Professional Documents
Culture Documents
نحا اإلمام مالك منحى فقهاء أهل المدينة في األصول التي بنى
عليها اجتهاده ،واتخذت بعده أساسا لمذهبه .واألدلة التي اعتمدها علماء المدينة في عمومها هي نفس األدلة التي اعتمدها
غيرهم من أهل السنة والجماعة؛هي الكتاب والسنة واإلجماع والقياس .وإنما اختلفوا عن غيرهم من أهل الرأي في مدى
.اإلعتماد على الحديث ،وشروط قبوله والعمل به ،ثم اللجوء إلى القياس ومتى يكون حجة
- 1األصول النقلية
- 2األصول العقلية
- 3النظر المقاصدي في المذهب المالكي
كان لإلمام مالك منهج في اإلستنباط الفقهي لم يدونه كما دون بعض مناهجه في الرواية ،ولكن مع ذلك صرح بكالم قد
يستفاد منه بعض منهاجه ،فقد ألمح إلى ذلك وهو يتحدث عن كتابه "الموطأ"" :فيه حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
وقول الصحابة والتابعين ورأيي ،وقد تكلمت برأيي ،وعلى االجتهاد ،وعلى ما أدركت عليه أهل العلم ببلدنا ،ولم أخرج من
جملتهم إلى غيره"(.)1فهذه العبارة من اإلمام تشير إلى بعض األصول التي استند إليها في اجتهاداته واستنباطاته الفقهية
وهي :السنة ،وقول الصحابة ،وقول التابعين ،والرأي واإلجتهاد ،ثم عمل أهل المدينة.ولقد صنع فقهاء المذهب المالكي في
فقه مالك ما صنعه فقهاء المذهب الحنفي ،فجاؤوا إلى الفروع وتتبعوها ،واستخرجوا منها ما يصح أن يكون أصوال قام
عليها اإلستنباط في مذهب مالك ،ودونوا تلك األصول التي استنبطوها على أنها أصول مالك ،فيقولون مثال :كان يأخذ
بمفهوم المخالفة ،أو بفحوى الخطاب ،أو بظاهر القرآن .كما نجدهم يقولون في كل قاعدة رأي مالك فيها كذا ،وليس ذلك ما
أخذوه من جملة الفروع ..ومن مجموع تلك اآلراء تتكون أصول المذهب المالكي التي قامت عليها أصول المالكية ،والتي
قام عليها التخريج من المتقدمين والمتأخرين في ذلك المذهب.ولعل أدق إحصاء ألصول المذهب المالكي هو ما ذكره
"القرافي" في كتابه "شرح تنقيح الفصول" حيث ذكر أن أصول المذهب هي القرآن والسنة واإلجماع وإجماع أهل المدينة
والقياس وقول الصحابي والمصلحة المرسلة والعرف والعادات وسد الذرائع واإلستصحاب واإلستحسان()2
- 1األصول النقلية
القرآن الكريم :يلتقي اإلمام مع جميع األئمة المسلمين في كون كتاب هللا عج وجل هو أصل األصول ،وال أحد أنجع منه إليه،
يستدل بنصه ،وبظاهره ويعتبر السنة تبيانا له.
السنة النبوية :أما السنة ومفهومها عند اإلمام مالك فطبيعي أن يسير في فهمها على ما سار عليه السلف وعامة المحدثين
الذين كان من أئمتهم وأقطابهم ،غير أنه ربما عمم في السنة لتشمل ما يعرف عند علماء الحديث بالمأثور .وهو بهذا المعنى
يعطي لعمل أهل المدينة وإجماعهم مكانة خاصة ،ويجعل من قبيل السنة كذلك فتاوى الصحابة ،وفتاوى كبار التابعين
اآلخذين عنهم ،كسعيد بن المسيب ،ومحمد بن شهاب الجهري ،ونافع ،ومن في طبقتهم ومرتبتهم العلمية ،كبقية الفقهاء
السبعة.عمل أهل المدينة :من األصول التي انفرد بها مالك واعتبرها من مصادر فقه األحكام والفتاوى .وقسم اإلمام الباجي
عمل المدينة إلى قسمين :قسم طريقه النقل الذي يحمل معنى التواتر كمسألة األذان ،ومسألة الصاع ،وترك إخراج الجكاة من
الخضروات ،وغير ذلك من المسائل التي طريقها النقل واتصل العمل بها في المدينة على وجه ال يخفى مثله ،ونقل نقال يحج
ويقطع العذر .وقسم نقل من طريق اآلحاد ،أو ما أدركوه باإلستنباط واإلجتهاد ،وهذا ال فرق فيه بين علماء المدينة ،وعلماء
غيرهم من أن المصير منه إلى ما عضده الدليل والترجيح .ولذلك خالف مالك في مسائل عدة أقوال أهل المدينة(.)3
