Professional Documents
Culture Documents
مكتبة الحبر اإللكتروني
مكتبة العرب الحصرية
تأليف
جوناثان َل يونز
ترجمة
مازن جندلي
يتضمن هذا الكتاب ترجمة األصل اإلنكليزي
The House of Wisdom
حقوق الترجمة العربية مرّخ ص بها قانونيًا من الناشر
Bloomsbury Press
بمقتضى االتفاق الخطي الموّقع بينه وبين الدار العربية للعلوم ناشرون ،ش.م.ل
.
Copyright © 2007 by Jonathan Lyons
Arabic Copyright © 2009 by Arab Scientific Publishers,All rights reserved
Inc. S.A.L
الطبعة األولى
1431هـ
2010 - م
ISBN: 978-614-421-990-4
جميع الحقوق محفوظة للناشر
ُل
بيدي [ - ]Bedeكاهٌن
ومفكر من شمالي إنكلترا ،القرن الثامن ،كان عمُله سابقًا زماَنه
ومكاَنه.
توما اإلكويني [ - ]Thomas Aquinasفيلسوٌف والهوت كاثوليكي
اقترح "هدنًة" بين
ٌي
اإليمان والعقلُ .ط ِّو ب قديسًا سنة .1323
ِج رِبر دوريالك [ - ]Gerbert d'Aurillacالبابا ِس لفستر الثاني في ما
بعد .وقد تعّلم
العلوَم والتكنولوجيا العربية كطالٍب باألندلس .ونشر معرفَته في
سائر أنحاء أوروبا.
جون دي فيلوال [ُ - ]John de Villulaر سم أسقفًا لويلز سنة
1088ونقل أبرشيَته إلى
باث .وكان راع آديالرد.
َي
ًال
عم الالتينية إلى المترجمين أغز
ُر - ]Gerard of [Cremona كريمونا أوف جيرار
باألندلسُ .تنسب إليه ترجمُة أكثر من سبعين مؤَلفًا من العربية.
الخوارزمي - عالُم
رياضيات وفلك ،ولد في ما يعرف اليوم بأوزبكستان .كان منقطعًا إلى بيت
تأثير
ًا الحكمة
،أَّثرت جداوُله النجمية وتواليُف ه في الحساب والجبر واألسطرالب واألعداد العربية
عظيمًا في الغرب.
روبرت أوف كيتون [ - ]Robert of Kettonمترجٌم التيني للعلم العربي
.عمل على
الترجمة الغربية األولى للقرآن ،إلى جانب هيرمان أوف كارنثيا.
روجر الثاني [
- ]Roger
IIملك صقلية النورماني ،المعروف باسم
"السلطان المعمد" لتبنيه
الثقافَة العربيَة الرفيعَة في بالطه .وكان
راع مشروع اإلدريسي لوضع خريطة العالم.
َي
روجر بيكون [
- ]Roger
Baconفيلسوٌف وعاِلٌم ومعِّلم من القرن الثالث عشر
.من
األنصار األوائل للفلسفة العربية ،وقال ذات مرة" ،الفلسفة مأخوذة من
المسلمين".
سيجر دو برابان [ - ]Siger de Brabantزعيُم الفالسفِة العلمانيين
بباريس .طاردته
محكمُة التفتيش وقتلته بمقر المحكمة البابوية.
مباشر بالعلم والفلسفة وشجع العلماَء
ًا عبد هللا المأمون - الخليفة
العباسي السابع .اهتم اهتمامًا
تشجيعًا؛
َم ن كان منهم ببيت الحكمة وَم ن لم يكن.
الغزالي - فقيه
مسلم شَّك ل مؤَّلُف ُه البارع تهافت الفالسفة [The Incoherence of
كبير للفالسفة
"بعبارتهم" .وُيعَر ف في الغرب أيضًا باسم .Algazel ]Philosophersتحديًا ًا
فردريك الثاني [ - ]Frederick IIأحُد أباطرة الرومان ونصيٌر
للعلم العربي .كان راع
َي
مايكل سكوت ،وذَّي ل بنفسه ترجماِت ابِن رشد ،وابِن سينا
،وابِن ميمون.
الكندي [ - ]Alkindusوُس مي
فيلسوف العرب األول ،سعى للتوفيق بين أفالطون وأرسطو.
كوبرنيكوس ،نيكوالس [ - ]Copernicus, Nicolausفلكٌي بولندي حل طرُح ه أّن
الشمَس مركٌز للعالم في النهاية محَل مفهوم أَّن األرض هي مركُز كّل الحركات
السماوية.
ليوناردو أوف بي از [ - ]Leonardo of Pisaتعلم الرياضيات عن عرب شمال
أفريقيا
وغدا واحدًا من أعظم الرياضيين في العالم الغربيُ .يعرف أيضًا باسم
فيبوناتشي [.]Fibonacci
مايكل سكوت [
- ]Michael
Scotمترجُم ابِن رشد وأعظُم مفكٍر معروف في زمانه
.عمل
مستشار علميًا وفلكيًا ببالط فردريك الثاني.
ًا
َم سلمة الَم جريطي
- عالُم رياضيات وفلك أندلسي من القرن الحادي عشر ُترجمت طبعُته
المحلية من جداول
النجوم العربية في ما بعد إلى الالتينية.
موسى بن ميمون [ - ]Maimonides, Mosesعالٌم يهودي من األندلس
.ولكونه
معاصر البن رشد ،ساعد على تعريف المفكرين المسيحيين بالتقليد الفلسفي
العربيُ .ك تبت أعماُله ًا
الفلسفية بالعربية وُترجمت على نطاٍق واسع إلى الالتينية.
هرمان أوف كارنثيا [ - ]Hermann of Carinthiaترجماٌن كبير للعلم العربي
.أسهم
في وضع الترجمة األولى للقرآن الكريم إلى الالتينية.
تمهيد
المغرب
لم يكن ثمة َم ن يشك تقريبًا في أَّن َهللا
أرسل الزلزال على أنطاكية لفجورها وإس ارِفها في أمرها.
فقد كان سكاُن هذه القاعدِة
المسيحيِة المتقدمة غيِر البعيدة عن الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط
يجاهرون
بالمعاصي وقد اتخذوا دينهم لعبًا ولهوا .يسخر وولتر المستشار منهم فيقول "كان
بعُض
الرجال الذين كرهوا الصوم وأحبوا المآدَب الباذخة ،واستبد بِه ُم النهُم
للمآكل الشهية ،حريصين ال
على اتباع سبيِل أولئك الذين عاشوا حياًة طيبة بل سبيِل
أولئك الذين أكلوا مآكَل طيبة" ،وكان هذا
رجَل دين وموظفًا قديمًا بأنطاكية
ازدان وصُف ه الصريح للحياة فيها بإشا ارٍت إلى الكتاب المقدس
واقتباساٍت شائعة من
أشعار أوڤيد وڤرجيل]
.[3أما النساء فكن يعربدن بأرديتهن القصيرة الفاضحة
غمز "كن يكلفن
ًا ويتبرجن تبرجًا ال يعرف الحشمة
.وبعضهن "أو هكذا تقول اإلشاعة" ،يقول وولتر
الصناَع المحليين بصنع "أغطيٍة لعوراتهن مشغولٍة جيدًا بالذهب العربي
وتشكيلٍة من الجواهر
الثمينة ،ال لستر هذه العورات أو لجِم لهيِب الشهوة ،بل ألن
الممنوَع ربما يؤجج شهوَة أولئك الذين
ن
.وأخريات كن يفسقن رياضًة ولهوًًا ،فَيْد عو إلى أنفسهن األصدقاَء
فترت شهوُتهم للُم باح"][4
والجيران من شوارع
المدينة بال تمييز.
ولئن لم تفلح آفُة الجراد التي ضربت
المدينة قبل سنتين في صد هذا المد من االنحالل بين
هؤالء الوافدين الغربيين الجدد
إلى الشرق األدنى ،فلعل الرجفَة إذا أخذِت الناس توقظهم من غفلة
المعاصي .ففي
13نوفمبر ،1114ضرب زلزال بلدَة ماميست ار النائية ،ملحقًا خسائَر كبيرة ومؤذنًا
بالدمار القادم .وبعد ستة عشر يومًا" ،في هدأٍة من الليل ،والناُس مستسلمون
لنوٍم لذيٍذ عميق،
شعرت أنطاكية بالعقاب اإللهي يسري في أوصالها" .يحكي لنا
وولتر أن "المدينَة كانت مشهَد دمار،
وقد ُقتل أناٌس كثيرون في بيوتهم .وآخرون
،استبد بهم الرعب؛ فهجروا بيوتهم ذاهلين عن ثرواتهم،
تاركين وراءهم كَل شيء ،وهاموا
في شوارع وساحات البلدة كالمجانين ،رافعيَن إلى السماء أُك َف
التضّرع ِلما استبد
بهم من خوٍف وعجٍز شديدين ،باكين سائليَن َهللا بكل لسان أْن ’نجنا يا رب ،نِّج
عبادك‘"]
.[5وفي الصباح ،اصطف َم ن نجا منهم بأعجوبة من الزلزال العنيف أمام كنيسة القديس
بطرس
وسط المدينة ،وأقسموا أيماَنهم أال يعودوا إلى ما كانوا فيه من شهواٍت دنيوية.
لم يكن أهل أنطاكية وحدهم الذين قلب
الزلزال حياتهم رأسًا على عقب .فقد كان هناك شاٌب
ريفي [غريُب الدار] نائيها ُيهرع
باحثًا له عن ملجأ على جسٍر حجري بماميست ار التي مادت بها
األرض قبل ذلك بستة عشر
يومًا .لم يتجشم أديالرد أوف باث عناء تلك الرحلة الشاقة من غربي
إنكلت ار ليشارَك
في احتفاالت زفاف الملك بولدوين ملك القدس على أديليد الصقلية .فلم يكن مهتمًا
بخالعات أقرانه األوروبيين .ولم يكن ممن تبعوا خطا الغزاة الصليبيين الذين سبقوه
إلى
Outremer؛ "بالد ما وراء البحار" .فبخالف
أولئك المقاتلين المتعصبين المرعبين ِ - م ن
"الجرمان الفرانكين"
الذين أطلقهم البابا أوربان الثاني - فاغتصبوا النساء ونهبوا الممتلكات
بأوروبا
الوسطى حتى قبل أن يبلغوا األرَض المقدسة ،كان آديالرد مصممًا على التعلم
من المسلمين بدل
قتلهم تحت عالمة الصليب .ففي حين لم يَر الصليبيون في المسلمين
سوى الشر ،كان آديالرد
يسعى وراء نوِر الحكمِة العربية.
ال بد من أن أنطاكية [
- ]Antiochوهي اليوم بلدٌة في الريف التركي - كانت ال تقاَو م
آلديالرد القلق ،الذي كان
َق َط َع كطالٍب شاب بأهمية السفر إلى أي مكان طلبًا للعلم" :سيكون ًا
أمر
يستحق
العناء أن يسيَر المرء إلى معلمي الشعوب األخرى ،ويستظهَر صفوَة ما قد يجده عند كل
منهم ِم ن علم .فالذي يستغلق على الفرنسيين ،تجد َم فاتيحه في ما وراء األلب؛ والذي
ال تتعلمه ِم ن
الالتين ،يعلمك إياه فصحاُء اليونان"]ُ
.[6بنيت البلدُة في القرن الرابع ق.م ،وكانت في ما مضى
ٍل
حاضرَة آسيا األساسية .ذكراها
عزيزٌة بشك خاص على قلوب المسيحيين :ففيها ُأطلق اسُم
"المسيحيين"
أوَل مرة ،وكان القديس بطرس أوَل أسقٍف لها ،وهذه نقطٌة لطالما كان باباوات روما،
شديدو الحساسية والحريصون جدًا على مكانتهم ،يفضلون تجاُهَلها]
.[7وقد ازدهرت في ظل الحكم
اإلسالمي لكنها وقعت بعد ذلك في أيدي الصليبيين النورمان
.اشتملت إمارُة أنطاكية الجديدة هذه
على بلدٍة محصنة في الوسط ،وسهوٍل محيطٍة بها
،ومرفأين هما إسكندرون وسان سيمون .كانِت
البلدُة شديدَة الثراء ،تقوم ثروتها على
صناعة الحرير الفاخر والسجاِد والقدوِر والزجاج.
وكآديالرد نفِس ه ،كانت البلدة التي تنتظره
تقف على الخط الفاصل بين الشرق والغرب .فقد
كانت أنطاكية مدًة طويلًة من الزمن
محطًة مهمة على طريق تجارة القوافل اآلتية من بالد ما بين
النهرين ،وكانت تجارًة
تقليديًة مربحة تجاهلت بحرٍص شديد الحروَب الدينيَة الصليبيَة المزعجة
وظلت على ما
هي عليه .كان جُل ساكنِة المدينة مسيحيين؛ من أرثوذكس شرقيين ،ويعاقبة،
ونسطوريين
،وأرمن .وكانِت العربيُة هي اللغَة السائدة ،لكَّن الصالِت الدينيَة والثقافية ضمنت
كذلك
مكانًا لليونان والالتين ،ما سَّه َل تبادَل الكتب واألفكار عبر الخطوط
المذهبية والثقافية واإلثنية.
وهكذاَ ،و جدت اإلمارة نفَس ها صلَة وصٍل حيوية بين
عاَلمين متعارضين ،نشب في ما بينهما ص ارٌع
دين وثقافي للسيطرة على القدس
،الواقعِة على بعد ثالثمائة ميل تقريبًِا إلى الجنوب من أنطاكية.
ٌي
قبل بضع سنين من وصول آديالرد ،كانت
القواُت النورمانية والَج َنويُة المشتركة قد استولت من
بني عمار على مدينة طرابلس
القريبة ،وكان بنو عمار هؤالء أم ارَء المدينة المسلمين المثقفين .جاء
في ذيل
تاريخ دمشق ،وهو سجٌل تاريخ عرب معاصر لهذه الحروب ،أَّن ِم ن بين ما غنم
ٌي ٌي
النصارى المنتصرون ِم ن طرابلس "دفاتر داِر علِم ها وما كان منها في خزائن
أصحابها"].[8
وانتهت آالٌف من هذه الكتب إلى أيدي التجار األنطاكيين ،وصارت في متناول ذاك الشاب
اآلتي
من باث.
ومع ذلك ،لم يكن آديالرد مهّيًأ البتة لما
وجده في سعيه الحثيث لما دعاه الدراسات العربية
أخير على أسرار العصور ،تحت ركام ستة قرون من بلبالت ًا [
.]Studia
Arabumلقد عثر
المسيحية الغربية
.وعلى الفور استحوذ هذا اإلنكليزُي المترحل على قوة المعرفة العربية ليرى العالَم
كما رآه .غادر آديالرد موطَنه إنكلت ار طالبًا شابًا متعطشًا للحكمة التي لم يكن
ليروَي ظمأه إليها إال
العرب .وسيعود إليه كأوِل عاِلٍم غربي ،ويساعد على تغيير
عالمه إلى األبد.
هل للكون بداية وهل له نهاية ،كما ورد في
اإلنجيل والقرآن؟ أم أنه قديم ،ال هو حادٌث وال
متغير ،كما قال الفالسفة المسلمون؟
ولو صح هذا "المنطق الجديد" ،إذًا ،ما يفعل المرء بالنصوص
المقدسة التي
تقول بالخلق؟ لقد بدا العالم آلديالرد فجأًة مكانًا جديدًا غيَر مألوف .شغلت هذه
التساؤالُت المفكرين العرَب قرونًا ،وهم يصارعون للتوفيق بين عقيدة التوحيد التي
يحملونها وبين
ِم
فهمهم المتزايد للكون ن حولهم .هذا الص ارُع الكبير بين اإليمان
والعقل كان على وشك أن ينزَل
على أوروبا غيِر المتشككة كالصاعقة.
أدى وصوُل العلِم والفلسفِة العربيين ،وهو
إرُث آديالرد الرائد وَم ن سارع إلى اتباعه ،إلى تحويل
الغرب المتخلف إلى قوٍة
علميٍة وتكنولوجيٍة عظمى .وكاإلكسير المراوغ - في الكيمياء
القديمة-
الذي كان ُيطلب لتحويل المعادن غير النفيسة إلى ذهب ،حّو ل العلُم
العربي عاَلَم العصور الوسطى
المسيحي تحويًال فاق اإلدراك .فألول مرة منذ قرون
،تتفتح عيوُن أوروبا على العاَلم من حولها .هذا
التالقي مع العلم العربي أعاد حتى
فَن قياس الوقت بعد ضياع إلى مسيحيي الغرب في بدايات
العصور الوسطى .فمن دون الضبط
الدقيق للوقت والتقويم ،ما كان للتنظيم العقالني للمجتمع أن
ُيَتَص ور .وهكذا تطورت
العلوم ،والتكنولوجيا ،والصناعة ،وتحرَر اإلنساُن من عبوديته للطبيعة .لقد
ساعد
العلُم والفلسفُة العربيان على إنقاذ العالم المسيحي من الجهل وهو الذي جعل فكرَة
الغرب بحد
ذاتها ممكنة.
ومع ذلك ،كم منا اليوم يقفون ليعترفوا بذلك
الدين الهائل الذي ندين به للعرب ،دع عنك السع
َي
لسداده؟ كم منا يعترفون بما تركوه
لنا من إرٍث ال يقدر بثمن من مصطلحات في قاموسنا التقني
اليوم :من السمت [ ]azimuthإلى السمة [ ،]zenithومن الجبر [ ]algebraإلى الصفر
[]zero؟ أو باألثر العربي األكثَر دنيويًة في كل
شيء من الطعام الذي نأكله - من مشمش
[
]apricotsوبرتقال [ ]orangesوأرضي شوكي [ ،]artichokesوهذا قليٌل من كثير ،إلى
المصطلحات
البحرية الشائعة - مثل أمير البحر [
]admiralوالسلووپ [[ ]sloopالقارب
الشراعي أحادي الصارية] والرياح
الموسمية [ .]monsoonحتى اسم رقصة موريس الشعبية
[ ]Morris folk danceوهي رقصٌة إنكليزيٌة قديمة هي في الواقع تحريٌف لرقصة المغاربة
[ ]Moorish dancingالتي كان الموسيقيون العرب يسلون بها نبالَء المسلمين باألندلس.
كذلك أسماُء الخوارزمي ،وابِن سينا
،واإلدريسي ،وابِن رشد - عمالقة العلِم العربي الذين هيمنوا
فكريًا على أوروبا
العصور الوسطى قرونًا - تكاد ال تجد أحدًا من المتعلمين يذكرها في الغرب
المسيحي اليوم .فقد غَّيب أغلَبها النسيان ،وصارت ال أكثر من ذكرياٍت بعيدة من
الزمن الغابر.
ومع ذلك لم يكن أصحاُبها إال قلًة قليلة من الالعبين في التراث
العلمي والفلسفي العربي الباهر
الذي يختفي تحت قروٍن من الجهل الغربي والتحيِز
التام ضد المسلمين .فقد وجد استطالٌع حديث
للرأي العام أَّن ُج ل األميركيين ال
يرون في اإلسالم أو العالم اإلسالمي ما ُيعِج ب إال "القليل" أو ال
يرون
"شيئًا"]
.[9لكنُ ،ع د بالزمن للوراء وسترى أَّن من المستحيل تصُو ر الحضارة الغربية من دون
ثماِر العلم العربي :فن الجبر للخوارزمي ،أو التعاليِم الطبيِة والفلسفيِة الشاملة
البن سينا ،أو علم
الجغرافيا وفن رسم الخرائط لإلدريسي المستمرين إلى اليوم ،أو
العقالنية الصارمة البن رشد .بل
األهم من عمل أي شخٍص فرد كانِت المساهمة
اإلجمالية للعرب ،تلك التي تقع في صميم الغرب
المعاصر؛ أي إدراك أَّن العلم يمكن
أن يمنَح اإلنسان القدرَة على تسخير الطبيعة.
لقد أعادت قوُة العلم العربي ،التي كان
آديالرد أوف باث بطَلها ،تكويَن المشهد الثقافي
األوروبي .وبقي أثُرها إلى القرن
السادس عشر وما بعده ،وهي التي شّك لت [أساَس ] العمِل األصيل
لكوبرنيكوس وغاليليو
.وقد جعل هذا أوروبا المسيحية تقف وجهًا لوجه أمام حقيقة أَّن الشمس - ال
السكَن الدنيوي لهذا المخلوق الذي هو اإلنسان - هي مركُز الكون .وقد شرح ابُن
رشد ،القاضي
الفيلسوف من األندلس ،للغرب الفلسفَة الكالسيكية وكان أوَل من أدخل
إليه التفكيَر العقالني .أما
القانون في الطب البن سينا فظل مرجعًا بأوروبا
حتى القرن السادس عشر ،ككتٍب عربيٍة أخرى في
البصريات والكيمياء والُج غرافيا.
بدأ تناسي الغرِب المتعمِد إرَث العرب منذ
قرون ،عندما بدأِت الدعايُة السياسيُة المعادية
لإلسالم التي ُص ِن عت في ظل الحمالت
الصليبية تطمس أَي اعتراف بالدور العميق للثقافة العربية
في تطور العلم الحديث.
وقد قّد ر روجر بيكون ،الفيلسوُف من القرن
الثالث عشر وأحُد أقدم أنصار المنهج العلمي في
الغرب ،للمسلمين إبداعاِت هم
الثقافية ،وهو موضوٌع كان يعرفه جيدًا ،فقال" :الفلسفُة مأخوذٌة من
المسلمين"]
.[10ومع هذا ،فإَّن روجر بيكون نفَس ه لم يكن أقَل حماسًة ِم ن غيره من الغربيين
الستنكار مظاهِر حياِة المسلمين التي لم تكن لديه معِر فٌة أو خبرٌة حقيقيٌة بها
:فقد جزم بال تردد أن
العرَب "مستغرقون في المتع الحسية ،لتعدد الزوجات
لديهم"]
.[11وسرعان ما حَّلت هذه المفاهيم
الخيالية محَل كل ما عداها في المخيلة الشعبية
[الغربية].
ناظر
ًا وانتشرت هذه اآل ارُء أكثَر في عصر النهضة
،عندما راح الغرب يستلهم اليوناَن القديمة
إليها نظرًة مثالية]
.[12فِم ن حرصهم على ادعاء تحدِرهم الفكرِي المباشر من أمثال أرسطو
وفيثاغورث وأرخميدس
،تعمد مفكرو الغرب تهميَش دور العلِم العربي .كتب بترارك ،أبرُز رواد
الحركة
اإلنسانية في القرن الرابع عشر ،يقول" :سيكون من الصعب إقناعي بأَّن أَي شيٍء
جيد
يمكن أن يأت من جزيرة العرب"] .[13وقد
نسج مؤرخو العلوم الغربيون إلى حد بعيد على هذا
َي
المنوال؛ وصَّو ر كثيٌر منهم العرب
بأنهم لطفاُء كرماء لكنهم كانوا عمليًا ناظريَن حياديين للمعرفة
اليونانية ولم
يفعلوا شيئًا يذكر أو أَي شيء لتطوير عمِل َم ن سبقهم.
تستند مثُل هذه األوصاف إلى مفهوٍم ثابت
يقول "باسترجاع" الغرب العلَم الكالسيكي ،مع ما
يعنيه ذلك ضمنًا وبشكٍل
واضح أَّن هذه المعرفَة كانت بشكٍل ما مكتسبًا طبيعيًا بالوالدة ألوروبا
المسيحية
وأَّن الذي حصل فقط هو أنها لم تجد مكاَنها الصحيح في العصور الوسطى ،وهي
تصطبغ
كذلك بشدة بإجماٍع غربي ،غالبًا ما ُيستحضر لتفسير حالة العالم اإلسالمي اليوم
،أَّن
اإلسالَم ُم عاٍد بطبيعته لالبتكار وأنه صار كذلك ابتداًء من أوائل القرن
الثاني عشر].[14
الجزء
األول
الِعشاء
الفصل
األولجند الحمالت الصليبية
لم يكن هذا الجيُش الج ارُر من المؤمنين
يعرف حتى كيف يقّد ر الوقت.
اندفع جنُد الحمالت الصليبية إلى أبواب
القسطنطينية ،الحاضرِة اإلمبراطورية ،وقد سبق
وصوَلهم الجراد الذي أتى على محاصيل
الكروم لكنه ترك الحنطة .قائُد هم الحقود ،ذاك الكاهُن
الذي أصاب شعبيًة كبيرة وصار
ُيهّلل له وُيهَتف باسمه ،لم يكن ُيعَر ف له أصل ،وقد حض رعاياه
على الجهاد ضد
األعداء بأْن وَع َد هم الجنة .كان المرض والجوع قد تفشيا في المدينة .ولم تكن
ِر
الرعايُة الطبية في الغالب تزيد عن قراءة التعاويذ وبت األطراف المصابة .وكان
التعذيُب هو الحكَم
الفصل في القضايا الجنائية ،باإلضافة إلى غيره من أنواع
التنكيل.
نادر جدًا .كان التعليُم
في المواطن التي أتى منها هؤالء يشتمل على حفظ ًا أما العلم فكان
نصوٍص قديمة عن علماء الالهوت ضيقي
األفق ،الذين لم يكن لديهم فهٌم ألساسيات التكنولوجيا أو
العلم أو الرياضيات .ولم
يكن في استطاعتهم تحديُد تاريخ أهم األيام عندهم ،وال رسُم الحركات
المنتظمة للشمس
والقمر والكواكب .ولم يكونوا يعرفون شيئًا عن صناعة الورق أو استخدام العدسات
ِد
والمرايا ،ولم تكن لديهم فكرٌة عن األسطرالب؛ سي اآلالت العلمية آنذاك .وكانت
ترعبهم الظواهُر
سحر أسود.
ًا الطبيعية كخسوف القمر أو التغيِر المفاجئ في الطقس .وكانوا يظنون
ذلك
أرعب وصوُل جيش المتعصبين هذا السكاَن المحليين
.فَم ن كان هؤالء البرابرُة بيُض الجلود
ُز رُق العيون الزاحفون تحت شارة الصليب؟ وما
الذي أتى بهم إلى الشواطئ العربية في فجر القرن
الثاني عشر لميالد المسيح؟
تروي [المؤرخة] آنا كومنينا ،ابنة
اإلمبراطور البيزنطي [ألكسيوس األول] ،بالقسطنطينية،
وكثير من بالد البرابرة في ما وراء البحر األدرياتيكي
ًا عاصمِة اإلمبراطورية] [15أَّن
"الغرَب كَله
حتى
صخرتي هرقل [مضيق جبل طارق]؛ كّلها ...كانت تتدّف ق على آسيا في كتلٍة متراصة ،بكل
توابعها ،زاحفة عبر الشطر من أوروبا المؤدي إلى الشرق" .كان بين هؤالء مؤمنون
حقيقيون وأناٌس
صالحون ،كما يقول المؤرخ ألبرت ڤون آخن ،لكن كان بينهم كذلك
"زناة ،وقتلة ،ولصوص ،وشهوُد
زور ،وأصحاب نهب"]
.[16وكان قائُد هم بطرس الراهب يمتطي بغلًة بيضاء وقد وعد كَل من
التحق به المغفرَة
التامة.
استطاع بطرس ،الرجُل الضئيُل الدميم
،استمالَة العامِة بال عناء ،فكانوا ينتفون شعَر ركوبته
الوضيعة ليحتفظوا به كأثٍر
وهو يجمع للحملة الصليبية بشمالي فرنسا .وكثيٌر منهم باعوا ما لديهم
من ممتلكاٍت
قليلة ليسيروا في ركبه إلى آخر األرض .وأحضر بعُض هم أهَلهم كَلهم معهم؛ وهجر
ِت
بعضهم
اآلخُر ببساطة زوجا هم وأطفاَلهم وآباءهم المسنين .وُتركت المحاصيل بال عهدة
واألعماُل
اليوميُة بال إنهاء وُهرع أصحابها لتلبية نداء بطرس .كان الراهب عارَي
الذراعين حاف القدمين ،قد
َي
ارتدى قميصًا من الصوف الخشن ،ورمى عليه شملًة إلى
كاحليه .قال عنه جيبير دو نوجان ،في
إحدى الروايات األولى للحمالت الصليبية ،إنه
"كان يعيش على الخمر والسمك؛ ولم يكن يأكل
الخبَز قط"].[17
ظهر هذا الراهُب الضئيل فجأًة ،مرددًا صدًى
شعبويًا لنداء الجهاد العظيم من البابا أوربان
الثاني ،الذي ناشد أم ارَء العالم
المسيحي في 27نوفمبر ،1095 ،من بلدة كليرمون الفرنسية وضَع
حٍّد لتقاتلهم
المتواصل وتحويَل ما لديهم من طاقاِت قتل إلى الشرقيين .قال البابا للحشد المتدفق
الذي تجّم ع لالستماع إلى عظته" :فلَينِفر أولئك الذين اعتادوا شَن حروبهم
الخاصة على المؤمنين
اآلن لمحاربة األعداء وإح ارِز النصر في النهاية .وليتحول
أولئك الذين كانوا يقاتلون إخواَنهم
وأقرباءهم إلى قتال البرابرة كما ينبغي لهم أن
يفعلوا .ولَيُف ِز اآلَن بالجنة أولئك الذين كانوا يحاربون
كمرتزقة لقاء دراهَم
معدودات"]
.[18وخالل أشهر من عظة أوربان تلك ،كان نحو ثمانين ألفًا ،من
سكان المدن واألرياف على
السواء ،قد ساروا إلى الشرق].[19
وقد غذى مزيٌج ملتهٌب من السياسات الكنسية
،والنزاعاِت الدينية ،والمصالِح المحلية والدولية،
نداَء أوربان إلى الحملة
الصليبية .ففي العقود األخيرة ،كانِت الكنيسة تتصارع مع حكام أوروبا
الالدينيين
على الحقوق والمزايا ،ال سيما سلطة تعيين األساقفة الجدد وتقليدهم رموَز المنصب،
الخاتم والصولجان .وقد رأى أوربان ومؤيدوه في الكنيسة في الحملة الصليبية طريقًة
الستعادة سلطة
روما على رأس العالم المسيحي ،من دون االعتماد على الملوك أولي
العناد.
في تلك األثناء ،كان ثمة مفكرون دينيون
يقولون بجواز استعمال العنف الديني ويسوغونه .فقد
كانت للبابا غريغوري
السابع - أوربان ملهِم الحمالت الصليبية - مصلحٌة قديمة في الحرب نيابًة
عن الكنيسة ،بل إنه اقترح تشكيَل ميليشيا القديس بطرس المكونِة من فرسان أوروبيين
،تلك التي
جعل منها الص ارُع الناشئ بين الملوك الالدينيين والكرسي البابوي حاجًة
ملحًة جدًا .وقد جمع
مناصر مخلصًا للبابا
،كتاباِت القديس أوغسطين حول نظريات ًا األسقف أنسلم الثاني دي لوكا ،وكان
الحرب العادلة دعمًا لمساعي غريغوري]
.[20كذلك تأثر هؤالء "اإلصالحيون" بفكرة أن الكنيسة
كان يجب أن تقترَب من
الشعب؛ ما دَع َم بالتالي ظاهرَة الجيوش البابوية التي تستطيع منَح المؤمنين
فرصَة
الذوِد عن الدين لقاَء مغفرة الذنوب].[21
وقد لعبِت األحداُث العالمية دوَرها ،هي
أيضًا .ففي العام ،1074كتب غريغوري سلسلًة من
الرسائل يدعو فيها إلى تحرير
المسيحيين الشرقيين األرثوذكس ،الذين كانوا قد تعرضوا لهزيمٍة
عسكريٍة كبرى قبل
ثالث سنوات على يد المسلمين األتراك في مانزيكرت ،شرقي آسيا الصغرى.
ووَع َد
غريغوري المشاركين "المثوبَة األبدية" ،رابطًا بشكٍل واضح بين القتال في
سبيل الكنيسة وبين
منح الغفران]
.[22وازدادت مخاوف الغرب أكثر فأكثر من التقارير - التي كانت بعيدًة كل البعد
عن
الصحة ومع ذلك عوِم لت كحقائق على نطاٍق واسع - التي تقول إَّن تدفَق الزوار
المسيحيين
المؤمنين إلى معبد سليمان [بيت المقدس] على قلتهم كان يتعرض لإلعاقة
بشكٍل منهجي ،واألسوأ
من ذلك أَّن الذين كان يعترضون سبيَل الزوار المسيحيين
المؤمنين هم األت ارُك السالجقة الذين كانوا
قد انتزعوا السيطرَة على المدينة
المقدسة سنة 1070من قبضة الفاطميين بمصر التي كانت قد
ارتخت.
وربما كان بطرس الراهب نفُس ه قد ُأسيئت
معاملُته من جانب المسلمين المحليين عندما حاول
من دون جدوى الوصوَل إلى القدس في
رحلِة دينية شخصية قبل بضع سنوات من بدء الحمالت
كثير على يد األتراك ومسلمي ًا الصليبية .تقول آنا كومنينا
،األميرُة البيزنطية ،إَّن بطرس "عانى
.مع ذلك ،يقدم كتاُب
الذي
يراد منه تثقيُف القارئ أكثر مما يراد إخباُره بحرفية الحقائق][48
آسر لعالم الصليبيين كما يراه
العرب .وفي أحد المقاطع ،يروي أسامة عن االعتبار للقارئ وصفًا ًا
طبيٍب عربي قصَة مريضين مسيحيين ماتا من
دون داٍع لنبذ وصفِت ِه الحكيمة واتباِع وسائ غربيٍة
َل
بدائية بدًال منها .فبتروا
بالفأس ِرجَل فارس أصابها التهاٌب بسيط وشقوا أرَس ام أرٍة بالموسى صليبًا
حتى ظهر
عظُم الرأس وحُّك وه بالملح؛ متجاهلين توسالِت الطبيب العربي ،فمات االثنان ِم ن
فورهما.
هنالك قال لهم الطبيُب العرب بجفاء" :بقي لكم إلَّي حاجة؟ قالوا
ال .فجئُت وقد تعلمُت من طبهم ما
ُي
لم أكن أعرفه"].[49
وقد اعترف أسامة على مضض بوجود وسائَل
مفيدٍة للتداوي باألعشاب عند المسيحيين ،وصار
لديه اطالٌع واٍف لدراسة طرائقهم
وعاداِت هم بشكٍل مباشر .بل إّن واحدًا ممن عرف من الصليبيين
كان عائدًا من زيارة
دينية إلى األرض المقدسة عرض عليه أن يرافَق ابَنه وهو في الرابعَة عشرَة من
العمر
إلى أوروبا "يبصر الفرسان ويتعلم العقَل والفروسية وإذا رجع كان مثَل الرجِل
عاقًال" .لكنه
كشف للقراء المسلمين ما جال بخاطره فعًال لمجرد التفكير في
األمر" :فطَر َق سمعي كالٌم ما يخرج
من رأس عاقل .فإَّن ابني لو ُأِس ر ما َب َلَغ
به األسُر أكثَر من َر واِح ِه إلى بالد اإلفرنج"].[50
كذلك قال ،برضا واضٍح عن الذات ،إَّن أولئك
اإلفرنج الذين عاشروا المسلمين المحليين مدًة
أطول هم أصلُح نوعًا ما من أجالف
الوافدين الجدد" .وِم ن اإلفرنِج قوم قد تبلدوا [أي صاروا كأهل
البالد] وعاشروا
المسلمين فهم أصلُح من قريبي العهد ببالدهم ،ولكنهم شواذ ال يقاس عليه"].[51
ولدعم مقولته ،يروي أسامة حكاياٍت مضحكة عن أولئك الوافدين الجدد األدعياء
المتعالين ،منها
ِق ُّل
حكايُة فارس كان يحاول "تغيير" اتجاه القبلة للمسلمين
المحليين بأن يجعلهم يو ون وجوَههم َبَل
المشرق بدل الكعبة.
يعكس هذا التفاعُل السهل بين ن ُيفترض
أنهم أعداء حقيقًة أساسية عن الحياة في المشرق
َم
ٍت
في القرن الثاني عشر ،التي اتسمت
بفت ار من التآلف والتعاو ،على الصعيدين الشخصي
ن
والسياسي ،تخللتها نوباٌت من
العداء والصراع الصريحين .فقد عمل طبيٌب عربي يدعى حمدان بن
عبد الرحمن لدى بعض
الصليبيين األوائل .فأقطعه هؤالء قريًة في إمارة أنطاكية بعد نجاحه في
مدير بالنيابة لناحيٍة محلية ،قبل أن يدخَل في خدمة
عماد
ًا معالجة أحِد
أسيادهم .ثم عينه الصليبيون
الدين زنكي ،حاكِم حلب المسلم .دَّو ن حمدان ،الذي توفي سنة ،1159مالحظاِت ه
ومآثَره الشخصية
في ’سيرة اإلفرنج الخارجين إلى بالد الشام في هذه السنين‘ ،لكن لم
عثر لها على نسخٍة
ُي
قط].[52
ُّل ِن
كان لدى أسامَة بِن منقذ سبٌب وجيه الزدراء
الجيش الصليبي والنفوِر من فكرة تع ِم اب ه "عقَل
وفروسيَة" اإلفرنج
،ذلك ألنه ونظراءه العرب كانوا ينتفعون من حضارٍة إسالميٍة مجيدة ابُتدعت على
مدى
مئات السنين .ففي منتصف القرن الثامن ،قام الخلفا العباسيون على رأس إمبراطوريٍة
ُء
عظيمة ،امتدت في أوجها من المحيط األطلسي إلى أفغانستان وأوجدت فضاًء فسيحًا جدًا
من القيم
المشتركة والمستقبِل المشترك والفرِص المشتركة .سعى العباسيون لشرعنة
حكمهم بصفتهم الورثَة
الحقيقيين الجديرين لتراث اليونان وفارس والهند وبالد ما بين
النهرينُ ،م طِلقين مسع لعله األكثر
ًى
ن
طموحًا في التاريخ لجمع واستيعاب علوم
العالم .وفي جنوب إسبانيا ،أنتج منافسوهم األمويو وَم ن
أتى بعدهم من أعظم
الفالسفة والعلماء العرب ،مفكريَن ستهز أعماُلهم في يوٍم ما أسَس أوروبا
المسيحية
.وقد عملت هذه المنطقة ،التي ُتعرف عند العرب باألندلس ،كمنصٍة مهمة النتقال األفكار
والتكنولوجيا التي بدأت تتسرب شيئًا فشيئًا إلى أوروبا الغربية ابتداًء من القرن
العاشر.
لم يكن ذلك ،بالطبع ،ذا بال لبطرس الراهب
أو حشِد أتباعه أو الملوِك والفرسان المسيحيين
الذين ما لبثوا أن أسسوا ألنفسهم
إمارات الشرق الالتيني في األرض المقدسة وما حولها .عمد
الصليبيون ،الذين هجروا
الهوَت الحب المسيحي إلى الهوت الحرب البابوي ،إلى ذبح سكان المدن
المحليين ،وكان
أغلُبهم مسلمين ويهودًا ،في ُح مى اندفاعهم "لرد" القدس إلى الدين الحق
.ولم يكن
مصير بكثير.
ًا المسيحيون الشرقيون في الغالب ،بمالبسهم ولغتهم وعاداتهم غير المألوفة ،بأفضَل
وجد أحُد الرحالِة المسلمين القدَس ،وكان
آتيًا من األندلس مسقِط رأسه ،قبل ثالث سنوات من
الحملة الصليبية األولى بوتقًة
فكرية "تعج بالعلماء" .تصف روايُته مدارَس الفقه اإلسالمي المتنافسة
ومشاهيَر المفكرين الذين كانوا يتحلقون حول المسجد األقصى للمناظرة" :فدخلنا
األرَض المقدسة،
وبلغنا المسجَد األقصى ،فالَح لي بدُر المعرفة ،فاستنرت ُبه أزيَد
من ثالثة أعوام"]
.[53ويضيف
أَّن المدينة كانت البيئَة الصالحة اللتقاء علماِء المذاهِب الفقهيِة
التوحيديِة الرئيسيِة الثالثة.
اختفى كُل ذلك في لمعان السيوف .فُق تل
علماُء المدينة بالجملة ،ومعهم خلٌق كثير من سواد
الناس .يصف ريمون داجيل ،قُس
ريمون دو سانجيل ،الذي قاد الحمالِت الصليبية اآلتية من
جنوبي فرنسا ،المذبحَة
فيقول" :أكواٌم ثم أكوام من الرؤوس واألذرع واألرجل كانت ُترى في شوارع
المدينة .وكان يتعين على المرء السيُر بحذر على جثث الرجال والخيل .لكّن هذا كان
شيئًا بسيطًا
بالمقارنة مع ما حدث في بيت المقدس .فما الذي حدث هناك؟ لو قلُت لك
الحقيقة ،ما صّد قت.
يكفي أن أقول إّن الرجاَل خاضوا ركوبًا في الدماء إلى الُر َك ب
والخيَل إلى األِع ّنة في بيت المقدس
ورواقه"].[54
يعكس هذا التطرُف في العنف الذي طبع
الحملَة الصليبيَة األولى - كأكل لحوم البشر في
المعرة أو الذبِح المسعور
للناس ببيت المقدس - قوَة آلة الدعاية المسيحية التي كانت تقف خلف
الحملة .في
ذلك الوقت ،لم يكن الغرب يعرف عن اإلسالم وتعاليمه إال القليل ،لكَّن منِّظ ري
الكنيسة
نجحوا في غرس بذور الحرب المقدسة برسم صورٍة مسيئٍة جدًا للمسلمين .وُترك
أهل الشرق األدنى
من المسلمين واليهود والنصارى "المنشقين" يحصدون
العاصفة .وكانِت القلوب مشحونًة بالكراهية
ألتباع الديانة اإلسالمية خاصًة في تلك
البقاع من أوروبا الغربية األكثر بعدًا عن الحياة اإلسالمية.
أما مواقُف الناس في
جنوبي إيطاليا وإسبانيا وصقلية - وهي مناطُق محاذيٌة في الواقع للعالم
اإلسالمي - فكانت أقَل حدًة بكثير]
.[55فكلما قَّلت معرفُة المسيحيين بالعدو ،ازدادت كراهيُتهم
له.
كانِت الروايُة الصليبيُة تدور حول اتهام
المسلمين بالوثنية واالعتماِد على العنف واإلكراه .وكان
ثمة عنصٌر آخُر مهم هو
االدعاُء الشائع بأن أرض القدس واألرَض المقدسة كانتا مسيحيتين ،أو
بعبارٍة أدق
مسيحيتين التينيتين ،بالحق ،وأنهما كانتا دومًا كذلك .وأَّن المسلمين استولوا
عليهما-
وأضُّلوهما بلغة بعض الدعاة - وأَّن العنف كان الزمًا بل
محَلًال لتقويم هذا الخطأ التاريخي الجسيم.
وكانت ُتستخدم لغٌة مشابهة بحق مسلمي
األندلس .هنا ،ربط بعض مؤرخي الكنيسة وآخرون بين
الملوك المسيحيين المعاصرين وبين
ُح كم القوط قبل اإلسالم .ولم تكن هناك من وسيلٍة سوى القوة
العسكرية الستعادة هذا الحكم؛
وبالتاليُ ،و لد المفهوم الديني :حمالت االسترداد
[ .]Reconquistaوكان العار يلحق كَل من
ال يحارب في سبيل الدين من الملوك .فتاريخ
ألفونسو الثالث في القرن التاسع
،مثًال ،يشجب بشدة أحَد الحكام المسيحيين المحليين ،وهو سيلو ِد ل
أستوريا ،الذي
"عقد صلحًا مع أبناء إسماعيل"].[56
باالتجاه شرقًا ،كان الالهوتي الدومينيكاني
دائُم الحماسة همبرت الروماني يرى أنه ال يمكن أن
يكوَن هناك ضحايا أبرياء في
حملٍة صليبية صحيحة .وقال إَّن الحرَب الصليبية كانت حربًا عادلة،
حقًا إلهيًا
راسخًا ،وأنها كانت حرَب دين ال حرَب دنيا .ورفض كذلك حجَج بعض التقليديين
القائلَة
بأن المسيحيَة كانت دومًا ضد العنف من أي نوٍع كان .وقال إَّن الكنيسَة
كانت في أيامها األولى
ضعيفة وكان ال بد لها بالتالي من التواضع .أما اآلن ،فقد
سمحت القوُة العسكرية للغرب المسيحي
بتوجيه رد عسكري إلى أعدائه]
.[57يبدو أن التعاليَم المسيحية لدى همبرت كانت مجرَد تمرين في
السياسة العملية
القائمِة على القوة.
وكان عميقًا كذلك استياُء الكهنة من اتخاذ
المسلمين المواقَع المسيحية المقدسة ،حقيقًة أم
خياًال ،دوَر عبادة]
.[58فالمذبحة التي جرت ببيت المقدس ،والتي استمرت بالرغم من محاوالت
أحد مقَد مي
الصليبيين في مرحلٍة ما حمايَة المسلمين العَّز ل الذين التجأوا إلى سطح البيت ،ما
كانت
لتفاجئ أحدًا .انظر إن شئت إلى الروايات اإلفرنجية للمؤرخين المسيحيين
المعاصرين للحمالت
الصليبية ،التي ال تبدي اضطرابًا حقيقيًا لسفك الدماء بل تعِّب ر
في بعض األحيان عن رضا واقتناع
بأن القتَل الوحشي ،كذاك الذي وقع للعدو المهزوم
ببيت المقدس ،كان مشروعًا .وختم ريمون داجيل
باهر أن يمتلئ هذا المكان بدماء األعداء ،ألنه عانى
ًا قائًال" :بالفعل ،لقد كان قصاصًا
إلهيًا عادًال
طويًال منهم
.وامتألت المدينة بالجثث والدماء"].[59
لم يكن المسلمون كُلهم على تلك الالمباالة
بقدوم الصليبيين التي كان عليها الخليفُة وبالُط ه
ببغداَد البعيدة .فكثيٌر من
العرب لم يكن لديهم شّك في أن سقوَط القدس وإقامَة الدول الصليبية على
طول الساحل
السوري كان جزءًا من مخطٍط توسعٍي مسيحٍي مشؤوم كان ال بد من مقاومته .ومن
الجامع
األموي بدمشق ،أطلق القاضي النحوي علي بن [طاهر] الُس َلمي اإلنذار .وفي كتاب
الجهاد،
الذي ُنشر بعد ست سنوات من إخراج المسلمين من القدس ألول مرة ،ربط
الُس َلمي بين قدوم
الصليبيين وبين ظهورهم قبل ذلك على الحكم اإلسالمي بصقلية .ورأى
في الحملة المسيحية حربًا
دينيًة على اإلسالم]
،[60وأّن تشرذَم المسلمين وعدَم تمسكهم بدينهم ،ال سيما فشلهم الذريع في
التوحد للدفاع
عن بالد اإلسالم ضد األعداء هو سبُب نجاح الحمالت الصليبية..." .فأوَج َب
قطُع ه
[أي الجهاد الدفعي] ،مع ما طرحه المسلمون من المفتَر ضات الالزمِة لهم
،واجترحوه من األمور
المحظورة عليهم ،أن شتَت هللا شمَلهم ،وخالَف بين كلمتهم
،وألقى العداوَة والبغضاَء بينهم ،وأطَم َع
أعداءهم في انتزاع بالدهم من أيديهم.[61]"...
أدرك الُس َلمي أَّن الصليبيين كانوا ينوون
السيطرة على القدس وأنهم سوف يسعون لتوسيع
سيطرتهم في المنطقة لتأمين المدينة
وكنيسة القيامة التي غنموا .لكَّن كتاب الجهاد أصاب كذلك في
تحديد نقاط ضعف
العدو ،ال سيما طول خطوط إمداداته الممتدة من أوروبا الغربية .وتوَّق َع أن يكوَن
في استطاعة األمة المسلمة إن توحدت دفُع الغزاة في اتجاه البحر "
...والَبداُر لحسم ما ُيخشى من
عاقبة الِو نيِة فيها والتثاقِل عنها ،ال سيما اآلن ،مع
قلة العدو ،وُبعِد ناصِرهم ...واغتِن موا غزوًة قد
هيأها هللا لكم.[62]"...
وسيكتشف اإلفرنُج بسرعة حدَة بصيرة
الُس َلمي .فقد فشل جند الحمالت الصليبية في إدراك أَّن
نجاحاِت هم العسكريَة
الملفتة ،وإن ُأحِر زت حقًا في ميدان القتال ،كانت إلى حٍّد بعيد انعكاسًا لظروف
التشرذم ،القريِب من الفوضى ،في سوريا وآسيا الوسطى .فخالل خمسٍة وأربعين عامًا
،بدأ المسلمون
يردون التقدَم المسيحي ،وهو منعطٌف ُتوج بالدخول المظفر إلى القدس في
العام 1187للقائد
السياسي والعسكري صالح الدين األيوبي على رأس جيٍش موحد من مصَر
والشام.
لم تكن المشكالت التي تواجه الجيوش
المسيحيَة ُتقتصر على طول خطوط اإلمدادات ووحدة
المسلمين .فسرعان ما َو جدت الحركُة
الصليبيُة نفَس ها ،وهي التي ُو لدت من غرب الحديد والدم في
أواخر القرن الحادي عشر
،وقد انغمست بعمق في حياة الشرق المسلم بطرائق سوف تلقي الرعب
في نفوس أناٍس كبطرس
الراهب والبابا أوربان الثاني ،الذي مات قبل أياٍم فقط من بلوغ نبأ سقوط
القدس
إليه وهو على فراش المرض بروما .وككثيٍر من الغزاة قبله ،اكتشف جيُش الصليب أن
االجتياَح والغزَو بحد ذاته قد ترك أثَره على المحاَص رين والمحاِص رين على السواء
.وستكون هناك
حمالٌت عديدٌة قادمة؛ بالرغم مما ُيحكى عن غرق واسترقاق ما ُع رف بحملة
األطفال الصليبية سنة
،1212التي ال يزال يلفها الغموض ،لكَّن فكرة الحملة
الصليبية والحرب الصليبية لن تعوَد في
الحقيقة كما كانت قط.
بدت هذه التغي ارُت طفيفًة نسبيًا ،أول
األمر :رواياُت أسامة بن منقذ التي تعبر عن الدهشة من
سرعة ما بدأ المسلمون
ُيَم ِّد نون األوروبيين؛ أو الطريقُة التي انزلق بها المسيحيون بسهولة في
النزاعات
الطائفية المحلية ،حتى إنهم كانوا يصطفون أحيانًا مع لوردات الحرب المسلمين ضد
إخوتهم في الدين .وسرعان ما ظهرت عوامُل أخرى أكثُر أهميًة إلى السطح ،منها النمُو
المذهل
للتجارة بين الشرق والغرب .وقد أدركت الكنيسُة بوضوح الخطَر الذي كانت تمثله
هذه التجارة على
أجندتها المعادية للمسلمين ،وَس َع ِت المراسيُم البابوية والمجالُس
الكنسيُة الغاضبة بصورٍة منتظمة
التخاذ إجراءاٍت صارمة ضد اإلتجار مع األعداء ،ال
سيما بسلٍع استراتيجية كالخشب لبناء السفن،
والحديد ،واألسلحة ،حتى المواد
الغذائية].[63
كذلك ،بدأ الماُل المكتسب من هذه التجارة
مع الشرق يتدفق إلى جيوب تجمعات التجار جنوبي
أوروبا .فهيمنت جنوة على التجارة مع
شمال أفريقيا ومنطقة البحر األسود ،بينما أحكمت البندقيُة
قبضتها على التجارة التي
تدر عليها ذهبًا مع مصر وسوريا]
.[64ومع شحنات الزيوت والعطور
واألقمشة والمعادن الثمينة أتت أفكاٌر وتقاناٌت ونظُم
تفكيٍر جديدة .وشاع في الغرب استخداُم األرقام
العربية التي ُتستخدم اليوم ،ويعود
ذلك في جانٍب كبير منه إلى المستندات والعقود التجارية التي
كانت ُتكتب بين التجار
المسلمين ونظرائهم اإليطاليين .وال تزال المصطلحات التجارية الجارية في
كثيٍر من
اللغات األوروبية اليوم تحمل آثار األلفاظ التجارية العربية والفارسية :كالشيك (،)check
والتعرفة ( ،)tariffوالحركة ( ،)trafficوالترسانة ( ،)arsenalوالجمرك { douaneبالفرنسية
[المأخوذة من doanaاإليطالية المأخوذة من ديوان
العربية فارسية األصل] أو customs
باإلنكليزية}"] .[65وقد
استدعت التجارة البحرية بعيدُة المدى استخداَم مساِع داٍت مالحية ،كالخرائط
والجداول واآلالت المعقدة ،وكلها مجاالٌت برع فيها مسلمو العصور الوسطى .من مقاييس
الروابط
االقتصادية المتنامية بين الشرق والغرب تراكُم كمياٍت كبيرة من الذهب
المسلم في الخزائن الملكية
األوروبية ،حتى في إنكلت ار على ُبعدها .وقد استؤنف في
المدن اإليطالية التي كانت دوًال سُك
العمالت الذهبية ،الذي توَّق ف بأوروبا القرن
الثامن لنقص السبائك الذهبية ،حالما تأمنت إمدادات
الذهب من الشرق بعد أربعة قرون].[66
وسرعان ما بدأ الحكاُم الجدد للشرق
الالتيني يدركون أَّن مصائَرهم باتت مرتبطًة بمصائر
المسلمين والعرب المسيحيين
واليهود وسكان المنطقة اآلخرين؛ وسيتوقف من اآلن فصاعدًا ضُخ
المسيحيين األوروبيين
بأعداٍد كبيرة للمساعدة على استعمار الدول الصليبية [الشرقية] .فقد اكتسب
النورمان
دائمو التكيف أفضَل ما لدى العرب وكانوا ،حتى عندما يطردون الحكام المسلمين من
شرق
المتوسطُ ،ينشئون بالطاٍت مترفة بدأت علوُم ها وثقافُتها تنافس علوَم وثقافَة
بالطات كبار
ِت
الخلفاء ،فيما بدأت القيمُة الرمزية للقدس تقل - وإن
بالتدريج - كمكاٍن َيستحق أن ُيقا َل وَيقُتَل
وُيقَتَل في سبيله المرء
،وذلك أمام الحقائق االقتصادية والسياسية والثقافية الجديدة.
كذلك كانت التغي ارُت في سلوك وتكتيكاِت
الصليبيين مدهشة .فالحمالُت الالحقة التي استمرت
على نحٍو متقطع لقرون ،كانت إما
دفاعيًة أساسًا لالستيالء على ما استرده المسلمون من األرض
أو منحرفًة بدافع
الطموح السياسي الفج أو الجشع الصريح ،كنهب القسطنطينية المسيحية سنة
1204بتحريٍض
من كبار تجار البندقية .وقد اشتملت إحدى تلك "الحمالت الصليبية" على
نقٍل
مؤقت وسلمي للسلطة في القدس - كصنيٍع من السلطان المسلم للملك
المسيحي - وهو ظرٌف ما
كان ِليخطَر ببال أحد أيام كليرمون .وفي أحيان أخرىُ
،م نحت الجيوُش الصليبيُة السيطرَة على
القدس ،التي كانت في يوٍم من األيام منتهى
أمانيهم ،لقاء التخلي عن أ ارٍض أخرى للمسلمين كانت
هذه الجيوش قد استولت عليها؛
فما كان هؤالء يقبلون مغادرَة الشرق األدنى بال مقابل.
