Professional Documents
Culture Documents
جامعة 0ماي 5491م قالمة الرت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبة :أستاذ التعليم العالي رئي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــسا فريدة زرقين
جامعة 0ماي 5491م قالمة الرت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبة :أستاذ مساعد –أ- مقررا أحالم عثامنية
جامعة 0ماي 5491م قالمة الرت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبة :أستاذ مساعد –أ- ممتحنا العايش سعدون
بداية نحمد اهلل تعالى على توفيقه لنا لجني حصااد الدراسة
كما نتقدم بجزيل الشكر إلى األستاذة المشرفة "أحالم عثامنية" التي لم تبخل علينا
بإرشااداتها ونصائحها القيمة.
ادون أن ننسى شكر كل من ساعدنا على إنجاز هذا العمل من قريب أو بعيد.
إهداء
أهدي هذا العمل إلى من جرع الكأس فارغا ليسقيني قطرة حب
مقدمة:
كانت املدينة على مر العصور مركز التناقضات والتفاعالت احلضارية املختلفة ،فكانت نقطة
التقاء وتبادل على خمتلف األصعدة ،سواء السياسية أو الثقافية االجتماعية ،وقد شهدت تطورا
ملحوظا منذ بداياهتا إىل أن اختذت طابعها اإلمجايل ،أما فيما خيص بالد اجلزائر ،فقد عرفت ظهور
عديد من املدن اليت عبت عن كيااها ،واستمراريتها ،ولعّ تلمسان أحد هذه احلواضر اجلزائرية اليت
ازدهرت يف عصر من العصور ،وذاع صيتها يف مشارق األرض ومغارهبا ،وخباصة يف العصر الوسيط،
الذي يعد مرحلة ذهبية يف حياة هذه املدينة ،حيث سجّ هذا العصر ببالد املغرب اإلسالمي نشاطا
مكثفا يف جمال العلم والثقافة ،والتوسع السياسي ،حيث ظهرت يف هذه املدينة ،جمموعة من الدول
واستقر هبا عدد كبري من األعراق واألجناس ،فكانت مركزا حلضارات خمتلفة لذلك ارتأينا القيام
بدراسة تارخيية ،ختص هذه املدينة ،وجعلها ضمن اهتمامات الرحالة ،حيث قدموا أوصافا عنها
باإلضافة إىل الناحية السياسية والثقافية اليت شهدهتا هذه األخرية ،فكان عنوان موضوعي موسوما
بـ " :مدينة تلمسان في العصر الوسيط من خالل النثر"
تكمن أمهيته يف إعطائنا صورة كاملة عن مدينة تلمسان فقرهبا ورحّ بنا عب الزمن ،حيث
نستطيع أن نعيش الواقع الذي عاشه أهله من خالل معاملها الكبى ،وذلك باالعتماد عن مجلة من
الكتب النثرية نقلتنا إىل ماضي هذه املدينة ،باإلضافة إىل معرفة السياسة اليت كانت قائمة هبا ،وذلك
من خالل معرفتنا للدول اليت استقرت ،واختذت طابعها ،فبزت ،وظهرت هبا ،حبيث جعلت من
تلمسان قاعدة مللكها ،واحلديث عن دولة الزيانيني الذين كان هلم األثر الواضح يف توسعها ،ورقيها،
وازدهار احلضارة هبا ،فكانت املدينة يف عصرهم تضاهي حواضر املغرب اإلسالمي مثّ :جباية،
وفاس وغرناطة.
وكان اختياري للموضوع لعدة أسباب من بينها:
-أ-
مقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّدمة
األمهية البالغة لدراسة اجلوانب التارخيية والثقافية ملدينة تلمسان ،حيث سعى
الدارسون إىل الكشف عن الدور البارز والفعال هلذه األخرية ،فقد كانت مركزا مللك عديد
من الدول.
مدينة حضارية راجت ثقافتها يف أوساط املعمورة ،وكانت تستقطب العلماء واألدباء
من كّ حدب وصوب ،ما دفعين للبحث عن أوصاف هذه املدينة من خالل اللجوء إىل
كتب الرحالت باإلضافة إىل البحث عن الناحية السياسية هبا ،وخباصة الدولة الزيانية اليت
عرفت توسعا ملحوظا يف جمال الثقافة ،فظهرت هبا العناصر الثقافية املختلفة مثّ :االحتفاالت
باملولد النبوي ،واملدارس ،واملساجد ،والزوايا ...فهذه املدينة تعد من املدن اجلزائرية العريقة
اليت ال تزال حتتاج إىل املزيد من الدراسة والبحث.
قلة الدراسات املتعلقة هبذه املدينة ،فلم تنّ حظها من الدراسة على الرغم ما كانت
عليه ،فقد كانت حتتّ مكانة رفيعة ،بني حواضر املغرب اإلسالمي.
حماولة إبراز أمهية هذه املدينة ،وذلك من خالل استقطاهبا اهتمامات الرحالة ،فكانت
ضمن املدن اليت وصفوها ،ونالت إعجاهبم فتحدثوا عنها ،وعن مراكزها الكبى ،وعن علمائها
وأهلها.
التعرف على الدول اليت اعتبت تلمسان قاعدة مللكها ،وإبراز مسامهة السالطني
والعلمية.
وإىل جانب كّ هذا كان اختياري للموضوع رغبة يف االطالع على جزء من تاريخ
وحضارة مدينة جزائرية عبت عن كيان هذه األمة ،ومدى مواكبتها للدول اإلسالمية ،فعلى
الرغم من النكبات واألزمات اليت خلفها االستعمار الحقا ،إال أنه ينبغي التنويه بأن تلمسان
قد كانت مدينة التاريخ واحلضارة.
-ب-
مقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّدمة
تتمحور اإلشكالية اليت نطرحها ضمن هذه الدراسة حول إبراز دور الرحالة يف إعطائنا أوصافا
للمدينة ،ومدى تناول الكتب النثرية املختلفة لسياسة وثقافة املدينة وذلك من خالل التعرف على
مالمح املدينة يف كتب الرحالت ،ومعرفتنا للسياسة والثقافة القائمة هبا ،من خالل مجلة من
املصنفات النثرية ،وملناقشة هذه اإلشكالية ،وجب علينا اإلجابة على عدة تساؤالت فرعية أمهها:
كيف كانت تلمسان؟ وكيف تطورت عب الزمن؟ -
وكيف صلت إىل حكم الزيانيني؟ وما هي العوامّ اليت ساعدت على رقيها وتطورها؟ -
ولإلجابة عن هذه التساؤالت ،اتبعنا خطة مكونة من مدخّ وفصلني تتصدرهم مقدمة
وأخريا خامتة.
تطرقنا يف املدخّ إىل تعريف املدينة ،وخصائصها ،وعوامّ نشأهتا واختالف أوصاف الرحالة
هلا عب الزمن.
أما الفصّ األول فخصص للناحية السياسية بتلمسان ،تعرضنا فيه إىل تلمسان منذ الفتح
اإلسالمي ،حىت قيام دولة بين زيان ،ث حتدثنا عن أصّ الزيانيني وعن توليهم احلكم ،ودور يغمراسن
يف بروز الدولة الزيانية ،واملظاهر السياسية لسلطتهم ،وأشهر حكامها وأسباب سقوطها.
أما الفصّ الثاين واألخري ،فذكرنا فيه الناحية الثقافية لتلمسان ،ومدى مسامهة السالطني يف
تشجيع العلم ،وبعض املظاهر الثقافية اليت كانت سائدة يف هذه املدينة ،وأاهي البحث خبامتة ألهم
النتائج املتوصّ إليها.
أما املنهج املتبع يف هذا البحث فكان املنهج التارخيي حيث اعتمدنا على ما تيسر من
مصادر ،ومراجع ذات صلة باملوضوع ،يف تتبع التطور الذي مرت به املدينة يف مجيع النواحي.
-ج-
مقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّدمة
وال أنفي وجود بعض الصعوبات اليت قد تواجه أي باحث يف كتابة تاريخ اجلزائر باإلضافة
إىل الصعوبة الكامنة يف ضبط تاريخ دولة بأكملها ،فوردت يف الكتب بإسهاب كبري ،ما صعب
علينا الوضع ،وكانت فيها األحداث متداخلة جدا ومتشابكة باإلضافة إىل عدم فهمي لبعض معاين
الكلمات ،والسجع املفرط يف كتابات القدامى ،الذي كان دائما ما يبعدين عن فهم املعىن ،إضافة
إىل قدم بعض طبعات الكتب ما صعب فهمها ،لكن هذا مل يكن بالعائق الكبري أمام حبثي.
ويف سبيّ إجناز هذا البحث استعنت ببعض املصادر اليت كانت هلا صلة وطيدة باملوضوع
نذكر منها:
تاريخ ابن خلدون لعبد الرمحن ابن خلدون.
بغية الرواد يف ذكر علماء بين عبد الواد ليحي ابن خلدون.
تاريخ بن زيان ،ملوك تلمسان مقتطف من نظم الدر والعقيان للتنسي.
باقة السوسان يف التعريف حبضارة تلمسان عاصمة بين زيان حملمد بن رمضان
شاوش.
تاريخ الدولة الزيانية البن األمحر.
وهي كتب ذات قيمة عظيمة ،استطاعت إملامنا بتفاصيّ هذه املدينة املختلفة سواء من ناحية
أوصافها اجلغرافية ،أو من الناحية السياسية والثقافية.
ويف األخري أتوجه بالشكر إىل األستاذة املشرفة :أحالم عثامنية اليت وافقت على هذا املوضوع،
وعلى اإلشراف عليه ،وعلى مالحظاهتا القيمة ،وإرشاداهتا اليت استفدت منها كثريا ،وأرجعتين إىل
الطريق الصحيح يف كثري من األحيان ،وأرجوا من املوىل عز وجّ أن جيعلها من أهّ العلم الكبار،
فريفع درجاهتا يف جنة الرضوان ،وجيعلها قبلة ومصدرا يعود إليه املتطلع للعلم ،فعلى الرغم من صغر
سنها ،أخذنا منها كثريا ،وتعلمنا منها املنهاج الصحيح الذي نسري عليه يف جمال البحث العلمي،
فكما يقال " يوجد يف النهر ما ال يوجد يف البحر" وأرجوا أن جتعّ من سريفعهم اهلل إليه يوم القيامة،
حيث قال عز وجّ » يرفع اهلل الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات واهلل مبا تعلمون خبري«.
-د-
مدخل:
الرحلة
ّ أاد في تلمسان
الرحلة
تلمسان في أاد ّ مدخل
قبّ احلديث عن مدينة تلمسان ،وعن معاملها الكبى ،واإلحاطة هبا من جوانبها املختلفة،
وجب علينا أوال إزالة الغبار عن مصطلح املدنية ،ومعرفة عوامّ نشأهتا ،وظهورها يف مغربنا العريب
بصفة عامة ويف اجلزائر خباصة وبالتحديد تلمسان تلك املدينة العريقة اليت وجب علينا دراستها
واختاذها كمشروع للبحث والتحليّ.
-Iمفاهيم عامة حول المدينة:
-5تعريف المدينة:
أ -لاة:
املدينة مأخوذة من الفعّ "مدن باملكان أقام به ،فعّ مات ،و منه املدنية ،و هي فعيلة و
جتمع على مدائن باهلمز ومدن و مدن بالتخفيف و التثقيّ ،و فيه قول آخر ،أنه مفعلة من دنت
أي ملكت قال ابن بري لو كانت امليم يف مدينة زائدة مل جير مجعها على مدن و فالن مدن املدائن،
كما يقال مصر األمصار ،قال وسئّ أبو علي الفسوي عن مهزة مدائن فـقال فيه قوالن من جعله
فعيلة من قولك مدن باملكان أي أقام به ،مهزه ومن جعله مفعلة من قولك دين أي ملك مل يهمزه
()1
كما مل يهمز معايش "
فاملدينة من الفعّ مدن مبعىن امللك أو اإلقامة.
و"املدينة احلصن يـبـىن يف أصطمة األرض ،مشتق من ذلك ،وكّ أرض يبىن هبا حصن يف
أصطمتها األرض ،فهي مدينة والنسبة إليها مديين واجلمع مدائن ومدن ،قال أبو سيده :ومن هنا
حكم أبو احلسن فيما حكاه الفارسي أن مدنية فعيلة .الفراء وغريه :املدينة فعيلة تـهمز يف الفعائّ
ألن الياء زائدة ،وال هتمز ياء املعايش ألن الياء أصلية .واملدنـية :اسم مدينة سيدنا الرسول -صلى
( )1ابن منظور االفريقي املصري ،لسان العرب ،دار صادر ،بريوت( ،د .ط)( ،د .ت).204/31 ،
-6-
الرحلة
تلمسان في أاد ّ مدخل
اهلل عليه وسلم-خاصة غلبت عليـها تفخيما هلا شرفـها اهلل وصانـها"( )1فاملدينة هي البناء والصرح
العظيم من األرض ،وقد نسبت إىل مدينة الرسول صلى اهلل عليه وسلم.
"وإذا نسبت إىل املدينة فالرجّ والتـوب مدين ،والطيـر نوه مديين ،ال يـقال غيـر ذلك .قال سبويه:
فأما قـوهلم مدائين فإنـهم جعلوا هذا البناء امسا للبلد ،ومحامة مدينية وجارية مدينـية ويقال للرجّ
العامل باألمر الفطن :وهو ابن جبدهتا وابن مدينتها وابن بـلدهتا وابن بـعثطها وابن مرمورها قال
األخطّ:
()2
يطّ على مسحاته يرتكّ" ربت وربا يف كرمها ابن مدينة
فهي تنسب إىل اإلنسان واألشياء ،كما تدل على الفطانة وغريها.
أما عند الرازي فهي من "(مدن) باملكان أقام به وبابه دخّ ومنه (املديـنة) ومجعها (مدائن)
باهلمزة و(مدن) و(مدن) خمففا ومثقال ،فقيّ هي من دنـيت أي ملكت ،وفالن (مدن) املدائن
(متدينا) كما يقال مصر األمصار وسألت أبا علي الفسوي عن مهز مدائن فقال من جعله من اإلقامة
مهزه ،ومن جعله من امللك مل يهمزه كما ال يهمز معايش ،والنسبة إىل مدينة الرسول –صلى اهلل
عليه وسلم( -مدين) ،وإىل مدينة املنصور (مديين) ،وإىل مدائن كسرى (مدائين) للفرق بينهما ال
خيتلط ،ومدين قرية شعيب عليه السالم"(.)3
فاملدينة من خالل هذا التعريف هي مكان اإلقامة وهو نفس ما ذهب إليه ابن منظور ،واملدينة يف
املعجم الوسيط "(مدن) فالن مدونا أتى املدينة( ،متدن) عاش عيشة أهّ املدن ،وأخذ بأسباب
احلضارة واملدائن :بـناها (متدين) :عاش عيشة أهّ املدن وتنعم ،وأخذ بأسباب احلضارة.
(املدينة) :احلضارة واتساع العمران.
-7-
الرحلة
تلمسان في أاد ّ مدخل
(املدينة) :املصر اجلامع .ج (مدائن) ومدن ،واسم يـثرب مديـنة الرسول –صلى اهلل عليه وسلم-
غلبت عليها"( )1ومن هنا فقد عرفنا معاين مغايرة للمدينة فلم تعد تعىن اإلقامة فقط بّ األخذ
بأسباب احلضارة والتطور العمراين.
-اصطالحا:
تناولت املصادر املختلفة تعريفات للمدن واألمصار لعّ أمهها ما جاء به ابن خلدون فهو
يرى أن" :املدن واألمصار ذات هياكّ وأجرام عظيمة .وبناء كبري ،موضوعة للعموم ال للخصوص،
فتحتاج إىل اجتماع األيدي وكثرة التعاون ،وليست من األمور الضرورية للناس اليت تعم هبا البلوى
حىت يكون نزوعهم إليها اضطرارا بّ البد من اكرامهم على ذلك وشوقهم إليه مضطهدين بعصا
امللك أو مرغبني يف الثواب واألجر الذي ال يفي بكثرته إال امللك والدولة"(.)2
يرى ابن خلدون أن املدن هي البناء العظيم والكبري ،وهي ليست بامللك اخلاص بّ هي عامة،
وحتتاج إىل قيامها مجلة من القيم اليت تقتضيها الضرورة االجتماعية ،و"املدنية هي حقيقة مرئية يف
مظهر األرض من حيث الكثافة السكانية ،والكتلة البنائية واحليثية اإلدارية"(.)3
إذا فاملدن هي تطور حاصّ يف األرض تشكله الكثافة السكانية ،وجتمع الناس والعمران" ،واملدينة
تارخييا تعد وحدة تشكيلية قدمية خبها اجملتمع منذ زمن يرجع إىل سبعة آالف سنة ،فهي إذن
أصلية"(.)4
من هذا ميكننا القول إن املدينة ليست حبديثة العهد باإلنسان بّ هي عريقة تضرب يف عمق التاريخ
تعود إىل زمن بعيد.
()1إبراهيم مصطفى حسن الزيات وآخرون ،املعجم الوسيط ،جممع اللغة العربية القاهرة ،ط ،4002 ،2ص .204
( )2عبد الرمحان ابن خلدون ،املقدمة ،دار الفكر ،بريوت ،لبنان( ،د ،ط) ،4033 ،ص .244
( )3مصطفى عباس املوسوي ،العوامّ التارخيية لنشأة وتطور املدن العربية اإلسالمية ،دار الرشيد للنشر ،العراق (د .ط) (د.ت)
ص .32
( )4املرجع نفسه ،ص .32
-8-
الرحلة
تلمسان في أاد ّ مدخل
ومن خالل التعاريف السابقة خنلص إىل أن املدن هي تشكيلة من األرض اقتضاها التجمع
اإلنساين ،وهي قدمية ترجع إىل أزمنة غابرة فهي ليست حديثة العهد.
تعد املدينة قدمية الظهور ،فهي ليست حديثة العهد باإلنسان "وعليه ليست املدينة خببة من
التفكري اإلنساين إاها قد جاءت كما يعتقد بعضهم نتيجة للثورة العلمية اليت نبتت بذورها من أكثر
من قرن بّ هي خبة قدمية"( )1ومن هنا كانت املدينة قدمية تعود إىل أزمنة غابرة قدم االنسان ذاته،
أي أاها مل تكن نتيجة الثورة العلمية أي ليست حديثة العهد باإلنسان وال حمصلة التقدم العلمي وال
شكال تطوريا جديدا.
-6خصائص المدينة:
تعد املدينة مركزا للتجمع ،وعنصرا من عناصر احلضارة ،وهذا ما جعلها تتميز جبملة من
اخلصائص" :فاملدينة بوصفها القطب الدائر حلركة اإلنتاج والتوزيع والتبادل الثقايف واالقتصادي،
وملتقى للتيارات الفكرية والسياسية واالجتماعية ،وهي اخللية احلية األساسية يف حضارة كّ جمتمع
بشري يف املاضي واحلاضر"( )2فاملدن هي مكان جتمع األنشطة املختلفة ،وهي صورة عن حضارة
وتقدم جمتمع معني ،وهي مركز للنشاطات املختلفة اليت ميارسها االنسان يف شىت جماالت احلياة،
وهي املرآة العاكسة للحضارة ،والوسيلة املثلى لتحقيق أهداف االنسان ،واحتياجاته "فاملدينة هي
نتاج جلمهور االنسان ،ترتبط ارتباطا عضويا بطبيعته الساعية نو احلرية ،ما جتعلها خري شاهد على
منجزاهتا الثقافية الكبى اليت حققها بداخلها واكتسب منها أسس استمرارها ،فهي إذن وحدة
رئيسية متثّ اخللق األصلي للجمهور"( )3فاملدينة إذن تعطينا صورة عن طبيعة االنسان اليت تسعى
لتغيري األوضاع وتطمح إىل احلرية ،و قد اعتبت منجزاهتا الكبى صورة عن تطلعات األفراد،
وطموحاهتم فقد رمست املدن لإلنسان طريقه ووضحت له معامل أحالمه الكبى ،فعمّ هبا على
حتقيق كّ ما أراده ،وذلك عن طريق تطوير املدن ثقافيا.
-9-
الرحلة
تلمسان في أاد ّ مدخل
-10-
الرحلة
تلمسان في أاد ّ مدخل
للقرار وملا كان ذلك القرار واملأوى وجب أن يراعى فيه دفع املضار باحلماية من طوارقها وجلب
املنافع وتسهيّ املرافق"( )1ومن هنا فحصول املدن ال صحصّ إال باستقرار األفراد ومتتعهم مبظاهر
الرتف ،فيتوجب بذلك األفراد إىل صناعة املنازل ،ومن شروط نشأهتا أن صحمي فيها األشخاص
مكان إقامتهم ،وأن تكون منازهلم قريبة من مراكز احلياة كاملاء مثال وذلك لتسهيّ عيشتهم ،فوجب
أن تكون املدن حممية جتلب املنافع ألصحاهبا ويقول كذلك" :فأما احلماية من املضار فرياعى هلا أن
يدار على منازهلا مجيعا سياج األسوار وأن يكون وضع ذلك يف متمنع من األمكنة إما على هضبة
متوعرة من اجلبّ وإما باستدارة حبر أو اهر هبا حىت ال يوصّ إليها ،إال بعد العبور على جسر أو
قنطرة فيصعب مناهلا على العدو ويتضاعف امتناعها وحصنها "( )2فمن عوامّ نشأة املدن وتطورها،
أن تتوفر هلا جمموعة من العوامّ اليت حتميها ،وتزيد من عمرها ،وحتفظ بقاءها وجتلب هلا املنافع
الكثرية واخلريات الوفرية ،فعوامّ نشأهتا ،كما يرى ابن خلدون هو أن حتمى هذه املدن بواسطة
سياج ،وأن تكون يف موضع وعر يصعب على األعداء الوصول إليها وأن تكون قريبة من اهر أو حبر
فهذه العوامّ تزيد من عمرها وبقاءها ،كما يرى وجوب تتوفر املدن على مرافق احلياة الضرورية،
حىت يضمن بذلك استمرار وبقاء األفراد هبا "وما يراعى من املرافق يف املدن طيب املرعى لسائمتهم،
إذ صاحب كّ قرار ال بد له من دوجن احليوان للنتاج والضرع والركوب والبد هلا من املرعى فإذا
كان قريبا طيبا كان ذلك أرفق حباهلم ملا يعانون من املشقة يف بـعده وما يراعى أيضا املزارع فإن
الزروع هي األقوات ...واخلشب أيضا ضروري لسقفهم وكثري ما يستعمّ فيه اخلشب من
ضرورياهتم ،و قد يراعى أيضا قرهبا من البحر لتسهيّ احلاجات القاصية من البالد النائية"( )3جيب
أن تتوفر لظهور املدن ونشأهتا جمموعة من العوامّ تتضمن بقاءها واستمرارها وهي ما تقتضيه شروط
احلياة ،فيجب أن تكون هذه املدن قريبة من املراعي واملزارع اليت جتلب األرزاق ألصحاهبا ،وقريبة من
-11-
الرحلة
تلمسان في أاد ّ مدخل
الغابات لكي يستفيد األفراد من خشبها سواء يف الشتاء أو يف مستلزمات البيوت ،كذلك قرهبا من
البحر لالستفادة من ثرواته.
-9المدن في المار :
يرجع تأسيس املدن يف املغرب العريب إىل أزمنة قدمية جدا "عرفت البالد املغاربية تأسيس
املدن منذ أواخر األلف الثانية قبّ ميالد املسيح -عليه السالم-على أقّ تقدير وكذا يف عهد ملوكها
األهايل الذين سامهوا يف نشر احلياة املدنية ،لكن املدن عرفت تطورا وانتشارا واسعني أثناء االحتالل
الروماين ،فقد عد بعضهم أزيد من مخسمائة مدينة يسكنها ثلث السكان الذين يعدون ما بني ستة
()1
أو سبعة ماليني مواطن"
فاملدينة املغربية هلا جذور قدمية تضرب يف عمق التاريخ ،وتعود إىل أزمنة بعيدة ،فعهد اإلنسان املغريب
باملدن مل يكن حديثا ألاها ظهرت عنده حىت قبّ الفتح اإلسالمي ":أما املدن املغربية املعروفة لدينا
فهي املدن اليت بنيت يف العصر اإلسالمي أو اليت أحياها املسلمون"(.)2
ونن بصدد دراسة أحد املدن املغربية اليت تعد جزءا من حضارة اإلسالم ،ومعلما من معامله الكبى.
يرى ابن خلدون يف أن ":املدن واألمصار بإفريقية واملغرب قليلة والسبب يف ذلك أن هذه
األقطار كانت للببر منذ آالف من السنني قبّ اإلسالم ،وكان عمرااها كله بدويا ومل تستمر فيه
احلضارة حىت تستكمّ أحواهلا والدول اليت ملكتهم من االفرجنة والعرب مل يطّ ملكهم فيهم حىت
ترسخ احلضارة منها .فلم تزل عوائد البداوة وشؤواها فكانوا إليها أقرب ،فلم تكثر مبانيهم وأيضا
فالصنائع بعيدة عن الببر ألاهم أعرق يف البدو والصنائع من توابع احلضارة ،وإّا تتم املباين هبا فالبد
من احلذق يف تعلمها .فلما مل يكن للببر انتحال هلا مل يكن هلم تشوق إىل املباين فضال عن
( )1حممد اهلادي جاريش ،التاريخ املغاريب القدمي السياسي واحلضاري منذ فجر التاريخ إىل الفتح اإلسالمي ،املؤسسة اجلزائر
للطباعة( ،د.ط)( ،د.ت) ،ص .434
( )2إمساعيّ العريب ،املدن املغربية ،ص .4
-12-
الرحلة
تلمسان في أاد ّ مدخل
املدن"( .)1مل يعرف املغرب العريب تطورا للمدن ألنه كان جمتمعا بدويا بربريًّا مل يعرف أساليب
الصناعة واحلضارة.
ويقول ابن خلدون أن سكان املغرب "أهّ عصبيات وأنساب ال خيلو عن ذلك مجع منهم واألنساب
والعصبية أجنح إىل البدو وإّا يدعو إىل املدن الدعة والسكون ويصري ساكنها عياال على حاميتها
فتجد أهّ البدو لذلك يستكنفون على سكىن املدنية أو اإلقامة هبا فال يدعو إىل ذلك إىل الرتف
والغىن وقليّ ما هو من الناس"(.)2
ومن هنا كانت بالد املغرب ال تعرف كثري من املدن ألن أهلها سكان بربر تكثر فيهم العصبية ،وهم
ميالون إىل عيشة البدو فال تروقهم عيشة أهّ املدن وحضارهتا.
