You are on page 1of 3

‫أصول المذهب المالكي‬

‫السبت ‪ 01‬فبراير ‪2014‬‬

‫نحا اإلمام مالك منحى فقهاء أهل المدينة في األصول التي بنى‬
‫عليها اجتهاده‪ ،‬واتخذت بعده أساسا لمذهبه‪ .‬واألدلة التي اعتمدها علماء المدينة في عمومها هي نفس األدلة التي اعتمدها‬
‫غيرهم من أهل السنة والجماعة؛هي الكتاب والسنة واإلجماع والقياس‪ .‬وإنما اختلفوا عن غيرهم من أهل الرأي في مدى‬
‫‪.‬اإلعتماد على الحديث‪ ،‬وشروط قبوله والعمل به‪ ،‬ثم اللجوء إلى القياس ومتى يكون حجة‬

‫‪ - 1‬األصول النقلية‬
‫‪ - 2‬األصول العقلية‬
‫‪ - 3‬النظر المقاصدي في المذهب المالكي‬

‫كان لإلمام مالك منهج في اإلستنباط الفقهي لم يدونه كما دون بعض مناهجه في الرواية‪ ،‬ولكن مع ذلك صرح بكالم قد‬
‫يستفاد منه بعض منهاجه‪ ،‬فقد ألمح إلى ذلك وهو يتحدث عن كتابه "الموطأ"‪" :‬فيه حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫وقول الصحابة والتابعين ورأيي‪ ،‬وقد تكلمت برأيي‪ ،‬وعلى االجتهاد‪ ،‬وعلى ما أدركت عليه أهل العلم ببلدنا‪ ،‬ولم أخرج من‬
‫جملتهم إلى غيره"(‪.)1‬فهذه العبارة من اإلمام تشير إلى بعض األصول التي استند إليها في اجتهاداته واستنباطاته الفقهية‬
‫وهي‪ :‬السنة‪ ،‬وقول الصحابة‪ ،‬وقول التابعين‪ ،‬والرأي واإلجتهاد‪ ،‬ثم عمل أهل المدينة‪.‬ولقد صنع فقهاء المذهب المالكي في‬
‫فقه مالك ما صنعه فقهاء المذهب الحنفي‪ ،‬فجاؤوا إلى الفروع وتتبعوها‪ ،‬واستخرجوا منها ما يصح أن يكون أصوال قام‬
‫عليها اإلستنباط في مذهب مالك‪ ،‬ودونوا تلك األصول التي استنبطوها على أنها أصول مالك‪ ،‬فيقولون مثال‪ :‬كان يأخذ‬
‫بمفهوم المخالفة‪ ،‬أو بفحوى الخطاب‪ ،‬أو بظاهر القرآن‪ .‬كما نجدهم يقولون في كل قاعدة رأي مالك فيها كذا‪ ،‬وليس ذلك ما‬
‫أخذوه من جملة الفروع‪ ..‬ومن مجموع تلك اآلراء تتكون أصول المذهب المالكي التي قامت عليها أصول المالكية‪ ،‬والتي‬
‫قام عليها التخريج من المتقدمين والمتأخرين في ذلك المذهب‪.‬ولعل أدق إحصاء ألصول المذهب المالكي هو ما ذكره‬
‫"القرافي" في كتابه "شرح تنقيح الفصول" حيث ذكر أن أصول المذهب هي القرآن والسنة واإلجماع وإجماع أهل المدينة‬
‫والقياس وقول الصحابي والمصلحة المرسلة والعرف والعادات وسد الذرائع واإلستصحاب واإلستحسان(‪)2‬‬

‫‪ - 1‬األصول النقلية‬
‫القرآن الكريم‪ :‬يلتقي اإلمام مع جميع األئمة المسلمين في كون كتاب هللا عج وجل هو أصل األصول‪ ،‬وال أحد أنجع منه إليه‪،‬‬
‫يستدل بنصه‪ ،‬وبظاهره ويعتبر السنة تبيانا له‪.‬‬

