Professional Documents
Culture Documents
ﻛﻨﺖ أﺳﺮد ﻓﻲ اﻟﺬﻛﺮﯾﺎت أﺣﺪاث ﺣﯿﺎﺗﻲ ،ﻓﻘﺎل ﻗﻮم :ﻫﻼ ﻧﻮﻋﺖ اﻷﺳﺎﻟﯿﺐ وذﻛﺮت ﻣﺎ ﻣﺮ ﺑﻚ ﻣﻦ وﻗﺎﺋﻊ
اﻟﻨﺎس ،وﻟﻢ ﺗﻘﺼﺮ ﺣﺪﯾﺜﻚ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻚ ،ﻓﺠﺮﺑﺖ أن أﺻﻨﻊ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻮا ،ﻓﺴﺮدت ﺧﺒﺮ واﻗﻌﺘﯿﻦ ،ﻋﻨﺪي ﻣﻦ
أﻣﺜﺎﻟﻬﻤﺎ اﻟﻜﺜﯿﺮ ،ﻓﺄﻋﺠﺐ ﺑﻬﻤﺎ ﺟﻞ اﻟﻘﺎرﺋﯿﻦ ،وﻗﺎل ﻧﺎس :إﻧﻬﺎ ﻣﻤﺘﻌﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﯿﺴﺖ ذﻛﺮﯾﺎت .
ﻗﻠﺖ :وﻟِﻢَ ﻻ ﺗﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺬﻛﺮﯾﺎت ؟ وﻫﻞ اﻟﺬﻛﺮﯾﺎت إﻻ ﻣﺎ وﻗﻊ ﻟﻲ أﻧﺎ ،وﻣﺎ رأﯾﺖ وﻣﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﺑﻪ أو
ﻗﺮأﺗﻪ ،وﻟﻘﺪ ﻗﺮأت ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺴﻨﯿﻦ اﻟﺘﻲ ﻋﺸﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺺ اﻷدﺑﯿﺔ ،وﻗﺼﺺ اﻟﻤﻐﺎﻣﺮات وﻣﺎ
ﯾﺴﻤﻮﻧﻪ ) :اﻟﻘﺼﺺ اﻟﺒﻮﻟﯿﺴﯿﺔ ( ﻣﺎ ﻻ ﯾﺤﺼﯿﻪ ﻋﺪ ،وﻋﻤﻠﺖ ﻓﺘﺮة ﻣﻦ ﻋﻤﺮي – ﻧﺤﻮ ﺳﻨﺔ 1930م –
ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ ﻧﺎﻗﺪا ﻣﺴﺮﺣﯿﺎ ،أﺷﻬﺪ اﻟﺮواﯾﺔ ،أو أرى اﻟﻔﻠﻢ ﻓﻲ اﻟﺴﯿﻨﻤﺎ ،ﻓﺄﻟﺨﺼﻪ وأﻧﻘﺪه ،وﻋﻨﺪي ﺑﻘﯿﺔ
ﻣﻤﺎ ﻛﺘﺒﺖ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻣﻨﺸﻮرة ﺗﻤﻸ ﻛﺘﺎﺑﺎ ﺻﻐﯿﺮا .
وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻦ أﻋﺮض ﻓﻲ اﻟﺬﻛﺮﯾﺎت ﻟﺸﻲء ﻣﻨﻪ ﺑﻞ أﻟﺨﺺ وﻗﺎﺋﻊ أﻏﺮب ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺺ ،ﻣﺎ أﻟﻔﻬﺎ أدﯾﺐ
ﻗﺼﺼﻲ ،وﻻ ﻋﻤﻞ ﻓﯿﻬﺎ ﺧﯿﺎل رواﺋﻲ ،ﺑﻞ أﻟﻔﺘﻬﺎ اﻟﺤﯿﺎة ،ﻓﺠﺎءت ﺑﺄﺣﺪاﺛﻬﺎ وﻣﺼﺎدﻓﺎﺗﻬﺎ ،وﺑﺪاﯾﺎﺗﻬﺎ ،
وﺧﻮاﺗﯿﻤﻬﺎ ،أﺑﻠﻎ ﻣﻤﺎ أﻟﻒ اﻟﻘﺼﺎص ﻣﻦ اﻷدﺑﺎء ،ﻫﺬه اﻟﺘﻲ أﻋﺮض ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺬﻛﺮﯾﺎت ،وﻣﺎ
ﺗﺨﯿﻠﺖ أﺣﺪاﺛﻬﺎ ﺗﺨﯿﻼ ،وﻟﻜﻦ أﺧﺬت ﻣﺎ وﻗﻊ ﻓﺼﻐﺘﻪ ﺑﻘﻠﻤﻲ ﻫﺬه اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮوﻧﻬﺎ .وإﻧﻜﻢ ﻟﺘﺤﺴﺒﻮن
ﻣﻦ إﺣﻜﺎﻣﻬﺎ وﺗﺮاﺑﻂ أﺟﺰاﺋﻬﺎ ،أﻧﻬﺎ ﻣﻨﻘﻮﻟﺔ ﻋﻦ أﻫﻞ اﻟﺨﯿﺎل ﻣﻦ اﻷدﺑﺎء ،وأﻧﺎ أؤﻛﺪ ﻟﻤﻦ ﻟﻢ ﯾﺼﺪﻗﻨﻲ
ﻣﻨﻜﻢ ﺑﺄﻧﻬﺎ واﻗﻌﺔ .
ِﻛﻨﺖ ذاﻫﺒﺎ إﻟﻰ ﺑﯿﺮوت ﻣﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أرﺑﻌﯿﻦ ﺳﻨﺔ ) ﻧﺸﺮت ﻫﺬه ﻓﻲ 1986 /11 /27م ﻓﻲ ﺟﺮﯾﺪة
اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ ( ﻓﻲ ﺳﯿﺎرة ﺻﻐﯿﺮة ،ﻟﺼﺪﯾﻖ ﻟﻲ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎوزﻧﺎ ﺷﺘﻮرا وﺑﺪأﻧﺎ ﻧﺘﺴﻠﻖ اﻟﺠﺒﻞ ،ﻣﺮت
ﺑﺠﻨﺒﻨﺎ ﺳﯿﺎرة " ﺷﯿﻔﺮوﻟﯿﺖ " ﻣﻦ اﻟﻤﻘﯿﺎس اﻟﻮاﺳﻊ ،ﺟﺪﯾﺪة ﻣﺴﺮﻋﺔ ،ﻓﻤﺸﯿﻨﺎ وراءﻫﺎ ،وإذا ﻫﻲ ﺗﺴﺎﺑﻖ
اﻟﺴﯿﺎرات ،ﻛﻠﻤﺎ رأت ﺳﯿﺎرة أﺳﺮﻋﺖ ﺣﺘﻰ ﺗﺴﺒﻘﻬﺎ ،ﻓﯿﺼﯿﺢ ﻣﻦ ﻓﯿﻬﺎ وﯾﻀﺤﻜﻮن وﯾﺼﻔﻘﻮن ،ﻓﻠﻤﺎ
رأﯾﻨﺎ ذﻟﻚ ﺗﺄﺧﺮﻧﺎ ﻋﻨﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻟﺒﺜﻨﺎ ﻧﺮاﻫﺎ ،ﺣﺘﻰ إذا وﺻﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﻌﻄﻒ اﻟﻜﺒﯿﺮ ،ﺣﯿﺚ ﯾﻤﺸﻲ
اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻋﻠﻰ ﺷﻔﯿﺮ اﻟﻮادي ،ﯾﺸﺮف ﻋﻠﻰ ﺳﻬﻞ اﻟﺒﻘﺎع ،رأﯾﻨﺎﻫﺎ ﺗﺤﺎول أن ﺗﺴﺒﻖ ﺳﯿﺎرة ﺻﻬﺮﯾﺞ ﻛﺒﯿﺮة
ﻣﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻘﻞ اﻟﺒﻨﺰﯾﻦ ،ﺿﺨﻤﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﯾﺪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﯾﺪ أن ﺗﺪور ،ﻓﻠﻢ ﺗﻨﺘﻈﺮ اﻟﺴﯿﺎرة اﻟﺼﻐﯿﺮة