ويقول أيضا " كان عمران إفريقية واملغرب كله أو أكثره بدويا أهّ خيام وطواعن وقياطن وكنن يف
اجلبال وكان عمران بالد العجم كله أو أكثره قرى وأمصارا ورساتيق من بالد األندلس والشام
ومصر وعراق العجم وأمثاهلا ألن العجم ليسوا بأهّ أنساب صحافظون عليها ويتباهون يف صراحتها
والتحامها إال يف األقّ وأكثر ما يكون سكىن البدو ألهّ األنساب ألن حلمة النسب أقرب وأشد
فتكون عصبيته كذلك وتنزع بصاحبها إىل سكىن البدو والتجايف عن املصر الذي يذهب بالبسالة
ويصريه عياال على غريه"(.)3
يرجع ابن خلدون هنا قلة مدن املغرب وأمصاره إىل طبيعة البدوي أو الرجّ الببري املغريب الذي ال
تروقه عيشة املدن والذي تسكنه الغرية على نسبه .لكن هذا ال يعين أن املغرب العريب مل يعرف املدن
أومل يعهدها من قبّ إال يف فرتة الفتح اإلسالمي ،ألن عهد اإلنسان املغريب باملدينة قدمي قدم اإلنسان
عينه ،فاملغرب العريب كان مركزا حلضارات خمتلفة عرف تطورا عمرانيا يشهد له التاريخ بذلك فعرف
املغرب املدينة ،منذ القدم ،وكانت اآلثار الرومانية والفينيقية وغريها خري دليّ على هذه احلضارة،
-13-
الرحلة
تلمسان في أاد ّ مدخل
أما فيما خيص املدينة اإلسالمية يف املغرب فقط عرفت هي األخرى تطورا ملحوظا ،وكانت املدن
املغربية أحد أهم بؤر العلم والثقافة والتطور االجتماعي واالقتصادي ،وهذا ما سنعرفه الحقا.
لقد تطرقنا سابقا إىل املدن بصفة عامة ،وعوامّ نشأهتا وازدهارها ،كما كانت لنا املامة بسيطة حول
نشأة املدن املغربية ،وملا كانت تلمسان أحد هذه املدن املغربية بصفة عامة واجلزائرية بصفة خاصة،
وملا حتمله هذه األخرية من أمهية بالغة ومعامل أثرية كبى ،وملتقى ألهّ العلم واألدب ،كانت موضوع
دراستنا وحبثنا .وقبّ التوغّ يف جذور وأعماق هذه املدينة وجب علينا أوال معرفة تلمسان ولو بصورة
بسيطة ،ث بعد ذلك نتناوهلا بالدراسة والتحليّ من خالل مجلة من النصوص النثرية جملموعة من
املؤلفني الذين حتدثوا عنها فكانت هذه األخرية من إحدى مواضيعهم.
الرحلة:
-IIتلمسان في أاد ّ
-5التعريف بتلمسان من خالل المعاجم:
تناولت معاجم البلدان تعريفات وحتديدات لبلدان خمتلفة ،فكانت من بينها مدينة تلمسان
اليت اعتنوا بوصفها وذكروا معاملها ،فهناك من حتدث عنها بقوله" :تلمسان بكسرتني ،وسكون امليم،
وسني مهملة ،وبعضهم يقول تنمسان ،بالنون عوض الالم ،باملغرب ،ومها مدينتان متجاورتان
مسورتان ،بينهما رمية حجر ،احدامها قدمية واألخرى حديثة واحلديثة اختطها امللثمون ملوك املغرب،
وامسها تافرزت ،فيها يسكن اجلند وأصحاب السلطان وأصناف من الناس ،واسم القدمية أقادير
يسكنها الرعية ،فهما كالفسطاط والقاهرة من أرض مصر ،ويكون بتلمسان اخليّ الراشدية هلا فضّ
على سائر اخليّ ،وتتخذ هبا من الصوف أنواعا من الكنابيش ال توجد يف غريها ،ومنها إىل وهران
مرحلة ،ويزعم بعضهم أنه البلد الذي أقام به اخلضر عليه السالم ،اجلدار املذكور يف القرآن ،مسعته
من رأى هذه املدينة"(.)1
( )1شهاب الدين أيب عبد اهلل ياقوت بن عبد اهلل احلموي الرومي البغدادي ،معجم البلدان ،دار صادر ،بريوت( ،د .ط)،
(د.ت) ،ص .22/4
-14-
الرحلة
تلمسان في أاد ّ مدخل
تلمسان إحدى مدن املغرب العريب ،سكنها فيما قبّ ملوك املغرب ،وتوجد يف هذه املدينة العديد
من اخلريات كالصوف وغريه ،وتعتب بوابة للعبور نو وهران ،ومنهم من يقول أاها من األمكنة اليت
أقام هبا اخلضر ،واهلل أعلم ،مبا تكون هذه األخرية ألننا وجدناها هكذا يف معجم البلدان للحموي.
أما صحي الشامي فقد أعطانا صورة بسيطة عن تلمسان ،وعن عدد سكااها ،وعن حضارهتا
ومعاملها األثرية "مركز والية تلمسان ،عدد سكااها 31ألف نسمة ،ازدهرت أيام املرابطني وكانت
مركز العلوم الدينية الفقهية والكالمية ،وكانت عاصمة بين عبد الواد يف القرون املتوسطة فيها العديد
من املساجد األثرية ،وهي قريبة من البحر املتوسط يف أقصى اجلنوب الغريب من البالد وعلى احلدود
اجلزائرية املغربية وإىل اجلنوب من وهران حتيط هبا إىل جهة اجلنوب سفوح جبال األطلس ،وهي غنية
باجلنائن والكروم والبساتني والواحات فيها جامعة علمية ومعاهد علمية أخرى ودينية وتشتهر بصناعة
املفروشات واملنتوجات الصوفية واحلريرية والقطنية واستخراج الزيوت النباتية واألمسدة واملنظفات"(.)1
فتلمسان من خالل هذين الرأيني هي مكان يقع يف املغرب األوسط ازدهرت أيام بين عبد الواد.
احتوت على العديد من مراكز احلضارة كما توفرت فيها كثريا من اخلريات واملعاهد العلمية والدينية.
أعطانا هذين املعجمني صورة بسيطة عن تلمسان القدمية واحلديثة ،هلذا ارتأينا أخذ معجم
قدمي وآخر حديث لنتعرف على تلمسان من وجهتني خمتلفتني قبّ أن نتوغّ فيها بالدراسة من
خالل املؤلفات النثرية.
كانت مدينة تلمسان موضوعا شيقا وجديرا بالذكر اخرتناها كموضوع لدراستنا فدرسناها
من جوانبها املختلفة ،وسنتناوهلا اآلن دراسة وحتليال من خالل الكتب النثرية وكما وصفها الرحالة
العرب.
الرحالة العر :
-6تلمسان كما وصفها ّ
أ -ابن حوقل:
وصف ابن حوقّ مدينة تلمسان من خالل قوله " :هي مدينة أزلية ،وهلا أاهار جارية وأرحية عليها
( )1صحي الشامي ،موسوعة املدن العربية واإلسالمية ،دار الفكر العريب ،بريوت ،ط ،3441 ،3ص .314
-15-
الرحلة
تلمسان في أاد ّ مدخل
()1
فواكه وهلا سور من أجر حصني منيع ،وزرعها سقي وغالهتا عظيمة ومزارعها كثرية"
وطئت قدمي ابن حوقّ أرض تلمسان فرأى فيها العراقة واألصالة ،وما حتتويه هذه األخرية من
ثروة جسدهتا األاهار اجلارية والزروع.
-اإلادريسي:
حتدث اإلدريسي عن مدينة تلمسان ،وعن معاملها وسكااها فقال" :وهي مدينة أزلية وهلا
سور حصني متقن الوثاقة ،وهي مدينتان يف واحدة يفصّ بينهما سور ،وهلا اهر يأتيها من جبلها
املسمى بالصخرتني وعلى هذا اجلبّ حصن بناه املصمودي قبّ أخذه تلمسان وال تزال املصامدة
( )2قاطنني به إىل أن فتحوا تلمسان ،وهذا الوادي مير يف شرقي املدينة وعليه أرجاء كثرية ،وما جاورها
من املزارع كلها مسقى وغالهتا ومزارعها كثرية وفواكهها مجة وخرياهتا شاملة وحلومها شحيمة مسينة
وباجلملة إاها حسنة لرخص أسعارها ونفاق أشغاهلا ومراج جتاراهتا"(.)3
قدم االدريسي صورة عن تلمسان فوصفها وأعطانا هيكلها لعام فتحدث عن خرياهتا وأاهارها وازدهار
التجارة هبا ،ث أضاف قائال" :ومدينة تلمسان قفّ بالد املغرب وهي على رصيف للداخّ واخلارج
منه البد منها واالجتياز هبا على كّ حال"( )4فهو يرى أن تلمسان تتوسط املدن البد للداخّ
واخلارج من اجتيازها ،فهي بذلك حتتّ مكانة مرموقة بني املدن اجلزائرية.
ج -مؤلف مجهول:
قدم هذا املؤلف الذي جنهّ امسه أوصافا ملدينة تلمسان وما يوجد هبا "مدينة عظيمة قدمية
فيها آثار كثرية أزلية تنبئ أاها كانت دار ملكة ألمم سابقة ،وهي يف سفح جبّ أكثر شجره اجلوز،
( )1أبو القاسم ابن حوقّ النصييب ،صورة األرض ،دار صادر ،بريوت ،ط.99/3 ،3414 ،4
()2املصامدة :هم من ولد مصمود بن يونس بربر فهم أكثر قبائّ الببر وأوفرها .ينظر :تاريخ ابن خلدون ،ديوان املبتدأ واخلب
يف تاريخ العرب والببر ومن عاصرهم من ذوي الشأن األكب ،دار الفكر ،بريوت ،لبنان.412/1 ،4000 ،
( )3الشريف اإلدريسي ،نزهة املشتاق يف اخرتاق اآلفاق ،مكتبة الثقافة الدينية ،بور سعيد ،مصر( ،د.ط) (د.ت).429/3 ،
( )4املصدر نفسه.420/3 ،
-16-
الرحلة
تلمسان في أاد ّ مدخل
وكان هلا ماء جملوب من عمّ األوائّ من عيون يسمى بوريط ،بينهما وبني املدينة اهر يسمى
سطفسيف وكانت تلمسان دار ملكة زناتة وحواليها قبائّ كثرية من زناتة وغريهم من الببر"(.)1
قدم صاحب كتاب االستبصار صورة عن تلمسان ذات اآلثار الكثرية اليت توحي باملكانة العالية
الرفيعة اليت احتلتها ،فتحدث عن معاملها الكبى ،وخرياهتا كالنهر ،ث ذكر القبائّ احمليطة هبذه
اململكة ":هلا قرى كثرية وعمائر متصلة ،ومدن كثرية ويف اجلنب من مدينة تلمسان قلعة منيعة كثرية
الثمار غزيرة املياه واألاهار ،ويتصّ هبا جبّ تاورناية ،وهو جبّ كبري مغمور فيه القرى الكثرية والعمائر
املتصلة.
ويف اجلنوب من مدينة تلمسان قرية كبرية تسمى باب القصر فوقها جبّ يسمى البغّ كثري اخلصب
والعمارة ،ينبعث حتته اهر سطفسطيف ،ويصب يف بركة عظيمة منقورة من حجر صلد من عمّ
األولني ،لوقوعه يف تلك البكة خرير شديد هائّ على مسافة أميال ،ث خيرج من تلك البكة مبحكة
مدبرة إىل موضع يسمى املهماز"(.)2
وصف املؤلف القرى اجملاورة لتلمسان ،وما صحيط هبا من أاهار وجبال ،ث حتدث عن النهر
العظيم الذي ميد املدينة باملاء ويصب يف البكة املصنوعة من احلديد الذي عمله األولون حبيث يسمع
صوته من أميال ويصب يف تلك البكة.
اد -العبدري:
حتدث العبدري عن الفاقة واجملاعة اليت حلت بأهّ تلمسان جراء الطاعون ،فوصفها قائال":
تلمسان بلد حلت به رمانة الزمان وأخلت به حوادث احلدثان ،فلم تبقى به عاللة وال تبصر يف
أرجائه للضمآن باللة"( .)3خربت تلمسان جراء هذه اآلفة اليت حلت هبا وحولتها إىل مدينة يصعب
العيش فيها ما أدى إىل تغيري طبائع أهلها ،لكن هذا ال مينع من وصف مجال املدينة فتحدث عن
( )1مؤلف جمهول ،كتاب االستبصار يف عجائب األمصار ،نشر وتعليق :سعد زغلول عبد احلميد ،دار الشؤون الثقافية العامة،
العراق (د.ط) (د.ت) ،ص .341
( )2املصدر نفسه ،ص .344
( )3حممد العبدري البلنسي ،الرحلة املغربية ،تح .سعيد بوفالقة ،منشورات بونة ،عنابة ،4004 ،ص.44
-17-
الرحلة
تلمسان في أاد ّ مدخل
خرياهتا قائال" :وتلمسان مدينة كبرية سهلية جبلية مجيلة املنظر ،مقسومة بينهما سور ،وهلا جامع
عجيب مليح متسع ،وهلا أسواق قائمة ،وبظهرها يف سند اجلبّ موضع يعرف بالعباد ،وهو مدفن
()1
الصاحلني وأهّ اخلري وبه مزارات كثرية ،ومن أعظمها وأشهرها قب الشيخ الصاحل أبو مدين شعيب"
فهي مدينة مجيلة زادهتا السهول روعة كما أن معاملها قد أثرت يف مجال املنطقة ،وهلا العديد من
املزارات فهي مكان ألهّ العلم واخلري.
ه -النميري:
وصف النمريي تلمسان فتحدث عن اآلثار اليت تركها "أبو عنان"(" :)2و كم أبقى بتلمسان
من آثار حسان ،ومصانع يعجز عن وصفها كّ لسان وال كجامع اخلطبة األعظم الذي أمر
باختطاطه يف حضيض البيت الذي فيه ضريح الشيخ الصاحل أيب عبد اهلل ''الشودي''( )3املعروف
باحللوي ،وهو من أمجّ اجلوامع ،وقد أحكمت فيه أنواع الصنائع وأبدى االحتفال به ما شاء من
البدائع اجلوامع ،وقد أحكمت فيه أنواع الصنائع ،وأبدى االحتفال به ما شاء من البدائع وتتصّ به
الزاوية املنفسحة األرجاء الالبسة حلّ السنا والسناء املزدانة بالقبة اليت جيسد ارتفاع مسكها السماك
وتتمىن االقتداء بصدرها األمالك ،وختنع جلمال مبناها األفالك"(.)4
تعد هذه املدينة أثرية ضاربة يف أعماق التاريخ وكانت مطمعا مللوك فاس ،وعلى رأسهم أبو عنان
فهم يريدون ضمها إليهم ،كما تعد أيضا مكانا للصاحلني ،وحتتوي على معامل إسالمية كبى
كاجلوامع ،فيصف النمريي أحد معاملها قائال " :وتتصّ هبذه الزاوية من جهة اجلوف ،مدرسة
-18-
الرحلة
تلمسان في أاد ّ مدخل
متعددة البيوت ،رفيعة السموت ،بديعة النعوت ،وهبا أبواب تشرع إىل ديار كاملة املنافع ،حسنة
املقاطع معينة للرؤساء القائمني بالوظائف ،املتولني ألرفاد البادي والعاكف"( )1فمدرستها املتميزة
توحي بكون املدينة دار علم ،ومقصد لطالبه.
و -البلوي:
يقول البلوي واصفا تلمسان" :رأيت مدينة قّ مثلها وجّ عرارها وبناها وأثلها بطاح وأوراح
ورىب مالح وضياء وانشراح وبسيط له اتساع وانفساح"( )2فهي مدينة فسيحة متسعة األرجاء
مضاءة.
"والدائر بالبلد كله مغروس بالكروم ،وأنواع الثمار ،وسوره من أوثق األسوار ،وأصحها ،وبه محامات
نظيفة ،ومن أحسنها وأوسعها وأنظفها محام العالية ،وهو مشهور قّ أن يرى له نظري"( )3حتيط هبذه
املدينة خمتلف أنواع الكروم واألشجار تزينها وتزيد يف رونقها ،ومتدها باخلريات الكثرية ،باإلضافة إىل
احتوائها على العديد من عناصر احلضارة كاحلمامات الواسعة والنظيفة ،ولعّ محام العالية أشهرها.
"وهذه املدينة باجلملة ذات منظر وخمب وأقطارها متسعة ،ومبانيها مرتفعة ولكنها مساكن بال ساكن،
ومنازل بغري نازل ،ومعاهد أقفرت من متعاهد تبكي عليها فتسكب الغمام اهلمع ،وترثي هلا فتندب
()4
احلمام الوقع أتى نزل هبا مستضيف قرته بؤسا أو حّ فيها ضيف كسته من ردا الردى لبوسا"
يوجد هبذه املدينة كثري من اخلريات ،وهي حمصنة حتيط هبا العديد من األسوار ،كما أاها حتتوي على
املناظر اجلميلة املبهرة ،وأرجائها متسعة لكنها على الرغم من كّ هذا فهي خالية تبعث احلزن يف
نفوس زوارها ،ولعّ ذلك راجع إىل الفاقة اليت حلت هبا.
-19-
الرحلة
تلمسان في أاد ّ مدخل
ز -القلصاادي:
حتدث القلصادي عن مدينة تلمسان وعن خرياهتا وأهلها "يا هلا من شأن ذات احملاسن الفائقة
واألاهار الرائقة ،واألشجار الباسقة واألمثار احملدقة والناس الفضالء األكياس املخصوصني بكرم الطباع
واألنفاس وال ينكر وجود الفاد"(.)1
وصف هذا الرحالة ما لقيه من حسن ومجال يف بالد تلمسان ،فتحدث عن روعة األاهار ،وطول
األشجار ،كما ذكر سكااها الكرماء الظرفاء حبيث تعدى وصف املدينة من وصف املكان إىل وصف
األشخاص وطبائعهم.
ز -العمري:
حتدث العمري عن مدينة تلمسان ،وعن ملكها وعن خرياهتا وأاهارها "هي قاعدة امللك الذي
فتحه هذا السلطان (أبو احلسن)"( )2بسيفه ،واستضافة إىل ملكه قال الشريف يف كتاب أجار:
"وهي يف سفح اجلبّ ،وهبا آثار األول وماؤها جملوب من عيون على ستة أميال ،وهلا أسواق ضخمة
ومساجد جامعة"(.)3
فتح السلطان أبو احلسن مدينة تلمسان ،وجعلها تابعة ململكته ،وهي مدينة جبلية فيها بقايا من
آثار األول ،وفيها اخلريات من املياه ،كما حتتوي على عناصر احلضارة مثّ :األسواق واملساجد.
"يصب اهرها يف بركة عظيمة من آثار األول ،ويسمع لوقعه خرير على مسافة ث يصب يف اهر آخر
بعدما مير على البساتني ،ويستدير بقبليها وشرقيها ،وتدخّ فيه السفن اللطاف حيث يصب يف
( )1أبو احلسن علي القلصادي األندلسي ،رحلة القلصادي ،تح ،حممد أبو األجفان ،الشركة التونسية ،تونس( ،د .ط)،3449 ،
ص .42
( )2أبو احلسن املريين كانت مدته عشرين سنة وأربعة أشهر تويف هبنتاته مراكش سنة .3424ينظر :احللّ املوشية يف أخبار
الدولة املراكشية ملؤلف جمهول ص .344
( )3ابن فضّ اهلل العمري ،مسالك األبصار يف مالك األمصار ،تح :حممد عبد القادر خريسات ،عصام مصطفى هزاميية ،يوسف
أمحد ياسني ،مركز زايد للرتاث والتاريخ ،اإلمارات العربية املتحدة( ،د .ط)( ،د .ت) ،ص .342
-20-
الرحلة
تلمسان في أاد ّ مدخل
البحر ،وهي دار علم متوسطة يف قبائّ الببر ،ومقصد جتار اآلفاق ،زكية األرض من الزرع
والضرح"(.)1
وصف هذا الرحالة البكة اليت يصب فيها النهر العظيم ،وأرضها اخلصبة اليت فيها خريات كثرية.
واحتالهلا مكانة ميزة ،وذلك لتوسطها املدن" .وهلا حصون كثرية ،وقرص عديدة أشهرها قرصة هنني،
وهي قبالة املرية ،ووهران وتلمسان على ما بلغ حد التواتر يف غاية املنعة واحلصانة ،مع أاها يف وطأة
ولكنها حمصنة بالبناء ،وتلمسان منحرفة إىل اجلنوب الشرقي لفاس وهلا ثالثة أسوار .ومن جهة
القصبة ستة أسوار بعضها داخّ يف بعض ،ومل يهجس خباطر أاها تؤخذ ولكن سري اهلل هلذا السلطان
أيب احلسن املريين صعبها وذلّ له إباءها حىت ملك ناصيتها ،وبلغ دانيتها وقاصيتها"( )2فتلمسان
كما يرى العمري منطقة حصينة وبنيااها صلبة حتتوي على معامل تدل على احلضارة اإلسالمية
كاألسوار والقصبة.
"ومياه هلا على درر احلصى انسحاب وانسياح ،وروضات يعرتي ويعرتض إليها اهتزاز وارتياح وجنات
ريقها ندى ،وثغورها أتاح فسيحة األرجاء ،صحيحة اهلواء متدة الغاية يف احلسن واالنتهاء ،جوها
صقيّ جمتالها مجيّ"(.)3
متيزت تلمسان باهلواء العليّ الذي يبث الراحة يف النفوس ،وجوها اجلميّ الذي يبعث الطمأنينة يف
قلوب السكان والزوار.
ط -الحسن الوزان:
ذكر احلسن الوزان ما صحيط مبدينة تلمسان ،ومن سكنها قائال" :صحد ملكة تلمسان واد زا
واهر ملوية غربا والواد الكبري (الصمام) وصحراء نومديا جنوبا وكانت هذه اململكة حتمّ يف القدمي
اسم قيصرية عندما كانت خاضعة لسيطرة الرومان ،ث آلت إىل ملوكها األقدمني ،وهم بنو عبد الواد
املنتمون إىل مغراوة بعد أن أجلي الرومان عن افريقيا ،وقد احتفظوا بامللك مدة ثالمثائة سنة إىل أن
-21-
الرحلة
تلمسان في أاد ّ مدخل
انتزعه منهم أمري ذو شأن كبري يسمى "يغمراسن بن زيان"( )1وورثه عنه أحفاده ،حبيث أن هؤالء
امللوك بدلوا امسهم و دعوا بن زيان أي أوالد زيان هكذا كان والدا ليغمراسن"( .)2تـعد تلمسان
مدينة التاريخ بني أرجاءها نقرأ تاريخ أمة ،ونسمع صوت امللوك ،وعظمة احلضارات الغابرة كالرومانية
إىل أن جاء اإلسالم وجعّ منها مكانا للمسلمني فأصبحت ألحد ملوك اإلسالم ،ومركز احلضارة
اإلسالمية.
"متتد ملكة تلمسان على مسافة ثالمثائة ومثانني ميال ،من الشرق إىل الغرب لكنها تضيق جدا من
الشمال إىل اجلنوب ،إذ ال تتعدى املسافة مخسة وعشرين ميال يف بعض النقط من البحر املتوسط
إىل ختوم صحراء نوميديا"( ،)3إذن هي مدينة تقع يف غرب اجلزائر ،وعلى ساحّ البحر املتوسط،
وهذا ما أكسبها متيزا.
"وهلذه اململكة ميناءان مشهوران :ميناء وهران ،وميناء املرسى الكبري ويكون معظم ملكة تلمسان
أقاليم جافة قاحلة ال سيما يف جزئها اجلنويب لكن السهول القريبة من الساحّ منتجة جدا نظرا
خلصبها"( )4قرهبا من الساحّ جعلها تتمتع بثروة هائلة ،ومكانة كبرية" .واجلهة اجملاورة لتلمسان كلها
سهّ مع بعض املفازات ،حقا أنه توجد غربا عدة جبال قرب الشاطئ ،وكذلك يف إقليم تنس،
وفوق بالد اجلزائر عدد ال صحصى من اجلبال غري أاها كلها منتجة"( )5تتمتع تلمسان بالعديد من
املميزات فقرهبا من البحر أكسبها ميزة يف أن تكون منطقة سهلية إضافة إىل اجلبال احمليطة هبا؛ فقد
مجعت بذلك بني ثروات البحار وثروات الغابات واجلبال.
( )1يغمراسن بن زيان بن ثابت بن حممد بن عبد الوادي أمري املسلمني وأحد سالطني بن عبد الواد .ينظر :صحي بن خلدون بغية
الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد ،ص .24
( )2احلسن بن حممد الوزان الفاسي املعروف بليون االفريقي ،وصف إفريقيا ،دار الغرب اإلسالمي ،بريوت ،ط،3494 ،4
ص.4
( )3املصدر نفسه ،ص.4
( )4املصدر نفسه ،ص.4
( )5املصدر نفسه ،ص .4
-22-
الرحلة
تلمسان في أاد ّ مدخل
()1
"وال يوجد هبذه اململكة إال القليّ من املدن والقصور ،غري أن األماكن زاهرة والبقعة خصبة"
على الرغم من قلة القصور والعمران إال أن خصب املدينة جعلها متميزة زاهية.
ومن هنا وجب القول بأن تلمسان مدينة عظيمة وملكة مرت عب تطورات ومراحّ خمتلفة
واختلفت من ناحية الوصف من رحالة إىل آخر ،فمنهم من وصف خرياهتا ومجاهلا ،ومنهم من جعّ
منها املدينة التاريخ ،وحتدث عن ملوكها وأهلها ،ومنهم من وصف معاملها ومراكز احلضارة هبا فذكر
وأسواقها ...واملالحظ أن تلمسان قد تغريت عب التاريخ فقد كانت عند ابن حوقّ جمرد مدينة قدمية
هلا سور قوي متني ،فتحدث عن خرياهتا ومزارعها ،ث أصبحت عند اإلدريسي مدينتان بينهما سور،
فتحدث هو اآلخر عن اهرها وخرياهتا ،كما حتدث عن كواها تتوسط املدن ،وتعد قفّ املغرب هبا
ميكن العبور إليه وشدت انتباه املؤلف اجملهول عظمة تلك املدينة فأثارها تبنئ عن مكانتها ،ونن
نرى من خالل التعاريف السابقة أن هؤالء الرحالة مجيعهم وإن حتدثوا عن خريات املدينة ،وما صحيط
هبا من أاهار وقرى إال أاهم يف احلقيقة اتفقوا على كواها مدينة قدمية أزلية ،ث تغري الوصف مع
العبدري ،فنجده حتدث عن خرياهتا ومعاملها ومزاراهتا الكثرية ،وأشار إىل مكانتها العظيمة ،وذلك
لوجود بعض األعالم هبا كابن مخيس ،أما النمريي فتحدث عن تلمسان املدينة التاريخ أي عن آثار
ملوكها ،وأهّ العلم هبا ،وعن معاملها الدينية وآثارها مثّ :اجلوامع و املدارس والزوايا...
