You are on page 1of 7

‫النشاط الزراعي في بالد المغرب األوسط‬

‫خالل القرنين ‪ 8- 7‬ها ‪ 11- 11 /‬م‬


‫‪1‬‬
‫د‪ .‬شباب عبدالكريم‬
‫مدخل‪:‬‬
‫طغت الدراسات والبحوث المتعلقة بالتاريخ السياسي والعسكري ونظم الحكم لبالد المغرب األوسط على‬
‫حساب الدراسات الحضارية العامة‪ ،‬خاصة تلك المتعلقة بالنشاط االقتصادي‪ .‬تحاول هذ الورقة إبراز‬
‫جوانب من النشاط الزراعي في هذ المنطقة الهامة من بالد الغرب االسالمي‪ ،‬خالل فترة القرنين ‪4‬و‪8‬‬
‫ه‪ ،‬من حيث مدى تنوع المحاصيل والزروع‪ ،‬والظروف البشرية والطبيعية التي تحكمت في ذلك النشاط‬
‫الزراعي‪ ،‬والتنظيم الزراعي‪ ،‬أسسه وبنياته‪.‬‬
‫يقدم عبدالرحمن بن خلدون في كتابه "العبر" إشارات مقتضبة حول النشاط االقتصادي الهام‬
‫"حطموا‬ ‫على ذلك العهد (ق ‪ 8+4‬هـ)‪ .‬فالمرينيون ٭ الذين هاجموا تلمسان عام ‪401‬هـ‪1545/‬م‬
‫زروعها"‪ .2‬كما أن السلطان الزياني أبا حمو موسى الثاني (‪ 491-406‬هـ‪1989 -1928 /‬م) الذي‬
‫هاجم بالد الديالم ٭٭٭‪ ،‬انتسفها والتهمها وحطم زروعها‪.3‬‬
‫ودائما في سياق حديثه عن توسعات الدولة الزيانية يشير ابن خلدون أن عثمان بن يغمراسن‬
‫(‪ 469-081‬هـ‪1969-1585 /‬م) غ از منطقة متيجة "فانتسف نعمها وحطم زروعها"‪ ،4‬وفي سنة ‪080‬هـ‬
‫‪1584 /‬م توجه إلى بالد توجين فاكتسج حبوبها ونقل زروعها إلى مازونة‪.5‬‬
‫تكشف هذ النصوص التي وردت ضمن اإلطار السياسي العام ل حداث في بالد المغرب‬
‫األوسط‪ ،‬أن هذ المنطقة كانت بالد خصب ونماء‪ ،‬امتهنت فيها الفالحة على نطاق واسع‪ ،‬وكانت‬
‫مصدر عيش ورزق لكثير من سكانها‪ .‬وتقدم لنا كتب الرحالة والجغرافيين‪ ،‬وبعض المصادر التاريخية‬
‫الدور الكبير الذي لعبته الروافد واألنهار والينابيع المائية في ازدهار الفالحة‪ ،‬ويفيدنا الجغرافي اإلدريسي‬

‫‪1‬‬
‫أستاذ محاضر قسم ب جامعة سعيدة‬
‫٭بنو مرين بن ورتاجن بن ماخو بن حديج بن فاتن بن يدر بن يخفت بن عبد اهلل بن ورتنصيص بن المعز بن إبراهيم بن سحيك بن‬
‫واسين من قبيلة زناتة‪ ،‬كانت مواطنهم قبل تكوينهم دولة من فكيك إلى سجلماسة إلى ملوية‪ ،‬نجحوا في االستقالل بالمغرب األقصى‬
‫بعدما تمكن زعيمهم أبو يحي بن عبد الحق في افتكاك فاس من أيدي الموحدين عام ‪ 646‬هـ‪ .‬عبد الرحمن بن خلدون‪ :‬العبر وديوان‬
‫المبتدأ و الخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان األكبر‪ ،‬المجلد ‪ ،7‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬بيروت‬
‫‪1968‬م‪ ،‬ص ‪.357‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ص ‪261‬م‪.‬‬