دوراﻧﻬﺎ ،ﺑﻞ زاﺣﻤﺘﻬﺎ وﻣﺮت ﻣﻦ ﺟﻨﺒﻬﺎ ،ﻓﻤﺎل اﻟﺼﻬﺮﯾﺞ ﻋﻠﯿﻬﺎ ،ﻓﺼﺪﻣﻬﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻧﺮﻫﺎ إﻻ وﻫﻲ ﺳﺎﻗﻄﺔ
ﻓﻲ اﻟﻮادي ،ﺗﺘﺪﺣﺮج ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻛﺮة ﻗﺬﻓﺘﻬﺎ ﻗﺪﻣﺎ ﻏﻼم ،ﻓﺪﻫﺸﻨﺎ ووﻗﻔﻨﺎ ﺳﯿﺎرﺗﻨﺎ ووﻗﻔﺖ اﻟﺴﯿﺎرات اﻟﻤﺎرة
ﻛﻠﻬﺎ ،وﻧﺰﻟﻨﺎ ﻧﺮى ﻓﻠﻢ ﻧﺼﻞ إﻟﯿﻬﺎ إﻻ ﺑﻌﺪ رﺑﻊ ﺳﺎﻋﺔ ،ﻓﻮﺟﺪﻧﺎ أﻃﻔﺎﻻ ﺛﻼﺛﺔ وﺑﻨﺘﺎ ﻓﻲ ﻧﺤﻮ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻗﺪ
أﺻﺎﺑﺘﻬﻢ ﺧﺪوش وﺟﺮوح وﻟﻜﻨﻬﻢ أﺣﯿﺎء ،ووﺟﺪﻧﺎ ﻓﺘﺎة ﺷﺎﺑﺔ إﻟﻰ ﺟﻨﺐ اﻟﺴﯿﺎرة ﻗﺪ أﺻﺎﺑﻬﺎ اﻹﻏﻤﺎء وﻟﻜﻦ
ﯾﺒﺪو أﻧﻬﺎ ﺳﻠﯿﻤﺔ ،أﻣﺎ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺮﻛﺎب ﻓﻘﺪ ﺻﺎروا ﻋﺠﯿﻨﺔ واﺣﺪة ،ﻣﻨﻈﺮ ﻣﻦ أﻓﻈﻊ اﻟﻤﻨﺎﻇﺮ اﻟﺘﻲ ﯾﻤﻜﻦ أن
ﺗﺮاﻫﺎ اﻟﻌﯿﻦ ،ﻗﺪ اﺧﺘﻠﻂ ﻓﯿﻬﺎ اﻟﻠﺤﻢ واﻟﻌﻈﻢ ،ﻣﻨﻈﺮ ﻟﻢ أر ﻣﺜﻠﻪ إﻻ ﻣﺮة أﺧﺮى ﺳﻨﺔ 1970م ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ
اﻟﺪوﻟﻲ ﻓﻲ أﻟﻤﺎﻧﯿﺎ ،ﻋﻨﺪ ) دوﺳﻠﺪورف ( – إذ ﺗﻤﺸﻲ اﻟﺴﯿﺎرات ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺮى اﻷﯾﺴﺮ ﻣﻦ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﺑﺴﺮﻋﺔ
ﺗﺰﯾﺪ داﺋﻤﺎ ﻋﻦ اﻟﻤﺎﺋﺔ واﻟﺨﻤﺴﯿﻦ ﻛﯿﻼ ،ﻓﺈذا وﻗﻔﺖ واﺣﺪة ﻣﻨﻬﺎ ﻓﺠﺄة ،ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ اﻟﺘﻲ وراءﻫﺎ أن ﺗﻘﻒ
ﻓﯿﻜﻮن ﻫﺬا اﻟﺼﺪام اﻟﻬﺎﺋﻞ – ﻓﺄﺳﻌﻔﻨﺎ اﻷوﻻد وﻟﻢ ﻧﻤﺲ ﺷﯿﺌﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻞ اﻟﻨﺠﺪة اﻟﺘﻲ ذﻫﺒﺖ إﺣﺪى
اﻟﺴﯿﺎرات ﻟﻄﻠﺒﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺮﯾﺠﺎت ﻋﻠﻰ ﻃﺮف اﻟﻮادي ،وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺣﻀﺮ اﻟﻤﺤﻘﻖ واﻟﻄﺒﯿﺐ واﻟﺸﺮﻃﺔ ،
وﺟﻌﻞ اﻟﻨﺎس ﯾﻨﺼﺮﻓﻮن ﯾﺘﺎﺑﻌﻮن ﻃﺮﯾﻘﻬﻢ ،ووﻗﻔﺖ ﻣﻊ اﻟﻤﺤﻘﻖ وﻛﻨﺖ ﯾﻮﻣﺌﺬ ﻣﻦ رﺟﺎل اﻟﻘﻀﺎء ،
ﻓﺎﺳﺘﻤﻌﺖ أول اﻟﺘﺤﻘﯿﻖ وأﻣﺴﻜﺖ ﺑﻄﺮف اﻟﺨﯿﻂ .ﻓﻠﻤﺎ رﺟﻌﺖ إﻟﻰ دﻣﺸﻖ ،ﺗﺘﺒﻌﺖ ﺑﻘﯿﺔ اﻟﻘﺼﺔ واﻃﻠﻌﺖ
ﻋﻠﻰ اﻷوراق ،وﺟﻤﻌﺖ اﻟﺨﯿﻮط ﻛﻠﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ ﻋﺮﻓﺖ اﻟﻘﺼﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ،ﻓﻘﻠﺖ :ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﷲ ،ﻣﺎ أﻋﻈﻢ
ﻋﺪاﻟﺘﻚ ﯾﺎ رب ؟ !
ووﺟﺪت ﻗﺼﺔ ﻓﯿﻬﺎ ﻋﺒﺮة ﻣﻦ أﻋﻈﻢ اﻟﻌﺒﺮ ،ﻓﻜﺘﺒﺘﻬﺎ وﺗﺮﻛﺘﻬﺎ ﺑﯿﻦ أوراﻗﻲ ،ﺣﺘﻰ ﺟﺌﺖ اﻟﯿﻮم أﻗﻠﺐ ﻫﺬه
اﻷوراق اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ﻓﻮﺟﺪﺗﻬﺎ ،ﻓﻘﻠﺖ :أﺣﺪﺛﻜﻢ ﺣﺪﯾﺜﻬﺎ .
ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻨﺘﺎ ﺟﻤﯿﻠﺔ ،وﻛﺎن أﺑﻮﻫﺎ واﺳﻊ اﻟﻨﻌﻤﺔ ،ﻣﺒﺴﻮط اﻟﯿﺪ ،ﻓﻨﺸًﺄﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻻل ،وﻋﻠﻰ أن ﺗﺘﻤﻨﻰ ﻓﺘﻨﺎل
،وأن ﺗﻄﻠﺐ ﻓﺘﻌﻄﻰ .
ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻐﺖ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮة ﺧﻄﺒﺖ ،ﻓﺎﻋﺘﻞ أﺑﻮﻫﺎ ﺑﺼﻐﺮﻫﺎ ،ﻓﻘﺎل أﺑﻮ اﻟﺨﺎﻃﺐ :أﻻ ﺗﺮﺿﻰ أن أﺟﻌﻠﻬﺎ
ﻣﻨﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﺑﻨﺘﻲ ،وأن أﺳﻜﻨﻬﺎ ﻣﻌﻲ ﻓﻲ داري ،ﻓﺘﻜﻮن أﺑﺪا ﻓﻲ ﺳﻤﻌﻲ وﺑﺼﺮي ؟
وﻋﻘﺪ اﻟﻌﻘﺪ ،ووﺻﺎﻫﺎ أﺑﻮﻫﺎ ﺣﯿﻦ زﻓﻬﺎ إﻟﻰ زوﺟﻬﺎ ،أن ﺗﻜﻮن ﻟﺤﻤﯿﻬﺎ – أي ﻟﻮاﻟﺪ زوﺟﻬﺎ – ﺑﻨﺘﺎ ﻟﯿﻜﻮن
ﻟﻬﺎ أﺑﺎ ،وأن ﺗﻤﻨﺤﻪ اﻟﺘﻮﻗﯿﺮ واﻟﻄﺎﻋﺔ ،ﻟﯿﺨﻠﺺ ﻟﻬﺎ اﻟﺮﻋﺎﯾﺔ واﻟﺤﺐ ،وأن ﺗﺠﻌﻞ ﺣﻤﺎﺗﻬﺎ ﻛﺄﻣﻬﺎ ،وأن
ﺗﺜﻖ ﺑﻬﺎ ،وﻻ ﺗﻜﺬب ﻋﻠﯿﻬﺎ وﻻ ﺗﺨﺎﻟﻒ أﻣﺮﻫﺎ .
وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﻫﺬه اﻟﻮﺻﺎة ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻃﺒﯿﻌﺘﻬﺎ ،وﻣﻦ أﺳﻠﻮب ﻧﺸﺄﺗﻬﺎ ،ﻣﺎ ﯾﺪﻓﻌﻬﺎ إﻟﻰ
اﻟﺼﺪق واﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ،وﯾﻤﻨﻌﻬﺎ ﻣﻦ اﻻﻧﺤﺮاف واﻟﻜﺬب .
اﻟﺰوج ،وﻫﻮ ﺷﺎب رﺿﻲ اﻟﺨﻠﻖ ﺻﺎدق اﻟﺤﺐ ﯾﺮﯾﺪ ﻟﻬﺎ اﻟﺨﯿﺮ واﻹﺳﻌﺎد ،وﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﯾﻤﻠﻚ ﻣﻊ أﺑﯿﻪ ﻓﻲ
اﻟﺪﻛﺎن ﻋﻄﺎء وﻻ ﻣﻨﻌﺎ ،وﻻ ﻣﻊ أﻣﻪ ﻓﻲ اﻟﺪار أﻣﺮا وﻻ ﻧﻬﯿﺎ .
وﻋﻤﺔ اﻟﺰوج ،وﻫﻲ ﻋﺠﻮز ﻋﺎﻧﺲ ﺳﻌﯿﺪة ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮﻫﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺷﻘﯿﺔ ﻓﻲ ﺣﻘﯿﻘﺘﻬﺎ ،ﻓﻬﻲ ﻟﻬﺬا ﺗﺤﺴﺪ ﻛﻞ
ﺑﻨﺖ ﻣﺘﺰوﺟﺔ ﺳﻌﯿﺪة ﻓﻲ زواﺟﻬﺎ ،وﺗﺘﻤﻨﻰ زوال ﻧﻌﻤﺘﻬﺎ ﻋﻨﻬﺎ .
وأم اﻟﺰوج ،وﻫﻲ اﻣﺮأة ﺑﺨﯿﻠﺔ ﺷﺤﯿﺤﺔ اﻟﻌﯿﻦ ،ﻣﻘﺒﻮﺿﺔ اﻟﻜﻒ ،رﺑﻬﺎ اﻟﺪﯾﻨﺎر ،ودﯾﻨﻬﺎ ﺟﻤﻊ اﻟﻤﺎل ،
ودﺳﺘﻮرﻫﺎ ادﺧﺎر اﻟﺪرﻫﻢ اﻷﺑﯿﺾ ﻟﻠﯿﻮم اﻷﺳﻮد ،ﺛﻢ إﻧﻬﺎ ﺗﻈﻦ أن اﻷرض ﻛﻔﺖ ﻋﻦ اﻟﺪوران ،وأﻧﻪ
وﻗﻒ اﻟﺰﻣﺎن ،وأن ﺳﻨﺔ 1920م ﺑﻌﺎداﺗﻬﺎ وأزﯾﺎﺋﻬﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﺠﻲء ﻓﻲ ﺳﻨﺔ 1947م – ﺳﻨﺔ وﻗﻌﺖ
ﻫﺬه اﻟﻮاﻗﻌﺔ – ﻓﺈذا ﻫﻲ ﻟﻢ ﺗﺠﺊ ﻣﻌﻬﺎ ،أﻓﺮﻏﺖ ﻏﯿﻈﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﺎت ﻫﺬا اﻟﺠﯿﻞ اﻟﺠﺪﯾﺪ ،وﺗﺮﺣﻤﺖ ﻋﻠﻰ
ﺟﯿﻠﻬﺎ وزﻣﺎﻧﻬﺎ .
واﻟﺮاﺑﻊ أﺑﻮ اﻟﺰوج ،وﻫﻮ رﺟﻞ ﺷﺪﯾﺪ اﻷﺳﺮ ،ﺳﻠﯿﻂ اﻟﻠﺴﺎن ،وﻟﻜﻨﻪ إذا ﻗﺎﺑﻞ اﻣﺮأﺗﻪ ﻛﻞّ ﻟﺴﺎﻧﻪ ،وﻻن
ﺳﺎﻋﺪه ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﻪ ﻣﻊ رأﯾﻬﺎ رأي ،وﻻ ﻣﻊ ﺳﻠﻄﺎﻧﻬﺎ ﺳﻠﻄﺎن .
وﻋﻤﻠﻮا ﺑﺪﺳﺘﻮر اﻟﻤﺮأة وادﺧﺮوا ،وﻛﺜﺮت ﻓﻲ أﯾﺪﯾﻬﻢ اﻟﺪراﻫﻢ اﻟﺒﯿﺾ ،واﻟﺪﻧﺎﻧﯿﺮ اﻟﺼﻔﺮ ،واﻷوراق
اﻟﻤﻠﻮﻧﺔ اﻟﻤﻨﻘﻮﺷﺔ ،ودﻓﺎﺗﺮ اﻟﺼﻜﻮك – اﻟﺸﯿﻜﺎت – وأﺳﻨﺎد اﻟﻌﻤﺎرات ،ﻓﺎﺣﺘﻔﻈﻮا ﺑﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ ،ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ
اﻟﯿﻮم اﻷﺳﻮد.
وﻟﻢ ﯾﺄت اﻟﯿﻮم اﻷﺳﻮد وﻟﻜﻨﻬﻢ ﺟﻌﻠﻮا أﯾﺎﻣﻬﻢ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻮﻓﻬﻢ ﺳﻮداء ،ﻛﻤﻦ ﻛﺎن ﻋﻨﺪه اﻟﻄﻌﺎم اﻟﻜﺜﯿﺮ
ﻓﺨﺎف أن ﯾﺄﻛﻞ ﻓﯿﻨﻔﺪ ﻓﯿﺠﻮع ﺑﻌﺪه ،ﻓﺠﻮّع ﻧﻔﺴﻪ اﻟﻌﻤﺮ ﻛﻠﻪ ،ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ أن ﯾﺠﻮع ﯾﻮﻣﺎ واﺣﺪا .
وﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺑﯿﺖ أﺑﯿﻬﺎ ﺗﺠﺪ اﻟﻄﻌﺎم أﻣﺎﻣﻬﺎ ،ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ إﻟﻰ أﻓﺨﺮ اﻟﺤﻠﻮى ،وﻣﻦ اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ إﻟﻰ اﻟﻨﻘﻞ
واﻟﺴﻜﺎﻛﺮ ،وﻛﺎن أﺑﻮﻫﺎ إذا وﺟﺪ ﻣﻨﻬﺎ وﻣﻦ إﺧﻮﺗﻬﺎ ﻋﺰوﻓﺎ ﻋﻦ اﻟﻄﻌﺎم ،ﺟﻌﻞ ﻟﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻷﻛﻞ ﺟُﻌْﻼ ،
أي ﻣﻜﺎﻓﺄة ﻟﯿﺮﻏﺒﻬﻢ ﻓﯿﻪ .
ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎءت ﺑﯿﺖ زوﺟﻬﺎ وﺟﺪت إﻗﻼﻻ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء ،إن ﺟﺎؤوا ﯾﻮﻣﺎ ﺑﻌﻠﺒﺔ ﺣﻠﻮى ،ﺣﻔﻈﻮﻫﺎ ﻓﻲ
اﻟﺨﺰاﻧﺔ ،وأﻗﻔﻠﻮا ﻋﻠﯿﻬﺎ ﻛﺄﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﺒﺔ ﺟﻮﻫﺮ ،وإن ﻫﻢ وﺿﻌﻮﻫﺎ ﺑﯿﻦ أﯾﺪي اﻟﻀﯿﻮف وﺿﻌﻮا ﻋﯿﻮﻧﻬﻢ
ﻋﻠﯿﻬﺎ ،وﻗﻠﻮﻫﻢ ﻣﻌﻬﺎ ،ﻻ ﯾﻤﺪون أﯾﺪﯾﻬﻢ إﻟﯿﻬﺎ ،ﻟﻌﻞ اﻟﻀﯿﻒ ﺗﻘﺼﺮ ﯾﺪه ﻋﻨﻬﺎ .
