You are on page 1of 239

‫‪ 

‬‬

مكتبة الحبر اإللكتروني‬
‫مكتبة العرب الحصرية‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫تأليف

‫جوناثان َل يونز‬
‫‪ ‬‬
‫ترجمة

‫مازن جندلي‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫يتضمن هذا الكتاب ترجمة األصل اإلنكليزي

‫‪
The House of Wisdom‬‬
‫حقوق الترجمة العربية مرّخ ص بها قانونيًا من الناشر

‫‪
Bloomsbury Press‬‬
‫بمقتضى االتفاق الخطي الموّقع بينه وبين الدار العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬ش‪.‬م‪.‬ل‪
.‬‬

‪Copyright © 2007 by Jonathan Lyons‬‬
‫‪Arabic Copyright © 2009 by Arab Scientific Publishers,All rights reserved‬‬
‫‪Inc. S.A.L‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫الطبعة األولى‬
‫‪ 1431‬هـ‪
2010 - ‬م‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ISBN: 978-614-421-990-4‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة للناشر‬
‫‪ ‬‬

‫عين التينة‪ ،‬شارع المفتي توفيق خالد‪ ،‬بناية الريم‬


‫هاتف‪(+961-1) 785107 - 785108 - 786233 :‬‬
‫ص‪ .‬ب‪
13-5574 :‬شوران ‪ -‬بيروت ‪ - 1102-2050‬لبنان‬
‫فاكس‪ -
(+961-1) 786230 :‬البريد اإللكتروني‪asp@asp.com.lb :‬‬
‫الموقع على شبكة اإلنترنت‪http://www.asp.com.lb :‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫يمنع نسخ أو استعمال أي جزء من هذا الكتاب بأية وسيلة
تصويرية أو الكترونية أو ميكانيكية بما فيه التسجيل الفوتوغرافي‬
‫والتسجيل على
أشرطة أو أقراص مقروءة أو بأية وسيلة نشر أخرى بما فيها حفظ المعلومات‪ ،‬واسترجاعها
من دون إذن خطي‬
‫من الناشر‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫إن اآلراء الواردة في هذا الكتاب ال تعبر بالضرورة عن رأي
الدار العربية للعلوم ناشرون ش‪ .‬م‪ .‬ل‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫التنضيد وفرز األلوان‪ :‬أبجد غرافيكس‪ ،‬بيروت ‪ -‬هاتف ‪(+9611) 785107‬‬
‫الطباعة‪ :‬مطابع الدار العربية للعلوم‪ ،‬بيروت ‪ -‬هاتف ‪(+9611) 786233‬‬
‫‪ ‬‬
‫إلى ذكرى والِد ي‪ِ ،‬و ّل َليونز‪ ،‬الذي
عَّر فني قوَة األفكار‪.‬‬
‫مالحظة
للقارئ‬
‫نادر ما يأتي مع األعمال الموَج هِة إلى
القارئ العام تعريٌف للمصطلحات والمفاهيم‪ ،‬بالغًا ما‬ ‫ًا‬
‫بلغ مستوى جدية أو ثقِل
الموضوع‪ ،‬ولقد تعمدُت اإلبقاَء على هذه التعريفات في الحد األدنى‪.‬‬
‫وبالرغم من ذلك‪
،‬أجد من المناسب التحدَث قليًال في البداية عن اختياري مصطلَح "الِع لم العربي‬
‫[‪ -  "]Arab Science‬أو ما أشَبه ذلك من عبارة ‪ - ‬بدًال من
"العلم اإلسالمي [‪Islamic‬‬
‫‪ ،"]Science‬للتعبير عن الوسط الثقافي الرفيع الذي ساد العالَم
اإلسالمي في العصور الوسطى‪.‬‬
‫حكر على‬‫كثير من
االزدهار في ذلك الزمان والمكان لم يكن ًا‬ ‫ًا‬ ‫وكما يعلم كثيٌر من القراء بالفعل‪ ،‬فإّن‬
‫العرب كعرب‪ .‬ولم يكن كذلك عمَل
المسلمين تمامًا‪ .‬فالفرس ‪ - ‬بمن فيهم المجوس والنصارى ‪- ‬‬
‫ار
حاسمة في‬ ‫واليهود‪
،‬واإلغريق‪ ،‬والنصارى السريان‪ ،‬والترك‪ ،‬والكرد وغيرهم‪ ،‬كُل أولئك لعبوا أدو ًا‬
‫جميع فروع العلم والالهوت والفلسفة‪.‬‬
‫وكثير ما كان يجري برعاية الحكام العرب‪ ،‬ال‬ ‫ًا‬ ‫لكَّن هذا العمَل كان يجري غالبًا باللغة
العربية‪،‬‬
‫سيما الخلفاء األمويين
والعباسيين‪ ،‬بدمشق أوًال ثم ببغداد‪ .‬من الحاالت الالفتة‪ ،‬كما سنرى‪ ،‬أّن عاِلمًا‬
‫فارس األصل وضع مؤلفًا ضخمًا بلغته األم أوَل األمر‪ ،‬لكنه أعاد كتابَته باللغة
العربية‪ ،‬التي‬
‫َي‬
‫ِت‬ ‫ٍر‬
‫وجدها أدَق وأكفأ بكثير لبلوغ مراده‪ .‬وخالل شط كبير من الفترة
موضع البحث‪ ،‬لعب اللغُة العربيُة‬
‫دوَر اللغِة العالمية للعلم وكان في استطاعة
العلماء والدارسين من الطبقات كافة أن يجوبوا اآلفاق‬
‫ويظلوا مع ذلك قادرين على
إجراء مناقشاٍت جدية ودقيقة بهذه اللغة المشتركة [‪.]lingua
franca‬‬
‫كذلك
كان على َم ن يود ِم ن علماء الغرب في العصور الوسطى االطالَع على آخر ما استجد في‬
‫مجاله إتقاُن اللغِة العربية‪ ،‬أو العمُل استنادًا إلى الترجمات التي قام بها َم ن
تعلم هذه اللغة منهم‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة أيضًا إلى أن تلك المواَد المكتوبة‪ ،‬التي ترتبط
اليوم إلى حٍد بعيد بالدول األمم‬
‫وبالتطلع إلى الهوية الثقافيِة المميزة‪ ،‬كانت
أكثر بكثير سالسًة وقابليًة للنقل في تلك الفترة‪.‬‬
‫ليس معنى هذا أن اإلسالَم والثقافَة
الفريدة للمسلمين ليسا عنصرين مهمين في قصتنا هذه‪ .‬فأنا‬
‫أشير في مواضَع كثيرٍة من
هذا النص إلى األهمية الكبرى لإلسالم في تقدم العلم العربي‪ ،‬ولقد‬
‫كثير من البحوث التي‬ ‫ًا‬ ‫أفردُت فصًال كامًال
لهذه العالقة الحيوية بين اإليمان والعقل‪ .‬ومع ذلك فإَّن‬
‫أجريت في هذه الفترة مضت أبعَد بكثير من المسائل الدقيقة لإليمان في اإلسالم ولم
ُتجَر حين‬
‫ُأجريت إلثبات الحقائق الالهوتية أو الَع َق دية‪ .‬كذلك‪ ،‬يجدر بنا أن
نتحاشى أَي خلط مع المفهوم‬
‫الراسخ "للعلوم اإلسالمية"‪ ،‬الذي يشير عمومًا
إلى المعارف الدينيِة الدقيقِة كالفقه‪ ،‬وتفسير القرآن‪،‬‬
‫ودراسة الحديث‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫وسيكون من المفيد كذلك التحدُث قليًال عن
استخدامي األسماَء والتواريَخ ونظاَم النسخ اللفظي‬
‫من الحروف العربية إلى الحروف
الالتينية الذي اتبعت‪ .‬يعرض هذا العم لألثر الهائل لِع لِم العرِب‬
‫ُل‬
‫على
الغرب‪ - ‬أي على أمصاِر العاَلِم المسيحي وما أنتجه الحقًا من دوٍل ومجتمعات‪
.‬وقد بدا لي‬
‫أن أستعمَل األسماَء المحَّو رَة إلى الالتينية بدل األسماء العربية
لألعالم المعروفين على نطاٍق واسع‬
‫في العالم الغربي‪ ،‬ال لشيء إال ألَّن هذا عملٌّي
أكثُر فحسب‪ .‬وهكذا‪ ،‬فقد استخدمُت االسَم المحَّو َر‬
‫إلى الالتينية ‪
Averroes‬بدل االسِم العربي البن رشد‪ ،‬واالسَم المحَّو َر إلى الالتينية ‪Avicenna‬‬
‫بدل االسِم العربي البن سينا]‪
.[1‬أما الشخصياُت األقُل ألفًة لدى الغرب فقد استبقيُت أسماءها‬
‫العربية‪ .‬ولألسباب
نفِس ها‪ ،‬استخدمُت التواريَخ على الطريقة "الغربية" التقليدية‪ .‬وفيما قمت
بنسٍخ‬
‫لفظٍي له من الحروف العربية إلى الحروف الالتينية‪ ،‬آثرُت المقروئيَة
واأللفَة والُع رف على النقاوة أو‬
‫التماسك اللغويين‪.‬‬
‫تقدير لنجاح العلماء العرب في قياس مقاديِر‬ ‫ًا‬ ‫وثمة‪ ،‬في األخير‪ ،‬إشارٌة إلى بناء بيت
الحكمة‪،‬‬
‫الليِل والنهار دائمِة
االختالف لتحديد أوقاِت الصلواِت اليوميِة الخمس في اإلسالم‪ .‬فيبدأ الكتاب‬
‫بغروب
الشمس (وقِت صالة المغرب)‪ ،‬البدايِة التقليدية لليوم في الشرق األوسط؛ ثم
ينتقل إلى‬
‫الِع شاء حين خيم الظالم على العصور المسيحية الوسطى؛ ثم يروي
انبالَج فجِر العصِر الذهبي‬
‫للعلم عند العرب؛ صعودًا مع بطلنا الرئيسي‪
،‬آديالرد أوف باث‪ ،‬إلى منتصف سماء المجد وقَت‬
‫الظهر‪ ،‬في الشرق األدنى‪
،‬مختتمًا بألوان األصيل الغنية وقَت العصر الذي أعلن انص ار عصِر‬
‫َم‬
‫اإليمان
في الغرب وما بدا أنه انتصاٌر كاسٌح للعقِل عليه‪.‬‬
‫أحداث
مهمة‬
‫هاكم بعضًا من أهم األحداث المحيطِة بقصة بيت
الحكمة‪ .‬وكثيٌر من التواريخ هنا ليست سوى‬
‫تواريَخ تقريبيٍة بالضرورة‪ .‬المزيُد
من التفصيل في ما يلي ِم ن سرد‪.‬‬
‫يهاجر بأتباعه من مكة إلى
المدينة‪ ،‬الهجرة‪ .‬اإليذاُن ببداية العصر اإلسالمي‪.‬‬ ‫‪     622‬النبي
محمد ÷‬
‫‪     632‬وفاة
النبي محمد ÷‪.‬‬
‫‪     732‬هزيمُة
كوكبٍة من الفرسان العرب قرب تور‪ ،‬جنوبي فرنسا‪ ،‬ما أوقف عمليًا تغلغَل المسلمين في
أوروبا الغربية‬
‫من األندلس‪.‬‬
‫‪     750‬انتصاُر
الثورة العباسية على الخلفاء األمويين‪.‬‬
‫‪     756‬عبد
الرحمن يعلن نفَس ه حاكمًا على إسبانيا المسلمة‪ ،‬المعروفِة باألندلس]‪.[2‬‬
‫‪     762‬الخليفُة
المنصور يعلن بغداَد عاصمًة جديدًة للعباسيين‪.‬‬
‫‪     771‬حكماُء
الهنود يجلبون المتوَن العلميَة السنسكريتيَة إلى بغداد‪.‬‬
‫‪        813-833‬فترة
حكم الخليفة المأمون‪ ،‬المشجِع المتحمِس للعلم والفلسفة‪.‬‬
‫‪     825‬محمد
بن موسى الخوارزمي يضع جداوَله النجميَة الشهيرة‪ ،‬زيج السند هند [‪.]zij alSindhind‬‬
‫‪     848‬أبو
معشر [‪ُ ]Albumazar‬يتم المدخل الكبير إلى علم أحكام النجوم ببغداد‪.‬‬
‫‪         948‬البيزنطيون
ُيهدون موسوعة ديوسقوريِد س [‪ ]Dioscorides‬الطبيَة [‪ ]De material medica‬إلى‬
‫البالط العربي بقرطبة‪.‬‬
‫‪ِِ     967‬ج رِِبر
دوريالك [‪ ،]Gerbert d'Aurillac‬الذي سيصبح البابا ِس لفستر الثاني‪ ،‬يوَف د إلى كاتالونية ليتلقى‬
‫تعليَم ه العالي في المعرفة األساسية التي تحَّص ل عليها الجي ارُن العرب‪.‬‬
‫‪   1066‬النورمان
يغزون إنكلترا‪.‬‬
‫نحو ‪        1080‬والدة
آديالرد أوف باث بإنكلترا‪.‬‬
‫‪   1088‬جون
دي فيلوال [‪ ،]John de Villula‬الذي سيصير في ما بعد راع أديالرد‪ُ ،‬يرَس م أسقفًا لويلز‪
.‬وينقل‬
‫َي‬
‫أبرشيَته إلى باث‪.‬‬
‫‪   1091‬النورمان
يكملون غزَو صقليَة المسلمة‪.‬‬
‫‪     1092‬وولشر
أوف مالفرن [‪ ،]Walcher of Malvern‬كاهٌن إنكليزي‪ُ ،‬يجري أول تجربٍة معروفٍة في الغرب‬
‫لتحسين
التوقعات الفلكية‪.‬‬
‫‪   1095‬البابا
أوربان الثاني يدعو من كليرمون‪ ،‬فرنسا‪ ،‬إلى إرسال أوِل حملٍة صليبية‪.‬‬

التركية تسحق "الحملَة الصليبيَة الشعبية" في جيفتوت [‪
،]Civetot‬بالقرب من القسطنطينية‪ ،‬قبل‬ ‫‪   1096‬الجيوُش‬
‫الصليبِي الرئيس من أوروبا‪.‬‬ ‫وصوِل الحشِد‬
‫‪   1099‬جيوُش
الحملة الصليبية األولى تستولي على القدس من يد المسلمين‪.‬‬
‫نحو ‪        1100‬آديالرد
يغادر باث ليلتحَق بمدرسة الكاتدرائية بتور‪ ،‬فرنسا‪.‬‬
‫‪   1109‬آديالرد
يتوجه إلى الشرق‪ ،‬سعيًا لتحصيل العلم العربي‪.‬‬
‫‪   1114‬زلزال
يضرب أنطاكية‪ ،‬بتركيا اليوم‪ ،‬وُيبقي آديالرد هناك‪.‬‬
‫‪   1126‬أوُل
مقدمٍة باللغة الالتينية ألصول [‪
]Elements‬إقليدس‪ُ ،‬تنسب إلى آديالرد أوف باث‪.‬‬
‫‪   1138‬الملك
روجر الثاني ملك صقلية يطلب من اإلدريسي وضَع خريطٍة جديدٍة للعالم‪ .‬وقد سك الملُك
الصقلي‬
‫كذلك أوَل عملٍة أوروبية تستخدم نظاَم األعداد الهندية‪ - ‬العربية‪.‬‬
‫‪   1142‬بطرس
الجليل [‪ ]Peter the Venerable‬يأمر بأول ترجمٍة التينية للقرآن الكريم‪.‬‬
‫‪   1146‬ساللُة
"الموحدين" [‪ ]Almohads‬البربرية تسيطر على األندلس‪.‬‬
‫‪ 1149‬أو ‪  1150‬آديالرد
ُيتم [رسالَته] في استخدام األسطرالب [‪ .]On the Use
of the Astrolabe‬وُيرجع‬
‫بعُض الخبراء هذا المؤَلف إلى سنة ‪.1142‬‬
‫نحو ‪        1152‬وفاة
آديالرد‪.‬‬
‫‪   1175‬جيرار
أوف كريمونا [‪ُ ]Gerard of Cremona‬يتم ترجمَة المجسطي [‪ ]Almagest‬من العربية‪.‬‬
‫‪   1187‬صالح
الدين يسترد القدس من يد الصليبيين‪.‬‬
‫‪   1210‬الفلسفة
الطبيعية ألرسطو ُتمنع رسميًا بجامعة باريس‪.‬‬
‫‪   1229‬فردريك
الثاني يستعيد السيطرَة على القدس بعد شهوٍر من التفاوض مع العرب‪.‬‬
‫نحو ‪        1230‬ترجمات
مايكل سكوت البن رشد تصل إلى باريس‪.‬‬
‫‪   1236‬سقوُط
قرطبة بيد القوات المسيحية بعد أن كانت العاصمَة اإلمبراطوريَة لألندلس‪.‬‬
‫‪   1258‬المغول‪
،‬بقيادة هوالكو‪ ،‬حفيد جنكيز خان‪ ،‬يغزون بغداد وُيعِم لون فيها نهبًا‪.‬‬
‫‪   1259‬هوالكو
يأمر ببناء مرصٍد فلكي بَم راغة‪ ،‬شمال غربي إيران اليوم‪ ،‬ويعين فيه فلكيين بارزين‪.‬‬
‫‪   1260‬نصير
الدين الطوسي‪ ،‬مدير مرصد مراغة‪ ،‬ينشر مراجعًة مهمة لفلك بطليموس‪ ،‬تظهر في أعمال
كوبرنيكوس‬
‫بعد ثالثة قرون‪.‬‬
‫ِة‬
‫‪   1270‬توما
اإلكويني يكتب حول ِقَد م العاَلم [‪
،]De aeternitati
mundi‬قائًال بتعذِر مخالف العرب [عقًال] في‬
‫ما ذهبوا إليه في هذه المسألة‪ ،‬لكنه يقول
بوجوب رفِض هذا المذهِب على أساٍس إيماني‪.‬‬
‫‪   1270‬الكنيسة
تصدر ثالثَة عشر "تحريمًا" بجامعة باريس‪ ،‬تمنع بموجبها تدريَس ِقَد م
العاَلم‪ .‬وقد تم تجاهل جُل هذه‬
‫التحريمات‪.‬‬
‫‪   1277‬أسقف
باريس يصدر مائت تحريم وتسعَة عشر تحريمًا‪ ،‬منها ما هو مرتبٌط بتعاليم توما
اإلكويني‪.‬‬
‫ْي‬
‫‪   1323‬تطويب
توما اإلكويني قديسًا‪.‬‬
‫‪   1453‬سقوط
القسطنطينية بيد األتراك العثمانيين‪.‬‬
‫‪   1492‬سقوط
مملكة غرناطة المسلمة‪ ،‬آخِر معاقِل المسلمين باألندلس‪ ،‬بيد المسيحيين‪.‬‬
‫‪   1497‬المستكشف
البرتغالي ڤاسكو دي غاما ُيِت م رحلًة حول أفريقيا‪ .‬ومن ثم يصل إلى الهند‪ ،‬بمساعدة
مالٍح مسلم‬
‫على ما يبدو‪.‬‬
‫‪     1543‬نشُر
مؤَلف كوبرنيكوس "حول دورات األجرام السماوية" [‪De Revolutionibus Orbium‬‬
‫‪ ،]Coelestium‬الذي يطرح فيه الشمَس كمركٍز للكون‪ .‬يشتمل هذا العمل على
مساهمتين عربيتين رئيستين‬
‫اثنتين‪.‬‬
‫‪   1592‬نسخة
عربية مختصرة لخريطة اإلدريسي للعالم ُتطبع في الغرب‪.‬‬
‫‪   1633‬غاليليو
ُيرمى بالهرطقة لتأييده أفكار كوبرنيكوس‪.‬‬
‫‪   1687‬نظرية
إسحق نيوتن في الجاذبية "تكمل" الثورة الكوبرنيكية وتؤسس لسيادة العلم
في العاَلم الغربي‪.‬‬
‫شخصيات
رائدة‬
‫الشخصيا التالية ذا أهميٍة مركزية في
صعود العلم العربي في الغرب وَتَلُق ِفه فيه‪ .‬لم تألِف‬
‫ُت‬ ‫ُت‬
‫األسماع ِم ن أسمائها إال
القليل‪ ،‬وقد وضعُتها بين يدي القارئ كمرجٍع قريب‪.‬‬
‫أبو معشر [‪ -  ]Albumazar‬عاِلٌم
عرب حجة في علم النجوم أسس فَنه على الفلسفة‬
‫ٌي‬
‫الطبيعية ألرسطو‪ .‬اسمه الكامل جعفر
بن محمد أبو معشر البلخي‪.‬‬
‫اإلدريسي ‪ - ‬جغراف
عربي ومديُر مشروع الملك روجر الثاني ملِك صقلية لوضع خريطة‬
‫ٌي‬
‫العالم‪.‬‬
‫آديالرد أوف باث [‪ - ]Adelard of Bath‬من الرواد األوائل الذين نهلوا
من معين العلم‬
‫العربي‪ ،‬وَنقلوا إلى الغرب في العصور الوسطى روائَع علِم الهندسة
وعلِم الفلك وعلِم النجوم وغيِرها‬
‫من حقول المعرفة‪.‬‬
‫أوربان الثاني [‪ -  ]Urban II‬هو الذي دعا‪ ،‬كبابا‪ ،‬إلى إرسال
أول حملٍة صليبية‪ ،‬سنة‬
‫‪.1095‬‬
‫أوغسطين أوف هيبو [‪ -  ]Augustine of Hippo‬أدخل الفلسفَة اليونانيَة في
التعاليم‬
‫الكنسية لكنه خفف من عنايتها بالعلوم الطبيعية‪ .‬توفي سنة ‪ 430‬واعُتبر في
ما بعد قديسًا‪.‬‬
‫إيزيدور اإلشبيلي [‪ - ]Isidore of Seville‬أسقٌف و"موسوعي" من
العصور الوسطى‪،‬‬
‫كان يعّلم الناس أَّن األرَض مسطحة "كدوالب"‪.‬‬
‫ابن رشد [‪ -  ]Averroes‬فيلسوٌف
مسلم كان له أثٌر هائل في الفكر الغربي‪ ،‬ال سيما‬
‫كشارٍح ألرسطو‪ .‬وكان يكنى بأبي
الوليد ابن رشد‪.‬‬
‫ابن سينا [‪ -  ]Avicenna‬فيلسوٌف
وطبيٌب فارسي‪ .‬تخطى أثُره في الغرب أثَر ابن رشد‬
‫حتى أواسط القرن الثالث عشر‪ ،‬فيما
استمرت أهميُته كحجٍة في الطب عدَة قروٍن إضافية‪.‬‬
‫بطرس الراهب [‪
- ]Peter
the Hermit‬القائد الملِه م للحملة الصليبية الشعبية التي
انتهت‬
‫بكارثة‪ .‬وقد فر بجلده وعاش ليرى القدس تسقط بيد الصليبيين‪.‬‬
‫بطليموس [‪ -  ]Ptolemy‬فلك
فّذ من العصور الكالسيكية‪ .‬ظل كتابه المجسطي‬
‫ٌي‬
‫[‪
]Almagest‬الكتاَب المدرس األساس في الفلك؛ من القرن الثاني الميالدي حتى الثورة‬
‫َي‬
‫الكوبرنيكية التي نَّح ْته بعد ألف وأربعمائة سنة‪.‬‬
‫بوثيوس [‪ -  ]Boethius‬نبيٌل
روماني [فيلسوف ورجُل دولة] من القرن السادس كان‬
‫لترجماِت ه إلى الالتينية لنظام
المنطق األرسطي‪ ،‬ورسائِله في الموسيقى وبعض أساسيات علم‬
‫الهندسة‪ ،‬أثٌر عميق في
العلم األوروبي قبل وصول العلم والفلسفة العربيين‪.‬‬

‫ُل‬
‫بيدي [‪ -  ]Bede‬كاهٌن
ومفكر من شمالي إنكلترا‪ ،‬القرن الثامن‪ ،‬كان عمُله سابقًا زماَنه‬
‫ومكاَنه‪.‬‬
‫توما اإلكويني [‪ -  ]Thomas Aquinas‬فيلسوٌف والهوت كاثوليكي
اقترح "هدنًة" بين‬
‫ٌي‬
‫اإليمان والعقل‪ُ .‬ط ِّو ب قديسًا سنة ‪.1323‬‬
‫ِج رِبر دوريالك [‪ -  ]Gerbert d'Aurillac‬البابا ِس لفستر الثاني في ما
بعد‪ .‬وقد تعّلم‬
‫العلوَم والتكنولوجيا العربية كطالٍب باألندلس‪ .‬ونشر معرفَته في
سائر أنحاء أوروبا‪.‬‬
‫جون دي فيلوال [‪ُ - ]John de Villula‬ر سم أسقفًا لويلز سنة ‪
1088‬ونقل أبرشيَته إلى‬
‫باث‪ .‬وكان راع آديالرد‪.‬‬
‫َي‬
‫ًال‬ ‫
عم‬ ‫الالتينية‬ ‫إلى‬ ‫المترجمين‬ ‫أغز‬
‫ُر‬ ‫‪- ‬‬ ‫‪]Gerard‬‬ ‫‪of‬‬ ‫[‪Cremona‬‬ ‫كريمونا‬ ‫أوف‬ ‫جيرار‬
‫باألندلس‪ُ .‬تنسب إليه ترجمُة أكثر من سبعين مؤَلفًا من العربية‪.‬‬
‫الخوارزمي‪ - ‬عالُم
رياضيات وفلك‪ ،‬ولد في ما يعرف اليوم بأوزبكستان‪ .‬كان منقطعًا إلى بيت‬

تأثير‬
‫ًا‬ ‫الحكمة‪
،‬أَّثرت جداوُله النجمية وتواليُف ه في الحساب والجبر واألسطرالب واألعداد العربية‬
‫عظيمًا في الغرب‪.‬‬
‫روبرت أوف كيتون [‪ -  ]Robert of Ketton‬مترجٌم التيني للعلم العربي‪
.‬عمل على‬
‫الترجمة الغربية األولى للقرآن‪ ،‬إلى جانب هيرمان أوف كارنثيا‪.‬‬
‫روجر الثاني [‪
- ]Roger
II‬ملك صقلية النورماني‪ ،‬المعروف باسم
"السلطان المعمد" لتبنيه‬
‫الثقافَة العربيَة الرفيعَة في بالطه‪ .‬وكان
راع مشروع اإلدريسي لوضع خريطة العالم‪.‬‬
‫َي‬
‫روجر بيكون [‪
-  ]Roger
Bacon‬فيلسوٌف وعاِلٌم ومعِّلم من القرن الثالث عشر‪
.‬من‬
‫األنصار األوائل للفلسفة العربية‪ ،‬وقال ذات مرة‪" ،‬الفلسفة مأخوذة من
المسلمين"‪.‬‬
‫سيجر دو برابان [‪ -  ]Siger de Brabant‬زعيُم الفالسفِة العلمانيين
بباريس‪ .‬طاردته‬
‫محكمُة التفتيش وقتلته بمقر المحكمة البابوية‪.‬‬
‫مباشر بالعلم والفلسفة وشجع العلماَء‬
‫ًا‬ ‫عبد هللا المأمون‪ - ‬الخليفة
العباسي السابع‪ .‬اهتم اهتمامًا‬
‫تشجيعًا؛
َم ن كان منهم ببيت الحكمة وَم ن لم يكن‪.‬‬
‫الغزالي ‪ - ‬فقيه
مسلم شَّك ل مؤَّلُف ُه البارع تهافت الفالسفة [‪The Incoherence of‬‬
‫كبير للفالسفة
"بعبارتهم"‪ .‬وُيعَر ف في الغرب أيضًا باسم ‪.Algazel‬‬ ‫‪ ]Philosophers‬تحديًا ًا‬
‫فردريك الثاني [‪ -  ]Frederick II‬أحُد أباطرة الرومان ونصيٌر
للعلم العربي‪ .‬كان راع‬
‫َي‬
‫مايكل سكوت‪ ،‬وذَّي ل بنفسه ترجماِت ابِن رشد‪ ،‬وابِن سينا‪
،‬وابِن ميمون‪.‬‬
‫الكندي [‪ - ]Alkindus‬وُس مي
فيلسوف العرب األول‪ ،‬سعى للتوفيق بين أفالطون وأرسطو‪.‬‬
‫كوبرنيكوس‪ ،‬نيكوالس [‪ -  ]Copernicus, Nicolaus‬فلكٌي بولندي حل طرُح ه أّن‬
‫الشمَس مركٌز للعالم في النهاية محَل مفهوم أَّن األرض هي مركُز كّل الحركات
السماوية‪.‬‬
‫ليوناردو أوف بي از [‪ -  ]Leonardo of Pisa‬تعلم الرياضيات عن عرب شمال
أفريقيا‬
‫وغدا واحدًا من أعظم الرياضيين في العالم الغربي‪ُ .‬يعرف أيضًا باسم
فيبوناتشي [‪.]Fibonacci‬‬
‫مايكل سكوت [‪
- ]Michael
Scot‬مترجُم ابِن رشد وأعظُم مفكٍر معروف في زمانه‪
.‬عمل‬
‫مستشار علميًا وفلكيًا ببالط فردريك الثاني‪.‬‬
‫ًا‬
‫َم سلمة الَم جريطي ‪
- ‬عالُم رياضيات وفلك أندلسي من القرن الحادي عشر ُترجمت طبعُته‬
‫المحلية من جداول
النجوم العربية في ما بعد إلى الالتينية‪.‬‬
‫موسى بن ميمون [‪ -  ]Maimonides, Moses‬عالٌم يهودي من األندلس‪
.‬ولكونه‬
‫معاصر البن رشد‪ ،‬ساعد على تعريف المفكرين المسيحيين بالتقليد الفلسفي
العربي‪ُ .‬ك تبت أعماُله‬ ‫ًا‬
‫الفلسفية بالعربية وُترجمت على نطاٍق واسع إلى الالتينية‪.‬‬
‫هرمان أوف كارنثيا [‪ - ]Hermann of Carinthia‬ترجماٌن كبير للعلم العربي‪
.‬أسهم‬
‫في وضع الترجمة األولى للقرآن الكريم إلى الالتينية‪.‬‬
‫تمهيد

