You are on page 1of 104

‫الجم ــهوريــة الجــزائري ــة الديمــقراطيــة الشــعبيــة‬

‫‪République Algérienne Démocratique et Populaire‬‬


‫وزارة الت ــعليم ال ـ ــعالي والبـ ــحث الع ــلمي‬
‫‪Ministère de l’Enseignement Supérieur et de la Recherche Scientifique‬‬
‫‪Université 08 Mai 1945 - Guelma‬‬ ‫جامعة ‪ 80‬مـاي ‪ 5491‬قال ـمة‬
‫‪Faculté: des lettres et langues‬‬ ‫كلـية اآلادا واللاا‬
‫قسم اللاة العربية وآادابها‬

‫‪N° : ..............‬‬ ‫الرقم‪............... :‬‬

‫مذك ـ ـ ـ ــرة مقــدمـ ــة ل ــنيل ش ــهاادة‬


‫المـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتر‬
‫(تخصص‪ :‬أاد جزائري)‬

‫مدينة تلمسان في العصر الوسيط من خالل النّثر‬


‫مقدمة من قبل‪:‬‬
‫حياة سرباح‬
‫تاريخ المناقشة‪ :‬جوان ‪6852‬‬

‫جامعة ‪ 0‬ماي ‪5491‬م قالمة‬ ‫الرت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبة‪ :‬أستاذ التعليم العالي‬ ‫رئي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــسا‬ ‫فريدة زرقين‬
‫جامعة ‪ 0‬ماي ‪5491‬م قالمة‬ ‫الرت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبة‪ :‬أستاذ مساعد –أ‪-‬‬ ‫مقررا‬ ‫أحالم عثامنية‬
‫جامعة ‪ 0‬ماي ‪5491‬م قالمة‬ ‫الرت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبة‪ :‬أستاذ مساعد –أ‪-‬‬ ‫ممتحنا‬ ‫العايش سعدون‬

‫السنة‪5941 :‬ه – ‪6852‬م‬


‫ّ‬
‫شكر وعرفان‬

‫بداية نحمد اهلل تعالى على توفيقه لنا لجني حصااد الدراسة‬

‫بهذه الشهاادة قال تعالى‪" :‬وقل ربي زادني علما"‬

‫كما نتقدم بجزيل الشكر إلى األستاذة المشرفة "أحالم عثامنية" التي لم تبخل علينا‬
‫بإرشااداتها ونصائحها القيمة‪.‬‬

‫ادون أن ننسى شكر كل من ساعدنا على إنجاز هذا العمل من قريب أو بعيد‪.‬‬
‫إهداء‬

‫" وقل ربي زادني علما"‬

‫أهدي هذا العمل إلى من جرع الكأس فارغا ليسقيني قطرة حب‬

‫إلى من كلّت أنامله ليقدم لنا لحظة سعاادة‬

‫إلى من حصد األشواك عند ادربي ليمهد لي طريق العلم‬

‫إلى القلب الكبير "أبي"‬

‫إلى أول من نطق بها لساني‬

‫إلى من اعتمد عليها في صاري‬

‫إلى شمعة متقدة تنير ظلمة حياتي "أمي"‬

‫إلى األستاذة المشرفة تقديرا واحتراما " أحالم عثامنية"‪.‬‬


‫مق ّدمة‬
‫مقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّدمة‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫كانت املدينة على مر العصور مركز التناقضات والتفاعالت احلضارية املختلفة‪ ،‬فكانت نقطة‬
‫التقاء وتبادل على خمتلف األصعدة‪ ،‬سواء السياسية أو الثقافية االجتماعية‪ ،‬وقد شهدت تطورا‬
‫ملحوظا منذ بداياهتا إىل أن اختذت طابعها اإلمجايل‪ ،‬أما فيما خيص بالد اجلزائر‪ ،‬فقد عرفت ظهور‬
‫عديد من املدن اليت عبت عن كيااها‪ ،‬واستمراريتها‪ ،‬ولعّ تلمسان أحد هذه احلواضر اجلزائرية اليت‬
‫ازدهرت يف عصر من العصور‪ ،‬وذاع صيتها يف مشارق األرض ومغارهبا‪ ،‬وخباصة يف العصر الوسيط‪،‬‬
‫الذي يعد مرحلة ذهبية يف حياة هذه املدينة‪ ،‬حيث سجّ هذا العصر ببالد املغرب اإلسالمي نشاطا‬
‫مكثفا يف جمال العلم والثقافة‪ ،‬والتوسع السياسي‪ ،‬حيث ظهرت يف هذه املدينة‪ ،‬جمموعة من الدول‬
‫واستقر هبا عدد كبري من األعراق واألجناس‪ ،‬فكانت مركزا حلضارات خمتلفة لذلك ارتأينا القيام‬
‫بدراسة تارخيية‪ ،‬ختص هذه املدينة‪ ،‬وجعلها ضمن اهتمامات الرحالة‪ ،‬حيث قدموا أوصافا عنها‬
‫باإلضافة إىل الناحية السياسية والثقافية اليت شهدهتا هذه األخرية‪ ،‬فكان عنوان موضوعي موسوما‬
‫بـ‪ " :‬مدينة تلمسان في العصر الوسيط من خالل النثر"‬
‫تكمن أمهيته يف إعطائنا صورة كاملة عن مدينة تلمسان فقرهبا ورحّ بنا عب الزمن‪ ،‬حيث‬
‫نستطيع أن نعيش الواقع الذي عاشه أهله من خالل معاملها الكبى‪ ،‬وذلك باالعتماد عن مجلة من‬
‫الكتب النثرية نقلتنا إىل ماضي هذه املدينة‪ ،‬باإلضافة إىل معرفة السياسة اليت كانت قائمة هبا‪ ،‬وذلك‬
‫من خالل معرفتنا للدول اليت استقرت‪ ،‬واختذت طابعها‪ ،‬فبزت‪ ،‬وظهرت هبا‪ ،‬حبيث جعلت من‬
‫تلمسان قاعدة مللكها‪ ،‬واحلديث عن دولة الزيانيني الذين كان هلم األثر الواضح يف توسعها‪ ،‬ورقيها‪،‬‬
‫وازدهار احلضارة هبا‪ ،‬فكانت املدينة يف عصرهم تضاهي حواضر املغرب اإلسالمي مثّ‪ :‬جباية‪،‬‬
‫وفاس وغرناطة‪.‬‬
‫وكان اختياري للموضوع لعدة أسباب من بينها‪:‬‬

‫‪-‬أ‪-‬‬
‫مقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّدمة‬

‫األمهية البالغة لدراسة اجلوانب التارخيية والثقافية ملدينة تلمسان‪ ،‬حيث سعى‬ ‫‪‬‬

‫الدارسون إىل الكشف عن الدور البارز والفعال هلذه األخرية‪ ،‬فقد كانت مركزا مللك عديد‬
‫من الدول‪.‬‬
‫مدينة حضارية راجت ثقافتها يف أوساط املعمورة‪ ،‬وكانت تستقطب العلماء واألدباء‬ ‫‪‬‬

‫من كّ حدب وصوب‪ ،‬ما دفعين للبحث عن أوصاف هذه املدينة من خالل اللجوء إىل‬
‫كتب الرحالت باإلضافة إىل البحث عن الناحية السياسية هبا‪ ،‬وخباصة الدولة الزيانية اليت‬
‫عرفت توسعا ملحوظا يف جمال الثقافة‪ ،‬فظهرت هبا العناصر الثقافية املختلفة مثّ‪ :‬االحتفاالت‬
‫باملولد النبوي‪ ،‬واملدارس‪ ،‬واملساجد‪ ،‬والزوايا ‪ ...‬فهذه املدينة تعد من املدن اجلزائرية العريقة‬
‫اليت ال تزال حتتاج إىل املزيد من الدراسة والبحث‪.‬‬
‫قلة الدراسات املتعلقة هبذه املدينة‪ ،‬فلم تنّ حظها من الدراسة على الرغم ما كانت‬ ‫‪‬‬

‫عليه‪ ،‬فقد كانت حتتّ مكانة رفيعة‪ ،‬بني حواضر املغرب اإلسالمي‪.‬‬
‫حماولة إبراز أمهية هذه املدينة‪ ،‬وذلك من خالل استقطاهبا اهتمامات الرحالة‪ ،‬فكانت‬ ‫‪‬‬

‫ضمن املدن اليت وصفوها‪ ،‬ونالت إعجاهبم فتحدثوا عنها‪ ،‬وعن مراكزها الكبى‪ ،‬وعن علمائها‬
‫وأهلها‪.‬‬
‫التعرف على الدول اليت اعتبت تلمسان قاعدة مللكها‪ ،‬وإبراز مسامهة السالطني‬ ‫‪‬‬

‫واحلكام الزيانيني يف تنشيط احلركة الثقافية باملدينة‪.‬‬


‫معرفة األوضاع السياسية القائمة باملدينة‪ ،‬واليت كان هلا تأثري على احلركة الثقافية‬ ‫‪‬‬

‫والعلمية‪.‬‬
‫وإىل جانب كّ هذا كان اختياري للموضوع رغبة يف االطالع على جزء من تاريخ‬ ‫‪‬‬

‫وحضارة مدينة جزائرية عبت عن كيان هذه األمة‪ ،‬ومدى مواكبتها للدول اإلسالمية‪ ،‬فعلى‬
‫الرغم من النكبات واألزمات اليت خلفها االستعمار الحقا‪ ،‬إال أنه ينبغي التنويه بأن تلمسان‬
‫قد كانت مدينة التاريخ واحلضارة‪.‬‬
‫‪-‬ب‪-‬‬
‫مقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّدمة‬

‫تتمحور اإلشكالية اليت نطرحها ضمن هذه الدراسة حول إبراز دور الرحالة يف إعطائنا أوصافا‬
‫للمدينة‪ ،‬ومدى تناول الكتب النثرية املختلفة لسياسة وثقافة املدينة وذلك من خالل التعرف على‬
‫مالمح املدينة يف كتب الرحالت‪ ،‬ومعرفتنا للسياسة والثقافة القائمة هبا‪ ،‬من خالل مجلة من‬
‫املصنفات النثرية ‪ ،‬وملناقشة هذه اإلشكالية‪ ،‬وجب علينا اإلجابة على عدة تساؤالت فرعية أمهها‪:‬‬
‫كيف كانت تلمسان؟ وكيف تطورت عب الزمن؟‬ ‫‪-‬‬

‫وكيف كانت األوضاع السياسية هبا؟‬ ‫‪-‬‬

‫وحتت أي حكم كانت تلمسان قبّ الزيانيني؟‬ ‫‪-‬‬

‫وكيف صلت إىل حكم الزيانيني؟ وما هي العوامّ اليت ساعدت على رقيها وتطورها؟‬ ‫‪-‬‬

‫ما هي اجملهودات اليت بذهلا السالطني يف تشجيع الثقافة هبا؟‬ ‫‪-‬‬

‫ما هي أهم املظاهر الثقافية اليت كانت تسري يف املدينة؟‬ ‫‪-‬‬

‫ولإلجابة عن هذه التساؤالت‪ ،‬اتبعنا خطة مكونة من مدخّ وفصلني تتصدرهم مقدمة‬
‫وأخريا خامتة‪.‬‬
‫تطرقنا يف املدخّ إىل تعريف املدينة‪ ،‬وخصائصها‪ ،‬وعوامّ نشأهتا واختالف أوصاف الرحالة‬
‫هلا عب الزمن‪.‬‬
‫أما الفصّ األول فخصص للناحية السياسية بتلمسان‪ ،‬تعرضنا فيه إىل تلمسان منذ الفتح‬
‫اإلسالمي‪ ،‬حىت قيام دولة بين زيان‪ ،‬ث حتدثنا عن أصّ الزيانيني وعن توليهم احلكم‪ ،‬ودور يغمراسن‬
‫يف بروز الدولة الزيانية‪ ،‬واملظاهر السياسية لسلطتهم‪ ،‬وأشهر حكامها وأسباب سقوطها‪.‬‬
‫أما الفصّ الثاين واألخري‪ ،‬فذكرنا فيه الناحية الثقافية لتلمسان‪ ،‬ومدى مسامهة السالطني يف‬
‫تشجيع العلم‪ ،‬وبعض املظاهر الثقافية اليت كانت سائدة يف هذه املدينة‪ ،‬وأاهي البحث خبامتة ألهم‬
‫النتائج املتوصّ إليها‪.‬‬
‫أما املنهج املتبع يف هذا البحث فكان املنهج التارخيي حيث اعتمدنا على ما تيسر من‬
‫مصادر‪ ،‬ومراجع ذات صلة باملوضوع‪ ،‬يف تتبع التطور الذي مرت به املدينة يف مجيع النواحي‪.‬‬
‫‪-‬ج‪-‬‬
‫مقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّدمة‬

‫وال أنفي وجود بعض الصعوبات اليت قد تواجه أي باحث يف كتابة تاريخ اجلزائر باإلضافة‬
‫إىل الصعوبة الكامنة يف ضبط تاريخ دولة بأكملها‪ ،‬فوردت يف الكتب بإسهاب كبري‪ ،‬ما صعب‬
‫علينا الوضع‪ ،‬وكانت فيها األحداث متداخلة جدا ومتشابكة باإلضافة إىل عدم فهمي لبعض معاين‬
‫الكلمات‪ ،‬والسجع املفرط يف كتابات القدامى‪ ،‬الذي كان دائما ما يبعدين عن فهم املعىن‪ ،‬إضافة‬
‫إىل قدم بعض طبعات الكتب ما صعب فهمها‪ ،‬لكن هذا مل يكن بالعائق الكبري أمام حبثي‪.‬‬
‫ويف سبيّ إجناز هذا البحث استعنت ببعض املصادر اليت كانت هلا صلة وطيدة باملوضوع‬
‫نذكر منها‪:‬‬
‫تاريخ ابن خلدون لعبد الرمحن ابن خلدون‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫بغية الرواد يف ذكر علماء بين عبد الواد ليحي ابن خلدون‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫تاريخ بن زيان‪ ،‬ملوك تلمسان مقتطف من نظم الدر والعقيان للتنسي‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫باقة السوسان يف التعريف حبضارة تلمسان عاصمة بين زيان حملمد بن رمضان‬ ‫‪‬‬

‫شاوش‪.‬‬
‫تاريخ الدولة الزيانية البن األمحر‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫وهي كتب ذات قيمة عظيمة‪ ،‬استطاعت إملامنا بتفاصيّ هذه املدينة املختلفة سواء من ناحية‬
‫أوصافها اجلغرافية‪ ،‬أو من الناحية السياسية والثقافية‪.‬‬
‫ويف األخري أتوجه بالشكر إىل األستاذة املشرفة‪ :‬أحالم عثامنية اليت وافقت على هذا املوضوع‪،‬‬
‫وعلى اإلشراف عليه‪ ،‬وعلى مالحظاهتا القيمة‪ ،‬وإرشاداهتا اليت استفدت منها كثريا‪ ،‬وأرجعتين إىل‬
‫الطريق الصحيح يف كثري من األحيان‪ ،‬وأرجوا من املوىل عز وجّ أن جيعلها من أهّ العلم الكبار‪،‬‬
‫فريفع درجاهتا يف جنة الرضوان‪ ،‬وجيعلها قبلة ومصدرا يعود إليه املتطلع للعلم‪ ،‬فعلى الرغم من صغر‬
‫سنها‪ ،‬أخذنا منها كثريا‪ ،‬وتعلمنا منها املنهاج الصحيح الذي نسري عليه يف جمال البحث العلمي‪،‬‬
‫فكما يقال " يوجد يف النهر ما ال يوجد يف البحر" وأرجوا أن جتعّ من سريفعهم اهلل إليه يوم القيامة‪،‬‬
‫حيث قال عز وجّ » يرفع اهلل الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات واهلل مبا تعلمون خبري«‪.‬‬
‫‪-‬د‪-‬‬
‫مدخل‪:‬‬
‫الرحلة‬
‫ّ‬ ‫أاد‬ ‫في‬ ‫تلمسان‬
‫الرحلة‬
‫تلمسان في أاد ّ‬ ‫مدخل‬

‫قبّ احلديث عن مدينة تلمسان‪ ،‬وعن معاملها الكبى‪ ،‬واإلحاطة هبا من جوانبها املختلفة‪،‬‬
‫وجب علينا أوال إزالة الغبار عن مصطلح املدنية‪ ،‬ومعرفة عوامّ نشأهتا‪ ،‬وظهورها يف مغربنا العريب‬
‫بصفة عامة ويف اجلزائر خباصة وبالتحديد تلمسان تلك املدينة العريقة اليت وجب علينا دراستها‬
‫واختاذها كمشروع للبحث والتحليّ‪.‬‬
‫‪ -I‬مفاهيم عامة حول المدينة‪:‬‬
‫‪-5‬تعريف المدينة‪:‬‬
‫أ‪ -‬لاة‪:‬‬
‫املدينة مأخوذة من الفعّ "مدن باملكان أقام به‪ ،‬فعّ مات‪ ،‬و منه املدنية‪ ،‬و هي فعيلة و‬
‫جتمع على مدائن باهلمز ومدن و مدن بالتخفيف و التثقيّ‪ ،‬و فيه قول آخر‪ ،‬أنه مفعلة من دنت‬
‫أي ملكت قال ابن بري لو كانت امليم يف مدينة زائدة مل جير مجعها على مدن و فالن مدن املدائن‪،‬‬
‫كما يقال مصر األمصار‪ ،‬قال وسئّ أبو علي الفسوي عن مهزة مدائن فـقال فيه قوالن من جعله‬
‫فعيلة من قولك مدن باملكان أي أقام به‪ ،‬مهزه ومن جعله مفعلة من قولك دين أي ملك مل يهمزه‬
‫(‪)1‬‬
‫كما مل يهمز معايش "‬
‫فاملدينة من الفعّ مدن مبعىن امللك أو اإلقامة‪.‬‬
‫و"املدينة احلصن يـبـىن يف أصطمة األرض‪ ،‬مشتق من ذلك‪ ،‬وكّ أرض يبىن هبا حصن يف‬
‫أصطمتها األرض‪ ،‬فهي مدينة والنسبة إليها مديين واجلمع مدائن ومدن‪ ،‬قال أبو سيده‪ :‬ومن هنا‬
‫حكم أبو احلسن فيما حكاه الفارسي أن مدنية فعيلة‪ .‬الفراء وغريه‪ :‬املدينة فعيلة تـهمز يف الفعائّ‬
‫ألن الياء زائدة‪ ،‬وال هتمز ياء املعايش ألن الياء أصلية‪ .‬واملدنـية‪ :‬اسم مدينة سيدنا الرسول ‪-‬صلى‬

‫(‪ )1‬ابن منظور االفريقي املصري‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪( ،‬د‪ .‬ط)‪( ،‬د‪ .‬ت)‪.204/31 ،‬‬

‫‪-6-‬‬
‫الرحلة‬
‫تلمسان في أاد ّ‬ ‫مدخل‬

‫اهلل عليه وسلم‪-‬خاصة غلبت عليـها تفخيما هلا شرفـها اهلل وصانـها"(‪ )1‬فاملدينة هي البناء والصرح‬
‫العظيم من األرض‪ ،‬وقد نسبت إىل مدينة الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫"وإذا نسبت إىل املدينة فالرجّ والتـوب مدين‪ ،‬والطيـر نوه مديين‪ ،‬ال يـقال غيـر ذلك‪ .‬قال سبويه‪:‬‬
‫فأما قـوهلم مدائين فإنـهم جعلوا هذا البناء امسا للبلد‪ ،‬ومحامة مدينية وجارية مدينـية ويقال للرجّ‬
‫العامل باألمر الفطن‪ :‬وهو ابن جبدهتا وابن مدينتها وابن بـلدهتا وابن بـعثطها وابن مرمورها قال‬
‫األخطّ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫يطّ على مسحاته يرتكّ"‬ ‫ربت وربا يف كرمها ابن مدينة‬
‫فهي تنسب إىل اإلنسان واألشياء‪ ،‬كما تدل على الفطانة وغريها‪.‬‬
‫أما عند الرازي فهي من "(مدن) باملكان أقام به وبابه دخّ ومنه (املديـنة) ومجعها (مدائن)‬
‫باهلمزة و(مدن) و(مدن) خمففا ومثقال‪ ،‬فقيّ هي من دنـيت أي ملكت‪ ،‬وفالن (مدن) املدائن‬
‫(متدينا) كما يقال مصر األمصار وسألت أبا علي الفسوي عن مهز مدائن فقال من جعله من اإلقامة‬
‫مهزه‪ ،‬ومن جعله من امللك مل يهمزه كما ال يهمز معايش‪ ،‬والنسبة إىل مدينة الرسول –صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪( -‬مدين)‪ ،‬وإىل مدينة املنصور (مديين)‪ ،‬وإىل مدائن كسرى (مدائين) للفرق بينهما ال‬
‫خيتلط‪ ،‬ومدين قرية شعيب عليه السالم"(‪.)3‬‬
‫فاملدينة من خالل هذا التعريف هي مكان اإلقامة وهو نفس ما ذهب إليه ابن منظور‪ ،‬واملدينة يف‬
‫املعجم الوسيط "(مدن) فالن مدونا أتى املدينة‪( ،‬متدن) عاش عيشة أهّ املدن‪ ،‬وأخذ بأسباب‬
‫احلضارة واملدائن‪ :‬بـناها (متدين)‪ :‬عاش عيشة أهّ املدن وتنعم‪ ،‬وأخذ بأسباب احلضارة‪.‬‬
‫(املدينة)‪ :‬احلضارة واتساع العمران‪.‬‬

‫(‪ )1‬املصدر نفسه‪.204/31 ،‬‬


‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪.301 /31 ،‬‬
‫(‪ )3‬حممد أيب بكر عبد القادر الرازي‪ ،‬معجم الصحاح‪ ،‬تح‪ :‬أمحد إبراهيم زهوة‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪( ،‬د‪ .‬ط)‪،‬‬
‫‪ ،4002‬ص ‪.100‬‬

‫‪-7-‬‬
‫الرحلة‬
‫تلمسان في أاد ّ‬ ‫مدخل‬

‫(املدينة)‪ :‬املصر اجلامع‪ .‬ج (مدائن) ومدن‪ ،‬واسم يـثرب مديـنة الرسول –صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫غلبت عليها"(‪ )1‬ومن هنا فقد عرفنا معاين مغايرة للمدينة فلم تعد تعىن اإلقامة فقط بّ األخذ‬
‫بأسباب احلضارة والتطور العمراين‪.‬‬
‫‪-‬اصطالحا‪:‬‬
‫تناولت املصادر املختلفة تعريفات للمدن واألمصار لعّ أمهها ما جاء به ابن خلدون فهو‬
‫يرى أن‪" :‬املدن واألمصار ذات هياكّ وأجرام عظيمة‪ .‬وبناء كبري‪ ،‬موضوعة للعموم ال للخصوص‪،‬‬
‫فتحتاج إىل اجتماع األيدي وكثرة التعاون‪ ،‬وليست من األمور الضرورية للناس اليت تعم هبا البلوى‬
‫حىت يكون نزوعهم إليها اضطرارا بّ البد من اكرامهم على ذلك وشوقهم إليه مضطهدين بعصا‬
‫امللك أو مرغبني يف الثواب واألجر الذي ال يفي بكثرته إال امللك والدولة"(‪.)2‬‬
‫يرى ابن خلدون أن املدن هي البناء العظيم والكبري‪ ،‬وهي ليست بامللك اخلاص بّ هي عامة‪،‬‬
‫وحتتاج إىل قيامها مجلة من القيم اليت تقتضيها الضرورة االجتماعية‪ ،‬و"املدنية هي حقيقة مرئية يف‬
‫مظهر األرض من حيث الكثافة السكانية‪ ،‬والكتلة البنائية واحليثية اإلدارية"(‪.)3‬‬
‫إذا فاملدن هي تطور حاصّ يف األرض تشكله الكثافة السكانية‪ ،‬وجتمع الناس والعمران‪" ،‬واملدينة‬
‫تارخييا تعد وحدة تشكيلية قدمية خبها اجملتمع منذ زمن يرجع إىل سبعة آالف سنة‪ ،‬فهي إذن‬
‫أصلية"(‪.)4‬‬
‫من هذا ميكننا القول إن املدينة ليست حبديثة العهد باإلنسان بّ هي عريقة تضرب يف عمق التاريخ‬
‫تعود إىل زمن بعيد‪.‬‬

‫(‪)1‬إبراهيم مصطفى حسن الزيات وآخرون‪ ،‬املعجم الوسيط ‪ ،‬جممع اللغة العربية القاهرة‪ ،‬ط‪ ،4002 ،2‬ص ‪.204‬‬
‫(‪ )2‬عبد الرمحان ابن خلدون‪ ،‬املقدمة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪( ،‬د‪ ،‬ط)‪ ،4033 ،‬ص ‪.244‬‬
‫(‪ )3‬مصطفى عباس املوسوي‪ ،‬العوامّ التارخيية لنشأة وتطور املدن العربية اإلسالمية‪ ،‬دار الرشيد للنشر‪ ،‬العراق (د‪ .‬ط) (د‪.‬ت)‬
‫ص ‪.32‬‬
‫(‪ )4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.32‬‬

‫‪-8-‬‬
‫الرحلة‬
‫تلمسان في أاد ّ‬ ‫مدخل‬

‫ومن خالل التعاريف السابقة خنلص إىل أن املدن هي تشكيلة من األرض اقتضاها التجمع‬
‫اإلنساين‪ ،‬وهي قدمية ترجع إىل أزمنة غابرة فهي ليست حديثة العهد‪.‬‬
‫تعد املدينة قدمية الظهور‪ ،‬فهي ليست حديثة العهد باإلنسان "وعليه ليست املدينة خببة من‬
‫التفكري اإلنساين إاها قد جاءت كما يعتقد بعضهم نتيجة للثورة العلمية اليت نبتت بذورها من أكثر‬
‫من قرن بّ هي خبة قدمية"(‪ )1‬ومن هنا كانت املدينة قدمية تعود إىل أزمنة غابرة قدم االنسان ذاته‪،‬‬
‫أي أاها مل تكن نتيجة الثورة العلمية أي ليست حديثة العهد باإلنسان وال حمصلة التقدم العلمي وال‬
‫شكال تطوريا جديدا‪.‬‬
‫‪ -6‬خصائص المدينة‪:‬‬
‫تعد املدينة مركزا للتجمع‪ ،‬وعنصرا من عناصر احلضارة‪ ،‬وهذا ما جعلها تتميز جبملة من‬
‫اخلصائص‪" :‬فاملدينة بوصفها القطب الدائر حلركة اإلنتاج والتوزيع والتبادل الثقايف واالقتصادي‪،‬‬
‫وملتقى للتيارات الفكرية والسياسية واالجتماعية‪ ،‬وهي اخللية احلية األساسية يف حضارة كّ جمتمع‬
‫بشري يف املاضي واحلاضر"(‪ )2‬فاملدن هي مكان جتمع األنشطة املختلفة‪ ،‬وهي صورة عن حضارة‬
‫وتقدم جمتمع معني‪ ،‬وهي مركز للنشاطات املختلفة اليت ميارسها االنسان يف شىت جماالت احلياة‪،‬‬
‫وهي املرآة العاكسة للحضارة‪ ،‬والوسيلة املثلى لتحقيق أهداف االنسان‪ ،‬واحتياجاته "فاملدينة هي‬
‫نتاج جلمهور االنسان‪ ،‬ترتبط ارتباطا عضويا بطبيعته الساعية نو احلرية‪ ،‬ما جتعلها خري شاهد على‬
‫منجزاهتا الثقافية الكبى اليت حققها بداخلها واكتسب منها أسس استمرارها‪ ،‬فهي إذن وحدة‬
‫رئيسية متثّ اخللق األصلي للجمهور"(‪ )3‬فاملدينة إذن تعطينا صورة عن طبيعة االنسان اليت تسعى‬
‫لتغيري األوضاع وتطمح إىل احلرية‪ ،‬و قد اعتبت منجزاهتا الكبى صورة عن تطلعات األفراد‪،‬‬
‫وطموحاهتم فقد رمست املدن لإلنسان طريقه ووضحت له معامل أحالمه الكبى‪ ،‬فعمّ هبا على‬
‫حتقيق كّ ما أراده‪ ،‬وذلك عن طريق تطوير املدن ثقافيا‪.‬‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.32‬‬


‫(‪ )2‬إمساعيّ العريب‪ ،‬املدن املغربية‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬اجلزائر‪( ،‬د‪ .‬ط)‪ ،3492 ،‬ص ‪.4‬‬
‫(‪ )3‬مصطفى عباس املوسوي‪ ،‬العوامّ التارخيية لنشأة وتطور املدن العربية اإلسالمية‪ ،‬ص ‪.31‬‬

‫‪-9-‬‬
‫الرحلة‬
‫تلمسان في أاد ّ‬ ‫مدخل‬

‫‪ -4‬عوامل نشأة المدن‪:‬‬


‫تعد املدن البناء العظيم والصرح الكبري من األرض وتساعد يف نشأهتا وتطورها مجلة من العوامّ‬
‫فكما يرى ابن خلدون أن‪ ":‬تشييد املدن إّا صحصّ باجتماع الفعلة‪ ،‬وكثرهتم وتعاواهم‪ ،‬فإذا كانت‬
‫الدولة عظيمة متسعة املمالك حشر الفعلة‪ ،‬من أقطارها ومجعت أيديهم على عملها ورمبا استعني‬
‫يف ذلك يف أكثر األمر باهلندام الذي يضاعف القوي والقدر يف محّ أثقال البناء لعجز القوة البشرية‬
‫وضعفها عن ذلك كاملخال"(‪.)1‬‬
‫فتشييد املدن صحتاج إىل التعاون بني أصحاب املدينة كما صحتاج إىل اآلالت واألجهزة الالزمة للبناء‪.‬‬
‫يرى ابن خلدون أن من عوامّ نشأة املدن التعاون فيقول‪" :‬حاجة البناء إىل التعاون ومضاعفة القدر‬
‫البشرية‪ ،‬وقد تكون املباين يف عظمها أكثر من القدر مفردة أو مضاعفة باهلندام ملا قلناه صحتاج إىل‬
‫معاودة قدر أخرى مثلها يف أزمنة متعاقبة إىل أن تتم"(‪ )2‬أي أن التعاون هو السبيّ األمثّ لتنمية‬
‫القدرة البشرية واستثمارها‪ ،‬حيث تسعى إىل تأسيس مدن‪ ،‬وهياكّ عظيمة يصعب ختريبها ألاها‬
‫عبارة عن جهد وقوة جمموعة من األفراد فال يسهّ ختريبها‪.‬‬
‫يقر ابن خلدون بقوة املدن واألبنية اليت تتم بفضّ التعاون‪ ،‬فيقول يف ذلك‪" :‬ويشهد لذلك‬
‫أيضا أن جند آثار كثرية من املباين العظيمة تعجز الدول عن هدمها وختريبها مع أن اهلدم أيسر من‬
‫البناء بكثري ألن اهلدم رجوع إىل األصّ الذي هو العدم والبناء على خالف األصّ‪ ،‬فإذا وجدنا‬
‫بناء تضعف قوتنا البشرية عن هدمه مع سهولة اهلدم علمنا أن القدرة اليت أسسته مفرطة القوة وأاها‬
‫ليست أثر دولة واحدة"(‪ )3‬فمنجزات اإلنسان العظيمة تتم عن قدرته ومتكنه فيعجز هدمها‪.‬‬
‫كما يرى‪ ،‬أيضا‪ ،‬أن من عوامّ نشأة املدن‪ ،‬هو مظاهر االستقرار و الرتف‪ ،‬فتكون بذلك القوة‬
‫املالية واألمن أحد أهم العوامّ لظهور ونشأة املدن فيقول هذا األخري‪" :‬اعلم أن املدن قرار يتخذه‬
‫األمم عند حصول الغاية املطلوبة من الرتف ودواعيه‪ ،‬فتؤثر الدعة والسكون‪ ،‬وتتوجه إىل اختاذ املنازل‬

‫(‪ )1‬عبد الرمحان ابن خلدون‪ ،‬املقدمة‪ ،‬ص ‪.244‬‬


‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.213‬‬
‫(‪ )3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.213‬‬

‫‪-10-‬‬
‫الرحلة‬
‫تلمسان في أاد ّ‬ ‫مدخل‬

‫للقرار وملا كان ذلك القرار واملأوى وجب أن يراعى فيه دفع املضار باحلماية من طوارقها وجلب‬
‫املنافع وتسهيّ املرافق"(‪ )1‬ومن هنا فحصول املدن ال صحصّ إال باستقرار األفراد ومتتعهم مبظاهر‬
‫الرتف‪ ،‬فيتوجب بذلك األفراد إىل صناعة املنازل‪ ،‬ومن شروط نشأهتا أن صحمي فيها األشخاص‬
‫مكان إقامتهم‪ ،‬وأن تكون منازهلم قريبة من مراكز احلياة كاملاء مثال وذلك لتسهيّ عيشتهم‪ ،‬فوجب‬
‫أن تكون املدن حممية جتلب املنافع ألصحاهبا ويقول كذلك‪" :‬فأما احلماية من املضار فرياعى هلا أن‬
‫يدار على منازهلا مجيعا سياج األسوار وأن يكون وضع ذلك يف متمنع من األمكنة إما على هضبة‬
‫متوعرة من اجلبّ وإما باستدارة حبر أو اهر هبا حىت ال يوصّ إليها‪ ،‬إال بعد العبور على جسر أو‬
‫قنطرة فيصعب مناهلا على العدو ويتضاعف امتناعها وحصنها "(‪ )2‬فمن عوامّ نشأة املدن وتطورها‪،‬‬
‫أن تتوفر هلا جمموعة من العوامّ اليت حتميها‪ ،‬وتزيد من عمرها‪ ،‬وحتفظ بقاءها وجتلب هلا املنافع‬
‫الكثرية واخلريات الوفرية‪ ،‬فعوامّ نشأهتا‪ ،‬كما يرى ابن خلدون هو أن حتمى هذه املدن بواسطة‬
‫سياج‪ ،‬وأن تكون يف موضع وعر يصعب على األعداء الوصول إليها وأن تكون قريبة من اهر أو حبر‬
‫فهذه العوامّ تزيد من عمرها وبقاءها‪ ،‬كما يرى وجوب تتوفر املدن على مرافق احلياة الضرورية‪،‬‬
‫حىت يضمن بذلك استمرار وبقاء األفراد هبا "وما يراعى من املرافق يف املدن طيب املرعى لسائمتهم‪،‬‬
‫إذ صاحب كّ قرار ال بد له من دوجن احليوان للنتاج والضرع والركوب والبد هلا من املرعى فإذا‬
‫كان قريبا طيبا كان ذلك أرفق حباهلم ملا يعانون من املشقة يف بـعده وما يراعى أيضا املزارع فإن‬
‫الزروع هي األقوات ‪ ...‬واخلشب أيضا ضروري لسقفهم وكثري ما يستعمّ فيه اخلشب من‬
‫ضرورياهتم‪ ،‬و قد يراعى أيضا قرهبا من البحر لتسهيّ احلاجات القاصية من البالد النائية"(‪ )3‬جيب‬
‫أن تتوفر لظهور املدن ونشأهتا جمموعة من العوامّ تتضمن بقاءها واستمرارها وهي ما تقتضيه شروط‬
‫احلياة‪ ،‬فيجب أن تكون هذه املدن قريبة من املراعي واملزارع اليت جتلب األرزاق ألصحاهبا‪ ،‬وقريبة من‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.214‬‬


‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.211‬‬
‫(‪ )3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.212‬‬

‫‪-11-‬‬
‫الرحلة‬
‫تلمسان في أاد ّ‬ ‫مدخل‬

‫الغابات لكي يستفيد األفراد من خشبها سواء يف الشتاء أو يف مستلزمات البيوت‪ ،‬كذلك قرهبا من‬
‫البحر لالستفادة من ثرواته‪.‬‬
‫‪ -9‬المدن في المار ‪:‬‬
‫يرجع تأسيس املدن يف املغرب العريب إىل أزمنة قدمية جدا "عرفت البالد املغاربية تأسيس‬
‫املدن منذ أواخر األلف الثانية قبّ ميالد املسيح ‪-‬عليه السالم‪-‬على أقّ تقدير وكذا يف عهد ملوكها‬
‫األهايل الذين سامهوا يف نشر احلياة املدنية‪ ،‬لكن املدن عرفت تطورا وانتشارا واسعني أثناء االحتالل‬
‫الروماين‪ ،‬فقد عد بعضهم أزيد من مخسمائة مدينة يسكنها ثلث السكان الذين يعدون ما بني ستة‬
‫(‪)1‬‬
‫أو سبعة ماليني مواطن"‬
‫فاملدينة املغربية هلا جذور قدمية تضرب يف عمق التاريخ‪ ،‬وتعود إىل أزمنة بعيدة‪ ،‬فعهد اإلنسان املغريب‬
‫باملدن مل يكن حديثا ألاها ظهرت عنده حىت قبّ الفتح اإلسالمي‪ ":‬أما املدن املغربية املعروفة لدينا‬
‫فهي املدن اليت بنيت يف العصر اإلسالمي أو اليت أحياها املسلمون"(‪.)2‬‬
‫ونن بصدد دراسة أحد املدن املغربية اليت تعد جزءا من حضارة اإلسالم‪ ،‬ومعلما من معامله الكبى‪.‬‬
‫يرى ابن خلدون يف أن‪ ":‬املدن واألمصار بإفريقية واملغرب قليلة والسبب يف ذلك أن هذه‬
‫األقطار كانت للببر منذ آالف من السنني قبّ اإلسالم‪ ،‬وكان عمرااها كله بدويا ومل تستمر فيه‬
‫احلضارة حىت تستكمّ أحواهلا والدول اليت ملكتهم من االفرجنة والعرب مل يطّ ملكهم فيهم حىت‬
‫ترسخ احلضارة منها‪ .‬فلم تزل عوائد البداوة وشؤواها فكانوا إليها أقرب‪ ،‬فلم تكثر مبانيهم وأيضا‬
‫فالصنائع بعيدة عن الببر ألاهم أعرق يف البدو والصنائع من توابع احلضارة‪ ،‬وإّا تتم املباين هبا فالبد‬
‫من احلذق يف تعلمها‪ .‬فلما مل يكن للببر انتحال هلا مل يكن هلم تشوق إىل املباين فضال عن‬