‫٭٭٭٭ ٭ الديالم‪ :‬أحد بطون قبيلة زغبة العربية‪ ،‬نسبة إلى ديلم بن حسن بن إبراهيم بن رومي‪ .‬انظر بن خلدون‪ ،‬مج ‪ 6‬ص ‪.95‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ص ‪.274‬‬
‫‪ -4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.191‬‬
‫‪ -5‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.327-191‬‬
‫‪152‬‬
‫السنة‪6102 :‬‬ ‫الشهر‪ :‬ديسمبر‬ ‫العدد‪ :‬الثالث‬ ‫المجلد‪ :‬الثامن‬ ‫متون العلوم االجتماعية‬
‫أن " مدينة يلَل بها عيون وميا كثيرة"‪ .1‬أما تلمسان "فلها نهر يأتيها من جبلها المسمى بالصخرتين‪ ....‬و‬
‫هذا الوادي يمر في شرقي المدينة‪ ،‬وعليه أرجاء كثيرة‪ ،‬ومما جاورها من المزارع كلها للسقي"‪ .2‬كما ذكر‬
‫أن لمدينة " مليانة نهر يسقي أكثر مزارعها"‪ ،3‬أما الجغرافي ابن سعيد فيقدم أيضا جوانب هامة من الثروة‬
‫المائية التي تزخر بها بالد المغرب األوسط‪ ،‬فذكر أن جبال الونشريس منها ينبع نهر الشلف ويصب عند‬
‫مستغانم‪ ،‬وهو مثل النيل‪ 4.‬أما نهر المسيلة فيعتبر من "أجل األنهار"‪ ،‬كما ذكر نهر يسر الذي يصب في‬
‫مدينة أرشغون‪ .5‬أما مليانة فلها " نهر يسقي أكثر حدائقها وجناتها"‪.6‬‬
‫هذا وجدير بالذكر أن مصادر السقاية في بالد المغرب األوسط كانت متنوعة‪ ،‬فاألراضي‬
‫التي كانت على ضفاف األودية كانت تستفيد من السقي‪ ،‬وقد ذكرنا سابقا ما أورد اإلدريسي وابن سعيد‬
‫حول أراضي تلمسان ومليانة ومستغانم والدور اإليجابي الذي لعبته أوديتها‪.‬‬
‫وقد زودتنا بعض النوازل بمعلومات قيمة عن نظام الري في تلمسان حيث كان منظما‬
‫تنظيما دقيقا‪ ،‬فحسب الونشريسي كان بها عين ماء واحدة تسقي البساتين‪ ،‬فمنهم من كان يروي أرضه‬
‫نها ار‪ ،‬ومنهم من يسقيها ليال‪ ،‬وفئة ثالثة كانت تسقي من الغداة إلى الزوال‪ .7‬وقد استخدم فالح المغرب‬
‫األوسط الدواليب والنواعير وهي آالت لرفع الميا ‪ ،‬وتديرها الدواب كما في مليانة ومنطقة الشلف‪.8‬‬
‫أما الجهات الشرقية للمغرب األوسط فيذكر العمري أن بعض أراضيها تعتمد على المطر‬
‫كمصدر للسقاية‪ ،9‬أما الجهات الواحية فإن الميا الجوفية تعوض األمطار‪.10‬‬
‫واذا كانت مدينة فاس قد عرفت تنظيما للري جد متطور حتى القرن ‪7‬ه‪16/‬م‪ ،‬والمتمثل في‬
‫تقنية إقامة السدود على واديها‪ ،1‬فإننا ال نستبعد على الفالحين معرفتهم بهذا األسلوب التقني‪.‬‬

‫‪ -1‬أبو عبد اهلل الشريف اإلدريسي‪ ،‬نزهة المشتاق في اختراق ارفاق‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬ب ت‪ ،‬مج‪ ،1‬ص ‪.251‬‬
‫‪ -2‬اإلدريسي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.248‬‬
‫‪ -3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.253‬‬
