You are on page 1of 10

‫وبالمقابل يستطيع المرء أن يحصي للترجمة كثيراً من السيّئات‪ ،‬من مثل إدخال األفكار الهجينة‪ ،‬وانتقاء ما هو برّ اق ومخادع‬

‫من الثقافات‪ 4‬األخرى مقابل االنصراف عن الرصين والعميق والمفيد‪ ،‬وكذلك سوء الترجمات وضعفها وخيانتها لألصل لدرجة‬
‫أنها قد تزيف المضامين وتقدم للمتلقي ضروبا ً من األوهام واألباطيل من شأنها أن تشكل صورة مشوّ هة ُتبنى عليها فيما بعد‬
‫قناعات ومواقف ليس لها أساس‪ ،‬وقد تتطور المسألة إلى درجة أن تصبح ً‬
‫آفة تاريخية يتوارثها اآلباء عن األجداد واألبناء عن‬
‫‪.‬اآلباء‬

‫والحق أن اإلجماع منعقد بين العارفين على أنه مع اتساع حركات الترجمة في العالم‪ ،‬وازدياد عدد اللغات الداخلة في السباق‬
‫الترجمي‪ ،‬ومع عدم توافر آليات (ميكانزم) ذات كفاية للضبط واإلشراف‪ ،‬تسود يوميا ً الترجمات‪ 4‬التجارية الرخيصة السريعة‬
‫وتتسابق على أبواب األسواق ونوافذ العرض‪ ،‬بينما تقبع الترجمات‪ 4‬الرصينة والدقيقة والمسؤولة خلف كشافات األضواء‪ ،‬أو‬
‫‪.‬في عتمة الرفوف واألروقة‪ ،‬ال يعبأ بها جمهور المتلقين‪ ،‬هذا إذا علم بها أصالً‬

‫والمشكلة انه في صميم تكوين عملية الترجمة توجد أرضية قوية تزيّن للمترجم وتسهل له فرصة االنحراف إلى َع َرض‬
‫حرفيا ً ( ‪ traduttore traditore‬االستهواء وبهرج الزيف والطالء‪ .‬وإذا كان اإليطاليون يقولون إن الترجمة تعني الخيانة‬
‫فالفرنسيون – على طريقتهم – أعطوا صورة أخرى طريفة إذ وصفوا الترجمات‪ 4‬الزاهية بأنها الترجمات غير ‪)،‬المترجم خائن‬
‫أي أن الترجمة إما أن تكون جميلة ولكن خائنة وإما أن تكون أمينة ‪)،‬الجميالت الخائنات( ‪ les belles infidèlles‬المخلصة‬
‫فهي بالضرورة قبيحة‪ .‬وإنه اختيار صعب أمام المترجم بل إن هذا االختيار أشبه بهاجس يؤرق العاملين في مجال الترجمة في‬
‫كل لحظة من عملهم ويسبب لهذا العمل كدراً كثيراً ناتجا ً عن التردد والحيرة‪ ،‬على حين ينبغي أن يكون عمل الترجمة انسيابيا ً‬
‫‪.‬ومتماسكا ً ليستطيع أن يفي برواء الينبوع األصلي وأن يحمل مسحة‪ 4‬من بكارته وإغوائه‬

‫الترجمة والترجمة العلمية‬

‫د‪ .‬محمد أحمد طجو‬

‫أستاذ مشارك’ كلية اللغات والترجمة‬

‫جامعة الملك سعود‬

‫تتناول هذه الدراسة الترجمة تعريفا ونظريات فتصحح بعض المفاهيم الخاطئة ‪ ,‬وتركز على الترجمة العلمية أو المتخصصة‬
‫‪.‬فتعرض ألهم الصعوبات التي يعاني منها المترجم وذلك اعتمادا على خبرة صاحبها وعلى بعض الدراسات الحديثة‬

‫ما الترجمة؟‬
‫يمكن في الواقع تقسيم الترجمة إلى قسمين رئيسين‪ ,‬الترجمة التحريرية والترجمة الشفهية‪ .‬وتعرف الترجمة الشفهية بعدة أنواع‬
‫هي الترجمة الفورية‪ ,‬والترجمة التتبعية‪ ,‬والترجمة الثنائية‪ .‬أما الترجمة التحريرية فيقصد بها ترجمة النصوص المكتوبة‬
‫بأنواعها‪ ,‬وتتنوع الصعوبات فيها بتنوع النصوص المترجمة فهي تنقسم أيضا إلى قسمين رئيسين‪ :‬الترجمة األدبية والترجمة‬
‫العلمية أو المتخصصة‪ .‬وتعرف الترجمة التحريرية بأنواع كثيرة أهمها الترجمة الحرفية‪ ,‬والترجمة الحرة أو بتصرف‪,‬‬
‫‪.‬والترجمة التفسيرية‪ ,‬والترجمة الداللية‪ ,‬والترجمة التواصلية‬

‫إن ما دعانا إلى هذا التوضيح الموجز ألهم أنواع الترجمة وطرقها هو ما الحظناه لدى كثير من الطالب والدارسين الذين‬
‫يخلطون بين نظريات الترجمة وطرقها‪ ,‬والذين يطلقون على الترجمة الحرفية أو الحرة أو الداللية أو التواصلية مصطلح‬
‫نظريات الترجمة‪ ,‬وهذا خطأ واضح‪ ,‬فعندما نترجم نصا ما كلمة كلمة فإننا نستخدم الترجمة الحرفية‪ ,‬وعندما ننقل المعنى‬
‫ونراعي الدالالت المعجمية والبنى النحوية فإننا نستخدم الترجمة الداللية‪ ,‬وعندما نقوم بتحقيق المطابقة في التأثير على القارئ‬
‫‪.‬فإننا نستخدم الترجمة التواصلية‪ ,‬فهذه يطلق عليها أنواع أو طرق الترجمة وال مجال للنظرية هنا‬

