة الوهيبية طرابلس الشام ‪ 1398‬هـ ‪.‬‬
‫‪ 4‬الفتوحات اللهية لبن عجيبة الحسني ص ‪ 264‬ط عالم الفكر القاهرة ‪ 1983‬م ‪.‬‬
‫‪ 5‬أيضا ص ‪. 116‬‬
‫‪148‬‬

‫عَلى الن ّب ِ ّ‬
‫ي‬ ‫ي َ‬
‫ول ّ‬ ‫ضي ُ‬
‫ل ال َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ف ِ‬
‫ولم يقتصر القوم على مثل هذهُ السخاَفاَت والباَطيل ‪ ,‬بل زادوا في‬
‫غلوائهم حيث فضلوا الولية على النبوة والرساَلة ‪ ,‬والولياَء على النبياَء‬
‫والمرسلين ‪ ,‬فقاَلوا ‪:‬‬
‫) خضناَ بحورِا وقَفت النبياَء بسواحلهاَ ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫و) معاَشر النبياَء ‪ ,‬أو تيتم اللقبِ ‪ ,‬وأوتيناَ ماَ لم تؤتوهُ ( ‪. 2‬‬

‫ونقلوا عن البسطاَمي أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) تاَللهُ أن لوائي أعظم من لواء محمد صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬لوائي من نورِ‬
‫تحتهُ الجاَن والجن والنس ‪ ,‬كلهم من النبيين ( ‪. 3‬‬

‫وهذا ماَ صاّرح بهُ بعضهم ‪:‬‬


‫فـــــويق الرســــــول ودون‬ ‫) مقـــــاَم النـــــبوة في بـــــــرزخ‬
‫ي( ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫الول ّ‬

‫لن ) الولية ‪ :‬هي الفلك القَصى ‪ ,‬من سبح فيهُ اطلع ‪ ,‬ومن اطلع علم ‪,‬‬
‫ي المجهول الذي ل يعرف ‪,‬‬ ‫ومن علم تحول في صاورِة ماَ علم ‪ .‬فذلك الول ّ‬
‫والنكرة التي ل تتعّرف ‪,‬ل يتقيد بصورِة ‪ ,‬ول تعرف لهُ سريرة ‪ ,‬يلبس لكل‬
‫ماَ بؤسهاَ ‪.‬‬
‫حاَلة لبوسهاَ ‪ ,‬أماَ نعيمهاَ وإ ّ‬

‫وإن لقَيـــــــت معـــــــدياَ‬ ‫يـــــــوم اَ ً يمـــــــاَن إذا لقَيت ذا يـــمن‬


‫فعدناَن‬

‫إمعة ‪ ,‬لماَ في فلكهُ من السعة ( ‪. 5‬‬

‫و ) إن الولية هي المحيطة العاَمة ‪ ,‬وهي الدائرة الكبرى ‪ ,‬فمن حكمهاَ أن‬


‫يتولى اللهُ من شاَء من عباَدهُ بنبوة وهي من أحكاَم الولية ‪ ,‬وقَد يتولهُ‬
‫باَلرساَلة وهي من أحكاَم الولية أيضاَ ‪ .‬فكل رِسول لبد أن يكون نبياَ ‪ ,‬وكل‬
‫ي لبد أن يكون ولياَ ‪ ,‬فكل رِسول لبد أن يكون ولياَ ‪ .‬فاَلرساَلة بخصوص‬ ‫نب ّ‬
‫مقاَم في الولية ‪ ,‬والرساَلة في الملئكة دنياَ و آخرة ‪ ,‬لنهم سفراء الحق‬
‫لبعضهم ‪ ...‬والرساَلة في البشر ل تكون إل في الدنياَ ‪ ,‬وينقطع حكمهاَ في‬
‫الخرة ‪ ,‬وكذلك تنقطع في الخرة بعد دخول الجنة والناَرِ نبوة التشريع ‪,‬ل‬
‫نبوة العاَمة ‪.‬‬

‫‪ 1‬البريز للدباغ ص ‪ 276‬نقل عن أبي يزيد البسطامي ‪ ,‬أيضا جمهرة الولياء للمنوفي ج ‪ 1‬ص ‪ , 266‬طبقات الشعراني ج ‪2‬‬
‫ص ‪ , 16‬الفتوحات اللهية لبن عجيبة ص ‪ , 261‬كذلك النسان الكامل للجيلي نقل عن أبي الغيث ج ‪ 1‬ص ‪. 124‬‬
‫‪ 2‬النسان الكامل للجيلي ج ‪ 1‬ص ‪ , 124‬كذلك الجواهر والدرر ص ‪ 286‬بهامش البريز ‪ ,‬الجواب المستقيم لبن عربي ص‬
‫‪ 247‬نقل عن الجيلي ‪.‬‬
‫‪ 3‬لطائف المنن والخلق للشعراني ج ‪ 1‬ص ‪ , 125‬أيضا شرح شطحيات ) فارسي ( روزبهان بقلي شيراري ص ‪ 132‬بتصحيح‬
‫هنري كربين ط طهران ‪ 1981‬م ‪.‬‬
‫‪ 4‬انظر طبقات الشعراني ج ‪ 1‬ص ‪ 68‬ط دار العلم للجميع ‪.‬‬
‫‪ 5‬كتاب التجليات ص ‪ 20‬من رسائل ابن عربي ط الهند ‪.‬‬
‫‪149‬‬
‫وأصال الرساَلة في السماَء اللهية ‪ .‬وحقيقة الرساَلة إبلغ كلم من متكلم‬
‫إلى ساَمع ‪ .‬فهي حاَل ل مقاَم ‪ ,‬ول بقاَء لهاَ بعد انقضاَء التبليغ ‪ ,‬وهي تتجدد‬
‫(‪.1‬‬

‫د ‪,‬ل باَلزماَن ول باَلمكاَن ‪ ,‬ولهاَ‬


‫بخلف الولية فإنهاَ ل تنقطع أبدا ‪ ,‬ول تح ّ‬
‫ي ‪ ,‬واتصف‬ ‫مى باَلول ّ‬‫م بنبي ول برسول ‪ ,‬وتس ّ‬ ‫النباَء العاَم ) واللهُ لم يتس ّ‬
‫ي الحميد ‪ ,‬وهذا‬ ‫بهذا السم ‪ ,‬فقاَل ‪ :‬اللهُ ولي الذين آمنوا ‪2,‬وقَاَل ‪ :‬هو الول ّ‬
‫السم باَق جاَرِ على عباَد اللهُ دنياَ وآخرة ( ‪.‬‬

‫وأن الولي يعلم علمين ‪ :‬علم الشريعة ‪ ,‬وعلم الحقيقة ‪ ,‬أي الظاَهر‬
‫والباَطن ‪ ,‬والتنزيل والتأَويل ‪ ,‬حيث أن الرسول من حيث هو رِسول ليس لهُ‬
‫علم إل باَلظاَهر والتنزيل والشريعة ) فإذا رِأيت النبي يتكلم بكلم خاَرِج‬
‫ي عاَرِف ‪ ,‬ولهذا مقاَمهُ من حيث هو عاَرِف‬‫عن التشريع فمن حيث هو ول ّ‬
‫م وأكمل من حيث هو رِسول أو ذو تشريع وشرع ( ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫أت ّ‬

‫د باَلعلم والمعرفة من الملك الذي يبلغهُ الوحي‬ ‫وأن النبي والرسول يستم ّ‬
‫ي يستمد‬ ‫اللهي بواسطتهُ ‪ ,‬ول يمكنهُ الخذ من اللهُ مباَشرة ‪ ,‬والول ّ‬
‫المعرفة من حيث يأَخذهاَ الملك الذي يؤدي بدورِهُ إلى النبياَء والرسل‬
‫) فمرجع الرسول والنبي المشرع إلى الولية والعلم ( ‪. 4‬‬

‫فلذلك قَاَل ابن عربي بصراحة ل تحتمل التأَويل ‪:‬‬


‫) وماَ يراهُ أحد من النبياَء والرسل إل من مشكاَة الرسول الخاَتم ‪ ,‬ول يراهُ‬
‫ي الخاَتم ‪ ,‬حتى أن الرسل ل يرونهُ –‬ ‫أحد من الولياَء إل من مشكاَة الول ّ‬
‫متى رِأوهُ – إل من مشكاَة خاَتم الولياَء ‪ :‬فإن الرساَلة والنبوة – أعني نبوة‬
‫التشريع ورِساَلتهُ – تنقطعاَن ‪ ,‬والولية ل تنقطع أبدا ً ‪ .‬فاَلمرسلون ‪ ,‬من‬
‫كونهم أولياَء ‪,‬ل يرون ماَ ذكرناَهُ إل من مشكاَة خاَتم الولياَء ‪ ,‬فكيف من‬
‫دونهم من الولياَء ؟ وإن كاَن خاَتم الولياَء تاَبعاَ في الحكم لماَ جاَء بهُ خاَتم‬
‫الرسل من التشريع ‪ ,‬فذلك ل يقدح في مقاَمهُ ول يناَقَض ماَ ذهبناَ إليهُ ‪,‬‬
‫فإنهُ من وجهُ يكون أنزل كماَ أنهُ من وجهُ يكون أعلى ‪ ...‬لماَ مثل النبي صالى‬
‫ل سوى موضع لب َِنة ‪ ,‬فكاَن‬ ‫م َ‬‫اللهُ عليهُ وسلم النبوة باَلحاَئط من اللّبن وقَد ك َ ُ‬
‫صالى اللهُ عليهُ وسلم تلك اللبنة ‪ .‬غير أنهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ل يراهاَ كماَ‬
‫قَاَل لب َِنة واحدة ‪ .‬وأماَ خاَتم الولياَء فل بد لهُ من هذهُ الرؤياَ ‪ ,‬فيرى ماَ مثلهُ‬
‫بهُ رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬ويرى في الحاَئط موضع لب َِنتين ‪,‬‬
‫واللبن من ذهبِ وفضة ‪ .‬فيرى اللبنتين اللتين تنقص الحاَئط عنهماَ وتكمل‬
‫بهماَ ‪ ,‬لبنة ذهبِ ولبنة فضة ‪ ,‬فل بد أن يرى نفسهُ تنطبع في موضع تينك‬
‫اللبنتين ‪ ,‬فيكون خاَتم الولياَء تينك اللبنتين ‪ .‬فيكمل الحاَئط ‪ .‬والسببِ‬
‫الموجبِ لكونهُ رِآهاَ لبنتين أنهُ تاَبع لشرع خاَتم الرسل في الظاَهر وهو‬
‫موضع اللبنة الفضة ‪ ,‬وهو ظاَهرهُ وماَ يتبعهُ فيهُ من الحكاَم ‪ ,‬كماَ هو آخذ‬
‫عن اللهُ في السر ماَ هو موضع اللبنة الذهبية في الباَطن ‪ ,‬فإنهُ أخذ من‬
‫المعدن الذي يأَخذ من الملك الذي يوحى بهُ إلى الرسول ‪ ..‬فإن فهمت ماَ‬
‫أشرت بهُ فقد حصل لك العلم الناَفع بكل شيء ‪ .‬فكل نبي من لدن آدم إلى‬
‫الفتوحات المكية لبن عربي ج ‪ 2‬ص ‪. 257 , 256‬‬ ‫‪1‬‬

‫فصوص الحكم لبن عربي بتعليقات الدكتور أبي العلء العفيفي ج ‪ 1‬ص ‪ 135‬ط دار الكتاب العربي بيروت ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص حكمة قدرية في كلمة عزيرية ص ‪. 135‬‬ ‫أيضا ف ّ‬


‫‪3‬‬

‫ص العزيري ‪.‬‬
‫أيضا الف ّ‬
‫‪4‬‬
‫‪150‬‬
‫آخر نبي ماَ منهم أحد يأَخذ إل من مشكاَة خاَتم النبيين ‪ ,‬وإن تأَخر وجود‬
‫طينتهُ ‪ ,‬فإنهُ بحقيقتهُ موجود ‪ ,‬وهو قَولهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ) :‬كنت نبياَ ً‬
‫ث‪,‬‬
‫وآدم بين الماَء والطين ( ‪ .‬وغيرهُ من النبياَء ماَ كاَن نبياَ إل حين ُبع َ‬
‫وكذلك خاَتم الولياَء كاَن ولياَ وآدم بين الماَء والطين ‪ ,‬وغيرهُ من الولياَء‬
‫ماَ كاَن ولي اَ ً إل بعد تحصيلهُ شرائط الولية من الخلق اللهية في التصاَف‬
‫بهاَ من كون اللهُ تعاَلى تسمى ) باَلولي الحميد ( ‪ .‬خاَتم الرسل من حيث‬
‫وليتهُ ‪ ,‬نسبتهُ مع الخاَتم للولية نسبة النبياَء والرسل معهُ ‪ ,‬فإنهُ الولي‬
‫الرسول النبي ‪ .‬وخاَتم الولياَء الولي الوارِث الخذ عن ألصال المشاَهد‬
‫للمراتبِ ( ‪. 1‬‬

‫ول أدرِي كيف يدافع من يدافع عن ابن عربي بأَنهُ ل يفضل الولي على‬
‫النبي ‪ ,‬وبعد هذهُ التصريحاَت كلهاَ ؟ حيث يجعل خاَتم الولياَء منبع العلوم ‪,‬‬
‫ومصدرِ الفيض لجميع النبياَء والرسل ‪ ,‬وأنهم ل يستمدون إل منهُ ‪ ,‬و ل‬
‫يستقون إل من ذلك المنهل والمورِد ‪ ,‬ول يستضيئون إل من مشكاَتهُ ‪ ,‬وهذا‬
‫الفيض الشيثي والعزيري نص في القضية ‪.‬‬

‫دة عليهُ ‪ ,‬وعلى من نهج‬ ‫د شيخ السلم ابن تيمية في رِساَئلهُ بش ّ‬


‫ولذلك رِ ّ‬
‫منهجهُ وسلك مسلكهُ ‪ ,‬في رِساَئلهُ وكتبهُ ‪ ,‬ونسبِ كلمهُ إلى الكفر الذي‬
‫دا ‪. 2‬‬
‫تكاَد السموات يتفطرن منهُ وتنشق الرِض وتخر الجباَل ه ّ‬

‫وقَاَل شيخ السلم في فتاَواهُ ‪:‬‬


‫) وكذا لفظ ) خاَتم الولياَء ( لفظ باَطل ل أصال لهُ ‪ ,‬وأول من ذكرهُ محمد‬
‫بن علي الحكيم الترمذي ‪ ,‬وقَد انتحلهُ طاَئفة كل منهم يدعي أنهُ خاَتم‬
‫الولياَء ‪ :‬كاَبن حمويهُ وابن عربي وبعض الشيوخ الضاَلين بدمشق وغيرهاَ ‪,‬‬
‫وكل منهم يدعي أنهُ أفضل من النبي عليهُ السلم من بعض الوجوهُ ‪ ,‬إلى‬
‫غير ذلك من الكفر والبهتاَن ‪ ,‬وكل ذلك طمعاَ ً في رِياَسة خاَتم الولياَء لماَ‬
‫فاَتتهم رِياَسة خاَتم النبياَء ‪ ,‬وقَد غلطوا ‪ ,‬فإن خاَتم النبياَء إنماَ كاَن‬
‫أفضلهم للدلة الدالة على ذلك ‪ ,‬وليس كذلك خاَتم الولياَء ‪ .‬فإن أفضل‬
‫أولياَء هذهُ المة الساَبقون الولون من المهاَجرين والنصاَرِ ‪ ,‬وخير هذهُ‬
‫المة بعد نبيهاَ أبو بكر رِضي اللهُ عنهُ ‪ ,‬ثم عمر رِضي اللهُ عنهُ و ثم عثماَن‬
‫رِضي اللهُ عنهُ ‪ ,‬ثم علي رِضي اللهُ عنهُ ‪ ,‬وخير قَرونهاَ القرن الذي بعث فيهُ‬
‫النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬ثم الذين يلونهم ‪ ,‬ثم الذين يلونهم ‪ ,‬وخاَتم‬
‫الولياَء في الحقيقة آخر مؤمن تقي يكون في الناَس ‪ ,‬وليس ذلك بخير‬
‫الولياَء ‪ ,‬ول أفضلهم بل خيرهم وأفضلهم أبو بكر الصديق رِضي اللهُ عنهُ‬
‫تعاَلى عنهُ ‪ ,‬ثم عمر ‪ :‬اللذان ماَ طلعت شمس ول غربت على أحد بعد‬
‫النبيين والمرسلين أفضل منهماَ ( ‪. 3‬‬

‫وقَبل أن نورِد نصوصااَ أخرى من القوم ممن خلف ابن عربي في مثل هذهُ‬
‫المقولت وسبقوهُ نوّد أن نلفت أنظاَرِ القراء والباَحثين إلى أن خاَتم‬
‫الولياَء الذي صاعد وارِتقى تلك المنزلة الكبرى ‪ ,‬وحاَز ذلك المنصبِ العظيم‬

‫ص حكمة نفثية في كلمة شيشية ص ‪. 64 , 63 , 62‬‬


‫فصوص الحكم لبن عربي ف ّ‬
‫‪1‬‬

‫انظر مجموعة الرسائل والمسائل لبن تيمية ج ‪ 4‬ص ‪ 57‬ط دار الكتب العلمية بيروت لبنان ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫فتاوى شيخ السلم ج ‪ 11‬ص ‪ 444‬جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم وابنه ‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪151‬‬
‫حتى ازداد على أنبياَء اللهُ ورِسلهُ ‪ ,‬لم يكن عند ابن عربي إل هو نفسهُ كماَ‬
‫يقول في فتوحاَتهُ ‪:‬‬

‫) أناَ ختــــــــم الولية دون شـك‬


‫لورِثي الهاَشمي مع المســـيح‬
‫كـــــــــماَ أني أــــبو بـكر عتيق‬
‫ل ذي جسـم ورِوح‬ ‫أجـــــــاَهل ك ّ‬
‫بــــــأَرِواح مثــــقفة طــــــــوال‬
‫وتــــــــــــــرجمة بقرآن فصيح‬
‫د على كتــــيبة كل عــقل‬ ‫أشــــــ ّ‬
‫تـناَزعني على الوحي الصريح‬
‫لي الورِع الذي يســمو اعتلء‬
‫على الحــــوال باَلنبأَ الصحيح‬
‫وســــاَعدني عليهُ رِجاَل صادق‬
‫من الورِعين من أهــل الفتوح‬
‫ل ندب‬ ‫يوالون الوجـــــــوب وك ّ‬
‫ويستثنون سلــــــــطنة المبيح ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وهناَك تصريحاَت أخرى منهُ ومن أتباَعهُ ‪ ,‬نذكرهاَ في ترجمتهُ في باَب‬


‫مستقل في الجزء الثاَني من هذا الكتاَب ‪ ,‬تحت تراجم كبراء المتصوفين –‬
‫إن شاَء الرحمن ‪. -‬‬

‫وأماَ الحكيم الترمذي الذي منهُ أخذ ابن عربي تلك الفكرة في أخذ النبي‬
‫ي بدون واسطة ‪ ,‬فيقول في جواب‬ ‫العلم والمعرفة من الملك ‪ ,‬وأخذ الول ّ‬
‫سؤال ‪ :‬ماَ الفرق بين النبوة والولية ؟ ‪:‬‬

‫) الفرق بين النبوة والولية أن النبوة كلم ينفصل من اللهُ وحياَ ‪ ,‬ومعهُ رِوح‬
‫من اللهُ فيقضي الوحي ويختم باَلروح ‪ ...‬والولية لمن ولى اللهُ حديثهُ على‬
‫طريق أخرى ‪ ,‬فأَوصالهُ إليهُ فلهُ الحديث ‪ ,‬وينفصل ذلك الحديث من اللهُ عز‬
‫دث ‪,‬‬ ‫وجل ‪ ,‬على لساَن الحق معهُ السكينة ‪ ,‬تتلقاَهُ السكينة في قَلبِ المح ّ‬
‫فيقبلهُ ويسكن إليهُ ( ‪. 2‬‬

‫ثم يذكر خاَتم الولياَء فيقول ‪:‬‬


‫) لماَ قَبض اللهُ عز وجل نبيهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم صاّير في أمتهُ أرِبعين‬
‫صاديقاَ بهم تقوم الرِض ‪ ,‬وهم آل بيتهُ ‪ ,‬فكلماَ ماَت واحد منهم خلفهُ من‬
‫يقوم مقاَمهُ ‪ ,‬حتى إذا انقرض عددهم وأتى وقَت زوال الدنياَ إبتعث اللهُ‬
‫صهُ‬
‫ولياَ اصاطفاَهُ واجتباَهُ ‪ ,‬وقَّربهُ وأدناَهُ ‪ ,‬وأعطاَهُ ماَ أعطى الولياَء ‪ ,‬وخ ّ‬
‫بخاَتم الولية ‪ ,‬فيكون حجة اللهُ يوم القياَمة على ساَئر الولياَء فيوجد عندهُ‬
‫بذلك الختم صادق الولية على سبيل ماَ وجد عند محمد صالى اللهُ عليهُ‬
‫وسلم من صادق النبوة فلم ينلهُ العدو ‪ ,‬ول وجدت النفس إليهُ سبيل إلى‬
‫الخذ بحظهاَ من الولية ‪.‬‬

‫‪ 1‬الفتوحات المكية لبن عربي ج ‪ 4‬الباب الثالث والربعون ص ‪ 71‬بتحقيق عثمان إبراهيم يحيى مدكور ط الهيئة المصرية‬
‫العامة للكتاب ‪ 1975‬م ‪.‬‬
‫‪ 2‬كتاب ختم الولية الفصل العاشر علمات الولياء ص ‪. 347 , 346‬‬
‫‪152‬‬

‫فإذا برز الولياَء يوم القياَمة و اقَتضوا صادق الولية والعبودية وجد الوفاَء‬
‫عند هذا الذي ختم الولية تماَماَ ‪ ,‬فكاَن حجة اللهُ عليهم وعلى ساَئر‬
‫الموحدين من بعدهم ‪ ,‬وكاَن شفيعهم يوم القياَمة ‪ ,‬فهو سيدهم ‪ ,‬ساَد‬
‫الولياَء ‪ ,‬كماَ ساَد النبياَء ‪ ,‬فينصبِ لهُ مقاَم الشفاَعة ‪ ,‬ويثني على اللهُ‬
‫تعاَلى ثناَء ويحمدهُ بمحاَمد يقّر الولياَء بفضلهُ عليهم في العلم باَللهُ تعاَلى‬
‫‪.‬‬

‫فلم يزل هذا الولي مذكورِا في البدء ‪ ,‬أول في الذكر ‪ ,‬وأول في العلم ‪ ,‬ثم‬
‫هو الول في المشيئة ‪ ,‬ثم هو الول في اللوح المحفوظ ‪ ,‬ثم الول في‬
‫الميثاَق ‪ ,‬ثم الول في المحشر ‪ ,‬ثم الول في الجوارِ ‪ ,‬ثم الول في‬
‫الخطاَب ‪ ,‬ثم الول في الوفاَدة ‪ ,‬ثم الول في الشفاَعة ‪ ,‬ثم الول في‬
‫دخول الدارِ ‪ ,‬ثم الول في الزياَرِة ‪ ,‬فهو في كل مكاَن أول الولياَء ( ‪. 1‬‬

‫وقَد سئل ‪ :‬أين مقاَمهُ ؟ فقاَل ‪:‬‬


‫) في أعلى مناَزل الولياَء ‪ ,‬في ملك الفردانية ‪ ,‬وقَد انفرد في وحدانيتهُ ‪,‬‬
‫ومناَجاَتهُ كفاَحاَ في مجاَلس الملك ‪ ,‬وهداياَهُ من خزائن السعي ‪.‬‬
‫قَاَل ‪ :‬وماَ خزائن السعي ؟‬
‫قَاَل ‪ :‬إنماَ هي ثلث خزائن ‪ :‬المنن للولياَء ‪ ,‬وخزائن السعي لهذا الماَم‬
‫القاَئد ‪ ,‬وخزائن القرب للنبياَء عليهم السلم ‪ ,‬فهذا ) خاَتم الولياَء ( مقاَمهُ‬
‫من خزائن المنن ‪ ,‬ومتناَولهُ من خزائن القرب ‪ ,‬فهو في السعي أبدا ‪,‬‬
‫فمرتبتهُ هناَ ‪ ,‬ومتناَولهُ من خزائن النبياَء عليهم السلم ‪ ,‬قَد انكشفت لهُ‬
‫الغطاَء عن مقاَم النبياَء ومراتبهم وتحفهم ( ‪. 2‬‬

‫ويقول أيضاَ ‪:‬‬


‫) وقَد يكون في الولياَء من هو أرِفع درِجة ‪ ,‬وذاك عبد قَد ولى اللهُ‬
‫استعماَلهُ ‪ ,‬فهو في قَبضتهُ يتقلبِ ‪ ,‬بهُ ينطق ‪ ,‬وبهُ يسمع ‪ ,‬وبهُ يبصر ‪ ,‬وبهُ‬
‫يبطش ‪ ,‬وبهُ يعقل ‪ ,‬شهرهُ في أرِضهُ ‪ ,‬وجعلهُ إماَم خلقهُ و وصااَحبِ لواء‬
‫الولياَء ‪ ,‬وأماَن أهل الرِض ‪ ,‬ومنظر أهل السماَء ‪ ,‬ورِيحاَنة الجناَن ‪ ,‬وخاَصاة‬
‫اللهُ ‪ ,‬وموضع نظرهُ ‪ ,‬ومعدن سرهُ ‪ ,‬وسوطهُ في أرِضهُ ‪ ,‬يؤدب بهُ خلقهُ ‪,‬‬
‫ويحيي القلوب الميتة برؤيتهُ ‪ ,‬ويرد الخلق إلى طريقهُ ‪ ,‬وينعش بهُ حقوقَهُ ‪,‬‬
‫مفتاَح الهدى ‪ ,‬وسراج الرِض ‪ ,‬وأمين صاحيفة الولياَء ‪ ,‬و قَاَئدهم ‪ ,‬والقاَئم‬
‫باَلثناَء على رِبهُ ‪ ,‬بين يدي رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ! ‪ ,‬يباَهي بهُ‬
‫الرسول في ذلك الموقَف ‪ ,‬وينوهُ اللهُ باَسمهُ في ذلك المقاَم ‪ ,‬ويقر عين‬
‫رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ! ‪ ,‬قَد أخذ اللهُ بقلبهُ أياَم الدنياَ ‪ ,‬ونحلهُ‬
‫حكمتهُ العلياَ ‪ ,‬وأهدى إليهُ توحيدهُ ‪ ,‬ونزهُ طريقهُ عن رِؤية النفس ‪ ,‬وظل‬
‫الهوى ‪ ,‬وأئتمنهُ على صاحيفة الولياَء ‪ ,‬وعّرفهُ مقاَماَتهم ‪ ,‬وأطلعهُ على‬
‫مناَزلهم ‪ .‬فهو سيد النجباَء ‪ ,‬وصااَلح الحكماَء ‪ ,‬وشفاَء الدواء ‪ ,‬وإماَم الطباَء‬
‫‪ .‬كلمهُ قَيد القلوب ‪ ,‬ورِؤيتهُ شفاَء النفوس ‪ ,‬وإقَباَلهُ قَهر الهواء ‪ ,‬وقَربهُ‬
‫طهر الدناَس ‪ ,‬فهو رِبيع يزهر نورِهُ أبدا ً ‪ ,‬وخريف يجنى ثماَرِهُ دأباَ ‪ ,‬وكهف‬

‫ختم الولية للترمذي الحكيم الفصل التاسع ص ‪. 345 , 344‬‬ ‫‪1‬‬

‫أيضا ص ‪. 367‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪153‬‬
‫يلجأَ إليهُ ‪ ,‬ومعدن يؤمل ماَ لديهُ ‪ ,‬وفصل بين الحق والباَطل ‪ .‬وهو الصديق‬
‫دث ‪ .‬هو واحد اللهُ في أرِضهُ ( ‪. 1‬‬
‫والفاَرِوق والولي والعاَرِف والمح ّ‬

‫وأماَ ماَ قَاَلهُ المتأَخرون فهو أظهر وأصارح ‪ ,‬فيقول داود القيصري ‪:‬‬
‫) فاَلنبوة دائرة تاَمة مشتملة على دوائر متباَينة متفاَوتة في الحيطة ‪ ,‬وقَد‬
‫علمت أن الظاَهر ل يأَخذ التأَييد والقوة والتصرف والعلوم ‪ ,‬وجميع ماَ‬
‫يفيض من الحق تعاَلى عليهُ إل باَلباَطن ‪ :‬وهو مقاَم الولية ‪ ,‬المأَخوذ من‬
‫ي بمعنى الحبيبِ أيضاَ منهُ ‪.‬‬
‫الولي ‪ ,‬وهو القرب ‪ ,‬والول ّ‬

‫فباَطن النبوة الولية ‪ ,‬وهي تنقسم باَلعاَمة والخاَصاة ‪ .‬فلولى تشتمل على‬
‫كل من آمن باَللهُ وعمل صااَلحاَ ‪ ,‬على حسبِ مراتبهم كماَ قَاَل اللهُ تعاَلى ‪} :‬‬
‫ي الذين آمنوا { ‪.‬‬
‫اللهُ ول ّ‬

‫والثاَنية تشتمل على الواصالين من الساَلكين فقط ‪ ,‬عند فناَئهم فيهُ‬


‫ي هو‬‫وبقاَئهم بهُ في الولية الخاَصاة ‪ ,‬عباَرِة عن فناَء العبد في الحق ‪ .‬فاَلول ّ‬
‫الفاَني فيهُ الباَقَي بهُ ‪.‬‬
‫‪ ....‬وهذا الفناَء موجبِ لن يتعين العبد بتعّيناَت حقاَنية وصافاَت رِباَنية مرة‬
‫أخرى ‪ ,‬وهو البقاَء باَلحق ‪ ,‬فل يرتفع التعين منهُ مطلقاَ ‪ ,‬وهذا المقاَم دايرة‬
‫م وأكبر من دايرة النبوة ‪ ,‬لذلك انختمت النبوة ‪ ,‬والولية دائمة ‪ ,‬وجعل‬ ‫أت ّ‬
‫ي ‪ ,‬اسماَ من أسماَء اللهُ تعاَلى دون النبي ‪ ,‬ولماَ كاَنت الولية أكبر‬ ‫الول ّ‬
‫حيطة من النبوة وباَطناَ لهاَ ‪ ,‬شملت النبياَء والولياَء ‪ .‬فاَلنبياَء هم أولياَء‬
‫فاَنون باَلحق ‪ ,‬باَقَون بهُ ‪ ,‬منبئون عن الغيبِ وأسرارِهُ ‪ ....‬ول نهاَية لكماَل‬
‫الولية ‪ ,‬فمراتبِ الولياَء غير متناَهية ( ‪. 2‬‬

‫هذا ومثل هذا كثير عندهُ ‪.‬‬

‫وهناَك تلميذ آخر لبن عربي شيعي ‪ ,‬فقاَل مثل ماَ قَاَلهُ القيصري ‪:‬‬
‫) وفي الحقيقة ‪ :‬الولية هي باَطن النبوة ‪ ,‬والفرق بين النبي والرسول‬
‫ي أن النبي والرسول لهماَ التصرف في الخلق بحسبِ الظاَهر‬ ‫والول ّ‬
‫والشريعة ‪ ,‬والولي لهُ التصرف فيهم بحسبِ الباَطن والحقيقة ومن هذا‬
‫قَاَلوا ‪ :‬النبوة تنقطع ‪ ,‬والولية ل تنقطع أبدا ( ‪. 3‬‬

‫وقَاَل النسفي عزيز الدين بن محمد المتوفى ‪ 671‬هـ في كتاَبهُ ) زبدة‬


‫الحقاَئق ( ‪:‬‬
‫) إن طاَئفة من الصوفية ذهبت إلى تفضيل الولية على النبوة ‪ ,‬وقَاَلوا ‪ :‬أن‬
‫النبوة باَطنهاَ الولية ‪ ,‬وأماَ الولية فباَطنهاَ عاَلم اللهُ ( ‪. 4‬‬

‫هذا ماَ ذكرهُ في كتاَبهُ ) زبدة الحقاَئق ( ‪ ,‬وبمثل ذلك ذكر في كتاَبهُ‬
‫) النساَن الكاَمل(‪. 5‬‬

‫نوادر الصول للترمذي ص ‪ 158 , 157‬ط الستانا ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫مقدمة شرح الفصوص للقيصري مخطوط ص ‪ 86‬وما بعد المنقول من كتاب ختم الولياء ص ‪. 491‬‬ ‫‪2‬‬

‫كتاب نص النصوص لحيدر الملي مخطوط ص ‪ 91‬وما بعد ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫زبدة الحقائق للنسفي طبعة فارسية ص ‪ 59‬بتصحيح تعليق حق وردي ناصري ط إيران ‪1405‬هـ قمري ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫انظر ص ‪. 110‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪154‬‬
‫وأماَ ماَ قَاَلهُ في كتاَبهُ ) كشف الحقاَئق ( فهو ‪:‬‬
‫) أيهاَ العاَرِف ‪ ,‬إن العاَرِفين عند أهل الوحدة ثلثة طوائف ‪ :‬حكماَء وأنبياَء‬
‫وأولياَء ‪ ,‬فاَلحكيم من يكون عاَرِفاَ بطباَئع الشياَء ‪ ,‬والنبي من يكون عاَرِفاَ‬
‫صاهاَ ‪ ,‬والولي من يكون عاَرِفاَ بطباَئع الشياَء‬
‫بطباَئع الشياَء وخوا ّ‬
‫ي في‬ ‫صاهاَ وحقاَئقهاَ ‪ ,‬فظهر أنهُ ل يوجد في العاَلم أحد يضاَهي الول ّ‬ ‫وخوا ّ‬
‫العلم والقدرِة ‪ ,‬لن اللهُ لهُ تجلّياَن ‪ :‬تجلي عاَم ‪ ,‬تجلي خاَص ‪.‬‬

‫فاَلتجلي العاَم عباَرِة عن أفراد الموجودات ‪ ,‬والتجلي الخاَص عباَرِة عن‬


‫ي وهو يحيي‬ ‫ي ‪ ,‬وهذا هو معنى قَول اللهُ عز وجل ‪ } :‬فاَللهُ هو الول ّ‬
‫الول ّ‬
‫الموتى وهو على كل شيء قَدير وأن اللهُ قَد أحاَط بكل شيء علماَ { ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ويقول في موضع آخر من كتاَبهُ ‪:‬‬


‫) المعرفة تنقسم إلى ثلثة أقَساَم ‪ :‬الول معرفة طبيعة كل شيء ‪ ,‬وهذهُ‬
‫رِتبة الحكماَء ‪ ,‬والثاَني معرفة خاَصاية كل شيء ‪ ,‬وهذهُ رِتبة النبياَء ‪,‬‬
‫والثاَلث معرفة حقيقة كل شيء ‪ ,‬وهذهُ رِتبة الولياَء ‪ ,‬وأعلم أن أهل‬
‫ي ‪ ,‬فإن كل نبي حكيم ‪,‬‬ ‫ي على النب ّ‬
‫والول ّ‬ ‫ضلوا النبي على الحكيم ‪,‬‬ ‫الوحدة ف ّ‬
‫ي( ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ي ‪ ,‬وليس كل نبي ول ّ‬ ‫ي نب ّ‬
‫وكل ول ّ‬

‫وأماَ الصوفي آخر سعد الدين حمويهُ فيقول في مثنوّيهُ ‪:‬‬


‫) واو الولية أقَرب إلى الحضرة اللهية من نون النبوة ‪ ,‬فلجل هذا التقرب‬
‫تعتبر الولية أفضل من النبوة ‪ ,‬ثم يبّين ذلك في أبياَتهُ قَاَئل ‪:‬‬

‫الحرف الول من كلمة الولية هو الـــواو‬


‫والواو في وســــطهاَ ألف أيهاَ المــــــريد‬
‫والحرف الول من كلمة النبوة هو النون‬
‫والنـــــــون في وســــــــطهاَ حرف الواو‬
‫ي قَــــــلبِ النبي ورِوحهُ‬
‫فإذن الــــــــــول ّ‬
‫ي هو ذات اللهُ ونفـــسهُ ( ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ورِوح الـــــــــول ّ‬

‫فهذهُ هي عقيدة المتصوفة في الولياَء ‪ ,‬والولية ‪ ,‬عين تلك العقيدة‬


‫الشيعية الشنيعة التي ذكرناَهاَ من قَبل ‪ ,‬وهي تتضمن تفضيل الولياَء على‬
‫أنبياَء اللهُ ورِسلهُ ‪ ,‬والبعض الخر كتموهاَ عمل باَلتقية التي لم يأَخذوهاَ‬
‫أيضاَ إل من الشيعة كماَ سنذكرهاَ ‪.‬‬

‫ي عندهم فوق الرسول والنبي ‪ ,‬ودون اللهُ قَليل ‪ ,‬وأحياَناَ يحذفون‬ ‫فإن الول ّ‬
‫هذا الفرق البسيط أيضاَ بينهُ وبين اللهُ ‪ ,‬ويجعلونهُ ذات اللهُ وعينهُ ‪ ,‬سواء‬
‫اتحد بهُ ‪ ,‬أو ذلك اتحد بهُ ‪ ,‬وعلى ذلك قَاَلوا ‪:‬‬

‫ي لعبد ( ‪. 4‬‬
‫) لو كشف عن حقيقة الول ّ‬

‫‪ 1‬كشف الحقائق لعزيز الدين النسفي بتصحيح وتعليق دكتور أحمد مهدوي طبعة فارسية ص ‪ 59‬ط طهران ‪ 1359‬هجري‬
‫قمري ‪.‬‬
‫‪ 2‬كشف الحقائق للنسفي طبعة فارسية ص ‪. 102‬‬
‫‪ 3‬انظر جهل مجلس لعلء الدين سمناني بتصحيح عبد الرفيع حقيقت ص ‪. 46 , 45‬‬
‫‪ 4‬غيث المواهب العلية للنفزي الرندي ج ‪ 1‬ص ‪ 235‬بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود ‪.‬‬
155
‫‪156‬‬

‫جــَراءُ الّنــُبوة‬
‫إ ْ‬
‫وبهذهُ المناَسبة نريد أن نذكر ههناَ عقيدة صاوفية خبيثة أخرى ‪ ,‬أخذوهاَ من‬
‫بعض فرق الشيعة ‪ ,‬من الخطاَبية ‪ ,‬والخرمية ‪ ,‬والمنصورِية وغيرهاَ بأَن‬
‫ي حيناَ بعد حين ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫رِساَلة اللهُ ل تنقطع أبدا ‪ ,‬وأن النبوة جاَرِية ‪ ,‬ويأَتي نب ّ‬

‫وهم بدورِهم أخذوهاَ من اليهودية مثل العقاَئد الخرى كماَ ذكرهُ ولهوزن ‪:‬‬
‫) أن النبي الصاَدق واحد يعود أبدا ( ‪. 2‬‬

‫ومعلوم أن هذهُ العقيدة لم تعتنقهاَ فرق الشيعة إل للقضاَء على السلم‬


‫وهدم كياَنهُ ‪ ,‬وفتح البواب على الدجاَلين والكذابين لترويج نبواتهم‬
‫الباَطلة ودعاَويهم الكاَذبة ‪ ,‬وإخراج المسلمين عن حظيرة السلم ‪,‬‬
‫وإدخاَلهم في بؤرِة الكفر والرِتداد ‪ ,‬وإبعاَدهم عن محمد الصاَدق المصدوق‬
‫المين عليهُ الصلة والسلم وعن شريعتهُ السماَوية السمحاَء ‪ ,‬ونشر الفتن‬
‫ك جمعيتهم ‪ ,‬وتشتيت شملهم ‪ ,‬وتفريق كلمتهم ‪,‬‬ ‫والقلقَل بينهم ‪ ,‬وف ّ‬
‫د سيل النورِ كي‬ ‫وتمزيق جماَعتهم ‪ ,‬والقضاَء على شأَنهم وشوكتهم ‪ ,‬وس ّ‬
‫م المعمورِة ‪ ,‬ويشمل الكون ‪ ,‬ووضع العراقَيل في طريقهُ ‪ ,‬مخاَلفين‬ ‫ل يع ّ‬
‫النصوص الصريحة المعاَرِضة في كلم اللهُ المحكم ‪ ,‬وحديث رِسول اللهُ‬
‫الثاَبت عنهُ عليهُ الصلة والسىلم مثل قَولهُ جل وعل ‪:‬‬
‫َ َ‬
‫ن‬
‫م الن ّب ِّيي َ‬
‫خاَت َ َ‬
‫و َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬
‫هُ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ول َ ِ‬
‫كن ّرِ ُ‬ ‫جاَل ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫من ّرِ َ‬
‫د ّ‬
‫ح ٍ‬
‫مدٌ أَباَ أ َ‬
‫ح ّ‬
‫م َ‬
‫ن ُ‬ ‫ماَ َ‬
‫كاَ َ‬ ‫} ّ‬
‫{‪. 3‬‬
‫وقَولهُ تباَرِك وتعاَلى ‪ } :‬ال ْيوم أ َك ْمل ْت ل َك ُم دين َك ُم َ‬
‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ت َ‬
‫م ُ‬
‫م ْ‬
‫وأت ْ َ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ َ‬
‫سل َ َ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬
‫‪4‬‬
‫ناَ { ‪.‬‬‫دي ً‬
‫م ِ‬ ‫م ال ِ ْ‬ ‫ضي ُ‬
‫وَرِ ِ‬
‫مِتي َ‬
‫ع َ‬
‫نِ ْ‬

‫ذيًرا‬ ‫ف ً ّ‬ ‫ك إ ِّل َ‬
‫كاَ ّ‬ ‫سل َْناَ َ‬ ‫َ‬
‫ون َ ِ‬
‫شيًرا َ‬‫س بَ ِ‬
‫ة للّناَ ِ‬ ‫ماَ أْرِ َ‬‫و َ‬‫ل من قَاَئل ‪َ } :‬‬ ‫وقَولهُ ج ّ‬
‫‪5‬‬
‫ن{ ‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬‫س َل ي َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ن أ َك ْث ََر الّناَ‬
‫ول َك ِ ّ‬
‫َ‬
‫‪6‬‬
‫عاَ { ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫مي ً‬‫ج ِ‬
‫م َ‬‫هُ إ ِلي ْك ْ‬
‫سول الل ِ‬ ‫س إ ِّني َرِ ُ‬ ‫هاَ الّناَ ُ‬ ‫وقَولهُ ‪ } :‬قَل َياَ أي ّ َ‬
‫‪7‬‬
‫ي بعدي (‬
‫وقَول رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ) :‬أناَ خاَتم النبيين ل نب ّ‬
‫‪.‬‬
‫وقَولهُ عليهُ الصلة والسلم ‪ :‬إني آخر النبياَء ومسجدي آخر المساَجد ( ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫وقَولهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ) :‬مثلي ومثل النبياَء كمثل قَصر أحسن بنياَنهُ‬
‫‪ ,‬ترك منهُ موضع لبنة ‪ ,‬فطاَف بهُ النظاَرِ يتعجبون من حسن بنياَنهُ إل موضع‬

‫‪ 1‬انظر لذلك فرق الشيعة للنوبختي ص ‪ 70‬وما بعد ‪ ,‬كذلك كتاب المقالت والفرق للشعري القمي الشيعي ص ‪, 54 , 46‬‬
‫‪ , 64‬وأنظر كذلك كتب السنة من مقالت السلميين للشعري ‪ ,‬والفرق بين الفرق للبغدادي والملل والنحل للشهرستاني‬
‫وغيرها ‪.‬‬
‫‪ 2‬انظر ) الحزاب المعارضة الدينية والسياسية في صدر السلم ( لولهوزن ص ‪ 249‬ترجمة عربية للبدوي ‪.‬‬
‫‪ 3‬الحزاب ‪. 40‬‬
‫‪ 4‬المائدة ‪. 3‬‬
‫‪ 5‬سبأ ‪. 28‬‬
‫‪ 6‬العراف ‪. 158‬‬
‫‪ 7‬أخرجه أبو داود والترمذي ‪.‬‬
‫‪ 8‬أخرجه مسلم ‪.‬‬
‫‪157‬‬
‫تلك اللبنة ‪ ,‬فكنت أناَ سددت موضع اللبنة ‪ ,‬ختم بي البنياَن ‪ ,‬ختم بي الرسل‬
‫(‪.1‬‬

‫وغيرهاَ من الحاَديث الكثيرة الكثيرة في هذا المعنى ولكن القوم يقولون‬


‫عكس ذلك ‪ ,‬معرضين عن كلم اللهُ وكلم رِسولهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪,‬‬
‫متبعين غير سبيل المؤمنين ‪ ,‬فيقول شيخهم الكبر متفوهاَ الكفر‬
‫الصريح ‪:‬‬
‫) ويجمع النبوة كلهاَ أم الكتاَب ‪ ,‬ومفتاَحهاَ ‪ :‬بسم اللهُ الرحمن الرحيم ‪.‬‬
‫فاَلنبوة ساَرِية إلى يوم القياَمة في الخلق ‪ .‬وإن كاَن التشريع قَد انقطع ‪,‬‬
‫فاَلتشريع جزء من أجزاء النبوة ‪ ,‬فإنهُ يستحيل أن ينقطع خبر اللهُ وأخباَرِهُ‬
‫من العاَلم ‪ ,‬إذ لو انقطع لم يبق للعاَلم غذاء يتغذى بهُ في بقاَء وجودهُ ‪ :‬قَل‬
‫لو كاَن البحر مدادا لكلماَت رِبي لنفد البحر قَبل أن تنفد كلماَت رِبي ولو‬
‫جئناَ بمثلهُ مددا ‪ : ,‬ولو أن ماَ في الرِض من شجرة أقَلم والبحر يمدهُ من‬
‫بعدهُ سبعة أبحر ماَ نفدت كلماَت اللهُ ‪ ,‬وقَد أخبر اللهُ أنهُ ماَ من شيء يريد‬
‫إيجاَدهُ إل يقول لهُ ‪ :‬كن ‪ ,‬فهذهُ كلماَت اللهُ ل تنقطع ‪ ,‬وهي النداء العاَم‬
‫لجميع الموجودات ‪ .‬فهذا جزء واحد من أجزاء النبوة ل ينفد ‪ ,‬فأَين أنت من‬
‫باَقَي الجزاء التي لهاَ ( ‪. 2‬‬

‫ديسهم ‪ ,‬وفي فتوحاَتهُ التي يقولون‬


‫فهذهُ هي عقيدة القوم بلساَن قَ ّ‬
‫فيهاَ ‪ ,‬وفيهُ ‪:‬‬

‫كستهاَ نفيساَت العـــلوم ملبساَ‬ ‫فتــــوحاَت شيخي غاَدة مدنية‬


‫وأبحاَثهاَ أبدت إليــــــــناَ نفاَئساَ‬ ‫فل عجبِ لو تشتهيهاَ نفوسناَ‬
‫بأَنفـاَسهُ ل زال يحيى المجاَلساَ‬ ‫فللهُ ّدرِ الشـــيخ أكبر عصرهُ‬

‫وهذهُ العقيدة هي التي شجعت الكثيرين من المتنبئين والكذابين على اللهُ‬


‫دعو النبوة بعد محمد صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ ‪ ,‬مثل الغلم القاَدياَني‬ ‫أن ي ّ‬
‫الذي استشهد على تنبئهُ بكلم ابن عربي هذا ‪ ,‬وغيرهُ من الدجاَجلة‬
‫‪3‬‬

‫الخرين ‪ ,‬مع تصريح رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪) :‬ل تقوم الساَعة‬
‫حتى يخرج ثلثون دجاَلون ‪ ,‬كلهم يزعم أنهُ رِسول اللهُ ‪ ,‬وأناَ خاَتم النبيين ل‬
‫نبي بعدي ( ‪. 4‬‬

‫ولكن ابن عربي يقول معاَكساَ لذلك في فتوحاَتهُ ‪:‬‬


‫) ويتضمن هذا الباَب المساَئل التي ل يعلمهاَ إل الكاَبر من عباَد اللهُ ‪ ,‬الذين‬
‫هم في زماَنهم بمنزلة النبياَء في زماَن النبوة ‪ ,‬وهي النبوة العاَمة ‪.‬‬
‫فإن النبوة التي انقطعت بوجود رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم إنماَ هي‬
‫نبوة التشريع ل مقاَمهاَ فل شرع يكون ناَسخاَ لشرعهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم‬
‫‪ ,‬ول يزيد في حكمهُ شرعاَ آخر ‪ ,‬وهذا معنى قَولهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ :‬إن‬
‫ي بعدي يكون‬ ‫الرساَلة والنبوة انقطعت ‪ ,‬فل رِسول بعدي ول نبي ‪ ,‬أي ل نب ّ‬

‫‪ 1‬متفق عليه ‪.‬‬


‫‪ 2‬الفتوحات المكية لبن عربي ج ‪ 2‬ص ‪. 90‬‬
‫‪ 3‬انظر جريدة الحكم القاديانية الصادرة ‪ 10‬ابريل ‪1930‬م المنقول من كتابنا ) القاديانية دراسات وتحليل ( ص ‪ 286‬الطبعة‬
‫العشرون ط إدارة ترجمان السنة باكستان ‪.‬‬
‫‪ 4‬رواه أبو داود والترمذي ‪.‬‬
‫‪158‬‬
‫على شرع يكون مخاَلفاَ لشرعي ‪ ,‬بل إذا كاَن ‪ ,‬يكون تحت حكم شريعتي ‪...‬‬
‫د باَبهُ ‪,‬ل مقاَم النبوة ( ‪. 1‬‬
‫فهذا هو الذي انقطع وس ّ‬

‫فهل يقول المتنبئون الدجاَلون الكذابون غير هذا ؟‬

‫فإنهم ل يلتقطون إل من موائد الصوفية وخوانهاَ ‪ ,‬ول يستوحون إل من‬


‫أمثاَل شيخهم الكبر ‪.‬‬

‫ويقول ابن عربي كذلك مجيباَ على سؤال الترمذي الملقبِ باَلحكيم ‪ :‬أين‬
‫مقاَم النبياَء من مقاَم الولياَء ؟ يجيبِ على هذا ويقول ‪:‬‬
‫) وإن كاَن سؤالهُ عن مقاَم النبياَء من الولياَء ‪ ,‬أي أنبياَء الولياَء – وهي‬
‫النبوة التي قَلناَ أنهاَ لم تنقطع ‪ ,‬فإنهاَ ليست نبوة الشرائع – وكذلك في‬
‫السؤال عن مقاَم الرسل ‪ ,‬الذين هم أنبياَء فلنقل في جوابهُ ‪ :‬أن أنبياَء‬
‫الولياَء ‪ ,‬مقاَمهم من الحضرات اللهية الفردانية ‪ ,‬والسم اللهي الذي‬
‫تعبدهم ) هو ( الفرد ‪ ,‬وهم المسمون الفراد ‪.‬‬
‫فهذا هو مقاَم نبوة الولية ‪,‬ل نبوة الشرائع ‪ .‬وأماَ مقاَم الرسل ‪ ,‬الذين هم‬
‫أنبياَء فهم الذين لهم خصاَئص على ماَ تعبدوا بهُ أتباَعهم ‪ .‬كمحمد صالى‬
‫اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬فيماَ قَيل لهُ ‪ ) :‬خاَلصة لك من دون المؤمنين ( في النكاَح‬
‫بدون الهبة ‪ .‬فمن الرسل من لهم خصاَئص على أمتهم ومنهم من ل يختصهُ‬
‫اللهُ بشيء دون أمتهُ ‪.‬‬

‫وكذلك الولياَء ‪ :‬فيهم أنبياَء ‪ ,‬أي خصوا بعلم ل يحصل إل لنبي ‪ ,‬من العلم‬
‫اللهي ‪ .‬ويكون حكمهم من اللهُ ‪ ,‬فيماَ أخبرهم بهُ ‪ ,‬حكم الملئكة ‪ .‬ولهذا‬
‫قَاَل )تعاَلى ( في نبي الشرائع ‪ ) :‬ماَ لم تحط بهُ خبرا ( ‪ ,‬أي ماَ هو ذوقَك ‪ ,‬ياَ‬
‫موسى ! مع كونهُ كليم اللهُ ‪ .‬فخرق ) الخضر ( السفينة ‪ ,‬وقَتل الغلم حكماَ ً ‪,‬‬
‫وأقَاَم الجدارِ ‪ -‬مكاَرِم خلق – عن حكم أمر اللهي ‪ ) ,‬هذا كلهُ ( كخسف‬
‫البلد على يدي جبريل ومن كاَن من الملئكة ‪ .‬ولهذا كاَن الفراد من البشر‬
‫‪2‬‬
‫بمنزلة المهيمن من الملئكة ‪ ,‬وأنبياَؤهم منهم بمنزلة الرسل من النبياَء (‬
‫‪.‬‬

