Professional Documents
Culture Documents
- ƒΘóæ⌠òò¡⌠φæ⌡σ .. ƒΘΩδƼ⌠Ü φ⌠ƒΘΩ⌠¡⌠ƒº÷⌐ - ¥Ñ½ƒδ ¥Θ∞∩ Γ∞∩⌐ PDF
- ƒΘóæ⌠òò¡⌠φæ⌡σ .. ƒΘΩδƼ⌠Ü φ⌠ƒΘΩ⌠¡⌠ƒº÷⌐ - ¥Ñ½ƒδ ¥Θ∞∩ Γ∞∩⌐ PDF
ف
و ُ
ّ ص
َ تــ
ّ ال
صاَِدرِ
م َ
وال َ المن ْ َ
شأَ َ
تأليف الستاذ
سنة
إدارة ترجمان ال ّ
لهور – باكستان
1
إهـــداء ..
إلى شيخي الذي ل يرتضي أن ُيذكَر
مومي جُرهُ يقاَسمني ه ُ كيل يضيع أ ْ مهُ َ
س ُا ْ
وَرِائي في نواِئبِ ف َوآلمي ,ويق ُ
ف وكريم . ري ٍش ِة َ ف َوقَ َق َ الّزماَن والح ّ
هُ
ح ُ عِني خْيــُلهُ و ِ
سل ُ م تُ ِن لَ ْ
إ ْ
كرا ً ؟ س َعاَِدي ع ْ
قَودُ إلى ال َ فمتى أ ُ
ب إحتراماَ ً لشخصهُ , ذا الكتاَ َ ه َ أهدي إليهُ َ
و َ
فاَءً و َقديرا ً لمواقَفهُ َ حب ّاَ ً لشماَِئلهُ ِ ,وت ْو ُ
لخلصاهُ وإعتزازا ً بهُ .
المؤلف
2
مقدمة :
حمد ا ً للهُ على النعمة الظاَهرة والباَطنة كماَ يليق بجللهُ وجناَبهُ ,وصالة
وسلماَ على رِسولهُ خير النبيين وأشرف المرسلين ,ومن تمسك بسنتهُ ,
وعض عليهاَ باَلنواجذ ,واهتدى بهديهُ من أصاحاَب من أصاحاَبهُ وأهل بيتهُ
وأتباَعهُ إلى يوم الدين .وبعد :
فإنني قَد إشتغلت بكتاَبي هذا منذ زمن غير قَصير ,أقَدم عليهُ تاَرِهُ وأتأَخر
عنهُ أخرى ,مترددا ً بين الحجاَم والقَدام .
ولكنناَ لماَ رِأيناَ احتياَج الناَس إلى معرفة هذهُ الفئة من الناَس وأفكاَرِهاَ و
آرِائهاَ ومعتقداتهاَ ,وكونهم مترددين متذبذبين في تقييمهاَ ووضعهاَ في
مكاَنهاَ اللئق الصحيح ,خرجناَ من ترددناَ وتذبذبناَ خاَئفين من وعيد اللهُ
وتهديدهُ :
ً
} وإن فريقاَ منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون { .و } ول تكتموا الشهاَدة
1
ومن يكتمهاَ فإنهُ آثم قَلبهُ { 2وقَولهُ } :لم تلبسون الحق باَلباَطل وتكتمون
الحق وأنتم تعلمون { . 3
ويعلم اللهُ أنهُ لم يكن هذا التحفظ للحفاَظ على نفسي وعرضي وماَلي
لكونهاَ مهددة من قَبل الضاَلين ,الغاَلين ,والمبطلين المنتحلين ,الذين
اكتشفناَ أمرهم وكشفناَهُ للناَس واهتديناَ إلى خباَياَهم وخفاَياَهم
فأَظهرناَهاَ أماَم الخرين ,وعرضناَ صاورِتهم الحقيقية بإزالة نقاَب التقية
والتستر عن وجوههم ,وإماَطة اللثاَم عن أسرارِهم وعقاَئدهم وتعاَليمهم
الصالية الحقيقية ,لن نفسي وجسمي وماَلي وعرضي جعلتهاَ فداء لوجهُ
رِبي وابتغاَء مرضاَتهُ :
} إن صالتي ونسكي ومحياَي ومماَتي للهُ رِب العاَلمين ل شريك لهُ وبذلك
أمرت وأناَ أول المسلمين {. 4
فنفسي وعرضي وماَلي فداء شريعتهُ تعاَلى وسنة نبيهُ وصافيهُ ,خير البرية
:
وإن التحفظ لم يكن حرصااَ على نفس وعرض وماَل ,فإن لكل شيء قَدرِا ,
وأن أجل اللهُ لت } ولكل أمة أجل فإذا جاَء أجلهم ل يستأَخرون ساَعة ول
كنت أظن أول المر أن بعض الغلة هم الذين أساَءوا إلى التصوف
والصوفية ,وأن الغلو والتطرف هو الذي جلبِ عليهم الطعن وأوقَعهم في
التشاَبهُ مع التشيع والشيعة ,ولكنني وجدت كلماَ تعمقت في الموضوع ,
وتأَملت في القوم ورِساَئلهم ,وتوغلت في جماَعتهم وطرقَهم ,وحققت
في سيرهم وتراجمهم – أنهُ ل إعتدال عندهم كاَلشيعة تماَماَ ,فإن
العتدال عندهم كاَلعنقاَء في الطيورِ ,والشيعي ل يكون شيعياَ إل حين
يكون مغاَلياَ متطرفاَ ً ,وكذلك الصوفي تماَماَ ,فمن ل يعتقد إتصاَف الخلق
بأَوصااَف الخاَلق ,ل يمكن ان يكون صاوفياَ وولياَ من أولياَء اللهُ .
ومن الطرائف أن ظني ذلك كاَن يجعلني ويحثني على أن أسمي مجموعة
الكتاَبة عن المتصوفة ) التصوف بين العتدال والتطرف ( ولكنني لماَ كتبت
وجدت أن هذا السم ل يمكن أن يناَسبِ تلك المجموعة من الناَس لعدم
وجود العتدال مع محاَولتي أن أجدهُ لدافع عنهم وأجاَدل ,وأبررِ بعض
مواقَفهم ,وأجد المعاَذير للبعض الخرى ,ولكني بعد قَراءتي الطويلة
العميقة العريضة لكتبِ الصوفية ومؤلفاَت التصوف ,وجدت نفسي ,إماَ أن
أجاَدل بغير علم ول هدى ول كتاَب منير ,وأتبع كل شيطاَن مريد – ول
جعلني اللهُ منهم – وإماَ أن أقَول الحق ول أخاَف في اللهُ لومة لئم ,
وأتقي اللهُ وأكون مع الصاَدقَين ,جعلني اللهُ منهم ورِزقَني الستقاَمة
والثباَت عليهُ . ,
أماَ بعد :فهذا كتاَب جديد نقدمهُ إلى القراء في موضوع جديد وقَديم ,جديد
حيث أنهُ يبحث عن التصوف والصوفية ,وقَديم لنهُ من نفس السلسلة
التي كتبناَ عنهاَ وعاَهدناَ اللهُ عز وجل أن نكتبِ ونتحدث عنهاَ ,ونتكلم فيهاَ ,
ونزنهاَ بميزان الكتاَب والسنة ,ونضعهاَ في معياَرِ النقد والتجزئة والتحليل
ماَ دمناَ أحياَء نستطيع الكتاَبة والخطاَبة ,وماَ دام في أناَ ملناَ قَدرِة في
إمساَك القلم ,وفي اللساَن رِمق للتفوهُ والتكلم ,لنؤيد الحق وندعمهُ ,
ونعلي كلمتهُ ونرفع علمهُ ,ولنبطل الباَطل ونرد عليهُ ,ولندحض شبهاَتهُ
ونفند مزاعمهُ .
وإنناَ كناَ نقصد أول ماَ بدأناَ في الكتاَبة عن التصوف أن نقدم درِاستناَ فيهُ
بصورِة كتاَب متوسط الحجم ل يزيد على ثلثماَئة صافحة ,ويشتمل على
تاَرِيخ التصوف ,بدايتهُ ,منشأَهُ ومولدهُ ,مصاَدرِهُ وتعاَليمهُ ,عقاَئدهُ ونظاَمهُ
,سلسلهُ وزعماَئهُ وقَاَدتهُ ,ولكنناَ رِأيناَ بعد المضي في الكتاَبة أن المر
يتطلبِ أكثر من كتاَب ,وعلى القَل كتاَبين .
ل من تطرق إليهاَ الول يشتمل على نشأَة التصوف ومصاَدرِهُ ,وقَ ّ
بتفصيل ,وكل الكتاَب الذين بحثوا التصوف مروا عليهاَ كعاَبر سبيل مع أن
أهمية المصاَدرِ والمآخذ لطاَئفة وجماَعة ل تقل عن أهمية تلك الجماَعة
وأفكاَرِهاَ ,بل قَد تزيد عليهاَ بفاَرِق كبير حيث إن المصاَدرِ والمآخذ كثيرا ماَ
وعلى هذا فقد فصلناَ القول في ذلك ,في كتاَب مستقل نضعهُ اليوم بين
أيدي الباَحثين والقراء رِاجين أن يناَل رِضاَهم ,ولعلناَ سددناَ بذلك ثغرة
كاَنت في احتياَج لن تسد ولو أنهاَ تتطلبِ المزيد ,كماَ أنناَ نظن أنناَ في
بحثناَ عن مصاَدرِ التصوف استطعناَ أن نضع النقاَط على الحروف ,وخاَصاة
بمقاَرِنة النصوص والعباَرِات عند الخذ باَلنصوص والعباَرِات عند المأَخوذ
عنهُ ,ومقاَرِنة المقتبس باَلمقتبس منهُ ,من الكتبِ المعتمدة والمصاَدرِ
الموثوق بهاَ لدى الطراف المعنية كلهاَ ,وخاَصاة في الباَب الثاَلث عن
التصوف والتشيع .
سبقناَ إلى هذا البحث من قَبل بعض الباَحثين الذين ومع إعترافناَ بأَنناَ قَد ُ
كتبوا في هذا الموضوع سيجد القاَرِئ ويلحظ الباَحث أنناَ أضفناَ إليهُ أشياَء
واستدرِكناَ عليهم أشياَء كثيرة في مختصرناَ هذا لم يتطرق واحد منهم
إليهاَ ,مع المقاَرِنة الواضحة ,والمشاَبهة الصريحة ,والموافقاَت الجليلة ,
والنصوص الكثيرة من كل الطرفين بدون تصنع وتكلف واستنتاَج بعيد
واستشهاَد شاَرِد غريبِ ,وأعرضناَ عن الشياَء التي كاَن يمكن إيداعهاَ
وإيرادهاَ في هذا المبحث ,ولكن باَلكلفة والستنباَط فاَخترناَ ماَ ل يسع
أحد إنكاَرِهُ .
فنحن إستدرِكناَ على الساَبقين مباَحث هي أكثر أهمية وأكبر وزناَ وأعظم
شأَناَ مماَ اشتركناَ في إيرادهاَ ,ولم يذكروهاَ البتة ,من إشتراك الشيعة
والصوفية في إجراء النبوة بعد محمد صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ ,ونزول
الوحي ,وإتياَن الملئكة ,وتكليم اللهُ إياَهم ,وعدم خلو الرِض من شخص
بهُ ثباَت الرِض ووجودهاَ ,وعدم قَبول العباَدة بدونهُ ,وتفضيل الوصاي على
النبي و ونسخ الشريعة ,ورِفع التكاَليف ,وإباَحة المحظورِات وإتياَن
المنكرات وغيرهاَ من المواضيع الهاَمة العديدة ,فاَلحمد للهُ على ذلك .
وكذلك يجد القاَرِئ في الباَب الثاَني من هذا الكتاَب عند بحثناَ عن
المسيحية باَعتباَرِهاَ أحد المصاَدرِ الهاَمة للتصوف أنناَ قَد انفردناَ بإيراد
نصوص مسيحية أصالية لمقاَرِنتهاَ باَلنصوص الصوفية شهاَدة على الخذ
والمأَخوذ عنهُ .
وقَد إخترناَ في هذا المبحث مسلكاَ ذا أبعاَد ثلثة :
أول :ل نكتفي بإيراد النص الصوفي بل نورِد معهُ النص الذي يشاَبههُ من
الدياَناَت الخرى على خلف ماَ تعودهُ الكّتاَب الثقة منهم بأَن القاَرِئ
والباَحث يعرف ذلك ,فليس بضرورِي أن يكون القاَرِئ متخصصاَ في هذا
الموضوع حتى يكون لهُ إلماَمة بنصوص تلك الدياَناَت .
ويجدرِ بناَ أن نذكر ههناَ أن الكتاَب الثاَني سيشمل على عقاَئد وتعاَليم
صاوفية كماَ يشمل هذا الكتاَب على أصالهاَ ومنشأَهاَ ومصاَدرِهاَ و وليس
معنى هذا أن هذا الكتاَب خاَل عن معتقداتهم ,بل ان أعظم قَسط منهُ
يشمل على العقاَئد والمعتقدات وإنناَ لم نبحث عن مصاَدرِ التصوف ومآخذهُ
تاَرِيخياَ وسردناَ لذلك شهاَدات وتوثيقاَت ,بل أورِدناَ فيماَ أورِدناَ عقاَئد
القوم ,الخاَصاة بهم ,وتعاَليمهم التي إمتاَزوا بهاَ عن غيرهم ,ثم ذكرناَ
عمن أخذوا هذهُ المعتقدات ,وأقَتبسوا هذهُ التعاَليم ,واحدة بعد واحدة
على أنهاَ شهاَدات داخلية ,فعلى ذلك هذا الكتاَب مع عنوانهُ ) المنشأَ
والمصاَدرِ ( لم يبحث في الحقيقة والصال إل العقاَئد والمعتقدات ,بهذا ل
يكون هذا الكتاَب موضوعياَ صارف ,بل يؤدي رِساَلتهُ لبياَن حقيقة هذهُ
العصاَبة من الناَس وكنههاَ ولرِجاَع المورِ إلى نصاَبهاَ ,ووضع الشياَء في
محلهاَ ومقاَديرهاَ ,وذلك هو العدل .
والنقطة الخرى التي أشرناَ إليهاَ قَبل قَليل ,ونريد أن نركز عليهاَ هي أنناَ
ماَ بنيناَ حكمناَ ,ول وضعناَ احتجاَجناَ واستدللناَ إل على المتصوفة
المشهورِين المعروفين ,والموثوق بهم المعتدلين لدى الجميع ,وذلك أيضاَ
استشهاَدا ,ل استدلل ,كماَ يلحظ الباَحث أنناَ لم نورِد في كل هذا القسم
من الحلج ,ول من طاَئفتهُ وجماَعتهُ رِواية واحدة ,ل استدلل ول
استشهاَدا ,كي ل يتهمناَ متهم أنناَ اخترناَ الغلة ورِواياَتهم للحكم على
التصوف ,لنهُ في رِأيناَ كماَ قَلناَ آنفاَ ل إعتدال في التصوف ولدى
المتصوفة ,اللهم إل الزهاَد الوائل فإنهم ليسوا منهم ,ول هؤلء من
أولئك .
فإن التصوف امر زائد وطاَرِئ على الزهد ,ولهُ كياَنهُ وهيئتهُ ,ونظاَمهُ
وأصاولهُ ,قَواعدهُ وأسسهُ ,كتبهُ ومؤلفاَتهُ ورِساَئلهُ ومصنفاَتهُ ,كماَ أن لهُ
رِجاَل وسدنة وزعماَء وأعياَناَ .
فإن الزهد عباَرِة من ترجيح الخرة على الدنياَ ,والتصوف اسم لترك الدنياَ
تماَماَ .
والزهد هو تجنبِ الحرام ,والقَتصاَد في الحلل ,والتمتع بنعم اللهُ
باَلكفاَف ,وإشراك الخرين في آلء اللهُ ونعمهُ وخدمة الهل والخوان
والخلن .
6
والتصوف تحريم الحلل ,وترك الطيباَت ,والتهرب من الزواج ومعاَشرة
الهل والخوان ,وتعذيبِ النفس باَلتجوع والتعري والسهر .
فاَلزهد منهج وسلوك مبني على الكتاَب و السنة ,وليس التصوف كذلك ,
لذلك إحتيج لبياَنهُ إلى ) التعرف لمذهبِ أهل التصوف ( و ) قَواعد
التصوف ( و ) الرساَلة القشيرية ( و ) اللمع ( و) قَوت القلوب ( و ) قَواعد
التصوف ( و ) عوارِف المعاَرِف ( وغيرهاَ من الكتبِ ,وسيأَتي تفصيل ذلك
في الكتاَب القاَدم إن شاَء اللهُ .
وهذا المر أي عدم وجود العتدال في التصوف ينطبق على التشيع ,وهذا
هو القدرِ الخر المشترك بينهماَ لنناَ في بحثناَ الطويل في التشيع لم نجد
طاَئفة يمكن أن توصاف باَلعتدال ,فاَلغلو والتطرف من لوازم مذهبِ
التشيع كماَ قَاَلهُ الرجاَلي الشيعي المشهورِ ,الماَمقاَني في تنقيحهُ ,
فكذلك التصوف ل يعرف إل الغلو والتطرف .
فاَللهُ أسأَل أن يجعلناَ أمة وسطاَ حقاَ ومن الذين يستمعون القول فيتبعون
أحسنهُ ,يتمسكون بكتاَب رِبهم وسنة نبيهم ,ويعضون عليهاَ باَلنواجذ ,
ويدافعون عن حرماَت اللهُ وحرماَت رِسولهُ ,وأعراض أصاحاَب محمد وأهل
بيتهُ ,ويذبون عن المسلك القويم المستقيم ومنهج السلف الصاَلحين ,
ويردون كيد الضاَلين المنحرفين ,ومكر المبطلين المنتحلين ,ل يهاَبون
جموعهم المتكاَثرة ,وأحزابهم المتكاَلبة ,وفرقَهم المعاَضد بعضهاَ بعضاَ ,
لويقولون للغاَضبين الناَقَمين الحاَسدين ماَ قَاَلهُ أصافياَء اللهُ وأخياَرِهُ } قَُ ِ
بل ال ْك َِتاَ َ هُ ال ّ ِ
ذي ن َّز َ ي الل ّ ُ
ول ِّيـ َ
ن َ فلَ ُتنظُِرو ِ
ن 195إ ِ ّ ن َ
دو ِ
كي ُ م ثُ ّ
م ِ كاَءك ُ ْ
شَر َ عوا ْ ُ ادْ ُ
ن { 196وآخر دعواناَ أن الحمد للهُ رِب العاَلمين . 2
حي َصاَل ِ ِولى ال ّ ّ و ي َت َ َ
ه َو َُ
الباَب الول
وت َطَ ّ
وَرِاتهُ خهُ َ
ف نشأَتهُ ,ت َِاَرِي ُ
و ُ
ص ّ
الت ّ َ
الفصل الول
إن السلم دين البساَطة ودين الفطرة التي فطر الناَس عليهاَ ,أنزلهُ اللهُ
على قَلبِ سيد الخلق لهداية البشر .
َ
ول َ ْ
و ن ك ُل ّ ِ
هُ َ عَلى ال ّ
دي ِ هَرهُُ َ ْ
ق ل ِي ُظ ِ ن ال ْ َ
ح ّ وِدي ِ
دى َ هُ ِباَل ْ ُ
ه َ سول َ ُ س َ
ل َرِ ُ ذي أْرِ َ و ال ّ ِ
ه َ
} ُ
ن . { 33
1 ُ
ركو َ ْ
مش ِ ْ كَ ِ
رهَُ ال ُ
أو كماَ ورِد في حديث أعرابي جاَء صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ فقاَل لهُ :
) دلني على عمل إذا عملتهُ دخلت الجنة( .
قَاَل ) :تعبد اللهُ ول تشرك بهُ شيئاَ ,وتقيم الصلة المكتوبة ,وتؤتي الزكاَة
المفروضة ,وتصوم رِمضاَن ( ,قَاَل ) :والذي نفسي بيدهُ ل أزيد على هذا
شيئاَ ول أنقص منهُ ( ,فلماَ وّلى ,قَاَل النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ) :من
سرهُ أن ينظر إلى رِجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ( . 3
أو بتعبير آخر أن السلم يعّبر عن التمسك بأَوامر اللهُ وأوامر رِسولهُ صالى
اللهُ عليهُ وسلم ,واجتناَب ماَ نهى اللهُ عنهُ ورِسولهُ صالى اللهُ عليهُ
وسلم ,وقَضاَء حياَة مثل ماَ قَضاَهاَ رِسول اللهُ ,واختياَرِ الطرق والسنن
التي اختاَرِهاَ أصاحاَب رِسول اللهُ صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ كماَ أمر بهُ الرب
تباَرِك وتعاَلى في كلمهُ المحكم :
َ
عل ّك ُ ْ
ل لَ َ
سو َ عوا ْ الل ّ َ
4
ن { 132
مو َ
ح ُ
م ت ُْر َ والّر ُ
هُ َ طي ُ
} َأ ِ
عن ْهُ َ َ
ول ّ ْ
ول َ ت َ َ سول َ ُ عوا ْ الل ّ َ
5
ن { 20
عو َ
م ُ
س َ
م تَ ْ
وأنت ُ ْ
وا َ ُ َ هُ َ وَرِ ُ
هُ َ طي ُ
و}أ ِ
التوبة الية 33 1
1
ب { 13 قاَ ِ ع َديدُ ال ْ ِ
ش ِ ن الل ّ َ
هُ َ فإ ِ ّ سول َ ُ
هُ َ وَرِ ُ ق الل ّ َ
هُ َ قَ ِ
شاَ ِ من ي ُ َ و}َ َ
َ َ َ
دا
خاَل ِ ً
م َ
هن ّ َ
ج َ ن لَ ُ
هُ َناََرِ َ فأَ ّ سول َ ُ
هُ َ وَرِ ُ د الل ّ َ
هُ َ د ِحاَ ِ
من ي ُ َ هُ َ موا ْ أن ّ ُ عل َ ُ
م يَ ْو } أل َ ْ
2
م { 63 ظي ُع ِ ي ال ْ َ خْز ُك ال ْ ِ هاَ ذَل ِ َ
في َ
ِ
هُ َ هاَك ُ ْ خ ُ ل َ
سو ُ ماَ آَتاَك ُ ُ
3
هوا {
فاَنت َ ُ عن ْ ُ
م َ ماَ ن َ َ
و َ
ذوهُُ َ ف ُ م الّر ُ و َ
و} َ
فاََز َ
قدْ َ
ف َ سول َ ُ
هُ َ ع الل ّ َ
4
ماَ { 71
ظي ً
ع ِ
وًزا َ
ف ْ وَرِ ُ
هُ َ من ي ُطِ ْ
و َ
} َ
في رِسول الل ّ ُ
جو الل ّ َ
هُ ن ي َْر ُ ة لّ َ
من َ
كاَ َ سن َ ٌ
ح َ
وةٌ َ
س َ
هُ أ ْ
ِ َ ُ ِ م ِ ن ل َك ُ ْ
كاَ َ و } لَ َ
قدْ َ
وذَك ََر الل ّ َ
هُ ك َِثيًرا { 21 م اْل ِ وال ْي َ ْ
5
خَر َ و َ َ
م ماَ ُ
كنت ُ ْ فأَ ُن َب ّئ ُ ُ
كم ب ِ َ عك ُ ْ
م َ ج ُ
مْر ِ م إ ِل َ ّ
ي َ ب إ ِل َ ّ
ي ثُ ّ
َ
ن أَناَ َ
م ْ سِبي َ
ل َ ع َ
وات ّب ِ ْ
و} َ
6
ن . { 15 مُلو َع َ
تَ ْ
وأوامر اللهُ ورِسولهُ ,وكذلك نواهي اللهُ ونواهي رِسولهُ موجودة محفوظة
في الكتاَب والسنة ,والكتاَب المنزل على سيد البشر وخاَتم النبياَء
والرسل صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ ,المعبر عنهُ باَلذكر الحكيم والفرقَاَن
الحميد والقرآن المجيد ,الذي جعلهُ اللهُ شفاَء وهدى ورِحمة للمؤمنين ,
وسنة رِسول اللهُ المعبر عنهاَ باَلحكمة في قَولهُ جل وعل } :ويعلمكم
الكتاَب والحكمة { وباَلحديث النبوي الشريف ,ماَ ثبت عنهُ وصاح من أقَوالهُ
وأفعاَلهُ وتقريراتهُ ,الكتاَب والسنة اللذين ذكرهماَ الرسول صالى اللهُ عليهُ
وسلم في قَولهُ حيث حّرض أمتهُ ,وحثهم على التمسك والتشبث بهماَ
قَاَئل ) :تركت فيكم أمرين لن تضلوا ماَ تمسكتم بهماَ كتاَب اللهُ وسنة
رِسولهُ ( . 7
ثم رِ ّبى أصاحاَبهُ وتلمذتهُ في ظلهماَ وضوئهماَ تربية نموذجية لكي يكونوا
قَدوة لمن يأَتي بعدهم إلى يوم القياَمة ,ومثل علياَ لمن أرِاد أن يهتدي
بهدي اللهُ جل وعل وهدى رِسولهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم .فكاَنوا صاورِة حية
لتعاَليم الرب تباَرِك وتعاَلى وإرِشاَدات رِسولهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم متبعين
مقتدين ,غير مبتدعين محدثين ,متقدمين بين يدي اللهُ ورِسولهُ ,مبتغين
مرضاَت اللهُ ,ومقتفين آثاَرِ رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم مهتدين
بهديهُ ,ساَلكين بمسلكهُ ,منتهجين منهجهُ ,غير باَغين ول عاَدين ,ول
مفرطين ول مفّرطين في أمورِ دينهم ودنياَهم } :أولئك الذين هدى
اللهُ فبهداهم اقَتدهُ { . 8
وكاَن خياَرِ هؤلء كلهم -وكلهم خياَرِ الخلق أجمعين – أصاحاَب بيعة
الرضوان الذين باَيعوا رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم على الموت وهم
في الحديبية ,فأَنزل اللهُ لهم البشرى برضوانهُ وجعل يدهُ فوق أيديهم :
} لقد رِضي اللهُ عن المؤمنين إذ يباَيعونك تحت الشجرة { . 1
و } إن الذين يباَيعونك إنماَ يباَيعون اللهُ يد اللهُ فوق أيديهم { . 2
وفاَقَهم في المنزلة والشأَن أهل بدرِ ,الذين اطلع اللهُ عليهم فقاَل :
) اعملوا ماَ شئتم فقد وجبت لكم الجنة ( . 3
وزاد على هؤلء فضل ومنقبة ومكاَنة من رِفعهم اللهُ بتبشيرهُ إياَهم
باَلجنة واحدا واحدا باَلسم والمسمى على لساَن نبيهم الناَطق باَلوحي ,
الذي ل ينطق عن الهوى إن هو أل وحي يوحى ,الصاَدق المصدوق صالوات
اللهُ وسلمهُ عليهُ ,العشرة المبشرة } لهم البشرى في الحياَة الدنياَ
وفي الخرة ل تبديل لكلماَت اللهُ ,وذلك هو الفوز العظيم { .
ولو أنهُ زادهم رِفعة وعظمة من قَاَل في حقهماَ سيدناَ علي بن أبي طاَلبِ
رِضي اللهُ عنهُ ) :خير الخلئق بعد نبي اللهُ أبو بكر ثم عمر ( . 4
فهم أولياَء اللهُ الذين ل خوف عليهم ول هم يحزنون لنهم هم الذين حببِ
إليهم اليماَن وكَرهُ إليهم الكفر والفسوق والعصياَن وأولئك هم الراشدون
.
وماَ لم يعاَضدهاَ الكتاَب ولم تناَصارهاَ السنة ,ولم يوجد لهاَ أثر في حياَة
الصحاَبة وأفعاَلهم يحكم عليهاَ باَلفساَد والبطلن ,سواء ورِدت من صاغير
أو كبير ,تقي أو شقي ,لن ) أحسن الكتاَب كتاَب اللهُ ,وخير المورِ
أوسطهاَ ,وشر المورِ محدثاَتهاَ ,وكل محدثة بدعة ,وكل بدعة ضللة ,وكل
ضللة في الناَرِ ( . 2
وقَاَل عليهُ الصلة والسلم ) :من أحدث في أمرناَ هذا ماَليس منهُ فهو رِد (
.3
وإن المسلمين لملزمون أن يؤمنوا بأَن اللهُ لم يترك خيرا لمة محمد صالى
اللهُ عليهُ وسلم إل وقَد بينهُ لرسولهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ,ول شرا إل وقَد
صرنبههُ عليهُ ,ثم رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم لم يكتم بياَنهُ ,ولم يق ّ
في تبليغهُ إلى الناَس ,فأَخبر الخلق بكل ماَ أخبر عن اللهُ عز وجل
بِ
غي ْ ِعَلى ال َ
ْ و َ
ه َ
ماَ ُ
و َ
ص شخصاَ دون شخص } َ لصلحهم وفلحهم ,ولم يخ ّ
ن{.4 ضِني ٍ
بِ َ
هاَ َ
وكاَن مأَمورِا من اللهُ بأَن يبلغ كل ماَ نزل إليهُ ,قَاَل تعاَلى َ } :ياَ أي ّ َ
ُ
ساَل َت َ ُ
هُ رِ َ
ت ِ
غ َماَ ب َل ّ ْ
ف َل َ ع ْ ف َم تَ ْ وِإن ل ّ ْك َ من ّرِب ّ َ ك ِ ل إ ِل َي ْ َ
ز َ
ماَ أن ِ
غ َل ب َل ّ ْ
سو ُ الّر ُ
ن{ .
5
ري َ ف ِ م ال ْ َ
كاَ ِ و َق ْدي ال ْ َ هُ ل َ ي َ ْ
ه ِ ن الل ّ َس إِ ّن الّناَ ِ م َك ِم َ ص ُ ع ِ والل ّ ُ
هُ ي َ ْ َ
وكماَ أن المسلمين مطاَلبون أيضاَ أن يؤمنوا بأَن الدين قَد كمل في حياَة
رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ,ولم يتوفهُ اللهُ إل بعد إتماَم السلم }
ال ْيوم أ َك ْمل ْت ل َك ُم دين َك ُم َ
سلَ َ
م ِديًناَ { ت ل َك ُ ُ
م ال ِ ْ ضي ُ
وَرِ ِ
مِتي َ
ع َ عل َي ْك ُ ْ
م نِ ْ ت َ
م ُ
م ْ
وأت ْ َ
ْ َ ْ ِ َ ُ َ ْ َ
.6
ومن هذا المنظورِ والرؤية نرى التصوف ,وننظر في الصوفية ,ونبحث في
وقَواعدهُ وأصاولهُ ونحقق أسسهُ ومباَدئهُ ,ومناَهجهُ ومشاَرِبهُ ,هل لهاَ أصال
في القرآن والسنة ,أو سند في خياَرِ خلق اللهُ أصاحاَب رِسول اللهُ الذين
هم أولياَء اللهُ الحقيقيون الولون من أمة محمد ,الذين ل خوف عليهم
ولهم يحزنون .
صُروا ْ ووا ْ ّ
ون َ َ نآ َ وال ّ ِ
ذي َ ل الل ّ ِ
هُ َ سِبي ِفي َ دوا ْ ِه ُ
جاَ َ جُروا ْ َ
و َ هاَ َ
و َ مُنوا ْ َ
نآ َ ذي َوال ّ ِ }ُ َ
3
م{ ري ٌ َ
رِْزقٌ ك ِو ِفَرةٌ َغ ِ
م ْ
هم ّ ّ
قاَ ل ُ ح ّن َ
مُنو َ ؤ ِم ْ ْ
م ال ُه ُ َ
أولـئ ِك ُ َ
َ
مه ْ وال ِ ِ
م َ ل الل ّ ِ
هُ ب ِأَ ْ سِبي ِ في َ دوا ْ ِ ه ُ
جاَ َ
و ََ جُروا ْ هاَ َ
و َ َ مُنوا ْنآ َ ذي َ و } ال ّ ِ
م ال ْ َ ول َئ ِ َ عند الل ّهُ ُ م أَ ْ وَأن ُ
م
ه ْ
شُر ُ ن 20ي ُب َ ّ فاَئ ُِزو َ ه ُ ك ُ وأ ِْ َ ة ِ َ ج ً م دََرِ َ عظ َ ُ ه ْ س ِ ف ِ َ
ن
دي َخاَل ِ ِم َ 21 قي ٌ م ِ
م ّ عي ٌ
هاَ ن َ ِفي َ م ِ ه ْ ّ
تل ُ جّناَ ٍو َن َ وا ٍ ض َ رِ ْو ِهُ َمن ْ ُة ّ م ٍح َ هم ب َِر ْ َرِب ّ ُ
َ َ
م { 22 ظي ٌع ِ جٌر َ عندَهُُ أ ْ هُ ِن الل ّ َ دا إ ِ ّ هاَ أب َ ً في َ ِ
4
ُ
ز َ
ل ي أن ِ عوا ْ الّنوَرِ ال ّ ِ
ذ َ وات ّب َ ُ
صُروهُُ َ
ون َ َ
عّزُرِوهُُ َ
و َهُ َمُنوا ْ ب ِ ِنآ َذي َ فاَل ّ ِ
و} َ
مع ُ
ن{.5 حو َ فل ِ ُم ْم ال ْ ُه ُك ُوَلـئ ِ َ هُ أ ْ
َ َ ُ
فإن كاَن كذلك فعلى المؤمنين كاَفة القَرارِ والتسليم ,والتمسك واللتزام
ة
من َ ٍ
ؤ ِ وَل ُ
م ْ ن َ
م ٍ م ْ
ؤ ِ ن لِ ُ ماَ َ
كاَ َ و َ
,وليس لهم الخياَرِ في الترك أو القبول َ } ,
َ م ال ْ ِ مًرا َأن ي َ ُ ضى الل ّهُ ورِسول ُ َ
من
و َ
م َ
ه ْ
ر ِ
م ِ
نأ ْم ْ
خي ََرةُ ِ ن لَ ُ
ه ُ كو َ هُ أ ْ
ُ ُ َ َ ُ ذا َ
قَ َ إِ َ
ناَ { . مِبي ًضَلًل ّ ل َ ض ّ
قدْ َ ف َ سول َ ُ
هُ َ وَرِ ُ ص الل ّ َ
هُ َ ع ِ يَ ْ
6
} ومن يشاَقَق الرسول من بعد ماَ تبين لهُ الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين
نولهُ ماَ تولى ونصلهُ جهنم وساَءت مصيرا ً {. 2
وماَ لم يكن كذلك فتركهُ واجبِ ,واللتفاَف إليهُ حرام ,يقطع النظر عمن
قَاَلهُ وعمل بهُ .
) والثاَني :إن الشريعة جاَءت كاَملة ل تحتمل الزياَدة ول النقصاَن ,لن اللهُ
تعاَلى قَاَل فيهاَ } :ال ْيوم أ َك ْمل ْت ل َك ُم دين َك ُم َ
مِتي ع َ عل َي ْك ُ ْ
م نِ ْ ت َ
م ُ
م ْ
وأت ْ َ
ْ َ ْ ِ َ ُ َ ْ َ
ديًناَ { . سل َ َ
م ِ ت ل َك ُ ُ
م ال ِ ْ ضي ُ
وَرِ ِ
َ
وفي حديث العرباَض بن ساَرِية :وعظناَ رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم
موعظة ذرِفت منهاَ العين ووجلت منهاَ القلوب ,فقلناَ :ياَ رِسول اللهُ ,إن
هذهُ موعظة مودع فماَ تعهد إليناَ ؟ قَاَل ) :تركتكم على البيضاَء ليلهاَ
كنهاَرِهاَ ,ول يزيغ عنهاَ إل هاَلك ,ومن يعش منكم فسيرى إختلفاَ كثيرا
فعليكم بماَ عرفتم من سنتي و سنة الخلفاَء الراشدين من بعدي ( الحديث .
وثبت أن النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم لم يمت حتى أتى ببياَن جميع ماَ
يحتاَج إليهُ في أمر الدين والدنياَ وهذا ل مخاَلف عليهُ من أهل السنة .
فإذا كاَن كذلك ,فاَلمبتدع إنماَ محصول قَولهُ بلساَن حاَلهُ أو مقاَلهُ :إن
الشريعة لم تتم ,وأنهُ بقي منهاَ أشياَء يجبِ أو يستحبِ استدرِاكهاَ ,لنهُ لو
كاَن معتقدا لكماَلهاَ وتماَمهاَ من كل وجهُ ,لم يبتدع ول استدرِك عليهاَ .
وقَاَئل هذا ضاَل عن الصراط المستقيم .
قَاَل ابن الماَجشون :سمعت ماَلكاَ يقول :من ابتدع في السلم بدعة
يراهاَ حسنة فقد زعم أن محمد صالى اللهُ عليهُ وسلم خاَن الرساَلة ,لن
اللهُ يقول } :ال ْيو َ
م { فماَ لم يكن يومئذ ديناَ ,فل يكون ت ل َك ُ ْ
م ِدين َك ُ ْ مل ْ ُ
م أك ْ َ
َ ْ َ
اليوم ديناَ .
ق لهُ ,لن الشاَرِع قَد عين المطلبِوالثاَلث :إن المبتدع معاَند للشرع ومشاَ ٌ
العبد طرقَ اَ ً خاَصاة على وجوهُ خاَصاة ,وقَصر الخلق عليهاَ باَلمر والنهي
ديهاَ – إلى غير ذلك ,
والوعد والوعيد وأخبر أن الخير فيهاَ ,وأن الشر في تع ّ
لن اللهُ يعلم ونحن ل نعلم ,وأنهُ إنماَ أرِسل الرسول صالى اللهُ عليهُ وسلم
م طرقَاَ أخر ,ليس
د لهذا كلهُ ,فإنهُ يزعم أن ث ّ
رِحمة للعاَلمين .فاَلمبتدع رِا ٌ
ماَ حصرهُ الشاَرِع بمحصورِ ,ول ماَعينهُ بمتعين ,كأَن الشاَرِع يعلم ,ونحن
النساء 65 1
النساء 2
13
أيضاَ نعلم .بل رِبماَ يفهم من استدرِاكهُ الطرق على الشاَرِع ,أنهُ علم ماَ
لم يعلمهُ الشاَرِع .
وهذا إن كاَن مقصودا للمبتدع فهو كفر باَلشريعة والشاَرِع ,وإن كاَن غير
مقصود ,فهو ضلل مبين .
وإلى هذا المعنى أشاَرِ عمر بن عبد العبد العزيز رِضي اللهُ عنهُ ,إذ كتبِ لهُ
ي بن أرِطاَهُ يستشيرهُ في بعض القدرِية ,فكتبِ إليهُ .
عد ّ
) أماَ بعد فإني أوصايك بتقوى اللهُ والقَتصاَد في أمرهُ واّتباَع سنة نبيهُ
صالى اللهُ عليهُ وسلم ,وترك ماَ أحدث المحدثون فيماَ قَد جرت سنتهُ وكفوا
مؤنتهُ ,فعليك بلزوم السنة ,فإن السنة إنماَ سّنهاَ من قَد عرف ماَ في
خلفهاَ من الخطأَ والزلل والحمق والتعمق ,فاَرِض لنفسك بماَ رِضي بهُ
القوم لنفسهم ,فإنهم على علم وقَفوا ,وببصر ناَفذ ,قَد كفوا وهم كاَنوا
على كشف المورِ أقَوى ,وبفضل كاَنوا فيهُ أحرى .فلئن قَلتم :أمر حدث
بعدهم ,ماَ أحدثهُ بعدهم إل من اتبع غير سننهم ,ورِغبِ بنفسهُ عنهم ,
إنهم لهم الساَبقون ,فقد تكلموا منهُ ماَ يكفي ,ووصافوا منهُ ماَ يشفي ,
فماَ دونهم مقصر ,وماَ فوقَهم محسر ,لقد قَصر عنهم آخرون فقلوا
وأنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم ( .
فقولهُ ) :فإن السنة إنماَ سنهاَ من قَد عرف ماَفي خلفهاَ ( فهو مقصود
الستشهاَد .
والرابع :إن المبتدع قَد نزل نفسهُ منزلة المضاَهي للشاَرِع ,لن الشاَرِع
وضع الشرائع وألزم الخلق الجري على سنتهاَ ,وصااَرِ هو المنفرد بذلك ,
لنهُ حكم بين الخلق فيماَ كاَنوا فيهُ يختلفون .وإل فلو كاَن التشريع من
مدرِكاَت الخلق لم تنزل الشرائع ,ولم يبق الخلف بين الناَس .ول احتيج
إلى بعث الرسل عليهم السلم .
هذا الذي ابتدع في دين اللهُ قَد صاير نفسهُ نظيرا ومضاَهياَ ,حيث شرع مع
الشاَرِع ,وفتح للختلف باَباَ ً ,ورِد قَصد الشاَرِع في النفراد باَلتشريع
وكفى بذلك ( . 1
الفصل الثاَني
هُ وا ْ
شتقاَقَ ِ ف َ
و ِ
ص ّ صا ُ
ل الت ّ َ أ ْ
قَبل أن بحث في التصوف ونشأَتهُ وتاَرِيخهُ نريد أن نذكر أصال اشتقاَقَهُ ,من
أين اشتق ؟ وكيف كاَن اشتقاَقَهُ ؟ واختلف الباَحثين فيهُ والصوفية
أنفسهم أيضاَ ,ولقد سئل الشبلي :لم سميت بهذا السم ؟ .
فقاَل ) :هذا السم الذي أطلق عليهم اختلف في أصالهُ وفي مصدرِ
اشتقاَقَهُ ( .1
) كاَن في الصال صافوي ,فاَستثقل ذلك ,فقيل :صاوفي – وبمثل ذلك نقل
عن أبي الحسن الكناَد :هو مأَخوذ من الصفاَء ( . 3
وينقل الكلباَذي أبو بكر محمد الصوفي المشهورِ 4عن الصوفية أقَوال
عديدة في أصال هذهُ الكلمة واشتقاَقَهاَ ,فقاَل :
قَاَلت طاَئفة :إنماَ سميت الصوفية صاوفية لصفاَء أسرارِهاَ ,ونقاَء آثاَرِهاَ .
وقَاَل بشر بن الحاَرِث :الصوفي من صافت للهُ معاَملتهُ ,فصفت لهُ من اللهُ
عز وجل كرامتهُ .
وقَاَل قَوم :إنماَ سموا صاوفية لنهم في الصف الول بين يدي اللهُ عز
وجل باَرِتفاَع هممهم إليهُ ,وإقَباَلهم عليهُ ,ووقَوفهم بساَئرهم بين يديهُ .
وقَاَل قَوم :إنماَ سموا صاوفية لقرب أوصااَفهم من أوصااَف أهل الصفة ,
الذين كاَنوا على عهد رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم .وقَاَل قَوم :إنماَ
سموا صاوفية للبسهم الصوف .
وأماَ من نسبهم إلى الصفة والصوف فإنهُ عّبر عن ظاَهر أحوالهم ,وذلك
أنهم قَوم قَد تركوا الدنياَ ,فخرجوا عن الوطاَن ,وهجروا الخدان ,
وساَحوا في البلد ,وأجاَعوا الكباَد ,وأعروا الجساَد ,لم يأَخذوا من الدنياَ
إل من الدنياَ إل ماَ ل يجوز تركهُ ,من ستر عورِة ,وسد جوعة .
) 1أبحاث في التصوف ( للدكتور عبد الحليم محمود ,المدرجة في مجموعة مؤلفاته ص 55ط دار الكتاب اللبناني الطبعة
الولى 1979م .هو أبو بكر محمد الكلباذي الملقب بتاج السلم قيل في شأن كتابه ) التعرف ( :لول التعرف لما عرف
التصوف ) مقدمة كتابه ( .
2هو أبو النصر عبد الله بن علي السراج الطوسي الملقب بطاووس الفقراء ,توفي في رجب سنة 378هـ .
3انظر ) كتاب اللمع ( ص 46بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود طه عبد الباقي سرور ط دار الكتب الحديثة بمصر 1960
م.
4هو أبو بكر محمد الكلباذي الملقب بتاج السلم قيل في شأن كتابه ) التعرف ( :لول التعرف لما عرف التصوف ) مقدمة
كتابه ( .
15
فلخروجهم عن الوطاَن سموا غرباَء .ولكثرة أسفاَرِهم سموا سياَحين .
وأهل الشاَم سموهم ) جوعية ( لنهم إنماَ يناَلون من الطعاَم قَدرِ ماَ يقيم
الصلبِ للضرورِة ,كماَ قَاَل النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ) بحسبِ ابن آدم
أكلت يقمن صالبهُ ( .
وقَاَل آخر :هو الذي ل يملك شيئاَ ,وإن ملكهُ بذلهُ .
ومن لبسهم وز ّيهم سموا صاوفية ,لنهم لم يلبسوا لحظوظ النفس ماَ لن
مسهُ ,وحسن منظرهُ ,وإنماَ لبسوا لستر العورِة ,فتجّزوا باَلخشن من
الشعر ,والغليظ من الصوف .
ثم هذهُ كلهاَ أحوال أهل الصفة ,الذين كاَنوا غرباَء فقراء مهاَجرين ,
أخرجوا من دياَرِهم وأموالهم ,ووصافهم أبو هريرة و فضاَلة بن عبيد
فقاَل :يخرون من الجوع حتى تحسبهم العراب مجاَنين .وكاَن لباَسهم
الصوف ,حتى إن كاَن بعضهم يعرق فيهُ فيوجد منهُ رِائحة الضأَن إذا أصااَبهُ
المطر .
هذا وصاف بعضهم لهم ,حتى قَاَل عيينة بن حصن للنبي صالى اللهُ عليهُ
وسلم :إنهُ ليؤذيني هؤلء أماَ يؤذيك رِيحهم ؟ .
وقَاَل أبو موسى الشعري عن النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ) :إنهُ مّر
باَلصخرة من الروحاَء سبعون نبياَ حفاَة عليهم العباَء يؤمون البيت العتيق ( .
وقَاَل الحسن البصري :كاَن عيسى عليهُ السلم يلبس الشعر ,ويأَكل من
الشجرة ,ويبيت حيث أمسى .
وقَاَل أبو موسى :كاَن النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم يلبس الصوف ,ويركبِ
الحماَرِ ,ويأَتي مدعاَة الضعيف .
ً
وقَاَل الحسن البصري :لقد أدرِكت سبعين بدرِياَ ماَ كاَن لباَسهم إل الصوف
.
فلماَ كاَنت هذهُ الطاَئفة بصفة أهل الصفة فيماَ ذكرناَ ,ولبسهم وزيهم زي
صافية وصاوفية .
أهلهاَ ,سموا ُ
16
ومن نسبهم إلى إلى الصفة والصف الول فإنهُ عبر عن أسرارِهم
فى اللهُوبواطنهم ,وذلك أن من ترك الدنياَ وزهد فيهاَ وأعرض عنهاَ ,صا ّ
سرهُ ,ونورِ قَلبهُ .
قَاَل النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ) :إذا دخل النورِ في القلبِ انشرح
وانفسح ( ,قَيل :وماَ علمة ذلك ياَ رِسول اللهُ ؟ قَاَل ) :التجاَفي عن دارِ
الغرورِ ,و الناَبة إلى دارِ الخلود ,والستعداد للموت قَبل نزولهُ ( .
فأَخبر النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم أن من تجاَفى عن الدنياَ نورِ اللهُ قَلبهُ .
وقَاَل حاَرِثة حين سأَلهُ النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم :ماَ حقيقة إيماَنك ؟
قَاَل :عزفت بنفسي عن الدنياَ ,فأَظمأَت نهاَرِي ,وأسهرت ليلي ,وكأَني
أنظر إلى عرش رِبي باَرِزا ,وكأَني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورِون ,وإلى
أهل الناَرِ يتعاَدون .
فأَخبر أنهُ لماَ عزف عن الدنياَ نورِ اللهُ قَلبهُ ,فكاَن ماَ غاَب عنهُ بمنزلة ماَ
يشاَهدهُ .وقَاَل النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ) :من أحبِ أن ينظر إلى عبد
ورِ القلبِ .
نورِ اللهُ قَلبهُ فلينظر إلى حاَرِثة ,فأَخبر أنهُ من ّ
ن َأن
حّبو َ جاَ ٌ
ل يُ ِ رِ َ
هُ ِ
في ِ
وهذا أيضاَ من أوصااَف أهل الصفة ,قَاَل اللهُ تعاَلى ِ } :
ن{ .
ري َ مطّ ّ
ه ِ بِ ال ْ ُ
ح ّ والل ّ ُ
هُ ي ُ ِ هُروا ْ َ
ي َت َطَ ّ
والتطهر باَلظواهر عن النجاَس ,وباَلبواطن عن الهجاَس .
وقَاَل اللهُ تعاَلى } :رِجاَل ل تلهيهم تجاَرِة ول بيع عن ذكر اللهُ { .ثم لصفاَء
أسرارِهم تصدق فراستهم .
قَاَل أبو أماَمة الباَهلي رِضي اللهُ عنهُ عن النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم :
) اتقوا فراسة المؤمن فإنهُ ينظر بنورِ اللهُ ( .
وقَاَل أبو بكر الصديق رِضي اللهُ عنهُ :ألقى في رِوعي أن ذا بطن بنت
خاَرِجة ,فكاَن كماَ قَاَل .
وقَاَل النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ) :إن الحق لينطق على لساَن عمر ( .
وقَاَل أبو أويس القرني لهرم بن حياَن حين سلم عليهُ :وعليك السلم ياَ
هرم بن حياَن ,ولم يكن رِآهُ قَبل ذلك ,ثم قَاَل لهُ :عرف رِوحي رِوحك .
وقَاَل أبو عبد اللهُ النطاَكي :إذا جاَلستم أهل الصدق فجاَلسوهم باَلصدق
فإنهم جواسيس القلوب يدخلون في أسرارِكم ويخرجون من هممكم .
ثم من كاَن بهذهُ الصفة من صافوة سرهُ وطهاَرِة قَلبهُ ونورِ صادرِهُ فهو في
الصف الول ,لن هذهُ أوصااَف الساَبقين .
قَاَل النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ) :يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاَ بغير
حساَب ( ثم وصافهم وقَاَل ) :الذين ل يرقَون و ل يسترقَون ,ول يكوون ول
يكتوون ,وعلى رِبهم يتوكلون ( .
فلصفاَء أسرارِهم ,وشرح صادورِهم ,وضياَء قَلوبهم :صاحت معاَرِفهم باَللهُ
,فلم يرجعوا إلى السباَب ثقة باَللهُ عز وجل ,وتوكل عليهُ ,ورِضاَ بقضاَئهُ .
17
فقد إجتمعت هذهُ الوصااَف كلهاَ ,ومعاَني هذهُ السماَء كلهاَ في أساَمي
القوم وألقاَبهم ,وصاحت هذهُ العباَرِات وقَربت هذهُ المآخذ .
وإن كاَنت هذهُ اللفاَظ متغيرة في الظاَهر ,فإن المعاَني متفقة لنهاَ إن
أخذت من الصفاَء والصفوة كاَنت صاوفية.
صافّية ,ويجوز أن يكونصافّية أو ُ
وإن أضيفت إلى الصف أو الصفة كاَنت َ
صفية إنماَ كاَنت من تداول تقديم الواو على الفاَء في لفظ الصفية أو ال ّ
اللسن .
وإن جعل مأَخذهُ من الصوف :استقاَم اللفظ ,وصاحت العباَرِة من حيث
اللغة .
وجميع المعاَني كلهاَ من التخلي عن الدنياَ وعزوف النفس عنهاَ وترك
الوطاَن ولزوم السفاَرِ ,ومنع النفوس حظوظهاَ ,وصافاَء المعاَملت ,
وصافوة السرارِ ,وانشراح الصدورِ وصافة للسباَق .
وصاوفي على زنة عوفي ,أي عاَفاَهُ اللهُ فعوفي وكوفي ,أي كاَفاَهُ اللهُ
فكوفي ,وجوزي ,أي جاَزاهُ اللهُ ,ففعل اللهُ بهُ ظاَهر في اسمهُ واللهُ
المتفرد بهُ ( . 1
هذا ماَ تخبط بهُ الكلباَذي من الخلط والغلط قَطع النظر عن ضعف أكثر
الرواياَت التي ساَقَهاَ وسردهاَ .
) 1التعرف لمذهب التصوف ( للكلباذي ص 34 – 28تحقيق محمود أمين النواوي الطبعة الثالثة 1400هـ مكتبة الكليات
الزهرية .القاهرة .
2هو أبو العباس أحمد بن محمد بن زروق :علم من أعلم الصوفية ,وإمام من أئمة أهل الحقيقة ) أنظر الصفحة الفوقانية
لكتاب قواعد التصوف ( .
18
الخاَمس :أنهُ منقول من الصفة لن صااَحبهُ تاَبع لهلهاَ فيماَ أثبت اللهُ لهم
ن
دو َ
ري ُ
ي يُ ِ
ش ّ وال ْ َ
ع ِ ة َ
دا ِ هم ِباَل ْ َ
غ َ ن َرِب ّ ُ
عو َ
} ي َدْ ُ من الوصاف حيث قَاَل تعاَلى :
هُ { .وهذا هو الصال الذي يرجع إليهُ كل قَول فيهُ ( .
3
ه ُ
ج َ
و ْ
َ
ورِوى عن رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم أنهُ قَاَل ) :مر باَلصخرة من
الروحاَء سبعون نبياَ حفاَة عليهم العباَء يؤمون البيت الحرام ( .
وقَيل :إن عيسى عليهُ السلم كاَن يلبس الصوف والشعر ,ويأَكل من
الشجر ويبيت حيث أمسى .
وقَاَل الحسن البصري رِضي اللهُ عنهُ :لقد أدرِكت سبعين بدرِياَ كاَن
لباَسهم الصوف ,ووصافهم أبو هريرة وفضاَلة بن عبيد فقاَل :كاَنوا يخرون
) 3قواعد التصوف ( لبن زروق الطبعة الثانية ص 293ط 1396هـ مكتبة الكليات الزهرية القاهرة ,أيضا ) لطائف المنن (
لبن عطاء الله السكندري ط مطبعة حسان مصر ,أيضا ) الدر الثمين ,والمورد المعين ( لمحمد بن أحمد المالكي ج 2ص
169مصطفى البابي الحلبي 1954م .أيضا ) إيقاظ الهمم في شرح الحكم ( لحمد بن عجيبة الحسني ط مصطفى البابي
الطبعة الثالثة 1982م .
) 2حلية الولياء وطبقات الصفياء ( للصبهاني ج 1ص 17ط دار الكتاب العربي ببيروت الطبعة الثالثة 1400هـ .
3نفس المصدر .
) 4تذكرة الولياء( للعطار ص 68ط باكستان .
5أنظر ) أسرار الولياء ( ص 129ط باكستان الطبعة الثالثة 1983م .
19
من الجوع حتى يحسبهم العراب مجاَنين ,وكاَن لباَسهم الصوف حتى إن
بعضهم كاَن يعرق في ثوبهُ فيوجد منهُ رِائحة الضأَن إذا أصااَبهُ الغيث .وقَاَل
بعضهم :إنهُ ليؤذيني رِيح هؤلء ,أماَ يؤذيك رِيحهم ياَ رِسول اللهُ صالى عليهُ
وسلم بذلك ,فكاَن اختياَرِهم للبس الصوف لتركهم زينة الدنياَ ,وقَناَعتهم
بسد الجوعة وستر العورِة ,واستغراقَهم في أمر الخرة ,فلم يتفرغوا
لملذ النفوس ورِاحاَتهاَ ,لشدة شغلهم بخدمة مولهم ,وانصراف هممهم
إلى أمر الخرة ,وهذا الختياَرِ يلئم ويناَسبِ من حيث الشتقاَق ,لنهُ
يقاَل ) تصوف ( إذا لبس الصوف ,كماَ يقاَل ) تقمص ( إذا لبس القميص .
ولماَ كاَن حاَلهم بين سير وطير لتقلبهم في الحوال وارِتقاَئهم من عاَل
إلى أعلى منهُ ,ل يفيدهم وصاف ول يحسبهم نعت ,وأبواب المزيد علماَ ً
وحاَلً عليهم مفتوحة ,وبواطنهم معدن الحقاَئق ومجمع العلوم ,فلماَ تعذرِ
تقيدهم لتنوع وجدانهم وتجنس مزيدهم ,نسبوا إلى ظاَهر اللبسة .وكاَن
ذلك أبين في الشاَرِة إليهم ,وأدعى إلى حصر وصافهم ,لن لبس الصوف
كاَن غاَلباَ على المتقدمين من سلفهم ,وأيضاَ لن حاَلهم حاَل المقربين
كماَ سبق ذكرهُ ,ولماَ كاَن العتزاء إلى القرب وعظم الشاَرِة إلى قَرب
اللهُ تعاَلى أمر صاعبِ يعز كشفهُ والشاَرِة إليهُ ..وقَعت الشاَرِة إلى زيهم
سترا لحاَلهم وغيرة على عزيز مقاَمهم أن تكثر الشاَرِة إليهُ وتتداولهُ
اللسنة ,فكاَن هذا أقَرب إلى الدب ,والدب في الظاَهر والباَطن والقول
والفعل عماَد أهل الصوفية .
وفيهُ معنى آخر :وهو أن نسبتهم إلى اللبسة تنبئ عن تقللهم من الدنياَ
وزهدهم فيماَ تدعو النفس إليهُ باَلهوى من الملبوس الناَعم ,حتى إن
المبتدئ المريد الذي يؤثر طريقهم ويحبِ الدخول في أمرهم يوطن نفسهُ
على التقشف والتقلل ,ويعلم أن المأَكول أيضاَ من جنس الملبوس
فيدخل في طريقهم على بصيرة ,وهذا أمر مفهوم معلوم عند المبتدئ ,
والشاَرِة إلى شيء من حاَلهم في تسميتهم بهذا أنفع وأولى ,وأيضاَ غير
هذا المعنى مماَ يقاَل إنهم سموا صاوفية لذلك يتضمن دعوى وإذا قَيل
سموا صاوفية للبسهم الصوف كاَن أبعد من الدعوى ,وكل ماَ كاَن أبعد من
الدعوى كاَن أليق بحاَلهم ,وأيضاَ لن لبس الصوف حكم ظاَهر على الظاَهر
من أمرهم ,ونسبتهم من أمر آخر من حاَل أو مقاَم أمر باَطن ,والحكم
باَلظاَهر أوفق وأولى ,فاَلقول بأَنهم سموا صاوفية للبسهم الصوف أليق
وأقَرب إلى التواضع ,ويقرب أن يقاَل :لماَ أثاَرِوا الذبول والخمول
والتواضع والنكاَرِ والتخفي والتوارِي ,كاَنوا كاَلخرقَة الملقاَة والصوفية
المرمية التي ل يرغبِ فيهاَ ول يلتفت إليهاَ ,فيقاَل ) صاوفي ( نسبة إلى
الصوفة ,كماَ يقاَل ) كوفي ( نسبة إلى الكوفة ,وهذا ماَ ذكرهُ بعض أهل
العلم ,والمعنى المقصود بهُ قَريبِ ويلئم الشتقاَق ,ولم يزل لبس
الصوف اختياَرِ الصاَلحين والزهاَد والمنشقين والعباَد .
أخبرناَ أبو زرِعة طاَهر عن أبيهُ ,قَاَل أخبرناَ عبد الرزاق بن عبد الكريم ,
قَاَل أخبرناَ أبو الحسن محمد بن محمد ,قَاَل حدثناَ أبو علي بن إسماَعيل
بن محمد ,قَاَل حدثناَ الحسن بن عرفة ,قَاَل حدثناَ خلف بن خليفة عن
حميد بن العرج عن عبد اللهُ بن الحاَرِث عن عبد اللهُ بن مسعود رِضي اللهُ
قَاَل :قَاَل رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم :يوم كلم اللهُ تعاَلى موسى
20
عليهُ السلم كاَن عليهُ جبة صاوف وسراويل صاوف وكمهُ من صاوف ونعلهُ
من جلد حماَرِ غير مذكى .
وقَيل :سموا صاوفية لنهم في الصف الول بين يدي اللهُ عز وجل باَرِتفاَع
هممهم وإقَباَلهم على اللهُ تعاَلى بقلوبهم ووقَوفهم بسرائرهم بين يديهُ .
وقَيل :كاَن هذا السم في الصال صافوي ,فاَستثقل ذلك وجعل صاوفياَ .
وقَيل سموا صاوفية نسبة إلى الصفة التي كاَنت لفقراء المهاَجرين على
عهد رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ,الذين قَاَل اللهُ تعاَلى فيهم
} للفقراء الذين أحصروا في سبيل اللهُ ل يستطيعون ضرباَ في الرِض {
الية ,وهذا وإن كاَن ل يستقيم من حيث الشتقاَق اللغوي ولكنهُ صاحيح من
حيث المعنى ,لن الصوفية يشاَكل حاَلهم حاَل أولئك لكونهم مجتمعين
متآلفين متصاَحبين للهُ وفي اللهُ ,كأَصاحاَب الصفة ,وكاَنوا نحوا من
أرِبعماَئة رِجل لم تكن لهم مساَكن باَلمدينة ول عشاَئر ,جمعوا أنفسهم
في المسجد كاَجتماَع الصوفية قَديماَ وحديثاَ في الزواياَ والربط ,وكاَنوا ل
يرجعون إلى زرِع ول ضرع ول إلى تجاَرِة ,كاَنوا يحتطبون ويرضخون النوى
باَلنهاَرِ ,وباَلليل يشتغلون باَلعباَدة وتعلم القرآن ) تلوتهُ ( وكاَن رِسول اللهُ
صالى الهُ عليهُ وسلم يواسيهم ويحث الناَس على مواساَتهم ويجلس معهم
هم ن َرِب ّ ُعو َن ي َدْ ُذي َ ولَ ت َطُْرِد ال ّ ِ
ويأَكل معهم ,وفيهم نزل قَولهُ تعاَلى َ } :
ن
ذي َ ّ
ع ال ِ م َ ك َس َف َ صاب ِْر ن َ ْ
وا ْ هُ { وقَولهُ تعاَلى َ } :ه ُج َ
و ْ
ن َ دو َ ري ُي يُ ِ ش ّ وال ْ َ
ع ِ ة َ دا ِ ِباَل ْ َ
غ َ
س
عب َ َ ي { ونزل في ابن مكتوم قَولهُ تعاَلى َ } : ش ّ ع ِوال ْ َة َ دا ِغ َهم ِباَل ْ َ ن َرِب ّ ُعو َ ي َدْ ُ
َ
جاَءهُُ اْل ْ َ
مى { وكاَن من أهل الصفة ,فعوقَبِ النبي صالى اللهُ ع َ وّلى )(1أن َ وت َ َ
َ
عليهُ وسلم لجلة ,وكاَن رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم إذا صااَفحهم ل
ينزع يدهُ من أيدهم ,وكاَن يفرقَهم على أهل الجدة والسعة يبعث مع كل
واحد ثلثة ومع الخر أرِبعة ,وكاَن سعد بن معاَذ يحمل إلى بيتهُ منهم
ثماَنين يطعمهم .
وقَاَل أبو هريرة رِضي اللهُ عنهُ :لقد رِأيت سبعين من أهل الصفة يصلون
في ثوب واحد ,منهم من ليبلغ رِكبتيهُ ,فإذا رِكع أحدهم قَبض بيديهُ مخاَفة
أن تبدو عورِتهُ .وقَاَل بعض أهل الصفة :جئناَ جماَعة إلى رِسول اللهُ صالى
اللهُ عليهُ وسلم وقَلناَ ياَ رِسول اللهُ أحرق بطونناَ التمر فسمع بذلك
رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم فصعد المنبر ثم قَاَل :ماَ باَل أقَوام
يقولون أحرق بطونناَ التمر ,أماَ علمتم أن هذا التمر هو طعاَم أهل المدينة
وقَد واسوناَ بهُ وواسيناَكم مماَ واسوناَ بهُ ,والذي نفس محمد بيدهُ إن منذ
شهرين لم يرتفع من بيت رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم دخاَن للخبز ,
وليس لهم إل السودان الماَء والتمر .
أخبرناَ الشيخ أبو الفتوح محمد بن عبد الباَقَي في كتاَبهُ ,قَاَل :أخبرناَ
الشيخ أبو بكر بن زكرياَ الطريثيثي قَاَل أخبرناَ الشيخ أبو عبد الرحمن
السلمي ,قَاَل حدثناَ محمد بن محمد ابن سعيد النماَطي ,قَاَل حدثناَ
الحسن بن يحى بن سلم ,قَاَل حدثناَ محمد ابن علي الترمذي ,قَاَل
حدثني سعيد بن حاَتم البلخي ,قَاَل حدثناَ سهل بن أسلم عن خلد بن
محمد عن أبي عبد الرحمن السكري عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن
عباَس رِضي اللهُ عنهم قَاَل :وقَف رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم يوماَ ً
21
على أهل الصفة فرأى فقرهم وجهدهم وطيبِ قَلوبهم فقاَل ) أبشروا ياَ
أصاحاَب الصفة فمن بقي منكم على النعت الذي أنتم عليهُ اليوم رِاضياَ بماَ
هو فيهُ فإنهُ من رِفقاَئي يوم القياَمة ( .
وقَيل :كاَن منهم طاَئفة بخراساَن يأَوون إلى الكهوف والمغاَرِات ول
يسكنون القرى والمدى ,ويسمونهم في خراساَن شكفتية ) ,لن شكفت(
اسم الغاَرِ ,ينسبونهم إلى المأَوى والمستقر وأهل الشاَم يسمونهم
جوعية ,واللهُ تعاَلى ذكر في القرآن طوائف الخير والصلح فسمى قَوماَ
أبرارِا وآخرين مقربين ,ومنهم الصاَبرون والصاَدقَون ,والذاكرون ,
والمحبون ,واسم الصوفي مشتمل على جميع المتفرق في هذهُ السماَء
المذكورِة ,وهذا السم لم يكن في زمن رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ,
وقَيل كاَن في زمن التاَبعين .
ونقل عن الحسن البصري رِحمة الل عليهُ أنهُ قَاَل :رِأيت صاوفياَ في
الطواف فأَعطيتهُ شيئاَ فلم يأَخذهُ وقَاَل معي أرِبع دوانيق يكفيني ماَ معي
ويشيد هذا ماَ رِوى عن سفياَن أنهُ قَاَل لول أبو هاَشم الصوفي ماَ عرفت
دقَيق الرياَء .وهذا يدل على أن هذا السم كاَن يعرف قَديماَ وقَيل لم
يعرف هذا السم إلى الماَئتين من الهجرة العربية ( . 1
ونجم الدين كبرى 3رِجح كون كلمة التصوف مشتقة من الصوف ,وأضاَف
) بأَن أول من لبس الصوف آدم وحواء ,لنهماَ أول ماَ نزل في الدنياَ كاَناَ
عرياَنين ,فنزل جبريل باَلخروف فأَخذا منهُ الصوف ,فغزلت حواء ونسجهُ
آدم ولبساَهُ ,وكذلك موسى عليهُ السلم لبس الصوف ,وأن يحيى وزكرياَ
ونبيناَ محمدا صالى اللهُ عليهُ وسلم أيضاَ كاَنوا يلبسون الصوف .
ونسبة الصوفي إلى الصوف ,وإذا ألبس الصوف طلبِ من نفسهُ حقهُ ,لن
الصوف مركبِ من الحرف الثلثة :الصاَد ,والواو ,والفاَء ,فيطلبِ من
الصاَد العبر والصلبة والصدق والصلة ,ويطلبِ من الواو الوفاَء والوجد ,
وباَلفاَء الفرج والفرح ( . 4
ومن الطرائف أن نجم الدين كبرى هذا زاد على الخرين حيث بين ألوان
الصوف الذي يلبسهُ الصوفية على اختلف أوصااَفهم وأحوالهم فقاَل :
) إن الذي قَهر نفسهُ وقَتلهاَ بسيف المجاَهدة والمكاَبدة ,وجلس في مآتم
النفس ,عليهُ أن يلبس الصوف السود ,وإن كاَن تاَئباَ عن المخاَلفاَت
وغسل ملبوس عمرهُ بصاَبون الناَبة والرياَضة .ونقى صاحيفة قَلبهُ عن
ذكر الغير فعليهُ الصوف البيض ,وإن كاَن من الذين اجتاَزوا العاَلم
) 1عوارف المعارف ( للسهروردي عبد القاهر بن عبد الله ص 59إلى 63ط دار الكتاب العربي بيروت الطبعة الثانية
1403هـ .
2انظر لذلك كتاب ) أوراد الحباب وفصوص الداب ( لبي المفاخر يحيى الباخرزي المتوفى 736هـ ج 2ص 14باهتمام
أفشار ط ز طهران 1966م .
3هو أبو عبد الله أحمد بن عمر بن محمد بن عبد الله خوارزمي المشهور بنجم الدين كبرى الملقب بالطامة الكبرى
المتوفى 618هـ وله مؤلفات كثيرة في اللغة الفارسية واللغة العربية .
) 4آداب الصوفية ( لنجم الدين كبرى ) فارسي ( ص 28ط كتاب فرشي زوار هجري قمري إيران .