‫(‪ )1‬حممد اهلادي جاريش‪ ،‬التاريخ املغاريب القدمي السياسي واحلضاري منذ فجر التاريخ إىل الفتح اإلسالمي‪ ،‬املؤسسة اجلزائر‬
‫للطباعة‪( ،‬د‪.‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص ‪.434‬‬
‫(‪ )2‬إمساعيّ العريب‪ ،‬املدن املغربية‪ ،‬ص ‪.4‬‬

‫‪-12-‬‬
‫الرحلة‬
‫تلمسان في أاد ّ‬ ‫مدخل‬

‫املدن"(‪ .)1‬مل يعرف املغرب العريب تطورا للمدن ألنه كان جمتمعا بدويا بربريًّا مل يعرف أساليب‬
‫الصناعة واحلضارة‪.‬‬
‫ويقول ابن خلدون أن سكان املغرب "أهّ عصبيات وأنساب ال خيلو عن ذلك مجع منهم واألنساب‬
‫والعصبية أجنح إىل البدو وإّا يدعو إىل املدن الدعة والسكون ويصري ساكنها عياال على حاميتها‬
‫فتجد أهّ البدو لذلك يستكنفون على سكىن املدنية أو اإلقامة هبا فال يدعو إىل ذلك إىل الرتف‬
‫والغىن وقليّ ما هو من الناس"(‪.)2‬‬
‫ومن هنا كانت بالد املغرب ال تعرف كثري من املدن ألن أهلها سكان بربر تكثر فيهم العصبية‪ ،‬وهم‬
‫ميالون إىل عيشة البدو فال تروقهم عيشة أهّ املدن وحضارهتا‪.‬‬
‫ويقول أيضا " كان عمران إفريقية واملغرب كله أو أكثره بدويا أهّ خيام وطواعن وقياطن وكنن يف‬
‫اجلبال وكان عمران بالد العجم كله أو أكثره قرى وأمصارا ورساتيق من بالد األندلس والشام‬
‫ومصر وعراق العجم وأمثاهلا ألن العجم ليسوا بأهّ أنساب صحافظون عليها ويتباهون يف صراحتها‬
‫والتحامها إال يف األقّ وأكثر ما يكون سكىن البدو ألهّ األنساب ألن حلمة النسب أقرب وأشد‬
‫فتكون عصبيته كذلك وتنزع بصاحبها إىل سكىن البدو والتجايف عن املصر الذي يذهب بالبسالة‬
‫ويصريه عياال على غريه"(‪.)3‬‬
‫يرجع ابن خلدون هنا قلة مدن املغرب وأمصاره إىل طبيعة البدوي أو الرجّ الببري املغريب الذي ال‬
‫تروقه عيشة املدن والذي تسكنه الغرية على نسبه‪ .‬لكن هذا ال يعين أن املغرب العريب مل يعرف املدن‬
‫أومل يعهدها من قبّ إال يف فرتة الفتح اإلسالمي‪ ،‬ألن عهد اإلنسان املغريب باملدينة قدمي قدم اإلنسان‬
‫عينه‪ ،‬فاملغرب العريب كان مركزا حلضارات خمتلفة عرف تطورا عمرانيا يشهد له التاريخ بذلك فعرف‬
‫املغرب املدينة‪ ،‬منذ القدم‪ ،‬وكانت اآلثار الرومانية والفينيقية وغريها خري دليّ على هذه احلضارة‪،‬‬

‫(‪ )1‬ابن خلدون‪ ،‬املقدمة‪ ،‬ص ‪.221‬‬


‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.221‬‬
‫(‪ )3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.221‬‬

‫‪-13-‬‬
‫الرحلة‬
‫تلمسان في أاد ّ‬ ‫مدخل‬

‫أما فيما خيص املدينة اإلسالمية يف املغرب فقط عرفت هي األخرى تطورا ملحوظا‪ ،‬وكانت املدن‬
‫املغربية أحد أهم بؤر العلم والثقافة والتطور االجتماعي واالقتصادي‪ ،‬وهذا ما سنعرفه الحقا‪.‬‬
‫لقد تطرقنا سابقا إىل املدن بصفة عامة‪ ،‬وعوامّ نشأهتا وازدهارها‪ ،‬كما كانت لنا املامة بسيطة حول‬
‫نشأة املدن املغربية‪ ،‬وملا كانت تلمسان أحد هذه املدن املغربية بصفة عامة واجلزائرية بصفة خاصة‪،‬‬
‫وملا حتمله هذه األخرية من أمهية بالغة ومعامل أثرية كبى‪ ،‬وملتقى ألهّ العلم واألدب‪ ،‬كانت موضوع‬
‫دراستنا وحبثنا‪ .‬وقبّ التوغّ يف جذور وأعماق هذه املدينة وجب علينا أوال معرفة تلمسان ولو بصورة‬
‫بسيطة‪ ،‬ث بعد ذلك نتناوهلا بالدراسة والتحليّ من خالل مجلة من النصوص النثرية جملموعة من‬
‫املؤلفني الذين حتدثوا عنها فكانت هذه األخرية من إحدى مواضيعهم‪.‬‬
‫الرحلة‪:‬‬
‫‪ -II‬تلمسان في أاد ّ‬
‫‪ -5‬التعريف بتلمسان من خالل المعاجم‪:‬‬
‫تناولت معاجم البلدان تعريفات وحتديدات لبلدان خمتلفة‪ ،‬فكانت من بينها مدينة تلمسان‬
‫اليت اعتنوا بوصفها وذكروا معاملها‪ ،‬فهناك من حتدث عنها بقوله‪" :‬تلمسان بكسرتني‪ ،‬وسكون امليم‪،‬‬
‫وسني مهملة‪ ،‬وبعضهم يقول تنمسان‪ ،‬بالنون عوض الالم‪ ،‬باملغرب‪ ،‬ومها مدينتان متجاورتان‬
‫مسورتان‪ ،‬بينهما رمية حجر‪ ،‬احدامها قدمية واألخرى حديثة واحلديثة اختطها امللثمون ملوك املغرب‪،‬‬
‫وامسها تافرزت‪ ،‬فيها يسكن اجلند وأصحاب السلطان وأصناف من الناس‪ ،‬واسم القدمية أقادير‬
‫يسكنها الرعية‪ ،‬فهما كالفسطاط والقاهرة من أرض مصر‪ ،‬ويكون بتلمسان اخليّ الراشدية هلا فضّ‬
‫على سائر اخليّ‪ ،‬وتتخذ هبا من الصوف أنواعا من الكنابيش ال توجد يف غريها‪ ،‬ومنها إىل وهران‬
‫مرحلة‪ ،‬ويزعم بعضهم أنه البلد الذي أقام به اخلضر عليه السالم‪ ،‬اجلدار املذكور يف القرآن‪ ،‬مسعته‬
‫من رأى هذه املدينة"(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬شهاب الدين أيب عبد اهلل ياقوت بن عبد اهلل احلموي الرومي البغدادي‪ ،‬معجم البلدان‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪( ،‬د‪ .‬ط)‪،‬‬
‫(د‪.‬ت)‪ ،‬ص ‪.22/4‬‬

‫‪-14-‬‬
‫الرحلة‬
‫تلمسان في أاد ّ‬ ‫مدخل‬

‫تلمسان إحدى مدن املغرب العريب‪ ،‬سكنها فيما قبّ ملوك املغرب‪ ،‬وتوجد يف هذه املدينة العديد‬
‫من اخلريات كالصوف وغريه‪ ،‬وتعتب بوابة للعبور نو وهران‪ ،‬ومنهم من يقول أاها من األمكنة اليت‬
‫أقام هبا اخلضر‪ ،‬واهلل أعلم‪ ،‬مبا تكون هذه األخرية ألننا وجدناها هكذا يف معجم البلدان للحموي‪.‬‬
‫أما صحي الشامي فقد أعطانا صورة بسيطة عن تلمسان‪ ،‬وعن عدد سكااها‪ ،‬وعن حضارهتا‬
‫ومعاملها األثرية "مركز والية تلمسان‪ ،‬عدد سكااها ‪ 31‬ألف نسمة‪ ،‬ازدهرت أيام املرابطني وكانت‬
‫مركز العلوم الدينية الفقهية والكالمية‪ ،‬وكانت عاصمة بين عبد الواد يف القرون املتوسطة فيها العديد‬
‫من املساجد األثرية‪ ،‬وهي قريبة من البحر املتوسط يف أقصى اجلنوب الغريب من البالد وعلى احلدود‬
‫اجلزائرية املغربية وإىل اجلنوب من وهران حتيط هبا إىل جهة اجلنوب سفوح جبال األطلس‪ ،‬وهي غنية‬
‫باجلنائن والكروم والبساتني والواحات فيها جامعة علمية ومعاهد علمية أخرى ودينية وتشتهر بصناعة‬
‫املفروشات واملنتوجات الصوفية واحلريرية والقطنية واستخراج الزيوت النباتية واألمسدة واملنظفات"(‪.)1‬‬
‫فتلمسان من خالل هذين الرأيني هي مكان يقع يف املغرب األوسط ازدهرت أيام بين عبد الواد‪.‬‬
‫احتوت على العديد من مراكز احلضارة كما توفرت فيها كثريا من اخلريات واملعاهد العلمية والدينية‪.‬‬
‫أعطانا هذين املعجمني صورة بسيطة عن تلمسان القدمية واحلديثة‪ ،‬هلذا ارتأينا أخذ معجم‬
‫قدمي وآخر حديث لنتعرف على تلمسان من وجهتني خمتلفتني قبّ أن نتوغّ فيها بالدراسة من‬
‫خالل املؤلفات النثرية‪.‬‬
‫كانت مدينة تلمسان موضوعا شيقا وجديرا بالذكر اخرتناها كموضوع لدراستنا فدرسناها‬
‫من جوانبها املختلفة‪ ،‬وسنتناوهلا اآلن دراسة وحتليال من خالل الكتب النثرية وكما وصفها الرحالة‬
‫العرب‪.‬‬
‫الرحالة العر ‪:‬‬
‫‪ -6‬تلمسان كما وصفها ّ‬
‫أ‪ -‬ابن حوقل‪:‬‬
‫وصف ابن حوقّ مدينة تلمسان من خالل قوله‪ " :‬هي مدينة أزلية‪ ،‬وهلا أاهار جارية وأرحية عليها‬

‫(‪ )1‬صحي الشامي‪ ،‬موسوعة املدن العربية واإلسالمية‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،3441 ،3‬ص ‪.314‬‬

‫‪-15-‬‬
‫الرحلة‬
‫تلمسان في أاد ّ‬ ‫مدخل‬

‫(‪)1‬‬
‫فواكه وهلا سور من أجر حصني منيع‪ ،‬وزرعها سقي وغالهتا عظيمة ومزارعها كثرية"‬
‫وطئت قدمي ابن حوقّ أرض تلمسان فرأى فيها العراقة واألصالة‪ ،‬وما حتتويه هذه األخرية من‬
‫ثروة جسدهتا األاهار اجلارية والزروع‪.‬‬
‫‪ -‬اإلادريسي‪:‬‬
‫حتدث اإلدريسي عن مدينة تلمسان‪ ،‬وعن معاملها وسكااها فقال‪" :‬وهي مدينة أزلية وهلا‬
‫سور حصني متقن الوثاقة‪ ،‬وهي مدينتان يف واحدة يفصّ بينهما سور‪ ،‬وهلا اهر يأتيها من جبلها‬
‫املسمى بالصخرتني وعلى هذا اجلبّ حصن بناه املصمودي قبّ أخذه تلمسان وال تزال املصامدة‬
‫(‪ )2‬قاطنني به إىل أن فتحوا تلمسان‪ ،‬وهذا الوادي مير يف شرقي املدينة وعليه أرجاء كثرية‪ ،‬وما جاورها‬
‫من املزارع كلها مسقى وغالهتا ومزارعها كثرية وفواكهها مجة وخرياهتا شاملة وحلومها شحيمة مسينة‬
‫وباجلملة إاها حسنة لرخص أسعارها ونفاق أشغاهلا ومراج جتاراهتا"(‪.)3‬‬
‫قدم االدريسي صورة عن تلمسان فوصفها وأعطانا هيكلها لعام فتحدث عن خرياهتا وأاهارها وازدهار‬
‫التجارة هبا‪ ،‬ث أضاف قائال‪" :‬ومدينة تلمسان قفّ بالد املغرب وهي على رصيف للداخّ واخلارج‬
‫منه البد منها واالجتياز هبا على كّ حال"(‪ )4‬فهو يرى أن تلمسان تتوسط املدن البد للداخّ‬
‫واخلارج من اجتيازها‪ ،‬فهي بذلك حتتّ مكانة مرموقة بني املدن اجلزائرية‪.‬‬
‫ج‪ -‬مؤلف مجهول‪:‬‬
‫قدم هذا املؤلف الذي جنهّ امسه أوصافا ملدينة تلمسان وما يوجد هبا "مدينة عظيمة قدمية‬
‫فيها آثار كثرية أزلية تنبئ أاها كانت دار ملكة ألمم سابقة‪ ،‬وهي يف سفح جبّ أكثر شجره اجلوز‪،‬‬

‫(‪ )1‬أبو القاسم ابن حوقّ النصييب‪ ،‬صورة األرض‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.99/3 ،3414 ،4‬‬
‫(‪)2‬املصامدة‪ :‬هم من ولد مصمود بن يونس بربر فهم أكثر قبائّ الببر وأوفرها‪ .‬ينظر‪ :‬تاريخ ابن خلدون‪ ،‬ديوان املبتدأ واخلب‬
‫يف تاريخ العرب والببر ومن عاصرهم من ذوي الشأن األكب‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.412/1 ،4000 ،‬‬
‫(‪ )3‬الشريف اإلدريسي‪ ،‬نزهة املشتاق يف اخرتاق اآلفاق‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬بور سعيد‪ ،‬مصر‪( ،‬د‪.‬ط) (د‪.‬ت)‪.429/3 ،‬‬
‫(‪ )4‬املصدر نفسه‪.420/3 ،‬‬

‫‪-16-‬‬
‫الرحلة‬
‫تلمسان في أاد ّ‬ ‫مدخل‬

‫وكان هلا ماء جملوب من عمّ األوائّ من عيون يسمى بوريط‪ ،‬بينهما وبني املدينة اهر يسمى‬
‫سطفسيف وكانت تلمسان دار ملكة زناتة وحواليها قبائّ كثرية من زناتة وغريهم من الببر"(‪.)1‬‬
‫قدم صاحب كتاب االستبصار صورة عن تلمسان ذات اآلثار الكثرية اليت توحي باملكانة العالية‬
‫الرفيعة اليت احتلتها‪ ،‬فتحدث عن معاملها الكبى‪ ،‬وخرياهتا كالنهر‪ ،‬ث ذكر القبائّ احمليطة هبذه‬
‫اململكة‪ ":‬هلا قرى كثرية وعمائر متصلة‪ ،‬ومدن كثرية ويف اجلنب من مدينة تلمسان قلعة منيعة كثرية‬
‫الثمار غزيرة املياه واألاهار‪ ،‬ويتصّ هبا جبّ تاورناية‪ ،‬وهو جبّ كبري مغمور فيه القرى الكثرية والعمائر‬
‫املتصلة‪.‬‬
‫ويف اجلنوب من مدينة تلمسان قرية كبرية تسمى باب القصر فوقها جبّ يسمى البغّ كثري اخلصب‬
‫والعمارة‪ ،‬ينبعث حتته اهر سطفسطيف‪ ،‬ويصب يف بركة عظيمة منقورة من حجر صلد من عمّ‬
‫األولني‪ ،‬لوقوعه يف تلك البكة خرير شديد هائّ على مسافة أميال‪ ،‬ث خيرج من تلك البكة مبحكة‬
‫مدبرة إىل موضع يسمى املهماز"(‪.)2‬‬
‫وصف املؤلف القرى اجملاورة لتلمسان‪ ،‬وما صحيط هبا من أاهار وجبال‪ ،‬ث حتدث عن النهر‬
‫العظيم الذي ميد املدينة باملاء ويصب يف البكة املصنوعة من احلديد الذي عمله األولون حبيث يسمع‬
‫صوته من أميال ويصب يف تلك البكة‪.‬‬
‫اد‪ -‬العبدري‪:‬‬
‫حتدث العبدري عن الفاقة واجملاعة اليت حلت بأهّ تلمسان جراء الطاعون‪ ،‬فوصفها قائال‪":‬‬
‫تلمسان بلد حلت به رمانة الزمان وأخلت به حوادث احلدثان‪ ،‬فلم تبقى به عاللة وال تبصر يف‬
‫أرجائه للضمآن باللة"(‪ .)3‬خربت تلمسان جراء هذه اآلفة اليت حلت هبا وحولتها إىل مدينة يصعب‬
‫العيش فيها ما أدى إىل تغيري طبائع أهلها‪ ،‬لكن هذا ال مينع من وصف مجال املدينة فتحدث عن‬

‫(‪ )1‬مؤلف جمهول‪ ،‬كتاب االستبصار يف عجائب األمصار‪ ،‬نشر وتعليق‪ :‬سعد زغلول عبد احلميد‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪،‬‬
‫العراق (د‪.‬ط) (د‪.‬ت)‪ ،‬ص ‪.341‬‬
‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.344‬‬
‫(‪ )3‬حممد العبدري البلنسي‪ ،‬الرحلة املغربية‪ ،‬تح‪ .‬سعيد بوفالقة‪ ،‬منشورات بونة‪ ،‬عنابة‪ ،4004 ،‬ص‪.44‬‬

‫‪-17-‬‬
‫الرحلة‬
‫تلمسان في أاد ّ‬ ‫مدخل‬

‫خرياهتا قائال‪" :‬وتلمسان مدينة كبرية سهلية جبلية مجيلة املنظر‪ ،‬مقسومة بينهما سور‪ ،‬وهلا جامع‬
‫عجيب مليح متسع‪ ،‬وهلا أسواق قائمة‪ ،‬وبظهرها يف سند اجلبّ موضع يعرف بالعباد‪ ،‬وهو مدفن‬
‫(‪)1‬‬
‫الصاحلني وأهّ اخلري وبه مزارات كثرية‪ ،‬ومن أعظمها وأشهرها قب الشيخ الصاحل أبو مدين شعيب"‬
‫فهي مدينة مجيلة زادهتا السهول روعة كما أن معاملها قد أثرت يف مجال املنطقة‪ ،‬وهلا العديد من‬
‫املزارات فهي مكان ألهّ العلم واخلري‪.‬‬
‫ه‪ -‬النميري‪:‬‬
‫وصف النمريي تلمسان فتحدث عن اآلثار اليت تركها "أبو عنان"(‪" :)2‬و كم أبقى بتلمسان‬
‫من آثار حسان‪ ،‬ومصانع يعجز عن وصفها كّ لسان وال كجامع اخلطبة األعظم الذي أمر‬
‫باختطاطه يف حضيض البيت الذي فيه ضريح الشيخ الصاحل أيب عبد اهلل ''الشودي''(‪ )3‬املعروف‬
‫باحللوي‪ ،‬وهو من أمجّ اجلوامع‪ ،‬وقد أحكمت فيه أنواع الصنائع وأبدى االحتفال به ما شاء من‬
‫البدائع اجلوامع‪ ،‬وقد أحكمت فيه أنواع الصنائع‪ ،‬وأبدى االحتفال به ما شاء من البدائع وتتصّ به‬
‫الزاوية املنفسحة األرجاء الالبسة حلّ السنا والسناء املزدانة بالقبة اليت جيسد ارتفاع مسكها السماك‬
‫وتتمىن االقتداء بصدرها األمالك‪ ،‬وختنع جلمال مبناها األفالك"(‪.)4‬‬
‫تعد هذه املدينة أثرية ضاربة يف أعماق التاريخ وكانت مطمعا مللوك فاس‪ ،‬وعلى رأسهم أبو عنان‬
‫فهم يريدون ضمها إليهم‪ ،‬كما تعد أيضا مكانا للصاحلني‪ ،‬وحتتوي على معامل إسالمية كبى‬
‫كاجلوامع‪ ،‬فيصف النمريي أحد معاملها قائال‪ " :‬وتتصّ هبذه الزاوية من جهة اجلوف‪ ،‬مدرسة‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.44‬‬


‫(‪ )2‬أبو عنان‪ :‬هو فارس بن علي بن عثمان بن يعقوب املريين أبو العنان املتوكّ على اهلل من ملوك الدولة املرينية باملغرب‪ .‬ينظر‬
‫احلال املوشيه يف أخبار الدولة املركشية لؤلف جمهول تح‪ :‬سهيّ زكار‪ ،‬عبد القادر زمامة‪ ،‬دار الرشاد احلديثة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫ط‪ ،3444 ،3‬ص ‪.344‬‬
‫(‪ )3‬يلقب باحللوي‪ :‬وهو أكب العلماء و العباد‪ ،‬استقر بتلمسان‪ .‬ينظر ابن مرمي البتسان يف ذكر األولياء و العلماء بتلمسان‪:‬‬
‫وقف على طبعه واعتىن مبراجعة أصله‪ :‬حممد بن أيب شنب‪ ،‬اجلزائر‪( ،‬د‪ ،‬ط)‪ ،3409 ،‬ص ‪.190‬‬
‫(‪ )4‬ابن احلاج النمريي‪ ،‬فيض العباب‪ ،‬وإفاضة قداح اآلداب يف احلركة السعيدة من قسنطينة إىل الزاب‪ ،‬دراسة وإعداد‪ ،‬حممد بن‬
‫شقرون‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي بريوت لبنان‪ ،‬ط‪ ،3440 ،3‬ص ‪.299‬‬

‫‪-18-‬‬
‫الرحلة‬
‫تلمسان في أاد ّ‬ ‫مدخل‬

‫متعددة البيوت‪ ،‬رفيعة السموت‪ ،‬بديعة النعوت‪ ،‬وهبا أبواب تشرع إىل ديار كاملة املنافع‪ ،‬حسنة‬
‫املقاطع معينة للرؤساء القائمني بالوظائف‪ ،‬املتولني ألرفاد البادي والعاكف"(‪ )1‬فمدرستها املتميزة‬
‫توحي بكون املدينة دار علم‪ ،‬ومقصد لطالبه‪.‬‬
‫و‪ -‬البلوي‪:‬‬
‫يقول البلوي واصفا تلمسان‪" :‬رأيت مدينة قّ مثلها وجّ عرارها وبناها وأثلها بطاح وأوراح‬
‫ورىب مالح وضياء وانشراح وبسيط له اتساع وانفساح"(‪ )2‬فهي مدينة فسيحة متسعة األرجاء‬
‫مضاءة‪.‬‬
‫"والدائر بالبلد كله مغروس بالكروم‪ ،‬وأنواع الثمار‪ ،‬وسوره من أوثق األسوار‪ ،‬وأصحها‪ ،‬وبه محامات‬
‫نظيفة‪ ،‬ومن أحسنها وأوسعها وأنظفها محام العالية‪ ،‬وهو مشهور قّ أن يرى له نظري"(‪ )3‬حتيط هبذه‬
‫املدينة خمتلف أنواع الكروم واألشجار تزينها وتزيد يف رونقها‪ ،‬ومتدها باخلريات الكثرية‪ ،‬باإلضافة إىل‬
‫احتوائها على العديد من عناصر احلضارة كاحلمامات الواسعة والنظيفة‪ ،‬ولعّ محام العالية أشهرها‪.‬‬
‫"وهذه املدينة باجلملة ذات منظر وخمب وأقطارها متسعة‪ ،‬ومبانيها مرتفعة ولكنها مساكن بال ساكن‪،‬‬
‫ومنازل بغري نازل‪ ،‬ومعاهد أقفرت من متعاهد تبكي عليها فتسكب الغمام اهلمع‪ ،‬وترثي هلا فتندب‬
‫(‪)4‬‬
‫احلمام الوقع أتى نزل هبا مستضيف قرته بؤسا أو حّ فيها ضيف كسته من ردا الردى لبوسا"‬
‫يوجد هبذه املدينة كثري من اخلريات‪ ،‬وهي حمصنة حتيط هبا العديد من األسوار‪ ،‬كما أاها حتتوي على‬
‫املناظر اجلميلة املبهرة‪ ،‬وأرجائها متسعة لكنها على الرغم من كّ هذا فهي خالية تبعث احلزن يف‬
‫نفوس زوارها‪ ،‬ولعّ ذلك راجع إىل الفاقة اليت حلت هبا‪.‬‬

‫( ‪ )1‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.299‬‬


‫(‪ )2‬أبو البقاء البلوي‪ ،‬تاج املفرق يف حتلية علماء املشرق تح‪ :‬احلسن السائح‪ ،‬صندوق إحياء الرتاث العريب‪ ،‬مطبعة فضالة الغرب‪،‬‬
‫(د‪.‬ط) (د‪.‬ت)‪ ،‬ص ‪.329‬‬
‫(‪ )3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.344‬‬
‫(‪ )4‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.344‬‬

‫‪-19-‬‬
‫الرحلة‬
‫تلمسان في أاد ّ‬ ‫مدخل‬

‫ز‪ -‬القلصاادي‪:‬‬
‫حتدث القلصادي عن مدينة تلمسان وعن خرياهتا وأهلها "يا هلا من شأن ذات احملاسن الفائقة‬
‫واألاهار الرائقة‪ ،‬واألشجار الباسقة واألمثار احملدقة والناس الفضالء األكياس املخصوصني بكرم الطباع‬
‫واألنفاس وال ينكر وجود الفاد"(‪.)1‬‬
‫وصف هذا الرحالة ما لقيه من حسن ومجال يف بالد تلمسان‪ ،‬فتحدث عن روعة األاهار‪ ،‬وطول‬
‫األشجار‪ ،‬كما ذكر سكااها الكرماء الظرفاء حبيث تعدى وصف املدينة من وصف املكان إىل وصف‬
‫األشخاص وطبائعهم‪.‬‬
‫ز‪ -‬العمري‪:‬‬
‫حتدث العمري عن مدينة تلمسان‪ ،‬وعن ملكها وعن خرياهتا وأاهارها "هي قاعدة امللك الذي‬
‫فتحه هذا السلطان (أبو احلسن)"(‪ )2‬بسيفه‪ ،‬واستضافة إىل ملكه قال الشريف يف كتاب أجار‪:‬‬
‫"وهي يف سفح اجلبّ‪ ،‬وهبا آثار األول وماؤها جملوب من عيون على ستة أميال‪ ،‬وهلا أسواق ضخمة‬
‫ومساجد جامعة"(‪.)3‬‬
‫فتح السلطان أبو احلسن مدينة تلمسان‪ ،‬وجعلها تابعة ململكته‪ ،‬وهي مدينة جبلية فيها بقايا من‬
‫آثار األول‪ ،‬وفيها اخلريات من املياه‪ ،‬كما حتتوي على عناصر احلضارة مثّ‪ :‬األسواق واملساجد‪.‬‬
‫"يصب اهرها يف بركة عظيمة من آثار األول‪ ،‬ويسمع لوقعه خرير على مسافة ث يصب يف اهر آخر‬
‫بعدما مير على البساتني‪ ،‬ويستدير بقبليها وشرقيها‪ ،‬وتدخّ فيه السفن اللطاف حيث يصب يف‬

‫(‪ )1‬أبو احلسن علي القلصادي األندلسي‪ ،‬رحلة القلصادي‪ ،‬تح‪ ،‬حممد أبو األجفان‪ ،‬الشركة التونسية‪ ،‬تونس‪( ،‬د‪ .‬ط)‪،3449 ،‬‬
‫ص ‪.42‬‬
‫(‪ )2‬أبو احلسن املريين كانت مدته عشرين سنة وأربعة أشهر تويف هبنتاته مراكش سنة ‪ .3424‬ينظر‪ :‬احللّ املوشية يف أخبار‬
‫الدولة املراكشية ملؤلف جمهول ص ‪.344‬‬
‫(‪ )3‬ابن فضّ اهلل العمري‪ ،‬مسالك األبصار يف مالك األمصار‪ ،‬تح‪ :‬حممد عبد القادر خريسات‪ ،‬عصام مصطفى هزاميية‪ ،‬يوسف‬
‫أمحد ياسني‪ ،‬مركز زايد للرتاث والتاريخ‪ ،‬اإلمارات العربية املتحدة‪( ،‬د‪ .‬ط)‪( ،‬د‪ .‬ت)‪ ،‬ص ‪.342‬‬

‫‪-20-‬‬
‫الرحلة‬
‫تلمسان في أاد ّ‬ ‫مدخل‬

‫البحر‪ ،‬وهي دار علم متوسطة يف قبائّ الببر‪ ،‬ومقصد جتار اآلفاق‪ ،‬زكية األرض من الزرع‬
‫والضرح"(‪.)1‬‬
‫وصف هذا الرحالة البكة اليت يصب فيها النهر العظيم‪ ،‬وأرضها اخلصبة اليت فيها خريات كثرية‪.‬‬
‫واحتالهلا مكانة ميزة‪ ،‬وذلك لتوسطها املدن‪" .‬وهلا حصون كثرية‪ ،‬وقرص عديدة أشهرها قرصة هنني‪،‬‬
‫وهي قبالة املرية‪ ،‬ووهران وتلمسان على ما بلغ حد التواتر يف غاية املنعة واحلصانة‪ ،‬مع أاها يف وطأة‬
‫ولكنها حمصنة بالبناء‪ ،‬وتلمسان منحرفة إىل اجلنوب الشرقي لفاس وهلا ثالثة أسوار‪ .‬ومن جهة‬
‫القصبة ستة أسوار بعضها داخّ يف بعض‪ ،‬ومل يهجس خباطر أاها تؤخذ ولكن سري اهلل هلذا السلطان‬
‫أيب احلسن املريين صعبها وذلّ له إباءها حىت ملك ناصيتها‪ ،‬وبلغ دانيتها وقاصيتها"(‪ )2‬فتلمسان‬
‫كما يرى العمري منطقة حصينة وبنيااها صلبة حتتوي على معامل تدل على احلضارة اإلسالمية‬
‫كاألسوار والقصبة‪.‬‬
‫"ومياه هلا على درر احلصى انسحاب وانسياح‪ ،‬وروضات يعرتي ويعرتض إليها اهتزاز وارتياح وجنات‬
‫ريقها ندى‪ ،‬وثغورها أتاح فسيحة األرجاء‪ ،‬صحيحة اهلواء متدة الغاية يف احلسن واالنتهاء‪ ،‬جوها‬
‫صقيّ جمتالها مجيّ"(‪.)3‬‬
‫متيزت تلمسان باهلواء العليّ الذي يبث الراحة يف النفوس‪ ،‬وجوها اجلميّ الذي يبعث الطمأنينة يف‬
‫قلوب السكان والزوار‪.‬‬
‫ط‪ -‬الحسن الوزان‪:‬‬
‫ذكر احلسن الوزان ما صحيط مبدينة تلمسان‪ ،‬ومن سكنها قائال‪" :‬صحد ملكة تلمسان واد زا‬
‫واهر ملوية غربا والواد الكبري (الصمام) وصحراء نومديا جنوبا وكانت هذه اململكة حتمّ يف القدمي‬
‫اسم قيصرية عندما كانت خاضعة لسيطرة الرومان‪ ،‬ث آلت إىل ملوكها األقدمني‪ ،‬وهم بنو عبد الواد‬
‫املنتمون إىل مغراوة بعد أن أجلي الرومان عن افريقيا‪ ،‬وقد احتفظوا بامللك مدة ثالمثائة سنة إىل أن‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.342‬‬


‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.342‬‬
‫(‪ )3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.342‬‬

‫‪-21-‬‬
‫الرحلة‬
‫تلمسان في أاد ّ‬ ‫مدخل‬

‫انتزعه منهم أمري ذو شأن كبري يسمى "يغمراسن بن زيان"(‪ )1‬وورثه عنه أحفاده‪ ،‬حبيث أن هؤالء‬
‫امللوك بدلوا امسهم و دعوا بن زيان أي أوالد زيان هكذا كان والدا ليغمراسن"(‪ .)2‬تـعد تلمسان‬
‫مدينة التاريخ بني أرجاءها نقرأ تاريخ أمة‪ ،‬ونسمع صوت امللوك‪ ،‬وعظمة احلضارات الغابرة كالرومانية‬
‫إىل أن جاء اإلسالم وجعّ منها مكانا للمسلمني فأصبحت ألحد ملوك اإلسالم‪ ،‬ومركز احلضارة‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫"متتد ملكة تلمسان على مسافة ثالمثائة ومثانني ميال‪ ،‬من الشرق إىل الغرب لكنها تضيق جدا من‬
‫الشمال إىل اجلنوب‪ ،‬إذ ال تتعدى املسافة مخسة وعشرين ميال يف بعض النقط من البحر املتوسط‬
‫إىل ختوم صحراء نوميديا"(‪ ،)3‬إذن هي مدينة تقع يف غرب اجلزائر‪ ،‬وعلى ساحّ البحر املتوسط‪،‬‬
‫وهذا ما أكسبها متيزا‪.‬‬
‫"وهلذه اململكة ميناءان مشهوران‪ :‬ميناء وهران‪ ،‬وميناء املرسى الكبري ويكون معظم ملكة تلمسان‬
‫أقاليم جافة قاحلة ال سيما يف جزئها اجلنويب لكن السهول القريبة من الساحّ منتجة جدا نظرا‬
‫خلصبها"(‪ )4‬قرهبا من الساحّ جعلها تتمتع بثروة هائلة‪ ،‬ومكانة كبرية‪" .‬واجلهة اجملاورة لتلمسان كلها‬
‫سهّ مع بعض املفازات‪ ،‬حقا أنه توجد غربا عدة جبال قرب الشاطئ‪ ،‬وكذلك يف إقليم تنس‪،‬‬
‫وفوق بالد اجلزائر عدد ال صحصى من اجلبال غري أاها كلها منتجة"(‪ )5‬تتمتع تلمسان بالعديد من‬
‫املميزات فقرهبا من البحر أكسبها ميزة يف أن تكون منطقة سهلية إضافة إىل اجلبال احمليطة هبا؛ فقد‬
‫مجعت بذلك بني ثروات البحار وثروات الغابات واجلبال‪.‬‬

‫(‪ )1‬يغمراسن بن زيان بن ثابت بن حممد بن عبد الوادي أمري املسلمني وأحد سالطني بن عبد الواد‪ .‬ينظر‪ :‬صحي بن خلدون بغية‬
‫الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫(‪ )2‬احلسن بن حممد الوزان الفاسي املعروف بليون االفريقي‪ ،‬وصف إفريقيا‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،3494 ،4‬‬
‫ص‪.4‬‬
‫(‪ )3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.4‬‬
‫(‪ )4‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.4‬‬
‫(‪ )5‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.4‬‬