‫هذا ويقول الخرون مثل ماَ قَاَلهُ ابن عربي ‪ ,‬فيقول الفرغاَني ‪:‬‬

‫) أماَ الولية فهي التصرف في الخلق باَلحق ‪ ,‬وليست في الحقيقة إل‬


‫باَطن النبوة ‪ ,‬لن النبوة ظاَهرة النباَء ‪ ,‬وباَطنهاَ التصرف في النفوس‬
‫بإجراء الحكاَم عليهاَ ‪.‬‬

‫ي بعد محمد صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪,‬‬


‫إذ ل نب ّ‬ ‫والنبوة مختومة من حيث النباَء ‪,‬‬
‫دائمة من حيث الولية والتصرف ( ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وأماَ السهرورِدي المقتول فيقول ‪:‬‬

‫الفتوحات المكية لبن عربي ج ‪ 2‬ص ‪. 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫الجواب المستقيم عما سأل عنه الترمذي الحكيم سؤال رقم ‪ 18‬ص ‪ 168 , 167‬من كتاب ختم الولياء ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫دمات للفرغاني مخطوط آيا صوفيا رقم ‪ 1898‬نقل عن ختم الولياء للترمذي ص ‪ 487‬ط بيروت ‪.‬‬‫المق ّ‬ ‫‪3‬‬
‫‪159‬‬
‫) إن اتفق في الوقَت متوغل في التأَلهُ والبحث فلهُ الرياَسة ‪ ,‬وإن لم يتفق‬
‫فاَلمتوغل في التأَلهُ المتوسط في البحث ‪ .‬وإن لم يتفق فاَلحكيم المتوغل‬
‫في التأَلهُ عديم البحث ‪ ,‬وهو خليفة اللهُ ‪.‬‬
‫ول تخلو الرِض من متوغل في التأَلهُ أبدا ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫فهذهُ هي عقيدة أخرى مناَفية للسلم ومخاَلفة لهُ ‪ ,‬ومعاَرِضة لسسهُ‬


‫وقَواعدهُ ‪ ,‬مناَقَضة لشرعتهُ وتعاَليمهُ ‪ ,‬متبطنة الكفر أشد الكفر ‪ ,‬ومتضمنة‬
‫الرِتداد كل الرِتداد ‪ ,‬مأَخوذة من الشيعة واليهودية ‪.‬‬

‫ومعروف أنهم لم يخترعوا هذهُ العقيدة ولم يختلقوهاَ ليوصالوا المتصوفة‬


‫صال الشيعة إليهاَ أئمتهم ‪ ,‬فوصافوهم‬‫إلى مقاَم النبوة ومكاَنتهاَ كماَ و ّ‬
‫بجميع أوصااَف النبوة ‪ ,‬واختصاَصااَتهاَ ‪ ,‬ومن أهمهاَ العصمة ‪.‬‬

‫مجموعة في الحكمة المشرقية للسهر وردي ص ‪. 24 , 23‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪160‬‬

‫مة‬
‫صـ َ‬
‫ع ْ‬
‫الــ ِ‬
‫فاَلعصمة في تبليغ رِساَلت اللهُ ضرورِية للنبياَء والرسل كي ل يقع الخطأَ‬
‫والغلط في أداء أوامر اللهُ ونواهيهُ ‪ ,‬وأحكاَم اللهُ وإرِشاَداتهُ ‪ ,‬فيدعمون‬
‫ويسددون باَلوحي ونزول الملئكة عليهم ‪ ,‬فماَ ينطقون عن الهوى ‪ ,‬ويجبِ‬
‫اتباَعهم في كل ماَ يقولونهُ ويأَمرون بهُ ‪ ,‬لسلمتهم من الخطأَ ‪ ,‬والزلل‬
‫بخلف غيرهم ‪ ,‬فإنهُ يمكن عليهم الخطأَ والنسياَن ‪ ,‬والزلل والغلط ‪ ,‬فل‬
‫يؤمن جاَنبهم من هذهُ المورِ كلهاَ ‪.‬‬

‫ولكن الشيعة الذين جعلوا أئمتهم كاَلنبياَء أو المشاَرِكين في النبوة‬


‫والمضاَهين لهاَ ‪ ,‬اختلقوا لهم هذهُ المكاَنة ‪ ,‬وادعوا لهم هذهُ المنزلة ‪,‬‬
‫فقاَلوا ‪:‬‬
‫) إن الماَم يجبِ أن يكون معصوماَ ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقَاَل ابن باَبويهُ القمي الملقبِ باَلصدوق عند الشيعة ‪:‬‬


‫) اعتقاَدناَ في النبياَء والرسل والئمة والملئكة عليهم السلم أنهم‬
‫معصومون مطهرون من كل دنس ‪ ,‬وأنهم ل يذنبون ذنباَ صاغيرا ول كبيرا ‪ ,‬و‬
‫ل يعصون ماَ أمرهم ‪ ,‬ويفعلون ماَ يؤمرون ‪ ,‬ومن نفى عنهم العصمة في‬
‫شيء من أحوالهم فقد جهلهم ‪ ,‬ومن جهلهم فهو كاَفر ‪.‬‬
‫واعتقاَدناَ فيهم أنهم معصومون موصاوفون باَلكماَل والتماَم والعلم من‬
‫أوائل أمورِهم وأواخرهاَ ‪,‬ل يوصافون في شيء من أحوالهم بنقص ول‬
‫عصياَن ول جهل ( ‪. 2‬‬

‫وقَاَل خاَتمة محدثي الشيعة ملّ باَقَر المجلسي ‪:‬‬


‫) الشرط الثاَني في الماَم أن يكون معصوماَ ‪ ,‬وإجماَع الماَمية منعقد على‬
‫ي صالى اللهُ عليهُ وآلهُ معصوم من أول عمرهُ إلى آخر‬‫أن الماَم مثل النب ّ‬
‫عمرهُ من جميع الذنوب الصغاَئر والكباَئر والحاَديث المتواترة على هذا‬
‫المضمون وارِدة ( ‪. 3‬‬

‫ورِووا في هذا الخصوص رِواياَت مكذوبة على النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪,‬‬
‫ي رِضي اللهُ عنهُ وأولدهُ ‪.‬‬
‫وعلى عل ّ‬

‫منهاَ ماَ رِواهاَ ابن باَبويهُ القمي عن عبد اللهُ بن عباَس رِضي اللهُ عنهُ أنهُ‬
‫قَاَل ‪ ) :‬سمعت رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وآلهُ يقول ‪ :‬أناَ وعلي والحسن‬
‫والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون ( ‪. 4‬‬

‫ورِوى المفيد في أماَليهُ عن جعفر بن محمد أنهُ قَاَل ‪:‬‬

‫‪ 1‬منهاج الكرامة للحلي ص ‪ 71‬المنشور مع منهاج السنة النبوية لبن تيمية ط باكستان أيضا تلخيص الشافي للطوسي ج ‪1‬‬
‫ص ‪ 181‬قم إيران ‪ ,‬كمال الدين القمي ج ‪ 1‬ص ‪. 10‬‬
‫‪ 2‬اعتقادات الصدوق ص ‪. 108‬‬
‫‪ 3‬حق اليقين للمجلسي ص ‪. 39‬‬
‫‪ 4‬عيون أخبار الرضا لبن بابويه القمي ج ‪ 1‬ص ‪ 64‬ط طهران ‪.‬‬
‫‪161‬‬
‫) إن اللهُ فرض وليتناَ وأوجبِ مودتناَ ‪,‬واللهُ ‪ ,‬ماَ نقول بأَهوائناَ ‪ ,‬ول نعمل‬
‫بآرِائناَ ‪ ,‬ول نقول إل ماَ قَاَل رِبناَ عز وجل ( ‪. 5‬‬

‫وقَاَل ابن باَبويهُ القمي في كتاَب الخصاَل مفسرا قَول اللهُ عز وجل ‪:‬ل‬
‫يناَل عهدي الظاَلمين ‪ ,‬يقول في تفسير ‪ ) :‬فإذن ل يكون الماَم إل‬
‫ص اللهُ عز وجل عليهُ ( ‪. 2‬‬
‫معصوماَ ‪ ,‬ول تعلم عصمتهُ إل بن ّ‬

‫وبمثل ذلك قَاَل المتصوفة في كبرائهم وأولياَئهم ‪.‬‬

‫وقَبل أن نذكر النصوص في هذا الخصوص نورِد ماَ قَاَلهُ شيخ السلم ابن‬
‫تيمية في هذا الباَب عن الشيعة ومن تبعهم في ذلك من المتصوفين ‪:‬‬

‫دعى اللهية‬ ‫) وكذلك الرافضة موصاوفون باَلغلو عند المة فإن فيهم من ا ّ‬
‫في علي وهؤلء شر من النصاَرِى وفيهم من ادعى النبوة فيهُ ومن أثبت‬
‫نبياَ بعد محمد فهو شبيهُ بأَتباَع مسيلمة الكذاب وأمثاَلهُ من المتنبئين إل أن‬
‫علياَ رِضي اللهُ عنهُ بريء من هذهُ الدعوة بخلف من ادعى النبوة لنفسهُ‬
‫كمسيلمة وأمثاَلهُ وهؤلء الماَمية يدعون ثبوت إماَمتهُ باَلنص وأنهُ كاَن‬
‫معصوماَ هو وكثير من ذرِيتهُ وأن القوم ظلموهُ وغصبوهُ ودعوى العصمة‬
‫تضاَهي المشاَرِكة في النبوة فإن المعصوم يجبِ إتباَعهُ في كل ماَ يقول ل‬
‫يجوز أن يخاَلف في شيء وهذهُ خاَصاة النبياَء ولهذا أمرناَ أن نؤمن بماَ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ز َ‬
‫ل‬ ‫ماَ أن ِ‬ ‫ل إ ِل َي َْناَ َ‬
‫و َ‬ ‫ز َ‬
‫مآ أن ِ‬
‫و َ‬ ‫مّناَ ِباَلل ّ ِ‬
‫هُ َ‬ ‫قَوُلوا ْ آ َ‬
‫أنزل إليهم فقاَل تعاَلى } ُ‬
‫قوب والسباَط وماَ ُ‬
‫ي‬
‫أوت ِ َ‬ ‫ْ َ ِ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ع ُ‬ ‫وي َ ْ‬‫ق َ‬ ‫ح َ‬ ‫س َ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عي َ‬ ‫ماَ ِ‬ ‫س َ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫هي َ‬ ‫إ َِلى إ ِب َْرا ِ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫م ل َ نُ َ‬ ‫ُ‬
‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬‫د ّ‬ ‫ح ٍ‬‫نأ َ‬ ‫فّرقُ ب َي ْ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ّرِب ّ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ي الن ّب ِّيو َ‬ ‫ماَ أوت ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫سى َ‬ ‫عي َ‬ ‫و ِ‬ ‫سى َ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫ن { فأَمرناَ أن نقول آمناَ بماَ أوتى النبيون وقَاَل تعاَلى‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫هُ ُ‬ ‫َ‬
‫نل ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ون َ ْ‬
‫َ‬
‫هُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫باَل‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫آ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫نو‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫هُ‬ ‫ب‬ ‫رِ‬ ‫من‬ ‫هُ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ز‬ ‫أن‬‫ُ‬ ‫ماَ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫آ‬ ‫}‬
‫ِ‬ ‫َ َ ِ‬ ‫ّ ّ ِ َ ُ ِ ُ َ‬ ‫ِ ْ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫ّ ُ‬ ‫َ َ‬
‫عَناَ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هُ ل ن ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫قَاَلوا َ‬ ‫هُ َ‬‫سل ِ ِ‬
‫من ّرِ ُ‬ ‫د ّ‬ ‫ح ٍ‬‫نأ َ‬ ‫فّرقُ ب َي ْ َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫وُرِ ُ‬ ‫هُ َ‬ ‫وكت ُب ِ ِ‬ ‫هُ َ‬ ‫ملئ ِكت ِ ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫صيُر { وقَاَل تعاَلى } ولكن البر من‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫وإ ِلي ْك ال َ‬ ‫عَناَ غفَران َك َرِب َّناَ َ‬ ‫وأ ط ْ‬ ‫َ‬
‫آمن باَللهُ واليوم الخر والملئكة والكتاَب والنبيين { فاَليماَن بماَ‬
‫جاَء بهُ النبيون مماَ أمرناَ أن نقولهُ ونؤمن بهُ وهذا مماَ اتفق عليهُ‬
‫المسلمون أنهُ يجبِ اليماَن بكل نبي ومن كفر بنبي واحد فهو كاَفر ومن‬
‫سبهُ وجبِ قَتلهُ باَتفاَق العلماَء وليس كذلك من سوى النبياَء سواء سموا‬
‫أولياَء أو أئمة أو حكماَء أو علماَء أو غير ذلك فمن جعل بعد الرسول‬
‫معصوماَ يجبِ اليماَن بكل ماَ يقول فقد أعطاَهُ معنى النبوة و إن لم يعطهُ‬
‫لفظهاَ ويقاَل لهذا ماَ الفرق بين هذا وبين أنبياَء بني إسرائيل الذين كاَنوا‬
‫مأَمورِين باَتباَع شريعة التورِاة وكثير من الغلة في المشاَيخ يعتقد أحدهم‬
‫في شيخهُ نحو ذلك ويقولون الشيخ محفوظ ويأَمرون باَتباَع الشيخ في كل‬
‫ماَ يفعل ل يخاَلف في شيء أصال وهذا من جنس غلو الرافضة والنصاَرِى‬
‫والسماَعيلية تدعي في أئمتهاَ أنهم كاَنوا معصومين وأصاحاَب ابن تومرت‬
‫الذي ادعى أنهُ المهدي يقولون أنهُ معصوم ويقولون في خطبة الجمعة‬
‫الماَم المعصوم والمهدي المعلوم ويقاَل أنهم قَتلوا بعض من أنكر أن‬

‫‪ 5‬المالي للمفيد ص ‪ 60 , 59‬ط قم إيران ‪ 1403‬هـ ‪.‬‬


‫‪ 2‬كتاب الخصال لبن بابويه القمي باب الخمسة ج ‪ 1‬ص ‪ 310‬ط كتاب الخصال لبن بابويه القمي باب الخمسة ج ‪ 1‬ص‬
‫‪ 310‬ط إيران ‪.‬‬
‫‪162‬‬
‫يكون معصوم اَ ً ومعلوم أن كل هذهُ القَوال مخاَلفة لدين السلم للكتاَب‬
‫والسنة وإجماَع سلف المة وأئمتهاَ فإن اللهُ تعاَلى يقول } أطيعوا اللهُ‬
‫وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم فإن تناَزعتم في شيء‬
‫دوهُ إلى اللهُ والرسول { الية فلم يأَمرناَ باَلرد عند التناَزع إل إلى‬
‫فر ّ‬
‫اللهُ والرسول فمن أثبت شخصاَ معصوماَ غير الرسول أوجبِ رِد ماَ تناَزعوا‬
‫فيهُ إليهُ لنهُ ل يقول عندهُ إل الحق كاَلرسول وهذا خلف القرآن وأيضاَ‬
‫فإن المعصوم تجبِ طاَعتهُ مطلقاَ بل قَيد ومخاَلفهُ يستحق الوعيد والقرآن‬
‫إنماَ أثبت هذا في حق الرسول خاَصاة قَاَل تعاَلى } ومن يطع اللهُ‬
‫والرسول فأَولئك مع الذين أنعم الهُ عليهم من النبيين‬
‫والصديقين والشهداء والصاَلحين وحسن أولئك رِفيقاَ { وقَاَل‬
‫} ومن يعص اللهُ ورِسولهُ فإن لهُ ناَرِ جهنم خاَلدين فيهاَ أبدا { ‪.‬‬
‫فدل القرآن في غير موضع على أن من أطاَع الرسول كاَن من أهل‬
‫السعاَدة ولم يشترط في ذلك طاَعة معصوم آخر ومن عصى الرسول كاَن‬
‫من أهل الوعيد وإن قَدرِ أنهُ أطاَع من ظن أنهُ معصوم فاَلرسول صالى اللهُ‬
‫عليهُ وسلم هو الذي فرق اللهُ بهُ بين أهل الجنة وأهل الناَرِ وبين البرارِ‬
‫والفجاَرِ وبين الحق والباَطل وبين الغي والرشاَد والهدى والضلل وجعلهُ‬
‫القسيم الذي قَسم بهُ عباَدهُ إلى شقي وسعيد فمن اتبعهُ فهو السعيد ومن‬
‫خاَلفهُ فهو الشقي وليست هذهُ المرتبة لغيرهُ ولهذا اتفق أهل العلم أهل‬
‫الكتاَب والسنة على أن كل شخص سوى الرسول فإنهُ يؤخذ من قَولهُ‬
‫ويترك إل رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم فإنهُ يجبِ تصديقهُ في كل ماَ‬
‫أخبر وطاَعتهُ في كل ماَ أمر فإنهُ المعصوم الذي ل ينطق عن الهوى إن هو‬
‫إل وحي يوحى ( ‪. 1‬‬

‫وهو كماَ قَاَل شيخ السلم أن الصوفية يعتقدون في أولياَئهم ماَ يعتقد‬
‫الشيعة في أئمتهم من تأَليههم ‪ ,‬وجعلهم أنبياَء أو كاَلنبياَء ‪ ,‬معصومين ‪,‬‬
‫ولو أنهم كثيرا ماَ يتجنبون عن استعماَل هذهُ اللفظة ‪ ,‬ويستبدلونهاَ‬
‫باَلحفظ ‪ ,‬ول يقصدون من ورِائهاَ إل العصمة التي يستعملهاَ الشيعة توقَياَ‬
‫وتحفظاَ من طعن الطاَعنين واعتراض المعترضين ‪ ,‬وسترا لتك الصلة‬
‫الوثيقة التي تربطهم مع الشيعة ‪ ,‬لو أن بعض المتهورِين منهم لم يراعوا‬
‫هذا الكتماَن والخفاَء ‪ ,‬وباَحوا بهذا السر جهرا وعلناَ ‪ ,‬عاَرِفين بأَن تقيتهم‬
‫هذهُ ل تسمن ول تغني من جوع ‪ ,‬لن المراد من كلتاَ اللفظتين واحد ‪,‬ل‬
‫اختلف بينهماَ من حيث المدلول ‪ ,‬فقاَل قَاَئلهم ‪:‬‬
‫) وأماَ صاورِ تلقياَت الموحدين الخطاَبية فهو أن تنبعث اللطفية النساَنية‬
‫مجردة عن الفكر طاَلبة ماَ ل تعلم منهُ إل نسبة الوجود إليهُ بتقييدهاَ بهُ فإذا‬
‫نزل هذا العقل بحضرة من الحضرات نزل إليهُ بحكم التدلي أو برز لهُ أو‬
‫ظهر لهُ اسم من السماَء الحسنى بماَ فيهُ من السرارِ فيهبهُ بحسبِ‬
‫تجريدهُ وصاحة قَصدهُ وعصمتهُ في طريقهُ فيرجع إلى عاَلم كونهُ عاَلماَ بماَ‬
‫ألقي إليهُ من علم رِبهُ بربهُ أو من علم رِبهُ بضرب من كونهُ ثم ينزل نزول‬
‫آخر هكذا أبدا ) ماَ أدرِي ماَ يفعل بي ول بكم إن أتبع إل ماَ يوحى إلي ( وهو‬
‫خير البشر وأكثرهم عقل وأصاحهم فكرة ورِوية فأَين الفكر هناَ هيهاَت تلف‬
‫أصاحاَب الفكاَرِ والقاَئلون باَكتساَب النبوة والولية كيف لهم ذلك والنبوة‬

‫منهاج السنة النبوية لشيخ السلم ص ‪. 175 , 174‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪163‬‬
‫والولية مقاَماَن ورِاء طورِ العقل ليس للعقل فيهماَ كسبِ بل هماَ‬
‫اختصاَصااَن من اللهُ تعاَلى لمن شاَء ( ‪. 1‬‬

‫وى بينهماَ ‪,‬‬


‫فاَستعمل الشيخ الكبر للصوفية العصمة للنبياَء والولياَء ‪ ,‬وس ّ‬
‫ولم ير الفرق في كونهماَ مصطفين مختاَرِين من قَبل اللهُ عز وجل ‪,‬‬
‫ومزلتهماَ ومكاَنتهماَ ل تدرِكاَن باَلعقل ‪ ,‬ومنصبهماَ ل يكتسبِ ‪.‬‬

‫وقَاَل في مقاَم آخر ‪:‬‬


‫) إن من شرط الماَم الباَطن ) يعني الولي ( أن يكون معصوماَ ‪ ,‬وليس‬
‫الظاَهر إن كاَن غيرهُ مقاَم العصمة ( ‪. 2‬‬

‫وبمثل ذلك قَاَل أبو الحسن الشاَذلي ‪:‬‬


‫‪3‬‬
‫) إن من خواص القطبِ إمداد اللهُ لهُ باَلرحمة والعصمة والخلفة والنياَبة (‬
‫‪.‬‬

‫ورِوى صاوفي قَديم أبو عبد الرحمن السلمي في ) طبقاَت الصوفية( عن‬
‫أبي بكر محمد الدينورِي أنهُ سئل عن علمة الصوفي ماَ هي ؟‬
‫فقاَل ‪ ) :‬أن يكون مشغول بكل ماَ هو أولى بهُ من غيرهُ ‪ ,‬ويكون معصوماَ‬
‫عن المذموماَت ( ‪. 4‬‬

‫ونقل الدكتورِ عبد الحليم محمود عن صاوفي متقدم أبي بكر الواسطي‬
‫سم المتصوفة على ثلثة أقَساَم ‪ ,‬فقاَل ‪:‬‬ ‫المتوفى ‪320‬هـ أنهُ قَ ّ‬
‫ن اللهُ عليهم بأَنوارِ الهداية ‪,‬‬
‫) الناَس على ثلث طبقاَت ‪ ,‬الطبقة الولى ‪ :‬م ّ‬
‫فهم معصومون من الكفر والشرك والنفاَق ‪.‬‬
‫ن اللهُ عليهم بأَنوارِ العناَية فهم معصومون من الصغاَئر‬ ‫والطبقة الثاَنية ‪ :‬م ّ‬
‫والكباَئر ‪.‬‬
‫ن اللهُ عليهم باَلكفاَية فهم معصومون عن الخواطر‬ ‫والطبقة الثاَلثة ‪ :‬م ّ‬
‫الفاَسدة وحركاَت أهل الفضيلة ( ‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫ويزيل السهرورِدي عبد القاَهر في عوارِفهُ بعض الحجاَب عن ذلك السّر‬


‫الذي طاَلماَ أخفاَهُ على تشّيعهم ‪ ,‬ومصدرِ تصوفهم ‪ ,‬ومنبع أفكاَرِهم ‪,‬‬
‫فيقول ‪:‬‬
‫) الشيخ للمريدين أمين اللهاَم ‪ ,‬كماَ أن جبريل أمين الوحي ‪ ,‬فكماَ ل يخون‬
‫جبريل في الوحي ‪,‬ل يخون الشيخ في اللهاَم ‪ ,‬وكماَ أن رِسول اللهُ صالى‬
‫اللهُ عليهُ وسلم ل ينطق عن الهوى فاَلشيخ مقتد برسول اللهُ صالى اللهُ‬
‫عليهُ وسلم ظاَهرا وباَطناَ ‪,‬ل يتكلم بهوى النفس ( ‪. 6‬‬

‫‪ 1‬كتاب التراجم لبن عربي من مجموعة رسائله ص ‪. 4‬‬


‫‪ 2‬الفتوحات المكية لبن عربي ج ‪ 3‬ص ‪. 183‬‬
‫‪ 3‬كتاب القصد للشاذلي المنقول من كتاب ) الصلة بين التصوف والتشيع ( ج ‪ 1‬ص ‪. 417‬‬
‫‪ 4‬طبقات الصوفية للسلمي ص ‪ 109‬ط مطابع الشعب القاهرة ‪ 1380‬هـ ‪.‬‬
‫‪ 5‬انظر غيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية للنفزي الرندي ج ‪ 1‬ص ‪ 160‬حاشية رقم ‪ 2‬لعبد الحليم محمود‬
‫الطبعة الولى القاهرة ‪. 1970‬‬
‫‪ 6‬عوارف المعارف للسهروردي ص ‪ 404‬ط دار الكتاب العربي بيروت ‪ 1983‬م ‪.‬‬
‫‪164‬‬
‫لن الشيخ ) والعرف معدن علم اللهُ ‪ ,‬مرضع أرِواح الطاَلبين بنفسهُ ‪ ,‬صاحف‬
‫ب العاَلمين بروحهُ ‪ ,‬العاَرِف وأن كاَن بدوياَ وحشياَ فهو معدن‬
‫أسرارِ رِ ّ‬
‫العقل والعلم ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وهم معصومون ) لنهم أطفاَل في حجر الحق ( ‪. 2‬‬


‫) كاَلب الشفيق ( ‪. 3‬‬
‫أو ) كولد اللبوة في حجرهاَ ( ‪. 4‬‬

‫و ) أنهم قَاَئمون باَللهُ ‪ ,‬قَد تولى اللهُ أمرهم ‪ ,‬فإذا ظهرت منهم طاَعة ‪ ,‬لم‬
‫يرجوا عليهاَ ثواباَ ‪ ,‬لنهم لم يرو أنفسهم محل لهاَ ‪ ,‬وإن ظهرت منهم زّلة‬
‫فاَلدية على العاَقَلة ‪ ,‬لم يشاَهدوا غيرهُ في الشدة والرخاَء ‪ ,‬قَياَمهم باَللهُ ‪,‬‬
‫ونظرهم إليهُ ‪ ,‬وخوفهم هيبتهُ ‪ ,‬ورِجاَؤهم النس بهُ ( ‪. 5‬‬

‫و ) أنهم ل يعرفون إبليس والشيطاَن ( ‪. 6‬‬


‫) وأماَ خلق اللهُ أهون عليهم من إبليس ‪ ,‬ولول أن اللهُ أمرهم أن يتعوذوا‬
‫منهُ ماَ تعوذوا منهُ ( ‪. 7‬‬

‫ولربماَ استعملوا الحفظ على أولياَئهم ومتصوفيهم ‪ ,‬بدل العصمة الشيعية‬


‫لئمتهم ‪ ,‬لكن في نفس المعنى والمقصود ‪ ,‬فقاَلوا ‪:‬‬
‫ي أن يكون محفوظاَ ‪ ,‬كماَ أن من شرط النبي أن يكون‬
‫شرط الول ّ‬ ‫) ومن‬
‫معصوماَ ( ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫لن الحق يتولى تصريفهُ ) فيصّرفهُ في وظاَئفهُ وموافقاَتهُ ‪ ,‬فيكون‬


‫محفوظاَ فيماَ للهُ عليهُ ‪ ,‬مأَخوذا عماَ لهُ وعن جميع المخاَلفاَت ‪ ,‬فل يكون لهُ‬
‫إليهاَ سبيل وهو العصمة ( ‪. 9‬‬

‫و ) أن تصير الشياَء كلهاَ لهُ واحدة ‪ ,‬فتكون كل حركاَتهُ في موافقاَت الحق‬


‫دون مخاَلفاَتهُ ( ‪. 10‬‬

‫و ) لطاَئف اللهُ في عصمة أنبياَئهُ وحفظ أولياَئهُ أكثر من أن تقع تحت‬


‫الحصاَء والعدّ ( ‪. 11‬‬

‫وبمثل ذلك قَاَل القشيري ‪:‬‬


‫‪ 1‬مناقب العارفين للفلكي ج ‪ 1‬ص ‪ 286‬ملحوظة ‪ :‬أن الدكتور الشيبي أخطأ في فهم عبارة الفلكي نقل عن جلل الدين‬
‫ن مقولة رسول الله المتمثل المتجسد أمام الحلج – حسب زعم القوم – مقولة الحلج ‪,‬‬ ‫الرومي في منقبة الحلج حيث ظ ّ‬
‫متضمنة معنى العصمة لذاته ) انظر كتاب الصلة بين التصوف والتشيع ج ‪ 1‬ص ‪ , ( 419‬وليس المر كذلك كما قلنا ‪.‬‬
‫‪ 2‬التعرف للكلباذي ص ‪. 110‬‬
‫‪ 3‬الخلق المتبولية للشعراني ج ‪ 3‬ص ‪. 261‬‬
‫‪ 4‬طبقات الشعراني ج ‪ 2‬ص ‪. 12‬‬
‫‪ 5‬روضة التعريف للسان الدين بن الخطيب ص ‪. 423‬‬
‫‪ 6‬غيث المواهب العلية للنفزي الرندي ج ‪ 2‬ص ‪ , 153‬أيضا جمهرة الولياء للمنوفي الحسيني ج ‪ 2‬ص ‪. 241‬‬
‫‪ 7‬غيث المواهب العلية ج ‪ 2‬ص ‪ 153‬نقل عن أبي سليمان الداراني ‪.‬‬
‫‪ 8‬الرسالة القشيرية ج ‪ 2‬ص ‪ , 521‬وروضة التعريف ص ‪ , 521‬مواقع النجوم لبن عربي ص ‪ , 80‬غيث المواهب للنفزي ص‬
‫‪ , 131‬جمهرة الولياء ج ‪ 1‬ص ‪ , 97‬مشارق أنوار القلوب للدباغ ص ‪ , 103‬فوائح الجمال لنجم الدين الكبري ص ‪ 82‬وغيرها‬
‫من الكتب الكثيرة ‪.‬‬
‫‪ 9‬التعرف للكلباذي ص ‪. 147‬‬
‫‪ 10‬أيضا ص ‪. 48‬‬
‫‪ 11‬أيضا ص ‪. 155‬‬
‫‪165‬‬
‫ي لهُ معنياَن ‪ :‬أحدهماَ ‪ :‬فعيل بمعنى مفعول ‪ ,‬وهو من يتولى اللهُ‬ ‫) الول ّ‬
‫سبحاَنهُ وتعاَلى أمرهُ ‪ ,‬قَاَل تعاَلى ك } وهو يتولى الصاَلحين { ‪ ,‬فل يكلهُ إلى‬
‫نفسهُ لحظة ‪ ,‬بل يتولى الحق سبحاَنهُ رِعاَيتهُ ‪.‬‬
‫والثاَني ‪ :‬فعيل مباَلغة من الفاَعل ‪ ,‬وهو الذي يتولى عباَدة اللهُ وطاَعتهُ ‪,‬‬
‫فعباَدتهُ تجري على التوالي ‪ ,‬من غير أن يتخللهاَ عصياَن ‪.‬‬

‫ي ولياَ ‪ :‬يجبِ قَياَمهُ بحقوق اللهُ تعاَلى‬


‫وكل الوصافين واجبِ حتى يكون الول ّ‬
‫على الستقصاَء والستيفاَء ‪ ,‬ودوام حفظ اللهُ تعاَلى إياَهُ في السراء‬
‫والضراء ( ‪. 1‬‬

‫وقَاَل أيضاَ ‪:‬‬


‫ي؟‬ ‫) فإن قَيل ‪ :‬ماَ معنى الول ّ‬
‫قَيل ‪ :‬يحتمل أمرين ‪ :‬أحدهماَ أن يكون فعيل مباَلغة من الفاَعل ‪ ,‬كاَلعليم‬
‫والقدير وغيرهُ فيكون معناَهُ ‪ :‬من توالت طاَعاَتهُ من غير تخلل معصية ‪.‬‬

‫ويجوز أن يكون فعيل بمعنى مفعول ‪ ,‬كقتيل بمعنى مقتول ‪ ,‬وجريح بمعنى‬
‫مجروح ‪ ,‬وهو الذي يتولى الحق سبحاَنهُ ‪ ,‬حفظهُ وحراستهُ على الدامة‬
‫والتوالي ‪ ,‬فل يخلق لهُ الخذلن الذي هو قَدرِة العصياَن ‪ ,‬وإنماَ يديم توفيقهُ‬
‫الذي هو قَدرِة الطاَعة ‪ ,‬قَاَل اللهُ تعاَلى ‪ } :‬وهو يتولى الصاَلحين { ( ‪. 2‬‬

‫ي اللهُ ( ‪:‬‬
‫ي حق اللهُ وول ّ‬
‫وبمثل ذلك قَاَل الحكيم الترمذي تحت عنوان ) ول ّ‬
‫) فهؤلء كلهم أولياَء حقوق اللهُ ‪ ,‬وهم أولياَء اللهُ يصيرون إلى اللهُ تعاَلى‬
‫في مراتبهم ‪ ,‬فيحلون بهاَ ويتنسمون رِوح القرب ‪ ,‬ويعيشون في فسحة‬
‫ق النفس ‪ ,‬قَد لزموا المراتبِ ‪ ,‬فل يشتغلون بشيء‬ ‫التوحيد والخروج عن رِ ّ‬
‫إل بماَ أذن لهم فيهُ من العماَل ‪ .‬فإذا صارفهم اللهُ من المرتبة إلى عمل‬
‫أبدانهم حرسهم ‪ ,‬فيمضون مع الحرس في تلك العماَل ‪ ,‬ثم ينقلبون إلى‬
‫مراتبهم ‪ ,‬هذا دأبهم ( ‪. 3‬‬

‫وعلق ابن عجيبة على قَول الشبلي ‪ ) :‬الصوفية أطفاَل في حجر الحق‬
‫تعاَلى ( ‪ ,‬علق عليهُ بقولهُ ‪:‬‬
‫) يعني أنهُ يتولى حفظهم وتدبيرهم على ماَ فيهُ صالحهم ول يكلهم إلى‬
‫أنفسهم ( ‪. 4‬‬

‫وظاَهر أن من يكون هذا شأَنهُ ل يكون إل معصوماَ محضاَ ‪ ,‬لذلك أن‬


‫الصوفية حينماَ يستعملون الحفظ ‪,‬ل يريدون من ورِاء ذلك إل العصمة ‪,‬‬
‫ولذلك ذكر الهجويري كلتاَ اللفظتين في معنى واحد ‪ ,‬بصورِة اللفاَظ‬
‫المترادفة حيث حكى عن الجنيد أنهُ قَاَل ك‬
‫) تمنيت وقَتاَ ماَ أن أرِى إبليس ‪ -‬عليهُ اللعنة – وذات يوم كنت واقَفاَ بباَب‬
‫المسجد ‪ ,‬فإذا بشيخ يقبل من بعيد متجهاَ إلى ‪ ,‬فلماَ رِأيتهُ أحسست وحشة‬
‫في قَلبي ‪ ,‬فلماَ اقَترب مني قَلت ‪ :‬من أنت أيهاَ الشيخ ‪ ,‬إذ ل طاَقَة لعيني‬
‫برؤية وجهك من الوحشة ‪,‬ل طاَقَة لقلبي باَلتفكير فيك من الهيبة ؟ قَاَل ‪:‬‬
‫الرسالة القشيرية ج ‪ 2‬ص ‪. 520‬‬ ‫‪1‬‬

‫أيضا ج ‪ 2‬ص ‪. 665 , 664‬‬ ‫‪2‬‬

‫كتاب ختم الولياء للترمذي ص ‪. 139‬‬ ‫‪3‬‬

‫إيقاظ الهمم في شرح الحكم لبن عجيبة الحسني ص ‪ 168‬الطبعة الثالثة ‪ 1982‬القاهرة ‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪166‬‬
‫أناَ الذي تتمنى مشاَهدتي ‪ .‬قَلت ‪ :‬ياَ ملعون ! ماَ منعك أن تسجد لدم ؟ قَاَل ‪:‬‬
‫ياَ جنيد كيف تصورِ أني أسجد لغيرهُ ؟ قَاَل الجنيد ‪ :‬فتحيرت في كلمهُ ‪,‬‬
‫فنوديت في سري أن ‪ ) :‬قَل لهُ ‪ :‬كذبت ‪ ,‬لو كنت خرجت عن أمرهُ ونهيهُ ‪.‬‬
‫فسمع النداء من قَلبي ‪ ,‬فصاَح وقَاَل ‪ :‬أحرقَتني باَللهُ ! وغاَب ( ‪. 1‬‬

‫م علق عليهاَ بقولهُ ‪:‬‬


‫ث ّ‬
‫) وفي هذهُ الحكاَية دليل على حفظهُ وعصمتهُ ‪ ,‬لن اللهُ سبحاَنهُ وتعاَلى‬
‫يحفظ أولياَءهُ في كل الحوال من كيد الشيطاَن ( ‪. 2‬‬

‫دعون أولياَءهم ومتصوفيهم معصومين ‪ ,‬مقولتهم في‬ ‫وتؤيد وتدعم أنهم ي ّ‬


‫ي من أولياَئهم أو على أحد من‬‫كتبهم أنهُ ل يجوز العتراض على ول ّ‬
‫متصوفيهم ‪ ,‬لو كاَن عملهُ يعاَرِض الشرع ‪ ,‬أو يظهر بصورِة منكرة ‪ ,‬فيقول‬
‫الشعراني ‪:‬‬
‫) من دخل في صاحبة شيخ ‪ ,‬ثم اعترض عليهُ بعد ذلك فقد نقض عهد الصحبة‬
‫(‪. 3‬‬

‫ثم نقل حكاَيتاَن خبيثتين تدلن على عقيدة القوم في مشاَئخهم وكونهم‬
‫معصومين ‪ ,‬فيقول ‪:‬‬
‫) كاَن أبو سهل الصعلوكي رِحمهُ اللهُ يقول ‪:‬‬
‫كاَن لبعض الشياَخ مجلس يفسر فيهُ القرآن العظيم فأَبدلهُ بمجلس‬
‫قَوال ‪ ,‬فقاَل مريد بقلبهُ ‪ :‬كيف يبدل مجلس القرآن بمجلس قَوال ؟‬
‫فناَداهُ الشيخ ‪ :‬ياَ فلن ‪ ,‬من قَاَل لشيخهُ ‪ :‬لم ‪ ,‬لم يفلح ‪.‬‬
‫فقاَل المريد ‪ :‬التوبة ‪ ...‬وزارِ أبو تراب النخشبي وشقيق البلخي أباَ يزيد‬
‫دم خاَدمهُ السفرة قَل لهُ ‪ :‬كل معناَ ياَ فتى ‪ ,‬فقاَل ‪:‬ل ‪,‬‬ ‫البسطاَمي ‪ ,‬فلماَ قَ ّ‬
‫إني صااَئم ‪.‬‬
‫فقاَل لهُ أبو تراب ‪ :‬كل ‪ ,‬ولك أجر صاوم شهر ‪.‬‬
‫فقاَل ‪:‬ل ‪ ,‬فقاَل لهُ شقيق ‪ :‬كل ‪ ,‬ولك أجر صاوم سنة ‪ ,‬فقاَل ‪:‬ل ‪ ,‬فقاَل أبو‬
‫يزيد ‪ :‬دعوا من سقط من عين رِعاَية اللهُ عز وجل ‪ ,‬فسرق ذلك الشاَب بعد‬
‫سنة ‪ ,‬فقطعت يدهُ عقوبة لهُ على سوء أدبهُ مع الشياَخ ‪ ,‬ثم نقل عن‬
‫الشيخ برهاَن الدين أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫من لم ير خطأَ الشيخ أحسن من صاوابهُ لم ينتفع بهُ ( ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وبمثل ذلك قَاَل شيخ الزهر الساَبق نقل عن سيدهُ أحمد الدرِدير أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) فاَلداب التي تطلبِ من المريد في حق شيخهُ أوجبهاَ تعظيمهُ وتوقَيرهُ‬
‫ي شيء فعلهُ ‪ ,‬ولو كاَن ظاَهرهُ‬ ‫ظاَهرا وباَطناَ ‪ ,‬وعدم العتراض عليهُ في أ ّ‬
‫أنهُ الحرام ‪ ,‬ويؤول ماَ انبهم عليهُ ‪ ,‬وتقديمهُ على غيرهُ ‪ ,‬وعدم اللتجاَء‬
‫لغيرهُ من الصاَلحين ‪ ,‬فل يزورِ ولياَ من أهل العصر ‪ ,‬ول صااَلحاَ إل بإذنهُ ‪ ,‬ول‬
‫م سقيهُ من ماَء‬ ‫يحضر مجلس غيرهُ إل بإذنهُ ‪ ,‬ول يسمع من سواهُ حتى يت ّ‬
‫سّر شيخهُ ( ‪. 5‬‬

‫كشف المحجوب للهجويري ص ‪ 342‬ترجمة عربية للدكتورة إسعاد عبد الهادي قنديل ط دار النهضة بيروت ‪ 1980‬م ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫أيضا ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر النوار القدسية في معرفة القواعد الصوفية للشعراني ج ‪ 1‬ص ‪. 174‬‬ ‫‪3‬‬

‫النوار القدسية للشعراني ج ‪ 1‬ص ‪. 176 , 175‬‬ ‫‪4‬‬

‫انظر كتاب سيدي أحمد الدردير للدكتور عبد الحليم محمود ص ‪ 119‬ط دار الكتب الحديثة القاهرة ‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪167‬‬
‫فهل هناَك ضلل بعد هذا الضلل ‪ ,‬وتسفيهُ للعقول بعد هذا كلهُ ؟‬
‫ومن رِجل جعل شيخاَ لكبر جاَمعة إسلمية وأقَدمهاَ في العاَلم ؟‬
‫ة إن ّ َ َ‬
‫ت‬
‫ك أن َ‬ ‫م ً ِ‬
‫ح َ‬
‫ك َرِ ْ‬ ‫من ل ّ ُ‬
‫دن َ‬ ‫بِ ل ََناَ ِ‬
‫ه ْ‬‫و َ‬
‫هدَي ْت ََناَ َ‬ ‫قَُلوب ََناَ ب َ ْ‬
‫عدَ إ ِذْ َ‬ ‫غ ُ‬‫ز ْ‬‫} َرِب َّناَ ل َ ت ُ ِ‬
‫ب{‪.1‬‬ ‫هاَ ُ‬ ‫و ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ولطرافة كلم الشيخ ننقل ههناَ ماَ كتبهُ في آداب المريد ‪ ,‬فيقول ‪:‬‬
‫) ومن آداب المريد للشيخ ‪ :‬أن ل يكثر الكلم بحضرتهُ ولو باَسطهُ ‪ ,‬ول‬
‫يجلس على سجاَدتهُ ‪ ,‬ول يسبح بسبحتهُ ‪ ,‬ول يجلس في المكاَن المعدّ لهُ ‪,‬‬
‫ول يلح عليهُ في أمر ‪ ,‬ول يساَفر ‪ ,‬ول يتزوج ‪ ,‬ول يفعل فعل من المورِ‬
‫المهمة إل بإذنهُ ‪ ,‬ول يمسك يدهُ للسلم مثل ويدهُ مشغولة بشيء كقلم أو‬
‫أكل أو شرب ‪ ,‬بل سلم بلساَنهُ ‪ ,‬وينتظر بعد ذلك ماَ يأَمر بهُ ‪ ,‬وأن ل يمشي‬
‫أماَمهُ ول يساَويهُ في مشي إل بليل مظلم ليكون مشيهُ أماَمهُ صاوناَ لهُ من‬
‫مصاَدفة ضررِ ‪ ...‬وأن يرى كل بركة حصلت لهُ من بركاَت الدنياَ والخرة‬
‫فببركتهُ ‪ ...‬وأن يصبر على جفوتهُ وإعراضهُ عنهُ ‪ ,‬ول يقول ‪ :‬لم فعل بفلن‬
‫كذا ولم يفعل بي كذا ‪ ,‬وإل لم يكن مسلماَ لهُ قَياَدة ‪ :‬إذ من أعظم الشروط‬
‫تسليم قَياَدة لهُ ظاَهرا وباَطناَ ‪ ...‬وأن يجعل كلمهُ على ظاَهرهُ فيمتثلهُ إل‬
‫ل كذا ‪ ,‬أو‬ ‫القرينة صااَرِفة عن إرِدادة الظاَهر ‪ ,‬فإذا قَاَل لهُ ‪ :‬اقَرأ كذا ‪ ,‬أو صا ّ‬
‫صام كذا وجبِ عليهُ المباَدرِة ‪ ,‬وكذا إذا قَاَل لهُ وهو صااَئم ‪ :‬أفطر وجبِ عليهُ‬
‫ل كذا إلى غير ذلك ‪ ...‬وأن ل يدخل عليهُ في خلوة إل‬ ‫الفطر ‪ ,‬أو قَاَل ‪:‬ل تص ّ‬
‫بإذنهُ ‪ ,‬وأن ل يرفع الستاَرِة التي فيهاَ الشيخ إل بإذنهُ وإل هلك كماَ وقَع‬
‫لكثير ( ‪. 2‬‬

‫فلنرجع إلى موضوعناَ ونقول ‪ :‬إن القوم يجعلون متصوفيهم معصومين‬


‫حيث ل يجيزون العتراض عليهم ‪ ,‬ويقولون ‪:‬‬
‫م ل يفلح ( ‪. 3‬‬
‫) من قَاَل لستاَذهُ ‪:‬ل ِ َ‬
‫لن ) الشيخ في أهلهُ كاَلنبي في أمتهُ ( ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وعلى ذلك قَاَل القشيري ‪:‬‬


‫) من شرط المريد أن ل يكون بقلبهُ اعتراض على شيخهُ ( ‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫ل صاراحة على أن‬ ‫وهناَك حكاَياَت ومقولت كثيرة في هذا المعنى تنبئ وتد ّ‬
‫عصمة المتصوفة وأولياَئهم ‪ ,‬مثل عصمة النبياَء ‪ ,‬وبتعبير صاحيح كعصمة‬
‫أئمة الشيعة ‪ ,‬مثل الحكاَية التي رِواهاَ ابن عجيبة في فتوحاَتهُ ‪ ,‬عن بعض‬
‫مشاَئخهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) رِأيت يوماَ شخصاَ استحسنتهُ فإذا لطمهُ وقَعت على عيني ‪ ,‬فساَلت على‬
‫خدي ‪ ,‬فقلت ‪ :‬آهُ فقيل لي ‪ :‬لحظة بلطمة ‪ ,‬لو زدت لزدناَك ( ‪. 6‬‬

‫‪ 1‬آل عمران ‪. 8‬‬


‫‪ 2‬كتاب سيدي أحمد الدردير للدكتور هبد الحليم محمود ص ‪. 121 , 120 . 119‬‬
‫‪ 3‬انظر غيث المواهب العلية للنفزي الرندي ج ‪ 1‬ص ‪. 197‬‬
‫‪ 4‬انظر كشف المحجوب للهجويري ص ‪ , 252‬غيث المواهب ج ‪ 1‬ص ‪ , 197‬صوم القلب لعمار البدليسي مخطوط ورقة‬
‫رقم ‪ 19‬المنقول من ملحق كتاب فوائح الجمال لنجم الدين الكبري تعليقة رقم ‪ 22‬ط ألمانيا ‪ 1957‬م ‪ ,‬أيضا كتاب العروة‬
‫للسمناني مخطوط المنقول من ختم الولياء ص ‪ , 489‬كذلك الفتوحات اللهية لبن عجيبة الحسني ص ‪. 173‬‬
‫‪ 5‬الرسالة القشيرية ج ‪ 2‬ص ‪ , 736‬أيضا التدبيرات اللهية لبن عربي ص ‪ , 226‬جامع الصول للكمشخانوي ص ‪. 2‬‬
‫‪ 6‬الفتوحات اللهية ص ‪. 163‬‬
‫‪168‬‬
‫فمن كاَن هذا القاَئل ياَ ترى ؟‬
‫دعون العصمة حتى من النظر إلى أحد بتلذذ ؟‬ ‫فاَنظر كيف ي ّ‬

‫وكذلك نقل أحد الرفاَعيين عن الرفاَعي أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) قَاَل لي الشيخ يعقوب ‪ :‬رِأيت الشيطاَن واقَفاَ على باَب دارِي فهممت‬
‫بضربهُ ‪ ,‬فقاَل ‪ :‬أي يعقوب ‪ ,‬أنتم أهل النصاَف ‪ ,‬إن في بيتكم الحمر‬
‫والصافر ) أي الذهبِ والفضة أو الدناَنير والدرِاهم ( ‪ ,‬وهماَ لي كيف لم‬
‫أجيء إلى بيتكم ؟ ( ‪. 1‬‬

‫م بضربهُ ‪ ,‬فاَلمعنى أن الصوفي ل يمكن أن يغوّيهُ‬


‫ي رِأى الشيطاَن وه ّ‬ ‫صاوف ّ‬
‫الشيطاَن ‪ ,‬فإذن هو معصوم عن الوقَوع في المعاَصاي والخطاَياَ ‪ ,‬والزلت‬
‫والسيئاَت ‪.‬‬
‫هذا ومثل هذا كثير ‪.‬‬
‫فهذهُ هي العقيدة الخرى التي أخذهاَ الصوفية من الشيعة ‪ ,‬إن دلت على‬
‫شيء دلت على رِوابط عتيقة بين التصوف والتشيع ‪ ,‬وكون الول مأَخوذا‬
‫عن الثاَني ‪.‬‬

‫انظر قلدة الجواهر لمحمد أبي الهدى الرفاعي ص ‪ 135‬ط دار الكتب العلمية ‪ .‬بيروت ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪169‬‬

‫ة‬
‫ج ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫ح ّ‬ ‫م َ‬
‫ض ِ‬ ‫خل ُ ّ‬
‫و الْرِ ِ‬ ‫م ُ‬
‫عدَ ُ‬
‫َ‬
‫من العقاَئد الشيعية المعروفة ‪ ,‬الخاَصاة بهم أن الرِض ل تخلو من الحجة ‪,‬‬
‫وهو الماَم عندهم فلقد بوب محدثوهم وفقاَؤهم ومتكلموهم أبواباَ‬
‫مستقلة لبياَن هذهُ العقيدة المختلقة المصطنعة ‪ ,‬وأورِدوا فيهاَ رِواياَت‬
‫ي رِضي اللهُ عنهُ‬ ‫مكذوبة على رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬وعلى عل ّ‬
‫وأولدهُ ‪ ,‬أئمة القوم حسبِ زعمهم ‪ ,‬وآرِاء كبرائهم ‪ ,‬وعباَرِات قَاَدتهم ‪.‬‬

‫فلقد أورِد محدثهم الكبير الكليني ‪ -‬وهو بمنزلة البخاَرِي عند المسلمين‬
‫السنة – في كاَفيهُ الذي هو أحد الصحاَح الرِبعة الشيعية ‪ ,‬وبمنزلة صاحيح‬
‫البخاَرِي عند أهل السنة رِواياَت عديدة تحت عنوان ‪ :‬لو لم يبق في الرِض‬
‫إل رِجلن لكاَن أحدهماَ الحجة ‪ :‬ومنهاَ ماَ رِواهاَ عن جعفر بن محمد الباَقَر‬
‫أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) لو لم يكن في الرِض إل اثناَن لكاَن الماَم أحدهماَ ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫كماَ أورِد رِواياَت كثيرة في باَب ‪ ) :‬أن الرِض ل تخلو من حجة ( ‪ :‬منهاَ ماَ‬
‫رِواهاَ أيضاَ عن جعفر أنهُ سئل ‪:‬‬
‫) أتخلو الرِض بغير إماَم ؟‬
‫قَاَل ‪ :‬لو بقيت الرِض بغير إماَم لساَخت بأَهلهاَ ( ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وبمثل ذلك رِوى ابن باَبويهُ القمي المتوفى ‪381‬هـ أحد رِجاَل الصحاَح‬
‫الرِبعة الشيعية ‪ ,‬في عيونهُ عن علي بن موسى الرضاَ – الماَم الثاَمن‬
‫المعصوم لدى القوم – أنهُ سئل ‪:‬‬
‫) أتخلو الرِض من حجة ؟ فقاَل ‪ :‬لو خلت الرِض طرفة عين من حجة‬
‫لساَخت بأَهلهاَ ( ‪. 3‬‬

‫وب القمي باَباَ مستقل في كتاَبهُ ) كماَل الدين وتماَم النعمة ( العلة‬ ‫وكذلك ب ّ‬
‫التي من أجلهاَ يحتاَج إلى إماَم ‪ :‬وأورِد فيهُ أكثر من عشرين رِواية ‪ :‬منهاَ ماَ‬
‫رِواهاَ عن الباَقَر بن علي زين العاَبدين ‪:‬‬
‫) لو أن الماَم رِفع من الرِض ساَعة لماَجت بأَهلهاَ كماَ يموج البحر بأَهلهُ (‬
‫‪.4‬‬

