روائع الطب الاسلامي2

‫‪www.55a.
net‬‬ ‫موقع موسوعة اإلعجاز العلمي في القرآن والسنة‬
‫روائع الطب اإلسالمي‬

‫الجزء الثاني‬
‫[العبادات في اإلسالم وأثرها في صحة الفرد والمجتمع]‬
‫تأليف‬
‫العالمة الدكتور الطبيب‬
‫محمـد نزار الـدقر‬

‫اختصاصي باألمراض الجلدية والتناسلية والعالج التجميلي‬
‫دكتور " فلسفة " في العلوم الطبية كاتب متخصص في الطب اإلسالمي‬
‫أخوتي الشباب ساهموا معنا في ترجمة الكتاب إلى اللغات العالمية‬
‫جميع الحقوق محفوظة للمؤلف‬

‫الكتاب فقط للقراءة يمنع نسخ الكتاب أو االقتباس ألغراض تجارية كما يمنع نشر الكتاب على موقع آخر‬
‫يسمح فقط بنسخ الكتاب على ورق وتداوله لغرض العلم والتعليم‬
‫بين يدي الكتاب‬

‫الحمد هلل الذي هدانا إلتباع هذا الدين القويم‪،‬والصالة والسالم على خاتم األنبياء والمرسلين محمد ‪،‬الذي‬
‫بلغنا هذه الشريعة الغراء التي لم تترك أمراً صغيراً كان أم كبيراً في حياة البشر إال ونظمته بما يليق بعظمة‬
‫الخالق سبحانه‪،‬المنزل لهذه الشريعة التي تصلح لكل زمان ومكان‪،‬وبما فيه من السعادة لكل من اتبعه في دنياه‬
‫ولنصل به إلى بر األمان في أخراه‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪www.55a.net‬‬ ‫موقع موسوعة اإلعجاز العلمي في القرآن والسنة‬
‫لقد خلق اهلل سبحانه وتعالى اإلنسان على هذه األرض ومن ثم جعله خليفته فيها وسخر له كل ما‬
‫فيها‪.‬وخالفة اإلنسان في األرض‪،‬إنما تتحقق بحسن عمارتها وإ صالحها وحمايتها‪.‬ومن أجل ذلك منح اهلل سبحانه‬
‫وتعالى اإلنسان من المؤهالت من عقل وجسد قوي ما يمكنه من أداء هذه المهمة‪،‬وأنزل الشريعة تلو الشريعة‬
‫حتى يتمكن اإلنسان من حفظ هذه الضرورات لتستقيم خالفته وفق المعطيات التي وضعها الخالق المصور لهذا‬
‫الكون‪.‬‬
‫وهكذا فإن حفظ النفس وسالمتها وصحة الجسد ملحظ هام أعتبره الفقهاء أحد مقاصد الشريعة الغراء‬
‫والتي نزلت من أجلها‪.‬ومن خالل البحث المنصف نجد أن تشريعات اإلسالم كلها تولي هذا المقصد "حفظ البدن‬
‫وصحته" مكانة خاصة‪،‬ال بل نجده ركناً أساسياً في معظم هذه التشريعات‪.‬ومن هنا نفهم كيف جعل النبي ‪ ‬نعمة‬
‫الصحة والعافية تلي نعمة اإليمان في األهمية‪،‬وذلك فيما رواه الصديق ‪‬عن النبي ‪ ‬قوله‪":‬سلوا اهلل اليقين‬
‫والمعافاة فما أوتي أحد بعد اليقين خيراً من العافية"‪.‬‬
‫وتتطابق نظرة اإلسالم للصحة مع المفهوم الحديث لها‪.‬فالصحة في مفهوم الطب الحديث ليست مجرد‬
‫الخلو من العاهات أو األمراض‪،‬بل أن يتمتع الفرد برصيد من القوة في وظائف أعضائه تجعله يتحمل ما قد‬
‫ّ‬
‫يتعرض له من مسببات كثير من األمراض وهذا تطابق معجز حقاً مع ما قال به نبي الرحمة ‪":‬المؤمن القوي‬
‫خير وأحب إلى اهلل من المؤمن الضعيف"‪.‬‬
‫واإلسالم يهتم بصحة الفرد قبل أن يتخلق إذ يطلب انتفاء الشريك (الزوج أو الزوجة) الصالح إلنتاج‬
‫ذرية سليمة‪،‬مصداق ذلك ما يرويه ابن عباس ‪‬عن النبي ‪ ‬قوله‪":‬تخيروا لنطفكم" ثم إنه حث على الرضاعة‬
‫الطبيعية وإ طالتها قدر اإلمكان ليحصل الوليد على عناصر المناعة الالزمة والتي ال تعطيها الرضاعة الصناعية‬
‫أس هذه التربية‬
‫"والوالدات يرضعن أوالدهن حولين كاملين"‪ .‬ودعا إلى تنشئة بدنية قوية وفيه إلى رياضات هي ُّ‬
‫مثل السباحة والرماية وركوب الخيل‪ .‬وحتى ساعات اللهو عند المسلم موجهة لخيره وتنمية لقوته‪ .‬يقول ‪": ‬كل‬
‫ما يلهو به المسلم باطل إال رميه بقوس وتأديبه فرسه ومالعبته امرأته فإنهن من الحق" والطب اإلسالمي إن قرر‬
‫بعض األمور العالجية كنوع من التوجيه لألمة ألمور تنفعها بوحي من السماء‪،‬كما في قوله تعالى عن العسل‬
‫"فيه شفاء للناس" وقول النبي ‪": ‬عليكم بهذه الحبة السوداء فإن فيها شفاء من كل داء"‪.‬فهو –أي الطب اإلسالمي‪-‬‬
‫طب وقائي يعمل على حماية صحة الفرد ويحافظ على صحة المجتمع كله‪.‬قال تعالى ‪":‬وال تلقوا بأيديكم إلى‬
‫التهلكة"‪.‬‬
‫أقر الحجر الصحي عند حدوث األوبئة كالطاعون والكوليرا ووضع له‬
‫وهو أول نظام صحي عالمي َّ‬
‫قواعد راسخة أقرها الطب الحديث‪.‬فقد روى الشيخان عن النبي ‪ ‬قوله‪":‬إن هذا الطاعون رجز وبقية عذاب عذب‬
‫به من قبلكم فإذا وقع بأرض وأنتم بها فال تخرجوا منها فراراً منه وإ ذا سمعتم به في أرض فال تدخلوا‬
‫عليه"‪.‬والذي يعرف أهمية الحجر الصحي في حياة األمم يعرف عظمة ما جاء به النظام الصحي اإلسالمي منذ‬
‫قرون‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫واإلسالم دعا إلى النظافة إذ هي قمة الحضارة وجعل الطهارة شرط لصحة أهم عباداته من صالة‬
‫وطواف فقال النبي ‪": ‬الطهور شطر اإليمان"‪ .‬واهتم بنظافة الفم الذي هو عضو التواصل‪،‬كما هو مدخل معظم‬
‫الجراثيم إلى البدن وربط بوضوح بين نظافة الفم ورضا الرحمن فقال ‪": ‬السواك مطهرة الفم مرضاة للرب"‪.‬‬
‫وآداب الطعام مفخرة من مفاخر الهدي النبوي العظيم‪ ،‬حرص من خاللها على أن يتناول المسلم طعاماً‬
‫نظيفاً خالياً من أي تلوث‪.‬فأمر باألكل باليد اليمنى‪،‬وأمر بتغسيل اليدين قبل الطعام وبعده‪،‬وأمر بعدم اإلسراف في‬
‫الطعام وعدم إدخال الطعام على الطعام‪،‬وجعل سبحانه من أهم أهداف البعثة المحمدية أن يحل ألمته الطيب النافع‬
‫وتحريم الخبيث الضار‪.‬قال تعالى معدداً أهداف بعثة محمد ‪": ‬ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث"‪.‬‬
‫هذا وإ ن تحريم الخمر والتدخين والمخدرات يمكن اعتباره أهم منجزات شريعتنا الغراء في مجال الطب‬
‫الوقائي‪،‬إذ أن إلتزام المجتمع المسلم باجتناب هذه الخبائث يقيه من الوقوع في براثن العديد من األمراض المهلكة‬
‫وحماية األجنة من التشوهات ووقاية األفراد من الحوادث‪.‬‬
‫ومن أجل بناء أسرة متينة وحمايتها صحياً واجتماعياً حرم اإلسالم الزنا واللواط وغيرها من الفواحش‬
‫التي هي المصدر الرئيسي النتشار األمراض الزهرية وعلى رأسها‪،‬اإليدز (غول القرن العشرين)‪،‬والتي أنبأنا‬
‫عنا رسول اهلل ‪ ‬محذراً من غوائلها حيث قال ‪":‬وما ظهرت الفاحشة في قوم قط يعمل بها فيهم عالنية إال ظهر‬
‫فيهم الطاعون واألوجاع التي لم تكن في أسالفهم"‪.‬‬
‫ومن أجل صحة المجتمع وحماية البيئة‪،‬ونظراً لكون البراز أكبر مصدر لتلوثها الجرثومي فقد جاء‬
‫حديث رسول اهلل ‪ ‬يأمر المسلمين بااللتزام بأهم إجراء وقائي لحفظ صحة المجتمع المسلم ومنع سراية األمراض‬
‫فيه وهو قوله ‪": ‬اتقوا المالعن الثالث‪:‬البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل"‪.‬‬
‫ووضع اإلسالم القواعد األساسية للوقاية من الحوادث والتي كثيراً ما تؤدي إلى إزهاق األرواح‪،‬ضمن‬
‫أوامر محددة وواضحة من أجل سالمة الفرد في المجتمع المسلم فقد "نهى رسول اهلل ‪ ‬عن النوم على سطح غير‬
‫محجور عليه"‪.‬كما نهى األعرابي الذي جاء يسأله أن يترك ناقته هكذا دون عقال توكالً على اهلل فقال ‪": ‬اعقلها‬
‫وتوكل"‪ .‬ونهى رسول اهلل أن يترك أحد النار مشتعلة وينام عنها قائالً ‪":‬ال تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون"‬
‫متفق عليه‪.‬‬
‫وبعد هذا فقد نظم اإلسالم مهنة الطب ووضع قواعد الممارسة الطبية التي يجب أن يلتزم بها كل من‬
‫الطبيب ومريضه‪،‬كل هذا من أجل صالح البدن وسالمة الفرد‪.‬وهكذا فقد اعتبر الشارع مهنة الطب من فروض‬
‫الكفاية التي إن لم يقم بها أحد من أهل بلد مسلم أثم أهل البلد كلهم‪.‬وخلص هذه المهنة المقدسة مما خالطها من‬
‫داء إال وضع له دواء إال الهرم"‪.‬‬
‫السحر والخرافة والكهانة فقد قال ‪": ‬تداووا عباد اهلل فإن اهلل لم يضع ً‬
‫ومنع اإلسالم غير األطباء من ممارسة أي عمل طبي محمالً إياهم أي نتائج تصدر عنهم وهذا مصداق‬
‫قول النبي ‪": ‬من تطبب ولم يكن معروفاً بالطب فأصاب نفساً فما دونها فهو ‪."----‬وكان عليه الصالة والسالم‬
‫يأمر أتباعه باختيار من هو [أطب] للحال الذي تناسبه‪.‬كما دعا الشارع أهل العلم بالطب للبحث عن أسباب‬
‫‪3‬‬
‫المرض واكتشاف ما يجهلونه من وسائل العالج إذ هو ‪ ‬القائل ‪":‬ما أنزل اهلل من داء إال أنزل له الشفاء‪،‬علمه من‬
‫علمه‪،‬وجهله من جهله‪،‬فإذا أصاب دواء الداء شفي بإذن اهلل"‪.‬‬
‫وهكذا يتبين لكل ذي بصيرة أن الطب اإلسالمي ممارسة نوعية للطب تنبثق من التفسير اإلسالمي‬
‫لرسالة اإلنسان في األرض والحكمة اإللهية من استخالفه‪،‬وتعتمد على نظرة حفظ الضرورات الخمس التي‬
‫أجمع علماء المسلمين على أنها مقصد هام من مقاصد الشريعة‪.‬‬
‫وفي دراستنا لمباحث الطب اإلسالمي التزمنا المصطلحات الفقهية المعتمدة وأصدرناها في سلسلة‬
‫ميسرة للقارئ العادي تحت اسم "روائع الطب اإلسالمي" وخصصنا الجزء األول منها [القسم العالجي] وفيه‬
‫مباحث حول وجوب التداوي وحكم التداوي بالمحرمات وأدب الطبيب وفقهه في الشرع اإلسالمي ثم عددنا‬
‫حسب الترتيب الهجائي في مفردات األدوية النبوية واألطعمة التي نوه إليها الشارع معتمداً على النصوص الثابتة‬
‫الصحيحة وأجمل ما قال فيها األولون ثم نذكر أبحاث الطب الحديث حول كل مفردة‪.‬وختمنا الكتاب بمبحث حول‬
‫الطب الروحاني‪.‬‬
‫أما الجزء الثاني من روائع الطب اإلسالمي فكان تحت عنوان [العبادات في اإلسالم وأثرها في صحة‬
‫الفرد والمجتمع] ذكرنا فيه ما فرضه الشرع من عبادات على المسلم من طهارة (الوضوء والغسل واالستنجاء)‬
‫وصالة وصيام وحج وزكاة‪،‬وفصلنا في حكمها مما ذكره أهل العلم األجالء ‪،‬ثم انتقلنا إلى ما أثبته أطباء الشرق‬
‫والغرب من منافع جلية يستفيد منها الفرد المسلم من التزامه بهذه العبادة‪،‬ومن ثم ما ينعكس من أمور على‬
‫المجتمع المسلم كله‪.‬‬
‫أما الجزء الثالث من روائع الطب اإلسالمي فعنوانه [المحرمات في اإلسالم وأثرها في صحة الفرد‬
‫والمجتمع] فقد فصلنا فيه األدلة الشرعية على تحريم الخمر والتدخين والمخدرات‪،‬ولحم الخنزير والميتة‬
‫والدم‪،‬والزنى والشذوذ الجنسي‪،‬ثم انتقلنا في كل فصل إلى الويالت واألمراض المهلكة التي تعاني منها البشرية‬
‫التي لم تلتزم بأوامر اهلل في هذه المحرمات‪.‬‬
‫وبين أيدينا اليوم [الجزء الرابع من روائع الطب اإلسالمي] ذكرنا فيه بإسهاب اآلداب اإلسالمية من هدي‬
‫نبوي وتوجيه قرآني يلتزم به المسلم في أدائه ألعماله اليومية من طعام وشراب ونوم وقيلولة ولهو ورياضة‬
‫وغيرها‪،‬ومن خصال الفطرة التي فطر اهلل البشر عليها‪،‬وأثر ذلك من أثار صحية إيجابية تبدو جلية في صحة‬
‫الفرد وما ينعكس بعد ذلك على مجتمعه من قوة وبناء متين‪.‬ندرس كل ذلك من خالل خمسة فصول ‪:‬‬
‫الفصل األول‪:‬في آداب الطعام والشراب وأثرها في صحة الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬في آداب النوم وأثرها في صحة الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬في خصال الفطرة وأثرها في صحة الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪:‬في الرياضات المسنونة وأثرها في صحة الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫الفصل الخامس‪:‬التدبير النبوي في ضبط تصرفات اإلنسان االنفعالية وأثر ذلك في صحته‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫راجياً المولى القدير أن ينفع بكتابنا هذا من يقرأه وأن يدعو لنا أن نتم هذه السلسلة من روائع الطب‬
‫اإلسالمي التي نحن بصددها حتى نخرج الجزء الخامس حول آداب النكاح اإلسالمية وأثرها في صحة الفرد‬
‫والمجتمع واهلل ولي التوفيق‪.‬‬
‫دمشق العاشر من جمادى اآلخرة ‪1419‬هـ والموافق تشرين األول ‪1998‬م‪.‬‬

‫المؤلف محمد نزار الدقر‬
‫‪5‬‬
‫الفصل األول‬
‫اآلداب اإلسالمية في الطعام والشراب‬
‫وأثرها في صحة الفرد والمجتمع‬
‫ويضم األبحاث التالية ‪:‬‬
‫البحث األول‪:‬أسس تدبير الطعام والشراب في الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫القاعدة القرآنية األولى‪:‬حل الطيبات وتحريم الخبائث‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫القاعدة القرآنية الثانية‪:‬وكلوا وأشربوا وال تسرفوا‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫البحث الثاني‪:‬الهدي النبوي في تدبير الطعام والشراب‪.‬‬
‫غسل اليدين قبل الطعام وبعده‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫جلسة الطعام‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫التسمية قبل الطعام واألكل باليمين مما يلي األكل‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫النهي عن الشرب واألكل واقفاً‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫الشرب مصاً ثالث دفعات‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫النهي عن النفخ في الشراب‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫النهي عن الشرب من ثلمة القدح‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫النهي عن الشرب من في السقاء‪.‬‬ ‫‪-8‬‬
‫أال يعيب طعاماً قط‪.‬‬ ‫‪-9‬‬
‫‪ -10‬االجتماع على الطعام‪.‬‬
‫‪ -11‬المضمضة بعد الطعام‪.‬‬
‫‪ -12‬عدم األكل من الخبز المرقق المنخول‪.‬‬
‫‪ -13‬النهي عن أكل الطعام الحار‪.‬‬
‫‪ -14‬عدم النوم بعد الطعام‪.‬‬
‫‪ -15‬األمر بلعق األصابع والصفحة‪.‬‬
‫‪ -16‬تغطية اإلناء وإ يكاء السقاء‪.‬‬
‫‪ -17‬تقديم العشاء على العشاء‪.‬‬
‫‪ -18‬ما يقوله إذا فرغ من طعامه‪.‬‬
‫المبحث األول‬
‫أسس تدبير الطعام والشراب في الشريعة اإلسالمية‪:‬‬
‫لقد نجح النظام اإلسالمي في ميدان التدريب الصحي الذي فرضه على بني البشر ليسعدوا به(‪ ،)1‬فقد كانت‬
‫معظم األمراض التي يصاب بها الناس _ومازالت_ في عصرنا الحديث ترجع إلى الحرمان الشديد ونقص‬
‫‪6‬‬
‫الغذاء‪،‬أو إلى اإلفراط في تناول الطعام والشراب واإلسراف فيهما‪ ،‬وقد جاء الحل اإلسالمي العظيم المعجز وفي‬
‫ثالث كلمات من كتاب اهلل عز وجل حين قال‪(:‬وكلوا واشربوا وال تسرفوا)‪.‬وأمر بالصيام شهراً في السنة للحفاظ‬
‫على سالمة وكيان أجهزة البدن وأعضائه‪.‬‬
‫وجاءت الدراسات الطبية لتثبت أن مرضى القلب يستطيعون أن يعيشوا طويالً بعيداً عن المضاعفات الخطيرة إذا‬
‫هم اعتدلوا في طعامهم وشرابهم ومن ثََّم فقد أمر اإلسالم األغنياء بإخراج زكاة أموالهم(‪)2‬إلنقاذ ماليين الجائعين‬
‫من خطر البؤس والفقر والمرض والموت‪.‬‬
‫وجاءت القاعدة الثانية القرآنية صرخةً مدويةً يؤكد علماء اليوم أنها الحل األمثل لحل مشاكل العصر الصحية‬
‫والتي جعلها سبحانه وتعالى من أهداف بعثة النبي األمي‪‬وهي قوله تعالى‪(:‬ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم‬
‫الخبائث) فكان تحريم الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير‪،‬وما ألحق بها اليوم من خبائث العصر من مخدرات‬
‫وسجائر وسواها وهي هي من أهم أسباب األمراض والعجز والموت والمهالك في عصرنا الحديث (‪.)3‬‬
‫وجاء الهدي النبوي بآداب يتدبر بها المسلم أمر طعامه وشرابه‪،‬وهي عالوة على أنها أضفت على حياته‬
‫وكمياتها وطريقة تناولها فيما يتّفق‬
‫االجتماعية مسحة جمالية وسلوكيةً رائعةً‪،‬فقد نظم بها الشارع تناول الوجبات ّ‬
‫الوقائي وعلم الصحة‪،‬ال بل سبقه إلى ذلك بقرون عدة‪،‬فال يأكل المسلم حتى‬
‫ّ‬ ‫مع ما وصل إليه الطب الحديث‬
‫حد التخمة من الشبع‪،‬إذ" بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه"‪،‬وعلى قاعدة"ما مأل ابن‬
‫يجوع‪ ،‬وإ ذا أكل ال يصل إلى ً‬
‫وعاء شراً من بطنه" كما نهى الشارع عن إدخال الطعام على الطعام أو أن يأكل بين الوجبات……الخ‪.‬‬
‫ً‬ ‫آدم‬
‫حدد الطبيب األول‬
‫واتفاقاً مع األهمية الصحية لطريقة تناول الطعام والشراب‪،‬وعالقة ذلك بصحة البدن‪،‬فقد ّ‬
‫ٍ‬
‫وضعيات قد ينجم عنها بعض األذى‪،‬كأن يأكل‬ ‫ِّ‬
‫الحق ‪‬الوضعية المثلى للجلوس على الطعام‪،‬ونهى عن‬ ‫ورسول‬
‫المرء أو يشرب واقفاً أو متكئاً‪ .‬وندب إلى أن َّ‬
‫يتحدث اإلنسان على طعامه إلدخال السرور على المشاركين مما‬
‫العشاء على‬
‫يزيد في إفراز العصارات الهاضمة ويساعد على االستفادة المثلى من الطعام‪ .‬ودعا إلى تقديم َ‬
‫مصاً ال أن يعبَّه ويكرعه لما في ذلك من ٍ‬
‫أثر‬ ‫يمصه َّ‬ ‫ِ‬
‫العشاء‪،‬وإ لى أن يشرب كوب الماء على دفعتين أو ثالث‪،‬وأن ّ‬
‫الهضمي عموماً‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫سيء على المعدة والجهاز‬
‫ُّ‬
‫الطب الحديث قد اكتشف الجراثيم الممرضة والطفيليات المهلكة لإلنسان في أواخر القرن‬ ‫وإ ذا كان‬
‫الماضي‪،‬وبين أن تلوث الطعام والشراب بها هو من أهم أسباب إصابة اإلنسان بعدد من األمراض الخطيرة‬
‫كالكوليرا والتيفوئيد والزحار(الزنطارية)والسل المعوي والديدان والتهاب الكبد وغيرها‪،‬ومن ثََّم فقد وضع علم‬
‫الطب الوقائي عدداً من القواعد الصحية على اإلنسان أن يلتزم بها ليضمن نظافة الطعام والشراب وسالمتهما من‬
‫التلوث الجرثومي‪ .‬فإن ديننا الحنيف قد وضع تلك التعاليم وأمر أتباعه االلتزام بها منذ أكثر من أربعة عشر‬
‫قرناً(‪.)4‬‬
‫والحق يقال أن التعاليم النبوية في تدبير الطعام والشراب كانت قمة في الدقة العلمية‪،‬وقمة في حرص المشرع‬
‫العظيم على سالمة أتباعه ووقايتهم من شر الوقوع في براثن المرض‪.‬فقد أمر عليه الصالة والسالم أن بغطى‬
‫إناء الطعام وتوكأ قرب الشراب فال يترك مكشوفاً للذباب والتراب‪،‬كما نهى عن أن يشرب من في اإلناء أو أن‬
‫‪7‬‬
‫ينفخ في الشراب حرصاً على سالمته من التلوث‪،‬وأمر بغسل اليدين قبل الطعام وبعده‪،‬وأمر باألكل باليمين‪،‬ونهى‬
‫ثة‪،‬كل ذلك ليضمن سالمة الطعام وعدم‬ ‫الملو ِ‬
‫عن األكل باليسار التي خصصها لالستنجاء وغير ذلك من األعمال ِّ‬
‫تلوثه بالجراثيم كما سنرى‪.‬‬
‫كما حرص المشرع على عدم تلويث مياه الشرب‪،‬فنهى أن يغمس المستيقظ من النوم يده في اإلناء قبل أن‬
‫يغسلها‪،‬فإن" أحدكم ال يدري أين باتت يده"‪،‬كما منع التبرز أو التبول قرب موارد المياه وفي ظل الناس ومكان‬
‫شدد في تحريم هذه األفعال(‪)3‬حتى عدها من مسببات اللعن‪ .‬فقد صح عنه ‪ ‬قوله‪":‬اتقوا المالعن‬
‫تجمعاتهم‪،‬بل ّ‬
‫الثالث‪:‬البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل" كما" نهى رسول اهلل ‪ ‬أن يبال في الماء الراكد"‪-‬رواه‬
‫البخاري ومسلم‪.-‬‬
‫القاعدة القرآنية األولى‪:‬ح ّل الطيبات وتحريم الخبائث‬

‫وهي القاعدة األهم في نظام التغذية في اإلسالم وقد فصلنا في الحديث عنها في الجزء الثالث من كتابنا "روائع‬
‫بد هنا ونحن نذكر آداب الطعام والشراب أن ِّ‬
‫نذكر‬ ‫الطب اإلسالمي "عندما تحدثنا عن المحرمات في اإلسالم‪،‬وال ّ‬
‫بأهمية هذه القاعدة التي وضعها الشارع لحماية الفرد في المجتمع المسلم مما يمكن أن يصيبه من أمراض مهلكة‬
‫عند تناوله "الخبيث" من الطعام أو الشراب‪.‬‬
‫وإ ذا كانت النصوص القرآنية والنبوية قد بينت بشكل صريح تحريم بعض األطعمة واألشربة لخبثها كالخمر‬
‫والميتة والدم ولحم الخنزير وكل ما هو متلوث بنجاسة‪،‬فإن أشربة أخرى كالتبغ والحشيش والمخدرات األخرى‬
‫وغيرها مما لم يكن معروفاً في العلم وقت التنزيل‪،‬فلم تنـزل نصوص خاصة بها‪،‬ولكن المشرع سبحانه لم يترك‬
‫الناس في حيرة من أمرهم‪،‬فقد وضع ميزاناً دقيقاً يمكن علماء األمة في كل زمان ومكان أن يزنوا كل مستحدث‬
‫فقال بكل وضوح كلمة وضعها كقانون علمي ثابت فيه كل الحكمة وفيه كل الخير للبشرية وهي قوله تعالى‪":‬‬
‫الذين يتبعون الرسول النبي األمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة واإلنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم‬
‫عن المنكر ويح ّل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث" فلم يحرم اإلسالم شيئاً من المطعومات أو المشروبات إال‬
‫لضرر ينجم عنها أو لخبث محقق فيها‪،‬مصداق قوله تعالى‪ ":‬يسألونك ماذا َّ‬
‫أحل لهم قل أحل لكم الطيبات"‪.‬وإ نه‬
‫لمن عظيم اإلعجاز اإللهي أن تتوافق موازين الشرع وموازين الطب في تحريم هذه الخبائث‪.‬‬
‫فالبدن يحتاج في نشاطه الحياتي ألغذية تبني الجسم وترمم ما هدم منه كالبروتينات والدسم‪ ،‬كما يحتاج ألغذية‬
‫لتوليد الطاقة أي التي تولد الحرارة الغريزية وتؤمن عمل األعضاء كالقلب والتنفس والهضم‪،‬لذا أوجب اإلسالم‬
‫تناول الحد األدنى أو الضروري من الطعام والشراب‪،‬حفاظاً على الحياة ودفعاً للهالك‪ .‬وما عدا قدر الضرورة‬
‫يباح تناوله ما لم يكن مسستقذراً وال ضاراً وال متنجساً وال متعدياً على حقوق الغير وما لم يصل إلى ِّ‬
‫حد‬
‫اإلسراف‪.‬‬
‫وإ ذا كان لألغذية مصدرين كبيرين‪:‬فهي حيوانية أو نباتية فمن األمثل صحياً أن يناوب بين تلك األنواع دون أن‬
‫يقصر نفسه على أحدهما(‪.)5‬ومن المعجز حقاً أن نجد سلوك النبي األمي‪ ‬في طعامه متوافقاً تماماً مع مبدأ علم‬
‫الصحة هذا‪ .‬وهذا ما يؤكده ابن القيم الجوزية(‪)6‬عن طعام النبي‪ ‬إذ يقول‪":‬فلم يكن من عادته‪ ‬حبس النفس على‬
‫‪8‬‬
‫نوع واحد من الغذاء ال يتعداه إلى سواه وكان‪‬يحسن الجمع بين األغذية في تناولها وإ صالح تأثير بعضها على‬
‫اآلخر‪.‬ففي الصحيحين من حديث عبد اهلل بن جعفر” رأيت رسول اهلل‪ ‬يأكل الرطب بالقثاء" …‬
‫وإ ذا كانت األغذية النباتية أقل سمية من الحيوانية‪،‬لكن االقتصار عليها يسبب فقر الدم بنقص الهيولين وفقدان‬
‫الفيتامين ب‪،12‬كما أن االقتصار على البروتين النباتي يجعل البدن يقصر في تركيب األنسجة والتي ال بد‬
‫الكتمالها من توفر البروتينات الحيوانية‪.‬وليس لمسلم أن يحرم على نفسه بعض الطيبات مما أحلّه اهلل بنية التقرب‬
‫حرم زينة‬
‫تحرموا طيبات ما أح ّل اهلل لكم"المائدة_‪،9‬وقال تعالى‪ ":‬قل من َّ‬
‫إليه‪.‬قال تعالى‪ ":‬يا أيها الذين آمنوا ال ِّ‬
‫اهلل التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق"األعراف_‪.32‬‬
‫والنبات المأكول حالل كله ما لم يعرض له عارض من سرقة أو نجاسة وما لم يثبت ضرره لسمية فيه‪ ،‬أو لكونه‬
‫مسكراً أو مفتراً(‪،)7‬وذلك لعموم قوله تعالى‪ ":‬يا أيها الناس كلوا مما في األرض حالالً طيباً"‪.‬‬
‫أما المصدر الحيواني للغذاء فقد حرم النص القرآني تناول الميتة والدم ولحم الخنـزير‪،‬وجاء في السنة التي‬
‫وذئب ٍ‬
‫وفهد (وكل ماله ناب‬ ‫ٍ‬ ‫أسد ٍ‬
‫ونمر‬ ‫اعتمدها جمهور الفقهاء تحريم أكل الحيوانات المفترسة كالوحوش من ٍ‬
‫مفترس من السباع)‪،‬وكذا الطيور الجارحة‪،‬أي ذوات المخلب من الطير كالصقر والباز والنسر‪.‬لما رواه عبد اهلل‬
‫ابن عباس قال‪ ":‬نهى رسول اهلل‪‬عن كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير" رواه مسلم‪.‬‬
‫كما حرمت لحوم الكالب لما يرويه رافع ابن خديج عن النبي‪‬قوله‪":‬الكلب خبيث ثمنه" رواه مسلم‪.‬كما يحرم عند‬
‫الجمهور أكل لحوم الحمر األهلية لما رواه الشيخان عن جابر رضي اهلل عنه" أن النبي‪ ‬نهى عن أكل لحوم‬
‫الحمر األهلية وأذن في الخيل "‪ .‬كما حرمت الضفادع للنهي عن قتلها‪.‬كما يحرم أكل حشرات األرض كالثعبان‬
‫والعقرب والفأرة وسواها الستخباث الطباع السليمة لها ولألذى أو السمية التي قد يلحقها بعضها لإلنسان ولما‬
‫تنقله من عوامل األمراض الفتاكة لبني البشر كالطاعون والتيفوس وسواها(‪ .)7‬واألشياء الضارة التي يثبت‬
‫نص في تحريمها‪،‬والسموم في غير التداوي‪ ،‬كلها حرام لعموم النص" وال تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"‬
‫ضررها وال َّ‬
‫ولقوله‪":‬ال ضرر وال ضرار"‪.‬‬
‫حرم علينا إال كل خبيث ضار‪،‬وما أباح لنا إال الطيب النافع إال أنه من الواجب على المسلم أن‬
‫صدق اهلل‪،‬فما َّ‬
‫يتحاشى تناول ما حرم اهلل من المطعومات أو المشروبات طاعةً هلل عز وجل‪،‬أدرك العلة من التحريم أم لم يدرك‪،‬‬
‫ُم َسلِّ َماً بأن تلك المحرمات إنما حرمها الخالق المصور‪،‬العليم بما ُّ‬
‫يضر هذا اإلنسان _الذي خلقه بيده_ وبما ينفعه‬
‫ويحرم عليهم الخبائث" ومن أراد أن يعرف التفاصيل عما اكتشفه الطب‬ ‫ُّ‬
‫‪":‬ويحل لهم الطيبات ِّ‬ ‫تصديقاً لقوله تعالى‬
‫الحديث من آفات وويالت من تناول اللحوم المحرمة وغيرها من الخبائث فيستطيع الرجوع إلى كتابنا عن”‬
‫المحرمات في اإلسالم وأثرها في صحة الفرد والمجتمع"‪،‬وهو الجزء الثالث من سلسلة روائع الطب اإلسالمي‪.‬‬
‫القاعدة القرآنية الثانية‪:‬وكلوا واشربوا وال تسرفوا‬

‫يقدر ما يتناوله اإلنسان عادة من‬
‫إن اإلنسان شره بغريزته‪،‬يسرف في األكل والشرب‪،‬وخاصة أيام كهولته‪.‬و ّ‬
‫طعام وشراب بثالثة أضعاف ما يحتاجه إليه‪.‬وال يشك العلم أبداً أن أكثر الراحلين ابتساراً من عالم الدنيا إلى‬
‫عالم القبور هم منتحرون بأفواههم وبما أسرفوا بما دخل في أجوافهم من ٍ‬
‫طعام وشراب‪.‬وإ ن في القاعدة اإللهية‬
‫‪9‬‬
‫العظيمة" وكلوا واشربوا وال تسرفوا" ِس ُّر التمتع بحياة يسيطر فيها نعيم الصحة والهناء(‪.)8‬فاإلسراف خطر طباً‬
‫وحرام شرعاً لعموم النص(‪.)7‬‬
‫وإ ذا كان الطعام والشراب لذة‪،‬فإنما جعلها اهلل سبحانه فيها إلرواء الميل الغريزي لتناولهما بغاية الحفاظ على‬
‫الحياة واستمرارها‪،‬كما أن التلذذ بالطعام ينبه أعمال الهضم الغريزية وإ فراز العصارات الهاضمة حتى يتم التمثل‬
‫بشكل جيد‪.‬ومن الخطأ الفادح أن يجعل اإلنسان من اللذة غاية في طعامه وشرابه مما يجعله يسرف في استدعائها‬
‫وينحرف في طريق إروائها وهذا ليس من صفات المؤمن في شيء‪.‬وقد أكد القرآن الكريم أن الوقوف عند التلذذ‬
‫بالطعام والشراب والتمتع بهما إنما هو من صفات الكافرين الجاحدين(‪،)9‬وذلك مصداق قوله تعالى‪ ":‬والذين‬
‫مثوى لهم" _األحقاف_‪.20‬‬
‫ً‬ ‫كفروا يتمتعون و يأكلون كما تأكل األنعام والنار‬
‫وتؤكد السنة المطهرة هذا المعنى وتنهى عن اإلسراف في الطعام‪،‬وأن على المسلم أن يكتفي منه بما يقيم األود‬
‫ويحفظ الصحة والقوة من أجل السعي على الرزق والتقوي به على عبادة اهلل رب العالمين‪.‬فقد روى البخاري أن‬
‫رجالً كان يأكل كثيراً فأسلم فكان يأكل قليالً‪،‬فذكر ذلك لرسول اهلل ‪‬فقال‪ ":‬المؤمن يأكل في معي واحد والكافر‬
‫يأكل في سبعة أمعاء"‪.‬وقد ذكر ابن األثير(‪)10‬تعليقاً على هذا الحديث‪:‬هو تمثيل لرضى المؤمن بالقليل اليسير من‬
‫الدنيا وحرص الكافر على الكثير منها‪،‬ثم قال‪:‬واألوجه أن يكون هذا تحضيضاً للمؤمن على قلة األكل وتحاشي ما‬
‫يجره الشبع من قسوة القلب وطاعة الشهوة‪.‬‬
‫من هنا نفهم دعاء النبي‪ ":‬اللهم اجعل رزق آل محمد كفافاً" رواه الشيخان‪ .‬كما حذر سيدنا عمر بن الخطاب‬
‫‪‬من النهم والبطنة فقال‪":‬إياكم والبطنة في الطعام والشراب فإنها مفسدة للجسم مورثة للسقم‪،‬مكسلة عن الصالة‬
‫الح ْب َر السمين وإ ن الرجل لن‬
‫وعليكم بالقصد فيهما فإنه أصلح للجسد وأبعد عن السرف وإ ن اهلل تعالى ليبغض َ‬
‫يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه"‪.‬‬
‫يقول اإلمام الغزالي‪ ":‬ومن مضار الشره اشتداد المعاصي وخاصة الشهوة الجنسية‪،‬فإذا منعت التقوى صاحبها‬
‫من الزنى فال يملك عينه‪،‬فإذا ملك عينه بغض الطرف فال يملك فكره فتخطر له األفكار الرديئة وحديث النفس‬
‫بأسباب الشهوة وما يتشوش به مناجاته"‪.‬‬
‫وعاء شراً من بطنه‪.‬بحسب ابن آدم لقيمات يقمن‬
‫ً‬ ‫عن المقداد بن معد يكرب أن النبي(‪ )‬قال‪":‬ما مأل ابن آدم‬
‫صلبه‪،‬فإن كان ال بد فاعالً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"‪.‬‬
‫يقول ابن القيم (‪":)6‬مراتب الغذاء ثالثة أحدها مرتبة الحاجة والثانية مرتبة الكفاية والثالثة مرتبة الفضيلة‪،‬فأخبر‬
‫النبي(‪ )‬أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه فال تسقط قوته وال تضعف‪،‬فإن تجاوزها فليأكل بثلث بطنه وهذا من أنفع ما‬
‫للبدن وما للقلب فإن البطن إذا امتأل من الطعام ضاق عن الشراب فإذا أورد عليه الشراب ضاق عن النفس‬
‫وعرض عليه الكرب والتعب"‪.‬‬
‫وفي معرض شرحه للحديث يقول د‪.‬الكيالني(‪":)12‬يشكل الجزء العلوي من المعدة جيب ممتلئ بالهواء يقع تحت‬
‫الحجاب الحاجز وكلما كان ممتلئاً بالهواء كانت حركة الحجاب الحاجز فوقه سهلة كان التنفس ميسوراً‪،‬أما إذا‬
‫‪ ‬رواه السيوطي يف الدر املنثور وأبو نعيم يف احللية‪.‬‬
‫‪ ‬رواه الرتمذي وقال حسن صحيح‪،‬وابن ماجة واحلاكم وصححه الذهيب (األرناؤوط)‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫امتأل هذا الجيب بالطعام والشراب تعرقلت حركة الحجاب الحاجز وكان التنفس صعباً كما أن الصلب ال يستقيم‬
‫تماماً إال إذا كانت حركة المعدة مستريحة وال يتم ذلك إذا أتخمت بالطعام‪،‬فصلى اهلل على طبيب القلوب واألبدان‪.‬‬
‫)معنى وعلما‬‫أما د‪.‬محمود فؤاد معاذ(‪)13‬فيرى أن كلمة" يقمن صلبه" هي من أبلغ ما نطق به النبي العظيم(‪‬‬
‫ً‬
‫ً‪.‬فالنبي(‪)‬حث على اإلقالل من الطعام‪،‬ولكن إلى حد يقمن صلبه وحنى ال تكون مخمصة فرب مخمصة شر من‬
‫التخم‪.‬والمرء حسبه أن يتناول ما يقيم الصلب‪،‬أي ما يعطيه القوة الكافية للقيام بمجهوداته‪.‬‬
‫وعن جابر ‪‬أن رسول اهلل(‪)‬قال‪ ":‬طعام الواحد يكفي االثنين وطعام االثنين يكفي األربعة وطعام األربعة يكفي‬
‫الثمانية"‪.‬‬
‫فالنبي(‪)‬يحذر من السرف في الطعام وأن شبع الواحد هو قوت االثنين يكفيهم ويقيم أودهم(‪،)12‬وهو ينصح أن‬
‫يكون ثلث المعدة فقط للطعام ولو حافظ المسلمون اليوم على هذه الوصية لحموا أنفسهم من كثير من‬
‫األمراض‪،‬ولما تعبت معداتهم من هضم الطعام الفائض فتقل الفضالت و ينشط البدن و يصفو الدم و يتوقد‬
‫الذهن‪.‬‬
‫وعن أنس بن مالك ‪‬أن النبي(‪ )‬قال‪ ":‬إن من اإلسراف أن تأكل كل ما اشتهيت"‪.‬‬
‫فمن أخالق المسلم كبح جماح نفسه ووقايتها من اإلسراف المذموم‪،‬فيعطيها حيناً من مشتهياتها المباحة‪،‬ويمنعها‬
‫حيناً‪،‬ال تحريماً للطيبات ولكن ترويضاً لها للتمكن من قيادة زمامها‪.‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال‪:‬تجشأ أبو جحيفة عند رسول اهلل(‪ )‬فقال له‪":‬أقصر عنا من جشائك‬
‫‪،‬إن أطول الناس جوعاً يوم القيامة أكثرهم شبعاً في الدنيا"‪.‬وعن عمران بن الحصين أن رسول اهلل(‪)‬قال‪":‬إن‬
‫خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يكون من بعدهم قوم يشهدون وال يستشهدون ويخونون وال‬
‫يؤتمنون وينذرون وال يوفون ويظهر فيهم السمن"‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪":‬أول بالء حدث في هذه األمة بعد نبيها الشبع فإن القوم لما شبعت بطونهم‬
‫سمنت أبدانهم فضعفت قلوبهم وجمحت شهواتهم"‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪‬قال‪":‬ما شبع آل محمد من طعام ثالثة أيام حتى قبض" رواه البخاري‪.‬‬
‫إن المربي الناجح هو الذي يجسد أقواله أفعاالً تحتذى وهذه هي روعة التعاليم النبوية التي رافقها سلوك عملي‬
‫وحلول واقعية من حياته(‪:)‬فهذا محمد(‪)‬ما شبع من طعام ثالثة أيام متتالية‪،‬وكان يجلس لطعامه جلسة المتحفز‬
‫للقيام بعد أن يتناول ما يقيم صلبه‪،‬وما أكل خبزاً مرققاً وال وضع على سفرته السكرجة(من مقبالت وسواها)‬
‫ليعلمنا بسلوكه الطريقة األمثل لتنفيذ القاعدة اإللهية في الطعام والشراب "وكلوا واشربوا وال تسرفوا"‪.‬‬
‫اآلثار الصحية السيئة لإلسراف في الطعام والشراب‪:‬‬
‫‪ ‬رواه مسلم< وروى البخاري حنوه عن أيب هريرة‪.‬‬

‫‪ ‬رواه بن ماجة والبيهقي ورمز السيوطي لضعفه‪،‬وصحح احلاكم إسناده ملنت غري هذا املنت (املناوي)‪.‬‬
‫‪ ‬رواه الرتمذي وحسنه‪،‬واحلاكم وصححه‪،‬والبزار بإسنادين رواة أحدمها ثقاة‪.‬‬
‫‪ ‬رواه اإلمام مسلم وروى البخاري حنوه‪.‬‬
‫‪ ‬رواه البخاري يف كتاب الضعفاء‪،‬وابن أيب الدنيا يف كتاب اجلوع (املنذري)‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫يؤدي الشره(‪)14‬وتناول كمية كبيرة من الطعام تزيد عن طاقة تحمل المعدة إلى ما يسمى بالتخمة والتي تفضي‬
‫إلى عسرة الهضم وكثرة الغازات وأوجاع الشرسوف واحتقان الكبد والتخمة الشديدة يمكن أن تؤدي إلى توسع‬
‫المعدة الحاد التي تسبب ضغطاً شديداً على القلب مما يعيق العود الوريدي إليه فتحصل عسرة في التنفس‬
‫واضطراب في ضربات القلب وتسوء حالة المريض وقد تنتهي بالموت(‪.)9‬‬
‫والتخمة المزمنة تؤدي(‪)14()13‬وتناول كمية كبيرة من الطعام تزيد عن طاقة تحمل المعدة إلى ما يسمى‬
‫بالتخمة والتي تفضي إلى عسرة الهضم وكثرة الغازات وأوجاع الشرسوف واحتقان الكبد والتخمة الشديدة يمكن‬
‫أن تؤدي إلى توسع المعدة الحاد التي تسبب ضغطاً شديداً على القلب مما يعيق العود الوريدي إليه فتحصل عسرة‬
‫في التنفس واضطراب في ضربات القلب وتسوء حالة المريض وقد تنتهي بالموت(‪.)9‬‬
‫والتخمة المزمنة تؤدي(‪)13‬إلى تمدد المعدة واألمعاء وإ لى ضمور في بطانتها وغددها المفرزة للعصارة‬
‫الهضمية‪،‬فيحصل اإلمساك المزمن وعسرات الهضم واالنسمام الغذائي المزمن وما ينجم عنه من وهن‬
‫عصبي‪.‬واإلسراف في الطعام يسبب عند المستعدين عدداً كبيراً من أمراض التغذية كالبدانة والنقرس والداء‬
‫السكري‪،‬كما تزيد عندهم نسبة اإلصابة بأمراض القلب وقصوراته‪.‬‬
‫فالطعام الزائد عن حاجة الجسم يتراكم على شكل دهون تترسب تحت الجلد وحول األمعاء وفي الكبد وحول‬
‫القلب حيث تحدث عبئاً كبيراً عليه‪،‬وتتصلب العروق ويرتفع الضغط الدموي وتكثر الجلطات والفوالج‪،‬وتتعب‬
‫الغدد فيحدث الداء السكري عدا عن تعب الكلى بتكليفها فوق طاقتها من عمليات تصفية الدم وطرح‬
‫الفضالت‪،‬هذا عدا عما ذكرناه من تمدد المعدة وآفات الجهاز الهضمي(‪.)12‬‬
‫إن كثرة األكل والشرب يعقبها كسل في النفس وبالدة في الفكر وميل إلى النوم الذي هو خسارة ومضيعة ألوقات‬
‫يمكن أن تكون نافعة في دنيا اإلنسان وأخرته(‪.)9‬‬
‫يقول القاضي عياض‪:‬إن كثرة األكل والشرب دليل النهم والحرص‪،‬والشره مسبب لمضار الدنيا واآلخرة جالباً‬
‫ألدواء الجسد وخثار النفس(ثقلها وعدم نشاطها)‪.‬ويقول اإلمام الشافعي رضي اهلل عنه‪:‬الشبع يثقل البدن ويقسي‬
‫القلب ويزيل الفطنة ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العبادة‪.‬‬
‫وقد أكدت أبحاث نشرتها المجلة الطبية العربية(‪)9‬أن اإلفراط في التغذية عند األطفال واليفع تؤدي عالوة على‬
‫زيادة الوزن‪،‬إلى النضج المبكر والذي يؤدي إلى البلوغ المبكر‪.‬‬
‫وتحصل البدانة نتيجة اإلفراط في تناول أنواع الطعام المختلفة وخاصة عند أبناء الطبقة المترفة وأصحاب‬
‫الوظائف الكسولة‪،‬وهي تؤهب لحدوث أمراض خطيرة في القلب والذبحة الصدرية والداء السكري وارتفاع‬
‫الضغط الدموي وتصلب الشرايين وغيرها‪.‬‬
‫فعلى المسلم أن يعتدل في طعامه وشرابه وأن يحافظ على وزنه المثالي‪ ‬قدر المستطاع‪،‬وخاصة إذا كان عنده‬
‫استعداد وراثي للسمن‪.‬فعلى هؤالء أن يضعوا برنامجاً خاصاً لطعامهم(‪ )12‬فيحددوا ما يأكلوه من نشويات‬
‫‪ ‬يعرف الوزن املثايل بقي<اس اإلنس<ان لطوله الكامل بالس<<نتمرتات مث يط<<رح منه رقم ‪ 100‬فيك<<ون الب<اقي هو ال<<وزن املث<<ايل مع زي<<ادة أو‬
‫نقص ‪ 5_4‬كغ‪،‬فمثالً من طوله ‪ 170‬سم يكون وزنه املثايل (‪)5_+70=100-170‬‬
‫‪12‬‬
‫وسكريات‪،‬ويمتنعوا قدر اإلمكان عن تناول المواد الدهنية ذات الحموض المشبعة كالدهن والشحم‬
‫والسَّمن‪،‬ويستبدلوا بها مواد دهنية غير مشبعة كزيت الزيتون وزيت الذرة أو عباد الشمس‪،‬وأن يكثروا في‬
‫طعامهم من السلطات والخضار‪،‬ويمكنهم تناول ملعقة كبيرة من النخالة أو خل التفاح قبل الطعام‪،‬ويستبدلوا‬
‫بالسكر السكارين للتحلية ويأكلوا الخبز األسمر وأن يكثروا من صيام النفل فيكون لهم به خيري الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫وأحب أن أشير هنا إلى أن معتاد اإلسراف في الطعام يحتاج إلى التدرج في تقليل وجبته حتى يعود إلى حد‬
‫االعتدال(‪،)9‬ولقد أشار اإلمام الغزالي(‪)11‬إلى ذلك حين قال‪":‬فمن اعتاد األكل الكثير وانتقل دفعة واحدة إلى‬
‫القليل لم يحتمله مزاجه وضعف وعظمت مشقته‪،‬فينبغي التدرج إليه قليالً قليالً فينقص بمقدار قليل متزايد من‬
‫طعامه المعتاد"‪.‬‬
‫وهناك أمراض تنجم عن اإلسراف في تناول مادة غذائية معينة(بروتين‪،‬دسم‪،‬سكر)لفترة طويلة‪.‬فاإلسراف في‬
‫تناول السكر األبيض وما يصنع منه من حلويات يضر بالجسم ضرراً بالغاً وذلك للميل العجيب في السكر‬
‫لالتحاد بالكلس‪.‬‬
‫فعندما يزيد الكلس في الدم عن حد معين فإن المقدار الفائض يتحد ببعض األنسجة ويضطر الدم إلى أن يعوض‬
‫ما فقده منه فيأخذه من العظام واألسنان مما يؤدي إلى نخر األسنان وضعف العظام(‪،)15‬كما أن تخمر بقايا‬
‫السكريات في الفم يؤدي إلى النخر أيضاً‪.‬وإ ن اإلفراط في تناول النشويات عموماً يؤدي إلى البيلة السكرية وإ لى‬
‫تحول الفائض منها إلى شحوم(البدانة)‪.‬‬
‫أما اإلفراط في تناول الدسم فإنه يؤدي إلى تخلون الدم وإ لى فرط دسم الدم وشحوم البدن مما يؤدي إلى البدانة‬
‫وإ لى تصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم وتشحم الكبد وإ لى العديد من آفات القلب الخطيرة‪.‬‬
‫أما اإلسراف في تناول البروتينات من لحم وبيض وحليب وسواها فإن فضالتها السامة تتراكم في البدن وتعرضه‬
‫لإلصابة بالرمال الكلوية‪،‬أو باإلصابة بالنقرس(داء الملوك)‪،‬وإ لى قصور الكلي وارتفاع الضغط وتصلب‬
‫الشرايين أيضاً‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫الهدي النبوي في تدبير الطعام والشراب‬
‫غسل اليدين قبل الطعام وبعده‪:‬‬
‫يستحب للمسلم غسل اليدين قبل الطعام وبعده لحديث سلمان الفارسي ‪‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪":‬بركة الطعام الوضوء‬
‫قبله والوضوء بعده"‪.‬وقد فسر العلماء وضوء الطعام بغسل اليدين‪.‬‬
‫وعن أنس بن مالك ‪‬قال‪:‬سمعت رسول اهلل ‪‬يقول‪ ":‬من أحب أن يكثر اهلل خير بيته فليتوضأ إذا حضر غذاؤه‬
‫وإ ذا رفع" رواه ابن ماجة والبيهقي‪.‬‬
‫َّ‬
‫يلومن إال‬ ‫وعن أبي هريرة ‪‬أن النبي‪‬قال‪":‬من نام وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شيء فال‬
‫نفسه"‪،‬والغمر‪:‬ريح اللحم وزهومته‪.‬‬
‫لحاس فاحذروه على أنفسكم من بات وفي يده غمر فأصابه‬
‫وعنه أيضاً عن النبي ‪ ‬قوله‪":‬إن الشيطان حساس ّ‬
‫َّ‬
‫يلومن إال نفسه"‪.‬‬ ‫شيء فال‬
‫‪‬‬
‫َّ‬
‫يلومن إال نفسه"‬ ‫وعن أبي سعيد ‪‬عن النبي ‪ ‬قوله‪ ":‬من بات وفي يده ريح غمر فأصابه وضح فال‬
‫‪،‬والوضح‪:‬البرص‪.‬‬
‫وال تخفى الحكمة الصحية من هذا الهدي النبوي(‪.)16‬ففي حياة اإلنسان اليومية كثيراً ما يصافح شخصاً مريضاً‬
‫أو حامالً لجراثيم ممرضة أو يلمس أشياء ملوثة بجراثيم خطيرة فهو يجلس لطعامه غير عالم أن بين أنامله‬
‫خطراً كامناً ينتظر ذلك الطعام فيلوث لقمة يبتلعها ليصاب بذلك المرض‪،‬وأكثر األمراض انتشاراً عن ذلك‬
‫الطريق هي الكوليرا والتيفوئيد والزحار‪.‬هذا وإ ن الجلد(‪ )17‬يحتوي على سطحه على أثالم وأخاديد‪،‬وإ ن ما‬
‫يفرزه من دهن وعرق يساعد على التصاق تلك الجراثيم وبيوض الطفيليات بالجلد وحفظها بين ثناياه‪.‬‬
‫ويأتي الهدي النبوي باألمر بغسل اليدين قبل الطعام متوافقاً مع بدهيات الطب الحديث الوقائي ليسلم طعامه من‬
‫عوامل التلوث والمرض‪.‬أما غسل اليدين بعد الطعام فألن بقاياه التي تلوث األنامل يمكنها إذا بقيت أن تتفسخ وأن‬
‫تشكل ضمن حرارة الجسم وسطاً مالئماً لتكاثر الجراثيم واستحالتها إلى خطر داهم وهذا الخطر هو الذي حذر‬
‫منه النبي‪ ‬في كثير من أحاديثه التي أوردناها‪.‬‬
‫ويعلق د‪.‬الراوي(‪)17‬على قوله‪":‬من أراد أن يكثر خير بيته"‪،‬أن غسل اليدين قبل الطعام يدخل البركة على‬
‫اإلنسان كما قال الصادق المصدوق عليه الصالة والسالم‪,‬وأن البركة هنا هي _بركة العافية_ وهي الكنـز الذي ال‬
‫يفنى والكرم اإللهي الذي ال يقدر بثمن‪.‬وأن غسل اليدين قبل الطعام إجراء حاسم للوقاية من الفقر كما ورد في‬
‫األثر" الوضوء قبل الطعام بركة وينفي الفقر وبعده ينفي اللمم"‪.‬‬
‫‪ ‬رواه أبو داود والرتمذي‪،‬ضعَّفه األرناؤوط‪،‬ورفعه احلافظ املنذري إىل مرتبة احلسن‪.‬‬
‫حسن‪،‬وصححه ابن حبان‪.‬‬
‫َّ‬ ‫‪ ‬رواه أبو داود والرتمذي وقال حديث‬
‫وحسنه‪ .‬وقال األرناؤوط حديث حسن بشواهده‪.‬‬
‫رواه الرتمذي واحلاكم وقال صحيح اإلسناد‪،‬ورواه البغوي بسند آخر َّ‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬رواه الطرباين بإسناد حسن (احلافظ املنذري)‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫جلسة الطعام في الهدي النبوي ‪:‬‬