‫‪ -4‬ابن سعيد المغربي‪ ،‬كتاب الجغرافيا‪ ،‬تج اسماعيل العربي‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪.1982 ،2‬ص ‪.142‬‬
‫‪ -5‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.141-127‬‬
‫‪ -6‬اإلدريسي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬م‪ ،1‬ص ‪.253‬‬
‫‪ -7‬أبو العباس الونشريسي‪ ،‬المعيار المغرب عن فتاوى علماء إفريقية واألندلس والمغرب ج‪ ،5‬خرجه جماعة من الفقهاء بإشراف‬
‫الدكتور محمد حجي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت ‪ .1981‬ص ‪.111‬‬
‫‪ -8‬سليمان بهلولي‪ ،‬الدولة السليمانية واالمارات العلوية في المغرب األوسط ‪342-173‬ه‪ 789/‬م‪954 -‬م‪ ،‬رسالة ماجستير‬
‫مخطوطة‪ ،‬جامعة وهران ‪2111‬م‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪ -9‬ابن فضل اهلل العمري‪ ،‬مسالك األبصار في ممالك األبصار‪ ،‬نشرة جزئية لحسن حسني عبد الوهاب تحت عنوان‪ :‬وصف افريقية‬
‫واألندلس أواسط القرن الثامن هـ‪ ،‬تونس ب ت‪ ،‬ص ‪12‬‬
‫‪10‬‬
‫‪ -‬إبراهيم حركات‪ ،‬النشاط االقتصادي اإلسالمي في العصر الوسيط حتى القرن ‪9‬ه‪15 /‬م‪ ،‬دار إفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‬
‫‪ ،1996‬ص ‪.89‬‬
‫‪153‬‬
‫السنة‪6102 :‬‬ ‫الشهر‪ :‬ديسمبر‬ ‫العدد‪ :‬الثالث‬ ‫المجلد‪ :‬الثامن‬ ‫متون العلوم االجتماعية‬
‫أنواع المزروعات‪:‬‬
‫تنوعت الغالت الفالحية في بالد المغرب األوسط بسبب تعدد المناخات والترب واختالف‬
‫تقنيات الفالحة بين البادية والحواضر‪ .‬وقد شكلت الحبوب خاصة القمج والشعير المصدر األساسي‬
‫لمعاش الناس‪ ،‬كما أن شروطه الطبيعية والبشرية متوفرة‪ .2‬ويصف لنا الجغرافي ابن سعيد أهمية منطقة‬
‫تنس الزراعية بقوله ‪ ":‬وهي مشهورة بكثرة القمج"‪ ، 3‬أما اإلدريسي فيذكر أن شعير بجاية "يكفي لكثير من‬
‫البالد"‪.4‬‬
‫كما زرعت الخضر والبقول طيلة فترة القرنين ‪4‬و‪8‬ه‪19 /‬و‪17‬م وقبلها‪ ،‬أما البقول فقد وردت‬
‫في معظم المصادر باسم القطاني ويقصد به الفول والحمص والعدس‪ ،‬والجلبان‪ ،‬والقطاني إما يؤكل‬
‫أخض ار أو يابسا‪ .‬ويشتد الطلب على الخضر والبقول من قبل سكان الحواضر لذا نجد زراعتها تتمركز‬
‫حول الحواضر‪ .‬حيث تتوفر التربة الخصبة والميا ‪ 5‬كتيهرت‪ ،‬مليانة‪ ،‬بجاية‪ ،‬وهران‪،‬‬
‫أما الفواكه فتميزت زراعتها باالنتشار‪ ،‬ويكشف لنا اإلدريسي مناطق عديدة كتنس‪ ،‬معسكر‪،‬‬
‫المرسى الكبير‪ ،‬المسيلة‪ ،‬شرشال‪ .6‬أما ابن حوقل فيصف مدينة سطيف أنها "كثيرة الفواكه والثمار" أما‬
‫مليانة "ففيها جميع الفواكه والثمار"‪ ،‬وجبل ميلة "فيه جميع الفواكه من التفاح الجليل والسفرجل‪ ،‬واألعناب‬