‫وأورِد المل باَقَر المجلسي في بحاَرِهُ أكثر من ماَئة حديث عن أئمتهُ في‬
‫هذا المعنى ‪ ,‬منهاَ ماَ رِواهاَ عن علي بن الحسين أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) ولم تخل الرِض منذ خلق اللهُ آدم عليهُ السلم من حجة فيهاَ ‪ ,‬ظاَهر‬
‫مشهورِ أو غاَئبِ مستورِ ‪ ,‬ول تخلو إلى أن تقوم الساَعة من حجة للهُ فيهاَ ‪,‬‬
‫ولول ذلك لم يعبد اللهُ ( ‪. 5‬‬

‫‪ 1‬الصول من الكافي للكليني المتوفى ‪ 329‬هـ ج ‪ 1‬ص ‪ 180‬ط دار الكتب السلمية طهران الطبعة الثالثة ‪ 1388‬هـ ‪.‬‬
‫‪ 2‬أيضا كتاب الحجة ج ‪ 1‬ص ‪. 179‬‬
‫‪ 3‬عيون أخبار الرضا لبن بابوية القمي ج ‪ 1‬ص ‪ 272‬ط انتشارات جهان إيران ‪.‬‬
‫‪ 4‬كمال الدين وتمام النعمة لبن بابويه القمي الباب الحادي والعشرون ج ‪ 1‬ص ‪ 202‬ط دار الكتب السلمية طهران‬
‫الطبعة الثانية ‪ 1395‬هجري قمري ‪.‬‬
‫‪ 5‬بحار النوار للمجلسي ج ‪ 23‬في مواضع شتى ‪.‬‬
‫‪170‬‬
‫وكتبِ القوم مليئة من مثل هذهُ الرواياَت والحاَديث ‪ ,‬نكتفي على هذا‬
‫القدرِ من البياَن ‪.‬‬

‫ي تغيير وتبديل ‪ ,‬غير أنهم‬ ‫وإن الصوفية لخذوهاَ منهم بكاَملهاَ بدون أ ّ‬
‫جعلوا الحجة ولّياَ من أولياَئهم ‪ ,‬أو صاوفياَ من جماَعتهم بدل الماَم لدى‬
‫الشيعة ‪ ,‬فيقول أبو طاَلبِ المكي في قَوتهُ ‪ ,‬مستعمل حتى اللفاَظ‬
‫الشيعية ومصطلحاَتهم نقل عن علي رِضي اللهُ عنهُ أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫ماَ خاَئف‬
‫ماَ ظاَهر مكشوف ‪ ,‬وإ ّ‬ ‫)ل تخلو الرِض من قَاَئم للهُ تعاَلى بحجة ‪ ,‬إ ّ‬
‫مقهورِ لئل تبطل حجج اللهُ تعاَلى وبّيناَتهُ ( ‪. 1‬‬

‫ومثل ذلك أورِد الطوسي السراج أبو نصر عنهُ ‪:‬‬


‫)ل تخلو الرِض من قَاَئم للهُ بحجة لئل تبطل آياَتهُ ‪ ,‬وتدحض حججهُ ( ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وبمثل ذلك قَاَل الحكيم الترمذي ‪ ,‬وأحمد بن زّرِوق ‪:‬‬


‫)ل تخلو الدنياَ في هذهُ المة من قَاَئم باَلحجة ( ‪. 3‬‬

‫وقَاَل السلمي في مقدمة طبقاَتهُ ‪:‬‬

‫) واتبع ) اللهُ ( النبياَء عليهم السلم باَلولياَء ‪ ,‬يخلفونهم في سننهم ‪,‬‬


‫ويحملون أمتهم على طريقتهم وسمتهم ‪ ,‬فلم يخل وقَتاَ من الوقَاَت من‬
‫داع إليهُ بحق أو دال عليهُ ببياَن وبرهاَن ‪ .‬وجعلهم طبقاَت في كل زماَن ‪,‬‬
‫ي ‪ ...‬فعلم صالى اللهُ عليهُ وسلم أن آخر أمتهُ ل يخلو من‬
‫ي يخلف الول ّ‬‫فاَلول ّ‬
‫أولياَء وبدلء ‪ ,‬يبّينون لمتهُ ظواهر شرائعهُ وبواطن حقاَئقهُ ( ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وقَاَل ابن عربي ‪:‬‬


‫)ل يخلو زماَن عن كاَمل ( ‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫وقَاَل أحد أتباَعهُ الباَرِين علء الدولة السمناَني ‪:‬‬

‫د في كل حين من مرشد يرشد الخلق إلى الحق ‪ ,‬خلفة عن النبي‬ ‫) ول ب ّ‬


‫د للمرشد من التأَييد اللهي ‪ ,‬ليمكن لهُ تسخير المسترشدين ‪,‬‬ ‫المحق ‪ ,‬ولب ّ‬
‫ي ‪ ,‬الشيخ ‪.‬‬
‫وإفاَدة المستفيدين ‪ ,‬وتعليم المتعلمين ‪ ...‬وهو العاَلم ‪ ,‬الول ّ‬
‫وإلى هذا أشاَرِ النبي عليهُ السلم حيث قَاَل ‪ :‬الشيخ في قَومهُ كاَلنبي في‬
‫أمتهُ ‪ ...‬ول يكون قَطبِ الرِشاَد في كل زماَن من الزماَن إل واحد يكون‬
‫قَلبهُ على قَلبِ المصطفى صااَحبِ الورِاثة الكاَملة ( ‪. 6‬‬

‫وقَاَل صااَحبِ الجمهرة ‪:‬‬

‫‪ 1‬قوت القلوب في معاملة المحبوب لبي طالب المكي ج ‪ 1‬ص ‪. 134‬‬


‫‪ 2‬كتاب اللمع للطوسي أبي نصر السراج بتحقيق عبد الحليم محمود وطه عبد الباقي سرور ص ‪ 458‬ط دار الكتب الحديثة‬
‫مصر ‪1960‬م ‪ ,‬أيضا جمهرة الولياء للمنوفي الحسيني ج ‪ 2‬ص ‪. 32‬‬
‫‪ 3‬كتاب ختم الولياء للترمذي الحكيم ص ‪ , 360‬قواعد التصوف لبن زروق ص ‪ 48‬ط القاهرة ‪ 1676‬م‪.‬‬
‫‪ 4‬كتاب طبقات الصوفية ‪ ,‬المقدمة للسلمي ص ‪. 7‬‬
‫‪ 5‬عقلة المستوفز لبن عربي ص ‪ 97‬ط ليدن ‪.‬‬
‫‪ 6‬كتاب العروة للسمناني مخطوط ورقة رقم ‪ 88‬ب المنقول من كتاب ختم الولياء ص ‪ 489‬ط بيروت ‪.‬‬
‫‪171‬‬
‫) قَد صاحت الرواياَت والنصوص المؤكدة الثاَبتة باَلكتاَب والسنة على أن‬
‫الرِض ل تخلو من قَاَئم للهُ بحجة ‪ ,‬ومن عاَرِف باَلحقيقة الكاَمنة خلف‬
‫الظواهر ‪ ,‬ومن ممّيز بين اللباَب والقشورِ ‪ ,‬وعاَبد للهُ على الوجهُ الصحيح ‪,‬‬
‫وساَئر إلى اللهُ على بصيرة صاريحة ‪ ,‬وعقيدة وضاَءة إلى أن تقوم الساَعة (‬
‫‪.1‬‬

‫ونقل عن قَطبِ الدين القسطلني في كتاَب لهُ في التصوف ‪:‬‬

‫) أن اللهُ بحكمتهُ ونعمتهُ أقَاَم في كل عصر من جعل لهُ لساَناَ معبرا عن‬
‫عوارِف المعاَرِف اللهية ‪ ,‬مخبرا عن لطاَئف العواطف الرباَنية ‪ ,‬يصل اللهُ‬
‫بهُ ماَ أنقطع من علوم النبياَء ومعاَرِف الولياَء ( ‪. 2‬‬

‫وقَاَل لساَن الدين بن الخطيبِ ‪:‬‬

‫د عندهم أن يكون في العاَلم شخص واصال إليهُ في كل زماَن ‪ ,‬وهو‬ ‫) ول ب ّ‬


‫ي ورِسول أو‬‫المتلقي عن اللهُ أسرارِ الموجودات ‪ ,‬أماَ ظاَهرا فنب ّ‬ ‫الخليفة‬
‫باَطناَ فقطبِ ( ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ي الخواص أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫وقَاَل الشعراني نقل عن عل ّ‬

‫) من نعم اللهُ تعاَلى على عباَدهُ كونهُ تعاَلى ل يخلي الرِض من قَاَئم لهُ‬
‫بحجة في دينهُ ‪ ,‬رِضية لوليتهُ ‪ ,‬وأختاَرِهُ لمعاَملتهُ ‪ ,‬يبين بهُ دللتهُ ‪ ,‬يوضح بهُ‬
‫طرقَاَتهُ ‪ ,‬فطوبى لمن كاَن كذلك في هذا الزماَن ( ‪. 4‬‬

‫وهذا ماَ أشاَرِ إليهُ شيخ السلم ابن تيمية في فتاَواهُ بعد ذكر كلم الصوفية‬
‫في هذا الخصوص ‪:‬‬

‫د في كل زماَن من إماَم معصوم‬ ‫) وهذا من جنس دعوى الرافضة أنهُ لب ّ‬


‫يكون حجة اللهُ على المكلفين ‪,‬ل يتم اليماَن إل بهُ ( ‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫جمهرة الولياء ج ‪ 1‬ص ‪. 7‬‬ ‫‪1‬‬

‫أيضا ج ‪ 1‬ص ‪. 94‬‬ ‫‪2‬‬

‫روضة التعريف للسان الدين بن الخطيب ص ‪. 580‬‬ ‫‪3‬‬

‫الخلق المتبولية للشعراني ج ‪ 2‬ص ‪. 117 , 116‬‬ ‫‪4‬‬

‫فتاوى شيخ السلم ابن تيمية ج ‪ 11‬ص ‪ 439‬ط ‪ 1398‬هـ ‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪172‬‬

‫ماَم ِ‬
‫ة ال َ‬ ‫ر َ‬
‫ف ِ‬ ‫ع ِ‬
‫م ْ‬
‫ب َ‬
‫جو ُ‬
‫و ُ‬
‫ُ‬
‫وبمناَسبة ماَ ذكرناَهُ آنفاَ نريد أن نورِد ههناَ معتقدا شيعياَ آخر مرتبطاَ‬
‫باَلعقيدة الساَلف ذكرهاَ ‪ ,‬وهو أنهُ يجبِ على الناَس معرفة ذلك الماَم الذي‬
‫ل تخلو الرِض منهُ ‪ ,‬ومن ماَت ولم يعرف الماَم فقد ماَت ميتة جاَهلية ‪ ,‬أو‬
‫ميتة كفر وضلل كماَ قَاَل الشريف المرتضى الشيعي الملقبِ بعلم الهدى‬
‫عند القوم ‪:‬‬

‫) إن المعرفة بهم ) يعني باَلئمة ( كاَلمعرفة بهُ تعاَلى ‪ ,‬فإنهاَ إيماَن‬


‫وإسلم ‪ ,‬وأن الجهل والشك فيهم كاَلجهل والشك فيهُ فإنهُ كفر ‪ ,‬وخروج‬
‫من اليماَن ‪ ,‬وهذهُ المنزلة ليست لحد من البشر إل لنبيناَ صالى اللهُ عليهُ‬
‫وآلهُ وسلم والئمة من بعدهُ ‪ ,‬علي وأولدهُ الطاَهرين ‪ ...‬والذي يدل على أن‬
‫معرفة إماَمة من ذكرناَهُ من الئمة عليهم السلم من جملة اليماَن ‪ ,‬وأن‬
‫الخلل بهاَ كفر ورِجوع عن اليماَن بإجماَع الماَمية ( ‪. 1‬‬

‫وقَاَل الطوسي الملقبِ بشيخ الطاَئفة ‪:‬‬


‫) دفع الماَمة كفر ‪ ,‬كماَ أن دفع النبوة كفر ‪ ,‬لن الجهل بهماَ على حدّ واحد ‪,‬‬
‫وقَد رِوى عن النبي صالى اللهُ عليهُ وآلهُ وسلم أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫من ماَت وهو ل يعرف إماَم زماَنهُ ماَت ميتة جاَهلية ‪ ,‬وميتة الجاَهلية ل‬
‫تكون إل على كفر ( ‪. 2‬‬

‫ولقد أورِد محدثو الشيعة رِواياَت كثيرة في هذا المعنى في أبواب مستقلة‬
‫بوبوهاَ في مصنفاَتهم ‪ ,‬مثل الكليني في كاَفّيهُ ‪ ,‬وابن باَبويهُ القمي في‬
‫كتبهُ ‪ ,‬والطوسي في شاَفيهُ ‪ ,‬والبرقَي في محاَسنهُ ‪ ,‬والنعماَني في‬
‫غيبتهُ ‪ ,‬والحر العاَملي في فصولهُ ‪ ,‬والمجلسي في بحاَرِهُ ‪ ,‬والبحراني في‬
‫برهاَنهُ ‪ ,‬وغيرهم في غيرهُ ‪ ,‬حتى قَاَل محدثهم العاَملي ‪:‬‬
‫) الياَت والرواياَت من طريق العاَمة والخاَصاة ‪ ,‬والدلة في ذلك أكثر من أن‬
‫تحصى ( ‪. 3‬‬

‫فهذا المعتقد من المباَدئ الشيعية الساَسية التي ُبنى عليهاَ مذهبِ‬


‫القوم ‪.‬‬
‫والمقصود منهُ أنهُ يجبِ على كل شخص أن يعتقد بعدم خلو الرِض من إماَم‬
‫‪ ,‬ثم يوجبِ على نفسهُ أن يعرفهُ ‪ ,‬ويجعلهُ قَدوة لهُ ‪ ,‬وهاَدياَ ومرشدا ومطاَعاَ‬
‫‪ ,‬فيأَخذ منهُ معاَلم الدين ‪ ,‬ويهتدي بهديهُ ‪ ,‬ويسلك مسلكهُ ‪ ,‬وينهج بمنهجهُ ‪,‬‬
‫ل الطريق ‪ ,‬ويهوي في المزالق‬ ‫وبدونهُ وبدون إرِشاَدهُ وتوجيههُ يض ّ‬
‫والمهاَلك ‪ ,‬مزالق الكفر ومهاَلك الجاَهلية ‪.‬‬

‫هذا ماَ يعتقدهُ الشيعة ‪ ,‬ولم يكن غريباَ أن يؤمن بهذا المبدأ ‪ ,‬ويعتقد بهذا‬
‫المعتقد مشاَئخ الصوفية ‪ ,‬وكبراء التصوف ‪ ,‬لنهم ورِاءهم حذو القذة‬

‫‪ 1‬الرسالة الباهرة في العترة الطاهرة – نقل عن مقدمة البرهان ص ‪. 20‬‬


‫‪ 2‬تلخيص الشافي للطوسي ج ‪ 4‬ص ‪. 132 , 131‬‬
‫‪ 3‬انظر الفصول المهمة في معرفة الئمة للحر العاملي المتوفى ‪ , 1104‬وباب وجوب معرفة المام ص ‪ 141‬ط مكتبة‬
‫بصيرتي قم إيران ‪.‬‬
‫‪173‬‬
‫باَلقذة ‪ ,‬فقاَلوا ‪ :‬من لم يكن لهُ شيخ فإماَمهُ الشيطاَن كماَ ذكر ذلك‬
‫المتصوفة عن أبي يزيد أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) من لم يكن لهُ أستاَذ فإماَمهُ الشيطاَن ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ويقول لساَن الدين بن الخطيبِ ‪:‬‬


‫) يكون المرتاَض يعتمد على شيخ و يلقي أزمتهُ بيدهُ ‪ ,‬ليهديهُ قَبل أن‬
‫تسبقهُ إليهاَ يد الشيطاَن ‪.‬‬

‫د من الـــــــواحد‬
‫إن كــــــاَن ل ب ّ‬ ‫كن المعـــزي ل المعــــزى بــــهُ‬

‫ومماَ ينقل ‪ :‬من لم يكن لهُ شيخ كاَن الشيطاَن شيخهُ ( ‪. 2‬‬

‫وبمثل ذلك قَاَل ابن عربي ‪:‬‬


‫) اعلم أن مقاَم الدعوة إلى اللهُ ‪ ,‬وهو مقاَم النبوة والورِاثة الكاَملة ‪,‬‬
‫والحاَصال فيهُ يقاَل لهُ النبي في زماَن النبوة ‪ ,‬ويقاَل لهُ الشيخ الوارِث‬
‫والستاَذ في حق العلماَء باَللهُ من غير أن يكونوا أنبياَء وهو الذي قَاَلت فيهُ‬
‫الساَدة من أهل طريق اللهُ ‪ ,‬من لم يكن لهُ أستاَذ فإن الشيطاَن أستاَذهُ ( ‪. 3‬‬

‫وقَاَل الشعراني ‪:‬‬


‫) اعلم ياَ أخي أن أحدا من الساَلكين لم يصل إلى حاَلة شريفة في الطريق‬
‫أبدا إل بملقَاَة الشياَخ ومعاَنقة الدب معهم ‪ ,‬والكثاَرِ من خدمتهم ‪ ,‬ومن‬
‫ادعى الطريق بل شيخ كاَن شيخهُ إبليس ‪ ...‬وقَد كاَن الماَم أبو القاَسم‬
‫ل(‪.4‬‬ ‫ل وأض ّ‬‫الجنيد رِحمهُ اللهُ يقول ‪ :‬من سلك بغير شيخ ض ّ‬

‫وكتبِ في كتاَبهُ ) الخلق المتبولية ( نقل عن علي المرصافي أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) لو أن مريدا عبد اللهُ تعاَلى كماَ بين السماَء والرِض بغير شيخهُ فعباَدتهُ‬
‫كاَلهباَء المنثورِ ‪ ...‬وسمعت سيدي علي الخواص رِجمة اللهُ يقول ‪:‬‬
‫) لو أن العبد قَرأ ألف كتاَب في العلم ول شيخ لهُ فهو كمن حفظ كتبِ‬
‫بِ مع جهلهُ باَلداء والدواء ‪ ...‬وأن كل من لم يسلك الطريق على يد شيخ‬ ‫الط ّ‬
‫حكمهُ حكم من يعبد اللهُ على حرف ( ‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫وهذا مثل ماَ قَاَلهُ الشيعة نقل عن أبي جعفر محمد الباَقَر أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) إنماَ يعرف اللهُ عز وجل ويعبدهُ من عرف اللهُ وعرف إماَمهُ مّناَ أهل‬
‫البيت ‪ ,‬ومن ل يعرف اللهُ عز وجل ول يعرف الماَم مّناَ أهل البيت فإنماَ‬
‫يعرف ويعبد غير اللهُ هكذا واللهُ ضلل ( ‪. 6‬‬

‫وعنهُ أنهُ قَاَل ‪:‬‬

‫‪ 1‬انظر الرسالة القشيرية ج ‪ 2‬ص ‪ , 735‬عوارف المعارف للسهروردي ص ‪ , 96‬وكذلك جامع الصول في الولياء‬
‫للكمشخانوي ص ‪ , 120‬الفتوحات اللهية لبن عجيبة ص ‪ , 88‬أيضا كتاب قلدة الجواهر لمحمد الرفاعي ص ‪. 143‬‬
‫‪ 2‬روضة التعريف للسان الدين بن الخطيب ص ‪ 469‬ط دار الفكر العربي ‪.‬‬
‫‪ 3‬المر المحكم المربوط فيما يلزم أهل طريق الله من الشروط لبن عربي ص ‪ 266 , 265‬المنشور مع ذخائر العلق له‬
‫أيضا بتحقيق محمد عبد الرحمن الكروي ط القاهرة ‪.‬‬
‫‪ 4‬النوار القدسية للشعراني ص ‪ 174 , 173‬ط دار إحياء التراث العربي بغداد العراق ‪.‬‬
‫‪ 5‬الخلق المتبولية للشعراني ج ‪ 1‬ص ‪. 130 , 129‬‬
‫‪ 6‬الكافي للكليني ج ‪ 1‬ص ‪. 181‬‬
‫‪174‬‬
‫) كل من دان اللهُ عز وجل بعباَدة يجهد فيهاَ نفسهُ ول إماَم لهُ من اللهُ‬
‫فسعيهُ غير مقبول (‬

‫وعلى ذلك يقول نيكلسون بعد نقل كلم أبي يزيد البسطاَمي ‪:‬‬
‫) من لم يكن لهُ شيخ كاَن الشيطاَن شيخهُ ‪ ,‬يقول بعدهُ ‪:‬‬

‫) هي فكرة يظهر أن لهاَ صالة باَلنظرية الشيعية ‪ ,‬الذي كاَن عبد اللهُ بن سبأَ‬
‫أول من قَاَل بهاَ ( ‪. 1‬‬

‫في التصوف السلمي وتاريخه لنيكلسون ترجمة عربية لبي العلء العفيفي ص ‪. 19‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪175‬‬

‫واْلو َ‬
‫صاــاََية‬ ‫اْلـولََية َ‬
‫وتشاَبهُ آخر بين الصوفية والشيعة هو أن الصوفية أضفوا على أولياَئهم‬
‫عين تلك الوصااَف والختياَرِات التي أضفى الشيعة على أئمتهم‬
‫وأوصاياَئهم ‪ ,‬فإن الشيعة يقولون ‪:‬‬
‫) أن الئمة ولة أمر اللهُ ‪ ,‬وخزنة علم اللهُ ‪ ,‬وعيبة وحي اللهُ ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ويروي أبو جعفر محمد بن الحسن الصفاَرِ المتوفى ‪290‬هـ شيخ الكليني ‪,‬‬
‫في بصاَئرهُ ‪ ,‬عن محمد الباَقَر بن علي زين العاَبدين أنهُ يقول ‪:‬‬
‫) نحن جنبِ اللهُ ونحن صافوتهُ ونحن خيرتهُ ونحن مستودع موارِيث النبياَء‬
‫جة اللهُ ‪ ,‬ونحن أرِكاَن اليماَن ‪ ,‬ونحن دعاَئم‬
‫ونحن أمناَء اللهُ ونحن ح ّ‬
‫السلم ‪ ,‬ونحن من رِحمة اللهُ على خلقهُ ‪ ,‬ونحن الذين بناَ يفتح اللهُ وبناَ‬
‫يختم ‪ ,‬ونحن أئمة الهدى ‪ ,‬ونحن مصاَبيح الدجى ‪ ,‬ونحن مناَرِ الهدى ‪ ,‬ونحن‬
‫الساَبقون ‪ ,‬ونحن الخرون ‪ ,‬ونحن العلم المرفوع للخلق ‪ ,‬من تمسك بناَ‬
‫لحق ‪ ,‬ومن تخلف عناَ غرق ‪ ,‬ونحن قَاَدة الغر المحجلين ‪ ,‬ونحن خيرة اللهُ ‪,‬‬
‫ونحن الطريق ‪ ,‬وصاراط اللهُ المستقيم إلى اللهُ ‪ ,‬ونحن من نعمة اللهُ على‬
‫خلقهُ ‪ ,‬ونحن المنهاَج ونحن معدن النبوة ‪ ,‬ونحن موضع الرساَلة ‪ ,‬ونحن‬
‫الذين إليناَ مختلف الملئكة ‪ ,‬ونحن السراج لمن استضاَء بناَ ‪ ,‬ونحن السبيل‬
‫لمن اقَتدى بناَ ‪ ,‬ونحن الهداة إلى الجنة ‪ ,‬ونحن عز السلم ‪ ,‬ونحن السناَم‬
‫العظم ‪ ,‬ونحن الذين بناَ نزل الرحمة وبناَ تسقون الغيث ‪ ,‬ونحن الذين بناَ‬
‫يصرف عنكم العذاب ‪ ,‬فمن عرفناَ ونصرناَ وعرف حقناَ وأخذ بأَمرناَ فهو مناَ‬
‫وإليناَ ( ‪. 2‬‬

‫ورِوى الكليني عنهُ أيضاَ أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) نحن خزان علم اللهُ ‪ ,‬ونحن تراجمة وحي اللهُ ‪ ,‬ونحن الحجة الباَلغة على‬
‫من دون السماَء ومن فوق الرِض ( ‪. 3‬‬

‫ورِووا عنهُ أيضاَ أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) نحن المثاَني التي أعطاَهاَ اللهُ النبي صالى اللهُ عليهُ وآلهُ ‪ ,‬ونحن وجهُ اللهُ‬
‫نتقلبِ في الرِض بين أظهركم ‪ ,‬عرفناَ من عرفناَ ‪ ,‬وجهلناَ من جهلناَ ‪ ,‬من‬
‫عرفناَ فإماَمهُ اليقين ‪ ,‬ومن جهلناَ فإماَمهُ السعير ( ‪. 4‬‬

‫والرواياَت في هذا المعنى كثيرة جدا ‪ ,‬ومن أرِاد الستزادة فليرجع إلى‬
‫كتبناَ الرِبعة في هذا الموضوع ‪ ,‬أو كتبِ الشيعة كبصاَئر الدرِجاَت للصفاَرِ ‪,‬‬
‫والكاَفي للكليني ‪ ,‬وبحاَرِ النوارِ للمجلسي ‪ ,‬والفصول المهمة للعاَملي ‪,‬‬
‫والبرهاَن للبحراني وغيرهاَ من الكتبِ الشيعية الكثيرة ‪.‬‬

‫مع العلم بأَن كتاَب اللهُ القرآن الكريم ‪ ,‬وكتبِ السنة النبوية المطهرة ‪,‬‬
‫وتراجم أصاحاَب النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم خاَلية عن مثل هذهُ الخرافاَت‬
‫والهفوات ‪ ,‬والشركياَت واليهودياَت ‪.‬‬
‫الصول من الكافي للكليني ج ‪ 1‬ص ‪. 193‬‬ ‫‪1‬‬

‫بصائر الدرجات الكبرى للصفار الجزء الثاني ص ‪ 83‬ط منشورات العلمي طهران ‪ 1404‬هجري قمري ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫الكافي للكليني كتاب الحجة ج ‪ 1‬ص ‪. 192‬‬ ‫‪3‬‬

‫بحار النوار للمجلسي ج ‪ 2‬ص ‪. 114‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪176‬‬

‫ولكن الصوفية استقوا مباَدئهم وأفكاَرِهم ومعتقداتهم من التشيع‬


‫والشيعة ‪ ,‬بدل الكتاَب والسنة ‪ ,‬فقاَلوا في أولياَئهم ومتصوفيهم نفس ماَ‬
‫قَاَلهُ الشيعة في أئمتهم وأوصاياَئهم ‪ ,‬فاَنظر ماَ كتبهُ أعظم مؤرِخ صاوفي‬
‫في التاَرِيخ القديم والحديث أبو نصر السراج الطوسي – حسبِ ماَ قَاَلهُ طهُ‬
‫عبد الباَقَي ‪ ,‬والدكتورِ عبد الحليم محمود – ولحظ التوافق الكاَمل‬
‫والتشاَبهُ التاَم بين ألفاَظهُ وعباَرِتهُ وبين عباَرِة الشيعة وألفاَظهم فهو‬
‫ينبئ عن المصدرِ الصالي ‪ ,‬والمأَخذ الحقيقي ‪ ,‬والمنبع الصايل ‪ ,‬فيكتبِ ‪:‬‬

‫) أن هذهُ العصاَبة أعني الصوفية هم أمناَء اللهُ عز وجل في أرِضهُ ‪ ,‬وخزنة‬


‫أسرارِهُ وعلمهُ وصافوتهُ من خلقهُ ‪ ,‬فهم عباَدهُ المخلصون ‪ ,‬وأولياَءهُ‬
‫المتقون ‪ ,‬وأحباَءهُ الصاَدقَون الصاَلحون ‪ ,‬منهم الخياَرِ والساَبقون ‪,‬‬
‫والبرارِ و المقربون ‪ ,‬والبدلء والصديقون ‪ ,‬هم الذين أحياَ اللهُ بمعرفتهُ‬
‫قَلوبهم ‪ ,‬وز ّين بمعرفتهُ جوارِحهم ‪ ,‬وألهج بذكرهُ ألسنتهم ‪ ,‬وطهر بمراقَبتهُ‬
‫أسرارِهم ‪ ,‬سبق لهم منهُ الحسنى بحسن الرعاَية ودوام العناَية ‪ ,‬فتوجهم‬
‫بتاَج الولية ‪ ,‬وألبسهم حلل الهداية ‪ ,‬وأقَبل بقلوبهم عليهُ تعطفاَ ً ‪ ,‬وجمعهم‬
‫بين يديهُ تلطف اَ ً ‪ ,‬فاَستغنوا بهُ عماَ سواهُ ‪ , ,‬وآثروا على ماَ دونهُ ‪ ,‬وانقطعوا‬
‫إليهُ ‪ ,‬وتوكلوا عليهُ ‪ ,‬وعكفوا بباَبهُ ‪ ,‬ورِضوا بقضاَئهُ ‪ ,‬وصابروا على بلئهُ ‪,‬‬
‫وفاَرِقَوا فيهُ الوطاَن ‪ ,‬وهجروا لهُ الخوان ‪ ,‬وتركوا من أجلهُ النساَب ‪,‬‬
‫وقَطعوا فيهُ العلئق ‪ ,‬وهربوا من الخلئق ‪ ,‬مستأَنسين بهُ مستوحشين مماَ‬
‫سواهُ ‪ } :‬ذلك فضل اللهُ يؤتيهُ من يشاَء واللهُ ذو الفضل العظيم { الية ‪:‬‬
‫} فمنهم ظاَلم لنفسهُ { الية ‪ } :‬قَل الحمد للهُ وسلم على عباَدهُ الذين‬
‫اصاطفى { ( ‪. 1‬‬

‫ونقلوا عن ذي النون المصري أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) هم حجج اللهُ تعاَلى على خلقهُ ‪ ,‬ألبسهم النورِ الساَطع عن محّبتهُ ‪ ,‬ورِفع‬
‫لهم أعلم الهداية إلى مواصالتهُ ‪ ,‬وأقَاَمهم مقاَم البطاَل لرِادتهُ ‪ ,‬وأفرغ‬
‫عليهم الصبر عن مخاَلفتهُ ‪ ,‬وطهر أبدانهم بمراقَبتهُ ‪ ,‬وطيبهم بطيبِ أهل‬
‫دتهُ ‪ ,‬ووضع على رِؤوسهم تيجاَن‬ ‫مجاَملتهُ ‪ ,‬وكساَهم حاَل من نسج مو ّ‬
‫مسرتهُ ‪ ,‬ثم أودع القلوب من ذخاَئر الغيوب ‪ ,‬فهي معلقة بمواصالتهُ ‪,‬‬
‫فهمومهم إليهُ ثاَئرة ‪ ,‬وأعينهم إليهُ باَلغيبِ ناَظرة ‪ ,‬قَد أقَاَمهم على باَب‬
‫النظر من قَربهُ ‪ ,‬وأجلسهم على كرسي أطباَء أهل معرفتهُ ( ‪. 2‬‬

‫وأيضاَ ‪ ) :‬هم خرس فصحاَء ‪ ,‬وعمي بصراء ‪ ,‬عنهم تقصر الصفاَت ‪ ,‬وبهم‬
‫تدفع النقماَت ‪ ,‬وعليهم تنزل البركاَت ‪ ,‬فهم أحلى الناَس منقطعاَ ومذاقَاَ ‪,‬‬
‫وأوفى الناَس عهدا وميثاَقَاَ ‪ ,‬سراج العباَد ‪ ,‬ومناَرِ البلد ‪ ,‬ومصاَبيح الدجى ‪,‬‬
‫معاَدن الرحمة ‪ ,‬ومناَبع الحكمة ( ‪. 3‬‬

‫وقَاَل ابن عجيبة ‪:‬‬


‫) هم باَب اللهُ العظم ‪ ,‬ويد اللهُ الخذة باَلداخلين إلى حضرة اللهُ ‪ ,‬فمن‬
‫م اللهُ ( ‪. 4‬‬
‫مهم فقد ذ ّ‬
‫مدحهم فقد مدح اللهُ ‪ ,‬ومن ذ ّ‬
‫‪ 1‬كتاب اللمع للطوسي مقدمة ص ‪. 19‬‬
‫‪ 2‬جمهرة الولياء للمنوفي الحسيني ج ‪ 1‬ص ‪. 102‬‬
‫‪ 3‬أيضا ص ‪. 103‬‬
‫‪ 4‬إيقاظ الهمم لبن عجيبة ص ‪. 272‬‬
‫‪177‬‬

‫وقَاَل ابن قَضيبِ الباَن ‪:‬‬


‫مة المورِ ‪ ,‬وقَلبِ‬‫وض أز ّ‬ ‫) القطبِ فاَرِوق الوقَت ‪ ,‬وقَاَسم الفيض ‪ ,‬وإليهُ مف ّ‬
‫قَطبِ خزانة أرِواح النبياَء ‪ ,‬ولهُ بكل وجهُ وجهُ ‪ ,‬وأرِواح النبياَء خزائن‬
‫أسرارِ الحق ‪ ....‬الكون كلهُ صاورِة القطبِ ‪ ...‬وهو الباَب الذي ل دخول ول‬
‫خروج إل منهُ ‪ ...‬وفؤاد القطبِ شمعة نصبت لفراش أرِواح العاَلم ‪ ,‬و نطقهُ‬
‫شهد حقاَئق المعاَرِف ‪ ,‬الذي فيهُ شفاَء أسرارِ المقربين ‪ ,‬وصالح مشاَهد‬
‫العاَرِفين ‪ ,‬وغذاء أفئدة الواصالين ‪ ...‬نفس القطبِ صاورِ برزخ الشئون‬
‫الصفاَتية ‪ ,‬وعقلهُ اسرافيلهُ ‪ ,‬ومن نفسهُ قَياَم عمود السموات الروحية‬
‫والرِضين الجسمية ‪ ,‬وإرِادتهُ المأَثرة فيهماَ ‪ ,‬ومن إختياَرِهُ همم أهل‬
‫زماَنهُ ‪ ...‬القطبِ الفرد الواحد في كل زماَن الحقيقة المحمدية ‪ ,‬ولكل‬
‫زماَن قَطبِ منهاَ ‪ ,‬وهو خطيبِ سر الولء بكلمة ‪ :‬بلى ( ‪. 1‬‬

‫هذا وأن ابن عربي قَاَل بصراحة ووضوح بدون إبهاَم ول إيهاَم ‪:‬‬

‫ورِوح الروح ل رِوح الواني‬ ‫) أناَ القرآن والسبع المثاَني‬


‫يشاَهدهُ وعنـــــــــدكم لساَني ( ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫فــؤادي عند معلومي مقيم‬

‫ويعتقد الشيعة أن أئمتهم يعرفون جميع اللسن واللغاَت ‪ ,‬وحتى لغاَت‬


‫الطيورِ والوحوش ‪.‬‬
‫فيذكر الصفاَرِ في بصاَئرهُ العناَوين الرِبعة لبياَن علوم أئمتهُ ‪:‬‬

‫) باَب في الئمة عليهم السلم أنهم يعرفون اللسن كلهاَ ( ‪.‬‬


‫) باَب في الئمة أنهم يتكلمون اللسن كلهاَ ( ‪.‬‬
‫) باَب في الئمة أنهم يعرفون منطق الطير ( ‪.‬‬
‫) باَب في الئمة عليهم السلم أنهم يعرفون منطق البهاَئم ‪ ,‬ويعرفونهم ‪,‬‬
‫ويجيبونهم إذا دعوهم ( ‪. 3‬‬

‫ثم يورِد تحتهاَ رِواياَت كثيرة تنبئ وتدل على كل ماَ ذكرهُ في العناَوين ‪.‬‬

‫فمثل يروي عن جعفر بن الباَقَر أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) قَاَل الحسن بن علي عليهُ السلم ‪ :‬إن للهُ مدينتين ‪ ,‬إحداهماَ باَلمشرق ‪,‬‬
‫والخرى باَلمغرب ‪ ,‬عليهماَ سورِان من حديد ‪ ,‬وعلى كل مدينة ألف ألف‬
‫مصراع من ذهبِ ‪ ,‬وفيهاَ سبعون ألف ألف لغة يتكلم كل لغة بخلف لغة‬
‫صااَحبهُ ‪ ,‬وأناَ أعرف جميع اللغاَت وماَ فيهماَ وماَ بينهماَ وماَ عليهماَ حجة‬
‫غيري والحسين أخي ( ‪. 4‬‬

‫ويروي عن محمد الباَقَر أنهُ قَاَل ‪:‬‬

‫‪ 1‬المواقف اللهية لبن قضيب البان ‪. 190‬‬


‫‪ 2‬الفتوحات المكية لبن عربي ج ‪ 1‬ص ‪ 70‬بتحقيق وتقديم دكتور عثمان يحيى ط الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ 1985‬م ‪.‬‬
‫‪ 3‬انظر بصائر الدرجات الكبرى للصفار الجزء التاسع ص ‪ 357‬وما بعد ‪ ,‬ومثل ذلك في الفصول المهمة في أصول الئمة‬
‫للحر العاملي ص ‪ , 155‬كذلك في ألصول من الكافي ج ‪ 1‬ص ‪. 227‬‬
‫‪ 4‬انظر بصائر الدرجات الجزء السابع ص ‪. 359‬‬
‫‪178‬‬
‫) علمناَ منطق الطير ‪ ,‬وأوتيناَ من كل شيء ( ‪. 5‬‬

‫وغير ذلك من الرواياَت الكثيرة ‪ ,‬وأورِد مثلهاَ كل من الكليني في كاَفّيهُ ‪,‬‬


‫والحّر العاَملي في الفصول المهمة ‪.‬‬

‫ومثل ذلك ذكر المتصوفة في كتبهم عن أولياَئهم ومشاَئخهم ‪ ,‬فيقول‬


‫الشعراني في طبقاَتهُ عن إبراهيم الدسوقَي ‪:‬‬
‫) وكاَن رِضي اللهُ عنهُ يتكلم باَلعجمي والسرياَني والعبراني والزنجي ‪,‬‬
‫وساَئر لغاَت الطيورِ والوحوش ( ‪. 2‬‬

‫وقَاَل عماَد الدين الموي ‪ ) :‬العاَرِفون يفهمون كلم المخلوقَين من‬


‫الحيواناَت والجماَدات ( ‪. 3‬‬

‫وكتبِ الشعراني في كتاَبهُ ) النوارِ المقدسية ( ‪:‬‬

‫) الولي يعطيهُ اللهُ تعاَلى معرفة ساَئر اللسن الخاَصاة باَلنس والجن ‪ ,‬فل‬
‫يخفى عليهُ فهم كلم أحد منهم ( ‪. 4‬‬

‫وذكر القوم حكاَياَت كثيرة عن متصوفيهم تشتمل على تكلمهم مع السباَع‬


‫والطيورِ وغيرهاَ ‪ ,‬سنذكرهاَ في الجزء الثاَني من هذا الكتاَب في باَب‬
‫مستقل إن شاَء اللهُ ‪.‬‬

‫ولكن للطرافة نذكر حكاَية واحدة ذكرهاَ الشعراني في طبقاَتهُ الكبرى ‪,‬‬
‫فيقول ‪:‬‬

‫) أقَاَم الشيخ أبو يعزي في بدايتهُ خمس عشرة سنة في البر ‪,‬ل يأَكل إل‬
‫بِ الشجر في الباَدية ‪ ,‬وكاَنت السد تأَوي إليهُ والطير يعكف عليهُ ‪.‬‬
‫من ح ّ‬

‫وكاَن إذا قَاَل للسد ‪:‬ل تسكني هناَ ‪ ,‬تأَخذ أشباَلهاَ وتخرج بأَجمعهاَ ‪.‬‬

‫قَاَل الشيخ أبو مدين رِضي اللهُ عنهُ ‪ :‬زرِتهُ مرة في الصحراء وحولهُ السد‬
‫والوحوش والطير ‪ ,‬تشاَورِهُ على أحوالهاَ ‪ ,‬وكاَن الوقَت وقَت غداء ‪ ,‬فكاَن‬
‫يقول لذلك الوحش ‪ :‬اذهبِ إلى مكاَن كذا وكذا ‪ ,‬فهناَك قَوتك ‪ ,‬ويقول‬
‫للطير مثل ذلك فتنقاَد لمرهُ ‪.‬‬

‫ثم قَاَل ‪ :‬ياَ شعيبِ ‪ ,‬إن هذهُ الوحوش والطيورِ أحبت جوارِي فتحملت ألم‬
‫الجوع لجلي ‪ ,‬رِضي اللهُ عنهُ ( ‪. 5‬‬

‫فهذا هو التطاَبق الكلي بين الشيعة والصوفية في هذهُ القضية ‪.‬‬

‫أيضا ص ‪. 362‬‬ ‫‪5‬‬

‫طبقات الشعراني ج ‪ 1‬ص ‪. 166‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر حياة القلوب لعماد الدين الموي بهامش قوت القلوب لبي طالب المكي ج ‪ 2‬ص ‪. 275‬‬ ‫‪3‬‬

‫النوار المقدسية في معرفة القواعد الصوفية للشعراني ج ‪ 2‬ص ‪ 115‬ط دار إحياء التراث العربي بغداد – العراق ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫طبقات الشعراني ج ‪ 1‬ص ‪. 136‬‬ ‫‪5‬‬


179
‫‪180‬‬

‫حُلو ُ‬
‫ل والّتناَسخ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫وإن فرقَاَ من الشيعة يعتقدون في أئمتهم بأَنهم هم الذين ظهروا في‬
‫مختلف الصورِ في الزمنة المتعددة ‪ ,‬والمكنة المختلفة ‪ ,‬وهم الذين‬
‫ظهروا في أياَم آدم بصورِة آدم ‪ ,‬وفي دورِ نوح بنوح ‪ ,‬وكذلك شيث وموسى‬
‫وعيسى ومحمد صالوات اللهُ عليهم في زماَنهم ‪ ,‬وأن أئمتهم هم الذين‬
‫جوا نوحاَ ‪ ,‬وأغرقَوا الخلق في عهد نوح ‪ ,‬وخرقَوا السفينة ‪ ,‬وقَتلوا الغلم‬
‫ن ّ‬
‫وغير ذلك ‪.‬‬

‫فهاَهم يكذبون على علي رِضي اللهُ عنهُ أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) أناَ ومحمد نورِ واحد من نورِ اللهُ ‪ ...‬أناَ صااَحبِ الرجفة ‪ ,‬صااَحبِ الياَت ‪ ...‬أناَ‬
‫أهلكت القرون الولى ‪ ,‬وأناَ النبأَ العظيم الذي هم فيهُ مختلفون ‪ ...‬أناَ‬
‫الكتاَب ‪ ...‬أناَ اللوح المحفوظ ‪ ...‬أناَ القرآن الحكيم ‪ ...‬أناَ محمد ومحمد أناَ ‪...‬‬
‫جيت‬ ‫إن ميتناَ لم يمت ‪ ,‬وقَتيلناَ لم يقتل ‪ ,‬ول نلد ول نولد ‪ ...‬وأناَ الذي ن ّ‬
‫نوحاَ ‪ ...‬ونطقت على لساَن عيسى بن مريم في المهد ‪ ,‬فآدم وشيث ونوح‬
‫وساَم وإبراهيم وإسماَعيل وموسى ويوشع وعيسى وشمعون ومحمد وأناَ‬
‫كلناَ واحد ‪ ...‬أناَ أحيي وأميت ‪ ...‬وكذلك الئمة المحقون من ولدي ‪ ,‬لناَ كلناَ‬
‫شيء واحد يظهر في كل زماَن ( ‪. 1‬‬

‫ورِرِوا عنهُ أيضاَ أنهُ قَاَل لسلماَن ‪ ) :‬أناَ أحيي الموتى ‪ ,‬وأعلم ماَ في‬
‫السماَوات والرِض ‪ ,‬وأناَ الكتاَب المبين ‪ ,‬ياَ سلماَن ‪ ,‬محمد مقيم الحجة ‪,‬‬
‫وأناَ حجة الحق على الخلق ‪ ,‬وبذلك الروح عرج بهُ إلى السماَء ‪ ,‬أناَ حملت‬
‫نوحاَ في السفينة ‪ ,‬أناَ صااَحبِ يونس في بطن الحوت ‪ ,‬وأناَ الذي حاَورِت‬
‫موسى في البحر ‪ ,‬وأهلكت القرون الولى ‪ ,‬أعطيت علم النبياَء‬
‫والوصاياَء ‪ ,‬وفصل الخطاَب ‪ ,‬وبي تمت نبوة محمد ‪ ,‬أناَ أجريت النهاَرِ‬
‫والبحاَرِ ‪ ,‬وفجرت الرِض عيوناَ ‪ ,‬أناَ كاَب الدنياَ لوجههاَ ‪ ,‬أناَ عذاب يوم‬
‫الظلمة ‪ ,‬أناَ الخضر معلم موسى ‪ ,‬أناَ معلم داود وسليماَن ‪ ,‬أناَ ذو القرنين ‪,‬‬
‫أناَ الذي دفعت سمكهاَ بإذن اللهُ عز وجل ‪ ,‬أناَ دحوت أرِضهاَ ‪ ,‬أناَ عذاب يوم‬
‫الظلمة ‪ ,‬أناَ الناَدي من مكاَن بعيد ‪ ,‬أناَ دابة الرِض ‪ ,‬أناَ كماَ يقول لي رِسول‬
‫اللهُ ) ص ( ‪ :‬أنت ياَ علي ذو قَرنيهاَ ‪ ,‬وكل طرفيهاَ‪ ,‬ولك الخرة والولى ‪ ,‬ياَ‬
‫سلماَن إن ميتناَ إذا ماَت لم يمت ‪ ,‬ومقتولناَ لم يقتل ‪ ,‬وغاَئبناَ لم يغبِ ‪ ,‬ول‬
‫نلد ول نولد في البطون ‪ ,‬ول يقاَس بناَ أحد من الناَس ‪ ,‬أناَ تكلمت على‬
‫لساَن عيسى في المهد ‪ ,‬أناَ نوح ‪ ,‬أناَ إبراهيم ‪ ,‬أناَ صااَحبِ الناَقَة ‪ ,‬أناَ صااَحبِ‬
‫ي إنتهى علم ماَ فيهُ ‪ ,‬أناَ‬ ‫الرجفة ‪ ,‬أناَ صااَحبِ الزلزلة ‪ ,‬أناَ اللوح المحفوظ ‪ ,‬إل ّ‬
‫أنقلبِ في الصورِ كيف شاَء اللهُ ‪ ,‬من رِآهم فقد رِآني ‪ ,‬ومن رِآني فقد‬
‫رِآهم ‪ ,‬ونحن في الحقيقة نورِ اللهُ الذي ل يزول ول يتغّير ( ‪. 2‬‬

‫ورِووا عن جعفر بن الباَقَر أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) أناَ من نورِ اللهُ ‪ ,‬نطقت على لساَن عيسى بن مريم في المهد ‪ ,‬فآدم‬
‫وشيث ونوح وساَم وإبراهيم وإسماَعيل وموسى ويوشع وعيسى‬
‫وشمعون ومحمد كلناَ واحد ‪ ,‬من رِآناَ فقد رِآهم ‪ ...‬أناَ أحيي وأميت وأخلق‬
‫‪ 1‬انظر زهر المعاني لدريس عماد الدين الباب السابع عشر ص ‪ 74‬وما بعد من ) المنتخب من بعض الكتب السماعيلية (‬
‫ليوانوف ط أجمل بريس بومبي ‪.‬‬
‫‪ 2‬مشارق أنوار اليقين للحافظ رجب البرسي ص ‪ 161‬ط دار الندلس بيروت ‪ ,‬أيضا طرائق الحقائق للحاج معصوم‬
‫شيرازي ج ‪ 1‬ص ‪ 78 , 77‬ط طهران ‪ 1339‬هجري شمسي ‪.‬‬
‫‪181‬‬
‫وأرِزق‪ ,‬وأبرئ الكمهُ والبرص ‪ ,‬وأنبئكم بماَ تأَكلون وماَ تدخرون في‬
‫بيوتكم بإذن رِبي ‪ ,‬وكذلك الئمة المحقون من ولدي لناَ كلناَ شيء واحد (‬
‫‪.1‬‬

‫وذكروا عن رِاشد الدين بن سناَن السورِي الداعي السماَعيلي أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) ظهرت بدرِو نوح فغرقَت الخلئق ‪ ...‬وظهرت في دورِ إبراهيم على ثلث‬
‫مقاَلت ‪ ...‬خرقَت السفينة ‪ ,‬وقَتلت الغلم ‪ ,‬وأقَمت الجدارِ ‪ .. ,‬ثم ظهرت‬
‫باَلسيد المسيح ‪ ,‬فمسحت بيدي الكريمة عن أولدي الذنوب ‪ ,‬وكنت‬
‫باَلظاَهر شمعون – إلى آخر الهفوات والخرافاَت ( ‪. 2‬‬

‫فهذهُ الرواياَت تدل صاراحة على إعتقاَد القوم باَلحلول والتناَسخ ‪ ,‬وأن‬
‫أئمتهم خلقوا من نورِ اللهُ الذي لم يتغير ولم يتبدل ‪ ,‬ولكن هذا النورِ كاَن‬
‫يحل في أجساَم مختلفة في أزمنة مختلفة ‪ ,‬وكاَن يلبس ألبسة متنوعة‬
‫مى بتلك السماَء ‪ ,‬فتاَرِة بآدم ‪,‬‬‫متفرقَة ‪ ,‬فبذلك الجسد واللباَس كاَن يس ّ‬
‫وتاَرِة بنوح ‪ ,‬وتاَرِة بإبراهيم ‪ ,‬وتاَرِة بموسى ‪ ,‬وتاَرِة بعيسى ‪ ,‬وتاَرِة بمحمد ‪,‬‬
‫مع أن هذا النورِ كاَن بجوهرهُ واحدا ‪.‬‬

‫موا ذلك النورِ الزلي ‪ ,‬والجوهر‬


‫فهذا عين ماَ قَاَلتهُ الصوفية حيث س ّ‬
‫الصالي الحقيقة المحمدية والصورِة المحمدية ‪ ,‬فهذهُ الحقيقة هي التي‬
‫كاَنت تتجلى في أجساَم مختلفة ‪ ,‬وتناَدي بذلك السم ‪ ,‬فاَختلف أسماَؤهاَ‬
‫حسبِ الزماَن والجساَد ‪ ,‬مع أنهاَ كاَنت واحدة ‪ ,‬كماَ يقول الجيلي ‪:‬‬