‫عن أبي جحيفة ‪‬قال‪":‬ال آكل متكئاً" رواه البخاري‪.‬‬
‫و عن أنس ‪‬قال ‪":‬رأيت النبي ‪ ‬جالساً مقعياً يأكل تمراً" رواه مسلم‪.‬‬
‫و قد ورد عن أبي بن كعب في صفة طعام النبي ‪ ": ‬أن النبي ‪ ‬كان يجثو على ركبتيه و كان ال يتكئ"‪.‬‬
‫وعن عبد اهلل بن بسر ‪‬قال كان لرسول اهلل ‪ ‬قصعة يقال لها الغراء يحملها أربعة رجال فلما أضحوا و سجدوا‬
‫للضحى أتي بتلك القصعة و قد ثرد عليها فالتفوا حولها‪،‬فلما كثروا جثا رسول اهلل ‪ ‬فقال له أعرابي ‪:‬ما هذه‬
‫الجلسة ؟ فقال ‪:‬إن اهلل جعلني عبداً كريماً و لم يجعلني جباراً عنيداً‪،‬ثم قال‪ :‬كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها‬
‫يبارك فيها"‪،‬وجثا يجثو‪:‬جلس على ركبتيه‪.‬‬
‫وعن أنس بن مالك ‪‬قال‪":‬لم يأكل النبي‪ ‬على خوان قط وما أكل خبزاً مرققاً حتى مات" رواه البخاري‪،‬وفي‬
‫رواية للترمذي‪:‬قيل لقتادة فعالم كانوا يأكلون؟ قال على السفر‪،‬والسُّفَر‪:‬جمع ُسفرة وهو ما يوضع على األرض‬
‫ليؤكل عليه‪.‬‬
‫قال ابن القيم(‪: )6‬و قد فسر االتكاء بالتربع‪ ،‬و فسر باالتكاء على الشيء و هو االعتماد عليه و فسر باالتكاء على‬
‫الجنب‪ .‬و األنواع الثالثة من االتكاء‪:‬فنوع منها يضر وهو االتكاء على الجنب فإنه يمنع مجرى الطعام عن هيئته‬
‫و يعوقه عن سرعة نفوذه الى المعدة فيضغطها فال يستحكم فتحها للغذاء‪ .‬و أما النوعان اآلخران فمن جلوس‬
‫الجبابرة المنافي للعبودية و لهذا قال ‪": ‬آكل كما يأكل العبد"‪.‬و كان يأكل وهو مقع‪،‬واإلقعاء أن يجلس لألكل‬
‫متوركاً على ركبتيه و يضع بطن قدمه اليسرى على ظهر القدم اليمنى‪.‬و هذه الهيئة أنفع هيئات األكل ألن‬
‫األعضاء كلها تكون على وضعها الطبيعي‪ .‬وإ ن كان المراد باالتكاء االعتماد على الوسائل التي تحت الجالس‬
‫فيكون المعنى‪:‬أما إذا أكلت لم أقعد متكئاً كفعل الجبابرة ومن يريد اإلكثار من الطعام‪،‬لكني آكل ُبْلغة كما يأكل‬
‫العبد"‪.‬‬
‫و يرى د‪.‬إبراهيم الراوي(‪ ) 18‬أن الجهاز الهضمي يحتاج إلى كمية كبيرة من الدم ليستطيع القيام بما يلزم‬
‫الستقبال الطعام الوارد و التهيؤ لهضمه لذا كان اإلجراء الطبي الصحيح لذلك وجوب الجلوس و ثني الساقين‬
‫تحت الجسم لحصر الدم في منطقة الجهاز الهضمي‪،‬مع وضع الساق اليسرى منثنية و اليمنى مرتكزة على القدم‬
‫لجعل المعدة حرة طليقة بعيدة عن أي ضغط مسلط باتجاهها من الخارج‪.‬و هذا هو أصح حالة لعمل الجهاز‬
‫الهضمي‪.‬كما يجب االمتناع عن الحركة و السير أثناء الطعام لمنع ذهاب الدم إلى العضالت في وقت يكون‬
‫جهازه الهضمي في أمس الحاجة إليه‪ .‬وهذا الوضع” جلسة الطعام" التي طبقها أستاذ البشرية سيدنا محمد‪ ‬وهو‬
‫أصح و أسلم في حالة الجلوس على األرض حول السفرة من استعمال الكراسي حول مائدة الطعام‪.‬‬
‫‪ ‬أخرجه القض< <<اعي يف مس< <<ند الش< <<هاب من رواية موسى الرضا عن آبائه متص < <الً‪،‬وأخرجه الط< <<رباين يف األوسط عن ابن عب< <<اس بلفظ‬
‫"الوضوء قبل الطعام وبعده مما ينفي الفقر" وكلها ضعيفة (احلافظ العراقي)‪.‬‬
‫‪ ‬رواه أبو الشيخ يف أخالق النيب ‪ ‬بسند حسن (احلافظ العراقي يف خترجيه ألحاديث إحياء علوم الدين)‪.‬‬
‫‪ ‬أخرجه أبو داود بإسناد حسن (األرناؤوط)‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫و حول األكل متكئاً يقول د‪.‬الراوي أن االتكاء يسبب التشنج و االضطراب و التقلص في عضالت البلعوم فال‬
‫ارتخاء في عضالت البطن فال تستطيع المعدة استقبال‬
‫ً‬ ‫يستطيع اإلنسان بلع اللقمة في ارتياح و لذة‪،‬كما أنه يحدث‬
‫الطعام بشكل صحيح‪ .‬وألن المعدة تكون بوضعها الصحيح في حالة انتصاب الجذع وارتكازه على األرض دون‬
‫لجوئه إلى االرتكاز الجانبي في حالة االتكاء‪.‬‬
‫أما د‪.‬غياث األحمد فيرى أن الجلوس على المقعدة(التربيع) يؤدي إلى انبساط المعدة و إلى أن تأخذ المعدة‬
‫مجاالً واسعاً فتزيد قابليتها ألخذ الطعام و المزيد منه‪.‬أما اإلقعاء بنصب الساقين أو أحدهما مما يضيق حيز المعدة‬
‫و يقلل اتساعها مما يؤدي بها إلى االمتالء بمقدار أقل من الطعام حيث يشعر المرء بالشبع بآلية انعكاسية فيقل‬
‫مطعمه وال يصاب بالتخمة‪.‬‬
‫التسمية قبل الطعام واألكل باليمين مما يلي اآلكل ‪:‬‬

‫عن عمر بن أبي سلمة ‪‬قال‪:‬كنت غالماً في حجر رسول اهلل ‪ ‬وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول اهلل‬
‫‪ : ‬يا غالم سم اهلل وكل بيمينك وكل مما يليك" ‪،‬رواه البخاري و مسلم‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪:‬كان رسول اهلل‪ ‬يأكل طعاماً في ستة من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين‬
‫فقال‪: ‬أما أنه لو سمى لكفاكم"‪.‬‬
‫عن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أن أصحاب رسول اهلل ‪ ‬قالوا‪:‬يا رسول اهلل إنا نأكل وال نشبع ؟‬
‫قال‪":‬لعلكم تفترقون ؟ قالوا‪:‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم اهلل يبارك لكم فيه"‪.‬‬
‫و عن جابر بن عبد اهلل ‪‬أن النبي‪ ‬قال‪":‬ال تأكلوا بالشمال فإن الشيطان يأكل بالشمال" رواه مسلم ‪،‬وفي رواية له‬
‫عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما‪،‬قوله‪":‬إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه و إذا شرب فليشرب بيمينه فإن‬
‫الشيطان يأكل بشماله و يشرب بشماله"‪.‬‬
‫و عن سلمة بن األكوع أن رجالً أكل عند رسول اهلل‪ ‬بشماله فقال له ‪": ‬كل بيمينك قال‪:‬ال أستطيع ‪،‬ما منعه إال‬
‫الكبر فقال‪:‬ال استطعت قال سلمة‪:‬فما رفعها إلى فيه" رواه مسلم‪.‬‬
‫و من حديث طويل رواه عبد اهلل بن بسر ‪‬أن النبي ‪ ‬أتي بقصعة قد ثرد فيها فقال عليه الصالة و السالم‪":‬كلوا‬
‫من جوانبها و دعوا ذروتها يبارك فيها" و عن أنس ‪‬أن النبي‪ ‬قال ‪":‬اذكروا اسم اهلل و ليأكل كل رجل مما يليه"‬
‫رواه البخاري‪ .‬وعن عبد اهلل بن عباس ‪‬أن النبي‪ ‬قال‪":‬البركة تنزل وسط الطعام فكلوا من حافته وال تأكلوا من‬
‫وسطه"‪.‬‬
‫التسمية أول الطعام تربط المسلم بالرزاق المنعم وتخلق فيه حالة من الطمأنينة تذكره بأن الرزق من عند اهلل وال‬
‫شك أن الذي يأكل وهو بحالة نفسية من الراحة والرضا فإن تمثل الطعام في بدنه ومن ثََّم فإن استفادته منه تكون‬
‫‪ ‬أخرجه الرتمذي وهو حديث حسن صحيح (األرناؤوط)‪.‬‬

‫‪ ‬أخرجه أبو داود وابن ماجة واإلمام أمحد وهو حديث ضعيف (األرناؤوط)‪.‬‬
‫‪ ‬أخرجه الرتمذي وهو حديث حسن صحيح (األرناؤوط)‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫أعظم مما لو كان قلقاً متوتراً أثناء تناوله لطعامه(‪.)16‬فالتوتر والقلق يؤديان إلى عسر الهضم وإ لى عدد من‬
‫أمراض السبيل الهضمي والتي تقلل االستفادة من الطعام المتناول‪.‬‬
‫وأما تخصيص اليد اليمنى(‪ )16‬لألمور الكريمة من أكل وشرب ومصافحة وغيرها‪ ،‬و تخصيص اليسرى‬
‫لألمور المستقذرة من استنجاء و رمي لألقذار فهي ال شك تنظيم نبوي كريم يمكن اعتباره من أسس النظافة و‬
‫الصحة الشخصية‪،‬و ينسجم مع مبادئ الطب الوقائي الحديث للوقاية من العدوى و تقليل عوامل سراية المرض‪.‬‬
‫أما أن يأكل المرء مما يليه من قصعة الطعام فهو وال شك هدي نبوي إلى خلق كريم تتجمل به الجماعة المسلمة‬
‫و ينم عن أدب اجتماعي جم رفيع هو من تعاليم من وصفه المولى مخاطباً إياه (وإ نك لعلى خلق عظيم)‪ .‬ولعل‬
‫من حكمته أنه يقلل خطر انتقال األوبئة فيما لو كان بعض اآلكلين حملة لجراثيم مهمة‪.‬‬
‫النهي عن الشرب و األكل واقفاً ‪:‬‬
‫عن أبي سعيد الخدري ‪"‬أن النبي ‪ ‬زجر عن الشرب قائماً" رواه مسلم‪ .‬و عن أنس و قتادة رضي اهلل عنهما عن‬
‫النبي‪" ‬أنه نهى أن يشرب الرجل قائماً"‪،‬قال قتادة‪:‬فقلنا فاألكل ؟ فقال‪:‬ذاك أشر و أخبث" رواه مسلم و الترمذي‪ .‬و‬
‫عن أبي هريرة ‪‬أن النبي‪ ‬قال‪":‬ال يشربن أحدكم قائماً فمن نسي فليستقئ" رواه مسلم‪.‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عباس رضي اهلل عنهما قال‪":‬سقيت رسول اهلل ‪ ‬فشرب وهو قائم" رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وعن أنس بن مالك ‪‬قال‪":‬نهى رسول اهلل ‪ ‬عن الشرب قائماً وعن األكل قائماً وعن المجثمة والجاللة والشرب‬
‫من فَ ِّي السقاء"‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪":‬رأيت رسول اهلل ‪ ‬يشرب قائماً وقاعداً"‪.‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال ‪":‬كنا نأكل على عهد رسول اهلل ‪ ‬ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام"‬
‫رواه الترمذي وقال صحيح غريب‪.‬‬
‫وعن أم الفضل بنت الحارث رضي اهلل عنها"أنها أرسلت إلى النبي ‪ ‬بقدح لبن وهو واقف عشية عرفة فأخذه‬
‫بيده فشربه" وزاد مالك بن النضر"على بعيره" رواه البخاري‪.‬‬
‫أحاديث شريفة بعضها ينهى عن الشرب واقفاً وبعضها يجيزه‪،‬فهل أن فيها ناسخ ومنسوخ؟‪.‬‬
‫يقول اإلمام النووي في شرحه لصحيح مسلم‪:‬ليس في هذه األحاديث _بحمد اهلل تعالى_ إشكال وال ضعف بل كلها‬
‫صحيحة والصواب فيها أن النهي محمول على كراهة التنـزيه‪.‬وأما شربه ‪ ‬قائماً فبيان للجواز فال إشكال وال‬
‫تعارض‪.‬وهذا الذي ذكرناه يتعين إليه المصير وأما من زعم نسخاً فقد غلط غلطاً فاحشاً‪.‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر معلقاً‪:‬وهذا أهم المسالك وأسلمها وأبعدها عن االعتراض‪،‬وقد أشار األثرم إلى ذلك‬
‫فقال‪:‬إن ثبتت الكراهة حملت على اإلرشاد والتأديب ال على التحريم‪،‬وبذلك جزم الطبري والخطابي وغيرهما‪.‬‬
‫أما من الناحية الصحية‪،‬فنحن مع الدكتور عبد الرزاق الكيالني(‪ )12‬أن الشرب وتناول الطعام جالساً أصح‬
‫وأسلم وأهنأ وأمرأ حيث يجري ما يتناوله اآلكل والشارب على جدران المعدة بتؤدة ولطف‪.‬أما الشرب واقفاً‬
‫‪ ‬رواه أبو يعلى والبزار ورجاله ثقات (اهليثمي يف جممع الزوائد)‪ .‬واجملثمة كل حيوان ينصب ويرمى ليقتل (نيشان)‪.‬‬
‫‪ ‬رواه الطرباين يف األوسط ورجاله ثقات (اهليثمي)‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫فيؤدي إلى تساقط السائل بعنف إلى قعر المعدة ويصدمه صدماً‪،‬وإ ن تكرار هذه العملية يؤدي مع طول الزمن إلى‬
‫استرخاء المعدة وهبوطها وما يلي ذلك من عسر هضم‪.‬وإ نما شرب النبي واقفاً لسبب اضطراري منعه من‬
‫الجلوس مثل الزحام المعهود في المشاعر المقدسة‪،‬وليس على سبيل العادة والدوام‪.‬كما أن األكل ماشياً ليس من‬
‫الصحة في شيء وما عرف عند العرب والمسلمين‪.‬وما ذكر في الحديث الغريب عن ابن عمر ‪‬عن أكلهم ماشين‬
‫وهم ذاهبون إلى الجهاد أو ألمر هام لم يستطيعوا معه الجلوس لتناول الطعام إنما هو وصف لحالة خاصة على‬
‫غير العادة واالستمرار‪،‬أو أن أكلهم ماشين أنهم يأكلون على ظهور إبلهم وهي ماشية بهم فهذا مشي لإلبل ولكنه‬
‫جلوس لهم‪.‬وإ ن حديث "من نسي فليستقيء" دليل على تشنيع النبي ‪‬لهذا الفعل‪،‬وإ نما فعله ‪ ‬حتى ال يحرج أمته‬
‫في أمور حياتهم اليومية والتي تقوم على عدم التكلف‪،‬فيكون مفهوماً ألصل السنة الشرب واألكل جلوساً‪،‬وال‬
‫حرج من فعله قائماً في ظروف خاصة‪.‬‬
‫ويرى الدكتور إبراهيم الراوي(‪ )19‬أن اإلنسان في حالة الوقوف يكون متوتراً ويكون جهاز التوازن في مراكزه‬
‫العصبية في حالة فعالية شديدة حتى يتمكن من السيطرة على جميع عضالت الجسم لتقوم بعملية التوازن‬
‫والوقوف منتصباً‪.‬وهي عملية دقيقة ومعقدة يشترك فيها الجهاز العصبي_العضلي في آن واحد مما يجعل‬
‫اإلنسان غير قادر للحصول على الطمأنينة العضوية التي تعتبر من أهم الشروط المرجوة عند الطعام‬
‫والشراب‪،‬هذه الطمأنينة يحصل عليها اإلنسان في حالة الجلوس حيث تكون الجملة العصبية والعضلية في حالة‬
‫من الهدوء واالسترخاء وحيث تنشط األحاسيس وتزداد قابلية الجهاز الهضمي لتقبل الطعام والشراب وتمثله‬
‫بشكل صحيح‪.‬‬
‫ويؤكد د‪.‬الراوي أن الطعام والشراب قد يؤدي تناوله في حالة الوقوف(القيام) إلى إحداث انعكاسات عصبية‬
‫شديدة تقوم بها نهايات العصب المبهم المنتشرة في بطانة المعدة‪،‬وإ ن هذه االنعكاسات إذا حصلت بشكل شديد‬
‫ومفاجئ فقد تؤدي إلى انطالق شرارة النهي العصبي الخطيرة ‪ Vagal Inhibation‬لتوجيه ضربتها القاضية‬
‫للقلب ‪،‬فيتوقف محدثاً اإلغماء أو الموت المفاجئ‪.‬كما أن االستمرار على عادة األكل والشرب واقفاً تعتبر خطرة‬
‫على سالمة جدران المعدة وإ مكانية حدوث تقرحات فيها حيث يالحظ األطباء الشعاعيون أن قرحات المعدة تكثر‬
‫في المناطق التي تكون عرضة لصدمات اللقم الطعامية وجرعات األشربة بنسبة تبلغ ‪ ٪95‬من حاالت اإلصابة‬
‫بالقرحة‪.‬كما أن حالة عملية التوازن أثناء الوقوف ترافقها تشنجات عضلية في المرئ تعيق مرور الطعام بسهولة‬
‫إلى المعدة ومحدثة في بعض األحيان آالماً شديدة تضطرب معها وظيفة الجهاز الهضمي وتُفقد صاحبها البهجة‬
‫واالطمئنان عند تناوله لطعامه وشرابه‪.‬‬
‫الشرب مصاً على ثالث دفعات‪:‬‬

‫عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه"أن رسول اهلل ‪‬كان يتنفس إذا شرب ثالثاً" رواه الشيخان‪.‬وفي رواية قوله‪":‬كان‬
‫رسول اهلل ‪‬يتنفس في الشراب ثالثاً ويقول إنه أروى وأبرأ وأمرأ"‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫وعن معمر بن أبي الحسين مرسالً أن النبي ‪ ‬قال‪":‬إذا شرب أحدكم فليمص الماء مصاً وال يعب عباً فإن الكباد‬
‫وعب َّ‬
‫عباً‪ :‬شرب الماء دفعة واحدة والكباد مرض في الكبد‪.‬‬ ‫من العب"‪َّ ،‬‬
‫وعن‬ ‫‪‬‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها أن النبي ‪ ‬قال‪":‬مصُّوا الماء مصاً وال تعبوا عباً فإن الكباد من العب"‬
‫مصاً"‪.‬‬
‫عطاء بن أبي رباح مرسالً أن النبي ‪ ‬قال‪":‬إذا شربتم فاشربوا َّ‬
‫وعن أبي هريرة ‪"‬أن النبي ‪ ‬كان يشرب في ثالثة أنفاس‪،‬إذا أدنى إلى فيه يسمي اهلل وإ ذا أخره حمد اهلل يفعل ذلك‬
‫ثالثاً"‪.‬‬
‫فالهدي النبوي في شرب الماء أن يقسم المرء شرابه إلى ثالثة أجزاء يتنفس بينها‪،‬مبعداً اإلناء عن فيه وعن نفسه‬
‫وقاية له من التلوث‪،‬وان يمص الماء مصاً _أي ببطء_ ألنه أهنأ وأمرأ وأبرأ لداء العطش‪.‬قال النووي كان يتنفس‬
‫في الشراب ثالثاً أي أثناء شربه‪.‬وقال المنذري(‪ )20‬وهذا محمول على أنه‪ ‬كان يبعد القدح عن فيه في كل مرة‬
‫ثم يتنفس‪.‬‬
‫يقول د‪.‬النسيمي(‪:)9‬وفي تقسيم اإلنسان شرابه إلى ثالثة أقسام فوائد أهمها تذوق الماء والشراب ليدرك مدى‬
‫صالحيتها للشرب ودرجة حرارتها وما قد طرأ عليها من فساد أو تغير بمواد قد تكون سامة‪،‬فيحجم عن الشرب‬
‫قبل فوات األوان بشربها دفعة واحدة‪،‬وكثيراً ما تأذى أناس أو ماتوا بتجرعهم سائالً ضاراً أو ساماً بطريق الخطأ‬
‫بعد عن تنبيه العصب المبهم تنبيهاً شديداً‪،‬هذا‬
‫ماء‪.‬وفي المص وتقسيم الشراب البارد إلى جرعات ٌ‬
‫إذ ظنوه ً‬
‫العصب الذي يبطئ القلب‪،‬فإذا تنبه بعنف كأن يكون الماء أو الشراب الوارد بارداً كثيراً فقد يؤدي تناوله‬
‫بسرعة(عباً)إلى توقف القلب بالنهي العصبي وقد يحدث الموت فجأة‪.‬‬
‫ويؤكد د‪.‬الراوي(‪ )21‬هذا المعنى في مشاهدة له في القصر العدلي لشاب رياضي سقط ميتاً عند هجومه على‬
‫كوب من الماء البارد وشربه بشره دون ٍّ‬
‫تأن دفعة واحدة‪.‬‬
‫والذي يشرب الماء دفعة واحدة يضطر أن يتنفس في اإلناء وهذا منهي عنه عدا عما فيه من األضرار‪.‬كما ينقل‬
‫عن الكتب الطبية المدرسية معالجتها لبعض اآلفات العصبية للمريء والسبيل الهضمي عالجاً فيزيائياً يتضمن‬
‫إعطاء السوائل بجرعات صغيرة متكررة تحدث تنبيهات تنشط األعصاب والعضالت الحلقية في جدار المريء‬
‫وحيث ينتج عن ترويضها هذا العالج الشافي‪.‬‬
‫وينقل د‪.‬النسيمي(‪)9‬وصية أخرى من الطب الحديث للمصابين بالوذمات باإلقالل من شرب الماء وتعليمهم لدفع‬
‫الشعور بالعطش أن يقسموا ماء الشرب إلى جرعات صغيرة حيث يتناولوا جرعة صغيرة كلما شعروا بالعطش‬
‫وهذا يعطي شعوراً أكبر بالري‪،‬وألن الري الحقيقي ال يحصل إال بعد امتصاص الماء فإذا عب اإلنسان الماء‬
‫بسرعة فال يرتوي إال بعد تناول الكؤوس العديدة والكثيرة مما يؤدي إلى تمدد المعدة واضطراب الهضم‪.‬‬
‫‪ ‬رواه البيهقي وعبد الرزاق يف مصنفه ورجاله ثقات (حممد عوامة)‪.‬‬

‫‪ ‬رواه البيهقي يف شعب اإلميان وابن السين وسنده جيد (األهدل)‪.‬‬
‫‪ ‬رواه أبو داود‪،‬قال ابن عبد الرب للحديث أسانيد كثرية فيها اضطراب لكن اجتماعها أحدث قوة صرَّي ته حسناً (املناوي)‪.‬‬
‫‪ ‬رواه ابن ماجة والبزار والطرباين يف األوسط‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫ويرى د‪.‬الكيالني(‪ )12‬أن الذي يشرب الماء دفعة واحدة يضطر إلى كتم نفسه إلى أن ينفد كوب الماء ألن تقاطع‬
‫طريقي الماء والهواء عند البلعوم يمنع أن يسيرا معاً وعندما يكتم المرء نفسه طويالً ينحبس الهواء في الرئتين‬
‫ويضغط على جدران أسناخها والتي تتوسع بالتدريج مع استمرار هذه العادة حتى يصاب بانتفاخ الرئة والتي‬
‫يمكن أن تؤدي إلى القلب الرئوي وقصور القلب‪،‬وقد ينعكس ذلك مع الوقت على الكبد فتتضخم وتصبح مؤلمة‬
‫وتنتشر الوذمات في البدن‪.‬‬
‫النهي عن النفخ في الشراب أو التنفس فيه‪:‬‬
‫عن أبي سعيد الخدري ‪‬قال‪":‬نهى رسول اهلل ‪ ‬عن الشرب من ثلمة القدح وأن ينفخ في الشراب"‪.‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عباس رضي اهلل عنهما قال‪ ":‬نهى رسول اهلل ‪ ‬أن يتنفس في اإلناء أو أن ينفخ فيه"‪.‬‬
‫وعن أبي قتادة ‪‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪":‬إذا شرب أحدكم فال يتنفس في اإلناء" رواه البخاري‪.‬‬
‫وعن أبي سعيد الخدري رضي اهلل عنه"أن النبي ‪ ‬نهى عن النفخ في الشراب" فقال رجل‪:‬القذاة أراها في‬
‫اإلناء‪،‬قال‪ :‬أهرقها"‪.‬‬
‫وعن أبي المثنى الجهني قال‪ :‬كنت عند مروان بن الحكم فدخل عليه أبو سعيد فقال له مروان‪:‬أسمعت رسول اهلل‬
‫‪ ‬ينهى عن النفخ في الشراب ؟ قال نعم‪،‬فقال رجل لرسول اهلل ‪ :‬إني ال أروى من نفس واحد فقال ‪ ": ‬فأبن‬
‫القدح عن فيك ثم تنفس" أخرجه مالك في موطئه‪.‬‬
‫قال ابن القيم (‪":)6‬وأما النهي عن النفخ في الشراب فإنه يكسبه من فم النافخ رائحة كريهة ُيعاف ألجلها ال سيما‬
‫إذا كان متغير الفم ‪،‬وبالجملة فأنفاس النافخ تخالطه"‪.‬‬
‫والحقيقة أن هذا هدي نبوي كريم فيه أدب رفيع ‪،‬فالنفخ في الطعام والشراب خروج على اآلداب العامة ومجلبة‬
‫لالزدراء‪ .‬أما من الناحية الطبية (‪ )21‬فإن هواء الزفير مفعم بغاز الفحم وفضالت الجسم الطيارة والتي تكثر‬
‫نسبتها عند المصابين بالتسمم البولي (األوريميائي) أو االنسمام الخلوني (السكريين) وما النفخ إال اختالط لهذه‬
‫السمي‪.‬‬
‫الفضالت بالطعام والشراب ومن ثم إعادتها إلى الجسم عند تناوله لتؤدي فعلها ّ‬
‫ومن هنا نفهم المعجزة النبوية الخالدة بنهي النبي ‪ ‬عن تبريد الطعام أو الشراب بالنفخ عليه وقاية لإلنسان من‬
‫مخاطر المرض‪.‬‬
‫النهي عن الشرب من ثلمة القدح ‪:‬‬

‫؛وثلمة القدح مكان انكسار قطعة‬ ‫‪‬‬
‫عن أبي سعيد الخدري ‪‬قال‪":‬نهى رسول اهلل ‪ ‬عن الشرب من ثلمة القدح"‬
‫من حافة القدح‪.‬‬
‫‪ ‬رواه أبو داود والرتمذي وهو حديث حسن (األرناؤوط)‪.‬‬

‫‪ ‬رواه أبو داود والرتمذي وقال حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫‪ ‬رواه الرتمذي وقال حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫‪ ‬رواه أبو داود والرتمذي وهو حديث حسن (األرناؤوط)‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫قال المناوي‪:‬وجاء في رواية أنها‪-‬أي الثلمة ‪ -‬مقعد الشيطان‪.‬وقال ابن األثير‪:‬وحديث النخعي أنه ‪ ‬كره‬
‫الشرب من ثلمة القدح وقال أنها كفل الشيطان‪ ،‬أراد أنها ركب الشيطان لما يكون عليها من األوساخ‪.‬‬
‫يقول ابن القيم(‪" )6‬إن الشرب من ثلمة القدح فيه عدة مفاسد أحدهما أن يكون على وجه الماء من قذى أو غيره‬
‫يجتمع إلى الثلمة‪،‬والثاني أنه ربما يشوش على الشارب فال يتمكن من حسن الشرب‪،‬والثالث أن الوسخ والزهومة‬
‫تجتمع في الثلمة وال يصل إليها الغسل كما إلى الجانب الصحيح‪،‬الرابع أن الثلمة محل العيب في القدح وهي أردأ‬
‫مكان فيه فيجب تجنبه‪،‬والخامس أنه كان في الثلمة شق يجرح فم الشارب"‪.‬‬
‫وفي الحقيقة فإننا ال يمكن أن نزيد شيئاً على ما أورده ابن القيم من حكم للنهي النبوي عن الشرب من ثلمة القدح‬
‫غير أن رواية "أنها مقعد للشيطان" أو "كفل للشيطان" قد تكون من التعابير النبوية المعجزة لمفاهيم علمية حديثة‬
‫عن وجود تجمع هائل للجراثيم والطفيليات في ثلمة القدح وحيث يصعب تطهيرها تماماً‪.‬‬
‫النهي عن الشرب من في السقاء ‪:‬‬

‫عن عبد اهلل بن عباس رضي اهلل عنهما قال ‪":‬نهى رسول اهلل ‪ ‬عن الشرب من في السقاء"‪.‬‬
‫رواه البخاري‪،‬وفي السقاء‪:‬فمه والسقاء كل ما يجعل فيه ما يسقى كالقربة ِ‬
‫والجرار‪.‬‬
‫وعن أبي سعيد الخدري ‪‬قال ‪":‬نهى رسول اهلل ‪ ‬عن اختناث األسقية‪:‬أن يشرب من أفواهها" رواه مسلم وقال‬
‫الراوي إنما نهي عنه ألنه ينتنها فإن إدامة الشرب هكذا مما يغير ريحها‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪‬قال‪":‬نهى رسول اهلل ‪ ‬أن يشرب من السقاء والقربة" رواه البخاري ومسلم‪،‬وإ نما نهي عن‬
‫الشرب من في السقاء من أجل ما يخاف من أذى عساه يكون فيه ال يراه الشارب حتى ال يدخل جوفه فاستحب أن‬
‫يشرب من إناء ظاهر يبصره‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها أنها قالت‪":‬نهى رسول اهلل ‪ ‬أن يشرب من في السقاء ألن ذلك ينتنه"‬
‫رواه الحاكم‪.‬‬
‫علي رسول اهلل ‪ ‬فشرب من في قربة معلقة"‪.‬‬
‫وعن كبشة األنصارية رضي اهلل عنها قالت‪":‬دخل َّ‬
‫رواه الترمذي وقال حديث صحيح‪.‬‬
‫قال النووي‪:‬النهي عن الشرب من في السقاء للتنـزيه الحتمال وجود شيء من الهوام في الماء لذلك إذا غطي فم‬
‫الجرة أو ربط فم القربة فال مانع من الشرب من فمها‪،‬لكن األولى أال يشرب من في السقاء امتثاالً لألمر النبوي‪.‬‬
‫وقد جمع العلماء‪ ‬بين أحاديث جواز الشرب من في القربة وأحاديث المنع جواز الشرب وأن النهي وأن النهي‬
‫إنما هو للتنـزيه‪.‬‬
‫‪ ‬يف حاشيته على اجلامع الصغري للسيوطي‪.‬‬

‫‪ ‬ابن األثري اجلزري يف كتابه‪:‬النهاية يف غريب احلديث واألثر‪.‬‬
‫‪ ‬النووي عن شرحه لصحيح مسلم‪<.‬‬
‫‪ ‬عبد القادر األرناؤوط يف شرحه جلامع األصول‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫يقول د‪.‬الكيالني (‪ )12‬فاإلناء إن لم يكن شفافاً (من الزجاج) وكانت فوهته مفتوحة فقد يسقط فيه شيء من الهوام‬
‫أو القذى أو الحشرات من عقرب وسواه‪،‬فإذا شرب من فم السقاء فإن هذه قد تدخل جوفه فتؤذيه‪،‬كما أنه بعد‬
‫انتهاء الشرب وخاصة إذا كان الشارب مريضاً فقد يعود ريقه مع ما يحمله من جراثيم إلى فم السقاء ويصبح‬
‫خطراً على الشاربين‪.‬‬
‫النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة ‪:‬‬

‫عن حذيفة بن اليمان ‪‬أنه سمع النبي ‪ ‬يقول ‪":‬ال تلبسوا الحرير والديباج وال تشربوا في آنية الذهب والفضة وال‬
‫تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولنا في اآلخرة" رواه البخاري‪.‬‬
‫وعن أم سلمة رضي اهلل عنها أن النبي ‪ ‬قال ‪":‬الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر بطنه في نار‬
‫جهنم" رواه البخاري‪.‬‬
‫هذا ولم أجد أحداً من الباحثين ذكر حكمةً صحيةً لهذا األمر التعبدي‪ .‬ولعل من الحكمة دعوته‪ ‬إلى عدم التبذير‬
‫وعدم الكبرياء وألن في غيرهما من المعادن ما يفي الغرض‪،‬وأيضاً حتى ال توجد أزمة نقدية باستعمال ما‬
‫خصص لها من ذهب وفضة في غير موضعه‪.‬‬
‫أال يعيب طعاماً قط ‪:‬‬

‫عن أبي هريرة عنه رضي اهلل قال ‪":‬ما عاب النبي ‪ ‬طعاماً قط إن اشتهاه أكله وإ ن كرهه تركه" رواه البخاري‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫والحق أن هذا هو التصرف الصحي السليم فتناول الطعام المشتهى يساعد على هضمه واستقالبه واالستفادة منه‬
‫بالشكل األمثل (‪.)16‬‬
‫االجتماع على الطعام‪:‬‬

‫عن جابر بن عبد اهلل ‪‬أن النبي ‪ ‬قال ‪" :‬أحب الطعام ما تكاثرت عليه األيدي" وفي رواية "ما كان على ضفف"‪.‬‬
‫وعن وحشي بن حرب بن وحشي عن أبيه عن جده ‪‬قال‪ :‬قالوا يا رسول اهلل إنا نأكل وال نشبع ؟ قال‪":‬تجتمعون‬
‫على الطعام أو تتفرقون" قالوا نتفرق قال ‪":‬اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم اهلل تعالى يبارك لكم فيه"‪.‬‬
‫وفي الحديث إشارة إلى أن المواساة إذا حصلت‪،‬حصلت معها البركة فتعم الحاضرين‪ .‬وهذا عالج نبوي كريم‬
‫عندما شكى إليه الصحابة الكرام من الجوع وعدم الشبع‪.‬‬
‫المضمضة بعد الطعام ‪:‬‬
‫‪ ‬د‪ .‬مصطفى< عمارة يف حتقيقه على هامش الرتغيب والرتهيب للمنذري‪<.‬‬

‫‪ ‬رواه الطرباين يف األوسط وأبو يعلى وابن عدي يف الكامل وإسناده حسن (احلافظ العراقي)‪.‬‬
‫‪ ‬رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان يف صحيحه‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫عن سويد بن النعمان قال ‪":‬خرجنا مع رسول اهلل ‪ ‬إلى خيبر فلما كنا بالصهباء دعا بطعام‪،‬فما أُتي إال‬
‫بسويق‪،‬فأكلنا‪،‬فقام إلى الصالة فتمضمض ومضمضنا" رواه البخاري‪.‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عباس رضي اهلل عنهما "أن رسول اهلل ‪ ‬شرب لبناً فدعا بماء فمضمض وقال‪:‬إن له دسماً" رواه‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وفي هذا الهدي النبوي حفظ لصحة األسنان ووقايتها من النخر والتسوس‪،‬ذلك أن بقايا الطعام في الفم وبين ثنايا‬
‫األسنان يمكن أن تتخمر وتتفسخ متحولة ضمن الفم إلى مزرعة جرثومية خطيرة يمكن أن تترعرع فيها الجراثيم‬
‫وتتكاثر بسهولة مؤدية إلى حاالت مرضية قد تكون وخيمة العواقب‪،‬ومن أجل هذا أيضاً كما سنرى شرع‬
‫استعمال السواك‪.‬‬
‫عدم األكل من الخبز المرقق المنخول‪:‬‬

‫عن سهل بن سعد "أن النبي ‪ ‬كان يأكل خبز الشعير غير منخول"‪.‬‬
‫وعن أبي حازم قال سألت سهل بن سعد ‪‬هل أكل رسول اهلل ‪ ‬النقي ؟ فقال‪:‬ما رأى رسول اهلل ‪ ‬النقي من حين‬
‫ابتعثه اهلل حتى قبضه‪ .‬فقلت‪ :‬هل كانت لكم في عهد رسول اهلل ‪ ‬مناخل ؟ فقال‪ :‬ما رأى رسول اهلل ‪ ‬منخالً من‬
‫حين ابتعثه اهلل حتى قبضه اهلل‪.‬فقلت ‪:‬كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول ؟ فقال ‪":‬نطحنه وننفخه فيطير منه ما‬
‫يطير وما بقي َّثريناه فأكلناه" رواه البخاري‪.‬‬
‫وعن أنس بن مالك ‪‬قال‪":‬ما أكل النبي ‪ ‬على خوان وال في سكرجة وال خبز له مرقق وفي رواية وما أكل خبزاً‬
‫مرققاً حتى مات" رواه البخاري‪.‬‬
‫وعن أم أيمن رضي اهلل عنها أنها غربلت دقيقاً فصنعته للنبي ‪ ‬رغيفاً فقال‪ :‬ما هذا ؟ قالت طعام كنا نصنعه‬
‫رديه فيه ثم اعجنيه"‪.‬‬
‫بأرضنا فأحببت أن أصنع لك منه رغيفاً فقال ‪ّ :‬‬
‫رواه ابن ماجه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وعن أنس ‪‬قال‪" :‬ما رأى النبي ‪ ‬رغيفاً محوراً بواحد من عينيه حتى لحق باهلل"‬
‫األبيض‪،‬وثريناه‪:‬بلَّلناه بالماء‪،‬والخوان هو طاولة الطعام‪،‬أما السكرجة فهي اإلناء الذي توضع فيه‬
‫َّ‬ ‫النقي‪:‬الدقيق‬
‫الكوامخ والمقبالت‪،‬والمحور الني ينخل مرة بعد مرة‪.‬‬
‫يقول د‪.‬الكيالني (‪:)12‬لقد رفض رسول اهلل ‪ ‬الرغيف األبيض ذو الدقيق المنخول ورغب في األسمر المصنوع‬
‫من الدقيق الكامل غير المنخول‪،‬حدث هذا منذ ‪ 14‬قرناً وعرف الطب الحديث اليوم أهمية النخالة وفائدة إضافتها‬
‫إلى الخبز في منع حدوث سرطان الكولون الذي كثرت حوادثه في المجتمعات المتحضرة التي تأكل الخبز‬
‫األبيض وصارت أكياس النخالة تباع اليوم ليؤكل منها مع الطعام لمنع حدوث اإلمساك المزمن وللوقاية من‬
‫سرطان القولون‪.‬‬
‫‪ ‬اهليثمي يف جممع الزوائد‪ :‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪ ‬رواه ابن ماجة‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫كما صار الخبز األسمر مرغوباً به عند من يهتم بالصحة هذا عدا عن أن االقتصار على الخبز األبيض قد يؤدي‬
‫إلى نقص في عنصر الزنك في الجسم والذي يؤدي إلى الشيخوخة المبكرة‪.‬‬
‫النهي عن أكل الطعام الحار ‪:‬‬

‫عن أبي هريرة ‪"‬أن النبي ‪ ‬كان ال يأكل الحار ويقول إنه غير ذي بركة وأن اهلل لم يطعمنا ناراً" رواه البيهقي‬
‫بإسناد صحيح‪.‬‬
‫الحار غير ذي بركة"‪.‬‬
‫وعن جابر ‪‬أن النبي ‪ ‬قال‪":‬أبردوا بالطعام الحار فإن َّ‬
‫وعن أبي هريرة ‪"‬أن النبي ‪ ‬أُتي بصفحة تفور فرفع يده منها وقال‪:‬إن اهلل لم يطعمنا ناراً"‪.‬‬
‫وعن صهيب ‪‬قال ‪":‬نهى رسول اهلل ‪ ‬عن أكل الطعام الحار حتى يمكث"‪.‬‬
‫وعن خولة بنت قيس رضي اهلل عنها "أن النبي ‪ ‬دخل عليها فصنعت له حريرة (وفي رواية خريزة) فلما قدمتها‬
‫حرها فقبضها ثم قال يا خولة إنا ال نصبر على حر وال نصبر على برد"‪.‬‬
‫إليه فوضع يده فيها فوجد َّ‬
‫أما من الناحية الطبية فإن األطعمة واألشربة الحارة جداً يمكن أن تؤدي كثيراً إلى حروق تبدو غالباً (‪ )24‬في‬
‫قبة الحنك أو المنطقة الشفوية‪ .‬وتعزو الكتب الطبية المدرسية (‪ )25‬كثرة حدوث السرطانات في القسم العلوي‬
‫من جهاز الهضم وخاصة سرطان المريء إلى االعتياد على شرب المشروبات شديدة الحرارة وال سيما الشاي‪.‬‬
‫عدم النوم بعد الطعام مباشرة‪:‬‬

‫‪‬‬
‫عن عائشة رضي اهلل عناه أن النبي ‪ ‬قال‪":‬أذيبوا طعامكم بذكر اهلل والصالة وال تناموا عليه فتقسوا قلوبكم"‬
‫‪.‬‬
‫وعن علي بن أبي طالب كرم اهلل وجهه أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪":‬أكل العباد ونومهم عليه قسوة في قلوبهم"‪.‬‬
‫الحراني‪:‬والقسوة اشتداد التصلب والتحجر‪،‬وقال الغزالي (‪ )11‬وفيه يستحب أال ينام بعد الشبع فيجمع بين‬
‫قال َّ‬
‫ليص ِّل أو يجلس يذكر اهلل فإنه أقرب إلى الشكر‪،‬وكان الثوري رحمه اهلل إذا‬
‫غفلتين فيعتاد الفتور ويقسو قلبه ولكن َ‬
‫شبع ليلة أحياها‪.‬‬
‫‪ ‬رواه احلاكم يف مستدركه والسيوطي< يف الطب النبوي وأخرجه الطرباين يف األوسط لكن من رواية أيب هريرة وهو حديث‬
‫ضعيف (احلافظ العراقي)‪.‬‬
‫‪ ‬رواه الطرباين يف األوسط والصغري وهو حديث ضعيف (احلافظ العراقي)‪.‬‬
‫‪ ‬أخرجه البيهقي يف شعب اإلميان بإسناد جيد (حسن األهدل)‪.‬‬
‫‪ ‬رواه ال< <<بيهقيفي الش< <<عب وأمحد والط< <<رباين وإس< <<ناده جيد (احلافظ الع< <<راقي) وق< <<ال اهليثمي‪:‬رواه الط< <<رباين بس< <<ندين أح< <<دمها رج< <<ال‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫‪ ‬رواه الطرباين يف األوسط والبيهقي يف الشعب وأبو نعيم‪،‬ضعفه السيوطي لكن اهليثمي قال‪:‬ضعيف لكن له شاهد عند الديلمي‬
‫عن علي رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال‪:‬أكل العشاء والنوم عليه قسوة في القلب‪.‬‬
‫‪ ‬أخرجه ابن ماردويه والسيوطي يف الدر املنثور والديلمي بلفظ قريب‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫وتذكر كتب الطب الوقائي (‪ )22‬أن النوم يوجب البطء في جميع األفعال الحيوية في البدن والهضم من‬
‫جملتها‪،‬فالنوم بعد الطعام يربك الهضم ويؤدي إلى عسرات وكثرة الغازات‪،‬كما أنه من المالحظ (‪ )23‬أن معظم‬
‫حاالت الذبحة الصدرية تأتي بعد وجبة ثقيلة والنوم بعدها مباشرة‪ .‬فيجب ترك فترة تقرب من ساعة تفصل بين‬
‫انتهاء الطعام والنوم الطويل حتى تكون المعدة قد انتهت تقريباً من هضمه‪.‬‬
‫األمر بلعق األصابع والصفحة ‪:‬‬

