You are on page 1of 20

‫التّراث الثقايف الفلسطيين بني الطمس واإلحياء‬

‫(مفهومه‪ ,‬أنواعه‪ ,‬أهميته)‬


‫م‪.‬م اسماعيل شيخي شيخي أوسي‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬قسم الفنون واآلثار‪،‬‬

‫الجامعة اللبنانية في بيروت‪ .‬لبنان‪.‬‬

‫األول‪.‬‬ ‫مجلة التراث‪ ،‬العدد ‪ / 92‬ديسمبر ‪ ،9102‬المجلد األول‪ ،‬الجزء‬


‫لتوثيق هذا المقال‪:‬‬
‫م‪.‬م اسماعيل شيخي شيخي أوسي ‪ ،‬ال ّتراث الثقافي الفلسطيني بين الطمس واإلحياء (مفهومه‪ ,‬أنواعه‪ ,‬أهميته)‪ ،‬مجلة التراث‪ ،‬العدد ‪ ،92‬المجلد‬
‫األول‪ ،‬ديسمبر ‪.9102‬‬

‫تاريخ اإلستقبال‪9102/10/17 :‬‬


‫تاريخ التحكيم‪9102/09/05 :‬‬
‫قبول النشر‪9102/09/92 :‬‬ ‫تاريخ‬
‫‪753‬‬
‫الرتاث الثقايف الفلسطيين‬

‫الملخص‪:‬‬

‫لكل شعب من شعوب األرض حضارة وتراث يفتخر بو ويعتز بو وللشعب الفلسطيٍت حضارة عريقة وتراث فٍت كبَت‬
‫يدؿ على ىويتو الثقافية والسياسية يف آف معاً‪ .‬وقد أدت الًتاث الثقايف الفلسطيٍت دوراً ىاماً يف تعميق الشعور باالنتماء‬
‫للوطن وللتاريخ‪ .‬وشكل ىذا الًتاث ىدفاً رئيساً حملاوالت الطمس واإليذاء والتعتيم واؼبسح وتتخذ ىذه اؼبمارسات من خالؿ‬
‫التهويد أو اضفاء الصبغة االسرائيلية على ىذا الًتاث وكذلك إلغاء فلسطينية ىذا الًتاث وعروبتو وإضعافو وؿبوه‪ .‬وكل ذلك‬
‫كاف يهدؼ إىل خلق صلة ما بُت اليهود واألرض وكسب االعًتاؼ العاؼبي ّٔذه الصلة‪ ،‬من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى إضعاؼ‬
‫الصلة بُت الشعب الفلسطيٍت وبُت أرضو‪ ،‬بل بًتىا كلياً وقطعياً‪ ،‬وتقوـ ّٔذه اؼبمارسات ىيئات كثَتة ومتعددة من وزارات‬
‫ومكاتب حكومية رظبية أو شبو رظبية إىل مؤسسات وجهات علمية واجتماعية من كل صنف ولوف‪.‬‬

‫وبالتايل ىدف ت الدراسة إىل التعرؼ على تأثَت اؼبمارسات االسرائيلية على الًتاث الفلسطيٍت اليت عملت على‬
‫طمسو وتشويو وتزوريو‪ ,‬وكيف أسهم ىذا الًتاث بتنوعو بإيصاؿ رسالة الشعب الفلسطيٍت إىل العامل من خالؿ ربديو أشكاؿ‬
‫الطمس والتهويد والتزوير كافة‪ .‬كما ىدفت الدراسة إىل إبراز دور الًتاث يف اغبفاظ على اؽبوية الوطنية وكيف شكل الًتاث‬
‫أحد أدوات اؼبقاومة الفلسطينية ضد االحتالؿ االسرائيلي وـبططاتو‪ .‬ألف أنبية ىذه الدراسة تعود يف أف تناوؽبا موضوع‬
‫الًتاث واجباً وطنياً‪ ،‬ألنو يشكل جزءاً ىاماً من ثقافة الشعب الفلسطيٍت‪ ،‬ويؤدي إىل تعميق الشعور باالنتماء للوطن‪ ،‬فبا‬
‫وبتم دراسة التحديات اليت مر ّٔا ىذا الشعب وال يزاؿ إلثبات حقو يف األرض والتاريخ الذي تقوـ إسرائيل بطمسو‪.‬‬

‫الكلمات المفتاحية‪:‬‬

‫الًتاث الثقايف‪ ,‬الًتاث اؼبادي‪ ,‬الثقافة‪ ,‬اؽبوية الوطنية‪ ,‬القضية الفلسطينية‪ ,‬التهويد‪ ,‬العروبة‬

‫‪752‬‬
‫الرتاث الثقايف الفلسطيين‬

Abstract:
Each of the peoples of the Earth has a civilization and a heritage which is proud and
proud of it and the Palestinian people have a long-standing civilization and a great
artistic heritage that attests to its cultural and political identity. The Palestinian cultural
heritage has played an important role in deepening the sense of belonging to the
homeland and to history. This heritage is a major goal of the attempts to obliterate,
harm, obscure and survey. These practices are taken through the Judaization or the
Israeli class on this heritage, as well as the abolition of the Palestinian heritage and its
Arabism and its addition and erasure. The aim was to create a connection between the
Jews and the land and to gain universal recognition of this connection, on the one hand,
and on the other, to weaken the link between the Palestinian people and their land, To
scientific and social institutions of every kind and color. The study aimed at identifying
the impact of Israeli practices on the Palestinian heritage, which has worked on five
distortions and falsifications, and how this heritage contributed to its diversity by
conveying the message of the Palestinian people to the world by defying the forms of
obliteration, Judaization and counterfeiting as a scourge. Heritage is one of the tools of
the Palestinian resistance against the Israeli occupation and its plans. Because it is an
important part of the culture of the Palestinian people and leads to a deepening sense of
belonging to the homeland. It is imperative to study the challenges that this people have
undergone and continue to prove their right to the land and the history that Israel is
obliterating.

Key words:
Cultural Heritage, physical heritage, the culture, National Identity, The Palestinian
cause, Judaization, Arabism

752
‫الرتاث الثقايف الفلسطيين‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫فلسطُت كانت وما زالت دائماً ملتقى اغبضارات على مر العصور‪ ،‬وىناؾ الكثَت من اؼبواقع األثرية والتارىبية اؽبامة‬
‫تنتمي إىل العصور اؼبختلفة‪ .‬فاؼبدف الفلسطينية مثل القدس وغزة واروبا واػبليل من أقدـ مدف العامل ‪ ،‬لذلك قبدىا غنية‬
‫بآثارىا من اغبضارات اؼب ختلفة على مر التاريخ من اغبضارة الكنعانية إىل اغبضارات اإلغريقية والرومانية واإلسالمية ‪ ،‬والكثَت‬
‫من اغبضارات األخرى‪ ،‬اليت خلفت الكثَت من اآلثار اؼبعمارية‪ ،‬كاؼبدرجات واؼبعابد والكنائس واؼبساجد واؼبقابر وآبار اؼبياه‬
‫وقنوات الري واؼبنازؿ والكثَت من اآلثار اليت أصبحت أمكنة ذبذب السياح من أكباء العامل اؼبختلفة لزيارة األماكن اؼبقدسة‬
‫التارىبية ‪ ،‬مثل اؼبسجد األقصى وقبة الصخرة ‪ ،‬وكنيسة القيامة يف القدس ‪ ،‬وكنيسة اؼبهد يف بيت غبم ‪ ،‬والكثَت من اؼبقابر‬
‫القديبة واؼبزارات اؼبختلفة(‪. )1‬‬

‫تقع فلسطُت يف مكاف متوسط من ال عامل واكتسبت ّٔذا اؼبوقع الفريد أنبية خاصة بالنسبة اىل طرؽ اؼبواصالت الدولية‬
‫منذ قدمي الزماف ‪ ،‬فتحولت اىل بوتقة اللتقاء الشعوب وتفاعل اغبضارات فبا يكسب آثارىا أنبية كبَتة يف معرفة اغبضارات‬
‫وآّتمعات الىت نشأت وتطورت فيها وأثرت عرب العصور يف اغبضارات العاؼبية‪ .‬تعد اآلثار احدى ميادين الصراع‬
‫االيديولوجي الرئيسية يف فلسطُت‪ ,‬على مدار مئة عاـ من النشاط األثري يف فلسطُت وكبو طبسة عقود من النشاط‬
‫االسرائيلي يف األراضي الفلسطينية بعد عاـ ‪ ، 1967‬جرت تنقيبات أثرية منظمة إنقاذية يف مئات اؼبواقع االثرية‪ ،‬يف انتهاؾ‬
‫صريح لل قانوف الدويل‪ ،‬وكاف اؽبدؼ من التنقيبات إعادة كتابة تاريخ ىذه اؼبواقع دبا ىبدـ اإلدعاءات االستيطانية الصهيونية‬
‫يف فلسطُت‪ ،‬من خالؿ خلق صلة بُت اؼباضي واغباضر‪ ،‬أما الوجو االخر للنشاط االثري الصهيوين فقد ذبلى يف هنب اؼبوارد‬
‫االثرية ونقلها أو االستحواذ عليها يف نطاؽ اؼبستوطنات االسرائيلية واؼبعسكرات‪ ،‬أو ضمها باعبملة خلف جدار الفصل‬
‫العنصري‪ .‬وقد أدت عمليات االذبار غَت القانوين اىل تدمَت السياقات األثرية الفلسطينية‪ ،‬من خالؿ ربفيز عمليات التنقيب‬
‫غَت الشرعية‪ .‬ويعاجل ىذه البحث موضوع الًتاث الثقايف الفلسطيٍت اؼبلموس بُت الطمس واألحياء‪ ،‬بُت احملنة واؼبنحة‪ .‬يطلق‬
‫الًتاث على ؾبموع نتاج اغبضارات السابقة الىت يتم وراثتها من السلف ؽبا اػبلف‪ ,‬وىي نتاج ذبارب االنساف ورغباتو‬
‫وأحاسيسو سواء كانت يف ميادين العلم او الفكر او اللغة او األدب وكذلك يشمل صبيع النواحي اؼبادية والوجدانية للمجتمع‬
‫من فلسفة ودين وفن وعمراف وتراث فلكوري واقتصادي‪ .‬وبالتايل فإف الًتاث ليس الطابع او اػبصائص القومية بل ىو اعمق‬
‫من ذلك‪ ،‬فهو يعرب عن ؾبموع التاريخ اؼبادي واؼبعنوي غبضارة معينة منذ اقدـ العصور‪ ،‬فكثَت ىي اغبضارات الىت حكمت‬
‫منطقة او مكاف واحدة ومع اف ىذه اغب ضارات ولت إال أف الًتاث ىو الوسيلة الوحيدة او البصمة اؼبميزة الىت أعطت لتلك‬
‫اغبضارات شخصيتها والىت استطعنا اف نستدؿ على عظم ىذه اغبضارات من خالؿ مبانيها االثرية أو أساطَتىا اؼبكتوبة‬
‫الىت وصلت إلينا ‪.‬‬

‫تعد فلسطُت‪ ,‬كما أسلفنا‪ ,‬من أغٌت الدوؿ يف العامل بنتاج ىذه اغبضارات‪ ،‬رغم صغر مساحتها‪ ,‬وذلك ؼبوقعها اؽباـ‬
‫واؼبميز‪ ،‬حيث تربط بُت قاريت آسيا وأفريقيا‪ ،‬وىذا أدى إىل إقامة عالقات تارىبية وثيقة وطويلة األمد مع اؼبناطق آّاورة‪،‬‬
‫ويزيد أنبيتها اعتبارىا مهداّ للديانات السماوية الثالث‪ ،‬حيث سكنها العديد من األقواـ والشعوب وبذلك تضم عدداً كبَتاً‬

‫‪701‬‬
‫الرتاث الثقايف الفلسطيين‬

‫من اؼبواقع األثرية والتارىبية باإلضافة اىل مدهنا التارىبية اؽبامة كالقدس وبيت غبم واػبليل ونابلس‪ ،‬وباعتبارىا جزءاً من تراثنا‬
‫اغبضاري والثقايف اؼبادي‪ ،‬فيجب احملافظة عليها واالىتماـ ّٔا‪ ،‬ولكن لألسف ال قبد كثَت من يقدروف أنبية ىذه الثروة‪،‬‬
‫فيعتربىا البعض أهنا ؾبرد عقبة يف طريق التخطيط اغبضري‪ ،‬والبعض األخر يعتدي عليها بالتنقيب غَت اؼبشروع وغَته‪ ،‬فبا‬
‫يفقدىا الكثَت من قيمتها األثرية‪ ،‬كما غياب الوعي الشعيب بالنسبة لألنبية اآلثار واغبفاظ عليها ونقص اؼبوارد اؼبالية والكوادر‬
‫اؼبؤىلة يلعب دوراً كبَتاً يف ذلك‪ .‬ويظهر دور االحتالؿ اإلسرائيلي وما يقوـ بو من تدمَت ضمن سياستو وفبارستو غَت‬
‫القانونية‪ ،‬حيث دمر كثَتاً من اؼبواقع األثرية‪ ،‬سواء دبنع اعبهات الفلسطينية يف احملافظة عليها‪ ،‬أو ّٔدمو ىذه اؼبواقع من‬
‫خالؿ االجتياحات اؼبتكررة للمدف‪ ،‬أو ببنائو للمستوطنات وشق طرقها اإللتفافية‪ ،‬حيث كاف ؽبا الدور األكرب يف تلك‬
‫الكارثة‪ ،‬ويعترب بناء جدار الفصل العنصري الشاىد األوضح على ىذه االنتهاكات‪ ،‬حيث أف العديد من اؼبواقع االثرية‬
‫موجودة يف نطاؽ اعبدار‪ ،‬وتربر السلطات اإلسرائيلية للرأي العاـ أف دائرة األثار الفلسطينية‪ ،‬تقوـ بإجراء حفريات إنقاذية‬
‫وعاجلة يف اؼبواقع اليت تكتشف اثناء بناء اعبدار‪ ،‬ولكن ىذه اغبفريات غَت دقيقة وال زبضع لعملية التوثيق وال تتفق مع‬
‫األسس العلمية للعمل األثري‪ ،‬كما أهنا زبًتؽ مبادئ ضباية اؼبواقع األثرية ضمن التشريعات والقوانُت احمللية والدولية(‪.)2‬‬

