You are on page 1of 24

‫المحور الثاني‪/‬ماستر‪ 1‬وسيط‪ /‬أ‪ .‬مطهري‪.

‬‬

‫ضوابط وشروط تخطيط واختيار موقع المدينة اإلسالمية وتحصينها عند بعض المفكرين‬
‫المسلمين‪.‬‬

‫تقديم‪:‬‬
‫تع ّد املدين ة نت اج االجتم اع البش ري ومثرة الت دبري والفك ر اإلنس اين ال ذي ال ميكن أن ينض ب يف جتّد ده‬
‫وإبداعه؛ باعتبارها خالصة تاريخ احلياة احلضرية‪ ،‬وهي النظرة إىل اآليت‪ ،‬وهي التقليد احلضاري‪ ،‬والكتابة‬
‫على األرض‪ ،‬وإبق اء األث ر الش اهد على املاض ي واحلاض ر واملس تقبل مع ا‪ ،‬وبالت ايل ش هادة الت اريخ‪ ،‬فهي‬
‫أصدق تعبري النعكاس ثقافة الشعوب وتطور األمم وهي معول احلضارة وحاضنتها حيث نشأت يف كنفها‬
‫فنون االنسانية وآداهبا‪ ،‬كما تعرب عن صورة كفاح اإلنسان وانتصاراته واهنزاماته‪.‬‬
‫وهناك من يرى أّن املدينة هي مركز جتمع بشري‪ ،‬فهي للسّك ان وليست فقط للحّك ام‪ ،‬كما هي أماكن‬
‫للسكن والعمل واحلركة والرتفيه‪ ،‬وأن التقدم احلضاري فيها ال يقاس باألبنية الشاهقة والضخامة وتطورها‬
‫التق ين فحس ب؛ وإمنا من خالل قي اس درج ة النف ع والش مولية بالنس بة لس كان املدين ة‪ .‬وهي أيض ا كي ان‬
‫م ادي وموض وعي واجتم اعي حيث جتذب وتس تقبل الس كان وتش بع حاجي اهتم بفض ل انتاجه ا وجتارهتا‬
‫وجتهيزاهتا‪ ،‬فهي املكان الذي تتم فيه االتصاالت املتنوعة‪ ،‬وبفضلها يتحقق الرتابط بني اجملال الذي تشغله‬
‫واجملال الواقع حتت سيطرته‪.‬‬
‫حقيقة أّن مالمح نشأة املدينة اإلسالمية العمرانية ومنهج ختطيطها وحتصينها بدأ أصال يف مدينة الّر سول‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ويف عهده‪ ،‬وأتبع هذا املنهج فيما اختط من مدن كانت أوائل مناذجها ما يطلق عليه‬
‫اص طالحا "م دن اهلج رة أو م دن األمص ار"؛ ال يت ك ان قوامه ا أه ل اهلج رة وال ذين ك انوا ب دوا يف الغ الب‬
‫ووجدوا يف هذا االجتاه سبيال حنو حياة أفضل‪ ،‬ومحلوا لواء اجلهاد فريضة لنشر االسالم‪ .‬وبعدما نشطت‬
‫الفتوحات االسالمية خاصة يف عهد عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه‪ ،‬أصبحت احلاجة ملحة إلدارة األقاليم‬
‫املفتوح ة‪ ،‬واختاذ قواع د متقدم ة تكف ل اس تمرار ق وة اجلي وش االس المية الفاحتة‪ ،‬فأنش أت العدي د من املدن‬
‫لتك ون كمعس كرات حربي ة متقدم ة هلذه اجلي وش لتتح ول بع د ذل ك إىل ع وامل إداري ة لوالي ات الدول ة‬
‫االس المية‪ ،‬أي أن ه ذه املدن ارتبطت وظيفته ا بنش أهتا وال يت ك ان الس بب فيه ا دواعي الفتح الع ريب‬
‫اإلس المي؛ هلذا جند أن بعض املؤخرين ينس بون انش اء وازده ار املدن اجلدي دة إىل الف رتة االس المية ومنهم‬
‫بيار جورج ‪ Pièrre George‬الذي ذكر‪" :‬أن اإلسالم بناء للمدن ‪."un batisseur des villes‬‬
‫لقد كان إذن أول تطبيق هلا يف الواقع مع مدينة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬وقد سار‬
‫أصحابه عليه أفضل الصالة وأزكى السالم والفاحتون من بعدهم على ذلك النهج يف ختطيطهم وتأسيسهم‬
‫للمدن يف البالد املفتوحة‪.‬‬
‫والظاهر أّن مشاركة احلكام يف عمران املدن بداية باختيار املواضع الص احلة إلنشاء املدن‪ ،‬مث اقطاع‬
‫العامة اخلطط لبدء االنشاء والتعمري‪ ،‬مث مجع القبيلة يف مكان واحد مما يدفع القبيلة إىل بذل قدر طاقتها‬
‫إلعمار موضعها مبستوى يتناسب ومنزلتها وبالتايل إعمار املدينة كامال من جهة ومنافسة املدن األخرى‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬وما يشجع أيضا على اإلعمار سياسة االهتمام بإنشاء وجتهيز املرافق األساسية من ماء‬
‫عذب وأسواق ومساجد ودور قضاء وطرق‪ ،‬وغري ذلك من املرافق يؤدي بدون شك إىل إعمار وتطوير‬
‫املدن‪.‬‬
‫وحبكم مكان ة ه ذا الص رح العم راين واالجتم اع اإلنس اين فق د وض ع الفقه اء واملفك رون املس لمون‬
‫ضوابط وأسس للعمارة والعمران ومنهم‪ :‬القزويين الذي حدد معايري وشروط التخطيط والتحصني وتقاسم‬
‫األرض‪ ،‬وابن خلدون الذي حتدث عن الغاية من إنشاء وتأسيس املدن‪ ،‬وحّد د ثالثة شروط اختيار املوقع‪،‬‬
‫وابن األزرق الذي وضع شرطني أساسيني جيب مراعاهتما يف اختيار مواضع املدن واعترب العمارة ال ّر كن‬
‫اخلامس من أركان امللك‪ ،‬أما ابن أيب الّر بيع فقد ح ّد د أربعة شروط الختيار املوضع إلنشاء مدينة‪ ،‬كما‬
‫صور لنا الفرسطائي هيئة املنزل بأبوابه وشوارعه وزقاقه املؤدية إىل السوق واملرافق العامة األخرى‪ .‬فما‬
‫هي معايري وأسس ختطيط املدينة اإلسالمية؟‪ ،‬وكيف كان يتّم حتصينها حلماية أهلها ونشر األمن بينهم؟‬
‫أوال‪ -‬شروط اختيار الموقع‪:‬‬
‫أم ا خبص وص ختطي ط املدين ة وحتص ينها وعمراهنا فق د ح دد املفك رون كم ا ذكرن ا جمموع ة من‬
‫الش روط واملق اييس ال يت جيب مراعاهتا يف بن اء وتعم ري املدن وأوهلا يف اختي ار املوق ع واملك ان الالئ ق‪ ،‬فليس‬
‫كل املواضع املعمورة صاحلة للتعمري واملسكن وال كل بقعة يف كل موقع تصلح لذلك‪ ،1‬ومن بني الش روط‬
‫واملعايري اليت حددها وحتدث عنها مفّك رو اإلسالم نذكر‪:‬‬
‫‪ -1‬بالنسبة للقزويني‪:‬‬

‫‪ - 1‬حممد بن محو‪ :‬العمران و العمارة عند بعض املفك رين املس لمني‪ ،‬جمل ة القرط اس احلض اري للدراس ات احلض ارية والفكري ة‪،‬‬
‫نشر ابن خلدون‪ ،‬تلمسان‪ ،‬العدد‪ ،1‬سنة‪ ،2012‬ص‪.65‬‬
‫ق د حتدث عن تقاس م األرض وح ّد د أفض ل مك ان لس كنها وتأثريه ا على األب دان وأخالق اإلنس ان‪ ،‬وأن منه ا‬
‫الش رق والغ رب واجلنوب والش مال‪ ،‬وذك ر أن معظمه ا ال يص لح للس كن‪ ،‬وأن م ا يص لح للس كن من األرض‬
‫قدر يسري وهو أواسط األقاليم الثالث والرابع واخلامس‪ ،‬مث بنّي سلبيات املساكن احلارة واملساكن الباردة وكذا‬
‫الرطبة واليابسة واحلجرية‪ ،‬وآخر ما ذكره املساكن اآلمجية والبحرية‪ ،‬ومن خالل األوصاف اليت ذكرها فإن‬
‫املساكن الرطب ة واملس اكن اآلمجي ة والبحري ة هي األفض ل للس كن ألن ه واءهم معتدل ليس بشديد احلرارة وال‬
‫شديد الربودة‪ ،‬كما أن سكاهنا موصوفون بالسحنة – أي احلالة اجليدة‪.1-‬‬
‫‪ -2‬بالنسبة البن خلدون‪:‬‬
‫ممّا ذك ره ابن خلدون عن اهلدف والغاي ة من إنشاء املدن قوله‪" :‬إن الغاي ة من تأسيس وبناء املدن هي‬
‫إجياد املس اكن واملن ازل واملالجئ‪ ،‬ومن الض روري نب ذ األش ياء الض ارة عن ه ذه املدن وأن ن وفر يف مجي ع ه ذه‬
‫املساكن وسائل الراحة واملنفعة العامة"‪ ،‬وح ّد د ثالثة شروط جيب مراعاهتا يف اختيار املوقع وهي‪ :‬دفع املضار‪،‬‬
‫وجلب املنافع وتسهيل املرافق فق ال‪" :‬أعلم أن املدن قرار تتخذه األمم عند حصول الغاية املطلوبة من الرتف‬
‫ودواعيه‪ ،‬فتؤثر الدعة والسكون وتتوجه الختاذ املنازل للقرار‪ ،‬وملا كان ذلك للقرار وللمأوى وجب أن يراعى‬
‫فيه دفع املضار باحلماية من طوارقها‪ ،‬وجلب املنافع وتسهيل املرافق هلا"‪.2‬‬

‫‪ - 1‬القزويين‪ :‬آثار البالد و أخبار العباد‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،1988 ،‬ص‪.8‬‬
‫‪ - 2‬عبد الرمحن بن خلدون‪ :‬املقدمة‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،2007 ،‬ص‪ ،73‬حممد سرباح‪ ،‬عبد القادر‬
‫صاف‪ :‬املدن اجلديدة من فك اخلناق على احلواضر يف اجلزائر حالة مدن الطوق األول‪ ،‬حوليا التاريخ واجلغرافيا‪ ،‬امللتقى الوطين‬
‫الث الث‪ ،‬املدن اجلزائرية ع رب العص ور‪ ،‬خمرب الت اريخ واحلض ارة واجلغرافي ا التطبيقي ة‪ ،‬املدرسة العلي ا لألس اتذة‪ ،‬بوزريع ة العدد ‪،5‬‬
‫جوان ‪ ،2012‬ص‪.274‬‬
‫ويف هذا املنحى يقول توفيق محد عبد اجلواد‪" :‬أي موقع املدينة اجلغرايف الطبوغرايف سيشكل عامال من‬
‫أهم العوامل لتكوين الشكل العمراين للمدينة لنموذجها الوظيفي ولتحديد شخصيتها املعمارية‪ ،‬فاملدينة إما أن‬
‫تكون ساحلية وذلك ما هو نادر يف الرتاث اإلسالمي جلنوح املسؤول عادة عن الساحل لضرورات أمني ة‪ ،1‬ومثة‬
‫بالطبع حاالت خاصة‪ ،‬واختيار موقع كهذا يظهر حرص مؤسس املدينة على تأمني عامل األمان وغالبية املدن‬
‫بنيت على طرق التجارة‪ 2‬ويف سفح جبل قرب واد خصب"‪.3‬‬
‫‪ -3‬بالنسبة البن األزرق‪:‬‬
‫ووضع ابن األزرق شرطني أساسيني جيب مراعاهتما يف اختيار مواضع املدن ومها‪ :‬دفع املضار وجلب‬
‫املنافع‪ ،4‬وهو يف احلقيقة كما قال حممد بن محو‪" :‬ينقل عن ابن خلدون حرفيا إال يف القليل النادر"‪ ،5‬واعت رب ابن‬
‫األزرق العمارة الركن اخلامس من أركان امللك بعد نصب الوزير وإقامة الشريعة وإعداد اجلند وحفظ املال‪.6‬‬
‫‪ -4‬بالنسبة البن أبي الربيع‪:‬‬
‫أما ابن أيب الربيع‪ 7‬فقد حدد أربعة شروط الختيار املوضع إلنشاء مدينة وهي كاآليت‪:‬‬
‫‪-1‬س عة املي اه املس تعذبة وذل ك ب أن تك ون ق رب هنر أو هبا آب ار وعي ون حبيث يأخ ذ الن اس حاج اهتم من املاء عن‬
‫قرب‪.‬‬