‫أي طعامكم البركة" رواه مسلم‪.‬‬
‫عن جابر ‪"‬أن النبي ‪ ‬أمر بلعق األصابع والصفحة وقال‪:‬إنكم ال تدرون في ِّ‬
‫وعن أبي هريرة ‪‬أن النبي ‪ ‬قال‪":‬إذا أكل أحدكم فليلعق أصابعه فإنه ال يدري في أيتهن البركة" رواه مسلم‬
‫والترمذي‪.‬‬
‫وعن جابر ‪‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪":‬إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها وال يدعها‬
‫أي طعامه البركة" رواه مسلم‪.‬‬
‫للشيطان‪،‬وال يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فإنه ال يدري في ِّ‬
‫وعن كعب بن مالك ‪‬قال‪" :‬رأيت رسول اهلل ‪ ‬يأكل بثالث أصابع فإن فرغ لعقها" رواه مسلم‪.‬‬
‫قال القاضي عياض‪:‬إن المراد بذلك هو عدم التهاون بالطعام القليل وإ ن محله فيما لم يحتج إلى غسل الماء مما‬
‫ليس فيه دسم وال زهومة فإن احتاج كان الغسل أولى‪.‬‬
‫وقال الخطابي‪:‬عاب قوم أفسد عقولهم الترف فزعموا أن لعق األصابع مستقبح كأنهم لم يعلموا أن الطعام الذي‬
‫علق باألصابع أو الصفحة هو جزء من أجزاء ما أكلوه‪،‬وإ ذا لم يكن سائر أجزائه مستقذراً لم يكن الجزء اليسير‬
‫منه مستقذراً‪.‬‬
‫ويعلق د‪ .‬األحمد (‪ )16‬فيقول‪:‬والحق أن وسيلة األكل في تلك األيام كانت األصابع‪،‬واليوم فهل يعيب على اآلكل‬
‫أن يلعق ملعقته ؟‪.‬‬
‫تغطية اإلناء وإ يكاء السقاء ‪:‬‬

‫الساعدي ‪‬قال‪" :‬أتيت النبي ‪ ‬بقدح من لبن النقيع ليس مخمراً فقال رسول اهلل ‪ ":‬أال خمرته ولو‬
‫عن أبي حميد ّ‬
‫تعرض عليه عوداً" قال أبو حميد‪:‬إنما أمرنا باألسقية أن توكأ ليالً وباألبواب أن تغلق" رواه مسلم‪ .‬وتخمير اإلناء‬
‫تغطيته لئال يسقط فيه شيء وأوكأت اإلناء إذا شددته‪.‬‬
‫وعن جابر ‪‬أن النبي ‪ ‬قال‪":‬غطوا اإلناء وأوكوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل بها وباء‪،‬ال يمر بإناء ليس عليه‬
‫غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إال نزل فيه من ذلك الوباء" رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫إن تغطية آنية الطعام والشراب لحمايتها من الغبار والذباب ومن أجل منع التلوث الجرثومي وانتشار األمراض‬
‫السارية تعتبر من أهم قواعد الطب الوقائي الحديث‪،‬وإ نه لمن المعجز حقاً أن يأمر النبي ‪ ‬بهذا الهدي الصحي‬
‫‪25‬‬
‫العظيم‪،‬وأن يخبر بإمكانية انتقال الوباء بهذه الطريقة قبل اكتشاف الجراثيم والعوامل الممرضة بأكثر من ‪14‬‬
‫قرناً‪.‬‬
‫تقديم العشاء على صالة ِ‬

‫العشاء ‪:‬‬ ‫َ‬
‫بالعشاء" رواه البخاري‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العشاء وأُقيمت الصالة فابدؤوا َ‬
‫عن أنس بن مالك ‪‬عن النبي ‪ ‬أنه قال‪":‬إذا ُوضع َ‬
‫إن هذا الحديث عبارة عن قاعدة شرعية جليلة‪،‬الحكمة منها أن المصلي الخاوي البطن يبتعد عن الخشوع فينقر‬
‫صالته مستعجالً فال يحقق المراد من الصالة‪ .‬فالنبي ‪ ‬ينصح المسلمين وخاصة في شهر الصيام أن يبدؤوا‬
‫بالطعام أوالً ثم يصلوا بعد ذلك كي يتسنى لهم الخشوع في صالتهم‪.‬‬
‫أما التعليل الطبي لهذا األمر النبوي (‪ )12‬فإن الطعام منذ أن يوضع وتظهر روائحه فإن العصارات الهاضمة‬
‫تبدأ باإلفراز ومنها اللعاب كما تسيل عصارة المعدة منتظرة وصول الطعام إليها وفيها من الحموض والخمائر ما‬
‫فيها‪،‬فإذا تأخر وصول الطعام إليها فقد تؤثر هذه العصارة المتدفقة على جدران المعدة أو في جدران البصلة‬
‫العفجية محدثة فيها التقرحات‪،‬وقد يصاب المرء بعد ذلك بضعف إفراز العصارة المعدية إذا وجدت أن التنبيهات‬
‫كانت تأتيها خاطئة ويصاب المرء بعسرة الهضم‪.‬‬
‫ما يقوله المسلم إذا فرغ من طعامه‪:‬‬

‫عن أبي أمامة ‪‬أن النبي ‪ ‬إذا رفع مائدته قال‪":‬الحمد هلل حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفي وال مودع وال‬
‫مستغنى عنه" رواه البخاري‪.‬‬
‫ً‬
‫وعنه أيضاً أن النبي ‪ ‬إذا فرغ من طعامه قال‪":‬الحمد هلل الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين" ‪.‬‬
‫‪‬‬
‫وعن أنس بن مالك ‪‬أن النبي ‪ ‬قال‪":‬من أكل طعاماً فقال‪:‬الحمد هلل الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني‬
‫وال قوة ُغفر له ما تقدم من ذنبه"‪.‬‬
‫مراجع البحث‬
‫د‪.‬إبراهيم الراوي عن مقالته "نظرة إلى نظام اإلسالم في التغذية" مجلة حضارة اإلسالم العدد‪ 9‬لعام‬ ‫‪-1‬‬
‫‪.1967‬‬
‫د‪.‬محمد نزار الدقر‪" :‬روائع الطب اإلسالمي" ج‪[ 2‬العبادات في اإلسالم وأثرها في صحة الفرد‬ ‫‪-2‬‬
‫والمجتمع] دمشق‪،‬دار المعاجم‪.1997،‬‬
‫‪ ‬من رواية الرتمذي ‪ :‬وقال حديث حسن[األرناؤوط]‪.‬‬

‫‪ ‬من رواية الرتمذي ‪ :‬وقال حديث حسن[األرناؤوط]‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫د‪.‬محمد نزار الدقر‪" :‬روائع الطب اإلسالمي" ج‪[ 3‬المحرمات في اإلسالم وأثرها في صحة الفرد‬ ‫‪-3‬‬
‫والمجتمع] دمشق‪،‬دار المعاجم‪.1997،‬‬
‫د‪.‬أحمد شوقي الفنجري ‪":‬الطب الوقائي في اإلسالم‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫د‪.‬أحمد حمدي الخياط ‪":‬فن الصحة"‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫ابن قيم الجوزية ‪":‬الطب النبوي"‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫د‪.‬وهبة الزحيلي ‪":‬الفقه اإلسالمي وأدلته"‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫د‪.‬أحمد شوكت الشطي ‪":‬نظرات في الغذاء والطعام" عن حضارة اإلسالم العدد ‪ 8‬لعام ‪.1962‬‬ ‫‪-8‬‬
‫د‪.‬محمود ناظم النسيمي ‪":‬الطب النبوي والعلم الحديث"‪.‬‬ ‫‪-9‬‬
‫‪ -10‬ابن األثير الجزري ‪":‬جامع األصول في أحاديث الرسول ‪."‬‬
‫‪ -11‬اإلمام الغزالي ‪":‬إحياء علوم الدين"‪.‬‬
‫‪ -12‬د‪.‬عبد الرزاق الكيالني ‪":‬الحقائق الطبية في اإلسالم"‪-‬دار القلم‪-‬دمشق‪.1996-‬‬
‫‪ -13‬د‪.‬محمود فؤاد معاذ ‪":‬محمد والطب" مقالة في مجلة لواء اإلسالم السنة‪،2‬ك‪ 2‬لعام ‪.1949‬‬
‫‪ -14‬د‪.‬هشام الخطيب ‪":‬الوجيز في الطب اإلسالمي"‪،‬دار األرقم‪-‬عمان‪.1985-‬‬
‫‪ -15‬د‪.‬محمد وصفي ‪":‬القرآن والطب"‪-‬القاهرة‪.1960،‬‬
‫‪ -16‬د‪.‬غياث األحمد ‪ :‬الطب النبوي في ضوء العلم الحديث"‪.‬‬
‫‪ -17‬د‪.‬إبراهيم الراوي ‪":‬استشارات طبية في ضوء اإلسالم"حضارة اإلسالم العدد ‪ 5/6‬لعام ‪.1976‬‬
‫‪ -18‬د‪.‬إبراهيم الراوي ‪":‬وضعية الجسم عند تناول الطعام"‪،‬حضارة اإلسالم العدد ‪ 9/10‬لعام ‪.1976‬‬
‫‪ -19‬د‪.‬إبراهيم الراوي ‪" :‬النهي عن الشرب قائماً"حضارة اإلسالم العدد ‪ 2 / 1‬لعام ‪.1967‬‬
‫‪ -20‬الحافظ المنذري ‪":‬الترغيب والترهيب"تحقيق د‪.‬مصطفى عمارة‪-‬بيروت ‪.1968‬‬
‫‪ -21‬د‪.‬إبراهيم الراوي ‪:‬استشارات طبية في ضوء اإلسالم‪ .‬حضارة اإلسالم ع‪ 4‬لعام ‪.1966‬‬
‫‪ -22‬د‪.‬أحمد حمدي الخياط ‪":‬الطب الوقائي واالجتماعي" ‪،‬دمشق‪1380،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -23‬د‪.‬محمود طللوزي ‪":‬في رحاب الطب النبوي والعلم الحديث"‪،‬دمشق ‪.1994‬‬
‫‪ -24‬د‪.‬كولبي ومجموعته ‪ Colby etal‬عن كتابه ‪ Color Atlas Of ozal Pathol‬ط‪ 3‬الصادر عن‬
‫‪ Lippincotts‬في فالدلفيا ‪. .U.S.A‬‬
‫‪ -25‬د‪.‬زياد درويش ‪":‬أمراض جهاز الهضم"‪،‬دمشق ‪.1994‬‬
‫‪27‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫اآلداب اإلسالمية في النوم‬
‫المبحث األول ‪:‬اآلية الكونية العظمى في تعاقب الليل والنهار‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬بورك ألمتي في بكورها‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬مفاهيم علمية حول النوم‪.‬‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬األعمال المستحبة قبل النوم‪.‬‬
‫طعام العشاء‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫تدابير وقائية قبل النوم‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫الوضوء قبل النوم‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫أوعية النوم‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫اضطجع على شقك األيمن‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫المبحث الخامس ‪ :‬اضطرابات النوم‬
‫الشخير‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫األرق‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫الرؤى واألحالم‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪28‬‬
‫اآلية الكونية العظمى في تعاقب الليل والنهار ‪:‬‬
‫سبحان من خلق كل شيء فأبدعه‪،‬وصور كل شيء في هذا الكون فأتقنه‪،‬خلق اإلنسان على األرض ويسَّر له كل‬
‫الظروف المناسبة لحياته عليها‪،‬وجعل فيما حوله آيات بينات باهرات ليهتدي بها في حياته على الطريق القويم(‬
‫‪،)1‬ولعل تعاقب الليل والنهار بهذا النظام المحكم من أهم هذه اآليات‪ .‬قال تعالى‪(:‬وهو الذي جعل الليل والنهار‬
‫يذكر أو أراد شكوراً) الفرقان‪،‬و(الخلفة) كما ذكر القرطبي كل شيء بعد شيء وكل واحد من‬ ‫خلفة لمن أراد أن َّ‬
‫الليل والنهار يخلف صاحبه‪،‬ومنه خلفة النبات وهو الورق يخرج بعد الورق األول في الصيف‪( .‬لمن أراد أن‬
‫َّ‬
‫يذ ّكر) أي يتذكر فيعلم أن اهلل لم يجعله عبثاً فيعتبر في مخلوقات اهلل تعالى ويشكره على نعمه(‪.)2‬‬
‫وقوله تعلى‪(:‬وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً) النبأ‪.‬‬
‫وصف سبحانه الليل باللباس تشبيهاً له من حيث أنه يستر األشياء ويغشاها (‪،)3‬وقال القرطبي (‪ )2‬يعني ستراً‬
‫للخلق يقوم مقام اللباس في ستر البدن‪.‬‬
‫قوله (سباتاً) أي راحة ألبدانكم بانقطاعكم عن األشغال‪،‬وأصل السبات من التمدد‪،‬وقيل للنوم سبات ألنه بالتمدد‬
‫يكون وفي التمدد معنى الراحة‪ .‬وقوله (وجعل النهار نشوراً) من االنتشار للمعاش والعمل (‪.)2‬‬
‫فاهلل سبحانه ‪-‬جلت قدرته‪ -‬جعل الليل لباساً يستتر به اإلنسان عن عالم العمل ليفتحها على عالم األمل‪،‬والنوم‬
‫من اهلل بها عليه‪،‬وال يمكن لبشر أن َّ‬
‫يظل مستيقظاً ال ينام فتلك صفة الواحد القهار ال يشاركه فيها‬ ‫فطرة اإلنسان َّ‬
‫أحد فهو اهلل ال إله إال هو الحي القيوم ال تأخذه سنة وال نوم (‪.)4‬‬
‫وقوله تعالى‪(:‬ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصراً) النمل‪.‬‬
‫قال الرازي (‪ )5‬لما قال (جعلنا الليل ليسكنوا فيه) َفِل َم لم يقل والنهار لتبصروا فيه ؟‪،‬وجوابه ألن السكون في‬
‫الليل هو المقصود من الليل أما اإلبصار في النهار فليس هو المقصود بل هو وسيلة إلى جلب المنافع الدينية‬
‫والدنيوية‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪(:‬ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله) الروم‪.‬‬
‫تذكر أبحاث طبية حديثة(‪ )6‬أن الغدة الصنوبرية الواقعة تحت الدماغ تقوم بإفراز مادة الميالنونين‪،‬ويزداد إفراز‬
‫هذه المادة في الظالم بينما يثبط نور الشمس إفرازها‪،‬وقد ُوجد أن للميالنونين تأثير مباشر على النوم‪.‬وفي الحقيقة‬
‫فإنه لحدوث النوم يلزم زوال جميع التنبيهات الخارجية من سمع وبصر والتي تنتقل عن طريق حواسه إلى‬
‫الدماغ وعندما تخف تلك التنبيهات أو تنعدم تخف وظائف الدماغ المتوقفة عليها ويحصل النوم‪،‬فسبحان من جعل‬
‫الليل سكناً‪.‬‬
‫تهيئ لإلنسان الظروف المناسبة للسكن والراحة والنوم(‪. )6‬وإ ن تعاقب الليل والنهار هي آية من نواميس الحياة‬
‫التي سخرها الخالق –جلّت قدرته‪ -‬لخمة هذا اإلنسان‪،‬كما قال تعالى‪":‬وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر‬
‫لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإ ن تعدوا نعمة اهلل ال تحصوها) إبراهيم‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫إن تعاقب الليل والنهار يعتبر ضرورة أساسية لنمو الحياة على األرض‪.‬وإ نه لمن المحال –علمياً‪ -‬أن تستمر‬
‫الحياة مع نهار سرمدي أو ليل سرمدي‪،‬وإ نه لمن المستحيل أن تتعاض الحقائق العلمية مع النص القرآني‪.‬انظر‬
‫إليه قوله تعالى‪(:‬قل أرأيتم إن جعل اهلل عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من غله غير اهلل يأتيكم بضياء أفال‬
‫تسمعون‪.‬قل أرأيتم إن جعل اهلل عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير اهلل يأتيكم بليل تسكنون فيه أفال‬
‫تنظرون‪.‬ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) القصص‪.‬‬
‫إن تخصيص النهار للمعاش والعمل والسعي ‪،‬وتخصيص الليل للنوم والسكن هو حقيقة علمية كونية أكدت جميع‬
‫ّ‬
‫البحوث الطبية الحديثة صحتها‪،‬وإ ن محاولة اإلنسان مخالفة سنة الكون هذه بأن ينام في النهار ويسعى على رزقه‬
‫في الليل يعرض صحته لنكسات وأذيات كبيرة (‪.)6‬‬
‫وينقل الدكتور حسان شمسي باشا فقرات (‪ )7‬من بحث هام أجري في جامعة هارفرد األميركية تؤكد أن العمل‬
‫الليلي يشكل مصدر خطر صحي في العالم المتحضر اليوم يشمل ازدياد العقم واألرق‪،‬كما يترافق بنقص في قدرة‬
‫اإلنسان على إنجاز عمله بشكل تام‪،‬ونقص في تيقظه‪،‬مما يؤدي إلى نقص معدل اإلنتاج وزيادة معدل الحوادث‪.‬‬
‫فاإلنسان هو الكائن الوحيد الذي يعمل في الوقت الذي تخلد فيه الكائنات األخرى للنوم‪،‬ثم هو يحاول أن ينام في‬
‫الوقت الذي يبلغ فيه استيقاظه الغريزي ذروته‪.‬‬
‫ويؤدي هذا السلوك إلى إحباط النظام الطبيعي لساعته الحيوية (البيولوجية)‪ ‬هذه المشكلة تشمل الماليين العاملين‬
‫في المناوبات الليلية والمسافرين كثيراً عبر القارات‪،‬وإ ن استمرار عملهم لفترة طويلة ليالً مع عدم إمكانية تكييف‬
‫ساعاتهم الحيوية مع تغير نظام حياتهم اليومي يؤدي إلى نقص في القدرة على اإلنجاز مع ازدياد الحوادث‬
‫الناجمة عن التعب واإلعياء‪.‬‬
‫ولعل الدكتور الراوي (‪ )8‬والذي يعتبر الرائد في أبحاث اإلعجاز الطبي في القرآن هو أول من أشار إلى‬
‫اإلعجاز العلمي في قوله تعالى‪(:‬وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً) فأكد أن قوانين الطب تمنع االستمرار‬
‫في العمل الليلي بصورة دائمة وتفرض وجوب المناوبة على األعمال بصورة دورية بين الليل والنهار إن لم يجد‬
‫المرء العمل النهاري الدائم‪،‬وإ ن االستمرار على العمل ليالً والنوم نهاراً له خطر بالغ على كافة أجهزة البدن‬
‫وخاصة الجهاز العصبي‪،‬وأن النوم الليلي يعتبر كغذاء مشبع لهذا الجهاز‪،‬قادر على إعادة الحيوية والفعالية‬
‫العضوية للحجر الدماغية‪.‬‬
‫وتؤكد األبحاث الطبية المعاصرة (‪ )8‬أن نور الشمس يبقي على الجهاز العصبي وإ ن نام صاحبه بحالة من‬
‫التوتر الحاد وليست له القدرة على االسترخاء الوظيفي الضروري لراحته‪،‬مما يؤدي ‪-‬مع استمرار نومه نهاراً‪-‬‬
‫لتعرض الجسم للسقم والضعف واالنهيار‪ .‬وإ ن الظالم يعتبر من أهم العناصر التي تحتاجها الجملة العصبية أثناء‬
‫النوم ليتم ترميمها وأن النوم العميق الذي ال َّ‬
‫بد منه لراحة األعصاب ال يحصل إال مع هدوء الليل وظلمته‪ .‬وهنا‬
‫‪ ‬الساعة البيولوجية هي اليت توقت للبدن حوادثه احليوية ونشاطاته‪،‬فهي توقظ إنسناً مثالً يف الساعة الرابعة وآخر يف الساعة السادسة إذا اعتاد هؤالء على االستيقاظ يف الساعات‬
‫املذكورة‪،‬وهي اليت جتعل اإلنسان يشعر بالنعاس يف وقت معني‪،‬وقد لوحظ وجود عامل مشرتك جيمع بني هذه احلوادث كافة وهو تناوب النور والظلمة‪.‬ويعتقد كثريون ظان الغدة‬
‫الصنوبرية عند اإلنسان هي اليت متثل الساعة البيولوجية عنده‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫نقف خاشعين أمام عظمة القرآن البليغ في قوله تعالى)‪:‬هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً)‬
‫يونس‪.‬‬
‫ودلَّت األبحاث الحديثة أيضاً (‪ )8‬أن الضوء األحمر ٌّ‬
‫ضار بالجهاز العصبي أثناء النوم‪،‬وأشعة الشمس عند‬
‫شروقها قريبة من اللون األحمر‪،‬لذا كان النوم في ساعات الصباح –وقت الشروق‪ -‬منافياً لقواعد الصحة‬
‫العامة‪،‬وأن العمل ليالً والنوم نهاراً إذا استمر طويالً‪،‬يتعرض البدن لالضطرابات العصبية وانهيار الصحة‬
‫العامة‪،‬وأن النوم النهاري يخالف الطبيعة اإللهية التي فرضت على النهار الحركة والضوضاء والشمس‪،‬والتي‬
‫تتعارض كما رأينا مع شروط النوم العميق‪،‬ثم إن الهروب الدائم من الشمس في النهار للنوم في غرفة مظلمة‬
‫يعرض اإلنسان لخطر اإلصابة باضطراب تمثل الكلس في العظام نتيجة فقدان الفيتامين د الذي تكونه أشعة‬
‫ِّ‬
‫الشمس في الجلد‪،‬كما أن أشعة الشمس ضرورية لقتل الكثير من الجراثيم وللوقاية من العديد من األمراض‬
‫المهلكة (‪.)8‬‬
‫النوم والموت ‪:‬‬

‫ينفصل النائم عما حوله تماماً بكل مداركه وكأنه ميت‪،‬والقرآن الكريم يشبه النوم بالموت في مواقع عدة‪.‬فقد قال‬
‫تعالى‪(:‬اهلل يتوفى األنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل األخرى‬
‫إلى أجل مسمى) الزمر‪.‬‬
‫يقول فخر الدين الرازي (‪ )5‬المقصود من اآلية أن اهلل تعالى يتوفى األنفس عند الموت وعند النوم إال أنه يمسك‬
‫األنفس التي قضى عليها الموت ويرسل األخرى إلى أجل مسمى أي إلى وقت ضربه لموتها‪ .‬فاهلل سبحانه يتوفى‬
‫األنفس التي يتوفاها عند الموت‪،‬يمسكها وال يردها إلى البدن‪ .‬أما األنفس التي يتوفاها عند الموت فيردها إلى‬
‫البدن إلى البدن عند اليقظة وتبقى هذه الحالة إلى أجل مسمى وهو وقت الموت‪.‬‬
‫وفي هذا يقول الدكتور النسيمي (‪ )9‬يتوفى اهلل نفس اإلنسان فيميته بعد أن يستوفي ساعات عمله ورزقه المسجل‬
‫أنه سيحدث في يقظته بين نومين‪،‬فيدعه في النوم شبه الميت من انعدام الوعي واإلدراك‪،‬أي أن اهلل سبحانه يقبض‬
‫تلك األنفس عن التصرف أثناء النوم ويطلقها في اليقظة بالتصرف وذلك حتى يأتي أجلها المحدد‪.‬‬
‫وبذلك يمكن فهم قوله تعالى‪(:‬وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى‬
‫ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون) األنعام‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫بورك ألمتي في بكورها‬
‫عن صخر الغامدي عن النبي ‪ ‬أنه قال‪":‬اللهم بارك ألمتي في بكورها"‪.‬‬

‫‪‬‬
‫وفي رواية عن أبي هريرة ‪‬قال‪،‬قال ‪":‬بورك ألمتي في بكورها"‬
‫وعن عبد اهلل بن مسعود ‪‬قال‪" :‬ذكر عند النبي ‪ ‬رجل فقيل ما زال نائماً حنى أصبح ما قام إلى الصالة فقال ‪‬‬
‫بال الشيطان في أذنه" رواه البخاري في صحيحه‪.‬‬
‫يدعو النبي عليه الصالة والسالم أن يبارك اهلل سبحانه في عمل أمته أول النهار فهو أبرك األوقات وأكثرها‬
‫مالءمة للعمل واإلنتاج وحيث يكون الهواء أصفى وأنعش‪،‬فقد ثبت أن الصباح الباكر هو خير األوقات للعمل‬
‫والدراسة إذ ينشط الدماغ وتستعد األعضاء للعمل بهمة وجد‪،‬وإ ن األمم الصناعية األكثر تقدماً في العالم هي األمم‬
‫التي تستيقظ باكراً وتذهب إلى عملها‪ .‬ولقد غفل كثير من المسلمين عن دعوة النبي ‪ ‬إلى االستيقاظ المبكر رغم‬
‫أن ديننا الحنيف قد فرض علينا صالة الصبح حيث نستيقظ مع الفجر َّ‬
‫ورغب في التهجد لكي ننعم براحة النفس‬
‫وصحة الجسم بالقيام في الثلث األخير من الليل (‪.)10‬‬
‫وتؤكد الباحثة الفرنسية نيريس دي (‪ )11‬أن عبارة "النوم المبكر واالستيقاظ المبكر يجعل اإلنسان صحيحاً وغنياً‬
‫وحكيماً" و"إن ساعة النوم قبل منتصف الليل تساوي ثالث ساعات بعده" فيها بعض الحقيقة‪،‬ولقد تبين أن ‪٪70‬‬
‫من نومنا العميق غير الحالم يحدث خالل الثلث األول من الليل‪،‬وعندما نتجاوز النوم قبل منتصف الليل فإننا نفقد‬
‫كثيراً من نومنا العابر غير الحالم‪.‬‬
‫ويرى الدكتور الراوي (‪ )12‬أن ريح الصبا التي تهب في ساعات الفجر لها تأثير لطيف يحس به اإلنسان‬
‫ويستذوق حالوته حيث يكون الهواء المشبع باألوزون‪،‬وقد تبين أن لهذا الغاز تأثيرات رائعة على الجملة‬
‫العصبية والمشاعر النفسية والنشاط العضلي والفكري‪،‬كما أن أروع اإلنتاجات الصوتية والتلحين الجميل سجلت‬
‫وقت الفجر الباكر ‪،‬وهكذا فإن قارئ القرآن الكريم يحس بقابلية عجيبة وقت الفجر من حيث نقاوة الصوت‬
‫وصفائه والقدرة على التلحين الجميل‪،‬هذا عدا عما فيه من خشوع وصفاء‪ .‬وقد أشار القرآن الكريم إلى سر هذه‬
‫المعجزة العلمية عند قوله تعالى‪(:‬وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً) اإلسراء‪.‬‬
‫ويتابع الدكتور الراوي (‪ )12‬قوله‪:‬وفي الحديث النبوي المعجز "بورك ألمتي في بكورها" إشارة إلى سبق علمي‬
‫عن تأثير ريح الصبا على إنتاج اإلنسان العقلي والعضلي خاصة وقد أمر بالقيام إلى صالة الفجر في الغلس‬
‫ليستنشق الهواء المشبع باألوزون وليبعث في أجهزته كلها الطاقة والفعالية والصحة الوفيرة‪،‬والعلماء اليوم‬
‫ينصحون الذين يرغبن دوام شبابهم وحيويتهم بالنهوض المبكر مؤكدين أن المعمرين الذين يتمتعون بقوة الشباب‬
‫وصلوا إلى هذا العمر المديد المشحون بالحيوية بسبب استيقاظهم المبكر واستمتاعهم بريح الصبا كل يوم‪.‬‬
‫‪ ‬رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي وقال الرتمذي حديث حسن ورواه ابن حيان وصححه‪.‬‬
‫‪ ‬رواه الطرباين وأورده األلباين يف صحيح اجلامع الصغري (حديث صحيح)‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫ويؤكد مؤلفا كتاب (مع الطب في القرآن) (‪ )6‬هذه الحقائق عن فوائد االستيقاظ المبكر‪،‬ويضيفا أن هذا االستيقاظ‬
‫ض المسنين لإلصابة بالعصيدة الشريانية وخناق الصدر وكثرة حدوث الجلطة‬ ‫يقطع النوم الطويل الذي يعر‬
‫القلبية‪،‬ويضيفا أن أعلى نسبة للكورتيزون في الدم هي وقت الصباح الباكر حيث تبلغ ‪ 22-7‬مكغ‪ /‬مل من‬
‫الدم‪،‬وأخفض نسبة لها تكون في المساء ومن المعروف أن الكورتيزون هو الهرمون الهام في البدن والذي يعمل‬
‫على رفع فعاليات الجسم وتنشيط استقالباته بشكل عام‪،‬ويختم المؤلفان بحثهما بقولهما” وهكذا نجد أن المسلم‬
‫الملتزم بدينه هو إنسان فريد بالفعل يستيقظ مبكراً الستقبال يومه الجديد بهمة ونشاط وحيث تكون إمكاناته الذهنية‬
‫والعضلية في أعلى مستوى مما يؤدي إلى زيادة اإلنتاج في المجتمع‪ ..‬وإ ن تعمم هذه الظاهرة في المجتمعات‬
‫اإلسالمية تظهر منها مجتمعات متميزة تدب فيها الحياة منذ مطلع الفجر"‪.‬‬
‫وإ ذا كان على المسلم أن يستيقظ مبكراً قبيل صالة الفجر فال بد من أن ينام مبكراً ليؤمن حق جسده من الراحة‬
‫والنوم‪،‬وهذه هي دعوة النبي ‪ ‬في تربيته ألصحابه الذين ما عرفوا سهر الليالي الذي عليه أمتنا اليوم‪ .‬فعن أبي‬
‫العشاء والحديث بعدها" رواه البخاري ومسلم‪،‬وعن جابر ‪‬أن النبي ‪‬‬ ‫برزة ‪"‬أن رسول اهلل ‪ ‬كان يكره النوم قبل ِ‬
‫الرجل فإنكم ال تدرون ما يأتي اهلل في خلقه"‪.‬‬
‫قال‪":‬إياك والسَّمر بعد هدأة ِّ‬
‫يقول الحافظ العسقالني (‪ )13‬وأصل السمر من لون ضوء القمر ألنهم كانوا يتحدثون فيه‪،‬والمراد بالسمر ما كان‬
‫في أمر مباح ألن المحرم حرام في كل األوقات‪ .‬وكان رسول اهلل ‪ ‬يكره النوم قبل ِ‬
‫العشاء ألنه قد يؤدي إلى‬
‫إخراجها عن وقتها‪،‬ويكره السَّمر بعدها ألنه قد يؤدي إلى النوم عن صالة الفجر أو عن قيام الليل‪.‬‬
‫لكن العلماء استحبوا السهر أو السمر في أمور ضرورية كمؤانسة ضيف أو مداعبة زوجة أو مذاكرة علم أو‬
‫للتشاور في أمور المسلمين‪ .‬فعن عمر بن الخطاب ‪"‬أن النبي ‪ ‬كان يسمر هو وأبو بكر في األمر من أمور‬
‫المسلمين وأنا معهما" رواه الترمذي وحسنه‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫مفاهيم علمية حول النوم‬
‫جمع الدكتور حسان شمسي باشا (‪ )7‬في كتابه معلومات قيمة وهامة حول ماهية النوم وأنواعه والوظائف‬
‫الصحية التي يقدمها للعضوية‪،‬نقتطف منها ما يحتاجه القارئ لفهم هذا الحدث الهام في حياته‪،‬رابطاً إياه مع اآلية‬
‫الكونية العظمى في تعاقب الليل والنهار‪،‬نعمة بعد نعمة‪،‬مذكراً بقوله تعالى‪(:‬و إن تعدوا نعمة اهلل ال تحصوها)‪.‬‬
‫فما هو النوم ‪:‬‬

‫عما يحيط بها من‬
‫النوم حالة طبيعية متكررة يتوقف فيها الكائن الحي عن اليقظة وتصبح حواسه معزولة نسبياً َّ‬
‫أحداث‪.‬‬
‫يقول الدكتور شابيرو‪:‬من الغريب حقاً أننا ال نعلم إال القليل جداً عن وظيفة نشاط جسمي نقضي فيه ثلث عمرنا‬
‫ويرجح أن وظيفته الرئيسية إعطاء الجسم الوقت الكافي ليستعيد قواه‪،‬والحقيقة أن الذين ينامون نوماً كافياً وعميقاً‬
‫هم أكثر نشاطاً أثناء النهار‪ .‬وينام اإلنسان لفترات أطول في مراحل الحياة التي تتميز بسرعة النمو كمرحلة‬
‫الطفولة والمراهقة‪،‬كما يحتاج اإلنسان لفترة نوم أطول أثناء المرض‪.‬‬
‫ويقول كل من ف‪.‬كريك و ج‪.‬متشيسون‪ ‬أن النوم ضروري لكي ينسى الدماغ بعض األفكار التي يجدها‬
‫متطفلة‪،‬وأنه لو لم يحدث ذلك لشحن الدماغ بذكريات ال تطاق‪،‬وألدى ذلك إلى الهالوس والهذيان في يقظته‪.‬‬
‫ويربط البرفسور ك‪.‬إيفانس‪ ‬بين الدماغ والحاسب اآللي (الكمبيوتر) فالحاسب بعد استعماله طويالً يحتاج إلى‬
‫فترة من الزمن ال يشحن فيها بأي معلومات يقوم أثنائها بعملية إعادة البرمجة‪ .‬وهكذا فإن الدماغ يقوم خالل النوم‬
‫بتصفية حساباته والتخلص من المعلومات غير المالئمة‪،‬ويعتقد عالم النفس مورتون شاتزمان أن إحدى وظائف‬
‫النوم الهامة هي حل المشكالت والمعضالت‪،‬فكثير من العلماء يجد الحلول لمشكلة أعضلت عليه خالل النوم‪.‬‬
‫ويؤكد العلماء‪ ‬أن للنوم الهادئ وظيفة مصححة ومرممة وشافية للدماغ إال أننا ال نعلم طبيعة النوم هذه‪،‬أما النوم‬
‫الحالم فيلعب دوراً ِّ‬
‫مجدداً وأساسياً يمكن الدماغ من القيام بوظائفه على أكمل وجه أثناء اليقظة‪.‬‬
‫وللنوم نوعان ‪:‬‬
‫آ‪ -‬النوم الهادئ (التقليدي) ويشكل الجزء األعظم من النوم وتكون أمواج الدماغ الكهربائية فيه أبطأ وأكثر عمقاً‬
‫مما هي عليه في اليقظة‪،‬ويتباطأ نشاط الدماغ وعمليات االستقالب في البدن إلى أدنى مستوى لها‪،‬وينخفض‬
‫الضغط ويتباطأ القلب وترتخي العضالت‪،‬ويمر اإلنسان فيه بأربع مراحل ‪:‬‬
‫أوالها النعاس ثم دور النوم الخفيف ثم دور النوم العميق وهو النوم المريح حقيقة‪،‬ثم دور األمواج البطيئة حيث‬
‫تصل سعة أمواج الدماغ الكهربائية إلى أقصى ارتفاع لها مع بطئها الشديد‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪Body clock:"Hughes M.1”,London,1989.‬‬
‫‪‬‬
‫‪Health and Human Body:,London,1990.‬‬
‫‪‬‬
‫‪Harison’s :”Principles of Internal Med. New-York,1987.‬‬
‫‪‬‬
‫‪Encyelopedia Britanico:London,1990.‬‬
‫‪34‬‬
‫وتتابع مراحل النوم الهادئ األربعة واحدة تلو األخرى‪،‬وبعد تسعين دقيقة يدخل المرئ ولفترة وجيزة في نوع‬
‫آخر من النوم هو النوم الحالم‪،‬وتلخص دائرة المعارف البريطانبية وظيفة النوم الهادئ بأنه النوم الذي يعطي‬
‫الراحة والسكينة للجسم وتعويضه ما خسره في يقظته وترميم ما بلي منه وخرب‪،‬إذ يزداد أثناءه إفراز هرمون‬
‫النمو وإ نتاج البروتين‪.‬‬
‫ب_ النوم الحالم (المتناقض) ويتميز بحدوث حركة العين السريعة وتشبه أمواج الدماغ فيها تلك التي نجدها في‬
‫اليقظة‪،‬وترتفع حرارة الدماغ ويزداد جريان الدم فيه والنعوط عند الرجال‪،‬وكثيراً ما حل العباقرة مشاكلهم‬
‫الفكرية أثناء هذا النوع من النوم‪ .‬يقول ابن سينا‪":‬ومهما أخذني أدنى نوم كنت أرى المسائل بأعيانها في نومي‬
‫واتضح لي الكثير من المسائل"‪.‬‬
‫واإلنسان يمر في كل ‪ 90‬دقيقة تقريباً بأدوار يتكرر فيها كال النوعين من النوم‪.‬‬
‫التبدالت الوظيفية للجسم خالل النوم ‪:‬‬

‫تنخفض حرارة الجسم حرارة البدن ألن الدم ينقص توارده إلى العضالت وانتشاره في الجلد‪،‬كما يزداد التعرق‬
‫‪،‬لذا فالجو الحار الرطب يؤرق النائم‪،‬ومن ثم من الخطأ الجسيم أثناء النوم تشغيل المراوح الكهربائية ألن تيار‬
‫الهواء البارد يسبب له مع غزارة عرقه العديد من التناذرات المرضية‪.‬‬
‫والنوم يعتبر من وجهة النظر الطبية فترة راحة للبدن ألن جملة وظائف األعضاء تبطؤ فيه فيقل النبض ويبطؤ‬
‫التنفس‬
‫وينخفض الضغط ويقل استهالك األوكسجين في العضالت مما يتيح نوعاً من الوقاية ضد أمراض القلب‬
‫والشرايين‪.‬‬
‫ويقل أثناء النوم تكون الفضالت وليستطيع البدن التخلص من فضالته التي تراكمت أثناء النهار‪،‬كما يقل إدرار‬
‫البول وإ فراز اللعاب‪.‬‬
‫وترتخي العضالت أثناء النوم مع وجود تحرك تلقائي في األطراف في أوقات معينة لتقليب الجسم بصرف النظر‬
‫عن عمق النوم وشفافيته‪،‬وتتعطل نسبياً كافة الحواس عدا حاسة السمع فإنها تبقى عاملة مع خفة االستجابة‬
‫لألصوات لذا فالصوت العالي يوقظ النائم‪،‬وما الضرب على آذان أهل الكهف إال لمنع وصول األصوات من‬
‫الوصول إليهم لئال يستيقظوا حتى يصلوا أجلهم المحدد‪.‬‬
‫ونجد في النوم أمناً وأماناً من القلق والخوف لذا فقد غشى اهلل جنود المسلمين بالنعاس أمنة لهم في غزوة‬
‫بدر‪،‬وربط على قلوبهم ليبعد عنهم القلق والخوف وقد كانوا قلة أمام أعدائهم‪،‬قال تعالى‪(:‬إذ يغشيكم النعاس أمنة‬
‫منه)‪.‬‬
‫كم نحتاج من النوم (‪: )7‬‬

‫قد تكون اإلجابة عن هذا السؤال مستحيلة كما ترى دائرة المعارف البريطانية‪،‬لكننا نعلم أن هناك فوارق بين‬
‫الناس في مدة النوم التي يحتاجونها‪،‬فمعظم البالعين ينامون من ‪ 9_6‬ساعات في اليوم‪،‬أما المولودين حديثاً من‬
‫‪35‬‬
‫الرضع فينامون حوالي ‪ 16‬ساعة‪،‬وتنخفض هذه المدة مع نهاية السنة األولى‪،‬ومع نهاية السنة الثانية فإن مدة‬
‫النوم تصبح من ‪ 12_9‬ساعة‪،‬وتنخفض عند الشيوخ لتصل إلى ‪ 6‬ساعات فقط‪.‬‬
‫وذكر بعض الباحثين (‪ )7‬أننا نمر كل ‪ 27‬أو ‪ 28‬يوماً بيومين أو ثالثة تقل حاجتنا إلى النوم فيها‪،‬ويبدو أن ذلك‬
‫له عالقة بدورة القمر حيث تقل حاجة اإلنسان إلى النوم في الليالي التي يكون القمر فيها بدراً‪.‬‬
‫كما تختلف حاجة اإلنسان إلى النوم من وقت آلخر‪،‬فالبدن يحتاج إلى نوم أطول بعد القيام بأعمال جسدية شاقة أو‬
‫أعمال ذهنية كبيرة‪،‬وفي حالة االكتئاب‪،‬وتقل الحاجة إلى النوم عندما يكون اإلنسان سعيداً هانئاً ال يشغل باله‬
‫شيء‪،‬أو وهو منغمس في أعمال يستمتع بها‪.‬‬
‫الحرمان من النوم‬
‫النوم حاجة ضرورية حيوية لكل من اإلنسان والحيوان‪،‬وتدل تجارب (‪ )4‬أجريت على الكالب‪،‬أن الحيوان ال‬
‫يمكن أن يعيش بال نوم‪،‬فقد أعطيت مجموعة كاملة من الكالب غذائها بالكامل وحرمت من النوم‪،‬في حين حرمت‬
‫مجموعة أخرى من الغذاء وتركت لتنام‪،‬فماتت الكالب التي حرمت من النوم بعد خمسة أيام‪،‬أما الكالب التي‬
‫حرمت من الغذاء وتركت لتنام فقد قاومت الجوع أكثر من ‪ 20‬يوماً‪.‬‬
‫ويؤكد العالم ديكسون‪ ‬أن الحرمان من النوم يقتل اإلنسان بسرعة أكبر من الجوع‪،‬وأن الحرمان من النوم لفترة‬
‫محدودة يؤدي إلى التعب (‪ )7‬وفقد القدرة على التركيز واضطراب في المزاج ونظم القلب وتخطيط الدماغ‪،‬أما‬
‫إذا تجاوزت فترة الحرمان أسبوعاً واحداً فقد يصاب الشخص بالهالوس والهذيان‪،‬وقد ثبت أن معظم حوادث‬
‫السيارات تقع في الوقت الذي ينبغي أن يكون فيه السائق في أعمق فترات النوم‪.‬‬
‫القيلولة‪:‬‬
‫عن أنس بن مالك ‪‬أن النبي ‪ ‬قال ‪":‬قيلوا فإن الشياطين ال تقيل"‪.‬‬
‫وعن عكرمة عن ابن عباس رضي اهلل عنهما أن النبي ‪ ‬قال ‪":‬استعينوا بطعام السحر على الصيام وبقيلولة‬
‫النهار على قيام الليل"‪.‬‬
‫والقيلولة كما جاء في لسان العرب هي نومة في منتصف النهار‪،‬والمقيل‪ :‬الموضع‪،‬وقال األزهري أن القيلولة‬
‫والمقيل عند العرب االستراحة نصف النهار وإ ن لم يكن معه نوم‪،‬وقال المناوي في فيض القدير‪ :‬وعمل السلف‬
‫والخلف على أن القيلولة مطلوبة إلعانتها على قيام الليل‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪Health and Human Body, London, 1987.‬‬
‫‪ ‬رواه الطرباين يف األوسط وحسنه السيوطي (املناوي) وصححه األلباين (صحيح اجلامع الصغري)‪.‬‬
‫‪ ‬رواه ابن خزمية يف صحيحه وابن ماجه واحلاكم يف مستدركه والبيهقي يف شعب اإلميان وضعفه اهليثمي يف الزوائد‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫عن أنس ‪‬أن النبي ‪ ‬قال‪":‬قيلوا فإن الشياطين ال تقيل"‪.‬‬

‫وعن عكرمة عن ابن عباس رضي اهلل عنهما أن النبي ‪ ‬قال‪":‬استعينوا بطعام السحر على صيام النهار وبقيلولة‬
‫النهار على قيام الليل"‪.‬‬
‫والقيلولة‪،‬كما جاء في لسان العرب‪،‬هي نومة نصف النهار‪،‬والمقيل‪:‬الموضع وقال األزهري‪:‬القيلولة والمقيل عند‬
‫العرب ‪،‬اإلستراحة نصف النهار وإ ن لم يكن معه نوم‪،‬وقال المناوي في فيض القدير‪:‬وعمل السلف والخلف على‬
‫أن القيلولة مطلوبة إلعانتها على قيام الليل‪.‬‬
‫وقال الغزالي في اإلحياء‪":‬وإ نما تطلب القيلولة لمن يقوم الليل ويسهر في الخير فإن فيها معونة على التهجد‪،‬كما‬
‫أن السحور معونة على صيام النهار‪.‬‬
‫فالقيلولة من غير قيام الليل كالسحور من غير صيام النهار"‪.‬‬
‫ويقول عالم النفس الفرنسي جورج دوفرو(‪:)7‬قد تكون الراحة النهارية‪،‬بنوم او بغير نوم ضرورية للتكيف مع‬
‫النشاط المبذول أثناء العمل‪،‬وتتماشى مع إيقاع دورة األيام في اتعاقب بين مراحل الفعل واإلنفعال التي نجدها في‬
‫النوم‪.‬فالقيلولة ليست شذوذاً عن القاعدة‪،‬ويبدو أنها تلبي حاجة جسدية تنكرها علينا القيود االجتماعية‪.‬‬
‫النوم كما تحدث عنه كتب الطب النبوي ‪:‬‬

‫يقول العالمة ابن قيم الجوزية (‪":)15‬النوم حالة للبدن يتبعها غور الحرارة الغريزية والقوى إلال باطن‬
‫البدن … وللنوم فائدتان جليلتان‪:‬إحداهما سكون الجوارح و راحتها مما يعرض لها من التعب‪،‬والثانية هضم‬
‫الغذاء ونضج األخالط ألن الحرارة الغريزية تغور في وقت النوم إلى باطن البدن فتعين على ذلك أن يبرد‬
‫ظاهره فيحتاج النائم إلى فضل وثار … وأنفع النوم أن ينام على الشق األيمن ليستقر الطعام بهذه الهيئة في المعدة‬
‫استقراراً حسناً‪،‬وكثرة النوم على الجانب األيسر مضر بالقلب بسبب ميل األعضاء إليه فتنصب إليه المواد‪.‬‬
‫وأردأ النوم على الظهر‪،‬وال يضر اإلستلقاء عليه للراحة من غير نوم‪،‬وأردأ منه أن ينام منبطحاً على‬
‫وجهه ‪ ..‬والنوم في الشمس يثير الداء لبدفين‪،‬ونوم اإلنسان بعضه في الشمس وبعضه في الظل رديء"‪.‬‬
‫تدبر نومه ويقظته ‪ ‬وحده أعدل نوم وانفعه للبدن‪،‬فإنه كان ينام أول الليل ويستيقظ في أول‬
‫…"ومن ّ‬
‫النصف الثاني‪،‬فيقوم ويستاك ويتوضأ ويصلي ما كتب اهلل له‪،‬فيأخذ البدن واألعضاء والقوى حظها من النوم‬
‫والراحة ومن الرياضة مع وفور األجر وهذا غاية صالح القلب والبدن‪.‬ولم يكن يأخذ من النوم فوق القدر‬
‫المحتاج إليه‪،‬وال يمنع نفسه من القدر المحتاج إليه‪،‬فينام إذا دعته الحاجة إلى النوم على شقه األيمن‪،‬ذكراً اهلل‬
‫تعالى حتى تغلبه عيناه‪،‬غير ممتلئ البدن من الطعام والشراب‪،‬وكان له ضجاع من أدم حشوه ليف وكان يضطجع‬
‫على الوسادة ويضع يده تحت خده"‪.‬‬
‫‪ ‬رواه الطرباين يف الكبري وحسنه السيوطي (املناوي) وصححه األلباين (صحيح اجلامع الصغري)‪.‬‬
‫‪ ‬رواه ابن خزمية يف صحيحه وابن ماجه واحلاكم يف مستدركه والبيهقي يف شعب اإلميان وضعفه اهليثمي يف الزوائد‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫األعمال المستحبة قبل النوم‪:‬‬
‫طعام العشاء‬
‫‪‬‬
‫عن انس بن مالك ‪‬أن النبي ‪ ‬قال‪":‬تع ّشوا ولو بكف من حشف فإن ترك العشاء مهرمة وفي رواية مفسدة"‬
‫والحشف التمر الرديء‪.‬‬
‫وعن جابر ‪‬أن النبي ‪ ‬قال‪":‬التدعوا العشاء ولو بكف من تمر فإن تركه مهرمة"‪.‬‬
‫وتناول العشاء ضروري من الناحية الطبية (‪.)16‬ففي تجارب أجريت على البشر تبين أن التقلصات‬
‫المعدية تبدو مزعجة أثناء النوم عندما تكون المعدة خاوية‪،‬وتزداد األحالم المزعجة‪،‬وتقلبات النائم وحركاته في‬
‫فراشه مما يدل على عدم حصوله على الراحة واإلطمئنان التي هي مرجوة من النوم‪.‬‬
‫وإ ذا كان الحديث النبوي منبهاً إلى أهمية تناول العشاء‪،‬لكنه يعتبر (‪1‬و‪ )16‬أيضاً دعوة واضحة إلى عدم‬
‫اإلكثار من الطعام عند العشاء وإ تخام البطن به‪،‬فالعشاء الثقيل مضر جداً قبيل النوم‪.‬‬
‫يقول ابن قيم الجوزية‪":‬إن من وصايا األطباء لمن أراد حفظه الصحة أن يمشي بعد الطعام وله مائة خطوة‬
‫وأال ينام عقبه فإنه مضر جداً‪،‬وقال مسلموهم‪:‬أو يصلي بعده"‪.‬وذكر أنه نفسي القلب رواه ابو نعيم‪.‬وينصح‬
‫األطباء اليوم بعدم النوم قبل مضي ساعتين على العشاء‪.‬‬
‫‪ ‬رواه الرتمذي قال فيه ضعيف جمهول(جامع األصول)وقال الزين العراقي‪:‬متفق على ضعفه‪.‬‬
‫‪ ‬رواه ابن ماجه ويف سنده ضعف (اجلامع الصغري)‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫تدابير وقائية هامة قبل النوم‬