‫‪-22-‬‬
‫الرحلة‬
‫تلمسان في أاد ّ‬ ‫مدخل‬

‫(‪)1‬‬
‫"وال يوجد هبذه اململكة إال القليّ من املدن والقصور‪ ،‬غري أن األماكن زاهرة والبقعة خصبة"‬
‫على الرغم من قلة القصور والعمران إال أن خصب املدينة جعلها متميزة زاهية‪.‬‬
‫ومن هنا وجب القول بأن تلمسان مدينة عظيمة وملكة مرت عب تطورات ومراحّ خمتلفة‬
‫واختلفت من ناحية الوصف من رحالة إىل آخر‪ ،‬فمنهم من وصف خرياهتا ومجاهلا‪ ،‬ومنهم من جعّ‬
‫منها املدينة التاريخ‪ ،‬وحتدث عن ملوكها وأهلها‪ ،‬ومنهم من وصف معاملها ومراكز احلضارة هبا فذكر‬
‫وأسواقها‪ ...‬واملالحظ أن تلمسان قد تغريت عب التاريخ فقد كانت عند ابن حوقّ جمرد مدينة قدمية‬
‫هلا سور قوي متني‪ ،‬فتحدث عن خرياهتا ومزارعها‪ ،‬ث أصبحت عند اإلدريسي مدينتان بينهما سور‪،‬‬
‫فتحدث هو اآلخر عن اهرها وخرياهتا‪ ،‬كما حتدث عن كواها تتوسط املدن‪ ،‬وتعد قفّ املغرب هبا‬
‫ميكن العبور إليه وشدت انتباه املؤلف اجملهول عظمة تلك املدينة فأثارها تبنئ عن مكانتها‪ ،‬ونن‬
‫نرى من خالل التعاريف السابقة أن هؤالء الرحالة مجيعهم وإن حتدثوا عن خريات املدينة‪ ،‬وما صحيط‬
‫هبا من أاهار وقرى إال أاهم يف احلقيقة اتفقوا على كواها مدينة قدمية أزلية‪ ،‬ث تغري الوصف مع‬
‫العبدري‪ ،‬فنجده حتدث عن خرياهتا ومعاملها ومزاراهتا الكثرية‪ ،‬وأشار إىل مكانتها العظيمة‪ ،‬وذلك‬
‫لوجود بعض األعالم هبا كابن مخيس‪ ،‬أما النمريي فتحدث عن تلمسان املدينة التاريخ أي عن آثار‬
‫ملوكها‪ ،‬وأهّ العلم هبا‪ ،‬وعن معاملها الدينية وآثارها مثّ‪ :‬اجلوامع و املدارس والزوايا‪...‬‬
‫كما وصف ما يوجد هبا‪ ،‬من محامات وأسواق‪ ،‬فتطورت هنا من املدينة القدمية إىل املدينة احلضارية‪،‬‬
‫ومشريا يف الوقت نفسه إىل خرياهتا الكثرية واملتعددة لكنه يرى أنه على الرغم من رحابتها إال أاها‬
‫تـعد كما يقول‪ » :‬مساكن بال ساكن « إاها ليست مكانا الستقطاب السكان‪ ،‬فهي تبعث احلزن‬
‫يف نفوس من يزورها على حد تعبري البلوي أما القلصادي فذكر هو اآلخر حماسنها وأاهارها‪ ،‬ووصف‬
‫طبائع أهلها‪ ،‬ولكن يف وصف العمري جند أن تلمسان باإلضافة إىل خرياهتا وأاهارها فهي مدينة‬
‫متطورة تدخلها السفن‪ ،‬وهلا حصون وأسوار وغريها وهذا يعين أن العمران هبا قد تطور فتحولت من‬
‫املدينة األزلية القدمية إىل املدينة املتطورة‪ ،‬ويف وصف احلسن الوزان نرى أاها شهدت تطورا ملحوظا‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.30‬‬

‫‪-23-‬‬
‫الرحلة‬
‫تلمسان في أاد ّ‬ ‫مدخل‬

‫فأصبحت ملكة فتحدث عن تارخيها‪ ،‬وما صحيط هبا وعن احلضارات واألمم اليت كانت تسكن هبا‪،‬‬
‫ومن هنا جند ان تلمسان قد تطورت عب أزمنة وحتولت من املدينة األزلية إىل مدينة شهدت احلضارة‬
‫والعلم والتقدم العمراين والرقي‪ ،‬وكانت أيضا املدينة التاريخ‪.‬‬
‫إذا كانت تلمسان ملكة للعديد من األمراء‪ ،‬ومعقّ احلكم لعديد من دول اجلزائر‪ ،‬كالدولة‬
‫الزيانية اليت سنتطرق هلا بالدراسة والذكر يف احلياة السياسية لتلمسان إضافة إىل الناحية الثقافية اليت‬
‫سنقف عندها وندرس أهم األعالم هبذه املدينة الغنية بثرواهتا وبأهلها وأصحاب العلم هبا‪.‬‬

‫‪-24-‬‬
‫الفص ــل األ ّول‪:‬‬

‫السياسية لتلمسان من خالل النثر‬


‫الحياة ّ‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -I‬تلمسان من الفتح الى قيام الدولة الزيانيّة‪:‬‬


‫تلمسان هي تلك املدينة العتيقة‪ ،‬اليت ظهرت ببالد املغرب العريب‪ ،‬فكانت قطبا يضاهي‬
‫الدول اإلسالمية تقدما ورقيا‪ ،‬فبعد أن تعرفنا على هذه املدينة سابقا‪ ،‬من خالل ما جاءت به كتب‬
‫الرحالت‪ ،‬سنحاول كشف الغطاء عن الدول اليت ظهرت هبا من الفتح اإلسالمي إىل قيام دولة بين‬
‫زيان‪.‬‬

‫‪ -5‬الفتــح االسالمي لتلمســان‪:‬‬

‫كانت تلمسان‪ ،‬فيما قبّ الفتح اإلسالمي مدينة بربرية " يقطن هبا بنو يفرن(‪ )1‬الذين كان‬
‫هلم باملغرب األوسط بطون كثرية بنواحي تلمسان"(‪ )2‬وهم الذين اختطوا تلمسان‪ ،‬فهي كغريها من‬
‫مدن املغرب العريب بربرية خالصة حتولت فيما بعد إىل قاعدة ودولة إسالمية بفضّ الفاحتني الذين‬
‫أرسوا قواعد اإلسالم يف بالد املغرب‪.‬‬

‫ولعّ أول الفاحتني‪ ،‬الذين وطئت أقدامهم أرض تلمسان‪ :‬أبو املهاجر دينار‪ ":‬ويل خليفة معاوية‪،‬‬
‫على مصر‪ ،‬وقد زحف إليها أبو املهاجر‪ ،‬حوايل ‪22‬هـ‪ ... ،‬فتوجه هذا األخري جبنده إىل تلمسان‪،‬‬
‫لكن إقامته هبا مل تطول‪ ،‬فوجهته كانت فتح املغرب األقصى‪ ،‬لنشر الدين‪ ،‬وهكذا صارت تلمسان‬
‫تابعة لوالة القريوان الذين حكموها باسم اخلليفة األموي‪ ،‬ومن بعدها باسم اخلليفة العباسي"(‪.)3‬‬

‫سعى الفاحتون العرب إىل نشر الدين اإلسالمي‪ ،‬فوصلت دعوهتم إىل غرب بالد اجلزائر‪ ،‬فأضحت‬
‫بذلك تلمسان مدينة إسالمية صحكمها جمموعة من الوالة من بينهم عقبة بن نافع وعبد الرمحن بن‬

‫(‪ )1‬بنو يفرن‪ :‬شعب من شعوب زناتة‪ ،‬وأوسع بطواهم‪ .‬ينظر‪ :‬عبد الرمحن ابن خلدون‪ ،‬تاريخ ابن خلدون‪.32/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬عبد الرمحن ابن خلدون‪ ،‬تاريخ ابن خلدون ‪.42/4‬‬
‫( ‪)3‬‬
‫حممد بن رمضان شاوش‪ ،‬باقة السوسان يف التعريف حبضارة تلمسان عاصمة دولة بين زيان‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪،‬‬
‫اجلزائر‪( ،‬د‪ .‬ط)‪.21/3 ،4033 ،‬‬

‫‪-26-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫حبيب عام ‪312‬هـ‪ ،‬وظفر مبا مل يظفر أحد قبله هبا‪ ،‬وبقيت يف حكم أولئك الوالة‪ ،‬إىل أن‪":‬‬
‫استوىل عليها أبو القرة اليفرين أثناء القرن الثالث وأسس هبا إمارة خارجية صفرية مل تطّ مدهتا‬
‫(‪)1‬‬
‫جاعال منها قاعدة مللكه"‬

‫جعّ أبو قرة اليفرين من تلمسان قاعدة أساسية مللكه‪ ،‬فأسس عرشه فيها " لكن إمارته بتلمسان‬
‫كانت قصرية"(‪ )2‬فملكه مل يدم طويال وانتهت فرتة حكمه‪ ،‬ث توىل األمر بتلمسان بعده بنو خزر‬
‫املغراويني(‪ )3‬الزناتيني‪ ،‬ومن هؤالء حممد بن خزر املغراوي الزنايت‪ ،‬الذي‪ ":‬سلمها للموىل إدريس ابن‬
‫عبد اهلل صاحب املغرب األقصى عام ‪341‬ه"(‪ )4‬إذا فحكم تلمسان آل إلمارة األدارسة‪.‬‬

‫ظهرت بذلك الدولة اإلدريسية يف تلمسان اليت كان يعيش فيها قبّ الزناتيون البابرة‪ .‬فآلت فيما‬
‫بعد للحكام اإلسالميني حيث ظهرت هبا جمموعة من الدول‪ ،‬سنتطرق إليها على مر العصور انطالقا‬
‫من الدولة اإلدريسية وصوال إىل دولة الزيانيني‪.‬‬

‫‪ -6‬تلمسان في عهد األادارســة‪:‬‬

‫بعد انتهاء ملك املغراويني يف تلمسان‪ ،‬وتسليمهم اإلمارة إىل كبري األدارسة "إدريس األكب بن عبد‬
‫اهلل بن احلسن بن احلسن"(‪ ،)5‬أي أاهم ينسبون إىل جدهم األكب إدريس بن عبد اهلل صاحب املغرب‬
‫الذي " دخّ املغرب األقصى عام ‪344‬هـ فارا من اضطهاد اخللفاء العباسيني‪ ،‬فإنه التجأ أوال إىل‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.21‬‬


‫(‪ )2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫(‪ )3‬املغراويني‪ :‬كانوا أوسع بطون زناتة‪ ،‬ونسبهم اىل مغرو بن يصلتين بن مسرين زاكيا‪ ...‬اخوة بين يفرن وبين زيان‪ ،‬وكانت حمالهتم‬
‫بأرض املغرب األوسط من شلف اىل تلمسان‪ .‬ينظر‪ :‬عبد الرمحن ابن خلدون‪ :‬تاريخ ابن خلدون ‪.11/4‬‬
‫(‪ )4‬حممد بن رمضان شاوش‪ ،‬باقة السوسان يف التعريف حبضارة تلمسان عاصمة دولة بين زيان ‪.21/3‬‬
‫(‪ )5‬عبد الرمحن ابن خلدون‪ :‬تاريخ ابن خلدون ‪.12/4‬‬

‫‪-27-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫مدينة وليلي يف جبّ زرهون فبايعه أهلها باخلالفة‪ .‬ث دان هلم أهّ املغرب األقصى كلهم"(‪ )1‬دخّ‬
‫إدريس إىل املغرب األقصى ملا عاىن من ويالت اخللفاء الذين قاموا باضطهاده‪ ،‬فاختار بذلك بالد‬
‫املغرب كوجهة له‪ ،‬فارا من جبوهتم فذاع صيته هناك‪ ،‬وبايعه أهلها باخلالفة ث اجتهت أنظاره إىل‬
‫املغرب األوسط "سنة أربع وسبعني ومائة فتلقاه حممد بن خزر‪ ،‬وألقى إليه القادة‪ ،‬وبايع له عن قومه‪،‬‬
‫وأمكنه من تلمسان بعد أن غلب عليها بنو يفرن" (‪ )2‬وهكذا قد أصبح صحكم تلمسان‪ ،‬لكن ملكه‬
‫مل يدم طويال حيث " أن اخلليفة العباسي هارون الرشيد بعث له من قتله مسموما عام ‪344‬هـ‪ ،‬ث‬
‫توىل األمر بعده ابنه إدريس الذي كانت أمه حامال به حني وفاة أبيه"(‪ )3‬كان احلكم‪ ،‬وراثيا بني‬
‫األدارسة‪ ،‬أما فيما خيص تلمسان فقد وجه إليها إدريس األكب أخاه سليمان بن عبد اهلل بن احلسن‬
‫بن احلسن القادم إليه من الشرق " فسجّ له إدريس حكم تلمسان‪ ،‬وملا تويف عقب ابنه مباشرة‬
‫حممد بن سليمان الذي سلم اإلمارة فيما بعد البن عمه إدريس الثاين الذي قضى على الفتنة اليت‬
‫أحدثت أيام اخلوارج‪ ،‬وأقام باملغرب نو ثالث سنني"(‪ )4‬متكن إدريس األصغر من احلصول على‬
‫ملك هذه املدينة "وعمّ على جتديد العهد البن عمه على والية تلمسان بعد أن عقد صلحا مع‬
‫بين األغلب أمر إفريقية على أن يكون احلد الفاصّ بينهما اهر الشلف ث قفّ راجعا إىل مدينة فاس‬
‫بعد أن أقام ثالثة أعوام بتلمسان؛ فقد مكن ابن إدريس األكب ملك تلمسان البن عمه فآلت فيما‬
‫بعد إىل بنيه وهم األدارسة وبقيت كذلك إىل أن استوىل عليها ابن أيب العافية املكناسي عامّ‬
‫العبيدين وقطع دعوة األدارسة"(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬حممد بن رمضان شاوش‪ ،‬باقة السوسان يف التعريف حبضارة تلمسان عاصمة دولة بين زيان‪29/3،‬‬
‫(‪ )2‬عبد الرمحن ابن خلدون‪ ،‬تاريخ ابن خلدون ‪.12/4‬‬
‫(‪ )3‬حممد بن رمضان شاوش‪ ،‬باقة السوسان يف التعريف حبضارة تلمسان عاصمة دولة بين زيان ‪.29/3‬‬
‫(‪ )4‬املرجع نفسه‪.29/3 ،‬‬
‫(‪ )5‬املرجع نفسه‪.29/3 ،‬‬

‫‪-28-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫فمن هنا ينتهي منابر دعوة األدارسة يف تلمسان لتعقبها بعد ذلك فرتة أخرى آل فيها احلكم إىل‬
‫الفاطميني الذين احتدم الصراع بينهم وبني األمويني على إمارة تلمسـان‪.‬‬

‫‪ -4‬الصــراع الفاطــمي األمـوي على تلمســان‪:‬‬

‫بعد انتهاء فرتة حكم األدارسة يف تلمسان "وقعت مجلة من الفنت بني قبيلة صنهاجة املناصرة للدولة‬
‫الفاطمية يف القريوان واملهدية‪ ،‬وبني قبيلة زناتة املناصرة للدولة األموية يف قرطبة‪ ،‬كانت تلمسان‬
‫ضحيتها ألاها تارة خاضعة للفاطميني وتارة لألمويني"(‪ ،)1‬عانت تلمسان كثريا من نار الفتنة الواقعة‬
‫بني الفاطميني وبين أمية‪ ،‬فهي مل تكن مبعزل عن هاته األحداث‪ ،‬بّ وكانت ضمن الدول اإلسالمية‬
‫اليت عانت من الصراع‪ ،‬وقد إستمرت حماوالت الفاطميني يف إلخضاع تلمسان " فبعد إستالء موسى‬
‫بن أيب العافية عليها‪ ،‬سنة تسع عشرة وثالمثائة فملكها"(‪ )2‬ويبدو أن ابن أيب العافية مل يدم حكمه‬
‫هبا "فقد ثار أهلها عليه‪ ،‬وبايعوا صاحب األندلس اخلليفة عبد الرمحان الناصر فأسند هذا األخري‬
‫أمرها إىل عامله على املغرب األقصى‪ ،‬يعلى االفريين ‪ ...‬ومل ينتسب األمر فيها ال للعبيديني(‪ )3‬وال‬
‫األمويني‪ ،‬لكن هذا األخري قضى على القائد جوهر الصقلي وعلى املواليني األمويني من بين يفرن‬
‫ومغراوة الزناتيني وضمها اهائيا إىل ملكة العبيديني "(‪ )4‬كانت تلمسان بني كفي ميزان تارة لدولة‬
‫وأخرى لدولة ثانية‪ ،‬وقد أسند أمرها إىل يعلي األفريين‪ ،‬الذي قضى عليه القائد جوهر الصقلي‪ ،‬ومن‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.20‬‬


‫(‪ )2‬أمحد بن خالد الناصري‪ ،‬االستقصاء ألاهار دول املغرب األقصى الدولة املرينية‪ ،‬تح‪ :‬جعفر الناصري‪ ،‬وحممد الناصري‪ :‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬املغرب‪( ،‬د‪ .‬ط)‪.421/3 ،3444 ،‬‬
‫(‪ )3‬العبيديني‪ :‬نسبة‪ :‬عبيد اهلل املهدي‪ :‬ويقال انه [و حممد عبيد اهلل بن احلسن بن علي بن حممد ابن علي بن موسى‪ ،‬بن جعفر‬
‫بن حممد بن علي بن أيب طالب‪ ،‬ينظر‪ :‬عبد العزيز الثعاليب‪ :‬تاريخ مشال افريقيا من الفتح االسالمي اىل اهاية الدولة األغلبية‪،‬‬
‫أمحد بن ميالد‪ ،‬حممد ادريس‪ ،‬تقدمي ومراجعة محادي الساحلي‪ ،‬دار الغرب االسالمي‪،‬ط‪ ،3494 ،3‬ص‪.441‬‬
‫(‪ )4‬حممد بن رمضان شاوش‪ ،‬باقة السوسان يف التعريف حلضارة تلمسان‪.20 /3 ،‬‬

‫‪-29-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫هنا كانت النهاية للمواليني لألمويني من مغراوة والزناتيني "لتتحول فيما بعد إىل حكم العبيديني‬
‫الذين فتحوا مصر‪ ،‬ونقلوا كرسيهم من املهدية إىل القاهرة‪ ،‬لتنظم بذلك تلمسان إىل الزيريني‬
‫الصنهاجيني الذين أصبحوا صحكمون البالد باسم الفاطميني‪ ،‬فالزيريون قد قضوا على زناتة الذين‬
‫كانوا مواليني لألمويني"(‪.)1‬‬

‫متكن الفاطميون من القضاء على املواليني لألمويني‪ ،‬فتحولت بذلك اإلمارة إىل آل زيري الصنهاجية‬
‫الذين كانوا املناصرين هلا‪ ،‬فيما قبّ فحكموها باسم الفاطميني‪.‬‬

‫تلمسان املدينة التاريخ‪ ،‬قد عانت كثريا من الصراعات واحلروب‪ ،‬فقد حتولت من حكم آلخر فمن‬
‫األمويني والفاطميني إىل بلكني يوسف الصنهاجي" الذي استوىل على حكم تلمسان‪ ،‬وخرهبا وشرد‬
‫أهلها ونقّ الكثري منهم إال عاصمة أشري إال أنه مل ترق هلم اإلقامة هبذه املدينة‪ ،‬فبنوا بالقرب منها‬
‫مدينة أخرى‪ ،‬عمروها‪ ،‬ودعوها تلمسان اجلديدة"(‪ ،)2‬فمدينة تلمسان‪ ،‬قد وقع عليها ختريب عظيم‬
‫أحرزه فيها بلكني يوسف‪ ،‬فالواضح أن هؤالء األهّ مل يستطيعوا البعد عن املدينة اليت ال طاملا‬
‫احتوهتم أو تربوا يف أرجائها‪ ،‬فقرروا بذلك الرجوع إليها‪" .‬أما فيما خيص‪ ،‬تلمسان األصلية‪ ،‬فجدد‬
‫بنائها‪ ،‬أمراء بين يعلي املغراويني‪ ،‬وجعلوها عاصمة املغرب األوسط‪ ،‬ث قام إليها آل زيري بن عطية‬
‫بن خزز‪ ،‬قائما بالدعوة األموية ومتكن من اإلستالء عليها وإرجاعها إىل حكم بين أمية وأبقى‬
‫(‪)3‬‬
‫فملك تلمسان متشتت بني دولتني اشتهرتا يف التاريخ‬ ‫التصرف فيها إىل بين يعلى املغراويني"‬
‫اإلسالمي بصراعاهتما الطويلة على اخلالفة‪ ،‬وهكذا بقيت تلمسان تعاين من الصراعات بني قبائلها‪،‬‬
‫صنهاجة وزنانة‪ ،‬فكّ قبيلة كانت تقوم بالوالء لدولة معينة من الدويالت اليت ذكرناها‪ ،‬فراحت جراء‬
‫هذه األحداث تلمسان كضحية حيث عانت كثريا من فنت والصراع القائم بني الدولتني‪ ،‬فلم تكن‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪.20/3 ،‬‬


‫(‪ )2‬املرجع نفسه‪.20/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬املرجع نفسه‪.20/3 ،‬‬

‫‪-30-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫مبعزل عن الصراعات احلاصلة يف الدول اإلسالمية‪ ،‬وقد عرفنا من خالل هذه الصراعات املتكررة‬
‫على املدينة أاها كانت تقع يف حكم الدويالت اإلسالمية‪ ،‬واختذت كمركز وقاعدة حلكمهم‪.‬‬

‫‪ -9‬تلمسان في العهد المرابطــي‪:‬‬

‫عرفت تلمسان قبّ عهد املرابطني توافد جمموعة من الفاحتني عليها فكانت بذلك من ملك األدارسة‬
‫إىل الصراع الفاطمي األموي عليها‪ ،‬لتعرف فيما بعد توافد جمموعة من الدول و األقوام عليها عصرا‬
‫آخر‪ ،‬وهو عصر املرابطني " ملك املرابطون(‪ ،)1‬أعمال املغرب األقصى بعد مهلك صحي ووالية ابنه‬
‫العباس(‪ )2‬أيب خبيت بتلمسان "(‪ )3‬آلت تلمسان إىل حكم املرابطني بعد إمارة ملوك بين يعلى" ففي‬
‫(‪)4‬‬
‫قائده مزديل بن تيلكان اللمتوين لغزو‬ ‫سنة اثنتني وسبعني وأربعمائة بعث يوسف بن تاشفني‬
‫تلمسان واملغرب األوسط‪ ،‬فسار اليها يف عشرين ألفا من املرابطني‪ ،‬وكان بتلمسان يومئذ العباس بن‬
‫خبيت ‪ ...‬فدخلوا املغرب األوسط وتقروا بالد زناتة" (‪ )5‬كانت هذه البدايات األوىل لدخول املرابطني‬
‫بالد تلمسان‪ ،‬ولعّ الفضّ يف ذلك يعود إىل أمريهم يوسف بن تاشفني‪ ،‬املفوض على بالد املغرب‪،‬‬
‫من قبّ خليفة املؤمنني أبو بكر بن عمر " ويف سنة ثالث وسبعني اهض يوسف بن تاشفني‪ ،‬بعد‬
‫أن كان قد رحّ اىل املغرب‪ ،‬وترك تلمسان إىل قائده‪ ،‬وافتتح تلمسان‪ ،‬واستلحم بن يعلى‪ ،‬ومن‬

‫( ‪)1‬‬
‫املرابطون‪ ،‬أشراف من قبيلة صنهاجة‪ ،‬حوايل ألف رجّ اجتمعوا اىل عبد اهلل بن ياسني اجلزويل‪ ،‬ومساهم املرابطني للزومة‬
‫ربطهم‪ ،‬كانوا برابرة‪ ،‬ث رسخ فيهم االسالم‪ ،‬ينظر‪ :‬أمحد بن خالد الناصري‪ ،‬االستقصاء ألخبار دول املغرب األقصى‪ ،‬الدولة‬
‫املرينية‪.4 -2/4 .‬‬
‫(‪ )2‬العباس بن خبت‪ ،‬من ولد يعلى بن حممد بن خرد املغراوي‪ .‬ينظر‪ :‬أو العباس أمحد بن خالد الناصري‪ ،‬االستقصاء ألخبار‬
‫دول املغرب األقصى‪ ،‬الدولة املرينية ‪.14/4‬‬
‫(‪ )3‬عبد الرمحن ابن خلدون‪ ،‬تاريخ ابن خلدون ‪.13/4‬‬
‫(‪ )4‬يوسف بن تاشفني‪ ،‬بن ابراهيم اللمتوين‪ ،‬فوضه األمري أبو بكر بن عمر علي على بالد املغرب‪ ،‬ينظر‪ :‬أبو عباس أمحد بن‬
‫خالد الناصري‪ ،‬االستقصاء‪.44/4 ،‬‬
‫(‪ )5‬أبو العباس أمحد بن خالد الناصري‪ ،‬االستقصاء‪.14/4 ،‬‬

‫‪-31-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫كان هبا من مغراوة‪ ،‬وقتّ العباس بن خبيت أمريها من بين يعلي ‪ ...‬وأنزل حممد بن تينعمر املسويف‬
‫يف عسكر املرابطني واختط مدينة تاكرارت مبكان معسكره‪ ...‬واليت صارت تلمسان القدمية اليت مسي‬
‫أكادير بلدا واحدا وانقرض أمر مغراوة‪ ،‬من مجيع املغرب"(‪ )1‬فصّ ابن خلدون يف تاريخ املرابطني‬
‫ودوهلم يف بالد املغرب لكن ارتأينا أن نأخذ منه إال ما يهم حبثنا‪ ،‬وهو تلمسان اليت عرفت فيها‬
‫إمارة املرابطني بعد قضائهم على مجيع املغراويني من بالد املغرب‪.‬‬

‫قضى يوسف بن تاشفني على مجيع املغراويني‪ ،‬كما ذكر ابن خلدون‪ ،‬وبىن مدينة جديدة " أصبحت‬
‫مركزا رمسيا للحكومة املرابطية إذ نزل هبا القواد واجلنود والرؤساء واألعيان‪ ،‬فذلك دعا إىل تشييد دار‬
‫اإلمارة واملسجد واجلامع هبا ‪ ...‬فبىن حينئذ يوسف قصر تلمسان القدمي‪ ،‬الذي كان موقعه غرب‬
‫اجلامع الكبري‪ ،‬وأسكن به عامله حممد السويف وعساكر املرابطني"(‪)2‬كانت تلمسان مستقرا للمرابطني‬
‫الذين شيدوا هبا املباين‪ ،‬واجلوامع‪ ،‬والقصور‪ ،‬حىت أصبحت هناك مدينتان‪ ،‬واحدة قدمية واألخرى‬
‫حديثة‪ ،‬ما يدل على استقرارهم يف املنطقة‪ ،‬ث كانت بعد خالفة يوسف أبو تاشفني خالفة " علي‬
‫بن يوسف الذي شيد جمموعة من املعامل يف بالد تلمسان مثّ‪ :‬اجلامع الكبري‪ ،‬حي تقررت‪ ،‬حي‬
‫ايالن ‪ ...‬وكانت تلمسان يف عهد املرابطني مقر الوالة على املغرب األوسط"(‪ )3‬واستمرت على هذا‬
‫احلال إىل أن حاصرها املوحدون بقيادة عبد املؤمن بن علي الكومي‪.‬‬

‫لتتحول بذلك هذه املدينة من ملك املرابطني اىل ملك آخر‪ ،‬إن كان عصر املرابطني حافال‬
‫باملنجزات العظيمة هلؤالء امللوك والسالطني من املرابطني‪ ،‬الذين تـركوا هلا مجلة من اآلثـار العمرانية‪،‬‬
‫تدل على قدرهتم‪ ،‬وعلى استقرارهم ببالد تلمسان ردحا من الزمن‪ ،‬فعملوا القصور العالية‬
‫واجلوامع‪ ...،‬وقد دلت هذه األخرية على عظمة أولئك ومشوخهم‪ ،‬وإن مل تدم فرتة حكمهم‪ ،‬وزال‬

‫(‪ )1‬عبد الرمحن ابن خلدون‪ ،‬تاريخ ابن خلدون‪.13/4 ،‬‬


‫(‪ )2‬حممد بن رمضان شاوش‪ ،‬باقة السوسان يف التعريف حبضارة تلمسان‪.21/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.21‬‬

‫‪-32-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫ملكهم بتلمسان‪ ،‬لنشهد بعد ذلك عهدا آخر لوالية تلمسان‪ ،‬ودولة أخرى ظهرت يف أكناف هذه‬
‫املدينة‪ ،‬وتوسعت يف أرجائها‪ ،‬ولعلنا هنا سنتحدث عن عهد املوحدين يف تلمسان‪.‬‬

‫‪ -1‬تلمسان في العهــد الموحــدي‪:‬‬

‫قامت دولة املوحدين على أنقاض الدولة املرابطية‪ " :‬قامت الدولة املوحدية يف البداية مبراكش‪ ،‬وكان‬
‫أمر املرابطني وامللثمني يومئذ اسحاق بن علي بن يوسف ‪ ...‬حاصر املوحدون‪ ،‬فااهزم‪ ،‬وقتله عبد‬
‫املؤمن(‪ ،)1‬وأصبحت بذلك الدولة للموحدين"(‪ )2‬مت حصار املرابطني من قبّ عبد املؤمن بن علي‬
‫الكومي‪ ،‬فقضى بذلك على دولة املرابطني ببالد املغرب لتظهر بذلك هذه الدولة اجلديدة املوحدية‬
‫ففرضت سيطرهتا وبزغ جنمها يف بالد املغرب عامة‪ ،‬أما نن فبصدد البحث عن هذه الدولة يف بالد‬
‫تلمسان‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أسس دولة املوحدين " حممد بن تومرت املعروف باملهدي‪ ،‬وهو من هرغة من بطون املصامدة"‬
‫فالفضّ يف تـأسيس هذه الدولة اليت ظهرت يف املغرب هو املهدي "ث بويع بعده عبد املؤمن الكومي‪،‬‬
‫وإن رفض املوحدين يف البداية‪ ،‬ألنه من غري جلدهتم إال أنه كان رجال ذكيا حمنكا فاستطاع الوصول‬
‫إىل اخلالفة‪ ،‬فبايعه بداية أشياخ املوحدون‪ ،‬ث كافة املوحدين"(‪ )4‬رفض املوحدون يف البداية سلطة‬
‫عبد املؤمن لكن خببته استطاع الوصول اىل احلكم‪ ،‬وبعد خالفته توجهت أنظاره نو تلمسان وكان‬
‫قد سبقه اليها "(‪ )5‬تاشفني بن علي الذي خرج من مراكش على طريق السهّ إىل أن وصّ تلمسان‬

‫(‪ )1‬عبد املؤمن‪ :‬هو من بين عبد املؤمن ليس من املصامدة‪ ،‬وإّا من كومية‪ ،‬ث من بين عابد منهم وكومية‪ ،‬ويعرفون قدميا بصطفورة‬
‫من بين فاتن ‪ ...‬بنو عم زناتة‪ ،‬وهو عبد املؤمن بن علي التيمي الكومي‪ ،‬قد الزم املهدي‪.‬‬
‫(‪ )2‬أبو العباس أمحد بن خالد الناصري‪41/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬املصدر نفسه‪.44/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬أبو العباس‪ ،‬أمحد بن خالد الناصري‪ ،‬االستقصاء‪.304،303/4 ،‬‬
‫(‪ )5‬املصدر نفسه‪.301/4 ،‬‬

‫‪-33-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫وقد نزل السهّ ما يلي الصفصاف‪ ،‬أما عبد املؤمن‪ ،‬قد نزل ما بني الصخرتني من جبّ تيطري ‪...‬‬
‫وتوالت األحداث املتكررة بني اجليشني وحاصر عبد املؤمن بن علي حىت متكن من هزميته"(‪ )1‬فوصّ‬
‫بذلك عبد املؤمن اىل تلمسان " وافتتحها وعفا عن أهلها ورحّ عنها لسبعة أشهر من فتحها بعد‬
‫أن وىل عليها سليمان بن حممد بن وانودين‪ ،‬وقيّ يوسف بن والذين"(‪ )2‬متكن عبد املؤمن من فتح‬
‫تلمسان وأصبحت من أهم مراكز الدولة املوحدية بعد ان ترك واليا عليها " فاّحى بذلك أثر‬
‫امللثمني‪ ،‬واستوىل املوحدون على مجيع البالد "(‪ )3‬فكانت بذلك الرياسة هلم بال منازع ويف أثناء فتح‬
‫عبد املؤمن ملدينة تلمسان " جدد بناء دورها‪ ،‬وحصنها غاية التحصني بتجديد بناء سورها أي أقادير‬
‫‪ ...‬كما جعّ منها الوالية الغربية من املغرب األوسط"(‪ )4‬ففي فرتة حكم عبد املؤمن‪ ،‬قام بتجديدات‬
‫متعددة على مدينة تلمسان‪ ،‬وحصنها وجعلها منها قاعدة مللكة تاركا فيها واليا عليها‪ ،‬ويف سنة‬
‫‪224‬هـ عني كويل على تلمسان ولده أبا حفص عمر‪ ":‬وبقي وليا عليها اىل عام مخسمائة ومخسني‬
‫هجرية‪ ،‬ث بعد رحيله إىل مراكش عني مكانه أخاه أبا عمران موسى سنة ‪221‬هـ‪ ،‬وبقي هبا عام‬
‫‪212‬هـ‪ ،‬وهي السنة اليت حترك فيها اخلليفة عبد املؤمن للجهاد باألندلس مستخلفا له على مراكش‪،‬‬
‫وبعث مكانه إلىل تلمسان السيد أبا احلسن علي بن عمر" وهكذا بقيت خالفة تلمسان يف أيادي‬
‫املوحدين ردحا من الزمن‪ ،‬تداوهلا اخللفاء املوحدون واحدا تلو اآلخر‪ ،‬ملدة طويلة حىت تربص هبا بنوا‬
‫عبد الواد الذي قاموا بإغراء خليفة املوحدين السيد "أبا سعيد الذي كان قليّ احليلة والتدبري"(‪ )5‬إذا‬

‫(‪ )1‬أبو العباس أمحد بن خالد الناصري‪ ،‬االستقصاء‪.301 -302 /4 ،‬‬


‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.301/ 4‬‬
‫(‪ )3‬املصدر نفسه‪.304/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬حممد بن رمضان شاوش‪ ،‬باقة السوسان يف التعريف حبضارة تلمسان عاصمة دولة بين زيان‪.29 /4 ،‬‬
‫(‪ )5‬عبد الرمحن ابن خلدون‪.44/4 ،‬‬

‫‪-34-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫عرفت تلمسان‪ ،‬أيضا دخول املوحدين وحكمهم فيها حيث استولوا عليها مدة من الزمن وتوارثوها‬
‫أبا عن جد حىت آلت إىل حكم بين عبد الواد أو الزيانيون بعدهم‪.‬‬

‫الزيان ــية‪:‬‬
‫‪ -II‬ال ــدولة ّ‬

‫إن من أهم األسباب اليت أدت إىل ظهور الدولة الزيانية هو سقوط دولة املوحدين‪ ،‬فقد قامت هذه‬
‫األخرية على إثرها‪ ،‬وبنيت نفسها على أنقاض حكم املوحدين الضائع " فاحلقيقة هي أن األسباب‬
‫اليت أدت إىل قيام دولة بين زيان يف تلمسان ‪ ...‬زوال سلطة املصامدة أصحاب دولة املوحدين‪،‬‬
‫خلف وراءه فراغا واسعا‪ ،‬ميتد من جبّ تيطري يف اجلزائر احلالية إىل كّ نواحي املغرب األقصى‪،‬‬
‫سارع إىل ملئه بنو زيان يف تلمسان‪ ،‬وبنو مرين يف املغرب"(‪ )1‬فالدولة الزيانية قامت إثر ضعف الدولة‬
‫املوحدية وانكسار شوكتها‪ ،‬ما أدى إىل وجود فراغ‪ ،‬ملئته الدولة الزيانية يف تلمسان‪ ،‬من خالل‬
‫نشأهتا وتوسعها هبذه املدينة‪ ،‬فاستطاعت بذلك أن تعطي ّوذج حلضارة عريقة ظهرت يف بالد‬
‫اجلزائر‪ ،‬لذلك وجب علينا أن نعرف هذه الدولة وأصوهلا‪.‬‬

‫‪ -5‬أصول بني زيــان‪:‬‬

‫تعد الدولة الزيانية من أحد أهم الدول اليت ظهرت يف تاريخ اجلزائر العريق فقد وجدت هذه األخرية‬
‫وانتشرت أركااها وأخذت بالتوسع انطالقا من اجملهودات املكثفة‪ ،‬لسالطني وحكام تلمسان‪ ،‬الذين‬
‫سعوا إىل إرساء قواعدها وأركااها‪ ،‬فإليهم يعود الفضّ يف توسع هذه األخرية وازدهارها‪ ،‬وقبّ احلديث‬
‫عن هذه الدولة وجب أوال معرفة أصّ بنو زيان‪ ،‬ولعّ املصادر القدمية قد تطرقت لنسبهم فهم‬

‫(‪ )1‬ابن األمحر‪ ،‬تاريخ الدولة الزيانية‪ ،‬تقدمي وحتقيق وتعليق هاين سالمة‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية بور سعيد (مصر)‪ ،‬ط‪،4003 ،3‬‬
‫ص‪.14-11‬‬