‫لقد مرت نظرية الترجمة منذ نشأتها إلى يومنا هذا بثالث مراحل‪ :‬المرحلة ما قبل اللسانية التي دامت حتى مطلع القرن‬
‫العشرين‪ ,‬والتي تميزت بمقاربة فقهلغوية وفلسفية كان يقوم بها مترجمون يرمون من ورائها إلى تعميق معرفتهم بعملهم‬
‫والتبحر فيه‪ ,‬والمرحلة اللسانية التي دامت حتى الستينيات‪ ,‬والتي تميزت بتحليل الظاهرة الترجمية تحليال علميا وبتمحيص‬
‫وقائعها على مستوى اللسان‪ ,‬والمرحلة ما بعد اللسانية التي ابتدأت منذ سبعينيات القرن العشرين‪ ,‬والتي تميزت بمحاولة‬
‫( التركيب بين المقاربتين السابقتين وبنظرية التواصل والنصية‪ .‬وقد كانت المرحلة األخيرة رد منظري الترجمة وممارسيها‬
‫‪ Fedrov ,‬على أطروحة اللسانيين أمثال فيدروف ‪ Ladmiral‬والدميرال ‪ Seleskovitch ,‬وسيليسكوفيتش ‪ Nida,‬أمثال نايدا‬
‫التي تعتبر الترجمة ظاهرة لسانية‪ ,‬وعلى )‪ Catford‬وكاتفورد ‪ Mounin ,‬ومونان ‪ Vinay et Darbelnet ,‬وفيني وداربلنيه‬
‫‪ Meschonnic)(1).‬وميشونيك ‪ Steiner ,‬وشتاينر ‪ Cary ,‬من أمثال كاري( أطروحة التجريبيين‬

‫ويمكن القول إننا نقترب في الوقت الحالي من نظرية فريدة وكلية في الترجمة‪ ,‬وإن هذه الظاهرة المعقدة والمركبة تدفع ببعض‬
‫الباحثين إلى أن يفضلوا في دراساتهم العناصر اللسانية‪ ,‬ويدفع بالبعض اآلخر إلى تفضيل المحتويات المعرفية‪ ,‬ويدفع بسواهم‬
‫إلى تفضيل المظاهر اإليناسية‪ ,‬ويدفع بغير هؤالء وأولئك إلى تفضيل الفروق والتلوينات األدبية‪ ,‬وهلمجرا‪ .‬وقد تمخض عن‬
‫ذلك عدة مناهج في الترجمة لخصها لنا كل من نيوبرت وشريف‬

‫‪Albert Neubert & Greory M. Shreve‬‬

‫في كتابهما المعنون الترجمة وعلوم النص‪ ,‬وهذه المناهج هي‪ :‬النقدي‪ ,‬والعملي‪ ,‬واللغوي‪ ,‬ومنهج لغويات النص‪ ,‬والثقافي‬
‫االجتماعي‪ ,‬والحاسوبي‪ ,‬واللغوي النفسي‪ .‬وقد درس المؤلفان هذه المناهج دراسة نقدية‪ ,‬وخلصا إلى القول‪" :‬يمكن لكل منهج‬
‫من هذه المناهج أن يساهم في بناء نظرية أكثر طموحا وأكثر مالءمة وتكامال حول الترجمة من دون أن يتخلى عن وجهة‬
‫‪.‬نظره الخاصة " (‪)2‬‬

‫و مع ذلك‪ ,‬إننا نرى اآلن أن معظم منظري الترجمة الذين ينتمون إلى آفاق مختلفة‪ ,‬ويتباينون في ما يستعملون من مصطلحات‪,‬‬
‫وما يضعون من تصنيفات‪ ,‬يتفقون في الجوهر‪ ,‬على اعتبار الترجمة ظاهرة واحدة وفريدة‪ ,‬وإن تعددت وجوهها‪ ,‬فهي في‬
‫‪:‬نظرهم‪ ,‬نظرية‬
‫‪,‬أ‪ -‬تتلخص في تحوير جوهر النص الذي يشتمل على عناصر داللية وأسلوبية‬

‫‪,‬ب‪ -‬تتم على مستوى العبارة المحققة‬

‫‪,‬ت‌‪ -‬تهدف إلى التواصل‬

‫‪.‬ث‪ -‬يتحقق فيها الفهم بواسطة التأويل‬

‫وليس غريبا أن يكون الباحثون الذين احتاروا في أمر هذه الظاهرة وتعقدها‪ ,‬هم البادئون إلى تفكيكها‪ ,‬وليس غريبا أيضاً‪ ,‬أن‬
‫يحاول المختصون في علوم أخرى‪ ,‬كاللسانيات واإليناسة بصفة عامة‪ ,‬تحليل بعض جوانب هذه الظاهرة‪ .‬إال أن علم الترجمة‬
‫‪.‬صار يحدد موضوعه‪ ,‬وينشئ مناهجه الخاصة به‪ ,‬مرتقيا‪ ,‬بالتدريج‪ ,‬إلى مرتبة تخصص علمي قائم بذاته ‪traductologie‬‬

‫‪.‬وسوف نحاول في السطور التالية أن نعرض ألهم النظريات في الترجمة‪ ,‬السيما النظرية اللغوية والنظرية التفسيرية‬

‫يعتبر كل من فيدروف وفيني وداربلنيه ومونان وكاتفورد كما ذكرنا من أوائل من دافع عن النظرية اللغوية في الترجمة التي‬
‫تفترض أن النص الذي يترجم يتكون من الكلمات‪ ,‬وأن هذه الكلمات هي المادة الموضوعية الوحيدة التي تتوفر بين يدي‬
‫نسبة إلى سوسور( المترجم الذي يقوم عمله على ترجمة هذه الكلمات‪ ,‬ويركز انتباهه على اللغة بمعناها السوسوري‬
‫‪Saussure).‬‬

‫يرى فيدروف أن عملية الترجمة عملية لغوية في المقام األول‪ ,‬وأن كل نظرية في الترجمة يجب أن تدرج في عداد المواد‬
‫اللسانية‪ .‬ويطالب فيني وداربلنيه بإدراج الترجمة في إطار اللسانيات‪ ,‬ويقترحان سبع طرق للترجمة وهي االقتراض أو الدخيل‪,‬‬
‫والنسخ‪ ,‬والترجمة الحرفية‪ ,‬والتحوير‪ ,‬والتكييف‪ ,‬والتعادل‪ ,‬والمالءمة أو التصرف‪ ,‬ويميزان تمييزاً واضحا ً بين الفرنسية‬
‫واإلنجليزية‪ .‬والواقع أن األسلوبية المقارنة التي يقترحانها هي مادة تلي الترجمة والتسبقها‪ ,‬واليمكن بالتالي أن تكون طريقة‬
‫‪.‬لها‬

