You are on page 1of 3

‫‪ 2‬ـ أقسام التعارض‪:‬‬

‫و هو قسمان‪ :‬تعارض حقيقي‪ ،‬و تعارض ظاهري‪.‬‬


‫أ ـ التعارض الحقيقي‪:‬‬
‫*تعريفه‪:‬و هو التضاد التام بين حجتين متساويتين داللة و ثبوتا و عددا‪ ،‬و متحدتين زمانا‬
‫و محال‪.‬‬
‫و التعارض الحقيقي ال يتم إال باجتماع أربعة أمور‪:‬ركنين و شرطين‪.‬‬
‫*أركانه‪:‬هناك ركنان للتعارض‪ ،‬و هما‪ :‬التضاد و الحجية‪.‬‬
‫الركن األول‪:‬التضاد و هو تقابل الدليلين على وجه يمنع كل واحد منهما مقتضى اآلخر بأن‬
‫يحرمه‪.‬‬
‫كان أحدهما يحل شيئا و اآلخر ّ‬
‫*و لكن هل يجب أن يصل التضاد إلى درجة ال يمكن الجمع بين الدليلين؟ مسألة اختلف‬
‫فيها األصوليون على مذهبين‪:‬‬
‫المذهب األول‪:‬ذهب جمهور األصوليين إلى ّ‬
‫أن التعارض يطلق على الدليلين المتعارضين‪،‬‬
‫سواء أمكن دفع التعارض بينهما بالجمع أو بغيره من ترجيح أو نسخ‪ ،‬و عليه فأي جمع بين‬
‫دليلين يدل على أنّهما كانا قبل ذلك متعارضين‪ ،‬إذ الجمع فرع عن التعارض‪.‬‬
‫المذهب الثاني‪ :‬و ذهب جماعة من األصوليين و منهم عبد العزيز البخاري الحنفي إلى أ ّنه‬
‫يشترط لتحقّق التعارض بين الدليلين عدم إمكان الجمع بينهما‪ ،‬فإن أمكن الجمع بينهما فهما‬
‫متوافقان غير متعارضين‪.‬‬
‫و يمكن ترجيح ما ذهب إليه جمهور األصوليين إذ ال يمكن أن يجتهد المجتهد في الجمع‬
‫ب ين الدليلين إال إذا كان بينهما تعارض‪ ،‬فمحاولة الجمع ذاتها أكبر دليل على التعارض‪.‬‬
‫و لعل منشأ االختالف ـ كما يقول الدكتور عبد المجيد السوسوة في كتابه[منهج التوفيق‬
‫و الترجيح] ـ بين من اشترط لتحقّق التعارض[عدم إمكانية الجمع] و من لم يشترط هذا الشرط‬
‫يعود إلى ا ختالفهم في المقصود بالتعارض عند اإلطالق؛ فمن يقصد بالتعارض إذا أطلق‪:‬‬
‫التعارض الحقيقي‪ ،‬اشترط لتحقّقه أن ال يمكن معه الجمع بين المتعارضين ـ و هذا شرط سليم‬
‫في التعارض الحقيقي ـ أما من قصد بالتعارض إذا أطلق‪ :‬التعارض الظاهري‪ ،‬فلم يشترط‬
‫لتحقّق التعارض عدم إمكان الجمع‪ ،‬و هذا سليم‪ّ ،‬‬
‫ألن التعارض الظاهري ينشأ في ذهن المجتهد‪،‬‬
‫و ليس له وجود في واقع األدلة‪ ،‬و يرفع بالجمع بينهما‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الركن الثاني‪:‬الحجية فيشترط في الدليلين المتعارضين أن يكونا حجتين‪ ،‬و يقصد بذلك أن‬
‫يكونا من األحاديث المقبولة و ليست المردودة‪ ،‬فلو كان أحد الحديثين المتعارضين مقبوال و‬
‫اآلخر مردودا فال تعارض لفقدان الحجية في أحد المتعارضين‪.‬‬
‫*شروطه‪ :‬هناك شرطان للتعارض و هما‪:‬التساوي بين الدليلين‪ ،‬و االتحاد في الوقت و‬
‫المحل‪.‬‬
‫الشرط األول‪:‬التساوي بين المتعارضين‪ ،‬إذ اشترط بعض األصوليين ذلك‪ ،‬و التساوي‬
‫يكون في ثالثة أمور‪:‬‬
‫األمر األول‪:‬التساوي في الثبوت‪ ،‬و ذلك بأن يكون المتعارضان قطعيين‪ ،‬أو ظنيين‬
‫كاآلحاد‪ ،‬و لهذا فال تعارض بين قطعي و ظني كالمتواتر مع اآلحاد‪.‬‬
‫األمر الثاني‪:‬التساوي في الداللة‪ ،‬و ذلك بأن يكون المتعارضان قطعيين في الداللة‬
‫كالنصين‪ ،‬أوظنيين كالظاهرين‪ ،‬و على هذا فال تعارض بين النص و الظاهر‪.‬‬
‫األمر الثالث‪:‬التساوي في العدد‪ ،‬و ذلك بأن يكون كل من المتعارضين مساويا لآلخر من‬
‫حيث العدد‪ ،‬و بناء على هذا فال تعارض عند عدم التساوي كأن يكون أحد المتعارضين حديثا‬
‫واحدا و المعارض له حديثان فأكثر‪ ،‬فير ّجح الحديثان على الواحد‪ ،‬و هذا ما ذهب إليه الشافعية‪،‬‬
‫و أ ّما الحنفية فال ترجيح عندهم بكثرة األدلة‪.‬‬