‫‪-35-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫"الطبقة الثانية من زناتة(‪)1‬الببرية (‪ )3(")2‬هذه الطبقة سكنت بالد املغرب األوسط‪ ،‬واستقرت فيه‬
‫ولعله نفس ما ذهب إليه املؤرخ للدولة الزيانية صحي ابن خلدون يف مؤلفه حني قال‪ " :‬انتهاء بين عبد‬
‫الواد أعزهم اهلل إىل زناتة الببر"(‪ )4‬فبنوا عبد الواد يعودون بأصلهم إىل الطبقة الثانية من زناتة‪ ،‬فهم‬
‫برابرة أصليني" فزناتة قد انقسمت اىل طبقتني فالطبقة األوىل هي اليت كان منها مغراوة ملوك فاس‪،‬‬
‫وبنو يفرن ملوك سال‪ ،‬والطبقة الثانية هي اليت كان منها بنو عبد الواد ملوك تلمسان واملغرب‬
‫األوسط‪ ،‬وبنو مزين ملوك فاس واملغرب األقصى"(‪ )5‬فبنوا عبد الواد ينتمون إىل أحد فروع زناتة‪،‬‬
‫وبنو عبد الواد هم‪ " :‬بنو طاع اهلل‪ ،‬وبنو دلول‪ ،‬وبنو مطهر وبنو وعزان‪ ،‬وبنو معطى‪ ،‬وبنو حجى‪،‬‬
‫أما بقية بين عبد الواد وهم بنو ياتكنت‪ ،‬وبنو للو ومصحوجة‪ ،‬وبنو يعالن‪ ،‬وبنو رسطف‪ ،‬فليسوا من‬
‫ولد القاسم‪ ،‬ونسبهم يف قيس بن عيالن بن مضر وانضاف إليهم الزرادلة ألن زردال وعابد الواد‬
‫أخوان وهبم تكمّ اثين عشر قبيال املعدودة يف عبد الواد‪ ،‬ستة يف ولد القاسم‪ ،‬ومخسة يف ولد عابد‬
‫الواد‪ ،‬وواحدة يف ولد زردال أخيه‪ ،‬وغلب اسم عبد الواد على اجلميع"(‪ )6‬واحتوت قبيلة بين عبد‬
‫الواد مجلة من القبائّ‪ ،‬لتشكّ القبيلة و الفرع األكب وهم بنو عبد الواد وهكذا اندرجوا مجيعا حتت‬
‫هذا االسم أو هذه القبيلة‪.‬‬

‫(‪ )1‬زناتة‪ :‬هو جبّ قدمي يف املغرب وشعارهم بني الببر اللغة اليت يرتاطنون هبا‪ ،‬أما نسبهم فقد اختلفت فيه املصادر‪ ،‬وموطنهم‬
‫بسائر مواطن افريقيا‪ ،‬واملغرب‪ ،‬ينظر‪ :‬عبد الرمحن ابن خلدون‪ ،‬تاريخ ابن خلدون‪.2 ،1/4 ،‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫الببر‪ :‬هم سكان املغرب القدمي ملئوا البسائط واجلبال‪ ... ،‬يتخذون البيوت من احلجارة والطني‪ ،‬أما نسبهم فيختلف ما‬
‫بني جالوت من فلسطني ومهيــر من اليمن‪ ،‬ينظر‪ :‬تاريخ ابن خلدون‪.331/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬عبد الرمحن ابن خلدون‪ ،‬تاريخ ابن خلدون‪.44/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬صحي ابن خلدون‪ ،‬بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد‪ ،‬مطبعة بري فونتانا الشرقية اجلزائر‪( ،‬د‪ .‬ط)‪.94 /3 ،3401 ،‬‬
‫(‪ )5‬أبو العباس أمحد بن خالد الناصري‪ ،‬االستقصاء ألخبار دول املغرب األقصى‪ ،‬الدولة املرينية‪.1/1 ،‬‬
‫( ‪)6‬‬
‫حممد بن عبد اهلل التنسي‪ ،‬تاريخ بن زيان ملوك تلمسان‪ ،‬مقتطف من نظم الدر والعقيان يف بيان شرف بين زيان‪ ،‬تح‪:‬‬
‫حممود آغا بو عياد‪ ،‬موفم للنشر‪ ،‬اجلزائر‪( ،‬د‪ .‬ط)‪ ،4033 ،‬ص‪.304‬‬

‫‪-36-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫فيحي ابن خلدون يرجع نسبهم وجذعهم الرئيسي إىل بين قاسم‪ ،‬فيقول يف أصلهم " هم بنو‬
‫القاسم من ولد إدريس بن عبد اهلل احلسن‪ ،‬بن علي بن أيب طالب رضي اهلل عنهم قيّ هو القاسم‬
‫بن إدريس‪ ،‬وقيّ ابن حممد بن إدريس‪ ،‬وقيّ ابن القاسم ابن إدريس وقيّ ابن حممد بن عبد اهلل بن‬
‫إدريس"(‪ )1‬فكّ هؤالء ينتمون يف أصلهم إىل األدارسة‪ ،‬ولعله نفس ما ذهب إليه التنسي‪.‬‬

‫فريى التنسي أن نسبة الزيانيني تعود إاىل جدهم "القاسم‪ ،‬جد أمري املؤمنني اتفق النسب على أنه‬
‫من ولد عبد اهلل الكامّ‪ ،‬بن احلسن املثىن بن احلسن السبط‪ ،‬بن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب‪.‬‬
‫ولكن اختلفوا يف طريق اتصاله به‪ ،‬فقيّ أنه القاسم بن إدريس بن عبد اهلل الكامّ‪ ،‬وقيّ أنه ابن‬
‫حممد بن إدريس بن عبد اهلل‪ ،‬وقيّ أنه ابن حممد بن عبد اهلل بن إدريس بن عبد اهلل"(‪.)2‬‬

‫وافق التنسي يف هذا الصدد رأي صحي ابن خلدون يف نسبة الزيانيني إىل األدارسة لكن خيتلف يف‬
‫طريقة اتصاله به‪ ،‬فمن خالل هذا التعريف نستكشف االحتماالت اليت وضعها التنسي يف اتصال‬
‫الزيانيني باألدارسة‪.‬‬

‫وإن رفض ابن خلدون هذا النسب قائال‪ ":‬ويزعم بنو القاسم هؤالء أاهم من أوالد القاسم بن‬
‫إدريس ‪ ...‬زعما ال تستند له إال اتفاق بين القاسم"(‪ )3‬فهذا املؤرخ يرفض نسب بنو عبد الواد إىل‬
‫األدارسة فيخالف بذلك أراء الكتاب اآلخرين " وقد قال يغمراسن بن زيان أن أبو ملوكهم هلذا‬
‫العهد ملا رفع نسبه إىل غدريس كما يذكرون فقال برطانتهم ما معناه‪ :‬إن كان هذا صحيحا فينفعنا‬

‫(‪ )1‬صحي ابن خلدون‪ ،‬بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد‪.303 /3 ،‬‬
‫(‪ )2‬التنسي‪ ،‬تاريخ بن زيان ملوك تلمسان‪ ،‬مقتطف من نظم الدر والعقيان يف بيان شرف بين زيان‪ ،‬ص‪.330‬‬
‫(‪ )3‬عبد الرمحن ابن خلدون‪ ،‬تاريخ ابن خلدون‪.44/4 ،‬‬

‫‪-37-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫فالفضّ يف ظهور الدولة الزيانية يرجع إىل جهود‬ ‫عند اهلل‪ ،‬وأما الدنيا فإّا نلناها بسيوفنا"‬
‫سالطينها األفدان فقد أخذت بسيوفهم وبقوهتم‪.‬‬

‫وينسب الزيانيون بذلك إىل أب ملكهم يغمراسن فإليه يعود الفضّ يف قيام الدولة الزيانية‪ ،‬أما‬
‫أصول هؤالء‪ ،‬فهم زناتيون برابرة استوطنوا املغرب األقصى‪ ،‬وكان هلم فيها ملك عظيم‪.‬‬

‫‪ -6‬توليه ــم الحكـم‪:‬‬

‫بنو عبد الواد‪ ،‬هم فروع من زناتة الببرية نزلوا تلمسان‪ ،‬وكان هلم هبا ملك عظيم‪ ،‬فمما يؤكد على‬
‫أاهم كانوا يقطنون هذه املدينة قول ابن خلدون " ومل يزل عمران تلمسان يتزايد وخطتها تتسع‬
‫الصروح هبا باألجر والنهر تعلى وتشاد إىل ان نزهلا آل زيان واختذوها دارا مللكهم‪ ،‬وكرسيا لسلطااهم‬
‫فاختطوا هبا القصور املؤنقة واملنازل احلافلة واغرتسوا الرياض والبساتني‪ ،‬وأجروا خالهلا املياه‪ ،‬فأصبحت‬
‫أعظم أمصار املغرب‪ ،‬ورحّ اليها الناس من القاضية ونفقت هبا أسواق العلوم والصنائع فنشأ هبا‬
‫العلماء وانتشر هبا األعالم وضاهت أمصار الدول اإلسالمية والقواعد اخلالفية"(‪ )2‬فمن خالل ما‬
‫جاء به هذا املؤلف نستطيع أن ندرك جمموعة من احلقائق عن بين زيان‪ ،‬وبداية سلطتهم يف تلمسان‪،‬‬
‫فقد اختذوا من املدينة مكانا لسلطتهم‪ ،‬فسعوا كّ السعي اىل تطويرها وجعلها مدينة تضاهي يف‬
‫رونقها ورقيها احلواضر اإلسالمية‪ ،‬ولعّ هذا القول يؤكد على نزول بين عبد الواد أو الزيانيني تلمسان‪.‬‬

‫ويرجع السبب يف وصول بين زيان إىل احلكم إىل ضعف أمر بين عبد املؤمن (‪ " )3‬فهنالك تطاول‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق‪.44/4 ،‬‬


‫(‪ )2‬عبد الرمحن ابن خلدون‪ ،‬تاريخ ابن خلدون‪.302/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬بنو عبد املؤمن‪ :‬وهم عبد املؤمن بن علي أنصار ومحاة قطر تلمسان‪ ،‬وهم احللفاء للموحدين‪ ،‬اصحاب مراكش‪ ،‬ينظر‪ :‬صحي‬
‫ابن خلدون‪ ،‬بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد‪302/3 ،‬؛ التنسي‪ :‬تاريخ بين زيان ملوك تلمسان‪ ،‬مقتطف من نظم الدر‬
‫والعقيان‪ ،‬ص‪.334‬‬

‫‪-38-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫بنو عبد الواد إىل ملك وطن تلمسان واالستحواذ عليه"(‪ )1‬فوصول بنو زيان إىل احلكم يرجع إىل‬
‫ضعف الدولة املوحدية‪ ،‬وهو ما جعّ بنو عبد الواد يغتنمون الفرصة‪ ،‬ويتطاولون على ملك تلمسان‪،‬‬
‫وهذا لقرهبم منها " فجاسوا خالله‪ ،‬وأوجفوا عليه باخليّ والركاب‪ ،‬واجتاز كّ فريق منهم جانبا من‬
‫القطر‪ ،‬وأمن أهله عن خراج يؤديه كّ سنة‪ ،‬وأمر مجيعهم إىل كبريهم جابر بن يوسف بن حممد وهو‬
‫ابن عم زيان والد امري املسلمني يغمراسن بن زيان بن ثابت ابن حممد"(‪ )2‬وصّ بنو عبد الواد إىل‬
‫احلكم ومتكنوا من بسط نفوذهم يف تلمسان "وأمنوا أهلهم من اخلراج‪ ،‬وأمجعوا تفويض أمرهم إىل‬
‫كبريهم جابر بن يوسف ابن حممد بن زجدان بن نيدوكس بن طاع اهلل وكان إلخوته أوالد معمر‬
‫(‪)3‬‬
‫وطن تلمسان‪ ،‬وما يليها فأحسنوا بالناس سرية ووافوا هلم بعهد األمان حىت متكن أمرهم يف البالد"‬
‫فانتهاء حكم تلمسان قد عاد إىل بنو عبد الواد وبقوا متمكنني يف البالد‪" ،‬ومل تزل أيديهم على‬
‫الدولة املؤمنية حىت أيام املأمون ابن يعقوب املنصور بن يوسف العسري ففيها كان ابتداء أمرهم‬
‫العزيز وصريورة امللك اىل حمله من بين إدريس"(‪ )4‬كان أخ ابن يعقوب املوحدي آنذاك واليا على‬
‫تلمسان وأساء إىل بين عبد الواد‪" ،‬فاحلسن بن حيان أساء جوار بين عبد الواد‪ ،‬وعمّ على زرع‬
‫الفتنة فقام بإغراء عثمان أخ أمري املؤمنني املأمون ابن يعقوب الذي ترك بنو عبد الواد حلفاء له يف‬
‫تلمسان‪ ،‬فقام أخ املأمون بالقبض على كبار بين عبد الواد حىت شفع فيهم ابراهيم بن امساعيّ عالن‬
‫الصنهاجي‪ ،‬فلم يقبّ أخ أمري املؤمنني الشفاعة ما حز يف نفس الشيخ فذهب واغتال ابن حيان‬
‫وسرح بنو عبد الواد واعتقّ مكااهم أخ املأمون"(‪ )5‬فعندما كان أخو املؤمنني واليا على تلمسان قام‬
‫باالحتيال على بين الواد وأخذ مجاعة منهم واعتقلهم إال أنا أمر االعتقال مل يدم فقد شفع فيهم‬

‫(‪ )1‬صحي ابن خلدون‪ ،‬بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد‪.302 /3 ،‬‬
‫(‪ )2‬التنسي‪ ،‬نظم الدر تاريخ بين زيان ملوك تلمسان مقتطف من ظم الدروالعقيان يف شرف بين زيان‪ ،‬ص‪.334‬‬
‫(‪ )3‬صحي ابن خلدون‪ ،‬بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد‪.302/3 ،‬‬
‫(‪ )4‬املصدر نفسه‪.302/3 ،‬‬
‫(‪ )5‬املصدر نفسه‪.301/3 ،‬‬

‫‪-39-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫ابراهيم بن إمساعيّ عالن الصنهاجي لكن الوايل على تلمسان رفض ما جعّ الشفيع صحس باإلهانة‬
‫فجمع قومه وذهب إلطالق سراحهم‪ ،‬وأخذ مكااهم عثمان بن يعقوب‪.‬‬

‫" لكن سولت له نفسه بعد ذلك يف احلكم فأراد قتال كبار بين عبد الواد‪ ،‬فأعد بذلك حيلة‪ ،‬وهي‬
‫وليمة العشاء ليتمكن من الظفر هبم‪ ،‬لكن وصّ خبه إىل بين عبد الواد فتدبروا أمرهم قبّ الوصول‬
‫إليه فقبضوا عليه‪ ،‬وأخذوه مع مثانية من أصحابه"(‪ )1‬فالذي شفع لبين عبد الواد وأطلق سراحهم‪،‬‬
‫أراد بعد ذلك احلصول على ملك تلمسان‪ ،‬وعلم أنه لن يطاهلا إال بقتله كبار بين عبد الواد فصنع‬
‫حيلة لقتلهم فأعد هلم العشاء وعزمهم‪ ،‬وذهب بنوا عبد الواد هلذه الوليمة‪ ،‬ألنه كان قد أحسن‬
‫إليهم‪ ،‬لكن وحلسن احلظ علموا قبّ وصوهلم حبيلته وبذلك انقلب السحر على الساحر كما يقال‬
‫فأصبح هو املقبوض عليه "ودخّ جابر بن يوسف وإخوته املدينة حلينه بدعوة املأمون فحّ دار‬
‫إمارهتا وضبط أمورها واستقر حبكمها"(‪ )2‬دخّ جابر بن يوسف وقومه من بين عبد الواد بدعوة من‬
‫عبد املؤمن‪ ،‬فتمكنوا بذلك من إدارة تلمسان وحكمها " وبعث بذلك إىل املأمون‪ ،‬فقنع منه باخلطبة‬
‫والسكة"(‪ )3‬فكان بذلك جابر بن يوسف يبعث إىل املأمون ويغدق إليه العطاء فقبّ املأمون بذلك‪،‬‬
‫وآل حكم تلمسان إىل الزيانيني "فاستوىل على أحواز تلمسان وعلى بين راشد وعلى حواضر ذلك‬
‫القطر سوى ندرومة فزحف إىل حصارها فهلك هنالك بسهم أصابه من داخلها لثالث أمرته"(‪.)4‬‬

‫استطاع جابر بن يوسف االستيالء على أحواز تلمسان وعلى األقطار اجملاورة هلا لكن عندما ذهب‬
‫حلصار ندرومة مت اغتياله وقتله بسهم‪ ،‬وبذلك كانت اهاية إمارته‪.‬‬

‫(‪ )1‬التنسي‪ ،‬تاريخ بين زيان ملوك تلمسان مقتطف من نظم الدر والعقيان‪ ،‬يف شرف بين زيان‪ ،‬ص‪.311‬‬
‫(‪ )2‬صحي ابن خلدون‪ ،‬بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد‪ ،‬ص‪.301‬‬
‫(‪ )3‬التنسي‪ ،‬تاريخ بين زيان ملوك تلمسان مقتطف من نظم الدر و العقيان‪ ،‬يف شرف بين زيان‪ ،‬ص‪.311‬‬
‫(‪ )4‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.331‬‬

‫‪-40-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫عندما متكن بنو عبد الواد من الدخول إىل تلمسان واالستيالء على أقطارها بدعوة من املأمون‪،‬‬
‫متكن جابر بن يوسف الذي عرفناه مسبقا من ملك تلمسان‪ ،‬لكن ملكه مل يدم‪ ،‬ومت اغتياله عند‬
‫ذهابه حلصاره ندرومة فآل احلكم بعده إىل "ابنه احلسن بن جابر لستة أشهر ث خلع نفسه لعمه‬
‫عثمان لكب سنه فأساء اململكة"(‪ )1‬لعّ عثمان بن يوسف مل صحذو حذو أخيه بّ أساء مللكه‪" ،‬فـتم‬
‫إخراجه من تلمسان‪ ،‬واتفق بنو عبد الواد تقدمي أىب عزة زيدان بن زيان‪ ،‬فاستوىل على تلمسان‪،‬‬
‫وأعماهلا ونكث عنه بنو مطهر‪ ،‬وظاهرهم بنو راشد‪ ،‬فكانت بينه وبينهم حروب‪ ،‬قتّ يف بعضها‬
‫فحينئذ قدم بنو عبد الواد أخاه أمري املسلمني يغمراسن بن زيان وبايعوه بيعة امللك املستقّ وخلعوا‬
‫بين عبد املؤمن"(‪ )2‬إذا حكم بعد عثمان بن يوسف أبو عزة زيدان الذي اتفق عليه بنو عبد الواد‬
‫لكن كانت بينه وبني بين مطهر وبين راشد حروب‪ ،‬فقتّ يف أحد هذه احلروب‪ ،‬فقدم بذلك بنو‬
‫عبد الواد أخا أبو عزة‪ ،‬وهو يغمراسن بن زيان الذي متكن من خلع بين عبد املؤمن‪ ،‬وهكذا متكن‬
‫يغمراسن من إمارة تلمسان‪ ،‬ومن هنا آل حكم تلمسان إىل بين عبد الواد فتوسعت بذلك دولتهم‬
‫وأصبحت من أعظم املراكز احلضارية يف الدولة اإلسالمية‪ ،‬ولعّ الفضّ يف ظهورها وتطورها هبذا‬
‫الشكّ يعود إىل جمهودات األمري يغمراسن بن زيان الرجّ السياسي احملنك الذي سنتعرف عليه‬
‫الحقا‪.‬‬

‫الزيانيــة)‪:‬‬
‫‪ -4‬يامراســن بن زيان (المنشئ األول للدولة ّ‬

‫يعد مؤسس الدولة الزيانية‪ ،‬وله الفضّ يف ظهورها‪ ،‬متيز بالدهاء واحلنكة‪ ،‬فاستطاع الوصول إىل‬
‫احلكم بفضّ جمهوداته‪ ،‬فآلت إليه تلمسان‪ ،‬بعد أن كانت مركزا من مراكز الدولة الزيانية فهو كما‬
‫يصفه صحي ابن خلدون "بارع الثنية‪ ،‬وعاطف احلنيبة‪ ،‬املستثار دون امللوك باخلالل السنية‪ ،‬مظهر‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.331‬‬


‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.331‬‬

‫‪-41-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫الريع والريعان‪ ،‬مقيم جفلي الطعام‪ ،‬والطعان‪ ،‬خليفة اهلل املرتضى‪ ،‬ولسيف محايته املنتظر ووعد أمنيه‬
‫الصادق املقتضى منري اإلحكاك وناظم األسالك‪ ،‬وملك الشرف وشريف األمالك إىل عالء جمد‬
‫وعلم وكمال"(‪ )1‬أثىن صحي على هذا احلاكم ووصفه مبجموعة من الصفات بني فيها خالله احلميدة‪،‬‬
‫وسجاياه وفضله وكرمه وعزته‪.‬‬

‫أما ابن األمحر فيبدو أنه كان من املناصرين لبين مرين فقد وصف بين عبد الواد باخلوف فقال‬
‫"فأوهلم جدهم يغمــور الذي يف قبه من خوف مرين مغمور ‪ ...‬وملا مات وجعلوه يف قبه‪ ،‬مل تقبله‬
‫األرض‪ ،‬ولفظته من جوفها إىل أن دفن بإزاء قب الشيخ الصاحل حممد بن أيب بكر بن مرزوق‪ ،‬فقبلته‬
‫األرض ووارده الرتاب‪ ،‬وذلك ببكة جوار هذا الصاحل أخبين بذلك الشيخ الصادق اللهجة أبو‬
‫احلسن علي بىن حممد بن القاسم القيلسي التلمساين املعروف باملريوقي حسبما أخبه بذلك والده‬
‫حممد عن أبيه حممد‪ ،‬وكان أدرك يغمراسن وشاهد دفنه"(‪ )2‬يبدو أن ابن األمحر صحتقر يغمراسن‪،‬‬
‫وصحط من شأنه‪ ،‬ألنه يف ذلك مؤيد لدولة املرينني‪ ،‬اليت تنافست مع الدولة الزيانية على ملك تلمسان‬
‫لذلك فهو سعى دائما إىل احتقار هذا الرجّ الذي كان له الدور البارز يف دولة بين زيان‪.‬‬

‫أما مولد يغمراسن ابن زيان "فقد كان سنة ثالث أو مخس‪ ،‬وستمئة‪ ،‬وكان كرميا شجاعا فاضال‪،‬‬
‫حكيما متواضعا‪ ،‬ذا سداد‪ ،‬وعفاف‪ ،‬وجمد وعال يؤثر العلماء والصاحلني وجيالسهم‪ ،‬وقد كان يقدر‬
‫أهّ العلم"(‪ )3‬كان هذا السلطان حمبا للعلم والعلماء‪ ،‬فكثريا ما أغدق عليهم بالعطاء والنوال‪.‬‬

‫(‪ )1‬جيي ابن خلدون‪ ،‬بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد‪.304/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬أبو الوليد امساعيّ بن األمحر‪ ،‬روضة النسرين يف دولة بين مزين‪ ،‬املطبعة امللكية‪ ،‬الرباط‪( ،‬د‪ .‬ط)‪ ،3414 ،‬ص ‪.22‬‬
‫(‪ )3‬صحي ابن خلدون‪ ،‬بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد‪.330 /3 ،‬‬

‫‪-42-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫كان يغمراسن مواليا للدولة املوحدية " فلم يزل يغمراسن مع ملوك املوحدين يف ذل وهول‪ ،‬ينادونه‬
‫بالشيخ وينادونه مبوالنا"(‪ )1‬فمن خالل ما جاء به ابن األمحر ميكننا القول إن يغمراسن قبّ انفراده‬
‫بتلمسان جعلها ملكا للزيانيني كان مواليا لدولة املوحدين‪.‬‬

‫أما فيما خيص توليه احلكم بتلمسان " فقد بويع يوم وفاة أخيه عزة زيدان‪ ،‬املذكور أاها يوم األحد‬
‫الرابع والعشرين من ذي القعدة لسنة ثالث وثالثني‪ ،‬وستمئة "(‪ )2‬فقد بويع باخلالفة‪ ،‬ومتكن إذ ذاك‬
‫من الوصول اىل ملك تلمسان‪.‬‬

‫فلما توىل حكم تلمسان قام مبجموعة من األشياء اليت جعلت من دعوته‪ ،‬تصّ إىل أبعد حدودها‪،‬‬
‫فكما يقول صحي ابن خلدون أنه‪ ":‬خلط زي البداهية بأهبة امللك وأشعر القبيّ لباس الشريعة‪ ،‬فأعلى‬
‫(‪)3‬‬
‫استطاع‬ ‫املنارة‪ ،‬ومهد اخلالفة‪ ،‬وأوثر األريكة‪ ،‬وأمسع أهّ املشارق‪ ،‬واملغارب صوت الدعوة"‬
‫يغمراسن أن جيعّ من الدولة الزيانية دولة معرتف هبا يف حدود األرض‪ ،‬خاضعة حلكم إسالمي‬
‫خالص "فلما بويع أمري املسلمني يغمراسن بن زيان‪ ،‬أوضح للخالفة احلسنية اآلثار‪ ،‬ورفع ملن ضّ‬
‫عن سبيّ هداها‪ ،‬أعلى منار‪ ،‬فابتهج الدهر‪ ،‬بوجوده وأشرق من فلك اليمن جنم سعوده‪ ،‬وأحضر‬
‫للملك‪ ،‬ما كان قد ذبّ من عوده‪ ،‬وأجنز الزمان للبيت النبوي‪ ،‬ما كان يكثر التسويف به‪ ،‬من‬
‫موعوده‪ ،‬فظهرت به أهبة اخلالفة يف بيته‪ ،‬واستعمّ ما يورث امللك كماال ومجاال يف هديهه ومسته‪،‬‬
‫فانتخب الوزراء واحلجاب‪ ،‬وانتقى القواد‪ ،‬والكتاب‪ ،‬ونازعه بنو مطهر‪ ،‬وبنو راشد‪ ،‬فأظهر اهلل على‬
‫اجلميع"(‪ )4‬وضح يغمراسن املعامل عن خالفته فكانت تلمسان يف عهده رمزا للخالفة اإلسالمية‬

‫(‪ )1‬ابن األمحر‪ ،‬تاريخ الدولة الزيانية‪ ،‬ص‪.12‬‬


‫(‪ )2‬صحي ابن خلدون‪ ،‬بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد‪.333 /3 ،‬‬
‫(‪ )3‬املصدر نفسه‪.333/3 ،‬‬
‫(‪ )4‬التنسي‪ ،‬تاريخ بن زيان ملوك تلمسان‪ ،‬مقتطف من نظم الدر والعقيان يف بيان شرف بين زيان‪ ،‬ص‪.332‬‬

‫‪-43-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫القائمة على املبادئ القوية‪ ،‬وعلى سنة املصطفى أما فيما خيص دولته‪ ،‬فقد قام بضبط قواعده‪ ،‬فعني‬
‫كّ شخص يف منصبه‪.‬‬

‫الزيانية وأبرزهم‪:‬‬
‫‪ -9‬بعض سالطين الدولة ّ‬

‫عرفت الدولة الزيانية يف فرتات حكمها الطويلة مجلة من السالطني الذين كان هلم الفضّ يف اهوض‬
‫وتطور وتوسع تلمسان‪ ،‬واجلعّ منها مدينة تضاهي األمصار العربية قوة‪ ،‬وصالبة لعّ الفضّ الكبري‬
‫يف ذلك يعود اىل السلطان األول الذي وضع للدولة معاملها الكبى‪ ،‬وهو يغمراسن بن زيان الذي‬
‫قد عرفناه سابقا‪ ،‬أما اآلن سننتقّ إىل سلطان وملك آخر‪ ،‬وهو السلطان‪:‬‬

‫أ‪ -‬عثمان بن يامراســن بن زيـان‪:‬‬

‫يعد من أبرز السالطني يف هذه الدولة وهو االبن للسلطان الذي كان له الفضّ يف قيام دولة بين‬
‫عبد الواد‪ ،‬توىل احلكم بعد أبيه‪ ،‬قد وصفه صحي ابن خلدون قائال " درة احلصيلة‪ ،‬وسيد هاتيك‬
‫الفضيلة‪ ،‬ومصلى حيلة جيادة األصيلة مثري كنوز احلظ وهدف الرخاء واملض‪ ،‬ومعود احلروب سنة‬
‫الكر واللظ‪ ،‬استخدم املهاجرين واألنصار فحكم االيعاب وافتاد يف إرسان رماحه الصعاب‬
‫واستضاف األوطان وأقام رعاياه البطان"(‪ )1‬مدحه صحي مبجموعة من الصفات اليت قد تفوق حدودها‬
‫الوصف فزاد بذلك من قيمته وأعطانا صورة لرجّ فاضّ حسن التدبري‪.‬‬

‫أما مولد هذا السلطان كان "لسنة تسع وثالثني وستمئة‪ ،‬وكان شهما مقداما حمببا اىل القلوب ذا‬
‫سياسة وصب للحوادث بويع أوائّ ذي احلجة متم لسنة احدى ومثانني وستمئة"(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬صحي ابن خلدون‪ ،‬بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد‪.334 /3 ،‬‬
‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪.339/3 ،‬‬

‫‪-44-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫توىل احلكم بعد أبيه مباشرة‪ ،‬وقد اتسم مبجموعة من اخلصال‪ ،‬اهتم صحي ابن خلدون بذكرها‬
‫وتعدادها يف بغية الرواد ألنه كان مؤرخا للدولة الزيانية‪.‬‬

‫متت مبايعة هذا السلطان بعد أبيه " فقد توىل حكم تلمسان حىت عام ‪141‬ه أين وافته املنية يف‬
‫(‪)1‬‬
‫حصار السلطان أيب يعقوب بن عبد احلق املريين‪ ،‬وله مخس ومخسون سنة وكانت دولته ‪ 34‬سنة"‬
‫تويف عثمان بن يغمراسن جراء احلصار الذي فرضه أبو يعقوب بن عبد احلق املريين والذي أراد ضم‬
‫تلمسان إىل ملكته‪.‬‬

‫‪ -‬أبو زيان محمد بــن عثمــان‪:‬‬

‫من األسرة الزيانية وابن السلطان عثمان بن يغمراسن‪ ،‬وصفه صحي يف مؤلفه قائال "استوضحت أنوار‬
‫السعادة عزته‪ ،‬بدولته انفرجت بعد شدهتا األزمة‪ ،‬وانلت من عداه عقب شدها احلزمة فذهب‬
‫البح‪ ،‬والذمّ والفرح‪ ،‬وشيد بعد ااهدامه الصرح فاقتبّ امللك شبابه وتسربّ من عز جلبابه وفتح‬
‫لدخول األفواج بابه"(‪ )2‬فكانت دولته دولة سعادة وعزة‪ ،‬شيد هلا ملك عظيم بعد أن كان قد هدم‪،‬‬
‫أما فيما خيص ملكه بتلمسان فقد بويع هذا األخري " بتلمسان‪ ،‬وهي حمصورة السلطان أيب يعقوب‬
‫املريين يف ذي القعدة سنة ‪141‬هـ‪ ،‬ومات وهو يف حصر السلطان أيب يعقوب املريين يف شوال عام‬
‫‪ ،144‬وله ‪ 13‬سنة وكانت دولته أربع أعوام"(‪.)3‬‬

‫لقي الرجّ نفس ميتة أبيه فمات وهو يعاين من احلصار الذي فرض على تلمسان ردحا من الزمن‪،‬‬
‫عاىن فيه سكان املدينة‪ ،‬الويالت الكبرية واملخاطر الشديدة فقد ذكرت هذه املعاناة يف العديد من‬
‫الكتب‪ ،‬مثّ‪ :‬رحلة الوزان‪ ،‬ورحلة عبد الرمحن ابن خلدون‪ ،‬كان هذا السلطان‪" ،‬فاضال مبارك حسن‬

‫(‪ )1‬ابن األمحر‪ ،‬تاريخ الدولة الزيانية‪ ،‬ص‪.19‬‬


‫(‪ )2‬صحي ابن خلدون‪ ،‬بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد‪.344 /3 ،‬‬
‫(‪ )3‬ابن األمحر‪ ،‬تاريخ الدولة الزيانية‪ ،‬ص‪.40‬‬

‫‪-45-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫ملكه بني اخلباب"(‪ )1‬فقد عرفت إمارة هذا السلطان حبسنها‪ ،‬فعظمت ملكته وعال قدره بني رعاياه‪،‬‬
‫وقد عرف بفضله وحسن معاشرته‪.‬‬

‫األول‪:‬‬
‫حمـو موسى ّ‬
‫ج‪ -‬أبو ُّ‬

‫كان هو اآلخر من أهم السالطني بالدولة الزيانية "توىل احلكم بعد وفاة أيب زيان‪ ،‬حممد انتصب‬
‫على سدة احلكم يف تلمسان ‪-‬يف معظم األقوال‪-‬يوم األحد احلادي والعشرين من شهر شوال سنة‬
‫‪404‬هـ فنقّ الدولة الزيانية من عهد السذاجة‪ ،‬القبلية والبساطة يف األحكام اىل امللك‬
‫العضوض"(‪.)2‬‬

‫استطاع هذا السلطان أن يرسم لدولته معامل كبى فنقلها من ملك بسيط معتمد على السذاجة‬
‫كما يقول الكاتب إىل ملك عظيم له قدره وشأنه بني األمصار‪ ،‬وقد بويع هذا السلطان "بعد أخيه‬
‫حممد وهو يف حصار السلطان أيب يعقوب املريين‪ ،‬يف شوال لسنة ‪144‬هـ‪ ،‬وقتله أبو تاشفني ابنه يف‬
‫مجادى األخرى من عام ‪ 431‬وله ‪ 12‬سنة وكانت دولته ‪ 43‬سنة"‪ )3(.‬ولعّ هذا السلطان قد‬
‫عاىن من احلصار املفروض على مدينته‪ ،‬وقتله ابنه ولعّ ذلك يعود يف الرغبة اىل احلكم و السلطان‪،‬‬
‫أما فيما خيص مدح صحي ابن خلدون له فقد قال عنه "ملك مهام‪ ،‬وشعلة وغمام وهبمة مراس وأسد‬
‫بطش وافرتاس معيد املدة‪ ،‬مفرج الشدة‪ ،‬ومقاتّ بسيفه هلّ الردة الفظ القضا اهلني عند االقتضاء‪،‬‬
‫الذي رفع اخلرق وعمّ احلق‪ ،‬ث دوخ الشرق‪ ،‬وأنار ببواتره‪ ،‬بآفاقه البق وفرع النوار وسلك األجناد‬
‫واألغوار فابتلى األطوار وخب الظلماء واألنوار فسدد األهوار وشيد األسوار وحفر اخلنادق ومال‬
‫املطامري والصناديق"(‪ )4‬فمن خالل ما رمسه ابن خلدون عنه استطعنا استنتاج بعض املالمح الكامنة‬

‫(‪ )1‬صحي ابن خلدون‪ ،‬بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد‪.344 /3 ،‬‬
‫(‪ )2‬بوزياين الدراجي‪ ،‬أدب وشعراء من تلمسان‪ ،‬دار األمّ للدراسات‪ ،‬اجلزائر‪( ،‬د‪ .‬ط)‪.343/3 ،4033 ،‬‬
‫(‪ )3‬ابن األمحر‪ ،‬تاريخ الدولة الزيانية‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫(‪)4‬حي ابن خلدون‪ ،‬بغية الرواد يف ذكر علماء بين عبد الواد‪.344،341 /3 ،‬‬

‫‪-46-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫يف شخصية هذا السلطان‪ ،‬فهو ذا مهة عالية وهيبة‪ ،‬مزيّ العواقب‪ ،‬قوام على األعداء وصّ إىل‬
‫احلكم فاستطاع تدبري شؤونه بسياسة حمكمة‪.‬‬

‫األول‪:‬‬
‫اد‪ -‬أبــو تاشفيـن ّ‬
‫وصفه صحي ابن خلدون بقوله‪ ":‬ملك يتبجج يف األصالة اجلالل تزىي خبالل الشرف وشرف اخلالل‬
‫أي حياء وكمال ووزر ومثال ومطمح مىن وأمال‪ ،‬هبو تلك االشادة وبيت القصيد واإلنشادة ذو‬
‫اهلمم املزامحة للكواكب والعزائم الطاعنة يف صدور املواكب والعطايا املخجلة السحب السواكب‪،‬‬
‫بزغت بافق الدولة مشسه فاّحى امسه واكتمّ بسماء العز ابداره فتسرى عن قمر دولته سراره"(‪.)1‬‬

‫أثىن عليه ابن خلدون‪ ،‬ونسب له جمموعة من الصفات اليت فاقت حدود املعقول‪ ،‬وجعّ منها رجال‬
‫فريدا من نوعه ال تعرف األرض مثله‪.‬‬

‫أما ابن األمحر فوصفه بصفات متناقضة متاما ملا جاء به صحي ابن خلدون قائال عنه " وكان أبو‬
‫تاشفني لئيما خبيال مسيكا شديد الشح‪ ،‬أخبين بشحه ابن وزيره‪ ،‬عمر بن موسى بن علي الكردي‬
‫بعد أن سألته عنه‪ :‬كان قد حجر على سائر اخلضر بيع مجيع األقوات واخلضارى وال يبتاعها إال‬
‫هو‪ ،‬وكان صحبس يف يده قبضة الكرنب ومثلها يف يده اليسرى ويقيس هذه مع هذه فإن وجد الواحد‬
‫أكب من أختها يأمر اخلضار بالنقص من الزائد"(‪.)2‬‬

‫ذكر ابن األمحر صفاته الذميمة‪ ،‬وأعطانا صورة عن خبله‪ ،‬لكن الذي يهمنا هو سلطانه بتلمسان‬
‫"فقد بويع بعد أبيه يف شهر مجادى األخرى سنة ‪439‬ه‪ ...‬وكانت دولته ‪ 34‬سنة"(‪ )3‬توىل احلكم‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق‪.344 /3 ،‬‬