‫و يقرر مونان في القسم األول من كتابه المسائل النظرية في الترجمة‬

‫‪Les problèmes théoriques de la traduction‬‬

‫أن "الترجمة احتكاك بين اللغات ولكنها حالة قصوى من االحتكاك يقاوم فيها المتكلم ثنائي اللغة كل انحراف عن المعيار‬
‫اللغوي‪ ,‬وكل تداخل بين اللغتين اللتين يتناوبهما"‪ ,‬ويقترح أن "تدرس اللسانيات المعاصرة مسائل الترجمة بدال من أن تبقى‬
‫الترجمة وسيلة إيضاح لبعض المسائل اللسانية"‪ .‬ويجيب مونان في الفصل الثاني عن السؤال التالي‪ :‬هل الدراسة العلمية لعملية‬
‫الترجمة جزء من اللسانيات؟‪ 4‬وتبدأ إجابته بعرض الخالف بين المترجمين الذين يقولون إن الترجمة فن ال ينحصر داخل حدود‬
‫اللسانيات‪ ,‬وبين اللسانيين الذين يدعون إلى اعتبار عملية الترجمة عملية لسانية في المقام األول‪ ,‬ويتخذ موقفا توفيقيا بين‬
‫‪.‬الطرفين فيقر بأن الترجمة "فن كالطب‪ ,‬ولكنها فن مبني على علم" (‪ )3‬هو علم اللسانيات‬
‫وأما كاتفورد فإنه يضع الترجمة في كتابه نظرية لغوية في الترجمة في إطارها الصحيح‪ ,‬وذلك على مستويين‪ :‬مستوى اللغة‬
‫الصرف‪ ,‬ومستوى التعبير الكالمي‪ .‬فهو يهتم على المستوى اللغوي الصرف بجميع مكونات النص‪ ,‬من صوت وحرف وكلمة‬
‫وعبارة‪ ,‬إال أنه يتجاوز ذلك إلى مستوى المعنى الذي تهدف إليه العبارة‪ ,‬وقد توصل إلى نتيجة في غاية األهمية‪ ,‬تضع الترجمة‬
‫بين حدين رئيسين‪ :‬الحد األصغر‪ ,‬وهو السمة‪ ,‬والحد األكبر وهو المعنى‪ ,‬يؤطرهما مفهوما التكافؤ والتناظر اللذان بدونهما ال‬
‫تبلغ عملية الترجمة درجة الكمال‪ ,‬إال أن هذه العملية ليست نقال على المستويات المفرداتية والمعجمية بقدر ماهي "استبدال"‬
‫لنص كتب في لغة معينة بنص آخر كتب في لغة أخرى‪ .‬يقول كاتفورد‪ " :‬إنه من الضروري لنظرية الترجمة أن تستند إلى‬
‫‪ .‬نظرية في المعنى‪ .‬ومن دون نظرية كهذه تظل عدة مظاهر محددة وهامة في عملية الترجمة غير قابلة للمناقشة"(‪)4‬‬

‫ومن الذين أكدوا على على أهمية نقل المعنى وضرورة إعطائه األولوية على سائر العناصر األخرى نايدا الذي ساهم في‬
‫تطوير نظرية المعادل الديناميكي‪ ,‬حيث يرى أن طبيعة الترجمة تقوم على إعادة إنتاج الرسالة بأقرب معادل لها في لغة الهدف‬
‫وذلك في ما يتعلق بالمعنى واألسلوب‪ ,‬ويعني بذلك أن يسعى المترجم إلى إيجاد معادل للنص األصلي وليس إلى إيجاد نص‬
‫‪ Peter‬مطابق له‪ ,‬ذلك ألن اللغات‪ 4‬تختلف في وسائل تعبيرها‪ ,‬واليمكن أن تتطابق تطابقا كامال‪ .‬ويعتبر بيتر نيومارك‬
‫‪ A Textbook of‬أيضا من أنصار النظرية اللغوية بدفاعه عنها دفاعا قويا في كتابه المعنون كتاب في الترجمة ‪Newmark‬‬
‫وقوله‪" :‬نترجم الكلمات‪ 4‬ألن ليس هناك شيئ آخر نترجمه‪ ,‬ال يوجد على الصفحات سوى الكلمات‪ ,‬فقط ‪Translation ,‬‬
‫‪.‬الغير"(‪)5‬‬

‫ويرى نيومارك أن اهتمام نظرية الترجمة ينصب بشكل رئيس على طرائق الترجمة التي تناسب أكبر عدد ممكن من أنواع‬
‫نصوص الترجمة أو فئاتها‪ ,‬وأنها تقدم لنا إطار عمل من المبادئ والقواعد المحددة والتلميحات لترجمة النصوص ولنقد‬
‫الترجمات‪ ,‬أي أنها تقدم لنا خلفية لحل المشكالت المتعلقة بالترجمة‪ .‬و تبين لنا النظرية أساليب الترجمة الممكنة وتقدم الحجج‬
‫المؤيدة أو المعارضة الستخدام ترجمة بدال من أخرى في سياق معين‪ .‬ويضيف أن نظرية الترجمة تعنى بالخيارات‬
‫والقرارات‪ ,‬وليس بآليات أي من اللغتين‪ ,‬وتحاول تقديم أفكار مفيدة حول العالقة بين الفكرة والمعنى واللغة‪ ,‬وحول المظاهر أو‬
‫الجوانب العالمية والثقافية والفردية للغة والسلوك‪ ,‬أي فهم الثقافات‪ ,‬وحول تفسير النصوص التي يمكننا توضيحها بل وحتى‬
‫استكمالها‪ 4‬أو اإلضافة إليها عن طريق الترجمة‪ .‬وهكذا نجد أن نظرية الترجمة تغطي مجاال واسعا وتحاول دائما أن تثبت‬
‫فائدتها‪ ,‬وأن تعين المترجم بتحفيزه على الكتابة بشكل أفضل وعلى اقتراح النقاط المتفق عليها حول مشكالت الترجمة العامة‪,‬‬
‫"فاالفتراضات واألفكار حول الترجمة التنبع عادة إال من الممارسة‪ ,‬كما يجب أال تطرح هذه المقترحات واألفكار دون أمثلة‬
‫‪.‬من نصوص أصلية مع ترجماتها"(‪)6‬‬

‫ويقترح نيومارك عددا من المعايير واألولويات لتحليل النص مثل الغرض من النص أو نواياه‪ ,‬ونوايا المترجم‪ ,‬والقارئ وجو‬
‫النص‪ ,‬ونوعية كتابة النص وسلطته‪ ,‬ويذكر (ص ‪ ) 49-48‬المعايير التي يطبقها منظر الترجمة على ترجمة كل نوع من أنواع‬
‫النصوص‪ ,‬ثم يقترح (ص ‪ ) 50‬طريقتين للترجمة تناسبان أي نص‪ ,‬وهما "الترجمة االتصالية‪ ,‬حيث يحاول المترجم أن يعطي‬
‫لقراء اللغة الهدف نفس التأثير الذي يعطيه األصل لقراء اللغة المصدر‪ ,‬والترجمة الداللية‪ ,‬حيث يحاول المترجم في حدود‬
‫‪.‬القيود النحوية والداللية للغة الهدف أن يعيد تقديم المعنى السياقي الدقيق للمؤلف"‪ ,‬ويعقد بينهما مقارنة مطولة‬