‫أن شرط التساوي مطلوب في‬ ‫و المتأ ّمل ـ كما يقول الدكتور عبد المجيد السوسوة ـ ّ‬
‫التعارض الحقيقي الذي ال يمكن معه الجمع و ال الترجيح‪ ،‬أ ّما التعارض الظاهري فال يشترط‬
‫إن التعارض الظاهري قد يكون بين حديثين غير متساويين‪ ،‬و يكون الحكم‬ ‫فيه التساوي‪ ،‬إذ ّ‬
‫محاولة الجمع بين المتواتر و اآلحاد‪ ،‬أو بين الخاص و العام‪ ،‬أو بين الحديث الواحد و األحاديث‬
‫الكثيرة‪...‬فإن تعذّر الجمع فير ّجح المتواتر على اآلحاد‪...‬‬
‫الشرط الثاني‪:‬اتحاد المتعارضين في الوقت و المحل‪.‬‬
‫*اتحاد المتعارضين في الوقت‪:‬و يقصد به االتحاد في الزمن‪ ،‬فإذا اختلف الزمن انتفى‬
‫ط َّه ْرنَ فَأْتُوه َُّن ِم ْن َحي ُ‬
‫ْث أَ َم َر ُك ُم‬ ‫التعارض‪ ،‬فحل وطء الزوجة الوارد في قوله تعالى‪ ﴿ :‬فَإِذَا تَ َ‬
‫ّللاُ﴾[البقرة‪ ،]222:‬فال يتعارض مع تحريم وطئها الوارد في قوله تعالى في اآلية نفسها‪﴿ :‬‬ ‫َّ‬
‫ط ُه ْرنَ ﴾‪ ،‬و ذلك برغم اتحاد المحل و تساوي‬ ‫يض ۖ َو َال تَ ْق َربُوه َُّن َحتَّ ٰى يَ ْ‬
‫سا َء فِي ْال َم ِح ِ‬
‫فَا ْعت َِزلُوا ال ِنّ َ‬
‫الدليلين‪ ،‬و ما ذلك إال الختالف الزمن‪.‬‬
‫و المتأ ّمل في هذا الشرط أنّه ال يصح اشتراطه إال في التعارض الحقيقي‪ ،‬ال في التعارض‬
‫ألن التعارض الحقيقي يظل مستمرا بين المتعارضين و ال يرتفع بأي مسلك‪،‬‬ ‫الظاهري‪ ،‬و ذلك ّ‬
‫أ ّما في التعارض الظاهري فإنّه يطلق على المتنافيين‪ :‬متعارضين و إن لم يتحدا زمانا‪ ،‬فمثال‬
‫‪2‬‬
‫يطلق على الناسخ و المنسوخ متعارضين باعتبار الظاهر أ ّما في الحقيقة فليس بينهما تعارض‬
‫لفقدان اتحاد الزمن بين المتعارضين‪.‬‬
‫ألن التضاد و‬ ‫*اتحاد المتعارضين في المحل‪:‬و يقصد به تقابل الدليلين في محل واحد‪ّ ،‬‬
‫التنافي ال يتحقّق بين الشيئين في محلين‪ ،‬فالنكاح مثال يوجب الحل في المنكوحة‪ ،‬و الحرمة في‬
‫ث لَّ ُك ْم فَأْتُوا َح ْرثَ ُك ْم‬
‫سا ُؤ ُك ْم َح ْر ٌ‬
‫أ ّمها و بنتها‪ ،‬و قد ورد دليل حل الزواج بالمرأة في قوله تعالى‪ ﴿ :‬ن َ‬
‫أَنَّ ٰى شئْت ُ ْم ۖ﴾[البقرة‪ ،]223:‬كما ورد دليل يتساوى معه في القوة بتحريم زواج أم الزوجة في قوله‬
‫سائ ُك ْم﴾ [النساء‪ ،]23:‬لكن ال‬ ‫علَ ْي ُك ْم أ ُ َّم َهات ُ ُك ْم﴾إلى قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وأ ُ َّمهَاتُ ن َ‬
‫تعالى‪ُ ﴿ :‬ح ّر َمتْ َ‬
‫تعارض الختالف من يقع عليها الحل م ّمن يقع عليها التحريم‪.‬‬
‫ب ـ التعارض الظاهري[الصوري‪ /‬الشكلي]‪:‬و هو المعني به في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬و‬
‫بين النصوص الشرعية‪.‬‬
‫عرفه الدكتور مصطفى زيد في كتابه[النسخ في القرآن الكريم]‪ [:‬و نعني‬ ‫*تعريفه‪:‬و قد ّ‬
‫بالتعارض الظاهري ما يبدو ألفهامنا أنّه تعارض مع أنّه ليس تعارضا في الحقيقة‪ ،‬فهذا الذي‬
‫تجوزا]‪.‬‬
‫نسميه تعارضا ّ‬
‫فهو وهم يكون في ذهن الناظر و المجتهد و ال وجود له في الواقع‪ ،‬و يزول بين األدلة‬
‫بالجمع أو النسخ أو الترجيح كما سنذكره فيما بعد‪.‬‬
‫[لالستزادة الرجوع إلى‪ :‬المناهج األصولية في مسالك الترجيح بين النصوص الشرعية‬
‫للدكتور خالد عبيدات‪ ،‬والتعارض و الترجيح عند األصوليين و أثرهما في الفقه اإلسالمي‬
‫للدكتور محمد الحفناوي‪،‬و منهج التوفيق و الترجيح بين مختلف الحديث و أثره في الفقه‬
‫اإلسالمي‪/‬الدكتور عبد المجيد السوسوة‪،‬و ضوابط الترجيح عند وقوع التعارض لدى‬
‫األصوليين لألستاذ بنيونس الولي‪].‬‬

‫‪3‬‬

You might also like