كما وصف ما يوجد هبا ،من محامات وأسواق ،فتطورت هنا من املدينة القدمية إىل املدينة احلضارية،
ومشريا يف الوقت نفسه إىل خرياهتا الكثرية واملتعددة لكنه يرى أنه على الرغم من رحابتها إال أاها
تـعد كما يقول » :مساكن بال ساكن « إاها ليست مكانا الستقطاب السكان ،فهي تبعث احلزن
يف نفوس من يزورها على حد تعبري البلوي أما القلصادي فذكر هو اآلخر حماسنها وأاهارها ،ووصف
طبائع أهلها ،ولكن يف وصف العمري جند أن تلمسان باإلضافة إىل خرياهتا وأاهارها فهي مدينة
متطورة تدخلها السفن ،وهلا حصون وأسوار وغريها وهذا يعين أن العمران هبا قد تطور فتحولت من
املدينة األزلية القدمية إىل املدينة املتطورة ،ويف وصف احلسن الوزان نرى أاها شهدت تطورا ملحوظا
-23-
الرحلة
تلمسان في أاد ّ مدخل
فأصبحت ملكة فتحدث عن تارخيها ،وما صحيط هبا وعن احلضارات واألمم اليت كانت تسكن هبا،
ومن هنا جند ان تلمسان قد تطورت عب أزمنة وحتولت من املدينة األزلية إىل مدينة شهدت احلضارة
والعلم والتقدم العمراين والرقي ،وكانت أيضا املدينة التاريخ.
إذا كانت تلمسان ملكة للعديد من األمراء ،ومعقّ احلكم لعديد من دول اجلزائر ،كالدولة
الزيانية اليت سنتطرق هلا بالدراسة والذكر يف احلياة السياسية لتلمسان إضافة إىل الناحية الثقافية اليت
سنقف عندها وندرس أهم األعالم هبذه املدينة الغنية بثرواهتا وبأهلها وأصحاب العلم هبا.
-24-
الفص ــل األ ّول:
كانت تلمسان ،فيما قبّ الفتح اإلسالمي مدينة بربرية " يقطن هبا بنو يفرن( )1الذين كان
هلم باملغرب األوسط بطون كثرية بنواحي تلمسان"( )2وهم الذين اختطوا تلمسان ،فهي كغريها من
مدن املغرب العريب بربرية خالصة حتولت فيما بعد إىل قاعدة ودولة إسالمية بفضّ الفاحتني الذين
أرسوا قواعد اإلسالم يف بالد املغرب.
ولعّ أول الفاحتني ،الذين وطئت أقدامهم أرض تلمسان :أبو املهاجر دينار ":ويل خليفة معاوية،
على مصر ،وقد زحف إليها أبو املهاجر ،حوايل 22هـ ... ،فتوجه هذا األخري جبنده إىل تلمسان،
لكن إقامته هبا مل تطول ،فوجهته كانت فتح املغرب األقصى ،لنشر الدين ،وهكذا صارت تلمسان
تابعة لوالة القريوان الذين حكموها باسم اخلليفة األموي ،ومن بعدها باسم اخلليفة العباسي"(.)3
سعى الفاحتون العرب إىل نشر الدين اإلسالمي ،فوصلت دعوهتم إىل غرب بالد اجلزائر ،فأضحت
بذلك تلمسان مدينة إسالمية صحكمها جمموعة من الوالة من بينهم عقبة بن نافع وعبد الرمحن بن
( )1بنو يفرن :شعب من شعوب زناتة ،وأوسع بطواهم .ينظر :عبد الرمحن ابن خلدون ،تاريخ ابن خلدون.32/4 ،
( )2عبد الرمحن ابن خلدون ،تاريخ ابن خلدون .42/4
( )3
حممد بن رمضان شاوش ،باقة السوسان يف التعريف حبضارة تلمسان عاصمة دولة بين زيان ،ديوان املطبوعات اجلامعية،
اجلزائر( ،د .ط).21/3 ،4033 ،
-26-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
حبيب عام 312هـ ،وظفر مبا مل يظفر أحد قبله هبا ،وبقيت يف حكم أولئك الوالة ،إىل أن":
استوىل عليها أبو القرة اليفرين أثناء القرن الثالث وأسس هبا إمارة خارجية صفرية مل تطّ مدهتا
()1
جاعال منها قاعدة مللكه"
جعّ أبو قرة اليفرين من تلمسان قاعدة أساسية مللكه ،فأسس عرشه فيها " لكن إمارته بتلمسان
كانت قصرية"( )2فملكه مل يدم طويال وانتهت فرتة حكمه ،ث توىل األمر بتلمسان بعده بنو خزر
املغراويني( )3الزناتيني ،ومن هؤالء حممد بن خزر املغراوي الزنايت ،الذي ":سلمها للموىل إدريس ابن
عبد اهلل صاحب املغرب األقصى عام 341ه"( )4إذا فحكم تلمسان آل إلمارة األدارسة.
ظهرت بذلك الدولة اإلدريسية يف تلمسان اليت كان يعيش فيها قبّ الزناتيون البابرة .فآلت فيما
بعد للحكام اإلسالميني حيث ظهرت هبا جمموعة من الدول ،سنتطرق إليها على مر العصور انطالقا
من الدولة اإلدريسية وصوال إىل دولة الزيانيني.
بعد انتهاء ملك املغراويني يف تلمسان ،وتسليمهم اإلمارة إىل كبري األدارسة "إدريس األكب بن عبد
اهلل بن احلسن بن احلسن"( ،)5أي أاهم ينسبون إىل جدهم األكب إدريس بن عبد اهلل صاحب املغرب
الذي " دخّ املغرب األقصى عام 344هـ فارا من اضطهاد اخللفاء العباسيني ،فإنه التجأ أوال إىل
-27-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
مدينة وليلي يف جبّ زرهون فبايعه أهلها باخلالفة .ث دان هلم أهّ املغرب األقصى كلهم"( )1دخّ
إدريس إىل املغرب األقصى ملا عاىن من ويالت اخللفاء الذين قاموا باضطهاده ،فاختار بذلك بالد
املغرب كوجهة له ،فارا من جبوهتم فذاع صيته هناك ،وبايعه أهلها باخلالفة ث اجتهت أنظاره إىل
املغرب األوسط "سنة أربع وسبعني ومائة فتلقاه حممد بن خزر ،وألقى إليه القادة ،وبايع له عن قومه،
وأمكنه من تلمسان بعد أن غلب عليها بنو يفرن" ( )2وهكذا قد أصبح صحكم تلمسان ،لكن ملكه
مل يدم طويال حيث " أن اخلليفة العباسي هارون الرشيد بعث له من قتله مسموما عام 344هـ ،ث
توىل األمر بعده ابنه إدريس الذي كانت أمه حامال به حني وفاة أبيه"( )3كان احلكم ،وراثيا بني
األدارسة ،أما فيما خيص تلمسان فقد وجه إليها إدريس األكب أخاه سليمان بن عبد اهلل بن احلسن
بن احلسن القادم إليه من الشرق " فسجّ له إدريس حكم تلمسان ،وملا تويف عقب ابنه مباشرة
حممد بن سليمان الذي سلم اإلمارة فيما بعد البن عمه إدريس الثاين الذي قضى على الفتنة اليت
أحدثت أيام اخلوارج ،وأقام باملغرب نو ثالث سنني"( )4متكن إدريس األصغر من احلصول على
ملك هذه املدينة "وعمّ على جتديد العهد البن عمه على والية تلمسان بعد أن عقد صلحا مع
بين األغلب أمر إفريقية على أن يكون احلد الفاصّ بينهما اهر الشلف ث قفّ راجعا إىل مدينة فاس
بعد أن أقام ثالثة أعوام بتلمسان؛ فقد مكن ابن إدريس األكب ملك تلمسان البن عمه فآلت فيما
بعد إىل بنيه وهم األدارسة وبقيت كذلك إىل أن استوىل عليها ابن أيب العافية املكناسي عامّ
العبيدين وقطع دعوة األدارسة"(.)5
( )1حممد بن رمضان شاوش ،باقة السوسان يف التعريف حبضارة تلمسان عاصمة دولة بين زيان29/3،
( )2عبد الرمحن ابن خلدون ،تاريخ ابن خلدون .12/4
( )3حممد بن رمضان شاوش ،باقة السوسان يف التعريف حبضارة تلمسان عاصمة دولة بين زيان .29/3
( )4املرجع نفسه.29/3 ،
( )5املرجع نفسه.29/3 ،
-28-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
فمن هنا ينتهي منابر دعوة األدارسة يف تلمسان لتعقبها بعد ذلك فرتة أخرى آل فيها احلكم إىل
الفاطميني الذين احتدم الصراع بينهم وبني األمويني على إمارة تلمسـان.
بعد انتهاء فرتة حكم األدارسة يف تلمسان "وقعت مجلة من الفنت بني قبيلة صنهاجة املناصرة للدولة
الفاطمية يف القريوان واملهدية ،وبني قبيلة زناتة املناصرة للدولة األموية يف قرطبة ،كانت تلمسان
ضحيتها ألاها تارة خاضعة للفاطميني وتارة لألمويني"( ،)1عانت تلمسان كثريا من نار الفتنة الواقعة
بني الفاطميني وبين أمية ،فهي مل تكن مبعزل عن هاته األحداث ،بّ وكانت ضمن الدول اإلسالمية
اليت عانت من الصراع ،وقد إستمرت حماوالت الفاطميني يف إلخضاع تلمسان " فبعد إستالء موسى
بن أيب العافية عليها ،سنة تسع عشرة وثالمثائة فملكها"( )2ويبدو أن ابن أيب العافية مل يدم حكمه
هبا "فقد ثار أهلها عليه ،وبايعوا صاحب األندلس اخلليفة عبد الرمحان الناصر فأسند هذا األخري
أمرها إىل عامله على املغرب األقصى ،يعلى االفريين ...ومل ينتسب األمر فيها ال للعبيديني( )3وال
األمويني ،لكن هذا األخري قضى على القائد جوهر الصقلي وعلى املواليني األمويني من بين يفرن
ومغراوة الزناتيني وضمها اهائيا إىل ملكة العبيديني "( )4كانت تلمسان بني كفي ميزان تارة لدولة
وأخرى لدولة ثانية ،وقد أسند أمرها إىل يعلي األفريين ،الذي قضى عليه القائد جوهر الصقلي ،ومن
-29-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
هنا كانت النهاية للمواليني لألمويني من مغراوة والزناتيني "لتتحول فيما بعد إىل حكم العبيديني
الذين فتحوا مصر ،ونقلوا كرسيهم من املهدية إىل القاهرة ،لتنظم بذلك تلمسان إىل الزيريني
الصنهاجيني الذين أصبحوا صحكمون البالد باسم الفاطميني ،فالزيريون قد قضوا على زناتة الذين
كانوا مواليني لألمويني"(.)1
متكن الفاطميون من القضاء على املواليني لألمويني ،فتحولت بذلك اإلمارة إىل آل زيري الصنهاجية
الذين كانوا املناصرين هلا ،فيما قبّ فحكموها باسم الفاطميني.
تلمسان املدينة التاريخ ،قد عانت كثريا من الصراعات واحلروب ،فقد حتولت من حكم آلخر فمن
األمويني والفاطميني إىل بلكني يوسف الصنهاجي" الذي استوىل على حكم تلمسان ،وخرهبا وشرد
أهلها ونقّ الكثري منهم إال عاصمة أشري إال أنه مل ترق هلم اإلقامة هبذه املدينة ،فبنوا بالقرب منها
مدينة أخرى ،عمروها ،ودعوها تلمسان اجلديدة"( ،)2فمدينة تلمسان ،قد وقع عليها ختريب عظيم
أحرزه فيها بلكني يوسف ،فالواضح أن هؤالء األهّ مل يستطيعوا البعد عن املدينة اليت ال طاملا
احتوهتم أو تربوا يف أرجائها ،فقرروا بذلك الرجوع إليها" .أما فيما خيص ،تلمسان األصلية ،فجدد
بنائها ،أمراء بين يعلي املغراويني ،وجعلوها عاصمة املغرب األوسط ،ث قام إليها آل زيري بن عطية
بن خزز ،قائما بالدعوة األموية ومتكن من اإلستالء عليها وإرجاعها إىل حكم بين أمية وأبقى
()3
فملك تلمسان متشتت بني دولتني اشتهرتا يف التاريخ التصرف فيها إىل بين يعلى املغراويني"
اإلسالمي بصراعاهتما الطويلة على اخلالفة ،وهكذا بقيت تلمسان تعاين من الصراعات بني قبائلها،
صنهاجة وزنانة ،فكّ قبيلة كانت تقوم بالوالء لدولة معينة من الدويالت اليت ذكرناها ،فراحت جراء
هذه األحداث تلمسان كضحية حيث عانت كثريا من فنت والصراع القائم بني الدولتني ،فلم تكن
-30-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
مبعزل عن الصراعات احلاصلة يف الدول اإلسالمية ،وقد عرفنا من خالل هذه الصراعات املتكررة
على املدينة أاها كانت تقع يف حكم الدويالت اإلسالمية ،واختذت كمركز وقاعدة حلكمهم.
عرفت تلمسان قبّ عهد املرابطني توافد جمموعة من الفاحتني عليها فكانت بذلك من ملك األدارسة
إىل الصراع الفاطمي األموي عليها ،لتعرف فيما بعد توافد جمموعة من الدول و األقوام عليها عصرا
آخر ،وهو عصر املرابطني " ملك املرابطون( ،)1أعمال املغرب األقصى بعد مهلك صحي ووالية ابنه
العباس( )2أيب خبيت بتلمسان "( )3آلت تلمسان إىل حكم املرابطني بعد إمارة ملوك بين يعلى" ففي
()4
قائده مزديل بن تيلكان اللمتوين لغزو سنة اثنتني وسبعني وأربعمائة بعث يوسف بن تاشفني
تلمسان واملغرب األوسط ،فسار اليها يف عشرين ألفا من املرابطني ،وكان بتلمسان يومئذ العباس بن
خبيت ...فدخلوا املغرب األوسط وتقروا بالد زناتة" ( )5كانت هذه البدايات األوىل لدخول املرابطني
بالد تلمسان ،ولعّ الفضّ يف ذلك يعود إىل أمريهم يوسف بن تاشفني ،املفوض على بالد املغرب،
من قبّ خليفة املؤمنني أبو بكر بن عمر " ويف سنة ثالث وسبعني اهض يوسف بن تاشفني ،بعد
أن كان قد رحّ اىل املغرب ،وترك تلمسان إىل قائده ،وافتتح تلمسان ،واستلحم بن يعلى ،ومن
( )1
املرابطون ،أشراف من قبيلة صنهاجة ،حوايل ألف رجّ اجتمعوا اىل عبد اهلل بن ياسني اجلزويل ،ومساهم املرابطني للزومة
ربطهم ،كانوا برابرة ،ث رسخ فيهم االسالم ،ينظر :أمحد بن خالد الناصري ،االستقصاء ألخبار دول املغرب األقصى ،الدولة
املرينية.4 -2/4 .
( )2العباس بن خبت ،من ولد يعلى بن حممد بن خرد املغراوي .ينظر :أو العباس أمحد بن خالد الناصري ،االستقصاء ألخبار
دول املغرب األقصى ،الدولة املرينية .14/4
( )3عبد الرمحن ابن خلدون ،تاريخ ابن خلدون .13/4
( )4يوسف بن تاشفني ،بن ابراهيم اللمتوين ،فوضه األمري أبو بكر بن عمر علي على بالد املغرب ،ينظر :أبو عباس أمحد بن
خالد الناصري ،االستقصاء.44/4 ،
( )5أبو العباس أمحد بن خالد الناصري ،االستقصاء.14/4 ،
-31-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
كان هبا من مغراوة ،وقتّ العباس بن خبيت أمريها من بين يعلي ...وأنزل حممد بن تينعمر املسويف
يف عسكر املرابطني واختط مدينة تاكرارت مبكان معسكره ...واليت صارت تلمسان القدمية اليت مسي
أكادير بلدا واحدا وانقرض أمر مغراوة ،من مجيع املغرب"( )1فصّ ابن خلدون يف تاريخ املرابطني
ودوهلم يف بالد املغرب لكن ارتأينا أن نأخذ منه إال ما يهم حبثنا ،وهو تلمسان اليت عرفت فيها
إمارة املرابطني بعد قضائهم على مجيع املغراويني من بالد املغرب.
قضى يوسف بن تاشفني على مجيع املغراويني ،كما ذكر ابن خلدون ،وبىن مدينة جديدة " أصبحت
مركزا رمسيا للحكومة املرابطية إذ نزل هبا القواد واجلنود والرؤساء واألعيان ،فذلك دعا إىل تشييد دار
اإلمارة واملسجد واجلامع هبا ...فبىن حينئذ يوسف قصر تلمسان القدمي ،الذي كان موقعه غرب
اجلامع الكبري ،وأسكن به عامله حممد السويف وعساكر املرابطني"()2كانت تلمسان مستقرا للمرابطني
الذين شيدوا هبا املباين ،واجلوامع ،والقصور ،حىت أصبحت هناك مدينتان ،واحدة قدمية واألخرى
حديثة ،ما يدل على استقرارهم يف املنطقة ،ث كانت بعد خالفة يوسف أبو تاشفني خالفة " علي
بن يوسف الذي شيد جمموعة من املعامل يف بالد تلمسان مثّ :اجلامع الكبري ،حي تقررت ،حي
ايالن ...وكانت تلمسان يف عهد املرابطني مقر الوالة على املغرب األوسط"( )3واستمرت على هذا
احلال إىل أن حاصرها املوحدون بقيادة عبد املؤمن بن علي الكومي.
لتتحول بذلك هذه املدينة من ملك املرابطني اىل ملك آخر ،إن كان عصر املرابطني حافال
باملنجزات العظيمة هلؤالء امللوك والسالطني من املرابطني ،الذين تـركوا هلا مجلة من اآلثـار العمرانية،
تدل على قدرهتم ،وعلى استقرارهم ببالد تلمسان ردحا من الزمن ،فعملوا القصور العالية
واجلوامع ...،وقد دلت هذه األخرية على عظمة أولئك ومشوخهم ،وإن مل تدم فرتة حكمهم ،وزال
-32-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
ملكهم بتلمسان ،لنشهد بعد ذلك عهدا آخر لوالية تلمسان ،ودولة أخرى ظهرت يف أكناف هذه
املدينة ،وتوسعت يف أرجائها ،ولعلنا هنا سنتحدث عن عهد املوحدين يف تلمسان.
قامت دولة املوحدين على أنقاض الدولة املرابطية " :قامت الدولة املوحدية يف البداية مبراكش ،وكان
أمر املرابطني وامللثمني يومئذ اسحاق بن علي بن يوسف ...حاصر املوحدون ،فااهزم ،وقتله عبد
املؤمن( ،)1وأصبحت بذلك الدولة للموحدين"( )2مت حصار املرابطني من قبّ عبد املؤمن بن علي
الكومي ،فقضى بذلك على دولة املرابطني ببالد املغرب لتظهر بذلك هذه الدولة اجلديدة املوحدية
ففرضت سيطرهتا وبزغ جنمها يف بالد املغرب عامة ،أما نن فبصدد البحث عن هذه الدولة يف بالد
تلمسان.
()3
أسس دولة املوحدين " حممد بن تومرت املعروف باملهدي ،وهو من هرغة من بطون املصامدة"
فالفضّ يف تـأسيس هذه الدولة اليت ظهرت يف املغرب هو املهدي "ث بويع بعده عبد املؤمن الكومي،
وإن رفض املوحدين يف البداية ،ألنه من غري جلدهتم إال أنه كان رجال ذكيا حمنكا فاستطاع الوصول
إىل اخلالفة ،فبايعه بداية أشياخ املوحدون ،ث كافة املوحدين"( )4رفض املوحدون يف البداية سلطة
عبد املؤمن لكن خببته استطاع الوصول اىل احلكم ،وبعد خالفته توجهت أنظاره نو تلمسان وكان
قد سبقه اليها "( )5تاشفني بن علي الذي خرج من مراكش على طريق السهّ إىل أن وصّ تلمسان
( )1عبد املؤمن :هو من بين عبد املؤمن ليس من املصامدة ،وإّا من كومية ،ث من بين عابد منهم وكومية ،ويعرفون قدميا بصطفورة
من بين فاتن ...بنو عم زناتة ،وهو عبد املؤمن بن علي التيمي الكومي ،قد الزم املهدي.
( )2أبو العباس أمحد بن خالد الناصري41/3 ،
( )3املصدر نفسه.44/4 ،
( )4أبو العباس ،أمحد بن خالد الناصري ،االستقصاء.304،303/4 ،
( )5املصدر نفسه.301/4 ،
-33-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
وقد نزل السهّ ما يلي الصفصاف ،أما عبد املؤمن ،قد نزل ما بني الصخرتني من جبّ تيطري ...
وتوالت األحداث املتكررة بني اجليشني وحاصر عبد املؤمن بن علي حىت متكن من هزميته"( )1فوصّ
بذلك عبد املؤمن اىل تلمسان " وافتتحها وعفا عن أهلها ورحّ عنها لسبعة أشهر من فتحها بعد
أن وىل عليها سليمان بن حممد بن وانودين ،وقيّ يوسف بن والذين"( )2متكن عبد املؤمن من فتح
تلمسان وأصبحت من أهم مراكز الدولة املوحدية بعد ان ترك واليا عليها " فاّحى بذلك أثر
امللثمني ،واستوىل املوحدون على مجيع البالد "( )3فكانت بذلك الرياسة هلم بال منازع ويف أثناء فتح
عبد املؤمن ملدينة تلمسان " جدد بناء دورها ،وحصنها غاية التحصني بتجديد بناء سورها أي أقادير
...كما جعّ منها الوالية الغربية من املغرب األوسط"( )4ففي فرتة حكم عبد املؤمن ،قام بتجديدات
متعددة على مدينة تلمسان ،وحصنها وجعلها منها قاعدة مللكة تاركا فيها واليا عليها ،ويف سنة
224هـ عني كويل على تلمسان ولده أبا حفص عمر ":وبقي وليا عليها اىل عام مخسمائة ومخسني
هجرية ،ث بعد رحيله إىل مراكش عني مكانه أخاه أبا عمران موسى سنة 221هـ ،وبقي هبا عام
212هـ ،وهي السنة اليت حترك فيها اخلليفة عبد املؤمن للجهاد باألندلس مستخلفا له على مراكش،
وبعث مكانه إلىل تلمسان السيد أبا احلسن علي بن عمر" وهكذا بقيت خالفة تلمسان يف أيادي
املوحدين ردحا من الزمن ،تداوهلا اخللفاء املوحدون واحدا تلو اآلخر ،ملدة طويلة حىت تربص هبا بنوا
عبد الواد الذي قاموا بإغراء خليفة املوحدين السيد "أبا سعيد الذي كان قليّ احليلة والتدبري"( )5إذا
-34-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
عرفت تلمسان ،أيضا دخول املوحدين وحكمهم فيها حيث استولوا عليها مدة من الزمن وتوارثوها
أبا عن جد حىت آلت إىل حكم بين عبد الواد أو الزيانيون بعدهم.
الزيان ــية:
-IIال ــدولة ّ
إن من أهم األسباب اليت أدت إىل ظهور الدولة الزيانية هو سقوط دولة املوحدين ،فقد قامت هذه
األخرية على إثرها ،وبنيت نفسها على أنقاض حكم املوحدين الضائع " فاحلقيقة هي أن األسباب
اليت أدت إىل قيام دولة بين زيان يف تلمسان ...زوال سلطة املصامدة أصحاب دولة املوحدين،
خلف وراءه فراغا واسعا ،ميتد من جبّ تيطري يف اجلزائر احلالية إىل كّ نواحي املغرب األقصى،
سارع إىل ملئه بنو زيان يف تلمسان ،وبنو مرين يف املغرب"( )1فالدولة الزيانية قامت إثر ضعف الدولة
املوحدية وانكسار شوكتها ،ما أدى إىل وجود فراغ ،ملئته الدولة الزيانية يف تلمسان ،من خالل
نشأهتا وتوسعها هبذه املدينة ،فاستطاعت بذلك أن تعطي ّوذج حلضارة عريقة ظهرت يف بالد
اجلزائر ،لذلك وجب علينا أن نعرف هذه الدولة وأصوهلا.
تعد الدولة الزيانية من أحد أهم الدول اليت ظهرت يف تاريخ اجلزائر العريق فقد وجدت هذه األخرية
وانتشرت أركااها وأخذت بالتوسع انطالقا من اجملهودات املكثفة ،لسالطني وحكام تلمسان ،الذين
سعوا إىل إرساء قواعدها وأركااها ،فإليهم يعود الفضّ يف توسع هذه األخرية وازدهارها ،وقبّ احلديث
عن هذه الدولة وجب أوال معرفة أصّ بنو زيان ،ولعّ املصادر القدمية قد تطرقت لنسبهم فهم
( )1ابن األمحر ،تاريخ الدولة الزيانية ،تقدمي وحتقيق وتعليق هاين سالمة ،مكتبة الثقافة الدينية بور سعيد (مصر) ،ط،4003 ،3
ص.14-11
-35-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
"الطبقة الثانية من زناتة()1الببرية ( )3(")2هذه الطبقة سكنت بالد املغرب األوسط ،واستقرت فيه
ولعله نفس ما ذهب إليه املؤرخ للدولة الزيانية صحي ابن خلدون يف مؤلفه حني قال " :انتهاء بين عبد
الواد أعزهم اهلل إىل زناتة الببر"( )4فبنوا عبد الواد يعودون بأصلهم إىل الطبقة الثانية من زناتة ،فهم
برابرة أصليني" فزناتة قد انقسمت اىل طبقتني فالطبقة األوىل هي اليت كان منها مغراوة ملوك فاس،
وبنو يفرن ملوك سال ،والطبقة الثانية هي اليت كان منها بنو عبد الواد ملوك تلمسان واملغرب
األوسط ،وبنو مزين ملوك فاس واملغرب األقصى"( )5فبنوا عبد الواد ينتمون إىل أحد فروع زناتة،
وبنو عبد الواد هم " :بنو طاع اهلل ،وبنو دلول ،وبنو مطهر وبنو وعزان ،وبنو معطى ،وبنو حجى،
أما بقية بين عبد الواد وهم بنو ياتكنت ،وبنو للو ومصحوجة ،وبنو يعالن ،وبنو رسطف ،فليسوا من
ولد القاسم ،ونسبهم يف قيس بن عيالن بن مضر وانضاف إليهم الزرادلة ألن زردال وعابد الواد
أخوان وهبم تكمّ اثين عشر قبيال املعدودة يف عبد الواد ،ستة يف ولد القاسم ،ومخسة يف ولد عابد
الواد ،وواحدة يف ولد زردال أخيه ،وغلب اسم عبد الواد على اجلميع"( )6واحتوت قبيلة بين عبد
الواد مجلة من القبائّ ،لتشكّ القبيلة و الفرع األكب وهم بنو عبد الواد وهكذا اندرجوا مجيعا حتت
هذا االسم أو هذه القبيلة.