‫الكثيرة"‪ .7‬كما عرف المغرب األوسط زراعة الكروم فمدينة المسيلة لها كروم كثيرة في معظمها على نهر‬
‫الشلف‪ ،‬أما شرشال فكرومها ظاهرة‪ .8‬أما الزيتون فيصف لنا البكري مدينة طولقة بأنها "كثيرة البساتين‬
‫بالزيتون"‪.9‬‬
‫يضاف إلى كل هذا أن المغرب األوسط عرف النباتات النسيجية وهي مواد أولية نباتية‪ ،‬فبجاية‬
‫حسب ابن سعيد المغربي كانت تنتج كميات كبيرة من القطن‪ 10‬باالضافة الى مستغانم والمسيلة‪ ،‬أما متيجة‬
‫"فهي أكثر النواحي كتانا ومنها يحمل"‪.11‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الونشريسي‪ ،‬المعيار ج ‪ ، 5‬ص ‪.21-21‬‬
‫‪ -2‬بهلولي سليمان‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.91‬‬
‫‪ -3‬ابن سعيد‪ ،‬مصدر سابق ص ‪.142‬‬
‫‪ -4‬اإلدريسي‪ ،‬مج ‪ ،1‬ص ‪.261‬‬
‫‪ -5‬بهلولي سليمان‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.93‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬اإلدريسي‪ ،‬مصدر سابق مج ‪ ،1‬ص ص ‪.25202540258‬‬
‫‪ -7‬ابن حوقل‪ ،‬صورة األرض‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ب ت ‪ ،‬ص ص ‪.171-166‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ -‬اإلدريسي‪ ،‬مصدر سابق مج ‪ ،1‬ص ص ‪.258-253‬‬
‫‪ -9‬أبو عبيد اهلل البكري‪ ،‬المغرب في ذكر بالد إفريقية والمغرب‪ ،‬وهو جزء من كتاب المسالك والممالك‪ ،‬مكتبة المثنى‪ ،‬بغداد ب ت‪،‬‬
‫ص ‪.72‬‬
‫‪ -10‬ابن سعيد‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.142‬‬
‫‪ -11‬البكري‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.69-65-59‬‬
‫‪154‬‬
‫السنة‪6102 :‬‬ ‫الشهر‪ :‬ديسمبر‬ ‫العدد‪ :‬الثالث‬ ‫المجلد‪ :‬الثامن‬ ‫متون العلوم االجتماعية‬
‫أما الشهدانج ٭ فزرع في المسيلة ونواحيها‪ ،1‬ويمكن أن نزيد على هذا تربية النحل التي اعتنى بها‬
‫الفالحون في شرشال وجزائر بني مزغنة‪ ،‬لذلك كان إنتاج العسل من الوفرة بحيث "ينقل إلى سائر البالد‬
‫واألقطار المجاورة لهم والمتباعدة عنهم"‪.2‬‬
‫يظهر مما تقدم أن المغرب األوسط عرف خصبا نماء كبيرين‪ ،‬واستمرت هذ الحالة االقتصادية‬
‫االيجابية إلى فترة القرنين السابع والثامن الهجريين‪.‬‬
‫التنظيم الزراعي‪:‬‬
‫كان التنظيم الزراعي في بالد المغرب األوسط ال يختلف كثي ار عن التنظيم المعمول به‬
‫في سائر بالد المغرب اإلسالمي عامة‪ ،‬خاصة من حيث طبيعة ملكية األراضي‪ ،‬وطرق وتقنيات‬
‫استغاللها‪ ،‬فقد أشار ابن خلدون في كتابه "العبر" إلى بعض البيوتات الكبيرة التي امتهنت الزراعة‪ ،‬خاصة‬