وﻛﺎﻧﺖ ﻗﻄﻊ اﻟﻠﺤﻢ ﻓﻲ ﺑﯿﺖ أﺑﯿﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺣﺒﺎت اﻟﻔﺎﺻﻮﻟﯿﺎ ﻣﺜﻼ ،ﻓﻮﺟﺪت اﻟﻠﺤﻢ ﻋﻨﺪﻫﻢ أﺧﻔﻰ ﻣﻦ ﻧﺠﻢ
اﻟﺴﻬﺎ ،ﻓﻬﻮ ﻻ ﯾﺮى إﻻ ﺑﺎﻟﻤﺠﻬﺮ اﻟﻜﻬﺮﺑﻲ ) اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ ( .
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ ﺗﻮﺿﻊ ﻓﻲ ﺑﯿﺖ أﺑﯿﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎﺋﺪة ،ﻓﻤﻦ ﺷﺎء أﻛﻞ ،ﻓﻮﺟﺪت ﻇﻬﻮر اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ ﻫﻨﺎ أﻧﺪر ﻣﻦ
ﻇﻬﻮر ﻗﺮص اﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ ﺑﻼد اﻹﻧﻜﻠﯿﺰ ،وإن ﻫﻢ ﺷﺮوﻫﺎ ؛ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﯾﺸﺘﺮون ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺮﺧﯿﺺ اﻟﻔﺎﺳﺪ اﻟﺬي ﻻ
ﯾﺆﻛﻞ .
ﻓﺘﺄﻟﻤﺖ ﻟﺬﻟﻚ وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﺗﻜﻠﻤﺖ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻗﻠﯿﻠﺔ اﻟﻄﻌﺎم ،ﺷﺒﻌﺎﻧﺔ اﻟﻌﯿﻦ ،ﻓﻠﻢ ﺗﺒﺎل .
وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺪﻟﻠﺔ ﻻ ﺗﺸﺘﻐﻞ ؛ ﻷن ﻓﻲ ﺑﯿﺖ أﺑﯿﻬﺎ ﺧﺎدﻣﺘﯿﻦ ،ﻓﻜﻠﻔﺖ ﻫﻨﺎ ﺧﺪﻣﺖ اﻷﺳﺮة ﻛﻠﻬﺎ ،ﯾﻜﻮﻣﻮن ﻟﻬﺎ
ﻛﻮﻣﺔ اﻟﺼﺤﻮن اﻟﻮﺳﺨﺔ ،وﯾﺪﺧﻠﻮن ﻟﯿﺴﻤﺮوا وﺗﺒﻘﻰ ﻫﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻄﺒﺦ ﻟﺘﻐﺴﻠﻬﺎ ،ﻻ ﯾﺴﻤﺤﻮن ﻟﻬﺎ ﻣﻦ أن
ﺗﺴﺨﻦ اﻟﻤﺎء ،ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ ﻛﻠﻔﺔ اﻟﺘﺴﺨﯿﻦ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ أﺻﺎﺑﻌﻬﺎ ﺗﺤﻤﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء اﻟﺒﺎرد ﻓﻲ اﻟﺸﺘﺎء اﻟﻘﺎﺳﻲ ،ﻓﺈذا
دﺧﻠﺖ وﺟﺪت اﻟﻤﺪﻓﺄة ﻣﻄﻔﺄة ﺗﻮﻓﯿﺮا ﻟﻠﻨﻘﻮد ،وﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ اﻟﯿﻮم اﻷﺳﻮد .
ﻓﺘﺸﻘﻘﺖ ﯾﺪاﻫﺎ ،واﺳﻮدت أﻇﺎﻓﺮﻫﺎ ،واﺟﺘﻤﻊ ﻋﻠﯿﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﻘﺺ اﻟﻐﺬاء وزﯾﺎدة اﻟﺘﻌﺐ ،وﻓﻘﺪ اﻻﻃﻤﺌﻨﺎن
واﻟﻌﻄﻒ ،ﻓﺬﻫﺒﺖ ﺻﺤﺘﻬﺎ وذاب ﺟﺴﻤﻬﺎ .
وﻛﺎن زوﺟﻬﺎ ﯾﺤﺒﻬﺎ وﯾﺒﺘﻐﻲ اﻟﺨﯿﺮ ﻟﻬﺎ ،وﻛﺎن ﻣﺴﺘﻘﯿﻢ اﻟﺴﯿﺮة ،ﻣﺘﯿﻦ اﻟﺪﯾﻦ ،ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻏﯿﺮﻫﺎ
،أو ﯾﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺳﻮاﻫﺎ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﺒﺪي ﺣﺒﻪ إﯾﺎﻫﺎ ،وﻋﻄﻔﻪ ﻋﻠﯿﻬﺎ ﻷن ﻫﺬه اﻟﻌﯿﻮن اﻟﺴﺖ
ﻛﺎﻧﺖ أﺑﺪا ﻣﻔﺘﺤﺔ ﻋﻠﯿﻪ ﻧﺎﻇﺮة إﻟﯿﻪ ،ﻣﺮاﻗﺒﺔ ﺣﺮﻛﺎﺗﻪ وﺳﻜﻨﺎﺗﻪ ،ﻻﺳﯿﻤﺎ ﻋﯿﻨﺎ ﻋﻤﺘﻪ اﻟﻌﺠﻮز اﻟﻌﺎﻧﺲ ،
اﻟﺤﺎﺳﺪة اﻟﺤﺎﻗﺪة ،اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻌﺮف ﯾﻮﻣﺎ ﺣﺐ اﻟﺰوج ،وﺳﻌﺎدة اﻟﺰواج ،ﻓﻬﻲ ﺗﺮﯾﺪ أن ﺗﻨﺘﻘﻢ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ
اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ،ﺑﺤﺮﻣﺎن ﻫﺬه اﻟﻔﺘﺎة ﻣﻦ اﻟﺤﺐ واﻟﺴﻌﺎدة ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻼزﻣﻬﺎ داﺋﻤﺎ ،ﻻ ﺗﻔﺎرﻗﻬﺎ ﻟﺤﻈﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ
ﻟﻬﺎ وﻟﺰوﺟﻬﺎ أﺷﺪ ﻣﻦ اﻟﺮﻗﯿﺐ ﻟﻠﻤﺤﺐ ،واﻟﻌﺰول ﻟﻠﻌﺎﺷﻖ ،وﻛﺎﻧﺖ أﻛﺒﺮ ﻣﻦ أﺧﯿﻬﺎ ﺳﻨﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ
ﻛﺎﻟﻤﺮﺑﯿﺔ ﻟﻠﺰوج ﻓﻲ ﺻﻐﺮه ،ﻓﺎﺗﺨﺬت ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ﺣﻖ اﻟﻨﺼﺢ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻛﺒﺮه ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻨﺨﺮ أﺑﺪا ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﻧﺨﺮ
اﻟﺴﻮس ،إن رأﺗﻪ ﻣﻨﺢ زوﺟﺘﻪ ﺑﺴﻤﺔ ،أو رﻗﻖ ﻟﻬﺎ ﻛﻠﻤﺔ ،ﻋﺎﺗﺒﺘﻪ وﻗﺎﻟﺖ :أﻧﺖ ﯾﺎ وﻟﺪي ﺻﻐﯿﺮ ﻻ