‫ويبدو أن عدم دقة المصطلحات ووضوحها عند نيومارك‪ ,‬وبخاصة عند محاولة التمييز بين الترجمة الداللية والترجمة‬
‫التواصلية جعلنا نصاب بالحيرة وصعوبة ما يقصده على وجه الدقة‪ ,‬وأن أبرز ما يميز الترجمة التواصلية عن الترجمة الداللية‬
‫الذي سبقه في تبني هذا المبدأ‪ .‬يرى نيومارك أن الترجمة التواصلية ‪ Koller‬هو مبدأ "التأثير المعادل"‪ ,‬موافقا في ذلك كولر‬
‫تحدث في قرائها أثرا يعادل األثر الذي يحدثه النص األصلي في قرائه‪ ,‬وذلك من خالل مالحظة السياق الذي يدور عليه‬
‫المعنى األصلي‪ ,‬بينما تهدف الترجمة الداللية إلى نقل البنى والدالالت المعجمية لأللفاظ من اللغة المصدر إلى اللغة الهدف وهو‬
‫ما تقوم به المعاجم على اختالف أنواعها‪ .‬و لتبسيط الفرق بين الترجمتين يقدم نيومارك مثاال بترجمة عبارة كتبت باللغة‬
‫) ‪ ( Hund Bissiger‬األلمانية‬

‫فإننا نقدم ترجمة تواصلية‪ " Beaware of dog ,‬فعندما نقول "احترس من الكلب ‪ ( Chien méchant ) ,‬أو باللغة الفرنسية‬
‫فإننا نترجم أو نعبر ‪" Savage dog‬أو بـ" كلب متوحش ‪ " bites Dog that‬بينما إذا ترجمنا العبارة نفسها &بـ " كلب يعض‬
‫دالليا‪ .‬وعلى الرغم من أن الترجمة الداللية تعطي "معلومات أفضل ولكنها أقل فعالية وتأثيرا " من الترجمة التواصلية‪,‬‬
‫فالترجمة األولى للعبارة " أسلس أسلوبا وأكثر بساطة ووضوحا ً " بالنسبة إلى القارئ أو السامع من الترجمة الداللية (ص‬
‫‪ .) 83‬وبشكل عام‪ ,‬يعتقد نيومارك أن أغلب النصوص تتطلب ترجمة تواصلية‪ ,‬ال داللية‪ ,‬فمعظم الكتابات غير "األدبية"‬
‫والصحافة والمقاالت والكتب اإلعالمية والكتب الدراسية والتقارير والكتابة العلمية والتقنية والمراسالت غير الشخصية‬
‫والدعاية السياسية والتجارية واإلعالنات العامة والكتابات المقننة والقصص الجماهيرية‪ ,‬كل هذه تشكل حسب اعتقاده مادة‬
‫نموذجية للترجمة التواصلية‪ ,‬بينما تتطلب الكتابات اإلبداعية التي تكون لغة الكاتب أو المتكلم فيها أهم من محتوى كالمه ‪-‬‬
‫سواء كانت فلسفية أو دينية أو سياسية أو علمية أو فنية أو أدبية ‪ -‬ترجمة داللية تكون قريبة ما أمكن إلى أبنية األصل المعجمية‬
‫‪.‬والنحوية( ص‪)92‬‬

‫الترجمة فن لكنها فن يقوم على العلم‪ .‬ويرى البعض أن هذا العلم هو علم اللغة أو اللسانيات‪ ,‬وأن من أوضح تطبيقات اللسانيات‬
‫الحاسوبية محاولة تطوير أداة لترجمة آلية‪ ,‬وأننا نعيش اآلن بداية ثورة ستغير العالم‪ :‬ستقربنا تكنولوجيا الترجمة اآللية بصورة‬
‫كبيرة من إيجاد نظام اتصاالت عالمي‪ ,‬مع المحافظة‪ 4‬في الوقت نفسه على ثراء التنوع اللغوي والثقافي وثرائه‪ .‬وتتمثل أداة هذا‬
‫التحول في نظام الترجمة اآللي التزامني‬

‫‪Système de Traduction Automatique Synchrone (STAS)(7).‬‬

‫تعتبر ‪. ESIT‬ومن النظريات المهمة في الترجمة النظرية التفسيرية التي تدرس في المدرسة العليا للترجمة الفورية والتحريرية‬
‫النظرية التفسيرية الترجمة حلقة من سلسلة التواصل التي تقيم عالقة بين مؤلف النص األصل من جهة وقارئ النص المترجم‬
‫تتصف الترجمة التفسيرية بثالث مراحل ترد ضمن تسلسل " ‪ Marianne Lederer:‬من جهة أخرى‪ .‬تقول ماريان لوديرير‬
‫اتفاقي تقريباً‪ ,‬وغالبا ً ما تكون متداخلة وغير متتابعة‪ ,‬ولكننا نستطيع تقديمها بشكل منفصل لتسهيل العرض‪ :‬فهم المعنى –‬
‫تعريته من ألفاظه األصلية ‪ -‬إعادة التعبير" (‪ .) 8‬إن المرحلة المتوسطة ضرورية لتجنب المنامطة (الترجمة اللغوية) والمحاكاة‬
‫في المثال ‪( liberated‬الترجمة الحرفية)‪ .‬ومن األمثلة التي تسوقها لوديرير عن منامطة الكلمات والجمل كلمة‬

‫‪Behind every liberated woman, there is another woman who has to do the dirty work for her,‬‬

‫‪ She always knows where his‬حيث يؤدي عدم تعرية المعنى من ألفاظه األصلية إلى مشكلة في التعبير‪ ,‬والجملة‬
‫‪shirts are‬‬

‫التي يؤدي فيها عدم تعرية المعنى من ألفاظه األصلية أيضا إلى الترجمة الحرفية‪ .‬وترى لوديرير أن مسألة تعرية المعنى من‬
‫ألفاظه األصلية مسألة منهجية‪ ,‬وأن الذين ال يدركون ضرورتها تصبح مهمتهم صعبة‪ " :‬إما أنهم يكتبون ترجمتهم من دون أن‬
‫تفارق أعينهم النص األصل‪ ,‬وإما أنهم اليصيغون جملتهم صياغة ذهنية قبل أن يسجلوها على الورق‪ ,‬وتكون النتيجة أكثر‬
‫رعونة إذا عبروا عن فكرة متحررة كليا من غطائها اللفظي"‪ .‬وتوضح لوديرير هذه النقطة بالجملة‬