‫‪ - 1‬فقد بنيت القريوان على بعد ستة وثالثني ميال من البحر وحو ميل من تونس‪ ،‬حس ن ال وزان‪ :‬وص ف إفريقي ا‪ ،‬ترمجة حمم د‬
‫حجي وحممد األخضر‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الغرب االسالمي‪ ،1983 ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،87‬وبرر عقبة بن نافع اختياره ذلك املوقع ألصحابه‬
‫ملا أرادوا هلا مكانا قرب البحر قال‪" :‬إين أخاف أن يطرقها صاحب القسطنطينية‪ ،‬وميلكها‪ ،‬ولكن اجعلوا بينها وبني البحر ما‬
‫ال ي دركها مع ه ص احب البح ر"‪ ،‬ابن ع ذارى املراكش ي‪ :‬البي ان املغ رب يف أخب ار األن دلس واملغ رب‪ ،‬حتقي ق ومراجع ة ج‪.‬س‬
‫كوالن وليفي بروفنسال‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الثقافة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،1983،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،19‬ابن األثري‪ :‬الكامل يف التاريخ‪ ،‬دار بريوت‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬بريوت‪1380 ،‬هـ‪1965 /‬م‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.456‬‬
‫‪ - 2‬ي ذكر ب رودال ح ول املدن م ا يلي‪..." :‬نق اط جام دة ف وق اخلرائ ط‪ ،‬فهي تتغ ذى من احلرك ة‪ ،‬و م ا جتارهتا إال حرك ة"‪،‬‬
‫‪.F.Braudel, civilisation materielle et capitalisme, paris, 1967, p. p 372- 374‬‬
‫‪ - 3‬توفيق محد عبد اجلواد‪ :‬العمارة االسالمية فكر و حضارة‪ ،‬املكتبة األجنلو مصرية‪ ،1987 ،‬ص ‪.301 -300‬‬
‫‪ - 4‬ابن األزرق‪ :‬ب دائع الس لك يف طب ائع املل ك‪ ،‬حتقي ق حمم د عب د الك رمي‪ ،‬ال دار العربي ة للكت اب‪،1988،‬ج‪،1‬ص ‪-356‬‬
‫‪.357‬‬
‫‪ - 5‬حممد بن محو‪ :‬جملة القرطاس‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.68‬‬
‫‪ - 6‬ابن األزرق‪ :‬بدائع السلك يف طبائع امللك‪ ،‬حتقيق حممد عبد الكرمي‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪،1988،‬ج‪ ،1‬ص‪.223‬‬
‫‪ - 7‬ابن أيب الربي ع‪ :‬س لوك املال ك يف ت دبري املمال ك‪ ،‬دراس ة و حتقي ق ن اجي التكري يت‪ ،‬منش ورات عوي دات ب ريوت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ،1978‬ص‪ ،136‬حممد بن محو‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.67‬‬
‫‪-2‬امكانية املرية املستمرة‪ ،‬هي الطعام الذي مجع للسفر وحنوه فهو كل ما يصلح لالدخار و يكون بالكثرة حبيث‬
‫ال حيت اج أهله ا إىل جلب ه من مك ان آخ ر وه ذا م ا نستش فه من اآلي ة الكرمية‪َ﴿ :‬و َلَّم ا َفَتُح وا َم َت اَعُه ْم َو َج ُد وا‬
‫ِم‬ ‫ِإ‬ ‫ِغ ِذِه ِب‬ ‫ِإ ِه‬ ‫ِب‬
‫َض اَعَتُه ْم ُر َّدْت َلْي ْم َقاُلوا َيا َأَباَنا َم ا َنْب ي َه َض اَعُتَنا ُر َّدْت َلْيَنا َو َن يُر َأْه َلَنا َو َنْح َف ُظ َأَخ اَنا َو َنْز َداُد َك ْي َل‬
‫َبِعيٍر َذِلَك َك ْيٌل َيِس يٌر ﴾‪ ،1‬يف أن فلسطني غاب عنها هذا الشرط حيث توفر يف مصر‪ ،‬مما اض طر أهل فلسطني‬
‫إىل اخلروج للبحث عن املرية‪.‬‬
‫‪-3‬اعتدال املكان وجودة اهلواء‪ ،‬وهذا مهم حلياة الكائن احلي وسالمته من األمراض‪ ،‬فهنا يذكر القزويين‪" :‬مث إن‬
‫املل وك من األمم املاض ية ملا أرادوا بن اء املدن أخ ذوا آراء احلكم اء يف ذل ك‪ ،‬فاحلكم اء اخت اروا أفض ل ناحي ة يف‬
‫البالد وأفضل مكان يف الناحية وأعلى منزل يف املكان من السواحل واجلبال ومهب الشمال‪ ،‬ألهنا تفيد صحة‬
‫أبدان أهلها وحسن أمزجتها‪ ،‬واحرتزوا من اآلجام واجلزائر وأعماق األرض فإهنا تورث كربا و مها"‪.2‬‬
‫وقد ذكر املسعودي خربا عن عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه أنه بعد جناح الفتوحات االسالمية يف‬
‫العراق والشام ومصر وغريها‪ ،‬كتب إىل أحد العلماء مستوصفا بقاع املعمورة‪" :‬إنا أناس عرب‪ ،‬وقد فتح اهلل‬
‫علينا البالد‪ ،‬ونريد أن نتبوأ األرض ونسكن البالد واألمصار‪ ،‬فصف يل املدن وأهويتها ومساكنها وما تؤثره‬
‫الرتب واألهوية يف سكاهنا" فكانت وصفة ذلك احلكيم تتضمن مضار احلياة باملناطق الباردة واحلارة‪ ،‬ومنافعها‬
‫باملناطق املعتدلة‪ ،‬ورصد خصائص البيئة يف عدة بلدان مثل الشام‪ ،‬ومصر واليمن واحلجاز واملغرب والعراق‬
‫وف ارس واهلند والص ني‪ ،3‬ه ذا املوق ف ي ؤدي إىل اس تنتاج أن املس لمني األوائل ك انوا يتمتع ون بفك ر بيئي راق‬
‫ارتبط بعدة اعتبارات أمنية وصحية واقتصادية‪.4‬‬
‫‪ -4‬القرب من املراعي واالحتطاب‪ ،‬ألن العيش كان يعتمد على الدواب‪ ،‬يأكلون من حلومها ويشربون من ألباهنا‪،‬‬
‫و يركب ون ظهوره ا (ممكن اآلي ة) ف وجب ت وفر املراعي هلا وأيض ا االحتط اب‪ ،‬الس تعماله يف البن اء والطهي‪،‬‬

‫‪ - 1‬سورة يوسف‪ :‬اآلية ‪.65‬‬


‫‪ - 2‬القزويين‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪ ،8‬حممد بن حممد‪ :‬القرطاس‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.66‬‬
‫‪ - 3‬املسعودي‪ :‬مروج الذهب و معادن اجلوهر‪ ،‬تق دمي حمم د الس ويدي‪ ،‬سلس لة األنيس‪ ،‬م وفم‪ ،‬اجلزائ ر‪ ،1919 ،‬ج‪ ،2‬ص‪-‬‬
‫ص ‪.45 -41‬‬
‫‪ - 4‬كمال صيفوري‪ :‬الفكر البيئي يف احلضارة االسالمية‪ ،‬جملة كان التارخيية‪ ،‬دار ناشري األرشيف الع املي‪ ،‬الع دد ‪ ،20‬الس نة‬
‫السادسة‪ ،‬جوان ‪ ،2013‬رجب ‪ ،1434‬ص‪.50‬‬
‫وك ان اختي ار م وقعي البص رة والكوف ة مناس با للص حة وأح وال االب ل حيث بعث عم ر بن اخلط اب للف احتني‬
‫موافقته يقول‪" :‬إن العرب ال تصلح بأرض ال تصلح هبا إبلهم"‪.5‬‬
‫ويف اجلدول والرسم التاليني نرصد وجنسد أهم الشروط والغايات اليت وضعها املفكرون الختيار مواضع بناء‬
‫املدينة اإلسالمية‪:‬‬

‫عددها ونسبتها املئوية‬ ‫املفكرون املسلمون شروط وغايات اختيار املوقع‬


‫‪ 3‬شروط‪/‬‬ ‫األقاليم ذات املناخ واهلواء املعتدل‪:‬‬ ‫القزويين‬
‫‪-‬اإلقليم الثالث والرابع واخلامس‬
‫‪-‬املساكن الرطبة واآلمجية والبحرية‬
‫‪3‬شروط و‪ 4‬غايات‪/‬‬ ‫‪-‬دفع املضار –جلب املنافع –تسهيل املرافق‬ ‫ابن خلدون‬
‫ومن الغايات‪ :‬اجياد املساكن‪-‬املنازل –املالجئ‪-‬وسائل املنفعة‬
‫العامة‬
‫‪ 4‬شروط‬ ‫‪-‬نفس الشروط اليت حددها ابن خلدون‬ ‫ابن األزرق‬
‫‪-‬أض اف ش رط راب ع وه و الش رط السياس ي باعتب ار العم ارة‬
‫الركن اخلامس من أركان امللك‬
‫‪ 4‬شروط‬ ‫‪-‬سعة املياه –استمرار وجود املرية –جودة اهلواء واعتداله‬ ‫ابن أيب الربيع‬
‫‪-‬القرب من املراعي‬

‫‪ - 5‬كمال صيفوري‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.59‬‬


‫نسبة شروط وغايات اختيار مواضع المدن عند بعض المفكرين‬
‫المسلمين‬
‫ابن أبي الربيع‬
‫القزويني‬

‫ابن األزرق‬

‫ابن خلدون‬

‫ثانيا‪ -‬شروط التخطيط والتحصين‪:‬‬


‫أم ا فيم ا خيص التقس يم والتخطي ط ال داخلي للمدين ة والش روط ال واجب توفره ا‪ ،‬فق د أش ار وح ّد د‬
‫املفكرون العديد منها‪ ،‬جنملها يف اآليت‪:‬‬
‫‪-1‬القزويني‪:‬‬
‫لقد ذكر بعضها بقوله‪" :‬على الباين أن يتخذ للمدينة سورا حصينا منيعا‪ ،‬وللسور أبوابا عدة حىت ال‬
‫يتزاحم الناس بالدخول واخلروج‪ ،‬بل يدخل وخيرج من أقرب باب إليه‪ ،‬واختذوا هلا قهندازا ملكان ملك املدينة‪،‬‬
‫والنادي الجتماع الناس فيه‪ ،‬ويف البالد اإلسالمية املساجد واجلوامع واألسواق واخلانات واحلمامات‪ ،‬ومراكض‬
‫اخليل ومعاطن اإلبل ومرابض الغنم‪ ،‬وتركوا بقية مساكنها لدور السكان‪ ،‬فأكثر ما بناه امللوك والعظماء على‬
‫ه ذه اهليئ ة‪ ،‬ف رتى أهله ا موص وفون باألمزج ة الص حيحة والص ور احلس نة واألخالق الطيب ة‪ ،‬وأص حاب اآلراء‬
‫الصاحلة والعقول الوافرة"‪.1‬‬
‫ويؤكد القزويين على هذا بأنه عند حصول اهليئة االجتماعية للناس فإهنم لو اجتمعوا يف صحراء لتأذوا‬
‫باحلر والربد واملطر والريح‪ ،‬ولو تسرتوا باخليام واحلرقهات مل يأمنوا مكر اللصوص والعدو‪ ،‬ولو اقتصروا على‬