‫في السهول التي تقع بجوار المدن‪ ،‬فأسرة بني المالح األندلسية التي استقرت بتلمسان مع بداية تأسيس‬
‫الدولة الزيانية‪ ،‬احترفت سكة الدنانير والدراهم "وزادوا إليها الفالحة"‪.3‬‬
‫ويؤكد يحي بن خلدون ظاهرة ممارسة البيوتات المعروفة حرفة الزراعة كعائلة الم ارزقة‪.4‬‬
‫وما من شك أن العقار الفالحي الذي حازت عليه العديد من البيوتات المشهورة كان مصدر اإلقطاعيات‬
‫السلطانية التي كانوا مشمولين بها‪ .‬وقد أكد عبدالرحمن بن خلدون في أكثر من مجال‪ ،‬بخصوص طبقة‬
‫الخاصة أن ثروتها مستمدة من الجا بحكم قربها من السلطة الحاكمة‪ ،‬وقد أقدم السلطان الزياني يغمراسن‬
‫بن زيان على إقطاع الفقيه أبي إسحاق إبراهيم بن يخلف بن عبدالسالم التنسي أراض زراعية‪.5‬‬

‫٭ الشهدانج‪ :‬نبات من أصل صيني أو أصل فارسي‪ ،‬وهو نبات مماثل للقنب‪ ،‬وكانت تستعمل خيوطه في تحضير خيط قوي ومتين‪،‬‬
‫ويستعمل في صناعة أثواب رقيقة وورق جيد‪ .‬انظر‪ :‬جودت عبد الكريم‪ ،‬األوضاع االقتصادية واالجتماعية في المغرب األوسط خالل‬
‫القرنين ‪ 3‬و‪4‬ه‪9 /‬و‪11‬م‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر ب ت‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪ -1‬اإلدريسي‪ ،‬مصدر سابق مج‪ 1‬ص ‪.253‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬اإلدريسي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.258‬‬
‫‪ -3‬ابن خلدون‪ ،‬العبر مج ‪ ،7‬ص ‪.213‬‬
‫‪ -4‬يحي بن خلدون‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫٭ أبو اسحاق إبراهيم بن يخلف بن عبد السالم التنسي‪ ،‬من العلماء الكبار عرف بالزهد والتقشف‪ ،‬حاز مكانة رفيعة عند الملوك‬
‫الزيانيين‪ ،‬انتهت غليه رياسة التدريس والفتوى في أقطار المغرب‪ ،‬ألَف في العلم كثي ار‪ ،‬وأشهر تآليفه شرح كتاب "تلقين المبتدأ وتذكرة‬
‫المنتهى" ألبي محمد عبد الوهاب المالكي في الفروع‪ ،‬وقد ضاع هذا الكتاب أثناء الحصار الطويل لتلمسان‪ ،‬وتوفي العالم أبو إسحاق‬
‫عام ‪ 681‬هـ‪1281/‬م‪ .‬انظر يحي بن خلدون‪ ،‬بغية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد‪ ،‬تج عبد الحميد حاجيات‪ ،‬ج‪ ،1‬المكتبة‬
‫الوطنية‪ ،‬الجزائر ‪.1986‬ص ‪ ،‬أحمد بابا التنبكتي‪ ،‬نيل االبتهاج بتطريز الديباج‪ ،‬تق عبد الحميد الهرامة‪ ،‬كلية الدعوة اإلسالمية‪،‬‬
‫طرابلس ليبيا ‪1989‬م‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬محمد بن عبد اهلل التنسي‪ ،‬تاريخ بني زيان ملوك تلمسان‪ ،‬تحقيق محمود بوعياد‪ ،‬إصدارات المكتبة الوطنية‪ ،‬الجزائر ‪1985‬م‪،.‬‬
‫ص ‪.127‬‬
‫‪155‬‬