‫) ‪( He starts screaming he didn't marry a woman who would ignore her house and children‬‬
‫التي أدت إلى عدد كبير من األخطاء‪ ,‬وكان ينبغي من أجل التعبير عنها أن يتم فهمها بعيدا عن البنية اللغوية كما في الترجمة‬
‫‪:‬التالية‬

‫‪Il pousse les hauts cris en disant que sa femme abandonne ses enfants et son foyer et qu'il ne‬‬
‫إن المترجم يفسر كلمات‪ 4‬النص األصلي من أجل فهم معناه‪ ,‬ثم يعيد صياغته لينتج نصا ثانيا‪s'est pas marié pour ça. ,‬‬
‫يكون تاثيره على القارئ الجديد هو نفس تأثير النص األول على قرائه‪ .‬فإذا كان هدف الترجمة‪ ,‬حسب النظرية اللغوية هو‬
‫القول‪ ,‬فإنه حسب‪ 4‬النظرية التفسيرية‪ ,‬معنى القول‪":‬إن المعنى‪ ,‬بسيطا كان أم معقدا‪ ,‬هو الغاية التي تسعى اللغة إلى بلوغها‪,‬‬
‫‪ .‬وهو العنصر الرئيس للعالقات بين البشر‪ ,‬وهو أيضا الهدف الذي ترمي إليه الترجمة"(‪)9‬‬

‫زد على ذلك أن النظرية اللغوية تعتبر أن النص وحدة مغلقة ذات بعد واحد‪ .‬يتألف النص من مجموعة من الكلمات‪ 4‬المتتالية‬
‫التي تعطي التراكيب التي تؤدي بدورها إلى الجمل‪ .‬فالنص عبارة عن سلسلة من الجمل‪ .‬وبالمقابل‪ ,‬يؤخذ النص في النظرية‬
‫التفسيرية بديناميكيته‪ ,‬أي باعتباره وحدة مفتوحة ذات أبعاد ثالثة‪ :‬البعد األفقي (البعد األول) الذي تمنحه إياه النظرية اللغوية‪,‬‬
‫والبعد العمودي (البعد الثاني) المتمثل في ارتباط األفكار والحجج التي يعرضها‪ ,‬والبعد العرضي (البعد الثالث) المتمثل في‬
‫عالقة النص بنصوص أخرى وفي انتمائه إلى نوع معين‪ .‬وهكذا نجد أن موقف النظرية اللغوية من النص موقف وضعي‪ ,‬فهي‬
‫تتخذه حقال لبحثها وتعتبره وحدة مغلقة بعيدة عن عين المراقب ومستقلة استقالال كليا عنه‪ ,‬بعكس النظرية التفسيرية التي‬
‫تتطلب مشاركة‪ 4‬المراقب القارئ في النص وذلك عن طريق تفسيرة لما وراء القول وتكيفه مع النص‪ ,‬إذ ال وجود للنص‬
‫المكتوب من دون تدخل هذا القارئ المراقب الذي يستطيع إظهار المعنى من خالل التفسير‪ ,‬والوجود للنص الذي سيكتبه إن لم‬
‫يأخذ بعين االعتبار القارئ الذي يتوجه إليه بدوره‪ ,‬أي في بعده التواصلي‪ .‬فالترجمة ال تتطلع إلى تحقيق المطابقة في التركيب‬
‫بين األصل وترجمته‪ ,‬وإنما "إلى تحقيق المطابقة في التأثير على القارئ‪ .‬و من أجل الحصول على هذه المطابقة "ال بد من‬
‫‪ .‬تكيف ثقافي في الترجمة يسد الفوارق في رؤية العالم بين مجموعة قراء النص األصل وجمهور الترجمة الجديد" (‪)10‬‬

‫سبق أن قلنا إن الصعوبات في الترجمة تتنوع بتنوع النصوص المترجمة‪ ,‬وإن النصوص تنقسم إلى قسمين‪ :‬النصوص األدبية‪,‬‬
‫والنصوص العلمية أو المتخصصة‪ .‬ينتج الفرق بين الترجمة األدبية والترجمة العلمية عن سببين رئيسين‪ :‬االختالف بين‬
‫النصوص األدبية والنصوص العلمية‪ ,‬واالختالف بين طبيعة عمل المترجم األدبي وغايته وطبيعة عمل المترجم العلمي‬
‫وغايته‪ .‬فغاية‪ 4‬المترجم األدبي غاية جمالية‪ .‬أما المترجم العلمي فليست غايته غاية جمالية‪ ,‬وتغلب على عمله الغاية وليس‬
‫الوسيلة‪ ,‬إذ إنه يسعى إلى نقل المعلومات‪ ,‬وإلى الموضوعية والتزام الدقة المتناهية واألمانة في التعبير عن الفكرة التي يريد‬
‫توصيلها‪ ,‬مع مراعاة ترتيب عناصر النص بالطريقة التي رتبت فيها في األصل حتى لو تنافى ذلك مع جمال األسلوب ومنطق‬
‫اللغة التي ينقل إليها‪ ,‬ويستخدم األرقام والرموز والمصطلحات والمختصرات التي تصيب الهدف بشكل مباشر‪ .‬يجب أن تكون‬
‫لغة المترجم العلمي لغة علمية من حيث المبنى والمعنى ليتمكن من النقل من لغة إلى أخرى‪ ,‬بل إن األمر يحتاج أحيانا إلى‬
‫التخصص في المادة التي ينقل منها وإليها‪ ,‬أي إلى اإلطالع والبحث والتوثيق‪ ,‬وهو ما قادتنا إليه طبيعة معظم النصوص‬
‫العلمية التي قمنا بترجمتها‪ .‬فالمترجم‪ ,‬مهما‪ 4‬بلغت درجة ثقافته‪ ,‬ال يمكن أن يكون متخصصا بجميع المواضيع‪ ,‬لذا يجب عليه‬
‫أن يبحث عن المعلومات التي تنقصه بالتوثيق في المجال الذي يعالجه النص‪ ,‬وفي لغتي األصل والهدف‪ ,‬ليكتشف كيفية‬
‫الحديث عنه‪ ,‬وليفهم‪ ,‬بمعنى آخر‪ ,‬النص األصل من جهة‪ ,‬والمصطلحات والتراكيب الالزمة إلنتاج الترجمة من جهة أخرى‪.‬‬
‫ترى سيلفيا غاميرو بيريز أن النصوص المتخصصة تتميز أساسا‪ 4‬باستعمال ما يسمى لغات التخصص‪ ,‬وتحدد خمسة مستويات‬
‫من المهارات يجب أن يتمكن منها المترجم المحترف‪ ,‬وهي معلومات حول المجال الموضوعاتي‪ ,‬و امتالك المصطلحات‪4‬‬
‫الخاصة‪ ,‬والقدرة على االستنتاج المنطقي‪ ,‬والتعرف على أنواع النص وأجناسه‪ ,‬والقدرة على اكتساب الوثائق‪ .)11( .‬ويرى‬
‫البعض أنه يمكن الحصول على الوثائق من المصادر التالية‪ :‬المختصرات‪ ,‬والموسوعات‪ ,‬ومختصرات دراسة األسلوب‬
‫وتحرير النصوص‪ ,‬والمجالت العامة‪ ,‬والمجالت المتخصصة‪ ,‬ومجالت ملخصات األبحاث‪ ,‬ومحاضر المؤتمرات‪,‬‬
‫‪ .‬وأطروحات الدكتوراه والماجستير‪ ,‬والتشاور مع المختصين‪ ,‬وأنشطة المختصين(‪)12‬‬