22
السفلي ,ووصال العاَلم العلوي بهمتهُ فعليهُ أن يلبس الصوف الزرِق ,
لنهُ لون السماَء ( . 1
ويترشح أيضاَ من كلم أبي طاَلبِ المكي 2في قَوتهُ بأَنهُ أيضاَ من الذين
يرحجون اشتقاَقَهُ من الصوف ,حيث يورِد رِواية مكذوبة على رِسول اللهُ
صالى اللهُ عليهُ وسلم أنهُ قَاَل :
) البسوا الصوف ,وشمروا ,وكلوا في أنصاَف البطون تدخلوا في ملكوت
السماَء ( . 3
ولكن القشيري أباَ القاَسم عبد الكريم 4رِد على هذا الرأي وذاك ,حيث قَاَل
في رِساَلتهُ :
وف إذا لبس الصوف ) فأَماَ قَول من قَاَل :إنهُ من الصوف ,ولهذا يقاَل :تص ّ
كماَ يقاَل :تقمص إذا لبس القميص ,فذلك وجهُ .ولكن القوم لم يختصوا
بلبس الصوف .
ومن قَاَل :أنهم منسوبون إلى صافة مسجد رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ
وسلم ,فاَلنسبة إلى الصفة ل تجيء على نحو الصوفي .
ومن قَاَل :أنهُ مشتق من الصفاَء ,فاَشتقاَق الصوفي من الصفاَء بعيد في
مقتضى اللغة .
ومن قَاَل :أنهُ مشتق من الصف ,فكأَنهم في الصف الول بقلوبهم
فاَلمعنى صاحيح ,ولكن اللغة ل تقتضي هذهُ النسبة إلى الصف ( . 5
وأماَ الصوفي الفاَرِسي عبد الرحمن الجاَمي المتوفى 898هـ فلقد ذكر في
نفحاَتهُ أنهُ مأَخوذ من الستصفاَء ,مستدل بكلم الصوفي المشهورِ عبد
اللهُ بن خفيف أنهُ قَاَل :الصوفي من استصفاَهُ الحق لنفسهُ توددا ( . 6
وقَريباَ من ذلك قَاَل قَبلهُ صاوفي فاَرِسي آخر ,وهو عبد العزيز بن محمد
النسفي :إن التصوف مأَخوذ من الصفوة . 7
ولقد ذكر في أصال التصوف واشتقاَقَهُ أقَوال أخرى ,منهاَ ماَ ذكرهاَ الماَم
أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ,والماَم ابن تيمية ,عند ذكرهماَ
التصوف والصوفية ,واللفظ الول :
) قَد ذهبِ قَوم إلى أن التصوف منسوب إلى أهل الصفة .وإنماَ ذهبوا إلى
هذا لنهم رِأوا أهل الصفة على ماَ ذكرناَ من صافة صاوفة في النقطاَع
إلى اللهُ عز وجل وملزمة الفقر فإن أهل الصفة كاَنوا فقراء يقدمون
على رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم وماَلهم أهل ول ماَل فبنيت لهم
1نفس المصدر .
2هو أبو طالب محمد بن أبي الحسن علي بن عباس المكي ,قيل فيه :هو شيخ الصوفية وأهل السنة ,المتبحر في
التفسير وغيره من أهل العلم وله تفسير كبير ,وكتابه ) قوت القلوب ( كتاب جليل ) الصفحة الولى من كتابه ( توفي سنة
386هـ ببغداد .
) 3قوت القلوب ( لبي طالب المكي ج 2ص 167ط المطبعة الميمنية مصر 1310هـ .
4هو أبو القاسم عبد الكريم القشيري النيسابوري الشافعي قيل فيه :هو المام مطلقا ,الفقيه ,المتكلم ,الصولي ,
المفسر ,الديب ...لسان عصره ,وسر الله في خلقه ,مدار الحقيقة ,وعين السعادة ,وقطب السيادة ,من جمع بين
الشريعة والحقيقة ) مقدمة كتاب الرسالة القشيرية ص ,( 15وقال عنه أبو الحسن الباخرزي :لو ارتبط إبليس في مجلسه
لتاب ) دمية القصر ( ,توفي سنة 465هـ.
5الرسالة القشيرية لبي القاسم عبد الكريم القشيري ج 2ص 550ط مطبعة حسان القاهرة . 1974
6نفحات النس ) الفارسي ( للجامي ص 12إيران 1337هجري شمسي .
7كشف الحقائق لعبد العزيز النسفي بتحقيق وتعليق الدكتور أحمد مهدوي ص 120ط طهران 1359هجري قمري .
23
صافة في مسجد رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم وقَيل أهل الصفة .
والحديث بإسناَد عن الحسن .قَاَل بنيت صافة لضعفاَء المسلمين فجعل
المسلمون يوصالون إليهاَ ماَ استطاَعوا من خير .وكاَن رِسول اللهُ صالى
اللهُ عليهُ وسلم يأَتيهم فيقول :السلم عليكم ياَ أهل الصفة .فيقولون :
وعليك السلم ياَ رِسول اللهُ .فيقول كيف أصابحتم .فيقولون بخير ياَ
رِسول اللهُ .وبإسناَد عن نعيم بن المجمر عن أبيهُ عن أبي ذرِ قَاَل كنت من
أهل الصفة وكناَ إذا أمسيناَ حضرناَ باَب رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ,
فيأَمر كل رِجل فينصرف برجل فيبقى من بقى من أهل الصفة عشرة أو
أقَل فيؤثرناَ النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم بعشاَئهُ فنتعشى فإذا فرغناَ قَاَل
رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم .ناَموا في المسجد .
قَاَل المصنف :وهؤلء القوم إنماَ قَعدوا في المسجد ضرورِة .وإنماَ أكلوا
الصدقَة ضرورِة .فلماَ فتح اللهُ على المسلمين استغنوا عن تلك الحاَل
وخرجوا ,ونسبة الصوفي إلى أهل الصفة غلط لنهُ لو كاَن كذلك لقيل
صافي ,وقَد ذهبِ إلى أنهُ من الصوفاَنة وهي بقلة رِعناَء قَصيرة .فنسبوا
إليهاَ لجتزائهم بنباَت الصحراء وهذهُ أيضاَ غلط لنهُ لو نسبوا أليهاَ لقيل
صاوفاَني .وقَاَل آخرون هو منسوب إلى صاوفة القفاَ .وهي الشهرات
الناَبتة في مؤخرة كأَن الصوفي عطف بهُ إلى الحق وصارفهُ عن الخلق ( .
1
وقَيل :أن أصال التصوف منسوب إلى صاوفة ,فيقول ابن الجوزي :
قَاَل أبو محمد عبد الغني بن سعيد الحاَفظ :قَاَل :سأَلت وليد بن القاَسم :
إلى أي شيء ينسبِ الصوفي .
فقاَل :كاَن قَوم في الجاَهلية يقاَل لهم صاوفة ,انقطعوا إلى اللهُ عز وجل
,وقَنطوا الكعبة ,فمن تشبهُ بهم فهم الصوفية ,قَاَل عبد الغني :فهؤلء
المعروفون بصوفة ولد الغوث بن مر بن أخي تميم بن مر ( . 2
1تلبيس ابليس لبن الجوزي المتوفى 597ص 157دار القلم بيروت ,أيضا الصوفية والفقراء لشيخ السلم ابن تيمية ط
دار الفتح القاهرة 1984م ,أيضا تاريخ التصوف في السلم للدكتور قاسم غني ترجمة عربية صادق نشأت ص 61 , 60ط
مكتبة النهضة المصرية .
2تلبيس ابليس لبن الجوزي الباب العاشر ص . 156
3انظر لسان العرب لبن منظور الفريقي ج 9ص 200ط دار صادر بيروت ,والقاموس المحيط للفيروز آبادي ج 3ص
169ط مصطفى البابي الحلبي ,أيضا أساس البلغة للزمخشري ص 262ط احياء المعاجم العربية القاهرة .
24
محتاَج في الوجود إلى الغير فوجودهاَ في حكم الخياَل والحق هو الواحد
الول فقط ,ويقول في أعقاَب هذا التفصيل .وهذا رِأي السوفية وهم
الحكماَء ,فإن ) سوف ( باَليوناَنية ) الحكمة ( وبهاَ سمي الفيلسوف ) بيل
سوباَ ( أي محبِ الحكمة ,ولماَ ذهبِ في السلم قَوم إلى قَريبِ من رِأيهم
سموا باَسمهم ,ولم يعرف بعضهم اللقبِ فنسبهم للتوكل إلى الصفة
وأنهم أصاحاَبهاَ في عصر النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ,ثم صاحف بعد ذلك
فصير في صاوف التيوس وعدل أبو الفتح البستي عن ذلك أحسن عدول
في قَولهُ :
وكذلك ذهبوا إلى أن الموجود شيء واحد وأن العلة الولى تتراءى فيهُ
بصورِ مختلفة وتحل قَوتهاَ في أبعاَضهُ بأَحوال متباَينة توجبِ التغاَير مع
التحاَد ,فكاَن فيهم من يقول أن المنصرف بكليتهُ إلى العلة الولى
متشبهاَ بهاَ على غاَية إمكاَنهُ يتحد بهاَ عند ترك الوساَئل وخلع العلئق
والعوائق وهذهُ أرِاء يذهبِ إليهاَ الصوفية لتشاَبهُ الموضوع وكاَنوا في
ألنفس والرِواح أنهاَ قَاَئمة بذواتهاَ قَبل التجسد باَلبدان معدودة مجندة
تتعاَرِف وتتناَكر ( . 1
وبهذا القول قَاَل فون هاَمر المستشرق اللماَني ,وعبد العزيز إسلمبولي
,ومحمد لطفي جمعهُ من الحديثين . 2
بسببِ المشاَبهة الصوتية بين كلمة ) صاوفي ( والكلمة اليوناَنية ) صاوفياَ ( ,
وكذلك لوجهُ الشبهُ الموجود بين كلمة ) تصوف ( ) ,تيوصاوفياَ ( ,وأن كلمتي
صاوفي وتصوف أخذتاَ من الكلمتين اليوناَنيتين ) سوفياَ ( و )وتيوسوفياَ ( إل
أن نولدكهُ أثبت خطأَ هذا الزعم كماَ كماَ أيدهُ في ذلك نيكلسون ,وماَ
سينيون ,وباَلضاَفة إلى البراهين القوية الخرى التي أقَاَمهاَ نولدكهُ ,فإنهُ
يدلل على أن ) س( اليوناَنية نقلت إلى العربية كماَ هي سيناَ ,ل صااَدا كماَ
أنهُ ل يوجد في اللغة الرِامية كلمة تعد واسطة لنتقاَل سوفياَ إلى
الصوفي (. 3
1الكتاب المذكور ص 16ط ليبزك نقل عن تاريخ التصوف في السلم ترجمة عربية لصادق نشأت ص . 68 , 67
2انظر التصوف السلمي في الدب والخلق لزكي مبارك ج 1ص 51ط دار الجيل لبنان ,أيضا أبحاث في التصوف
للدكتور عبد الحليم محمود ص . 153
3انظر تاريخ التصوف في السلم للدكتور قاسم غني ترجمة عربية ص . 68 , 67
4كشف المحجوب للهجويري ترجمة عربية دكتورة أسعاد عبد الهادي قنديل ص 230ط دار النهضة العربية بيروت 1980م
.
25
) ليس يشهد لهذا السم من حيث العربية قَياَس ول اشتقاَق ( . 1
كماَ أنهُ مماَ لشك فيهُ أنهُ ل يصح ول يستقيم اشتقاَقَهُ من حيث اللغة إل
من الصوف ,ولو أنهُ هو اختياَرِ الكثيرين من الصوفية وغيرهم كاَلطوسي ,
وأبي طاَلبِ المكي ,والسهرورِدي وأبي المفاَخر يحيى باَخرزي ,وابن
تيمية ,وابن خلدون من المتقدمين .
ومن الطرائف أن الدكتورِ زكي مباَرِك استشهد القشيرية على رِدّ من جعل
اشتقاَق التصوف من الصفاَء باَلقشيري ,واستند إلى قَولهُ قَاَئل :
) وقَد استبعد ذلك القشيري وهو من أقَطاَب الصوفية ( . 2
مع أنهُ هو نفسهُ يورِد بعد أسطر من هذا الستشهاَد والستناَد رِأيهُ في
الموضوع بأَن التصوف مأَخوذ من الصوف ,مع أن القشيري رِدّ على هذا
كماَ رِدّ على ذلك .
وثم أقَوال ضعيفة أخرى ,كاَلقول بأَن الصوفي نسبة إلى الصف الول ,
لنهم في الصف الول بقلوبهم من حيث المحاَضرة والمناَجاَة .
الرسالة القشيرية لعبد الكريم القشيري ج 2ص 550دار الكتب الحديثة القاهرة . 1
التصوف السلمي في الدب والخلق للدكتور زكي مبارك ج 1ص . 51 2
وأرِجح القَوال وأقَربهاَ إلى العقل مذهبِ القاَئلين بأَن الصوفي نسبة إلى
الصوف ,وأن المتصوف مأَخوذ منهُ أيضاَ ,فيقاَل :تصوف إذا لبس الصوف (
.1
وأظن أن هذا الذي أوقَع أحد الكتاَب في التصوف في بحاَرِ الحيرة ,وجعلهُ
مضطرا إلى أن يردد بعد ملحظة هذهُ الختلفاَت الكثيرة في أصال كلمة
التصوف واشتقاَقَهاَ ,ونقل أقَوالهم فيهُ .
التصوف لمصطفى عبد الرزاق ص 57إلى 62ط دار الكتاب اللبناني بيروت . 1
بحار الحب عند الصوفية لحمد بهجت ص 32ط المختار السلمي القاهرة . 2
27
الفصل الثاَلث
ف
و ِ
ص ّ
ف الت َ
ري ُ
ع ِ
ت ْ
ول يقل اختلف الصوفية في اختلف تعريف التصوف عن اختلفهم في
أصالهُ واشتقاَقَهُ ,بل ازدادوا تعاَرِضاَ وتناَقَضاَ فيهُ كثيرا ,ولقد ذكر صاوفي
فاَرِسي قَطبِ الدين أبو المظفر منصورِ بن أرِدشير السنجي المروزي
المتوفى سنة 491هـ أكثر من عشرين تعريفاَ . 1
وكذلك السراج الطوسي . 2
والكلباَذي . 3
والسهرورِدي . 4
وابن عجيبة الحسني . 5
وأماَ القشيري فلقد ذكر في رِساَلتهُ أكثر من خمسين تعريفاَ من الصوفية
المتقدمين . 6كماَ ذكر المستشرق نيكلسون ثماَنية وسبعين تعريفاَ . 7
وليس معنى ذلك أن هذا العدد هو الخير في تعريف التصوف ,بل ذكر
السراج في لمعة أن تعريفاَتهُ تتجاَوز ماَئة تعريف . 8
وقَاَل السهر ورِدي ) :وأقَوال المشاَئخ في ماَهية التصوف تزيد على ألف
قَول ( . 9
ونقل الكلباَذي وعبد السلم السمر الفيتورِي عن الجنيد أنهُ سئل عن
التصوف ,فقاَل :تصفية القلبِ من موافقة البرية ,ومفاَرِقَة الخلق
الطبيعية ,وإخماَد الصفاَت البشرية ,ومجاَنبة الدواعي النفساَنية ,ومناَزلة
الصفاَت الروحاَنية ,والتعلق باَلعلوم الحقيقية .
وذكر عن سهل بن عبد اللهُ التستري أنهُ سأَلهُ رِجل :من أصاحبِ من
طوائف الناَس ؟.
فقاَل :عليك باَلصوفية ,فإنهم ل يستكثرون ,ول يستنكرون شيئاَ ,ولكل
فعل عندهم تأَويل ,فهم يعذرِونك على كل حاَل .
وعن يوسف بن الحسين أنهُ قَاَل :
سأَلت ذا النون :من أصاحبِ ؟ فقاَل :من ل يملك ,ول ينكر عليك حاَل من
أحوالك ,ول يتغير بتغيرك وإن كاَن عظيماَ ,فاَنك أحوج ماَ تكون إليهُ أشد ماَ
كنت تغيرا ( . 5
ونقل عن الجنيد أنهُ قَاَل :التصوف نعت أقَيم العبد فيهُ ,قَيل :نعت للعبد
أو نعت للحق ؟ .
فقاَل نعت الحق حقيقة ,ونعت العبد رِسماَ .
وعن الشبلي أنهُ قَاَل :التصوف شرك لنهُ صاياَنة القلبِ عن الغير ,ول
غير ( . 6
1تذكرة الولياء للعطار ص 288وما بعد ط باكستان ,أيضا أحوال وأقوال شيخ أبي الحسن الخرقاني ) فارسي ( الطبعة
الثالثة 1363هجري قمري إيران .
2تذكرة الولياء لفريد الدين العطار ) أردو ( تحت ذكر الجنيد ص 192باكستان .
3أسرار الولياء ص 129 , 128ط باكستان .
4أنظر النسان والسلم لمحمد طاهر الحامدي ,ومقدمه التعرف لمحمود أمين النواوي .
30
الفصل الرابع
هورِهُ
وظ ُ
ف َ
و ِ
ص ّ
ب َدْءُ الت ّ َ
إن الناَس اختلفوا في بدء ظهورِ هذهُ الكلمة واستعماَلهاَ كاَختلفهم في
أصالهُ وتعريفهُ ,فذكر ابن تيمية وسبقهُ ابن الجوزي وابن خلدون في هذا
أن لفظ الصوفية لم يكن مشهورِا في القرون الثلثة الولى ,وإنماَ اشتهر
التكلم بهُ بعد ذلك ,وقَد نقل التكلم بهُ عن غير واحد من الئمة والشيوخ
كاَلماَم أحمد بن حنبل ,وأبي سليماَن الدارِاني وغيرهماَ ,وقَد رِوى عن
سفياَن الثورِي أنهُ تكلم بهُ ,وبعضهم يذكر ذلك عن الحسن البصري . 1
وقَاَل السراج الطوسي في الباَب الذي خصصهُ للرد على من قَاَل :لم
نسمع بذكر الصوفية في القديم وهو إسم مستحدث :يقول في هذا
الباَب :
) إن سأَل ساَئل فقاَل :لم نسمع بذكر الصوفية في أصاحاَب رِسول اللهُ
صالى اللهُ عليهُ وسلم ورِضي عنهم أجمعين ,ول فيمن كاَن بعدهم ,ول
نعرف إل العّباَد والّزهاَد والسّياَحين والفقراء ,وماَ قَيل لحد من أصاحاَب
رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم :صاوفي ,فنقول وباَللهُ التوفيق .
الصحبة مع رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم لهاَ حرمة ,وتخصيص من
شملهُ ذلك ,فل يجوز أن يعلق عليهُ اسم على أنهُ أشرف من الصحبة ,وذلك
لشرف رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم وحرمتهُ ,أل ترى أنهم أئمة الزهاَد
والعباَد والمتوكلين والفقراء والراضين والصاَبرين والمختبين ,وغير ذلك ,
وماَ ناَلوا جميع ماَ ناَلوا إل ببركة الصحبة مع رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ
وسلم ,فلماَ نسبوا إلى الصحبة والتي هي أجل الحوال استحاَل أن
يفضلوا بفضيلة غير الصحبة التي هي أجل الحوال وباَللهُ التوفيق .
وأماَ قَول القاَئل :إنهُ اسم محدث أحدثهُ البغداديون ,فمحاَل ,لن في
وقَت الحسن البصري رِحمهُ اللهُ كاَن يعرف هذا السم ,وكاَن الحسن قَد
أدرِك جماَعة من أصاحاَب رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ورِضي عنهم ,
وقَد ُرِوي عنهُ أنهُ قَاَل :رِأيت صاوفياَ في الطواف فأَعطيتهُ شيئاَ فلم يأَخذهُ
وقَاَل :معي أرِبعة دوانيق يكفيني ماَ معي .
ورِوي عن سفياَن الثورِي رِحمهُ اللهُ أنهُ قَاَل :لول أبو هاَشم الصوفي ماَ
جمع فيهُ أخباَرِ مكة عن محمد
عرفت دقَيق الرياَء ,وقَد ذكر الكتاَب الذي ُ
ً
بن إسحاَق بن يساَرِ ,وعن غيرهُ يذكر فيهُ حديثاَ :أنهُ قَبل السلم قَد خلت
مكة في وقَت من الوقَاَت ,حتى كاَن ل يطوف باَلبيت أحد ,وكاَن يجيء
من بلد بعيد رِجل صاوفي فيطوف باَلبيت وينصرف ,فإن صاح ذلك فإنهُ يدل
على أنهُ قَبل السلم كاَن يعرف هذا السم ,وكاَن ُينسبِ إليهُ أهل الفضل
والصلح ,واللهُ أعلم ( . 2
1الصوفية والفقراء لشيخ السلم بن تيمية ص 5ط القاهرة ,أيضا مقدمة ابن خلدون ص , 467تلبيس أبليس لبن الجوزي
ص 157دار القلم بيروت لبنان .
2اللمع للطوسي ص , 43 , 42أيضا الفتوحات اللهية لبن عجيبة الحسنى ص 53ط عالم الفكر القاهرة .
31
وبمثل ذلك قَاَل السهرورِدي ) :وهذا السم لم يكن في زمن رِسول اللهُ
صالى اللهُ عليهُ وسلم ,وقَيل :كاَن في زمن التاَبعين – ثم نقل عن الحسن
البصري وماَ نقلناَهُ عن الطوسي أيضاَ – ثم قَاَل :وقَيل :لم يعرف هذا
السم إلى الماَئتين من الهجرة العربية ( . 1
وأماَ القشيري فقاَل :اشتهر هذا السم لهؤلء الكاَبر قَبل الماَئتين من
الهجرة ( . 3
وأماَ الهجويري فلقد ذكر أن التصوف كاَن موجودا في زمن رِسول اللهُ
صالى اللهُ عليهُ وسلم ,وباَسمهُ ,واستدل بحديث موضوع مكذوب على
رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم أنهُ قَاَل ) :من سمع صاوت أهل التصوف
فل يؤمن على دعاَئهم كتبِ عند اللهُ من الغاَفلين ( . 4
مع أنهُ نفسهُ كتبِ في نفس الباَب في آخرهُ شاَرِحاَ كلم أبي الحسن
البوشنجي ) التصوف اليوم اسم بل حقيقة ,وقَد كاَن من قَبل حقيقة بل
اسم ( فكتبِ تحتهُ موضحاَ :
) يعني أن هذا السم لم يكن موجودا وقَت الصحاَبة والسلف ,وكاَن المعنى
موجودا في كل منهم ,والن يوجد السم ,ول يوجد المعنى ( . 5
أماَ صايغة الجمع ) الصوفية ( التي ظهرت عاَم 189هـ ) 814م ( في خبر فتنة
قَاَمت باَلسكندرِية فكاَنت تدل قَرابة ذلك العهد على مذهبِ من مذاهبِ
التصوف السلمي يكاَد يكون شيعياَ نشأَ في الكوفة ,وكاَن عبدك الصوفي
آخر أئمتهُ ,وهو من القاَئلين بأَن الماَمة باَلرِث والتعيين ,وكاَن ل يأَكل
اللحم ,وتوفى ببغداد حوالي عاَم 210هـ .
وإذن فكلمة صاوفي كاَنت أول أمرهاَ مقصورِة على الكوفة ( . 1
مو بهذاوالجدير باَلذكر أن هؤلء الثلثة الذين يقاَل عنهم بأَنهم أول من س ّ
السم ,وتلقبوا بهذا اللقبِ مطعونون في مذاهبهم وعقاَئدهم ,ورِمى كل
واحد منهم باَلفسق والفجورِ وحتى الزندقَة ,وخاَصاة جاَبر بن حياَن ,
وعبدك كماَ سيأَتي ذلك مفصل في محلهُ من الكتاَب إن شاَء اللهُ .
وقَد سبق كلم شيخ السلم ابن تيمية حيث قَاَل ) :إن لفظ الصوفية لم
يكن مشهورِا في القرون الثلثة ,وإنماَ اشتهر التكلم بهُ بعد ذلك ( . 3
1دائرة المعارف السلمية أردو ج 6ص 419ط جامعة بنجاب باكستان ,أيضا دائرة المعارف السلمية الطبعة العربية
مادة تصوف ج 5ص . 266
2التصوف لماسينيون ومصطفى عبد الرزاق ص 56 , 55ط دار الكتاب اللبناني 1984م ,أيضا تاريخ التصوف في السلم
للدكتور قاسم غني ترجمة عربية لصادق نشأت ص 64ط مكتبة النهضة المصرية القاهرة .
3انظر الصوفية والفقراء لشيخ السلم بن تيمية ص . 5
4انظر مقدمة ابن خلدون ص . 476
33
نعم ,كاَن رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم أزهد خلق اللهُ في الدنياَ
دون الدنياَ وماَ فيهاَ لهوا
وزخاَرِفهاَ ,وأصاحاَبهُ على سيرتهُ وطريقتهُ ,يع ّ
ولعباَ ,زائلة فاَنية ,والموال والولد فتنة ابتلي المؤمنون بهاَ ,فلم يكونوا
يجعلون أكبر همهم إل ابتغاَء مرضاَة اللهُ ,يرجون لقاَءهُ وثوابهُ ,ويخاَفون
غضبهُ وعقاَبهُ ,آخذين من الدنياَ ماَ أباَح اللهُ لهم أخذهُ ,ومجتنبين عنهاَ ماَ
نهى اللهُ عنهُ ,ساَلكين مسلك العتدال ,منتهجين منهج المقتصد ,غير
باَغين ول عاَدين ,مفرطين ول متطرفين ,وعلى رِأسهم بعد رِسول اللهُ
صالى اللهُ عليهُ وسلم الخلفاَء الراشدون ,وبقية العشرة المبشرة ,ثم
البدرِيون ,ثم أصاحاَب بيعة الرضوان ,ثم الساَبقون الولون من المهاَجرين
والنصاَرِ ,ثم عاَمة الصاحاَب ,على ترتيبِ الفضلية كماَ مّر ساَبقاَ في
الفصل الول من هذا الباَب .
وتبعهم في ذلك التاَبعون لهم بإحساَن ,واتباَع التاَبعين ,أصاحاَب خير
القرون ,المشهود لهم باَلخير والفضيلة ,ولم يكن لهؤلء كلهم في غير
رِسول اللهُ أسوة ول قَدوة ,الذي قَاَل فيهُ جل وعل :
ثم خلف من بعدهم خلف فتطرفوا ,وذهبوا بعيدا في نعيم الدنياَ وزخاَرِفهاَ
,وفتحت عليهم أبواب الترف والرخاَء ,ودّرِت عليهم الرِض والسماَء ,
وأقَبلت عليهم الدنياَ بكنوزهاَ وخزائنهاَ ,وفتحت عليهم الفاَق فاَنغمسوا
في زخاَرِفهاَ وملذاتهاَ ,وبخاَصاة العرب الفاَتحون الغزاة ,والغاَلبون
الظاَهرون ,فحصل رِّد الفعل ,وفي نفوس المغلوبين المغزوين
والمقهورِين ,من الموالي والفرس والمفلسين وأصاحاَب النفوس
دهاَ ,دهاَ وك ّ الضعيفة المتوانية خاَصاة ,فهربوا عن الحياَة ومناَضلتهاَ ,وج ّ
ولجأَوا إلى الخاَنقاَوات والتكاَياَ والزواياَ والرباَطاَت ,فرارِا من المباَرِزة
د الفعل صابغة دينية ,ولون والمناَضلة ,وصابغوا هذا الفرارِ والنهزام ورِ ّ
قَداسة وطهاَرِة ,وتنزهُ وقَرابة ,كماَ كاَن هناَلك أسباَب ودوافع ومؤثرات
أخرى ,وكذلك أيدي خفية دفعتهم إلى تكوين فلسفة جديدة للحياَة ,وطراز
آخر من المشرب والمسلك ,وأسلوب جديد للعيش والمعاَش ,فظهر
التصوف بصورِة مذهبِ مخصوص ,وبطاَئفة مخصوصاة اعتنقهُ قَوم ,وسلكهُ
أشخاَص ساَذجون بدون تفكير كثير ,وتدبر عميق كمسلك الزهد ,ووسيلة
التقرب إلى اللهُ ,غير عاَرِفين باَلسس التي قَاَم عليهاَ هذا المشرب ,
والقواعد التي أسس عليهاَ هذا المذهبِ ,بسذاجة فطرية ,وطيبة طبيعية ,
كماَ تستر بقناَعهُ ,وتنقبِ بنقاَبهُ بعض آخرون لهدم السلم وكياَنهُ ,
34
وإدخاَل اليهودية والمسيحية في السلم ,وأفكاَرِهماَ من جاَنبِ ,
والزرِادشتية والمجوسية والشعوبية من جاَنبِ آخر ,وكذلك الهندوكية
والبوذية والفلسفة اليوناَنية الفلطونية من ناَحية أخرى ,وتقويض أرِكاَن
السلم وإلغاَء تعاَليم سيد الرسل صالى اللهُ عليهُ وسلم ,ونسخ السلم
وإبطاَل شريعتهُ بنعرة وحدة الوجود ,ووحدة الدياَن ,وإجراء النبوة ,
وترجيح من يسمى باَلولي على أنبياَء اللهُ ورِسلهُ ,ومخاَلفة العلم ,
والتفريق بين الشريعة والحقيقة ,وترويج الحكاَياَت والباَطيل
والساَطير ,باَسم الكراماَت والخوارِق وغير ذلك من الخلفاَت والترهاَت .
فلم يظهر التصوف مذهباَ ومشرباَ ,ولم يرج مصطلحاَتهُ الخاَصاة بهُ ,وكتبهُ ,
ومواجيدهُ وأناَشيدهُ ,تعاَليمهُ وضوابطهُ ,أصاولهُ وقَواعدهُ ,وفلسفتهُ ,
ورِجاَلهُ وأصاحاَبهُ إل في القرن الثاَلث من الهجرة وماَ بعدهُ .
وجاَء أبو نعيم الصابهاَني فصنف لهم كتاَب الحلية .وذكر في حدود
التصوف أشياَء منكرة قَبيحة ولم يستح أن يذكر في الصوفية أباَبكر وعمر
وعثماَن وعلي اَ ً وساَدات الصحاَبة رِضي اللهُ عنهم .فذكر عنهم فيهُ العجبِ
وذكر منهم شريح اَ ً القاَضي والحسن البصري وسفياَن الثورِي وأحمد بن
حنبل وكذلك ذكر السلمي في طبقاَت الصوفية الفضيل وإبراهيم
وإبراهيم بن أدهم ومعروفاَ ً الكرخي وجعلهم من الصوفية بأَن أشاَرِ إلى
أنهم من الزهاَد .
فاَلتصوف مذهبِ معروف يزيد على الزهد ويدل على الفرق بينهماَ .أن
الزهد لم يذمهُ أحد وقَد ذموا التصوف على ماَ سيأَتي ذكرهُ وصانف لهم عبد
الكريم بن هوازن القشيري كتاَب الرساَلة فذكر فيهاَ العجاَئبِ من الكلم
في الفناَء والبقاَء ,والقبض ,والبسط ,والوقَت ,والحاَل ,والوجد والوجود
,والجمع و والتفرقَة ,والصحو والسكر ,والذوق ,والشرب ,والمحو ,
والثباَت ,والتجلي ,والمحاَضرة والمكاَشفة ,واللوائح والطوالع ,
واللوامع ,والتكوين ,والتمكين والشريعة ,والحقيقة .إلى غير ذلك من
التخليط الذي ليس بشيء وتفسيرهُ وأعجبِ منهُ ,وجاَء محمد بن طاَهر
المقدسي فصنف لهم صافوة التصوف فذكر فيهُ أشياَء يستحي العاَقَل من
ذكرهاَ سنذكر منهاَ ماَ يصلح ذكرهُ في مواضعهُ إن شاَء اللهُ تعاَلى .
36
وكاَن شيخناَ أبو الفضل بن ناَصار الحاَفظ يقول :كاَن ابن طاَهر يذهبِ
مذهبِ الباَحة :قَاَل وصانف كتاَباَ ً في جواز النظر إلى المراد أورِد فيهُ
حكاَية عن يحيى بن معين قَاَل :رِأيت جاَرِية بمصر مليحة صالى اللهُ عليهاَ .
فقيل لهُ تصلي عليهاَ فقاَل صالى اللهُ عليهاَ وعلى كل مليح .قَاَل شيخناَ
ابن ناَصار ,وليس ابن طاَهر بمن يحتج بهُ ,وجاَء أبو حاَمد الغزالي فصنف
لهم كتاَب الحياَء على طريقة القوم وملهُ باَلحاَديث الباَطلة وهو ل يعلم
بطلنهاَ وتكلم في علم المكاَشفة وخرج عن قَاَنون الفقهُ ,وقَاَل أن المراد
باَلكوكبِ والشمس والقمر اللواتي رِآهن إبراهيم صالوات اللهُ عليهُ أنوارِ
هي حجبِ اللهُ عز وجل ولم يرد هذهُ المعروفاَت .وهذا من جنس كلم
الباَطنية .وقَاَل في كتاَبهُ المفصح باَلحوال .إن الصوفية في يقظتهم
يشاَهدون الملئكة وأرِواح النبياَء ويسمعون منهم أصاواتاَ ويقتبسون منهم
فوائد ثم يترقَى الحاَل من مشاَهدة الصورِة إلى درِجاَت يضيق عنهاَ نطاَق
النطق ( . 1
ون هذا المذهبِ ,وصااَرِ مستقل بمباَدئهُ وآرِائهُ ,ولهُ مصاَدرِهُ فهكذا ك ّ
ومراجعهُ ,وتعاَليمهُ ورِسومهُ .
وإلى هناَ نأَتي إلى آخر هذا الباَب .
تلبيس إبليس لبن الجوزي ص 156إلى 160ط دار القلم بيروت لبنان . 1
37
ب الثاَني
الَباَ ُ
خذُهُُ
مآ ِ
و َ
ف َ
و ِ
صاَِدُرِ الّتص ّ
م َ
َ
إن أمر التصوف كلهُ مختلف فيهُ ,فكماَ أختلف في أصالهُ واشتقاَقَهُ ,وحدهُ
وتعريفهُ ,بدئهُ وظهورِهُ ,وفي أول من تسمى بهُ وتلقبِ بهُ ,كذلك اختلف
في منبعهُ ومأَخذهُ ,ومصدرِهُ ومرجعهُ ,فتشعبت الرِاء وتنوعت القَوال ,
وتعددت الفكاَرِ ,فقاَل قَاَئل :إنهُ إسلمي بحت في أشكاَلهُ وصاورِهُ ,
ومباَدئهُ ومناَهجهُ ,وأصاولهُ وقَواعدهُ ,وأغراضهُ ومقاَصادهُ ,حتى في
ألفاَظهُ وعباَرِاتهُ ,وفلسفتهُ وتعاَليمهُ ,ومواجيدهُ وأناَشيدهُ ,ومصطلحاَتهُ
ومدلولتهُ ,وهذا هو إدعاَء الصوفية ومن والهم ,وناَصارهم ,ودافع عنهم .
وقَاَل قَوم :ل علقَهُ لهُ باَلسلم إطلقَاَ ,قَريبة ول بعيدة في اليوم الذي
نشأَ فيهُ ,ولبعد ماَتطورِ ,وهو أجنبي عنهُ كاَسمهُ ,فلذلك ل يفتش عن
مصاَدرِهُ ومآخذهُ في القرآن والسنة وإرِشاَداتهماَ ,بل يبحث عنهاَ في
الفكر الجنبي ,وهو رِأي أكثر السلفيين ومن نهج منهجهم وسلك مسلكهم
وكذلك الفقهاَء والمتكلمين من أهل السنة من المتقدمين ,والكثرية
الساَحقهُ من المستشرقَين ,والكثير من الباَحثين والمفكرين المتحررِين
من الجمود وعصبية التقليد ,من المتأَخرين .
وقَاَلت طاَئفة :إنهُ اسم للزهد المتطورِ بعد القرون المشهود لهاَ باَلخير
كر ّد فعل لزخرفة المدينة وزينتهاَ التي انفتحت أبوابهاَ على المسلمين بعد
الغزوات والفتوحاَت وانغماَسهم في ترف الدنياَ ونعيمهاَ ,ثم حصلت فيهُ
التطورِات ,ودخلت أفكاَرِ أجنبية والفلسفاَت غير السلمية وذهبِ إلى هذا
الرأي ابن تيمية والشوكاَني من السلفيين وغيرهم من بعض أعلم أهل
السنة ,حتى الصوفية أنفسهم وبعض المستشرقَين .
ومماَ يذكر بياَناَ لشأَنهُ الرفيع ومكاَنتهُ الساَمية أنهُ كاَن من أبناَء الملوك
وملكاَ لبلخ ,وتزوج من امرأتهُ جميلة ,ولهُ ولد ,ولكنهُ ترك الملك والزوجة
والولد ,وكل من كاَن يملكهُ ,للنداء الغيبي ,أو للقاَء الخضر الذي لقنهُ
ذلك ,مثل ماَ ترك بوذا ملكهُ وزوجتهُ ,وأبنهُ وملذ الدنياَ وزخاَرِفهاَ طبقاَ
بطبق ,وحذو القذة باَلقذة ,خلفاَ لتعاَليم السلم وأسوة الرسول وسيرة
الصحاَبة ,ول يوجد لهُ أي مثاَل في الكتاَب ول في السنة ,ول من السلف
جل الصوفية ذكرهُ ,ولذلك يجعلونهُ قَدوة يقتدى ,ومثاَل الصاَلح ومع ذلك يب ّ
يحتذى ,ويفتخرون بذكرهُ وأحوالهُ ,مع أن أحوالهُ تلك ليست إل ناَطقة
باَلبوذية المنسوخة الممسوخة التي لم ينزل اللهُ بهاَ من سلطاَن .
فنود أن نورِد تلك الحكاَية الصوفية الباَطلة ,من التصوف القديم الصايل ,
د من العلم والقَطاَب مقاَرِنة بقصة بوذا ,المنقولة ومن الصوفي الذي يع ّ
من الكتبِ البوذية ,ولبياَن أنهاَ تشتمل على ترهاَت وأكاَذيبِ فاَحشة
مكشوفة تنطق بكونهاَ مختلفة موضوعة مكذوبة ,وننقل هذهُ القصة من
تذكرة صاوفية قَديمة ) تذكرة الولياَء ( لفريد اليدن العطاَرِ ,مقتبسين
ترجمتهاَ العربية من صااَدق نشأَت :
) إن إبراهيم بن أدهم كاَن ملكاَ لبلخ ,وتحت إمرتهُ عاَلم ,وكاَنوا يحملون
أرِبعين سيفاَ من الذهبِ وأرِبعين عمودا من الذهبِ من أماَمهُ ومن خلفهُ ,
وكاَن ناَئماَ ذات ليلة على السرير ,فتحرك سقف البيت ليل ,كأَنماَ يمشي
أحد على السطح ,فناَدى :من هذا ..؟ فقاَل :صاديق فقدت بعيرا أبحث
عنهُ على هذا السقف ,فقاَل :أيهاَ الجاَهل ,أتبحث عن البعير فوق
السطح ...؟ فقاَل لهُ :وأنت أيهاَ الغاَفل تطلبِ الوصاول إلى اللهُ في ثياَب
انظر الفصل الثالث من الباب الول من هذا الكتاب . 1
39
حريرية وأنت ناَئم على سرير من ذهبِ ...؟ فوقَعت الهيبة في نفسهُ من
هذا الكلم ,واندلعت في قَلبهُ ناَرِ ,فلم يستطع النوم حتى الصباَح ,وعندماَ
أشرق الصبح ذهبِ إلى اليوان وجلس على السرير متحيرا مفكرا حزيناَ ,
ووقَف أرِكاَن الدولة كل في مكاَنهُ واصاطف الغلماَن وأذنوا إذناَ عاَماَ ,
فدخل رِجل مهيبِ من الباَب بحيث لم يكن لي أحد من الخدم أو الحشم
الجرأة على أن يقول لهُ من أنت ,ولم ينبسوا ببنت شفهُ ,وتقدم الرجل
حتى واجهُ سرير إبراهيم ,فقاَل لهُ :ماَذا تريد ..؟ قَاَل :أنزل في هذا
الرباَط ,قَاَل :ليس هذا برباَط ,إنماَ هو قَصري ,وإنك لمجنون ,فقاَل :
لمن كاَن هذا القصر قَبل هذا ؟ قَاَل :كاَن لبي ,قَاَل وقَبل ذلك ,قَاَل :كاَن
ملكاَ لجدي ...وقَبل ذلك ؟ قَاَل :ملكاَ لفلن ,قَاَل :أو ليس الرباَط هو ماَ
يحل بهُ أحد و يغاَدرِهُ الخر ..؟ قَاَل هذا و اختفى ,وكاَن هو الخضر عليهُ
السلم ,فاَزدادت حرقَة رِوح إبراهيم ولوعتهُ ,وازداد ألمهُ حدة نتيجة لهذهُ
الحاَل ,وازدادت هذهُ الحاَل من واحد إلى ماَئة ضعف ,إذ أنهُ رِأى أنهُ قَد
اجتمع ماَ شاَهدهُ نهاَرِا مع ماَ وقَع ليل ولم يعرف مماَ سمع ,ولم يعلم ماَذا
رِأى اليوم ,فقاَل :أسرجوا الجواد لني أرِيد الذهاَب للصيد ,فقد حدث لي
اليوم شيء لست أدرِي ماَ هو ,فياَ إلهي إلى أين تنتهي هذهُ الحاَل ...؟
فأَسرجوا لهُ جوادا ,وتوجهُ للصيد ,فكاَن يتجول في البرية دهشاَ بحيث لم
يعرف ماَذا يفعل ,فأَنفصل عن جيشهُ وهو في تلك الحاَل من الدهش ,
فسمع صاوتاَ في الطريق يقول لهُ :انتبهُ ,فاَنتبهُ ,ولم يصغ إليهُ ,وذهبِ
وجاَءهُ هذا النداء للمرة ثاَنية ,فلم يعرهُ سمعاَ للمرة الثاَلثة نفس ذلك
النداء ,فأَبعد نفسهُ عنهُ ,وسمع للمرة الرابعة من يقول ) :انتبهُ قَبل أن
تنبهُ ( ففقد صاوابهُ تماَماَ وفجأَة ظهرت غزالة فشغل نفسهُ بهاَ ,فأَخذت
الغزالة تخاَطبهُ قَاَئلة :إنهم بعثوني لصيدك ,وإنك لن تستطيع صايدي ,
ألهذا خلقت ؟ أو بهذا أمرت ؟ إنك خلقت للذي للذي تعملهُ وليس لك عمل
آخر ,فقاَل إبراهيم :ترى ماَ هذهُ الحاَل ....؟ وأشاَح بوجههُ عن الغزالة ,
فأَرِتفع نفس ذلك الصوت الذي قَد سمعهُ من الغزالة من قَربوس السرج ,
فوقَر في نفسهُ الخوف والفزع وأزداد كشفاَ ,وحيث أن الحق تعاَلى أرِاد
أن يتم المر ارِتفع ذلك الصوت ثلث مرات أخر من حلقة جيبهُ ,وبلغ ذلك
الكشف هناَ حد الكماَل ,وأنفتح عليهُ الملكوت ونزل ,وحصل لهُ اليقين ,
فاَبتلت الملبس والجواد من ماَء عينيهُ ,وتاَب توبة نصوحاَ ,وانتحى ناَحية
من الطريق ,فرأى رِاعياَ يرتدي لباَدا ,وقَد وضع قَلنسوة من اللباَد على
رِأسهُ ,وأماَمهُ الغناَم وأخذ منهُ اللباَد ولبسهُ ووضع قَلنسوة اللباَد على
رِأسهُ وطفق يسير رِاجل في الجباَل والبرارِي هاَئماَ على وجههُ ينوح من
ذنوبهُ ,ثم غاَدرِ المكاَن إلى أن بلغ نيساَبورِ ,فأَخذ يبحث عن زاوية خاَلية
يتعبد فيهاَ حتى وصال إلى ذلك الغاَرِ المعروف واعتكف فيهُ تسعة أعوام .
ومن ذا الذي يعلم ماَ كاَن يفعلهُ هناَك في الليل والنهاَرِ ,إنهُ ينبغي أن
يكون رِجل عظيماَ ذا ماَدة واسعة حتى يستطيع القَاَمة في مثل ذلك
المكاَن ,وصاعد إبراهيم يوم خميس إلى ظاَهر الغاَرِ وجمع حزمة حطبِ
واتجهُ في الصباَح إلى نيساَبورِ حيث باَعهاَ ,وصالى الجمعة واشترى بثمن
الحطبِ خبزا ,وأعطى نصفهُ لفقير وتناَول النصف الخر ,وأتخذ منهُ
إفطاَرِهُ وداوم صاياَمهُ حتى السبوع التاَلي ,وبعد أن وقَف الناَس على
شأَنهُ هرب من الغاَرِ وتوجهُ إلى مكة ,وقَيل أنهُ بقي أرِبعة عشر عاَماَ
يطوي الباَدية حيث كاَن يصلي ويتضرع طوال الطريق حتى أشرف على
40
مكة ,ورِوي أنهُ كاَن لهُ طفل رِضيع عند مغاَدرِتهُ بلخ ,ولماَ أيفع طلبِ من
أمهُ أباَهُ ,فقصت لهُ الم الحاَل قَاَئلة :إن أباَك قَد تاَهُ ,ونقل عنهُ أنهُ قَاَل :
عندماَ كنت أسير في الباَدية متوكل ,ولم أتناَول شيئاَ مدة ثلثة أياَم جاَءني
إبليس وقَاَل :أنت ملك ,وتركت هذهُ النعمة لتذهبِ جاَئعاَ إلى الحج ...؟ لقد
كاَن بمقدورِك الحج بعز وجلل حتى ل يصيبك كل هذا الذى ,قَاَل :عندماَ
سمعت هذا الكلم منهُ رِفعت صاوتي وقَلت :إلهي !! سلطت العدو على
الصديق حتى يحرقَني فأَغثني حتى أستطيع قَطع هذهُ الباَدية بعونك ,
فسمعت صاوتاَ يقول :ياَ إبراهيم ! ألق ماَ في جيبك حتى تكشف ماَ هو في
الغيبِ فمددت يدي إلى جيبي فوجدت أرِبعة دوانيق فضية كاَنت قَد بقيت
منسية ,ولماَ رِميتهاَ جفل إبليس مني وظهرت قَوة من الغيبِ ( . 1
. 2
وورِد ذكرهُ وحكاَيتهُ أيضاَ في ) طبقاَت الصوفية ( للسلمي
وفي ) حلية الولياَء ( للصابهاَني . 3
وفي ) الرساَلة ( للقشيري . 4
وفي ) جمهرة الولياَء ( للمنوفي الحسيني . 5
وفي ) نفحاَت النس ( للجاَمي . 6
وفي ) طبقاَت الولياَء ( لبن الملقن المتوفى 804هـ . 7
وفي ) الطبقاَت الكبرى ( للشعراني . 8
فهذهُ هي قَصة إبراهيم بن أدهم ,وفيهاَ ماَ فيهاَ من ترك الهل والزوج
والولد بدون جريمة إرِتكبوهاَ ,وإثم اقَترفوهُ ,خلفاَ لوامر القرآن
وإرِشاَدات الرسول صالى اللهُ عليهُ وسلم ,المشهورِة المعروفة شبهاَ ببوذا
,وهاَهي خلصاة قَصتهُ :
) وكاَنت قَبيلة ساَكياَس تقطن في شماَل بناَرِس ,وهي التي ولد فيهاَ
أواسط القرن الساَدس قَبل الميلد ,وقَد ماَت في سنة 478قَبل الميلد
بعد أن عمر ثماَنين عاَماَ .وتزوج بوذا في سن التاَسعة عشرة ابنة عمهُ ,
وكاَن في رِغد وسعاَدة .وبينماَ كاَن يسير يوماَ إلى الصيد وهو في التاَسعة
والعشرين شاَهد رِجل قَد بلغ من كبر سنهُ منتهى الضعف والعجز ,ورِأى
في وقَت آخر شخصاَ مبتلى بمرض استعصى علجهُ ويحتمل اللم وبعد
مدة أخرى تأَثر واشمأَز لرؤية منظرا كريهاَ لجثة في حاَلة من الفساَد ,
وكاَن خاَدمهُ وصااَحبهُ الوفي المسمى ) جاَناَ ( يذكرهُ وينبههُ في كل هذهُ
الحاَلت ويقول لهُ ) :هذا هو مصير حياَة البشر ( وشاَهد بوذا أحد النساَك
يمر عليهُ وهو في منتهى الراحة والبهة والكرامة فسأَل جاَناَ ماَ حاَل هذا
الرجل ..؟ فحكى لهُ جاَناَ تفصيل عن أخلق الزهاَد الذين أعرضوا عن كل
شيء وعن أحوالهم ,وقَاَل لهُ :إن هؤلء الجماَعة في سير وأرِتحاَل دائم
وهم يعلمون الناَس أثناَء سياَحتهم ورِحلتهم تعاَليم هاَمة باَلقول والعمل .
انظر ) تذكرة الولياء ( لفريد الدين العطار ص 53وما بعد ط باكستان . 1
حلية الولياء للصبهاني ج 7ص 367وما بعد ط دار الكتاب العربي لبنان . 3
الرسالة القشيرية ج 1ص 54وما بعد ط دار الكتب الحديثة – القاهرة بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود . 4
جمهرة الولياء ج 2ص 125ط مؤسسة الحلبي -القاهرة 1967م . 5
طبقات الولياء لبن ملقن ص 5نشر مكتبة الخانجي – القاهرة الطبعة الولى 1393هـ . 7
ووفد عليهُ رِسول يوماَ في أثناَء أزماَعهُ العودة من النزهة وبشرهُ بميلد
ولد هو أول مولود لهُ ,فقاَل بوذا لنفسهُ في تلك الحاَلة النفسية
المضطربهُ دون أن يشعر ) :ماَ هي ذي رِابطة جديدة تربطني باَلدنياَ ( .
والخلصاة أنهُ عاَد إلى المدينة بينماَ كاَن المطربون يلتفون حولهُ .فطرب
ورِقَص في تلك الليلة أقَاَرِبهُ وذوو رِحمهُ فرحاَ باَلمولود الجديد .لكن بوذا
كاَن من المتعاَض والضطراب بحيث لم يكترث بتلك الوضاَع أبدا .وأخيرا
نهض من فراشهُ في آخر الليل كمن التهمت الناَرِ دارِهُ وأوعز إلى جاَناَ أن
يحضر لهُ الفرس ومد رِأسهُ في هذهُ الثناَء إلى غرفة زوجتهُ وولدهُ الوحيد
من غير أن يوقَظهماَ وعلى العتبة أخذ على نفسهُ عهدا أل يعود إلى دارِهُ
ماَ لم يصبح ) بوذا ( أي ) حكيماَ مستنيرا ( وقَاَل :
) أذهبِ لعود إليكم معلماَ وهاَدياَ ل زوجاَ ووالدا ( والخلصاة أنهُ خرج مع جاَناَ
وهاَم في البرارِي ,وفي هذهُ اللحظة ظهر في السماَء ) ماَرِا ( أي
الوسواس الكبير ) إبليس أو النفس الماَرِة ( ووعدهُ باَلملك والعز في
الدنياَ بأَسرهاَ لكي يرجع عن عزمهُ لكنهُ لم يقع في شرك الوسوسة .فساَرِ
بوذا قَليل في تلك الليلة على شاَطئ النهر ثم وهبِ لجاَناَ جوهرهُ وملبسهُ
الفاَخرهُ وأعاَدهُ ومكث سبعة أياَم بلياَليهاَ في غاَبة ثم التحق إلتحق بخدمة
برهمي يدعى ) الرِا ( كاَن في تلك البقعة وأختاَرِ بعد ذلك صاحبة برهمي
آخر يسمى ) أودرِاكاَ ( وتعلم من هذين الرجلين حكمة وعلوم الهند كلهاَ ,
ولكن قَلبهُ لم يستقر بعد فذهبِ إلى غاَبة كاَنت في أحد الجباَل ,وهناَك
صاحبِ خمسة من التلميذ الذين كاَنوا يحيطون بهُ وماَرِس التوبة
والرياَضاَت الشاَقَة ست سنين حتى اشتهر في تلك الناَحية ,فاَعتزم لهذا
أن يهجر ذلك المكاَن ولماَ قَاَم ليذهبِ سقط على الرِض لشدة ضعفهُ
وعجزهُ ,وغاَب عن وعيهُ بحيث ظن تلميذهُ أنهُ فاَرِق الحياَة ,ولكنهُ عاَد إلى
رِشدهُ فترك الرياَضاَت الشاَقَة منذ ذلك الحين وأخذ يأَكل طعاَمهُ باَنتظاَم ,
ولماَ رِأى التلميذ الخمسة الذين كاَنوا في صاحبتهُ أنهُ مل من الرياَضة
نفضوا أيديهم من إحترامهُ وتركوهُ وذهبوا بناَرِس .
أماَ بوذا فإنهُ ترك ملذات الدنياَ وثروتهاَ والمقاَم فيهاَ حتى يناَل الضمير
والطمأَنينة عن طريق التعلم والفلسفة وحكمة الخرين فلم يستطع أن
يناَل بتلك الرياَضة والتوبة طمأَنينة القلبِ التي كاَن يصبوا إليهاَ والحاَصال
أنهُ بقي حيران في أمرهُ ذاهل وفي نفس ذلك اليوم الذي تفرق فيهُ عن
تلمذتهُ مكث بوذا تحت شجرة يتأَمل ويفكر في نفسهُ ,ماَذا يعمل ...؟ وأي
طريق يتبع ..؟ وهاَجمتهُ وساَوس كثيرة وتاَقَت نفسهُ إلى الزوجة والولد
والجاَهُ والثروة والترف والنعيم ,واستمر هذا الكفاَح والجهاَد مع النفس
حتى غروب الشمس .ونتيجة لهذا الكفاَح اتصل ) بنير فاَناَ ( وتأَكد لديهُ أنهُ
أصابح ) بوذا( أي أنهُ ناَل الشراق واستناَرِ ,وحينئذ ناَل بوذا ماَ كاَن يصبو
إليهُ من الراحة والطمأَنينة .لذلك عزم أن يماَرِس الرِشاَد .وأن يعرض
رِغبتهُ على الخرين ,وكاَن بوذا وقَتئذ في الخاَمسة والثلثين من عمرهُ
فقصد في باَدئ المر أستاَذيهُ ) الرِا ( و ) أودرِاكاَ ( ولكنهُ علم بعد ,بأَنهماَ
قَد توفياَ ,فذهبِ إلى تلمذتهُ الخمسة من بناَرِس وأرِشدهم وجعلهم من
42
أتباَعهُ ,وآمن بهُ أبوهُ وأمهُ وزوجتهُ كذلك ,ثم أمر زمرة من خواص مريديهُ
أن يقوموا بإرِشاَد الناَس ( . 1
فهذهُ هي خلصاة قَصة بوذا ,وهي عين ماَ ذكرهُ الصوفية عن إبراهيم بن
ي الدرِاويش ,وبلغ درِجة أدهم ابن المير البلخي الذي طلق الدنياَ وتزّياَ بز ّ
أكاَبر الصوفية برياَضتهُ الطويلة ,وتلك صاورِة طبق لصال لماَ كاَنوا قَد
سمعوهُ عن حياَة بوذا . 2
ثم عّلق عليهُ الدكتورِ قَاَسم غني الباَحث اليراني بقولهُ :
ونقل السهرورِدي عنهُ أنهُ قَاَل ) :من تعود أفخاَذ النساَء ل يفلح ( .5
ونقل أبو طاَلبِ المكي -وهو من أعلم الصوفية الباَرِزين وأئمتهم
المتوفى سنة 386هـ – عن قَطبِ من أقَطاَب الصوفية الوائل عن أبي
سليماَن الدارِاني المتوفى سنة 215هـ :
) من تزوج فقد رِكن إلى الدنياَ ( . 6
ونقل السهرورِدي في ) عوارِفهُ ( الذي هو أشهر كتاَب في التصوف عن
أبي سليماَن الدارِاني أيضاَ أنهُ قَاَل ) :ماَ رِأيت أحدا من أصاحاَبناَ تزوج فثبت
على مرتبتهُ ( . 7
ونقل المكي عن سيد الطاَئفة الجنيد البغدادي أنهُ قَاَل ) :أحبِ للمريد
المبتدي أن ل يشغل قَلبهُ باَلتزوج ( . 8
1انظر للت دستر الباب الحادي والعشرون فقرات , 131 , 127 , 126 , 125أيضا دائرة المعارف البريطانية نقل عن تاريخ
التصوف في السلم للدكتور قاسم غني ترجمة عربية ص 223وما بعد ,أيضا جستجودر تصوف إيران ) فارسي ( للدكتور
عبد الحسين زرين كوب ص 7 , 6ط مؤسسة انتشادات امير كبير طهران 1363هجري قمري .
2نفس المصدر السابق أيضا .
3انظر تاريخ التصوف في السلم للدكتور قاسم غني عربية ص . 223
4كتاب اللمع للطوسي ص 265باب آداب المتأهلين ومن ولد بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود وطه عبد الباقي سرور ,
وتذكرة الولياء للعطار ص 57ط باكستان .
5عوارف المعارف للسهروردي ص , 166أيضا غيث المواهب العلمية للنفزي الرندي ج 1ص . 208
6قوت القلوب لبي طالب المكي ج 1ص 252ط دار صادر بيروت ,غيث المواهب العلية ج 1ص . 208
7عوارف المعارف للسهروردي الباب الحادي والعشرون ص 165ط دار الكتاب العربي بيروت 1983م .
8انظر قوت القلوب في معاملة المحبوب لبي طالب المكي ج 1ص . 267
43
كماَ نقل عن بشر بن الحاَرِث أنهُ قَيل لهُ ) :إن الناَس يتكلمون فيك ,
فقاَل :وماَ عسى يقولون ؟ قَيل :يقولون :إنك تاَرِك السنة يعنون النكاَح .
فقاَل :قَل لهم :إني مشغول باَلفرض عن السنة ,وقَاَل مرة :ماَ يمنعني
من ذلك إل آية في كتاَب اللهُ تعاَلى قَولهُ } :ولهن مثل الذي عليهن { ,و
لعسى أن ل أقَوم بذلك ,وكاَن يقول :لو كنت أعول دجاَجة لخفت أن أكون
جلد ا ً على الجسر هذا .يقولهُ في سنة عشرين وماَئتين والحلل والنساَء
أحمد عاَقَبة ,فكيف بوقَتناَ هذا ؟
فاَلفضل للمريد في مثل زماَنناَ هذا ترك التزويج ( .
1
وصاوفي آخر محمد بن إبراهيم النفزي الرندي المتوفى سنة 792هـ ينقل
عن صاوفي قَديم آخر ,وهو سهل بن عبد اللهُ التستري أنهُ قَاَل :
عدات من الحكمة ) إياَكم والستمتاَع باَلنساَء ,والميل إليهن ,فإن النساَء مب ّ
,قَريباَت من الشيطاَن ,وهي مصاَيدهُ وحظهُ من بني آدم ,فمن عطف
إليهن بكليتهُ فقد عطف على حظ الشيطاَن ,ومن حاَد عنهن يئس منهُ ,
وماَ ماَل الشيطاَن إلى أحد كميلهُ إلى من استرق باَلنساَء ,وإن الشر معهن
ن ,فإذا رِأيتم في وقَتكم من قَدرِكن إليهن فاَيأَسوا منهُ .حيث ك ّ
ي من دنياَكم ثلث , قَيل لهُ :فحديث النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم :حّببِ إل ّ
فذكر النساَء ؟ .
ّ
فقاَل :النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم معصوم ,وقَد بلغكم ماَ كاَن فيهُ معهن ,
وة الرجل ظاَهرا وباَطناَ ,إن ظهرت لهُ لمحبة أهلكتهُ ,وإن أضمر هي عد ّ
تهاَلهُ ,وإن اللهُ عز وجل جعلهن فتنة ,فنعوذ باَللهُ من فتنتهن ( .
4
ونقل عن صاوفي آخر حذيفة المرعشي المتوفى 207هـ أنهُ قَاَل :
) كاَن ينبغي للرجل لو خّير بين أن يضرب عنقهُ ,وبين أن يتزوج امرأة في
الفتنة لختاَرِ ضرب العنق على تزويج امرأة في الفتنة ( . 5
ونقل ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر علي المصري المتوفى 804
هـ في كتاَبهُ عن أحد كباَرِ الصوفية :
1قوت القلوب ج 2ص , 238أيضا عوارف المعارف ص , 165أيضا الطبقات الكبرى للشعراني ج 1ص 73ط دار العلم
للجميع -القاهرة 1954م .
2انظر عوارف المعارف ص . 165 , 164
3نفس المصدر ص . 165
4غيث المواهب العلية في شرح حكم العطائية لبي عبد الله محمد بن إبراهيم النفزي ج 1ص 209بتحقيق الدكتور عبد
الحليم محمود والدكتور محمود الشريف ط مطبعة السعادة القاهرة .
5نفس المصدر .
44
) ماَ تزوج أحد من أصاحاَبناَ إل تغير ( . 6
ونقل الشعراني عن رِباَح بن عمرو القيسي -من الصوفية الوائل -أنهُ
قَاَل :ل يبلغ الرجل إلى مناَزل الصديقين حتى يترك زوجتهُ كأَنهاَ أرِملة ,
وأولدهُ كأَنهم أيتاَم ,ويأَوي إلى مناَزل الكلب . 2
وكتبِ صاوفي قَديم آخر ,وهو أبو الحسن علي الهجويري المتوفى قَريباَ
سنة 465هـ قَصة غريبة في العزلة والتجرد نقل عن إبراهيم الخواص أنهُ
قَاَل :
) وصالت إلى قَرية بقصد زياَرِة عظيم كاَن هناَلك ,ولماَ ذهبت إلى دارِهُ
رِأيت بيتاَ نظيفاَ مثل معبد الولياَء ,وقَد جعل في زاويتين من البيت
محرابين ,وجلس في أحدهماَ شيخ ,وفي الخر عجوز نظيفة وضيئة ,وقَد
ضعف كلهماَ من كثرة العباَدة ,فأَظهر السرورِ بقدومي ,وبقيت هناَلك
ثلثة أياَم ,ولماَ أرِدت العودة سأَلت الشيخ :من تكون لك تلك العفيفة ؟
قَاَل :هي من ناَحية ابنهُ عمي ,ومن ناَحية أخرى زوجي ,فقلت :رِأيتكماَ
خلل هذهُ الياَم الثلثة كاَلغربيين تماَماَ في الصحبة ,قَاَل :نعم ,منذ
خمسة وستين عاَماَ ونحن كذلك فسأَلتهُ عن سببِ ذلك ,فقاَل :إعلم إنناَ
كناَ عاَشقين لحدناَ الخر في الصغر ,ولم يكن أبوهاَ يعطيهاَ لي لن محبتناَ
صااَرِت معروفة ,فتحملت ذلك حتى توفى أبوهاَ ,وكاَن والدي عمهاَ ,
فزوجهاَ لي ,فلماَ كاَنت الليلة الولى من تلقَيناَ قَاَلت لي :أنت تعلم أية
نعمة أنعمهاَ اللهُ عليناَ إذ أوصال كلمناَ إلى الخر ,وأفرغ قَلبيناَ من القيود
والفاَت السيئة ,فقلت :نعم ,قَاَلت :فلنمنع أنفسناَ الليلة عن هوى
النفس ,وندس على مرادناَ ,ونعبد اللهُ شكرا ً على هذهُ النعمة ,فقلت :هذا
صاواب ,وقَاَلت هذا نفسهُ في الليلة التاَلية .وقَلت أناَ في الليلة الثاَلثة :
لقد أديناَ الشكر ليلتين من أجلك ,فلنقض ليلتين أيضاَ في العباَدة من
أجلي .وقَد تمت الن خمسة وستون عاَماَ لم يمس أحدناَ الخر ,ونحن
نقضي كل العمر في شكر النعمة ( . 3
طبقات الولياء لبن الملقن ص 36نشر مكتبة الخانجي القاهرة الطبعة الولى 1393هـ . 6
وزوال الشهوة يكون بشيئين :واحد يدخل تحت دائرة التكلف ,وواحد يخرج
عن دائرة الكسبِ والمجاَهدة ,فماَ يدخل في تكلف الدمي ومقدورِهُ هو
الجوع ,وأماَ ماَ يخرج من التكلف الهمم ,وتنشر المحبة سلطاَنهاَ في أجزاء
الجسد ,وتعزل كل الحواس عن أوصااَفهم ,وتجذب كل العبد ,وتغني عنهُ
الهزل .
وإن الحمد بن حماَد السرخسي ,الذي كاَن رِفيقي في ماَ ورِاء النهر ,رِجل
محتشماَ ,قَيل لهُ :أبك حاَجة إلى التزويج ,قَاَل :ل ,قَاَلوا :لم ؟ قَاَل :إنني
في حاَلي إماَ أن أكون غاَئباَ عن نفسي ,وإماَ أن أكون حاَضرا بنفسي .
وحين أكون غاَئباَ ل أفكر في الكونين ,وحين أكون حاَضرا فإنني أجعل
نفسي بحيث إذا وجدت رِغيفاَ تعتبر أنهاَ وجدت ألفاَ من الحورِ .فاَنشغاَل
القلبِ بكل ماَ تريدهُ يكون عظيماَ ,فتنبهُ ( . 1
وذكر السراج الطوسي أيضاَ قَصة صاوفي تزوج من امرأة فبقيت عندهُ
ثلثين سنة وهي بكر . 2
وذكر العطاَرِ عن عبد اللهُ بن خفيف الصوفي المشهورِ أنهُ تزوج أرِبعماَئة
امرأة ولكنهُ لم يجاَمع واحدة منهن . 3
وهل لساَئل أن يسأَل :ماَ الغرض الذي كاَن من نكاَحهُ إياَهن ؟ .
والشعراني أيضاَ عن صاوفي آخر ياَقَوت العرشي أنهُ تزوج ابنة شيخهُ أبي
العباَس المرسي فمكثت عندهُ ثماَني عشرة سنة ل يقربهاَ حياَء من والدهاَ
ومنهاَ ,وفاَرِقَهاَ باَلموت وهي بكر . 4
ونقل أيضاَ في كتاَبهُ ) تنبيهُ المغتربين ( من أحد الصوفية أنهُ قَاَل :
من تزوج فقد أدخل الدنياَ بيتهُ ...فاَحذرِوا من التزويج . 6
مث َْنى
ساَء َ ن الن ّ َم َكم ّ ب لَ ُ طاَ َماَ َحوا ْ َفاَنك ِ ُمى َ في ال ْي ََتاَ َ طوا ْ ِس ُ ق ِم َأل ّ ت ُ ْ خ ْ
فت ُ ْ ن ِ وإ ِ ْ
} َ
َ َ َ َ َ ْ ُ َ
ك أدَْنى أل ّ ماَن ُك ُ ْ
م ذَل ِ َ ت أي ْ َملك َ ْماَ َ
و َحدَةً أ ْ وا ِ دلوا َ
ف َ م أل ّ ت َ ْ
ع ِ خ ْ
فت ُ ْ ن ِ فإ ِ ْع َ وُرَِباَ َ
ث َ وُثل َ َ َ
عوُلوا { .
1 ْ تَ ُ
َ وقَاَل } َ
م ِإن ي َ ُ
كوُنوا ماَئ ِك ُ ْ
وإ ِ َ عَباَِدك ُ ْ
م َ ن ِ
م ْ ن ِحي َصاَل ِ ِ
وال ّم َ منك ُ ْ مى ِ حوا اْلَياَ َ وأنك ِ ُ َ
م{ . 2 عِلي ٌع َ
س ٌوا ِ هُ ّ لوال هُ لض َ
ف من هُّ لال م ه ف َ
ُ
َ ُ َ ِ ِ ْ ِ ُ ُ غ ِ
ِ ن قَراء ي ُ ْ
وجعل الزواج سبباَ لحصول السكون والطمأَنينة حيث قَاَل عز وجل :
فسك ُ َ َ } ومن آياَت ِ َ
ل ب َي ْن َ ُ
كم ع َ
ج َ
و َ سك ُُنوا إ ِل َي ْ َ
هاَ َ جاَ ل ّت َ ْ
وا ًم أْز َ ن أن ُ ِ ْ م ْكم ّ ق لَ ُخل َ َن َهُ أ ْ
َ ِ ْ َ ِ
ن{ فكُرو َ ّ وم ٍ ي َت َ َ ّ
تل َ
ق ْ َ
ك لَياَ ٍفي ذَل ِ َ ن ِة إِ ّ
م ً
ح َوَرِ ْ
ودّةً َ
م َ
ّ
ورِسولهُ صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ يحذرِ المعرضين عنهُ في حديث طويل
أورِدهُ البخاَرِي ومسلم من حديث أنس من حديث أنس رِضي اللهُ عنهُ أنهُ
قَاَل :
) إن نفر ا ً من أصاحاَب رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم سأَلوا أزواج النبي
عليهُ السلم عن عملهُ في السر فأَخبرهم فقاَل بعضهم :ل آكل اللحم ,
وقَاَل بعضهم :ل أتزوج النساَء ,وقَاَل بعضهم :ل أناَم على فراش ,وقَاَل
بعضهم :أصاوم ول أفطر ,فحمد اللهُ النبي عليهُ الصلة والسلم وأثنى
عليهُ ,ثم قَاَل :ماَ باَل أقَوام قَاَلوا كذا وكذا ,لكني أصالي وأناَم وأصاوم
وأفطر وأتزوج النساَء .فمن رِغبِ عن سنتي فليس مني ( . 3
وقَاَل ) :تزوجوا الولود الودود فإني مكاَثر بكم المم يوم القياَمة ( . 4
وقَاَل عليهُ الصلة والسلم ) :حببِ إلى من الدنياَ الطيبِ والنساَء ,وجعلت
قَرة عيني في الصلة ( . 5
وعن أبي ذرِ رِضي اللهُ عنهُ عن رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم أنهُ قَاَل :
) وفي بضع أحدكم صادقَة ,قَاَلوا :يأَتي أحدناَ شهوتهُ ويكون فيهاَ لهُ أجر ؟ .