‫السنة النبوية‪ :‬أما السنة ومفهومها عند اإلمام مالك فطبيعي أن يسير في فهمها على ما سار عليه السلف وعامة المحدثين‬
‫الذين كان من أئمتهم وأقطابهم‪ ،‬غير أنه ربما عمم في السنة لتشمل ما يعرف عند علماء الحديث بالمأثور‪ .‬وهو بهذا المعنى‬
‫يعطي لعمل أهل المدينة وإجماعهم مكانة خاصة‪ ،‬ويجعل من قبيل السنة كذلك فتاوى الصحابة‪ ،‬وفتاوى كبار التابعين‬
‫اآلخذين عنهم‪ ،‬كسعيد بن المسيب‪ ،‬ومحمد بن شهاب الجهري‪ ،‬ونافع‪ ،‬ومن في طبقتهم ومرتبتهم العلمية‪ ،‬كبقية الفقهاء‬
‫السبعة‪.‬عمل أهل المدينة‪ :‬من األصول التي انفرد بها مالك واعتبرها من مصادر فقه األحكام والفتاوى‪ .‬وقسم اإلمام الباجي‬
‫عمل المدينة إلى قسمين‪ :‬قسم طريقه النقل الذي يحمل معنى التواتر كمسألة األذان‪ ،‬ومسألة الصاع‪ ،‬وترك إخراج الجكاة من‬
‫الخضروات‪ ،‬وغير ذلك من المسائل التي طريقها النقل واتصل العمل بها في المدينة على وجه ال يخفى مثله‪ ،‬ونقل نقال يحج‬
‫ويقطع العذر‪ .‬وقسم نقل من طريق اآلحاد‪ ،‬أو ما أدركوه باإلستنباط واإلجتهاد‪ ،‬وهذا ال فرق فيه بين علماء المدينة‪ ،‬وعلماء‬
‫غيرهم من أن المصير منه إلى ما عضده الدليل والترجيح‪ .‬ولذلك خالف مالك في مسائل عدة أقوال أهل المدينة(‪.)3‬‬

‫اإلجماع‪ :‬لعل مالكا أكثر األئمة األربعة ذكرا لإلجماع واحتجاجا به‪ ،‬والموطأ خير شاهد على ذلك‪ .‬أما مدلول كلمة اإلجماع‬
‫عنده فقد قال‪" :‬وما كان فيه األمر المجتمع عليه فهو ما اجتمع عليه أهل الفقه والعلم ولم يختلفوا فيه"(‪.)4‬‬

‫شرع من قبلنا‪ :‬ذهب مالك على أن شرع من قبلنا شرع لنا‪.‬‬

‫‪ - 2‬األصول العقلية‬
‫كان لإلمام مالك منهج اجتهادي متميج يختلف عن منهج الفقهاء اآلخرين‪ ،‬وهو وإن كان يمثل مدرسة الحديث في المدينة‬
‫ويقود تيارها‪ ،‬فقد كان يأخذ بالرأي ويعتمد عليه‪ ،‬وأحيانا توسع في الرأي أكثر ما توسع فيه فقهاء الرأي في العراق‪،‬‬
‫كاستعماله الرأي والقياس فيما اتضح معناه من الحدود والكفارات مما لم يقل به علماء المذهب الحنفي‪ .‬ومن األصول العقلية‬
‫المعتمدة في المذهب المالكي‪:‬‬

‫القياس‪ :‬يعتبر القياس على األحكام الواردة في الكتاب المحكم والسنة المعمول بها‪ ،‬طبقا للمنهج الذي قاس عليه علماء‬
‫التابعين من قبله‪ .‬اإلستحسان‪ :‬لقد اشتهر على ألسنة فقهاء المذهب المالكي قولهم‪" :‬ترك القياس واألخذ بما هو أرفق بالناس"‬
‫إشارة إلى أصل اإلستحسان؛ ألن اإلستحسان في المذهب المالكي كان لدفع الحرج الناشئ من اطراد القياس‪ ،‬أي أن معنى‬
‫اإلستحسان طلب األحسن لإلتباع‪.‬‬

‫المصالح المرسلة‪ :‬من أصول مذهب مالك المصالح المرسلة‪ ،‬ومن شرطها أال تعارض نصا‪ .‬فالمصالح المرسلة التي ال‬
‫تشهد لها أصول عامة وقواعد كلية منثورة ضمن الشريعة‪ ،‬بحيث تمثل هذه المصلحة الخاصة واحدة من ججئيات هذه‬
‫األصول والقواعد العامة‪.‬‬

‫سد الذرائع‪ :‬هذا أصل من األصول التي أكثر مالك اإلعتماد عليه في اجتهاده الفقهي‪ ،‬ومعناه المنع من الذرائع أي المسألة‬
‫التي ظاهرها اإلباحة ويتوصل بها إلى فعل ممنوع‪ ،‬أي أن حقيقة سد الذرائع التوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة‪ ..‬العرف‬
‫والعادة‪ :‬إن العرف أصل من أصول اإلستنباط عند مالك‪ ،‬وقد انبنت عليه أحكام كثيرة؛ ألنه في كثير من األحيان يتفق مع‬
‫المصلحة‪ ،‬والمصلحة أصل بال نجاع في المذهب المالكي‪.‬‬