ﺗﻌﺮف اﻟﻨﺴﺎء ،إن اﻟﻤﺮأة إن رأت ﻣﻦ زوﺟﻬﺎ ﺿﻌﻔﺎ رﻛﺒﺘﻪ رﻛﻮﺑﺎ ،وﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﻄﻊ ﻟﻪ أﻣﺮا .وإن رأﺗﻪ
أﻃﺎل اﻟﺨﻠﻮة ﺑﻬﺎ ،وﺳﻮﺳﺖ ﻟﻪ وﺳﻮاس اﻟﺸﯿﻄﺎن ،ووﺿﻌﺖ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﺟﺮاﺛﯿﻢ اﻟﻜﺮه ﻟﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ﺗﻀﻊ
اﻟﺠﺮاﺛﯿﻢ ﺑﺬور اﻟﻤﺮض ﻓﻲ ﺟﺴﻢ اﻟﺼﺤﯿﺢ ،ﺣﺘﻰ ﻛﺎدت ﺗﻜﺮﻫﻪ ﺑﻬﺎ ،ﻓﺘﺒﺪﻟﺖ ﺳﯿﺮﺗﻪ ﻣﻌﻬﺎ ،ﻓﺼﺎر
ﯾﺘﺄﺧﺮ ﻋﻦ اﻟﻌﻮدة ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ،وإن ﻋﺎد ﻋﺎد ﻣﻘﻄﺒﺎ ،ﻻ ﻟﺬﻧﺐ ﻣﻨﻬﺎ ،ﺑﻞ ﻟﻤﺎ وﺳﻮﺳﺖ ﻟﻪ ﺷﯿﻄﺎﻧﺘﻪ –
أي :ﻋﻤﺘﻪ – ﻣﻦ أن إﻇﻬﺎر اﻟﺸﺪة ﻟﻠﺰوﺟﺔ ﻣﻦ ﺣﺴﻦ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ ،وﻣﻦ ﻓﻀﻞ اﻟﻌﻘﻞ .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺘﻈﺮه ﺣﺘﻰ
ﯾﺠﻲء ﻓﻼ ﯾﺸﻜﺮﻫﺎ وﻟﻜﻨﻪ ﯾﻠﻮﻣﻬﺎ وﯾﺴﺘﻘﺒﺢ ﻋﻤﻠﻬﺎ ،وإن ﻫﻮ أﻃﺎل اﻟﺴﻬﺮة ﻟﯿﻠﺔ ﻓﻐﻠﺒﻬﺎ اﻟﻨﻮم ﺟﺎءﺗﻪ
اﻟﺸﯿﻄﺎﻧﺔ – أي :اﻟﻌﻤﺔ – ﻓﻘﺎﻟﺖ :أرأﯾﺖ ﻛﯿﻒ ﺗﻬﻤﻠﻚ وﻻ ﺗﺒﺎﻟﻲ ﺑﻚ ؟ وﻻ ﺗﻨﺘﻈﺮك ﻛﻤﺎ ﺗﻨﺘﻈﺮ اﻟﺰوﺟﺎت
رﺟﺎﻟﻬﻦ ؟ ﻓﺰادت ﻧﻘﻤﺘﻪ ﻋﻠﯿﻬﺎ .
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﻨﺖ ﺗﺤﺎول أن ﺗﺸﻜﻮ إﻟﻰ أﺑﯿﻬﺎ ،أو أن ﺗﺨﺒﺮ أﻣﻬﺎ ،ﻓﻼ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﺗﻨﻔﺮد ﺑﻬﻤﺎ ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻻ
ﯾﺪﻋﻮﻧﻬﺎ ﺗﺬﻫﺐ إﻟﻰ أﻫﻠﻬﺎ وﺣﺪﻫﺎ ،ﻻ ﺗﺬﻫﺐ إﻻ وﻣﻌﻬﺎ زوﺟﻬﺎ أو ﻣﻌﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﻌﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻈﻬﺮ ﻟﻬﺎ – ﻣﻦ
ﻣﻜﺮﻫﺎ – أﻣﺎم أﻫﻠﻬﺎ أﺷﺪ اﻟﺤﺐ ،وأﻛﺜﺮ اﻟﺤﻨﻮ ،وإذا رأوﻫﺎ ﻫﺰﯾﻠﺔ وﺳﺄﻟﻮﻫﺎ ؛ ﻗﺎﻟﺖ :إﻧﻬﺎ ﻻ
ﺗﺄﻛﻞ ..ﻋﺠﺰﻧﺎ ﻋﻦ إﻗﻨﺎﻋﻬﺎ ﺑﻮﺟﻮب اﻟﻐﺬاء ،ﻓﯿﺼﺪق أﻫﻠﻬﺎ.
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﻨﺖ ﺗﻜﺘﻢ أﻟﻤﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،ﻻ ﺗﺠﺪ ﻣﻦ ﺗﺸﻜﻮ إﻟﯿﻪ ،ﻓﺘﻨﻔﺮد ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ ﺗﺒﻜﻲ وﺣﺪﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺒﻠﻞ
ﺑﺪﻣﻮﻋﻬﺎ وﺳﺎدﺗﻬﺎ ،ﺛﻢ ﺗﻨﺎم ،وﻛﺎن ﻣﻌﺠّﻞ ﻣﻬﺮﻫﺎ ﻋﺸﺮة آﻻف ﻟﯿﺮة ﺳﻮرﯾﺔ وﻣﺆﺟﻠﻪ ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ ،وﻛﺎن
ذﻟﻚ ﻣﺒﻠﻐﺎ ﺿﺨﻤﺎ ﺟﺪا ،وﻛﺎن أﺑﻮﻫﺎ ﻟﺴﻤﺎﺣﺔ ﻧﻔﺴﻪ ،وﻛﺮم ﯾﺪه ،ﻻ ﯾﻔﻜﺮ ﺑﺎﻟﻤﺎل ،ﻓﻜﺘﺐ اﻟﻤﻬﺮ ﻓﻲ ﺻﻚ
اﻟﺰواج ،وﻟﻢ ﯾﻄﺎﻟﺐ ﺑﻪ ،ﺛﻢ زاد ﻓﺠﻬﺰ ﺑﻨﺘﻪ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻪ ،ﺟﻬﺎزا ﺿﺨﻤﺎ ﯾﻠﯿﻖ ﻣﺜﻠﻪ ﺑﺒﻨﺎت اﻟﻤﻠﻮك .
وﻟﻢ ﯾﺮض أﻫﻞ اﻟﺰوج أوﻻ ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻬﺮ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻮاﻟﺪ أﺻﺮ ﻓﻜﺘﺒﻮه ﻣﺮﻏﻤﯿﻦ ،وﻫﻢ ﯾﺮﺳﻤﻮن اﻟﺨﻄﻂ
اﻟﺸﯿﻄﺎﻧﯿﺔ ﻟﻠﺨﻼص ﻣﻨﻪ ،إذ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺤﺎﺳﺒﻮن ﻋﻠﻰ ) اﻟﻔﺮﻧﻚ ( وﯾﻤﻮﺗﻮن ﻋﻠﻰ ) اﻟﻠﯿﺮة ( ،أﻓﯿﺪﻓﻌﻮن ﻫﺬا
اﻟﻤﺒﻠﻎ ﻛﻠﻪ ﻣﻬﺮا ﻟﻠﺒﻨﺖ ؟ وﺳﻠﻜﻮا إﻟﻰ إزﻋﺎﺟﻬﺎ ﻛﻞ ﻃﺮﯾﻖ ،ﻣﻦ اﻹﻋﺮاض ﻋﻨﻬﺎ وإﻫﻤﺎﻟﻬﺎ ،إن ﺗﻜﻠﻤﺖ
ﻟﻢ ﯾﺼﻐﻮا إﻟﯿﻬﺎ ،وإن ﺳﺄﻟﺖ ﻟﻢ ﯾﺠﯿﺒﻮﻫﺎ ،وإن ﻗﻌﺪت ﺗﺴﺘﺮﯾﺢ ﺷﻐﻠﻮﻫﺎ ،وﻛﻠﻔﻮﻫﺎ ﺑﺄﻋﻤﺎل اﻟﺪار ﻛﻠﻬﺎ ،
ﯾﻘﺘﺮون ﻋﻠﯿﻬﺎ ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم أو ﯾﺤﺪﺛﻮن ﻟﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﻛﻞ أﻛﻠﺔ ﻣﺎ ﯾﺰﻋﺠﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﻘﻮم ﻋﻦ اﻟﻤﺎﺋﺪة وﯾﺴﺘﻌﻤﻠﻮن
ﺟﻬﺎزﻫﺎ ﻓﻲ اﺳﺘﻘﺒﺎل ﺿﯿﻮﻓﻬﻢ ،وﯾﺘﺨﺬوﻧﻪ ﻟﻘﻌﻮدﻫﻢ ،وﯾﻌﻤﻠﻮن ﻋﻠﻰ إﻓﺴﺎده ﻋﻤﺪا .