كان النجاُح المضطرد للجيوش المسيحية
بإسبانيا وعودُة القوة العسكرية المسيحية إلى الظهور
من جديد في حوض المتوسط ،ال
سيما استيالء النورمان على صقلية المسلمة ،قد وضعا بالفعل
العاَلمين اإلسالمي
والمسيحي وجهًا لوجه على تماٍس شديد وتنافٍس مباشر في ما بينهما .لكَّن
الحملَة
الصليبيَة األولى شقت دربًا ثالثًا بين هذين العاَلمين المتنافسين بل المترابطين
للغاية ،ستحل
فيه شبكُة الروابط التجارية والثقافية والفكرية شيئًا فشيئًا محل
القوة العسكرية الصرفة .فعندما وصل
آديالرد أوف باث إلى أنطاكية حوالي ،1114كانت
الثقافة العربية - إن لم تكن القوة العسكرية
كثير
من أوجه الحياة في ما ُيعرف بالشرق الالتيني.
المسلمة - قد سادت ًا
الفصل
الثانياألرض مسطحة
قبل سبع سنوات من وقوع الهزة األرضية التي
جعلت معنوياِت أنطاكية الصليبيِة دكًا ،كان
آديالرد قد درس العاَلَم من حوله وأعلن
أنه فاسد .وقد زودته دراساُته في مدرسة الكاتدرائية الفرنسية
الشهيرة في تور بأفضل
تعليٍم في زمانه .وتمتع بدعم ورعايِة أسقف باث القوي ،وطبيِب وعاِلِم
البالط
الفرنسي جان دو فيلوال .وكان قد مارس فَن الصيد مع الصقور ،وهي عالمٌة على منزلته
النبيلة والحياة المريحة التي منحته إياها هذه المنزلة عمومًا .وكان موسيقيًا
بارعًا ،وظل بعد سنين
يذكر بحنين وقتًا ُد عي فيه للعزف على القيثارة للملكة.
باختصار ،كان آديالرد أوف باث مثاَل
الجنتلمان الريفي .وكان والده ،فاستراد ،أحَد أكثر
النزالء لدى األسقف جون ث ارًء
وأحَد أرفِع معاونيه ،ما ضمن البنه حياًة رغيدة .وقد ورد ِذ كُر العائلة
بصورٍة
متفرقة في الوثائق الرسمية للكنيسة والدولة .وَتذكر السجالُت الماليُة الملكية []Pipe Rolls
الحقًا آديالرد كمستفيٍد من معاٍش يأتيه من عائدات ويلتشاير
،بجنوب غربي إنكلترا .ومع ذلك ،لم
يَر آديالرد الشاب كبيَر قيمة في العاَلم
المعاصِر له ،وقد ُأحبط من حالة التعليم الغربي خصوصًا.
وَأعلن في مقدمة رسالٍة له
بعنوان في الثابت والمتغير [
]De Eodem et
Diversoكتبها عندما
نضج وكانت أوَل عمٍل معروٍف له "عندما ق أرُت كتاباِت األقدمين
المشهورة - جَلها ال كَلها -
وقارنُت َم لكاِت هم بمدارك المعاصرين
،أكبرُت األقدمين ،ورميُت المعاصرين بالحمق"].[67
كان سبُب ازدراء آديالرد
"المعاصرين" مفهومًا ،ألن الغرب في أواخر القرن الحادي عشر كان
فوضى
.كانِت الحياُة اليومية تترنح تحت وطأة عنٍف متصاعد واضط ارٍب اجتماعي .وكانت
عصاباُت المرتزقة ،التي ال تعبأ بالملك وال بسواه ،تطوف الريف ،وكانت كلمُة
رؤسائها هي القانوَن
األوحَد في البالد .وفي أرجاء أوروبا ،لم تعد تقنياُت الزراعة
البدائية قادرًة على إطعام العدد المتزايد
كثير من الفقراء والمحطمين]
.[68وكان ًا من السكان ،بينما خَّلفت قوانيُن
الوراثة القديمُة وراءها
العنف - الذي أشعله ضعُف السلطة السياسية المركزية ولم يقَو السلطاُن
األخالقي الضعيف
للكنيسة الكاثوليكية على وقفه - هو العملَة اليومية .وكما
أقر البابا أوربان الثاني بكليرمون عندما
دعا إلى إرسال الحملة الصليبية األولى
،لم يكن في وسع الزعماء الدينيين وقُف انتشار الفوضى في
القارة .فأفضُل ما كانت
تستطيعه الكنيسة هو أن توجَه دناءاِت رعيِت ها إلى الشرقيين.
ولم تكن حتى زاويُة آديالرد النائيُة من
إنكلت ار بمأمٍن من االضطرابات .ولم يكن قد مضى وقٌت
طويل على الغزو النورماني سنة
،1066وكان ال يزال الشقاُق السياسي واالجتماعي يطحن البالد.
وكانت العالقُة
المتوترة بين ما ُيعرف اليوم بإنكلت ار وفرنسا - وقد مضى عليها قرون تخللتها
من
حيٍن آلخر نوباٌت من الصراع المسلح بين البلدين - السمَة الدائمة للحياة
في العصور الوسطى
المتأخرة .في الوقت نفِس ه ،تعمقت الروابط السياسية والثقافية
والشخصية بين البلدين ،ولم يكن
مفاجئًا أن يتاب آديالرد تعلي ه العالي في تور
وأن يكو كثي من الشخصياِت الرائدة ورجاالِت
َن ٌر َم َع
الحاشية ،كاألسقف جون ،منحدرًة من
البر األوروبي .وكان آديالرد قد شهد وهو طفل في العام
1086احت ار بلدته األم في
ِو ست كنتري عن بكرة أبيها تقريبًا ،بما فيها دير الرهبان "ذوي األرديِة
َق
دير ذا شأن في يوٍم من األيام ،وذلك في االنتفاضة التي
قامت ضد وريث السوداء" الذي كان ًا
العرش ،وليام األحمر .كان المتمردون يأملون في تولية أخيه ،روبرت أوف
نورماندي ،مكاَنه لكَّن
محاولتهم االنقالبيَة باءت بالفشل وسالت دماء وُد مرت
ممتلكاٌت كثيرة .ثم مات روبرت ،االبن البكر
لوليام الفاتح ،سجينًا ملكيًا.
كثير في مدارس
النخبة الكاثوليكية ،إذ كانِت الفوضى واالضطراب ًا لم تكن األمور أفضَل
اللذان عّم ا البالد مع االجتياحات
األلمانية لإلمبراطورية الرومانية الغربية ،ابتداًء من القرن الرابع
للميالد ،قد
أتيا تقريبًا منذ عهٍد قريب على التعليم الرسمي وقطعا ما اتصل من حبل المعارف
الكالسيكية .وأتت غزواُت المسلمين شرقي البحر المتوسط بعد ثالثمائة سنة لتقض
نهائيًا على
َي
عزلة الغرب بأن شقت طريقًا سالكًة إلى المسيحيين البيزنطيين وعاصمِت هم
البعيدة القسطنطينية،
حيث كانت ال تزال توجد بقيٌة من تراث اليونان الثقافي القديم]
.[69كانت روائُع المعرفة
الكالسيكية قد طواها النسيان تقريبًا ،أو ُد فعت بعيدًا إلى
أقصى أطراف الوعي األوروبي في أفضل
األحوال .وضاعت أو َتِلفت النصوُص القّيمة
نتيجة اإلهمال أو الحرب أو باتت تستعصي على
الفهم لجهل أدعياء العلم أو ببساطة
لفقدان القدرة على قراءة اليونانية .ق أر أفراد الطبقة األرستقراطية
في
اإلمبراطورية الرومانية األعماَل اليونانية الرئيسة بلغتها األصلية ،فلم تكن
بالتالي هناك حاجٌة
في ذلك الوقت إلى ترجماٍت التينية لفلسفة أفالطون وأرسطو ،أو
عجائب أرخميدس الهندسية ،أو
علم هندسة إقليدس .ثم اختفت اليونانيُة جملًة واحدة
كلغٍة للعلم واختفت معها عمليًا قروٌن من
المعرفة من العقل الجماعي ألوروبا
الناطقة بالالتينية.
كانت هناك بضعُة مواقَع متقدمة
- أديرٌة متناثرة في أيرلندا وشمالي إنكلت ار وكاتالونية وجنوبي
إيطاليا - حيث
عمل الرهبان لصون التراث الكالسيكي .ومع ذلك ،كانت النتائج وضيعًة بالقياس
إلى
الذرى التي بلغها اليونان ذات يوم ،أو إلى العمل الجديِد المثير الذي كان جاريًا
في العالم
العربي .ففي مدرسة كاتدرائية الون ،المركِز الرئيس للدراسات الرياضية في
الغرب ،لم تكن أفضُل
العقول في أيام آديالرد َتعرف كيف تستخدم الصفر .وكان أساتذة
الون يدِّر سون أحدَث التقنيات
التي كان يستخدمها الملك هنري األول إلدارة خزينته
،وكان يحكم إنكلت ار والنورماندي معًا أوائل
القرن الثاني عشر .من هذه التقنيات
استخداُم سماٍط خاصُ ،نقشت عليه صفوٌف وأعمدة كرقعة
الشطرنج لتكون للملك ِم عدادًا
،وكانت مبادُئ الِم عداد قد وصلت إلى فرنسا من األندلس قبل بضع
سنين فقط .كان ُيعرف
السماط باسم ،scaccariumأي "رقعة الشطرنج" بالالتينية
[ chessboardباإلنكليزية] ،وكان هذا
هو أساَس تسمية وزير الخزانة البريطاني .exchequer
وبالرغم من أهمية هذه
المهمِة الملكية ،ظل مستوى التعليم بمدرسة الون متدنيًا جدًا؛ إذ يكشف لها
كتاٌب
مدرس معاصر أخطاًء مضطردة حتى في أبسط الحسابات].[70
ٌي
األكثُر مدعاًة للغيظ من اختالل الحسابات
الملكية كان العجز عن تقدير الوقت من اليوم أو
تحديد التاريخ .فحتى بالمعايير
المختلة للعصور الوسطى المسيحية ،كانت معرفُة الوقت شيئًا ذا
بال ،مرتبطًا كما كان
بالسعي للخالص األخروي .فقد كان نظاُم الراهب سان بنديكت الكهنوتي،
الذي أدار
آال األديرة ابتدا من القرن السادس فما بعد ،يتطلب أدا ثماني صلوات في
أوقاٍت
َء ًء َف
محددة من اليوم .وكانت هذه الممارسة التعبدية تقوم على تالوة آيتين من
المزمور " :119سبَع
م ارٍت في اليوم سَّبحُتَك [على أحكام عدلك]"
و"في منتصف الليل أقوم ألحمَد ك [على أحكام ِب رك]"
]
.[71كان األمر سهًال نسبيًا في النهار ،عندما يوفر تغيُر موضع الشمس دليًال تقريبيًا
إلى
الوقت ،أما في الليل فكان رهباُن الغرب الالتيني ُيتركون لوحدهم في عتمة
الجهل.
ظهرت طرائق بدائية لتقدير الوقت لتلبية
متطلبات أنظمِة التعبِد في األديرة .فقد ُو جد ،مثًال ،أن
شمعًة بطول اثني عشر
إنشًا وقطٍر معين كانت تستمر حوالي أربع ساعات]
.[72واسَتخدم بعض
األديرة األكثر بحبوحًة ساعاٍت مائية بدائية ،كان الجرياُن المضبوُط
للماء فيها إلى وعاٍء معين
يقيس مروَر وحدٍة معينة من الوقت .وكمثاٍل مبكر للفلك
التطبيقي ،طرح المطران جيورجي دو تور
من القرن السادس مبدءًا تجريبيًا ،لعل أصَله
بابلي ،يحسب الطوَل المتغير لليوم ابتداًء من الساعة
نهار من أيام
ديسمبر ثم يضيف ساعًة في الشهر من ديسمبر إلى يونيو ،حتى يصَل إلى التاسعة ًا
خمس عشرة ساعة
.ثم كانت ُتعكس العملية من يونيو عودًا إلى ديسمبر .وبالرغم من شيوع هذا
النظام في
زمانه لبساطته وسهولة استخدامه ،فقد كانت تعوزه المتانُة العلمية :فنسبُة خمسة عشر
إلى تسعة تناسب منطقة البحر المتوسط والشرق األدنى أكثر مما تناسب مناطَق تور
الشمالية]
.[73وقّد م غريغوري طريقًة مشابهة لتتبع مواقع القمر طوال الشهر ،لكنه لم يحسب فيها
حساَب
التغيرات الفصلية .وَح دد بعَض الكوكبات في السماء الشمالية التي يمكن استخداُم ها
في
الليالي الصافية للمساعدة على ضبط أوقات الصالة؛ وقد جِه د لئال يستخدَم
األسماَء الوثنية لهذه
المجموعات].[74
وقد ظلت المحاوالُت األخرى لمعالجة المسألة
إلى مرحلٍة متقدمة من العصور الوسطى تعاني
من عيوٍب مشابهة لتلك التي شابت
محاوالِت غريغوري .فثمة ،مثًالِ ،م زولة [رخامة] ساكسونية في
كنيسٍة بيوركشاير تعود
إلى سنة 1064وتقسم اليوم إلى ثمانية أقسام متساوية ،أو "مدود" ،لكنها
ال
تأخذ في الحسبان حقيقَة أَّن موقَع الساعة في يوركشاير يستدعي تغييَر أطواِل
هذه المدود].[75
والفتقارهم إلى فهم النظرية التي تقف وراء التقنياِت المجلوبِة من جنوبي المتوسط
الشرق أوسطي ،لم
يدرِك الالتين أَّن عليهم ضبَط طريقِت هم لتأخَذ في الحسبان
ارتفاَع أمكنتهم الجغرافية شماًال ،كباث
بلدِة آديالرد نفِس ه.
وحتى القرن الثالث عشر ،ظل الرهبان بفرنسا
يعتمدون طرائق الفلك الشعبي كمنارات الرصد
الفلكي المحلية [ ]observational
markersالتي
يمكن محاذاُتها بمواقع كوكباٍت معينة لتقابل
أوقات صالة معينة .يشرح نٌص ُك تب على
لوٍح حجريُ ،ع ثر عليه في دير سيستريسيان ڤيلرز
بالقرب من نامور ببلجيكا ،كيفيَة
تقدير الوقت بتتبع الشمس والنجوم كما تبدو في نوافَذ
معينة]
.[76لعل األكثر شيوعًا بين هذه الحاالت كلها كان تعييَن راهٍب متقدٍم محترم يرتل عددًا
محددًا من المزامير إشارًة إلى مرور الوقت [ ]significator
horarumثم
يوقظ إخوَته الرهبان
.وتوَّج ب االنتظاُر إلى أواخر القرن السادس عشر حتى استطاَع الغرُب
العلماء المعاصرين][81
المسيحي تعبئَة
ما يكفي من الطاقة العلمية للشروع بضبط الوقت واستيعاِب مسألِة إصالِح التقويم.
في
ذلك الوقت ،كان االعتداُل الربيعي قد انحرف عائدًا حوالي أسبوعين ،إلى منتصف مارس.
أمر عجبًا أنوبالنظر إلى حجم المصائب السياسية
واالجتماعية والروحية بأوروبا ،ربما كان ًا
يبقى أُي شيء من فنون
وعلوم ذلك الوقت الذي غادر فيه آديالرد باث لمتابعة تعليمه العالي
بفرنسا ،سنة
1100تقريبًا .ومع ذلك استطاعت ثلٌة من مدارس الكاتدرائيات آنذاك وضَع برنامٍج
دراسي يستند إلى ما ُع رف بالفنون العقلية السبعة [ .]Seven
Liberal Artsكان
الشائُع وصَف
هذه الفروع المعرفية السبعة ،المستمدِة من التقليد الروماني القديم
،بالفتيات الفاتنات .كانت الدراسة
تبدأ ببرنامٍج ثالثي األركان يشتمل على قواعد
اللغة ،والبيان ،والمنطق؛ ُع رف باسم .trivium
تقابل هذا اليوم كلمة
،trivialما يعكس الطابَع االبتدائي لهذه المعارف األساسية .أما برنامج
الدراسة المتقدم أو
التعاليم األربعة quadriviumفكان يشتمل على تعُلم الحساب ،والهندسة،
والموسيقى ،والفلك؛ مادِة
آديالرد المفضلة .كانت البنيُة التعليميُة كُلها قائمًة على أساٍس متقلقٍل
ملتبس
مأخوٍذ عن الموسوعيين الالتين ،الذين كانوا قبل قرون قد درسوا األعماَل العلمية
والفلسفية
الكالسيكية وجمعوها وبسطوها ثم قدموها لجمهوٍر عريض نسبيًا.
ِة
كانت مجموعُة أعمال الشريف الروماني
بوثيوس ،الذي قطع إعداُم ُه بتهمة الخيان الملفقة عمَل
عمِره ،ال تزال تحتفظ
بشذ ارٍت من منطق أرسطو ،وعدٍة من بحوث الموسيقى ،وشيٍء من أساسيات
الهندسة
التطبيقية .وكان بوثيوس يخطط لترجمة كل مؤلفات أفالطون وأرسطو إلى الالتينية
،لكَّن
موَته المبكَر هذا حكم على هذا اإلرث العظيم في علم الطبيعية والميتافيزيقيا
وعلم الكون بأن يبقى
حبيسًا ألكثر من ستمائة سنة .وقد اخُتصرت تعاليُم أفالطون
المتاحة إلى ترجمٍة التينيٍة مجتزأة
وشرٍح مرافق .وقد منح هذا أوروبا العصور
الوسطى اإلطاللَة الفعليَة الوحيدة على الفلسفة الطبيعية
حتى القرن الثاني عشر]
.[82لم يكن ُيعرف شيء في الواقع عن الميتافيزيقيا أو علم الكون .وقد
احتفظ ما تبقى من
مخطوطات باليني [ ]Plinyفي علم الطبيعة بشذ ارٍت أخرى من األعمال
الكالسيكية ،وكان هذا
أيضًا حاَل قلٍة قليلة من الكتب المشابهة التي كانت ُتتداول اعتباطيًا.
كان الِك تاُب المدرس األكثُر شعبيًة
بكثير موسوعًة من القرن السابع إليزيدور ،أسقِف إشبيلية،
ُي
اشتملت على معارَف شبه
منسية وتفسي ارٍت بعيدة للظواهر الطبيعية .في هذه الموسوعة المسماة
األصول [ ،]Etymologiesجمع إيزيدور في عشرين مجلدًا كَل دقيقٍة
من المعارف التي رأى أنها
تستحق أن تصان في وجه المِد المتصاعد للبربرية التي كان
يرى أنها تهدد بلَد ه إسبانيا .وشمل هذا،
بين ما شمل ،شروحًا في القواعد والخطابة
،والحساب والفلك ،وعلم الحيوان ،والزراعة ،والالهوت،
والعلم العسكري .كان األسقف
مجدًا مجتهدًا وكان له قراء كثر ،لكّن فهَم ه كان في حينه موضَع شك
مفكر انتقاديًا ،ألنه استقى مادَته من مصادَر مختلفة من دون ًا بعض الشيء .فهو
لم يكن بالقطع
تمحيص - وبتعبيرات هذه األيام - كان أكثَر اهتمامًا للمعنى المجازي منه
للحقيقة األساسية.
كانت موسوعة األصول نجاحًا أساسيًا
شاردًا في مكتبات العصور الوسطى المسيحية منذ
قرون .وقد فَّض له القراء عمومًا على
المصادر األصلية ،التي سرعان ما ُأسِلمت للنسيان؛ متجاَهلًة
منبوذة ،وُفقد كثيٌر
منها إلى األبد .وبقيت أعماُل إيزيدور ُتطبع حتى وقٍت متأخر من عصر
النهضة .وكانت
تعاليُم ه مَّتَبَع ًة اتباعًا أعمى إلى حد أن توكيَد ه - استنادًا إلى ترجمته
البدائية
المغلوطة للمصادر الكالسيكية - بأَّن األرَض مسطحة
"كدوالب" ظل يقول بها كثيرون في أوروبا
العصور الوسطى ،وإن أدركت زمرٌة
من العلماء والرهبان المتعلمين أنها ليست كذلك .وقد ناقض
هذا المعتقُد الشعبي
المفهوَم اليونان الكالسيك والعرب للكون - كسلسلٍة من الكرات والعجالت،
َي َي َي
مركُزها األرض ،تتحرك حركًة ميكانيكيًة إيقاعيًة مستديرة - وحال بين الغرب
وبين أن يشارَك في
المغامرة الكبرى لعلم الكون .لم يكن خطأ النموذج السائد ،الذي
وضعه بطليموس في القرن الثاني
ميالدي وظل ُيدرس منذ ذلك الحين ،هو المهم؛ بل فواُت
الفرصة العظيمة للبحث العلمي المثمر
التي أتاحها هذا المفهوُم على خطئه.
لعل بيدي الجليل [
،]The
Venerable Bedeالذي توفي سنة 735بعد عمٍر طويل
أمضاه في الدراسة بين جدران ديره شمالي إنكلترا
،كان المفكَر األكثر براعًة وِر فعَة ثقافة بين هذه
العصبة األولى من المفكرين .كان
كتابه تقدير الوقت [
]The Reckoning of Timeمحاولًة
مبكرًة مهمًة منه لحساب وقت الفصح ،وحساب الوقت ،وحل ما يتعلق بذلك
من مسائل .فقد استنتج
من قراءته المتأنية لبليني أن األرَض كروية - وهو علٌم
طمسه طمسًا ادعاُء إيزيدور المعاكس
األكثُر شعبيًة بكثير - وكان لديه فهٌم
الختالف أوقات النهار وسلوِك المد والجزر .ومع أن معرفَته
كانت بدائية ،كان بيدي
سابقًا عصَره إلى حد أن شهرته ما لبثت أن طارت في العالم المسيحي .فلم
ُيَر مثُله
من قبُل تقريبًا .قال عنه نوتكه اللجالج بحماسة ،وكان راهبًا في أقاصي سويسرا"
:يا هللا ،يا
مسوي الكائنات ،يا َم ن أتى بالشمس ِم ن الشرق في اليوم الرابع
للخلق ،وأتى ببيدي ِم ن الغرب في
العصر السادس للعاَلم ،شمسًا جديدة ُتضاء بها
األرُض جمعاء"].[83
آَل إلى مدارس الكاتدرائيات الفرنسية أن
تشكَل ببطء من اللبن األولى التي تركها الموسوعيون
وثلٌة من الرهبان الذين كانوا
على شاكلتهم بناًء معرفيًا متماسكًا ،وإن كان ال يزال ناقصًا ومليئًا
باألخطاء
.وبأمٍر من شارلمان ،أنشأ آلكوين أوف يورك منهاجًا مدرسيًا أوليًا ألولى تلك
المدارس في
أواخر القرن الثامن إلمداد اإلمبراطورية بموظفيَن مدَر بيَن مهرة .كانت
مدرسُة آديالرد األم بتور من
.وُأسست مدارُس
أولى تلك المدارس ،وبرزت بالتدريج كمركٍز فكري أوروبي
أو نحو ذلك][84
أخرى بشارتر والون ،وغيِرهما .حتى إذا أتت أياُم آديالرد ،كانت
مدارُس الكاتدرائيات قد مضى على
تأسيسها قرون .وقد جذبت تلك المدار إليها بعضًا
من أفضل األساتذة من الفئة القليلِة المتدينِة
ُس
ٍة
المتعلمة وطالبًا طموحين من أنحاء
مختلف من أوروبا .وقد أتى األسقف جون نفُس ه من تور،
واستخدم صالِت ه الشخصية
والكنسية هناك لتأمين المكان الذي كان يصبو إليه آديالرد في المدرسة.
وكان
لمفَّض الت األساتذة بمدارس الكاتدرائيات لمنهاج التعاليم األربعة ،quadriviumال سيما في
مادتي الرياضيات والفلك ،أثٌر عميق على تطلع آديالرد
الشاب واهتماماِت ه الخاصة]
.[85وقد
حددت هذه بدورها األفكاَر التي سيتبناها الحقًا من علوم العرب ويعود بها إلى
الغرب.
كانت مملكة لوثارنجية السابقة هي المركز
األول لنشاط أوروبا الفكري في العصور الوسطى.
فقد ضمت هذه المملكة التي كانت في ما
مضى قلَب إمبراطورية شارلمان ،أجزاء من ألمانيا
وبلجيكا وهولندا وفرنسا .وكانت
لييج ،ببلجيكا اليوم ،مركَز تلك المملكة وكانت ُتعرف باسم "أثينا
لوثارنجية" لعلمها الرصين]
.[86فقد ظل ملوُك إنكلت ار عقودًا يعتمدون على اإلمداد الدائم برجال
الدين اللوثارنجيين
لملء المناصب الملكية والكنسية .وقد أتى َس َلُف األسقف جون من المنطقة ،وكذا
والد
آديالرد ،فاستراد ،وعدٌد من الشخصيات األخرى التي أّثرت في الحياة الفكرية
والدينية إلنكلت ار
القرن الحادي عشر .وكانت مدارُس وأديرٌة لوثارنجية قد برزت كمستودعاٍت
أوليٍة مؤقتة لعلم
مضطر إلى االعتماد على ماًا وتكنولوجيا العرب ،ومن ذلك نظاُم العد العربي؛ وكان التاُج
اإلنكليزي
يستورد منها من خريجين حسني التدريب لتلبية
الطلب المتزايد ،إذ لم تكن لديه مؤسساٌت تعليمية
مناسبة خاصٌة به].[87
من أوائل المشجعين على االبتكار الفكري في
الغرب ،بما في ذلك اآللة الحاسبة القِّيمة،
الِم عداد ،كان ِج رِبر دوريالك [ ،]Gerbert d'Aurillacأحُد أرفِع العقول في عصره الذي سيغدو
هو البابا سلفستر الثاني
.نشأ ِج رِبر الناضُج قبل األوان كراهٍب متدرب في دير سان جيرار،
وسرعان ما كُبر على
التعليم المحدود المتاح ببلده فرنسا؛ فلم يكن بين الرهبان المحليين ببساطة َم ن
لديه معرفٌة كافية بالرياضيات والفلك ليتعلَم منه أكثر مما تعلم .وفي العام
،967أوفده رؤساؤه
لمتابعة دراساته المتقدمة ثالَث سنوات بدير ڤيش بكاتالونية ،التي
كانت آنذاك موقعًا مسيحيًا حدوديًا
نائيًا متاخمًا لألندلس مصنِع العلم والثقافة
في ذلك الوقت.
وقد تمتعت كاتالونية بعالقاٍت تجارية طيبة
مع الخليفة الغربي ،الذي كان يحكم من قرطبة
ِة
عاصم إمبراطوريته .وكان منظُر التجار
المسلمين مألوفًا في أسواق كاتالونية ،وَع َبرت االتجاهاُت
الثقافية واألفكاُر واالختراعاُت
بسهولة حدوَد الشرق المسلم مع الغرب المسيحي .وكان علُم النجوم
المتقدُم عند
العرب ،ولعبُة الشطرنج ،والشكُل األول لما صار بعد ذلك ُيعرف باألعداد العربية،
واألسطرالُب اإلسالمي - أقدُر حاسوٍب تماثلي حتى العصور الحديثة - كلها
كانت تنتظر
"االكتشاف" بكاتالونية]
.[88هنا ،حيث كانت الفنوُن العقليُة السبعُة كافة متاحًة للدراسة.
فبينما كانت حتى أغنى األديرة بفرنسا
وألمانيا وإنكلت ار ال تملك أكثَر من عش ارٍت قليلة من
مجلدات العلوم التي أصبحت
قديمة ،كان رهباُن كاتالونية ،ال سيما أولئك الذين كانوا في دير سانتا
ماريا دي
ريبول ،يتمتعون باالطالع على مجموعاٍت ضخمٍة نسبيًا من المجلدات ضمت نصوصًا
عربية
وترجماٍت لهذه النصوص .كانت تلك الترجمات ُتلمح إلى أسرار العلم القديم ،وكذا إلى
العلم
والفلسفة والطب األحدث لدى العرب .وقد زار ِج رِبر الشاب ديَر ريبول ولعله
عاد إلى بلده فرنسا
بقدٍر من المعرفة بأساسيات التكنولوجيا العربية ،كأشغال الساعة
المائية .ومع ذلك ،حتى في دير
ريبول ،كان مستوى التعليم متدنيًا إلى حد فاجع .فقد
كانت الرسائُل الالتينيُة األولى في األسطرالب
وما يتعلق به من تقانات حافلًة
باألخطاء ولم تكن تستوعب المصطلحاِت العربية استيعابًا كامًال؛ لقد
عاجز عن إنتاج نصوصه المتماسكة حول األسطرالب حتى منتصف القرن الثاني ًا ظل الغرُب
عشر].[89
فور في عاد ِج رِبر إلى الوطن من كاتالونية ليتولى
سلسلًة من المناصب التعليمية .وبرع ًا
التعاليم األربعة - الموسيقى
،والحساب ،وعلم الهندسة ،والفلك - التي لم يتمكن من متابعتها كراهٍب
شاب
بفرنسا .وكان خالل إقامته باألندلس قد تحَّص ل على ترجمٍة لكتاٍب عربي حول النجوم
من
َّل ِج ٍف
رئيس شمامسة برشلونة وعلى مؤَل منفصل في الرياضيات والفلك .ع م رِبر
تالمذَته الحساَب
ٍد ٍة ٍت ٍد
بمعدا غير مألوف يتألف من عدادا مرَق م إفراديًا ،من واح
إلى تسعة؛ وكان ال يزال مفهوُم
الصفر مستغلقًا .وبسرعة ،بدأت تظهر معداداٌت
التينيٌة مشابهة بمحارَف هنديٍة عربية - األرقام
التي نستخدمها اليوم
- محل األرقام الرومانية القديمة السائدة آنذاك ،وتستخدم َنسخًا لفظيًا فجًا إلى
الالتينية لالسم العربي األصلي لكل رقم .األرجح أَّن أسماَء األرقام كانت مستعارًة
من ممارسٍة عربية
غيِر رسمية للحساب على لوح رماد [ ،]dust
boardوهو
شكٌل من أشكال اللوح القابِل للمحو.
وسيستغرق األمر أكثر من 150سنة إضافية لتصبَح
األرقاُم العربية الرسمية ونظاُم ترتيب خانات
اآلحاد والعشرات والمئات
،وغيرها - وهو أساُس النظام الذي نستخدمه اليوم - وسيلًة مقبولة
للحساب].[90
افُتِت ن ِج رِبر ومن تبعه بمسير النجوم
والكواكب ،وألحوا على قيمة المالحظِة المباشرة للسماء؛
وهو عمٌل مَّه د السبيل على
أقل تقدير لقدوم علِم الهيئِة العربِي إليهم .ففي رسالٍة من مدينة رانس
الفرنسية
إلى رجِل دين زميٍل له سنة ،978يبين ِج رِبر أنه تحرر من تعاليم األرض المسطحة
إليزيدور اإلشبيلي" .ردًا على سؤالك ،يا أخي ،حول الكرة إلظهار حركة الدوائر
السماوية
ُط
والمجموعات النجمية ،فقد ُج علت مدورًة بالكامل ،يقسمها المحيُط بالتساوي
من الوسط ،وينقسم إلى
ستين جزءًا"].[91
يعتقد مفسرو العصور الوسطى أن ِج رِبر كان
أو من أدخل األسطرالب إلى الغرب كطريقٍة
َل
لحل المسائل الصعبة لتحديد أوقات الصالة
في األديرة والتقويم الكنسي .وتستطيع هذه اآللُة
المحمولُة كذلك حساَب ارتفاِع برج
أو عمِق بئر ،وتحديَد خط العرض الجغرافي ،واتجاِه الشمال
األصلي ،وحساَب موقع
الشمس والنجوم الرئيسية .أصوُل اآللة نفِس ها غامضة ،لكن من شبه المؤكد
أن التصميَم
والنهَج النظري كانا يونانيين .فقد كتب الرياضيون والفلكيون اليونان بإسكندرية مصر
رسائَل عدة عن أسس األسطرالب .وشرح نٌص لبطليموس ،ضاع اآلن ،المبادئ الرياضية التي
تقوم
عليها هذه اآللة ،المهمِة جدًا أيضًا لرسم الخرائط ،لكَّن األسطرالَب المسطح
[planispheric
]astrolabeاألكثَر تقدمًا الذي ُر سمت عليه القبُة السماوية واستعمله العرب
لم يكن معروفًا في
أيامهَ .ينسب األثُر العربي اخت ارَع هذه اآللة المقتدرة صدفًة
إلى الفلكي العظيم بطليموس .يقول ابُن
ِخ ِّلكان في إحدى الروايات من القرن الثالث
عشر" :وكان سبَب وضِع ِه له أنه كان معه كرٌة فلكيٌة
وهو راكب فسقطت منه
فداستها دابته فخسفتها فبقيت على هيئة األسطرالب" [المسطح]].[92
عمليًا كان األسطرالب ،الذي هذب العرُب
تصاميَم ه اليونانيَة األوليَة تلك ،كتاَب نجوم من
البرونز ُيسِقط الكوَن الكروي
على سطٍح مستٍو .تصف رسالٌة في األسطرالبُ ،تنسب إلى ِِج رِبر أو
أحِد أفراد حلقته
األقربين ،هذه اآللَة بأنها هديٌة عظيمٌة من الرب لكّن الرسالَة يبدو أنها كانت
تحذر
من استخدامها على نطاٍق واسع[" :يمكن استخداُم األسطرالب] إليجاد الوقت
الحقيقي من اليوم،
صيفًا أو شتاًء ،من دون شك موِه ٍم في التقدير .وهي إلى ذلك
مناسبٌة جدًا إلقامة الصلوات اليومية،
واستخداُم ها العام ترٌف معرفي .كم هو ساٌر
والئق أن يسيَر الجميُع بكل وقار في الوقت المحدد
َيؤُّم هم إماٌم واحد ،يتحرى
الدقَة التامة ،فيؤدون للرب الصالة بكل انسجام"].[93
كان األسطرالب نفُس ه جميَل المنظر
- أنيقًا وقوَي األداء .وكان عادًة من البرونز في حجم
سم
قطر]ُ ،م صاغًا ومصقوًال ومزخرفًا .وكانت درجاُت خط العرض ،أو
ًا صحن تقريبًا [20 - 10
ربما الوقُت من
اليوم ،منقوشًة عادًة على طرفه الخارجي [الحجرة] .وكان يعلو سطَح ه قرٌص
مضبوط بدقة
لتحديد الموقع الجغرافي ،مع صفيحٍة دوارة [مخَّر مة] أشبه بشبكِة خيوط [تدعى
العنكبوت] تظهر عليها مواقُع النجوم الرئيسية والفلُك السنوي للشمس ،موضوعٍة على
الصفيحة األم
ومثبتٍة عليها بدبوس له شكُل إسفين يسمى الَف َر س .وقد ُر ِّك ب على ظهر
األسطرالب مؤشٌر دوار-
مسطرُة تسديٍد قطرية تسمى آليداده
alidadeأو الِع ضادة بالعربية - ألخذ القراءات أثناء رفِع
األسطرالب ،وتعليِقه
على ارتفاع ذراع ،من حلقٍة له في أعاله .في النهارُ ،يرصد شعاع الشمس من
ثقبين
صغيرين أو ثلمين في الِع ضادة [في صفيحتين مستطيلتين قائمتين بالقرب من طرفيها تسمى
الواحدُة منهما دفًة أو هدفًا]؛ وفي الليل ُيرصد شعاُع نجٍم معروف بدل شعاع الشمس
،بالطريقة
نفِس ها .عندها ،يعطي موضُع الِع ضادة ِم ن عالمات ترقيم األسطرالب ًا
كنز من
المعلومات السماوية
المقابلة .وقد عكس إتقاُن األسطرالب عبقريَة العلم العربي :فقد
اعَتمد على المصادر الكالسيكية
لكنه سبقها بعد ذلك بأشواط ليهّذ َب هذه اآللَة
ويجيَب عن األسئلة الصعبة لتلك األيام في مجال
تعيين الوقت ،وعلم الفلك ،وعلم
النجوم ،ورسم الخرائط.
لكن ،كما أدرك العلماء الالتين األوائل على
الفور ،فإَّن فوائَد األسطرالب وما يحله من مسائل
تتخطى الوصف الذي كان يعَط ى له
.ففي أحد المراجع الالتينية األولى لآللة ،يدعو أستاٌذ في لييج
يقال له رادولفوس
زميًال له من كولونيا ليأت ويعالج األسطرالَب بنفسه ،بدَل االعتماِد على أي
َي
وصٍف
أو رسٍم له يمكن أن يقدَم ه له كتابًة .ويضيف في رسالٍة له إلى هذا الصديق المتعلم
"وإال،
فإَّن مجرَد رؤية األسطرالب ال تفيد [البصيَر ] أكثر مما يفيد
الرسُم ...األعمى ،أو الكماداُت المصاَب
بالنقرس"].[94
بدأت كلمة األسطرالب ومنشأها العربي
ينتشران ببطء في أرجاء الغرب .أّلف تلميٌذ لِج رِبر اسمه
فولِب ر ،سيصبح في ما بعد
أسقَف شارتر ومؤسَس مدرسِة كاتدرائيِت ها ذاِت الشأن ،أرجوزًة لمساعدة
تالمذته على
حفظ األسماء العربية لثماٍن من أهم النجوم في كوكبات دائرة البروج الغربية .فكانت
النتيجة أوَل استخداٍم معروف لكلماٍت عربية في نٍص التيني]:[95
في الثور يطلع الدبران وللجو ازِء ِِرْج ٌل
وَم نِِك ب
ولألسِد جبهٌة ولُه إلى ذاَك قلٌب َلِج ب
ولديك في العقرِب القلُب وفي الجدِي
الَذ َنب
وما سوى بطِن الحوِت للسمكتيِن َيِج ب
ِ] in Gemini,رجل[ َ] and Rigelم نِك ب[ ] stands out in Taurus, Menkeالدبران[ Aldeberan
] in Leo.قلب
األسد[ and Frons and bright Cabalazet
َ].ذ َنب[ ]; and you Capricorn,
Denebقلب
العقرب[ Scorpio, you have Galbalgrab
], are alone enough for
Pisces.بطن
الحوت[ You, Batanalhaut
َتظهر "نجوُم الوقت" نفُس ها في
الرسائل األوروبية األولى في األسطرالب ،التي تعود إلى حوالي
سنة .1000كذلك أعَّد
فولِب ر قائمَة مصطلحاٍت عربيٍة والتينية ألجزاء األسطرالب ،فاتحًا الباب إلى
ما
سيغدو سيَل المصطلحات والمفاهيم واألفكار العربية إلى الفنون والعلوم الغربية]
.[96واليوم،
تحمل كوكباُتنا وكواكُبنا أسماَء التينيًة ،لكَّن أسماَء كثير من أهم
النجوم عربية.
كان تأثيُر ِج رِبر قويًا جدًا في مملكة
لوثارنجية ،وقد واظب بنشاط على مراسلة عدٍد من علماء
المنطقة حول آخر ما تعلمه من
األندلس من اتجاهاٍت وأفكار في الرياضيات .وكانت الروابُط
الضعيفة بين األديرة
المحلية وتلك التي كانت ال تزال نشطًة باألندلس قد مهدت السبيَل بالفعل إلى
تبادل
أفكاٍر متقطع ،وكان ثمة اتصال في فترٍة من الفترات بين ألمانيا والخليفة الغربي*
.وُيعتقد أن
وفدًا ُأرسل إلى قرطبة سنة ،954برئاسة العالم اللوثارنجي الرحالة جون
أوف غورز ،عاد بعد ثالثة
أعوام بمخطوطاٍت أصلية وبضِع ترجماٍت أولية لمخطوطاٍت
عربية .ورَّد الخليفة األندلسي عبد
الرحمن بإرسال مستعرب [ ،]Mozarabأو مسيحي مستعرب
،ممِث ًال له إلى البالط الساكسوني.
ومن مدارس وأديرة لوثارنجية ،بدأ العلم العربي
ينتشر تدريجيًا في ألمانيا وفرنسا وإنكلت ار].[97
لم ُيفَتَتن الجميع بقدوم هذه األفكار
الجديدة ،بما تبدو عليه من قدرٍة سحرية ،والرتباطها المريب
نادر ،كان هذا االرتيابأمر ًا
بالعرب .ففي مجتمٍع
كانت معرفُة القراءة والكتابة والتعليم العام فيه ًا
يوَّج ه بسهولة إلى أي نوع من التعليم الالديني .وما كان للغزو الفكري القادِم من
العاَلم المسلم إال أن
يفاقَم هذه النزعة ،بألفاظه األجنبية ،واختراعاِت ه التي ال
تخطر ببال .وقد ُر مي عدٌد من العلماء
المسيحيين األوائل الذين سعوا لتعلم العلم
العربي بتهمة االشتغال بالسحر األسود ،وهي ظاهرٌة
ستشهد في ما بعد إلصاَق تهمة
الهرطقة بأولئك الذين تحدوا تعاليَم الكنيسة في الفلسفة والعلوم
الطبيعية.
وكان وليام أوف مالمزبري ،المكتب
والمؤرُخ الرهباني الذي توفي بعد ِج رِبر دوريالك بحوالي
ُي
140سنة ،قد أقر للبابا
بمهاراته التقنية المؤكدة لكنه ظل مع ذلك متوجسًا من المدة التي أمضاها
باألندلس
،يقول" :هناك تعَّلَم منطَق الطير"]
.[98ورفض وليام كذلك أفكاَر ِج رِبر الرياضيَة واصفًا
بر سنة ،999على مشارف األلفية الجديدة، إياها بأنها "سحٌر عربٌي
خطر" وادعى أن انتخابه َح ًا
كان نتيجة
حلٍف بينه وبين الشيطان .وقال رجُل ديٍن آخُر بعبارٍة الذعة إَّن أسقَف هرفورد
المتعلم،
روبرت ،كِج رِبر قبَله ،أضاع عمره في هذه المسائل" :فلم ُيِط ِل
الفلُك ُع مَره ،وال أطاَله الِم عداد الذي
يعّد السنين بشكٍل مختلف"].[99
في أيام ِج رِبر ،لم تكن هذه المخاوُف من
علم العرب قد تبلورت بعُد في معارضٍة نشطة من
رجال الدين ،ولم يفعل هؤالء شيئًا
لحرف ِج رِبر عن مساره المهني ،هذا مؤكد .فبعد تعيينه معلمًا
خاصًا البن أوتو
،اإلمبراطوِر الروماني ،سافر ِج رِبر إلى رانس ،حيث دَّر س المنطَق والفلسفة وصار
في
ما بعد مديَر مدرسة الكاتدرائية .وكان الطالُب يتوافدون أفواجًا أفواجًا من أقاصي
أوروبا
لحضور محاضراته .ومع ذلك ،بعد أربع سنوات من ارتقائه عرَش البابوية ال غير
،كان ِج رِبر ال
يزال يثير معارضًة شديدة في بعض األوساط لنظرته الدنيوية غير
التقليدية إلى األمور .وكانت
الفلسفة ،حتى القليُل منها الذي كان معروفًا في
اآلثار الكالسيكية ،موضَع شك في ذلك الوقت .وقد
احتج ممثلو البابا من دون جدوى
قائلين" :ما كان قساوسُة بطرس ومريدوه ِليتخذوا أفالطوَن أو
فيجيل أو أَي
شخٍص آخَر من هذا القطيع الوضيع من الفالسفِة ُم عِّلما"].[100
لم تكن شكوُك اإلكليروس ومخاوُف العامِة
المؤمنِة بالخرافة وحَد ها ما كان يعانيه ِع لُم ِج رِبر
المأخوُذ عن العرب .فلم يكن
له في هذا العلم رسوخ وكان عرضًة للخطأ وسوِء الفهم واالختالِط
المضحك أحيانًا .قد
يكون ِج رِبر وتالمذُته ألمَع َم ن في جيلهم ،لكنهم كانوا عاجزين تمامًا عن
استيعاب
أو حتى إدراك ما وصل إليه العلُم العربي من شأٍو بعيد ،ورسوخ العرِب العميق في
الميتافيزيقيا األرسطية والعلِم اليوناني والفارسي والهندي عامًة .فكانوا لقون
عنتًا في فهم أبسِط
َي
مبادئ علم الهندسة .انظر إلى اثنين من تالمذة ِج رِبر المتقدمين
يتبادالن رسائَل جادًة حوالي سنة
1025في محاولٍة منهما لفهم ما الذي عناه علماُء
الهندسة بالزاوية الداخلية في مثلث ،ال غير،
لغز لهما لم يفلحا في حله
.ولم يتمكنا من صوغ أي نظريٍة هندسية .وقد عّبر أحُد هما وكان ذلك ًا
لآلخر عن فرحته الشديدة
بامتالك أسطرالٍب خاٍص به .وبما كانا َي لقيان ِم ن عنٍت في فهم هكذا
مسألٍة أولية
كزاوية المثلث الداخلية ،ما كان لهما أن يفهما قط النظريَة الهندسية التي تقوم
عليها
هذه اآللة].[101
لهذا الجيل األول الذي ما كان َيعرف من
العلم العربي إال النزَر اليسير ،ظلِت اآلالُت الجديدة
ٍت
كاألسطرالب والمعداد
،والمفاهيُم الجديدة كنظام العد الهندي العربي ،كذلك :آال ومفاهيَم
لالستخدام ال
للفهم التام .وكان هؤالء الرواد معنيين أكثر بكثير باالستخدام العملي منهم
بالمعرفة
النظرية ،تشغلهم كيف أكثر مما تشغلهم لماذا .ولم ُتبذل حتى ذلك التاريخ
محاولٌة جدية إلتقان
المعرفة العربية األساسية في الفلك ،تلك التي تطورت في قرون
وُج معت بهذه األلمعية على الوجه
الصقيل لألسطرالب البرونزي .ولم يكن هناك أُي
تقديٍر حقيقي للنتائج األخطر - على الكنيسة أو
المجتمع أو اإلنسانيِة
عامًة - لهذا العلم الجديد القادم من الشرق .كانوا ببساطة يكتفون بمحاولة
تحديد أوقات الصالة والقيام ببعض القياسات األولية األخرى ،تمامًا كمستخِد م اآللة
الحاسبة أو
الكمبيوتر الشخصي اليوم يعطي نتائَج دقيقة من دون أن يكون لديه فهٌم
حقيقي للرياضيات.
بعد أن أحال أو كاد بلدَة باث التي تمردت
عليه رمادًا ،عاد ويليام األحمر إلى األسقف جون
في فيلوال سنة 1088الستعادة
النظام وإعادِة بناِء ديِر البلدِة الشهير .وحرصًا منه على شراء والِء
هكذا تابٍع
مقتدر ،باع العاهل الجديد البلدَة لجون بخمسمائة جنيه فضة وسمح له بنقل أبرشيته من
بلدة ويلز غير المحصنة إلى باث اآلمنِة نسبيًا وما تبقى من جدرانها الحجرية .لكَّن
مصلحَة جون
في باث كانت تتخطى االعتبا ارِت السياسية أو العسكرية البسيطة .فقد كانت
البلدة قريبًة من ووستر
وأديرة حوض سيڤرن ،وكانت هذه مراكَز علميًة إنكليزية ناشئة
وَج َد ها جون مغريًة جدًا].[102
وكان رجُل الدين الطموح كذلك حريصًا على
اإلفادة إلى أقصى حد من االضطراب السياسي
العام .فوضع يده على الممتلكات الشاسعة
لدير باث البندكتي وضمها إلى ممتلكاته الخاصة وأطلق
جسور إلعادة البناء
المدني ،فشد زمالءه الفيزيائيين والعلماء الفرنسيين إلى بلدته التي ُبثت
ًا برنامجًا
مركز طبيًا كامًال مع حماٍم ملكي ،حول ينابيع المياه
المعدنية الشهيرة، ًا فيها
الحياُة من جديد ،وبنى
واستعاد على وجه العموم درجًة من المجد الغابر ِلما كان يومًا
منتجعًا مائيًا رومانيًا يعج بالنزالء.
بدأ العمل على بناء كاتدرائيٍة ضخمة
ومدرسة .وبرعاية األسقف المتعلم ،أمست ِو ست كنتري موئًال
لحلقٍة صغيرة من الرهبان
العلماء المطلعين على بعٍض من أحدث األفكار التي كانت قد بدأت للتو
تصل إلى العالم
المسيحي من العالم العربي.
مدير محنكًا ،كان األسقف جون
كريمًا مع معاونيه وعائالتهم .واهتم اهتمامًا قويًا ًا وباعتباره
آلديالرد الناشئ ،الذي كان
مركُز عائلته يؤهله لالطالع على آخر االتجاهاِت الفكرية اآلتية من
فرنسا وتقنياِت
البناء المعقدة التي كان المعماريون والبناؤون يستخدمونها لبناء الكاتدرائية
الكبرى
وغيِرها من المنشآت التي راحت ُتبنى بتوجيٍه من جون .كذلك قَّد م األسقف
آلديالرد التعليَم األولي
في الدير البندكتي ثم أَّم ن له تعليَم ه العالي في الخارج].[103
كان آديالرد وال شك عند حسن ظن األسقف جون
،فأكب على دراساته بفرنسا بالرغم من ِع َظ م
شكوكه في جدارة "المعاصرين"
.وفي تور ،يخبرنا آديالرد في الثابت والمتغير أَّن أوَل ما تعلمه كان
الكوكباِت النجمية من الحكيم الشهير .وقادته التجربُة بسرعة إلى مكاٍن هادئ خارج
تخوم المدينة،
حيث كان يستطيع تنشَق عبير الزهور واإلنصاَت بصمت إلى اإليقاع
الرتيب لجريان نهر اللوار
مجاز لغويًا مألوفًا
ًا والتفكَر في عظمة ما تعلمه للتو .وكانت تراوده هنالك
رؤيا غامضة - كان هذا
للقراء في زمانه ،عرفوه من
قراءتهم عمَل بوثيوس الرائج سلوى الفلسفة [De
Consolatione
- ]Philosophiaeدفعته إلى اتخاذ مسيرته الفكرية
التي اتخذها]
.[104كانت امرأتان تقفان
أمامه وتتنافسان على قلبه وروحه - إحداهما الثروة والشهرة
والسلطة؛ والثانية معلمُة الفنون العقلية
السبعة - وبالرغم من اإلغواء
الدنيوي ،أعلن آديالرد أنه ينحاز بثبات إلى جانب العلم والمعرفة،
وخرج من حلمه
أكثَر تصميمًا مما كان على إتمام دراسته .يقول" :كنُت كلما ق أرُت درسًا ،تعلق
قلبي
أكثَر إلى الدرس الذي يليه ،كما لو أن الذي قرأته ما كان ليفيَد ني من دون
اآلخر ،متوسًال بهذا
النظام لجم شبابي ومواساة شيبتي"].[105
وقد اتخذ ق ارَره على ما يبدو خالل رحلة
العودة إلى الوطن من ساليرنو ،جنوبي إيطاليا ،وكانت
مركز أوروبيًا مهمًا
للعلم والطب ذهب إليه بحثًا عن المعرفة والفهم .وعلى الطريق ،يجد آديالرد
ًا هذه
نفسه
منغمسًا في مناقشٍة ذاِت شأن مع "فيلسوٍف يونانٍي ما...كان يتقن ،أكثَر من أي
شيٍء آخر،
ًال
وفضًال عن التمييز بين الكمال اإللهي
والتبدل والفساد األرضي ،تبنى أفالطون وشارحوه كذلك
مفهوَم "أَّن هذه الصوَر
أو األفكاَر السرمدية ال توجد إال في الذات اإللهية" ،بمعزٍل تام عن أي
أجساٍم مادية]
.[128وما ندركه نحن كواقع ليس سوى انعكاٍس أو ظل ،ال ُيدَر ك إال من خالل
الحواس .وقد
أراح آباَء الكنيسة وَم ن تبعهم في العصور الوسطى ما أروا أنه دعٌم فلسفي للمعتقد
المسيحي ،لكَّن هذا الفصَل االضطراري بين الخالق والخلق - بين الرب المعبود والكون
الذي
يتحرك خالله كل يوم - صرف المؤمنين عما يحيط بهم بطرائق لم تكن في
الحسبان ،مغذيًا الهوَس
الديني ،ومهيجًا التصو ارِت "اآلِخ ر زمانية"
،وملهمًا حركاٍت تكفيريًة متزمتة .لكَّن هذا كان نتيجًة
طبيعية لحالة االعتقاد
المسيحي في العصور الوسطى ،شأنه شأن النزعة التحفظية العميقة في تلك
العصور ،التي
كانت تعتبر التغييَر عدَو اإلنسان المميت وأَّن كَل إنسان ًا
ذكر أم أنثى له مكاُنه
في
النظام االجتماعي والكوني الصارم .ولّم ا صار يتعذر تجاهُل الواقِع المشاَهد
،ظهر نوٌع من
االزدواجية .فمثًال ،ظلت توضع خرائُط مالحية دقيقٌة جدًا بين يدي
البحارة الحقيقيين الذين كان
يتعين عليهم اإلبحاُر بأمان من مكاٍن إلى آخر ،جنبًا
إلى جنب ،قرونًا ،مع خرائط T-Oالمثالية
غيِر ذاِت الفائدة عمليًا ،التي تشِّك ل فيها القدس
المركَز المادَي والروح لألرض].[129
َي
كثير لإلسالم ،ولم يكن ًا في القرون التي سبقت عصَر الحروب الصليبية
،لم يكِن الغرب يهتم
هنالك من جهٍد حقيقي لتصوير المسلمين
بأنهم أعداء ألداء للمسيحيين ،هذا مؤكد .ولم يكِن
المسلمون ،الذين كان يشار إليهم
عمومًا في الروايات األولى باسم - Saracensأي ،أبناء سارة
زوجة إبراهيم - سوى مصدِر إزعاٍج "بربري" آخر يمكن التغاضي عنه
،وبعون الرب ،هزيمُتهَ .و َر َد
في التاريخ الكنسي للشعب اإلنكليزي لبيدي الجليل
وهو من كالسيكيات القرن الثامن أنه" ،في ذلك
الوقت ضرب طاعوُن المسلمين
المخيُف فرنسا بمذابَح رهيبة؛ لكن لم َيُط ل ِبِه ُم األمُر في ذلك البلد
قبل أن
يلقوا عقاَبهم الذي يستحقونه ِلَش ِّرهم" ،في إشارٍة إلى هزيمة المسلمين في
پواتييه سنة
.[130]732ويصف سرٌد تاريخي لسيرة الفرانكيين يعود إلى 793غا ارِت المسلمين على جنوبي
فرنسا
بأنها إحدى "مصيبتين كبيرتين نزلتا" تلك السنة .أما المصيبة الثانية
فكانت تمرَد
الساكسون]
.[131والالفت في هذين النصين خلُو هما عمومًا من روح العداء الديني الموجه إلى
العدو
المسلم.