( )1زناتة :هو جبّ قدمي يف املغرب وشعارهم بني الببر اللغة اليت يرتاطنون هبا ،أما نسبهم فقد اختلفت فيه املصادر ،وموطنهم
بسائر مواطن افريقيا ،واملغرب ،ينظر :عبد الرمحن ابن خلدون ،تاريخ ابن خلدون.2 ،1/4 ،
( )2
الببر :هم سكان املغرب القدمي ملئوا البسائط واجلبال ... ،يتخذون البيوت من احلجارة والطني ،أما نسبهم فيختلف ما
بني جالوت من فلسطني ومهيــر من اليمن ،ينظر :تاريخ ابن خلدون.331/1 ،
( )3عبد الرمحن ابن خلدون ،تاريخ ابن خلدون.44/4 ،
( )4صحي ابن خلدون ،بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد ،مطبعة بري فونتانا الشرقية اجلزائر( ،د .ط).94 /3 ،3401 ،
( )5أبو العباس أمحد بن خالد الناصري ،االستقصاء ألخبار دول املغرب األقصى ،الدولة املرينية.1/1 ،
( )6
حممد بن عبد اهلل التنسي ،تاريخ بن زيان ملوك تلمسان ،مقتطف من نظم الدر والعقيان يف بيان شرف بين زيان ،تح:
حممود آغا بو عياد ،موفم للنشر ،اجلزائر( ،د .ط) ،4033 ،ص.304
-36-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
فيحي ابن خلدون يرجع نسبهم وجذعهم الرئيسي إىل بين قاسم ،فيقول يف أصلهم " هم بنو
القاسم من ولد إدريس بن عبد اهلل احلسن ،بن علي بن أيب طالب رضي اهلل عنهم قيّ هو القاسم
بن إدريس ،وقيّ ابن حممد بن إدريس ،وقيّ ابن القاسم ابن إدريس وقيّ ابن حممد بن عبد اهلل بن
إدريس"( )1فكّ هؤالء ينتمون يف أصلهم إىل األدارسة ،ولعله نفس ما ذهب إليه التنسي.
فريى التنسي أن نسبة الزيانيني تعود إاىل جدهم "القاسم ،جد أمري املؤمنني اتفق النسب على أنه
من ولد عبد اهلل الكامّ ،بن احلسن املثىن بن احلسن السبط ،بن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب.
ولكن اختلفوا يف طريق اتصاله به ،فقيّ أنه القاسم بن إدريس بن عبد اهلل الكامّ ،وقيّ أنه ابن
حممد بن إدريس بن عبد اهلل ،وقيّ أنه ابن حممد بن عبد اهلل بن إدريس بن عبد اهلل"(.)2
وافق التنسي يف هذا الصدد رأي صحي ابن خلدون يف نسبة الزيانيني إىل األدارسة لكن خيتلف يف
طريقة اتصاله به ،فمن خالل هذا التعريف نستكشف االحتماالت اليت وضعها التنسي يف اتصال
الزيانيني باألدارسة.
وإن رفض ابن خلدون هذا النسب قائال ":ويزعم بنو القاسم هؤالء أاهم من أوالد القاسم بن
إدريس ...زعما ال تستند له إال اتفاق بين القاسم"( )3فهذا املؤرخ يرفض نسب بنو عبد الواد إىل
األدارسة فيخالف بذلك أراء الكتاب اآلخرين " وقد قال يغمراسن بن زيان أن أبو ملوكهم هلذا
العهد ملا رفع نسبه إىل غدريس كما يذكرون فقال برطانتهم ما معناه :إن كان هذا صحيحا فينفعنا
( )1صحي ابن خلدون ،بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد.303 /3 ،
( )2التنسي ،تاريخ بن زيان ملوك تلمسان ،مقتطف من نظم الدر والعقيان يف بيان شرف بين زيان ،ص.330
( )3عبد الرمحن ابن خلدون ،تاريخ ابن خلدون.44/4 ،
-37-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
()1
فالفضّ يف ظهور الدولة الزيانية يرجع إىل جهود عند اهلل ،وأما الدنيا فإّا نلناها بسيوفنا"
سالطينها األفدان فقد أخذت بسيوفهم وبقوهتم.
وينسب الزيانيون بذلك إىل أب ملكهم يغمراسن فإليه يعود الفضّ يف قيام الدولة الزيانية ،أما
أصول هؤالء ،فهم زناتيون برابرة استوطنوا املغرب األقصى ،وكان هلم فيها ملك عظيم.
بنو عبد الواد ،هم فروع من زناتة الببرية نزلوا تلمسان ،وكان هلم هبا ملك عظيم ،فمما يؤكد على
أاهم كانوا يقطنون هذه املدينة قول ابن خلدون " ومل يزل عمران تلمسان يتزايد وخطتها تتسع
الصروح هبا باألجر والنهر تعلى وتشاد إىل ان نزهلا آل زيان واختذوها دارا مللكهم ،وكرسيا لسلطااهم
فاختطوا هبا القصور املؤنقة واملنازل احلافلة واغرتسوا الرياض والبساتني ،وأجروا خالهلا املياه ،فأصبحت
أعظم أمصار املغرب ،ورحّ اليها الناس من القاضية ونفقت هبا أسواق العلوم والصنائع فنشأ هبا
العلماء وانتشر هبا األعالم وضاهت أمصار الدول اإلسالمية والقواعد اخلالفية"( )2فمن خالل ما
جاء به هذا املؤلف نستطيع أن ندرك جمموعة من احلقائق عن بين زيان ،وبداية سلطتهم يف تلمسان،
فقد اختذوا من املدينة مكانا لسلطتهم ،فسعوا كّ السعي اىل تطويرها وجعلها مدينة تضاهي يف
رونقها ورقيها احلواضر اإلسالمية ،ولعّ هذا القول يؤكد على نزول بين عبد الواد أو الزيانيني تلمسان.
ويرجع السبب يف وصول بين زيان إىل احلكم إىل ضعف أمر بين عبد املؤمن ( " )3فهنالك تطاول
-38-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
بنو عبد الواد إىل ملك وطن تلمسان واالستحواذ عليه"( )1فوصول بنو زيان إىل احلكم يرجع إىل
ضعف الدولة املوحدية ،وهو ما جعّ بنو عبد الواد يغتنمون الفرصة ،ويتطاولون على ملك تلمسان،
وهذا لقرهبم منها " فجاسوا خالله ،وأوجفوا عليه باخليّ والركاب ،واجتاز كّ فريق منهم جانبا من
القطر ،وأمن أهله عن خراج يؤديه كّ سنة ،وأمر مجيعهم إىل كبريهم جابر بن يوسف بن حممد وهو
ابن عم زيان والد امري املسلمني يغمراسن بن زيان بن ثابت ابن حممد"( )2وصّ بنو عبد الواد إىل
احلكم ومتكنوا من بسط نفوذهم يف تلمسان "وأمنوا أهلهم من اخلراج ،وأمجعوا تفويض أمرهم إىل
كبريهم جابر بن يوسف ابن حممد بن زجدان بن نيدوكس بن طاع اهلل وكان إلخوته أوالد معمر
()3
وطن تلمسان ،وما يليها فأحسنوا بالناس سرية ووافوا هلم بعهد األمان حىت متكن أمرهم يف البالد"
فانتهاء حكم تلمسان قد عاد إىل بنو عبد الواد وبقوا متمكنني يف البالد" ،ومل تزل أيديهم على
الدولة املؤمنية حىت أيام املأمون ابن يعقوب املنصور بن يوسف العسري ففيها كان ابتداء أمرهم
العزيز وصريورة امللك اىل حمله من بين إدريس"( )4كان أخ ابن يعقوب املوحدي آنذاك واليا على
تلمسان وأساء إىل بين عبد الواد" ،فاحلسن بن حيان أساء جوار بين عبد الواد ،وعمّ على زرع
الفتنة فقام بإغراء عثمان أخ أمري املؤمنني املأمون ابن يعقوب الذي ترك بنو عبد الواد حلفاء له يف
تلمسان ،فقام أخ املأمون بالقبض على كبار بين عبد الواد حىت شفع فيهم ابراهيم بن امساعيّ عالن
الصنهاجي ،فلم يقبّ أخ أمري املؤمنني الشفاعة ما حز يف نفس الشيخ فذهب واغتال ابن حيان
وسرح بنو عبد الواد واعتقّ مكااهم أخ املأمون"( )5فعندما كان أخو املؤمنني واليا على تلمسان قام
باالحتيال على بين الواد وأخذ مجاعة منهم واعتقلهم إال أنا أمر االعتقال مل يدم فقد شفع فيهم
( )1صحي ابن خلدون ،بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد.302 /3 ،
( )2التنسي ،نظم الدر تاريخ بين زيان ملوك تلمسان مقتطف من ظم الدروالعقيان يف شرف بين زيان ،ص.334
( )3صحي ابن خلدون ،بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد.302/3 ،
( )4املصدر نفسه.302/3 ،
( )5املصدر نفسه.301/3 ،
-39-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
ابراهيم بن إمساعيّ عالن الصنهاجي لكن الوايل على تلمسان رفض ما جعّ الشفيع صحس باإلهانة
فجمع قومه وذهب إلطالق سراحهم ،وأخذ مكااهم عثمان بن يعقوب.
" لكن سولت له نفسه بعد ذلك يف احلكم فأراد قتال كبار بين عبد الواد ،فأعد بذلك حيلة ،وهي
وليمة العشاء ليتمكن من الظفر هبم ،لكن وصّ خبه إىل بين عبد الواد فتدبروا أمرهم قبّ الوصول
إليه فقبضوا عليه ،وأخذوه مع مثانية من أصحابه"( )1فالذي شفع لبين عبد الواد وأطلق سراحهم،
أراد بعد ذلك احلصول على ملك تلمسان ،وعلم أنه لن يطاهلا إال بقتله كبار بين عبد الواد فصنع
حيلة لقتلهم فأعد هلم العشاء وعزمهم ،وذهب بنوا عبد الواد هلذه الوليمة ،ألنه كان قد أحسن
إليهم ،لكن وحلسن احلظ علموا قبّ وصوهلم حبيلته وبذلك انقلب السحر على الساحر كما يقال
فأصبح هو املقبوض عليه "ودخّ جابر بن يوسف وإخوته املدينة حلينه بدعوة املأمون فحّ دار
إمارهتا وضبط أمورها واستقر حبكمها"( )2دخّ جابر بن يوسف وقومه من بين عبد الواد بدعوة من
عبد املؤمن ،فتمكنوا بذلك من إدارة تلمسان وحكمها " وبعث بذلك إىل املأمون ،فقنع منه باخلطبة
والسكة"( )3فكان بذلك جابر بن يوسف يبعث إىل املأمون ويغدق إليه العطاء فقبّ املأمون بذلك،
وآل حكم تلمسان إىل الزيانيني "فاستوىل على أحواز تلمسان وعلى بين راشد وعلى حواضر ذلك
القطر سوى ندرومة فزحف إىل حصارها فهلك هنالك بسهم أصابه من داخلها لثالث أمرته"(.)4
استطاع جابر بن يوسف االستيالء على أحواز تلمسان وعلى األقطار اجملاورة هلا لكن عندما ذهب
حلصار ندرومة مت اغتياله وقتله بسهم ،وبذلك كانت اهاية إمارته.
( )1التنسي ،تاريخ بين زيان ملوك تلمسان مقتطف من نظم الدر والعقيان ،يف شرف بين زيان ،ص.311
( )2صحي ابن خلدون ،بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد ،ص.301
( )3التنسي ،تاريخ بين زيان ملوك تلمسان مقتطف من نظم الدر و العقيان ،يف شرف بين زيان ،ص.311
( )4املصدر نفسه ،ص.331
-40-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
عندما متكن بنو عبد الواد من الدخول إىل تلمسان واالستيالء على أقطارها بدعوة من املأمون،
متكن جابر بن يوسف الذي عرفناه مسبقا من ملك تلمسان ،لكن ملكه مل يدم ،ومت اغتياله عند
ذهابه حلصاره ندرومة فآل احلكم بعده إىل "ابنه احلسن بن جابر لستة أشهر ث خلع نفسه لعمه
عثمان لكب سنه فأساء اململكة"( )1لعّ عثمان بن يوسف مل صحذو حذو أخيه بّ أساء مللكه" ،فـتم
إخراجه من تلمسان ،واتفق بنو عبد الواد تقدمي أىب عزة زيدان بن زيان ،فاستوىل على تلمسان،
وأعماهلا ونكث عنه بنو مطهر ،وظاهرهم بنو راشد ،فكانت بينه وبينهم حروب ،قتّ يف بعضها
فحينئذ قدم بنو عبد الواد أخاه أمري املسلمني يغمراسن بن زيان وبايعوه بيعة امللك املستقّ وخلعوا
بين عبد املؤمن"( )2إذا حكم بعد عثمان بن يوسف أبو عزة زيدان الذي اتفق عليه بنو عبد الواد
لكن كانت بينه وبني بين مطهر وبين راشد حروب ،فقتّ يف أحد هذه احلروب ،فقدم بذلك بنو
عبد الواد أخا أبو عزة ،وهو يغمراسن بن زيان الذي متكن من خلع بين عبد املؤمن ،وهكذا متكن
يغمراسن من إمارة تلمسان ،ومن هنا آل حكم تلمسان إىل بين عبد الواد فتوسعت بذلك دولتهم
وأصبحت من أعظم املراكز احلضارية يف الدولة اإلسالمية ،ولعّ الفضّ يف ظهورها وتطورها هبذا
الشكّ يعود إىل جمهودات األمري يغمراسن بن زيان الرجّ السياسي احملنك الذي سنتعرف عليه
الحقا.
الزيانيــة):
-4يامراســن بن زيان (المنشئ األول للدولة ّ
يعد مؤسس الدولة الزيانية ،وله الفضّ يف ظهورها ،متيز بالدهاء واحلنكة ،فاستطاع الوصول إىل
احلكم بفضّ جمهوداته ،فآلت إليه تلمسان ،بعد أن كانت مركزا من مراكز الدولة الزيانية فهو كما
يصفه صحي ابن خلدون "بارع الثنية ،وعاطف احلنيبة ،املستثار دون امللوك باخلالل السنية ،مظهر
-41-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
الريع والريعان ،مقيم جفلي الطعام ،والطعان ،خليفة اهلل املرتضى ،ولسيف محايته املنتظر ووعد أمنيه
الصادق املقتضى منري اإلحكاك وناظم األسالك ،وملك الشرف وشريف األمالك إىل عالء جمد
وعلم وكمال"( )1أثىن صحي على هذا احلاكم ووصفه مبجموعة من الصفات بني فيها خالله احلميدة،
وسجاياه وفضله وكرمه وعزته.
أما ابن األمحر فيبدو أنه كان من املناصرين لبين مرين فقد وصف بين عبد الواد باخلوف فقال
"فأوهلم جدهم يغمــور الذي يف قبه من خوف مرين مغمور ...وملا مات وجعلوه يف قبه ،مل تقبله
األرض ،ولفظته من جوفها إىل أن دفن بإزاء قب الشيخ الصاحل حممد بن أيب بكر بن مرزوق ،فقبلته
األرض ووارده الرتاب ،وذلك ببكة جوار هذا الصاحل أخبين بذلك الشيخ الصادق اللهجة أبو
احلسن علي بىن حممد بن القاسم القيلسي التلمساين املعروف باملريوقي حسبما أخبه بذلك والده
حممد عن أبيه حممد ،وكان أدرك يغمراسن وشاهد دفنه"( )2يبدو أن ابن األمحر صحتقر يغمراسن،
وصحط من شأنه ،ألنه يف ذلك مؤيد لدولة املرينني ،اليت تنافست مع الدولة الزيانية على ملك تلمسان
لذلك فهو سعى دائما إىل احتقار هذا الرجّ الذي كان له الدور البارز يف دولة بين زيان.
أما مولد يغمراسن ابن زيان "فقد كان سنة ثالث أو مخس ،وستمئة ،وكان كرميا شجاعا فاضال،
حكيما متواضعا ،ذا سداد ،وعفاف ،وجمد وعال يؤثر العلماء والصاحلني وجيالسهم ،وقد كان يقدر
أهّ العلم"( )3كان هذا السلطان حمبا للعلم والعلماء ،فكثريا ما أغدق عليهم بالعطاء والنوال.
( )1جيي ابن خلدون ،بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد.304/3 ،
( )2أبو الوليد امساعيّ بن األمحر ،روضة النسرين يف دولة بين مزين ،املطبعة امللكية ،الرباط( ،د .ط) ،3414 ،ص .22
( )3صحي ابن خلدون ،بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد.330 /3 ،
-42-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
كان يغمراسن مواليا للدولة املوحدية " فلم يزل يغمراسن مع ملوك املوحدين يف ذل وهول ،ينادونه
بالشيخ وينادونه مبوالنا"( )1فمن خالل ما جاء به ابن األمحر ميكننا القول إن يغمراسن قبّ انفراده
بتلمسان جعلها ملكا للزيانيني كان مواليا لدولة املوحدين.
أما فيما خيص توليه احلكم بتلمسان " فقد بويع يوم وفاة أخيه عزة زيدان ،املذكور أاها يوم األحد
الرابع والعشرين من ذي القعدة لسنة ثالث وثالثني ،وستمئة "( )2فقد بويع باخلالفة ،ومتكن إذ ذاك
من الوصول اىل ملك تلمسان.
فلما توىل حكم تلمسان قام مبجموعة من األشياء اليت جعلت من دعوته ،تصّ إىل أبعد حدودها،
فكما يقول صحي ابن خلدون أنه ":خلط زي البداهية بأهبة امللك وأشعر القبيّ لباس الشريعة ،فأعلى
()3
استطاع املنارة ،ومهد اخلالفة ،وأوثر األريكة ،وأمسع أهّ املشارق ،واملغارب صوت الدعوة"
يغمراسن أن جيعّ من الدولة الزيانية دولة معرتف هبا يف حدود األرض ،خاضعة حلكم إسالمي
خالص "فلما بويع أمري املسلمني يغمراسن بن زيان ،أوضح للخالفة احلسنية اآلثار ،ورفع ملن ضّ
عن سبيّ هداها ،أعلى منار ،فابتهج الدهر ،بوجوده وأشرق من فلك اليمن جنم سعوده ،وأحضر
للملك ،ما كان قد ذبّ من عوده ،وأجنز الزمان للبيت النبوي ،ما كان يكثر التسويف به ،من
موعوده ،فظهرت به أهبة اخلالفة يف بيته ،واستعمّ ما يورث امللك كماال ومجاال يف هديهه ومسته،
فانتخب الوزراء واحلجاب ،وانتقى القواد ،والكتاب ،ونازعه بنو مطهر ،وبنو راشد ،فأظهر اهلل على
اجلميع"( )4وضح يغمراسن املعامل عن خالفته فكانت تلمسان يف عهده رمزا للخالفة اإلسالمية
-43-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
القائمة على املبادئ القوية ،وعلى سنة املصطفى أما فيما خيص دولته ،فقد قام بضبط قواعده ،فعني
كّ شخص يف منصبه.
الزيانية وأبرزهم:
-9بعض سالطين الدولة ّ
عرفت الدولة الزيانية يف فرتات حكمها الطويلة مجلة من السالطني الذين كان هلم الفضّ يف اهوض
وتطور وتوسع تلمسان ،واجلعّ منها مدينة تضاهي األمصار العربية قوة ،وصالبة لعّ الفضّ الكبري
يف ذلك يعود اىل السلطان األول الذي وضع للدولة معاملها الكبى ،وهو يغمراسن بن زيان الذي
قد عرفناه سابقا ،أما اآلن سننتقّ إىل سلطان وملك آخر ،وهو السلطان:
يعد من أبرز السالطني يف هذه الدولة وهو االبن للسلطان الذي كان له الفضّ يف قيام دولة بين
عبد الواد ،توىل احلكم بعد أبيه ،قد وصفه صحي ابن خلدون قائال " درة احلصيلة ،وسيد هاتيك
الفضيلة ،ومصلى حيلة جيادة األصيلة مثري كنوز احلظ وهدف الرخاء واملض ،ومعود احلروب سنة
الكر واللظ ،استخدم املهاجرين واألنصار فحكم االيعاب وافتاد يف إرسان رماحه الصعاب
واستضاف األوطان وأقام رعاياه البطان"( )1مدحه صحي مبجموعة من الصفات اليت قد تفوق حدودها
الوصف فزاد بذلك من قيمته وأعطانا صورة لرجّ فاضّ حسن التدبري.
أما مولد هذا السلطان كان "لسنة تسع وثالثني وستمئة ،وكان شهما مقداما حمببا اىل القلوب ذا
سياسة وصب للحوادث بويع أوائّ ذي احلجة متم لسنة احدى ومثانني وستمئة"(.)2
( )1صحي ابن خلدون ،بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد.334 /3 ،
( )2املصدر نفسه.339/3 ،
-44-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
توىل احلكم بعد أبيه مباشرة ،وقد اتسم مبجموعة من اخلصال ،اهتم صحي ابن خلدون بذكرها
وتعدادها يف بغية الرواد ألنه كان مؤرخا للدولة الزيانية.
متت مبايعة هذا السلطان بعد أبيه " فقد توىل حكم تلمسان حىت عام 141ه أين وافته املنية يف
()1
حصار السلطان أيب يعقوب بن عبد احلق املريين ،وله مخس ومخسون سنة وكانت دولته 34سنة"
تويف عثمان بن يغمراسن جراء احلصار الذي فرضه أبو يعقوب بن عبد احلق املريين والذي أراد ضم
تلمسان إىل ملكته.
من األسرة الزيانية وابن السلطان عثمان بن يغمراسن ،وصفه صحي يف مؤلفه قائال "استوضحت أنوار
السعادة عزته ،بدولته انفرجت بعد شدهتا األزمة ،وانلت من عداه عقب شدها احلزمة فذهب
البح ،والذمّ والفرح ،وشيد بعد ااهدامه الصرح فاقتبّ امللك شبابه وتسربّ من عز جلبابه وفتح
لدخول األفواج بابه"( )2فكانت دولته دولة سعادة وعزة ،شيد هلا ملك عظيم بعد أن كان قد هدم،
أما فيما خيص ملكه بتلمسان فقد بويع هذا األخري " بتلمسان ،وهي حمصورة السلطان أيب يعقوب
املريين يف ذي القعدة سنة 141هـ ،ومات وهو يف حصر السلطان أيب يعقوب املريين يف شوال عام
،144وله 13سنة وكانت دولته أربع أعوام"(.)3
لقي الرجّ نفس ميتة أبيه فمات وهو يعاين من احلصار الذي فرض على تلمسان ردحا من الزمن،
عاىن فيه سكان املدينة ،الويالت الكبرية واملخاطر الشديدة فقد ذكرت هذه املعاناة يف العديد من
الكتب ،مثّ :رحلة الوزان ،ورحلة عبد الرمحن ابن خلدون ،كان هذا السلطان" ،فاضال مبارك حسن
-45-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
ملكه بني اخلباب"( )1فقد عرفت إمارة هذا السلطان حبسنها ،فعظمت ملكته وعال قدره بني رعاياه،
وقد عرف بفضله وحسن معاشرته.
األول:
حمـو موسى ّ
ج -أبو ُّ
كان هو اآلخر من أهم السالطني بالدولة الزيانية "توىل احلكم بعد وفاة أيب زيان ،حممد انتصب
على سدة احلكم يف تلمسان -يف معظم األقوال-يوم األحد احلادي والعشرين من شهر شوال سنة
404هـ فنقّ الدولة الزيانية من عهد السذاجة ،القبلية والبساطة يف األحكام اىل امللك
العضوض"(.)2
استطاع هذا السلطان أن يرسم لدولته معامل كبى فنقلها من ملك بسيط معتمد على السذاجة
كما يقول الكاتب إىل ملك عظيم له قدره وشأنه بني األمصار ،وقد بويع هذا السلطان "بعد أخيه
حممد وهو يف حصار السلطان أيب يعقوب املريين ،يف شوال لسنة 144هـ ،وقتله أبو تاشفني ابنه يف
مجادى األخرى من عام 431وله 12سنة وكانت دولته 43سنة" )3(.ولعّ هذا السلطان قد
عاىن من احلصار املفروض على مدينته ،وقتله ابنه ولعّ ذلك يعود يف الرغبة اىل احلكم و السلطان،
أما فيما خيص مدح صحي ابن خلدون له فقد قال عنه "ملك مهام ،وشعلة وغمام وهبمة مراس وأسد
بطش وافرتاس معيد املدة ،مفرج الشدة ،ومقاتّ بسيفه هلّ الردة الفظ القضا اهلني عند االقتضاء،
الذي رفع اخلرق وعمّ احلق ،ث دوخ الشرق ،وأنار ببواتره ،بآفاقه البق وفرع النوار وسلك األجناد
واألغوار فابتلى األطوار وخب الظلماء واألنوار فسدد األهوار وشيد األسوار وحفر اخلنادق ومال
املطامري والصناديق"( )4فمن خالل ما رمسه ابن خلدون عنه استطعنا استنتاج بعض املالمح الكامنة
( )1صحي ابن خلدون ،بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد.344 /3 ،
( )2بوزياين الدراجي ،أدب وشعراء من تلمسان ،دار األمّ للدراسات ،اجلزائر( ،د .ط).343/3 ،4033 ،
( )3ابن األمحر ،تاريخ الدولة الزيانية ،ص.43
()4حي ابن خلدون ،بغية الرواد يف ذكر علماء بين عبد الواد.344،341 /3 ،
-46-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
يف شخصية هذا السلطان ،فهو ذا مهة عالية وهيبة ،مزيّ العواقب ،قوام على األعداء وصّ إىل
احلكم فاستطاع تدبري شؤونه بسياسة حمكمة.