‫‪ - 1‬القزويين‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.8‬‬


‫احليط ان واألب واب كم ا ن رى يف الق رى ال يت ال س ور هلا مل ي أمنوا ص ولة ذي ب أس‪ ،‬ف أهلمهم اهلل اختاذ الس ور‬
‫واخلندق والفصيل‪ ،‬فحدثت املدن و األمصار و القرى والديار‪.1‬‬
‫‪-2‬الفرسطائي‪:‬‬
‫وأشار الفرسطائي هلذه املعايري بقوله‪" :‬وإن أرادوا أن حيدثوا منزال يف أرضهم وجياورهم أراضي غريهم‬
‫فال ذي جيب أن يفعل وه يف هيئ ة املنزل أن جيعل وا ل ه أربع ة أب واب‪ ،‬وجيعل وا في ه ش ارعني من الش رق إىل الغ رب‬
‫ش ارع‪ ،‬ومن القبل ة إىل الش مال ش ارع‪ ،‬وينف ذون ط رق ال دور إىل الش ارع من غ ري مض رة ألح د على ج اره‪،‬‬
‫وهذا فيما حواه املنزل‪ ،‬والذي جيب للمنزل من الطرق أربعة‪ ،‬قبلي وشرقي وجبلي وغريب‪ ،‬ومنهم من يقول‬
‫جيعلون له الصبا‪ ،‬والدبور واجلنوب والشمال‪ ،‬ومنهم من يقول جيعلون له طريقا إىل الفحص ملراعيهم‪ ،‬وطريقا‬
‫إىل اجلبل وطريقا إىل املاء وآخر إىل السوق‪ ،‬وإن كفاهم أقل من هذا فلهم ذلك‪ ،‬وإن احتاجوا إىل مخسة طرق‬
‫أو أكثر فيما ال غىن هلم عنه وال بد هلم منه فلهم ذلك كله‪ ،‬سواء يف هذه املعاين أرجعت هلم إىل ناحية واحدة‬
‫أو افرتقت‪ ،‬فكل ما ال بد هلم منه يدركونه وحيدثونه"‪.2‬‬
‫ويوض ح كيفي ة بن اء القص ر –يع ين الص حراوي‪ -‬من حتدي د األرض وتقس يم املن ازل في ه وكيفي ة البن اء‬
‫ونظامه‪ ،‬وإقفال البوابة والشرفات والساحة والبئر والبيوت‪.3‬‬
‫‪-3‬بن أبي الربيع‪:‬‬
‫وعندما تناول ابن أيب الربيع عمارة البلدان فإنه قسمها إىل قسمني مزارع وأمصار‪ ،‬فأما املزارع فهي‬
‫أص ول املواد ال يت هبا يق وم أود اخلل ق ويل زم فيه ا حق وق ثالث ة‪ ،‬األوىل للقي ام مبص احل املي اه لينتف ع هبا الق ريب‬
‫والبعي د‪ ،‬الثاني ة ك ّف األذى عنهم‪ ،‬ألن ال يش تغلوا بغ ري الزراع ة‪ ،‬الثالث ة تق دير م ا يؤخ ذ منهم حبكم الش رع‬
‫والعدل حىت ال يناهلم خوف وال عسف‪ ،‬فإن حيف عليهم شيء من ذلك أو عسف هبم انعكس الصالح إىل‬
‫ضده‪.‬‬

‫‪ - 1‬نفسه‪ ،‬ص نفسها‪.‬‬


‫‪ - 2‬الفرسطائي‪ :‬القسمة وأصول األرضني‪ ،‬حتقيق و تقدمي‪ ،‬بكري بن حممد الشيخ بلحاج‪ ،‬حمم د ص احل الناص ر‪ ،‬املطبع ة العربي ة‪،‬‬
‫مجعية الرتاث القرارة‪ ،‬ط‪ ،2‬غرداية‪ ،1997 ،‬ص ‪.120 -119‬‬
‫‪ - 3‬الفرسطائي‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪ -‬ص ‪ ،198 -192‬حممد بن محة‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.76‬‬
‫وأم ا األمص ار وهي األوط ان اجلامع ة واملقص ود هبا مخس ة أم ور‪ ،‬أوهلا أن يس توطنها أهله ا طلب ا للدع ة‬
‫والسكون‪ ،‬ثانيها حفظ األموال فيها من االستهالك‪ ،‬ثالثها صيانة احلرمي واخلدم من االنتهاك‪ ،‬رابعها التماس ما‬
‫تدعو احلاجة إليه من متاع أو غريه‪ ،‬خامسها ال يتعرض للكسب وطلب املادة‪.4‬‬
‫وعموم ا انطلقت املدين ة اإلس المية يف نش أهتا وتطوره ا من حماور أساس ية يف التخطي ط بلوره ا "ابن‬
‫الربيع" يف مثانية شروط‪ 2‬أوجب على احلاكم اتباعها عند ختطيط املدينة جنملها يف ما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬أن تسوق إليها املاء العذب ليشرب حىت يسهل تناوله من غري عسر‪ ،‬أي أن تكون مصادر املياه متوفرة‪ ،‬مع‬
‫وج وب تس هيل إيص ال املاء الع ذب إىل س كان املدين ة عن طري ق ختطي ط ش بكات التوص يل س واء أك ان ذل ك‬
‫بالقنوات أو األنابيب‪ ،‬أو حبفر اجلداول أو بنقله على ظهور الدواب‪.3‬‬
‫وج اء توف ري املاء يف مقدم ة الش روط ألن ت أخره يتس بب يف إح داث خل ل ونقص يف كف اءة املدين ة‬
‫وحيدث تعارض مع عناصر التخطيط الباقية‪.4‬‬
‫‪-2‬أن يقدر طرقها وشوارعها حىت تتناسب وال تضيق حىت يسهل على الناس التنقل حبرية كما يسهل على الدواب‬
‫احململ ة الس ري و التق اطع دون أن تتص ادم‪ ،‬وهك ذا جند يف املدين ة ش بكة حمكم ة من الطرق ات واملس الك منه ا‬
‫الكب رية كالش وارع‪ ،‬واملتوس طة كاألزق ة والص غرية كال دروب‪ ،‬ت أثرت كله ا باألحك ام الفقهي ة فك ان مثال يف‬
‫الفصل يف موضع الطريق كما رأينا يأخذ باحلديث الشريف أي عرض الطريق سبعة أذرع (حوايل ‪3.5‬م)‪.‬‬
‫‪-3‬أن يب ىن فيه ا جامع ا للص الة يف وس طها ليتع رف على مجي ع أهله ا‪ ،‬حيث ك ان أول م ا خيت ط يف التكوين ات‬
‫املعمارية للمدينة هو املسجد اجلامع افتداء مبا فعله الرسول صلى اهلل عليه وسلم عندما هاجر إىل املدينة‪ ،‬فقد‬
‫وجد يف البداية ويف الغالب مسجد جامع واحد‪ ،‬وعدة مساجد أحياء حبيث كان لكل حي مسجده اخلاص‪،‬‬
‫ويؤدون الصالة اجلامعة يف املسجد اجلامع‪ ،‬لكن مع تطور العمران وتوسع املدينة وتعدد أريافها‪ ،‬أصبح إنشاء‬
‫مسجد جامع بالربض مع شرط وجود حدود مادية فاصلة كنهر أو سور أو مثل ذلك‪ 5‬مثل ما ح دث بالق اهرة‬
‫اليت كانت هبا أربعة مساجد هي‪ :‬جامع عمرو‪ ،‬وجامع ابن طولون‪ ،‬واجلامع األزهر‪ ،‬وجامع احلاكم‪.‬‬
‫‪ - 4‬ابن أيب الربيع ‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.252 -151‬‬
‫‪ - 2‬ابن أيب الربيع‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.154‬‬
‫‪ - 3‬سعيدة مفت اح‪ :‬م آثر تش ريع املخطط ات العمراني ة للمدين ة العربي ة االس المية‪ ،‬جمل ة احلكم ة‪ ،‬مؤسس ة كن وز احلكم ة للنش ر‬
‫والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬العدد ‪ ،2‬السداسي األول ‪ ،2013‬ص‪ ،33‬حممد عبد الستار عثمان‪ :‬املدينة االسالمية‪ ،‬جملة عامل املعرفة‪،‬‬
‫اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،1988 ،‬ص ‪.113 -112‬‬
‫‪ - 4‬مفتاح سعيدة‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫‪ - 5‬عبد العظيم املنذري‪ :‬خمتصر صحيح مسلم‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.251‬‬
‫ونظرا لألمهية الدينية و السياسية اليت كان ميثلها هذا الصرح‪ ،‬يف خطة املدينة جند أما جبواره بقع مقر‬
‫السلطان أو احلاكم أو اخلليفة‪ ،‬وهذا ما قام به الرسول صلى اهلل عليه و سلم‪.‬‬
‫‪-4‬يقدر أسواقها لينال سكاهنا حوائجهم عن قرب‪ ،‬يعترب السوق من املرافق األساسية يف املدن‪ ،‬وصارت مرفقا‬
‫ضروريا حلياة اجملتمع املسلم‪ ،‬يقوم على أسس إسالمية جديدة جددها الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬عندما‬
‫قال‪" :‬هذا سوقكم فال يضيق و ال يؤخذ في‪--‬ه خ‪--‬راج"‪ ،1‬وك انت سوق املدينة فض اء واسعا ال بناء فيه‪ ،‬لكن‬
‫مع تطور النشاط التجاري‪ ،‬وتطور احلياة االجتماعية واالقتصادية للمدن االسالمية‪ ،‬تنوعت األسواق وأصبحت‬
‫الدروب واألحياء تسمى بنوع التجارة واحلرفة السائدة فيها كالنحاسني والدباغني وغريها‪.‬‬
‫‪-5‬مييز بني قبائل ساكنيها بأال جيمع أضدادا خمتلفة متباينة‪ ،‬وذلك بأن جيعل كل قبيلة يف حي خاص هبا هلا مساجد‬
‫أحيائها وحوانيته ا وأحيانا هلا مقربهتا اخلاص ة هبا وجيمعهم املسجد اجلامع كما ك ان ذلك يف املدن األوىل اليت‬
‫بناها املسلمون كالكوفة والقريوان‪ ،2‬وهذا الشرط يشري إىل مشكلة صراع األجناس اليت ظهرت يف مدينة بغداد‬
‫يف حكم املعتصم باهلل‪ ،‬بعدما أمهل هذا األخري اجلنسني العريب والفارسي واهتم باألتراك الذين كانوا يشكلون‬
‫احملرك الرئيسي جلنده وجيشه‪.3‬‬
‫‪ -6‬إذا أراد سكاهنا فليسكن أفسح أطرافها‪ ،‬وجيعل خواصه حميطني به من سائر جهاته‪ ،‬وهذا لتأمني مركز السلطة‬
‫بعزل ه عن مواض ع س كن الرعي ة أو العام ة حبيث ك ان األع وان املقرب ون هم ال ذين يقطن ون يف من اطق قريب ة من‬
‫احلاكم‪ ،‬الذي كان حيرص على جعل خواصه حميطني به من سائر جهاته‪ ،‬حىت ال يتعرض مواكبه ورجال ه ألذى‬
‫العامة واملارة من أهل الفتنة والثائرين ضد احلكم ومن األمثلة على ذلك أبو جعفر املنصور الذي خط ألتباعه‬
‫املقربني مناطق مكية جبوار قصره ببغداد‪ ،‬واملعتصم يف مسراء‪ ،‬واملعز بالقاهرة‪.4...‬‬
‫‪-7‬أن حييطها بسور خوف اغتيال األعداء ألهنا جبملتها دار واحدة أي أن تأمني املدينة يف صياغة ابن الربيع يعين‬
‫ت أمني كي ان عض وي واح د فهي مبجمله ا "دار واح دة" ويكش ف ه ذا عن النظ رة املتكامل ة لتخطي ط املدين ة‬
‫وارتباط تكويناهتا املعمارية ارتباطا واحدا‪ ،‬فكان السور ال يبىن إال بعد أن تستقر كل قبيلة يف مكاهنا وترتك‬