‫إن النائم كما هو معلوم ‪ -‬يكون في غفلة كاملة عما يحيط به من أمور‪ .‬وقد أوصى النبي عليه الصالة و‬
‫السالم بجملة من التدابير ندب كل مسلم أن يفعلها قبل نومه‪ ،‬حماية و صيانة له من التعرض أثناء نومه من‬
‫أخطار محتملة قد تؤدي به إلى التهلكة منها‪:‬‬
‫ما رواه أبو موسى األشعري ‪‬قال‪ :‬احترق بيت في المدينة على أهله من الليل فحدث بشأنهم رسول اهلل ‪‬‬
‫فقال‪ " :‬إن هذه النار عدو لكم فإذ ا نمتم فأطفئوها عنكم" رواه البخاري ‪.‬‬
‫وما رواه عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما أن النبي ‪ ‬قال ‪":‬ال تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون" متفق‬
‫عليه‪.‬‬
‫وما رواه جابر ‪‬أن النبي ‪ ‬قال " أطفئوا المصابيح إذا رقدتم وغلقوا األبواب وأوكوا األسقية وخمروا‬
‫الطعام و الشراب "رواه البخاري (أوكوا األسقية ‪:‬شدوا فم القرب ‪،‬وخمروا الطعام أي غطوه )‪.‬‬
‫وما روي عن جابر أيضاً أن النبي ‪ ‬قال‪":‬خمروا اآلنية وأجيفوا األبواب وأطفئوا المصابيح فإن الفويسقة‬
‫ربما جرت الفتيل فأحرقت أهل البيت" رواه البخاري والفويسقة الفأرة وأجيفوا أغلقوا‪.‬‬
‫يقول الدكتور عبد الرزاق الكيالني (‪ :)1‬إن النبي ‪ ‬لم يترك أمراً من أمور الدنيا واآلخرة إال أمر أمته‬
‫بخير ما يعلمه لهم ويحذرهم من شر ما يعلمه‪.‬ولقد كان الناس يستضيئون بفتيلة يغمسونها في الزيت أو الدهن‬
‫‪،‬فإذا نام أهل البيت وتركوا المصابيح أو الفتيلة مشتعلة فقد تجرها فأرة فتحرق البيت……و آنية الطعام إذا بقيت‬
‫مكشوفة فقد تقع فيها الهوام والغبار والحشرات وهذا كله ضار لذ ا فقد دعت السنة النبوية إلى تغطية آنية الطعام‬
‫والشراب وشد فم القرب‪ ،‬والى غلق األبواب ليال على المنازل لحماية أهلها من شياطين اإلنس والجن ومن‬
‫اللصوص وغيرهم ‪ .‬وان اإلنسان المنصف ليعجب من دقة التوجيه النبوي وحرصه على حفظ مصالح الناس‬
‫وجعل ذلك من صميم تعاليم الشريعة المطهرة ‪.‬‬
‫وعن جابر بن عبد اهلل ‪‬أن رسول اهلل ‪‬قال‪ " :‬إذ ا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم فان الشياطين‬
‫تنتشر حينئذ‪ .‬فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم ‪ ،‬و أغلقوا األبواب واذكروا اسم اهلل فان الشيطان ال يفتح بابا‬
‫مغلقا "رواه البخاري ‪.‬‬
‫نعم ! لقد اهتم اإلسالم بصحة أتباعه والتنشئة السليمة ألطفالهم وحمايتهم من التشرد والضياع فمتى أقبل‬
‫الليل فعلى الصبيان أال يبقوا خارج منازلهم ‪ ،‬وإ ال تولتهم شياطين اإلنس والجن فأغوتهم وقد يصبحون لصوصا‬
‫أو مجرمين ‪ ،‬وقد يرغمون على ارتكاب الفواحش ‪،‬والليل يستر عليهم ذلك والشياطين تجيد اإلغواء في الظالم‬
‫‪،‬لذ ا أهاب النبي ‪ ‬بالمسلمين أي يكفوا أطفالهم بالليل ليحفظوهم من االنحراف ‪ .‬فهذا هدى معلم الخير سيدنا‬
‫محمد ‪ ‬منذ أكثر من ‪ 14‬قرنا ‪ ،‬وهذه إحصائيات الغرب اليوم التي تؤكد أن في الواليات المتحدة وحدها يهرب‬
‫مليون طفل من منازلهم سنويا‪ ،‬ربعهم على األقل ال يعودون إليها ‪ .‬وفي مدينة لندن يفر كل يوم ‪ 2500‬من‬
‫المراهقين تحت سن ‪ 18‬من منازلهم ‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫ومنها ما رواه جابر ‪‬قال ‪" :‬نهى رسول اهلل ‪ ‬أن ينام الرجل على سطح غير محجور عليه " أي غير‬
‫محاط بحاجز أو جدار ‪ ( .‬رواه الترمذي وهو حديث صحيح )‬
‫وهذا أيضا من الهدي النبوي الرائع في المحافظة على سالمة المسلمين واالهتمام بشؤونهم ‪ ،‬صغيرها‬
‫وكبيرها ‪ ،‬فهو ‪ ‬ينهى عن النوم على السطح غير المحاط بجدار يحفظ النائم من السقوط والهالك فيما لو قام من‬
‫نومه وسار والنوم ما يزال غالبا عليه (‪1‬و‪.)10‬‬
‫ومنها ما رواه أبو هريرة ‪‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال ‪" :‬اذا أوى أحدكم الى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره‬
‫فانه ال يدري ما خلفه عليه " متفق عليه ‪.‬‬
‫وهذا أيضا هدي نبوي كريم يمنع من اإلصابة من أذى محقق لو كان الفراش قد خبأ حشرة أو عقربا أو‬
‫غيره ‪ ،‬فكان هذا اإلجراء الذي أمر به الشرع إجراء سالمة ضروري لكل من يريد النوم وخاصة في البيوت‬
‫القديمة والريفية وفي خيام المعسكرات وسواها ‪.‬‬
‫ومنها ما رواه أبو هريرة ‪‬قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪":‬إذا كان أحدكم في الشمس فقلص عنه الظل فصار‬
‫بعضه في الشمس وبعضه في الظل فليقم" رواه أبو داود وفيه ضعف ‪ .‬لكن له شاهد بسند صحيح عن أبي‬
‫عياض عن رجل من الصحابة قال ‪ " :‬نهى رسول اهلل أن يجلس بين الضح والظل وقال مجلس الشيطان "‬
‫( صححه الحاكم ووافقه الذهبي …‪ ...‬والضح هو ضوء الشمس )‪ .‬وكذا ما رواه بريدة بن الحصيب أن رسول‬
‫اهلل ‪ ‬نهى أن يقعد الرجل بين الظل والشمس"‪.‬‬
‫يقول د‪.‬الكيالني (‪" )10‬فأمر البدن ال يستقيم إال إذا سار العضو على وتيرة واحدة في جميع أعضائه ‪ ،‬ففي‬
‫ضوء الشمس ‪ ،‬عدا عن األشعة المرئية هناك األشعة الحمراء التي تسخن األعضاء ‪ ،‬واألشعة فوق البنفسجية‬
‫التي تبيغ الجلد وتحمره ‪ .‬فإذ ا حصل ذلك في جزء من البدن دون الجزء اآلخر ‪ ،‬و دونما حاجة إلى ذلك ‪،‬‬
‫تشوش الدوران واضطربت وظائف األعضاء وهذا ما يحصل عند الجلوس أو النوم بين الظل والشمس ‪.‬‬
‫الوضوء والنوم ‪:‬‬

‫تؤكد أبحاث علم الصحة (‪ )16‬أن على المرء ‪-‬إن أراد النوم الهادئ‪ -‬أن يغتسل قبل أن ينام ‪ ،‬أو أن‬
‫يغسل وجهه ويديه وأن ينظف أسنانه بالمعجون والفرشاة‪.‬وهذه أمور تتوافق مع الهدي النبوي فعن البراء بن‬
‫عازب ‪‬أن النبي ‪ ‬قال‪":‬إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصالة … الحديث " رواه البخاري ‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪":‬كان النبي ‪ ‬إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه ثم توضأ وضوءه‬
‫السواك والذي يؤكد استعماله‬
‫للصالة" رواه البخاري ‪.‬كما حض النبي ‪ ‬في أحاديث كثيرة على استعمال ّ‬
‫عندالنوم(‪. )1‬‬
‫أدعية النوم ‪:‬‬
‫يقول ابن القيم (‪ ":)17‬لما كان النائم بمنزلة الميت وكان محتاجا الى أن يحرس نفسه ويحفظها مما يعرض‬
‫لها من طوارق اآلفات ‪،‬وكان فاطره تعالى هو المتولي لذلك وحده ‪،‬علم النبي ‪ ‬النائم أن يقول كلمات التفويض‬
‫‪ ‬رواه ابن ماجه بسند صحيح (جامع األصول‪:‬األرناؤط)‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫وااللتجاء والرغبة والرهبة ليستدعي به كمال حفظ اهلل له وحراسته لنفسه وبدنه ‪ ،‬وأرشده إلى أن يستذكر‬
‫اإليمان وينام عليه فإنه ربما توفاه اهلل في المنام ‪ ،‬فإذا كان اإليمان آخر كالمه دخل الجنة ‪ .‬فتضمن هذا الهدي‬
‫مصالح القلب والبدن والروح في النوم واليقظة والدنيا واآلخرة " ‪.‬‬
‫عن أنس ‪‬أن رسول اهلل ‪ ‬إذا أوى إلى فراشه قال ‪ " :‬الحمد هلل الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن‬
‫ال كافي له وال مؤوي " رواه مسلم ‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ … ‬فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقه األيمن وليقل‪:‬‬
‫سبحانك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وان أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك‬
‫الصالحين " رواه الشيخان ‪.‬‬
‫وعن البراء بن عازب ‪‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال ‪ " :‬إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصالة ثم اضطجع‬
‫على شقك األيمن ثم قل اللهم إني أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك‬
‫مت‬
‫مت ّ‬
‫ال ملجأ وال منجا منك إال إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت واجعلهن آخر كالمك فان ّ‬
‫على الفطرة " رواه الشيخان ‪.‬‬
‫وتستحب قراءة آية الكرسي لحديث طويل أخرجه البخاري عن أبي هريرة‪،‬كما تستحب قراءة سورة‬
‫اإلخالص والمعوذتين لما روته عائشة رضي اهلل عنها أن رسول اهلل ‪ ‬كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه‬
‫ثم نفث فيها فقرأ (قل هو اهلل أحد) و(قل أعوذ برب الفلق) و(قل أعوذ برب الناس) ثم يمسح بهما ما استطاع من‬
‫جسده يبدأ بما من رأسه ووجهه وما أقبل من جسده‪،‬يفعل ذلك ثالث مرات" رواه البخاري‪.‬‬
‫اضطجع على شقك األيمن ‪:‬‬
‫إن االستلقاء أو االضطجاع على الفراش يمكن أن يكون على البطن أو على الظهر أو على أحد الشقين‬
‫األيمن أو األيسر فما هي الوضعية األمثل من أجل عمل األعضاء ؟‬
‫فحين ينام الشخص على بطنه كما يقول د‪.‬ظافر العطار (‪ )18‬يشعر بعد مدة بضيق في التنفس ألن ثقل‬
‫كتلة الظهر العظمية تمنع الصدر من التمدد والتقلص عند الشهيق والزفير كما أن هذه الوضعية (‪ )16‬تؤدي إلى‬
‫انثناء اضطراري في الفقرات الرقبية والى احتكاك األعضاء التناسلية بالفراش مما يدفع إلى ممارسة العادة‬
‫السرية‪.‬كما أن الزلة التنفسية الناجمة (‪ )10‬تتعب القلب والدماغ‪.‬والحظ بحث أسترالي (‪ )19‬ارتفاع نسبة موت‬
‫األطفال المفاجئ إلى ثالثة أضعاف عندما ينامون على بطونهم نسبة إلى األطفال الذين ينامون على أحد‬
‫الجانبين‪.‬‬
‫كما نشرت مجلة التايم‪ ‬دراسة بريطانية مشابهة تؤكد ارتفاع نسبة الموت المفاجئ عند األطفال الذين‬
‫ينامون على بطونهم‪.‬‬
‫ومن المعجز حقاً توافق هذه الدراسات الحديثة مع ما نهى عنه معلم الخير سيدنا محمد ‪ ‬فيما رواه أبو‬
‫هريرة ‪‬قال ‪" :‬رأى رسول اهلل ‪ ‬رجال مضطجعاً على بطنه فقال إن هذه ضجعة يبغضها اهلل ورسوله" رواه‬
‫الترمذي بسند حسن‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪Time:”july,5,1993.‬‬
‫‪41‬‬
‫وما رواه أبو أمامة ‪‬قال‪":‬مر النبي ‪ ‬على رجل نائم في المسجد منبطح على وجهه فضربه برجله وقال‬
‫‪:‬قم واقعد فإنها نومة جهنمية"‪.‬‬
‫أما الن وم على الظهر فإنها تس بب كما ي رى ال دكتور العط ار (‪ )18‬التنفس الفم وي ألن الفم ينفتح عند‬
‫االس تلقاء على الظهر الس ترخاء الفك الس فلي ‪ .‬لكن األنف هو المهيأ للتنفس لما فيه من أش عار ومخ اط لتنقية‬
‫الهواء الداخل ‪ ،‬ولغزارة أوعيته الدموية المهيأة لتسخين الهواء ‪ .‬وهكذا فالتنفس من الفم يعرض صاحبه لكثرة‬
‫اإلص ابة بنـزالت ال برد والزك ام في الش تاء ‪،‬كما يس بب جف اف اللثة ومن ثم إلى التهابها الجف افي ‪،‬كما أنه يث ير‬
‫حاالت كامنة من فرط التصنع أو الضخامة اللثوية ‪.‬وفي هذه الوضعية أيض اً فإن شراع الحنك واللهاة يعارضان‬
‫فرج ان الخيش وم ويعيق ان مج رى التنفس فيك ثر الغطيط والش خير … كما يس تيقظ المتنفس من فمه ولس انه مغطى‬
‫بطبقة بيضاء غير اعتيادية إلى جانب رائحة فم كريهة‪ .‬كما أنها تضغط على ما دونها عند اإلناث فتكون مزعجة‬
‫كذلك (‪ )20‬وهذه الوضعية غير مناسبة للعمود الفقري ألنه ليس مستقيماً وإ نما يحوي على انثناءين رقبي وقطني‬
‫كما تؤدي عند األطفال إلى تفلطح الرأس إذا اعتادها لفترة طويلة(‪. )1‬‬
‫أما الن وم على الشق األيسر فهو غ ير مقب ول أيضا (‪ )1‬ألن القلب حينئذ يقع تحت ض غط الرئة اليم نى‬
‫‪،‬والتي هي أكبر من اليسرى مما يؤثر في وظيفته ويقلل نشاطه وخاصة عند المسنين‪.‬كما تضغط المعدة الممتلئة‬
‫عليه فتزيد الضغط على القلب والكبد ‪-‬الذي هو أثقل األحشاء‪ -‬ال يكون ثابتا بل معلقا بأربطة وهو موجود على‬
‫الجانب األيمن فيضغط على القلب وعلى المعدة مما يؤخر إفراغها ‪.‬‬
‫فقد أثبتت التجارب التي أجراها غالتيه وبواسيه (‪ )20‬أن مرور الطعام من المعدة إلى األمعاء يتم في فترة‬
‫تتراوح بين‪4.5-2.5‬ساعة إذا كان النائم على الجانب األيمن وال يتم ذلك إال في ‪8-5‬ساعات إذ ا كان على جنبه‬
‫األيسر ‪.‬‬
‫فالنوم على الشق األيمن هو الوضع الصحيح (‪ )18‬ألن الرئة اليسرى أصغر من اليمنى فيكون القلب‬
‫أخف حمال وتكون الكبد مستقرة ال معلقة والمعدة جاثمة فوقها بكل راحتها وهذا كما رأينا أسهل إلفراغ ما‬
‫بداخلها من طعام بعد هضمه…كما يعتبر النوم على الجانب األيمن من أروع اإلجراءات الطبية التي تسهل‬
‫وظيفة القصبات الرئوية اليسرى في سرعة طرحها إلفرازاتها المخاطية هكذا ينقل الدكتور الراوي (‪)21‬‬
‫ويضيف قائالً‪ :‬إن سبب حصول توسع القصبات للرئة اليسرى دون اليمنى هو ألن قصبات الرئة اليمنى تتدرج‬
‫في االرتفاع إلى األعلى حيث أنها مائلة قليالً مما يسهل طرحها لمفرزاتها بواسطة األهداب القصبية أما قصبات‬
‫الرئة اليسرى فإنها عمودية مما يصعب معه طرح المفرزات إلى األعلى فتتراكم تلك المفرزات في الفص السفلي‬
‫مؤدية إلى توسع القصبات فيه والذي من أعراضه كثرة طرح البلغم صباحا هذا المرض قد يترقى مؤديا إلى‬
‫نتائج وخيمة كاإلصابة بخراج الرئة والداء الكلوي وإ ن من أحدث عالجات هؤالء المرضى هو النوم على الشق‬
‫األيمن‪.‬‬
‫رواه ابن ماجه يف سنده وضعفه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪42‬‬
‫من هنا يتبين لنا أن النوم على الجانب األيمن هو الصحيح من الناحية الطبية والذي تتمتع فيه كافة األجهزة‬
‫بعملها األمثل أثناء النوم‪،‬وهو أيضا القدوة الحسنة لنبي هذه األمة ومعلمها كل خير سيدنا محمد ‪‬حين قال‪ ":‬إذا‬
‫أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصالة ثم اضطجع على شقك األيمن‪"..‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫وإ ن تعليمات النبي األعظم وهديه في النوم تمثل قمة اإلعجاز الطبي حين تنهى وبشكل جازم عن‬
‫الوضعية األكثر سوءاً وهي النوم على البطن وتندب للنوم على الجهة األصح (اليمنى) وتسكت عن جهتين‬
‫أخريتين أقل سوءاً رحمة بنا وحتى تفسح لنا حرية التقلب في النوم دون حرج أو مشقة‪.‬‬
‫تتمة مراجع البحث‬

‫د‪.‬عبد الحميد دياب وأحمد فرفور ‪":‬مع الطب في القرآن الكريم"‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫د‪.‬حسان شمسي باشا ‪":‬النوم وألرق واألحالم بين الطب والقرآن"‪،‬دار المنارة‪،‬جدة‪.1991،‬‬ ‫‪-7‬‬
‫د‪.‬إبراهيم الراوي ‪":‬استشارات طبية في ضوء اإلسالم"‪،‬حضارة اإلسالم‪،‬المجلد ‪،11‬العدد ‪ 3‬لعام‬ ‫‪-8‬‬
‫‪.1970‬‬
‫د‪.‬محمود ناظم النسيمي ‪":‬الطب النبوي والعلم الحديث"‪،‬مؤسسة الرسالة‪،‬بيروت‪.1986،‬‬ ‫‪-9‬‬
‫‪ -10‬د‪.‬عبد الرزاق كيالني ‪":‬الحقائق الطبية في اإلسالم"‪،‬دار القلم‪،‬دمشق‪.1996،‬‬
‫‪ -11‬د‪.‬نيريس دي ‪":‬األحالم‪،‬تفسيرها وداللتها‪،‬القاهرة‪،‬عالم الكتب‪.‬‬
‫‪ -12‬د‪.‬إبراهيم الراوي ‪":‬استشارات طبية"‪،‬حضارة اإلسالم‪،‬المجلد‪،14‬العدد‪ 10‬لعام ‪.1974،‬‬
‫‪ -13‬الحافظ ابن حجر العسقالني ‪":‬فتح الباري شرح صحيح البخاري"‪.‬‬
‫‪ -14‬د‪.‬سمير إسماعيل الحلو ‪":‬الليل نومه وقيامه"‪،‬دار التراث‪،‬المدينة المنورة‪.1992،‬‬
‫‪ -15‬اإلمام ابن قيم الجوزية ‪":‬الطب النبوي"‪،‬تحقيق عبد القادر أرناؤوط‪.‬‬
‫‪ -16‬د‪.‬أنور حمدي ‪":‬النوم أسراره وخفاياه"‪،‬المكتب اإلسالمي‪،‬بيروت‪.1986،‬‬
‫‪ -17‬اإلمام ابن قيم الجوزية ‪":‬زاد المعاد من هدي خير العباد"‪،‬تحقيق األرناؤوط‪.‬‬
‫‪ -18‬د‪.‬ظافر العطار ‪":‬اضطجع على شقك األيمن"‪،‬مجلة طبيبك‪،‬ك‪.1،1968‬‬
‫‪ -19‬المجلة الطبية العربية ‪":‬أوضاع النوم الخاطئة"‪،‬العدد ‪،196‬لعام ‪.1993‬‬
‫‪ -20‬د‪.‬أحمد حمدي الخياط ‪":‬فن الصحة والطب الوقائي"‪،‬جامعة دمشق‪.‬‬
‫‪ -21‬د‪.‬إبراهيم الراوي ‪":‬النوم على الجهة اليمنى"‪،‬حضارة اإلسالم‪،‬المجلد ‪،16‬العدد‪.9/10،1975‬‬
‫‪ -22‬د‪.‬أنور حمدي ‪":‬كي تنام سعيداً"‪،‬المكتب اإلسالمي‪،‬بيروت‪.1987،‬‬
‫‪ -23‬د‪.‬إبراهيم الراوي ‪":‬المعجزات الطبية في القرآن"‪،‬حضارة اإلسالم‪،‬المجلد‪،14‬العدد‪،6‬عام‪.1973‬‬
‫‪ -24‬ابن األثير الجزري ‪":‬جامع األصول في أحاديث الرسول"‪.‬‬
‫‪ -25‬محمد علي الصابوني ‪":‬قبس من نور القرآن الكريم"‪.‬‬
‫‪ -26‬د‪.‬قتيبة سالم الحلبي ‪":‬النوم‪-‬األرق‪-‬األحالم"‪،‬مطبعة سفير‪،‬الرياض‪.1988،‬‬
‫‪43‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫خصال الفطرة في الهدي النبوي‬
‫وأثرها في صحة البدن‬
‫ويضم المباحث التالية ‪:‬‬
‫المبحث األول‪:‬‬
‫الفطرة تعريفها وما ورد فيها‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫اإلستحداد‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫قص الشارب وإ عفاء اللحى‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫المضمضة واالستنشاق واإلستنثار‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫غسل البراجم‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫انتقاص الماء ‪/‬االستنجاء‪/‬‬ ‫‪-6‬‬
‫تقليم األظافر‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬السواك بين الطب واإلسالم‪.‬‬
‫السواك لغة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الهدي النبوي في السواك‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫فقه السواك‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫اإلستياك ونظافة الفم وأثره على الصحة العامة‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫المسواك‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬الختان بين موازين الطب والشريعة‪.‬‬
‫التعريف اللغوي‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الختان عبر التاريخ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫الختان في السنة‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫الحكم الفقهي في الختان‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫الختان ينتصر‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫الحكم الصحية في ختان الذكور‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫ختان البنات‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫‪44‬‬
‫الفطرة تعريفها وأهم خصالها‪:‬‬
‫"الفطرة" في األصل تعني ما يميل اإلنسان إليه بطبعه وذوقه السليم (‪.)1‬‬
‫خص فيها‬
‫واإلسالم كله يكون بهذا دين الفطرة‪،‬وتعاليمه كلها هي سنن الفطرة (‪ .)2‬لكن رسول اهلل ‪ ‬قد َّ‬
‫سماها "سنن الفطرة" إلرتباطها ببدن اإلنسان ووظائفه الحياتية‪.‬‬
‫مجموعة من السنن والتعاليم ّ‬
‫هذه السنن ما رواه أبو هريرة ‪ ‬قال‪:‬سمعت النبي‪ ‬يقول ‪":‬خمس من الفطرة (وفي رواية الفطرة خمس)‬
‫الختان واالستحداد وقص الشارب وتقليم األظافر ونتف اإلبط" رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫عشر من الفطرة‪:‬قص الشارب واستنشاق الماء‬
‫وما روته عائشة رضي اهلل عنها أن النبي ‪ ‬قال ‪ٌ ":‬‬
‫والسواك وإ عفاء اللحية ونتف اإلبط وحلق العانة وانتقاص الماء وقص األظافر وغسل البراجم قال الراوي‬
‫ونسيت العاشرة إال أن تكون المضمضة" وانتقاص الماء يعني االستنجاء رواه مسلم وابن خزيمة في صحيحه‪.‬‬
‫وقال القاضي عياض‪:‬لعل العاشرة الختان ألنه مذكور في حديث (الفطرة خمس)‪.‬‬
‫وكما ورد في حديث اإلسراء والمعراج عندما َخيَّر جبريل عليه السالم النبي ‪، ‬تاركاً الخمر وشارباً‬
‫اللبن‪،‬فقال جبريل‪:‬الحمد هلل الذي هداك للفطرة" رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫قال ابن األثير ‪" ‬اإلنسان يولد على نوع من الجبلة والطبع المهيء لقبول الدين‪،‬فلو ترك األمر عليها‬
‫إلستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها‪،‬وإ نما يعدل من يعدل آلفة من البشر والتقليد"‪.‬‬
‫وقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه (‪ )3‬عن عبد اهلل بن عباس رضي اهلل عنهما في تفسير قوله تعالى‪":‬وإ ذا‬
‫ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن"‪.‬قال‪":‬ابتاله بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد‪.‬في الرأس قص‬
‫الشارب والمضمضة واالستنشاق والسواك وفرق الرأس‪ .‬وفي الجسد تقليم األظافر وحلق العانة والختان ونتف‬
‫اإلبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء"‪.‬‬
‫قال أبو شامة (‪":)4‬الفطرة هي الخلقة المبتدئة‪،‬أي أن هذه األشياء إذا فعلت اتصف فاعلها بالفطرة التي‬
‫فطر اهلل العباد عليها واستحبها لهم ليكونوا على أكمل الصفات وأشرفها‪ .‬واالستحداد استعمال الموس في حلق‬
‫الشعر‪،‬والبراجم مفاصل األصابع أو العقد التي على ظهرها‪،‬والمراد بها الموضع التي تتجمع فيها األوساخ من‬
‫البدن"‪.‬‬
‫وقد فسر كثير من العلماء "الفطرة" التي وردت األحاديث النبوية بأنها "السنة أي الطريقة التي جاء بها‬
‫األنبياء عليهم الصالة والسالم‪.‬وقد أمر اهلل سبحانه نبيه المصطفى محمد ‪ ‬باإلقتداء بهم في قوله تعالى‪":‬فبهداهم‬
‫اقتده"‪.‬‬
‫يقول اإلمام النووي (‪":)5‬جزم الماوردي وأبو اسحق بأن المراد بالفطرة في هذا الحديث ‪ :‬الدين‪.‬وقال‬
‫البيضاني‪:‬الفطرة المرادة هنا هي السنة القديمة التي إختارها األنبياء واتفقت عليها الشرائع وكأنها أمر جبلي‬
‫فطروا عليه"‪.‬‬
‫‪ ‬عن كتابه "النهاية يف غريب احلديث"‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫وخصال الفطرة كلها‪،‬التي حث عليها اإلسالم بدعوة صريحة من نبي الرحمة‪،‬وإ ّياً كان تفسير العلماء‬
‫لكلمة الفطرة‪،‬فإنها تنضوي تحت عنوان "النظافة" والذوق السليم‪ .‬وسنتناولها في بحثنا هذا بالتفصيل مع المنافع‬
‫الصحية واالجتماعية التي يحصل عليها المسلم عند التزامه بها في حياته الدنيا‪.‬وسنفرد لكل من الختان والسواك‬
‫بحثاً مستقالً ألهميتها‪.‬‬
‫ولقد نبه ابن حجر (‪ )5‬إلى أنه يتحصل من مجموع ما ورد من آثار صحيحة في خصال الفطرة أنها‬
‫والسواك واالستحداد ‪0‬حلق العانة) وتقليم األظافر ونتف اإلبط قص الشارب‬
‫خمسة عشر خصلة وهي الختان ّ‬
‫وإ عفاء اللحية واإلنتضاح وغسل البراجم والمضمضة واالستنشاق واالستنثار واالستنجاء وفرق الشعر وغسل‬
‫الجمعة‪.‬‬
‫االستحداد ‪:‬‬
‫يقول اإلمام النووي (‪":)6‬االستحداد هو حلق العانة وسمي استحداداً الستعمال الحديدة (الموس أو الشفرة)‪.‬‬
‫وهو سنة‪،‬والمراد به نظافة ذلك الموضع‪.‬واألفضل فيه الحلق‪،‬ويجوز بقص الشعر أو نتفه‪.‬والمراد بالعانة الشعر‬
‫الدبر‪.‬وأما وقت حلقه فالمختار أنه يضبط‬ ‫النابت حول الذكر أو الفرج وما يلحق به الشعر حول ُّ‬
‫بالحاجة‪،‬وطوله‪،‬فإذا ما طال ُحِل َ‬

‫ق‪.‬‬
‫عن عبد اهلل بن َعمر رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪":‬من الفطرة حلق العانة وتقليم األظافر وقص‬
‫الشارب" رواه البخاري‪.‬‬
‫وعن أنس بن مالك ‪ ‬قال‪":‬وقَّت لنا رسول اهلل ‪ ‬في قص الشارب وتقليم األظافر ونتف اإلبط وحلق العانة‬
‫أال نترك أكثر من أربعين ليلة" رواه مسلم‪.‬‬
‫إن ناحية العانة وما يحيط بالقبل والدبر‪،‬منطقة كثيرة التعرق واإلحتكاك ببعضها البعض‪،‬وإ نه إن لم ُيحلَق‬
‫ّ‬
‫شعرها تراكمت عليه مفرزات العرق والدهن‪،‬وإ ذا ما تلوثت بمفرغات البدن من بول وبراز صعب تنظيفها‬
‫حينئذ‪،‬وقد يمتد التلوث إلى ما يجاورها فتزداد وتتوسع مساحة النجاسة‪،‬ومن ثََّم يؤدي تراكمها إلى تخمرها فتنتن‬
‫وتصدر عنها روائح كريهة جداً‪،‬وقد تمنع صحة الصالة إن لم تنظف وقلع عنها النجاسات‪ .‬وفي حلق شعر العانة‬
‫أيضاً وقاية من اإلصابة بعدد من األمراض الطفيلية المؤذية كقمل العانة الذي يتعلق بجذور األشعار ويصعب‬
‫حينئذ القضاء عليها‪ .‬كما يخفف الحلق من إمكانية اإلصابة بالفطور المظنية‪.‬لذا سن اإلسالم حلق العانة واألشعار‬
‫حول الدبر كلما طالت تأميناً لنظافتها المستمرة وألنها من اكثر مناطق الجسم تعرضاً للتلوث والمرض (‪4‬و‪.)7‬‬
‫نتف اآلباط ‪:‬‬
‫قال النووي (‪ :)6‬وأما نتف اإلبط فهو سنة باالتفاق واألفضل فيه النتف لمن قوي عليه ويجوز بالحلق‬
‫وغيره‪.‬ويرى العالمة ابن حجر (‪ )5‬أن الهدي النبوي بنتف شعر اإلبط وليس بحلقه ألن النتف يضعف التعرق‬
‫تحت اآلباط‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫ويؤكد د‪.‬الكيالني (‪ )4‬أن النتف يضعف إفراز الغدد العرقية والدهنية‪.‬وإ ن االعتياد عليه(أي بالنتف) منذ‬
‫بدء نموه ودون أن يحلقه أبداً يضعف الشعر أيضاً وال يشعر المرء بأي ألم عند نتفه‪.‬والمقصود بالنتف أن يكون‬
‫باليد ويمكن إزالته أيضاً بالرهيمات المزيلة للشعر‪.‬‬
‫وفي الحقيقة فإن نمو األشعار تحت اإلبطين بعد البلوغ يرافقه نضوج غدد عرقية خاصة تفرز مواد ذات‬
‫رائحة خاصة إذا تراكم مع األوساخ والغبار أزنخت وأصبح لها رائحة كريهة (‪،)4‬وإ ن نتف هذه األشعار يخفف‬
‫إلى حد كبير من هذه الرائحة‪،‬ويخفف من اإلصابة بالعديد من األمراض التي تصيب تلك المنطقة كالمذح‬
‫والسعفات الفطرية والتهابات الغدد العرقية (عروسة اإلبط) والتهاب األجربة الشعرية وغيرها‪،‬كما يقي من‬
‫اإلصابة بالحشرات المتطفلة على األشعار كقمل العانة (‪7‬و‪. )8‬‬
‫قص الشارب وإ عفاء اللحية ‪:‬‬
‫عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما أن النبي ‪ ‬قال‪":‬احفوا الشارب وأعفوا اللحى" رواه البخاري‪.‬‬
‫‪":‬ج ّزوا الشوارب وأرخوا اللحى‪،‬خالفوا المجوس" رواه‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ُ ‬‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما أن النبي ‪ ‬قال‪":‬من الفطرة قص الشارب" رواه البخاري‪.‬‬
‫وعن أنس بن مالك ‪ ‬قال‪":‬وقت لنا رسول اهلل ‪ ‬في قص الشارب … أال نترك أكثر من أربعين ليلة" رواه‬
‫مسلم‪.‬‬
‫وعن زيد بن أرقم ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪":‬من لم يأخذ من شاربه فليس منا" رواه النسائي وأحمد‪،‬ورواه‬
‫الترمذي عن المغيرة بن شعبة وقال حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫قال النووي(‪":)6‬وأما قص الشارب فسنة أيضاً‪.‬وأما ُّ‬
‫حد ما يقصه فالمختار أنه يقص حتى يبدو طرف‬
‫الشفة وال يحفه من أصله‪.‬وأما روايات احفوا الشوارب فمعناها ما طال على الشفتين‪،‬وإ عفاء اللحية توفيرها وكان‬
‫من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشارع عن ذلك"‪.‬‬
‫إن قص الشارب سنة باالتفاق‪،‬إنما يرى الشافعية والمالكية التقصير أي قص الزائد عن الشفة العليا‪،‬بينما‬
‫يرى الحنفية استئصال الشارب كله‪،‬والحنابلة مخيرون بين هؤالء وهؤالء (‪.)9‬‬
‫ومن الناحية الطبية فإن الشوارب إذا ما طالت ثلوثت بالطعام والشراب وأصبح منظرها مدعاة للسخرية‬
‫وقد تكون سبباً في نقل الجراثيم (‪4‬و‪ .)8‬وعندما يقص المسلم شواربه يبدو بمظهر التواضع واإلرتياح خالفاً لما‬
‫يخلفه إطالة الشارب وفتله من مظهر الكبر والجبروت (‪.)8‬‬
‫وسنة اإلسالم في قص الشوارب تتفق مع ما دعا إليه الطب‪،‬بقص ما زاد عن حدود الشفة العليا فقط وهو‬
‫ما كان عليه جمع من الصحابة كعمر بن الخطاب وعبد اهلل بن الزبير‪،‬وهو ما ذهب إليه الشافعي ومالك‪،‬وإ ن عدم‬
‫إزالة الشارب بقصه فقط تتفق مع الطب الوقائي‪،‬فالشارب خلق للرجل‪،‬وهو المهيأ للعمل وطوارئ البيئة ووجود‬
‫الشارب يحمي الرجل من طوارئ البيئة وفي تصفية الهواء الداخل عبر األنف إلى الرئتين‪،‬وهذا بالطبع أنفع‬
‫وأسلم‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫أما اللحية فقد دعا اإلسالم إلى إعفائها وعدم حلقها‪:‬وقد ذهب المالكية والحنابلة إلى حرمة حلقها وقال‬
‫الحنفية بكراهة التحريم وأفتر الشافعية بالكراهة (‪.)9‬‬
‫ومن الناحية الصحية فإن د‪.‬عبد الرزاق كيالني (‪ )4‬يرى أن عمل الرجل يؤدي إلى كثرة تعرضه ألشعة‬
‫الشمس والرياح الباردة والحارة والذي يؤثر سلبياً على األلياف المرنة والكالجين الموجودين في جلد الوجه‬
‫ويؤدي إلى تخربهما شيئاً فشيئاً إلى ظهور التجاعيد والشيخوخة المبكرة‪.‬وقد خلق اهلل [المصور] اللحية في وجه‬
‫الرجل للتخفيف من تأثير هذه العوامل ‪،‬ولم يخلقها للمرأة ألنه سبحانه خلقها للعمل في البيت بعيداً عن تأثير‬
‫األشعة الشمسية وتقلبات الرياح‪.‬‬
‫من هنا نرى النتيجة الرائعة للهدي النبوي العظيم في أن وجه الملتحي أكثر نضارة وشباباً من وجه حليق‬
‫اللحية‪،‬كما أن وجه المرأة المحجبة أكثر حيوية ونضارة من وجه السافرة مهما تقدمت بها السن‪.‬هذا عدا عما‬
‫يسببه حلق اللحية اليومي من تهيج للجلد وتخريب ألنسجته‪،‬وعالوة عما في حلق اللحية من تشبه الرجل بالمرأة‬
‫وقد "لعن رسول اهلل ‪ ‬المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال" كما روى عبد اهلل بن عباس‬
‫في صحيح البخاري‪.‬‬
‫المضمضة واالستنشاق واالستنثار‪:‬‬

‫عن عبد اهلل الصنايجي أن النبي ‪ ‬قال‪":‬إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه فإذا‬
‫استنثر خرجت الخطايا من انفه"‪. ‬‬
‫وعن علي بن أبي طالب ‪"‬أنه دعا بوضوء فمضمض واستنشق واستنثر بيده اليسرى ثم قال‪:‬هذا طهور‬
‫نبي اهلل ‪." ‬‬
‫فالمضمضة هي إدخال الماء إلى الفم وإ دارته فيه ثم طرده وهي سنة في الوضوء والغسل عند الشافعية‬
‫والمالكية‪،‬ويرى الحنابلة وجوب المضمضة في الوضوء‪،‬أما الحنفية فيرون وجوبها في الغسل فقط‪،‬وقد كان هدى‬
‫النبي ‪ ‬أيضاً أن يتمضمض بعد الطعام وخاصة إذا كان دسماً‪.‬فقد روي عن عبد اهلل بن عباس رضي اهلل عنهما‬
‫"أن رسول اهلل ‪ ‬شرب لبناً فمضمض وقال‪:‬إن له دسماً" رواه البخاري‪.‬‬
‫ويتم بالمضمضة نظافة الفم وإ زالة بقايا الطعام منه‪،‬وأما الغرغرة وهي المبالغة بالمضمضة (وهي مندوبة‬
‫أيضاً) فتنظف الحلق والبلعوم‪ .‬وإ ن تراكم البقايا الطعامية فب الفم يجعلها عرضة للتخمر وتصبح بؤرة مناسبة‬
‫لتكاثر الجرايم مما قد يسبب إلتهابات في اللثة والقالع ونخر األسنان وغيرها من إلتهابات جوف الفم‪،‬ومن ثم إلى‬
‫إنتقالها إلى السبيل الهضمي وما ينتج عنه من إضطرابات هضمية وتعفنات يصدر عنها رائحة الفم الكريهة (‬
‫‪.)10‬‬
‫‪ ‬وراه النسائي وأمحد واحلاكم وابن ماجه ورمز السيوطي لصحته‪.‬‬

‫‪ ‬أخرجه النسائي بسند صحيح(األرناؤوط)‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫أما االستنشاق فهو إدخال الماء إلى األنف‪،‬واالستنثار إخراجه منه بعد استنشاقه‪،‬وهما سنة مؤكدة في‬
‫الوضوء والغسل عند جمهور الفقهاء عدا الحنابلة الذين قالوا بوجوبه فيهما‪.‬وقد روي عن أبي هريرة ‪‬أن النبي ‪‬‬
‫قال‪":‬إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر" رواه مسلم‪ .‬كما أن ذلك مندوب عند القيام من النوم‪.‬‬
‫ويعمل االستنشاق واالستنثار كالهما معاً على التخلص مما تراكم في األنف من مواد مخاطية‪،‬وما إلتصق‬
‫بها من غبار وجراثيم مما يؤدي إلى تجديد طبقة المخاطية وتنشيطها لتقوم بوظيفتها الحيوية على أتّم وجه‪ .‬فإذا‬
‫ما علمنا أن أكثر األمراض إنتشاراً بين الناس كالزكام واألنفلونزا وإ لتهاب القصبات إنما تنتقل إلى اإلنسان عن‬
‫طريق الرذاذ الذي يخرج من المريض‪،‬بواسطة الهواء الذي يمر عبر األنف أدركنا أهمية الدعوة النبوية لاللتزام‬
‫بعمل االستنشاق واالستنثار مع كل وضوء‪.‬‬
‫غسل البراجم‪:‬‬
‫البراجم جمع "برجمة" وهي المفصل الظاهر من مفاصل األصابع‪،‬وقيل الباطن منها‪ .‬ورجح النووي [في‬
‫الجموع] أن البراجم جميعاً هي مفاصل األصابع كلها وهي التي تجتمع فيها األوساخ‪ .‬وقال الغزالي (‪":)5‬كانت‬
‫العرب ال تغسل اليدين عقب الطعام فيجتمع في تلك الغضون وسخ فأمر بغسلها"‪.‬‬
‫وقد أدخل العلماء في هذا الباب كل اعقد التي تكون مجتمعاً للوسخ سواء كانت في ظهور األصابع أو في‬
‫باطنها‪،‬في اليدين أو في القدمين‪،‬وألحقوا بها ما يجتمع من الوسخ في مناطق األذان وغيرها (‪ .)2‬ولذا فقد جاءت‬
‫السنة المطهرة فأمرت بتعهد هذه األماكن بالغسل والتنظيف فأمر النبي ‪ ‬بتخليل األصابع في الوضوء‪،‬وتدليك‬
‫البدن وخاصة في الثنيات وتعهدها بإيصال الماء إليها أثناء الغسل حتى تتم نظافة البدن والتي هي في الحقيقة‬
‫جزء ال يتجزأ من طهارة المسلم وعبادته‪،‬وصلى اهلل على نبي الرحمة القائل‪":‬الطهور شطر االيمان" رواه مسلم‬
‫عن أبي موسى األشعري رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫انتقاص الماء ‪:‬‬