قَاَل :أفرأيتم لو وضعهُ في حرام ,هل عليهُ وزرِ ؟ قَاَلوا :نعم .قَاَل :
فكذلك إذا وضعهاَ في الحلل كاَن لهُ أجر ( . 6
سورة النساء الية . 3 1
وماَ أحسن ماَ قَاَل إماَم أهل السنة والجماَعة أحمد بن حنبل رِحمة اللهُ
عليهُ :
) ليس العزوبة من أمر السلم في شيء ,النبي عليهُ الصلة والسلم تزوج
أرِبع عشرة امرأة وماَت عن تسع ,ثم قَاَل :لو كاَن بشر بن الحاَرِث تزوج
قَد تم أمرهُ كلهُ ,لو ترك الناَس النكاَح لم يغزوا ولم يحجوا ولم يكن كذا ,
وقَد كاَن النبي عليهُ الصلة والسلم يصبح وماَ عندهُ شيء ,وكاَن يختاَرِ
النكاَح ويحث عليهُ ,وينهى عن التبتل ,فمن رِغبِ عن عمل النبي عليهُ
الصلة والسلم فهو على غير الحق .ويعقوب عليهُ السلم في حزنهُ قَد
تزوج وولد لهُ .والنبي عليهُ الصلة والسلم قَاَل ) :حببِ إلى النساَء ( ( .
1
رسالة بولس في رسالته إلى أهل كورنتوس من العهد الجديد الصحاح السابع الية . 1 3
والجدير باَلذكر أن أحد المتصوفة أتى بمثل هذا العمل ,وفعل فعلتهُ فيهُ
كماَ ذكر الشعراني أن عبد الرحمن المجذوب :
) كاَن رِضي اللهُ عنهُ من الولياَء الكاَبر ,وكاَن سيدي على الخواص رِضي
اللهُ عنهُ يقول :ماَ رِأيت قَط أحدا من أرِباَب الحوال دخل مصر إل ونقص
حاَلهُ إل الشيخ عبد الرحمن المجذوب ,وكاَن مقطوع الذكر قَطعهُ بنفسهُ
أوائل جذبهُ ( . 2
وصاوفي هندي آخر أيضاَ فعل ذلك . 3
1
. Oxford History Christian Church P 992 London , 1958
انظر طبقات الشعراني ج 2ص . 142 2
انظر تذكرة أولياء بر صغير لميرزه محمد اختر الدهلوي ج 3ص . 33 3
4
. Bookings of the Christian Churchs P. 135 London . 1955
إنجيل متى الصحاح السادس . 21 , 20 , 19 5
49
فل تهتموا للغد ,لن الغد يهتم بماَ لنفسهُ .يكفي اليوم شرهُ ( . 6
وورِد في هذا النجيل أيضاَ ) أن شاَباَ تقدم إلى المسيح وقَاَل لهُ :أيهاَ
المعلم الصاَلح أي صالح أعمل بهُ لتكون لي الحياَة البدية ؟ .
فأَجاَبهُ المسيح ببعض الجوبة ثم قَاَل لهُ :إن أرِدت أن تكون كاَمل فأَذهبِ
وبع أملكك ,وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماَء وتعاَل اتبعني .فلماَ
سمع الشاَب الكلمة مضى حزيناَ ,لنهُ كاَن ذا أموال كثيرة .
فقاَل يسوع لتلميذهُ :الحق أقَول لكم ,إنهُ يعسر أن يدخل غني إلى
ملكوت السماَوات ,وأقَول لكم أيضاَ :إن مرورِ جمل من ثقبِ إبرهُ أيسر
من أن يدخل غني إلى ملكوت اللهُ ( . 2
ويكاَد مناَخ مصر أن يغري الناَس بحياَة الديرة ,ولهذا غصت باَلبرهاَن
النساَك الفرادى والمتجمعين في الديرة يعيشون في عزلة كماَ كاَن
يعيش أنطونيوس ,أو جماَعاَت كماَ كاَن يعيش باَخوم في تاَبن Tabenne
وأنشئت الديرة للرجاَل والنساَء على طول ضفتي النيل ,وكاَن بعضهاَ
يحتوي نحو ثلثمئة من الرهباَن والراهباَت .وكاَن أنطونيوس ) ( 356 – 251
أشهر النساَك الفرادى ,وقَد أخذ ينتقل من عزلة حتى استقر بهُ المقاَم
على جبل القلزم القريبِ من شاَطئ البحر الحمر .وعرف مكاَنهُ المعجبون
بهُ فحذوا حذوهُ في تعبدهُ ونسكهُ ,وبنوا صاوامعهم في أقَرب مكاَن منهُ
سمح لهم بهُ ,حتى امتلت الصحراء قَبل موتهُ بأَبناَئهُ الروحيين .وقَلماَ كاَن
يغتسل ,وطاَلت حياَتهُ حتى بلغ ماَئة وخمساَ ً من السنين ,ورِفض دعوة
وجههاَ إليهُ قَسطنطين ولكنهُ ساَفر إلى السكندرِية في سن التسعين
ليؤيد أثناَسيوس ضد اتباَع أرِيوس ,وكاَن يليهُ في شهرتهُ باَخوم الذي أنشأَ
في عاَم 325تسعة أديرة للرجاَل وديرا ً واحدا ً للنساَء .وكاَن سبعة آلف من
أتباَعهُ الرهباَن يجتمعون أحياَناَ ليحتفلوا بيوم من الياَم المقدسة ,وكاَن
أولئك الرهباَن المجتمعون يعملون ويصلون ,ويركبون القوارِب في النيل
من حين إلى حين ليذهبوا إلى السكندرِية حيث يبيعون ماَ لديهم من
البضاَئع ويشترون حاَجياَتهم ويشتركون في المعاَرِك الكنسية – السياَسية .
ونشأَت بين النساَك الفرادى مناَفسة قَوية في بطولة النسك يتحدث عنهاَ
دوشين Abbe Duchesneبقولهُ إن مكاَرِيوس السكندرِي ) لم يكن يسمع
بعمل من أعماَل الزهد إل حاَول أن يأَتي بأَعظم منهُ ( ,فإذا امتنع غيرهُ من
الرهباَن عن أكل الطعاَم المطبوخ في الصوم الكبير امتنع هو عن أكلهُ
سبع سنين ,وإذا عاَقَبِ بعضهم أنفسهم باَلمتناَع عن النوم شوهد
مكاَرِيوس وهو ) يبذل جهد المستميت لكي يظل مستيقظاَ ً عشرين ليلة
متتاَبعة ( وحدث مرة في صاوم كبير أن ظل واقَفاَ طوال هذا الصوم ليل
51
ونهاَرِا ل يذوق الطعاَم إل مرة واحدة في السبوع ,ولم يكن طعاَمهُ هذا
أكثر من بعض أورِاق الكرنبِ ,ولم ينقطع خلل هذهُ المدة عن مماَرِسة
صاناَعتهُ التي اختص بهاَ وهي صاناَعة السلل .ولبث ستة أشهر يناَم في
مستنقع ,ويعرض جسمهُ العرياَن للذباَب الساَم .ومن الرهباَن من أوفوا
على الغاَية في أعماَل العزلة ,من ذلك سرابيون Serapionالذي كاَن
يعيش في كهف في قَاَع هاَوية لم يجرؤ على النزول إليهاَ إل عدد قَليل من
الحجاَج .ولماَ وصال جيروم وبول إلى صاومعتهُ هذهُ وجدوا فيهاَ رِجل ل يكاَد
يزيد جسمهُ على بضعة عظاَم وليس عليهُ إل خرقَة تستر حقويهُ ,ويغطي
الشعر وجههُ وكتفيهُ ,ول تكاَد صاومعتهُ تتسع لفراشهُ المكون من لوح من
الخشبِ وبعض أورِاق الشجر .ومع هذا فإن هذا الرجل قَد عاَش من قَبل
بين أشراف رِومة ,ومن النساَك من كاَنوا ل يرقَدون قَط أثناَء نومهم
ومنهم من كاَن يداوم على ذلك أرِبعين عاَماَ مثل بساَرِيون Bessarionأو
خمسين عاَماَ مثل باَخوم .ومنهم من تخصصوا في الصمت وظلوا عددا
كبيرا من السنين ل تنفرج شفاَههم عن كلمة واحدة .ومنهم من كاَنوا
يحملون معهم أوزاناَ ثقاَل أينماَ ذهبوا .ومنهم من كاَنوا يشدون أعضاَءهم
بأَطواق أو قَيود أو سلسل ,ومنهم من كاَنوا يفخرون بعدد السنين التي
لم ينظروا فيهاَ إلى وجهُ امرأة .وكاَن النساَك المنفردون جميعهم تقريباَ
يعيشون على قَدرِ قَليل من الطعاَم .ومنهم من عمروا طويل .ويحدثناَ
جيروم عن رِهباَن لم يطعموا شيئاَ غير التين وخبز الشعير ,ولماَ مرض
مكاَرِيوس جاَءهُ بعضهم بعنبِ فلم تطاَوعهُ نفسهُ على التمتع بهذا الترف ,
وبعث بهُ إلى ناَسك آخر ,وأرِسلهُ هذا إلى ثاَلث حتى طاَف العنبِ جميع
الصحراء ) كماَ يؤكد لناَ رِوفينس ( ,وعاَد مرة أخرى كاَمل إلى مكاَرِيوس .
وكاَن الحجاَج ,الذين جاَءوا من جميع أنحاَء العاَلم المسيحي لشاَهدوا
رِهباَن الشرق ,يعزون إلى أولئك الرهباَن معجزات ل تقل في غرابتهاَ عن
معجزات المسيح ,فكاَنوا – كماَ يقولون -يشفون المراض ويطردون
الشياَطين باَللمس أو باَلنطق بكلمة ,وكاَنوا يروضون الفاَعي أو الساَد
بنظرة أو دعوة ,ويعبرون النيل على ظهورِ التماَسيح ,وقَد أصابحت
مخلفاَت النساَك أثمن ماَ تملكهُ الكناَئس المسيحية ,ول تزال مدخرة فيهاَ
حتى اليوم .
وكاَن رِئيس الدير يطلبِ إلى الرهباَن أن يطيعوهُ طاَعة عمياَء ,ويمتحن
الرهباَن الجدد بأَوامر مستحيلة التنفيذ يلقيهاَ عليهم ,وتقول إحدى
القصص إن واحدا ً من أولئك الرؤساَء أمر رِاهباَ ً جديدا ً أن يقفز في ناَرِ
مضطرمة فصدع الراهبِ الجديد باَلمر ,فاَنشقت الناَرِ حتى خرج منهاَ
بسلم .وأمر رِاهبِ جديد آخر أن يغرس عصاَ رِئيسهُ في الرِض ويسقيهاَ
حتى تخرج أزهر ا ً ,فلبث الراهبِ عدة سنين يذهبِ إلى نهر النيل على بعد
ميلين من الدير يحمل منهُ الماَء ليصبهُ على العصاَ ,حتى رِحمهُ اللهُ في
السنة الثاَلثة فأَزهرت .ويقول جيروم إن الرهباَن كاَنوا يأَمرون باَلعمل
) لئل تضلهم الوهاَم الخطرة ( .فمنهم من كاَن يحرث الرِض ,ومنهم من
كاَن يعني باَلحدائق أو ينسج الحصر أو السلسل ,أو يصنع أحذية من
الخشبِ ,أو ينسخ المخطوطاَت .وقَد حفظت لناَ أقَلمهم كثيرا من الكتبِ
القديمة .على أن كثيرين من الرهباَن المصريين كاَنوا أميين يحتقرون
العلوم الدنيوية ويرون أنهاَ غرورِ وباَطل .ومنهم من كاَن يرى أن النظاَفة
ل تتفق مع اليماَن ,وقَد أبت العذرِاء سلفياَ أن تغسل أي جزء من جسدهاَ
52
عدا أصااَبعهاَ ,وكاَن في أحد الديرة النساَئية 130رِاهبة لم تستحم واحدة
والي آخر
منهن قَط أو تغسل قَدميهاَ ,ولكن الرهباَن أنسوا إلى الماَء ح ّ
القرن الرابع ,وسخر الب إسكندرِ من هذا النحطاَط فأَخذ يحن إلى تلك
الياَم التي لم يكن فيهاَ الرهباَن ) يغسلون وجوههم قَط ( .
1قصة الحضارة لول ديورانت ترجمة عربية لمحمد بدران ج 12ص 119إلى 123ط الدارة الثقافية في جامعة الدول
العربية القاهرة 1964هـ .
. The Story Of The Christian Church P8 89 , 1933 2
. A Short History Of Our Religion London , 1922 3
. Origin Christian Church Art , 4-6 Oxford , 1933 4
. Buildings , Loeb . Lib I ,10 5
. History Of Ancient Art , I , 350-1, Finlay , 195 . 6
53
فجاَء السلم فهذب هذهُ التعاَليم ونقحهاَ ,وحذف منهاَ الغلو والتطرف ,
ومنع الناَس عن التشدد في الدين ,وتعذيبِ النفس ,وعرفهم الحنيفية
السمحة البيضاَء ,النزيهة عن النغماَس في الدنياَ والجري ورِاء ملذاتهاَ
وشهواتهاَ ,كماَ رِاعى جاَنبِ الطبيعة والفطرة ,وأباَح الطيباَت من الرزق
والحلل من الماَل ,والتمتع باَلجاَئز من الدنياَ ,فوضع عن الناَس إصارهم
والغلل التي كاَنت عليهم ,وأمرهم باَلقصد والعتدال بين التجرد المحض
والتزهد الصرف ,وبين السراف المطلق والتقتير الفاَحش ,فقاَل جل
وعل في كتاَبهُ الذي أنزلهُ على سيد البشر صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ :
فوا ْ إ ِن ّ ُ
هُ ر ُس ِولَ ت ُ ْ شََرُبوا ْ َوا ْ د وك ُُلوا ْ َ ج ٍ س ِ م ْ ل َ عندَ ك ُ ّ م ِ زين َت َك ُ ْ خ ُ ْ
ذوا ِ م ُ } َياَ ب َِني آدَ َ
ت ّ
والطي َّباَ ِ ْ هُ َ عَباَِد ِج لِ ِخَر َيأ ْ ّ
هُ الت ِ َ ّ
ة الل ِ زين َ َ قَ ْ ن ُ 31 بِ ال ْ ُ لَ ي ُ ِ
م ِ حّر َن َ م ْ ل َ في َ ر ِ
س ِ م ْ ح ّ
ة
م ِ
قَياَ َ ْ
م ال ِ و َة يَ ْص ً
خاَل ِ َ
ة الدّن َْياَ َحَياَ ِ ْ
في ال َ ْ
مُنوا ِ نآ َ ذي َ ّ
هي ل ِل ِ ل ِ قَ ْ ق ُ ن الّرْز ِ م َ ِ
1
ن{ مو َ َ
عل ُ وم ٍ ي َ ْ ت لِ َ
ق ْ ل الَياَ ِ ص ُ ف ّ كذَل ِ َ
ك نُ َ َ
ن الدّن َْياَ م َ
ك ِ صيب َ َ
س نَ ِ وَل َتن َخَرةَ َداَرِ اْل ِ ك الل ّ ُ
هُ ال ّ ماَ آَتاَ َ
في َ
غ ِ واب ْت َ َ ِوقَاَل َ } :
َ ّ َ ْ ْ َ َ ّ َ
بِ
ح ّهُ ل ي ُ ِ ن الل َ ض إِ ّ في الْرِ ِ ساَدَ ِ َ
غ ا لف َ ول ت َب ْ ِ َ
هُ إ ِلي ْك َ
ن الل ُ س َح َماَ أ ْ سن ك َ َ ح ِ وأ ْ َ
2
ن{ دي َ س ِ ْ
مف ِ ْ
ال ُ
ميعاَ ً { َ ق لَ ُ
ج ِ ض َ في الْرِ ِ ماَ ِكم ّ خل َ َذي َ و ال ّ ِ
ه َوقَاَل ُ } :
3
ة ْ
حلي َ ً هُ ِ ْ َ َ ْ ُ ُ ْ ْ ّ
من ْ ُ
جوا ِ ر ُ
خ ِ
ست َ ْ
وت َ ْ رّياَ َماَ ط ِ ح ً
هُ ل ْ من ْ ُحَر ل ِت َأَكلوا ِ خَر الب َ ْ س ّ ذي َ و ال ِ ه َو ُوقَاَل َ } :
4
ن{
شكُرو َ ُ م تَ ْ ُ
علك ّْ َ
ول َ هُ َ
ضل ِ ِ َ
من ف ْ ْ
غوا ِ ول ِت َب ْت َ ُ هُ َ في ِخَر ِ وا ِم َ َ ْ ُ ْ
وت ََرى الفلك َ هاَ َ ت َل ْب َ ُ
سون َ َ
عاَم ِ ب ُُيوًتاَ جُلوِد ال َن ْ َ من ُ كم ّل لَ ُ ع َج َ و َسك ًَناَ َ م َ من ب ُُيوت ِك ُ ْ كم ّ ل لَ ُ ع َ ج َ هُ َ والل ّ ُ وقَاَل َ } :
َ َ َ
هاَ
رِ َ
عاَ ِش َ وأ ْ هاَ َ
رِ َ
وَباَ ِ وأ ْ هاَ َ
ف َوا ِصا َ
نأ ْ م ْ و ِم َ مت ِك ُ ْ قَاَ َ م إِ َو َ وي َ ْ م َعن ِك ُ ْم ظَ ْ و َهاَ ي َ ْ
فون َ َ خ ّ ست َ ِ تَ ْ
نم َ كم ّ ل لَ ُع َ ج َو َ َ ق ظِلَلً خل َ َ ماَ َ م ّ كم ّ ل لَ ُ ع َ ج َ هُ َوالل ّ ُ َ ن 80 ٍ عاَ إ َِلى ِ
حي مَتاَ ً و َ َ أ ََثاًَثاَ
ْ َ
م ك َذَل ِ َ
ك سك ُ ْ كم ب َأَ َ قي ُ ل تَ ِ سَراِبي َ و َحّر َ م ال ْ َ قيك ُ ُ ل تَ ِ سَراِبي َ م َ ل ل َك ُ ْ ع َ ج َ و َ ل أك َْناًَناَ َ جَباَ ِ ال ْ ِ
ن { 81 مو َ سل ِ ُ م تُ ْ عل ّك ُ ْ م لَ َ عل َي ْك ُ ْهُ َ مت َ ُع َ م نِ ْ ي ُت ِ ّ
5
ْ
هاَ
في َ م ِ ول َك ُ ْ نَ 5 هاَ ت َأَك ُُلو َ من ْ َ و ِ عَ َف ُ مَناَ ِو َفء ٌ َ هاَ ِد ْ في َ م ِ هاَ ل َك ُ ْ ق َ خل َ َ م َ عاَ َوال َن ْ َ وقَاَل َ } :
كوُنوا ْ م تَ ُ ّ
دل ْ َ َ
م إ ِلى ب َل ٍ ُ
قاَلك ْ َ ل أث ْ َ م ُ ح ِ وت َ ْنَ 6 حو َ سَر ُ ن تَ ْ حي َ و ِن َ حو َ ري ُ ن تُ ِ حي َ ل ِماَ ٌ
ج َ َ
م{7 َ
م لَر ُ ُ َ
ق الن ُ ّ
حي ٌ ف ّرِ ِ ؤو ٌ ن َرِب ّك ْ س إِ ّ ف ِ ش ّ هُ إ ِل ب ِ ِ غي ِ
َباَل ِ ِ
6
ل الل ّ ِ
هُ من َ ْ َ صَلةُ َ ذا ُ فإ ِ َ وقَاَل َ } :
ض ِ ف ْ غوا ِ واب ْت َ ُ ض َ في الْرِ ِ شُروا ِ فاَنت َ ِ ت ال ّ ضي َ ِ قَ ِ
ن{ حو َ فل ِ ُ م تُ ْ عل ّك ُ ْ هُ ك َِثيًرا ل ّ َ واذْك ُُروا الل ّ َ
7
َ
قََياَماَ ً { َ
م ِهُ ل َك ُ ْ
ل الل ّ ُ
ع َ م ال ِّتي َ
ج َ وال َك ُ ُ
م َ
هاَء أ ْ ؤُتوا ْ ال ّ
س َ
ف َ ولَ ت ُ ْ
8
. } َ
وقَاَل َ } :
م الّرَباَ { . 1
حّر َ
و َ ع َهُ ال ْب َي ْ َل الل ّ ُ
ح ّ
وأ َ
َ
ب {.2 ساَ ح
ِ ْ ِ ِ َ ٍ ر يغَ ب شاَء َ َ ي من والل ّ ُ
هُ ي َ ْ ُ ُ َ
ق ز ر و} َ
هُ
ن ل َِرب ّ ِ شي ْ َ
طاَ ُ ن ال ّ و َ
كاَ َ ن َ ن ال ّ كاَُنوا ْ إ ِ ْ
ن َ مب َذّ ِ ن ال ْ ُ
طي ِ
شَياَ ِ وا َخ َ رِي َ وقَاَل مع ذلك } :إ ِ ّ
كَ ُ
فوًرِا { . 7
ن{ . في َ
ر ِس ِ
م ْبِ ال ْ ُ ح ّ فوا ْ إ ِن ّ ُ
هُ لَ ي ُ ِ ر ُ
س ِولَ ت ُ ْ
كماَ قَاَل َ } :
8
فهذا ماَ قَد ورِد في كتاَب اللهُ ,وماَ أكثرهُ في هذا المعنى .
وأماَ سنة رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ,الصال الثاَني للشريعة
السلمية فلم يرد فيهاَ أن صااَحبهاَ صالى اللهُ عليهُ وسلم قَاَل لمن أرِادهُ أن
يتبعهُ :بع واتبعني ,بل قَاَل لمن كاَن يريد أن يتصدق بأَكثر ماَلهُ – وهو سعد
بن أبي وقَاَص – وكاَن مريضاَ في حجة الوداع فعاَودهُ الرسول صالى اللهُ
عليهُ وسلم وكاَن عاَزماَ على الصدقَة بثلثي ماَلهُ ,وفي رِواية أخرى :بماَلهُ
كلهُ ,فسأَلهُ الرسول صالى اللهُ عليهُ وسلم عماَ ترك لولدهُ – وفي رِواية أنهُ
لم يكن لهُ إل بنت , -فقاَل :الثلث ,والثلث كثير ,إنك إن تذرِ ورِثتك أغنياَء
خير من أن تدعهم عاَلة يتكففون الناَس . 9
وكذلك نهى كعبِ بن ماَلك عن التصدق بجميع ماَلهُ كماَ ورِد في الصحيحين
أن عبيد اللهُ بن كعبِ بن ماَلك قَاَل :
) سمعت كعبِ بن ماَلك يحدث بحديث توبتهُ ,قَاَل فقلت :ياَ رِسول اللهُ ,إن
من توبتي أن أنخلع من ماَلي صادقَة إلى اللهُ عز وجل وإلى رِسولهُ صالى
اللهُ عليهُ وسلم فقاَل :أمسك بعض ماَلك فهو خير لك ( . 10
1البقرة . 275
2البقرة . 212
3البقرة . 201
4الذاريات . 19
5النعام . 141
6الروم . 38
7السراء . 27
8النعام . 141
9رواه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجه .
10متفق عليه .
55
وعن عمرو بن العاَص رِضي اللهُ عنهُ قَاَل :
) نعم الماَل الصاَلح للرجل الصاَلح ( . 1
وعن ابن مسعود رِضي اللهُ عنهُ قَاَل :قَاَل رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ
وسلم :
)ل حسد إل في اثنتين :رِجل آتاَهُ اللهُ ماَل فسلطهُ على هلكتهُ في الحق ,
ورِجل آتاَهُ اللهُ الحكمة فهو يقضي بهاَ ويعلمهاَ ( . 2
وفي الصحيحين أيضاَ عن أم سليم أنهاَ قَاَلت ) :ياَ رِسول اللهُ ,خاَدمك أنس
ادع لهُ – فدعاَ لهُ رِسول اللهُ عليهُ الصلة والسلم – وفيماَ دعاَ لهُ أن يكثر
ماَلهُ ,وإليك النص :اللهم أكثر ماَلهُ وولدهُ وباَرِك لهُ فيهماَ ( . 3
وكاَن صالى اللهُ عليهُ وسلم يردد كثيرا ) :ماَ نفعني ماَل كماَل أبي بكر ( . 4
ن الناَس علي في ماَلهُ وصاحبتهُ أبو بكر ( . 5و ) إن من أم ّ
كماَ أمر أم هاَنئ باَتخاَذ الغنم حيث قَاَل ) :اتخذي غنماَ ,فإن فيهاَ بركة ( .
6
وادخر رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم لهلهُ قَوت سنة كماَ ورِد في
الصحاَح ,واللفظ لمسلم عن عمر أنهُ قَاَل :
) كاَنت أموال بني النضير مماَ أفاَء اللهُ على رِسولهُ مماَ لم يوجف عليهُ
المسلمون بخيل ول رِكاَب ,فكاَنت للنبي صالى اللهُ عليهُ وسلم خاَصاة ,
فكاَن ينفق على أهلهُ نفقة سنة ,وماَ بقي يجعلهُ في الكراع والسلح عدة
في سبيل اللهُ – وفي رِواية – كاَن يحبس منهُ قَوت أهلهُ لسنة ( . 7
وبين رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم أحكاَم الزكاَة والصدقَاَت والنفاَق
في سبيل اللهُ ,ولم تكن هذهُ الحكاَم إل لمن يملكهُ ,ولو لم يكن ماَ كاَن
لبياَنهاَ غرض ول فاَئدة .
فهذهُ هي تعاَليم الكتاَب والسنة ,وفي ضوء هذهُ نرى الصوفية والمتقدمين
منهم باَلخص والمتأَخرين أيضاَ بأَيتهماَ يتمسكون ؟
لكي يتضح المر عن مرجع تصوفهم ومعول أمرهم .
فذكر المحاَسبي المتوفى 243هُ عن صاوفي قَديم آخر إبراهيم بن أدهم أنهُ
قَاَل :
إن كنت تحبِ أن تكون للهُ ولياَ ,وهو لك محباَ فدع الدنياَ والخرة ,ول
ترغبن فيهماَ . 8
رواه البيهقي وابن ماجه وإسناده صحيح ورجاله ثقات . 6
رواه مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم ,واللفظ لمسلم . 7
المحبة للمحاسبي نقل عن ملحق تاريخي في آخر كتاب ختم الولياء بتحقيق عثمان إسماعيل ط بيروت . 8
عوارف المعارف للسهروردي ص , 92اللمع للطوسي ص , 262الرسالة القشيرية ج 1ص . 71 9
56
وذكر القشيري عن واحد آخر من الصوفية الوائل داود الطاَئي المتوفى
165هـ أنهُ قَاَل ) :صام عن الدنياَ ,واجعل فطرك الموت ,وفر من الناَس
كفرارِك من السبع ( . 1
ويبين ابن عجيبة الحسني حاَلة أهل التصوف في كتاَبهُ ) إيقاَظ الهمم ( :
) وكاَن بعضهم إذا أصابح عندهُ شيء أصابح حزيناَ ,وإذا لم يصبح عندهُ سيء
أصابح فرحاَ مسرورِا ( . 4
ورِوى مثل ذلك عن أبي محمد رِويم المتوفى 303هـ أنهُ قَاَل :
) مبنى التصوف على الفقر ( . 6
نعم ,الفقر الذي تعوذ منهُ سيد الخلئق المدعم باَلوحي ,والمعصوم
بعصمة اللهُ وقَاَل ) :اللهم إني أعوذ بك من الفقر ( . 7
فجعلوا ذلك الفقر أساَس التصوف وقَوامهُ ,وأقَاَموا بناَءهُ عليهُ .
ونقل الطوسي عن الجنيد أنهُ سئل عن الزهد فقاَل :
) الزهد هو تخلي اليدي من الملك ( . 8
وبمثل ذلك قَاَل رِويم بن أحمد الصوفي المتوفى 303هـ حينماَ سئل عن
الزهد ماَ هو ؟ .فقاَل ) :هو ترك حظوظ النفس من جميع ماَ في الدنياَ ( .
9
وذكر الصوفي عماَد الدين الموي في كتاَبهُ ) حياَة القلوب ( أن رِجل دخل
على بعض الصوفية يتكلم في الزهد وعندهُ قَميص معلق وعليهُ آخر ,
فقاَل :
ياَ شيخ ,أماَ تستحي أن تتكلم في الزهد ولك قَميصاَن .
1
وزجر السري السقطي رِجل كاَن يملك عشرة درِاهم وقَاَل :
أنت تقعد مع الفقراء ومعك عشرة درِاهم . 2
وذكر الكلباَذي عن أحمد بن السمين أنهُ قَاَل :
كنت أمشي في طريق مكة ,فإذا أناَ برجل يصيح :أغثني ياَ رِجل ,اللهُ ,اللهُ
.قَلت ماَلك ,ماَلك ؟
خذ مني هذهُ الدرِاهم ,فإني ماَ أقَدرِ أن أذكر اللهُ وهي معي ,فأَخذتهاَ منهُ
فصاَح :لبيك اللهم لبيك ,وكاَنت أرِبعة عشر درِهماَ . 3
1حياة القلوب في كيفية الوصول على إلى المحبوب لعماد الدين الموي ج 2ص 122على هامش قوت القلوب .
2طبقات الولياء لبن الملقن المتوفى 804هـ نشر مكتبة الخانجي القاهرة 1393هـ .
3التعرف لمذهب أهل التصوف للكلباذي ص 185ط القاهرة 1400هـ .
4غيث المواهب العلية للنفزي الرندي المتوفى 792هـ ص 93 , 92ط القاهرة.
5كشف المحجوب للهجويري ص . 558
6نفس المصدر . 361
7النفحة العلية في أوراد الشاذلية لعبد القادر زكي ص 263ط مكتبة المثنى القاهرة ,أيضا النوار القدسية للشعراني ج 1
ص 132ط دار إحياء التراث العربي بغداد 1984م .
8انظر مناقب الصوفية ) فارسي ( لبي المظفر المروزي ص 55باهتمام محمد تقي وايرج افشار ط إيران .
58
ونقل أبو طاَلبِ المكي عن سفياَن أنهُ قَاَل ) :الصاَئم إذا اهتم في أول
النهاَرِ بعشاَئهُ كتبِ عليهُ خطيئة ,وكاَن سهل ) التستري ( يقول :إن ذلك
ينقص من صاومهُ ( . 1
وذكروا عن أبي يزيد البسطاَمي أنهُ سئل :بأَي شيء نلت هذهُ المعرفة ؟
فقاَل ) :ببطن جاَئع وبدن عاَرِ ( . 8
وأخيرا ذكر الكلباَذي عن الصوفية فقاَل :
) أنهم قَوم تركوا الدنياَ فخرجوا عن الوطاَن ,وهجروا الخدان ,وساَحوا
في البلد ,وأجاَعوا الكباَد ,وأعروا الجساَد ( . 9
مع اعترافهم بأَن هذهُ هي المسيحية كماَ نص على ذلك أبو طاَلبِ المكي
حيث قَاَل :
) رِويناَ عن عيسى عليهُ السلم أنهُ قَاَل ) :أجيعوا أكباَدكم ,وأعروا
أجساَدكم لعل قَلوبكم ترى اللهُ عز وجل ( . 10
فاَلنصوص في هذا المعنى أكثر من أن تعد وتحصى ,وأن يسعهاَ كتاَب
فهيهاَت هيهاَت أن يسعهاَ باَب أو جزء من الباَب ,وكل هذهُ النصوص تنطق
صاراحة عن مصدرِهاَ الصالي ومرجعهاَ الحقيقي ,ول علقَة لهاَ بتعاَليم
السلم وإرِشاَداتهُ ,بل أنهاَ مخاَلفة تماَماَ لتلك ,ولكي يسهل على القراء
والباَحثين المقاَرِنة ذكرناَ ماَ ورِد في القرآن والسنة في هذا الخصوص ,
كماَ أورِدناَ قَبل ذلك توجيهاَت مسيحية وتعاَليم رِهباَنية وعلى ذلك قَاَل C.H.
BECKERوآسين بلثيوس ,ونيكلسون بأَن ترك الدنياَ ,ومعنى التوكل جاَء
في التصوف من المسيحية .
ونص فون كريمر على أن الزهد الصوفي نشأَ بتأَثير من الزهد المسيحي . 1
وقَاَل جولد زيهر :
) إن مدح الفقر وإيثاَرِهُ على الغنى كاَن من العناَصار النصرانية ( .
2
وأقَر بذلك الكاَتبِ اليراني الكبير الدكتورِ قَاَسم غني في كتاَبهُ ) تاَرِيخ
التصوف في السلم ( . 3
1انظر لذلك كتاب فون كريمر تاريخ الفكار الواردة في السم نقل عن مقدمة الكتاب في التصوف السلمي وتاريخه
للكتور أبي العلء العفيفي صهـ ,و .وأيضا الفكر العربي ومكانته في التاريخ للمستشرق أوليري ترجمة تمام حسان ص
195 , 194ط القاهرة .
2انظر كتاب التصوف السلمي منهجا وسلوكا للدكتور عبد الرحمن عميره ص 33ط مكتبة الكليات الزهرية – القاهرة ,
وكتاب مدخل إلى التصوف السلمي للدكتور التفتازاني ص . 28
3انظر ص 100ترجمة عربية .
60
و المل ْب َ ُ
س ة َ
الّزاوي َ ُ
وأماَ التزام الصوفية لبس الصوف لكونهُ شعاَرِا وعلمة لهم فأَيضاَ مأَخوذ
من رِهبنة المسيحية لنهُ كاَن زيهم الخاَص بهم كماَ أقَر بذلك الصوفي
المشهورِ في طبقاَتهُ عن أبي العاَلية أنهُ كاَن ) يكرهُ للرجل زي الرهباَن من
الصوف ,ويقول :زينة المسلمين التجمل بلباَسهم ( 1ز
ومثل ذلك نقل ابن عبد رِبهُ في ) العقد الفريد ( عن حماَد بن سلمة أنهُ قَاَل
لفرقَد السنجي حينماَ رِآهُ لبساَ الصوف :
) دع عنك هذهُ النصرانية ( . 2
وأورِد ابن الجوزي مثل هذهُ الرواية بسندهُ حيث قَاَل :
) أخبرناَ محمد بن عبد الباَقَي بن أحمد ,حدثناَ حمد بن أحمد الحداد ,حدثناَ
أبو نعيم الحاَفظ ,حدثناَ أبو حاَمد بن جبلة ,حدثناَ حمد بن إسحاَق ,حدثناَ
إسماَعيل بن أبي الحاَرِث ,حدثناَ هاَرِون بن معروف ,عن ضمرة ,قَاَل :
سمعت رِجل يقول :قَدم حماَد بن سلمة البصرة ,فجاَءهُ فرقَد السنجي
وعليهُ ثوب صاوف ,فقاَل لهُ حماَد :ضع عنك نصرانيتك هذهُ ,فلقد رِأيتناَ
ننتظر إبراهيم – يعني النخعي – فيخرج عليناَ وعليهُ معصفرة ( . 3
وأورِد أيضاَ رِواية أخرى مسندة بطريق البخاَرِي رِحمة اللهُ عليهُ قَاَل :
أخبرناَ محمد بن ناَصار وعمر بن ظفر ,قَاَل :حدثناَ محمد بن الحسن
الباَقَلوي ,حدثناَ القاَضي أبو العلء الواسطي ,حدثناَ أبو نصر أحمد بن
محمد الساَزكي ,حدثناَ أبو الخير أحمد بن حمد البزارِ ,حدثناَ محمد بن
إسماَعيل البخاَرِي ,حدثناَ علي بن حجر ,حدثناَ صااَلح بن عمر الواسطي عن
أبي خاَلد ,قَاَل :
جاَء عبد الكريم أبو أمية إلى أبي العاَلية وعليهُ ثياَب صاوف ,فقاَل لهُ أبو
العاَلية ) :إنماَ هذهُ ثياَب الرهباَن ,إن المسلمين إذا تزورِوا تجملوا ( . 4
ونقل الشعراني عن سهل التستري حكاَية باَطلة غريبة تدل على أن
الصوف كاَن لباَس أصاحاَب المسيح ,وهذا هو نصهاَ :أن سهل بن عبد اللهُ
التستري كاَن يقول :
) اجتمعت بشخص من أصاحاَب المسيح عليهُ السلم في دياَرِ قَوم عاَد
فسلمت عليهُ ,فرد علي السلم ,فرأيت عليهُ جبة من صاوف فيهاَ طراوة ,
فقاَل لي :إن لهاَ علي من أياَم المسيح ,فتعجبت من ذلك .
فقاَل :ياَ سهل إن البدان ل تخلق الثياَب ,إنماَ يخلقهاَ رِائحة الذنوب ,
ومطاَعم السحت ,فقلت لهُ :فكم لهذهُ الجبة عليك ؟
فقاَل :لهاَ سبعماَئة سنة ( . 5
طبقات الشعراني ج 1ص . 35 1
العقد الفريد لبن عبد ربه ج 3ص 378ط القاهرة 1293هـ . 2
تلبيس إبليس لبن الجوزي المتوفى 596هـ ص 219ط دار الوعي المربى بيروت . 3
وذكر السهر ورِدي أيضاَ أنهُ كاَن الصوف لباَس عيسى عليهُ السلم فقاَل :
) كاَن عيسى عليهُ السلم يلبس الصوف ,ويأَكل من الشجرة ,ويبيت حيث
أمسى ( . 1
عوارف المعارف للسهر وردي ص 59باب في ذكر تسميتهم بهذا السم ط دار الكتاب العربي . 1
التعرف لمذهب أهل التصوف لبي بكر محمد الكلباذي ص . 31 2
دراسات في التصوف السلمي وتاريخه لنيكلسون ترجمة أبي العلء العفيفي ص . 43 , 42 3
62
وقَد استنكر سفياَن الثورِي المتوفى سنة 161هـ لبس الصوف ,وعدهُ بدعة
,واستنكر كذلك غيرهُ من المسلمين لنهم اعتبروهُ رِمزا للمسيحية وعلمة
على الرياَء ( . 1
وقَاَل أيضاَ تحت عنوان التصوف باَحثاَ عن كلمة الصوفي نقل عن نولدكهُ :
) إن المسلمين في القرنين الولين للسلم كاَنوا يلبسون الصوف ,
وبخاَصاة من سلك منهم طريق الزهد ,وأنهم كاَنوا يقولون :لبس فلن
الصوف :بمعنى تزهد ورِغبِ عن الدنياَ .
فلماَ انتقل الزهد إلى التصوف قَاَلوا :لبس فلن الصوف بمعنى :أصابح
صاوفياَ .وكذلك الحاَل في اللغة الفاَرِسية :فإن قَولهم ) بشميناَ بوش (
معناَهُ :يلبس لباَس الصوف .
وقَد أخذ زهاَد المسلمين الوائل عاَدة لبس الصوف عن رِهباَن المسيحيين
ونساَكهم ,يدل على ذلك أن حماَد بن أبي سليماَن قَدم البصرة ,فجاَءهُ
فرقَد السنجي وعليهُ ثياَب صاوف فقاَل لهُ حماَد ضع عنك نصرانيتك هذهُ .
وقَد أطلقوا على هذهُ الثياَب ) زي الرهباَن ( ,واستشهدوا بحديث معناَهُ أن
النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم قَاَل :إن عيسى كاَن يلبس ثياَب الصوف ( . 2
فلقد نقل الماَم ابن تيمية عن أبي الشيخ الصابهاَني عن إسناَدهُ أن ابن
سيرين بلغهُ أن قَوماَ يفضلون لباَس الصوف فقاَل :
) إن قَوماَ يتخيرون الصوف يقولون إنهم متشبهون بعيسى بن مريم ,
وهدي نبيناَ أحبِ إليناَ ,وكاَن النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم يلبس القطن
وغيرهُ ( . 2
كماَ نقل ابن الجوزي عن أحمد بن أبي الجوارِي أنهُ قَاَل :قَاَل لي سليماَن
بن أبي سليماَن ) :أي شيء أرِادوا بلباَس الصوف ؟
قَلت :التواضع .
قَاَل :ماَ يتكبر أحد إل إذا لبس الصوف .
ونقل عن سفياَن الثورِي أنهُ قَاَل لرجل عليهُ صاوف :لباَسك هذا بدعة .
كماَ رِوى عن الحسن بن الربيع أنهُ قَاَل :
سمعت عبد اللهُ بن المباَرِك يقول لرجل رِأى عليهُ صاوفاَ مشهورِا :أكرهُ
هذا ,أكرهُ هذا .
الصوفية والفقراء لشيخ السلم ابن تيمية ص 7ط دار الفتح القاهرة 1984م . 2
64
ورِوي عن أبي سليماَن الدارِاني أنهُ قَاَل لرجل لبس الصوف :إنك قَد
أظهرت آلة الزاهدين ,فماَذا أورِثك هذا الصوف .
كماَ رِو يعن النضر بن شميل أنهُ قَاَل لبعض الصوفية :
تبيع جبتك الصوف ؟
فقاَل :إذا باَع الصياَد شبكتهُ بأَي شيء يصطاَد ( .
1
وهي تشبهُ تماَماَ أديرة الرهباَن النصاَرِى ذات السوارِ العاَلية البعيدة عن
عاَلم الناَس والعمران ,نتيجة للهروب من عاَلم الترف الماَدي إلى عاَلم
الترف الروحي ,ومن هذهُ الديرة تطورِت كثير من الفكاَرِ اليجاَبية ,خرج
بهاَ رِهباَن لفتح حقول جديدة على مباَدئ من الطهاَرِة والفقر والخضوع .
) أماَ الطهاَرِة فكاَن معناَهاَ ليس تطهير الجسد باَلصوم ,بل كاَنت تعني
فوق ذلك قَطع علقَاَت محبة الب أو الم أو البن أو الخت حتى يكون
الراهبِ أقَدرِ على خدمة البشر ,وتصبح المحبة هناَ دياَنة إنساَنية شاَملة ز
أماَ الفقر فكاَن يعني التحررِ المطلق من قَيود الشياَء ,ورِفض المصاَلح
الماَدية من أجل خدمة النساَن ,وكاَن الخضوع يعني الستسلم الكاَمل
لرِادة اللهُ للقياَم باَلواجباَت ( . 3
الفلسفة الصوفية في السلم للكتور عبد القادر محمود ص 39ط دار الفكر العربي القاهرة. 3
تاريخ التصوف في السلم للكتور قاسم غني ترجمة عربية ص . 103 4
65
) لم يخرج الصوفية كثيرا على الحديث القاَئل :ل رِهباَنية في السلم إل
بعد مضي عدة قَرون – إلى أن يقول : -وإنناَ ل نعلم إل القليل عن نظاَم
الزهد الرهباَني ونشأَتهُ في العصورِ السلمية الولى ,ويقاَل :أن أول
خاَنقاَهُ أسست لمتصوفة المسلمين كاَنت برملة في فلسطين قَبل نهاَية
الماَئة الثاَمنة الميلدية على ماَ يظهر ,وأن مؤسسهاَ كاَن رِاهباَ مسيحياَ ...
وقَد الصوفية بعض الحاَديث المدخولة على النبي ,التي تشير لباَحة
العزوبة لجميع المسلمين بعد الماَئتين من الهجرة فقد ظهر نظاَم الرهبنة
في السلم حوالي هذا التاَرِيخ تقريباَ .نعم لم يعم الزهد في العاَلم
السلمي ,ولم تظهر فيهُ الربط والزواياَ المنظمة إل في عصر متأَخر ,لن
القاَرِئ للكتبِ التي ألفت في التصوف حتى منتصف القرن الخاَمس
الهجري ,مثل قَوت القلوب لبي طاَلبِ المكي ,وحلية الولياَء لبي نعيم ,
والرساَلة للقشيري ,قَلماَ يجد فيهاَ إشاَرِة إلى هذا الربط والزواياَ ,ومع
ذلك نجد أن كباَرِ الصوفية من رِجاَل القرنين الثاَلث والرابع قَد اجتمع
حولهم المريدون ليأَخذوا عنهم الطريق ويتأَدبوا بآدابهُ .ومن الطبيعي أن
هؤلء المريدين أقَاَموا في بيوت دينية من نوع ماَ ,كلماَ وجدوا إلى ذلك
سبيل .ويذكر المقريزي أن الخاَنقاَوات وجدت في السلم في القرن
الخاَمس الهجري المقاَبل للقرن الحاَدي عشر الميلدي .وإذا سلمناَ بقول
المقريزي فعلى معنى أن خاَنقاَوات الصوفية التي كاَن يجتمع فيهاَ
المريدون تحت إشراف مشاَيخهم ,لم تكثر وتنتشر في بلد المملكة
السلمية إل في هذا التاَرِيخ ,وهذا يتفق مع ماَ ورِد في كتاَب آثاَرِ البلد
للقزويني حيث يقول إن أباَ سعيد بن أبي الخير ) المتوفى 1049م ل حوالي
815كماَ يقول دي ساَسي خطأَ – ول كماَ يقول دوزي وفون كريمر نقل عن
دي ساَسي ( يذكر عنهُ أنهُ مؤسس نظاَم الرهبنة في التصوف السلمي
وأول واضع لقواعدهُ وقَوانينهُ .وبعد ذلك بماَئتي سنة – أي بين – 650 , 450
زيد في نظاَم الرهبنة وانتشر هذا النظاَم على أيدي رِجاَل الطرق ,
كاَلعدوية والقاَدرِية والرفاَعية وغير ذلك من الطرق التي توالى ظهورِهاَ
سريعاَ ( . 1
هذا باَلنظر إلى أنهُ ل يوجد في تعاَليم القرآن والسنة رِسم ول أثر لهذهُ
التكاَياَ والزواياَ والخاَنقاَوات والربط ,بل أمر المسلمين ببناَء المسجد
للعباَدة كماَ أمروا بتعمير بيوتهم بقراءة القرآن فيهاَ والعباَدة .
وأماَ بناَء المكنة الخاَصاة للتعبد والذكر والورِاد فليس إل تقليل لشأَن
المساَجد ,وصارف الناَس عنهاَ ,وإعطاَء التكاَياَ والزواياَ والربط مكاَنتهاَ
وشأَنهاَ ,وفي هذا مخاَلفة لوامر اللهُ وتعاَليم رِسولهُ صالوات اللهُ وسلمهُ
عليهُ .وعلى ذلك قَاَل ابن الجوزي :
) أماَ بناَء الرِبطة فإن قَوماَ من المتعبدين الماَضين اتخذوهاَ للنفراد
باَلتعبد ,وهؤلء إذا صاح قَصدهم فهم على الخطأَ من ستة أوجهُ :
أحدهاَ :أنهم ابتدعوا هذا البناَء وإنماَ بنياَن أهل السلم المساَجد .
والثاَني :أنهم جعلوا للمساَجد نظيرا يقلل جمعهاَ .
والثاَلث :أنهم أفاَتوا أنفسهم نقل الخطى إلى المساَجد .
والرابع :أنهم تشبهوا باَلنصاَرِى باَنفرادهم في الديرة .
والخاَمس :أنهم تعزبوا وهم شباَب وأكثرهم محتاَج إلى النكاَح .
في التصوف السلمي وتاريخه لنييكلسون ترجمة عربية للدكتور أبي العلء العفيفي ص . 58 , 57 , 56 1
66
والساَدس :أنهم جعلوا لنفسهم علماَ ينطق بأَنهم زهاَد فيوجبِ ذلك
زياَرِتهم والتبرك بهم .وإن كاَن قَصدهم غير صاحيح فإنهم قَد بنوا دكاَكين
للكوبة ومناَخاَ للبطاَلة وأعلماَ لظهاَرِ الزهد .
هذا وقَد أورِد ابن الجوزي حديثاَ بسندهُ إلى الرسول صالى اللهُ عليهُ وسلم
عن أبي عماَمة أنهُ قَاَل :
خرجناَ مع رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم في سرية من سراياَهُ ,قَاَل :
فمر رِجل بغاَرِ فيهُ شيء من ماَء ,قَاَل :فحدث نفسهُ بأَن يقيم في ذلك
الغاَرِ فيقوتهُ ماَ كاَن فيهُ ,وفيهُ شيء من ماَء ,ويصيبِ ماَ حولهُ من البقل ,
ويتخلى عن الدنياَ .ثم قَاَل :لو أني أتيت نبي اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم
فذكرت ذلك لهُ ,فإن أذن لي فعلت ,وإل لم افعل ,فأَتاَهُ فقاَل :ياَ نبي اللهُ
,إني مررِت بغاَرِ فيهُ ماَ يقوتني من الماَء والبقل فحدثتني نفسي بأَن
أقَيم فيهُ وأتخلى من الدنياَ .
قَاَل :فقاَل نبي اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم :
) إني لم أبعث باَليهودية ول باَلنصرانية ولكنني بعثت باَلحنيفية السمحة ,
والذي نفس محمد بيدهُ ,لغدوة أو رِوحة في سبيل اللهُ خير من الدنياَ وماَ
فيهاَ ( . 2
وأماَ استماَعهم إلى نصاَئح الرهباَن ودرِوسهم ومواعظهم ,وإنصاَتهم لهم
وتلمذهم عليهم ,وتمجيدهم إياَهم ,والثناَء عليهم فمنقول عنهم بكثرة ,
فإن إبراهيم بن أدهم – وهو من أوائل الصوفية – صارح بذلك حيث قَاَل :
) تعلمت المعرفة من رِاهبِ يقاَل لهُ :سمعاَن ,دخلت عليهُ في صاومعتهُ
فقلت لهُ :ياَ سمعاَن ,منذ كم وأنت في صاومعتك هذهُ ؟ .
قَاَل :منذ سبعين سنة .
قَلت :ماَ طعاَمك ؟
قَاَل :ياَ حنيفي وماَ دعاَك إلى هذا ؟
قَلت :أحببت أن أعلم .
قَاَل :في ليلة حمصة .قَلت :فمن الذي يهيج من قَلبك حتى تكفيك هذهُ
الحمصة ؟
قَاَل :ترى الذين بحذائك ؟ قَلت :نعم ,قَاَل إنهم يأَتونني في كل سنة يوماَ
واحدا فيزنون صاومعتي ,ويطوفون حولهاَ ,يعظمونني بذلك ,وكلماَ
تثاَقَلت نفسي عن العباَدة ذكرتهاَ تلك الساَعة ,فأَناَ أحتمل جهد سنة لعّز
ونقل الهجويري عن صاوفي قَديم آخر ,وهو :إبراهيم الخواص أنهُ قَاَل :
) سمعت ذات مرة أن ببلد الروم رِاهباَ مقيماَ باَلدير منذ سبعين سنة بحكم
الرهباَنية ,فقلت :واعجباَ ! شرط الرهباَنية أرِبعون سنة .بأَي شرف أخلد
هذا الرجل إلى الدير سبعين سنة ؟ وقَصدتهُ ,فلماَ اقَتربت من ديرهُ فتح
كوة وقَاَل لي :ياَ إبراهيم ! عرفت لي أمر جئت .أناَ لم أقَم هناَ رِهباَنية
في هذهُ السبعين عاَماَ ,بل لن لي كلباَ هاَئجاَ ,فأَقَمت هناَ أحرسهُ وأكفي
الخلق شرهُ ,وإل فلست أناَ هذا ) الذي تظن ( .فلماَ سمعت منهُ هذا الكلم
قَلت :ياَ إلهي تعاَليت ! أنت قَاَدرِ على أن تهدي العبد طريق الصواب في
عين الضللة ,وتكرمهُ باَلصراط المستقيم .فقاَل لي :ياَ إبراهيم ! إلم
تطلبِ الناَس ؟ إمض واطلبِ نفسك ,وإذا وجدتهاَ فاَحرسهاَ ,لن الهوى
يرتدي ثوب اللهية كل يوم على ثلثماَئة وستين لوناَ ,ويدعو العبد إلى
الضللة ( . 2
وذكر الشعراني أن بعض أسلف الصوفية حاَولوا تقرير مذهبِ رِهباَن
النصاَرِى ,وكونهم على الحق والصواب ,ومن قَبل رِسول اللهُ الناَطق
باَلوحي صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ – كذباَ وزورِا ) : -أن قَولهُ صالى اللهُ عليهُ
وسلم :دعوا الرهباَن وماَ انقطعوا إليهُ ,تقرير لهم على ماَ هم عليهُ من
حيث عموم رِساَلتهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم كماَ قَررِ أهل الكتاَب على سكنى
دارِ السلم باَلجزية .
قَاَلوا :وهي مسأَلة خفية جليلة في عموم رِساَلتهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم .ل
ينتبهُ لهاَ إل الغواصاون على الدقَاَئق ( . 3
هذا ولقد ذكر في طبقاَتهُ عن صاوفي آخر – وهو إبراهيم بن عصفير – الذي
يقول عنهُ ) :كاَن كثير الكشف ,ولهُ وقَاَئع مشهورِة ,وظهرت لهُ الكراماَت
وهو صاغير ,وكاَن يأَتي البلد وهو رِاكبِ الذئبِ أو الضبع ,وكاَن يمشي على
الماَء ل يحتاَج إلى مركبِ ,وكاَن بولهُ كاَللبن الحليبِ أبيض ... ,وماَ ضبطت
عليهُ كشفاَ أخرم فيهُ .يكتبِ عن هذا الصوفي الذي بلغ أقَصى درِجاَت
الولية :
) كاَن أكثر نومهُ في الكنيسة ,ويقول :النصاَرِى ل يسرقَون النعاَل في
الكنيسة بخلف المسلمين ,وكاَن رِضي اللهُ عنهُ يقول :أناَ ماَ عندي من
صاوم حقيقة إل من ل يأَكل لحم الضأَن أياَم الصوم كاَلنصاَرِى ,وأماَ
كشف المحجوب للهجويري ترجمة عربية ص 439ط دار النهضة العربية بيروت . 2
وكذلك وجد مدح الرهباَن النصاَرِى في كتبِ صاوفية كثيرة مثل ماَ ذكر
الصابهاَني في حليتهُ عن عبد اللهُ بن الفرج أنهُ قَاَل لهُ رِجل :
) ياَ أباَ محمد ,هؤلء الرهباَن يتكلمون باَلحكمة وهم أهل كفر وضللة ,فمم
ذلك ؟
قَاَل :ميراث الجوع ,متعت بك ( .
2
ومثل ذلك ماَ نقلهُ أبو طاَلبِ المكي عن عيسى عليهُ السلم أنهُ قَاَل :
) المحبِ للهُ يحبِ النصبِ .ورِوى عنهُ أنهُ مر على طاَئفة من العباَد قَد
احترقَوا من العباَدة كأَنهم الشناَن الباَلية ,فقاَل :ماَ أنتم ؟
فقاَلوا :نحن عباَد .قَاَل :لي شيء تعبدتم ؟
قَاَلوا :خوفناَ اللهُ من الناَرِ فخفناَ منهاَ ,فقاَل :حق على اللهُ أن يؤمنكم ماَ
خفتم .
ثم جاَوزهم فمر بآخرين أشد عباَدة منهم ,فقاَل :لي شيء تعبدتم ؟
قَاَلوا :شوقَناَ اللهُ إلى الجناَن وماَ أعد فيهاَ لولياَئهُ ,فنحن نرجو ذلك ,
فقاَل :حق على اللهُ أن يعطيكم ماَ رِجوتم .
ثم جاَوزهم ,فمر بآخرين يتعبدون ,فقاَل :ماَ أنتم ؟
قَاَلوا :نحن المحبون للهُ لم نعبدهُ خوفاَ من ناَرِ ,ول شوقَاَ إلى جنة ولكن
حباَ لهُ وتعظيماَ لجللهُ ,فقاَل :أنتم أولياَء اللهُ حقاَ ,معكم أمرت أن أقَيم ,
فأَقَاَم بين أظهرهم وفي لفظ آخر قَاَل للولين :مخلوقَاَ خفتم ,ومخلوقَاَ
أحببتم .وقَاَل لهؤلء :أنتم المقربون ( . 4
) ويستخلص من هذا أن الصوفية المسلمين لم يجدوا حرجاَ في الستماَع
إلى مواعظ الرهباَن وأخباَرِ رِياَضاَتهم الروحية والستفاَدة منهاَ ,رِغم أنهاَ
صااَدرِة عن نصاَرِى ,ونحن نجد فعل كثيرا من أخباَرِ رِياَضاَت الرهباَن
وأقَوالهم في ثناَياَ كتبِ الصوفية وطبقاَت الصوفية ( . 5
وقَبل هذا كتبِ الدكتورِ البدوي في هذا الكتاَب الذي اقَتبسناَ منهُ السطر
الخيرة ,والذي دافع فيهُ عن التصوف دفاَعاَ شديدا ,وحاَول فيهُ محاَولة
فاَشلة لثباَت أصاول التصوف ومصاَدرِهُ في السلم ,ومن تعاَليمهُ ,كتبِ
فيهُ :
) الختلط بين المسلمين والنصاَرِى العرب في الحيرة والكوفة ودمشق
ونجران وخصوصااَ في مضاَرِب القباَئل العربية التي انتشرت فيهاَ
المسيحية قَبل السلم وبعدهُ :بنو تغلبِ ,قَضاَعة ,تنوخ ,وتتحدث بعض
1الطبقات الكبرى للشعراني ج 2ص . 140
2حلية الولياء للصبهاني ج 10ص 151الطبعة الثالثة دار الكتاب العربي بيروت لبنان 1980م .
3أيضا .
4قوت القلوب لبي طالب المكي ج 2ص . 56
5تاريخ التصوف السلمي للدكتور عبد الرحمن بدوي ص 35ط وكالة المطبوعات بالكويت 1978م .
69
الحباَرِ عن أن بعض الصوفية المسلمين الوائل كاَنوا يستشيرون بعض
الرهباَن النصاَرِى في أمورِ الدين :كماَ يروي عبد الواحد بن زيد ,والعتاَبي ,
وأبي سليماَن الدارِاني ( . 1
وهذهُ هي الشياَء التي جعلت نيلكسون النجليزي ,وفون كريمر اللماَني ,
وجولد زيهر النمساَوي يضطرون إلى أن يقولوا ,واللفظ للول :
) ويجبِ أل ننسى في هذا المقاَم أثر المسيحية في الزهد السلمي في
العصر المبكر فإن المر لم يقتصر على اللباَس وعهود الصمت وكثير من
آداب طريق الزهد التي يمكن رِدهاَ إلى أصال مسيحي ,بل إنناَ نجد في
أقَدم كتبِ تراجم الصوفية – إلى جاَنبي الحكاَياَت العديدة التي تمثل
الراهبِ المسيحي يلقي المواعظ في صاومعتهُ أو عمودهُ على زهاَد
المسلمين الساَئحين في الصحراء – أدلة قَاَطعة على أن مذاهبِ هؤلء
الزهاَد كاَنت إلى حد كبير مستندة إلى تعاَليم وتقاَليد يهودية ومسيحية .
ومن ذلك آياَت كثيرة من التورِاة والنجيل مذكورِة بين القَوال المنسوبة
إلى أولياَء المسلمين ,وأن القصص النجيلية التي كاَن يقصهاَ رِهباَن
المسيحيين على طريقتهم الخاَصاة كاَن يتلهف على قَراءتهاَ المسلمون :
مثاَل ذلك المجموعة المعروفة باَسم السرائيلياَت التي يقاَل إن وهبِ بن
منبهُ ) المتوفى سنة 628م ( قَد جمعهاَ ,وكتاَب قَصص النبياَء الذي كتبهُ
الثعاَلبي ) المتوفى سنة 1036م ( ,وهذا الخير ل يزال موجودا ً ( . 2
وأماَ قَضية المصطلحاَت التي رِوجوهاَ بين الناَس ,واستعملوهاَ فيماَ بينهم
فل يشك أحد في كونهاَ أجنبية في السلم ولغة السلم العربية ,
ومقتبسة مأَخوذة من المسيحية بحروفهاَ وألفاَظهاَ ,معاَنيهاَ ومدلولتهاَ
مثل ) :ناَموس ,رِحموت ,رِهبوت ,ل هوت ,جبروت ,رِباَني ,رِوحاَني ,
نفساَني ,جثماَني ,شعشعاَني ,وجدانية ,فردانية ,رِهباَنية ,عبودية ,
رِبوبية , ,ألوهية ,كيفوية ( . 3
وجولد زيهر :يستند إلى ماَ تقررِهُ النصرانية من إيثاَرِ الفقر والفقراء على
الغنى والغنياَء ,فيزعم أن ماَ ورِد في الحديث النبوي من هذا المعنى
مستمد من النصرانية ,ويعني هذا أن يترتبِ عليهُ أن الفقر والتخشن في
الحياَة إنماَ يرجع إلى أصال نصراني ,ويضيف عليهُ نيكولسون أيضاَ ً .ماَ
يصطنعهُ الصوفية من صامت وذكر فيزعم أنهُ مأَخوذ من النصرانية .
هذا من حيث :أن التصوف زهد وطريقة في العباَدة والرياَضة واللباَس .
أماَ فيماَ يتعلق بهاَ من حيث هي مذاهبِ تصورِ مناَزع أصاحاَبهاَ الفلسفية
واتجاَهاَتهم الروحية والفلسفية معاَ ً :فإن هناَك طاَئفة من القصص
والقَوال التي تروي عن المسيح مماَ ورِد في كتبِ الصوفية أنفسهم ,
ويمكن أن يؤخذ على أنهُ مصدرِ لبعض المذاهبِ الصوفية السلمية ....
على أنناَ ل ننكر ول أحد يستطيع أن ينكر ماَ يوجد من أوجهُ الشبهُ بين حياَة
الزهاَد ولباَسهم وبعض تعاَليم الصوفية وطرقَهم في العباَدة ومذاهبهم
في الحبِ اللهي ,وبين حياَة الرهباَن ولباَسهم ,وبعض ماَ اثر عن المسيح
وحوارِييهُ من أقَوال في المحبة وغيرهاَ من شئون الحياَة الروحية .
فإنناَ ل نستطيع مع ذلك أن نجزم بأَن مصدرِ التصوف والحياَة الروحية في
السلم إنماَ هو نصراني صارف .
فصحيح أيضاَ أنهُ كاَن ممن ماَل إلى الرهبنة من العرب من يبني الديرة –
فقد رِوى عن حنظلة الطاَئي أنهُ فاَرِق قَومهُ وتنسك ,وبنى ديرا ً باَلقرب
من شاَطئ الفرات حيث ترهبِ فيهُ حتى ماَت ,وكذلك قَيل عن قَس بن
ساَعدة كاَن يتقفر القفاَرِ ,ول تكنهُ دارِ ,يتحسس بعض الطعاَم ,ويأَنس
باَلوحوش والهوام .
وصاحيح أنهُ يروي عن أمية بن أبي الصلت أنهُ ليس باَلمنسوخ تعبدا ً وأن لكل
من قَس وأمية نثرا وشعرا ً وطبعاَ ً بطاَبع ديني ,وأصاطبغاَ بصبغة الزهد في
الدنياَ والنظر في الكون ,وصاحيح بعد هذا كلهُ ,وفوق هذا كلهُ ,أن القسس
والرهباَن كاَنوا ينبثون مناَ وهناَك في أسواق العرب ويبشرون ويتحدثون
71
عن العبث والحساَب والجنة والناَرِ كماَ يدل على ذلك كثير من آياَت القرآن
الكريم التي تتحدث عنهم وتحكي أقَوالهم وتفند مذاهبهم .
وتصورِ إلى أي حد كاَنت تعاَليمهم بين العرب ,فهذا كلهُ صاحيح ل شبهة فيهُ
ول غباَرِ عليهُ ولكن الذي ليس بصحيح هو أن نجعل منهُ أساَساَ ً يبني عليهُ
القول بأَن وحدة مصدرِ التصوف السلمي .
ولكن هناَك تساَءلً وهو لماَذا يقصر الباَحثون أنظاَرِهم على حياَة المسيح
وأقَوالهُ والرهباَن وأحوالهم حين يحاَولون رِبط الصوفية باَلمصاَدرِ
النصرانية ولم ل يجوز أن يكون هذا التصوف أيضاَ ً كاَن مساَيرة لطبيعة
الحياَة العربية الجاَهلية .
وقَد كاَنت وقَتئذ حياَة خشنة ل حظ لهاَ من ترف ,ول أثر فيهاَ لنعومة بحيث
يمكن أن يقاَل :إن حياَة الزهاَد والصوفية في السلم إنماَ هي استمرارِ
لهذهُ الحياَة الخشنة البعيدة عن الزخرف والنعيم ,والتي كاَن يحياَهاَ العرب
الجاَهليون بصفة عاَمة ,والتي تصطبغ عند بعضهم بصبغة الخلوة
والنقطاَع عن الناَس ,إلى التفكر والتقرب من اللهة يلتمسون عندهم
الخير والحكمة ؟
بل وماَ الذي يمنع أيض اَ ً من أن يكون مرجع الحياَة الروحية السلمية هو
مذهبِ الحياَة التي كاَن يحياَهاَ قَوم في الجاَهلية يعرفون ببني صاوفة ,
الذين انفردوا لخدمة اللهُ عند بيتهُ الحرام ؟
ومع هذا ل أحد ينكر ماَ للمسيحية والرهباَن من تأَثير باَلغ في الحياَة
الجاَهلية الساَبقة .
وباَلضاَفة إلى ماَ نلتقي بهُ في ثناَياَ بعض النظرياَت الصوفية في الحبِ
اللهي ببعض اللفاَظ والعباَرِات والعقاَئد التي هي من أصال نصراني مثل
القول ) :باَللهوت والناَسوت ( أو ) حلول اللهوت في الناَسوت ( أي حلول
اللهُ ) اللهوت ( في المسيح النساَن ) الناَسوت ( أو حلول الول في
الثاَني إذا بلغ هذا درِجة معينة من الصفاَء الروحي .
ومثل القول ) باَلكلمة ( التي هي في النصرانية واسطة بين اللهُ والخلق ,
والتي اصاطنعهاَ بعض الصوفية في التعبير عن نظرياَتهم في الحقيقة
المحمدية ,باَعتباَرِهاَ أول مخلوق خلقهُ اللهُ ,أو :أول تعين للذات اللهية
فاَضت منهُ بقية التعييناَت الخرى من رِوحية وماَدية ,ولم تظهر هذهُ
العناَصار النصرانية وأشباَههاَ إل بعد أن كاَن المسلمون قَد اختلطوا
باَلنصاَرِى وأخذوا يحاَورِونهم ويجاَدلونهم في العقاَئد ,فكاَن طبيعياَ أن
ينتشر بعض هذهُ العقاَئد النصرانية ,وأن يعمل عملهُ في البيئة السلمية ,
ويتردد صاداهُ في أقَاَويل الصوفية ومذاهبهم في الحبِ اللهي وفيماَ يتصل
بهُ ,من اتحاَد بين الرب والعبد ,ومن حلول الرب في العبد .
وهذا أمر طبعي ملزم لسنة الحياَة وتطورِهاَ :إذ ل يمكن وقَد تطورِ
التصوف وقَد استحاَل إلى علم لهُ مناَهجهُ ومذاهبهُ ومناَزعهُ الروحية
المصطبغة بصبغة فلسفية ,أن يظل الصوفية بمعزل عن هذا الجو الذي
امتل باَلفكاَرِ والعقاَئد النصرانية وماَ يدورِ حولهاَ وجدل بين المسلمين
72
والنصاَرِى دون أن يكون لهُ أثر فيماَ صادرِ عنهم من أقَوال ,وماَ ذهبوا إليهُ
من مذاهبِ ,ل سيماَ إذا كاَنت هذهُ القَوال والمذاهبِ تدورِ حول مساَئل
تتصل من قَريبِ أو بعيد باَلعقاَئد ( . 1
ويقول الدكتورِ التفتاَزاني بعد الرد على المستشرقَين القاَئلين بأَن كثيرا
من أمورِ التصوف مأَخوذة من النصرانية ,يقول بعد الرد عليهم :
) ومع هذا ل ننكر تأَثر بعض الصوفية المتفلسفين باَلمسيحية ,على نحو ماَ
نجد عند الحلج الذي استخدم في تصوفهُ اصاطلحاَت مسيحية كاَلكلمة
واللهوت والناَسوت وماَ إليهاَ ,ولكن هذا لم يظهر إل في وقَت متأَخر
) أواخر القرن الثاَلث الهجري ( بعد أن كاَن زهد الزهاَد قَد استقر في
القرنين :الول والثاَني الهجريين ,واصابح دعاَمة لكل تصوف لحق .
ولذلك فإن من النصاَف العلمي القول بأَن مذاهبِ الصوفية في العلم ,
ورِياَضاَتهم العلمية ,ترد إلى مصدرِ إسلمي ,إل أنهُ بمرورِ الوقَت وبحكم
التقاَء المم واحتكاَك الحضاَرِات ,تسرب إليهاَ شيء من المؤثرات
المسيحية أو غير المسيحية ,فظن بعض المستشرقَين خطأَ أن الصوفية
أخذوا أول ماَ أخذوا عن المسيحية ( . 2
فهذهُ هي خلصاة الكلم في ذلك ,نكتفي بهاَ ظاَنين بأَنهاَ كاَفية لجلء
الموضوع ,وتنوير الطريق لمن أرِاد أن يتقدم إليهُ ويسلك فيهُ .