‫‪ - 1‬ابن ماج ة‪ :‬س نن ابن ماج ة‪ ،‬كت اب التج ارات‪ ،‬ب اب األس واق ودخوهلا‪ ،‬رقم ‪ ،2233‬حمم د عب د الس تار عثم ان‪ :‬املدين ة‬
‫االسالمية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪ ،113‬مفتاح سعيدة‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫‪ - 2‬الطربي‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،280‬امساعيل العريب‪ :‬املدن املغربية‪ ،‬املؤسسة الوطنية للنشر و التوزي ع‪ ،‬اجلزائ ر‪ ،‬د‪.‬ت‪،‬‬
‫ص ‪ ،240 -239‬موسى لقبال‪ :‬املغرب االسالمي‪ ،‬ط‪ ،2‬الشركة الوطنية للنشر و التوزيع اجلزائر‪ ،1981 ،‬ص‪.29‬‬
‫‪ - 3‬سعيدة مفتاح ‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫‪ - 4‬سعيدة مفتاح‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫فراغات (رحاب) بينها ملن أراد السكن فيما بعد‪ ،‬أو إلمكانية اتساع املدينة‪ ،‬مث يبىن السور الذي يضم كل‬
‫الس كان‪ ،1‬وأدى التط ور العم راين إىل توس ع نط اق األس وار ووص لها ببعض ها عن طري ق أب واب ترب ط احلارات‬
‫واألحياء بقلب املدينة ومركزها‪ ،‬حيث دعا تأمني املدينة إىل تقسيمها إىل دروب وأزقة تغلق عليها األبواب ليال‬
‫فتع زل ك ل ح ارة عن األخ رى ع زال تام ا‪ ،‬وت ؤمن من خط ر اللص وص ومتكن احلراس من الس يطرة على احلال ة‬
‫األمنية‪ ،2‬ومن املدن اليت تبلور فيها هذا النظام‪ ،‬بغداد والقاهرة وقرطبة وفاس و تيهرت‪.3‬‬
‫‪-8‬أن ينق ل إليه ا من أه ل العلم والص نائع بق در احلاج ة إىل س كاهنا‪ ،‬ح ىت يكتف وا هبم ويس تغنوا عن اخلروج إىل‬
‫غريها‪ ،‬وهذا الشرط يعترب من املقاييس اليت متيز اجملتمع احلضري للمدينة مبا توفره من اخلدمات املتمثلة يف نشاط‬
‫أهل العلم والصنائع الذين يكفون املدينة حاجاهتا‪ ،‬وأبرز األمثلة على ذلك ما فعله اخلليفة املهدي حيث كان‬
‫يسكن هو وأهله باملهدية‪ ،‬وأسكن العامة يف زويلة‪ ،‬وكانت دكاكينهم وأمواهلم باملهدية‪ ،‬وزويلة مساكنهم‪،‬‬
‫وكانوا يدخلون بالنهار املهدية للعمل والكسب‪ ،‬وخيرجون بالليل إىل أهاليهم فقيل للمهدي‪" :‬إن رعيتك يف‬
‫هذا يف عناء فقال‪ :‬لكن أنا يف راحة ألين بالليل أفرق بينهم وبني أمواهلم‪ ،‬وبالنهار أفرق بينهم وبني أهاليهم‪،‬‬
‫فآمن غائلتهم بالليل‪ ،‬والنهار"‪.4‬‬
‫لقد سامهت هذه الفئات يف تطور املدينة اإلسالمية فتقدمت الصناعات بأنواعها وازدهرت التجارة‪،‬‬
‫وارتقت اخلدمات ارتق اء واض حا يف إط ار النظم والق وانني ال يت تق وم على تنفي ذها املؤسس ات ال يت تس هر على‬
‫نظام املدينة االسالمية ورعاية شؤوهنا وتوجيه ختطيطها‪ ،‬وحل مشاكلها‪ ،‬ومنها السلطة االدارية ممثلة يف الوايل‬
‫وأعوانه ويف السلطة القضائية وأجهزة األمن واملراقبة كجهاز الشرطة واحملتسب‪.‬‬
‫ومن خالل هذه الشروط الثمانية تتضح لنا األسس والقوانني العامة اليت كانت حتكم ختطيط املدينة‬
‫اإلس المية‪ ،‬بطريق ة تثبت أن التخطي ط العم راين ق ام على مع ايري تواف ق قيم ال دين اإلس المي وختض ع لألحك ام‬
‫الفقهية‪ ،‬واليت كانت تعىن حباجات اجملتمع املادية والروحية‪ ،‬الفردية واجلماعية‪ ،‬مستفيدة وآخذة مما صلح من‬

‫‪ - 1‬حممد بن محو‪ :‬جملة القرطاس‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.71‬‬


‫‪ - 2‬سعيدة مفتاح‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.40‬‬
‫‪ - 3‬وقد أشار ابن الصغري إىل أن يعقوب بن أفلح أمر بأبواب املدين ة فغلقت إال باب ا واح دا‪ ،‬ابن الص غري املالكي‪ :‬أخب ار األئم ة‬
‫الرستميني‪ ،‬حتقيق و تعليق حممد الناصر و ابراهيم حباز‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلميلة‪ ،1986 ،‬ص‪ ،97‬ويقول سليمان الباروين‪:‬‬
‫"فأمر يعقوب بأبواب املدينة فأغلقت و ترك واحد وقف عليه بنفسه مع من كان معه"‪ ،‬سليمان الباروين‪ :‬األزهار الرياضية يف‬
‫أئمة وملوك اإلباضية‪ ،‬ط‪ ،3‬دار البعث‪ ،‬قسنطينة‪ ،2002 ،‬ج‪ ،2‬ص‪.360‬‬
‫‪ - 4‬سعيدة مفتاح‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫احلضارات السابقة‪ .‬ولع ّل مدينة رسولنا الكرمي صلى اهلل عليه وس ّلم مثل ختطيطها وحتصينها تطابقا وجتسيدا‬
‫فعليا هلذه املدينة على أرض الواقع؛ وهذا الذي سنتناوله يف العنصر املوايل‪:‬‬
‫ويف اجلدول والرسم التاليني نرصد وجنسد أهم الضوابط واألسس اليت حددها املفكرون لتخطيط وحتصني‬
‫املدينة اإلسالمية‪:‬‬

‫عددها ونسبتها‬ ‫ضوابط ختطيط وحتصني املدينة اإلسالمية‬ ‫املفكر اإلسالمي‬


‫‪-‬الس ور –األب واب –القهن داز –الن ادي –اخلن دق – ‪13‬‬ ‫القزويين‬
‫الفيصل –املساجد –األسواق –احلمامات –اخلانات –‬
‫املراكض –املرابض ‪-‬املعاطن‬
‫‪ 4-‬أبواب ‪ 4-‬طرق نافذة –شارعني –أقفال األبواب ‪11‬‬ ‫الفرسطائي‬
‫–الدبور –الشرفات –الساحة –البئر –البيوت‪...‬‬
‫‪-‬توفري املاء –الطرق والشوارع –اجلوامع –األسواق – ‪08‬‬ ‫ابن أيب الربيع‬
‫األحي اء القبلي ة –املق ابر –ت أمني مرك ز الس لطة بع زل‬
‫سكن احلاكم عن الرعية والعامة‬

‫نسبة أسس وضوابط تخطيط وتحصين المدن عند بعض المفكرين‬


‫المسلمين‬
‫ابن أبي‬
‫الربيع‬

‫القزويني‬

‫الفرسطائي‬

‫ثالثا‪ -‬المدينة المنّو رة نموذجا للمدينة اإلسالمية‪:‬‬


‫خالفا عن ختطيط املدن اليونانية والرومانية متيز ختطيط املدينة اإلسالمية بالالمركزية حيث تشكل النسيج‬
‫العمراين للمدن اإلسالمية نتيجة تراكم القرارات اليت اختذهتا الرعية (السكان) وهذا بناء على مبادئ وضوابط‬
‫حتكمه ا التقالي د واألع راف والش ريعة اإلس المية ال يت ت أثرت باألحك ام الفقهي ة ش دة الت أثر حيث ك انت ه ذه‬
‫األخرية تعد مبثابة القانون العام الذي ينظم البناء يف املدينة‪.1‬‬
‫ولع ّل الباحث يف احلضارة اإلسالمية سيدرك أن أوىل التطبيقات العمرانية للمسلمني كانت يف املدينة‬
‫املنورة اليت انتقلت من جمرد قرى متباعدة عند نشأهتا إىل أن أضحت مدينة منظمة مبفهوم حضاري واضح‪.‬‬
‫وتبدأ نشأة املدينة االسالمية إذن من "يثرب" بعد هجرة الرسول صلى اهلل عليه وسلم واليت حولته ا إىل‬
‫مدينة وأصبحت تسّم ى املدينة‪.‬‬
‫وكانت خّطة الّر سول صلى اهلل عليه وسّلم إلحداث التغيري وحتقيقه حلياة حضارية‪ ،‬الدعوة إىل ت ذويب‬
‫القبلي ة بدعوت ه ص لى اهلل علي ه وس لم إىل الت آخي يف االس الم‪ ،‬وتأكي ده على رابط ة ذوي األرح ام وهي تنظيم‬
‫جيمع عددا من البطون والعشائر على قبيلة واحدة حتت راية رابطة القرابة ويف إطار واسع أكد الرسول صلى‬
‫اهلل عليه وسلم على الرابطة العامة بني املسلمني أي توحيد عامة القبائل يف تنظيم حريب واجتماعي حتت راية‬
‫واحدة‪ ،‬مما أدى إىل خلق جمتمع متماسك بعيد عن النزع ة القبلية‪ ،‬تربطه رابطة قوية تساعده على حتقيق قيم‬
‫االسالم وتصنيفها‪.2‬‬
‫لق د اجته الّر س ول ص لى اهلل علي ه وس ّلم إىل اب دال العص بية القبلي ة بعص بية ال وطن واألرض‪ ،‬فظه رت‬
‫تس ميات أخ رى ب دل مس ميات القبائ ل "كأه ل قب اء" و"أه ل املدين ة" و"أه ل الط ائف"‪ ،‬كم ا أن ه أق ّر مب دأ‬
‫االس تخالف على املدن واألق اليم‪ ،‬فعن دما ك ان خيرج غازي ا ك ان يس تخلف على املدين ة من يض بط أموره ا يف‬
‫غيبته‪ ،‬وكذلك فعل يف اليمن نظرا التساع رقعتها‪ ،‬حيث استعمل عماال ألقاليمها كزبيد وعدن وأعماهلما‪،‬‬
‫وكذلك استعمل على جنران عمارة بن حزم األنصاري‪ ،‬وعلى صنعاء املهاجر بن أمية املخزومي‪.3‬‬
‫ومن الناحية املادية فإن موضع املدينة عبارة عن سهل فسيح يتميز خبصوبة الرتبة وكثرة املياه‪ ،‬وبعد‬
‫هج رة الرس ول ص لى اهلل علي ه وس لم إىل ي ثرب ب دأت تتغ ري معامله ا العمراني ة تغ ريا مجع ش تاهتا ووح د كياهنا‪،‬‬
‫وجعلها مركزا حضاريا متكامال‪ ،‬ومع استقرار الرسول صلى اهلل عليه وسلم يف املدينة أضحى رأس احلكومة‬