األول:
اد -أبــو تاشفيـن ّ
وصفه صحي ابن خلدون بقوله ":ملك يتبجج يف األصالة اجلالل تزىي خبالل الشرف وشرف اخلالل
أي حياء وكمال ووزر ومثال ومطمح مىن وأمال ،هبو تلك االشادة وبيت القصيد واإلنشادة ذو
اهلمم املزامحة للكواكب والعزائم الطاعنة يف صدور املواكب والعطايا املخجلة السحب السواكب،
بزغت بافق الدولة مشسه فاّحى امسه واكتمّ بسماء العز ابداره فتسرى عن قمر دولته سراره"(.)1
أثىن عليه ابن خلدون ،ونسب له جمموعة من الصفات اليت فاقت حدود املعقول ،وجعّ منها رجال
فريدا من نوعه ال تعرف األرض مثله.
أما ابن األمحر فوصفه بصفات متناقضة متاما ملا جاء به صحي ابن خلدون قائال عنه " وكان أبو
تاشفني لئيما خبيال مسيكا شديد الشح ،أخبين بشحه ابن وزيره ،عمر بن موسى بن علي الكردي
بعد أن سألته عنه :كان قد حجر على سائر اخلضر بيع مجيع األقوات واخلضارى وال يبتاعها إال
هو ،وكان صحبس يف يده قبضة الكرنب ومثلها يف يده اليسرى ويقيس هذه مع هذه فإن وجد الواحد
أكب من أختها يأمر اخلضار بالنقص من الزائد"(.)2
ذكر ابن األمحر صفاته الذميمة ،وأعطانا صورة عن خبله ،لكن الذي يهمنا هو سلطانه بتلمسان
"فقد بويع بعد أبيه يف شهر مجادى األخرى سنة 439ه ...وكانت دولته 34سنة"( )3توىل احلكم
-47-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
بعد أن قتّ أباه ،ودامت دولته فرتة طويلة استطاع فيها أن يصّ بالدولة إىل قمة احلضارة ،ومن
منجزاته بنائه للمدرسة التاشفينية اليت سنتحدث عنها الحقا ،يف الناحية الثقافية بتلمسان.
متيز احلكم يف تلمسان مبجموعة من املظاهر اليت انطبعت يف تاريخ الدولة الزيانية من النشأة حىت
السقوط.
متيز حكم الزيانيني مبجموعة من املظاهر السياسية ففي حكم يغمراسن بن زيان ،قام هذا األخري
مبجموعة من التعديالت اليت استطاع من خالهلا أن يكون البهان و املثال األعلى لرعيته "فقد
أحسن السرية يف رعيته ،واستمال عشريته وقومه وأحالفهم من زغبة ،وحسن السياسة ،واالصطناع،
وكرم اجلوار ،واختذ اآللة ورتب اجلنود واملساحل ،واستلحق العساكر من الروم والعز راحمة وناشبة،
وفرض العطاء واختذ الوزراء والكتاب ،وبعث يف األعمال ولبس شارة امللك ،والسلطان واقتعد
الكرسي ،وحما آثار الدولة املؤمنية ،وعطّ من األمر والنهي دستها ،ومل يرتك من رسوم دولتهم،
وألقاب ملكهم إال الدعاء على منابره للخليفة مبراكش وتقلد العهد من يده تأنيسا للكافة ومرضاة
لألكفاء من قومه"( )1فبنو زيان منذ وصوهلم إىل احلكم سعوا إىل إرساء قواعد السلطان ،وتدبري
شؤون دولتهم ،وتشييد املنشآت املختلفة والرقي باحلضارة وتطويرها ،فبنوا قاعدة صحيحة مللكهم.
كما كانت سياستهم ودولتهم تكن العداء للدولة املرينية واحلفصية وكثريا ما تضررت تلمسان من
حصار املرينيني "فكانت هلم مع ملوك املوحدين من آل عبد املؤمن ومديلهم آل أيب حفص مواطن،
يف التمرس به منازلة بلده ...وبينهم ،وبني أقتاهلم بين مرين قبّ ملكهم املغرب وبعد ملكهم وقائع
متعددة"( )2فقد دامت صراعات بين زيان مع الدول اجملاورة هلا جارية ،غري منتهية ،فكانت أيضا
-48-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
هلم وقائع متعددة مع الدولة املرينية اليت تربصت مبلك تلمسان ،وقامت مبحاصرهتا ردحا من الزمن،
وقد ذكرت املصادر املختلفة حصار املرينيني لتلمسان الذي طال عهده ،فال داعي لذكره لكي ال
نطيّ فالذي يهمنا هو السياسة اخلاصة حبكم الزيانيني.
كما أصبحت تلمسان مركزا جتاريا وماليا ولعّ هذا يعد من املظاهر السياسية لسلطة الزيانيني "وإذا
نظرنا إىل أمهية التبادل التجاري ،بني إايفريقية وأوروبا عن طريق تلمسان ،ووهران أو مرسى هنني
جند أن تلمسان ،قد أصبحت يف أيام يغمراسن بن زيان مركزا جتاريا ماليا رئيسيا ...فلكي تنشأ
هذه املنشآت يف إقليم تلمسان البد أن يكون غنيا جدا ومدخراته البد أاها كانت وافرة"( )1جتلت
هذه املبادالت التجارية يف تلمسان كمظهر من املظاهر السياسية اليت انتهجها سالطني الدولة
الزيانية للوصول بدولتهم إىل أبعد احلدود فعقدوا بذلك املبادالت بني القارتني األوروبية واإلفريقية.
كما سعى سالطني تلمسان إىل جعلها مدينة تضاهي احلواضر العربية حضارة وعمرانا "ففي أيامهم،
ازدهرت كّ مدن اإلمارة ،وخاصة تلمسان اليت أصبحت يف أيامهم أزهر مدن املغرب بعد القريوان
وتونس وفاس ،ومراكش ،واتسعت رقعتها حىت أصبحت تضاهي ،فاس من حيث السعة ووفرة املباين
السامقة وكثرة املساجد وتعدد األسواق"( )2وصّ السالطني الزيانيني بسلطااهم إىل القمة منتهجني
بذلك املظاهر السياسية اليت أدت إىل نشر الثقافة يف بالدهم وجعلها مركزا حضاريا.
أما فيما خيص حكومتها "فهي ملكية استبدادية ،مطلقة غري جارية على قواعد سياسة اخلالفة
كاحلكومات املعاصرة هلا شرقا وغربا"( )3فنظام احلكم يف دولة بين زيان غري جار على القواعد املعروفة
-49-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
بّ هو ملكي ،وراثي فكّ سالطني الدولة الزيانية يعدون من آل زيان ونسّ يغمراسن "أبو صحي
يغمراسن بن زيان ،أبو سعيد عثمان األول بن يغمراسن بن زيان ،أبو زيان حممد األول بن عثمان،
أبو محو موسى األول بن عثمان ،أبو تاشفني عبد الرمحن األول ابن موسى )1("...وهكذا فتعاقب
السالطني يف الدولة الزيانية يرجع إىل نظام احلكم امللكي الوراثي ،فسلطة األب صحكمها من بعده
ابنه.
الزيانية:
-2أسبا سقوط الدولــة ّ
لعّ الكاتب اجلزائري مبارك امليلي استطاع أن يعطينا األسباب الكامنة وراء سقوط الدولة الزيانية،
وبسطها لنا ،وأعطانا خمتصر شديد ألسباهبا قائال " :فإاها مل تزل منذ نشأهتا تصطلي بنار احلروب
الداخلية ،واخلارجية فمن غارة مرينية إىل حرب حفصية ومن مناهضة مغراوية أوتوجينية ،إىل منافسة
زيانية ،ومن دساسية سويدية إىل مشاقة عامرية ،ومن نفاق اسباين إىل غلظة تركية ،وال ظّ يف
()2
التاريخ العام لدولة صغرية كهذه منيت مبثّ ما منيت به ،وامتدت حياهتا مثلها".
فمن خالل ما جاء به هذا الكاتب اجلزائري الذي قدم لنا األسباب مجلة وتفصيال ،نستطيع
أن خنلص اىل مجلة من احلقائق فتلمسان قد كانت ملك لدولة عظيمة ،استطاعت أن متد نفوذها،
وتفرض سيطرهتا وقتا طويال ،وترسم معامل لدولة إسالمية خالصة دلت عليها مدارسها ،وجوامعها،
وقصورها الشاخمة اليت بقت وستبقى خالدة عب التاريخ ،تعب عن جمد حضارة عربية وجزائرية خالصة
رمسها أبناء ،ورعية هذه الدولة.
وإن زالت واندثرت ،فهذا راجع إىل االضطرابات والفنت الداخلية اليت غلغلت كيااها ،وهزت جبوهتا،
واحلروب الداخلية اليت أثقلت كاهلها من حرب إىل أخرى ،ومن حصار إىل فتنة وثورة داخلية،
-50-
الحياة السياسية لتلمسان من خالل النّثر الفصل األول
باإلضافة إىل التنافس اخلارجي عليها ،فقد كانت تلمسان كغريها من املدن اجلزائرية مركزا تكالبت
عليه الدول األوروبية وخباصة اإلسبانية ،وذلك لقرب املدينة من إسبانيا ،باإلضافة إىل األتراك ،أو
السالطني املعروفني بأبناء الدولة العثمانية الذين أرادوا أيضا جعلها مركزا ومدينة حلكم العثمانيني،
ولعّ هذه األسباب الكثرية اليت قدمها لنا مبارك امليلي كفيلة لسقوط هذه املدينة.
-51-
الفصــل الثاني:
-Iنبذة عن الحياة الثقافية بتلمسان ومساهمة ملوك بني زيان في نشر الثقافة:
تطرقنا فيما سبق إىل مدينة تلمسان فعرفنا موقعها ،وكيف نظر الرحالة إليها ،وكيف أسهب هؤالء يف وصفها
ووصف خرياهتا وغالهتا وأاهارها ،ث انتقلنا فيما بعد إىل معرفة السياسة القائمة هبذه األخرية خالل فرتة تعد
مهمة وذهبية يف عمر املغرب األوسط وخباصة تلمسان اليت كانت مركزا من مراكز اإلشعاع واحلضارة والتقدم،
حيث كانت ملتقى ألهّ العلم واملعرفة ،ومركزا لتبادل الثقافات فقد حلت هبذه املدينة ثلة من أهّ العلم واألدب
واستطاعوا بفضّ حكامها وسالطينها نشر الثقافة والعلم ويف هذا الصدد يقول صحي ابن خلدون عن تلمسان
وعن أهلها " :هم معدن العلماء واألعالم واألولياء واملشاهري جنابة يف الدرس والعبادة تشهد بذلك املزارات
احملجوبات من األقطار النائية خارج بلدهم باألخبار املتواترة على لسان اخلاص والعام"( ،)1مثلت تلمسان مركزا
ألهّ العلم ،وقد كثر هبا األولياء والعلماء كما تعد ،أيضا ،من املراكز الدينية وخري دليّ على ذلك مساجدها
ومزاراهتا الكثرية ،كما يدل على شهرهتا صيتها الذي ذاع يف خمتلف أرجاء املعمورة ،فعرفها بذلك العام واخلاص،
وهي مركز للدين والفقه والعلم كما تعتب ،أيضا ،ركنا من أكان احلضارة فمعاملها املزينة باخلزف وغريه تعطينا حملة
واضحة عن حضارة عربية خالصة " :توجد بتلمسان مساجد عديدة مجيلة صينة هلا أئمة وخطباء ومخس مدارس
حسنة مزدانة بالفسيفساء وغريها من األعمال الفنية شيد بعضها ملوك تلمسان وبعضها ملوك فاس"(.)2
بناء املساجد واملدارس يدل على اهتمام السالطني بالثقافة وبالعلم والعلماء ،وتنشيط احلركة الفكرية والدينية
واألدبية.
( )1صحي بن خلدون ،بغية الرواد يف ذكر ملوك بن عبد الواد ،ص.44
( )2احلسن الوزان ،وصف افريقيا.40/4 ،
-53-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
اشتهرت يف تلمسان علوم خمتلفة ،حيث اهتم علماؤها بشىت الفنون ،وذلك لوجود املدارس املتعددة هبا ،واليت
تضم جمموعة من الطلبة واألساتذة " ولنرجع إىل املدينة حيث يوجد هبا قضاة وحمامون وعدد كبري من العدول
يتدخلون يف الدعاوي وكثري من الطلبة واألساتذة يف خمتلف املواد سواء يف الشريعة أو العلوم الطبيعية ،وتتكفّ
املدارس اخلمس مبعاشهم بكيفية منتظمة"( )1فهذه املظاهر املختلفة تدل على انتعاش الثقافة بتلمسان ،والتطور
فهذه املدينة مركز للعلم " فتلمسان حمّ العلماء واحملدثني والصلحاء"( )2فقد كانت قطبا اشعاعيا ازدهرت فيه
كان لسالطني الدولة الزيانية الدور الفعال ،يف نشر الثقافة والعلم ،فكان هلم الفضّ يف بناء املدارس ،واملعاهد،
ونشر العلوم املختلفة ،وتوفري اجلو املناسب لذلك " أكثر ما اشتهرت به دولة عبد الواد الزيانية هو اعتناء ملوكها
بالعلم والعلماء فلقد كان التعليم منتشرا يف املدن والقرى معتمدا على طرق بيداغوجية جد متقدمة ،تقام الدروس
يف املسجد األعظم بتلمسان واملدارس املتخصصة"( )3فالعلم بتلمسان مل يعد حكرا على املدينة فقط بّ توسع
ليشمّ مجيع األماكن معتمدا على وسائّ متطورة" لقد أبدى ملوك بين عبد الواد رعاية وعناية بالعلم والعلماء،
واملنافسة اليت كانت قائمة بني ملوك املغرب اإلسالمي ،يف جمال العلوم واآلداب ،حيث كان البالط العبد الوادي
بداية من يغمراسن بن زيان ويف عهد خلفائه يرى أن التجاء العلماء إىل دولته إّا هو تشريف هلا ،واغناء لثروهتا
العلمية ومسعتها األدبية يف املغرب االسالمي خاصة والعامل االسالمي عامة ،وكان يرى أن هذه الرعاية تضفي
-54-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
على شخصه مسعة ومهابة"( ،)1اهتم ملوك تلمسان بالعلم فكانوا ينافسون احلواضر العربية اجملاورة هلم ،يف خمتلف
جماالت العلم ،فأرادوا أن يصنعوا هلا الريادة بني األقطار واملدن العربية ،فلقد كان للسالطني الدور الفعال يف
تنشيط احلركة العلمية بتلمسان وجعلها مركزا من مراكز العلوم املختلفة .كما اعتنوا بتشييد املدارس واملساجد
واملراكز التعليمية اليت أقيمت للتدريس ،وخترج منها مجلة من العلماء الذين استطاعوا أن يعطونا حملة عن احلياة
الثقافية يف تلمسان ،وذلك من خالل ابداعاهتم سواء يف الفكر أو الدين أو الفقه أو األدب وغريها من الفنون
األخرى.
والذي ساعد على ازدهار ثقافة هذه املدينة خالل هذه الفرتة هو اهتمام سالطينها بالثقافة فكانوا بذلك جيسدون
ثقافة هذه املدينة أحسن جتسيدا ،من خالل تنشيطهم للحركة الفكرية واألدبية وتقريبهم للعلماء واألدباء فظهرت
بذلك مجلة من الفنون سواء الشعرية أو النثرية ،واليت كانت تقام يف بالط السالطني واحلكام الذين سعوا جاهدين
لتنشيط الثقافة وجعّ املدينة مدينة علم وحضارة بال منازع وقبّ أن نتعرف على هؤالء السالطني وعلى سريهتم
وحياهتم وأعماهلم وجب علينا أوال معرفة أحد هذه املظاهر مثّ املولديات وكيف كان صحتفّ هبا يف بالط الزيانيني،
فاملولديات تعد لونا شعريا ظهر لالحتفال بذكرى املولد النبوي الشريف ،وملعرفة معىن كلمة املولد وجب علينا
( )1األثر ،جملة اآلداب واللغات ،جامعة قاصدي مرباح ،ورقلة ،اجلزائر ،العدد التاسع ،ماي ،4030ص.412
-55-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
-IIالمولديــا :
أ -لاــة:
ملعرفة مدلول كلمة املولديات لغويا ،وجب علينا االستقصاء والبحث ضمن معىن كلمة مولد واشتقاقاهتا ،يف
املعاجم العربية هلذا جيب علينا أوال معرفة أصّ ومنبع الكلمة وذلك بالعودة إىل فعلها الذي أشتقت منه ،جاء
يف لسان العرب " ولد :الوليد ،الصيب حني يولد ،وقال بعضهم :بّ هو للذكر دون األنثى ،وقال ابن مشيّ يقال
غالم مولود وجارية مولودة أي حني ولدته أمه والولد اسم جيمع الواحد والكثري والذكر واألنـثى"( )1فمن خالل
ما جاء به ابن منظور ميكننا أن نعرف من الفعّ ولد هو الطفّ حني يولد ومنه ولد هو وقت الوالدة "ومولد
الرجّ :وقت والده ،ومولده :املوضع الذي ولد فيه ،وولدته األم تلده مولدا ،وميالد الرجّ :اسم الوقت الذي
ولد فيه"( )2ومن هنا فاملولد هو الوقت الذي يولد فيه املولود ،واملكان الذي يولد فيه ولعله نفس املعىن الذي
اتفقت عليه جّ املعاجم اللغوية األخرى ،وجاء يف معجم الوسيط "املولد :موضع الوالدة ،وقتها واجلمع مولد
-اصطالحــا:
تعد املولديات لونا جديدا من ألوان املديح النبوي الشريف ،وهي ما يذكر يف ليلة املولد ،وما يذكر بسرية الرسول
عليه الصالة والسالم ،وأول من احتفّ مبولد النيب عليه الصالة والسالم هم الفاطميون " وكان املشرق قد اسنت
االحتفال باملولد النبوي يف ليلة الثاين عشر من ربيع األول يف القرن احلادي عشر امليالدي مبصر أيام الفاطميني
-56-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
بطريقة رمسية ،وأول احتفال به بطريقة مجاهرية شعبية كان يف إبريّ ألوائّ القرن الثاين عشر ميالدي"( )1فاالحتفال
مبولد الرسول عليه الصالة والسالم مل يعرف من قبّ ،وظهوره كلون جديد يعد حديث النشأة ألنه مل يشتهر
مع صحابة الرسول بّ كانت بدايات االحتفال به مع عصر الفاطميني ،وهم أول من سن هذه الطريقة يف
االحتفال بالسرية احملمدية ،ث انتقّ مع الفاطميني إىل بالد املغرب " نقله العباس العزيف الشريف إىل سبتة مدينته،
وعنها شاع يف تلمسان ،وغريها من البالد املغربية ،وكان الذي أشاعه يف تلمسان واجلزائر وجعله تقليدا للدولة
()2
الزيانية أبو محو موسى الزياين"
أصبح املولد النبوي احتفاال رمسيا تقام له التحضريات الالزمة وتعرض فيه خمتلف الفنون األدبية ،وخباصة الشعرية
منها متعرضني لسرية املصطفى عليه الصالة والسالم ،وقد انتقّ إىل املغرب العريب مع الفاطميني ،وشاع يف
أقطاره ،وأصبح صحتفّ به وحتضر فيه خمتلف مظاهر الزينة ،ويعرض فيه الشعراء قصائدهم ومواهبهم أمام
السالطني ،الذين شجعوا هذه االحتفاالت ،وسامهوا يف انتشارها فاملولدية ،إذا هي قصائد مدصحية " يبدأ فيها
املنشدون بأمداح املصطفى عليه الصالة والسالم ،ومبكفرات ترغب يف االقالع عن اآلثام ،خيرجون يف كّ ذلك
()3
من فن إىل فن ومن أسلوب إىل اسلوب ،ويأتون من ذلك مبا تطرب له النفوس وترتاح إىل مساعه القلوب"
فاملولدية فن ازدهر يف بالد املغرب العريب ،وهي قصائد تبدأ باملديح النبوي لتنتهي إىل أغراض أخرى خمتلفة،
وهي حتث املؤمن على فعّ اخلري واجتناب اآلثام ،وهي قصائد تبعث الراحة يف نفس اإلنسان فريتاح لسماعها.
( )1
شوقي ضيف ،عصر الدول واإلمارات اجلزائر املغرب األقصى موريتانيا السودان ،دار املعارف ،القاهرة ،ط،3440 ،3
ص.430
( )2املرجع نفسه ،ص.430
( )3املرجع نفسه ،ص.433
-57-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
تطرقنا فيما سبق ذكره إىل معىن كلمة مولد ،واشتقاقاهتا اللغوية وتطور مدلوهلا ،وكيف وصّ إىل مغربنا العريب
أما اآلن سنسلط الضوء على مرحلة مهمة يف تاريخ تلمسان ،وهو عصر الدولة الزيانية ،اليت امتدت ثقافتها،
وتوسعت بصورة الفتة للنظر ما جعلها مركزا إشعاعيا للحضارة العربية ،ولعّ الفضّ يف ذلك يعود لسالطني
هذه الدولة الذين سامهوا يف نشر الثقافة هبا ،وتشجيعهم للعلم والعلماء ،مثّ احتفاهلم باملولد النبوي وكيف كان
يعقد يف بالط هؤالء السالطني ،وكيف كانت تقام له التحضريات ،وكيف كان الشعراء يتنافسون يف ميادين
املديح النبوي ،لذلك وجب علينا أوال معرفة أحد أهم سالطني الدولة الزيانية وهو أبو محو موسى الزياين ومظاهر
الزياني الثاني:
حمـو موسى ّ
أ -نبذة عن شخصية السلطان أبو ُّ
أحد أهم سالطني الدولة الزيانية ترك بصمة واضحة يف تاريخ هذه األمة ،فمن خالل األوصاف اليت تركها صحىي
ابن خلدون نستطيع أن نستكشف شخصية هذا الرجّ السياسي الذي يقول فيه ":أوج امللوك العايل ،والسجدة
يف فرقان املعايل ،وقبلة اآلمال املضروبة إليها آباط البخت اللتماس احلظ والبخت وآية اهلل اليت رأيناها أكب من
األخت واألخت طود قد أرساه الوقار ،وجود ظهر يف األرض إليه اإلفتقار وكسرى السياسة باملغرب ،واآليت من
آياته املوسوية باملعجز باملغرب"( )1أثىن صحي ابن خلدون على أيب محـو ونسب إليه مجلة من األوصاف والشمائّ
مثّ اهليبة والوقار ،وشبهه بكسرى يف عظمته وحنكته السياسية ،فله من والوقار ما يبعث الرهبة يف قلوب أعدائه،
وقد اتصف هذا األخري جبملة من السجايا الكرمية اليت فصّ صحي ابن خلدون فيها ،وذكرها وحتدث عن سريته
الكرمية يقول " إشتمّ هذا اخلليفة -أيده اهلل -من خالل الكمال ،وكمال اخلالل على آي ال حتصى ،وإنفرد
( )1صحي ابن خلدون ،بغية الرواد يف ذكر علماء بين عبد الواد.40 /4 ،
-58-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
من عوايل املعايل ،و املعايل العوايل باملطمح األقصى ،عيص رصحاين األشجار ،وخلق طاليب النجار ،وخلق
واصّ صحي صاحب كتاب البغية مدصحه للسلطان الزياين وذلك لتحليه بصفات حسنة ال حتصى ،حيث يعد
هذا األخري من أهّ الدين ،واألئمة الصاحلني فيقول عنه" إنه فضّ على أمية األمة لني باملريج ،فاملعارف واضحة
البهان واملفاخر مسلم جليادها السبق يف يوم الرهان ،والسراوة معلمة البد ،واجملادة حمكمة السرد ،واملعاين تقاصر
()2
عن حباهتا مدارك الزوج والفرد ،إىل النائّ واحللم الواضح الدالئّ ،والعدل املتفيئة ظالله عن اليمني والشمائّ".
()3
متيز السلطان أبو محـو بالعدل واهلمة والوقار .وما قيّ يف مدحه :قصيدة من حبر الطويّ
ونور إذا هول اخلطوب مهول نـهوض لكسب احلمد ينظم مشله
فال صعب إال يف يديه ذلول غمام إذا أعطى مهام إذا سطا
لتـشديخ هام اخلطب فيه فـلول وال عيب إال أن غضب مضائه
أبانت أبيات صحي ابن خلدون عن وقار السلطان أيب محـو فنقّ صورة معظمة عنه وهذا أمر طبيعي ألن صحي
ابن خلدون هو مؤرخ الدولة الزيانية ،والبد أن ميدح سالطينها ،وإجنازاهتم العظيمة على مجيع األصعدة وامليادين.
توىل احلكم "سنة 410هـ ث نفي لسنة 413هـ ،ث عاد إىل العرش وظّ فيه إىل سنة 441هـ ،ث عزل وعاد إىل
العرش لسنيت 492هـ و 491هـ ،وتويف لسنة )4("494توىل احلكم يف فرتة معينة من تاريخ الدولة الزيانية ،ولعّ
-59-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
هذه الفرتة تعد بالذ هبية يف تاريخ هذه األمة ،وهي فرتة العصر الوسيط ،فكان هذا الرجّ أحد أعمدة الدولة
الزيانية ،ويعود له الفضّ يف تشجيع الثقافة بتلمسان ،وتنشيطه ملختلف عناصر احلضارة ،فكانت دولته دولة
يعمها خمتلف املظاهر الثقافية ،فلما استقر هذا السلطان يف احلكم عمّ على تأسيس دولة قوية عرفت برقيها
أبو محـو كان عاملا جييد أفانني األدب فله من الشعر والنثر الشيء البديع " فلما استقر املوىل أبو محو من هالة
يف نصاهبا ،وانتزع دولته من يد غصاهبا ،ساس أهّ ملكته بالسرية احلسىن ،وغمر الرعية قسطاس عدله األسىن،
وقسم أوقاته بني حكم يقضيه وحرق ميضيه ،وعاق يرضيه وسيف حلماية الدين ينصيه ،وجفن عن عوراء األمة
يغضيه ،وسبيّ إىل إرضاء اهلل تعاىل ورسوله بقضيب"( )1فبعد توليه احلكم استطاع أن يزين دولته مبختلف املظاهر
اليت خلقت هلا اخللود فيما بعد ،وجعلت منها ذاكرة يرجع هلا املتصفح ألدب اجلزائر ،وهو صحس بالفخر ألنه
ينتمي هلذا الوطن ،فقد استطاع أن ينظم وقته بني احلكم وشؤونه ،وبني مرضاة اهلل ،وبني اهتماماته بالثقافة من
تأليف وإبداع.