‫المغرب‬
‫لم يكن ثمة َم ن يشك تقريبًا في أَّن َهللا
أرسل الزلزال على أنطاكية لفجورها وإس ارِفها في أمرها‪.‬‬
‫فقد كان سكاُن هذه القاعدِة
المسيحيِة المتقدمة غيِر البعيدة عن الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط‬
‫يجاهرون
بالمعاصي وقد اتخذوا دينهم لعبًا ولهوا‪ .‬يسخر وولتر المستشار منهم فيقول "كان
بعُض‬
‫الرجال الذين كرهوا الصوم وأحبوا المآدَب الباذخة‪ ،‬واستبد بِه ُم النهُم
للمآكل الشهية‪ ،‬حريصين ال‬
‫على اتباع سبيِل أولئك الذين عاشوا حياًة طيبة بل سبيِل
أولئك الذين أكلوا مآكَل طيبة"‪ ،‬وكان هذا‬
‫رجَل دين وموظفًا قديمًا بأنطاكية
ازدان وصُف ه الصريح للحياة فيها بإشا ارٍت إلى الكتاب المقدس‬
‫واقتباساٍت شائعة من
أشعار أوڤيد وڤرجيل]‪
.[3‬أما النساء فكن يعربدن بأرديتهن القصيرة الفاضحة‬
‫غمز "كن يكلفن‬
‫ًا‬ ‫ويتبرجن تبرجًا ال يعرف الحشمة‪
.‬وبعضهن "أو هكذا تقول اإلشاعة"‪ ،‬يقول وولتر‬
‫الصناَع المحليين بصنع "أغطيٍة لعوراتهن مشغولٍة جيدًا بالذهب العربي
وتشكيلٍة من الجواهر‬
‫الثمينة‪ ،‬ال لستر هذه العورات أو لجِم لهيِب الشهوة‪ ،‬بل ألن
الممنوَع ربما يؤجج شهوَة أولئك الذين‬
‫ن‬
‫‪
.‬وأخريات كن يفسقن رياضًة ولهوًًا‪ ،‬فَيْد عو إلى أنفسهن األصدقاَء‬
‫فترت شهوُتهم للُم باح"]‪[4‬‬
‫والجيران من شوارع
المدينة بال تمييز‪.‬‬
‫ولئن لم تفلح آفُة الجراد التي ضربت
المدينة قبل سنتين في صد هذا المد من االنحالل بين‬
‫هؤالء الوافدين الغربيين الجدد
إلى الشرق األدنى‪ ،‬فلعل الرجفَة إذا أخذِت الناس توقظهم من غفلة‬
‫المعاصي‪ .‬ففي ‪
13‬نوفمبر ‪ ،1114‬ضرب زلزال بلدَة ماميست ار النائية‪ ،‬ملحقًا خسائَر كبيرة ومؤذنًا‬
‫بالدمار القادم‪ .‬وبعد ستة عشر يومًا‪" ،‬في هدأٍة من الليل‪ ،‬والناُس مستسلمون
لنوٍم لذيٍذ عميق‪،‬‬
‫شعرت أنطاكية بالعقاب اإللهي يسري في أوصالها"‪ .‬يحكي لنا
وولتر أن "المدينَة كانت مشهَد دمار‪،‬‬
‫وقد ُقتل أناٌس كثيرون في بيوتهم‪ .‬وآخرون‪
،‬استبد بهم الرعب؛ فهجروا بيوتهم ذاهلين عن ثرواتهم‪،‬‬
‫تاركين وراءهم كَل شيء‪ ،‬وهاموا
في شوارع وساحات البلدة كالمجانين‪ ،‬رافعيَن إلى السماء أُك َف‬
‫التضّرع ِلما استبد
بهم من خوٍف وعجٍز شديدين‪ ،‬باكين سائليَن َهللا بكل لسان أْن ’نجنا يا رب‪ ،‬نِّج‬
‫عبادك‘"]‪
.[5‬وفي الصباح‪ ،‬اصطف َم ن نجا منهم بأعجوبة من الزلزال العنيف أمام كنيسة القديس‬
‫بطرس
وسط المدينة‪ ،‬وأقسموا أيماَنهم أال يعودوا إلى ما كانوا فيه من شهواٍت دنيوية‪.‬‬
‫لم يكن أهل أنطاكية وحدهم الذين قلب
الزلزال حياتهم رأسًا على عقب‪ .‬فقد كان هناك شاٌب‬
‫ريفي [غريُب الدار] نائيها ُيهرع
باحثًا له عن ملجأ على جسٍر حجري بماميست ار التي مادت بها‬
‫األرض قبل ذلك بستة عشر
يومًا‪ .‬لم يتجشم أديالرد أوف باث عناء تلك الرحلة الشاقة من غربي‬
‫إنكلت ار ليشارَك
في احتفاالت زفاف الملك بولدوين ملك القدس على أديليد الصقلية‪ .‬فلم يكن مهتمًا‬
‫بخالعات أقرانه األوروبيين‪ .‬ولم يكن ممن تبعوا خطا الغزاة الصليبيين الذين سبقوه
إلى‬
‫‪Outremer‬؛ "بالد ما وراء البحار"‪ .‬فبخالف
أولئك المقاتلين المتعصبين المرعبين ‪ِ - ‬م ن‬
‫"الجرمان الفرانكين"
الذين أطلقهم البابا أوربان الثاني‪ - ‬فاغتصبوا النساء ونهبوا الممتلكات
بأوروبا‬
‫الوسطى حتى قبل أن يبلغوا األرَض المقدسة‪ ،‬كان آديالرد مصممًا على التعلم
من المسلمين بدل‬
‫قتلهم تحت عالمة الصليب‪ .‬ففي حين لم يَر الصليبيون في المسلمين
سوى الشر‪ ،‬كان آديالرد‬
‫يسعى وراء نوِر الحكمِة العربية‪.‬‬
‫ال بد من أن أنطاكية [‪
-  ]Antioch‬وهي اليوم بلدٌة في الريف التركي ‪ - ‬كانت ال تقاَو م‬
‫آلديالرد القلق‪ ،‬الذي كان
َق َط َع كطالٍب شاب بأهمية السفر إلى أي مكان طلبًا للعلم‪" :‬سيكون ًا‬
‫أمر‬
‫يستحق
العناء أن يسيَر المرء إلى معلمي الشعوب األخرى‪ ،‬ويستظهَر صفوَة ما قد يجده عند كل‬
‫منهم ِم ن علم‪ .‬فالذي يستغلق على الفرنسيين‪ ،‬تجد َم فاتيحه في ما وراء األلب؛ والذي
ال تتعلمه ِم ن‬
‫الالتين‪ ،‬يعلمك إياه فصحاُء اليونان"]‪ُ
.[6‬بنيت البلدُة في القرن الرابع ق‪.‬م‪ ،‬وكانت في ما مضى‬
‫ٍل‬
‫حاضرَة آسيا األساسية‪ .‬ذكراها
عزيزٌة بشك خاص على قلوب المسيحيين‪ :‬ففيها ُأطلق اسُم‬
‫"المسيحيين"
أوَل مرة‪ ،‬وكان القديس بطرس أوَل أسقٍف لها‪ ،‬وهذه نقطٌة لطالما كان باباوات روما‪،‬‬
‫شديدو الحساسية والحريصون جدًا على مكانتهم‪ ،‬يفضلون تجاُهَلها]‪
.[7‬وقد ازدهرت في ظل الحكم‬
‫اإلسالمي لكنها وقعت بعد ذلك في أيدي الصليبيين النورمان‪
.‬اشتملت إمارُة أنطاكية الجديدة هذه‬
‫على بلدٍة محصنة في الوسط‪ ،‬وسهوٍل محيطٍة بها‪
،‬ومرفأين هما إسكندرون وسان سيمون‪ .‬كانِت‬
‫البلدُة شديدَة الثراء‪ ،‬تقوم ثروتها على
صناعة الحرير الفاخر والسجاِد والقدوِر والزجاج‪.‬‬
‫وكآديالرد نفِس ه‪ ،‬كانت البلدة التي تنتظره
تقف على الخط الفاصل بين الشرق والغرب‪ .‬فقد‬
‫كانت أنطاكية مدًة طويلًة من الزمن
محطًة مهمة على طريق تجارة القوافل اآلتية من بالد ما بين‬
‫النهرين‪ ،‬وكانت تجارًة
تقليديًة مربحة تجاهلت بحرٍص شديد الحروَب الدينيَة الصليبيَة المزعجة‬
‫وظلت على ما
هي عليه‪ .‬كان جُل ساكنِة المدينة مسيحيين؛ من أرثوذكس شرقيين‪ ،‬ويعاقبة‪،‬‬
‫ونسطوريين‪
،‬وأرمن‪ .‬وكانِت العربيُة هي اللغَة السائدة‪ ،‬لكَّن الصالِت الدينيَة والثقافية ضمنت
كذلك‬
‫مكانًا لليونان والالتين‪ ،‬ما سَّه َل تبادَل الكتب واألفكار عبر الخطوط
المذهبية والثقافية واإلثنية‪.‬‬
‫وهكذا‪َ ،‬و جدت اإلمارة نفَس ها صلَة وصٍل حيوية بين
عاَلمين متعارضين‪ ،‬نشب في ما بينهما ص ارٌع‬
‫دين وثقافي للسيطرة على القدس‪
،‬الواقعِة على بعد ثالثمائة ميل تقريبًِا إلى الجنوب من أنطاكية‪.‬‬
‫ٌي‬
‫قبل بضع سنين من وصول آديالرد‪ ،‬كانت
القواُت النورمانية والَج َنويُة المشتركة قد استولت من‬
‫بني عمار على مدينة طرابلس
القريبة‪ ،‬وكان بنو عمار هؤالء أم ارَء المدينة المسلمين المثقفين‪ .‬جاء‬
‫في ذيل
تاريخ دمشق‪ ،‬وهو سجٌل تاريخ عرب معاصر لهذه الحروب‪ ،‬أَّن ِم ن بين ما غنم‬
‫ٌي‬ ‫ٌي‬
‫النصارى المنتصرون ِم ن طرابلس "دفاتر داِر علِم ها وما كان منها في خزائن
أصحابها"]‪.[8‬‬
‫وانتهت آالٌف من هذه الكتب إلى أيدي التجار األنطاكيين‪ ،‬وصارت في متناول ذاك الشاب
اآلتي‬
‫من باث‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬لم يكن آديالرد مهّيًأ البتة لما
وجده في سعيه الحثيث لما دعاه الدراسات العربية‬
‫أخير على أسرار العصور‪ ،‬تحت ركام ستة قرون من بلبالت‬ ‫ًا‬ ‫[‪
.]Studia
Arabum‬لقد عثر‬
‫المسيحية الغربية‪
.‬وعلى الفور استحوذ هذا اإلنكليزُي المترحل على قوة المعرفة العربية ليرى العالَم‬
‫كما رآه‪ .‬غادر آديالرد موطَنه إنكلت ار طالبًا شابًا متعطشًا للحكمة التي لم يكن
ليروَي ظمأه إليها إال‬
‫العرب‪ .‬وسيعود إليه كأوِل عاِلٍم غربي‪ ،‬ويساعد على تغيير
عالمه إلى األبد‪.‬‬
‫هل للكون بداية وهل له نهاية‪ ،‬كما ورد في
اإلنجيل والقرآن؟ أم أنه قديم‪ ،‬ال هو حادٌث وال‬
‫متغير‪ ،‬كما قال الفالسفة المسلمون؟
ولو صح هذا "المنطق الجديد"‪ ،‬إذًا‪ ،‬ما يفعل المرء بالنصوص‬
‫المقدسة التي
تقول بالخلق؟ لقد بدا العالم آلديالرد فجأًة مكانًا جديدًا غيَر مألوف‪ .‬شغلت هذه‬
‫التساؤالُت المفكرين العرَب قرونًا‪ ،‬وهم يصارعون للتوفيق بين عقيدة التوحيد التي
يحملونها وبين‬
‫ِم‬
‫فهمهم المتزايد للكون ن حولهم‪ .‬هذا الص ارُع الكبير بين اإليمان
والعقل كان على وشك أن ينزَل‬
‫على أوروبا غيِر المتشككة كالصاعقة‪.‬‬
‫أدى وصوُل العلِم والفلسفِة العربيين‪ ،‬وهو
إرُث آديالرد الرائد وَم ن سارع إلى اتباعه‪ ،‬إلى تحويل‬
‫الغرب المتخلف إلى قوٍة
علميٍة وتكنولوجيٍة عظمى‪ .‬وكاإلكسير المراوغ‪ - ‬في الكيمياء
القديمة‪- ‬‬
‫الذي كان ُيطلب لتحويل المعادن غير النفيسة إلى ذهب‪ ،‬حّو ل العلُم
العربي عاَلَم العصور الوسطى‬
‫المسيحي تحويًال فاق اإلدراك‪ .‬فألول مرة منذ قرون‪
،‬تتفتح عيوُن أوروبا على العاَلم من حولها‪ .‬هذا‬
‫التالقي مع العلم العربي أعاد حتى
فَن قياس الوقت بعد ضياع إلى مسيحيي الغرب في بدايات‬
‫العصور الوسطى‪ .‬فمن دون الضبط
الدقيق للوقت والتقويم‪ ،‬ما كان للتنظيم العقالني للمجتمع أن‬
‫ُيَتَص ور‪ .‬وهكذا تطورت
العلوم‪ ،‬والتكنولوجيا‪ ،‬والصناعة‪ ،‬وتحرَر اإلنساُن من عبوديته للطبيعة‪ .‬لقد‬
‫ساعد
العلُم والفلسفُة العربيان على إنقاذ العالم المسيحي من الجهل وهو الذي جعل فكرَة
الغرب بحد‬
‫ذاتها ممكنة‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬كم منا اليوم يقفون ليعترفوا بذلك
الدين الهائل الذي ندين به للعرب‪ ،‬دع عنك السع‬
‫َي‬
‫لسداده؟ كم منا يعترفون بما تركوه
لنا من إرٍث ال يقدر بثمن من مصطلحات في قاموسنا التقني‬
‫اليوم‪ :‬من السمت [‪ ]azimuth‬إلى السمة [‪ ،]zenith‬ومن الجبر [‪ ]algebra‬إلى الصفر‬
‫[‪]zero‬؟ أو باألثر العربي األكثَر دنيويًة في كل
شيء من الطعام الذي نأكله ‪ - ‬من مشمش‬
‫[‪
]apricots‬وبرتقال [‪ ]oranges‬وأرضي شوكي [‪ ،]artichokes‬وهذا قليٌل من كثير‪ ،‬إلى‬
‫المصطلحات
البحرية الشائعة ‪ - ‬مثل أمير البحر [‪
]admiral‬والسلووپ [‪[ ]sloop‬القارب‬
‫الشراعي أحادي الصارية] والرياح
الموسمية [‪ .]monsoon‬حتى اسم رقصة موريس الشعبية‬
‫[‪ ]Morris folk dance‬وهي رقصٌة إنكليزيٌة قديمة هي في الواقع تحريٌف لرقصة المغاربة‬
‫[‪ ]Moorish dancing‬التي كان الموسيقيون العرب يسلون بها نبالَء المسلمين باألندلس‪.‬‬
‫كذلك أسماُء الخوارزمي‪ ،‬وابِن سينا‪
،‬واإلدريسي‪ ،‬وابِن رشد‪ - ‬عمالقة العلِم العربي الذين هيمنوا‬
‫فكريًا على أوروبا
العصور الوسطى قرونًا ‪ - ‬تكاد ال تجد أحدًا من المتعلمين يذكرها في الغرب‬
‫المسيحي اليوم‪ .‬فقد غَّيب أغلَبها النسيان‪ ،‬وصارت ال أكثر من ذكرياٍت بعيدة من
الزمن الغابر‪.‬‬
‫ومع ذلك لم يكن أصحاُبها إال قلًة قليلة من الالعبين في التراث
العلمي والفلسفي العربي الباهر‬
‫الذي يختفي تحت قروٍن من الجهل الغربي والتحيِز
التام ضد المسلمين‪ .‬فقد وجد استطالٌع حديث‬
‫للرأي العام أَّن ُج ل األميركيين ال
يرون في اإلسالم أو العالم اإلسالمي ما ُيعِج ب إال "القليل" أو ال‬
‫يرون
"شيئًا"]‪
.[9‬لكن‪ُ ،‬ع د بالزمن للوراء وسترى أَّن من المستحيل تصُو ر الحضارة الغربية من دون‬
‫ثماِر العلم العربي‪ :‬فن الجبر للخوارزمي‪ ،‬أو التعاليِم الطبيِة والفلسفيِة الشاملة
البن سينا‪ ،‬أو علم‬
‫الجغرافيا وفن رسم الخرائط لإلدريسي المستمرين إلى اليوم‪ ،‬أو
العقالنية الصارمة البن رشد‪ .‬بل‬
‫األهم من عمل أي شخٍص فرد كانِت المساهمة
اإلجمالية للعرب‪ ،‬تلك التي تقع في صميم الغرب‬
‫المعاصر؛ أي إدراك أَّن العلم يمكن
أن يمنَح اإلنسان القدرَة على تسخير الطبيعة‪.‬‬
‫لقد أعادت قوُة العلم العربي‪ ،‬التي كان
آديالرد أوف باث بطَلها‪ ،‬تكويَن المشهد الثقافي‬
‫األوروبي‪ .‬وبقي أثُرها إلى القرن
السادس عشر وما بعده‪ ،‬وهي التي شّك لت [أساَس ] العمِل األصيل‬
‫لكوبرنيكوس وغاليليو‪
.‬وقد جعل هذا أوروبا المسيحية تقف وجهًا لوجه أمام حقيقة أَّن الشمس‪ - ‬ال‬
‫السكَن الدنيوي لهذا المخلوق الذي هو اإلنسان‪ - ‬هي مركُز الكون‪ .‬وقد شرح ابُن
رشد‪ ،‬القاضي‬
‫الفيلسوف من األندلس‪ ،‬للغرب الفلسفَة الكالسيكية وكان أوَل من أدخل
إليه التفكيَر العقالني‪ .‬أما‬
‫القانون في الطب البن سينا فظل مرجعًا بأوروبا
حتى القرن السادس عشر‪ ،‬ككتٍب عربيٍة أخرى في‬
‫البصريات والكيمياء والُج غرافيا‪.‬‬
‫بدأ تناسي الغرِب المتعمِد إرَث العرب منذ
قرون‪ ،‬عندما بدأِت الدعايُة السياسيُة المعادية‬
‫لإلسالم التي ُص ِن عت في ظل الحمالت
الصليبية تطمس أَي اعتراف بالدور العميق للثقافة العربية‬
‫في تطور العلم الحديث‪.‬‬
‫وقد قّد ر روجر بيكون‪ ،‬الفيلسوُف من القرن
الثالث عشر وأحُد أقدم أنصار المنهج العلمي في‬
‫الغرب‪ ،‬للمسلمين إبداعاِت هم
الثقافية‪ ،‬وهو موضوٌع كان يعرفه جيدًا‪ ،‬فقال‪" :‬الفلسفُة مأخوذٌة من‬
‫المسلمين"]‪
.[10‬ومع هذا‪ ،‬فإَّن روجر بيكون نفَس ه لم يكن أقَل حماسًة ِم ن غيره من الغربيين‬
‫الستنكار مظاهِر حياِة المسلمين التي لم تكن لديه معِر فٌة أو خبرٌة حقيقيٌة بها‪
:‬فقد جزم بال تردد أن‬
‫العرَب "مستغرقون في المتع الحسية‪ ،‬لتعدد الزوجات
لديهم"]‪
.[11‬وسرعان ما حَّلت هذه المفاهيم‬
‫الخيالية محَل كل ما عداها في المخيلة الشعبية
[الغربية]‪.‬‬
‫ناظر‬
‫ًا‬ ‫وانتشرت هذه اآل ارُء أكثَر في عصر النهضة‪
،‬عندما راح الغرب يستلهم اليوناَن القديمة‬
‫إليها نظرًة مثالية]‪
.[12‬فِم ن حرصهم على ادعاء تحدِرهم الفكرِي المباشر من أمثال أرسطو‬
‫وفيثاغورث وأرخميدس‪
،‬تعمد مفكرو الغرب تهميَش دور العلِم العربي‪ .‬كتب بترارك‪ ،‬أبرُز رواد‬
‫الحركة
اإلنسانية في القرن الرابع عشر‪ ،‬يقول‪" :‬سيكون من الصعب إقناعي بأَّن أَي شيٍء
جيد‬
‫يمكن أن يأت من جزيرة العرب"]‪ .[13‬وقد
نسج مؤرخو العلوم الغربيون إلى حد بعيد على هذا‬
‫َي‬
‫المنوال؛ وصَّو ر كثيٌر منهم العرب
بأنهم لطفاُء كرماء لكنهم كانوا عمليًا ناظريَن حياديين للمعرفة‬
‫اليونانية ولم
يفعلوا شيئًا يذكر أو أَي شيء لتطوير عمِل َم ن سبقهم‪.‬‬
‫تستند مثُل هذه األوصاف إلى مفهوٍم ثابت
يقول "باسترجاع" الغرب العلَم الكالسيكي‪ ،‬مع ما‬
‫يعنيه ذلك ضمنًا وبشكٍل
واضح أَّن هذه المعرفَة كانت بشكٍل ما مكتسبًا طبيعيًا بالوالدة ألوروبا‬
‫المسيحية
وأَّن الذي حصل فقط هو أنها لم تجد مكاَنها الصحيح في العصور الوسطى‪ ،‬وهي‬
‫تصطبغ
كذلك بشدة بإجماٍع غربي‪ ،‬غالبًا ما ُيستحضر لتفسير حالة العالم اإلسالمي اليوم‪
،‬أَّن‬
‫اإلسالَم ُم عاٍد بطبيعته لالبتكار وأنه صار كذلك ابتداًء من أوائل القرن
الثاني عشر]‪.[14‬‬
‫الجزء
األول

‫الِعشاء‬
‫الفصل
األولجند الحمالت الصليبية‬
‫لم يكن هذا الجيُش الج ارُر من المؤمنين
يعرف حتى كيف يقّد ر الوقت‪.‬‬
‫اندفع جنُد الحمالت الصليبية إلى أبواب
القسطنطينية‪ ،‬الحاضرِة اإلمبراطورية‪ ،‬وقد سبق‬
‫وصوَلهم الجراد الذي أتى على محاصيل
الكروم لكنه ترك الحنطة‪ .‬قائُد هم الحقود‪ ،‬ذاك الكاهُن‬
‫الذي أصاب شعبيًة كبيرة وصار
ُيهّلل له وُيهَتف باسمه‪ ،‬لم يكن ُيعَر ف له أصل‪ ،‬وقد حض رعاياه‬
‫على الجهاد ضد
األعداء بأْن وَع َد هم الجنة‪ .‬كان المرض والجوع قد تفشيا في المدينة‪ .‬ولم تكن‬
‫ِر‬
‫الرعايُة الطبية في الغالب تزيد عن قراءة التعاويذ وبت األطراف المصابة‪ .‬وكان
التعذيُب هو الحكَم‬
‫الفصل في القضايا الجنائية‪ ،‬باإلضافة إلى غيره من أنواع
التنكيل‪.‬‬
‫نادر جدًا‪ .‬كان التعليُم
في المواطن التي أتى منها هؤالء يشتمل على حفظ‬ ‫ًا‬ ‫أما العلم فكان‬
‫نصوٍص قديمة عن علماء الالهوت ضيقي
األفق‪ ،‬الذين لم يكن لديهم فهٌم ألساسيات التكنولوجيا أو‬
‫العلم أو الرياضيات‪ .‬ولم
يكن في استطاعتهم تحديُد تاريخ أهم األيام عندهم‪ ،‬وال رسُم الحركات‬
‫المنتظمة للشمس
والقمر والكواكب‪ .‬ولم يكونوا يعرفون شيئًا عن صناعة الورق أو استخدام العدسات‬
‫ِد‬
‫والمرايا‪ ،‬ولم تكن لديهم فكرٌة عن األسطرالب؛ سي اآلالت العلمية آنذاك‪ .‬وكانت
ترعبهم الظواهُر‬
‫سحر أسود‪.‬‬
‫ًا‬ ‫الطبيعية كخسوف القمر أو التغيِر المفاجئ في الطقس‪ .‬وكانوا يظنون
ذلك‬
‫أرعب وصوُل جيش المتعصبين هذا السكاَن المحليين‪
.‬فَم ن كان هؤالء البرابرُة بيُض الجلود‬
‫ُز رُق العيون الزاحفون تحت شارة الصليب؟ وما
الذي أتى بهم إلى الشواطئ العربية في فجر القرن‬
‫الثاني عشر لميالد المسيح؟‬
‫تروي [المؤرخة] آنا كومنينا‪ ،‬ابنة
اإلمبراطور البيزنطي [ألكسيوس األول]‪ ،‬بالقسطنطينية‪،‬‬
‫وكثير من بالد البرابرة في ما وراء البحر األدرياتيكي‬
‫ًا‬ ‫عاصمِة اإلمبراطورية]‪  [15‬أَّن
"الغرَب كَله‬
‫حتى
صخرتي هرقل [مضيق جبل طارق]؛ كّلها‪ ...‬كانت تتدّف ق على آسيا في كتلٍة متراصة‪ ،‬بكل‬
‫توابعها‪ ،‬زاحفة عبر الشطر من أوروبا المؤدي إلى الشرق"‪ .‬كان بين هؤالء مؤمنون
حقيقيون وأناٌس‬
‫صالحون‪ ،‬كما يقول المؤرخ ألبرت ڤون آخن‪ ،‬لكن كان بينهم كذلك
"زناة‪ ،‬وقتلة‪ ،‬ولصوص‪ ،‬وشهوُد‬
‫زور‪ ،‬وأصحاب نهب"]‪
.[16‬وكان قائُد هم بطرس الراهب يمتطي بغلًة بيضاء وقد وعد كَل من‬
‫التحق به المغفرَة
التامة‪.‬‬
‫استطاع بطرس‪ ،‬الرجُل الضئيُل الدميم‪
،‬استمالَة العامِة بال عناء‪ ،‬فكانوا ينتفون شعَر ركوبته‬
‫الوضيعة ليحتفظوا به كأثٍر
وهو يجمع للحملة الصليبية بشمالي فرنسا‪ .‬وكثيٌر منهم باعوا ما لديهم‬
‫من ممتلكاٍت
قليلة ليسيروا في ركبه إلى آخر األرض‪ .‬وأحضر بعُض هم أهَلهم كَلهم معهم؛ وهجر‬
‫ِت‬
‫بعضهم
اآلخُر ببساطة زوجا هم وأطفاَلهم وآباءهم المسنين‪ .‬وُتركت المحاصيل بال عهدة
واألعماُل‬
‫اليوميُة بال إنهاء وُهرع أصحابها لتلبية نداء بطرس‪ .‬كان الراهب عارَي
الذراعين حاف القدمين‪ ،‬قد‬
‫َي‬
‫ارتدى قميصًا من الصوف الخشن‪ ،‬ورمى عليه شملًة إلى
كاحليه‪ .‬قال عنه جيبير دو نوجان‪ ،‬في‬
‫إحدى الروايات األولى للحمالت الصليبية‪ ،‬إنه
"كان يعيش على الخمر والسمك؛ ولم يكن يأكل‬
‫الخبَز قط"]‪.[17‬‬
‫ظهر هذا الراهُب الضئيل فجأًة‪ ،‬مرددًا صدًى
شعبويًا لنداء الجهاد العظيم من البابا أوربان‬
‫الثاني‪ ،‬الذي ناشد أم ارَء العالم
المسيحي في ‪ 27‬نوفمبر‪ ،1095 ،‬من بلدة كليرمون الفرنسية وضَع‬
‫حٍّد لتقاتلهم
المتواصل وتحويَل ما لديهم من طاقاِت قتل إلى الشرقيين‪ .‬قال البابا للحشد المتدفق‬
‫الذي تجّم ع لالستماع إلى عظته‪" :‬فلَينِفر أولئك الذين اعتادوا شَن حروبهم
الخاصة على المؤمنين‬
‫اآلن لمحاربة األعداء وإح ارِز النصر في النهاية‪ .‬وليتحول
أولئك الذين كانوا يقاتلون إخواَنهم‬
‫وأقرباءهم إلى قتال البرابرة كما ينبغي لهم أن
يفعلوا‪ .‬ولَيُف ِز اآلَن بالجنة أولئك الذين كانوا يحاربون‬
‫كمرتزقة لقاء دراهَم
معدودات"]‪
.[18‬وخالل أشهر من عظة أوربان تلك‪ ،‬كان نحو ثمانين ألفًا‪ ،‬من‬
‫سكان المدن واألرياف على
السواء‪ ،‬قد ساروا إلى الشرق]‪.[19‬‬
‫وقد غذى مزيٌج ملتهٌب من السياسات الكنسية‪
،‬والنزاعاِت الدينية‪ ،‬والمصالِح المحلية والدولية‪،‬‬
‫نداَء أوربان إلى الحملة
الصليبية‪ .‬ففي العقود األخيرة‪ ،‬كانِت الكنيسة تتصارع مع حكام أوروبا‬
‫الالدينيين
على الحقوق والمزايا‪ ،‬ال سيما سلطة تعيين األساقفة الجدد وتقليدهم رموَز المنصب‪،‬‬
‫الخاتم والصولجان‪ .‬وقد رأى أوربان ومؤيدوه في الكنيسة في الحملة الصليبية طريقًة
الستعادة سلطة‬
‫روما على رأس العالم المسيحي‪ ،‬من دون االعتماد على الملوك أولي
العناد‪.‬‬
‫في تلك األثناء‪ ،‬كان ثمة مفكرون دينيون
يقولون بجواز استعمال العنف الديني ويسوغونه‪ .‬فقد‬
‫كانت للبابا غريغوري
السابع‪ - ‬أوربان ملهِم الحمالت الصليبية‪ - ‬مصلحٌة قديمة في الحرب نيابًة‬
‫عن الكنيسة‪ ،‬بل إنه اقترح تشكيَل ميليشيا القديس بطرس المكونِة من فرسان أوروبيين‪
،‬تلك التي‬
‫جعل منها الص ارُع الناشئ بين الملوك الالدينيين والكرسي البابوي حاجًة
ملحًة جدًا‪ .‬وقد جمع‬
‫مناصر مخلصًا للبابا‪
،‬كتاباِت القديس أوغسطين حول نظريات‬ ‫ًا‬ ‫األسقف أنسلم الثاني دي لوكا‪ ،‬وكان‬
‫الحرب العادلة دعمًا لمساعي غريغوري]‪
.[20‬كذلك تأثر هؤالء "اإلصالحيون" بفكرة أن الكنيسة‬
‫كان يجب أن تقترَب من
الشعب؛ ما دَع َم بالتالي ظاهرَة الجيوش البابوية التي تستطيع منَح المؤمنين‬
‫فرصَة
الذوِد عن الدين لقاَء مغفرة الذنوب]‪.[21‬‬
‫وقد لعبِت األحداُث العالمية دوَرها‪ ،‬هي
أيضًا‪ .‬ففي العام ‪ ،1074‬كتب غريغوري سلسلًة من‬
‫الرسائل يدعو فيها إلى تحرير
المسيحيين الشرقيين األرثوذكس‪ ،‬الذين كانوا قد تعرضوا لهزيمٍة‬
‫عسكريٍة كبرى قبل
ثالث سنوات على يد المسلمين األتراك في مانزيكرت‪ ،‬شرقي آسيا الصغرى‪.‬‬
‫ووَع َد
غريغوري المشاركين "المثوبَة األبدية"‪ ،‬رابطًا بشكٍل واضح بين القتال في
سبيل الكنيسة وبين‬
‫منح الغفران]‪
.[22‬وازدادت مخاوف الغرب أكثر فأكثر من التقارير‪ - ‬التي كانت بعيدًة كل البعد‬
‫عن
الصحة ومع ذلك عوِم لت كحقائق على نطاٍق واسع‪ - ‬التي تقول إَّن تدفَق الزوار
المسيحيين‬
‫المؤمنين إلى معبد سليمان [بيت المقدس] على قلتهم كان يتعرض لإلعاقة
بشكٍل منهجي‪ ،‬واألسوأ‬
‫من ذلك أَّن الذين كان يعترضون سبيَل الزوار المسيحيين
المؤمنين هم األت ارُك السالجقة الذين كانوا‬
‫قد انتزعوا السيطرَة على المدينة
المقدسة سنة ‪ 1070‬من قبضة الفاطميين بمصر التي كانت قد‬
‫ارتخت‪.‬‬
‫وربما كان بطرس الراهب نفُس ه قد ُأسيئت
معاملُته من جانب المسلمين المحليين عندما حاول‬
‫من دون جدوى الوصوَل إلى القدس في
رحلِة دينية شخصية قبل بضع سنوات من بدء الحمالت‬
‫كثير على يد األتراك ومسلمي‬ ‫ًا‬ ‫الصليبية‪ .‬تقول آنا كومنينا‪
،‬األميرُة البيزنطية‪ ،‬إَّن بطرس "عانى‬