وﻛﺎن ﻣﻘﺼﺪﻫﻢ اﻷول أن ﯾﺘﺨﻠﺼﻮا ﻣﻦ اﻟﻤﻬﺮ ،ﯾﻘﺪّرون أن إزﻋﺎﺟﻬﺎ ﯾﻀﯿﻖ ﺻﺪرﻫﺎ ،وﯾﻨﻔﺪ ﺻﺒﺮﻫﺎ
ﻓﯿﺪﻓﻌﻬﺎ إﻟﻰ ﻃﻠﺐ اﻟﻤﺨﺎﻟﻌﺔ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻤﺴﻜﯿﻨﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺪري ﻣﺎ اﻟﻤﺨﺎﻟﻌﺔ ،وﻟﻢ ﺗﺴﻤﻊ ﺑﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻘﺒﻞ
ﻣﺎ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﯿﻬﺎ ﺻﺎﺑﺮة ﻻ ﻣﻔﺰع ﻟﻬﺎ إﻻ دﻣﻌﻬﺎ .
ﺛﻢ وﺳﻮﺳﺖ إﻟﯿﻬﻢ اﻟﺸﯿﻄﺎﻧﺔ ،ﻓﺒﯿﺘﻮا أﻣﺮا ،ﻓﺒﺪﻟﻮا ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻬﺎ ﻓﺠﺄة ،وﺻﺎروا ﯾﺨﺼﻮﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺮﻋﺎﯾﺔ ،
وﯾﻠﯿﻨﻮن ﻟﻬﺎ اﻟﻘﻮل ،وﯾﻘﻮﻣﻮن ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ أﻋﻤﺎل اﻟﺪار ،وﯾﻤﺪﺣﻮﻧﻬﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻫﻲ اﻟﻤﺘﻌﻠﻤﺔ اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ اﻟﻘﺎرﺋﺔ
،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﺎدة ﯾﻄﺮق ﺑﺎﺑﻬﻢ ﻃﺎرق ،ﻷﻧﻬﻢ – ﻟﺒﺨﻠﻬﻢ – ﻻ ﯾﺰورون أﺣﺪا أﺑﺪا ،ﻟﺌﻼ ﯾﺰورﻫﻢ
ﻓﯿﻜﻠﻔﻬﻢ ﺛﻤﻦ اﻟﻀﯿﺎﻓﺔ ،ﻓﺼﺎر ﺑﺎﺑﻬﻢ ﯾﻄﺮق ﻛﻞ ﯾﻮم ،ﯾﻄﺮﻗﻪ ﻣﻮزﻋﻮ اﻟﺒﺮﯾﺪ ﺑﺮﺳﺎﺋﻞ ﻣﺴﺠﻠﺔ ،ﻓﻜﺎﻧﻮا
ﯾﺠﯿﺌﻮﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﻮﺻﻞ ﻟﺘﻤﻀﯿﻪ ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻫﻲ اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ اﻟﻘﺎرﺋﺔ وﻛﻞ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﺪار أﻣﯿﺎت ؛ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺴﺮ ﺑﺬﻟﻚ
وﺗﻔﺮح .
وﻛﺎﻧﺖ ﯾﻮﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻄﺒﺦ وﯾﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﺟﻠﻲ اﻟﺼﺤﻮن ،ﻓﺴﻤﻌﺖ ﻗﺮع اﻟﺒﺎب ،ﻓﺠﺎءت اﻟﻌﻤﺔ ﻣﺴﺮﻋﺔ ،
ﻗﺎﻟﺖ :ﺧﺬي اﷲ ﯾﺮﺿﻰ ﻋﻠﯿﻚ إﻣﺾ ﻫﻨﺎ ،ﻗﺎﻟﺖ :أﻻ ﺗﺮﯾﻦ ﯾﺪي ﻓﻲ اﻟﺼﺎﺑﻮن ،اﻧﺘﻈﺮي ﺣﺘﻰ أﻏﺴﻠﻬﺎ
وأﻗﺮأ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻮرق ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :اﻟﺮﺟﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎب ،إﻣﺾ وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺗﻘﺮﺋﯿﻦ ﻣﺎ ﻓﯿﻬﺎ ،وﻣﺎذا ﯾﻜﻮن
ﻓﯿﻬﺎ ؟ إﻧﻪ إﯾﺼﺎل ﺑﺮﯾﺪ ﻛﻐﯿﺮه ﻣﻦ اﻹﯾﺼﺎﻻت .
ﻓﻤﺴﺤﺖ ﯾﺪﻫﺎ وأﺧﺬت اﻟﻮرﻗﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺜﻨﯿﺔ ﻣﺎ ﯾﻈﻬﺮ ﻣﺎ ﻓﯿﻬﺎ ،ﻓﻮﻗﻌﺖ ﺣﯿﺚ أﺷﺎروا إﻟﯿﻬﺎ .
وﺳﺎءت ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻬﻢ إﯾﺎﻫﺎ ﻓﺠﺄة ،ﻛﻤﺎ ﺣﺴﻨﺖ ﻓﺠﺄة ،وﻋﺎدوا أﻓﻈﻊ ﻋﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻋﻠﯿﻪ ،وﺷﺎرﻛﻬﻢ زوﺟﻬﺎ
واﻧﻘﻠﺐ ﻣﻌﻬﻢ ﻋﻠﯿﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﻣﻼ ﻓﻲ ﺷﻬﺮﻫﺎ اﻷﺧﯿﺮ ،ﻓﺄرادوا أن ﯾﺘﺨﻠﺼﻮا ﻣﻦ ﺗﻜﺎﻟﯿﻒ اﻟﻮﻻدة
ﻓﻄﺮدوﻫﺎ ،ﻓﺬﻫﺒﺖ إﻟﻰ ﺑﯿﺖ أﺑﯿﻬﺎ .
وﻋﺠﺐ ﻟﻤﺎ رآﻫﺎ داﺧﻠﺔ ﻋﻠﯿﻪ ،وأﺳﺮع ﯾﻠﻮﻣﻬﺎ ،وﯾﻘﻮل ﻟﻬﺎ :ﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ ،وﻣﺘﻰ ﻛﺎن اﻟﺤﺮد ﻣﻦ
ﺷﻤﺎﺋﻠﻨﺎ ؟ وأﯾﺪﺗﻪ أﻣﻬﺎ ،ﻷﻧﻬﻤﺎ ﻟﻢ ﯾﻜﻮﻧﺎ ﯾﻌﺮﻓﺎن ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻦ ﺣﺎل أﺣﻤﺎﺋﻬﺎ ،ﻓﺎﻧﻄﻠﻘﺖ ﺗﺒﻜﻲ ﺑﻜﺎء ﻣﻮﺟﻌﺎ ،
ﯾﻘﻄﻊ اﻟﻘﻠﻮب ،وﺗﻘﺺ ﻋﻠﯿﻬﻤﺎ ﻗﺼﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل دﻣﻮﻋﻬﺎ .
وﻃﯿﺐ أﺑﻮﻫﺎ ﺧﺎﻃﺮﻫﺎ ،وأوﻻﻫﺎ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ وﻣﻦ ﻣﺎﻟﻪ ،ﻣﺎ ﺿﻤﺪ ﺟﺮاﺣﻬﺎ ،وﻓﺘﺤﺖ ﻟﻬﺎ أﻣﻬﺎ ﺻﺪرﻫﺎ ،
وﻣﺸﺖ اﻟﻮﺳﺎﺋﻂ ﺑﯿﻦ اﻟﻔﺮﯾﻘﯿﻦ ،ﻓﺈذا ﺑﯿﺖ اﻷﺣﻤﺎء ﯾﻘﻠﺒﻮن ﻟﻬﺎ ﻇﻬﺮ اﻟﻤﺠﻦ ،وﯾﺠﺎﻫﺮون ﺑﺎﻟﻌﺪاوة ،
وﯾﻜﺸﻔﻮن ﻋﻦ ﺣﻘﯿﻘﺘﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺨﻔﻮﻧﻬﺎ وراء ﺳﺘﺎر اﻟﺘﺼﻨﻊ واﻟﻨﻔﺎق ،ﻓﯿﺌﺲ أﻫﻞ اﻟﺒﻨﺖ ،وﻃﻠﺒﻮا أن
ﯾﻄﻠﻘﻬﺎ اﻟﺰوج وﯾﺆدي إﻟﯿﻬﺎ ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ ،وﯾﺮد ﻋﻠﯿﻬﺎ ﺟﻬﺎزﻫﺎ .