حتى مهاجمُة الجيوش العربية رومية ونهُبها
كنيسَة القديس بطرس سنة 846لم يفلحا في توليد
ذلك النوع من هستيريا العداء
للمسلمين الذي بدأ يتشكل في القرن الحادي عشر .حتى ،1010
كانت جيوُش العرب والبربر
المتنازعُة جنوبي إسبانيا تستنصر الحلفاَء المسيحيين على بعضها
البعض]
.[132وتبع ذلك عقُد تحالفاٍت مصلحيٍة مشابهة ،كانت مقدمًة لترتيباٍت سُيعرف بها
الشرق
الالتيني بعد النجاح المبكر للحملة الصليبية األولى .يمكن إلى حد ما إرجاُع التحول
األولي
للمسلمين من مجرد مصيبٍة بسيطة إلى مسألة حياة أو موت للمسيحية إلى قيام
المسلمين بتدمير
كنيسة القيامة سنة .1009بدا هذا العمل ،الذي يذِّك ر ببعض
التوقعات المرتبطة بنهاية العالم ،أنه
يشعل من جديد مخاوَف األلفية التي كانت قد
تبددت بحلول العام 1000ميالدي بسالم ،ويربط
بين المسلمين وبين نهاية العالم في
المخيلة الشعبية المسيحية].[133
لكَّن أحداَث الشرق األدنى لم تكن هي
العوامَل الحاسمة في الصياغة األولى للبروباغندا
المعادية للمسلمين .وكالفصل بين
الفكر والتجربة الذي مّيز عمومًا ذلك العصر ،لم تكن لحقيقة
معتقداِت المسلمين
وحيواِت هم وممارساِت هم صلٌة بالصورة التي ظهرت لهم في الغرب .بل ،كانت
صورُة
المسلمين بوصفهم اآلخَر البغيض تابعًة الحتياجات أوروبا الالهوتية والسياسية
الخاصة في
ذلك الوقت - وهي ظاهرٌة ليست عنا اليوَم بغريبة مع قيام الغرب بشن
"حربه على اإلرهاب"َ .ف َتحَت
قيادِة رجاٍل من أمثال غريغوري السابع
وأوربان الثاني ،غلب على القرن الحادي عشر نشو سلطٍة
ُء
ٍت ٍة
بابوي مركزية على حساب
ممالَك وإما ار مجزأة ومزعَزعة .وكانت لغُة الحرب على المسلمين األداَة
المثاليَة
لتعزيز سيطرة الكنيسة].[134
بالرغم من قدرتها على تعبئة عشرات اآلالف
ِلَتَح ُّم ل مشاق الحرب في البالد البعيدة ،لم تكن
إيديولوجيا الكنيسة بحاٍل من
األحوال هي القوَة الوحيدة التي ُتعرف بها اآل ارُء األولى ألوروبا
العصور الوسطى
في المسلمين والعالم اإلسالمي .فقد كان هناك المال الذي سُيجنى ،كغنائم حرب
للمغامرين المسلحين كالنورمان الذين غزوا صقلية المسلمة أو كأرباٍح تذهب إلى جيوب
تجار بي از
وأمالفي والبندقية الجسورين .وكانت من أهم الطموحات فرُص احتالل األراضي
التي سال لها لعاُب
رجاٍل كأمثال بولدوين ،الذي سيصبح في ما بعد صاحَب الُرها
،وبوموند صاحَب أنطاكية.
كانت آلديالرد طموحاُته الخاصة ،بالطبع
.وبالرغم من تنصله من التقليد الكاتدرائي الفرنسي،
أظهر صاحُب في الثابت
والمتغير نوعًا من الضحالة في العلم ،فلم ُيِش ر إلى علم الهندسة النظري
الذي
هو قلُب الفلك ،وكان َيستخدم في قياساِت ه قصبًة بدائية ،دونما إشارة ال إلى
األسطرالب وال إلى
ابن عمه األبسط الُر بع .كذلك ،كانت معرفُته بالفلسفة والموسيقى
والرياضيات تقليديًة تمامًا ،وتعتمد
اعتمادًا شديدًا على أعمال بوثيوس من القرن
السادس والنصوص األخرى التي كانت سائدًة في
مدارس الكاتدرائيات]
.[135وبتكريسه نفَس ه مرًة أخرى للدراسة بعد الكشف الذاتي الذي حصل له
على ضفاف اللوار
،أعلن أن انص ارَف ه الكل إلى الفلسفة التي يحّبها هو الكفيل الوحيد بإخراجه من
َي
الظلمات إلى النور .بالفعل ،إذ كانت بحوُثه التجريبيُة بجنوبي إيطاليا وصقلية قد
أقنعته بأن عليه
االنعتاق من األسر الفكري ألوروبا العصور الوسطى واستكشاف أسرار الدراسات
العربية [studia
.]Arabum
استودع اإلنكليزُي الشاب تالمذَته مدرسَة
الكاتدرائية بالون ورحل وحيدًا سنة 1109سعيًا وراء
تلك األعاجيب الفكرية ذائعِة
الصيت التي كانت تنتظره في الشرق العربي .يستذكر آديالرد الحقًا
في الثابت
والمتغير حفلَة وداعه ،مخاطبًا ابَن أخيه الذي لم يسِّم ه وملِّم حًا إلى عيوب
الِع لم الفرنسي:
"أتذُك ر ،يا ابَن أخي ،منذ سبع سنوات ،عندما تركتك (ولـّم ا
تزل يافعًا) مع تالمذتي اآلخرين في
الدراسات الفرنسية [ ]Gallica studiaفي الون ،أننا اتفقنا على أننا سنصبح
خبيَر ين متساوَيي
الخبرة :أنا في الدراسات العربية بما لدّي من طاقة ،وأنت
في اآلراء الفرنسية المزعَزعِة القلقة؟"
لغز ،لكَّن الذي ليس بلغز هو أَّن
إرثًا
وظل خُط سيره إليه ًا ]
.[136مضى آديالدر إلى الشرق
قرون. فكريًا ثريًا كان يختمر هناك بالفعل ِم ن
الجزء
الثانيالفجر
الفصل
الثالثبيت الحكمة
لم يكن أبو جعفر المنصور ليجازَف في أمٍر
يتعلق ببناء العاصمة الجديدة إلمبراطوريته ،ألنها
ستكون المدينَة التي ليس لها
نظير .استشار خليفُة المسلمين العباسي الثاني منّج مي القصر
المعتَم دين [سهل بن]
نوبخت وكان مجوس األصل وما شاء هللا وكان يهوديًا من البصرة فأسلم
َي
وغدا
"أوحَد زمانه في علم األحكام"]
.[137نظر االثنان في النجوم وأعلنا أن يوم 30يناير 762
سيكون وال شك أكثَر األيام
ُيمنًا أن يبدأ فيه البناء .ومع ذلك ،لم يطمئن المنصور .فأمر معمارييه
أن يخّط وا
موضَع جدران مدينته المقترحة على األرض؛ وكانت دائرًة كاملة ،اتباعًا لتعاليم
إقليدس
في علم الهندسة الذي كان يحبه الخليفة ،بالرماد أول األمر ثم بَح ب القطن
المنقوِع بزيت الوقود .ثم
ُأضِر م في ذلك النار لَيرى الخليفُة كيف ستكون حدوُد ما
ُس مي المدينَة المدورة ،المركز الهندسي
أخير قلُب الخليفة المنصور وقال" :وِهللا ألبنيَّنها ،ثم
ًا لعاصمة المنصور المستقبلية]
.[138واطمئن
َأسكنها
أياَم حياتي ،ويسكنها ولدي من بعدي ،ثم لَتكونَّن أعمَر مدينٍة في األرض"]
.[139وُس ميت
عاصمُة المنصور ’مدينة السالم‘ وُنقش اسُم ها هذا على المسكوكات العباسية
وسوى ذلك من وثائَق
وكتٍب رسمية احتفاًء بها لكنها ظلت لدى الناس تحمل اسَم
المستوطنة الفارسية القديمة التي ُبنيت
عليها؛ بغداد.
قبل اثنتي عشرَة سنة من بدء العمل في بناء
العاصمة ،تَّم ت للسفاح أخي المنصور اإلطاحُة
بساللة بني أمية ،التي كانت قد وصلت
إلى حكم العالم اإلسالمي بعد ثالثة عقود من وفاة النبي
محمد
سنة .632وفي الثأر الثوري الذي تال ذلك أرسل السفاُح قواِت ه تحت الرايات السوداء ÷
المميزِة لبني العباس لَتعُق ِب َم ن بقي حيًا ِم ن بني أمية .ولم َينُج من هؤالء سوى
األمير عبد الرحمن،
÷
الصالِت العائليَة
المباشرة بين العباسيين وبين النبي
ونادوا "بحاكٍم مقبول" من آل البيت .ومع
االنهيار الحاسم للنظام القديم
على يد العباسيين ،أصبحت الطريُق سالكة لسلسلٍة من الوافدين
الجدد - ال سيما
الفرس ،وكذا الصابئة واليهود وغيرهم - للعب دوٍر متعاظم في الشؤون الفكرية
والسياسية لإلمبراطورية.
وشكلت األقاليُم المنَتَزعة من البيزنطيين
مالذًا جذابًا لليعاقبة السوريين ،والنسطوريين،
ومسيحييَن آخرين ،الذين راحوا في
القرنين السابع والثامن يفرون من األرثوذكسية الدينية التي
فرضتها عليهم
القسطنطينية ويتعاظم بغُض هم للتعاليم القديمة .وفجأًة وجد العلماء المسيحيون
أنفسهم
ار لسبر وتطويِر التعاليِم القديمة تحت حماية المسلمين ،الذين كانوا
عادًة يفرضون جزيًة [ضريبَة
أحر ًا
حماية] على "أهل الكتاب" - اليهود
والنصارى عمومًا وكذا المجوس - الذين اختاروا أال يتحولوا إلى
اإلسالم ولكنهم
ُتركوا وما يعتقدون به .ونمت مراكُز فكريٌة مهمة في أرجاء المنطقة ،من الُرها إلى
مدينة جنديسابور الفارسية ،ومن حّران ،بتركيا اليوم ،إلى مرو المدينِة الواحة
بآسيا الوسطى ،ما منح
العباسيين كتلًة هائلة من المهارات اللغوية المحلية
،والمواهب العلمية ،والمعرفة الثقافية].[141
كذلك أدى الفتُح اإلسالمي وبناُء
اإلمبراطورية إلى استعادة الروابط القديمة بين المراكز
التاريخية للحضارة على
رقعٍة واسعٍة جدًا من األرض .فأوجد هذا بوتقًة نفيسة لصهر التقاليد التي
كانت قد
أجبرتها االنقسامات السياسية على التباعد لقرون :المعرفة الهلنستية التي نشأت
باليونان،
ثم ،في مرحلٍة الحقة ،باإلسكندرية ،من جهة ،والسومرية والفارسية والحكمة
الهندية من جهٍة
أخرى]
.[142فكان المسلمون والنصارى واليهود ،والمجوس والصابئة عبدُة النجوم ووثنيون
ٍت
آخرون من
فئا مختلفة قادرين على تبادل األفكار والتثاقف .وفي األندلس ،ترَّس َخ هذا
التقليُد
الفكري نفُس ه بعمق في عهد عبد الرحمن [بن معاوية] ،األميِر األموي
الناجي ،وَم ن أتى بعده.
وسوف ُيهدي َس َد َنته هناك ،في يوٍم من األيام ،هدايا ال
تقدر بثمن إلى جيش الدارسين الالتين الذين
انطلقوا ،وقد ألهب حماسَتهم مثاُل
آديالرد أوف باث ،الكتشاف الدراسات العربية.
لم تكن نتائُج التوسع العظيم لإلسالم
،ربما ،بعظمة ذلك التالقي بين بعض أعظم التقاليد
الفكرية في العالم ،ولكن َثَبَت
أنها ال تقل عنها إن لم َتُف قها أهمية .من هذه النتائج التحصُل على
تكنولوجيا
الورق الصينية المدهشة ،وكانت عونًا هائًال للمشروع الثقافي الذي كانت مالمُح ه
األولى
قد بدأت تتشكل للتو في البالط العباسي .جاء في األثر العربي أَّن أسيَر حرب
من معركة تاالس
نصر حاسمًا على جيوش
ساللة تانغ للسيطرة على ًا سنة ،751التي َأحرزت فيها الجيوُش المسلمة
َّل
الصين الغربية التوركيةَ ،ج َلَب فَن صناعة الورق إلى مدينة
سمرقند بآسيا الوسطى .فقد ع َم األسيُر
الصين آسريه كيف ينتجون الورق من
الكتان والقنب .القصُة نفُس ها مشكوٌك في صحتها على
ُي
األرجح ،لكَّن سرَد ها العام
النتقال تكنولوجيا الورق من الصين وآسيا الوسطى إلى العرب ال يزال
يترك لدى القارئ
انطباعًا بأنها قصٌة حقيقية.
كانت النتيجة منتوجًا رخيصًا ومرنًا
ومالئمًا لتدوين كل ضروب المعلومات؛ من الجداول
الضريبية إلى قصائد الحب ،ومن
الك ارريس الفلسفية إلى جداول النجوم .وسرعان ما أصبحت
سمرقند المركَز اإلسالم
الرئيس لصناعة الورق .كذلك ازدهر هذا الفن بسوريا وشمال أفريقيا
َي
ومدينة شاطبة [
]Játivaاألندلسية ،التي تخصصت في صناعة الصحائف الورقية الثقيلة اللماعة.
َو َر َد ِذ كُر
أوِل مصنٍع للورق ببغداد سنة ،795وصار ‘سوُق الوراقين’ الحقًا ،الذي يضم مئات
الحوانيت التي تبيع السلَع الورقيَة الفاخرة ،مفخرَة عاصمة العباسيين .في الحقيقة
،كان ورُق بغداد
تقدير عاليًا في المنطقة ،حتى إَّن بعض المصادر البيزنطية
تسمي الورق صحف بغداد ًا يقَد ر
[
،]bagdatixonفي ربٍط مباشر بينه وبين المدينة الواقعة على نهر دجلة].[143
في تلك األثناء ،كانت أوروبا المسيحية ال
تزال تعتمد في طباعة كتبها وخرائطها على جلود
الحيوانات ،التي كانت ُتَم ط وُتكَش ط
وُتجفف ،وكانت تلك مهمًة تتطلب دقًة وجهدًا كبيرين .وكان ِر ُق
البرشمان [
]parchmentالناتُج عنها ثقيًال ،يصعب التعامُل معه وحفُظ ه ،وكانت صناعُته مكلفة.
أما الورق
فلم يكن يعاني من أٍّي من هذه العيوب ،وكانت سرعُة توفيره وسهولُة استخداِم ِه
ونقِله قد
سَّرعت إنتاَج ونشَر المخطوطات في أرجاء اإلمبراطورية العباسية كافة وما
وراءها .وسمح هذا بدوره
محفز الطلَب
على إنتاج المزيد من األعمال والبحوث ًا بالتبادل السريع والفعال لألفكار والمعارف،
والكتابات العلمية المعرفية .كذلك غذت صناعُة
الورق ثقافَة الكتاب العميقة لدى العرب .فلطالما
كانت المعرفُة والثقافة موضَع
تقدير في المجتمع المسلم ،وصارت أسواُق الكتب والمتاجر
المتخصصة سمًة معتادة من
سمات الحياة في المدن اإلسالمية .وازدهرت إلى جانب الكتابة
والبحث والترجمة خدماُت
إنتاج الكتب والتجليد والنسخ .وكان عمُل الخطاطين موضَع تقدير من
الشارين
المدققين ،بينما عمل كثيٌر من أفضل النساخين هم أنفُس هم محررين أو مؤلفين .وكان
إنتاُج
الكتب مكلفًا ،وكانت الطبعاُت النادرة مرغوبًة ومطلوبًة من المثقفين
واألثرياء وذوي الجاه والسلطان
على السواء .وكان استغالُل الندرة لرفع السعر
والتزويُر َخ َط رين معروفين على الُغ فل من الناس،
بينما كان المؤلفون يجدون أنفَس هم
أحيانًا تحت رحمة الُنساخ الذين يصرون على نقدهم مزيدًا من
المال قبل إتماِم َنسِخ
المخطوطات.
وسرعان ما َأنتجت رعايُة النخبِة المؤلفين
وكتبهم مكتباٍت كبرىُ ،فتح بعضها للعامة وفيها
حج ارُت قراءة وأدواُت نسخ .وكان
األمويون قد أنشأوا بدمشق أوَل مكتبٍة عربية ،تضم أعماًال يونانيًة
ونصرانية في
السيمياء والطب وعلوٍم أخرى .كذلك كان السالطنة الفاطميون بمصر من كبار
جامعي
الكتب ورعاِة األكاديميات التي تبنْو ها لنشر معتقداتهم الشيعية .وفي أواخر القرن
العاشر،
كانت لدى العزيز [باهلل] ،خامِس الحكام الفاطميين ،أربعون حجرًة [أو
خزانة] مملوءًة كتبًا ،منها
ثمانية عشر ألف كتاب بما كان ُيعرف بالعلوم القديمة
[الفلسفة والطب واإللهيات وغيرها]].[144
وعندما تأسست مدرسة المستنصرية ببغداد سنة ،1234قيل إن َو ْق َف ها األولَي ضم
ثمانين ألَف
كتاب هبًة من مكتبة الخليفة]
.[145حتى مجموعات الكتب الخاصة كانت ضخمة ،عشرات
آالف المجلدات في أغلب األحيان .وكانت
ُتترك هذه عادًة بوصيٍة خيرية للجوامع أو المراقد أو
المدارس بعد وفاة صاحبها ،حيث
يمكَن االعتناُء بها كما ينبغي ووضُع ها في متناول القراء
المثقفين].[146
وككثيٍر من جوانب الحياة العامة للمسلمين
،دار جانٌب واسع من صناعة الكتاب العربي حول
الجامع .فكانت المحاض ارُت والمناظ ارُت
والمناقشات في طائفٍة واسعة من المسائل الدينية والعلمية
أمر
شائعًا في دور العبادة هذه ،التي كانت أيضًا مراكَز لإلجراءات القضائية. والفلسفية المعاصرة ًا
وحسب ابِن
بطوطة الرحالِة العالمي والكاتب من القرن الرابع عشر ،كان "سوق
الوراقين" بدمشق
قريبًا من الجامع األموي الكبير؛ وكان التجاُر هناك يبيعون
كَل أدوات مهنة الكتابة؛ "الكاغد (الورق
الفاخر) واألقالم والمداد"
،فضًال عن الكتب .لكَّن وّراقي بغداد ُم نعوا من إقامة حوانيتهم داخل
الجدران
الصارمة للمدينة المدورة وأقاموا بدًال من ذلك بجوار حي ارٍق جنوب غربي
المدينة].[147
كان ق ارُر الخليفة المنصور التخل عن دمشق
التي يهيمن عليها العرب وإقامَة عاصمته
َي
ٍت
الجديدة في بالد ما بين النهرين توكيدًا
لتغيي ار أساسية حدثت في قلب العالم اإلسالمي .بالفعل،
ٍة ٍة
كانت الهيكليُة القبلية
للمجتمع العربي التقليدي تتنحى لصالح ثقاف إسالمي جديدة كان فيها الفرُد
وأسرته ،ال العشيرة األوسع ،الالعبين االجتماعيين والسياسيين األساسيين .وقد َف تح
هذا وال شك
الطريَق أمام صعود مدينٍة جديدة ،يتفاعل فيها المواطنون متنوعو األعراق
مع بعضهم بعضًا ،ال
قرابَة بينهم ،وفق قواعَد سلوكيٍة قانونيٍة وشخصيٍة متَف ٍق
عليها]
.[148وستمثل مدينة المنصور
المدورة ،بأسوارها الحلقية المزدوجة ،بدايًة جديدًة ثورية
للعالم اإلسالمي.
اكتمل البناء حوالي سنة ،765وبدا بناء
المدينة على الخطوط اإلقليدية بتوجيٍه من أبرز
منّج مي القصر أنه َيِع د بمستقبٍل
عظيم لها كمركٍز فكرٍي وعلمي .حتى تقنيات بنائها األساسية
أعلنت بدايَة عصٍر جديد
في البناء .فقد تخلى أحد المشرفين على المشروع عن عد الِّلَبن َلِب نًة فلبنة
نظر
للكميات الضخمة الالزمة لبناء السور الحلقي المزدوج للمدينة ،وأمر بدًال من ذلك
عماَله ًا
باستخدام قصبِة قياس لحساب الحجم ومن ثم حساِب دفعاٍت كبيرٍة من الِّلبن
بخطوٍة واحدٍة سهلة.
كان هذا هو أبا حنيفة ،مؤسَس أقدِم المدارس األربع في الفقه
الُس ني].[149
كانِت المدينُة المدورة األصلية تشبه من
جوانَب كثيرة نسخًة موسعة من قلعٍة فارسيٍة تقليدية،
ُبنيت للدفاع القوي أكثر مما
بنيت للراحة أو الرفاهية .في وسطها يقع قصر الخليفة والمسجد الملكي
[الجامع]
ودواوين الحكومة .لم تكن هناك حدائُق أو مسابُح أو مصادُر أخرى للهو العابث .ثم،
أضيف بيُت المال ومنازُل أوالد المنصور .وُأقِط ع كباُر القادة والمساعدون المقربون
والموالون
المخلصون قطائَع قليلة داخل السور الحلقي المزدوج]
.[150يقول المؤرخ أحمد اليعقوبي من
القرن التاسع إنه لم ُيسَتبَق على مقربة إال
"الُق واد الموثوُق بهم في النزول معه وُج َّلُة مواليه وَم ن
يحتاج إليه في
األمر المهم"]
.[151أما َم ن تبقى فقد ُأقطع قطائَع مختارة خارج أسوار المدينة
تحسبًا.
وقد ثبت أَّن توّق ع الخليفة بأَّن مدينته
ستكون مدينًة ليس لها نظير لم يكن تبجحًا فارغًا .فقرُبها
من طرقات تجارة المحيط
الهندي ،وثقافُتها النابضة متعددُة األعراق ،وُبعُد ها اآلِم ن عن األخطار
العسكرية
التقليدية التي كان يمثلها اليونان البيزنطيون ،كُل ذلك ساعد بغداد على أن تظَل
قرونًا من
الدهر أنجَح وأغنى مركٍز للتواصل والتجارة والتبادل الثقافي والعلمي في
العالم]
.[152وقد أسرع
الحرفيون والتجار وغيُرهم من الساعين في شؤون الحياة اليومية إلى تلبية
طلباِت ِع ليِة القوم .ثم
توسعت بغداد على ضفاف دجلة ،وكان طوُل باعها االقتصادي
،وقوُتها العسكرية ،وسلطُتها
اإلمبراطورية مددًا لسرعة نموها وثرائها الفاحش .فكان
الزجاُج السوري واألصبغُة والتوابُل الهندية،
والحريُر وغيُره من فاخر سلع الصين
وفارس ،والذهُب من أفريقيا ،والعبيُد من آسيا الوسطى كُل ذلك
كان يمر بأسواقها
وُيثري تجاَرها.
لم يبَق من بغداد العباسية األولى اليوَم
شيء ،لكَّن كتَب التاريخ والدالئَل األثرية والنماذَج
الباقية من تلك الفترة في
أمكنٍة أخرى قّد مت ما يكفي من اإلشارات إلى طريقة الحياة الباذخة وما
كان أثرياُء
المدينة ومتنفذوها يحيطون أنفَس هم به .ففي تقليٍد ال يزال قائمًا إلى اليوم في
كثيٍر من
أرجاء الشرق األوسط ،كانت المباني عمومًا عصيًة على الوصف من الخارج
،فالمظاهُر الخارجيُة
البسيطة ال تشي بحقيقة الغنى الهاجِع في الداخل .لكَّن
الجد ارَن الخارجية كانت غالبًا ما تغَط ى
بالجص الذي كان يمكن عمُل زخارَف
وتصميماٍت غنيٍة منه ،وتزَين بفساطيَن من القماش الفاخر
وقشر الخشب المستورد أو
برقائق الذهب وتطلى بدرجاٍت غنية من الالزورد السماوي .وكانت
األرضياُت تشَّك ل من
بالط السيراميك أو الرخام ،أو تزَين بالموزاييك .وكانِت األباريُق واألقداح
مصنوعًة من الزجاج ،بينما كانت أواني المطبخ ،على األقل مطبِخ الخليفة ،من الذهب
أو
الفضة].[153
مبهور ،في ما كتب بعد
نحو قرن من وفاة المنصور ،وصفًا للحياة في مدينة ًا يقِّد م اليعقوبي
َّل
السالم التي خ فها الخليفُة
وراءه" :وإنما ابتدأُت بالعراق ألنها وسُط الدنيا ،وسرُة األرض ،وذكرُت
بغداَد ألنها وَس ُط العراق ،والمدينُة العظمى التي ليس لها نظير في مشارق األرض
ومغاربهاَ ،س عًة
.ويمضي في سرده المثير واصفًا بدقة مناقَب
وِك َب ًار وعمارًة ،وكثرَة مياه ،وصحَة هواء[154]"...
أهِلها النبيلَة الجمة فيقول" :فليس
عاِلٌم أعلُم من عاِلمهم ،وال أروى من راويتهم ،وال أجدل ُمن
متكلمهم ،وال أعرُب
من نحويهم ،وال أصُح من قارئهم ،وال أمهُر من متطببهم ،وال أحذُق من مغنيهم،
وال
ألطُف من صانعهم ،وال أكتُب من كاتبهم ،وال أبيُن من منطقيهم ،وال أعبُد من
عابدهم ،وال أورُع
من زاهدهم ،وال أفقُه من حاكمهم ،وال أخطُب من خطيبهم ،وال
أشعُر من شاعرهم "...حتى يأت إلى
َي
متحسر..." :وال أفتُك من ماجنهم"ًا وصف أخالِق بعِض سكاِن العاصمة األقَل
رصانة فيقول
]
.[155وقد شدت في الواقع حكاياُت الشهوة ،والعربدة ،والَس َر ف عمومًا في أوساط ِع لية
القوم في
المدينة اهتماَم طبقة األدباء .فِك تاب الديارات [األديرة]
للشابشتي ،مثًال ،يقود القارئ في رحلٍة إلى
أفضل خمارات بغداد ،وكان كثيٌر منها في
األماكن الدينية المسيحية .وصَّنَف ُك تاٌب آخرون أنماَط
زركشة المالبس ،وأنواَع
األثاث الفاخر ،وأسباَب الترف األخرى الشائعَة بين الموسرين ،فيما ازدهر
شعُر
المجون.
ِم ن مستقره اآلمن خلف األسوار السميكة
والبواباِت الحصينة لمدينته الجديدة على الضفاف
الغربيِة لدجلة ،راح المنصور النشط
يخطط لتحويل ما تحت سلطانه من أمصاٍر متغايرة إلى قوٍة
علميٍة عظمى وضماِن مستقبل
العباسيين بالربط بين دولتهم الجديدة وبين التقاليد الكالسيكية
دور
العظيمة السالفة
.لكن ،كان عليه أوًال االعت ارُف بالقوة والنفوذ المتعاظمين للفرس الذين لعبوا ًا
كبير في نجاح التمرد على األمويين .وتقول إحدى الروايات إَّن الخليفَة كان يفاخر
علنًا بهؤالء
ًا
.كذلك كان تأسيُس
األنصار المتحمسين واصفًا إياهم بأنهم "عماد حكمنا"[
.ترجمة عكسية]][156
الخليفة عاصمَته في قلب األراضي الناطقة بالفارسية ،غيَر بعيد عن
تسيفون عاصمِة الساسانيين
وبابل عاصمِة البابليين ،بدايًة موفقة .كذلك استقدم
الخليفة العناصَر األساسيَة للثقافة اإلمبريالية
المجوسية ،ومن ذلك بروتوكوُلها
المتطور واعتماُد ها الشديد على علم النجوم .هذا االنجذاُب إلى
التنجيم الفارسي
مهٌم على نحٍو خاص ،ألنه كان يوحي بأن العباسيين هم الورثُة الشرعيون للتراث
مقدور]
.[157كما ساعد على ربط علِم النجوم بالفروع ًا الفارسِي العظيم وأَّن صعوَد هم كان ًا
قدر
العلميِة األخرى الناشئة ،وهو تقليٌد وجده
الغرب في ما بعد ال يقاَو م.
وفي األخير ،سعى المنصور لربط انتصا ارِت
الحكمة القديمة ،ال سيما حكمة اليونان ،بإنجازات
الفرِس القدماء .فحسب المنِّظ رين
العباسيين ،كان انتصاُر اإلسكندر على داريوس الثالث وغزُو ه
فارَس في القرن الرابع
ق.م .بمثابة نقٍل شامل للمعرفة الفارسية إلى الغرب ،من حيث إنه شَّك ل نواَة
التطورات اليونانية الالحقة]
.[158وبعد ستمائة سنة ،قال المؤرخ وعالُم االجتماع العربي الكبير
ابُن خلدون ِم ثَل ذلك"
:وأما الفرس فكان شأُن هذه العلوم العقلية عندهم عظيمًا ونطاُقها متسعًا ِلما
كانت عليه دولُتهم من الضخامة واتصاِل الملك .ولقد ُيقال إَّن هذه العلوم إنما وصلت
إلى يوناَن
منهم حين قتل اإلسكندر دا ار [داريوس] وغلب على مملكة الكينية [األخمينية]
فاستولى على كتبهم
وعلومهم"]
.[159وبصرف النظر عن جدارة النهج العباسي ،فقد استمر زمنًا طويال الفتًا.
كان بالُط المنصوِر الحديُث محاطًا تقريبًا
بمراكَز علميٍة قديمة نصرانيٍة وفارسيٍة ووثنية ،ولكن
كان عليه أن يبحَث عن عنصٍر
هام لما يمكن أن يسمى السياسة الفكرية العباسية .فبدعوٍة من
الخليفة ،وصل إلى
بغداد وفٌد من علماء الهند الذين برعوا في دراسة حركات النجوم يحملون معهم
ِع
متونًا
علميًة هندية ،وكانت تلك قفزًة لألمام ل لَم ي الفلك والرياضيات العربَيين .فقد
حذق حكماُء
الهنود حَل المعادالت الجيبية واخترعوا طرائق عبقرية لتوّق ع مواعيد
الكسوف والخسوف .فأمر
الخليفُة بترجمة المادِة الهندية إلى العربية ترجمًة أصولية
،كجزٍء من جهٍد أكثَر تنظيمًا الستيعاب
المعرفة الفارسية والهندية .وسوف يطَّبق هذا
النهج نفُس ه ،مشفوعًا بكثيٍر من البحوث األصيلة،
وبفعاليٍة عظيمة ،على الجديلة
المعرفيِة المهمِة الثالثة للعلوم القديمة ،أعني علوَم اليونان.
كثير أوَل األمر على مسائل ًا وضع األمويون األوائل أساَس البحث العلمي
،لكنهم رّك زوا
الشريعة وممارسة الطب ،وهو حقٌل اعتمدوا
فيه ،كَخ َلِفهم ،اعتمادًا شديدًا على األطباء النصارى من
ِد
سوريا وفارس .أما
الخلفاُء العباسيون فقد تعمدوا توسيَع نطاِق هذه الحدو المعرفية لتتسَع أكثَر
لدراسة الفلسفِة والعلوِم الُم حكمة .يرى المؤرخ العربي صاعد األندلسي ،الذي توفي
سنة ،1070أَّن
الفض في ذلك يعود في جانٍب كبيٍر منه إلى مؤسس بغداد :إذ "ثا ِت
الهم ِم ن غفلتها وهَّبِت
ُم َب َل
ِس
الِفطُن من َنتها فكان أوَل من ُع ني منهم بالعلوم
الخليفُة الثاني أبو جعفر المنصور ...فكان رحمه
هللا تعالى مع براعته في الفقه
وتقدِم ه في علم الفلسفة وخاصًة في علم صناعة النجوم َك ِلفًا بها
وبأهلها"]
.[160ويذكر مؤرٌخ آخر أَّن الخليفَة أمر بعمل ترجماٍت كثيرة من اللغات األجنبية إلى
العربية ،ومنها األعماُل القديمة لكبار العلماء الهنود والفرس واليونان ،وأنه حدد
اتجاَه البحث
المستقبلي[" :وهو أوُل خليفٍة ُترجمت له الكتُب من اللغات
العجمية إلى العربية ،منها :كتاب كليلة
ودمنة وكتاب السندهند ،وُترجمت له كُتُب
أرسطاطاليس ،من المنطقيات وغيِرها ،وُترجم له كتاُب
المجسطي لبطليموس ،وكتاب
األرتماطيقي ،وكتاب إقليدس وسائُر الكتب القديمة من اليونانية،
والرومية
،والفهلوية ،والفارسية ،والسريانية ]،وًأخرجت إلى الناس ،فنظروا فيها ،وتعلقوا إلى
علمها"
].[161
والستيعاب ضخامِة العمِل المطلوب لترجمة
وَنسِخ ودراسِة وخزِن الحجِم الضخم من المتون
الفارسية والسنسكريتية واليونانية
،أنشأ المنصور مكتبًة ملكية على غرار تلك التي كانت لملوك
الفرس العظام .واحتاج
األمُر كذلك إلى حيٍز للعمل والدعم اإلداري والمساعدة المالية لجيش العلماء
الصغير
الذين سيتولون هذه المهام ثم يبنون عليها بطرائق إبداعيٍة أصيلة .كان هذا أصَل ما
بات
عرف ببيت الحكمة؛ التعبيِر المؤسسي اإلمبراطوري الجامع للطموح الفكري
العباسي األول والسياسِة
ُي
الرسمي للدولة .ومع الوقت ،صار بيُت الحكمة يشتمل على
مكتٍب للترجمة ،ومستودٍع للكتب، ِة
وأكاديميٍة من العلماء والمفكرين الوافدين من
أرجاء اإلمبراطورية .لكَّن وظيفَته األولى كانت حفَظ
المعرفة التي ال تقدر بثمن
،ما ظهر أحيانًا بتعبي ارٍت أخرى لدى المؤرخين العرب استخدموها
.وعمل الخب ارُء
لوصف المشروع ،كخزانة
كتِب الحكمة أو ببساطة خزانة الحكمة][162
المنقطعون إلى هذا المعهد اإلمبراطوري كذلك في المرصد الفلكي
للخليفة وشاركوا في ما أمرهم
دور مهمًا في رعاية األعمال األدبية
بإجرائه من تجارَب علمية .ولعب بيُت الحكمة إلى ذلك ًا
العباسية.
وُأجريت أر از كثيرة من بيت المال لبيت
الحكمة ومشروعات اإلغناء الثقافي والفكري المتصلِة
ٌق
به .حتى الدبلوماسية ،وابنُة
عمها الحرب في بعض األحيان ،كانتا تسَّخ ران لدفع عجلة المعرفة
لألمام .فغالبًا ما
كانت الوفود العباسية إلى البالط البيزنطي المنافس َتنقل إليه طلباٍت للحصول
على
نسٍخ من المتون اليونانية النفيسة ،ونجحت في الحصول على أعماٍل ألفالطون وأرسطو
وأُبقراط وجالينوس وإقليدس .وسرعان ما انتشرت بين العرب ،ومن ثم الالتين ،نسخٌة
لتحفة
بطليموس في علم الفلك ،المجسطي ،وقيل إَّن الحصوَل عليها كان أحَد
شروط الصلح بين القوتين
العظميين .يعطي العاِلُم والمترجُم المهم من القرن التاسع
حنين بن إسحق فكرًة عن المدى الذي كان
الحكماء العرب مستعدين للمضي إليه سعيًا
وراء المادة العلمية التي تلزمهم ،ويقول عن مخطوطٍة
طبيٍة مفقودة" :سعيُت أنا
نفسي جهدي طلبًا لهذا الكتاب في بالد الرافدين ،وعموِم سوريا ،وفلسطين،
ومصر ،حتى
وصلت إلى اإلسكندرية ،فلم أجد شيئًا ،إال نصَف ه أو نحَو ذلك ،بدمشق"].[163
لم يكن الخلفاُء وعلماؤهم الرسميون وحدهم
فقط وراء هذه الحملة .فقد بات هذا المسعى سمًة
ملتصقًة بالمجتمع العباسي نفِس ه
وحظي بدعٍم حماسي من النخبة االجتماعية والسياسية ،من ِع لية
األمراء والتجار
والمصرفيين والضباط العسكريين .حتى جواري الخلفاء ُع رف عن بعضهن أنهن كن
يتعاقدن
أحيانًا مع علماء للقيام بترجماٍت تخصصية .وحَّو ل قاطُع طريٍق سابق وصديُق طفولة
للخليفة المأمون ،سابِع الحكام العباسيين ،موهبَته الخاصة في علم النجوم إلى سلطٍة
سياسية وثروٍة
كبيرتين؛ وأنجب في ما بعد ثالثَة أبناء ُع رفوا ببني موسى وقاموا
جميعًا بأبحاٍث أصيلة في علم
الفلك والرياضيات والهندسة ومولوا بسخاء علماَء
ومترجمين آخرين.
وأصبح العلُم وسواه من المساعي الفكرية
وسيلًة أساسيًة للتقدم االجتماعي ،ما أسهم في تحطيم
ما تبقى من الهرمية االجتماعية
التقليدية للعرب]
.[164وعزز كذلك تنافَس العلماء ذوي األصول
المختلفة ،ال سيما العرب والفرس ،على الفوز
بالرعاية ،وهي ظاهرٌة ضمنت استم ارَر العمل العلمي
واألدبي الرفيع قرونًا]
.[165وكان يتقاضى أبرُع المترجمين مبالَغ ضخمة لقاء عملهم - وقد
ُع رف عن أحدهم أنه
كان يتقاضى وزَن المخطوطة التي يترجمها ذهبًا - أو يرتقي إلى منصٍب
رفيع
نظيَر قوِة منج ازِت ه الفكرية .ولوال هذا الدعم المؤسسي ،ما كان للمواهب الفذة
لمختلف العلماء
في فترة الحكم العباسي قط أن تتوحَد في حركٍة فكريٍة جبارة.
وعلى امتداد 150عامًاَ ،ترجم العرب كَل
كتِب العلم والفلسفِة اليونانية .وحلِت العربيُة محل
اليونانية كلغٍة عالمية للبحث
العلمي .وغدا التعليُم العالي أكثَر فأكثَر تنظيمًا في أوائل القرن التاسع،
وكان
في أغلب المدن اإلسالمية الرئيسية جامعٌة من نوٍع ماِ .م ن هذه الجامعات ،مجَّم ع
األزهر
بالقاهرة ،الذي ظل مركَز التدريس ألكثر من ألف عام بال انقطاع .وكان طلبُة
العلم يقطعون
مسافاٍت شاسعة للتتلمذ على أشهر األساتذة المتوزعين في أرجاء
اإلمبراطورية .وكان السفر وما يمر
به المرء فيه من تجارب ويتعرف خالَله إلى طرائق
جديدة في التفكير عامًال مهمًا في تعليم الطالب
في مجتمٍع كان يولي احترامًا
عظيمًا لثقافة المشافهة؛ فكيف لمتعلٍم أن يلقى أقرانه وَيجمَع أفكاَرهم
ويناقشها
إن لم يكن ذلك وجهًا لوجه؟
يروي ياقوت كاتُب السيرة العربي من العصور
الوسطى في معجم األدباء قصَة أحد األدباء
التي وإن كانت حديًة بعض الشيء لم
تكن مجهولًة في أيامهاُ .و لد هذا األديب الرحالة باألندلس
سنة 1147ثم رحل منها
إلى القاهرة ،فمكة ،فالمدينة ،فبغداد؛ ومنها توجه إلى مدن فارس وخراسان
ائر إلى مكة،
قبل أن
يعوَد إلى بغداد؛ ثم إلى حلب ،فدمشق ،فالموصل ،في طريق عودته ز ًا
كبير من
الكتب].[166ًا فالمدينة ،فالقاهرة .وقد استغرقت أسفاُرُه سبَع عشرَة سنة وأثمرت عددًا
وقال مفكٌر مرموٌق آخر إَّن الخطَر األكبر على العلماء ما يتعرضون له من حيٍن آلخر
في الطريق
من "غوائل المنتشرين فيه"]
.[167وهذا بالضبط ما أودى بحياة أبي النصر الفارابي ،أحِد أهم
شارحي أرسطو في العالم
العربي ،الذي قتلته عصابٌة من المجرمين على الطريق في ظاهر دمشق
حوالي سنة .950
ومع ذلك ،فإَّن ثمرَة النشاط الفكري الحديث
كانت قرونًا من البحث المنظم المتواصل والتقدِم
العلمي في الرياضيات والفلسفة وعلم
الفلك والطب والبصريات وغيرها من الفروع المعرفية ،تشكلت
منه كتلٌة معرفية يمكن
بحق تسميُتها العلم العربي .يسمي المسلمون هذا المشروع الفلسفة؛ التي
تعني
بالعربية "الفلسفة الطبيعية" ،وبالمفهوم الكالسيكي [اليوناني] للكلمة
،نظامًا معرفيًا كامًال يشمل
علوَم الطبيعة وما بعد الطبيعة.
وَّلد صعوُد هذا التقليد العلمي والفلسفي
الجديد طلبًا على ترجماٍت أكثَر وأجود من المصادر
اليونانية وغيِر اليونانية؛ ولم
يكِن األمر ،كما كان غالبًا في التقليد الغربي ،أن أدِت الترجماُت إلى
تطور العلم
والفلسفة عند العرب] .[168ففتٌح مفاجئ في الرياضيات أو البصريات ،مثًال ،كان
يعيد العلماَء
العرب إلى األدبيات اليونانية ،إذ يترجمونها وُيعملون فيها النظَر من جديد
،وغالبًا ما
كانوا يصححونها أو يحِّس نونها .وطوال ذلك ،كان ال بد أيضًا من ابتكار
مصطلحاٍت علميٍة جديدة،
وهي مهمٌة برع فيها العرب أيما براعة .فكثيٌر من هذه
الكلمات - كالكحول واإلمبيق والسيمياء وهي
بضعة أمثلة
ال غير من أول سلم الترتيب األبجدي - هي اليوم جزٌء ثابت من القاموس الغربي.
ُيثني عالُم الرياضيات الفارسي [علي بن أحمد] الَنساوي [نسبًة إلى مدينة َنسا
بخراسان] في
مخطوطٍة له في الحساب باللغة العربية من القرن العاشر [الُم قِن ع في
الحساب الهندي] على دقة هذه
اللغة؛ فيذكر في مقدمته أنه كتب كتابه أوَل األمر
بالفارسية لكنه اضطر إلى إعادة كتابته بالعربية
لنقل المعنى نقًال أدق .ولم تستطع
اللغُة السريانية ،التي كانت لغَة العلماء المسيحيين العرب،
كثير من كبار رجال الكنيسة تحوُلًا بالقطع مجا ارَة
العربية في مرونتها ودقِة تعبيراتها .وقد أرعب
أبناء أبرشياتهم عمومًا إلى اللغة العربية في حياتهم اليومية كذلك].[169
كان من أول إنجازات بيت الحكمة ترجمُة عمٍل
بارد ألرسطو في المنطق ،اختير خصيصًا
لتعزيز موقف علماء الدين العباسيين في مجابهة
أتباِع الديانات األخرى المنافسة .فقد كان
المسيحيون المستعربون ،واليهود
،والمانويون الفرس ،بين سكاٍن آخرين لإلمبراطورية اإلسالمية،
ُل
كُلهم بارعين في
المجادلة الدينية ،يمارسونها منذ قرون .طلب العباسيون المؤسسون العوَن في
موضوعات
أرسطو ،وسرعان ما ترسخ مفهوُم الجدل والمناظرة لمواجهة األديان المنافسة .وساعد
هذا بدوره على تماسك الشريعة كقوٍة فكريٍة مركزيٍة في اإلسالم ،وهي خطوٌة تعززت
بإنشاء أولى
المدارس الدينية المخصصِة تحديدًا لتعليم أصول الشريعة وطرائق المنطِق
والبيان إلقرار األحكاِم
الدينية والدفاِع عنها].[170
وتبع ذلك سريعًا ترجماٌت مهمة ،وشروٌح
ثاقبة ،وبحوٌث أصيلة أغنِت العلَم القديم ووضعته في
متناول العاَلم المعاصر
.وسرعان ما أصبحت األفكاُر األرسطية وما يبدو فيها من تنافٍر مع التعاليم
الدينية
القديمة مركزيًة في الفكر اإلسالمي .بخالف نظرائهم المسيحيين في العصور الوسطى
،رأى
المفكرون المسلمون ،أوَل األمر ،في الدافع الديني للبحث عن المعرفة سبيًال
للتقرب إلى هللا .ولم
تظهر التوترات بين متطلبات اإليمان ومتطلبات العقل إال في
مرحلٍة الحقة .ومع دخول العالم
المسيحي في سبات ،ظهر بيُت الحكمة كأوِل ساحِة
ص ارٍع كبرى بين موجباِت العلوِم الحديثة
ومفهوِم اإلله الواحد في العصور الوسطى
،الذي يشترك فيه المسلمون والنصارى واليهود .ففي أعين
كثيٍر من الهوتيي األديان
الثالثة ،بدت أُي رغبٍة من جانب اإلنسان لفهم محيطه بل السيطرِة عليه
تتعارض مع
المفاهيم التقليدية لطالقة القدرة اإللهية .وقد مهد هذا السبيَل إلى نشوء الص ارِع
المصيرِي نفِس ه بأوروبا المسيحية بعد قرون.
حفظ المأمون القرآن الكريم وهو صبي بأمٍر
من والده ،الخليفِة األسطوري هارون الرشيد ،ثم
قرأه كلمًة فكلمة على كبير قراء
البالط [الِك سائي] ،على مسمٍع منه ومرأى .وعندما كان الصبي
ِط
يخ ئ في التالوة ،كما
يخبرنا كاتبو سيرة الخليفة ،كان الشيخ يرفع أرَس ه الُم طرَق فيصحح المأموُن
الخطَأ
على الفور]
.[171يتبوأ حفُظ هكذا نصوٍص طويلٍة ومعقدة مكانًة مرموقة في التعليم
التقليدي .فالُك تاب
المسلمون بكل طبقاتهم ،ال الالهوتيون فحسب ،بل العلماُء والشع ارُء والفالسفُة
أيضًا ،يستحضرون مرًة بعد مرة أعماَلهم األصلية من الذاكرة في المحاضرات العامة
،التي غالبًا ما
كانت ُتلقى في المساجد .وكانت هذه المحاضرات تدون بعناية ،حيث كان
يدونها تلميٌذ المع ،أو
مري مفضل ،أو خطاٌط محترف ليصاد عليها المؤلف قبل
النشر .ثم يقوم ال ساخ بإنتاج إصدا ارٍت
ُن َق ٌد
معتمدٍة بالجملة للبيع في السوق .وقد
ترَّس خ هذا التقليد الشفوي بقوة عند المسلمين بنزول القرآن
الكريم ،الذي كان
المؤمنون يرددونه بصوٍت عاٍل في ما بينهم ولم ُيجمع ويرَتب كليًة إال بعد وفاة
ُل
وبالرغم من ذلك ،توجد ُلَم ٌع متفرقة إلى
التأثير المتعاظم للتعليم اليوناني على العلوم العربية
المتضمنة في زيج السند
هند وفي أعماله األخرى ،ال سيما عمله في الجبر .وال غرابة .فقد حكم
راعي
الخوارزمي ،المأمون ،في فترٍة شهدت بدايَة تحوٍل لمعظم العلماء العرب في العلوم
الُم حكمة
عن التعاليم الهندية والفارسية القديمة إلى التعاليم اليونانية والمصرية
الهلنستية .كان الَم علَم األساس
لهذه الفورة في النشاط العلمي ترجمُة تحفة بطليموس
في الفلك اليوناني الكالسيكي ،الكتاب األهم
واألوحد ،بعد القرآن الكريم ،لدى
العلماء العرب في العصور الوسطى .ولد بطليموس حوالي سنة
100من ميالد المسيح وأمضى
حياَته العملية في اإلسكندرية ،التي كانت آنذاك مركَز التعليم
اليوناني ومقَر أضخم
مكتبٍة في العالم ،قبل بيت الحكمة ببغداد.
هناك أنتج أعماَله القّيمة في الجغرافيا
وعلم النجوم ،بين موضوعاٍت أخرى ،لكن أيًا منها لم
يكن بأهمية الكتاب المعروف لدى
اليونان باسم ،Megale Syntaxisأو "الِس فر الكبير" الذي
ُع رف في ما بعد عالميًا باسمه
العربي المحَّو ر ،المجسطي [ .]Almagestيقدم كتاُب بطليموس
هذا نظريًة متطورًة شاملة لحركة النجوم
الثابتة ،والشمس ،والقمر ،والكواكب الخمسة المرئية -
عطارد ،والزهرة
،والمريخ ،والمشتري ،وزحل - وسيظل سائدًا حتى منتصف القرن السادس عشر.
كان
بطليموس ،بالنظر إلى العلم اليوناني ،مهيمنًا على حقل علم الفلك إلى حد أن أعماَل
أهِّم َم ن
أتى بعده من علماء اختفت عمليًا]
.[204وفي الغرب ،الذي سيتعَّر ف عليه من خالل لقائه غيِر
المتوقع بالِع لم اإلسالمي ،صار
بطليموس أسطورة ،تكاد تكون رمزية ،شخصيًة ُيتوهم أنها من خلفاء
ِك
اإلسكندر األكبر
،ملو مصر البطالمة؛ وكان الفلكُي الشهير يصَّو ر في العصور الوسطى عادًة
وعلى رأسه
تاج.
أما العرب ،فكان المجسطي لهم خارطَة
طريق ال تقدر بثمن للبحث والدراسة ،إلى حد أن كباَر
علماء بيت الحكمة ظلوا عاكفين
على ترجمته وإعادِة ترجمِت ه وتنقيِح ه وشرِح ه مرًة بعد مرة طوال
القرن التاسع وما
بعده .فبرنامج المأمون المبتكر لألرصاد الفلكية ببغداد ودمشق ،على سبيل المثال،
ُص مم الختبار نتائج المجسطي ومقارنتها بنتائجه هو .وقد حلت جداوُل النجوم
التي نتجت عن هذه
التجارب آخَر األمر ،ال سيما زيج السند هند للخوارزمي
،محل تلك القائمة على العلم الهندي .كذلك
كان ما دفع الخليفَة إلى إجراء المسح
الجيوديزي بسهل سنجار الحار المغَبر أسئلة مستخلصة من
قراءٍة متأنية للمجسطي
.أدت نتائُج هذه التجارب وغيِرها في الغالب إلى تحسين البيانات التي أتى
بها
بطليموس؛ الذي كان يؤخذ عليه أنه لم ُيجِر هو نفُس ه ِم ن تجارَب إال القليل نسبيًا
وأنه اعتمد
بدًال من ذلك على أرصاد من سبقوه .ومع ذلك ،لم تكن هناك عالمٌة مباشرة
على أن مثَل هذه
العيوب في عمل األستاذ قد أرعبت أو صدمت العرب أو جعلتهم يشككون
في دقة النظريات العامة
المقَد مة في المجسطي]
.[205فهذا سيأتي الحقًا ،بعد أن نضج علُم العرب ونضجت فلسفُتهم في
عدة قرون.
ربما كان للشؤون السياسية الراهنة آنذاك ما
كان تقريبًا للذائقة الفكرية أو التحليل العلمي ِم ن
أثر في اإلقرار الملكي للتعليم
اليوناني .فقد أشعلت وفاُة والد المأمون ،الرشيد ،سنة 809شرارَة
حرٍب أهلية بين
العباسيين ،ولم يستطع المأمون اإلمساك بزمام األمور إال بعد فترٍة طويلة [14
شهر] من القتال الدامي مع قوات أخيه غير الشقيق األمين .وبعد أن أضنته حرُب
وراثة العرش ًا
وغياُبه الطويل عن العاصمة ،أقام المأمون في المدينة المدورة مصممًا
على اإلمساك بالسلطتين
السياسية والدينية بيديه.
رافق هذا اإلرساَء الصارَم للسلطة نبرٌة
عدوانيٌة جديدة في سياسة الخليفة الخارجية ،التي أعادت
صياغَة المنافسة
الجغراسياسية التقليدية مع اإلمبراطورية البيزنطية المجاورة بعبارات الصراع الديني
الصارمة .حتى هنا ،تقدمت السياسُة الفكريُة للدولة إلى الواجهة :ففي النظرة
العباسية الجديدة ،لم
يكن البيزنطيون األرثوذكس الشرقيون كفرًة فحسب ،بل كانوا
مذنبين بنبذهم التعليَم اليوناني
الكالسيكي بعد قدوم المسيحية .ومّم ا زاد في
االستعالء الديني لإلسالم حقيقُة أَّن المسلمين كانوا من
الفطنة بحيث التفتوا إلى
عبقرية اليونان القديمة .فكانت معارضُة البيزنطيين تعني محاباَة التعليم
اليوناني
،والعكس بالعكس]
.[206وبدا أن المضايقَة البيزنطية المبكرة للنسطوريين والسوريين
وغيرهم من العلماء
المسيحيين ،الذين راح كثيٌر منهم اآلن يلجأون إلى المسلمين ،تؤكد هذه
البروباغندا
الجديدة .كذلك كان المأمون من أنصار القراءة القومية الراديكالية لإلسالم ،وهو
موقٌف
بدا أنه ينسجم بسهولة مع االهتمام المتجدد بالدراسات الفلسفية اليونانية.
وسرعان ما تبَّنى يعقوب بُن إسحق الكندي
،الذي يلقب بفيلسوف العرب تمجيدًا له ،الزمَة
مناهضة البيزنطيين .فافترض ماضيًا
متخيًال كان فيه الرواُد القدماء اليونان والعرب أنسباء .لم تكن
وراثة العرب
األعماَل القديمة إلخوتهم اليونان قبل ظهور المسيحية ثم البناء عليها ،في رأي
الكندي،
سوى تحصيل حاصل .وهي نظرٌة راحت تترسخ أكثر فأكثر في العالم اإلسالمي]
.[207وبعد قرٍن
من ذلك ،ربط الجغرافي المسعودي ربطًا صريحًا بين ظهور المسيحية وانحدار
العلم فقال" :ولم تزل
الحكمُة باقيًة عالية زمَن اليونانيين ،وبرهًة من مملكة
الرومُ ،تعّظ م العلماء وُتشّر ف الحكماء ،وكانت
لهُم اآلراء في الطبيعيات والجسم
والعقل والنفس ،والتعاليِم األربعة [أعني :اإلرتماطيقي ،وهو علم
األعداد ،والجو
مطريقي ،وهو علم المساحة والهندسة ،واألسترونوميا ،وهو علم النجوم ،والموسيقى،
وهو
علم تأليف اللحون] ولم تزل العلوُم قائمَة السوق ،مشرقَة األقطار قويَة المعالم
،شديدَة المقاِو م،
َ
ساميَة البناء ،إلى أن تظاهرت ديانُة النصرانية في الروم ،فعفوا
معالم َالحكمة ،وأزالوا رسَم ها ،ومحوا
ُس ُب َلها ،وطمسوا ما كانِت اليونانيُة قد أبانته
،وغيروا ما كان القدماء منهم قد أوضحوه"].[208
اتجهت سياسة رعاية النشاط العلمي والفلسفي
،والبحث ،واالختراع ،إلى خدمة المصالح
السياسية والدينية والدبلوماسية الحيوية
للدولة العباسية األولى .لكَّن مؤرخًا مجتهدًا لتاريخ العرب
الفكري في العصور
الوسطى لديه تفسيٌر آخر ُيرجع شغَف المأمون بعمل بيت الحكمة إلى حلٍم
غامض .فحسَب
ابِن النديم" ،أَّن المأمون رأى في منامه كأَّن رجًال أبيَض اللون ...أجلَح
الرأس...