‫الشرق"‪ ،‬قبل أن يعوَد إلى أوروبا "وما كاد يعود"]‪


.[23‬لقد ُذ كر في بعض الروايات‪ ،‬أن َبطرَك‬
‫َّل‬
‫القدس ك َف بطرَس الذهاَب إلى أوروبا لطلب
النجدة للمسيحيين الشرقيين الذين كانوا ُيعدون العدَة‬
‫للحرب‪ .‬تصف ’أغنية أنطاكية‘
[‪ ]La Chanson d'Antioch‬من القرن الثاني عشر بطرس‪،‬‬
‫بأنه الناجي الوحيد من الحملة
[الشعبية] الذي عاد بعدها ليحشَد جيشًا ضخمًا ويقوَد الحملَة الصليبيَة‬
‫[الرسميَة]
األولى]‪.[24‬‬
‫ال يزال دوُر بطرَس بشكل دقيق في شن الحرب
الصليبية غيَر مؤكد‪ ،‬وإن كانت مدوناُت تاريخ‬
‫بارز كملهم بل كمحرٍك رئيس للمغامرة كِّلها‪.‬‬‫ًا‬ ‫دور‬
‫ًا‬ ‫العصور الوسطى قد ُع رفت بإعطائها
الراهَب‬
‫وتمجد مروياٌت شعبية
بطرس لمساعدته الفقراء وتقديم الدوطات للمومسات ليتمكَّن من الزواج‪ .‬تقول‬
‫مثير آذن بظهور الراهب في مسرح‬ ‫ًا‬ ‫حوليات
روزنفلد من القرن الثاني عشر‪ ،‬إّن مشهدًا سماويًا‬
‫األحداث‪" :‬ففي إحدى األمسيات‪ ...‬والسماُء صافية‪ ،‬توهجت السماء بكرات نار‪ ،‬أو
هكذا بدت‪ ،‬في‬
‫نار بل قوًى كانت‪،‬‬‫عدة أماكن ثم اتحدت في مكاٍن آخَر من السماء‪ .‬وقد ُفسر هذا على أنه
لم يكن ًا‬
‫بارتحالها‪ ،‬تشير إلى حركٍة ما وتؤذن بمغادرة أناٍس
مناطقهم‪ ،‬التي شملت بعد ذلك الغرَب كله تقريبًا"‬
‫]‪.[25‬‬
‫وبتولي أوربان الثاني‪ ،‬راعي غريغوري السابع
المولع بالقتال‪ ،‬السدَة البابوية‪ ،‬لم يعد هناك ما‬
‫يكبح جماَح القوى المختلفة التي
كانت تدفع بالكنيسة إلى الحرب‪ .‬كان "اإلصالحيون" المتجمعون‬
‫حول البابا
قد استبد بهم هوس الصراع على النفوذ والسلطة مع الغرماء الداخليين والخارجيين‪
.‬ومَّه د‬
‫السبيَل إلى الحرب تاريٌخ طويل ومتنوع من التعاليم المسيحية حول مشروعية
الحرب ذودًا عن‬
‫الدين‪ ،‬وشيوُع استخدام المجازات الحربية في الكتابات الدينية‪ .‬وكما
أدرك أولئك المحيطون بالبابا‪،‬‬
‫سيكون من شأن دعوة المسيحيين إلى الجهاد السما له
[ومن ثم لهم] بممارسة سلطٍة شخصيٍة‬
‫ُح‬
‫هائلة والمساعدة على توحيد الرعية العنيدة في
مهمٍة مقدسة؛ وبدت كأنها استجابٌة لدعواتهم‪ .‬فكانت‬
‫النتيجة حربًا مسيحيًة واسعَة
النطاق‪ ،‬محاولًة من الغرب الرجعي إلعادة تشكيل العالم المتغير على‬
‫صورته‪ .‬وبالرغم
من أن الحمالِت الصليبية ستؤول في النهاية إلى الفشل‪ ،‬فقد أتت للعالم الالتيني‬
‫بخيٍر عميم إذ إنها َح َم لته على مواجهة البراعِة العلميِة والتكنولوجية الفائقة
للمشرق العربي‪ ،‬وجهًا‬
‫لوجه‪ .‬كما ألهبت خياَل كثيرين بأوروبا‪ ،‬حول كِّل ما هو شرقي‪
،‬وِم ن هؤالء آديالرد الذي كان آنذاك‬
‫فت يافعًا حين وّج ه أوربان نداءه الخطيَر
ذاك‪.‬‬
‫ًى‬
‫َتصَّو ر البابا حشدًا طويًال مدروسًا
لحملٍة عسكريٍة حقيقية بقيادة نائٍب له يعينه هو‪ ،‬ويكون‬
‫ممثَله‪ ،‬ومدعومًا من األسر
الحاكمة في الغرب‪ .‬لكَّن المَد البشري الذي سرعان ما سار خلف بطرس‬
‫الراهب وزمرٍة
من الزعامات الشعبوية األخرى لم تكن له مصلحٌة في الجدول الزمني الحذر للَح بر‪،‬‬
‫أو
في األهداف السياسية واالجتماعية والدينية األبعد للكنيسة‪ .‬هذه الحملة الصليبية
الشعبية‪ ،‬التي‬
‫كانت فاتحَة المجهود الحربي الرئيسي‪ ،‬لم تكن لتنتظَر أحدًا‪ .‬فقد رددت
الجموُع المحتشدة بكليرمون‬
‫وراء الَح بر "إنها مشيئة هللا"‪ .]!Deus lo vult[ ،‬سعت جموُع المؤمنين إلى الهيجا سراعًا بعشرات‬
‫اآلالف‪ ،‬هربًا من
حياة الذل والعنف والمرض وطمعًا في حياٍة أفضل‪ .‬وفي رواية جيبير دو نوجان‪،‬‬
‫أنه
"في حين أعَّد األم ار عدَتهم بتؤدٍة وعناية‪ ،‬مدركين مدى ما يحتاجون إليه من
نفقاٍت وخدماٍت‬
‫ُء‬
‫جمٍة من مرافقيهم‪ ،‬انضم العامة‪ ،‬الذين قَّل ماُلهم وَك ُثَر
عدُد هم‪ ...‬إلى ركب بطرس الراهب وأطاعوه‬
‫كولي أمٍر لهم بينما كنا نحن نعد
العدة"]‪.[26‬‬
‫كانوا جميعهم فالحين بسطاء‪ ،‬لكن كان بينهم
ِم ن سّك ان المدن كذلك‪ ،‬بل بعُض الفرسان‬
‫المعوزين‪ ،‬وِم ن المارقين‪ ،‬والغارمين‪
،‬والمجرميَن الصرحاء‪ .‬خرج الكثيُر في طلب األرض المقدسة‬
‫تدفعهم الخرافُة والسعاُر
الشعبي أكثر مما خرجوا بدافع اإليمان أو خدمًة لمرامي زعماء الكنيسة‪.‬‬
‫يقول ألبرت
ڤون آخن‪ ،‬وقد بدا عليه الشعوُر بالخزي مما كتب‪" ،‬كانوا يزعمون أَّن إوزًة ما
كان‬
‫يلهمها الروُح القُد س‪ ،‬وأَّن عنزًة لم تكن أقَل امتال بهذا الروح نفِس ه‪
.‬أولئك ن جعلوا لهم إلى القدِس‬
‫َم‬ ‫ًء‬
‫قادة؛ وأولئك َم ن قد عبدوا في سفٍه عبادة؛ وكان
أغلُب الناس كالبهائِم لهم َتَبعًا‪ ،‬ظانيَن كَل الظن أن‬
‫هذا هو سواُء السبيل"]‪
.[27‬كذلك فشا الفسوُق الجنسي في صفوف الصليبيين‪" .‬هؤالء‬
‫الناس‪...‬كان يجمعهم جي
واحد‪ ،‬لكنهم لم يمتنعوا عن أي شكل من أشكال الجماع والمتِع الحسيِة‬
‫ٌش‬
‫المحظورة؛ فقد
أطلقوا لشهواتهم العنان بال انقطاع ومتعوا أنفَس هم بال انقطاع مع النساء والفتيات‬
‫اللواتي هجرن بيوتهن هن أيضًا لينغمسن في هذه الَع مايات"]‪.[28‬‬
‫وبحلول ربيع ‪ ،1096‬كانِت الغوغاُء غير
المنضبطة التي تكونت منها الحملة الصليبية‬
‫الشعبية تقطع أراض أوروبا الوسطى
والشرقية غيَر المألوفة لها مخلفًة وراءها الكوارث‪ ،‬وال عجب‪.‬‬
‫َي‬
‫استعد يهود الراين
األوسط لألسوأ‪ ،‬بعد أن تلقوا تحذير إخوتهم في الدين الفرنسيين الذين نجحوا في‬
‫ٍة‬
‫رشوة
بطرس وقاد آخرين ليتركوهم وشأنهم‪ .‬يذكر تاريخ سولومون بار سمبسون‪ ،‬الذي تركه
كاتٌب‬
‫يهودٌي مغمور أنه "في هذا الوقت سار الفرنسيون واأللمان المتعجرفون‪
،‬غريبو اللسان‪ ،‬وهم أمٌة‬
‫ِش ٍك‬
‫لدودٌة نزقة‪ ،‬إلى المدينة المقدسة‪ ،‬التي دنسها البرابرة‪
،‬ليقيموا فيها بيَت ر لهم ويطردوا أبناَء‬
‫إسماعيل [المسلمين] والمقيمين اآلخرين
من األرض وينتزعوها ألنفسهم‪ .‬وقد تكاثروا رجاًال ونساًء‬
‫وأطفاًال حتى فاقوا
الج ارَد عددًا"]‪
.[29‬وثمة روايٌة أخرى ُد ِّو نت بعيد األحداث لكاتٍب يهودٍي‬
‫مركز للعلم‪ .‬تخبرنا هذه الرواية أن اليهود على امتداد الراين‬ ‫ًا‬ ‫مجهول من مينز‪ ،‬التي كانت
آنذاك‬
‫راحوا يصومون
ويكّف رون عن خطاياهم ويتضرعون إلى هللا ملتمسين منه العون‪ .‬وطلب بعُض هم‬
‫حمايَة
األساقفة الكاثوليك المحليين‪ ،‬بينما حاول البعُض اآلخر أن يفعلوا ما فعل إخوُتهم
في الدين‬
‫الفرنسيون بأن يفتدوا أنفَس هم بالمال‪ .‬لكَّن التماساِت هم‪ ،‬الدينيَة
والدنيوية‪ ،‬ذهبت أد ارَج الرياح‪.‬‬
‫كانت أسوا أعمال السلب تلك التي ارتكبتها
القواُت التي كانت تحت إمرة الكونت األلماني‬
‫المحلي إيميكو وهي تزحف شرقًا أعلى
الراين‪ .‬ففي وورمز‪َ ،‬ق تل هؤالء خمسمائة يهودي لجأوا إلى‬
‫الزعماء الكاثوليك
المحليين طلبًا للحماية‪ ،‬كان ذلك في مايو ‪ .1096‬وُقتل ألٌف آخرون في مينز‪،‬‬
‫في خضم
االضطرابات المعادية لليهود في المدينة‪ .‬وفشلت زعامة الكنيسة المحلية‪ ،‬مرًة أخرى‪
،‬في‬
‫كبح جماح الغوغاء أو احترام الوعود السابقة لليهود بإيوائهم]‪
.[30‬نّظ م زعماء اليهود انتحا ارٍت‬
‫جماعية مفضلين الموت على ترك عهدتهم تسقط في أيدي
الصليبيين المهاجمين ومواجهِة احتمال‬
‫التنصير القسري‪ .‬يقول المؤرخ المجهول‪"
:‬وصاحوا معًا بأعلى صوت‪’ ... ،‬يا من يملك سكينًا‪،‬‬
‫فلتقتلنا بها‪ ،‬ولَنُم ت في
سبيل هللا الواحد األحد الحي الذي ال يموت‘‪ ،‬ثم يطعن بالسيف عنَق ه أو‬
‫بطَنه‪
،‬فيقتَل نفَس ه‪ .‬أما النساء الطاهرات فكن ينثرن النقود [من النوافذ] لتأخير األعداء
قليًال‪ ،‬ريثما‬
‫يستطعن قتَل أطفالهن؛ كانت النساُء الحنونات يخنقن أطفالهّن
بأيديهن‪ ،‬تنفيذًا لمشيئة الخالق‪ ،‬وكن‬
‫ُيِد رن وجوَه أطفالهن الغضة تلقاَء النصارى
المشركين"]‪.[31‬‬
‫أشعل نداُء البابا أوربان الثاني إلى
الحملة الصليبية لهيَب التعصب الديني لمسيحيي أوروبا‬
‫خطر في وقٍت توترت فيه العالقات
بمنطقة‬
‫ًا‬ ‫تطور‬
‫ًا‬ ‫بمناشدته إياهم مقاتلَة
"أعداء" المسيح‪ .‬كان ذلك‬
‫الراين األوسط بين اليهود (الذين كانوا في المخيلة األوروبية معذبي المسيح)
وبين غيرهم ألسباب‬
‫تتعلق بالمنافسة على التجارة والتبادالت]‪
.[32‬ولم َتزد ك ارريُس الدعايِة الدينيِة المسيحيِة الشعبية‬
‫التي تتهم اليهوَد بالتآمر‪
،‬بأشكاٍل تخيلية في الغالب‪ ،‬المسائَل إال سوءًا‪ .‬يقول سولومون بار‬
‫سمبسون‪"
:‬وصل إيميكو الملعون‪ ،‬عدُو اليهود‪ ،‬بجيشه الكامل إلى باب المدينة‪ ،‬ففتح له
المواطنون‬
‫الباب‪ .‬إيميكو‪ ،‬النبيُل هذا‪ ،‬كان يقود عصابًة من اللصوص الصليبيين
األلمان والفرنسيين‪ .‬قال‬
‫أعداء المسيح لبعضهم‪’ :‬انظروا‪ ،‬لقد فتحوا لنا الباب؛
فدعونا نثأر اآلن للذي ُص ِلب‘"]‪.[33‬‬
‫وهاجم فولكمار‪ ،‬وهو زعيٌم شعب آخر‪ ،‬يهوَد براغ في نهاية يونيو‪ ،‬فيما وقعت مذابُح
أخرى بالقرب‬
‫ٌي‬
‫من الحدود الهنغارية‪ .‬وفي الصيف‪ ،‬كان الصليبيون قد غادروا الراين
األوسط متجهين إلى‬
‫القسطنطينية‪ ،‬وأراح ذلك الحكاَم المسيحيين المحليين الذين
أرادوهم أن يخرجوا من ديارهم بأسرع ما‬
‫يمكن]‪.[34‬‬
‫ال غرابَة في أن تصَف آنا كومنينا برعٍب
مَد التعصِب البشري ذاك‪ - ‬القذر‪ ،‬سيء التغذية‪،‬‬
‫المريض‪ ،‬المنهك ‪ - ‬الذي
تدفق إلى المنطقة في صيف ‪ ،1096‬في طريقه إلى مقاتلة المسلمين‬
‫جنوبًا‪ .‬وَتذُك ر
بأس أنها "كانت مسألًة أعظَم وأكثَر هوًال من المجاعة"]‪
.[35‬فقد ُذ بح أغلُب أتباِع‬
‫ًى‬
‫ٍد‬
‫بطرَس المخلصين على يد األتراك في ‪ 21‬أكتوبر بجيفتوت‪ ،‬غيَر
بعي عن القسطنطينية‪ .‬وكانوا قد‬
‫مضوا لمالقاتهم من دون حمايٍة من جيوش الصليب
النظامية التي كانت ال تزال تعبر أوروبا‪،‬‬
‫مخالفين بذلك مشورَة اإلمبراطور ألكسيوس؛
والد آنا‪ .‬لكَّن الراهَب لم يكن موجودًا حين وقعت تلك‬
‫النهاية الكارثية لحملته
الصليبية الشعبية‪ .‬تختلف الروايات األوروبية المعاصرة في هذا األمر‪ :‬فمنها‬
‫ما يقول
إنه اختلف مع أتباعه على مواجهة القوات التركية حسنِة التدريب ولم يفلح في
إقناعهم‪،‬‬
‫ومنها ما يقول إنه آثر السالمَة في القسطنطينية لتجنب موٍت محتم‪ .‬أما
رواية آنا فتقول إَّن القوات‬
‫البيزنطيَة نقلته على جناح السرعة إلى بر األمان‪
.‬بصرف النظر‪ ،‬فقد عاد بطرس بعد ثالث سنوات‬
‫من ذلك ليطرَق أبواب القدس القريبِة إلى
قلبه مع فرقة فرسانه الرئيسية‪ .‬لكَّن أحَد كباِر نوابه كان‬
‫أقَل حظًا منه‪ .‬فاخترقت
درَع ه سبُع سهام‪ ،‬ومات بجيفتوت على رأس جيِش ه المتعصب‪.‬‬
‫على الشاطئ الشرقي للمتوسط وداخَل سوريا‪
،‬بدا وصول الصليبيين توكيدًا ألسوأ ما كان‬
‫يخشاه العرب المحليون ورعاياهم من اليهود
والنصارى‪ .‬كانت الجغرافيا العربية في العصور‬
‫الوسطى َتقسم العالم عادًة إلى سبع
مناطق‪ ،‬أو أقاليم‪ .‬كان اإلقليمان الثالث والرابع في الوسط‪- ‬‬
‫العالم العربي
وشمال أفريقيا وإيران وأجزاء من الصين ‪ - ‬يتمتعان بأكبر قدٍر من االستقرار‬
‫واالنسجام‪ .‬وكان اإلقليم السادس الشمالي موطَن السالف‪ ،‬والترك‪ ،‬والنصارى
األوروبيين الذين كانوا‬
‫ُيعرفون لدى العرب باإلفرنج أو الفرانكيين‪ .‬وكانت هذه
الشعوب الثالثة جميعًا مولعًة بالحرب‪،‬‬
‫وفاحشة‪ ،‬ولديها ميٌل إلى الغدر]‪
.[36‬وفي حال الفرانكيين‪ ،‬كان منشأهم الشمالي يجعلهم كذلك‬
‫غيَر مستقرين‪ .‬وِم ن خصالهم
البارزة األخرى التهتُك الجنسي‪ ،‬وفقداُن الغيرة‪ ،‬والميُل إلى العنف‬
‫عمومًا]‪.[37‬‬
‫ع از المسعودي‪ ،‬الجغراف العربي‪ ،‬هذه
النقائَص إلى نقص أشعة الشمس لدى هؤالء‪ .‬وفي‬
‫ُي‬
‫الوقت نفِس ه‪ ،‬كشف تقييُم ه هذا عن
معرفته بالفلك‪ - ‬إن لم يكن‪ ،‬ربما‪ ،‬بعلم األنواء‪ - ‬الذي فاق‬
‫كثير
معرفَته بموضوعه‪ ،‬الفرنجة الصليبيين‪:‬‬ ‫ًا‬
‫"وأما أهل الُر بع الشمالي‪ ،‬وهم الذين
َبُع دت الشمس عن َس متهم من الواغلين في الشمال‪ ...‬فإَّن‬
‫سلطان الشمس َض ُع َف عندهم
لبعدهم عنها؛ فغلب على نواحيهم البرُد والرطوبة‪ ،‬وتواترت الثلوُج‬
‫عندهم والجليد‪
،‬فقّل م ازُج الح اررة فيهم؛ فعُظ مت أجسامهم؛ وجفت طباعهم‪ ،‬وتوعرت أخالقهم‪،‬‬
‫وتبلدت
أفهامهم‪ ،‬وثقلت ألسنتهم‪ ...‬ولم يكن في مذاهبهم متانة‪ ،‬وذلك لطباع البرد وعدم الح اررة"‬
‫]‪.[38‬‬
‫سرعان ما غطى هزيمَة بطرس وحملِت ه الشعبية
وصوُل القوِة المقاتلِة المسيحيِة الرئيسية إلى‬
‫مشارف القسطنطينية‪ .‬هنا كان الجنود
المدربون‪ ،‬يقودهم أف ارُد األسر الحاكمة األوروبية وُتحِّر كهم‬
‫الحماسُة الدينية
لتلك األيام ومصالحهم السياسية واالقتصادية الخاصة األكثُر تقليدية‪ .‬هذا الخليُط‬
‫من الملوك واألمراء والنبالء اآلخرين اآلتي من فجاج أوروبا جعل مصيَر الحملة
الصليبية األولى‬
‫نهبًا للمنافسات الداخلية‪ ،‬والطموِح الشخصي‪ ،‬واالفتقاِر إلى سلطٍة
واحدة أو قائٍد واحد معترٍف بها أو‬
‫به‪ .‬نجح اإلمبراطور ألكسيوس أوَل األمر في استغالل
هذه االختالفات واستخدم قوَة الصليبيين‬
‫العسكرية وحماسَتهم الدينية إلحكام قبضته
من جديد على غرب آسيا الصغرى‪ ،‬التي كان قد خسرها‬
‫أمام المسلمين‪ .‬ففي حملٍة واحدة
من هذا النوع‪ ،‬استولى ريمون دو سانجيل [أو ريُم ند الصنجيلي‪،‬‬
‫كما يسميه ابُن األثير
في الكامل]‪ ،‬كونت تولوز‪ ،‬على الالذقية الميناِء السوري من أيدي العرب ثم‬
‫سلمها إلى الحاكم البيزنطي‪َ ،‬ب ًار بقسٍم كان قد أخذه على نفسه هو ولورداٌت صليبيون
آخرون بإلحاٍح‬
‫من ألكسيوس‪.‬‬
‫لكَّن أم ارَء العالم المسيحي لم يكونوا
كلهم ليني العريكة كهؤالء‪ .‬فكثيٌر منهم كانوا عازمين على‬
‫ِة‬
‫أداء واجبهم الديني
والعسكري بأسرع ما يمكن والعود على عجل إلى ممالكهم‪ .‬لكَّن حفنًة مختارًة‬
‫منهم‪
،‬ومنهم بع الفاتحين األوائل من الحملة الصليبية األولى‪ ،‬من أمثال جوفري دو بو ون
والقائِد‬
‫ّي‬ ‫ُض‬
‫النورماني الماكر بوموند دي تارانتو‪ ،‬كانت لديهم خطٌط إقليمية خاصًٌة بهم
لم يستطيعوا إخفاءها‬
‫تمامًا‪ .‬استخدم البابا أوربان‪ ،‬جزئيًا على األقل‪ ،‬الحملَة
الصليبية األولى لتصدير التخاصم والتحارب‬
‫الدائم لهؤالء األمراء الصغار من أوروبا
المنهكة‪ ،‬التي أضناها العنف‪ ،‬إلى الخارج‪ .‬وقد قال مثَل‬
‫َّد‬ ‫ن‬
‫ذلك في كليرمو ‪ .‬وكان
مق ًار أن تتنافَس الطموحاُت الكبرى للكنيسة في الحمالت الصليبية وحلُم‬
‫ألكسيوس
الخاص باستعادة هيمنة القسطنطينية على آسيا الصغرى وشرق المتوسط بهمة الوافدين‬
‫الجدد مع المصالح األقَل دينيًة واألكثَر دنيويًة للصليبيين األفراد‪.‬‬
‫ولم تلبِث الصفوُف الالتينية أن تصدعت‪
.‬فاالندفاُع جنوبًا من القسطنطينية إلى األرض‬
‫المقدسة ‪ - ‬وهي‪ ،‬على أي حال‪
،‬الهدُف المعلن للمغامرة كِّلها ‪ - ‬كان يتهدده ق ارُر بولدوين دو‬
‫بولوني‪
،‬النبيِل الفرنسي البارز‪ ،‬وقلٍة أخرى معه باالنفصال مؤقتًا عن الجسم الرئيس بحثًا
عن أ ارٍض‬
‫يمكن أن يسموها أراضيهم‪ .‬وكان بولدوين قد درس بعناية التعقيدات
االجتماعية والسياسية لبالد‬
‫األرمن قرب نهر الفرات‪ .‬وتوجه هو ورجاله‪ ،‬برفقة
مستشاريه السياسيين األرمن‪ ،‬ليصنعوا ثروتهم‪.‬‬
‫كان في إمكانهم الركوُن نوعًا ما إلى
فكرة أن حملًة كهذه ربما تعزز مهمَة الصليبيين بحماية الجناح‬
‫الشرقي للهجوم
العسكري على القدس‪ .‬لكن كان واضحًا أن بولدوين‪ ،‬الذي لم يكن يقل ًا‬
‫مكر ودهاًء‬
‫كدبلوماسي وقائٍد عسكري عن قادة الصليبيين اآلخرين‪ ،‬قد وجد فرصًة بين الضغائن
السياسية‬
‫والدينية التقليدية في المنطقة‪ ،‬ال سيما في إيديّس ا [الُرها]‪ ،‬وكانت تلك
بلدًة يهيمن عليها األرمن في‬
‫ما يعرف اليوم بتركيا‪ .‬ولم يكن ليدَع متطلباِت الحرب
المسيحية المقدسة تقف في طريقه‪.‬‬
‫وكما توقع بولدوين ومساعدوه‪ ،‬استقبل
السكاُن المحليون من المسيحيين األرمن الفرنجَة‬
‫الصليبيين على الفور بأذرٍع
مفتوحة‪ ،‬إذ كانوا قد تعبوا من الغارات العسكرية التركية المتواصلة ولم‬
‫يكن َيِقر
لهم قرار تحت حكم العامل البيزنطي ثوروس‪ ،‬وكان هذا أرمنيًا تبع الكنيسَة
األرثوذكسيَة‬
‫الشرقية لبيزنطة المكروهة بدَل الملِة الوطنية‪ .‬ولـَّم ا كان قد تقدم
في السن‪ ،‬ولم يكن محبوبًا في بلده‪،‬‬
‫وينتقل من فشٍل إلى فشٍل في الحرب‪ ،‬ولم يكن له
ولد‪َ ،‬ع َر َض ثوروس على بولدوين أن يتخَذ ه خليفًة‬
‫له ثم جعله على الفور شريكًا له
في الحكم‪ ،‬بل إَّن االثنين قاما بطقس التبني‪ ،‬المصمِم طبعًا‬
‫لألطفال الصغار‪
،‬فتمَّع جا معًا بقميٍص فضفاٍض أو رداٍء كهنوتٍي واحد ومعكا صدريهما معًا؛ ثم‬
‫أعاد
بولدوين الَك َّرَة مع زوجة ثوروس‪ ،‬التي أصبحت اآلن "أَّم ه" بالتبني‪
.‬يشير تاريخ ماثيو األرميني‬
‫إلى أنه سرعان مع ُد برت مكيدٌة إلزاحة ثوروس عن السلطة
وُأعلم بها بولدوين‪ ،‬وإن ظل دوُره المعلن‬
‫كمحرض‪ ،‬إن كان له دور‪ ،‬غامضًا‪ .‬وفي ‪
7‬مارس ‪َ ،1098‬ح َم ل المتآمرون الشعَب على الهياج‬
‫وأطاحوا بثوروس البائس‪ .‬وبعد ثالثة
أيام‪ ،‬دعا أعيان البلدة بولدوين ليحَل محله‪ .‬وقيل إن ثوروس‬
‫ُض بط وهو يحاول الهرب
فمزقته الغوغاُء إربًا]‪.[39‬‬
‫لم تكن إيديّس ا‪ ،‬وهي أوُل أرٍض تسقط في
أيدي الصليبيين وأوُل أرٍض تفلت من أيديهم مرًة‬
‫أخرى‪ ،‬سوى موضوٍع ثانوي لحملة
الغرب للسيطرة على األرض المقدسة‪ .‬ومع ذلك لعبت ًا‬
‫دور أكبَر‬
‫من حجمها في التاريخ
المبكر لما يسمى الشرق الالتيني‪ .‬فقد أظهرت‪ ،‬أوًال‪ ،‬كيف أن الدبلوماسيَة‬
‫البارعة
مع جرعٍة صحية من الدسائس يمكن أن تقلَب بسهولة التوازَن الهش للمنطقة في ما بين‬
‫الشيع اإلثنيِة واللغويِة والطائفيِة والجماعاِت والدوِل المتنافسة‪ .‬ثم إنها ضربت
مثًال بليغًا وإن كان‬
‫عابر ِلما يمكن أن ينجَزه أميٌر طموح مع كوكبٍة من
الفرسان‪ - ‬وقد قيل إَّن قوَة بولدوين األولية لم‬
‫ًا‬
‫تكن تزيد عن ستين
فارسًا ‪ - ‬ما أغرى المنافسين المولعين بالكسب باللعب المنفرد بدل الكفاح‬
‫للوصول إلى المدينة المقدسة‪.‬‬
‫َّق‬ ‫ِّل‬
‫األهُم من ذلك ك ه أنها شهدت تحت حكم
بولدوين‪ ،‬الذي ل ب نفَس ه كونت إيديّس ا‪ ،‬ظهوَر‬
‫نموذٍج للدولة والمجتمع لبقية
أنحاء الشرق الالتيني‪ ،‬نموذٍج سيطبقه هذا النورمان المنفلت عن‬
‫ُي‬
‫السيطرة في ما بعد
على نطاٍق أوسع كملٍك للقدس‪ .‬بحسب هذا النموذج‪ُ ،‬خ ص األم ار الفرانكيون‬
‫ُء‬
‫وحاشيُتهم
بأهم مناصب الحكم‪ ،‬لكن ُترك مجاٌل واسع لخبرات وطموحات السكان المحليين‪،‬‬
‫مسيحيين
كانوا أم مسلمين‪ .‬وسوف ُيثبت هذا النظاُم نجاَح ه وُح سَن مالءمته للفسيفساء اإلثنية‬
‫والطائفية في الشرق الوسط‪ ،‬لكنه تعاَر َض مع المفاهيم القتالية للحرب الصليبية على
النحو الذي‬
‫بشر به البابا أوربان قبل نصف سنٍة من ذلك‪.‬‬
‫وككونت إيديّس ا القادم‪ ،‬بدا بوموند دي
تارانتو أكثَر اهتمامًا للسعي الدنيوي منه للفوز باآلخرة‪.‬‬
‫لم يكن لهذا المغامر
النورماني من جنوب إيطاليا‪ ،‬الذي كان واحدًا من أبرع قادة الحملة الصليبية‬
‫األولى‪
،‬دوٌر مباشر في الزحف على القدس سنة ‪ .1099‬بل إنه تجاوز اعتراضاِت زمالئه وتجاهل‬
‫َق َس مه الذي أعطاه لإلمبراطور ألكسيوس وتحرك النتزاع أنطاكية‪ ،‬بوابِة األرض
المقدسة‪ ،‬من أيدي‬
‫المسلمين واحتفظ بها لنفسه وورثته‪ .‬وكان خارج جدران المدينة‪
،‬يتصدى مرًة بعد مرة للجهود‬
‫الصليبية المشتركة لالستيالء على المدينة‪ ،‬التي سرعان
ما تخلص المدافعون عنها من الفزع الذي‬
‫انتابهم أول األمر لوصول الجيش المسيحي
الضخم‪ .‬وقد َض َّيع تكتيُك بوموند هذا على الصليبيين‬
‫فرصَة االستيالء مباشرًة على
المدينة وسَّبَب تأخَر الهجوم الرئيس على القدس عدة أشهر‪ ،‬لكنه‬
‫َض ِم ن أن تؤوَل
غنائُم النصر إليه وحده‪.‬‬
‫كانت المدينُة واألراضي المحيطُة بها
جائزًة ثمينة‪ .‬فهي تقع على تقاطع طرقات التجارة المربحة‬
‫بين الشرق والغرب وكانت
دولًة بين العرب والبيزنطيين واألتراك السالجقة‪ .‬وقد وجد الطبيُب العربي‬
‫ابُن
بطالن البغدادي أسواَق أنطاكية مألى بالبضائع‪ ،‬وأهلها يتمتعون بإمدادات مياٍه
بلدية [حمامات]‬
‫وغيِر ذلك من المرافق‪ ،‬ومنها ساعٌة مائيٌة عامة [فنجاٌن للساعات] [‪
]clepsydra‬بالقرب من أحد‬
‫أبواب المدينة]‪
.[40‬اآلن‪ ،‬بعدما عاد اإلمبراطور البيزنطي العاجز إلى القسطنطينية وانقسم‬
‫المسلمون
المحليون انقسامًا عميقًا‪ ،‬لم يعد يفصل بين بوموند الَط موح وبين حلِم ه في تأسيس
ساللته‬
‫الملكية الخاصة سوى دفاعات أنطاكية المنيعة‪ .‬يقول عنها الفرنسي ريمون داجيل
في روايته‬
‫المباشرة للحملة الصليبية األولى‪" :‬كانت منيعًة جدًا بجدرانها
وقالعها وأبراجها الحصينة‪ ،‬إلى حد أنه‬
‫لم يكن ُيخشى عليها من هجوم أي آلٍة أو شخص‪
،‬ولو اجتمع الناس عليها جميعا"]‪.[41‬‬
‫وبعد حصاٍر طويل عقيم‪ ،‬استطاع عمالُء
بوموند رشوَة حارِس برٍج ناقم ليغَض الطرف عن‬
‫قيام قوٍة صغيرة من الصليبيين بتسلق
أحد الجدران ثم االندفاع لفتح البوابة الضخمة ألنطاكية‪.‬‬
‫هربت الحاميُة المحلية إلى
قلعة المدينة‪ ،‬فيما َق ِد مت من الشرق نجدٌة مسلمٌة خطرة بقيادة الجنرال‬
‫التركي
ِك رُبغا‪ .‬وجد الصليبيون أنفسهم‪ ،‬وقد بلغ منهم التعُب مبلغًا‪ ،‬ونقصت إمداداُتهم‪
،‬وكثر الفارون‬
‫من صفوفهم‪ ،‬وتدنت معنوياُتهم‪ ،‬عاجزين عن االستيالء على القلعة
ويواجهون تهديدًا مميتًا لهجوٍم‬
‫معاكٍس وشيك من ِك رُبغا‪ .‬نفد الطعاُم بسرعة‪ ،‬ولم
يكن قد بقي في الريف المستنَز ف ما يقدم إال‬
‫القليل لحشود الصليبيين الجائعة‪ .‬يصف
فولشيه دو شارتر‪ ،‬قُس بولدوين أوف إيديّس ا األمين‪ ،‬كيف‬
‫كثير منهم آل أمُرُه
إلى أن يقتاَت على األشواك المطبوخة‪ ،‬وفسائِل الفاصوليا‪ ،‬ولحِم الجياد‬‫ًا‬ ‫أَّن‬
‫والحمير
والكالب والفئران‪" .‬ظننا أن هذه المصائب وقعت على الفرانكيين ج ازَء ما
اقترفوا من آثام‪،‬‬
‫وأنهم لن يستطيعوا االستيالَء على المدينة مهما طال بهم الوقت‪
.‬فقد أفسدهم الفجور‪ ،‬وكذا البخُل‬
‫والتكبُر والجشع"‪ .‬فقرر مجلٌس عسكري إبعاَد
النساء "مخافَة أن يكوَن تدنُس هن بالفجور مجلبًة‬
‫لغضب الرب"]‪.[42‬‬
‫من األشياء التي التصقت بالحمالت الصليبية
أّن رؤيا دينية هي التي أنجِت المسيحيين من‬
‫الهزيمة‪ ،‬وإن شّك كت فيها تقريبًا كُل
الشخصيات البارزة في حينه‪ .‬فقد ادعى بطرس بارثولوميو‪،‬‬
‫وكان شخصًا بسيطًا‪ ،‬أنه تلقى
إلهامًا كشف له عن موقع الرمح المقدس التي تقول األحاديث الدينية‬
‫إنه اخترق خاصرة
المسيح على الصليب‪ .‬قاد هذا الشخص البسيط الصليبيين الذين استبد بهم‬
‫اليأس إلى
الكاتدرائية المحلية‪ ،‬كاتدرائيِة القديس بطرس حارِس أنطاكية وأوِل أسقٍف لها‪ .‬وكما
هو‬
‫متوقع‪ ،‬كشف نبٌش بسيط ألرضية الكاتدرائية عما كان يعتقد المنقبون أنه أرُس ذلك
الرمح الثمين‪.‬‬
‫فقلب االكتشاف معنوياِت المعسكر الصليبي رأسًا على عقب‪ ،‬وحفزهم
إلحراز نصٍر الفت في ‪28‬‬
‫يونيو ‪ ،1098‬على جيش ِك رُبغا األكثر منهم عددًا بكثير‪
،‬الذي كانت قد أوهنته على الطريق‬
‫المحاولُة الفاشلة الستعادة إيديّس ا من يد بولدوين‪
.‬فولى الجيش المسلم هاربًا يجر أذيال الهزيمة‪.‬‬
‫بات بوموند‪ ،‬الذي كان أدهى منافسيه هم
األوروبيين والبيزنطيين جميعًا‪ ،‬ومنهم اإلمبراطور‬
‫ألكسيوس نفُس ه وكباُر ُقواِد ه‪
،‬يسيطر على أنطاكية‪ .‬لم يكن األم ارُء العرب المحليون‪ ،‬وخاصًة حاكما‬
‫حلب وشيزر
المجاورتين‪ ،‬مستعدين لنبذ إقطاعياتهم القديمة للتصدي لهذه الدويلة الصليبية
الناشئة‪.‬‬
‫بدًال من ذلك‪ ،‬أروا في أنطاكية المسيحية مجرَد العٍب آخر في الميدان
الجغرافي السياسي المزدحم‬
‫الذي كان يضم كذلك طوائَف إسالميًة سنيًة وشيعية‪ ،‬وكذا
البيزنطيين؛ منافسيهم المشتركين‬
‫القدامى]‪.[43‬‬
‫وفي عاصمة اإلسالم بغداد التي كانت تبعد
مسيرَة ثالثة أسابيع على الجمل تحت شمس‬
‫الصحراء‪ ،‬لم يتأثر الخليفة بأخبار القتل
والتمثيل على يد أولئك الصليبيين ذوي الدم البارد‪ .‬وال حّر ك‬
‫حتى سقوُط القدس‪ ،‬في
‪ 15‬يوليو‪ ،1099 ،‬وذبُح سكانها المسلمين واليهود والمسيحيين الشرقيين‬
‫في بالطه
ساكنًا‪ .‬قال أبو سعد الهروي [قاضي دمشق]‪ ،‬الذي قطع مسافًة طويلة من دمشق إلى‬
‫بغداد
لتحذير الخليفة من خطر اإلفرنج‪:‬‬
‫"أتهويًة‪
،‬في ظِل أمٍن وغبطٍة‬
‫‪             ‬وعيٍش
كنّو اِر الخميلِة ناعِم‬
‫وكيف
تنام العيُن ملَء جفوِن ها‬
‫‪             ‬على
هفواٍت أيقظت كَل نائِم‬
‫وإخوانكم
بالشام يضحي مقيُلهم‬
‫القشاعِم؟"]‪[44‬‬ ‫‪             ‬ظهوَر
المذاكي أو بطوَن‬
‫وَلّم ا خاب مسعى الهروي‪ ،‬رمى عنه عمامَة
القاضي التقليدية وحلق لحيَته تفجعًا‪.‬‬
‫لم يكن هناك‪ ،‬في رأي بالط الخليفة‪ ،‬داٍع
خطير لإلنذار‪ ،‬لكَّن الذين كانوا واقعين مباشرًة على‬
‫طريق الغزاة اإلفرنج أرعبهم
ما شاهدوه وما سمعوه عن البرابرة القادمين من الغرب‪ .‬لخص أسامة بن‬
‫منقذ‪ ،‬أحُد
الفرسان العرب المثقفين‪ ،‬رَد الفعل المحلي على الدخالء المسيحيين‪ ،‬بنبرٍة ال تزال
تجد‬
‫لها صدًى في نفوس المسلمين إلى اليوم‪" :‬سبحان الخالق البارئ‪ ،‬إذا َخ ِب ر
اإلنسان أموَر اإلفرنج‬
‫سَّبح هللا تعالى ومَّج ده‪ ،‬ورأى بهائَم فيهم فضيلة الشجاعة
والقتال وال غير‪ ،‬كما في البهائم فضيلة‬
‫القوة والحمل"]‪.[45‬‬
‫آذى اعتماُد الصليبيين على التعذيب في
المحاكمات مشاعَر المسلمين المرهفة‪ ،‬بما كان لهم‬
‫من نظاٍم متطور للمناظرة
القانونية والمدارس الفقهية النظامية‪ .‬وكانِت المفاهيُم الغربيُة في الطب‬
‫قائمًة
إلى حٍّد بعيد على الخرافة والتعاويذ‪ ،‬في تناقٍض صارخ مع التدريب السريري المتقدم
لدى‬
‫العرب ومعرفتهم بالجراحة والصيدلة وعلم األوبئة‪ .‬ولم تكن لدى الوافدين الجدد
أُي معرفٍة حقيقية‬
‫بعلم الصحة والطهارة والنجاسة‪ ،‬وكانت تلك إهانًة شديدًة
للمسلمين الذين كانوا يتوضأون لكل صالة‬
‫من الصلوات اليومية الخمس‪ .‬نظر المراقبون
المسلمون إلى الثقافة الفرانكية باستخفاف‪ .‬فمن وجهة‬
‫نظرهم‪ ،‬لم يكن لدى اإلفرنج
فهٌم حتى ألساسيات التكنولوجيا‪ ،‬اللهم إال لصنع آالت الحرب‪ ،‬وال‬
‫علٌم ‪ ،‬أو طب‪ ،‬أو
رياضيات‪ ،‬بمعنى الكلمة‪ ،‬وال بحوٌث فلسفيٌة حقيقية‪ .‬زد إلى ذلك اشتهارهم‬
‫بالوحشية‪
،‬وقد ختم لهم بذلك ما فشا فيهم من أكل لحوم البشر بعد قيامهم بنهب بلدة المعرة‬
‫ِت‬
‫السورية‪ ،‬في شتاء ‪ .1098‬يقول رودولف دو كان‪ ،‬الذي شهد فظاعا المعرة‪" :‬وضع
جنوُد نا كباَر‬
‫الوثنيين في قدور وسلقوهم أحياء‪ ،‬وشُّك وا األطفال بسياخ ووضعوهم على
ُس ُف ود ثم التهموهم مشويين"‬
‫]‪
.[46‬ويصِّو ر زميُله المؤرخ ألبرت ڤون آخن [الذي شهد المذبحَة كذلك] تفاصيَل الواقعِة
المرعبة‬
‫في فقرٍة جانبية بلغٍة عادية فيقول‪" :‬لم يتورع جنوُد نا عن أكل َم يتِة
الترك والمسلمين‪ ،‬بل لقد أكلوا‬
‫الكالَب كذلك"]‪.[47‬‬
‫توصل أسامة‪ ،‬وهو سليُل أسرٍة محليٍة مسلمة
هي بنو منقذ‪ ،‬إلى معرفة الصليبيين عن كثب‪،‬‬
‫فحارب بعضًا وصادق بعضًا‪ .‬وهو قد دان‪
،‬في مذكراته األنيقة الشائقة‪ ،‬كتاب االعتبار‪ ،‬وحشيَة‬
‫المسيحيين في المحاكمة
بالتعذيب وانتقدهم انتقادًا الذعًا لجفاء أخالقهم‪ ،‬وخسِة طعامهم‪ ،‬وسوِء‬
‫طباعهم عمومًا‪
.‬وكما ُيستشف من عنوان الكتاب‪ ،‬فإنه يندرج في جنس األدب العربي الكالسيكي‪،‬‬