اإلجماع :لعل مالكا أكثر األئمة األربعة ذكرا لإلجماع واحتجاجا به ،والموطأ خير شاهد على ذلك .أما مدلول كلمة اإلجماع
عنده فقد قال" :وما كان فيه األمر المجتمع عليه فهو ما اجتمع عليه أهل الفقه والعلم ولم يختلفوا فيه"(.)4
- 2األصول العقلية
كان لإلمام مالك منهج اجتهادي متميج يختلف عن منهج الفقهاء اآلخرين ،وهو وإن كان يمثل مدرسة الحديث في المدينة
ويقود تيارها ،فقد كان يأخذ بالرأي ويعتمد عليه ،وأحيانا توسع في الرأي أكثر ما توسع فيه فقهاء الرأي في العراق،
كاستعماله الرأي والقياس فيما اتضح معناه من الحدود والكفارات مما لم يقل به علماء المذهب الحنفي .ومن األصول العقلية
المعتمدة في المذهب المالكي:
القياس :يعتبر القياس على األحكام الواردة في الكتاب المحكم والسنة المعمول بها ،طبقا للمنهج الذي قاس عليه علماء
التابعين من قبله .اإلستحسان :لقد اشتهر على ألسنة فقهاء المذهب المالكي قولهم" :ترك القياس واألخذ بما هو أرفق بالناس"
إشارة إلى أصل اإلستحسان؛ ألن اإلستحسان في المذهب المالكي كان لدفع الحرج الناشئ من اطراد القياس ،أي أن معنى
اإلستحسان طلب األحسن لإلتباع.
المصالح المرسلة :من أصول مذهب مالك المصالح المرسلة ،ومن شرطها أال تعارض نصا .فالمصالح المرسلة التي ال
تشهد لها أصول عامة وقواعد كلية منثورة ضمن الشريعة ،بحيث تمثل هذه المصلحة الخاصة واحدة من ججئيات هذه
األصول والقواعد العامة.
سد الذرائع :هذا أصل من األصول التي أكثر مالك اإلعتماد عليه في اجتهاده الفقهي ،ومعناه المنع من الذرائع أي المسألة
التي ظاهرها اإلباحة ويتوصل بها إلى فعل ممنوع ،أي أن حقيقة سد الذرائع التوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة ..العرف
والعادة :إن العرف أصل من أصول اإلستنباط عند مالك ،وقد انبنت عليه أحكام كثيرة؛ ألنه في كثير من األحيان يتفق مع
المصلحة ،والمصلحة أصل بال نجاع في المذهب المالكي.
اإلستصحاب :كان مالك يأخذ باإلستصحاب كحجة ،و مؤدى هذا األصل هو بقاء الحال على ما كان حتى يقوم دليل يغيره.
قاعدة مراعاة الخالف :من بين األصول التي اختلف المالكية بشأنها "قاعدة مراعاة الخالف" ،فمنهم من عدها من األصول
ومنهم من أنكرها .ومعناها "إعمال دليل في الزم مدلول الذي أعمل في نقيضه دليل آخر"( . )5ومثاله :إعمال المجتهد دليل
خصمه القائل بعدم فسخ نكاح الشغار في الزم مدلوله الذي هو ثبوت اإلرث بين الجوجين المتجوجين بالشغار فيما إذا مات
أحدهما .فالمدلول هو عدم الفسخ وأعمل مالك في نقيضه وهو الفسخ دليل آخر .فمذهب مالك وجوب الفسخ وثبوت اإلرث
إذا مات أحدهما(. )6
الهوامش
( -)1ترتيب المدارك،للقاضي عياض ،ج /2ص.72 :طبعة وزارة األوقاف والشؤون اإلسالميةـ ،المغرب.
( -)2شرح تنقيح الفصول ،للقرافي ،ص ،445حققه طه عبد الرؤوف سعد ،دار الفكر ،الطبعة األولى1393 :هـ1973/م.
( -)3إحكام الفصول في أحكام األصول ،أبو الوليد الباجي ،ص .481-480تحقيق عبد المجيد تركي ،دار الغرب
اإلسالمي ،الطبعة األولى1401 :هـ1981/م.
( -)4ترتيب المدارك ،ج.34/2
( -)5شرح حدود ابن عرفة ،للرصاع .263/1 ،تحقيق محمد أبو األجفان والطاهر المعموري .دار الغرب اإلسالمي،
ط1993/1م.
( - )6الجواهر الثمينة في بيان أدلة عالم المدينة ،حسن مشاط ،ص .235دراسة وتحقيق عبد الوهاب بن إبراهيم أبو
سليمان ،دار الغرب اإلسالمي ،الطبعة األولى.
اقرأ أيضا:
عمل أهل المدينة
اإلمام مالك بين فكرة اإلجماع وإجماع أهل المدينة
المصلحة المرسلة
االستحسان
سد الذرائع
قاعدة مراعاة الخالف
لالطالع أيضا
سد الذرائع
قاعدة اإلستحسان
المصلحة المرسلة