‫مفهوم التراث الثقافي‪:‬‬

‫يطلق لفظ الًتاث على ؾبموعة نتاج اغبضارات السابقة اليت يتم وراثتها من السلف اىل اػبلف‪ ,‬وىي نتاج ذبارب‬
‫اإلنساف ورغباتو وأحاسيسو سواء أكانت يف ميادين العلم أو الفكر أو اللغة أو اآلداب وليس ذلك فقط بل يبتد ليشمل‬
‫صبيع النواحي اؼبادية والوجدانية للمجتمع من فلسفة ودين وفن وعمراف ‪ ...‬وتراث فلكلوري واقتصادي أيضا‪ .‬واألصل من‬
‫الًتاث ىو كلمة مأخوذة من (ورث) واليت تعٍت حصوؿ اؼبتأخر على نصيب مادي أو معنوي فبن سبقو‪ .‬اما األصل التارىبي‬
‫لكلمة تراث فهي تعود إىل أقدـ النصوص الدينية حيث وردت ىذه الكلمة يف القرأف الكرمي (وتأكلوف الًتاث أكال ؼبا)‬
‫(سورة الفجر‪ ،‬آية ‪ )19‬حيث كاف اؼبقصود ّٔا اؼبَتاث(‪ .)3‬وكاف األصل يف البداية استخداـ لفظ اؼبَتاث نيابة عن كلمة‬
‫الًتاث ولكن مع تقدـ العصور أصبحت (الًتاث) ىي الكلمة األكثر شيوعا للداللة على اؼباضي وتاريخ األمة وحضاراهتا وما‬
‫وصل الينا من اغبضارات القديبة سواء أكاف ىذا الًتاث متعلق باألدب أو العلم أو القصص (أي كل ما يبت للقدمي)‪ .‬أما‬
‫عن اؼبعٌت اؼبعاصر لكلمة تراث فهو (الًتاث الفكري اؼبتمثل يف اآلثار اؼبكتوبة اؼبوروثة اليت حفظها التاريخ كاملة ومبتورة‬
‫فوصلت إلينا بأشخاصها)‪ .‬ومن اعبدير بالذكر اف الًتاث ىو ليس الطابع أو اػبصائص القومية بل ىو أعمق من ذلك فهو‬
‫يعرب عن ؾبموع التاريخ اؼبادي واؼبعنوي غبضارة معينة منذ أقدـ العصور فكثَت ىي اغبضارات اليت حكمت منطقة أو مكاف‬
‫واحد ومع ىذه اغبضارات قد ولت إال أف الًتاث ىو الوسيلة الوحيدة أو البصمة اؼبميزة اليت أعطت لتلك اغبضارات‬
‫شخصيتها واليت استطعنا أف نستدؿ على عظم ىذه اغبضارات من خالؿ مبانيها األثرية أو أساطَتىا اؼبقولية اليت وصلت‬
‫إلينا(‪.)4‬‬

‫‪700‬‬
‫الرتاث الثقايف الفلسطيين‬

‫أنواع التراث الثقافي ‪:‬‬

‫‪ -1‬التراث المادي الثابت ‪:‬‬

‫يتمثل يف اؼبعامل واؼبواقع االثرية منها اؼبباين ذات الطابع اؼبدين والديٍت والعسكري واليت تتميز بقيمتها وطابعها االثري‬
‫والتارىبي واؼبعماري والديٍت واعبمايل‪ ،‬وعموما فهي تشمل صبيع اؼبعامل التارىبية واؼبواقع االثرية وآّموعات اغبضرية او الريفية‪،‬‬
‫ومنها اؼبعامل التارىبية الظاىرة فوؽ سطح األرض واليت ارتبطت حبادثة مهمة او شخص مهم وىي تعترب ضمن اؼبوارد الًتاثية‬
‫وتتفاوت أنبيتها تبعا لعمر اؼبعلم ونوعو وحالتو(‪.)5‬‬

‫اما عن آّموعات اغبضرية او الريفية واليت يطلق عليها القطاعات احملفوظة فهي عبارة عن منطقة ذبمع ّٓموعة من اؼبباين‬
‫التارىبية كالقصبات واؼبدف والقصور والقرى وآّمعات السكنية التقليدية واليت ؽبا أنبية تارىبية او معمارية او فنية او‬
‫تقليدية(‪.)6‬‬

‫‪ -2‬التراث المادي المنقول ‪:‬‬

‫ويتمثل يف القطع اؼبنقولة والتحف الفنية والناذبة عن االستكشافات واألحباث االثرية يف الرب وربت اؼباء ومنها القطع‬
‫اػبزفية والفخارية والكتابات االثرية والعمالت واألختاـ واغبلي واأللبسة التقليدية واألسلحة وبقايا اؼبدافن واؼبخطوطات‬
‫ووثائق األرشيف(‪.)7‬‬

‫‪ -3‬التراث الالمادي ‪:‬‬

‫ويتمثل يف اؼبوارد الثقافية واؼبعارؼ واالبتكارات وفبارسات آّتمعات‪ .‬وللًتاث الالمادي أنبية كبَتة لالىتماـ بو يف ظل‬
‫العوؼبة والتحوؿ االجتماعي فهو تعبَت صادؽ عن عادات وتقاليد وثقافة الشعوب وىويتها وانتمائها اغبضاري(‪.)8‬‬

‫من أهم العناصر الشائعة للتراث المادي هو‪:‬‬

‫أ‪-‬كل ما شيده األجداد من عمائر‪ ،‬الدينية كاؼبساجد والكنائس‪ ،‬دور العلم واألضرحة والزوايا واػبانقات والتكايا وعمائر‬
‫أخرى كالقصور واؼبنازؿ واألسواؽ واػبانات واؼبراكز الصحية واغبمامات والسبل(‪.)9‬‬

‫ب‪-‬اغبرؼ اليدوية والصناعات التقليدية اليت يتم صناعتها باالعتماد على اؼبواد اػباـ اؼبوجودة يف اؼبنطقة كصناعة الصابوف‬
‫والزيت يف نابلس وصناعات أخرى يف ـبتلف أرجاء فلسطُت كاػبزؼ والفخار والنحاس والزجاج والصياغة واغبياكة والتطريز‬
‫والنسيج والغزؿ‪.‬‬

‫ج‪-‬األزياء الشعبية كالثوب الفلسطيٍت الذي كاف يعد اللباس التقليدي للمرأة الفلسطينية بينما كاف القمباز اللباس التقليدي‬
‫للرجل‪ ،‬وتضم وسائل الزينة واؼبطبخ الفلسطيٍت بأدواتو اؼبختلفة والطابوف والفنوف األخرى اؼبختلفة(‪. )11‬‬

‫‪709‬‬
‫الرتاث الثقايف الفلسطيين‬

‫وبالتايل الًتاث ىو ؾبموع النتاج الفكري ألبناء الشعب فهو يعرب عن ابداعاهتم على مر العصور يف ـبتلف اؼبعارؼ‬
‫سواء أكاف يف العلوـ الدينية والفقهية والفلسفة واللغة واألدب والشعر والتاريخ والزراعة وحىت التشريعات القضائية واغبكايات‬
‫واألمثاؿ الشعبية وغَتىا من العلوـ اليت ارتبطت بشكل مباشر مع االنساف وواقعو وحياتو اليومية(‪.)11‬‬

‫الفنوف الشعبية الفلسطينية ىي من أقساـ الًتاث اؼبهمة والضرورية جدا ؼبا ؽبا من دور كبَت‪ ،‬حيث ىي قوة قومية لشعبنا‪،‬‬
‫باإلضافة اىل أنبيتها كقوة أيضا فهي حصيلة وجداف ومشاعر شعب بأكملو‪ ،‬حيث كانت تلك الفنوف من الوسائل اؼبهمة‬
‫للتعبَت عن أفراحهم وأحزاهنم واالمهم وأماؽبم وخيبات أملهم أيضا من عمليات التأمر اؼبستمرة على شعبهم‪ ،‬ومن تلك‬
‫الفنوف األىازيج واألغاين الشعبية اليت ربتوي على العديد من األمور اليت تعرب عن عاداهتم كأغاين األعراس اليت توضح مثال‬
‫عادة اغبناء للعروس أو سهرات العريس‪ ،‬فالدبكات أيضا تعترب من الفنوف الًتاثية والرقص الشعيب(‪.)12‬‬

‫كما اف الًتاث يضم أيضا الزخرفة والفنوف التشكيلية التقليدية والتجريدية والفنوف الشفاىية األدبية‪ .‬وىذا الًتاث يتوارثو‬
‫األجياؿ أيضا جيال بعد جيل‪ ،‬والفنوف الشعبية ىي اليت سبيز شعبا عن أخر(‪.)13‬‬

‫أهمية التراث وتأثيره الحضاري‪:‬‬

‫الًتاث ىو كل ما وصل اىل امة من األمم وشعبا من الشعوب فبن سبقوىم من األجداد واألدوات‪ ،‬واؼبعتقدات‬
‫واؼبالبس‪ ،‬واألفكار‪ ،‬حيث يتضمن الًتاث الكتب القدامى واالحتفاالت‪ ،‬واؼبناسبات العامة‪ ،‬واألقواؿ اؼبأثورة‪ ،‬والقيم‪،‬‬
‫واآلداب‪ ،‬والفنوف‪ ،‬اؼبستعملة واألبنية والعادات والتقاليد وغَتىا من األمور األخرى(‪.)14‬‬

‫والًتاث ليس ؿبصورا على شعب أو ثقافة معينة‪ ،‬بل يبتد ليشمل كافة اؼبناطق األخرى‪ ،‬وأنبها النطاؽ اإلنساين الذي‬
‫هبمع البشر كافة‪ ،‬فالًتاث ّٔذا اؼبعٌت يبكن أف يعرؼ على أنو كل ما تتلقفو األجياؿ عن األجياؿ اليت سبقتها‪ ،‬وكل ما‬
‫ستورثو ىذه األجياؿ إىل األجياؿ اليت ستأيت بعدىا‪ ,‬فاإلنسانية صبعاء ؽبا تراث عريق بدأ منذ خلق اهلل تعاىل البشر إىل يومنا‬
‫ىذا الذي كبن فيو‪ ،‬وىو تراث فبتد اىل ما شاء اهلل لو اف يكوف‪ .‬يكتسب الًتاث صفة الًتاكم‪ ،‬وليس اغبذؼ‪ ،‬فاعبديد يبٌت‬
‫على ما ىو قدمي‪ ،‬وال يهدمو وىذا ىو أساس اؼبعرفة ‪ ،‬إذا إف من أىم صفات اؼبعرفة ىي الًتاكم(‪.)15‬‬

‫تكمن أنبية الًتاث يف اؼبقاـ األوؿ بأنو ىو الذي يعطي لشعب من الشعوب ىويتو اػباصة اليت سبيزه عن الشعوب‬
‫األخرى‪ ،‬واليت بدورىا تضع ىذا الشعب يف مصاؼ الشعوب التارىبية اليت ؽبا تاريخ عريق ربتفي بو‪ ،‬واألصبل ىو اف يكوف‬
‫ىذا التاريخ العريق قد أسهم يف تطوير الشعوب األخرى وال زاؿ‪ .‬أنبية الًتاث ىي يف مسانبتو الكبَتة يف تراكم اؼبعرفة خاصة‬
‫ما ورث من العلوـ‪ ،‬فهذا اإلرث ىو إرث عظيم ليس لشعب من الشعوب فقط بل لإلنسانية صبعاء‪ .‬أيضا فإف الًتاث ىو‬
‫احملدد األوؿ واألخَت لثقافة شعب من الشعوب وىو فبا يسهم وبشكل رئيس يف تكوين العقل اعبمعي‪ ,‬ولكن هبدر التنبيو‬
‫ىنا إىل اف روح العصر قد ال تتحمل وال تستوعب بعض ما يأيت يف الًتاث‪ ،‬ؽبذا السبب فإنو ينبغي أف يتم عرض الًتاث‬
‫على العصر‪ ،‬فإف توافق معو أخذ بو وإف مل يتوافق معو مت االحتفاظ بو يف الذاكرة الشعبية(‪.)16‬‬