‫‪ - 1‬سعيدة مفتاح‪ :‬مآثر تشريع املخططات العمرانية‪ ،‬جملة احلكمة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪ - 2‬حممد عبد الستار عثمان‪ :‬املدينة اإلسالمية‪ ،‬جملة عامل املعرفة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.45 -44‬‬
‫‪ - 3‬حممد عبد الستار عثمان‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫اإلسالمية جبانب الصفة األساسية األوىل وهي صفة رئيس الدولة اإلسالمية جبانب الصفة األساسية األوىل وهي‬
‫صفة النبوة‪ ،‬ومن مت أصبحت مركزا سياسيا وإداريا فاكتسبت بذلك الصفة املدنية‪.1‬‬
‫وتوفرت للمنطقة اليت نزل هبا النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وهي منازل أخواله من بين النجار‪ ،‬مميزات‬
‫أمنية هامة لتقارب منازهلا‪ ،‬وهي ميزات مل تكن تتوفر يف منازل األنصار األخرى‪ ،‬ويف هذه املنطقة كانت بداية‬
‫العم ل اإلنش ائي للتكوين ات املعماري ة اجلدي دة‪ ،‬وك ان نواهتا املس جد اجلامع‪ ،‬ومن حول ه أنش ئت من ازل‬
‫للمهاجرين املوزعني يف أحياء األنصار‪ ،2‬ويف هذا جتميع للمسلمني ليكونوا كلمة واحدة يف مواجهة األخطار‬
‫احملدقة هبم‪ ،‬وهكذا مجع الرسول صلى اهلل عليه وسلم بني قوة ومنعة بين النجار‪ ،‬وقوة ومنعة املهاجرين وبقية‬
‫األنص ار من حول ه يف ه ذا املرك ز العم راين الناش ئ‪ ،‬وب دأت أعم ال االنش اء باملس جد اجلامع وجبواره من جه ة‬
‫الشرق بين منزل الرسول صلى اهلل عليه وسلم شارعا أبوابه على املسجد‪.3‬‬
‫وب نيت قبلت ه أوال يف اجتاه الش مال حنو بيت املق دس‪ ،‬ويف الس نة الثاني ة للهج رة ع دلت القبل ة حنو مك ة‬
‫املكرم ة تلبي ة لألم ر اإلهلي يف اآلي ات التالي ة‪َ﴿ :‬ق ْد َنَر ى َتَق ُّلَب َو ْج ِه َك ِفي الَّس َم اِء َفَلُنَو ِّلَيَّن َك ِقْبَل ًة َتْر َض اَه ا‬
‫َف ِّل َو ْجَه َك َش ْط اْلَمْس ِج ِد اْلَح اِم َو َح ْيُث َم ا ُك ْنُتْم َف ُّل وا ُوُج وَه ُك ْم َش ْط ُه﴾‪َ﴿ ،‬و ِم ْن َح ْيُث َخ ْج َت َف ِّل‬
‫َو‬ ‫َر‬ ‫َر‬ ‫َو‬ ‫َر‬ ‫َر‬ ‫َو‬
‫َو ْجَه َك َش ْطَر اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم ﴾‪َ﴿ ،‬و ِم ْن َح ْيُث َخ َر ْج َت َفَو ِّل َو ْجَه َك َش ْطَر اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم َو َح ْيُث َم ا‬
‫ُك ْنُتْم َفَو ُّل وا ُوُج وَه ُك ْم َش ْطَر ُه﴾‪ ،4‬ومن ح ول املنزل اجلامع اختطت من ازل امله اجرين يف األرض ال يت وهبه ا‬
‫األنص ار للرس ول ص لى اهلل علي ه وس لم‪ ،‬وق د ج اء أك ثر اقطاع ات الرس ول ص لى اهلل علي ه وس لم يف أرض‬
‫املوات‪ ،5‬فقد ذكر ابن سالم أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم حني ه اجر إىل املدينة جع ل له أهل املدينة "كل‬
‫أرض ال يبلغه ا املاء يصنع هبا ما يشاء"‪ ،‬ويقول ياقوت احلموي‪" :‬فلما قدم الرسول إىل املدينة‪ ،‬أقطع الدور‬
‫والرباع‪ ،‬فخط لبين زهرة من ناحية مؤخرة املسجد"‪.‬‬

‫‪ - 1‬نفسه‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫‪ - 2‬سعيدة مفتاح‪ :‬جملة احلكمة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪ - 3‬نفسه‪ ،‬ص نفسها‪ ،‬حممد عبد الستار عثمان‪ :‬عامل املعرفة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫‪ - 4‬سورة البقرة‪ :‬اآليات ‪ ،150 -149 -144‬وقد اختلفوا يف حكمة هذا التك رار ثالث م رات‪ ،‬فقي ل أن األم ر األول ملن‬
‫هو مشاهد الكعبة و الثاين ملن هو يف مكة غائب عنها والثالث ملن هو يف بقية البلدان‪ ،‬ملزيد ينظر‪ ،‬ابن كثري‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬م‬
‫‪ ،1‬ص‪.189‬‬
‫‪ - 5‬املوات‪ :‬عند الشافعي هي كل ما مل يكن عامرا وال حرميا لعامر فهو موات وإن كان متصال بعامر‪ ،‬وعند أيب حنيفة‬
‫ويش ري ه ذا النص إىل أن الرس ول ص لى اهلل علي ه وس لم قط ع القط ائع لألش خاص واجته إىل اجلم ع بني‬
‫ذوي القرىب يف موضع واحد‪ ،‬ويؤكد ذلك ما ذكر عن املنازل اليت اقتطعت للمهاجرين من بين الليث بن بكر‪،‬‬
‫وبين عمرة‪ ،‬وبين الذهيل‪ ،‬ومزنة‪ ،‬وجهين ة‪ ،‬و يلى وغ ريهم‪ ،1‬وه و م ا يوض ح أن املدينة يف عه د الرسول ص لى‬
‫اهلل علي ه وس لم تض منت خطط ا ع دة‪ ،‬وك ل خط ة قطنه ا أف راد ينتم ون إىل قبيل ة أو عش رية‪ ،2‬ومما جتدر إلي ه‬
‫اإلش ارة أن خط ط القبائ ل يف املدين ة على عه د الرس ول ص لى اهلل علي ه وس لم مل تكن قبلي ة خالص ة‪ ،‬مبع ىن أن‬
‫اخلطة ال يسكنها إال القبيلة نفسها وال سيما أنه نزل خيطط كثري من املهاجرين‪.3‬‬
‫إن مسؤولية توزيع اخلطط كانت يف يد الرسول صلى اهلل عليه وسلم باعتباره احلاكم وأن منهجه يف‬
‫توزيع اخلطط هدف إىل جتميع كل قبيلة يف خطة خاصة هبا‪ ،‬وتركت حرية تقسيم اخلطة للقبيلة وفقا لظروفها‬
‫وإمكاناهتا يف اإلنش اء والتعم ري‪ ،‬وم دى احلاج ة إىل ذل ك‪ ،‬والواض ح أن تقس يم املدين ة االس المية إىل خط ط‬
‫"حمالت س كنية" إمنا أراد به الرسول ص لى اهلل عليه وسلم التأكيد على صلة الرحم بني القبيلة الواحدة ومجع‬
‫القبائ ل يف خط ط متع ددة جتمعه ا مدين ة واح دة ذات كي ان م ادي متكام ل وإط ار اجتم اعي أمشل وأعم‪ ،‬وه و‬
‫إطار التآخي لتذويب النزاعات القبلية وخلق جمتمع واحد موحد‪.4‬‬
‫إضافة إىل املسجد اجلامع‪ ،‬توزعت املساجد على خطط املدينة يف عهد الرسول صلى اهلل عليه وسلم‬
‫حيث بلغ عددها تسعة يف خطط املهاجرين‪ ،‬وكان املصلون يسمعون آذان بالل يف مسجد الرسول صلى اهلل‬
‫عليه وسلم "املسجد اجلامع"‪ ،‬مما يدل على أن هذه املساجد كانت قريبة منه وأن املساجد كانت تليب حاجات‬
‫املصلني يف هذه اخلطط للصلوات اخلمس فقط‪ ،‬أما الصلوات اجلامعة فكانت تقام يف مسجد الرسول صلى اهلل‬
‫عليه وسلم باعتباره املسجد اجلامع‪ ،‬كما اشتملت املدينة على ساحة فناء تقام عليها صالة العيد عرفت "مبصلى‬
‫العي د"‪ ،‬خيرج إلي ه أه ل املدين ة لص الة العي د‪ ،5‬كم ا ك ان لك ل قبيل ة مق ربة خاص ة هبا‪ ،‬حس ب التقلي د القبلي‪،‬‬
‫وب الرغم من أن البقي ع أص بحت س نة ‪10‬هـ‪631 /‬م أرض دفن جامع ة‪ ،‬ف إن ك ل قبيل ة ع رفت هلا ج زءا من‬
‫أرضها استخدمته للدفن‪.6‬‬
‫‪ - 1‬السمهودي ‪ :‬وفاء الوفاء بأخبار دار املصطفى‪ ،‬حتقيق حممد حمي الدين‪ ،‬بريوت‪ ،1971 ،‬ج‪ ،2‬ص‪ -‬ص ‪.765 -757‬‬
‫‪ - 2‬عبد اهلل بن ادريس‪ :‬جمتمع املدينة يف عهد الرس ول ص لى اهلل علي ه و س لم‪ ،‬جامع ة املل ك س عود‪ ،‬عم ادة ش ؤون املكتب ات‪،‬‬
‫السعودية‪ ،1982 ،‬ص‪.170‬‬
‫‪ - 3‬نفسه‪ ،‬ص نفسها‪.‬‬
‫‪ - 4‬حممد عبد الستار عثمان‪ :‬املدينة االسالمية‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.49‬‬
‫‪ - 5‬نفسه‪ ،‬ص‪.50‬‬
‫‪ - 6‬السمهودي‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ ،326‬ج‪ ،3‬ص‪ -‬ص ‪.892 -888‬‬
‫واس تكماال ملراف ق املدين ة العمراني ة اهتم الرس ول ص ّلى اهلل علي ه وس ّلم بإنش اء الس وق فجع ل للمدين ة‬
‫سوقا واحدة وقال‪" :‬هذا سوقكم فال يضيق وال يؤخذ فيه خراج"‪ ،1‬ويبدو أن إنش اء س وق للمس لمني باملدين ة‬
‫كان ليكفيهم أذى اليهود الذين أخذوا يف االعتداء على املسلمني ومضايقتهم بأسواقهم‪.2‬‬
‫كم ا أق ر الرس ول ص لى اهلل علي ه وس لم نظ ام املراقب ة يف األس واق‪ ،‬فك ان يس تمر بنفس ه يف الس وق‬
‫ويوضح األسس االسالمية يف التعامل‪ ،‬واستعمل عمري رضي اهلل عنه على سوق املدينة‪ ،‬وبعد فتح مكة سنة‬
‫‪8‬هـ‪ ،‬استعمل سعد بن العاص على سوقها‪.3‬‬
‫وربطت الشوارع والطرقات باعتبارها شرايني االتصال بني هذه التكوينات املعمارية‪ ،‬فقد خط باملدينة‬
‫شوارع رئيسية متتد من املسجد باعتباره نواة املدينة إىل مجيع أطرافها‪ ،4‬وتف رعت منها شوارع فرعية تتوغل‬
‫داخل خطط األنصار واملهاجرين‪ ،‬لتسهل التوصل إىل مسجد الرسول يف املركز وهكذا ربطت هذه الشوارع‬
‫خطط املدينة وحمالهتا املختلفة ربطا عفويا حوهلا من حمالت سكنية متناثرة إىل مدينة تتصل أطرافها بطرقات‬
‫رئيسية مبركز املدينة وبالذات املسجد اجلامع‪.‬‬
‫ومع اّتساع املدن و تعّد د أريافها تعّد دت املساجد اجلامعة‪ ،‬وأصبح حتويل املساجد واملدارس واخلانقات‬
‫إىل مساجد جامعة أمرا ميسورا يتم بتعيني خطيب و إقامة منرب باملنشأة الدينية‪ ،‬وخري مثال على ذلك ما حدث‬
‫يف القاهرة منذ أوائل العصر اململوكي‪.5‬‬
‫وي ذكر حمم د بن عب د الس تار عثم ان‪" :‬وس ن رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وس لم انش اء مق ار للعالج‬
‫والتط بيب‪ ،‬فق رر بع د رجوع ه من غ زوة اخلن دق وض ع خيم ة يف املس جد للت داوي‪ ،‬وتأس ى احلك ام وأه ل ال رب‬