‫‪
.‬مع ذلك‪ ،‬يقدم كتاُب‬
‫الذي
يراد منه تثقيُف القارئ أكثر مما يراد إخباُره بحرفية الحقائق]‪[48‬‬
‫آسر لعالم الصليبيين كما يراه
العرب‪ .‬وفي أحد المقاطع‪ ،‬يروي أسامة عن‬ ‫االعتبار للقارئ وصفًا ًا‬
‫طبيٍب عربي قصَة مريضين مسيحيين ماتا من
دون داٍع لنبذ وصفِت ِه الحكيمة واتباِع وسائ غربيٍة‬
‫َل‬
‫بدائية بدًال منها‪ .‬فبتروا
بالفأس ِرجَل فارس أصابها التهاٌب بسيط وشقوا أرَس ام أرٍة بالموسى صليبًا‬
‫حتى ظهر
عظُم الرأس وحُّك وه بالملح؛ متجاهلين توسالِت الطبيب العربي‪ ،‬فمات االثنان ِم ن
فورهما‪.‬‬
‫هنالك قال لهم الطبيُب العرب بجفاء‪" :‬بقي لكم إلَّي حاجة؟ قالوا
ال‪ .‬فجئُت وقد تعلمُت من طبهم ما‬
‫ُي‬
‫لم أكن أعرفه"]‪.[49‬‬
‫وقد اعترف أسامة على مضض بوجود وسائَل
مفيدٍة للتداوي باألعشاب عند المسيحيين‪ ،‬وصار‬
‫لديه اطالٌع واٍف لدراسة طرائقهم
وعاداِت هم بشكٍل مباشر‪ .‬بل إّن واحدًا ممن عرف من الصليبيين‬
‫كان عائدًا من زيارة
دينية إلى األرض المقدسة عرض عليه أن يرافَق ابَنه وهو في الرابعَة عشرَة من‬
‫العمر
إلى أوروبا "يبصر الفرسان ويتعلم العقَل والفروسية وإذا رجع كان مثَل الرجِل
عاقًال"‪ .‬لكنه‬
‫كشف للقراء المسلمين ما جال بخاطره فعًال لمجرد التفكير في
األمر‪" :‬فطَر َق سمعي كالٌم ما يخرج‬
‫من رأس عاقل‪ .‬فإَّن ابني لو ُأِس ر ما َب َلَغ
به األسُر أكثَر من َر واِح ِه إلى بالد اإلفرنج"]‪.[50‬‬
‫كذلك قال‪ ،‬برضا واضٍح عن الذات‪ ،‬إَّن أولئك
اإلفرنج الذين عاشروا المسلمين المحليين مدًة‬
‫أطول هم أصلُح نوعًا ما من أجالف
الوافدين الجدد‪" .‬وِم ن اإلفرنِج قوم قد تبلدوا [أي صاروا كأهل‬
‫البالد] وعاشروا
المسلمين فهم أصلُح من قريبي العهد ببالدهم‪ ،‬ولكنهم شواذ ال يقاس عليه"]‪.[51‬‬
‫ولدعم مقولته‪ ،‬يروي أسامة حكاياٍت مضحكة عن أولئك الوافدين الجدد األدعياء
المتعالين‪ ،‬منها‬
‫ِق‬ ‫ُّل‬
‫حكايُة فارس كان يحاول "تغيير" اتجاه القبلة للمسلمين
المحليين بأن يجعلهم يو ون وجوَههم َبَل‬
‫المشرق بدل الكعبة‪.‬‬
‫يعكس هذا التفاعُل السهل بين ن ُيفترض
أنهم أعداء حقيقًة أساسية عن الحياة في المشرق‬
‫َم‬
‫ٍت‬
‫في القرن الثاني عشر‪ ،‬التي اتسمت
بفت ار من التآلف والتعاو ‪ ،‬على الصعيدين الشخصي‬
‫ن‬
‫والسياسي‪ ،‬تخللتها نوباٌت من
العداء والصراع الصريحين‪ .‬فقد عمل طبيٌب عربي يدعى حمدان بن‬
‫عبد الرحمن لدى بعض
الصليبيين األوائل‪ .‬فأقطعه هؤالء قريًة في إمارة أنطاكية بعد نجاحه في‬
‫مدير بالنيابة لناحيٍة محلية‪ ،‬قبل أن يدخَل في خدمة
عماد‬
‫ًا‬ ‫معالجة أحِد
أسيادهم‪ .‬ثم عينه الصليبيون‬
‫الدين زنكي‪ ،‬حاكِم حلب المسلم‪ .‬دَّو ن حمدان‪ ،‬الذي توفي سنة ‪ ،1159‬مالحظاِت ه
ومآثَره الشخصية‬
‫في ’سيرة اإلفرنج الخارجين إلى بالد الشام في هذه السنين‘‪ ،‬لكن لم
عثر لها على نسخٍة‬
‫ُي‬
‫قط]‪.[52‬‬
‫ُّل ِن‬
‫كان لدى أسامَة بِن منقذ سبٌب وجيه الزدراء
الجيش الصليبي والنفوِر من فكرة تع ِم اب ه "عقَل‬
‫وفروسيَة" اإلفرنج‪
،‬ذلك ألنه ونظراءه العرب كانوا ينتفعون من حضارٍة إسالميٍة مجيدة ابُتدعت على‬
‫مدى
مئات السنين‪ .‬ففي منتصف القرن الثامن‪ ،‬قام الخلفا العباسيون على رأس إمبراطوريٍة‬
‫ُء‬
‫عظيمة‪ ،‬امتدت في أوجها من المحيط األطلسي إلى أفغانستان وأوجدت فضاًء فسيحًا جدًا
من القيم‬
‫المشتركة والمستقبِل المشترك والفرِص المشتركة‪ .‬سعى العباسيون لشرعنة
حكمهم بصفتهم الورثَة‬
‫الحقيقيين الجديرين لتراث اليونان وفارس والهند وبالد ما بين
النهرين‪ُ ،‬م طِلقين مسع لعله األكثر‬
‫ًى‬
‫ن‬
‫طموحًا في التاريخ لجمع واستيعاب علوم
العالم‪ .‬وفي جنوب إسبانيا‪ ،‬أنتج منافسوهم األمويو وَم ن‬
‫أتى بعدهم من أعظم
الفالسفة والعلماء العرب‪ ،‬مفكريَن ستهز أعماُلهم في يوٍم ما أسَس أوروبا‬
‫المسيحية‪
.‬وقد عملت هذه المنطقة‪ ،‬التي ُتعرف عند العرب باألندلس‪ ،‬كمنصٍة مهمة النتقال األفكار‬
‫والتكنولوجيا التي بدأت تتسرب شيئًا فشيئًا إلى أوروبا الغربية ابتداًء من القرن
العاشر‪.‬‬
‫لم يكن ذلك‪ ،‬بالطبع‪ ،‬ذا بال لبطرس الراهب
أو حشِد أتباعه أو الملوِك والفرسان المسيحيين‬
‫الذين ما لبثوا أن أسسوا ألنفسهم
إمارات الشرق الالتيني في األرض المقدسة وما حولها‪ .‬عمد‬
‫الصليبيون‪ ،‬الذين هجروا
الهوَت الحب المسيحي إلى الهوت الحرب البابوي‪ ،‬إلى ذبح سكان المدن‬
‫المحليين‪ ،‬وكان
أغلُبهم مسلمين ويهودًا‪ ،‬في ُح مى اندفاعهم "لرد" القدس إلى الدين الحق‪
.‬ولم يكن‬