‫‪707‬‬
‫الرتاث الثقايف الفلسطيين‬

‫تأيت أنبية الًتاث أيضا أنو أساس اغبضارة‪ ،‬فاغبضارة واؼبدنية ال تعنياف إطالقا أف الًتاث يعيق عجلة تقدمها‪ ,‬فالعديد من‬
‫األمم تعد يف الصفوؼ األوىل عاؼبيا مع احتفاظها بًتاثها اعبميل‪ ،‬وىذه رسالة ؼبن ىبجلوف من تراثهم ويودوف دثره‪ .‬فهذا‬
‫اؼبوقف من الًتاث ىو دبثابة االنسالخ من اعبلد‪ ،‬ودبجرد أف ينسلخ اإلنساف من جلده فإنو لن يكوف قادرا على أف يرتدي‬
‫جلدا أخر فبا سيسبب وفاتو(‪.)17‬‬

‫إف األنبية يف معرفة الًتاث تعود اىل ضرورة اؼبعرفة بتاريخ اؼبدنية اليت نعيشها ومعرفة ارجاع كل اثر لدينا اىل العهد او‬
‫التاريخ الذي بنيت فيو ؼبعرفة اػبصائص والعناصر اليت ميزت األبنية يف كل فًتة وذلك حىت نستطيع القياـ بعمليات الصيانة‬
‫والًتميم واحملافظة على اآلثار اليت لدينا وؼبعرفة طبيعة العناصر يف تلك اآلثار ويف حالة القياـ بالًتميم ؼبعرفة كيفية التعامل مع‬
‫اؼببٌت من حيث اؼبواد اؼبستخدمة او الطرؽ اؽبندسية سواء اؼبعمارية او االنشائية او الفنية(‪.)18‬‬

‫تعود أنبية الًتاث اىل األنبية يف تعزيز اؽبوية الفلسطينية‪ ،‬فاؽبوية اليت ذبمع ما بُت افراد الشعب او االمة ؽبا تاريخ عميق‬
‫وماضي وؽبا اؾباد وؽبا ثقافة يعرب عنها الًتاث‪ ،‬الًتاث دبا وبتويو من رموز معربة عن اآلـ شعبنا ومشحونة باؼبعاين والعواطف‪،‬‬
‫حيث اف الًتاث وبتجز بتاريخ االمة وعواطف الروحية والقومية(‪.)19‬‬

‫إف أنبية اؼبعرفة بالًتاث أيضا ىي مرتبطة بشكل أساسي باحملافظة على جذورىا اؼبتأصلة يف األرض‪ ،‬وقيمنا وثوابتنا‬
‫صامدة يف األرض وىي داللو على حقنا الشرعي يف بالدنا ودبعرفتنا تكوف لدينا القدرة على دحض أي ؿباوالت لنسب ىذه‬
‫األرض اىل الكياف الصهيوين او ؿباوالت نسب الًتاث الذي لدينا على انو جزء من تراثنا فهنا أنبيو نضالية وطنية قومية‪.‬‬

‫اف اؼبعرفة بالًتاث تقودنا اىل االطالع على عظمة التاريخ الذي لدينا واىل روعو اغبضارات اليت سكنت يف مدننا‪ ,‬فبا‬
‫يولد الدافع الذايت لدينا غبماية ىذه االثار واحملافظة عليها فهنا ىبلق نوع من الوعي الشعيب بأنبية االثار اؼبوجودة يف مدننا‬
‫وقيمتها بالنسبة لنا‪.‬‬

‫تدفعنا اؼبعرفة بالًتاث اىل االىتماـ باآلثار وربسُت اؼبناطق احمليطة ّٔا فتصبح كمعامل اثرية ذبتذب السياح والناس اليها فبا‬
‫يؤدي اىل النمو االقتصادي واغبضاري وتنشيط االقتصاد يف بالدنا فبا يؤدي اىل رفع دخلنا الوطٍت(‪.)21‬‬

‫يبكن القوؿ اف الًتاث اغبضاري ىو كل ما يدؿ على التطور اغبضاري للمجتمع والدولة من ـبتلف النواحي سواء‬
‫االقتصادية أو االجتماعية أو السياسية أو العمرانية‪ ،‬وغالبا ما تكوف شاملة للشواخص واؼبباين أو حىت اؼبواقع نفسها‪ .‬ولذلك‬
‫تعد ثروة قومية غَت ـبتصة جبيل بعينو بل ىي حق للناس صبيعا وؼبختلف األجياؿ ولذلك تصنف على اهنا جزء من النفع‬
‫العاـ‪ ،‬وتعترب الشواخص واؼبباين االثرية جزءا من الًتاث اغبضاري الهنا سبثل احدى فًتات التطور اغبضاري الهنا سبثل احدى‬
‫فًتات التطور اغبضاري يف الدولة(‪.)21‬‬

‫‪703‬‬
‫الرتاث الثقايف الفلسطيين‬

‫التراث بين الماضي والحاضر‪:‬‬

‫لدى طرح موضوع الثقافة على بساط البحث فال بد لنا اف نتناوؿ اؼبركبُت األساسيُت ؽبذه الثقافة واللذين يبثلهما‬
‫الًتاث بصفتو اؼبركب التارىبي او ما يسمى باعبذور او األصوؿ‪ .‬واؼبركب الثاين وىو كل ما ينضوي ربت االحداث اؼبعاصرة‬
‫اؼبتشكلة كمحصلة للمتغَتات اليت مشلت كافة نواحي اغبياة وخباصة تلك اليت زبص كل صباعة إنسانية يف معزؿ عن األخرى‬
‫من ناحية‪ ،‬وعرب قنوات اتصاؽبا مع االخرين من ناحية أخرى‪ .‬ويهمنا ىنا االحداث غَت اؼبادية‪ .‬وفبا ال شك فيو اف دراسة‬
‫ثقافة أية صباعة إنسانية من خالؿ مركب واحد فبا اسلفنا ىو دبثابة خروج على منطق األشياء وجادة الصواب‪ ،‬اذا ال بد من‬
‫اعبمع بينهما(‪.)22‬‬

‫ويف حديثنا ىنا سوؼ نتناوؿ اؼبركب األوؿ للثقافة ونعٍت بو الًتاث‪ .‬والكلمة لغويا مشتقة من اإلرث‪ ،‬او ما تركتو‬
‫األجياؿ السابقة لألجياؿ الالحقة‪ .‬والًتاث ونقصد بو ىنا الشعيب بطبيعتو وبمل صفات الًتاكمية والشمولية واعبماعية‬
‫وتنتفي عنو الصفة الفردية‪ .‬ومصطلح الًتاث يكاد يكوف مرادفا للتاريخ اف مل يكن ىو اعبزء األىم منو‪ ،‬او انو ىو الروح‬
‫النابضة ؽبذا التاريخ واليت بدوهنا يصبح ؾبرد احداث عبثية‪ .‬وكال التاريخ والًتاث يتحداف معا ليشكال جذور اية صباعة‬
‫إنسانية‪ ،‬ويفسراف بالتايل سلوكيات ىذه اعبماعة يف شىت االذباىات‪ ،‬ويلقياف مزيدا من الضوء على منظومة اىتماماهتا‬
‫ونظرهتا لألشياء وعالقاهتا اإلنسانية الداخلية يف ما بُت أبنائها من جهة‪ ،‬واػبارجية مع اآلخرين من جهة أخرى‪ ،‬مضافا اىل‬
‫كل ذلك مدى انفتاحها وانغالقها وتشددىا وتساىلها يف قبوؿ اآلخر او رفضو‪ ،‬وسبسكها بعندياهتا(‪.)23‬‬

‫وكل ىذه األساسيات تصب يف النهاية يف بوتقة ربديد شخصيتها اإلنسانية واالجتماعية والسياسية والثقافية‪ ،‬وتفرز‬
‫وتربز معا شكل ىويتها االنتمائية ومدى سبسكها وحفاظها عليو‪ .‬شبة مربرات كثَتة تدفع اية صباعة إنسانية للتنقيب عن تراثها‬
‫والكشف عن كنوز إبداعاتو وإعادة اضاءة فضاءات تارىبها اليت حجبتها غيوـ بعد اؼبسافات الزمنية بُت اغباضر واؼباضي‪،‬‬
‫إضافة اىل تراكمات شجوف اغبياة اؼبعاصرة(‪.)24‬‬

‫ويف اعتقادنا اف اوؿ ىذه االعتبارات يتعلق بتجسيد اؽبوية الوطنية االنتمائية اىل الوطن والتاريخ واعبماعة اإلنسانية‬
‫نفسها واغبفاظ عليها يف وجو التيارات الثقافية اؼبعاصرة اليت هتدد ثقافات الشعوب النامية بابتالعها او تشويهها او التعتيم‬
‫عليها‪ ،‬او افقادىا العناصر اغبية فيها‪ ،‬وبالتايل برؾبة ىذه الشعوب على اهنا ؾبرد اعداد بشرية ؾبردة من العطاء واالبداع‬
‫والتفكَت وإبداء الرأي ّٔدؼ فرض ثقافة التقليد والتلقي واالستهالؾ عليها‪ .‬وثاين ىذه اؼبربرات ىبص االعتزاز القومي والثقة‬
‫بالنفس‪ ،‬ذلك اف التاريخ والًتاث نبا اللذاف يبنحاف اية صباعة إنسانية عراقتها وأصالتها وعمق ذبربتها وغناىا‪ ،‬وبالتايل اتساع‬
‫مساحتها الزمانية اؼبكانية‪ .‬وىذا اؼبربر حبد ذاتو من األنبية دبكاف كونو يشكل عامال رئيسا يف خلق الشعور الوطٍت دبعٌت‬
‫التمسك بالوطن واغبفاظ عليو والتضحية من اجلو‪ .‬وثالث ىذه اؼبربرات اف الًتاث حبد ذاتو ثروة اقتصادية يبكن استغالؽبا يف‬
‫ؾباالت وفعاليات معاصرة "يف اؽبندسة اؼبعمارية والبناء واألثاث واللباس والسياحة واألدوات واإلبداعات الفنية األخرى إضافة‬
‫اىل كونو يشكل العنصر األساسي لكثَت من اؼبهرجانات السياحية والفنية‪ .‬ويف حديثنا عن الًتاث أيضا ال بد لنا اف نأخذ‬
‫كثَتا من االعتبارات بعُت االىتماـ‪ .‬فالًتاث ليس ؾبرد ـبلفات مادية أيا كانت او أساليب حياتية او تقاليد او قوالب فنية او‬

‫‪705‬‬
‫الرتاث الثقايف الفلسطيين‬

‫مالبس‪ .‬انو اعمق من ذلك بكثَت‪ ،‬فهو روح اعبماعة اإلنسانية والطاقة احملركة والدافع اىل االنطالؽ والتطور واغبفاظ على‬
‫اؽبوية واالنتماء والتمسك بالوطن‪ .‬واف االىتماـ بو يتعدى كونو مادة ترفيهية سياحية لدعم االقتصاد السياحي من خالؿ‬
‫مهرجانات موظبية وسنوية تقاـ ىنا او ىناؾ(‪.)25‬‬

‫كما اننا من منظور تربوي ال نستطيع اف ندرس ابناءنا التاريخ دوف الًتاث‪ ,‬فالتاريخ يكوف وعاء مفرغا دونو‪ ،‬ذلك انو‬
‫يبنح ىذا التاريخ حيوية وطعما ولونا ومذاقا وشكال‪ ,‬مث اننا نفًتض اف ال يعزؿ الًتاث يف متاحف خاصة بو واف يغلق عليو‬
‫اىل حُت اؼبناسبات اليت اشرنا اليها سابقا‪ .‬فالًتاث يشكل جزءا من اغبياة اليومية أيضا ويتدخل ويتداخل يف مساراهتا‬
‫ويغذيها بطاقة االستمرارية والتواصل‪ .‬كما انو ليس بالضرورة الوقوؼ عند اشكالو القديبة وحرفية تقليدىا‪ ،‬فهناؾ دائما‬
‫إمكانيات للتطوير واغبذؼ واإلضافة والتطعيم والتلوين‪ .‬وليس ىذا يعٍت اف تكوف حياتنا مبطا تراثيا ذلك انو من اؼبستحيل‬
‫ارجاع عقارب الساعة اىل الوراء‪ ،‬وإمبا شبة إمكانية معقولة غبياة معاصرة ملونة بالًتاث‪ .‬وشبة اعتبار آخر ىبص عالقة الًتاث‬
‫احمللي اإلقليمي لكل قطر عريب او إسالمي‪ .‬اذا ال ينبغي بأي شكل من االشكاؿ اف يطغى الًتاث احمللي على الًتاث‬
‫الشامل ونقصد بو العريب اإلسالمي الذي يفًتض اف يكوف ىناؾ توازف بينهما‪ .‬اف الًتكيز على العناصر احمللية اإلقليمية يف‬
‫الًتاث يبكن اف ربمل معها ـباطر التقوقع اإلقليمي‪ ،‬ونفًتض بنا اننا نسعى من خالؿ الًتاث اف نضيف عامال آخر موحدا‬
‫ال مفرقا‪ .‬اف احياء الًتاث واغبفاظ عليو و"إهباد مؤسسات لو" حباجة اىل دراسات وزبطيط وإعداد طواقم إدارية وفنية واىم‬
‫من ذلك زبصيص ميزانيات لو‪ ،‬وإال كاف كل ؾبهود يف ىذا الصدد حرثا يف البحر‪ .‬ولعل أخَت ىذه االعتبارات ال آخرىا‬
‫كوف الًتاث يف غفلة عن أصحابو الشرعيُت او نتيجة عدـ اكًتاث واىتماـ بو او انشغاؿ عنو يف حيثيات اغبياة اؼبعاصرة‬
‫ؤّارجها يتعرض اىل السلب والنهب والسرقة من قبل آخرين ينسبونو اىل انفسهم كما تعرض جزء كبَت ونفيس من الًتاث‬
‫الفلسطيٍت(‪.)26‬‬