‫) أعلم حفظك اللهُ أن النساَن الكاَمل هو القطبِ الذي تدورِ عليهُ أفلك‬
‫الوجود من أولهُ إلى آخرهُ ‪ ,‬وهو واحد منذ كاَن الوجود إلى أبد البدين ‪ ,‬ثم‬
‫لهُ تنوع في ملبس ويظهر في كناَئس ‪ ,‬فيسمى بهُ باَعتباَرِ لباَس ‪ ,‬ول‬
‫يسمى بهُ باَعتباَرِ لباَس آخر ‪ ,‬فاَسمهُ الصالي الذي هو لهُ محمد ‪ ,‬وكنيتهُ أبو‬
‫القاَسم ‪ ,‬ووصافهُ عبد اللهُ ‪ ,‬ولقبهُ شمس الدين ‪ ,‬ثم لهُ باَعتباَرِ ملبس‬
‫أخرى أساَم ‪ ,‬ولهُ في كل زماَن اسم ماَ يليق بلباَسهُ في ذلك الزماَن ‪ ,‬فقد‬
‫اجتمعت بهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم وهو في صاورِة شيخي الشيخ شرف‬
‫الدين إسماَعيل الجبرتي ‪ ,‬ولست أعلم أنهُ النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪,‬‬
‫وكنت أعلم أنهُ الشيخ ‪ ,‬وهذا من جملة مشاَهد شاَهدتهُ فيهاَ بزبيد سنة ست‬
‫وتسعين وسبعماَئة ‪ ,‬وسر هذا المر تمكنهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم من‬
‫التصورِ بكل صاورِة ‪ ,‬فاَلديبِ إذا رِآهُ في الصورِ المحمدية التي كاَن عليهاَ‬
‫في حياَتهُ فإنهُ يسميهُ باَسمهُ ‪ ,‬وإذا رِآهُ في صاورِة ماَ من الصورِ وعلم أنهُ‬
‫محمد ‪ ,‬فل يسميهُ إل باَسم تلك الصورِة ‪ ,‬ثم ل يوقَع ذلك السم إل على‬
‫الحقيقة المحمدية ‪ ,‬أل تراهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم لماَ ظهر في صاورِة‬
‫الشبلي رِضي اللهُ عنهُ قَاَل الشبلي لتلميذهُ ‪ :‬أشهد أني رِسول اللهُ ‪ ,‬وكاَن‬
‫التلميذ صااَحبِ كشف فعرفهُ ‪ ,‬فقاَل ‪ :‬أشهد أنك رِسول اللهُ ‪ ,‬وهذا أمر غير‬
‫منكورِ ‪ ,‬وهو كماَ يرى الناَئم فلناَ في صاورِة فلن ‪ .‬وأقَل مراتبِ الكشف أن‬
‫يسوغ بهُ في اليقظة ماَ يسوغ بهُ في النوم ‪ ,‬لكن بين النوم والكشف فرق ‪,‬‬
‫وهو أن الصورِة التي يرى فيهاَ محمد صالى اللهُ عليهُ وسلم في النوم ول‬
‫‪ 1‬كتاب بيت الدعوة السلمية نسخة خطية ص ‪ 10‬نقل عن تاريخ الدعوة السماعيلية لمصطفى غالب السماعيلي ص ‪, 81‬‬
‫‪. 82‬‬
‫‪ 2‬أجزاء عن العقائد السماعيلية ‪ ,‬كتاب الداعي إبراهيم تقديم المستشرق الفرنساوي كويارد ط أمبيرين نيشنل بريس‬
‫‪ 1784‬م ‪.‬‬
‫‪182‬‬
‫يوقَع اسمهاَ في اليقظة على الحقيقة المحمدية إلى حقيقة تلك الصورِة‬
‫في اليقظة ‪ ,‬بخلف الكشف فإنهُ إذا كشف لك عن الحقيقة أنهاَ متجلية‬
‫في صاورِة من صاورِ الدميين ‪ ,‬فيلزمك إيقاَع اسم تلك الصورِة على‬
‫الحقيقة المحمدية ويجبِ عليك أن تتأَدب مع صااَحبِ تلك الصورِة تأَدبك مع‬
‫محمد صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬لماَ أعطاَك الكشف أن محمدا صالى اللهُ عليهُ‬
‫وسلم متصورِ بتلك الصورِة ‪ ,‬فل يجوز ذلك بعد شهود محمد صالى اللهُ عليهُ‬
‫وسلم فيهاَ أن تعاَملهاَ بماَ كنت تعاَملهاَ بهُ من قَبل ‪ ,‬ثم إياَك أن تتوهم شيئاَ‬
‫في قَولي من مذهبِ التناَسخ ‪ ,‬حاَشاَ للهُ وحاَشاَ رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ‬
‫وسلم أن يكون ذلك مرادي ‪ ,‬بل إن رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم لهُ من‬
‫التمكين في التصورِ بكل صاورِة يتجلى في هذهُ الصورِة ‪ ,‬وقَد جرت سنتهُ‬
‫صالى اللهُ عليهُ وسلم أنهُ ل يزال يتصورِ في كل زماَن بصورِة أكملهم‬
‫ليعلي شأَنهم ويقيم ميلنهم ‪ ,‬فهم خلفاَؤهُ في الظاَهر وهو في الباَطن‬
‫حقيقتهم ( ‪. 1‬‬

‫ص الساَبع‬ ‫وهذا ماَ قَاَلهُ الدكتورِ أبو العلء العفيفي معلقاَ على الف ّ‬
‫ص حكمة فردية في كلمة محمدية ( من فصوص ابن عربي ‪,‬‬ ‫والعشرين ) ف ّ‬
‫فقاَل ‪:‬‬
‫) شاَع من أوائل عهد السلم القول بأَزلية محمد عليهُ السلم ‪ ,‬أو بعباَرِة‬
‫أدق بأَزلية ) النورِ المحمدي ( ‪ .‬وهو قَول ظهر بين الشيعة أولً ولم يلبث‬
‫أهل السنة أن أخذوا بهُ ‪ ,‬واستند الكل في دعواهم إلى أحاَديث يظهر أن‬
‫أكثرهاَ موضوع ‪ .‬من ذلك أن النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم قَاَل ‪ ) :‬أناَ أول‬
‫الناَس في الخلق ( ومنهاَ ‪ ) :‬أول ماَ خلق اللهُ نورِي ( ‪ ,‬ومنهاَ ‪ ) :‬كنت نبياَ‬
‫وآدم بين الماَء والطين ( وغير ذلك من الحاَديث التي استنتجوا منهاَ أنهُ‬
‫كاَن لمحمد عليهُ السلم وجود قَبل وجود الخلق ‪ ,‬وقَبل وجودهُ الزماَني في‬
‫صاورِة النبي المرسل ‪ ,‬وأن هذا الوجود قَديم غير حاَدث ‪ ,‬وعبروا عنهُ باَلنورِ‬
‫المحمدي ‪ .‬وقَد أفاَضت الشيعة في وصاف هذا النورِ المحمدي ‪ ,‬فقاَلوا أنهُ‬
‫ينتقل في الزماَن من جيل إلى جيل ‪ ,‬وأنهُ هو الذي ظهر بصورِة آدم ونوح‬
‫وإبراهيم وموسى وغيرهم من النبياَء ‪ ,‬ثم ظهر أخيرا بصورِة خاَتم النبيين‬
‫محمد عليهُ السلم ‪ .‬وبهذا أرِجعو جميع النبياَء من آدم إلى محمد ‪ ,‬وكذلك‬
‫ورِثة محمد إلى أصال واحد ‪ .‬وهو قَول نجد لهُ صادى في الغنوصاية المسيحية‬
‫‪ .‬يقول الب كليمنت السكندرِي ‪ ) :‬ليس في الوجود إل نبي واحد وهو‬
‫النساَن الذي خلقهُ اللهُ على صاورِتهُ ‪ ,‬والذي يحل فيهُ رِوح القدس ‪ ,‬والذي‬
‫يظهر منذ الزل في كل مكاَن وزماَن بصورِة جديدة ( ‪.‬‬

‫نجد لكل هذا الكلم نظيرا في كتبِ ابن عربي فيماَ يسميهُ الكلمة المحمدية‬
‫أو الحقيقة المحمدية أو النورِ المحمدي ‪ .‬فهو ل يقصد باَلكلمة المحمدية‬
‫في هذا الفص محمدا ً الرسول ‪ ,‬وإنماَ يقصد الحقيقة المحمدية التي‬
‫يعتبرهاَ أكمل مجلى خلقي ظهر فيهُ الحق ‪ ,‬بل يعتبرهُ النساَن الكاَمل‬
‫والخليفة الكاَمل بأَخص معاَنيهُ ‪ .‬وإذا كاَن كل واحد من الموجودات مجلى‬
‫خاَص لبعض السماَء اللهية التي هي أرِباَب لهُ ‪ ,‬فإن محمدا قَد انفرد باَنهُ‬
‫مجلى للسم الجاَمع لجميع تلك السماَء ‪ ,‬وهو السم العظم الذي هو‬
‫) اللهُ ( ‪ .‬ولهذا كاَنت لهُ مرتبة الجمعية المطلقة ‪ ,‬ومرتبة التعين الول‬

‫النسان الكامل للجيلي عبد الكريم ج ‪ 2‬ص ‪. 75 , 74‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪183‬‬
‫والذي تعينت بهُ الذات الحدية ‪ ,‬إذ ليس فوقَهُ إل هذهُ الذات المنزهة في‬
‫نفسهاَ عن كل تعين وكل صافة واسم ورِسم ‪.‬‬

‫ولهذهُ الحقيقة المحمدية التي هي أول التعيناَت – وإن شئت فقل أول‬
‫المخلوقَاَت – وظاَئف أخرى ينسبهاَ إليهاَ ابن عربي ‪ .‬فهي من ناَحية صالتهاَ‬
‫باَلعاَلم مبدأ خلق العاَلم ‪ ,‬إذ هي النورِ الذي خلقهُ اللهُ قَبل كل شيء وخلق‬
‫منهُ كل شيء ‪ .‬أو هي العقل اللهي الذي تجلى الحق فيهُ لنفسهُ في حاَلة‬
‫الحدية المطلقة ‪ ,‬فكاَن هذا التجلي بمثاَبة أول مرحلة من مراحل التنزل‬
‫اللهي في صاورِ الوجود ‪ .‬فلماَ انكشفت لهُ حقيقة ذاتهُ وكماَلتهاَ ‪ ,‬وماَ فيهاَ‬
‫من أعياَن الممكناَت التي ل تحصى ‪ ,‬أحبِ إظهاَرِ كماَلتهُ في صاورِ تكون لهُ‬
‫بمثاَبة المراياَ التي يرى فيهاَ نفسهُ ‪ ,‬فكاَنت أعياَن الممكناَت الخاَرِجية تلك‬
‫المراياَ ‪.‬‬

‫ومن ناَحية صالة الحقيقة المحمدية باَلنساَن ‪ ,‬يعتبرهاَ ابن عربي صاورِة‬
‫كاَملة للنساَن الكاَمل الذي يجمع في نفسهُ جميع حقاَئق الوجود ‪ ,‬ولذلك‬
‫يسميهاَ آدم الحقيقي ‪ ,‬والحقيقة النساَنية ‪ .‬ويعدهاَ من الناَحية الصوفية‬
‫مصدرِ العلم الباَطن ‪ ,‬ومنبعهُ ‪ ,‬وقَطبِ القَطاَب ‪.‬‬

‫في هذا الوصاف الجماَلي لماَ يسميهُ ابن عربي ) الكلمة المحمدية ( ‪ ,‬أو‬
‫الحقيقة المحمدية ‪ ,‬عناَصار مختلفة مستمدة من الفلسفة الفلطونية‬
‫الحديثة ‪ ,‬والفلسفة المسيحية واليهودية ‪ ,‬مضاَفاَ ً إلى ذلك بعض أفكاَرِ من‬
‫مذهبِ السماَعيلية الباَطنية والقرامطة ‪ .‬مزج جميع تلك العناَصار على‬
‫طريقتهُ الخاَصاة ‪ ,‬فضيع بذلك معاَلم الصاول التي أخذ عنهاَ ‪ ,‬وخرج على‬
‫العاَلم بنظرية في طبيعة الحقيقة المحمدية ‪,‬ل تقل في خطرهاَ وأهميتهاَ‬
‫في تاَرِيخ الدياَن عن النظرياَت التي وضعهاَ المسيحيون في طبيعة‬
‫المسيح ‪ ,‬أو النظرياَت اليهودية أو الرواقَية ‪ ,‬أو اليوناَنية التي تأَثرت بهاَ‬
‫في النظرية المسيحية ( ‪. 1‬‬

‫وبمثل ذلك قَاَل الفرغاَني ‪:‬‬


‫) وكل نبي من آدم عليهُ السلم إلى محمد صالى اللهُ عليهُ وسلم مظهر من‬
‫مظاَهر نبوة الروح العظم ‪ .‬فنبوتهُ ذاتية دائمة ‪ ,‬ونبوة المظاَهر عرضية‬
‫منصرمة ‪ ,‬إل نبوة محمد صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬فإنهاَ دائمة غير منصرمة ‪,‬‬
‫إذ حقيقتهُ حقيقة الروح العظم ‪ ,‬وصاورِتهُ صاورِة الحقيقة التي ظهر فيهاَ‬
‫بجميع أسماَئهاَ وصافاَتهاَ ‪ .‬وساَئر النبياَء مظاَهرهاَ ببعض السماَء‬
‫والصفاَت ‪ .‬تجلت في المظهر المحمدي بذاتهاَ وجميع صافاَتهاَ ‪ ,‬وختم بهُ‬
‫النبوة ‪ ,‬فكاَن الرسول صالى اللهُ عليهُ وسلم ساَبقاَ على جميع النبياَء من‬
‫حيث الحقيقة ‪ ,‬متأَخرا عنهم من حيث الصورِة ‪ ,‬كماَ قَاَل ‪ :‬نحن الخرون‬
‫الساَبقون ‪ ,‬وقَاَل ‪ :‬كنت نبياَ وآدم بين الماَء والطين ‪ :‬وفي رِواية أخرى ‪:‬‬
‫بين الروح والجسد ‪ :‬أي ل رِوحاَ ول جسدا ( ‪. 2‬‬

‫‪ 1‬فصوص الحكم لبن عربي – قسم التعليقات الثاني ص ‪. 321 , 320 , 319‬‬
‫‪ 2‬المقدمات للفرغاني مخطوط ورقة ‪ 11‬إلى ‪ 14‬نقل عن كتاب ختم الولياء ص ‪ 486‬ط بيروت ‪.‬‬
‫‪184‬‬
‫ويدل أيضاَ على إعتقاَد الصوفية باَلتناَسخ ماَ ذكرهُ الدباَغ في البريز بأَن‬
‫‪1‬‬
‫رِوح الولي تقدرِ على أن تخرج من ذات الولي وتتصورِ بصورِة غير صاورِتهُ‬
‫‪.‬‬

‫وأيضاَ ماَ ذكرهُ الشعراني عن صاوفي أنهُ ) ظهر لعدائهُ في هيئة أسد‬
‫عظيم ( ‪. 2‬‬

‫وكذلك ذكر المنوفي في جمهرتهُ صاوفياَ ) كاَن يظهر في مظهر السباَع‬


‫والفيلة ( ‪. 3‬‬

‫فاَلحاَصال أن الصوفية اقَتبسوا من الشيعة هذهُ الفكاَرِ ‪ ,‬وأخذوا منهم هذهُ‬


‫العقاَئد الزائفة الزائغة الباَطلة ‪ ,‬وقَاَلوا عن أولياَئهم مثل ذلك ‪ ,‬بل زادوا‬
‫عليهم في غلوائهم وغّيهم وضللهم ‪ ,‬حيث قَاَلوا نقل عن إبراهيم‬
‫الدسوقَي أنهُ قَاَل عن نفسهُ في أبياَتهُ ‪:‬‬

‫فإن مدارِ الكل من حــول‬ ‫) أناَ ذلك القطبِ المبــــــاَرِك أمـــــــرهُ‬


‫ذرِوتي‬
‫ول غبت إل عن قَلوب‬ ‫أناَ شمـس إشـــــــراق العقول ولم أفل‬
‫عمـــــية‬
‫وليس يروني باَلمرآة‬ ‫يروني في المــــــــرآة وهي صاـــــدية‬
‫الصـــقيلة‬
‫بمختلف الرِاء والكــــــــل‬ ‫وبي قَاَمت النبــــــــاَء في كل أمــــــة‬
‫أمتي‬
‫وفي حضرة المختاَرِ فزت‬ ‫ول جـــــــــاَمع إل ولي فــــــــيهُ منبر‬
‫ببغيتي‬
‫أجـدد فيــهاَ حلــــــة بعد‬ ‫بذاتي تقـــوم الــــــــذات في كل ذرِوة‬
‫حلـــــــة‬
‫وعلوى وســــلمى بعدهاَ‬ ‫فليلى وهنـــــد والربــــــــاَب وزينــبِ‬
‫وبثــينة‬
‫وماَ لوحوا بـــاَلقصد إل‬ ‫عباَرِات أسماَء بغـــــــــــير حقيـــــقة‬
‫لصورِتي‬
‫وسرى في الكوان من قَبل‬ ‫نعم نشأَتي في الحـــــــبِ من قَبل آدم‬
‫نشأَتي‬
‫على الــدرِة البيـــضاَء في‬ ‫أناَ كنت في العلياَء مع نورِ أحمـــــــد‬
‫خلويتي‬
‫بلــــطف عنـــاَياَت وعين‬ ‫أناَ كــــنت في رِؤيــاَ الذبيح فــــداءهُ‬
‫حقيــــقة‬
‫وأسكن الفــــردوس أنعم‬ ‫أناَ كنت مع إدرِيــــــس لماَ أتى العل‬
‫بقـــــــعة‬
‫وأعـــــــــــطيت داودا حلوة‬ ‫أناَ كنت مع عيسى على المهد ناَطقاَ‬
‫نغمة‬

‫انظر البريز للدباغ ص ‪. 204‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر طبقات الشعراني ج ‪ 2‬ص ‪. 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر جمهرة الولياء للمنوفي الحسيني ج ‪ 2‬ص ‪. 264‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪185‬‬
‫بحـاَرِا وطـــــــوفاَناَ على كف‬ ‫أناَ كنت مع نوح بماَ شهد الــــورِى‬
‫قَدرِة‬
‫أناَ العبد إبراهيم شيــــــخ‬ ‫أناَ القطبِ شيخ الوقَت في كل حـاَلة‬
‫الطريقة ( ‪. 1‬‬

‫ورِووا عن أحد المتصوفة الباَرِزين أنهُ كاَن يقول ‪:‬‬

‫ي في‬‫ي في حملتهُ ‪ ,‬أناَ كل ول ّ‬ ‫) أناَ موسى الكليم في مناَجاَتهُ ‪ ,‬أناَ عل ّ‬


‫الرِض خلقتهُ بيدي ‪ ,‬ألبس منهم من شئت ‪ ,‬أناَ في السماَء شاَهدت رِبي ‪,‬‬
‫وعلى الكرسي خاَطبتهُ ‪ ,‬أناَ بيدي أبواب الناَرِ إن أغلقتهاَ أغلقهاَ بيدي ‪,‬‬
‫وبيدي جنة الفردوس إن فتحتهاَ أفتحهاَ ‪ ,‬ومن زارِني أدخلتهُ جنة‬
‫الفردوس ( ‪. 2‬‬

‫وقَاَل فتح اللهُ بورِاس ‪:‬‬

‫أناَ كل حكيم من أهل‬ ‫) أناَ كل ولي في الرِض قَد أوليتـــــــــــــــهُ‬


‫السماَء قَد علمتــــــــهُ‬
‫وبصر يعقوب أناَ الذي‬ ‫وأيوب من جميع المراض قَد أشفيــــــــــــهُ‬
‫قَد رِددتـــــــــــــــــهُ‬
‫ويونس من بطن‬ ‫بِ الغريق قَد أظهرتـــهُ‬ ‫وابنهُ يوسف من الج ّ‬
‫الحوت باَلعراء قَد نبذتـــهُ‬
‫وفي السماَء الساَبعة‬ ‫ونوح من بحر الطوفاَن أناَ الذي أنجيتـــــــهُ‬
‫ي وكّلمتــهُ‬ ‫شاَهدت رِب ّ‬
‫وماَ فيهُ من الحورِ‬ ‫وبيدي باَب الجناَن قَد فتحتهُ ودخلتــــــــــــهُ‬
‫العين قَد رِأيتهُ وحصيتهُ‬
‫في جنة عدن وبستاَنهاَ‬ ‫ومن رِآني ورِأى من رِآني وحضر مجلسي‬
‫قَد أسكنتـــــــــــــــهُ ( ‪. 3‬‬

‫وذكر فريد الدين العطاَرِ عن أبي يزيد البسطاَمي أنهُ سئل عن العرش‬
‫والكرسي فقاَل ‪:‬‬
‫) أناَ العرش والكرسي ‪ ,‬وقَاَل ‪ :‬أناَ إبراهيم ‪ ,‬وأناَ موسى ‪ ,‬وأناَ محمد ( ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ي رِضي اللهُ عنهُ أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫وهذا عين ماَرِواهُ الشيعة أنفسهم عن عل ّ‬
‫) أناَ اللوح ‪ ,‬وأناَ القلم ‪ ,‬وأناَ العرش ‪ ,‬و أناَ الكرسي ‪ ,‬وأناَ السماَوات السبع ‪,‬‬
‫وأناَ السماَء الحسنى ‪ ,‬والكلماَت العلياَ ( ‪. 5‬‬

‫والجدير باَلذكر أن الصوفية ينقلون لبياَن معتقداتهم نفس الرواياَت‬


‫ي رِضي اللهُ عنهُ وأولدهُ ‪.‬‬
‫الموضوعة المكذوبة التي يرويهاَ الشيعة عن عل ّ‬

‫‪ 1‬طبقات الشعراني ج ‪ 1‬ص ‪. 181 , 180‬‬


‫‪ 2‬طبقات الشعراني ج ‪ 1‬ص ‪ , 180‬أيضا النفحة العلية في أوراد الشاذلية جمع عبد القادر زكي ص ‪ 256‬ط مكتبة المتنبي‬
‫القاهرة ‪.‬‬
‫‪ 3‬الوصية الكبرى لعبد السلم الفيتوري ص ‪ 75 , 74‬ط طرابلس ليبيا ‪1396‬هـ ‪.‬‬
‫‪ 4‬انظر تذكرة الولياء لفريد الدين العطار ص ‪ 99‬ط باكستان ‪.‬‬
‫‪ 5‬مشارق أنوار اليقين لحافظ رجب البرسي ص ‪ 159‬ط دار الندلس بيروت الطبعة الحادية عشر ‪.‬‬
‫‪186‬‬
‫فمثل يروي الشعراني ومحمد الرفاَعي وغيرهماَ عنهُ رِضي اللهُ عنهُ أنهُ‬
‫كاَن يقول في خطبتهُ على رِؤوس الشهاَد ‪:‬‬
‫) أناَ نقطة بسم اللهُ ‪ ,‬أناَ جنبِ اللهُ ‪ ,‬الذي فرطتم فيهُ ‪ ,‬أناَ القلم وأناَ اللوح‬
‫المحفوظ ‪ ,‬وأناَ العرش وأناَ الكرسي ‪ ,‬وأناَ السماَوات السبع والرِضون ( ‪. 1‬‬

‫الجواهر والدرر للشعراني ج ‪ 2‬ص ‪ 311‬بهامش البريز للدباغ ط مصر ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪187‬‬

‫صوفّيـة‬
‫بِ ال ّ‬
‫مَرات ِ ُ‬
‫َ‬
‫وأماَ مراتبِ الصوفية ‪ ,‬التي وضعوهاَ لبياَن طبقاَت المتصوفة ومكاَنتهم ‪,‬‬
‫وقَدرِتهم واختياَرِهم على الخلق ‪ ,‬وأعدادهم ‪ ,‬وهم حسبِ كلم لساَن الدين‬
‫بن الخطيبِ ‪:‬‬
‫ص اللهُ في أرِضهُ ‪ ,‬ورِحمة اللهُ في بلدهُ على عباَدهُ ‪ :‬البدال ‪,‬‬
‫) خوا ّ‬
‫والقَطاَب ‪ ,‬والوتاَد ‪ ,‬والعرفاَء ‪ ,‬والنجباَء ‪ ,‬والنقباَء ‪ ,‬وسيدهم الغوث ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ولدى الهجويري هم ‪ ) :‬أهل الحل والعقد ‪ ,‬وقَاَدة حضرة الحق جل جللهُ ‪,‬‬
‫فثلثماَئة يدعون الخياَرِ ‪ ,‬وأرِبعون آخرون يسمون البدال ‪ ,‬وسبعة آخرون‬
‫يقاَل لهم ‪ :‬البرارِ ‪ ,‬وأرِبعة يسمون الوتاَد ‪ ,‬وثلثة آخرون يقاَل لهم ‪:‬‬
‫النقباَء ‪ ,‬وواحد يسمى القطبِ والغوث ‪.‬‬
‫وهؤلء جميعاَ يعرفون أحدهم الخر ‪ ,‬ويحتاَجون في المورِ لذن بعضهم‬
‫البعض ( ‪. 2‬‬

‫ومثل ذلك ذكرهم الجرجاَني في تعريفاَتهُ ‪:‬‬


‫) القطبِ ‪ ,‬وهو الغوث ‪ :‬عباَرِة عن الواحد الذي هو موضع نظر اللهُ من‬
‫العاَلم في كل زماَن ومكاَن ‪ ,‬وهو على قَلبِ إسرائيل عليهُ السلم ‪.‬‬

‫الماَماَن ‪ :‬هماَ شخصاَن ‪ ,‬أحدهماَ عن يمين الغوث ونظرهُ في الملكوت ‪,‬‬


‫والخر عن يساَرِهُ ‪ ,‬ونظرهُ في الملك ‪ ,‬وهو أعلى من صااَحبهُ ‪ ,‬وهو الذي‬
‫يخلف الغوث ‪.‬‬

‫الوتاَد ‪ :‬عباَرِة عن أرِبعة رِجاَل مناَزلهم على مناَزل أرِبعة أرِكاَن من‬
‫العاَلم ‪ :‬شرق وغرب وشماَل وجنوب ‪ ,‬مع كل واحد منهم مقاَم تلك الجهة ‪.‬‬

‫البدلء ‪ :‬هم سبعة ‪ ,‬ومن ساَفر من القوم من موضعهُ وترك جسدا على‬
‫صاورِتهُ حتى ل يعرف أحد أنهُ فقد ‪ ,‬فذلك هو البدل ل غير ‪ ,‬وهم على قَلبِ‬
‫إبراهيم عليهُ السلم ‪.‬‬

‫النجباَء ‪ :‬أرِبعون ‪ ,‬وهم المشغولون بحمل أثقاَل الخلق فل يترفون إل في‬


‫حق الغير ‪.‬‬

‫النقباَء ‪ :‬هم الذين استخرجوا خباَياَ النفوس ‪ ,‬وهم ثلثماَئة ( ‪. 3‬‬

‫وهذا الترتيبِ مأَخوذ عن ابن عربي في فتوحاَتهُ كماَ قَاَل ‪:‬‬


‫) والمجمع عليهُ من أهل الطريق أنهم على ست طبقاَت أمهاَت ‪ :‬أقَطاَب ‪,‬‬
‫وأئمة ‪ ,‬وأوتاَد ‪ ,‬وأبدال ‪ ,‬ونقباَء ‪ ,‬ونجباَء ( ‪. 4‬‬

‫‪ 1‬انظر روضة التعريف ص ‪. 432‬‬


‫‪ 2‬كشف المحجوب للهجويري ترجمة عربية ص ‪. 448 , 447‬‬
‫‪ 3‬التعريفات للجرجاني ص ‪. 154‬‬
‫‪ 4‬الفتوحات المكية لبن عربي ج ‪ 2‬ص ‪. 40‬‬
‫‪188‬‬
‫ومثل ذلك ورِد في ) الوصاية الكبرى ( لشيخ العروسية عبد السلم الفيتورِي‬
‫‪.1‬‬
‫وفي ) جاَمع الصاول في الولياَء ( للكمشخاَنوي ‪. 2‬‬

‫وفي ) طبقاَت السلمي ( للسلمي ‪. 3‬‬


‫ول بأَس في إيراد عباَرِة داود بن محمود القيصري ههناَ ‪ ,‬لماَ فيهاَ من زياَدة‬
‫توضيح لهاَ المر ‪ ,‬فيقول ‪:‬‬
‫) ولهم مراتبِ ‪ .‬الولى مرتبة القطبية ‪ ,‬ول يكون فيهاَ أبدا ً إل واحد بعد‬
‫واحد ‪ ,‬ويسمى غوثاَ ‪ ,‬لكونهُ مغيثاَ ً للخلق في أحوالهم ‪ .‬ثم مرتبة الماَمين ‪,‬‬
‫وهماَ كاَلوزيرين للسلطاَن ‪ .‬أحدهماَ صااَحبِ اليمين ‪ ,‬وهو المتصرف بإذن‬
‫القطبِ في عاَلم الملكوت والغيبِ ‪ ,‬وثاَنيهماَ صااَحبِ اليساَرِ ‪ ,‬وهو‬
‫المتصرف في عاَلم الملك والشهاَدة ‪ .‬وعند إرِتحاَل القطبِ إلى الخرة ‪,‬ل‬
‫يقوم مقاَمهُ ‪ ,‬منهماَ و إل صااَحبِ اليساَرِ ‪ ,‬لكونهُ أكمل في السير من صااَحبِ‬
‫د ‪ ,‬ماَ نزل في السير من عاَلم الملكوت إلى عاَلم الملك ‪,‬‬ ‫ع ُ‬
‫اليمين ‪ :‬لنهُ ‪,‬ب َ ْ‬
‫وصااَحبِ اليساَرِ نزل إليهُ ‪ ,‬وكملت دايرتهُ في السير والوجود ‪ .‬ثم مرتبة‬
‫الرِبعة ‪ ,‬كاَلرِبعة من الصحاَبة ‪ ,‬رِصاي الهُ عنهم أجمعين! ثم مرتبة البدلء‬
‫السبعة ‪ ,‬الحاَفظين للقَاَليم السبعة ‪ .‬وكل منهم قَطبِ للقَليم الخاَص بهُ ‪.‬‬
‫ثم مراتبِ الولياَء العشرة ‪ ,‬كاَلعشرة المبشرة ‪ .‬ثم مراتبِ الثني عشر ‪,‬‬
‫الحاَكمين على البروج الثني عشر ‪ ,‬وماَ يتعلق بهاَ ويلزمهاَ من حوادث‬
‫الكوان ‪ .‬ثم العشرين والرِبعين والتسعة والتسعين ‪ ,‬مظاَهر السماَء‬
‫الحسنى ‪ ,‬إلى الثلثماَئة والستين ‪.‬‬
‫وهؤلء قَاَيمون في العاَلم على سبيل البدل ‪ ,‬في كل زماَن ‪ ,‬ول يزيد‬
‫عددهم ول ينقص إلى يوم القياَمة ‪ .‬وغيرهم من الولياَء يزيدون وينقصون‬
‫‪ ,‬بحسبِ ظهورِ التجلي اللهي وخفاَئهُ ‪ .‬وبعدهم ‪ :‬مرتبة الزهاَد والعّباَد‬
‫والعلماَء من المؤمنين ‪ ,‬الكاَئنين في كل زماَن إلى يوم الدين ‪ .‬وجميع‬
‫هؤلء المذكورِين ‪ ,‬داخلون في حكم القطبِ ‪.‬‬
‫مل ‪ ,‬الذين تعاَدل مرتبتهم مرتبة القطبِ إل في الخلفة ‪ ,‬هم‬ ‫والفراد الك ّ‬
‫الخاَرِجون من حكمهُ ‪ .‬فإنهم يأَخذون من اللهُ ‪ ,‬سبحاَنهُ ‪ ,‬ماَ يأَخذون من‬
‫المعاَني والسرارِ اللهية بخلف الداخلون في حكمهُ ‪ ,‬فإنهم ل يأَخذون‬
‫شيئاَ إل منهُ ( ‪. 4‬‬

‫وقَد ذكرهم المستشرق الفرنساَوي ماَسينيون بقولهُ ‪:‬‬


‫) ويزعم الصوفية أن العاَلم يدوم بقاَؤهُ بفضل تدخل طبقة من الولياَء‬
‫المستورِين عددهم محدود ‪ ,‬وكلماَ قَبض منهم واحد خلفهُ غيرهُ ‪ ,‬ورِجاَل‬
‫الغيبِ هم ‪ :‬ثلثماَئة من النقباَء ‪ ,‬وأرِبعون من البدال ‪ ,‬وسبعة أمناَء ‪,‬‬
‫وأرِبعة عمد ‪ ,‬ثم القطبِ ‪ ,‬وهو الغوث ( ‪. 5‬‬

‫فهذهُ المراتبِ والترتيبِ والعداد لم يأَخذهاَ المتصوفة إل من الشيعة أيضاَ ‪,‬‬


‫وخاَصاة من الشيعة السماَعيلية والنصيرية كماَ ذكر شيخ السلم ابن تيمية‬
‫في رِساَئلهُ وفتاَواهُ ‪:‬‬
‫‪ 1‬انظر ص ‪. 48‬‬
‫‪ 2‬انظر ص ‪. 107‬‬
‫‪ 3‬انظر ص ‪. 57‬‬
‫‪ 4‬شرح مقدمة التائية الكبرى للقيصري مخطوط ص ‪ 104‬نقل عن كتاب ختم الولياء للترمذي الحكيم ص ‪ 495‬ط بيروت ‪.‬‬
‫‪ 5‬التصوف لماسينيون ترجمة عربية ص ‪. 46 , 45‬‬
‫‪189‬‬

‫) وأماَ السماَء الدائرة على ألسنة كثير من النساَك والعاَمة مثل الغوث‬
‫الذي يكون بمكة ‪ ,‬والوتاَد الرِبعة ‪ ,‬والقَطاَب السبعة ‪ ,‬والبدال الرِبعين ‪,‬‬
‫والنجباَء الثلثماَئة ‪ ,‬فهذهُ السماَء ليست موجودة في كتاَب اللهُ ‪ ,‬ول هي‬
‫أيضاَ مأَثورِة عن النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم بإسناَد صاحيح ول ضعيف‬
‫محتمل ‪ ,‬إل لفظ البدال فقد رِوي فيهم حديث شاَمي منقطع السناَد عن‬
‫علي بن أبي طاَلبِ مرفوعاَ إلى النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم أنهُ قَاَل ‪ :‬إن‬
‫فيهم – يعني أهل الشاَم – البدال أرِبعين رِجل ‪ ,‬كلماَ ماَت رِجل أبدلهُ اللهُ‬
‫مكاَنهُ رِجل ‪ :‬ول توجد هذهُ السماَء في كلم السلف كماَ هي على هذهُ‬
‫الترتيبِ ‪ ....‬وهذا من جنس دعوى الرافضة أنهُ ل بد في كل زماَن من إماَم‬
‫معصوم يكون حجة اللهُ على المكلفين ل يتم اليماَن إل بهُ ‪ ,‬ثم مع هذا‬
‫يقولون ‪ :‬أنهُ كاَن صابياَ دخل السرداب من أكثر من أرِبعماَئة وأرِبعين سنة ‪,‬‬
‫ول يعرف لهُ عين ول أثر ‪ ,‬ول يدرِك لهُ حس ول خبر ‪.‬‬
‫وهؤلء الذين يدعون هذهُ المراتبِ فيهم معناَهاَ للرافضة من بعض الوجود ‪,‬‬
‫بل هذا الترتيبِ والعتداد يشبهُ من بعض الوجوهُ ترتيبِ السماَعيلية‬
‫والنصيرية ونحوهم في الساَبق والتاَلي والناَطق والساَس والحدّ وغير‬
‫ذلك من الترتيبِ الذي ماَ أنزل اللهُ بهُ من سلطاَن ( ‪. 1‬‬

‫وبذلك قَاَل ابن خلدون في هذا الخصوص ‪ ,‬والمساَئل الخرى التي ذكرناَهاَ‬
‫بأَن المتصوفة أخذوهاَ من التشيع ‪ ,‬فيقول ‪:‬‬
‫) إن هؤلء المتأَخرين من المتصوفة المتكلمين في الكشف وفيماَ ورِاء‬
‫الحس توغلوا في ذلك فذهبِ الكثير منهم إلى الحلول والوحدة كماَ أشرناَ‬
‫إليهُ وملوا الصحف من مثل الهروي في كتاَب المقاَماَت لهُ وغيرهُ وتبعهم‬
‫ابن عربي وابن سبعين وتلميذهماَ ابن العفيف وابن الفاَرِض والنجم‬
‫السرائيلي في قَصاَئدهم وكاَن سلفهم مخاَلطين للسماَعيلية المتأَخرين‬
‫من الرافضة الدائنين أيضاَ باَلحلول و إلهية الئمة مذهباَ ً لم يعرف لولهم‬
‫فأَشرب كل واحد من الفريقين مذهبِ الخر واختلط كلمهم وتشاَبهت‬
‫عقاَئدهم وظهر في كلم المتصوفة القول في القطبِ ومعناَهُ رِأس‬
‫العاَرِفين يزعمون أنهُ ل يمكن أن يساَويهُ أحد في مقاَمهُ في المعرفة حتى‬
‫يقبضهُ اللهُ ثم يورِث مقاَمهُ لخر من أهل العرفاَن وقَد أشاَرِ إلى ذلك ابن‬
‫سيناَ في كتاَب الشاَرِات في فضول التصوف منهاَ فقاَل جل جناَب الحق‬
‫أن يكون شرعهُ لكل وارِد أو يطلع عليهُ إل الواحد بعد الواحد وهذا كلم ل‬
‫تقوم عليهُ حجة عقلية ول دليل شرعي وإنماَ هو من أنواع الخطاَبة وهو‬
‫بعينهُ ماَ تقولهُ الرافضة ودانوا بهُ ثم قَاَلوا بترتيبِ وجود البدال بعد هذا‬
‫القطبِ كماَ قَاَلهُ الشيعة في النقباَء ( ‪. 2‬‬

‫هذا وقَد اقَر بذلك أحمد أمين المصري ‪ ,‬فكتبِ ‪ ) :‬أن الصوفية اتصلت‬
‫باَلتشيع اتصاَلً وثيقاَ ً ‪ ,‬وأخذت فيماَ أخذت عنهُ فكرة المهدي ‪ ,‬وصااَغتهاَ‬
‫صاياَغة جديدة وسمتهُ ) قَطباَ( ‪ ,‬وكونت مملكة من الرِواح على نمط مملكة‬
‫الشباَح ‪ ,‬وعلى رِأس هذهُ المملكة الروحية القطبِ ‪ ,‬وهو نظير الماَم أو‬
‫المهدي في التشيع ‪ ,‬والقطبِ هو الذي ) يدبر المر في كل عصر ‪ ,‬وهو‬

‫‪ 1‬انظر مجموعة الرسائل والمسائل للمام ابن تيمية ج ‪ 1‬ص ‪ 57‬و ‪ 60‬ط بيروت ‪ 1983‬م ‪ ,‬كذلك مجموعة فتاوى ابن تيمية‬
‫ج ‪ 11‬ص ‪. 439 , 434 , 433‬‬
‫‪ 2‬انظر مقدمة ابن خلدون الفصل الحادي عشر في علم التصوف ص ‪ 473‬ط القاهرة ‪.‬‬
‫‪190‬‬
‫عماَد السماَء ‪ ,‬ولولهُ لوقَعت على الرِض ( ‪ ,‬ويلي القطبِ النجباَء ‪ ,‬قَاَل ابن‬
‫عربي في الفتوحاَت المكية ‪ ) :‬وهم اثناَ عشر نقيباَ ً في كل زماَن ‪,‬ل‬
‫يزيدون ول ينقصون ‪ ,‬على عدد بروج الفلك الثني عشر ‪ ,‬كل نقيبِ عاَلم‬
‫بخاَصاية كل برج وبماَ أودع اللهُ تعاَلى في مقاَمهُ من السرارِ والتأَثيرات ‪...‬‬
‫وأعلم أن اللهُ تعاَلى قَد جعل بأَيدي هؤلء النقباَء علوم الشرائع المنزلة ‪,‬‬
‫ولهم استخراج خباَياَ النفوس وغوائلهاَ ‪ ,‬ومعرفة مكرهاَت وخداعهاَ ‪,‬‬
‫وإبليس مكشوف عندهم ‪ ,‬يعرفون منهُ ماَ ل يعرفهُ من نفسهُ ‪ ,‬وهم من‬
‫العلم بحيث إذا رِأى أحدهم وطأَة شخص في الرِض علم أنهاَ وطأَة سعيد‬
‫ي مثل العلماَء باَلثاَرِ والقياَفة ( ‪. 1‬‬
‫أو شق ّ‬

‫وأماَ من أرِاد مقاَرِنة هذهُ المراتبِ باَلمراتبِ السماَعيلية فليرجع إلى كتاَبناَ‬
‫) السماَعيلية القدامى تاَرِيخ وعقاَئد ( الباَب الساَبع منهُ ) ماَهية الدعوة‬
‫السماَعيلية ونظاَمهاَ ( ‪.‬‬

‫ول بأَس من إيراد عباَرِة عن القاَضي السماَعيلي النعماَن بن محمد‬


‫المغربي ‪ ,‬ذكر فيهاَ أصاحاَب المراتبِ العلياَ ‪ ,‬فيقول ‪:‬‬
‫) والحدود السفلية هم ‪ :‬السس ‪ ,‬الئمة ‪ ,‬والحجج ‪ ,‬والنقباَء ‪ ,‬والجنحة ( ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ومثل ذلك ذكر الداعي السماَعيلي حميد الدين الكرماَني في كتاَبهُ رِاحة‬
‫العقل ‪. 3‬‬

‫وإبراهيم بن الحسين الحاَمدي ‪. 4‬‬

‫فهذهُ هي العقيدة الشيعية الخرى التي تسربت إلى التصوف ‪ ,‬وتحكمت‬


‫فيهم ‪ ,‬وسنوضح معاَني هذهُ المصطلحاَت مع القضاَياَ الخرى في جزء‬
‫مستقل من هذا الكتاَب إن شاَء اللهُ ‪.‬‬

‫ضحى السلم لحمد أمين ص ‪ 245‬ط القاهرة ‪ 1952‬م ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر أساس التأويل للنعمان القاضي المغربي ص ‪ 71 , 70‬ط دار الثقافة بيروت ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر ص ‪ 252‬وما بعد ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫انظر تحفة القلوب ورقة ‪ 144‬نسخة خطية في مكتبتي ‪.‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪191‬‬

‫التــقـــَيـــة‬
‫من أهم المباَدئ الشيعية وأسسهم ومعتقداتهم الخفاَء والكتماَن ‪ ,‬وإظهاَرِ‬
‫ماَ ل يعتقدونهُ في السر ‪ ,‬وإعلن ماَ يبطنون خلفهُ ‪ ,‬وهذا من أخطر ماَ‬
‫يؤمن بهُ الشيعة ‪ ,‬ويميزهم من الطوائف المسلمة الخرى ‪ ,‬ويحول بينهم‬
‫وبين اللتقاَء بهم ‪ ,‬لنهُ ل يعلم ظاَهرهم من باَطنهم ‪ ,‬وكذبهم من‬
‫صادقَهم ‪ ,‬كماَ قَاَل السيد محبِ الدين الخطيبِ ‪:‬‬
‫) وأول موانع التجاَوب الصاَدق باَلخلص بينناَ وبينهم ماَ يسمونهُ التقية ‪,‬‬
‫فإنهاَ عقيدة دينية تبيح لهم التظاَهر لناَ بغير ماَ يبطنون ‪ ,‬فينخدع سليم‬
‫القلبِ مناَ بماَ يتظاَهرون لهُ بهُ من رِغبتهم في التفاَهم والتقاَرِب ‪ ,‬وهم ل‬
‫يريدون ذلك ول يرضون بهُ ول يعملون لهُ ( ‪. 1‬‬

‫وقَاَل شيخ السلم ابن تيمية ‪:‬‬


‫) النفاَق والزندقَة في الرافضة أكثر منهُ في ساَئر الطوائف ‪ ,‬بل ل بد لكل‬
‫منهم من شعبة نفاَق ‪ ,‬فإن أساَس النفاَق الذي بني عليهُ الكذب ‪ ,‬وأن‬
‫يقول الرجل بلساَنهُ ماَ ليس في قَلبهُ كماَ أخبر اللهُ تعاَلى عن المناَفقين ‪:‬‬
‫أنهم يقولون بأَلسنتهم ماَ ليس في قَلوبهم ‪.‬‬

‫والرافضة تجعل هذا من أصاول دينهاَ وتسميهُ التقية ‪ ,‬وتحكي هذا عن أئمة‬
‫أهل البيت الذين برأهم اللهُ عن ذلك حتى يحكوا ذلك عن جعفر الصاَدق أنهُ‬
‫قَاَل ‪ :‬التقية ديني ودين آباَئي ‪ ,‬وقَد نّزهُ اللهُ المؤمنين من أهل البيت‬
‫وغيرهم عن ذلك ‪ ,‬بل كاَنوا من أعظم الناَس صادقَاَ وتحقيقاَ لليماَن ‪ ,‬وكاَن‬
‫دينهم التقوى ‪,‬ل التقية ( ‪. 2‬‬

‫فهناَك رِواياَت كثيرة فوق الحصر ‪ ,‬التي أورِدهاَ الشيعة في كتبهم لعتناَق‬
‫هذهُ العقيدة من أئمتهم المعصومين ‪ ,‬ونحن أورِدناَ العديد منهاَ في كتاَبناَ‬
‫الشيعة والسنة ‪ ,‬وخصصناَ باَباَ مستقل لبياَن هذا المبدأ وأهميتهُ عند القوم ‪,‬‬
‫كماَ عقدناَ فصل مستقل في كتاَبناَ الجديد ) بين الشيعة وأهل السنة ( لهذا‬
‫الموضوع ‪ ,‬فمن أرِاد التعمق والتفصيل فليرجع إليهماَ ‪ ,‬ولكن نذكر هناَ‬
‫رِوايتين عن القوم ‪:‬‬
‫رِوى الكشي عن حسين بن معاَذ بن مسلم النحوي ‪ ) :‬عن أبي عبد اللهُ ) ع(‬
‫قَاَل ‪:‬‬
‫) قَاَل لي ) أبو عبد اللهُ ( ‪ :‬بلغني أنك تقعد في الجاَمع ‪ ,‬فتفتي الناَس ؟ قَاَل‬
‫‪ :‬قَلت ‪ :‬نعم ‪ ,‬وقَد أرِدت أن أسأَلك عن ذلك قَبل أن أخرج أني أقَعد في‬
‫الجاَمع ‪ ,‬فيجيء الرجل ‪ ,‬فيسأَلني عن الشيء فإذا عرفتهُ باَلخلف أخبرتهُ‬
‫بماَ يقولون ‪ ...‬قَاَل ) أي معاَذ بن مسلم ( فقاَل لي ) أبو عبد اللهُ ( ‪ :‬اصانع‬
‫كذا ‪ ,‬فإني اصانع كذا ( ‪ 3‬ز‬

‫الخطوط العريضة للسس التي قام عليها مذهب الشيعة الثني عشرية ص ‪ 8‬الطبعة السادسة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫منهاج السنة النبوية لشيخ السلم ابن تيمية ج ‪ 1‬ص ‪ 159‬ط باكستان ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫رجال الكشي ص ‪ 218‬تحت ترجمة معاذ بن مسلم ط مؤسسة ال‘لمي كربلء العراق ‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪192‬‬
‫ورِواية أخرى رِواهاَ الكليني عن جعفر أنهُ قَاَل لصاحاَبهُ معلى بن خنيس ‪:‬‬
‫) ياَ معلى ‪ ,‬أكتم لمرناَ ول تذعهُ ‪ ,‬فإنهُ من كتم أمرناَ ولم يذعهُ أعزهُ اللهُ بهُ‬
‫في الدنياَ ‪ ,‬وجعلهُ نورِا بين عينيهُ في الخرة ‪ ,‬يقودهُ في الجنة ‪.‬‬
‫ى ‪ ,‬من أذاع أمرناَ ولم يكتمهُ أذلهُ اللهُ بهُ في الدنياَ ‪ ,‬ونزع النورِ من‬
‫ياَ معل ّ‬
‫بين عينيهُ في الخرة ‪ ,‬وجعلهُ ظلمة تقودهُ إلى الناَرِ ‪.‬‬

‫ياَ معلى ‪ ,‬إن التقية من ديني ودين آباَئي ‪ ,‬ول دين لمن ل تقية لهُ ( ‪. 1‬‬

‫وعلى ذلك قَاَل صادوقَهم ابن باَبويهُ القمي ‪:‬‬

‫) اعتقاَدناَ في التقية أنهاَ واجبة ‪,‬ل يجوز رِفعهاَ إلى أن يقوم القاَئم ‪ ,‬ومن‬
‫تركهاَ قَبل خروجهُ فقد خرج عن دين الماَمية ‪ ,‬وخاَلف اللهُ ورِسولهُ‬
‫والئمة ( ‪. 2‬‬

‫وقَاَل مفيدهم ‪:‬‬


‫) التقية كتماَن الحق وستر العتقاَد فيهُ ‪ ,‬ومكاَتمة المخاَلفين ‪ ,‬وترك‬
‫مظاَهرتهم بماَ يعقبِ ضررِا في الدين أو الدنياَ ‪ ,‬وفرض ذلك إذن علم‬
‫باَلضرورِة أو قَوي في الظن ( ‪. 3‬‬

‫فهذا هو معتقد الشيعة ومبدؤهم الذي اشتهروا بهُ ‪ ,‬وعّيروا عليهُ ‪ ,‬وطعنوا‬
‫فيهُ ‪.‬‬

‫ولكن المتصوفة أخذوهُ بكاَملهُ عنهم ‪ ,‬وزادوا عليهم حيث اتهموا رِسول‬
‫اللهُ بتهمة بّرأ اللهُ ساَحتهُ عنهاَ بقولهُ ‪ } :‬وماَ هو على الغيبِ بضنين { ‪. 4‬‬

‫واستندوا بحديث مكذوب على رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم مع علمهم‬
‫ي متعمدا فليتبوأ مقعدهُ من الناَرِ ( ‪. 5‬‬
‫بأَنهُ هو القاَئل ‪ ) :‬من كذب عل ّ‬

‫فقاَلوا ‪:‬‬
‫) أمر اللهُ نبيناَ محمدا صالى اللهُ عليهُ وسلم بكتم أشياَء مماَ ل يسعهُ غيرهُ‬
‫للحديث المروي عنهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم أنهُ قَاَل ‪ :‬أوتيت ليلة أسري بي‬
‫ي في كتمهُ ‪ ,‬وعلم خّيرت في تبليغهُ ‪ ,‬وعلم أمرت‬ ‫ثلثة علوم ‪ ,‬فعلم أخذ عل ّ‬
‫بتبليغهُ ‪.‬‬
‫فاَلعلم الذي أمر بتبليغهُ هو علم الشرائع ‪ ,‬والعلم الذي خّير في تبليغهُ هو‬
‫علم الحقاَئق ‪ ,‬والعلم الذي أخذ عليهُ في كتمهُ هو السرارِ اللهية ولقد‬
‫أودع اللهُ جميع ذلك في القرآن ‪ .‬فاَلذي أمر بتبليغهُ ظاَهر ‪ .‬والذي خّير في‬
‫تبليغهُ باَطن لقولهُ ) سنريهم آياَتناَ في الفاَق وفي أنفسهم حتى يتبين‬
‫لهم أنهُ الحق ( وقَولهُ ) وماَ خلقناَ السموات والرِض وماَ بينهماَ إل باَلحق (‬
‫وقَولهُ ) وسخر لكم ماَ في السموات وماَ في الرِض جميعاَ منهُ ( وقَولهُ‬
‫ل على الحقاَئق ووجهُ‬ ‫) ونفخت فيهُ من رِوحي ( فإن جميع ذلك لهُ وجهُ يد ّ‬
‫الصول من الكافي للكليني ج ‪ 2‬ص ‪ 224 , 223‬ط إيران ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫العتقادات لبن بابويه القمي ص ‪. 44‬‬ ‫‪2‬‬

‫شرح اعتقادات الصدوق فضل التقية ص ‪. 241‬‬ ‫‪3‬‬

‫التكوير الية ‪. 24‬‬ ‫‪4‬‬

‫رواه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد وغيرهم ‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪193‬‬
‫يتعلق باَلشرائع ‪ ,‬فهو كاَلتخير ‪ ,‬فمن كاَن فهمهُ إلهياَ فقد بلغ ذلك ‪ ,‬ومن لم‬
‫يكن فهمهُ ذلك الفهم وكاَن مماَ لو فوجئ باَلحقاَئق أنكرهاَ ‪ ,‬فإنهُ ماَ بلغ‬
‫إليهُ ذلك لئل يؤدي ذلك إلى ضللتهُ وشقاَوتهُ ‪ .‬والعلم الذي أخذ عليهُ في‬
‫كتمهُ فإنهُ مودع في القرآن بطريق التأَويل لغموض الكتم ‪ ,‬فل يعلم ذلك إل‬
‫من أشرف على نفس العلم أول ‪ ,‬وبطريق الكشف اللهي ‪ ,‬ثم سمع‬
‫ل الذي أودع اللهُ فيهُ شيئاَ من العلم‬ ‫القرآن بعد ذلك ‪ ,‬فإنهُ يعلم المح ّ‬
‫المأَخوذ على النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم في كتمهُ وإليهُ الشاَرِة بقولهُ‬
‫تعاَلى ) وماَ يعلم تأَويلهُ إل اللهُ ( على قَراءة من وقَف هناَ ‪ ,‬فاَلذي يطلع‬
‫تأَويلهُ في نفسهُ هو المسمى باَللهُ فاَفهم ( ‪. 1‬‬

‫ويقول أبو نصر السراج الطوسي ‪:‬‬


‫صهُ اللهُ تعاَلى بهُ من‬
‫) إن حقاَئق رِساَلة محمد صالى اللهُ عليهُ وسلم وماَ خ ّ‬
‫العلم ‪ ,‬لو وضعت على الجباَل لذابت إل أنهُ كاَن يظهرهاَ لهم على‬
‫مقاَديرهم ( ‪. 2‬‬

‫أي لم يظهر النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم جميع العلوم التي كاَن قَد خصهُ‬
‫اللهُ بهاَ – حسبِ زعمهم – وذلك لجل أن الناَس لم يكونوا يقدرِون على‬
‫حملهاَ ومعرفتهاَ ‪.‬‬