وكان هذا السلطان صاحب إبداع وبالغة " وله من النثر الرائق ،والشعر الفائق ،ارتفعت صنعته من بالغة امللوك
ومن العلم العقلي والنقلي ما جال نوره عن الدنيا مدهلمات امللوك ،فليقظة حربه نام عمر احلروب ،وبصرامة
أقدامه جتلت عن زيد اخليّ الكروب ،وليوم سلمه خلق الرخاء ،واجلود والسخاء ،ومن ذكائه أستعري ذكاء اياس
()2
ومن حلمه كان لألحنف اقتباس"
( )1حممد بن عبد اهلل التنسي ،تاريخ بين زيان ملوك تلمسان ،مقتطف من نظم الدر والعقيان يف بيان شرف بين زيان ،ص.310
( )2املصدر نفسه ،ص.313
-60-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
متيز مبوهبة وذائقة أدبية فريدة وهو أحد أهّ العلم باإلضافة إىل صرامته وقدرته يف احلروب ،أما وقته فقد كان
وقت خري وسخاء عم البالد ،وكان رجال ذكيا حمنكا حليما ولعّ معظم هذه الصفات قد أخذناها من مؤلفي
عصره الذين أطروا عليه بالشيء الكثري وقدموا أوصافا له رمبا تفوق الواقع ،أما بالنسبة ملؤلفاته فقد استطاع هذا
األخري أن يروث البنه كنزا أدبيا يعرفه فيه بطريقة احلكم واحلنكة السياسية "...صنف كتابا أدبيا ملوكيا لولده
املوىل أيب تاشفني ويل عهده مساه " واسطة السلوك يف سياسة امللوك" أتى فيه بالعجب العجاب وضمنه من رائق
نظمه ما أزرى بالسحر احلالل"( )1قدم السلطان أبو محـو موسى الزياين هذا الكتاب واسطة السلوك يف سياسة
امللوك البنه أيب تاشفني ،وقد جاء فيه ببالغة وسحر أديب فائق " ،فهو نظم ارتفعت طبقته عن شعر امللوك،
وسياسة تكفّ بشعر لف فضلها"( ،)2يعد مؤلفه أحد الكتب يف تاريخ الدولة الزيانية ألنه صحتوي على وصايا
األب البنه ،وكيف يتحلى هذا األخري بالسياسة اليت تضمن بقائه أما صاحبه فيعد خري مورث ،ألنه ورث كنزا
كان هذا أبو محـو موسى الذي يعد من أكب السالطني املشجعني للدور الثقايف يف األمة اجلزائرية ،أما اآلن
سنتعرف على أحد أهم املظاهر الثقافية اليت كان ينشطها هذا األخري ولعلها ليلة االحتفال مبولد املصطفى عليه
الصالة والسالم فهذا االحتفال يعد من أكب مظاهر الثقافة يف العهد الزياين ،فكان يستعد هلذه املناسبة ويقرب
إليه الشعراء واألدباء ليحيوا هذه الليلة وينشدوا املولديات اليت ازدهرت وراجت يف هاته الفرتة.
كان بنو زيان يقيمون أهبة كبرية لالحتفال مبولد النيب عليه الصالة والسالم " وقد تنافس بنو زيان مع بين مرين
يف االحتفال باملولد النبوي الشريف يف أهبة زائدة ،وكان االحتفال باملولد بدعة جديدة يف املغربني األوسط
-61-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
واألقصى يف ذلك العصر وقد ذكر لنا السالوي من كان أول من احتفّ باملولد من بين مرين ،وكان احتفال ليلة
املولد يدوم طول الليّ ،وكان يقام يف القاعة الكبى يف املشور فتضاء ثرياته الضخمة ،وجيلس السلطان وقرابته
وحاشيته يف أمجّ مالبسهم فيستمعون للمدائح النبوية وتالوة القرآن الكرمي ث يصلون العشاء ،ويقدمون الطعام
()1
فاالحتفاالت مبولد ث جيلسون للشعراء واملغنني ،ويستمر ذلك حىت تقام صالة الفجر ث ينصرف الناس"
الرسول عليه الصالة والسالم كانت من أشد مظاهر الثقافة يف تلمسان حيث تنافسوا مع بين مرين يف هاته
االحتفاالت فكانت تقام يف قصور سالطني الدولة الزيانية الوالئم الكبرية ،والتحضريات الفخمة ولعّ كّ ذلك
يرجع إىل سالطني الدولة الزيانية الذين ساعدوا يف تشجيع هذه احلركة ،وكانوا صحضرون أنفسهم هلا بكّ ما يلزم،
ولعّ أبو محو موسى الزياين الثاين واحد من سالطني هذه الدولة ومن الذين سامهوا يف نشر الثقافة فكانت
كان السلطان أبو محـو صحتفّ مبولد الرسول ،وكان هبذا يقتدي مبلوك عصره من أهّ املغرب واألندلس ،وقد
ذكرت املصادر احتفاالته وكيف كان يقيم هلا التحضريات الالزمة " فكان يقيم ليلة املولد النبوي -على صاحبه
الصالة والسالم -مبشورة من تلمسان احملروسة مدعاة حفيلة صحشر فيها الناس خاصة وعامة فما شئت من
ّارق مصفوفة وزرايب مبثوثة ،وبسط موشاة ،ووسائد بالذهب مغشاة ومشع كاألسطوانات ،وموائد كاهلالالت،
-62-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
بالغ أبو محـو موسى يف احتفاله بليلة املولد ،فأقيمت له أهبة كبرية وبسطت فيها مجيع أنواع اخلريات ،ونشرت
فيه مظاهر الرتف املختلفة " وكان السلطان أبو محـو يقوم حبق ليلة املصطفى صلى اهلل عليه وسلم ،وصحتفّ هبا
هلا مبا هو فوق سائر املواسم ،يقيم مدعاة صحشر هلا األشراف والسوقة"(.)1
احتفاالت أيب محو موسى مل تكن قصرا على النخبة أو الطبقة احلاكمة بّ كانت تضم مجيع فئات اجملتمع ،فمن
بعض صور االحتفال بليلة املصطفى يف ذلك العصر أن "أعيان احلضرة على مراتبهم تطوف عليهم ولدان ،قد
لبسوا أقبية اخلز امللون ،وبأيديهم مباخر ومرشات ،ينال كّ منها حبظه وخزانة املنجانة ذات متاثيّ جلني حمكمة
الصنعة ،بأعالها أيكة حتمّ طائر فرخاه حتت جناحيه ،وخيتله فيهما أرقم خارج من كوة جبذر األيكة صاعدا
وبصدرها أبواب مرجتة بعدد ساعات الليّ الزمانية ،يصاقب طرفيها بابان جمفآن أطول من األوىل ،وأعرض وفوق
()2
ولعّ هاته املظاهر هي صورة موجزة عن األهبة العظيمة اليت كان يقام فيها مجيعها دوين رأس اخلزانة"...
االحتفال يف عهد هذا السلطان ،فكانت جّ املظاهر اليت ذكرها هذا املؤلف دليال على احتفال سالطني
تلمسان باملولد النبوي الشريف واملبالغة الكبرية يف إحيائه كما كانت تقدم األطعمة واخلريات الكثرية " ث يؤتى
آخر الليّ مبوائد كاهلالالت دورا ،والرياض نورا ،قد اشتملت من أنواع حماسن املطاعم على ألوان تشتهيها
األنفس ،وتستحسنها األعني ،وتلذ بسماع أساميها اآلذان ،ويشره مبصرها للقرب منها ،والتناول وإن كان ليس
بغرثان والسلطان مل يفارق جملس الذي ابتدأ جلوسه فيه ،وكّ ذلك مبرأى منه ومسمع حىت يصلي هنالك صالة
الصبح"( )3أقيمت هذه االحتفاالت يف قصر السلطان حيث قدم فيها مجيع أنواع اخلريات اليت تشتهيها النفس،
وتسيّ لعاب الناظر إ ليها وكّ هذا كان يقام أمام منظر السلطان ،وتستمر االحتفاالت حىت صالة الصبح "
-63-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
على هذا األسلوب متضي ليلة مولد املصطفى صلى اهلل عليه وسلم يف مجيع أيام دولته أعلى اهلل مقامه يف عليني،
وشكر له يف ذلك صنعه اجلميّ آمني وما من ليلة مولد متر يف أيامه ،إال ونظم فيها قصيدة يف مدح املصطفى
صلى اهلل عليه وسلم أول ما يبتدئ املسمع يف ذلك احلفّ العظيم بإنشاده ث يتلوه إنشاد من رفع إىل مقامه
العلي يف تلك الليلة نظما"( )1وما ميز أبو محـو موسى أنه كان ال يفوت ليلة إال وقد نظم فيها قصيدة يف مدح
النيب،
وتعد قصائده أول ما يفتتح به احلفّ ،وتليها قصائد أخرى ألدباء عصره.
()2
بعض ما قاله أبو محـو موسى يف مدح النيب عليه الصالة والسالم من حبر الطويّ":
وحي ديارا للحبيب هبا حي قفا بـني أرجاء القباب وباحلي
وسائّ فدتك النـفس يف احلي عن دمي وعرج على جند وسلع ورامة
ميوت وصحي فارث للميت احلي وقّ ذلك املضىن املعذب باهلوى
ورو حديثي فهو أغرب مروي" وبث هلم وجدي وفـرط صابيت
تعد هذه األبيات اليت قدمناها ّوذجا عن املولديات يف عصر الدولة الزيانية واليت كشفت الغطاء عن ثقافة
السلطان الذي ساهم يف نشر الثقافة ،وعن قدرته الشعرية منها والنثرية فمولدياته وكتابه الذي ورثه البنه يدالن
على أنه عاش شاعرا وأديبا وسلطانا سياسيا حمنكا سعى لتطوير دولته والرقي هبا يف مصاف احلضارة والتقدم.
-64-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
كما ينبغي أن نشري يف هذا الصدد اىل سلطان آخر ساهم يف نشر الثقافة فسار على اهج أبيه ،بّ وبالغ يف
ذلك ،ويرجع إليه الفضّ يف تنشيط احلركة الفكرية والثقافية يف تلمسان وقد خلدت املصادر امسه وأعماله ،وهو
أبو تاشفيــن الثاين ،وعلى طريقة احيائه لليلة مولده عليه الصالة والسالم.
-4السلطان أبو تاشفين الثانــي واحتفاله بليلة المولد النبوي الشريف :
من سالطني الدولة الزيانية ،ابن السلطان أبو محـو موسى الزياين ،توىل احلكم بعد أبيه ":ث بويع امللك الكامّ
األسد الباسّ ،أمشخ امللوك أنفا ،وأعالهم وأحقهم بالتقدم وأوالهم وأطهرهم وأظهرهم وأقواهم وأقدرهم
وأرجحهم رأيا وأجنحهم سعيا ،وأصدقهم قوال ،وأوسعهم طوال ،ذو احلكم العادل ،والفضّ الشامّ ،والثناء
الطيب ،واجلود الصيب والسياسة الشاملة ،والسعادة الكاملة ،الذي مل يزل يف معراج العلى يسمو )1("...نسبت
هلذا السلطان ،أيضا ،جمموعة من الصفات ،تنم عن قدرته ومكانته فقد بويع بعد أبيه ومتكن من الوصول إىل
وقد ذكره صاحب كتاب بغية الرواد ما حباله كعادته قائال " كوكب الشرف الوقار ،وهالل الكمال املنقاد ،ودرة
التاج ،وفخر األخذان واإل نتاج ،فرح دوحة النبؤة والرسالة ،وجامع خصليت الكرم والبسالة ،واألخذ مبجامع
القلوب ،خلقا عظيما وخلقا هبيا"( )2محّ رسالة أبيه وسار على اهجه ،وحافظ على دولته ،اشتهر مبكانته السامية
ومقامه العايل " فسما أمره ،وعال قدره وحال ذكره ،ومشّ الرعية خريه ،واتسعت ملكته يف األقطار ،وطار الثناء
عليه كّ مطار ،ودوخ الببر والعربان ،وملك من ملوية إىل جبّ الزاب كان أعلى اهلل مقامه بكر أبيه اخلطى
-65-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
لديه ،وعلقه النفيس العزيز عليه ،ولد له بندرومة أيام كونه هبا مع أبيه املوىل أيب يعقوب زمن انقطاعه فيها
للعبادة ،أول شهر ربيع األول سنة اثنتني ومخسني وتسعمائة وألف"( )1ففي عصره اتسعت أقطار اململكة ،وعرف
بقدره وهيبته أمام أهّ وطنه عندما متلك احلكم ،وسلك مسلك أبيه وحذا حذوه "فلما متلك كان عني الفضّ
واجلود والكرم ،ومعدن النزاهة ورفعة القدر ،وعلو الفهم يشره إىل حتضري غرر املعاين ،ويتناوهلا بطبات الصفاح
وأسنة العوايل ،ويقتدي بأبيه يف كّ مآثره من القول والفعّ ،وصحدو على مثال طريقته حذو النعّ بالنعّ ،فسري
جيوشه من ملكة أسالفه يف البعد والقرب ،ودوخ ما كان استعصى على غريه بالشرق والغرب"( )2فقد استطاع
أن يكون رجال له هيبة ومكانة بني أهله ورعيته ،فكان يعتب أبه املثّ األعلى الذي يقتدى به.
واستطاع أن يصّ مبملكته إىل أبعد احلدود ،فورث بذلك ملكة ألسالفه ووصّ إىل مامل يستطع غريه الوصول
إليه.
سار أبو تاشفني على اهج أبيه ،كان صحتفّ باملولد النبوي الشريف ،فقرب إليه الشعراء " وكان صحتفّ لليلة مولد
املصطفى صلى اهلل عليه وسلم ،بأعظم االحتفال ونسجه و نسج أبيه يف ذلك على منوال"( )3فإحياء ليلة املولد
مل متت مبوت أبيه بّ تابع املشوار ،وبقي يقيم األهبات العظيمة لالحتفال بسرية املصطفى ،وكانت القصائد اليت
تعرض يوم املولد تبتدأ مبدح الرسول لتنتهي إىل مدح اخلليفة " ويرفع إليه من املمادح الغر احلجال ،ما يزري
بأمداح سيف الدولة ومشس املعايل ،ويثيب عليها من عظيم النوال مبا مل يسمع مبثله يف سالف األحوال ،ومن
أبدعها ما رفعه إىل حضرته العلية أبو عبد اهلل حممد بن يوسف الثغري يف أول مولد أقامه صدر متلكه مادحا له
( )1حممد بن عبد اهلل التسي ،تاريخ بين زيان ملوك تلمسان مقتطف من نظم الدر والعقيان ،ص.392
( )2املصدر نفسه ،ص.391
( )3املصدر نفسه ،ص.391
-66-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
ولوالده ومعزيا له به"( )1فكانت القصائد املولدية تتضمن جمموعة من العناصر املدحية من مدح الرسول إىل مدح
()2
اخلليفة ،وتتضمن حىت التعزية ،ولعّ ما قاله الثغري يعد من حر قصائده حني قال يف حبر الكامّ:
ما للنـفوس حلى سوى تـقواها. فاخلع لبوسك من سوى ثـوب التـقى
وهاته املقطوعة تعد ّوذجا مصغرا عن املولديات اليت ظهرت يف العصر الزياين ،فأبو تاشفني قد بالغ يف احتفاله
باملولد النبوي حىت أنه كان صحتفّ بالليلة السابعة للمولد " وملا كانت ليلة سابع املولد املذكور ،احتفّ هلا أيضا
أعلى اهلل مقامه ميثّ احتفاله لليلة املولد أو أعظم"( )3فاقت احتفاالت أيب تاشفني احتفاالت أبيه ،فلم تقتصر
على ليلة واحدة بّ كانت تقام حىت الليلة السابعة ،هذه الليلة قد يكون أعظم من ليلة املولد نفسها وكانت
قرب أبو تاشفني الشعراء إليه يف ليايل املولد فعرضوا فيها قصائدهم ومن بني الشعراء الذين أحيوا هذه الليايل
السبع الشاعر الكبري الثغري ،ألقى هذا األخري قصيدة بني يدي السلطان أيب تاشفني ومدحه فيها ومدح ويل
()4
عهده املوىل أبو ثابت قائال من حبر الطويّ:
-67-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
من خالل ما سبق ذكره نلحظ أن سالطني الدولة الزيانية قد أحييوا ذكرى املولد النبوي الشريف وأقاموا
احتفاالت يف أهبة ،وترف عظيم قدمت فيه شىت صور احلضارة ولعّ فرتة حكم السلطان أبو محـو موسى وابنه
أبو تاشفني كانت خري فرتة جسدت هاته االحتفاالت " فقد تنافس بنو زيان مع بين مرين يف االحتفاالت
باملولد النبوي الشريف يف أهبة زائدة "( ،)1كانت االحتفاالت مبولد النيب املصطفى تعد من أكب املظاهر الثقافية
-68-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
اجلامع ،ث صاروا يطلقون اجلامع على املسجد الكبري الذي فيه املنب وتصلى اجلمع وصالة العيدين
فيه مع الصلوات اخلمس"(.)1
صحتّ املسجد مكانة سامية يف الشريعة االسالمية ،ويف وجدان املسلم ألنه مركز ترابط األمة
ووحدهتا ،ومنبع إميااها وقوهتا ،ورمز صمودها....
املسجد هو مكان التعبد وموضع العبادة ،جيتمع فيه الناس ألداء الصلوات اخلمس املفروضة.
وللمسجد دوره الفعال يف مجيع جماالت احلياة املختلفة الدينية منها واالجتماعية والسياسية.
حظي املسجد بعناية خاصة من قبّ احلكام والسالطني ،وكذا العلماء والطلبة.
عرفت تلمسان كغريها من مدن بالد اجلزائر انتشار املساجد اليت سامهت يف تنشيط احلركة
الثقافية والعلمية ،من بينها مسجد أغادير الذي بناه إدريس األول ،مؤسس دولة األدارسة باملغرب
األقصى ،وعندما دخّ اىل تلمسان وضمها حتت لوائه اختط مسجدها ،وبىن منبه الذي كتب
عليه" :هذا ما مر به اإلمام إدريس بن إدريس بن عبد اهلل بن احلسن بن احلسن بن علي رضي اهلل
عنهم يف شهر حمرم سنة تسع وستني ومائة"(.)2
رمم هذا املسجد بنو زيان يف القرن السابع للهجرة ،حيث شيد صومعته يغمراسن بن زيان
()3
الذي استأذن يف كتابة امسه عليه ":علم ذلك عند ريب".
ومن أعظم املساجد يف تلمسان املسجد الذي بناه يوسف بن تاشفني املرابطي سنة 241هـ،
ث عد له ابنه علي بن يوسف بعده سنة 210هـ ،ويغمراسن بن زيان ما بني سنيت (112هـ
119هـ)(.)4
اعتىن بنو زيان ببناء املساجد وتشييدها ،وجلب العلماء للتدريس هبا ،وإسناد إليهم اإلمامة
واخلطابة ،ومثال ذلك مسجد ابين االمام الذي بناه ابو محو موسى األول.
( )1حممد بن أمحد بن صاحل الصاحل ،املسجد جامع ومجاعة ،مكتبة امللك فهد الوطنية ،الرياض ،ط ،4000 ،3ص
( )2ابن أيب زرع ،األنيس املطرب بروض القرطاس ،صور للطباعة و الوراقة ،الرباط(،د .ط) ،3444 ،ص.20
( )3صحي ابن خلدون ،بغية الرواد ،ص.404
( )4حممد بن عبد اهلل التنسي ،تاريخ بين زيان ملوك تلمسان مقتطف من نظم الدر والعقيان ،ص.341
-69-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
وكما تطرقنا سابقا إىل أن تلمسان كثريا ما سقطت يف أيدي املرينيني ،وعلى الرغم من
سيطرة بنو مرين على تلمسان إال أاهم سامهوا يف نشر الثقافة ،وبناء املؤسسات التعليمية والرتبوية
حيث أنشأ أبو احلسن املريين عدة مساجد كجامع القصبة الذي قال فيه ابن مرزوق اخلطيب بأنه
كان يشتمّ على حماسن مل جتتمع يف مثله ،من حسن وصفه ،ومجال شكله ،وكذلك جامع "
()1
سيدي أبو مدين" الذي بين يف عباد تلمسان ،اتصف هو اآلخر باحلسن.
إذا ساهم املسجد مسامهة كبرية يف نشر العلم والوعي الثقايف بني الناس ،وتعد املساجد
املؤسسة الثانية بعد الكتاتيب ،حيث تأيت مرحلة التعليم يف املساجد بعد استكمال مرحلة التعليم
األويل يف الكتاتيب ،ففي هذه املؤسسة يتعلم الطالب الكتابة والقراءة ،وحفظ القرآن الكرمي ،ومبادئه.
أما يف املساجد فيتخصص الطلبة يف علم معني وعلى يد مشايخ كبار ذاعت شهرهتم يف
اآلفاق ،وما يالحظ على طلبة العلم يف تلمسان خالل العصر الوسيط اهتمامهم بعلم الفقه،
ودراسته والتعمق فيه ،أي أاهم ركزوا اهتمامهم على العلوم النقلية ألاهم حباجة ماسة اىل فهم الدين
اإلسالمي ومبادئه.
كما حظيت العلوم العقلية باهتمام العلماء وطالب العلم على حد سواء ،ولكنها مل ترتق
إىل درجة العلوم النقلية (القرآن ،علم التفسري ،علم احلديث ،علم الفقه).
وينبغي أن نشري يف هذا الصدد إىل دور احلكام البارز يف تنشيط احلركة الثقافية يف تلمسان
من خالل جلبهم للعلماء الكبار للتدريس مبساجدهم ،فكانوا صحضرون جمالسهم ،ويستمعون إىل
دروسهم.
-6تعريــف الزاويــة لاة واصطالحا:
كلمة الزاوية لغة مشتقة من الفعّ انزوى ،فنقول ":انزوى القوم بعضهم إىل بعض إذا تدانوا
()2
وتضاموا والزاوية واحدة الزوايا ...وزويت الشيء إذا مجعته وزاوية البيت :ركنه"
( )1حممد بن مرزوق التلمساين ،املسند الصحيح احلسن يف مآثر وحماسن موالنا ايب احلسن ،تح :ماريا خيسوس بيغريا ،تقدمي:
حممود بوعياد ،الشركة الوطنية للنشر و التوزيع ،اجلزائر،ط ،3493 ،3ص.201 ،204
( )2ابن منظور ،لسان العرب.112 ،112/2 ،
-70-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
فالزاوية هي املكان املعزول يف ركن من األركان ،وتكون جامعة للعباد الذين جيمعهم رابط
واحد هو حب اهلل ورسوله ،ويتخذون من هذه الزاوية مكانا للتعبد واالعتكاف.
أما اصطالحا فتعين مكانا متسعا يسكنه الصوفية ،وتكون مبثابة مدرسة دينية ،ودارا لضيافة
عابري السبيّ ،تؤدي رسالتها جبوار املسجد بكفاءة واقتدارا" :تتكون من مساحة أصلية للصالة
...حجرة أو أكثر لتحفيظ القرآن ،ومكتبة لتعليم مبادئ اإلسالم ،كما يلحق هبا مسكن شيخ
الزاوية وضيوفه من الطلبة او املسافرين"(.)1
إن مفهوم الزاوية يطلق على املكان املنعزل عن العامل اخلارجي الذي جيتمع فيه املتعبدون
ويؤدون طقوسهم الدينية من صالة وعبادة وتالوة الذكر احلكيم ،وقد ساعدت هذه الزوايا على
نشر الثقافة العربية اإلسالمية ،ونشر الطرائق الصوفية.
سامهت الزوايا إىل جانب املساجد يف نشر الثقافة ،والتعليم ،وقد تغري مفهوم الزاوية من
معناه القدمي الذي يعين املرابطة واجلهاد يف الثغور إىل معىن جديد أال وهو االنزواء واالنفراد للتعبد،
والتنسك والتزهد.
حظيت الزوايا هي األخرى باهتمام كبري من قبّ السالطني ،وخباصة حكام الدولة الزيانية
الذين أنفقوا أمواال طائلة عليها وذلك من خالل إكرام شيوخها ،وكسوة طلبتها.
حيث كان مشايخ الزوايا حمّ احرتام احلكام وتبجيلهم ،فكانوا ينالون البكة منهم فسعوا
جاهدين إىل إرضائهم ،والتماس الدعاء منهم.
جّ السالطني شيوخ الزوايا ،فعاملوهم كآباء هلم ،فقدروهم حق قدرهم ،وعاملوهم معاملة
()2
حسنة يف حياهتم ،وحىت بعد ماهتم ،مثلما فعّ السلطان يغمراسن بن زيان مع كثري من املتصوفة.
كما بىن أبو محو موسى الثاين زاوية األمري أيب يعقوب على ضريح والده جبانب املدرسة
()3
اليعقوبية ،وكذا زاوية احلسن بن خملوف امللقب بأبركان بتلمسان.
( )1عبد احلكم عبد اللطيف الصعيدي ،املسجد رمز الصمود والتحدي ،مكتبة الدار العربية للكتاب ،القاهرة ،ط،4004 ،3
ص.42
( )2صحي ابن خلدون ،بغية الرواد ،ص.344
( )3حممد بن عبد اهلل التسي ،تاريخ بين زيان ملوك تلمسان مقتطف من نظم الدر والعقيان ،ص.344
-71-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
إذا لعبت الزاوية ،دورا مهما يف تنشيط احلركة الثقافية يف تلمسان حيث كان يقرأ فيها القرآن،
ويردد فيها الطلبة األذكار ،ويسبحون ليال واهارا ،حيث كان لكّ زاوية شيخ ومرددين يلتقون حوله،
()1
ويقضون الليّ كله يف تالوة الذكر احلكيم.
- 4الم ــدارس:
تعرضت فيما سبق ذكره إىل بعض املظاهر الثقافية يف تلمسان ،فسافرت بذلك عب الزمن
ودخلت إىل بالط السالطني الزيانيني ألشهد بذلك تنشيطهم للثقافة وتشجيعهم هلا ،كاحتفاالهتم
باملولد النبوي ،اليت كانت تقام يف حببوحة من الرتف ،وكان صحضرها أهّ األدب ،منشدين قصائد
وموشحات نبوية بديعة انتقلوا فيها من غرض إىل غرض ،ولعّ الفضّ يف هذه الرحلة يعود إىل
الكتب النثرية املختلفة ،اليت استطاعت أن تعطينا صورة عن ثقافة كانت سارية يف عصر من العصور
يف املدن اجلزائرية ،أما اآلن سنتعرف على نوع آخر من املظاهر الثقافية يف مدينة تلمسان ،متثلت يف
املدارس اليت كان هلا الفضّ يف ظهور جمموعة من األدباء والعلماء األجالء الذين ذاع صيتهم يف
األقطار اإلسالمية املختلفة من خالل ابداعاهتم ومؤلفاهتم ،لذلك وجب علينا أوال الوقوف عند
مصطلح املدرسة ،واستكشاف معانيها اللغوية واالصطالحية ،ث نتحدث عن املدارس اليت ظهرت
يف مدينة تلمسان ومدى مسامهتها يف تنشيط الثقافة.