‫وفسره العلماء بأنه "االستنجاء"‪، ‬وهو أيضاً "االنتضاح" ‪:‬من نضح الفرج بالماء‪ .‬وهو من خصال الفطرة‬
‫وسنن الهدى العظيمة التي دعانا إليها المصطفى ‪ ،‬وتعني إزالة النجس من غائط وبول ودم ومذي وسواها‪،‬من‬
‫القبل أو الدبر‪ .‬وهو واجب عند جمهور الفقهاء لقوله سبحانه و تعالى‪):‬والرجز فاهجر)‪.‬‬
‫واألصل في االستنجاء أن يكون بالماء‪ ،‬لما روي عن أنس بن مالك ‪‬قال ‪":‬كان رسول اهلل ‪ ‬إذا خرج‬
‫لحاجته تبعته ‪.‬وأنا غالم‪ -‬ومعنا إداوة من ماء‪،‬يعني يستنجي به" رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ويجوز االستنجاء بحجر ونحوه وكل شيء قالع (كالمحارم الورقية اليوم) وال بد منها بثالث مسحات على‬
‫األقل (إن حصل االنقاء) وإ ال زاد رابعاً فأكثر‪ .‬وقد أجمع فقهاء األمة على ان األفضل الجمع بين الحجارة‬
‫(المحارم الورقية)وبين الماء في االستنجاء‪.‬‬
‫‪ ‬من أراد التفص<<يل فقد ذكرنا البحث مس<<هباً يف كتابنا "روائع الطب االس<<المي" اجلزء الث<<اين [ العب<<ادات يف اإلس<<الم وأثرها يف ص<<حة‬
‫الفرد واجملتمع] ‪:‬د‪.‬نزار الدقر‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫وال شك بأن الهدي النبوي بتعليم األمة قواعد االستنجاء‪،‬إنما هو إعجاز طبي وسبق صحي في مجال‬
‫الطب الوقائي سبق بها اإلسالم كافة األنظمة الصحية في العالم وتنسجم مع متطلبات الصحة البدنية في الوقاية‬
‫من التلوث الجرثومي والحد من انتشار األمراض السارية‪ .‬فما يخرج من السبيلين من بول وغائط يعتبر من‬
‫أخطر األسباب لنقل العدوى باألمراض الجرثومية والطفيلية فيما إذا أهملت نظافتها (‪ .)10‬لذا دعت السنة‬
‫النبوية إلى االهتمام بطهارتها وجعلت ذلك مدخالً للعبادة الصحيحة عند المسلمين‪.‬‬
‫تقليم األظافر ‪:‬‬
‫التقليم لغة هو القطع‪،‬وهو تفعيل من ال ّقْلم‪،‬وكلما قطعت منه شيئاً بعد شيء فقد قلمته‪ .‬وشرعاً هو إزالة ما‬
‫يزيد على مالمس رأس األصبع من الظفر‪،‬وهو سنة مؤكدة‪.‬‬
‫وقد ورد عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪":‬من الفطرة حلق العانة وتقليم األظافر‬
‫وقص الشارب" رواه البخاري‪.‬‬
‫قص األظافر فقد ورد عن أنس بن مالك ‪‬قال‪":‬وقَّ َ‬
‫ت لنا رسول اهلل ‪ ‬في قص الشارب وتقليم‬ ‫أما توقيت ّ‬
‫األظافر أال نترك أكثر من أربعين ليلة" رواه مسلم‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها أن النبي ‪ ‬قال ‪":‬من قلّم أظافره يوم الجمعة وقي من السوء إلى مثلها"‪.‬‬
‫ٌّ‬
‫األظافر‪،‬حد أعلى ال يزيد عنه المسلم في ترك أظافره وهو‬ ‫قص‬
‫فالسنة النبوية تضع حدين (‪ )12‬لتوقيت ّ‬
‫ٌّ‬
‫أكثر‪،‬وحد أدنى ‪-‬أسبوع‪ -‬رغب فيه المسلمين بقص أظافرهم لتكون زينة يوم‬ ‫أربعين يوماً حيث نهى أن تطول‬
‫الجمعة ونظافته‪.‬‬
‫والمعتمد عند اإلمام أحمد بن حنبل استحبابه كيفما احتاج إليه‪ .‬وقال النووي (‪ :)5‬يختلف ذلك باختالف‬
‫األحوال واألشخاص والضابط‪،‬الحاجة إليها‪،‬كما في جميع خصال الفطرة‪.‬‬
‫قص األظافر وتركها تطول لتصبح (مخالب) بشرية‪ ،‬سواءاً‬
‫الموانع الشرعية إلطالة األظافر ‪ :‬إن عدم ّ‬
‫كان ذلك إهماالً‪،‬أو جهالً‪،‬أو كان متعمداً على أنه تقليد (أو موضة) هو خصلة ذميمة مخالفة لسنن الفطرة التي‬
‫جاءت بها الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫فاألظافر الطويلة قد تكون سبباً في منع وصول ماء الوضوء إلى مقدم األصابع‪،‬وفيها تشبه وتقليد ألهل‬
‫الكفر والضالل‪،‬وتطبيع للمسلمين بطابع الحضارة الغربية‪،‬وفيها أيضاً نزوع إلى الطبيعة الحيوانية وتشبه‬
‫بالوحوش ذوات المخالب‪،‬كما أنه عمل ال يقبله الذوق اإلسالمي الذي تحكمه شريعة اهلل ونظرتها التكريمية‬
‫لإلنسان –الذي هو خليفة اهلل في األرض‪ -‬هذا عالوة على أن ما ينجم من أضرار صحية من حراء إطالة‬
‫األظافر‪،‬يجعلها تتعارض مع القاعدة الشرعية [ال ضرار وال ضرار] والتي جاءت لتحافظ على سالمة البشر‪.‬‬
‫‪ ‬رواه الطرباين يف األوسط والسيوطي يف زيادة اجلامع الصغري‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫عن قيس بن أبي حازم قال‪ ":‬صلى رسول اهلل ‪ ‬صالة" فأوهم فسها‪،‬فسئل فقال‪ :‬مالي ال أوهم ورفع أحدكم‬
‫بين ظفره وأنملته"‪ .‬ومعناه أنكم ال تقصون أظفاركم ثم تحكون بها أرفاغكم فيتعلق بها ما في األرفاغ من‬
‫قصها‪.‬‬
‫األوساخ‪،‬وقال أبو عبيد‪:‬أنكر عليهم طول األظافر وترك ّ‬
‫وفي بحث طريفة قدمه د‪.‬يحي الخواجي ود‪.‬أحمد عبد األخر في المؤتمر العالمي للطب اإلسالمي (‪)12‬‬
‫آكداً فيه أن تقليم األظافر يتماش مع نظرة اإلسالم الشمولية للزينة والجمال‪.‬فاهلل سبحانه خلق اإلنسان في أحسن‬
‫ّ‬
‫تقويم‪،‬وجعل له في شكل جمالي أصابع يستعملها في أغراض شتى‪،‬وجعل لها غالفاً قرنياً هو الظفر يحافظ على‬
‫نهايتها‪ .‬وبهذا التكوين الخلقي يتحدد الغرض من الظفر ويتحدد حجمه بأال يزيد على رأس األصبع ليكون على‬
‫قدر الغرض الذي وجد من أجله‪.‬ومن جهة أخرى فإن التخلص من األوساخ وعوامل تجمعها يعتبران من اهم‬
‫أركان الزينة والجمال‪،‬وإ ن كل فعل جمالي ال يحقق ذلك فهو وردود على فاعله‪.‬‬
‫وإ ن تقليم األظافر بإزالة األجزاء الزائدة منها يمنع تشكل الجيوب بين األنامل واألظافر والتي تتجمع فيها‬
‫األوساخ‪،‬ويحقق بذلك نظرة اإلسالم الرائعة للجمال والزينة‪.‬‬
‫األضرار الصحية الناجمة عن إطالة األظافر‪ :‬تحمي األظافر نهايات األصابع وتزيد صالبتها وكفائتها‬
‫وحسن أدائها عند اإلحتكاك أو المالمسة‪،‬وإ ن الجزء الزائد من الظفر والخارج عن طرف األنملة ال قيمة له‬
‫لخصها الزميالن خواجي وعبد اآلخر في عاملين أساسيين‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ووجوده ضار من نواح عدة‬
‫األول ‪ :‬تكون الجيوب الظفرية بين تلك الزوائد ونهاية األنامل والتي تتجمع فيها األوساخ والجراثيم‬
‫وغيرها من مسببات العدوى كبيوض الطفيليات‪،‬وخاصة من فضالت البراز والتي يصعب تنظيفها‪،‬فتتعفن‬
‫وتصدر روائح كريهة ويمكن أن تكون مصدراً للعدوى لألمراض التي تنتقل عن طريق الفم كالديدان المعدية‬
‫وأن النساء ُه ّن اللواتي يحضرون الطعام ويمكن أن يلوثن بما يحملن من‬
‫والزحار والتهاب األمعاء‪،‬خاصة ّ‬
‫عوامل ممرضة تحت مخالبهن الظفرية‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬إن الزوائد (المخالب) الظفرية نفسها كثيراً ما تحدث أذيات ‪ Injuries‬بسبب أطرافها الحادة قد‬
‫تلحق الشخص نفسه أو اآلخرين وأهمها إحداث قرحات في العين والجروح في الجلد أثناء الحركة العنيفة‬
‫لألطراف خاصة أثناء الشجار وغيره‪ .‬كما أن هذه الزوائد قد تكون سبباً في إعاقة الحركة الطبيعية الحرة‬
‫لألصابع‪،‬وكلما زاد طولها زاد تأثيرها على كفاءة أصابع اليد أشد‪،‬حيث نالحظ إعاقة المالمسة بأطراف األنامل‬
‫وإ عاقة حركة االنقباض‪،‬وكذا تقييد الحركات الطبيعية لإلمساك والقبض وسواها (‪. )12‬‬
‫وهناك آفات تلحق األظافر نفسها بسبب إطالتها‪،‬منها تقصف األظافر بسبب كثرة اصطدامها باألجسام‬
‫الصلبة أو احتراقها‪،‬ذلك أن طولها الزائد يصعب معه التقدير والتحكم في البعد بينها وبين مصادر النار‪،‬كما أن‬
‫تواتر الصدمات التي تتعرض لها األظافر الطويلة تنجم عنها إصابات ظفرية غير مباشرة كخلخلة األظافر أو‬
‫‪ ‬أخرجه ال <<بيهقي يف ش <<عب اإلميان ورجاله ثق <<ات مع إرس <<اله‪،‬لكن الط <<رباين وص <<له من وجه آخر والرفغ مف <<رد (أرف <<اغ) وهي مغ <<ابن‬
‫اجلسد كاإلبط وما بني الفخذين وكل موضع جيتمع فيه الوسخ‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫تضخمها لتصبح مشابهة للمخالب ‪ Onchogrophosis‬أو زيادة تسمكها ‪ Onychausis‬أو حدوث أخاديد‬
‫مستعرضة فيها أو ما يسمى بداء األظافر البيضاء(‪.)12‬‬
‫وتؤكد األبحاث الطبية (‪ )4‬أن األظافر الطويلة ال يمكن أن نعقم ما تحتها وال بد أن تعلق بها الجراثيم مهما‬
‫تكرر غسلها لذا توصي كتب الجراحة أن يعتني الجراحون والممرضات بقص أظافرهم دوماً لكي ال تنتقل‬
‫الجراثيم إلى جروح العمليات التي يجرونها وتلوثها‪.‬‬
‫وهكذا تتضح لنا روعة التعاليم النبوية في الدعوة إلى قص األظافر كلما طالت‪،‬واتفاق هذه التعاليم مع‬
‫مقررات الطب الوقائي وقواعد الصحة العامة والتي تؤكد أن إطالة األظافر تضر بصحة البدن‪.‬‬
‫غسل الجمعة ‪:‬‬
‫عن أبي سعيد الخدري ‪‬أن النبي ‪ ‬قال ‪":‬غسل الجمعة واجب على كل محتلم" رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪‬أن النبي ‪ ‬قال ‪":‬حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً يغسل فيه رأسه‬
‫وجسده" رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫دعا نبي الرحمة ‪ ‬المسلمين إلى االغتسال في كل مناسبة يجتمعون فيها كصالة الجمعة والعيدين والوقوف‬
‫بعرفة وغيرها من المناسبات‪ .‬وبذلك يلتقي المسلمون وهم في أتم نظافة وطهر وال يشم من أحدهم روائح العرق‬
‫والثياب الكريهة وهذا –وإ يم اهلل‪ -‬قمة الحضارة اإلنسانية (‪ .)10‬هذا عدا عن أن الحرص على نظافة الجلد أمر‬
‫ضروري صحياً كي يؤدي هذا العضو وظائفه الهامة في طرح السموم من البدن عن طريق التعرق‪ .‬وإلقرار‬
‫التوازن الحروري للبدن‪،‬والشعور بما يحيط به عن طريق حاسة اللمس‪.‬‬
‫وقد فصلنا الفوائد الصحية من الغسل في الجزء الثاني من كتابنا "روائع الطب اإلسالمي" وأكدنا فيه عظمة‬
‫اإلسالم في محافظته على صحة الفرد والمجتمع عندما دعا المسلمين إلى االغتسال‪،‬بل وفرضه عليهم في العديد‬
‫من المناسبات كغسل الجنابة وطهارة المرأة من الحيض‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫مراجع بحث خصال الفطرة‬

‫‪ -1‬د‪.‬محمود طلوزي ‪":‬في رحاب الطب النبوي والعلم الحديث"‪،‬دار الرواد‪،‬حلب‪.1994،‬‬
‫‪ -2‬د‪.‬محمد علي البار ‪":‬الختان"‪،‬دار المنارة‪،‬جدة‪.1994،‬‬
‫‪ -3‬اإلمام ابن جرير الطبري ‪":‬تفسير الطبري"‪.‬‬
‫‪ -4‬د‪.‬عبد الرزاق الكيالني ‪":‬الحقائق الطبية في اإلسالم"‪،‬دار القلم‪،‬دمشق‪.1996،‬‬
‫‪ -5‬ابن حجر العسقالني ‪":‬فتح الباري على صحيح اإلمام البخاري"‪.‬‬
‫‪ -6‬اإلمام النووي ‪":‬شرح صحيح مسلم"‪.‬‬
‫‪ -7‬د‪.‬عادل بربور وزمالؤه ‪":‬الطب الوقائي في اإلسالم"‪،‬دمشق‪.1992،‬‬
‫‪ -8‬د‪.‬غياث األحمد ‪":‬الطب النبوي في ضوء العلم الحديث"‪.‬‬
‫‪ -9‬د‪.‬وهبة الزحيلي ‪":‬الفقه اإلسالمي وأدلته"‪.‬‬
‫د‪.‬محمد نزار الدقر ‪":‬روائع الطب اإلسالمي ج‪،2‬العبادات في اإلسالم وأثرها في صحة الفرد‬ ‫‪-10‬‬
‫والمجتمع"‪،‬دار المعاجم‪،‬دمشق‪.1995،‬‬
‫د‪.‬محمود ناظم النسيمي ‪":‬الطب النبوي والعلم الحديث"‪،‬دار الرسالة‪،‬بيروت‪.1991،‬‬ ‫‪-11‬‬
‫د‪.‬يحيى الخواجي و د‪.‬أحمد عبد األخر ‪":‬المؤتمر العالمي الرابع للطب‬ ‫‪-12‬‬
‫اإلسالمي"‪،‬الكويت‪،‬نوفمبر‪.1986،‬‬
‫ابن األثير الجزري ‪":‬جامع األصول في أحاديث الرسول" تحقيق األرناؤوط‪.‬‬ ‫‪-13‬‬
‫اإلمام جالل الدين السيوطي ‪":‬الجامع الصغير وزيادته"‪.‬‬ ‫‪-14‬‬
‫‪53‬‬
‫السِّواك بين الطب واإلسالم‬
‫السواك لغة ‪:‬‬
‫قال النووي (‪”: )1‬السِّواك لغة بكسر السين‪،‬ويطلق على الفعل‪،‬وهو االستياك وعلى اآللة التي ُيستاك بها والتي‬
‫‪،‬يقال‪:‬ساك فاهُ يسوكه‪،‬فقد استاك‪،‬وهو مشتق من ساك الشيء إذا دلكه وجمعه ُس ُوك”‪.‬‬
‫َ‬ ‫يقال لها “المسواك” أيضاً‬
‫وينطبق التعريف على عود أو فرشاة يدلك به األسنان لتذهب الصفرة وغيرها‪.‬‬
‫الهدي النبوي في السواك‬
‫عن أبي هريرة ‪‬أن النبي ‪ ‬قال ‪”:‬لوال أن أشق على أمتي ألمرتهم بالسواك مع كل صالة وفي رواية عند كل‬
‫وضوء (صالة)”رواه الشيخان‪.‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عباس رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل ‪ ‬قال ‪":‬عليك بالسواك فإنه مطهرة للفم ومرضاة للرب"‬
‫رواه البيهقي‪،‬ورواه البخاري عن عائشة بلفظ ‪":‬السواك مطهرة للفم مرضاة للرب" ورواه ابن ماجه عن أبي‬
‫أمامة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫وعن تمام بن العباس رضي اهلل عنهما أن النبي ‪ ‬قال ‪":‬مالي أراكم تأتوني قلحاً ؟ استاكوا" رواه اإلمام أحمد في‬
‫مسنده‪،‬والقلح ترسبات صفراء في األسنان‪.‬‬
‫وعن أنس ‪‬أن النبي ‪ ‬قال ‪":‬لقد أكثرت عليكم بالسِّواك" رواه البخاري‪،‬وأكثرت عليكم أي بالغت في طلبه‬
‫منكم‪،‬أو في إيراد األخبار في الترغيب فيه‪.‬‬
‫عن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما أن النبي ‪ ‬قال ‪":‬ركعتان بالسِّواك أفضل من سبعين ركعة بدون سواك"‪.‬‬
‫وعن حذيفة بن اليمان ‪‬أنه قال ‪":‬كان رسول اهلل ‪ ‬إذا قام ليتهجد يشوص فاه بالسِّواك" رواه البخاري‬
‫ومسلم‪،‬والشوص الغسل والتنقية والدلك واإلمرار على األسنان‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها "أن النبي ‪ ‬كان يوضع له َوضوءه وسواكه فإذا قام من الليل تخلّى ثم استاك" أخرجه‬
‫أبو داود‪،‬ولفظه عند ابن ماجه ‪":‬كنا نعد لرسول اهلل ‪ ‬ثالثة آنية مخمرة من الليل‪،‬إناء لطهوره وإ ناء لسواكه وإ ناء‬
‫لشرابه” ‪،‬ولفظه عند مسلم ‪":‬وكان أهله ‪ ‬يعدون له سواكه وطهوره"…‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت ‪":‬كان النبي ‪ ‬إذا دخل بيته بدأ بالسواك" رواه مسلم‪.‬‬
‫وعن أبي بردة عن أبيه قال ‪”:‬أتيت النبي ‪ ‬فوجدته يستن بسواك في يده ويقول‪:‬أُع أُع والسواك في فمه كأنه‬
‫يتهوع “‪.‬رواه البخاري واستن‪:‬استاك‪،‬وتهوع‪:‬تقيأ‪.‬‬
‫وعد‬
‫والسواك‪،‬كم علمنا‪،‬من خصال الفطرة فقد ثبت فيما رواه اإلمام مسلم عن النبي ‪ ‬قال ‪”:‬عشر من الفطرة … ّ‬
‫منها السِّواك”‪.‬‬
‫‪ ‬أخرجه أبو نعيم بإسناد حسن‪،‬وأخرجه البزار والبيهقي عن عائشة‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫وعن سمرة ‪‬أن النبي ‪ ‬قال ‪":‬طيِّبوا أفواهكم بالسواك فإنها طرق القرآن" رواه ابن ماجه وقال السيوطي‪:‬حديث‬
‫حسن‪،‬وصححه األلباني ‪.‬‬
‫فقه السِّواك‬
‫تحصل مشروعية االستياك (‪ )2‬بكل شيء خشن يصلح إلزالة بقايا الطعام والصفرة التي تعلو األسنان‬
‫والرائحة المتغيرة في الفم كعود األراك أو الزيتون‪،‬أو عود شجرة النيم (نيجريا) وغيرها‪،‬ويكره من عود ال‬
‫سم أو غيره‪.‬‬
‫يعرف حتى ال تكون منه مضرة كأن يكون في الشجرة ٌّ‬
‫أراك‪،‬وبأي شيء استاك مما يزيل التغير‪،‬حصل‬
‫ِّ‬ ‫قال النووي (‪": )4‬ويستحب أن ُيستاك بعود‬
‫السواك‪،‬كالخرقة الخشنة والسُّعد واألشنان‪.‬والمستحب أن ُيستاك بعود متوسط‪،‬ال شديد اليبس يجرح‪،‬وال رطب ال‬
‫يزيل‪،‬وأن ُيستاك عرضاً ال طوالً‪،‬وأن ُيمر السِّواك على طرف لسانه وكراسي أضراسه إمراراً لطيفاً‪.‬‬
‫واختلف في اإلصبع إن كانت تُجزئ عن السِّواك أم ال‪.‬قال النووي (‪": )1‬وأما اإلصبع فإن كانت لينة لم‬
‫يحصل بها السِّواك بال خالف وإ ن كانت خشنة ففيها أوجه‪،‬والصحيح المشهور ال يحصل ألنها ال تسمى ِسواكاً‬
‫وال في معناه‪،‬وقيل يحصل لحصول المقصود وبهذا قطع القاضي حسين والبغوي‪،‬والروياني في البحر"‪.‬‬
‫وال شك أن استعمال الفرشاة والمعجون هو من السِّواك‪،‬ومن مميزاتها أنه يمكن أن ينظف بها اإلنسان‬
‫باطن أسنانه بسهولة‪،‬وفي المعجون مواد منظفة ومطهرة‪.‬‬
‫وأما حكم السِّواك فقد قال النووي (‪": )3‬السِّواك سنة وليس بواجب في حال من األحوال بإجماع من ُّ‬
‫يعتد‬
‫به في اإلجماع "‪.‬وذكر ابن قدامة في كتابه [المغني] أن اسحق بن راهويه وداود الظاهري قاال بوجوب السِّواك‬
‫ألنه مأمور به‪،‬واألمر يقتضي الوجوب‪.‬لكن الجمهور استدلّوا بأنه سنة وليس بواجب بقول النبي ‪": ‬لوال أن أشق‬
‫على أمتي ألمرتهم بالسِّواك" رواه البخاري‪.‬‬
‫والسِّواك مستحب في كل وقت‪،‬ويتأكد عند الوضوء والصالة وتالوة القرآن وعند تغير الفم بسبب طعام أو‬
‫نوم‪،‬وعند دخول البيت‪.‬وقال الشافعية والحنابلة بأنه غير مستحب للصائم بعد الزوال‪،‬وكرهه بعضهم ألنه يزيل‬
‫المسك‪.‬ورد كثير من العلماء على القائلين بالكراهة‪.‬وأن السواك‬
‫ّ‬ ‫خلوف الصائم الذي هو عند اهلل أطيب من ريح‬
‫مستحب للصائم‪،‬كغيره‪،‬في أول النهار وفي آخره‪،‬معتمدين على ما رواه عامر بن ربيعة ‪‬قال ‪":‬رأيت رسول اهلل‬
‫‪":‬يستاك أول‬
‫‪ُ ‬يستاك وهو صائم" رواه الترمذي وابن خزيمة وصححه‪،‬ورواه البخاري معلقاً وقال‪:‬قال ابن عمر ُ‬
‫النهار وآخره"‪.‬‬
‫قال ابن القيم (‪": )4‬يستحب السِّواك للمفطر والصائم وفي كل وقت لعموم األحاديث الواردة فيه‪،‬ولحاجة‬
‫أشد من طلبها في الفطر‪،‬وألنه مطهرة للفم‬
‫الصائم إليه‪،‬وألنه مرضاة للرب‪،‬ومرضاته مطلوبة في الصوم ّ‬
‫والطهور للصائم أفضل أعماله‪،‬وليس هلل غرض في التقرب إليه بالرائحة الكريهة وإ نما ذكر طيب الخلوف عند‬
‫اهلل يوم القيامة حثاً منه على الصوم‪،‬ال َحثّاً على إبقاء الرائحة الكريهة‪،‬بل الصائم أحوج إلى السِّواك من‬
‫المفطر‪،‬وأيضاً فإن السِّواك ال يمنع طيب الخلوف – الذي يزيله – عند اهلل يوم القيامة‪،‬بل يأتي الصائم يوم القيامة‬
‫‪ ‬صحيح اجلامع الصغري‪:‬ناصر الدين األلباين‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫وخلوف فمه أطيب من المسك على صيامه‪،‬ولو أزاله بالسِّواك‪،‬كما أن الجريح يأتي يوم القيامة ولون دم جرحه‬
‫لون الدم‪،‬وريحه ريح المسك وهو مأمور بإزالته في الدنيا … وقد أجمع الناس على أن الصائم يتمضمض وجوباً‬
‫واستحباباً والمضمضة أبلغ من السِّواك"‪.‬‬
‫ومن الناحية الطبية فإن رأي الجمهور في استياك الصائم أقرب لقواعد الصحة والطب الوقائي‪،‬ونحن مع‬
‫الدكتور النسيمي (‪،)5‬أن أهم مناسباته عند االستيقاظ من النوم ألن بعض التنخرات تحدث في الفم خالل‬
‫النوم‪،‬كما تترسب بعض المركبات من اللعاب محدثة القلح على األسنان بسبب ركودة اللعاب أثناء النوم‪،‬لذا رأينا‬
‫أن النبي ‪ ‬إذا قام من الليل ليتهجد يشوص فاه بالسواك‪.‬‬
‫ويشرح اإلمام النووي (‪ )3‬كيفية االستياك كما جاءت في هدي النبوة‪":‬والمستحب أن ُيستاك عرضاً وال‬
‫ُيستاك طوالً لئال يدمي لحم أسنانه‪،‬وأن يمر بالسِّواك على طرف أسنانه وكرسي أضراسه وأن يبدأ في سواكه‬
‫بالجانب األيمن" ويضيف‪":‬ويستحب أن ُيستاك عرضاً في ظاهر األسنان وباطنها‪.‬وأما جالء األسنان بالحديد‬
‫وبردها بالمبرد فمكروه ألنه يضعف األسنان ويفضي إلى انكسارها‪،‬وألنه يخشنها فتتراكم الصفرة عليها"‪.‬‬
‫عن ربيعة بن أكثم أن النبي ‪" ‬كان يستاك عرضاً ويشرب مصاً" رواه البيهقي في سننه‪.‬‬
‫وعن عطاء بن رباح أن رسول اهلل ‪ ‬قال ‪":‬إذا شربتم فاشربوا مصاً وإ ذا استكتم فاستاكوا عرضاً" أخرجه‬
‫البيهقي وأبو داود‪.‬‬
‫يقول د‪ .‬محمد علي البار ‪":‬هذه األحاديث وغيرها مما نص على االستياك عرضاً كلها ضعيفة ألنها‬
‫مرسلة [سقط منها الصحابي]‪،‬ولكن ما هو المقصود باالستياك عرضاً ؟‬
‫إن أطباء األسنان يقولون إن اتجاه الفرشاة في تنظيف األسنان العلوية يجب أن يكون من األعلى إلى‬
‫يسمون ذلك "االستياك‬
‫األسفل وعكس ذلك لتنظيف أسنان الفك السفلي‪،‬أي من أسفل إلى أعلى‪،‬وأطباء األسنان ّ‬
‫طوالً "‪ ،‬أي بالنسبة لمحور السن‪.‬فهل ما ورد في األحاديث وكالم العلماء "عرضاً" يختلف عنه‪،‬أم أنه نفس‬
‫المقصود مع اختالف التعبير ؟ إن الطول والعرض يعتمد على تحديد المحور فإن قصد محور الفم كان االستياك‬
‫عرضاً هو ذاته ما ذكره األطباء المحدثون"‪.‬‬
‫ويقول ابن القيم (‪":)6‬إن السِّواك متى استعمل باعتدال جلى األسنان‪،‬وأطلق اللسان ومنع الحفر وطيب‬
‫الدماغ‪،‬وأن فيه عدة منافع‪:‬يطيب الفم ويشد اللثة ويعين على هضم الطعام‪،‬ويسهل مجاري‬
‫النكهة ونقى ّ‬
‫الكالم‪،‬وينشط للقراءة والذكر والصالة‪،‬ويطرد النوم ويرضي الرب ويكثر الحسنات"… كما ينقل صاحب مغني‬
‫المحتاج "أنه يسهل النـزع ويذ ّكر الشهادة عند الموت"‪.‬‬
‫االستياك ونظافة الفم وأثرها على الصحة العامة‬
‫إن الفم بحكم موقعه كمدخل للطعام والشراب‪،‬وباتصاله بالعالم الخارجي‪،‬يصبح مضيفة لكثير من الجراثيم‬
‫نسميها "الزمرة الجرثومية الفموية" ومنها المكورات العنقودية والعقدية والرئوية‪،‬والعصيات‬
‫(‪،)6‬والتي ّ‬
‫اللبنية‪،‬والعصيات الخناقية الكاذبة‪،‬والملتويات الفوهية والفنسانية وغيرها‪.‬هذه الجراثيم تكون بحالة عاطلة عند‬
‫الشخص السليم ومتعايشة معه‪،‬لكنها تنقلب ممرضة مؤذية إذا ما أهملت نظافة الفم‪،‬أو طرأ عليها ما يضعف‬
‫‪56‬‬
‫مقاومة البدن (‪،)5‬وخاصة إذا بقيت ضمن الفم‪،‬وبين األسنان‪،‬فضالت الطعام والشراب‪.‬فإن هذه الجراثيم تعمل‬
‫على تفسخها وتخمرها‪،‬وتنشأ عنها روائح كريهة‪،‬وهذه المواد تؤذي األسنان كذلك محدثة فيها النخور‪،‬أو إلى‬
‫تراكم األمالح حول األسنان محدثة فيها [القلح] أو إلى التهاب اللثة وتقيحها [الرعال]‪.‬كما يمكن لهذه الجراثيم أن‬
‫تنتقل بعيداً في أرجاء البدن محدثة التهابات مختلفة كالتهاب المعدة أو الجيوب أو القصبات‪،‬وقد تحدث خراجات‬
‫حموية‬
‫في مناطق مختلفة من الجسم (‪،)7‬وقد تؤدي إلى انسمام الدم أو تجرثمه وما ينجم عن ذلك من أمراض َّ‬
‫عامة‪.‬‬
‫وأهم ما يجب العناية به في الفم األسنان‪.‬فلألسنان وظائفها الهامة‪،‬وألمراضها أثر كبير على الصحة‬
‫العامة‪،‬هنا يأتي دور السِّواك‪،‬الذي له أهميته القصوى في تخفيف البالء الناجم عنها‪.‬فاللعاب الراكد يحتوي على‬
‫أمالح بصورة مركزة‪،‬فإذا وجد سطحاً بعيداً عن حركات التنظيف الطبيعية كحركة اللسان‪،‬أو االصطناعية‬
‫كالسواك‪،‬فإن هذه األمالح تترسب‪،‬وخاصة في الشق اللثوي‪،‬وفي عنق األسنان‪،‬مكونة غشاوة رقيقة جداً‪،‬تتكثف‬
‫شيئاً فشيئاً مكونة ما يسمى باللويحات السنية‪.‬وعندئذ تفعل الجراثيم فعلها متفاعلة مع بقايا الطعام وخاصة‬
‫السكريات الموجودة في الفم مكونة أحماضاً عضوية تقوم بإذابة المينا ثم العاج ويتسع النخر مع استمرار إهمال‬
‫نظافة الفم (‪.)2‬‬
‫ويتكون القلح أيضاً نتيجة عدم تنظيف األسنان‪،‬وهو عبارة عن رواسب مثل فحمات وفوسفات الكلس‬
‫والمغنـزيوم‪،‬مع المخاط اللعابي وفضالت طعامية تتوضع كلها فوق حافة اللثة وفي الثلم اللثوي وعلى عنق‬
‫األسنان‪،‬تتصلب مع مرور الزمن مشكلة القلح وهذا مصداق كالم النبي ‪ ‬المعجز "مالي أراكم قلحاً ؟ استاكوا"‪.‬‬
‫ويؤكد د‪ .‬محمد علي البار (‪ )2‬أن إهمال نظافة الفم يؤدي إلى التهاب اللثة والتهاب محيط السن‬
‫[الحفَر]‪،‬والتي تزداد مع تقدم العمر مؤدية إلى فقدان األسنان فقداناً أبدياً‪،‬وإ لى إصابة العظم السنخي وضموره‪،‬كما‬
‫َ‬
‫يمكن أن تنتقل الجراثيم منها إلى الجيوب األنفية وإ لى األوعية الدموية المتصلة بالدماغ مما ينذر بحدوث‬
‫"خراجات في الدماغ أو التهاب في السحايا" أو غيرها من المضاعفات الخطيرة‪.‬‬
‫ويؤكد هذا المعنى د‪ .‬عبد اهلل السعيد (‪ )8‬قائالً ‪":‬أن أمراض األسنان قد تؤدي إلى مضاعفات‬
‫خطيرة‪.‬فالجيوب اللثوية المألى بالصديد‪،‬تندفع منها الجراثيم إلى الدم ومنه تتوضع في أماكن مختلفة من‬
‫العضوية مؤدية إلى التهاب في المفاصل‪،‬أو في شبكة العين أو في الرئتين‪،‬وقد تحدث صمامات القلب الخ…‬
‫كما أن آفات األسنان كثيراً ما تعرقل عملية المضغ‪،‬وإ ن عصارات األمعاء ال تقوم بواجبها في هضم‬
‫الطعام إن لم يكن ممضوغاً بشكل جيد‪،‬مما يؤدي إلى عسرة الهضم‪.‬عدا عما تقوم به األسنان من وظيفة جمالية‬
‫لها أثرها الفعال على نفسية كل إنسان‪،‬ولسالمتها أهمية في النطق وفقدها يؤدي إلى اضطرابه"‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫الهدي النبوي في نظافة الفم واألسنان‬

‫يقول د‪ .‬محمود العكام في تقديمه لكتاب "السِّواك في ميزان الصيدلة (‪" :")9‬لإلسالم ثنائية رائعة تنسحب‬
‫قواعدها وأسسها على كل ما يليه ويحكمه ويعنى به‪.‬إنها ثنائية المظهر والمخبر‪،‬والمبنى والمعنى‪،‬ورعايتها معاً‬
‫دون إفراط من أحدهما على حساب اآلخر‪.‬وحين يتوجه اإلسالم إلى الفم طالباً لصاحبه من أجل تنظيفه وتطهيره‬
‫دائماً‪،‬فألن الفم ٌّ‬
‫محل ومبنى‪،‬ومظهر للكلمة الطيبة التي يدعو إليها اإلسالم أساساً للدين‪.‬وشتان بين كلمة طيبة‬
‫ومبنى ومظهر أنيق ومطهر‪،‬وبين أخرى تنبعث من ِف ٍّي ذي إهمال له‪،‬يختلط طيبها مع رائحة‬ ‫تصدر عن ٍ‬
‫محل‬
‫ً‬
‫السوي طبعاً وفطرةً"‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫يرفضها اإلنسان‬
‫فالبشرية قبل اإلسالم لم تعرف طرقاً معقولة لتنظيف أفواههم‪.‬فقد استعملوا أساليب‪،‬عالوة على قذارتها‬
‫‪،‬فإنها تلوث األسنان وقد تضر بها‪.‬‬
‫فمنذ عهد الرومان وحتى العصور الوسطى انتشرت عادة المضمضة بالبول (‪،)10‬حيث كانت نبيالت‬
‫الرومان يفضلن البول اآلتي من إسبانيا‪،‬فإن لم يتيسر استعضن عنه ببول الثيران‪.‬وكان بعض أطباء أوربا‬
‫يوصون بمضغ قلب حية أو ثعبان أو فأرة مرة كل شهر من أجل نقاء أسنانهم (‪.)6‬‬
‫وفي هذه األجواء‪،‬جاء اإلسالم ليأمر أتباعه بمجموعة من الوصايا تفوق كل ما توصل إليه الطب الحديث‬
‫فأنى للويحة السنية التي تسبب نخر‬
‫من أمور للوقاية من نخر األسنان والمحافظة على صحة الفم ونظافته ‪ّ ,‬‬
‫األسنان وتقيحات اللثة أن تتشكل لدى مسلم يلتزم بالسِّواك عند وضوئه وصالته‪،‬وعند قيامه من النوم‪،‬وبعد‬
‫وأنى لبقايا الطعام أن تبقى في طعامه وتتخمر وهو يتمضمض عند وضوئه وغسله وبعد طعامه‪،‬كما‬
‫طعامه ؟ ّ‬
‫بحثنا ذلك في فضل الوضوء ؟‬
‫وبين خطرها‬
‫وعدا عن ذلك‪،‬فنبي الرحمة ‪ ‬اهتم كثيراً بما يبقى في الفم من بقايا طعامية وأمر بإزالتها ّ‬
‫على األسنان‪.‬فعن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل ‪ ‬قال ‪":‬إن فضل الطعام الذي يبقى في األسنان‬
‫يوهن األضراس"‪.‬‬
‫كما أمر النبي ‪ ‬بالتخلل بعد الطعام‪،‬وهو استعمال عيدان دقيقة ينظف بها ما علق من بقايا الطعام بين‬
‫األسنان‪.‬فعن عمران بن حصين أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪":‬تخللوا على إثر الطعام وتمضمضوا فإنه مصحة للناب‬
‫والنواجذ"‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪‬أن النبي ‪ ‬قال ‪":‬من أكل فليتخلل‪،‬فما تخلل فليلفظ‪،‬وما الك بلسانه فليبلع”‪.‬‬
‫صح في الحديث "لم يأكل خبزاً مرققاً قط" وهو‬
‫ومن الهدي النبوي المعجز في صحة األسنان أنه ‪ ‬كما ّ‬
‫الخبز المنخول األبيض‪،‬فالنبي ‪ ‬كان يأكل الخبز غير المنخول فقشور الحبوب[ النخالة ] تحتوي على الفيتامينات‬
‫‪ ‬رواه الط <<رباين بس <<ند ص <<حيح واإلم <<ام الس <<يوطي يف املنهج الس <<وي [حسن األه <<دل] وأخ <<رج مثله ال <<بيهقي يف ش <<عب اإلميان بس <<ندين‬
‫أحدمها عن أىب هريرة والثاين عن أيب سعيد اخلدري‪.‬‬
‫‪ ‬رواه الديلمي وأخرجه السيوطي يف كتابه (الطب النبوي)‪.‬‬
‫‪ ‬رواه أبو داود وابن ماجه والدارمي واإلمام أمحد يف املسند‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫وعلى مادة الفيتات ‪ Phytate‬وهي عبارة عن فوسفات عضوية لها دور وقائي هام ضد نخر األسنان (‬
‫‪،)2‬فسبحان من علمه [إن هو إال وحي يوحى]‪.‬‬
‫وهكذا تتضافر التوجيهات النبوية في المحافظة على صحة الفم واألسنان وحمايتها من القلح والنخر‬
‫وسواها‪.‬والبون شاسع بين من يقوم بهذه التعاليم بدافع العقيدة يبتغي بها وجه اهلل‪،‬وبين من يقوم بها لمجرد‬
‫نبيها‪،‬فهي – بالنسبة‬
‫النظافة‪.‬وإ ن المجتمعات اإلسالمية في الوقت الحاضر‪،‬ورغم عدم التزامها الكامل بتعاليم ّ‬
‫لموضوع نخر األسنان – أفضل حاالً من الدول الصناعية الكبرى‪.‬ولو اهتمت الدول اإلسالمية بحث العلماء‬
‫وخطباء المساجد على أن يقوموا بدورهم في التوعية الصحية وتبليغ المسلمين توجيهات نبيهم – سيدنا محمد ‪– ‬‬
‫في الحث على السِّواك ونظافة الفم‪،‬الختفت‪،‬أو كادت تختفي حاالت نخر األسنان من مجتمعاتهم‪.‬فاتباع سنة‬
‫المصطفى ‪ ‬تؤدي – بال ريب – إلى سعادة الدنيا واآلخرة‪،‬وإ لى التمتع بحياة صحية ‪ -‬بدنية وعقلية ‪ -‬سليمة‬
‫عالوة على الفوز برضا الرحمن وثوابه‪.‬‬
‫المسواك‬
‫ْ‬
‫أصح ما ورد في السنة أن النبي ‪ ‬استاك بسواك من أراك‪.‬وشجرة األراك ‪ Saluadora Persica‬من‬
‫الفصيلة األراكية ‪ Saluadoraceae‬وهي شجيرة دائمة الخضرة تنمو في المناطق الحارة في عسير وجيزان من‬
‫األراضي السعودية وفي مصر والسودان وفي غور الساعاد (قرب القدس) وفي اليمن وجنوب أفريقيا والهند‬
‫يسود عند تمام نضجه‪،‬حلو‬
‫وغيرها‪.‬لها ثمر في حجم حبة الحمص يدعى "الكباث" لونه أخضر‪،‬يحمر ثم ْ‬
‫الطعم‪،‬حاذق‪،‬يمكن أن يؤكل‪،‬الكباث مدور وطارد للريح‪،‬يؤخذ السِّواك من جذورها ومن أغصانها الصغيرة (‬
‫‪.)11‬‬
‫وعيدان األراك مغطاة بطبقة فلينية‪،‬تليها طبقة قشرية ثم تأتي بعد ذلك األلياف الدقيقة الناعمة التي تتباعد‬
‫دق نهايات العيدان ونقعها بالماء بعد إزالة الطبقة القشرية‪.‬وفي المركز أشعة مخية تفصل بين‬
‫وتتفرق عند ّ‬
‫األلياف تحتوي خالياها على بلورات السيليس والحماضات وحبيبات النشاء‪،‬وهي العناصر الفاعلة في‬
‫تتبدد بعد أيام من استعماله‪،‬لذا تقطع األلياف المستعملةكل بضعة أيام ويصنع من نهاية‬
‫المسواك‪.‬هذه العناصر ّ‬
‫العود فرشاة جديدة وهكذا يتجدد السِّواك وال تتراكم فيه األوساخ (‪6‬و‪.)12‬‬
‫وقد أوردت مجلة “المجلة” األلمانية الشرقية في عددها الرابع [‪ ]1961‬مقاالً للعالم رودات – مدير معهد‬
‫الجراثيم في جامعة روستوك – يقول فيه (‪”: )13‬قرأت عن السِّواك الذي يستعمله العرب كفرشاة لألسنان في‬
‫لرحالة زار بالدهم‪،‬وقد عرض لألمر بشكل ساخر‪،‬اتخذه دليالً على تأخر هؤالء القوم الذين ينظفون‬
‫كتاب ّ‬
‫أسنانهم بقطعة من الخشب في القرن العشرين‪.‬وفكرت ! لماذا ال يكون وراء هذه القطعة الخشبية حقيقة علمية ؟‬
‫وجاءت الفرصة سانحة عندما أحضر زميل لي من العاملين في حقل الجراثيم في السودان عدداً من تلك األعواد‬
‫الخشبية‪.‬وفوراً بدأت أبحاثي عليها‪،‬فسحقتها وبللتها‪،‬ووضعت المسحوق المبلل على مزارع الجراثيم‪،‬فظهرت‬
‫على المزارع آثار كتلك التي يقوم بها البنسلين”… وإ ذا كان الناس قد استعملوا فرشاة األسنان من مائتي عام فقط‬
‫فلقد استخدم المسلمون السِّواك منذ أكثر من ‪ 14‬قرناً‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫ولعل إلقاء نظرة على التركيب الكيمائي لمسواك األراك يجعلنا ندرك أسباب االختيار النبوي الكريم‪،‬والذي‬
‫هو في أصله‪،‬وحي يوحى‪.‬‬
‫وتؤكد األبحاث المخبرية الحديثة (‪ )9،13،14‬أنه يحتوي على العفص بنسبة كبيرة وهي مادة مضادة‬
‫للعفونة‪،‬مطهرة‪،‬قابضة تعمل على قطع نزيف اللثة وتقويتها‪،‬كما تؤكد وجود مادة خردلية هي السنجرين‬
‫‪ Sinnigrin‬ذات رائحة حادة وطعم حراق تساعد على الفتك بالجراثيم‪.‬‬
‫وأكد الفحص المجهري لمقاطع المسِّواك وجود بلورات السيليكا وحماضات الكلس والتي تفيد في تنظيف‬
‫األسنان كمادة تزلق األوساخ والقلح عن األسنان‪.‬وأكد د‪ .‬طارق الخوري (‪ )18‬وجود الكلورايد مع السيليكا‬
‫وهي مواد تزيد بياض األسنان‪،‬وعلى وجود مادة صمغية تغطي الميناء وتحمي األسنان من التسوس‪،‬وإ ن وجود‬
‫الفيتامين ج وثري ميتيل أمين يعمل على التئام جروح اللثة وعلى نموها السليم‪،‬كما تبين وجود مادة كبريتية تمنع‬
‫التسوس (‪.)2‬‬
‫وفي بحث قدمه د‪ .‬محمد رجائي المصطيهي وزمالؤه (‪ )15‬بينوا فيه احتواء المسواك على مادة شبه‬
‫قلوية يمكن أن تكون السلفارورين‪،‬وعلى الثري ميتيل أمين‪،‬ونسبة عالية من الكلورايد والفلوريد‬
‫والسيستوستيرول‪،‬وعلى كمية قليلة من الصابونين و الفالفونيد‪،‬وأثبتوا لمحاليل األراك تأثيراً موقفاً لنمو‬
‫األس الهدروجيني‪،‬مما يجعل فرص نمو الجراثيم‬
‫الجراثيم‪،‬لوجود مادة كبريتية‪،‬وألن الثري ميتيل أمين يخفض ّ‬
‫قليلة‪،‬كما أن السيستوسترول يعمل مع الفيتامين ج على تقوية الشعيرات الدموية المغذية للثة وعلى حمايتها من‬
‫االلتهاب‪.‬‬
‫وفي بحث قدمه د‪ .‬عبد الرحيم محمد مع البروفسور جيمس ترنر (‪ )16‬أكدوا فيه أهمية الكبريت‬
‫والسيستروسترول الموجودتان في السواك كمواد قاتلة للجراثيم‪،‬وعلى وجود ثاني فحمات الصوديوم وأهميتها في‬
‫تنظيف األسنان (‪.)2‬وأكد بحث آخر (‪ )6‬وجود مادة عطرية ذات رائحة مستحبة تطغى على الرائحة الكريهة‬
‫التي يمكن أن توجد في الفم‪.‬‬
‫وفي قسم العلوم السنية في جامعة الملك سعود (‪ )9‬أجريت دراسة حول تأثير مادة البنـزيل إيزو تيوسيانات‬
‫تم عزلها من جذور األراك على فيروس الحأل البسيط‪.‬‬
‫التي َّ‬
‫خواص قاتلة لهذا الفيروس وبتركيز ‪ 133.3‬مكروغرام‪/‬مل‪،‬مما يشير إلى‬
‫َّ‬ ‫وأشارت النتائج أن لهذه المواد‬
‫إمكانية السيطرة على إصابة الفم بالحأل البسيط عند استعمال السِّواك وفي الوقاية من نكسه المتكرر‪.‬‬
‫وأثبتت دراسة حديثة (‪ )1988‬أجريت في جامعة أنديانا األميركية‪،‬أن لهذه المادة [بنـزيل إيزو تيوسيانات ]‬
‫أثراً مهماً في تثبيط المكورات العقدية‪،‬وربما تكون مفيدة في خفض فرص حصول النخور السنية (‪… )9‬‬
‫والباحثون الذين درسوا السواك يفضلونه على فرشاة األسنان (‪6‬و‪ )9‬فهو يقوم مقام فرشاة ومعجون بآن‬
‫واحد‪،‬فهو (فرشاة) بأليافه الدقيقة الجيدة والمناسبة للتنظيف‪،‬وهو (معجون) بما فيه من مواد مطهرة‪،‬وأخرى‬
‫زالقة ومنظفة كبلورات السيليس والحماضات‪،‬ومواد صمغية وعطرية وغيرها‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫فالمسواك كمنظف آلي يزيل بقايا الطعام من بين األسنان ويزيل القلح‪،‬ويمتاز عن الفرشاة بإمكانية‬
‫تحضيره بالقساوة والثخانة المناسبين‪،‬وذلك بواسطة تفريق أليافه قليالً أو كثيراً‪،‬كما يمتاز بعدم تخريشه للثة‪.‬‬
‫مواد مطهرة‪،‬ومنظفة‬
‫رباني‪،‬من ّ‬
‫وهكذا يمكننا اعتبار المسواك‪،‬الفرشاة الطبيعية المثالية‪،‬والمزودة بمعجون ّ‬
‫تفوق ما تملكه معاجين األسنان الصناعية من مواصفات‪،‬ولعل أهمها أن المعجون المطهر ال يستمر تأثيره أكثر‬
‫من ‪ 20‬دقيقة ثم يرجع الفم إلى حالته العادية‪،‬لكن من المنتظر بعد استعمال السِّواك أال يعود مستوى الجراثيم‬
‫الفموية إلى حالته إال بعد ساعتين على األقل (‪.)17‬‬
‫‪61‬‬
‫‪ -1‬اإلمام النووي‪":‬المجموع ‪ -‬شرح المهذب"‪.‬‬
‫جدة – ‪.1994‬‬
‫‪ -2‬د‪ .‬محمد علي البار‪":‬السِّواك" – دار المنارة – ّ‬
‫‪ -3‬اإلمام النووي ‪":‬شرح صحيح مسلم" دار الفكر – بيروت – ‪.1972‬‬
‫‪ -4‬اإلمام ابن القيم الجوزية ‪":‬زاد المعاد من هدي خير العباد"‪.‬‬
‫‪ -5‬د‪ .‬محمود ناظم النسيمي ‪":‬الطب النبوي والعلم الحديث" – بيروت – ‪.1987‬‬
‫‪ -6‬صالح الحنفي ‪":‬السِّواك" رسالة جامعية – جامعة دمشق – ‪.1962‬‬
‫‪ -7‬د‪ .‬عبد الرزاق كيالني ‪":‬الحقائق الطبية في اإلسالم" – دمشق – ‪.1996‬‬
‫‪ -8‬د‪ .‬عبد اهلل السعيد ‪":‬صحة الفم واألسنان" مكتبة المنارة – األردن – ‪.1982‬‬
‫‪ -9‬د‪ .‬علي الرغبان وزمالؤه‪":‬السِّواك في ميزان الصيدلة" دار فصلت – حلب – ‪.1997‬‬
‫‪ -10‬د‪ .‬أحمد شوكت الشطي ‪":‬رسالة في تاريخ الطب"‪.‬‬
‫‪ -11‬د‪ .‬محمد نزار الدقر‪":‬روائع الطب اإلسالمي ج‪ "1‬القسم العالجي – دار المعاجم – دمشق –‬
‫‪.1994‬‬
‫‪ -12‬د‪ .‬أبو حذيفة إبراهيم محمد ‪":‬السواك أهميته واستعماله" طنطا – ‪.1987‬‬
‫‪ -13‬د‪ .‬غياث األحمد ‪":‬الطب النبوي في ضوء العلم الحديث"‪.‬‬
‫‪ -14‬د‪ .‬عبد اهلل عبد الرزاق السعيد ‪":‬السواك والعناية باألسنان" جدة – ‪.1982‬‬
‫‪ -15‬د‪ .‬محمد رجائي المصطيهي وزمالؤه ‪":‬استعمال السِّواك لنظافة الفم وصحته" المؤتمر العالمي‬
‫األول للطب اإلسالمي – الكويت ‪.1981‬‬
‫‪ -16‬د‪ .‬عبد الرحيم محمد و د‪ .‬جيمس ترنر ‪”:‬مقالة عن السواك في مجلة‬
‫‪.Odento-Stomatol Tropica, 1983, N4‬‬
‫‪ -17‬د‪ .‬عزت أبو شعر ‪":‬السِّواك" رسالة جامعية – دمشق ‪.1974‬‬
‫‪ -18‬د‪ .‬طارق خوري ‪":‬مقالة عن السواك" مجلة‬
‫)‪.”Khoory T.:”Clinical Preventive Dentistry, 1983,5(4‬‬
‫‪62‬‬
‫الختان‬
‫بين موازين الطب والشريعة‬
‫التعريف اللغوي ‪:‬‬
‫الختان بكسر الخاء اسم لفعل الخاتن ويسمى به موضع الختن أيضاً (‪ )1‬ومنه الحديث النبوي [إذا التقى‬
‫الختانان وجب الغسل] واألقلف من لم يختتن‪.‬والقلفة والغرلة بمعنى واحد وهي الجلدة التي تقطع والتي تغطي‬
‫الحشفة عادة‪،‬ويسمى الختان في حق األنثى "خفضاً"‪ .‬وختان الرجل هو الحرف المستدير على أسفل الحشفة وأما‬
‫ختان المرأة فهي الجلدة كعرف الديك فوق الفرج تعرف بالبظر‪،‬وهو عضو انتصابي عند المرأة مثل القضيب‬
‫لكنه صغير الحجم وال تخترقه قناة البول‪.‬‬
‫الختان عبر التاريخ ‪:‬‬
‫تشير المصادر التاريخية إلى أن بعض األقوام القديمة قد عرفت الختان‪.‬وفي إنجيل برنابا (‪ )2‬إشارة إلى‬
‫أن آدم عليه السالم كان أول من اختتن وأنه فعله بعد توبته من أكل الشجرة ولعل ذريته من بعده تركوا سنته حتى‬
‫أمر اهلل سبحانه نبيه إبراهيم عليه السالم بإحيائها‪.‬‬
‫وقد وجدت ألواح طينية ترجع إلى الحضارتين البابلية والسومرية [‪ 3500‬ق‪.‬م] ذكرت تفاصيل عن‬
‫عملية الختان (‪،)3‬كما وجدت لوحة في قبر عنخ آمون [‪ 2200‬ق‪.‬م] تصف عملية الختان عند الفراعنة وتشير‬
‫إلى أنهم طبقوا مرهماً مخدراً على الحشفة قبل الشروع في إجرائها‪،‬وأنهم كانوا يجرون الختان لغرض صحي‪.‬‬
‫واهتم اليهود بالختان (‪ )4‬واعتبر التلمود من لم يختتن من الوثنيين األشرار فقد جاء في سفر التثنية‪":‬‬
‫اختتنوا للرب وانزعوا غرل قلوبكم يا رجال يهوذا وسكان أورشليم "‪.‬‬
‫أما في النصرانية فاألصل فيها الختان‪،‬وتشير نصوص من إنجيل برنابا إلى أن المسيح قد اختتن وأنه أمر‬
‫أتباعه بالختان‪،‬لكن النصارى ال يختتنون (‪.)5‬‬
‫أما العرب في جاهليتهم فقد كانوا يختتنون اتباعاً لسنة أبيهم إبراهيم‪.‬وذكر القرطبي(‪ )6‬إجماع العلماء على‬
‫أن إبراهيم عليه السالم أول من اختتن‪.‬فقد ورد عن أبي هريرة ‪‬أن النبي ‪ ‬قال‪ ":‬كان إبراهيم أول من‬
‫اختتن‪،‬وأول من رأى الشيب وأول من قص شاربه وأول من استحد"‪.‬‬
‫وقد فصل ابن القيم (‪ )7‬في ختان النبي ‪ ‬على ثالثة أقوال‪،‬ويرى أنها كلها تعتمد على أحاديث ضعيفة‪،‬أو‬
‫أنه ليس لها إسناد قائم أو أن في إسنادها عدة مجاهيل مع التناقض الكبير في متونها‪.‬فالقول األول وهو أن النبي ‪‬‬
‫ولد مختوناً‪،‬فهو عالوة على ضعف إسناده‪،‬فهو يتناقض مع حديث صحيح اعتبر فيه النبي ‪ ‬أن الختان من الفطرة‬
‫‪،‬ذلك أن االبتالء مع الصبر مما يضاعف أجر المبتلى وثوابه‪،‬واألليق بحال النبي ‪ ‬أال ُيسلب هذه الفضيلة‪.‬والقول‬
‫ك ختنه حين شق صدره ال يصح له إسناد مطلقاُ‪،‬واألرجح القول الثالث وهو أن جده عبد المطلب‬
‫الملَ َ‬
‫الثاني أن َ‬
‫ختنه على عادة العرب وسماه محمداً وأقام له وليمة يوم سابعه‪.‬‬
‫الختان في السنة النبوية المطهرة ‪:‬‬
‫‪ ‬أخرجه مالك يف املوطأ والبخاري يف األدب املفرد والبيهقي يف شعب اإلميان‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫دعا اإلسالم إلى الختان دعوة صريحة وجعله على رأس خصال الفطرة البشرية‪،‬فقد أخرج البخاري‬
‫ومسلم عن أبي هريرة ‪‬أن النبي ‪ ‬قال‪":‬الفطرة خمس‪:‬الختان و االستحداد وقص الشارب وتقليم األظافر ونتف‬
‫اإلبط"‪.‬‬
‫وجاءت دعوة اإلسالم إلى الختان متوافقة مع الحنيفية –ملة إبراهيم عليه السالم‪،‬فكان الختان– كما أورد‬
‫القرطبي عن عبد اهلل بن عباس – من الكلمات التي ابتلى بها إبراهيم َربُّه بهن فأتمهن وأكملهن فجعله إماماً‬
‫للناس‪.‬كما ورد عن النبي ‪ ‬ما يؤكد امتداحه لفعل إبراهيم هذا‪،‬فقد ورد عن أبي هريرة ‪‬أن النبي ‪ ‬قال‪":‬اختتن‬
‫إبراهيم بعدما مرت عليه ثمانون سنة‪،‬اختتن بالقدوم" رواه البخاري ومسلم‪،‬والقدوم آلة صغيرة‪،‬وقيل هو موضع‬
‫بالشام‪.‬‬
‫وعن موسى بن علي اللخمي عن أبيه قال‪ ":‬أمر اهلل إبراهيم فاختتن بقدوم فاشتد عليه الوجع فأوحى اهلل عز‬
‫وجل إليه‪،‬عجلت قبل أن نأمرك باآللة‪،‬قال‪:‬يا رب كرهت أن أؤخر أمرك" أخرجه البيهقي بسند حسن‪.‬‬
‫وعن شداد بن أوس ‪‬أن النبي ‪ ‬قال‪":‬الختان سنة للرجال‪،‬ومكرمة للنساء" أخرجه أحمد في مسنده والبيهقي‬
‫وقال حديث ضعيف منقطع‪.‬‬
‫وعن كثيم بن كليب عن أبيه قال‪:‬جاء رجل إلى النبي ‪ ‬فقال قد أسلمت فقال النبي ‪"‬ألق عنك شعر الكفر‬
‫واختتن" أخرجه أحمد وأبو داود‪،‬وقال السيوطي بضعفه وفي إسناده مجهوالن ( نيل األوطار )‪،‬وقد أورده ابن‬
‫حجر في التلخيص ولم يضعفه ولكن برواية ‪" :‬من أسلم فليختتن"‪.‬‬
‫الحكم الفقهي في الختان ‪:‬‬