‫إن المترجم العلمي يواجه يوميا لغات متخصصة وكما هائال من المصطلحات‪ ,‬ويحتاج إلى إيجاد أو وضع مقابل لها في اللغة‬
‫التي يترجم إليها‪ ,‬ولهذا يتعين عليه االستعانة بالمعاجم العلمية المتخصصة من أجل التحقق من انتماء المصطلحات التي‬
‫يستخدمها إلى العلم الذي ينتمي إليه النص‪ ,‬وقد تسعفه المعاجم‪ 4‬والقواميس في ذلك وقد تخذله‪ ,‬وربما يسأل أهل العلم‬
‫واالختصاص أو يضطر إلى وضع ما يقابلها‪ .‬وإن لكل لغة علمية أو مختصة مصطلح وأسلوب خاصين بها‪ ,‬فالمترجم العلمي‬
‫العربي يواجه في كثير من األحيان نصوصا حررها مختصون يستخدمون للحديث عن مجال تخصصهم أداة مفهومية يرون‬
‫أنها ضرورية لنجاح تحليلهم‪ ,‬ويلجؤون أيضا إلى عبارة مختصة توفر للمعلومة العلمية الصرامة المطلوبة‪ .‬ترى فائزة القاسم‬
‫أن المترجم إلى اللغة العربية يتعرف خالل مرحلة كتابة النص ثغرات معجمه‪ 4‬فيلجأ إلى الخطوات التالية‪ :‬العمل على النص‬
‫الذي يحاول فيه المترجم امتالك األدوات المفهومية‪ ,‬وتحمل توقعات المتلقي األخير الذي يضيف فيه معلومات لتأمين وضوح‬
‫الرسالة‪ ,‬ويعد بالغة تقنية تنم عن نظام متكامل من اإلحاالت الثقافية ليجعل الرسالة مفهومة لدى جمهور كبير‪ ,‬ومسار المترجم‬
‫الذي يلجأ فيه إلى الصياغات الجديدة بطريقة النسخ عن األصل األجنبي‪ ,‬وإلى استخدام مصطلحات اللغة الدارجة لتسمية مفاهيم‬
‫غير معروفة وابتداع المصطلحات مع مراعاة قوانين اللغة العربية الفصحى‪ ,‬وإلى التأويل‪ /‬الشرح‪ ,‬والنحت‪ ,‬والمنهجية‬
‫المناسبة التي تتضمن معرفة‪ 4‬الموضوع‪ ,‬واالستعداد للتحليل والتركيب‪ ,‬والفهم الجيد للغة األجنبية‪ ,‬وإجادة استخدام اللغة األم‪,‬‬
‫‪.‬وإنشاء بطاقات‪ 4‬مصطلحية (‪)13‬‬

‫ومن البدهي أن سعي المترجم العلمي يحد كثيراً من حريته في التعامل مع النص‪ ,‬ويطمس كل ما يدل على شخصيته‪ .‬غير أن‬
‫التزام الدقة المتناهية شرط من شروط الترجمة العلمية‪ .‬ويكفي البرهنة على ذلك أن نذكر النتائج التي قد تترتب على الترجمة‬
‫الخاطئة لبعض الرموز أو المصطلحات العلمية أو المعادالت الكيميائية أو الرياضية أو لطريقة تركيب دواء ما أو لطريقة‬
‫‪.‬تشغيل جهاز كهربائي ما‬

‫أما المترجم األدبي فإنه يتمتع بقدر كبير من الحرية في التعامل مع النص الذي يترجمه‪ ,‬ويستطيع‪ ,‬على الرغم من مراعاته‬
‫‪ .‬الدقة واألمانة في الترجمة‪ ,‬أن يحذف شيئا هنا ويضيف شيئا هناك البل أن يركب الكالم وفقا للغة وقواعدها (‪)14‬‬

‫إن المترجم األدبي والمترجم العلمي مدعوان دائما إلى أن يكونا وفيين أمينين للنص األصلي‪ ,‬أي إلى تقديم نص مشابه ما‬
‫أمكن‪ ,‬بحيث يتوهم قارئ الترجمة أنه أمام النص األصلي ال أمام ترجمته‪ ,‬أي أمام تعبير تلقائي وواضح‪ ,‬إذ إن الترجمة‪ ,‬أو‬
‫غايتها هي إعفاء القارئ من قراءة األصل‪ ,‬وهي أيضا العلم والفن الضروريان لتجاوز التناقض الكامن بين متطلبات األمانة‬
‫ومتطلبات الصياغة المبدعة‪ ,‬بين نص النص وحرفيته من جهة وبين مغزاه وداللته وروحه من جهة ثانية‪ .‬ولذلك فإن خيانة‬
‫المترجم األدبي‪ ,‬ليست خيانة طوعية بقدر ما هي خيانة جبرية تفرضها طبيعة النص األدبي والشعري على وجه الخصوص‪,‬‬
‫وإنها قد تتكرر في كل نوع من األنواع األدبية ألنها تلتقي عند انطالقها من تجربة ذاتية مكثفة‪ ,‬وظروف معينة‪ ,‬وبيئة خاصة‪,‬‬
‫‪.‬وثقافة مميزة‬

‫و أما صعوبة ترجمة النصوص العلمية والمتخصصة فتكمن في موضوع التخصص‪ ,‬والمصطلح‪ ,‬وقواعد اللغة واألسلوب‪,‬‬
‫‪.‬فهي نصوص جافة تخلو من الجماليات والتنميق والزخرفة خشية ضياع المعنى‬