‫وبمثل ذلك نقل الشعراني عن سيدهُ محمد الحنفي أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) وههناَ كلم لو أبديناَهُ لكم لخرجتم مجاَنين لكن نطويهُ عمن ليس من أهلهُ‬
‫(‪.3‬‬

‫وهذا عين ماَ ذكرهُ الشيعة عن جعفر بن الباَقَر أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) إن عندناَ واللهُ سرا من سّر اللهُ ‪ ,‬وعلماَ من علم اللهُ ‪ ,‬أمرناَ اللهُ بتبليغهُ ‪,‬‬
‫فب ّلغناَ من اللهُ عز وجل ماَ أمرناَ بتبليغهُ ‪ ,‬فلم نجد لهُ موضعاَ ول أهل ول‬
‫حماَلة يحتملونهُ ( ‪. 4‬‬

‫ونسبوا إلى علي رِضي اللهُ عنهُ أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) إن أمرناَ صاعبِ مستصعبِ ل يحملهُ إل عبد امتحن اللهُ قَلبهُ لليماَن ‪ ,‬ول‬
‫يعي حديثناَ إل صادورِ أمينة ‪ ,‬وأحلم رِزينة ( ‪. 5‬‬

‫أيضاَ )ل يحتملهُ ملك مقرب ‪ ,‬ول نبي مرسل ‪ ,‬ول مؤمن أمتحن اللهُ قَلبهُ‬
‫لليماَن ( ‪. 6‬‬

‫هذا وأن الصوفية اتهموا أباَ هريرة رِضي اللهُ عنهُ أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) حفظت من رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم جرابين من العلم ‪ :‬أماَ‬
‫أحدهماَ فبثثتهُ في الناَس ‪ ,‬وأماَ الخر فلو بثثتهُ لقطع مني هذا البلعوم ( ‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫النسان الكامل لعبد الكريم الجيلي ج ‪ 1‬ص ‪ 117‬الطبعة الرابعة ‪ 1402‬هـ مصر ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫كتاب اللمع للطوسي ص ‪. 159‬‬ ‫‪2‬‬

‫طبقات الشعراني ج ‪ 2‬ص ‪. 98‬‬ ‫‪3‬‬

‫الصول من الكافي ج ‪ 1‬ص ‪ , 402‬أيضا بصائر الدرجات الكبرى للصفار ص ‪. 40‬‬ ‫‪4‬‬

‫انظر نهج البلغة ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫الصول من الكافي ج ‪ 1‬ص ‪. 402‬‬ ‫‪6‬‬

‫إيقاظ الهمم لبن عجيبة الحسني ص ‪ 145‬ط مصر ‪.‬‬ ‫‪7‬‬


‫‪194‬‬
‫ي بن الحسين زين العاَبدين أنهُ قَاَل ‪:‬‬ ‫كماَ كذبوا على عل ّ‬
‫لقيل لي ‪ :‬أنت ممن يعبد الوثـــناَ‬ ‫ب جوهر علم لو أبوح بهُ‬‫) ياَ رِ ّ‬
‫يرون أقَبح ماَ يأَتـــونهُ حســــــناَ‬ ‫ولستحل رِجاَل مسلمون دمي‬
‫كي ل يرى الحق ذو جهل فيفتنناَ ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫إني لكتم من علمي جـــواهرهُ‬

‫وقَاَل النفزي الرندي ‪:‬‬


‫) في قَلوب الحرارِ قَبورِ السرارِ ‪ ,‬والسر أماَنة اللهُ تعاَلى عند العبد ‪,‬‬
‫فاَفشى باَلتعبير عنهُ خياَنة ‪ ,‬واللهُ تعاَلى ل يحبِ الخاَئنين ‪ ,‬وأيضاَ فإن‬
‫المورِ المشهودة ل يستعمل فيهاَ إل الشاَرِة واليماَء ‪ ,‬واستعماَل العباَرِات‬
‫فيهاَ إفصاَح بهاَ وإشهاَرِ لهاَ ‪ ,‬وفي ذلك ابتذالهاَ وإذاعتهاَ ‪ ,‬ثم إن العباَرِة‬
‫عنهاَ ل تزيدهاَ إل غموضاَ وانغلقَاَ ‪ ,‬لن المورِ الذوقَية يستحيل إدرِاك‬
‫حقاَئقهاَ باَلعباَرِات النطقية ‪ ,‬فيؤدي ذلك إلى النكاَرِ والقدح في علوم‬
‫الساَدة الخياَرِ ‪.‬‬
‫قَاَل أبو علي الروذباَرِي رِضي اللهُ تعاَلى عنهُ ‪ :‬علمناَ هذا إشاَرِة ‪ ,‬فإذا صااَرِ‬
‫عباَرِة خفي ( ‪. 2‬‬

‫وأماَ لساَن الدين بن الخطيبِ فقاَل ‪:‬‬


‫) حملة علم النبوة هم الذين عناَهم رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم بقولهُ‬
‫‪ :‬علماَء أمتي كأَنبياَء بني إسرائيل ‪ ,‬قَاَلوا ‪ :‬وهذا العلم هو الذي ل يجوز‬
‫كشفهُ ‪ ,‬ول إذاعتهُ ول ادعاَؤهُ ‪ ,‬ومن كشفهُ وأذاعهُ وجبِ قَتلهُ واستحل دمهُ‬
‫وينسبون في ذلك إلى خواص النبوة وخلفاَئهاَ كثيرا كقولهُ ‪:‬‬

‫لقيل لي ‪ :‬أنت ممن يعبد الوثـــناَ‬ ‫ب جوهر علم لو أبوح بهُ‬


‫ياَ رِ ّ‬
‫‪3‬‬
‫يرون أقَبح ماَ يأَتـــونهُ حســــــناَ (‬ ‫ولستحل رِجاَل مسلمون دمي‬
‫ز‬

‫وكاَن كباَرِ المتصوفة يعملون بهذا المبدأ ‪ ,‬ولم يكونوا يظهرون للناَس‬
‫علومهم وأفكاَرِهم كماَ رِوى الكلباَذي عن الجنيد أنهُ قَاَل للشبلي ‪:‬‬
‫) نحن حّبرناَ هذا العلم تحبيرا ‪ ,‬ثم خبأَناَهُ في السراديبِ ‪ ,‬فجئت أنت ‪,‬‬
‫فأَظهرتهُ على رِؤوس المل ‪.‬‬
‫فقاَل ‪ :‬أناَ أقَول وأناَ أسمع ‪ ,‬فهل في الجاَرِين غيري ( ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ونقل الشعراني كذلك عن الجنيد أنهُ ) كاَن يستر كلم أهل الطريق عمن‬
‫ليس منهم ‪ ,‬وكاَن يستتر باَلفقهُ والفتاَء على مذهبِ أبي ثورِ ‪ ,‬وكاَن إذا‬
‫تكلم في علوم القوم أغلق باَب دارِهُ ‪ ,‬وجعل مفتاَحهُ تحت ورِكهُ ( ‪. 5‬‬

‫وأيضاَ رِوى عن الشاَذلي أنهُ كاَن يقول ‪:‬‬

‫‪ 1‬أيضا ‪.‬‬
‫‪ 2‬غيث المواهب العلية للنفزي الرندي ج ‪ 1‬ص ‪. 214‬‬
‫‪ 3‬روضة التعريف بالحب الشريف ص ‪. 432‬‬
‫‪ 4‬التعرف لمذهب أهل التصوف للكلباذي ص ‪ 172‬ط القاهرة ‪.‬‬
‫‪ 5‬اليواقيت والجواهر للشعراني ج ‪ 2‬ص ‪ 93‬ط مصطفى البابي الحلبي مصر ‪ 1378‬هـ ‪.‬‬
‫‪195‬‬
‫) امتنعت عني الرؤياَ لرسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬ثم رِأيتهُ ‪ ,‬فقلت ‪:‬‬
‫ياَ رِسول اللهُ ‪ ,‬ماَذ نبي ؟ فقاَل ‪ :‬إنك لست بأَهل لرؤيتناَ لنك تطلع الناَس‬
‫على أسرارِناَ ( ‪. 6‬‬

‫والصوفية يكتمون آرِاءهم ومعتقداتهم عن غيرهم ‪ ,‬ويوصاون مريديهم في‬


‫كتبهم ومؤلفاَتهم التي كتبت للخاَصاة وخاَصاة الخاَصاة ‪ ,‬فاَلصوفي الشهير‬
‫عبد السلم الفيتورِي يكتبِ في كتاَبهُ ) الوصاية الكبرى ( ‪:‬‬
‫) إخواني ‪ ,‬وسنذكر لكم كلماَ في المغيباَت لكن يجبِ المساَك عنهاَ إل‬
‫لهلهُ الذين يكتمونهُ ‪ ,‬ول ينبغي إظهاَرِهُ للسفهاَء الذين يلحقون بهُ إلى‬
‫المراء والجباَبرة وأهل الدنياَ ( ‪. 2‬‬

‫وهناَك نص مهم جدا ذكرهُ الشعراني يقطع في هذا الموضوع فيقول ‪:‬‬
‫وكاَن بعض العاَرِفين يقول‬
‫) نحن قَوم يحرم النظر في كتبناَ على من لم يكن من أهل طريقتناَ ‪,‬‬
‫وكذلك ل يجوز لحد أن ينقل كلمناَ إل لمن يؤمن بهُ ‪ ,‬فمن نقلهُ إلى من ل‬
‫يؤمن بهُ دخل هو والمنقول إليهُ جهنم النكاَرِ ‪ ,‬وقَد صارح بذلك أهل اللهُ‬
‫تعاَلى على رِؤوس الشهاَد وقَاَلوا ‪:‬‬
‫من باَح باَلسّر استحق القتل ( ‪. 3‬‬

‫وقَد ذكر الدباَغ حكاَياَت كثيرة عن الذين لم يكتموا السّر فاَبتلهم اللهُ ببلياَ‬
‫عديدة ‪ ,‬من القتل والصلبِ والحرق والعمى وغير ذلك ‪. 4‬‬

‫وكاَن منهم الحلج ‪ ,‬لنهُ لم يقتل إل لفشاَء سّرهُ ‪. 5‬‬

‫وكماَ يروون أن الخضر عبر على الحلج وهو مصلوب ‪ ,‬فقاَل لهُ الحلج ‪:‬‬
‫) هذا جزاء أولياَء اللهُ ؟‬
‫ت( ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫فقاَل لهُ الخضر ‪ :‬نحن كتمناَ فسلمناَ ‪ ,‬وأنت بحت فم ّ‬

‫وكماَ رِووا عن أبي بكر الشبلي أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) كنت أناَ والحسين بن منصورِ شيئاَ واحدا إل أنهُ أظهر وكتمت ( ‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫وننقل أخيرا أن أحمد بن زرِوق ‪ ,‬وابن عجيبة ذكرا عن الجنيد أنهُ كاَن يجيبِ‬
‫عن المسأَلة الواحدة بجوابين مختلفين ‪ ,‬فكاَن يجيبِ هذا بخلف ماَ يجيبِ‬
‫ذاك ‪. 8‬‬

‫هذا عين ماَ رِواهُ الشيعة على محمد الباَقَر كماَ ذكر الكليني عن زرِارِة بن‬
‫أعين أنهُ قَاَل ‪:‬‬

‫انظر الطبقات للشعراني ج ‪ 2‬ص ‪. 75‬‬ ‫‪6‬‬

‫الوصية الكبرى لعبد السلم السمر الفيتوري ص ‪ " 105‬مكتبة النجاح طرابلس ليبيا الطبعة الولى ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫اليواقيت والجواهر للشعراني ص ‪ 17‬ط مصطفى البابي الحلبي مصر ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫انظر البريز للدباغ ص ‪. 12‬‬ ‫‪4‬‬

‫انظر تذكرة الولياء لفريد الدين العطار ص ‪ 252‬ط باكستان ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫شرح حال الولياء لعز الدين المقدسي مخطوط ورقة ‪. 251‬‬ ‫‪6‬‬

‫أربعة نصوص ص ‪ 19‬بتحقيق ماسينيون ط باريس ‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫انظر قواعد التصوف لبن زروق ص ‪ . 11‬ط القاهرة ‪ ,‬أيضا إيقاظ الهمم لبن عجيبة ص ‪. 144‬‬ ‫‪8‬‬
‫‪196‬‬
‫) سأَلت أباَ جعفر عن مسأَلة فأَجاَبني ‪ ,‬ثم جاَءهُ رِجل فسأَلهُ عنهاَ فأَجاَبهُ‬
‫بخلف ماَ أجاَبني ‪ .‬ثم جاَء رِجل آخر فأَجاَبهُ بخلف ماَ أجاَبني وأجاَب صااَحبي‬
‫‪ ,‬فلماَ خرج الرجلن قَلت ‪ :‬ياَ ابن رِسول اللهُ ‪ ,‬رِجلن من أهل العراق من‬
‫شيعتكم قَدماَ يسأَلن فأَجبت كل واحد منهماَ بغير ماَ أجبت بهُ صااَحبهُ ؟‬

‫فقاَل ‪ :‬ياَ زرِارِة ‪ ,‬إن هذا خير لناَ وأبقى لناَ ولكم ‪ ,‬ولو اجتمعتم على أمر‬
‫دقَكم الناَس عليناَ ‪ ,‬ولكاَن أقَل لبقاَئناَ وبقاَئكم ‪.‬‬
‫واحد لص ّ‬
‫قَاَل ‪ :‬ثم قَلت لبي عبد اللهُ عليهُ السلم ‪ :‬شيعتكم لو حملتموهم على‬
‫السنة أو على الناَرِ لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين ‪ ,‬قَاَل ‪:‬‬
‫فأَجاَبني بمثل جواب أبيهُ ( ‪. 1‬‬

‫فهذا هو المبدأ الخطير الخر الذي أخذهُ المتصوفة من الشيعة ليكونوا حزباَ‬
‫سّرياَ يعمل في الخفاَء لهدم مباَدئ السلم وتعاَليمهُ ‪ ,‬ولتأَسيس دياَنة‬
‫جديدة تعمل لتوهين القوى السلمية ونشاَط المسلمين لنشر الكتاَب‬
‫والسنة ‪ ,‬والتقاَعد عن الجهاَد والغزوات ‪ ,‬وبناَء المجتمع السلمي على‬
‫أسس كتاَب اللهُ وسنة رِسولهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬وقَد وضعناَهُ أماَم‬
‫الباَحثين والقراء مع المقاَرِنة بين أفكاَرِ الخذين والذين أخذ عنهم ‪,‬‬
‫معتمدين على أوثق الكتبِ وأثبتهاَ وأهمهاَ لدى الطرفين ‪.‬‬

‫الصول من الكافي كتاب فضل العلم باب اختلف الحديث ج ‪ 1‬ص ‪ . 65‬ط طهران ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪197‬‬

‫ن‬
‫والَبـاَطِ ُ‬
‫هـُر َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظاَ ِ‬
‫وأماَ الفكرة الخرى التي تسربت إلى التصوف من التشيع ‪ ,‬واعتنقهاَ‬
‫الصوفية بتماَمهاَ هي فكرة تقسيم الشريعة إلى الظاَهر والباَطن ‪ ,‬والعاَم‬
‫والخاَص ‪.‬‬

‫ومنهاَ تدّرِجت وتطرقَت إلى التأَويل الباَطني والتفسير المعنوي ‪ ,‬وتفريق‬


‫المسلمين بين العاَمة والخاَصاة ‪ ,‬فإن الشيعة بجميع فرقَهاَ ‪ ,‬وخاَصاة‬
‫السماَعيلية منهم يعتقدون أن لكل ظاَهر باَطناَ ‪ ,‬وقَد اختص بمعرفة‬
‫ي رِضي اللهُ عنهُ ‪ ,‬وأولدهُ أي أئمتهم المعصومون حسبِ زعمهم‬ ‫الباَطن عل ّ‬
‫موا الموالين لهم باَلخاَصاة ‪ ,‬وغير المؤمنين بهذهُ الفكرة باَلعاَمة ‪.‬‬
‫‪ ,‬فس ّ‬

‫فلقد قَاَلوا ‪:‬‬


‫س عليهُ ‪,‬‬
‫د لكل محسوس من ظاَهر وباَطن ‪ ,‬فظاَهرهُ ماَ تقع الحوا ّ‬ ‫)ل ب ّ‬
‫وباَطنهُ يحويهُ ويحيط العلم بهُ بأَنهُ فيهُ ‪ ,‬وظاَهرهُ مشتمل عليهُ ( ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وكذبوا على رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫ي آية إل ولهاَ ظهر وبطن ‪ ,‬ولكل حرف حدّ ‪ ,‬ولكل حدّ مطلع (‬ ‫‪ )2‬ماَ نزلت عل ّ‬
‫‪.‬‬

‫ي حيث قَاَلوا ‪:‬‬ ‫ثم قَسموا الظاَهر والباَطن بين النبي والوصا ّ‬
‫) كاَنت الدعوة الظاَهرة قَسط الرسول صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ ‪ ,‬والدعوة‬
‫الباَطنة قَسط وصاّيهُ الذي فاَض منهُ جزيل النعاَم ( ‪. 3‬‬

‫ثم قَاَلوا ‪:‬‬


‫) إن الظاَهر هو الشريعة ‪ ,‬والباَطن هو الحقيقة ‪ ,‬وصااَحبِ الشريعة هو‬
‫ي بن أبي‬
‫ي عل ّ‬
‫الرسول‪ 4‬محمد صالوات اللهُ عليهُ ‪ ,‬وصااَحبِ الحقيقة هو الوصا ّ‬
‫طاَلبِ ( ‪.‬‬

‫هذا ولقد فصلناَ القول في ذلك في كتاَبناَ ) السماَعيلية القدامى تاَرِيخ‬


‫وعقاَئد ( حيث بوبناَ باَباَ مستقل لبياَن هذهُ العقيدة الخطرة للتلعبِ‬
‫بنصوص القرآن والسنة فمن أرِاد الستزادة فليرجع إليهُ ‪.‬‬

‫وأن الشيعة الخرين كاَلشيعة الثني عشرية يقولون بهذا القول كماَ رِوى‬
‫كلينيهم في كاَفّيهُ عن موسى الكاَظم – الماَم الساَبع عندهم – أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) إن القرآن لهُ ظهر وبطن ( ‪. 5‬‬

‫وأيضاَ ماَ رِواهُ ابن باَبويهُ القمي عن علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ في‬
‫حديث طويل أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫كتاب أساس التأويل للنعمان القاضي ص ‪ . 28‬ط دار الثقافة بيروت ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫أعلم النبوة لبي حاتم الرازي تحقيق صلح الصادي ‪ .‬ط انجمن فلسفة إيران ‪ 1397‬هـ ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫كتب الذخيرة في الحقيقة للداعي السماعيلي علي بن الوليد المتوفى سنة ‪ 612‬هـ ص ‪ . 113‬ط دار الثقافة بيروت ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫انظر الفتخار للداعي أبي يعقوب السجستاني ص ‪ . 71‬ط لبنان ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫انظر كتاب الحجة من أصول الكافي للكليني ج ‪ 1‬ص ‪ . 374‬ط طهران ‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪198‬‬
‫) إن رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وآلهُ علمني ألف باَب من العلم يفتح كل‬
‫باَب ألف باَب ‪ ,‬ولم يعلم ذلك أحد غيري ( ‪. 1‬‬

‫ويقولون ‪ :‬أن هذهُ العلوم توارِثهاَ أئمتهم بعدهُ ‪ ,‬فعلى ذلك يقول الكليني‬
‫دث الشيعة في خطبهُ كتاَبهُ ‪:‬‬ ‫مح ّ‬
‫) فأَوضح اللهُ بأَئمة الهدى من أهل بيت نبيناَ صالى اللهُ عليهُ وآلهُ عن دينهُ ‪,‬‬
‫وأبلج بهم عن سبيل مناَهجهُ ‪ ,‬وفتح بهم عن باَطن يناَبيع علمهُ ‪ ,‬وجعلهم‬
‫جاَباَ بينهُ وبين خلقهُ ‪ ,‬والباَب المؤدي‬‫مساَلك لمعرفتهُ ‪ ,‬ومعاَلم لدينهُ ‪ ,‬وح ّ‬
‫إلى معرفة حقهُ ‪ ,‬وأطلعهم على المكنون من غيبِ سرهُ ‪.‬‬

‫كّلماَ مضى منهم إماَم نصبِ لخلقهُ من عقبهُ إماَماَ بّيناَ ‪ ,‬وهاَدياَ نّيرا ‪ ,‬وإماَماَ‬
‫قَّيماَ ‪ ,‬يهدون باَلحق وبهُ يعدلون ( ‪. 2‬‬

‫والجدير باَلذكر أن التفريق بين الشريعة والحقيقة ‪ ,‬وبين الظاَهر والباَطن‬


‫من خواص التشيع إل أنهُ ل توجد طاَئفة شيعية إل وتؤمن بذلك ‪ ,‬وكتبِ‬
‫الفرق والكلم شاَهدة على هذا ‪ ,‬بل أنهم لم يختلفوا فيماَ بينهم في تعيين‬
‫الماَم إل بناَء على هذا المبدأ ‪ ,‬حيث أنهم اختلفوا ‪ ) :‬إلى من أفضى الماَم‬
‫الراحل أسرارِ العلوم واطلعهُ على مناَهج تطبيق الفاَق على النفس ‪,‬‬
‫وتقدير التنزيل على التأَويل ‪ ,‬وتصوير الظاَهر على الباَطن ‪ ,‬لنهم كلهم‬
‫مؤمنون بأَن لكل ظاَهر باَطناَ ‪ ,‬ولكل شخص رِوحاَ ‪ ,‬ولكل تنزيل تأَويل ‪,‬‬
‫ولكل مثاَل حقيقة في هذا العاَلم ( ‪. 3‬‬

‫فحاَصال ماَ قَلناَهُ أن تقسيم الشريعة والعلوم إلى الظاَهر والباَطن من أهم‬
‫الميزات التي تتمّيز بهاَ الشيعة بفرقَهاَ عن الخرين من المسلمين ‪ ,‬وهم‬
‫ولوا بهاَ متأَثرين باَليهودية التي استقوا منهاَ أفكاَرِهم ‪ ,‬بوساَطة‬
‫الذين تق ّ‬
‫عبد اللهُ بن سباَ اليهودي ‪ ,‬المؤسس الحقيقي الول لدياَنتهم ومذهبهم ‪.‬‬

‫ثم أخذ المتصوفة بدورِهم أفكاَرِ الشيعة ومعتقداتهم ‪ ,‬فآمنوا بهاَ‬


‫واعتقدوهاَ ‪ ,‬وجعلوهاَ من الصاول والقواعد لعصاَبتهم ‪ ,‬فقاَلوا مثل ماَ قَاَلهُ‬
‫الشيعة والفرق الباَطنية ‪:‬‬
‫) العلوم ثلثة ‪ :‬ظاَهر ‪ ,‬وباَطن ‪ ,‬وباَطن الباَطن ‪ ,‬كماَ أن النساَن لهُ ظاَهر ‪,‬‬
‫وباَطن ‪ ,‬وباَطن الباَطن ‪.‬‬
‫فعلم الشريعة ظاَهر ‪ ,‬وعلم الطريقة باَطن ‪ ,‬وعلم الحقيقة باَطن الباَطن (‬
‫‪.4‬‬

‫وقَاَل الطوسي أبو نصر السراج ‪:‬‬


‫) إن العلم ظاَهر وباَطن ‪ ...‬ول يستغني الظاَهر عن الباَطن ‪ ,‬ول الباَطن عن‬
‫دوهُ إلى الرسول وإلى أولي المر‬ ‫الظاَهر ‪ ,‬وقَد قَاَل اللهُ عز وجل ‪ :‬ولو رِ ّ‬
‫منهم لعلمهُ الذين يستنبطونهُ منهم ‪ :‬فاَلمستنبط هو العلم الباَطن ‪ ,‬وهو‬
‫علم أهل التصوف ‪ ,‬لن لهم مستنبطاَت من القرآن والحديث وغير ذلك ‪...‬‬

‫كتاب الخصال لبن بابويه القمي أبواب السبعين وما فوقه ص ‪ . 572‬ط مكتبة الصدوق ‪ 1389‬هجري قمري ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫الصول من الكافي خطبة الكتاب ج ‪ 1‬ص ‪. 4‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر الملل والنحل للشهرستاني ج ‪ 1‬ص ‪ 201‬بهامش الفصل لبن حزم ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫انظر الفتوحات اللهية لبن عجيبة ص ‪. 333‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪199‬‬
‫فاَلعلم ظاَهر وباَطن ‪ ,‬والقرآن ظاَهر وباَطن ‪ ,‬وحديث رِسول اللهُ صالى‬
‫اللهُ عليهُ وسلم ظاَهر وباَطن ‪ ,‬والسلم ظاَهر وباَطن ( ‪. 1‬‬

‫وذكر المتصوفة نفس تلك الرواية التي نقلهاَ الشيعة والسماَعيلية ‪,‬‬
‫وهي ‪:‬‬
‫) لكل آية ظاَهر وباَطن ‪ ,‬وحدّ ومطلع ( ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ولم يكن التشاَبهُ والتوافق مع الشيعة ‪ ,‬والستفاَدة والقَتباَس منهم‬


‫منحصرا في هذا فحسبِ ‪ ,‬بل كاَن هناَك تجاَنس وتداخل في أكثر من هذا ‪,‬‬
‫حيث قَاَلوا باَختصاَص علي رِضي اللهُ عنهُ دون الخرين بعلم الباَطن ‪ ,‬فقاَل‬
‫قَاَئلهم ‪:‬‬
‫) إن جبريل عليهُ السلم نزل على رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم أول‬
‫باَلشريعة ‪ ,‬فلماَ تقررِت ظواهر الشريعة واستقرت نزل إليهُ باَلحقيقة‬
‫المقصودة ‪ ,‬والحكمة المرجوة من أعماَل الشريعة ‪ ,‬هي ‪ :‬اليماَن‬
‫والحساَن ‪ ,‬فخص رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم بباَطن الشريعة بعض‬
‫أصاحاَبهُ دون البعض ‪.‬‬

‫وكاَن أول من أظهر علم القوم وتكلم فيهُ سيدناَ علي كرم اللهُ وجههُ عن‬
‫رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ...‬ثم انتشر هذا الطريق انتشاَرِا ل‬
‫ينقطع حتى ينقطع عمر الدنياَ ( ‪. 3‬‬

‫وأورِدوا في كتبهم تلك الرواية الشيعية بعينهاَ ‪ ,‬التي نحن ذكرناَهاَ منهم‬
‫عن علي رِضي اللهُ عنهُ أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) علمني رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم سبعين باَباَ من العلم لم يعلم‬
‫ذلك أحد غيري ( ‪. 4‬‬

‫وهناَك رِواياَت شيعية أخرى كثيرة أورِدهاَ المتصوفة في كتبهم ومؤلفاَتهم‬


‫‪ ,‬مؤيدين لهاَ ‪ ,‬مؤمنين بهاَ ‪ ,‬مستدلين منهاَ ‪ ,‬مثل هذا الحديث الموضوع ‪:‬‬
‫) أناَ مدينة العلم وعلي باَبهاَ ( ‪. 5‬‬

‫ومنهاَ ماَ رِووهُ عن أبي سعيد الخدرِي رِضي اللهُ عنهُ كذباَ عليهُ أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) كناَ نمشي مع النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم فاَنقطع نعلهُ ‪ ,‬فتناَولهاَ علي‬
‫يصلحهاَ ‪ ,‬ثم مشى ‪ ,‬فقاَل ‪:‬‬
‫) ياَ أيهاَ الناَس ‪ ,‬إن منكم من يقاَتلهُ علي على تأَويل القرآن كماَ قَاَتلت‬
‫على تنزيلهُ ( ‪. 6‬‬

‫‪ 1‬كتاب اللمع للطوسي ص ‪. 44 , 43‬‬


‫‪ 2‬لطائف المنن لبن عطاء الله السكندري ص ‪ 248‬بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود ‪ .‬ط مطبعة حسان القاهرة ‪ 1974‬م‬
‫‪ ,‬أيضا عوارف المعارف للسهروردي ص ‪ , 25‬أيضا روضة التعريف للسان الدين بن الخطيب ص ‪ , 431‬أيضا إيقاظ الهمم‬
‫لبن عجيبة ص ‪ , 461‬ومثله في جمهرة الولياء للمنوفي ج ‪ 1‬ص ‪ , 160‬تفسير ابن عربي ج ‪ 1‬ص ‪. 2‬‬
‫‪ 3‬جمهرة الولياء لبي الفيض المنوفي الحسيني ج ‪ 1‬ص ‪. 159‬‬
‫‪ 4‬انظر درر الغواص على فتاوى سيدي علي الخواص ص ‪ 73‬بهامش البريز للدباغ ‪ .‬ط مصر ‪.‬‬
‫‪ 5‬انظر مطالع المسرات لمحمد المهدي بن أحمد ‪ .‬ط مصطفى البابي الحلبي ‪1970‬م ‪.‬‬
‫‪ 6‬جمهرة الولياء لبن الفيض المنوفي الحسيني ج ‪ 2‬ص ‪. 28‬‬
‫‪200‬‬
‫ومثل ذلك ذكر عبد الرحمن الصفورِي في كتاَبهُ ) نزهة المجاَلس ومنتخبِ‬
‫النفاَئس ( ‪. 7‬‬

‫وقَاَل ابن الفاَرِض في تئيتهُ ‪:‬‬


‫ي بعلم ماَ ناَلهُ باَلوصايـــــة ( ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫عل ّ‬ ‫) وأوضح باَلتأَويل ماَ كاَن مشكل‬

‫وهذا تشيع محض بدون شك ول شبهة ‪.‬‬

‫م‬
‫ع ّ‬
‫وكذلك ماَ قَاَلهُ ابن عربي في تفسيرهُ مفسرا قَول اللهُ عز وجل ‪َ } :‬‬
‫ظيم ِ { ‪.‬‬ ‫ن الن ّب َإ ِ ال ْ َ‬
‫ع ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ساَءُلو َ‬
‫ن‪َ 0‬‬ ‫ي َت َ َ‬
‫) إنهُ القياَمة الكبرى ‪ ,‬ولهذا قَيل ‪ :‬إن أمير المؤمنين علي هو النبأَ‬
‫العظيم ‪ ,‬وهو فلك نوح أي الجمع والتفصيل – باَعتباَرِ الحقيقة والشريعة –‬
‫لكونهُ جاَمعاَ لهماَ ( ‪. 3‬‬

‫وعلى ذلك قَاَل الهجويري ‪:‬‬


‫) علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ هو ابن عم المصطفى ‪ ,‬وغريق بحر‬
‫البلء ‪ ,‬وحريق ناَرِ الولء ‪ ,‬وقَدرِة الولياَء والصافياَء أبو الحسن علي بن أبي‬
‫طاَلبِ كرم اللهُ وجههُ ‪.‬‬
‫ولهُ في هذهُ الطريقة شأَن عظيم ‪ ,‬ودرِجة رِفيعة ‪ .‬وكاَن لهُ حظ تاَم في‬
‫د أن قَاَل الجنيد رِحمهُ اللهُ ‪ :‬شيخناَ‬‫دقَة التعبير عن أصاول الحقاَئق إلى ح ّ‬
‫في الصاول والبلء علي المرتضى رِضي اللهُ عنهُ ‪.‬‬

‫أي أن علياَ رِضي اللهُ عنهُ هو إماَم هذهُ الطريقة في العلم والمعاَملة ‪,‬‬
‫فأَهل الطريقة يطلقون على علم الطريقة اسم الصاول ‪ ,‬ويسمون تحمل‬
‫البلء فيهاَ باَلمعاَملت ( ‪. 4‬‬

‫ي الروذباَرِي أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫والطوسي قَاَل نقل عن أبي عل ّ‬
‫ي‬‫) سمعت جنيدا رِحمهُ اللهُ يقول ‪ :‬رِضوان اللهُ على أمير المؤمنين عل ّ‬
‫رِضي اللهُ عنهُ ‪ ,‬لول أنهُ اشتغل باَلحروب لفاَدناَ من علمناَ هذا معاَني كثيرة‬
‫‪ ,‬ذاك امرؤ أعطى علم اللدّني ‪ ,‬والعلم اللدّني هو العلم الذي خص بهُ الخضر‬
‫عليهُ السلم ‪ ,‬قَاَل اللهُ تعاَلى ‪ :‬وعلمناَهُ من لدّناَ علماَ ( ‪. 5‬‬

‫ثم نقل عن علي رِضي اللهُ عنهُ أشياَء وقَاَل بعدهُ ‪:‬‬
‫) ولعلي رِضي اللهُ عنهُ أشباَهُ في ذلك كثير من الحوال والخلق والفعاَل‬
‫التي يتعلق بهاَ أرِباَب القلوب وأهل الشاَرِات وأهل المواجيد من‬
‫الصوفية ( ‪. 6‬‬

‫‪ 7‬انظر ص ‪ . 209‬ط دار الكتب العلمية بيروت لبنان ‪.‬‬


‫‪ 2‬ديوان ابن الفارض ص ‪ . 81‬ط مكتبة القاهرة ‪ 1399‬هـ ‪.‬‬
‫‪ 3‬تفسير ابن عربي ج ‪ 2‬ص ‪. 184‬‬
‫‪ 4‬كشف المحجوب للهجويري ترجمة عربية ص ‪. 274 , 273‬‬
‫‪ 5‬كتاب اللمع للطوسي ص ‪ . 179‬ط دار الكتب الحديثة مصر ‪.‬‬
‫‪ 6‬أيضا ص ‪. 182‬‬
‫‪201‬‬
‫فهذهُ العباَرِات كلهاَ لم تكن مقتبسة منقولة من التشيع و بل إنهاَ شيعية‬
‫وصارفة ‪.‬‬
‫وبعد هذا كلهُ نريد أن نبّين توغل الصوفية في علم الباَطن وعلقَتهم بهُ ‪,‬‬
‫وسببِ إلتجاَئهم إليهُ ‪ ,‬فنقول ‪:‬‬
‫) إن الصوفية يقولون ‪ :‬إن علم الباَطن المسمى بعلم القلبِ وبعلم‬
‫ل العلوم وأشرفهاَ ‪ ,‬وهو‬ ‫التصوف ‪ ,‬علم جليل شريف نفيس ‪ ,‬وهو أج ّ‬
‫الزبدة الممخوضة من الشريعة التي لم تبعث النبياَء عليهم السلم إل‬
‫لجلهاَ ‪ ...‬وهو علم طريق الخرة ‪ ,‬وهو العلم الذي درِج عليهُ السلف الصاَلح‬
‫من الصحاَبة والتاَبعين وتاَبعيهم ‪ ,‬وهو العلم الذي لم يبعث اللهُ النبياَء إل‬
‫لجلهُ ‪ .‬وقَد سماَهُ اللهُ تعاَلى في كتاَبهُ فقهاَ وعلماَ وضياَء ونورِا وهدى‬
‫صاَ‬
‫ورِشدا ‪ ,‬وهو مستخرج من القرآن والسنة ‪ ,‬ومدلول عليهُ منهماَ ن ّ‬
‫وتصريحاَ وتلويحاَ وكتاَبة وإشاَرِة وغير ذلك من أصاناَف الدللة ‪.‬‬

‫قَاَل الغزالي ‪ :‬علم الباَطن هو علم يقين المقربين ‪ ,‬وثمرتهُ الفوز برضاَ‬
‫اللهُ تعاَلى ‪ ,‬ونيل سعاَدة البد ‪ ,‬وبهُ تزكية النفس وتطهيرهاَ ‪ ,‬وتنوير القلبِ‬
‫وصافاَؤهُ بحيث ينكشف بذلك النورِ أمورِ جليلة ‪ ,‬ويشهد أحوال عجيبة ‪,‬‬
‫ويعاَين ماَ نمت عنهُ بصيرة ( ‪. 1‬‬

‫وقَاَلوا ‪:‬‬
‫إل كجـــــسم فيهُ رِوح ســـــاَكن‬ ‫) هل ظاَهر الشرع وعلم الباَطــن‬
‫والعلم الباَطن هو علم الربوبية ( ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫والعلم الظاَهر هو علم العبودية‬

‫وقَاَلوا ‪:‬‬
‫)ل تجعلوا أحدا من أهل الظاَهر حجة على أهل الباَطن ( ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وخلصاة هذا أن علم الباَطن هو التصوف بعينهُ ‪ ,‬وهو ماَ أشاَرِ الكلباَذي نقل‬
‫عن عبد الواحد بن زيد أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫) سأَلت الحسن عن علم الباَطن فقاَل ‪ :‬سأَلت حذيفة بن اليماَن عن علم‬
‫الباَطن فقاَل ‪ :‬سأَلت رِسول اللهُ عن علم الباَطن فقاَل ‪ :‬سأَلت جبريل عن‬
‫علم الباَطن فقاَل ‪ :‬سأَلت اللهُ عز وجل عن علم الباَطن فقاَل هو سّر من‬
‫سّري ‪ ,‬أجعلهُ في قَلبِ عبدي ‪,‬ل يقف عليهُ أحد من خلقي ‪.‬‬
‫قَاَل أبو الحسن بن أبي ذرِ قَي كتاَبهُ منهاَج الدين أنشدوناَ للشلبي ‪:‬‬

‫ي‬
‫ي رِبــــــوب ‪ّ 4‬‬
‫ي ســــــــماَو ّ‬
‫علم سن ّ‬ ‫علم التصوف ل نفــــاَذ لــهُ‬
‫أهل الجزالة والصنع الخصوصاي ( ‪.‬‬ ‫فيهُ الفوائد للرِباَب يعرفهاَ‬

‫وباَلغوا في مدحهُ حتى قَاَلوا ‪:‬‬


‫) سئل بعض العلماَء عن علم الباَطن ‪ :‬أي شيء هو ؟‬

‫‪ 1‬حياة القلوب في كيفية الوصول إلى المحبب لعماد الدين الموي ج ‪ 1‬ص ‪ 261 , 259‬بهامش قوت القلوب لبي طالب‬
‫المكي ‪ .‬ط دار صادر بيروت ‪.‬‬
‫‪ 2‬الفتوحات اللهية لبن عجيبة ص ‪. 333‬‬
‫‪ 3‬قواعد التصوف ‪.‬‬
‫‪ 4‬التعرف لمذهب أهل التصوف للكلباذي ص ‪. 106 , 105‬‬
‫‪202‬‬
‫فقاَل ‪ :‬سّر من سّر اللهُ تعاَلى يقذفهُ في قَلوب عباَدهُ لم يطلع عليهُ ملكاَ‬
‫ول بشرا ( ‪. 5‬‬

‫و ) علم الباَطن سر من أسرارِ اللهُ ( ‪. 2‬‬

‫وكذب الخر على رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم حيث نسبِ هذا الكلم‬
‫إليهُ صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ فقاَل ‪:‬‬
‫) علم الباَطن سر من أسرارِ اللهُ تعاَلى وحكمة من حكمتهُ يقذفهُ في قَلوب‬
‫من يشاَء من عباَدهُ ( ‪. 3‬‬

‫ولقد بين داود القيصري من هم أصاحاَب العلم الباَطن ‪ ,‬وماَ هي قَيمتهم‬


‫ومنزلتهم مقاَبل أصاحاَب الظاَهر ‪ ,‬شاَرِحاَ مبّيناَ الحديث الموضوع الذي‬
‫ذكرناَ فيماَ سبق ‪ ,‬فيقول ‪:‬‬
‫) ولماَ كاَن للكتاَب ظهر وبطن وحد ومطلع ‪ ,‬كماَ قَاَل عليهُ السلم ‪ ) :‬إن‬
‫للقرآن ظهرا ً وبطناَ ً وحدا ً ومطلعاَ ً ( ‪ ,‬وقَاَل عليهُ السلم ‪ ) :‬إن للقرآن بطناَ ً‬
‫ولبطنهُ بطناَ ً ‪ ,‬إلى سبعة أبطن ( وفي رِواية ) إلى سبعين بطناَ ً ( ‪ ,‬وظهرهُ ‪:‬‬
‫ماَ يفهم من ألفاَظهُ ويسبق الذهن إليهُ ‪ .‬وبطنهُ ‪ :‬المفهوماَت اللزمة‬
‫دهُ ‪ :‬ماَ إليهُ ينتهي غاَية إدرِاك الفهوم والعقول ‪ ,‬ومطلعهُ ‪:‬‬ ‫للنظر الول ‪ .‬وح ّ‬
‫ماَ يدرِك منهُ على سبيل الكشف والشهود ‪ ,‬من السرارِ اللهية والشاَرِات‬
‫الرباَنية ‪ .‬والمفهوم الول ‪ ,‬الذي هو الظهر ‪ ,‬للعوام والخواص ‪.‬‬
‫والمفهوماَت اللزمة لهُ ) هي ( للخواص ول مدخل فيهاَ للعوام ‪ .‬والحدّ‬
‫للكاَملين ‪ .‬والمطلع لخلصاة أخص الخواص كأَكاَبر الولياَء ‪ .‬وكذلك التقسيم‬
‫في الحاَديث القدسية والكلماَت النبوية ‪ :‬فإن لكل من العوام والخواص‬
‫وأخص الخواص فيهاَ إنباَءات رِحماَنية وإشاَرِات إلهية – من اجل هذا كلهُ –‬
‫كاَن للشريعة ظاَهر وباَطن ‪.‬‬

‫) ومراتبِ العلماَء أيضاَ فيهماَ متكثرة ‪ .‬ففيهم فاَضل ومفضول ‪ ,‬وعاَلم‬


‫وأعلم ‪ ,‬والذي نسبتهُ إلى نبيهُ أتم وقَربهُ من رِوحهُ أقَوى ‪ ,‬كاَن علمهُ بظاَهر‬
‫شريعتهُ وباَطنهاَ أكمل ‪ .‬والعاَلم باَلظاَهر والباَطن منهُ أحق أن يتبع ‪ ,‬لغاَية‬
‫قَربهُ من نبيهُ ‪ ,‬وقَوة علمهُ بربهُ ‪ ,‬وأحكاَمهُ ‪ ,‬وكشفهُ حقاَئق الشياَء ‪,‬‬
‫وشهودهُ إياَهاَ ‪ .‬ثم من هو دونهُ في المرتبة إلى أن ينزل إلى مرتبة علماَء‬
‫الظاَهر فقط ( ‪. 4‬‬

‫و ) هو العلم المخزون والعلم اللدني الذي اختزنهُ عندهُ ‪ ,‬فلم يؤتهُ إل‬
‫للمخصوصاين من الولياَء كماَ قَاَل اللهُ تعاَلى في شأَن الخضر عليهُ‬
‫السلم ‪ :‬وعّلمناَهُ من لدناَ علماَ ‪ ...‬وقَاَل بعضهم ‪ :‬هي أسرارِ اللهُ تعاَلى‬
‫يبديهاَ اللهُ إلى أنبياَئهُ وأولياَئهُ وساَدات النبلء من غير سماَع ول درِاسة ‪,‬‬
‫وهي من السرارِ التي لم يطلع عليهاَ أحد إل الخواص ‪.‬‬
‫وقَاَل أبو بكر الواسطي رِضي اللهُ عنهُ في قَولهُ تعاَلى ‪ :‬والراسخون في‬
‫العلم ‪ :‬وهو الذين رِسخوا بأَرِواحهم في غيبِ الغيبِ ‪ ,‬وفي سر السر ‪,‬‬
‫فعرفهم ماَ عرفهم ‪ ,‬وخاَضوا في بحر العلم باَلفهم لطلبِ الزياَدة ‪,‬‬
‫قوت القلوب لبي طالب المكي ج ‪ 1‬ص ‪. 120‬‬ ‫‪5‬‬

‫جامع الصول في الولياء للكمشخانوي ص ‪. 258‬‬ ‫‪2‬‬

‫جمهرة الولياء للمنوفي الحسيني ج ‪ 1‬ص ‪. 88‬‬ ‫‪3‬‬

‫مقدمة التائية الكبرى للقيصري مخطوط ص ‪ 208 , 207‬المنقول من ملحقات كتاب ختم الولياء ص ‪. 493‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪203‬‬
‫فاَنكشف لهم من مذخورِ الخزائن والمخزون تحت كل حرف وآية من الفهم‬
‫وعجاَئبِ النظر بحاَرِا ‪ ,‬فاَستخرجوا الدرِرِ والجوهر ‪ ,‬ونطقوا باَلحكمة ( ‪. 1‬‬

‫وقَاَلوا ‪:‬‬
‫) أهل الظاَهر هم ‪ :‬أهل الخبر واللساَن ‪ ,‬وعلماَء الباَطن هم ‪ :‬أرِباَب القلوب‬
‫والعياَن ‪ ...‬وعلم الظاَهر حكم ‪ ,‬وعلم الباَطن حاَكم ‪ ,‬والحكم موقَوف حتى‬
‫يأَتي الحاَكم بحكم فيهُ ( ‪. 2‬‬

‫و ) أهل الظاَهر هم أهل الشريعة ‪ ,‬وأهل الباَطن هم أهل الحقيقة ( ‪. 3‬‬


‫وأماَ سببِ التجاَء المتصوفة إلى علم الباَطن ‪ ,‬ومنهُ إلى التأَويل هو أن‬
‫الصوفية لم يجدوا في القرآن والسنة ماَ يمكن أن يكون سندا لهم على‬
‫منهجهم ومسلكهم ‪ ,‬ودليل على طرقَهم التي اختاَرِوهاَ ‪ ,‬والمناَهج التي‬
‫اخترعوهاَ للوصاول إلى اللهُ ‪ ,‬والحصول على معرفتهُ ورِضاَئهُ ‪ ,‬فاَلتجأَوا إلى‬
‫علم الباَطن والتأَويل الباَطني كماَ قَاَل نيكلسون ‪:‬‬
‫)ل يمكن أن يكون القرآن أساَساَ لي مذهبِ صاوفي ‪ ,‬ومع ذلك استطاَع‬
‫الصوفية متبعين في ذلك الشيعة أن يبرهنوا بطريقة التأَويل نصوص‬
‫الكتاَب والسنة معنى باَطناَ ل يكشفهُ اللهُ إل للخاَصاة من عباَدهُ الذين‬
‫تشرق هذهُ المعاَني في قَلوبهم في أوقَاَت جدهم ‪ .‬ومن هناَ نستطيع أن‬
‫نتصورِ كيف سهل على الصوفية بعد سلموا بهذا المبدأ أن يجدوا دليل من‬
‫القرآن لكل قَول من أقَوالهم ونظرية من نظرياَتهم أياَ كاَنت ‪ ,‬وأن يقولوا‬
‫إن التصوف ليس في الحقيقة إل العلم الباَطن الذي ورِثهُ علي بن أبي‬
‫طاَلبِ عن النبي ‪ .‬ويلزم من هذا المبدأ أيضاَ ) مبدأ التأَويل ( أن تأَويل‬
‫الصوفية لتعاَليم السلم قَد يأَتي على أنحاَء وأشكاَل ل حصر لعددهاَ ‪,‬‬
‫ورِبماَ أدى إلى تناَقَض في العباَدات والمساَئل العلمية ‪ .‬وكل ذلك مفروض‬
‫صادقَهُ في النوع ل في الدرِجة ‪ ,‬لن معاَني القرآن ل حصر لهاَ ‪ ,‬وهي‬
‫تنكشف لكل صاوفي بحسبِ ماَ منحهُ اللهُ من الستعداد الروحي ‪ .‬ولهذا لم‬
‫تتأَلف من الصوفية فرقَة خاَصاة ‪ ,‬ول كاَن لهم مذهبِ محدود يصح أن نسميهُ‬
‫مذهبِ التصوف ‪ .‬بل إن التعريفاَت العديدة التي وضعت للفظ التصوف‬
‫نفسهُ لتدل على تعدد وجوهُ النظر في فهم معناَهُ ‪.‬‬

‫كذلك الحاَل في موقَف الصوفية من الشريعة ‪ ,‬فإن هذا الموقَف يختلف‬


‫بحسبِ حاَل كل صاوفي ‪ .‬ولذلك تجد بعضهم قَد قَاَم بشعاَئر الدين بكل دقَة‬
‫باَلرغم من أنهم كاَنوا يعتبرون أن صاورِ العباَدات ليس لهاَ من القيمة ماَ‬
‫لعماَل القلوب ‪ ,‬أو أنهاَ ل قَيمة لهاَ البتة إل من حيث دللتهاَ على الحقاَئق‬
‫الروحية ‪ .‬فاَلحج مثل رِمز للبعد عن المعاَصاي ‪ ,‬والحرام خلع الشهوات‬
‫والملذات مع خلع الثياَب ‪ .‬وهذا السلوب من البحث أسلوب معروف عند‬
‫السماَعيلية الباَطنية ‪ ,‬والظاَهر أن الصوفية أخذوهُ عنهم ‪.‬‬

‫وآخرون منهم قَاَلوا برفع التكاَليف الدينية سواء أكاَنوا من الصوفية الذين‬
‫تحررِوا من القيود الشرعية في تفكيرهم وأعماَلهم ‪ ,‬أم من الصوفية‬
‫الصاَدقَين في تصوفهم كاَلملمتية الذين دفعهم الخوف من مدح الناَس‬

‫غيث المواهب العلية للنفزي الرندي ج ‪ 2‬ص ‪. 239 , 238‬‬ ‫‪1‬‬

‫قوت القلوب لي طالب المكي ج ‪ 1‬ص ‪. 158‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر جامع الصول في الولياء للكمشخانوي ص ‪. 258‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪204‬‬
‫إلى الظهورِ فيهم بماَ يستجلبِ الملمة والذم ‪ ,‬أم من ) العاَرِفين ( الذين لم‬
‫يأَبهوا بمظاَهر الشرع ورِسومهُ ول بأَخلق هذا العاَلم الزائل ‪ ....‬وقَد سبق‬
‫أن ذكرناَ أن الصوفية اعتبروا أنفسهم خاَصاة أهل اللهُ الذين منحهم اللهُ‬
‫أسرارِ العلم الباَطن المودع في القرآن والحديث ‪ ,‬وأنهم استعملوا في‬
‫التعبير عن هذا العلم لغة الرمز والشاَرِات التي ل يقوى على فهمهاَ‬
‫غيرهم من المسلمين ( ‪. 1‬‬

‫ولوا بكلماَت كلهاَ كفر وإلحاَد ‪ ,‬ونقل عن الباَطنية‬


‫وسببِ آخر أنهم تق ّ‬
‫والتشيع والفرق الباَطلة الخرى ‪ ,‬فلماَ سمع العلماَء هذهُ المقولت‬
‫كفروهم بهاَ ‪ ,‬ورِموهم باَللحاَد والزندقَة فلم يسعهم آنذاك إل القول‬
‫باَلظاَهر والباَطن ‪ ,‬والهروب إلى التأَويل ‪ ,‬وفي كتبِ التصوف أمثلة كثيرة‬
‫مبعثرة في ذلك ‪.‬‬

‫فمثل الطوسي يذكر متصوفة كثيرين رِموا باَلزندقَة واللحاَد ‪ ,‬ولكنهُ يبّرء‬
‫ساَحتهم من هذهُ التهم بهذهُ المقولة ‪ ,‬فمثل يقول عن عبد اللهُ الحسين‬
‫بن مكي الصبيحي أنهُ ) تكلم بشيء من علم السماَء والصفاَت وعلم‬
‫الحروف فكفرهُ أبو عبد اللهُ الزبيري ‪ ,‬وهّيج عليهُ العاَمة ‪ ,‬فقاَل ‪ :‬إن سهل‬
‫بن عبد اللهُ قَاَل لهُ ‪ :‬نحن فتحناَ للناَس جراب الهلتيت فلم يصبروا عليناَ ‪,‬‬
‫فلم كلمتهم أنت بماَ ل يعرفون ‪ ,‬فكاَن ذلك سببِ خروجهُ من البصرة ‪ ,‬ثم‬
‫قَاَل ‪ :‬وكاَن إذا تكلم بعلوم المعاَرِف يدهش العاَلم ( ‪. 2‬‬

‫ومثل ذلك ذكر أباَ سعيد أحمد بن عيسى الخراز فقاَل ‪:‬‬
‫) أنكر عليهُ جماَعة من العلماَء ‪ ,‬ونسبوهُ إلى الكفر بأَلفاَظ وجدوهاَ في‬
‫كتاَب صاّنفهُ وهو ‪ :‬كتاَب السّر ‪ ,‬فلم يفهموا معناَهُ ‪ ,‬وهو قَولهُ ‪ :‬عبد رِجع‬
‫إلى اللهُ ‪ ,‬وتعلق باَلذكر ‪ ,‬وذكر في قَرب اللهُ وطاَلع ماَ أذن لهُ من التعظيم‬
‫للهُ ‪ ,‬ونسي نفسهُ وماَ سوى اللهُ ‪ ,‬فلو قَلت لهُ ‪ :‬من أين أنت وأين تريد ؟ لم‬
‫يكن جواب غير قَول ) اللهُ ( (‪. 3‬‬