مصير بكثير‪.‬‬
‫ًا‬ ‫المسيحيون الشرقيون في الغالب‪ ،‬بمالبسهم ولغتهم وعاداتهم غير المألوفة‪ ،‬بأفضَل‬
‫وجد أحُد الرحالِة المسلمين القدَس ‪ ،‬وكان
آتيًا من األندلس مسقِط رأسه‪ ،‬قبل ثالث سنوات من‬
‫الحملة الصليبية األولى بوتقًة
فكرية "تعج بالعلماء"‪ .‬تصف روايُته مدارَس الفقه اإلسالمي المتنافسة‬
‫ومشاهيَر المفكرين الذين كانوا يتحلقون حول المسجد األقصى للمناظرة‪" :‬فدخلنا
األرَض المقدسة‪،‬‬
‫وبلغنا المسجَد األقصى‪ ،‬فالَح لي بدُر المعرفة‪ ،‬فاستنرت ُبه أزيَد
من ثالثة أعوام"]‪
.[53‬ويضيف‬
‫أَّن المدينة كانت البيئَة الصالحة اللتقاء علماِء المذاهِب الفقهيِة
التوحيديِة الرئيسيِة الثالثة‪.‬‬
‫اختفى كُل ذلك في لمعان السيوف‪ .‬فُق تل
علماُء المدينة بالجملة‪ ،‬ومعهم خلٌق كثير من سواد‬
‫الناس‪ .‬يصف ريمون داجيل‪ ،‬قُس
ريمون دو سانجيل‪ ،‬الذي قاد الحمالِت الصليبية اآلتية من‬
‫جنوبي فرنسا‪ ،‬المذبحَة
فيقول‪" :‬أكواٌم ثم أكوام من الرؤوس واألذرع واألرجل كانت ُترى في شوارع‬
‫المدينة‪ .‬وكان يتعين على المرء السيُر بحذر على جثث الرجال والخيل‪ .‬لكّن هذا كان
شيئًا بسيطًا‬
‫بالمقارنة مع ما حدث في بيت المقدس‪ .‬فما الذي حدث هناك؟ لو قلُت لك
الحقيقة‪ ،‬ما صّد قت‪.‬‬
‫يكفي أن أقول إّن الرجاَل خاضوا ركوبًا في الدماء إلى الُر َك ب
والخيَل إلى األِع ّنة في بيت المقدس‬
‫ورواقه"]‪.[54‬‬
‫يعكس هذا التطرُف في العنف الذي طبع
الحملَة الصليبيَة األولى ‪ - ‬كأكل لحوم البشر في‬
‫المعرة أو الذبِح المسعور
للناس ببيت المقدس‪ - ‬قوَة آلة الدعاية المسيحية التي كانت تقف خلف‬
‫الحملة‪ .‬في
ذلك الوقت‪ ،‬لم يكن الغرب يعرف عن اإلسالم وتعاليمه إال القليل‪ ،‬لكَّن منِّظ ري
الكنيسة‬
‫نجحوا في غرس بذور الحرب المقدسة برسم صورٍة مسيئٍة جدًا للمسلمين‪ .‬وُترك
أهل الشرق األدنى‬
‫من المسلمين واليهود والنصارى "المنشقين" يحصدون
العاصفة‪ .‬وكانِت القلوب مشحونًة بالكراهية‬
‫ألتباع الديانة اإلسالمية خاصًة في تلك
البقاع من أوروبا الغربية األكثر بعدًا عن الحياة اإلسالمية‪.‬‬
‫أما مواقُف الناس في
جنوبي إيطاليا وإسبانيا وصقلية ‪ - ‬وهي مناطُق محاذيٌة في الواقع للعالم‬
‫اإلسالمي‪ - ‬فكانت أقَل حدًة بكثير]‪
.[55‬فكلما قَّلت معرفُة المسيحيين بالعدو‪ ،‬ازدادت كراهيُتهم‬
‫له‪.‬‬
‫كانِت الروايُة الصليبيُة تدور حول اتهام
المسلمين بالوثنية واالعتماِد على العنف واإلكراه‪ .‬وكان‬
‫ثمة عنصٌر آخُر مهم هو
االدعاُء الشائع بأن أرض القدس واألرَض المقدسة كانتا مسيحيتين‪ ،‬أو‬
‫بعبارٍة أدق
مسيحيتين التينيتين‪ ،‬بالحق‪ ،‬وأنهما كانتا دومًا كذلك‪ .‬وأَّن المسلمين استولوا
عليهما‪- ‬‬
‫وأضُّلوهما بلغة بعض الدعاة‪ - ‬وأَّن العنف كان الزمًا بل
محَلًال لتقويم هذا الخطأ التاريخي الجسيم‪.‬‬
‫وكانت ُتستخدم لغٌة مشابهة بحق مسلمي
األندلس‪ .‬هنا‪ ،‬ربط بعض مؤرخي الكنيسة وآخرون بين‬
‫الملوك المسيحيين المعاصرين وبين
ُح كم القوط قبل اإلسالم‪ .‬ولم تكن هناك من وسيلٍة سوى القوة‬
‫العسكرية الستعادة هذا الحكم؛
وبالتالي‪ُ ،‬و لد المفهوم الديني‪ :‬حمالت االسترداد‬
‫[‪ .]Reconquista‬وكان العار يلحق كَل من
ال يحارب في سبيل الدين من الملوك‪ .‬فتاريخ‬
‫ألفونسو الثالث في القرن التاسع‪
،‬مثًال‪ ،‬يشجب بشدة أحَد الحكام المسيحيين المحليين‪ ،‬وهو سيلو ِد ل‬
‫أستوريا‪ ،‬الذي
"عقد صلحًا مع أبناء إسماعيل"]‪.[56‬‬
‫باالتجاه شرقًا‪ ،‬كان الالهوتي الدومينيكاني
دائُم الحماسة همبرت الروماني يرى أنه ال يمكن أن‬
‫يكوَن هناك ضحايا أبرياء في
حملٍة صليبية صحيحة‪ .‬وقال إَّن الحرَب الصليبية كانت حربًا عادلة‪،‬‬
‫حقًا إلهيًا
راسخًا‪ ،‬وأنها كانت حرَب دين ال حرَب دنيا‪ .‬ورفض كذلك حجَج بعض التقليديين
القائلَة‬
‫بأن المسيحيَة كانت دومًا ضد العنف من أي نوٍع كان‪ .‬وقال إَّن الكنيسَة
كانت في أيامها األولى‬
‫ضعيفة وكان ال بد لها بالتالي من التواضع‪ .‬أما اآلن‪ ،‬فقد
سمحت القوُة العسكرية للغرب المسيحي‬
‫بتوجيه رد عسكري إلى أعدائه]‪
.[57‬يبدو أن التعاليَم المسيحية لدى همبرت كانت مجرَد تمرين في‬
‫السياسة العملية
القائمِة على القوة‪.‬‬
‫وكان عميقًا كذلك استياُء الكهنة من اتخاذ
المسلمين المواقَع المسيحية المقدسة‪ ،‬حقيقًة أم‬
‫خياًال‪ ،‬دوَر عبادة]‪
.[58‬فالمذبحة التي جرت ببيت المقدس‪ ،‬والتي استمرت بالرغم من محاوالت‬
‫أحد مقَد مي
الصليبيين في مرحلٍة ما حمايَة المسلمين العَّز ل الذين التجأوا إلى سطح البيت‪ ،‬ما
كانت‬
‫لتفاجئ أحدًا‪ .‬انظر إن شئت إلى الروايات اإلفرنجية للمؤرخين المسيحيين
المعاصرين للحمالت‬
‫الصليبية‪ ،‬التي ال تبدي اضطرابًا حقيقيًا لسفك الدماء بل تعِّب ر
في بعض األحيان عن رضا واقتناع‬
‫بأن القتَل الوحشي‪ ،‬كذاك الذي وقع للعدو المهزوم
ببيت المقدس‪ ،‬كان مشروعًا‪ .‬وختم ريمون داجيل‬
‫باهر أن يمتلئ هذا المكان بدماء األعداء‪ ،‬ألنه عانى‬
‫ًا‬ ‫قائًال‪" :‬بالفعل‪ ،‬لقد كان قصاصًا
إلهيًا عادًال‬
‫طويًال منهم‪
.‬وامتألت المدينة بالجثث والدماء"]‪.[59‬‬
‫لم يكن المسلمون كُلهم على تلك الالمباالة
بقدوم الصليبيين التي كان عليها الخليفُة وبالُط ه‬
‫ببغداَد البعيدة‪ .‬فكثيٌر من
العرب لم يكن لديهم شّك في أن سقوَط القدس وإقامَة الدول الصليبية على‬
‫طول الساحل
السوري كان جزءًا من مخطٍط توسعٍي مسيحٍي مشؤوم كان ال بد من مقاومته‪ .‬ومن‬
‫الجامع
األموي بدمشق‪ ،‬أطلق القاضي النحوي علي بن [طاهر] الُس َلمي اإلنذار‪ .‬وفي كتاب
الجهاد‪،‬‬
‫الذي ُنشر بعد ست سنوات من إخراج المسلمين من القدس ألول مرة‪ ،‬ربط
الُس َلمي بين قدوم‬
‫الصليبيين وبين ظهورهم قبل ذلك على الحكم اإلسالمي بصقلية‪ .‬ورأى
في الحملة المسيحية حربًا‬
‫دينيًة على اإلسالم]‪
،[60‬وأّن تشرذَم المسلمين وعدَم تمسكهم بدينهم‪ ،‬ال سيما فشلهم الذريع في‬
‫التوحد للدفاع
عن بالد اإلسالم ضد األعداء هو سبُب نجاح الحمالت الصليبية‪..." .‬فأوَج َب
قطُع ه‬
‫[أي الجهاد الدفعي]‪ ،‬مع ما طرحه المسلمون من المفتَر ضات الالزمِة لهم‪
،‬واجترحوه من األمور‬
‫المحظورة عليهم‪ ،‬أن شتَت هللا شمَلهم‪ ،‬وخالَف بين كلمتهم‪
،‬وألقى العداوَة والبغضاَء بينهم‪ ،‬وأطَم َع‬
‫أعداءهم في انتزاع بالدهم من أيديهم‪.[61]"...‬‬
‫أدرك الُس َلمي أَّن الصليبيين كانوا ينوون
السيطرة على القدس وأنهم سوف يسعون لتوسيع‬
‫سيطرتهم في المنطقة لتأمين المدينة
وكنيسة القيامة التي غنموا‪ .‬لكَّن كتاب الجهاد أصاب كذلك في‬
‫تحديد نقاط ضعف
العدو‪ ،‬ال سيما طول خطوط إمداداته الممتدة من أوروبا الغربية‪ .‬وتوَّق َع أن يكوَن‬
‫في استطاعة األمة المسلمة إن توحدت دفُع الغزاة في اتجاه البحر "‪
...‬والَبداُر لحسم ما ُيخشى من‬
‫عاقبة الِو نيِة فيها والتثاقِل عنها‪ ،‬ال سيما اآلن‪ ،‬مع
قلة العدو‪ ،‬وُبعِد ناصِرهم‪ ...‬واغتِن موا غزوًة قد‬
‫هيأها هللا لكم‪.[62]"...‬‬
‫وسيكتشف اإلفرنُج بسرعة حدَة بصيرة
الُس َلمي‪ .‬فقد فشل جند الحمالت الصليبية في إدراك أَّن‬
‫نجاحاِت هم العسكريَة
الملفتة‪ ،‬وإن ُأحِر زت حقًا في ميدان القتال‪ ،‬كانت إلى حٍّد بعيد انعكاسًا لظروف‬
‫التشرذم‪ ،‬القريِب من الفوضى‪ ،‬في سوريا وآسيا الوسطى‪ .‬فخالل خمسٍة وأربعين عامًا‪
،‬بدأ المسلمون‬
‫يردون التقدَم المسيحي‪ ،‬وهو منعطٌف ُتوج بالدخول المظفر إلى القدس في
العام ‪ 1187‬للقائد‬
‫السياسي والعسكري صالح الدين األيوبي على رأس جيٍش موحد من مصَر
والشام‪.‬‬
‫لم تكن المشكالت التي تواجه الجيوش
المسيحيَة ُتقتصر على طول خطوط اإلمدادات ووحدة‬
‫المسلمين‪ .‬فسرعان ما َو جدت الحركُة
الصليبيُة نفَس ها‪ ،‬وهي التي ُو لدت من غرب الحديد والدم في‬
‫أواخر القرن الحادي عشر‪
،‬وقد انغمست بعمق في حياة الشرق المسلم بطرائق سوف تلقي الرعب‬
‫في نفوس أناٍس كبطرس
الراهب والبابا أوربان الثاني‪ ،‬الذي مات قبل أياٍم فقط من بلوغ نبأ سقوط‬
‫القدس
إليه وهو على فراش المرض بروما‪ .‬وككثيٍر من الغزاة قبله‪ ،‬اكتشف جيُش الصليب أن‬
‫االجتياَح والغزَو بحد ذاته قد ترك أثَره على المحاَص رين والمحاِص رين على السواء‪
.‬وستكون هناك‬
‫حمالٌت عديدٌة قادمة؛ بالرغم مما ُيحكى عن غرق واسترقاق ما ُع رف بحملة
األطفال الصليبية سنة‬
‫‪ ،1212‬التي ال يزال يلفها الغموض‪ ،‬لكَّن فكرة الحملة
الصليبية والحرب الصليبية لن تعوَد في‬
‫الحقيقة كما كانت قط‪.‬‬
‫بدت هذه التغي ارُت طفيفًة نسبيًا‪ ،‬أول
األمر‪ :‬رواياُت أسامة بن منقذ التي تعبر عن الدهشة من‬
‫سرعة ما بدأ المسلمون
ُيَم ِّد نون األوروبيين؛ أو الطريقُة التي انزلق بها المسيحيون بسهولة في‬
‫النزاعات
الطائفية المحلية‪ ،‬حتى إنهم كانوا يصطفون أحيانًا مع لوردات الحرب المسلمين ضد‬
‫إخوتهم في الدين‪ .‬وسرعان ما ظهرت عوامُل أخرى أكثُر أهميًة إلى السطح‪ ،‬منها النمُو
المذهل‬
‫للتجارة بين الشرق والغرب‪ .‬وقد أدركت الكنيسُة بوضوح الخطَر الذي كانت تمثله
هذه التجارة على‬
‫أجندتها المعادية للمسلمين‪ ،‬وَس َع ِت المراسيُم البابوية والمجالُس
الكنسيُة الغاضبة بصورٍة منتظمة‬
‫التخاذ إجراءاٍت صارمة ضد اإلتجار مع األعداء‪ ،‬ال
سيما بسلٍع استراتيجية كالخشب لبناء السفن‪،‬‬
‫والحديد‪ ،‬واألسلحة‪ ،‬حتى المواد
الغذائية]‪.[63‬‬
‫كذلك‪ ،‬بدأ الماُل المكتسب من هذه التجارة
مع الشرق يتدفق إلى جيوب تجمعات التجار جنوبي‬
‫أوروبا‪ .‬فهيمنت جنوة على التجارة مع
شمال أفريقيا ومنطقة البحر األسود‪ ،‬بينما أحكمت البندقيُة‬
‫قبضتها على التجارة التي
تدر عليها ذهبًا مع مصر وسوريا]‪
.[64‬ومع شحنات الزيوت والعطور‬
‫واألقمشة والمعادن الثمينة أتت أفكاٌر وتقاناٌت ونظُم
تفكيٍر جديدة‪ .‬وشاع في الغرب استخداُم األرقام‬
‫العربية التي ُتستخدم اليوم‪ ،‬ويعود
ذلك في جانٍب كبير منه إلى المستندات والعقود التجارية التي‬
‫كانت ُتكتب بين التجار
المسلمين ونظرائهم اإليطاليين‪ .‬وال تزال المصطلحات التجارية الجارية في‬
‫كثيٍر من
اللغات األوروبية اليوم تحمل آثار األلفاظ التجارية العربية والفارسية‪ :‬كالشيك (‪،)check‬‬
‫والتعرفة (‪ ،)tariff‬والحركة (‪ ،)traffic‬والترسانة (‪ ،)arsenal‬والجمرك {‪ douane‬بالفرنسية‬
‫[المأخوذة من ‪ doana‬اإليطالية المأخوذة من ديوان
العربية فارسية األصل] أو ‪customs‬‬
‫باإلنكليزية}"]‪ .[65‬وقد
استدعت التجارة البحرية بعيدُة المدى استخداَم مساِع داٍت مالحية‪ ،‬كالخرائط‬
‫والجداول واآلالت المعقدة‪ ،‬وكلها مجاالٌت برع فيها مسلمو العصور الوسطى‪ .‬من مقاييس
الروابط‬
‫االقتصادية المتنامية بين الشرق والغرب تراكُم كمياٍت كبيرة من الذهب
المسلم في الخزائن الملكية‬
‫األوروبية‪ ،‬حتى في إنكلت ار على ُبعدها‪ .‬وقد استؤنف في
المدن اإليطالية التي كانت دوًال سُك‬
‫العمالت الذهبية‪ ،‬الذي توَّق ف بأوروبا القرن
الثامن لنقص السبائك الذهبية‪ ،‬حالما تأمنت إمدادات‬
‫الذهب من الشرق بعد أربعة قرون]‪.[66‬‬
‫وسرعان ما بدأ الحكاُم الجدد للشرق
الالتيني يدركون أَّن مصائَرهم باتت مرتبطًة بمصائر‬
‫المسلمين والعرب المسيحيين
واليهود وسكان المنطقة اآلخرين؛ وسيتوقف من اآلن فصاعدًا ضُخ‬
‫المسيحيين األوروبيين
بأعداٍد كبيرة للمساعدة على استعمار الدول الصليبية [الشرقية]‪ .‬فقد اكتسب‬
‫النورمان
دائمو التكيف أفضَل ما لدى العرب وكانوا‪ ،‬حتى عندما يطردون الحكام المسلمين من‬
‫شرق
المتوسط‪ُ ،‬ينشئون بالطاٍت مترفة بدأت علوُم ها وثقافُتها تنافس علوَم وثقافَة
بالطات كبار‬
‫ِت‬
‫الخلفاء‪ ،‬فيما بدأت القيمُة الرمزية للقدس تقل ‪ - ‬وإن
بالتدريج ‪ - ‬كمكاٍن َيستحق أن ُيقا َل وَيقُتَل‬
‫وُيقَتَل في سبيله المرء‪
،‬وذلك أمام الحقائق االقتصادية والسياسية والثقافية الجديدة‪.‬‬
‫كذلك كانت التغي ارُت في سلوك وتكتيكاِت
الصليبيين مدهشة‪ .‬فالحمالُت الالحقة التي استمرت‬
‫على نحٍو متقطع لقرون‪ ،‬كانت إما
دفاعيًة أساسًا لالستيالء على ما استرده المسلمون من األرض‬
‫أو منحرفًة بدافع
الطموح السياسي الفج أو الجشع الصريح‪ ،‬كنهب القسطنطينية المسيحية سنة‬
‫‪ 1204‬بتحريٍض
من كبار تجار البندقية‪ .‬وقد اشتملت إحدى تلك "الحمالت الصليبية" على
نقٍل‬
‫مؤقت وسلمي للسلطة في القدس‪ - ‬كصنيٍع من السلطان المسلم للملك
المسيحي‪ - ‬وهو ظرٌف ما‬
‫كان ِليخطَر ببال أحد أيام كليرمون‪ .‬وفي أحيان أخرى‪ُ
،‬م نحت الجيوُش الصليبيُة السيطرَة على‬
‫القدس‪ ،‬التي كانت في يوٍم من األيام منتهى
أمانيهم‪ ،‬لقاء التخلي عن أ ارٍض أخرى للمسلمين كانت‬
‫هذه الجيوش قد استولت عليها؛
فما كان هؤالء يقبلون مغادرَة الشرق األدنى بال مقابل‪.‬‬
‫كان النجاُح المضطرد للجيوش المسيحية
بإسبانيا وعودُة القوة العسكرية المسيحية إلى الظهور‬
‫من جديد في حوض المتوسط‪ ،‬ال
سيما استيالء النورمان على صقلية المسلمة‪ ،‬قد وضعا بالفعل‬
‫العاَلمين اإلسالمي
والمسيحي وجهًا لوجه على تماٍس شديد وتنافٍس مباشر في ما بينهما‪ .‬لكَّن‬
‫الحملَة
الصليبيَة األولى شقت دربًا ثالثًا بين هذين العاَلمين المتنافسين بل المترابطين
للغاية‪ ،‬ستحل‬
‫فيه شبكُة الروابط التجارية والثقافية والفكرية شيئًا فشيئًا محل
القوة العسكرية الصرفة‪ .‬فعندما وصل‬
‫آديالرد أوف باث إلى أنطاكية حوالي ‪ ،1114‬كانت
الثقافة العربية‪ - ‬إن لم تكن القوة العسكرية‬
‫كثير
من أوجه الحياة في ما ُيعرف بالشرق الالتيني‪.‬‬
‫المسلمة‪ - ‬قد سادت ًا‬
‫الفصل
الثانياألرض مسطحة‬
‫قبل سبع سنوات من وقوع الهزة األرضية التي
جعلت معنوياِت أنطاكية الصليبيِة دكًا‪ ،‬كان‬
‫آديالرد قد درس العاَلَم من حوله وأعلن
أنه فاسد‪ .‬وقد زودته دراساُته في مدرسة الكاتدرائية الفرنسية‬
‫الشهيرة في تور بأفضل
تعليٍم في زمانه‪ .‬وتمتع بدعم ورعايِة أسقف باث القوي‪ ،‬وطبيِب وعاِلِم‬
‫البالط
الفرنسي جان دو فيلوال‪ .‬وكان قد مارس فَن الصيد مع الصقور‪ ،‬وهي عالمٌة على منزلته‬
‫النبيلة والحياة المريحة التي منحته إياها هذه المنزلة عمومًا‪ .‬وكان موسيقيًا
بارعًا‪ ،‬وظل بعد سنين‬
‫يذكر بحنين وقتًا ُد عي فيه للعزف على القيثارة للملكة‪.‬‬
‫باختصار‪ ،‬كان آديالرد أوف باث مثاَل
الجنتلمان الريفي‪ .‬وكان والده‪ ،‬فاستراد‪ ،‬أحَد أكثر‬
‫النزالء لدى األسقف جون ث ارًء
وأحَد أرفِع معاونيه‪ ،‬ما ضمن البنه حياًة رغيدة‪ .‬وقد ورد ِذ كُر العائلة‬
‫بصورٍة
متفرقة في الوثائق الرسمية للكنيسة والدولة‪ .‬وَتذكر السجالُت الماليُة الملكية [‪]Pipe Rolls‬‬
‫الحقًا آديالرد كمستفيٍد من معاٍش يأتيه من عائدات ويلتشاير‪
،‬بجنوب غربي إنكلترا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لم‬
‫يَر آديالرد الشاب كبيَر قيمة في العاَلم
المعاصِر له‪ ،‬وقد ُأحبط من حالة التعليم الغربي خصوصًا‪.‬‬
‫وَأعلن في مقدمة رسالٍة له
بعنوان في الثابت والمتغير [‪
]De Eodem et
Diverso‬كتبها عندما‬
‫نضج وكانت أوَل عمٍل معروٍف له "عندما ق أرُت كتاباِت األقدمين
المشهورة ‪ - ‬جَلها ال كَلها ‪- ‬‬
‫وقارنُت َم لكاِت هم بمدارك المعاصرين‪
،‬أكبرُت األقدمين‪ ،‬ورميُت المعاصرين بالحمق"]‪.[67‬‬
‫كان سبُب ازدراء آديالرد
"المعاصرين" مفهومًا‪ ،‬ألن الغرب في أواخر القرن الحادي عشر كان‬
‫فوضى‪
.‬كانِت الحياُة اليومية تترنح تحت وطأة عنٍف متصاعد واضط ارٍب اجتماعي‪ .‬وكانت‬
‫عصاباُت المرتزقة‪ ،‬التي ال تعبأ بالملك وال بسواه‪ ،‬تطوف الريف‪ ،‬وكانت كلمُة
رؤسائها هي القانوَن‬
‫األوحَد في البالد‪ .‬وفي أرجاء أوروبا‪ ،‬لم تعد تقنياُت الزراعة
البدائية قادرًة على إطعام العدد المتزايد‬
‫كثير من الفقراء والمحطمين]‪
.[68‬وكان‬ ‫ًا‬ ‫من السكان‪ ،‬بينما خَّلفت قوانيُن
الوراثة القديمُة وراءها‬
‫العنف ‪ - ‬الذي أشعله ضعُف السلطة السياسية المركزية ولم يقَو السلطاُن
األخالقي الضعيف‬
‫للكنيسة الكاثوليكية على وقفه‪ - ‬هو العملَة اليومية‪ .‬وكما
أقر البابا أوربان الثاني بكليرمون عندما‬
‫دعا إلى إرسال الحملة الصليبية األولى‪
،‬لم يكن في وسع الزعماء الدينيين وقُف انتشار الفوضى في‬
‫القارة‪ .‬فأفضُل ما كانت
تستطيعه الكنيسة هو أن توجَه دناءاِت رعيِت ها إلى الشرقيين‪.‬‬
‫ولم تكن حتى زاويُة آديالرد النائيُة من
إنكلت ار بمأمٍن من االضطرابات‪ .‬ولم يكن قد مضى وقٌت‬
‫طويل على الغزو النورماني سنة
‪ ،1066‬وكان ال يزال الشقاُق السياسي واالجتماعي يطحن البالد‪.‬‬
‫وكانت العالقُة
المتوترة بين ما ُيعرف اليوم بإنكلت ار وفرنسا‪ - ‬وقد مضى عليها قرون تخللتها
من‬
‫حيٍن آلخر نوباٌت من الصراع المسلح بين البلدين ‪ - ‬السمَة الدائمة للحياة
في العصور الوسطى‬
‫المتأخرة‪ .‬في الوقت نفِس ه‪ ،‬تعمقت الروابط السياسية والثقافية
والشخصية بين البلدين‪ ،‬ولم يكن‬
‫مفاجئًا أن يتاب آديالرد تعلي ه العالي في تور
وأن يكو كثي من الشخصياِت الرائدة ورجاالِت‬
‫َن ٌر‬ ‫َم‬ ‫َع‬
‫الحاشية‪ ،‬كاألسقف جون‪ ،‬منحدرًة من
البر األوروبي‪ .‬وكان آديالرد قد شهد وهو طفل في العام‬
‫‪ 1086‬احت ار بلدته األم في
ِو ست كنتري عن بكرة أبيها تقريبًا‪ ،‬بما فيها دير الرهبان "ذوي األرديِة‬
‫َق‬
‫دير ذا شأن في يوٍم من األيام‪ ،‬وذلك في االنتفاضة التي
قامت ضد وريث‬ ‫السوداء" الذي كان ًا‬
‫العرش‪ ،‬وليام األحمر‪ .‬كان المتمردون يأملون في تولية أخيه‪ ،‬روبرت أوف
نورماندي‪ ،‬مكاَنه لكَّن‬
‫محاولتهم االنقالبيَة باءت بالفشل وسالت دماء وُد مرت
ممتلكاٌت كثيرة‪ .‬ثم مات روبرت‪ ،‬االبن البكر‬
‫لوليام الفاتح‪ ،‬سجينًا ملكيًا‪.‬‬
‫كثير في مدارس
النخبة الكاثوليكية‪ ،‬إذ كانِت الفوضى واالضطراب‬ ‫ًا‬ ‫لم تكن األمور أفضَل‬
‫اللذان عّم ا البالد مع االجتياحات
األلمانية لإلمبراطورية الرومانية الغربية‪ ،‬ابتداًء من القرن الرابع‬
‫للميالد‪ ،‬قد
أتيا تقريبًا منذ عهٍد قريب على التعليم الرسمي وقطعا ما اتصل من حبل المعارف‬
‫الكالسيكية‪ .‬وأتت غزواُت المسلمين شرقي البحر المتوسط بعد ثالثمائة سنة لتقض
نهائيًا على‬
‫َي‬
‫عزلة الغرب بأن شقت طريقًا سالكًة إلى المسيحيين البيزنطيين وعاصمِت هم
البعيدة القسطنطينية‪،‬‬
‫حيث كانت ال تزال توجد بقيٌة من تراث اليونان الثقافي القديم]‪
.[69‬كانت روائُع المعرفة‬
‫الكالسيكية قد طواها النسيان تقريبًا‪ ،‬أو ُد فعت بعيدًا إلى
أقصى أطراف الوعي األوروبي في أفضل‬
‫األحوال‪ .‬وضاعت أو َتِلفت النصوُص القّيمة
نتيجة اإلهمال أو الحرب أو باتت تستعصي على‬
‫الفهم لجهل أدعياء العلم أو ببساطة
لفقدان القدرة على قراءة اليونانية‪ .‬ق أر أفراد الطبقة األرستقراطية‬
‫في
اإلمبراطورية الرومانية األعماَل اليونانية الرئيسة بلغتها األصلية‪ ،‬فلم تكن
بالتالي هناك حاجٌة‬
‫في ذلك الوقت إلى ترجماٍت التينية لفلسفة أفالطون وأرسطو‪ ،‬أو
عجائب أرخميدس الهندسية‪ ،‬أو‬
‫علم هندسة إقليدس‪ .‬ثم اختفت اليونانيُة جملًة واحدة
كلغٍة للعلم واختفت معها عمليًا قروٌن من‬
‫المعرفة من العقل الجماعي ألوروبا
الناطقة بالالتينية‪.‬‬
‫كانت هناك بضعُة مواقَع متقدمة‪
- ‬أديرٌة متناثرة في أيرلندا وشمالي إنكلت ار وكاتالونية وجنوبي‬
‫إيطاليا‪ - ‬حيث
عمل الرهبان لصون التراث الكالسيكي‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كانت النتائج وضيعًة بالقياس‬
‫إلى
الذرى التي بلغها اليونان ذات يوم‪ ،‬أو إلى العمل الجديِد المثير الذي كان جاريًا
في العالم‬
‫العربي‪ .‬ففي مدرسة كاتدرائية الون‪ ،‬المركِز الرئيس للدراسات الرياضية في
الغرب‪ ،‬لم تكن أفضُل‬
‫العقول في أيام آديالرد َتعرف كيف تستخدم الصفر‪ .‬وكان أساتذة
الون يدِّر سون أحدَث التقنيات‬
‫التي كان يستخدمها الملك هنري األول إلدارة خزينته‪
،‬وكان يحكم إنكلت ار والنورماندي معًا أوائل‬
‫القرن الثاني عشر‪ .‬من هذه التقنيات
استخداُم سماٍط خاص‪ُ ،‬نقشت عليه صفوٌف وأعمدة كرقعة‬
‫الشطرنج لتكون للملك ِم عدادًا‪
،‬وكانت مبادُئ الِم عداد قد وصلت إلى فرنسا من األندلس قبل بضع‬
‫سنين فقط‪ .‬كان ُيعرف
السماط باسم ‪ ،scaccarium‬أي "رقعة الشطرنج" بالالتينية‬
‫[‪ chessboard‬باإلنكليزية]‪ ،‬وكان هذا
هو أساَس تسمية وزير الخزانة البريطاني ‪.exchequer‬‬
‫وبالرغم من أهمية هذه
المهمِة الملكية‪ ،‬ظل مستوى التعليم بمدرسة الون متدنيًا جدًا؛ إذ يكشف لها‬
‫كتاٌب
مدرس معاصر أخطاًء مضطردة حتى في أبسط الحسابات]‪.[70‬‬
‫ٌي‬
‫األكثُر مدعاًة للغيظ من اختالل الحسابات
الملكية كان العجز عن تقدير الوقت من اليوم أو‬
‫تحديد التاريخ‪ .‬فحتى بالمعايير
المختلة للعصور الوسطى المسيحية‪ ،‬كانت معرفُة الوقت شيئًا ذا‬
‫بال‪ ،‬مرتبطًا كما كان
بالسعي للخالص األخروي‪ .‬فقد كان نظاُم الراهب سان بنديكت الكهنوتي‪،‬‬
‫الذي أدار
آال األديرة ابتدا من القرن السادس فما بعد‪ ،‬يتطلب أدا ثماني صلوات في
أوقاٍت‬
‫َء‬ ‫ًء‬ ‫َف‬
‫محددة من اليوم‪ .‬وكانت هذه الممارسة التعبدية تقوم على تالوة آيتين من
المزمور ‪" :119‬سبَع‬
‫م ارٍت في اليوم سَّبحُتَك [على أحكام عدلك]"
و"في منتصف الليل أقوم ألحمَد ك [على أحكام ِب رك]"‬
‫]‪
.[71‬كان األمر سهًال نسبيًا في النهار‪ ،‬عندما يوفر تغيُر موضع الشمس دليًال تقريبيًا
إلى‬
‫الوقت‪ ،‬أما في الليل فكان رهباُن الغرب الالتيني ُيتركون لوحدهم في عتمة
الجهل‪.‬‬
‫ظهرت طرائق بدائية لتقدير الوقت لتلبية
متطلبات أنظمِة التعبِد في األديرة‪ .‬فقد ُو جد‪ ،‬مثًال‪ ،‬أن‬
‫شمعًة بطول اثني عشر
إنشًا وقطٍر معين كانت تستمر حوالي أربع ساعات]‪
.[72‬واسَتخدم بعض‬
‫األديرة األكثر بحبوحًة ساعاٍت مائية بدائية‪ ،‬كان الجرياُن المضبوُط
للماء فيها إلى وعاٍء معين‬
‫يقيس مروَر وحدٍة معينة من الوقت‪ .‬وكمثاٍل مبكر للفلك
التطبيقي‪ ،‬طرح المطران جيورجي دو تور‬
‫من القرن السادس مبدءًا تجريبيًا‪ ،‬لعل أصَله
بابلي‪ ،‬يحسب الطوَل المتغير لليوم ابتداًء من الساعة‬
‫نهار من أيام
ديسمبر ثم يضيف ساعًة في الشهر من ديسمبر إلى يونيو‪ ،‬حتى يصَل إلى‬ ‫التاسعة ًا‬
‫خمس عشرة ساعة‪
.‬ثم كانت ُتعكس العملية من يونيو عودًا إلى ديسمبر‪ .‬وبالرغم من شيوع هذا‬
‫النظام في
زمانه لبساطته وسهولة استخدامه‪ ،‬فقد كانت تعوزه المتانُة العلمية‪ :‬فنسبُة خمسة عشر‬
‫إلى تسعة تناسب منطقة البحر المتوسط والشرق األدنى أكثر مما تناسب مناطَق تور‬
‫الشمالية]‪
.[73‬وقّد م غريغوري طريقًة مشابهة لتتبع مواقع القمر طوال الشهر‪ ،‬لكنه لم يحسب فيها‬
‫حساَب
التغيرات الفصلية‪ .‬وَح دد بعَض الكوكبات في السماء الشمالية التي يمكن استخداُم ها
في‬
‫الليالي الصافية للمساعدة على ضبط أوقات الصالة؛ وقد جِه د لئال يستخدَم
األسماَء الوثنية لهذه‬
‫المجموعات]‪.[74‬‬
‫وقد ظلت المحاوالُت األخرى لمعالجة المسألة
إلى مرحلٍة متقدمة من العصور الوسطى تعاني‬
‫من عيوٍب مشابهة لتلك التي شابت
محاوالِت غريغوري‪ .‬فثمة‪ ،‬مثًال‪ِ ،‬م زولة [رخامة] ساكسونية في‬
‫كنيسٍة بيوركشاير تعود
إلى سنة ‪ 1064‬وتقسم اليوم إلى ثمانية أقسام متساوية‪ ،‬أو "مدود"‪ ،‬لكنها
ال‬
‫تأخذ في الحسبان حقيقَة أَّن موقَع الساعة في يوركشاير يستدعي تغييَر أطواِل
هذه المدود]‪.[75‬‬
‫والفتقارهم إلى فهم النظرية التي تقف وراء التقنياِت المجلوبِة من جنوبي المتوسط
الشرق أوسطي‪ ،‬لم‬
‫يدرِك الالتين أَّن عليهم ضبَط طريقِت هم لتأخَذ في الحسبان
ارتفاَع أمكنتهم الجغرافية شماًال‪ ،‬كباث‬
‫بلدِة آديالرد نفِس ه‪.‬‬
‫وحتى القرن الثالث عشر‪ ،‬ظل الرهبان بفرنسا
يعتمدون طرائق الفلك الشعبي كمنارات الرصد‬
‫الفلكي المحلية [‪ ]observational
markers‬التي
يمكن محاذاُتها بمواقع كوكباٍت معينة لتقابل‬
‫أوقات صالة معينة‪ .‬يشرح نٌص ُك تب على
لوٍح حجري‪ُ ،‬ع ثر عليه في دير سيستريسيان ڤيلرز‬
‫بالقرب من نامور ببلجيكا‪ ،‬كيفيَة
تقدير الوقت بتتبع الشمس والنجوم كما تبدو في نوافَذ‬
‫معينة]‪
.[76‬لعل األكثر شيوعًا بين هذه الحاالت كلها كان تعييَن راهٍب متقدٍم محترم يرتل عددًا‬
‫محددًا من المزامير إشارًة إلى مرور الوقت [‪ ]significator
horarum‬ثم
يوقظ إخوَته الرهبان‬