‫يقول ابن القيم (‪:)7‬اختلف الفقهاء في حكم الختان‪،‬فقال األوزاعي ومالك والشافعي وأحمد هو واجب‪،‬وشدد‬
‫مالك حتى قال‪:‬من لم يختتن لم تجز إمامته ولم تقبل شهادته‪.‬ونقل كثير من الفقهاء عن مالك أنه سنة حتى قال‬
‫القاضي عياض‪:‬االختتان عند مالك وعامة العلماء سنة‪،‬لكن السنة عندهم يأثم بتركها فهم يطلقونها على مرتبة بين‬
‫الفرض والندب‪.‬وقال الحسن البصري وأبو حنيفة‪:‬ال يجب بل هو سنة‪،‬ونقل عنه قوله‪:‬قد أسلم مع رسول اهلل ‪‬‬
‫الناس‪:‬األسود واألبيض فما فتش أحداً‪.‬‬
‫وخالصة القول‪:‬ذهب الشافعية وبعض المالكية بوجوب الختان للرجال والنساء‪.‬‬
‫وذهب مالك وأصحابه إلى أنه سنة للرجال‪،‬ومستحب للنساء‪،‬وذهب أحمد إلى أنه واجب في حق الرجال‬
‫وسنة للنساء‪،‬وذهب أبو حنيفة إلى أنه سنة‪،‬لكن يأثم تاركه … ويتابع ابن القيم"وال يخرج الختان عن كونه واجباً‬
‫أو سنة مؤكدة‪،‬لكنه في حق الرجال آكد لغلظ القلفة ووقوعها على اإلحليل فيجتمع تحتها ما بقي من البول‪،‬وال تتم‬
‫الطهارة المطلوبة في كل وقت والواجبة في الصالة إال بإزالتها "‪.‬‬
‫ويقول النووي (‪":)8‬ويجب الختان لقوله تعالى‪(:‬أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً)‪ .‬وألنه لو لم يكن واجباً لما‬
‫كشفت له العورة‪،‬ألن كشف العورة محرم‪،‬فلما كشفت له العورة دل على وجوبه"‪.‬‬
‫ويعد ابن القيم المواضع التي يسقط فيها وجوب الختان‪:‬منها "أن يولد الرجل وال قلفة له‪،‬وضعف المولود‬
‫عن احتماله بحيث يخاف عليه من التلف‪،‬وأن يسلم الرجل كبيراً ويخشى على نفسه منه‪،‬والموت فال ينبغي ختان‬
‫‪64‬‬
‫الميت باتفاق األمة وألن النبي ‪ ‬قد أخبر أن الميت يبعث يوم القيامة بغرلته غير مختون فليس ثمة فائدة من ختنه‬
‫عند الموت"‪.‬‬
‫وهنا يأتي دور الطب إذ يحدد أمراضاً (‪ )3‬تمنع حاملها من أن يعمد إلى ختانه‪.‬منها إصابة الطفل بالتهاب‬
‫الكبد اإلنتاني ( اليرقان ) أو إصابته بأحد األمراض النـزفية كالناعور أو نقص الفيتامين ك‪،‬أو عندما يكون‬
‫مصاباً بأحد األمراض المنتقلة بالجنس كاإلفرنجي واإليدز‪،‬ففي هذه الحاالت يجب معالجة المولود حتى يتم شفاؤه‬
‫أو إعداده بشكل يكفل سالمته قبل إجراء الختان‪.‬‬
‫وقد اتفق الجمهور على عدم ثبوت وقت معين للختان‪،‬لكن من أوجبه من الفقهاء جعلوا البلوغ "وقت‬
‫الوجوب" ألنه سن التكليف‪،‬لكن يستحب للولي أن يختن الصغير ألنه أرفق به "‪ .‬وقال النووي باستحباب الختان‬
‫َّ‬
‫قال‪":‬عق رسول اهلل ‪ ‬عن الحسن والحسين‬ ‫لسابع يوم من والدته لما روي عن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما‬
‫رضي اهلل عنهما وختنهما لسبعة أيام"‪،‬إال أن يكون ضعيفاً ال يحتمله‪،‬فيؤخره حتى يحتمله ويبقى األمر على‬
‫الندب إلى قبيل البلوغ‪،‬فإن لم يختتن حتى بلوغه وجب في حقه حينئذ‪.‬‬
‫وفي هذا يقول ابن القيم (‪":)7‬وعندي يجب على الولي أن يختن الصبي قبل البلوغ بحيث يبلغ مختوناً فإن‬
‫ذلك مما ال يتم الواجب إال به"‪ .‬وقال النووي (‪":)8‬وأما الرجل الكبير يسلم فالختان واجب على الفور إال أن يكون‬
‫ضعيفاً ال يحتمله بحيث لو ختن خيف عليه‪،‬فينتظر حتى يغلب على الظن سالمته"‪.‬‬
‫ابتداء من‬
‫ً‬ ‫يقول د‪ .‬محمد علي البار (‪ )5‬أن األبحاث الطبية أثبتت فائدة الختان العظمى في الطفولة المبكرة‬
‫يوم والدته وحتى األربعين يوماً من عمره على األكثر‪،‬وكلما تأخر الختان بعدها كثرت االلتهابات في القلفة‬
‫والحشفة والمجاري البولية‪.‬‬
‫وفي حكمة الختان يقول ابن القيم (‪ … ":)7‬فشرع اهلل للحنفاء صيغة الحنيفية وجعل ميسمها الختان‪ ..‬هذا‬
‫عدا ما في الختان من الطهارة والنظافة والتزين وتحسين الخلقة وتعديل الشهوة التي إذا أفرطت ألحقت اإلنسان‬
‫بالحيوانات‪،‬فالختان يعدلها ولهذا تجد األقلف من الرجال والقلفاء من النساء ال يشبع من الجماع‪.‬والحكمة التي‬
‫ذكرناها في الختان تعم الذكر واألنثى وإ ن كانت في الذكر أبين واهلل أعلم "‪.‬‬
‫وأما في بيان القدر الذي يؤخذ في الختان فقد ذكر النووي (‪ )8‬أن الواجب في ختان الرجل قطع الجلدة‬
‫التي تغطي الحشفة كلها فإن قطع بعضها وجب قطع الباقي ثانياً‪.‬ويستحب أن يقتصر في المرأة على شيء يسير‬
‫وال يبالغ في القطع‪.‬‬
‫الختان ينتصر ‪:‬‬
‫في عام ‪ 1990‬كتب البروفيسور ويزويل (‪ ":)18‬لقد كنت من أشد أعداء الختان وشاركت في الجهود‬
‫التي بذلت عام ‪ 1975‬ضد إجرائه‪،‬إال أنه في بداية الثمانينات أظهرت الدراسات الطبية زيادة في نسبة حدوث‬
‫التهابات المجاري البولية عند األطفال غير المختونين‪،‬وبعد تمحيص دقيق لألبحاث التي نشرت‪،‬فقد وصلت إلى‬
‫نتيجة مخالفة وأصبحت من أنصار جعل الختان أمراً روتينياً يجب أن يجري لكل مولود "‪.‬نعم ! لقد عادت‬
‫‪ ‬أخرجه أبو الشيخ يف كتاب "العقيقة"< ويف سنده الوليد بن مسلم وهو مدلس‪،‬كما أخرجه ابن عساكر يف كتاب "تبيني االمتنان"‪.‬‬
‫‪65‬‬
‫الفطرة البشرية لتثبت من جديد أنها الفطرة التي ال تتغير على مدى العصور‪،‬وأن دعوة األنبياء من عهد إبراهيم‬
‫عليه الصالة والسالم إلى سيدنا محمد ‪ ‬ليتحلى المؤمن ويتخلق بخصال الفطرة هي دعوة حق إلى سعادة البشر‬
‫جميعاً‪.‬‬
‫الحكم الصحية من ختان الذكور‪:‬‬

‫أثبتت الدراسات الطبية الحديثة أن أمراضاً عديدة في الجهاز التناسلي بعضها مهلك لإلنسان تشاهد بكثرة‬
‫عند غير المختونين بينما هي نادرة أو معدومة عند المختونين (‪.)1‬‬
‫أوالً‪:‬الختان وقاية من االلتهابات الموضعية في القضيب‪:‬فالقلفة التي تحيط برأس القضيب تشكل جوفاً ذو فتحة‬
‫ضيقة يصعب تنظيفها‪،‬إذ تتجمع فيه مفرزات القضيب المختلفة بما فيها ما يفرزه سطح القلفة الداخلي من مادة‬
‫بيضاء ثخينة تدعى”اللخن ‪،" Smegma‬وبقايا البول والخاليا المتوسفة والتي تساعد على نمو الجراثيم المختلفة‬
‫مؤدية إلى التهاب الحشفة‪،‬أو التهاب الحشفة والقلفة الحاد أو المزمن والتي يصبح معها الختان أمراً عالجياً ال‬
‫مفر منه (‪ )5‬وقد تؤدي إلى التهاب المجاري البولية عند األطفال غير المختونين‪.‬‬
‫وتؤكد دراسة د‪ .‬شوبن (‪ )9‬أن ختان الوليد يسهل نظافة األعضاء الجنسية ويمنع تجمع الجراثيم تحت‬
‫القلفة في فترة الطفولة‪،‬وأكد د‪ .‬فرغسون (‪ )4‬أن األطفال غير المختونين هم أكثر عرضة لإلصابة بالتهاب‬
‫الحشفة وتضيق القلفة ‪ Phemosis‬من المختونين‪.‬‬
‫ثانياً‪:‬الختان يقي األطفال من اإلصابة بالتهاب المجاري البولية‪:‬وجد جنـز برغ (‪ )4‬أن ‪٪95‬من التهابات‬
‫المجاري البولية عند األطفال تحدث عند غير المختونين‪.‬ويؤكد أن جعل الختان أمراً روتينياً يجرى لكل مولود‬
‫في الواليات المتحدة منع من حدوث أكثر من ‪ 50‬ألف حالة من التهاب الحويضة والكلية سنوياً عند‬
‫األطفال‪.‬وتؤكد مصادر د‪ .‬محمد علي البار (‪ )5‬الخطورة البالغة اللتهاب المجاري البولية عند األطفال وأنها‬
‫تؤدي في ‪ ٪35‬من الحاالت إلى تجرثم الدم وقد تؤدي إلى التهاب السحايا والفشل الكلوي‪.‬‬
‫ثالثاً‪:‬الختان واألمراض الجنسية‪:‬أكد البروفيسور وليم بيكرز (‪ )10‬الذي عمل في البالد العربية ألكثر من‬
‫عشرين عاماً‪،‬وفحص أكثر من ‪ 30‬ألف امرأة‪،‬ندرة األمراض الجنسية عندهن وخاصة العقبول التناسلي‬
‫الرحم‪.‬ويرجع ذلك لسببين هامين‪:‬ندرة الزنى وختان الرجل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫والسيالن والكالميديا والتريكوموناز وسرطان عنق‬
‫ويرى آريا وزمالؤه (‪ )5‬أن للختان دوراً وقائياً هاماً من اإلصابة بكثير من األمراض الجنسية وخاصة‬
‫العقبول والثآليل التناسلية‪.‬كما عدد فنك (‪ Fink )11‬أكثر من ‪ 60‬دراسة علمية أثبتت كلها ازدياد حدوث‬
‫األمراض الجنسية عند غير المختونين‪.‬‬
‫وأورد د‪ .‬ماركس )‪ Marks J (4‬خالصة ‪ 3‬دراسات تثبت انخفاض نسبة مرض اإليدز عند‬
‫المختونين‪،‬في حين وجد سيمونس وزمالؤه أن احتمال اإلصابة باإليدز بعد التعرض لفيروساته عند غير‬
‫المختونين هي تسعة أضعاف ما هو عليه عند المختونين‪.‬أليس هذا باألمر العجيب (‪ )4‬؟ حتى أولئك الذين‬
‫يجرؤون على معصية اهلل يجدون في التزامهم بخصلة من خصال الفطرة إمكانية أن تدفع عنهم ويالت هذا الداء‬
‫الخبيث‪،‬لكن ال ننكر أن الوقاية التامة من اإليدز تكون بالعفة واالمتناع عن الزنى‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫رابعاً‪:‬الختان وقاية من السرطان‪:‬يقول البروفيسور كاو دري (‪ ":)12‬يمكن القول وبدون مبالغة بأن الختان الذي‬
‫ُيجرى للذكور في سن مبكرة يخفض كثيراً من نسبة حدوث سرطان القضيب عندهم‪،‬مما يجعل الختان عملية‬
‫ضرورية ال بد منها للوقاية من حدوث األورام الخبيثة "‪.‬وقد أحصى (‪ )13‬د‪ .‬أولبرتس [‪ ]1103‬مرضى‬
‫مصابين بسرطان القضيب في الواليات المتحدة‪،‬لم يكن من بينهم رجل واحد مختون منذ طفولته‪.‬‬
‫وفي بحث نشره د‪ .‬هيلبرغ وزمالؤه (‪ )14‬أكدوا فيه أن سرطان القضيب نادر جداً عند اليهود‪،‬وعند‬
‫المسلمين حيث ُيجرى الختان أيام الطفولة األولى‪.‬وإ ن أبحاثاً كثيرة جداً تؤكد أن الختان يقي من السرطان في‬
‫القضيب‪.‬وتذكر هذه األبحاث أن التهاب الحشفة وتضيق القلفة هما من أهم مسببات سرطان القضيب‪،‬ولما كان‬
‫الختان يزيل القلفة من أساسها‪،‬فإن المختونين ال يمكن أن يحدث عندهم تضيق القلفة‪،‬ويندر جداً حدوث التهاب‬
‫الحشفة‪.‬وقد ثبت أن مادة اللخن (‪4‬و‪ )5‬التي تفرزها بطانة القلفة عند غير المختونين والتي تتجمع تحت القلفة لها‬
‫فعل مسرطن أيضاً‪.‬فقد أثبتت األبحاث أن هذه المادة تشجع على نمو فيروس الثآليل اإلنساني ‪ HPV‬الذي ثبت‬
‫بشكل قاطع أثره المسرطن‪.‬‬
‫أما الدكتور رافيتش (‪ )15‬فيؤكد على دور الختان في الوقاية من أورام البروستات‪،‬على الرغم من أنه ال‬
‫توجد داللة قاطعة تثبت ذلك‪،‬غير أنه في المؤتمر الذي عقد في مدينة دوسلدورف األلمانية عن السرطان‬
‫والبيئة‪،‬أشير إلى العالقة السلبية بين سرطان البروستات الذي يصيب الرجال وبين الختان‪،‬وأن الرجال المختونين‬
‫أقل تعرضاً لإلصابة بهذا السرطان من غير المختونين‪.‬وفي نفس المؤتمر كشف النقاب أيضاً عن أن النساء‬
‫المتزوجات من رجال مختونين هن أقل تعرضاً لإلصابة بسرطان الرحم من النساء المتزوجات من رجال غير‬
‫مختونين‪.‬‬
‫من هنا نفهم أن دور الختان ال يقتصر على حماية الرجل "المختون" من اإلصابة بالسرطان بل يظهر‬
‫تأثيره الوقائي عند زوجات المختونين أيضاً‪.‬وهكذا يؤكد د‪ .‬هاندلي (‪ )16‬أن الختان عند الرجال يقي نساءهم من‬
‫اإلصابة بسرطان عنق الرحم‪،‬وذكر أن الحالة الصحية للقضيب والتهاباته تشكل خطراً على المرأة يفوق الخطر‬
‫الذي يتعرض له الرجل نفسه‪.‬‬
‫وقد وجد الباحثون (‪ )5‬أدلة على اتهام فيروس الثآليل اإلنساني ‪ HPV‬بتسبب سرطان القضيب لدى غير‬
‫المختونين‪،‬وسرطان عنق الرحم عند زوجاتهم إذ أنهن يتعرضن لنفس العامل المسرطن الذي يتعرض له الزوج‪.‬‬
‫نخلص من ذلك إلى القول بأن عدم إجراء الختان في سن الطفولة المبكرة يؤدي إلى ظهور مجموعة من‬
‫العوامل‪،‬منها وجود اللخن ( مفرز باطن القلفة )‪،‬وتجمع البول حولها ومن ثم تعطن وتنامي فيروس الثآليل‬
‫اإلنساني وغيره من العوامل المخرشة والتي تؤدي في النهاية إلى ظهور سرطان القضيب عند األقلف عند‬
‫تجاوز عمره الخمسين وحتى السبعين عاماً‪.‬وبانتقال تلك المخرشات إلى عنق الرحم عند زوجته أمكن أن يؤدي‬
‫عندها إلى اإلصابة بسرطان عنق الرحم أو سرطان الفرج‪.‬‬
‫وإ ن عملية التنظيف للقلفة لدى غير المختونين لوقايتهم من السرطان‪،‬كما يدعو إلى ذلك بعض أطباء‬
‫الغرب‪،‬هي عملية غير مجدية على اإلطالق – كما يؤكد البروفسور ويزويل (‪ – )5‬فهو يقول بأنه ليس هناك أي‬
‫‪67‬‬
‫دليل على اإلطالق على أن تنظيف القلفة يمكن أن يفيد في الوقاية من السرطان واالختالطات األخرى المرتبطة‬
‫بعدم إجراء عملية الختان‪.‬‬
‫ونحن ‪ -‬مع الدكتور محمد علي البار – نرى أن الطب الحديث يؤيد‪،‬وبقوة – ما ذهب إليه الشافعية من‬
‫استحباب الختان في اليوم السابع‪،‬ولحد أقصى [يوم األربعين] من والدة الطفل‪.‬وإ ن ترك الطفل سنوات حتى يكبر‬
‫دون أن يختن‪،‬يمكن – كما رأينا – أن يؤدي إلى مضاعفات خطرة هو في غنى عنها‪.‬‬
‫ختان البنات ‪:‬‬
‫عن أنس بن مالك ‪‬أن النبي ‪ ‬قال ألم عطية – وهي ختانة كانت تختن النساء في المدينة‪ ":‬إذا خفضت‬
‫فأشمي وال تُنهكي‪،‬فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج”‪ ‬وفي رواية قول النبي ‪ ":‬إذا ختنت فال تنهكي فإن‬
‫ّ‬
‫ذلك أحظى للمرأة وأحب للبعل"‪.‬‬
‫وعن شداد بن أوس أن النبي ‪ ‬قال‪ ":‬الختان سنة للرجال‪،‬مكرمة للنساء "‪.‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال‪:‬دخل النبي ‪ ‬على نسوة من األنصار فقال‪ ":‬يا معشر األنصار‬
‫اختضبن غمساً واخفضن وال تُنهكن فإنه أحظى عند أزواجكن وإ ياكن وكفر المنعمين”‪ ‬والمنعم هنا هو‬
‫[أشمي] من اإلشمام وهو كما قال ابن األثير‪:‬أخذ اليسير في‬
‫الزوج‪،‬ويقال لختان المرأة‪:‬الخفض واإلعذار‪.‬وقوله ّ‬
‫خفض المرأة‪،‬أو اتركي الموضع أشم‪،‬واألشم المرتفع‪[،‬وال تُنهكي] أي ال تبالغي في القطع‪،‬وخذي من البظر‬
‫الشيء اليسير‪،‬وشبه القطع اليسير بإشمام الرائحة‪،‬والنهك بالمبالغة فيه‪،‬أي اقطعي من الجلدة التي على نواة البظر‬
‫وال تستأصليها‪.‬‬
‫ونقل ابن القيم (‪ )7‬عن الماوردي قوله‪ ":‬وأما خفض المرأة فهو قطع جلدة في الفرج فوق مدخل الذكر‬
‫ومخرج البول على أصل النواة‪،‬ويؤخذ من الجلدة المستعلية دون أصلها "‪.‬هذه النواة هي البظر‪،‬والجلدة التي‬
‫عليها‪،‬وهي التي تقطع في الختان‪،‬والتي شبهها الفقهاء بعرف الديك والمسماة بالقلفة‪،‬والتي تتجمع فيها مفرزات‬
‫اللخن ( مفرزات باطن القلفة ) مثل ما يحدث في الذكر عندما تكون تلك القلفة مفرطة النمو‪،‬لذا أمرت السنة‬
‫المطهرة بإزالتها‪.‬وجمهور فقهاء المسلمين على أن األمر للندب أو االستحباب‪،‬عدا الشافعية الذين قالوا بوجوبه‪.‬‬
‫يقول د‪ .‬محمد علي البار (‪:)5‬هذا هو الختان الذي أمر به المصطفى ‪.‬وأما ما يتم في مناطق من العالم من‬
‫أخذ البظر بكامله‪،‬أو البظر مع الشفرين الصغيرين‪،‬أو حتى مع الشفرين الكبيرين أحياناً‪،‬فهو مخالف للسنة ويؤدي‬
‫إلى مضاعفات كثيرة‪.‬وهو الختان المعروف بالختان الفرعوني‪،‬وهو على وصفه‪ ،‬ال عالقة له مطلقاً بالختان الذي‬
‫أمر به النبي ‪.‬لذا فإن الضجة المفتعلة ضد ختان البنات ال مبرر لها‪،‬ألن المضاعفات التي يتحدثون عنها ناتجة‬
‫عن شيئين ال ثالث لهما‪:‬مخالفة السنة‪،‬وإ جراء العملية دون طهارة مسبقة ومن قبل غير ذوي الخبرة من‬
‫الجاهالت‪.‬فالختان الشرعي له فوائده‪،‬فهو اتباع لسنة المصطفى ‪ ‬وطاعة ألمره‪،‬خاصة وأنه من شعائر‬
‫‪ ‬أخرجه الطرباين يف األوسط واهليثمي يف جممع الزوائد وقال‪:‬إسناده حسن‪.‬‬

‫‪ ‬أخرجه البيهقي بسند حسن‪،‬وأخرجه أبو داود بسند آخر ليس بالقوي‪.‬‬
‫‪ ‬رواه البزار ويف سنده مندل بن علي وهو ضعيف‪،‬وقد وثق‪،‬وبقية رجاله ثقات ( اهليثمي )‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫اإلسالم‪،‬وفيه ذهاب الغلمة والشبق عن المرأة وما في ذلك من المحافظة على عفتها‪،‬وفيه وقاية من االلتهابات‬
‫الجرثومية التي تتجمع تحت القلفة النامية "‪.‬‬
‫أما د‪ .‬حامد الغوابي (‪ )17‬فيقول‪ ..":‬فانظر إلى كلمة ( ال تنهكي ) أي ال تستأصلي‪،‬أليست هذه معجزة‬
‫تنطق عن نفسها‪،‬فلم يكن الطب قد أظهر شيئاً عن هذا العضو الحساس [البظر]‪،‬وال التشريح أبان عن األعصاب‬
‫التي فيه‪،‬لكن الرسول ‪ ‬الذي علمه الخبير العليم‪،‬عرف ذلك األمر فأمر بأال يستأصل العضو كله "‪.‬‬
‫ويتابع د‪ .‬الغوابي كالمه عن فوائد ختان البنات‪ ":‬تتراكم مفرزات الشفرين الصغيرين عند القلفاء وتتزنخ‬
‫ويكون لها رائحة كريهة وقد يؤدي إلى التهاب المهبل أو اإلحليل‪،‬وقد رأيت حاالت كثيرة سببها عدم إجراء‬
‫الختان عند المصابات‪.‬والختان يقلل الحساسية المفرطة للبظر الذي قد يكون شديد النمو بحيث يبلغ أكثر من ‪3‬‬
‫سنتمترات عند انتصابه فكيف للرجل أن يختلط بزوجته ولها عضو كعضوه‪،‬ينتصب كانتصابه "‪.‬‬
‫ويرد د‪ .‬الغوابي على من يدعي أن ختان البنات يؤدي إلى البرود الجنسي عندهن‪،‬بأن البرود الجنسي له‬
‫أسباب كثيرة‪،‬وأن هذا اإلدعاء ليس مبنياً على إحصاءات وشواهد بين المختتنات وغير المختتنات‪،‬طبعاً إال أن‬
‫يكون ختاناً فرعونياً أدى إلى قطع البظر بكامله‪.‬ثم ينقل عن البروفسور هوهنر – أستاذ أمراض النساء في‬
‫جامعة نيويورك – بأن التمزقات التي تحدث في المهبل أثناء الوضع تحدث بروداً جنسياً بعكس ما كان منتظرا‬
‫ً‪،‬في حين أن األضرار التي تصيب البظر نادراً ما تقود إلى البرود الجنسي‪.‬‬
‫ومن فوائد الختان (‪ )17‬منعه من ظهور تضخم البظر أو ما يسمى بإنعاظ النساء‪،‬وهو إنعاظ متكرر أو‬
‫مؤلم مستمر للبظر‪،‬كما يمنع ما يسمى نوبة البظر وهو تهيج عند النساء المصابات بالضنى يرافقه تخبط بالحركة‬
‫وغلمنة شديدة وهو معند على المعالجة‪.‬‬
‫وفي المؤتمر الطبي اإلسالمي (‪ )4‬عن الشريعة والقضايا المعاصرة [القاهرة ‪ ]1987‬قدمت فيه بحوث‬
‫عن خفاض األنثى‪،‬أكد فيه د‪ .‬محمد عبد اهلل سيد خليفة أضرار الختان الفرعوني وتشويهه لألماكن الحساسة من‬
‫جسد األنثى‪،‬وأن الخافضة هنا تُنهك إنهاكاً شديداً فتزيل البظر بكامله والشفرين إزالة شبه تامة مما ينتج عنه ما‬
‫يسمى بالرتق وهو التصاق الشفرين ببعضهما‪.‬وأكد ذلك د‪ .‬محمد حسن الحفناوي وزمالؤه من جامعة عين شمس‬
‫وبينوا أن أضرار ختان األنثى ناتج عن المبالغة في القطع الذي نهى عنه نبي الرحمة ‪ ‬أو عن إجراء الخفض‬
‫بأدوات غير عقيمة أو بأيد غير خبيرة‪،‬وليس عن الختان الشرعي نفسه‪.‬‬
‫وخالصة القول يتضح لنا أن الحكمة الطبية من الختان‪،‬الذي دعت إليه الشريعة اإلسالمية‪،‬تظهر عند‬
‫الرجال أكثر بكثير مما تظهر عند النساء‪،‬ونستطيع القول أنه في البالد ذات الطقس الحار كصعيد مصر‬
‫والسودان والجزيرة العربية وغيرها‪،‬فإنه يغلب أن يكون للنساء بظر نام يزيد في الشهوة الجنسية بشكل‬
‫مفرط‪،‬وقد يكون شديد النمو إلى درجة يستحيل معها الجماع‪،‬ومن هنا كان من المستحب استئصال مقدم البظر‬
‫لتعديل الشهوة في الحالة األولى‪،‬ووجب استئصاله لجعل الجماع ممكناً في الحالة الثانية وهذا الرأي الطبي يتوافق‬
‫مع رأي الجمهور من فقهاء األمة الذين أوجبوا الختان على الرجال وجعلوه سنة أو مكرمة للنساء مصداقاً‬
‫لتوجيهات نبي األمة ‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫‪ -1‬د‪ .‬محمد نزار الدقر‪:‬مقالة”الختان بين الطب واإلسالم" مجلة حضارة اإلسالم ‪ 14‬رمضان ‪ 1393‬هـ‪.‬‬
‫‪ -2‬د‪ .‬عبد السالم السكري‪ ":‬ختان الذكر وخفاض األنثى”الدار المصرية للنشر ‪.1989‬‬
‫‪ -3‬د‪ .‬عبد الرحمن القادري‪ ":‬الختان بين الطب والشريعة”ابن النفيس‪،‬دمشق ‪.1996‬‬
‫‪ -4‬د‪ .‬حسان شمسي باشا‪:‬أسرار الختان تتجلى في الطب الحديث”مكتبة السوادي‪،‬جدة ‪.1991‬‬
‫‪ -5‬د‪ .‬محمد علي البار‪ ":‬الختان" دار المنارة – جدة ‪.1994‬‬
‫‪ -6‬اإلمام القرطبي‪ ":‬الجامع ألحكام القرآن”أو ما يسمى بتفسير القرطبي‪.‬‬
‫‪ -7‬ابن القيم الجوزية‪ ":‬تحفة المودود في أحكام المولود "‪.‬‬
‫‪ -8‬اإلمام النووي "المجموع"‪.‬‬
‫‪.Schoen: New England J. of Medicine, 1990, 322 .9‬‬
‫‪.Pikers W.: Med. Dijest Jour. April, 1977 .10‬‬
‫‪.Fink A.J: Circumcision, Mountion View, California, 1988 .11‬‬
‫‪.Cowdry E.V.:”Cancer Cells “, London, 1958 .12‬‬
‫‪.Wolbrats A.L.: “Circumcision and Penile Cancer”Lancet, 1, 1932 .13‬‬
‫‪.Helberg D. et al”Penile Cancer”Brit. Med. J. 1987, 8 .14‬‬
‫‪.Ravich A. “Cancer of Prostate” Act. Len. Internet. Cancer, v3, 1952 .15‬‬
‫‪.Handley W.S.:”Prevention of Cancer” Lancet, 1, 1936 .16‬‬
‫‪ -17‬د‪ .‬حامد الغوابي‪":‬ختان البنات" لواء اإلسالم – العدد ‪7‬و‪، 10‬م‪.1957-11‬‬
‫‪ -18‬البروفيسور ويزويل عن مجلة ‪ Amer. Family J. Physician:‬آذار ‪.1990‬‬
‫‪70‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫الرياضات المسنونة‬

‫المبحث األول ‪ :‬الرياضة في اإلسالم تهدف إلى القوة‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬رياضي المشي‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬رياضة الجري‪.‬‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬الرماية‪.‬‬
‫المبحث الخامس ‪ :‬اللعب بالحراب وفن المبارزة‪.‬‬
‫المبحث السادس ‪ :‬ركوب الخيل‪.‬‬
‫المبحث السابع ‪ :‬المصارعة‪.‬‬
‫المبحث الثامن ‪ :‬السباحة‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫الرياضة المسنونة وأثرها في صحة الفرد والمجتمع‬

‫الرياضة في اإلسالم تهدف إلى القوة‬
‫إن الدعوة إلى اهلل سبحانه وتعالى‪،‬والقيام بمهمة الخالفة فياألرض تحتاج إلى جهد وطاقات جسدية‪،‬حتى‬
‫يتم أداؤها على الوجه األكمل(‪.)1‬لذا حضت التربية النبوية الكريمة على بناء الفرد المسلم على أساس من القوة‪:‬‬
‫خير وأحب إلى اهلل من المؤمن الضعيف وفي كل‬
‫عن أبي هريرة ‪‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪":‬المؤمن القوي ٌ‬
‫خير‪،‬إحرص على ما ينفعك واستعن باهلل وال تعجز" رواه مسلم‪.‬‬
‫ومن أجل بناء األمة القوية‪،‬إمتدح اهلل‪، ‬الملك صاحب الجسد القوي‪،‬القادر على تحمل الشدائد‪،‬وجعل‬
‫موهبته من العلم والقوة سبباً لترشيحه للملك‪:‬قال تعالى‪":‬قال إن اهلل إصطفيه عليكم وزاده بسطة في العلم‬
‫والجسم"‪.‬‬
‫كما وصف اهلل سبحانه كرام أنبيائه بقوله عنهم‪":‬أولوا العزم من الرسل"‪.‬ولما رأت إبنة شعيب مظاهر القوة‬
‫عند سيدنا موسى عليه السالم قالت ألبيها‪-‬كما جاء في سياق القصة في القرآن الكريم‪":‬إن خير من إستأجرت‬
‫القوي األمين"‪.‬‬
‫وهكذا نرى كيف ربط اإلسالم (‪ )3‬قوة اإليمانباإلهتمام بقوة األبدان‪،‬والغاية من القوة (‪ )4‬أن تكون األمة‬
‫أمر من اهلل سبحانه لقادة األمة اإلسالمية‪:‬قال‬
‫المحمدية مرهوبة الجانب‪،‬منيعة محمية‪،‬عزيزة كريمة‪.‬وهذا ٌ‬
‫تعالى‪":‬وأعدوا لهم ما إستطعتم من قوة"‪.‬‬
‫والرياضة في اإلسالم موجهة نحو غاية‪،‬تهدف إلى القوة‪،‬وهي في نظر الشارع وسيلة لتحقيق الصحة‬
‫والقوة البدنية ألفراد األمة‪،‬وهي مرغوبة بحق عندما تؤدي إلى هذه النتائج على أن تُستر فيها العورات وتحترم‬
‫فيها اوقات الصالة‪.‬‬
‫وإ ذا كان رسول اهلل ‪ ‬قد دعا إلى ممارسة رياضة معينة كالرمي والسباحة وركوب الخيل‪،‬تهدف جميعها‬
‫إلى تحقيق الهدف الذي أشرنا إليه‪.‬وقد تبنى اإلسالم حتى في صلب عباداته (‪ )2‬ما يشجع على تحقيق أفضل‬
‫مزاولة للتربية البدنية‪:‬‬
‫فنحن إذا تمعنا في حركات الصالة (‪ )2‬نجد أنها تضمنت تحريك جميع عضالت الجسم ومفاصله‪،‬وهي‬
‫حركات تعتبر من أنسب الرياضات للصغار والكبار‪،‬للنساء والرجال‪،‬لدرجة انه ال يستطيع أي خبير من خبراء‬
‫التدريب الرياضي أن يضع لنا تمريناً واحداً يناسب جميع األفراد واألجناس واألعمالر ويحرك كل أعضاء‬
‫الجسم في فترة قصيرة‪،‬كما تفعل الصالة (‪.)5‬وأكدت الدراسات الطبية (‪ )4‬أن حركات الصالة من أنفع ما يفيد‬
‫الذين أجريت لهم عمليات إنضغاط الفقرات (الديسك) وتجعلهم يعودون سريعاً إلى أعمالهم‪.‬‬
‫ونرى في أعمال الحج أيضاً(‪ )6‬رياضة بدنية عظيمة خالف ما تحمله من رياضة روحية فأعمال الحج‬
‫تتوافق مع ما يحتويه نظام الكشافة بحذافيرها‪،‬ففي رحلة الحج مشي وهرولة وطواف وسعي‪،‬وسكنى خيام وتحلل‬
‫‪72‬‬
‫اس تشريعها‬
‫من اللباس الضاغط إلى لباس اإلحرام‪،‬مما يجعل الحج رحلة رياضية بحق‪،‬فهي وإ ن كانت في ِّ‬
‫رحلة تسمو بالحاج إلى األفق األعلى‪،‬فهي في برنامجها رحلة تدريب بدنية تقوي الجسم وتعزز الصحة‪.‬‬
‫ونحن نجد في حياة النبي ‪ ‬وفي تربيته ألصحابه‪،‬بل في صميم التشريع اإلسالمي سبق واضح على‬
‫التربية البدنية الحديثة (‪،)3‬والتي أصبحت تمارس اليوم في جميع الدول الراقية كجزء من حياة البشر‪،‬كما دخلت‬
‫فروع الطب‪،‬وغدت تمارس وقاية وعالجاً تحت اسم "الطب الرياضي"‪.‬‬
‫والطب الرياضي (‪ )2‬أحد التخصصات الحديثة جداً وهو يبحث في الخصائص الغريزية لكل العب‪،‬وأثر‬
‫التدريبات البدنية على أجهزته المختلفة للتقدم في فن التدريب وإ ختيار أفضل انواع الرياضات التي تناسب‬
‫إمكانيات الفرد الجسمية‪،‬وفي أساليب الطب الطبيعي لعالج األمراض‪.‬ورغم ان الطب الرياضي لم يكن معروفاً‬
‫قبل اإلسالم‪،‬فإن إختصاصي العالج الطبيعي‪،‬مختار سالم (‪ ،)2‬يعتبر أن النبي ‪ ‬قد وضع اللبنة األولى لبناء هذا‬
‫العلم عندما شكا إليه قوم التعب من المشي‪،‬فأوصاهم النبي ‪ ‬بمزاولة "النسالن" وهو الجري الخفيف‪،‬فتحسنت‬
‫صحتهم وكفاءتهم الحركية وإ ستطاعوا المشي لمسافات طويلة دون تعب‪.‬‬
‫ويرى مختار سالم (‪ )2‬أن الطبيب المسلم علي بن العباس الذي ظهر مؤلفه "الصناعة الطبية" في اواخر‬
‫القرن الرابع الهجري‪،‬هو أول مؤلف في الطب الرياضي‪،‬فقد أوضح في كتابه ان للرياضة البدنية أهمية كبرى‬
‫في حفظ الصحة‪،‬وأن أعظمها منفعة قبل الطعام ألنها تقوي أعضاء الجسم وتحلل الفضول التي تبقى في‬
‫األعضاء‪.‬‬
‫وكلما كانت الرياضة أقوى‪،‬كان الهضم أجود وأسرع‪.‬كما يوصي بعدم ممارسة الرياضة بعد الطعام‬
‫مباشرة‪،‬أي عندما يكون الطعام في المعدة "لئال ينحدر إلى األمعاء قبل أن يهضم"‪.‬‬
‫كما أكد علماء الطب الرياضي اليوم أهمية عنصر القوة التي دعا إليها نبي الرحمة سيدنا محمد ‪ ‬والتي‬
‫يعتبرونها من أهم العناصر األساسية في اللياقة البدنية الشاملة والتخصصية من أجل إحراز المزيد من التقدم‬
‫ومن اإلنتصارات الرياضية المختلفة‪.‬وسنفصل في بحثنا هذا‪،‬كل ما ورد في الهدي النبوي من رياضات مسنونة‬
‫مع أهميتها الصحية وفوائدها للبدن‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫رياضة المشي‬
‫وصف الصحابة رضوان اهلل عليهم رسول اهلل ‪ ‬بأنه كان قوي اإلحتمال و الجلد‪،‬يسير مندفعاً إلى‬
‫األمام‪،‬سريع الخطو في مشيته(‪.)2‬عن أبي هريرة ‪‬قال‪":‬ما رأيت أحداً أسرع في مشيته من رسول اهلل ‪ ‬لكأنما‬
‫تطوى له األرض‪،‬وكنا إذا مشينا نجهد انفسنا وإ نه لغير مكترث … وفي رواية … وإ نا لنجهد انفسنا وال يبدو‬
‫عليه الجهد"‪ .‬ومن حديث طويل يصف فيه النبي ‪ ‬يقول علي بن أبي طالب رضي اهلل عنه‪":‬كان إذا تمشى تقلع‬
‫والتقلع‪:‬افرتفاع عن األرض‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫كأنما يمشي في صبب"‬
‫ويروى عن السيدة عائشة رضي اهلل عنها أنها رأت جماعة من الناس يسيرون الهوينى في تراخ وفتور‬
‫فحسبت أن بهم مرضاً‪،‬فسألت عنهم فقيل لها‪:‬يا أم المؤمنين‪،‬ما بهم من مرض ولكنهم ُنساك زهاد‪.‬فقالت‪":‬واهلل ما‬
‫أنتم بأكثر نسكاً وال زهداً من عمر وكان إذا مشى أسرع وغذا تكلم أسمع وغذا ضرب أوجع"‪.‬‬
‫لقد كان المشي وسيلة التنقل المعهودة لنبي البشر (‪،)3‬ولكن لما كثرت وسائط النقل وأصبح الناس ال‬
‫يمارسون "المشي" إال لحاجانهم الضرورية‪،‬كثرت األمراض الناشئة عن قلة الحركة‪،‬وأصبحت رياضة المشي‬
‫اليوم من أهم وأنفع الرياضات للوقاية والعالج‪.‬‬
‫ويضيف د‪.‬أحمد شوكت الشطي (‪ )7‬رياضة المشي بأنها إنتقال الجسم بخطوات متتابعة مع بقاء أحد‬
‫القومين ملتصقة باألرض‪.‬وتنفع الشخاص الذين تضطرهم ظروف أعمالهم إلى أعمال الفكر جالسين‪،‬دون اعمال‬
‫الجسم والحركة‪.‬ورياضة المشي تعيد إليهم قواهم وشهيتهم للطعان‪.‬والمشي يحرك ثلثي عضالت البطن بلطف‬
‫وإ عتدال ويزيد تثبيت مولد الحموضة فيها‪.‬فبالصعود تتحرك عضالت البطن‪،‬وتنشط بالنزول العضالت الموسعة‬
‫للصدر‪.‬ويحسن ان تتحرك األذرع أثناء السير بحركة تعاكس حركة األرجل‪،‬وإ ن تعاكس اإلتجاه بين األطراف‬
‫يعدل تبدل مراكز ثقل الجسم‪.‬‬
‫وينقص بالمشي وزن الجسم بسبب تنشط المفرزات والمفرغات وتبخر الماء من سطوح الرئتين‪.‬وعلى‬
‫الماشي فترة إستراحته ان يتحاشى األماكن الرطبة والمعرضة لجريان الهواء وأن تقوم ببعض الحركات قبل ان‬
‫يجلس‪.‬ويزيد السير في الجبال والمنحدرات نشاط الجهازين الدوراني والتنفسي أكثر مما يزيده المشي في‬
‫السهول‪،‬كما أن الترويض بالمشي في الهواء الطلق يجعل الوجه مشرقاً ويعدل القامة ويحسن المظهر ‪.‬‬
‫ويرى خبير العالج الطبي مختار سالم أن رياضة المشي تهيئ اإلنسان لتدرج عنف الجهد الذي يبذله في‬
‫الرياضات لكبار السن والتي تزيد القدرة على إستهالك األوكسجين‪،‬والذي يقل مع تقدم السن‪،‬ويزيد المشي من‬
‫درجة الكفاءة البدنية ويقلل نسبة كولسترول الدم‪،‬واإلصابة بأمراض الدم‪،‬والكلية‪.‬‬
‫وتزداد مع سرعة المشي ضربات القلب فتقويها‪،‬وتنظم نشاط الدورة الدموية وترفع نسبة الخضاب وعدد‬
‫الكريات الحمراء في الدم‪.‬وفي إحصائية في بريطانيا (‪ )2‬أكدت ان عدد المصابين بأمراض القلب بين موزعي‬
‫‪ ‬رواه الرتمذي وابن حيان وهو حديث حسن (األرناؤوط) ‪.‬‬

‫‪ ‬رواه الرتمذي وحسنه ‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫البريد الذين يمشون كثيراً بحكم مهنتهم‪،‬هي أقل بكثير من عدد المصابين بين موظفي البريد الجالسين خلف‬
‫مكاتبهم‪.‬لذا فإن رياضة المشي تعتبر بمثابة برنامج تأهيل لمرضى القلب الذين يشعرون بالتعب ألدنى‬
‫جهد‪،‬وأكدت أبحاث الطب الرياضي أن المشي"عنصر أساسي" في برنامج العالج الطبي والتأهيل لمرضى‬
‫القلب‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫رياضة الجري[الركض أو العدو]‬
‫روى البخاري في صحيحه عن عبد اهلل بن عباس رضي اهلل عنهما قال‪":‬قدم رسول اهلل ‪ ‬وأصحابه [أي‬
‫حمى يثرب‪.‬‬
‫إلى مكة] فقال المشركون‪:‬يقدم عليكم وقد وهنتهم ّ‬
‫فأمرهم النبي ‪ ‬أن يرملوا األشواط الثالثة وأن يمشوا بين الركنين‪،‬ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا‬
‫األشواط كلها إال اإلبقاء عليهم" والرمل هو الهرولة مع تقارب الخطى‪،‬وكان هذا في عمرة القضاء حيث أخلى‬
‫حمى يثرب وهنتهم‪،‬فأمرهم النبي ‪ ‬أن يرملوا‬
‫المشركون مكة وخرجوا إلى الجبال يراقبون المسلمين‪،‬ظانين أن ّ‬
‫ليعلم المشركون أن المسلمين في أوج قوتهم ولياقتهم البدنية‪.‬وكان رسول اهلل ‪ ‬يقول للمسلمين "رحم اهلل امرءاً‬
‫يريهم اليوم من نفسه قوة" ومن ثم أصبح الرمل في الطواف سنة للرجال ثابتة‪.‬‬
‫وقد كان أصحاب رسول اهلل ‪ ‬يتسابقون على األقدام ويتبارون في ذلك والنبي ‪ ‬يقرهم(‪ )3‬كما سابق النبي‬
‫‪ ‬زوجته عائشة كما تروي لنا رضي اهلل عنها‪":‬أنها كانت على سفر فقال ألصحابه تقدموا‪\،‬ثم قال تعالي‬
‫أسابقك‪،‬فسابقته فسبقته على رجلي‪،‬فلما كان بعد خرجت معه في سفر‪،‬فقال ألصحابه تقدموا‪،‬ثم قال تعالي‬
‫أسابقك‪،‬ونسيت الذي كان وقد حملت اللحم‪،‬فقلت يارسول اهلل كيف أسابقك وأنا على هذه احال‪،‬فقال لنفعلن‪،‬فسابقته‬
‫فسبقني‪،‬فقال‪:‬هذه بتلك السبقة"‪،‬وفي رواية أخرى قالت‪":‬سابقني رسول اهلل ‪ ‬فسبقته فلبث حتى أرهقني اللحم‬
‫فسابقني فسبقني فقال‪:‬هذه بتلك"‪.‬‬
‫وعن عبد اهلل بن الحارث قال‪:‬كان رسول اهلل ‪ ‬يصف عبد اهلل وعبيد اهلل وكثيراً ما يقول‪:‬من سبق فله‬
‫كذا‪،‬فيستبقون على ظهره وصره فيقلبهم ويلزمهم"‪.‬‬
‫والجري هو الرياضة الطبيعية بعد المشي‪.‬والفرق بين المشي السريع والجري‪،‬أن خطوة الجري فيها‬
‫لحظة طيران يكون فيها القدمان في الهواء‪.‬وقد أثبتت الدراسات الطبية (‪ )2‬أن رياضة الجري تزيد نسبة‬
‫الكريات الحمراء والبيضاء والخضاب وخاصة‬
‫‪ ‬صححه األلباين يف آداب الزفاف ‪.‬‬