أضواء على التصوف للدكتور طلعت غنام ص 84إلى 88ط عالم الكتب القاهرة . 1
مدخل إلى التصوف السلمي للدكتور أبي الوفاء الغنيمي التفتازاني ص 30 , 29ط دار الثقافة للنشر والتوزيع القاهرة . 2
73
و
بِ الهْنديــــــة َ
المذاه ُ
ال َ
فاَرِســـــــّية
وأماَ كون التصوف وتعاَليمهُ وفلسفتهُ ,أورِادهُ وأذكاَرِهُ ,وطرق الوصاول
إلى المعرفة ,والمؤدية إلى الفناَء ,مأَخوذة مستقاَة من المذاهبِ الهندية
والماَنوية ,والزرِادشتية أيضاَ فل ينكرهاَ منكر ,ول يردهاَ أحد ,ول يشك
فيهاَ شاَك ,بل إن كباَرِ الكتاَب عن التصوف والباَحثين فيهُ من
المستشرقَين والمسلمين ,وحتى الصوفية أقَروا بذلك حيث لم يسعهم إل
العتراف بهذهُ الحقيقة الظاَهرة الجلية التي ل يمكن تجاَهلهاَ ول إغفاَلهاَ
البتة .
فإن الستاَذ أباَ العلء العفيفي كتبِ في ثناَياَ بحثهُ عن المشتغلين من
المستشرقَين في الدرِاسة عن التصوف :
) وأماَ رِيتشورِد هاَرِتماَن ,وماَرِكس هورِتين فنزعتهماَ واحدة :وهي أن
التصوف يستمد أصاولهُ من الفكر الهندي ,وإن كاَن هورِتين قَد بذل من
المجهود في إثباَت هذهُ النظرية ماَ لم يبذلهُ أي كاَتبِ آخر .فقد كتبِ في
سنتي 1928 , 1927مقاَلتين حاَول أن يثبت في إحداهماَ ,بعد تحليل تصوف
الحلج والبسطاَمي والجنيد ,أن التصوف السلمي في القرن الثاَلث
الهجري كاَن مشبعاَ باَلفكاَرِ الهندية ,وأن الثر الهندي أظهر ماَ يكون في
حاَلة الحلج .وفي المقاَلة الثاَنية يؤيد النظرية نفسهاَ عن طريق بحث
المصطلحاَت الصوفية الفاَرِسية بحثاَ فيلولوجياَ ,وينتهي إلى أن التصوف
السلمي هو بعينهُ مذهبِ الفيدانتاَ الهندية .
ثاَلثاَ :أن تركستاَن كاَنت قَبل السلم مركز تلقَي الدياَناَت والثقاَفاَت
الشرقَية والغربية ,فلماَ دخل أهلهاَ في السلم صابغوهُ بصبغتهم الصوفية
القديمة .وهذا كلم أشبهُ ماَ يكون بماَذكرهُ كل من ثولك وفون كريمر في
هذا الموضوع .
رِابعاَ :أن المسلمين أنفسهم يعترفون بوجود الثر الهندي .
74
خاَمساَ :أن الزهد السلمي الول هندي في نزعتهُ وأساَليبهُ .فاَلرضاَ
فكرة هندية الصال ,واستعماَل الزهاَد للمخلة في سياَحتهم ,
واستعماَلهم للسبح ,عاَدتاَن هنديتاَن ( . 1
وأوجهُ الشبهُ التي ذكرهاَ البيروني بين العقاَئد الهندية والعقاَئد الصوفية
هي تتلخص في أمورِ ثلثة :
ولوضع النقاَط على الحروف ل نرضى مقولت الناَس ,بل نورِد شهاَدات
داخلية ,واعترافاَت ذاتية ,وعباَرِات ناَطقة عن مناَبعهاَ ومصاَدرِهاَ .
فنبدأ بسيد الطاَئفة الذي قَاَل فيهُ أبو العباَس عطاَء :
) إماَمناَ في هذا العلم و مرجعناَ المقتدى بهُ ( . 4
والذي قَيل فيهُ :
ويكفي لبياَن مقاَمهُ ومكاَنتهُ عند القوم تلقيبهم إياَهُ بسيد الطاَئفة ,فنبدأ
بهُ فيقول :
) ماَ أخذناَ التصوف عن القيل والقاَل ,لكن عن الجوع ,وترك الدنياَ ,وقَطع
المأَلوفاَت والمستحسناَت ( . 3
ونقل النفزي الرندي المتوفى 792هـ عن حاَتم الصام أنهُ قَاَل :
) من دخل في مذهبناَ هذا فليجعل في نفسهُ أرِبع خصاَل من الموت :موت
أحمر ,وموت أسود ,وموت أبيض ,وموت أخضر .
فاَلموت البيض الجوع ,والموت السود احتماَل أذى الناَس , ,والموت
الحمر مخاَلفة النفس ,والموت الخضر طرح الرقَاَع بعضهاَ على بعض ( .
6
والشعراني نقل في طبقاَتهُ عن أبي محمد عبد اللهُ الخراز أنهُ قَاَل :
) الجوع طعاَم الزاهدين ( . 8
غيث المواهب العلية للنفزي الرندي ج 2ص 166بتحقيق عبد الحليم محمود . 6
إحياء علوم الدين للغزالي ج 3ص 79ط دار القلم بيروت الطبعة الولى . 9
76
ثم ,ورِوى الغزالي في إحياَئهُ رِواياَت كثيرة مكذوبة على النبي صالى اللهُ
عليهُ وسلم في فضل الجوع . 1
ومماَ يجدرِ ذكرهُ أن المحقق كتبِ في تعليقاَتهُ عن جميع تلك الرواياَت في
فضل الجوع أنهُ لم يجد لهاَ أصال . 2
هذا ,ونقل عماَد الدين الموي عن عيسى عليهُ السلم أنهُ قَاَل :
) طوبى للجياَع العطاَش فإنهم هم الذين يرون اللهُ ( . 3
ثم بّين طريق التد ّرِب على الجوع ,وهي تشبهُ تماَماَ طريقة يوجاَ الهندية
حذو القذة باَلقذة ,وطبق النعل ,فيقول :
) وقَد اتفق مشاَيخ الصوفية على أن بناَء أمرهم على أرِبعة أشياَء :قَلة
الطعاَم وقَلة المناَم وقَلة الكلم والعتزال عن الناَس ,وقَد جعل للجوع
وقَتاَن ,أحدهماَ :آخر الرِبع والعشرين ساَعة فيكون من الرطل لكل
ساَعتين أوقَية بأَكلة واحدة يجعلهاَ بعد العشاَء الخرة أو يقسمهاَ أكلتين ,
كماَ ذكرناَ ,والوقَت الخر :على رِأس اثنتين وسبعين ساَعة ,فيكون الطي
ليلتين والفطاَرِ في الليلة الثاَلثة ,ويكون لكل يوم ثلث رِطل ,وبين هذين
الوقَتين وقَت وهو أن يفطر من كل ليلتين ليلة ,ويكون لكل يوم وليلة
نصف رِطل ,وهذا ينبغي أن يفعلهُ إذا لم ينتج عليهُ سآمة وضجرا ً وقَلة
انشراح في الذكر والمعاَملة ,فإذا وجد شيئاَ من ذلك فليفطر كل ليلة
ويأَكل الرطل في الوقَتين أو في الوقَت الواحد ,فاَلنفس إذا أخذت
باَلفطاَرِ من كل ليلتين ليلة ,ثم رِدت إلى الفطاَرِ كل ليلة تقنع ,وإن
سومحت باَلفطاَرِ كل ليلة ل تقنع باَلرطل وتطلبِ الدام والشهوات ,
وقَس على هذا ,فهي إن أطمعت طمعت ,وإن أقَنعت قَنعت ,وقَد كاَن
بعضهم ينقص كل ليلة بقدرِ نشاَف العود ,ومنهم من كاَن ينقص كل ليلة
رِبع سبع الرغيف حتى يفنى الرغيف في شهر ,ومنهم من كاَن يؤخر
الكل ول يعمل في تقليل القوت ولكن يعمل في تأَخيرهُ باَلتدرِيج حتى
تندرِج ليلة في ليلة ,وقَد فعل ذلك طاَئفة حتى انتهى طّيهم إلى سبعة
أياَم وعشرة أياَم وخمسة عشر يوماَ إلى الرِبعين .
وقَد قَيل لسهل بن عبد اللهُ :هذا الذي يأَكل في كل أرِبعين وأكثر أكلهُ أين
يذهبِ لهبِ الجوع عنهُ ؟.
قَاَل :يطفئهُ النورِ ( . 5
حياة القلوب لعماد الدين الموي بهامش قوت القلوب ج 2ص . 9 3
عوارف المعارف للسهروردي ص 223ط دار الكتاب العربي الطبعة الثانية 1983م . 4
وأماَ هجر الهل والولد ,والخروج إلى الغاَرِات والجباَل ,والجلوس في
البرارِي والحفرات والسراديبِ ,والمكوث مع الحياَت والثعاَبين فليست
منقولة إل من الدياَناَت الهندية التي عرفت واشتهرت بمثل هذهُ المورِ .
فلقد أورِدناَ في أول المقاَل قَصة إبراهيم بن أدهم الصوفي القديم ,
وتركهُ للهل والولد ,مقاَرِنة بقصة بوذا وحياَتهُ ,وأنهاَ مطاَبقة تماَماَ لهاَ .
وهناَك أقَوال ونصوص كثيرة في هذا المعنى ,ذكرناَ بعضاَ منهاَ فيماَ مّر ,
وسنذكر البعض الخر إن شاَء اللهُ في الجزء الثاَني من هذا الكتاَب .
وإنناَ ننقل ههناَ بعض الرِاء والوقَاَئع التي لهاَ علقَة مباَشرة ووطيدة
باَلمذاهبِ والفلسفاَت الهندية .
فمنهاَ ترك الماَل والخروج منهُ ,وحتى القوت الذي يحتاَج إليهُ لبقاَء الحياَة,
ثم التسول أماَم الناَس ,والستجداء منهم .كماَ ذكر أبو طاَلبِ المكي عن
أحد الصوفية أنهُ دفع إليهُ كيس فيهُ مئون درِاهم في أول النهاَرِ ففرقَهُ
كلهُ ,ثم سأَل قَوتاَ في يدهُ بعد عشاَء الخرة . 3
وأورِد الطوسي مثلهُ عن أبي حفص الحداد أنهُ كاَن أكثر من عشرين سنة
يعمل كل يوم بديناَرِ وينفقهُ على الصوفية ,ثم يخرج بين العشاَئين
فيتصدق من البواب . 4
ولقد أخذت الصوفية هذا النظاَم بكاَملهُ من البوذية ,وألزموا أنفسهم بهُ ,
كأَنهم هم الذين نصحهم بوذا بذلك فيقول الطوسي :
) الكل باَلسؤال أجمل من الكل باَلتقوى ( . 1
م
وذكر النفزي الرندي عن أبي سعيد الخراز أنهُ كاَن يمدّ يدهُ ويقول ) :ث ّ
شيء للهُ ( . 7
وذكر الشعراني أشياَء طريفة عن فقراء الزاوية التي بناَهاَ يوسف العجمي
,الذي قَاَل عنهُ :هو أول من أحياَ طريقة الشيخ الجنيد بمصر بعد
إندرِاسهاَ ,يقول الشعراني عن هذا الصوفي وتلميذهُ :
) كاَنت طريقة التجريد ,وأن يخرج كل يوم من الزاوية فقيرا يسأَل الناَس
إلى آخر النهاَرِ فمهماَ أتى بهُ يكون قَوت الفقراء ذلك النهاَرِ كاَئناَ من كاَن .
وكاَن الفقراء يأَتي أحدهم باَلحماَرِ محمل خبزا وبصل وخياَرِا وفجل ولحماَ ,
ويوم سيدي يوسف يأَتي ببعض كسيرات ياَبسة يأَكلهاَ فقير واحد ,فسأَلوهُ
عن ذلك ,فقاَل :
1اللمع للطوسي ص . 255
2أيضا ص . 253
3كشف المحجوب للهجويري ص . 605
4انظر عوارف المعارف للسهروردي ص , 150أيضا غيث المواهب العلية للنفزي الرندي ج 2ص , 66أيضا إيثاظ الهمم
لبن عجيبة ص . 333
5انظر عوارف المعارف ص , 150أيضا غيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية ج 2ص . 65
6عوارف المعارف ص . 157
7غيث المواهب العلية للنفزي الرندي ج 2ص . 65
79
أنتم بشريتكم باَقَية ,وبينكم وبين الناَس ارِتباَط فيعطونكم ,وأناَ بشريتي
جاَرِ والسوقَة وأبناَء الدنياَ كبير
فنيت حتى ل تكاَد ترى فليس بيني وبين الت ّ
مجاَنسة .
دهاَ
وكاَن صاورِة سؤالهُ أن يقف على الحاَنوت أو الباَب ويقول :اللهُ ,ويم ّ
حتى يغيبِ ,ويكاَد يسقط على الرِض ,فيقول من ل يعرفهُ :هذا العجمي
رِاح في الزقَزية .
وكاَن رِضى اللهُ عنهُ يغلق باَب الزاوية طول النهاَرِ لحد إل للصلة .
ق داق الباَب يقول للنقيبِ :وكاَن إذا د ّ
اذهبِ فاَنظر من شقوق الباَب ,فإن كاَن معهُ شيء من الفتوح للفقراء
فاَفتح لهُ ,وإل فهي زياَرِات فشاَرِات ( .1
فلحظ ماَ فيهُ من الطرائف و الضحوكاَت .
وابن عجيبة الحسني ذكر عن التجيبي ابن ليون أنهُ بين أصال السؤال
ومسأَلة الزنبيل ,فيقول :
) كيفيتهُ :أن يتوضأَ الرجل ويصلي رِكعتين ,ويأَخذ الزنبيل ) يعني وعاَء (
بيدهُ اليمنى ,ويخرج إلى السوق ومعهُ رِجل آخر يذكر اللهُ ويذكر الناَس ,
والناَس يعطونهُ في ذلك الزنبيل حتى يجمع ماَ تيسر من الطعاَم ,ويعّبهُ
بين الفقراء فيأَكلون طعاَماَ حلل بل تكلف ول كلفة ,هذا ماَ تيسر لناَ في
حكم السؤال ( . 2
ول في البرارِي فكثيرون جدا ً ,وقَد نقل وأماَ من عاَش في الصحاَرِى ,وتج ّ
السهرورِدي عن بشر بن الحاَرِث أنهُ قَاَل :
) ياَ معشر القراء ,سيحوا تطيبوا ( . 3
وقَاَل :
أو من جملة المقاَصاد في السفر :رِؤية الثاَرِ والعبر ,وتسريح النظر في
مساَرِح الفكر ,ومطاَلعة أجزاء الرِض والجباَل ومواطئ أقَدام الرجاَل ,
واستماَع التسبيح من ذوات الجماَدات ,والفهم من لساَن حاَل القطع
المتجاَورِات ,فقد تتجدد اليقظة بتجدد ومستودع العبر والياَت ,وتتوفر
بمطاَلعة المشاَهد والمواقَف الشواهد والدللت .قَاَل اللهُ تعاَلى } :
فسهم حّتى يت َبين ل َه َ َ
ق { . هُ ال ْ َ
ح ّ م أن ّ ُ
َ َ ّ َ ُ ْ في أن ُ ِ ِ ْ َ
و ِ
ق َ في اْل َ
فاَ ِ م آَياَت َِناَ ِ
ه ْري ِ
سن ُ ِ
َ
وقَد كاَن السري يقول للصوفية :إذا خرج الشتاَء ودخل آذارِ وأورِقَت
الشجاَرِ طاَب النتشاَرِ .
ومن جملة المقاَصاد للسفر :إيثاَرِ الخمول وإطراح حظ القبول ( .
4
وكاَن قَسم منهم يساَفر دوماَ ,ولذلك سمو باَلسياَحيين كماَ قَاَل
الكلباَذي :
ايقاظ الهمم لبن عجيبة الحسني ص 333ط مصطفى البابي الحلبي مصر الطبعة الثالثة 1402هـ . 2
وقَد ذكر أصاحاَب الطبقاَت وكتبِ الصوفية أحوال الكثيرين منهم .
فيذكر أحد الصوفية القدامى الهجويري عن أبي عثماَن المغربي :
) أنهُ في بداية حاَلة أعتزل عشرين سنة في البوادي بحيث لم يكن يسمع
سم الخياَط ,وتحول آدمياَ ,حتى ذابت بنيتهُ من المشقة ,وصااَرِت عيناَهُ ك ّ
عن صاورِة الدميين ,وجاَءهُ المر باَلصحبِ بعد عشرين عاَماَ ,وقَيل لهُ :
أصاحبِ الخلق .فقاَل لنفسهُ :فلبدأ بصحبة أهل اللهُ ومجاَورِي بيتهُ ,ليكون
ذلك أكثر بركة ,فقصد مكة ,وأطلع المشاَئخ على مجيئة بقلوبهم ,خرجوا
لستقباَلهُ ,فوجدوهُ وقَد تبدلت صاورِتهُ ,وفي حاَل لم يكن قَد بقي عليهُ
فيهاَ شيء سوى رِق الخلقة ( . 2
كماَ يقول ) :خرجت طاَئفة البدال إلى الكهوف تخّلياَ من أبناَء الدنياَ ( . 4
ونقل السهرورِدي عن إبراهيم الخواص أنهُ ماَ كاَن يقيم في بلد أكثر من
أرِبعين يوماَ ,وكاَن يرى :إن أقَاَم أكثر من أرِبعين يوماَ يفسد عليهُ توكلهُ ,
فكاَن علم الناَس ومعرفتهم إياَهُ سبباَ ومعلوماَ .
وحكى عنهُ أنهُ قَاَل :مكثت في الباَدية أحد عشر يوماَ لم آكل ,وتطلعت
نفسي أن آكل من حشيش البر ,فرأيت الخضر مقبل نحوي فهربت منهُ ,
ثم التفت فإذا هو رِجع عني ,فقيل :لم هربت منهُ ؟ .
قَاَل :تشوفت نفسي أن يغيثني ,فهؤلء الفرارِون بدينهم ( .
5
ونقل الشعراني عن عدي بن مساَفر الموي الذي قَاَل فيهُ :هو أحد أرِكاَن
الطريقة وأعلى العلماَء بهاَ ,والذي نقل فيهُ عن الشيخ عبد القاَدرِ أنهُ
قَاَل :
لو كاَنت النبوة تناَل باَلمجاَهدة لناَلهاَ عدي بن مساَفر ,يقول عنهُ
الشعراني :أنهُ أقَاَم أول أمرهُ زماَناَ في المغاَرِات والجباَل والصحاَرِي
مجردا ساَئحاَ يأَخذ نفسهُ بأَنواع المجاَهدات ,وكاَنت الحياَت والهوام
والسباَع تأَلفهُ فيهاَ . 6
التعرف لمذهب أهل التصوف للكلباذي ص 29الطبعة الثانية مكتبة الكليات الزهرية القاهرة 1400هـ . 1
كشف المحجوب للهجويري ص , 416أيضا تذكرة الولياء لفريد الدين العطار ص 347ط باكستان . 2
عوارف المعارف للسهروردي ص , 126أيضا قوت القلوب لبي طالب المكي ج 2ص 207ط دار صادر بيروت . 5
هذا ومثل هذا كثير في كتبِ الطبقاَت العربية والفاَرِسية والرِدية ,وكتبِ
اللغاَت الخرى التي ألفت تراجم الصوفية .
كماَ قَاَل السهرورِدي ) :إعلم أن تأَسيس هذهُ الربط من زينة هذهُ الملة
الهاَدية المهدية ,ولسكاَن الربط أحوال تميزوا بهاَ عن غيرهم من الطوائف
,وهم على هدى من رِبهم ( . 2
وأماَ التشاَبهُ بين الذكر الصوفي وذكر الطوائف الهندية فهو كماَ ذكر
القشيري :
) المبتدئ في الحوال يجبِ أن يسكن حواسهُ ول يتحرك أنفاَسهُ ول يحرك
بدنهُ ,ول يحرك جزء منهُ ول يردد طرفهُ ول شيئاَ ,ويكون مراعياَ لهمتهُ ,ول
يحرك البتة جزء من نفسهُ ول من بدنهُ ول من باَطنهُ حتى تبدو الحوال لهُ
بعد طول المراعاَة .
انظر جامع الصول في الولياء لحمد الكمشخانوي النقشبندي ط المطبعة الوهبية الشام 1298هـ . 3
82
ثم يجبِ أل ينظر إليهاَ ول إلى ماَ يبدو لهُ البتة لئل يحجبِ عنهاَ ,فل يزال
في المزيد منهاَ إن شاَء اللهُ تعاَلى .
د فيهُ من طول المجاَهدة قَاَل :وهذا الطريق الذي هو طريق اللهُ تعاَلى ل ب ّ
ومقاَساَة ماَ يحتملهُ السماَع والقلوب من الشدائد لو حّلت بهاَ ...وكنت
أحياَناَ في بدو المجاَهدة وأحوال الذكر لو استتر مني في السماَء لكاَن
الستر على أهون من أن أقَوم للكل ,وأتحرك للوضوء والفرض لنهُ كاَن
يعيبِ عني الذكر ( . 1
وذكر الشعراني عن سيدهُ البدوي أنهُ لزم الصمت ,وماَ كاَن يكلم الناَس إل
باَلشاَرِة . 2
وكذلك ذكر الشعراني أيضاَ عن سيدهُ عبد الرحمن المجذوب أنهُ كاَن ثلثة
أشهر يتكلم ,ثلثة أشهر يسكت . 3
ينطق بذلك الذكر بعينهُ بحيث يظن من يسمعهُ أن معهُ في خلوتهُ ألف ذاكر
للهُ ,ثم يغلبِ عليهُ حاَل الذكر فل ينظر في الوجود شيئاَ يقع عليهُ نظرهُ إل
معلناَ بذلك الذكر بعينهُ بحيث لو كاَن عندهُ ألف شخص ,كل منهم يذكر بذكر
مخاَلف للخر لم يسمعهم ينتطقون إل بذكرهُ الذي غلبِ عليهُ ,وحينئذ
يبقى منتظرا لماَ يفتح اللهُ بهُ على قَلبهُ من رِحمتهُ وعلم غيبهُ ,وأول ماَ
يظهر غاَلباَ أنوارِ إلهية كأَنهاَ البرق الخاَطف تلمع بسرعة ,ويختفي وهي
لذيذة جدا يحصل بوجودهاَ الوجد ,وباَختفاَئهاَ الحنين إليهاَ ,وبماَ غشيتهُ
أنوارِهاَ .
ثم يصير قَلبهُ كاَلمرآة المجلوهُ فيكون مقاَبل للجناَب القدس ,فيصير كل
شيء كأَنهُ مشاَهد للحق سبحاَنهُ علماَ وحاَل فاَنياَ عن نفسهُ ,فضل عن
خيرهاَ ,فحينئذ يعبد اللهُ كأَنهُ يراهُ ويشهدهُ . 5
رسالة ترتيب السلوك من الرسائل القشيرية ص 77 , 76ط المعهد المركزي للبحاث السلمية إسلم آباد باكستان . 1
) اعمل أيهاَ المريد على أن تتحد بشيخك ,فيكون ماَ عندهُ من المعاَرِف
د سواء ويكون تميزهُ عليك إنماَ هو باَلضاَفة ل غير ,قَاَل : عندك على ح ّ
وقَد قَاَل لي الشيخ أبو الحسن الشاَذلي يوماَ :ياَ أباَ العباَس ,ماَ صاحبتك إل
لتكون أنت أناَ وأناَ أنت ( . 1
وأماَ تعذيبِ النفس ,وحبس الدم ,والرياَضاَت الشاَقَة فمنهاَ ماَ ذكرناَهاَ
أثناَء الوقَاَئع التي سردناَهاَ آنفاَ .
) كاَن طول نهاَرِهُ وليلهُ قَاَئماَ شاَخصاَ ببصرهُ إلى السماَء وقَد انقلبِ سواد
عينيهُ بجمرة تتوقَد كاَلجمر .وكاَن يمكث الرِبعين يوماَ وأكثر ل يأَكل ول
يشرب ول يناَم ( . 2
وكتبِ الدكتورِ عبد الحليم محمود شيخ الجاَمع الزهر ساَبقاَ ,وصاوفي
مشهورِ ,عن أحمد الدرِدير أنهُ رِدد الذكر ستة أشهر حتى أحرق الذكر
جسمهُ ,وأذهبِ لحمهُ ودمهُ حتى صااَرِ مجرد الجلد على العظم ( . 6
وذكر الدرِيني عبد العزيز الصوفي المتوفى 697هـ عن داود بن أبي هند أنهُ
) صااَم أرِبعين سنة لم يعد الناَس عنهُ ول أهل بيتهُ ,وكاَن يؤتى باَلناَء
ناَقَصاَ ً فيتمهُ باَلدموع ( .7
5ترتيب السلوك إلى ملك الملوك لجمال الدين محمد بن عمر بحرق الحضرمي ص 249 , 248ط جامعة بنجاب لهور
باكستان .
1النوار القدسية لعبد الوهاب الشعراني ج 2ص 21ط إحياء التراث العربي بغداد العراق .
2الطبقات الكبرى للشعراني ج 1ص , 183النفحة العلية في أوراد الشاذلية لعبد القادر زكي ص 253ط القاهرة .
3جمهرة الولياء للمنوفي الحسيني ج 2ص , 237أيضا قلدة الجواهر في ذكر الرفاعي وأتباعه الكابر لمحمد أبي الهدى
الرفاعي ص 399الطبعة الولى 1400هـ بيروت لبنان .
4انظر اللمع للطوسي ص , 275الرسالة القشيرية ص , 160تذكرة الولياء للعطار ص , 305مكاشفة القلوب للغزالي ص
, 30النوار القسية للشعراني ص , 54الطبقات الكبرى للشعراني ج 1ص . 103
5رسالة ترتيب السلوك من الرسائل القشيرية لعبد الكريم القشيرية المتوفى 465هـ ص 78ط باكستان .
6سيدي أحمد الدردير للدكتور عبد الحليم محمود ص 76ط القاهرة 1974م .
7طهارة القلوب لعبد العزيز الدريني ص 209وما بعد ط مصطفى البابي الحلبي 1971م.
84
ويذكر فريد الدين العطاَرِ عن الصوفي المشهورِ أبي بكر الشبلي أنهُ
) كاَنت في يدهُ قَضيبِ يضرب بهُ فخذهُ وساَقَهُ حتى تبدد لحمهُ 2وتناَثر ( .
3
وحكى عبد العزيز الدباَغ عن صاوفي أنهُ ) رِمى بنفسهُ في بداية مجاَهدتهُ
من حلقة دارِهُ إلى أسفل تسعين مرة ( .4
ويحكي عماَد الدين الموي قَصة صاوفي هندي دمعت إحدى عينية ولم تبك
الخرى ,فقاَل لعينهُ التي لم تدمع :
) لحرمنك النظر إلى الدنياَ ,وغمض عينهُ ,فلم يفتح عينهُ أكثر من ستين
سنة ( . 5
وذكر عن صاوفي هندي خضر سيوستاَني القاَدرِي أنهُ ) كاَن يسكن في
المقاَبر ,ول يلبس إل رِداء واحدا ,وكاَن يأَكل العشبِ وأورِاق الشجاَرِ ,
كاَن لهُ تنورِ يحميهُ ويتعبد فيهُ ,وكاَنت حيواناَت الباَدية تجاَلسهُ وتأَوي إليهُ ,
صهُ لنفسهُ ( . 6
وكاَن يتعبد في فصل الصيف على حجر حاَّرِ خ ّ
ويذكر الميرزهُ محمد أختر الدهلوي عن الصوفي فخر الدين رِازي أنهُ ) كاَن
يسكن ليل نهاَرِ في الغاَباَت ( . 7
وهناَك صاوفي مشهورِ فريد الدين الملقبِ بكنج شكر فيحكي عنهُ أنهُ ) عّلق
نفسهُ معكوسة في بئر ,ولم يزل على هذهُ الحاَل أرِبعين سنة لم يأَكل ولم
يشرب شيئاَ ( . 2
وصاوفي هندي آخر أحمد عبد الحق ) حفر لنفسهُ قَبرا ,واشتغل فيهُ
باَلعباَدة ستة أشهر ( . 3
ويذكر عن صاوفي آخر مل شاَهُ أنهُ كاَن ) يقضي الليل كلهُ في نفسين فقط
(.6
هذا ومثل هذهُ المورِ كثيرة جدا ,التي لم تؤخذ ولم تقتبس إل من الدياَناَت
الهندية ول وجود لهاَ في تعاَليم السلم ,ولم تنقل إلى الصوفية إل منهاَ .
وقَبل أن ننتقل إلى فكرة أخرى نريد أن نبين أمرا آخر ,وهو أن الصوفية
بمختلف مشاَرِبهم وطرقَهم يتباَهون بحبهم للجميع ,وعدم العتراض على
مذهبِ دون مذهبِ ومسلك دون مسلك .وإنهم ل يفّرقَون بين دياَنة
ودياَنة ,ول يم ّيزون بين طاَئفة وطاَئفة وجماَعة وجماَعة ,بل يحترمون
جميع الرِاء والمعتقدات وأصاحاَبهاَ ,وقَد نقلوا فيهاَ أقَوال عديدة .
مع أنهاَ ل أساَس لهاَ في شريعة السلم وتعاَليمهاَ ,حيث أن هذا المر
أصال من أصاول فلسفة اليوجاَ التي ترى في كل الدياَناَت وفي كل
الفلسفاَت حقاَ ,ول يعترض على دين وفلسفة مهماَ اختلفوا وتباَعدوا في
تذكرة أولياء باك وهند للدكتور ظهور الحسن شارب ص 282ط باكستان . 1
تذكرة أولياء بر صغير لميرزه الدهلوي ج 1ص 96ط باكستان . 2
انظر تذكرة أولياء باك وهند للدكتور ظهور الحسن شارب ص 179ط باكستان . 3
انظر رسالة ترتيب السلوك من الرسائل القشيرية ص , 6ط باكستان . 4
حياة القلوب لعماد الدين الموي ص 268بهامش قوت القلوب للمكي . 7
والجدير باَلذكر أن هناَك كتاَباَ ترجم إلى اللغة العربية باَسم ) فلسفة
رِاجاَيوجاَ ( بطبع عبد الغني أحمد ,وترجمة حسن حسين ,فيهُ فصل خاَص
لمقاَرِنة هذهُ الفلسفة الهندية باَلفلسفة الصوفية و كماَ أن الكتاَب كلهُ
يشتمل على الرياَضاَت والمجاَهدات وطرق الورِاد والذكر ,التي نقلناَهاَ
آنفاَ من المتصوفة الكباَرِ وأقَطاَب هذهُ الطاَئفة وأعلمهاَ .
وأماَ قَضية وحدة الوجود والحلول والتحاَد ,المقاَئد التي ناَدى بهاَ الحلج
وابن عربي وجلل الدين الرومي وغيرهم ممن سلك مسلكهم ,ونهج
منهجهم .فلم يشك أحد في كونهاَ مأَخوذة مقتبسة بتماَمهاَ من ) فيدانتاَ (
الهندية .
ومن قَرأ آرِاء شري شنكر أجاَرِياَ في فلسفة ) فدانتاَ ( عرف جيدا أنهاَ عين
ماَ قَاَلهُ الحلوليون والتحاَديون وأصاحاَب وحدة الوجود ,وأن ماَ بّينهُ شنكر ,
صل القول فيهُ في شرح فلسفة وحدة الوجود أو فيدنتاَ هي التي توجد وف ّ
في كتبِ الوجوديون بكلياَتهاَ وجزئياَتهاَ .
وأكثر من ذلك تعرض تعاَليم شنكر أجاَرِياَ وتقرأ مكتوباَتهُ على من قَرأ كتبِ
ابن عربي ,وشاَرِحهُ ابن الفاَرِض ,ومفسرهُ في العجم جلل الدين الرومي
,لم يستطع التفريق في مقولتهم ومكتوباَتهم ,وحتى السلوب والمنهج
والتعبير وبياَن الطرق الموصالة إلى حصول المعرفة والدرِاك .
كماَ أنهُ تأَثر بفلسفة حكماَء المغرب مثل اسنبوزا ,لئبنز ,فختهُ ,هيجل ,
شوين هاَورِ ,باَذنكويت ,وبردليهُ ,كماَ أن الشهوديين من المسلمين أخذوا
فلسفة وحدة الشهود أيضاَ من العرفاَء الهندوكيين .وهذا المسلك مأَخوذ
من رِام نوج أجاَرِياَ أحد شراح اوبنشاَد الرِبعة المعروفين . 2
فاَلدياَناَت الهندية هي المصدرِ الخر للتصوف الذي رِاح بين المسلمين ,
وأختاَرِهُ طاَئفة من الناَس الذين أرِادوا أن يكونوا عرفاَء من بين
1انظر فلسفة اليوجا تأليف يوجي راما شاركه ص 198نقل عن أديان الهند الكبرى للدكتور أحمد الشلبي ص 171ط 1964
م.
2انظر تاريخ تصوف ليوسف سليم جشتي ص 30وما بعد ط مجمع العلماء أوقاف لهور 1976م .
87
المسلمين ,واختاَرِوا نفس المناَهج التي وضعهاَ أصاحاَب الدياَناَت الهندية
لحصول ) نروان ( أي المعرفة ,وجعلوا غورِديسياَ ) أي تعذيبِ النفس (
وجبِ وكياَن دهياَن ) أي الصمت والتفكير والذكر ( وسيلة للوصاول إليهاَ ,
د اضطر المراعون للتصوف , وكاَن هذا ظاَهرا جلياَ واضحاَ إلى ح ّ
والمداهنون للصوفية ,والمدافعون عنهم أن يقّروا بهُ على مل من الناَس :
) فاَلتصوف السلمي الحقيقي مبناَهُ على الكتاَب والسنة وعلى أحوال
الرسول النبي العربي صالى اللهُ عليهُ وسلم وإن تعرجت مؤخرا تعاَليم
التصوف وتلونت بعض فروعهُ ألواناَ عدة واتجهت تلك الفروع اتجاَهاَت
مختلفة بسببِ المذاهبِ المورِوثة للداخلين المحدثين في السلم من هنود
وفرس وإسرائليين ومسحيين ول سيماَ في عصر الترجمة الذي شجع عليهُ
المأَمون ومن بعدهُ من الخلفاَء العباَسيين فترجم المسلمون كتباَ ً كثيرة من
التصوف الهندي واليوناَني والفاَرِسي وطمعت بعض فروع التصوف
السلمي الخاَلص بماَ دخل عليهاَ من النزعاَت الفلطونية الحديثة أو
القديمة وبعض المذاهبِ الهندية والفاَرِسية في التصوف كنظرية الحلول
والتحاَد والتقمص والتناَسخ وماَ إلى ذلك ) ولكل دين تصوفهُ وطبعاَ ( .
) وشذ عن ذلك أمثاَل الحلج الذي قَاَل باَلحلول والقاَئل ) أناَ الحق وماَ في
الجبة سوى اللهُ ( ومحي الدين القاَئل ) خضناَ بحرا ً وقَف النبياَء بساَلحلهُ (
وبرأهُ من فكرهُ الحلول قَولهُ باَلسكر وغلبة الحاَل .وأكثر الصوفية العاَجم
خلطوا بين الفلسفة الفاَرِسية القديمة أو الهندية وماَ قَبسوهُ عن اليوناَنية
والفلطونية الحديثة وبين تصوفهم الخاَص ( .
1والباحث والقارئ يلحظ هذه المعالجة كثير اما تمسك بها الصوفية ومن دافع عنهم ,ولجل ذلك لم نورد النصوص
والعبارات في هذا المبحث كله ,ولم نبن الحكم على ما كتبه هؤلء ومن تبعهم في موقفهم ومسلكهم ومشربهم ,ولم
نتعرض إلى أقوال الوجوديين والحلوليين والتحاديين مع تمسك القوم بكتبهم ومقولتهم والمباهاة بعرفانهم وكرامتهم
والمبالغة في تمجيدهم والثناء عليهم .
2جمهرة الولياء لمحمود أبي الفيض المنوفي الحسيني ج 1ص . 267 , 266
3روضة التعرف بالحب الشريف للسان الدين بن الخطيب ص 543بتحقيق عبد القادر أحمد عطا ط دار الفكر العربي .
88
الذي أنطق مذهبِ النبثاَق الرواقَي والفيوضاَت والصدورِ عند
الفلطونية ( . 1
ويدل تعريف الصوفية للفناَء من الناَحية الخلقية بأَنهُ محو الصفاَت الذميمة
,والتخلق بكل خلق حميد ,ووصافهم لوساَئل قَمع الهوى والشهوات ,على
وجود أثر للفلسفة البوذية فيهم مماَ ل يدع مجاَل للشك ,لن تعريفهم هذا
تماَم التفاَق مع تعريف النرفاَناَ .
أماَ الفناَء في عرف أصاحاَب وحدة الوجود فربماَ كاَن أشد اتصاَل بفكرة
الفيدانتاَ وماَ يماَثلهاَ من الفكاَرِ الهندية ...مثاَل ذلك أن أباَ يزيد البسطاَمي
كاَن من أهل خراساَن ,وكاَن جدهُ زرِادشتياَ وشيخهُ في التصوف كردياَ .
ويقاَل :أنهُ أخذ عقيدة الفناَء الصوفي عن أبي علي السندي الذي عّلمهُ
الطريقة الهندية التي يسمونهاَ مراقَبة النفاَس ,والتي وصافهاَ هو بأَنهاَ
عباَدة العاَرِف باَللهُ .
وإنك لتلمح نزعة أبي يزيد إلى وحدة الوجود ماَئلة في القَوال المعزوة
إليهُ .
مثاَل ذلك ك
ي ) ياَ من أناَ أنت ( .
خرجت من الحق إلى الحق حتى صااَحوا مني ف ّ
إني أناَ اللهُ ل إلهُ إل أناَ فاَعبدني :سبحاَني ماَ أعظم شأَني .
للخلق أحوال ,ول حاَل للعاَرِف ,لنهُ محيت رِسومهُ ,وفنيت هويتهُ بهوية
غيرهُ ,وغيبت آثاَرِهُ بآثاَرِ غيرهُ ( . 4
مقال ماسينيون عن التصوف ص 49ط دار الكتاب اللبناني بيروت . 2
الفكر العربي ومكانته في طريق ترجمة عربية ص 200ط 1961م . 3
في التصوف السلمي وتاريخه ترجمة الدكتور أبي العلء عفيفي ص . 75 4
89
وكتبِ الدكتورِ أبو العلء عفيفي البحاَثة المصري الكبير معلقاَ على إحدى
عباَرِاتهُ ,ومصدقَاَ كلمهُ ,ماَ نصهُ :
فاَلنص – في نظرهُ – ل يفهم منهُ سوى أن أباَ يزيد كاَن يعّلم السندي
الفروض الدينية ,باَعتباَرِهُ حديث عهد باَلسلم ,مقاَبل تلقيهُ عنهُ علم
الحقيقة والفناَء ,الذي لم يكن على علم بهُ ( . 3
ونريد أن نثبت ههناَ أيضاَ نص ماَ ذكرهُ الباَحث اليراني المشهورِ الدكتورِ
قَاَسم غني ,فيقول :
) إذا كاَن رِأي أولئك الذين يعتقدون أن التصوف وليد المعتقدات البوذية
والهندية مباَلغاَ فيهُ ,فينبغي أن يقاَل في القَل أن من جملة ماَ كاَن لهُ
تأَثير في التصوف السلمي أفكاَرِ البوذية والهندية ونزعاَتهماَ وعاَداتهماَ .
والسلم الذي خرج من حدود الجزيرة العربية بسرعة البرق بعد ظهورِهُ
بفترة قَصيرة سرعاَن ماَ أخذ يتقدم في كل ناَحية ,ولم تطل المدة حتى
بلغ تخوم الصين وفتحت بلد السند في عهد بني أمية ,وتوثقت علقَاَت
تجاَرِية واقَتصاَدية بين المسلمين والشعوب والقباَئل التي كاَنت تختلف من
ناَحية الفكر والحضاَرِة والخلق عن أقَوام البلد الخرى .
ومنذ القرن الثاَني وماَ بعدهُ وحين بدأ المسلمون بنقل كتبِ الشعوب
الخرى واتسعت دائرة العلوم ,ترجم مقدارِ من آثاَرِ البوذية والهندية مماَ
يدخل في باَب التصوف العملي أي الزهد وترك الدنياَ ووصاف العباَدات
والتقاَليد الهندية والبوذية في هذا الباَب ,ناَهيك بنقل كتبِ هندية وبوذية
قَاَل الجاَحظ ) :إن هؤلء سياَح والسياَحة باَلنسبة لهم في حكم التوقَف
واعتزال الساَطرة في الصوامع والديرة ,وتلك الجماَعة يساَفرون دائماَ
اثنين اثنين ويسيحون بحيث إذا رِأى النساَن واحدا منهم يتيقن أن الثاَني
ليس ببعيد عنهُ إلى حد ماَ ,وسيظهر قَريباَ .ومن عاَداتهم أنهم ل يناَمون
ليلتين في مكاَن واحد ,ولهؤلء السياَح خصاَل أرِبع :القدس والطهر
والصدق والمسكنة ( .
وهؤلء السياَح تركوا بدورِهم أثرا في صاوفية المسلمين كماَ أثر فيهم أيضاَ
السياَح والمتجولون والمرتاَضون من البوذيين الذين أذاعوا قَصة بوذا
وقَدموهُ مثاَل للزهد والعراض عن الدنياَ ,بحيث أن المرتاَضين كاَنوا
يعرفونهُ في كتاَباَتهم باَلمثاَل الكاَمل للزهد .وهو المير القوي الشكيمة
الذي رِمى الدنياَ ظهرياَ وحررِ نفسهُ .أو يقولون أنهُ أسير جدير باَلثناَء
خليق باَلحترام متزيياَ بزي الفقراء .وهذا الموضوع أوجد قَصصاَ ذات صاورِ
مختلفة والنقطة الهاَمة التي يجبِ أل تنسى هي أن الدياَنة البوذية كاَنت
قَد انتشرت في شرق إيران أي بلخ وبخاَرِى وفي ماَ ورِاء النهر كذلك قَبل
السلم بأَكثر من ألف سنة ,وكاَنت لهاَ صاوامع ومعاَبد مشهورِة وكاَنت
معاَبد بلخ البوذية أكثر شهرة بنوع خاَص ,وصااَرِت بلخ ونواحيهاَ من أهم
المراكز الصوفية في القرون السلمية الولى ,وكاَن صاوفيو خراساَن
يعدون في الرعيل الول من الصوفية في الشجاَعة الفكرية والحرية
الشخصية ,والعقيدة المعروفة ) باَلفناَء في اللهُ ( المقتبسة من الفكاَرِ
الهندية إلى حد ماَ والتي انتشرت على الكثر بواسطة صاوفية خراساَن .
مثل أبي يزيد البسطاَمي وأبي سعيد الخير ( . 1
وقَبل أن ننتقل إلى فكرة أخرى نريد أن نلفت النظاَرِ إلى أن معتنقي
البوذية والجينية والدياَناَت الهندية الخرى كاَن لهم أن يترهبوا ,ويتجردوا
عن الدنياَ وماَ فيهاَ ,ويختاَرِوا العزلة والخلوة ,ويتيهوا في المفاَوز
والخلوات ,ويعيشوا في المغاَرِات والخاَنقاَوات ,ويعذبوا أنفسهم ,ويأَتوا
باَلمجاَهدات والرياَضاَت ,ويتحملوا المشاَق ,ويتعمقوا في المراقَباَت
والمكاَشفاَت وغير ذلك من المورِ ,لن قَاَدتهم وزعماَءهم ,هداتهم
ومرشديهم فعلوا مثل ذلك لحصول المعرفة ,واكتشاَف الحق ,والوصاول
إلى طمأَنينة الروح والقلبِ ,والتصاَل باَلخاَلق والتحاَد بهُ – حسبِ زعمهم
– تشبهاَ لهم واقَتداء بهم ,وتمسكاَ بأَسوتهم ,واقَتفاَء آثاَرِهم ومناَهجهم .
أول :لنهُ نقل عن مسيحهم ماَ يشجعهم على التبتل والعزلة .
ديسي المسيحية الوائل تحملوا أنواعاَ من ثاَنياَ :أن حوارِيي المسيح ,وقَ ّ
العذاب في سبيل التمسك بمذهبهم ,فأَوذوا وأجبروا على ترك المساَكن
والمواطن وعاَشوا في الصحاَرِى والمغاَرِات فرارِا بدينهم ,وحفاَظاَ على
ذب الخرون . إيماَنهم ,فحبس منهم وقَّتل منهم كثيرون ,وع ّ
فتأَسياَ بهم وتقديرا لهم حرموا أنفسهم من ملذات الدنياَ ونعيمهاَ ,
وألزموا عليهم العزبة والجوع والمشاَق ,وهجروا العيش بين الهل
والولد .
وأماَ المسلمون فل نبّيهم أمرهم بذلك ,ول أصاحاَبهُ ورِفاَقَهُ البرارِ خيرة
خلق اللهُ ,وأبرارِ هذهُ المة عملوا بهُ ,ودينهم دين العتدال والدين
الوسط ,الناَسخ لجميع الشرائع السماَوية منهاَ والرِضية ,اللهاَمية وغير
اللهاَمية .
ن{
ري َ
س ِ ن ال ْ َ
خاَ ِ م َ
ة ِ
خَر ِ
في ال ِ
و ِ
ه َ
و ُ
هُ َ
من ْ ُ
ل ِ فَلن ي ُ ْ
قب َ َ سلَم ِ ِديًناَ َ غ َ
غي َْر ال ِ ْ من ي َب ْت َ ِ
و َ
} َ
.1
والذي كمل قَبل انتقاَل محمد صالى اللهُ عليهُ وسلم إلى المل العلى .
} ال ْيوم أ َك ْمل ْت ل َك ُم دين َك ُم َ
سلَ َ
م ِديًناَ { ت ل َك ُ ُ
م ال ِ ْ ضي ُ
وَرِ ِ
مِتي َ
ع َ عل َي ْك ُ ْ
م نِ ْ ت َ
م ُ
م ْ
وأ ت ْ َ
2
ْ َ ْ ِ َ ُ َ ْ َ
وماَ لم يكن فيهماَ فهو ابتداع وإحداث فيهُ ,وليس منهُ ,ول لهُ علقَة بهُ .
ول ندرِي ممن أخذ متصوفة المسلمين ونساَكهم من المسلمين هذا المنهج
والمسلك الذي بنوا عليهُ تصوفهم وزهدهم .اللهم إل ممن ذكرناَهم من
المسيحية ,وأصاحاَب الدياَناَت الهندية ,وهذهُ أحوال معتدلي الصوفية
ومتقدميهم .
وأماَ المتطرفون والمتأَخرون فقد زادوا على هذين المصدرِين مصدرِا آخر
استقوا منهُ فلسفتهم ومشربهم ,وتشبثوا بآرِائهُ ومقولتهُ .وهو
الفلطونية الحديثة .
الفــلَطـونّية الحــ ِ
ديثـة
ولقد ذكر جمع من الكّتاَب والباَحثين في التصوف ممن اشتغلوا باَلتصوف
من المسلمين وغير المسلمين .وقَل من شذ عنهم أن الفلطونية الحديثة
هي أحد المصاَدرِ الساَسية للتصوف ,بل إنهاَ هي المصدرِ الول باَلنسبة
للقاَئلين بوحدة الوجود والحلول بدءا ً من أبي اليزيد البسطاَمي ,وسهل
التستري ,والترمذي الملقبِ باَلحكيم ,ابن عطاَء اللهُ السكندرِي ,وابن
سبعين ,وابن الفاَرِض ,والحلج ,ولساَن الدين بن الخطيبِ ,وابن عربي ,
والرومي ,والجيلي ,والعراقَي ,والجاَمي ,والسهرورِدي المقتول ,
وباَيزيد النصاَرِي وغيرهم .
وعباَرِات الصوفية أنفسهم ناَطقة بهاَ وشاَهدة عليهاَ ولو أنهم اختلطت
عليهم آرِاء الفلطونية الحديثة وآرِاء أفلطون وأرِسطو وغيرهم من
حكماَء اليوناَن الخرين ,حيث نسبوا ذلك إلى هذا ,وهذا إلى تلك .
جمهرة الولياء وأعلم أهل التصوف للمنوفي الحسيني ج 1ص 292ط القاهرة . 1
94
إلى أن يقيم التصوف السلمي على دعاَئم فلسفية أو فاَرِسية وهندية أو
يوناَنية ( . 2
كل هذا يعود إلى أصاولهُ الفلوطينية التي تعود هي الخرى إلى الغنوص
الشرقَي والغربي المؤول في الفلسفاَت اليهودية والمسيحية اللهوتية .
لقد أخذت النظرياَت الصوفية لدى الصوفية الفلسفة أو الفلسفة الخلص
لدى المشاَئية السلمية وجوهرهاَ من الفلوطينية ,وخاَصاة في المعرفة
هرهاَ وتحررِهاَ ,ويكفيناَالشراقَية ,التي ُتلقى إلقاَء في النفس عند ت َطَ ّ
دليل التاَسوع الخاَمس لفلوطين الذي يقول ) :النفس التي ل تضاَء بضوئهُ
تظل بغير رِؤية ( ,فإذا أضيئت فإنهاَ تحتوي على كل ماَ تنشدهُ فترى
السمى باَلسمى – ترى السمى الذي هو في الوقَت نفسهُ وسيلة الرؤية
لن ماَ يضيء النفس هو نفسهُ الذي تريد رِؤيتهُ ,كماَ أنناَ نرى الشمس
بضوء الشمس .لقد ماَرِس أفلوطين ) ت 205م ( هذهُ التجربة ,وأعطى
التجاَهُ للفاَرِابي وابن سيناَ ,والحلج والسهرورِدي ,وابن عربي وابن
الفاَرِض ,وابن سبعين وبقية الركبِ المشاَئي أو الصوفي .يقول أفلوطين
ت في نفسي , ) وقَد حدث مرات عدة أن ارِتفعت خاَرِج جسدي بحيث دخل ُ
كنت حينئذ أحياَ ,وأظفر باَتحاَد مع اللهي ( ) .يجبِ على أن أدخل في
ي أن
نفسي ,ومن هناَ أستيقظ .وبهذهُ اليقظة أتحد باَللهُ ( ) .يجبِ عل ّ
أحجبِ عن نفسي النورِ الخاَرِجي لكي أحياَ وحدي في النورِ الباَطن ( ( .
1
ويقر هذا المر الدكتورِ عبد الرحمن بدوي – ولو أنهُ يختلف مع الدكتورِ عبد
القاَدرِ في طرق وصاولهاَ إلى الصوفية – حيث أنهُ يقول تحت عنوان التأَثير
اليوناَني في التصوف :
) وأهم نص في هذا الباَب هو كتاَب ) أثولوجياَ أرِسطو طاَليس ( وهو كماَ
نعلم فصول ومقتطفاَت ,منتزعة من التساَعاَت الفلطونية ,وفيهُ
نظرياَت الفيض والواحد التي ستلعبِ دورِا خطيرا في التصوف السلمي ,
خصوصااَ عند السهرورِدي المقتول وابن عربي ,وفيهُ نظرية ) الكلمة ( أو
اللوغوس .
ويتصل بهُ ماَ يرد من علم الصنعة سواء عند الصنوعيين ) الكيماَويين ( وعند
الصوفية المسلمين .
الفلسفة الصوفية في السلم للدكتور عبد القادر محمود ص 33 , 32 , 31ط دار الفكر العربي . 1
96
ومن النصوص المهمة المنسوبة إلى هرمس :رِساَلة هرمس في معاَذلة
النفس ,التي نشرناَهاَ في كتاَبناَ :الفلطونية المحدثة عند العرب ,فهي
مناَجياَت للنفس وتحليل لهاَ ,وتأَنيبِ للنفس الماَرِة ,ودعوة للنفس من
أجل التطهر والتقديس .
ومن السهل أن نجد أصاداء لهاَ ومشاَبهُ في مناَجياَت الصوفية المسلمين .
ولقد أقَر الدكتورِ أبو العلء العفيفي أيضاَ بتأَثر ابن عربي ومن نهج منهجهُ
في المورِ الكثيرة وفي نظرية الفيض بأَفلطونية المحدثة . 2
وكتبِ الدكتورِ التفتاَزاني كلماَ يشبهُ هؤلء حيث قَاَل ك
) ونحن ل ننكر الثر اليوناَني على التصوف السلمي ,فقد وصالت
الفلسفة اليوناَنية عاَمة ,والفلطونية المحدثة خاَصاة ,إلى صاوفية السلم
عن طريق الترجمة والنقل ,أو الختلط مع رِهباَن النصاَرِى في الرهاَ
وحران .وقَد خضع المسلمون لسلطاَن أرِسطو ,وإن كاَنوا قَد عرفوا
فلسفة أرِسطو على أنهاَ فلسفة إشراقَية ,لن عبد المسيح بن ناَعمة
الحمصي حينماَ ترجم الكتاَب المعروف بـ ) أثولوجياَ أرِسطو طاَليس ( قَدمهُ
إلى المسلمين على أن لرِسطو على حين أنهُ مقتطفاَت من تاَسوعاَت
أفلوطين .
انظر تاريخ التصوف السلمي للدكتور عبد الرحمن بدوي ص . 42 , 41 1
انظر تعليقات أبي العلء العفيفي من فصوص الحكم لبن عربي الجزء الثاني ص 9ط دار الكتاب العربي بيروت . 2
انظر مدخل إلى التصوف السلمي للدكتور أبي الوفا الغنيمي التفتازاني ص . 34 , 33 3
انظر مقدمة كتاب المعارضة والرد لسهل بن عبد الله التستري ط دار النسان القاهرة . 4
) وأن طريق الوصاول إلى المبدأ والحصول على التمتع البدي هو تطهير
النفس السفلية عن طريق التجرد من الشهوات الجسماَنية والميول
الحسية ومماَرِسة الفضاَئل الرِبع ,وهي :العفة ,والعدل ,والشجاَعة ,
والحكمة .هذهُ نماَذج من آرِاء الفلسفة الفلطونية الحديثة التي وفق
المسلمون بينهاَ وبين الشرع السلمي .ولهذا الغرض حذفوا منهاَ أشياَء
وزادوا عليهاَ أشياَء وسموهاَ ) حكمة الشراق ( .
على الساَلك أن يطير بجناَح العشق نحو اللهُ تعاَلى ويحررِ نفسهُ من قَيد
وجودهُ الذي ليس إل مظهرا فحسبِ .وينمحي ويفنى في ذات اللهُ أي
الموجود الحقيقي ( . 4
هذا وبمثل ذلك قَاَل الخرون من الفرس الذين اشتهروا باَشتغاَلهم في
التصوف ,مثل الدكتورِ عبد الحسين زرِين كوب . 5
والستاَذ مهدي توحيدي بورِ . 6
وقَبلهم الرِدبيلي أحمد بن محمد . 7
وغيرهم الكثيرون الكثيرون .
وأماَ صاوفية الهند وكتاَب شبهُ القاَرِة عن التصوف فأَيضاَ أقَروا بتلك
الحقيقة الناَصاعة التي ل يمكن التهرب والعراض عنهاَ .
انظر تاريخ التصوف باللغة الردية ليوسف سليم جشتي ص 63وما بعد ط علماء اكيدمي وزارة الوقاف باكستان 1976م 1
.
مقدمة كتاب بايزيد النصاري للدكتور مير ولي خان الطبعة العربية ص 99ط مجمع البحوث السلمية باكستان 1396هـ . 2
99
د من الصوفية ويحسبِ
ع ّ
والدفاَع عنهم وعن معتقداتهم ,والبعض منهم ي ُ َ
على التصوف .
هذا ولجل ذلك ذهبِ معظم المستشرقَين إلى أن الفلطونية الحديثة من
أهم مصاَدرِ التصوف ,وخاَصاة للتصوف المتأَخر من القرون الولى ,ولقد
بحث المستشرق النجليزي نيكلسون هذا المر في مقاَلتهُ عن التصوف
بمواضع عديدة ,فأَرِجع نشأَتهُ إلى عوامل خاَرِجة عن السلم عملت عملهاَ
ابتداء من القرن الثاَلث الهجري .وأهم هذهُ العوامل وأبرزهاَ في نظرهُ هو
الفلطونية الحديثة المتأَخرة التي كاَنت شاَئعة في مصر والشاَم إلى عهد
ذي النون المصري ومعروف الكرخي ,ولهذا يتخذ من ذي النون المصري
محورِا لبحثهُ في هذهُ المقاَلة ,فيأَتي بكثير من الساَنيد التاَرِيخية عن حياَة
ذي النون ونشأَتهُ ,ويستدل بهاَ على أن ذا النون كاَن على علم باَلحكمة
اليوناَنية الشاَئعة في عصرهُ .ويتتبع حركة الثقاَفة اليوناَنية المتأَخرة
وطرق وصاولهاَ إلى المسلمين .
وقَد كاَن لمصر والشاَم دائماَ الصدارِة بين المم التي انتشرت فيهاَ
الحضاَرِة اليوناَنية ,وهماَ البلدان اللذان ظهر التصوف فيهماَ لول مرة
انظر مقدمة الكتور أبي العلء العفيفي لطائفة من الدراسات المجموعة باسم في التصوف السلمي وتاريخه ص ) س( . 1
100
بمعناَهُ الدقَيق وتطورِ كماَ أسلفناَ .والرجل الذي اضطلع بأَكبر قَسط في
تطورِ هذا النوع من التصوف ,هو ذو النون المصري الذي وصاف بأَنهُ حكيم
كيمياَئي ,أو بأَنهُ – بعباَرِة أخرى – أحد أولئك الذين نهلوا من منهل الثقاَفة
اليوناَنية .فإذا أضفناَ إلى هذا أن المعاَني التي تكلم فيهاَ ذو النون هي _
في جوهرهاَ – المعاَني التي نجدهاَ في كتاَباَت يوناَنية مثل كتاَباَت
ديونيسيون ........
وفي مقاَل آخر صارح بأَن التصوف الفلسفي اللهي هو أثر من آثاَرِ النظر
اليوناَني ,ول يمكن النكاَرِ من امتزاج الفكر اليوناَني والدين السلمي في
التصوف وخاَصاة الفلطونية المحدثة . 3
وبمثل ذلك قَاَل براون في كتاَبهُ 0تاَرِيخ فاَرِس الدبي ( ,والمستشرق
الوليري في كتاَبهُ ) الفكر العربي ومكاَنتهُ في التاَرِيخ ( . 4
1انظر في التصوف السلمي وتاريخه لنكلسون ترجمة عربية ص 14وما بعد .
2أيضا ص . 74 , 73
3صوفية السلم ص . 15
4انظر ص , 196أيضا مدخل إلى التصوف للتفتازاني ص . 33 , 32
5انظر كتابه التاريخ العام للتصوف ومعالمه .
101
المصطلحاَت اختلطت باَللهياَت المنحولة لرِسطو ,وبمثل أفلطون ,
وفيوضاَت أفلوطين ,وقَد كاَن لهذا كلهُ أثر باَلغ في تطورِ التصوف ( . 1
فهذهُ هي آرِاء المستشرقَين ,تشبهُ تماَماَ آرِاء من ذكرناَهم قَبل ذلك من
المسلمين .
) ولقد اجتمعت بأَفلطون الذي يعدونهُ أهل الظاَهر كاَفرا ,فرأيتهُ وقَد مل
العاَلم الغيبي نورِا وبهجة ,ورِأيت لهُ مكاَنة لم أرِهاَ إل لحاَد من الولياَء ,
فقلت لهُ :من أنت ؟
قَاَل :قَطبِ الزماَن وواحد الوان ,ولكم رِأيناَ من عجاَئبِ وغرائبِ مثل هذا
ليس من شرطهاَ أن تفشي ,وقَد رِمزناَ لك في هذا الباَب أسرارِا ً كثيرة ماَ
كاَن يسعناَ أن نتكلم فيهاَ بغير هذا اللساَن ,فأَلق القشر من الخطاَب وخذ
اللبِ إن كنت من أولي اللباَب ( . 2
وفي مقاَم آخر من كتاَبهُ كتبِ أن أرِسطو تلميذ أفلطون لزم خدمة الخضر
واستفاَد منهُ علوماَ جمة ,وكاَن من تلمذتهُ . 3
وهذا غير ماَ ذكر من آرِائهُ وآرِاء أفلطون وفلسفتهماَ ,والتعلق والتمسك
بهاَ ومصطلحاَتهاَ التي استعملهاَ واعتنقهاَ وآمن بهاَ .
وبمثل ذلك كتبِ لساَن الدين بن الخطيبِ في كتاَبهُ الصوفي الكبير ) رِوضة
التعريف باَلحبِ الشريف ( حيث يلقبِ أفلطون كلماَ يذكرهُ بمعلم الخير ,
وأرِسطو بحكيم متأَلهُ ,وسقراط وهرمس وغيرهم من أهل النوارِ .
وحكى عن أرِسطو ) خطأَ ( أنهُ حصل لهُ التحاَد باَلذات اللهية .فيقول نقل
عن أرِسطو أنهُ قَاَل :
) إني رِبماَ خلوت بنفسي كثير ا ً ,وجعلت بدني جاَنباَ ,وصارت كأَني مجردا بل
بدن ,عري من الملبس الطبيعية ,فأَكون داخل في ذاتي ,خاَرِجاَ من ساَئر
الشياَء .فأَرِى في ذاتي من الحسن والسناَء ,والبهاَء والضياَء والمحاَسن
العجيبة ,والمناَظر النيقة ,ماَ أبقى لهُ متعجباَ متحيرا ً باَهتاَ ً ,فأَعلم أني
النسان الكامل لعبد الكريم الجيلي ج 2ص 53 , 52الطبعة الرابعة 1981م . 2
ومن العجبِ .أني كنت رِأيت نفسي ممتلئة نورِا ً ,وهي في البدن كهيئتهاَ ,
والبدن معهاَ ,وهي خاَرِجة عنهُ ,على أني لماَ أطلت الفكرة ,ومحضت
الروية ,وأجلت الرأي ,وصارت كاَلمتحير المبهوت ,تذكرت الفلنطوس ,
فإنهُ أمر باَلطلبِ والبحث عن جوهر النفس الشريفة ,والحرص على
الصعود إلى ذلك العاَلم الشريف العلى .وقَاَل :إنهُ من حرص على ذلك ,
وارِتقى إلى العاَلم العلى ,ولحق باَلجواهر اللهية ,والسباَب الكلية ,
يجزي أحسن الجزاء اضطرارِا .فل ينبغي لحد أن يفتر عن الطلبِ والحرص
,والجد في الرِتقاَء إلى ذلك العاَلم ,وإن تعبِ وكد ونصبِ ,فإن أماَمهُ
الراحة التي ل تعبِ بعدهاَ ,في حياَة دائمة ,وعيشة رِاضية ,ولذات باَقَية ل
يتناَهى أمدهاَ ,ول يقطع مددهاَ ,مخلوقَة للنساَن كلهاَ ,والنساَن مخلوق
لهاَ ,أليس عجزا أن تمر ساَعة من عمرهُ في غير ماَ خلق لهُ من ذلك ؟
أليس من فرط في السعي لذلك ظاَلماَ لنفسهُ ,ومهلكاَ ذاتهُ ,وفاَعل
بجوهرتهُ النفيسة ماَ لم يفعل بهُ أعدى عدو لهُ ,فيندم حين ل ينفعهُ الندم (
.1
وعلى ذلك قَاَل الصوفي المشهورِ عبد الوهاَب الشعراني عن شيخهُ :
) وكاَن سيدي أفضل الدين رِحمهُ اللهُ يقول :
كثير من كلم الصوفية ل يتمشى ظاَهرهُ إل على قَواعد المعتزلة
والفلسفة فاَلعاَقَل ل يباَدرِ إلى النكاَرِ بمجرد عزو الكلم إليهم ,بل ينظر
ويتأَمل في أدلتهم التي استندوا إليهاَ ,فماَ كل ماَ قَاَلهُ الفلسفة
والمعتزلة في كتبهم يكون باَطل ( . 1
فهذهُ هي مصاَدرِ التصوف ,التي استقى منهاَ شجرتهُ حتى نمت وازدهرت ,
فأَينعت وأثمرت ,ول يمكن رِدهُ إلى مصدرِ واحد ) فإن أثر المسيحية
والفلطونية الحديثة والفلسفة البوذية عاَمل ل سبيل لناَ إلى إنكاَرِهُ في
التصوف السلمي .وقَد كاَنت هذهُ المذاهبِ والفلسفاَت متغلغلة في
د من أن تترك طاَبعهاَ في الوساَط التي عاَش فيهاَ الصوفية ,فلم يكن ب ّ
مذاهبهم ,ولديناَ أدلة كاَفية توضح أثرهاَ في التصوف ومكاَنتهاَ منهُ ,ولو أن
الماَدة التي بين أيديناَ ل تمكنناَ من تتبع أثرهاَ باَلتفصيل .وباَلجملة يمكن
القول بأَن التصوف في القرن الثاَلث – شأَنهُ في ذلك شأَن التصوف في
عصر من عصورِهُ – ظهر نتيجة لعوامل مختلفة أحدثت أثرهاَ في مجتمعهُ .
أعني بهذهُ العوامل البحوث النظرية في معنى التوحيد السلمي ,والزهد
والتصوف المسيحيين ,ومذهبِ الغنوصاية ,والفلسفة اليوناَنية والهندية (
.2
وكاَن هناَك مصدرِ هاَم لهُ تأَثير قَوي في تكوين التصوف وتشكيلهُ ,وتحوير
منهجهُ وتطويرهُ ,وترويج الفكاَرِ الجنبية البعيدة عن السلم وتعاَليمهُ فيهُ
,غير هذهُ المصاَدرِ التي ذكرناَهاَ ,وهو :التشيع الذي وضع نواتهُ اليهود ,
وساَهمت في تنشئتهُ وتنميتهُ الدياَناَت الفاَرِسية .
ولكن لماَ لهذا المصدرِ من أهمية كبيرة وتأَثير كبير لتغيير وجهة التصوف
ومجراهُ ,وتخليق أفكاَرِ غريبة فوق الغرابة التي وجدت فيهُ من المصاَدرِ
الخرى رِبماَ تصطدم بنصوص صاريحة للقرآن والسنة ل تحمل التأَويل
وتقضي على تعاَليمهاَ .
ولفاَرِق آخر وهو أن مصاَدرِ التصوف الخرى أخذ منهاَ التصوف أفكاَرِهاَ ,
واقَتبس منهاَ آرِاءهاَ دون أن يكون لتلك المصاَدرِ قَصد ورِغبة ,وهدف
ولذلك نخصص لبياَنهُ باَباَ مستقل ليكون الباَحث والقاَرِئ على إطلع كاَمل
على ماَ يحتاَجهُ هذا البحث ,وتتطلبهُ هذهُ القضية .
105
ب الثاَلث
الَباَ ُ
وف
ص ّ
و الت ّ َ التــ َ
شـّيع َ
إن التشيع أوجدهُ اليهود ,وأسسوا أسسهُ ,وأصالوا أصاولهُ ,وأرِسو قَواعدهُ ,
ي
ووضعوا عقاَئدهُ ومعتقداتهُ ,بواسطة إبنهم الباَرِ عبد اللهُ بن سبأَ ,المتز ّ
ي السلم ,واللبس ثوبهُ ولباَسهُ ,تقية وخداعاَ ,الذي أرِسل إلى عاَصامة بز ّ
الخلفة السلمية أياَم الخليفة الراشد الثاَلث عثماَن بن عفاَن رِضي اللهُ
عنهُ من قَبل يهود صانعاَء اليمن لتقويض دعاَئم السلم ,وفناَء دولتهُ ,
ومسخ شريعتهُ السماَوية البيضاَء ,وهدم قَوائمهاَ وأرِكاَنهاَ ,وترويج عقاَئد
اليهودية بين المسلمين ,وإيجاَد الفرقَة والختلف بينهم ,وإسعاَرِ ناَرِ
الحقد والبغضاَء ,وفتح باَب المطاَعن والتلعن ,والسباَب والشتاَئم ,بدل
د والتعاَطف والتراحم : الخوة الصاَدقَة والتوا ّ
) إن عبد اللهُ بن سبأَ كاَن يهودياَ فأَسلم ,ووالى علياَ عليهُ السلم ,وكاَن
ي موسى باَلغلو ,فقاَل في يقول وهو على يهوديتهُ في يوشع بن نون وصا ّ
ي مثل ذلك ,وكاَن إسلمهُ بعد وفاَة رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وآلهُ في عل ّ
ى ,وأظهر البراءة من أعدائهُ , أول من أشهر القول بفرض إماَمة عل ّ
وكاَشف مخاَلفيهُ ,وكفرهم .ومن هناَ قَاَل من خاَلف الشيعة :إن التشيع
والرفض مأَخوذ من اليهودية ( . 1
فاَجتمع حولهُ وتحت لواء التشيع كثر من أبناَء اليهودية البغيضة ,والفرس
المهزومين ,والباَبليين المكسورِين ,والموالي المقهورِين ,والكاَرِهين
للعرب حكاَمهم ,والفاَتحين بلدهم ,والخذين زماَم أمورِهم ,بعد فشلهم
في محاَرِبة السلم وجيوشهُ المظفرة المنصورِة وجهاَ لوجهُ ,واندحاَرِ
قَوتهم ,وانكساَرِ شوكتهم ,فغّيروا أسلوبهم في مزاحمة السلم جهرا ,
وجوا فتس ّتروا بستاَرِ السلم ,ودخلوا في صافوفهُ ,واندمجوا في بيئتهُ ,ورِ ّ
بين المسلمين أفكاَرِا يهودية ومجوسية ونصرانية ,وعقاَئد مدخولة
مدسوسة ,نقمة على السلم والمسلمين ,من حلول اللهُ أو الجزء اللهي
في الخلق ,وإجراء النبوة بعد خاَتم النبيين صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ ,
ونزول الوحي وإتياَن الملئكة ,وحصول العصمة ,ووجود شخص في كل
عصر وزماَن بهُ قَياَم الرِض وثباَتهاَ ,وعقيدة الوصااَية والولية ,والخفاَء
والكتماَن ,والتأَويل ,و انقساَم العلم إلى الظاَهر والباَطن ,وتقسيم
الناَس إلى العاَمة والخاَصاة ,وتعطيل الشريعة ومسخهاَ ,ومسخ تعاَليمهاَ ,
ورِفع التكليف وغير ذلك من الخرافاَت والترهاَت مماَ ل علقَة لهاَ
باَلسلم ,قَريبة ول بعيدة ,ولم يقصد من بّثهاَ ودسهاَ إل ضرب السلم
ومحوهُ من الوجود وتفريق كلمتهُ ,وتشتيت قَوتهُ ,ودرِء هيمنتهُ ,وخرق
هيبتهُ .