ﻗﺎﻟﻮا :ﻫﯿﻬﺎت ! ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ وﺻﻠﺖ إﻟﯿﻬﺎ ﻟﻘﺪ ﻗﺒﻀﺖ ﻣﻬﺮﻫﺎ ﻛﻠﻪ ،ﻣﻌﺠﻠﻪ وﻣﺆﺟﻠﻪ وﺳﻨﺪ اﻟﻘﺒﺾ ﺑﺄﯾﺪﯾﻨﺎ ،
أﻣﺎ اﻟﺠﻬﺎز ﻓﻬﻮ ﻟﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﺷﺘﺮﯾﻨﺎه .
وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺼﺔ اﻟﺠﻬﺎز أن ﺑﯿﺖ اﻷﺣﻤﺎء ﻣﻦ ﻣﻜﺮﻫﻢ ﻗﺪ ﻋﺮﺿﻮا ﻋﻠﻰ اﻷب أن ﯾﺘﻮﻟﻮا ﻫﻢ ﺷﺮاء اﻟﺠﻬﺎز
واﺧﺘﯿﺎره ،ورﺿﻲ أﺑﻮ اﻟﺒﻨﺖ ،ﻓﺎﺷﺘﺮوه وﻫﻮ اﻟﺬي دﻓﻊ اﻟﺜﻤﻦ وﻟﻜﻦ ﻛﺎﻧﺖ ورﻗﺔ اﻹﯾﺼﺎل ﺑﺄﺳﻤﺎﺋﻬﻢ
وﻛﺎﻧﺖ ﺑﺄﯾﺪﯾﻬﻢ .
وأﻣﺎ اﻟﻤﻬﺮ ﻓﺈن اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﺎؤوا ﺑﻬﺎ إﻟﯿﻬﺎ ﻟﺘﻤﻀﯿﻬﺎ ،وزﻋﻤﻮا أﻧﻬﺎ وﺻﻞ اﻟﺒﺮﯾﺪ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻨﺪا
ﺑﻮﺻﻮل اﻟﻤﺒﻠﻎ إﻟﯿﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺼﺔ رﺳﺎﺋﻞ اﻟﺒﺮﯾﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﺮد ﻛﻞ ﯾﻮم ﻗﺼﺔ ﻣﺼﻄﻨﻌﺔ اﺗﺨﺬوﻫﺎ ﺗﻤﻬﯿﺪا ﻟﻤﺎ
أرادوه وﺑﯿﺘﻮه .
وأﻗﯿﻤﺖ اﻟﺪﻋﻮى ووﻛﻞ أﺑﻮ اﻟﺒﻨﺖ ﻣﺤﺎﻣﯿﺎ ﻗﺪﯾﺮا ،ودﻓﻊ ﻟﻪ أﺟﺮا وﻓﯿﺮا ،وﺑﺬل ﻟﻪ اﻟﻤﺤﺎﻣﻲ ﺟﻬﺪه ،وﻛﺎن
اﻟﻘﺎﺿﻲ ﻣﻦ ﻗﻀﺎة اﻟﻌﺪل .وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻋﺠﺰوا ﻋﻦ اﻹﺛﺒﺎت ،ﻓﻄﻠﺒﻮا ﺗﺤﻠﯿﻒ اﻟﯿﻤﯿﻦ ﻛﺬﺑﺎ وﺑﻬﺘﺎﻧﺎ ،وﺧﺴﺮت
اﻟﺒﻨﺖ دﻋﻮاﻫﺎ ،ﺧﺮﺟﺖ ﺑﻼ زوج وﻻ ﻣﻬﺮ وﻻ ﺟﻬﺎز ،ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻣﻌﻬﺎ إﻻ اﺑﻨﺘﻬﺎ اﻟﺘﻲ وﻟﺪﺗﻬﺎ .
وﺟﺎء اﻟﻤﺤﺎﻣﻲ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺄذﻧﻮا ﻟﻪ ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ اﻟﺪﻋﻮى اﻟﺠﺰاﺋﯿﺔ ﻟﻠﯿﻤﯿﻦ اﻟﻜﺎذﺑﺔ .ﻓﻘﺎل اﻷب :ﻻ أرﯾﺪ ،ﻗﺎل
اﻟﻤﺤﺎﻣﻲ :ﻟِﻢَ ﻻ ﺗﺮﯾﺪ ؟ ﻗﺎل :أﻣﺎ رأﯾﺖ ﻛﯿﻒ ﺿﺎع ﺣﻘﻨﺎ ؟ ﻗﺎل :ﻣﺎ ﺿﺎع ﻟﺘﻘﺼﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﺪﻓﺎع ،وﻻ
ﻟﻤﯿﻞ ﻣﻦ اﻟﻘﺎﺿﻲ ﻋﻦ اﻟﺤﻖ ،ﺑﻞ ﻷن اﻟﻘﻀﺎء اﻟﺒﺸﺮي إﻧﻤﺎ ﯾﺤﻜﻢ ﺑﺎﻟﺒﯿﻨﺎت اﻟﻈﺎﻫﺮة ،وﻻ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن
ﯾﻨﻔﺬ إﻟﻰ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ؛ وﻟﺬﻟﻚ ﯾﺨﻄﺊ اﻟﻘﺎﺿﻲ ﺣﯿﻨﺎ ،وﯾﺼﯿﺐ ﺣﯿﻨﺎ ،واﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﻪ وﺳﻠﻢ وﻫﻮ
أﻋﺪل ﻗﺎض ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ ﻛﻠﻬﺎ ،ﻗﺎل " :إﻧﻜﻢ ﻟﺘﺤﺘﻜﻤﻮن إﻟﻲ ،وﻟﻌﻞ أﺣﺪﻛﻤﺎ أﻟﺤﻦ ﺑﺤﺠﺘﻪ ﻣﻦ
ﺻﺎﺣﺒﻪ – أي :أﻗﺪر ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻓﺎع – ﻓﺄﻗﻀﻲ ﻟﻪ ،ﻓﺈﻧﻤﺎ أﻗﻀﻲ ﻟﻪ ﺑﻘﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎر " .
واﻟﻘﻀﺎة ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻫﻢ إﻻ اﻷوراق واﻟﺸﻬﻮد واﻷﯾﻤﺎن ،وﻗﺪ ﺗﺰّور اﻷوراق ،وﻗﺪ ﯾﻜﺬب اﻟﺸﻬﻮد ،وﻗﺪ
ﺗﻔﺠﺮ اﻟﯿﻤﯿﻦ ،واﷲ وﺣﺪه ﻫﻮ اﻟﺬي ﯾﻌﺮف اﻟﻤﺤﻖ ﻣﻦ اﻟﻤﺒﻄﻞ داﺋﻤﺎ ،ﻗﺎل اﻷب :وﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈﻧﻲ أﻗﯿﻢ
اﻟﺪﻋﻮى ﻋﻠﯿﻪ ﻋﻨﺪ اﷲ .
وﻣﺮت اﻷﯾﺎم ،وﻛﺎﻧﺖ اﻷم ﺗﺠﺪ أﻧﺴﻬﺎ ﺑﺒﻨﺘﻬﺎ ،ﺟﻌﻠﺘﻬﺎ ﻫﻲ ﺣﻈﻬﺎ ﻣﻦ دﻧﯿﺎﻫﺎ ،وﻗﻨﻌﺖ ﺑﻬﺎ ،ووﻗﻔﺖ
ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻠﯿﻬﺎ ،وﺑﻠﻐﺖ اﻟﺒﻨﺖ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻓﺠﺎء اﻷب ﯾﻄﻠﺒﻬﺎ .