‫ليؤدوا صالَة منتصف الليل أو الفجر‪ ،‬التي تؤَد ى عند


"الساعة الثامنة لحلول الظالم"]‪
.[77‬الميزُة‬
‫الواضحة لهذا الحل أنه كان يعمل حتى عندما َتحجب الغيوُم النجوم‪ .‬لكّن
الطريقَة كانت ِم ن قلة‬
‫دقتها أِن اُض طرِت الالهوتيين إلى االعتراف بأن الرهبان
العاديين ما ينبغي تحميُلهم مسؤولية فشل‬
‫المؤذن في توقيت الصالة التوقيَت الصحيح‪.‬‬
‫لكَّن ضبَط الوقت في األديرة لم يكن فحسب
مسألًة روحية‪ .‬فبدون طريقٍة موثوقة لقياس مرور‬
‫الوقت‪ ،‬ظل خيال اإلنسان‪
- ‬ووجوُد ه نفُس ه‪ - ‬رهينًة لتعاقب الليل والنهار‪ ،‬دائبي االنزياح‪ ،‬واألطوار‬
‫العضوية للزرع والحصد‪ .‬وسوف يحرر الضبُط الدقيق للوقت ذات يوم المجتمَع من إمالءات
شروق‬
‫وغروب الشمس ويعيد صياغَة التاريِخ أو الوقت كمفهوٍم مجرد ليس هو الوجوَد
اليومي‪ .‬وسُينشئ‬
‫ٍء‬
‫هذا في النهاية طريقًة جديدة للنظر إلى الكون كشي يمكن قياُس ه
وحساُبه ومراقبُته‪ ،‬ويفتح ممالَك‬
‫العلم والتكنولوجيا‪ .‬وَّف ر قرُع األجراس المنتظُم
في األديرة‪ ،‬المحكوُم بإيقاعات الواجبات التعبدية‬
‫والعملية للرهبان‪ ،‬إحدى ضمانات
العصور الوسطى القليلة جدًا وكان عالمًة على البدايات التجريبية‬
‫لنظاٍم اجتماعي
مرتب]‪.[78‬‬
‫وكقياس الوقت‪ ،‬ثبت أن الضبط الدقيق لتاريخ
الفصح ‪ - ‬أهم األيام في التقويم المسيحي‬
‫والنقطِة المرجعية للسنة الكنسية
كلها‪ - ‬يفوق إمكاناِت حتى أكثر الرهبان علمًا‪ .‬وبالرغم من التدخل‬
‫الدائم
للسياسة والتقليد والمنافسات اإلقليمية والطائفية على مر العصور‪ ،‬ظلت المشكلُة في
تحديد‬
‫تاريخ الفصح تكمن في ارتباطاته بالدورة الفلكية للسنة الشمسية‪ ،‬التي لم تكن
متوافقًة مع تقويم‬
‫الحياة اليومية‪ .‬ترى األغلبيُة المسيحية أن الفصح هو أوُل أحٍد
بعد أوِل بدٍر يلي االعتدال الربيعي‪.‬‬
‫وما كان يمكن تحديُد ذلك إال بالرصد الفلكي
والحساِب المتقدم‪ .‬وما كان الحساُب الدقيق ليوجَد في‬
‫عالٍم بعيٍد حتى عن فكرة
العلم بتركيزه على اآلخرة واالنقطاع الطوعي والجبري الظرفي عن التقاليد‬
‫الفكرية
العريقة للعالم القديم‪ .‬وكانت النتيجة جدًال دائمًا حول فكرتي الوقت والتاريخ
نفسيهما‪.‬‬
‫فتقدي ارُت االعتدال الربيعي‪ ،‬مثًال‪ ،‬كانت غالبًا ما تتفاوت بما يصل إلى
أسبوعين‪.‬‬
‫ال شك‪ ،‬تبنى آباء الكنيسة اُألول نظاَم
التأريخ الروماني الذي كان سائدًا في أيامهم‪ .‬ووضع‬
‫الفلك اليوناني سوسيجينيس
اإلسكندراني ما ُع رف بتقويم جوليان الذي ُفِر ض مع تغيي ارٍت طفيفة‬
‫ُي‬
‫بأمٍر من يوليوس
قيصر قبل سٍت وأربعين سنة من ميالد المسيح‪ .‬لكن كان ثمة مشكلة في هذا‬
‫ٍة‬
‫التقويم‪ :‬فهو
يقوم على سن أطوَل مما ينبغي بإحدى عشرة دقيقة وأربَع عشرة ثانية تقريبًا‪ ،‬وهو
عيٌب‬
‫معروٌف جيدًا ما كان ليفوَت سوسيجينيس وزمالءه الفلكيين‪ .‬فقد حصل االعتداُل
الربيعي في ‪25‬‬
‫مارس أوَل ما ُأدِرج تقويم جوليان‪ ،‬لكنه كان ينزاح
"رجوعًا" بسرعٍة كبيرة تعادل تقريبًا يومًا كامًال كل‬
‫‪ 130‬سنة‪ ،‬ما يهدد
بأخذ الفصح وبقيِة تقويم الكنيسة معه‪.‬‬
‫ومع نمو المجتمع المسيحي واتساعه‪ ،‬سعى
بالطبع لتوحيد تاريخ أهم يوٍم لديه‪ .‬وقد تساءل‬
‫اإلمبراطور قسطنطين [األول] سنة ‪
325‬من موقعه الشرفي في أول مجمٍع سكن في الكنيسة‬
‫ّي‬
‫المسيحية [‪"
:]Council
of Nicaea‬ما أجمَل أن‪ ...‬يحتف الجميع بهذه المناسبة‪ ،‬التي نستمد‬
‫َي‬
‫منها األمَل
بالخلود‪ ،‬في نظاٍم أوحَد موَح د وقانوٍن ثابت!"‪ .‬ومع ذلك فشل الَم جمع في حل
خالف‬
‫الفصح]‪
.[79‬كذلك‪ ،‬كان زعماُء الكنيسة حريصين على إسقاط خالفاٍت كالخالف الذي نشب في‬
‫ما بعد
بإنكلت ار بين المسيحيين وبين ما ُد عي بالتحول الروماني وأتباع التقليد الَس لتي
بأيرلندا]‪.[80‬‬
‫أمر من سلطٍة مركزية معترٍف بها‪ ،‬دينيٍة أو سياسية‪ ،‬أو
اتفاقًا على مجموعة‬ ‫وقد تطَّلب ذلك إما ًا‬
‫مبادئ‪ - ‬إنجيلية أو فلكية‪ - ‬تحدد بوضوح اليوَم
الصحيح لالحتفال بالقيامة‪ .‬وفي غياب كل هذا‪،‬‬
‫ٍك‬
‫اعتمد العاَلُم المسيحي بدًال منه على
نظام االحتساب [‪ ،]computus‬وهو نظاُم فل تطبيقي تطَو َر‬
‫ببطء في مئات السنين لتحديد
التاريخ والوقت بشكٍل تقريبي‪ .‬كان هذا نظاَم عٍّد حسابيًا ال يتطلب‬
‫اإلحاطَة
بالمفاهيم الهندسية‪ ،‬كالدائرة والكرة‪ ،‬األساسيِة جدًا لدراسة الفلك‪.‬‬
‫عاجز‪ .‬فقد كانت هناك‬ ‫ًا‬ ‫حتى عندما كان يوجد دليٌل من القدماء واضح‪
،‬كان الغرب يقف أمامه‬
‫ترجمٌة التينية باقية منذ العام ‪
1000‬ميالدي لدليٍل مبسط خطوًة فخطوة بخط الفلكي اليوناني القديم‬
‫كثير
في‬‫العظيم بطليموس لتحديد
منازل الشمس والقمر‪ .‬وكان في إمكانها تحسيُن عمِل "الحَّس ابين" ًا‬
‫ضبط تاريخ الفصح وما يتصل به من حسابات‪ .‬لكن كما اتضح‪ ،‬حتى الفهم البدائي
للمصطلحات‬
‫الفلكية الذي كان يلزم فحسب الستخدام جداول بطليموس القريبة أو
قانونه (‪Ptolemy's‬‬
‫‪
،)Handy Tables or Canon‬وأقل منه بكثير لفهم عموِم نِص ه‪ ،‬كان بعيدًا جدًا عن متناول‬

‫‪
.‬وتوَّج ب االنتظاُر إلى أواخر القرن السادس عشر حتى استطاَع الغرُب‬
‫العلماء المعاصرين]‪[81‬‬
‫المسيحي تعبئَة
ما يكفي من الطاقة العلمية للشروع بضبط الوقت واستيعاِب مسألِة إصالِح التقويم‪.‬‬
‫في
ذلك الوقت‪ ،‬كان االعتداُل الربيعي قد انحرف عائدًا حوالي أسبوعين‪ ،‬إلى منتصف مارس‪.‬‬
‫أمر عجبًا أن‬‫وبالنظر إلى حجم المصائب السياسية
واالجتماعية والروحية بأوروبا‪ ،‬ربما كان ًا‬
‫يبقى أُي شيء من فنون
وعلوم ذلك الوقت الذي غادر فيه آديالرد باث لمتابعة تعليمه العالي‬
‫بفرنسا‪ ،‬سنة
‪ 1100‬تقريبًا‪ .‬ومع ذلك استطاعت ثلٌة من مدارس الكاتدرائيات آنذاك وضَع برنامٍج‬
‫دراسي يستند إلى ما ُع رف بالفنون العقلية السبعة [‪ .]Seven
Liberal Arts‬كان
الشائُع وصَف‬
‫هذه الفروع المعرفية السبعة‪ ،‬المستمدِة من التقليد الروماني القديم‪
،‬بالفتيات الفاتنات‪ .‬كانت الدراسة‬
‫تبدأ ببرنامٍج ثالثي األركان يشتمل على قواعد
اللغة‪ ،‬والبيان‪ ،‬والمنطق؛ ُع رف باسم ‪.trivium‬‬
‫تقابل هذا اليوم كلمة ‪
،trivial‬ما يعكس الطابَع االبتدائي لهذه المعارف األساسية‪ .‬أما برنامج‬
‫الدراسة المتقدم أو
التعاليم األربعة ‪ quadrivium‬فكان يشتمل على تعُلم الحساب‪ ،‬والهندسة‪،‬‬
‫والموسيقى‪ ،‬والفلك؛ مادِة
آديالرد المفضلة‪ .‬كانت البنيُة التعليميُة كُلها قائمًة على أساٍس متقلقٍل‬
‫ملتبس
مأخوٍذ عن الموسوعيين الالتين‪ ،‬الذين كانوا قبل قرون قد درسوا األعماَل العلمية
والفلسفية‬
‫الكالسيكية وجمعوها وبسطوها ثم قدموها لجمهوٍر عريض نسبيًا‪.‬‬
‫ِة‬
‫كانت مجموعُة أعمال الشريف الروماني
بوثيوس‪ ،‬الذي قطع إعداُم ُه بتهمة الخيان الملفقة عمَل‬
‫عمِره‪ ،‬ال تزال تحتفظ
بشذ ارٍت من منطق أرسطو‪ ،‬وعدٍة من بحوث الموسيقى‪ ،‬وشيٍء من أساسيات‬
‫الهندسة
التطبيقية‪ .‬وكان بوثيوس يخطط لترجمة كل مؤلفات أفالطون وأرسطو إلى الالتينية‪
،‬لكَّن‬
‫موَته المبكَر هذا حكم على هذا اإلرث العظيم في علم الطبيعية والميتافيزيقيا
وعلم الكون بأن يبقى‬
‫حبيسًا ألكثر من ستمائة سنة‪ .‬وقد اخُتصرت تعاليُم أفالطون
المتاحة إلى ترجمٍة التينيٍة مجتزأة‬
‫وشرٍح مرافق‪ .‬وقد منح هذا أوروبا العصور
الوسطى اإلطاللَة الفعليَة الوحيدة على الفلسفة الطبيعية‬
‫حتى القرن الثاني عشر]‪
.[82‬لم يكن ُيعرف شيء في الواقع عن الميتافيزيقيا أو علم الكون‪ .‬وقد‬
‫احتفظ ما تبقى من
مخطوطات باليني [‪ ]Pliny‬في علم الطبيعة بشذ ارٍت أخرى من األعمال‬
‫الكالسيكية‪ ،‬وكان هذا
أيضًا حاَل قلٍة قليلة من الكتب المشابهة التي كانت ُتتداول اعتباطيًا‪.‬‬
‫كان الِك تاُب المدرس األكثُر شعبيًة
بكثير موسوعًة من القرن السابع إليزيدور‪ ،‬أسقِف إشبيلية‪،‬‬
‫ُي‬
‫اشتملت على معارَف شبه
منسية وتفسي ارٍت بعيدة للظواهر الطبيعية‪ .‬في هذه الموسوعة المسماة‬
‫األصول [‪ ،]Etymologies‬جمع إيزيدور في عشرين مجلدًا كَل دقيقٍة
من المعارف التي رأى أنها‬
‫تستحق أن تصان في وجه المِد المتصاعد للبربرية التي كان
يرى أنها تهدد بلَد ه إسبانيا‪ .‬وشمل هذا‪،‬‬
‫بين ما شمل‪ ،‬شروحًا في القواعد والخطابة‪
،‬والحساب والفلك‪ ،‬وعلم الحيوان‪ ،‬والزراعة‪ ،‬والالهوت‪،‬‬
‫والعلم العسكري‪ .‬كان األسقف
مجدًا مجتهدًا وكان له قراء كثر‪ ،‬لكّن فهَم ه كان في حينه موضَع شك‬
‫مفكر انتقاديًا‪ ،‬ألنه استقى مادَته من مصادَر مختلفة من دون‬ ‫ًا‬ ‫بعض الشيء‪ .‬فهو
لم يكن بالقطع‬
‫تمحيص‪ - ‬وبتعبيرات هذه األيام‪ - ‬كان أكثَر اهتمامًا للمعنى المجازي منه
للحقيقة األساسية‪.‬‬
‫كانت موسوعة األصول نجاحًا أساسيًا
شاردًا في مكتبات العصور الوسطى المسيحية منذ‬
‫قرون‪ .‬وقد فَّض له القراء عمومًا على
المصادر األصلية‪ ،‬التي سرعان ما ُأسِلمت للنسيان؛ متجاَهلًة‬
‫منبوذة‪ ،‬وُفقد كثيٌر
منها إلى األبد‪ .‬وبقيت أعماُل إيزيدور ُتطبع حتى وقٍت متأخر من عصر‬
‫النهضة‪ .‬وكانت
تعاليُم ه مَّتَبَع ًة اتباعًا أعمى إلى حد أن توكيَد ه ‪ - ‬استنادًا إلى ترجمته
البدائية‬
‫المغلوطة للمصادر الكالسيكية‪ - ‬بأَّن األرَض مسطحة
"كدوالب" ظل يقول بها كثيرون في أوروبا‬
‫العصور الوسطى‪ ،‬وإن أدركت زمرٌة
من العلماء والرهبان المتعلمين أنها ليست كذلك‪ .‬وقد ناقض‬
‫هذا المعتقُد الشعبي
المفهوَم اليونان الكالسيك والعرب للكون ‪ - ‬كسلسلٍة من الكرات والعجالت‪،‬‬
‫َي‬ ‫َي‬ ‫َي‬
‫مركُزها األرض‪ ،‬تتحرك حركًة ميكانيكيًة إيقاعيًة مستديرة‪ - ‬وحال بين الغرب
وبين أن يشارَك في‬
‫المغامرة الكبرى لعلم الكون‪ .‬لم يكن خطأ النموذج السائد‪ ،‬الذي
وضعه بطليموس في القرن الثاني‬
‫ميالدي وظل ُيدرس منذ ذلك الحين‪ ،‬هو المهم؛ بل فواُت
الفرصة العظيمة للبحث العلمي المثمر‬
‫التي أتاحها هذا المفهوُم على خطئه‪.‬‬
‫لعل بيدي الجليل [‪
،]The
Venerable Bede‬الذي توفي سنة ‪ 735‬بعد عمٍر طويل‬
‫أمضاه في الدراسة بين جدران ديره شمالي إنكلترا‪
،‬كان المفكَر األكثر براعًة وِر فعَة ثقافة بين هذه‬
‫العصبة األولى من المفكرين‪ .‬كان
كتابه تقدير الوقت [‪
]The Reckoning of Time‬محاولًة‬
‫مبكرًة مهمًة منه لحساب وقت الفصح‪ ،‬وحساب الوقت‪ ،‬وحل ما يتعلق بذلك
من مسائل‪ .‬فقد استنتج‬
‫من قراءته المتأنية لبليني أن األرَض كروية ‪ - ‬وهو علٌم
طمسه طمسًا ادعاُء إيزيدور المعاكس‬
‫األكثُر شعبيًة بكثير‪ - ‬وكان لديه فهٌم
الختالف أوقات النهار وسلوِك المد والجزر‪ .‬ومع أن معرفَته‬
‫كانت بدائية‪ ،‬كان بيدي
سابقًا عصَره إلى حد أن شهرته ما لبثت أن طارت في العالم المسيحي‪ .‬فلم‬
‫ُيَر مثُله
من قبُل تقريبًا‪ .‬قال عنه نوتكه اللجالج بحماسة‪ ،‬وكان راهبًا في أقاصي سويسرا‪"
:‬يا هللا‪ ،‬يا‬
‫مسوي الكائنات‪ ،‬يا َم ن أتى بالشمس ِم ن الشرق في اليوم الرابع
للخلق‪ ،‬وأتى ببيدي ِم ن الغرب في‬
‫العصر السادس للعاَلم‪ ،‬شمسًا جديدة ُتضاء بها
األرُض جمعاء"]‪.[83‬‬
‫آَل إلى مدارس الكاتدرائيات الفرنسية أن
تشكَل ببطء من اللبن األولى التي تركها الموسوعيون‬
‫وثلٌة من الرهبان الذين كانوا
على شاكلتهم بناًء معرفيًا متماسكًا‪ ،‬وإن كان ال يزال ناقصًا ومليئًا‬
‫باألخطاء‪
.‬وبأمٍر من شارلمان‪ ،‬أنشأ آلكوين أوف يورك منهاجًا مدرسيًا أوليًا ألولى تلك
المدارس في‬
‫أواخر القرن الثامن إلمداد اإلمبراطورية بموظفيَن مدَر بيَن مهرة‪ .‬كانت
مدرسُة آديالرد األم بتور من‬

‫‪
.‬وُأسست مدارُس‬
‫أولى تلك المدارس‪ ،‬وبرزت بالتدريج كمركٍز فكري أوروبي
أو نحو ذلك]‪[84‬‬
‫أخرى بشارتر والون‪ ،‬وغيِرهما‪ .‬حتى إذا أتت أياُم آديالرد‪ ،‬كانت
مدارُس الكاتدرائيات قد مضى على‬
‫تأسيسها قرون‪ .‬وقد جذبت تلك المدار إليها بعضًا
من أفضل األساتذة من الفئة القليلِة المتدينِة‬
‫ُس‬
‫ٍة‬
‫المتعلمة وطالبًا طموحين من أنحاء
مختلف من أوروبا‪ .‬وقد أتى األسقف جون نفُس ه من تور‪،‬‬
‫واستخدم صالِت ه الشخصية
والكنسية هناك لتأمين المكان الذي كان يصبو إليه آديالرد في المدرسة‪.‬‬
‫وكان
لمفَّض الت األساتذة بمدارس الكاتدرائيات لمنهاج التعاليم األربعة ‪ ،quadrivium‬ال سيما في‬
‫مادتي الرياضيات والفلك‪ ،‬أثٌر عميق على تطلع آديالرد
الشاب واهتماماِت ه الخاصة]‪
.[85‬وقد‬
‫حددت هذه بدورها األفكاَر التي سيتبناها الحقًا من علوم العرب ويعود بها إلى
الغرب‪.‬‬
‫كانت مملكة لوثارنجية السابقة هي المركز
األول لنشاط أوروبا الفكري في العصور الوسطى‪.‬‬
‫فقد ضمت هذه المملكة التي كانت في ما
مضى قلَب إمبراطورية شارلمان‪ ،‬أجزاء من ألمانيا‬
‫وبلجيكا وهولندا وفرنسا‪ .‬وكانت
لييج‪ ،‬ببلجيكا اليوم‪ ،‬مركَز تلك المملكة وكانت ُتعرف باسم "أثينا‬
‫لوثارنجية" لعلمها الرصين]‪
.[86‬فقد ظل ملوُك إنكلت ار عقودًا يعتمدون على اإلمداد الدائم برجال‬
‫الدين اللوثارنجيين
لملء المناصب الملكية والكنسية‪ .‬وقد أتى َس َلُف األسقف جون من المنطقة‪ ،‬وكذا‬
‫والد
آديالرد‪ ،‬فاستراد‪ ،‬وعدٌد من الشخصيات األخرى التي أّثرت في الحياة الفكرية
والدينية إلنكلت ار‬
‫القرن الحادي عشر‪ .‬وكانت مدارُس وأديرٌة لوثارنجية قد برزت كمستودعاٍت
أوليٍة مؤقتة لعلم‬
‫مضطر إلى االعتماد على ما‬‫ًا‬ ‫وتكنولوجيا العرب‪ ،‬ومن ذلك نظاُم العد العربي؛ وكان التاُج
اإلنكليزي‬
‫يستورد منها من خريجين حسني التدريب لتلبية
الطلب المتزايد‪ ،‬إذ لم تكن لديه مؤسساٌت تعليمية‬
‫مناسبة خاصٌة به]‪.[87‬‬
‫من أوائل المشجعين على االبتكار الفكري في
الغرب‪ ،‬بما في ذلك اآللة الحاسبة القِّيمة‪،‬‬
‫الِم عداد‪ ،‬كان ِج رِبر دوريالك [‪ ،]Gerbert d'Aurillac‬أحُد أرفِع العقول في عصره الذي سيغدو‬
‫هو البابا سلفستر الثاني‪
.‬نشأ ِج رِبر الناضُج قبل األوان كراهٍب متدرب في دير سان جيرار‪،‬‬
‫وسرعان ما كُبر على
التعليم المحدود المتاح ببلده فرنسا؛ فلم يكن بين الرهبان المحليين ببساطة َم ن‬
‫لديه معرفٌة كافية بالرياضيات والفلك ليتعلَم منه أكثر مما تعلم‪ .‬وفي العام ‪
،967‬أوفده رؤساؤه‬
‫لمتابعة دراساته المتقدمة ثالَث سنوات بدير ڤيش بكاتالونية‪ ،‬التي
كانت آنذاك موقعًا مسيحيًا حدوديًا‬
‫نائيًا متاخمًا لألندلس مصنِع العلم والثقافة
في ذلك الوقت‪.‬‬
‫وقد تمتعت كاتالونية بعالقاٍت تجارية طيبة
مع الخليفة الغربي‪ ،‬الذي كان يحكم من قرطبة‬
‫ِة‬
‫عاصم إمبراطوريته‪ .‬وكان منظُر التجار
المسلمين مألوفًا في أسواق كاتالونية‪ ،‬وَع َبرت االتجاهاُت‬
‫الثقافية واألفكاُر واالختراعاُت
بسهولة حدوَد الشرق المسلم مع الغرب المسيحي‪ .‬وكان علُم النجوم‬
‫المتقدُم عند
العرب‪ ،‬ولعبُة الشطرنج‪ ،‬والشكُل األول لما صار بعد ذلك ُيعرف باألعداد العربية‪،‬‬
‫واألسطرالُب اإلسالمي ‪ - ‬أقدُر حاسوٍب تماثلي حتى العصور الحديثة ‪ - ‬كلها
كانت تنتظر‬
‫"االكتشاف" بكاتالونية]‪
.[88‬هنا‪ ،‬حيث كانت الفنوُن العقليُة السبعُة كافة متاحًة للدراسة‪.‬‬
‫فبينما كانت حتى أغنى األديرة بفرنسا
وألمانيا وإنكلت ار ال تملك أكثَر من عش ارٍت قليلة من‬
‫مجلدات العلوم التي أصبحت
قديمة‪ ،‬كان رهباُن كاتالونية‪ ،‬ال سيما أولئك الذين كانوا في دير سانتا‬
‫ماريا دي
ريبول‪ ،‬يتمتعون باالطالع على مجموعاٍت ضخمٍة نسبيًا من المجلدات ضمت نصوصًا‬
‫عربية
وترجماٍت لهذه النصوص‪ .‬كانت تلك الترجمات ُتلمح إلى أسرار العلم القديم‪ ،‬وكذا إلى
العلم‬
‫والفلسفة والطب األحدث لدى العرب‪ .‬وقد زار ِج رِبر الشاب ديَر ريبول ولعله
عاد إلى بلده فرنسا‬
‫بقدٍر من المعرفة بأساسيات التكنولوجيا العربية‪ ،‬كأشغال الساعة
المائية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬حتى في دير‬
‫ريبول‪ ،‬كان مستوى التعليم متدنيًا إلى حد فاجع‪ .‬فقد
كانت الرسائُل الالتينيُة األولى في األسطرالب‬
‫وما يتعلق به من تقانات حافلًة
باألخطاء ولم تكن تستوعب المصطلحاِت العربية استيعابًا كامًال؛ لقد‬

عاجز عن إنتاج نصوصه المتماسكة حول األسطرالب حتى منتصف القرن الثاني‬ ‫ًا‬ ‫ظل الغرُب‬
‫عشر]‪.[89‬‬
‫فور في‬ ‫عاد ِج رِبر إلى الوطن من كاتالونية ليتولى
سلسلًة من المناصب التعليمية‪ .‬وبرع ًا‬
‫التعاليم األربعة‪ - ‬الموسيقى‪
،‬والحساب‪ ،‬وعلم الهندسة‪ ،‬والفلك‪ - ‬التي لم يتمكن من متابعتها كراهٍب‬
‫شاب
بفرنسا‪ .‬وكان خالل إقامته باألندلس قد تحَّص ل على ترجمٍة لكتاٍب عربي حول النجوم
من‬
‫َّل ِج‬ ‫ٍف‬
‫رئيس شمامسة برشلونة وعلى مؤَل منفصل في الرياضيات والفلك‪ .‬ع م رِبر
تالمذَته الحساَب‬
‫ٍد‬ ‫ٍة‬ ‫ٍت‬ ‫ٍد‬
‫بمعدا غير مألوف يتألف من عدادا مرَق م إفراديًا‪ ،‬من واح
إلى تسعة؛ وكان ال يزال مفهوُم‬
‫الصفر مستغلقًا‪ .‬وبسرعة‪ ،‬بدأت تظهر معداداٌت
التينيٌة مشابهة بمحارَف هنديٍة عربية ‪ - ‬األرقام‬
‫التي نستخدمها اليوم‪
- ‬محل األرقام الرومانية القديمة السائدة آنذاك‪ ،‬وتستخدم َنسخًا لفظيًا فجًا إلى‬
‫الالتينية لالسم العربي األصلي لكل رقم‪ .‬األرجح أَّن أسماَء األرقام كانت مستعارًة
من ممارسٍة عربية‬
‫غيِر رسمية للحساب على لوح رماد [‪ ،]dust
board‬وهو
شكٌل من أشكال اللوح القابِل للمحو‪.‬‬
‫وسيستغرق األمر أكثر من ‪ 150‬سنة إضافية لتصبَح
األرقاُم العربية الرسمية ونظاُم ترتيب خانات‬
‫اآلحاد والعشرات والمئات‪
،‬وغيرها ‪ - ‬وهو أساُس النظام الذي نستخدمه اليوم ‪ - ‬وسيلًة مقبولة‬
‫للحساب]‪.[90‬‬
‫افُتِت ن ِج رِبر ومن تبعه بمسير النجوم
والكواكب‪ ،‬وألحوا على قيمة المالحظِة المباشرة للسماء؛‬
‫وهو عمٌل مَّه د السبيل على
أقل تقدير لقدوم علِم الهيئِة العربِي إليهم‪ .‬ففي رسالٍة من مدينة رانس‬
‫الفرنسية
إلى رجِل دين زميٍل له سنة ‪ ،978‬يبين ِج رِبر أنه تحرر من تعاليم األرض المسطحة‬
‫إليزيدور اإلشبيلي‪" .‬ردًا على سؤالك‪ ،‬يا أخي‪ ،‬حول الكرة إلظهار حركة الدوائر
السماوية‬