-5تعريف المــدرسة:
أ -لاــة:
جاء يف لسان العرب يف مادة (د.ر.س) " درس الكتاب يدرسه درسا ودراسة ودارسه وذلك
كأنه عائده حىت إنقاد حلفظه ،وقد قريء هبما ،وليقولو درست :وليقولوا دارست ،وقيّ درست
قرأت كتب أهّ الكتاب ودارسة :ذاكرهتم وقريء :درست ودرست أي هذه أخبار قد عفت واحمت
ودرست أشد مبالغة ،واملدراس واملدرس :املوضع الذي يدرس فيه ،واملدرس :الكتاب ،وقول لبيد:
()2
قوم إال يدخّ املدارس يف الرمحة إال بـراءة واعتذارا"
-72-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
يتضح من هذا التعريف أن املدرسة هي موضع القراءة والكتابة ،والدرس مبعىن احلفظ
واإلعادة.
وجاء يف الوسيط" :املدرسة ،مكان الدرس والتعليم ،ومجاعة من الفالسفة أو املفكرين ،أو
الباحثني تعتنق مذهبا معينا أو تقول برأي مشرتك (مج .ويقال هو من مدرسة فالن على رأيه
ومذهبه"( )1فاملدرسة هي املكان الذي تعرض فيه الدروس ،وينسب الشخص اىل مدرسة يعينها،
أي إىل مذهب واجتاه حمدد.
-اصطالحــا:
املدرسة هي املكان الذي جيتمع فيه طالب العلم للقراءة والتعلم ،أما اصطالحا كما يعرفها
ابراهيم ناصر فهي" املؤسسة اليت أنشأها اجملتمع لتقابّ حاجة من حاجاته األساسية ،وهي تطبيع
أفراده تطبيعا اجتماعيا ،ليجعّ منهم أعضاء صاحلني"( )2فهي ضرورة من الضروريات األساسية يف
اجملتمع تعمّ على حتسني األوضاع االجتماعية لألفراد.
وقد كانت املدرسة يف العهد الزياين " مؤسسات تطور احلركة العلمية ،اليت كانت تؤطرها
احللقات الدراسية جبامع تلمسان األعظم واملساجد احمليطة به ،وخترج منها عدد كبري من العلماء
واألعالم والفقهاء واألدباء املبزين حىت غزت مساجدها ومدارسها معيار يقاس به ّو احلركة العلمية
ومؤشرا على مدى ازدهار الثقافة والعلوم والفنون واآلداب"( )3تعد املدارس دليال على االزدهار
العلمي حيث ساعدت على نشر العلم يف أقطار تلمسان ،فتخرج منها عدد من الطلبة كما كانت،
صورة واضحة عن تطور الثقافة ورقيها.
فكانت املدرسة املكان الذي يلتقي فيه أهّ العلم والعلماء لتبادل العلوم واملعارف ،ويف هذا
الصدد سنتحدث عن املدارس اليت يلتقي فيها أهّ العلم والعلماء لتبادل العلوم واملعارف ،وخنص
بالذكر منها التلمسانية وظهورها يف عصر الدولة الزيانية ،حيث عبت عن فضّ السالطني يف نشر
-73-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
الثقافة والعلم ،وتوجيه الرعية إىل االهتمام بالعلوم املختلفة فجعلوا من دولتهم دولة ثقافة وحضارة
بال منازع دلت عليها كثرة املراكز التعليمية فكانت بذلك تلمسان قطبا ثقافيا يضم جمموعة من
املدارس ،ظهرت يف تاريخ الدولة الزيانية ،ولعّ ابن األمحر ،أشار إىل عددها باختصار ،وذكر بأنه
توجد يف تلمسان مخس مدارس حيث قال "ويكفي أن نذكر املدارس اخلمسة الكبى اليت أنشأت
يف أيام تلك األسرة الطويلة العمر"( )1عمّ السالطني الزيانيني على تقريب العلماء منهم ،وتشجيعهم
ببناء مدارس هلم يلقون فيها دروسهم وحماضراهتم ،كانت تلمسان حمطة إللتقاء العلماء والفقهاء،
فظهرت هبا جمموعة من املدارس أمهها:
-6أهم المدارس بتلمسان في العهد الزياني:
أ -مدرسة ابني اإلمام:
بناها السلطان أبو محـو موسى األول " الذي كان صاحب أثار مجيلة ،وسرية حسنة حمبا يف
العلم وأهله ،ورد عليه بعد موت يوسف بن يعقوب الفقيهان العلمان اجلليالن :أبو زيد وأبو موسى
ابنا اإلمام ،فلم ير ما يؤدي به شكرا هلل على النعمة اليت من اهلل عليه هبا ،من قتّ عدوه وتعجيّ
الفرح إال االعتناء بالعلم ،والقيام وحبقه ،فأكرم مثوامها ،واحتفّ هبا وبىن هلما املدرسة اليت تسمى
هبما"( )2تعد مدرسة ابين اإلمام أول مدرسة ظهرت يف تلمسان قام بتشييدها السلطان أبو محو
موسى الزياين تكرميا للفقيهني :أبو زيد وأبو موسى ،ومها" فقيهان من بلدة برشك ،سافرا إىل املشرق
فحصال علوما شىت نقلية وعقلية ورأسا بدمشق ،وكان هلما بالشام واحلجاز ،ومصر صيت عظيم ث
دعتها دواعي األوطان بالرجوع إىل املغرب ،فأعرضا عن بلدهتما ،وتوجها إىل تلمسان ،فكانت هلما
هبا الرياسة ،ونشرا هبا من العلوم ما بقيت آثاره إىل اآلن"( )3كانا عاملني جليلني عرفا يف بالد املغرب
واملشرق العريب ،وكانت هلما شهرة بالغة يف ميادين العلوم املختلفة ،شهدت على ذلك آثارهم اليت
بقيت إىل يومنا ،فمدرسة أوالد اإلمام تعد أول مدرسة يف تاريخ الدولة الزيانية ،كرم هبا أبو محو
الفقيهان اجلليالن ،وذلك بأنه" :رفع منزلتهما ،ث ابتىن هلما املدرسة املسماة بامسهما وموقعها داخّ
-74-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
باب كشوطة ،وكانت هلما رئاسة ،وحظوة ومقاما حمفوظا يف جمالس امللوك ،وهلما يف تلمسان خلق
صاحل ،ينتحلون العلم وقد وصّ بعضهم إىل مراتب التدريس ،والفتيا يف النوازل ،تويف أبو زيد عبد
()1
الرمحن يف سنة 421ه ،أما أبو موسى عيسى فقد تويف يف سنة 424هـ"
كانت هلما مكانة رفيعة وقدر عال بني امللوك ،فقربومها إليهم وكرما بعد موهتما هبذه املدرسة،
خملفني وراءمها سلف صاحل من الطالب وأهّ العلم.
تعد هذه املدرسة ،من املنشآت العمرانية للسلطان أيب محو موسى الزياين األول ،فقد عرف
عن هذا األخري بتشجيعه للحركة العلمية بتلمسان ،ومنشآته العمرانية" ،املدرسة الواقعة غرب مسجد
فخم وذو منارة أنيقة ،كان ينسب إىل العاملني اجلليلني ابين اإلمام ،وكانت هذه املدرسة تدعى
املدرسة القدمية أو مدرسة ابين اإلمام"(.)2
فهذه املدرسة قد عرفت بامسني ،وكان موقعها بالقرب من املسجد وكانت من اآلثار احلضارية
ملدينة تلمسان.
-المـدرسة التاشفينية:
شيدت يف تلمسان بناها عبد الرمحن بن تاشفني ،وهي "املدرسة اجلليلة القدمية النظري ،اليت
بناها بإزاء اجلامع األعظم ،ما ترك شيئا ما إختصت به قصور مشيدة إال وشيد مثله هبا"( )3اهتم
سالطني الدولة الزيانية بالعلم والعلماء ،فشيدوا املدارس وتفننوا يف بنائها ،حيث جلبوا هلا أفخر مواد
البناء ،فهذه املدرسة أحد اآلثار احلسان للسلطان أيب تاشفني "فقد كان له بالعلم وأهله احتفال،
وكانوا منه مبحّ هتمم واهتبال ،وفد عليه بتلمسان العامل املتفنن اجلماعة ،أبو موسى عمران املشذايل،
أعرف أهّ عصره مبذهب مالك ،فأكرم نزله وأدام املبة به ،واحلفاية جبانبه وواله التدريس مبدرسته
اجلديدة"( ،)4قرب هذا السلطان إليه العلماء والفقهاء وأغدق عليهم بالعطاء ،وكان بذلك من
السالطني الزيانيني الذين سعوا إىل نشر الثقافة يف تلمسان.
( )1بوزيان الدراجي ،أدباء وشعراء من تلمسان ،دار األمّ للدراسات والنشر والتوزيع( ،د ،ط) ،4033 ،ص.403
( )2حممد بن رمضان شاوش ،باقة السوسان يف التعريف حبضارة تلمسان عاصمة دولة بين زيان ،ص .42
( )3التنسي ،تاريخ بين زيان ملوك تلمسان ،مقتطف من نظم الدر والعقيان يف شرف بين زيان ،ص.320
( )4املصدر نفسه ،ص.320
-75-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
حتدث عن هذه املدرسة املقري يف نفح الطيب وعدها ،من أروع التصاميم يف مدينة تلمسان
حيث قال" :قلت :قد تذكرت هنا ،والشيء يذكر ،ما رأيته مكتوبا على دائرة جمرى املاء مبدرسة
()1
تلمسان ،اليت بناها أمري املسلمني ابن تاشفني الزياين ،وهي من بدائع الدنيا( ،يف البسيط):
وبديع إتـقاين ،وحسن بنائي أنظر بعيـنيك بـهجيت وسنائي
من نشأين بّ من تدفق مائي وبديع شكلي ،واعتب فيما تـرى
صاف كذوب الفضة البـيضاء جسم لطيف ذائب سيالنه
فـغدت كمثّ الروض غب مساء قد حف يب أزهار وشي ّقت
رمم هذه املدرسة فيما بعد أبو العباس أمحد العاقّ.
ج -المدرسة اليعقوبية:
بىن هذه املدرسة السلطان أبو محو موسى الثاين ،ومساها باليعقوبية ،بناها بعد وفاة والده أبا
يعقوب يوسف "الذي كان مقيما يف مدينة اجلزائر بعد فتحها ،فوافته املنية بتلك املدينة يف أوائّ
شعبان من سنة 411هـ ،فجهز ونقّ تلمسان يف جنازة مهيبة ،وملا وصّ جثمانه استقبله أبو محو
حبزن وخشوع ،ث دفنه يف رياض موجود بباب إيالن ،ونقّ جثماين أخويه :أيب سعيد وأيب ثابت إىل
جواره"( )2شيد أبو محو الثاين املدرسة اليعقوبية تكرميا لوالده وبرا به ،وكانت هذه املدرسة ضمن
اهتمامات هذا السلطان بالعلم والعلماء ،حيث سعى إىل نشر الثقافة يف تلمسان من خالل مظاهر
خمتلفة فسعى إىل االهتمام هبذه املدرسة " فقد سنها هو بنفسه عام 411هـ ،وحضر دروسها
االفتتاحية"( ،)3كانت هذه األخرية ضمن اهتمامات هذا السلطان فأشرف بذلك على افتتاحها.
عمّ هذا السلطان على تشجيع العلم والثقافة يف بالده ،من خالل إقامة مراكز ومدارس
لطلبة العلم ،ولعّ هذه املدرسة تعد تكرميا لوالده ،ولفضله العظيم وقد أوىل عناية فائقة هبذه املدرسة،
واهتم هبا اهتماما شديدا "فقد احتفّ هبا وأكثر عليها من األوقاف ،ورتب فيها اجلرايات ،وقدم
للتدريس فيها الشريف أبا عبد اهلل املذكور ،وحضر جملس إقرائه فيها جالسا على احلصري ،تواضعا
-76-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
للعلم ،وإكراما له فلما انفض اجمللس ،أشهد بتلك األوقاف وكسـا طلبتها كلهم ،وأطعم الناس،
وطول اهلل مدته حىت ختم السيد أبو عبد اهلل تفسري القرآن العزيز فيها ،فاحتفّ أيضا حلضور ذلك
اخلتم وأطعم فيه الناس ،وكان مومسا عظيما"( .)1متيز أبو محو موسى بشدة التواضع وإكرامه للعلم
والعلماء ،وتشجيعهم وكسوهتم وإطعامهم وهذا من فضله وحسن خلقه.
أما فيما خيص فرتة السيطرة املرينية على تلمسان ،فقد ظهرت هناك مدارس خمتلفة أنشأها
السالطني املرينيني يف أثناء تواجدهم بتلمسان.
اد -مدرسة العــبّااد:
بنيت يف تلمسان ،خالل فرتة االحتالل والتواجد املريين فيها .أسسها أبو احلسن املريين بالعباد
وهي "ّوذج من مجلة املدارس املشيدة بتلمسان أثناء القرون الوسطى ،وموقعها بغرب جامع سيدي
أبو مدين ،تبعد عنه بنحو سبعة أمتار ،وهي مبنية فوق ربوة صغرية يصعد إليها خبمس عشرة
درجة"( )2تعلق السالطني باألولياء والزهاد ،فأكرموهم وشيدوا مساجد قريبة من أضرحتهم ،كهذه
املدرسة اليت بنيت على قب الويل الصاحل أيب مدين شعيب "وتوجد هبذه املدرسة خطوط أندلسية
()3
تتضمن قصيدة يف مدح مشيد هذه املدرسة وذكر تاريخ تشييدها ،من حبر الوافر"
اإلسالم أمري املسلمني بناين كي أقيم لدى دنيا
أبو احلسن الذي فيه املزايا تـفوق النظم بالدم الثمني
مبا أجرى به األعمال دينا إمام ال يـعب عن وصف
سليّ أيب سعيد ذي املعايل أقـر إيل اإلمام هبا عيونا
فأعاله وأعطاه يقينا وقد مساها خالقه عليا
وإميانا يكون له معينا أبانا باملصلحات منه دينا
خلون من السنني وأربعينا لشهر ربيع الثاين لسبع
حموله مقاصده فـنونا إىل سبع مئني فدام سعد
( )1التنسي ،تاريخ بين زيان ملوك تلمسان ،مقتطف من نظم الدر والعقيان يف شرف بين زيان ،ص.300
( )2حممد بن رمضان شاوش ،باقة السوسان يف التعريف حبضارة تلمسان عاصمة دولة بين زيان ،ص .424
( )3املصدر نفسه ،ص.424
-77-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
-78-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
يف تلمسان ،تعب عن اجلهد الذي بذله السالطني وتكرمي العلماء ،حيث حضر بعض السالطني
حللقات الدروس اليت كانت تلقى يف املدارس إلرساء قواعد العلم ،ومن تواضعهم كانوا جيلسون على
احلصري ،فهؤالء السالطني أكرموا مثوى الطلبة فقدموا هلم املالبس اجلديدة واملأكوالت الطيبة،
وأغدقوا على املدارس باألموال ،فكانت تنظم إليها اجلريات وغريها.
إذا كانت مسامهة السالطني فعالة يف نشر الثقافة والعلم ،كما كانت تلمسان تشهد مظاهر
أخرى للثقافة بني االحتفال باملولد النبوي وإقامة املدارس فقط بّ كانت توجد فيها املكتبات
واجلوامع واملساجد املختلفة.
-Vأعالم تلمســان:
كانت تلمسان ،ملتقى ألهّ العلم والعلماء ،فكما يقول القلصادي "أدركت تلمسان كثريا
من العلماء والصلحاء ،والعباد ،والزهاد ،وسوق العلم حينئذ نافعة ،وجتارة املتعلمني واملعلمني راحبة،
واهلمم إىل حتصيله مشرقة وإىل اجلد واالجتهاد فيه مرتقية"( )1فتلمسان حمطة التقاء أهّ العلم
والعلماء ،كثرت هبا العلوم املختلفة وظهر هبا مجلة من العلماء واألدباء ،وأهّ الفصاحة والبيان.
وقد حتدث ابن األمحر عن هذه املدينة باعتبارها نقطة التقاء العلماء فقال ،داعما رأيه مبا
قاله البكري " وصحدثنا البكري أن تلمسان كانت دائما بلد علم ،وعلماء ،ومركز سنة ومجاعة ،وكان
بنو زيان من رعاة العلوم ،فاستقدموا أصّ العلم واألدب وخباصة الشعراء وأحاطوا أنفسهم بالفقهاء
على مثال ما كان يفعله جريااهم ،ومنافسوهم من بين مرين وبنو وطاس"( ،)2كانت تلمسان تضاهي
جريااها يف خمتلف اجملاالت ،كما تعد من املراكز احلضارية اليت هلا قدرها بني الدول اإلسالمية،
فكثرت هبا العناصر احلضارية املختلفة ،وكانت نقطة استقطاب للعلماء ،والنساك والزهاد " فكثر
فيها أهّ التصوف ،والصلحاء والعباد ،وال غرابة يف ذلك ،ففي بلدة من بالد منطقة تلمسان ،وهي
بلدة العباد ،استقر أبو مدين شعيب ويل املغرب األكب"( )3لقد عظم شأن هذه املدينة وأصبحت
-79-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
من املراكز الثقافية البالغة األمهية يف بالد املغرب العريب فعلى قدرها ،وظهر هبا مجلة من العلماء
الذين ارتأينا أن نتحدث عن أشهرهم.
-5أبو مدين شعيب:
من رجال التصوف كان يقطن باألندلس ،ث رحّ إىل تلمسان وهو " الشيخ الويل قطب
العارفني وشيخ املشايخ ،أبو مدين شعيب بن احلسني األنصاري منشؤه قطيانة من قرى إشبيلية"(.)1
تويف بالعباد ،وفيه دفن " من صدور األولياء األبدال مجع بني الشريعة واحلقيقة ،أقام هدايا ودعايا
للحق وقصدت زيارته من مجيع األقطار ،وشهر بشيخ املشايخ"( )2عرف هذا الرجّ بصدق دعواه
القائمة على احلق "فقد جاز البحر إىل املغرب فأخذ بفاس عن الشيخ أيب احلسن علي بن حرزهم،
ولبس اخلزفة عن الشيخ أيب عبد اهلل الدقاق ،وسلك على يد شيخ املشايخ أيب يعزى إىل إن وصّ
وأدرك وحقق ملشرق بإذنه .واستوطن جباية فاشتهر مبا خبه وعال يف مقام الوالية صيته فعض ملكانه
يعقوب املنصور بن يوسف العسري بن عبد املؤمن بن علي وأرسّ عليه"( ،)3ذاع صيت أبو مدين
يف اآلفاق ،فرحّ من بالده إىل املغرب ،وأخذ عن علمائها ،فلما عرف به املنصور بن يوسف
العسرى أرسّ يف طلبه ،وكان يدرك أنه لن يلقاه" ،فسنة أربع وتسعني ومخسمئة ،شق ذلك على
تالمذته ،فقال هلم أنين ال ألقاه ،فلما بلغ تلمسان أعجبته خارجها ،قرية فسأل عن امسها ،فقيّ
العباد ،فقال أي موضع هو للرقاد ،فمرض يومئذ ومات ،ودفن هناك"( ،)4فلما انتشرت شهرته بني
الناس أرسّ يعقوب املنصور إليه فقال انه لن يلقاه ،ووصّ إىل قرية العباد ،وهناك تويف اشتهر بعلمه
وتقواه بلغت أقطار العامل االسالمي بأسره ،حىت وصلت إىل السالطني كما عرف هذا األخري
بكرماته.
( )1صحي ابن خلدون ،بغية الرواد يف ذكر علماء بين عبد الواد ،ص.11
( )2أبو القاسم حممد احلفناوي ،تعريف اخللف لرجال السلف ،اجلزائر3401 ،مطبعة فونتانة الشرقية ،اجلزائر ،ص.334
( )3صحي ابن خلدون ،بغية الرواد يف ذكر علماء بين عبد الواد11/3 ،
( )4املصدر نفسه.11/3 ،
-80-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
-81-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
السالطني ،وتقديرهم له" ولد بتلمسان ،سنة عشر وسبعمائة ،وارحتّ مع أبيه إىل املشرق ،ث رجع
إىل القاهرة ،وأقام هبا ...وبرع يف الطب والرواية ،وكان خري اخلطني ،عند رجوعه تلمسان ...واله
السلطان أبا احلسن خطابة املسجد ،مكان عمه ...وقربه إليه ،وكان يالزم الشيخني ابين االمام،
ويأخذ نفسه بلقاء الفضالء واألكابر واألخذ عنهم والسلطان يف كّ يوم يزيده رتبة ...وكان يستعمله
يف السفارة عنه إىل صاحب األندلس ،)1(" ...برز جنم هذا الشيخ يف جمموعة من العلوم كالطب
والرواية ...فعلى قدره وعظم شأنه وذاع صيته يف أقطار املعمورة ،فعرف يف مشارق األرض ومغارهبا،
وكان خطيبا ما جعله مقربا من السلطان الذي رأى فيه حسن خطابته فقربه إليه ،وكان رجال عاملا
يالزم أهّ وشيوخ العلم ،ويأخذ عنهم املعارف املختلفة ،كما التف حوله طلبة العلم من كّ مكان
للنهّ من ينابيعه.
-9عفيف الدين التلمساني:
من أشهر شعراء تلمسان " األديب البارع كان يدعي العرفان ،ويتكلم عن إصالح القوم...
كان حسن العشرة كرمي األخالق ،له حرمة ووجاهة خدم يف عدة جهات"(.)2
عرف بني أقرانه بكونه أديب بارع ،له وقار وهيبة بني الناس فهو " أديب ماهر ،جيد النظم
تارة يكون شيخ صوفية ،وتارة كاتبا وتارة جمردا"( ،)3كما كان من رجال التصوف يف تلمسان فمن
حر ما قاله عفيف الدين التلمساين الذي كانت أقواله وأفعاله على طريقة املتصوف ابن عريب قوله
(الطويّ)(:)4
وال دلت األلفاظ منه على معىن وقفنا على املعىن قدميا فما أغىن
حيارى وأصبحنا حيارى كما بتـنا وكم أمسيـنا وبتنا بربعه
ولوال النصارى ما مثلنا وال ملنا فلم نر للغيد احلسان هبم سىن
-82-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
كان عفيف الدين التلمساين صوفيا ،وهذا ما دلت عليه أبياته ،اليت كانت يف التصوف
والتنسك والزهد.
-1اب ــن خميس:
شاعر وفقيه ومتصوف وهو " أبو عبد اهلل حممد بن عمر بن مخيس شاعر املئة السابعة
متصوف عارف ،متطور دباج ال نطري له"( )1عرف بشعره ،ومبكانته بني أدباء عصره التقاه العبدري
يف أثناء مروره بتلمسان ،فرتجم له وأورد له مقاطع شعرية خمتلفة يف أغراض متنوعة من شعره
قوله(الطويّ)(:)2
وبعد رجاج ضاع فيه شباب أنبت ولكن بعد طول عتاب
أعلّ نفسي دائما مبتان وما زلت والعليا تغين غرميها
يلذ طعامي أو يسوغ شراب وهيهات من بعد الشباب وشرحه
من بني املوضوعات اليت كتب فيها ابن مخيس احلسني إىل الشباب والبكاء عليه ،وهذا أمر
طبيعي ألن الشباب هو رمز القوة ،والنماء والعطاء واحليوية.
-2ابن عصــام:
التقاه العبدري يف تلمسان ،حيث كان جارا البن مخيس " وهو رجّ متنقّ حيي متعفف له
حظ من اللغة ويقرض من الشعر ،ما ال بأس به ،وكان جار أليب عبد اهلل ابن مخيس" 3كان شاعرا
يتقن أفانني اللغة ،فمن شعره قوله ( البحر الكامّ)(:)4
قّ الذي مسى اهلذاة أوىل النهى محرا ألن سلب اهلدى واملعرفة
ويروقه زور الضالل وزخرفه فغدا يرجع اإلعتزال جهالة
عيون أوىل الضاللة والسفه احلق أبلج واضح لكنه يغشى
( )1صحي ابن خلدون ،بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد.14/3 ،
( )2املصدر نفسه.23/3 ،
( )3العبدري البلنسي ،الرحلة املغريبية ،ص.21
( )4املصدر نفسه ،ص.22
-83-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
ذكر العبدري يف رحلته مجلة من أشعار ابن عصام لكن ارتأينا أخذ مقطوعة صغرية من شعره،
نتبني من خالهلا قدرة الرجّ على ركوب حبور الشعر ،فلم نكثر ومل نطيّ.
محمد بن النّجــار:
ّ -1
اشتهر يف العلوم النقلية ،والعقلية ،قال عنه القلصادي "شيخنا الفقيه اإلمام العالمة املتفنن
أبو عبد اهلل حممد بن النجار ،كانت له مشاركة يف العلوم النقلية والعقلية"(.)1
حضر القلصادي يف جملسه ،وأفاد منه يف علوم كثرية منها "تفسري الكتاب العزيز وبعض كتب
اإلرشاد ،إلمام احلرمني ،واملنهج للبيضاوي ،والبهانية للسالجبي ،واجلمّ للخوجي ،وتلخيص املفتاح
غري مرة ،وبعض اخلفاف وشيئا من املدونة"( )2فقد عرف باتساع معارفه.
-0ابن مرزوق الحفيــد:
يعد ابن مرزوق ،من أكب علماء تلمسان ،ذاع صيته يف اآلفاق وعرف بعلمه واشتهر ،حتدث
عنه القلصادي يف رحلته فقال هو" :أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن حممد بن مرزوق العجيسي ،حّ
كنف العلم والعالء ،وجّ قدره يف اجللة الفضالء ،قطع الليايل ساهرا وقطف من العلم أزاهر ،فأمثر
وأورق ،وغرب ،وشرق حىت توغّ يف فنون العلم واستغرق ،إىل أن طلع على األبصار هالال ،ألن
املغرب مطلعه ،ومسا يف النفوس موضعه وموقعه ،فال عليك أن ترى أحسن من لقائه ،وال أسهّ من
()3
إلقائه لقي الشيوخ األكابر ،وبقي محده متعرف من بطون الكتب وألسنة األقالم ،وأفواه احملابر"
أعتب ابن مرزوق من شيوخ العلم يف تلمسان ،ومن أبرز من لقيهم القلصادي يف رحلته ويبدو أن
هذا األخري قد أعجب هبذا العامل اجلليّ فذكره مادحا إياه واصفا له مبجموعة من احملسنات اليت
زينت خصال هذا الرجّ ،كان متقنا يف إلقائه ،عارفا بأصول الكتاب والسنة عاملا جليال يشهد له
كّ من لقيه "،كان رضي اهلل عنه من رجال الدنيا واآلخرة ،وكانت أوقاته كلها معمورة بالطاعات
ليال ،واهارا من صالة وقراءة قرآن ،وتدريس علم وفتيا وتصنيف ،وكانت له أوراد معلومة ،تعضدها
-84-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
الرواية ،ونباهة ...وقد حضر السلطان جنازته( )1عرف ابن مرزوق مبزاياه احلميدة اليت تدل على
قدرته فقد كان رجال نبيها ،وعند وفاته حضر السلطان جنازته وهذا دليّ اهتمام السالطني الزيانيني
بالعلماء وتقديرهم للعلم.