‫السنة‪6102 :‬‬ ‫الشهر‪ :‬ديسمبر‬ ‫العدد‪ :‬الثالث‬ ‫المجلد‪ :‬الثامن‬ ‫متون العلوم االجتماعية‬
‫وقد كانت األراضي المقتطعة لفائدة أصحاب السلطان وبطانته في غالب األحيان ذات‬
‫ملكية خاصة‪ ،‬ألنه قلما توجد أراضي ذات ملكية جماعية إذا كانت ذات مردود اقتصادي جيد‪ ،‬ألنه يكثر‬
‫طلبها والتنافس على اقتنائها‪ ،‬ولنا في األراضي المسقية الموجودة في أحواز المدن خير دليل على هذ‬
‫الوضعية‪ ،‬ألنها ذات خصب مضمون بسبب الميا ‪ ،‬وذات سوق مضمونة بسبب قربها من المدن‪.1‬‬
‫أما البادية فان غالبية األراضي كانت مشاعة تستغلها القبائل بشكل جماعي‪ ،‬خاصة مسارح‬
‫الرعي للسوائم‪ .‬لكن يجب التنبيه إلى أن بعض القبائل كانت إلى جانب حرفة الرعي‪ ،‬تمارس أنشطة‬
‫فالحية كقبائل توجين وسويد‪" ،‬ففي هذ الحالة تضطر أن تترك بعض أفرادها لحماية مزروعاتها إلى حين‬
‫عودتها من ضعنها"‪ .2‬وبخصوص حجم الملكيات الفالحية بالمغرب األوسط ونوعيتها يمكن تسجيل أن‬
‫الظروف الطبيعية تحكمت إلى حد كبير في هذا الجانب‪ ،‬وذلك لوقوع بالد المغرب على حافة الصحراء‬
‫الكبرى‪ ،‬وانفتاحها على سواحل البحر األبيض المتوسط‪ ،‬وهذا ما نتج عنه اختالفا في طبيعة ملكية‬
‫األراضي من إقليم رخر‪ ،‬فتركزت الملكيات الخاصة بجوار المدن‪.3‬‬
‫تنوعت ملكيات األراضي في المغرب األوسط‪ ،‬وباستثناء أراضي اإلقطاع التي أشار إليها ابن‬
‫خلدون‪ ،‬فانه أغفل باقي أنواع الملكيات األخرى التي يمكن استقاء معلومات بشأنها من المصادر‬
‫التاريخية األخرى وكتب النوازل والرحالت‪.‬‬
‫األراضي الموظفة‪ :‬وهي تلك األراضي التي فرض عليها "وظيف*" للدولة‪ ،‬وحسب الونشريسي‬ ‫أ‪-‬‬
‫يمكن مالحظة أنه في حالة شراء تلك األراضي ال يلزم المشتري دفع الوظيف إال بداية من اليوم الذي‬
‫اشتراها فيه‪.4‬‬
‫أراضي اإلقطاع‪ :‬يمكن اعتبارها األرض التي يقطعها السالطين وأصحاب الحكم عموما ألفراد‬ ‫ب‪-‬‬
‫معينين لقاء خدمات معينة قدموها للدولة‪ ،‬وقد أشار ابن خلدون إليها في أكثر من مكان‪ ،‬حيث أورد أن‬
‫السلطان أبي حمو األوسط أقطع بعد عام ‪479‬هـ عرب المعقل مواطن بتلمسان‪ ،‬الستمالتهم في صفه‬
‫ضد المرينيين‪ ،‬و نفس األمر فعله مع عرب حصين عام ‪408‬هـ‪ .‬وال شك أن كبار قادة الجيش استفادوا‬
‫من هذ األراضي كالقائد العسكري عبد اهلل بن مسلم‪ ،‬ويورد ابن خلدون بخصوص المكانة التي تبوأها في‬

‫‪ -1‬عبد المجيد زيان‪ ،‬النظريات االقتصادية عند ابن خلدون وأسسها من الفكر اإلسالمي والواقع المجتمعي‪ ،‬دراسة فلسفية واجتماعية‪،‬‬
‫المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬ط‪ ،2‬الجزائر ‪ ،1988‬ص ‪.225‬‬