وكذلك كاَن أمر الصوفية .فإن الثلثة الذين اشتهروا في التاَرِيخ السلمي
باَسم الصوفي ولقبهُ باَدئ ذي بدء كاَن اثناَن منهم من الشيعة أو متهمين
باَلتشيع ,كماَ أن هؤلء الثلثة كلهم كاَنوا من موطن الشيعة آنذاك ,وهو
الكوفة .
فأَبو هاَشم الكوفي الذي فصلناَ فيهُ القول فيماَ مر لم يرم باَلتشيع ولكنهُ
كاَن من الكوفة الشيعية ,ومتهماَ باَلزندقَة والدهرية . 1
أماَ جاَبر بن حياَن فيذكرهُ ماَسينيون بقولهُ :
) وورِد لفظ الصوفي لقباَ مفردا لول مرة في التاَرِيخ في النصف الثاَني
من القرن الثاَمن الميلدي إذ نعت بهُ جاَبر بن حياَن وهو صااَحبِ كيمياَء
شيعي من أهل الكوفة ,لهُ في الزهد مذهبِ خاَص ( . 2
وبمثل ذلك قَاَل هولمياَرِد النجليزي الذي نشر عديدا من كتبِ جاَبر بن
حياَن . 3
وأماَ الشيعة فيعدونهُ من أعياَنهم .
فلقد كتبِ السيد محسن المين الشيعي المشهورِ في ترجمتهُ أكثر من
ثلثين صافحة في كتاَبهُ ) أعياَن الشيعة ( فيقول :
) أبو عبد اللهُ ,ويقاَل :أبو موسى جاَبر بن حياَن بن عبد اللهُ الطرطوسي
الكوفي المعروف باَلصوفي ....كاَن حكيماَ رِياَضياَ فيلسوفاَ عاَلماَ باَلنجوم
طبيباَ منطقياَ رِصادياَ مؤلفاَ مكثرا في جميع هذهُ العلوم وغيرهاَ :كاَلزهد
والمواعظ ,من أصاحاَب الماَم جعفر الصاَدق عليهُ السلم ,وأحد أبوابهُ ,
ومن كباَرِ الشيعة ,وماَيأَتي عند تعداد مؤلفاَتهُ يدل على أنهُ كاَن من عجاَئبِ
الدنياَ ونوادرِ الدهر ,وأن عاَلماَ يؤلف ماَ يزيد على 3900كتاَب في علوم
جهلهاَ عقلية وفلسفية لهو حقاَ من عجاَئبِ الكون ,فبيناَ هو فيلسوف
حكيم ومؤلف مكثر في الحيل والنرنجياَت والعزائم ومؤلف في الصناَئع
وآلت الحرب ,إذا هو زاهد واعظ مؤلف كتباَ في الزهد والمواعظ ( . 4
دوهُ من
ثم نقل عن عديد من الشيعة أنهم ذكروا في كتبهم الرجاَلية ,وع ّ
تلمذة جعفر بن الباَقَر ,ثم قَاَل :
) يستفاَد مماَ سلف أمورِ ,وهي :تشيعهُ ,وعلمهُ بصناَعة الكيمياَء ,وتصوفهُ
,وفلسفتهُ ,وتلمذتهُ على الصاَدق عليهُ السلم ,واشتهاَرِهُ عند أكاَبر
العلماَء ,واشتهاَرِ كتبهُ بينهم اشتهاَرِا ل مزيد عليهُ ( . 5
انظر دائرة المعارف السلمية اردو ج 7ص 6مقال ) بي كراؤس ( و ) م بلنسر ( . 1
انظر مقدمة كتاب الرحمة المنشور هولميارد ,وكتاب البيان وغيرهما . 3
أعيان الشيعة لمحسن المين الشيعي ج 15ص 88 , 87ط دار التعارف للمطبوعات بيروت . 4
ونضيف إلى ذلك أن الرجاَلي الشيعي المشهورِ الطهراني أيضاَ عدهُ من
رِجاَل الشيعة حيث ذكر في موسوعتهُ كتاَبين لهُ ) :كتاَب الرحمة الصغير ,
وكتاَب الرحمة الكبير لجاَبر بن حياَن الصوفي الطوسي الكوفي المتوفى
سنة ماَئتين من الهجرة ( . 2
وقَيل :إنهُ كاَن في جملة البرامكة ومنقطعاَ إليهاَ ,ومتحققاَ بجعفر بن
يحيى .فمن زعم هذا قَاَل :أنهُ عنى بسيدهُ جعفر هو البرمكي .
وقَاَلت الشيعة :إنماَ عنى جعفر الصاَدق ( . 3
ونقل عنهُ أنهُ )كاَن تلميذا لجعفر بن محمد الباَقَر ,أو عبدهُ ( . 5
ومماَ يدل على تشيعهُ وكونهُ من الحلوليين والمغاَلين في التشيع ماَ نقلهُ
في رِساَئلهُ التي تنسبِ إليهُ أنهُ قَاَل :
) بعد ماَ سمعت كلم الصاَدق في الكيمياَء والطلسم فخررِت ساَجدا ,فقاَل
) أي جعفر ( :لو كاَن سجودك لي وحدك لكنت من الفاَئزين ,قَد سجد لي
آباَئك الولون ,وسجودك لي سجودك لنفسك ( . 6
وأماَ كونهُ تلميذا لجعفر فيقرهُ الحاَج خليفة في ) كشف الظنون ( ,وابن
خلكاَن في وفياَتهُ . 7
وغيرهمـــــاَ .
ولقد فاَت الدكتورِ الشيبي عندماَ أنكر على جاَبر بن حياَن التصوف حيث
قَاَل :
أعيان الشيعة ج 15ص . 87 1
الفهرست لبن اندين ص 499 , 498ط دار المعرفة لبنان . 3
انظر وفيات العيان لبن خلكان تحت ترجمة جعفر بن الباقر . 7
109
) أن صالة جاَبر باَلتصوف اسمية لنهُ لم يكن صااَحبِ مجاَهدة أو خوف ,أو
نطاَقَاَ بأَقَوال زهدية ,وإنماَ نقل عنهُ اشتغاَلهُ باَلكيمياَء ( . 1
قَد فاَتهُ ماَ ذكرهُ ابن النديم في فهرستهُ نقل عن جاَبر بن حياَن نفسهُ أنهُ
قَاَل :
) ألفت كتباَ في الزهد والمواعظ ( .
2
فهذا هو أول الثلثة الذين لقبوا باَلصوفية ,والذي توفي بين 160إلى 200
هجرية على اختلف في القَوال .
انظر الصلة بين التصوف والتشيع ج 1ص 289ط دار الندلس بيروت الطبعة الثالثة 1982م . 1
عْبـــــــــــــــــــــدك
َ
و أماَ الثاَني فهو عبد اللهُ الصوفي فأَيضاَ ذكرهُ كل من المستشرق
ماَسينيون والباَحث اليراني الشيعي الدكتورِ قَاَسم غني ,والشيعي
العراقَي دكتورِ مصطفى الشيبي وغيرهم ,شاَهدين بأَنهُ كاَن شيعياَ
مغاَلياَ .
وإذن فكلمة ) صاوفي ( كاَنت أول أمرهاَ مقصورِة على الكوفة ( . 1
وبناَء على ذلك ناَلت كلمة الصوفي شهرة في باَدئ المر في الكوفة ,ثم
أصابحت أهميتهاَ كبيرة بعد نصف قَرن في بغداد ,وصااَرِ المقصود من كلمة
الصوفية جماَعة عرفاَء العراق باَزاء جماَعة الملمتية الذين كاَنوا من عرفاَء
خراساَن ,وتجاَوز الطلق حدهُ منذ القرن الرابع وماَ بعدهُ .وأصابح
المقصود من إطلق كلمة الصوفية ,جميع عرفاَء المسلمين .وارِتداء
الصوف أي الجبة البيضاَء الصوفية الذي كاَن حوالي أواخر القرن الول من
عاَدة الخوارِج والمسيحيين ( . 2
دائرة المعارف السلمية أردو ج 6ص , 419أيضا التصوف لماسينيون ترجمة عربية ص . 27 1
تاريخ التصوف في السلم للدكتور قاسم غني ترجمة عربية ص . 65 , 64 2
فهذا هو الرجل الثاَني الذي لقبِ بلقبِ الصوفي بداية المر .
وأماَ الثاَلث فلقد ذكرناَهُ فيماَ مر ,وهو كوفي أيضاَ ,ولكنهُ من العجاَئبِ
فهو وإن لم يكن متهماَ باَلتشيع متهم باَلزندقَة والدهرية كماَ ذكر الحاَج
معصوم علي :
كاَن يلبس لباَساَ طويل من الصوف كفعل الرهباَن ,ويرى أنهُ كاَن يقول
باَلحلول والتحاَد مثل النصاَرِى ,غير أن النصاَرِى أضاَفوا الحلول والتحاَد
إلى عيسى عليهُ السلم وأضاَفهماَ هو إلى نفسهُ ,وكاَن مترددا بين هاَتين
الدعوتين ,ولم يعلم على أيهماَ استقر في النهاَية – ونقل عن كتاَب أصاول
الدياَناَت أنهُ : -كاَن أموياَ وجبرياَ في الظاَهر وباَطنياَ ودهرياَ في الباَطن ,
وكاَن مرادهُ من وضع هذا المذهبِ أن يثير الضطراب في السلم ( . 3
ومن الغرائبِ أن شخصاَ آخر وهو ذو النون المصري الذي يقاَل عنهُ ) :أنهُ
أول من عرف التوحيد باَلمعنى الصوفي ( . 4
وهو ) :رِأس هذهُ الطاَئفة ,فاَلكل قَد أخذ عنهُ وأنتسبِ إليهُ ,وقَد كاَن
المشاَئخ قَبلهُ ولكنهُ أول من فسر الرِشاَدات الصوفية وتكلم في هذا
الطريق ( . 5
وأنهُ ) :هو أول من تكلم في بلدهُ في ترتيبِ الحوال ومقاَماَت أهل
الولية ( . 6
كماَ أثر عنهُ بأَنهُ ) أول من وضع تعريفاَت للوجد والسماَع ( . 7
التنبيه والرد ّ للملطي تحقيق محمد زاهد الكوثري ص , 1ط مصر 1360هـ . 2
انظر الرسالة القشيرية لبي القاسم عبد الكريم القشيري بتحقيق عبد الحليم محمود ط دار الكتب الحديثة – القاهرة . 4
النجوم الزاهرة للتغري البردي التابكي ج 2ص 320ط وزارة الثقافة مصر . 6
والصوفي المشهورِ فريد الدين العطاَرِ يكتبِ في ترجمتهُ أنهُ ) كاَن من
الملمتية لنهُ أخفى تقواهُ بظهورِهُ في الناَس باَلستخفاَف بأَمورِ الشرع ,
ولذلك عدهُ المصريون زنديقاَ ,ولو أنهم اعترفوا لهُ باَلولية بعد موتهُ ( . 5
وقَد ذكرهُ ابن النديم من الملمين بعلم الكيمياَء ,والعاَرِفين بهُ والكاَتبين
فيهُ . 6
تذكرة الولياء لفريد الدين العطار ص 69ط باكستان ,أيضا في التصوف السلمي وتاريخه لنيكلسون ص . 9 5
إخبار العلماء بأخبار الحكماء ص 185المنقول من كتاب في التصوف السلمي وتاريخه لنيلكسون ص . 9 7
113
الخميمي الزاهد كاَن حكيماَ سلك طريقاَ خاَصااَ ,وأتخذ في الدين سيرة
خاَصاة ,وكاَن من المعنيين بحل رِموز البرابي في إخميم ,كثير التطواف
بهاَ .وأنهُ وفق إلى حل كثير من الصورِ والنقوش المرسومة عليهاَ ,ثم
يذكر المسعودي ترجمة لطاَئفة من هذهُ النقوش التي ادعى ذو النون أنهُ
قَرأهاَ وحلهاَ ( . 1
ثم وبعد ذكر هذهُ العباَرِات كتبِ نيكلسون ماَ خلصاتهُ ) :أن ذا النون كاَن
كثير العكوف على درِاسة النقوش البصرية المكتوبة على المعاَبد وحل
رِموزهاَ ,كماَ كاَنت مصر القديمة في نظر المسلمين مهد علوم الكيمياَء
والسحر وعلوم السرارِ ,وكاَن هو من أصاحاَب الكيمياَء والسحر مع أن
السلم حرم السحر ,ولذلك سترهُ بلباَس الكراماَت ,ومن هناَ بدا تأَثير
السحر في التصوف ,ويؤيد ذلك استخدام ذي النون الدعية السحرية
واستعماَلهُ البخورِ لذلك كماَ ذكرهُ القشيري في رِساَلتهُ ( . 2
فهذا هو الرجل الخر من الثلثة الول الذين يقاَل عنهم بأَنهم أول من
لقبوا بهذا اللقبِ ,ووصافوا بهذا الوصاف ,وعرفوا بهذا الرسم أو عّرفوا
هذا الطريق إلى الناَس باَدئ ذي بدء .
وف
ص ّ
ل الت ّ َ سل َ ِ
س ُ َ
ومن شواهد تأَثر التصوف باَلتشيع وعلماَئهاَ أن سلسل التصوف كلهاَ ماَ
عدا الناَدرِ القليل منهاَ تنتهي إلى علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ دون
ساَئر أصاحاَب رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ,وفي طرق إسناَدهاَ إلى
علي أسماَء أئمة الشيعة المعصومين حسبِ زعمهم من أولد علي رِضي
اللهُ عنهُ دون غيرهم ,وأن رِؤساَء هذهُ العصاَبة يذكر لهم اتصاَل وثيق ,
وصالت وطيدة مع أئمة القوم كماَ يذكر في تراجمهم وسيرهم وأحوالهم ,
إضاَفة إلى ذلك أن الخرقَة الصوفية ل يبدأ ذكرهاَ أيضاَ إل من علي رِضي
اللهُ عنهُ أيضاَ .
فإن علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ مع كونهُ من ساَدة أصاحاَب رِسول
اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم وأشرافهم ,ومن العشرة المبشرين باَلجنة ,
ورِابع الرِبعة من الخلفاَء الراشدين الذين خلفوا رِسول اللهُ صالى اللهُ
عليهُ وسلم بعد وفاَتهُ لقياَدة هذهُ المة وتسيير أمورِهاَ ولكنهُ لم يكن أزهد
من أبي بكر الصديق رِضي اللهُ عنهُ ,ول من عمر الفاَرِوق رِضي اللهُ عنهُ
) أبي بكر الصديق الساَبق باَلتصديق الملقبِ باَلعتيق ,المؤيد من اللهُ
باَلتوفيق ,صااَحبِ النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم في الحضر والسفاَرِ ,
ورِفيقهُ الشفيق في جميع الطوارِ ,وضجيعهُ بعد الموت في الروضة
المحفوفة باَلنوارِ ,المخصوص في الذكر الحكيم بمفخر فاَق بهُ كاَفة
الخياَرِ ,وعاَمة البرارِ ,وبقي لهُ شرفهُ على كرورِ العصاَرِ ,ولم يسم
إلى ذرِوتهُ همم أولي اليدي والبصاَرِ ,حيث يقول علم السرارِ :ثاَني
اثنين إذ هماَ في الغاَرِ ,إلى غير ذلك من الياَت والثاَرِ ,ومشهورِ النصوص
الوارِدة فيهُ والخباَرِ ,التي غدت كاَلشمس في النتشاَرِ ,وفضل كل من
فاَضل ,وفاَق كل من جاَدل وناَضل ,ونزل فيهُ :ل يستوي منكم من أنفق
من قَبل الفتح وقَاَتل ,توحد الصديق ,في الحوال باَلتحقيق ,واختاَرِ
الختياَرِ من اللهُ دعاَهُ إلى الطريق ,فتجرد من الموال ,والغراض ,
وانتصبِ في قَياَم التوحيد للتهدف والغراض ,صااَرِ للمحن هدفاَ ,وللبلء
غرضاَ ,وزهد فيماَ عزلهُ جوهرا كاَن أو عرضاَ ( . 1
حلية الولياء وطبقات الصفياء للصفهاني ص 29 , 28ط دار الكتاب العربي بيروت . 1
وعمر الفاَرِوق رِضي اللهُ عنهُ ) ذو المقاَم الثاَبت المأَنوق ,أعلن اللهُ تعاَلى
بهُ دعوة الصاَدق المصدوق ,وفرق بهُ بين الفصل والهزل ,وأيد بماَ قَواهُ بهُ
من لوامع الطول ,ومهد لهُ من مناَئح الفضل شواهد التوحيد ,وبدد بهُ مواد
التنديد ,فظهرت الدعوة ,ورِسخت الكلمة ,فجمع اللهُ تعاَلى بماَ منحهُ من
الصولة ,ماَ نشأَت لهم من الدولة ,فعلت باَلتوحيد أصاواتهم بعد تخاَفت ,
وتثبتوا في أحوالهم بعد تهاَفت ,غلبِ كيد المشركين بماَ ألزم قَلبهُ من حق
اليقين ,ل يلتفت إلى كثرتهم وتواطيهم ,ول يكترث لمماَنعتهم
وتعاَطيهم ,إتكاَل ,اتكاَل على من هو منشئهم وكاَفيهم ,واستنصاَرِا بمن
هو قَاَصامهم وشاَفيهم ,محتمل لماَ احتمل الرسول ,ومصطبرا على
المكاَرِهُ لماَ يؤمل من الوصاول ,ومفاَرِقَاَ لمن اختاَرِ التنعم والترفيهُ ,
ومعاَنقاَ لماَ كلف من التشمر والتوجيهُ ,المخصوص من بين الصحاَبة
باَلمعاَرِضة للمبطلين ,والموافقة في الحكاَم لرب العاَلمين ,السكينة
تنطق على لساَنهُ ,والحق يجري الحكمة عن بياَنهُ ,كاَن للحق ماَئل ,وباَلحق
صااَئل ,وللثقاَل حاَمل ,ولم يخف دون اللهُ طاَئل ( . 2
و) كاَن بين كتفيهُ أرِبع رِقَاَع ,وإزارِهُ مرقَوع بأَدم ,وخطبِ على المنبر
وعليهُ إزارِ فيهُ اثني عشر رِقَعة ,وأنفق في حجتهُ ستة عشر ديناَرِا ,وقَاَل
لبنهُ :قَد أسرفناَ .
وكاَن ل يستظل بشيء غير أنهُ كاَن يلقى كساَءهُ على الشجر ويستظل
تحتهُ ,وليس لهُ خيمة ول فسطاَط ( . 3
وقَاَل في وصايتهُ التي وصاى بهاَ ابنهُ في آخر لحظة من عمرهُ ,وقَد
استسلف ماَل من بيت ماَل المسلمين :
) بع فيهاَ أموال عمر ,فإن وفت وإل فسل بني عدي ,وإن وفت وإل فسل
قَريشاَ و ل تعدهم ( . 4
دا على الشيعة الذين وإلى ذلك أشاَرِ شيخ السلم ابن تيمية في منهاَجهُ رِ ّ
قَاَلوا :إن علياَ كاَن أزهد أصاحاَب رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ,فقاَل :
) أزهد الناَس بعد رِسول اللهُ الزهد الشرعي أبو بكر وعمر ,وذلك أن أباَ بكر
كاَن لهُ ماَل يكسبهُ فأَنفقهُ ملهُ في سبيل اللهُ ...ولقد تل أباَ بكر عمر في
هذا الزهد ,وكاَن فوق علي في ذلك يعني في إعراضهُ عن الماَل واللذات .
وأماَ علي رِضي اللهُ عنهُ فتوسع في هذا الماَل من حلهُ ,وماَت عن أرِبع
زوجاَت وتسعة عشر أم ولدا ً سوى الخدم ,وتوفي عن أرِبعة وعشرين ولدا
من ذكر وأنثى ,وترك لهم من العقاَرِ والضياَع ماَ كاَنوا بهُ أغنياَء قَومهم
ومياَسيرهم ,هذا أمر مشهورِ ل يقدرِ على إنكاَرِهُ من لهُ أقَل علم
هذا وكاَن في أصاحاَب رِسول اللهُ زهاَد آخرون ولكن المتصوفة لم ينهوا
سلسلة سندهم إل إلى علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ مثل الشيعة
الذين يجعلونهُ أول إماَم لهم .كماَ نقل الهجويري عن الجنيد أنهُ قَاَل :
) شيخناَ في الصاول والبلء على المرتضى ,أي أن علي بن أبي طاَلبِ هو
إماَم هذهُ الطريقة في العلم والمعاَملة ,فأَهل الطريقة يطلقون على علم
الطريقة اسم الصاول ,ويسمون تحمل البلء فيهاَ باَلمعاَملت ( . 2
) ولمير المؤمنين علي رِضي اللهُ عنهُ خصوصاية من بين جميع أصاحاَب
رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم بمعاَني جليلة ,وإشاَرِات لطيفة ,وألفاَظ
مفردة ,وعباَرِة وبياَن للتوحيد والمعرفة واليماَن والعلم ,وغير ذلك ,
وخصاَل شريفة تعلق وتخلق بهُ أهل الحقاَئق من الصوفية ( . 4
) وأماَ علي بن أبي طاَلبِ كرم اللهُ وجههُ فذاك مدينة العلم ,وأول آخذ
لبيعة الطريق – طريق الولياَء – وأول ملقن باَلذكر والسر من الرسول
صالى اللهُ عليهُ وسلم ( . 5
لن جبريل عليهُ السلم نزل إلى رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ) :أول
باَلشريعة ,فلماَ تقررِت ظواهر الشريعة واستقرت نزل إليهُ باَلحقيقة
المقصودة والحكمة المرجوهُ من أعماَل الشريعة وهي اليماَن والحساَن
فخص رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم بباَطن الشريعة بعض أصاحاَبهُ دون
البعض .
وكاَن أول من أظهر علم القوم وتكلم فيهُ سيدناَ على كرم اللهُ وجههُ عن
رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ( . 6
فإن علياَ رِضي اللهُ عنهُ حسبِ كلم المتصوفة ) :من أصاحاَب العلم وممن
يعلمون من اللهُ ماَ لم يعلمهُ غيرهُ ( . 7
ول جبرائيل وميكاَئيل لن رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ) لماَ لقن علي
بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ ,وخلع عليهُ ذلك صااَرِ يقول :
ى رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ماَ ليسرهُ إل ّ
عندي من العلم الذي أس ّ
عند جبريل ول ميكاَئيل ( .
8
منهاج السنة النبوية لشيخ السلم ابن تيمية ج 4ص . 131 , 130 , 129 1
كشف المحجوب للهجويري ترجمة عربية للدكتورة اسعاد عبد الهادي ص 274ط بيروت . 1980 2
انظر تذكرة الولياء لفريد الدين العطار ص 185ط باكستان . 3
جمهرة الولياء وأعلم أهل التصوف للمنوفي الحسيني ج 1ص . 122 5
ورِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم جعلهُ بمنزلهُ هاَرِون من موسى مع
الفضل العظيم لبي بكر ) ولم يشرك الحبيبِ الرسول المقرب الخليل في
مقاَم الخ ّلة كماَ صالح أن يشرك معهُ في مقاَم الخوة علياَ كرم اللهُ وجههُ
فقاَل :علي مني بمنزلة هاَرِون من موسى ( . 2
وكاَن لهُ مقاَم ومنزلة عند الصوفية إلى أن نقل الشعراني عن أحد
المتصوفين أنهُ قَاَل :
) إن علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ رِفع كماَ رِفع عيسى عليهُ السلم ,
وسينزل كماَ ينزل عيسى عليهُ السلم – ثم يقول الشعراني :قَلت :وبذلك
قَاَل سيدي على الخواص رِضي اللهُ عنهُ فسمعتهُ يقول :
إن نوحاَ عليهُ السلم أبقى من السفينة لوحاَ على اسم علي بن أبي طاَلبِ
رِضي اللهُ عنهُ يرفع عليهُ إلى السماَء فلم يزل محفوظاَ في صاياَنة القدرِة
حتى رِفع علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ ( . 3
فهذا هو علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ ومكاَنتهُ ,ومنزلتهُ ,وشأَنهُ ,وقَد
نقل باَحث شيعي عن جلل الدين الرومي الصوفي الفاَرِسي المشهورِ أنهُ
ل على رِؤيتهم إلى علي وعقيدتهم فيهُ ,فيقول : قَاَل في أبياَتهُ ماَ تد ّ
ي
) مـــــنذ كـــــاَنت صاـــــــــــــورِة تركيبِ العـــاَلم كاَن عل ّ
ي
مـــــــنذ نقشـــــت الرِض وكـــــاَن الزمــــــاَن كاَن عل ّ
ي
كاَن عل ّ ذلك الفاَتح الذي انتزع باَب خيبر بحملة واحدة
كلــــــــماَ تأَملت في الفــــــاَق ونظــــــــــــرت
ي
كاَن عل ّ أيقــــــــــــــنت بأَنـــــــــــهُ في المــــوجــودات
إن مـــن كــــــاَن هو الـــوجـــود ,ولـــــولهُ
ي
كاَن عل ّ لســـــــــرى العــدم في العاَلم الموجود ) إياَهُ (
إن ســـــر العاَلمـــــين الظاَهر والبـــــاَطن
ي( .
4
كاَن عل ّ الـــــذي بدا في شمـــــس تبريـــــــــــز
وهذا الغلو في علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ عندماَ يقاَرِن باَلغلو
ل منهُ في صاورِة من الصورِ .الشيعي فيهُ ,ليس بأَقَ ّ
وإليهُ تنتسبِ سلسل التصوف كلهاَ كماَ قَاَل محمد معصوم شيرازي
الملقبِ بمعصوم علي شاَهُ :
كتاب اللمع للطوسي ص . 179 1
غزليات شمس تبريزي ط طهران المنقول من كتاب الصلة بين التصوف والتشيع ص . 85 , 84 4
118
) ولبد لكل سلسلة من سلسل التصوف من الزل إلى البد ,ومن آدم إلى
انقراض الدنياَ أن تكون متصلة بسيد العاَلمين وأمير المؤمنين ( . 1
لنهُ ) أزهد الصحاَبة عند المتصوفة ( . 2
كماَ هو ) رِأس الفتوة وقَطبهاَ ( . 3
ي عند المتصوفة هو علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ ,ومنهُ فأَول ول ّ
إنتقل الولية إلى غيرهُ من الولياَء كماَ أنهُ أول إماَم عند الشيعة ,
وتسلسلت منهُ فورِثهاَ غيرهُ ,وكذلك الفتوة والقطبية ,وهو الذي ألبس
خرقَتهُ الحسن البصري ,وهذهُ الخرقَة التي يلبسهاَ المتصوفة خلفاَءهم
وورِثتهم . 4
ص على تشيع هذا ابن خلدون في مقدمتهُ حيث يقول عند ذكر الصوفية وين ّ
:
) إنهم لماَ أسندوا لباَس خرقَة التصوف ليجعلوهُ أصال لطريقتهم وتخّيلهم
ي رِضي ي رِضي اللهُ عنهُ وهو من هذا المعنى أيضاَ ,وإل فعل ّ رِفعوهُ إلى عل ّ
ص من بين الصحاَبة بتخليهُ ول طريقة في اللباَس ول الحاَل اللهُ عنهُ لم يخت ّ
,بل كاَن أبو بكر وعمر رِضي اللهُ عنهماَ أزهد الناَس بعد رِسول اللهُ صالى
ص أحد منهم في الدين بشيء اللهُ عليهُ وسلم وأكثرهم عباَدة ,ولم يخت ّ
يؤثر عنهُ في الخصوص ,بل كاَن الصحاَبة كلهم أسوة في الدين والزهد
والمجاَهدة ,يشهد لذلك من كلم هؤلء المتصوفة في أمر الفاَطمي وماَ
شحنوا كتبهم في ذلك مماَ ليس لسلف المتصوفة فيهُ كلم بنفي أو إثباَت ,
وإنماَ هو مأَخوذ من كلم الشيعة والرافضة ومذاهبهم في كتبهم واللهُ
يهدي إلى الحق ( . 5
ي ,ورِواية لبس الحسن وهذا إضاَفة إلى أن هذهُ الخرقَة ونسبتهاَ إلى عل ّ
البصري كلهاَ باَطل ,ل أصال لهُ ,لنهُ ) لم يثبت لقاَء الحسن مع علي بن أبي
طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ على القول الصحيح ,لن علياَ رِضي اللهُ عنهُ انتقل
من المدينة إلى الكوفة والحسن صاغيرا ( . 6
وعلى كل فإن الصوفية ينهون سند لبس الخرقَة إلى علي بن أبي طاَلبِ
رِضي اللهُ عنهُ ,كماَ ينهون إليهُ سلسلهم .
ي بن أبي طاَلبِ وحدهُ ,بل يقولون مثل ماَ يقولهُ ول يقتصرون على عل ّ
الشيعة تماَماَ ) :وثاَمن الفتياَن بعد النبوة والرساَلة علي بن أبي طاَلبِ
كرم اللهُ وجههُ حيث أسلم صابياَ ,وجاَهد في سبيل اللهُ مراهقاَ ,وبوأهُ اللهُ
قَطباَنية الولياَء رِجل وكهل .
وعنهُ أخذ الفتوة ابناَهُ الحسن والحسين وهي أعلى مقاَماَت الولية عد
القطباَنية التي هي منهاَ والصديقة التي هي كماَلهاَ .
ومن دلئل فتوة الحسين أن الشهيد العظم في سبيل اللهُ وفي سبيل
الماَنة .
ص اللهُ تعاَلى بهاَ علياَ كرم اللهُ وجههُ أنهُ إذا كاَن
ومن الخصاَئص التي خ ّ
ي باَبهاَ ,وإن كاَن للفروسية أو الولية فتياَن فهو الرسول مدينة العلم فعل ّ
فتاَهماَ الول .
فعلي بن أبي طاَلبِ كرم اللهُ وجههُ أول فتياَن هذهُ المة وفتى أولياَئهاَ ,
وحسبهُ في ذلك أن أرِاد إفتداء الرسول بنفسهُ ( . 1
وكاَن الصوفي المشهورِ أبو العباَس المرسي تلميذ الشاَذلي يقول :
) طريقناَ هذهُ ل تنسبِ للمشاَرِقَة ول للمغاَرِبة ,بل واحد عن واحد إلى
الحسن بن علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ ,وهو أول القَطاَب ( . 3
وقَاَلوا :
) وكاَن من أوائل أهل طريق اللهُ بعد الصحاَبة علي بن الحسين زين
العاَبدين ,وابنهُ محمد بن علي الباَقَر ,وابنهُ جعفر بن محمد الصاَدق ,وذلك
بعد علي والحسن والحسين رِضي اللهُ عنهم جميعاَ (. 4
دون الماَم فاَنظر الترتيبِ ,وهذا نفس ترتيبِ الشيعة لئمتهم ,حيث يع ّ
الول والثاَني والثاَلث عليهُ وابنهُ الحسن والحسين ,والرابع والخاَمس و
الساَدس :زين العاَبدين ,ومحمد الباَقَر ,وجعفر بن محمد الباَقَر .
ثم الماَم الساَبع والثاَمن عندهم :موسى بن جعفر الملقبِ باَلكاَظم ,
وعلي بن موسى الكاَظم الملقبِ باَلرضاَ ,من الئمة الثني عشر .
وهاَهو الشعراني أيضاَ يعدهم أئمة ,واثني عشر أيضاَ ,عندماَ يذكر من بين
الصوفية وأولياَء اللهُ موسى بن جعفر ,فيقول :
) ومنهم موسى الكاَظم رِضي اللهُ عنهُ أحد الئمة الثني عشر ,وهو
موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طاَلبِ ...
1جمهرة الولياء لبي الفيض المنوفي ج 1ص . 89
2أيضا ص . 122 , 89
3طبقات الشعراني ج 2ص . 14
4جمهرة الولياء ج 1ص . 163
5التعرف لمذهب أهل التصوف للكلباذي ص . 36
120
وكاَن يك ّنى باَلعبد الصاَلح لكثرة عباَدتهُ واجتهاَدهُ وقَياَمهُ باَلليل ,وكاَن إذا
بلغهُ عن أحد يؤذيهُ يبعث إليهُ باَلماَل ( . 1
وأماَ علي بن موسى الرضاَ فيقولون عنهُ ) :أن شيخ مشاَئخ الصوفية
معروف الكرخي أسلم على يديهُ ( . 2
ويكتبِ القشيري عنهُ ) :أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي كاَن من
المشاَئخ الكباَرِ ,مجاَب الدعوة ,يستشفى بقبرهُ ,يقول البغداديون :قَبر
معروف ترياَق مجرب ,وهو من موالي علي بن موسى الرضاَ رِضي اللهُ
عنهُ ( . 3
وكتبِ عنهُ شيخ الزهر الساَبق والصوفي المعاَصار الدكتورِ عبد الحليم
محمود عن الرضاَ :
) لهُ كراماَت كثيرة :منهاَ أنهُ قَاَل لرجل صاحيح سليم :استعد لماَ ل بدّ منهُ ,
فماَت بعد ثلثة أياَم ,ورِوى الحاَكم أن أباَ حبيبِ قَاَل :
رِأيت المصطفى عليهُ الصلة والسلم في النوم ,في المنزل الذي ينزلهُ
الحاَج ببلدناَ ,فوجدت عندهُ طبقاَ من خوص فيهُ تمر ,فناَولني ثماَني عشرة
تمرة ,وبعد عشرين يوماَ قَدم علي الرضاَ من المدينة ونزل ذلك المنزل ,
وفزع الناَس للسلم عليهُ ,ومضيت نحوهُ فإذا هو جاَلس باَلموضع الذي
رِأيت المصطفى جاَلساَ فيهُ ,وبين يديهُ طبق فيهُ تمر صايحاَني ,فناَولني
قَبضة فإذا عدتهاَ بعدد ماَ ناَولني المصطفى ,فقلت :زدني .فقاَل :لو
زادك رِسول اللهُ لزدناَك ( . 6
1طبقات الشعراني ج 1ص . 37
2تذكرة العطار ص 150ط باكستان .
3الرسالة القشيرية ج 1ص 65بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود ومحمود بن الشريف ط القاهرة ,أيضا طبقات
الشعراني ج 1ص . 71
4طبقات الصوفية لبي عبد الرحمن السلمي ترتيب أحمد الشرباصي ط مطابع الشعب ,أيضا نفحات النس للجامي ص
39الطبعة الفارسية .
5طبقات الولياء لبن الملقن المتوفى 804هـ ص 493ط مكتبة الخانجي القاهرة الطبعة الولى 1393هـ .
6انظر الرسالة القشيرية لعبد الكريم القشيري تعليق رقم 3ص 65لعبد الحليم محمود ومحمود بن الشريف .
121
) 1قلدة الجواهر في ذكر الرفاعي وأتباعه الكابر ( لمحمد أبي الهدى الرفاعي ص , 375أيضا ) المنهج الموصل إلى
الطريق النهج ( لمصطفى الصاد في مخطوط ورقة . 32
2المجالس الرفاعية لحمد الرفاعي ص 108ط مطبعة الرشاد بغداد 1971م .
122
والشيخ معروف أخذ عن الرضاَ ,والشيخ سري أخذ عنهُ ,والشيخ جنيد أخذ
عن السري ,
وهو ومن الغرائبِ أن المتصوفة يعتقدون للحسن العسكري ابناَ ,كاَلشيعة
الثني عشرية ,مع إتفاَق أهل السنة والمؤرِخين ,وشهاَدة الشيعة ونقيبِ
الشراف وأخوهُ العسكري وأمهُ بأَنهُ لم يولد لهُ ولد ,وأثبت رِواية فيهُ
وأقَوم حجة ماَ رِواهُ الكليني بنفسهُ ,والخرين من مؤرِخي الشيعة
وأعلمهم أن الحسن العسكري لماَ دفن ) أخذ السلطاَن والناَس في طلبِ
ولدهُ ,وكثر التفتيش في المناَزل والدورِ ,وتوقَفوا عن قَسمة ميراثهُ ,ولم
يزل الذين وكلوا بحفظ الجاَرِية التي توهم عليهاَ الحمل ملزمين حتى تبّين
بطلن الحمل ,فلماَ بطل الحمل قَسم ميراثهُ بين أمهُ وأخيهُ جعفر ,
وادعت أمهُ وصايتهُ وثبت ذلك عند القاَضي ( . 1
وذكر هذا الخبر جميع مؤرِخي الشيعة ومؤلفيهم ومحدثيهم من المفيد في
الرِشاَد . 2
والطبرسي في إعلم الورِى . 3
والرِبلي في كشف الغمة . 4
والمل باَقَر المجلسي في جلء العيون . 5
وصااَحبِ الفصول في الفصول المهمة . 6
والعباَس القمي في منتهى الماَل . 7
وقَاَل النوبختي الشيعي المشهورِ في فرقَهُ :
) أن الحسن توفى ولم يولهُ أثر ,ولم يعرف لهُ ولد ظاَهر ,فاَقَتسم ميراثهُ
أخوهُ جعفر وأمهُ ( . 8
لكن المتصوفة يقولون أنهُ ولد للحسن العسكري ولد ,وهو الذي سيخرج
مهدياَ ,كعقيدة الشيعة تماَماَ بدون أدنى تغيير ,فاَسمع ماَذا يقولون :
) فهناَك بترقَبِ خروج المهدي عليهُ السلم ,وهو من أولد حسن
العسكري ,ومولدهُ عليهُ السلم ليلة النصف من شعباَن سنة خمس
وخمسين وماَئتين وهو باَق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم عليهُ السلم ,
فيكون عمرهُ إلى وقَتناَ هذا ,وهو سنة ثماَن وخمسين و تسعماَئهُ سبعماَئة
سنة وست سنين .هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقَي المدفون فوق كوم
الرئيس المطل على بركة الرطل بمصر المحروسة على الماَم المهدي
حين اجتمع بهُ .
ووافقهُ على ذلك شيخناَ سيدي علي الخواص رِحمهماَ اللهُ تعاَلى .
وعباَرِة الشيخ محيي الدين في الباَب الساَدس والستين وثلثماَئة من
الفتوحاَت ك
وأعلموا أنهُ لبد من خروج المهدي عليهُ السلم لكن ل يخرج حتى تمتلئ
الرِض جورِا وظلماَ فيملؤهاَ قَسطاَ وعدل ولو لم يكن من الدنياَ إل يوم
كتاب الحجة الكافي ص 505ط طهران . 1
فهذهُ هي عقاَئد المتصوفة في علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ ,وأئمة
الشيعة من أولدهُ ,فإليهم ينتسبون ,وبمسلكهم يسلكون ,وبخرافاَتهم
يتمسكون .
ونختم كلمناَ في هذا على مقولة صاوفي كبير وهو أبو الظفر ظهير الدين
القاَدرِي حيث يقول :القطبية كاَنت للئمة الثني عشر بطريق الستقلل ,
ولمن بعدهم بطريق النياَبة . 3
انظر المجالس الرفاعية المقدمة للسيد خاشع الراوي الرفاعي ص . 6 2
مل َئ ِ َ
كة ي وإت َْياَن ال َ ل ال ْ َ
وح ِ ن ُُزو ُ
وبعد هذا نرجع إلى أفكاَرِ الصوفية الخرى ومعتقداتهم الخاَصاة بهم ,لنرى
التشيع المتستر الظاَهر فيهاَ ,وتأَثيرهُ خفياَ جلياَ ليرى الباَحث والقاَرِئ
منهل التصوف ومنبعهُ ,مصدرِهُ ومأَخذهُ .
فإن الشيعة يرون بأَن النبوة لم تختم على محمد صالوات اللهُ وسلمهُ
عليهُ ,حيث لم يكن وحدهُ في زماَنهُ الذي كاَن ينزل عليهُ الوحي ,ويأَتي
إليهُ الملك ,ويكلمهُ اللهُ من ورِاء حجاَب ,بل كاَن هناَك شخص آخر في
زماَنهُ وبعدهُ ,كاَن لهُ تلك الوصااَف كلهاَ ,بل وأكثر منهاَ .
حيث أن رِسول اللهُ محمد صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ لم يكن يكلمهُ اللهُ إل
وحياَ ,أو من ورِاء حجاَب ,أو بإرِساَل رِسول ,فيوحي بإذنهُ ماَ يشاَء .
وأماَ الماَم فكاَن ينزل عليهُ الوحي ,ويرسل إليهُ رِسول ,ويكلمهُ اللهُ
ويناَجيهُ بل حجاَب ,وقَد أعطى خصاَل لم يسبقهُ إليهاَ أحد ,ثم توارِث هذهُ
الوصااَف من خلفهُ بعدهُ إلى خاَتم الئمة .
ص على ذلك مثل ماَ ذكر الكليني – وهووالغلة -وفي أصاحهاَ عندهم ماَ ين ّ
2
ي عليهُ السلم آخذ بهُ وماَ نهى عنهُ انتهى عنهُ ,جرى لهُ من ) ماَ جاَء بهُ عل ّ
الفضل مثل ماَ جرى لمحمد صالى اللهُ عليهُ وآلهُ وسلم ولمحمد صالى اللهُ
قبِ عليهُ عليهُ وآلهُ وسلم الفضل على جميع من خلق اللهُ عز وجل ,المتع ّ
في شيء من أحكاَمهُ كاَلمتعقبِ على اللهُ وعلى رِسولهُ والراد عليهُ في
د الشرك باَللهُ ,كاَن أمير المؤمنين عليهُ السلم باَب صاغيرة أو كبيرة على ح ّ
اللهُ الذي ل يؤتى إل منهُ ,وسبيلهُ الذي من سلك بغيرهُ هلك ,وكذلك يجري
لئمة الهدى واحدا ً بعد واحد ,جعلهم اللهُ أرِكاَن الرِض أن تميد بأَهلهاَ
وحجتهُ الباَلغة على من فوق الرِض ومن تحت الثرى ,وكاَن أمير المؤمنين
صالوات اللهُ عليهُ كثير ا ً ماَ يقول :أناَ قَسيم اللهُ بين الجنة والناَرِ وأناَ
الفاَرِوق الكبر وأناَ صااَحبِ العصاَ والميسم ولقد أقَّرت لي جميع الملئكة
والروح والرسل بمثل ماَ أقَّروا بهُ لمحمد صالى اللهُ عليهُ وآلهُ وسلم ولقد
ب وإن رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ حملت على مثل حمولتهُ وهي حمولة الر ّ
وآلهُ وسلم يدعى فيكسى ,وادعى فأَكسى ويستنطق واستنطق فأَنطق
على حد منطقهُ ,ولقد أعطيت خصاَل ماَ سبقني إليهاَ أحد قَبلي علمت
1حيث أن السماعيلية يرون النبوة مقتسمة بين محمد صلى الله عليه وسلم ,وعلي رضي الله عنه ,فكان رسول الله
محمد ناطقا بينما كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه صامتا ,وهو الساس والصل .فانظر لتفصيل ذلك كتابنا
) السماعيلية تاريخ وعقائد ( .
ي رض الله عنه , لنهم يعتقدون أن جبريل اشتبه عليه فنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بدل أن ينزل على عل ّ
2
) قَلت لبي عبد اللهُ ) جعفر ( عليهُ السلم :جعلت فداك ,بلغني أن اللهُ
تعاَلى قَد ناَجى علياَ عليهُ السلم ؟
قَاَل :أجل ,قَد كاَن بينهماَ مناَجاَة باَلطاَئف نزل بينهماَ جبريل ( .
2
لماَ دعاَ رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وآلهُ علياَ يوم خيبر ,فتفل في عينيهُ
وقَاَل لهُ :إذا أنت فتحتهاَ فقف بين الناَس ,فإن اللهُ أمرني بذلك ,قَاَل أبو
ي عليهُ السلم وأناَ معهُ ,فلماَ أصابح افتتح خيبر ووقَف رِافع :فمضى عل ّ
بين الناَس و أطاَل الوقَوف ,فقاَل الناَس :
إن علياَ عليهُ السلم يناَجي رِبهُ ,فلماَ مكث ساَعة أمر باَنتهاَب المدينة التي
فتحهاَ ,قَاَل أبو رِافع :فأَتيت رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وآلهُ ,فقلت :إن
علياَ عليهُ السلم وقَف بين الناَس كماَ أمرتهُ ,قَاَل قَوم منهم :
) إن اللهُ ناَجاَهُ ,فقاَل :نعم ياَ رِافع ,إن اللهُ ناَجاَهُ يوم الطاَئف ويوم عقبة
ويوم حنين ,ويوم غسل رِسول اللهُ ( . 3
هذا من ناَحية ,ومن ناَحية أخرى يرى الشيعة أن أئمتهم أولئك أفضل من
النبياَء كماَ صارح بذلك الكليني أن الماَمة فوق النبوة والرساَلة والخلة
حيث نقل رِواية عن جعفر بن محمد الباَقَر أنهُ قَاَل :
) إن اللهُ اتخذ إبراهيم عبدا قَبل أن يتخذهُ نبياَ ,وإن اللهُ اتخذهُ نبياَ قَبل أن
يتخذهُ رِسول ,وإن اللهُ اتخذهُ رِسول قَبل أن يتخذهُ خليل ,وإن اللهُ اتخذهُ
خليل قَبل أن يتخذهُ إماَماَ ( . 5
ورِوى أيضاَ عن يوسف التماَرِ أنهُ سمع جعفر بن الباَقَر أنهُ قَاَل :
) ورِب الكعبة ,ورِب البنية –ثلث مرات – لو كنت بين موسى والخضر
عليهماَ السلم لخبرتهماَ أني أعلم منهماَ ,و لنبئتهماَ بماَ ليس في أيديهماَ
لن موسى والخضر عليهماَ السلم أعطياَ علم ماَ كاَن ,ولم يعطياَ علم ماَ
يكون وماَ هو كاَئن حتى تقوم الساَعة (. 6
1الصول من الكافي ج 1ص 197 , 196ط إيران .
2بصائر الدرجات للصفار الباب السادس عشر ص 430ط إيران .
3أيضا ص . 431
4وقد أشبعنا الكلم في هذا الخصوص في كتابنا ) الشيعة والسنة ( وقد صدرت له حتى اليوم أكثر من ثلثين طبعة و
) الشيعة وأهل البيت ( و ) الشيعة والتشيع فرق وتاريخ ( وكذلك كتابنا الجديد بين الشيعة وأهل السنة ( ,ومن أراد
الستزادة فليرجع إلى تلك .
5كتاب الحجة من أصول الكافي ج 1ص 175ط إيران ,ومثله نقل عن أبيه أيضا .
6الكافي في الصول ج 1ص 261ط إيران .
126
وقَد بوب الحر العاَملي صااَحبِ موسوعة حديثية شيعية كبيرة باَباَ مستقل
بعنوان ) الئمة الثني عشر أفضل من ساَئر المخلوقَاَت من النبياَء
والوصاياَء الساَبقين والملئكة وغيرهم ,وأن النبياَء أفضل من الملئكة ( .
ثم أورِد تحتهُ رِواياَت عديدة ,منهاَ ماَ رِواهاَ عن جعفر أنهُ قَاَل :
) إن اللهُ خلق أولي العزم من الرسل ,وفضلهم باَلعلم ,وأورِثناَ علمهم ,
وفضلناَ عليهم في علمهم ,وعلم رِسول اللهُ ) ص ( ماَ لم يعلمهم ,وعلمناَ
علم الرسول وعلمهم ( . 2
وعلى ذلك قَاَل الخميني زعيم شيعة إيران اليوم في كتاَبهُ ) ولية الفقيهُ (
صهُ :
ماَ ن ّ
) إن من ضرورِياَت مذهبناَ أنهُ ل يناَل أحد المقاَماَت المعنوية الروحية للئمة
حتى ملك مقرب ول نبي مرسل ,كماَ رِوي عندناَ بأَن الئمة كاَنوا أنوارِا
تحت ظل العرش قَبل تكوين هذا العاَلم ....وأنهم قَاَلوا :إن لناَ مع اللهُ
أحوال ل يسعهاَ ملك مقرب ول نبي مرسل ,وهذهُ المعتقدات من السس
والصاول التي قَاَم عليهاَ مذهبناَ (. 3
فهذهُ هي عقاَئد الشيعة الثني عشرية في أئمتهم بأَنهُ يأَتي إليهم جبريل ,
وينزل عليهم الوحي ,ويكلمهم اللهُ من ورِاء حجاَب ,ويناَجيهم من دون
حجاَب ,وأن النبوة لم تنقطع ولم تختم بمحمد صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ ,
وأن الولية أعظم وأفضل من النبوة والرساَلة ,وعلمهم بدون واسطة
فصاَرِوا يعلمون علم ماَ كاَن وماَ يكون ,وفضلهم على الخلئق من النبياَء
والرسل .
هذا ,وبعد هذا عندماَ نرجع إلى آرِاء الصوفية ,وأفكاَرِهم ,عقاَئدهم
ومعتقداتهم ,كتبهم ورِساَئلهم ,رِواياَتهم ومقولتهم ,تصريحاَتهم
وعباَرِاتهم ,نجد معظم هذهُ الفكاَرِ وطاَبعهاَ واضحاَ جلياَ ,بل إنهاَ عين هذهُ
الترهاَت والخزعبلت ,مبثوثة منشورِة في كتبِ الولين منهم والخرين .
وهاَهي النصوص :
فيقول الصوفي الكبير عبد القاَدرِ الحلبي المعروف باَبن قَضيبِ الباَن :
1أيضا باب أن الئمة يعلمون علم ما كان ,وأنه ل يخفى عليه الشيء ج 1ص 261ط إيران .
2الفصول المهمة في أصول الئمة للحر العاملي ص 152ط إيران .
3وليت فقيه در خصوص حكومت إسلمي لنائب المام الخميني تحت باب وليت تكويني من الصل الفارسي ص 58ط
طهران .
127
صت بهُ الولياَء ( . 4
صت بهُ النبياَء ,خ ّ
) كل ماَ خ ّ
ب
وماَ هي اختصاَصااَت النبياَء غير الوحي ,ونزول الملئكة ,وكلم الر ّ
معهم ,وإخباَرِهم عن الغيبِ ,وكونهم معصومين عن الخطأَ والزلل في
تبليغ رِساَلت اللهُ , 2التي يريد ابن الباَن إشراك غيرهم معهم من الصوفية
؟
وهل لساَئل أن يسأَل :أو بعد مشاَرِكة الغير يبقى الختصاَص اختصاَصااَ ؟
وقَبل أن نتعمق في هذا نريد أن نضع النقاَط على الحروف ,كي ل يتوهم
المتوهم أنناَ نلزم القوم على ماَ ل يتقولونهُ ويعتقدونهُ .فنثبت من كتبهم
أنفسهم ,وبعباَرِاتهم هم ماَ يبرهن قَولناَ ,فيقول الشيخ الكبر للصوفية
دا على الغزالي :
رِا ّ
ي ,مع أننزول الملك على النبي والول ّ إن الغزالي غلط في التفريق بين
ي كلهماَ ينزل عليهُ الملك .
3
النبي والول ّ
وقَد ذكر الشعراني أيضاَ بقولهُ :
) فإن قَلت :قَد ذكر الغزالي في بعض كتبهُ :إن الفرق بين تنّزل الوحي
ي يلهمعلى قَلبِ النبياَء وتنزلهُ على قَلوب الولياَء نزول الملك ,فإن الول ّ
ول ينزل عليهُ ملك قَط ,والنبي ل بد لهُ في الوحي من نزول الملك بهُ ,
فهل هذا صاحيح ؟
فاَلجواب كماَ قَاَلهُ الشيخ في الباَب الرابع والستين وثلثماَئة :أن ذلك غلط
ي
...قَاَل الشيخ :وسببِ غلط الغزالي وغيرهُ في منع تنزل الملك على الول ّ
عدم الذوق ,وظنهم أنهم قَد علموا بسلوكهم جميع المقاَماَت و فلماَ ظنوا
ذلك بأَنفسهم ولم يروا ملك اللهاَم نزل عليهم أنكروهُ ,وقَاَلوا :ذلك خاَص
باَلنبياَء ,فذوقَهم صاحيح وحكمهم باَطل ,مع أن هؤلء الذين منعوا قَاَئلون
بأَن زياَدة الثقة مقبولة ,وأهل اللهُ كلهم ثقاَت .
قَاَل :ولو أن أباَ حاَمد وغيرهُ اجتمعوا في زماَنهم بكاَمل من أهل اللهُ
ي لقبلوا ذلك ولم ينكروهُ .
وأخبرهم بتنزل الملك على الول ّ
قَاَل :وقَد نزل عليناَ ملك فللهُ الحمد ( .
4
ثم يرتقي الحاَل من مشاَهدة الصورِ والمثاَل إلى درِجاَت يضيق عنهاَ نطاَق
النطق ( . 5
4المواقف اللهية لبن قضيب البان المتوفى 1040هـ ص 160ملحق بكتاب النسان الكامل لعبد الرحمن البدوي ط وكالة
المطبوعات الكويت 1976م .
2وسوف نفرد للعصمة كلما في محله إن شاء الله .
3البريز لعبد العزيز الدباغ ص 151ط مصر .
4اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الكابر للشعراني ج 2ص 85ط مصطفى البابي الحلبي القاهرة .
5المنقذ من الضلل للغزالي ص 127المنشور في مجموعة مؤلفات الدكتور عبد الحليم محمود ط دار الكتاب اللبناني
بيروت الطبعة الولى 1979م .أيضا المنقذ من الضلل ص 50بنجاب الباكستان .
128
هذا ويقول ابن عربي في كتاَبهُ ) الجواب المستقيم عماَ سأَل عنهُ الترمذي
الحكيم ( زياَدة على نزول الملك على الولي :
) وليس المر كذلك ,فقد رِآهُ الولياَء في حاَل حديثهُ لهم ,فكل قَاَل ماَ
شاَهد ...ومشهدهُ صاحيح ,وهذا كلهُ إذا كاَن الحديث من الملك والروح ( .
1
ي ويراهُ وقَت نزولهُ ي ينزل عليهُ الملك ويحدثهُ ويشاَهدهُ الول ّ يعني أن الول ّ
عليهُ ,وكلمهُ بهُ .
وبمثل ذلك يقول صاوفي قَديم آخر نجم الدين الكبري المتوفى 618هـ أن
الملئكة تنزل على الصوفية . 2
و بمثل ذلك قَاَل الدباَغ ,وبعباَرِة أكثر وضوحاَ من هذهُ العباَرِات :
ي من نزول الملك وعدمهُ ) وأماَ ماَ ذكروهُ في الفرق بين النبي والول ّ
فليس بصحيح ,لن المفتوح عليهُ سواء كاَن ولياَ أو نبياَ ل بد لهُ أن يشاَهد
الملئكة بذواتهم على ماَ هم عليهُ ,ويخاَطبهم ويخاَطبونهُ ,وكل من قَاَل :
3
ي ل يشاَهد الملك و ل يكلمهُ فذاك دليل على أنهُ غير مفتوح عليهُ ( إن الول ّ
.
وليس عاَمة الملئكة فحسبِ ,بل جبريل أيضاَ كماَ ينص على ذلك الشعراني
مى باَلوحيد :
ناَقَل عن الشيخ عبد الغفاَرِ القوصاي أنهُ قَاَل في كتاَبهُ المس ّ
ن الشيخ تاَج الدين بن شعباَن كاَن إذا سأَلهُ إنساَن في حاَجة يقول لهُ :
)أ ّ
اصابر حتى يجيء جبريل ( .
5
وبذلك يقول ابن عربي أن القطبِ ينزل على قَلبهُ الروح المين حيث يذكر
في كتاَبهُ ) مواقَع النجوم ( :
وينزل عليهُ باَلمر والنهي كماَ نص على ذلك الدباَغ بقولهُ :
ي باَلمر والنهي ( . 7
) ينزل الملك على الول ّ
1الجواب المستقيم لبن عربي مخطوط ورقة ب 246المندرج في كتاب ختم الولياء للحكيم الترمذي ص 221ط المطبعة
الكاثوليكية بيروت بتحقيق عثمان إسماعيل يحيى .
2انظر فوائح الجمال وفواتح الجلل لنجم الدين الكبري ص . 10
3البريز للدباغ ص . 151
4غيث المواهب العلية للنفزي الرندي ج 1ص . 262
5الخلق المتبولية للشعراني بتحقيق الدكتور منيع عبد الحليم محمود ج 1ص 454ط مطبعة حسان القاهرة .
6مواقع النجوم لبن عربي ص 102الطبعة الولى 1325هـ مطبعة السعادة مصر .
7البريز للدباغ . 151
129
) وتصير قَلوبهم مهبطاَ للوحي ( . 1
ويسمعون كلم اللهُ ) فإذا تحقق الصوفي بهذا الوصاف صااَرِ وقَتهُ سرمدا ,
وشهودهُ مؤبدا ,وسماَعهُ متوالياَ متجددا يسمع كلم اللهُ تعاَلى ( . 2
ونختم هذا على ماَ قَاَلهُ ابن عربي في هذا الخصوص :
ي أن العبد المحقق الصوفي إذا صافاَ وتحقق صااَرِ كعبة لجميع) اعلم ياَ بن ّ
السرارِ اللهية من كل حضرة وموقَف ,ويرد عليهُ في كل يوم جمعة ماَ
دام في ذلك المقاَم ستماَئة ألف سّر ملكوتي ,واحد منهاَ إلهي ,وخمسة
أسرارِ رِباَنية ,ليس لهاَ في حضرة الكون مدخل ( . 6
وليس هذا فحسبِ ,بل يقولون بعروج المتصوفة إلى السماَء ,ووقَوفهم
ب ,ومناَجاَتهم بهُ ,وتكليمهُ إياَهم ,فيحكي ابن الباَن عن نفسهُ
بين يدي الر ّ
:
) أوقَفني الحق على بساَط السرارِ ...وارِتقيت إلى السماَء الولى . ..ثم
ارِتقيناَ إلى السماَء الثاَنية ...ثم انتهيناَ إلى السماَء الساَبعة ...وفيهاَ ملك
على كرسي من نورِ ...وفي هذهُ السماَء رِضوان خاَزن الجناَن ,وأجمل
الملئكة من جندهُ ,وفيهاَ إسرافيل رِئيس عاَلم الجبروت ,وهو الذي
بشرني باَلقرب والمنزلة الكريمة عند رِبي ,وباَلسعاَدة في الخرة
والشفاَعة في أمة محمد ) ص( ,وفي هذهُ السماَء رِأيناَ إبراهيم الخليل
مسندا إلى البيت المعمورِ ...ثم انتهيناَ إلى سبعين حجاَباَ آخر ...حتى
انتهيت إلى آخر حجاَب هناَك ,وإذا بكرسي من اللؤلؤ منصبة قَوائمهُ من
الجوهر والياَقَوت الحمر والزبرجد الخضر ,فأَخذ آخذ بيدي وأجلسني عليهُ
1إبراهيم المتبولي :الخلق المتبولية للشعراني ص . 100
2عوارف المعارف للسهروردي ص . 27
3حكمة الشراق لشهاب الدين السهروردي ص 244 – 242نقل عن ختم الولياء للترمذي ص 466وما بعد .
4اللمحات الشراق لشهاب الدين السهروردي المورد السادس ص 173 , 172المندرج في كتاب يشتمل على رسائله
الثلثة باسم سه رسالة از شيخ إشراق ط مركز تحقيقات فارسي إيران وباكستان 1984م .
5ختم الولياء للحكيم الترمذي ص 346ط المطبعة الكاثوليكية بيروت .
6مواقع النجوم ومطالع أهلة السرار لبن عربي ص 171ط مطبعة السعادة مصر 1325هـ .
130
ى شيء ودخل جوفي من حيث ل أعلم ,فقاَل لي شيئاَ في ,ثم نّزل عل ّ
س باَطني بهاَ سكن
قَلبي .هاَ قَد أكرمك مولك باَلسكينة الرباَنية .فلماَ أح ّ
ي .فكأَني لم أرِ أشياَء ولم يهلني شيء .كل جاَرِحة ف ّ
ت :ياَ حبيبي و مطلوبي , ثم نوديت من مكاَن قَريبِ .وذلك من جهاَتي الس ّ
ي ,وكنت أسمع بقلبي ذلك الصوت حتى أظنهُ السلم عليك ,فغمضت عين ّ
ي فصرت ي ,ففتحت عين ّ من جوارِحي لقربهُ مني ,ثم نوديت :انظر عل ّ
كلي أعيناَ ,وكأَن في باَطني ماَ أرِاهُ في ظاَهري ,وصارت كأَني برزخ بين
كونين وقَاَب ,كماَ يرى الرائي عند النظر في المرآة ماَ بخاَرِجهاَ .ثم
سمعت بقاَرِئ يقرأ قَولهُ :آمن الرسول بماَ أنزل إليهُ من رِبهُ والمؤمنون
كل آمن باَللهُ وملئكتهُ وكتبهُ ورِسلهُ ,ل نفرق بين أحد من رِسلهُ وقَاَلوا
سمعناَ وأطعناَ غفرانك رِبناَ وإليك المصير .
وإذا بذلك الحجاَب قَد رِفع وأذن لي باَلدخول .ولماَ دخلتهُ رِأيت النبياَء
صافوفاَ صافوفاَ ودونهم الملئكة ,ورِأيت أقَربهم للحق أرِبعة أنبياَء ,ورِأيت
أولياَء أمة محمد أقَرب الناَس إلى محمد وهو أقَرب الخلق إلى اللهُ تعاَلى
وأقَرب إليهُ أرِبعة أولياَء ,فعرفت منهم السيد محيى الدين عبد القاَدرِ ,
وهو الذي تلقاَني إلى باَب الحجاَب ,وأخذ بعضدي حتى دنوت من سيدناَ
ي ,فل زال محمد صالى اللهُ عليهُ وآلهُ ,فناَولني يمينهُ فأَخذتهُ بكلتاَ يد ّ
يجذبني ويدنيني حتى ماَ بقي بيني وبين رِبي أحد ,فلماَ حققت النظر في
رِبي ورِأيتهُ على صاورِة النبي ,إل أنهُ كاَلثلج أشبهُ شيء أعرفهُ في الوجود
من غير رِداء ول ثياَب .ولماَ وضعت شفتي على محل منهُ لقَبلهُ أحسست
ببرد الثلج سبحاَنهُ وتعاَلى ,فأَرِدت أخر صاعقاَ ,فمسكني سيدناَ محمد صالى
اللهُ عليهُ وآلهُ ( . 1
وأماَ ابن عربي فيجعل لعروجهُ محاَكياَ المعراج النبوي الشريف ويقول :
) بينماَ أناَ ناَئم وسر وجودي متهجد قَاَئم جاَءني رِسول التوفيق ,ليهديني
سواء الطريق ,ومعهُ براق الخلص ,عليهُ لبد الفوز ولجاَم الخلص ,
ى ,وشق صادرِي بسكين ى ,وأخذ في نقضى وحل ّ فكشف عن سقف محل ّ
السكينة ,وقَيل لي :تأَهبِ لرِتقاَء الرتبة المكينة ,وأخرج قَلبي في
منديل ,لمن من التبديل ,وألقى في طست الرضاَ ,بموارِد القضاَ ,ورِمى
منهُ حظ الشيطاَن ,وغسل بماَء :إن عباَدي ليس لك عليهم سلطاَن ...ثم
أتيت باَلخمر واللبن ,فشربت ميراث تماَم اللبن ,وتركت الخمر حذرِا أن
أكشف السر باَلسكر ...استفتح لي سماَء الجساَم فرأيت سر رِوحاَنية آدم
عليهُ السلم ...فاَستفتح الرسول الوضاَح ,سماَء الرِواح ...قَاَل لي :مرحباَ
وأهل – إلى آخر الخرافاَت والمختلقاَت (. 2
ويقول أحد من المتقدمين من الصوفية نجم الدين كبري المقتول 618هـ :
) أنهُ أيضاَ ممن عرج بهُ إلى السماَء ( . 3
فقاَلوا :نحن ملئكة ,ونحن أنوارِ ,وهذا طبعناَ ل نقدرِ أن نجاَوزهُ ,فقاَلوا :
ومن أنت وماَ هذهُ السرعة في الطواف ؟
ي نورِ ,وناَرِ هذهُ السرعة من نتاَئج ناَرِ الشوق ( .
1
ي ,وف ّ
فقلت :بل أناَ آدم ّ
وكذلك يذكر النفزي الرندي المتوفى 792هـ في تفسير قَولهُ تعاَلى :وملكاَ
كبيرا :
) أنهُ يرسل اللهُ تعاَلى الملك إلى وليهُ ,ويقول لهُ :
استأَذن على عبدي ,فإن أذن لك فاَدخل ,وإل فاَرِجع ,فيستأَذن عليهُ من
سبعين حجاَباَ ,ثم يدخل عليهُ ومعهُ كتاَب من اللهُ عز وجل عنوانهُ :
ي الذي ل يموت ,فإذا فتح الكتاَب وجد ي الذي ل يموت إلى الح ّ من الح ّ
مكتوباَ فيهُ عبدي ,اشتقت إليك فزرِني ,فيقول :هل جئت باَلبراق ؟
فيقول :نعم ,فيركبِ البراق ,فيغلبِ الشوق على قَلبهُ ,فيحملهُ شوقَهُ ,
ويبقى البراق إلى أن يصل إلى بساَط اللقاَء ( . 3
انظر النسان الكامل للجيلي الباب التاسع والربعون في سدرة المنتهى ج 2ص . 13 , 12 2
انظر كتاب الطبقات لمحمد ضيف الله الجعلي الفضلي ص 105ط لبنان . 4
انظر الوصية الكبرى لعبد السلم الفيتوري ص 74ط طرابلس ليبيا 1976م . 6
الجواب المستقيم لبن عربي ورقة أ ,ب المنقول من كتاب ختم الولياء للترمذي ص . 224 7
انظر زبدة الحقائق لعزيز الدين نسفي ص 58تصحيح وتقديم حق وردي ناصري ط كتابخانة طهوري طهران . 9
132
) ومن المكلمين من يذهبِ بهُ الحق من عاَلم الجساَم إلى عاَلم الرِواح
وهؤلء أعلى مراتبِ .فمنهم من يخاَطبِ في قَلبهُ ,ومنهم من يصعد
بروحهُ إلى سماَء الدنياَ ,ومنهم إلى الثاَنية والثاَلثة كل على حسبِ ماَ قَسم
لهُ ,ومنهم من يصعد بهُ إلى سدرِة المنتهى فيكلمهُ اللهُ هناَك ,وكل من
المكلمين على قَدرِ دخولهُ في الحقاَئق تكون مخاَطباَت الحق لهُ و لنهُ
سبحاَنهُ وتعاَلى ل يضع الشياَء إل في مواضعهاَ .ومنهم من يضرب لهُ عند
عند تكليمهُ إياَهُ نورِ لهُ سرادق من النوارِ .ومنهم من ينصبِ لهُ منبرا من
نورِ .ومنهم من يرى نورِا في باَطنهُ فيسمع الخطاَب من تلك الجهة
النورِية ,وقَد يرى النورِ كثيرا وأكثر مستديرا ومتطاَول .ومنهم من يرى
ن أعلمهُ اللهُ أنهُ هو
ل ذلك ل يسمى خطاَباَ ,إل إ ْصاورِة رِوحاَنية تناَجيهُ ,ك ّ
المتكلم ,وهذا ل يحتاَج فيهُ إلى دليل ,بل هو على سبيل الوهلة فإن
خاَصاية كلم اللهُ ل تخفى ,وأن يعلم أن كل ماَ سمعهُ كلم اللهُ فل يحتاَج
هناَك إلى دليل ول بياَن ,بل بمجرد سماَع الخطيبِ يعلم العبد أنهُ كلم
اللهُ ,وممن صاعد بهُ إلى سدرِة المنتهى من قَيل لهُ حبيبي إنيتك هي
هويتي وأنت عين هو وماَ هو إل أناَ ,حبيبي بساَطتك تركيبي وكثرتك
واحديتي ,بل تركيبك بساَطتي وجهلك درِايتي ,أناَ المراد بك أناَ لك ل لي ,
أنت المراد بي أنت لي ل لك ,حبيبي أنت نقطة عليهاَ دائرة الوجود فكنت
أنت العاَبد فيهاَ والمعبود ,أنت النورِ أنت الظهورِ أنت الحسن و الزين
كاَلعين للنساَن والنساَن للعين :
وياَ سلوة الحزان للكبد الحّرى أياَ رِوح رِوح الروح والية الكبرى
حديثك ماَ أحلهُ عندي ومــاَ أمرا وياَ منتهى المـــــاَل ياَ غاَية المنى
وياَ عرفــاَن الغيبِ ياَ طلعة الغرا وياَ كعبة التحقيق ياَ قَبلة الصـــــفاَ
تصرف لك الدنياَ جميعاَ مع الخرى أتيناَك أخلفناَك في مــــــــــلك ذاتناَ
فكنت وكناَ والحقيـــــــقة ل تدرِى فلولك ماَ كناَ ولولي لم تــــــــكن
وإياَك نعني باَلفقيـــــــــر ول فقرا فإياَك نـــــعني باَلمـــــعزة والغنى
1
(
فلينظر الباَحث ,وليتعمق و هل بقي هناَك شيء خفي بعد هذا كلهُ ؟
ولكنناَ لتوثيق ماَ هو موثق نورِد نصوصااَ أخرى من أكاَبر القوم الخرين ,
وأعاَظمهم .