‫ُط‬
‫والمجموعات النجمية‪ ،‬فقد ُج علت مدورًة بالكامل‪ ،‬يقسمها المحيُط بالتساوي
من الوسط‪ ،‬وينقسم إلى‬
‫ستين جزءًا"]‪.[91‬‬
‫يعتقد مفسرو العصور الوسطى أن ِج رِبر كان
أو من أدخل األسطرالب إلى الغرب كطريقٍة‬
‫َل‬
‫لحل المسائل الصعبة لتحديد أوقات الصالة
في األديرة والتقويم الكنسي‪ .‬وتستطيع هذه اآللُة‬
‫المحمولُة كذلك حساَب ارتفاِع برج
أو عمِق بئر‪ ،‬وتحديَد خط العرض الجغرافي‪ ،‬واتجاِه الشمال‬
‫األصلي‪ ،‬وحساَب موقع
الشمس والنجوم الرئيسية‪ .‬أصوُل اآللة نفِس ها غامضة‪ ،‬لكن من شبه المؤكد‬
‫أن التصميَم
والنهَج النظري كانا يونانيين‪ .‬فقد كتب الرياضيون والفلكيون اليونان بإسكندرية مصر‬
‫رسائَل عدة عن أسس األسطرالب‪ .‬وشرح نٌص لبطليموس‪ ،‬ضاع اآلن‪ ،‬المبادئ الرياضية التي
تقوم‬
‫عليها هذه اآللة‪ ،‬المهمِة جدًا أيضًا لرسم الخرائط‪ ،‬لكَّن األسطرالَب المسطح
[‪planispheric‬‬
‫‪ ]astrolabe‬األكثَر تقدمًا الذي ُر سمت عليه القبُة السماوية واستعمله العرب
لم يكن معروفًا في‬
‫أيامه‪َ .‬ينسب األثُر العربي اخت ارَع هذه اآللة المقتدرة صدفًة
إلى الفلكي العظيم بطليموس‪ .‬يقول ابُن‬
‫ِخ ِّلكان في إحدى الروايات من القرن الثالث
عشر‪" :‬وكان سبَب وضِع ِه له أنه كان معه كرٌة فلكيٌة‬
‫وهو راكب فسقطت منه
فداستها دابته فخسفتها فبقيت على هيئة األسطرالب" [المسطح]]‪.[92‬‬
‫عمليًا كان األسطرالب‪ ،‬الذي هذب العرُب
تصاميَم ه اليونانيَة األوليَة تلك‪ ،‬كتاَب نجوم من‬
‫البرونز ُيسِقط الكوَن الكروي
على سطٍح مستٍو ‪ .‬تصف رسالٌة في األسطرالب‪ُ ،‬تنسب إلى ِِج رِبر أو‬
‫أحِد أفراد حلقته
األقربين‪ ،‬هذه اآللَة بأنها هديٌة عظيمٌة من الرب لكّن الرسالَة يبدو أنها كانت
تحذر‬
‫من استخدامها على نطاٍق واسع‪[" :‬يمكن استخداُم األسطرالب] إليجاد الوقت
الحقيقي من اليوم‪،‬‬
‫صيفًا أو شتاًء ‪ ،‬من دون شك موِه ٍم في التقدير‪ .‬وهي إلى ذلك
مناسبٌة جدًا إلقامة الصلوات اليومية‪،‬‬
‫واستخداُم ها العام ترٌف معرفي‪ .‬كم هو ساٌر
والئق أن يسيَر الجميُع بكل وقار في الوقت المحدد‬
‫َيؤُّم هم إماٌم واحد‪ ،‬يتحرى
الدقَة التامة‪ ،‬فيؤدون للرب الصالة بكل انسجام"]‪.[93‬‬
‫كان األسطرالب نفُس ه جميَل المنظر ‪
- ‬أنيقًا وقوَي األداء‪ .‬وكان عادًة من البرونز في حجم‬
‫سم
قطر]‪ُ ،‬م صاغًا ومصقوًال ومزخرفًا‪ .‬وكانت درجاُت خط العرض‪ ،‬أو‬
‫ًا‬ ‫صحن تقريبًا [‪20 - 10‬‬
‫ربما الوقُت من
اليوم‪ ،‬منقوشًة عادًة على طرفه الخارجي [الحجرة]‪ .‬وكان يعلو سطَح ه قرٌص‬
‫مضبوط بدقة
لتحديد الموقع الجغرافي‪ ،‬مع صفيحٍة دوارة [مخَّر مة] أشبه بشبكِة خيوط [تدعى‬
‫العنكبوت] تظهر عليها مواقُع النجوم الرئيسية والفلُك السنوي للشمس‪ ،‬موضوعٍة على
الصفيحة األم‬
‫ومثبتٍة عليها بدبوس له شكُل إسفين يسمى الَف َر س‪ .‬وقد ُر ِّك ب على ظهر
األسطرالب مؤشٌر دوار‪- ‬‬
‫مسطرُة تسديٍد قطرية تسمى آليداده ‪
alidade‬أو الِع ضادة بالعربية ‪ - ‬ألخذ القراءات أثناء رفِع‬
‫األسطرالب‪ ،‬وتعليِقه
على ارتفاع ذراع‪ ،‬من حلقٍة له في أعاله‪ .‬في النهار‪ُ ،‬يرصد شعاع الشمس من‬
‫ثقبين
صغيرين أو ثلمين في الِع ضادة [في صفيحتين مستطيلتين قائمتين بالقرب من طرفيها تسمى‬
‫الواحدُة منهما دفًة أو هدفًا]؛ وفي الليل ُيرصد شعاُع نجٍم معروف بدل شعاع الشمس‪
،‬بالطريقة‬
‫نفِس ها‪ .‬عندها‪ ،‬يعطي موضُع الِع ضادة ِم ن عالمات ترقيم األسطرالب ًا‬
‫كنز من
المعلومات السماوية‬
‫المقابلة‪ .‬وقد عكس إتقاُن األسطرالب عبقريَة العلم العربي‪ :‬فقد
اعَتمد على المصادر الكالسيكية‬
‫لكنه سبقها بعد ذلك بأشواط ليهّذ َب هذه اآللَة
ويجيَب عن األسئلة الصعبة لتلك األيام في مجال‬
‫تعيين الوقت‪ ،‬وعلم الفلك‪ ،‬وعلم
النجوم‪ ،‬ورسم الخرائط‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬كما أدرك العلماء الالتين األوائل على
الفور‪ ،‬فإَّن فوائَد األسطرالب وما يحله من مسائل‬
‫تتخطى الوصف الذي كان يعَط ى له‪
.‬ففي أحد المراجع الالتينية األولى لآللة‪ ،‬يدعو أستاٌذ في لييج‬
‫يقال له رادولفوس
زميًال له من كولونيا ليأت ويعالج األسطرالَب بنفسه‪ ،‬بدَل االعتماِد على أي‬
‫َي‬
‫وصٍف
أو رسٍم له يمكن أن يقدَم ه له كتابًة‪ .‬ويضيف في رسالٍة له إلى هذا الصديق المتعلم
"وإال‪،‬‬
‫فإَّن مجرَد رؤية األسطرالب ال تفيد [البصيَر ] أكثر مما يفيد
الرسُم ‪...‬األعمى‪ ،‬أو الكماداُت المصاَب‬
‫بالنقرس"]‪.[94‬‬
‫بدأت كلمة األسطرالب ومنشأها العربي
ينتشران ببطء في أرجاء الغرب‪ .‬أّلف تلميٌذ لِج رِبر اسمه‬
‫فولِب ر‪ ،‬سيصبح في ما بعد
أسقَف شارتر ومؤسَس مدرسِة كاتدرائيِت ها ذاِت الشأن‪ ،‬أرجوزًة لمساعدة‬
‫تالمذته على
حفظ األسماء العربية لثماٍن من أهم النجوم في كوكبات دائرة البروج الغربية‪ .‬فكانت‬
‫النتيجة أوَل استخداٍم معروف لكلماٍت عربية في نٍص التيني]‪:[95‬‬
‫في الثور يطلع الدبران وللجو ازِء ِِرْج ٌل
وَم نِِك ب‬
‫ولألسِد جبهٌة ولُه إلى ذاَك قلٌب َلِج ب‬
‫ولديك في العقرِب القلُب وفي الجدِي
الَذ َنب‬
‫وما سوى بطِن الحوِت للسمكتيِن َيِج ب‬
‫‪ِ] in Gemini,‬رجل[ ‪َ] and Rigel‬م نِك ب[ ‪] stands out in Taurus, Menke‬الدبران[ ‪Aldeberan‬‬
‫‪] in Leo.‬قلب
األسد[ ‪and Frons and bright Cabalazet‬‬
‫‪َ].‬ذ َنب[ ‪]; and you Capricorn,
Deneb‬قلب
العقرب[ ‪Scorpio, you have Galbalgrab‬‬
‫‪], are alone enough for
Pisces.‬بطن
الحوت[ ‪You, Batanalhaut‬‬
‫َتظهر "نجوُم الوقت" نفُس ها في
الرسائل األوروبية األولى في األسطرالب‪ ،‬التي تعود إلى حوالي‬
‫سنة ‪ .1000‬كذلك أعَّد
فولِب ر قائمَة مصطلحاٍت عربيٍة والتينية ألجزاء األسطرالب‪ ،‬فاتحًا الباب إلى‬
‫ما
سيغدو سيَل المصطلحات والمفاهيم واألفكار العربية إلى الفنون والعلوم الغربية]‪
.[96‬واليوم‪،‬‬
‫تحمل كوكباُتنا وكواكُبنا أسماَء التينيًة‪ ،‬لكَّن أسماَء كثير من أهم
النجوم عربية‪.‬‬
‫كان تأثيُر ِج رِبر قويًا جدًا في مملكة
لوثارنجية‪ ،‬وقد واظب بنشاط على مراسلة عدٍد من علماء‬
‫المنطقة حول آخر ما تعلمه من
األندلس من اتجاهاٍت وأفكار في الرياضيات‪ .‬وكانت الروابُط‬
‫الضعيفة بين األديرة
المحلية وتلك التي كانت ال تزال نشطًة باألندلس قد مهدت السبيَل بالفعل إلى‬
‫تبادل
أفكاٍر متقطع‪ ،‬وكان ثمة اتصال في فترٍة من الفترات بين ألمانيا والخليفة الغربي*‪
.‬وُيعتقد أن‬
‫وفدًا ُأرسل إلى قرطبة سنة ‪ ،954‬برئاسة العالم اللوثارنجي الرحالة جون
أوف غورز‪ ،‬عاد بعد ثالثة‬
‫أعوام بمخطوطاٍت أصلية وبضِع ترجماٍت أولية لمخطوطاٍت
عربية‪ .‬ورَّد الخليفة األندلسي عبد‬
‫الرحمن بإرسال مستعرب [‪ ،]Mozarab‬أو مسيحي مستعرب‪
،‬ممِث ًال له إلى البالط الساكسوني‪.‬‬
‫ومن مدارس وأديرة لوثارنجية‪ ،‬بدأ العلم العربي
ينتشر تدريجيًا في ألمانيا وفرنسا وإنكلت ار]‪.[97‬‬
‫لم ُيفَتَتن الجميع بقدوم هذه األفكار
الجديدة‪ ،‬بما تبدو عليه من قدرٍة سحرية‪ ،‬والرتباطها المريب‬
‫نادر‪ ،‬كان هذا االرتياب‬‫أمر ًا‬
‫بالعرب‪ .‬ففي مجتمٍع
كانت معرفُة القراءة والكتابة والتعليم العام فيه ًا‬
‫يوَّج ه بسهولة إلى أي نوع من التعليم الالديني‪ .‬وما كان للغزو الفكري القادِم من
العاَلم المسلم إال أن‬
‫يفاقَم هذه النزعة‪ ،‬بألفاظه األجنبية‪ ،‬واختراعاِت ه التي ال
تخطر ببال‪ .‬وقد ُر مي عدٌد من العلماء‬
‫المسيحيين األوائل الذين سعوا لتعلم العلم
العربي بتهمة االشتغال بالسحر األسود‪ ،‬وهي ظاهرٌة‬
‫ستشهد في ما بعد إلصاَق تهمة
الهرطقة بأولئك الذين تحدوا تعاليَم الكنيسة في الفلسفة والعلوم‬
‫الطبيعية‪.‬‬
‫وكان وليام أوف مالمزبري‪ ،‬المكتب
والمؤرُخ الرهباني الذي توفي بعد ِج رِبر دوريالك بحوالي‬
‫ُي‬
‫‪ 140‬سنة‪ ،‬قد أقر للبابا
بمهاراته التقنية المؤكدة لكنه ظل مع ذلك متوجسًا من المدة التي أمضاها‬
‫باألندلس‪
،‬يقول‪" :‬هناك تعَّلَم منطَق الطير"]‪
.[98‬ورفض وليام كذلك أفكاَر ِج رِبر الرياضيَة واصفًا‬
‫بر سنة ‪ ،999‬على مشارف األلفية الجديدة‪،‬‬ ‫إياها بأنها "سحٌر عربٌي
خطر" وادعى أن انتخابه َح ًا‬
‫كان نتيجة
حلٍف بينه وبين الشيطان‪ .‬وقال رجُل ديٍن آخُر بعبارٍة الذعة إَّن أسقَف هرفورد
المتعلم‪،‬‬
‫روبرت‪ ،‬كِج رِبر قبَله‪ ،‬أضاع عمره في هذه المسائل‪" :‬فلم ُيِط ِل
الفلُك ُع مَره‪ ،‬وال أطاَله الِم عداد الذي‬
‫يعّد السنين بشكٍل مختلف"]‪.[99‬‬
‫في أيام ِج رِبر‪ ،‬لم تكن هذه المخاوُف من
علم العرب قد تبلورت بعُد في معارضٍة نشطة من‬
‫رجال الدين‪ ،‬ولم يفعل هؤالء شيئًا
لحرف ِج رِبر عن مساره المهني‪ ،‬هذا مؤكد‪ .‬فبعد تعيينه معلمًا‬
‫خاصًا البن أوتو‪
،‬اإلمبراطوِر الروماني‪ ،‬سافر ِج رِبر إلى رانس‪ ،‬حيث دَّر س المنطَق والفلسفة وصار‬
‫في
ما بعد مديَر مدرسة الكاتدرائية‪ .‬وكان الطالُب يتوافدون أفواجًا أفواجًا من أقاصي
أوروبا‬
‫لحضور محاضراته‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬بعد أربع سنوات من ارتقائه عرَش البابوية ال غير‪
،‬كان ِج رِبر ال‬
‫يزال يثير معارضًة شديدة في بعض األوساط لنظرته الدنيوية غير
التقليدية إلى األمور‪ .‬وكانت‬
‫الفلسفة‪ ،‬حتى القليُل منها الذي كان معروفًا في
اآلثار الكالسيكية‪ ،‬موضَع شك في ذلك الوقت‪ .‬وقد‬
‫احتج ممثلو البابا من دون جدوى
قائلين‪" :‬ما كان قساوسُة بطرس ومريدوه ِليتخذوا أفالطوَن أو‬
‫فيجيل أو أَي
شخٍص آخَر من هذا القطيع الوضيع من الفالسفِة ُم عِّلما"]‪.[100‬‬
‫لم تكن شكوُك اإلكليروس ومخاوُف العامِة
المؤمنِة بالخرافة وحَد ها ما كان يعانيه ِع لُم ِج رِبر‬
‫المأخوُذ عن العرب‪ .‬فلم يكن
له في هذا العلم رسوخ وكان عرضًة للخطأ وسوِء الفهم واالختالِط‬
‫المضحك أحيانًا‪ .‬قد
يكون ِج رِبر وتالمذُته ألمَع َم ن في جيلهم‪ ،‬لكنهم كانوا عاجزين تمامًا عن‬
‫استيعاب
أو حتى إدراك ما وصل إليه العلُم العربي من شأٍو بعيد‪ ،‬ورسوخ العرِب العميق في‬
‫الميتافيزيقيا األرسطية والعلِم اليوناني والفارسي والهندي عامًة‪ .‬فكانوا لقون
عنتًا في فهم أبسِط‬
‫َي‬
‫مبادئ علم الهندسة‪ .‬انظر إلى اثنين من تالمذة ِج رِبر المتقدمين
يتبادالن رسائَل جادًة حوالي سنة‬
‫‪ 1025‬في محاولٍة منهما لفهم ما الذي عناه علماُء
الهندسة بالزاوية الداخلية في مثلث‪ ،‬ال غير‪،‬‬
‫لغز لهما لم يفلحا في حله‪
.‬ولم يتمكنا من صوغ أي نظريٍة هندسية‪ .‬وقد عّبر أحُد هما‬ ‫وكان ذلك ًا‬
‫لآلخر عن فرحته الشديدة
بامتالك أسطرالٍب خاٍص به‪ .‬وبما كانا َي لقيان ِم ن عنٍت في فهم هكذا‬
‫مسألٍة أولية
كزاوية المثلث الداخلية‪ ،‬ما كان لهما أن يفهما قط النظريَة الهندسية التي تقوم
عليها‬
‫هذه اآللة]‪.[101‬‬
‫لهذا الجيل األول الذي ما كان َيعرف من
العلم العربي إال النزَر اليسير‪ ،‬ظلِت اآلالُت الجديدة‬
‫ٍت‬
‫كاألسطرالب والمعداد‪
،‬والمفاهيُم الجديدة كنظام العد الهندي العربي‪ ،‬كذلك‪ :‬آال ومفاهيَم‬
‫لالستخدام ال
للفهم التام‪ .‬وكان هؤالء الرواد معنيين أكثر بكثير باالستخدام العملي منهم
بالمعرفة‬
‫النظرية‪ ،‬تشغلهم كيف أكثر مما تشغلهم لماذا‪ .‬ولم ُتبذل حتى ذلك التاريخ
محاولٌة جدية إلتقان‬
‫المعرفة العربية األساسية في الفلك‪ ،‬تلك التي تطورت في قرون
وُج معت بهذه األلمعية على الوجه‬
‫الصقيل لألسطرالب البرونزي‪ .‬ولم يكن هناك أُي
تقديٍر حقيقي للنتائج األخطر‪ - ‬على الكنيسة أو‬
‫المجتمع أو اإلنسانيِة
عامًة ‪ - ‬لهذا العلم الجديد القادم من الشرق‪ .‬كانوا ببساطة يكتفون بمحاولة‬
‫تحديد أوقات الصالة والقيام ببعض القياسات األولية األخرى‪ ،‬تمامًا كمستخِد م اآللة
الحاسبة أو‬
‫الكمبيوتر الشخصي اليوم يعطي نتائَج دقيقة من دون أن يكون لديه فهٌم
حقيقي للرياضيات‪.‬‬
‫بعد أن أحال أو كاد بلدَة باث التي تمردت
عليه رمادًا‪ ،‬عاد ويليام األحمر إلى األسقف جون‬
‫في فيلوال سنة ‪ 1088‬الستعادة
النظام وإعادِة بناِء ديِر البلدِة الشهير‪ .‬وحرصًا منه على شراء والِء‬
‫هكذا تابٍع
مقتدر‪ ،‬باع العاهل الجديد البلدَة لجون بخمسمائة جنيه فضة وسمح له بنقل أبرشيته من‬
‫بلدة ويلز غير المحصنة إلى باث اآلمنِة نسبيًا وما تبقى من جدرانها الحجرية‪ .‬لكَّن
مصلحَة جون‬
‫في باث كانت تتخطى االعتبا ارِت السياسية أو العسكرية البسيطة‪ .‬فقد كانت
البلدة قريبًة من ووستر‬
‫وأديرة حوض سيڤرن‪ ،‬وكانت هذه مراكَز علميًة إنكليزية ناشئة
وَج َد ها جون مغريًة جدًا]‪.[102‬‬
‫وكان رجُل الدين الطموح كذلك حريصًا على
اإلفادة إلى أقصى حد من االضطراب السياسي‬
‫العام‪ .‬فوضع يده على الممتلكات الشاسعة
لدير باث البندكتي وضمها إلى ممتلكاته الخاصة وأطلق‬
‫جسور إلعادة البناء
المدني‪ ،‬فشد زمالءه الفيزيائيين والعلماء الفرنسيين إلى بلدته التي ُبثت‬
‫ًا‬ ‫برنامجًا‬
‫مركز طبيًا كامًال مع حماٍم ملكي‪ ،‬حول ينابيع المياه
المعدنية الشهيرة‪،‬‬ ‫ًا‬ ‫فيها
الحياُة من جديد‪ ،‬وبنى‬
‫واستعاد على وجه العموم درجًة من المجد الغابر ِلما كان يومًا
منتجعًا مائيًا رومانيًا يعج بالنزالء‪.‬‬
‫بدأ العمل على بناء كاتدرائيٍة ضخمة
ومدرسة‪ .‬وبرعاية األسقف المتعلم‪ ،‬أمست ِو ست كنتري موئًال‬
‫لحلقٍة صغيرة من الرهبان
العلماء المطلعين على بعٍض من أحدث األفكار التي كانت قد بدأت للتو‬
‫تصل إلى العالم
المسيحي من العالم العربي‪.‬‬
‫مدير محنكًا‪ ،‬كان األسقف جون
كريمًا مع معاونيه وعائالتهم‪ .‬واهتم اهتمامًا قويًا‬ ‫ًا‬ ‫وباعتباره‬
‫آلديالرد الناشئ‪ ،‬الذي كان
مركُز عائلته يؤهله لالطالع على آخر االتجاهاِت الفكرية اآلتية من‬
‫فرنسا وتقنياِت
البناء المعقدة التي كان المعماريون والبناؤون يستخدمونها لبناء الكاتدرائية
الكبرى‬
‫وغيِرها من المنشآت التي راحت ُتبنى بتوجيٍه من جون‪ .‬كذلك قَّد م األسقف
آلديالرد التعليَم األولي‬
‫في الدير البندكتي ثم أَّم ن له تعليَم ه العالي في الخارج]‪.[103‬‬
‫كان آديالرد وال شك عند حسن ظن األسقف جون‪
،‬فأكب على دراساته بفرنسا بالرغم من ِع َظ م‬
‫شكوكه في جدارة "المعاصرين"‪
.‬وفي تور‪ ،‬يخبرنا آديالرد في الثابت والمتغير أَّن أوَل ما تعلمه كان‬
‫الكوكباِت النجمية من الحكيم الشهير‪ .‬وقادته التجربُة بسرعة إلى مكاٍن هادئ خارج
تخوم المدينة‪،‬‬
‫حيث كان يستطيع تنشَق عبير الزهور واإلنصاَت بصمت إلى اإليقاع
الرتيب لجريان نهر اللوار‬
‫مجاز لغويًا مألوفًا‬
‫ًا‬ ‫والتفكَر في عظمة ما تعلمه للتو‪ .‬وكانت تراوده هنالك
رؤيا غامضة‪ - ‬كان هذا‬
‫للقراء في زمانه‪ ،‬عرفوه من
قراءتهم عمَل بوثيوس الرائج سلوى الفلسفة [‪De
Consolatione‬‬
‫‪ -  ]Philosophiae‬دفعته إلى اتخاذ مسيرته الفكرية
التي اتخذها]‪
.[104‬كانت امرأتان تقفان‬
‫أمامه وتتنافسان على قلبه وروحه‪ - ‬إحداهما الثروة والشهرة
والسلطة؛ والثانية معلمُة الفنون العقلية‬
‫السبعة‪ - ‬وبالرغم من اإلغواء
الدنيوي‪ ،‬أعلن آديالرد أنه ينحاز بثبات إلى جانب العلم والمعرفة‪،‬‬
‫وخرج من حلمه
أكثَر تصميمًا مما كان على إتمام دراسته‪ .‬يقول‪" :‬كنُت كلما ق أرُت درسًا‪ ،‬تعلق
قلبي‬
‫أكثَر إلى الدرس الذي يليه‪ ،‬كما لو أن الذي قرأته ما كان ليفيَد ني من دون
اآلخر‪ ،‬متوسًال بهذا‬
‫النظام لجم شبابي ومواساة شيبتي"]‪.[105‬‬
‫وقد اتخذ ق ارَره على ما يبدو خالل رحلة
العودة إلى الوطن من ساليرنو‪ ،‬جنوبي إيطاليا‪ ،‬وكانت‬
‫مركز أوروبيًا مهمًا
للعلم والطب ذهب إليه بحثًا عن المعرفة والفهم‪ .‬وعلى الطريق‪ ،‬يجد آديالرد‬
‫ًا‬ ‫هذه‬
‫نفسه
منغمسًا في مناقشٍة ذاِت شأن مع "فيلسوٍف يونانٍي ما‪...‬كان يتقن‪ ،‬أكثَر من أي
شيٍء آخر‪،‬‬