‫‪ - 1‬نفسه‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.748 -747‬‬


‫‪ - 2‬ابن سيد الناس‪ :‬عيون األثر يف فنون املغازي و السري‪ ،‬حتقيق خنب ة حف ظ ال رتاث‪ ،‬ب ريوت‪ ،1980 ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،351‬حمم د‬
‫عبد الستار عثمان‪ :‬عامل املعرفة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪ ،50‬سعيدة مفتاح‪ :‬جملة احلكمة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪ - 3‬حسان علي احلالق ‪ :‬االدارة احمللية االسالمية‪ ،‬احملتسب‪ ،‬الدار اجلامعية‪ ،‬بريوت‪ ،1980 ،‬ص‪.15‬‬
‫‪ - 4‬السمهودي‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.814‬‬
‫‪ - 5‬حممد عبد الستار عثم ان‪ :‬نظري ة الوظيفي ة بالعمائ ل الديني ة اململوكي ة بالق اهرة‪ ،‬دكت وراه‪ ،‬جامع ة أس يوط‪ ،‬مص ر ‪،1980‬‬
‫ص‪ -‬ص ‪.82 -78‬‬
‫واخلري هبذه الس نة‪ ،‬وس عوا إىل إنش اء البيمارس تانات‪ 1‬ال يت ت وفر العالج أله ل املدين ة والق ادمني إليه ا‪ ،‬وأوقف وا‬
‫األوقاف‪ 2‬الكثرية عليها‪ ،‬فبلغت مستوى متقدما يف العالج والتطبيب‪.3‬‬
‫لقد خصصت باملدينة يف عهد الرسول صلى اهلل عليه وسلم دور للضيافة واستقبال الوفود‪ ،‬كان أمهها‬
‫دار عب د الرمحن بن ع وف الكربى‪ ،‬وك انت تس مى دار الض يفان أو دار األض ياف‪ ،‬ونزل هبا وفد النخع س نة‬
‫‪11‬هـ‪ ،‬ودار رملة بنت احلارث األنصارية اليت نزلتها وفود غسان وبين ثعلبة وعبد القيس‪ ،‬وبين فزارة وعذرة‬
‫وبين حنيفة‪ ،‬و يف هذه الدار حبس الرسول صلى اهلل عليه وسلم بين قريظة قبل إعدامهم بالسوق‪.4‬‬
‫كما اهتم الرسول صلى اهلل عليه وسلم بنظافة املدينة ودعا إىل إماطة األذى عن الطريق‪ ،‬فكان يف ه ذه‬
‫الس نة م ا ي دعو إىل تنظي ف الش وارع وإزال ة العوائ ق منه ا وجتميله ا‪ ،‬ويف ه ذا اإلط ار أنش ئت مواض ع لقض اء‬
‫احلاج ات "املناص ع" إض افة إىل بي وت اخلالء امللحق ة باملن ازل‪ ،5‬كم ا اخت ار رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وس لم‬
‫مواضع الذبح بعيدة عن املواضع اليت تزدحم باملارة‪ ،‬فقد ضحى عند طرف الزقاق قرب دار معاوية‪ ،‬وضحى‬
‫أيضا عند طرف زاوية أيب يسار (عند أصحاب املعامل بناء بأعلى السوق)‪.6‬‬
‫وق د اختلفت مق اييس ش وارع املدين ة يف عه د الرس ول ص لى اهلل علي ه وس لم لنوعياهتا وحاج ة املرور‬
‫فيها‪ ،‬فكان عرض الطريق األعظم الذي ميتد من باب السالم مبسجده صلى اهلل عليه وسلم إىل مصلى العيد‬
‫يبلغ عشرة أذرع‪ 5( 7‬أمتار تقريبا) بينما تراوح عرض الطرق اجلانبي ة بني ‪ 5‬أذرع وست وسبع‪ ،8‬وه ذا ما‬
‫رواه أبو مسلم يف كتابه "املظامل" عن أيب هريرة رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه و سلم قال‪" :‬ال ضرر و‬
‫ال ضرار للرجل أن يضع خشبة في حائط جاره و إذا اختلفتم في الطريق الميتاء فاجعلوها س‪--‬بعة أذرع"‪،9‬‬

‫‪ - 1‬البيمارستانات‪ :‬كلمة فارس ية مركب ة من "بيم ار" مبع ىن م ريض و"س تان" مبع ىن مك ان فهي إذن دار املرض ى‪ ،‬مث اختص رت‬
‫فأصبحت مارستان‪ ،‬عيسى بك أمحد‪ :‬تاريخ البيمارستانات يف االسالم‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الرائد العريب‪ ،‬بريوت‪ ،1981 ،‬ص‪.4‬‬
‫‪ - 2‬الوق ف‪ :‬ص دقة جاري ة من أم وال الواق ف يف حيات ه‪ ،‬و يس تمر بقاؤه ا بع د ممات ه‪ ،‬حي اة احلجي‪ :‬الس لطان الناص ر حمم د بن‬
‫قالوون ونظام الوقف يف عهده‪ ،‬مكتبة الفالح‪ ،‬الكويت‪ ،1982 ،‬ص‪ ،45‬وهذا ما ينطبق مع حديث رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسّلم‪" :‬إذا مات ابن آدم انقطع عمله إال من ثالث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له"‪.‬‬
‫‪ - 3‬حممد عبد الستار عثمان‪ :‬املدينة اإلسالمية‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.53‬‬
‫‪ - 4‬السمهودي‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.739‬‬
‫‪ - 5‬حممد عبد الستار عثمان‪ :‬املرجع السابق‪.53 ،‬‬
‫‪ - 6‬السمهودي‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.693‬‬
‫‪ - 7‬نفسه‪ ،‬ص‪ -‬ص ‪.732 -725‬‬
‫‪ - 8‬السمهودي‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪..693‬‬
‫‪ - 9‬باب إذا اختلفوا يف الطريق امليتاء (و هي الرحبة تكون بني الطريق مث يريد أهلها البناء ف رتك منه ا س بعة أذرع) رواه اإلم ام‬
‫وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬ال ضرر و ال ضرار للرجل أن يضع‬
‫خشبة في حائط جاره وإذا اختلفتم في الطريق فاجعلوها أذرعا"‪ ،1‬أي حتديد أدىن اتس اع للش ارع ب ‪3.5‬‬
‫مرت إذا ما اختلف حوله حىت ال يضيق‪ ،‬وهذا معقول يف تلك العصور‪.‬‬
‫وعلى هذا النحو حددت مواضع التكوينات العمرانية للمدينة اإلس المية؛ أي التوفيق بني حرية حق‬
‫التصرف يف امللكية مع عدم التسبب يف أذى اآلخرين‪ ،‬وقد تكون احلرية وفق حدود منطلقة أساسا من السنة‬
‫مثلما رواه أبو مسلم يف كتابه "املسافات" عن أيب هريرة رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه قال‪" :‬ال يمنع‬
‫جار جاره أن يغرز خشبة في جداره" أو "خشبه في حائطه"‪.2‬‬
‫وعندما أحلت الضرورة واحلاجة إىل حفر اخلندق للدفاع عن املدينة وتأمينها من جهة الشمال‪ ،‬أخذ‬
‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم مبشورة سلمان الفارسي يف ضرورة حفره وباشر العمل بنفسه‪ ،‬وقسم الصحابة‬
‫إىل جمموعات تتكون كل واحدة منها من عشرة أشخاص كلفوا حبفر أربعني ذراعا‪.3‬‬
‫حقيقة أن معامل املدينة اإلسالمية العمرانية ومناهج ختطيطها وحتصينها بدأت يف مدينة الرسول صلى اهلل‬
‫عليه وس لم‪ّ ،‬مث سار وطبق الف احتون ه ذا النهج يف عم ارة وعمران املدن واحلواض ر اإلسالمية‪ .‬ومن املدن اليت‬
‫أنشئت خالل الفرتة اإلسالمية‪ ،‬أوهلا البصرة اليت أسست كمعسكر حريب سنة ‪14‬هـ‪634 /‬م‪ ،‬أسسها عتبة بن‬
‫غ زوان ب أمر من اخلليف ة عم ر رض ي اهلل عن ه وب دأ بتخطي ط املس جد اجلامع‪ ،‬وجبواره دار اإلم ارة‪ ،‬مث أقطعت‬
‫القبائ ل خططه ا ح ول املس جد‪ ،‬وخططت الش وارع‪ ،‬ومراب ط اخلي ل واملق ربة‪ ،‬وت ركت حري ة تقس يم اخلط ط‬

‫البخاري برقم ‪ ،2341‬ج‪ ،2‬ص‪ ،874‬و جاء يف موضع آخر "إذا اختلفتم يف الطريق جعل عرضه سبعة أذرع" زكي الدين‬
‫عبد العظيم‪ :‬خمتصر صحيح مسلم حتقيق حممد ناصر الدين االلباين‪ ،‬ط‪ ،1‬دار بن عفان‪ ،‬السعودية‪ ،‬املكتبة االسالمية‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫قصر الكتاب البليدة‪1411 ،‬هـ‪ ،‬ص‪.251‬‬
‫‪ - 1‬ابن تيمي ة‪ :‬املنتقى‪ ،‬الرئاس ة العام ة إلدارات البح وث واالرش اد واالفت اء‪ ،‬الس عودية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،371‬ابن ماج ة‪ :‬س نن ابن‬
‫ماجة‪ ،‬حتقيق خليل مأمون شيحا‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.106‬‬
‫‪ - 2‬أبو مسلم‪ :‬كتاب املسافات‪ ،‬ب اب غ رز اخلش ب يف اجلدار‪ ،‬ب رقم ‪ ،1609‬اجلزء الث الث‪ ،‬ص‪ ،1230‬للمزي د أك ثر ينظ ر‪،‬‬
‫ابن ال رامي‪ :‬االعالن بأحك ام البني ان‪ ،‬حتقي ق و دراس ة فري د بن س ليمان‪ :‬تق دمي‪ ،‬عب د العزي ز ال دوالييت‪ ،‬مرك ز النش ر اجلامعي‬
‫‪ ،1999‬ص‪ -‬ص ‪ ،57 -46‬املرجي الثقفي‪ :‬كتاب احليطان‪ ،‬أحكام الطرق و السطوح و األبواب و مسيل املياه و احليطان‬
‫يف الفقه االسالمي‪ ،‬حتقيق حممد خري رمضان يوسف‪ ،‬دار الفكر املعاصر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1994 ،1‬باب االتصال يف بناء‬
‫احلائط‪ ،‬وباب يف السرت و اخلشب‪ ،‬و باب يف عدد اخلشب‪ ،‬ص‪ -‬ص ‪.63 -47‬‬
‫‪ - 3‬للمزيد عن كيفية حفر اخلندق و فرتة اجنازه و عدد املشاركني يف حفره‪ ،‬ينظر‪ ،‬القربي ‪ :‬تاريخ الرسل و امللوك‪ ،‬حتقي ق أيب‬
‫الفض ل اب راهيم‪ ،‬الق اهرة‪ ،1968 ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،518‬الس مهودي‪ :‬املص در الس ابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،109‬ابن س يد الن اس‪ :‬املص در‬
‫السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،287‬حممد عبد الستار عثمان‪ :‬املدينة اإلسالمية‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.53 -52‬‬
‫للقبائل ال يت اختطت وب نيت منازهلا‪ ،‬وذكر لنا البالذري‪ 4‬العديد من الرواي ات عن بعض م ا قام به أبو موسى‬
‫األش عري ال ذي تواله ا س نة ‪19 -17‬هـ‪650 -630 /‬م) لتنظيم املدين ة كبن اء املس جد ودار اإلم ارة ب اللنب‬
‫والطني وتزويدها باملاء الصاحل للشرب‪ ،‬وكيف ساهم أيضا عبد اهلل بن عامر (‪36 -25‬هـ‪657 -646 /‬م)‬
‫يف تطوير البصرة بتشجيعه للعمران والتوسيع يف تأسيس األسواق وال سيما أن سوق املربد مل تعد قادرة على‬
‫سد احلاجات اجلديدة للمدينة‪ ،2‬كما جاءت رواي ات مفص لة عن كيفية بناء مدين ة الكوف ة‪ 3‬اس تنادا إىل مع ايري‬
‫هندس ية معين ة تتعل ق بع رض الش وارع واختي ار موق ع املس جد اجلامع‪ ،‬ودار اإلم ارة و ختطي ط على القبائ ل‬
‫للسكن‪.4‬‬
‫ويتضح مما سبق أن ختطيط الكوفة سار على املنهج نفسه الذي وضع يف املدينة املنورة مث يف البصرة‪.‬‬
‫وسار ختطيط الفسطاط على النمط نفسه واليت تعد أول مدينة جديدة عربية أنشئت يف مشال إفريقيا أسسها‬
‫عمرو بن العاص عند فتح مصر سنة ‪21‬هـ‪641 /‬م‪ ،5‬ويكشف لنا املقريزي تأثر ختطيط املدين ة بظ روف نشأهتا‬
‫احلربي ة يف تل ك الف رتة املبك رة من ت اريخ ختطي ط املدين ة اإلس المية‪ ،‬حيث يش ري إىل ت رتيب احملالت الس كنية‬
‫(اخلطط) يتبع يف الغالب برتتيب قطاعات اجليش‪ ،6‬مما يسهل إدارة املدينة واستنفار اجليوش‪.‬‬