منهاَ ماَ نقل المتصوفة عن أبي يزيد البسطاَمي أنهُ كثيرا ماَ كاَن يقول
للفقهاَء :
ي الذي ل يموت ( )2أخذتم علمكم ميتاَ عن ميت ,ونحن أخذناَ علمناَ عن الح ّ
.
النسان الكامل لعبد الكريم الجيلي ص 66 , 65الطبعة الرابعة مصطفى البابي الحلبي 1402هـ . 1
الجواهر والدرر للشعراني بهامش البريز ص , 268أيضا ذخائر العلق لبن عربي ص . 153 2
133
وهو الذي يذكرون عنهُ أنهُ ذكر معراجهُ ومكاَلمتهُ الرب – تعاَلى اللهُ عماَ
يقولون بهُ علوا كبيرا – فيقول :
ورِني في الملكوت السفلي ,فأَرِاني ) أدخلني في الفلك السفل ,فد ّ
وف بي الرِضين وماَ تحتهاَ إلى الثرى ,ثم أدخلني في الفلك العلوي فط ّ
في السموات وأرِاني ماَ فيهاَ من الجناَن إلى العرش .
ي رِأيت حتى أهبهُ لك ,فقلت : ثم أوقَفني بين يديهُ فقاَل لي :سلني أ ّ
ياَ سيدي ماَ رِأيت شيئاَ استحسنتهُ فأَسأَلك إياَهُ ,فقاَل :أنت عبدي حقاَ
تعبدني لجلي صادقَاَ لفعلن بك ( . 1
ونقلوا مثل ذلك عن السري السقطي رِواية عن الجنيد أنهُ قَاَل :
ت عند سري ليلة ,فقاَل لي :أناَئم أنت ؟
ب ّ
قَلت :ل .قَاَل :خلقتهم فاَّدعوا محبتي ,فخلقت الدنياَ ,فاَشتغل بهاَ من
عشرة آلف تسعة آلف ,وبقي ألف ,فخلقت الجنة فاَشتغل بهاَ تسعماَئة ,
وبقي ماَئة ,فسلطت عليهم شيئاَ من بلئي ,فاَشتغل تسعون ,وبقي
عشرة ,فقلت لهم :ل الدنياَ أرِدتم ,ول في الجنة رِغبتم ,ول من البلء
هربتم ,فماَذا تريدون ؟
قَاَلوا :ألست أنت الفاَعل ؟ قَد رِضيناَ بذلك .نحمد ذلك بك وفيك ولك .
فقاَل :أنتم عباَدي حقاَ . 3
وعن صاوفي قَديم آخر سهل بن عبد اللهُ التستري أنهُ قَاَل :
1قوت القلوب لبي طالب المكي ج 2ص , 70كذلك محاسن المجالس لبن العريف ص , 77أيضا غيث المواهب العلية
للنفزي الرندي ص . 305
2انظر كتاب اللمع للطوسي ص . 461
3روضة التعريف للسان الدين بن الخطيب ص 538 , 537ط دار الفكر العربي القاهرة .
4طبقات الشعراني ص . 200
134
) أناَ منذ ثلثين سنة أكلم اللهُ والناَس يتوهمون أني أكلمهم ( . 1
) نقل عن السيد إبراهيم العزب أنهُ قَاَل :كنت جاَلساَ في الغرفة مع
السيد أحمد الرفاَعي رِضي اللهُ تعاَلى عنهماَ ,ورِأسهُ على رِكبتيهُ ,فرفع
رِأسهُ وضحك بأَعلى صاوتهُ فضحكت أناَ أيضاَ ثم ألححت عليهُ ليخبرني عن
سببِ ضحكهُ ,فقاَل :
أي إبراهيم ,ناَداني العزيز سبحاَنهُ :أني أرِيد أن أخسف الرِض ,وأرِمي
السماَء على الرِض .
فلماَ سمعت هذا النداء تعجبت ,وقَلت :إلهي ,من ذا الذي يعاَرِضك في
ملكك وإرِادتك ؟
قَاَل سيدي إبراهيم :فأَخذتهُ الرعدة ووقَع على الرِض وبقي في ذلك
الحاَل زماَناَ طويل ( . 3
فقيل لي :أنفق ياَ علي ,وأناَ الملي ,إن شئت من الجيبِ ,وإن شئت من
الغيبِ .
التعرف لمذهب أهل التصوف بتحقيق محمود أمين النواوي ص 172ط القاهرة الطبعة الثانية 1980م . 1
انظر قلدة الجواهر في ذكر الرفاعي وأتباعه الكابر للسيد محمد أبي الهدى الرفاعي ص . 180 3
135
ونزل الشاَذلي رِضي اللهُ عنهُ من على الجبل ليغاَدرِ شاَذلة ,ويستقبل
مرحلة جديدة ,فقد انتهت المرحلة الولى التي رِسمهاَ لهُ شيخهُ .
وقَبل أن نغاَدرِ معهُ شاَذلة إلى رِحلتهُ الجديدة نذكر ماَ حكاَهُ رِضي اللهُ عنهُ
فيماَ يتعلق بنسبتهُ إلى شاَذلة ,قَاَل :
هذا ولقد نقلوا مثل هذهُ المكاَلماَت والمناَجاَة بين ذي النون المصري
ب تباَرِك وتعاَلى أيضاَ . 2
والر ّ
دعى مثل هذهُ الدعوى ,وكتبِ وقَلماَ يوجد صاوفي أو متصوف إل وقَد ا ّ
التراجم وطبقاَت الصوفية مليئة بمثل هذهُ الكاَذيبِ والشناَعاَت ,والجرأة
على اللهُ ,والنتقاَص من شأَن نبيناَ صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ خاَتم النبيين
وسيد المرسلين ,حيث ينسبون إلى أنفسهم ,أو إلى مرشديهم
ومتصوفيهم ماَ لم يكن لبشر أن يحصل عليهُ ,حتى سيد الخلئق وأفضل
النبيين والمرسلين مثل ماَ أورِدناَ عنهم ,ومثل ماَرِووا عن فتح اللهُ بورِاس
القيرواني أنهُ كاَن يقول :
) أشهدني اللهُ تعاَلى ماَ في السموات السبع وماَ في الكرسي وماَ في
اللوح المحفوظ وجميع ماَ في الحجبِ ,وفككت طلسم السموات السبع
والفلك الثاَمن الذي فيهُ جميع الكواكبِ وجميع الفلك الثاَمن ,وهم بناَت
نعش والجدي والقطبِ ,ووصالت إلى الفلك التاَسع الذي يسمونهُ الطلس ,
ورِصادت جداولهُ وأناَ عند ذلك طفل صاغير لم أبلغ الحلم ( . 3
1انظر كتاب الدكتور عبد الحليم محمود المدرسة الحديثة الشاذلية وإمامها أبو الحسن الشاذلي ص 35 , 34ط دار الكتب
الحديثة القاهرة .
2انظر تذكرة الولياء للعطار ص 74ط باكستان .
3الوصية الكبرى لشيخ العروسية عبد السلم الفيتوري ص 75ط مكتبة النجاح طرابلس ليبيا .
136
في جنة عدن وبــــــستاَنـــــهاَ قَد أســـــــكنتـــــــــــــــــــــهُ ( . 1
ومثل ذلك ذكر الشعراني عن الدسوقَي المتوفى 776هـ حيث قَاَل :
ي في الرِض خلعتهُ بيدي .ألبس منهم من شئت ,أناَ في السماَء ) أناَ كل ول ّ
شاَهدت رِبي ,وعلى الكرسي خاَطبتهُ ,أناَ بيدي أبواب الناَرِ أغلقتهاَ ,
وبيدي جنة الفردوس فتحتهاَ .من زارِني أسكنتهُ جنة الفردوس ( . 2
نعوذ باَللهُ من مثل هذهُ الخرافاَت ,ول يؤاخذناَ اللهُ على نقل ماَ اقَترفتهُ
ن هي اليدي الثيمة واللسن الخبيثة ,رِبناَ ل تهلكناَ بماَ فعل السفهاَء مناَ إ ْ
ل بهاَ من تشاَء وتهدي من تشاَء أنت وليناَ فاَغفر لناَ و ارِحمناَ إل فتنتك تض ّ
وأنت خير الغاَفرين .
صالوا قَاَعدة وحكماَ عاَماَ ,وقَاَلوا :
ثم إن الصوفية أ ّ
ي متصل باَللهُ تعاَلى إل وهو يناَجي رِبهُ كماَ كاَن موسى عليهُ ) ماَ كاَن ول ّ
السلم يناَجي رِبهُ ( .
3
وأماَ ابن عربي القاَئل دوماَ ) :حدثني قَلبي عن رِبي ,في كتبهُ ورِساَئلهُ ,و
:ماَ صانفت كتاَباَ عن تدبير واختياَرِ إل بأَمر من اللهُ وإرِشاَدهُ ( . 8
) إنماَ يسمع الصوفي في هذا المقاَم ويمتثل ماَ يسمع – كماَ أناَ ماَ زلت
أسمع متحققاَ في مقاَمي من الحق ( . 1
وأماَ إطلعهم على الغيبِ ,وإحاَطتهم بعلم ماَ كاَن وماَ يكون ,وإخباَرِهم
بكل ماَ ظهر وماَ بطن فكتبِ القوم مليئة بهذهُ المختلقاَت ,بل يمكن
لقاَرِئ كتبِ الصوفية والباَحث في تراجمهم وطبقاَتهم أن يقول :إن
د منهم إل أن يكون حاَمل لذلك العلم شخصاَ ماَ ينسبِ إلى هؤلء الناَس ويع ّ
الذي هو من خاَصاة رِب السموات والرِض ,حيث أخبر عن ذاتهُ سبحاَنهُ
تباَرِك وتعاَلى :
ر وال ْب َ ْ
ح ِ في ال ْب َّر َ ماَ ِ م َعل َ ُ وي َ ْو َ ه َ هاَ ِإل ّ ُ م َعل َ ُ بِ ل َ ي َ ْ غي ْ ِح ال ْ َ فاَت ِ ُ م َ عندَهُُ َ و ِ } َ
ول َ َ ُ ُ َ ُ
ض َ ت الْرِ ِ ماَ ِ في ظل َ ة ِ حب ّ ٍول َ َ هاَ َ م َعل ُ ة ِإل ّ ي َ ْ قَ ٍوَرِ َ من َ قط ِ س ُ ماَ ت َ ْ و َ
َ
ن{ . ّ َ ْ
مِبي ٍ ب ّ في ك َِتاَ ٍ س ِإل ِ ول َياَب ِ ٍ بِ َ
َرِط ٍ
2
َ َ
هُ { . 3 مُر ك ُل ّ ُ ع ال ْ ج ُ هُ ي ُْر َوإ ِل َي ْ ِض َ والْرِ ِ ت َ وا ِ ماَ َ س َبِ ال ّ غي ْ ُهُ َ ول ِل ّ ِ وقَاَل َ } :
ْ َ
تذا ِ م بِ َعِلي ٌ هُ َ ض إ ِن ّ ُ والْرِ ِ ت َ وا ِ ماَ َس َ بِ ال ّ غي ْ ِ م َ عاَل ِ ُهُ َن الل ّ َ وقَاَل } :إ ِ ّ
4
رِ { . دو ِ ص ُال ّ
وأخبر عن نفسهُ بنفسهُ :
ة ال ْك َِبيُر ال ْ ُ وال ّ م ال ْ َ
5
ل{
عاَ ِ
مت َ َ هاَدَ ِ
ش َ بِ َ
غي ْ ِ عاَل ِ ُ
} َ
م {. 6
كي ُ زيُز ال ْ َ
ح ِ ة ال ْ َ
ع ِ هاَدَ ِ وال ّ
ش َ بِ َ م ال ْ َ
غي ْ ِ عاَل ِ ُ
وَ }:
ص في المسأَلة حيث أمر نبّيهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم أن
والية التي هي ن ّ
يقول :
ْ َ
بِ إ ِّل الل ّ ُ ض ال ْ َ عل َ ُ
قَل ّل ي َ ْ
} ُ
7
. هُ { غي ْ َ والْرِ ِ ت َ
وا ِ
ماَ َ
س َ
في ال ّ
من ِ
م َ
كماَ أمر نبيهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم أن ينفي عن نفسهُ الغيبِ :
. 8
بِ { م ال ْ َ
غي ْ َ ول أ َ ْ
عل َ ُ ن الل ّ ِ
هُ َ خَزآئ ِ ُ
دي َ
عن ِ ل ل َك ُ ْ
م ِ قَل ل ّ أ َ ُ
قَو ُ } ُ
انظر مواقع النجوم لبن عربي ص 164وما بعد الطبعة الولى 1325هـ مطبعة السعادة مصر . 1
فإذا كشف الحجاَب ,وفتح لهم الباَب ) علم العوالم بأَجمعهاَ على ماَ هي
عليهُ من تفاَرِيعهاَ من المبدأ إلى المعاَد وعلم كل شيء ,كيف كاَن ؟ وكيف
هو كاَئن ؟ وكيف يكون ؟ وعلم ماَ لم يكن ,ولم ل يكون ماَ لم يكن ؟ ولو
كاَن ماَ لم يكن كيف كاَن يكون ؟ كل ذلك علماَ ً أصالياَ حكيماَ كشفياَ ذوقَياَ
من ذاتهُ لسرياَنهُ في المعلوماَت علماَ إجماَلياَ تفصيلً كلياَ جزئياَ مفصل في
إجماَلهُ ...ومنهم من تجلى اللهُ عليهُ بصفة السمع فيسمع نطق الجماَدات
والنباَتاَت والحيواناَت ,وكلم الملئكة واختلف اللغاَت ,وكاَن البعيد عنهُ
كاَلقريبِ ( . 6
9العراف . 188
2المائدة . 116
3رسالة ترتيب السلوك للقشيري من مجموعة الرسائل القشيرية لعبد الكريم القشيري المتوفى 465ط المعهد المركزي
للبحاث السلمية باكستان 1384هـ .
4التعرف للكلباذي ص . 33
5إيقاظ الهمم لبن عجيبة الحسني ص . 77
6النسان الكامل للجيلي ج 1ص . 64 . 63
7حياة القلوب في كيفية الوصول إلى الجنوب لعماد الدين الموي ص 261بهامش قوت القلوب لبي طالب .
139
وأيضاَ ) :يشرف على الملكوت العظم ,ويرى عجاَئبهُ ,ويشاَهد غرائبهُ ,
مثل اللوح ,والقلم ,واليمين الكاَتبة ,وملئكة اللهُ تعاَلى يطوفون ,حول
العرش يسبحون بحمد رِبهم ,وباَلبيت المعمورِ ,ويسبحونهُ ويقدسونهُ ,
ويفهم كلم المخلوقَين من الحيواناَت والجماَدات ,ثم يتخطى منهاَ إلى
معرفة الخاَلق للكل والماَلك للكل فتغشاَهم النوارِ ,وتتجلى لقلوبهم
الحقاَئق ( . 1
ويقول الدباَغ وهو يذكر بعض ماَ يشاَهدهُ المفتوح عليهُ وهو الولي عندهُ ,
فيقول :
) أماَ في المقاَم الول فإنهُ يكاَشف فيهُ بأَمورِ ,منهاَ :أفعاَل العباَد في
خلواتهم .
ومنهاَ :مشاَهدة الرِضين السبع والسموات السبع ,ومنهاَ مشاَهدة الناَرِ
التي في الرِض الخاَمسة ,وغير ذلك مماَ في الرِض والسماَء ...ومن
الشياَء التي يشاَهدونهاَ :اشتباَك الرِضين بعضهاَ ببعض ,وكيف تخرج من
أرِض إلى أرِض أخرى ,وماَ تمتاَز بهُ أرِض عن أرِض أخرى ,والمخلوقَاَت
التي في كل أرِض .
وأماَ المقاَم الرابع فإنهُ يشاَهد فيهُ النورِ الذي ينبسط عليهُ الفعل ,وينحل
م في الماَء ,فاَلفعل كاَلسم والنورِ كاَلماَء ...وفي المقاَم
فيهُ كاَنحلل الس ّ
الخاَمس يشاَهد انعزال الفعل عن ذلك النورِ ,فيرى النورِ نورِا ,والفعل
فعل ...والمفتوح عليهُ ل يغيبِ عليهُ ماَ في أرِحاَم النثى فضل عن غيرهُ ( .
2
وكاَن الدباَغ هذا يرى أيضاَ أن المتصوفة ل يعرفون الغيبِ فحسبِ ,بل
يعرفون الغيوب الخمسة التي ذكرهاَ اللهُ تعاَلى في محكم كتاَبهُ أنهُ ل
يعلمهاَ أحد غيرهُ بقولهُ :
حياة القلوب ص 276 , 275بهامش قوت القلوب لبي طالب المكي . 1
كيف يخفى أمر الخمس عليهُ والواحد من أهل التصوف من أمتهُ الشريفة
ل يمكنهُ التصرف إل بمعرفة هذهُ الخمس ( . 1
وأيضاَ ) :إن الجنين إذا سقط من بطن أمهُ يراهُ العاَرِف في تلك الحاَلة إلى
آخر عمرهُ ( . 3
مجموع مخطوط بالفاتكان عربي رقم 1242ورقة 51ب , 52 -أيضا النسان الكامل للجيلي ج 1ص . 122 6
ولقد أّدب اللهُ تباَرِك وتعاَلى نبيهُ ونجيهُ وصافيهُ سيد البشر قَاَئد النبيين
والمرسلين صالى اللهُ عليهُ وسلم على جوابهُ لمن سأَلهُ عن أصاحاَب الكهف
وعددهم ,رِجاَء بأَن ينزل عليهُ الوحي ,ويخبر اللهُ عز وجل عنهم ,والوحي
كاَن ينزل ,وجبريل كاَن يأَتي ,واتصاَلهُ كاَن قَاَئماَ باَلسماَء فقاَل مرسلهُ
ومنزل الوحي عليهُ :
) إن للولياَء الطلع على ماَ هو مكتوب على أورِاق الشجر والماَء والهواء
وماَ في البر والبحر وماَ هو مكتوب على صافحة قَبة خيمة السماَء ,وماَ في
جباَهُ النس والجاَن مماَ يقع لهم في الدنياَ والخرة ( . 5
وأماَ ابن عربي ومدرِستهُ فقد تكلموا في مثل هذا كثيرا ,ول يخلو كتاَب
من كتبهم عن مثل هذهُ الخرافاَت والموبقاَت ,فيقول ابن عربي :
) فأَماَ العلم اللدني ,فمتعلقهُ اللهياَت وماَ يؤدي إلى تحصيلهاَ من الرحمة
الخاَصاة .وأماَ علم النورِ فظهر سلطاَنهُ في المل العلى قَبل وجود آدم
بآلف السنين من أياَم الرب .
وأماَ علم الجمع والتفرقَة فهو البحر المحيط ,الذي اللوح المحفوظ جزء
منهُ ,ومنهُ يستفيد العقل الول ,وجميع المل العلى منهُ يستمدون .وماَ
ناَلهُ أحد من المم سوى أولياَء هذهُ المة .وتتنوع تجلياَتهُ في صادورِهم
على ستة آلف وماَئتين .
ويقول :
) من يكن الحق سمعهُ وبصرهُ فكيف يخفى عليهُ شيء ( .
2
وقَاَل :
ي إلى عاَلم الغيبِ فيشاَهد اليمين ماَسكة قَلمهاَ وهي تخطط
الول ّ ) يرتقي
في اللوح ( .
3
ولقد بّين في إحدى كتبهُ طريق إطلع الصوفية على الغيبِ فقاَل :
) الكشف والطلع على الغيبِ يكون بطريق التجلي ,إماَ باَلتنزل أو
باَلعروج ( . 6
فهذهُ هي آرِاء ابن عربي وأقَوالهُ ,صاريحة في معناَهاَ ,جلية في مغزاهاَ ,
واضحة في مرادهاَ ,ل غموض فيهاَ ول تعقيد ,ول تحتاَج إلى التبيين
والتوضيح .
كتاب التجليات لبن عربي ص 22من مجموعة رسائله ط حيدر أباد دكن الهند 1367هـ . 1
إنشاء الدوائر لبن عربي ص 35ط مطبعة بريل ليدن 1336هـ . 6
رسالة النصوص لمحمد بن إسحاق القونوي ص 41 , 40ط مشهد إيران . 8
144
) النبياَء والفضلء المتأَلهون يتيسر لهم الطلع على المغيباَت ,لن
نفوسهم إماَ قَوية باَلفطرة أو تتقوى بطرائقهم وعلومهم ,فينتقشون
باَلمغيباَت ,لن نفوسهم كاَلمراياَ المصقولة تتجلى فيهاَ نقوش من
الملكوت .فقد يسري شبح إلى الحس المشترك ,يخاَطبهم ألدّ مخاَطبة
وهو في أشرف صاورِة ,ورِبماَ يرون الغيبِ باَلحس المشترك مشاَهدة ,
ورِبماَ يسمعون صاوت هاَتف ,أو يقرؤن من مسطورِ ( . 1
والترمذي الملقبِ باَلحكيم يقول ) :إن الولياَء لهم علماَت وعلوم ,وأماَ ماَ
يعرفونهُ من العلوم فهي ) علم البدء ,وعلم الميثاَق ,وعلم المقاَدير ,
وعلم الحروف ,فهذهُ أصاول الحكمة ,وهي الحكمة العلمية ,وإنماَ يظهر
هذا العلم عن كبراء الولياَء ويقبلهُ من لهُ حظ في الولية ( . 4
وقَد قَاَل الشبلي رِحمهُ اللهُ تعاَلى :لو دّبت نملة سوداء على صاخرة صاماَء
في ليلة ظلماَء ولم أسمعهاَ لقلت :أني مخدوع أو ممكورِ بي .
ب إل بقوتي وأناَوقَاَل غيرهُ :ل أقَول :ولم أشعر بهاَ لنهُ ل يتهيأَ لهاَ أن تد ّ
محركهاَ ( . 5
هذا ومثل هذا أكثر من أن يسعهُ كتاَب ,أو تشملهُ رِساَلة ,ولقد تأَتي
حكاَياَت المتصوفة المتضمنة إخباَرِهم باَلغيبِ ,وإحاَطتهم بجميع علوم
الكون وأحوالهُ ,وإطلعهم على ماَ كاَن وماَ يكون في محلهُ وفي باَب
مستقل إن شاَء اللهُ .
1اللواح العمادية للسهروردي ص 64المطبوع ضمن رسائله الثلثة باسم سه رسالة شي إشراق بتحقيق نجف قلي
اليراني ط مركز تحقيقات فارسية إيران باكستان .
2روضة التعريف للسان اليدن ابن الخطيب ص 463بتحقيق عبد القادر أحمد عطاط دار الفكر العربي .
3شرح مقدمة التائية الكبرى لداود القيصري مخطوط ص 104نقل عن كتاب ختم الولياء ص . 496
4ختم الولية للحكيم الترمذي ص . 362
5النسان الكامل للجيلي ص . 122
145
146
ي
ول ّ
و ال َ
ي َ
ن الن ّب ِ ّ
واة ب َي ْ َ
ساَ َ
الم َ
وأماَ تسوية الصوفية بين الولية والنبوة ,بل وتفضيلهم الولية على النبوة
والرساَلة ,والولياَء على أنبياَء اللهُ ورِسلهُ ,مثل الشيعة ,فتدل عليهُ
عباَرِات القوم وتصريحاَتهم ,فيقول لساَن الدين ابن الخطيبِ :
) الولية :أن يتولى اللهُ الواصال على حضر قَدسهُ ,بكثير مماَ تولى بهُ النبي
,من حفظ وتوفيق ,وتمكين واستخلف وتصريف .
فاَلولي يساَوي النبي في أمورِ ,منهاَ :العلم من غير طريق العلم الكسبي ,
والفعل بمجرد الهمة ,فيماَ لم تجر بهُ العاَدة أن يفعل إل باَلجوارِح
والجسوم ,مماَ ل قَدرِة عليهُ لعاَلم الجسوم .
كاَن الفضيل بن عياَض ,على جبل من جباَل منى ,فقاَل :لو أن ولياَ من
أولياَء اللهُ أمر هذا الجبل أن يميد لماَد ,فتحرك الجبل ,فقاَل :اسكن .لم
أرِدك بهذا ,فسكن الجبل .
ويفعل باَلهمة في عاَلم الخياَل وفي الحس ,فإنهُ يسمع ويرى ,ماَ ل يرى
ول يسمع وهو بين الناَس .
ثم شاَرِكت الولياَء النبياَء في الخذ عنهُ ,وإليهُ الشاَرِة بقولهُ ) أولياَء
أمتي أنبياَء من دونهم ( فقد يرث ولي من الولياَء آدم ,أو إدرِيس ,أو
إسحاَق ,أو إسماَعيل ,أو يوسف ,أو موسى ,أو عيسى ,لكن ل يتوصال
إلى نورِهُ ول حاَلهُ إل من محمد صالوات اللهُ وعليهم وسلمهُ ,إل القطبِ
وحدهُ ,فإنهُ على قَلبِ محمد صالى اللهُ عليهُ وسلم ) ولمثل هذا المقاَم
1
الكريم فليعمل العاَملون ( (
و ) أن الولياَء لهم أرِبعة مقاَماَت :الول مقاَم خلفة النبوة ,والثاَني مقاَم
خلفة الرساَلة ,والثاَلث مقاَم خلفة أولي العزم ,والرابع خلفة مقاَم
أولي الصاطفاَء .
فمقاَم خلفة النبوة للعلماَء.
ومقاَم خلفة الرساَلة للبدال.
ومقاَم خلفة أولي العزم للوتاَد .
ومقاَم خلفة الصاطفاَء للقَطاَب .
روضة التعريف للسان الدين بن الخطيب ص . 520 , 519 1
147
وكذب على رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم أنهُ حكى عن اللهُ عز وجل أنهُ
قَاَل :
) أولئك كلمهم كلم النبياَء ( .
5
1جامع الصول في الولياء للكمشخاوي ص 5ط المطبعة الوهيبية طرابلس 1398هـ .
2الفتح المبين فيما يتعلق بترياق المحبين لبي الظفر ظهير الدين القادري ص 52ط المطبعة الخيرية مصر الطبعة الولى
1306هـ .
3انظر ص 70ط المطبعة الوهيبية طرابلس الشام 1398هـ .
4الفتوحات اللهية لبن عجيبة الحسني ص 264ط عالم الفكر القاهرة 1983م .
5أيضا ص . 116
148
عَلى الن ّب ِ ّ
ي ي َ
ول ّ ضي ُ
ل ال َ تَ ْ
ف ِ
ولم يقتصر القوم على مثل هذهُ السخاَفاَت والباَطيل ,بل زادوا في
غلوائهم حيث فضلوا الولية على النبوة والرساَلة ,والولياَء على النبياَء
والمرسلين ,فقاَلوا :
) خضناَ بحورِا وقَفت النبياَء بسواحلهاَ ( .
1
و) معاَشر النبياَء ,أو تيتم اللقبِ ,وأوتيناَ ماَ لم تؤتوهُ ( . 2
لن ) الولية :هي الفلك القَصى ,من سبح فيهُ اطلع ,ومن اطلع علم ,
ي المجهول الذي ل يعرف , ومن علم تحول في صاورِة ماَ علم .فذلك الول ّ
والنكرة التي ل تتعّرف ,ل يتقيد بصورِة ,ول تعرف لهُ سريرة ,يلبس لكل
ماَ بؤسهاَ .
حاَلة لبوسهاَ ,أماَ نعيمهاَ وإ ّ
1البريز للدباغ ص 276نقل عن أبي يزيد البسطامي ,أيضا جمهرة الولياء للمنوفي ج 1ص , 266طبقات الشعراني ج 2
ص , 16الفتوحات اللهية لبن عجيبة ص , 261كذلك النسان الكامل للجيلي نقل عن أبي الغيث ج 1ص . 124
2النسان الكامل للجيلي ج 1ص , 124كذلك الجواهر والدرر ص 286بهامش البريز ,الجواب المستقيم لبن عربي ص
247نقل عن الجيلي .
3لطائف المنن والخلق للشعراني ج 1ص , 125أيضا شرح شطحيات ) فارسي ( روزبهان بقلي شيراري ص 132بتصحيح
هنري كربين ط طهران 1981م .
4انظر طبقات الشعراني ج 1ص 68ط دار العلم للجميع .
5كتاب التجليات ص 20من رسائل ابن عربي ط الهند .
149
وأصال الرساَلة في السماَء اللهية .وحقيقة الرساَلة إبلغ كلم من متكلم
إلى ساَمع .فهي حاَل ل مقاَم ,ول بقاَء لهاَ بعد انقضاَء التبليغ ,وهي تتجدد
(.1
وأن الولي يعلم علمين :علم الشريعة ,وعلم الحقيقة ,أي الظاَهر
والباَطن ,والتنزيل والتأَويل ,حيث أن الرسول من حيث هو رِسول ليس لهُ
علم إل باَلظاَهر والتنزيل والشريعة ) فإذا رِأيت النبي يتكلم بكلم خاَرِج
ي عاَرِف ,ولهذا مقاَمهُ من حيث هو عاَرِفعن التشريع فمن حيث هو ول ّ
م وأكمل من حيث هو رِسول أو ذو تشريع وشرع ( .
3
أت ّ
د باَلعلم والمعرفة من الملك الذي يبلغهُ الوحي وأن النبي والرسول يستم ّ
ي يستمد اللهي بواسطتهُ ,ول يمكنهُ الخذ من اللهُ مباَشرة ,والول ّ
المعرفة من حيث يأَخذهاَ الملك الذي يؤدي بدورِهُ إلى النبياَء والرسل
) فمرجع الرسول والنبي المشرع إلى الولية والعلم ( . 4
فصوص الحكم لبن عربي بتعليقات الدكتور أبي العلء العفيفي ج 1ص 135ط دار الكتاب العربي بيروت . 2
ص العزيري .
أيضا الف ّ
4
150
آخر نبي ماَ منهم أحد يأَخذ إل من مشكاَة خاَتم النبيين ,وإن تأَخر وجود
طينتهُ ,فإنهُ بحقيقتهُ موجود ,وهو قَولهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ) :كنت نبياَ ً
ث,
وآدم بين الماَء والطين ( .وغيرهُ من النبياَء ماَ كاَن نبياَ إل حين ُبع َ
وكذلك خاَتم الولياَء كاَن ولياَ وآدم بين الماَء والطين ,وغيرهُ من الولياَء
ماَ كاَن ولي اَ ً إل بعد تحصيلهُ شرائط الولية من الخلق اللهية في التصاَف
بهاَ من كون اللهُ تعاَلى تسمى ) باَلولي الحميد ( .خاَتم الرسل من حيث
وليتهُ ,نسبتهُ مع الخاَتم للولية نسبة النبياَء والرسل معهُ ,فإنهُ الولي
الرسول النبي .وخاَتم الولياَء الولي الوارِث الخذ عن ألصال المشاَهد
للمراتبِ ( . 1
ول أدرِي كيف يدافع من يدافع عن ابن عربي بأَنهُ ل يفضل الولي على
النبي ,وبعد هذهُ التصريحاَت كلهاَ ؟ حيث يجعل خاَتم الولياَء منبع العلوم ,
ومصدرِ الفيض لجميع النبياَء والرسل ,وأنهم ل يستمدون إل منهُ ,و ل
يستقون إل من ذلك المنهل والمورِد ,ول يستضيئون إل من مشكاَتهُ ,وهذا
الفيض الشيثي والعزيري نص في القضية .
وقَبل أن نورِد نصوصااَ أخرى من القوم ممن خلف ابن عربي في مثل هذهُ
المقولت وسبقوهُ نوّد أن نلفت أنظاَرِ القراء والباَحثين إلى أن خاَتم
الولياَء الذي صاعد وارِتقى تلك المنزلة الكبرى ,وحاَز ذلك المنصبِ العظيم
انظر مجموعة الرسائل والمسائل لبن تيمية ج 4ص 57ط دار الكتب العلمية بيروت لبنان . 2
فتاوى شيخ السلم ج 11ص 444جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم وابنه . 3
151
حتى ازداد على أنبياَء اللهُ ورِسلهُ ,لم يكن عند ابن عربي إل هو نفسهُ كماَ
يقول في فتوحاَتهُ :
وأماَ الحكيم الترمذي الذي منهُ أخذ ابن عربي تلك الفكرة في أخذ النبي
ي بدون واسطة ,فيقول في جواب العلم والمعرفة من الملك ,وأخذ الول ّ
سؤال :ماَ الفرق بين النبوة والولية ؟ :
) الفرق بين النبوة والولية أن النبوة كلم ينفصل من اللهُ وحياَ ,ومعهُ رِوح
من اللهُ فيقضي الوحي ويختم باَلروح ...والولية لمن ولى اللهُ حديثهُ على
طريق أخرى ,فأَوصالهُ إليهُ فلهُ الحديث ,وينفصل ذلك الحديث من اللهُ عز
دث , وجل ,على لساَن الحق معهُ السكينة ,تتلقاَهُ السكينة في قَلبِ المح ّ
فيقبلهُ ويسكن إليهُ ( . 2
1الفتوحات المكية لبن عربي ج 4الباب الثالث والربعون ص 71بتحقيق عثمان إبراهيم يحيى مدكور ط الهيئة المصرية
العامة للكتاب 1975م .
2كتاب ختم الولية الفصل العاشر علمات الولياء ص . 347 , 346
152
فإذا برز الولياَء يوم القياَمة و اقَتضوا صادق الولية والعبودية وجد الوفاَء
عند هذا الذي ختم الولية تماَماَ ,فكاَن حجة اللهُ عليهم وعلى ساَئر
الموحدين من بعدهم ,وكاَن شفيعهم يوم القياَمة ,فهو سيدهم ,ساَد
الولياَء ,كماَ ساَد النبياَء ,فينصبِ لهُ مقاَم الشفاَعة ,ويثني على اللهُ
تعاَلى ثناَء ويحمدهُ بمحاَمد يقّر الولياَء بفضلهُ عليهم في العلم باَللهُ تعاَلى
.
فلم يزل هذا الولي مذكورِا في البدء ,أول في الذكر ,وأول في العلم ,ثم
هو الول في المشيئة ,ثم هو الول في اللوح المحفوظ ,ثم الول في
الميثاَق ,ثم الول في المحشر ,ثم الول في الجوارِ ,ثم الول في
الخطاَب ,ثم الول في الوفاَدة ,ثم الول في الشفاَعة ,ثم الول في
دخول الدارِ ,ثم الول في الزياَرِة ,فهو في كل مكاَن أول الولياَء ( . 1
وأماَ ماَ قَاَلهُ المتأَخرون فهو أظهر وأصارح ,فيقول داود القيصري :
) فاَلنبوة دائرة تاَمة مشتملة على دوائر متباَينة متفاَوتة في الحيطة ,وقَد
علمت أن الظاَهر ل يأَخذ التأَييد والقوة والتصرف والعلوم ,وجميع ماَ
يفيض من الحق تعاَلى عليهُ إل باَلباَطن :وهو مقاَم الولية ,المأَخوذ من
ي بمعنى الحبيبِ أيضاَ منهُ .
الولي ,وهو القرب ,والول ّ
فباَطن النبوة الولية ,وهي تنقسم باَلعاَمة والخاَصاة .فلولى تشتمل على
كل من آمن باَللهُ وعمل صااَلحاَ ,على حسبِ مراتبهم كماَ قَاَل اللهُ تعاَلى } :
ي الذين آمنوا { .
اللهُ ول ّ
وهناَك تلميذ آخر لبن عربي شيعي ,فقاَل مثل ماَ قَاَلهُ القيصري :
) وفي الحقيقة :الولية هي باَطن النبوة ,والفرق بين النبي والرسول
ي أن النبي والرسول لهماَ التصرف في الخلق بحسبِ الظاَهر والول ّ
والشريعة ,والولي لهُ التصرف فيهم بحسبِ الباَطن والحقيقة ومن هذا
قَاَلوا :النبوة تنقطع ,والولية ل تنقطع أبدا ( . 3
هذا ماَ ذكرهُ في كتاَبهُ ) زبدة الحقاَئق ( ,وبمثل ذلك ذكر في كتاَبهُ
) النساَن الكاَمل(. 5
مقدمة شرح الفصوص للقيصري مخطوط ص 86وما بعد المنقول من كتاب ختم الولياء ص . 491 2
زبدة الحقائق للنسفي طبعة فارسية ص 59بتصحيح تعليق حق وردي ناصري ط إيران 1405هـ قمري . 4
ي عندهم فوق الرسول والنبي ,ودون اللهُ قَليل ,وأحياَناَ يحذفون فإن الول ّ
هذا الفرق البسيط أيضاَ بينهُ وبين اللهُ ,ويجعلونهُ ذات اللهُ وعينهُ ,سواء
اتحد بهُ ,أو ذلك اتحد بهُ ,وعلى ذلك قَاَلوا :
ي لعبد ( . 4
) لو كشف عن حقيقة الول ّ
1كشف الحقائق لعزيز الدين النسفي بتصحيح وتعليق دكتور أحمد مهدوي طبعة فارسية ص 59ط طهران 1359هجري
قمري .
2كشف الحقائق للنسفي طبعة فارسية ص . 102
3انظر جهل مجلس لعلء الدين سمناني بتصحيح عبد الرفيع حقيقت ص . 46 , 45
4غيث المواهب العلية للنفزي الرندي ج 1ص 235بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود .
155
156
جــَراءُ الّنــُبوة
إ ْ
وبهذهُ المناَسبة نريد أن نذكر ههناَ عقيدة صاوفية خبيثة أخرى ,أخذوهاَ من
بعض فرق الشيعة ,من الخطاَبية ,والخرمية ,والمنصورِية وغيرهاَ بأَن
ي حيناَ بعد حين .
1
رِساَلة اللهُ ل تنقطع أبدا ,وأن النبوة جاَرِية ,ويأَتي نب ّ
وهم بدورِهم أخذوهاَ من اليهودية مثل العقاَئد الخرى كماَ ذكرهُ ولهوزن :
) أن النبي الصاَدق واحد يعود أبدا ( . 2
ذيًرا ف ً ّ ك إ ِّل َ
كاَ ّ سل َْناَ َ َ
ون َ ِ
شيًرا َس بَ ِ
ة للّناَ ِ ماَ أْرِ َو َل من قَاَئل َ } : وقَولهُ ج ّ
5
ن{ . مو َ عل َ ُس َل ي َ ْ ِ ن أ َك ْث ََر الّناَ
ول َك ِ ّ
َ
6
عاَ { . ُ َ ّ ُ َ ْ ُ
مي ًج ِ
م َهُ إ ِلي ْك ْ
سول الل ِ س إ ِّني َرِ ُ هاَ الّناَ ُ وقَولهُ } :قَل َياَ أي ّ َ
7
ي بعدي (
وقَول رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ) :أناَ خاَتم النبيين ل نب ّ
.
وقَولهُ عليهُ الصلة والسلم :إني آخر النبياَء ومسجدي آخر المساَجد ( .
8
وقَولهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ) :مثلي ومثل النبياَء كمثل قَصر أحسن بنياَنهُ
,ترك منهُ موضع لبنة ,فطاَف بهُ النظاَرِ يتعجبون من حسن بنياَنهُ إل موضع
1انظر لذلك فرق الشيعة للنوبختي ص 70وما بعد ,كذلك كتاب المقالت والفرق للشعري القمي الشيعي ص , 54 , 46
, 64وأنظر كذلك كتب السنة من مقالت السلميين للشعري ,والفرق بين الفرق للبغدادي والملل والنحل للشهرستاني
وغيرها .
2انظر ) الحزاب المعارضة الدينية والسياسية في صدر السلم ( لولهوزن ص 249ترجمة عربية للبدوي .
3الحزاب . 40
4المائدة . 3
5سبأ . 28
6العراف . 158
7أخرجه أبو داود والترمذي .
8أخرجه مسلم .
157
تلك اللبنة ,فكنت أناَ سددت موضع اللبنة ,ختم بي البنياَن ,ختم بي الرسل
(.1
الخرين ,مع تصريح رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ) :ل تقوم الساَعة
حتى يخرج ثلثون دجاَلون ,كلهم يزعم أنهُ رِسول اللهُ ,وأناَ خاَتم النبيين ل
نبي بعدي ( . 4
ويقول ابن عربي كذلك مجيباَ على سؤال الترمذي الملقبِ باَلحكيم :أين
مقاَم النبياَء من مقاَم الولياَء ؟ يجيبِ على هذا ويقول :
) وإن كاَن سؤالهُ عن مقاَم النبياَء من الولياَء ,أي أنبياَء الولياَء – وهي
النبوة التي قَلناَ أنهاَ لم تنقطع ,فإنهاَ ليست نبوة الشرائع – وكذلك في
السؤال عن مقاَم الرسل ,الذين هم أنبياَء فلنقل في جوابهُ :أن أنبياَء
الولياَء ,مقاَمهم من الحضرات اللهية الفردانية ,والسم اللهي الذي
تعبدهم ) هو ( الفرد ,وهم المسمون الفراد .
فهذا هو مقاَم نبوة الولية ,ل نبوة الشرائع .وأماَ مقاَم الرسل ,الذين هم
أنبياَء فهم الذين لهم خصاَئص على ماَ تعبدوا بهُ أتباَعهم .كمحمد صالى
اللهُ عليهُ وسلم ,فيماَ قَيل لهُ ) :خاَلصة لك من دون المؤمنين ( في النكاَح
بدون الهبة .فمن الرسل من لهم خصاَئص على أمتهم ومنهم من ل يختصهُ
اللهُ بشيء دون أمتهُ .
وكذلك الولياَء :فيهم أنبياَء ,أي خصوا بعلم ل يحصل إل لنبي ,من العلم
اللهي .ويكون حكمهم من اللهُ ,فيماَ أخبرهم بهُ ,حكم الملئكة .ولهذا
قَاَل )تعاَلى ( في نبي الشرائع ) :ماَ لم تحط بهُ خبرا ( ,أي ماَ هو ذوقَك ,ياَ
موسى ! مع كونهُ كليم اللهُ .فخرق ) الخضر ( السفينة ,وقَتل الغلم حكماَ ً ,
وأقَاَم الجدارِ -مكاَرِم خلق – عن حكم أمر اللهي ) ,هذا كلهُ ( كخسف
البلد على يدي جبريل ومن كاَن من الملئكة .ولهذا كاَن الفراد من البشر
2
بمنزلة المهيمن من الملئكة ,وأنبياَؤهم منهم بمنزلة الرسل من النبياَء (
.
هذا ويقول الخرون مثل ماَ قَاَلهُ ابن عربي ,فيقول الفرغاَني :
الجواب المستقيم عما سأل عنه الترمذي الحكيم سؤال رقم 18ص 168 , 167من كتاب ختم الولياء . 2
دمات للفرغاني مخطوط آيا صوفيا رقم 1898نقل عن ختم الولياء للترمذي ص 487ط بيروت .المق ّ 3
159
) إن اتفق في الوقَت متوغل في التأَلهُ والبحث فلهُ الرياَسة ,وإن لم يتفق
فاَلمتوغل في التأَلهُ المتوسط في البحث .وإن لم يتفق فاَلحكيم المتوغل
في التأَلهُ عديم البحث ,وهو خليفة اللهُ .
ول تخلو الرِض من متوغل في التأَلهُ أبدا ( .
1
مة
صـ َ
ع ْ
الــ ِ
فاَلعصمة في تبليغ رِساَلت اللهُ ضرورِية للنبياَء والرسل كي ل يقع الخطأَ
والغلط في أداء أوامر اللهُ ونواهيهُ ,وأحكاَم اللهُ وإرِشاَداتهُ ,فيدعمون
ويسددون باَلوحي ونزول الملئكة عليهم ,فماَ ينطقون عن الهوى ,ويجبِ
اتباَعهم في كل ماَ يقولونهُ ويأَمرون بهُ ,لسلمتهم من الخطأَ ,والزلل
بخلف غيرهم ,فإنهُ يمكن عليهم الخطأَ والنسياَن ,والزلل والغلط ,فل
يؤمن جاَنبهم من هذهُ المورِ كلهاَ .
ورِووا في هذا الخصوص رِواياَت مكذوبة على النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ,
ي رِضي اللهُ عنهُ وأولدهُ .
وعلى عل ّ
منهاَ ماَ رِواهاَ ابن باَبويهُ القمي عن عبد اللهُ بن عباَس رِضي اللهُ عنهُ أنهُ
قَاَل ) :سمعت رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وآلهُ يقول :أناَ وعلي والحسن
والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون ( . 4
1منهاج الكرامة للحلي ص 71المنشور مع منهاج السنة النبوية لبن تيمية ط باكستان أيضا تلخيص الشافي للطوسي ج 1
ص 181قم إيران ,كمال الدين القمي ج 1ص . 10
2اعتقادات الصدوق ص . 108
3حق اليقين للمجلسي ص . 39
4عيون أخبار الرضا لبن بابويه القمي ج 1ص 64ط طهران .
161
) إن اللهُ فرض وليتناَ وأوجبِ مودتناَ ,واللهُ ,ماَ نقول بأَهوائناَ ,ول نعمل
بآرِائناَ ,ول نقول إل ماَ قَاَل رِبناَ عز وجل ( . 5
وقَاَل ابن باَبويهُ القمي في كتاَب الخصاَل مفسرا قَول اللهُ عز وجل :ل
يناَل عهدي الظاَلمين ,يقول في تفسير ) :فإذن ل يكون الماَم إل
ص اللهُ عز وجل عليهُ ( . 2
معصوماَ ,ول تعلم عصمتهُ إل بن ّ
وقَبل أن نذكر النصوص في هذا الخصوص نورِد ماَ قَاَلهُ شيخ السلم ابن
تيمية في هذا الباَب عن الشيعة ومن تبعهم في ذلك من المتصوفين :
دعى اللهية ) وكذلك الرافضة موصاوفون باَلغلو عند المة فإن فيهم من ا ّ
في علي وهؤلء شر من النصاَرِى وفيهم من ادعى النبوة فيهُ ومن أثبت
نبياَ بعد محمد فهو شبيهُ بأَتباَع مسيلمة الكذاب وأمثاَلهُ من المتنبئين إل أن
علياَ رِضي اللهُ عنهُ بريء من هذهُ الدعوة بخلف من ادعى النبوة لنفسهُ
كمسيلمة وأمثاَلهُ وهؤلء الماَمية يدعون ثبوت إماَمتهُ باَلنص وأنهُ كاَن
معصوماَ هو وكثير من ذرِيتهُ وأن القوم ظلموهُ وغصبوهُ ودعوى العصمة
تضاَهي المشاَرِكة في النبوة فإن المعصوم يجبِ إتباَعهُ في كل ماَ يقول ل
يجوز أن يخاَلف في شيء وهذهُ خاَصاة النبياَء ولهذا أمرناَ أن نؤمن بماَ
ُ ُ
ز َ
ل ماَ أن ِ ل إ ِل َي َْناَ َ
و َ ز َ
مآ أن ِ
و َ مّناَ ِباَلل ّ ِ
هُ َ قَوُلوا ْ آ َ
أنزل إليهم فقاَل تعاَلى } ُ
قوب والسباَط وماَ ُ
ي
أوت ِ َ ْ َ ِ َ َ َ َ ع ُ وي َ ْق َ ح َ س َ وإ ِ ْ ل َ عي َ ماَ ِ س َ وإ ِ ْ م َ هي َ إ َِلى إ ِب َْرا ِ
م َ م ل َ نُ َ ُ
ه ْ
من ْ ُد ّ ح ٍنأ َ فّرقُ ب َي ْ َ ه ْ من ّرِب ّ ِ ن ِ ي الن ّب ِّيو َ ماَ أوت ِ َ و َ سى َ عي َ و ِ سى َ مو َ ُ
ن { فأَمرناَ أن نقول آمناَ بماَ أوتى النبيون وقَاَل تعاَلى مو َ سل ِ ُ م ْ هُ ُ َ
نل ُ ح ُ ون َ ْ
َ
هُ ّ ل باَل ن م آ ّ
ل ُ ك ن نو م ْ
ؤ م ْ ل وا هُ ب رِ من هُ يَ ل إ َ
ل ز أنُ ماَ ب ُ
ل سو ر ال ن م آ }
ِ َ َ ِ ّ ّ ِ َ ُ ِ ُ َ ِ ْ ِ ِ ِ ِ َ ّ ُ َ َ
عَناَ ْ ُ و َ َ َ
هُ ل ن ُ َ ُ َ
م ْ س ِ قَاَلوا َ هُ َسل ِ ِ
من ّرِ ُ د ّ ح ٍنأ َ فّرقُ ب َي ْ َ سل ِ ِ وُرِ ُ هُ َ وكت ُب ِ ِ هُ َ ملئ ِكت ِ ِ و َ َ
صيُر { وقَاَل تعاَلى } ولكن البر من ْ َ َ َ ْ ُ َ َ
م ِ وإ ِلي ْك ال َ عَناَ غفَران َك َرِب َّناَ َ وأ ط ْ َ
آمن باَللهُ واليوم الخر والملئكة والكتاَب والنبيين { فاَليماَن بماَ
جاَء بهُ النبيون مماَ أمرناَ أن نقولهُ ونؤمن بهُ وهذا مماَ اتفق عليهُ
المسلمون أنهُ يجبِ اليماَن بكل نبي ومن كفر بنبي واحد فهو كاَفر ومن
سبهُ وجبِ قَتلهُ باَتفاَق العلماَء وليس كذلك من سوى النبياَء سواء سموا
أولياَء أو أئمة أو حكماَء أو علماَء أو غير ذلك فمن جعل بعد الرسول
معصوماَ يجبِ اليماَن بكل ماَ يقول فقد أعطاَهُ معنى النبوة و إن لم يعطهُ
لفظهاَ ويقاَل لهذا ماَ الفرق بين هذا وبين أنبياَء بني إسرائيل الذين كاَنوا
مأَمورِين باَتباَع شريعة التورِاة وكثير من الغلة في المشاَيخ يعتقد أحدهم
في شيخهُ نحو ذلك ويقولون الشيخ محفوظ ويأَمرون باَتباَع الشيخ في كل
ماَ يفعل ل يخاَلف في شيء أصال وهذا من جنس غلو الرافضة والنصاَرِى
والسماَعيلية تدعي في أئمتهاَ أنهم كاَنوا معصومين وأصاحاَب ابن تومرت
الذي ادعى أنهُ المهدي يقولون أنهُ معصوم ويقولون في خطبة الجمعة
الماَم المعصوم والمهدي المعلوم ويقاَل أنهم قَتلوا بعض من أنكر أن
وهو كماَ قَاَل شيخ السلم أن الصوفية يعتقدون في أولياَئهم ماَ يعتقد
الشيعة في أئمتهم من تأَليههم ,وجعلهم أنبياَء أو كاَلنبياَء ,معصومين ,
ولو أنهم كثيرا ماَ يتجنبون عن استعماَل هذهُ اللفظة ,ويستبدلونهاَ
باَلحفظ ,ول يقصدون من ورِائهاَ إل العصمة التي يستعملهاَ الشيعة توقَياَ
وتحفظاَ من طعن الطاَعنين واعتراض المعترضين ,وسترا لتك الصلة
الوثيقة التي تربطهم مع الشيعة ,لو أن بعض المتهورِين منهم لم يراعوا
هذا الكتماَن والخفاَء ,وباَحوا بهذا السر جهرا وعلناَ ,عاَرِفين بأَن تقيتهم
هذهُ ل تسمن ول تغني من جوع ,لن المراد من كلتاَ اللفظتين واحد ,ل
اختلف بينهماَ من حيث المدلول ,فقاَل قَاَئلهم :
) وأماَ صاورِ تلقياَت الموحدين الخطاَبية فهو أن تنبعث اللطفية النساَنية
مجردة عن الفكر طاَلبة ماَ ل تعلم منهُ إل نسبة الوجود إليهُ بتقييدهاَ بهُ فإذا
نزل هذا العقل بحضرة من الحضرات نزل إليهُ بحكم التدلي أو برز لهُ أو
ظهر لهُ اسم من السماَء الحسنى بماَ فيهُ من السرارِ فيهبهُ بحسبِ
تجريدهُ وصاحة قَصدهُ وعصمتهُ في طريقهُ فيرجع إلى عاَلم كونهُ عاَلماَ بماَ
ألقي إليهُ من علم رِبهُ بربهُ أو من علم رِبهُ بضرب من كونهُ ثم ينزل نزول
آخر هكذا أبدا ) ماَ أدرِي ماَ يفعل بي ول بكم إن أتبع إل ماَ يوحى إلي ( وهو
خير البشر وأكثرهم عقل وأصاحهم فكرة ورِوية فأَين الفكر هناَ هيهاَت تلف
أصاحاَب الفكاَرِ والقاَئلون باَكتساَب النبوة والولية كيف لهم ذلك والنبوة
ورِوى صاوفي قَديم أبو عبد الرحمن السلمي في ) طبقاَت الصوفية( عن
أبي بكر محمد الدينورِي أنهُ سئل عن علمة الصوفي ماَ هي ؟
فقاَل ) :أن يكون مشغول بكل ماَ هو أولى بهُ من غيرهُ ,ويكون معصوماَ
عن المذموماَت ( . 4
ونقل الدكتورِ عبد الحليم محمود عن صاوفي متقدم أبي بكر الواسطي
سم المتصوفة على ثلثة أقَساَم ,فقاَل : المتوفى 320هـ أنهُ قَ ّ
ن اللهُ عليهم بأَنوارِ الهداية ,
) الناَس على ثلث طبقاَت ,الطبقة الولى :م ّ
فهم معصومون من الكفر والشرك والنفاَق .
ن اللهُ عليهم بأَنوارِ العناَية فهم معصومون من الصغاَئر والطبقة الثاَنية :م ّ
والكباَئر .
ن اللهُ عليهم باَلكفاَية فهم معصومون عن الخواطر والطبقة الثاَلثة :م ّ
الفاَسدة وحركاَت أهل الفضيلة ( .
5
و ) أنهم قَاَئمون باَللهُ ,قَد تولى اللهُ أمرهم ,فإذا ظهرت منهم طاَعة ,لم
يرجوا عليهاَ ثواباَ ,لنهم لم يرو أنفسهم محل لهاَ ,وإن ظهرت منهم زّلة
فاَلدية على العاَقَلة ,لم يشاَهدوا غيرهُ في الشدة والرخاَء ,قَياَمهم باَللهُ ,
ونظرهم إليهُ ,وخوفهم هيبتهُ ,ورِجاَؤهم النس بهُ ( . 5
ويجوز أن يكون فعيل بمعنى مفعول ,كقتيل بمعنى مقتول ,وجريح بمعنى
مجروح ,وهو الذي يتولى الحق سبحاَنهُ ,حفظهُ وحراستهُ على الدامة
والتوالي ,فل يخلق لهُ الخذلن الذي هو قَدرِة العصياَن ,وإنماَ يديم توفيقهُ
الذي هو قَدرِة الطاَعة ,قَاَل اللهُ تعاَلى } :وهو يتولى الصاَلحين { ( . 2
ي اللهُ ( :
ي حق اللهُ وول ّ
وبمثل ذلك قَاَل الحكيم الترمذي تحت عنوان ) ول ّ
) فهؤلء كلهم أولياَء حقوق اللهُ ,وهم أولياَء اللهُ يصيرون إلى اللهُ تعاَلى
في مراتبهم ,فيحلون بهاَ ويتنسمون رِوح القرب ,ويعيشون في فسحة
ق النفس ,قَد لزموا المراتبِ ,فل يشتغلون بشيء التوحيد والخروج عن رِ ّ
إل بماَ أذن لهم فيهُ من العماَل .فإذا صارفهم اللهُ من المرتبة إلى عمل
أبدانهم حرسهم ,فيمضون مع الحرس في تلك العماَل ,ثم ينقلبون إلى
مراتبهم ,هذا دأبهم ( . 3
وعلق ابن عجيبة على قَول الشبلي ) :الصوفية أطفاَل في حجر الحق
تعاَلى ( ,علق عليهُ بقولهُ :
) يعني أنهُ يتولى حفظهم وتدبيرهم على ماَ فيهُ صالحهم ول يكلهم إلى
أنفسهم ( . 4
إيقاظ الهمم في شرح الحكم لبن عجيبة الحسني ص 168الطبعة الثالثة 1982القاهرة . 4
166
أناَ الذي تتمنى مشاَهدتي .قَلت :ياَ ملعون ! ماَ منعك أن تسجد لدم ؟ قَاَل :
ياَ جنيد كيف تصورِ أني أسجد لغيرهُ ؟ قَاَل الجنيد :فتحيرت في كلمهُ ,
فنوديت في سري أن ) :قَل لهُ :كذبت ,لو كنت خرجت عن أمرهُ ونهيهُ .
فسمع النداء من قَلبي ,فصاَح وقَاَل :أحرقَتني باَللهُ ! وغاَب ( . 1
ثم نقل حكاَيتاَن خبيثتين تدلن على عقيدة القوم في مشاَئخهم وكونهم
معصومين ,فيقول :
) كاَن أبو سهل الصعلوكي رِحمهُ اللهُ يقول :
كاَن لبعض الشياَخ مجلس يفسر فيهُ القرآن العظيم فأَبدلهُ بمجلس
قَوال ,فقاَل مريد بقلبهُ :كيف يبدل مجلس القرآن بمجلس قَوال ؟
فناَداهُ الشيخ :ياَ فلن ,من قَاَل لشيخهُ :لم ,لم يفلح .
فقاَل المريد :التوبة ...وزارِ أبو تراب النخشبي وشقيق البلخي أباَ يزيد
دم خاَدمهُ السفرة قَل لهُ :كل معناَ ياَ فتى ,فقاَل :ل , البسطاَمي ,فلماَ قَ ّ
إني صااَئم .
فقاَل لهُ أبو تراب :كل ,ولك أجر صاوم شهر .
فقاَل :ل ,فقاَل لهُ شقيق :كل ,ولك أجر صاوم سنة ,فقاَل :ل ,فقاَل أبو
يزيد :دعوا من سقط من عين رِعاَية اللهُ عز وجل ,فسرق ذلك الشاَب بعد
سنة ,فقطعت يدهُ عقوبة لهُ على سوء أدبهُ مع الشياَخ ,ثم نقل عن
الشيخ برهاَن الدين أنهُ قَاَل :
من لم ير خطأَ الشيخ أحسن من صاوابهُ لم ينتفع بهُ ( .
4
وبمثل ذلك قَاَل شيخ الزهر الساَبق نقل عن سيدهُ أحمد الدرِدير أنهُ قَاَل :
) فاَلداب التي تطلبِ من المريد في حق شيخهُ أوجبهاَ تعظيمهُ وتوقَيرهُ
ي شيء فعلهُ ,ولو كاَن ظاَهرهُ ظاَهرا وباَطناَ ,وعدم العتراض عليهُ في أ ّ
أنهُ الحرام ,ويؤول ماَ انبهم عليهُ ,وتقديمهُ على غيرهُ ,وعدم اللتجاَء
لغيرهُ من الصاَلحين ,فل يزورِ ولياَ من أهل العصر ,ول صااَلحاَ إل بإذنهُ ,ول
م سقيهُ من ماَء يحضر مجلس غيرهُ إل بإذنهُ ,ول يسمع من سواهُ حتى يت ّ
سّر شيخهُ ( . 5
كشف المحجوب للهجويري ص 342ترجمة عربية للدكتورة إسعاد عبد الهادي قنديل ط دار النهضة بيروت 1980م . 1
انظر النوار القدسية في معرفة القواعد الصوفية للشعراني ج 1ص . 174 3
انظر كتاب سيدي أحمد الدردير للدكتور عبد الحليم محمود ص 119ط دار الكتب الحديثة القاهرة . 5
167
فهل هناَك ضلل بعد هذا الضلل ,وتسفيهُ للعقول بعد هذا كلهُ ؟
ومن رِجل جعل شيخاَ لكبر جاَمعة إسلمية وأقَدمهاَ في العاَلم ؟
ة إن ّ َ َ
ت
ك أن َ م ً ِ
ح َ
ك َرِ ْ من ل ّ ُ
دن َ بِ ل ََناَ ِ
ه ْو َ
هدَي ْت ََناَ َ قَُلوب ََناَ ب َ ْ
عدَ إ ِذْ َ غ ُز ْ} َرِب َّناَ ل َ ت ُ ِ
ب{.1 هاَ ُ و ّ ال ْ َ
ولطرافة كلم الشيخ ننقل ههناَ ماَ كتبهُ في آداب المريد ,فيقول :
) ومن آداب المريد للشيخ :أن ل يكثر الكلم بحضرتهُ ولو باَسطهُ ,ول
يجلس على سجاَدتهُ ,ول يسبح بسبحتهُ ,ول يجلس في المكاَن المعدّ لهُ ,
ول يلح عليهُ في أمر ,ول يساَفر ,ول يتزوج ,ول يفعل فعل من المورِ
المهمة إل بإذنهُ ,ول يمسك يدهُ للسلم مثل ويدهُ مشغولة بشيء كقلم أو
أكل أو شرب ,بل سلم بلساَنهُ ,وينتظر بعد ذلك ماَ يأَمر بهُ ,وأن ل يمشي
أماَمهُ ول يساَويهُ في مشي إل بليل مظلم ليكون مشيهُ أماَمهُ صاوناَ لهُ من
مصاَدفة ضررِ ...وأن يرى كل بركة حصلت لهُ من بركاَت الدنياَ والخرة
فببركتهُ ...وأن يصبر على جفوتهُ وإعراضهُ عنهُ ,ول يقول :لم فعل بفلن
كذا ولم يفعل بي كذا ,وإل لم يكن مسلماَ لهُ قَياَدة :إذ من أعظم الشروط
تسليم قَياَدة لهُ ظاَهرا وباَطناَ ...وأن يجعل كلمهُ على ظاَهرهُ فيمتثلهُ إل
ل كذا ,أو القرينة صااَرِفة عن إرِدادة الظاَهر ,فإذا قَاَل لهُ :اقَرأ كذا ,أو صا ّ
صام كذا وجبِ عليهُ المباَدرِة ,وكذا إذا قَاَل لهُ وهو صااَئم :أفطر وجبِ عليهُ
ل كذا إلى غير ذلك ...وأن ل يدخل عليهُ في خلوة إل الفطر ,أو قَاَل :ل تص ّ
بإذنهُ ,وأن ل يرفع الستاَرِة التي فيهاَ الشيخ إل بإذنهُ وإل هلك كماَ وقَع
لكثير ( . 2
ل صاراحة على أن وهناَك حكاَياَت ومقولت كثيرة في هذا المعنى تنبئ وتد ّ
عصمة المتصوفة وأولياَئهم ,مثل عصمة النبياَء ,وبتعبير صاحيح كعصمة
أئمة الشيعة ,مثل الحكاَية التي رِواهاَ ابن عجيبة في فتوحاَتهُ ,عن بعض
مشاَئخهُ قَاَل :
) رِأيت يوماَ شخصاَ استحسنتهُ فإذا لطمهُ وقَعت على عيني ,فساَلت على
خدي ,فقلت :آهُ فقيل لي :لحظة بلطمة ,لو زدت لزدناَك ( . 6
انظر قلدة الجواهر لمحمد أبي الهدى الرفاعي ص 135ط دار الكتب العلمية .بيروت . 1
169
ة
ج ِ ن ال ْ ُ
ح ّ م َ
ض ِ خل ُ ّ
و الْرِ ِ م ُ
عدَ ُ
َ
من العقاَئد الشيعية المعروفة ,الخاَصاة بهم أن الرِض ل تخلو من الحجة ,
وهو الماَم عندهم فلقد بوب محدثوهم وفقاَؤهم ومتكلموهم أبواباَ
مستقلة لبياَن هذهُ العقيدة المختلقة المصطنعة ,وأورِدوا فيهاَ رِواياَت
ي رِضي اللهُ عنهُ مكذوبة على رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ,وعلى عل ّ
وأولدهُ ,أئمة القوم حسبِ زعمهم ,وآرِاء كبرائهم ,وعباَرِات قَاَدتهم .
فلقد أورِد محدثهم الكبير الكليني -وهو بمنزلة البخاَرِي عند المسلمين
السنة – في كاَفيهُ الذي هو أحد الصحاَح الرِبعة الشيعية ,وبمنزلة صاحيح
البخاَرِي عند أهل السنة رِواياَت عديدة تحت عنوان :لو لم يبق في الرِض
إل رِجلن لكاَن أحدهماَ الحجة :ومنهاَ ماَ رِواهاَ عن جعفر بن محمد الباَقَر
أنهُ قَاَل :
) لو لم يكن في الرِض إل اثناَن لكاَن الماَم أحدهماَ ( .
1
كماَ أورِد رِواياَت كثيرة في باَب ) :أن الرِض ل تخلو من حجة ( :منهاَ ماَ
رِواهاَ أيضاَ عن جعفر أنهُ سئل :
) أتخلو الرِض بغير إماَم ؟
قَاَل :لو بقيت الرِض بغير إماَم لساَخت بأَهلهاَ ( .
2
وبمثل ذلك رِوى ابن باَبويهُ القمي المتوفى 381هـ أحد رِجاَل الصحاَح
الرِبعة الشيعية ,في عيونهُ عن علي بن موسى الرضاَ – الماَم الثاَمن
المعصوم لدى القوم – أنهُ سئل :
) أتخلو الرِض من حجة ؟ فقاَل :لو خلت الرِض طرفة عين من حجة
لساَخت بأَهلهاَ ( . 3
وب القمي باَباَ مستقل في كتاَبهُ ) كماَل الدين وتماَم النعمة ( العلة وكذلك ب ّ
التي من أجلهاَ يحتاَج إلى إماَم :وأورِد فيهُ أكثر من عشرين رِواية :منهاَ ماَ
رِواهاَ عن الباَقَر بن علي زين العاَبدين :
) لو أن الماَم رِفع من الرِض ساَعة لماَجت بأَهلهاَ كماَ يموج البحر بأَهلهُ (
.4
وأورِد المل باَقَر المجلسي في بحاَرِهُ أكثر من ماَئة حديث عن أئمتهُ في
هذا المعنى ,منهاَ ماَ رِواهاَ عن علي بن الحسين أنهُ قَاَل :
) ولم تخل الرِض منذ خلق اللهُ آدم عليهُ السلم من حجة فيهاَ ,ظاَهر
مشهورِ أو غاَئبِ مستورِ ,ول تخلو إلى أن تقوم الساَعة من حجة للهُ فيهاَ ,
ولول ذلك لم يعبد اللهُ ( . 5
1الصول من الكافي للكليني المتوفى 329هـ ج 1ص 180ط دار الكتب السلمية طهران الطبعة الثالثة 1388هـ .
2أيضا كتاب الحجة ج 1ص . 179
3عيون أخبار الرضا لبن بابوية القمي ج 1ص 272ط انتشارات جهان إيران .
4كمال الدين وتمام النعمة لبن بابويه القمي الباب الحادي والعشرون ج 1ص 202ط دار الكتب السلمية طهران
الطبعة الثانية 1395هجري قمري .
5بحار النوار للمجلسي ج 23في مواضع شتى .
170
وكتبِ القوم مليئة من مثل هذهُ الرواياَت والحاَديث ,نكتفي على هذا
القدرِ من البياَن .
