You are on page 1of 1

‫"بعد أن تل ّقى جاللته زيارة وفود األمّة التونسيّة لمبايعته وتق ديم الته اني إلي ه‪ ،‬ع زم على

س نّ س ّنة حس نة‬
‫وهي أن ي ر ّد الزي ارة ألمت ه في م دنها وقراه ا وح ّتى في بواديه ا النائي ة‪ .‬وك انت الس لطة االس تعماريّة‬
‫الفرنسيّة قبل اليوم تمنع األم راء من التج وّ ل في أنح اء مملكتهم‪ ،‬فال يتج اوز أي أم ير في جول ة خاص ة‬
‫وهو متنكر أكثر من س ّتين كيلو متر حول العاصمة التونس يّة‪ ،‬وأن يك ون ذل ك ب إذن وتحت رقاب ة دقيق ة‪.‬‬
‫فلمّا أراد جاللة الملك المنصف القيام بهذه الرحالت لوحظ له أنّ ع ادة أس الفه لم تج ر من قب ل على ه ذا‬
‫المنوال‪ ،‬فأعرض عن ه ذا ق ائال‪ :‬إ ّني ال أتق ّي د بع ادة‪ ،‬وإ ّنم ا أتق ّي د بالمص لحة والق انون‪ .‬وش رع في ه ذه‬
‫الزيارات مبتدئا بأقرب الجهات إلى العاصمة‪ ،‬فزار حلق الوادي والكرم واريان ة ومنوب ة‪ ،‬ول و أردن ا أن‬
‫نصف االحتفاالت التي أقامها الشعب ابتهاجا بمقدمه واحتفاء بزيارت ه لط ال بن ا المق ام في وص ف ش يء‬
‫لسنا بصدد ذكره اآلن‪ .‬و ّنما يمكننا أن نذكر على سبيل المثال ما حدث في االحتفال الذي وقع ل ه في بل دة‬
‫منوبة‪ ،‬إذ تق ّدم له أثناءه رئيس شعبة الحزب الدستوري هناك الحسيب النسيب الشيخ مصطفى الباهي أح د‬
‫أقطاب الحركة الوطنية ومن مؤسسيها األوائل‪ ،‬وق ّدم لجاللة الملك مصحفا من القرآن الكريم مخطوطا ل ه‬
‫قيمته كهديّة منه إليه وتذكارا لزيارته لهذه البلدة‪ ،‬وأقسم عليه أمام ه بأ ّن ه مخلص لوطن ه ومحبّ لجاللت ه‪،‬‬
‫وأنّ هذه الجموع الغفيرة المحيطة به تقسم على مثل م ا أقس م ب ه‪ ،‬ف ارتفعت األص وات من تل ك الجم وع‬
‫الزاخرة مر ّددة القسم‪ .‬وما كادت تنتهي‪ ،‬ح ّتى قام جاللة الملك ووضع يده على المصحف وقال‪ :‬إ ّني أقسم‬
‫لكم أ ّنني أخلص لكم وأحبّكم وأعطف عليكم كأبنائي‪ ،‬وأ ّني أضحّ ي من أجلكم بكل شيء ح ّتى بنفس ي ال تي‬
‫بين جنبي‪ ،‬فعلى الهتاف‪ ،‬وكان مظهرا بلغ ّ‬
‫التأثر فيه ح ّده‪.‬‬

‫ونظرا لما شاهده جاللته من كثرة النفقات التي تصرف في االحتف االت عن د قدوم ه‪ ،‬وأ ّنه ا نفق ات ليس ت‬
‫وراءها فائدة لألمّة والوطن‪ ،‬أعلم بقيّة الجهات األخرى التي تريد أن تقيم احتفاالت بمناسبة زيارت ه إليه ا‬
‫يفض ل أن تجم ع األم وال ال تي ي راد انفاقه ا على الحفالت‬
‫ّ‬ ‫بأ ّنه يرغب في البساطة وعدم التكلي ف‪ ،‬وأ ّن ه‬
‫فتعطى إلى الجمعيّات الخيريّة وجمعيّات إعانة الطلبة‪.‬‬

‫ونظرا لما شاهده من قلة المدارس وضيق نطاق التعليم وفقدان مؤسّسات تأوي اليتامى والعج زة‪ ،‬وفق دان‬
‫المصانع والشركات الكبيرة منها والص غيرة‪ ،‬أوع ز بتك وين لجن ة تض ع الخط ط لتس ديد العج ز في ه ذه‬
‫الجهات‪ ،‬وأناط بها عمل ما يلزم وتنفيذه باسمه وتحت إشرافه‪.‬‬

‫شرع جاللته في زي ارة معاه د التعليم واإلدارات والمؤسّس ات زي ارة بحث وفحص وإب داء رأي وتنش يط‬
‫وتشجيع بماله وبجاهه وبرأيه السديد‪."...‬‬

‫مكتب استعالمات اللجنة التنفيذيّة للحزب الدستوري‪ ،‬مأساة عرش‪ ،‬د‪ .‬م‪ .‬ن‪.56-55 ،1947 ،‬‬

You might also like