جالٌس على سريره .قال المأمون وكأنني بين يديه قد ُم لئُت له هيبة .فقلت
من أنت؟ قال أنا
أرسطاليس ،فسررت به وقلُت أيها الحكيم أسئلك؟ قال َس ل ،قلُت ما
الحسن؟ قال ما َح ُس َن في
العقل .قلُت ثم ماذا؟ قال ما َح ُس َن في الشرع .قلُت ثم
ماذا؟ قال ما َح ُس َن عند الجمهور" وهو رٌد
اعتبره الخليفة دليًال على أن
تعُّلَم العلم واجٌب ديني " ...فكان هذا المنام من أوكد األسباب في
إخراج
الكتب"].[209
الفصل
الرابعرسم خريطة العالم
َتدين إمبراطوريُة المأمون العباسيُة
العظمى بالكثير من حيويتها الهائلة إلى الطاقات الروحية
والفكرية التي تحررت قبل
قرنين في ركٍن ناٍء من أركان شبه الجزيرة العربية .هناك ،في العام ،610
راح تاجٌر
بسيٌط سابق يتلقى وحيًا من هللا في فترات اعتكافه في الجبال المجاورة .وبعد تلقيه
أوَل
وحي ،اضطرب محمد (النب محمد ) ولم
يخبر أول األمر أحدًا ،إال زوجَته خديجة .لكنه ما لبث ÷ ّي
ِذ ِّث
أن ُأِم ر بالمجاهرة بالدعوةَ)
:يا َأُّيَه ا اْل ُم َّد ُر * ُقْم
َف َأْن ْر * َو َر َّبَك َف َك ِّب ْر * َو ِث َياَبَك َف َط ِّه ْر * َو الُّر ْج َز
َف اْه ُجْر [ (...المدثر.[210]]12 :
الداعيُة إلى العدالة االجتماعية ،واألعماِل الصالحة ،وتوحيِد هللا ،بعضًا شدت رسالُة محمد ÷
من
أفراد النخبة بمكة ،كخديجة ،وكانت هي نفُس ها ام أرًة ثرية وصاحبَة تجارة .وترددت
أصداء
الرسالة بين أفراد القبائل العربية األقل شأنًا والفق ارِء من سكان مدينِة
مكة مسقِط رأسه .لكنها أثارت
كذلك غضَب كثيٍر من طبقة التجار النافذين بمكة ،الذين
أثروا من سيطرتهم على طرقات التجارة
النفيسة واحتكاِرهم السياحَة الدينية المربحة
إلى الِم َح ج المسمى الكعبة.
وكان صعوُد هذه القبائل الغنية نفِس ها في
العقود األخيرة قد أزاح إلى حد بعيد النظام القديم
÷
بمكَة وما حولها وحصر النفوَذ
والسلطَة في قبيلة محمد
،بني قريش ،وما أشبهها من قبائل.
وانسجامًا مع التقليد العربي في أن تكوَن مسؤوليُة
القبيلة جماعية ،ضغطت األقليُة الحاكمة بمكة
على كبراء قريش لكف محمد قبل أن
يزعزَع أركاَن النظام االقتصادي واالجتماعي كله .فشددوا
على مدٍة من الزمن تزيد عن عقدين ،تدعو الناس إلى االستقامة واتباِع رضواِن هللا
مولهم محمد ÷
الحق قبل [أن ُيَر ُّد وا إليه] يوم القيامة .أما السَو ر المدنية ،فكانت أطوَل
وأكثَر تفصيًال ،وأقرَب إلى
أن تعكَس شؤوَن الحياة اليومية على وجه العموم .وفيها
كذلك توجيهاٌت محددة لتنظيم الشؤون
متنامي العدد]
.[211في هذه المرحلة بدأ السياسية واالجتماعية واالقتصادية ألتباع محمد ÷
يوَص ف برسول هللا وخاتم النبيين إبراهيم وموسى وعيسى والباقين].[212 محمٌد ÷
÷
تشير كُل الدالئل إلى أن محمدًا
كانت لديه آماٌل عراض في أن يجَد هذا الدين صدًى طيبًا
لدى يهود المدينة ،الذين
قّل شأنهم لكنهم كانوا ال يزالون العبين مهمين في الحياة السياسية
َّك
قد
ف ر ،على أي حال؛ وال شك في أَّن القبائَل ÷
واالقتصادية
للمدينة .وال بد من أن محمدًا
اليهودية النافذة في المدينة قد
أدركت ،أَّن التوحيَد الخالص الذي هو جوهُر رسالته إنما يعزز رسالَة
التوحيد التي
أتى بها إلى اليهود نبُيهم موسى قبل ذلك ،وأنهم سيقِّو مون مرًة أخرى سلوكهم ،الذي
كثير على مر السنين ،ويعودون إلى الجادة].[213
كان قد انحرف ًا
لطالما ازدهر في المخيلة البشرية مفهوُم
الجغرافيا المقدسة ،التي تقاس بالحاجة الروحية أو
تالوة الكتاب المقدس أكثر مما
تقاس بإحداثيات راسِم الخرائط .تتحدد حدوُد هذه الجغرافيا بالتجربة
الدينية
المطَّع مة بفهٍم مشترك للزمان والمكان ،أكثر مما تتحدد بالهيئات الفيزيائية لألرض
أو الحدوِد
السياسيِة المتحركة للمدينة أو الدولة أو البلد .فموق الحج ،أو مسر
حدوث المعجزات أو أِي حدٍث
ُح ُع
ديني آخر ،كُل ذلك يمكن أن يحدَد طبوغرافيا الخريطة
المقدسة .ولعلك ال تجد مكانًا على وجه
حضور فيه
كالشرق األدنى ،مهِد الديانات التوحيدية الرئيسية الثالث.
ًا األرض تبدو هذه الفكرة أكثر
هنا ،تتقاطع الجغرافيا
الدينية والدنيوية في شعيرة الصالة وفي التنافس على المكان المقدس ،في
سعِي
المؤمنين لالنتظام الفيزيائي مع ما هو إلهي.
َيكتسب االتجاُه الدقيُق للصالة عند
المسلمين أهميًة دينيًة وثقافيًة وسياسيًة كبيرة .ونتيجة ذلك،
مضى اإلسالم في ما
مضى أشواطًا بعيدة في تعريف وتحديِد القبلة وتشريِف األماكن المقدسة
المحيطِة
بَم علمها ومنتهاها :البيِت العتيق؛ الرمِز الخالد لقدرة ووجود هللا .كذلك موقُع
مكة ،بالطبع،
ذو أهميٍة حاسمة للحج ،الذي هو فرٌض ديني واجُب األداء على المؤمنين
مرًة واحدة في العمرَ ،م ن
استطاع إليه سبيًال .ومع الوقت ،نما مشروٌع دين وعلم
ضخم حول موضوع مراعاة قدسية
ٌي ٌي
األماكن في اإلسالم عمومًا ،والكعبِة خصوصًا.
يميل كثيٌر من الناس اليوم إلى اعتبار
الدين عدوًا للتقدم العلمي .إّال أّن اإلسالم شجع من
تتطلب
فهمًا من شعائر اإلسالم
وواجباِته التي رسمها النبي ÷ في الوقت نفسه ،كان كثيٌر
متطور نسبيًا للعاَلم الطبيعي .فليس في وسع المؤمنين ببساطة أن يغمضوا
أعينهم "عن مسير ًا
النجوم" بدافع الدين اتباعًا لنصيحة الفيلسوف المسيحي
القديس أوغسطين ،بل ،يتعين عليهم أن
َيعلموا األوقاَت الصحيحة للصلوات اليومية
الخمس ،واتجاَه الكعبة ،ووالدَة هالل شهر الصيام .قال
ابن يونس الفلكي [المصري] من
العصور الوسطى:
"معرفة مواقيت الصالة فرٌض على
المسلمين الممِّي زين .أجَم َل هذا القرآُن ،يا صاِح ،وفَّص له
الحديث ...وال خيَر في
امرٍئ ساٍه عن صالته ،وال َيعرف له ربًا يعبد"].[214
“Knowing the prayer times is a prescribed
duty for discerning Muslims.
This is summarized in the Koran, my friend, and
was explained by [the
Prophet Muhammad]... There is no virtue in a person who
is neglectful of
the prayer times, and he has no knowledge of Him who is to be
”worshipped.
كان المؤمنون األوائل ،المتجمعون في
محلياٍت قليلة بشبه الجزيرة العربية وما حولها ،يحلون
هكذا مشكالٍت في الممارسة
الدينية بسهولٍة نسبية .وكانت تكفي على وجه العموم طرائق الفلك
الشعبي اإلسالمي؛
التي كانت تقوم على اإلشارات البصرية وتفتقر إلى األساس النظري في علم
الفلك
.وكانت تلك هي الحال خاصًة في ضبط أوقات الصلوات اليومية المفروضة ،التي غالبًا ما
كانت تحَد د بتغير ظل عموٍد خاص ،يدعى عقرب الِم زولة الشمسية [
،]gnomonيغرس في
األرض أو يقام داخل مزولٍة شمسية [رخامة .]sundialيعود تعريُف أوقات
الصالة في الوقت
الراهن إلى القرن الثامن ،حيث يتعين أداُء كٍّل منها خالل فترٍة
معينة تحددها عالماٌت فلكيةُ .تعَر ف
مواقيت الصلوات النهارية بطول الظالل ،بينما
ربط مواقي الصلوات الليلية بأحداٍث نجمية ممكنِة
ُت ُت
الرصد .تسمى أول صالة صالة
المغرب ،البداية التقليدية لليوم عند المسلمين ،وينبغي أداؤها قبل
حلول الظالم
.بينما تؤَد ى الصالة الثانية بعد هبوط الظالم ،أما الصالة الثالثة فتؤَد ى قبيل طلوع
الشمس .تبدأ الصالة الرابعة ،وتعرف في الغرب بصالة الظهر ،عمليًا مع بداية أفول
الشمس عن
خط الزوال الذي يقع في منتصف السماء مباشرًة .كذلك الصالة األخيرة ،صالة
العصرُ ،تعرف
بتقدم الظل ويتعين أداؤها قبل غروب الشمس ،وينتهي بذلك يوم ويبدأ يوم].[215
أدرك العلماء المسلمون األوائل على الفور
أهميَة تأسيس بحثهم على اإليمان ،وكرس كثيٌر
منهم المقاطَع االفتتاحيَة لرسائلهم
العلمية وتعليقاتهم وغيِر ذلك من أعماٍل تقنيٍة صرفة للتوكيد على
أهمية علمهم
للشؤون اليومية للمؤمنين .وربما َتَر َك هم هذا التركيُز نفُس ه على المسائل العملية
عرضًة
في بعض األحيان لرد فعٍل عنيف من المتحفظين .وما إن كانت ُتَح ل هكذا مسائل
وتلبي حاجة
المؤمنين ،حتى ُيضطر الِع لم اإلسالمي إلى إيجاد مبر ارٍت جديدة للقيام
بمزيٍد من الدراسة].[216
لكن حتى تلك المرحلة ،كان اإليمان والعقل ال يزاالن متنافَر ين.
من أنحاء
العالم المعروف في السنوات التي تلت وفاَة محمد ÷ بدأ انتشاُر اإلسالم في كثيٍر
يجعل التحديَد الدقيق للوقت والتاريخ واالتجاه بعيدًا عن متناول الفلك الشعبي
البدائي .وبحلول
بحر بمحاذاة ساحل الصين
،والتاجُر العربي في أقاصي العصر العباسي ،كان المسلُم المسافر ًا
األندلس ،والمؤمُن المتعبد في أقاصي آسيا الوسطى؛ كُل
أولئك يحتاجون إلى معلوماٍت بات يصعب
توصيُلها إليهم من جهٍة مرجعيٍة مركزيٍة
بعيدة .وكرغبة المسلمين في توحيد أداء واجباتهم الدينية
على امتداد الرقعة
الجغرافية الواسعة للعالم اإلسالمي تجد التماَس اإلمبراطور قسطنطين قبل أربعة
قرون ،من دون جدوى ،جمَع كلمة العالم المسيحي كله على تاريٍخ واحد معترٍف بهم
لالحتفاء
بالفصح .كذلك أتى منسجمًا تمامًا مع الخميرة الفكرية التي أنتجتها
سياساُت البالط العباسي .ففي
رعاية الخلفاء األوائل ،ظلت احتياجاُت الدين وضرو ارُت
العلم تتفاعل بحرية خالل مئات السنين
بطرائق ما كانت أوروبا العصور الوسطى
لتتصورها .كذلك فتح الخلفاُء آفاقًا واسعة للعمل المبكر
على المبادئ العلمية
األساسية ما أدى ،بين ما أدى إليه من ثماٍر ال تقدر بثمن ،إلى فتوحاٍت في
الجغرافيا ،وآالِت القياس ،والبصريات ،والمالحة.
في البداية ،كان المؤذن ُيختار لشخصيته
الفاضلة وقوِة صوته الذي سيدعو به المؤمنين إلى
الصالة من أعلى المنارة .ومع
الوقت ،أضيفت معرفُة السماء إلى قائمة الشروط .يقول الكاتب
المصري ابن األخَّو ة
[القرشي] في هذا الشأن" :وال يؤِّذ ن في المنارة إال عدٌل ثقٌة أميٌن عارٌف
بأوقات
الصلوات ...وينبغي للمؤذن َأن يكوَن عارفًا بمنازل القمر وشكل كواِك ب
المنازل ليعلَم أوقاَت الليل
ومضي ساعاته وهي ثمانيٌة وعشروَن منزلة"]
.[217وفي المناطق الحضرية ،حل مؤِّقت المسجد،
وهو نوٌع من فلكي ديني ،تدريجيًا محل
األعراف الشعبية األقدم .وكان أمثاُل هؤالء العلماء
المحترفين يضبطون أوقاَت
الصالِة المحلية ،لكنهم بنوا كذلك آالٍت فلكية ،ووضعوا رسائَل في الفلك
الكروي
،واشتغلوا بالتدريس .وكان من عملهم وضُع ونشُر تقاويَم دقيقة [
- ]almanacsمن
العربية "المناخ" - تعطي أوقاَت الصالة في كل يوم من أيام السنة
في األمصار البعيدة كالصين
مركز رئيسًا لهكذا نشاط ،نحُو
ًا والمغرب .وكان يوجد بالقاهرة في العصور الوسطى ،وكانت
آنذاك
مائتي صفحة إلعطاء الوقِت من الشمس وغيِرها
من المؤشرات السماوية.
لعل التفاعَل بين اإليمان والعلم لم يكن في
شيء أهَم مما كان في مسألة القبلة ،التي ُتلحظ في
الترتيبات الدقيقة في المساجد
كافة لتوجيه المؤمن إلى الكعبة .كان المسلمون األوائل في آسيا
عندما كان الوسطى واألندلس
يتوجهون في صالتهم ببساطة إلى الجنوب ،مؤتّم ين بالنبي محمد ÷
في المدينة ،التي تبعد 270ميًال إلى الشمال من مكَة والكعبة .ومع تطور
فهم العرب للكون من
حولهم ،راحوا بطبيعة الحال َينُش دون دقًة أكبر في مراعاة
األماكن اإلسالمية المقدسة في عباداتهم.
يقول زين الدين الدمياطي الفقيه المسلم من
القرن الثاني عشر" :القبلة لسكان المعمورة كالمركز
للدائرة .فكل األقاليم
تتجه إلى الكعبة ،وتحيط بها إحاطَة الدائرة بمركزها ،وكُل إقليٍم منها يقابل ركنًا
من أركان الكعبة" [ترجمة عكسية]] [218لكن
،أين كانت الكعبة بالضبط؟
اعتمدت إحدى الطرائق تحديد القبلة على نظم
تحديد االتجاه بالرياح األربع عند عرب ما قبل
اإلسالم؛ ولعل كلمَة ِقبلة نفَس ها
مشتقٌة من القبول االسِم العربي التقليدي للرياح الشرقية
السائدة] [219بينما
اعتمدت الطرائق األخرى على مواضِع نجوٍم بارزة ،أو اتجاِه مطلع الشمس
في الشتاء
،أو غيِر ذلك من الظواهر التي يسهل رصُد ها .وثمة مخططاٌت أخرى شائعة عَّر فت
األركاَن األربعة للكعبة بأسماء أقاليم الشركاء التجاريين التقليديين األربع لمكة
:الشام ،والعراق،
واليمن ،و"الغرب" .وهكذا ،كانت الجغرافيا المقدسة تكمل
بسهولة النظَم العمليَة القائمة التي كانت
القوافُل الصحراوية والسفُن التجارية
العربية التي تمخر المحيطات تستخدمها منذ قرون في سيرها
على طرقات التجارة
التقليدية .ومع الوقت ،ازدادت دقُة التمييز بربط مناط جغرافيٍة أضيق بسماٍت
َق
معمارية معينة للكعبة ،كالميزاب أو الباب]
.[220تصف مخطوطٌة يمنية من القرن الثالث عشر،
عنواُنها المنمق "تحفة الراغب وُترفة
الطالب في تيسير النيرين [الشمس والقمر] وحركاِت الكواكب"،
منظومًة من اثنتي
عشرة منطقًة جغرافية مركزها الكعبة .وفي نسٍخ أخرى من اثنتين وسبعين
منطقة].[221
القت هكذا نظٌم غيُر رسمية استحسانًا لدى
الفقهاء المسلمين ،الذين أقروا عمومًا بموافقتها
شروَط اإليمان .لكن ،ظل االلتباُس
والخالُف حول االتجاه الصحيح للقبلة قائمًا أحيانًا .ففي إحدى
األمصار النائية
،مثًال ،واجهت المؤمنين المرتبكين أربعة خيا ارٍت مختلفة :أرٌي يؤيد جهة الغرب
القبلة من
مدينٍة بأفغانستان [رسالة في معرفة سمت الِقبلة]]
.[225وكان كتاب تحديد نهايات
األماكن األوَل في التاريخ في ميدان التحديد الدقيق
لألماكن الجغرافية بتقنيات المثلثات الكروية .وقد
ُص ِم م نهُج ه الدقيُق المضبوط
ليحَل محل الطريقة الصعبة األقَل موثوقيًة التي كانت شائعَة
االستخدام آنذاك
لتحديد الفوارق في خطوط الطول :أي طريقة رصد خسوف القمر من نقطتين
مختلفتين بآٍن
واحد .وقد قيل إَّن انقطاَع البيروني للعلم كان تامًا حتى "ال يكاد يفارق يَد ه
القلم وعيَنه
النظر وقلَبه الفكر إال في يومي النيروز والمهرجان من السنة
[مناسبتان خاصتان بالفرس]"
]
.[226وبالرغم من احتواء عمله على بعض األخطاء البسيطة ،فقد ظل مهيمنًا عمليًا حتى
القرن
التاسع عشر بل العشرين]
.[227وألمثال الخوارزمي والبيروني وزمالئهما الميالين إلى
التجربة ،كان االتساُع الهائل
لإلمبراطورية العربية كذلك قوًة دافعة لصناعتي رسم الخرائط والمالحة،
وقاد إلى
تطوير اآلالت العلمية المحمولة كاألسطرالب ،وأفسح في المجال إلحداث تطو ارٍت كبيرة
في كثيٍر من الفروع المعرفية التي ستصبح في ما بعد أساسيًة للعلم الغربي.
لم يكن علُم الفلك وما اتصل به من فروٍع
معرفية هما المستفيدين الوحيدين من فورة الحماسة
للتعلم في اإلسالم .بل إَّن
السحَر والتجربَة والعلم كلها أتت في صورة الكيميا ،حجِر الزاوية في
الكيمياء المعاصرة .وأدى الخالُف حول المشروعية الدينية لتصوير اإلنسان والحيوان
في الفن إلى
االستخدام الكثيف للتزيينات الدقيقة المنمطة للمنشآت العامة ،وأعماِل
السيراميك ،واألقمشِة التي
َتَبَّد ى فيها فهُم المسلمين المتطور جدًا لعلم
الهندسة .وقد أظهرت دراسٌة رياضية سنَة 2007أن
معماريي العصور الوسطى المسلمين
استنبطوا نماذَج فسيفسائية معقدة من أربعة أشكال مختلفة
فحسب من البالطات يمكن أن
تشكَل نظريًا عددًا النهائيًا من النماذج الفريدة التي ال تجد واحدًة
منها تشبه
األخرى .من أمثلة ذلك نماذُج تبليٍط هندسية في مرقٍد إسالمي من القرن الخامس عشر
بمدينة أصفهان بإيران لم يستطع الغرب فهَم الرياضيات التي تقوم عليها إال بعد
خمسمائة
سنة].[228
في هذه األثناء ،شجع الحض على التداوي في
اإلسالم على تحصيل مكتسباٍت هائلة في
الطب وإقامِة مستشفياٍت متقدمة [بيمارستانات
(جمع بيمارستان)] ،كاملة بمبتك ارٍت من قبيل األجنحة
التخصصية ،والجوالِت المنتظمة
لألطباء ،والرعايِة الصحية المجانية للمرضى المعوزين ،والمعاملِة
اإلنسانية
للمجانين .ومضى العرب ،مستندين في عملهم إلى العلم اليوناني الذي وصل إليهم أول
األمر من طريق المسيحيين النسطوريين الفارين من االضطهاد الديني البيزنطي ،إلى
تطوير أدويٍة
جديدة وطرائق جديدة لتحضير المكونات الفعالة لهذه األدوية .وأتوا
باكتشافاٍت مهمة في ميدان
البصر والبصريات وقطعوا أشواطًا متقدمة في الجراحة
.واختار المختصون [أبو بكر الرازي] إقامَة
بيمارستان بغداد الرئيس [بيمارستان
المعتضد] في موقٍع أظهرت االختبارات أَّن فساَد اللحم النيء
فيه كان أبطأ ما يكون
،كاشفين عن إد ارٍك مبكٍر ومتناٍم للجراثيم والطرائق األخرى النتشار
األمراض.
وأقيمت مدارُس طبيٌة كبرى بدمشق وبغداد
وقرطبة والقاهرة .وظل كتاُب القانون في الطب
للطبيب والفيلسوف الفارسي ابن
سينا المرجَع األساَس في الطب لدى الغرب ألكثر من خمسمائة
سنة ،بينما كانت مدرسة
ساليرنو الطبية ،بجنوبي إيطاليا ،الممَر الرئيس لنقل العلوم الطبية
اإلسالمية إلى
أوروبا الغربية .وقد زار آديالرد أوف باث ساليرنو في جولته الكبرى ،لكن ال يوجد ما
يثبت أنه تعمق قط في فنون المداواة .وبخالف الغرب المسيحي في العصور الوسطى ،الذي
مال
إلى اعتبار العلِة والمرض عقابًا إلهيًا ،بحث األطباء العرب عن اختالالت
الموازين الصحية أو غيِر
ذلك من األسباب البدنية التي يمكن عالُج ها واعتبروا
بحَثهم هذا جزءًا من رسالتهم الدينية.
كذلك يولي اإلسالم أولويًة للنظافة
الشخصية ،وهي حقيقٌة تؤكدها شعيرُة الوضوء من غسٍل
لليدين والوجه والقدمين قبل كل
صالة من الصلوات اليومية الخمس .وقد احتوت مساجُد ومباٍن
عامٌة أخرى كثيرٌة من
العصور الوسطى على نظٍم معقدة لإلمداد بالمياه ،وهو ميداٌن برع فيه
المهندسون
العرب األوائل .ومن اختراعاتهم األصيلة آلياُت تغذيٍة عكسية متطورة وأدواُت تحكٍم
آلي
لضبط اآلالت من دون تدخٍل بشري .ومن األشياء األخرى التي طوروها مضخٌة
بأسطوانتين وسفٍط
مضبوط ،والعموُد المرفقي (ذراع الكَر نك) ،لنقل الطاقة بشكٍل
فعال .ولم يبدأ هذا األخير بالظهور في
اآلالت األوروبية حتى القرن الرابع عشر]
.[229في رسالٍة له تعود إلى ،1206يتحدث ابن
الرزاز الَج َز ري ،أعظُم مهندسي العصور
الوسطى ،عن ساعاٍت زمانية بالماء والشمع ،وأواٍن لتوزيع
الشراب [آليًا] ،وفوا ارٍت
معقدة ،وآالِت َز مٍر دائم - أشهُرها آلُة طبول مبرمجة تتألف من أربعة
شخوص في
زورق - وكذا ُنظٍم متقدمة لرفع الماء من اآلبار والصهاريج ،وما شابه .وكانت
أوصاُفه من الدقة بحيث أمكن استخداُم ها في العصور الحديثة إلحياء بعٍض من آالته
الفريدة].[230
÷
وكخليفٍة رمزي للنبي
،كان المأموُن مسؤوًال - على األقل نظريًا - عن الصالح الديني
لمجتمع
المؤمنين الواسع في إمبراطوريته .وكان في الوقت نفِس ه أرَس هذه اإلمبراطورية
الضخمة،
بكل تعقيداتها السياسيِة واالقتصاديِة والعسكريِة واإلداريِة المصاحبِة
لها .لجأ الخليفة إلى علماء بيت
الحكمة طلبًا للعون على شؤون الدين والدنيا .وِلما
يتمتع به من طبٍع فضولي وما نشأ عليه من حب
للعلم ،طلب من هؤالء الخبراء تحديَد
المكان الدقيق لبغداد ومكة لمعرفة الِقبلة الشرعية الصحيحة.
وسوف تساعد هكذا
معلوماٌت كذلك الُح جاج ،الذين كانت تهمهم معرفُة المسافة بين بغداد ومكة،
على
معرفتها وتحديِد أقصر الطرقات المؤدية إلى الكعبة ،وكذلك على الرصد الصحيح للتقويم
القمري الشريف .وكان هذا التقويم صعبًا جدًا .تتحدد بدايُة الشهر القمري في التقليد
الديني بأول
عالمٍة على والدة هالل الشهر ،ما يتطلب من الفلكي معرفَة الفلك القمري
والمنازل المقابلة للشمس
واألرض لَتَو ُّق ع "رؤية الهالل" .وكأي عاهٍل
يحترم نفَس ه ،أراد الخليفة العباسي أيضًا صورًة دقيقة
لطول وعرض العاَلم الذي
يحكمه.
عند فلكيي وعلماء بيت الحكمة اآلخرين ،كان
كُل ذلك يؤول إلى حل مسائَل أساسية في
الهندسة الكروية .وكانوا قد حِذ قوا
،باالستعانة بالقدماء ،نظاَم تحديد اإلحداثيات الجغرافية؛ أي،
استخدام دوائر الطول
والعرض التخيلية التي تطوق األرض إلعطاء كل نقطٍة منها موقعًا فريدًا
يمكن تحديُد ه
بهذه الدوائر .وبخالف مسيحية العصور الوسطى ،لم يعارض اإلسالم المفهوَم القديَم
لألرض ككرة؛ فقد طبق العلماُء العرب بسهولة رياضياِت الكرة على مسائل الجغرافيا من
البداية.
وكان هؤالء العلماء قد تعلموا من بطليموس ،صاحِب كتاب المجسطي
وكتاِب جغرافيا الذي يكاد
َيعدله أهمية ،مسألَة اإلسقاط أو الَبسط [ ،]projectionأي تمثيل السطح المكَّو ر لألرض على
خريطٍة مستوية .وكان المسح
الجيوديزي الذي أمر بإجرائه المأمون في برية سنجار الصحراوية قد
أعطى طوَل الدرجة
الواحدة من محيط األرض بوحدات قياس عربية [فكان 56ميًال ،والميل العربي
4000ذراع ،والذراع (التي وضعها المأمون) 120إصبعًا؛ حسب المسعودي في المروج]
،بينما
َق ّد مت تصحيحاُت المسلمين لجداول بطليموس ،التي تحدد إحداثياِت ثمانية آالف
مدينة ومكان ،وما
أضافوا إليه ،بياناٍت جديدة أكثَر دقًة ،للفلكيين والجغرافيين
على السواء.
كانت المعلوماُت والتقنيات التي طورها
خب ارُء المأمون وأمثاُلهم - وكان األمُر عندهم في
األساس مسألَة علم هندسة
ومثلثات ُط بقت على كرة األرض - تستطيع تحديَد الِقبلة بدقٍة ملفتة من
خط
الطول المحلي للدائرة الكبرى لكرة األرض .كانت الجغرافيا ُتعِّر ف الِقبلَة بأنها
الخُط المستقيم
"الذي يتبادر إلى الذهن بداهًة" أنه يصل المؤمَن بمكة
،لكَّن رياضيي وفلكيي بيت الحكمة َع ِلموا أن
الشكَل الكروي لألرض يعني أن الِقبلَة
الفعلية كانت في الحقيقة خطًا مائًال بزاويٍة محددة من نقطة
الصالة ال تزال تعرف
إلى اليوم باسم ،azimuthمن العربية الَس مت .وصار الفرق بين هاتين
المقاربتين
للقبلة أكثَر وضوحًا بازدياد البعد عن مكة ،ولقد كان مقياسًا لتأثير علماء الفلك
الرياضي
أن أصبحت مقاربُتهم هم لمسألة القبلة موضَع إجماع لدى المؤمنين .ويقع هكذا
نظام لقياس الدائرة
.كما يشكل أساَس
الكبرى اليوم في أساس الحسابات الجغرافية المعاصرة للمسافة
واالتجاه][231
أعظِم إنجا ازِت المأمون العلمية ،أال وهي وض خريطة العالم ،مع
وصٍف لسكان وأمكنِة وعجائِب
ُع
األرض ،وجدوٍل مجَد د باإلحداثيات الجغرافية إلسناد
البحوث القادمة.
لم تكن مثل هذه المجهودات مجهولًة في
العالم اإلسالمي األول .يخبرنا المسعودي أنه قبل
مائتي عام من حكم المأمون ،سعت
السلطاُت المسلمة األولى لالستعالم عن مملكة اإلسالم
حين
فتح هللا البالَد على المسلمين من العراق L المتسعةَ" .ذ َك َر ذوو
الدراية أّن عمَر بَن الخطاب
والشام ومصر ،وغيِر ذلك من األرض كتب إلى
حكيٍم من حكماء العصر’ :أّنا أناٌس ُع رب ،وقد
فتح هللا علينا البالد ،ونريد أن
نتبوأ األرض ،ونسكَن البالَد واألمصار ،فصف لي المدَن وأهويَتها
ومساكَنها ،وما
تؤِّث ُره التربُة واألهويُة في سكانها‘" .وحسب المسعودي ،فقد رد الحكيم بذكر
أوصاف
الشام ومصر والعراق وأجزاء من فارس لكنه آثر أال يقوَل شيئًا عن الهند أو
الصين أو الغرب" .وأما
الهند والصين وبالد الروم فال حاجَة بي إلى وصفها لك
،ألنها منازُل شاسعة ،وبلداٌن نائية ،كافرٌة
طاغية"].[232
وكان في وسع المأمون وبحاثيه كذلك
االعتماُد على بعض األعمال التقنية الماهرة ،ومن ذلك
الخرائُط والمسوح العسكرية القديمة
والسجالُت التفصيلية لنظام طرقات البريد المتطور في
اإلمبراطورية اإلسالمية ،بما
يحتوي عليه من سجالِت طرقات ،ومسافات ،وأزمنِة قطعها .وقد ُع ثر
على شاخصاٍت حجرية
تبين المسافَة من بغداد حتى فلسطين وجورجيا ،بالقوقاس]
.[233وكان
شهير لهكذا
ًا صاحُب البريد ومسؤوُل االستخبار بشمال غربي فارس قد عمل في ما بعُد مسحًا
بيانات في كتاب المسالك والممالك .وكان التجاُر والبحارُة
والجواسيُس ومصالُح البريد المنتشرُة في
أرجاء اإلمبراطورية يشكلون مصادَر
معلوماٍت مثاليًة للخلفاء وإدارييهم في العاصمة العباسية .كذلك
يتضمن كتاب المسالك
والممالك وصفًا ألهم الطرقات البحرية المؤدية إلى فارس والبحرين وعمان
أخير إلى ميناء كانتون واليمن
وما وراء ذلك وصوًال إلى كمبوديا وشبه جزيرة الماليو و ًا
بالصين]
.[234ثم أتت كتٌب أخرى على هذا المنوال أضافت ثروًة من البيانات االقتصادية
المفيدة
للتجارة وجمع المكوس وما شابه من مسائل في إدارة اإلمبراطورية.
بل إَّن المأمون كان لديه طموٌح أكبُر
بكثير لخريطة العالم وما فيها من وصف للجغرافيا
البشرية ،فجمع لصنعها فريقًا من
عشرات العلماء .يقول المسعودي عن نطاق هذا المشروع[" :وفي
الصورة المأمونية
التي ُع ملت للمأمون اجتمع على صنعتها ِع دٌة من حكماء أهل عصره] ُص ِّو ر فيها
العاَلُم بأفالكه ونجوِم ه وبِّره وبحِره وعامِره وغامِره ومساكِن األمم والمدن
وغير ِذلك[ ،وهي أحسُن مما
تقَّد مها من جغرافيا أبطلميوس وجغرافيا مارينوس
وغيِرهما]"]
.[235وفي روايٍة أحدث ،يقول أبو
عبد هللا الزهري ،إنه إلى جانب السمات الجغرافية
البارزة لألرض ،أدرج جغرافيو الخليفة ببغداد أوائل
القرن التاسع "مكاَن
أعاجيبها وما في كل جزء من األعاجيب المشهورة والمباني الموصوفِة بالِقَد م في
أقطارها"]
.[236ومن هذه "األعاجيب المشهورة" وصٌف جغراف دقيق لسور الصين العظيم.
ٌي
ِح
إضافة إلى هذه التحف والُط َر ف ،جاء في
خريطة المأمون ومس ه وصُف 530مدينًة وبلدًة
نهر ،و
200جبل ،ومقداِرها وما فيها من المعادن والجواهر .وقد مهمة ،وخمسِة أبحر ،وً 290ا
توزعت هذه السمات بين ما م ،climataالتقسيم اليوناني التقليدي للعالم المعروف إلى أحزمٍة
ُس َي
[[
]zonesأو أقاليَم ] متوازيٍة ومتساوية تمتد من خط االستواء وإلى الشمال .وكان هذا النظام
قد
وصل إلى العرب من بطليموس ،لكَّن علماَء المأمون هذبوه ،ومن جملة ما أدخلوا
إليه من تحسينات
إضافُة إقليمين جديدين غيِر مسكونين تقريبًا يقعان تحت خط
االستواء مباشرًة وذلك انسجامًا مع
المعلومات األحدث التي كانت لديهم .كذلك عّد لوا
امتداَد البحر المتوسط ،مقلصين هذا االمتداد من
ًال
اثنتين وستين درجًة طوًال عند
بطليموس إلى اثنتين وخمسين درجة؛ ثم قلص الجغرافيون العرب في
أوائل القرن الحادي
عشر هذا الرقم مرًة أخرى إلى اثنتين وأربعين درجة؛ وهو رقٌم قريب جدًا من
.األهم من ذلك كله ،أن جغرافيي الخليفة صححوا تمثيَل بطليموس التقليدَي
التقدير
الحالي][237
للمحيط
الهندي كبحٍر محاٍط باليابسة ،وأوضحوا ،ألول مرة ،أّنه كتلًة كرويًة من الماء تحيط
بالعالم
المسكون] [238وهو
فتٌح كبير في تاريخ علم الخرائط سبق بستمائة سنة َم قِد َم ما يسمى عصر
االكتشاف
بأوروبا ،الذي بدأ في منتصف القرن الخامس عشر.
هذا المسعى الدؤوب لهكذا فريٍق كبير من
الجغرافيين والرياضيين والعلماء اآلخرين ما كان له
أن يكون لوال االهتمام والدعم
الشخصيين من جانب المأمون ،وقد حضرت المأموَن الوفاة مع
اكتمال المشروع سنة
.833ثم طور علماء مسلمون منفردون وهذبوا علَم ي الجغرافيا ورسم الخرائط
في ما تال من
قرون .وكان ِم ثُل هذا التطور منسجمًا مع النظرة العربية المبدئية إلى العلم
،وعمليٌة
ديناميكية تبني فيها األجياُل الالحقة على عمل األجيال السابقة وأَّن
الكَل متحٌد في مشروٍع ضخٍم
واحد .وفي حالة الجغرافيا ،هيمنت على المرحلة التالية
األوصاُف التفصيليُة للشعوب والثقافات
والبيئة.
شهد هذا المسعى اآلِخ ُذ في االنتشار حلوَل
ُك تاِب رحالت ودارسي أجناس وثقافات
(إثنوغرافيين) رفيعي المستوى تدريجيًا محَل
علماء الفلك الرياضي الذين كانوا يقفون خلف خريطة
المأمون وما شابهها من أبحاث
.وكانت مثل هذه األعمال تندرج في التقليد نفِس ه الذي يندرج فيه
كتاب االعتبار
ألسامة بن منقذ ،تلك الرواية التثقيفية الممتعة ألحوال القادمين الجدد من
المسيحيين
إلى الشرق األوسط .ففضًال عن جاذبيتها األدبية ،تلبي هذه الجغرافيا
اإلنسانية الجديدة الطلباِت
المتزايدة لإلدارات الحكومية المركزية على معلوماٍت
أفضَل عن البلدان والشعوب الواقعِة تحت
سلطانها .وُتظهر ،على نحٍو الفت ،عبقريَة
العرب في السبر الدقيق للعاداِت والتقاليِد والمعتقداِت
وطرائق العيش والثقافاِت
األجنبية على امتداد اإلمبراطورية وما وراءها[" ،ليقُرَب الوصُف إلى
اإلفهام]
،ويقف َعليه الخاُص والعام" ،كما يقول محمد بن أحمد الُم َق َّد سي أحُد أصحاب
هذا الجنس
األدبي].[239
لكن ينبغي أّال نسمَح لهذه النكتة اللطيفة
أن تحجَب جديَة الغرض الذي وضع الُم قَّد سي ألجله
كتاَبه ،أحسن التقاسيم في
معرفة األقاليم ،سنة 985مستندًا إلى َع قدين من السفر واالستكشاف.
الملفُت في
عمله على وجه الخصوص إلحاُح ه على أولوية المادة التي جمعها بنفسه؛ وهذا نهٌج
يشير
الُم قَّد سي بشيٍء من الرثاء للذات إلى أنه أزرى به ًا
كثير في بعض األحيان"
:وَع ريُت وافتقرُت
وفير" :ولقد ذهب لي في
هذه األسفار فوق عشرة آالف درهم" .ويقول إنه لم مرات" وأنه كَّلفه ماًال ًا
مضطر حين ال يستطيع الوصوَل إليها ببدنه ،وأنه ما
ًا يستِع ن بروايات اآلخرين عن
منطقٍة تهمه إال
كان َيسأل حين
َيسأل إال "ذوي العقول من الناس ،وَم ن لم أعرفهم بالغفلة وااللتباس ،عن الكور
واألعمال في األطراف التي َبُع دُت عنها ،ولم يتقَّد ر لي الوصوُل إليها"]
.[240وقد قصد الُم قَّد سي
إلى ترتيب كتابه على طرائق الفقه ،الذي يرتب المصادر الدينية
ترتيبًا صارمًا .فيأتي القرآن الكريم
أوًال ،كمصدٍر مهيمن ،ثم يأتي بعده الحديث
،ثم إجماع العلماء ،ثم في األخير القياس .إال أن
الُم قَّد سي يترك القياس ألنه غير
مناسٍب تمامًا لحرفة الجغرافي].[241
مثل هذه الدقة في تحديد مصدر المعلومات
واإللحاح ،ما أمكن ،على المالحظة والتجربة
الشخصية هي سمٌة مميزة للعلم العربي في
العصور الوسطى .وهي إلى ذلك إرٌث ثمين للتقاليد
نصًا وروحًا) أم
"ضعيف" هو "حسن" (أي مؤكد على درجٍة معقولة من اليقين أنه كالم
النبي ÷
كثير عليه) .كذلك الُم قَّد سي ،يقدم
ًا (أي مشكوٌك في مصدره وبالتالي ال يعول الفقهاء وال العلماء
المعاينَة الشخصيَة على السماع بشكٍل صريح
فيقول" :فانتظَم ِك تاُبنا هذا بثالثة أقسام :أحُد ها ما
عايناه ،والثاني ما سمعناه
من الثقات ،والثالث ما وجدناه في الكتب المصنفة في هذا الباب وفي
غيره .وما بقيت خزانُة
ملك إال وقد لزمُتها ،وال تصانيُف فرقٍة إال وقد تصفحُتها ،وال مذاهُب قوٍم إال
وقد
عرفُتها ،وال أهُل زهٍد إال وقد خالطُتهم ،وال ُم ذِّك رو بلٍد إال وقد شهدُتهم ،حتى
استقاَم لي ما
ابتغيُتُه في هذا الباب"].[242
في حوالي ،1138تلّق ى العاِلُم العربي
ارستقراط المولد الشريف اإلدريسي إحدى أهم الدعوات
ُي
في تاريخ العلوم .فقد ُع رض
عليه - وهو الشاعُر الرحالة وعالُم العقاقير والنبات الذي يعطي في
أعماله
الفنية أسماَء النباتات بالعربية والفارسية والالتينية واليونانية والبربرية
والسنسكريتية - أن
يتولى مهمَة اإلشراف على وضع خريطٍة جديدٍة للعالمُ ،تنَق ش
على قرٍص من الفضة وزنه ثالثمائة
رطل ينقشها عليه نقاشو البالط ،ويضَع كتابًا
مرافقًا لها في الجغرافيا الوصفية]
.[243وكانت تلك
هي المرَة الوحيدة التي لم يكن فيها راعي العمل خليفًة وال سلطانًا ،بل
الملك المسيحي حديث النعمة
روجر الثاني ،ملك صقلية التي كانت في ما مضى مسلمة.
وصل أجداد روجر الثاني النورمان إلى صقليَة
في أوائل القرن الحادي عشر ،وكانت ُج َّلُتهم
مرتزقًة في خدمة لوردات الحرب
المحليين المسيحيين والمسلمين ،وقرروا البقاَء فيها .واتسعت
تدريجيًا رقعة سيطرتهم
على الجزيرة وشنوا غا ارٍت خطيرة على البر اإليطالي الجنوبي ،الذي كان
يقطنه في
معظمه آنذاك اليونان تحت الحكم البيزنطي .وعندما بلغ روجر سن الرشد ،سنة ،1112
قرر
أن يجعَل باليرمو [َب ِلرم أو باليرمة كما يسميها ابن جبير] عاصمًة دائمًة له بعد
أن كانت
المركَز اإلدارَي العربي للجزيرةُ .ينّح ي األديب الرحالة ابُن جبير جانبًا
شعوَره بالم اررة من الغزو
المسيحي ويقف برهًة ليصَف مفاتَن باليرمو وصفًا نابضًا
بالحيوية بعد ثالثين سنًة من وفاة روجر،
فقال من جملة ما قال" :عتيقٌة أنيقة
،مشرقٌة ؤنقة ،تتطَّلع بم أر فَّتان ،وتتخايل بين ساحاٍت
ًى ُم
وبسائَط كُلها بستان
،فسيحُة السكِك والشوارع ،ترو األبصاَر بحسن منظرها البارع ،عجيبُة الشان،
ق
قرطبيُة
البنيان ،مبانيها كُلها بمنحوت الحجِر ...قد خِر فت فيها ِل ِلِك ها دنياه
،فاتخذها حضر لِك ِه
َة ُم َم ُز
اإلفرنجي أباده هللا"].[244
كانت زيارُة ابن جبير حادثًا طارئًا نتيجة
تحطم سفينته وهو في طريق العودة إلى األندلس من
رحلة الحج ،فوجد مدينًة ومملكًة في
نقطة التقاء الشرق بالغرب تمامًا .وفيما كان معاصرو روجر
الثاني ،ومنهم أقرُب
أقربائهَ ،يُؤ زهم شيطاُن الحرِب أَّزا ،اختار هو أن يستقَر بمدينته التي كانت
ُج َّلُة
أهِلها مسلمة ،وكان فيها آنذاك أكثر من ثالثمائة مسجد .واتبع نهَج اإلسالم
القائَم في معاملة
األقليات الدينية ،ففرض جزيًة خاصًة على المسلمين واليهود لكنه
ترك لهم إدارة شؤونهم بأنفسهم
على وجه العموم .وسن قوانيَن جديدة اعترفت صراحًة
بالعادات والتقاليد الدينية القائمة ،ونّظ م
دواوين الدولة على الطريقة العربية
،ورّق ى موظفيه المسلمين إلى بعٍض من أرفع
المناصب]
.[245بل إن روجر أوكل قيادَة وحداٍت عسكرية مهمة لبعض رعاياه العرب .وكانت
ُج َّلُة
أجناده المشاة مسلمة وكذا كثيٌر من رماة السهام الراكبين لديه ،وهي حقيقٌة صدمت
كبيَر أساقفة
كانتربري عندما ازره]
.[246كذلك شكل العرب الكتلَة األساسية ألركان بالطه من مهندسين
ومسؤولين عن بناء قالعه
،وكان مهتمًا جدًا ببناء القالع ،وبناِء وتشغيِل منجنيقاته المرعبة وغيِرها
من آالت
الحرب لديه].[247
كذلك رعى روجر فناني وحرفيي وصناع الجزيرِة
العرب .ويضم متحف فيينا اليوم شملًة ملكية
ُص نعت له حوالي سنة 1133نقش عليها
بالعربيةِ" :م ّم ا ُع ِم ل للخزانة الملكية المعمورِة بالسعد
واإلجالل والمجِد
والكمال والطوِل واألفضال واإلقباِل والسماحِة والجالل والفخِر والجمال وبلوِغ
األماني واآلمال وطيِب األيام والليالي بال زوال وال انتقال بالعِز والرعاية
والحفِظ والحماية والسعِد
.ولقد أطلق وصوُل
من المعدات؛ واسُتوِع َب كُل ذلك بسهولة في لغٍة علميٍة غربيٍة ناشئة][294
السيمياء العربية إلى العاَلم الالتيني قرونًا من البحث في الخواص
الكيميائية والطرائق التجريبية،
تمامًا كما ساعدت النظرُة إلى األرض كمركٍز للكون
في الدراسات العربية للمجسطي على توسيع
حدود الفلك الرياضي .وقد رأى العاِلُم
والفيلسوُف اإلنكليزي من القرن الثالث عشر روجر بيكون،
كبير في ما سماه النهَج العمل إلى المعرفة" :لكن ثمة ًا الذي شاطر آديالرد حماسَته
للسحر ،أمًال
َي
سيميا أخرى ،فعالٌة وعملية ،تبين كيفيَة صنِع المعادِن النبيلة واأللوان وكثيٍر
من األشياء بشكٍل
ُء
أفضل وأكثَر تفننًا مما في الطبيعة .وإَّن علمًا من هذا النوع
لهو أعظُم من كل تلك الك ارريس ألنه
أجُّل منها نفعا"].[295
مثلما كان الحال في تطور علم النجوم ،الذي
كان له بدوره منتقدوه الدينيون الكثر في الشرق
دور مهمًا في صعود العلِم الغربي ،ألَّن
والغرب على السواء ،كذلك في
السيمياء لعبت السياسُة ًا
متطلباِت الدولة
منحت في بعض األحيان ممارسي السيمياء األوائل حمايًة ثمينة من اإلدانة الدينية.
فقد
كان أم ارُء الغرب حريصين على ملء خزائنهم الهزيلة بمعونة "علماء الفلسفة
الطبيعية" ،على
حد تعبير أحد الملوك اإلنكليز ،لزيادة أرصدتهم الملكية من
العملة الذهبية بالسيمياء]
.[296في
الواقع ،كان أفضَل ما استطاع السيميائيون أن يفعلوه خفُض قيمة عملة التاج بما
أدخلوه عليها ًا
سر
من شوائب ضَّخ مت عدَد ُقَط ِع ها لكنها قللت محتواها الحقيق من
الذهب ،مثلما َي لجأ اقتصاُد العملة
َي
الورقية هذه األيام إلى طباعة المزيد من أوراق
البنكنوت لتغطية مصروفاته المتعاظمة .وقد لجأت
القوى الكنسية ،التي كانت قد بدأت
تخسر سلطَتها ونفوَذ ها أمام الممالك العلمانية "المتمكنِة " جدًا،
إلى
وصم المشتغلين بهذه الفنون بالشعبذة .كذلك استحضر البابا وحلفاؤه تعاليَم الكنيسة
للتحذير من
تدخل اإلنسان في النظام الذي أودعه الرب في الطبيعة ،فقال البابا جون
الثاني عشر في حق
أولئك "المشعبذين"َ ،بِر مًا بهم ،في منشوٍر بابوي سنة
،1317إنهم "يقولون ما ال يفعلون"].[297
ورد أوُل ذكٍر لكتاب مفتاح صغير إلى
التصوير في فهرس مكتبة ديٍر بندكتي في رايخنو،
ن ن
ألمانيا ،في القر التاسع ،لكن
المخطوطَة الضائعة التي يشير إليها الفهرس ربما تكو أقدَم
منه]
.[298ال شك في أن الحرفيين األوروبيين قد أتقنوا وحفظوا بعَض التقنيات الصناعية الهامة
في فوضى العصور الوسطى المبكرة .لكَّن هذا لم ينل من التأثير الهائل لوصول
السيمياء العربية
والكيمياء المبكرة التي بدأ أمثال آديالرد ُيدخلونها في القرن
الثاني عشر .وخالل عقوٍد قليلة ،أنتج
اإلنكليزي روبرت أوف كيتون أوَل نص التيني في
الفن العربي :كتاب تركيب السيمياء [The
.]Book of
the Composition of Alchemyيقول روبرت لقرائه في مقدمة هذا الكتاب:
"لَّم ا كان العاَلم الالتيني ال يعلم بعُد ما السيمياء وِم َم تتركب ،فسأبين
له في هذا الكتاب ذلك"
].[299
وسرعان ما بدأ فيٌض من األعمال العربية
المترجمة في السيمياء يجتاح الغرب ،مهددًا
باإلطاحة بالعالقة التقليدية بين
اإلنسان والطبيعة في المسيحية ودافعًا إلى جدٍل فلسفي والهوتي قوي
.وكان السيميائيون الالتين ،وقد حفزهم وصوُل
حول استخدام
وسوء استخدام التكنولوجيا][300
هذه التعاليم العربية ،بين الرواد
األوائل في مغامرة اكتشاف الغرب العالَم ،فيما كانت نظرياُتهم في
الطبيعة ،كتلك
التي تتصل بتركيب المادة ،في سبيلها إلى إذكاء شعلة الثورة العلمية في القرنين
السادس عشر والسابع عشر].[301
قبل وصول آديالرد بمدٍة طويلة إلى أنطاكية
،كان الجهُل والفوضى والعزلُة الطوعية ،كُل ذلك
قد عزل الغرب عن قروٍن من التقدم
العلمي والفلسفي .فكان العاَلُم الطبيع عمومًا خارج النقاش
ُي
وغيَر مرتاد ،وكانت
المحاوالُت المبكرة لسبر أس ارره تثير في الغالب شبهاِت االشتغال بالسحر أو
تسخيِر
الجان ألغراض األذى .فمع قلة أو فقدان المعرفة بالقوانين الفيزيائية التي يمكن أن
تفِس َر ،
ًال
مثًال ،انتشاَر المرض الوبيل ،أو فنوَن المالحة أو تعييِن الوقت ،كان
العاَلم المسيحي في العصور
الوسطى يميل إلى اعتبار الكون مكانًا مظلمًا مخيفًا
.كانت الخرافُة هي السائدة .باختصار ،لم يكن
هناك نظام ،بل نوٌع من الهوس أو المس
ال غير؛ يشهد بذلك شيوُع توّق عات نهاية العالم وتفسي ارٌت
سفيهة للظواهر الطبيعية
واستحواُذ ها على مخيلة الناس .كُل ذلك بدأ يتغير مع اكتشاف آديالرد أحَد
أعظِم
األعمال العلمية في التاريخ ،النظام الرياضي لهندسة إقليدس.
تشتمل الكتب الثالثة عشر إلقليدس ،المعروفة
باسم األصول [
،]Elementsعلى ستة
فصول [الكتب من 1إلى ]6في مبادئ علم الهندسة [اإلقليدية المستوية]
،وثالثة في نظرية العدد
[الكتب من 7إلى ،]9وواحد [الكتاب ]10في "المقادير
غير المتقاسمة"
[]incommensurables؛ [التي تكون ِن َس ُبها إلى بعضها بعضًا] أعدادًا صماء [irrational
]numbersكما تسمى اليوم .أكثُر األمثلة شيوعًا للمقادير غير المتقاسمة
ضلُع المربع وقطره.
فما ِم ن وحدة قياس يمكن أن تقيس هذين الخطين معًا؛ ومن ثم ،ال
يمكن التعبير عن عالقِة ما
بينهما بكسر أو بنسبة .وقد ُظ ن أن مسألة المقادير غير
المتقاسمة أجبرت الفالسفة اليونان على نبذ
فكرة أَّن الكون يمكن أن يوَص ف كليًا
بأرقاٍم صحيحٍة موجبة والتركيِز بدًال من ذلك على جعل
الهندسة تمثيًال للواقع
المادي أكثر دقًة وفائدة]
.[302أما الكتب الثالثة األخيرة ففي الهندسة
الفراغية.
يحيط الغموض بحياة إقليدس وأصوله
وهي موضوُع كثيٍر من التوّق عات ،وإن كان ُيعرف أنه
أسس مدرسة باإلسكندرية ،حيث سطع
نجمه حوالي العام 300ق.م .جمع إقليدس في تحفته تلك
ر
كثير من أعمال من سبقه من الرياضيين اليونان .فهو يبدأ ،أول ما ًا وهذب وقدم بشكٍل منطقي آِس
يبدأ ،بمسَّلمات
علم الهندسة ثم يطرح مسألًة للحل ويأتي لها بحل مقترح .ويعطي في األخير براهيَنه
استنادًا إلى تلك المسَّلمات أو إلثبات صحة التفسير ،ويخلص إلى النتيجة التي تؤكد
أن المسألة قد
ُح لت حًال مقنعًا وفق القواعد المتفق عليها للعبة .ويشكل كُل برهاٍن
ناجح َلِب نًة من األساس الذي
يقوم عليه برهان المسائل التالية األكثر تعقيدًا.