‫إن ترجمة المصطلح في غاية الصعوبة ألنها ليست محصورة فقط في ابتكاره‪ ,‬وإنما أيضا في تعدد المصطلحات للمرجع‬
‫الواحد وذلك حسب‪ 4‬نوعية النص العلمي والتقني الذي سنترجمه أوال ثم ألن هذه المصطلحات قد تكون في النص المصدر الذي‬
‫إلى العربية‪ ,‬وفي االختيار بين ‪ Ordinateur‬وردت فيه مصطلحا مترجما من لغة أخرى ثانياً‪ ,‬فكم من مرة ترددنا في ترجمة‬
‫"رتابة" و"منظملة" و "حاسب"‪ 4‬و"حاسوب" و" كومبيوتر"‪ .‬وكم من مرة شعرنا بأن الكلمات في بعض النصوص العلمية‬
‫مستهجنة ألنها هجينة بالفعل‪ ,‬ألنها ألفاظ التينية كتبت بأحرف عربية تخلو كليا من أي معنى يتصل باللغة أو بالمادة التي نترجم‬
‫منها‪ ,‬فقد باتت والدة المصطلح العلمي العربي رهينة بوجود المصطلح الغربي‪ ,‬وأمسى تداول المصطلحات العربية والخطاب‬
‫العلمي بين المختصين مرتبطا بدرجة تمكن المتلقي من المصطلحات الغربية ومفاهيمها وهذا ينم عن أمرين اثنين‪ " :‬أولهما أن‬
‫الجهاز المصطلحي العربي يكاد يكون غربيا في مفاهيمه وشبه عربي في صياغته‪ ,‬وثانيهما أن مهمة الفكر العربي ظلت‬
‫منحصرة في محاولة استيعاب المفاهيم العلمية الغربية ونقلها إلى العربية في صورة قوائم مفردات جلها معرب تعريبا صوتيا‬
‫ال أقل وال أكثر"(‪ ) 15‬وقد زادت المعاجم المتخصصة هذه المشكلة تعقيدا بسبب عدم شمولية هذا المعجم أو اختالفه مع معاجم‪4‬‬
‫أخرى في اعتماد المصطلح أو بسبب عدم شرح المصطلح وعدم اختيار المقابل المناسب‪ 4‬له أو في تبنيه بعض الحلول الغريبة‬
‫وتهجين طرائق النقل الذي ‪= aurique) ,‬ذهبيك( كالنسخ البنيوي الذي يقوم على تركيب لغوي الوجود له في اللغة العربية‬
‫يقوم على مزج طريقتين مختلفتين من أجل نقل المصطلح العلمي الواحد‪ ,‬ومن ذلك مزج النسخ الداللي والتعريب اللفظي‪ ,‬كما‬
‫)‪ autooxydation. (16‬والنسخ الداللي وتوليد كلمة جديدة ‪ ,‬كما في‪ :‬تأكسد ذاتي ‪ antichlore ,‬في‪ :‬مضاد الكلور‬

‫وهو علم أساسي في التوصل إلى ترجمة ‪ Terminologie ,‬إننا نفتقر نحن العرب إلى دراسة تقوم على علم المصطلح‬
‫‪.‬صحيحة دقيقة تنير القارئ عوضا عن تضليله أو إرباكه السيما في ما يتعلق بالنصوص العلمية والمتخصصة‬

‫و سنستعرض هنا الصعوبات والعقبات التي ينبغي على المترجم العلمي أن يذللها في أثناء القيام بترجمة النصوص الطبية‬
‫أو ‪ AIDS‬بوصفها مثال عن كل العلوم والصعوبات التي تواجه المترجم أثناء عملية الترجمة‪ .‬يمكن القول إن كلمات مثل إيدز‬
‫لم تعد مستهجنة في اللغة العربية ألننا أصبحنا ‪ Parkinson‬أو مرض باركنسون ‪ Alzheimer‬أو ألزهايمر ‪ SARS‬سارس‬
‫نستعملها بشكل دائم‪ ,‬لكن ذلك الينفي وجود كلمات ومصطلحات أخرى بعيدة كل البعد عن استعمالنا اليومي‪ .‬و إننا نصطدم في‬
‫عالمنا العربي بمشاكل "نحت المصطلح"‪ ,‬فلغة االختراع هي لغة المخترع‪ ,‬لذا ينبغي علينا أن نبحث عن مقابل في لغتنا يحمل‬
‫‪.‬معنى المصطلح في اللغة األصلية‬

‫إن الطب مثال جزء من حياتنا اليومية‪ ,‬ويستهوي الكثير من الناس‪ ,‬لذلك فإن لغته تتطلب وضوحا تاما في المقام األول ألن‬
‫الطب يعني من هم غير متخصصين في العلوم الطبية أيضا‪ .‬ولهذا نرى أن اللغة الطبية لغة اتصال فعالة‪ ,‬ومحددة‪ ,‬وتخلو من‬
‫كل التباس‪ ,‬وتلبس فيها الكلمة لباسا ً معنويا ً واحداً‪ .‬ومع ذلك‪ ,‬نقع أحيانا على كلمات أو مصطلحات أو رموز غامضة‬
‫‪.‬ومستهجنة‬

‫و ال بد أن المتابع للعلوم الطبية قد الحظ أن لغتها فرنسية كانت أو عربية تقع اليوم تحت تأثير الغزو اإلنجليزي‪ ،‬ألن هذه اللغة‬
‫أصبحت اليوم لغة االتصال العالمي‪ ,‬لذلك نرى أن بعض المصطلحات العربية مأخوذة عن اللغة اإلنجليزية كليا ً أو جزئياً‪.‬‬
‫ونعتقد أن المترجم الذي يدرك كل اإلدراك متطلبات هذه النصوص يقوم بخطوة واحدة على طريق األلف ميل‪ .‬لذا ينبغي عليه‬
‫قبل البدء بعملية الترجمة أن يقوم بالبحث والتمحيص كي يلم بكافة‪ 4‬المصطلحات‪ ,‬وأن يفرق في استعمال اللغة استنادا إلى‬
‫الجمهور فيستعمل المصطلحات‪ 4‬العامة إذا كان جمهوره من العامة والمصطلحات‪ 4‬المتخصصة إذا كان جمهوره من النخبة‬
‫‪.‬المتخصصة‬