‫(‪ )2‬ابن األمحر‪ ،‬تاريخ الدولة الزيانية‪ ،‬ص‪.44‬‬


‫(‪ )3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.44‬‬

‫‪-47-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫بعد أن قتّ أباه‪ ،‬ودامت دولته فرتة طويلة استطاع فيها أن يصّ بالدولة إىل قمة احلضارة‪ ،‬ومن‬
‫منجزاته بنائه للمدرسة التاشفينية اليت سنتحدث عنها الحقا‪ ،‬يف الناحية الثقافية بتلمسان‪.‬‬

‫‪ -1‬المظاهر السياسية لسلطة بني زي ــان‪:‬‬

‫متيز احلكم يف تلمسان مبجموعة من املظاهر اليت انطبعت يف تاريخ الدولة الزيانية من النشأة حىت‬
‫السقوط‪.‬‬

‫متيز حكم الزيانيني مبجموعة من املظاهر السياسية ففي حكم يغمراسن بن زيان‪ ،‬قام هذا األخري‬
‫مبجموعة من التعديالت اليت استطاع من خالهلا أن يكون البهان و املثال األعلى لرعيته "فقد‬
‫أحسن السرية يف رعيته‪ ،‬واستمال عشريته وقومه وأحالفهم من زغبة‪ ،‬وحسن السياسة‪ ،‬واالصطناع‪،‬‬
‫وكرم اجلوار‪ ،‬واختذ اآللة ورتب اجلنود واملساحل‪ ،‬واستلحق العساكر من الروم والعز راحمة وناشبة‪،‬‬
‫وفرض العطاء واختذ الوزراء والكتاب‪ ،‬وبعث يف األعمال ولبس شارة امللك‪ ،‬والسلطان واقتعد‬
‫الكرسي‪ ،‬وحما آثار الدولة املؤمنية‪ ،‬وعطّ من األمر والنهي دستها‪ ،‬ومل يرتك من رسوم دولتهم‪،‬‬
‫وألقاب ملكهم إال الدعاء على منابره للخليفة مبراكش وتقلد العهد من يده تأنيسا للكافة ومرضاة‬
‫لألكفاء من قومه"(‪ )1‬فبنو زيان منذ وصوهلم إىل احلكم سعوا إىل إرساء قواعد السلطان‪ ،‬وتدبري‬
‫شؤون دولتهم‪ ،‬وتشييد املنشآت املختلفة والرقي باحلضارة وتطويرها‪ ،‬فبنوا قاعدة صحيحة مللكهم‪.‬‬

‫كما كانت سياستهم ودولتهم تكن العداء للدولة املرينية واحلفصية وكثريا ما تضررت تلمسان من‬
‫حصار املرينيني "فكانت هلم مع ملوك املوحدين من آل عبد املؤمن ومديلهم آل أيب حفص مواطن‪،‬‬
‫يف التمرس به منازلة بلده ‪ ...‬وبينهم‪ ،‬وبني أقتاهلم بين مرين قبّ ملكهم املغرب وبعد ملكهم وقائع‬
‫متعددة"(‪ )2‬فقد دامت صراعات بين زيان مع الدول اجملاورة هلا جارية‪ ،‬غري منتهية‪ ،‬فكانت أيضا‬

‫(‪ )1‬عبد الرمحن ابن خلدون‪ ،‬تاريخ ابن خلدون‪.301/4 ،‬‬


‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪.301/4 ،‬‬

‫‪-48-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫هلم وقائع متعددة مع الدولة املرينية اليت تربصت مبلك تلمسان‪ ،‬وقامت مبحاصرهتا ردحا من الزمن‪،‬‬
‫وقد ذكرت املصادر املختلفة حصار املرينيني لتلمسان الذي طال عهده‪ ،‬فال داعي لذكره لكي ال‬
‫نطيّ فالذي يهمنا هو السياسة اخلاصة حبكم الزيانيني‪.‬‬

‫كما أصبحت تلمسان مركزا جتاريا وماليا ولعّ هذا يعد من املظاهر السياسية لسلطة الزيانيني "وإذا‬
‫نظرنا إىل أمهية التبادل التجاري‪ ،‬بني إايفريقية وأوروبا عن طريق تلمسان‪ ،‬ووهران أو مرسى هنني‬
‫جند أن تلمسان‪ ،‬قد أصبحت يف أيام يغمراسن بن زيان مركزا جتاريا ماليا رئيسيا ‪ ...‬فلكي تنشأ‬
‫هذه املنشآت يف إقليم تلمسان البد أن يكون غنيا جدا ومدخراته البد أاها كانت وافرة"(‪ )1‬جتلت‬
‫هذه املبادالت التجارية يف تلمسان كمظهر من املظاهر السياسية اليت انتهجها سالطني الدولة‬
‫الزيانية للوصول بدولتهم إىل أبعد احلدود فعقدوا بذلك املبادالت بني القارتني األوروبية واإلفريقية‪.‬‬

‫كما سعى سالطني تلمسان إىل جعلها مدينة تضاهي احلواضر العربية حضارة وعمرانا "ففي أيامهم‪،‬‬
‫ازدهرت كّ مدن اإلمارة‪ ،‬وخاصة تلمسان اليت أصبحت يف أيامهم أزهر مدن املغرب بعد القريوان‬
‫وتونس وفاس‪ ،‬ومراكش‪ ،‬واتسعت رقعتها حىت أصبحت تضاهي‪ ،‬فاس من حيث السعة ووفرة املباين‬
‫السامقة وكثرة املساجد وتعدد األسواق"(‪ )2‬وصّ السالطني الزيانيني بسلطااهم إىل القمة منتهجني‬
‫بذلك املظاهر السياسية اليت أدت إىل نشر الثقافة يف بالدهم وجعلها مركزا حضاريا‪.‬‬

‫أما فيما خيص حكومتها "فهي ملكية استبدادية‪ ،‬مطلقة غري جارية على قواعد سياسة اخلالفة‬
‫كاحلكومات املعاصرة هلا شرقا وغربا"(‪ )3‬فنظام احلكم يف دولة بين زيان غري جار على القواعد املعروفة‬

‫(‪ )1‬ابن األمحر‪ ،‬تاريخ الدولة الزيانية‪ ،‬ص‪.29‬‬


‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫( ‪)3‬‬
‫مبارك حممد امليلي‪ ،‬تاريخ اجلزائر يف القدمي واحلديث‪ ،‬تقدمي وتصحيح حممد امليلي‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪( ،‬د‪ .‬ط)‪،‬‬
‫(د‪.‬ت)‪.229/4 ،‬‬

‫‪-49-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫بّ هو ملكي‪ ،‬وراثي فكّ سالطني الدولة الزيانية يعدون من آل زيان ونسّ يغمراسن "أبو صحي‬
‫يغمراسن بن زيان‪ ،‬أبو سعيد عثمان األول بن يغمراسن بن زيان‪ ،‬أبو زيان حممد األول بن عثمان‪،‬‬
‫أبو محو موسى األول بن عثمان‪ ،‬أبو تاشفني عبد الرمحن األول ابن موسى‪ )1("...‬وهكذا فتعاقب‬
‫السالطني يف الدولة الزيانية يرجع إىل نظام احلكم امللكي الوراثي‪ ،‬فسلطة األب صحكمها من بعده‬
‫ابنه‪.‬‬

‫الزيانية‪:‬‬
‫‪ -2‬أسبا سقوط الدولــة ّ‬

‫لعّ الكاتب اجلزائري مبارك امليلي استطاع أن يعطينا األسباب الكامنة وراء سقوط الدولة الزيانية‪،‬‬
‫وبسطها لنا‪ ،‬وأعطانا خمتصر شديد ألسباهبا قائال‪ " :‬فإاها مل تزل منذ نشأهتا تصطلي بنار احلروب‬
‫الداخلية‪ ،‬واخلارجية فمن غارة مرينية إىل حرب حفصية ومن مناهضة مغراوية أوتوجينية‪ ،‬إىل منافسة‬
‫زيانية‪ ،‬ومن دساسية سويدية إىل مشاقة عامرية‪ ،‬ومن نفاق اسباين إىل غلظة تركية‪ ،‬وال ظّ يف‬
‫(‪)2‬‬
‫التاريخ العام لدولة صغرية كهذه منيت مبثّ ما منيت به‪ ،‬وامتدت حياهتا مثلها"‪.‬‬

‫فمن خالل ما جاء به هذا الكاتب اجلزائري الذي قدم لنا األسباب مجلة وتفصيال‪ ،‬نستطيع‬
‫أن خنلص اىل مجلة من احلقائق فتلمسان قد كانت ملك لدولة عظيمة‪ ،‬استطاعت أن متد نفوذها‪،‬‬
‫وتفرض سيطرهتا وقتا طويال‪ ،‬وترسم معامل لدولة إسالمية خالصة دلت عليها مدارسها‪ ،‬وجوامعها‪،‬‬
‫وقصورها الشاخمة اليت بقت وستبقى خالدة عب التاريخ‪ ،‬تعب عن جمد حضارة عربية وجزائرية خالصة‬
‫رمسها أبناء‪ ،‬ورعية هذه الدولة‪.‬‬

‫وإن زالت واندثرت‪ ،‬فهذا راجع إىل االضطرابات والفنت الداخلية اليت غلغلت كيااها‪ ،‬وهزت جبوهتا‪،‬‬
‫واحلروب الداخلية اليت أثقلت كاهلها من حرب إىل أخرى‪ ،‬ومن حصار إىل فتنة وثورة داخلية‪،‬‬

‫(‪ )1‬ابن األمحر‪ ،‬تاريخ الدولة الزيانية‪ ،‬ص‪.21‬‬


‫(‪ )2‬حممد مبارك امليلي‪ ،‬تاريخ اجلزائر يف القدمي واحلديث‪.240 ،294 /4 ،‬‬

‫‪-50-‬‬
‫الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل األول‬

‫باإلضافة إىل التنافس اخلارجي عليها‪ ،‬فقد كانت تلمسان كغريها من املدن اجلزائرية مركزا تكالبت‬
‫عليه الدول األوروبية وخباصة اإلسبانية‪ ،‬وذلك لقرب املدينة من إسبانيا‪ ،‬باإلضافة إىل األتراك‪ ،‬أو‬
‫السالطني املعروفني بأبناء الدولة العثمانية الذين أرادوا أيضا جعلها مركزا ومدينة حلكم العثمانيني‪،‬‬
‫ولعّ هذه األسباب الكثرية اليت قدمها لنا مبارك امليلي كفيلة لسقوط هذه املدينة‪.‬‬

‫‪-51-‬‬
‫الفصــل الثاني‪:‬‬

‫الحياة الثقافية لتلمسان‬

‫من خالل النّثر‬


‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ -I‬نبذة عن الحياة الثقافية بتلمسان ومساهمة ملوك بني زيان في نشر الثقافة‪:‬‬

‫‪ -5‬الحياة الثقافية بتلمسان‪:‬‬

‫تطرقنا فيما سبق إىل مدينة تلمسان فعرفنا موقعها‪ ،‬وكيف نظر الرحالة إليها‪ ،‬وكيف أسهب هؤالء يف وصفها‬

‫ووصف خرياهتا وغالهتا وأاهارها‪ ،‬ث انتقلنا فيما بعد إىل معرفة السياسة القائمة هبذه األخرية خالل فرتة تعد‬

‫مهمة وذهبية يف عمر املغرب األوسط وخباصة تلمسان اليت كانت مركزا من مراكز اإلشعاع واحلضارة والتقدم‪،‬‬

‫حيث كانت ملتقى ألهّ العلم واملعرفة‪ ،‬ومركزا لتبادل الثقافات فقد حلت هبذه املدينة ثلة من أهّ العلم واألدب‬

‫واستطاعوا بفضّ حكامها وسالطينها نشر الثقافة والعلم ويف هذا الصدد يقول صحي ابن خلدون عن تلمسان‬

‫وعن أهلها‪ " :‬هم معدن العلماء واألعالم واألولياء واملشاهري جنابة يف الدرس والعبادة تشهد بذلك املزارات‬

‫احملجوبات من األقطار النائية خارج بلدهم باألخبار املتواترة على لسان اخلاص والعام"(‪ ،)1‬مثلت تلمسان مركزا‬

‫ألهّ العلم‪ ،‬وقد كثر هبا األولياء والعلماء كما تعد‪ ،‬أيضا‪ ،‬من املراكز الدينية وخري دليّ على ذلك مساجدها‬

‫ومزاراهتا الكثرية‪ ،‬كما يدل على شهرهتا صيتها الذي ذاع يف خمتلف أرجاء املعمورة‪ ،‬فعرفها بذلك العام واخلاص‪،‬‬

‫وهي مركز للدين والفقه والعلم كما تعتب‪ ،‬أيضا‪ ،‬ركنا من أكان احلضارة فمعاملها املزينة باخلزف وغريه تعطينا حملة‬

‫واضحة عن حضارة عربية خالصة‪ " :‬توجد بتلمسان مساجد عديدة مجيلة صينة هلا أئمة وخطباء ومخس مدارس‬

‫حسنة مزدانة بالفسيفساء وغريها من األعمال الفنية شيد بعضها ملوك تلمسان وبعضها ملوك فاس"(‪.)2‬‬

‫بناء املساجد واملدارس يدل على اهتمام السالطني بالثقافة وبالعلم والعلماء‪ ،‬وتنشيط احلركة الفكرية والدينية‬

‫واألدبية‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحي بن خلدون‪ ،‬بغية الرواد يف ذكر ملوك بن عبد الواد‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫(‪ )2‬احلسن الوزان‪ ،‬وصف افريقيا‪.40/4 ،‬‬

‫‪-53-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫اشتهرت يف تلمسان علوم خمتلفة‪ ،‬حيث اهتم علماؤها بشىت الفنون‪ ،‬وذلك لوجود املدارس املتعددة هبا‪ ،‬واليت‬

‫تضم جمموعة من الطلبة واألساتذة " ولنرجع إىل املدينة حيث يوجد هبا قضاة وحمامون وعدد كبري من العدول‬

‫يتدخلون يف الدعاوي وكثري من الطلبة واألساتذة يف خمتلف املواد سواء يف الشريعة أو العلوم الطبيعية‪ ،‬وتتكفّ‬

‫املدارس اخلمس مبعاشهم بكيفية منتظمة"(‪ )1‬فهذه املظاهر املختلفة تدل على انتعاش الثقافة بتلمسان‪ ،‬والتطور‬

‫الذي مس القطاعات املختلفة‪.‬‬

‫فهذه املدينة مركز للعلم " فتلمسان حمّ العلماء واحملدثني والصلحاء"(‪ )2‬فقد كانت قطبا اشعاعيا ازدهرت فيه‬

‫العديد من العلوم املختلفة‪.‬‬

‫‪ -6‬مساهمة ملوك بني زيان في نشر الثقافة‪:‬‬

‫كان لسالطني الدولة الزيانية الدور الفعال‪ ،‬يف نشر الثقافة والعلم‪ ،‬فكان هلم الفضّ يف بناء املدارس‪ ،‬واملعاهد‪،‬‬

‫ونشر العلوم املختلفة‪ ،‬وتوفري اجلو املناسب لذلك " أكثر ما اشتهرت به دولة عبد الواد الزيانية هو اعتناء ملوكها‬

‫بالعلم والعلماء فلقد كان التعليم منتشرا يف املدن والقرى معتمدا على طرق بيداغوجية جد متقدمة‪ ،‬تقام الدروس‬

‫يف املسجد األعظم بتلمسان واملدارس املتخصصة"(‪ )3‬فالعلم بتلمسان مل يعد حكرا على املدينة فقط بّ توسع‬

‫ليشمّ مجيع األماكن معتمدا على وسائّ متطورة" لقد أبدى ملوك بين عبد الواد رعاية وعناية بالعلم والعلماء‪،‬‬

‫واملنافسة اليت كانت قائمة بني ملوك املغرب اإلسالمي‪ ،‬يف جمال العلوم واآلداب‪ ،‬حيث كان البالط العبد الوادي‬

‫بداية من يغمراسن بن زيان ويف عهد خلفائه يرى أن التجاء العلماء إىل دولته إّا هو تشريف هلا‪ ،‬واغناء لثروهتا‬

‫العلمية ومسعتها األدبية يف املغرب االسالمي خاصة والعامل االسالمي عامة‪ ،‬وكان يرى أن هذه الرعاية تضفي‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.43 ،40‬‬


‫(‪ )2‬صحي ابن خلدون‪ ،‬بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد‪.43/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬عمار عمورة‪ ،‬موجز يف تاريخ اجلزائر‪ ،‬دار رصحانة للنشر والتوزيع‪ ،‬القبة(اجلزائر)‪ ،4004 ،‬ص‪.91‬‬

‫‪-54-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫على شخصه مسعة ومهابة"(‪ ،)1‬اهتم ملوك تلمسان بالعلم فكانوا ينافسون احلواضر العربية اجملاورة هلم‪ ،‬يف خمتلف‬

‫جماالت العلم‪ ،‬فأرادوا أن يصنعوا هلا الريادة بني األقطار واملدن العربية‪ ،‬فلقد كان للسالطني الدور الفعال يف‬

‫تنشيط احلركة العلمية بتلمسان وجعلها مركزا من مراكز العلوم املختلفة‪ .‬كما اعتنوا بتشييد املدارس واملساجد‬

‫واملراكز التعليمية اليت أقيمت للتدريس‪ ،‬وخترج منها مجلة من العلماء الذين استطاعوا أن يعطونا حملة عن احلياة‬

‫الثقافية يف تلمسان‪ ،‬وذلك من خالل ابداعاهتم سواء يف الفكر أو الدين أو الفقه أو األدب وغريها من الفنون‬

‫األخرى‪.‬‬

‫والذي ساعد على ازدهار ثقافة هذه املدينة خالل هذه الفرتة هو اهتمام سالطينها بالثقافة فكانوا بذلك جيسدون‬

‫ثقافة هذه املدينة أحسن جتسيدا‪ ،‬من خالل تنشيطهم للحركة الفكرية واألدبية وتقريبهم للعلماء واألدباء فظهرت‬

‫بذلك مجلة من الفنون سواء الشعرية أو النثرية‪ ،‬واليت كانت تقام يف بالط السالطني واحلكام الذين سعوا جاهدين‬

‫لتنشيط الثقافة وجعّ املدينة مدينة علم وحضارة بال منازع وقبّ أن نتعرف على هؤالء السالطني وعلى سريهتم‬

‫وحياهتم وأعماهلم وجب علينا أوال معرفة أحد هذه املظاهر مثّ املولديات وكيف كان صحتفّ هبا يف بالط الزيانيني‪،‬‬

‫وظهور هذا الفن يف بالد املغرب العريب‪.‬‬

‫فاملولديات تعد لونا شعريا ظهر لالحتفال بذكرى املولد النبوي الشريف‪ ،‬وملعرفة معىن كلمة املولد وجب علينا‬

‫البحث عن مدلوهلا اللغوي واالصطالحي‪.‬‬

‫(‪ )1‬األثر‪ ،‬جملة اآلداب واللغات‪ ،‬جامعة قاصدي مرباح‪ ،‬ورقلة‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬العدد التاسع‪ ،‬ماي ‪ ،4030‬ص‪.412‬‬

‫‪-55-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ -II‬المولديــا ‪:‬‬

‫‪ -5‬تعريف المولديــا ‪:‬‬

‫أ‪ -‬لاــة‪:‬‬

‫ملعرفة مدلول كلمة املولديات لغويا‪ ،‬وجب علينا االستقصاء والبحث ضمن معىن كلمة مولد واشتقاقاهتا‪ ،‬يف‬

‫املعاجم العربية هلذا جيب علينا أوال معرفة أصّ ومنبع الكلمة وذلك بالعودة إىل فعلها الذي أشتقت منه‪ ،‬جاء‬

‫يف لسان العرب " ولد‪ :‬الوليد‪ ،‬الصيب حني يولد‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬بّ هو للذكر دون األنثى‪ ،‬وقال ابن مشيّ يقال‬

‫غالم مولود وجارية مولودة أي حني ولدته أمه والولد اسم جيمع الواحد والكثري والذكر واألنـثى"(‪ )1‬فمن خالل‬

‫ما جاء به ابن منظور ميكننا أن نعرف من الفعّ ولد هو الطفّ حني يولد ومنه ولد هو وقت الوالدة "ومولد‬

‫الرجّ‪ :‬وقت والده‪ ،‬ومولده‪ :‬املوضع الذي ولد فيه‪ ،‬وولدته األم تلده مولدا‪ ،‬وميالد الرجّ‪ :‬اسم الوقت الذي‬

‫ولد فيه"(‪ )2‬ومن هنا فاملولد هو الوقت الذي يولد فيه املولود‪ ،‬واملكان الذي يولد فيه ولعله نفس املعىن الذي‬

‫اتفقت عليه جّ املعاجم اللغوية األخرى‪ ،‬وجاء يف معجم الوسيط "املولد‪ :‬موضع الوالدة‪ ،‬وقتها واجلمع مولد‬

‫"(‪ )3‬إذا فاملولد هو وقت الوالدة‪ ،‬وموضعها‪.‬‬

‫‪ -‬اصطالحــا‪:‬‬

‫تعد املولديات لونا جديدا من ألوان املديح النبوي الشريف‪ ،‬وهي ما يذكر يف ليلة املولد‪ ،‬وما يذكر بسرية الرسول‬

‫عليه الصالة والسالم‪ ،‬وأول من احتفّ مبولد النيب عليه الصالة والسالم هم الفاطميون " وكان املشرق قد اسنت‬

‫االحتفال باملولد النبوي يف ليلة الثاين عشر من ربيع األول يف القرن احلادي عشر امليالدي مبصر أيام الفاطميني‬

‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.214 /1 ،‬‬


‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪.219 /1 ،‬‬
‫(‪ )3‬املعجم الوسيط‪ ،‬ص‪.3021‬‬

‫‪-56-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫بطريقة رمسية‪ ،‬وأول احتفال به بطريقة مجاهرية شعبية كان يف إبريّ ألوائّ القرن الثاين عشر ميالدي"(‪ )1‬فاالحتفال‬

‫مبولد الرسول عليه الصالة والسالم مل يعرف من قبّ‪ ،‬وظهوره كلون جديد يعد حديث النشأة ألنه مل يشتهر‬

‫مع صحابة الرسول بّ كانت بدايات االحتفال به مع عصر الفاطميني‪ ،‬وهم أول من سن هذه الطريقة يف‬

‫االحتفال بالسرية احملمدية‪ ،‬ث انتقّ مع الفاطميني إىل بالد املغرب " نقله العباس العزيف الشريف إىل سبتة مدينته‪،‬‬

‫وعنها شاع يف تلمسان‪ ،‬وغريها من البالد املغربية‪ ،‬وكان الذي أشاعه يف تلمسان واجلزائر وجعله تقليدا للدولة‬
‫(‪)2‬‬
‫الزيانية أبو محو موسى الزياين"‬

‫أصبح املولد النبوي احتفاال رمسيا تقام له التحضريات الالزمة وتعرض فيه خمتلف الفنون األدبية‪ ،‬وخباصة الشعرية‬

‫منها متعرضني لسرية املصطفى عليه الصالة والسالم‪ ،‬وقد انتقّ إىل املغرب العريب مع الفاطميني‪ ،‬وشاع يف‬

‫أقطاره‪ ،‬وأصبح صحتفّ به وحتضر فيه خمتلف مظاهر الزينة‪ ،‬ويعرض فيه الشعراء قصائدهم ومواهبهم أمام‬

‫السالطني‪ ،‬الذين شجعوا هذه االحتفاالت‪ ،‬وسامهوا يف انتشارها فاملولدية‪ ،‬إذا هي قصائد مدصحية " يبدأ فيها‬

‫املنشدون بأمداح املصطفى عليه الصالة والسالم‪ ،‬ومبكفرات ترغب يف االقالع عن اآلثام‪ ،‬خيرجون يف كّ ذلك‬
‫(‪)3‬‬
‫من فن إىل فن ومن أسلوب إىل اسلوب‪ ،‬ويأتون من ذلك مبا تطرب له النفوس وترتاح إىل مساعه القلوب"‬

‫فاملولدية فن ازدهر يف بالد املغرب العريب‪ ،‬وهي قصائد تبدأ باملديح النبوي لتنتهي إىل أغراض أخرى خمتلفة‪،‬‬

‫وهي حتث املؤمن على فعّ اخلري واجتناب اآلثام‪ ،‬وهي قصائد تبعث الراحة يف نفس اإلنسان فريتاح لسماعها‪.‬‬

‫( ‪)1‬‬
‫شوقي ضيف‪ ،‬عصر الدول واإلمارات اجلزائر املغرب األقصى موريتانيا السودان‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،3440 ،3‬‬
‫ص‪.430‬‬
‫(‪ )2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.430‬‬
‫(‪ )3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.433‬‬

‫‪-57-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫تطرقنا فيما سبق ذكره إىل معىن كلمة مولد‪ ،‬واشتقاقاهتا اللغوية وتطور مدلوهلا‪ ،‬وكيف وصّ إىل مغربنا العريب‬

‫أما اآلن سنسلط الضوء على مرحلة مهمة يف تاريخ تلمسان‪ ،‬وهو عصر الدولة الزيانية‪ ،‬اليت امتدت ثقافتها‪،‬‬

‫وتوسعت بصورة الفتة للنظر ما جعلها مركزا إشعاعيا للحضارة العربية‪ ،‬ولعّ الفضّ يف ذلك يعود لسالطني‬

‫هذه الدولة الذين سامهوا يف نشر الثقافة هبا‪ ،‬وتشجيعهم للعلم والعلماء‪ ،‬مثّ احتفاهلم باملولد النبوي وكيف كان‬

‫يعقد يف بالط هؤالء السالطني‪ ،‬وكيف كانت تقام له التحضريات‪ ،‬وكيف كان الشعراء يتنافسون يف ميادين‬

‫املديح النبوي‪ ،‬لذلك وجب علينا أوال معرفة أحد أهم سالطني الدولة الزيانية وهو أبو محو موسى الزياين ومظاهر‬

‫إحيائه لليلة املولد النبوي‪.‬‬

‫الزياني الثاني واحتفاله بليلة المولد النبوي الشريف‪:‬‬


‫حمـو موسى ّ‬
‫‪ -6‬السلطان أبو ُّ‬

‫الزياني الثاني‪:‬‬
‫حمـو موسى ّ‬
‫أ‪ -‬نبذة عن شخصية السلطان أبو ُّ‬

‫أحد أهم سالطني الدولة الزيانية ترك بصمة واضحة يف تاريخ هذه األمة‪ ،‬فمن خالل األوصاف اليت تركها صحىي‬

‫ابن خلدون نستطيع أن نستكشف شخصية هذا الرجّ السياسي الذي يقول فيه‪ ":‬أوج امللوك العايل‪ ،‬والسجدة‬

‫يف فرقان املعايل‪ ،‬وقبلة اآلمال املضروبة إليها آباط البخت اللتماس احلظ والبخت وآية اهلل اليت رأيناها أكب من‬

‫األخت واألخت طود قد أرساه الوقار‪ ،‬وجود ظهر يف األرض إليه اإلفتقار وكسرى السياسة باملغرب‪ ،‬واآليت من‬

‫آياته املوسوية باملعجز باملغرب"(‪ )1‬أثىن صحي ابن خلدون على أيب محـو ونسب إليه مجلة من األوصاف والشمائّ‬

‫مثّ اهليبة والوقار‪ ،‬وشبهه بكسرى يف عظمته وحنكته السياسية‪ ،‬فله من والوقار ما يبعث الرهبة يف قلوب أعدائه‪،‬‬

‫وقد اتصف هذا األخري جبملة من السجايا الكرمية اليت فصّ صحي ابن خلدون فيها‪ ،‬وذكرها وحتدث عن سريته‬

‫الكرمية يقول " إشتمّ هذا اخلليفة ‪ -‬أيده اهلل‪ -‬من خالل الكمال‪ ،‬وكمال اخلالل على آي ال حتصى‪ ،‬وإنفرد‬

‫(‪ )1‬صحي ابن خلدون‪ ،‬بغية الرواد يف ذكر علماء بين عبد الواد‪.40 /4 ،‬‬

‫‪-58-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫من عوايل املعايل‪ ،‬و املعايل العوايل باملطمح األقصى‪ ،‬عيص رصحاين األشجار‪ ،‬وخلق طاليب النجار‪ ،‬وخلق‬

‫للمحاسن يف آيات فرقانه أي اشتجار"(‪.)1‬‬

‫واصّ صحي صاحب كتاب البغية مدصحه للسلطان الزياين وذلك لتحليه بصفات حسنة ال حتصى‪ ،‬حيث يعد‬

‫هذا األخري من أهّ الدين‪ ،‬واألئمة الصاحلني فيقول عنه" إنه فضّ على أمية األمة لني باملريج‪ ،‬فاملعارف واضحة‬

‫البهان واملفاخر مسلم جليادها السبق يف يوم الرهان‪ ،‬والسراوة معلمة البد‪ ،‬واجملادة حمكمة السرد‪ ،‬واملعاين تقاصر‬
‫(‪)2‬‬
‫عن حباهتا مدارك الزوج والفرد‪ ،‬إىل النائّ واحللم الواضح الدالئّ‪ ،‬والعدل املتفيئة ظالله عن اليمني والشمائّ"‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫متيز السلطان أبو محـو بالعدل واهلمة والوقار‪ .‬وما قيّ يف مدحه‪ :‬قصيدة من حبر الطويّ‬

‫ونور إذا هول اخلطوب مهول‬ ‫نـهوض لكسب احلمد ينظم مشله‬

‫فال صعب إال يف يديه ذلول‬ ‫غمام إذا أعطى مهام إذا سطا‬

‫ومرمى عاله ما إليه وصول‬ ‫مراقي سناء دونه األوج رفعة‬

‫لتـشديخ هام اخلطب فيه فـلول‬ ‫وال عيب إال أن غضب مضائه‬

‫أبانت أبيات صحي ابن خلدون عن وقار السلطان أيب محـو فنقّ صورة معظمة عنه وهذا أمر طبيعي ألن صحي‬

‫ابن خلدون هو مؤرخ الدولة الزيانية‪ ،‬والبد أن ميدح سالطينها‪ ،‬وإجنازاهتم العظيمة على مجيع األصعدة وامليادين‪.‬‬

‫توىل احلكم "سنة ‪410‬هـ ث نفي لسنة ‪413‬هـ‪ ،‬ث عاد إىل العرش وظّ فيه إىل سنة ‪441‬هـ‪ ،‬ث عزل وعاد إىل‬

‫العرش لسنيت ‪492‬هـ و ‪491‬هـ‪ ،‬وتويف لسنة ‪ )4("494‬توىل احلكم يف فرتة معينة من تاريخ الدولة الزيانية‪ ،‬ولعّ‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق‪.42/4 ،‬‬


‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪.42/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬املصدر نفسه‪.41/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬ابن األمحر‪ ،‬تاريخ الدولة الزيانية بتلمسان‪ ،‬ص‪.12‬‬

‫‪-59-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫هذه الفرتة تعد بالذ هبية يف تاريخ هذه األمة‪ ،‬وهي فرتة العصر الوسيط‪ ،‬فكان هذا الرجّ أحد أعمدة الدولة‬

‫الزيانية‪ ،‬ويعود له الفضّ يف تشجيع الثقافة بتلمسان‪ ،‬وتنشيطه ملختلف عناصر احلضارة‪ ،‬فكانت دولته دولة‬

‫يعمها خمتلف املظاهر الثقافية‪ ،‬فلما استقر هذا السلطان يف احلكم عمّ على تأسيس دولة قوية عرفت برقيها‬

‫وتطورها بني دول املغرب اإلسالمي‪.‬‬

‫أبو محـو كان عاملا جييد أفانني األدب فله من الشعر والنثر الشيء البديع " فلما استقر املوىل أبو محو من هالة‬

‫يف نصاهبا‪ ،‬وانتزع دولته من يد غصاهبا‪ ،‬ساس أهّ ملكته بالسرية احلسىن‪ ،‬وغمر الرعية قسطاس عدله األسىن‪،‬‬

‫وقسم أوقاته بني حكم يقضيه وحرق ميضيه‪ ،‬وعاق يرضيه وسيف حلماية الدين ينصيه‪ ،‬وجفن عن عوراء األمة‬

‫يغضيه‪ ،‬وسبيّ إىل إرضاء اهلل تعاىل ورسوله بقضيب"(‪ )1‬فبعد توليه احلكم استطاع أن يزين دولته مبختلف املظاهر‬

‫اليت خلقت هلا اخللود فيما بعد‪ ،‬وجعلت منها ذاكرة يرجع هلا املتصفح ألدب اجلزائر‪ ،‬وهو صحس بالفخر ألنه‬

‫ينتمي هلذا الوطن‪ ،‬فقد استطاع أن ينظم وقته بني احلكم وشؤونه‪ ،‬وبني مرضاة اهلل‪ ،‬وبني اهتماماته بالثقافة من‬

‫تأليف وإبداع‪.‬‬

‫وكان هذا السلطان صاحب إبداع وبالغة " وله من النثر الرائق‪ ،‬والشعر الفائق‪ ،‬ارتفعت صنعته من بالغة امللوك‬

‫ومن العلم العقلي والنقلي ما جال نوره عن الدنيا مدهلمات امللوك‪ ،‬فليقظة حربه نام عمر احلروب‪ ،‬وبصرامة‬

‫أقدامه جتلت عن زيد اخليّ الكروب‪ ،‬وليوم سلمه خلق الرخاء‪ ،‬واجلود والسخاء‪ ،‬ومن ذكائه أستعري ذكاء اياس‬
‫(‪)2‬‬
‫ومن حلمه كان لألحنف اقتباس"‬

‫(‪ )1‬حممد بن عبد اهلل التنسي‪ ،‬تاريخ بين زيان ملوك تلمسان‪ ،‬مقتطف من نظم الدر والعقيان يف بيان شرف بين زيان‪ ،‬ص‪.310‬‬
‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.313‬‬

‫‪-60-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫متيز مبوهبة وذائقة أدبية فريدة وهو أحد أهّ العلم باإلضافة إىل صرامته وقدرته يف احلروب‪ ،‬أما وقته فقد كان‬

‫وقت خري وسخاء عم البالد‪ ،‬وكان رجال ذكيا حمنكا حليما ولعّ معظم هذه الصفات قد أخذناها من مؤلفي‬

‫عصره الذين أطروا عليه بالشيء الكثري وقدموا أوصافا له رمبا تفوق الواقع‪ ،‬أما بالنسبة ملؤلفاته فقد استطاع هذا‬

‫األخري أن يروث البنه كنزا أدبيا يعرفه فيه بطريقة احلكم واحلنكة السياسية ‪ "...‬صنف كتابا أدبيا ملوكيا لولده‬

‫املوىل أيب تاشفني ويل عهده مساه " واسطة السلوك يف سياسة امللوك" أتى فيه بالعجب العجاب وضمنه من رائق‬

‫نظمه ما أزرى بالسحر احلالل"(‪ )1‬قدم السلطان أبو محـو موسى الزياين هذا الكتاب واسطة السلوك يف سياسة‬

‫امللوك البنه أيب تاشفني‪ ،‬وقد جاء فيه ببالغة وسحر أديب فائق‪ " ،‬فهو نظم ارتفعت طبقته عن شعر امللوك‪،‬‬

‫وسياسة تكفّ بشعر لف فضلها"(‪ ،)2‬يعد مؤلفه أحد الكتب يف تاريخ الدولة الزيانية ألنه صحتوي على وصايا‬

‫األب البنه‪ ،‬وكيف يتحلى هذا األخري بالسياسة اليت تضمن بقائه أما صاحبه فيعد خري مورث‪ ،‬ألنه ورث كنزا‬

‫دفينا يرجع له فيما بعد ويستفيد من خبته‪.‬‬

‫كان هذا أبو محـو موسى الذي يعد من أكب السالطني املشجعني للدور الثقايف يف األمة اجلزائرية‪ ،‬أما اآلن‬

‫سنتعرف على أحد أهم املظاهر الثقافية اليت كان ينشطها هذا األخري ولعلها ليلة االحتفال مبولد املصطفى عليه‬

‫الصالة والسالم فهذا االحتفال يعد من أكب مظاهر الثقافة يف العهد الزياين‪ ،‬فكان يستعد هلذه املناسبة ويقرب‬

‫إليه الشعراء واألدباء ليحيوا هذه الليلة وينشدوا املولديات اليت ازدهرت وراجت يف هاته الفرتة‪.‬‬

‫كان بنو زيان يقيمون أهبة كبرية لالحتفال مبولد النيب عليه الصالة والسالم " وقد تنافس بنو زيان مع بين مرين‬

‫يف االحتفال باملولد النبوي الشريف يف أهبة زائدة‪ ،‬وكان االحتفال باملولد بدعة جديدة يف املغربني األوسط‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.314‬‬


‫(‪ )2‬صحي ابن خلدون‪ ،‬بغية الرواد يف ذكر علماء بين عبد الواد‪.13 /4 ،‬‬

‫‪-61-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫واألقصى يف ذلك العصر وقد ذكر لنا السالوي من كان أول من احتفّ باملولد من بين مرين‪ ،‬وكان احتفال ليلة‬

‫املولد يدوم طول الليّ‪ ،‬وكان يقام يف القاعة الكبى يف املشور فتضاء ثرياته الضخمة‪ ،‬وجيلس السلطان وقرابته‬