تقدم كتب األصول الثالثة عشر إذا
ُأخذت معًا نظامًا منطقيًا شامًال ومقدمًة للتفكير
االستنتاجي ذي األهمية الحيوية
لتطور المنهج العلمي والبحث الفلسفي العقالني .ومع ذلك ،لم
تعرف أوروبا العصور
الوسطى شيئًا تقريبًا عن علم إقليدس ،إال شذرات لم ُتفَه ِم الفهَم الصحيح مما
حفظه
بوثيوس وثلٌة من الموسوعيين الالتين اآلخرين .فلم يخِص ص إيزيدور اإلشبيلي ،مثًال
،في
أصوله []Etymologies؛
[وهي موسوعٌة ضخمة من 448فصًال لخص فيها علوَم األولين
واآلِخ رين] أكثر من أربع
صفحات لموضوعات الهندسة والحساب والموسيقى والفلك
مجتمعًة]
.[303فلم تعِط هذه القصاصات المعرفية العلماَء المسيحيين فكرًة عما في أصول
إقليدس من كنوٍز فكرية.
أما العرب فقد أصاب إقليدس عندهم نجاحًا
أكبَر من ذلك بكثير ،فقدروه حق قدره وجعلوا
أصوَله الفذَة ،مع المجسطي
،وفنون الفلك الهندي ،والفلسفة الطبيعية ألرسطو ،حجَر الزاوية في
مشروعهم الفكري
.تجدر اإلشارة إلى أن العلماَء العرب بينوا كذلك أهَم نقاط الضعف في نظام
إقليدس
،أي المسَّلمة الخامسة [أو مسَّلمة التوازي] ،التي تبين أَّن الخطين المتوازيين ال
يلتقيان أبدًا
ولو امتدا إلى ما ال نهاية .يكمن جوهُر المشكلة هنا في توكيد سلوك
هذين الخطين خارج حدود
التجربة البشرية ،ويبدو أن إقليدس نفَس ه عَّبر عن بعض
الشكوك في هذا الجانب من عمله .وقد
فشلت كُل المحاوالت التي ُبذلت حتى تاريخه
إلثبات صحة هذه القاعدة بشكٍل قطعي .لكَّن
الرياضيين العرب في العصور الوسطى كانوا
يتصدون لهذه المسألة بطرائق جديدٍة ومبتكرة مرًة بعد
مرة على مدى قرون؛ وهو عمٌل
سيجد طريَق ُه في النهاية إلى الغرب ،وسيؤثر الحقًا في عدٍد من
ُم َق َّد مي علماء
الرياضيين هناك].[304
اسَتحضر الخليفُة المنصور تعاليَم إقليدس
في التصميم الهندسي لمدينته المدورة ،وحرص َم ن
أتى بعَد ه على أن تكوَن األصول
ِم ن أول ما يترَج م إلى العربية من أمهات الكتب اليونانية .وال تزال
أعماُل اثنين
من علماء العصر العباسي حول األصول موجودًة إلى اليوم .أوُل هذين العاِلمين
هو
الحجاج [بن يوسف بن مطر] ،الذي وضع ترجمًة كاملة لها وملخصًا ،وقد وضع هذا
األخي بطلٍب
َر
مباشر من الخليفة المأمون .ثم قام ثابت بن قرة ،الباحُث ببيت الحكمة
الذي َترجم عنه آديالرد عمله
كتاب في الهيئة [كتاب الطالسم] ،بتحرير
وتنقيح هذه الترجمة لتقترَب أكثَر من األصل
اليوناني].[305
كذلك أنتج العرب عش ارِت الشروح ألصول
إقليدس وترجموا أعماًال مهمًة أخرى له .وعلى
الفور ،تقريبًا ،بدأ نهُج المسلمين في
العلم والفلسفة يعكس اإلص ارَر المبدئي لهذا الرياضي اليوناني
على تقديم ما يمكن
إقامُته من براهين .وما لبث هذا النهج أن اتسع ليشمَل مسائَل اإللهيات والدين،
ما
دفع الِك ندي العاِلَم األرستقراطي إلى االستعانة بتعاليم الفالسفة اليونان في ما
بعد الطبيعة
إلخضاع مسائل اإليمان إلى هذا الشكل نفِس ه من التحليل الصارم .لهذا
الغرض ،طلب الِك ندي
كبير لالهوتيين في
ًا عمَل ترجماٍت عربية لكتب الفالسفة اليونان ،تلك التي ستشكل
يومًا ما تحديًا
الشرق والغرب على السواء ،ومنها أعمال أرسطو في
علم الكون والروح].[306
مثير .وقد ُنسبت تاريخيًا
أمر ًا
كان اكتشاُف األبعاد الكاملة إلقليدس
بأوروبا العصور الوسطى ًا
إلى آديالرد النسُخ
الالتينيُة الثالُث األولى القائمُة على ترجمة الَح جاج قبل ثالثة قرون].[307
ٍد
وتلتها بسرعة نسٌخ لعلماَء آخرين .تثبت بعُض الهوامش في عد من المخطوطات الباقية
وشهادُة
مفكرين الحقين من العصور الوسطى آلديالرد صالٍت وثيقًة بالنصوص األقدم
.يقتبس روجر بيكون
من ثالثِة هذه الرسائل - وهي في الواقع شرٌح إلقليدس أكثر
مما هي ترجمٌة لعمله - ويسميها
"نسخة خاصة آلديالرد أوف باث"
،مستصوبًا هذا الرأي]
.[308وليس ثمة سبٌب للشك في رواية
آديالرد نفِس ه عندما يخبرنا في عمٍل الحٍق له أنه
ترجم األصوَل بالفعل قبل بضع سنواٍت من
ذلك].[309
لم ينجح أحٌد إلى اآلن في حل اللغز ليخبرنا
أَي نص من هذه النصوص هو بالضبط نُص
األستاذ .ومع ذلك ،عندما تتتَّبع تاريَخ
اإلدخال الناجح لهندسة إقليدس إلى الغرب الالتيني منذ
،1126تجد بصماِت آديالرد في
كل مكان .بصرف النظر عن منشأ هذه المخطوطات األولى،
فهي تكشف لنا الكثيَر عن كيفية
استيعاِب آديالرد ،والعلماء الالتين األوائل الذين ساروا على دربه،
للنصوَص
العلميَة العربية وإتقاِن ها تدريجيًا .تحمل النسُخ األقدم كَل عالمات اللقاء
العابر األول
بالدراسات العربية [
.]studia
Arabumفترجمُة المصطلحات الفنية غيُر متسقة في الغالب
وتعتمد اعتمادًا شديدًا على
المصطلحات الالتينية غيِر الدقيقة أو المغلوطة؛ ويفشل المؤلف أحيانًا
في إيجاد أي
مكافٍئ التيني للمصطلح ،فال يجد أمامه سوى أن ينسَخ ه لفظيًا من األصل العربي.
ولم
تلبث ترجمات الفلسفة اإلسالمية أن ابُتليت هي أيضًا بمتالزمِة الِع َو ِز اللغوِي
تلك؛ ففي إحدى
الترجمات الالتينية األولى ألحد األعمال العربية المهمة في ما بعد
الطبيعة اضُط ر المترجم إلى
متميز لمفهوم
ًا استخدام كلمٍة التينيٍة واحدة ،هي
،esseللتعبير عن أربٍع وثالثين مرادفًا عربيًا
الوجود وما يتصل به من
مفاهيم].[310
مباشر من
ًا وحسب تحليٍل لغوي حديث ،تعتمد الترجمُة
األقدم على أكثر من سبعين َنسخًا لفظيًا
العربية للتعبير عن المفاهيم الهندسية
األساسية التي لم يكن لها في التينية العصور الوسطى مقابٌل
جاهز .من هذه المفاهيم الُق طر
[ ،]diameterوالظل [
،]tangentوالنسبة [ .]ratioلكَّن نسخًة
أحدَث منها قليًال أحلت
مكاِفئاٍت التينيًة مناسبة محل كل المصطلحات المذكورة وتقَّلص عدد
المصطلحات
المنسوخة لفظًا من العربية فيها إلى نحو عشرين .يوحي هذا بأن آديالرد - أو
ربما
زميل له أو أحد تالمذته - قد خطا منذ ذلك الحين خطواٍت واسعة في إتقان
المادة التي بين يديه
واستبانِة أو توليِد مكاِفئاٍت لغويٍة التينيٍة إضافية]
.[311كما تتضمن بعُض مخطوطات إقليدس
الباقية هوامَش تناقش بعَض المفردات العربية أو
تشرح مسائَل في قواعد اللغة ،وهذا أسلوٌب اتبعه
ِت ٍل
آديالرد نفُس ه في أعما
أخرى - فتراه في أحد هذه األعمال يميز الكلما األجنبيَة بحبٍر أحمَر
خاص - وسار عليه تالمذته من بعده].[312
تكاد ُتجمع كُل النماذج المتبقية من النسخة
الثانية للترجمات الالتينية ألصول إقليدس صراحًة
كبير" على مدى خمسة قرون وشكلت ًا على أنها من عمل آديالرد
.وقد القت هذه النسخة "رواجًا
إحدى
المعالم البارزة لعلوم الغرب حديثِة النشأة .وقد بقيت منها سٌت وخمسون مخطوطًة على
َّك
.وقد ش ل أساَس
األقل ،وهو رقٌم كبير نسبيًا يشهد بالجاذبية الكلية للعمل وسعة استخدامه][313
ما أصبح الحقًا النَص المدرسي النهائي في حينه ومرجعًا ُيستند
إليه في الشروح طوال القرنين
الثالث عشر والرابع عشر .في الميدان النظري ،قَّد م
إقليدس للعالم الالتيني أوَل نموذٍج صريح
للتفكير العلمي وأطلعهم على المنهج الكالسيكي
في االستنتاج المنطقي]
.[314أما في الميدان
العملي ،فكانت هندسته حاسمَة األهمية لتطور علم الفلك في العصور
الوسطى ،ألنها سمحت
بقياس األجرام السماوية البعيدة بالزوايا والدرجات وساعدت على
تفسير حركاتها في السماء وتوّق ع
هذه الحركات.
لقد مهدت هذه الترجمات الالتينية األولى
،التي سعت لشرح أصول إقليدس للجمهور الغربي،
السبيَل لبرنامج الدراسة العربي
الدقيق الذي ُتوج بعلم الفلك الرياضي وعلِم النجوم التطبيقي].[315
كما كان لها أثٌر عميق في تطور التفكير العلمي والفلسفي األوروبي المبكر عمومًا
.أدرك روبرت
غروسِت ت (ت - )1253 .الذي يعني اسمه حرفيًا "ذو الرأس
الكبير" ما دفع أحَد معاصريه إلى
تسميته "روبرت ذو الرأس الغليظ والفكر
الدقيق"]
- [316وكان رئيسًا لجامعة أكسفورد ،ما ِلعلم
الهندسة الوافد من أهميٍة جوهرية .يقول"
:إَّن فائدَة دراسة الخطوط والزوايا واألشكال عظيمٌة جدًا،
ألن من المستحيل
معرفة الفلسفة الطبيعية بدونها .فهي في الكون الكبير وفي أجزائه .فبدون
الخطوط
والزوايا واألشكال ،سيكون من المستحيل معرفة طبيعة األشياء على الحقيقة"].[317
ار نسخَة آديالرد ألصول إقليدس ويستدعي روجر بيكون ،الزميُل األصغر
لروبرت ،مر ًا
ار وتكر ًا
كمرجٍع لفكرة استخدام
البرهان في المنطق ونظرية المعرفة ،اإلبستومولوجيا ،وهي فكرٌة كانت قد
بدأت للتو
فقط تترسخ في الغرب .ويعتمد روجر صراحًة على آديالرد في عمله األصيل في
نظريات
البصر وفي المسألة األعم التي هي دوُر التجربِة في العلم .يقول روجر في الهندسة
النظرية ["
:]Geometrica Speculativaالبديهية [ ،]axiomكما يقول آديالرد أوف باث في
كتابه ،تعلو وال يعلى عليها ،ألنها
تفسر حدوَد (تعاريَف ) األشياء .يصح هذا خاصًة عندما تؤخذ
البديهية بمعناها الدقيق
،وإن كانت كُل المبادئ تدعى بديهيات بالمعنى األعم ،كما تشير إلى ذلك
خاتمُة كتاب
آديالرد أوف باث".
ثم يمضي إلى ربط آديالرد مباشرًة بعمل
أرسطو في التجربة والتجريب قبل أن يضيف،
"والُم سَّلمة [ ،]postulateكما يقول آديالرد أوف
باث ،هي التي لكونها مؤكدة ال ينتج عن المقدمة
َّل
ما ال ُيسيغه العقل" .وقد شكل
اجتماُع هذه العناصر - الهندسة؛ ونظام البديهيات والمسَّلمات
والبراهين الذي
شرحه آديالرد؛ والتجربة المباشرة - أساَس كثيٍر من البحوث والمعارف الغربية
الخصبة ،ومنها تطوير حساب التفاضل والتكامل calculusوالتحليل الصوري Formal
Analysisبأكسفورد]
.[318كذلك كان فُن الهندسة الجديد أساسيًا للبحث الفلسفي في العصور
الوسطى في الضوء
واللون والبصر.
وسرعان ما صارت أصوُل إقليدس تدَّر س
في مدارس الكاتدرائيات ،ال سيما مدرسة شارتر ،التي
برِ ،ج رِبر
مركز تعليميًا رائدًا
مذ عاد إليها من األندلس الراهُب الفرنسي الذي سيغدو َح ًا
ًا أصبحت
دوريالك
،لينشَر ما تعلمه من العرب في الرياضيات وغيرها من مواد التعاليم األربع .وقد ثبت
أن
هذه الصلَة المبكرَة بإقليدس إلحدى أكبر كاتدرائيات فرنسا كانت ذاَت قيمٍة
عمليٍة وجماليٍة عظيمة
بعد الحريق الذي أتى عليها سنة 1145وحَّتم إعادَة تصميم
وبناء هيكلها الضخم بالكامل .وقد
قدمت الكاتدرائية إلقليدس التقديَر الذي يليق به
،حرفيًا ومجازيًا :فأضافته إلى ُنُص ب الفنون العقلية
السبع ،في حين أبانت عمارُة
الكاتدرائية الجديدة عن ثقافٍة جديدة في مبادئ الهندسة
والتناسب]
.[319فكانت النتيجة إحدى أعظم اإلنجازات المعمارية في العالم المسيحي.
بالفعل ،بدأ البناُء والمعماُر األوروبي
وكذا الرسم يبدي تحسنًا فنيًا ملحوظًا .يعود هذا التقدم
المفاجئ ،وظهوُر مها ارٍت
وتقنياٍت نوعية لم تكن موجودًة من قبل ،إلى النقل المباشر للتكنولوجيا
العملية من
كبار بنائي ومعماريي الشرق .ففي حالتين معروفتين اثنتين على األقل ،وصل إلى
الغرب
صناٌع عرٌب مهرة وقّد موا ما لديهم من معرفة .أحدهم ،وكان مسلمًا ُيدعى الليس [،]Lalys
ُأسر في الحمالت الصليبية وُأحضر إلى إنكلترا ،حيث انتهى به األمر إلى أن أصبح
معمارَي
البالط في عهد الملك هنري األول]
.[320وفي مثاٍل آخر ،يخبرنا المؤرخ السوري أسامة بن منقذ
أن بّناًء كان يعمل ألسرته رحل
إلى بالد اإلفرنج وحمل مها ارِت ه الثمينَة معه .كذلك جعلت الحمالت
الصليبية بعَض
أصحاب الصنائع الغربيين من زّو ار األماكن الدينّية والمحاربين َيَّط لعون على أحدث
أساليب البناء لدى العرب ،بينما وصل حرفيون آخرون إلى الغرب قادمين من األندلس في
أعقاب
االنتصارات العسكرية المسيحية هناك.
ومن االبتكارات المأخوذة عن العرب إدخاُل
األقواس المدببة ،وهي سمٌة مالزمة لألسلوب
القوطي الحديث في عمارة الكاتدرائيات]
.[321وقد سمحت تكنولوجيا هذا األسلوب بإنشاء عقوٍد
وقناطَر رائعة فتحت هذه
الكاتدرائياِت الضخمَة للهواء [بأن أتاحت لها بلوَغ ارتفاعاٍت شاهقة ِلما
كثير عن البيوت
ًا تمنح
األقواُس المدببُة الهياكَل من متانٍة واستق ارٍر مدهشين] - ال يختلف ذلك
الزجاجية الحديثة - وقادت إلى بناء نوافَذ ضخمة فيما كان في
الماضي حيطانًا سميكة ال ُتخَر ق.
كذلك منح االعتماُد على األقواس المدببة بدل
األقواس النصف دائرية في ما بين أعمدة اإلسناد
البنائين والمعماريين مرونًة أكبر
،إذ بات في استطاعتهم تنويُع مسافِة ما بين األعمدة من دون
المساس بالتصميم أو
تشويهه].[322
إلى جانب مستوى التمُّه ر الرفيع للحرفيين
المسلمين في الرسوم الهندسية ،وقواعِد التناسب،
وتقنياِت البناء النوعية ،أظهر
هؤالء إدراكًا ثاقبًا للمبادئ الهندسية العامة التي لم تكن آنذاك معلومًة
في
الغرب .ونتيجة ذلك ،بدأت الزوايا غير المنتظمة ،والحيطاُن المعَو َّج ة ،واألبواُب
والنوافُذ المتنافرة
كثير من عمائر الكنائس األوروبية في القرن الثاني
عشر تتنحى باضطراد أمام دقٍة ًا التي سادت
أكبَر بكثير في التصميم والبناء]
.[323وسرعان ما تبنى أساتذُة البناء األوروبيون هندسَة العرب،
على نحو ما أشاعها
آديالرد ،كأساٍس لصنعتهم .تقول وثيقٌة إلحدى نقابات البناء من القرن الرابع
عشر"
:صار إقليدُس العظيُم ذاك ملهَم هم .فاعلم أَّن ِم ن بين كل ِح َر ف العالم
،تتبوأ حرفُة البناء
أعلى مكانة وهي األوفُر بينها حظًا من علم الهندسة"].[324
شكلت هذه التقنياُت الهندسيُة
المبتكرة - يكاد يكون ذلك مؤكدًا ُ - لباَب المعرفة "السرية"
للبنائين األحرار (الماسونيين) مستقبًال ،التي ال تزال تدور حولها أساطيُر كثيرة
.يحتوي كتيٌب يعود
في األصل إلى المعماري الفرنسي من القرن الثاني عشر ڤيالر دو
هونكور [Villard de
]Honnecourtعلى إشارٍة نموذجية إلى االستخدامات العملية لعلم الهندسة"
:إنه بفضل علم
الهندسة يمكن حساُب ارتفاِع بناء أو عرِض نهر" .ويشتمل
ملخص ڤيالر على الطرائق الهندسية
لتنصيف مساحة المربع ،وهي مهارٌة ضرورية لبناء
األبراج أو القباب المستدقة وغير ذلك من
السمات المعمارية المميزة لتلك الفترة].[325
األسطرالب]
.[331يقول صاعد األندلسي المؤرخ من العصور الوسطى" :وأبو القاسم َم سلمُة بُن
أحمد
المعروُف بالمرحيط [هكذا] كان إماَم الرياضيين في األندلس في وقته وأعلَم ممن كان
قبَله بعلم
الفلك وكانت له عنايٌة بأرصاد الكواكب وشغٌف بتفهم كتاِب بطليموس
المعروف بالمجسطي وله
كتاٌب حسن في تمام علم العدد وهو المعنى المعروُف عندنا
بالمعامالت ...وُع ني بزيج محمد بن
موسى الخوارزمي وَص َر َف تاريَخ ه الفارسي إلى
التاريخ العربي ووضع أوساَط الكواكب فيه ألول
تاريخ الهجرة ...على أنه اَّتبعه على
حكايتِه فيه ولم ينّبه على مواضع الغلِط منه"].[332
ال بد من أن آديالرد وجد زيج الخوارزمي
بتنقيح المجريطي ال يقاَو م ،ألنه جمع بين علم الفلك
الرياضي العربي ودراسة علم
النجوم وتكنولوجيا األسطرالب؛ وكُلها موضوعاٌت قريبٌة إلى قلب
اإلنكليزي .فقبل أن
تطأ قدماه بالَد اإلسالم ،قال آديالرد في الثابت والمتغير إَّن شغَف ه بعلم
الفلك
يفوق شغَف ه بجميع "عرائس" الفنون العقلية األخرى" :هذه
العروس التي تراها أمامك واقفًة بكل
فخامة ...ترسم لك شكَل العالم ،كما تراه
،وتحدد عدَد وقياَس الدوائر ،وُبعَد األفالك ،ومدارَج
الكواكب ،ومطاِلَع البروج؛
وترسم خطوطًا متوازية ودوائَر تخيلية في الفضاء ،وتقسم البرج بفكٍر ثاقب
إلى اثني
عشر جزءًا ،وَتعرف حجوَم النجوم ،وموقعي القطبين المتقابلين ،ومحوَر ما
بينهما"
].[333
ُي لِم ح العمُل القديم نفُس ه كذلك إلى تعّلق
آديالرد بعلم أحكام النجوم العربي؛ أي ،دراسِة األجرام
السماوية استق ارًء لألحداث
على األرض .يقول" :لو أن أحدًا حذق [علَم الفلك] حقًا ،الستطاع أن
خبر ال
بحاضر األشياء السفلية فحسب ،بل بماضيها ومستقبلها أيضًا .ذلك ألن تلك الكائناِت
ُي
الُع لويَة السماويَة الحية هي مبدُأ العوالم السفلية وعلُة هذه العوالم"]
.[334عندما خط آديالرد هذه
الكلمات ألول مرة ،كان ال يزال بعيدًا جدًا عن إتقان أدوات
وتقنيات علم الفلك .واآلن ،بعد خمس
ِه
عشرة سنة أو عشرين ،صار في إمكان زيِج
العربي ،موَض حًا بأصول إقليدس ،أن يسَد الفجوَة
الكبيرة في فهمه ومعرفته.
حتى قبل أن ُيدخَل آديالرد جداوَل الزيج
ويقدَم لمحًة عن علم الفلك الرياضي العربي الذي
تستند إليه هذه الجداول ،كان ثمة
جيوٌب مبعثرة للنشاط العلمي في المشهد الفكري الغربي .فقد
استوعب رهباُن كاتالونية
المتعلمون ،الذين كانوا مجاورين لبالد اإلسالم ،جزئيًا كتَب األسطرالب
للمجريطي
وزمالئه .فنجح ِج رِبر دوريالك في نشر عناصر التعاليم األربعة quadriviumفي
مدارس الكاتدرائيات الفرنسية .واستضافت بلدُة آديالرد األم
واألديرُة المجاورُة لها في حوض سيڤرن
حلقًة نشطة من الرياضيين والفلكيين ،وكان
أغلُبهم لوثارنجيين وكُلهم يسعى لفهم التعاليم األولى
المتسربة إليهم من العالم
اإلسالمي .بل لقد كانت هناك محاولٌة فاشلة لتعريف القراء الالتين على
زيج السند
هند ،وهو تطوٌر ربما يكون اضَط ر آديالرد في النهاية إلى إنتاج ترجمته الناجحة
الخاصة
للزيج]
.[335ال غرابَة أن يتباهى المؤرخ جون روتشستر سنة 1138بأنه ساعد على نسخ ذلك
الكنِز
المكنوز من جداول النجوم في دير كاتدرائية روتشستر ،على بعد خمسٍة وسبعين ميًال
إلى
الشمال من باث" :الذي حملني على أن أجلَس ههنا في الشهر األول للسنة
العربية ،في اليوم الذي
بدأ فيه والساعة التي بدأ فيها هذا الشهر ،حرص على أال
ُيسَلَم إلى النسياِن العمُل الذي ُيدعى
َي
بالعربية "الزيج" الذي وضعه لمدارِج
األجراِم السماويِة السبعِة الخوارزم []Elkaurexmus
ُي
العاِلم ،باذًال له
غايَة عنايته ،وَج َع َله في جداول"].[336
ِث
كثير من األعمال العربية ًا في البداية ،لم ُي ِر الربُط الصريح لعلم
الفلك بعلم النجوم ،الذي ماَز
األولى التي ظهرت
بالالتينية ،كبيَر اهتماٍم في الغرب .وكان العاَلُم اإلسالمي قد بدأ بالفعل يواجه
َر َد
فعٍل عنيفًا ،مع إجماع بعض نجوم الفكر العربي على اعتبار علِم النجوم والرجم
بالغيب عمًال غير
المسيحي جون أوف سالزبري أن عمَل
المنجمين إسالمي .كذلك ،أعلن الالهوت
ُي
[" ]"mathematiciمناٍف لألخالق وال ينسجم واإلرادَة الحرة لإلنسان وكلَّيَة
وطالقَة القدرِة اإللهية.
ن
يتوعد جو المنجمين باللعن في رسالته في مبادئ الحكم
[ ،]Policraticusيقولَ" :ترى المنجَم
ُيزِّيُن
السنيَن بِم شكال األشياء التي ستقع ،كأنما يرسم لوحة؛ ويلف حبَل أحداث المستقبل
حول عجلة
الزمان الدوارة[ ...غير أَّن ] ...مشيئَة ِهللا غالبة ،والتنجيم يفضي إلى
اللعن"]
،[337لكن ،كما في
العاَلم العربي ،ظل المنجمون الالتين عمومًا يمارسون فنهم هذا ال يحول
بينه وبينهم حائل.
تعكس أعما فنيٌة صعبة كأصول إقليدس
وزيج الخوارزمي نض عاِلميِة آديالرد ،بعد سنواٍت
َج ٌل
ِع
من االنغماس في ال لم
العربي .وقد أتم عمليه الباقيين هذين في علم الهندسة وجداول النجوم بعد
عودته إلى
إنكلترا ،ربما لُيستخَد ما ككتابين مدرسيين أو دليلي دراسة لطالب آديالرد والعلماء
الناشئين .لكَّن آديالرد ترك لنا كذلك مقالة له قريبَة المنال سهلَة القراءِة
ممتعَتها :مسائل في علم
الطبيعية [ ،]Questions on
Natural Scienceالتي عمد فيها إلى تلخيص روح التعلم
والبحث الذي لمس في الشرق؛ وقد صاغ هذا النَص في صورة جواب لطلِب ابن أخيه
المتغطرس
أن يأت ببعض األفكار الجديدة من الدراسات العربية.
َي
تبدأ الموضوعات بمملكتي النبات والحيوان ثم
تنتقل إلى القمر والنجوم ،قبل االرتقاء إلى
المسألة الدقيقة لوجود هللا .يتطرق
الفصل السابع للمسألة التالية "ما الذي يجعل بعَض العجماوات
تجتر الطعام
،وبعَض ها اآلخر ال تجتره؟" ويشرح الفصل " 19سبَب كوِن األنف فوق
الفم" ،بينما
يجيب الفصل 58على ما أصبح سؤاًال تقليديًا في الفيزياء
األوليةِ :ل ال يخرج الماء من أنبوٍب
َم
مفتوٍح من أعلى وأسفل إذا ُس دت فتحُته
الُع ليا باإلبهام؟ كذلكَ ،يستوعب أديالرد مفهوَم حفظ المادة،
يقول" :وفي
تقديري أن ال شيَء على اإلطالق يفنى في هذا العالم المحسوس ،هذا مؤكد ،وليس
العاَلُم اليوم بأصغَر منه عندما ُخ ِلق .فأٌي جزٍء يتحرر منه ،إنما ينتقل من
اتحاٍد إلى اتحاد ،وال فناء"
] .[338ثم
يمضي آديالرد إلى حل لغز البرق والرعد ،وافتقاِر القمر في الظاهر إلى النور ،وما
إذا كان في النجوم حياة ،وإن كان ،فما عسى أن يكوَن طعاُم النجوم؟ "
- ورطوبات األرض
ومياهها ،التي تخف لطول ما تقطع من مسافة عندما ُتسحب إلى
المناطق األكثر ارتفاعًا"].[339
كان آديالرد قد أبدى من قبُل نوعًا من
الحذر في طرح آراء قد ال تقع موقعًا حسنًا من األذن
الغربية .فهو غالبًا ما يختفي
وراء آراء "العرب" للتعبير عما قد يكون في الحقيقِة آ ارَء ُه ُهو في
اإلنسان والطبيعة والكون" .ال يظنَّن أحٌد أنني آتي بذلك من عندي ،غير أنني
أطرح ما جاء في
دروس العرب ِم ن آراء ...فأنا أعلم ما يالقي المجاِه ُر بالحقيقة على
أيدي شاِم تِة السوقة .لذلك
سأدفع بدعوى العرب ال بدعواي"].[340
ويماطل آديالرد كسبًا للوقت ،إذ يواجه
إلحاَح ابِن أخيه ،فيشير إلى أنه معتاٌد على دحض
األباطيل أكثر مما هو معتاٌد على
إثبات الحقائق .ثم يقول إَّن أَي نقاش حول الذات اإللهية يتخطى
كَل ما سواه في
"ِد َّق ِة فكرِت ه وِش َّق ِة عبارِت ه"]
.[341ويقول البن أخيه بحصافة إَّن الوقَت قد تأخر
وحان وقت النوم ،وَيِع ده أنه سيتناوَل
الموضوَع يومًا ما من "أِلِفِه ال يائه" .ثم بشكٍل ما ،ال يأتي ذلك
اليوم أبدًا.
يدل بقاُء كثيٍر من أعمال آديالرد قرونًا
على شعبيتها وأهميتها في وقتها .ومع ذلك ،فأعداُد ها
قليلة ،تماشيًا مع تدني مستوى
"ثقافة الكتاب" في ذلك الوقت والعقبات العملية الجمة التي كانت
تواجه
نش وحفَظ المعلومات .فمجرُد بقاِء نص من العصور الوسطى مأثرٌة جليلة ،ألَّن ك
عمٍل
َل َر
منها كان يتعين نسُخ ه يدويًا نسخًا دقيقًا على صحائَف خشنة من ِرق
الَبرُش مان ،الذي كان يستغرق
شهور على يد نساخيَن محترفين
في أديرٍة متناثرة في أرجاء العالم الناطق ًا صنُع ه في الغرب عامًة
ٍة
بالالتينية .فمقابَل كل نسخ وصلت
إلينا اليوم من عمل ،ال بد من أن تكون هناك نسٌخ أخرى كثيرٌة
ضاعت؛ َف َغَد ت ُط عمًا
للنيران أو الهوام أو غير ذلك من مخاطر؛ أو وقعت ببساطة فريسَة اإلهمال
ولم يعد
ُي لتَف ت إليها كما كان في غرف الكتابة الضيقة بأديرة العصور الوسطى.
ُأنِت جت النسخ األولى لكتاب آديالرد مسائل
في علم الطبيعة ببلده األم إنكلت ار والقارة األوروبية.
وتوجد منها اآلن ثالث
عشر نسخة من القرن الثاني عشرُ ،أنتج بع ها في طبعاٍت صغيرة سهلِة
ُض َة
الحمل لتيسير
استخداِم ها ودراسِت ها .وبقيت عشُر نسٍخ أخرى من القرن الثالث عشر ،وأربع من
القرن
الرابع عشر واثنتان من القرن الخامس عشر ،ال غير ،ما يوحي بتدني شعبية العمل مع
تقدم
أعماٍل أخرى إلى الواجهة .لكَّن العمَل تمتع بعد ذلك بفترٍة قصيرٍة من
الرواج ،ال سيما ببلد أديالرد
األم إنكلترا .كما ُأنِت جت منه طبعاٌت عبرية وربما
فرنسية وهذا راجح ،بينما ُترجمت فصوٌل طويلٌة
منه إلى اإليطالية]
.[342وُع ثر على عشرات النصوص الالتينية األولى ألصول إقليدس ،وتسِع
نسخ
- اثنتان منها فقط كاملتان - من ترجمة آديالرد لزيج الخوارزمي].[343
لكَّن أعظَم إنجا ازِت آديالرد لم يكن في
مخطوطاِت ه بل في إدراكه الفطري ما للتعاليم العربية،
التي كانت قد بدأت للتو تتسرب
إلى الوعي المسيحي ،من عظيِم شأن .يسري هذا اإلد ارُك في كتاب
مسائل في علم
الطبيعة ،الذي تقع فيه على عبا ارٍت من قبيل "أساتذتي العرب"
و"دعوى العرب".
وبخالف ثلِة المستكشفين المثقفين الذين سبقوه ،لم يكن
آديالرد يقنع بالجاذبية السطحية لألفكار
والتقنيات الجديدة ،بل سعى إلعادة تعريِف
نفِس ه وفكرِة الغرب ذاتها على منهج العلم العربي ،الذي
قام في األساس على فرضية
أَّن التجريَب ،والتفكيَر المنطقي ،والمعاينَة الشخصية ،كل هذه مقّد مة
على الُع رف
وعلى التسليِم األعمى بالمرجعية التقليدية .وبدا أَّن آديالرد قد أدرك أَّن مجرَد
إتقان
ٍف
اللغة العربية غيُر كا الستيعاب واستغالل هذه االكتشافات العظيمة؛ فكان ال
بد له من أن يهجَر
تقريبًا كَل شيٍء َظ ن أنه َع ِلمه ويتبنى طريقًة جديدة تمامًا في
النظر إلى العاَلم من حوله].[344
مما يعظ به ابَن أخيه" :إذا كنَت تريد أن تعرَف المزيد ،خذ معي بالعقل واعِط
معي به .فلسُت ذلك
وطور ألولئك"
ًا طور
ًا صدر
لهؤالِء
ًا الرجَل الذي يأخذ بظاهر األشياء .وكُل حرٍف بغي ،تفتح
].[345
أما الصليبيون الذين سبقوا آديالرد إلى
سوريا ،فقد أعمى بصائَر ُج لِه ُم الجهُل والحقُد الطائفي
أو وهُم التفوق األخالقي
الَص ِلف عن أن ُتبصَر إنجا ازِت الحضارِة المتقدمة التي يواجهونها اآلن في
الساِح
بالسالح.
ُل ًال
ونزوًال عند إلحاح األهل واألصدقاء ،الذي
التأم شمُله بهم للتو ،مَس َح آديالرد حالَة المجتمع
اإلنكليزي .وقال في مسائل
في علم الطبيعة ُبعيد عودته إلى الوطن" ،وجدُت األم ارَء ِش ر ًا
ار،
والمطارنَة ُس كارى ،والقضاَة مرتشين ،وأصحاب العمل خائنين ،والزبائَن مداهنين
،وأصحاَب الوعود
حانثين ،واألصدقاَء حاسدين ،قد مأل الطمُع قلوَبهم جميعًا"]
.[346وكُم علٍم ال َيفُتر عن كونه
كذلك ،قطع آديالرد بأَّن المعرفَة أنجُع دواء لداء
"االنحالل الُخ لقي" الساري ببلده .يقول" :أجريُت
الدراسَة التالية
،التي أدري أنها ستفيد القراء ،أَّم ا أنها سَتُس رهم فلست أدري .ألَّن في الجيل
الحالي
خلًال متأصًال ،إنه يظن أَّن عليه أن يضرَب صفحًا عما يأتي به الُم حَد ثون"].[347
يخبرنا آديالرد أنه اتخذ ،في أسفاره ،شملًة
خض ارَء فضفاضة عالمًة مميزًة له وراح يتباهى
بخاَتٍم بارز ،مرصٍع برمٍز غامض من
رموز التنجيم ،باللون األخضِر الغنِي نفِس ه ،الذي "لم يكن
فاقعًا بل أشَّد
وقعًا في النفِس " بما له من مسحٍة زمردية .لم تكن هيئُة آديالرد الفكريُة
بأقَل من هيئته
البدنيِة غرابة .فهو لم يعد ذاك الجنتلمان الريفي الشاب الذي كَّر س
نث ه الجا للفلسفة ،في تقليٍد
َد َر
باهت لعصٍر قديٍم منصرم؛ بل صار باحثًا ال يهدأ
عن المعرفة والحقيقة العلمية .فآديالرد الجديد،
الذي صار اآلن مواطنًا عالميًا
،يتحدى الفساَد الفكري ،والرضا عن الذات ،وجموَد الفكر الذي ظل
يالحق الغرَب
قرونًا .وبخالف الطالب اآلتي من مدارس الكاتدرائيات الذي كان ،والذي رمى
المعاصريَن مرًة بصفة "الحمق" ،صار آديالرد الجديُد مدافعًا قويًا عن
العلم الحديث ،وصار له اآلن
عاَلٌم آخر تضيئه شمُس المعرفِة العربيِة الحديثة
،الطالعُة [على الغرب] من الشرق.
ِل ِة
يقول ،تستطيع هذه المعرفة تحريَر العاَلِم
الغربي من وطأ التقليد فُتط َق ُه ليشَق طريَق ُه الخاَص
به في الكون" :ذلك
ألنني تعلمت من أساتذتي العرِب شيئًا ،أنك إْن لم َتتبِع العقلَ ،تِبعَت النقل،
مبهور بمرآه انقياَد
الحيواناِت العجماء ،التي ًا وصاَر لَك ِلجامًا ،فما النقُل إال لجامًا قِد انقدَت له
تسوقها به حيث شئت لكنها ال تدري إالَم ُتساق وِلَم ،إن
َتَّتِبع إال الرسَن الذي ُر ِس َنت بِه وحسب،
كذلك الَك ِل المسطوُر خِط ٌر على
غيِر قليٍل منكم ألنه يأسركم فتسارعون إلى تصديقه من دون
ُم
تمحيص [أو كما قال
،بسذاجٍة وحمق]"].[348
ويقول ،ما ينبغي للمرء أن يلجأ إلى هللا
إال إذا عجز عقُله عن فهم العالم من حوله .يربط هذا
التصريُح مباشرًة بين آديالرد
أوف باث وبين وريثه الروحي والفكري ،عاِلِم الفلِك الرائد غاليليو ،الذي
ستكون
مواجهُته العلنيُة مع المعتقدات الدينيِة التقليدية بعد خمسة قرون نهايَة البداية
للثورة العلمية
الغربيةُ .يصِد ر هذا الرحالة ذو العباءة الخضراء الفضفاضة أوَل
توكيٍد صريح في العصور
المسيحية الوسطى؛ أَّن اإليمان باهلل ينبغي أّال يحوَل بين
المرء وبين استكشاف قوانين الطبيعة.
فيقول ..." :علينا أن نتلمَس الحدوَد
الحقيقيَة للمعرفة البشرية وأال نحيَل األموَر إلى هللا إال عندما
تتعطل هذه
المعرفُة تمامًا"].[349
الفصل
السادس"ما قيل
في الكرة"...
ذات فجٍر شاحب ،قبل اثنتين وعشرين سنًة من
زلزال أنطاكية ،وقف راهٌب عاِلم وبيده
أسطرالب ليصنَع التاريخ - ولم يكن
َيستخدمه بأوروبا آنذاك إال ِقلة - غيَر بعيد عن وست كنتري
بلِد آديالرد
،موِّج هًا إياه إلى القمر الذي كان قد َخ َس ف .لم يكن ذلك الراهب إال وولتشر ،رئيس
دير
غريت مالڤرن ،وكانت تلك أوَل تجربٍة معروفٍة في الغرب لتحسين التوقعات
الفلكية .أما التاريخ
فالثامن عشر من أكتوبر لسنة .1092قبل ذلك بسنة ،حين كان
يتجول بإيطاليا ،شهد الكاهن
خسوفًا قمريًا لكن لم تكن لديه آنذاك وسيلٌة لتسجيل
الحدث الذي كان يجري فوق رأسه ،سوى أن
يخمَن التاريَخ تخمينا .وكان راهٌب آخُر
،أٌخ لهذا الراهب في السلك ،قد شهد تلك الظاهرة السماويَة
تقدير مختلفًا جدًا إلى حد مدهش لوقت وقوعها]
.[350ال شك في أن
ًا نفَس ها غربي إنكلترا
وأعطى
أحَد االثنين كان على خطأ؛ ألن أّي فرق في التوقيت بين المكانين ،وإن
كان محسوسًا،
ضئيل]
.[351ومع ذلك ،كانت تلك هي الظاهرَة نفَس ها التي استغلها الفلكيون العباسيون األوائل
لتحديد الفرق في اإلحداثيات الجغرافية بين المدن وغيرها من األماكن المهمة.
هذا االلتباُس بين الرؤيتين حمل وولتشَر
على العمل ،يقول" :كنت ال أزال غيَر متيقن من وقت
الخسوف وكنت منزعجًا من ذلك
،ألنني كنت أنوي وضَع جدوٍل قمري ولم يكن لدي ما أبدأ به".
فآلى على نفسه أال
يقَع األمُر مرًة أخرى وهو غيُر متأهٍب له .وبعد سنة ،حصل وولتشر على
فرصته عندما
َخ َس َف القمُر مرة أخرى وأظلمت سماُء تلك الليلة؛ هذه المرة فوق أفِق الغرب بخمَس
عشرَة درجة" .فتناولُت أسطرالبي على الفور" ،لتسجيل مكاِن وساعِة الخسوف].[352
كان وولتشر اسمًا مهمًا في حلقٍة صغيرة من
رجال الدين المحليين الذين تعود أصوُلهم
الشخصيُة والفكرية إلى لوثارنجية
(اللورين ،شرقي فرنسا ،اليوم) التي أتى منها كثيٌر من أعلم رجال
البالط والكنيسة
بإنكلت ار في القرن الحادي عشر .لم يكن يوجد بإنكلت ار آنذاك تعليٌم علمان ُيذكر.
ٌي
وهو ظرف كان قد بدأ يتغير ببطء أول األمر ،ثم احتدم بغزو النورمان إنكلت ار سنة
.1066أحضر
الغ ازُة النورمان معهم إلى إنكلت ار تآليَف ومعلمي أوروبا ألول مرة
،لكَّن األمر كان سيستغرق حتى
1130لتأسيس أوِل تجمٍع سكوالستي جدي بأكسفورد]
.[353كان أسقف باث وويلز الراحل،
جيزو ،الذي َخ َلَف ه معلُم آديالرد الخاص جون دي
ڤيلوالَ ،ع َلمًا آخَر من أعالم تلك الحركة الفكرية
الحرة]
.[354وكذلك كان روبرت ،أسقُف هيريفورد؛ وهو فلك ورياض متوقد لوثارنج األصل
ُي ٌي ٌي
ٍة
مثل
وولتشر .وعندما كان صديُق ه وزميُله هذا بإيطاليا ،استشار روبرت النجوم في شأن
رحل مقترحة
لحضور حفل افتتاح كاتدرائية لنكولن؛ فأظهرت له قراءُته أن االحتفاَل
لن يقاَم في الموعد المحدد،
وهكذا كان ،فجَّنبه ذلك رحلًة صعبة ما كان لها لزوم].[355
وكان وولتشر قد عمل عن كثب مدًة من الزمن
مع يهودي إسباني متنصر ،اسمه بطرس
ألفونسي ،كان قد أتى إلى ميدالندز بإنكلت ار يحمل
معرفًة أولية في علم الفلك والرياضيات العربية.
وقام االثنان بمحاولٍة لتقديم زيج
الخوارزمي إلى الجمهور الغربي ،فلم يفلحا في ذلك ،وأفلح فيه
آديالرد]
.[356كان بطرس ،الذي ولد وتعلم في جو الثقافِة العربيِة باألندلس ،مجادًال بارعًا.
وكانت خط ه الالذعة ضد اليهود ،إخوته السابقين في الدين ،وضد المسلمين قد قَّر بته
إلى قلوِب
ُب
كثيٍر من أهل السلطة .هذا الرجل الذي يكاد ال يذكره اليوَم أحد ،وكان
تشوسر يسميه بيرز ألفونس،
هو كذلك مؤلف الحكايات الكهنوتية [.])Disciplina Clericalis (The Priestly Tales
وقد ظل هذا العمل يؤثر في
تطور األدب الغربي أمدًا طويًال ،ألنه عَّر ف الق ارَء األوروبيين على
الشكل األدبي
العربي المسمى القصة المرَّك بة - القصة داخل قصة - الذي صار في ما بعد
أكثر
شيوعًا بترجمة ألف ليلة وليلة .وقد تبنى تشوسر نهَج بطرس الروائ في
مؤَّلفه ُهو حكايات
َي
كانتربري [
]Canterbury Talesمثلما فعل بوكاشيو في الديكاميرون [عمل األيام العشرة] [Il
.[357]]Decameroneوقد ساعدت رواياُت بطرس عن مسلك المسلمين ،ومنها التوكيُد
إلى التوحيد ÷ الباطل أَّن عبادة
األصنام استمرت في الكعبة في تحد صارخ لدعوة محمد
الرومانية
األقَل مالءمًة ودقة التي كانت ُتستخدم آنذاك بأوروبا]
.[362كان جدوال وولتشر أدَق
بكثير من الجداول القديمة التي كانت تقوم على الرصد المباشر
ولكن على االحتساب
[ ]computusالتقليدي في العصور الوسطى .وبالرغم من ذلك ،ثبت أن جدولي وولتشر
كانا
افتقار فادحًا إلى الكفاية .فلم يلبث أن َو جد ،مثًال ،أن توّق عه
اكتمال البدر عشية السنة
ًا يفتقران
الجديدة 1107 ،كان بعيدًا بست عشرة ساعة].[363
وبالرغم من حداثِة أساِس هما التجريبي ،كان
جدوال وولتشر يعانيان من عيِب تساوي أيام الشهور
المفترض في العصور الوسطى ،ما جعل
الحساباِت منسقة ،أي نعم ،لكنه قلل عدَد أياِم السنة ًا
كثير.
أما النسخُة الفارسية
المعدلة للروزنامة التي وضعها في الوقت نفِس ه تقريبًا العالمة عمر الخيام-
المعروُف في الشرق ليس برباعياته فحسب بل برياضياته الرفيعة الفائقة كذلك
- فقد َح سب طول
السنة الشمسية بدقة إحدى عشرة مرتبًة بعد الفاصلة .كان وولتشر
وزمالؤه ،يفتقرون إلى الفهم
النظري لحركة األجرام السماوية ،لذلك لم يستطيعوا
استغالَل الدقة التي وصلوا إليها حديثًا في
القياسات العلمية .فاحتاجوا إلى مساعدة
الفلكيين العرب].[364
قَّد مت ترجمُة آديالرد زي الخوارزمي
قطعًة واحدة من األحجية ،مانحًة الغر أو إطاللٍة
َب َل َج
حقيقيٍة له على األعمال
الصميمي للعرب في الفلك الرياضي .وق مت هندسُة إقليدس قطعًة ثانية،
َّد ِة
ألنها سمحت
بالتقاط المقادير الضخمة في قياسات األجرام السماوية والتعبير عنها بداللة
"المسافة
الزاوية" نسبًة إلى األرض أو إلى بعضها البعض .كما سمحت بحساب
ورسِم خريطة المواقع
األرضية والسماوية بدقة على كرة أو "مبسوطة" على
خريطٍة فلكية أو مالحيٍة مستوية أو على
القرص الخارجي لألسطرالب .ومع نشر رسالته
األصيلة في استخدام األسطرالب [On the Use
،]of the Astrolabeربما حوالي 1149أو ،1150أحدث آديالرد
مرًة أخرى ثورًة في الطريقة
التي فهم بها الغرب الكوَن من حوله]
.[365كما أبان صراحًة عن الصلة بين التكنولوجيا الجديدة
ُي
وبين الصرح العلمي العربي الضخم
الذي كان يقف أمامه .لقد بات اآلن ممكنًا سبُر أغوار العاَلم
سبر تامًا
،من تعيين الوقت إلى المالحة.
الطبيعي ًا
كان األسطرالب لدى آديالرد أكثَر من مجرد
آلة يوّج هها إلى الشمس أو أي نجٍم بازٍغ آخر ثم
رمز برونزيًا صقيًال لطريقٍة جديدٍة في النظر إلى
يستخدمها ألخذ قياسات أو لتعيين
الوقت؛ لقد كان ًا
العاَلم تستند
إلى الفلسفة القديمة وابتكارات علماء بيت الحكمة العرب .وصار في إمكان اإلنسان،
بهذه اآللة ،قياُس الحركات الزاوية المنتظمة للنجوم والكواكب والبدُء بفك طالسمها
،وكذا استكشاُف
ِد
قوانين الطبيعة والتعمُق في كيفية عمل األشياء كما لم يكن له أن
يفعَل من قبل .فلم َيُع الكوُن
أعجوبًة من أعاجيب الخلق اإللهي التي تتخطى الوصف
فقط؛ بل َتحَّو ل إلى مختبٍر ضخم،
كالوقِت والمسافة مجرداٍت
وموضوٍع للبحث ُيدَر س وُيحَلل كأي موضوٍع آخر
.ولم تعد خواُص
غامضة بل أخذت قيمًا عدديًة حقيقية ،ما
مَّه د السبيل إلى نشوء العلم التجريبي وإيجاد مجتمعاٍت
حديثٍة منظمة.
وفتحت رسالُة آديالرد في استخدام
األسطرالب أعيَن العالم الالتيني ،ألول مرة ،على بدايات
ِع
لم النجوم المتماسك
الشامل ،وأسقطت تعاليَم إيزيدور اإلشبيلي المغلوطة التي تقول إَّن األرَض
مسطحٌة
"كدوالب" وغيَرها من مقوالت الجغرافيا الغربية .في قلب هذه النظرة
الجديدة إلى العالم تقع
الكرة" - المجسُم التام" عند قدامى اليونان
والوحيد الذي يمكن أن يدوَر حول محوره بتناظٍر مطلق،
ُم زيحًا الحيَز نفَس ه من
الفراغ أبدًا - وتمثيُلها المستوي ،الدائرة .يقول آديالرد للذي سيصبح الملَك
هنري الثاني" :بشأن الكون ...وأجزائه المختلفة سأكتب بلسان الالتين ما
عَّلمنيه العرب .لك أن
تظن ،وأنت مطمئن ،أَّن الكوَن ليس مربعًا ،وال مستطيًال ،بل
كرة .وما قيل في الكرة يقال في الكون"
]
.[366وُيهدي آديالرد العمَل إلى هنري ،الذي ربما عمل آديالرد في وقٍت سابق معلَم ًا
خاصًا
له.
يفتتح آديالرد عمَله في األسطرالب ،على طريقة
الخوارزمي وغيِره من العلماء العرب ،الذين
كثير ما يقدمون أعمالهم العلمية
في صورة إجابة إلى دعواِت أصدقاء أو تالميَذ لهم أو َم ن هم كانوا ًا
في رعايته إلى تشاطِر
علمهم معهم .فيخبرنا أن األميَر هنري سأله "عما يقول العرب في الكرة
والدوائر
وحركات النجوم" .هنا ،يتخلى آديالرد ،الذي كان قد أصبح عاِلمًا محترمًا وأو
مستعرٍب
َل
بإنكلترا ،عن طقس التواضع المعهود لمعلميه المسلمين ليعَظ هنري اليافع في
األهمية القصوى للفهم
العلمي للعاَلم الطبيعي .يقول" :تقول إَّن َم ن يسكن
بيتًا وال يعلم مادَته وتركيَبه وَك َم ه ونوَع ه وموقَع ه
وميزَته ال يستحق أن يستظَل
بظله .كذلك إذا ُو لد امرٌؤ ونشأ في قصِر العاَلم وغادر سَن الرشد ولم
يدِر ِلَم
هذا الَج ماُل المدهُش فيه ،ال يستحق أن يعيَش فيه ،ولوال أَّن ذلك غيُر ممكنَ
،لَو َج َب طرُد ه
منه"].[367
يبدأ آديالرد بعرض المبادئ والمفاهيم
األساسية لعلم الفلك الكروي والنظري ،والنقاط األساسية
في الجغرافيا .ويستخدم كرًة
أنموذجًا لكرة األرض ،قبل أن يلَج إلى القدرات الحوسبية لألسطرالب،
موضوع ما تبقى
من الكتاب]ُ
.[368تقدم المصادُر الالتينيُة الموجودة المادَة نفَس ها تقريبًا سوى أَّن
فيها أثٌر
قوٌي ظاهر لعاِلمين عربيين اثنين على األقل .األول ،بالطبع ،هو الخوارزمي ،الذي
َترجم
عنه آديالرد قبل ذاك زيَج السند هندَ .يفترض صاحُب رسالة في
استخدام األسطرالب أَّن القارَئ
مطلٌع على الزيج ،وعلى ترجمِت ه الالتينية هو أصوَل
إقليدس ،وتعتمد الرسالُة بشدة على جداول
تغيير مهمًا على
ًا النجوم العربية إلتمام الحسابات التي
ُتجرى باآللة نفِس ها .كذلك ُيدخل آديالرد
بعض البيانات الفنية
من طبعته من زيج السند هند ،صارفًا خَط الطول المرجعي من قرطبة إلى
باث].[369
يعطي آديالرد ،كما فعل في ترجمته متَن
إقليدس ،األسماَء العربية لمختلف أجزاء األسطرالب
وما يقابلها في الالتينية .كذلك
ُيدرج في دليله إلى زيج الخوارزمي شرحًا كامًال لعمل األسطرالب،
محيًال
المستخِد َم بانتظام إلى البيانات الموجودة في جداول النجوم فيتيح له بالتالي
تحصيَل أعظِم
فائدٍة ممكنة من هذه التكنولوجيا]
.[370أما الصوُت العرب المهُم اآلخر فهو صوت َم سلمة
ُي
المجريطي ،الذي َص َر ف زيج
السند هند ألول مرة إلى خط طول قرطبة وأحَّل التقويَم اإلسالمي محَل
التقويم
الفارسي فيه .يشير آديالرد في موضٍع من الكتاب إلى أسطرالٍب كان لألستاذ المجريطي،
:astrolabium doctoris Almirethiأو أنه أتى من مدرسة الفلكيين الرياضيين التي كان
يمثلها].[371
في عرضه "آ ارَء العرب"ُ ،يفرد
آديالرد جانبًا مهمًا الستخدام الدائرة في قياس ورسم الحركات
في كرة الكون ،ما
يوحي بأن هذه الفكرة كانت ال تزال جديدًة على القراء المتعلمين في
الغرب]
.[372وقد كان هذا الفهُم ذا أهميٍة حيوية ،ألن الدائرَة والكرة هما الدرجتان األساسيتان
اللتان توِص الن إلى دراسة للفضاء .هناَ ،تظهر أهميُة رسالة آديالرد في استخدام
األسطرالب ،التي
ُتقِّد م وَتشرح النماذَج المشتركة التي تستند إليها الحركُة
المتصَو رة للفضاء .من ذلك ،المفهوُم المركزي
للكون المتراكز ،المؤَّلِف من ك ارٍت
متداخٍل بعُض ها في بعض تتحكم في الحركات العامة لألجرام
السماوية؛ وما يدعى
األفالك الالمتراكزة لألجرام السماوية؛ تلك التي ُع رفت من قديم الزمان بأنها
الشمس
والقمر وعطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل .لكل واحٍد من هذه األجرام كرُته
الخاصة به
المعطاُة له وكُلها متحلقة حول األرض الواقعة في المركز ،كما يقول
آديالرد ،لكَّن أفالَك ها المستديرة
اكز في دوراناتها المنتظمة]
.[373وثمة
مسار المتر ًا
ًا داخل الكرة تتفاوت بين أوٍج وحضيض راسمًة
ك ارٌت إضافية ،ككرات النجوم الثابتة ،ودقائُق أخرى للمحافظة على السير
المنتظم آللية الكون
كالساعة .واضٌح أن رسالة في استخدام األسطرالب إنما هي
كذلك ،رسالٌة في استخدامه ،أكثر منها
مقدمٌة أصيلة في علم الفلك.