ي تغيير وتبديل ,غير أنهم وإن الصوفية لخذوهاَ منهم بكاَملهاَ بدون أ ّ
جعلوا الحجة ولّياَ من أولياَئهم ,أو صاوفياَ من جماَعتهم بدل الماَم لدى
الشيعة ,فيقول أبو طاَلبِ المكي في قَوتهُ ,مستعمل حتى اللفاَظ
الشيعية ومصطلحاَتهم نقل عن علي رِضي اللهُ عنهُ أنهُ قَاَل :
ماَ خاَئف
ماَ ظاَهر مكشوف ,وإ ّ )ل تخلو الرِض من قَاَئم للهُ تعاَلى بحجة ,إ ّ
مقهورِ لئل تبطل حجج اللهُ تعاَلى وبّيناَتهُ ( . 1
) أن اللهُ بحكمتهُ ونعمتهُ أقَاَم في كل عصر من جعل لهُ لساَناَ معبرا عن
عوارِف المعاَرِف اللهية ,مخبرا عن لطاَئف العواطف الرباَنية ,يصل اللهُ
بهُ ماَ أنقطع من علوم النبياَء ومعاَرِف الولياَء ( . 2
) من نعم اللهُ تعاَلى على عباَدهُ كونهُ تعاَلى ل يخلي الرِض من قَاَئم لهُ
بحجة في دينهُ ,رِضية لوليتهُ ,وأختاَرِهُ لمعاَملتهُ ,يبين بهُ دللتهُ ,يوضح بهُ
طرقَاَتهُ ,فطوبى لمن كاَن كذلك في هذا الزماَن ( . 4
وهذا ماَ أشاَرِ إليهُ شيخ السلم ابن تيمية في فتاَواهُ بعد ذكر كلم الصوفية
في هذا الخصوص :
فتاوى شيخ السلم ابن تيمية ج 11ص 439ط 1398هـ . 5
172
ماَم ِ
ة ال َ ر َ
ف ِ ع ِ
م ْ
ب َ
جو ُ
و ُ
ُ
وبمناَسبة ماَ ذكرناَهُ آنفاَ نريد أن نورِد ههناَ معتقدا شيعياَ آخر مرتبطاَ
باَلعقيدة الساَلف ذكرهاَ ,وهو أنهُ يجبِ على الناَس معرفة ذلك الماَم الذي
ل تخلو الرِض منهُ ,ومن ماَت ولم يعرف الماَم فقد ماَت ميتة جاَهلية ,أو
ميتة كفر وضلل كماَ قَاَل الشريف المرتضى الشيعي الملقبِ بعلم الهدى
عند القوم :
ولقد أورِد محدثو الشيعة رِواياَت كثيرة في هذا المعنى في أبواب مستقلة
بوبوهاَ في مصنفاَتهم ,مثل الكليني في كاَفّيهُ ,وابن باَبويهُ القمي في
كتبهُ ,والطوسي في شاَفيهُ ,والبرقَي في محاَسنهُ ,والنعماَني في
غيبتهُ ,والحر العاَملي في فصولهُ ,والمجلسي في بحاَرِهُ ,والبحراني في
برهاَنهُ ,وغيرهم في غيرهُ ,حتى قَاَل محدثهم العاَملي :
) الياَت والرواياَت من طريق العاَمة والخاَصاة ,والدلة في ذلك أكثر من أن
تحصى ( . 3
هذا ماَ يعتقدهُ الشيعة ,ولم يكن غريباَ أن يؤمن بهذا المبدأ ,ويعتقد بهذا
المعتقد مشاَئخ الصوفية ,وكبراء التصوف ,لنهم ورِاءهم حذو القذة
د من الـــــــواحد
إن كــــــاَن ل ب ّ كن المعـــزي ل المعــــزى بــــهُ
ومماَ ينقل :من لم يكن لهُ شيخ كاَن الشيطاَن شيخهُ ( . 2
وكتبِ في كتاَبهُ ) الخلق المتبولية ( نقل عن علي المرصافي أنهُ قَاَل :
) لو أن مريدا عبد اللهُ تعاَلى كماَ بين السماَء والرِض بغير شيخهُ فعباَدتهُ
كاَلهباَء المنثورِ ...وسمعت سيدي علي الخواص رِجمة اللهُ يقول :
) لو أن العبد قَرأ ألف كتاَب في العلم ول شيخ لهُ فهو كمن حفظ كتبِ
بِ مع جهلهُ باَلداء والدواء ...وأن كل من لم يسلك الطريق على يد شيخ الط ّ
حكمهُ حكم من يعبد اللهُ على حرف ( .
5
وهذا مثل ماَ قَاَلهُ الشيعة نقل عن أبي جعفر محمد الباَقَر أنهُ قَاَل :
) إنماَ يعرف اللهُ عز وجل ويعبدهُ من عرف اللهُ وعرف إماَمهُ مّناَ أهل
البيت ,ومن ل يعرف اللهُ عز وجل ول يعرف الماَم مّناَ أهل البيت فإنماَ
يعرف ويعبد غير اللهُ هكذا واللهُ ضلل ( . 6
1انظر الرسالة القشيرية ج 2ص , 735عوارف المعارف للسهروردي ص , 96وكذلك جامع الصول في الولياء
للكمشخانوي ص , 120الفتوحات اللهية لبن عجيبة ص , 88أيضا كتاب قلدة الجواهر لمحمد الرفاعي ص . 143
2روضة التعريف للسان الدين بن الخطيب ص 469ط دار الفكر العربي .
3المر المحكم المربوط فيما يلزم أهل طريق الله من الشروط لبن عربي ص 266 , 265المنشور مع ذخائر العلق له
أيضا بتحقيق محمد عبد الرحمن الكروي ط القاهرة .
4النوار القدسية للشعراني ص 174 , 173ط دار إحياء التراث العربي بغداد العراق .
5الخلق المتبولية للشعراني ج 1ص . 130 , 129
6الكافي للكليني ج 1ص . 181
174
) كل من دان اللهُ عز وجل بعباَدة يجهد فيهاَ نفسهُ ول إماَم لهُ من اللهُ
فسعيهُ غير مقبول (
وعلى ذلك يقول نيكلسون بعد نقل كلم أبي يزيد البسطاَمي :
) من لم يكن لهُ شيخ كاَن الشيطاَن شيخهُ ,يقول بعدهُ :
) هي فكرة يظهر أن لهاَ صالة باَلنظرية الشيعية ,الذي كاَن عبد اللهُ بن سبأَ
أول من قَاَل بهاَ ( . 1
في التصوف السلمي وتاريخه لنيكلسون ترجمة عربية لبي العلء العفيفي ص . 19 1
175
واْلو َ
صاــاََية اْلـولََية َ
وتشاَبهُ آخر بين الصوفية والشيعة هو أن الصوفية أضفوا على أولياَئهم
عين تلك الوصااَف والختياَرِات التي أضفى الشيعة على أئمتهم
وأوصاياَئهم ,فإن الشيعة يقولون :
) أن الئمة ولة أمر اللهُ ,وخزنة علم اللهُ ,وعيبة وحي اللهُ ( .
1
ويروي أبو جعفر محمد بن الحسن الصفاَرِ المتوفى 290هـ شيخ الكليني ,
في بصاَئرهُ ,عن محمد الباَقَر بن علي زين العاَبدين أنهُ يقول :
) نحن جنبِ اللهُ ونحن صافوتهُ ونحن خيرتهُ ونحن مستودع موارِيث النبياَء
جة اللهُ ,ونحن أرِكاَن اليماَن ,ونحن دعاَئم
ونحن أمناَء اللهُ ونحن ح ّ
السلم ,ونحن من رِحمة اللهُ على خلقهُ ,ونحن الذين بناَ يفتح اللهُ وبناَ
يختم ,ونحن أئمة الهدى ,ونحن مصاَبيح الدجى ,ونحن مناَرِ الهدى ,ونحن
الساَبقون ,ونحن الخرون ,ونحن العلم المرفوع للخلق ,من تمسك بناَ
لحق ,ومن تخلف عناَ غرق ,ونحن قَاَدة الغر المحجلين ,ونحن خيرة اللهُ ,
ونحن الطريق ,وصاراط اللهُ المستقيم إلى اللهُ ,ونحن من نعمة اللهُ على
خلقهُ ,ونحن المنهاَج ونحن معدن النبوة ,ونحن موضع الرساَلة ,ونحن
الذين إليناَ مختلف الملئكة ,ونحن السراج لمن استضاَء بناَ ,ونحن السبيل
لمن اقَتدى بناَ ,ونحن الهداة إلى الجنة ,ونحن عز السلم ,ونحن السناَم
العظم ,ونحن الذين بناَ نزل الرحمة وبناَ تسقون الغيث ,ونحن الذين بناَ
يصرف عنكم العذاب ,فمن عرفناَ ونصرناَ وعرف حقناَ وأخذ بأَمرناَ فهو مناَ
وإليناَ ( . 2
والرواياَت في هذا المعنى كثيرة جدا ,ومن أرِاد الستزادة فليرجع إلى
كتبناَ الرِبعة في هذا الموضوع ,أو كتبِ الشيعة كبصاَئر الدرِجاَت للصفاَرِ ,
والكاَفي للكليني ,وبحاَرِ النوارِ للمجلسي ,والفصول المهمة للعاَملي ,
والبرهاَن للبحراني وغيرهاَ من الكتبِ الشيعية الكثيرة .
مع العلم بأَن كتاَب اللهُ القرآن الكريم ,وكتبِ السنة النبوية المطهرة ,
وتراجم أصاحاَب النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم خاَلية عن مثل هذهُ الخرافاَت
والهفوات ,والشركياَت واليهودياَت .
الصول من الكافي للكليني ج 1ص . 193 1
بصائر الدرجات الكبرى للصفار الجزء الثاني ص 83ط منشورات العلمي طهران 1404هجري قمري . 2
وأيضاَ ) :هم خرس فصحاَء ,وعمي بصراء ,عنهم تقصر الصفاَت ,وبهم
تدفع النقماَت ,وعليهم تنزل البركاَت ,فهم أحلى الناَس منقطعاَ ومذاقَاَ ,
وأوفى الناَس عهدا وميثاَقَاَ ,سراج العباَد ,ومناَرِ البلد ,ومصاَبيح الدجى ,
معاَدن الرحمة ,ومناَبع الحكمة ( . 3
هذا وأن ابن عربي قَاَل بصراحة ووضوح بدون إبهاَم ول إيهاَم :
ثم يورِد تحتهاَ رِواياَت كثيرة تنبئ وتدل على كل ماَ ذكرهُ في العناَوين .
) الولي يعطيهُ اللهُ تعاَلى معرفة ساَئر اللسن الخاَصاة باَلنس والجن ,فل
يخفى عليهُ فهم كلم أحد منهم ( . 4
ولكن للطرافة نذكر حكاَية واحدة ذكرهاَ الشعراني في طبقاَتهُ الكبرى ,
فيقول :
) أقَاَم الشيخ أبو يعزي في بدايتهُ خمس عشرة سنة في البر ,ل يأَكل إل
بِ الشجر في الباَدية ,وكاَنت السد تأَوي إليهُ والطير يعكف عليهُ .
من ح ّ
وكاَن إذا قَاَل للسد :ل تسكني هناَ ,تأَخذ أشباَلهاَ وتخرج بأَجمعهاَ .
قَاَل الشيخ أبو مدين رِضي اللهُ عنهُ :زرِتهُ مرة في الصحراء وحولهُ السد
والوحوش والطير ,تشاَورِهُ على أحوالهاَ ,وكاَن الوقَت وقَت غداء ,فكاَن
يقول لذلك الوحش :اذهبِ إلى مكاَن كذا وكذا ,فهناَك قَوتك ,ويقول
للطير مثل ذلك فتنقاَد لمرهُ .
ثم قَاَل :ياَ شعيبِ ,إن هذهُ الوحوش والطيورِ أحبت جوارِي فتحملت ألم
الجوع لجلي ,رِضي اللهُ عنهُ ( . 5
انظر حياة القلوب لعماد الدين الموي بهامش قوت القلوب لبي طالب المكي ج 2ص . 275 3
النوار المقدسية في معرفة القواعد الصوفية للشعراني ج 2ص 115ط دار إحياء التراث العربي بغداد – العراق . 4
حُلو ُ
ل والّتناَسخ ال ْ ُ
وإن فرقَاَ من الشيعة يعتقدون في أئمتهم بأَنهم هم الذين ظهروا في
مختلف الصورِ في الزمنة المتعددة ,والمكنة المختلفة ,وهم الذين
ظهروا في أياَم آدم بصورِة آدم ,وفي دورِ نوح بنوح ,وكذلك شيث وموسى
وعيسى ومحمد صالوات اللهُ عليهم في زماَنهم ,وأن أئمتهم هم الذين
جوا نوحاَ ,وأغرقَوا الخلق في عهد نوح ,وخرقَوا السفينة ,وقَتلوا الغلم
ن ّ
وغير ذلك .
فهاَهم يكذبون على علي رِضي اللهُ عنهُ أنهُ قَاَل :
) أناَ ومحمد نورِ واحد من نورِ اللهُ ...أناَ صااَحبِ الرجفة ,صااَحبِ الياَت ...أناَ
أهلكت القرون الولى ,وأناَ النبأَ العظيم الذي هم فيهُ مختلفون ...أناَ
الكتاَب ...أناَ اللوح المحفوظ ...أناَ القرآن الحكيم ...أناَ محمد ومحمد أناَ ...
جيت إن ميتناَ لم يمت ,وقَتيلناَ لم يقتل ,ول نلد ول نولد ...وأناَ الذي ن ّ
نوحاَ ...ونطقت على لساَن عيسى بن مريم في المهد ,فآدم وشيث ونوح
وساَم وإبراهيم وإسماَعيل وموسى ويوشع وعيسى وشمعون ومحمد وأناَ
كلناَ واحد ...أناَ أحيي وأميت ...وكذلك الئمة المحقون من ولدي ,لناَ كلناَ
شيء واحد يظهر في كل زماَن ( . 1
ورِرِوا عنهُ أيضاَ أنهُ قَاَل لسلماَن ) :أناَ أحيي الموتى ,وأعلم ماَ في
السماَوات والرِض ,وأناَ الكتاَب المبين ,ياَ سلماَن ,محمد مقيم الحجة ,
وأناَ حجة الحق على الخلق ,وبذلك الروح عرج بهُ إلى السماَء ,أناَ حملت
نوحاَ في السفينة ,أناَ صااَحبِ يونس في بطن الحوت ,وأناَ الذي حاَورِت
موسى في البحر ,وأهلكت القرون الولى ,أعطيت علم النبياَء
والوصاياَء ,وفصل الخطاَب ,وبي تمت نبوة محمد ,أناَ أجريت النهاَرِ
والبحاَرِ ,وفجرت الرِض عيوناَ ,أناَ كاَب الدنياَ لوجههاَ ,أناَ عذاب يوم
الظلمة ,أناَ الخضر معلم موسى ,أناَ معلم داود وسليماَن ,أناَ ذو القرنين ,
أناَ الذي دفعت سمكهاَ بإذن اللهُ عز وجل ,أناَ دحوت أرِضهاَ ,أناَ عذاب يوم
الظلمة ,أناَ الناَدي من مكاَن بعيد ,أناَ دابة الرِض ,أناَ كماَ يقول لي رِسول
اللهُ ) ص ( :أنت ياَ علي ذو قَرنيهاَ ,وكل طرفيهاَ ,ولك الخرة والولى ,ياَ
سلماَن إن ميتناَ إذا ماَت لم يمت ,ومقتولناَ لم يقتل ,وغاَئبناَ لم يغبِ ,ول
نلد ول نولد في البطون ,ول يقاَس بناَ أحد من الناَس ,أناَ تكلمت على
لساَن عيسى في المهد ,أناَ نوح ,أناَ إبراهيم ,أناَ صااَحبِ الناَقَة ,أناَ صااَحبِ
ي إنتهى علم ماَ فيهُ ,أناَ الرجفة ,أناَ صااَحبِ الزلزلة ,أناَ اللوح المحفوظ ,إل ّ
أنقلبِ في الصورِ كيف شاَء اللهُ ,من رِآهم فقد رِآني ,ومن رِآني فقد
رِآهم ,ونحن في الحقيقة نورِ اللهُ الذي ل يزول ول يتغّير ( . 2
وذكروا عن رِاشد الدين بن سناَن السورِي الداعي السماَعيلي أنهُ قَاَل :
) ظهرت بدرِو نوح فغرقَت الخلئق ...وظهرت في دورِ إبراهيم على ثلث
مقاَلت ...خرقَت السفينة ,وقَتلت الغلم ,وأقَمت الجدارِ .. ,ثم ظهرت
باَلسيد المسيح ,فمسحت بيدي الكريمة عن أولدي الذنوب ,وكنت
باَلظاَهر شمعون – إلى آخر الهفوات والخرافاَت ( . 2
فهذهُ الرواياَت تدل صاراحة على إعتقاَد القوم باَلحلول والتناَسخ ,وأن
أئمتهم خلقوا من نورِ اللهُ الذي لم يتغير ولم يتبدل ,ولكن هذا النورِ كاَن
يحل في أجساَم مختلفة في أزمنة مختلفة ,وكاَن يلبس ألبسة متنوعة
مى بتلك السماَء ,فتاَرِة بآدم ,متفرقَة ,فبذلك الجسد واللباَس كاَن يس ّ
وتاَرِة بنوح ,وتاَرِة بإبراهيم ,وتاَرِة بموسى ,وتاَرِة بعيسى ,وتاَرِة بمحمد ,
مع أن هذا النورِ كاَن بجوهرهُ واحدا .
) أعلم حفظك اللهُ أن النساَن الكاَمل هو القطبِ الذي تدورِ عليهُ أفلك
الوجود من أولهُ إلى آخرهُ ,وهو واحد منذ كاَن الوجود إلى أبد البدين ,ثم
لهُ تنوع في ملبس ويظهر في كناَئس ,فيسمى بهُ باَعتباَرِ لباَس ,ول
يسمى بهُ باَعتباَرِ لباَس آخر ,فاَسمهُ الصالي الذي هو لهُ محمد ,وكنيتهُ أبو
القاَسم ,ووصافهُ عبد اللهُ ,ولقبهُ شمس الدين ,ثم لهُ باَعتباَرِ ملبس
أخرى أساَم ,ولهُ في كل زماَن اسم ماَ يليق بلباَسهُ في ذلك الزماَن ,فقد
اجتمعت بهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم وهو في صاورِة شيخي الشيخ شرف
الدين إسماَعيل الجبرتي ,ولست أعلم أنهُ النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم ,
وكنت أعلم أنهُ الشيخ ,وهذا من جملة مشاَهد شاَهدتهُ فيهاَ بزبيد سنة ست
وتسعين وسبعماَئة ,وسر هذا المر تمكنهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم من
التصورِ بكل صاورِة ,فاَلديبِ إذا رِآهُ في الصورِ المحمدية التي كاَن عليهاَ
في حياَتهُ فإنهُ يسميهُ باَسمهُ ,وإذا رِآهُ في صاورِة ماَ من الصورِ وعلم أنهُ
محمد ,فل يسميهُ إل باَسم تلك الصورِة ,ثم ل يوقَع ذلك السم إل على
الحقيقة المحمدية ,أل تراهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم لماَ ظهر في صاورِة
الشبلي رِضي اللهُ عنهُ قَاَل الشبلي لتلميذهُ :أشهد أني رِسول اللهُ ,وكاَن
التلميذ صااَحبِ كشف فعرفهُ ,فقاَل :أشهد أنك رِسول اللهُ ,وهذا أمر غير
منكورِ ,وهو كماَ يرى الناَئم فلناَ في صاورِة فلن .وأقَل مراتبِ الكشف أن
يسوغ بهُ في اليقظة ماَ يسوغ بهُ في النوم ,لكن بين النوم والكشف فرق ,
وهو أن الصورِة التي يرى فيهاَ محمد صالى اللهُ عليهُ وسلم في النوم ول
1كتاب بيت الدعوة السلمية نسخة خطية ص 10نقل عن تاريخ الدعوة السماعيلية لمصطفى غالب السماعيلي ص , 81
. 82
2أجزاء عن العقائد السماعيلية ,كتاب الداعي إبراهيم تقديم المستشرق الفرنساوي كويارد ط أمبيرين نيشنل بريس
1784م .
182
يوقَع اسمهاَ في اليقظة على الحقيقة المحمدية إلى حقيقة تلك الصورِة
في اليقظة ,بخلف الكشف فإنهُ إذا كشف لك عن الحقيقة أنهاَ متجلية
في صاورِة من صاورِ الدميين ,فيلزمك إيقاَع اسم تلك الصورِة على
الحقيقة المحمدية ويجبِ عليك أن تتأَدب مع صااَحبِ تلك الصورِة تأَدبك مع
محمد صالى اللهُ عليهُ وسلم ,لماَ أعطاَك الكشف أن محمدا صالى اللهُ عليهُ
وسلم متصورِ بتلك الصورِة ,فل يجوز ذلك بعد شهود محمد صالى اللهُ عليهُ
وسلم فيهاَ أن تعاَملهاَ بماَ كنت تعاَملهاَ بهُ من قَبل ,ثم إياَك أن تتوهم شيئاَ
في قَولي من مذهبِ التناَسخ ,حاَشاَ للهُ وحاَشاَ رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ
وسلم أن يكون ذلك مرادي ,بل إن رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم لهُ من
التمكين في التصورِ بكل صاورِة يتجلى في هذهُ الصورِة ,وقَد جرت سنتهُ
صالى اللهُ عليهُ وسلم أنهُ ل يزال يتصورِ في كل زماَن بصورِة أكملهم
ليعلي شأَنهم ويقيم ميلنهم ,فهم خلفاَؤهُ في الظاَهر وهو في الباَطن
حقيقتهم ( . 1
ص الساَبع وهذا ماَ قَاَلهُ الدكتورِ أبو العلء العفيفي معلقاَ على الف ّ
ص حكمة فردية في كلمة محمدية ( من فصوص ابن عربي , والعشرين ) ف ّ
فقاَل :
) شاَع من أوائل عهد السلم القول بأَزلية محمد عليهُ السلم ,أو بعباَرِة
أدق بأَزلية ) النورِ المحمدي ( .وهو قَول ظهر بين الشيعة أولً ولم يلبث
أهل السنة أن أخذوا بهُ ,واستند الكل في دعواهم إلى أحاَديث يظهر أن
أكثرهاَ موضوع .من ذلك أن النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم قَاَل ) :أناَ أول
الناَس في الخلق ( ومنهاَ ) :أول ماَ خلق اللهُ نورِي ( ,ومنهاَ ) :كنت نبياَ
وآدم بين الماَء والطين ( وغير ذلك من الحاَديث التي استنتجوا منهاَ أنهُ
كاَن لمحمد عليهُ السلم وجود قَبل وجود الخلق ,وقَبل وجودهُ الزماَني في
صاورِة النبي المرسل ,وأن هذا الوجود قَديم غير حاَدث ,وعبروا عنهُ باَلنورِ
المحمدي .وقَد أفاَضت الشيعة في وصاف هذا النورِ المحمدي ,فقاَلوا أنهُ
ينتقل في الزماَن من جيل إلى جيل ,وأنهُ هو الذي ظهر بصورِة آدم ونوح
وإبراهيم وموسى وغيرهم من النبياَء ,ثم ظهر أخيرا بصورِة خاَتم النبيين
محمد عليهُ السلم .وبهذا أرِجعو جميع النبياَء من آدم إلى محمد ,وكذلك
ورِثة محمد إلى أصال واحد .وهو قَول نجد لهُ صادى في الغنوصاية المسيحية
.يقول الب كليمنت السكندرِي ) :ليس في الوجود إل نبي واحد وهو
النساَن الذي خلقهُ اللهُ على صاورِتهُ ,والذي يحل فيهُ رِوح القدس ,والذي
يظهر منذ الزل في كل مكاَن وزماَن بصورِة جديدة ( .
نجد لكل هذا الكلم نظيرا في كتبِ ابن عربي فيماَ يسميهُ الكلمة المحمدية
أو الحقيقة المحمدية أو النورِ المحمدي .فهو ل يقصد باَلكلمة المحمدية
في هذا الفص محمدا ً الرسول ,وإنماَ يقصد الحقيقة المحمدية التي
يعتبرهاَ أكمل مجلى خلقي ظهر فيهُ الحق ,بل يعتبرهُ النساَن الكاَمل
والخليفة الكاَمل بأَخص معاَنيهُ .وإذا كاَن كل واحد من الموجودات مجلى
خاَص لبعض السماَء اللهية التي هي أرِباَب لهُ ,فإن محمدا قَد انفرد باَنهُ
مجلى للسم الجاَمع لجميع تلك السماَء ,وهو السم العظم الذي هو
) اللهُ ( .ولهذا كاَنت لهُ مرتبة الجمعية المطلقة ,ومرتبة التعين الول
ولهذهُ الحقيقة المحمدية التي هي أول التعيناَت – وإن شئت فقل أول
المخلوقَاَت – وظاَئف أخرى ينسبهاَ إليهاَ ابن عربي .فهي من ناَحية صالتهاَ
باَلعاَلم مبدأ خلق العاَلم ,إذ هي النورِ الذي خلقهُ اللهُ قَبل كل شيء وخلق
منهُ كل شيء .أو هي العقل اللهي الذي تجلى الحق فيهُ لنفسهُ في حاَلة
الحدية المطلقة ,فكاَن هذا التجلي بمثاَبة أول مرحلة من مراحل التنزل
اللهي في صاورِ الوجود .فلماَ انكشفت لهُ حقيقة ذاتهُ وكماَلتهاَ ,وماَ فيهاَ
من أعياَن الممكناَت التي ل تحصى ,أحبِ إظهاَرِ كماَلتهُ في صاورِ تكون لهُ
بمثاَبة المراياَ التي يرى فيهاَ نفسهُ ,فكاَنت أعياَن الممكناَت الخاَرِجية تلك
المراياَ .
ومن ناَحية صالة الحقيقة المحمدية باَلنساَن ,يعتبرهاَ ابن عربي صاورِة
كاَملة للنساَن الكاَمل الذي يجمع في نفسهُ جميع حقاَئق الوجود ,ولذلك
يسميهاَ آدم الحقيقي ,والحقيقة النساَنية .ويعدهاَ من الناَحية الصوفية
مصدرِ العلم الباَطن ,ومنبعهُ ,وقَطبِ القَطاَب .
في هذا الوصاف الجماَلي لماَ يسميهُ ابن عربي ) الكلمة المحمدية ( ,أو
الحقيقة المحمدية ,عناَصار مختلفة مستمدة من الفلسفة الفلطونية
الحديثة ,والفلسفة المسيحية واليهودية ,مضاَفاَ ً إلى ذلك بعض أفكاَرِ من
مذهبِ السماَعيلية الباَطنية والقرامطة .مزج جميع تلك العناَصار على
طريقتهُ الخاَصاة ,فضيع بذلك معاَلم الصاول التي أخذ عنهاَ ,وخرج على
العاَلم بنظرية في طبيعة الحقيقة المحمدية ,ل تقل في خطرهاَ وأهميتهاَ
في تاَرِيخ الدياَن عن النظرياَت التي وضعهاَ المسيحيون في طبيعة
المسيح ,أو النظرياَت اليهودية أو الرواقَية ,أو اليوناَنية التي تأَثرت بهاَ
في النظرية المسيحية ( . 1
1فصوص الحكم لبن عربي – قسم التعليقات الثاني ص . 321 , 320 , 319
2المقدمات للفرغاني مخطوط ورقة 11إلى 14نقل عن كتاب ختم الولياء ص 486ط بيروت .
184
ويدل أيضاَ على إعتقاَد الصوفية باَلتناَسخ ماَ ذكرهُ الدباَغ في البريز بأَن
1
رِوح الولي تقدرِ على أن تخرج من ذات الولي وتتصورِ بصورِة غير صاورِتهُ
.
وأيضاَ ماَ ذكرهُ الشعراني عن صاوفي أنهُ ) ظهر لعدائهُ في هيئة أسد
عظيم ( . 2
وذكر فريد الدين العطاَرِ عن أبي يزيد البسطاَمي أنهُ سئل عن العرش
والكرسي فقاَل :
) أناَ العرش والكرسي ,وقَاَل :أناَ إبراهيم ,وأناَ موسى ,وأناَ محمد ( .
4
الجواهر والدرر للشعراني ج 2ص 311بهامش البريز للدباغ ط مصر . 1
187
صوفّيـة
بِ ال ّ
مَرات ِ ُ
َ
وأماَ مراتبِ الصوفية ,التي وضعوهاَ لبياَن طبقاَت المتصوفة ومكاَنتهم ,
وقَدرِتهم واختياَرِهم على الخلق ,وأعدادهم ,وهم حسبِ كلم لساَن الدين
بن الخطيبِ :
ص اللهُ في أرِضهُ ,ورِحمة اللهُ في بلدهُ على عباَدهُ :البدال ,
) خوا ّ
والقَطاَب ,والوتاَد ,والعرفاَء ,والنجباَء ,والنقباَء ,وسيدهم الغوث ( .
1
ولدى الهجويري هم ) :أهل الحل والعقد ,وقَاَدة حضرة الحق جل جللهُ ,
فثلثماَئة يدعون الخياَرِ ,وأرِبعون آخرون يسمون البدال ,وسبعة آخرون
يقاَل لهم :البرارِ ,وأرِبعة يسمون الوتاَد ,وثلثة آخرون يقاَل لهم :
النقباَء ,وواحد يسمى القطبِ والغوث .
وهؤلء جميعاَ يعرفون أحدهم الخر ,ويحتاَجون في المورِ لذن بعضهم
البعض ( . 2
الوتاَد :عباَرِة عن أرِبعة رِجاَل مناَزلهم على مناَزل أرِبعة أرِكاَن من
العاَلم :شرق وغرب وشماَل وجنوب ,مع كل واحد منهم مقاَم تلك الجهة .
البدلء :هم سبعة ,ومن ساَفر من القوم من موضعهُ وترك جسدا على
صاورِتهُ حتى ل يعرف أحد أنهُ فقد ,فذلك هو البدل ل غير ,وهم على قَلبِ
إبراهيم عليهُ السلم .
) وأماَ السماَء الدائرة على ألسنة كثير من النساَك والعاَمة مثل الغوث
الذي يكون بمكة ,والوتاَد الرِبعة ,والقَطاَب السبعة ,والبدال الرِبعين ,
والنجباَء الثلثماَئة ,فهذهُ السماَء ليست موجودة في كتاَب اللهُ ,ول هي
أيضاَ مأَثورِة عن النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم بإسناَد صاحيح ول ضعيف
محتمل ,إل لفظ البدال فقد رِوي فيهم حديث شاَمي منقطع السناَد عن
علي بن أبي طاَلبِ مرفوعاَ إلى النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم أنهُ قَاَل :إن
فيهم – يعني أهل الشاَم – البدال أرِبعين رِجل ,كلماَ ماَت رِجل أبدلهُ اللهُ
مكاَنهُ رِجل :ول توجد هذهُ السماَء في كلم السلف كماَ هي على هذهُ
الترتيبِ ....وهذا من جنس دعوى الرافضة أنهُ ل بد في كل زماَن من إماَم
معصوم يكون حجة اللهُ على المكلفين ل يتم اليماَن إل بهُ ,ثم مع هذا
يقولون :أنهُ كاَن صابياَ دخل السرداب من أكثر من أرِبعماَئة وأرِبعين سنة ,
ول يعرف لهُ عين ول أثر ,ول يدرِك لهُ حس ول خبر .
وهؤلء الذين يدعون هذهُ المراتبِ فيهم معناَهاَ للرافضة من بعض الوجود ,
بل هذا الترتيبِ والعتداد يشبهُ من بعض الوجوهُ ترتيبِ السماَعيلية
والنصيرية ونحوهم في الساَبق والتاَلي والناَطق والساَس والحدّ وغير
ذلك من الترتيبِ الذي ماَ أنزل اللهُ بهُ من سلطاَن ( . 1
وبذلك قَاَل ابن خلدون في هذا الخصوص ,والمساَئل الخرى التي ذكرناَهاَ
بأَن المتصوفة أخذوهاَ من التشيع ,فيقول :
) إن هؤلء المتأَخرين من المتصوفة المتكلمين في الكشف وفيماَ ورِاء
الحس توغلوا في ذلك فذهبِ الكثير منهم إلى الحلول والوحدة كماَ أشرناَ
إليهُ وملوا الصحف من مثل الهروي في كتاَب المقاَماَت لهُ وغيرهُ وتبعهم
ابن عربي وابن سبعين وتلميذهماَ ابن العفيف وابن الفاَرِض والنجم
السرائيلي في قَصاَئدهم وكاَن سلفهم مخاَلطين للسماَعيلية المتأَخرين
من الرافضة الدائنين أيضاَ باَلحلول و إلهية الئمة مذهباَ ً لم يعرف لولهم
فأَشرب كل واحد من الفريقين مذهبِ الخر واختلط كلمهم وتشاَبهت
عقاَئدهم وظهر في كلم المتصوفة القول في القطبِ ومعناَهُ رِأس
العاَرِفين يزعمون أنهُ ل يمكن أن يساَويهُ أحد في مقاَمهُ في المعرفة حتى
يقبضهُ اللهُ ثم يورِث مقاَمهُ لخر من أهل العرفاَن وقَد أشاَرِ إلى ذلك ابن
سيناَ في كتاَب الشاَرِات في فضول التصوف منهاَ فقاَل جل جناَب الحق
أن يكون شرعهُ لكل وارِد أو يطلع عليهُ إل الواحد بعد الواحد وهذا كلم ل
تقوم عليهُ حجة عقلية ول دليل شرعي وإنماَ هو من أنواع الخطاَبة وهو
بعينهُ ماَ تقولهُ الرافضة ودانوا بهُ ثم قَاَلوا بترتيبِ وجود البدال بعد هذا
القطبِ كماَ قَاَلهُ الشيعة في النقباَء ( . 2
هذا وقَد اقَر بذلك أحمد أمين المصري ,فكتبِ ) :أن الصوفية اتصلت
باَلتشيع اتصاَلً وثيقاَ ً ,وأخذت فيماَ أخذت عنهُ فكرة المهدي ,وصااَغتهاَ
صاياَغة جديدة وسمتهُ ) قَطباَ( ,وكونت مملكة من الرِواح على نمط مملكة
الشباَح ,وعلى رِأس هذهُ المملكة الروحية القطبِ ,وهو نظير الماَم أو
المهدي في التشيع ,والقطبِ هو الذي ) يدبر المر في كل عصر ,وهو
1انظر مجموعة الرسائل والمسائل للمام ابن تيمية ج 1ص 57و 60ط بيروت 1983م ,كذلك مجموعة فتاوى ابن تيمية
ج 11ص . 439 , 434 , 433
2انظر مقدمة ابن خلدون الفصل الحادي عشر في علم التصوف ص 473ط القاهرة .
190
عماَد السماَء ,ولولهُ لوقَعت على الرِض ( ,ويلي القطبِ النجباَء ,قَاَل ابن
عربي في الفتوحاَت المكية ) :وهم اثناَ عشر نقيباَ ً في كل زماَن ,ل
يزيدون ول ينقصون ,على عدد بروج الفلك الثني عشر ,كل نقيبِ عاَلم
بخاَصاية كل برج وبماَ أودع اللهُ تعاَلى في مقاَمهُ من السرارِ والتأَثيرات ...
وأعلم أن اللهُ تعاَلى قَد جعل بأَيدي هؤلء النقباَء علوم الشرائع المنزلة ,
ولهم استخراج خباَياَ النفوس وغوائلهاَ ,ومعرفة مكرهاَت وخداعهاَ ,
وإبليس مكشوف عندهم ,يعرفون منهُ ماَ ل يعرفهُ من نفسهُ ,وهم من
العلم بحيث إذا رِأى أحدهم وطأَة شخص في الرِض علم أنهاَ وطأَة سعيد
ي مثل العلماَء باَلثاَرِ والقياَفة ( . 1
أو شق ّ
وأماَ من أرِاد مقاَرِنة هذهُ المراتبِ باَلمراتبِ السماَعيلية فليرجع إلى كتاَبناَ
) السماَعيلية القدامى تاَرِيخ وعقاَئد ( الباَب الساَبع منهُ ) ماَهية الدعوة
السماَعيلية ونظاَمهاَ ( .
ومثل ذلك ذكر الداعي السماَعيلي حميد الدين الكرماَني في كتاَبهُ رِاحة
العقل . 3
انظر أساس التأويل للنعمان القاضي المغربي ص 71 , 70ط دار الثقافة بيروت . 2
التــقـــَيـــة
من أهم المباَدئ الشيعية وأسسهم ومعتقداتهم الخفاَء والكتماَن ,وإظهاَرِ
ماَ ل يعتقدونهُ في السر ,وإعلن ماَ يبطنون خلفهُ ,وهذا من أخطر ماَ
يؤمن بهُ الشيعة ,ويميزهم من الطوائف المسلمة الخرى ,ويحول بينهم
وبين اللتقاَء بهم ,لنهُ ل يعلم ظاَهرهم من باَطنهم ,وكذبهم من
صادقَهم ,كماَ قَاَل السيد محبِ الدين الخطيبِ :
) وأول موانع التجاَوب الصاَدق باَلخلص بينناَ وبينهم ماَ يسمونهُ التقية ,
فإنهاَ عقيدة دينية تبيح لهم التظاَهر لناَ بغير ماَ يبطنون ,فينخدع سليم
القلبِ مناَ بماَ يتظاَهرون لهُ بهُ من رِغبتهم في التفاَهم والتقاَرِب ,وهم ل
يريدون ذلك ول يرضون بهُ ول يعملون لهُ ( . 1
والرافضة تجعل هذا من أصاول دينهاَ وتسميهُ التقية ,وتحكي هذا عن أئمة
أهل البيت الذين برأهم اللهُ عن ذلك حتى يحكوا ذلك عن جعفر الصاَدق أنهُ
قَاَل :التقية ديني ودين آباَئي ,وقَد نّزهُ اللهُ المؤمنين من أهل البيت
وغيرهم عن ذلك ,بل كاَنوا من أعظم الناَس صادقَاَ وتحقيقاَ لليماَن ,وكاَن
دينهم التقوى ,ل التقية ( . 2
فهناَك رِواياَت كثيرة فوق الحصر ,التي أورِدهاَ الشيعة في كتبهم لعتناَق
هذهُ العقيدة من أئمتهم المعصومين ,ونحن أورِدناَ العديد منهاَ في كتاَبناَ
الشيعة والسنة ,وخصصناَ باَباَ مستقل لبياَن هذا المبدأ وأهميتهُ عند القوم ,
كماَ عقدناَ فصل مستقل في كتاَبناَ الجديد ) بين الشيعة وأهل السنة ( لهذا
الموضوع ,فمن أرِاد التعمق والتفصيل فليرجع إليهماَ ,ولكن نذكر هناَ
رِوايتين عن القوم :
رِوى الكشي عن حسين بن معاَذ بن مسلم النحوي ) :عن أبي عبد اللهُ ) ع(
قَاَل :
) قَاَل لي ) أبو عبد اللهُ ( :بلغني أنك تقعد في الجاَمع ,فتفتي الناَس ؟ قَاَل
:قَلت :نعم ,وقَد أرِدت أن أسأَلك عن ذلك قَبل أن أخرج أني أقَعد في
الجاَمع ,فيجيء الرجل ,فيسأَلني عن الشيء فإذا عرفتهُ باَلخلف أخبرتهُ
بماَ يقولون ...قَاَل ) أي معاَذ بن مسلم ( فقاَل لي ) أبو عبد اللهُ ( :اصانع
كذا ,فإني اصانع كذا ( 3ز
الخطوط العريضة للسس التي قام عليها مذهب الشيعة الثني عشرية ص 8الطبعة السادسة . 1
منهاج السنة النبوية لشيخ السلم ابن تيمية ج 1ص 159ط باكستان . 2
رجال الكشي ص 218تحت ترجمة معاذ بن مسلم ط مؤسسة ال‘لمي كربلء العراق . 3
192
ورِواية أخرى رِواهاَ الكليني عن جعفر أنهُ قَاَل لصاحاَبهُ معلى بن خنيس :
) ياَ معلى ,أكتم لمرناَ ول تذعهُ ,فإنهُ من كتم أمرناَ ولم يذعهُ أعزهُ اللهُ بهُ
في الدنياَ ,وجعلهُ نورِا بين عينيهُ في الخرة ,يقودهُ في الجنة .
ى ,من أذاع أمرناَ ولم يكتمهُ أذلهُ اللهُ بهُ في الدنياَ ,ونزع النورِ من
ياَ معل ّ
بين عينيهُ في الخرة ,وجعلهُ ظلمة تقودهُ إلى الناَرِ .
ياَ معلى ,إن التقية من ديني ودين آباَئي ,ول دين لمن ل تقية لهُ ( . 1
) اعتقاَدناَ في التقية أنهاَ واجبة ,ل يجوز رِفعهاَ إلى أن يقوم القاَئم ,ومن
تركهاَ قَبل خروجهُ فقد خرج عن دين الماَمية ,وخاَلف اللهُ ورِسولهُ
والئمة ( . 2
فهذا هو معتقد الشيعة ومبدؤهم الذي اشتهروا بهُ ,وعّيروا عليهُ ,وطعنوا
فيهُ .
ولكن المتصوفة أخذوهُ بكاَملهُ عنهم ,وزادوا عليهم حيث اتهموا رِسول
اللهُ بتهمة بّرأ اللهُ ساَحتهُ عنهاَ بقولهُ } :وماَ هو على الغيبِ بضنين { . 4
واستندوا بحديث مكذوب على رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم مع علمهم
ي متعمدا فليتبوأ مقعدهُ من الناَرِ ( . 5
بأَنهُ هو القاَئل ) :من كذب عل ّ
فقاَلوا :
) أمر اللهُ نبيناَ محمدا صالى اللهُ عليهُ وسلم بكتم أشياَء مماَ ل يسعهُ غيرهُ
للحديث المروي عنهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم أنهُ قَاَل :أوتيت ليلة أسري بي
ي في كتمهُ ,وعلم خّيرت في تبليغهُ ,وعلم أمرت ثلثة علوم ,فعلم أخذ عل ّ
بتبليغهُ .
فاَلعلم الذي أمر بتبليغهُ هو علم الشرائع ,والعلم الذي خّير في تبليغهُ هو
علم الحقاَئق ,والعلم الذي أخذ عليهُ في كتمهُ هو السرارِ اللهية ولقد
أودع اللهُ جميع ذلك في القرآن .فاَلذي أمر بتبليغهُ ظاَهر .والذي خّير في
تبليغهُ باَطن لقولهُ ) سنريهم آياَتناَ في الفاَق وفي أنفسهم حتى يتبين
لهم أنهُ الحق ( وقَولهُ ) وماَ خلقناَ السموات والرِض وماَ بينهماَ إل باَلحق (
وقَولهُ ) وسخر لكم ماَ في السموات وماَ في الرِض جميعاَ منهُ ( وقَولهُ
ل على الحقاَئق ووجهُ ) ونفخت فيهُ من رِوحي ( فإن جميع ذلك لهُ وجهُ يد ّ
الصول من الكافي للكليني ج 2ص 224 , 223ط إيران . 1
رواه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد وغيرهم . 5
193
يتعلق باَلشرائع ,فهو كاَلتخير ,فمن كاَن فهمهُ إلهياَ فقد بلغ ذلك ,ومن لم
يكن فهمهُ ذلك الفهم وكاَن مماَ لو فوجئ باَلحقاَئق أنكرهاَ ,فإنهُ ماَ بلغ
إليهُ ذلك لئل يؤدي ذلك إلى ضللتهُ وشقاَوتهُ .والعلم الذي أخذ عليهُ في
كتمهُ فإنهُ مودع في القرآن بطريق التأَويل لغموض الكتم ,فل يعلم ذلك إل
من أشرف على نفس العلم أول ,وبطريق الكشف اللهي ,ثم سمع
ل الذي أودع اللهُ فيهُ شيئاَ من العلم القرآن بعد ذلك ,فإنهُ يعلم المح ّ
المأَخوذ على النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم في كتمهُ وإليهُ الشاَرِة بقولهُ
تعاَلى ) وماَ يعلم تأَويلهُ إل اللهُ ( على قَراءة من وقَف هناَ ,فاَلذي يطلع
تأَويلهُ في نفسهُ هو المسمى باَللهُ فاَفهم ( . 1
أي لم يظهر النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم جميع العلوم التي كاَن قَد خصهُ
اللهُ بهاَ – حسبِ زعمهم – وذلك لجل أن الناَس لم يكونوا يقدرِون على
حملهاَ ومعرفتهاَ .
وبمثل ذلك نقل الشعراني عن سيدهُ محمد الحنفي أنهُ قَاَل :
) وههناَ كلم لو أبديناَهُ لكم لخرجتم مجاَنين لكن نطويهُ عمن ليس من أهلهُ
(.3
وهذا عين ماَ ذكرهُ الشيعة عن جعفر بن الباَقَر أنهُ قَاَل :
) إن عندناَ واللهُ سرا من سّر اللهُ ,وعلماَ من علم اللهُ ,أمرناَ اللهُ بتبليغهُ ,
فب ّلغناَ من اللهُ عز وجل ماَ أمرناَ بتبليغهُ ,فلم نجد لهُ موضعاَ ول أهل ول
حماَلة يحتملونهُ ( . 4
أيضاَ )ل يحتملهُ ملك مقرب ,ول نبي مرسل ,ول مؤمن أمتحن اللهُ قَلبهُ
لليماَن ( . 6
هذا وأن الصوفية اتهموا أباَ هريرة رِضي اللهُ عنهُ أنهُ قَاَل :
) حفظت من رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم جرابين من العلم :أماَ
أحدهماَ فبثثتهُ في الناَس ,وأماَ الخر فلو بثثتهُ لقطع مني هذا البلعوم ( .
7
النسان الكامل لعبد الكريم الجيلي ج 1ص 117الطبعة الرابعة 1402هـ مصر . 1
الصول من الكافي ج 1ص , 402أيضا بصائر الدرجات الكبرى للصفار ص . 40 4
وكاَن كباَرِ المتصوفة يعملون بهذا المبدأ ,ولم يكونوا يظهرون للناَس
علومهم وأفكاَرِهم كماَ رِوى الكلباَذي عن الجنيد أنهُ قَاَل للشبلي :
) نحن حّبرناَ هذا العلم تحبيرا ,ثم خبأَناَهُ في السراديبِ ,فجئت أنت ,
فأَظهرتهُ على رِؤوس المل .
فقاَل :أناَ أقَول وأناَ أسمع ,فهل في الجاَرِين غيري ( .
4
ونقل الشعراني كذلك عن الجنيد أنهُ ) كاَن يستر كلم أهل الطريق عمن
ليس منهم ,وكاَن يستتر باَلفقهُ والفتاَء على مذهبِ أبي ثورِ ,وكاَن إذا
تكلم في علوم القوم أغلق باَب دارِهُ ,وجعل مفتاَحهُ تحت ورِكهُ ( . 5
1أيضا .
2غيث المواهب العلية للنفزي الرندي ج 1ص . 214
3روضة التعريف بالحب الشريف ص . 432
4التعرف لمذهب أهل التصوف للكلباذي ص 172ط القاهرة .
5اليواقيت والجواهر للشعراني ج 2ص 93ط مصطفى البابي الحلبي مصر 1378هـ .
195
) امتنعت عني الرؤياَ لرسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ,ثم رِأيتهُ ,فقلت :
ياَ رِسول اللهُ ,ماَذ نبي ؟ فقاَل :إنك لست بأَهل لرؤيتناَ لنك تطلع الناَس
على أسرارِناَ ( . 6
وهناَك نص مهم جدا ذكرهُ الشعراني يقطع في هذا الموضوع فيقول :
وكاَن بعض العاَرِفين يقول
) نحن قَوم يحرم النظر في كتبناَ على من لم يكن من أهل طريقتناَ ,
وكذلك ل يجوز لحد أن ينقل كلمناَ إل لمن يؤمن بهُ ,فمن نقلهُ إلى من ل
يؤمن بهُ دخل هو والمنقول إليهُ جهنم النكاَرِ ,وقَد صارح بذلك أهل اللهُ
تعاَلى على رِؤوس الشهاَد وقَاَلوا :
من باَح باَلسّر استحق القتل ( . 3
وقَد ذكر الدباَغ حكاَياَت كثيرة عن الذين لم يكتموا السّر فاَبتلهم اللهُ ببلياَ
عديدة ,من القتل والصلبِ والحرق والعمى وغير ذلك . 4
وكماَ يروون أن الخضر عبر على الحلج وهو مصلوب ,فقاَل لهُ الحلج :
) هذا جزاء أولياَء اللهُ ؟
ت( .
6
فقاَل لهُ الخضر :نحن كتمناَ فسلمناَ ,وأنت بحت فم ّ
وننقل أخيرا أن أحمد بن زرِوق ,وابن عجيبة ذكرا عن الجنيد أنهُ كاَن يجيبِ
عن المسأَلة الواحدة بجوابين مختلفين ,فكاَن يجيبِ هذا بخلف ماَ يجيبِ
ذاك . 8
هذا عين ماَ رِواهُ الشيعة على محمد الباَقَر كماَ ذكر الكليني عن زرِارِة بن
أعين أنهُ قَاَل :
الوصية الكبرى لعبد السلم السمر الفيتوري ص " 105مكتبة النجاح طرابلس ليبيا الطبعة الولى . 2
اليواقيت والجواهر للشعراني ص 17ط مصطفى البابي الحلبي مصر . 3
انظر تذكرة الولياء لفريد الدين العطار ص 252ط باكستان . 5
شرح حال الولياء لعز الدين المقدسي مخطوط ورقة . 251 6
انظر قواعد التصوف لبن زروق ص . 11ط القاهرة ,أيضا إيقاظ الهمم لبن عجيبة ص . 144 8
196
) سأَلت أباَ جعفر عن مسأَلة فأَجاَبني ,ثم جاَءهُ رِجل فسأَلهُ عنهاَ فأَجاَبهُ
بخلف ماَ أجاَبني .ثم جاَء رِجل آخر فأَجاَبهُ بخلف ماَ أجاَبني وأجاَب صااَحبي
,فلماَ خرج الرجلن قَلت :ياَ ابن رِسول اللهُ ,رِجلن من أهل العراق من
شيعتكم قَدماَ يسأَلن فأَجبت كل واحد منهماَ بغير ماَ أجبت بهُ صااَحبهُ ؟
فقاَل :ياَ زرِارِة ,إن هذا خير لناَ وأبقى لناَ ولكم ,ولو اجتمعتم على أمر
دقَكم الناَس عليناَ ,ولكاَن أقَل لبقاَئناَ وبقاَئكم .
واحد لص ّ
قَاَل :ثم قَلت لبي عبد اللهُ عليهُ السلم :شيعتكم لو حملتموهم على
السنة أو على الناَرِ لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين ,قَاَل :
فأَجاَبني بمثل جواب أبيهُ ( . 1
فهذا هو المبدأ الخطير الخر الذي أخذهُ المتصوفة من الشيعة ليكونوا حزباَ
سّرياَ يعمل في الخفاَء لهدم مباَدئ السلم وتعاَليمهُ ,ولتأَسيس دياَنة
جديدة تعمل لتوهين القوى السلمية ونشاَط المسلمين لنشر الكتاَب
والسنة ,والتقاَعد عن الجهاَد والغزوات ,وبناَء المجتمع السلمي على
أسس كتاَب اللهُ وسنة رِسولهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ,وقَد وضعناَهُ أماَم
الباَحثين والقراء مع المقاَرِنة بين أفكاَرِ الخذين والذين أخذ عنهم ,
معتمدين على أوثق الكتبِ وأثبتهاَ وأهمهاَ لدى الطرفين .
الصول من الكافي كتاب فضل العلم باب اختلف الحديث ج 1ص . 65ط طهران . 1
197
ن
والَبـاَطِ ُ
هـُر َ ال ّ
ظاَ ِ
وأماَ الفكرة الخرى التي تسربت إلى التصوف من التشيع ,واعتنقهاَ
الصوفية بتماَمهاَ هي فكرة تقسيم الشريعة إلى الظاَهر والباَطن ,والعاَم
والخاَص .
وكذبوا على رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم أنهُ قَاَل :
ي آية إل ولهاَ ظهر وبطن ,ولكل حرف حدّ ,ولكل حدّ مطلع ( )2ماَ نزلت عل ّ
.
ي حيث قَاَلوا : ثم قَسموا الظاَهر والباَطن بين النبي والوصا ّ
) كاَنت الدعوة الظاَهرة قَسط الرسول صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ ,والدعوة
الباَطنة قَسط وصاّيهُ الذي فاَض منهُ جزيل النعاَم ( . 3
وأن الشيعة الخرين كاَلشيعة الثني عشرية يقولون بهذا القول كماَ رِوى
كلينيهم في كاَفّيهُ عن موسى الكاَظم – الماَم الساَبع عندهم – أنهُ قَاَل :
) إن القرآن لهُ ظهر وبطن ( . 5
وأيضاَ ماَ رِواهُ ابن باَبويهُ القمي عن علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ في
حديث طويل أنهُ قَاَل :
كتاب أساس التأويل للنعمان القاضي ص . 28ط دار الثقافة بيروت . 1
أعلم النبوة لبي حاتم الرازي تحقيق صلح الصادي .ط انجمن فلسفة إيران 1397هـ . 2
كتب الذخيرة في الحقيقة للداعي السماعيلي علي بن الوليد المتوفى سنة 612هـ ص . 113ط دار الثقافة بيروت . 3
انظر الفتخار للداعي أبي يعقوب السجستاني ص . 71ط لبنان . 4
انظر كتاب الحجة من أصول الكافي للكليني ج 1ص . 374ط طهران . 5
198
) إن رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وآلهُ علمني ألف باَب من العلم يفتح كل
باَب ألف باَب ,ولم يعلم ذلك أحد غيري ( . 1
ويقولون :أن هذهُ العلوم توارِثهاَ أئمتهم بعدهُ ,فعلى ذلك يقول الكليني
دث الشيعة في خطبهُ كتاَبهُ : مح ّ
) فأَوضح اللهُ بأَئمة الهدى من أهل بيت نبيناَ صالى اللهُ عليهُ وآلهُ عن دينهُ ,
وأبلج بهم عن سبيل مناَهجهُ ,وفتح بهم عن باَطن يناَبيع علمهُ ,وجعلهم
جاَباَ بينهُ وبين خلقهُ ,والباَب المؤديمساَلك لمعرفتهُ ,ومعاَلم لدينهُ ,وح ّ
إلى معرفة حقهُ ,وأطلعهم على المكنون من غيبِ سرهُ .
كّلماَ مضى منهم إماَم نصبِ لخلقهُ من عقبهُ إماَماَ بّيناَ ,وهاَدياَ نّيرا ,وإماَماَ
قَّيماَ ,يهدون باَلحق وبهُ يعدلون ( . 2
فحاَصال ماَ قَلناَهُ أن تقسيم الشريعة والعلوم إلى الظاَهر والباَطن من أهم
الميزات التي تتمّيز بهاَ الشيعة بفرقَهاَ عن الخرين من المسلمين ,وهم
ولوا بهاَ متأَثرين باَليهودية التي استقوا منهاَ أفكاَرِهم ,بوساَطة
الذين تق ّ
عبد اللهُ بن سباَ اليهودي ,المؤسس الحقيقي الول لدياَنتهم ومذهبهم .
كتاب الخصال لبن بابويه القمي أبواب السبعين وما فوقه ص . 572ط مكتبة الصدوق 1389هجري قمري . 1
انظر الملل والنحل للشهرستاني ج 1ص 201بهامش الفصل لبن حزم . 3
وذكر المتصوفة نفس تلك الرواية التي نقلهاَ الشيعة والسماَعيلية ,
وهي :
) لكل آية ظاَهر وباَطن ,وحدّ ومطلع ( .
2
وكاَن أول من أظهر علم القوم وتكلم فيهُ سيدناَ علي كرم اللهُ وجههُ عن
رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم ...ثم انتشر هذا الطريق انتشاَرِا ل
ينقطع حتى ينقطع عمر الدنياَ ( . 3
وأورِدوا في كتبهم تلك الرواية الشيعية بعينهاَ ,التي نحن ذكرناَهاَ منهم
عن علي رِضي اللهُ عنهُ أنهُ قَاَل :
) علمني رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم سبعين باَباَ من العلم لم يعلم
ذلك أحد غيري ( . 4
ومنهاَ ماَ رِووهُ عن أبي سعيد الخدرِي رِضي اللهُ عنهُ كذباَ عليهُ أنهُ قَاَل :
) كناَ نمشي مع النبي صالى اللهُ عليهُ وسلم فاَنقطع نعلهُ ,فتناَولهاَ علي
يصلحهاَ ,ثم مشى ,فقاَل :
) ياَ أيهاَ الناَس ,إن منكم من يقاَتلهُ علي على تأَويل القرآن كماَ قَاَتلت
على تنزيلهُ ( . 6
م
ع ّ
وكذلك ماَ قَاَلهُ ابن عربي في تفسيرهُ مفسرا قَول اللهُ عز وجل َ } :
ظيم ِ { . ن الن ّب َإ ِ ال ْ َ
ع ِ ع ِ ساَءُلو َ
نَ 0 ي َت َ َ
) إنهُ القياَمة الكبرى ,ولهذا قَيل :إن أمير المؤمنين علي هو النبأَ
العظيم ,وهو فلك نوح أي الجمع والتفصيل – باَعتباَرِ الحقيقة والشريعة –
لكونهُ جاَمعاَ لهماَ ( . 3
أي أن علياَ رِضي اللهُ عنهُ هو إماَم هذهُ الطريقة في العلم والمعاَملة ,
فأَهل الطريقة يطلقون على علم الطريقة اسم الصاول ,ويسمون تحمل
البلء فيهاَ باَلمعاَملت ( . 4
ثم نقل عن علي رِضي اللهُ عنهُ أشياَء وقَاَل بعدهُ :
) ولعلي رِضي اللهُ عنهُ أشباَهُ في ذلك كثير من الحوال والخلق والفعاَل
التي يتعلق بهاَ أرِباَب القلوب وأهل الشاَرِات وأهل المواجيد من
الصوفية ( . 6
قَاَل الغزالي :علم الباَطن هو علم يقين المقربين ,وثمرتهُ الفوز برضاَ
اللهُ تعاَلى ,ونيل سعاَدة البد ,وبهُ تزكية النفس وتطهيرهاَ ,وتنوير القلبِ
وصافاَؤهُ بحيث ينكشف بذلك النورِ أمورِ جليلة ,ويشهد أحوال عجيبة ,
ويعاَين ماَ نمت عنهُ بصيرة ( . 1
وقَاَلوا :
إل كجـــــسم فيهُ رِوح ســـــاَكن ) هل ظاَهر الشرع وعلم الباَطــن
والعلم الباَطن هو علم الربوبية ( .
2
والعلم الظاَهر هو علم العبودية
وقَاَلوا :
)ل تجعلوا أحدا من أهل الظاَهر حجة على أهل الباَطن ( .
3
وخلصاة هذا أن علم الباَطن هو التصوف بعينهُ ,وهو ماَ أشاَرِ الكلباَذي نقل
عن عبد الواحد بن زيد أنهُ قَاَل :
) سأَلت الحسن عن علم الباَطن فقاَل :سأَلت حذيفة بن اليماَن عن علم
الباَطن فقاَل :سأَلت رِسول اللهُ عن علم الباَطن فقاَل :سأَلت جبريل عن
علم الباَطن فقاَل :سأَلت اللهُ عز وجل عن علم الباَطن فقاَل هو سّر من
سّري ,أجعلهُ في قَلبِ عبدي ,ل يقف عليهُ أحد من خلقي .
قَاَل أبو الحسن بن أبي ذرِ قَي كتاَبهُ منهاَج الدين أنشدوناَ للشلبي :
ي
ي رِبــــــوب ّ 4
ي ســــــــماَو ّ
علم سن ّ علم التصوف ل نفــــاَذ لــهُ
أهل الجزالة والصنع الخصوصاي ( . فيهُ الفوائد للرِباَب يعرفهاَ
1حياة القلوب في كيفية الوصول إلى المحبب لعماد الدين الموي ج 1ص 261 , 259بهامش قوت القلوب لبي طالب
المكي .ط دار صادر بيروت .
2الفتوحات اللهية لبن عجيبة ص . 333
3قواعد التصوف .
4التعرف لمذهب أهل التصوف للكلباذي ص . 106 , 105
202
فقاَل :سّر من سّر اللهُ تعاَلى يقذفهُ في قَلوب عباَدهُ لم يطلع عليهُ ملكاَ
ول بشرا ( . 5
وكذب الخر على رِسول اللهُ صالى اللهُ عليهُ وسلم حيث نسبِ هذا الكلم
إليهُ صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ فقاَل :
) علم الباَطن سر من أسرارِ اللهُ تعاَلى وحكمة من حكمتهُ يقذفهُ في قَلوب
من يشاَء من عباَدهُ ( . 3
و ) هو العلم المخزون والعلم اللدني الذي اختزنهُ عندهُ ,فلم يؤتهُ إل
للمخصوصاين من الولياَء كماَ قَاَل اللهُ تعاَلى في شأَن الخضر عليهُ
السلم :وعّلمناَهُ من لدناَ علماَ ...وقَاَل بعضهم :هي أسرارِ اللهُ تعاَلى
يبديهاَ اللهُ إلى أنبياَئهُ وأولياَئهُ وساَدات النبلء من غير سماَع ول درِاسة ,
وهي من السرارِ التي لم يطلع عليهاَ أحد إل الخواص .
وقَاَل أبو بكر الواسطي رِضي اللهُ عنهُ في قَولهُ تعاَلى :والراسخون في
العلم :وهو الذين رِسخوا بأَرِواحهم في غيبِ الغيبِ ,وفي سر السر ,
فعرفهم ماَ عرفهم ,وخاَضوا في بحر العلم باَلفهم لطلبِ الزياَدة ,
قوت القلوب لبي طالب المكي ج 1ص . 120 5
مقدمة التائية الكبرى للقيصري مخطوط ص 208 , 207المنقول من ملحقات كتاب ختم الولياء ص . 493 4
203
فاَنكشف لهم من مذخورِ الخزائن والمخزون تحت كل حرف وآية من الفهم
وعجاَئبِ النظر بحاَرِا ,فاَستخرجوا الدرِرِ والجوهر ,ونطقوا باَلحكمة ( . 1
وقَاَلوا :
) أهل الظاَهر هم :أهل الخبر واللساَن ,وعلماَء الباَطن هم :أرِباَب القلوب
والعياَن ...وعلم الظاَهر حكم ,وعلم الباَطن حاَكم ,والحكم موقَوف حتى
يأَتي الحاَكم بحكم فيهُ ( . 2
وآخرون منهم قَاَلوا برفع التكاَليف الدينية سواء أكاَنوا من الصوفية الذين
تحررِوا من القيود الشرعية في تفكيرهم وأعماَلهم ,أم من الصوفية
الصاَدقَين في تصوفهم كاَلملمتية الذين دفعهم الخوف من مدح الناَس
فمثل الطوسي يذكر متصوفة كثيرين رِموا باَلزندقَة واللحاَد ,ولكنهُ يبّرء
ساَحتهم من هذهُ التهم بهذهُ المقولة ,فمثل يقول عن عبد اللهُ الحسين
بن مكي الصبيحي أنهُ ) تكلم بشيء من علم السماَء والصفاَت وعلم
الحروف فكفرهُ أبو عبد اللهُ الزبيري ,وهّيج عليهُ العاَمة ,فقاَل :إن سهل
بن عبد اللهُ قَاَل لهُ :نحن فتحناَ للناَس جراب الهلتيت فلم يصبروا عليناَ ,
فلم كلمتهم أنت بماَ ل يعرفون ,فكاَن ذلك سببِ خروجهُ من البصرة ,ثم
قَاَل :وكاَن إذا تكلم بعلوم المعاَرِف يدهش العاَلم ( . 2
ومثل ذلك ذكر أباَ سعيد أحمد بن عيسى الخراز فقاَل :
) أنكر عليهُ جماَعة من العلماَء ,ونسبوهُ إلى الكفر بأَلفاَظ وجدوهاَ في
كتاَب صاّنفهُ وهو :كتاَب السّر ,فلم يفهموا معناَهُ ,وهو قَولهُ :عبد رِجع
إلى اللهُ ,وتعلق باَلذكر ,وذكر في قَرب اللهُ وطاَلع ماَ أذن لهُ من التعظيم
للهُ ,ونسي نفسهُ وماَ سوى اللهُ ,فلو قَلت لهُ :من أين أنت وأين تريد ؟ لم
يكن جواب غير قَول ) اللهُ ( (. 3
في التصوف السلمي وتاريخه لنيكلسون ترجمة عربية لبي العلء العفيفي ص . 77 , 76 1
وقَاَل الجيلي مفسرا قَول اللهُ عز وجل } :هل أتى على النساَن حين من
الدهر لم يكن شيئاَ مذكورِا { يقول في تفسيرهُ :
) اتفقت العلماَء على أن ) هل ( في هذا الموضوع بمعنى قَد :يعني قَد أتى
النساَن حين من الدهر ,والهر هو اللهُ ,والحين تجل من تجلياَتهُ ) لم يكن
شيئاَ ( يعني أن النساَن لم يكن شيئاَ ) مذكورِا ( ,ول وجود لهُ في ذلك
التجلي ,ل من حيث الوجود العيني ول من حيث العملي ,لنهُ لم يكن شيئاَ
مذكورِا ,فلم يكن معلوماَ ,وهذا التجلي هو أزل الحق الذي لنفسهُ ( . 2
ول الجيلي الصوم والصلة والزكاَة والحج تأَويل باَطنياَ محضاَ , ثم يؤ ّ
كاَلسماَعيلية تماَماَ ,فيقول :
) وأماَ الصلة فإنهاَ عباَرِة عن واحدية الحق تعاَلى ,وإقَاَمتهاَ إشاَرِة إلى
إقَاَمة ناَموس الواحدية باَلتصاَف بساَئر السماَء والصفاَت ,فاَلطهر عباَرِة
عن الطهاَرِة من النقاَئص الكونية ...وقَراءة الفاَتحة إشاَرِة إلى وجود
كماَلهُ في النساَن لن النساَن هو فاَتحة الوجود ....
وأماَ الزكاَة فعباَرِة عن التزكي بإيثاَرِ الحق على الخلق ...وأماَ كونهُ واحدا
في كل أرِبعين في العين فلن الوجود لهُ أرِبعون مرتبة ,والمطلوب
المرتبة اللهية ,فهي المرتبة العلياَ ,وهي واحدة من أرِبعين ...
وأماَ الحج فإشاَرِة إلى استمرارِ القصد في طلبِ اللهُ تعاَلى ,والحرام
إشاَرِة إلى ترك شهود المخلوقَاَت ...ثم ترك حلق الرأس إشاَرِة إلى ترك
الرياَسة البشرية ...ثم مكة عباَرِة عن المرتبة اللهية ,ثم الكعبة عباَرِة عن
الذات ,ثم الحجر السود عباَرِة عن اللطيفة النساَنية 3 ( ....ز
لطائف المنن لبن عطاء السكندري ص 248بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الزهر السابق . 1
وأماَ ابن عربي الذي قَاَل فيهُ الدكتورِ أبو العلء العفيفي محللً أسلوبهُ
التأَويلي والتفسيري :
) إنهُ يحول القرآن بمنهجهُ الخطير في التأَويل إلى قَرآن جديد ( .
4
وينقل الشيخ رِشيد رِضاَ المصري ,عن شيخهُ محمد عبدهُ رِأيهُ في تفسيرهُ
بقولهُ ) :وفيهُ من النزعاَت ماَ يتبرء منهُ دين اللهُ وكتاَبهُ العزيز ( . 5
وقَيل أقَسم اللهُ بهذهُ الحروف لشرفهاَ لنهاَ بساَئط أسماَئهُ وخطاَبهُ .
وقَيل إنهاَ أسماَء السورِ .
وقَيل اللف تدل على اسم ) اللهُ ( واللم تدل على اسم ) جبريل ( والميم
تدل على اسم ) محمد ( صالى اللهُ عليهُ وسلم ,فهذا الكتاَب نزل من اللهُ
على لساَن جبريل إلى محمد صالى اللهُ عليهُ وسلم .
واللف من بين ساَئر الحروف انفردت عن أشكاَلهاَ بأَنهاَ ل تتصل بحرف
في الخط وساَئر الحروف يتصل بهاَ إل حروف يسيرة ,فيتنبهُ العبد عند
تأَمل هذهُ الصفة إلى احتياَج الخلق بجملتهم إليهُ ,واستغناَئهُ عن الجميع .
ويقاَل يتذكر العبد المخلص من حاَل’ اللف تقدس الحق سبحاَنهُ وتعاَلى
عن التخصص باَلمكاَن ,فإن ساَئر الحروف لهاَ محل من الحلق أو الشفة أو
اللساَن إلى غيرهُ من المدارِج غير اللف فإنهاَ هويتهُ ,ل تضاَف إلى محل .
ويقاَل الشاَرِة منهاَ إلى انفراد العبد للهُ سبحاَنهُ وتعاَلى فيكون كاَللف ل
يتصل بحرف ,ول يزول عن حاَلة الستقاَمة والنتصاَب بين يديهُ .
ويقاَل بطاَلبِ العبد في سرهُ عند مخاَطبتة باَللف باَنفراد القلبِ إلى اللهُ
تعاَلى ,وعند مخاَطبتهُ باَللم بلين جاَنبهُ في ) مراعاَة ( حقهُ ,وعند سماَع
الميم بموافقة أمرهُ فيماَ يكلفهُ .
ويقاَل اختص كل حرف بصيغة مخصوصاة وانفردت اللف باَستواء القاَمة ,
والتميز عن التصاَل بشيء من أضرابهاَ من الحروف ,فجعل لهاَ صادرِ
الكتاَب إشاَرِة إلى أن من تجرد عن التصاَل باَلمثاَل والشغاَل حظي
باَلرتبة العلياَ ,وفاَز باَلدرِجة القصوى ,وصالح للتخاَطبِ باَلحروف المنفردة
التي هي غير مركبة ,على سنة الحباَب في ستر الحاَل ,وإخفاَء المر
الجنبي من القصة – قَاَل شاَعرهم :
ل تحسبي أناَ نسيناَ ل يخاَف قَلت لهاَ قَفي لناَ قَاَلت قَاَف
ولم يقل وقَفت ستر ا ً على الرقَيبِ ولم يقل ل أقَف مراعاَة لقلبِ الحبيبِ
بل ) قَاَلت قَاَف ( ( . 2
) أشاَرِ بذلك إلى حقيقة ألف لم ميم ,وذلك من طريق الجماَل إشاَرِة إلى
الذات والسماَء والصفاَت ) ذلك الكتاَب ( والكتاَب النساَن الكاَمل ) فأَلف
لم ميم بماَ أشاَرِ إليهُ هو حقيقة النساَن )ل رِيبِ فيهُ هدى للمتقين (
الذين هم وقَاَية عن الحق ,والحق وقَاَية عنهم ,فإن دعوت الحق فقد كنيت
بهُ عنهم ,وإن دعوتهم فقد كنيت بهم عنهُ ) الذين يؤمنون باَلغيبِ ( الغيبِ
هو اللهُ لنهُ غيبهم آمنوا بهُ أنهُ هويتهم وأنهم عينهُ ) ويقيمون الصلة (
يعني يقيمون بناَموس المرتبة اللهية في وجودهم باَلتصاَف بحقيقة
السماَء والصفاَت ) ومماَ رِزقَناَهم ينفقون ( يعني يتصرفون في الوجود
من ثمرة ماَ أنتجتهُ هذهُ الحدية اللهية في ذواتهم ( . 1
ونقل عبد الحليم محمود عن أبي الحسن الشاَذلي تفسير قَول اللهُ عز
وجل على لساَن موسى عليهُ السلم :
) ) هي عصاَي ( معرفتي بك ,أعتمد عليهاَ .