له مؤلفات عديدة يف علم احلديث أمهها ":كتاب أنوار الدراري يف مكررات البخاري"( )2وله
()3
شرح لكتاب اجلامع الصحيح للبخاري أمساه " املتجر الربيح واملسعى الرجيح واملرحب الفسيح"
-4الثاري التلمساني:
شخصية تلمسانية ،ترجم له أدباء عصره ،وغريهم ،قال عنه ابن مرمي يف بستانه هو "حممد
بن يوسف الفقيه اإلمام العامل العالمة األديب األريب ،الكاتب أيب عبد اهلل أخذ عن اإلمام الشريف
التلمساين ،وغريه"( )4أديب فقيه أخذ عن أئمة عصره اشتهر مبولدياته ،اليت كان يلقيها بني يدي
سالطني بين زيان "فقد أبدع يف املولديات عندما رفعه إىل حضرته العليا السلطان أبو تاشفني يف
أول مولد أقامه ،صدر الثغري ،مادحا للسلطان أبو تاشفني ولوالده ومعزيا له به"(.)5
وكان دائما ما يرتأس حلباته يوم االحتفال مبولد املصطفى صلى اهلل عليه وسلم ،وله يف ذلك
العديد من القصائد يف مدحه صلى اهلل عليه وسلم ،وكان ينتهي من مدح النيب اىل مدح اخلليفة،
()6
مثّ قوله( البحر الكامّ):
سامى به كّ امللوك وباهى يا وارث اخللفاء يف امللك الذي
بلغت بسعدك سوهلا ومناها يهنيك بّ يهين خالفتك اليت
عرف الثغري بقصائده املولدية اليت تبدأ مبدح النيب لتنتهي إىل مدح اخلليفة.
-85-
الحياة الثقافية لتلمسان من خالل النّثر الفصل الثاني
-58التن ــسي:
من أشهر أعالم تلمسان "حممد بن عبد اهلل بن عبد اجلليّ التنسي التلمساين الفقيه اجلليّ
احلافظ األديب ،املطلع ،كان من أكب علماء تلمسان ،األجلة ،وحمقيقيها أخذ عن اإلمام العالمة
أيب الفضّ حممد ابن مرزوق احلفيد واإلمام العامل أيب الفضّ ابن اإلمام ،واإلمام قاسم العقباين،
واإلمام األصويل حممد بن النجار ،والويل الصاحل ابراهيم التازي واإلمام ابن العباس"(.)1
متكن من علوم خمتلفة على رأسها األدب "فوصفه أمحد بن داوود األندلسي بشيخنا بقية
احلفاظ وقدوة األدباء"( )2اشتهر بعلمه الغزير ،ومصنفاته اجلليلة ،اليت استفاد منها اخللف بعده.
"فمن مؤلفاته نظم الدر والعقيان ،يف دولة آل زيان ،وتأليف يف الضبط أي يف رسم اخلزاز
مساه الطراز ،وله راح األرواح ،فيما قاله أبو محـو وقيّ فيه من األمداح ،اجلواب املطول يف قضية
يهود توات"( )3أضحت كتاباته منارة ألهّ وطلبة العلم ،ومصادر أساسية ،يستعني هبا الباحث
وخباصة ملن أراد االطالع على دولة بين زيان يف عصره.
-55ابــن مريــم:
يعد من أصحاب املؤلفات اليت بقيت خالدة على مر الزمن ،وأصبحنا نرجع إليها ملعرفة
الصاحلني وأهّ العلم ":أبو عبد اهلل حممد بن حممد بن أمحر الشهري بابن مرمي امللييت أصال
التلمساين"( )4أحد أقطاب العلم بتلمسان له مؤلف بعنوان "البستان يف ذكر األولياء والعلماء
بتلمسان" وهو من أعظم املؤلفات يف تراجم العلماء والسادات" 5وهو عبارة عن سري للعلماء
وحكاياهتم ومؤلفاهتم يف خمتلف اجملاالت الفه خالل القرن الثامن للهجرة.
وقد ذكرنا البعض من هؤالء العلماء وملعرفة املزيد فقد ورد ذكرهم مجلة وتفصيال يف كتاب
البستان البن مرمي.
( )1ابن مرمي البستان ،يف ذكر العلماء واألولياء بتلمسان ،ص.429
( )2املصدر نفسه ،ص.429
( )3املصدر نفسه ،ص.424 ،429
( )4ابن مرمي ،البستان يف ذكر األولياء و العلماء بتلمسان ،ص.2
( )5املصدر نفسه ،ص.2
-86-
خاتمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
خاتم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
تعد تلمسان ،من املدن العريقة الضاربة جبذورها يف عمق التاريخ ،عرفت عدة حضارات فكانت
قاعدة مللكها ومركزا من مراكز استقرارها ،فهذه املدينة هلا ماضيها ،وهلا وزاها الثقيّ بني احلواضر
اإلسالمية ،اتسعت أقطارها على مر العصور فتطورت عب الزمن لتأخذ يف األخري شكلها املتميز
الذي عرفت به ،فمن خالل البحث والتقصي عن هذه املدينة توصلت إىل جمموعة من النتائج منها:
-إن تلمسان مدينة عريقة ،قدمية قدم اإلنسان نفسه ،فهناك من يدعي أاها ذكرت يف القرآن يف
قصة سيدنا اخلضر ،وهناك من ينفي هذا االدعاء ،ولعّ معاملها الكبى ،ورموزها الشاخمة ،تدل على
عظمة الشعوب ،حتكمها مبادئ وقيم هذا الدين السميح ،بعد أن كانت فيما قبّ مدينة بربرية
خالصة.
-تعد من أهم املدن اليت استقطبت الرحالة الذين جابوا بقاع األرض ،فقدموا صورة عن هذه املدينة
ومعاملها الكبى وموقعها ،ومن استقر هبا.
-كانت تلمسان مدينة أزلية هلا سور حصني ،ث تطورت عب الزمن ،وتوسعت ،وأصبحت حتتوي
على جمموعة من املنشآت ،واليت عبت عن حضارهتا مثّ احلمامات واألسواق واملدارس
واجلوامع...كما تعد هذه املدينة مكمنا للخريات القيمة الوفرية ،وذلك ملا حتتويه ،من أاهار وغابات،
ومساحات خضراء تدعم املدينة باملرافق الضرورية للحياة ،ث حتولت إىل مدينة إسالمية مع الفتح
اإلسالمي لبالد املغرب ،فكان أبو املهاجر دينار أول فاتح وطئت قدماه املدينة ،حىت إاها مسيت
بعيون أبو املهاجر.
-استوطنت املنطقة ،جمموعة من الدويالت حيث جعلت منها قاعدة ومركزا حلكمها ،فعرفت حكم
األدارسة الذين بقوا فيها مدة معتبة من الزمن ،ث مل تكن مبعزل عن الصراعات والفنت اليت كانت
واقعة بني األمويني والفاطميني ،فعانت من هذا الصراع طويال ،فكانت تارة لألمويني وأخرى
للفاطميني ،لتؤول فيما بعد إىل املرابطني ،وبعد انتهاء وسقوط دولتهم آلت املدينة إىل املوحدين،
حبيث كانت كّ دولة تقوم على أنقاض الدولة السابقة هلا ،هكذا حىت وصلت تلمسان إىل الدولة
الزيانية اليت متكنت من بناء صرحها احلضاري على أنقاض الدولة املوحدية ،فعلى الرغم من الصراع
واحلروب واحلصارات اليت عانت منها الدولة الزيانية مع جارهتا احلفصية باملغرب األدىن واملرينية
-88-
خاتم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
باملغرب األقصى ،إال أن هذا مل مينعها من الوصول إىل االنتعاش ،والرقي الثقايف فكانت بذلك فرتة
العصر الوسيط مرحلة جد مهمة يف حياة املدينة ،أو ما يعرف باملرحلة الذهبية.
-استطاعت تلمسان يف عهد الزيانيني أن تكون دولة حضارية هلا قيمتها ،فنشأت هذه الدولة
بصنع رجّ سياسي حمنك استطاع أن يأخذ اإلمارة من املوحدين ،وجيعّ من تلمسان قاعدة مللكه،
وهو يغمراسن بن زيان ،الذي كان له الفضّ الكبري يف نشوء وبروز الدولة الزيانية اليت كانت تلمسان
عاصمة هلا ،باإلضافة إىل سالطني الدولة الزيانية اآلخرين ،الذين كان هلم الفضّ يف توسع وانتشار
واهضة الدولة الزيانية حىت غدت املدينة أحد أهم احلواضر اإلسالمية تضاهي فاس والقريوان ،ولعّ
ما ساعد على انعاش املنطقة ،وتطورها بشكّ ملفت للنظر :هم السالطني الزيانيني الذين سعوا
جاهدين إىل اجلعّ من هذه املدينة أحد أهم املعامل احلضارية الكبى اليت متيزت بكواها مدينة ثقافية،
دلت عليها العناصر املختلفة للثقافة مثّ :اهتمام السالطني بليلة املصطفى عز وجّ ،والتحضري هلا،
واالحتفال هبا يف أهبة كبرية من الرتف ،حىت الوصول إىل درجة املبالغة الشديدة يف االحتفال ،إىل
جانب اهتمام السالطني بالعلم والعلماء ،فقربوا إىل بالطهم أهّ العلم وأكرموا مثواهم ،وأغدقوا
عليهم العطاء ،فكانوا بذلك من املنشطني للعلم والتعليم باملدينة فابتنوا املدارس تكرميا ،وتبجيال
للعلماء ،وسعيا منهم على إرساء قواعد العلم يف بالدنا ،فمن السالطني من جلس على احلصري
تواضعا ،وذلك قمة النبّ والسعي لتطوير املدينة.
-تلمسان مدينة استقطبت عديد من العلماء ،فوفد إليها القراء والطلبة من كّ حدب وصوب،
وظهرت هبا املراكز التعليمية من مدارس ومساجد وزوايا ،لعّ هذه املعامل عبت عن احلضارة والثقافة
اليت كانت تسري يف تلمسان أيام األسرة الزيانية الطويلة العمر ،فتخرج هبا مجلة من العلماء ،وعرفت
يف مشارق األرض ومغارهبا بقوهتا السياسية والثقافية اليت مكنتها من الوصول إىل قمة احلضارة ،حىت
غدت عاصمة للثقافة يف ذلك العصر ،وهذا ما دلت عليه الكتب النثرية املختلفة ،اليت استطاعت
اإلملام بكّ ما خيص املدينة من :سياسة وثقافة وأوصاف.
-تعد فرتة العصر الوسيط فرتة مهمة يف تاريخ تلمسان ،وصلت فيه املدينة إىل أوجها ومتكنت من
رفع امسها بني أقطار املغرب اإلسالمي ،وهذا بفضّ جهود سالطني الدولة الزيانية الذين سعوا إىل
جعلها مركزا حضاريا وثقافيا له صيته يف املعمورة ،لكن هذا ال ينفي الواقع املرير للدولة الزيانية اليت
-89-
خاتم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
تظافرت عليها جمموعة من العوامّ عجلت يف سقوطها ،وإن بقيت هذه الدولة مدة طويلة من الزمن
إال أاها قد ااهارت وهـوت ،وزال حكمها ،ولعّ السبب يف ذلك يعود إىل ضعف األسرة احلاكمة،
والصراع بني أفرادها فكان ذلك سبب أساسي يف انكسار شوكتها داخليا ،ما وجه أنظار املستعمر
إليها فتدخّ بذلك العنصر اخلارجي للسيطرة على هذه الدولة ،وأصبحت الدولة الزيانية يف أواخر
حكمها تأن حتت خطرين هددا كيااها ،ومها اخلطر اإلسباين ،والعثماين ،فآلت فيما بعد إىل حكم
الدولة العثمانية وأصبحت قطبا من أقطاب احلكم الرتكي الذي بقي يف اجلزائر ردحا من الزمن.
-90-
قائمة المصاادر والمراجع
قائمة المصاادر والمراجع:
القرآن الكريم:
اآلية ( )39من سورة التوبة برواية ورش.
المصاادر:
.3ابن أيب زرع ،األنيس املطرب بروض القرطاس ،صور للطباعة و الوراقة ،الرباط(،د .ط)،
.3444
.4ابن األمحر ،تاريخ الدولة الزيانية ،تقدمي وحتقيق وتعليق هاين سالمة ،مكتبة الثقافة الدينية
بور سعيد (مصر) ،ط.4003 ،3
.1ابن احلاج النمريي ،فيض العباب ،وإفاضة قداح اآلداب يف احلركة السعيدة من قسنطينة
إىل الزاب ،دراسة وإعداد ،حممد بن شقرون ،دار الغرب اإلسالمي بريوت لبنان ،ط،3
.3440
.2ابن خلدون ،ديوان املبتدأ واخلب يف تاريخ العرب والببر ومن عاصرهم من ذوي الشأن
األكب ،دار الفكر ،بريوت ،لبنان.4000 ،
.2ابن فضّ اهلل العمري ،مسالك األبصار يف مالك األمصار ،تح :حممد عبد القادر
خريسات ،عصام مصطفى هزاميية ،يوسف أمحد ياسني ،مركز زايد للرتاث والتاريخ،
اإلمارات العربية املتحدة( ،د .ط)( ،د .ت).
.1ابن مرمي البتسان ،يف ذكر األولياء والعلماء بتلمسان :وقف على طبعه واعتىن مبراجعة
أصله :حممد بن أيب شنب ،اجلزائر( ،د ،ط).3409 ،
.4ابن منظور االفريقي املصري ،لسان العرب ،دار صادر ،بريوت( ،د .ط)( ،د .ت).
.9أبو البقاء البلوي ،تاج املفرق يف حتلية علماء املشرق تح :احلسن السائح ،صندوق إحياء
الرتاث العريب ،مطبعة فضالة الغرب( ،د.ط) (د.ت).
.4أبو احلسن علي القلصادي األندلسي ،رحلة القلصادي ،تح ،حممد أبو األجفان ،الشركة
التونسية ،تونس( ،د .ط).3449 ،
.30أبو القاسم ابن حوقّ النصييب ،صورة األرض ،دار صادر ،بريوت ،ط.3414 ،4
-92-
.33أبو القاسم حممد احلفناوي ،تعريف اخللف لرجال السلف ،اجلزائر ،مطبعة فونتانة الشرقية،
اجلزائر.3401 ،
.34أبو الوليد امساعيّ بن األمحر ،روضة النسرين يف دولة بين مزين ،املطبعة امللكية ،الرباط،
(د .ط).3414 ،
.31أمحد بن خالد الناصري ،االستقصاء ألاهار دول املغرب األقصى الدولة املرينية ،تح :جعفر
الناصري ،وحممد الناصري :الدار البيضاء ،املغرب( ،د .ط).3444 ،
.32أمحد بن خالد الناصري ،االستقصاء ألاهار دول املغرب األقصى الدولة املرينية ،تح :جعفر
الناصري ،وحممد الناصري :الدار البيضاء ،املغرب( ،د .ط).3444 ،
.32أمحد بن حممد املقري التلمساين ،نفخ الطيب من عصن األندلس الرطيب ،تح :احسان
عباس ،دار صادر بريوت( ،د .ط)( ،د ،ت).231/1 ،
.31التنبكيت أمحد بابا ،نيّ االبتهاج يف تطريز الديباج ،اشراف وتقدمي :عبد احلميد عبد اهلل
اهلدامة ،منشورات كلية الدعوة االسالمية ،طرابلس ،ط( ،3د .ت).
.34احلال املوشيه يف أخبار الدولة املركشية لؤلف جمهول تح :سهيّ زكار ،عبد القادر زمامة،
دار الرشاد احلديثة ،الدار البيضاء ،ط.3444 ،3
.39احلسن بن حممد الوزان القاسي املعروف بليون االفريقي ،وصف إفريقيا ،دار الغرب
اإلسالمي ،بريوت ،ط،4ج.3494 4
.34الشريف اإلدريسي ،نزهة املشتاق يف اخرتاق اآلفاق ،مكتبة الثقافة الدينية ،بور سعيد،
مصر( ،د.ط) (د.ت)3 ،ج.
.40شهاب الدين أيب عبد اهلل ياقوت بن عبد اهلل احلموي الرومي البغدادي ،معجم البلدان،
دار صادر ،بريوت( ،د .ط)( ،د.ت).
.43عبد الرمحن حممد احلضرمي االشبيلي ،رحلة ابن خلدون عارضها بأصوهلا وعلة حواشيها،
حممد بن تاويت الطنجي ،منشورات حممد علي بيضون ،دار الكتب العلمية ،بريوت،
لبنان ،ط.4002 ،3
.44حممد أيب بكر عبد القادر الرازي ،معجم الصحاح ،تح :أمحد إبراهيم زهوة ،دار الكتاب
العريب ،بريوت ،لبنان( ،د .ط).4002 ،
-93-
حممد العبدري البلنسي ،الرحلة املغربية ،تح .سعيد بوفالقة ،منشورات بونة ،عنابة، .41
.4004
حممد بن عبد الرمحن السخاوي ،الضوء الالمع ألهّ القرن التاسع ،مكتبة القدسي، .42
القاهرة( ،د .ط)( ،د .ت).20/4 ،
حممد بن عبد اهلل التنسي ،تاريخ بن زيان ملوك تلمسان ،مقتطف من نظم الدر والعقيان .42
يف بيان شرف بين زيان ،تح :حممود آغا بو عياد ،موفم للنشر ،اجلزائر( ،د .ط)،
.4033
حممد بن مرزوق التلمساين ،املسند الصحيح احلسن يف مآثر وحماسن موالنا ايب احلسن، .41
تح :ماريا خيسوس بيغريا ،تقدمي :حممود بوعياد ،الشركة الوطنية للنشر و التوزيع،
اجلزائر،ط.3493 ،3
املعجم الوسيط ،إبراهيم مصطفى حسن الزيات وآخرون ،جممع اللغة العربية القاهرة ،ط،2 .44
،4002ص .204
مؤلف جمهول ،كتاب االستبصار يف عجائب األمصار ،نشر و تعليق :سعد زغلول عبد .49
احلميد ،دار الشؤون الثقافية العامة ،العراق (د.ط) (د.ت).
صحي ابن خلدون ،بغية الرواد يف ذكر ملوك بين عبد الواد ،مطبعة بري فونتانا الشرقية .44
اجلزائر( ،د .ط).3404 ،
المراجع:
إمساعيّ العريب ،املدن املغربية ،املؤسسة الوطنية للكتاب ،اجلزائر( ،د .ط).3492 ، .3
بوزيان الدراجي ،أدباء وشعراء من تلمسان ،دار األمّ للدراسات والنشر والتوزيع( ،د، .4
ط).4033 ،
تاريخ اجلزائر يف العصر الوسيط من خالل املصادر ،منشورات املركز يف احلركة الوطنية ثورة .1
اول نوفمب 3422،طبعة خاصة ،وزارة اجملاهدين.
شوقي شيف ،عصر الدول واإلمارات اجلزائر املغرب األقصى موريتانيا السودان ،دار .2
املعارف ،القاهرة ،ط.3440 ،3
-94-
عبد احلكم عبد اللطيف الصعيدي ،املسجد رمز الصمود والتحدي ،مكتبة الدار العربية .2
للكتاب ،القاهرة ،ط ،4004 ،3ص.42
عبد العزيز الثعاليب ،تاريخ مشال افريقيا من الفتح االسالمي اىل اهاية الدولة األغلبية ،أمحد .1
بن ميالد ،حممد ادريس ،تقدمي ومراجعة محادي الساحلي ،دار الغرب االسالمي،ط،3
.3494
عمار عمورة ،موجز يف تاريخ اجلزائر ،دار رصحانة للنشر والتوزيع ،القبة(اجلزائر).4004 ، .4
مبارك حممد امليلي ،تاريخ اجلزائر يف القدمي واحلديث ،تقدمي وتصحيح حممد امليلي، .9
املؤسسة الوطنية للكتاب( ،د .ط)( ،د.ت).
حممد اهلادي جاريش ،التاريخ املغاريب القدمي السياسي واحلضاري منذ فجر التاريخ إىل .4
الفتح اإلسالمي ،املؤسسة اجلزائر للطباعة( ،د.ط)( ،د.ت).
حممد بن أمحد بن صاحل الصاحل ،املسجد جامع ومجاعة ،مكتبة امللك فهد الوطنية، .30
الرياض ،ط.4000 ،3
حممد بن رمضان شاوش ،باقة السوسان يف التعريف حبضارة تلمسان عاصمة دولة بين .33
زيان ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر( ،د .ط).4033 ،
مصطفى عباس املوسوي ،العوامّ التارخيية لنشأة وتطور املدن العربية اإلسالمية ،دار .34
الرشيد للنشر ،العراق (د .ط) (د.ت).
صحي الشامي ،موسوعة املدن العربية واإلسالمية ،دار الفكر العريب ،بريوت ،ط،3 .31
.3441
المجال :
.3األثر ،جملة اآلداب واللغات ،جامعة قاصدي مرباح ،ورقلة ،اجلزائر ،العدد التاسع ،ماي
.4030
.4جملة العلوم اإلنسانية واالجتماعية ،عدد خاص ،امللتقى الدويل األول اهلوية واجملاالت
االجتماعية يف ظّ التحوالت السوسيو ثقافية يف اجملتمع اجلزائري.
-95-
الفهرس
مقدمة.............................................................................أ-ج
مدخل
-Iمفاهيم عامة حول املدينة01..........................................................
-1تعريف املدينة01.....................................................................
أ-لغة01...............................................................................
ب-اصطالحا09.......................................................................
-4خصائص املدينة04..................................................................
-1عوامّ نشأة املدن04................................................................
-2املدن يف املغرب33...................................................................
-IIتلمسان يف أدب الرحلة32...........................................................
-3التعريف بتلمسان من خالل املعاجم32.................................................
-4تلمسان كما وصفها الرحالة العرب31..................................................
أ-ابن حوقّ31.........................................................................
ب-اإلدريسي31.......................................................................
ج-مؤلف جمهول31.....................................................................
د-العبدري34..........................................................................
ه-النمريي39..........................................................................
و-البلوي39...........................................................................
ز-القلصادي40........................................................................
ح-العمري40..........................................................................
ط-احلسن الوزان43.....................................................................
الفصل األول :النّاحية السياسية لتلمسان من خالل النثر
-Iتلمسان من الفتح اىل قيام الدولة الزيانية42.............................................
-3الفتــح االسالمي لتلمســان42.........................................................
-4تلمسان يف عهد األدارس ـة41.........................................................
-1الص ـراع الفاطــمي األمـوي على تلمســان49.............................................
-2تلمسان يف العهد املرابطــي10.........................................................
-2تلمسان يف العهــد املوحــدي14........................................................
-IIال ــدولة الزيان ــية12...................................................................
-3أصول بين زيــان12...................................................................
-4توليه ــم احلكـم14....................................................................
-1يغمراســن بن زيان (املنشئ األول للدولة الزيانيــة) 23....................................
-2بعض سالطني الدولة الزيانية وأبرزهم21................................................
أ-عثمان بن يغمراســن بن زيـان21........................................................
ب-أبو زيان حممد بــن عثمــان22.........................................................
ج-أبو محـو موسى األول22.............................................................
د-أبــو تاشفيـن األول21.................................................................
-2املظاهر السياسية لسلطة بين زي ــان24...................................................
-1أسباب سقوط الدولــة الزيانية24.......................................................
الفصل الثاني :الناحية الثقافية لتلمسان من خالل النثر
-Iنبذة عن احلياة الثقافية بتلمسان ومسامهة ملوك بين زيان يف نشر الثقافة24.........................
-3احلياة الثقافية بتلمسان24..................................................................
-4مسامهة ملوك بين زيان يف نشر الثقافة21.....................................................
-IIاملولديــات22..................................................................................
-3تعريف املولديــات22............................................................................
أ-لغــة22.........................................................................................
ب-اصطالحــا22..................................................................................
-4السلطان أبو محـو موسى الزياين الثاين واحتفاله بليلة املولد النبوي الشريف24..........................
أ-نبذة عن شخصية السلطان ايب محـو موسى الزياين الثاين24...........................................
ب-احتفال السلطان أيب محـو موسى الزياين بليلة املولد النبوي الشريف13.................................
-1السلطان أبو تاشفني الثانــي واحتفاله بليلة املولد النبوي الشريف12...................................
أ-نبذة عن شخصية السلطان أبو تاشفني الثاين12.....................................................
ب-احتفال أبو تاشفني مبولد النبوي الشـ ـريف12.......................................................
-IIIاملراكــز التعليميـة14.................................................................
-3تعريف املسجـد لغة واصطالحا14......................................................
-4تعريــف الزاويــة لغة واصطالحا14.......................................................
- 1امل ــدارس43.........................................................................
-3تعريف املــدرسة43...................................................................
أ-لغــة 43...............................................................................
ب-اصطالحــا44.......................................................................
-4أهم املدارس بتلمسان يف العهد الزياين41................................................
أ-مدرسة ابين اإلمام41..................................................................
ب-املـدرسة التاشفينية42................................................................
ج-املدرسة اليعقوبية42..................................................................
د-مدرسة العــباد41.....................................................................
ه-مدرسة سيدي احللوي44.............................................................
-Vأعالم تلمســان49...................................................................
-3أبو مدين شعيب44..................................................................
-4ابنا اإلم ــام90.......................................................................
-1ابن مرزوق اجلــد90...................................................................
-2عفيف الدين التلمساين93............................................................
-1ابن عصــام94.......................................................................
-4حممد بن النجــار91..................................................................
-4الثغري التلمساين92..................................................................
-30التن ــسي92........................................................................
-33ابــن مريــم92.......................................................................
خامتة99 ...............................................................................
قائمة املصادر واملراجع44................................................................