‫‪ ‬رواه اإلمام أمحد وأبو داود ‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫المصارعة‬
‫المصارعة من الرياضات التي مارسها اإلنسان منذ القدم (‪ .)2‬وقد أجاد النبي ‪ ‬هذه الرياضة‪،‬وقد ثبت ما‬
‫روي عنه أنه صارع اعرابياً يدعى "ركانة" كان مشهوراً بقوته وكان قد تحدى النبي ‪،‬فصرعه النبي ‪ ‬ثالث‬
‫مرات‪.‬‬
‫وعن فوائد المصارعة الصحية يرى مختار سالم أنها رياضة تؤدي إلى زيادة تنمية عناصر القوة‬
‫أن األداء الناجح لحركاتها يعمل على تنمية الكفاءة الوظيفية للمستقبالت‬
‫والسرعة والتحمل والرشاقة‪،‬كما ّ‬
‫الحسية‪،‬وتتكيف العضالت أثناء التدريب على العمل في ظروف إنتاج الطاقة ال هوائياً‪،‬إذ أنه ال يمكن سداد جميع‬
‫إحتياجات البدن من األوكسجين أثناء المصارعة والذي تزداد الحاجة إليه بالعمل العضلي الثابت الذي تتكرر فيه‬
‫عملية كتم النفس فيتكون عند امتدرب ما يسمى بالدين األوكسجين‪.‬‬
‫حد كبير ويرتفع الضغط الدموي ومقدار كريات الدم الحمراء‬
‫وتزداد سرعة القلب وقت الخطفات إلى ّ‬
‫والخضاب اثناء التدريب والمباريات‪،‬ويرتفع أيضاً سكر الدم وحامض اللبن الذي يصل تركيزه في الدم إلى أكثر‬
‫من ‪ 13‬ملغ ‪. ٪‬‬
‫‪77‬‬
‫المبحث الخامس‬
‫السباحة‬
‫عن بكر بن عبد اهلل بن الربيع األنصاري أن النبي ‪ ‬قال‪":‬علموا أوالدكم السباحة والرمي ونعم اللهو‬
‫المؤمنة في بيتها المغزل"‪ ‬ورواه ابن عمر بلفظ "علموا أباءكم السباحة والرمي"‪.‬‬
‫وعن جابر بن عبد اهلل وجابر بن عمير أن النبي ‪ ‬قال ‪":‬كل شيء ليس من ذكر اهلل لهو ولعب إال أن يكون‬
‫أربعة ‪ :‬مالعبة الرجل امرأته‪،‬وتأديب الرجل فرسه‪،‬ومشي الرجل بين الفرضين‪،‬وتعلم الرجل السباحة"‪.‬‬
‫عن عبد اهلل بن عباس رضي اهلل عنهما أن النبي ‪ ‬قال ‪":‬خير لهو المؤمن السباحة وخير لهو المرأة‬
‫الغزل"‪.‬‬
‫السباحة رياضة طبيعية (‪ )7‬تعتبر األكثر نفعاً للجسم من غيرها من الرياضات‪.‬إنها تقوي جميع أعضاء‬
‫الجسم‪،‬تنمي العضالت وتكسبها مرونة‪،‬إذ تشركها جميعاً في العمل دفعة واحدة وتزيد يذلك من قوة العمل‬
‫العضلي‪.‬وهي رياضة َخْلقية تنمي اإلرادة والشجاعة والصبر والثبات وتقوي ملكة االعتماد على النفس‪.‬‬
‫وبسبب ضغط الماء على الصدر والجذع أثناء السباحة يزداد عمق التهوية الرئوية (‪ )2‬ويحتل السباحون‬
‫بذلك مكانة عالية في اختيار السعة الحيوية والتي تزداد عندهم ألكثر من ‪ ٪30‬من السعة المفترضة‪،‬كما تزداد‬
‫الجاذبية األرضية ويسهل عمل القلب‪،‬فيزداد حجم الدم الذي يدفعه في الدقيقة فيقوي القلب وينشط الدوران‪.‬‬
‫وتؤكد أبحاث الطب الرياضي أن السباحة تساعد العضالت الضعيفة على الحركة عندما يطفوا البدن فوق‬
‫الماء كما تعمل مقاومة الماء للحركة نوعاً معتدالً من تمرينات المقاومة تؤدي إلستعادة البدن لحيويته عقب‬
‫حاالت الضعف العام وفي فترات النقاهة من المرض أو بعد العمليات الجراحية‪.‬‬
‫وإ ن قوة دفع الماء إلى األعلى تساعد على عملية الطفو التي تسمح ألجزاء الجسم المصابة بأنواع معتدلة‬
‫من الشلل والضمور العضلي من األداء الحركي‪،‬ومما يحسن المدى الحركي للمفاصل التي قد أصابها التصلب‬
‫نتيجة فترات طويلة من الراحة أو استعمال الجبائر‪،‬هذا عالوة على التأثير النفسي الحسن للسباحة وقدرتها على‬
‫جعل المصاب متكيفاً مع العجز البدني‪.‬‬
‫ويرى د‪.‬الشطي (‪ )7‬أن المتمرين على السباحة منذ صغرهم ال أثر فيهم للتشوهات واألوضاع المعينة‪،‬لذا‬
‫اعتبرت أبحاث الطب الرياضي السباحة أحد الوسائل العالجية العامة لتصحيح بعض العاهات الجسمانية ال سيما‬
‫إنحناء الظهر وتقوس األرجل‪.‬‬
‫والسباحة تدرب وتقوي الجملة العصبية‪،‬وتعمل على تنظيم حرارة البدن أكثر من أي رياضة أخرى‪،‬وتعود‬
‫اإلنسان على تحمل البرد‪.‬وبما أنها تمارس في الماء فإن الحرارة الناجمة عن العمل العضلي تتعدل بالماء فال‬
‫ينتج عن اإلفراط عند مزاولة هذه الرياضة ما ينشأ عن اإلفراط في مزاولة غيرها من الرياضات (‪.)7‬‬
‫‪ ‬أخرجه السيوطي يف اجلامع الصغري وحسنه وابن مندة يف املعرفة ‪.‬‬
‫‪ ‬أخرج البيهقي وضعفه السيوطي وقال املناوي ‪ :‬ضعيف لكن له شواهد كثرية تقويه‪.‬‬
‫‪ ‬سبق خترجيه وصححه اهلبثمي يف جممع الزوائد ‪.‬‬
‫‪ ‬السيوطي يف اجلامع الصغري [حديث ضعيف]‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫وللتشمس أهميته في هذه الرياضة (‪.)7‬فمن الثابت أن ألشعة الشمس تأثيراً منبهاً لألعصاب الودية عن‬
‫طريق الجلد‪،‬كما أن سطح الجلد يمتص األشعة ويدخرها ويولد منها قدرة كبيرة ومواد تنفع الجسم كالفيتامين د‪.‬‬
‫وتأثر األعصاب الودية بأشعة الشمس يتبعه تأثر كامل العضوية نتيجة تنشط الجملة الودية التي تنبه األلياف‬
‫العضلية وتزيد نشاط الغدد الصماء بما فيها الغدة النخامية‪.‬‬
‫إال أن اإلفراط في التشمس له محاذير هو آثاره السلبية يتجنبها اإلنسان بالتزام االعتدال والتدرج بالتعرض‬
‫للشمس بحيث ال يزيد في اليوم األول عن خمس دقائق‪،‬وأن يتجنب العرض للشمس في ساعات الظهيرة الشديدة‬
‫الحر وإ ال تعرض لحروق ومتاعب هو بغنى عنها وخاصة إمكانية ظهور سرطانات الجلد وغيرها من األذيات‬
‫المهلكة‪.‬‬
‫د‪.‬نظال عيسى ‪":‬الطب الوقائي في اإلسالم" دار المكتبي‪-‬دمشق ‪.1997‬‬ ‫‪-1‬‬
‫مختار سالم ‪":‬الطب اإلسالمي بين العقيدة واإلبداع" مؤسسة المعارف بيروت ‪.1998‬‬ ‫‪-2‬‬
‫د‪.‬غياث األحمد ‪":‬الطب النبوي في ضوء العلم الحديث" دار المعاجم‪،‬دمشق‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫د‪.‬عبد الرزاق الكيالني ‪":‬الحقائق الطبية في اإلسالم" دار القلم‪،‬دمشق‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫د‪.‬محمد نزار الدقر ‪":‬روائع الطب اإلسالمي(‪:)2‬العبادات في اإلسالم وأثرها في صحة الفرد والمجتمع"‬ ‫‪-5‬‬
‫دار المعاجم‪،‬دمشق‪.‬‬
‫د‪.‬حامد الغوابي ‪":‬بين الطب واإلسالم" دار الكاتب العربي‪،‬القاهرة ‪.1967‬‬ ‫‪-6‬‬
‫د‪.‬أحمد شوكت الشطي ‪":‬نظرات في الولد وحبه وحقوقه" مجلة حضارة اإلسالم الجلد ‪ 20‬ع‪( 8/9‬‬ ‫‪-7‬‬
‫‪ )1977‬والمجلد ‪ 15‬ع‪،)1974( 5‬دمشق‪.‬‬
‫ابن األثير الجزري ‪":‬جامع األصول في أحاديث الرسول ‪.‬‬ ‫‪-8‬‬
‫‪79‬‬
‫الفصل الخامس‬
‫الهدي النبوي في ضبط تصرفات اإلنسان‬
‫وأثر ذلك في صحته‬
‫ويضم الفصل بعد المقدمة المباحث التالية‪:‬‬
‫المبحث األول‪:‬ال تغضب‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪:‬وال تكثر الضحك‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪:‬العطاس والتثاؤب‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪:‬الحسد‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪:‬اإلسالم والطب يحاربان الضوضاء‪.‬‬
‫‪80‬‬
‫الهدي النبوي في ضبط تصرفات اإلنسان‬

‫االنفعالية وأثر ذلك في صحته‬
‫قد ينفعل المرء ويتصرف تبعاً النفعاالته تصرفات قد تورده الردى أو تجلب له المرض أو األذى‪.‬فكم من مريض‬
‫قلبي أصيب بنوبة قلبية مؤلمة بعد تعرضه لنوبة من الضحك‪،‬وكم من رجل ولّد عنده الضحك المتواصل وهناً‬
‫جنسياً كامالً‪،‬وكم من إنسان أصيب بارتفاع ضغط دموي مفاجئ تبعه نزيف دماغي صاعق بعد نوبة من الغضب‬
‫الشديد‪،‬والذي يمكن أن يصيب صاحبه بداء سكري أو قرحة هضمية‪،‬والحسد كثيراً ما يؤدي بصاحبه لإلصابة‬
‫بخناق الصدر أو بقرحة معدية أو بداء السوداء [المانيخوليا]‪.‬والضوضاء التي يحدثها البشر بصراخهم تعتبر من‬
‫أهم أسباب اإلصابة بالصمم أو باالنزعاجات القلبية الوعائية‪.‬‬
‫واإلسالم‪،‬لم يترك صغيرة وال كبيرة في حياة البشر إال وقد تدخل فيها من أجل إسعادهم وإ بعادهم عما يعرضهم‬
‫للخطر‪،‬كيف وقد نزلت الشرائع كلها من أجل حفظ اإلنسان في ضروراته الخمس ومنها حفظ النفس والعقل‪.‬من‬
‫هنا تأتي التربية القرآنية الرشيدة ومن بعدها الهدي النبوي المعجز بتدابير تروض اإلنسان المسلم كي يضبط‬
‫انفعاالته‪،‬ويتحكم في تصرفاته ليصون نفسه ويحفظ جسده مما يمكن أن ينتج عن هذه االنفعاالت من الضرر‬
‫واألذى‪.‬‬
‫من هذه التدابير قوله تعالى‪ (:‬واغضض من صوتك)ومنها قول النبي ‪ ": ‬وال تكثر من الضحك فإن كثرة‬
‫الضحك تميت القلب "‪.‬ومنها قوله ‪ ":‬إن اهلل يحب العطاس ويكره التثاؤب "‪.‬ومنها وصيته ‪ ‬لرجل‪ ":‬ال تغضب‬
‫"‪.‬وقوله ‪":‬إذا غضب أحدكم فليسكت "‪.‬وقوله ‪ ":‬ال تحاسدوا وال تقاطعوا وال تدابروا وكونوا عباد اهلل إخواناً "‪.‬‬
‫إن التزام الفرد المسلم بتوجيهات النبي الكريم ‪ ‬في ضبط تصرفاته والتحكم في انفعاالته‪،‬عدا عما يرافقها من لذة‬
‫الطاعة وسمو الروح واالرتقاء بالعالقات االجتماعية إلى ذروة القمة‪،‬فإن هذا االلتزام يصرف عنه ما يمكن أن‬
‫ينتج عن هذه االنفعاالت من انحراف الصحة والتهلكة في البدن أو النفس‪.‬‬
‫يقول النبي ‪ ":‬مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها‪،‬وأنا آخذ‬
‫بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي "‪.‬‬
‫وسنفصل في األبحاث التالية الهدي النبوي في تدبير الغضب والضحك والحسد وغض الصوت وفي العطاس‬
‫والتثاؤب وأثر هذا التدبير الحكيم في صحة الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫ال تغضب‬
‫قال تعالى‪(:‬والذين يجتنبون كبائر اإلثم والفواحش وإ ذا ما غضبوا هم يغفرون)الشورى اآلية ‪.42‬‬
‫وق ال ‪(:‬ال ذين ينفق ون في الس ّراء والض ّراء والك اظمين الغيظ والع افين عن الن اس واهلل يحب المحس نين)آل‬
‫عمران‪.‬‬
‫وق ال تع الى‪(:‬وال تس توي الحس نة وال الس يئة ادفع ب التي هي أحسن ف إذا ال ذي بينك وبينه ع داوة كأنه ولي حميم)‬
‫سورة فصلت‪.‬‬
‫وقال تعالى‪(:‬وعباد الرحمن الذين يمشون على األرض هون اً وإ ذا خاطبهم الجاهلون قالوا سالماً) الفرقان اآلية‬
‫‪.63‬‬
‫عن أبي هري رة رضي اهلل عنه”أن رجالً ق ال للن بي ‪:‬أوص ني فق ال‪:‬ال تغضب ف ردد م راراً فق ال‪:‬ال تغض ب”رواه‬
‫البخاري‪.‬‬
‫وعن أبي ال درداء ‪‬ق ال‪:‬قلت يا رس ول اهلل دلّ ني على عمل ي دخلني الجنة ق ال‪ ":‬ال تغض ب”رواه الط براني بإس ناد‬
‫حسن‪.‬‬
‫وقد حث رس ول اهلل ‪ ‬على كتم ان الغضب فقد روى أبو هري رة رضي اهلل عن ه‪،‬أن الن بي ‪ ‬ق ال‪":‬ليس الش ديد‬
‫بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب” رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫مر بقوم يصطرعون فقال‪:‬ما هذا ؟ قالوا فالن ال يصارع أحداً إال صرعه فقال النبي ‪":‬‬
‫وعن أنس ‪‬أن النبي ‪َّ ‬‬
‫أفال أدلكم على من هو ُّ‬
‫أشد منه ؟ رج ٌل كلمه رجل فكظم غيظهُ فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه”‪.‬‬
‫وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال‪:‬ق ال رسول اهلل ‪ ":‬يا معاوية إياك والغضب‪،‬ف إن الغضب يفسد اإليمان‬
‫كما يفسد الصبر العسل”‪.‬‬
‫وقد رفع اإلسالم من أجل ذلك من مرتبة الحلم‪،‬وجعل من كظم الغيظ وسيلة إلى التقرب إلى اهلل عز وجل ورفع‬
‫درجات صاحبه يوم القيامة‪.‬عن معاذ بن أنس الجهني ‪‬أن النبي ‪ ‬قال‪ ":‬من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه‬
‫دعاه اهلل على رؤوس الخالئق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين فيزوجه منها ما شاء”‪.‬‬
‫َّ‬
‫األشج ‪‬قائالً له‪":‬إن فيك خصلتين يحبهما اهلل الحلم واألناة" رواه مسلم‪.‬‬ ‫وقد مدح النبي ‪‬‬
‫قال‪:‬السيد الذي ال يغلبه الغضب‪.‬كما روى اإلمام‬
‫ّ‬ ‫‪[:‬وسيداً وحصوراً]‬
‫ّ‬ ‫وقد روي عن عكرمة في قوله تعالى‬
‫الغزالي (‪ )1‬عن الحسن ‪‬قوله‪ ":‬يا ابن آدم كلما غضبت وثبت وأوشك أن تثب وثبة فتقع في النار "‪.‬‬
‫‪ ‬رواه البزار بإسناد حسن(ابن حجر العسقالين )‪.‬‬

‫‪ ‬أخرجه البيهقي وهو حديث ضعيف‪.‬‬
‫‪ ‬رواه الرتمذي وحسنه وأبو داود وصححه األلباين(صحيح اجلامع الصغري)وروى< البخاري حنوه‪.‬‬
‫‪82‬‬
‫قال الخطابي (‪:)2‬معنى قوله [ال تغضب] اجتناب أسباب الغضب وأال تتعرض لما يجلبه‪،‬وأما نفس الغضب فال‬
‫يتأتى النهي عنه ألنه أمر طبيعي ال يزول من الجبلة‪.‬وقال غيره‪:‬ما كان من قبيل الطبع الحيواني فال يمكن‬
‫دفعه‪،‬وما كان من قبيل ما يكتسب بالرياضة فهو المراد‪.‬وقيل‪:‬ال تفعل ما يأمرك به الغضب‪.‬‬
‫أن مجاهدة النفس أشد من مجاهدة العدو ألنه ‪ ‬جعل الذي يملك نفسه عند الغضب أعظم‬
‫قال ابن بطال (‪:)2‬يعني ّ‬
‫الناس قوة‪.‬وقال ابن حيان‪:‬أراد ال تعمل عند الغضب شيئاً مما نهيت عنه‪.‬ويجمل اإلمام الغزالي (‪ )1‬رأيه في‬
‫الغضب‪ ":‬فأقل الناس غضباً أعقلهم‪،‬فإن كان للدنيا كان دهاء ومكراً وإ ن كان لآلخرة كان حلماً وعلماً‪.‬وقد قيل‬
‫لعبد اهلل بين المبارك‪:‬أجمل لنا حسن الخلق‪.‬فقال ترك الغضب‪.‬‬
‫اآلثار الصحية السيئة للغضب على البدن ‪:‬‬

‫إن االنفعاالت الشديدة والضغوط التي يتعرض لها اإلنسان كالخوف والغضب يحرض الغدة النخامية (‪3‬و‪)4‬‬
‫على إفراز هرمونها المحرض إلفراز كل من األدرينالين والنور أدرينالين من قبل الغدة الكظرية‪،‬كما تقوم‬
‫األعصاب الودية على إفراز النور أدرينالين‪.‬‬
‫إن ارتفاع النور أدرينالين في الدم يؤدي إلى تسارع دقات القلب‪،‬وهذا ما يشعر به اإلنسان حين االنفعال‪،‬والذي‬
‫يجهد القلب وينذر باختالطات سيئة‪.‬فهو يعمل على رفع الضغط الدموي بتقبيضه للشرايين واألوردة‬
‫الصغيرة‪،‬كما أن االرتفاع المفاجئ للضغط قد يسبب لصاحبه نزفاً دماغياً صاعقاً يؤدي إلى إصابة الغضبان‬
‫بالفالج‪،‬وقد يصاب بالجلطة القلبية أو الموت المفاجئ‪،‬وقد يؤثر على أوعية العين الدموية فيسبب له العمى‬
‫المفاجئ‪.‬وكلنا يسمع بتلك الحوادث المؤلمة التي تنتج عن لحظات غضب (‪.)4‬‬
‫هذا وإ ن ارتفاع النور أدرينالين في الدم يحرر الغليكوجين من مخازنه في الكبد ويطلق سكر العنب مما يرفع‬
‫السكر الدموي‪،‬إذ من المعلوم أن معظم حادثات الداء السكري تبدأ بعد انفعال شديد لحزن أو غضب‪.‬أما ارتفاع‬
‫األدرينالين فيزيد من عمليات اإلستقالب األساسي ويعمل على صرف كثير من الطاقة المدخرة مما يؤدي إلى‬
‫ب بارتفاع حرارته وسخونة جلده (‪.)4‬كما ترتفع شحوم الدم مما يؤهب لحدوث التصلب‬
‫ضْ‬‫الغ ِ‬
‫شعور المنفعل أو َ‬
‫الشرياني ومن ثم إلى حدوث الجلطة القلبية أو الدماغية كما يؤدي زيادة هذا الهرمون إلى تثبيط حركة األمعاء‬
‫ومن ثم إلى حدوث اإلمساك الشديد‪.‬وهذا هو سبب إصابة ذوي المزاج العصبي باإلمساك المزمن‪.‬‬
‫ويزداد أثناء سورات الغضب (‪ )4‬إفراز الكورتيزول من قشر الكظر مما يؤدي إلى زيادة الدهون في الدم على‬
‫حساب البروتين‪،‬ويحل الكورتيزول النسيج اللمفاوي مؤدياً إلى نقص المناعة وإ مكانية حدوث التهابات جرثومية‬
‫متعددة‪،‬وهذا ما يعلل ظهور التهاب اللوزات الحاد عقب االنفعال الشديد‪،‬كما يزيد الكورتيزول من حموضة‬
‫المعدة وكمية الببسين فيها مما يهيئ لإلصابة بقرحة المعدة أو حدوث هجمة حادة عند المصابين بها بعد حدوث‬
‫غضب عارم‪.‬‬
‫وقد أثبتت البحوث الطبية الحديثة (‪ )5‬وجود عالقة وثيقة بين االنفعاالت النفسية ومنها الغضب وبين اإلصابة‬
‫بالسرطان‪.‬وتمكن العلم أن يبين مدى خطورة اإلصابات السرطانية على إنسان القرن العشرين‪،‬قرن القلق‬
‫النفسي‪،‬وأكدت الدراسات أن األشخاص الذين يعانون من انفعاالت نفسية مريرة بصورة مستمرة يموتون‬
‫‪83‬‬
‫بالسرطان باحتمال نسبي أكبر‪.‬فاالنفعاالت النفسية تولد اضطراباً هرمونياً خطيراً في الغدد الصماوية يؤدي إلى‬
‫تأرجح في التوازن الهرموني بصورة دائمة‪،‬هذا التأرجح يساعد على ظهور البؤرة السرطانية في أحد أجهزة‬
‫البدن‪.‬‬
‫ويرى بعضهم (‪ )4‬أن التأثيرات التي تحصل في البدن نتيجة الغضب الشديد والذي يسبب فيضاً هرمونياً تؤدي‬
‫إلى ما يشبه التماس الكهربائي داخل المنزل بسبب اضطراب الدارة الكهربائية‪،‬وما ينتج عن ذلك من تعطل في‬
‫كافة أجزاء الدارة الكهربائية‪.‬‬
‫وال شك أن نبي الرحمة ‪ ‬قد عرف بنور الوحي خطورة هذه االنفعاالت النفسية على مستقبل المجتمع اإلنساني‬
‫قبل أن يكتشف الطب آثارها‪،‬ودعا أتباعه بحكمة إلى ضبط انفعاالتهم – قدر المستطاع – [ال تغضب] محاوالً أن‬
‫يأخذ بأيديهم إلى جادة الصواب – رحمة بهم – وحفاظاً على صحة أبدانهم من المرض والتلف‪،‬لكنه – عليه‬
‫الصالة والسالم – كان يعلم في نفس الوقت طبيعة النفس البشرية‪،‬ويعلم أن اإلنسان لحظة غضبه قد ال يقوى على‬
‫كتم غضبه‪،‬خاصة إن كان يغضب هلل أو لعرضه أو ماله‪،‬فإذا به يصف العالج قبل أن يستفحل الغضب‪،‬وقبل أن‬
‫يقدم الغاضب على فعل ال تحمد عقباه‪.‬‬
‫الهدي النبوي في معالجة الغضب‪:‬سبق طبي معجز‬
‫ال شك أن سرعة الغضب من األمراض المهلكة للبدن والمستنفذة لقواه (‪.)6‬وقد جاءت التعاليم النبوية بطرق‬
‫والحد من تأثيره السيء على البدن وعلى المسلم أن روض نفسه على الحلم (‪.)7‬فبالحلم‬
‫ّ‬ ‫ناجعة لمكافحة الغضب‬
‫تستأصل جذور العداوات من النفس وتستل الخصومات من القلوب‪.‬وقد أوتي رسول اهلل ‪ - ‬كما نعلم من سيرته‬
‫– أوفى نصيب من الحلم وسعة الصدر وضبط النفس عند الغضب‪.‬‬
‫سيد الخلق ‪ ‬يقول‪":‬أربع من َّ‬
‫كن فيه وجبت له الجنة وحفظ من الشيطان‪:‬من يملك نفسه حين‬ ‫عن أبي هريرة ‪‬أن ّ‬
‫يرغب وحين يرهب وحين يشتهي وحين يغضب"‪.‬‬
‫وقد نقل العالمة ابن حجر عن الطوخي قوله‪":‬أقوى األشياء في دفع الغضب استحضار التوحيد الحقيقي وهو أن‬
‫ال فاعل إال اهلل وكل فاعل غيره فهو آلة له‪،‬فمن توجه إليه بمكروه من جهة غيره‪،‬فاستحضر أن اهلل لو شاء لم‬
‫السر في أمره ‪ ‬الذي غضب أن يستعيذ باهلل‬
‫ُي َمكن ذلك الغير منه‪،‬اندفع غضبه "‪.‬قال ابن حجر‪ ":‬قلت وبهذا يظهر ُّ‬
‫من الشيطان ألنه إذا توجه إلى اهلل في تلك الحالة باالستعاذة من الشيطان أمكنه استحضار ما ذكر"‪.‬‬
‫احمر وجهه‪.‬فقال النبي‬ ‫عن سلمان بن سرد ‪‬قال‪":‬استب رجالن عند النبي ‪ ‬وأحدهما ُّ‬
‫يسب صاحبه مغضباً قد َّ‬
‫‪:‬إني ألعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد‪،‬لو قال‪:‬أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم"رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫يقول د‪.‬إبراهيم الراوي (‪:)8‬ينصح علماء الطب النفسي األشخاص الذين يتعرضون إلى نوبات الغضب إلى‬
‫تمارين خاصة تؤدي إلى نتائج مذهلة‪،‬هذه التمارين تسبب استرخاء في الذهن يؤدي إلى انطفاء نار الغضب‬
‫وإ خماد الثورة العصبية‪،‬منها أن َّ‬
‫يعد الشخص من ‪ … 3-2-1‬وحتى ‪ 30‬قبل أن ينطق بأي حرف‪.‬هذه الحقيقة‬
‫‪ ‬رواه الرتمذي وضعفه املناوي يف فيض القدير شرح اجلامع الصغري‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫في مجال الطب النفسي اكتشفها نبي اإلسالم ‪ ‬حين أمر الغاضب أن يتعوذ باهلل عدة مرات وهذا واضح من‬
‫مفهوم اآلية الكريمة‪ (:‬وإ ما ينـزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ باهلل إنه هو السميع العليم)صدق اهلل العظيم‪.‬‬
‫ويبدو من هذا القبيل‪،‬دعوة النبي ‪ ‬الغاضب إلى السكوت وعدم النطق بأي جواب‪.‬عن عبد اهلل بن عباس رضي‬
‫اهلل عنهما أن النبي ‪ ‬قال‪ ":‬إذا غضب أحدكم فليسكت”‪.‬‬
‫الوضعية‪،‬هدي نبوي كريم له فائدة عظيمة في تهدئة سورة الغضب عن أبي ذر الغفاري رضي اهلل‬
‫ٌ‬ ‫وتغيير‬
‫عنه‪،‬أن النبي ‪ ‬قال‪ ":‬إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس‪،‬فإن ذهب عنه الغضب وإ ال فليضطجع”‪.‬‬
‫ويعلق د‪.‬الراوي (‪ )8‬قائالً‪:‬يوصي الطب الحديث كل من يتعرض للغضب الشديد واالنفعاالت النفسية‬
‫باالسترخاء قبل إطالق العنان للجوارح واللسان‪.‬وهذه الحقيقة الطبية كان لها بالغ األثر في الوقاية من أخطر‬
‫األزمات عندما يوفق المرء في تمالك نفسه عند الغضب والتي اكتشفها نبي الرحمة في أعماق النفس البشرية‬
‫حين أمر الغاضب الواقف أن يجلس "‪.‬‬
‫وقد وفق د‪.‬حسان شمسي باشا (‪ )3‬إلى كشف اإلعجاز الطبي في هذه الوصفة النبوية إذا كتب يقول‪ ":‬جاء في‬
‫كتاب هاريسون الطبي أنه من الثابت علمياً أن هرمون النور أدرينالين يزداد بنسبة ‪ 3 – 2‬أضعاف لدى الوقوف‬
‫بهدوء لمدة خمس دقائق أما األدرينالين فيرتفع ارتفاعاً بسيطاً في الوقوف لكن الضغوط النفسية تزيد من نسبته‬
‫في الدم … وال شك أن ارتفاع العاملين معاً‪،‬الغضب والوقوف يرفع نسبة هذين الهرمونين بشكل كبير‪.‬فمن علَّم‬
‫النبي ‪ ‬أن هذه الهرمونات تزداد بالوقوف وتنخفض باالستلقاء حتى يصف هذا العالج ؟”… ال شك أنه وحي‬
‫يوحى عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫ومن هذا القبيل ما رواه أبو سعيد الخدري ‪‬أن النبي ‪ ‬قال‪":‬إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم‪،‬أال ترون إلى‬
‫حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه‪،‬فمن وجد من ذلك شيئاً فليلصق خده باألرض" رواه الترمذي وقال حديث حسن‪.‬‬
‫وهذا إشارة (‪ )1‬إلى األمر بالسجود وتمكين أعز األعضاء من أذل المواضع لتستشعر به النفس الذل وتزيل به‬
‫العزة والزهو الذي هو سبب الغضب‪.‬‬
‫واالغتسال بالماء البارد (‪ )8‬أو غسل الوجه واليدين به‪،‬أحدث توصية طبية لها أثرها البالغ في تهدئة الجهاز‬
‫العصبي‪.‬فالغضب (‪ )9‬يتولد من الحرارة العامة والتعرق واإلحساس بالضيق‪،‬ويأتي الماء البارد ليخفف من هذه‬
‫األعراض‪.‬والوضوء الذي وصفه النبي ‪ ‬يضفي‪،‬فوق ذلك ‪،‬شعوراً بالعبودية هلل عند قيام الغاضب بهذا الفعل‬
‫التعبدي‪،‬يزيد من إحساسه باألمن والرضى‪.‬وهذا مصداق ما رواه عطية السعدي أن النبي ‪ ‬قال‪":‬إذا غضب‬
‫أحدكم فليتوضأ فإنما الغضب من النار" وفي رواية "إن الغضب من الشيطان وإ ن الشيطان خلق من النار وإ نما‬
‫تطفأ النار بالماء‪،‬فإذا غضب أحدكم فليتوضأ" رواه أبو داود‪.‬‬
‫وفي معرض تحذيره من سورات الغضب يقول اإلمام الغزالي (‪ ":)1‬اعلم أنه َّ‬
‫ظن الظانون أن يتصور محو‬
‫الغضب بالكلية وزعموا أن الرياضة تتوجه إليه وإ ياه تقصد وظن آخرون أنه أصل ال يقبل العالج‪،‬وكال الرأيين‬
‫‪ ‬رواه اإلمام أمحد وحسنه السيوطي ووافقه املناوي [ فيض القدير ]‪.‬‬
‫‪ ‬رواه أمحد وأبو داود وابن حيان وقال اهليثمي‪:‬رجاله رجال الصحيح [ جممع الزوائد ]‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫ضعيف … وأن طريق الخالص من نار الغضب محو الدنيا عن القلب وذلك بمعرفة آفات الدنيا وغوائلها ومن‬
‫أخرج حب المزايا عن القلب تخلص من أكثر أسباب الغضب‪،‬وال يمكن محوه‪،‬يمكن كسره وتضعيفه‪،‬فيضعف‬
‫الغضب بسببه ويهون دفعه "‪.‬‬
‫ويتابع حجة اإلسالم قائالً‪:‬وإ نما يعالج الغضب عند هيجانه بمعجون العلم والعمل … أما العلم فهو ستة أمور ‪:‬‬
‫األول‪:‬أن يتفكر في فضل كظم الغيظ والعفو والحلم فيرغب في ثوابه‪،‬فتمنعه شدة الحرص على ثواب الكظم عن‬
‫التشفي واالنتقام وينطفئ عنه غيظه‪.‬‬
‫الثاني‪:‬أن يخوف نفسه بعقاب اهلل ويتذكر أن قدرة اهلل أعظم من قدرته على هذا اإلنسان‪.‬‬
‫الثالث‪:‬أن يخوف نفسه بعواقب الغضب ويحذرها عاقبة العداوة ونشر العدو لمقابلته‪.‬‬
‫الرابع أن يتفكر في قبح صورته عند الغضب‪.‬‬
‫الخامس‪:‬أن يتفكر في السبب الذي يدعوه إلى االنتقام ويمنعه من كظم غيظه‪.‬‬
‫السادس‪:‬أن يعلم أن غضبه من تعجبه من جريان الشيء على وفق مراد اهلل ال على وفق مراده فكيف‬
‫يقول‪:‬مرادي أولى من مراد اهلل ويوشك أن يكون غضب اهلل عليه أعظم من غضبه‪.‬‬
‫وأما العمل فأن تقول بلسانك [أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم] كما أمر رسول اهلل ‪،‬فإن لم يزل بذلك فاجلس إن‬
‫كنت قائماً واضطجع إن كنت جالساً‪،‬وأقرب من األرض التي خلقت منها لتعرف بذلك ذ ّل نفسك‪.‬واطلب بالجلوس‬
‫واالضطجاع السكون فإن سبب الغضب الحرارة‪،‬وسبب الحرارة الحركة‪.‬فقد قال ‪":‬إن الغضب جمرة في القلب‬
‫ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه فإذا وجد أحدكم من ذلك شيئاً فإن كان قائماً فليجلس وإ ن كان جالساً‬
‫فلينم" رواه الترمذي "وفي رواية‪:‬فإن لم يزل ذلك فليتوضأ بالماء البارد أو ليغتسل فإن النار ال يطفئها إال الماء"‪.‬‬
‫اإلمام أبو جامد الغزالي‪:‬إحياء علوم الدين‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫اإلمام ابن حجر العسقالني‪:‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫د‪.‬حسان شمسي باشا‪:‬قبسات من الطب النبوي – مكتبة السوادي ‪.1992‬‬ ‫‪-3‬‬
‫د‪.‬محمود البرشة‪:‬الغضب وأثره السيئ على البدن‪.‬صدى اإليمان ع‪ 2‬م‪.1996 – 1‬‬ ‫‪-4‬‬
‫د‪.‬إبراهيم الراوي‪:‬موقف اإلسالم من اإلصابة السرطانية‪،‬حضارة اإلسالم م‪ 1‬ع‪.1966– 8‬‬ ‫‪-5‬‬
‫د‪.‬عبد الرزاق كيالني‪:‬الحقائق الطبية في اإلسالم‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫د‪.‬حامد الغوابي‪:‬الحلم والغضب – لواء اإلسالم م‪ 10‬ع‪.1957– 11‬‬ ‫‪-7‬‬
‫د‪.‬إبراهيم الراوي‪:‬االنفعاالت النفسية – حضارة اإلسالم م‪ 15‬ع‪.1974– 7‬‬ ‫‪-8‬‬
‫د‪.‬نضال عيسى‪:‬الطب الوقائي بين العلم والدين – دمشق ‪.1997‬‬ ‫‪-9‬‬
‫اإلمام المناوي‪:‬فيض القدير شرح الجامع الصغير‪.‬‬ ‫‪-10‬‬
‫‪86‬‬
‫وال تكثر الضحك‬
‫جاء في وصف النبي ‪ ‬فيما أخرجه البخاري عن عائشة رضي اهلل عنها "أنه كان ‪ ‬قليل الضحك" وذلك لما في‬
‫التبسم من انشراح الصدر وإ دخال السرور على قلب الجليس (‪،)1‬وحيث دعا النبي ‪ ‬إلى بناء مجتمع تسوده‬
‫الرحمة وانشراح النفس والطمأنينة واألمن‪.‬يؤكد هذا ما روي عن أبي ذر الغفاري ‪‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪":‬تبسمك‬
‫في وجه أخيك صدقة" رواه الترمذي وحسنه‪.‬‬
‫وقد نهى رسول اهلل ‪ ‬عن اإلكثار من الضحك ألنه يسقط الشعور بالمسؤولية ويذهب وقار اإلنسان في مجتمعه‬
‫فيقل شأنه ويمتنع االنتفاع بحديثه (‪.)1‬فقد روي عن أبي ذر الغفاري ‪‬أن النبي ‪ ‬قال‪":‬وال تكثر الضحك فإن كثرة‬
‫الضحك تميت القلب وتذهب ماء الوجه" رواه ابن ماجه وأخرجه الحاكم وصححه وفيه "… نور الوجه"‪.‬‬
‫ويرى د‪.‬إبراهيم الراوي (‪ )2‬أن في الحديث النبوي سبق طبي معجز في أنه اكتشف أثر الضحك على العضلة‬
‫القلبية والجملة العصبية وأنه يسبب القسوة وموت القلب‪.‬وننقل فيما يلي فقرات مما كتبه د‪.‬الراوي حول ما أكده‬
‫الطب الحديث من آثار للضحك على أجهزة البدن ومنها القلب‪.‬‬
‫ثم‬
‫فالضحك هو اشتراك الحبال الصوتية في زفير متقطع نتيجة تقلص عضالت البطن والحجاب الحاجز ومن َّ‬
‫ارتفاع الحجاب الحاجز نتيجة ارتخاء أربطته وأليافه العضلية بعد انخفاض الضغط في القفص الصدري‪.‬وإ ذا‬
‫استمر الضحك لفترة طويلة ارتفع الضغط الدموي نتيجة التقلص الشديد المتقطع‪،‬فيحتقن دم الوجه وتتهيج الغدد‬
‫الدمعية وقد يؤدي إلى دوار و آالم قلبية‪،‬وينتهي األمر باالجهاد العضلي القلبي ويسقط صاحبه من الخور‬
‫والتعب‪.‬‬
‫وكثرة الضحك ُيحمل العضلة القلبية جهوداً كبيرة حيث يالحظ ذلك جلياً عند المصابين باألمراض القلبية إذ‬
‫يصابون بنوبات قلبية مؤلمة جداً بعد التعرض لهذا الجهد الشديد لمدة طويلة‪.‬وقد حدثت واقعات من السكتة القلبية‬
‫والموت المفاجئ خالل نوبات الضحك المتواصل حتى ساد القول المعروف [مات من الضحك]‪.‬‬
‫وتؤكد األبحاث الطبية أن الضحك المتواصل يولد توترات عصبية شديدة وتنبيهات في الجملة العصبية المركزية‬
‫قد تكون خطيرة‪،‬حيث يالحظ جيداً عند المصابين بأمراض نفسية أو عصبية‪،‬إذ تحصل لديهم نوبات جنونية‬
‫شديدة بعد أن تتهيج أعصابهم نتيجة الضحك الشديد‪.‬‬
‫ويالحظ بعد الضحك المديد حاجة صاحبه إلى االرتخاء وأخذ شهيق عميق وكأنه قام بجهد عضلي‬
‫مضن‪.‬فالضحك المتواصل يسبب ضعفاً في العضالت واألعصاب حيث يالحظ بوضوح عند العمال الذين‬
‫يحملون أثقاالً أثناء ممارستهم لعملهم اليومي‪،‬إذ أنه عندما يتعرض أحدهم لنوبة ضحك شديدة‪،‬فقد يصاب بارتخاء‬
‫عصبي مفاجئ فتن َش ُّل عضالته ويسقط الحمل من يديه‪.‬‬
‫كما أن كثرة الضحك لها خطرها الشديد على القوة الجنسية (‪1‬و‪.)2‬فقد لوحظ أن ترك العنان للنفس في حاالت‬
‫انطالق نوبات الضحك والقهقهة وعدم السيطرة يولد الضعف الجنسي كنتيجة لضعف الجملة العصبية المركزية‬
‫وارتخاء األعصاب المحيطة‪.‬ويقول د‪.‬الراوي أنه صادف شخصياً رجالً استسلم للوهن الجنسي وأصبح في‬
‫‪87‬‬
‫مأزق أمام عروسه وأهله نتيجة لما تعرض له من نوبات الضحك الطويلة قبل استقباله لعروسه حيث أحس بعدها‬
‫بالخوار وانهيار القوى إلى درجة لم يسبق لها مثيل من الضعف والوهن النفسي والجسمي والجنسي‪.‬‬
‫د‪.‬عادل بربور وزمالؤه‪:‬الطب الوقائي في اإلسالم – ‪.1992‬‬ ‫‪-1‬‬
‫د‪.‬إبراهيم الراوي‪":‬الضحك" مجلة حضارة اإلسالم المجلد ‪ 16‬ع‪ 2‬لعام ‪.1975‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪88‬‬
‫العطاس والتثاؤب‬
‫عن أبي سعيد الخدري ‪‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪":‬إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده وفي رواية على فيه‪،‬فإن الشيطان‬
‫يدخل" رواه مسلم وأبو داود‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪‬أن النبي ‪ ‬قال‪":‬إن اهلل يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس فحمد اهلل فحق على كل مسلم‬
‫سمعه أن يشمته‪،‬وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فليرده ما استطاع فإذا قال هاء ضحك منه الشيطان" رواه‬
‫البخاري‪.‬‬
‫وعنه أيضاً أن النبي ‪ ‬قال‪":‬إن اهلل يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع وال يقل هاه‬
‫هاه فإنما ذلكم الشيطان يضحك منه" أخرجه أبو داود‪.‬‬
‫يقول الخطابي (‪":)1‬ومعنى حب العطاس وكراهة التثاؤب أن العطاس إنما يكون مع انفتاح المسام وخفة البدن‬
‫وتيسير الحركات‪،‬وسبب هذه األمور تخفيف الغذاء واإلقالل من الطعام‪،‬والتثاؤب إنما يكون مع ثقل البدن‬
‫وامتالئه‪،‬وعند استرخائه للنوم وميله للكسل‪،‬فصار العطاس محموداً ألنه يعين على الطاعات والتثاؤب مذموماً‬
‫ألنه يثبط عن الخيرات وقضاء الواجبات"‪.‬‬
‫ويعرف د‪.‬عبد الرزاق كيالني (‪ )2‬التثاؤب بأنه شهيق عميق يجري عن طريق الفم فيدخل الهواء إلى الرئتين‬
‫دون تصفية‪،‬كما لو دخل من مجراه الطبيعي وهو األنف‪.‬‬
‫وهو دليل على حاجة الدماغ خاصة إلى األوكسجين والغذاء‪،‬وعلى تقصير الجهاز التنفسي في تقديم ذلك إلى‬
‫الدماغ خاصة وإ لى الجسم عامة‪،‬وهذا ما يحدث عند النعاس وعند اإلغماء‪.‬والتثاؤب قد يضر بالبدن ألن الهواء‬
‫غير المصفى قد يحمل معه إلى البدن الجراثيم والهوام‪،‬لذا نجد أن الهدي النبوي الحق برد التثاؤب قدر المستطاع‬
‫سد الفم براحة اليد اليمنى أو بظهر اليد اليسرى هو التدبير الصحي األمثل‪،‬وصلى اهلل على معلم الناس الخير‪.‬‬
‫أو ّ‬
‫والتثاؤب عند اللغوين من تثاءب وتثأب‪،‬أي أصابه كسل وفترة كفترة النعاس‪.‬وينقل د‪.‬غياث األحمد (‪ )3‬تفسير‬
‫علماء النفس للتثاؤب على أنه دليل على الصراع بين النفس وفعالياتها من جهة‪،‬وبين الجسد وحاجته إلى النوم‬
‫من جهة أخرى‪.‬وهو من الناحية الطبية فعل منعكس من أفعال التنفس‪،‬ويرى أن علة كراهة النبي ‪ ‬له كونه دليل‬
‫على الكسل والخمول‪.‬‬
‫ويرى د‪.‬أنور حمدي (‪ )4‬أن األمر النبوي الكريم برد التثاؤب قدر المستطاع إنما يحمل فوائد ثالثاً‪:‬أولها أنه يدل‬
‫بال شك على ذوق جمالي رفيع‪،‬إذ أن المتثائب حين يفغر فاه كامالً‪،‬مظهراً كل ما فيه من بقايا طعامية ولعاب‬
‫وأسنان نخرة أو ضائعة مع ظهور رائحة الفم يثير االشمئزاز في نفس الناظر‪.‬ثانيها فائدة وقائية إذ يفيد في منع‬
‫الهوام والحشرات من الدخول إلى الفم أثناء فعله‪،‬وثالثها وقائي أيضاً‪،‬فهذه التعليمات الرائعة تقي من حدوث خلع‬
‫في المفصل الفكي الصدغي‪،‬ذلك أن الحركة المفاجئة الواسعة للفك السفلي أثناء التثاؤب قد تؤدي لحدوث مثل هذا‬
‫الخلع‪.‬‬
‫‪89‬‬
‫أما العطاس فهو عكس التثاؤب (‪،)2‬ويعرف بأنه زفير قوي يخرج معه الهواء بقوة من طريقي األنف والفم معاً‬
‫جارفاً معه كل ما يجده في طريقه من غبار و هباء وجراثيم وسواها ويطردها من الجسم مخلصاً له من أذاها‪.‬لذا‬
‫– وكما يرى د‪.‬الكيالني – كان طبيعياً أن يكون العطاس من الرحمن لما فيه من المنافع للبدن‪،‬وحق على المسلم‬
‫أن يحمد اهلل سبحانه وتعالى على العطاس كما أن عليه أن يتعوذ من الشيطان حين التثاؤب‪.‬‬
‫وقد عرف اإلنسان منذ القديم فائدة العطاس لجسمه وعرف أنه يجلب له الراحة واالنشراح فاستخدم طريقة لتنبيه‬
‫بطانة األنف إلحداث العطاس وذلك بإدخال سنابل األعشاب أو ريش الطير إلى األنف أو باستنشاق مواد‬
‫مهيجة(كالنشوق)حيث يؤدي ذلك إلى إحداث تهيج شديد في بطانة األنف وأعصابها الحسية يؤدي إلى حدوث‬
‫العطاس وما ينجم عنه من شعور بالراحة‪.‬‬
‫وقد َّ‬
‫أكد د‪.‬إبراهيم الراوي (‪ )5‬أن العطاس وسيلة دفاعية دماغية هامة لتخليص المسالك التنفسية من الشوائب‬
‫ومن أي جسم غريب يدخل إليها عن طريق األنف‪،‬فهو بذلك الحارس األمين الذي يمنع ذلك الجسم الغريب من‬
‫االستمرار في الولوج داخل القصبة الهوائية‪.‬فإن مجرد مالمسة الجسم الغريب لبطانة النف (من حشرة ضارة أو‬
‫ذرات مهيجة وغيرها) فإن بطانة األنف تتنبه بسرعة عجيبة آمرة الحجاب الحاجز يصنع شهيق عميق ال إرادي‬
‫يتبعه زفير عنيف [والذي هو العطاس] عن طريق األنف لطرد الداخل الخطير ومنعه من متابعة سيره عبر‬
‫المسالك التنفسية إلى الرئتين‪.‬‬
‫فإن ذلك ينبه‬
‫ويتابع د‪.‬الراوي قوله‪:‬أما إذا دخل الجسم الغريب عن طريق الفم ووصل إلى القصبة الهوائية ّ‬
‫لصد الخطر وطرد الجسم الغريب الداخل إلى المجرى التنفسي‪،‬وال يحدث العطاس‬
‫الجهاز التنفسي محدثاً السعال ّ‬
‫إال حين دخول المواد المؤذية عن طريق األنف‪.‬‬
‫والفرق العجيب بين العطاس والسعال أن السعال ال يؤثر على الدماغ وال يحدث شعوراً باالرتياح كما يحدث‬
‫أي تعليل‬
‫السر المبهم‪،‬وال يزالون عاجزين عن إيجاد ِّ‬
‫العطاس‪.‬وال يزال العلماء حتى اليوم يقفون حائرين أمام هذا ِّ‬
‫علمي عن آلية توليد العطاس لذلك الشعور باالرتياح في الدماغ وخفة الرأس وانشراح النفس‪.‬‬
‫وقد اعتبر األطباء القدامى "العطاس" شعاع الحياة‪،‬وكان عندهم مقياساً لدرجة الصحة والعافية‪،‬والحظوا أن‬
‫اإلنسان عندما يصاب بمرض خطير فإنه يفقد القدرة على العطاس‪،‬وكانوا يعتبرون ُعطاس مريضهم بشارة‬
‫لحسن العاقبة عنده وأمالً بابتعاد ناقوس الخطر عنه‪.‬ويذكرنا بأهمية العطاس للبدن‪،‬التفاتة الرسول األعظم ‪‬‬
‫وأمر الناس بتشميت العاطس‪،‬هذه االلتفاتة توحي بأن هناك خطراً متوقعاً فجاء العطاس‪،‬فطرد –بقدرة اهلل ‪–‬‬
‫معافى‪.‬وهكذا يعلمنا رسول اهلل ‪ ‬كيف نشمت العاطس‪،‬أي ندعو له‬ ‫العدو المهاجم وانتصر عليه وأبقى صاحبه‬
‫ً‬
‫بقولنا"يرحمكم اهلل"‪.‬‬
‫فعلى المسلم إذا عطس أخاه المسلم أن يبارك له هذه الرحمة اإللهية والتي يكمن وراءها ِسٌّر خفي من أسرار هذا‬
‫الجسم البشري فسبحان من خلق اإلنسان وأبدعه في أحسن تقويم‪.‬وفي تشميت العاطس حكمة إلهية – كما يقول‬
‫الدكتور الراوي – أن يوحي رب العالمين إلى نبيه ‪ ‬أن يوجه أتباعه إلى أهمية ما في العطاس من منفعة للبدن‬
‫تستحق الحمد والشكر وهذه من معجزات النبوة ! إذ لماذا نحمد اهلل على العطاس وال نفعل ذلك عند السعال ؟‬
‫‪90‬‬
‫وصمم فأتقن التصوير‪،‬وفوق هذا فقد‬