‫اف اغبديث عن الًتاث ال ينتهي عند ىذه اؼبقدمة العامة‪ ،‬فنحن يف الوطن العريب والعامل اإلسالمي لدينا كنوز شبينة من‬
‫الًتاث الذي مشل كافة اغبياة اإلنسانية‪ ،‬والذي كاف نتاج سبازج دقيق ومتوازف بُت العوامل الروحانية اليت سبثلها العقيدة وبُت‬
‫االبداعات اؼبادية األخرى‪ ،‬واليت يبكن اف ىبصص ؽبا حبوث ودراسات مستفيضة‪ .‬لكننا ىنا نود اف لبتم عن أف الًتاث‬
‫الفلسطيٍت ىو جزء ال يتجزأ من الًتاث العريب لو طابعو اؼبميز‪.‬‬

‫اف ىذا الًتاث غٍت وشامل ومرتبط باألرض اليت منحت االنساف الفلسطيٍت ىوية انتماء ؽبا منذ القدـ‪ ،‬وىو جدير‬
‫بإحيائو واغبفاظ عليو على طريق االنبعاث على خارطة الوجود اإلنساين‪ ،‬كونو ذاكرة الشعب الفلسطيٍت‪ ،‬وكوف فلسطُت‬
‫ليست ؾبرد مساحة جغرافية يف خارطة العاؼبُت العريب واإلسالمي‪ .‬اهنا مساحة شاسعة من تاريخ عريب إسالمي ؾبيد‪ ،‬وىي‬
‫بأقصاىا اؼببارؾ‪ ،‬وصخرهتا اؼبشرفة‪ ،‬وقدسها الشريف‪ ،‬مسرى الرسوؿ الكرمي ومعراجو‪ ،‬جزء ال يتجزأ من عقيدة ظبحة‪ ،‬يدين‬
‫ّٔا ما ينوؼ عن اؼبليار مسلم‪ .‬وبالتايل فاف مسؤوليات كل اعبهات الثقافية تتعدى ؾبرد االحتفاء بو يف يوـ واحد اىل إهباد‬
‫مؤسسات راعية ومطورة لو يف اطار كوادر علمية وفنية وميزانيات ـبصصة‪ .‬كما اف اخطر مسؤولية تقع على اؼبناىج الًتبوية‬

‫‪700‬‬
‫الرتاث الثقايف الفلسطيين‬

‫يف كل اؼبراحل التعليمية‪ ،‬اذ البد اف تكوف ىناؾ مناىج للًتاث جنبا اىل جنب مع مناىج التارىبُت الفلسطيٍت والعريب‪ .‬ؤّذا‬
‫الصدد فاف دور االعالـ أساسي يف ابراز الًتاث ونشره وحىت تسويقو ثقافيا(‪.)27‬‬

‫كلمة أخَتة‪ ،‬اف الصراع على الًتاث والتاريخ يف منطقتنا ال يقل أنبية عن الصراع على األرض واؼباديات األخرى بل ىو‬
‫جزء ال يتجزأ منها‪ .‬والًتاث الفلسطيٍت يستحق منا كبن احفاد مبدعيو اف كبافظ عليو واف نعيد لو ّٔاءه ورونقو على طريق‬
‫التواصل الذي ىو مدخل االنتماء اىل االنساف واألرض الوطن‪.‬‬

‫التراث بين المنحة والمحنة‪:‬‬

‫مستهدؼ؛ َّ‬
‫فإف فيو هتدي ًدا ؼبن‬ ‫َ‬ ‫جسد وذاكرة‪ ،‬ونعٍت بالذاكرة‪ :‬العقل والفكر والتاريخ‪ ،‬وىذا كلو‬ ‫اإلنسا ُف مادةٌ وروح‪ ،‬أو َ‬
‫ألف اعبسد وحده ال ىبيف إذا َؿبَ ْونا أو َش َّوْىنا العقل أو الذاكرة‪ ،‬إذ‬‫اؽبدؼ األىم؛ َّ‬ ‫زورا‪ ،‬بل إنو َ‬ ‫ٍ‬
‫وباوؿ صك "شرعية" ما ً‬
‫فاألمر ـبتلف؛‬ ‫ِ‬
‫تسيَتىا من قبَل اآلخر‪ ،‬أما مع العقل أو الذاكرة ُ‬ ‫ؾبردا من ذلك إىل آلة ُيبكن استئناسها أو ْ‬ ‫يتحوؿ اإلنساف ً‬
‫إذ يرفض اإلنساف االستئناس أو التسيَت من ناحية‪ ،‬ويبتلك من ناحية أخرى قُدرًة غَت عادية على بَػ ْعث اغبياة يف اعبسد‪،‬‬
‫ذىبت ىذه األخَتة‬‫ْ‬ ‫متوثّْبة‪ ،‬فإذا‬
‫قادرا ما دامت الذاكرةُ حيةً َ‬
‫ونفخ الروح فيو للدّْفاع واؼبقاومة من ناحية أخرى‪ ،‬ويظل اعبسد ً‬
‫اعبسد‪ ،‬وتَػيَبَّس‪ ،‬ومات‪ .‬واغبرب اليت تدور اآلف يف فِلَ ْسطُت وال تزاؿ حرباف‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫أو طُ ِم َست‪ ،‬أو ّْ‬
‫شوَىت‪ ،‬أو عُبث فيها‪ُ ،‬ش َّل‬
‫حرب األرض والناس‪ ،‬وحرب أخرى على الذاكرة؛ األوىل‪ :‬سياسية‪ ،‬واألخرى‪ :‬ثقافية‪ .‬تَ ْستَ ْخدـ الرشَّاش واؼبدفع والدبابة‬
‫والطائرة والصاروخ‪ ،‬والثقافيَّةُ‪ :‬وسائلها القلم واؼبخطوط والكتاب واألثر والوثيقة‪ ،‬واختالؼ اآلالت والوسائل وحده يُقيم ىذا‬
‫فإف اغبربُت حرب واحدة‪ ،‬ىدفُها السيطرةُ على الناس‬ ‫لكل منهما اظبها‪ ،‬أما إذا نَظَْرنا إىل الغاية‪َّ ،‬‬
‫اغبد بُت اغبربػَ ُْت‪ ،‬ويعطي ٍّ‬
‫ومصاغبهم(‪.)28‬‬

‫لكل من اغبربُت ظبات‪ ،‬أنبها‪:‬‬


‫و ٍّ‬
‫أف اغبرب السياسية ظاىرة‪ ،‬والثقافية خفية أو ـبفية‪ ،‬األوىل‪ :‬بسيطة‪ ،‬والثانية‪ُ :‬مركبة‪ ،‬األوىل‪ :‬ربصد األجساد‪ ،‬والثانية‪:‬‬
‫ربصد العقوؿ‪ ،‬األوىل‪ :‬تنتهي فتَتَػ َوقَّف الرشاشات وتسكت اؼبدافع‪ ،‬والثانية‪ :‬مستمرة ما استمر وجود صاحب اغبق‪.‬‬
‫معا‪ ،‬ففي الوقت الذي يقوـ فيو ُجندي ِص ْهيَػ ْوين بإطالؽ‬‫وانشغالنا باألوىل ال هبوز أف يلهينا عن الثانية؛ ألهنما قائمتاف ً‬
‫تسوي‬
‫مسجدا أو ربرؽ كنيسة‪ ،‬أو ّْ‬ ‫ً‬ ‫الرصاص من سالحو على رأس فِلَ ْسطيٍت أو صدره‪ ،‬تكوف ىناؾ كتيبة من اعبنود تدؾ‬
‫مكتبة تارىبية باألرض(‪.)29‬‬

‫كما يكوف ىناؾ آخروف ال يلبسوف مالبس عسكرية‪ ،‬وال وبملوف أسلحة‪ ،‬يقوموف ٍ‬
‫بعمل من نوع آخر‪ُ ،‬وبَّْرفوف كتابًا أو‬
‫حجة أوقاؼ‪ ،‬فَتتكبوف بُت السطور والكلمات واألختاـ قتالً من نوع ـبتلف‪ ،‬تزيد خطورتو بالتأكيد‬ ‫وثيقةً‪ ،‬أو يطمسوف َّ‬
‫على طلقة البندقية‪ ،‬ودانة اؼبدفع‪ ،‬وقنبلة الطائرة‪.‬‬

‫‪703‬‬
‫الرتاث الثقايف الفلسطيين‬

‫بيد‪ ،‬ووبرفوف كتبهم السماوية باليد األخرى‪ ،‬ذلك أف‬ ‫لقد اورد القرآ ُف الكرمي لنا كيف كاف بنو إسرائيل يقتلوف األنبياء ٍ‬
‫ص َّور بساطة‬ ‫ِ‬ ‫دؽبُم على خطر الكلمة وتأثَتىا‪ ،‬و َّ‬ ‫ذكاءىم "الشيطاين" َّ‬
‫أف بإمكاهنم عن طريقها أف يَصلُوا إىل مآرّٔم‪ ،‬ولنا أف نػَتَ َ‬ ‫َ‬
‫(‪)31‬‬
‫أف يعبثوا حبقوؽ الناس بعد أف ازبذوا كلمات اهلل ُى ُزًوا‪ ،‬فغيَّػ ُروىا َّ‬
‫وبدلُوىا ‪.‬‬

‫اؼبعتَدي واؼبستكرب واؼبغتصب لألرض‪ ،‬وىذا يفرض‬ ‫إ ًذا؛ فمحو الثقافة جزءٌ من اللعبة السياسية؛ سعيًا لتحقيق مصاحل ْ‬
‫نفتح أ َْع ُُت اؼبثقفُت وصبوع األمة على ما هبري؛ ليَػ ْف َه ُموا أصوؿ اللعبة وأبعادىا‪ ،‬ويهبطوا ِم ْن أَبْر ِاجهم العاجية اليت‬
‫علينا أف َ‬
‫بد ْوِرىم يف اؼبواجهة‪ ،‬وىي من نوع اغبرب الثقافية اليت سلفت اإلشارة إليها(‪.)31‬‬ ‫يعيشوف فيها‪ ،‬ويُ ْس ِه ُموا َ‬
‫مهما من ذاكرتنا العربية واإلسالمية من ناحية‪ ،‬وجزءًا‬
‫وتنو ًعا‪ ،‬يبثّْل جزءًا ِّ‬
‫ونوعا ُّ‬
‫كما ً‬
‫كبَتا‪ ،‬وغنيِّا‪ِّ ،‬‬
‫سبتلك فلسطُت تراثًا ً‬
‫أيضا من الذاكرة اإلنسانية‪ ،‬ويتعرض اليوـ غبرب متوحشة‪ ،‬تشنها إسرائيل‪ ،‬وكبن غافلوف غفلةً غَت مفهومة‪ ،‬متخلُت‬ ‫مهما ً‬
‫ِّ‬
‫بذلك عن واحد من أىم األسلحة‪ ،‬وال ىبفى أنو سالح ذُِ ْحبنَا بو ونذبح‪ ،‬يف الوقت الذي كاف يبكن أف يكوف يف أيدينا‪،‬‬
‫نَ ْدرأ بو عن أنفسنا‪ ،‬ونثبت بو حقوقنا‪ .‬ويتَ َمثَّل ذلك الًتاث يف تلك اآلثار اؼبشاىدة القائمة على األرض من عمائر ونقوش‬
‫وحفريات‪ ،‬وما يتصل ّٔا من قطع أثرية وأحجار وعمالت وشواىد وصور‪ ،‬وتلك الوثائق التارىبية والشرعية اليت ربكي حياة‬
‫الناس وتقيد معامالهتم وعالقاهتم مع بع ضهم ومع غَتىم‪ ،‬مع أنفسهم ومؤسساهتم وحكامهم‪ ،‬مع أصدقائهم وأعدائهم‪،‬‬
‫وتلك اغبجج والدفاتر والسجالت اليت تؤكد اغبق يف األرض والبيت واؼبسجد والكنيسة واؼبكتبة واؼبدرسة والسبيل واؼبنشأة‪.‬‬
‫كما يػَتَ َمثَّل يف ذلك الًتاث الفكري‪ ،‬األديب واللغوي‪ ،‬والتارىبي والعلمي‪ ،‬واؼبدوف يف ـبطوطات تكشف عن نتاج عقوؿ‬
‫الناس على تلك األرض‪ .‬وليس اؼبقصود بػػ"تراث فلسطُت" ما ىو موجود فقط يف فِلَ ْسطُت‪ ،‬بل ىو أكرب وأمشل من ذلك‬
‫أبناؤىا فقط‪ ،‬إنو يشمل من وجهة نظري‪:‬‬ ‫مقصورا على اؼبوجود داخلها‪ ،‬كما أنو ليس ما أنتجو ُ‬
‫ً‬ ‫بكثَت‪ ،‬فعطاء فلسطُت ليس‬
‫‪ .1‬تراثًا يف فلسطُت‪.‬‬
‫‪ .2‬تراثًا عن فلسطُت‪.‬‬
‫‪ .3‬تراثًا من فلسطُت‬
‫‪ .4‬تراثًا لفلسطُت‬
‫معا ىي تراث فِلَ ْسطُت أو ذاكرهتا‪ ،‬وينبغي أف نبذؿ كل ما يف وسعنا للعناية ّٔا ورعايتها‪ ،‬وتوظيفها‪.‬‬
‫ىذه األنواع األربعة ً‬
‫ونالحظ يف القسمة السابقة دور حروؼ اعبر‪ ،‬فلنبُت ما نريد‪:‬‬