‫‪ - 1‬البالذري ‪ :‬فتوح البلدان‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.342‬‬


‫‪ - 2‬نفسه‪ ،‬ص‪ -‬ص ‪ ،345 -342‬عبد اجلبار ناجي‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ،62 -61‬ويكشف لنا الطربي عن تطور املدين ة‬
‫االقتصادي واملتمثل يف تزايد الواردات من غنائم الفتح‪ ،‬و تزايد اهلجرة إليها حىت بلغ عدد سكاهنا ستني ألفا‪ ،‬وبين فيها باآلجر‬
‫واجلص‪ ،‬و ك ثرت األس واق منه ا "مدين ة ال رزق" وهي عب ارة عن س وق واس عة هلا أربع ة أب واب‪ ،‬وحتت وي على نش اطات‬
‫اقتصادية فاعلة‪ ،‬كما أنشئت احملالت واحلمامات‪،...‬الطربي‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.249‬‬
‫‪ - 3‬الكوفة‪ :‬أصبحت كمعسكر حريب سنة ‪17‬هـ‪638 /‬م‪ ،‬على ي د س عد بن أيب وق اص بع د موافق ة اخلليف ة ووفق ا لتوجيهات ه‬
‫التخطيطية اليت حددت اتساع شارعها الرئيسي بأربعني ذراعا و الشوارع الثانوية بثالثني ذراعا‪ ،‬و أنشيء املسجد يف وسط‬
‫املدينة و جبواره دار اإلمارة‪ ،‬و منها امتدت الشوارع اليت كان يسميها الطربي "مبناهج أهل العزم"‪ ،‬الطربي" املصدر نفسه‪ ،‬ص‬
‫‪.2490 -2489‬‬
‫‪ - 4‬سعيدة مفتاح‪ :‬م آثر تش ريع املخطط ات جمل ة احلكم ة‪ ،‬املرج ع الس ابق‪ ،‬ص‪ ،31‬و يش ري اليعق ويب إىل أن تقس يم اخلط ة بني‬
‫أفراد القبيلة كان مرتوكا حلرية تصرف اختيار القبيلة أي كل قبيلة تقسم اخلطة املخصصة هلا‪ ،‬و توزعت املساجد يف خطط‬
‫القبائل‪ ،‬وكان لكل قبيلة مقربهتا املعروفة هبا‪ ،‬و كانت السوق يف الوسط عبارة عن ساحة فضاء كما هو احلال يف سوق املدينة‬
‫املنورة‪ ،‬اليعقويب‪ :‬البلدان‪ ،‬طبعة ليدن‪ ،‬ص ‪.96 -95‬‬
‫‪ - 5‬ابن عبد احلكم‪ :‬فتوح مصر و املغرب‪ ،‬القاهرة‪ ،1961 ،‬ص‪.697‬‬
‫‪ - 6‬املقريزي‪ :‬املخطط‪ ،‬طبعة بوالق‪ ،‬مصر‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.297‬‬
‫ومن املدن األخرى اليت نشأت يف ظل اإلسالم‪ ،‬مدينة القريوان‪1‬؛ فقد فكر عقبة بن نافع يف بن اء قاع دة‬
‫ثابتة للفتح اإلسالمي يف إفريقية‪ ،‬فشرع يف البناء سنة ‪50‬هـ‪ ،‬ومت بناؤها سنة ‪55‬هـ‪675 /‬م‪ ،2‬أم ا عن تأسيسها‬
‫وكيفية ختطيطها وحتصينها ومظاهرها العمرانية فهذا ما سنتناوله بشيء من التفصيل يف الباب األول‪.‬‬
‫ومدينة واسط اليت ارتبط انشاؤها مبا وقع من أحداث يف البصرة والكوفة يف العصر األموي‪ ،‬فقد ذكر‬
‫حبشل أن احلجاج قال‪" :‬أختذ مدينة بني املدينتني (أي الكوفة و البصرة) أكون بالقرب منهما أخاف أن حيدث‬
‫يف أحد املدينتني حدث و أنا يف املصر اآلخر‪ ،‬فمر بواسطة القصب فأعجبته فقال‪ :‬هذا واسط املصرين‪ ،‬فكتب‬
‫إىل عبد امللك بن مروان يستأذنه يف بناء مدينة بني املصرين فأذن له"‪.3‬‬
‫وأثار حبشل بطريقة مفصلة عن ختطيط املدينة بعدما اشرتى احلجاج أرضها سنة ‪75‬هـ وبنائه القصر‬
‫واملسجد والسوران وحفر اخلندق وأنشأ السوق والدروب واملقربة وضرب الدراهم‪.4‬‬
‫ومن املدن األخ رى أيض ا مدين ة بغ داد‪ 5‬كعاص مة جدي دة للخالف ة العباس ية س نة ‪145‬هـ‪762 /‬م‪،‬‬
‫ومدينة فاس باملغرب سنة ‪808‬م‪ ،‬حيث وصفها ليون االفريقي وأحصى حوانيتها وأسواقها وفنادقها ومحاماهتا‬

‫‪ - 1‬القريوان‪ :‬اسم معرب و هو بالفارسية يعين كروان و هو طائر يشبه احلجل و القريوان تعين حمط ة اب دال أو جتم ع عس كري‬
‫للدفاع عن املدينة‪ ،‬ابن منظور‪ :‬املص در الس ابق‪ ،‬ص‪ ،77‬م وريس بومب ار‪ :‬اإلس الم يف جمده األول (ق ‪11 -8‬م‪5 -2 /‬هـ)‪،‬‬
‫املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬ط‪ ،1‬اجلزائر ‪ ،1984‬ص‪.103‬‬
‫‪ - 2‬ابن عذارى املراكشي‪ :‬البيان املغ رب يف أخب ار األن دلس و املغ رب‪ ،‬حقق ه و راجع ه ج‪.‬س ك والن و ليفي بروفنس ال‪ ،‬دار‬
‫الثقافة‪ ،‬ط‪2‬بريوت ‪ ،‬لبنان‪ ،1982 ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،20‬موسى لقبال‪ :‬املغرب االسالمي منذ بناء معسكر القرن حىت انتهاء ثورات‬
‫اخلوارج سياسته ونظمه‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر و التوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬اجلزائر‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫‪ - 3‬حبشل‪ :‬تاريخ واسط‪ ،‬حتقيق كوركيس عواد‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1986 ،1‬ص ‪.39 -38‬‬
‫‪ - 4‬حبشل‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫‪ - 5‬يروى عن اخلليفة العباسي أيب جعفر املنصور أنه خ رج بنفس ه إىل املوق ع ال ذي عين ه ل ه أص حابه وب ات في ه ليخت رب مناخ ه‪،‬‬
‫فوجده ميتاز عن غريه من األراضي الواقعة على دجلة خبلوه من الوباء الذي ينقله البعوض‪ ،‬وطيب لياليه‪ ،‬وصفائه حىت يف أشد‬
‫الص يف ح رارة‪ ،‬فض ال عن وف رة املي اه وخص وبة الرتب ة‪ ،‬وق د أش رف املنص ور ع ل ختطي ط املدين ة و وض ع حج ر األس اس س نة‬
‫‪145‬هـ‪762 /‬م‪ ،‬وتشري الدراسات إىل أن البناء املدور يكون عادة أكثر تعرضا للشمس واهلواء من أي بناء آخر و هذا ينطبق‬
‫على الشكل الدائري لبغداد لتكون مدينة صحية‪ ،‬السيد عبد العزيز سامل‪ :‬دراسات يف تاريخ املغرب‪ ،‬العصر العباسي األول‪،‬‬
‫مؤسسة شباب اجلامعة االسكندرية‪ ،1993 ،‬ج‪ ،3‬ص‪ -‬ص ‪.354 -349‬‬
‫وطواحينها ومنازهلا ومساجدها ومدارسها‪ ،‬وما اشتملت عليه من مراف ق ت دل على مس توى حض اري متق دم‪،1‬‬
‫وقد اندهش الرحالة األجانب التساع مدينة القاهرة اليت تأسست ‪969‬م‪ ،‬وامتداد عمراهنا‪.2‬‬
‫إن نشأة وتطور عمران املدن اإلسالمية أو احنساره ارتبط بتغيري اخلريطة السياسية للعامل اإلسالمي يف‬
‫فرتات خمتلفة توحدا حتت راية خالفة اسالمية واحدة‪ ،‬مث انقساما إىل ثالث خالفات‪ ،‬مث تفتتا إىل دول مشرقية‬
‫ومغربية‪ ،‬وما ص احب ذلك من هجمات الص ليبيني مث التتار مث هجم ات املسيحيني على األندلس اليت انتهت‬
‫بفقدها وضياع أرضها‪.3‬‬
‫ومل يقتصر العرب الفاحتون على إنشاء املدن اجلديدة يف وطنهم من اخلليج إىل احمليط بل كانوا رواد املدينة يف‬
‫جزء من أوروبا حيث فتحوا األندلس عام ‪711‬م وأنشأوا العديد من املدن كغرناطة وقرطبة واشبيلية وغريها‬
‫كثري‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬
‫نس تنتج من خالل م ا س بق أّن املدين ة كم ا تعرفه ا املع اجم العربي ة والق واميس اللغوي ة م أخوذة من م دن‬
‫باملكان أي أقام به‪ ،‬كما أهنا يف التعريف االصطالحي احلديث‪ ،‬حقيقة مادية مرئية يف املظهر‪ ،‬من حيث الكثافة‬
‫السكانية‪ ،‬والكتلة البنائية و البعد التارخيي‪ ،‬فاملدنية تارخييا تعد وحدة تشكيلية قدمية خربها اجملتمع االنساين منذ‬
‫زمن بعيد‪ ،‬وهي أعظم إجناز حضاري حققه االنسان‪ ،‬وعليه ليست املدنية خبربة جديدة من التفكري االنساين‬
‫أهنا جاءت كما يعتقد بعضهم نتيجة الثورة العلمية اليت نبتت بذورها منذ أكثر من قرن فقط‪ ،‬بل هي خربة‬