‫وحاشيته يف أمجّ مالبسهم فيستمعون للمدائح النبوية وتالوة القرآن الكرمي ث يصلون العشاء‪ ،‬ويقدمون الطعام‬
‫(‪)1‬‬
‫فاالحتفاالت مبولد‬ ‫ث جيلسون للشعراء واملغنني‪ ،‬ويستمر ذلك حىت تقام صالة الفجر ث ينصرف الناس"‬

‫الرسول عليه الصالة والسالم كانت من أشد مظاهر الثقافة يف تلمسان حيث تنافسوا مع بين مرين يف هاته‬

‫االحتفاالت فكانت تقام يف قصور سالطني الدولة الزيانية الوالئم الكبرية‪ ،‬والتحضريات الفخمة ولعّ كّ ذلك‬

‫يرجع إىل سالطني الدولة الزيانية الذين ساعدوا يف تشجيع هذه احلركة‪ ،‬وكانوا صحضرون أنفسهم هلا بكّ ما يلزم‪،‬‬

‫ولعّ أبو محو موسى الزياين الثاين واحد من سالطني هذه الدولة ومن الذين سامهوا يف نشر الثقافة فكانت‬

‫بذلك ليلة املولد النبوي الشريف تقام يف بالطه‪.‬‬

‫الزياني بليلة المولد النبوي الشريف‪:‬‬


‫حمـو موسى ّ‬
‫‪ -‬السلطان أبي ُّ‬

‫كان السلطان أبو محـو صحتفّ مبولد الرسول‪ ،‬وكان هبذا يقتدي مبلوك عصره من أهّ املغرب واألندلس‪ ،‬وقد‬

‫ذكرت املصادر احتفاالته وكيف كان يقيم هلا التحضريات الالزمة " فكان يقيم ليلة املولد النبوي ‪-‬على صاحبه‬

‫الصالة والسالم ‪ -‬مبشورة من تلمسان احملروسة مدعاة حفيلة صحشر فيها الناس خاصة وعامة فما شئت من‬

‫ّارق مصفوفة وزرايب مبثوثة‪ ،‬وبسط موشاة‪ ،‬ووسائد بالذهب مغشاة ومشع كاألسطوانات‪ ،‬وموائد كاهلالالت‪،‬‬

‫ومباخر منصوبة كالقباب‪ ...‬ويفاض على اجلميع أنواع األطعمة‪.)2("...‬‬

‫(‪ )1‬ابن األمحر‪ ،‬تاريخ الدولة الزيانية بتلمسان‪ ،‬ص‪.24‬‬


‫(‪ )2‬أمحد بن حممد املقري التلمساين‪ ،‬نفخ الطيب من عصن األندلس الرطيب‪ ،‬تح‪ :‬احسان عباس‪ ،‬دار صادر بريوت‪( ،‬د‪ .‬ط)‪،‬‬
‫(د‪ ،‬ت)‪.231/1 ،‬‬

‫‪-62-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫بالغ أبو محـو موسى يف احتفاله بليلة املولد‪ ،‬فأقيمت له أهبة كبرية وبسطت فيها مجيع أنواع اخلريات‪ ،‬ونشرت‬

‫فيه مظاهر الرتف املختلفة " وكان السلطان أبو محـو يقوم حبق ليلة املصطفى صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وصحتفّ هبا‬

‫هلا مبا هو فوق سائر املواسم‪ ،‬يقيم مدعاة صحشر هلا األشراف والسوقة"(‪.)1‬‬

‫احتفاالت أيب محو موسى مل تكن قصرا على النخبة أو الطبقة احلاكمة بّ كانت تضم مجيع فئات اجملتمع‪ ،‬فمن‬

‫بعض صور االحتفال بليلة املصطفى يف ذلك العصر أن "أعيان احلضرة على مراتبهم تطوف عليهم ولدان‪ ،‬قد‬

‫لبسوا أقبية اخلز امللون‪ ،‬وبأيديهم مباخر ومرشات‪ ،‬ينال كّ منها حبظه وخزانة املنجانة ذات متاثيّ جلني حمكمة‬

‫الصنعة‪ ،‬بأعالها أيكة حتمّ طائر فرخاه حتت جناحيه‪ ،‬وخيتله فيهما أرقم خارج من كوة جبذر األيكة صاعدا‬

‫وبصدرها أبواب مرجتة بعدد ساعات الليّ الزمانية‪ ،‬يصاقب طرفيها بابان جمفآن أطول من األوىل‪ ،‬وأعرض وفوق‬
‫(‪)2‬‬
‫ولعّ هاته املظاهر هي صورة موجزة عن األهبة العظيمة اليت كان يقام فيها‬ ‫مجيعها دوين رأس اخلزانة‪"...‬‬

‫االحتفال يف عهد هذا السلطان‪ ،‬فكانت جّ املظاهر اليت ذكرها هذا املؤلف دليال على احتفال سالطني‬

‫تلمسان باملولد النبوي الشريف واملبالغة الكبرية يف إحيائه كما كانت تقدم األطعمة واخلريات الكثرية " ث يؤتى‬

‫آخر الليّ مبوائد كاهلالالت دورا‪ ،‬والرياض نورا‪ ،‬قد اشتملت من أنواع حماسن املطاعم على ألوان تشتهيها‬

‫األنفس‪ ،‬وتستحسنها األعني‪ ،‬وتلذ بسماع أساميها اآلذان‪ ،‬ويشره مبصرها للقرب منها‪ ،‬والتناول وإن كان ليس‬

‫بغرثان والسلطان مل يفارق جملس الذي ابتدأ جلوسه فيه‪ ،‬وكّ ذلك مبرأى منه ومسمع حىت يصلي هنالك صالة‬

‫الصبح"(‪ )3‬أقيمت هذه االحتفاالت يف قصر السلطان حيث قدم فيها مجيع أنواع اخلريات اليت تشتهيها النفس‪،‬‬

‫وتسيّ لعاب الناظر إ ليها وكّ هذا كان يقام أمام منظر السلطان‪ ،‬وتستمر االحتفاالت حىت صالة الصبح "‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق‪.232/1 ،‬‬


‫(‪ )2‬حممد بن عبد اهلل التنسي‪ ،‬تاريخ بين زيان ملوك تلمسان مقتطف من نظم الدر العقيان يف شرق بين زيان‪ ،‬ص‪.311‬‬
‫(‪ )3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.312 ،311‬‬

‫‪-63-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫على هذا األسلوب متضي ليلة مولد املصطفى صلى اهلل عليه وسلم يف مجيع أيام دولته أعلى اهلل مقامه يف عليني‪،‬‬

‫وشكر له يف ذلك صنعه اجلميّ آمني وما من ليلة مولد متر يف أيامه‪ ،‬إال ونظم فيها قصيدة يف مدح املصطفى‬

‫صلى اهلل عليه وسلم أول ما يبتدئ املسمع يف ذلك احلفّ العظيم بإنشاده ث يتلوه إنشاد من رفع إىل مقامه‬

‫العلي يف تلك الليلة نظما"(‪ )1‬وما ميز أبو محـو موسى أنه كان ال يفوت ليلة إال وقد نظم فيها قصيدة يف مدح‬

‫النيب‪،‬‬

‫وتعد قصائده أول ما يفتتح به احلفّ‪ ،‬وتليها قصائد أخرى ألدباء عصره‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫بعض ما قاله أبو محـو موسى يف مدح النيب عليه الصالة والسالم من حبر الطويّ‪":‬‬

‫وحي ديارا للحبيب هبا حي‬ ‫قفا بـني أرجاء القباب وباحلي‬

‫وسائّ فدتك النـفس يف احلي عن دمي‬ ‫وعرج على جند وسلع ورامة‬

‫ميوت وصحي فارث للميت احلي‬ ‫وقّ ذلك املضىن املعذب باهلوى‬

‫ورو حديثي فهو أغرب مروي"‬ ‫وبث هلم وجدي وفـرط صابيت‬

‫تعد هذه األبيات اليت قدمناها ّوذجا عن املولديات يف عصر الدولة الزيانية واليت كشفت الغطاء عن ثقافة‬

‫السلطان الذي ساهم يف نشر الثقافة‪ ،‬وعن قدرته الشعرية منها والنثرية فمولدياته وكتابه الذي ورثه البنه يدالن‬

‫على أنه عاش شاعرا وأديبا وسلطانا سياسيا حمنكا سعى لتطوير دولته والرقي هبا يف مصاف احلضارة والتقدم‪.‬‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.312‬‬


‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.312‬‬

‫‪-64-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫كما ينبغي أن نشري يف هذا الصدد اىل سلطان آخر ساهم يف نشر الثقافة فسار على اهج أبيه‪ ،‬بّ وبالغ يف‬

‫ذلك‪ ،‬ويرجع إليه الفضّ يف تنشيط احلركة الفكرية والثقافية يف تلمسان وقد خلدت املصادر امسه وأعماله‪ ،‬وهو‬

‫أبو تاشفيــن الثاين‪ ،‬وعلى طريقة احيائه لليلة مولده عليه الصالة والسالم‪.‬‬

‫‪ -4‬السلطان أبو تاشفين الثانــي واحتفاله بليلة المولد النبوي الشريف ‪:‬‬

‫أ‪ -‬نبذة عن شخصية السلطان أبو تاشفين الثاني‪:‬‬

‫من سالطني الدولة الزيانية‪ ،‬ابن السلطان أبو محـو موسى الزياين‪ ،‬توىل احلكم بعد أبيه‪ ":‬ث بويع امللك الكامّ‬

‫األسد الباسّ‪ ،‬أمشخ امللوك أنفا‪ ،‬وأعالهم وأحقهم بالتقدم وأوالهم وأطهرهم وأظهرهم وأقواهم وأقدرهم‬

‫وأرجحهم رأيا وأجنحهم سعيا‪ ،‬وأصدقهم قوال‪ ،‬وأوسعهم طوال‪ ،‬ذو احلكم العادل‪ ،‬والفضّ الشامّ‪ ،‬والثناء‬

‫الطيب‪ ،‬واجلود الصيب والسياسة الشاملة‪ ،‬والسعادة الكاملة‪ ،‬الذي مل يزل يف معراج العلى يسمو‪ )1("...‬نسبت‬

‫هلذا السلطان‪ ،‬أيضا‪ ،‬جمموعة من الصفات‪ ،‬تنم عن قدرته ومكانته فقد بويع بعد أبيه ومتكن من الوصول إىل‬

‫كرسي العرش‪ ،‬وقد عرف بسياسته وعدله‪.‬‬

‫وقد ذكره صاحب كتاب بغية الرواد ما حباله كعادته قائال " كوكب الشرف الوقار‪ ،‬وهالل الكمال املنقاد‪ ،‬ودرة‬

‫التاج‪ ،‬وفخر األخذان واإل نتاج‪ ،‬فرح دوحة النبؤة والرسالة‪ ،‬وجامع خصليت الكرم والبسالة‪ ،‬واألخذ مبجامع‬

‫القلوب‪ ،‬خلقا عظيما وخلقا هبيا"(‪ )2‬محّ رسالة أبيه وسار على اهجه‪ ،‬وحافظ على دولته‪ ،‬اشتهر مبكانته السامية‬

‫ومقامه العايل " فسما أمره‪ ،‬وعال قدره وحال ذكره‪ ،‬ومشّ الرعية خريه‪ ،‬واتسعت ملكته يف األقطار‪ ،‬وطار الثناء‬

‫عليه كّ مطار‪ ،‬ودوخ الببر والعربان‪ ،‬وملك من ملوية إىل جبّ الزاب كان أعلى اهلل مقامه بكر أبيه اخلطى‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.392‬‬


‫(‪ )2‬صحي ابن خلدون‪ ،‬بغية الرواد يف ذكر علماء بين عبد الواد‪.24 /4 ،‬‬

‫‪-65-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫لديه‪ ،‬وعلقه النفيس العزيز عليه‪ ،‬ولد له بندرومة أيام كونه هبا مع أبيه املوىل أيب يعقوب زمن انقطاعه فيها‬

‫للعبادة‪ ،‬أول شهر ربيع األول سنة اثنتني ومخسني وتسعمائة وألف"(‪ )1‬ففي عصره اتسعت أقطار اململكة‪ ،‬وعرف‬

‫بقدره وهيبته أمام أهّ وطنه عندما متلك احلكم‪ ،‬وسلك مسلك أبيه وحذا حذوه "فلما متلك كان عني الفضّ‬

‫واجلود والكرم‪ ،‬ومعدن النزاهة ورفعة القدر‪ ،‬وعلو الفهم يشره إىل حتضري غرر املعاين‪ ،‬ويتناوهلا بطبات الصفاح‬

‫وأسنة العوايل‪ ،‬ويقتدي بأبيه يف كّ مآثره من القول والفعّ‪ ،‬وصحدو على مثال طريقته حذو النعّ بالنعّ‪ ،‬فسري‬

‫جيوشه من ملكة أسالفه يف البعد والقرب‪ ،‬ودوخ ما كان استعصى على غريه بالشرق والغرب"(‪ )2‬فقد استطاع‬

‫أن يكون رجال له هيبة ومكانة بني أهله ورعيته‪ ،‬فكان يعتب أبه املثّ األعلى الذي يقتدى به‪.‬‬

‫واستطاع أن يصّ مبملكته إىل أبعد احلدود‪ ،‬فورث بذلك ملكة ألسالفه ووصّ إىل مامل يستطع غريه الوصول‬

‫إليه‪.‬‬

‫‪ -‬احتفال أبو تاشفين بمولد النبوي الشـ ـريف‪:‬‬

‫سار أبو تاشفني على اهج أبيه‪ ،‬كان صحتفّ باملولد النبوي الشريف‪ ،‬فقرب إليه الشعراء " وكان صحتفّ لليلة مولد‬

‫املصطفى صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬بأعظم االحتفال ونسجه و نسج أبيه يف ذلك على منوال"(‪ )3‬فإحياء ليلة املولد‬

‫مل متت مبوت أبيه بّ تابع املشوار‪ ،‬وبقي يقيم األهبات العظيمة لالحتفال بسرية املصطفى‪ ،‬وكانت القصائد اليت‬

‫تعرض يوم املولد تبتدأ مبدح الرسول لتنتهي إىل مدح اخلليفة " ويرفع إليه من املمادح الغر احلجال‪ ،‬ما يزري‬

‫بأمداح سيف الدولة ومشس املعايل‪ ،‬ويثيب عليها من عظيم النوال مبا مل يسمع مبثله يف سالف األحوال‪ ،‬ومن‬

‫أبدعها ما رفعه إىل حضرته العلية أبو عبد اهلل حممد بن يوسف الثغري يف أول مولد أقامه صدر متلكه مادحا له‬

‫(‪ )1‬حممد بن عبد اهلل التسي‪ ،‬تاريخ بين زيان ملوك تلمسان مقتطف من نظم الدر والعقيان‪ ،‬ص‪.392‬‬
‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.391‬‬
‫(‪ )3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.391‬‬

‫‪-66-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ولوالده ومعزيا له به"(‪ )1‬فكانت القصائد املولدية تتضمن جمموعة من العناصر املدحية من مدح الرسول إىل مدح‬
‫(‪)2‬‬
‫اخلليفة‪ ،‬وتتضمن حىت التعزية‪ ،‬ولعّ ما قاله الثغري يعد من حر قصائده حني قال يف حبر الكامّ‪:‬‬

‫ولباسها التـقوى أجّ جالها‬ ‫شرف النـفوس طالهبا لعالها‬

‫دانت هبا والفوز يف أخراها‬ ‫فيها تـنال العز يف الدنـيا إذا‬

‫ما للنـفوس حلى سوى تـقواها‪.‬‬ ‫فاخلع لبوسك من سوى ثـوب التـقى‬

‫إال وخالقها هبا أوصاها‪.‬‬ ‫أوصي هبا نـفسي وما من أمة‬

‫وهاته املقطوعة تعد ّوذجا مصغرا عن املولديات اليت ظهرت يف العصر الزياين‪ ،‬فأبو تاشفني قد بالغ يف احتفاله‬

‫باملولد النبوي حىت أنه كان صحتفّ بالليلة السابعة للمولد " وملا كانت ليلة سابع املولد املذكور‪ ،‬احتفّ هلا أيضا‬

‫أعلى اهلل مقامه ميثّ احتفاله لليلة املولد أو أعظم"(‪ )3‬فاقت احتفاالت أيب تاشفني احتفاالت أبيه‪ ،‬فلم تقتصر‬

‫على ليلة واحدة بّ كانت تقام حىت الليلة السابعة‪ ،‬هذه الليلة قد يكون أعظم من ليلة املولد نفسها وكانت‬

‫قصائد الثغري ّوذجا عن الثقافة يف ذلك العصر‪.‬‬

‫قرب أبو تاشفني الشعراء إليه يف ليايل املولد فعرضوا فيها قصائدهم ومن بني الشعراء الذين أحيوا هذه الليايل‬

‫السبع الشاعر الكبري الثغري‪ ،‬ألقى هذا األخري قصيدة بني يدي السلطان أيب تاشفني ومدحه فيها ومدح ويل‬
‫(‪)4‬‬
‫عهده املوىل أبو ثابت قائال من حبر الطويّ‪:‬‬

‫وإن كان أحيانا يسكن من وجدي‬ ‫أعلّ نـفسي والتـعلّ ال جيدي‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.394‬‬


‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.394‬‬
‫(‪ )3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.341‬‬
‫(‪ )4‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.341‬‬

‫‪-67-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫إىل معهد باألنس طال به عهدي‬ ‫فـهّ من سبيّ واألماين ضلة‬

‫وماضي زمان كله زمن الورد"‬ ‫وأيام وصّ كلهن أصائّ‬

‫من خالل ما سبق ذكره نلحظ أن سالطني الدولة الزيانية قد أحييوا ذكرى املولد النبوي الشريف وأقاموا‬

‫احتفاالت يف أهبة‪ ،‬وترف عظيم قدمت فيه شىت صور احلضارة ولعّ فرتة حكم السلطان أبو محـو موسى وابنه‬

‫أبو تاشفني كانت خري فرتة جسدت هاته االحتفاالت " فقد تنافس بنو زيان مع بين مرين يف االحتفاالت‬

‫باملولد النبوي الشريف يف أهبة زائدة "(‪ ،)1‬كانت االحتفاالت مبولد النيب املصطفى تعد من أكب املظاهر الثقافية‬

‫يف ذلك العصر‪.‬‬

‫‪ -III‬المراكــز التعليميـة ‪:‬‬


‫تعد املراكز التعليمية من أهم مظاهر االزدهار الثقايف يف مدينة تلمسان‪ ،‬كواها جممعا للعلماء‬
‫وطلبة العلم‪ ،‬وحاملة للعلوم املختلفة‪.‬‬
‫كانت تلمسان حاضرة من أهم احلواضر يف املغرب اإلسالمي‪ ،‬شد إليها طالب العلم الرحال‬
‫من كّ مكان؛ وذلك‪ ،‬لتوفر املؤسسات التعليمة كاملساجد‪ ،‬والزوايا واملدارس‪.‬‬
‫‪ -5‬تعريف المسجـد لاة واصطالحا‪:‬‬
‫املسجد يف اللغة هو كّ موضع يـتـعبد فيه(‪ ،)2‬و يف االصطالح‪ :‬هو دار عبادة املسلمني‬
‫تقام فيه الصلوات اخلمس املفروضة وغريها‪.‬‬
‫وقد ورد لفظ املسجد يف القرآن الكرمي عدة مرات‪ ،‬منها قوله تعاىل‪ »:‬إّا يـعمر مساجد اهلل‬
‫(‪)3‬‬
‫من آمن باهلل واليوم اآلخر «‪.‬‬
‫يطلق على املسجد‪ ،‬أيضا اسم جامع إذا كان كبريا‪ ،‬ألنه جيمع الناس ألداء صالة اجلمعة‪،‬‬
‫"ظهرت لفظة اجلامع وصفا تارة حيث يقال‪ :‬املسجد اجلامع‪ ،‬ومضافا تارة أخرى فيقال‪ :‬مسجد‬

‫(‪ )1‬ابن األمحر‪ ،‬تاريخ الدولة الزيانية بتلمسان‪ ،‬ص‪.24‬‬


‫(‪ )2‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪.402/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬اآلية [‪ ]39‬من سورة التوبة‪.‬‬

‫‪-68-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫اجلامع‪ ،‬ث صاروا يطلقون اجلامع على املسجد الكبري الذي فيه املنب وتصلى اجلمع وصالة العيدين‬
‫فيه مع الصلوات اخلمس"(‪.)1‬‬
‫صحتّ املسجد مكانة سامية يف الشريعة االسالمية‪ ،‬ويف وجدان املسلم ألنه مركز ترابط األمة‬
‫ووحدهتا‪ ،‬ومنبع إميااها وقوهتا‪ ،‬ورمز صمودها‪....‬‬
‫املسجد هو مكان التعبد وموضع العبادة‪ ،‬جيتمع فيه الناس ألداء الصلوات اخلمس املفروضة‪.‬‬
‫وللمسجد دوره الفعال يف مجيع جماالت احلياة املختلفة الدينية منها واالجتماعية والسياسية‪.‬‬
‫حظي املسجد بعناية خاصة من قبّ احلكام والسالطني‪ ،‬وكذا العلماء والطلبة‪.‬‬
‫عرفت تلمسان كغريها من مدن بالد اجلزائر انتشار املساجد اليت سامهت يف تنشيط احلركة‬
‫الثقافية والعلمية‪ ،‬من بينها مسجد أغادير الذي بناه إدريس األول‪ ،‬مؤسس دولة األدارسة باملغرب‬
‫األقصى‪ ،‬وعندما دخّ اىل تلمسان وضمها حتت لوائه اختط مسجدها‪ ،‬وبىن منبه الذي كتب‬
‫عليه‪" :‬هذا ما مر به اإلمام إدريس بن إدريس بن عبد اهلل بن احلسن بن احلسن بن علي رضي اهلل‬
‫عنهم يف شهر حمرم سنة تسع وستني ومائة"(‪.)2‬‬
‫رمم هذا املسجد بنو زيان يف القرن السابع للهجرة‪ ،‬حيث شيد صومعته يغمراسن بن زيان‬
‫(‪)3‬‬
‫الذي استأذن يف كتابة امسه عليه‪ ":‬علم ذلك عند ريب"‪.‬‬
‫ومن أعظم املساجد يف تلمسان املسجد الذي بناه يوسف بن تاشفني املرابطي سنة ‪241‬هـ‪،‬‬
‫ث عد له ابنه علي بن يوسف بعده سنة ‪210‬هـ‪ ،‬ويغمراسن بن زيان ما بني سنيت (‪112‬هـ‬
‫‪119‬هـ)(‪.)4‬‬
‫اعتىن بنو زيان ببناء املساجد وتشييدها‪ ،‬وجلب العلماء للتدريس هبا‪ ،‬وإسناد إليهم اإلمامة‬
‫واخلطابة‪ ،‬ومثال ذلك مسجد ابين االمام الذي بناه ابو محو موسى األول‪.‬‬

‫(‪ )1‬حممد بن أمحد بن صاحل الصاحل‪ ،‬املسجد جامع ومجاعة‪ ،‬مكتبة امللك فهد الوطنية‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪ ،4000 ،3‬ص‬
‫(‪ )2‬ابن أيب زرع‪ ،‬األنيس املطرب بروض القرطاس‪ ،‬صور للطباعة و الوراقة‪ ،‬الرباط‪(،‬د‪ .‬ط)‪ ،3444 ،‬ص‪.20‬‬
‫(‪ )3‬صحي ابن خلدون‪ ،‬بغية الرواد‪ ،‬ص‪.404‬‬
‫(‪ )4‬حممد بن عبد اهلل التنسي‪ ،‬تاريخ بين زيان ملوك تلمسان مقتطف من نظم الدر والعقيان ‪ ،‬ص‪.341‬‬

‫‪-69-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وكما تطرقنا سابقا إىل أن تلمسان كثريا ما سقطت يف أيدي املرينيني‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫سيطرة بنو مرين على تلمسان إال أاهم سامهوا يف نشر الثقافة‪ ،‬وبناء املؤسسات التعليمية والرتبوية‬
‫حيث أنشأ أبو احلسن املريين عدة مساجد كجامع القصبة الذي قال فيه ابن مرزوق اخلطيب بأنه‬
‫كان يشتمّ على حماسن مل جتتمع يف مثله‪ ،‬من حسن وصفه‪ ،‬ومجال شكله‪ ،‬وكذلك جامع "‬
‫(‪)1‬‬
‫سيدي أبو مدين" الذي بين يف عباد تلمسان‪ ،‬اتصف هو اآلخر باحلسن‪.‬‬
‫إذا ساهم املسجد مسامهة كبرية يف نشر العلم والوعي الثقايف بني الناس‪ ،‬وتعد املساجد‬
‫املؤسسة الثانية بعد الكتاتيب‪ ،‬حيث تأيت مرحلة التعليم يف املساجد بعد استكمال مرحلة التعليم‬
‫األويل يف الكتاتيب‪ ،‬ففي هذه املؤسسة يتعلم الطالب الكتابة والقراءة‪ ،‬وحفظ القرآن الكرمي‪ ،‬ومبادئه‪.‬‬
‫أما يف املساجد فيتخصص الطلبة يف علم معني وعلى يد مشايخ كبار ذاعت شهرهتم يف‬
‫اآلفاق‪ ،‬وما يالحظ على طلبة العلم يف تلمسان خالل العصر الوسيط اهتمامهم بعلم الفقه‪،‬‬
‫ودراسته والتعمق فيه‪ ،‬أي أاهم ركزوا اهتمامهم على العلوم النقلية ألاهم حباجة ماسة اىل فهم الدين‬
‫اإلسالمي ومبادئه‪.‬‬
‫كما حظيت العلوم العقلية باهتمام العلماء وطالب العلم على حد سواء‪ ،‬ولكنها مل ترتق‬
‫إىل درجة العلوم النقلية (القرآن‪ ،‬علم التفسري‪ ،‬علم احلديث‪ ،‬علم الفقه)‪.‬‬
‫وينبغي أن نشري يف هذا الصدد إىل دور احلكام البارز يف تنشيط احلركة الثقافية يف تلمسان‬
‫من خالل جلبهم للعلماء الكبار للتدريس مبساجدهم‪ ،‬فكانوا صحضرون جمالسهم‪ ،‬ويستمعون إىل‬
‫دروسهم‪.‬‬
‫‪ -6‬تعريــف الزاويــة لاة واصطالحا‪:‬‬
‫كلمة الزاوية لغة مشتقة من الفعّ انزوى‪ ،‬فنقول‪ ":‬انزوى القوم بعضهم إىل بعض إذا تدانوا‬
‫(‪)2‬‬
‫وتضاموا والزاوية واحدة الزوايا‪ ...‬وزويت الشيء إذا مجعته وزاوية البيت‪ :‬ركنه"‬

‫(‪ )1‬حممد بن مرزوق التلمساين‪ ،‬املسند الصحيح احلسن يف مآثر وحماسن موالنا ايب احلسن‪ ،‬تح‪ :‬ماريا خيسوس بيغريا‪ ،‬تقدمي‪:‬‬
‫حممود بوعياد‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر و التوزيع‪ ،‬اجلزائر‪،‬ط‪ ،3493 ،3‬ص‪.201 ،204‬‬
‫(‪ )2‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.112 ،112/2 ،‬‬

‫‪-70-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫فالزاوية هي املكان املعزول يف ركن من األركان‪ ،‬وتكون جامعة للعباد الذين جيمعهم رابط‬
‫واحد هو حب اهلل ورسوله‪ ،‬ويتخذون من هذه الزاوية مكانا للتعبد واالعتكاف‪.‬‬
‫أما اصطالحا فتعين مكانا متسعا يسكنه الصوفية‪ ،‬وتكون مبثابة مدرسة دينية‪ ،‬ودارا لضيافة‬
‫عابري السبيّ‪ ،‬تؤدي رسالتها جبوار املسجد بكفاءة واقتدارا‪" :‬تتكون من مساحة أصلية للصالة‬
‫‪ ...‬حجرة أو أكثر لتحفيظ القرآن‪ ،‬ومكتبة لتعليم مبادئ اإلسالم‪ ،‬كما يلحق هبا مسكن شيخ‬
‫الزاوية وضيوفه من الطلبة او املسافرين"(‪.)1‬‬
‫إن مفهوم الزاوية يطلق على املكان املنعزل عن العامل اخلارجي الذي جيتمع فيه املتعبدون‬
‫ويؤدون طقوسهم الدينية من صالة وعبادة وتالوة الذكر احلكيم‪ ،‬وقد ساعدت هذه الزوايا على‬
‫نشر الثقافة العربية اإلسالمية‪ ،‬ونشر الطرائق الصوفية‪.‬‬
‫سامهت الزوايا إىل جانب املساجد يف نشر الثقافة‪ ،‬والتعليم‪ ،‬وقد تغري مفهوم الزاوية من‬
‫معناه القدمي الذي يعين املرابطة واجلهاد يف الثغور إىل معىن جديد أال وهو االنزواء واالنفراد للتعبد‪،‬‬
‫والتنسك والتزهد‪.‬‬
‫حظيت الزوايا هي األخرى باهتمام كبري من قبّ السالطني‪ ،‬وخباصة حكام الدولة الزيانية‬
‫الذين أنفقوا أمواال طائلة عليها وذلك من خالل إكرام شيوخها‪ ،‬وكسوة طلبتها‪.‬‬
‫حيث كان مشايخ الزوايا حمّ احرتام احلكام وتبجيلهم‪ ،‬فكانوا ينالون البكة منهم فسعوا‬
‫جاهدين إىل إرضائهم‪ ،‬والتماس الدعاء منهم‪.‬‬
‫جّ السالطني شيوخ الزوايا‪ ،‬فعاملوهم كآباء هلم‪ ،‬فقدروهم حق قدرهم‪ ،‬وعاملوهم معاملة‬
‫(‪)2‬‬
‫حسنة يف حياهتم‪ ،‬وحىت بعد ماهتم‪ ،‬مثلما فعّ السلطان يغمراسن بن زيان مع كثري من املتصوفة‪.‬‬
‫كما بىن أبو محو موسى الثاين زاوية األمري أيب يعقوب على ضريح والده جبانب املدرسة‬
‫(‪)3‬‬
‫اليعقوبية‪ ،‬وكذا زاوية احلسن بن خملوف امللقب بأبركان بتلمسان‪.‬‬

‫(‪ )1‬عبد احلكم عبد اللطيف الصعيدي‪ ،‬املسجد رمز الصمود والتحدي‪ ،‬مكتبة الدار العربية للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،4004 ،3‬‬
‫ص‪.42‬‬
‫(‪ )2‬صحي ابن خلدون‪ ،‬بغية الرواد‪ ،‬ص‪.344‬‬
‫(‪ )3‬حممد بن عبد اهلل التسي‪ ،‬تاريخ بين زيان ملوك تلمسان مقتطف من نظم الدر والعقيان‪ ،‬ص‪.344‬‬

‫‪-71-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫إذا لعبت الزاوية‪ ،‬دورا مهما يف تنشيط احلركة الثقافية يف تلمسان حيث كان يقرأ فيها القرآن‪،‬‬
‫ويردد فيها الطلبة األذكار‪ ،‬ويسبحون ليال واهارا‪ ،‬حيث كان لكّ زاوية شيخ ومرددين يلتقون حوله‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ويقضون الليّ كله يف تالوة الذكر احلكيم‪.‬‬
‫‪ - 4‬الم ــدارس‪:‬‬
‫تعرضت فيما سبق ذكره إىل بعض املظاهر الثقافية يف تلمسان‪ ،‬فسافرت بذلك عب الزمن‬
‫ودخلت إىل بالط السالطني الزيانيني ألشهد بذلك تنشيطهم للثقافة وتشجيعهم هلا‪ ،‬كاحتفاالهتم‬
‫باملولد النبوي‪ ،‬اليت كانت تقام يف حببوحة من الرتف‪ ،‬وكان صحضرها أهّ األدب‪ ،‬منشدين قصائد‬
‫وموشحات نبوية بديعة انتقلوا فيها من غرض إىل غرض‪ ،‬ولعّ الفضّ يف هذه الرحلة يعود إىل‬
‫الكتب النثرية املختلفة‪ ،‬اليت استطاعت أن تعطينا صورة عن ثقافة كانت سارية يف عصر من العصور‬
‫يف املدن اجلزائرية‪ ،‬أما اآلن سنتعرف على نوع آخر من املظاهر الثقافية يف مدينة تلمسان‪ ،‬متثلت يف‬
‫املدارس اليت كان هلا الفضّ يف ظهور جمموعة من األدباء والعلماء األجالء الذين ذاع صيتهم يف‬
‫األقطار اإلسالمية املختلفة من خالل ابداعاهتم ومؤلفاهتم‪ ،‬لذلك وجب علينا أوال الوقوف عند‬
‫مصطلح املدرسة‪ ،‬واستكشاف معانيها اللغوية واالصطالحية‪ ،‬ث نتحدث عن املدارس اليت ظهرت‬
‫يف مدينة تلمسان ومدى مسامهتها يف تنشيط الثقافة‪.‬‬
‫‪ -5‬تعريف المــدرسة‪:‬‬
‫أ‪ -‬لاــة‪:‬‬
‫جاء يف لسان العرب يف مادة (د‪.‬ر‪.‬س) " درس الكتاب يدرسه درسا ودراسة ودارسه وذلك‬
‫كأنه عائده حىت إنقاد حلفظه‪ ،‬وقد قريء هبما‪ ،‬وليقولو درست‪ :‬وليقولوا دارست‪ ،‬وقيّ درست‬
‫قرأت كتب أهّ الكتاب ودارسة‪ :‬ذاكرهتم وقريء‪ :‬درست ودرست أي هذه أخبار قد عفت واحمت‬
‫ودرست أشد مبالغة‪ ،‬واملدراس واملدرس‪ :‬املوضع الذي يدرس فيه‪ ،‬واملدرس‪ :‬الكتاب‪ ،‬وقول لبيد‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫قوم إال يدخّ املدارس يف الرمحة إال بـراءة واعتذارا"‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.429‬‬


‫(‪ )2‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.44/1 ،‬‬

‫‪-72-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫يتضح من هذا التعريف أن املدرسة هي موضع القراءة والكتابة‪ ،‬والدرس مبعىن احلفظ‬
‫واإلعادة‪.‬‬
‫وجاء يف الوسيط‪" :‬املدرسة‪ ،‬مكان الدرس والتعليم‪ ،‬ومجاعة من الفالسفة أو املفكرين‪ ،‬أو‬
‫الباحثني تعتنق مذهبا معينا أو تقول برأي مشرتك (مج‪ .‬ويقال هو من مدرسة فالن على رأيه‬
‫ومذهبه"(‪ )1‬فاملدرسة هي املكان الذي تعرض فيه الدروس‪ ،‬وينسب الشخص اىل مدرسة يعينها‪،‬‬
‫أي إىل مذهب واجتاه حمدد‪.‬‬
‫‪ -‬اصطالحــا‪:‬‬
‫املدرسة هي املكان الذي جيتمع فيه طالب العلم للقراءة والتعلم‪ ،‬أما اصطالحا كما يعرفها‬
‫ابراهيم ناصر فهي" املؤسسة اليت أنشأها اجملتمع لتقابّ حاجة من حاجاته األساسية‪ ،‬وهي تطبيع‬
‫أفراده تطبيعا اجتماعيا‪ ،‬ليجعّ منهم أعضاء صاحلني"(‪ )2‬فهي ضرورة من الضروريات األساسية يف‬
‫اجملتمع تعمّ على حتسني األوضاع االجتماعية لألفراد‪.‬‬
‫وقد كانت املدرسة يف العهد الزياين " مؤسسات تطور احلركة العلمية‪ ،‬اليت كانت تؤطرها‬
‫احللقات الدراسية جبامع تلمسان األعظم واملساجد احمليطة به‪ ،‬وخترج منها عدد كبري من العلماء‬
‫واألعالم والفقهاء واألدباء املبزين حىت غزت مساجدها ومدارسها معيار يقاس به ّو احلركة العلمية‬
‫ومؤشرا على مدى ازدهار الثقافة والعلوم والفنون واآلداب"(‪ )3‬تعد املدارس دليال على االزدهار‬
‫العلمي حيث ساعدت على نشر العلم يف أقطار تلمسان‪ ،‬فتخرج منها عدد من الطلبة كما كانت‪،‬‬
‫صورة واضحة عن تطور الثقافة ورقيها‪.‬‬
‫فكانت املدرسة املكان الذي يلتقي فيه أهّ العلم والعلماء لتبادل العلوم واملعارف‪ ،‬ويف هذا‬
‫الصدد سنتحدث عن املدارس اليت يلتقي فيها أهّ العلم والعلماء لتبادل العلوم واملعارف‪ ،‬وخنص‬
‫بالذكر منها التلمسانية وظهورها يف عصر الدولة الزيانية‪ ،‬حيث عبت عن فضّ السالطني يف نشر‬

‫(‪ )1‬معجم الوسيط‪ ،‬ص‪.440‬‬


‫(‪ )2‬جملة العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬عدد خاص‪ ،‬امللتقى الدويل األول اهلوية واجملاالت االجتماعية يف ظّ التحوالت السوسيو‬
‫ثقافية يف اجملتمع اجلزائري‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫(‪ )3‬تاريخ اجلزائر يف العصر الوسيط من خالل املصادر‪ ،‬منشورات املركز يف احلركة الوطنية ثورة اول نوفمب ‪ 3422،‬طبعة‬
‫خاصة‪ ،‬وزارة اجملاهدين‪ ،‬ص‪.312‬‬