‫موجودا على أرضها‪ ،‬سواء كاف لدى السلطة الفلسطينية‪ ،‬أو وضع عليو احملتل‬ ‫ً‬ ‫‪ .1‬الًتاث يف فلسطُت‪ :‬ىو ذلك الذي ما زاؿ‬
‫بغض النظر عن موضوعو‪ ،‬وىو جزء من الذاكرة العربية واإلسالمية اليت ىي الذاكرة الكلية ِلفلَ ْسطُت‪.‬‬
‫يده اآلشبة‪ّْ ،‬‬‫َ‬
‫موجودا داخل‬
‫ً‬ ‫‪ .2‬الًتاث عن فلسطُت‪ :‬ىو كل ما يتصل ّٔا‪ ،‬أيِّا كانت درجة االتصاؿ‪ ،‬لكنو خار ٌج جغرافيِّا‪ ،‬وقد يكوف‬
‫الوطن العريب‪ ،‬أو يف العامل اإلسالمي‪ ،‬وقد يكوف بأقالـ أبنائها‪ ،‬أو إخوهتم من العرب واؼبسلمُت‪ ،‬ولكنو ليس بأقالـ‬
‫اآلخرين‪.‬‬

‫‪702‬‬
‫الرتاث الثقايف الفلسطيين‬

‫أفرَزتْو تلك البقعة‪ ،‬سواء ارتبط ّٔا أـ مل يرتبط‪ ،‬أقصد سواء كانت فلسطُت‬ ‫ِ‬
‫‪ .3‬الًتاث من فلَ ْسطُت‪ :‬وأعٍت بو ذلك الذي َ‬
‫موضوعا لو‪ ،‬أـ مل تكن‪ ،‬وأوضح أكثر فأقوؿ‪ :‬إنو نتاج أبناء فلسطُت أو الذين تعلموا فيها‪ ،‬أو عاشوا على أرضها‪ ،‬من‬
‫ً‬
‫ـبطوطات يف اؼبتاحف واألديرة‪ ،‬وعمالت أثرية‪ ،‬ومكاتبات‪ ،‬وأدب وغَته‪ ،‬فبا يعكس عبقرية اؼبكاف‪.‬‬

‫‪ .4‬الًتاث لفلسطُت‪ :‬ويراد بو ذلك اؼبرتبط بفلسطُت‪ ،‬ومصدره اآلخروف يف اؼباضي واغباضر‪ ،‬وإمبا فصلتو عن "الًتاث عن‬
‫دورا يف إنتاجو‬ ‫ِ‬
‫فلسطُت"؛ ألنو ؿبتاج إىل درجة أعلى من اغبذر يف التعامل معو‪ ،‬وإمبا عددتو ضمن تراث فلَ ْسطُت؛ ألف ؽبا ً‬
‫دورا يف فهم ما يدور يف عقوؿ اآلخرين عنها‪ ،‬وما يًتتب على ذلك من توظيفو يف خدمة‬ ‫موضوعا لو‪ ،‬كما أف لو ً‬
‫ً‬ ‫بوصفها‬
‫الغاية اليت نسعى إليها(‪. )32‬‬

‫اث يف فلسطُت وعنها‪ ،‬بػُ ْعده جغرايف‪ ،‬وال ىبفى أف ىذا البُعد أو ىذه الدائرة اعبغرافية ليست مرتبطة باغبدود‬ ‫فالًت ُ‬
‫السياسية لفلسطُت اغبالية‪ ،‬وعليو فإف ىذه الدائرة تتسع لتشمل اؼبناطق احملاذية لفلسطُت؛ إذ ىي امتدادات طبيعية للدائرة‬
‫األساسية‪ ،‬فنحن ال نستطيع أف نغفل زبوـ فلسطُت‪ ،‬ونضرب مثالً جبنويب فِلَ ْسطُت‪ ،‬حيث مكتبة دير سانت كاترين اليت‬
‫ربتوي على كثَت من اؼبخطوطات والوثائق‪ ،‬وفيها الكثَتُ من اؼبعلومات اؼبهمة اؼبتصلة باالمتدادات البشرية لسكاف فلسطُت‪،‬‬
‫وربركاهتم ونشاطاهتم‪ ،‬ورحالهتم(‪.)33‬‬

‫وإذا كانت القضية ىي "فلسطُت"‪ ،‬اليت نريد أف ننفذ إىل روحها عرب التاريخ واؼبكاف والبشر لنحمي ذاكرهتا وحقنا فيها‪،‬‬
‫غرضا‪ ،‬دبعٌت‪ :‬أننا وكبن لبدـ فلسطُت وكبميها‪ ،‬نلجأ إىل كل اللغات‪ ،‬وال نقتصر على ما‬ ‫فإف مسألة اللغة تصبح وسيلة ال ً‬
‫ُكتِب بلغتنا القومية‪ ،‬وىذا يعٍت أف تتسع الدائرة اللغوية اليت نتحرؾ يف البحث والتوثيق فيها؛ لتشمل لغات عديدة تارىبية‬
‫بء اؼب ْل َقى على األمة ورجاؽبا اؼبخلصُت‪ ،‬فلدينا باإلضافة إىل العربية‬ ‫ِ‬
‫وحية‪ ،‬منقوشة ومكتوبة‪ ،‬ولنا أف نتصور حجم الع ْ‬
‫السريانيةُ واآلرامية والبيزنطية أو الالتينية‪ ،‬ولدينا الًتكية واليونانية والقبطية‪ ..‬وغَتىا‪.‬‬

‫وشبة أولويات يف التعامل مع كل نوع من أنواع تراث فلسطيٍت اؼبوجود داخل فلسطُت أولويتو أف ننقذه عن طريق اؼبطالبة‬
‫نظرا لألوضاع اليت يعاين منها‪ .‬يف حُت أف أولوية الًتاث عن فلسطُت‬ ‫بو وصبعو‪ ،‬وصيانتو وترميمو‪ ،‬وتوفَت اؼبكاف اؼبالئم لو؛ ً‬
‫تتمثل يف صبعو يف مكاف واحد‪ ،‬ولفت االنتباه إىل ما وبتويو من معلومات ىامة لإلفادة منها‪ ،‬واستخراج ما يعضد اغبق‬
‫يضا‪ .‬والًتاث لفلسطُت أولويتو يف تبويبو وإتاحتو‬
‫العريب يف تلك األرض‪ .‬والًتاث من فلسطُت أولويتو يف درسو والتنقيب عنو أ ً‬
‫للباحثُت‪ .‬وهبمع ذلك كلو أننا ؿبتاجوف حقِّا إىل ما يبكن تسميتو‪" :‬اؼبكتبة الفلسطينية الكربى"‪ ،‬اليت تُ َش ّْكل ذاكرة كاملة‬
‫لتلك األرض‪ ،‬إنو عبء حضاري وتارىبي وقومي وديٍت ثقيل(‪.)34‬‬

‫بدأت ؿبنةُ الًتاث يف فلسطُت مع ؿبنة أصحابو‪ ،‬يف سنة ‪ ،1948‬فقد نزحت أعداد كبَتة من الفلسطينيُت أو طردوا‪،‬‬
‫وكاف ؽبذا أو ذاؾ أثرنبا الكبَت على آّموعات اػبطية اليت سبتلكها األسر‪ ،‬وتبلغ احملنة ذروهتا‪ ،‬ففلسطُت اليوـ ربت اغبصار‪،‬‬
‫نظرا ألنو‬
‫وتراثُها يػَتَػ َعَّرض لإلبادة‪ ،‬شأنو شأف أصحابو‪ .‬ويهمنا ىنا أف لبص باغبديث ذلك اعبزء اؼبوجود داخل فلسطُت؛ ً‬
‫حالة حرجة‪ ،‬وىو موزع على اؼبكتبات العامة واػباصة واعبامعات واؼبساجد والكنائس واألديرة‪ ،‬وبعضو ال يزاؿ ـببوءًا‪،‬‬
‫رقما ؾبهوالً‪ ،‬على الرغم من جهود عظيمة تُبذؿ‬
‫يكن فإف عدد ىذه اعبهات ال يزاؿ ً‬
‫وخباصة يف الكنائس واألديرة‪ .‬ومهما ْ‬
‫‪702‬‬
‫الرتاث الثقايف الفلسطيين‬