‫‪ - 1‬لي ون اإلف ريقي‪ :‬وص ف افريقي ا‪ ،‬ترمجة حمم د حجي‪ ،‬حمم د األخض ر‪ ،‬دار الغ رب االس المي‪ ،‬ب ريوت ‪ ،1983‬ص‪ -‬ص‬
‫‪.321 -249‬‬
‫‪ - 2‬حمم د عب د الس تار عثم ان‪ :‬املدين ة االس المية‪ ،‬ع امل املعرف ة‪ ،‬املرج ع الس ابق‪ ،‬ص‪،70‬‬
‫‪Lamara Mohamed Karmi, critère d’implantation, des villes nouvelle en algérie,‬‬
‫‪.école polytechniques d’architevture, el harach, année 2003, p3‬‬
‫‪ - 3‬حممد عبد الستار‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.76‬‬
‫قدمية عرفتها حضارات الشرق القدمي من سومرية وفرعونية‪ ،‬كما عرفتها احلضارات اليونانية والرومانية‪ ،‬ومن‬
‫مث ميكننا القول أن العامل القدمي كان عامل مدن وإن كانت كل مدينة تعد يف حذ ذاهتا علما قائما بذاته‪.‬‬
‫ويف العصور الوسطى ويف ظل احلضارة العربية اإلسالمية نشأت العديد من املدن كان لبعضها الطابع‬
‫العسكري مثل البصرة والكوفة واملوصل والفسطاط والقريوان‪ ،‬وبعضها هلا الطابع االداري كواسط‪ ،‬وبعض‬
‫منها هلا الصفة السياسية كبغداد والقاهرة‪ ،‬وبعض آخر هلا الطابع الديين كالنجف وكربالء وتيهرت‪ ،‬فازدهرت‬
‫ه ذه املدن يف ظ ل احلض ارة االس المية وص ارت مض ربا لألمث ال يف مظاهره ا العمراني ة وأمناطه ا االجتماعي ة‬
‫ومعاملها الثقافية والفنية‪ ،‬من ذلك ما وصلت إليه البصرة والكوفة يف عهد األمويني والعباسيني والقاهرة يف عهد‬
‫الفاطميني‪ ،‬القريوان يف عهد األغالبة وتيهرت يف عهد الرستميني‪ ،‬فاملدينة على حد تعبري "البالش" كالشجرة‬
‫تربتها اجلغرافيا وملؤها التاريخ‪.‬‬
‫لقد أشار معظم املفكرين إىل أن االجتماع اإلنساين ضرورة ال بد منه بسبب أن اإلنسان ال ميكنه أن‬
‫حيصل على الغذاء مبفرده خاصة ذلك الغذاء الذي يتطلب اجلهد الكبري لالنتفاع به كالزرع‪ ،‬كما أنه حباجة إىل‬
‫اللب اس واملس كن والعالج وال دفاع عن نفس ه‪ ،‬ض ف إىل ذل ك الغري زة البش رية وميل ه إىل األنس‪ ،‬ل ذلك وجب‬
‫عليه االجتماع‪ ،‬مث أن هذا االجتماع إمنا يكون يف منطقة تص لح للسكن‪ ،‬هلذا حدد املفكرون شروطا وبينوا‬
‫سلبية املناطق اليت مل خترت بعناية‪ ،‬كما وصفوا ضوابط وأسس االستقرار والتعمري كتوفر املاء واتساع الطرق‬
‫وتعددها ووجود املسجد اجلامع ومساجد األحياء مع ضرورة وجود السوق وإحاطة املدينة بسور‪ ،‬وأن ينقل‬
‫إليها أهل العلم والصنائع الذين يسامهون يف تطوير وازدهار املدينة حضاريا‪.‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫‪ -‬حممد سرباح‪ ،‬عبد القادر صاف‪ :‬املدن اجلديدة من فك اخلناق على احلواضر يف اجلزائر حالة مدن الطوق األول‪ ،‬حوليات‬
‫التاريخ واجلغرافيا‪ ،‬امللتقى الوطين الثالث‪ ،‬املدن اجلزائرية عرب العصور‪ ،‬خمرب التاريخ واحلضارة واجلغرافيا التطبيقية‪ ،‬املدرسة العليا‬
‫لألساتذة‪ ،‬بوزريعة العدد ‪ ،5‬جوان ‪2012‬م‪.‬‬
‫‪ -‬موسى لقبال‪ :‬املغرب اإلسالمي منذ بناء معسكر القرن حىت انتهاء ثورات اخلوارج سياسته ونظمه‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬اجلزائر‪ ،‬دون تاريخ نشر‪.‬‬
‫‪-‬ابن أيب الربيع‪ :‬سلوك املالك يف تدبري املمالك‪ ،‬دراسة وحتقيق ناجي التكرييت‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1978 ،1‬م‪.‬‬
‫‪-‬ابن األزرق‪ :‬بدائع السلك يف طبائع امللك‪ ،‬حتقيق حممد عبد الكرمي‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪،1988،‬ج‪.1‬‬
‫ابن ال رامي‪ :‬اإلعالن بأحك ام البني ان‪ ،‬حتقي ق ودراس ة فري د بن س ليمان‪ :‬تق دمي‪ ،‬عب د العزي ز ال دوالييت‪ ،‬مرك ز النش ر اجلامعي‬
‫‪- .1999‬املرجي الثقفي‪ :‬كت اب احليط ان‪ ،‬أحك ام الط رق والس طوح واألب واب ومس يل املي اه واحليط ان يف الفق ه اإلس المي‪،‬‬
‫حتقيق حممد خري رمضان يوسف‪ ،‬دار الفكر املعاصر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1994 ،1‬باب االتصال يف بناء احلائط‪ ،‬وباب يف‬
‫السرت و اخلشب‪ ،‬وباب يف عدد اخلشب‪.‬‬
‫‪-‬ابن تيمية‪ :‬املنتقى‪ ،‬الرئاسة العامة إلدارات البحوث واالرشاد واالفتاء‪ ،‬السعودية‪ ،‬ج‪.2‬‬
‫‪-‬ابن سيد الناس‪ :‬عيون األثر يف فنون املغازي والسري‪ ،‬حتقيق خنبة حفظ الرتاث‪ ،‬بريوت‪ ،1980 ،‬ج‪.1‬‬
‫‪-‬ابن ع ذارى املراكش ي‪ :‬البي ان املغ رب يف أخب ار األن دلس واملغ رب‪ ،‬حقق ه و راجع ه ج‪.‬س ك والن و ليفي بروفنس ال‪ ،‬دار‬
‫الثقافة‪ ،‬ط‪2‬بريوت ‪ ،‬لبنان‪ ،1982 ،‬ج‪.1‬‬
‫‪-‬ابن ماجة‪ :‬سنن ابن ماجة‪ ،‬حتقيق خليل مأمون شيحا‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ج‪.5‬‬
‫‪-‬أبو مسلم‪ :‬كتاب املسافات‪ ،‬باب غرز اخلشب يف اجلدار‪ ،‬برقم ‪ ،1609‬اجلزء الثالث‪.‬‬
‫‪-‬امساعيل العريب‪ :‬املدن املغربية‪ ،‬املؤسسة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪-‬القزويين‪ :‬آثار البالد و أخبار العباد‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.1988 ،‬‬
‫‪-‬حبشل‪ :‬تاريخ واسط‪ ،‬حتقيق كوركيس عواد‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.1986 ،1‬‬
‫‪-‬توفيق محد عبد اجلواد‪ :‬العمارة اإلسالمية فكر وحضارة‪ ،‬املكتبة األجنلو مصرية‪.1987 ،‬‬
‫‪-‬حسان علي احلالق ‪ :‬االدارة احمللية االسالمية‪ ،‬احملتسب‪ ،‬الدار اجلامعية‪ ،‬بريوت‪.1980 ،‬‬
‫‪-‬حياة احلجي‪ :‬السلطان الناصر حممد بن قالوون ونظام الوقف يف عهده‪ ،‬مكتبة الفالح‪ ،‬الكويت‪.1982 ،‬‬
‫‪-‬زكي ال دين عب د العظيم‪ :‬خمتص ر ص حيح مس لم حتقي ق حمم د ناص ر ال دين االلب اين‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار بن عف ان‪ ،‬الس عودية‪ ،‬املكتب ة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬عمان‪ ،‬قصر الكتاب البليدة‪1411 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪-‬س عيدة مفت اح‪ :‬م آثر تش ريع املخطط ات العمراني ة للمدين ة العربي ة االس المية‪ ،‬جمل ة احلكم ة‪ ،‬مؤسس ة كن وز احلكم ة للنش ر‬
‫والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬العدد ‪ ،2‬السداسي األول ‪.2013‬‬
‫‪-‬السمهودي ‪ :‬وفاء الوفاء بأخبار دار املصطفى‪ ،‬حتقيق حممد حمي الدين‪ ،‬بريوت‪ ،1971 ،‬ج‪.2‬‬
‫‪-‬سيد عبد العزيز سامل‪ :‬دراسات يف تاريخ املغرب‪ ،‬العصر العباسي األول‪ ،‬مؤسسة شباب اجلامعة االسكندرية‪ ،1993 ،‬ج‪.3‬‬
‫‪-‬الطربي ‪ :‬تاريخ الرسل و امللوك‪ ،‬حتقيق أيب الفضل ابراهيم‪ ،‬القاهرة‪ ،1968 ،‬ج‪.2‬‬
‫‪-‬عبد الرمحن بن خلدون‪ :‬املقدمة‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪2007 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬عب د اهلل بن ادريس‪ :‬جمتم ع املدين ة يف عه د الرس ول ص لى اهلل علي ه و س لم‪ ،‬جامع ة املل ك س عود‪ ،‬عم ادة ش ؤون املكتب ات‪،‬‬
‫السعودية‪1982. ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬عيسى بك أمحد‪ :‬تاريخ البيمارستانات يف اإلسالم‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الرائد العريب‪ ،‬بريوت‪1981 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬الفرسطائي‪ :‬القسمة وأصول األرضني‪ ،‬حتقيق و تقدمي‪ ،‬بكري بن حممد الشيخ بلحاج‪ ،‬حممد صاحل الناصر‪ ،‬املطبعة العربية‪،‬‬
‫مجعية الرتاث القرارة‪ ،‬ط‪ ،2‬غرداية‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬كمال صيفوري‪ :‬الفكر البيئي يف احلضارة اإلسالمية‪ ،‬جملة كان التارخيية‪ ،‬دار ناشري األرشيف العاملي‪ ،‬العدد ‪ ،20‬السنة‬
‫السادسة‪ ،‬جوان ‪ ،2013‬رجب‪1434‬ه‪.‬‬
‫‪-‬ليون اإلفريقي‪ :‬وصف إفريقيا‪ ،‬ترمجة حممد حجي‪ ،‬حممد األخضر‪ ،‬دار الغرب االسالمي‪ ،‬بريوت ‪.1983‬‬
‫‪-‬حممد بن محو‪ :‬العمران و العمارة عند بعض املفكرين املسلمني‪ ،‬جملة القرطاس احلضاري للدراسات احلضارية والفكرية‪ ،‬نشر‬
‫ابن خلدون‪ ،‬تلمسان‪ ،‬العدد‪ ،1‬سنة‪2012‬م‪.‬‬
‫‪-‬حممد عبد الستار عثمان‪ :‬املدينة اإلسالمية‪ ،‬جملة عامل املعرفة‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬حممد عبد الستار عثمان‪ :‬نظرية الوظيفية بالعمائل الدينية اململوكية بالقاهرة‪ ،‬دكتوراه‪ ،‬جامعة أسيوط‪ ،‬مصر ‪1980‬م‪.‬‬
‫‪-‬املسعودي‪ :‬مروج الذهب و معادن اجلوهر‪ ،‬تقدمي حممد السويدي‪ ،‬سلسلة األنيس‪ ،‬موفم‪ ،‬اجلزائر‪ ،1919 ،‬ج‪.2‬‬
‫‪-‬موريس بومبار‪ :‬اإلسالم يف جمده األول (ق ‪11 -8‬م‪5 -2 /‬هـ)‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬ط‪ ،1‬اجلزائر ‪.1984‬‬
‫‪-‬موسى لقبال‪ :‬املغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪ ،2‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع اجلزائر‪1981 ،‬م‪.‬‬
‫‪-Lamara Mohamed Karmi, critère d’implantation, des villes nouvelle en algérie,‬‬
‫‪école polytechniques d’architevture, el harach, année 2003.‬‬
‫‪-F.Braudel, civilisation materielle et capitalisme, paris, 1967‬‬

You might also like