‫‪-73-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الثقافة والعلم‪ ،‬وتوجيه الرعية إىل االهتمام بالعلوم املختلفة فجعلوا من دولتهم دولة ثقافة وحضارة‬
‫بال منازع دلت عليها كثرة املراكز التعليمية فكانت بذلك تلمسان قطبا ثقافيا يضم جمموعة من‬
‫املدارس‪ ،‬ظهرت يف تاريخ الدولة الزيانية‪ ،‬ولعّ ابن األمحر‪ ،‬أشار إىل عددها باختصار‪ ،‬وذكر بأنه‬
‫توجد يف تلمسان مخس مدارس حيث قال "ويكفي أن نذكر املدارس اخلمسة الكبى اليت أنشأت‬
‫يف أيام تلك األسرة الطويلة العمر"(‪ )1‬عمّ السالطني الزيانيني على تقريب العلماء منهم‪ ،‬وتشجيعهم‬
‫ببناء مدارس هلم يلقون فيها دروسهم وحماضراهتم‪ ،‬كانت تلمسان حمطة إللتقاء العلماء والفقهاء‪،‬‬
‫فظهرت هبا جمموعة من املدارس أمهها‪:‬‬
‫‪ -6‬أهم المدارس بتلمسان في العهد الزياني‪:‬‬
‫أ‪ -‬مدرسة ابني اإلمام‪:‬‬
‫بناها السلطان أبو محـو موسى األول " الذي كان صاحب أثار مجيلة‪ ،‬وسرية حسنة حمبا يف‬
‫العلم وأهله‪ ،‬ورد عليه بعد موت يوسف بن يعقوب الفقيهان العلمان اجلليالن‪ :‬أبو زيد وأبو موسى‬
‫ابنا اإلمام‪ ،‬فلم ير ما يؤدي به شكرا هلل على النعمة اليت من اهلل عليه هبا‪ ،‬من قتّ عدوه وتعجيّ‬
‫الفرح إال االعتناء بالعلم‪ ،‬والقيام وحبقه‪ ،‬فأكرم مثوامها‪ ،‬واحتفّ هبا وبىن هلما املدرسة اليت تسمى‬
‫هبما"(‪ )2‬تعد مدرسة ابين اإلمام أول مدرسة ظهرت يف تلمسان قام بتشييدها السلطان أبو محو‬
‫موسى الزياين تكرميا للفقيهني‪ :‬أبو زيد وأبو موسى‪ ،‬ومها" فقيهان من بلدة برشك‪ ،‬سافرا إىل املشرق‬
‫فحصال علوما شىت نقلية وعقلية ورأسا بدمشق‪ ،‬وكان هلما بالشام واحلجاز‪ ،‬ومصر صيت عظيم ث‬
‫دعتها دواعي األوطان بالرجوع إىل املغرب‪ ،‬فأعرضا عن بلدهتما‪ ،‬وتوجها إىل تلمسان‪ ،‬فكانت هلما‬
‫هبا الرياسة‪ ،‬ونشرا هبا من العلوم ما بقيت آثاره إىل اآلن"(‪ )3‬كانا عاملني جليلني عرفا يف بالد املغرب‬
‫واملشرق العريب‪ ،‬وكانت هلما شهرة بالغة يف ميادين العلوم املختلفة‪ ،‬شهدت على ذلك آثارهم اليت‬
‫بقيت إىل يومنا‪ ،‬فمدرسة أوالد اإلمام تعد أول مدرسة يف تاريخ الدولة الزيانية‪ ،‬كرم هبا أبو محو‬
‫الفقيهان اجلليالن‪ ،‬وذلك بأنه‪" :‬رفع منزلتهما‪ ،‬ث ابتىن هلما املدرسة املسماة بامسهما وموقعها داخّ‬

‫(‪ )1‬ابن األمحر‪ ،‬تاريخ الدولة الزيانية‪ ،‬ص‪.29‬‬


‫(‪ )2‬حممد بن عبد اهلل التسي‪ ،‬تاريخ بين زيان ملوك تلمسان مقتطف من نظم الدر والعقيان‪ ،‬ص‪.314‬‬
‫(‪ )3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.314‬‬

‫‪-74-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫باب كشوطة‪ ،‬وكانت هلما رئاسة‪ ،‬وحظوة ومقاما حمفوظا يف جمالس امللوك‪ ،‬وهلما يف تلمسان خلق‬
‫صاحل‪ ،‬ينتحلون العلم وقد وصّ بعضهم إىل مراتب التدريس‪ ،‬والفتيا يف النوازل‪ ،‬تويف أبو زيد عبد‬
‫(‪)1‬‬
‫الرمحن يف سنة ‪421‬ه‪ ،‬أما أبو موسى عيسى فقد تويف يف سنة ‪424‬هـ"‬
‫كانت هلما مكانة رفيعة وقدر عال بني امللوك‪ ،‬فقربومها إليهم وكرما بعد موهتما هبذه املدرسة‪،‬‬
‫خملفني وراءمها سلف صاحل من الطالب وأهّ العلم‪.‬‬
‫تعد هذه املدرسة‪ ،‬من املنشآت العمرانية للسلطان أيب محو موسى الزياين األول‪ ،‬فقد عرف‬
‫عن هذا األخري بتشجيعه للحركة العلمية بتلمسان‪ ،‬ومنشآته العمرانية‪" ،‬املدرسة الواقعة غرب مسجد‬
‫فخم وذو منارة أنيقة‪ ،‬كان ينسب إىل العاملني اجلليلني ابين اإلمام‪ ،‬وكانت هذه املدرسة تدعى‬
‫املدرسة القدمية أو مدرسة ابين اإلمام"(‪.)2‬‬
‫فهذه املدرسة قد عرفت بامسني‪ ،‬وكان موقعها بالقرب من املسجد وكانت من اآلثار احلضارية‬
‫ملدينة تلمسان‪.‬‬
‫‪ -‬المـدرسة التاشفينية‪:‬‬
‫شيدت يف تلمسان بناها عبد الرمحن بن تاشفني‪ ،‬وهي "املدرسة اجلليلة القدمية النظري‪ ،‬اليت‬
‫بناها بإزاء اجلامع األعظم‪ ،‬ما ترك شيئا ما إختصت به قصور مشيدة إال وشيد مثله هبا"(‪ )3‬اهتم‬
‫سالطني الدولة الزيانية بالعلم والعلماء‪ ،‬فشيدوا املدارس وتفننوا يف بنائها‪ ،‬حيث جلبوا هلا أفخر مواد‬
‫البناء‪ ،‬فهذه املدرسة أحد اآلثار احلسان للسلطان أيب تاشفني "فقد كان له بالعلم وأهله احتفال‪،‬‬
‫وكانوا منه مبحّ هتمم واهتبال‪ ،‬وفد عليه بتلمسان العامل املتفنن اجلماعة‪ ،‬أبو موسى عمران املشذايل‪،‬‬
‫أعرف أهّ عصره مبذهب مالك‪ ،‬فأكرم نزله وأدام املبة به‪ ،‬واحلفاية جبانبه وواله التدريس مبدرسته‬
‫اجلديدة"(‪ ،)4‬قرب هذا السلطان إليه العلماء والفقهاء وأغدق عليهم بالعطاء‪ ،‬وكان بذلك من‬
‫السالطني الزيانيني الذين سعوا إىل نشر الثقافة يف تلمسان‪.‬‬

‫(‪ )1‬بوزيان الدراجي‪ ،‬أدباء وشعراء من تلمسان‪ ،‬دار األمّ للدراسات والنشر والتوزيع‪( ،‬د‪ ،‬ط)‪ ،4033 ،‬ص‪.403‬‬
‫(‪ )2‬حممد بن رمضان شاوش‪ ،‬باقة السوسان يف التعريف حبضارة تلمسان عاصمة دولة بين زيان‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫(‪ )3‬التنسي‪ ،‬تاريخ بين زيان ملوك تلمسان‪ ،‬مقتطف من نظم الدر والعقيان يف شرف بين زيان‪ ،‬ص‪.320‬‬
‫(‪ )4‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.320‬‬

‫‪-75-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫حتدث عن هذه املدرسة املقري يف نفح الطيب وعدها‪ ،‬من أروع التصاميم يف مدينة تلمسان‬
‫حيث قال‪" :‬قلت‪ :‬قد تذكرت هنا‪ ،‬والشيء يذكر‪ ،‬ما رأيته مكتوبا على دائرة جمرى املاء مبدرسة‬
‫(‪)1‬‬
‫تلمسان‪ ،‬اليت بناها أمري املسلمني ابن تاشفني الزياين‪ ،‬وهي من بدائع الدنيا‪( ،‬يف البسيط)‪:‬‬
‫وبديع إتـقاين‪ ،‬وحسن بنائي‬ ‫أنظر بعيـنيك بـهجيت وسنائي‬
‫من نشأين بّ من تدفق مائي‬ ‫وبديع شكلي‪ ،‬واعتب فيما تـرى‬
‫صاف كذوب الفضة البـيضاء‬ ‫جسم لطيف ذائب سيالنه‬
‫فـغدت كمثّ الروض غب مساء‬ ‫قد حف يب أزهار وشي ّقت‬
‫رمم هذه املدرسة فيما بعد أبو العباس أمحد العاقّ‪.‬‬
‫ج‪ -‬المدرسة اليعقوبية‪:‬‬
‫بىن هذه املدرسة السلطان أبو محو موسى الثاين‪ ،‬ومساها باليعقوبية‪ ،‬بناها بعد وفاة والده أبا‬
‫يعقوب يوسف "الذي كان مقيما يف مدينة اجلزائر بعد فتحها‪ ،‬فوافته املنية بتلك املدينة يف أوائّ‬
‫شعبان من سنة ‪411‬هـ‪ ،‬فجهز ونقّ تلمسان يف جنازة مهيبة‪ ،‬وملا وصّ جثمانه استقبله أبو محو‬
‫حبزن وخشوع‪ ،‬ث دفنه يف رياض موجود بباب إيالن‪ ،‬ونقّ جثماين أخويه‪ :‬أيب سعيد وأيب ثابت إىل‬
‫جواره"(‪ )2‬شيد أبو محو الثاين املدرسة اليعقوبية تكرميا لوالده وبرا به‪ ،‬وكانت هذه املدرسة ضمن‬
‫اهتمامات هذا السلطان بالعلم والعلماء‪ ،‬حيث سعى إىل نشر الثقافة يف تلمسان من خالل مظاهر‬
‫خمتلفة فسعى إىل االهتمام هبذه املدرسة " فقد سنها هو بنفسه عام ‪411‬هـ‪ ،‬وحضر دروسها‬
‫االفتتاحية"(‪ ،)3‬كانت هذه األخرية ضمن اهتمامات هذا السلطان فأشرف بذلك على افتتاحها‪.‬‬
‫عمّ هذا السلطان على تشجيع العلم والثقافة يف بالده‪ ،‬من خالل إقامة مراكز ومدارس‬
‫لطلبة العلم‪ ،‬ولعّ هذه املدرسة تعد تكرميا لوالده‪ ،‬ولفضله العظيم وقد أوىل عناية فائقة هبذه املدرسة‪،‬‬
‫واهتم هبا اهتماما شديدا "فقد احتفّ هبا وأكثر عليها من األوقاف‪ ،‬ورتب فيها اجلرايات‪ ،‬وقدم‬
‫للتدريس فيها الشريف أبا عبد اهلل املذكور‪ ،‬وحضر جملس إقرائه فيها جالسا على احلصري‪ ،‬تواضعا‬

‫(‪ )1‬املقري‪ ،‬نفخ الطيب من غصن األندلس الرطيب‪.24/1 ،‬‬


‫(‪ )2‬بوزياين الدراجي‪ ،‬أدباء وشعراء من تلمسان‪.424 -429 /3 ،‬‬
‫(‪ )3‬حممد بن رمضان شاوش‪ ،‬باقة السوسان يف التعريف حبضارة تلمسان‪ ،‬عاصمة دولة بين زيان‪ ،‬ص‪.42‬‬

‫‪-76-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫للعلم‪ ،‬وإكراما له فلما انفض اجمللس‪ ،‬أشهد بتلك األوقاف وكسـا طلبتها كلهم‪ ،‬وأطعم الناس‪،‬‬
‫وطول اهلل مدته حىت ختم السيد أبو عبد اهلل تفسري القرآن العزيز فيها‪ ،‬فاحتفّ أيضا حلضور ذلك‬
‫اخلتم وأطعم فيه الناس‪ ،‬وكان مومسا عظيما"(‪ .)1‬متيز أبو محو موسى بشدة التواضع وإكرامه للعلم‬
‫والعلماء‪ ،‬وتشجيعهم وكسوهتم وإطعامهم وهذا من فضله وحسن خلقه‪.‬‬
‫أما فيما خيص فرتة السيطرة املرينية على تلمسان‪ ،‬فقد ظهرت هناك مدارس خمتلفة أنشأها‬
‫السالطني املرينيني يف أثناء تواجدهم بتلمسان‪.‬‬
‫اد‪ -‬مدرسة العــبّااد‪:‬‬
‫بنيت يف تلمسان‪ ،‬خالل فرتة االحتالل والتواجد املريين فيها‪ .‬أسسها أبو احلسن املريين بالعباد‬
‫وهي "ّوذج من مجلة املدارس املشيدة بتلمسان أثناء القرون الوسطى‪ ،‬وموقعها بغرب جامع سيدي‬
‫أبو مدين‪ ،‬تبعد عنه بنحو سبعة أمتار‪ ،‬وهي مبنية فوق ربوة صغرية يصعد إليها خبمس عشرة‬
‫درجة"(‪ )2‬تعلق السالطني باألولياء والزهاد‪ ،‬فأكرموهم وشيدوا مساجد قريبة من أضرحتهم‪ ،‬كهذه‬
‫املدرسة اليت بنيت على قب الويل الصاحل أيب مدين شعيب "وتوجد هبذه املدرسة خطوط أندلسية‬
‫(‪)3‬‬
‫تتضمن قصيدة يف مدح مشيد هذه املدرسة وذكر تاريخ تشييدها‪ ،‬من حبر الوافر"‬
‫اإلسالم أمري املسلمني‬ ‫بناين كي أقيم لدى دنيا‬
‫أبو احلسن الذي فيه املزايا تـفوق النظم بالدم الثمني‬
‫مبا أجرى به األعمال دينا‬ ‫إمام ال يـعب عن وصف‬
‫سليّ أيب سعيد ذي املعايل أقـر إيل اإلمام هبا عيونا‬
‫فأعاله وأعطاه يقينا‬ ‫وقد مساها خالقه عليا‬
‫وإميانا يكون له معينا‬ ‫أبانا باملصلحات منه دينا‬
‫خلون من السنني وأربعينا‬ ‫لشهر ربيع الثاين لسبع‬
‫حموله مقاصده فـنونا‬ ‫إىل سبع مئني فدام سعد‬

‫(‪ )1‬التنسي‪ ،‬تاريخ بين زيان ملوك تلمسان‪ ،‬مقتطف من نظم الدر والعقيان يف شرف بين زيان‪ ،‬ص‪.300‬‬
‫(‪ )2‬حممد بن رمضان شاوش‪ ،‬باقة السوسان يف التعريف حبضارة تلمسان عاصمة دولة بين زيان‪ ،‬ص ‪.424‬‬
‫(‪ )3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.424‬‬

‫‪-77-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وكان له اإلله على اتصال على مرضاته دأبا معينا‬


‫أشادت هذه القصيدة بباين املدرسة‪ ،‬الذي بالغ يف اتقااها‪ ،‬فذكرت صفاته املختلفة‪ ،‬وكانت‬
‫املدرسة‪ ،‬أحد أهم الركائز األساسية للنهوض بالثقافة‪ ،‬ونشر الوعي بني الناس‪ ،‬وما ميكننا قوله أيضا‬
‫أن سالطني بنو مرين سعوا جاهدين لبناء املدارس يف تلمسان احملتلة‪ ،‬وتشجيع احلركة الفكرية‬
‫واألدبية‪.‬‬
‫ه‪ -‬مدرسة سيدي الحلوي‪:‬‬
‫أسس هذه املدرسة‪ ،‬أيضا‪ ،‬املرينيني‪ ،‬ومسيت باسم ويل صاحل يدعى احللوي‪ ،‬وهو "الرجّ‬
‫الصاحل‪ ،‬والعامل الصويف‪ ،‬أيب عبد اهلل الشوذي‪ ،‬الذي توىل قضاء إشبيلية‪ ،‬ث انتقّ إىل تلمسان‪،‬‬
‫واستقر هبا‪ ،‬فلقب باحللوي‪ ،‬ألنه صار هبا يصنع احللوى‪ ،‬ويبيعها للصبيان‪ ،‬وكانت وفاته عام‬
‫‪414‬هـ"(‪.)1‬‬
‫شيد هذه املدرسة "السلطان أبو عنان سنة ‪422‬هـ"(‪ .)2‬كانت املدارس لصيقة باملساجد‪،‬‬
‫باعتبار أن املساجد هي األماكن اليت يتلقى فيها الطلبة تعليمهم األول أما املدارس‪ ،‬فهي مبثابة‬
‫جامعات كبى يؤمها الطلبة بعد استكمال تعليمهم االبتدائي "وهذه املدرسة كانت تقع بالقرب‬
‫من جامع سيدي احللوي‪ ،‬وكانت تقع أمامها أيضا زاوية"(‪ )3‬فقرب املدارس من اجلوامع‪ ،‬وتسميتها‬
‫بأمساء األولياء الصاحلني‪ ،‬إّا يدل على إميان السالطني بعظمة هؤالء املتصوفة‪ ،‬وتكرميا ملثواهم‪،‬‬
‫فسميت املساجد والزوايا بأمسائهم‪ ،‬ختليدا هلم‪ ،‬فتبقى سريهم حمفوظة يف الذاكرة "فهذه اجلوامع‬
‫واملساجد‪ ،‬والضرائح‪ ،‬و املدرسة يف وضعها‪ ،‬وفخامة زخرفتها ونضارة منظرها آية يف اإلبداع وكمال‬
‫الذوق إذ فيها من األعمال الفنية‪ ،‬ما يقف أمامه اإلنسان باهتا مدهوشا"(‪.)4‬‬
‫فبناء املدارس واجلوامع‪ ،‬وغريها واالعتناء بزخرفتها يدل على اهتمام السالطني مبراكز العلم‬
‫والدين واألولياء الصاحلني‪ ،‬وختليدا لذكرى من رحلوا‪ ،‬وتكرميا ألهّ العلم والعلماء فكانت املدارس‬

‫)‪ (1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.410‬‬


‫)‪ (2‬تاريخ اجلزائر يف العصر الوسيط‪ ،‬من خالل املصادر‪ ،‬ص‪.344‬‬
‫(‪ )3‬حممد بن رمضان شاوش‪ ،‬باقة السوسان يف التعريف حبضارة تلمسان عاصمة دولة بين زيان‪ ،‬ص ‪.414‬‬
‫(‪ )4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪412‬‬

‫‪-78-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫يف تلمسان‪ ،‬تعب عن اجلهد الذي بذله السالطني وتكرمي العلماء‪ ،‬حيث حضر بعض السالطني‬
‫حللقات الدروس اليت كانت تلقى يف املدارس إلرساء قواعد العلم‪ ،‬ومن تواضعهم كانوا جيلسون على‬
‫احلصري‪ ،‬فهؤالء السالطني أكرموا مثوى الطلبة فقدموا هلم املالبس اجلديدة واملأكوالت الطيبة‪،‬‬
‫وأغدقوا على املدارس باألموال‪ ،‬فكانت تنظم إليها اجلريات وغريها‪.‬‬
‫إذا كانت مسامهة السالطني فعالة يف نشر الثقافة والعلم‪ ،‬كما كانت تلمسان تشهد مظاهر‬
‫أخرى للثقافة بني االحتفال باملولد النبوي وإقامة املدارس فقط بّ كانت توجد فيها املكتبات‬
‫واجلوامع واملساجد املختلفة‪.‬‬
‫‪ -V‬أعالم تلمســان‪:‬‬
‫كانت تلمسان‪ ،‬ملتقى ألهّ العلم والعلماء‪ ،‬فكما يقول القلصادي "أدركت تلمسان كثريا‬
‫من العلماء والصلحاء‪ ،‬والعباد‪ ،‬والزهاد‪ ،‬وسوق العلم حينئذ نافعة‪ ،‬وجتارة املتعلمني واملعلمني راحبة‪،‬‬
‫واهلمم إىل حتصيله مشرقة وإىل اجلد واالجتهاد فيه مرتقية"(‪ )1‬فتلمسان حمطة التقاء أهّ العلم‬
‫والعلماء‪ ،‬كثرت هبا العلوم املختلفة وظهر هبا مجلة من العلماء واألدباء‪ ،‬وأهّ الفصاحة والبيان‪.‬‬
‫وقد حتدث ابن األمحر عن هذه املدينة باعتبارها نقطة التقاء العلماء فقال‪ ،‬داعما رأيه مبا‬
‫قاله البكري " وصحدثنا البكري أن تلمسان كانت دائما بلد علم‪ ،‬وعلماء‪ ،‬ومركز سنة ومجاعة‪ ،‬وكان‬
‫بنو زيان من رعاة العلوم‪ ،‬فاستقدموا أصّ العلم واألدب وخباصة الشعراء وأحاطوا أنفسهم بالفقهاء‬
‫على مثال ما كان يفعله جريااهم‪ ،‬ومنافسوهم من بين مرين وبنو وطاس"(‪ ،)2‬كانت تلمسان تضاهي‬
‫جريااها يف خمتلف اجملاالت‪ ،‬كما تعد من املراكز احلضارية اليت هلا قدرها بني الدول اإلسالمية‪،‬‬
‫فكثرت هبا العناصر احلضارية املختلفة‪ ،‬وكانت نقطة استقطاب للعلماء‪ ،‬والنساك والزهاد " فكثر‬
‫فيها أهّ التصوف‪ ،‬والصلحاء والعباد‪ ،‬وال غرابة يف ذلك‪ ،‬ففي بلدة من بالد منطقة تلمسان‪ ،‬وهي‬
‫بلدة العباد‪ ،‬استقر أبو مدين شعيب ويل املغرب األكب"(‪ )3‬لقد عظم شأن هذه املدينة وأصبحت‬

‫(‪ )1‬أبو احلسن القلصادي‪ ،‬رحلة القلصادي‪ ،‬ص‪.42‬‬


‫(‪ )2‬ابن األمحر‪ ،‬تاريخ الدولة الزيانية‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫(‪ )3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.29‬‬

‫‪-79-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫من املراكز الثقافية البالغة األمهية يف بالد املغرب العريب فعلى قدرها‪ ،‬وظهر هبا مجلة من العلماء‬
‫الذين ارتأينا أن نتحدث عن أشهرهم‪.‬‬
‫‪ -5‬أبو مدين شعيب‪:‬‬
‫من رجال التصوف كان يقطن باألندلس‪ ،‬ث رحّ إىل تلمسان وهو " الشيخ الويل قطب‬
‫العارفني وشيخ املشايخ‪ ،‬أبو مدين شعيب بن احلسني األنصاري منشؤه قطيانة من قرى إشبيلية"(‪.)1‬‬
‫تويف بالعباد‪ ،‬وفيه دفن " من صدور األولياء األبدال مجع بني الشريعة واحلقيقة‪ ،‬أقام هدايا ودعايا‬
‫للحق وقصدت زيارته من مجيع األقطار‪ ،‬وشهر بشيخ املشايخ"(‪ )2‬عرف هذا الرجّ بصدق دعواه‬
‫القائمة على احلق "فقد جاز البحر إىل املغرب فأخذ بفاس عن الشيخ أيب احلسن علي بن حرزهم‪،‬‬
‫ولبس اخلزفة عن الشيخ أيب عبد اهلل الدقاق‪ ،‬وسلك على يد شيخ املشايخ أيب يعزى إىل إن وصّ‬
‫وأدرك وحقق ملشرق بإذنه‪ .‬واستوطن جباية فاشتهر مبا خبه وعال يف مقام الوالية صيته فعض ملكانه‬
‫يعقوب املنصور بن يوسف العسري بن عبد املؤمن بن علي وأرسّ عليه"(‪ ،)3‬ذاع صيت أبو مدين‬
‫يف اآلفاق‪ ،‬فرحّ من بالده إىل املغرب‪ ،‬وأخذ عن علمائها‪ ،‬فلما عرف به املنصور بن يوسف‬
‫العسرى أرسّ يف طلبه‪ ،‬وكان يدرك أنه لن يلقاه‪" ،‬فسنة أربع وتسعني ومخسمئة‪ ،‬شق ذلك على‬
‫تالمذته‪ ،‬فقال هلم أنين ال ألقاه‪ ،‬فلما بلغ تلمسان أعجبته خارجها‪ ،‬قرية فسأل عن امسها‪ ،‬فقيّ‬
‫العباد‪ ،‬فقال أي موضع هو للرقاد‪ ،‬فمرض يومئذ ومات‪ ،‬ودفن هناك"(‪ ،)4‬فلما انتشرت شهرته بني‬
‫الناس أرسّ يعقوب املنصور إليه فقال انه لن يلقاه‪ ،‬ووصّ إىل قرية العباد‪ ،‬وهناك تويف اشتهر بعلمه‬
‫وتقواه بلغت أقطار العامل االسالمي بأسره‪ ،‬حىت وصلت إىل السالطني كما عرف هذا األخري‬
‫بكرماته‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحي ابن خلدون‪ ،‬بغية الرواد يف ذكر علماء بين عبد الواد‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )2‬أبو القاسم حممد احلفناوي‪ ،‬تعريف اخللف لرجال السلف‪ ،‬اجلزائر‪3401 ،‬مطبعة فونتانة الشرقية ‪،‬اجلزائر‪ ،‬ص‪.334‬‬
‫(‪ )3‬صحي ابن خلدون‪ ،‬بغية الرواد يف ذكر علماء بين عبد الواد‪11/3 ،‬‬
‫(‪ )4‬املصدر نفسه‪.11/3 ،‬‬

‫‪-80-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ -6‬ابنا اإلم ــام‪:‬‬


‫اسم أكبمها أبو زيد عبد الرمحن‪ ،‬واصغرمها أبو موسى‪ ،‬ومها شيخان ذاع صيتهما يف تلمسان‪،‬‬
‫وكان قريبان من السلطان أيب محو موسى الزياين الثاين " ابنا الفقيه اخلطيب أيب عبد اهلل حممد بن‬
‫عبد اهلل بن اإلمام‪ ،‬أهّ برشك‪ ،‬إمامان مشهوران بالعلم والرياسة‪ ،‬وهلما ببالدمها سلف صاحل"(‪،)1‬‬
‫عرف هذان العاملان يف بالدهم بالعلم فوسعت شهرهتما أقطار الوطن العريب " وقد نزال تلمسان أيام‬
‫السلطان املرحوم أيب محو موسى ‪ ...‬فأكرم مثوامها‪ ،‬وابتىن هلما املدرسة املسماة هبما‪ ...‬فرأسا الناس‬
‫وجالسا امللوك على هدى العلماء الصاحلني‪ ،‬ومسوا الرؤساء املكرمني‪ ،‬رمحة اهلل عليهما وهلما بتلمسان‬
‫خلف كثري‪ ،‬ينتحلون العلم كبريا وصغريا‪ ،‬بلغ كثري منهم مقام التدريس والفتيا جنابة درس‪ ،‬ونظر‪،‬‬
‫وقبامها‪ ،‬خارج باب اجلياد مستجاب الدعاء"(‪ ،)2‬وتكرميا هلما بىن أبو محو موسى مدرسة يف تلمسان‬
‫مساها مدرسة ولدي اإلمام وصدرمها للتدريس فيها‪ ،‬بلغا مراتب عليا فذاع صيتهما يف اآلفاق‪،‬‬
‫فأقبلت عليهم طلبة العلم من كّ حدب وصوب‪.‬‬
‫‪ -4‬ابن مرزوق الج ـ ّد‪:‬‬
‫عالمة فقيه‪ ،‬ذكره ابن مرمي يف البستان فقال " مشس الدين املشهور باجلدوب اخلطيب شارح‬
‫الشفاء والعمدة يف احلديث"(‪ )3‬عرفنا صاحب البستان بشخصية هذا العامل اجلليّ من أهّ تلمسان‪،‬‬
‫ويفرق بينه وبني حفيده‪ ،‬فأرود لنا كّ واحد ورتبته بقوله احلفيد واجلـد‪.‬‬
‫فابن مرزوق اجلد هو كما ذكره ابن خلدون يف رحلته " من أهّ تلمسان‪ ،‬كان سلفه نزالء‬
‫الشيخ أيب مدين بالعباد‪ ،‬ومتوارثني خدمة تربته‪ ،‬من لدن جدهم خادمه يف حياته‪ ،‬وكان جده‬
‫اخلامس أو السادس وامسه أبو بكر بن مرزوق‪ ،‬معروف بالوالية فيهم‪ ،‬وملا هلك دفنه يغمراسن بن‬
‫زيان‪ ،‬يف الرتبة بقصره ليدفن بإزائه"(‪ )4‬كانت له مكانة عالية بني علماء عصره‪ ،‬كما حظي باهتمام‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق‪.44 .43 /3 ،‬‬


‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪.41 /3 ،‬‬
‫(‪ )3‬ابن مرمي‪ ،‬البستان يف ذكر األولياء والعلماء بتلمسان‪ ،‬ص‪.342‬‬
‫( ‪)4‬‬
‫عبد الرمحن ن حممد احلضرمي االشبيلي‪ ،‬رحلة ابن خلدون عارضها بأصوهلا وعلة حواشيها‪ ،‬حممد بن تاويت الطنجي‪،‬‬
‫منشورات حممد علي بيضون‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،4002 ،3‬ص‪.13 ،10‬‬

‫‪-81-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫السالطني‪ ،‬وتقديرهم له" ولد بتلمسان‪ ،‬سنة عشر وسبعمائة‪ ،‬وارحتّ مع أبيه إىل املشرق‪ ،‬ث رجع‬
‫إىل القاهرة‪ ،‬وأقام هبا ‪ ...‬وبرع يف الطب والرواية‪ ،‬وكان خري اخلطني‪ ،‬عند رجوعه تلمسان‪ ...‬واله‬
‫السلطان أبا احلسن خطابة املسجد‪ ،‬مكان عمه ‪ ...‬وقربه إليه‪ ،‬وكان يالزم الشيخني ابين االمام‪،‬‬
‫ويأخذ نفسه بلقاء الفضالء واألكابر واألخذ عنهم والسلطان يف كّ يوم يزيده رتبة‪ ...‬وكان يستعمله‬
‫يف السفارة عنه إىل صاحب األندلس‪ ،)1(" ...‬برز جنم هذا الشيخ يف جمموعة من العلوم كالطب‬
‫والرواية ‪ ...‬فعلى قدره وعظم شأنه وذاع صيته يف أقطار املعمورة‪ ،‬فعرف يف مشارق األرض ومغارهبا‪،‬‬
‫وكان خطيبا ما جعله مقربا من السلطان الذي رأى فيه حسن خطابته فقربه إليه‪ ،‬وكان رجال عاملا‬
‫يالزم أهّ وشيوخ العلم‪ ،‬ويأخذ عنهم املعارف املختلفة‪ ،‬كما التف حوله طلبة العلم من كّ مكان‬
‫للنهّ من ينابيعه‪.‬‬
‫‪ -9‬عفيف الدين التلمساني‪:‬‬
‫من أشهر شعراء تلمسان " األديب البارع كان يدعي العرفان‪ ،‬ويتكلم عن إصالح القوم‪...‬‬
‫كان حسن العشرة كرمي األخالق‪ ،‬له حرمة ووجاهة خدم يف عدة جهات"(‪.)2‬‬
‫عرف بني أقرانه بكونه أديب بارع‪ ،‬له وقار وهيبة بني الناس فهو " أديب ماهر‪ ،‬جيد النظم‬
‫تارة يكون شيخ صوفية‪ ،‬وتارة كاتبا وتارة جمردا"(‪ ،)3‬كما كان من رجال التصوف يف تلمسان فمن‬
‫حر ما قاله عفيف الدين التلمساين الذي كانت أقواله وأفعاله على طريقة املتصوف ابن عريب قوله‬
‫(الطويّ)(‪:)4‬‬
‫وال دلت األلفاظ منه على معىن‬ ‫وقفنا على املعىن قدميا فما أغىن‬
‫حيارى وأصبحنا حيارى كما بتـنا‬ ‫وكم أمسيـنا وبتنا بربعه‬
‫ولوال النصارى ما مثلنا وال ملنا‬ ‫فلم نر للغيد احلسان هبم سىن‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.13‬‬


‫(‪ )2‬حممد احلفناوي‪ ،‬تعريف اخللف برجال السلف‪ ،‬ص‪.423‬‬
‫(‪ )3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.424‬‬
‫(‪ )4‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.421 ،424‬‬

‫‪-82-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫كان عفيف الدين التلمساين صوفيا‪ ،‬وهذا ما دلت عليه أبياته‪ ،‬اليت كانت يف التصوف‬
‫والتنسك والزهد‪.‬‬
‫‪ -1‬اب ــن خميس‪:‬‬
‫شاعر وفقيه ومتصوف وهو " أبو عبد اهلل حممد بن عمر بن مخيس شاعر املئة السابعة‬
‫متصوف عارف‪ ،‬متطور دباج ال نطري له"(‪ )1‬عرف بشعره‪ ،‬ومبكانته بني أدباء عصره التقاه العبدري‬
‫يف أثناء مروره بتلمسان‪ ،‬فرتجم له وأورد له مقاطع شعرية خمتلفة يف أغراض متنوعة من شعره‬
‫قوله(الطويّ)(‪:)2‬‬
‫وبعد رجاج ضاع فيه شباب‬ ‫أنبت ولكن بعد طول عتاب‬
‫أعلّ نفسي دائما مبتان‬ ‫وما زلت والعليا تغين غرميها‬
‫يلذ طعامي أو يسوغ شراب‬ ‫وهيهات من بعد الشباب وشرحه‬
‫من بني املوضوعات اليت كتب فيها ابن مخيس احلسني إىل الشباب والبكاء عليه‪ ،‬وهذا أمر‬
‫طبيعي ألن الشباب هو رمز القوة‪ ،‬والنماء والعطاء واحليوية‪.‬‬
‫‪ -2‬ابن عصــام‪:‬‬
‫التقاه العبدري يف تلمسان‪ ،‬حيث كان جارا البن مخيس " وهو رجّ متنقّ حيي متعفف له‬
‫حظ من اللغة ويقرض من الشعر‪ ،‬ما ال بأس به‪ ،‬وكان جار أليب عبد اهلل ابن مخيس"‪ 3‬كان شاعرا‬
‫يتقن أفانني اللغة‪ ،‬فمن شعره قوله ( البحر الكامّ)(‪:)4‬‬
‫قّ الذي مسى اهلذاة أوىل النهى محرا ألن سلب اهلدى واملعرفة‬
‫ويروقه زور الضالل وزخرفه‬ ‫فغدا يرجع اإلعتزال جهالة‬
‫عيون أوىل الضاللة والسفه‬ ‫احلق أبلج واضح لكنه يغشى‬

‫(‪ )1‬صحي ابن خلدون‪ ،‬بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد‪.14/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪.23/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬العبدري البلنسي‪ ،‬الرحلة املغريبية‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫(‪ )4‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.22‬‬

‫‪-83-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ذكر العبدري يف رحلته مجلة من أشعار ابن عصام لكن ارتأينا أخذ مقطوعة صغرية من شعره‪،‬‬
‫نتبني من خالهلا قدرة الرجّ على ركوب حبور الشعر‪ ،‬فلم نكثر ومل نطيّ‪.‬‬
‫محمد بن النّجــار‪:‬‬
‫‪ّ -1‬‬
‫اشتهر يف العلوم النقلية‪ ،‬والعقلية‪ ،‬قال عنه القلصادي "شيخنا الفقيه اإلمام العالمة املتفنن‬
‫أبو عبد اهلل حممد بن النجار‪ ،‬كانت له مشاركة يف العلوم النقلية والعقلية"(‪.)1‬‬
‫حضر القلصادي يف جملسه‪ ،‬وأفاد منه يف علوم كثرية منها "تفسري الكتاب العزيز وبعض كتب‬
‫اإلرشاد‪ ،‬إلمام احلرمني‪ ،‬واملنهج للبيضاوي‪ ،‬والبهانية للسالجبي‪ ،‬واجلمّ للخوجي‪ ،‬وتلخيص املفتاح‬
‫غري مرة‪ ،‬وبعض اخلفاف وشيئا من املدونة"(‪ )2‬فقد عرف باتساع معارفه‪.‬‬
‫‪ -0‬ابن مرزوق الحفيــد‪:‬‬
‫يعد ابن مرزوق‪ ،‬من أكب علماء تلمسان‪ ،‬ذاع صيته يف اآلفاق وعرف بعلمه واشتهر‪ ،‬حتدث‬
‫عنه القلصادي يف رحلته فقال هو‪" :‬أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن حممد بن مرزوق العجيسي‪ ،‬حّ‬
‫كنف العلم والعالء‪ ،‬وجّ قدره يف اجللة الفضالء‪ ،‬قطع الليايل ساهرا وقطف من العلم أزاهر‪ ،‬فأمثر‬
‫وأورق‪ ،‬وغرب‪ ،‬وشرق حىت توغّ يف فنون العلم واستغرق‪ ،‬إىل أن طلع على األبصار هالال‪ ،‬ألن‬
‫املغرب مطلعه‪ ،‬ومسا يف النفوس موضعه وموقعه‪ ،‬فال عليك أن ترى أحسن من لقائه‪ ،‬وال أسهّ من‬
‫(‪)3‬‬
‫إلقائه لقي الشيوخ األكابر‪ ،‬وبقي محده متعرف من بطون الكتب وألسنة األقالم‪ ،‬وأفواه احملابر"‬
‫أعتب ابن مرزوق من شيوخ العلم يف تلمسان‪ ،‬ومن أبرز من لقيهم القلصادي يف رحلته ويبدو أن‬
‫هذا األخري قد أعجب هبذا العامل اجلليّ فذكره مادحا إياه واصفا له مبجموعة من احملسنات اليت‬
‫زينت خصال هذا الرجّ‪ ،‬كان متقنا يف إلقائه‪ ،‬عارفا بأصول الكتاب والسنة عاملا جليال يشهد له‬
‫كّ من لقيه‪ "،‬كان رضي اهلل عنه من رجال الدنيا واآلخرة‪ ،‬وكانت أوقاته كلها معمورة بالطاعات‬
‫ليال‪ ،‬واهارا من صالة وقراءة قرآن‪ ،‬وتدريس علم وفتيا وتصنيف‪ ،‬وكانت له أوراد معلومة‪ ،‬تعضدها‬