‫‪ -2‬جودت عبد الكريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ -3‬ناصر الدين سعيدوني‪ ،‬دراسات تاريخية في الملكية والوقف والجباية‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت ‪ ،2111‬ص ‪.15-14‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬الونشريسي‪ ،‬المعيار ج‪ ،6‬ص ‪.112‬‬
‫* الوظيف هو الضريبة‪ .‬انظر ‪ :‬كمال السيد أبو مصطفى‪ ،‬جوانب من االجتماعية واالقتصادية والدينية والعلمية في المغرب اإلسالمي‬
‫من خالل نوازل وفتاوى المعيار المغرب للونشريسي‪ ،‬مركز اإلسكندرية للكتاب‪ .1996 ،‬ص ‪.62‬‬
‫‪156‬‬
‫السنة‪6102 :‬‬ ‫الشهر‪ :‬ديسمبر‬ ‫العدد‪ :‬الثالث‬ ‫المجلد‪ :‬الثامن‬ ‫متون العلوم االجتماعية‬
‫الدولة "فعال كعبه واستفحل أمر " وال شك أن هذ العبارة توحي أن عبد اهلل بن مسلم استفاد من امتيازات‬
‫هامة من ضمنها األراضي المقتطعة‪.1‬‬
‫األراضي الموات‪ :‬وهي األرض البور التي يقطعها السلطان أو ولي األمر لمن يحييها ويزرعها‪،‬‬ ‫ت‪-‬‬
‫بور مهملة‬ ‫و‬
‫أرض و‬ ‫وأورد الونشريسي أن رجال من أهل تلمسان‪ ،‬قام عام ‪468‬ه‪ 1960/‬م باستصالح‬
‫قرب العمران‪ ،‬وغرسها ثم باعها لرجل آخر‪ ،‬الشيء الذي يؤكد أن األرض البور تصبج ملكا لمن يحييها‬
‫فيتصرف فيها كما يشاء‪.2‬‬
‫أراضي الحبوس‪ :‬كان الهدف من حبس تلك األراضي هو تحقيق الرعاية االجتماعية والتكافل‬ ‫ث‪-‬‬
‫االجتماعي‪ .‬وتفيد إحدى النوازل وجود األراضي المحتبسة على المساكين ببالد المغرب‪ ،‬أطلق عليها‬
‫أرض المساكين‪ ،‬كانت تزرع وتوزع عائداتها على الفقراء‪.3‬‬
‫هذا ومن المفيد اإلشارة إلى أن استغالل األرض وتقليبها وتهيئتها لم يكن يقوم به مالك األرض‬
‫دائما‪ ،‬وانما عرف أيضا نظام الشركات الزراعية‪ ،‬ويتضج ذلك من إحدى النوازل للونشريسي حيث أشار‬
‫إلى أخوين شقيقين كانت بينهما أرض زراعية‪ ،‬وكان أحدهما يستغل األرض ويقتسم مع أخيه ارخر‬
‫محصول األرض عند حصاد ‪ ،4‬كما عرفت شركة المناصفة وذلك بأن يشترك المالك بأرضه بينما يقوم‬
‫الشريك بالقليب والبذر والعمل‪ ،‬ويكون المحصول مناصفة بينهما‪ ،‬كما كان المالك أحيانا يؤجر أرضه‬
‫مقابل أجر معلوم‪.5‬‬
‫هذا وقد كان النشاط الفالحي يواجه مشاكل عدة طول فترة القرنين ‪4‬و‪8‬ه‪19/‬و‪17‬م‪ ،‬أبرزها‬
‫الجفاف وقد أشار ابن خلدون إلى أعوام ‪095‬م‪ ،‬وما بعدها " أصاب الناس قحط ونالتهم سنة وهنوا لها"‪.6‬‬
‫كما أن الصراعات السياسية بين الدول على زعامة بالد المغرب أثرت إلى حد كبير على‬
‫الفالحة‪ ،‬ويقدم لنا ابن أبي زرع نصا حول تخريب بني مرين وحلفائهم من قبائل توجين لزروع بعض‬