‫ىنا وىناؾ‪ ،‬وتشَت بعض التقارير واإلحصاءات إىل ما يقرب من (‪ )24‬مكتبة ُم َوزَّعة على ـبتلف اؼبدف الفلسطينية (‪11‬‬
‫مدينة)‪ ،‬منها (‪ ) 12‬مكتبة يف القدس؛ بعضها قدمي‪ ،‬وبعضها مستحدث‪ ،‬وعدد ال بأس بو من الرقم اإلصبايل مكتبات‬
‫خاصة‪ ،‬والباقي موزع على اعبامعات واعبمعيات واؼبؤسسات ومراكز البحث واألوقاؼ والبلديات واؼبساجد واألديرة‬
‫ٍ‬
‫مكتبات اندثرت‪ ،‬مثل مكتبة حسن صدقي‬ ‫والكنائس‪ .‬وإمبا قلنا‪" :‬رقم ؾبهوؿ"؛ ألف الذين يرصدوف اؼبكتبات يغفلوف عن‬
‫عدد‬
‫الدجاين‪ ،‬ومكتبة عائلة جار اهلل‪ ،‬ومكتبة عبداهلل ـبلص‪ ،‬وكلها يف القدس‪ ،‬ومكتبة سعيد الكرمي يف طولكرـ‪ .‬وإذا كاف ُ‬
‫اؼبكتبات ؾبهوالً‪ ،‬فإف عدد اؼبخطوطات ؾبهوؿ بدرجة أكرب‪ ،‬وتذكر التقارير أنو كاف يقدر قبل االحتالؿ بنحو طبسُت ألف‬
‫يبق منها اآلف سوى كبو شبانية آالؼ ـبطوطة‪ ،‬على أحسن الفروض؛ أي‪ :‬كبو ‪ ،% 18‬وكبن بالطبع‬ ‫ـبطوطة أصلية‪ ،‬مل َ‬
‫تعقيدا وخطورة‪.‬‬
‫نتحدث ىنا عن اؼبخطوطات‪ ،‬وليست لدينا بيانات عن السجالت والوثائق واألوقاؼ‪ ،‬فتلك مسألة أكثر ً‬
‫صبيعا يف‬
‫وأىم اؼبكتبات وأغناىا حىت اليوـ ‪ :‬اؼبكتبة اػبالدية‪ ،‬ومكتبة اؼبسجد األقصى‪ ،‬ومكتبة دار إسعاؼ النشاشييب‪ ،‬وىي ً‬
‫القدس‪ ،‬ويف اآلونة األخَتة ظهرت مكتبات أنشأهتا دولة إسرائيل‪ ،‬وأطلقت عليها أظباءىا‪ ،‬أما ما فيها فهو للفلسطينيُت؛ إذ‬
‫ىم أصحاب األرض وما عليها‪ ،‬ومن تلك اؼبكتبات‪ :‬مكتبة جامعة حيفا‪ ،‬واؼبكتبة الوطنية‪ ،‬ومكتبة اعبامعة العربية (القدس‬
‫الغربية)‪ ،‬وىذه األخَتة فيها َك ّّم ال بأس بو من اؼبصاحف واؼبخطوطات بالفارسية والًتكية العثمانية والعربية (‪2143‬‬
‫أيضا)‪ ،‬واؼبتحف اإلسرائيلي‪ ،‬ومكتبة جامعة تل أبيب(‪.)35‬‬
‫ـبطوطة)‪ ،‬ومتحف ذكرى مائَت (بالقدس الغربية ً‬
‫إف ؿبنة الًتاث يف فلسطُت تَػتَػلَ َّخص يف ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬االستيالء ووضع اليد عليو‪.‬‬
‫وظهرت يف أماكن أخرى يف ظروؼ غريبة ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫اختفت ؾبموعات منو من أماكنها األصلية‪،‬‬
‫ْ‬ ‫‪ .2‬سرقتو‪ ،‬فقد‬
‫‪ .3‬التضييق على أصحابو وؿباصرهتم –إذا صح التعبَت‪ -‬اقتصاديِّا‪ ،‬حىت ال يػَتَ َم َّكنوا من اإلنفاؽ عليو واالىتماـ بو‪.‬‬
‫‪ .4‬مصادرة األوقاؼ اليت كاف ينفق منها عليو‪.‬‬
‫‪ .5‬انتقاء بعض نصوص غَت ذات القيمة علميِّا‪ ،‬والًتكيز على ما فيها من إسرائيليات وأكاذيب‪ ،‬وترىات ومبالغات‪ ،‬ال‬
‫ويل عنق اؼبادة العلمية؛ لتَتَػ َوافَق مع األغراض اؼبشبوىة اليت يرموف إليها(‪ ،)36‬وسنضرب مثاالً على ذلك‪ .‬بدأت‬
‫يقبلها العقل‪َّ ،‬‬
‫اؼبخطُوطات‬
‫سقطت مع األرض أشياء كثَتة‪ ،‬منها عشرات اؼبكتبات دبا فيها من ْ‬ ‫ْ‬ ‫احملنة مع الكارثة سنة ‪ ،1948‬فقد‬
‫وضعُوا أيديهم‬
‫شديدا على القدس‪ ،‬فقد َ‬ ‫قبل يف بغداد‪ ،‬فعلوا‪ ،‬وكاف تركيزىم ً‬ ‫والوثائق وال ُكتُب والدفاتر‪ ،‬وكما فعل اؼبغوؿ من ُ‬
‫صوؿ الرواية اؼبأساوية‪ ،‬وسبَْتَ ُّد األيدي إىل الضفة الغربية وقطاع غزة‪،‬‬
‫لتكتمل فُ ُ‬
‫َ‬ ‫وجاءت نكبة ‪1967‬‬
‫ْ‬ ‫على ـبطوطاهتا ووثائقها‪.‬‬
‫ينشغل عن تراثو باعبهاد من أجل البقاء‪،‬‬
‫َ‬ ‫قاموا بًتويع اإلنساف حىت‬‫كل شيء‪ .‬وتبدو تفاصيل اعبريبة واضحة‪ ،‬فقد ُ‬ ‫تعبث يف ّْ‬
‫صبُوا‪ ،‬وأحرقوا ودمروا‪ ،‬واضطهدوا اإلنساف وأَفْػ َق ُروه‪ ،‬وذباوزوا ذلك كلو إىل ما اعتادوا عليو عرب تارىبهم‪ ،‬فانتقوا‬
‫فنهبوا واغتَ َ‬
‫بعض اؼبخطوطات اليت زبدـ أغراضهم يف سرقة األرض واؼبقدسات‪ ،‬وسبجيد ماضيهم‪ ،‬وتعظيم أعماؽبم‪ ،‬أو اليت يبكن ؽبم أف‬
‫ي ْلووا الكالـ فيها عن وجهو‪ ،‬وىم – كما نعلم – ؿبًتفو تزويرىا وتبديل وتزييف‪ ،‬وقد ازدادوا احًتافًا و ُّ‬
‫سبكنًا بعد أف أتيحت‬
‫ؽبم فرصة امتالؾ التكنولوجيا والسيطرة على وسائل اإلعالـ‪ ،‬دبا فيها من قدرة غَت ؿبدودةٍ على تغيَت اغبقائق‪ ،‬وتبديلها‬
‫وتزويرىا وربريفها‪ ،‬وإلباس األكاذيب لبوس الصدؽ والرصانة والعلم‪ .‬ولنستعرض بعض ما جرى ؼبكتَبَتَػ ُْت فلسطينيتَػ ُْت(‪: )37‬‬

‫‪731‬‬
‫الرتاث الثقايف الفلسطيين‬

‫‪ -1‬المكتبة الخالدية في القدس ‪:‬‬

‫تُػ َع ُّد ِمن أغٌت اؼبكتبات وأعرقها‪ ،‬وتذكر اؼبصادر‪ -‬كما سلف ‪َّ -‬‬
‫أف ّٔا كبو ألفي ـبطوطة‪ ،‬وعدة آالؼ من الوثائق‪،‬‬
‫ضت غبرب حقيقية؛ عسكرية وقانونية‬
‫تعر ْ‬
‫اكتشفت ربت سقفها صدفة عاـ ‪ ،1987‬أثناء عمليات ترميمها‪ ،‬ىذه اؼبكتبة َّ‬
‫قودا (بدأت عاـ ‪ .)1967‬من‬ ‫تع ً‬ ‫استمر ْ‬
‫واقتصادية‪ ،‬شنَّها اعبيش اإلسرائيلي وبلدية القدس‪ ،‬واؼبستوطنوف اؼبسلحوف‪ ،‬و َّ‬
‫افعا‬
‫اعبيش جاء (غورين) كبَت اغباخامات ساب ًقا‪ ،‬واحتل الطابق العلوي‪ ،‬واستقدـ تالميذ مدرسة باشيفا التلمودية اؼبتطرفة‪ ،‬ر ً‬
‫باءت بالفشل‪ ،‬بفضل عناية اهلل‪ ،‬وصالبة األسرة‬ ‫صبيعا ْ‬
‫اغبرـ القدسي‪ .‬لكن احملاوالت ً‬ ‫راية إعادة بناء اؽبيكل يف ساحة َ‬
‫اػبالدية‪ ،‬وخباصة اآلنسة (ىيفاء بنت حيدر كامل اػبالدي)‪ ،‬لقد قامت األسرة بدءًا من مطالع الثمانينيات جبمع اؽببات‪،‬‬
‫كونت صبعية ألصدقاء اؼبكتبة يف أمَتكا‪ ،‬واستخدمت كل الوسائل الدبلوماسية والقانونية‬‫وعبأت إىل احملاكم احمللية‪ ،‬و َّ‬
‫ْ‬
‫استعانت باليونسكو والصندوؽ العريب لإلمباء االقتصادي‪ ،‬وبعض الدوؿ واألفراد اؼبْنصفُت للحفاظ على‬
‫ْ‬ ‫واإلعالمية‪ ،‬و‬
‫اؼبقتنيات(‪.)38‬‬

‫‪ -2‬المكتبة األحمدية في عكا‪:‬‬

‫ليس فيها اآلف سوى ‪ 81‬ـبطوطة‪ ،‬ولدينا شاى ٌد حي‪ ،‬فثمة ـبطوطة فريدة (ضمن ؾبموعة منها أربعة عشر كتابًا ورسالة‬
‫ـبطوطة) من مقتنيات ىذه اؼبكتبة ربت عنواف‪" :‬فضائل البيت اؼبقدس"؛ أليب بكر ؿبمد بن أضبد الواسطي اؼبقدسي‪( ،‬من‬
‫من اؼبمكن أالَّ يدري أح ٌد ّٔذه السرقة‪ ،‬لوال‬ ‫ِ‬
‫رجاؿ القرف اػبامس اؽبجري)‪ ،‬ظهرت فجأة يف مكتبة اعبامعة الع ْربية‪ .‬وقد كاف َ‬
‫أف باحثًا إسرائيليِّا يدعى إسحاؽ حسوف تقدَّـ ّٔا َّ‬
‫ؿبق َق ًة إىل جامعتو (اعبامعة العربية)؛ ليناؿ ّٔا درجة اؼباجستَت عاـ‬
‫ث لو‬‫‪1969‬ـ‪ ،‬ولتصدر مطبوعة يف عاـ ‪1979‬ـ عن اعبامعة نفسها‪ .‬القصة حكاىا مفصلة األستاذ عصاـ الشنطي يف َحب ٍ‬
‫ْ‬
‫نشر يف ؾبلة معهد اؼبخطوطات العربية‪ ،‬وسنَتَػ َوقف عند سؤالُت‪:‬‬

‫لماذا اختار الباحث هذه المخطوطة؟ وكيف َّ‬


‫حققها ودرسها؟‬

‫أما ؼباذا؟ فألهنا ‪ -‬شأهنا أغلب ُكتُب الفضائل ‪ -‬مليئة باإلسرائيليات‪ ،‬واألحاديث الغريبة‪ ،‬والضعيفة‪ ،‬واؼبْن َكرة‪ ،‬واؼبوضوعة‪،‬‬
‫القصاصُت‪ ،‬باإلضافة إىل‬
‫واؼبكذوبة‪ ،‬واؼببالغات واػبرافات‪ ،‬واغبكايات واألساطَت اليت يرفضها العقل‪ ،‬وترجع إىل أعماؿ َّ‬
‫ؿبرفة من التوراة‪ ،‬ومن خالؿ ذلك سعى إىل سبجيد تاريخ اليهود وتعظيم رجاؽبم‪.‬ومل يكن ذلك الباحث ّْ‬
‫ؿبق ًقا وال‬ ‫نصوص َّ‬
‫وىبفي ما يكرىوف‪ ،‬ويعبث بالنصوص‪ ،‬ويقتطع منها‪ ،‬ويرّْكز على بعضها‪،‬‬ ‫دارسا‪ ،‬بل كاف جنديِّا لقومو‪ ،‬يربز ما وببوف‪ُ ،‬‬
‫ً‬
‫ويلوي عُنُق بعضها اآلخر‪ ،‬ليصل إىل أغراضو‪ ،‬وىبدـ أىواءَه‪ .‬وشبة جوانب أخرى للمحنة‪ ،‬أو وجو آخر ؽبا‪ ،‬فإذا كاف أولئك‬
‫ىم أعداء تُراثنا وذاكرتنا‪ ،‬وكبن نعرفهم وندرؾ أغراضهم‪َّ ،‬‬
‫فإف اؼبفارقة اػبطَتة أننا ‪ -‬كبن العرب واؼبسلمُت ‪ -‬نقوـ بدور يف‬
‫وترْكو هنبًا للحشرات‪ ،‬والفطريات‪ ،‬والرطوبة واغبرارة وفساد‬ ‫ّْ‬
‫ىذه اللعبة‪ ،‬ونسهم فيها‪ .‬وأبرز ذبليات ىذا اإلسهاـ إنباؿ تُراثنا‪َ ،‬‬
‫وح ُقوؽ‪ .‬ويوازي‬
‫يخ وع ْلم ُ‬
‫وتالشت سطوره وكلماتو‪ ،‬وضاع ما فيو من تار ٍ‬
‫ْ‬ ‫وجلوده‪،‬‬
‫ُ‬ ‫تآكلت أوراقُو‬
‫ْ‬ ‫ىشيما‬
‫يصبح ً‬‫اؽبواء‪ ،‬حىت َ‬
‫ىبيم علينا اعبهل‪ ،‬فنظن أف احًتاـ الًتاث يكوف بإخفائو عن العيوف‪ ،‬وإبعاده عن األيدي‪ ،‬وربويلو‬ ‫ذلك وردبا يزيد عليو أف َ‬
‫مصدرا للنُّور والعلم‪ ،‬وإحقاؽ اغبق وإزالة الباطل‪.‬‬
‫ً‬ ‫أح ِجبة‪ ،‬ومصدر للبَػَركة واستجالب للخَت‪ ،‬بدالً من أف يكوف‬
‫أحراز و ْ‬
‫إىل ْ‬
‫‪730‬‬
‫الرتاث الثقايف الفلسطيين‬

‫تخ َذ االحتياطات‬ ‫وقريب فبا سبق أف نبيعو للغرباء؛ طلبا غبفنة من اؼباؿ‪ ،‬ال نلبث أف ننفقها على متَعِنا‪ .‬ويلحق بذلك أالَّ ن ِ‬
‫ً‬
‫ووبَّْرفونو كما فعلوا‬
‫يدمرونو‪ ،‬أو يفيدوف فبا فيو وينسبونو ألنفسهم‪ ،‬أو يعبثوف فيو ُ‬‫الالزمة غبمايتِو‪ ،‬فيستويل عليو أعداؤنا الذين ّْ‬
‫بكتبهم السماوية‪ ،‬أو يقتطعوف منو ما ىبدـ أغراضهم‪ ،‬ويقنعوف العا َمل بآرائهم اؼبريضة‪ ،‬وحقوقهم الدعيَّة‪ ،‬ويُ َش ّْوُىوف صورتنا‬
‫يف الوصف نفسو(‪.)39‬‬