‫هذا ‪ ,‬وذكر الخرين كذلك ‪ ,‬وقَبل ذلك عل ّ‬


‫ل سببِ تكفير العلماَء إياَهم‬
‫بقولهُ ‪:‬‬

‫) فمنهم قَوم لم يفهموا معاَني ماَ أشاَرِوا إليهُ في كلمهم من غاَمض‬


‫العلم وجليل الخطبِ ‪ ,‬ولم يكن لهم زاجر من العقل ول واعظ من الدين أن‬
‫يستبحثوا عن المعاَني التي أشكلت عليهم ويسأَلوا ذلك عن أهلهاَ ‪ ,‬وقَاَسوا‬
‫من ذلك بماَ علموا من العلوم المبثوثة بين عوام الناَس حتى هلكوا ( ‪. 4‬‬

‫والمثلة في هذا الباَب كثيرة ل تعدّ ول تحصى ‪.‬‬

‫وأخيرا يحسن بناَ أن نورِد بعض المثلة للتأَويلت الصوفية في القرآن‬


‫والحديث النبوي الشريف لتماَم الفاَئدة وإكماَل البحث ‪.‬‬

‫في التصوف السلمي وتاريخه لنيكلسون ترجمة عربية لبي العلء العفيفي ص ‪. 77 , 76‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر كتاب اللمع للطوسي ص ‪. 500‬‬ ‫‪2‬‬

‫أيضا ص ‪. 499‬‬ ‫‪3‬‬

‫أيضا ص ‪. 497‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪205‬‬
‫فيذكر ابن عطاَء اللهُ السكندرِي في لطاَئفهُ نقل عن بعض مشاَئخهُ أنهُ‬
‫سر الية } يهبِ لمن يشاَء إناَثاَ { الحسناَت } ويهبِ لمن يشاَء الذكورِ {‬ ‫ف ّ‬
‫العلوم ‪ } ,‬ويجعل من يشاَء عقيماَ {ل علم ول حسنة ‪ ,‬كماَ مضى أيضاَ من‬
‫قَول اللهُ عز وجل ‪ } :‬إن اللهُ يأَمركم أن تذبحوا بقرة { ‪.‬‬
‫فقاَل الشيخ ‪ :‬بقرة كل إنساَن نفسهُ ‪ ,‬واللهُ يأَمرك بذبحهاَ ‪ ,‬وكماَ سيأَتي إن‬
‫شاَء اللهُ في تفسير الحاَديث ‪ ,‬فذلك ليس إحاَلة للظاَهر عن ظاَهرهُ ‪ ,‬ولكن‬
‫ظاَهر الية مفهوم منهُ ماَ جلبت لهُ الية ‪ ,‬ودلت عليهُ في عرف اللساَن ‪,‬‬
‫م أفهاَم باَطنة تفهم عند الية والحديث ‪ ,‬لمن فتح اللهُ على قَلبهُ ( ‪. 1‬‬ ‫وث ّ‬

‫وقَاَل الجيلي مفسرا قَول اللهُ عز وجل ‪ } :‬هل أتى على النساَن حين من‬
‫الدهر لم يكن شيئاَ مذكورِا { يقول في تفسيرهُ ‪:‬‬
‫) اتفقت العلماَء على أن ) هل ( في هذا الموضوع بمعنى قَد ‪ :‬يعني قَد أتى‬
‫النساَن حين من الدهر ‪ ,‬والهر هو اللهُ ‪ ,‬والحين تجل من تجلياَتهُ ) لم يكن‬
‫شيئاَ ( يعني أن النساَن لم يكن شيئاَ ) مذكورِا ( ‪ ,‬ول وجود لهُ في ذلك‬
‫التجلي ‪,‬ل من حيث الوجود العيني ول من حيث العملي ‪ ,‬لنهُ لم يكن شيئاَ‬
‫مذكورِا ‪ ,‬فلم يكن معلوماَ ‪ ,‬وهذا التجلي هو أزل الحق الذي لنفسهُ ( ‪. 2‬‬

‫ول الجيلي الصوم والصلة والزكاَة والحج تأَويل باَطنياَ محضاَ ‪,‬‬ ‫ثم يؤ ّ‬
‫كاَلسماَعيلية تماَماَ ‪ ,‬فيقول ‪:‬‬
‫) وأماَ الصلة فإنهاَ عباَرِة عن واحدية الحق تعاَلى ‪ ,‬وإقَاَمتهاَ إشاَرِة إلى‬
‫إقَاَمة ناَموس الواحدية باَلتصاَف بساَئر السماَء والصفاَت ‪ ,‬فاَلطهر عباَرِة‬
‫عن الطهاَرِة من النقاَئص الكونية ‪ ...‬وقَراءة الفاَتحة إشاَرِة إلى وجود‬
‫كماَلهُ في النساَن لن النساَن هو فاَتحة الوجود ‪....‬‬

‫وأماَ الزكاَة فعباَرِة عن التزكي بإيثاَرِ الحق على الخلق ‪ ...‬وأماَ كونهُ واحدا‬
‫في كل أرِبعين في العين فلن الوجود لهُ أرِبعون مرتبة ‪ ,‬والمطلوب‬
‫المرتبة اللهية ‪ ,‬فهي المرتبة العلياَ ‪ ,‬وهي واحدة من أرِبعين ‪...‬‬

‫وأماَ الصوم فإشاَرِة إلى المتناَع عن استعماَل المقتضياَت البشرية‬


‫ليتصف بصفاَت الصمدية ‪ ,‬فعلى قَدرِ ماَ يمتنع ‪ :‬أي يصوم عن مقتضياَت‬
‫البشرية تظهر آثاَرِ الحق فيهُ ‪...‬‬

‫وأماَ الحج فإشاَرِة إلى استمرارِ القصد في طلبِ اللهُ تعاَلى ‪ ,‬والحرام‬
‫إشاَرِة إلى ترك شهود المخلوقَاَت ‪ ...‬ثم ترك حلق الرأس إشاَرِة إلى ترك‬
‫الرياَسة البشرية ‪ ...‬ثم مكة عباَرِة عن المرتبة اللهية ‪ ,‬ثم الكعبة عباَرِة عن‬
‫الذات ‪ ,‬ثم الحجر السود عباَرِة عن اللطيفة النساَنية ‪ 3 ( ....‬ز‬

‫وبمثل ذلك ذكر الكلباَذي عن بعض مشاَئخهُ أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) معنى الصلة ‪ :‬التجريد عن العلئق ‪ ,‬والتفريد باَلحقاَئق ‪ ,‬والعلئق ماَ سوى‬
‫اللهُ ‪ ,‬والحقاَئق ماَ للهُ ومن اللهُ ‪.‬‬
‫وقَاَل آخر ‪ :‬الصلة وصال ‪.‬‬

‫لطائف المنن لبن عطاء السكندري ص ‪ 248‬بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الزهر السابق ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫النسان الكامل للجيلي ص ‪. 102 , 101‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر السابق ج ‪ 2‬ص ‪ 134‬وما بعد ملخصا ‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪206‬‬
‫قَاَل ‪ :‬سمعت فاَرِساَ يقول ‪ :‬معنى الصوم ‪ :‬الغيبة عن رِؤية الخلق برؤية‬
‫الحق عز وجل ( ‪. 1‬‬

‫والسهرورِدي المقتول يفسر قَول اللهُ عز وجل ‪:‬‬


‫) } يوقَد من شجرة مباَرِكة زيتونة ل شرقَية { ‪ :‬أي ليست عقلية محضة ‪ ,‬ول‬
‫غربية ‪ :‬أي ليست هيولنية محضة ‪ ,‬وهي بعينهاَ شجرة موسى التي سمع‬
‫منهاَ النداء ‪ ,‬في البقعة المباَرِكة من الشجرة ‪ ,‬وقَولهُ ‪ :‬ولو لم تمسسهُ ناَرِ ‪:‬‬
‫هذهُ الناَرِ هو الب المقدس – رِوح القدس – وهو الناَرِ التي جاَءت في قَولهُ‬
‫ن بورِك من في الناَرِ { أي المتصلين بهاَ ( ‪. 2‬‬
‫‪}:‬أ ْ‬

‫وقَاَل أيضاَ ‪:‬‬


‫ن‬
‫) ألم تر أن موسى لماَ طلبِ الرؤية ‪ ,‬قَيل لهُ ‪ } :‬ولكن انظر إلى الجبل فإ ْ‬
‫استقر مكاَنهُ فسوف تراني { ‪ :‬لن هذا الجبل حاَئل دائم التحرك ‪ ,‬شاَغل‬
‫ي إلى معدن التخيل ‪ ,‬قَهرهُ ‪ .‬كماَ قَاَل‬
‫للنفس ‪ .‬فلماَ تعدى الساَنح القدس ّ‬
‫اللهُ تعاَلى ‪ } :‬فلماَ تجّلى رِبهُ للجبل جعلهُ دكاَ وخّر موسى صاعقاَ ( ‪ :‬انقطع‬
‫سلطاَن البشرية بظهورِ نورِ الحقيقة ‪ ,‬فاَصاطلمت النفس ‪ ,‬وفنيت عن‬
‫مشاَهدة الكثرة بنورِ القيومية ( ‪. 3‬‬

‫وأماَ ابن عربي الذي قَاَل فيهُ الدكتورِ أبو العلء العفيفي محللً أسلوبهُ‬
‫التأَويلي والتفسيري ‪:‬‬
‫) إنهُ يحول القرآن بمنهجهُ الخطير في التأَويل إلى قَرآن جديد ( ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وينقل الشيخ رِشيد رِضاَ المصري ‪ ,‬عن شيخهُ محمد عبدهُ رِأيهُ في تفسيرهُ‬
‫بقولهُ ‪ ) :‬وفيهُ من النزعاَت ماَ يتبرء منهُ دين اللهُ وكتاَبهُ العزيز ( ‪. 5‬‬

‫يقول ابن عربي هذا في تفسير قَول اللهُ عز وجل ‪:‬‬


‫} الم { ‪ :‬أشاَرِ بهذهُ الحروف إلى كل الوجود حيث هو كل ‪ ,‬لن ) أ( إشاَرِة‬
‫إلى ذات اللهُ الذي هو أول الوجود ‪ ...‬و ) ل ( إلى العقل الفعاَل المسمى‬
‫جبريل ‪ ,‬وهو أوسط الوجود الذي يستفيض من المبدأ ‪ ,‬ويفيض إلى‬
‫م بهُ دائرتهُ ‪ ,‬وتتصل‬‫المنتهى ‪ .‬و ) م ( إلى محمد الذي هو آخر الوجود تت ّ‬
‫بأَولهاَ ‪ ,‬ولهذا ختم ( ‪. 6‬‬

‫ويقول السلمي الذي قَاَل فيهُ الذهبي ‪:‬‬


‫) أتى السلمي في حقاَئقهُ بمصاَئبِ وتأَويلت باَطنية نسأَل اللهُ العاَفية ( ‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫يقول في تفسير آلم ‪:‬‬

‫‪ 1‬التعرف لمذهب أهل التصوف للكلباذي ص ‪. 120‬‬


‫‪ 2‬اللواح العمادية لشهاب الدين السهروردي المقتول ص ‪ 72‬من مجموعة الرسائل الثلثة له ‪ .‬ط مركز تحقيقات فارسي‬
‫إيران وباكستان ‪.‬‬
‫‪ 3‬أيضا ص ‪. 74‬‬
‫‪ 4‬ابن عربي في دراساتي للدكتور أبي العلء العفيفي الكتاب التذكاري ص ‪. 13‬‬
‫‪ 5‬انظر تفسير الظلل ج ‪ 1‬ص ‪. 18‬‬
‫‪ 6‬تفسير ابن عربي ج ‪ 1‬ص ‪. 5‬‬
‫‪ 7‬تذكرة الحفاظ للذهبي ج ‪ 3‬ص ‪ . 249‬ط القاهرة ‪.‬‬
‫‪207‬‬
‫) اللف ألف الوحدانية ‪ ,‬واللم لم اللطف ‪ ,‬والميم ميم الملك ‪ ,‬معناَهُ من‬
‫وجدناَ على الحقيقة بإسقاَط العلئق والغراض تلطف لهُ في معناَهُ‬
‫ق العبودية إلى الملك العلى ( ‪. 1‬‬
‫فأَخرجتهُ من رِ ّ‬

‫وأماَ القشيري ففسر آلم ‪:‬‬


‫) فاَللف من اسم )اللهُ( ‪ ,‬واللم يدل على )اللطيف( ‪ ,‬والميم يدل على‬
‫اسمهُ ) المجيد ( و ) الملك ( ‪.‬‬

‫وقَيل أقَسم اللهُ بهذهُ الحروف لشرفهاَ لنهاَ بساَئط أسماَئهُ وخطاَبهُ ‪.‬‬
‫وقَيل إنهاَ أسماَء السورِ ‪.‬‬
‫وقَيل اللف تدل على اسم ) اللهُ ( واللم تدل على اسم ) جبريل ( والميم‬
‫تدل على اسم ) محمد ( صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪ ,‬فهذا الكتاَب نزل من اللهُ‬
‫على لساَن جبريل إلى محمد صالى اللهُ عليهُ وسلم ‪.‬‬
‫واللف من بين ساَئر الحروف انفردت عن أشكاَلهاَ بأَنهاَ ل تتصل بحرف‬
‫في الخط وساَئر الحروف يتصل بهاَ إل حروف يسيرة ‪ ,‬فيتنبهُ العبد عند‬
‫تأَمل هذهُ الصفة إلى احتياَج الخلق بجملتهم إليهُ ‪ ,‬واستغناَئهُ عن الجميع ‪.‬‬

‫ويقاَل يتذكر العبد المخلص من حاَل’ اللف تقدس الحق سبحاَنهُ وتعاَلى‬
‫عن التخصص باَلمكاَن ‪ ,‬فإن ساَئر الحروف لهاَ محل من الحلق أو الشفة أو‬
‫اللساَن إلى غيرهُ من المدارِج غير اللف فإنهاَ هويتهُ ‪,‬ل تضاَف إلى محل ‪.‬‬

‫ويقاَل الشاَرِة منهاَ إلى انفراد العبد للهُ سبحاَنهُ وتعاَلى فيكون كاَللف ل‬
‫يتصل بحرف ‪ ,‬ول يزول عن حاَلة الستقاَمة والنتصاَب بين يديهُ ‪.‬‬

‫ويقاَل بطاَلبِ العبد في سرهُ عند مخاَطبتة باَللف باَنفراد القلبِ إلى اللهُ‬
‫تعاَلى ‪ ,‬وعند مخاَطبتهُ باَللم بلين جاَنبهُ في ) مراعاَة ( حقهُ ‪ ,‬وعند سماَع‬
‫الميم بموافقة أمرهُ فيماَ يكلفهُ ‪.‬‬

‫ويقاَل اختص كل حرف بصيغة مخصوصاة وانفردت اللف باَستواء القاَمة ‪,‬‬
‫والتميز عن التصاَل بشيء من أضرابهاَ من الحروف ‪ ,‬فجعل لهاَ صادرِ‬
‫الكتاَب إشاَرِة إلى أن من تجرد عن التصاَل باَلمثاَل والشغاَل حظي‬
‫باَلرتبة العلياَ ‪ ,‬وفاَز باَلدرِجة القصوى ‪ ,‬وصالح للتخاَطبِ باَلحروف المنفردة‬
‫التي هي غير مركبة ‪ ,‬على سنة الحباَب في ستر الحاَل ‪ ,‬وإخفاَء المر‬
‫الجنبي من القصة – قَاَل شاَعرهم ‪:‬‬

‫ل تحسبي أناَ نسيناَ ل يخاَف‬ ‫قَلت لهاَ قَفي لناَ قَاَلت قَاَف‬

‫ولم يقل وقَفت ستر ا ً على الرقَيبِ ولم يقل ل أقَف مراعاَة لقلبِ الحبيبِ‬
‫بل ) قَاَلت قَاَف ( ( ‪. 2‬‬

‫‪ 1‬تفسير السلمس ص ‪. 17‬‬


‫‪ 2‬لطائف الشارات للقشيري ج ‪ 1‬ص ‪ 54 , 53‬بتحقيق دكتور إبراهيم بسيوني الطبعة الثانية الهيئة المصرية العامة للكتاب‬
‫‪. 1981‬‬
‫‪208‬‬
‫ويكتبِ الجيلي تحت قَول اللهُ عز وجل ‪ } :‬آلم ذلك الكتاَب ل رِيبِ فيهُ هدى‬
‫للمتقين ‪ ,‬الذين يؤمنون باَلغيبِ { ‪:‬‬

‫) أشاَرِ بذلك إلى حقيقة ألف لم ميم ‪ ,‬وذلك من طريق الجماَل إشاَرِة إلى‬
‫الذات والسماَء والصفاَت ) ذلك الكتاَب ( والكتاَب النساَن الكاَمل ) فأَلف‬
‫لم ميم بماَ أشاَرِ إليهُ هو حقيقة النساَن )ل رِيبِ فيهُ هدى للمتقين (‬
‫الذين هم وقَاَية عن الحق ‪ ,‬والحق وقَاَية عنهم ‪ ,‬فإن دعوت الحق فقد كنيت‬
‫بهُ عنهم ‪ ,‬وإن دعوتهم فقد كنيت بهم عنهُ ) الذين يؤمنون باَلغيبِ ( الغيبِ‬
‫هو اللهُ لنهُ غيبهم آمنوا بهُ أنهُ هويتهم وأنهم عينهُ ) ويقيمون الصلة (‬
‫يعني يقيمون بناَموس المرتبة اللهية في وجودهم باَلتصاَف بحقيقة‬
‫السماَء والصفاَت ) ومماَ رِزقَناَهم ينفقون ( يعني يتصرفون في الوجود‬
‫من ثمرة ماَ أنتجتهُ هذهُ الحدية اللهية في ذواتهم ( ‪. 1‬‬

‫ونقل عبد الحليم محمود عن أبي الحسن الشاَذلي تفسير قَول اللهُ عز‬
‫وجل على لساَن موسى عليهُ السلم ‪:‬‬
‫) ) هي عصاَي ( معرفتي بك ‪ ,‬أعتمد عليهاَ ‪.‬‬
‫) أهش بهاَ على غنمي ( أولدي في التربية ‪.‬‬
‫) ولي فيهاَ مآرِب أخرى ( من باَب لي وقَت مع رِّبي ل تسعني فيهُ أرِض ول‬
‫سماَء ( ‪. 2‬‬

‫وفسر ابن عجيبة الية القرآنية ‪:‬‬


‫) ) رِب أدخلني ( في الشياَء حقوقَاَ كاَنت أو حظوظاَ ) مدخل صادق ( أي‬
‫إدخاَل صادق ‪ ,‬بأَن يكون ذلك الدخاَل بك ‪ ,‬معتمدا فيهُ على حولك وقَوتك ‪,‬‬
‫متبرئاَ من حولي وقَوتي ومن شهود نفسي ‪.‬‬

‫) وأخرجني ( منهاَ ) مخرج صادق ( أي إخراج صادق ‪ ,‬بأَن أكون مأَذوناَ فيهُ‬
‫بإذن خاَص ‪ ,‬مصحوباَ باَلخشية وسر الخلص ‪ ,‬وهذا معنى قَولهُ ] ليكون‬
‫نظري إلى حولك وقَوتك إذا أدخلتني [ في الشياَء ] وإنقياَدي إليك إذا‬
‫أخرجتني [ منهاَ ‪.‬‬

‫) وأجعل لي من لدنك ( أي من مستبطن أمورِك بل واسطة ول سببِ‬


‫ي من حضرة قَهاَرِ ل‬
‫) سلطاَناَ ( أي برهاَناَ قَوياَ ‪ ,‬وليس ذلك إل وارِد قَو ّ‬
‫يصاَدمهُ شيء أل دمغهُ ‪ ,‬فيحق الحق ويزهق الباَطل ‪ ,‬ويكون ذلك السلطاَن‬
‫ي ‪ ,‬أي ينصرني على الغيبة عن الحس وعن شهود‬ ‫ينصرني ول ينصر عل ّ‬
‫السوى حتى نبعد عنهماَ برؤية مولهماَ ول ينصر على الوهم والحس‬
‫وشهود الغيرية ‪.‬‬

‫ثم بين ذلك فقاَل ‪ ] :‬ينصرني على شهود نفسي [ أي يقويني على الغيبة‬
‫عنهاَ فإذا انتصرت على شهودهاَ انهزم عني وذهبِ شهودهاَ وبقي شهود‬
‫رِبهاَ ‪ ,‬فاَلنصرة على الشيء هو غلبتهُ حتى يضمحل وينقطع وكـأَن شهود‬
‫النفس عدو يحاَرِبك ويقطعك عن شهود رِبك ‪ ,‬فإذا نصرك اللهُ عليهُ ودفعتهُ‬
‫عنك ‪ ,‬فتتصل حينئذ بشهود محبوبك ‪ ,‬وإذا فني شهود النفس فني حينئذ‬

‫النسان الكامل للجيلي عبد الكريم ج ‪ 2‬ص ‪. 139 , 138‬‬ ‫‪1‬‬

‫المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي لعبد الحليم محمود ص ‪ . 403‬ط القاهرة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪209‬‬
‫وجود الحس ‪ ,‬وهو معنى قَولهُ ] ويفنيني عن دائرة حسي [ فإذا فنيت دائرة‬
‫الحس بقي متسع المعاَني وقَضاَء الشهود ‪ ,‬وهذهُ هي الولدة الثاَنية ‪ ,‬فإن‬
‫النساَن بعد أن خرج من بطن أمهُ وهي الولدة الولى بقي مسجوناَ‬
‫بمحيطاَتهُ ‪ ,‬محصورِا في هيكل ذاتهُ ‪ ,‬قَد التقمهُ الهوى ‪ ,‬وصااَرِ في بطن‬
‫الحس والوهم ‪ .‬وسجن الكوان المحيطة بجسماَنيتهُ ‪ ,‬فإذا فنيت دائرة‬
‫حسهُ وخرج من بطن عوائدهُ وشهوات نفسهُ ‪ ,‬نقبت رِوحهُ الكون بأَسرهُ ‪,‬‬
‫وخرجت إلى شهود مكونهاَ فقد ولد مرة ثاَنية ‪ ,‬وهذهُ الولدة ل يعقبهاَ فناَء‬
‫ول موت ( ‪. 1‬‬

‫وقَاَل الشعراني ناَقَل عن سيدهُ علي الخواص في تفسيرهُ قَول اللهُ عز‬
‫وجل ‪:‬‬
‫مل النبياَء ) ثم استقاَموا ( محمد صالى اللهُ‬ ‫) ) إن الذين قَاَلوا رِبناَ اللهُ ( ك ّ‬
‫عليهُ وسلم ) تتنزل عليهم الملئكة ( عاَمة النبيين ) أن ل تخاَفوا ول‬
‫مل العاَرِفين ) وأبشروا باَلجنة التي كنتم توعدون ( جميع‬ ‫تحزنوا ( ك ّ‬
‫مل ‪ ,‬كماَ بّينت التي تليهاَ صافاَتهم‬
‫المؤمنين فقد بّينت هذهُ الية مراتبِ الك ّ‬
‫وأحوالهم ‪ .‬وهذهُ الية من الجوامع ‪.‬‬
‫مل لظهرناَ لك من هذهُ الية عجباَ ( ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫قَاَل ‪ :‬ولول خوف الهتك لستاَرِ الك ّ‬

‫د لهاَ ول حصر ‪ ,‬والقوم أشبعوا الكلم في علم الباَطن‬ ‫والتأَويلت كهذهُ ل ع ّ‬


‫والتأَويل الباَطني ‪ ,‬وملؤا كتبهم بهُ ‪ ,‬وهذهُ الفكرة لم تتدرِج إليهم إل من‬
‫التشيع والشيعة ‪ ,‬كاَلفكاَرِ الخرى ‪.‬‬

‫والشيعة بدورِهم أخذوهاَ من اليهودية ‪ .‬وهكذا أدخل الصوفية أنفسهم في‬


‫الفرق الباَطنية لن السماَعيلية والنصيرية والدرِوز وغيرهاَ من الفرق‬
‫موا باَلباَطنية إل لقولهم ‪ :‬إن لكل ظاَهر باَطناَ ‪ ,‬حسبِ‬
‫الباَطنية لم يس ّ‬
‫اعتراف الشعراني نفسهُ ‪ ,‬حيث يقول ‪:‬‬

‫) السماَعيلية ‪ :‬وهم قَوم يسمون باَلباَطنية لكونهم يقولون ‪ :‬لكل ظاَهر‬


‫باَطن ( ‪. 3‬‬

‫وأماَ تسمية المتصوفة العلماَء والفقهاَء والمسلمين الخرين الذين ل‬


‫يؤمنون بباَطنيتهم ‪ ,‬بأَهل الظاَهر ‪ , ,‬والعاَمة ‪ , ,‬وأهل الرسوم ‪ ,‬والنكير‬
‫عليهم فمنتشر في كتبهم ‪ ,‬كماَ يقول ابن عربي ‪ ) :‬ماَ خلق اللهُ أشق ول‬
‫أشد من علماَء الرسوم على أهل اللهُ المختصين بخدمتهُ ‪ ,‬العاَرِفين بهُ من‬
‫طريق الوهبِ اللهي ‪ ,‬الذين منحهم أسرارِهُ في خلقهُ ‪ ,‬وفهم معاَني كتاَبهُ‬
‫وإشاَرِات خطاَبهُ ‪ ,‬فهم لهذهُ الطاَئفة مثل الفراعنة للرسل عليهم السلم (‬
‫‪.4‬‬

‫وقَاَل لساَن الدين بن الخطيبِ ‪:‬‬


‫) إن كل الخلق قَعدوا على الرسوم ‪ ,‬وقَعدت الصوفية على الحقاَئق ( ‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫إيقاظ الهمم لبن عجيبة ص ‪ . 452 , 451‬ط القاهرة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫درر الغواص للشعراني ص ‪ 50‬بهامش البريز للدباغ ‪ .‬ط مصر ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر اليواقيت والجواهر للشعراني ج ‪ 2‬ص ‪. 128‬‬ ‫‪3‬‬

‫الفتوحات المكية لبن عربي الباب الرابع والخمسون ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫روضة التعريف ص ‪. 370‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪210‬‬

‫أي أن الصوفية هم أهل الحقاَئق ‪ ,‬وساَئر الناَس أهل الرسوم ‪.‬‬

‫ويقول الكمشخاَنوي ‪ ) :‬الذين اقَتصروا على الشريعة فهم العاَمة ( ‪. 1‬‬

‫والترمذي الملقبِ باَلحكيم يقول في كتاَبهُ ) ختم الولياَء ( ‪:‬‬

‫) أكثر الشريعة جاَءت على فهم العاَمة ( ‪. 2‬‬

‫انظر جامع الصول في الولياء للكمشخانوي ص ‪. 89‬‬ ‫‪1‬‬

‫ختم الولياء للترمذي ص ‪ . 237‬ط المطبعة الكاثوليكية ‪ .‬بيروت ‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪211‬‬

‫وَرِفع الت ّ َ‬
‫كاَِليف‬ ‫ة َ‬
‫ع ِ‬ ‫سخ ال ّ‬
‫شري َ‬ ‫نَ ْ‬
‫ومن العقاَئد الشيعية الباَطنية المعروفة ‪ :‬نسخ الشريعة ‪ ,‬ورِفع التكاَليف ‪.‬‬

‫أماَ نسخ شريعة محمد صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ فيؤمن بهُ جميع فرق‬
‫الباَطنية ولو أنهم يتظاَهرون بإنكاَرِهُ كماَ ذكر الغزالي ‪. 1‬‬

‫وكماَ ورِد في أدعية الياَم السبعة للماَم السماَعيلي المعز لدين اللهُ ‪. 2‬‬

‫وكماَ قَاَل أبو يعقوب السجستاَني ‪:‬‬


‫) أماَ القاَئم عليهُ السلم فإنهُ يرفع الشرائع ( ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وأيضاَ في الكتبِ النصيرية والدرِزية وغيرهاَ من الفرق الباَطنية الخرى ‪.‬‬


‫وأماَ رِفع التكاَليف فيقول الداعي السماَعيلي طاَهر بن إبراهيم الحاَرِثي‬
‫اليماَني ‪:‬‬
‫) حجج الليل هم أهل الباَطن المحض ‪ ,‬المرفوع عنهم في أدوارِ الستر‬
‫التكاَليف الظاَهرة لعلو درِجاَتهم ( ‪. 4‬‬

‫وبمثل ذلك نقلوا عن جعفر بن محمد الباَقَر أنهُ قَاَل ‪:‬‬


‫) من عرف الباَطن فقد سقط عنهُ عمل الظاَهر ‪ ....‬ورِفعت عنهُ الغلل‬
‫والصافاَد وإقَاَمة الظاَهر ( ‪. 5‬‬

‫ويشاَرِكهم في ذلك فرق الشيعة الخرى ‪ ,‬مثل المعمرية من الخطاَبية‬


‫والجناَحية والمنصورِية وغيرهاَ من الفرق الشيعية الخرى ‪. 6‬‬
‫مؤولين قَول اللهُ عز وجل ‪ } :‬يريد اللهُ أن يخفف عنكم { ‪ , 7‬وقَولهُ جل‬
‫موا ْ‬ ‫ماَ طَ ِ‬
‫ع ُ‬ ‫في َ‬
‫ح ِ‬‫جَناَ ٌ‬
‫ت ُ‬
‫حاَ ِ‬ ‫مُلوا ْ ال ّ‬
‫صاَل ِ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫مُنوا ْ َ‬
‫و َ‬ ‫نآ َ‬ ‫عَلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وعل ‪ } :‬ل َي ْ َ‬
‫س َ‬
‫‪.‬‬ ‫‪8‬‬
‫مُنوا ْ {‬ ‫قوا ْ ّ‬
‫وآ َ‬ ‫ماَ ات ّ َ‬ ‫إِ َ‬
‫ذا َ‬
‫ساَلكين في ذلك منهج التأَويل الباَطني الخبيث ‪ ,‬فتركوا الواجباَت ‪ ,‬وأباَحوا‬
‫المحرماَت ‪ ,‬وأتوا المنكرات ‪.‬‬

‫والشيعة الثناَ عشرية أيضاَ ‪ ,‬كاَذبين على أئمتهم ‪ ,‬ومتهمين إياَهم بمقولت‬
‫هم منهاَ براء ‪ .‬كماَ رِوى الكليني في كاَفّيهُ عن جعفر بن محمد الباَقَر أنهُ‬
‫قَاَل لشيعتهُ ‪:‬‬

‫‪ 1‬انظر فضائح الباطنية ص ‪ . 46‬ط مؤسسة دار الكتب الثقافية الكويت ‪.‬‬
‫‪ 2‬انظر لذلك كتابنا السماعيلية القدامى تاريخ وعقائد الباب الخامس منه ‪ ,‬أيضا كتاب زهر المعاني للداعي السماعيلي‬
‫إدريس من مجموعة المنتخب ليوانوف ‪ .‬ط بومبي ‪ ,‬أيضا النوار اللطيفة للحارثس اليماني الباب الثاني من السرادق‬
‫الثالث من الفصل الخامس ص ‪. 130‬‬
‫‪ 3‬كتاب النصرة للسجستاني عن كتاب الرياض للكرماني ص ‪ . 201‬ط دار الثقافة بيروت ‪.‬‬
‫‪ 4‬النوار اللطيفة الباب الثاني السرادق الثاني ص ‪. 102‬‬
‫‪ 5‬كتاب الهفت الشريف للمفضل الجعفي ص ‪ 42‬تحقيق مصطفى غالب السماعيلي ‪ .‬ط دار الندلس بيروت ‪.‬‬
‫‪ 6‬انظر لذلك فرق الشيعة للنوبختي ‪ ,‬وكتاب المقالت والفرق لسعد بن عبد الله القمي الشيعي ‪ ,‬وكتب السنة أيضا من‬
‫مقالت السلميين للشعري ‪ ,‬والتبصير في الدين للسفرائيني و والعتقادات للرازي وغيرها ‪.‬‬
‫‪ 7‬النساء الية ‪. 28‬‬
‫‪ 8‬المائدة الية ‪. 93‬‬
‫‪212‬‬
‫) إن الرجل منكم لتمل صاحيفتهُ من غير عمل ( ‪. 9‬‬
‫بل ) كاَن مع النبيين في درِجتهم يوم القياَمة ( ‪. 2‬‬

‫وذكر ابن باَبويهُ القمي أن علي بن موسى الرضاَ – الماَم الثاَمن المعصوم‬
‫عند الشيعة – قَاَل ‪:‬‬
‫) رِفع القلم عن شيعتناَ ‪ ,‬فقلت ‪ :‬ياَ سيدي ‪ ,‬كيف ذاك ؟‬
‫قَاَل ‪ :‬لنهم أخذ عليهم العهد باَلتقية في دولة الباَطل ‪ ,‬يأَمن الناَس‬
‫وفون ‪ ,‬ويكفرون فيناَ ول نكفر فيهم ‪ ,‬ويقتلون بناَ ول نقتل بهم ‪ ,‬ماَ‬ ‫ويخ ّ‬
‫م يمحص عنهُ‬ ‫من أحد من شيعتناَ ارِتكبِ ذنباَ أو خطأَ إل ناَلهُ في ذلك غ ّ‬
‫ذنوبهُ ‪ ,‬ولو أتى بذنوب عدد القطر والمطر ‪ ,‬وبعدد الحصى والرمل ‪ ,‬وبعدد‬
‫الشوك والشجر ( ‪. 3‬‬

‫ويذكر مفسر شيعي آخر وهو علي بن إبراهيم القمي ‪ ,‬عن جعفر أنهُ قَاَل ‪:‬‬
‫ي أمير المؤمنين عليهُ السلم ‪ ...‬ثم يدعى‬ ‫) إذا كاَن يوم القياَمة يدعى بعل ّ‬
‫باَلئمة ‪ ...‬ثم يدعى باَلشيعة ‪ ,‬فيقومون أماَمهم ‪ ,‬ثم يدعى بفاَطمة ونساَئهاَ‬
‫من ذرِيتهاَ وشيعتهاَ ‪ ,‬فيدخلون الجنة بغير حساَب ( ‪. 4‬‬

‫ومن أرِاد الستزادة فليرجع إلى كتاَبناَ الشيعة وأهل البيت ‪. 5‬‬
‫وكذلك الشيعة والسنة ‪. 6‬‬

‫وأماَ المتصوفة فيقولون بكل هذا ‪ ,‬ساَلكين مسلك هؤلء الضاَلة النحرفين ‪:‬‬
‫) وفي النساَك قَوم يزعمون أن العباَدة تبلغ بهم إلى درِجة تزول فيهاَ‬
‫عنهم العباَدات ‪ ,‬وتكون الشياَء المحظورِات على غيرهم من الزناَ وغيرهُ‬
‫مباَحاَت لهم ( ‪. 7‬‬

‫وقَاَلوا ‪:‬‬
‫) إذا وصالت إلى مقاَم اليقين سقطت عنك العباَدة ‪ ,‬مؤولين قَول اللهُ عز‬
‫وجل ‪ :‬وأعبد رِبك حتى يأَتيك اليقين ( ‪. 8‬‬

‫ولقد أقَر صاوفي قَديم بوجود هؤلء المتصوفة ومن هم على منوالهم –‬
‫وماَ أكثرهم – فقاَل ‪:‬‬
‫دوا قَلة المباَلة باَلدين أوثق‬
‫) وأرِتحل عن القلوب حرمة الشريعة ‪ ,‬فع ّ‬
‫ذرِيعة ‪ ,‬ورِفضوا التمييز بين الحلل والحرام ‪ ,‬ودانوا بترك الحترام ‪ ,‬وطرح‬
‫الحتشاَم ‪ ,‬واستخفوا بأَداء العباَدات ‪ ,‬واستهاَنوا باَلصوم والصلة ‪ ,‬ورِكضوا‬
‫في ميدان الغفلت ‪ ,‬ورِكنوا إلى إتباَع الشهوات ‪ ,‬وقَلة المباَلة بتعاَطي‬
‫المحظورِات ‪ ,‬والرِتفاَق بماَ يأَخذونهُ من السوقَة والنسوان وأصاحاَب‬
‫السلطاَن ‪.‬‬

‫‪ 9‬انظر كتاب الروضة من الكافي للكليني ج ‪ 1‬ص ‪ . 78‬ط طهران ‪.‬‬


‫‪ 2‬مقدمة البرهان في تفسير القرآن لمفسر شيعي هاشم البحراني ص ‪ . 21‬ط طهران ‪.‬‬
‫‪ 3‬عيون أخبار الرضا لبن بابويه القمي ج ‪ 2‬ص ‪. 236‬‬
‫‪ 4‬تفسير القمي ج ‪ 1‬ص ‪. 128‬‬
‫‪ 5‬انظر ص ‪ 230‬وما بعد الطبعة الثامنة ‪ .‬ط إدارة ترجمان السنة باكستان ‪.‬‬
‫‪ 6‬انظر ص ‪ 52 , 51‬الطبعة الجديدة ‪ ,‬الثلثون ‪ .‬ط إدارة ترجمان السنة لهور باكستان ‪.‬‬
‫‪ 7‬مقالت السلميين للشعري ص ‪ . 289‬ط هلموت ريتز الطبعة الثالثة فرانزستايز ‪ 1980‬م ‪.‬‬
‫‪ 8‬اتحاف السادة للزبيدي ج ‪ 8‬ص ‪ 278‬المنقول من كتاب نشأة الفلسفة الصوفية وتطورها للكتور عرفان عبد الحميد ص‬
‫‪ . 74‬ط المكتب السلمي بيروت ‪ 1974‬م‪.‬‬
‫‪213‬‬

‫ثم لم يرضوا بماَ تعاَطوهُ من سوء هذهُ الفعاَل ‪ ,‬حتى أشاَرِوا إلى أعلى‬
‫ق الغلل ‪ ,‬وتحققوا بحقاَئق‬ ‫الحقاَئق و الحوال ‪ ,‬وادعوا أنهم تحررِوا من رِ ّ‬
‫الوصااَل ‪ ,‬وانهم تجري عليهم أحكاَمهُ وهم محو ‪ ,‬وليس للهُ عليهم فيماَ‬
‫يؤثرونهُ أو يذرِونهُ عتبِ ول لوم ‪ ,‬وأنهم كوشفوا بأَسرارِ الحدية ‪,‬‬
‫واختطفوا عنهم باَلكلية ‪ ,‬وزالت عنهم أحكاَم البشرية ‪ ,‬وبقوا بعد فناَئهم‬
‫عنهم بأَنوارِ الصمدية ‪ ,‬والقاَئل عنهم غيرهم إذا نطقوا ‪ ,‬والناَئبِ عنهم‬
‫سواهم فيماَ تصرفوا ‪ ,‬بل صارفوا ‪.‬‬

‫وحت ببعضهُ من هذهُ‬ ‫ولماَ طاَل البتلء فيماَ نحن فيهُ من الزماَن بماَ ل ّ‬
‫القصة ‪ ,‬وكنت ل أبسط إلى هذهُ الغاَية لساَن النكاَرِ ‪ ,‬غيرة على هذهُ‬
‫الطريقة أن يذكر أهلهاَ بسوء أو يجد مخاَلف لثلبهم مساَغاَ ‪ ,‬إذ البلوى في‬
‫هذهُ الدياَرِ باَلمخاَلفين لهذهُ الطريقة والمنكرين عليهاَ شديدة ( ‪. 1‬‬

‫كماَ أقَّر بإباَحتهم للمحظورِات ‪ ,‬الطوسي في كتاَبهُ ‪:‬‬

‫) زعمت الفرقَة الضاَلة ‪ ,‬في الحظر والباَحة ‪ ,‬أن الشياَء في الصال‬


‫دي تكون الشياَء‬ ‫مباَحة ‪ ,‬وإنماَ وقَع الحظر للتعدي ‪ ,‬فإذا لم يقع التع ّ‬
‫حّباَ‬ ‫َ‬ ‫على أصالهاَ من الباَحة ‪ ,‬وتأَولوا قَول اللهُ عز وجل ‪َ } :‬‬
‫هاَ َ‬
‫في َ‬
‫فأَنب َت َْناَ ِ‬
‫وأ َّباَ ‪0‬‬
‫ة َ‬
‫ه ً‬
‫فاَك ِ َ‬ ‫غل ًْباَ ‪َ 0‬‬
‫و َ‬ ‫ق ُ‬
‫دائ ِ َ‬ ‫خًل ‪َ 0‬‬
‫ح َ‬ ‫ون َ ْ‬
‫ضًباَ ‪َ 0‬زي ُْتوًناَ َ‬ ‫و َ‬
‫قَ ْ‬ ‫عن ًَباَ َ‬‫‪ِ 0‬‬
‫َ‬
‫م{ ‪.‬‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫عاَ ِ‬
‫وِلن ْ َ‬‫م َ‬‫عاَ ل ّك ُ ْ‬
‫مَتاَ ً‬
‫ّ‬
‫داهم ذلك بجهلهم ‪ ,‬إلى أن طمعت‬ ‫فقاَلوا ‪ :‬هذا على الجملة غير مفصل ‪ ,‬فأَ ّ‬
‫دوا‬
‫نفوسهم بأَن المحظورِ الممنوع منهُ المسلمون ‪ :‬مباَح لهم ‪ ,‬إذا لم يتع ّ‬
‫في تناَولهُ ‪.‬‬

‫وإنماَ غلطوا في ذلك بدقَيقة خفيت عليهم ‪ ,‬من جهلهم باَلصاول ‪ ,‬وقَلة‬
‫حظهم من علم الشريعة ‪ ,‬ومتاَبعتهم شهوات النفس في ذلك ‪ ...‬فظنت‬
‫هذهُ الطاَئفة الضاَلة باَلباَحة ‪ ,‬لن ذلك كاَن منهم على حاَل ‪ ,‬جاَز لهم ترك‬
‫الحدود ‪ ,‬أو أن يجاَوزوا حد متاَبعة المر والنهي ‪ ,‬فوقَعوا من جهلهم في‬
‫التيهُ ‪ ,‬وتاَهوا ‪ ,‬وطلبوا ماَ ماَلت إليهُ نفوسهم ‪ :‬من اتباَع الشهوات ‪ ,‬وتناَول‬
‫المحظورِات ‪ ,‬تأَويل ‪ ,‬وحيل ‪ ,‬وكذباَ ‪ ,‬وتمويهاَ ( ‪. 2‬‬

‫وذكرهم السهرورِدي بقولهُ ‪:‬‬


‫موا أنفسهم ملمتية ‪ ,‬ولبسوا لبسة الصوفية ‪,‬‬ ‫) فقوم من المفتونين س ّ‬
‫لينتسبوا بهاَ إلى الصوفية ‪ ,‬وماَ هم من الصوفية بشيء ‪ ,‬بل هم في غرورِ‬
‫وغلط ‪ ,‬يتسترون بلبسة الصوفية توقَيتاَ تاَرِة ‪ ,‬ودعوى أخرى ‪ ,‬وينتهجون‬
‫مناَهج أهل الباَحة ‪ ,‬ويزعمون أن ضماَئرهم خلصت إلى اللهُ تعاَلى ‪,‬‬
‫ويقولون ‪ :‬هذا هو الظفر باَلمراد ‪ ,‬والرِتساَم بمراسم الشريعة رِتبة العوام‬
‫‪ ,‬والقاَصارين الفهاَم المنحصرين في مضيق القَتداء تقليدا ‪ ,‬وهذا هو عين‬
‫دتهاَ الشريعة فهي زندقَة ‪ ,‬وجهل‬ ‫اللحاَد والزندقَة والبعاَد ‪ ,‬فكل حقيقة رِ ّ‬
‫هؤلء المغرورِون أن الشريعة حق العبودية ‪ ,‬والحقيقة هي حقيقة العبودية‬
‫الرسالة القشيرية ج ‪ 1‬ص ‪ , 24 , 23 , 22‬بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫كتاب اللمع للطوسي ص ‪. 539 , 538‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪214‬‬
‫‪ ,‬ومن صااَرِ من أهل الحقيقة تقيد بحقوق العبودية وصااَرِ مطاَلباَ بأَمورِ‬
‫وزياَدات ل يطاَلبِ بهاَ من لم يصل إلى ذلك ‪,‬ل أنهُ يخلع عن عنقهُ رِبقة‬
‫التكليف ‪ ,‬ويخاَمر باَطنهُ الزيغ والتحريف ‪ ....‬ومن جملة أولئك قَوم يقولون‬
‫باَلحلول ويزعمون أن اللهُ تعاَلى يحل فيهم ويحل في أجساَم يصطفيهاَ ‪,‬‬
‫ويسبق لفهاَمهم معنى من قَول النصاَرِى في اللهوت والناَسوت ‪.‬‬

‫ومنهم من يستبيح النظر إلى المستحسناَت إشاَرِة إلى هذا الوهم ( ‪. 1‬‬

‫وهؤلء الذين ذكرهم ابن الجوزي بقولهُ ‪:‬‬


‫) أعلم أن أكثر الصوفية المتصوفة قَد سدوا على أنفسهم باَب النظر إلى‬
‫النساَء الجاَنبِ لبعدهم عن مصاَحبتهن وامتناَعهم عن مخاَلطتهن ‪,‬‬
‫واشتغلوا باَلتعبد عن النكاَح ‪ ,‬واتفقت صاحبة الحداث لهم على وجهُ الرِادة‬
‫وقَصد الزهاَدة ‪ ,‬فأَماَلهم إبليس إليهم ‪ ,‬واعلم أن المتصوفة في صاحبة‬
‫الحداث على سبعة أقَساَم ‪:‬‬

‫القسم الول ‪ :‬أخبث القوم وهم أناَس تشبهوا باَلصوفية ويقولون باَلحلول‬
‫‪.‬‬
‫أخبرناَ محمد بن عبد الباَقَي بن أحمد بن سليماَن ‪ ,‬ناَ أبو علي الحسين بن‬
‫محمد بن الفضل الكرماَني ‪ ,‬ناَ سهل بن علي الخشاَب ‪ ,‬ناَ أبو نصر عبد اللهُ‬
‫بن السراج ‪ ,‬قَاَل ‪ :‬بلغني أن جماَعة من الحلولية زعموا أن الحق تعاَلى‬
‫اصاطفى أجساَماَ حل فيهاَ بمعاَني الربوبية ‪ .‬ومنهم من قَاَل ‪ :‬هو حاَل في‬
‫المستحسناَت ‪ .‬وذكر أبو عبد اللهُ بن حاَمد من أصاحاَبناَ أن طاَئفة من‬
‫الصوفية قَاَلوا ‪ :‬أنهم يرون اللهُ عز وجل في الدنياَ ‪ ,‬وأجاَزوا أن يكون في‬
‫صافة الدمي ولم يأَبوا كونهُ حاَل في الصورِة الحسنة حتى استشهدوهُ في‬
‫رِؤيتهم الغلم السود ‪.‬‬

‫القسم الثاَني ‪ :‬قَوم يتشبهون باَلصوفية في ملبسهم ويقصدون الفسق ‪.‬‬

‫القسم الثاَلث ‪ :‬قَوم يستبيحون النظر إلى المستحسن ‪ .‬وقَد صانف أبو عبد‬
‫الرحمن السلمي كتاَباَ سماَهُ ) سنن الصوفية ( فقاَل في أواخر الكتاَب ‪:‬‬
‫باَب في جوامع رِخصهم ‪ ,‬فذكر فيهُ الرقَص والغناَء والنظر إلى الوجهُ‬
‫الحسن ‪.‬‬

‫وذكر فيهُ ماَ رِوى عن النبي عليهُ السلم أنهُ قَاَل ‪ :‬أطلبوا الخير عند حساَن‬
‫الوجوهُ ‪ .‬وأنهُ قَاَل ‪ :‬ثلثة تجلو البصر ‪ :‬النظر إلى خضرة ‪ ,‬والنظر إلى ماَء ‪,‬‬
‫والنظر إلى الوجهُ الحسن ( ‪. 2‬‬

‫ثم حكى حكاَياَت كثيرة عن هؤلء المتصوفة ‪ ,‬تدل على فسقهم وفجورِهم ‪.‬‬

‫ومماَ ذكرهاَ أن صابياَ أمرد حكى لهُ ‪ ,‬قَاَل ‪ :‬قَاَل لي الصوفي وهو يجيبني ‪ :‬ياَ‬
‫ي ‪ ,‬للهُ فيك إقَباَل وإلتفاَت ‪ ,‬حيث جعل حاَجتي إليك ‪.‬‬ ‫بن ّ‬

‫عوارف المعارف للسهروردي ص ‪. 79 , 78‬‬ ‫‪1‬‬

‫تلبيس إبليس لبن الجوزي ص ‪ . 296 , 295‬ط دار الوعي العربي بيروت لبنان ‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪215‬‬
‫وحكى أن جماَعة من الصوفية دخلوا على أحمد الغزالي وعندهُ أمرد ‪ ,‬وهو‬
‫خاَل بهُ وبينهماَ ورِد ‪ ,‬وهو ينظر إلى الورِد تاَرِة ‪ ,‬وإلى المرد تاَرِة ‪ ,‬فلماَ‬
‫جلسوا قَاَل بعضهم ‪ :‬لعلناَ كدرِناَ ‪ ,‬فقاَل ‪ :‬أي واللهُ ‪ ,‬فتصاَيح الجماَعة على‬
‫سبيل التواجد ‪.‬‬

‫وحكى أبو الحسين بن يوسف أنهُ كتبِ إليهُ في رِقَعة ‪ :‬أنك تحبِ غلمك‬
‫التركي ‪ ,‬فقرأ الرقَعة ثم استدعى الغلم فصعد إليهُ النظر فقبلهُ بين عينية‬
‫‪ ,‬وقَاَل ‪ :‬هذا جواب الرقَعة ‪.‬‬

‫قَاَل المصنف رِحمهُ اللهُ ‪ :‬قَلت ‪ :‬إني لعجبِ من فعل هذا الرجل وإلقاَئهُ‬
‫جلباَب الحياَء عن وجههُ ‪ ,‬وإنماَ أعجبِ من البهاَئم الحاَضرين كيف سكتوا‬
‫عن النكاَرِ عليهُ ‪ ,‬ولكن الشريعة بردت في قَلوب كثير من الناَس ‪. 1‬‬

‫ومن البياَت التي يستمع إليهاَ الصوفية ‪ ,‬ويرقَصون عليهاَ ‪ ,‬يغّنون بهاَ‬
‫أبياَت ذكر طرفاَ منهاَ في كتاَبهُ ‪:‬‬

‫على طيبِ السماَع إلى الصباَح‬ ‫) أتذكر وقَتناَ وقَــــــــــد اجتمعناَ‬


‫فأَسكرت النـــــفوس بغير رِاح‬ ‫ودارِت بينناَ كـــــــأَس الغاَني‬
‫سرورِ والسرورِ هنــــاَك صااَح‬ ‫فلم تر فيهم إل نشـــــــــــــاَوى‬
‫ي على الفلح‬ ‫مناَدي الـــلهو ح ّ‬ ‫إذا لّبى أخو اللــــــــذات فيـــــهُ‬
‫أرِقَــــــناَ للـــــــــــحاَظ مـــلح (‬ ‫ولم نملك سوى المهجاَت شيئاَ‬
‫‪.2‬‬

‫وأيضاَ قَاَل يوسف بن الحسين ‪:‬‬


‫) كل ماَ رِأيتموني أفعلهُ فاَفعلوهُ إل صاحبة الحداث فإنهاَ أفتن الفتن ‪,‬‬
‫ولقد عاَهدت رِّبي أكثر من ماَئة مرة أن ل أصاحبِ حدثاَ ‪ ,‬ففسخهاَ على‬
‫حسن الخدود ‪ ,‬وقَوام القدود ‪ ,‬وغنج العيون ‪ ,‬وماَ سأَلني اللهُ معهم عن‬
‫مصيبة ‪ ,‬وأنشد صاريح الغواني في معنى ذلك شعرا ‪:‬‬

‫ـــل وماَ فغى الثغورِ من أقَحوان‬ ‫إن ورِد الخدود والحــــــدق النجـ‬
‫وماَ في الصدورِ من رِمـــــــــاَن‬ ‫واعوجاَج الصاداغ في ظاَهر الخد‬
‫فلهذا أدعى صاريع‬ ‫تركتني بين الغواني صاــــــــــريعاَ‬
‫الغــــــــواني ( ‪. 3‬‬