‫ومهما كان المترجم عالما بأمور الطب إال أنه ليس طبيبا ً‪ ,‬لذا ينبغي عليه أن يقوم ببحث شامل مع كل نص طبي يترجمه‪,‬‬
‫ويعتبر خائنا للنص المصدر إن لم يقم بذلك‪ ,‬بسبب عدم معرفته بأمور الطب أو ألن تحصيله أقل في هذا المجال مما جاء في‬
‫النص المصدر‪ .‬ويعاني المترجم أيضا من تعدد معاني الكلمة الواحدة‪ ,‬وعدم توافق الكلمات المستخدمة والسياق‪ ,‬واالستعمال‬
‫الخاطئ لبعض المرادفات‪ ,‬واستعمال المختصرات الفرنسية أو اإلنجليزية من دون تفسيرها‪ ,‬واستعمال كلمات علمية لم يرد‬
‫ذكرها في المعاجم المتخصصة‪ ,‬وذلك ألن اللغة في تطور دائم وألن وتيرة اإلكتشافات أصبحت يومية‪ ,‬وهناك كلمات مستحدثة‬
‫‪.‬تولد وأخرى تموت كل يوم‬

‫زد على ذلك أن المترجم يصطدم بعقبة المعاجم التي كثيرا ما تشبه لوائح كلمات ترد فيها المعاني األجنبية مقابلة للمعاني‬
‫العربية من دون شرح أو تفسير‪ ,‬والتي ليست دائما محط تحديث وتطوير أو التي نقع فيها على ترجمة حرفية أو على نقل‬
‫‪ .‬للمصطلحات األجنبية بحروف عربية ال يمت فيها اللفظ إلى العربية بشيئ أو على بعض األخطاء العلمية واإلمالئية (‪)17‬‬

‫وقد تناول محمد المناصف قوائم المصطلحات الواردة في المعجم الموحد لمصطلحات علم الصحة وجسم اإلنسان من خالل‬
‫قواعد اختيار المصطلح العلمي التالية‪ :‬مقاييس االختيار اللغوية (تجنب االقتراض‪ ,‬ومقاييس بنيوية‪ ,‬وتجنب الكلمات‪ 4‬العامية )‪,‬‬
‫ومقاييس داللية (تفضل الكلمة الدقيقة على المبهمة‪ ,‬وتفضل من بين المترادفات أو القريبة من الترادف اللفظة التي يوحي‬
‫جذرها بالمفهوم بصفة أوضح‪ ,‬وتتجنب تعدد الدالالت)‪ ,‬ومقاييس اجتماعية‪ -‬لغوية (االستعمال‪ ,‬واحتكاك العامية بالفصحى‪,‬‬
‫‪.‬وجمالية اللفظ) (‪)81‬‬

‫‪ Gérard‬ولحل مسألة المصطلحات الطبية يمكن أيضا العودة إلى المعاجم القديمة كما جاء على لسان جيرار تروبو‬
‫أو اعتماد ‪ indigestion ,‬بينما كانت تعني في القديم ‪ Choléra‬الذي اقترح كلمة هيضة التي تعني في أيامنا هذه ‪Troupeau‬‬
‫وأخيرا وهو الحل ‪= arthrite) ,‬إلتهاب المفاصل( كلمتين كي نعني كلمة واحدة وذلك لعدم وجود جذر في هذه الكلمات أي‬
‫ويبقى أن اختيار الكلمات أو ‪= thyroxinemie.‬األخير واألكثر شيوعا استعمال الكلمة عينها في اللغتين تيروكسينيميا‬
‫المصطلحات المناسبة‪ ,‬وفك الرموز‪ ,‬وتفسير المختصرات ال تمثل كل العقبات التي يصطدم بها المترجم أثناء الترجمة‪,‬‬
‫فاليكفي أن يعرف ماذا ينبغي عليه أن يقول بل عليه أن يعرف أيضا كيف يقوله‪ ,‬فترجمة النصوص الطبية أو العلمية ممكنة‪,‬‬
‫بشرط أن تقوم على أسس كتابة النص الطبي‪ ,‬وهذا األخير ليس سوى مثل عن كل العلوم والصعوبات التي يعاني منها المترجم‬
‫أثناء عملية الترجمة‪ .‬وعلى الرغم من كل التطورات التي طرأت على ميدان الترجمة وتقنياته يبقى المترجم عنصرا ال يمكن‬
‫‪.‬االستغناء عنه فهو من يقوم بالخيار الصحيح والصياغة المطلوبة‬

‫إننا نرى في الترجمة فنا‪ ,‬و علما‪ ,‬وتطبيقا‪ .‬فالترجمة موهبة‪ ,‬وممارسة‪ ,‬وحرفة‪ ,‬وبحث ‪ .‬الترجمة فن وحرفة وهذا ما تؤكده‬
‫المقاالت والكتب العديدة التي تصدر باللغات العربية واألجنبية‪ ,‬والتي تحمل عنوان "فن الترجمة" أو "حرفة الترجمة"‪ .‬و قد‬
‫عدها بعض الكتاب فنا وحرفة في آن واحد (‪ .) 19‬الترجمة‪ ,‬على حد قول الدكتور محمد عناني‪ " ,‬فن تطبيقي"‪ ,‬أي حرفة ال‬
‫تتأتى إال بالتدريب والمران والممارسة‪ " ,‬استنادا إلى موهبة"‪ ,‬وربما كانت لها جوانب جمالية وإبداعية (‪ ,)20‬ألن اإلبداع هو‬
‫أهم عنصر في الفن‪ .‬وهذا يعني أنه ال يمكن ألستاذ في اللغة واألدب‪ ,‬أو في كليهما‪ ,‬أيا كان حظه من العلم بالفرنسية أو العربية‬
‫(بل أيا كانت معرفته بنظريات اللغة ) أن يخرج لنا نصا مقبوال مترجما عن إحدى اللغتين دون "ممارسة طويلة للترجمة"‪ .‬فال‬
‫توجد في رأينا طرق مختصرة لإلجادة في الترجمة‪ ,‬فال كتب المتخصصين التي أشرنا إلى بعضها هنا‪ ,‬وال الكتب العامة‪ ,‬وال‬
‫هذه الدراسة بمغنية عن الممارسة والخبرة‪ .‬وأقصى ما نستطيع أن نفعله ‪ -‬نحن المدرسين والمترجمين‪ -‬أن ننقل بعض علمنا‬
‫وخبراتنا إلى طالبنا‪ ,‬وأن نقدم لهم بعض الحلول التي اهتدينا إليها أو اهتدى إليها جيلنا‪ ,‬والتي سوف تمسها‪ 4‬يد التعديل مع التقدم‬
‫والتطور الحضاري‪ ,‬إذ ليس هناك حل وحيد صحيح أو ترجمة وحيدة صحيحة‪ ,‬فالنص نفسه قد يترجم عدة مرات‪ ,‬العتبارات‬
‫‪.‬متعددة منها رداءة بعض الترجمات‪ ,‬وتطور العلوم اإلنسانية واللغوية‪ ,‬والفائدة المضاعفة‬

You might also like