‫ونوعا‬
‫ىي صورة قاسبة حقِّا‪ ،‬لكن ثناياىا خيوط ضوء‪ ،‬ال نستطيع إغفا َؽبا؛ حىت ال يكوف كالمنا دعوة لليأس والقنوط‪ً ،‬‬
‫بذلت وتػُْب َذؿ ىنا وىناؾ‪ ،‬وتصلح أف نبٍت عليها‪ ،‬ونؤسس‬
‫من االهنزاـ واؽبروب‪ ،‬خيوط النور ىذه تَػتَ َمثَّل يف اعبهود اليت ْ‬
‫بدأت بذور الوعي بأنبية تراث فِلَ ْسطُت يف مطالع القرف‬ ‫ِ‬
‫صرحا عاليًا ىبدـ تراث فلَ ْسطُت ووبتفظ بأرضها وناسها‪ .‬لقد ْ‬ ‫ً‬
‫العشرين يف صورة جهود أفراد علماء‪ ،‬وازبذت طابع التعريف بو‪ ،‬وعلى الصعيد اؼبؤسسي كاف ىناؾ غياب تاـّّ‪ ،‬لعلو يرجع‬
‫إىل االستعمار واالنتداب وكارثة الكياف اؼبصطنع الذي أعطوه الوعد اؼبشؤوـ‪ ،‬على أف شبة وعيًا بالًتاث يف عمومو‪ ،‬ذبلَّى يف‬
‫التفت ىذا اؼبعهد إىل فِلَ ْسطُت يف بادرة‬
‫َ‬ ‫إنشاء معهد اؼبخطوطات العربيَّة يف إطار اعبامعة العربية يف عاـ ‪1946‬ـ‪ ،‬وقد‬
‫أنقذت جزءًا ‪ -‬ولو قليالً ‪ -‬من تراث فِلَ ْسطُت‬
‫ْ‬ ‫تتجاوز البحوث والدراسات اؼبت َفّْرقة‪ ،‬وتفوقها أنبية‪ ،‬وىي إيفاد بعثة تصوير‪،‬‬
‫متأخرا ينبغي التوقُّف‬
‫ً‬ ‫يتعمق ىذا االذباه‪ ،‬لكن ذلك مل َْوب ُدث‪ .‬وىناؾ ُجهد حقيقي‪ ،‬وإف كاف‬ ‫اؼبخطوط‪ ،‬وكاف ينبغي أف َّ‬
‫عنده‪ ،‬ىو جهد اعبامعة األردنية‪ ،‬وإمبا قلنا‪" :‬جهد حقيقي"؛ ألنو يتسم بثالث ظبات ىامة‪:‬‬

‫أولها‪ :‬اغبجم‪ :‬فقد قامت اعبامعة حبملة تصوير واسعة‪ ،‬مشلت الكثَت من مكتبات فلسطُت‪.‬‬

‫وثانيها‪ :‬التنوع‪ :‬فقد عُ ْ‬


‫نيت بسجالت احملاكم الشرعية واألوقاؼ‪ ،‬ودفاتر األحواؿ الشخصية‪ ،‬والرحالت اػباصة ببالد الشاـ‬
‫خصوصا‪ ،‬وتقارير القناصل اإلقبليزية واألمريكيُت واألؼباف والفرنسيُت‪.‬‬
‫ً‬ ‫عموما‪ ،‬وفلسطُت‬
‫ً‬
‫وربديدا إستانبوؿ وأنقرة‪ ،‬مرّْكزة على جزء ىاـ‬
‫ً‬ ‫وثالثها‪ :‬االتساع‪ :‬فقد مدت اعبامعة نظرىا إىل خارج فلسطُت‪ ،‬وخباصة تركيا‪،‬‬
‫بالتعاوف مع‬
‫ُ‬ ‫جدِّا من تراث فلسطُت‪ ،‬ىو السجالت والدفاتر العثمانية اليت زبص فلسطُت (‪ 251‬ألف صفحة)‪ ،‬ونشرىا‬
‫اؼبركز اإلسالمي يف إستانبوؿ‪ ،‬كما عنيت بالصحف يف القرنُت التاسع عشر والعشرين‪ ،‬سواء األىلية أو الرظبية‪.‬‬

‫للمؤسسات األردنية‪ ،‬مثل‪ :‬مؤسسة آؿ البيت اليت عنيت بالنقوش واغبفريات صبيًا وتبويبا‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫مهمة أخرى‬
‫وىناؾ جهود َّ‬
‫وؾبمع اللغة العربية األردين‪ .‬وشبة جهد إقليمي‪ ،‬ىو جهد اؼبنَظَّمة العربيَّة للًتبية والثقافة والعلوـ‪ ،‬سواء ِ‬
‫بنفسها أو عرب جهازىا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وعقدت ندوة خاصة بًتاث‬‫ْ‬ ‫مشروعا لصيانة الًتاث الثقايف يف القدس‪،‬‬‫ً‬ ‫َّت‬
‫اؼبتخصص (معهد اؼبخطوطات العريب)‪ ،‬فقد تَػبَػن ْ‬
‫الًتاث وساندتْو غَت مرة‪ ،‬عرب اؽبيئات واآلليات اليت تقوـ عليها‪ ،‬مثل اؽبيئة اؼبشًتكة ػبدمة‬ ‫أثارت موضوع ىذا ُّ‬ ‫ِ‬
‫فلَسطُت‪ ،‬و ْ‬
‫عددا من أبناء فِلَ ْسطُت على ترميم اؼبخطوطات وصيانتها)(‪.)41‬‬ ‫بت ً‬ ‫اؼبتخصصة (در ْ‬
‫ّْ‬ ‫الًتاث العريب‪ ،‬ودوراهتا‬

‫وقد بدأت اؼبراكز واؼبؤسسات اػباصة الشبيهة تقوـ بدور ال يقل أنبية عن اؼبؤسسات الرظبية واإلقليمية‪ .‬كبن اآلف حباجة اىل‬
‫رسم خريطة واضحة التضاريس واؼبعامل لًتاث فلسطُت ضبلة تصوير شاملة للًتاث دبفهومو الواسع داخل فلسطُت اوآل‪ ،‬مث يف‬
‫زبوـ فلسطُت‪ ،‬مث يف اؼبكتبات العربية والعاؼبية ‪.‬‬

‫‪739‬‬
‫الرتاث الثقايف الفلسطيين‬

‫أيضا‪.‬‬
‫فهرس شامل لًتاث فلسطُت دبفهومو الواسع ً‬
‫مكتبة مركزية عربيَّة لًتاث فلسطُت‪ ،‬ولكل ما نشر عنها‪.‬‬
‫عٌت ّٔذا الًتاث‪ ،‬وتوظُّْفو لتأييد اغبق العريب‬
‫مؤسسة حبثيَّة عربية تُ َ‬
‫وإذا ما صدقت النوايا‪ ،‬وسخا اعبهد‪ ،‬وتوحدت األيدي‪ ،‬قبح السعي‪.‬‬
‫طفل فلسطيٍت‪ ،‬فأطفاؿ فلسطُت اليوـ ىم الطيور‬ ‫إننا لسنا حباجة إىل أكثر من حجر مثقف‪ ،‬كذلك الذي وبملو ٌ‬
‫األبابيل اليت ربمل حجارًة من سجيل‪ ،‬ومثل ىذا اغبجر "السجيلي" أقوى فبا نتصور؛ ألنو ىبًتؽ قُػ ُرونًا من اغبضارة والعطاء‬
‫ومزيفي التاريخ‪ .‬واؼبعادلة بسيطة سهلة‪ ،‬مفاتيح حلها‬ ‫والعلم‪ ،‬مثل ىذا اغبجر قادر َبع ْوف اهلل على مواجهة ـبريب اغبضارة َ‬
‫بأيدينا‪ :‬إيباف باغبق‪ ،‬وشيء من الصرب(‪.)41‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬

‫يعترب التاريخ يف فلسطُت أحد ميادين الصراع األيديولوجي الرئيسة واؼبعركة احملتدمة اآلف يف القدس ىي واحدة من فصوؿ‬
‫ىذا الصراع اؼبرير‪ .‬ويتضح ذلك من خالؿ االستغالؿ الواسع لنتائج علم اآلثار من قبل اغبركة الصهيونية لتربير االدعاءات‬
‫األيديولوجية على أرض فلسطُت‪ ،‬واليت ازبذت كذريعة لتجريد الشعب الفلسطيٍت من أرضو وتارىبو معاً‪.‬‬

‫جرت تنقيبات أثرية إسرائيلية منظمة وإنقاذية يف آالؼ اؼبواقع األثرية الفلسطينية‪ ،‬يف انتهاؾ صريح للقانوف الدويل‪ ،‬وكاف‬
‫اؽبدؼ من التنقيبات إعادة كتابة تاريخ ىذه اؼبواقع دبا ىبدـ االدعاءات االستيطانية الصهيونية يف فلسطُت من خالؿ خلق‬
‫صلة بُت اؼباضي واغباضر‪ ،‬وتسخَت موارد ىائلة لكتابة رواية تارىبية أحادية اعبانب تربر بشكل ذرائعي اؼبشروع االستيطاين‬
‫على أرض فلسطُت‪ .‬أما الوجو اآلخر للنشاط األثري اإلسرائيلي فقد ذبلى يف هنب اؼبوارد األثرية ونقلها أو االستحواذ عليها‬
‫ضمها باعبملة خلف اعبدار العنصري الفاصل‪ .‬وقد أدت عمليات االذبار‬ ‫يف نطاؽ اؼبستوطنات واؼبعسكرات اإلسرائيلية أو ّ‬
‫غَت القانوين والنقل غَت اؼبشروع للممتلكات األثرية الفلسطينية إىل تدمَت كبَت للمواقع األثرية الفلسطينية‪ ،‬من خالؿ ربفيز‬
‫عمليات التنقيب غَت الشرعية‪.‬‬

‫تعرض الًتاث الثقايف الفلسطيٍت لعملية تدمَت شبو منظمة على مدار سنوات االحتالؿ‪ ،‬وسبثلت دبحو آثار ما يزيد عن‬
‫ّ‬
‫طبسمئة مدينة وقرية فلسطينية يف الفًتة ما بُت ‪ 1948‬و‪ ،1952‬وتواصلت ىذه العملية بعد احتالؿ الضفة الغربية وغزة‬
‫سنة ‪ ،1967‬وتركزت يف مدينة القدس يف ؿباولة لتغيَت الطابع التارىبي ؽبذه اؼبدينة‪ .‬ويف االجتياحات اإلسرائيلية اؼبتكررة‬
‫تعرضت اؼبدف التارىبية الستهداؼ مقصود‪ ،‬ويعترب حصار كنيسة اؼبهد وتدمَت البلدة القديبة يف نابلس‬ ‫لألراضي الفلسطينية ّ‬
‫شاىدين على عمليات التدمَت اؼبتعمد سنة ‪ .2112‬ويف اغبرب األخَتة على غزة جرى استهداؼ مقصود ؼبواقع الًتاث‬
‫الثقايف واؼبباين العامة والدينية واؼبؤسسات التعليمية والبنية التحتية‪.‬‬

‫كما أدى بناء اعبدار الفاصل يف عمق األراضي الفلسطينية إىل السيطرة اؼبباشرة على حوايل ‪ %51‬من اؼبوارد األثرية‪،‬‬
‫وفصل مدينة القدس عن ؿبيطها‪ ،‬وتسبب أيضا يف تدمَت كارثي للمشهد الثقايف‪.‬‬

‫‪737‬‬
‫الرتاث الثقايف الفلسطيين‬

‫ومت توظيف العمل األثري ػبدمة السياسة االستيطانية يف األراضي الفلسطينية‪ ،‬وىناؾ الكثَت من اغباالت اليت ربولت فيها‬
‫اؼبخيمات األثرية إىل نقاط استيطانية ثابتة كما ىو اغباؿ يف القدس وسلواف و دير اؼبرصرص وخربة سيلوف وخربة سوسيا و‬
‫كفر قدوـ واػباف االضبر‪ .‬مث السيطرة على األماكن الدينية اإلسالمية واؼبسيحية‪ ،‬كما ىو اغباؿ يف ؿبيط اؼبسجد األقصى‬
‫واغبرـ اإلبراىيمي يف اػبليل وقرب راحيل ومقاـ يوسف ومسجد النيب صمويل‪ .‬وتعمد سلطات االحتالؿ إىل تغيَت أظباء ىذه‬
‫اؼبواقع ّٔدؼ إضفاء طابع تارىبي عليها‪.‬‬

‫ويشكل الًتاث الفلسطيٍت خاصة وثقافتو عامة‪ ،‬ىدفا رئيساً حملاوالت الطمس وااليذاء والتعتيم واؼبسح وتتخذ ىذه‬
‫اؼبمارسات مسارين او طريقُت متوازيُت‪:‬‬
‫األوؿ‪ :‬التهويد او إضفاء الصبغة اإلسرائيلية على ىذا الًتاث‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬الغاء فلسطينية ىذا الًتاث وعروبتو وإضعافو وؿبوه‪.‬‬
‫وكل ذلك ؽبدفُت متزامنُت‪:‬‬
‫خلق صلة ما بُت اليهود واألرض وكسب االعًتاؼ العاؼبي ّٔذه الصلة‪.‬‬
‫اضعاؼ الصلة بُت الشعب الفلسطيٍت وبُت ارضو‪ ،‬بل بًتىا كليا وقطعيا‪ ،‬وتقوـ ّٔذه اؼبمارسات ىيئات كثَتة ومتعددة من‬
‫وزارات ومكاتب حكومية رظبية او ش بو رظبية اىل مؤسسات وجهات شعبية وعلمية واجتماعية من كل صنف ولوف ومن‬
‫األمثلة على فبارسات االحتالؿ يف آّاؿ اؼبادي ما يأيت‪:‬‬