‫فعن هؤلء قَاَل شيخ السلم ابن تيمية ‪:‬‬


‫) فكل الرسل دعوا إلى عباَدة اللهُ وحدهُ ل شريك لهُ ‪ ,‬وإلى طاَعتهم‬
‫واليماَن باَلرسل هو الصال الثاَني من أصالي السلم ‪ ,‬فمن لم يؤمن بأَن‬
‫هذا رِسول اللهُ إلى جميع العاَلمين وأنهُ يجبِ على جميع الخلق متاَبعتهُ ‪,‬‬
‫وأن الحلل ماَ أحلهُ ‪ ,‬والحرام ماَ حرمهُ ‪ ,‬والدين ماَ شرعهُ فهو كاَفر مثل‬
‫هؤلء المناَفقين ‪ ,‬ونحوهم من يجوز الخروج عن دينهُ وشريعتهُ وطاَعتهُ ‪,‬‬
‫إماَ عموماَ أو خصوصااَ ‪ ...‬ويعتقدون مع هذا أنهم من أولياَء اللهُ ‪ ,‬وأن‬

‫انظر ص ‪ 298‬من تلبيس إبليس لبن الجوزي ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫أيضا ص ‪. 299‬‬ ‫‪2‬‬

‫أيضا ص ‪. 305‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪216‬‬
‫الخروج عن الشريعة المحمدية ساَئغ لهم ‪ ,‬وكل هذا ضلل وباَطل ‪ ,‬وإن‬
‫كاَن لصاحاَبهُ زهد وعباَدة ( ‪. 1‬‬

‫وقَاَل الحاَفظ ابن حزم الظاَهري ‪:‬‬


‫) ا ّدعت طاَئفة من الصوفية أن في أولياَء اللهُ تعاَلى من هو أفضل من‬
‫جميع النبياَء والرسل ‪ ,‬وقَاَلوا ‪:‬‬
‫من بلغ الغاَية القصوى من الولية سقطت عنهُ الشرائع كلهاَ من الصلة‬
‫والصياَم والزكاَة وغير ذلك ‪ ,‬وحلت لهُ المحرماَت كلهاَ من الزناَ والخمر‬
‫وغير ذلك ‪ ,‬واستباَحوا بهذا نساَء غيرهم ‪ ,‬وقَاَلوا بأَنناَ نرى اللهُ ونكلمهُ ‪,‬‬
‫وكلماَ قَذف في نفوسناَ فهو حق ‪.‬‬

‫ورِأيت لرجل منهم يعرف باَن شمعون كلماَ نصهُ أن للهُ تعاَلى ماَئة اسم ‪,‬‬
‫وأن الموفي ماَئة هو ستة وثلثون حرفاَ ليس منهاَ في حروف الهجاَء شيء‬
‫إل واحد فقط ‪ ,‬وبذلك الواحد يصل أهل المقاَماَت إلى الحق ‪ .‬وقَاَل أيضاَ ‪:‬‬
‫د رِجلهُ يوماَ فنودي ‪ :‬ماَ هكذا‬
‫أخبرني بعض من رِسم لمجاَلسة الحق أنهُ م ّ‬
‫د رِجلهُ بعدهاَ ‪ .‬يعني أنهُ كاَن مديماَ لمجاَلسة اللهُ‬
‫مجاَلس الملوك ‪ ,‬فلم يم ّ‬
‫تعاَلى ( ‪. 2‬‬

‫ولذلك قَاَل ابوعلي وفاَ ‪:‬‬


‫فعلمك ل جهل وفعلك ل وزرِ ( ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫) وبعد الفناَ باَللهُ كن كيف ماَ تشاَ‬

‫ونقل الدكتورِ عبد الحليم محمود قَاَعدة عاَمة للصوفية بقولهُ ‪:‬‬
‫) اعرف اللهُ وكن كيف شئت ( ‪. 4‬‬

‫د ول تحصى ‪ ,‬تدل على‬ ‫هذا ولقد ورِد في كتبِ الصوفية حكاَياَت كثيرة ل تع ّ‬
‫إتياَن المتصوفة المنكر ‪ ,‬وإباَحتهم المحظورِات ‪ ,‬وتركهم الواجباَت ‪ ,‬ومع‬
‫دوهم من أو لياَء اللهُ وكباَرِ المستجاَبين عند الرب تباَرِك وتعاَلى عماَ‬ ‫ذلك ع ّ‬
‫يقولهُ الفاَكون علوا كبيرا ‪ ,‬عن أن يختاَرِ الفسقة الفجرة أولياَءهُ‬
‫وأصافياَءهُ ‪.‬‬

‫منهم من ذكرهُ ) القطبِ الرباَني والهيكل الصمداني العاَرِف باَللهُ عبد‬


‫الوهاَب الشعراني ( في طبقاَتهُ ذكر أن سيدهُ علي وحيش ) كاَن رِضي اللهُ‬
‫عنهُ من أعياَن المجاَذيبِ أرِباَب الحوال ‪ ,‬وكاَن يأَتي مصر والمحلة وغيرهماَ‬
‫من البلد ‪ ,‬ولهُ كراماَت وخوارِق ‪ ,‬وأجتمعت بهُ يوماَ في خط ماَ بين‬
‫ديتهُ لهُ ‪ ,‬فدعاَ لي وقَاَل ‪ :‬اللهُ‬
‫ديني للزلباَني فو ّ‬
‫القصرين ‪ ,‬فقاَل لي ‪ :‬و ّ‬
‫يصبرك على ماَ بين يديك من البلوى ‪.‬‬

‫وأخبرني الشيخ محمد الطنيخي رِحمهُ اللهُ تعاَلى قَاَل ‪ :‬كاَن الشيخ وحيش‬
‫رِضي اللهُ عنهُ يقيم عندناَ في المحلة في خاَن بناَت الخطاَ ‪ ,‬وكاَن كل من‬
‫خرج يقول لهُ ‪ :‬قَف حتى أشفع فيك عند اللهُ قَبل أن تخرج ‪ ,‬فيشفع فيهُ ‪,‬‬
‫وكاَن يحبس بعضهم اليوم واليومين ول يمكنهُ أن يخرج حتى يجاَب في‬
‫مجموعة الرسائل والمسائل لشيخ السلم ابن تيمية ص ‪. 45 , 44‬‬ ‫‪1‬‬

‫الفصل في الملل والهواء والنحل للحافظ ابن حزم ج ‪ 4‬ص ‪. 226‬‬ ‫‪2‬‬

‫كتاب سيدي أحمد الدردير للدكتور عبد الحليم محمود ص ‪ . 95‬ط دار الكتب الحديثة القاهرة ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي ص ‪ . 53‬ط القاهرة ‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪217‬‬
‫شفاَعتهُ ‪ ,‬وقَاَل يوماَ لبناَت الخطاَ ‪ :‬أخرجوا فإن الخن رِائح يطبق عليكم‬
‫فماَ سمع منهن إل واحدة ‪ ,‬فخرجت ‪ ,‬ووقَع على الباَقَي فمتن كلهن ‪.‬‬

‫وكاَن إذا رِأى شيخ بلد وغيرهُ ينزلهُ من على الحماَرِة ويقول لهُ ‪ :‬أمسك‬
‫مر في الرِض ل‬‫رِأسهاَ لي حتى أفعل فيهاَ ‪ ,‬فإن أبى شيخ البلد تس ّ‬
‫يستطيع أن يمشي خطوة ‪ ,‬وإن سمع حصل لهُ خجل عظيم والناَس يمرون‬
‫عليهُ ‪ ,‬وكاَن لهُ أحوال غريبة ( ‪. 1‬‬

‫وماَذا نستطيع أن نقول بعد سرد هذهُ الرواية عن الشعراني ‪ ,‬ثم مدحهُ‬
‫لمثل هذا الفاَجر الخبيث ‪ ,‬وجعلهُ من أعياَن المجاَذيبِ ‪ ,‬وأرِباَب الحوال ‪,‬‬
‫وصااَحبِ الكراماَت والخوارِق ‪ ,‬ومستجاَب الدعوات ‪ ,‬مأَذوناَ باَلشفاَعة عند‬
‫اللهُ ‪ ,‬وليس مأَذوناَ فحسبِ بل شفيعاَ مقبول ‪ ,‬مبشرا بقبول شفاَعتهُ فيمن‬
‫أرِاد أن يشفع فيهم ‪ ,‬وهل هناَك استهزاء باَلشريعة ‪ ,‬وتعطيل لحدود اللهُ ‪,‬‬
‫وتلعبِ بأَوامر اللهُ ونواهيهُ ‪ ,‬زندقَة وإلحاَد ‪ ,‬وفسق وفجورِ أكبر من هذا ؟‬

‫هذا ماَ ل يوجد لهُ نظير حتى لدى الشيعة ‪ ,‬منبع كل فساَد ‪ ,‬ومصدرِ كل‬
‫رِذيلة ‪.‬‬

‫ولكن التلميذ قَد فاَق أستاَذهُ ‪ ,‬والمريد مرشدهُ ‪ ,‬والمتعلم معلمهُ ‪.‬‬

‫وهناَك آخر من كباَرِ مشاَئخ القوم ‪ ,‬يسمونهُ قَطبِ الواصالين عبد العزيز‬
‫الدباَغ ‪ ,‬يقول ‪:‬‬
‫ّ‬
‫) إن بعض المريدين قَاَل لشيخهُ ‪ :‬ياَ سيدي دلني على شيء يريحني مع اللهُ‬
‫عز وجل ‪.‬‬
‫فقاَل ‪ :‬لهُ الشيخ ‪ :‬إن أرِدت ذلك فكن شبيهاَ لهُ في شيء من أوصااَفهُ عز‬
‫وجل ‪ ,‬فإنك إن اتصفت بشيء منهاَ فإنهُ يسكنك يوم القياَمة مع أولياَئهُ في‬
‫دارِ نعيمهُ ول يسكنك مع أعدائهُ في دارِ جحيمهُ ‪.‬‬

‫فقاَل المريد ‪ :‬وكيف لي بذلك ياَ سيدي وأوصااَفهُ تعاَلى ل تنحصر ‪.‬‬
‫فقاَل الشيخ ‪ :‬كن شبيههُ في بعضهاَ ‪ ,‬فقاَل ‪ :‬وماَ هو ياَ سيدي ؟‬
‫فقاَل ‪ :‬كن من الذين يقولون الحق ‪ ,‬فإن من أوصااَفهُ تعاَلى قَول الحق ‪,‬‬
‫فإن كنت من الذين يقولون الحق فإن اللهُ سيرحمك ‪ ,‬فعاَهد الشيخ على‬
‫أن يقول الحق ‪ ,‬وافترقَاَ ‪.‬‬

‫وكاَن بجوارِ المريد بنت فدخل الشيطاَن بينهماَ حتى فجر بهاَ وافتضهاَ ‪,‬‬
‫فلم تقدرِ البنت على الصبر مع أنهاَ هي التي طلبت منهُ الفعل ‪ ,‬لنهاَ تعلم‬
‫أن الفتضاَض ل يخفى بعد ذلك ‪,‬فأَعلمت أباَهاَ فرفعهُ إلى الحاَكم ‪ ,‬وقَاَل ‪:‬‬
‫إن هذا فعل ببنتي كذا وكذا ‪.‬‬
‫فقاَل الحاَكم للمريد ‪ :‬أتسمع ماَ يقول ؟‬

‫فقاَل ‪ :‬صادق ‪ ,‬قَد فعلت ذلك ‪ ,‬كاَن مستحضرا للعهد الذي فاَرِق الشيخ‬
‫عليهُ ‪ ,‬فلم يقدرِ على الجحود والنكران ‪ ,‬فلماَ سمع منهُ الحاَكم ماَ سمع ‪,‬‬
‫قَاَل ‪ :‬هذا أحمق ‪ ,‬اذهبوا بهُ إلى الماَرِستاَن ‪ ,‬فإن العاَقَل ل يقّر على نفسهُ‬
‫طبقات الشعراني ج ‪ 2‬ص ‪. 151 , 150‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪218‬‬
‫بماَ يعود عليهُ باَلضررِ ‪ ,‬فدخل الماَرِستاَن ‪ ,‬ثم جاَء من رِغبِ الحاَكم ‪ ,‬وشفع‬
‫فيهُ فسّرحوهُ ( ‪. 1‬‬

‫وأحد كباَرِ القوم و ) شهيد التصوف الماَم الجل نجم الملة والدين قَطبِ‬
‫السلم والمسلمين ‪ ,‬برهاَن السنة ‪ ,‬محيي الحق نجم الدين الكبري ( يخبر‬
‫عن فسقهُ وفجورِهُ بأَسلوب صاوفي ‪ :‬فيقول ‪:‬‬
‫) عشقت واحدا ببلد المغرب فسلطت عليهُ الهمة فأَخذتهُ ورِبطتهُ ومنعتهُ‬
‫عن سواي ‪ ,‬إل أنهُ كاَن عليهُ رِقَباَء ‪ ,‬فسكت عن صاريح المقاَل ‪ ,‬وجعل‬
‫يكلمني بلساَن الحاَل ‪ ,‬فأَهمهُ وأكملهُ كذلك فيفهمهُ ‪ ,‬وانتهى المر إلى أن‬
‫صارت أناَ هو ‪ ,‬وهو أناَ ‪ ,‬ووقَع العشق إلى محض صافاَء الروح ‪ ,‬فجاَءتني‬
‫رِوحهُ سحرا تمّرغ وجههاَ في التراب وتقول ‪ :‬أيهاَ الشيخ الماَن ‪ ,‬الماَن ‪,‬‬
‫قَتلتني أدرِكني ‪ ,‬فقلت ‪ :‬ماَذا تريد ؟‬
‫قَاَلت ‪ :‬أرِيد أن تدعني حتى أقَبل قَدمك ‪ ,‬فأَذنت لهاَ ‪ ,‬ففعلت ورِفعت‬
‫وجههاَ ‪ ,‬فقبلتهاَ حتى استراحت واطمأَنت إلى صادرِي ( ‪. 2‬‬
‫وماَ دمناَ تطرقَناَ إلى هذا الموضوع فإنناَ نقول ‪ :‬إن جماَعة من الصوفية ولو‬
‫أنهم تظاَهروا باَلصلح والتقوى لم يستطيعوا أن يخفوا ويكتموا عشقهم‬
‫وفسقهم ‪ ,‬وشهدوا عليهم بعدم مباَلة الشرع وأحكاَمهُ ‪ ,‬والتطرق إلى‬
‫المنكرات والمحظورِات ‪.‬‬

‫فهذا هو الشيخ الكبر للصوفية محيي الدين بن عربي يرفع الستاَرِ عن‬
‫شخصهُ وكنههُ ‪ ,‬مثلماَ شهد تلميذهُ نجم الدين الكبري على نفسهُ ‪ ,‬فيقول‬
‫شاَرِحاَ لديوانهُ ) ترجماَن الشواق ( الذي فضحهُ هو وعشقهُ ببنت أحد‬
‫مشاَئخ مكة ‪ ,‬وتشبيبهُ وغزلهُ فيهاَ ‪ ,‬وقَد كثر الكلم والغمز واللمز فيهُ‬
‫) وأحدث هذا الشعر دوياَ وأقَاَويل حولهُ مماَ جعل بدل الحبشي وإسماَعيل‬
‫بن سودقَين يطلباَن إليهُ شرح هذا الديوان ( ‪. 3‬‬

‫فأَرِاد أن يغطي ماَ قَاَلهُ فيهاَ من الغزل الركيك المتندح عشقاَ وحباَ وجذباَ‬
‫وشوقَاَ إلى تلك الحسناَء المكية بغطاَء صاوفي بدهاَء ومكر ‪ ,‬فماَ استطاَع إل‬
‫إظهاَرِ ماَ كاَن خاَفياَ من قَبل أكثر بكثير ‪.‬‬

‫فاَنظرهُ ماَذا يقول في مقدمة ذخاَئرهُ ‪ ,‬والعباَرِة ناَطقة بصوت رِفيع ل‬


‫بصوت خاَفت ‪ ,‬بماَ هو مكنون بين جنباَتهاَ وتراكيبهاَ ‪:‬‬
‫) فإني لماَ نزلت مكة سنة خمسماَئة وثماَن وتسعين ألفيت بهاَ جماَعة من‬
‫الفضلء ‪ ,‬وعصاَبة من الكاَبر والدباَء والصلحاَء بين رِجاَل ونساَء ‪ ,‬ولم أرِ‬
‫فيهم مع فضلهم مشغول بنفسهُ ‪ ,‬مشغوفاَ فيماَ بين يومهُ وأمسهُ ‪ ,‬مثل‬
‫الشيخ العاَلم الماَم ‪ ,‬بمقاَم إبراهيم عليهُ الصلة والسلم ‪ ,‬نزيل مكة البلد‬
‫المين مكين الدين أبي شجاَع زاهر بن رِستم بن أبي الرجاَء الصافهاَني‬
‫رِحمهُ اللهُ ‪ ...‬وكاَن لهذا الشيخ رِضي اللهُ عنهُ بنت عذرِاء ‪ ,‬طفيلة هيفاَء ‪,‬‬
‫تقيد النظر ‪ ,‬وتزين المحاَضر ‪ ,‬وتحير المناَظر ‪ ,‬تسمى باَلنظاَم ‪ ,‬تلقبِ بعين‬
‫الشمس وإليهاَ من العاَبدات العاَلماَت الساَبحاَت الزاهدات شيخة الحرمين ‪,‬‬
‫وتربية البلد المين العظم بلمين ‪ ,‬ساَحرة الطرف ‪ ,‬عراقَية الظرف ‪ ,‬إن‬

‫البريز للدباغ ص ‪ . 43‬ط مصر ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫فوائح الجمال وفواتح الجلل لنجم الدين الكبري ص ‪ . 65 , 64‬ط المانيا ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫مقدمة ذخائر العلق لمحمد عبد الرحمن الكروي ص ) و ( ط مطبعة السعادة مصر ‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪219‬‬
‫أسهبت أثعبت ‪ ,‬وإن أوجزت أعجزت ‪ ,‬وإن أفصحت أوضحت إن نطقت‬
‫خرس قَس بن ساَعدة ‪ ,‬وإن كرمت خنس معن بن زائدة ‪ ,‬وإن وفت قَصر‬
‫السموأل خطاَهُ ‪ ,‬وأغرى ورِأى بظهر الغررِ وامتطاَهُ ‪ ,‬ولول النفوس‬
‫الضعيفة السريعة المراض ‪ ,‬السيئة الغراض ‪ ,‬لخذت في شرح ماَ أودع‬
‫اللهُ تعاَلى في خلقهاَ من الحسن ‪ ,‬وفي خلقهاَ الذي هو رِوضة المزن ‪,‬‬
‫شمس بين العلماَء ‪ ,‬بستاَن بين الدباَء ‪ ,‬حقهُ مختومة ‪ ,‬واسطة عقد‬
‫منظومة ‪ ,‬يتيمة دهرهاَ ‪ ,‬كريمة عصرهاَ ‪ ,‬ساَبغة الكرم ‪ ,‬عاَلية الهمم ‪ ,‬سيدة‬
‫والديهاَ ‪ ,‬شريفة ناَديهاَ ‪ ,‬مسكهاَ جياَد وبيتهاَ من العين السواد ومن الصدرِ‬
‫الفؤاد أشرقَت بهاَ تهاَمة ‪ ,‬وفتح الروض لمجاَورِتهاَ أكماَمهُ ‪ ,‬فنعمت أعراف‬
‫المعاَرِف ‪ ,‬بماَ تحملهُ من الرقَاَئق واللطاَئف ‪ ,‬علمهاَ عملهاَ ‪ ,‬عليهاَ مسحة‬
‫ملك وهمة ملك ‪ ,‬فراعيناَ في صاحبتهاَ كريم ذاتهاَ مع ماَ انضاَف إلى ذلك من‬
‫صاحبة العمة والوالد ‪ ,‬فقلدناَهاَ من نظمناَ فيهاَ بعض خاَطر الشتياَق ‪ ,‬من‬
‫تلك الذخاَئر والعلق ‪ ,‬فأَعربت عن نفس تواقَة ‪ ,‬ونبهت على ماَ عندناَ من‬
‫العلقَة ‪ ,‬اهتماَماَ باَلمر القديم ‪ ,‬و إيثاَرِا لمجلسهاَ الكريم ‪ ,‬فكل اسم أذكرهُ‬
‫في هذا الجزء فمنهاَ أكني ‪ ,‬وكل دارِ أندبهاَ فدارِهاَ أعني ( ‪. 1‬‬

‫ولم تكن واحدة هذهُ التي علق بهاَ قَلبِ الشيخ ‪ ,‬وهاَم ورِاءهاَ ‪ ,‬بل كاَنت‬
‫هناَك أخرى أيضاَ ‪ ,‬وفي بيت اللهُ الحرام وجنبِ الكعبة ‪ ,‬انظر ماَذا يقول ‪:‬‬
‫)كنت أطوف ذات ليلة باَلبيت فطاَب وقَتي ‪ ,‬وهّزني حاَل كنت أعرفهُ ‪,‬‬
‫فخرجت من البلط من أجل الناَس وطفت على الرمل ‪ ,‬فحضرتني أبياَت‬
‫فأَنشدتهاَ أسمع بهاَ نفسي ومن يليني – لو كاَن هناَك أحد – وهي قَولهُ ‪:‬‬

‫ي قَلــــــــــبِ ملكوا‬
‫أ ّ‬ ‫ليت شعري هل درِوا‬
‫ي شــــــعبِ سلكوا‬ ‫أ ّ‬ ‫وفؤادي لـــــــو درِى‬
‫أم تــــــــراهم هلكوا‬ ‫أتراهم سلـــــــــــموا‬
‫في الهوى وأرِتكبوا‬ ‫حاَرِ أرِباَب الــــهوى‬

‫فلم أشعر إل بضربة بين كتفي بكف ألين من الخّز ‪ ,‬فاَلتفت فإذا بجاَرِية‬
‫من بناَت الروم لم أرِ أحسن وجهاَ ً ‪ ,‬ول أعذب منطقاَ ً ‪ ,‬ول أرِق حاَشية ‪ ,‬ول‬
‫ألطف معنى ‪ ,‬ول أدق إشاَرِة ‪ ,‬ول أظرف محاَورِة منهاَ ‪ ,‬قَد فاَقَت أهل‬
‫زماَنهاَ ظرفاَ ً وأدباَ ً وجماَل ومعرفة ‪ ,‬فقاَلت ‪ :‬ياَسيدي كيف قَلت ؟ فقلت ‪:‬‬

‫ي قَلــــــــــبِ ملكوا‬
‫أ ّ‬ ‫ليت شعري هل درِوا‬
‫فقاَلت ‪ :‬عجباَ ً منك وأنت عاَرِف زماَنك تقول مثل هذا ! أليس كل مملوك‬
‫معروف ؟ وهل يصح الملك إل بعد المعرفة وتمني الشعورِ يؤذن بعدمهاَ‬
‫والطريق لساَن صادق فكيف يجوز لمثلك أن يقول مثل هذا ؟ قَل ياَسيدي ‪:‬‬
‫ماَذا قَلت بعدهُ ؟ فقلت ‪:‬‬

‫ي شــــــعبِ سلكوا‬‫أ ّ‬ ‫وفؤادي لـــــــو درِى‬


‫فقاَلت ‪ :‬ياَسيدي الشعبِ الذي بين الشغاَف والفؤاد هو الماَنع لهُ من‬
‫المعرفة ‪ ,‬فكيف يتمنى مثلك ماَ ل يمكن الوصاول إليهُ إل بعد المعرفة ‪,‬‬
‫والطريق لساَن صادق فكيف يجوز لمثلك أن يقول مثل هذا ياَسيدي !؟‬
‫فماَذا قَلت بعدهُ ؟ فقلت ‪:‬‬
‫ذخائر العلق لبن عربي ص ‪ 1‬إلى ‪. 4‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪220‬‬

‫أم تــــــــراهم هلكوا‬ ‫أتراهم سلـــــــــــموا‬


‫فقاَلت ‪ :‬أماَ هم فسلموا ‪ ,‬ولكن أسأَل عنك فينبغي أن تسأَل نفسك ‪ :‬هل‬
‫سلمت أم هلكت ياَسيدي ؟ فماَ قَلت بعدهُ ؟ فقلت ‪:‬‬

‫في الهوى وأرِتكبوا‬ ‫حاَرِ أرِباَب الــــهوى‬


‫فصاَحت وقَاَلت ‪ :‬ياَعجباَ ً كيف يبقى للمشغوف فضلة يحاَرِبهاَ ‪ ,‬والهوى‬
‫شأَنهُ التعميم ‪ .‬يخدرِ الحواس ويذهبِ العقول ويدهش الخواطر ويذهبِ‬
‫بصاَحبهُ في الذاهبين فأَين الحيرة وماَ هناَ باَق فيحاَرِ والطريق لساَن صادق‬
‫والتجوز من مثلك غير لئق ‪ .‬فقلت ‪ :‬ياَبنت الخاَلة ماَ أسمك ؟ قَاَلت ‪ :‬قَرة‬
‫العين ‪ .‬فقلت ‪ :‬لي ‪ .‬ثم سلمت وانصرفت ‪ .‬ثم إني عرفتهاَ بعد ذلك‬
‫وعاَشرتهاَ فرأيت عندهاَ من لطاَئف المعاَرِف الرِبع ماَ ل يصفهُ واصاف( ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ول أدرِي كيف يستسيغ المدافعون عن ابن عربي أن يبرئوهُ من هذهُ‬


‫الشهاَدة التي شهد بهاَ على نفسهُ ‪ ,‬وأن يخلصوهُ من ذلك المأَزق الذي‬
‫أوقَع نفسهُ بنفسهُ فيهُ ‪ ,‬وهل يبيح أحد هؤلء المدافعين عنهُ أن يذكرهُ أحد‬
‫– ل سمح اللهُ – هكذا بإسمهُ ‪ ,‬ثم يذكر كريمتهُ ويتسببِ فيهاَ ويتغزل كماَ‬
‫تغزل وتشببِ شيخهم الكبر في كريمة ذلك الشيخ المكي ‪ ,‬فكيف يرضون‬
‫لغيرهم ماَ ل يرضون لنفسهم ؟‬

‫وماَ دمناَ بدأناَ بذكر العترافاَت نورِد ههناَ اعترافاَ آخر من أحد مشاَئخ القوم‬
‫يدل على سيرتهم وعلى سريرتهم أيضاَ ‪ ,‬وهو أن أحمد بن المباَرِك رِاوية‬
‫عبد العزيز الدباَغ يذكر أن كاَتبهُ عبد اللهُ بن علي وأخاَهُ عبد الرحمن صاعدا‬
‫يوماَ على سطح مدرِسة العطاَرِين ‪ ,‬ثم ماَذا حدث ؟‬

‫إسمع عنهماَ ‪ ,‬ماَ يقولن ‪:‬‬


‫) فرأيناَ على سطوح الدورِ نسوة مجتمعاَت ومتفرقَاَت ‪ ,‬فجعلناَ ننظر إليهن‬
‫ونتذاكر أمرهن فيماَ بينناَ ‪ ,‬نضحك أحياَناَ ‪ ,‬ثم وثبِ أحدناَ مرة إلى الهواء من‬
‫قَوة ماَ غلبِ عليناَ من المزاح ‪.‬‬

‫فلماَ قَدمناَ دارِ الشيخ رِضي اللهُ عنهُ وجلسناَ في الصقلبية المعروفة جعل‬
‫رِضي اللهُ عنهُ يضحك ضحكاَ كثيرا ‪ .‬ويقول ‪ :‬ماَ أملح الشيخ الذي ل يكاَشف ‪,‬‬
‫ي ‪ .‬فذكرناَ لهُ المر الذي كاَن ‪.‬‬
‫ثم قَاَل ‪ :‬أين كنتماَ ؟ أصادقَاَني ‪ ,‬ول تكذباَ عل ّ‬

‫فجعل رِضي اللهُ عنهُ يذكر لناَ أمر النسوة ومكاَنتهن في السطوح كأَنهُ‬
‫حاَضر معناَ ‪ ,‬وذكر لناَ أيضاَ الوثبة المتقدمة من غير أن نذكرهاَ لهُ ‪ ,‬فذكر لناَ‬
‫رِضي اللهُ عنهُ أنهُ كاَن حينئذ جاَلساَ مع بعض من قَصدهُ للزياَرِة فلم‬
‫يشعروا بهُ حتى تفرقَع باَلضحك ‪ ,‬وذلك حين شاَهد تلك الوثبة فظن من‬
‫حضر أنهُ كاَن يضحك عليهُ ( ‪. 2‬‬

‫ذخائر العلق لبن عربي ص ‪. 8 , 7‬‬ ‫‪1‬‬

‫البريز لعبد العزيز الدباغ ص ‪. 27‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪221‬‬
‫هذا وإن هناَك صاوفياَ كبيرا من شبهُ القاَرِة الهندية الباَكستاَنية ل زال‬
‫مشهدهُ قَاَئماَ يزارِ ويقاَم عليهُ العرس سنوياَ ‪ ,‬ولعلهُ من أكبر العراس في‬
‫باَكستاَن ‪ ,‬وهو مشهد الصوفي المشهورِ بماَدهو لعل حسين ‪.‬‬

‫وأن أصاحاَب السير والطبقاَت ذكروا في ترجمتهُ أنهُ كاَن من أولياَء اللهُ‬
‫ب إل لبى طلبهُ ‪ ,‬فكاَن‬ ‫ومستجاَب الدعوات ‪ ,‬وماَ كاَن يطلبِ شيئاَ من الر ّ‬
‫حاَفظاَ للقرآن وعاَلماَ فقيهاَ ‪ ,‬ويوماَ من الياَم كاَن يدرِس عند شيخهُ سعد‬
‫اللهُ تفسير مدارِك التنزيل ‪ ,‬فلماَ بلغ إلى قَولهُ عز وجل ‪ ) :‬إنماَ الحياَة الدنياَ‬
‫لهو ولعبِ ( طرأ عليهُ الوجد ‪ ,‬وبدأ يرقَص ويقول ‪ :‬ماَ دام أن الحياَة لهو‬
‫ولعبِ فلماَذا ل نلهو ونلعبِ ؟‬

‫فأَخذ كتبهُ ورِماَهاَ في البئر ‪ ,‬وحلق لحيتهُ وشوارِبهُ ‪ ,‬وأخذ كأَس الخمر ‪ ,‬وبدأ‬
‫يرقَص في الشورِاع والسواق ‪ ,‬كماَ بدا يرتاَد بيوت المومساَت ‪ ,‬ويقضي‬
‫أوقَاَتهُ فيهاَ ‪ ,‬إلى أن وقَع نظرهُ على أمرد هندوكي جميل ‪ ,‬فولهُ بهُ وكلف ‪,‬‬
‫وعشقهُ ‪ ,‬وماَ زال يطوف حول بيتهُ ست عشرة سنة حتى أوقَعهُ في حباَلهُ‬
‫وفخهُ ‪ ,‬وجعل إسمهُ جزء من اسمهُ ‪ ,‬فصاَرِ ماَدهو لعل الحسين ‪ ,‬بعد أن كاَن‬
‫حسيناَ فقط ‪ ,‬وبعد وفاَتهُ صااَرِ مزارِهُ مهبط النوارِ ‪ ,‬ومحط البركاَت ‪ ,‬مثل‬
‫ماَ كاَن هو في حياَتهُ ‪. 1‬‬

‫هذا من جاَنبِ ‪ ,‬ومن جاَنبِ آخر يذكر الشعراني صاوفياَ آخر صااَحبِ كشف ‪,‬‬
‫فيقول ‪:‬‬
‫) سيدي شريف رِضي اللهُ عنهُ ورِحمهُ كاَن يأَكل في نهاَرِ رِمضاَن ‪ ,‬ويقول‬
‫أناَ معتوق ‪ ,‬أعتقني رِبي ( ‪. 2‬‬

‫مهُ رِغيفاَ ‪,‬‬


‫ومثل هذا يذكرون عن أبي يزيد البسطاَمي أنهُ ) أخرج من ك ّ‬
‫وأخذ في أكلهُ في المدينة ‪ ,‬وكاَن هذا في شهر رِمضاَن ( ‪. 3‬‬

‫وينقلون عن الشبلي أنهُ كاَن يقول ‪:‬‬


‫) ياَ ويلهُ ‪ ,‬إن صاليت جحت ‪ ,‬وإن لم أصا ّ‬
‫ل كفرت ( ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫د ول تحصى ‪ ,‬تدل على رِفع‬


‫والقصص والحكاَياَت مثل هذهُ كثيرة جدا ل تع ّ‬
‫التكاَليف وإسقاَط الشريعة ‪ ,‬وقَد نورِد بعضاَ منهاَ في محلهُ في الجزء‬
‫الثاَني من هذا الكتاَب إن شاَء اللهُ ‪.‬‬

‫وهناَك عقاَئد وآرِاء وأفكاَرِ أخرى عديدة ‪ ,‬فيهاَ تشاَبهُ كاَمل وتوافق تاَم مع‬
‫الشيعة ‪ ,‬تدل على أنهاَ مأَخوذة مقتبسة منهم ‪ ,‬ولكنناَ نكتفي بهذا القدرِ‬
‫منهاَ ‪ ,‬لجلء الموضوع ووضوح المبحث ‪ ,‬بعد ماَ أثبتناَهاَ من كتبِ الفريقين ‪,‬‬
‫المعتمدة الموثوقَة ‪ ,‬وبسرد ألفاَظهم وعباَرِاتهم ‪ ,‬ومع تأَييد الشيعة ‪,‬‬
‫وتوثيق السنة ‪ ,‬وشهاَدة الخرين من اليهود والنصاَرِى من المستشرقَين ‪.‬‬

‫فإن الشيعي اليراني المعاَصار قَد صاّرح في كتاَبهُ ‪:‬‬


‫انظر تذكرة أولياء الباكستان والهند للكتور ظهور الحسن شارب ج ‪ 2‬ص ‪ 259‬وما بعد ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫طبقات الشعراني ج ‪ 2‬ص ‪. 151‬‬ ‫‪2‬‬

‫كشف المحجوب للهجويري ترجمة عربية ص ‪. 262‬‬ ‫‪3‬‬

‫التعرف للكلباذي ص ‪. 163‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪222‬‬
‫) تذهبِ جماَعة إلى أن التصوف ليس إل رِد فعل أوجدهُ الفتح العربي‬
‫السلمي في نفوس العنصر الرِي اليراني ‪ ,‬وخلصاة قَولهم أن اليرانيين‬
‫بعدماَ غلبوا على أمرهم بسيوف العرب في مواقَع القاَدسية وجلولء‬
‫وحلوان ونهاَوند ‪ ,‬أدرِكوا أنهم فقدوا إستقللهم وأضاَعوامجدهم ‪ ,‬ثم إنهم‬
‫إعتنقوا الدياَنة السلمية ‪ ,‬ولكن العرب الذين كاَن اليرانيون ينظرون‬
‫إليهم منذ القدم بنظرة غير رِاضية لم يستطيعوا أن يغيروا رِغم‬
‫إنتصاَرِاتهم مجرى التفكير اليراني ‪ ,‬وأن يجعلوهم مشاَرِكين لهم في‬
‫أسلوب تفكيرهم وإتجاَهاَتهم وميولهم وسليقتهم ومنطقهم وكذلك في‬
‫آماَلهم وأماَنيهم وغاَياَتهم الروحية المثاَلية لن التباَين الشكلي والمعنوي‬
‫أي الفروق العنصرية والختلف في أسلوب المعيشة والوضاَع الجتماَعية‬
‫بين هاَتين المتين كاَن شديدا للغاَية ‪ .‬وبناَء على ذلك بعدماَ إنتهت المعاَرِك‬
‫الحربية باَندحاَرِ اليرانيين بأَسلوب المساَجلت الفكرية التي كاَن لهاَ أثر‬
‫باَلغ في التاَرِيخ الدبي والمذهبي والجتماَعي والسياَسي للعرب والسلم‬
‫‪.‬‬

‫ومن أهم تلك النعكاَساَت التي ترتبت على تلك النفعاَلت الفكرية التشيع‬
‫أول والتصوف ثاَنياَ ‪ .‬وينبغي أن نضيف إلى هذهُ الملحظة أن الغرض من ذ‬
‫كر النفعاَلت في هذا الباَب ليس القول بأَن اليرانيين أقَدموا على هذا‬
‫العمل اختاَرِوا أو تعمدوا وقَد تأَتت في أكثر الظروف بحكم النفعاَلت‬
‫النفسية وبتأَثير العواطف و الحاَسيس الخفية بصورِة ثاَبتة كماَ يرى علماَء‬
‫النفس ‪ ,‬أي من غير أن يعرف الناَس أنفسهم غاَلباَ السببِ الحقيقي أو‬
‫يستطيعوا تحليل أفكاَرِهم وأحاَسيسهم إنساَقَت أفكاَرِهم إلى أمثاَل هذهُ‬
‫النفعاَلت العكسية ( ‪. 1‬‬

‫وأماَ الشيعي العراقَي فقد كتبِ كتاَباَ مستقل لثباَت تأَثر التصوف‬
‫باَلتشيع ‪ ,‬واستفاَدة الصوفية من الشيعة ‪ ,‬وأخذهم عنهم ‪ ,‬فيقول ‪:‬‬
‫) وينبغي أن نذكر الدورِ الذي قَاَم بهُ الفرس من إخاَلهم مثلهم الدينية في‬
‫التشيع الغاَلي الول حين نصروا المختاَرِ ‪ ,‬وعاَضدوا حركة الغلو العجلية ‪,‬‬
‫وانضموا إلى حركة أبي هاَشم ‪ ,‬وانضاَفوا إلى الحركة السرية العباَسية‬
‫التي ورِثت حركة أبي هاَشم ‪ ,‬حتى أدى بهم المر إلى تأَليهُ أبي مسلم‬
‫الخراساَني ‪ ,‬كماَ فعلوا مع أئمة الشيعة من العلويين ‪ .‬يضاَف إلى ذلك أنهم‬
‫نصروا حركة عبد اللهُ بن معاَوية في فاَرِس أيضاَ ‪ ,‬وأسبغوا عليهُ النورِ‬
‫اللهي الذي سنجدهُ في التصوف واضحاَ جلياَ ‪.‬‬

‫وهذا كلهُ يعني أن الفرس قَد بدأوا إضاَفة القداسة إلى البيت النبوي‬
‫بإعتباَرِهاَ أساَساَ موازياَ لسسهم السياَسية والدينية الساَبقة من تأَليههم‬
‫ي‬
‫الملوك ‪ ,‬وقَولهم باَلنورِ الذي ينتقل من ملك إلى آخر ‪ ,‬فثبتت الولية لعل ّ‬
‫بن أبي طاَلبِ على نحو مباَلغ فيهُ ‪ ,‬وأنتقلت هذهُ الولية المقدسة مع‬
‫زياَدات وإضاَفاَت وحواش إلى الئمة من بعدهُ حتى بلغ المر حدّ التأَليهُ ( ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ 1‬تاريخ التصوف في ألسلم للدكتور قاسم غني اليراني ترجمة عربية لصادق نشأت ص ‪ . 14‬ط مكتبة النهضة المصرية‬
‫‪ 1970‬م‪.‬‬
‫‪ 2‬الصلة بين التصوف والتشيع للدكتور كامل مصطفى الشيبي ج ‪ 1‬ص ‪ . 372‬ط دار الندلس بيروت ‪.‬‬
‫‪223‬‬
‫وأماَ السنة فلقد نقلناَ فيماَ سبق رِأي شيخ السلم ابن تيمية ‪ ,‬وابن خلدون‬
‫وغيرهماَ في ذلك الخصوص ‪ ,‬كماَ ذكرناَ أيضاَ رِأي المستشرق النجليزي‬
‫المشهورِ المتعاَطف مع التصوف والصوفية – وهو نيكلسون – وبمثل ماَ‬
‫قَاَلهُ قَاَل جولد زيهر ‪. 1‬‬

‫وأخيرا نختم كلمناَ في هذا الخصوص على مقولة المستشرق براون )‬


‫‪ ( BROWN‬المشهورِة ‪:‬‬

‫) إن التشيع والتصوف كاَناَ من السلحة التي حاَرِب بهاَ الفرس العرب ( ‪. 2‬‬

‫انظر العقيدة والشريعة في السلم لجولد زيهر ص ‪ 139‬وما بعد ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪. Brown : A Literary History Of Persia Vol. 1 P 410‬‬
‫‪224‬‬