وﻛﺎن ﻗﺪ ﺗﺰوج ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ ورزق ﺑﻮﻟﺪﯾﻦ ،ﻓﺘﺠﺪدت ﻟﻸم اﻟﻤﺴﻜﯿﻨﺔ أﺣﺰاﻧﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ ،وﻋﺎدت ﻣﺄﺳﺎﺗﻬﺎ اﻟﺘﻲ
ﺣﺴﺒﺘﻬﺎ ﻗﺪ ﻃﻮاﻫﺎ اﻟﻨﺴﯿﺎن ،وأﺻﺒﺤﺖ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺄن ﻓﺮاق روﺣﻬﺎ أﻫﻮن ﻋﻠﯿﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﺮاق اﺑﻨﺘﻬﺎ .
ﻟﻘﺪ ﺟﻌﻠﺖ ﻫﺬه اﻟﺒﻨﺖ دﻧﯿﺎﻫﺎ ،ﻓﻤﺎذا ﯾﺒﻘﻰ ﻟﻬﺎ إن ﻓﻘﺪﺗﻬﺎ ؟ وﺻﺎرت ﻻ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ ﻓﺮاﻗﻬﺎ ﻟﺤﻈﺔ ،وﻛﻠﻤﺎ
رأﺗﻬﺎ ﺿﻤﺘﻬﺎ إﻟﯿﻬﺎ ،وﺑﻜﺖ اﻟﺒﻨﺖ ﺑﯿﻦ ﺳﺎﻋﺪﯾﻬﺎ وﺑﻜﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ رآﻫﻤﺎ ،وﺟﺎء ﯾﻮم اﻟﻤﺤﺎﻛﻤﺔ وﺻﺪر
اﻟﺤﻜﻢ ﺑﺘﺴﻠﯿﻢ اﻟﺒﻨﺖ إﻟﻰ أﺑﯿﻬﺎ .
أﺧﺬ اﻷب اﻟﺒﻨﺖ ،وأراد أﻫﻠﻪ ﻣﺒﺎﻟﻐﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﯿﺪ واﻻﻧﺘﻘﺎم ،أن ﯾﺨﺮﺟﻮا إﻟﻰ اﻟﻨﺰﻫﺔ ﻟﯿﻔﺮﺣﻮا ﻓﻲ ﯾﻮم ﻣﺄﺳﺎة
اﻷم ،وﯾﻀﺤﻜﻮا ﻓﻲ ﯾﻮم ﺑﻜﺎﺋﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﺳﯿﺎرة اﺷﺘﺮاﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎرﺿﺔ ﻣﻦ أﺑﯿﻪ ﻓﺄﺧﺬ أﺑﺎه وأﻣﻪ
وﻋﻤﺘﻪ وزوﺟﺘﻪ اﻟﺠﺪﯾﺪة وﺑﻨﺘﻪ اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ أﺧﺬﻫﺎ ﻣﻦ أﻣﻬﺎ وﺳﺎﻓﺮ إﻟﻰ ﻟﺒﻨﺎن .
وﻛﺎن ﺣﺪﯾﺜﻬﻢ ﻃﻮل اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻋﻦ اﻟﺰوﺟﺔ اﻷوﻟﻰ ) أم اﻟﺒﻨﺖ ( واﻟﺴﺨﺮﯾﺔ ﺑﻬﺎ ،واﻟﺒﻨﺖ اﻟﻤﺴﻜﯿﻨﺔ ﺗﺴﻤﻊ ،
ﻻ ﯾﺪرﻛﻬﻢ ﺧﻮف اﷲ ﻓﯿﻜﻔﻮا ﻋﻦ ﻏﯿﺒﺔ اﻟﻐﺎﺋﺒﺔ ،وﻇﻠﻢ اﻟﺒﺮﯾﺌﺔ ،وﻻ رﺣﻤﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﯿﺮﻋﻮا ﻋﻮاﻃﻒ ﻫﺬه
اﻟﻄﻔﻠﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﺘﺰﻋﻮﻫﺎ ﻣﻦ أﻣﻬﺎ .
وﺑﻠﻎ ﺑﻬﻢ اﻟﻜﺒﺮ واﻟﺠﺒﺮوت اﻟﻐﺎﯾﺔ ،ﻓﻜﺎن ﻣﻦ ﻓﺮﺣﻪ ﺑﻈﻔﺮه ﯾﺴﺎﺑﻖ اﻟﺴﯿﺎرات ،ﻓﻜﻠﻤﺎ رأى ﺳﯿﺎرة أﻣﺎﻣﻪ
أﺳﺮع ﺣﺘﻰ ﯾﺴﺒﻘﻬﺎ ،ﻓﺮأى ذﻟﻚ اﻟﺼﻬﺮﯾﺞ ،ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻟﻪ :ﻗﻒ ﺣﺘﻰ ﯾﻤﺮ ،ﻗﺎل :ﻻ ،إﻧﻲ أﺳﺒﻘﻪ إﻟﻰ
اﻟﻤﻨﻌﻄﻒ ،وﻗﺪ ﺻﺎرت ﻟﻲ ﺧﺒﺮة ﻟﻠﺨﻼص ﻣﻦ اﻟﻤﺂزق ،أﻣﺎ ﺗﺨﻠﺼﺖ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮأة ﻓﺄﺧﺮﺟﺘﻬﺎ ﯾﺪا ﻣﻦ
اﻟﻮراء وﯾﺪا ﻣﻦ اﻷﻣﺎم ،ﺑﻼ ﻣﺎل وﻻ ﺟﻬﺎز ،ﺛﻢ ﻧﺰﻋﺖ ﻣﻨﻬﺎ اﺑﻨﺘﻬﺎ ؟ وﻗﻬﻘﻪ ﺿﺎﺣﻜﺎ ،وﻛﺎن ﻗﺪ ﺻﺎر
ﺑﺠﻨﺐ اﻟﺼﻬﺮﯾﺞ ،ووﻗﻌﺖ اﻟﻤﺄﺳﺎة...
ﻣﺎل اﻟﺼﻬﺮﯾﺞ ﻛﻤﺎ ﻋﺮﻓﺘﻢ ﻋﻠﻰ ﺳﯿﺎرﺗﻪ ،ﻛﻤﺎ ﯾﻤﯿﻞ اﻟﻔﯿﻞ ﻋﻠﻰ ﺷﺎة ﺻﻐﯿﺮة ،ﻓﺮﻣﻰ ﺑﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻮادي ،
ﻓﺘﺤﻄﻤﺖ ،أﻣﺎ اﻟﺮﻛﺎب ،ﻓﺈن اﻟﺰوج واﻷب واﻷم واﻟﻌﻤﺔ ﻗﺪ ﺻﺎروا ﻋﺠﯿﻨﺔ واﺣﺪة اﺧﺘﻠﻂ ﻟﺤﻤﻬﺎ
ﺑﻌﻈﻤﻬﺎ ،واﻟﺰوﺟﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪة واﻷوﻻد اﻟﺬﯾﻦ ﻻ ذﻧﺐ ﻟﻬﻢ ﺧﺮﺟﻮا ﺳﺎﻟﻤﯿﻦ ،ﻣﺎ أﺻﺎﺑﻬﻢ ﻛﺒﯿﺮ أذى ﻷﻧﻬﻢ
أﺑﺮﯾﺎء ﻣﺎ اﺷﺘﺮﻛﻮا ﻓﻲ اﻟﺠﺮﯾﻤﺔ ،أﻣﺎ اﻟﺬﯾﻦ اﺷﺘﺮﻛﻮا ﻓﯿﻬﺎ ،وأﻗﺎم ﻋﻠﯿﻬﻢ أﺑﻮ اﻟﺒﻨﺖ اﻟﻤﻈﻠﻮﻣﺔ اﻟﺪﻋﻮى ﻓﻲ
ﻣﺤﻜﻤﺔ اﷲ ؛ ﻓﻜﺎن ﻫﺬا ﻣﺼﯿﺮﻫﻢ!!
وﻣﻦ ﻟﻢ ﯾﻠﻖ ﻣﺜﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ ؛ ﻓﻠﯿﻌﻠﻢ أﻧﻪ ﯾﻨﺘﻈﺮه ﻋﻨﺪ اﷲ ﻣﺎ ﻫﻮ أﺷﺪ وأﻛﺒﺮ !
اﻧﺘﻬﺖ