‫‪ .1‬ىدـ مئات القرى واؼبدف وتدمَتىا يف عاـ ‪1948‬ـ وتشريد أىلها ومسح كل اثر ؽبا وإقامة اؼبستوطنات اليهودية على‬
‫أراضي القرى العربية اؼبدمرة‪.‬‬
‫‪ . 2‬بعث األظباء التوراتية الطالقها على األماكن واؼبواقع اؼبختلفة وإعطاء أظباء عربية جديدة لطمس كل ما يذكر بعروبة‬
‫فلسطُت‪.‬‬
‫‪ . 3‬االعتداء على اؼبقدسات اإلسالمية واؼبسيحية كاغبريق الذي نشب يف اؼبسجد األقصى عاـ ‪ 1969‬وحوادث السطو‬
‫على كنيسة القيامة‪.‬‬
‫إف إسرا ئيل تعرض يف متاحفها الفتة ربت عنواف"إسرائيل عرب العصور" ظنا منها أف احتالؿ التاريخ يصبح حقيقة‪ ،‬فلم‬
‫تًتؾ إسرائيل شيئاً إال و أدخلت عليو التزوير والتحريف‪ ،‬فاؼبعطى اعبغرايف األوؿ الذي قامت عليو إسرائيل أهنا ادعت إف‬
‫فلسطُت أرض بال شعب إىل تزوير التاريخ والعقائد والثقافات ومصادرهتا فلم تًتؾ إسرائيل عنصراً "ثقافياً" يف الشرؽ إال‬
‫ونسبتو إىل نفسها‪ .‬وبالتايل فاف موضوع الًتاث الثقايف من اؼبواضيع اغبساسة ليس فقط بسبب قيمتها األثرية والعلمية‪،‬‬
‫ولكنها شاىداً حياً للهوية الفلسطينية وحقها التارىبي على أرض فلسطُت‪ ،‬ألف الصراع على الًتاث والتاريخ يف منطقتنا ال‬
‫يقل أنبية على الصراع على األرض واؼباديات األخرى‪ ،‬بل ىو جزء ال يتجزأ منها‪ .‬والًتاث الفلسطيٍت يستحق احملافظة عليو‬
‫وأف نعيد لو ّٔاءه ورونقو على طريق التواصل الذي ىو مدخل االنتماء إىل اإلنساف واألرض والوطن‪.‬‬

‫‪733‬‬
‫الرتاث الثقايف الفلسطيين‬

‫الهوامش‪:‬‬
‫‪1- Al-Houdalieh, Salah. Archaeological heritage and related Institutions in the Palestinian Territories 16 years after signing‬‬
‫‪the Oslo Accords, Present Pasts Journal 2 (2010), Pp 31-53.‬‬
‫‪ -2‬اغبمد‪ ،‬جواد‪ ,‬يف الذاكرة االنسانية‪ ,‬الشعب الفلسطيٍت ضحية األرىاب واؼبذابح الصهيونية‪ ،‬عماف‪ :‬مركز دراسات الشرؽ األوسط‪ ,1995 ,‬ص ‪.56‬‬
‫‪ -3‬اػبالدي‪ ،‬وليد‪ ,‬كي ال ننسى‪ ,‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ ,‬بَتوت‪ ,1998 ,‬ص ‪.32‬‬
‫‪ -4‬سوكاح‪ ،‬زىَت‪ ,‬اؽبوية بُت الكتابة التارىبية والذاكرة اعبمعية كبو مبوذج ذكرى فلسطُت‪ ,‬ؾبلة رؤى‪ ,‬العدد ‪ ,27‬راـ اهلل‪ ,2118 ,‬ص ‪41.‬‬
‫‪ -5‬اغبمد‪ ,‬جواد‪ ,‬اؼبرجع السابق‪ ,‬ص ‪61‬‬
‫‪ -6‬شعث‪ ،‬شوقي‪ ,‬اآلثار وخطرىا على القضية الفلسطينية‪ ,‬حلب‪ ,1976 ,‬ص ‪87.‬‬
‫‪ -7‬سيد‪ ،‬اضبد ؿبمد علي عباس‪ ,‬اؼبمتلكات الثقافية بُت اؼبواطنة واالغًتاب‪ ,‬يف أورماتو‪ ,‬العدد الرابع‪ ,‬مؤسسة عبد الرضبن السديري اػبَتية‪ ,‬السعودية‪, 2111 ,‬‬
‫ص ‪111‬‬
‫‪ -8‬سوكاس‪ ,‬زىَت‪ ,‬اؼبرجع السابق‪ ,‬ص ‪44‬‬
‫‪ -9‬كناعنة‪ ،‬شريف‪" ,‬ـبطط طمس وجو فلسطُت"‪ ,‬يف الًتاث جذور وربديات‪ ,‬مطبعة رواف‪ ,‬القدس‪ ,1991 ,‬ص ‪82.-81‬‬
‫‪ -11‬اػبالدي‪ ,‬وليد‪ ,‬اؼبرجع السابق‪ ,‬ص ‪36-35‬‬
‫‪ -11‬ىارؼببس‪ ,‬ىولبورف‪ ,‬سوسشيولوجيا الثقافة واؽبوية‪ ,‬ترصبة حامت ضبيد ؿبسن‪ ,‬دار كيواف‪ ,‬دمشق‪ ,2111 ,‬ص ‪53.-51‬‬
‫‪ -12‬طو‪ ،‬ضبداف‪ ,‬الًتاث الثقايف واؽبوية الفلسطينية‪ ,‬يف اؽبوية الفلسطينية إىل أين؟‪ ,‬صبعية إنعاش األسرة‪ ,‬مركز دراسات الًتاث وآّتمع الفلسطيٍت‪ ,‬البَتة‪,2119 ,‬‬
‫ص ‪72-71‬‬
‫‪ -13‬كناعنة‪ ،‬شريف وآخروف‪ ,‬اؼبالبس الشعبية الفلسطينية‪ ,‬صبعية إنعاش األسرة عبنة األحباث االجتماعية‪ ,‬فلسطُت‪ ,1982 ,‬ص ‪. 35-34‬‬
‫‪ -14‬طو‪ ,‬ضبداف‪ ,‬اؼبرجع السابق‪ ,‬ص ‪79-76‬‬
‫‪ -15‬نعَتات‪ ،‬حسن‪ ,‬الفنوف الشعبية الفلسطينية‪ ,‬ط‪ ,1‬وزارة الثقافة الفلسطينية وجامعة النجاح الوطنية‪ ,2111 ,‬ص ‪29.-27‬‬
‫‪ -16‬ىارؼببس‪ ,‬ىولبورف‪ ,‬اؼبرجع السابق‪ ,‬ص ‪56-55‬‬
‫‪ -17‬طو‪ ,‬ضبداف‪ ,‬اؼبرجع السابق‪ ,‬ص ‪83-81‬‬
‫‪ -18‬نعَتات‪ ،‬حسن‪ ,‬اؼبرجع السابق‪ ,‬ص ‪92‬‬
‫‪ -19‬طو‪ ،‬ضبداف‪ ,‬إدارة الًتاث الثقايف يف فلسطُت‪ ,‬يف اؼبشروع الثقايف الفلسطيٍت وإسًتاتيجية اؼبستقبلية‪ ,‬آّلس األعلى للًتبية والثقافة‪ ,‬القاىرة‪ ,2113 ,‬ص‬
‫‪178-172‬‬
‫‪ -21‬شليب‪ ،‬صالح عبد البديع‪ ,‬حق االسًتداد‪ ,‬دوف مطبعة‪ ,1983 ,‬ص ‪119‬‬
‫‪ -21‬كناعنة‪ ،‬شريف وآخروف‪ ,‬اؼبرجع السابق‪ ,‬ص ‪45-44‬‬
‫‪ -22‬الدباغ‪ ،‬مصطفى‪ ,‬بالدنا فلسطُت‪ ,‬ج‪ ,2‬الديار اؼبقدسة‪ ,‬دار الطليعة‪ ,‬بَتوت‪ ,1988 ,‬ص ‪68-67‬‬
‫‪ -23‬سيد‪ ،‬اضبد ؿبمد علي عباس‪ ,‬اؼبرجع السابق‪ ,‬ص ‪113‬‬
‫‪ -24‬سلحوت‪ ،‬صبيل‪ ,‬النشاط الثقايف يف القدس‪ ,‬منشورات منظمة التحرير الفلسطينية‪ ,‬راـ اهلل‪ ,2115 ,‬ص ‪.79-77‬‬
‫‪25- Amensty International. Israel and the Occupied Palestinian Territories Enduring occupation. Palestinians under siege in‬‬
‫‪the West Bank, 2007, Pp. 23-26.‬‬
‫‪ -26‬قاعدة بيانات الًتاث الثقايف‪ ,‬دائرة اآلثار والًتاث الثقايف‪ ,‬وزارة السياحة واآلثار‪.2119 ,‬‬
‫‪ -27‬كناعنة‪ ،‬شريف‪ ,‬الدار دار أبونا‪ ,‬مركز القدس العلمي الدارسات الفلسطينية‪ ,‬القدس‪ ,2111 ,‬ص ‪48‬‬
‫‪ -28‬سيد‪ ،‬اضبد ؿبمد علي عباس‪ ,‬اؼبرجع السابق‪ ,‬ص ‪116‬‬
‫‪ -29‬الكحلوت‪ ،‬ؿبمد‪ ,‬اؼبخططات الصهيونية وخطرىا على اؼبدينة اؼبقدسة‪ ,‬مؤسسة القدس‪ ,‬غزة‪ ,2119 ,‬ص ‪95-92‬‬
‫‪ -31‬كناعنة‪ ،‬شريف وآخروف‪ ,‬اؼبرجع السابق‪ ,‬ص ‪84-83‬‬
‫‪ -31‬عوض‪ ،‬ريتا‪ ,‬الًتاث ما بُت سياسات اغبفظ والئسيس‪ ,‬ؾبلة الدراسات الفلسطينية‪ ,‬العدد ‪ ,2113 ,94‬ص ‪.72-69‬‬
‫‪ -32‬صاحل‪ ،‬ؿبسن‪ ,‬دراسات يف الًتاث الثقايف يف اؼبدينة القدس‪ ,‬مركز الزيتونة للدراسات واالستشارات‪ ,‬بَتوت‪ ,2119 ,‬ص ‪89-87‬‬
‫‪ -33‬سعيد‪ ،‬إدوارد‪ ,‬اإلختالؽ‪ ,‬الذاكرة واؼبكاف‪ ,‬ترصبة رشاد عبد القادر‪ ,‬عن ؾبلة اآلداب األجنبية‪ ,‬العدد ‪ ,114‬ارباد الكتاب العرب‪ ,‬دمشق‪ ,2111 ,‬ص‬
‫‪31-27‬‬

‫‪735‬‬
‫الرتاث الثقايف الفلسطيين‬

‫‪ -34‬ضبودة‪ ،‬أضبد‪ ,‬موسوعة اؼبدف الفلسطينية‪ ,‬ط‪ ,1‬دار الثقافة‪ ,‬منظمة التحرير الفلسطينية‪ ,‬دمشق‪ ,1991 ,‬ص ‪117-111‬‬
‫‪ -35‬عوض‪ ،‬ريتا‪ ,‬اؼبرجع السابق‪ ,‬ص ‪71-68‬‬
‫‪ -36‬الربغوثي‪ ،‬عبد اللطيف‪ ,‬بُت الًتاث الرظبي والًتاث الشعيب‪ ,‬ؾبلة الصامد‪ ,‬العدد‪ ,1987 ,33‬ص‪ ,68-67‬ص ‪89-88‬‬
‫‪ -37‬ضبادنة‪ ,‬آثار فلسطُت‪ ,‬دار منية‪ ,‬دمشق‪ ,1983 ,‬ص ‪42-41‬‬
‫‪ -38‬ضبودة‪ ،‬أضبدو اؼبرجع السابق‪ ,‬ص ‪56‬‬
‫‪ -39‬البشتاوي‪ ،‬ؿبمد‪ ,‬اؽبوية الفلسطينية يف مائة عاـ (‪ )2117-1917‬الزرو نواؼ‪ ,241،‬اؽبولوكوست‪ ,2119 ,‬ص ‪113‬‬
‫‪ -41‬صاحل‪ ،‬ؿبسن‪ ,‬اؼبرجع السابق‪ ,‬ص ‪47‬‬
‫‪ -41‬شعث‪ ،‬شوقي‪ ,‬خطط استالب تراثنا الفلسطيٍت ومؤسساتو‪ .‬دمشق‪ ,2118 ,‬ص ‪52-49‬‬

‫‪730‬‬
‫‪‬‬

You might also like