‫مصاَدرِ الكتاَب ومراجعهُ‬


‫كتبِ الصوفية ‪:‬‬
‫البريز لعبد العزيز الدباَغ ط مصر ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫أحاَسن المجاَلس لبي إسحاَق إبراهيم ‪ .‬ط المكتبة السلفية ‪ .‬مكة المكرمة‬ ‫‪.1‬‬
‫‪1390‬هـ ‪.‬‬
‫أحمد بن مخلوف الشباَبي لعلي الشباَبي ‪ .‬ط المكتبة الشباَبية الجزائر‬ ‫‪.2‬‬
‫‪ 1979‬م ‪.‬‬
‫أحوال وآثاَرِ فريد الدين مسعود كنج شكر ) أرِدو( ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫أحوال وأقَوال شيخ أبي الحسن الخرقَاَني ) فاَرِسي ( الطبعة الثاَلثة ‪1363‬‬ ‫‪.4‬‬
‫هـ قَمري إيران ‪.‬‬
‫أحوال أبدال لمحمد عبد العزيز مزنكوي ) أرِدو ( ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫إحياَء علوم الدين للغزالي ‪ .‬ط دارِ القلم ‪ .‬بيروت ‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫الخلق المتبولية لعبد الوهاَب الشعراني ‪ .‬ط مطبعة دارِ التراث العربي‬ ‫‪.7‬‬
‫القاَهرة ‪.‬‬
‫وارِ إيران ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ز‬ ‫فروشي‬ ‫كتاَب‬ ‫ط‬ ‫‪.‬‬ ‫(‬ ‫فاَرِسي‬ ‫)‬ ‫كبرى‬ ‫الدين‬ ‫لنجم‬ ‫الصوفية‬ ‫آداب‬ ‫‪.8‬‬
‫أستاَذ الساَئرين الحاَرِث بن أسد المحاَسبي للدكتورِ عبد الحليم محمود ‪ .‬ط‬ ‫‪.9‬‬
‫دارِ الكتبِ الحديثة ‪ .‬القاَهرة ‪.‬‬
‫أسرارِ الولياَء ملفوظاَت فريد الدين ‪ .‬ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.10‬‬
‫أسرارِ ناَمهُ ) فاَرِسي ( لعطاَرِ نيشاَبورِي ‪ .‬ط إيران ‪.‬‬ ‫‪.11‬‬
‫السرارِ لبن عربي ‪ .‬ط حيدرِ آباَد دكن الهند ‪ 1367‬هـ ‪.‬‬ ‫‪.12‬‬
‫السم العظم للغزالي ‪ .‬ط مكتبة نصير ‪ .‬القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.13‬‬
‫اصاطلحاَت الصوفية لكماَل الدين عبد الرزاق القاَشاَني ‪ .‬ط الهيئة‬ ‫‪.14‬‬
‫المصرية العاَمة للكتاَب بمصر ‪.‬‬
‫اللواح العماَدية للسهرورِدي بتحقيق نجف قَلي ط مركز تحقيقاَت فاَرِسي‬ ‫‪.15‬‬
‫إيران وباَكستاَن ‪.‬‬
‫المر المحكم المربوط فيماَ يلزم أهل الطريق لبن عربي بتحقيق محمد‬ ‫‪.16‬‬
‫عبد الرحمن الكردي ‪ .‬ط القاَهرة ‪.‬‬
‫النتصاَرِ لطريق الصوفية الخياَرِ لزمزمي بن محمد ‪ .‬ط دارِ مرجاَن‬ ‫‪.17‬‬
‫للطباَعة ‪ .‬مصر ‪.‬‬
‫النساَن الكاَمل لعبد الكريم الجيلي الطبعة الرابعة ‪ 1981‬م ‪.‬‬ ‫‪.18‬‬
‫إنشاَء الدوائر لبن عربي ط مطبعة بريل ليدن ‪1336‬هـ ‪.‬‬ ‫‪.19‬‬
‫أورِاد الحباَب وفصوص الداب لبي المفاَخر يحيى الباَخرزي ‪ .‬ط طهران‬ ‫‪.20‬‬
‫‪ 1966‬م‪.‬‬
‫النوارِ القدسية في معرفة القواعد الصوفية لعبد الوهاَب الشعراني ‪ .‬ط‬ ‫‪.21‬‬
‫دارِ إحياَء التراث العربي بغداد ‪ 1984‬م‪.‬‬
‫إيقاَظ الهمم في شرح الحكم لبن عجيبة الحسني ‪ .‬ط مصطفى الباَبي‬ ‫‪.22‬‬
‫الحلبي القاَهرة ‪.‬‬
‫أيهاَ الولد للغزالي ‪ .‬ط دارِ العتصاَم القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.23‬‬
‫آئينهُ شاَهُ ناَصار أولياَء لمحمد أنورِ بدخشاَني ‪ .‬ط كراتشي باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.24‬‬
‫باَيزيد النصاَرِي للدكتورِ مير ولي خاَن ‪ .‬ط مجمع البحوث السلمية‬ ‫‪.25‬‬
‫باَكستاَن ‪ 1396‬هـ ‪.‬‬
‫البرهاَن المؤيد لحمد الرفاَعي ‪ .‬ط القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.26‬‬
‫بياَن الحكاَم في السجاَدة والخرقَة والعلم لعلي بن ميمون المغربي‬ ‫‪.27‬‬
‫مخطوط ‪.‬‬
‫تأَييد الحقيقة الجلية للسيوطي ‪.‬‬ ‫‪.28‬‬
‫تاَرِيخ مشاَئخ جشت ) أرِدو ( لخليق أحمد نظاَمي ‪ .‬ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.29‬‬
‫‪225‬‬
‫التجلياَت لبن عربي ط دكن الهند ‪.‬‬ ‫‪.30‬‬
‫التدبيرات اللهية لبن عربي ‪ .‬ط ليدن ‪ 1336‬هـ ‪.‬‬ ‫‪.31‬‬
‫تذكرة الولياَء ) أرِدو ( لفريد الدين العطاَرِ ‪ .‬ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.32‬‬
‫تذكرة أولياَء باَك وهند ) أرِدو ( للدكتورِ ظهورِ الحسن شاَرِب ‪ .‬ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.33‬‬
‫تذكرة أولياَء بر صاغير ) أرِدو ( لميرزهُ محمد أختر الدهلوي ‪ .‬ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.34‬‬
‫تذكرة أولياَء كرام لصباَح الدين عبد الرحمن ) أرِدو ( ‪ .‬ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.35‬‬
‫تذكرة صاوفياَء بلوجستاَن ) أرِدو ( للدكتورِ إنعاَم الحق كوثر ‪ .‬ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.36‬‬
‫تذكرة صاوفياَء بنجاَب ) أرِدو ( لعجاَز الحق قَدوسي ‪ .‬ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.37‬‬
‫تذكرة غوثية ) أرِدو ( لشاَهُ كل حسن قَاَدرِي ‪ .‬ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.38‬‬
‫التراجم لبن عربي ط دكن الهند ‪.‬‬ ‫‪.39‬‬
‫ترتيبِ السلوك للقشيري ‪ .‬ط المعهد المركزي للبحاَث السلمية إسلم‬ ‫‪.40‬‬
‫آباَد باَكستاَن ‪.‬‬
‫ترتيبِ السلوك إلى ملك الملوك لجماَل الدين محمد بن عمر بحرق‬ ‫‪.41‬‬
‫الحضرمي ‪ .‬ط جاَمعة بنجاَب لهورِ باَكستاَن ‪.‬‬
‫ترصايع الجواهر المكية لعبد الغني الرافعي ‪ .‬ط المطبعة العاَمرية مصر‬ ‫‪.42‬‬
‫‪ 1301‬هـ ‪.‬‬
‫تحقيق السفاَرِ الرِبعة لحسن نورِي ‪ .‬ط شيراز إيران ‪.‬‬ ‫‪.43‬‬
‫التصوف في السلم لعرجون محمد الصاَدق مكتبة الكلياَت الزهرية ‪.‬‬ ‫‪.44‬‬
‫القاَهرة ‪ 1967‬م ‪.‬‬
‫التصوف والمير عبدالقاَدرِ الحسني الجزائري لجواد المرابط ‪ .‬ط دارِ‬ ‫‪.45‬‬
‫اليقظة دمشق ‪ 1966‬م ‪.‬‬
‫التصوف السلمي والماَم الشعراني لطهُ عبد الباَقَي سرورِ ‪ .‬ط دارِ نهضة‬ ‫‪.46‬‬
‫مصر ‪.‬‬
‫التصوف في تراث ابن تيمية للدكتورِ طبلوي محمد سعد ‪ .‬ط الهيئة‬ ‫‪.47‬‬
‫المصرية العاَمة للكتاَب ‪ 1984‬م ‪.‬‬
‫التصوف السلمي الخاَلص للمنوفي ‪ .‬ط دارِ النهضة مصر ‪.‬‬ ‫‪.48‬‬
‫تصوف إسلم ) أرِدو ( لعبد الماَجد درِياَ آباَدي ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.49‬‬
‫التعرض لمذهبِ أهل التصوف لبي بكر محمد الكلباَذي الطبعة الثاَلثة‬ ‫‪.50‬‬
‫مكتبة الكلياَت الزهرية القاَهرة ‪ 1400‬هـ ‪.‬‬
‫التعريفاَت للجرجاَني مخطوط ‪.‬‬ ‫‪.51‬‬
‫تفسير ابن عربي ‪ .‬ط انتشاَرِات ناَصار خسرو طهران ‪.‬‬ ‫‪.52‬‬
‫تنبيهُ المغتربين لعبد الوهاَب الشعراني ط مصر ‪.‬‬ ‫‪.53‬‬
‫تنبيهُ الغاَفلين لبي الليث بن نصر محمد ط مصطفى الباَبي الحلبي‬ ‫‪.54‬‬
‫القاَهرة ‪ 1933‬م‪.‬‬
‫ثلث رِساَئل لشهاَب الدين السهر ورِدي ‪ .‬ط مركز تحقيقاَت فاَرِسي إيران‬ ‫‪.55‬‬
‫وباَكستاَن ‪.‬‬
‫جاَمع الصاول في الولياَء لحمد الكمشخاَنوي ‪ .‬ط المطبعة الوهيبية‬ ‫‪.56‬‬
‫طرابلس الشاَم ‪ 1298‬هـ ‪.‬‬
‫جاَمع كراماَت الولياَء لبن عربي ‪ .‬ط دارِ صااَدرِ بيروت ‪.‬‬ ‫‪.57‬‬
‫جاَمي ) فاَرِسي ( لعلي أصاغر حكمت ‪ .‬ط انتشاَرِات توس إيران ‪.‬‬ ‫‪.58‬‬
‫جمهرة الولياَء لبي الفيض المنوفي الحسيني ‪ .‬ط مؤسسة الحلبي‬ ‫‪.59‬‬
‫القاَهرة ‪.‬‬
‫الجواب المستقيم لبن عربي مخطوط ‪.‬‬ ‫‪.60‬‬
‫الجواهر والدرِرِ للشعراني ‪ .‬ط مصر ‪.‬‬ ‫‪.61‬‬
‫الجواهر اللماَعة لعلي المرزوقَي ‪ .‬ط مصطفى الباَبي الحلبي مصر ‪.‬‬ ‫‪.62‬‬
‫جهل مجلس لعلء الدين سمناَني بتصحيح عبد الرفيع حقيقت ) فاَرِسي ( ‪.‬‬ ‫‪.63‬‬
‫الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية ‪ .‬ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.64‬‬
‫الحبِ اللهي في التصوف السلمي لمحمد مصطفى حلمي ‪ .‬ط القاَهرة‬ ‫‪.65‬‬
‫‪1960‬م‪.‬‬
‫حضرات القدس ) فاَرِسي ( لبدرِ الدين سرهندي ‪ .‬ط لهورِ ‪ 1971‬م ‪.‬‬ ‫‪.66‬‬
‫‪226‬‬
‫حقاَئق عن التصوف لعبد القاَدرِ عيسى الطبعة الرابعة ‪ .‬المطبعة الوطنية‬ ‫‪.67‬‬
‫عماَن ‪1401‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .68‬حكمة الشراق لشهاَب الدين السهرورِدي ‪.‬‬
‫حلية الولياَء وطبقاَت الصافياَء لبي نعيم الصابهاَني ‪ .‬ط دارِ الكتاَب‬ ‫‪.69‬‬
‫العربي بيروت ‪1980‬م‪.‬‬
‫الحلج لطهُ عبد الباَقَي سرورِ ‪ .‬ط دارِ نهضة مصر القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.70‬‬
‫حياَة القلوب في كيفية الوصاول إلى المحجوب بهاَمش قَوت القلوب ‪ .‬ط‬ ‫‪.71‬‬
‫دارِ صااَدرِ بيروت ‪.‬‬
‫الخبر الدال على وجود القطبِ والوتاَد للسيوطي مخطوط ‪.‬‬ ‫‪.72‬‬
‫ختم الولية للحكيم الترمذي ‪ .‬ط المطبعة الكاَثوليكية بيروت ‪.‬‬ ‫‪.73‬‬
‫خزينة الصافياَء ) أرِدو( لمفتي غلم سرورِ ‪ .‬طبعة باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.74‬‬
‫خزينة معرفت ) أرِدو ( للصوفي محمد إبراهيم قَصورِي ‪ .‬ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.75‬‬
‫‪ .76‬درِرِ الغواص على فتاَوى سيدي علي الخواص لعبد الوهاَب الشعراني ‪.‬‬
‫بهاَمش البريز للدباَغ ‪ .‬ط مصر ‪.‬‬
‫الدرِ المنظم في السم العظم للسيوطي ط مكتبة نصير القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.77‬‬
‫الدرِرِ الثمين والمورِد المعين لمحمد بن أحمد الماَلكي ‪ .‬ط مصطفى الباَبي‬ ‫‪.78‬‬
‫الحلبي ‪ 1954‬م ‪.‬‬
‫الدرِرِ السنية في الطريقة التيجاَنية لمحمد سعد الرباَطاَبي ‪ .‬مكتبة‬ ‫‪.79‬‬
‫القاَهرة ‪.‬‬
‫دلئل الخيرات ‪ .‬ط مصطفى الباَبي الحلبي ‪ 1346‬هـ ‪.‬‬ ‫‪.80‬‬
‫‪ .81‬ديوان ابن عربي ‪ .‬ط مكتبة محمد رِكاَبي الرشيدي القاَهرة ‪.‬‬
‫‪ .82‬ديوان ابن فاَرِض ‪ .‬ط مكتبة القاَهرة ‪ 1399‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .83‬ديوان البرعي ‪ .‬ط مصطفى الباَبي الحلبي القاَهرة ‪.‬‬
‫ديوان البوصايري لشرف الدين بوصايري ‪ .‬ط مصطفى الباَبي الحلبي مصر ‪.‬‬ ‫‪.84‬‬
‫‪ .85‬ديوان الحلج الطبعة الثاَنية بغداد ‪ 1404‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .86‬ديوان منصورِ حلج ) فاَرِسي ( ط انتشاَرِات كتاَبخاَنهُ سناَئي طهران ‪.‬‬
‫‪ .87‬ديوان فريد الدين عطاَرِ نيشاَبورِي ) فاَرِسي ( ط كتاَبخاَنهُ سناَئي طهران ‪.‬‬
‫ذخاَئر العلق لبن عربي ‪ .‬ط مكتبة الكلياَت الزهرية القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.88‬‬
‫رِاحة القلوب ملفوظاَت فريد الدين كنج شكر ) أرِدو( ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.89‬‬
‫الرساَلة القشيرية لعبد الكريم القشيري ‪ .‬ط دارِ الكتبِ الحديثة القاَهرة‬ ‫‪.90‬‬
‫‪ 1974‬م ‪.‬‬
‫رِساَلة النصوص لمحمد إسحاَق القونوي ‪ .‬ط مشهد إيران ‪.‬‬ ‫‪.91‬‬
‫الرستمياَت ) فاَرِسي ( لبي سعيد محمد بن محمد الرستمي ‪ .‬ط مجمع‬ ‫‪.92‬‬
‫البحوث السلمية إسلم آباَد باَكستاَن ‪.‬‬
‫‪ .93‬رِوح السنة ورِوح النفوس المطمئنة لحمد بن إدرِيس ‪ .‬ط دارِ إحياَء الكتبِ‬
‫العربية مصر ‪.‬‬
‫رِوضة التعريف باَلحبِ الشريف للساَن الدين بن الخطيبِ ‪ .‬ط دارِ الفكر‬ ‫‪.94‬‬
‫العربي ‪.‬‬
‫زبدة الحقاَئق لعزيز الدين النسفي تقديم حق ورِدي ناَصاري ‪ .‬ط كتاَبخاَنهُ‬ ‫‪.95‬‬
‫طهورِي طهران ‪.‬‬
‫ساَعة مع العاَرِفين لسعيد العظمي ‪ .‬ط دارِ العتصاَم القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.96‬‬
‫سبيل الذكاَرِ والعتباَرِ لعبد اللهُ باَعلوي الحداد بهاَمش النصاَئح الدينية‬ ‫‪.97‬‬
‫للمؤلف المذكورِ ‪ .‬ط مطبعة إحياَء الكتبِ العربية القاَهرة ‪.‬‬
‫سبيل الجنة في التربية باَلطريقة القاَدرِية لمحمد ناَصار ‪ .‬ط الهند ‪.‬‬ ‫‪.98‬‬
‫سر سبر دكاَنهُ ) فاَرِسي ( لمحمد علي ‪ .‬ط كتاَبخاَنهُ منوشري إيران ‪.‬‬ ‫‪.99‬‬
‫سيدي أحمد الدرِدير للدكتورِ عبد الحليم محمود ‪ .‬ط دارِ الكتبِ الحديثة‬ ‫‪.100‬‬
‫القاَهرة ‪.‬‬
‫السيد البدوي بين الحقيقة والخرافة للدكتورِ أحمد صابحي منصورِ الطبعة‬ ‫‪.101‬‬
‫الولى مطبعة الدعوة السلمية مصر ‪.‬‬
‫السيد البدوي لحمد محمد حجاَب ‪ .‬ط مؤسسة سعيد للطباَعة مصر ‪.‬‬ ‫‪.102‬‬
‫سير القَطاَب ) أرِدو ( لعبد الرحيم ‪ .‬ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.103‬‬
‫‪227‬‬
‫سير الولياَء لمحمد بن مباَرِك علوي ‪ .‬ط مؤسسة انتشاَرِات إسلمي‬ ‫‪.104‬‬
‫باَكستاَن ‪.‬‬
‫سير العاَرِفين ) أرِدو ( لحاَمد بن فضل اللهُ جماَلي ‪ .‬ط لهورِ باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.105‬‬
‫شجرة الكون لبن عربي ‪ .‬ط باَكستاَن ‪1980‬م‪.‬‬ ‫‪.106‬‬
‫‪ .107‬شرح الحجبِ والستاَرِ لرزبهاَن أبي محمد ط حيدرِ آباَد العند ‪ 1333‬هـ ‪.‬‬
‫شرح الزياَدة للجماَعة الكبيرة لحمد بن زين الدين مطبع الساَدات إيران ‪.‬‬ ‫‪.108‬‬
‫‪ .109‬شرح المساَئل الروحاَنية لبن عربي ضمن كتاَب ختم الولية للحكيم‬
‫الترمذي ‪ .‬ط المطبعة الكاَثوليكية بيروت ‪.‬‬
‫‪ .110‬شرح مقدمة التاَئية الكبرى لداود القيصري مخطوط ‪.‬‬
‫‪ .111‬شرح شطحياَت ) فاَرِسي ( لروزبهاَن بقلي شيرازي بتصحيح هنري كربين ‪.‬‬
‫ط طهران ‪.‬‬
‫‪ .112‬شرح الفصوص للقيصري مخطوط ‪.‬‬
‫‪ .113‬شرح حاَل الولياَء لعز الدين المقدسي مخطوط ‪.‬‬
‫الشريعة والحقيقة للدكتورِ حسن محمد شرقَاَوي ‪ .‬ط القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.114‬‬
‫شموس النوارِ لبن الحاَج تلمساَني ‪ .‬ط مصطفى الباَبي الحلبي القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.115‬‬
‫شهاَب الدين السهرورِدي للدكتورِ إبراهيم مدكورِ ‪ .‬ط الهيئة المصرية‬ ‫‪.116‬‬
‫العاَمة للكتاَب ‪.‬‬
‫صاوم القلبِ لعماَرِ البدليسي مخطوط ‪.‬‬ ‫‪.117‬‬
‫الصلة الكبرى لبن عربي مخطوط ‪.‬‬ ‫‪.118‬‬
‫الطبقاَت للسلمي ‪ .‬ط مطاَبع الشعبِ القاَهرة ‪ 1380‬هـ ‪.‬‬ ‫‪.119‬‬
‫طبقاَت الولياَء لبن الملقن ‪ .‬ط مكتبة الخاَنجي القاَهرة ‪ 1393‬هـ ‪.‬‬ ‫‪.120‬‬
‫الطبقاَت الكبرى للشعراني ‪ .‬ط دارِ العلم للجميع ‪ ,‬و ط المطبعة‬ ‫‪.121‬‬
‫العاَمرية العثماَنية ‪ 1305‬هـ القاَهرة ‪.‬‬
‫الطبقاَت الصغرى للشعراني ‪ .‬ط مكتبة القاَهرة الطبعة الولى ‪ 1390‬هـ ‪.‬‬ ‫‪.122‬‬
‫الطبقاَت في خصوص الولياَء والصاَلحين والعلماَء والشعراء في السودان‬ ‫‪.123‬‬
‫لمحمد ضيف اللهُ الجعلي الفضلي ‪ .‬ط المكتبة الثقاَفية بيروت ‪ .‬لبناَن ‪.‬‬
‫الطريق إلى اللهُ لبي سعيد الخراز ‪ .‬ط دارِ الكتبِ الحديثة مصر ‪.‬‬ ‫‪.124‬‬
‫‪ .125‬طريق النجاَة ) فاَرِسي ( لكريم خاَن كرماَني مطبع الساَدات إيران ‪1396‬‬
‫هـ ‪.‬‬
‫طهاَرِة القلوب لعبد العزيز الدرِيني ‪ .‬ط مصطفى الباَبي الحلبي‬ ‫‪.126‬‬
‫القاَهرة ‪.‬‬
‫الطواسين للحلج ‪ .‬ط المعاَرِف باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.127‬‬
‫عبد اللهُ النصاَرِي الهروي للدكتورِ محمد سعيد عبد المجيد ‪ .‬ط دارِ الكتبِ‬ ‫‪.128‬‬
‫الحديثة مصر ‪.‬‬
‫عبد اللهُ خويشكي قَصورِي ) أرِدو ( لمحمد إقَباَل مجددي ‪ .‬ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.129‬‬
‫عبد الرحمن الثعاَلبي والتصوف لعبد الرزاق قَسوم ‪ .‬ط الشركة الوطنية‬ ‫‪.130‬‬
‫الجزائر ‪.‬‬
‫العظة والعتباَرِ في حياَة السيد البدوي لحمد محمد الحجاَب ‪ .‬ط القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.131‬‬
‫‪ .132‬العروة للسمناَني مخطوط ‪.‬‬
‫عقلة المستوفز لبن عربي ‪ .‬ط مطبعة بريل ليدن ‪ 1336‬هـ ‪.‬‬ ‫‪.133‬‬
‫عقيدة أهل المعاَني في شرح قَصيدة بدء الماَلي لبي الحسن محمد‬ ‫‪.134‬‬
‫الدوسي ‪ .‬ط مكتبة ايشق تركياَ ‪.‬‬
‫العقل وفهم القرآن للحاَرِث بن أسد المحاَسبي ‪ .‬ط دارِ الكندي الطبعة‬ ‫‪.135‬‬
‫الثاَلثة ‪ 1402‬هـ ‪.‬‬
‫العلوم اللهية والسرارِ الرباَنية لبن عربي ‪ .‬ط مكتبة نصير القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.136‬‬
‫عوارِف المعاَرِف لعبد القاَهر السهرورِدي ‪ .‬ط دارِ الكتاَب العربي بيروت‬ ‫‪.137‬‬
‫‪ 1403‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .138‬غزلياَت شمس تبريزي ) فاَرِسي ( ط طهران ‪.‬‬
‫غيث المواهبِ العلية في شرح حكم العطاَئية للنفزي الرندي ‪ .‬ط دارِ‬ ‫‪.139‬‬
‫الكتبِ الحديثة القاَهرة ‪ 1970‬م ‪.‬‬
‫‪228‬‬
‫‪ .140‬الفتح الرباَني والفيض الرحماَني لعبد القاَدرِ الجيلني ‪ .‬ط مصطفى‬
‫الباَبي الحلبي القاَهرة ‪.‬‬
‫الفتح المبين فيماَ يتعلق بترياَق المحبين لبي الظفر القاَدرِي الطبعة‬ ‫‪.141‬‬
‫الولى المطبعة الخيرية مصر ‪ 1306‬هـ ‪.‬‬
‫الفتح الرباَني لعبد العزيز ناَبلوسي ‪ .‬المطبعة الكاَثوليكية بيروت ‪1960‬م ‪.‬‬ ‫‪.142‬‬
‫‪ .143‬الفتوحاَت اللهية لبن عجيبة الحسني ‪ .‬ط عاَلم الفكر القاَهرة ‪.‬‬
‫‪ .144‬الفتوحاَت المحمدية لمباَرِك علي ز ط باَكستاَن ‪ 1981‬م ‪.‬‬
‫الفتوحاَت المكية لبن عربي ‪ .‬ط الهيئة المصرية العاَمة للكتاَب ‪ 1405‬هـ ‪.‬‬ ‫‪.145‬‬
‫‪ .146‬فتوحاَت ناَمهُ لعبد الرزاق كاَشاَني ) فاَرِسي ( ط طهران ‪.‬‬
‫فرائد الللي من رِساَئل الغزالي بتحقيق محمد بخيت ط فرج اللهُ ذكي‬ ‫‪.147‬‬
‫الكردي مصر ‪ 1344‬هـ ‪.‬‬
‫فرحة الناَظرين لمحمد أسلم ) أرِدو ( ‪ .‬ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.148‬‬
‫فصوص الحكم لبن عربي بتعليقاَت الدكتورِ أبي العلء العفيفي ‪ .‬ط دارِ‬ ‫‪.149‬‬
‫الكتاَب العربي بيروت ‪.‬‬
‫فوائح الجماَل وفواتح الجلل لنجم الدين كبري ‪.‬‬ ‫‪.150‬‬
‫فوائد الفواد ملفوظاَت خواجهُ نظاَم الدين أولياَء ) أرِدو ( ‪ .‬ط أوقَاَف ل‬ ‫‪.151‬‬
‫هورِ باَكستاَن ‪.‬‬
‫الفوائد في الصلت والعوائد لشهاَب الدين الشرجي اليمني ‪ .‬ط مصطفى‬ ‫‪.152‬‬
‫الباَبي الحلبي مصر ‪ 1388‬هـ ‪.‬‬
‫فوائد العز السنى في شرح أسماَء اللهُ الحسنى وخواصاهاَ لمحمد‬ ‫‪.153‬‬
‫الشبراوي الشاَفعي بهاَمش الفوائد لشهاَب الدين الشرجي ‪ .‬ط مصطفى‬
‫الباَبي الحلبي ‪ .‬مصر ‪.‬‬
‫‪ .154‬قَرة العيون ومفّرح القلبِ المحزون لبي ليث السمرقَندي ‪ .‬ط دارِ إحياَء‬
‫الكتبِ العربية مصر ‪.‬‬
‫‪ .155‬القصد للشاَذلي مخطوط ‪.‬‬
‫قَلدة الجواهر في ذكر الرفاَعي وأتباَعهُ الكاَبر لمحمد أبي الهدى‬ ‫‪.156‬‬
‫الرفاَعي ‪ .‬ط بيروت ‪ 1400‬هـ ‪.‬‬
‫قَواعد التصوف لحمد بن زرِوق ‪ .‬ط مكتبة الكلياَت الزهرية القاَهرة ‪1976‬‬ ‫‪.157‬‬
‫م‪.‬‬
‫قَوانين حكم الشراق لبي المواهبِ الشاَذلي ‪ .‬ط مكتبة الكلياَت الزهرية‬ ‫‪.158‬‬
‫مصر ‪.‬‬
‫قَوت القلوب لبي طاَلبِ المكي ‪ .‬ط دارِ صااَدرِ بيروت ‪.‬‬ ‫‪.159‬‬
‫كتاَب الستبصاَرِ لهل الذكاَرِ لحمد محمود زين الدين الحسيني ‪ .‬ط‬ ‫‪.160‬‬
‫مطبعة النوارِ القاَهرة ‪.‬‬
‫كتاَب البرهاَن الزهر في مناَقَبِ الشيخ الكبر لمحمود رِجبِ حاَمي ‪.‬‬ ‫‪.161‬‬
‫كتاَب المخاَطباَت لمحمد بن عبد الجباَرِ النفزي ‪ .‬ط مطبعة دارِ الكتبِ‬ ‫‪.162‬‬
‫المصرية القاَهرة ‪.‬‬
‫كتاَب المواقَف لمحمد بن عبد الجباَرِ النفزي ‪ .‬ط مطبعة دارِ الكتبِ‬ ‫‪.163‬‬
‫المصرية القاَهرة ‪.‬‬
‫كشف الحجاَب لحمد بن الحاَج العياَشي ‪ .‬ط ‪1381‬هـ ‪1934‬م ‪.‬‬ ‫‪.164‬‬
‫كشف الحقاَئق للنسفي بتصحيح الدكتورِ أحمد مهدي ) فاَرِسي ( ط‬ ‫‪.165‬‬
‫طهران ‪ 1359‬هـ ‪.‬‬
‫كشف الغمة عن جميع الئمة للشعراني ‪.‬ط مصطفى الباَبي الحلبي‬ ‫‪.166‬‬
‫القاَهرة ‪.‬‬
‫كشف المحجوب للهجويري ترجمة عربية ‪ .‬ط دارِ النهضة العربية بيروت ‪.‬‬ ‫‪.167‬‬
‫كفاَية التقياَء ومنهاَج الصافياَء للكبري المكي الدمياَطي ‪ .‬ط دارِ الكتبِ‬ ‫‪.168‬‬
‫العربية الكبرى مصر ‪ 1325‬هـ ‪.‬‬
‫كلزارِ أبرارِ لمحمد غوثي شطاَرِي ) أرِدو ( ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.169‬‬
‫كلزارِ صاوفياَء ) أرِدو ( لعاَلم فقري ‪ .‬ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.170‬‬
‫كلمة الحق لعبد الرحمن ) أرِدو ( ‪ .‬ط لكنو الهند ‪1883‬م ‪.‬‬ ‫‪.171‬‬
‫‪229‬‬
‫كلياَت وديوان شمس تبريزي ) فاَرِسي ( لجلل الدين محمد بلخي ‪ .‬ط نشر‬ ‫‪.172‬‬
‫طلوع إيران ‪.‬‬
‫الكندي وآرِاؤهُ الفلسفية للدكتورِ عبد الرحمن شاَهُ ولي ‪ .‬ط مجمع‬ ‫‪.173‬‬
‫البحوث العلمية باَكستاَن ‪.‬‬
‫كنجية كوهر ) فاَرِسي ( لمل أحمدي قَاَضي ‪ .‬ط مطبعة الحوادث إيران ‪.‬‬ ‫‪.174‬‬
‫لطاَئف المنن والخلق لعبد الوهاَب الشعراني ‪ .‬ط القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.175‬‬
‫لطاَئف المنن لبن عطاَء اللهُ السكندرِي ‪ .‬ط مطبعة حساَن القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.176‬‬
‫اللطف الداني لعبد الوهاَب محمد أمين ‪ .‬ط القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.177‬‬
‫اللمع لسراج الدين الطوسي ‪ .‬ط دارِ الكتبِ الحديثة مصر ‪.‬‬ ‫‪.178‬‬
‫اللمحاَت لشهاَب الدين السهرورِدي ‪ .‬ط مركز تحقيقاَت فاَرِسي إيران‬ ‫‪.179‬‬
‫وباَكستاَن ‪ 1984‬م ‪.‬‬
‫اللمعاَت لفخر الدين عراقَي ) فاَرِسي ( ط إيران ‪.‬‬ ‫‪.180‬‬
‫‪ .181‬لوائح لعبد الرحمن جاَمي ) فاَرِسي ( ‪ .‬ط لهورِ باَكستاَن ‪.‬‬
‫المثنوي العربي النورِي لسعيد النورِي ‪ .‬ط مطبعة الزهراء بغداد ‪.‬‬ ‫‪.182‬‬
‫المجاَلس الرفاَعية لحمد الرفاَعي ‪ .‬ط مطبعة الرِشاَد بغداد ‪.‬‬ ‫‪.183‬‬
‫‪ .184‬مجموع مخطوط باَلفاَتيكاَن عربي رِقَم ‪. 1242‬‬
‫‪ .185‬مجموعة في الحكمة المشرقَية لشهاَب الدين السهرورِدي ‪.‬‬
‫‪ .186‬المحبة والشوق للغزالي ‪ .‬ط مصطفى الباَبي الحلبي القاَهرة ‪.‬‬
‫‪ .187‬محاَسن المجاَلس لبن العريف ‪ .‬ط باَرِيس ‪ 1933‬م‪.‬‬
‫هي ‪ .‬ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لل‬ ‫حسين‬ ‫‪ .188‬محمد سليماَن تونسوي ) أرِدو( للدكتورِ محمد‬
‫محيي الدين ابن عربي ) فاَرِسي ( للدكتورِ محسن جهاَنغيري الطبعة‬ ‫‪.189‬‬
‫الثاَنية طهران ‪.‬‬
‫محيي الدين ابن عربي لطهُ عبد الباَقَي سرورِ ز ط القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.190‬‬
‫مختصر تذكرة القرطبي لعبد الوهاَب الشعراني ‪ .‬ط دارِ إحياَء الكتبِ‬ ‫‪.191‬‬
‫العربية مصر ‪.‬‬
‫المدرِسة الحديثة الشاَذلية وإماَمهاَ أبو الحسن الشاَذلي للدكتورِ عبد‬ ‫‪.192‬‬
‫الحليم محمود ‪ .‬ط دارِ الكتبِ الحديثة القاَهرة ‪.‬‬
‫مدينة الولياَء ) أرِدو ( لمحمد دين كليم قَاَدرِي ‪ .‬ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.193‬‬
‫‪ .194‬مشتهى الخاَرِف الجاَني لمحمد الخضر الشنقيطي ‪.‬‬
‫مصباَح العلوم في معرفة الحي القيوم لحمد بن حسن الرصااَص ‪ .‬ط دارِ‬ ‫‪.195‬‬
‫العتصاَم القاَهرة ‪.‬‬
‫مطاَلع المسرات لمحمد المهدي بن أحمد ‪ .‬ط مصطفى الباَبي الحلبي‬ ‫‪.196‬‬
‫مصر ‪.‬‬
‫معاَرِج المقربين لمحمد ماَضي أبي العزائم ‪ .‬دارِ الثقاَفة العربية للطباَعة‬ ‫‪.197‬‬
‫مصر ‪.‬‬
‫المعاَرِضة والرد لسهل بن عبد اللهُ التستري ‪ .‬ط دارِ النساَن القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.198‬‬
‫‪ .199‬المقدماَت للفرغاَني مخطوط ‪.‬‬
‫‪ .200‬مقصود المؤمنين لباَيزيد النصاَرِي ‪ .‬ط مجمع البحوث السلمية إسلم‬
‫آباَد باَكستاَن ‪.‬‬
‫مكاَشفة القلوب للغزالي ‪ .‬ط الشعبِ القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.201‬‬
‫مناَقَبِ العاَرِفين للفكاَني ) فاَرِسي ( ط دنياَء كتاَب الطبعة الثاَنية ‪1362‬‬ ‫‪.202‬‬
‫هجري قَمري ‪.‬‬
‫مناَقَبِ الصوفية لقطبِ الدين المروزي ‪ .‬ط طهران ‪.‬‬ ‫‪.203‬‬
‫مناَقَبِ الصوفية ) فاَرِسي ( لبي المظفر المروزي باَهتماَم محمد تقي‬ ‫‪.204‬‬
‫وايرج اخشاَرِ ‪ .‬ط طهران ‪.‬‬
‫مناَقَبِ الصوفية ) فاَرِسي ( لمنصورِ بن ارِدشير ط إيران ‪.‬‬ ‫‪.205‬‬
‫مناَقَبِ العاَرِفين لشمس الدين الفلكي ) فاَرِسي ( ط دنياَء كتاَب إيران ‪.‬‬ ‫‪.206‬‬
‫من أعلم التصوف السلمي لطهُ عبد الباَقَي سرورِ ‪ .‬ط دارِ نهضة مصر ‪.‬‬ ‫‪.207‬‬
‫المنتخباَت من مكتوباَت المجدد ) فاَرِسي ( ‪ .‬مكتبة ايشيق تركياَ ‪.‬‬ ‫‪.208‬‬
‫المنقذ من الضلل للغزالي ‪ .‬ط دارِ الكتاَب اللبناَني بيروت ‪.‬‬ ‫‪.209‬‬
‫‪230‬‬
‫المنقذ من الضلل مجموعة مؤلفاَت عبد الحليم محمود ‪ .‬ط دارِ الكتاَب‬ ‫‪.210‬‬
‫اللبناَني بيروت ‪.‬‬
‫مناَزل الساَئرين مع العلل والمقاَماَت لعبد اللهُ النصاَرِي الهروي ‪ ,‬ط‬ ‫‪.211‬‬
‫إيران ‪.‬‬
‫منبع أصاول الحكمة لبي العباَس أحمد بن علي بوني ‪ .‬ط مصطفى الباَبي‬ ‫‪.212‬‬
‫الحلبي ‪.‬‬
‫منح المنة لعبد الوهاَب الشعراني ‪ .‬ط مكتبة عاَلم الفكر القاَهرة ‪1399‬هـ ‪.‬‬ ‫‪.213‬‬
‫منطق الطير لفريد الدين العطاَرِ ‪ .‬ط دارِ الندلس بيروت ‪.‬‬ ‫‪.214‬‬
‫‪ .215‬منهاَج العاَبدين للغزالي ‪ .‬ط مصطفى الباَبي الحلبي مصر ‪.‬‬
‫المنهج الموصال إلى الطريقة النهج لمصطفى الصاَدقَي مخطوط ‪.‬‬ ‫‪.216‬‬
‫المواقَف اللهية لبن قَضيبِ الباَن ضمن كتاَب النساَن الكاَمل للبدوي ‪ .‬ط‬ ‫‪.217‬‬
‫الكويت ‪.‬‬
‫مولناَ رِومي لبشير محمود أختر ) أرِدو( ط إدارِة ثقاَفت إسلمية‬ ‫‪.218‬‬
‫باَكستاَن ‪.‬‬
‫مواقَع النجوم لبن عربي ‪ .‬ط مطبعة السعاَدة مصر ‪ 1325‬هـ ‪.‬‬ ‫‪.219‬‬
‫مهرمنير لمهر علي شاَهُ ) أرِدو( ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.220‬‬
‫نزهة المجاَلس لعبد الرحمن الصفورِي ‪ .‬ط مكتبة الشرق الجديد بغداد‬ ‫‪.221‬‬
‫العراق ‪.‬‬
‫نساَء فاَضلت لعبد البديع صافر ‪ .‬ط دارِ العتصاَم القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.222‬‬
‫نسيم النس لزين الدين بن رِجبِ مخطوط ‪.‬‬ ‫‪.223‬‬
‫نشاَط التصوف السلمي لبراهيم بسيوني ‪ .‬ط دارِ المعاَرِف القاَهرة‬ ‫‪.224‬‬
‫‪ 1969‬م ‪.‬‬
‫النصاَئح الدينية لعبد اللهُ باَعلوي الحداد ‪ .‬ط مطبعة دارِ إحياَء الكتبِ‬ ‫‪.225‬‬
‫العربية القاَهرة ‪.‬‬
‫نص النصوص لحيدرِ الملي مخطوط ‪.‬‬ ‫‪.226‬‬
‫النفحة العلية في أورِاد الشاَذلية لعبد القاَدرِ زكي ‪ .‬ط مكتبة المثنى‬ ‫‪.227‬‬
‫القاَهرة ‪.‬‬
‫نفحة الروح وتحفة الفتوح لمؤيد الدين جندي ‪ .‬ط طهران ‪ 1362‬هجري‬ ‫‪.228‬‬
‫قَمري ‪.‬‬
‫نفحاَت النس ) فاَرِسي ( لعبد الرحمن جاَمي ‪ .‬ط إيران ‪ 1337‬هـ ‪.‬‬ ‫‪.229‬‬
‫نوادرِ الصاول للحكيم الترمذي ط الستاَناَ ‪.‬‬ ‫‪.230‬‬
‫الوصاية الكبرى لعبد السلم السمر الفيتورِي ‪ .‬ط مكتبة النجاَح طرابلس‬ ‫‪.231‬‬
‫ليبياَ ‪ 1976‬م ‪.‬‬
‫اليواقَيت والجواهر في بياَن عقاَئد الكاَبر لعبد الوهاَب الشعراني ‪ .‬ط‬ ‫‪.232‬‬
‫مصطفى الباَبي الحلبي القاَهرة ‪ 1378‬هـ ‪.‬‬

‫كتبِ غير الصوفية من المسلمين ‪:‬‬


‫ابن سبعين وفلسفتهُ الصوفية للدكتورِ أبي الوفاَء الغنيمي التفتاَزاني ‪ .‬ط‬ ‫‪.233‬‬
‫دارِ الكتاَب اللبناَني بيروت ‪ 1973‬م ‪.‬‬
‫أبو نعيم وكتاَبهُ الحلية لمحمد لطفي الصباَغ ‪ .‬ط دارِ العتصاَم القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.234‬‬
‫إتحاَف الساَدة للزبيدي ‪ .‬ط المكتبِ السلمي بيروت ‪ 1974‬م ‪.‬‬ ‫‪.235‬‬
‫أخباَرِ الحكماَء للقفطي ‪.‬‬ ‫‪.236‬‬
‫أدياَن الهند الكبرى للشلبي ‪ .‬ط القاَهرة ‪ 1964‬م ‪.‬‬ ‫‪.237‬‬
‫أساَس البلغة للزمخشري ‪ .‬ط إحياَء المعاَجم العربية القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.238‬‬
‫أضواء على التصوف للدكتورِ طلعت غناَم ‪ .‬ط عاَلم الكتبِ القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.239‬‬
‫العتصاَم للشاَطبي ‪ .‬ط مطبعة السعاَدة مصر ‪.‬‬ ‫‪.240‬‬
‫النساَب للسمعاَني ‪ .‬ط محمد أمين دمج بيروت الطبعة الثاَنية ‪1400‬هـ ‪.‬‬ ‫‪.241‬‬
‫النساَن الكاَمل في السلم للدكتورِ عبد الرحمن بدوي ‪ .‬ط وكاَلة‬ ‫‪.242‬‬
‫المطبوعاَت الكويت ‪.‬‬
‫البداية والنهاَية لبن كثير ‪ .‬ط بيروت ‪.‬‬ ‫‪.243‬‬
‫‪231‬‬
‫بين التصوف والحياَة لعبد الباَرِي الندوي ‪ .‬ط دارِ الفتح دمشق ‪ 1963‬م ‪.‬‬ ‫‪.244‬‬
‫بوارِق السماَع في إلحاَد من يحل السماَع ) أرِدو ( لمير عاَلم ‪ .‬ط مطبع‬ ‫‪.245‬‬
‫منشي فخر الدين ‪ .‬ط باَكستاَن ‪.‬‬
‫تاَرِيخ التصوف السلمي للدكتورِ عبد الرحمن بدوي ‪ .‬ط وكاَلة‬ ‫‪.246‬‬
‫المطبوعاَت الكويت ‪ 1978‬م ‪.‬‬
‫تاَرِيخ التصوف في السلم للدكتورِ قَاَسم غني ترجمة عربية لصاَدق نشأَت‬ ‫‪.247‬‬
‫‪ .‬ط مكتبة النهضة المصرية القاَهرة ‪.‬‬
‫تاَرِيخ تصوف للدكتورِ محمد إقَباَل ) أرِدو( ط لهورِ باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.248‬‬
‫التبصير في الدين للسفرائيني ‪ .‬ط القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.249‬‬
‫تذكرة الحفاَظ للذهبي ‪ .‬ط القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.250‬‬
‫التراث اليوناَني في الحضاَرِة السلمية للدكتورِ عبد الرحمن بدوي ‪ .‬ط‬ ‫‪.251‬‬
‫وكاَلة المطبوعاَت الكويت ‪.‬‬
‫التصوف السلمي في الدب والخلق للدكتورِ عبد الرحمن بدوي ‪ .‬ط‬ ‫‪.252‬‬
‫وكاَلة المطبوعاَت الكويت ‪.‬‬
‫التصوف بين الحق والخلق لمحمد فهر شفقة ‪ .‬ط الدارِ السلفية الكويت ‪.‬‬ ‫‪.253‬‬
‫التصوف بين الدين والفلسفة للدكتورِ إبراهيم هلل ‪ .‬ط دارِ النهضة‬ ‫‪.254‬‬
‫العربية القاَهرة ‪.‬‬
‫التصوف في تهاَمة لمحمد بن أحمد العقيلي ‪ .‬ط دارِ البلد جدة ‪.‬‬ ‫‪.255‬‬
‫التنبيهُ والرد للمطلي تحقيق محمد زاهد الكوثري ‪ .‬ط مصر ‪ 1360‬هـ ‪.‬‬ ‫‪.256‬‬
‫تلبيس إبليس لبن الجوزي ط دارِ الوعي بيروت أيضاَ ‪ .‬ط دارِ القلم‬ ‫‪.257‬‬
‫بيروت ‪.‬‬
‫تهذيبِ التهذيبِ للحاَفظ ابن حجر العسقلني ‪ .‬ط بيروت ‪.‬‬ ‫‪.258‬‬
‫جستجودرِ تصوف إيران ) فاَرِسي ( للدكتورِ عبد المحسن زرِين كوب ‪ .‬ط‬ ‫‪.259‬‬
‫ؤسسة انتشاَرِات امير كبير طهران ‪ 1363‬هـ ‪.‬‬
‫حاَدي الرِواح لبن قَيم الجوزية ‪ .‬ط دارِ القلم بيروت لبناَن ‪.‬‬ ‫‪.260‬‬
‫الخضر في الفكر الصوفي لعبد الرحمن عبد الخاَلق ‪ .‬ط الدارِ السلفية‬ ‫‪.261‬‬
‫الكويت ‪.‬‬
‫الخطوط العريضة للسس التي قَاَم عليهاَ مذهبِ الشيعة الثني عشرية‬ ‫‪.262‬‬
‫للسيد محبِ الدين الخطيبِ ‪.‬‬
‫خلصاة الثر للمحبي ‪.‬‬ ‫‪.263‬‬
‫دائرة المعاَرِف السلمية ) أرِدو( ط جاَمعة بنجاَب لهورِ باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.264‬‬
‫درِاساَت في التصوف السلمي للدكتورِ محمد جلل شرف ‪ .‬ط دارِ‬ ‫‪.265‬‬
‫النهضة العربية بيروت ‪ 1980‬م ‪.‬‬
‫دنباَلهُ جستجودرِ تصوف ) فاَرِسي ( للدكتورِ عبد الحسين زرِين كوب ط‬ ‫‪.266‬‬
‫إيران ‪.‬‬
‫ذم ماَ عليهُ مدعو التصوف لبي محمد موفق الدين ‪ .‬ط المكتبِ السلمي‬ ‫‪.267‬‬
‫بيروت ‪.‬‬
‫رِوضة المحبين لبن قَيم الجوزية ‪ .‬ط دارِ الكتبِ العلمية بيروت ‪.‬‬ ‫‪.268‬‬
‫سير أعلم النبلء للماَم الذهبي ‪ .‬ط بيروت ‪.‬‬ ‫‪.269‬‬
‫الشيعة وأهل البيت للمؤلف ‪ .‬ط إدارِة ترجماَن السنة لهورِ باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.270‬‬
‫الشيعة والسنة للمؤلف ‪ .‬ط إدارِة ترجماَن السنة لهورِ باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.271‬‬
‫صاحيح البخاَرِي ‪.‬‬ ‫‪.272‬‬
‫صاحيح مسلم ‪.‬‬ ‫‪.273‬‬
‫الصوفية ‪ ,‬الوجهُ الخر للدكتورِ محمد جميل غاَزي ‪ .‬ط القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.274‬‬
‫الصوفية والفقراء لشيخ السلم ابن تيمية ‪ .‬ط دارِ الفتح القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.275‬‬
‫الصوفية في ضوء الكتاَب والسنة لعبد المجيد محمد ‪ .‬ط القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.276‬‬
‫الصوفية في نظر السلم لسميع عاَطف الزين ‪ .‬ط دارِ الكتاَب اللبناَني‬ ‫‪.277‬‬
‫بيروت ‪.‬‬
‫ضحى السلم لحمد أمين ‪ .‬ط القاَهرة ‪ 1952‬م ‪.‬‬ ‫‪.278‬‬
‫الطبقاَت لبن سعد ‪ .‬ط بيروت ‪.‬‬ ‫‪.279‬‬
‫‪232‬‬
‫الفرقَاَن بين أولياَء الرحمن وأولياَء الشيطاَن لبن تيمية ‪ .‬ط إدارِة‬ ‫‪.280‬‬
‫ترجماَن السنة لهورِ باَكستاَن ‪.‬‬
‫الفصل في الملل والهواء والنحل للحاَفظ ابن حزم ‪ .‬ط بيروت ‪.‬‬ ‫‪.281‬‬
‫فضاَئح الباَطنية للغزالي ‪ .‬ط مؤسسة دارِ الكتبِ الثقاَفية الكويت ‪.‬‬ ‫‪.282‬‬
‫فلسفة الهند القديمة لمحمد عبد السلم ط الهند الرامبورِي ‪.‬‬ ‫‪.283‬‬
‫الفلسفة الصوفية في السلم للدكتورِ عبد القاَدرِ محمود ‪ .‬ط دارِ الفكر‬ ‫‪.284‬‬
‫العربي القاَهرة ‪.‬‬
‫القاَدياَنية للمؤلف ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.285‬‬
‫القاَموس المحيد للفيروز آباَدي ‪ .‬ط مصطفى الباَبي الحلبي القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.286‬‬
‫القول المنبي في تكفير ابن عربي للنحاَوي مخطوط ‪.‬‬ ‫‪.287‬‬
‫لساَن العرب لبن منظورِ الفريقي ‪ .‬ط دارِ صااَدرِ بيروت ‪.‬‬ ‫‪.288‬‬
‫مجموعة الرساَئل والمساَئل لبن تيمية ‪ .‬ط دارِ الكتبِ العلمية بيروت‬ ‫‪.289‬‬
‫لبناَن ‪.‬‬
‫مدخل إلى التصوف السلمي لبي الوفاَء الغنيمي ط مصر ‪.‬‬ ‫‪.290‬‬
‫المسند للماَم أحمد ‪.‬‬ ‫‪.291‬‬
‫المقدمة لبن خلدون ‪ .‬ط مطبعة مصطفى محمد مصر ‪.‬‬ ‫‪.292‬‬
‫الملمتية وأهل الفتوة والصوفية لبي العلء العفيفي ‪ .‬ط دارِ إحياَء‬ ‫‪.293‬‬
‫الكتبِ العربية مصر ‪.‬‬
‫منهاَج السنة النبوية لسيخ السلم ابن تيمية ‪ .‬ط لهورِ باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.294‬‬
‫الملل والنحل للشهرستاَني بهاَمش الفصل لبن حزم ‪ .‬ط بيروت ‪.‬‬ ‫‪.295‬‬
‫الموطأَ للماَم ماَلك ‪.‬‬ ‫‪.296‬‬
‫نشأَة الفلسفة الصوفية للدكتورِ عرفاَن عبد الحميد ‪ .‬ط المكتبِ السلمي‬ ‫‪.297‬‬
‫بيروت ‪ 1974‬م ‪.‬‬
‫النجوم الزاهرة للتغري البردي التاَبكي ‪ .‬ط وزارِة الثقاَفة مصر ‪.‬‬ ‫‪.298‬‬
‫وفياَت العياَن لبن خلكاَن ‪ .‬ط بيروت ‪.‬‬ ‫‪.299‬‬
‫الوافي باَلوفياَت ‪.‬‬ ‫‪.300‬‬
‫ولية اللهُ والطريق إليهاَ للماَم الشوكاَني ‪ .‬ط القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.301‬‬
‫هذهُ هي الصوفية لعبد الرحمن الوكيل ‪ .‬ط دارِ الكتبِ العلمية ‪.‬‬ ‫‪.302‬‬

‫كتبِ الشيعة والسماَعيلية ‪:‬‬

‫أجزاء من العقاَئد السماَعيلية للداعي إبراهيم ‪ .‬ط امبرين نيشنل بريس‬ ‫‪.303‬‬
‫‪ 1784‬م ‪.‬‬
‫أرِبعة نصوص إسماَعيلية للداعي السماَعيلي المجهول بتحقيق‬ ‫‪.304‬‬
‫ماَسينيون ‪ .‬ط باَرِيس ‪.‬‬
‫أساَس التأَويل للقاَضي السماَعيلي النعماَن ‪ .‬ط دارِ الثقاَفة بيروت ‪.‬‬ ‫‪.305‬‬
‫الصاول من الكاَفي للكليني ‪ .‬ط دارِ الكتبِ السلمية طهران ‪ 1388‬هجري‬ ‫‪.306‬‬
‫قَمري ‪.‬‬
‫أعلم النبوة لبي حاَتم الرازي تحقيق صالح الصاَدي ‪ .‬ط إيران ‪1397‬‬ ‫‪.307‬‬
‫هجري قَمري ‪.‬‬
‫أعياَن الشيعة لمحسن المين ‪ .‬ط دارِ التعاَرِف للمطبوعاَت بيروت ‪.‬‬ ‫‪.308‬‬
‫إعتقاَدات الصدوق لبن باَبويهُ القمي ‪ .‬ط إيران ‪.‬‬ ‫‪.309‬‬
‫الفتخاَرِ للداعي أبي يعقوب السجستاَني ‪ .‬ط بيروت ‪.‬‬ ‫‪.310‬‬
‫الماَلي للمفيد ‪ .‬ط قَم إيران ‪.‬‬ ‫‪.311‬‬
‫بحاَرِ النوارِ للمجلسي ‪ .‬ط إيران ‪.‬‬ ‫‪.312‬‬
‫البرهاَن في تفسير القرآن لهاَشم البحراني ‪ .‬ط إيران ‪.‬‬ ‫‪.313‬‬
‫بصاَئر الدرِجاَت الكبرى للصفاَرِ ‪ .‬ط منشورِات العلمي طهران ‪ 1404‬هـ ‪.‬‬ ‫‪.314‬‬
‫بيت الدعوة السماَعيلية مخطوط ‪.‬‬ ‫‪.315‬‬
‫بين التصوف والتشيع لهاَشم معروف حسيني ‪ .‬ط دارِ القلم بيروت ‪.‬‬ ‫‪.316‬‬
‫تلخيص الشاَفي للطوسي ‪ .‬ط قَم إيران ‪.‬‬ ‫‪.317‬‬
‫تنقيح المقاَل للماَمقاَني ‪ .‬ط طهران ‪.‬‬ ‫‪.318‬‬
‫‪233‬‬
‫حق اليقين ) فاَرِسي ( للمجلسي ‪ .‬ط إيران ‪.‬‬ ‫‪.319‬‬
‫حديقة الشيعة ) فاَرِسي ( لحمد بن محمد الرِدبيلي ‪ .‬ط طهران ‪.‬‬ ‫‪.320‬‬
‫الخصاَل لبن باَبويهُ القمي ‪ .‬ط إيران ‪.‬‬ ‫‪.321‬‬
‫الذرِيعة إلى تصاَنيف الشيعة لقَاَ بزرِك الطهراني ‪ .‬ط إيران ‪.‬‬ ‫‪.322‬‬
‫الرجاَل للحلي ‪ .‬ط إيران ‪.‬‬ ‫‪.323‬‬
‫رِجاَل الطوسي ‪ .‬ط نجف العراق ‪.‬‬ ‫‪.324‬‬
‫رِجاَل الكشي ‪ .‬ط كربلء ‪.‬‬ ‫‪.325‬‬
‫الزهد للحسين بن سعيد الهوازي ‪ .‬ط إيران ‪.‬‬ ‫‪.326‬‬
‫شرح نهج البلغة لبن أبي الحديد ‪ .‬ط إيران ‪.‬‬ ‫‪.327‬‬
‫شرح إعتقاَدات الصدوق ‪ .‬ط إيران ‪.‬‬ ‫‪.328‬‬
‫الصلة بين التصوف والتشيع للدكتورِ كاَمل مصطفى الشيبي ‪ .‬ط بيروت‬ ‫‪.329‬‬
‫‪ 1982‬م ‪.‬‬
‫طرائق الحقاَئق للحاَج معصوم علي شاَهُ ‪ .‬ط إيران ‪.‬‬ ‫‪.330‬‬
‫عيون أخباَرِ الرضاَ لبن باَبويهُ القمي ‪ .‬ط طهران ‪.‬‬ ‫‪.331‬‬
‫فرق الشيعة للنوبختي ‪ .‬ط المطبعة الحيدرِية نجف العراق ‪.‬‬ ‫‪.332‬‬
‫الفصول المهمة في معرفة الئمة للحر العاَملي ‪ .‬ط مكتبة بصيرتي قَم‬ ‫‪.333‬‬
‫إيران ‪.‬‬
‫الفكر الشيعي والنزعاَت الصوفية للدكتورِ كاَمل مصطفى الشيبي ‪ .‬مكتبة‬ ‫‪.334‬‬
‫النهضة بغداد ‪.‬‬
‫كماَل الدين وتماَم النعمة لبن باَبويهُ القمي ‪ .‬ط دارِ الكتبِ السلمية‬ ‫‪.335‬‬
‫طهران ‪ 1395‬هـ ‪.‬‬
‫مشاَرِق أنوارِ اليقين للحاَفظ رِجبِ البرسي ‪ .‬ط دارِ الندلس بيروت ‪.‬‬ ‫‪.336‬‬
‫المقاَلت والفرق لسعد بن عبد اللهُ الشعري القمي ‪ .‬ط طهران ‪.‬‬ ‫‪.337‬‬
‫منهج المقاَل للستر آباَدي ‪ .‬ط طهران ‪.‬‬ ‫‪.338‬‬
‫منهاَج الكرامة للحلي ‪ .‬ط باَكستاَن ‪.‬‬ ‫‪.339‬‬
‫النصرة للسجستاَني ‪ .‬ط دارِ الثقاَفة بيروت ‪.‬‬ ‫‪.340‬‬
‫نهج البلغة المنسوب إلى علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ بتحقيق‬ ‫‪.341‬‬
‫صابحي صااَلح بيروت ‪.‬‬
‫الهفت الشريف للمفضل الجعفي تحقيق مصطفى غاَلبِ السماَعيلي ‪ .‬ط‬ ‫‪.342‬‬
‫بيروت ‪.‬‬
‫ثلث رِساَئل في الحكمة السلمية لمحمد كاَظم عصاَرِ ‪ .‬ط المكتبة‬ ‫‪.343‬‬
‫المرتضوية إيران ‪.‬‬

‫كتبِ غير المسلمين ‪:‬‬

‫النجيــــــل ‪.‬‬ ‫‪.344‬‬


‫آئين جوانمردي ) فاَرِسي ( لهنري كاَرِبين ‪ .‬ط إيران ‪.‬‬ ‫‪.345‬‬
‫ابن عربي حياَتهُ ومذهبهُ لسين بلثيوس ترجمة عربية دكتورِ عبد الرحمن‬ ‫‪.346‬‬
‫بدوي ‪ .‬ط وكاَلة المطبوعاَت الكويت ‪.‬‬
‫التاَرِيخ العاَم للتصوف ومعاَلمهُ لميركس ‪.‬‬ ‫‪.347‬‬
‫تاَرِيخ العرب لحتي ‪.‬‬ ‫‪.348‬‬
‫التصوف السلمي وتاَرِيخهُ لنيكلسون ترجمة عربية للدكتورِ أبي الوفاَء‬ ‫‪.349‬‬
‫العفيفي ‪ .‬ط القاَهرة ‪.‬‬
‫التصوف لماَسينيون ‪ .‬ط دارِ الكتاَب اللبناَني بيروت ‪1984‬م‪.‬‬ ‫‪.350‬‬
‫العقيدة والشريعة في السلم لجولدزيهر ‪.‬‬ ‫‪.351‬‬
‫فلسفة اليوجاَليوجي رِاماَ شاَرِاكهُ ط القاَهرة ‪.‬‬ ‫‪.352‬‬
‫الفكر العربي وماَكنتهُ في التاَرِيخ للمستشرق أوليري ترجمة تماَم حساَن ‪.‬‬ ‫‪.353‬‬
‫ط القاَهرة ‪.‬‬
‫قَصة الحضاَرِة لو ديورِانت ترجمة عربية لمحمد بدرِان ‪ .‬ط القاَهرة ‪1964‬‬ ‫‪.354‬‬
‫م‪.‬‬
‫للت دستر كتاَب بوذي مقدس ط الهند ‪.‬‬ ‫‪.355‬‬
‫‪234‬‬
‫هذهُ هي الوجودية لبول فولكيبهُ ‪.‬‬ ‫‪.356‬‬

‫الكتبِ باَللغة النجليزية ‪:‬‬

‫‪1.‬‬ ‫‪Oxford history of Church , London 1953 .‬‬


‫‪2.‬‬ ‫‪The story of Christian Church 1933 .‬‬
‫‪3.‬‬ ‫‪A short history our Religion – London 1922 .‬‬
‫‪4.‬‬ ‫‪Origin Christian Church Art . Oxford .‬‬
‫‪5.‬‬ ‫‪Buildings L6 EB Lib .‬‬
‫‪6.‬‬ ‫‪History of an Cient Art , Finlay 195 .‬‬
‫‪7.‬‬ ‫‪The Buddah and the Cristle , by B . H Streeter London 1932 .‬‬
‫‪8.‬‬ ‫‪Brown A literary History of Persia .‬‬

‫فهرست الكتاَب‬
‫إهــــــــــــــــــــــــــداء‬
‫المقدمة‬
‫الباَب الول ‪ :‬التصوف نشأَتهُ ‪ ,‬تاَرِيخهُ وتطورِاتهُ ‪.............................................................. :‬‬
‫الفصل الول ‪ :‬السلم عباَرِة عن الكتاَب‬
‫والسنة ‪......................................................‬‬
‫الفصل الثاَني ‪ :‬أصال التصوف واشتقاَقَهُ ‪..............................................................‬‬
‫الفصل الثاَلث ‪ :‬تعريف التصوف ‪.......................................................................‬‬
‫الفصل الرابع ‪ :‬بدء التصوف وظهورِهُ ‪................................................................‬‬

‫الباَب الثاَني ‪ :‬مصاَدرِ التصوف ومآخذهُ ‪........................................................................ :‬‬


‫الزواج ‪...................................................................................................‬‬
‫المسيحية ‪................................................................................................‬‬
‫ترك الدنياَ ‪..............................................................................................‬‬
‫الزاوية والملبس ‪......................................................................................‬‬
‫مصطلحاَت الصوفية ‪...................................................................................‬‬
‫المذاهبِ الهندية والفاَرِسية ‪..........................................................................‬‬
‫الفلطونية الحديثة ‪....................................................................................‬‬

‫الباَب الثاَلث ‪ :‬التشيع والتصوف ‪............................................................................... :‬‬


‫جاَبر بن حياَن ‪...........................................................................................‬‬
‫عبــــــــــــــدك ‪.........................................................................................‬‬
‫سلسل التصوف ‪.......................................................................................‬‬
‫نزول الوحي وإتياَن الملئكة ‪..........................................................................‬‬
‫المساَواة بين النبي والولي ‪...........................................................................‬‬
‫تفضيل الولي على النبي ‪..............................................................................‬‬
‫إجراء النبـــــوة ‪.......................................................................................‬‬
‫العصمــــــــــــــة ‪.......................................................................................‬‬
‫عدم خلو الرِض من الحجة ‪..........................................................................‬‬
‫وجوب معرفة الماَم ‪..................................................................................‬‬
‫الولية والوصااَية ‪.....................................................................................‬‬
‫الحلول والتناَسخ ‪....................................................................................‬‬
‫مراتبِ الصوفية ‪........................................................................................‬‬
‫التقـــــــية ‪...........................................................................................‬‬
‫الظاَهر والبــاَطن ‪.....................................................................................‬‬
‫‪235‬‬
‫نسخ الشريعة ورِفع التكاَليف ‪........................................................................‬‬

‫مصاَدرِ الكتاَب ومراجعهُ ‪..........................................................................................‬‬

You might also like