‫(‪ )1‬أبو احلسن علي القلصادي‪ ،‬رحلة القلصادي‪ ،‬ص‪.304‬‬


‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.304‬‬
‫(‪ )3‬علي القلصادي‪ ،‬رحلة القلصادي‪ ،‬ص‪.41‬‬

‫‪-84-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الرواية‪ ،‬ونباهة ‪...‬وقد حضر السلطان جنازته(‪ )1‬عرف ابن مرزوق مبزاياه احلميدة اليت تدل على‬
‫قدرته فقد كان رجال نبيها‪ ،‬وعند وفاته حضر السلطان جنازته وهذا دليّ اهتمام السالطني الزيانيني‬
‫بالعلماء وتقديرهم للعلم‪.‬‬
‫له مؤلفات عديدة يف علم احلديث أمهها‪ ":‬كتاب أنوار الدراري يف مكررات البخاري"(‪ )2‬وله‬
‫(‪)3‬‬
‫شرح لكتاب اجلامع الصحيح للبخاري أمساه " املتجر الربيح واملسعى الرجيح واملرحب الفسيح"‬
‫‪ -4‬الثاري التلمساني‪:‬‬
‫شخصية تلمسانية‪ ،‬ترجم له أدباء عصره‪ ،‬وغريهم‪ ،‬قال عنه ابن مرمي يف بستانه هو "حممد‬
‫بن يوسف الفقيه اإلمام العامل العالمة األديب األريب‪ ،‬الكاتب أيب عبد اهلل أخذ عن اإلمام الشريف‬
‫التلمساين‪ ،‬وغريه"(‪ )4‬أديب فقيه أخذ عن أئمة عصره اشتهر مبولدياته‪ ،‬اليت كان يلقيها بني يدي‬
‫سالطني بين زيان "فقد أبدع يف املولديات عندما رفعه إىل حضرته العليا السلطان أبو تاشفني يف‬
‫أول مولد أقامه‪ ،‬صدر الثغري‪ ،‬مادحا للسلطان أبو تاشفني ولوالده ومعزيا له به"(‪.)5‬‬
‫وكان دائما ما يرتأس حلباته يوم االحتفال مبولد املصطفى صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وله يف ذلك‬
‫العديد من القصائد يف مدحه صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وكان ينتهي من مدح النيب اىل مدح اخلليفة‪،‬‬
‫(‪)6‬‬
‫مثّ قوله( البحر الكامّ)‪:‬‬
‫سامى به كّ امللوك وباهى‬ ‫يا وارث اخللفاء يف امللك الذي‬
‫بلغت بسعدك سوهلا ومناها‬ ‫يهنيك بّ يهين خالفتك اليت‬
‫عرف الثغري بقصائده املولدية اليت تبدأ مبدح النيب لتنتهي إىل مدح اخلليفة‪.‬‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.44 ،41‬‬


‫( ‪)2‬‬
‫التنبكيت أمحد بابا‪ ،‬نيّ االبتهاج يف تطريز الديباج‪ ،‬اشراف وتقدمي‪ :‬عبد احلميد عبد اهلل اهلدامة‪ ،‬منشورات كلية الدعوة‬
‫االسالمية‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ط‪( ،3‬د‪ .‬ت)‪ ،‬ص‪.204‬‬
‫(‪ )3‬حممد بن عبد الرمحن السخاوي‪ ،‬الضوء الالمع ألهّ القرن التاسع‪ ،‬مكتبة القدسي‪ ،‬القاهرة‪( ،‬د‪ .‬ط)‪( ،‬د‪ .‬ت)‪.20/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬ابن مرمي البستاين‪ ،‬يف ذكر األولياء والعلماء بتلمسان‪ ،‬ص‪.441 ،444‬‬
‫(‪ )5‬التنسي‪ ،‬تاريخ بين زيان‪ ،‬ملوك تلمسان مقتطف من نظم الدر والعقيان يف شرف بين زيان‪ ،‬ص‪.394‬‬
‫(‪ )6‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.314‬‬

‫‪-85-‬‬
‫الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ -58‬التن ــسي‪:‬‬
‫من أشهر أعالم تلمسان "حممد بن عبد اهلل بن عبد اجلليّ التنسي التلمساين الفقيه اجلليّ‬
‫احلافظ األديب‪ ،‬املطلع‪ ،‬كان من أكب علماء تلمسان‪ ،‬األجلة‪ ،‬وحمقيقيها أخذ عن اإلمام العالمة‬
‫أيب الفضّ حممد ابن مرزوق احلفيد واإلمام العامل أيب الفضّ ابن اإلمام‪ ،‬واإلمام قاسم العقباين‪،‬‬
‫واإلمام األصويل حممد بن النجار‪ ،‬والويل الصاحل ابراهيم التازي واإلمام ابن العباس"(‪.)1‬‬
‫متكن من علوم خمتلفة على رأسها األدب "فوصفه أمحد بن داوود األندلسي بشيخنا بقية‬
‫احلفاظ وقدوة األدباء"(‪ )2‬اشتهر بعلمه الغزير‪ ،‬ومصنفاته اجلليلة‪ ،‬اليت استفاد منها اخللف بعده‪.‬‬
‫"فمن مؤلفاته نظم الدر والعقيان‪ ،‬يف دولة آل زيان‪ ،‬وتأليف يف الضبط أي يف رسم اخلزاز‬
‫مساه الطراز‪ ،‬وله راح األرواح‪ ،‬فيما قاله أبو محـو وقيّ فيه من األمداح‪ ،‬اجلواب املطول يف قضية‬
‫يهود توات"(‪ )3‬أضحت كتاباته منارة ألهّ وطلبة العلم‪ ،‬ومصادر أساسية‪ ،‬يستعني هبا الباحث‬
‫وخباصة ملن أراد االطالع على دولة بين زيان يف عصره‪.‬‬
‫‪ -55‬ابــن مريــم‪:‬‬
‫يعد من أصحاب املؤلفات اليت بقيت خالدة على مر الزمن‪ ،‬وأصبحنا نرجع إليها ملعرفة‬
‫الصاحلني وأهّ العلم‪ ":‬أبو عبد اهلل حممد بن حممد بن أمحر الشهري بابن مرمي امللييت أصال‬
‫التلمساين"(‪ )4‬أحد أقطاب العلم بتلمسان له مؤلف بعنوان "البستان يف ذكر األولياء والعلماء‬
‫بتلمسان" وهو من أعظم املؤلفات يف تراجم العلماء والسادات"‪ 5‬وهو عبارة عن سري للعلماء‬
‫وحكاياهتم ومؤلفاهتم يف خمتلف اجملاالت الفه خالل القرن الثامن للهجرة‪.‬‬
‫وقد ذكرنا البعض من هؤالء العلماء وملعرفة املزيد فقد ورد ذكرهم مجلة وتفصيال يف كتاب‬
‫البستان البن مرمي‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابن مرمي البستان‪ ،‬يف ذكر العلماء واألولياء بتلمسان‪ ،‬ص‪.429‬‬
‫(‪ )2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.429‬‬
‫(‪ )3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.424 ،429‬‬
‫(‪ )4‬ابن مرمي‪ ،‬البستان يف ذكر األولياء و العلماء بتلمسان‪ ،‬ص‪.2‬‬
‫(‪ )5‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.2‬‬

‫‪-86-‬‬
‫خاتمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫خاتم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫تعد تلمسان‪ ،‬من املدن العريقة الضاربة جبذورها يف عمق التاريخ‪ ،‬عرفت عدة حضارات فكانت‬
‫قاعدة مللكها ومركزا من مراكز استقرارها‪ ،‬فهذه املدينة هلا ماضيها‪ ،‬وهلا وزاها الثقيّ بني احلواضر‬
‫اإلسالمية‪ ،‬اتسعت أقطارها على مر العصور فتطورت عب الزمن لتأخذ يف األخري شكلها املتميز‬
‫الذي عرفت به‪ ،‬فمن خالل البحث والتقصي عن هذه املدينة توصلت إىل جمموعة من النتائج منها‪:‬‬
‫‪ -‬إن تلمسان مدينة عريقة‪ ،‬قدمية قدم اإلنسان نفسه‪ ،‬فهناك من يدعي أاها ذكرت يف القرآن يف‬
‫قصة سيدنا اخلضر‪ ،‬وهناك من ينفي هذا االدعاء‪ ،‬ولعّ معاملها الكبى‪ ،‬ورموزها الشاخمة‪ ،‬تدل على‬
‫عظمة الشعوب‪ ،‬حتكمها مبادئ وقيم هذا الدين السميح‪ ،‬بعد أن كانت فيما قبّ مدينة بربرية‬
‫خالصة‪.‬‬
‫‪ -‬تعد من أهم املدن اليت استقطبت الرحالة الذين جابوا بقاع األرض‪ ،‬فقدموا صورة عن هذه املدينة‬
‫ومعاملها الكبى وموقعها‪ ،‬ومن استقر هبا‪.‬‬
‫‪ -‬كانت تلمسان مدينة أزلية هلا سور حصني‪ ،‬ث تطورت عب الزمن‪ ،‬وتوسعت‪ ،‬وأصبحت حتتوي‬
‫على جمموعة من املنشآت‪ ،‬واليت عبت عن حضارهتا مثّ احلمامات واألسواق واملدارس‬
‫واجلوامع‪...‬كما تعد هذه املدينة مكمنا للخريات القيمة الوفرية‪ ،‬وذلك ملا حتتويه‪ ،‬من أاهار وغابات‪،‬‬
‫ومساحات خضراء تدعم املدينة باملرافق الضرورية للحياة‪ ،‬ث حتولت إىل مدينة إسالمية مع الفتح‬
‫اإلسالمي لبالد املغرب‪ ،‬فكان أبو املهاجر دينار أول فاتح وطئت قدماه املدينة‪ ،‬حىت إاها مسيت‬
‫بعيون أبو املهاجر‪.‬‬
‫‪-‬استوطنت املنطقة‪ ،‬جمموعة من الدويالت حيث جعلت منها قاعدة ومركزا حلكمها‪ ،‬فعرفت حكم‬
‫األدارسة الذين بقوا فيها مدة معتبة من الزمن‪ ،‬ث مل تكن مبعزل عن الصراعات والفنت اليت كانت‬
‫واقعة بني األمويني والفاطميني‪ ،‬فعانت من هذا الصراع طويال‪ ،‬فكانت تارة لألمويني وأخرى‬
‫للفاطميني‪ ،‬لتؤول فيما بعد إىل املرابطني‪ ،‬وبعد انتهاء وسقوط دولتهم آلت املدينة إىل املوحدين‪،‬‬
‫حبيث كانت كّ دولة تقوم على أنقاض الدولة السابقة هلا‪ ،‬هكذا حىت وصلت تلمسان إىل الدولة‬
‫الزيانية اليت متكنت من بناء صرحها احلضاري على أنقاض الدولة املوحدية‪ ،‬فعلى الرغم من الصراع‬
‫واحلروب واحلصارات اليت عانت منها الدولة الزيانية مع جارهتا احلفصية باملغرب األدىن واملرينية‬

‫‪-88-‬‬
‫خاتم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫باملغرب األقصى‪ ،‬إال أن هذا مل مينعها من الوصول إىل االنتعاش‪ ،‬والرقي الثقايف فكانت بذلك فرتة‬
‫العصر الوسيط مرحلة جد مهمة يف حياة املدينة‪ ،‬أو ما يعرف باملرحلة الذهبية‪.‬‬
‫‪ -‬استطاعت تلمسان يف عهد الزيانيني أن تكون دولة حضارية هلا قيمتها‪ ،‬فنشأت هذه الدولة‬
‫بصنع رجّ سياسي حمنك استطاع أن يأخذ اإلمارة من املوحدين‪ ،‬وجيعّ من تلمسان قاعدة مللكه‪،‬‬
‫وهو يغمراسن بن زيان‪ ،‬الذي كان له الفضّ الكبري يف نشوء وبروز الدولة الزيانية اليت كانت تلمسان‬
‫عاصمة هلا‪ ،‬باإلضافة إىل سالطني الدولة الزيانية اآلخرين‪ ،‬الذين كان هلم الفضّ يف توسع وانتشار‬
‫واهضة الدولة الزيانية حىت غدت املدينة أحد أهم احلواضر اإلسالمية تضاهي فاس والقريوان‪ ،‬ولعّ‬
‫ما ساعد على انعاش املنطقة‪ ،‬وتطورها بشكّ ملفت للنظر‪ :‬هم السالطني الزيانيني الذين سعوا‬
‫جاهدين إىل اجلعّ من هذه املدينة أحد أهم املعامل احلضارية الكبى اليت متيزت بكواها مدينة ثقافية‪،‬‬
‫دلت عليها العناصر املختلفة للثقافة مثّ‪ :‬اهتمام السالطني بليلة املصطفى عز وجّ‪ ،‬والتحضري هلا‪،‬‬
‫واالحتفال هبا يف أهبة كبرية من الرتف‪ ،‬حىت الوصول إىل درجة املبالغة الشديدة يف االحتفال‪ ،‬إىل‬
‫جانب اهتمام السالطني بالعلم والعلماء‪ ،‬فقربوا إىل بالطهم أهّ العلم وأكرموا مثواهم‪ ،‬وأغدقوا‬
‫عليهم العطاء‪ ،‬فكانوا بذلك من املنشطني للعلم والتعليم باملدينة فابتنوا املدارس تكرميا‪ ،‬وتبجيال‬
‫للعلماء‪ ،‬وسعيا منهم على إرساء قواعد العلم يف بالدنا‪ ،‬فمن السالطني من جلس على احلصري‬
‫تواضعا‪ ،‬وذلك قمة النبّ والسعي لتطوير املدينة‪.‬‬
‫‪ -‬تلمسان مدينة استقطبت عديد من العلماء‪ ،‬فوفد إليها القراء والطلبة من كّ حدب وصوب‪،‬‬
‫وظهرت هبا املراكز التعليمية من مدارس ومساجد وزوايا‪ ،‬لعّ هذه املعامل عبت عن احلضارة والثقافة‬
‫اليت كانت تسري يف تلمسان أيام األسرة الزيانية الطويلة العمر‪ ،‬فتخرج هبا مجلة من العلماء‪ ،‬وعرفت‬
‫يف مشارق األرض ومغارهبا بقوهتا السياسية والثقافية اليت مكنتها من الوصول إىل قمة احلضارة‪ ،‬حىت‬
‫غدت عاصمة للثقافة يف ذلك العصر‪ ،‬وهذا ما دلت عليه الكتب النثرية املختلفة‪ ،‬اليت استطاعت‬
‫اإلملام بكّ ما خيص املدينة من‪ :‬سياسة وثقافة وأوصاف‪.‬‬
‫‪ -‬تعد فرتة العصر الوسيط فرتة مهمة يف تاريخ تلمسان‪ ،‬وصلت فيه املدينة إىل أوجها ومتكنت من‬
‫رفع امسها بني أقطار املغرب اإلسالمي‪ ،‬وهذا بفضّ جهود سالطني الدولة الزيانية الذين سعوا إىل‬
‫جعلها مركزا حضاريا وثقافيا له صيته يف املعمورة‪ ،‬لكن هذا ال ينفي الواقع املرير للدولة الزيانية اليت‬

‫‪-89-‬‬
‫خاتم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫تظافرت عليها جمموعة من العوامّ عجلت يف سقوطها‪ ،‬وإن بقيت هذه الدولة مدة طويلة من الزمن‬
‫إال أاها قد ااهارت وهـوت‪ ،‬وزال حكمها‪ ،‬ولعّ السبب يف ذلك يعود إىل ضعف األسرة احلاكمة‪،‬‬
‫والصراع بني أفرادها فكان ذلك سبب أساسي يف انكسار شوكتها داخليا‪ ،‬ما وجه أنظار املستعمر‬
‫إليها فتدخّ بذلك العنصر اخلارجي للسيطرة على هذه الدولة‪ ،‬وأصبحت الدولة الزيانية يف أواخر‬
‫حكمها تأن حتت خطرين هددا كيااها‪ ،‬ومها اخلطر اإلسباين‪ ،‬والعثماين‪ ،‬فآلت فيما بعد إىل حكم‬
‫الدولة العثمانية وأصبحت قطبا من أقطاب احلكم الرتكي الذي بقي يف اجلزائر ردحا من الزمن‪.‬‬

‫‪-90-‬‬
‫قائمة المصاادر والمراجع‬
‫قائمة المصاادر والمراجع‪:‬‬
‫القرآن الكريم‪:‬‬
‫اآلية (‪ )39‬من سورة التوبة برواية ورش‪.‬‬
‫المصاادر‪:‬‬
‫‪ .3‬ابن أيب زرع‪ ،‬األنيس املطرب بروض القرطاس‪ ،‬صور للطباعة و الوراقة‪ ،‬الرباط‪(،‬د‪ .‬ط)‪،‬‬
‫‪.3444‬‬
‫‪ .4‬ابن األمحر‪ ،‬تاريخ الدولة الزيانية‪ ،‬تقدمي وحتقيق وتعليق هاين سالمة‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‬
‫بور سعيد (مصر)‪ ،‬ط‪.4003 ،3‬‬
‫‪ .1‬ابن احلاج النمريي‪ ،‬فيض العباب‪ ،‬وإفاضة قداح اآلداب يف احلركة السعيدة من قسنطينة‬
‫إىل الزاب‪ ،‬دراسة وإعداد‪ ،‬حممد بن شقرون‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي بريوت لبنان‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪.3440‬‬
‫‪ .2‬ابن خلدون‪ ،‬ديوان املبتدأ واخلب يف تاريخ العرب والببر ومن عاصرهم من ذوي الشأن‬
‫األكب‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.4000 ،‬‬
‫‪ .2‬ابن فضّ اهلل العمري‪ ،‬مسالك األبصار يف مالك األمصار‪ ،‬تح‪ :‬حممد عبد القادر‬
‫خريسات‪ ،‬عصام مصطفى هزاميية‪ ،‬يوسف أمحد ياسني‪ ،‬مركز زايد للرتاث والتاريخ‪،‬‬
‫اإلمارات العربية املتحدة‪( ،‬د‪ .‬ط)‪( ،‬د‪ .‬ت)‪.‬‬
‫‪ .1‬ابن مرمي البتسان‪ ،‬يف ذكر األولياء والعلماء بتلمسان‪ :‬وقف على طبعه واعتىن مبراجعة‬
‫أصله‪ :‬حممد بن أيب شنب‪ ،‬اجلزائر‪( ،‬د‪ ،‬ط)‪.3409 ،‬‬
‫‪ .4‬ابن منظور االفريقي املصري‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪( ،‬د‪ .‬ط)‪( ،‬د‪ .‬ت)‪.‬‬
‫‪ .9‬أبو البقاء البلوي‪ ،‬تاج املفرق يف حتلية علماء املشرق تح‪ :‬احلسن السائح‪ ،‬صندوق إحياء‬
‫الرتاث العريب‪ ،‬مطبعة فضالة الغرب‪( ،‬د‪.‬ط) (د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ .4‬أبو احلسن علي القلصادي األندلسي‪ ،‬رحلة القلصادي‪ ،‬تح‪ ،‬حممد أبو األجفان‪ ،‬الشركة‬
‫التونسية‪ ،‬تونس‪( ،‬د‪ .‬ط)‪.3449 ،‬‬
‫‪ .30‬أبو القاسم ابن حوقّ النصييب‪ ،‬صورة األرض‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.3414 ،4‬‬

‫‪-92-‬‬
‫‪ .33‬أبو القاسم حممد احلفناوي‪ ،‬تعريف اخللف لرجال السلف‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬مطبعة فونتانة الشرقية‪،‬‬
‫اجلزائر‪.3401 ،‬‬
‫‪ .34‬أبو الوليد امساعيّ بن األمحر‪ ،‬روضة النسرين يف دولة بين مزين‪ ،‬املطبعة امللكية‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫(د‪ .‬ط)‪.3414 ،‬‬
‫‪ .31‬أمحد بن خالد الناصري‪ ،‬االستقصاء ألاهار دول املغرب األقصى الدولة املرينية‪ ،‬تح‪ :‬جعفر‬
‫الناصري‪ ،‬وحممد الناصري‪ :‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪( ،‬د‪ .‬ط)‪.3444 ،‬‬
‫‪ .32‬أمحد بن خالد الناصري‪ ،‬االستقصاء ألاهار دول املغرب األقصى الدولة املرينية‪ ،‬تح‪ :‬جعفر‬
‫الناصري‪ ،‬وحممد الناصري‪ :‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪( ،‬د‪ .‬ط)‪.3444 ،‬‬
‫‪ .32‬أمحد بن حممد املقري التلمساين‪ ،‬نفخ الطيب من عصن األندلس الرطيب‪ ،‬تح‪ :‬احسان‬
‫عباس‪ ،‬دار صادر بريوت‪( ،‬د‪ .‬ط)‪( ،‬د‪ ،‬ت)‪.231/1 ،‬‬
‫‪ .31‬التنبكيت أمحد بابا‪ ،‬نيّ االبتهاج يف تطريز الديباج‪ ،‬اشراف وتقدمي‪ :‬عبد احلميد عبد اهلل‬
‫اهلدامة‪ ،‬منشورات كلية الدعوة االسالمية‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ط‪( ،3‬د‪ .‬ت)‪.‬‬
‫‪ .34‬احلال املوشيه يف أخبار الدولة املركشية لؤلف جمهول تح‪ :‬سهيّ زكار‪ ،‬عبد القادر زمامة‪،‬‬
‫دار الرشاد احلديثة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪.3444 ،3‬‬
‫‪ .39‬احلسن بن حممد الوزان القاسي املعروف بليون االفريقي‪ ،‬وصف إفريقيا‪ ،‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،4‬ج‪.3494 4‬‬
‫‪ .34‬الشريف اإلدريسي‪ ،‬نزهة املشتاق يف اخرتاق اآلفاق‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬بور سعيد‪،‬‬
‫مصر‪( ،‬د‪.‬ط) (د‪.‬ت)‪3 ،‬ج‪.‬‬
‫‪ .40‬شهاب الدين أيب عبد اهلل ياقوت بن عبد اهلل احلموي الرومي البغدادي‪ ،‬معجم البلدان‪،‬‬
‫دار صادر‪ ،‬بريوت‪( ،‬د‪ .‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ .43‬عبد الرمحن حممد احلضرمي االشبيلي‪ ،‬رحلة ابن خلدون عارضها بأصوهلا وعلة حواشيها‪،‬‬
‫حممد بن تاويت الطنجي‪ ،‬منشورات حممد علي بيضون‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪.4002 ،3‬‬
‫‪ .44‬حممد أيب بكر عبد القادر الرازي‪ ،‬معجم الصحاح‪ ،‬تح‪ :‬أمحد إبراهيم زهوة‪ ،‬دار الكتاب‬
‫العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪( ،‬د‪ .‬ط)‪.4002 ،‬‬

‫‪-93-‬‬
‫حممد العبدري البلنسي‪ ،‬الرحلة املغربية‪ ،‬تح‪ .‬سعيد بوفالقة‪ ،‬منشورات بونة‪ ،‬عنابة‪،‬‬ ‫‪.41‬‬
‫‪.4004‬‬
‫حممد بن عبد الرمحن السخاوي‪ ،‬الضوء الالمع ألهّ القرن التاسع‪ ،‬مكتبة القدسي‪،‬‬ ‫‪.42‬‬
‫القاهرة‪( ،‬د‪ .‬ط)‪( ،‬د‪ .‬ت)‪.20/4 ،‬‬
‫حممد بن عبد اهلل التنسي‪ ،‬تاريخ بن زيان ملوك تلمسان‪ ،‬مقتطف من نظم الدر والعقيان‬ ‫‪.42‬‬
‫يف بيان شرف بين زيان‪ ،‬تح‪ :‬حممود آغا بو عياد‪ ،‬موفم للنشر‪ ،‬اجلزائر‪( ،‬د‪ .‬ط)‪،‬‬
‫‪.4033‬‬
‫حممد بن مرزوق التلمساين‪ ،‬املسند الصحيح احلسن يف مآثر وحماسن موالنا ايب احلسن‪،‬‬ ‫‪.41‬‬
‫تح‪ :‬ماريا خيسوس بيغريا‪ ،‬تقدمي‪ :‬حممود بوعياد‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر و التوزيع‪،‬‬
‫اجلزائر‪،‬ط‪.3493 ،3‬‬
‫املعجم الوسيط‪ ،‬إبراهيم مصطفى حسن الزيات وآخرون‪ ،‬جممع اللغة العربية القاهرة‪ ،‬ط‪،2‬‬ ‫‪.44‬‬
‫‪ ،4002‬ص ‪.204‬‬
‫مؤلف جمهول‪ ،‬كتاب االستبصار يف عجائب األمصار‪ ،‬نشر و تعليق‪ :‬سعد زغلول عبد‬ ‫‪.49‬‬
‫احلميد‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬العراق (د‪.‬ط) (د‪.‬ت)‪.‬‬
‫صحي ابن خلدون‪ ،‬بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد‪ ،‬مطبعة بري فونتانا الشرقية‬ ‫‪.44‬‬
‫اجلزائر‪( ،‬د‪ .‬ط)‪.3404 ،‬‬

‫المراجع‪:‬‬
‫إمساعيّ العريب‪ ،‬املدن املغربية‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬اجلزائر‪( ،‬د‪ .‬ط)‪.3492 ،‬‬ ‫‪.3‬‬
‫بوزيان الدراجي‪ ،‬أدباء وشعراء من تلمسان‪ ،‬دار األمّ للدراسات والنشر والتوزيع‪( ،‬د‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫ط)‪.4033 ،‬‬
‫تاريخ اجلزائر يف العصر الوسيط من خالل املصادر‪ ،‬منشورات املركز يف احلركة الوطنية ثورة‬ ‫‪.1‬‬
‫اول نوفمب ‪ 3422،‬طبعة خاصة‪ ،‬وزارة اجملاهدين‪.‬‬
‫شوقي شيف‪ ،‬عصر الدول واإلمارات اجلزائر املغرب األقصى موريتانيا السودان‪ ،‬دار‬ ‫‪.2‬‬
‫املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.3440 ،3‬‬

‫‪-94-‬‬
‫عبد احلكم عبد اللطيف الصعيدي‪ ،‬املسجد رمز الصمود والتحدي‪ ،‬مكتبة الدار العربية‬ ‫‪.2‬‬
‫للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،4004 ،3‬ص‪.42‬‬
‫عبد العزيز الثعاليب‪ ،‬تاريخ مشال افريقيا من الفتح االسالمي اىل اهاية الدولة األغلبية‪ ،‬أمحد‬ ‫‪.1‬‬
‫بن ميالد‪ ،‬حممد ادريس‪ ،‬تقدمي ومراجعة محادي الساحلي‪ ،‬دار الغرب االسالمي‪،‬ط‪،3‬‬
‫‪.3494‬‬
‫عمار عمورة‪ ،‬موجز يف تاريخ اجلزائر‪ ،‬دار رصحانة للنشر والتوزيع‪ ،‬القبة(اجلزائر)‪.4004 ،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫مبارك حممد امليلي‪ ،‬تاريخ اجلزائر يف القدمي واحلديث‪ ،‬تقدمي وتصحيح حممد امليلي‪،‬‬ ‫‪.9‬‬
‫املؤسسة الوطنية للكتاب‪( ،‬د‪ .‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫حممد اهلادي جاريش‪ ،‬التاريخ املغاريب القدمي السياسي واحلضاري منذ فجر التاريخ إىل‬ ‫‪.4‬‬
‫الفتح اإلسالمي‪ ،‬املؤسسة اجلزائر للطباعة‪( ،‬د‪.‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫حممد بن أمحد بن صاحل الصاحل‪ ،‬املسجد جامع ومجاعة‪ ،‬مكتبة امللك فهد الوطنية‪،‬‬ ‫‪.30‬‬
‫الرياض‪ ،‬ط‪.4000 ،3‬‬
‫حممد بن رمضان شاوش‪ ،‬باقة السوسان يف التعريف حبضارة تلمسان عاصمة دولة بين‬ ‫‪.33‬‬
‫زيان‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪( ،‬د‪ .‬ط)‪.4033 ،‬‬
‫مصطفى عباس املوسوي‪ ،‬العوامّ التارخيية لنشأة وتطور املدن العربية اإلسالمية‪ ،‬دار‬ ‫‪.34‬‬
‫الرشيد للنشر‪ ،‬العراق (د‪ .‬ط) (د‪.‬ت)‪.‬‬
‫صحي الشامي‪ ،‬موسوعة املدن العربية واإلسالمية‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،3‬‬ ‫‪.31‬‬
‫‪.3441‬‬
‫المجال ‪:‬‬
‫‪ .3‬األثر‪ ،‬جملة اآلداب واللغات‪ ،‬جامعة قاصدي مرباح‪ ،‬ورقلة‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬العدد التاسع‪ ،‬ماي‬
‫‪.4030‬‬
‫‪ .4‬جملة العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬عدد خاص‪ ،‬امللتقى الدويل األول اهلوية واجملاالت‬
‫االجتماعية يف ظّ التحوالت السوسيو ثقافية يف اجملتمع اجلزائري‪.‬‬

‫‪-95-‬‬
‫الفهرس‬
‫مقدمة‪.............................................................................‬أ‪-‬ج‬
‫مدخل‬
‫‪ -I‬مفاهيم عامة حول املدينة‪01..........................................................‬‬
‫‪-1‬تعريف املدينة‪01.....................................................................‬‬
‫أ‪-‬لغة‪01...............................................................................‬‬
‫ب‪-‬اصطالحا‪09.......................................................................‬‬
‫‪-4‬خصائص املدينة‪04..................................................................‬‬
‫‪-1‬عوامّ نشأة املدن‪04................................................................‬‬
‫‪-2‬املدن يف املغرب‪33...................................................................‬‬
‫‪-II‬تلمسان يف أدب الرحلة‪32...........................................................‬‬
‫‪-3‬التعريف بتلمسان من خالل املعاجم‪32.................................................‬‬
‫‪-4‬تلمسان كما وصفها الرحالة العرب‪31..................................................‬‬
‫أ‪-‬ابن حوقّ‪31.........................................................................‬‬
‫ب‪-‬اإلدريسي‪31.......................................................................‬‬
‫ج‪-‬مؤلف جمهول‪31.....................................................................‬‬
‫د‪-‬العبدري‪34..........................................................................‬‬
‫ه‪-‬النمريي‪39..........................................................................‬‬
‫و‪-‬البلوي‪39...........................................................................‬‬
‫ز‪-‬القلصادي‪40........................................................................‬‬
‫ح‪-‬العمري‪40..........................................................................‬‬
‫ط‪-‬احلسن الوزان‪43.....................................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬النّاحية السياسية لتلمسان من خالل النثر‬
‫‪-I‬تلمسان من الفتح اىل قيام الدولة الزيانية‪42.............................................‬‬
‫‪-3‬الفتــح االسالمي لتلمســان‪42.........................................................‬‬
‫‪-4‬تلمسان يف عهد األدارس ـة‪41.........................................................‬‬
‫‪-1‬الص ـراع الفاطــمي األمـوي على تلمســان‪49.............................................‬‬
‫‪-2‬تلمسان يف العهد املرابطــي‪10.........................................................‬‬
‫‪-2‬تلمسان يف العهــد املوحــدي‪14........................................................‬‬
‫‪-II‬ال ــدولة الزيان ــية‪12...................................................................‬‬
‫‪-3‬أصول بين زيــان‪12...................................................................‬‬
‫‪-4‬توليه ــم احلكـم‪14....................................................................‬‬
‫‪-1‬يغمراســن بن زيان (املنشئ األول للدولة الزيانيــة) ‪23....................................‬‬
‫‪-2‬بعض سالطني الدولة الزيانية وأبرزهم‪21................................................‬‬
‫أ‪-‬عثمان بن يغمراســن بن زيـان‪21........................................................‬‬
‫ب‪-‬أبو زيان حممد بــن عثمــان‪22.........................................................‬‬
‫ج‪-‬أبو محـو موسى األول‪22.............................................................‬‬
‫د‪-‬أبــو تاشفيـن األول‪21.................................................................‬‬
‫‪-2‬املظاهر السياسية لسلطة بين زي ــان‪24...................................................‬‬
‫‪-1‬أسباب سقوط الدولــة الزيانية‪24.......................................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الناحية الثقافية لتلمسان من خالل النثر‬
‫‪-I‬نبذة عن احلياة الثقافية بتلمسان ومسامهة ملوك بين زيان يف نشر الثقافة‪24.........................‬‬
‫‪-3‬احلياة الثقافية بتلمسان‪24..................................................................‬‬
‫‪-4‬مسامهة ملوك بين زيان يف نشر الثقافة‪21.....................................................‬‬
‫‪-II‬املولديــات‪22..................................................................................‬‬
‫‪-3‬تعريف املولديــات‪22............................................................................‬‬
‫أ‪-‬لغــة‪22.........................................................................................‬‬
‫ب‪-‬اصطالحــا‪22..................................................................................‬‬
‫‪-4‬السلطان أبو محـو موسى الزياين الثاين واحتفاله بليلة املولد النبوي الشريف‪24..........................‬‬
‫أ‪-‬نبذة عن شخصية السلطان ايب محـو موسى الزياين الثاين‪24...........................................‬‬
‫ب‪-‬احتفال السلطان أيب محـو موسى الزياين بليلة املولد النبوي الشريف‪13.................................‬‬
‫‪-1‬السلطان أبو تاشفني الثانــي واحتفاله بليلة املولد النبوي الشريف‪12...................................‬‬
‫أ‪-‬نبذة عن شخصية السلطان أبو تاشفني الثاين‪12.....................................................‬‬
‫ب‪-‬احتفال أبو تاشفني مبولد النبوي الشـ ـريف‪12.......................................................‬‬
‫‪-III‬املراكــز التعليميـة‪14.................................................................‬‬
‫‪-3‬تعريف املسجـد لغة واصطالحا‪14......................................................‬‬
‫‪-4‬تعريــف الزاويــة لغة واصطالحا‪14.......................................................‬‬
‫‪- 1‬امل ــدارس‪43.........................................................................‬‬
‫‪-3‬تعريف املــدرسة‪43...................................................................‬‬
‫أ‪-‬لغــة ‪43...............................................................................‬‬
‫ب‪-‬اصطالحــا‪44.......................................................................‬‬
‫‪-4‬أهم املدارس بتلمسان يف العهد الزياين‪41................................................‬‬
‫أ‪-‬مدرسة ابين اإلمام‪41..................................................................‬‬
‫ب‪-‬املـدرسة التاشفينية‪42................................................................‬‬
‫ج‪-‬املدرسة اليعقوبية‪42..................................................................‬‬
‫د‪-‬مدرسة العــباد‪41.....................................................................‬‬
‫ه‪-‬مدرسة سيدي احللوي‪44.............................................................‬‬
‫‪-V‬أعالم تلمســان‪49...................................................................‬‬
‫‪-3‬أبو مدين شعيب‪44..................................................................‬‬
‫‪-4‬ابنا اإلم ــام‪90.......................................................................‬‬
‫‪-1‬ابن مرزوق اجلــد‪90...................................................................‬‬
‫‪-2‬عفيف الدين التلمساين‪93............................................................‬‬
‫‪-1‬ابن عصــام‪94.......................................................................‬‬
‫‪-4‬حممد بن النجــار‪91..................................................................‬‬
‫‪-4‬الثغري التلمساين‪92..................................................................‬‬
‫‪-30‬التن ــسي‪92........................................................................‬‬
‫‪-33‬ابــن مريــم‪92.......................................................................‬‬
‫خامتة‪99 ...............................................................................‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع‪44................................................................‬‬

You might also like