‫نواحي المغرب األوسط عام ‪046‬ه‪1545/‬م‪ ،‬حيث كتب ‪":‬فقطعوا الثمار والجنات‪ ،‬وأفسدوا الزروع‪ ،‬حتى‬
‫لم يدعوا بتلك النواحي قوت يوم‪ ،‬حاشا السدرة والدوم"‪.7‬‬

‫‪ -1‬ابن خلدون‪ ،‬العبر مج ‪ ،7‬ص ‪.261‬‬


‫‪2‬‬
‫‪ -‬الونشريسي‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.117-116‬‬
‫‪ -3‬الونشريسي‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪.332 ،63‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬الونشريسي‪ ،‬ج ‪ ، 5‬ص ‪.45-44‬‬
‫‪ -5‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪.138‬‬
‫‪ -6‬ابن خلدون‪ ،‬العبر مج‪ ،7‬ص ‪.454‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -‬محمد ابن أبي زرع‪ ،‬األنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس‪ ،‬دار المنصور للطباعة‬
‫ص ‪.311‬‬ ‫والوراقة‪ ،‬الرباط ‪،1972‬‬
‫‪157‬‬
‫السنة‪6102 :‬‬ ‫الشهر‪ :‬ديسمبر‬ ‫العدد‪ :‬الثالث‬ ‫المجلد‪ :‬الثامن‬ ‫متون العلوم االجتماعية‬
‫أما أساليب الزراعة‪ ،‬فعرف الفالح في المغرب األوسط أسلوب المناوبة‪ ،‬وتسوية التربة وتقليم‬
‫األشجار وتلقيحها‪ ،‬والزراعة الواسعة والزراعة الكثيفة‪ ،‬ويذكر أن فالحي مدينة باديس* كانوا يزرعون‬
‫الشعير مرتين في العام على ميا سائحة كثيرة عندهم‪ .1‬كما تمت االستعانة بالثيران والبقر لعمليات الدرس‬
‫والحرث‪.2‬‬
‫خالصة‬
‫إن المعطيات التي أوردناها‪ ،‬تسمج لنا باستخالص الرأي الذي مفاد أن بالد المغرب األوسط‬
‫عرفت خصبا كبي ار ووفرة إنتاجية هامة خالل فترة القرنين ‪ 8- 4‬هـ‪17-19/‬م‪ ،‬تمثلت في تنوع المحاصيل‬
‫الفالحية من حبوب وخضر وفواكه وبقول وغيرها‪ ،‬مدعومة بتوفر إمكانيات طبيعية كوفرة الميا وامتداد‬
‫السهول الخصبة‪ ،‬وبشرية تمثلت في إلمام المزارعين باألساليب والتقنيات المعروفة وقتذاك‪ .‬مع العلم أن‬
‫التنظيم الزراعي في المنطقة كان يتشابه كثي ار مع التنظيم المعروف في بالد المغرب اإلسالمي عامة‪ ،‬من‬
‫حيث طبيعة ملكية األراضي وطرق وتقنيات استغاللها‪.‬‬

‫‪ -1‬بهلولي سليمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.29‬‬


‫*بادس‪ :‬بكسر الدال المهملة‪ ،‬وسين غير معجمة‪ :‬اسم لموضعين بالمغرب‪ ،‬األول بادس فاس والثاني بادس الزاب‪ ،‬ولعل المقصود من‬
‫السياق العام هو الموضع الثاني‪ .‬انظر‪ :‬ياقوت الحموي‪ ،‬معجم البلدان‪ ،‬مج‪ ،1‬ص ‪.317‬‬
‫‪ -2‬الونشريسي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ 9‬ص ‪.111-118‬‬
‫‪158‬‬
‫السنة‪6102 :‬‬ ‫الشهر‪ :‬ديسمبر‬ ‫العدد‪ :‬الثالث‬ ‫المجلد‪ :‬الثامن‬ ‫متون العلوم االجتماعية‬

You might also like