) أهش بهاَ على غنمي ( أولدي في التربية .
) ولي فيهاَ مآرِب أخرى ( من باَب لي وقَت مع رِّبي ل تسعني فيهُ أرِض ول
سماَء ( . 2
) وأخرجني ( منهاَ ) مخرج صادق ( أي إخراج صادق ,بأَن أكون مأَذوناَ فيهُ
بإذن خاَص ,مصحوباَ باَلخشية وسر الخلص ,وهذا معنى قَولهُ ] ليكون
نظري إلى حولك وقَوتك إذا أدخلتني [ في الشياَء ] وإنقياَدي إليك إذا
أخرجتني [ منهاَ .
ثم بين ذلك فقاَل ] :ينصرني على شهود نفسي [ أي يقويني على الغيبة
عنهاَ فإذا انتصرت على شهودهاَ انهزم عني وذهبِ شهودهاَ وبقي شهود
رِبهاَ ,فاَلنصرة على الشيء هو غلبتهُ حتى يضمحل وينقطع وكـأَن شهود
النفس عدو يحاَرِبك ويقطعك عن شهود رِبك ,فإذا نصرك اللهُ عليهُ ودفعتهُ
عنك ,فتتصل حينئذ بشهود محبوبك ,وإذا فني شهود النفس فني حينئذ
المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي لعبد الحليم محمود ص . 403ط القاهرة . 2
209
وجود الحس ,وهو معنى قَولهُ ] ويفنيني عن دائرة حسي [ فإذا فنيت دائرة
الحس بقي متسع المعاَني وقَضاَء الشهود ,وهذهُ هي الولدة الثاَنية ,فإن
النساَن بعد أن خرج من بطن أمهُ وهي الولدة الولى بقي مسجوناَ
بمحيطاَتهُ ,محصورِا في هيكل ذاتهُ ,قَد التقمهُ الهوى ,وصااَرِ في بطن
الحس والوهم .وسجن الكوان المحيطة بجسماَنيتهُ ,فإذا فنيت دائرة
حسهُ وخرج من بطن عوائدهُ وشهوات نفسهُ ,نقبت رِوحهُ الكون بأَسرهُ ,
وخرجت إلى شهود مكونهاَ فقد ولد مرة ثاَنية ,وهذهُ الولدة ل يعقبهاَ فناَء
ول موت ( . 1
وقَاَل الشعراني ناَقَل عن سيدهُ علي الخواص في تفسيرهُ قَول اللهُ عز
وجل :
مل النبياَء ) ثم استقاَموا ( محمد صالى اللهُ ) ) إن الذين قَاَلوا رِبناَ اللهُ ( ك ّ
عليهُ وسلم ) تتنزل عليهم الملئكة ( عاَمة النبيين ) أن ل تخاَفوا ول
مل العاَرِفين ) وأبشروا باَلجنة التي كنتم توعدون ( جميع تحزنوا ( ك ّ
مل ,كماَ بّينت التي تليهاَ صافاَتهم
المؤمنين فقد بّينت هذهُ الية مراتبِ الك ّ
وأحوالهم .وهذهُ الية من الجوامع .
مل لظهرناَ لك من هذهُ الية عجباَ ( .
2
قَاَل :ولول خوف الهتك لستاَرِ الك ّ
درر الغواص للشعراني ص 50بهامش البريز للدباغ .ط مصر . 2
وَرِفع الت ّ َ
كاَِليف ة َ
ع ِ سخ ال ّ
شري َ نَ ْ
ومن العقاَئد الشيعية الباَطنية المعروفة :نسخ الشريعة ,ورِفع التكاَليف .
أماَ نسخ شريعة محمد صالوات اللهُ وسلمهُ عليهُ فيؤمن بهُ جميع فرق
الباَطنية ولو أنهم يتظاَهرون بإنكاَرِهُ كماَ ذكر الغزالي . 1
وكماَ ورِد في أدعية الياَم السبعة للماَم السماَعيلي المعز لدين اللهُ . 2
والشيعة الثناَ عشرية أيضاَ ,كاَذبين على أئمتهم ,ومتهمين إياَهم بمقولت
هم منهاَ براء .كماَ رِوى الكليني في كاَفّيهُ عن جعفر بن محمد الباَقَر أنهُ
قَاَل لشيعتهُ :
1انظر فضائح الباطنية ص . 46ط مؤسسة دار الكتب الثقافية الكويت .
2انظر لذلك كتابنا السماعيلية القدامى تاريخ وعقائد الباب الخامس منه ,أيضا كتاب زهر المعاني للداعي السماعيلي
إدريس من مجموعة المنتخب ليوانوف .ط بومبي ,أيضا النوار اللطيفة للحارثس اليماني الباب الثاني من السرادق
الثالث من الفصل الخامس ص . 130
3كتاب النصرة للسجستاني عن كتاب الرياض للكرماني ص . 201ط دار الثقافة بيروت .
4النوار اللطيفة الباب الثاني السرادق الثاني ص . 102
5كتاب الهفت الشريف للمفضل الجعفي ص 42تحقيق مصطفى غالب السماعيلي .ط دار الندلس بيروت .
6انظر لذلك فرق الشيعة للنوبختي ,وكتاب المقالت والفرق لسعد بن عبد الله القمي الشيعي ,وكتب السنة أيضا من
مقالت السلميين للشعري ,والتبصير في الدين للسفرائيني و والعتقادات للرازي وغيرها .
7النساء الية . 28
8المائدة الية . 93
212
) إن الرجل منكم لتمل صاحيفتهُ من غير عمل ( . 9
بل ) كاَن مع النبيين في درِجتهم يوم القياَمة ( . 2
وذكر ابن باَبويهُ القمي أن علي بن موسى الرضاَ – الماَم الثاَمن المعصوم
عند الشيعة – قَاَل :
) رِفع القلم عن شيعتناَ ,فقلت :ياَ سيدي ,كيف ذاك ؟
قَاَل :لنهم أخذ عليهم العهد باَلتقية في دولة الباَطل ,يأَمن الناَس
وفون ,ويكفرون فيناَ ول نكفر فيهم ,ويقتلون بناَ ول نقتل بهم ,ماَ ويخ ّ
م يمحص عنهُ من أحد من شيعتناَ ارِتكبِ ذنباَ أو خطأَ إل ناَلهُ في ذلك غ ّ
ذنوبهُ ,ولو أتى بذنوب عدد القطر والمطر ,وبعدد الحصى والرمل ,وبعدد
الشوك والشجر ( . 3
ويذكر مفسر شيعي آخر وهو علي بن إبراهيم القمي ,عن جعفر أنهُ قَاَل :
ي أمير المؤمنين عليهُ السلم ...ثم يدعى ) إذا كاَن يوم القياَمة يدعى بعل ّ
باَلئمة ...ثم يدعى باَلشيعة ,فيقومون أماَمهم ,ثم يدعى بفاَطمة ونساَئهاَ
من ذرِيتهاَ وشيعتهاَ ,فيدخلون الجنة بغير حساَب ( . 4
ومن أرِاد الستزادة فليرجع إلى كتاَبناَ الشيعة وأهل البيت . 5
وكذلك الشيعة والسنة . 6
وأماَ المتصوفة فيقولون بكل هذا ,ساَلكين مسلك هؤلء الضاَلة النحرفين :
) وفي النساَك قَوم يزعمون أن العباَدة تبلغ بهم إلى درِجة تزول فيهاَ
عنهم العباَدات ,وتكون الشياَء المحظورِات على غيرهم من الزناَ وغيرهُ
مباَحاَت لهم ( . 7
وقَاَلوا :
) إذا وصالت إلى مقاَم اليقين سقطت عنك العباَدة ,مؤولين قَول اللهُ عز
وجل :وأعبد رِبك حتى يأَتيك اليقين ( . 8
ولقد أقَر صاوفي قَديم بوجود هؤلء المتصوفة ومن هم على منوالهم –
وماَ أكثرهم – فقاَل :
دوا قَلة المباَلة باَلدين أوثق
) وأرِتحل عن القلوب حرمة الشريعة ,فع ّ
ذرِيعة ,ورِفضوا التمييز بين الحلل والحرام ,ودانوا بترك الحترام ,وطرح
الحتشاَم ,واستخفوا بأَداء العباَدات ,واستهاَنوا باَلصوم والصلة ,ورِكضوا
في ميدان الغفلت ,ورِكنوا إلى إتباَع الشهوات ,وقَلة المباَلة بتعاَطي
المحظورِات ,والرِتفاَق بماَ يأَخذونهُ من السوقَة والنسوان وأصاحاَب
السلطاَن .
ثم لم يرضوا بماَ تعاَطوهُ من سوء هذهُ الفعاَل ,حتى أشاَرِوا إلى أعلى
ق الغلل ,وتحققوا بحقاَئق الحقاَئق و الحوال ,وادعوا أنهم تحررِوا من رِ ّ
الوصااَل ,وانهم تجري عليهم أحكاَمهُ وهم محو ,وليس للهُ عليهم فيماَ
يؤثرونهُ أو يذرِونهُ عتبِ ول لوم ,وأنهم كوشفوا بأَسرارِ الحدية ,
واختطفوا عنهم باَلكلية ,وزالت عنهم أحكاَم البشرية ,وبقوا بعد فناَئهم
عنهم بأَنوارِ الصمدية ,والقاَئل عنهم غيرهم إذا نطقوا ,والناَئبِ عنهم
سواهم فيماَ تصرفوا ,بل صارفوا .
وحت ببعضهُ من هذهُ ولماَ طاَل البتلء فيماَ نحن فيهُ من الزماَن بماَ ل ّ
القصة ,وكنت ل أبسط إلى هذهُ الغاَية لساَن النكاَرِ ,غيرة على هذهُ
الطريقة أن يذكر أهلهاَ بسوء أو يجد مخاَلف لثلبهم مساَغاَ ,إذ البلوى في
هذهُ الدياَرِ باَلمخاَلفين لهذهُ الطريقة والمنكرين عليهاَ شديدة ( . 1
وإنماَ غلطوا في ذلك بدقَيقة خفيت عليهم ,من جهلهم باَلصاول ,وقَلة
حظهم من علم الشريعة ,ومتاَبعتهم شهوات النفس في ذلك ...فظنت
هذهُ الطاَئفة الضاَلة باَلباَحة ,لن ذلك كاَن منهم على حاَل ,جاَز لهم ترك
الحدود ,أو أن يجاَوزوا حد متاَبعة المر والنهي ,فوقَعوا من جهلهم في
التيهُ ,وتاَهوا ,وطلبوا ماَ ماَلت إليهُ نفوسهم :من اتباَع الشهوات ,وتناَول
المحظورِات ,تأَويل ,وحيل ,وكذباَ ,وتمويهاَ ( . 2
ومنهم من يستبيح النظر إلى المستحسناَت إشاَرِة إلى هذا الوهم ( . 1
القسم الول :أخبث القوم وهم أناَس تشبهوا باَلصوفية ويقولون باَلحلول
.
أخبرناَ محمد بن عبد الباَقَي بن أحمد بن سليماَن ,ناَ أبو علي الحسين بن
محمد بن الفضل الكرماَني ,ناَ سهل بن علي الخشاَب ,ناَ أبو نصر عبد اللهُ
بن السراج ,قَاَل :بلغني أن جماَعة من الحلولية زعموا أن الحق تعاَلى
اصاطفى أجساَماَ حل فيهاَ بمعاَني الربوبية .ومنهم من قَاَل :هو حاَل في
المستحسناَت .وذكر أبو عبد اللهُ بن حاَمد من أصاحاَبناَ أن طاَئفة من
الصوفية قَاَلوا :أنهم يرون اللهُ عز وجل في الدنياَ ,وأجاَزوا أن يكون في
صافة الدمي ولم يأَبوا كونهُ حاَل في الصورِة الحسنة حتى استشهدوهُ في
رِؤيتهم الغلم السود .
القسم الثاَلث :قَوم يستبيحون النظر إلى المستحسن .وقَد صانف أبو عبد
الرحمن السلمي كتاَباَ سماَهُ ) سنن الصوفية ( فقاَل في أواخر الكتاَب :
باَب في جوامع رِخصهم ,فذكر فيهُ الرقَص والغناَء والنظر إلى الوجهُ
الحسن .
وذكر فيهُ ماَ رِوى عن النبي عليهُ السلم أنهُ قَاَل :أطلبوا الخير عند حساَن
الوجوهُ .وأنهُ قَاَل :ثلثة تجلو البصر :النظر إلى خضرة ,والنظر إلى ماَء ,
والنظر إلى الوجهُ الحسن ( . 2
ثم حكى حكاَياَت كثيرة عن هؤلء المتصوفة ,تدل على فسقهم وفجورِهم .
ومماَ ذكرهاَ أن صابياَ أمرد حكى لهُ ,قَاَل :قَاَل لي الصوفي وهو يجيبني :ياَ
ي ,للهُ فيك إقَباَل وإلتفاَت ,حيث جعل حاَجتي إليك . بن ّ
تلبيس إبليس لبن الجوزي ص . 296 , 295ط دار الوعي العربي بيروت لبنان . 2
215
وحكى أن جماَعة من الصوفية دخلوا على أحمد الغزالي وعندهُ أمرد ,وهو
خاَل بهُ وبينهماَ ورِد ,وهو ينظر إلى الورِد تاَرِة ,وإلى المرد تاَرِة ,فلماَ
جلسوا قَاَل بعضهم :لعلناَ كدرِناَ ,فقاَل :أي واللهُ ,فتصاَيح الجماَعة على
سبيل التواجد .
وحكى أبو الحسين بن يوسف أنهُ كتبِ إليهُ في رِقَعة :أنك تحبِ غلمك
التركي ,فقرأ الرقَعة ثم استدعى الغلم فصعد إليهُ النظر فقبلهُ بين عينية
,وقَاَل :هذا جواب الرقَعة .
قَاَل المصنف رِحمهُ اللهُ :قَلت :إني لعجبِ من فعل هذا الرجل وإلقاَئهُ
جلباَب الحياَء عن وجههُ ,وإنماَ أعجبِ من البهاَئم الحاَضرين كيف سكتوا
عن النكاَرِ عليهُ ,ولكن الشريعة بردت في قَلوب كثير من الناَس . 1
ومن البياَت التي يستمع إليهاَ الصوفية ,ويرقَصون عليهاَ ,يغّنون بهاَ
أبياَت ذكر طرفاَ منهاَ في كتاَبهُ :
ـــل وماَ فغى الثغورِ من أقَحوان إن ورِد الخدود والحــــــدق النجـ
وماَ في الصدورِ من رِمـــــــــاَن واعوجاَج الصاداغ في ظاَهر الخد
فلهذا أدعى صاريع تركتني بين الغواني صاــــــــــريعاَ
الغــــــــواني ( . 3
ورِأيت لرجل منهم يعرف باَن شمعون كلماَ نصهُ أن للهُ تعاَلى ماَئة اسم ,
وأن الموفي ماَئة هو ستة وثلثون حرفاَ ليس منهاَ في حروف الهجاَء شيء
إل واحد فقط ,وبذلك الواحد يصل أهل المقاَماَت إلى الحق .وقَاَل أيضاَ :
د رِجلهُ يوماَ فنودي :ماَ هكذا
أخبرني بعض من رِسم لمجاَلسة الحق أنهُ م ّ
د رِجلهُ بعدهاَ .يعني أنهُ كاَن مديماَ لمجاَلسة اللهُ
مجاَلس الملوك ,فلم يم ّ
تعاَلى ( . 2
ونقل الدكتورِ عبد الحليم محمود قَاَعدة عاَمة للصوفية بقولهُ :
) اعرف اللهُ وكن كيف شئت ( . 4
د ول تحصى ,تدل على هذا ولقد ورِد في كتبِ الصوفية حكاَياَت كثيرة ل تع ّ
إتياَن المتصوفة المنكر ,وإباَحتهم المحظورِات ,وتركهم الواجباَت ,ومع
دوهم من أو لياَء اللهُ وكباَرِ المستجاَبين عند الرب تباَرِك وتعاَلى عماَ ذلك ع ّ
يقولهُ الفاَكون علوا كبيرا ,عن أن يختاَرِ الفسقة الفجرة أولياَءهُ
وأصافياَءهُ .
وأخبرني الشيخ محمد الطنيخي رِحمهُ اللهُ تعاَلى قَاَل :كاَن الشيخ وحيش
رِضي اللهُ عنهُ يقيم عندناَ في المحلة في خاَن بناَت الخطاَ ,وكاَن كل من
خرج يقول لهُ :قَف حتى أشفع فيك عند اللهُ قَبل أن تخرج ,فيشفع فيهُ ,
وكاَن يحبس بعضهم اليوم واليومين ول يمكنهُ أن يخرج حتى يجاَب في
مجموعة الرسائل والمسائل لشيخ السلم ابن تيمية ص . 45 , 44 1
الفصل في الملل والهواء والنحل للحافظ ابن حزم ج 4ص . 226 2
كتاب سيدي أحمد الدردير للدكتور عبد الحليم محمود ص . 95ط دار الكتب الحديثة القاهرة . 3
المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي ص . 53ط القاهرة . 4
217
شفاَعتهُ ,وقَاَل يوماَ لبناَت الخطاَ :أخرجوا فإن الخن رِائح يطبق عليكم
فماَ سمع منهن إل واحدة ,فخرجت ,ووقَع على الباَقَي فمتن كلهن .
وكاَن إذا رِأى شيخ بلد وغيرهُ ينزلهُ من على الحماَرِة ويقول لهُ :أمسك
مر في الرِض لرِأسهاَ لي حتى أفعل فيهاَ ,فإن أبى شيخ البلد تس ّ
يستطيع أن يمشي خطوة ,وإن سمع حصل لهُ خجل عظيم والناَس يمرون
عليهُ ,وكاَن لهُ أحوال غريبة ( . 1
وماَذا نستطيع أن نقول بعد سرد هذهُ الرواية عن الشعراني ,ثم مدحهُ
لمثل هذا الفاَجر الخبيث ,وجعلهُ من أعياَن المجاَذيبِ ,وأرِباَب الحوال ,
وصااَحبِ الكراماَت والخوارِق ,ومستجاَب الدعوات ,مأَذوناَ باَلشفاَعة عند
اللهُ ,وليس مأَذوناَ فحسبِ بل شفيعاَ مقبول ,مبشرا بقبول شفاَعتهُ فيمن
أرِاد أن يشفع فيهم ,وهل هناَك استهزاء باَلشريعة ,وتعطيل لحدود اللهُ ,
وتلعبِ بأَوامر اللهُ ونواهيهُ ,زندقَة وإلحاَد ,وفسق وفجورِ أكبر من هذا ؟
هذا ماَ ل يوجد لهُ نظير حتى لدى الشيعة ,منبع كل فساَد ,ومصدرِ كل
رِذيلة .
ولكن التلميذ قَد فاَق أستاَذهُ ,والمريد مرشدهُ ,والمتعلم معلمهُ .
وهناَك آخر من كباَرِ مشاَئخ القوم ,يسمونهُ قَطبِ الواصالين عبد العزيز
الدباَغ ,يقول :
ّ
) إن بعض المريدين قَاَل لشيخهُ :ياَ سيدي دلني على شيء يريحني مع اللهُ
عز وجل .
فقاَل :لهُ الشيخ :إن أرِدت ذلك فكن شبيهاَ لهُ في شيء من أوصااَفهُ عز
وجل ,فإنك إن اتصفت بشيء منهاَ فإنهُ يسكنك يوم القياَمة مع أولياَئهُ في
دارِ نعيمهُ ول يسكنك مع أعدائهُ في دارِ جحيمهُ .
فقاَل المريد :وكيف لي بذلك ياَ سيدي وأوصااَفهُ تعاَلى ل تنحصر .
فقاَل الشيخ :كن شبيههُ في بعضهاَ ,فقاَل :وماَ هو ياَ سيدي ؟
فقاَل :كن من الذين يقولون الحق ,فإن من أوصااَفهُ تعاَلى قَول الحق ,
فإن كنت من الذين يقولون الحق فإن اللهُ سيرحمك ,فعاَهد الشيخ على
أن يقول الحق ,وافترقَاَ .
وكاَن بجوارِ المريد بنت فدخل الشيطاَن بينهماَ حتى فجر بهاَ وافتضهاَ ,
فلم تقدرِ البنت على الصبر مع أنهاَ هي التي طلبت منهُ الفعل ,لنهاَ تعلم
أن الفتضاَض ل يخفى بعد ذلك ,فأَعلمت أباَهاَ فرفعهُ إلى الحاَكم ,وقَاَل :
إن هذا فعل ببنتي كذا وكذا .
فقاَل الحاَكم للمريد :أتسمع ماَ يقول ؟
فقاَل :صادق ,قَد فعلت ذلك ,كاَن مستحضرا للعهد الذي فاَرِق الشيخ
عليهُ ,فلم يقدرِ على الجحود والنكران ,فلماَ سمع منهُ الحاَكم ماَ سمع ,
قَاَل :هذا أحمق ,اذهبوا بهُ إلى الماَرِستاَن ,فإن العاَقَل ل يقّر على نفسهُ
طبقات الشعراني ج 2ص . 151 , 150 1
218
بماَ يعود عليهُ باَلضررِ ,فدخل الماَرِستاَن ,ثم جاَء من رِغبِ الحاَكم ,وشفع
فيهُ فسّرحوهُ ( . 1
وأحد كباَرِ القوم و ) شهيد التصوف الماَم الجل نجم الملة والدين قَطبِ
السلم والمسلمين ,برهاَن السنة ,محيي الحق نجم الدين الكبري ( يخبر
عن فسقهُ وفجورِهُ بأَسلوب صاوفي :فيقول :
) عشقت واحدا ببلد المغرب فسلطت عليهُ الهمة فأَخذتهُ ورِبطتهُ ومنعتهُ
عن سواي ,إل أنهُ كاَن عليهُ رِقَباَء ,فسكت عن صاريح المقاَل ,وجعل
يكلمني بلساَن الحاَل ,فأَهمهُ وأكملهُ كذلك فيفهمهُ ,وانتهى المر إلى أن
صارت أناَ هو ,وهو أناَ ,ووقَع العشق إلى محض صافاَء الروح ,فجاَءتني
رِوحهُ سحرا تمّرغ وجههاَ في التراب وتقول :أيهاَ الشيخ الماَن ,الماَن ,
قَتلتني أدرِكني ,فقلت :ماَذا تريد ؟
قَاَلت :أرِيد أن تدعني حتى أقَبل قَدمك ,فأَذنت لهاَ ,ففعلت ورِفعت
وجههاَ ,فقبلتهاَ حتى استراحت واطمأَنت إلى صادرِي ( . 2
وماَ دمناَ تطرقَناَ إلى هذا الموضوع فإنناَ نقول :إن جماَعة من الصوفية ولو
أنهم تظاَهروا باَلصلح والتقوى لم يستطيعوا أن يخفوا ويكتموا عشقهم
وفسقهم ,وشهدوا عليهم بعدم مباَلة الشرع وأحكاَمهُ ,والتطرق إلى
المنكرات والمحظورِات .
فهذا هو الشيخ الكبر للصوفية محيي الدين بن عربي يرفع الستاَرِ عن
شخصهُ وكنههُ ,مثلماَ شهد تلميذهُ نجم الدين الكبري على نفسهُ ,فيقول
شاَرِحاَ لديوانهُ ) ترجماَن الشواق ( الذي فضحهُ هو وعشقهُ ببنت أحد
مشاَئخ مكة ,وتشبيبهُ وغزلهُ فيهاَ ,وقَد كثر الكلم والغمز واللمز فيهُ
) وأحدث هذا الشعر دوياَ وأقَاَويل حولهُ مماَ جعل بدل الحبشي وإسماَعيل
بن سودقَين يطلباَن إليهُ شرح هذا الديوان ( . 3
فأَرِاد أن يغطي ماَ قَاَلهُ فيهاَ من الغزل الركيك المتندح عشقاَ وحباَ وجذباَ
وشوقَاَ إلى تلك الحسناَء المكية بغطاَء صاوفي بدهاَء ومكر ,فماَ استطاَع إل
إظهاَرِ ماَ كاَن خاَفياَ من قَبل أكثر بكثير .
فوائح الجمال وفواتح الجلل لنجم الدين الكبري ص . 65 , 64ط المانيا . 2
مقدمة ذخائر العلق لمحمد عبد الرحمن الكروي ص ) و ( ط مطبعة السعادة مصر . 3
219
أسهبت أثعبت ,وإن أوجزت أعجزت ,وإن أفصحت أوضحت إن نطقت
خرس قَس بن ساَعدة ,وإن كرمت خنس معن بن زائدة ,وإن وفت قَصر
السموأل خطاَهُ ,وأغرى ورِأى بظهر الغررِ وامتطاَهُ ,ولول النفوس
الضعيفة السريعة المراض ,السيئة الغراض ,لخذت في شرح ماَ أودع
اللهُ تعاَلى في خلقهاَ من الحسن ,وفي خلقهاَ الذي هو رِوضة المزن ,
شمس بين العلماَء ,بستاَن بين الدباَء ,حقهُ مختومة ,واسطة عقد
منظومة ,يتيمة دهرهاَ ,كريمة عصرهاَ ,ساَبغة الكرم ,عاَلية الهمم ,سيدة
والديهاَ ,شريفة ناَديهاَ ,مسكهاَ جياَد وبيتهاَ من العين السواد ومن الصدرِ
الفؤاد أشرقَت بهاَ تهاَمة ,وفتح الروض لمجاَورِتهاَ أكماَمهُ ,فنعمت أعراف
المعاَرِف ,بماَ تحملهُ من الرقَاَئق واللطاَئف ,علمهاَ عملهاَ ,عليهاَ مسحة
ملك وهمة ملك ,فراعيناَ في صاحبتهاَ كريم ذاتهاَ مع ماَ انضاَف إلى ذلك من
صاحبة العمة والوالد ,فقلدناَهاَ من نظمناَ فيهاَ بعض خاَطر الشتياَق ,من
تلك الذخاَئر والعلق ,فأَعربت عن نفس تواقَة ,ونبهت على ماَ عندناَ من
العلقَة ,اهتماَماَ باَلمر القديم ,و إيثاَرِا لمجلسهاَ الكريم ,فكل اسم أذكرهُ
في هذا الجزء فمنهاَ أكني ,وكل دارِ أندبهاَ فدارِهاَ أعني ( . 1
ولم تكن واحدة هذهُ التي علق بهاَ قَلبِ الشيخ ,وهاَم ورِاءهاَ ,بل كاَنت
هناَك أخرى أيضاَ ,وفي بيت اللهُ الحرام وجنبِ الكعبة ,انظر ماَذا يقول :
)كنت أطوف ذات ليلة باَلبيت فطاَب وقَتي ,وهّزني حاَل كنت أعرفهُ ,
فخرجت من البلط من أجل الناَس وطفت على الرمل ,فحضرتني أبياَت
فأَنشدتهاَ أسمع بهاَ نفسي ومن يليني – لو كاَن هناَك أحد – وهي قَولهُ :
ي قَلــــــــــبِ ملكوا
أ ّ ليت شعري هل درِوا
ي شــــــعبِ سلكوا أ ّ وفؤادي لـــــــو درِى
أم تــــــــراهم هلكوا أتراهم سلـــــــــــموا
في الهوى وأرِتكبوا حاَرِ أرِباَب الــــهوى
فلم أشعر إل بضربة بين كتفي بكف ألين من الخّز ,فاَلتفت فإذا بجاَرِية
من بناَت الروم لم أرِ أحسن وجهاَ ً ,ول أعذب منطقاَ ً ,ول أرِق حاَشية ,ول
ألطف معنى ,ول أدق إشاَرِة ,ول أظرف محاَورِة منهاَ ,قَد فاَقَت أهل
زماَنهاَ ظرفاَ ً وأدباَ ً وجماَل ومعرفة ,فقاَلت :ياَسيدي كيف قَلت ؟ فقلت :
ي قَلــــــــــبِ ملكوا
أ ّ ليت شعري هل درِوا
فقاَلت :عجباَ ً منك وأنت عاَرِف زماَنك تقول مثل هذا ! أليس كل مملوك
معروف ؟ وهل يصح الملك إل بعد المعرفة وتمني الشعورِ يؤذن بعدمهاَ
والطريق لساَن صادق فكيف يجوز لمثلك أن يقول مثل هذا ؟ قَل ياَسيدي :
ماَذا قَلت بعدهُ ؟ فقلت :
وماَ دمناَ بدأناَ بذكر العترافاَت نورِد ههناَ اعترافاَ آخر من أحد مشاَئخ القوم
يدل على سيرتهم وعلى سريرتهم أيضاَ ,وهو أن أحمد بن المباَرِك رِاوية
عبد العزيز الدباَغ يذكر أن كاَتبهُ عبد اللهُ بن علي وأخاَهُ عبد الرحمن صاعدا
يوماَ على سطح مدرِسة العطاَرِين ,ثم ماَذا حدث ؟
فلماَ قَدمناَ دارِ الشيخ رِضي اللهُ عنهُ وجلسناَ في الصقلبية المعروفة جعل
رِضي اللهُ عنهُ يضحك ضحكاَ كثيرا .ويقول :ماَ أملح الشيخ الذي ل يكاَشف ,
ي .فذكرناَ لهُ المر الذي كاَن .
ثم قَاَل :أين كنتماَ ؟ أصادقَاَني ,ول تكذباَ عل ّ
فجعل رِضي اللهُ عنهُ يذكر لناَ أمر النسوة ومكاَنتهن في السطوح كأَنهُ
حاَضر معناَ ,وذكر لناَ أيضاَ الوثبة المتقدمة من غير أن نذكرهاَ لهُ ,فذكر لناَ
رِضي اللهُ عنهُ أنهُ كاَن حينئذ جاَلساَ مع بعض من قَصدهُ للزياَرِة فلم
يشعروا بهُ حتى تفرقَع باَلضحك ,وذلك حين شاَهد تلك الوثبة فظن من
حضر أنهُ كاَن يضحك عليهُ ( . 2
وأن أصاحاَب السير والطبقاَت ذكروا في ترجمتهُ أنهُ كاَن من أولياَء اللهُ
ب إل لبى طلبهُ ,فكاَن ومستجاَب الدعوات ,وماَ كاَن يطلبِ شيئاَ من الر ّ
حاَفظاَ للقرآن وعاَلماَ فقيهاَ ,ويوماَ من الياَم كاَن يدرِس عند شيخهُ سعد
اللهُ تفسير مدارِك التنزيل ,فلماَ بلغ إلى قَولهُ عز وجل ) :إنماَ الحياَة الدنياَ
لهو ولعبِ ( طرأ عليهُ الوجد ,وبدأ يرقَص ويقول :ماَ دام أن الحياَة لهو
ولعبِ فلماَذا ل نلهو ونلعبِ ؟
فأَخذ كتبهُ ورِماَهاَ في البئر ,وحلق لحيتهُ وشوارِبهُ ,وأخذ كأَس الخمر ,وبدأ
يرقَص في الشورِاع والسواق ,كماَ بدا يرتاَد بيوت المومساَت ,ويقضي
أوقَاَتهُ فيهاَ ,إلى أن وقَع نظرهُ على أمرد هندوكي جميل ,فولهُ بهُ وكلف ,
وعشقهُ ,وماَ زال يطوف حول بيتهُ ست عشرة سنة حتى أوقَعهُ في حباَلهُ
وفخهُ ,وجعل إسمهُ جزء من اسمهُ ,فصاَرِ ماَدهو لعل الحسين ,بعد أن كاَن
حسيناَ فقط ,وبعد وفاَتهُ صااَرِ مزارِهُ مهبط النوارِ ,ومحط البركاَت ,مثل
ماَ كاَن هو في حياَتهُ . 1
هذا من جاَنبِ ,ومن جاَنبِ آخر يذكر الشعراني صاوفياَ آخر صااَحبِ كشف ,
فيقول :
) سيدي شريف رِضي اللهُ عنهُ ورِحمهُ كاَن يأَكل في نهاَرِ رِمضاَن ,ويقول
أناَ معتوق ,أعتقني رِبي ( . 2
وهناَك عقاَئد وآرِاء وأفكاَرِ أخرى عديدة ,فيهاَ تشاَبهُ كاَمل وتوافق تاَم مع
الشيعة ,تدل على أنهاَ مأَخوذة مقتبسة منهم ,ولكنناَ نكتفي بهذا القدرِ
منهاَ ,لجلء الموضوع ووضوح المبحث ,بعد ماَ أثبتناَهاَ من كتبِ الفريقين ,
المعتمدة الموثوقَة ,وبسرد ألفاَظهم وعباَرِاتهم ,ومع تأَييد الشيعة ,
وتوثيق السنة ,وشهاَدة الخرين من اليهود والنصاَرِى من المستشرقَين .
ومن أهم تلك النعكاَساَت التي ترتبت على تلك النفعاَلت الفكرية التشيع
أول والتصوف ثاَنياَ .وينبغي أن نضيف إلى هذهُ الملحظة أن الغرض من ذ
كر النفعاَلت في هذا الباَب ليس القول بأَن اليرانيين أقَدموا على هذا
العمل اختاَرِوا أو تعمدوا وقَد تأَتت في أكثر الظروف بحكم النفعاَلت
النفسية وبتأَثير العواطف و الحاَسيس الخفية بصورِة ثاَبتة كماَ يرى علماَء
النفس ,أي من غير أن يعرف الناَس أنفسهم غاَلباَ السببِ الحقيقي أو
يستطيعوا تحليل أفكاَرِهم وأحاَسيسهم إنساَقَت أفكاَرِهم إلى أمثاَل هذهُ
النفعاَلت العكسية ( . 1
وأماَ الشيعي العراقَي فقد كتبِ كتاَباَ مستقل لثباَت تأَثر التصوف
باَلتشيع ,واستفاَدة الصوفية من الشيعة ,وأخذهم عنهم ,فيقول :
) وينبغي أن نذكر الدورِ الذي قَاَم بهُ الفرس من إخاَلهم مثلهم الدينية في
التشيع الغاَلي الول حين نصروا المختاَرِ ,وعاَضدوا حركة الغلو العجلية ,
وانضموا إلى حركة أبي هاَشم ,وانضاَفوا إلى الحركة السرية العباَسية
التي ورِثت حركة أبي هاَشم ,حتى أدى بهم المر إلى تأَليهُ أبي مسلم
الخراساَني ,كماَ فعلوا مع أئمة الشيعة من العلويين .يضاَف إلى ذلك أنهم
نصروا حركة عبد اللهُ بن معاَوية في فاَرِس أيضاَ ,وأسبغوا عليهُ النورِ
اللهي الذي سنجدهُ في التصوف واضحاَ جلياَ .
وهذا كلهُ يعني أن الفرس قَد بدأوا إضاَفة القداسة إلى البيت النبوي
بإعتباَرِهاَ أساَساَ موازياَ لسسهم السياَسية والدينية الساَبقة من تأَليههم
ي
الملوك ,وقَولهم باَلنورِ الذي ينتقل من ملك إلى آخر ,فثبتت الولية لعل ّ
بن أبي طاَلبِ على نحو مباَلغ فيهُ ,وأنتقلت هذهُ الولية المقدسة مع
زياَدات وإضاَفاَت وحواش إلى الئمة من بعدهُ حتى بلغ المر حدّ التأَليهُ ( .
2
1تاريخ التصوف في ألسلم للدكتور قاسم غني اليراني ترجمة عربية لصادق نشأت ص . 14ط مكتبة النهضة المصرية
1970م.
2الصلة بين التصوف والتشيع للدكتور كامل مصطفى الشيبي ج 1ص . 372ط دار الندلس بيروت .
223
وأماَ السنة فلقد نقلناَ فيماَ سبق رِأي شيخ السلم ابن تيمية ,وابن خلدون
وغيرهماَ في ذلك الخصوص ,كماَ ذكرناَ أيضاَ رِأي المستشرق النجليزي
المشهورِ المتعاَطف مع التصوف والصوفية – وهو نيكلسون – وبمثل ماَ
قَاَلهُ قَاَل جولد زيهر . 1
) إن التشيع والتصوف كاَناَ من السلحة التي حاَرِب بهاَ الفرس العرب ( . 2
انظر العقيدة والشريعة في السلم لجولد زيهر ص 139وما بعد . 1
2
. Brown : A Literary History Of Persia Vol. 1 P 410
224
أحاَسن المجاَلس لبي إسحاَق إبراهيم .ط المكتبة السلفية .مكة المكرمة .1
1390هـ .
أحمد بن مخلوف الشباَبي لعلي الشباَبي .ط المكتبة الشباَبية الجزائر .2
1979م .
أحوال وآثاَرِ فريد الدين مسعود كنج شكر ) أرِدو( ط باَكستاَن . .3
أحوال وأقَوال شيخ أبي الحسن الخرقَاَني ) فاَرِسي ( الطبعة الثاَلثة 1363 .4
هـ قَمري إيران .
أحوال أبدال لمحمد عبد العزيز مزنكوي ) أرِدو ( ط باَكستاَن . .5
إحياَء علوم الدين للغزالي .ط دارِ القلم .بيروت . .6
الخلق المتبولية لعبد الوهاَب الشعراني .ط مطبعة دارِ التراث العربي .7
القاَهرة .
وارِ إيران .
ّ ز فروشي كتاَب ط . ( فاَرِسي ) كبرى الدين لنجم الصوفية آداب .8
أستاَذ الساَئرين الحاَرِث بن أسد المحاَسبي للدكتورِ عبد الحليم محمود .ط .9
دارِ الكتبِ الحديثة .القاَهرة .
أسرارِ الولياَء ملفوظاَت فريد الدين .ط باَكستاَن . .10
أسرارِ ناَمهُ ) فاَرِسي ( لعطاَرِ نيشاَبورِي .ط إيران . .11
السرارِ لبن عربي .ط حيدرِ آباَد دكن الهند 1367هـ . .12
السم العظم للغزالي .ط مكتبة نصير .القاَهرة . .13
اصاطلحاَت الصوفية لكماَل الدين عبد الرزاق القاَشاَني .ط الهيئة .14
المصرية العاَمة للكتاَب بمصر .
اللواح العماَدية للسهرورِدي بتحقيق نجف قَلي ط مركز تحقيقاَت فاَرِسي .15
إيران وباَكستاَن .
المر المحكم المربوط فيماَ يلزم أهل الطريق لبن عربي بتحقيق محمد .16
عبد الرحمن الكردي .ط القاَهرة .
النتصاَرِ لطريق الصوفية الخياَرِ لزمزمي بن محمد .ط دارِ مرجاَن .17
للطباَعة .مصر .
النساَن الكاَمل لعبد الكريم الجيلي الطبعة الرابعة 1981م . .18
إنشاَء الدوائر لبن عربي ط مطبعة بريل ليدن 1336هـ . .19
أورِاد الحباَب وفصوص الداب لبي المفاَخر يحيى الباَخرزي .ط طهران .20
1966م.
النوارِ القدسية في معرفة القواعد الصوفية لعبد الوهاَب الشعراني .ط .21
دارِ إحياَء التراث العربي بغداد 1984م.
إيقاَظ الهمم في شرح الحكم لبن عجيبة الحسني .ط مصطفى الباَبي .22
الحلبي القاَهرة .
أيهاَ الولد للغزالي .ط دارِ العتصاَم القاَهرة . .23
آئينهُ شاَهُ ناَصار أولياَء لمحمد أنورِ بدخشاَني .ط كراتشي باَكستاَن . .24
باَيزيد النصاَرِي للدكتورِ مير ولي خاَن .ط مجمع البحوث السلمية .25
باَكستاَن 1396هـ .
البرهاَن المؤيد لحمد الرفاَعي .ط القاَهرة . .26
بياَن الحكاَم في السجاَدة والخرقَة والعلم لعلي بن ميمون المغربي .27
مخطوط .
تأَييد الحقيقة الجلية للسيوطي . .28
تاَرِيخ مشاَئخ جشت ) أرِدو ( لخليق أحمد نظاَمي .ط باَكستاَن . .29
225
التجلياَت لبن عربي ط دكن الهند . .30
التدبيرات اللهية لبن عربي .ط ليدن 1336هـ . .31
تذكرة الولياَء ) أرِدو ( لفريد الدين العطاَرِ .ط باَكستاَن . .32
تذكرة أولياَء باَك وهند ) أرِدو ( للدكتورِ ظهورِ الحسن شاَرِب .ط باَكستاَن . .33
تذكرة أولياَء بر صاغير ) أرِدو ( لميرزهُ محمد أختر الدهلوي .ط باَكستاَن . .34
تذكرة أولياَء كرام لصباَح الدين عبد الرحمن ) أرِدو ( .ط باَكستاَن . .35
تذكرة صاوفياَء بلوجستاَن ) أرِدو ( للدكتورِ إنعاَم الحق كوثر .ط باَكستاَن . .36
تذكرة صاوفياَء بنجاَب ) أرِدو ( لعجاَز الحق قَدوسي .ط باَكستاَن . .37
تذكرة غوثية ) أرِدو ( لشاَهُ كل حسن قَاَدرِي .ط باَكستاَن . .38
التراجم لبن عربي ط دكن الهند . .39
ترتيبِ السلوك للقشيري .ط المعهد المركزي للبحاَث السلمية إسلم .40
آباَد باَكستاَن .
ترتيبِ السلوك إلى ملك الملوك لجماَل الدين محمد بن عمر بحرق .41
الحضرمي .ط جاَمعة بنجاَب لهورِ باَكستاَن .
ترصايع الجواهر المكية لعبد الغني الرافعي .ط المطبعة العاَمرية مصر .42
1301هـ .
تحقيق السفاَرِ الرِبعة لحسن نورِي .ط شيراز إيران . .43
التصوف في السلم لعرجون محمد الصاَدق مكتبة الكلياَت الزهرية . .44
القاَهرة 1967م .
التصوف والمير عبدالقاَدرِ الحسني الجزائري لجواد المرابط .ط دارِ .45
اليقظة دمشق 1966م .
التصوف السلمي والماَم الشعراني لطهُ عبد الباَقَي سرورِ .ط دارِ نهضة .46
مصر .
التصوف في تراث ابن تيمية للدكتورِ طبلوي محمد سعد .ط الهيئة .47
المصرية العاَمة للكتاَب 1984م .
التصوف السلمي الخاَلص للمنوفي .ط دارِ النهضة مصر . .48
تصوف إسلم ) أرِدو ( لعبد الماَجد درِياَ آباَدي ط باَكستاَن . .49
التعرض لمذهبِ أهل التصوف لبي بكر محمد الكلباَذي الطبعة الثاَلثة .50
مكتبة الكلياَت الزهرية القاَهرة 1400هـ .
التعريفاَت للجرجاَني مخطوط . .51
تفسير ابن عربي .ط انتشاَرِات ناَصار خسرو طهران . .52
تنبيهُ المغتربين لعبد الوهاَب الشعراني ط مصر . .53
تنبيهُ الغاَفلين لبي الليث بن نصر محمد ط مصطفى الباَبي الحلبي .54
القاَهرة 1933م.
ثلث رِساَئل لشهاَب الدين السهر ورِدي .ط مركز تحقيقاَت فاَرِسي إيران .55
وباَكستاَن .
جاَمع الصاول في الولياَء لحمد الكمشخاَنوي .ط المطبعة الوهيبية .56
طرابلس الشاَم 1298هـ .
جاَمع كراماَت الولياَء لبن عربي .ط دارِ صااَدرِ بيروت . .57
جاَمي ) فاَرِسي ( لعلي أصاغر حكمت .ط انتشاَرِات توس إيران . .58
جمهرة الولياَء لبي الفيض المنوفي الحسيني .ط مؤسسة الحلبي .59
القاَهرة .
الجواب المستقيم لبن عربي مخطوط . .60
الجواهر والدرِرِ للشعراني .ط مصر . .61
الجواهر اللماَعة لعلي المرزوقَي .ط مصطفى الباَبي الحلبي مصر . .62
جهل مجلس لعلء الدين سمناَني بتصحيح عبد الرفيع حقيقت ) فاَرِسي ( . .63
الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية .ط باَكستاَن . .64
الحبِ اللهي في التصوف السلمي لمحمد مصطفى حلمي .ط القاَهرة .65
1960م.
حضرات القدس ) فاَرِسي ( لبدرِ الدين سرهندي .ط لهورِ 1971م . .66
226
حقاَئق عن التصوف لعبد القاَدرِ عيسى الطبعة الرابعة .المطبعة الوطنية .67
عماَن 1401هـ .
.68حكمة الشراق لشهاَب الدين السهرورِدي .
حلية الولياَء وطبقاَت الصافياَء لبي نعيم الصابهاَني .ط دارِ الكتاَب .69
العربي بيروت 1980م.
الحلج لطهُ عبد الباَقَي سرورِ .ط دارِ نهضة مصر القاَهرة . .70
حياَة القلوب في كيفية الوصاول إلى المحجوب بهاَمش قَوت القلوب .ط .71
دارِ صااَدرِ بيروت .
الخبر الدال على وجود القطبِ والوتاَد للسيوطي مخطوط . .72
ختم الولية للحكيم الترمذي .ط المطبعة الكاَثوليكية بيروت . .73
خزينة الصافياَء ) أرِدو( لمفتي غلم سرورِ .طبعة باَكستاَن . .74
خزينة معرفت ) أرِدو ( للصوفي محمد إبراهيم قَصورِي .ط باَكستاَن . .75
.76درِرِ الغواص على فتاَوى سيدي علي الخواص لعبد الوهاَب الشعراني .
بهاَمش البريز للدباَغ .ط مصر .
الدرِ المنظم في السم العظم للسيوطي ط مكتبة نصير القاَهرة . .77
الدرِرِ الثمين والمورِد المعين لمحمد بن أحمد الماَلكي .ط مصطفى الباَبي .78
الحلبي 1954م .
الدرِرِ السنية في الطريقة التيجاَنية لمحمد سعد الرباَطاَبي .مكتبة .79
القاَهرة .
دلئل الخيرات .ط مصطفى الباَبي الحلبي 1346هـ . .80
.81ديوان ابن عربي .ط مكتبة محمد رِكاَبي الرشيدي القاَهرة .
.82ديوان ابن فاَرِض .ط مكتبة القاَهرة 1399هـ .
.83ديوان البرعي .ط مصطفى الباَبي الحلبي القاَهرة .
ديوان البوصايري لشرف الدين بوصايري .ط مصطفى الباَبي الحلبي مصر . .84
.85ديوان الحلج الطبعة الثاَنية بغداد 1404هـ .
.86ديوان منصورِ حلج ) فاَرِسي ( ط انتشاَرِات كتاَبخاَنهُ سناَئي طهران .
.87ديوان فريد الدين عطاَرِ نيشاَبورِي ) فاَرِسي ( ط كتاَبخاَنهُ سناَئي طهران .
ذخاَئر العلق لبن عربي .ط مكتبة الكلياَت الزهرية القاَهرة . .88
رِاحة القلوب ملفوظاَت فريد الدين كنج شكر ) أرِدو( ط باَكستاَن . .89
الرساَلة القشيرية لعبد الكريم القشيري .ط دارِ الكتبِ الحديثة القاَهرة .90
1974م .
رِساَلة النصوص لمحمد إسحاَق القونوي .ط مشهد إيران . .91
الرستمياَت ) فاَرِسي ( لبي سعيد محمد بن محمد الرستمي .ط مجمع .92
البحوث السلمية إسلم آباَد باَكستاَن .
.93رِوح السنة ورِوح النفوس المطمئنة لحمد بن إدرِيس .ط دارِ إحياَء الكتبِ
العربية مصر .
رِوضة التعريف باَلحبِ الشريف للساَن الدين بن الخطيبِ .ط دارِ الفكر .94
العربي .
زبدة الحقاَئق لعزيز الدين النسفي تقديم حق ورِدي ناَصاري .ط كتاَبخاَنهُ .95
طهورِي طهران .
ساَعة مع العاَرِفين لسعيد العظمي .ط دارِ العتصاَم القاَهرة . .96
سبيل الذكاَرِ والعتباَرِ لعبد اللهُ باَعلوي الحداد بهاَمش النصاَئح الدينية .97
للمؤلف المذكورِ .ط مطبعة إحياَء الكتبِ العربية القاَهرة .
سبيل الجنة في التربية باَلطريقة القاَدرِية لمحمد ناَصار .ط الهند . .98
سر سبر دكاَنهُ ) فاَرِسي ( لمحمد علي .ط كتاَبخاَنهُ منوشري إيران . .99
سيدي أحمد الدرِدير للدكتورِ عبد الحليم محمود .ط دارِ الكتبِ الحديثة .100
القاَهرة .
السيد البدوي بين الحقيقة والخرافة للدكتورِ أحمد صابحي منصورِ الطبعة .101
الولى مطبعة الدعوة السلمية مصر .
السيد البدوي لحمد محمد حجاَب .ط مؤسسة سعيد للطباَعة مصر . .102
سير القَطاَب ) أرِدو ( لعبد الرحيم .ط باَكستاَن . .103
227
سير الولياَء لمحمد بن مباَرِك علوي .ط مؤسسة انتشاَرِات إسلمي .104
باَكستاَن .
سير العاَرِفين ) أرِدو ( لحاَمد بن فضل اللهُ جماَلي .ط لهورِ باَكستاَن . .105
شجرة الكون لبن عربي .ط باَكستاَن 1980م. .106
.107شرح الحجبِ والستاَرِ لرزبهاَن أبي محمد ط حيدرِ آباَد العند 1333هـ .
شرح الزياَدة للجماَعة الكبيرة لحمد بن زين الدين مطبع الساَدات إيران . .108
.109شرح المساَئل الروحاَنية لبن عربي ضمن كتاَب ختم الولية للحكيم
الترمذي .ط المطبعة الكاَثوليكية بيروت .
.110شرح مقدمة التاَئية الكبرى لداود القيصري مخطوط .
.111شرح شطحياَت ) فاَرِسي ( لروزبهاَن بقلي شيرازي بتصحيح هنري كربين .
ط طهران .
.112شرح الفصوص للقيصري مخطوط .
.113شرح حاَل الولياَء لعز الدين المقدسي مخطوط .
الشريعة والحقيقة للدكتورِ حسن محمد شرقَاَوي .ط القاَهرة . .114
شموس النوارِ لبن الحاَج تلمساَني .ط مصطفى الباَبي الحلبي القاَهرة . .115
شهاَب الدين السهرورِدي للدكتورِ إبراهيم مدكورِ .ط الهيئة المصرية .116
العاَمة للكتاَب .
صاوم القلبِ لعماَرِ البدليسي مخطوط . .117
الصلة الكبرى لبن عربي مخطوط . .118
الطبقاَت للسلمي .ط مطاَبع الشعبِ القاَهرة 1380هـ . .119
طبقاَت الولياَء لبن الملقن .ط مكتبة الخاَنجي القاَهرة 1393هـ . .120
الطبقاَت الكبرى للشعراني .ط دارِ العلم للجميع ,و ط المطبعة .121
العاَمرية العثماَنية 1305هـ القاَهرة .
الطبقاَت الصغرى للشعراني .ط مكتبة القاَهرة الطبعة الولى 1390هـ . .122
الطبقاَت في خصوص الولياَء والصاَلحين والعلماَء والشعراء في السودان .123
لمحمد ضيف اللهُ الجعلي الفضلي .ط المكتبة الثقاَفية بيروت .لبناَن .
الطريق إلى اللهُ لبي سعيد الخراز .ط دارِ الكتبِ الحديثة مصر . .124
.125طريق النجاَة ) فاَرِسي ( لكريم خاَن كرماَني مطبع الساَدات إيران 1396
هـ .
طهاَرِة القلوب لعبد العزيز الدرِيني .ط مصطفى الباَبي الحلبي .126
القاَهرة .
الطواسين للحلج .ط المعاَرِف باَكستاَن . .127
عبد اللهُ النصاَرِي الهروي للدكتورِ محمد سعيد عبد المجيد .ط دارِ الكتبِ .128
الحديثة مصر .
عبد اللهُ خويشكي قَصورِي ) أرِدو ( لمحمد إقَباَل مجددي .ط باَكستاَن . .129
عبد الرحمن الثعاَلبي والتصوف لعبد الرزاق قَسوم .ط الشركة الوطنية .130
الجزائر .
العظة والعتباَرِ في حياَة السيد البدوي لحمد محمد الحجاَب .ط القاَهرة . .131
.132العروة للسمناَني مخطوط .
عقلة المستوفز لبن عربي .ط مطبعة بريل ليدن 1336هـ . .133
عقيدة أهل المعاَني في شرح قَصيدة بدء الماَلي لبي الحسن محمد .134
الدوسي .ط مكتبة ايشق تركياَ .
العقل وفهم القرآن للحاَرِث بن أسد المحاَسبي .ط دارِ الكندي الطبعة .135
الثاَلثة 1402هـ .
العلوم اللهية والسرارِ الرباَنية لبن عربي .ط مكتبة نصير القاَهرة . .136
عوارِف المعاَرِف لعبد القاَهر السهرورِدي .ط دارِ الكتاَب العربي بيروت .137
1403هـ .
.138غزلياَت شمس تبريزي ) فاَرِسي ( ط طهران .
غيث المواهبِ العلية في شرح حكم العطاَئية للنفزي الرندي .ط دارِ .139
الكتبِ الحديثة القاَهرة 1970م .
228
.140الفتح الرباَني والفيض الرحماَني لعبد القاَدرِ الجيلني .ط مصطفى
الباَبي الحلبي القاَهرة .
الفتح المبين فيماَ يتعلق بترياَق المحبين لبي الظفر القاَدرِي الطبعة .141
الولى المطبعة الخيرية مصر 1306هـ .
الفتح الرباَني لعبد العزيز ناَبلوسي .المطبعة الكاَثوليكية بيروت 1960م . .142
.143الفتوحاَت اللهية لبن عجيبة الحسني .ط عاَلم الفكر القاَهرة .
.144الفتوحاَت المحمدية لمباَرِك علي ز ط باَكستاَن 1981م .
الفتوحاَت المكية لبن عربي .ط الهيئة المصرية العاَمة للكتاَب 1405هـ . .145
.146فتوحاَت ناَمهُ لعبد الرزاق كاَشاَني ) فاَرِسي ( ط طهران .
فرائد الللي من رِساَئل الغزالي بتحقيق محمد بخيت ط فرج اللهُ ذكي .147
الكردي مصر 1344هـ .
فرحة الناَظرين لمحمد أسلم ) أرِدو ( .ط باَكستاَن . .148
فصوص الحكم لبن عربي بتعليقاَت الدكتورِ أبي العلء العفيفي .ط دارِ .149
الكتاَب العربي بيروت .
فوائح الجماَل وفواتح الجلل لنجم الدين كبري . .150
فوائد الفواد ملفوظاَت خواجهُ نظاَم الدين أولياَء ) أرِدو ( .ط أوقَاَف ل .151
هورِ باَكستاَن .
الفوائد في الصلت والعوائد لشهاَب الدين الشرجي اليمني .ط مصطفى .152
الباَبي الحلبي مصر 1388هـ .
فوائد العز السنى في شرح أسماَء اللهُ الحسنى وخواصاهاَ لمحمد .153
الشبراوي الشاَفعي بهاَمش الفوائد لشهاَب الدين الشرجي .ط مصطفى
الباَبي الحلبي .مصر .
.154قَرة العيون ومفّرح القلبِ المحزون لبي ليث السمرقَندي .ط دارِ إحياَء
الكتبِ العربية مصر .
.155القصد للشاَذلي مخطوط .
قَلدة الجواهر في ذكر الرفاَعي وأتباَعهُ الكاَبر لمحمد أبي الهدى .156
الرفاَعي .ط بيروت 1400هـ .
قَواعد التصوف لحمد بن زرِوق .ط مكتبة الكلياَت الزهرية القاَهرة 1976 .157
م.
قَوانين حكم الشراق لبي المواهبِ الشاَذلي .ط مكتبة الكلياَت الزهرية .158
مصر .
قَوت القلوب لبي طاَلبِ المكي .ط دارِ صااَدرِ بيروت . .159
كتاَب الستبصاَرِ لهل الذكاَرِ لحمد محمود زين الدين الحسيني .ط .160
مطبعة النوارِ القاَهرة .
كتاَب البرهاَن الزهر في مناَقَبِ الشيخ الكبر لمحمود رِجبِ حاَمي . .161
كتاَب المخاَطباَت لمحمد بن عبد الجباَرِ النفزي .ط مطبعة دارِ الكتبِ .162
المصرية القاَهرة .
كتاَب المواقَف لمحمد بن عبد الجباَرِ النفزي .ط مطبعة دارِ الكتبِ .163
المصرية القاَهرة .
كشف الحجاَب لحمد بن الحاَج العياَشي .ط 1381هـ 1934م . .164
كشف الحقاَئق للنسفي بتصحيح الدكتورِ أحمد مهدي ) فاَرِسي ( ط .165
طهران 1359هـ .
كشف الغمة عن جميع الئمة للشعراني .ط مصطفى الباَبي الحلبي .166
القاَهرة .
كشف المحجوب للهجويري ترجمة عربية .ط دارِ النهضة العربية بيروت . .167
كفاَية التقياَء ومنهاَج الصافياَء للكبري المكي الدمياَطي .ط دارِ الكتبِ .168
العربية الكبرى مصر 1325هـ .
كلزارِ أبرارِ لمحمد غوثي شطاَرِي ) أرِدو ( ط باَكستاَن . .169
كلزارِ صاوفياَء ) أرِدو ( لعاَلم فقري .ط باَكستاَن . .170
كلمة الحق لعبد الرحمن ) أرِدو ( .ط لكنو الهند 1883م . .171
229
كلياَت وديوان شمس تبريزي ) فاَرِسي ( لجلل الدين محمد بلخي .ط نشر .172
طلوع إيران .
الكندي وآرِاؤهُ الفلسفية للدكتورِ عبد الرحمن شاَهُ ولي .ط مجمع .173
البحوث العلمية باَكستاَن .
كنجية كوهر ) فاَرِسي ( لمل أحمدي قَاَضي .ط مطبعة الحوادث إيران . .174
لطاَئف المنن والخلق لعبد الوهاَب الشعراني .ط القاَهرة . .175
لطاَئف المنن لبن عطاَء اللهُ السكندرِي .ط مطبعة حساَن القاَهرة . .176
اللطف الداني لعبد الوهاَب محمد أمين .ط القاَهرة . .177
اللمع لسراج الدين الطوسي .ط دارِ الكتبِ الحديثة مصر . .178
اللمحاَت لشهاَب الدين السهرورِدي .ط مركز تحقيقاَت فاَرِسي إيران .179
وباَكستاَن 1984م .
اللمعاَت لفخر الدين عراقَي ) فاَرِسي ( ط إيران . .180
.181لوائح لعبد الرحمن جاَمي ) فاَرِسي ( .ط لهورِ باَكستاَن .
المثنوي العربي النورِي لسعيد النورِي .ط مطبعة الزهراء بغداد . .182
المجاَلس الرفاَعية لحمد الرفاَعي .ط مطبعة الرِشاَد بغداد . .183
.184مجموع مخطوط باَلفاَتيكاَن عربي رِقَم . 1242
.185مجموعة في الحكمة المشرقَية لشهاَب الدين السهرورِدي .
.186المحبة والشوق للغزالي .ط مصطفى الباَبي الحلبي القاَهرة .
.187محاَسن المجاَلس لبن العريف .ط باَرِيس 1933م.
هي .ط باَكستاَن . ّ لل حسين .188محمد سليماَن تونسوي ) أرِدو( للدكتورِ محمد
محيي الدين ابن عربي ) فاَرِسي ( للدكتورِ محسن جهاَنغيري الطبعة .189
الثاَنية طهران .
محيي الدين ابن عربي لطهُ عبد الباَقَي سرورِ ز ط القاَهرة . .190
مختصر تذكرة القرطبي لعبد الوهاَب الشعراني .ط دارِ إحياَء الكتبِ .191
العربية مصر .
المدرِسة الحديثة الشاَذلية وإماَمهاَ أبو الحسن الشاَذلي للدكتورِ عبد .192
الحليم محمود .ط دارِ الكتبِ الحديثة القاَهرة .
مدينة الولياَء ) أرِدو ( لمحمد دين كليم قَاَدرِي .ط باَكستاَن . .193
.194مشتهى الخاَرِف الجاَني لمحمد الخضر الشنقيطي .
مصباَح العلوم في معرفة الحي القيوم لحمد بن حسن الرصااَص .ط دارِ .195
العتصاَم القاَهرة .
مطاَلع المسرات لمحمد المهدي بن أحمد .ط مصطفى الباَبي الحلبي .196
مصر .
معاَرِج المقربين لمحمد ماَضي أبي العزائم .دارِ الثقاَفة العربية للطباَعة .197
مصر .
المعاَرِضة والرد لسهل بن عبد اللهُ التستري .ط دارِ النساَن القاَهرة . .198
.199المقدماَت للفرغاَني مخطوط .
.200مقصود المؤمنين لباَيزيد النصاَرِي .ط مجمع البحوث السلمية إسلم
آباَد باَكستاَن .
مكاَشفة القلوب للغزالي .ط الشعبِ القاَهرة . .201
مناَقَبِ العاَرِفين للفكاَني ) فاَرِسي ( ط دنياَء كتاَب الطبعة الثاَنية 1362 .202
هجري قَمري .
مناَقَبِ الصوفية لقطبِ الدين المروزي .ط طهران . .203
مناَقَبِ الصوفية ) فاَرِسي ( لبي المظفر المروزي باَهتماَم محمد تقي .204
وايرج اخشاَرِ .ط طهران .
مناَقَبِ الصوفية ) فاَرِسي ( لمنصورِ بن ارِدشير ط إيران . .205
مناَقَبِ العاَرِفين لشمس الدين الفلكي ) فاَرِسي ( ط دنياَء كتاَب إيران . .206
من أعلم التصوف السلمي لطهُ عبد الباَقَي سرورِ .ط دارِ نهضة مصر . .207
المنتخباَت من مكتوباَت المجدد ) فاَرِسي ( .مكتبة ايشيق تركياَ . .208
المنقذ من الضلل للغزالي .ط دارِ الكتاَب اللبناَني بيروت . .209
230
المنقذ من الضلل مجموعة مؤلفاَت عبد الحليم محمود .ط دارِ الكتاَب .210
اللبناَني بيروت .
مناَزل الساَئرين مع العلل والمقاَماَت لعبد اللهُ النصاَرِي الهروي ,ط .211
إيران .
منبع أصاول الحكمة لبي العباَس أحمد بن علي بوني .ط مصطفى الباَبي .212
الحلبي .
منح المنة لعبد الوهاَب الشعراني .ط مكتبة عاَلم الفكر القاَهرة 1399هـ . .213
منطق الطير لفريد الدين العطاَرِ .ط دارِ الندلس بيروت . .214
.215منهاَج العاَبدين للغزالي .ط مصطفى الباَبي الحلبي مصر .
المنهج الموصال إلى الطريقة النهج لمصطفى الصاَدقَي مخطوط . .216
المواقَف اللهية لبن قَضيبِ الباَن ضمن كتاَب النساَن الكاَمل للبدوي .ط .217
الكويت .
مولناَ رِومي لبشير محمود أختر ) أرِدو( ط إدارِة ثقاَفت إسلمية .218
باَكستاَن .
مواقَع النجوم لبن عربي .ط مطبعة السعاَدة مصر 1325هـ . .219
مهرمنير لمهر علي شاَهُ ) أرِدو( ط باَكستاَن . .220
نزهة المجاَلس لعبد الرحمن الصفورِي .ط مكتبة الشرق الجديد بغداد .221
العراق .
نساَء فاَضلت لعبد البديع صافر .ط دارِ العتصاَم القاَهرة . .222
نسيم النس لزين الدين بن رِجبِ مخطوط . .223
نشاَط التصوف السلمي لبراهيم بسيوني .ط دارِ المعاَرِف القاَهرة .224
1969م .
النصاَئح الدينية لعبد اللهُ باَعلوي الحداد .ط مطبعة دارِ إحياَء الكتبِ .225
العربية القاَهرة .
نص النصوص لحيدرِ الملي مخطوط . .226
النفحة العلية في أورِاد الشاَذلية لعبد القاَدرِ زكي .ط مكتبة المثنى .227
القاَهرة .
نفحة الروح وتحفة الفتوح لمؤيد الدين جندي .ط طهران 1362هجري .228
قَمري .
نفحاَت النس ) فاَرِسي ( لعبد الرحمن جاَمي .ط إيران 1337هـ . .229
نوادرِ الصاول للحكيم الترمذي ط الستاَناَ . .230
الوصاية الكبرى لعبد السلم السمر الفيتورِي .ط مكتبة النجاَح طرابلس .231
ليبياَ 1976م .
اليواقَيت والجواهر في بياَن عقاَئد الكاَبر لعبد الوهاَب الشعراني .ط .232
مصطفى الباَبي الحلبي القاَهرة 1378هـ .
أجزاء من العقاَئد السماَعيلية للداعي إبراهيم .ط امبرين نيشنل بريس .303
1784م .
أرِبعة نصوص إسماَعيلية للداعي السماَعيلي المجهول بتحقيق .304
ماَسينيون .ط باَرِيس .
أساَس التأَويل للقاَضي السماَعيلي النعماَن .ط دارِ الثقاَفة بيروت . .305
الصاول من الكاَفي للكليني .ط دارِ الكتبِ السلمية طهران 1388هجري .306
قَمري .
أعلم النبوة لبي حاَتم الرازي تحقيق صالح الصاَدي .ط إيران 1397 .307
هجري قَمري .
أعياَن الشيعة لمحسن المين .ط دارِ التعاَرِف للمطبوعاَت بيروت . .308
إعتقاَدات الصدوق لبن باَبويهُ القمي .ط إيران . .309
الفتخاَرِ للداعي أبي يعقوب السجستاَني .ط بيروت . .310
الماَلي للمفيد .ط قَم إيران . .311
بحاَرِ النوارِ للمجلسي .ط إيران . .312
البرهاَن في تفسير القرآن لهاَشم البحراني .ط إيران . .313
بصاَئر الدرِجاَت الكبرى للصفاَرِ .ط منشورِات العلمي طهران 1404هـ . .314
بيت الدعوة السماَعيلية مخطوط . .315
بين التصوف والتشيع لهاَشم معروف حسيني .ط دارِ القلم بيروت . .316
تلخيص الشاَفي للطوسي .ط قَم إيران . .317
تنقيح المقاَل للماَمقاَني .ط طهران . .318
233
حق اليقين ) فاَرِسي ( للمجلسي .ط إيران . .319
حديقة الشيعة ) فاَرِسي ( لحمد بن محمد الرِدبيلي .ط طهران . .320
الخصاَل لبن باَبويهُ القمي .ط إيران . .321
الذرِيعة إلى تصاَنيف الشيعة لقَاَ بزرِك الطهراني .ط إيران . .322
الرجاَل للحلي .ط إيران . .323
رِجاَل الطوسي .ط نجف العراق . .324
رِجاَل الكشي .ط كربلء . .325
الزهد للحسين بن سعيد الهوازي .ط إيران . .326
شرح نهج البلغة لبن أبي الحديد .ط إيران . .327
شرح إعتقاَدات الصدوق .ط إيران . .328
الصلة بين التصوف والتشيع للدكتورِ كاَمل مصطفى الشيبي .ط بيروت .329
1982م .
طرائق الحقاَئق للحاَج معصوم علي شاَهُ .ط إيران . .330
عيون أخباَرِ الرضاَ لبن باَبويهُ القمي .ط طهران . .331
فرق الشيعة للنوبختي .ط المطبعة الحيدرِية نجف العراق . .332
الفصول المهمة في معرفة الئمة للحر العاَملي .ط مكتبة بصيرتي قَم .333
إيران .
الفكر الشيعي والنزعاَت الصوفية للدكتورِ كاَمل مصطفى الشيبي .مكتبة .334
النهضة بغداد .
كماَل الدين وتماَم النعمة لبن باَبويهُ القمي .ط دارِ الكتبِ السلمية .335
طهران 1395هـ .
مشاَرِق أنوارِ اليقين للحاَفظ رِجبِ البرسي .ط دارِ الندلس بيروت . .336
المقاَلت والفرق لسعد بن عبد اللهُ الشعري القمي .ط طهران . .337
منهج المقاَل للستر آباَدي .ط طهران . .338
منهاَج الكرامة للحلي .ط باَكستاَن . .339
النصرة للسجستاَني .ط دارِ الثقاَفة بيروت . .340
نهج البلغة المنسوب إلى علي بن أبي طاَلبِ رِضي اللهُ عنهُ بتحقيق .341
صابحي صااَلح بيروت .
الهفت الشريف للمفضل الجعفي تحقيق مصطفى غاَلبِ السماَعيلي .ط .342
بيروت .
ثلث رِساَئل في الحكمة السلمية لمحمد كاَظم عصاَرِ .ط المكتبة .343
المرتضوية إيران .
فهرست الكتاَب
إهــــــــــــــــــــــــــداء
المقدمة
الباَب الول :التصوف نشأَتهُ ,تاَرِيخهُ وتطورِاتهُ .............................................................. :
الفصل الول :السلم عباَرِة عن الكتاَب
والسنة ......................................................
الفصل الثاَني :أصال التصوف واشتقاَقَهُ ..............................................................
الفصل الثاَلث :تعريف التصوف .......................................................................
الفصل الرابع :بدء التصوف وظهورِهُ ................................................................