تعكس هذه اآللُة النظريُة المعقدة الجهوَد
البطولية التي بذلها الفلكيون والفالسفة على مدى
قرون لمعالجة مسألة أفالطون
"حفظ المظاهر"؛ أي أخُذ أرصاِد العلماء متعاظمِة الدقة في الحسبان
من
دون تجاوِز الخطوِط األساسيِة الصارمة التي وضعها اليونان وأثبَتها كما يبدو
العقُل السليم .وقد
بَّين تيماوس [ ،]Timaeusفي أسطورة الخلق
ألفالطون ،في القرن الرابع قبل الميالد ،بعَض
ًال ًال
الشروط األساسية :ال بد من أن يكوَن
العاَلم ،الذي صَّيره الخالقُ ،ك ًال كامًال؛ وال بد من أن يكوَن
فريدًا ،ال مثيَل
له؛ وال بد من أن يكوَن منيعًا على التحلل أو الفساد" .من أجل ذلك ،صَّو ر
الخالُق
ِد ِغ ِة ٍة
العالَم على هيئ كر مدورة ،كأنما ُش لت كذلك بآلة ،أط ارُفها متساويُة
البع عن المركز ،هي الشكُل
األتُم األكمُل واألكثُر تجانسًا في الهيئة بين كل
األشكال؛ ألنه [تعالى] اعتبر المتشابَه أجمَل من
المتخالف بما ال يقاس"]
.[374وال بد من أن ينعكَس كماُل العالم السماوي ،في رأي الفالسفة
اليونان ،كذلك في مسير
األجرام السماوية ،فَيسبَح كٌل منها في السماء في فلٍك دائري قديٍم تام.
كذلك ُط ِرحت حوا ارٌت مشابهة حول كروية
األرض .وبدا أن العقَل السليم والتجربَة اليومية
يدعمان ذلك :الهيأُة المدورة التي
تبدو للقمر عند الخسوف؛ ومالحظُة صارية السفينة تهبط تحت
األفق مع ابتعادها عن
الشاطئ؛ أو حتى ظهوُر واختفاُء الكوكبات مع تحرك المرء شماًال أو جنوبًا
من األرض
.وقد أوحت حقيقُة سقوط األجسام ،كالتفاحة ،مثًال ،تسقط من الشجرة نحو مركِز
األرض
،أَّن هذه ال بد من أن تكوَن مركَز الكوِن أيضًاَ .لم تكن هناك آنذاك نظريُة جاذبية
لتفسير
هذه الظاهرة؛ كذلك كان مفهو سكن اإلنسان في مركز الخليقة الكونية دومًا
ذا جاذبيٍة دينيٍة
ُم
واضحة]
.[375فال شك في أَّن هللا جلت قدرُته ما كان لُيخرَج مخلوَق ه األسمى ،اإلنسان[ ،من
الجنة] إلى مكاٍن في الكوِن غيِر ذي شأن.
وال هو َط َرَح وضُع األرض في مركز النجوم
والكواكب أَي مصاعَب عملية في وجه العلم.
فكان في اإلمكان عمومًا تفسيُر الحركات
السماوية إذا اعُتبر أَّن الشمَس تدور في االتجاه المعاكس
حول أرٍض ثابتة ،مرًة في
السنة ،بزاويِة ميالٍن صغيرة عن خط االستواء [السماوي] ،وأَّن "كرة النجوم
الثابتة" تدور مرة في أقَل من أربٍع وعشرين ساعًة بقليل .ونتيجة ذلك ،أمكن
وضُع التقاويم
والمناخات وتعيين الوقت .وحتى اليوم ،ال تزال مبادُئ المالحة
وتحديِد االتجاه كُلها تعمل على ما
يرام عندما تستند إلى نموذج األرض الثابتة.
لكن كانت هناك مسألٌة مقلقةُ ،تعَر ف منذ
القدم باسم "مسألة الكواكب" ،وكان التصميُم على
حلها ذا أهميٍة مركزية
لتطور الفلك الرياضي .فقد الحظ اإلنسان منذ وقٍت طويل أَّن الكواكب
[
- ]planetsوهذه الكلمُة مشتقٌة من المكافئ اليوناني [ ]πλανήτηςلكلمة ""wanderer
[المتحِّي ر] - تخرج بصورٍة دورية عن أفالكها المنتظمة ،فتتوقف هنيهة ،ثم
تتقهقر ،ثم تعود فتتقدم
ثانيًة على مسارها المعهود جهَة الشرق .تحدث هذه الحركة
االرتجاعية لعطارد مرًة كل 116يومًا،
وللمريخ مرًة كل 780يومًا .كذلك تتهادى
الكواكب ببطء ذاَت الشمال وذاَت الجنوب بين النجوم
الثابتة ،بينما تظل عمومًا في
برجها ال تغادره .يكمن السبب ،بالطبع ،في حقيقة أَّن الكواكَب
المنفردَة واألرَض
نفَس ها في حركٍة دائبة؛ وإن أنكر ذلك ُج َّلُة األقدمين واألوسطين ممن كانوا
يعتقدون
بثبات ومركزية األرض للكون كله .أما القمر ،فكانت له مشكالُته الفريدُة
الخاصة؛ فأفالُك ه غيُر
المنتظمِة حول األرض ،التي تتغير حتى ليبلَغ مقداُر ابتعادها
عن المتوسط سبَع ساعاتً ،ا
كثير ما
أحبطت سع َم ن كان يسعى ِم ن الفلكيين الستخدام
هذا الُج رم السماوي شديِد الظهور وسيلًة سهلة
َي
لتعيين الوقت].[376
هنا أيضًا ،كانت ألفالطون الكلمُة األولى
،أن طاَلَب "بحركاٍت منتظمة ومرتبة" من شأنها أن
ٍت
تحفَظ المظاهر .وسرعان
ما ُط ِرحت سلسلُة حلول تشتمل على ك ار متشابكة تدور حول محاوَر
مشتركة حول األرض
التي هي في المركز .لكنها لم تُد م طويًال ،علميًا على األقل .وتخطاها علُم
الفلك
الرياضي بعد قرٍن أو نحِوه ،لكن بعد أن عملت على تشكيل رؤية أرسطو؛ التي كانت ربما
ِع
أكثر دوامًا وأنفَذ رؤية لم كونية في التاريخ المدون .فقد ظل مفهوُم ه للكون الذي
جعل فيه الكواكَب
تدور حول األرض في سلسلٍة من القباب الشفافة سائدًا كنظاٍم علم
كوني حتى أوائل القرن السابع
عشر لم يكد يتغير فيه شيء]
.[377كان الكوُن عند الفالسفة يعَّر ف بثالثة مبادئ :إنه يتألف من
قباٍب شفافٍة دوارة
،تقع األرُض في مركزها؛ وإَّن شكَله مجسٌم كامل ،أي كروي؛ وإَّن األج ارَم التي فيه
تسبح في أفالٍك مستديرة تامِة االستدارة .أما القوُل بِقَد ِم العالم ،التصوِر
اآلخر للفلك األرسطي،
فاختلفت فيه اآلراء .وسوف ُتِلح هذه المسألة في ما بعد على
أعظم المفكرين الموحدين في الديانات
الثالث اليهودية والمسيحية واإلسالمية على
السواء.
كثير؛ بل انتقلت ببساطة من سعة عاَلم الفلسفة وعلم ًا عند أرسطو ،لم تبتعد "مسألة
الكواكب"
الكون إلى
ِض يِق عاَلم الفلك الرياضي .ففي ما قد يعتبر سباَق تسلٍح فكريًا ،راح الفلكيون
يضعون
نماذَج رياضيًة أكثَر تعقيدًا للحركة الكوكبية ،وما إن بدأوا بفعل ذلك ،حتى
برزت لهم فجأًة مشكالٌت
جديدة نتيجة األرصاد والقياسات السماوية الجديدة الفضلى
.فأدخلوا أول األمر سالحين جديدين:
فلك التدوير [ ]epicycleودائرة اإلرجاء [
.]deferentحتى إذا ُض بطت هذه التركيبُة من
الحركات الضبَط الصحيح ،اقتربوا من تفسير حركة
التقهقر الدورية لكل كوكب كما ُيرى من
األرض.
كانِت االختالفاُت البسيطة التي ما كان في
اإلمكان حُلها بهذه التقنيات ُتَح ل أحيانًا بإزاحة
مركِز دائرِة اإلرجاء قليًال عن
األرض .فأوجد هذا ما ُس مي الفلك الالمتراكز [،]eccentric orbit
وهو نهٌج كان مفيدًا
خاصًة لتفسير حركات الشمس التي كانت تبدو في الظاهر غريبة .فبإزاحة
مركز دائرة
اإلرجاء ببطٍء شديد ،استطاع العلماء ،مثًال ،تفسيَر ما رصدوه من واقع أن الشمس
ُتمضي نحو ستة أياٍم بين االعتدالين زيادًة على ما تفعل بين الخريف والربيع]
.[378وتم هذا
البنيان الرياضي المعقد في األخير بطرح نظرية نقطة التعادل [
.]equantفحسب هذا المفهوم،
كانت حركة الكواكب تنتِظ م ،كما ينبغي لها أن تفعَل عند أفالطون
وأتباِع ه ،ال حوَل مركز دائرة
اإلرجاء بل حول نقطٍة أخرى مبتعدٍة عن هذا المركز
.فعندما ُينظر إلى مسير الكوكب من األرض،
متغير أو متراوحًا؛
أما عندما ُينَظ ر إليه من نقطة التعادل المبتعدِة عن المركز،
ًا يبدو هذا المسيُر
فيبدو منتظَم السرعة
والمسافة ،كما ينبغي له أن يكون عند الفالسفة.
كان الرياض اإلسكندراني بطليموس هو َم ن
وضع اللمساِت األخيرة على تركيبة هذه اآللية
ُي
السماوية .وكان هو أيضًا مهندَس نظرية
نقطة التعادل .وكان النظاُم الُم جَم ل في المجسطي من
النجاح في تفسير حركات
الشمس والقمر والكواكب كما ُترى من األرض وتوّق عها لدرجة أنه لم ِد
َيُع
العلماء
َيرجعون إلى األعمال السابقة في الموضوع ،التي اختفى كثيٌر منها عمليًا .وشيئًا
فشيئًا ،بدأ
الفلكيون والرياضيون العرب يتبرمون بنقطة التعادل وخرِقها مبدَأ
الحركِة المستديرِة التامة حول مركٍز
واحد ،األرض .وُبذلت عدُة محاوالٍت جدية
إلصالح النموذج البطلمي ،لكنها كانت تستند في المقام
األول إلى أسٍس نظرية ال
عملية.
َف تحت رسالُة في استخدام األسطرالب
،وقبلها زيُج السند هند ،شهيَة الغرب للفلك وفتحت كذلك
الطريَق من بعد
الستقباِل نظاِم بطليموس وِم ن ثم استيعاِبه في نهاية المطاف .وكان المجسطي
قد
ُترجم إلى الالتينية من األصل اليوناني بصقلية حوالي سنة ،1160لكنه لم ُيعرف
لدى العلماء
والفالسفة الغربيين إال من خالل نسخته المترجمِة من العربية سنة
.[379]1175كذلك ساعدت
رسالُة آديالرد األصيلُة تلك على رواج األسطرالب البرونزي في أوروبا
أَي رواج ،وانتشر استخداُم ه
فيها حتى القرن السابع عشر .كانت الفائدُة العظيمة
لهذه اآللة في قراءة الطالع وغير ذلك من
عمليات صناعة النجوم ،وكذا مالءمتها كأداة
تعليمية ،القوَة الدافعة لالنتشار السريع نسبيًا لهذه
التكنولوجيا الجديدة .وقد
أسمى بطرس آبيالرد وهيلواز ،أشهُر عاشقين سوَء طالع في العصور
الوسطى ،ولَد هما
أسطرالب ،وكانا هما عاِلمين بارعين .وصار لزامًا على كل عالٍم أو أديب يحترم
نفسه
أن يكتَب في األسطرالب ،عاجًال أم آجًال؛ وقد ترك تشوسر في اآللِة مقالًة لم تتم
،أهداها إلى
ابن أخيه.
لكَّن رسالَة آديالرد في استخدام
األسطرالب أسهمت في َم علٍم آخَر مهم؛ هو التسرُب المبكُر
المؤقت إلى الوعي
الغربي لفكر اليونان الوثني في علم الكون .كانِت المتوُن الالتينيُة األولى عن
ِت ِة ٍت
األسطرالب ترِّك ز تقليديًا على موضوعا ثالثة :نظري اإلسقاط اإلستريوغرافي التي
مَّثل الكوَن
المجسَم ثالث األبعاد على سطٍح مستٍو ببعدين (كخريطٍة جغرافيٍة
أو مالحية أو قرِص أسطرالب)،
َي
ِف ِت ِب
وتصميِم وتركي اآللة ،وتعليما استخدامها .أما
جديُد أديالرد ،ذاك الذي أدخله بسرده ووص ه
المبتَك رين لكرات الكون المتراكزة
:فقبٌة شفافٌة خارجية ال ُترى بالعين تقع خارج قبة السماء ،هي التي
َتَه ب األشياَء
التي تحتها القوَة والهيئة .وكانت تلك إضافًة الفتة] [380لم
يكن ذاك [في الحقيقة]
سوى ظل لمفهوم المحِّر ك الثابت عند أرسطو ،الذي َتستمد منه
آلُة الكون حركَتها األبدية لكنه ال
يهتم لشؤون اإلنسان ،وهي فكرٌة سوف تترسخ في
الغرب المسيحي ،حتى تقّض مضاجَع الالهوتيين
والفالسفة التقليديين.
ááá
كان األمُر الصادُر من السلطات الدينية
بجامعة باريس كفيًال بتجميد الدم في العروق ،إن لم
يكن بتجميد السعي الفعلي لتحصيل
العلم الحديث من الشرق" :فلُيسَتخَرج جثمان األستاذ آموري من
القبر
،ولُيطَرَح ن في األرض غيِر الَط هور ،ثم لُيحَر َم ن ِم ن كنائس المنطقة كافة"
.كذلك ،صدر قرار
[ِس نودس باريس] سنة 1210بتسليم ك ارريس دافيد دينان للمطران المحلي
وحرِقها في الحال .وفي
ِس ٍل
فص آخر من األمر نف ه وصٌف للسبب النبيل الذي من أجله
َص َد ر" :ما ينبغي أن ُتق أر كتُب
سر
أو علنًا ،بجامعة باريس ،تحت طائلة الحرمان أرسطو في الفلسفة الطبيعية وال شروُح هاً ،ا
الكنسي لمن يخالف هذا األمر .وسُيعتَبر
مهرطقًا كُل من ُتضبط بحوزته كتاباُت دافيد دينان بعد
الميالد"].[381
وبعد خمس سنوات ،أعادت لوائُح جديدة لجامعة
باريس ،التي كانِت المركَز الرائد للدراسات
الالهوتية في الغرب ،تكريَس الحظر على
تدريس الفلسفة الطبيعية ألرسطو ودروِس تابعيه ،األستاذ
آموري ودافيد دينان .يبدو
أن األمَر األول قد ِز يَغ عنه بل ُتجوِه َل كليًة في كلية الفنون؛ وهو تكتيٌك
ار في المشاكسة التي كانت تزداد حدًة بين الالهوتيين والفالسفة طوال
القرن سيطفو
على السطح مر ًا
الثالث عشر .وقد نَّص األمُر كذلك على فرض قواعَد سلوكيٍة أكثَر دنيويًة على
األستاذين ،منها
منُع هما من التأنق في الَم لبس" :وُيحظر عليهما انتعال حذاء
الكاهن المدَّو ر المزخرف أو طويُل
البوِز المدبب" .ولكن ُس مح لهما ،مع ذلك
،بدعوة األصدقاء والمشاركة في "عدٍد قليل وال غير" من
اجتماعات
واستقباالت الجامعة"].[382
كان لدى سلطات الكنيسة سبٌب وجيه للقلق من
سرعة التغير الذي كان يضرب جامعَة باريَس
وغيَرها من مراكز المعرفة الغربية
الوليدة .فكانِت الضوابُط الكهنوتية قد بدأت ترتخي مع بداية انتقال
محل التعليم
المتقدم من مدارس الكاتدرائيات إلى الجامعات التي راحت تتشكل في المدن األوروبية
من كوكباٍت من المدرسين والطالب .وكان احتكاُر آباِء الكنيسة القديم تعاليَم
الفلسفة والالهوت قد
بدأ يزول بعد قرون .كان الذي وضع القواعد هو القديس أوغسطين
في فجر العصور الوسطى حين
ّل
ُيستشف من النظر إلى المجموعة من عدة جوانب
أن آديالرد ربما كان مؤّلَف - ثماني من
عشر خرائط - الخرائط البروجية
المحفوظة معًا في مخطوطٍة واحدة]
.[403فهي ،أوًال ،تعتمد
على بياناٍت فلكية شبيهٍة بتلك المستمدة من زيج الخوارزمي
المصروِف إلى موقع قرطبة طوًال [زيج
الخوارزمي بتنقيح المجريطي] ،المادة نفسها
التي ترجمها آديالرد أوًال إلى الالتينية وقدمها للغرب .ثم
إَّن العمل يبدي مستوًى
رفيعًا من البراعة والخبرة الفنية ،إال في استخدام البيانات الفلكية القرطبية
بدل
البيانات الفلكية المحلية بإنكلترا ،وذاك خطٌأ فاضح .والسبب الثالث أَّن خرائَط
البروج تفترض
أن يكوَن واضُع ها موضَع ثقة في البالط ،وهذا أمٌر يبدو أن آديالرد
تمتع به في أواخر أيامه .يمكن
َّلِة
إرجاُع ُج الخرائط إلى العام ،1151عندما كان
آديالرد في حوالي السبعين من عمره ،وهو رقٌم
كبير لسنه لكنه ليس غيَر معقول ،اختفى
بعده أثُر آديالرد على الورق ،ما يوحي بأن العاِلَم الجوال،
ومنجَم البالط
،والمستعرَب السامي ربما توفي ليس بعد ذلك بوقٍت طويل.
ومفكر بوطنه
ًا خبير
ًا لقد جعلت آديالرد خبر ه في علوم العرب
عاِلمًا محترمًا وصَّيرته رج دولٍة
َل ُت
إنكلترا .هناك ،حيث
ألهم سلسلًة متصلة من العلماء المغامرين الالمعين ،ما لبث بعُض هم أن تبَع
خطاه في
استشارة العرب في كل شيء من علم النجوم إلى علم الحيوان .وقد استغل آديالرد موقَع ه
في البالط ليطرَح في أحد فصول رسالته في استخدام األسطرالب على هنري
بالنتاجينيت نموذجًا
راديكاليًا لمملكته يكون فيه الملُك فيلسوفًا ،كما يقول
آديالرد للذي سيصبح الملك هنري الثاني ،ألن
الفالسفَة يقولون بالحق ويَّتبعون
العدَل والعقَل الفطريين؛ وأن تكوَن المملكُة متسامحًة مع األديان
والمعتقدات
كافة؛ وأن تعترَف بمرجعية العرب - من علمائهم ومفكريهم - ال بمرجعية
آباء الكنيسة
المتحجرين].[404
الفصل
السابع" أحكم
حكماء العالم"
لم يلبِث العلماء الغربيون المغامرون من
رواِد الدراسات العربية ،وقد ألهب حماسَتهم آديالرد
أوف باث ،وستيفن أوف
پي از وغيُرهما من رواد هذه الدراسات ،أن بدأوا ينتشرون في األصقاع التي
كانت في ما مضى ُم سلمة ،إسبانيا وصقلية وجنوبي إيطاليا وما ُيدعى الشرق الالتيني
،بحثًا عن
متون الفلسفة والفنون والعلوم التي باتِت اآلن متاحًة لهم في تلك
األصقاع .وبدأ الغزو المسيحي،
والتجارة إلى حد أدنى بكثير ،يفتحان األعيَن الغربية
على المكتباِت العربية الكبرى ،ال سيما بإسبانيا
التي حكمها المسلمون ذات يوم
.وظهر على الساحة كثيٌر من القراء المتحمسين .قبل قرون من
سقوط مملكة غرناطة ،آخِر
معقٍل عربي بالمنطقة ،في أيدي جيوش فرديناند وإيزابيال سنة ،1492
أكَّب الالتين
على األعمال التي راح المسلمون يتركونها وراءهم وهم ينسحبون مكَرهين شيئًا فشيئًا
من شبه الجزيرة اإليبيرية .واندفع العلماء الشبان إلى المجهول ،اندفاَع الباحثين
عن الذهب إلى
مظانه ،الكتشاف المتون العربية ومن ثم نقِلها إلى الالتينية قبل أن
يسبَق هم إليها أحد.
وابتداًء من الربع الثاني من القرن الثاني
عشر ،راح علماء غربيون يفتتحون فرادى متاجَر
حيثما وجدوا إمداداٍت معتمدة من الكتب
العربية ورعا ذوي شأن لتمويلها .ففي إسبانيا - المقصِد
ًة
األكثر شعبية لقربها
وغناها الثقافي الهائل - اشتغل كثيٌر من المترجمين في ِفَر ق ،مستخِد مين
مثقفيَن محلييَن يهودًا أو نصارى متمكنين من اللغة العربية ومن لغة القوم المحلية
وسطاَء بين
النص األصلي والنسخة الالتينية النهائية .وأتقن بعضهم العربيَة
والعبرية ،مصممين على اعتصار
غايِة ما يستطيعون اعتصاَره من الوسط األندلسي الغني
،الذي ازدهرت فيه الثقافة اليهودية والثقافة
العربية معًا.
وكان ال بد من أن تقَع أغالٌط وحاالٌت من
سوِء الفهم وسوِء اإلسناد بالنظر إلى الطبيعة
التلقائية لحركة الترجمة تلك .وكانت
سهولُة الوصول إلى النص ووجازُته أهَم في الغالب من محتواه
في اختيار ما يترَج م من
نصوص ،فراجت كتٌب هزيلة وُأهِم لت أخرى جليلة]
.[405وكان ًا
أمر
شائعًا أن َيُظ َن العلماُء المسيحيون األوائل أنفَس هم يقرأون أرسطو
بينما كانوا يقرأون على األرجح
انتشار واسعًا كتٌب
ًا نسخًا غيَر شرعية تسربت إليهم من خالل علم النجوم
العربي .كذلك ،انتشرت
ُنسبت خطًأ إلى أرسطو ،وُس ميت متون
أرسطو الزائفة [ .]Pseudo-Aristotle textsوظهرت
"ترجماٌت " كثيرة لم ُتعَر ف أصوُلها العربية أو
اليونانية ،ما أثار احتماَل أن يكوَن بعُض العلماء أو
األدباء الالتين قد أخفوا
آراءهم غيَر التقليدية خلف واجهِة التبجيل الذي كان يوَلى للعلوم العربية
حديثِة
االكتشاف].[406
كثير من هذه النواقص ما أبداه
المترجمون من اندفاٍع وحماسة شديدين سَّرعا عجلَة نقل عَّو ض ًا
الكتب العربية إلى
الالتينية .وأقبل الناس على تعلم علم الهندسة والرياضيات والفلك مدفوعين أول
األمر
بتعلقهم بعلم النجوم؛ ألَّن كَل هذه العلوم ضروريٌة لالشتغال بقراءة الطالع .وحفزت
المؤلفاُت
العربية ذاُت الشأن في تصانيف العلوم المختلفة على توسيع نطاق الترجمة
ليشمَل الطب،
والصيدلة ،والبصريات ،والسيمياء ،وطرائق استخدام األسطرالب والزيج
.وفي النصف الثاني من
القرن الثاني عشر ،نشطت ترجمُة أمهات الكتب العلمية بفضل
تعاليم الفالسفة العرب.
تدين الكنوز التي وجدها الرحالة الغربيون
في انتظارهم بالكثير للتقاليد العلمية والثقافية والفكرية
التي أرساها أوُل حكام
األندلس العظام ،عبد الرحمن ،الحفيِد الشريد لعاشر الخلفاء األمويين .كان
عبد
الرحمن قد فر من الثورة العباسية ولجأ إلى أخواله البربر بشمالي أفريقيا .ومن
هناك ،وضع
عينيه على كنوز إسبانيا الشهيرِة المجاورة التي ليس بينها وبينه إال
المضيق .وفي بضع سنين،
ٍة ٍت
شكل تحالفًا من البربر ،والمقاتلين العرب الموالين لبني
أمية ،وجماعا ساخط أخرى وعَبَر
المضيق إلى أوروبا في خريف .755
كان شطٌر كبير من شبة الجزيرة [األسبانية]
قد دخل قبل ذلك تحت السيطرة العربية ألكثر من
أربعة عقوٍد خلت ،مذ قاد طارق بن
زياد جيشًا من نحو سبعة آالف رجل ُج َّلُتهم من بربر شمال
أفريقيا وهزم القوَط
الغربيين المسيحيين .وطئت أقداُم هذا القائد وجيِش ه البَر األيبيري في ربيع 711
وابتنى له قلعًة هناك على جبل الصخرة الذي ال يزال يحمل اس ه إلى اليوم
- جبل طارق
َم
[ - ]Gibraltarقبل أن يتقد شماًال ويقتَل ملَك القوط الغربيين
،روديريك [لذريق] .لكَّن طاعون
َم
الشقاق الداخلي حل بساحته من البداية ،وفي صيف
756استغل عبد الرحمن نقاَط الضعف هذه
ليستول على العاصمة ،قرطبة ،ويعلن نفسه حاكمًا
على األندلس.
َي
كان العاه الجديد حريصًا على أال يطال
باللقب والسلطة الدينية للخليفة ،مدركًا حساسياِت
َب ُل
منافسيه العباسيين األقوياء
- لكن أحَد خلفائه سيطالب بهما بعد نحو مائتي سنة - واكتفى بدًال من
ذلك ،بلقب
األمير أو القائد العسكري العادي .وخالل فترِة حكٍم دامت أكثر من ثالثة عقود ،وضع
عبد الرحمن األندلَس التي لم تستقَر حدوُد ها الجغرافيُة قط ،على مساٍر جعلها في
يوٍم من األيام
تنافس أمجاَد اإلمبراطورية الشرقية .وسيدوم بقاُء المسلمين
بإسبانيا قويًا نحو ثمانية قرون.
وكعبد الرحمن نفِس ه ،كانت عربية األصل
الخامُة التي حَّو لت ما كان تحت حكم القوط الغربيين
منطقًة مسيحيًة معزولة إلى
قوٍة أوروبية عظمى ال ِم ريَة فيها ،وإلى ذلك يعود فضُل التحول في
جانٍب كبيٍر منه
.ابتنى األمير لنفسه دارًة ريفية على مشارف قرطبة ،وأسماها ُم نية الرصافة ،على
اسم
عزبة جده بالشام التي اضُط ر األمير الشاب إلى الفرار منها برأسه .وسرعان ما َّز ينت
هذه
الواحُة االصطناعية بغرائب الغراس المجلوبِة من الشرق األوسط كأشجار الرمان
والدراق .وكذلك
ُج لبت إليها من الشرق أوُل شجرة نخيل بإسبانبا ،فألهم وجوُد ها
الحزيُن هذا عبَد الرحمن أبياتًا في
الحنين قارن فيها غربَتها بغربته:
تبَّد ت
لنا وسَط الَّر صافِة نخلٌة
تناءت
بأرض الغرب عن بلِد النخِل
فقلُت
شبيهي في التغُّر ِب والنوى
وطوِل
اكتئابي عن بنَّي وعن أهلي
نشأِت
بأرٍض أنِت فيها غريبٌة
والُم نتأى ِم ثلي][407 فِم ثُلِك
في اإلقصاِء
لكَّن تغيَر الوضع هذا لم يكن بحاٍل من
األحوال ضالًال .فعبقريُة عرب العصور الوسطى تكمن
في قدرتهم الفائقة على تشُّر ِب
األفكار الجديدة وَتبُّيِن وتبني ما يحتاجون إليه من الثقافات األجنبية-
الفارسيِة والهنديِة أوًال ،ثم اليونانية - ثم تعديِل وتحسيِن هذه المفاهيم
لتالئَم متطلباِت هم العمليَة
والفكرية وال سيما الدينية في زمانهم .قال ابُن خلدون
مرًة ،وهو مراقٌب بارع ألحوال البشر وقد أخرج
الغز المسيح عائلَته من األندلس
،إَّن العر ال يستطيعون ببساطة البقا ساكنين" :فغايُة األحواِل
َء َب ُي ُو
العاديِة
كلها عندهم الرحلُة والتغُّلب"]
.[408فكانت النتيجُة انتقاًال مذهًال للناس والفنون والصنائع
حتى النباتات عبر رقعٍة
واسعٍة من العالم المعروف الذي ضم بالَد اإلسالم.
حتى االنقساماُت السياسيُة العميقة في
األمة المسلمة ،سواء صعوُد األندلس في القرن الثامن،
أم تفتُت اإلمبراطورية
العباسية الحقًا ،أم تحلُل األندلس آخَر األمر في القرن الحادي عشر إلى
ممالَك
صغيرة متنازعة ،لم تستطع تحطيَم الروابط األساسية التي وفرها لها المشتَر ُك الديني
واللغوي
والقانوني وغيُر ذلك من قيٍم حضاريٍة مشتركة .في الوقت نفِس هَ ،م نح وجوُد
اإلسالِم في ثالث قارات
قادر على اكتشاف
واستيعاب جملٍة من التقاليد والثقافات التي كانت هذا الديَن َط وًال هائًال ،جعله ًا
ستظل لواله منعزلًة متباعدة .وقد
تمتع العلماُء العرب عمليًا باحتكاٍر عاَلمي للمعرفة في أقاصي
األرض لم ينازعهم
فيه أحد حتى عصر االكتشافات األوروبي .في هكذا بيئة ،ال غرابَة إن كان في
استطاعة
الرازي [مثًال] ،الطبيِب والعاِلِم الشهير ،المعروِف في الغرب باسم
،Rhazesالتحدُث
بدراية في أوائل القرن العاشر عن الخصائص الدوائية لسالالٍت مختلفة من
األشنان التي تنبت في
أقاٍص بعيدة كإسبانيا والهند].[409
وعلى مدى أربعة قرون ،راحت االختراعات من
كل نوع تتدفق بانتظام صوب الغرب من الهند
وفارس والعراق ،عبر مصر ،إلى مسلمي
المغرب؛ الجزائر وتونس والمغرب اليوم؛ وغرب أفريقيا؛
واألندلس جارِة أوروبا
المسيحية المباشرة .فمثًال ،جلب العرب اليمنيون الذين استوطنوا شماَل أفريقيا
واألندلس معهم ما كان سائدًا لديهم من أنظمِة ري وإجراءاٍت إدارية ،وكذا محاصيَل
وتقاناٍت زراعيًة
جديدة ،ونظمًا جديدة لتحسين استخدام األرض وزيادة الغالل]
.[410وبالرغم من أن هذه الحركَة
لن تظَل أحاديَة االتجاه طويًال ،فقد كانت األندلس
وبقيُة العالم اإلسالمي في وقٍت من األوقات هما
أهَم مستفيدين من هذا المخزون
المتعاظم من االختراعات والعلوم والمعرفة التطبيقية الناشئة في
الشرق.
خذ مثًال الباذنجان المعروف .هذا النوع من
الخضروات ،أصُله الهند ،وقد كان شائعًا في بالد
فارس حين فتحها المسلمون ،وسرعان
ما صرَت تجده مشروحًا بالتفصيل في كتب الطبخ والدالئل
الزراعية العربية .بل لقد
قيل فيه شعر .ثم ُأخذ إلى مصر ،فالمغرب ،فاألندلس .ثمة روايٌة من
العصور الوسطى
تصف األنواَع المختلفَة األربعة التي كانت آنذاك معروفًة للباذنجان باألندلس:
"المحلي" ،والقرطبي ،والسوري ،والمصري]
.[411كذلك كان شأن البطيِخ األحمر ،والسبانخ،
والقمِح القاسي الالزِم لفن المعكرونة
اإليطالي الرفيع ،وكثيٍر من األطعمة األخرى الشائعة على
موائد الغرب اليوم؛ تبعت
جميُع ها مسا ارٍت مشابهة .وقد تعَّين في أثناء ذلك تكييُف هذه الغراس
المجلوبة مع
المناخات والظروف الجديدة وإسناُد ها بأنظمة استنباٍت وري معقدة في أغلب األحيان.
فكثيٌر من المحاصيل األندلسية الهامة - كاألرز ،وقصب السكر ،والبرتقال وغيِره
من الحمضيات،
وهذا غيٌض من فيض - كانت أصوُلها ُتزَرع في مناخاٍت ال تعاني من
أحوال الجفاف الصيفي
المعتاد بمنطقة البحر المتوسط .وكانت نظُم الري ،القائمُة على
وسائَل هندسيٍة متطورة تسندها
إجراءاٌت قانونيٌة وإداريٌة معقدة لتنفيِذ ها
وتشاطِرها وصيانِت ها ،ذاَت أهميٍة حيوية لنجاح تلك
المحاصيل على المدى البعيد.
وصار مزارعو األندلس خب ارَء في تحويل
وتجميع وتوزيع المياه للزراعة ،كما يشهد بذلك األثُر
اللغوُي العرب الغني الذي
تركوه في اللغة اإلسبانيةَ :ع َزَق ِ/م عزقة [ ،]azudaوالساقية
ُي
ُت ذا ىأخر ٌتومصطلحا []aceña المائية الصينية/الطاحونة
و [،]noria ة
ر الناعو
و [
،]acequia
صلة
كُلها مشتقٌة من اللغة العربية] .[412وقد
تكررت عمليُة التداوِل من الشرق إلى الغرب
والتكييِف االنتقائي تلك مرًة بعد مرة
،شاملًة كل شيء من أحدث أنماط الموسيقى والمالبس إلى
اإلقبال على الدراسات المتقدمة
في علم النجوم ،والرياضيات ،والطب ،والفلسفة.
فمنذ تأسيسه ،راح البالط العربي يستورد
الكتب ويجذب إليه العلما من الشرق في محاولٍة
َء
مدروسة للتنافس مع العباسيين .كان
من هذه األعمال زيج السند هند للخوارزمي ،الذي لم َيُط ل به
األمر قبل أن
يصَل إلى البالط الغربي بعد إتمامه ببغداد .وقد ترك الص ارُع الطويل بين المأمون
وأخيه على العرش العباسي في أوائل القرن التاسع عددًا من علماء وأطباء وشعراء
البالط مؤقتًا بال
رعاية أو أفق؛ وكان بعُض هم أكثَر من سعيد أن يذهَب ويجرَب حظه
في األندلس .مع ذلك ،لم تكن
قد طارت لألندلس شهرٌة ذاُت شأن في األوساط الفكرية
ببغداد والقاهرة ودمشق .وكان يتطلب األمر
كثير من الرهبة من االضطراب
السياسي أو االجتماعي في الشرق ،أو الرغبة في المكافأة ًا غالبًا
المالية الكبيرة إلقناع
العلماء واألدباء المترددين في الذهاب إلى األندلس لشد الرحال إليها.
من أولئك الذين شدوا إلى األندلس الرحال
الموسيق الشهير زرياب ،الذي َق ِد م من بغداد في
ُي
األق منافسيه أحد من أسود ظروٍف غامضة؛ وُتلمح روايا
معاصرة بأس إلى مكيدٍة ملكية وحسٍد
َل ًى ٌت
موهبًة منه .جلب
زرياب معه مجموعَة أعمال تقدر بآالف األغاني ،وسرعان ما جعلته موهبُته
وشهرُته
مرجَع األسلوِب والذوِق والثقافِة الشعبيِة بقرطبة .وإليه َيرجع الفضُل ُج ُله في
تعريف الناس
المحليين بأسباب التأنق في المعيشة كاستعمال معجون األسنان ،ومزيِل
رائحة اإلبط ،وتناوِل
الوجبات على مراحَل متباينة ،والمطبِخ الفاخر بصفة عامة .ومن
بين الوجوه األخرى التي ظهرت
على المسرح كان المخترع غريب األطوار عباس بن فرناس
،الذي انتهت محاولُته غيُر الموفقة
لتقليد الطير والطيران بجناحين من قمة قصر
األمير ببعض اإلصابات البليغة التي لم تنل مع ذلك
من معنوياته؛ فمضى إلى إنجاز
تقنيٍة لقطع الكريستال ،وبناِء نموذٍج بيتي للنظام الشمسي ،وتصميِم
ساعٍة مائيٍة
معقدة ،تستطيع مالحقَة تغيِر أوقات الصلوات اليومية الخمس].[413
كان الفتح اإلسالمي قد أتى معه إلى طرف
أوروبا الغربي باللغة العربية ،التي سرعان ما
صارِت الوسَط المتعاَر َف عليه
للثقافة الرفيعة وغالبًا للحياة اليومية في أوساط المسلمين وجاليات
اليهود
والنصارى باألندلس وفي ما بين بعضهم بعضًا .وقد َأِس َف ُأسقُف قرطبة في القرن
التاسع أن
بات اللساُن العربي يهدد بزوال الالتينية ،لغِة الكنيسِة الكاثوليكية
،وأصابه الذعر من السرعة
المخيفة التي كان إخوُته في الدين المسيحيون يلتهمون بها
الكتَب العربية بنهم و"ينفقون أمواًال طائلة
في جمع كتبها ...فما عاد المرء
يستطيع أن يخَط رسالًة بسيطًة واحدة بالالتينية إلى صديق ،لكن
ِم
ما أكثَر أولئك
الذين باتوا يجيدون التعبيَر بالعربية وَينظمون ن الشعر بتلك اللغة ما يفوق شعَر
العرب أنفِس هم فنًا وجماًال"].[414
شنت ثلٌة من المحافظين المناوئين للعرب
حملًة لحمل المسيحيين على اإلساءة علنًا إلى النبي
محمد
،طمعًا في أن تؤدَي المعاملُة القاسية للمسيئين إلى التمرد .وقد ُأعدم في الواقع
بعُض÷
هؤالء ممن ُس موا شهداء قرطبة ،لكن ليس قبل أن يحاوَل زعماُء المسلمين
والمسيحيين حَل األزمة
سلمًا .ولم تنتشِر الحركُة قط ،واستعيدت العالقاُت الطيبة
بين أهل الديانتين .ومع ذلك لم تكن
مخاوُف األسقف العميقة بال أساس :فقد ساعد
االنتشاُر الواسع للغة العربية على تحطيم قبضة
اللغة الالتينية على الخطاب األدبي
والعلمي األوروبي ،ممهدًا السبيل إلى ظهور اللغات العامية
واألعماِل العظيمة
للُك تاب "الوطنيين"].[415
وانتشرت اإلبداعاُت األندلسية في شعر الغزل
العربي بأرجاء األندلس وجنوبي فرنسا من خالل
الدبلوماسية والتزاوج والحرب وغير ذلك
من أشكال االتصال عبر خطوط التماس المذهبية .وَح ملت
كثير عن فتيات الجيشا اليابانيات ،تقليَد
ًا مؤسسُة القيان ،أي الفتياِت
المغنيات الالتي ال يختلفن
الشعر
الغنائي والغناِء العربي إلى قصور األندلس .وقدمت هاتيك الجواري ألسيادهن وَم ن كن
في
كنفه صورَة المرأة المحبوبة المتقلبة صعبِة المنال في الغالب ،تماشيًا مع
الحساسية اإليروطيقية لتلك
متحسر" :إَّن القينَة ال تكاد
ًا األيام ،يقول أحُد الكتاب العرب من القرن التاسع في موضوع
القيان
ُتخاِلص
في عشقها ،وال ُتناِص ح في وِّد ها؛ ألنها مكتِس بٌة ومجبولٌة على نصب الِح بال
والَّش َر ك
للمترِّبطين ليقتحموا في ُأنشوطتها"].[416
كانت هذه القيان ُتهدى في بعض األحيان إلى
أمراء النصارى على سبيل المجاملِة الدبلوماسية
أو كجزٍء من دوطة زواج .وكن ُيسَبين
كذلك في المعارك .وقد شهد استيالُء قوٍة من النورمان
وفرساِن جنوبي فرنسا على
مدينة بربشتر [ ]Barbastrالمسلمة [بإمارة سرقسطة] سب مئاٍت من
َي
هذه الجواري رفيعاِت
الثقافة ،وآل أمُر كثيٍر منهن إلى أن أصبحن منادماٍت ومحظيات في القصور
الملكية
بجنوبي فرنسا .كان ممن أفاد من ذلك الشاب غيوم التاسع داكيِت ّن [Guillaume IX
- ]d'Aquitaineالذي كان غالبًا ما يلَق ب بالتروبادور األول أو الشاعر
الغنائي باللسان
األوروبي "الدارج" - وقد نشأ محاطًا بأغاني وأشعار
العرب]َ
.[417يسُهُل على قراء شعر
التروبادور تعُّر ُف الموضوعاِت المتكررة التي تسترجع أغاني
القيان القديمة؛ من الخضوع التام
للمحبوب ،واستخداِم إشا ارٍت خفية ووسطاء
،والنشوِة المتأتية من المكابدة الصامتة والصبر عن
المحبوب].[418
.وسرعان ما برزت إشبيلية كمركٍز لعلم الزراعة ،وارتبط كثيٌر
المدينِة - الدولة على التفرق][426
من النشاط في هذا
الميدان بعمل ابِن بَّص ال وزمالئه [ابِن الحجاج اإلشبيلي ،والطغنري الغرناطي،
وابِن اللونقة الطليطلي] في ’جنة السلطان‘.
ُتسَتهل الرسائُل األندلسية في علم الزراعة
عادًة بأبواٍب في أنواع التراب والمياه واألسمدة
المختلفة ،تتلوها فصوٌل في علم
البيطرة ،والفالحِة والغراسة ،وتربيِة الحيوانات .ويحتوي كثيٌر منها
على جداوَل
زمنية أو تقاويَم للنشاط الزراعي ،إلى جانب نصائَح مهمة في األنواء وما يتصل بذلك
من آالٍت فلكية ،وتقاليَد شعبية ،بل سحر]
.[427ولعل أروَع عمٍل بقي من التقليد اإلشبيلي في
الزراعة كتاُب النباتي المجهول [ُ .]Anonymous Botanistتقِّد م هذه الرسالة محاولًة طموحة
في
التصنيف المنهجي للمملكة النباتية وفق أصوٍل تقترب بوضوح من أصول التصنيف الحديثة،
قبل قرون من ظهور األعمال الغربية [ألندرياس] سيزالبينوس []Andreas
Cesalpinus
[اإليطالي ،ت ]1603 .و[كارلوس] ليناوس [[ ]Carolus Linnaeusالسويدي ،الذي ُط ِبع
عمُله
الفذ Systema Naturaeأوَل مرة سنة .[428]]1735
ِد
وعلى النقيض من الفضول الفكري والتفتِح
الثقافي للعالم العربي ،لم يب الغرُب المسيحي كبيَر
اهتمام بالثورة الخضراء .ففي
األقاليم الثالثة التي انتصر الغرُب فيها عسكريًا على المسلمين في
القرنين الحادي
عشر والثاني عشر - أي إسبانيا وصقلية والدول الصليبية في ’الشرق
األدنى‘-
اختفت االبتكا ارُت الزراعيُة العربية وما أدخله العرُب من محاصيل
عمومًا تحت الََنَظ ارة األوروبية
الجديدة لألرض .فقد كان الفالحون المسيحيون الذين
ُج لبوا للعمل في األراضي المنتَزعة حديثًا غيَر
قادرين على اكتساب المهارات
الالزمة الستزراع هذه المحاصيل التخصصية .وزاد الطيَن ِب لة قسوُة
النظام اإلقطاعي
األوروبي السائد .كذلك أخذ العر المنسحبون معهم المعرفَة بتقنيات السقاية ذاِت
ُب
الحوافُز
االقتصادية َّلِت األهمية الحيوية ،وتدنِت الكثافُة السكانية برحيل الالجئين المسلمين فَق
للزراعة الكثيفة].[429
بدًال من ذلك ،مال المسيحيون إلى االعتماد
على المحاصيل القديمِة المألوفة لكن األقَل نفاسًة،
ال سيما الحبوب والكروم
،واستخدموا الطرائق القديمة في الزراعة .وكانت المحاوالُت الالحقة التباع
األمثلِة
العربية إما أنها تفشل مرًة بعد مرة لنقص الخبرة العملية أو فقداِن التنظيم
المناسب ،أو تأتي
المحاصيُل دون المستوى .وقد اضُط ر فردريك الثاني ملُك صقلية في
أوائل القرن الثالث عشر أن
يرسل في طلب خب ارَء عرب من الشرق األوسط لمساعدته على
إحياء ما كان في يوٍم من األيام
كثير من المسلمين من الجزيرة].[430 ًا صناعًة مزدهرة لقصب السكر قبل أن ُيخِرَج أجداُد ه
واستغرق األمُر أوروبا قرونًا لتبدَي انفتاحًا أَي انفتاح للمحاصيِل الجديدة؛
غرائِب نباتات الزينِة أول
األمر ثم المواد الغذائية والمواد الخام الصناعية
.واضُط رت السلطاُت اإلسبانية ،في مرحلٍة متأخرة
جدًا من عصر النهضة ،بعد مدٍة طويلة
من إجبار آخِر المسلمين على التنصر أو طردهم جملًة
واحدة من البالد ،إلى ترجمة
دليٍل زراعي عربي للحصول على أعظم غالٍل من األرض التي كانت
في يوٍم من األيام
األندلس.
ِة ِت
ومما فاقم العقبا العملي التي كانت
تحول بين إسبانيا وبين تبني االبتكارات العربية الحاجُز
اإليديولوج الذي يكاد
يتعذر تخطيه؛ فكر أَّن طر المسلمين واقتال كل آثاِر الديانِة والثقافِة
َع َد ُة ُي
ِة
اإلسالمية وتحريَر األرض من الغ از األجانب واجٌب على المسيحيين .لم يكن هذا
فتحًا بل
"استعادة"؛ عودة مستلَه َم ة دينيًا إلى الترتيب الطبيعي [هكذا]
لألشياء ،الذي كانت فيه إسبانيا بلدًا
كاثوليكيًا صرفًا ،نق الدِم والقلب .كان
ذلك غالبًا يسَم ى حملًة صليبية ،لكن إسبانيا فضلت تسميته
َي
حمالِت االستعادة أو
االستنقاذ [.]Reconquista
وقد استغرق األمُر وقتًا ،لكَّن حمالِت
االستعادة كانت قوًة عسكريًة وسياسيًة كاسحة ،راحت
تدفع المسلمين على مدى قرون
خارج شبه الجزيرة .في النهاية ،وجدت إسبانيا الكاثوليكية نفَس ها،
دوَن الدوِل
الغربيِة الكبرى ،غيَر قادرٍة تقريبًا على اإلفادة إفادًة مباشرًة من كنوز العلوم
العربية التي
ُتِر كت عمليًا على أعتابها .فعندما سقطت إشبيلية سنة ،1248لم تكن
قواُت االستعادة المسيحية
تدري أَّن مئذنَة الجامع الكبير في المدينة كانت
أيضًا أوَل مرصٍد فلكي بأوروباُ ،بني تحت إشراف
الرياضي [والفلكي العربي المسلم]
جابر بن أفلح .لم يدِر الغزاة ما يفعلونه بهذا الهيكل الشاهق
فحولوه إلى برِج حراسة.
ومع تسارع حركة الترجمة ،بدعٍم قوي من
الكنيسة والدولة ،وقف المسلمون عاجزين ال
يستطيعون منَع استباحِة إرثهم الثقافي
والفكري .وكعالمٍة على اإلحباط الذي وَّلده ذلك في بعض
األوساط ،أغتاظ أحُد رجال
الدين المسلمين من األندلس من متاجرة المسلمين بالكتب العربية .ففي
عصٍر لم يكن قد
ُع رف فيه االقتباُس العلمي الذي نعرفه اليوم وغيُره من األعراف المشابهة ،كان
من
السهل انتحاُل األفكار العربية كابتكا ارٍت غربية .يقول ابن عبدون" :يجب أّال
ُيباَع من اليهود،
وال من النصارى ،كتاُب علم ،إال ما كان من شريعتهم؛ فإنهم يترجمون
كتَب العلوم ،وينسبونها إلى
أهلهم وأساقفتهم ،وهي من تواليف المسلمين"].[431
اجتمع اثنان من أبرز المترجمين األوائل
،هما اإلنكليزي روبرت أوف كيتون [Robert of
]Kettonوالسالفي هرمان أوف
كارنثيا [ ،]Hermann of Carinthiaبإسبانيا في مسعى
دراسٍة وبحث كانا يأمالن أن يتيَح لهما في
يوٍم من األيام اإللماَم بتعقيدات المجسطي .في أثناء
ذلكَ ،ترجم هيرمان المدخَل
الكبير إلى علم أحكام النجوم ببغداد ألبي معشر ،متناوًال النسخَة الكاملة
التي
كان آديالرد أقرَب إلى تفضيل مختَص ِرها ،بينما عَّر ف روبرت الغرَب على علم جبر
الخوارزمي
ووضع أوَل نص التيني في صناعة السيمياء العربية .وكان االثنان يرسالن
بانتظام ترجماِت هما إلى
زمالَء لهما بفرنسا ،حيث أغنت هذه النصوُص مناهَج مدارس
الكاتدرائيات القديمة .من الواضح أن
االثنين كانا يظنان أنهما يحققان تقدمًا في
سعيهما الدؤوب لإلحاطة بالجسم الجليل للعلم العربي.
يتحدث هيرمان ،في أحد المواضع
،عن "النفائس التي أتى [لنا] بها من أعماِق كنوِز العرب سهُر
الليالي الطوال
والعمُل المتأني الدؤوب"]
.[432ويوصي روبرت ،في موضٍع آخر ،باالنتقال بعد
ذلك إلى "كتاٍب في الِن َس ب
،لينفتَح أمامنا طريٌق أوضُح إلى المجسطي (الذي هو الهدُف األسمى
لدراستنا)"].[433
لكن في العام ،1142قطع هذه الملحمَة
الفكريَة الوصوُل غيُر المتوقع من فرنسا لبطرس
الجليل [
،]Peter
the Venerableرئيِس دير كلوني ،الذي كان َيتبع له في قمِة مجِد ه أكثُر من
ستمائة دير ونحُو عشرة
آالف راهب]
.[434كَّلف بطرس الطالبين بمهمٍة غير اعتيادية؛ أول
ترجمٍة التينية للقرآن ،وبعض
األعمال األخرى في عقائد وعبادات المسلمين .ولم يكن روبرت وال
هيرمان ،اللذان كانا
يعمالن معًا في مكاٍن ما بالقرب من نهر إيبرو ،قد أبديا من قبُل قط أدنى
اهتمام
بالمسائل الدينية .وكانا أكثَر من سعيدين أن يتعلما من العلماء والفالسفة المسلمين
ويتركا
الصليبيَة ،العسكريَة أو الفكرية ،لآلخرين.
اضُط ر رئيس الدير إلى دفع مبلٍغ باهظ إلى
الرجلين إلغرائهما بترك بحثهما العلمي الذي
يهويانه ليتوليا هذه المهمة .ومع ذلك
،بدا أنه لم يكن واثقًا كَل الثقة من أنهما على مستوى العمل.
يعترف بطرس بذلك في
رسالٍة إلى زميٍل له في الكنيسة" :وجدتُه ما بإسبانيا قرب إيبرو يدرسان
صناعة
التنجيم ،وأدليُت إليهما بمبلٍغ كبير لدفعهما إلى القيام بهذا العمل .وحرصًا مني
على األمانة
التامة للترجمة ،وأال ُيغَف َل عن شيٍء منها أو ُيحَج َب عنا منها شيء
،عززُت المترجمين المسيحيين
بمسلم"].[435
يقدم مشروُع بطرس وجهَة نظٍر مغايرة مثيرًة
لالهتمام اللتزام الكنيسة الثابت بالحرب ،بعد
خمسين سنًة من دعوة البابا أوربان
الثاني إلى شن الحمالت الصليبية .يتساءل بطرس ،ما الذي
جعل الكنيسَة مصممًة كَل
هذا التصميم على إزهاق أرواح المسلمين بدل إنقاذها بتحويلهم إلى
المسيحية؟ لكن
للقيام بذلك ،يتعين على الغرب أوًال معالجُة جهله المحِزن بالدين [اإلسالمي]"
.لقد
أساءني أال يعلَم الالتين سبَب هذا التردي .ولجهلهم به لم يستطيعوا
التحرَك لتعبئة أي مقاومٍة ضده
[أي اإلسالم]؛ فلم يكن هناك َم ن يرد [عليه] ،ألن
أحدًا لم تكن له درايٌة [به]َ .ع َر َض لي هذا في
تأملي"].[436
كان اتهاُم بطرس نهَج الكنيسة باألحادية
الفكرية اتهامًا كذلك للعلم الالتيني بالبؤس ،ألنه ألقى
بالالئمة على المباالة
الغرب عمومًا بدراسة اللغات األجنبية وطرائق حياة األجانب .كذلك أشار إلى
ِة
أن
المسلمين كانوا "أذكياء ومتعلمين" شدت كتُبهم في العلوم العقلية ودراس
الطبيعة المفكريَن
.وإلى أن تتحسَن معرفة المسيحيين بالمسلمين ،لم يكن واردًا التفكيُر
المسيحيين إلى إسبانيا][437
في أي مفهوم
للصليبية الفكرية .لكن ،ليس من الواضح ما إذا كان ماُل بطرس قد ذهب هباًء أم ال.
ففي محاولته رسَم صورٍة أدَق لإلسالم ،كي يستطيَع تنصيَر المسلمين ،وَق ع بطرس في
بعٍض من
الفخاخ نفِس ها التي سيقع فيها الحقًا كثيٌر من الشارحين المسيحيين األقَل
[حيلًة و]ماًال منه.
أما روبرت ،الذي كان قد لعب الدوَر األكبر
في ترجمة القرآن الكريم ،فكان أقَل من متحمس
للمشروع ككل .يقول في المقدمة ،إنه
كان مستعدًا "آنذاك لترك دراستـ[ـه] األساسية علمي الفلك
والهندسة"
للمشاركة في الترجمة لكنه كان مصممًا على العودة إلى عمل عمره ،ذاك الذي
"ينفذ
إلى ...كل األفالك ،ومقاديِرها ،ومراتِب ها ،وخالئقها ،وخاصًة كل أنماط
حركة النجوم ،وآثاِرها،
وطبائعها"]
.[438كذلك ،هيرمان عاد إلى حياة العاِلم العلماني فور انتهائه من ترجمة القرآن.
ومع
ذلك ،ساعد الماُل والرعايُة والمكانُة المكتسبة من ترجمة القرآن والدعُم الذي حظي
به المشروع
من سلك رهبنة كلوني على تكريس ترجمِة األعماِل العربية كمسع جدير
برعاية الكنيسة].[439
ًى
يمكن تلمُس مقدماِت ذلك في ما شاع من تقليد إهداِء الترجمات الالتينية لعلوم
وفلسفة العرب إلى
رجال الدين البارزين في حينه.