‫اإلستصحاب‪ :‬كان مالك يأخذ باإلستصحاب كحجة‪ ،‬و مؤدى هذا األصل هو بقاء الحال على ما كان حتى يقوم دليل يغيره‪.‬‬

‫قاعدة مراعاة الخالف‪ :‬من بين األصول التي اختلف المالكية بشأنها "قاعدة مراعاة الخالف"‪ ،‬فمنهم من عدها من األصول‬
‫ومنهم من أنكرها‪ .‬ومعناها "إعمال دليل في الزم مدلول الذي أعمل في نقيضه دليل آخر"(‪ . )5‬ومثاله‪ :‬إعمال المجتهد دليل‬
‫خصمه القائل بعدم فسخ نكاح الشغار في الزم مدلوله الذي هو ثبوت اإلرث بين الجوجين المتجوجين بالشغار فيما إذا مات‬
‫أحدهما‪ .‬فالمدلول هو عدم الفسخ وأعمل مالك في نقيضه وهو الفسخ دليل آخر‪ .‬فمذهب مالك وجوب الفسخ وثبوت اإلرث‬
‫إذا مات أحدهما(‪. )6‬‬

‫‪ - 3‬النظر المقاصدي في المذهب المالكي‬


‫إن اإلمام مالكا عندما يطلق الرأي يعني به فقهه الذي يكون بعضه رأيا اختاره من مجموع آراء التابعين‪ ،‬وبعضه رأيا قد‬
‫قاسه على ما علم‪ ،‬ومن ثم فإن باب أصول فقه الرأي عنده هو ما عليه أهل المدينة وعلم الصحابة والتابعين‪ .‬ويمكن تلخيص‬
‫ذلك في قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد التي عليها مدار مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فهذا هو أساس الرأي عنده مهما‬
‫تعددت ضروبه واختلفت أسماؤه‪ .‬إن أخص ما امتاز فقه مالك هو رعاية المصلحة واعتبارها‪ ،‬لهذا فهي عمدة فقه الرأي‬
‫عنده اتخذها أصال لإلستنباط مستقال‪.‬‬

‫الهوامش‬
‫(‪ -)1‬ترتيب المدارك‪،‬للقاضي عياض‪ ،‬ج ‪ /2‬ص‪.72 :‬طبعة وزارة األوقاف والشؤون اإلسالميةـ‪ ،‬المغرب‪.‬‬
‫(‪ -)2‬شرح تنقيح الفصول‪ ،‬للقرافي‪ ،‬ص ‪ ،445‬حققه طه عبد الرؤوف سعد‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة األولى‪1393 :‬هـ‪1973/‬م‪.‬‬
‫(‪ -)3‬إحكام الفصول في أحكام األصول‪ ،‬أبو الوليد الباجي‪ ،‬ص ‪ .481-480‬تحقيق عبد المجيد تركي‪ ،‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األولى‪1401 :‬هـ‪1981/‬م‪.‬‬
‫(‪ -)4‬ترتيب المدارك‪ ،‬ج‪.34/2‬‬
‫(‪ -)5‬شرح حدود ابن عرفة‪ ،‬للرصاع‪ .263/1 ،‬تحقيق محمد أبو األجفان والطاهر المعموري‪ .‬دار الغرب اإلسالمي‪،‬‬
‫ط‪1993/1‬م‪.‬‬
‫(‪ - )6‬الجواهر الثمينة في بيان أدلة عالم المدينة‪ ،‬حسن مشاط‪ ،‬ص ‪ .235‬دراسة وتحقيق عبد الوهاب بن إبراهيم أبو‬
‫سليمان‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األولى‪.‬‬

‫اقرأ أيضا‪:‬‬
‫عمل أهل المدينة‬
‫اإلمام مالك بين فكرة اإلجماع وإجماع أهل المدينة‬
‫المصلحة المرسلة‬
‫االستحسان‬
‫سد الذرائع‬
‫قاعدة مراعاة الخالف‬

‫لالطالع أيضا‬

‫سد الذرائع‬

‫قاعدة اإلستحسان‬

‫اإلمام مالك بين فكرة اإلجماع وإجماع أهل المدينة‬

‫المصلحة المرسلة‬

‫خصائص المذهب المالكي‬

‫مراعاة مقاصد المكلفين‬

‫الفكر المقاصدي عند اإلمام مالك‬

‫الفكر المقاصدي عند اإلمام مالك‬

You might also like