‫َّ‬ ‫سراً خفياً ونعمة كبرى تستحق حمد اهلل الذي خلق فأبدع‬
‫ال شك أن هناك ّ‬
‫جعل من حق المسلم على المسلم أن يبارك له رحمة اهلل إذا أصابه العطاس واستشعر حالوته فقال‪":‬الحمد هلل"‬
‫جهراً يسمعه من حوله ليقدموا له دعواتهم "يرحمكم اهلل" وهذا مصداق قول النبي ‪":‬حق المسلم على المسلم ست‬
‫وع َّد منها وإ ذا عطس وحمد اهلل فشمته"‪.‬‬
‫… َ‬
‫والمقصود بالعطاس‪،‬العطاس الطبيعي‪،‬وأما العطاس المرضي الناجم عن الزكام مثالً‪،‬فإن المصاب يعطس مرات‬
‫ومرات‪،‬وعلى السامع أن يشمته في األولى والثانية وبعد ذلك يدعو له بالعافية [عافاك اهلل]‪.‬‬
‫والتدبير النبوي الرائع في العطاس‪،‬أن يضع العاطس يده على فمه ليمنع وصول الرذاذ إلى الجالسين‪،‬فقد ورد‬
‫عن أبي هريرة ‪‬أنه قال‪":‬كان رسول اهلل ‪ ‬إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض أو غض من صوته"‪.‬‬
‫وهذا األدب النبوي له حكمته الصحية الجلية‪،‬إذ يندفع مع العطاس رذاذه إلى مسافة بعيدة يمكن أن يصل معها إلى‬
‫الجالسين مع العاطس‪،‬أو أن يصل إلى طعام أو إلى شراب قريب منه‪،‬وهذا يمكن أن ينقل العدوى بمرض‬
‫ما(كالزكام)إن كان العاطس مصاباً به‪،‬وليس من خلق المسلم في أن يتسبب بشيء من ذلك‪،‬لذا علَّمنا رسول اهلل ‪‬‬
‫األدب في أن نضع يدنا أو منديالً على فمنا عند العطاس لمنع وصول رذاذه إلى الغير وفي ذلك – كما نرى –‬
‫غاية األدب ومنتهى الحكمة‪.‬‬
‫الحافظ ابن حجر العسقالني‪":‬فتح الباري شرح صحيح البخاري"‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫د‪.‬عبد الرزاق الكيالني‪":‬الحقائق الطبية في اإلسالم"‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫د‪.‬غياث األحمد‪":‬الطب النبوي في ضوء العلم الحديث"‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫د‪.‬أنور حمدي‪":‬النوم‪:‬أسراره وخفاياه" بيروت ‪.1986‬‬ ‫‪-4‬‬
‫د‪.‬إبراهيم الراوي‪:‬مقالته "أثر العطاس على الدماغ" مجلة حضارة اإلسالم المجلد ‪ 20‬العدد ‪5/6‬‬ ‫‪-5‬‬
‫لعام ‪.1979‬‬
‫‪ ‬رواه أبو داود وروى الرتمذي حنوه بسند صحيح‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫التدبير النبوي في الحسد‬
‫وأثره على صحة البدن‬
‫قال تعالى‪(:‬قل أعوذ برب الفلق‪،‬من شر ما خلق‪،‬ومن شر غاسق إذا وقب‪،‬ومن شر النفاثات في العقد‪،‬ومن شر‬
‫حاسد إذا حسد) سورة الفلق‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪‬أن النبي ‪ ‬قال‪":‬إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب"‪.‬‬
‫وعن مولى الزبير‪،‬عن الزبير بن العوام ‪‬أن النبي ‪ ‬قال َّ‬
‫‪":‬دب فيكم داء األمم من قبلكم‪:‬الحسد والبغضاء‪،‬والبغضة‬
‫هي الحالقة‪،‬ال أقول حالقة الشعر‪،‬ولكن حالقة الدين‪،‬والذي نفس محمد بيده‪،‬ال تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا وال تؤمنوا‬
‫حتى تحابوا" رواه الترمذي‪.‬‬
‫وروى اإلمام حجة اإلسالم الغزالي (‪ )1‬عن بعض السلف‪":‬أن أول خطيئة للبشر كانت الحسد‪،‬حسد إبليس آدم‬
‫فإن ابن آدم قتل أخاه حين‬
‫عليه السالم على مرتبته فأبى أن يسجد له فحمله الحسد على معصية اهلل‪،‬وإ ياك والحسد ّ‬
‫حسده"‪.‬‬
‫والحسد هو كراهة النعمة وتمني زوالها عن صاحبها (‪1‬و‪ )2‬وهو حرام بكل حال‪.‬‬
‫وأما الغبطة فهو أن ترى النعمة على أخيك فال تكره وجودها وال تحب زوالها عنه‪،‬بل تتمنى من اهلل أن يرزقك‬
‫مثلها وليس في ذلك ما يأثم عليه‪.‬‬
‫شر من البخل‪،‬فالبخيل ال‬ ‫ويرى أبو بكر الرازي (‪َّ )3‬‬
‫"أن الحسد يتولد من اجتماع البخل والشره في النفس‪،‬وهو ٌ‬
‫أحد خيراً أصالً‪،‬ولو كان الخير ليس مما يملكه‬
‫يحب أن يمنح أحداً شيئاً مما يملكه‪،‬أما الحسود فإنه يتمنى أال ينال ٌ‬
‫هو‪ ،‬والحسد داء من أدواء النفس عظيم األذى لها"‪.‬‬
‫ولعظيم ضرر الحسد على اإلنسان وعلى المجتمع‪،‬فقد نفر القرآن الكريم منه‪،‬وأمر باالستعاذة من شر الحاسد كما‬
‫أمر باالستعاذة من نفث الشيطان‪،‬فالحسد مفسد للطاعات‪،‬باعث على الخطايا‪.‬وهو نار تضطرم (‪ )4‬في صدر‬
‫الحسود‪،‬فما تراه إال كاسف الوجه‪،‬قلق الخواطر‪،‬غضبان على القدر قد عادى حكمة اهلل‪.‬قال تعالى‪(:‬أم يحسدون‬
‫الناس على ما آتاهم اهلل من فضله) صدق اهلل العظيم‪.‬‬
‫ويرى اإلمام أبو بكر الرازي (‪ )3‬أن الحسد يضر بالنفس ألنه يشغلها عن التصرف المفيد لها وللبدن وذلك يسبب‬
‫طول الحزن والتفكر ثم إنه يضر بالجسد لما يعرض للمحسود من طول السهر وسوء االغتذاء‪،‬وينشأ عن ذلك‬
‫رداءة في اللون وسوء السحنة وفساد المزاج‪.‬‬
‫مرد الحسد قد يكون لسوء التربية‪،‬كقدوم طفل جديد‬
‫وينبه د‪.‬نضال عيسى (‪ )2‬جميع المربين والوالدين إلى أن ّ‬
‫تهتم به األسرة وتنسى إخوته فيبدأ الحسد بالظهور لديهم أو أن يقارن المربي بشكل سيء بين األوالد فيصف‬
‫أحدهم بالذكاء واآلخر بالغباء بطريقة جارحة‪،‬أو عندما ُيربى طفل فقير في بيئة غنية مترفة‪.‬لذا وجب على‬
‫المربين وعلى كل من األبوين إشعار أطفالهم جميعاً بالرعاية والحب ودون تفريق باألعطيات بينهم وغير ذلك‪.‬‬
‫رواه أبو داود‪،‬كما أخرجه ابن ماجة عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪92‬‬
‫ويلخص د‪.‬حامد الغوابي (‪ )4‬اآلثار السيئة للحسد على البدن وصحته ويبين أن الحسد يؤدي عند الحاسد إلى‬
‫ظهور انفعاالت نفسية – عصبية كما تضطرب عنده الغدد الصماء‪،‬فيعتل جسمه ويذوي‪.‬فالحاسد دوماً في ضيق‬
‫وقلق‪،‬وهذا يصحبه األرق‪،‬ومع استمرار األرق يحس باإلعياء والتعب ويفقد شهيته للطعام ويتناقص وزنه ثم‬
‫تظهر عنده أعراض عصبية مزعجة‪،‬كالصداع والطنين في األذنين تمنع عنه الراحة والهدوء‪،‬وقد تظهر آالم‬
‫خناقية في صدره‪،‬وكلما احتدمت نزوات حسده زاد األلم وتكررت نوبه مما يعرضه لإلصابة بالذبحة الصدرية‪.‬‬
‫والحسد يهيئ لإلصابة بقرحة العدة التي ثبت أنها تنشأ من االنفعاالت أكثر مما تنشأ عن خطأ في التغذية‪،‬وقد‬
‫يؤدي الرتفاع الضغط الدموي‪،‬والذي يتناسب ارتفاعه مع زيادة االنفعاالت ويعظم خطره‪.‬ونحن نعلم أن أطباء‬
‫القلب يوصون المرضى بالهدوء والراحة وترك الهواجس‪،‬ونبذ انشغال الفكر بالغير والبعد ما أمكن عن‬
‫االنفعاالت النفسية‪.‬‬
‫وقد يسبب الحسد مرض السوداء [ المانخوليا ] عند الحاسد وحبه للوحدة والعزلة غير ما يؤدي إليه من ارتباك‬
‫العقل وعدم القدرة على التركيز‪،‬وكم سبب الحسد عند صاحبه من عقد نفسية وتركت عنده أمراضاً ال يمحى‬
‫أثرها‪.‬وأخيراً فإنك لن ترى حاسداً حقوداً إال وقد رسم في وجهه تجاعيد الشيخوخة ولفحة الشيب – المبكران –‬
‫وإ ن كان في عنفوان شبابه‪.‬‬
‫والمالحظات التي أوردت حول األثر السيئ والمهلك أحياناً للحسد على صاحبه تؤكد اإلعجاز الطبي الرائع في‬
‫التوجيهات النبوية للمسلمين باجتناب هذه اآلفة الخبيثة ومن أجل نظافة المجتمع المسلم ورص صفوفه أيضاً‪.‬ولقد‬
‫استنبط العلماء المسلمون طرقاً عالجية ناجعة لمن أراد التخلص من مرضه‪،‬من ذلك ما فصله حجة اإلسالم‬
‫اإلمام الغزالي في إحيائه قائالً‪":‬واعلم أن الحسد من األمراض العظيمة للقلوب وال تداوى أمراض القلوب إال‬
‫بالعلم والعمل‪:‬و العلم النافع لمرضى الحسد هو أن تعرف أن الحسد ضرر عليك في الدنيا والدين‪،‬وأنه ال ضرر‬
‫فيه على المحسود بل ينتفع به فيهما‪.‬ومهما عرفت عن بصيرة فارقت الحسد ال محالة‪ ….‬أما كونه ضرر عليك‬
‫في الدين فهو أنك بالحسد سخطت قضاء اهلل تعالى وعدله الذي أقامه في ملكه وهذه جناية على التوحيد … وأما‬
‫كونه ضرر عليك في الدنيا فهو أنك تتألم بحسدك أو تتعذب به‪،‬وال تزال في كمد وغم بكل نعمة تراها على غيرك‬
‫قدر اهلل تعالى من نعمة‬
‫… وأما أنه ال ضرر على المحسود في دينه ودنياه فألن النعمة ال تزول بحسدك‪،‬بل ما ّ‬
‫قدره اهلل فال حيلة في دفعه‪،‬ولكل أجل كتاب … وأما أن المحسود ينتفع به في الدين فهو‬
‫فال بد أن يدوم إلى أجل ّ‬
‫أنه مظلوم من جهتك ال سيما إذا أخرجك الحسد إلى الغيبة والقدح فيه‪،‬فهذه هدايا تهديها إليه من حسناتك حيث‬
‫تأتي مفلساً يوم القيامة‪.‬‬
‫وأما العمل النافع فيه فهو أن يحكم الحسد‪،‬فكل ما يتقاضاه الحسد من قول وفعل‪،‬فينبغي أن يكلف نفسه نقيضه‪،‬فإن‬
‫بعثه الحسد على القدح في محسوده كلّف لسانه المدح له‪،‬وإ ن حمله على التكبر ألزم نفسه التواضع له‪،‬وهكذا حتى‬
‫تتولد الموافقة التي تقطع مادة الحسد"‪.‬‬
‫والحقيقة أن قول اإلمام الغزالي رحمه اهلل في أنه ال ضرر على المحسود من حاسده‪،‬ليس صحيحاً في كل‬
‫األحوال‪.‬وهذا ما تشير إليه اآلية الكريمة من سورة الفلق عندما طلب المولى سبحانه وتعالى من المؤمنين أن‬
‫‪93‬‬
‫أن الحسد ال‬

‫يستعيذوا من شر الحاسد إذا حسد‪،‬وننقل هنا ما يقوله اإلمام القرطبي (‪ )5‬ما نصه‪" :‬قال العلماء ّ‬
‫يضر إال إذا ظهر حسده بفعل أو قول‪،‬وذلك بأن يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود فيتبع مساوئه ويطلب‬
‫عثراته وقد روي عن رسول اهلل ‪ ‬قوله‪ ":‬إذا ظننت فال تحقق وإ ذا حسدت فال تبغ وإ ذا تطيرت فامض"‪.‬‬
‫وعلق د‪.‬محمد خالد سلطان (‪ )6‬على اآلية بقوله‪":‬بين القرآن لعلماء النفس نقطة ضرورة وجود اإلرادة في نية‬
‫السوء كي تحدث اإلساءة"‪.‬‬
‫ويشرح ذلك فيقول‪":‬إن الجسد المادي فيه نوعان من الحركة‪:‬إرادية وغير إرادية‪،‬وال يعمل العضو إال إذا كان فيه‬
‫حركة‪،‬وال ينتج الجسد إال إذا تجلت فيه الحركة سواء منها اإلرادية وغير اإلرادية‪.‬فالغيرة في اإلنسان هي حركة‬
‫روحية نفسية غير إرادية‪،‬لكنها قد تؤدي إلى الحسد الذي هو حركة إرادية روحية‪،‬لذلك نرى أن الحاسد ال يؤثر‬
‫في محسوده إال إذا أراد حسده‪،‬وهذا ما يشير إليه قوله تعالى‪(:‬ومن شر حاسد إذا حسد) فإذا لم يرد الحاسد أن‬
‫يحسد فلن يصيب محسوده أي أذى"‪.‬‬
‫حجة اإلسالم اإلمام الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين"‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫د‪.‬نضال عيسى‪":‬الطب الوقائي بين العلم والدين" دمشق ‪.1997‬‬ ‫‪-2‬‬
‫اإلمام أبو بكر الرازي‪":‬الطب الروحاني"‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫د‪.‬حامد الغوابي ‪":‬الحسد بين الطب واإلسالم" لواء اإلسالم – القاهرة ع‪ 6‬المجلد ‪ 11‬لعام‬ ‫‪-4‬‬
‫‪.1957‬‬
‫اإلمام القرطبي في تفسيره‪":‬الجامع ألحكام القرآن"‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫د‪.‬محمد خالد سلطان‪":‬الطب والشريعة" رسالة تخرج جامعية جامعة دمشق ‪.1983‬‬ ‫‪-6‬‬
‫أخرجه أبو داود‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪94‬‬
‫المبحث الخامس‬
‫اإلسالم والطب يحاربان الضوضاء‬
‫ورفع األصوات‬
‫قال تعالى‪(:‬إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤوالً) اإلسراء اآلية ‪.36‬‬
‫ينشأ الصوت عن حركة اهتزازية على درجات مختلفة (‪.)1‬واألذن تسمع األصوات التي يكون مقدار اهتزازاتها‬
‫ما بين ‪ 20-16‬ألف هزة‪/‬ثا‪،‬وما زاد عن ذلك ال يسمع‪،‬لكنه يحدث اضطراباً في األذن وشعوراً مزعجاً‬
‫غامضاً‪.‬ويعرف العالم "زيلر" الضوضاء بأنها األصوات التي تحدث اضطراباً‪،‬ويمكن القول بأن األصوات‬
‫العالية تحدث اضطراباً أكثر من المنخفضة‪،‬واألصوات الحادة أكثر خطورة من الغليظة‪،‬وكذا األصوات غير‬
‫المنسقة أكثر من األصوات جيدة التلحين‪.‬‬
‫وال شك بأن الضوضاء هي إحدى أسباب التوتر النفسي والقلق في المجتمعات الحديثة (‪ )2‬خاصة بعد انتشار‬
‫الراديو والتلفزيون ومكبرات الصوت ووسائط النقل وغيرها من وسائل الضجة‪.‬لكن الضوضاء (‪ )1‬لم تعد‬
‫مشكلة نفسية فقط‪،‬بل أصبحت مشكلة جسمانية فهي تؤثر على أعضاء السمع وعلى أعضاء الجسم مجتمعة‪.‬‬
‫ففي بحث نشرته المجلة الطبية العربية (‪ )3‬قسمت األضرار الناجمة عن الضجيج إلى‪:‬أوالً أضرار لها عالقة‬
‫بالسمع‪،‬منها ضعف سمع عصبي مؤقت تختلف درجته حسب نوع الضجيج وشدته ومدة التعرض له يرافقه طنين‬
‫في األذن‪،‬ومنها ضعف سمع عصبي دائم يحدث نتيجة التعرض المديد لألصوات العالية‪،‬وقد يحدث انثقاب غشاء‬
‫الطبل وتحطيم عظيمات السمع نتيجة التعرض لالنفجارات المفاجئة‪.‬‬
‫ثانياً‪:‬آثار ليس لها عالقة بالسمع‪،‬منها االنزعاج المفرط من الضجيج والقلق واإلرهاق‪،‬واضطرابات نفسية‬
‫وسلوكية‪،‬منها العصبية المفرطة وعدم االستقرار واإلحباط واالكتئاب وغيرها‪.‬وقد يصاب ببعض االضطرابات‬
‫القلبية الوعائية كخناق الصدر وارتفاع الضغط‪،‬ولعل أهم نتائجها تراجع اإلنتاج والتهرب من العمل‪.‬‬
‫وبرهن د‪.‬هيلدنج (‪ )1‬أن سبب الصمم يرجع إلى تأثير األصوات العالية على عضو كورتي الموجود في األذن‬
‫الباطنية‪،‬وأن التعرض المديد لبضع ساعات كل يوم يؤدي إلى استحالة في بعض أعضاء األذن الباطنية‪.‬وتؤثر‬
‫الضوضاء على مختلف مراكز المخ ووظائفه وبالتالي يمتد تأثيرها إلى العضوية كلها‪.‬‬
‫يقول د‪.‬أحمد شوقي الفنجري (‪ ":)2‬ومن أخطر األمور في حياة اإلنسان أال يأخذ حظه من الراحة والنوم بسبب‬
‫الضجيج‪،‬فهو أحد عوامل اإلجهاد الذهني والعصبي وأحد معوقات اإلنتاج والعمل‪.‬والضوضاء من أهم أسباب‬
‫انتشار األمراض النفسية – العصبية‪،‬وأكثر الناس تأثراً هم أصحاب المهن الثقافية والفنية‪،‬وكلما ثقل رأس‬
‫اإلنسان بالعلم والمعرفة كان أكثر حاجة من غيره إلى الهدوء والراحة حتى ينتج لمجتمعه من علمه وفكره‪.‬‬
‫ويعلم الرياضيون أيضاً (‪ )1‬أن تناسق حركات الجسم يستلزم قدراً كبيراً من التركيز وال يتسنى لهم الحصول‬
‫عليه ضمن أجواء الضجيج‪.‬وينقل د‪.‬سلطان أن األبحاث الغريزية أثبتت أن التعرض المديد للضجيج يسبب‬
‫ازدياداً في عمليات االستقالب والهدم وارتفاعاً في الضغط وازدياداً في التوتر العضلي‪،‬ولها تأثير سيئ على‬
‫‪95‬‬
‫رجولة الرجل وأنوثة المرأة‪،‬ومجموع هذه االضطرابات يدل على أضرار تلحق الجهاز العصبي الالإرادي‬
‫بشكل حاد نتيجة الضجيج‪.‬‬
‫ومن أجل درء الخطر الناجم عن الضجيج (‪ )2‬خصصت هيئة األمم أسبوعاً في العالم كله لمحاربة الضوضاء‬
‫وجعلت شعارها في ذلك األسبوع "الهدوء ذوق وأخالق والضجة جهل وتخلف" يمتنع فيه عن استعمال الزمور‬
‫العالي ورفع صوت المسجالت والمكبرات والراديو وسواها‪.‬‬
‫وتعاليم اإلسالم الحنيف التي جاءت لسعادة البشر في دنياهم وآخرتهم جاءت لبناء حياة رغيدة ومجتمع هادئ ال‬
‫يعرف الضوضاء‪،‬عكس ما يفعله المسلمون اليوم في كل مفاصل الحياة (‪ )4‬وينهى عن الصخب واللغو‪.‬وقد‬
‫وصف اهلل سبحانه وتعالى في كتابه العزيز "عباد الرحمن" بمشيتهم الهادئة بال استكبار وال جبروت‪،‬يتعاملون‬
‫بالرحمة فيما بينهم وال يؤذون الناس بضجيجهم ورفع أصواتهم‪.‬قال تعالى ‪( :‬وعباد الرحمن الذين يمشون على‬
‫األرض هوناً‪.‬وإ ذا خاطبهم الجاهلون قالوا سالماً)الفرقان‪.‬‬
‫والمجتمع الفاضل الذي يدعو إليه اإلسالم ال ترتفع فيه األصوات العالية دون مبرر والتي توتر األعصاب‪.‬وقد‬
‫جاء األمر القرآني أن يلتزم المسلم بالسكينة والوقار في مشيته‪،‬وال يصخب رافعاً صوته‪.‬وشبه النص القرآني‬
‫مستنكراً رفع الصوت‪،‬من يرفع صوته دون حاجة بالحمار‪.‬قال تعالى‪( :‬واقصد في مشيتك واغضض من صوتك‬
‫إن أنكر األصوات لصوت الحمير) لقمان‪.‬‬
‫ّ‬
‫فال مبرر لرفع الصوت أكثر مما يحتاج إليه السامع‪،‬هذه هي القاعدة الشرعية‪،‬وقد اعتبر القرآن الكريم خفض‬
‫الصوت في المجالس من التقوى‪.‬قال تعالى‪(:‬إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول اهلل أولئك الذين امتحن اهلل‬
‫قلوبهم للتقوى) سورة الحجرات‪.‬‬
‫ثم‬ ‫فما كان مطلوباً عند رسول اهلل ‪ ‬يكون مطلوباً أمام كبير القوم من ٍ‬
‫أب وعالم وأستاذ ومرب أو شيخ‪،‬ومن َّ‬
‫يتعودها المسلم في حياته فيكون خفض الصوت من سماته وكذا عدم إثارة الصخب والضجيج‪.‬وقد عاب القرآن‬
‫على بعض األعراب مناداتهم رسول اهلل ‪ ‬من وراء الجدار وقلة ذوقهم في رفع أصواتهم‪.‬‬
‫قال تعالى‪( :‬إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم ال يعقلون) الحجرات‪.‬‬
‫ولقد نهى الشارع الحكيم عن الضجة والصخب ورفع الصوت في كل أنواع العبادات في مجتمع اإلسالم‪.‬وعندما‬
‫أراد رسول اهلل ‪ ‬اختيار طريقة لتبليغ الناس دخول وقت الصالة (‪ )2‬استشار أصحابه في ذلك ورفض اقتراحات‬
‫بعضهم باستعمال الناقوس أو الطبول أو األجراس‪،‬واختار األذان بصوت اإلنسان ألنه أدعى إلى الهدوء والسكينة‬
‫والبعد عن الصخب‪،‬وطلب تلقينه بالالً ألدائه ألنه أندى صوتاً ! أال ما أعظمك من نبي حكيم يا خاتم األنبياء…‬
‫وعند أداء المسلم لصالته أمره الشارع أال يرفع صوته بأكثر من المطلوب وفي حد متوسط مقبول‪.‬قال تعالى‪:‬‬
‫(وال تجهر بصالتك وال تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيالً)‪.‬‬
‫وكره النبي ‪ ‬إذ سمع جلبة خارج المسجد فقال "ما شأنكم قالوا استعجلنا إلى الصالة‪.‬فقال‪:‬ال تفعلوا‪،‬إذا أتيم الصالة‬
‫فعليكم بالسكينة‪،‬فما أدركتم فصلوا وما سبقكم فأتموا" رواه البخاري‪.‬‬
‫‪96‬‬
‫والهدي النبوي في الدعاء واضح في النهي عن رفع الصوت أكثر من حاجة المستمعين لما روي عن أبي موسى‬
‫األشعري ‪‬عن النبي ‪":‬فإنكم ال تدعون أصماً وال غائباً" رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫كما نهى النبي ‪ ‬عن رفع الصوت أثناء تالوة القرآن في المساجد لئال يؤثر بعضهم على قراءة البعض اآلخر‪،‬إذ‬
‫ال يمكن أن ينعم المصلي بالطمأنينة والخشوع وسط أجواء صاخبة‪.‬فقد روي عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل‬
‫عنهما‪،‬أن النبي ‪ ‬قال‪":‬إن أحدكم إذا قام إلى الصالة فإنه يناجي ربه فليعلم أحدكم ما يناجي ربه وال يجهر بعضكم‬
‫على بعض في الصالة" أخرجه الطبراني وأحمد في مسنده ورواه البغوي بلفظ"إذا كان أحدكم في صالته فإنه‬
‫يناجي ربه فلينظر أحدكم ما يقول في صالته وال ترفعوا أصواتكم فتؤذوا المؤمنين"‪.‬‬
‫هذه وصايا ديننا الحنيف‪،‬دين الحياة الهادئة البعيدة عن الصخب و الضجيج‪.‬وأما ما يفعله جهالء المسلمين من‬
‫‪،‬سواء في قراءة القرآن أو‬
‫ً‬ ‫مدى‬
‫رفع مكبرات الصوت في المآذن والمساجد والحفالت والمآتم إلى أكبر ً‬
‫غيره‪،‬فليس من البر أو التقوى في شيء‪،‬بل أنزل القرآن العظيم ليقرأ بهدوء وطمأنينة وتدبر ليفهم وليطبق‪.‬‬
‫وإ ذا كان اإلسالم ينهى عن إحداث الضوضاء في عباداته ‪،‬فما بالك بهؤالء الذين يحدثون الضجة بغير هدف‬
‫سوى التلذذ والتمتع بإيذاء الناس بصراخهم أو إطالق زمور سياراتهم‪،‬أو رفع مكبرات الصوت لمذياعهم أو‬
‫آالت التسجيل وسواها وإ زعاج جيرانهم وإ جبارهم على سماع ما ال يريدون‪،‬كل هذا ٍّ‬
‫تعد على الحرية الشخصية‬
‫التي احترمها اإلسالم وأقرتها الشرائع الدولية‪،‬وخروج على تعاليم اإلسالم ورسالة المآذن والمساجد في التبليغ‬
‫والدعوة إلى اهلل بالكلمة الطيبة‪.‬‬
‫ثم أال يعلم هؤالء الذين يحدثون الضجيج‪،‬كم من مريض في البيوت يحتاج إلى الراحة والنوم‪،‬أو شيخ مسن‬
‫مضطرب في نومه‪،‬أو من طالب علم يحتاج إلى الدراسة والمذاكرة‪.‬إن مثل هذه الضوضاء ورفع أصوات‬
‫المكبرات ال تتنافى فقط مع الذوق السليم واإلحساس بالمسؤولية‪،‬بل هي ضد الدين والمبادئ واألخالق (‪)2‬‬
‫عالوة على إحداثها للعديد من اآلفات والعاهات الصحية في المجتمع‪.‬‬
‫د‪.‬محمد خالد سلطان‪":‬الطب والشريعة" رسالة جامعية دمشق ‪.1983‬‬ ‫‪-1‬‬
‫د‪.‬أحمد شوقي الفنجري‪":‬الطب الوقائي في اإلسالم" الهيئة المصرية العامة للكتاب – ‪.1985‬‬ ‫‪-2‬‬
‫د‪.‬محمد المصري وآخرون‪:‬مقالة "مخاطر التعرض للضجيج واألصوات العالية" المجلة الطبية‬ ‫‪-3‬‬
‫العربية دمشق ع ‪ 137‬كانون‪.1997-1‬‬
‫الصيدلي عمر محمود عبد اهلل‪:‬الطب الوقائي في اإلسالم – الدوحة ‪.1990‬‬ ‫‪-4‬‬
‫‪97‬‬
‫مراجع الكتاب‬
‫أوالً‪:‬كتب الفقه والحديث والتفسير‬
‫‪ .1‬الجامع ألحكام القرآن [ تفسير القرطبي ]‪:‬اإلمام القرطبي‪.‬‬
‫‪ .2‬تحفة المودود في أحكام المولود‪:‬ابن قيم الجوزية‪.‬‬
‫المجموع ( شرح المهذب )‪:‬اإلمام النووي‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫الفقه اإلسالمي وأدلته‪:‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫شرح صحيح مسلم‪:‬اإلمام النووي‪،‬دار الفكر‪،‬بيروت ‪.1972‬‬ ‫‪.5‬‬
‫‪ .6‬فيض القدير‪:‬شرح الجامع الصغير لإلمام المناوي‪.‬‬
‫الترغيب والترهيب‪:‬اإلمام المنذري تحقيق مصطفى عمارة بيروت ‪.1968‬‬ ‫‪.7‬‬
‫قبس من القرآن الكريم‪:‬محمد علي الصابوني‪.‬‬ ‫‪.8‬‬
‫إحياء علوم الدين‪:‬حجة اإلسالم الغزالي‪.‬‬ ‫‪.9‬‬
‫‪ .10‬التفسير الكبير ( الطبري )‪:‬اإلمام ابن جرير الطبري‪.‬‬
‫‪ .11‬جامع األصول في أحاديث الرسول ‪:‬ابن األثير الجزري‪،‬تحقيق األرناؤوط‪.‬‬
‫‪ .12‬زاد المعاد من هدي خير العباد‪:‬ابن قيم الجوزية – تحقيق األرناؤوط‪.‬‬
‫‪ .13‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪:‬ابن حجر العسقالني‪.‬‬
‫‪ .14‬الجامع الصغير وزيادته‪:‬اإلمام جالل الدين السيوطي‪.‬‬
‫‪ .15‬مجمع الزوائد ومنبع الفوائد‪:‬اإلمام الهيثمي‪.‬‬
‫‪ .16‬صحيح الجامع الصغير وزيادته‪:‬ناصر الدين األلباني‪.‬‬
‫ثانياً‪:‬كتب الطب النبوي واإلسالمي ‪:‬‬

‫‪ .17‬الوجيز في الطب اإلسالمي‪:‬د‪ .‬هشام الخطيب‪،‬دار األرقم‪،‬عمان ‪.1985‬‬
‫‪ .18‬الطب الوقائي بين العلم والدين‪:‬د‪ .‬نضال عيسى‪ ،‬دمشق ‪.1997‬‬
‫‪ .19‬روائع الطب اإلسالمي ج‪ 1‬القسم العالجي‪:‬د‪ .‬محمد نزار الدقر‪،‬دار المعاجم دمشق ‪.1994‬‬
‫‪ .20‬روائع الطب اإلسالمي ج‪ 2‬العبادات في اإلسالم وأثرها في صحة الفرد والمجتمع د‪ .‬محمد نزار الدقر‬
‫‪.1995‬‬
‫‪ .21‬روائع الطب اإلسالمي ج‪ ( 3‬المحرمات ) دار المعاجم دمشق ‪.1997‬‬
‫‪ .22‬القرآن والطب‪:‬د‪ .‬محمد وصفي – القاهرة – ‪.1960‬‬
‫‪ .23‬في رحاب الطب النبوي‪:‬د‪ .‬محمود طللوزي‪،‬دار الرواد ‪ -‬حلب ‪.1994‬‬
‫‪ .24‬الطب النبوي والعلم الحديث‪:‬د‪.‬محمود ناظم النسيمي م‪.‬الرسالة ‪-‬بيروت ‪.1986‬‬
‫‪ .25‬الطب اإلسالمي بين العقيدة واإلبداع‪:‬مختار سالم ‪ -‬بيروت ‪.1998‬‬
‫‪ .26‬الطب و الشريعة‪:‬رسالة تخرج جامعية د‪ .‬خالد سلطان ‪ -‬جامعة دمشق ‪.1983‬‬
‫‪98‬‬
‫‪ .27‬الحقائق الطبية في اإلسالم‪:‬د‪ .‬عبد الرزاق كيالني دار القلم ‪ -‬دمشق ‪.1996‬‬
‫‪ .28‬مع الطب في القرآن الكريم‪:‬د‪ .‬عبد الحميد دياب وزمالؤه‪.‬‬
‫‪ .29‬الطب الوقائي في اإلسالم‪:‬د‪ .‬عادل بربور وزمالؤه ‪ -‬دمشق ‪.1992‬‬
‫‪ .30‬الطب الوقائي في اإلسالم‪:‬عمر محمود عبد اهلل ‪ -‬الدوحة ‪.1990‬‬
‫‪ .31‬الطب النبوي في ضوء العلم الحديث‪:‬غياث األحمد ‪ -‬دمشق‪.‬‬
‫‪ .32‬السواك في ميزان الصيدلة‪:‬د‪ .‬علي الرغبان وزمالؤه ‪ -‬جدة ‪.1987‬‬
‫‪ .33‬الطب الروحاني‪:‬اإلمام أبو بكر الرازي‪.‬‬
‫‪ .34‬الطب النبوي‪:‬ابن قيم الجوزية تحقيق عبد القادر أرناؤوط‪.‬‬
‫‪ .35‬الطب الوقائي في اإلسالم‪:‬أحمد شوقي الفنجري – الهيئة العامة المصرية للكتاب ‪.1985‬‬
‫‪ .36‬النوم – األرق واألحالم بين الطب والقرآن‪:‬د‪ .‬حسان شمسي باشا ‪،‬دار المنارة‪،‬جدة ‪.1991‬‬
‫‪ .37‬قبسات من الطب النبوي‪:‬د‪ .‬حسان شمسي باشا مكتبة السوادي جدة ‪.1992‬‬
‫‪ .38‬بين الطب واإلسالم‪:‬د‪ .‬حامد الغوابي دار الكاتب العربي القاهرة ‪.1967‬‬
‫‪ .39‬الليل نومه وقيامه‪:‬د‪ .‬سمير الحلو دار التراث ‪ -‬المدينة المنورة ‪.1992‬‬
‫‪ .40‬ختان الذكر وخفاض األنثى‪:‬عبد السالم سكري الدار المصرية ‪.1989‬‬
‫‪ .41‬الختان بين الطب والشريعة‪:‬د‪ .‬عبد الرحمن القادري‪،‬ابن النفيس دمشق ‪.1996‬‬
‫‪ .42‬أسرار الختان تتجلى في الطب الحديث‪:‬د‪ .‬حسان شمسي باشا مكتبة السوادي جدة ‪.1991‬‬
‫‪ .43‬الختان‪:‬د‪ .‬محمد علي البار‪،‬دار المنارة‪،‬جدة ‪.1994‬‬
‫ثالثاً‪:‬الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪ .44‬فن الصحة والطب الوقائي‪:‬د‪ .‬أحمد حمدي الخياط‪،‬جامعة دمشق‪.‬‬
‫‪ .45‬الطب الوقائي واالجتماعي‪:‬د‪ .‬أحمد حمدي الخياط‪،‬دمشق ‪1380‬هـ‪.‬‬
‫‪ .46‬أمراض جهاز الهضم‪:‬د‪ .‬زياد درويش جامعة دمشق ‪.1994‬‬
‫‪ .47‬كي تنام سعيداً‪:‬د‪ .‬أنور حمدي‪،‬المكتب اإلسالمي‪،‬بيروت ‪.1987‬‬
‫‪ .48‬النوم أسراره وخفاياه‪:‬د‪ .‬أنور حمدي‪،‬المكتب اإلسالمي‪،‬بيروت ‪.1986‬‬
‫‪ .49‬السواك‪:‬صالح الحنفي‪،‬رسالة جامعة دمشق ‪.1962‬‬
‫‪ .50‬السواك أهميته واستعماالته‪:‬د‪ .‬أبو حذيفة إبراهيم محمد‪،‬طنطا‪.1987،‬‬
‫‪ .51‬السواك‪:‬د‪ .‬عزت أبو شعر رسالة جامعية‪،‬دمشق ‪.1974‬‬
‫‪ .52‬السواك والعناية باألسنان‪:‬د‪ .‬عبد اهلل عبد الرزاق السعيد‪،‬جدة‪.1982،‬‬
‫‪ .53‬صحة الفم واألسنان‪:‬د‪ .‬عبد اهلل عبد الرزاق السعيد‪،‬مكتبة المنارة‪،‬األردن ‪.1982‬‬
‫‪ .54‬النوم واألرق واألحالم‪:‬د‪ .‬قتيبة سالم الحلبي‪،‬مطبعة سفير‪،‬الرياض ‪.1988‬‬
‫‪ .55‬رسالة في تاريخ الطب‪:‬د‪ .‬أحمد شوكت الشطي‪.‬‬
‫‪99‬‬
‫‪ .56‬األحالم تفسيرها وداللتها‪:‬د‪ .‬نيريس دي‪،‬القاهرة‪،‬عالم الكتب‪.‬‬
‫رابعاً‪:‬الدوريات والمجالت‪.‬‬
‫‪ .57‬مجلة حضارة اإلسالم‪:‬د‪ .‬محمد نزار الدقر‪،‬دمشق‪،‬مقالة‪:‬الختان بين الطب واإلسالم‪،‬م ‪ 14‬رمضان‬
‫‪ 1393‬هـ‪.‬‬
‫‪ .58‬مجلة حضارة اإلسالم‪:‬د‪ .‬إبراهيم الراوي‪،‬دمشق ‪،‬‬
‫‪ -1‬مقالته”الضحك”م‪/16‬ع‪.2/1975‬‬
‫‪ -2‬مقالته "أثر العطاس على الدفاع" م‪/20‬ع‪.6/1979-5‬‬
‫‪ -3‬مقالته "موقف اإلسالم من اإلصابة بالسرطان" م‪،6‬ع‪.1966 ،8‬‬
‫‪ -4‬مقالته "استشارات طبية في ضوء اإلسالم" م‪،6‬ع‪.1966 ،4‬‬
‫‪ -5‬مقالته "نظرة اإلسالم إلى التغذية" م‪،7‬ع‪.1967 ،9‬‬
‫‪ -6‬مقالته "النهي عن الشرب قائماً" م‪،7‬ع‪.1967 ،1/2‬‬
‫‪ -8‬مقالته" المعجزات الطبية في القرآن" م‪،14‬ع‪.1973 ،6‬‬
‫مقالته "النوم على الجهة اليمنى" م‪،16‬ع‪.1975 ،9/10‬‬ ‫‪-10‬‬
‫مقالته "وضعية الجسم عند تناول الطعام" ع‪.1976 ،9/10‬‬ ‫‪-11‬‬
‫مقالته "استشارات طبية في ضوء اإلسالم" ع‪.1976 ،5/6‬‬ ‫‪-12‬‬
‫‪ .59‬مجلة حضارة اإلسالم‪:‬د‪ .‬أحمد شوكت الشطي‪،‬دمشق‪.‬‬
‫مقالته "نظرات في الغذاء والطعام" ‪.1962-8-4‬‬ ‫‪-1‬‬
‫مقالته "نظرات في الولد وحقوقه" م‪،15‬ع‪.5،1974‬‬ ‫‪-2‬‬
‫مقالته" نظرات في الولد وحقوقه" م‪.1977 ،20،8/9‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪ .60‬مجلة لواء اإلسالم‪:‬د‪ .‬حامد الغوابي‪،‬القاهرة‪.‬‬
‫مقالته "الحلم والغضب" م‪،15‬ع‪.7،1957‬‬ ‫‪-1‬‬
‫مقالته "الحسد بين الطب واإلسالم" م‪ ،11‬ع‪.1957 ،6‬‬ ‫‪-2‬‬
‫مقالته "ختان البنات" م‪،11‬ع‪7‬و‪.1957 ،10‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪ .61‬مجلة لواء اإلسالم‪:‬د‪ .‬محمود فؤاد معاذ‪،‬القاهرة ‪،‬‬
‫مقالته "محمد والطب" م‪ ،2‬كانون ثاني ‪.1949‬‬
‫‪ .62‬مجلة نهج اإلسالم‪:‬د‪ .‬محمد نزار الدقر‪،‬دمشق ‪،‬‬
‫مقالته "الهدي النبوي في تدبر الطعام والشراب وأثره على صحة اإلنسان" العام ‪ 18‬ع‪ 70‬تشرين‪1‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪.1997 -‬‬
‫‪100‬‬
‫مقالته "القواعد األساسية في تدبير الطعام والشراب" ع‪ 71‬للعام ‪ 19‬شباط ‪.1998‬‬ ‫‪-2‬‬
‫مقالته "اآلداب النبوية في النوم" ع‪ 72/73‬للعام ‪ 19‬حزيران ‪.1998‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪ .63‬مجلة طبيبك‪:‬د‪ .‬ظافر العطار‪،‬دمشق‪.‬‬
‫مقالته "اضطجع على شقك األيمن" كانون أول ‪.1968‬‬
‫‪ .64‬المجلة الطبية العربية‪:‬دمشق ‪،‬‬
‫مقالته "مخاطر التعرض للضجيج" محمد المصري وآخرون ع‪ 137‬ك‪.1997 1‬‬ ‫‪-1‬‬
‫مقالته "أوضاع النوم الخاطئة" ع‪ 196‬العام ‪.1993‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪ .65‬مجلة صدى اإليمان‪:‬د‪ .‬محمود البرشة ومقالة "الغضب وأثره السيئ على البدن" ع‪،2‬م‪.1،1996‬‬
‫‪ .66‬مواد المؤتمر العالمي األول للطب اإلسالمي – الكويت ‪ ،1981‬د‪.‬محمد رجائي المصطيهي وزمالؤه"‬
‫استعمال السواك لنظافة الفم وصحته "‬
‫‪ .67‬مواد المؤتمر العالمي الرابع للطب اإلسالمي – الكويت ‪ ،1986‬د‪ .‬يحي الخواجي وزمالؤه" تقليم‬
‫األظافر في ضوء التراث النبوي والعلوم الطبية "‪.‬‬
‫خامساً‪:‬المراجع األجنبية‪.‬‬
‫‪.Khoory T. “clinical Preventive Dentistry 1983-8‬‬ ‫‪.68‬‬
‫‪.Coby et al “Color Atlas of oral Pathology” Philadelphia, U.S.A‬‬ ‫‪.69‬‬
‫‪.Schoen: New England J. of Med. 1990, 322‬‬ ‫‪.70‬‬
‫‪.Cowdry E. V. “Cancer cells” London, 1988‬‬ ‫‪.71‬‬
‫‪.Helbery D. et al. “Penile Cancer” Brit. Med. J. 1987‬‬ ‫‪.72‬‬
‫‪.Hadley W. S. “Prevention of Cancer” Lancet, 1, 1936‬‬ ‫‪.73‬‬
‫‪.…… Fink A.J “Circumcision‬‬ ‫‪.74‬‬
‫‪.Pikers W. “Med. Dijest J. “April, 1977‬‬ ‫‪.75‬‬
‫‪Ravich. A. “Cancer of Prostate” Act. Len. Internet, cancer V3, 19‬‬ ‫‪.76‬‬
‫‪,Walbrats A.L. “Circumcision and Penile Cancer”, Lancet , 1936‬‬ ‫‪.77‬‬
‫– ‪Mohammed A.R, Turner “Saudia Arabia Tooth Brach Tree” Odonto‬‬ ‫‪.78‬‬
‫)‪.Stomad of Trop. 1983, 4(3‬‬
‫‪Wiswell T.E. “Routine Neonates Circumcision” A Reap. An Family‬‬ ‫‪.79‬‬
‫‪.Physion”, 1990, 41‬‬
‫‪.Harrison S. “Principles of Laternal Med.” New York, 1987‬‬ ‫‪.80‬‬
‫‪.Encyclopedia Pritanica”, London, 1990‬‬ ‫‪.81‬‬
‫‪101‬‬

روائع الطب الاسلامي2

Uploaded by

Document Information

Copyright

Available Formats

Share this document

Share or Embed Document

Sharing Options

Did you find this document useful?

Is this content inappropriate?

Copyright:

Available Formats

روائع الطب الاسلامي2

Uploaded by

Copyright:

Available Formats

‫‪www.55a.

net‬‬ ‫موقع موسوعة اإلعجاز العلمي في القرآن والسنة‬

‫روائع الطب اإلسالمي‬

‫محمـد نزار الـدقر‬

‫أخوتي الشباب ساهموا معنا في ترجمة الكتاب إلى اللغات العالمية‬

‫جميع الحقوق محفوظة للمؤلف‬

‫بين يدي الكتاب‬

‫دمشق العاشر من جمادى اآلخرة ‪1419‬هـ والموافق تشرين األول ‪1998‬م‪.‬‬

‫القاعدة القرآنية األولى‪:‬ح ّل الطيبات وتحريم الخبائث‬

‫القاعدة القرآنية الثانية‪:‬وكلوا واشربوا وال تسرفوا‬

‫‪ ‬رواه مسلم< وروى البخاري حنوه عن أيب هريرة‪.‬‬

‫‪ ‬رواه الطرباين بإسناد حسن (احلافظ املنذري)‪.‬‬

‫جلسة الطعام في الهدي النبوي ‪:‬‬

‫التسمية قبل الطعام واألكل باليمين مما يلي اآلكل ‪:‬‬

‫‪ ‬أخرجه الرتمذي وهو حديث حسن صحيح (األرناؤوط)‪.‬‬

‫الشرب مصاً على ثالث دفعات‪:‬‬

‫‪ ‬رواه البيهقي وعبد الرزاق يف مصنفه ورجاله ثقات (حممد عوامة)‪.‬‬

‫النهي عن الشرب من ثلمة القدح ‪:‬‬

‫‪ ‬رواه أبو داود والرتمذي وهو حديث حسن (األرناؤوط)‪.‬‬

‫النهي عن الشرب من في السقاء ‪:‬‬

‫‪ ‬يف حاشيته على اجلامع الصغري للسيوطي‪.‬‬

‫النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة ‪:‬‬

‫أال يعيب طعاماً قط ‪:‬‬

‫االجتماع على الطعام‪:‬‬

‫المضمضة بعد الطعام ‪:‬‬

‫‪ ‬د‪ .‬مصطفى< عمارة يف حتقيقه على هامش الرتغيب والرتهيب للمنذري‪<.‬‬

‫عدم األكل من الخبز المرقق المنخول‪:‬‬

‫النهي عن أكل الطعام الحار ‪:‬‬

‫عدم النوم بعد الطعام مباشرة‪:‬‬

‫األمر بلعق األصابع والصفحة ‪:‬‬

‫تغطية اإلناء وإ يكاء السقاء ‪:‬‬

‫تقديم العشاء على صالة ِ‬

‫ما يقوله المسلم إذا فرغ من طعامه‪:‬‬

‫‪ ‬من رواية الرتمذي ‪ :‬وقال حديث حسن[األرناؤوط]‪.‬‬

‫النوم والموت ‪:‬‬

‫عن صخر الغامدي عن النبي ‪ ‬أنه قال‪":‬اللهم بارك ألمتي في بكورها"‪.‬‬

‫فما هو النوم ‪:‬‬

‫التبدالت الوظيفية للجسم خالل النوم ‪:‬‬

‫كم نحتاج من النوم (‪: )7‬‬

‫عن أنس ‪‬أن النبي ‪ ‬قال‪":‬قيلوا فإن الشياطين ال تقيل"‪.‬‬

‫النوم كما تحدث عنه كتب الطب النبوي ‪:‬‬

‫تدابير وقائية هامة قبل النوم‬

‫الوضوء والنوم ‪:‬‬

‫رواه ابن ماجه يف سنده وضعفه‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫تتمة مراجع البحث‬

‫‪ ‬عن كتابه "النهاية يف غريب احلديث"‪.‬‬

‫بالحاجة‪،‬وطوله‪،‬فإذا ما طال ُحِل َ‬

‫المضمضة واالستنشاق واالستنثار‪:‬‬

‫‪ ‬وراه النسائي وأمحد واحلاكم وابن ماجه ورمز السيوطي لصحته‪.‬‬

‫انتقاص الماء ‪:‬‬

‫‪ ‬رواه الطرباين يف األوسط والسيوطي يف زيادة اجلامع الصغري‪.‬‬

‫مراجع بحث خصال الفطرة‬

‫‪ ‬أخرجه أبو نعيم بإسناد حسن‪،‬وأخرجه البزار والبيهقي عن عائشة‪.‬‬

‫الهدي النبوي في نظافة الفم واألسنان‬

‫‪ ‬أخرجه مالك يف املوطأ والبخاري يف األدب املفرد والبيهقي يف شعب اإلميان‪.‬‬

‫الحكم الفقهي في الختان ‪:‬‬

‫الحكم الصحية من ختان الذكور‪:‬‬

‫‪ ‬أخرجه الطرباين يف األوسط واهليثمي يف جممع الزوائد وقال‪:‬إسناده حسن‪.‬‬

‫ويضم األبحاث التالية ‪:‬‬

‫الرياضة المسنونة وأثرها في صحة الفرد والمجتمع‬

‫‪ ‬رواه الرتمذي وابن حيان وهو حديث حسن (األرناؤوط) ‪.‬‬

‫‪ ‬صححه األلباين يف آداب الزفاف ‪.‬‬

‫الهدي النبوي في ضبط تصرفات اإلنسان‬

‫‪ ‬رواه البزار بإسناد حسن(ابن حجر العسقالين )‪.‬‬