إَّن تصوَر هيرمان وروبرت في البداية
مشروَع الترجمة مدخًال لهما إلى المجسطي لهو دليٌل
على ما كان لهذا العمل
الذي لم يكن قد اسُتوِع ب بعد من قوِة جذٍب هائلة للفكر الغربي في
العصور الوسطى
.فمجرد السماع بوجود نسٍخ عربيٍة منه في المكتبات اإلسبانية كان كافيًا إلرسال
جيرار أوف كريمونا على جناح السرعة لرؤيته بنفسه .هكذا كان مقداُر جاذبيته .كان
جيرار أغزَر
المترجمين عمًال في النصف الثاني من القرن الثاني عشر وظل [عاكفًا على
الترجمة] بإسبانيا حتى
نقَل إلى الالتينية أكثَر من سبعين متنًا عربيًا .وكان ِم ن
بين ما أنجز الهدَف األول لشوقه الفكري:
نسخًة التينيًة من المجسطي .وقد
القت هذه النسخة ِم ن الرواِج بين علماء العصور الوسطى ما لم
تالِقه أُي نسخٍة أخرى
منه ،وكانت أوَل نسخٍة ُتطبع من المجسطي ،وتظهر بالبندقية سنة
.[440]1515
ِل
يعكس تقريٌظ لتالمذة جيرار مقداَر تأثير
عم بطليموس العظيِم هذا على معلمهم" :تلّق ى العلَم
وهو صغير بمراكز دراسة
الفلسفة وتوَّص ل إلى معرفة كل ما كان معروفًا لالتين في ذلك الحين؛
ولكن لتعلِقِه
بالمجسطي ،الذي لم يجده عند الالتين َبت ،ذهب إلى طليطلة؛ وبعد أن رأى هناك ما
رأى
من كثرة الكتب العربية في كل فن ،وِم ن حسرته أال يجَد عند الالتين كَل هذه
األشياء ،تعلم
ِت ِت
اللغَة العربية ،ليتمكَن من الترجمة .وهكذا ،بجمعه اللغا إلى
العلوم ... ،نقل كتابا العرب نقَل
الرجِل الحكيم الذي تجّو ل في حقٍل أخضر ،ونظر
أُي الورود أجمل فجمَع منها إكليًال؛ وظل ينقل
إلى العاَلم الالتيني (كما لو كان
ينقل إلى ورثٍة له أع ازَء عليه) ما استطاع نقَله من كتب ...بأدق
وأوضِح ما استطاَع
ِع بارة ،حتى وافته المنية"].[441
من الترجمات الكثيرة التي ُتنسب إلى جيرار
وفريِقه كتُب طب وأدلُة جراحة ،منها كتاُب ابن
سينا العظيم القانون في الطب؛
وكتاُب األنواء القرطبي؛ ورسائُل متنوعة في السيمياء والكيمياِء وعلِم
النجوم وعلِم الفلك والرياضياِت والبصريات وعلِم األوزان [والمكاييل]]
.[442وفي نقلٍة مهمة ،بعيدًا
كثير من الترجمات ًا عن االهتمامات التقنيِة الصرفة لمدارس الكاتدرائيات
الفرنسية التي أملت
السابقة ،بدأ جيرار وفريُق ه توسعَة اآلفاِق
الفكريِة للغرب بإدخاله إليه مجموعًة أوسَع من أعمال
اليونان في الفلسفة والطبيعة
،وكتابات الفالسفة والعلماء العرب أنفِس هم.
لئن كانِت الطرائق القديمة محكومًة
بالمتطلبات الضيقة لمنهاج الدراسة بمدارس الكاتدرائيات
القائم على العلوم العقلية
السبعة ،وهو منهٌج لم َيترك فسحًة حقيقيًة لدراسة العاَلم الطبيعي ،فإَّن هذا
الِع لَم المستقى من العرب يكون قد أهدى المفكرين المسيحيين سبًال جديدة الكتشاف
العاَلم من
حولهم .وَّك َد هذا التحوَل الجذري العاِلُم اليهودُي المشارك في
[مشروع] الترجمة ،إبراهيُم بن داوود
ِن
[ ،]Avendauthبنقله إلى الالتينية
عمَل اب سينا الفلسفي مقالة في النفس :يقول" :سَيعَلُم الق ارُء
الالتين علَم اليقين شيئًا لم يكن معلومًا لهم من َق بل ،أي حقيقة وجود الروح ،وما
هو ،وما صفاُته
بالقياس إلى جوهره ونشاطه ،وسَيثبت ذلك لهم بالبرهان العقلي
الصحيح ...هاُك ُم اآلن كتابًا مترجمًا
من العربيةَ ،ج َم َع مؤلُف ه ،والحُق يقال
،كَل ما قال أرسطو في كتابه عن النفس ،والحس والمحسوس،
والعقِل والمعقول"].[443
كثير من أفضل وألمع عقول العالموبالرغم من أَّن الزخَم الفكري المنساَح من
األندلس قد جذب ًا
المسيحي - من أمثال جيرار
وروبرت وهيرمان وبطرس الجليل - يبدو أن شبَه الجزيرة األيبيرية لم
كثير آديالرد أوف باث ،قبَل ال أكثَر من جيٍل واحٍد فقط .وَلَّم ا لم يأِت على
ذكر إسبانيا في ما
ًا تغِر
بقي من كتاباته ،فإنه ال سبيَل إلى معرفة ِلَم َلم يتجه مباشرًة
من الون بفرنسا إلى إسبانيا ،وفَّض ل
على ذلك الرحلَة األشق إلى الجنوب والشرق؛ إلى
صقلية أوًال ثم إلى إمارة أنطاكية الصليبية .لعل
أحَد األسباب ما كان من روابَط
قديمة بين الجالية البندكتية البارزة في باث بلِد آديالرد األم وبين
تلك التي كانت
بصقلية ،حيث نزل ضيفًا على األسقف البندكتي المحلي ،في حي تجار پي از الرحب
بأنطاكية.
على النقيِض منه ،يبدو العاِلُم األصغر
دانييل أوف مورلي [ ]Daniel of Morleyكأنه
يتحدث بلسان كثيٍر من أفراد الجيل األحدث عندما يستذكر بعد
سنواٍت من عودته إلى الوطن كيف
نفور من
تدني المستوى العلمي لألساتذِة هناكَ .ك تب في سافر إلى إسبانيا بعد تركه دراسته بباريس ًا
ٍت
وق ما بعد 1175يقول" :منذ
مدة عندما غادرُت إنكلت ار لمتابعة دراستي األكاديمية وأمضيُت
بباريس بعَض الوقت
،وجدُت هنالك بهائَم متربعين على كراسي األساتذة ويتمتعون بسلطٍة خطرة...
لقد كان
ِم ن جهل هؤالء أنهم كانوا يقفون جامدين كالتماثيل ،متظاهرين بالحكمة بالتزام
الصمت.
لكنني عندما سمعت بمذهب العرب ...وكان هو السائَد بطليطلة في تلك األيامُ
،هرعت إليها بأسرع
ما استطعت ،ألستمَع إلى أحكم حكماء العالم"].[444
وبعد أن َد َرَس مع جيرار أوف كريمونا
وآخرين ،عاد دانييل إلى إنكلت ار "بكنٍز ضخم" من الكتب
سائر
في ذلك على مذهب آديالرد أوف باث .ولدى عودته ،طلب األسقف جون أوف ًا العربية،
نورويتش ،وكان
نفُس ه دارسًا لعلم الفلك ،من العاِلم الرحالة أن يكتَب رسالًة في الزيج المنَق ح
المعروِف بالزيج الطليطلي [[ ]Toledan Tablesإلبراهيم بن يحيى
الزرقالي المعروف في الغرب
باسم .]Arzachelوبدًال من كتابة مقالة
عن آِخ ر ما استجد في الفكر الفلكي ،كتب دانييل في
علم الكون المنهجي ،فكان ذلك
أوَل عمٍل في الغرب مستوح كليًا من "مذهب العرب" ،ال سيما
ًى
النظرة
األرسطية إلى العاَلم ألبي معشر ،العاِلم في صناعة أحكام النجوم]
.[445ففي إحدى
طبعات هذا العمل عشرُة اقتباسات على األقل من المدخل الكبير في صناعة
أحكام النجوم،
واستشهاٌد بأبي معشر في كل شيء تقريبًا من تركيب األجرام
السماوية إلى الحركة المستديرة التامة
ومصدِر اللون]
.[446أَّم ا غيُر ذلك ِم ن إحاالت فإلى أعماٍل عربيٍة أخرى في الفلسفة الطبيعية
ألرسطو
وقراءٍة متأنية لرسالة آديالرد في استخدام األسطرالب].[447
تناول علماُء بيت الحكمة العرب كالسيكياِت
الفلسفة والعلوم اليونانية على طريقتهم ابتداًء من
أوائل القرن التاسع ،واضعين
بشكٍل منهجي أساسًا متينًا ألبحاثهم األصيلة الخاصة .وبعد ثالثمائة
سنة ،إذ لم
يوَهِب الغرُب هذا الترف؛ راح مترجموه بدًال من ذلك ُيغرقون العاَلم المسيحي
بنصوٍص
قديمة وشروٍح وبدٍع علمية وفلسفيٍة عربيٍة أحدث .هزت صدمُة وصوِل الفلسفة
الوثنية ،في زي
عربي مغٍر مطرٍز بالسحِر والتنجيم ،العلماَء الغربيين فأسقطت عن
أعينهم الغشاوَة التي كانت
تجعلهم ينظرون إلى العالم نظرًة ضيقًة وأجبرتهم على
مواجهة أسئلٍة ثقيلة عن طبيعة الكون،
وتعريِف المعرفة ،بل ووجوِد هللا .وسرعان ما
هيمن المفكرون العرب على العلم الالتيني .كانِت
المرجعياُت المسيحيُة التقليدية
،كأوغطسين وبيديُ ،تنَّح ى جانبًا ،لتحَل محلها في األدبيات العلمية
الغربية وتترسخ
شيئًا فشيئًا كلماٌت ومصطلحاٌت وجمٌل عربية؛ كأسماء النجوم ،مثًال ،وعشرات
المصطلحات الفنية.
أما عند الطبقة الصاعدة الجديدة من
العلماء ،المفكرين المتجولين كدانييل أوف مورلي ،فكان
األمُر واضحًا تمامًا"
:فلنستعر من حكماء الوثنيين ما عندهم من حكمٍة وبيان ،ثم بعون هللا ومشيئته
نسلبهم إياه .ولنأخذ من الكفرِة بإيمان ما نغني به أنفَس نا ِم ن غنائم"][
.[448لكن] لم يكن هذا
االختالُس الفكري من دون مصاعَب عملية .فقد اكتشف المترجمون
األوائل ،مثًال ،أن الالتينية أفقُر
بالمفردات من أن تجارَي لغَة العرب الفلسفيَة
والعلمية.
كان آديالرد أوف باث قد اعترف من قبُل غيَر
مضطر بأَّن العرَب هم أساتذُته ،وهو تقليٌد اتبعه
أولئك الذين أتوا من بعده .فراح
هاغ أوف سانتاال المترجم ،زميُل روبرت وهيرمان المقرُب إليهما،
يحض زمالءه
العلماَء على اتباع سبيل المسلمين [يقصد العرب] في علم الفلك" :إنه َلَيحُس ن
بنا
ِل تقليُد العرب ،ال سيما وأنهم إن صح التعبير أساتذُتنا الذين سبقونا في هذا الفن"][449
.وأقر عا ٌم
آخُر بأَّن العرَب هم القوُم الوحيدون الذين فهموا علَم الهندسة حَق
الفهم .لقد كانت مكانُة [العرب]
المسلمين بإنكلت ار القرن الثاني عشر من القوة أن
دعت أتباَع هنري الثاني ،الذي كان يومًا تلميَذ
آديالرد ،إلى تهديد البابا بأَّن
سيَد هم قد يتحول إلى اإلسالم ليتخلَص من ذلك "الكاهن المتطفل"،
توماس
بيكيت ،كبيِر أساقفة كانتربري]
.[450فكان الحل ،في هذه الحال ،إسكاَت بيكيت فأُس ِك ت.
في بحوثه العلمية ،تجاهل آديالرد أوف باث
إلى حد بعيد النصوَص الفلسفية أو النظرية .وهو
قد آثر ،على أي حال ،أن يترجَم
مختصَر عمِل أبي معشر الكبير ،من دون نواِت ِه الفلسفيِة الحيوية.
وقد أملت ميوُله
القويُة إلى المعارف األكثَر تقنيًة ،كعلم الفلك عند العرب وصناعِة النجوم عندهم،
اتجاَه الموجِة األولى من الترجمات الالتينية التي ُع ِم لت بإسبانيا .ومع حلول
القرن الثالث عشر،
كان الغرب قد غرق حتى أذنيه بنصوٍص متنافسة في علم الفلك ،ما
َح َم َل أوليفر أوف بريتاني على
التشكي قائًال" :يكاد ال يكفي المرَء يوٌم
كامل ليق أر [وحسب] عناويَن كتب [علم الفلك] التي ال ُتَع د
وأسماَء مؤلفيها"].[451
لكَّن تمرَس العلماِء الغربيين اآلخَذ في
االزدياد َع نى أَّن المسألَة باتت مسألَة وقت قبل أن
يغامَر هؤالء باالنتقال من
ساحة التهديد الضمني خفيِف الوطأة نوعًا ما لمفهوم اإلرادة الحرة في
الدين
المسيحي :علِم الفلك والنجوم ،إلى ساحة التهديد الصريح :علِم الكون وما بعد
الطبيعة لدى
العرب واليونان .كان الشخَص الذي ردم الهوة بين الساحتين هو مايكل
سكوت [Michael
،]Scottتلك القامُة العلميُة الشامخة ،التي رسمت في النصف األول من
القرن الثالث عشر مساَر
الفلسفة والرياضيات والعلوم أكثر مما فعلت أُي شخصيٍة
غربيٍة أخرى .ولئن كان آديالرد أوف باث
قضم قضمًة من الدراسات العربية قبل مائة
سنة ،فقد التهم مايكل سكوت العلَم العرب كله؛ في
َي
طليطلة أوًال ثم في صقلية ،في
بالط اإلمبراطوِر الروماني فردريك الثاني.
ال ُيعَر ف الكثير عن المراحل المبكرة لحياة
مايكل]
.[452إال أنه ُو لد بمكاٍن ما باسكتلندا
أواخَر القرن الثاني عشر ،وظهر باسم األستاذ
مايكل سكوت في مخطوطاٍت من العصور الوسطى،
ًال
ٍة ٍة
ما يوحي بأنه كان حاصًال على درج
علمي ما وربما اشتغل كذلك بالتدريس .يؤيد هذا التصوَر
ميُله الطفيف إلى األستذة
في بعض كتاباته وترجماته .فهو َيِع د راعَيه الملكي [فردريك الثاني] في
موضٍع ما
بأنه سيؤلف له عمًال تمهيديًا في علم الفلك "بأسلوٍب لغوي مدرسي شائع"]
،[453بينما
تنسجم إشا ارُته المرجعية األدبيُة والعلميُة واإلنجيليُة جميعًا مع الرطانة
الجامعية السائدِة في أيامه.
وقد كانت لديه معرفٌة طبيٌة واسعة ،وَك َتَب عن أثر
السماء على صحة اإلنسان ،وربما حصل في
مرحلٍة ما على تعليٍم طبي رسمي .وقد ورد
ِذ كره في سجل شهير ألطباء القرن السادس عشر :اللقب
مايكل ،المهنة طبيب ،البلد
سكوت"]
.[454وُتقدم مخطوطٌة التينية وصفاٍت سيميائيًة ُذ ِك ر فيها
أنها ُأِخ ذت من "كتاب ،MSطبيِب
اإلمبراطور فردريك"].[455
وعلى مر العصور ،أضفى كثيرون خياالٍت
وأساطيَر إلى األعماق المظلمة لسيرة حياة مايكل.
فقيل لنا ،مثًال ،إن مها ارِت ه في
التنجيم جعلته يتوّق ع سبب وفاتِه ُهو؛ أَّن صخرًة صغيرة ستقع فوق
رأسه .فصَمَم
لذلك خوذًة معدنية وراح يضعها َح َذ َر األمر .وتقول إحدى نسِخ الرواية إَّن هذا
التوّق ع
تحّق ق في يوٍم من األيام عندما كشف عن رأسه مرًة في قداس ،فانقلعت في تلك
اللحظة حجرٌة
ملساُء من سقف الكنيسة وهوت على رأسه فكشطته؛ عاين مايكل الَح جَر
والجرَح الطفيَف الذي
أصابه ،وأسرع إلى بيته لترتيب أموره ،وإن هي إال أيام حتى
توفي .وكان قد حَّذ ر قبل ذلك فردريك،
الذي كان يعمل لديه منجمًا وطبيبًا ،أال يدَع
الحالَق الملكي يفصده ،وكان ذلك إج ارًء طبيًا معتادًا.
فتجاهل الملُك النصيحة ومات
من التهاٍب [معوٍي ] أصابه بعد حادثٍة غريبة.
وقيل إَّن توّق عات مايكل بما ستؤول إليه
مغام ارُت فردريك العسكرية كانت شديدَة الدقة .يستذكر
مؤخر إلى البالط الملكي ،كيف توّق ع مايكل ًا الشاعر هنري أوف آڤرانش ،الذي
كان قد انضم
انتصار اإلمبراطور في حربه
المرسومة على مدن لومبارد ،قبل أن تبدأ الحملُة سنة .1236ثم
يصف الشاعُر موَت
المنِّج م:
وَلَّم ا
إلى القوِل َهَّم َو َج م
وَلَّم ا
َيُبح بالذي قد َكَتم
هوى
نجُم َم ن كان يرعى النجوم
وصار
الذي كان شيئًا َع َد م][456
As he was about to say more, he became silent and,
Not permitting his secrets to be published to the
world,
Bade that his breath be spent on thin air,
Thus the inquisitor of the Fates submitted to Fate52.
خالل مسيرة حياته المهنية المنوعة والغنية
،ظهر مايكل كأول خبيٍر حقيقي بأرسطو؛ وكمترجٍم
للنصوص األصيلة في علم الفلك وما بعد
الطبيعة العربيين؛ وُم علٍم ألحد أعظم عباقرة الرياضيات
في الغرب؛ ومؤلٍف ألعماٍل
أصيلة في علم النجوم ،وعلِم التشريح البشري ،وعلِم وظائف األعضاء،
وعلِم الفراسة
.وفي عصر األمّية الجماعية ،كان تعُلُم ه هذه العلوم الخفية وارتباُط ه بالتعاليم
العربية
كافَيين لجعله في أعين الناس عرافًا.
بالنظر إلى كل ما َع ِلق باسمه في النهاية
من أعماٍل شريرٍة وغريبة ،كان مايكل سكوت إلى حد
بعيد نتاَج تغي ارٍت اجتماعيٍة
واقتصاديٍة واسعة كانت تتشكل شيئًا فشيئًا في الغرب منذ القرن العاشر
أو نحوه ،ال
سيما ظهور اقتصاٍد نقدي وما ارتبط به من صعود بلداٍت ومدن]
.[457لم تكن
أوروبا في بدايات العصور الوسطى تعرف شيئًا عن كبريات المراكز السياسية
والثقافية والتجارية
اإلسالمية؛ بغداد والقاهرة ودمشق وقرطبة .وقد أثبت العرب أنهم
بناؤو مدٍن عظام ،وكانت هذه
المراك الحضرية أساسيًة للمشروع اإلسالمي ،فهي التي
أَّم نت أماك تالقي األفكار ،ومستودعاِت
َن ُز
حفظ الكتب ،ودوَر سكِن العلماء
،والمساجَد الضخمة التي كان يستطيع فيها هؤالِء أن ُي لقوا
محاض ارِت هم أو دروَس هم
.وآَو ت حوانيَت المشتغلين بلوازِم مهنِة الفكر ِم ن نساخيَن ،وُص ناِع ورق،
وُك تبييَن ،وباعِة كتب .ووَّلد أصحاُب حوانيت وتجاُر المدن من الفوائض النقدية
وأوقاِت الفراغ ما
جعل الحياَة الفكريَة ممكنًة في المقام األول .وبما اتسمت به
الحياة في المدينة العربية من تقسيٍم
للعمل ،كان ثمة متسٌع كبير للمفكر والمدرس
والكاتب.
أما المدُن األوروبية في العصور الوسطى
فكان أغلُبها حصيلًة متواضعة لنمو ثكناٍت حربية ،أو
مراكَز كنسية ،أو أنها تحجرت
شيئًا فشيئًا حول بلداِت سوٍق مركزية منتشرٍة على طول طرقات
التجارِة التقليدية
،ونما بعُض ها من مستوطناٍت تعود إلى أيام الرومان .لكَّن كَل هذا تغَّيَر مع بداية
انحالل نظام اإلقطاع في الريف ،وهجَر الفالحون األرَض التي كانت تكبلهم ليشقوا
طريقهم إلى
المراكز الُم ُد نية المتنامية .هناك ،اشتغلوا بالتجارة ،مستغلين ما أدى
إليه توسُع التجارة الخارجية
وظهوُر حياة المدن من تحسٍن عام في االقتصاد
األوروبي ،جزئيًا [على األقل] .وسرعان ما
انتظمت الكوميونات الُم ُد نية الجديدة
للدفاع عن مصالحها ضد طبقة النبالء ،والتاج ،والكنيسة.
فأسس أصحاُب الحرف وغيُرهم
من المهنيين نقاباٍت واتحاداٍت مهنية لتنظيم العضوية ،وتخفيِف حدة
المنافسة
،وحمايِة أرزاقهم .من هنا أصُل مصطلح الجامعة [ ]universityالحديث ،الذي كان
ستخ م في البداية لوصف ميدان نشاط [ ،]universeأو مجموِع [
]totalityأعضاِء النقابِة
ُي َد
ٍة
المهنية أو المشتغلين بالمهنة ،قبل أن يتبناه الطالُب واألساتذة
،الذين راحوا يتجمعون بصف غير
رسمية في البلدات والمدن؛ ومع الوقت غابت أصوُل
المصطلح ،وبقي منه ما نعرفه اليوم :مؤسسة
للتعليم العالي].[458
كان مفكرو أوروبا الجدد مختلفين عن مجتمع
العصور الوسطى بما كانوا يتمتعون به من درجٍة
.كذلك كشف عن عاَلٍم يستطيع فيه المرء أن يفهَم بل يستخدَم
الدقيقة لمختلف األمراض][505
قوانَين الطبيعة لخيره
الخاص ،وهي خاصيٌة أساسية سُيعَر ف بها عاَلَم الِع لِم الغربِي الجديد].[506
وكان تأثيُره من القوة أَّن تهافَت الفالسفة ألبي حامد الغزالي ،أول
مؤَّلٍف يهاَج م فيه ابُن سينا وربما
يكون من األعمال المهمة في الفقه اإلسالمي في
العصور الوسطى ،كان يحسبه الغرُب عمومًا
توكيدًا آلراء ابن سينا الفلسفية].[507
عند ابن سيناُ ،هللا وحَد ه الذي ال علَة
له؛ وأنه وحَد ه واجُب الوجود وكُل ما عداه وجوُد ه عنه.
وأَّن كوَنه واجَب الوجوِد
بذاته أطلق سلسلَة حوادث من خالل سلسلِة وسائَط عاقلة [كائنات ُع لوية أو
عقول]
،أوجدت بدورها األج ارَم السماوية والعاَلَم األرضي أحسَن ما يكون اإليجاد .وقد قدمت
هذه
الفكرُة ،المنتقلُة من أواخر الُش َّراح اليونان في القرن الثالث إلى أسالف
ابِن سينا ِم ن الفالسفة العرب
[ال سيما الفارابي] ،بع الطمأنة للمسلمين واليهود
والمسيحيين على السواء :فهي ُترِج ع كل شيٍء
َض
في العالم إلى مصدٍر أوحد ،وتوفر نوعًا
من اإلطار المعقول للخلق]
.[508لكَّن ابَن سينا يرى أَّن
ِم
ن مقتضيات الربوبية [أي الُبرء عن األين والَم تى
]...أال يكوَن العاَلُم حادثًا في زمان [ألن الزماَن
ُو ِج د مع العاَلم ،أي ُخ ِلق معه]؛
وأَّن خلَق العالم ليس ،كما ُيستَش ف من القراءات الشائعة للكتاب
المقدسِ ،فعَل
إرادٍة إلهية فكرُة الخلق وفعُل الخلق فيه منفصالن زمنيًا الواحُد عن اآلخر .ينتج
من
ذلك بالتالي أن العاَلم قديم لكنه "مخلوق" من حيث أنه يعتمد [في
وجوده] على العلة األولى،
المرادفِة هنا هلل].[509
انتقاُد الغزالي الالذُع للقوِل بِقَد م
العالم إنما هو توكيٌد لطالقِة القدرِة اإللهية في وجِه ما يرى أنه
اجت ارٌء من ابن
سينا على الذات اإللهية بتقييِد حريِت ها في التصرف .هنا ،ال بد من أَّن الفقهاء
التقليديين قد شعروا أنهم يقفون على أرٍض صلبٍة من الكتاب ،ألنه كان في استطاعتهم
االستناُد إلى
ظاهر النصوص لدعم حججهم أَّن َهللا يعلم كَل شيء علمًا مطلقًا )َ
...ال َيْع ُز ُب َع ْن ُه ِم ْثَق اُل َذ َّرٍة ِفي
الَّس َم اَو اِت َوَال ِفي اَألْر ِض (
(...سبأ .)3 :عند الغزالي ،يعني مثُل هذا العلم وما يالزمه من قدرة أن
العاَلَم
صيرورٌة متواصلة من الخلق اإللهي المتجدد ،وأَّن َهللا ُيعيد في كل لحظة ترتيَب
الذرات التي
يتكون منها العاَلم .فالحقيقُة هي سلسلٌة متصلٌة من الحقائق
"الجديدة" ،خلق هللا كًال منها بإرادته ولم
ُتمِل أيًا منها الضرورة
.يقول الغزالي [بعبارٍة أخرى في التهافت] ،فإِن احترقت كرُة قطن عند رميها
في النار ،فما ذاك إال ألَّن َهللا في تلك اللحظة أراد لها أن تحترق ،ال ألَّن
اإلح ارَق نتيجٌة الزمة
وطبيعية لرميها في النار .فمفهوُم نا للسبِب والمسَّبِب وهم.
لعل ِم ن حسن حظ الغزالي وِم ن سوئه كذلك أنه
أتى بعد أهم خصومه ،ممَثًال في شخص ابِن
سينا ،ولكن قبل ثاني هؤالء الخصوم ،ممثًال
في شخص ابِن رشد العقالني .لكَّن الغزالي توّق ع ،على
درجٍة ملفتٍة من الدقة ،في تهافت
الفالسفة الكثير من المجادالت التي ستظهر في األعمال القادمة
البن رشد ،ال
سيما رده المباشر الالذع على الغزالي في تهافت التهافت.
لم يكن فردريك الثاني ،أعجوبة العالم [ ،]stupor mundiالحاكَم األوحَد في العصور
ِق
الوسطى الذي
أَّر قته فكرُة َد م العاَلم ،فقد طرح حاكُم األندلس المسلم قبله بخمسين سنة
سؤاًال آخَر
مشابهًا ،أدى إلى وضع شروٍح ألعمال أرسطو ستزعزع األسَس الفكريَة
للمسيحية .ففي وقٍت ما
حوالي سنة ُ ،1168أدِخ ل ابن رشد إلى حضرة السلطان ،أبي
يعقوب يوسف .فارتاع أن وجد نفَس ه
ُم ساقًا إلى مناقشة السلطان مسألَة الخلق .وكان
أبو يعقوب قد أمضى سنواِت ه األولى حاكمًا
إلشبيلية ،حيث انغمس في كبرى مكتبات تلك
المدينة وأحاط نفَس ه بالعلماء والحكماء .وعندما تسلم
السلطنَة سنة 1163صار في
وضٍع يتيح له إطالَق العنان الهتمامه الشخصي الدائم على نحٍو
أكثر علنيًة نوعًا
ما .يستذكر ابُن رشد في ما بعد فيقول" :فكان أوَل ما فاتحني به أميُر
المؤمنين
بعد أن سألني عن اسمي واسِم أبي ونسبي أن ُق ل لي ما أرُيهم في السماء
يعني الفالسفة؟ أقديمٌة
هي أم حادثة؟"].[510
كانت هذه ساحًة خطرة .فالفلسفُة ،بل
وخصُم ها الالهوت ،لم يتمتعا قط بأكثَر من تأثيٍر طفيف
في الحياة الفكرية في
األندلس ،التي بقيت مدًة طويلة تحت تأثير المدرسِة المالكيِة المحافظة في
الفقه
،الذي أعلن مؤسُس ها في يوٍم من األيام أَّن الحكمَة البشرية ال تملك أن تتخطى
القرآَن والسنة:
"العلُم ثالثة :كتاٌب ناطق ،وسنٌة ماضية ،وال أدري"]
.[511ونتيجة ذلك ،عمل العلماُء عمومًا في
ُل
"يصح الشيُء نفُس ه على اإلنسان الذي
َتنُتج أفعاُله عن إرادته ،ما لم يترَّو قبل الفعل .وال يجوز أن
ننسَب إلى هللا
شأَن البشر هذا في الفعل!"].[539
يقود هذا التفكيُر توما إلى اإلقرار
باحتمال صوابيِة رأِي الفالسفِة العرب َم نِط قًا :فالعا أزل
َلُم ٌي
ومخلوٌق معًا
.ويتجنب نهُج ُه فوق ذلك خطَر اعتباِر العاَلِم مشتِر كًا في األزلية مع هللا؛ وهو
مفهوٌم
ينفر منه اليهود والمسيحيون والمسلمون باعتباره ِش ركًا .بالطبع ،يشير توما
من البداية في كتابه
حول ِقَد م العاَلم إلى أَّن َخ لَق ِهللا العاَلَم في
زمٍن معين ركٌن من الديِن ركين في المذهب الكاثوليكي،
لكنه يخُلص بنوٍع من الحدة
إلى أَّن المجادالِت الفلسفيَة المتِع بَة للتقليديين ال تفيد القضية" :وأَّن
بعَض ها واٍه إلى حد أنه من تهافته يبدو أنه ُيضفي أرجحيًة إلى رأي الطرف
المقابل"].[540
ظل توما يعود إلى مسألة ِق م العاَلم مر
بعد مرة طوال حياته ،متطرقًا إلى الموضوع في ستٍة
ًة َد
من أعماله على األقل]
.[541وبدا أنه لم يستوقفه تحٍّد فلسف قط لفكرِة أزليِة الخلق إال واحد ،كان
ٌي
ِج
الغزالي
أوَل من محصه في القرن الحادي عشر ،وهو أن :لو كان العاَلُم ُو د منذ األزل ،لما
كان
ُيحصى عدُد أرواح موتى البشر ،وهو شيٌء اعتبره مفكرو العصور الوسطى مستحيًال
منطقيًا.
يعترف توما بأَّن المسألَة "صعبٌة" حقًا ،لكنه ينِّح يها جانبًا
بعد ذلك بالتلميح إلى أَّن َهللا ربما خلق
اإلنسان في وقٍت ما بعد خلق العاَلِم
األزلي" .زد إلى ذلك أنه ،ال يبدو حتى اآلن أَّن ثمة برهانًا ينفي
قدرَة هللا
على خلق عدٍد كبير ال متناهي الِك َبر حقًا"].[542
أظهر الجداُل حول أزلية الخلق براعَة توما
السكوالستيَة الفائقَة األكيدة ،لكنه مضى به كذلك
إلى صميِم إحدى المسائل الملحة
في العصور الوسطى المتأخرة :العالقِة بين الوحي والعقل .فعند
أهِل الالهوت
والفالسفِة بباريس ،كانت تلك تعني في الحقيقة العالقَة بين قدرِة ِهللا كلِّي
القدرة ،كما
نص عليها الكتاب المقدس ،وبين قوانين الطبيعة ،كما أثبتها أهُل العلم
الحديث .لم تكن تانك
الشخصيتان المتباينتان ،الغزالي المتكلُم المسلُم المرموق
،وبونافنتوري المسيح المطَّو ُب قديسًا،
ُي
على ما بينهما من تباين ،تسمحان بإبقاء أي
مسافٍة حقيقية بين هللا والعالم الطبيعي .فعندهما أَّن ما
يعتبره العلُم قوانيَن
طبيعيًة هو في حقيقة األمر قد ارُت خلٍق إلهيٍة متواصلة ،صيرو ارٌت يمكن إيقاُفها
بل
عكُس ها في أي وقت من دون مقدمات.
في المقابل ،منح توما الفالسفَة الطبيعيين
حريًة أكبَر بكثير ،بمقدار ما ضَّيق في الواقع الساحَة
على الالهوتيين .عَك َس هذا
،ربما ،ما كان وَق َر في نفس الرجل من تبجيل للفالسفة اإلغريق والعرب
واليهود ،حين
كان طالبًا بجامعة نابولي]
.[543إذ يشير توما في كتابه حول ِقَد م العاَلم بنوٍع من
االطمئنان إلى أَّن أيًا
من هؤالء المفكرين العظام لم يَر أَي تناقض بين فكرة ِقَد م العاَلم وكونه مخلوقًا
ًال
من هللا .ويتهكم على خصوِم ه المعاصرين قائًالَ" :لم توَلِد الحكمُة إال مع
أولئك الذين استطاعوا،
لفرط ذكائهم ،كشَف هذا التناقض!"].[544
لكَّن توما أقر ،كذلك بفكٍر ثاقب ،بالحاجة
الملحة إلى نحت تسويٍة ما بين العقل والوحي تدافع
عن العقيدة األساسيِة للكنيسة
وتترك مع ذلك فسحًة للعلم الذي أطلقه العرب .وأُي شيٍء غيَر ذلك
من شأنه أن يحك
على الكنيسة بخوض حرٍب مضنية وربما مهلكة مع قوى العقل .وفي رده الحذِر
َم
على األمر
الذي تلقاه سنة 1271من رئيس السلك الدومينيكاني أن يفت في مزيج من المسائل
َي
الَع َق ديِة والعلم كونية ،قال توماَ" :يدخل عدٌد من هذه البنود في الفلسفة
أكثَر مما يدخل في الدين.
كثير إلى[ ...العقيدة القُد سية] عندما نؤيد
أو نستنكر باسمها أشياَء ليست منها"
ًا وإننا نسيء
]
.[545ويقول كذلك أن ليس من شأن الدين تفسيُر أرسطو [وأفلوطين]].[546
وفي عمله الفذ غيِر المكتمل ،خالصة
الالهوت [ ،]Summa theologiaeيعود توما إلى
ِق
َد م العاَلم ليقوَل
بوجوب عدم الخلط بين العلم والوحي ،فهذا عاَلم وذاك عاَلم منفصٌل عنه" :أْن
يكوَن للعاَلم بداية ...تلك مسألُة إيمان ،ال مسألَة برهان أو علم .وخيٌر لنا أال
ننسى ذلك؛ وإال ،فإذا
ِخ ِم
حملتنا الغطرسُة على محاولة إثبات ما هو ن الدين وما ليس
منه ،فقد ُند ل [على ديننا] براهيَن
غيَر قطعية؛ وإَّن من شأن ذلك أن يمنَح
الكفاَر فرصًة للسخرية [منا] ،ألنهم سيظنون والحالُة هذه
أننا نسِّلم بحقائِق
اإليمان على هكذا أسس"].[547
أليسون
درو" ،في الثابت والمتغير"[The
De Eodem et Diverso] ،في آديالرد أوف باث :عالٌم
ومستعرٌب
][135
إنكليزي من أوائل القرن الثاني عشر ،تحرير تشارلز برِن ت (لندن :معهد
واربرغ.23-17 ،)1987 ،
] [136آديالرد
أوف باث ،برِن ت.91 ،
] [137ابن
النديم ،فهرست ابن النديم ،ترجمة وتحرير بايارد دودج (نيويورك :مطبعة جامعة
كولومبيا[ .650 ،)1970 ،النص
كما ورد في األصل ،كتاب الفهرست للنديم ،تحقيق رضا(
،طهران :تجدد ،)1971 ،الفن الثاني من المقالة السابعة ،ما شاء
هللا .333 ،المقصود
باألحكام طبعًا أحكام النجوم .كذلك ،قد ُيفهم مما قال المؤلف أن ما شاء هللا هذا
كان مسلمًا في عهد
المنصور ،لكّن ابَن النديم يقول إنه "كان يهوديًا في أيام
المنصور وإلى أيام المأمون" أما نوبخت المجوسي فقد أسلم على يد
المنصور ،كما
يقول المسعودي في المروج -المترجم].
] [138بيير
جيوفاني دونيني ،الرحالة والجغرافيون العرب (لندن :إيِّم يل.21 ،)1991 ،
] [139اليعقوبي
،البلدان ،ترجمة غاستون وايت (القاهرة :المعهد العلمي الفرنسي لآلثار الشرقية[ .10 ،)1937
،النص كما ورد
في األصل ،اليعقوبي ،كتاب البلدان( ،ليدن :مطبعة بريل - )1860
،المترجم].
* الخالفة
الغربية التي أسسها األمير عبد الرحمن في األندلس.
] [140ديمتري
غوتاس ،الفكر اليوناني ،والثقافة العربية :حركة الترجمة اليونانية -العربية في
بغداد والمجتمع العباسي المبكر
(لندنَ :ر تِلدج[ .10 ،)1998 ،الكتاب مترجم إلى
العربية( ،بيروت :مركز دراسات الوحدة العربية - )2003 ،المترجم].
] [141المصدر
السابق.14-13 ،
] [142عطية
،الحمالت الصليبية( 209 ،انظر تمهيد ،الحاشية رقم .)8
] [143جوناثان
بلووم ،الورق قبل الطباعة :تاريخ تأثير الورق في العالم اإلسالمي (نيو هيفين
،كونكتيكيت :مطبعة جامعة يالي،
.51-48 ،)2001وحول أوِل مصنٍع للورق بالمدينة ،انظر
غاستون وايت ،بغداد :عاصمة الخالفة العباسية ،ترجمة سيمور
فايلر (نورمان :مطبعة
جامعة أوكالهوما.70 ،)1971 ،
] [144يوهانز
بيدرسون ،الكتاب العربي ،ترجمة جيفري فرنش (برنستون ،نيوجرسي :مطبعة جامعة
برنستون-116 ،)1984 ،
[ .17ذكر المؤلف أن العزيز باهلل كان ثاني الحكام الفاطميين
بينما كان في الحقيقة خامَس هم ( )996-975أما ثانيهم فكان
القائم بأمر هللا
( .)946-934ويبدو أن الخطأ في األصل من بيدرسون (السطر األخير من الصفحة 115من
الكتاب العربي
-المترجم].
] [145المصدر
السابق.16-115 ،
] [146روث
إس .ماكنسون" ،مكتبات بغداد األربع الكبرى في العصور الوسطى" ،اليبراري
كوارترلي .280 :)1932( 2
] [147بيدرسون
،الكتاب العربي[ .52 ،يقع سوق الوراقين بالقرب من حي الصاغة ،كما يقول بيدرسون في
ذيل الصفحة 52من
كتابه هذا ،الحاشية رقم .17ويقول في السطر الرابع من الصفحة
إَّن ح الوراقين يقع "جنوب شرقي" [ال جنوب غربي] المدينة
َي
في: الكتاب لهذا الكامل النص انظر القنوات". إحدى من
"بالقرب المدورة،
- http://www.ghazali.org/manuscript/research/ArabicBook.pdfالمترجم].
] [148صالح
أحمد العلي" ،تأسيس بغداد" ،في المدينة اإلسالمية[ :حلقة دراسية] ،تحرير
أ.هـ .حوراني وإس .إم .شتيرن (أكسفورد:
برونو كاسيريه.90-89 ،)1970 ،
] [149غي
لو سترنج ،بغداد في الخالفة العباسية (وستبورت ،كونكتيكيت :مطبعة غرينوود.17
،)1983 ،
] [150العلي"
،تأسيس بغداد".94-93 ،
] [151المصدر
السابق[ .94 ،النص كما ورد في اليعقوبي ،كتاب البلدان( ،ليدن:مطبعة بريل - )1860 ،المترجم].
] [152سيد
مقبول أحمد ،تاريخ الجغرافيا العربية -اإلسالمية (َع مان :جامعة آل البيت.25
،)1995 ،
] [153مايكل
كووبرسون ،المأمون (أكسفورد :ونوورلد.21-19 ،)2005 ،
] [154اليعقوبي
،البلدان[ 4 ،النص كما ورد في األصل ،كتاب البلدان ،اليعقوبي( ،ليدن :مطبعة بريل - 4 ،)1860
،المترجم].
] [155المصدر
السابق[ .6-5 ،المصدر السابق - 5المترجم].
] [156نقًال
عن العلي" ،تأسيس بغداد".97-96 ،
] [157غوتاس
،الفكر اليوناني ،والثقافة العربية.46-33 ،
] [158المصدر
السابق.43 ،
] [159ابن
خلدون ،المقدمة :مقدمة للتاريخ ،ترجمة وتحرير فرانز روزنتال (برنستون نيوجرسي
:مطبعة جامعة نيوجرسي،)1967 ،
[ 14-113 :3النص كما ورد في األصل ،مقدمة ابن خلدون
،مراجعة سهيل زكار( ،بيروت :دار الفكر ،)2001 ،الفصل
التاسع عشر ،في العلوم العقلية
وأصنافها - 631 ،المترجم].
] [160صاعد
األندلسي ،العلم في العصور الوسطى" :كتاب طبقات األمم" ،ترجمة وتحرير
سمعان آي .سالم وآلوك كومار
(أوستن :مطبعة جامعة تكساس[ .44 ،)1991 ،النص كما ورد
في األصل ،أبو القاسم صاعد األندلسي ،كتاب طبقات األمم
(بيروت :المطبعة
الكاثوليكية لآلباء اليسوعيين 7 ،)1912 ،العلوم عند العرب - 48 ،المترجم].
] [161المسعودي
،مروج الذهب ،ترجمة وتحرير بول لندي وكارولين ستون (لندن :كيغان بول[
.388 ،)1989 ،النص كما ورد
في األصل ،وصف المنصور ،من أول الفقرة -المترجم].
] [162أي
دين سايلي ،المرصد الفلكي في اإلسالم (أنقرة :مطبعة َم جمع التاريخ التركي.53
،)1960 ،
] [163نقًال
عن حنين بن إسحق ،رسالة ،في ماكس مايرهوف" ،إضاءٌة جديدة على حنين بن إسحق
وعصره" ،إيزيس ،8رقم 4
(ِ[ .690 :)1926م ن "رسالة حنين بن إسحق إلى علي
بن يحي في ذكر ما ترجم من كتب جالينوس بعلمه وما لم يترجم" .لم
أعثر على النص
األصلي للرسالة ،وهذه ترجمة عكسية لالقتباس -المترجم].
] [164غوتاس
،الفكر اليوناني ،والثقافة العربية.2 ،
] [165للوقوف
على شرٍح مسهب لألثر العميق الباقي لهذه المنافسة ،انظر صليبا ،العلم اإلسالمي( 72-27 ،انظر تمهيد،
الحاشية رقم .)12
] [166بيدرسون
،الكتاب العربي[ .22-21 ،األديب المذكور هو محمد بن عبد هللا بن محمد بن أبي الفضل
،قال عنه ياقوت
"األديُب النحوُي المفسُر المحدُث الفقيه ،أحُد أدباِء
عصرنا ...أخبرني أن مولَد ه بمرسية سنة سبعين وخمسمائة "...انظر ياقوت
الحموي
،معجم األدباء ،تحقيق إحسان عباس (بيروت :دار الغرب اإلسالمي
-1064 ،)1993 ،المترجم].
] [167البيروني
،تحديد أماكن المدن :تحديد األماكن للبيروني ،ترجمة وتحرير جميل علي (بيروت
:سنتينيال بابليكيشنز،)1967 ،
[ .191النص كما ُنِقل عن البيروني في إمام إبراهيم
أحمد ،تحديد نهايات األقاليم للبيروني( ،القاهرة :الهيئة المصرية العامة
للكتاب - 23 ،)1994
،المترجم].
] [168غوتاس
،الفكر اليوناني ،والثقافة العربية.137 ،
] [169جيه
.إتش .كرامرز" ،لغة القرآن" ،في مختارات أدبية شرقية ،] [Analecta Orientaliaالمجلد ( 2ليدن
،هولندا :إي.
جيه .بريل.65-164 ،)1954 ،
] [170غوتاس
،الفكر اليوناني ،والثقافة العربية.69-65 ،
] [171بيدرسون
،الكتاب العربي.28 ،
] [172نقًال
عن المسعودي ،في كوبرسون ،المأمون[ .22 ،النص كما ورد في مروج الذهب ،لكّن
المسعودي أورد هذا النص في
وصية الرشيد لمؤدب األمين ،ال المأمون كما ُيفهم من
سياق النص اإلنكليزي -المترجم].
] [173ابن
النديم ،فهرست ابن النديم[ .254 ،النص كما ورد في األصل ،كتاب الفهرست للنديم
،تحقيق رضا( ،طهران :تجدد،
،)1971الفن الثاني من المقالة الثالثة (أخبار الملوك
والُك تاب والخطباء والمرَس لين وعمال الخراج وأصحاب الدواوين)،
المأمون
-129 ،المترجم].
] [174نقًال
عن أبو قرة ،في مارك إن .سوانسون" ،التراث المسيحي للمأمون" ،في مسيحيون
في قلب الحكم اإلسالمي ،تحرير ديفيد
توماس (ليدن ،هولندا :إيه .جيه .بريل[ .67
،)2003 ،لم أعثر على النص العربي األصلي ،وهذه ترجمة عكسية .أّم ا أبو قرة
فهو ثاودورس
أبو قرة أسقُف حّران ،الذي حضر مجلَس المأمون وكانت له مجادلة مع متكلميَن مسلميَن
فيه -المترجم].
] [175غوتاس
،الفكر اليوناني ،والثقافة العربية.09-108 ،
] [176لين
ثورنديك" ،المكان الحقيقي لعلم النجوم في تاريخ العلم" ،إيزيس ،46رقم
.277 :)1955( 145
] [177نقًال
عن أبي سهل [بن نوبخت] ،كتاب النهمطان ،في غوتاس ،الفكر اليوناني ،والثقافة
العربية[ .46 ،النص العربي كما
ورد نقًال عن أبي سهل في كتاب الفهرست للنديم
،تحقيق رضا( ،طهران ،تجدد ،)1971 ،الفن األول من المقالة السابعة (في
أخبار
الفالسفة الطبيعيين والمنطقيين ...حكايات في صدر هذه المقالة عن العلماء بلفظهم) - 01-300
،المترجم].
] [178كوبرسون
،المأمون 4-1 ،و.12-111
] [179سايلي
،المرصد الفلكي في اإلسالم.7-4 ،
مؤخر
ألول قياسات جيوديزية إسالمية"،
ًا ] [180نقًال
عن حبش الحاسب ،في ديفيد إيه .كينغ" ،طهاٌة كثر ...وصٌف جديد اكُتِش ف
سهيل -مجلة تاريخ العلوم الدقيقة والطبيعية
في الحضارة اإلسالمية
[Suhayl - Journal for the History of
.the Exact and Natural Sciences in Islamic
Civilisation] I (2000): 217
] [181البيروني
،تحديد األماكن.183 ،
] [182برنار
آر .غولدشتاين" ،تطور علم الفلك في العصر اإلسالمي األول" ،مجلة حوليات
تاريخ العلوم[Nuncius:
.Annali di Storia Della Scienza] 1 (1986): 87
] [183نقًال
عن حبش الحاسب ،في سايلي ،المرصد الفلكي في اإلسالم.57-56 ،
] [184سايلي
،المرصد في اإلسالم.57 ،
] [185هكذا
لفظ العرب اسم المدينة ،كما قرأوها في النصوص الهندية .وقد ارتبط هذا االسم بمدينة
أوجين ،] [Ujjainبوالية
مادهيا براديش.
] [186شرح
ابن المثنى لزيج الخوارزمي ،ترجمة وتحرير برنار آر .غولدشتاين (نيوهيفين
،كونيكتيكيت :مطبعة جامعة يالي،
[ .4-3 ،)1967لم أعثر على النص العربي األصلي وهذه
ترجمٌة عكسية .وقد جاء في جون ديفيد نورث ،ولودي نوتا ،وآري
يوهان فاندرشاخت ،بين
البرهان والتصور ،228 ،]
[Between Demonstration and Imaginationأّن
األصَل العربي لهذا
التعليق ضاع ولم تبَق إال ترجمتاه العبرية والالتينية -المترجم].
] [187دي
.إيه .كينغ وجيه .سامسو" ،الدالئل والجداول الفلكية من العالم اإلسالمي
( :)1900-750تقرير أولي" ،سهيل -مجلة
تاريخ العلوم الدقيقة والطبيعية في
الحضارة اإلسالمية
[Suhayl-Journal for the History of the Exact
.and Natural Sciences in Islamic
Civilisation] II (2001): 31
] [188ديفيد
أوجين سميث ولويس تشارلز كاربنسكي ،األعداد الهندية العربية (بوسطن :جين أند كو[ .6 ،)1911
،النص كما ورد
في كتاب التنبيه واإلشراف للمسعودي (ليدن :مطبعة بريل ،)1893
،باب ِذ كر ُج مٍل من الكالم في ِس نِّي األمم وشهوِرها220 ،
-المترجم].
] [189جورج
إفراه ،التاريخ الشامل لألرقام :مما قبل التاريخ إلى اختراع الحاسوب ،ترجمه [عن
الفرنسية] ديفيد بيلوس ،وإي .إف.
هاردينغ ،وصوفي وود ،وإيان مونك (نيويورك :جون
وايلي.529 ،)2000 ،
] [190أوين
غنغريتش" ،علم الفلك اإلسالمي" ،ساينتيفيك أميركان ( 254إبريل .A70 :)1986
] [191ابن
المثنى ،غولدشتاين.4 ،
] [192ابن
النديم ،فهرست ابن النديم[ .625 ،النص كما ورد في األصل ،كتاب الفهرست للنديم
،تحقيق رضا (طهران ،تجدد،
،)1971الفن الثاني من المقالة السابعة منه (أخبار أصحاب
التعاليم المهندسين واألرثماطيقيين والموسيقيين والُحّس اب
والمنجمين وُص ناع اآلالت
وأصحاب الحيل والحركات) -333 ،المترجم].
] [193كينغ
وسامسو" ،الدالئل والجداول الفلكية".14 ،
] [194برنار
آر .غولدشتاين وديفيد بنغري" ،الجداول الفلكية للخوارزمي في نٍص مصري من
القرن التاسع عشر" ،مجلة الجمعية
االستشراقية األميركية ،98 ،] [Journal of the American Oriental Societyالعدد .99-96 :)1978( 1
] [195سميث
وكاربنسكي ،األعداد الهندية العربية.92 ،
] [196نقًال
عن الخوارزمي ،كتاب الجمع والتفريق بالحساب الهندي ،في إفراه ،التاريخ الشامل
لألرقام.65-364 ،
] [197جيه
.جيه .بيرغرين ،أحداث في رياضيات إسالم العصور الوسطى (نيويورك :سبرينغر -فيرالغ.7 ،)2003
،
] [198الخوارزمي
،جبر محمد بن موسى ،ترجمة وتحرير فردريك روزن (هيل -ديشايم ،ألمانيا :جورج أولمز
فيرالنغ،)1986 ،
[ .3النص األصل كما ورد في الصفحة 2من مقدمة الخوارزمي للكتاب
المختصر في حساب الجبر والمقابلة ،طبعة لندن
انظر: إنكليزية، ترجمٍة
مع كاليفورنيا جامعة مكتبة الموَد عة 1830
- http://www.archive.org/stream/algebraofmohamme00khuwrichالمترجم].
] [199بيرغرين
،أحداث في رياضيات[ .64-63 ،المثال مذكوٌر في ‘كتاب الوصايا’ من الكتاب المختصر في
حساب الجبر
والمقابلة للخوارزمي ،ص ،68-67انظر الحاشية السابقة -المترجم].
] [200المصدر
السابق.7 ،
] [201رشدي
رشاد ،تطور الرياضيات العربية :بين الحساب والجبر ،ترجمة أنجيال .إف .دبليو
.أرمسترونغ (دوردرخت ،هولندا:
منشورات كلوفر األكاديمية.14 ،)1994 ،
] [202أوتو
نوجباور" ،الجداول الفلكية للخوارزمي" ،األكاديمية الدنمركية الملكية
للعلوم واآلداب ،سلسلة تاريخ الفلسفة ،4العدد 2
(.46 :)1962
] [203المصدر
السابق.23 ،
] [204جيمس
إيفانس ،تاريخ علم الفلك القديم وممارسته (نيويورك :مطبعة جامعة أكسفورد.34-23
،)1998 ،
] [205غولدشتاين"
،تطور علم الفلك".87-86 ،
] [206غوتاس
،الفكر اليوناني ،والثقافة العربية.85-75 ،
] [207المصدر
السابق.88 ،
] [208نقًال
عن المسعودي ،مروج الذهب ،في غوتاس ،الفكر اليوناني ،والثقافة العربية[ .89 ،النص
الكامل لمقول المسعودي كما
ورد في المروج ،باب ِذ كر ملوك الروم المتنصرة وهم ملوك
القسطنطينية وُلَم ع من أخبارهم -سبب تنصر قسطنطين -
المترجم].
] [209ابن
النديم ،فهرست ابن النديم[ .84-583 ،النص الكامل كما ورد في األصل ،كتاب الفهرست
للنديم ،تحقيق رضا
(طهران ،تجدد ،)1971 ،الفن األول من المقالة السابعة (في أخبار
الفالسفة الطبيعيين والمنطقيين ...حكايات في صدر هذه
المقالة عن العلماء بلفظهم؛
ِذ كر السبب الذي من أجله كثرت كتب الفلسفة - 04-303 ،)...المترجم].
] [210يذكر
المؤلف هنا المصدر الذي استقى منه الترجمة اإلنكليزية لمعنى هذا النص القرآني
،يقول" :ترجماٌت من القرآن من
مرمدوك بيكتهال ،معنى القرآن العظيم :ترجمة
تفسيرية (نيويورك :ألفريد إيه .نوبف .)1909 ،وقد جرى في بعض المواضع
تحديث
إنكليزية بيكتهال القديمِة بعض الشيء".
] [211جيه
.إتش .كرامرز ،مختارات أدبية شرقية :كتابات اشُتهرت بعد وفاة أصحابها وأعمال مختارة
أقل أهمية (ليدن ،هولندا:
إي .جيه .بريل ،)1954 ،المجلد .38-235 ،2
] [212ألفريد
تي .ويلش" ،محمد :حياة الرسول" ،موسوعة أكسفورد للعالم اإلسالمي المعاصر
(نيويورك :مطبعة جامعة أكسفورد)،
المجلد .159 ،3
] [213دبليو
.مونتغمري واط ،محمد في المدينة (لندن :مطبعة جامعة أكسفورد.195 ،)1956 ،
] [214ابن
يونس ،من ترجمٍة منثورة لقصيدٍة وردت في ديفيد إيه .كينغ ،في تزامٍن مع السماء
:دراسات في التقدير الفلكي للوقت
واآلالت الفلكية في الحضارة اإلسالمية العصر
-وسطى( .ليدن؛ هولندا :إي .جيه .بريلَ .215 ،)2004 ،يذكر كينغ أن
القصيدة منسوبٌة
إلى ابن يونس وإلى الشافعي الفقيِه المعروف ،لكنه يرِّج ح أنها لألول استنادًا إلى
تحليله محتوياِت ها[ .بحثُت في
نثر ،إذ إنها لو ُنسبت إليه لُو جدت على األرجح في ديوانه.
ديوان الشافعي ولم أعثر على شيء يشبه هذه األبيات
المترجمة ًا
البيتان
الوحيدان في ديوان الشافعي اللذان وردت فيهما كلماُت "فرض"
و"صالة" و"القرآن" هما في مدح آل بيت الرسول
شاعر أيضًا ،فلم أجد من أعماله المطبوعة
إال مقتطفات من الزيج
ًا (والصالة عليهم)
.أما ابن يونس الفلكي المصري ،الذي كان
الكبير الحاكمي صادرًة عن مطبعة الجمهورية بباريس سنة
1804مع ترجمٍة فرنسية لكوسان](
[Caussinأستاِذ
اللغة
العربية في الكوّليج دو فرانس آنذاك) .توجد في مقدمة هذه المقتطفات أربعة
أبيات البن يونس ،لكنها بعيدٌة جدًا عن هذه .لذلك،
نثر ،وأوردُت النص اإلنكليزي بعدها للمقابلة
-المترجم].
اُض طررت إلى ترجمة الترجمة
اإلنكليزية لألبيات كما هيً ،ا
] [215كينغ
،في تزامٍن مع السماء.547 ،
] [216المصدر
السابق.xvii ،
] [217نقًال
عن ابن األخَّو ة ،معالم الُق ربة [في طلب الُح سبة] ،في كينغ ،في تزامٍن مع السماء[ .38-637
،النص كما ورد في
األصل -المترجم].
] [218نقًال
عن زين الدين الدمياطي ،أكسفورد ،مخطوطة بودليان اليبراري رقم ،592في ديفيد إيه
.كينغ وريتشارد بي .لورك،
"جداول ومخططات الِقبلة وآالت أخرى ذات صلة"
،في تاريخ علم الخرائط ،المجلد ،2الكتاب ،1علم الخرائط في المجتمعات
اإلسالمية
والجنوب آسيوية التقليدية ،تحرير جيه .بي .هارلي وديفيد وودوورد (شيكاغو :مطبعة
جامعة شيكاغو،)1987 ،
.190
] [219كينغ
ولورك" ،مخططات وخرائط الِقبلة" ،189 ،رقم .3
] [220إيه
.جيه .فنزينك" ،الِقبلة" ،في موسوعة اإلسالم ،المجلد ( 5ليدن ،هولندا
:إيه .جيه .بريل.87 ،)1960 ،
] [221المصدر
السابق[ .93-189 ،مخطوطة في الفلك الشعبي للفلكي محمد بن أبي بكر الفارسي من عدن
،اليمن (ت.
)79-1278تتألف من 12فصًال ،يدور أحدها حول تحديد القبلة بالنجوم
والرياح .المخطوطة محفوظة في ميالنو (MS
Milanانظر:
Biblioteca Ambrosiana X 73 Sup.).
http://adsabs.harvard.edu/full/1982JHA....13..102Hو/أو
- http://islamsci.mcgill.ca/RASI/BEA/Farisi_BEA.htmالمترجم].
] [222ديفيد
إيه .كينغ" ،االتجاه المقدس في اإلسالم :دراسٌة لتفاعل الدين والعلم في
العصور الوسطى" ،مجلة العلوم الشاملة
.[Interdisciplinary Science Reviews] 10 (1985):
321
] [223سليمان
بشير" ،القبلة الشرقية وصالة المسلمين األوائل في الكنائس" ،العالم
اإلسالمي ،81رقم .268 :)1991( 4-3
] [224إيه
.جيه .فنزينك" ،الِقبلة" ،في موسوعة اإلسالم ،المجلد ( 5ليدن ،هولندا
:إيه .جيه .بريل.87 ،)1960 ،
] [225ديفيد
إيه .كينغ ،الفلك في خدمة اإلسالم (بروكفيلد ،فيرمونت :فاريوَر م.257 ،)1993 ،
] [226كارل
شوي" ،جغرافيا مسلمي العصور الوسطى" ،جيوغرافيكال ريفيو ،14رقم [ .261 :)1924(
12عن ياقوت الحموي،
معجم األدباء ،تحقيق إحسان عباس (بيروت :دار الغرب
اإلسالمي - 2331 )1993 ،المترجم].
] [227فؤاد
سيزكين ،الجغرافيا الرياضية وعلم الخرائط في اإلسالم واستمرارهما في الغرب
(فرانكفورت آم مين :معهد تاريخ العلم
العربي -اإلسالمي.60-1:159 ،)2005 ،
] [228بيتر
جيه .لو وبول :يه .شتاينهارت" ،البالطات ذات االثنتي عشرة زاوية وشبه
البلورية في العمارة اإلسالمية
العصروسطى" ،علم .1106 :)2007( 315
] [229دونالد
آر .هيل" ،التكنولوجيا العربية الدقيقة وأثرها في الهندسة الميكانيكية
األوروبية" ،في تأثير العرب ،آغيوس وهيتشكوك،
( 30-29انظر الفصل ،1رقم .)42
] [230المصدر
السابق[ .27 ،الرسالة هي الكتاب الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل
،صدرت محَق قًة عن معهد
التراث العلمي العربي بحلب سنة ،1979المحقق أحمد يوسف
-المترجم].
] [231إيه
.جون كيمرلينغ" ،طرائق علم الخرائط في تحديد القبلة" ،جورنال أوف
جيوغرافي][Journal
of Geography
.101 (2002): 20-22
] [232نقًال
عن المسعودي ،مروج الذهب ،في دونيني ،الرحالة والجغرافيون العرب( 24 ،انظر الفصل
الثالث ،الحاشية رقم .)2
[النص العربي كما ورد في مروج الذهبِ" ،ذ كر جوامع من
األخبار ووصف األرض والبلدان وحنين النفوس على األوطان -
عمر بن الخطاب َيستوِص ف
بقاَع األرض" -المترجم].
] [233دونيني
،الرحالة والجغرافيون العرب.30 ،
] [234المصدر
السابق[ .31 ،المقصود هنا هو أبو إسحق اإلصطخري الفارسي (من القرن العاشر
الميالدي) ،صاحب "المسالك
والممالك" ،الكتاب الذي راجعه وأعاد كتابَته
الرحالُة الجغرافي أبو القاسم ابن حوقل بطلٍب من اإلصطخري نفِس ه ،مضيفًا إليه
إضافاٍت جمة ال سيما خرائط البلدان ،وأسماه" :كتاب المسالك والممالك"
.وُيذكر هنا أن هنالك كتابًا ثالثًا اسمه كذلك "المسالك
والممالك" البن
خردذابه الفارسي وهو أقدم من االثنين -المترجم].
] [235نقًال
عن المسعودي ،كتاب التنبيه واإلشراف ،في سيزكين ،الجغرافيا الرياضية[ .78 ،النص
كما ورد في األصل،
المسعودي ،كتاب التنبيه واإلشراف( ،ليدن :مطبعة بريل ،)1893 ،في
"ذكر األقاليم السبعة وقسمتها وحدودها وما قيل في
طولها وعرضها وما اتصل
بذلك" - 33 ،المترجم].
] [236نقًال
عن أبي عبد هللا الُزهري ،كتاب الجغرافيا ،في سيزكين ،الجغرافيا الرياضية[
.79 ،النص كما ورد في كتاب الجغرافيا،
[مقدمة المؤلف] ،تحقيق محمد حاج صادق (القاهرة
:مكتبة الثقافة الدينية) -المترجم].
] [237دونيني
،الرحالة والجغرافيون العرب[ .36 ،دونيني هنا ينقل عن المسعودي في مروج الذهب ،الذي
ينقل بدوره عن
بطليموس في جغرافيا" :قال المسعودي :وقد َذ َك َر بطليموس في
الكتاب المعروف بجغرافيا صفَة األرض ومدنها وجباَلها وما فيها
من البحار والجزائر
(جمع جزر) واألنهار والعيون وَو َص َف المدَن المأهولَة والمواضَع العامرة ،وأّن
عدَد ها أربعُة آالف مدينة
وخمسمائة وثالئون مدينة في عصره (قال المؤلف إّن عددها
،530لعل ذلك خطأ مطبعي) ...وَذ َك َر في هذا الكتاب ألواَن
جبال الدنيا ...وأن
عدَد ها مائتا جبٍل ونيف ،وَذ َك ر َمقداَرها وما فيها من المعادن والجواهر .و
...أَّن عدَد البحار المحيطة
باألرض خمسُة أبحر ...وأَّن جميَع العيون الكبيرة التي
تنبع من األرض مائتا عين وثالثون عينًا ،دون ما عداها من الصغار،
وأن عدَد األنهار
الكبيرة الجاريِة في األقاليم السبعة على دوام األوقات مائتان وتسعون ًا
نهر - "...المترجم].
] [238سيزكين
،الجغرافية الرياضية.99 ،
] [239نفيس
أحمد ،المسلمون وعلم الجغرافيا (داكا :مطبعة الجامعة[ .4 ،)1980 ،هذا ما وجدته
أقرَب إلى العبارة اإلنكليزية
المقتبسة لنفيس أحمد ""pleases the
king as well as the beggarفي المقدسي ،كتاب أحسن
التقاسيم في
معرفة األقاليم( ،ليدن:مطبعة بريل ،)1877 ،مقدمات وفصول ال بد منها ،9
،وإن كان َو َر َد في سياق بيان النهج الذي اتبعه
الُم قَّد سي في تأليفه كتاَبه
وغايِة اتباعه -المترجم].
] [240الُم قَّد سي
،أحسن التقاسيم في معرفة األقاليم ،ترجمة وتحرير باسيل أنطوني كولنز (ريدينغ
،المملكة المتحدة ،غارِن ت
بابليشينغ[ .3 ،)1994 ،النص كما ورد في األصلِ ،ذ كر ما
عانيُت من األسباب ،44 ،ومقدمات وفصول ال بد منها ،3 ،على
التوالي -المترجم].
] [241المصدر
السابقxxv. [ ،ال يترك الُم قَّد سي
القياَس جملًة واحدة كما قد ُيفهم من كالم المؤلف ،فهو يقول" :واستعملُت
القياَس في مواضَع تَح ُس ن وتليق" ،32 ،ثم تراه في موضٍع آخر ُيغِّلب
االستحساَن والُع رَف على القياس فيقول في األول:
"واالستحساُن في ِع لمنا هذا
ربما غلب القياس" ،156 ،ويقول في الثاني" :التعارُف أصٌل في مذهبنا وهو
مقَّد ٌم على القياس"،
- .387المترجم].
] [242المصدر
السابق[ .45 ،النص كما ورد في األصل (ِذ كر ما عانيُت من األسباب) -المترجم].
] [243يقّد ر
سيد مقبول أحمد وزَن الخريطة الفضية المستوية لألرض استنادًا إلى رواية اإلدريسي
نفِس ه .انظر أحمد" ،رسم الخرائط
عند الشريف اإلدريسي" ،في تاريخ علم
الخرائط ،المجلد ،2الكتاب ،159 ،1رقم .32
] [244ابن
جبير ،أسفار ابن جبير ،ترجمة آر .جيه .سي .برودهرست (لندن :جيه .كاب[
.348 ،)1952 ،النص كما ورد في
األصل ،رحلة ابن جبير( ،ليدن :مطبعة بريل -336 ،)1852 ،المترجم].
] [245هيروشي
تاكاياما" ،القانون والُم لك في الجنوب" ،في إيطاليا في العصور الوسطى ،1300-1000
،تحرير ديفيد أبوالفيا
(أكسفورد :مطبعة جامعة أكسفورد.67-64 ،)2004 ،
] [246هوبرت
هوِبن ،روجر الثاني ملك صقلية :حاك بين الشرق والغرب ،ترجمه [عن اإليطالية]
غراهام إيه .الوند وديان ملبورن
ٌم
(كامبريدج :مطبعة جامعة كامبريدج[
.18 ،)2002 ،عدُت إلى الصفحة 18من هذا الكتاب فوجدت الحديَث فيها يدور عن
روجر األول ال
الثاني كما قد ُيفهم من سياق الحديث هنا .صحيٌح أن المؤلف َذ كَر اسَم روجر ،هكذا
،من دون إشارة إلى أنه
األول أو الثاني ،لكّن هوبن الذي يستشهد به المؤلف فعل ذلك
هو أيضًا في الموضع المشار إليه (الصفحة ،)18ولعل هذا هو
سبب االلتباس .إنما الفرق
في السياق؛ فالسياُق لدى المؤلف يفيد روجر الثاني ،والسياق لدى هوبن يفيد روجر
األول ،الذي
يقول هوبن إن كبيَر أساقفة كانتربري أنِس لم ازره "في أثناء حصار
كابوا سنة 1098فأصابه الذعر" (من كثرة الجنود المسلمين
في صفوفه ،ال سيما
رماة السهام - ").المترجم].
] [247إدموند
كورتيس ،روجر الصقلي والنورمان في إيطاليا السفلى( 1154-1016 ،نيويورك :جيه .بي
.بوتنامز صنز،
.308 ،)1912
] [248ديفيد
أبوالفيا" ،التاج واالقتصاد في عهد روجر الثاني وورثة عرشه" ،دامبارتون
أوكس بيبرز [8 :)1993( 37النص
http://www.qantara- من مأخوٌذ العباءة على
الكوفي بالخط ُنِقش لما الكامل
- med.org/qantara4/public/show_document.php?do_id=1159&lang=arالمترجم].
] [249هوِبن
،روجر الثاني ملك صقلية[ .107 ،كانت هذه األشعار في مدح الملك وقصوره وحدائقه ،وكان
المحرر عماد الدين
األصبهاني ،المؤرخ واألديب والشاعر ( .)1201-1125أما الخالصة
ففي جريدة القصر وجريدة العصر للعماد .من هؤالء
الشعراء عبد الرحمن رمضان ،وعبد
الرحمن الصقلي ،وأبو الضوء ،انظر علي محمد الزهراني ،الوجود اإلسالمي بصقلية في
عهد النورمان بين التسامح واالضطهاد ،1194-1052مجلة جامعة أم القرى ،المجلد
،12العدد .20
] [250كورتيس
،روجر الصقلي.297 ،
] [251جيه
.إف .بي .هوبكنز" ،األدبيات الجغرافية والمالحية" ،في الدين والتعلم
والعلم في العصر العباسي ،تحرير إم .جيه .إل.
يونغ ،وجيه .دي .الذام ،وآر .بي
.سيرجنت (كامبريدج :مطبعة جامعة كامبريدج.318 ،)1990 ،
] [252نقًال
عن الصفدي ،في سيد مقبول أحمد ،تاريخ الجغرافية العربية -اإلسالمية[ .163 ،النص
كما ورد في صالح الدين
الصفدي ،الوافي بالوفيات ،تحقيق أحمد األرناؤوط وتركي مصطفى
(بيروت :دار إحياء التراث العربي- 72:14 )2000 ،
المترجم].
] [253نقًال
عن اإلدريسي ،األعمال الجغرافية [ Opus geographicumنزهة
المشتاق في اختراق اآلفاق] ،في أحمد" ،رسم
الخرائط عند الشريف
اإلدريسي"[ .163 ،النص كما ورد في كتاب نزهة المشتاق في اختراق اآلفاق
،مجموعة من المحققين
(القاهرة :مكتبة الثقافة الدينية) ،المجلد األول ،المقدمة
.13 ،كأَّن هذه هي في األصل طبعة روما الصادرة في القرن الماضي
عن المعهد اإليطالي
للشرقين األدنى واألقصى -المترجم].
] [254أحمد"
،رسم الخرائط عند الشريف اإلدريسي".69-167 ،
] [255جورج
إتش .تي .كيمبل ،الجغرافيا في العصور الوسطى (لندن :ميثوين أند كو.57 ،)1938 ،.
] [256كورتيس
،روجر الصقلي.316 ،
]" [257آفاق
اإلدريسي في القرن الحادي عشر" ،في مسالَك أخرى 1500 :سنة من أدب الرحالت
األفريقي واآلسيوي ،تحرير
تابش خير وآخرين (بلومينغتون :مطبعة جامعة إنديانا.86 ،)2005
،
] [258سيزكين
،الجغرافيا الرياضية.342 ،
] [259المصدر
السابق.42-541 ،
] [260المصدر
السابق.
] [261المصدر
السابق .309 ،تجد تقرير فاسكو دي غاما عن رحلته إلى الهند في خاو دي باروس ،آسيا
(لشبونة :دار الطباعة
والسك الوطنية البرتغالية (.152 ،)1988 ،)INCM
] [262للوقوف
على استعراض لتأثير العرب في كولومبوس ،انظر جيه .إتش .كرامرز" ،الجغرافيا
والتجارة" ،في الدين والتعلم والعلم
في العصر العباسي .94-93 ،انظر أيضًا
دونيني ،الرحالة والجغرافيون العرب.37 ،
] [263سميث
وكاربنسكي ،األعداد الهندية العربية( 139 ،انظر الفصل الثالث ،الحاشية رقم ).52
] [264كورتيس
،روجر الصقلي[ .309 ،جاء في الصفحة 309من كتاب كورتيس الكالسيكي هذا ما يلي (انظر
النص الكامل
في الكتاب لهذا
http://www.archive.org/stream/rogersicilyandn01curtgoog/rogersicilyandn01curt
goog_djvu.txt):
Ibn el Athir speaks of a Moslem doctor attached to the court
who was of eminent
learning and virtue; the King especially trusted him, and
preferred him to the
priests and monks of the palace..وقد وجدُت أقرَب شيٍء
إلى هذا النص
النَص التالي في الكامل البن األثير ،تحقيق عبد هللا القاضي (بيروت
:دار الكتب العلمية" ،332 :13 )1994 ،كان بصقلية
إنساٌن من العلماء المسلمين
وهو من أهل الصالح وكان صاحُب صقلية يكرمه ويحترمه وَيرجع إلى قوله ويقدمه على َم ن
عنده
من القسوس والرهبان ".ثم يستدرك كورتيس :ربما كان هذا هو اإلدريسي
الشهير
This was probably the
famous Edrisi.قد
يكون هذا صحيحًا ،ال سيما وأن اإلدريسي كان ذا اهتمام بالطب والصيدلة وعلم النبات
،ومن
مصنفاته "الجامع لصفات أشتات النبات" و"األدوية المفردة"
،وقد ذكره ابن أبي أصيبعة في طبقات األطباء على أنه منهم وإن
لم َيذكره بلقبه
اإلدريسي .انظر محمد عبد الغني حسن ،الشريف اإلدريسي ،سلسلة أعالم العرب (
97القاهرة :الهيئة العامة
للتأليف والنشر - 186 ،)1971 ،المترجم].
] [265هوبن
،روجر الثاني ملك صقيلة.179 ،
] [266نقًال
عن اإلدريسي ،األعمال الجغرافية [ Opus geographicumنزهة
المشتاق في اختراق اآلفاق] ،في كارال
ماليّت ،مملكة صقليا :1250-1100 ،تاريخ أدبي
(فيالدلفيا :مطبعة جامعة بنسلفانيا[ .146 ،)2005 ،النص كما ورد في
كتاب نزهة
المشتاق في اختراق اآلفاق ،مجموعة من المحققين (القاهرة :مكتبة الثقافة الدينية)
،المجلد األول ،المقدمة- 6-5 ،
المترجم].
] [267نقًال
عن اإلدريسي ،األعمال الجغرافية [ Opus geographicumنزهة
المشتاق في اختراق اآلفاق] ،في أحمد" ،رسم
الخرائط عند الشريف
اإلدريسي"[ .159 ،المصدر السابق - 6 ،المترجم].
] [268المصدر
السابق[ 163 ،المصدر السابق - 14-6 ،المترجم].
]ِ [269ك نت
لجانغويست" ،جغرافي بو النوبي" ،األدب األميركي [فصلية] ،48العدد ُ[ .73 :)1976(
1يرِج ع محمد عبد الغني
حسن في الشريف اإلدريسي ،سلسلة أعالم العرب (
97القاهرة :الهيئة العامة للتأليف والنشر 8 ،)1971 ،تسميَة اإلدريسي
بالنوبي إلى
خطٍأ في الترجمة الالتينية التي أنجزها العالمان المارونيان حنا الحصروني وجبريل
الصهيوني لكتاب "نزهة
المشتاق" سنة ،1619ألنه وهو يتحدث عن النيل في
الكتاب ق أر المترجمان لفظة "أرضنا" بدًال من "أرضها" ،أي أرض
النوبة،
فتوهما أن الرجَل نوب األصل" ،فأسميا الكتاب "جغرافيا
النوبي" -المترجم].
ُي
] [270كرامرز"
،الجغرافيا والتجارة".82 ،
] [271هوِبن
،روجر الثاني ملك صقليا.179 ،
] [272روموالد
دي ساليرنو ،المصدر السابق.179 ،
] [273آليسون
درو" ،في الثابت والمتغير"( 20 ،]" ["De Eodem et Diversoانظر الفصل الثاني
،الحاشية رقم .)71
] [274نقًال
عن ستيفن دي بيزا ،هالي بن عباس ،في تشارلز ِب رِن ت" ،أنطاكية كصلة وصل بين
الثقافة العربية والثقافة الالتينية في
القرنين الثاني عشر والثالث عشر" ،في
الغرب والشرق األدنى أيام الحروب الصليبيةَ :م حاضر سمنار لوفان -ال -نوف24 ،
و
25مارس ،1997تحرير إيزابيل دراالن وآخرين (لوفان -ال -نوف ،بلجيكا :بريبول.6 ،)2000
،
] [275نقًال
عن ستيفن دي بيزا ،هالي بن عباس ،في تشارلز هومر هاسكينز ،دراسات في تاريخ علوم
العصور الوسطى
(كامبريدج ،ماساتشوستس :مطبعة جامعة هارفرد.134 ،)1927 ،
] [276برِن ت"
،أنطاكية كصلة وصل".6 ،
] [277آديالرد
أوف باث ،برِن ت( 83 ،انظر تمهيد ،الحاشية رقم .)4
] [278المصدر
السابق.91 ،
] [279تشارلز
برِن ت" ،الطالسم :سحٌر أم علم؟ الَع رافة من الفنون العقلية السبعة" ،في
السحر والتنجيم في العصور الوسطى:
نصوص وفنون من العالمين اإلسالمي والمسيحي
(آلدرشوت ،المملكة المتحدة :ڤاريوَر م.7 ،)1996 ،
] [280للوقوف
على النص الكامل باإلنكليزية والالتينية ،انظر تشارلز برِن ت" ،المعلم يوحنا
اإلشبيلي ورسالة قسطا بن لوقا ’في
الفرق بين الروح والنفس’ :مساهمٌة برتغالية في
منهاج الفنون؟" في مجلة العصور الوسطى :نصوص ودراسات
[Mediaevalia, textos e estudos] 7-8 (1995):
252-55.كما يقول برِن ت ،كان ريتشارد جوزيف لوميه
أول من
اعتبر آديالرد أوف باث هو "أنطاكي" يوحنا اإلشبيلي .انظر لوميه"
،من أجل تحديد المكان الحقيقي للتنجيم في علم
وفلسفة العصور الوسطى" ،في
التنجيم ،والعلم ،والمجتمع :مقاالت تاريخية ،تحرير باتريك كوري (وودبريدج ،المملكة
المتحدة:
بويِد ل برس.70 ،)1987 ،
] [281برِن ت"
،الطالسم :السحر بوصفه علمًا؟".13 ،
] [282لين
ثورنديك ،ك ارريس تقليدية من العصور الوسطى حول الصور الفلكية المنقوشة" ،في Mélanges Auguste
( Pelzerلوفان ،بلجيكا :مكتبة الجامعة.231 ،)1947 ،
] [283نقًال
عن آديالرد أوف باث ،كتاب الطالسم ،] [Liber prestigiorumفي برِن ت ،إدخال العلم العربي( 41 ،انظر
الفصل الثاني ،الحاشية
رقم .)18
] [284إيميلي
ساڤاج سميث ،المحِر رة ،السحر والعرافة في العصر اإلسالمي المبكر (برلينغتون
،ڤيرمونت :آشغيت،)2004 ،
.xxiii
] [285نقًال
عن آديالرد أوف باث ،كتاب الطالسم ،] [Liber prestigiorumفي برِن ت ،الطالسم :السحر بوصفه علمًا"10 ،
] [286إس
.جيهِ .ت سَتر ،تاريخ علم النجوم الغربي (وودبريدج ،المملكة المتحدة :بويِد ل بِر س.23 ،)1987
،
] [287ريتشارد
كايكفر ،السحر في العصور الوسطى (كامبريدج :مطبعة جامعة كامبريدج.122 ،)1990 ،
] [288نقًال
عن مفتاح صغير إلى التصوير] : [Mappae Claviculaمفتاح صغير إلى عالم تقنيات العصور الوسطى،
ترجمة وتحرير سيريل
ستانلي سميث وجون جي .هاوثورن (فيالدلفيا :الجمعية الفلسفية األميركية.9 ،)1974 ،
] [289كوشران
،آديالرد أوف باث( 37 ،انظر الفصل الثاني ،الحاشية رقم .)4
] [290تشارلز
برِن ت ولويز كوشران" ،آديالرد والمفتاح الصغير إلى التصوير" ،في آديالرد
أوف باث :عالٌم ومستعرٌب إنكليزي من
أوائل القرن الثاني عشر ،تحرير تشارلز برِن ت
(لندن :معهد واربرغ .31-29 ،)1987 ،انظر أيضًا كوشران ،آديالرد أوف
باث.39-36 ،
] [291كوشران
،آديالرد أوف باث.37-36 ،
] [292بروس
تي .موران ،تقطير المعرفة :السيمياء ،والكيمياء ،والثورة العلمية (كامبريدج
،ماساتشوستس :مطبعة جامعة هارفرد،
.12-11 ،)2005
] [293للوقوف
على شرح للجوانب الدينية للسيمياء اإلسالمية وعالقتها بالكيمياء الحديثة ،انظر سيد
حسين نصر" ،السيمياء
اإلسالمية ووالدة الكيمياء" ،مجلة تاريخ العلوم
العربية ،3العدد .45-40
:)1979( 1
] [294نصر"
،السيمياء اإلسالمية".45-40 ،
] [295نقًال
عن روجر بيكون ،العمل الثالث ،] [Opus Tertiumفي كرومبي ،من أوغسطين إلى غاليليو( 69 ،انظر الفصل
الثاني
،الحاشية رقم .)3
] [296موران
،تقطير المعرفة 33 ،رايخنو.
] [297المصدر
السابق.33-32 ،
] [298سميث
وهاوثورنMappae Clavicula ،مفتاح
صغير إلى التصوير.4 ،
] [299نقًال
عن روبرت أوف كيتون ،كتاب تركيب السيمياء ،في إيريك جون هولميارد ،صانعو الكيمياء
(أكسفورد :مطبعة
كالرندون .86 ،)1931 ،كان روبرت يعرف أيضًا ،بين ما يعرف به من
أسماء ،باسم روبرت أوف تشستر.
] [300وليام
آر .نيومان ،ترجمة وتحرير ،كتاب الخالص ] [Summa perfectionisلجابر المزيف :طبعة
وترجمة ودراسة
نقدية (ليدن ،هولندا ،إي .جيه .بريل[ .5 ،)1991 ،كتاب الخالص هو الكتاب
الذي ُيرَج ح أنه ترِج م إلى الالتينية بهذا االسم،
انظر زكي نجيب محمود ،جابر بن
حيان ،سلسلة أعالم العرب ( ،3القاهرة :مكتبة مصر - 30 ،)1961 ،المترجم]
] [301موران
،تقطير المعرفة.9 ،
] [302لندبرغ
،بدايات العلم الغربي( 87 ،انظر الفصل الثاني ،الحاشية رقم .)16
] [303توماس
إل .هيث ،تاريخ الرياضيات اليونانية (أكسفورد :مطبعة كالرندون.365 ،1 ،)1921 ،
] [304جيريمي
غراي" ،علم الهندسة" ،في معجم جديد لتاريخ األفكار (ديترويت :طومسون
غيل.93 ،3 ،)2005 ،
] [305إتش
.إل إل .بوسارد ،أول ترجمة التينية ألصول إقليدس تنسب عادًة إلى آديالرد أوف باث (تورنتو
:المعهد البابوي
لدراسات العصور الوسطى.3 ،)1983 ،
] [306غوتاس
،الفكر اليوناني ،والثقافة العربية.120 ،
] [307حدد
الباحثون في علم العصور الوسطى ثالثَة نصوص على األقل إلقليدسُ ،تعَر ف عندهم
اصطالحًا باسم آديالرد I
وآديالرد IIوآديالرد III.وقد
أثار تحليل النصوص ،واألسانيد ،وغيُر ذلك من أدلة جدًال قويًا ال يزال قائمًا .كان
مارشال
كالغيت أوَل من أسس هذا النهج المبدئي .انظر كالغيت" ،الترجمات
الالتينية ألصول إقليدس من العربية في العصور
الوسطى ،مع تركيٍز خاص على ُنَس خ
آديالرد أوف باث" ،إيزيس. [Isis] 44 (1953): 16-42
وللوقوف
على دراساٍت وآراء مباينٍة أخرى ،انظر بوسارد ،أول ترجمة التينية؛ وريتشارد لورك"
،مالحظات على الترجمة
العربية الالتينية إلقليدس" ،ومنزو فولكرتس"
،نسخة آديالرد من أصول إقليدس" ،االثنين في آديالرد أوف باث :عالم
إنكليزي،
54-45؛ وبوسارد وفولكرتس ،تصحيح روبرت أوف تشيستر ألصول إقليدس ،ما يسمى
نسخة آديالرد
،IIمجلدان( ،بازل،
سويسرا :بركهاوزر تزيرالغ.)1992 ،
] [308كالغيت"
،الترجمات الالتينية ألصول إقليدس".23 ،
] [309هاسكينغز
،دراسات في تاريخ علوم العصور الوسطى.25 ،
] [310جان
جوليِفه" ،اإلرث العربي الثالث" ،في تاريخ الفلسفة الغربية في القرن
الثاني عشر ،تحرير بيتر درونكي (كامبريدج:
مطبعة جامعة كامبريدج.122 ،)1988 ،
] [311للوقوف
على قائمٍة بالمصطلحات الفنية المقارنة ،انظر بوسارد ،أول ترجمة التينية.96-391 ،
] [312برِن ت
،إدخال العلم العربي.42 ،
] [313فولِك رتس"
،نسخة آديالرد".59-58 ،
] [314إيه
.سي .كرومبي" ،العلم" ،في إنكلت ار العصور الوسطى ،تحرير لين بوول
(أكسفورد :مطبعة كالرندون.580 ،)1958 ،
] [315آديالرد
أوف باث ،برِن ت( xi ،انظر تمهيد ،الهامش رقم .)4
] [316نقًال
عن هرمان األلماني ،في إف .إم .بويكه" ،روبرت غروسِت ت واألخالق عند أرسطو
" ،ك ارريس األكاديمية البريطانية 16
( .88 :)1930انظر أيضًا روجر فرنش وأندرو
كانينغهام ،قبل العلم :اختراع فلسفة الرهبان الطبيعية (آلِد رشوت ،المملكة
المتحدة
:مطبعة سكوالر.231 ،)1996 ،
] [317فرنش
وكانينغهام ،قبل العلم .232 ،يمضي فرنش وكانينغهام إلى القول بأن اهتمام روبرت
بعلم الهندسة من حيث صلُته
بالطبيعة ال صلَة له بالقياس والحساب ،بل بنظرته
األفالطونية الجديدة إلى الطبيعة؛ لتوسيع هذه النظرة .ومع ذلك ،شَّك ل إدخال
تطور مهمًا في تاريخ نشوء التفكير العلمي
.لالستزادة ،انظر العلم التجريبي عند روبرت،
ًا علم
الهندسة إلى مناقشات الطبيعة
( 1700-1100أكسفورد :مطبعة كالرندون.)1971
،
] [318جيريميا
إم .هاكيت" ،آديالرد أوف باث وروجر بيكون :فيلسوفان طبيعيان وعالمان
إنكليزيان قديمان" ،إنديَف ر ،26العدد 2
(.73 :)2002
] [319كوشران
،آديالرد أوف باث.66-65 ،
] [320جون
إتش .هارفي ،معمار من العصور الوسطى (لندن :ويالند.96 ،)1972 ،
] [321جون
إتش .هارفي" ،علم الهندسة والتصميم القوطي" ،محاضر جمعية المباني
القديمة .48-47 :)1986( 30
] [322إي
.إتش .غومبريتش ،قصة الفن (إنجلوود كليفز ،نيوجرسي :برنتيس هول[
.86-185 ،)1995 ،انظر ،مثًال ،صورَة هذه
بفرنسا رانس كاتدرائية في البديعة المدببِة األقواِس
- http://architecture.about.com/od/earlychristianmedieval/ss/gothic_3.htmالمترجم]
] [323إيفور
بولمر توماس" ،إقليدس وعمارة القرون الوسطى" ،مجلة اآلثار[Archaeological Journal] 136
.(1979): 141-44
] [324نقًال
عن مخطوطة كووك رقم MS 23198بالمتحف
البريطاني ،47-145 ،في بولمر توماس" ،إقليدس وعمارة
العصور الوسطى".145
،
] [325جان
جامبل ،بناة الكاتدرائيات ،ترجمة تيري از واف (نيويورك :مطبعة غروف.84-82 ،)1983 ،
] [326كوشران
،آديالرد أوف باث.81 ،
] [327نقًال
عن ريمون مرسييه" ،الجداول الفلكية في القرن الثاني عشر" ،في آديالرد
أوف باث :عالٌم ومستعرٌب إنكليزي من أوائل
القرن الثاني عشر.87 ،
] [328مارغريت
جيبسون" ،آديالرد أوف باث" ،في آديالرد أوف باث :عالٌم ومستعرٌب إنكليزي
من أوائل القرن الثاني عشر.14 ،
] [329ميرسييه"
،الجداول الفلكية".88 ،
المصدر
السابق .انظر أيضًا برِن ت ،إدخال العلم العربي.3 ، ] [330
برِن ت
،إدخال العلم العربي.2 ، ] [331
] [332األندلسي
،العلم في العصور الوسطى( 64 ،انظر الفصل الثالث ،الهامش رقم [ .)24النص كما ورد في
األصل ،أبو
القاسم صاعد األندلسي ،كتاب طبقات األمم (بيروت :المطبعة الكاثوليكية
لآلباء اليسوعيين 7 ،)1912 ،العلوم عند العرب -
"العلوم في األندلس" -
69 ،المترجم]
] [333آديالرد
أوف باث ،برِن ت.69 ،
] [334المصدر
السابق.
] [335ميرسييه"
،الجداول الفلكية".100-99 ،
] [336جون
روتشستر ،تاريخ جون روتشستر ،] [Chronicon Iohannis Wigornensisترجمة وتحرير باتريك
ماكغرك (أكسفورد :مطبعة كالرندون.60-259 :3
،)1998 ،
] [337نقًال
عن جون أوف سالزبري ،رسالة في مبادئ الحكم ،2 ،] [Policraticusفي جيبسون"
،آديالرد أوف باث".16 ،
] [338آديالرد
أوف باث ،مسائل في علم الطبيعة.99 ،
] [339المصدر
السابق.255 ،
] [340المصدر
السابق.91 ،
] [341المصدر
السابق.227 ،
] [342آديالرد
أوف باث ،برِن ت.xxxi-xxxii ،
] [343ميرسييه"
،الجداول الفلكية".89 ،
صفر
عمليًا وأنه اعتمد على رواٍة ومعلمين
ًا ]ُ [344ي لمح
شارل برِن ت إلى أن مستوى إلمام آديالرد بالعربية ربما كان منخفضًا جدًا أو
عرب ال على نصوٍص عربية .قد يصعب التوفيق بين
هذا الرأي وبين بعض الترجمات المنسوبة إلى آديالرد ،التي يسِلم بها
برِن ت وغيُره
على وجه العموم ،بالرغم من احتمال أن يكوَن قد اعتمد فيها على مساعدة بعض الوسطاء
الثقات .كذلك ،فإَّن
"اتهاَم " آديالرد هذا يستند في األساس إلى غياب
األصل العربي المدون عن بعض أعماله الباقية .لكن ،يظل دوُر آديالرد
ٍل
الحاسُم كناق
للعلم العربي ،وموقُف ه الثوري من أهمية المعاينة المباشرة وتقديم العقل على النقل
،أسمى من أن يناَل منه أُي
جدال حول مستوى مهاراته اللغوية .انظر برِن ت"
،آديالرد أوف باث والعرب" ،في تصادم الثقافات في فلسفة العصور الوسطى
(لوفان -ال -نوف :كاسينو .107-89 :)1990 ،وال أرَي المضاد ،في العمل الكالسيكي
:هاسكينز ،دراسات في تاريخ علوم
العصور الوسطى.42-5 ،
] [345آديالرد
أوف باث ،مسائل في علم الطبيعة.105 ،
] [346المصدر
السابق.83 ،
] [347المصدر
السابق.
] [348المصدر
السابق.103 ،
] [349نقًال
عن آديالرد أوف باث ،مسائل في علم الطبيعة ،في كوشران ،آديالرد أوف باث.45 ،
] [350تشارلز
هومر هاسكينز" ،تلقي العلم العربي بإنكلترا" ،مجلة التاريخ اإلنكليزي][English Historical Review
،30العدد
.57-56 :)1915( 117
] [351ريتشارد
دبليو .ساذرن ،الحركة اإلنسانية في العصور الوسطى (نيويورك :هاربر أند رو ،167
،)1970 ،رقم .1
] [352نقًال
عن وولتشر أوف مالفرن ،أكسفورد ،مخطوطة مكتبة بودليان ،MS Auct. F. 1. 9,
f. 90في
ساذرن ،الحركة
اإلنسانية في العصور الوسطى.167 ،
] [353ساذرن
،الحركة اإلنسانية في العصور الوسطى.64-163 ،
] [354برِن ت
،إدخال العلم العربي( 16-15 ،انظر الفصل الثاني ،الحاشية رقم .)18
] [355ساذرن
،الحركة اإلنسانية في العصور الوسطى.169 ،
] [356ميرسييه"
،الجداول الفلكية".100-99 ،
] [357ماريا
رو از مينوثال ،زينة الدنيا :كيف أوجد المسلمون واليهود والنصارى ثقافة تسامح في
إسبانيا العصور الوسطى
(بوسطن :ليتل ،براون.151 ،)2002 ،
] [358انظر
،مثًال ،برنار سبتيموس" ،بطرس ألفونسي حول العبادة بمكة" ،سبيكولوم :مجلة
دراسات العصور الوسطى
،[Speculum: Journal of Medieval Studies] 56العدد .33-517 :)1981( 3
] [359بول
كونيتش" ،الخوارزمي كمصدر لرسالة في األسطرالب"] ، [Sententie astrolabiiفي ِم ن دائرة اإلرجاء إلى
نقطة التعادل ،] [From Deferent to Equantتحرير ديفيد إيه .كينغ وجورج صليبا (نيويورك :أكاديمية نيويورك
للعلوم.36-227 ،)1987 ،
] [360برِن ت
،إدخال العلم العربي.16 ،
] [361ماكلوسكي
،علوم فلك وثقافات( 87-186 ،انظر الفصل الثاني ،الحاشية رقم .)7
] [362هاسكينز"
،تلقي العلم العربي".58 ،
] [363ماكلوسكي
،علوم فلك وثقافات.180 ،
] [364المصدر
السابق.93-180 ،
] [365ثار
جدٌل علم كبير حول تاريخ رسالة آديالرد في استخدام األسطرالب .فإهداؤها الظاهر
إلى األمير هنري بالنتاجينيت،
ٌي
الذي سيغدو الملَك هنري الثاني ،في "سن
الرشد" يوحي بأن هنري كان في حوالي السادسة عشرة من العمر آنذاك ،ما يجعل
تاريَخ العمل حوالي 1149أو .1150للوقوف على هذا الرأي ،انظر ديكي" ،آديالرد
أوف باث"( 70-64 ،انظر الفصل
الثاني ،الحاشية رقم .)28أما تشارلز هومر
هاسكينز فيفضل تاريخًا أبعد قليًال .1146-1142 ،انظر هاسكينز ،دراسات،
( 29-28انظر
الفصل الخامس ،الحاشية رقم .)3من الواضح أن العمَل كان من أواخر أعمال آديالرد
،ألنه يشير فيه إلى
عدة أعماٍل سابقٍة له وَيفترض أن القارَئ مطلٌع عليها.
] [366نقًال
عن آديالرد أوف باث ،في استخدام األسطرالب ،في كوشران ،آديالرد أوف باث( 98 ،انظر
الفصل الثاني ،الحاشية
رقم .)4
] [367نقًال
عن آديالرد أوف باث ،في استخدام األسطرالب ،في ديكي ،آديالرد أوف باث.12-11 ،
] [368ديكي"
،آديالرد أوف باث".8 ،
] [369هاسكينز
،دراسات.28 ،
] [370ديكي"
،آديالرد أوف باث".27 ،
] [371المصدر
السابق.13 ،
] [372كوشران
،آديالرد أوف باث.98 ،
] [373ديكي"
،آديالرد أوف باث".20-19 ،
] [374أفالطون
،تيماوس ،في محاورات أفالطون ،ترجمة وتحرير بنجامين جويت (أكسفورد :مطبعة جامعة
أكسفورد:3 ،)1953 ،
.719
] [375توماس
إس .كوهن ،الثورة الكوبرنيكية :علم فلك الكواكب مع تطور الفكر الغربي (كامبريدج
،ماساتشوستس :مطبعة جامعة
هارفرد.38-29 ،)1957 ،
] [376المصدر
السابق.48-45 ،
] [377المصدر
السابق.59-55 ،
] [378المصدر
السابق.70 ،
]ِ [379ت سَتر
،تاريخ علم النجوم الغربي( 153 ،انظر الفصل الخامس ،الحاشية رقم .)14
] [380إيمانويل
بوول" ،رسالة آديالرد في األسطرالب" ،في آديالرد أوف باث :عالٌم
ومستعرٌب إنكليزي.121 ،
] [381نقًال
عن سجالت جامعة باريس ][Chartularium universitatis Paresiensisفي
لين ثورنديك ،السجالت
الجامعية والحياة في العصور الوسطى (نيويورك :دبليو .دبليو
.نورتون[ .27-26 ،)1975 ،األستاذ آموري هو آموري دو
شارتر ] [Amaury de Chartresأستاذ
الفلسفة والالهوت بجامعة باريس اشتِه ر بقدرته على المجادلة وقد شدت
أرسطو إليه كثيرين .قيل إنه مات كمدًا مما تعَّر ض له من إهانة .وقد ُأحِرق
عشرٌة من أتباعه أحياء سنة محاضراته في
فلسفة
الجامعة .ونِبش قبُره ُهو وُأحِر قت جثته
وُذ َّر رماُد ها في الهواء .أما دافيد دو دينان[David de 1209على أبواب
يقول بوحدة الوجود ،كان يدّر س بجامعة باريس .والك ارريُس المقصودة هي الك ارريس
الصغيرَة ]Dinantففيلسوٌف
[Quaternuli
(Littleمؤَّلفه الذي أجبره على الهرب -المترجم] ])Notebooks
] [382المصدر
السابق.79-78 ،
] [383إيتيين
جيلسون ،العقل والنقل في العصور الوسطى (نيويورك :تشارلز سكرايبرنرز صنز.17
،)1938 ،
] [384فرناند
فان ستينبرغن ،أرسطو في الغرب :أصول األرسطية الالتينية ،ترجمة ليونارد جونسون
(لوفان ،بلجيكا :إي.
نوفالرتس.39-32 ،)1955 ،
] [385للوقوف
على محدودية أثر فلسفة أرسطو الطبيعية في أوائل القرن الثاني عشر ،انظر جون
مارنبون ،الفلسفة في العصور
الوسطى المتأخرة (( )1350-1150لندنَ :ر تِليدج وكيغان
بول.56-54 ،)1987 ،
] [386روجر
بيكون ،الكتاب األكبر( 63 ،]
[Opus Majusانظر تمهيد ،الحاشية رقم [ .)9هذا هو أهُم عمل لروجر بيكون،
وضعه
بطلٍب من البابا كليمان الرابع وسلمه إياه سنة .1267وهو رسالة من سبعة أجزاء
)1( :موانع الحكمة والحقيقة
واألسباب األربعة للغلط (اتباُع مرجعيٍة ضعيفة أو مهلهلة
،والتقليد ،وجهُل اآلخرين ،وإخفاُء المرء جهَله بادعاء المعرفة) ()2
العالقة بين
الفلسفة والالهوت (والتوصل إلى أن الكتاب المقدس أساُس كل العلوم) )3( ،دراسة لغات
الكتب السماوية (الالتينية
واليونانية والعبرية والعربية) لفهم الحكمِة الموحاة )6( )5( )4(
،دراسة الرياضيات والبصريات والعلم التجريبي )7( ،فلسفة
األخالق
واألخالق -المترجم]
] [387فان
ستينبرغن ،أرسطو في الغرب.109 ،
] [388برنت"
،أنطاكية كصلة وصل"( 4-3 ،انظر الفصل الخامس ،الحاشية رقم .)2
] [389أبو
معشر ،مختصر المدخل الكبير في علم أحكام النجوم :مع ترجمة آديالرد أوف باث له من
العصور الوسطى ،ترجمة
وتحرير برِن ت ،وكيجي ياماموتو ،وميشيو يانو (ليدن ،هولندا
:إي .جيه .بريل.13 ،)1994 ،
] [390ريتشارد
جوزيف لوميه ،أبو معشر واألرسطية الالتينية في القرن الثاني عشر (بيروت :مطبعة
الجامعة األميركية،)1962 ،
.xxxvii
] [391نقًال
عن ألبرتوس ماغنوس ،رسالة في النباتات والغراس ] [De vegetabilis et plantisفي
ثورنديك" ،المكان
الحقيقي لعلم النجوم في تاريخ العلم"( 275 ،انظر الفصل
الثالث ،الحاشية رقم .)40
] [392ثورنديك"
،المكان الحقيقي لعلم النجوم".277 ،
] [393عن
آديالرد أوف باث ،في مختصر المدخل الكبير.15 ،
] [394المصدر
السابق[ .بما أن آديالرد يتحدث هنا في ترجمته للمدخل الصغير ألبي معشر ،فاألرجح
أنه يأخذ عنه في هذا
المقطع .لم أستطع الوصول إلى األصل العربي للمدخل الصغير
ألجزَم بذلك ،وبالتالي ،فهذه مجرُد ترجمٍة عربية للكالم المنقول
عن آديالرد
مترَج مًا إلى اإلنكليزية عن الالتينية .لكّن المصدَر المذكور في الحاشية 40أعاله
يشتمل ،كما يقول الناشر ،على
النص العربي األصلي إضافًة إلى ترجمة آديالرد له إلى
الالتينية والترجمِة اإلنكليزية لهذه الترجمة (ِب رِن ت وياماموتو ويانو).
وِم ن
المؤسف أنني لم أستطع االطالَع على هذا المصدر -المترجم]
] [395لوميه
،أبو معشر.4-3 ،
] [396لوميه"
،المكان الحقيقي لعلم النجوم"( 68 ،انظر الفصل الخامس ،الحاشية رقم .)8
] [397أبو
معشر في علم النجوم التاريخي :كتاب الملل والدول ،ترجمة وتحرير كيجي ياماموتو
وشارل برِن ت (ليدن ،هولندا :إيه.
جيه .بريل.3 ،)2000 ،
] [398لوميه"
،المكان الحقيقي لعلم النجوم".57 ،
] [399المصدر
السابق.59-58 ،
] [400إدوارد
غرانت ،هللا والعقل في العصور الوسطى (كامبريدج :مطبعة جامعة كامبريدج.89 ،)2001 ،
] [401لوميه"
،المكان الحقيقي لعلم النجوم".59-58 ،
] [402جيه
.دي .ليبتون" ،التنجيم في ميزان العقل في فترة الترجمات العربية -الالتينية
،حوالي 1187-1126م"( .أطروحة
دكتوراه ،جامعة كاليفورنيا ،لوس أنجلوس .17-211
،)1978 ،انظر أيضًا جيه .دي .نورث" ،بعض خرائط البروج النورمانية"،
في
آديالرد أوف باث :عالم ومستعرب إنكليزي من أوائل القرن الثاني عشر.149 ،
] [403للوقوف
على تحليٍل مفصل لخرائط البروج وأزمنتها وأمكنتها التقديرية ،انظر نورث" ،بعض
خرائط البروج النورمانية" (-147
،)61الذي استندت إليه هذه الرواية .يطرح نورث
اسم روبرت أوف كيتون ،المترجم والعالم البارز ،كمرشٍح محتمٍل آخر أوحد
لكنه سرعان
ما يستبعده لبعده عن العرش وقلِة الصالت المعروفة له معه.
] [404برِن ت
،إدخال العلم العربي.46 ،
] [405إدوارد
غرانت ،أسس العلم الحديث في العصور الوسطى (كامبريدج :مطبوعة جامعة كامبريدج.24 ،)1996
،
] [406أنطوني
بيم ،عبور الحدود :المترجمون والمبادالت الثقافية في التاريخ اإلسباني (مانشستر
،المملكة المتحدة :سانت جيروم
بابليشينغ.48 ،)2000 ،
] [407عبد
الرحمن" ،النخلة" ،مترَج مة في دي .فيرتشايلد راغلس ،الحدائق والمناظر
والمرائي في قصور األندلس (يونيِفرستي
بارك :مطبعة جامعة والية بنسلفانيا[ .42
،)2000 ،األبيات كما وردت في نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب ،للمقري
التلمساني
،تحقيق إحسان عباس( ،بيروت :دار صادر )1968 ،الجزء الثالث ،الباب السادس ِذ كر بعض
الوافدين على
األندلس من أهل المشرق ،عبد الرحمن بن معاوية -المترجم]
] [408ابن
خلدون ،المقدمة ،مقدمة في التاريخ ،ترجمة وتحرير فرانز روزنتال (برنستون :مطبعة
جامعة برنستون:1 ،)1967 ،
[ .303النص العربي كما ورد في األصل ،مقدمة ابن خلدون
،مراجعة سهيل زكار( ،بيروت :دار الفكر ،)2001 ،الباب
الثاني ،الفصل السادس
والعشرون ،في أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب .187 ،غير أن رقَم
هذا الفصل في
انظر والعشرون، الخامس هو روزنتال ترجمة
).http://www.muslimphilosophy.com/ik/Muqaddimah/Chapter2/Ch_2_25.htm
كذلك ،وجدُت هنا فرقًا
في معنى الكلمة األخيرة بين األصل والترَج مة"All the customary activities of the
"Arabs
lead to travel and movementفآثرُت األصل (’التغلب‘
على ’التقلب‘) -المترِج م]
] [409أندرو
إم .واطسون ،االبتكارات الزراعية في العالم اإلسالمي المبكر :انتشار المحاصيل
وأساليب الزراعة1100-700 ،
(كامبريدج :مطبعة جامعة كامبريدج.92 ،)1983 ،
] [410المصدر
السابق.84-80 ،
] [411المصدر
السابق.71-70 ،
] [412انظر
إكسبيراثيون غارثيا سانشيز" ،الزراعة في األندلس" ،في تراث األندلس
،تحرير سلمى الخضراء الجيوسي (ليدن،
هولندا :إيه .جيه .بريل.996 ،)1994 ،
] [413جيهِ
.فرِن ت" ،العلوم الطبيعية والصناعية في األندلس" ،في تراث األندلس.939 ،
] [414نقًال
عن ألفارو ،في روبرت هيلينبراند" ،زينة الدنيا :قرطبة كمركٍز ثقافي في العصور
الوسطى" ،في تراث األندلس.115 ،
] [415مينوثال
،زينة الدنيا( 43-42 ،انظر الفصل السادس ،الحاشية رقم .)8
] [416نقًال
عن الجاحظ" ،كتاب القيان" ،في روجر بوز" ،التأثيرات العربية في شعر
الحب األوروبي" ،في تراث األندلس.466 ،
[النص العربي كما ورد في رسائل
الجاحظ ،تحقيق عبد السالم هارون( ،القاهرة :مكتبة الخانجي ،)1964 ،الرسالة الرابعة
عشرة
في مجموعة داماد (كتاب القيان) -171 ،المترجم]
] [417مينوثال
،زينة الدنيا[ .25-124 ،انظر أيضًا محمود علي مكي ،الشعر العربي ومولد الشعر
الغنائي األوروبي ،مجلة
مجمع اللغة العربية بالقاهرة ،العدد - 63 :96المترجم]
] [418روجر
بوز" ،التأثيرات العربية" .73-466 ،للوقوف على تحليٍل للمدى الذي وصل
إليه التأثير العربي على الشعراء
الغنائيين األوروبيين ،الذي ال يزال مثاَر خالف
في األوساط العلمية ،انظر أيضًا ماريا رو از مينوثال ،الدور العربي في التاريخ
األدبي
العصر وسطي :ت ارٌث منسي (فيالدلفيا :مطبعة جامعة فيالدلفيا.)1987 ،
] [419نقًال
عن ابن حوقل ،في ريتشارد فليتَش ر ،إسبانيا المغربية (نيويورك :هنري هولت[ .65
،)1992 ،النص كما ورد في كتاب
المسالك والممالك ،ألبي القاسم ابن حوقل (ليدن:مطبعة
بريل - 76 ،)1873 ،المترجم]
] [420لوثي
لوبيز -بارالتن "تراث اإلسالم في األدب اإلسباني" ،في تراث األندلس.12-511
،
] [421ميغيل
فورثادا ،كتاب األنواء في األندلس" ،ترجمة مايكل كينيدي ،في تكوين األندلس
:اللغة ،والدين ،والثقافة ،والعلوم،
تحرير ماريبل فييرو وخوليو سامسو (آلدرشوت
،المملكة المتحدة :آشغيت.311 ،)1998 ،
] [422نقًال
عن كتاب األنواء ،في ماكلوسكي ،علوم الفلك والثقافات( 68-166 ،انظر الفصل الثاني
،الحاشية رقم .)7
] [423غارثيا
سانشيز" ،الزراعة في األندلس" ،في تراث األندلس.997 ،
] [424نقًال
عن ابن ِع ذاري ،البيان الُم غرب في روبرت هيلينبراند" ،زينة الدنيا"[ .127
،البيتان كما وردا في األصل العربي ،ابن
ِع ذاري المراكشي ،البيان الُم غِر ب في
أخبار األندلس والَم غرب ،تحقيق جي .إس .كوالن وإيه .ليفي -بروفنسال (بيروت :دار
الثقافة( 110 :3 )1983 ،قال بعُض شعرائهم يبكي قرطبة - )-:المترجم]
] [425دبليو
.مونتغمري واط ،تاريخ األندلس (إدنبرة :مطبعة جامعة إدنبرة.92 ،)1965 ،
] [426غارثيا
سانشيز" ،الزراعة في األندلس".990 ،
] [427المصدر
السابق.93-992 ،
] [428رافائيل
فالنثيا" ،إشبيلية اإلسالمية" ،في تراث األندلس .145 ،انظر أيضًا غارثيا
سانشيز" ،الزراعة في األندلس".997 ،