‫التحدَث عن فن الطب وطبيعة األشياء"]‪


.[106‬يمتحن المعلُم مريَد ه الجديد بسؤاٍل صعب‪ :‬لو أّن‬
‫ثقبًا ُفتح في األرض من أولها إلى
آخرها‪ ،‬وُقذف فيه بحجر هل ُتراه يخرج من الطرف اآلخر؟‬
‫أجاب آديالرد‪ :‬ال كان الحجر
سيستقر في مركز األرض؛ فُيعَج ب الفيلسوف السائل بجوابه‪ ،‬ويقول‬
‫بروية‪ :‬ما ذهبت
هباًء دراسُة الفنوِن العقليِة قط‪ .‬قادِت الرحلُة نفُس ها هذه آديالرد إلى
سيراكيوس‪،‬‬
‫بجزيرة صقلية التي كانت في ما مضى جزيرًة مسلمة ووطنًا ألرخميدس‪ .‬وسوف
ُيثني في ما بعد‬
‫على المهارات الرياضية لمضيفه المحلي‪ ،‬األسقف وليام‪ ،‬ويهدي إليه
رسالَته األولى في الثابت‬
‫والمتغير‪.‬‬
‫كذلك يقِّد م آديالرد في أول عمٍل معروٍف له
ما سيصبح تقليَد ه األدبي األثير؛ وهو ابُن أٍخ له‬
‫لم يسِّم ه استخدمه ممثًال فكريًا
مساعدًا‪ ،‬ومرآًة عاكسًة آلرائه غير التقليدية هو نفسه‪ ،‬شخصيًة يعود‬
‫ٍر‬
‫إليها آديالرد
ويهذبها لتصبَح ذاَت أث أكبر في كتاباته الالحقة‪ .‬ففيما كان الشاب يمثل التعليَم‬
‫المسيح التقليدي‪ - ‬الجامَد القاطَع المتحجر‪ - ‬كان آديالرد يقدم نفَس ه
كبطٍل للبحث الفكري الحر‬
‫َي‬
‫متسمر في مكانه‪
،‬كان بطُلنا مستعدًا للمضي إلى أبعد‬ ‫ًا‬ ‫والمنطق‪ .‬وفي حين كان ابُن األخ يظل‬
‫مدًى وراء ضالته‪ .‬يستخدم آديالرد هذه األداَة
األدبية نفَس ها لطرح آراء مثيرٍة للجدل ليست هي أفكاَره‬
‫بقدر ما كانت أجوبًة يرد
بها على تساؤالت قريبه الشاب نافِذ الصبر‪.‬‬
‫في الثابت والمتغير‪
،‬الذي كتبه عندما كان في أواسط الثالثينات من عمره‪ ،‬مدافعًا عن رأيه‬
‫أمام ادعاءات
ابن أخيه‪َ ،‬يخلص آديالرد إلى أن تطواَف ه الفكرَي المبكر في جنوبي أوروبا كانت‬
‫مضيعًة للوقت‪ .‬يقول‪" :‬ها قد بينُت لك اآلن‪ ،‬يا ابَن أخي العزيز‪ ،‬ووَّف يت سبَب
َط رقي الُس ُبَل الملتفَة‬
‫إلى المعلمين في مختلف األقاليم‪ ،‬كي أرفَع عن كاهلي ما
رميَتني به من تهمٍة ظالمة‪ ،‬وأشّو َق ك إلى‬
‫أن تدرَس ما درسته‪ ،‬حتى إذا تباهى
اآلخرون بثرواتهم‪ ،‬بسطنا لهم ببساطة ازَد نا المعرفي‪ .‬فاحكم‬
‫أنت نفُس ك إن كانت
مناظرتي صائبًة أم خائبة‪ ،‬والسالم"]‪.[107‬‬
‫وبالرغم من ميله غير المألوف إلى المغامرة
الفكرية‪ ،‬فإَّن آديالرد الذي َيظهر من صفحات في‬
‫يختلف
كثير عن معاصريه‪ ،‬اللهم إال في سعة اطالعه على ما ُيدَّر س من علوٍم‬
‫ًا‬ ‫الثابت والمتغير ال‬
‫حديثة في
المدارس الرائدة شمالي فرنسا وال يجد عنتًا أبدًا في المشكالت والمسائل العلمية
والفلسفية‬
‫الشائكة المطروحة في زمانه‪ .‬لذلك‪ ،‬تقدم الرسالُة صورًة كئيبة لحالة
التعليم الغربي في بداية القرن‬
‫الثاني عشر‪ ،‬قبل التالقي مع العلم العربي‪ .‬لكن حتى
موهبة آديالرد التي ال جداَل فيها وما َيظهر‬
‫عليه من فضوٍل المحدود ما كانا وحدهما
كافيين لتحطيم القيود التي كَّب ل بها آباُء الكنسية األوائل‬
‫المخيلَة المسيحية‪.‬‬
‫فألكثر من ستمائة سنة‪ ،‬وجهت تعاليُم القديس
أوغسطين الدكتاتوريُة الديانَة المسيحيَة توجيهًا‬
‫جعل الناس ال يرون غير سر الخلق
في ما يحيط بهم من عاَلٍم مجهول ال سبيَل إلى معرفته‪.‬‬
‫وكانِت الحياُة اليومية
مصطبغًة بالمعنى المجازي‪ :‬فالقمر يمثل الكنيسة‪ ،‬ألنه يعكس النوَر اإللهي؛‬
‫والرياح
رمُز الروح القُد س؛ والرقم ‪ 11‬رمُز الخطيئة ألنه "تجاوَز " الرقم ‪
،10‬الذي يمثل كما ال يخفى‬
‫الوصايا العشر]‪ .[108‬في
الحقيقة‪ ،‬كان تقييُم األعداد عمومًا لمعانيها اإلنجيلية أكثَر مما كان لما‬
‫هي
وحدات بسيطة للعد أو الحساب‪ .‬فالرقم ‪ 3‬يمثل بطبيعة الحال الثالوث‪ ،‬بينما يمثل
الرقم ‪4‬‬
‫الخلق؛ ومجموعهما ‪ 7‬هو "الكمال"‪ .‬وهذا‪ ،‬بدوره‪ ،‬يفسر الميَل إلى
تسبيع الصور الدينية؛ المالئكة‬
‫واألختام واألبواق]‪
.[109‬وعندما كانت ُتبذل من حيٍن آلخر محاوالٌت لتبني المستجدات‬
‫التكنولوجية التي بدأت
تتقاطر من العالم العربي ‪ - ‬كاألسطرالب‪ ،‬أو الساعة المائية التي أهداها‬
‫الخليفة هارون الرشيد الشهير بألف ليلة وليلة مع فيل إلى شارلمان سنة ‪
- 801‬كانِت اآلالُت إما‬
‫ُتنبذ كأشياَء غريبة‪ ،‬أو ُتتجاهل كليًا‪ ،‬أو توَص م بالسحر
األسود‪ .‬فعند مسيحيي العصور الوسطى‪،‬‬
‫كان الرُب وحده صاحَب األمِر في الحياة
اليومية؛ ولم يكن هناك سبٌب لسبر "طبيعة األشياء"؛ وِم ن‬
‫َثم لم يكن هناك
علم‪.‬‬
‫كان القديس أوغسطين أوف هيبو‪ ،‬الذي لد
ألم مسيحية وأٍب وثني‪ ،‬قد شَّخ ص في القرن‬
‫ُو‬
‫ن‬
‫الخامس "مرض" الفضول المفضي
بالروح إلى اللعن‪ .‬يقول‪" :‬راح الناس يدرسو ظواهَر الطبيعة‪- ‬‬
‫ذلك الجزء
من الطبيعة الذي ال يخرج عن مداركنا‪ - ‬ليس حبًا في المعرفة‪ :‬بل ألنهم ببساطة
كانوا‬
‫يودون أن يعلموا لمجرد العلم"]‪
.[110‬وبعد تحوله إلى المسيحية سنة ‪ 387‬عندما كان أستاذًا لعلم‬
‫البيان في البالط
اإلمبراطوري بميالنو‪ ،‬أنكر أوغسطين األدَب والعلَم قائًال‪" :‬حقًا ما عادت‬
‫[ُم دَّر جاُت ] المسارح تشدني‪ ،‬وما عدُت أبالي بَم دارج النجوم"]‪
.[111‬وكان بولس قد نبذ قبل ذلك‬
‫أمر دنيويًا جدًا للمؤمنين حقا‪،‬‬
‫في رسالته إلى أهل غالطيا [بآسيا الصغرى] تتبَع الوقت
بصفته ًا‬
‫يقول‪" :‬أَم ا وقد عرفُتم َهللا‪ ،‬بل
عرفكم‪ِ ،‬لَم تعودون َك َّرًة أخرى إلى المبادئ األولية الضعيفِة الهزيلة‪،‬‬
‫وشهور وأوقاتًا وسنين؟"
(رسالة بولس إلى‬
‫ًا‬ ‫أتودون أن
تعودوا كما كنتم لها عبيدًا؟ أَو تحفظون أيامًا‬
‫أهل غالطية‪ :‬اإلصحاح الرابع‪ .)10-9 ،‬وقد تعلق مسيحيون كثر منذ ذلك
الوقت برؤية أوغسطين‬
‫أحاديِة البعد تلك للحياة‪.‬‬
‫كانِت الظواهُر الطبيعية توصف في َق صٍص
وِع ظات‪ ،‬وحكاياٍت إلصالح النفوس تحفل‬
‫باالستعارة والرمز‪ .‬من األمثلة الشائعة لذلك
ما نجده في مجموعات الَق صص التربوي الذي يجري‬
‫على ألسنة الحيوانات‪ ،‬وهي مجموعٌة من
نصوٍص ورسوم تهدف إلى تهذيب النفس البشرية أكثر‬
‫مما تهدف إلى وصف الطبيعة‪ .‬ظباٌء
وأسوٌد وطيور بل حش ارٌت وصخور‪ ،‬كُل هذه دليٌل على حكمة‬
‫الرب ورحمته‪ ،‬وإن هي ُد رست
كما ينبغي‪ ،‬كانت للمتقين إمامًا‪ .‬يشرح الالهوتي اإلنكليزي توماس‬
‫شوبهام ذلك في
دليٍل له إلى الوعظ الناجع‪ ،‬يقول‪" :‬ذ أر ُهللا في األرِض كائناٍت مختلفًة
أنواُع ها‪ ،‬ال‬
‫ليأكَل اإلنساُن منها فحسب‪ ،‬بل ليتعلَم أيضًا‪ ،‬ذرأها لنتفكَر ال في
ما قد تفيد أبداَننا وحسب بل‬
‫وأرواَح نا كذلك"]‪
.[112‬يعكس وضُع هذه األعمال في العصور الوسطى تمامًا الطريقَة التي‬
‫أعادت بها المسيحية
صوَغ ما حفظته من المعرفة القديمة لتلبية احتياجاتها الروحية‬
‫الخاصة]‪
.[113‬في هذا التصنيف األخالقي‪ ،‬كان الظب وفيًا؛ والثعلُب مهرطقًا؛ والنحلُة كادحة؛‬
‫ُي‬
‫والنمُر لطيفًا محبوبًا]‪
.[114‬وبطرحهم جانبًا العناصَر المدَر كة في علم الطبيعة‪ ،‬كان واضعو‬
‫قصص الحيوان‪
- ‬ربما عن غير ما قصٍد منهم‪ - ‬يقلدون أوغسطين بتجاهل َم دارج النجوم‪ ،‬ال َش ك‬
‫في
أنهم كانوا كذلك‪.‬‬
‫ِل‬
‫حتى عندما كانت تصدر من أوغسطين مامًا
كلماٌت فيها تمجيٌد للطبيعة ‪ - ‬كقوله "كُل‬
‫الطبيعة‪ ،‬من حيث هي طبيعة‪
،‬خير" ‪ - ‬كان قراؤه المخلصون يغمضون أعيَنهم عنها‬
‫تمامًا]‪
.[115‬وبهذه الطريقة‪ ،‬أفادت الكنيسُة في العصور الوسطى من بريق اإلجالل الفكري الذي‬
‫وهبها إياه أوغسطين مع المحافظة على ازدرائها العام للفالسفة‪ .‬استمد أوغسطين
إلهاَم ه من‬
‫أفالطون وكذا‪ ،‬وهذا أهم‪ ،‬من مدرسة التفكير التي أسسها في القرن الثالث
ميالدي الفيلسوُف‬
‫اليوناني بلوتينوس وأتباُع ه‪ .‬ومنذ ذلك الحين‪ ،‬وأفكاُر هؤالء
تهيمن على المراكز الرئيسة الثالثة‬
‫للفلسفة كافة؛ اإلسكندرية‪ ،‬وروما‪ ،‬وأكاديمية
أثينا‪ .‬وساعد المفكرون المسيحيون األوائل كأوغسطين‬
‫على إدخال عناصَر منتقاة من هذه
التعاليم إلى تعاليم الكنيسة‪ .‬الشيُء الحاسم بعيُد األثر هنا هو‬
‫أن هذا النهج شهد
صياغَة مفهومين قويين اثنين سيسودان بال منازع قرونًا من الزمن‪ ،‬أي‪ :‬التمييُز‬
‫القاطع بين ملكوِت السماء السامي والوجوِد األرضي الهابط؛ وعجُز اإلنسان عن فهم
الكون بملكاته‬
‫العقلية؛ أي‪ ،‬من خالل التجربة‪ ،‬ومن ذلك مزاولة العلم‪.‬‬
‫كان مؤَّلف الطوبوغرافيا المسيحية [‪ ]Topographica Christiana‬للراهب [اليوناني‬
‫بحار‪ ،‬قد أتى في القرن‬‫ًا‬ ‫تاجر‬
‫ًا‬ ‫السكندري] كوزماس
إنديكوبلوسِت س [المالح الهندي‪ ،‬حرفيًا]‪ ،‬وكان‬
‫ٍط‬
‫السادس بأول مخط حقيقي للعالم في زمانه‪ ،‬عَك َس االتجاَه العاَم السائَد آنذاك‪
.‬ال يترك عنواُن‬
‫المجلد األول لهذا العمل [الواقِع في ‪ 12‬مجلدًا] مجاًال واسعًا
للخيال‪" :‬ضد أولئك الذين‪ ،‬وإن ودوا‬
‫إعالَن مسيحيتهم‪ ،‬يظنون ويتصورون
كالوثنيين أّن السماء مكورة"]‪ .[116‬حتى
إيزيدور نفُس ه‪،‬‬
‫الذي لم يكن أقَل شأنًا كمرجع من هذا الراهب‪ ،‬يتخذ هذا الموقف‪ ،‬وإن
بقدٍر أقَل من الفظاظة‪ ،‬فيقول‬
‫جادًا لقرائه الكثر‪" :‬تستمد األرض اسَم ها من
استدارة الدائرة‪ ،‬ألنها أشبُه بدوالب؛ ولذا سمَي الدوالُب‬
‫صغير‪
’.‬بالفعل‪ ،‬يطِّو ق المحيط الذي يجري حول األرض من جميع الجهات إياها‬ ‫ًا‬ ‫الصغير ‘قرصًا‬
‫كدائرة"]‪.[117‬‬
‫َو َص َف األسقُف العاَلَم بأنه "مقسم
إلى ثالثة أقسام‪ ،‬أحدها يدعى آسيا‪ ،‬والثاني أوروبا‪ ،‬والثالث‬
‫أفريقيا"]‪
،[118‬وكان هذا الوصُف الحسن أساَس شيوع ما عرف بخرائط تي ‪ - ‬أو [‪T-O‬‬
‫‪
]maps‬للعاَلم مدًة طويلة‪ ،‬وقد ُص ور البحر المتوسط في هذه الخرائط على هيئة حرف ‪ ،T‬وآسيا‬
‫فوقه وأوروبا وأفريقيا على جانبيه‪ ،‬مع دائرٍة مائيٍة كبيرة‪ ،‬كحرف ‪ ،O‬تشكل
الحدوَد الخارجية‬
‫للخريطة‪ .‬أما القدس‪ ،‬المرقُد الشريف للسيد المسيح‪ ،‬فكانت تقف
عادًة في الوسط‪ .‬لم يَر أولئك‬
‫الفالسفة كبيَر فائدة في رسم المنطقة "السخيفة
الممتنعة" الواقعِة في الشطر الجنوبي من األرض‬
‫والمعروفِة منذ القدم بالجهات
المقابلة [‪ ،]antipodes‬وإن كانوا مستعدين للتفكير في وجودها‪ ،‬ألن‬
‫الناَس فيها‪ ،‬إن ُو جد
فيها ناس‪ ،‬سيكونون مضطرين إلى السير بالمقلوب وتحُم ل حياٍة ال أمَل فيها‬
‫بالخالص
المسيحي‪ .‬لعل الشيَء الوحيد الذي َيعدل عندنا في السخف فكرَة أن يكوَن النصف‬
‫الجنوبي من األرض غيَر مأهول وأن يكوَن غيَر مطَّه ر‪ ،‬تنبت فيه األشجاُر لتحت ويهطل
المطر‬
‫والثلج لفوق‪ ،‬هو أَّن أكثَر مفكري ذلك العصر جديًة قالوا بذلك حقًا في يوٍم
من األيام‪ .‬بل لقد‬
‫أصبحت هذه المجادالت جزءًا أساسًا من الحياة الفكرية في العصور
الوسطى‪ ،‬إلى جانب أحاجي‬
‫توما اإلكويني الشهيرة وزمالئه الفالسفة السكوالستيين‪ ،‬من
قبيل‪ :‬كم مَلكًا يمكن أن يقَف على رأس‬
‫دبوس؟ وماذا عن أكلة لحوم البشر؟ كيف يمكن
أن يقوَم الواحد منهم من الموت يوم القيامة بعد أن‬
‫أكل ما أكل من أعضاء البشر حتى
لم َيُع د هو نفَس ه بل تركيبًة من أجساد ضحاياه‪ ،‬الذين سُيبعثون‬
‫هم أيضًا]‪[119‬؟‬
‫إّن ما َيظهر ِم ن طرائق مسيحيِة العصور
الوسطى ِم ن عزوٍف عن صوغ أو حتى تصوِر‬
‫قوانين الطبيعة أدى إلى خوٍف مفرط من
التغيير ونوباٍت من الهستيريا العامة وسط حروٍب ‪،‬‬
‫أخير]‪
.[120‬تقدم الفوضى‪،‬‬
‫ًا‬ ‫ومجاعٍة ‪ ،‬ومرٍض متفٍش ‪ ،‬وتوقعات متكررة
بأن نهاية العالم قد أزفت‬
‫التي أطلقها الظهوُر المفاجئ للموت األسود بأوروبا‪ ،‬في منتصف القرن
الرابع عشر‪ ،‬مثاًال بليغًا‬
‫لذلك‪ :‬فِلجهِل الغرب المسيحي بالعدوى‪ ،‬وعلِم الصحة‪
،‬وعلِم األوبئة‪ ،‬استبد به سعاُر العنف الذي‬
‫وّلده العدُد الضخم لضحايا الطاعون‪ .‬وقد
تأثر الشاعر الفرنسي غيوم دو ماشو أيما تأثر بتجربته‬
‫مع المرض الذي كان‪ ،‬كغيره
آنذاك‪ ،‬يرفض حتى التلفَظ باسمه‪" ،‬الطاعون" أو "الموت األسود"‪
،‬بل‬
‫لجأ إلى تعبيٍر ألطف أكثَر سريريًة‪ ،‬وغيَر مألوف في ذلك الوقت‪ ،‬فسماه مرضًا وبائيًا]‪.[121‬‬
‫يقول غيوم في كتابه قرار الملك ناڤار‪" :‬ولم يكن حتى هنالك حكيٌم أو
طبيب َيعرف حقًا علَة أو‬
‫أصَل أو ماهيَة المرض (وال كان له عالج)‪ ،‬ومع ذلك كان
المرُض من االنتشار أن ُس مي مرضًا‬
‫كثير من رجال الكنيسة الراسخين ازدهاُر حركات التوبة‪ ،‬التي كانت‬ ‫ًا‬ ‫‪
.‬وقد أرعَب‬
‫وبائيًا"]‪[122‬‬
‫تسعى
للتقرب إلى هللا من خالل تعذيب الجسد‪ ،‬وفشت من دون ضابط إشاعاُت قرب الساعة‪.‬‬
‫وشاع
حرُق اليهود‪ - ‬الذين اُتهموا بأنهم كانوا يسممون مياه الشرب‪ ،‬ويمارسون السحر‪
،‬وينشرون‬
‫من ناحيٍة أخرى المرَض لتحطيم أوروبا المسيحية‪ - ‬في ألمانيا وجنوبي
فرنسا وإسبانيا‪ ،‬فيما انَص َّب‬
‫جاُم غضِب ورعِب العامِة بصقلية على المهاجرين
الكاتالونيين]‪.[123‬‬
‫قبل ذلك بعدة سنين في اليوم األخير من سنة
‪َ ،999‬و جد ِج رِبر دوريالك‪ ،‬جاِلُب الِم عداد‬
‫واألسطرالب‪ ،‬نفَس ه واقعًا في دوامة
هكذا عاصفة‪ .‬فبعد أن أصبح البابا سلفستر الثاني‪ ،‬كان يتعين‬
‫عليه أن ي أرَس قداَس
منتصف الليل في كنيسة القديس بطرس بروما عشية رأس السنة األلفية‪ ،‬وكان‬
‫هذا يومًا
َنِح سًا‪ .‬كان بعض المؤمنين يظنون كَل الظن أنه سُيطلق وحَش يوم القيامة‪ .‬أَو َلم
يأِت نبُأ‬
‫ذلك في سفر الرؤيا (اإلصحاح ‪" :)3 :20‬وطَرَح ه في الهاوية وأغلق
عليه وختم عليه لكي ال ُيضَل‬
‫يسير"‪ .‬وتاق آخرون إلى‬ ‫ًا‬ ‫األمَم في ما بعد حتى تتَم األلف سنة وبعد ذلك ال بد من
أن َيِح َل زمانًا‬
‫بيع ممتلكاتهم ليتمكنوا من السفر
إلى القدس ليشهدوا قياَم الساعة هناك]‪
.[124‬وعمل سلفستر‬
‫ورجاُل كنيسٍة كباٌر آخرون كل ما في وسعهم لمواجهة توقعات يوم الحساب
هذه‪ ،‬لكَّن كهنَة القرى‬
‫البسطاء والفالحين وأهَل المدن كانوا َيحذرون من الَح بر
المتعلم‪ ،‬بأساليبه األجنبية الغريبة وأفكاِره‬
‫العصرية‪ .‬وتزعزع موقُف سلفستر أكثر
بتوقع آخر‪ ،‬وهي أن البابا سيتحالف مع المسيح‬
‫ِه‬ ‫الدجال]‪[125‬‬
‫‪
.‬وبالرغم من أن العاَلَم لم ينت صبيحة اليوم األول من السنة الجديدة‪ ،‬ظل أناٌس‬
‫كثيرون يعتقدون أن نهايَته وشيكة وأَّن المسألة مسألُة وقت ال غير‪.‬‬
‫لم يتبع آديالرد موضَة نهاية العالم التي
كانت رائجة في أيامه‪ .‬إذ كان أذكى وأكثَر ثقًة في‬
‫النفس من أن يرَك ن لهذا الكالم‪
.‬ومع ذلك‪ ،‬فإنك تراه في الثابت والمتغير‪ ،‬أول عمٍل باٍق له‪ ،‬يتعلق‬
‫ببعض
التقاليد الفلسفية الصرفة التي كانت هي نفُس ها وراء رعِب الحياة الذي الزم
المسيحيَة طويًال‪.‬‬
‫فالعنوان نف ه آٍت من قصة الخلق ألفالطون‪ ،‬تيميوس [‪
،]Timaeus‬التي انتقلت إلينا في ترجمٍة‬
‫ُس‬
‫التينيٍة جزئية واشتملت على عنصٍر من الفكر المسيحي
األول‪ .‬وقد ُد ِّر ست هذه المفاهيم‬
‫األفالطونية على نطاٍق واسع في مدارس
الكاتدرائيات الفرنسية‪ ،‬ومنها مدرسُة كاتدرائية تور التي‬
‫تعلم فيها آديالرد]‪
.[126‬لدى أفالطون وتابعيه أن هللا خلق الكون وأحاطه بشريٍط من النجوم‬
‫الثابتة‪ .‬وهذه هي
دائرة الثابت‪ ،‬وهي‪ ،‬بالتعريف‪ ،‬ثابتٌة‪ ،‬ومنتظمٌة‪ ،‬وتامٌة عيَن التمام‪ .‬تحتها تقع
دائرُة‬
‫المتغير‪ ،‬وهي شريٌط حول األرض يمثل التغيَر ‪ ،‬والتنوَع‪ ،‬والنقص]‪.[127‬‬

‫ًال‬
‫وفضًال عن التمييز بين الكمال اإللهي
والتبدل والفساد األرضي‪ ،‬تبنى أفالطون وشارحوه كذلك‬
‫مفهوَم "أَّن هذه الصوَر
أو األفكاَر السرمدية ال توجد إال في الذات اإللهية"‪ ،‬بمعزٍل تام عن أي‬
‫أجساٍم مادية]‪
.[128‬وما ندركه نحن كواقع ليس سوى انعكاٍس أو ظل‪ ،‬ال ُيدَر ك إال من خالل‬
‫الحواس‪ .‬وقد
أراح آباَء الكنيسة وَم ن تبعهم في العصور الوسطى ما أروا أنه دعٌم فلسفي للمعتقد‬
‫المسيحي‪ ،‬لكَّن هذا الفصَل االضطراري بين الخالق والخلق ‪ - ‬بين الرب المعبود والكون
الذي‬
‫يتحرك خالله كل يوم‪ - ‬صرف المؤمنين عما يحيط بهم بطرائق لم تكن في
الحسبان‪ ،‬مغذيًا الهوَس‬
‫الديني‪ ،‬ومهيجًا التصو ارِت "اآلِخ ر زمانية"‪
،‬وملهمًا حركاٍت تكفيريًة متزمتة‪ .‬لكَّن هذا كان نتيجًة‬
‫طبيعية لحالة االعتقاد
المسيحي في العصور الوسطى‪ ،‬شأنه شأن النزعة التحفظية العميقة في تلك‬
‫العصور‪ ،‬التي
كانت تعتبر التغييَر عدَو اإلنسان المميت وأَّن كَل إنسان ًا‬
‫ذكر أم أنثى له مكاُنه
في‬
‫النظام االجتماعي والكوني الصارم‪ .‬ولّم ا صار يتعذر تجاهُل الواقِع المشاَهد‪
،‬ظهر نوٌع من‬
‫االزدواجية‪ .‬فمثًال‪ ،‬ظلت توضع خرائُط مالحية دقيقٌة جدًا بين يدي
البحارة الحقيقيين الذين كان‬
‫يتعين عليهم اإلبحاُر بأمان من مكاٍن إلى آخر‪ ،‬جنبًا
إلى جنب‪ ،‬قرونًا‪ ،‬مع خرائط ‪ T-O‬المثالية‬
‫غيِر ذاِت الفائدة عمليًا‪ ،‬التي تشِّك ل فيها القدس
المركَز المادَي والروح لألرض]‪.[129‬‬
‫َي‬
‫كثير لإلسالم‪ ،‬ولم يكن‬ ‫ًا‬ ‫في القرون التي سبقت عصَر الحروب الصليبية‪
،‬لم يكِن الغرب يهتم‬
‫هنالك من جهٍد حقيقي لتصوير المسلمين
بأنهم أعداء ألداء للمسيحيين‪ ،‬هذا مؤكد‪ .‬ولم يكِن‬
‫المسلمون‪ ،‬الذين كان يشار إليهم
عمومًا في الروايات األولى باسم ‪ - Saracens‬أي‪ ،‬أبناء سارة‬
‫زوجة إبراهيم‪ - ‬سوى مصدِر إزعاٍج "بربري" آخر يمكن التغاضي عنه‪
،‬وبعون الرب‪ ،‬هزيمُته‪َ .‬و َر َد‬
‫في التاريخ الكنسي للشعب اإلنكليزي لبيدي الجليل
وهو من كالسيكيات القرن الثامن أنه‪" ،‬في ذلك‬
‫الوقت ضرب طاعوُن المسلمين
المخيُف فرنسا بمذابَح رهيبة؛ لكن لم َيُط ل ِبِه ُم األمُر في ذلك البلد‬
‫قبل أن
يلقوا عقاَبهم الذي يستحقونه ِلَش ِّرهم"‪ ،‬في إشارٍة إلى هزيمة المسلمين في
پواتييه سنة‬
‫‪
.[130]732‬ويصف سرٌد تاريخي لسيرة الفرانكيين يعود إلى ‪ 793‬غا ارِت المسلمين على جنوبي‬
‫فرنسا
بأنها إحدى "مصيبتين كبيرتين نزلتا" تلك السنة‪ .‬أما المصيبة الثانية
فكانت تمرَد‬
‫الساكسون]‪
.[131‬والالفت في هذين النصين خلُو هما عمومًا من روح العداء الديني الموجه إلى‬
‫العدو
المسلم‪.‬‬
‫حتى مهاجمُة الجيوش العربية رومية ونهُبها
كنيسَة القديس بطرس سنة ‪ 846‬لم يفلحا في توليد‬
‫ذلك النوع من هستيريا العداء
للمسلمين الذي بدأ يتشكل في القرن الحادي عشر‪ .‬حتى ‪،1010‬‬
‫كانت جيوُش العرب والبربر
المتنازعُة جنوبي إسبانيا تستنصر الحلفاَء المسيحيين على بعضها‬
‫البعض]‪
.[132‬وتبع ذلك عقُد تحالفاٍت مصلحيٍة مشابهة‪ ،‬كانت مقدمًة لترتيباٍت سُيعرف بها‬
‫الشرق
الالتيني بعد النجاح المبكر للحملة الصليبية األولى‪ .‬يمكن إلى حد ما إرجاُع التحول
األولي‬
‫للمسلمين من مجرد مصيبٍة بسيطة إلى مسألة حياة أو موت للمسيحية إلى قيام
المسلمين بتدمير‬
‫كنيسة القيامة سنة ‪ .1009‬بدا هذا العمل‪ ،‬الذي يذِّك ر ببعض
التوقعات المرتبطة بنهاية العالم‪ ،‬أنه‬
‫يشعل من جديد مخاوَف األلفية التي كانت قد
تبددت بحلول العام ‪ 1000‬ميالدي بسالم‪ ،‬ويربط‬
‫بين المسلمين وبين نهاية العالم في
المخيلة الشعبية المسيحية]‪.[133‬‬
‫لكَّن أحداَث الشرق األدنى لم تكن هي
العوامَل الحاسمة في الصياغة األولى للبروباغندا‬
‫المعادية للمسلمين‪ .‬وكالفصل بين
الفكر والتجربة الذي مّيز عمومًا ذلك العصر‪ ،‬لم تكن لحقيقة‬
‫معتقداِت المسلمين
وحيواِت هم وممارساِت هم صلٌة بالصورة التي ظهرت لهم في الغرب‪ .‬بل‪ ،‬كانت‬
‫صورُة
المسلمين بوصفهم اآلخَر البغيض تابعًة الحتياجات أوروبا الالهوتية والسياسية
الخاصة في‬
‫ذلك الوقت‪ - ‬وهي ظاهرٌة ليست عنا اليوَم بغريبة مع قيام الغرب بشن
"حربه على اإلرهاب"‪َ .‬ف َتحَت‬
‫قيادِة رجاٍل من أمثال غريغوري السابع
وأوربان الثاني‪ ،‬غلب على القرن الحادي عشر نشو سلطٍة‬
‫ُء‬
‫ٍت‬ ‫ٍة‬
‫بابوي مركزية على حساب
ممالَك وإما ار مجزأة ومزعَزعة‪ .‬وكانت لغُة الحرب على المسلمين األداَة‬
‫المثاليَة
لتعزيز سيطرة الكنيسة]‪.[134‬‬
‫بالرغم من قدرتها على تعبئة عشرات اآلالف
ِلَتَح ُّم ل مشاق الحرب في البالد البعيدة‪ ،‬لم تكن‬
‫إيديولوجيا الكنيسة بحاٍل من
األحوال هي القوَة الوحيدة التي ُتعرف بها اآل ارُء األولى ألوروبا‬
‫العصور الوسطى
في المسلمين والعالم اإلسالمي‪ .‬فقد كان هناك المال الذي سُيجنى‪ ،‬كغنائم حرب‬
‫للمغامرين المسلحين كالنورمان الذين غزوا صقلية المسلمة أو كأرباٍح تذهب إلى جيوب
تجار بي از‬
‫وأمالفي والبندقية الجسورين‪ .‬وكانت من أهم الطموحات فرُص احتالل األراضي
التي سال لها لعاُب‬
‫رجاٍل كأمثال بولدوين‪ ،‬الذي سيصبح في ما بعد صاحَب الُرها‪
،‬وبوموند صاحَب أنطاكية‪.‬‬
‫كانت آلديالرد طموحاُته الخاصة‪ ،‬بالطبع‪
.‬وبالرغم من تنصله من التقليد الكاتدرائي الفرنسي‪،‬‬
‫أظهر صاحُب في الثابت
والمتغير نوعًا من الضحالة في العلم‪ ،‬فلم ُيِش ر إلى علم الهندسة النظري‬
‫الذي
هو قلُب الفلك‪ ،‬وكان َيستخدم في قياساِت ه قصبًة بدائية‪ ،‬دونما إشارة ال إلى
األسطرالب وال إلى‬
‫ابن عمه األبسط الُر بع‪ .‬كذلك‪ ،‬كانت معرفُته بالفلسفة والموسيقى
والرياضيات تقليديًة تمامًا‪ ،‬وتعتمد‬
‫اعتمادًا شديدًا على أعمال بوثيوس من القرن
السادس والنصوص األخرى التي كانت سائدًة في‬
‫مدارس الكاتدرائيات]‪
.[135‬وبتكريسه نفَس ه مرًة أخرى للدراسة بعد الكشف الذاتي الذي حصل له‬
‫على ضفاف اللوار‪
،‬أعلن أن انص ارَف ه الكل إلى الفلسفة التي يحّبها هو الكفيل الوحيد بإخراجه من‬
‫َي‬
‫الظلمات إلى النور‪ .‬بالفعل‪ ،‬إذ كانت بحوُثه التجريبيُة بجنوبي إيطاليا وصقلية قد
أقنعته بأن عليه‬
‫االنعتاق من األسر الفكري ألوروبا العصور الوسطى واستكشاف أسرار الدراسات
العربية [‪studia‬‬
‫‪.]Arabum‬‬
‫استودع اإلنكليزُي الشاب تالمذَته مدرسَة
الكاتدرائية بالون ورحل وحيدًا سنة ‪ 1109‬سعيًا وراء‬
‫تلك األعاجيب الفكرية ذائعِة
الصيت التي كانت تنتظره في الشرق العربي‪ .‬يستذكر آديالرد الحقًا‬
‫في الثابت
والمتغير حفلَة وداعه‪ ،‬مخاطبًا ابَن أخيه الذي لم يسِّم ه وملِّم حًا إلى عيوب
الِع لم الفرنسي‪:‬‬
‫"أتذُك ر‪ ،‬يا ابَن أخي‪ ،‬منذ سبع سنوات‪ ،‬عندما تركتك (ولـّم ا
تزل يافعًا) مع تالمذتي اآلخرين في‬
‫الدراسات الفرنسية [‪ ]Gallica studia‬في الون‪ ،‬أننا اتفقنا على أننا سنصبح
خبيَر ين متساوَيي‬
‫الخبرة‪ :‬أنا في الدراسات العربية بما لدّي من طاقة‪ ،‬وأنت
في اآلراء الفرنسية المزعَزعِة القلقة؟"‬
‫لغز‪ ،‬لكَّن الذي ليس بلغز هو أَّن
إرثًا‬
‫وظل خُط سيره إليه ًا‬ ‫]‪
.[136‬مضى آديالدر إلى الشرق‬
‫قرون‪.‬‬ ‫فكريًا ثريًا كان يختمر هناك بالفعل ِم ن‬
‫الجزء
الثانيالفجر‬
‫الفصل
الثالثبيت الحكمة‬
‫لم يكن أبو جعفر المنصور ليجازَف في أمٍر
يتعلق ببناء العاصمة الجديدة إلمبراطوريته‪ ،‬ألنها‬
‫ستكون المدينَة التي ليس لها
نظير‪ .‬استشار خليفُة المسلمين العباسي الثاني منّج مي القصر‬
‫المعتَم دين [سهل بن]
نوبخت وكان مجوس األصل وما شاء هللا وكان يهوديًا من البصرة فأسلم‬
‫َي‬
‫وغدا
"أوحَد زمانه في علم األحكام"]‪
.[137‬نظر االثنان في النجوم وأعلنا أن يوم ‪ 30‬يناير ‪762‬‬
‫سيكون وال شك أكثَر األيام
ُيمنًا أن يبدأ فيه البناء‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لم يطمئن المنصور‪ .‬فأمر معمارييه‬
‫أن يخّط وا
موضَع جدران مدينته المقترحة على األرض؛ وكانت دائرًة كاملة‪ ،‬اتباعًا لتعاليم
إقليدس‬
‫في علم الهندسة الذي كان يحبه الخليفة‪ ،‬بالرماد أول األمر ثم بَح ب القطن
المنقوِع بزيت الوقود‪ .‬ثم‬
‫ُأضِر م في ذلك النار لَيرى الخليفُة كيف ستكون حدوُد ما
ُس مي المدينَة المدورة‪ ،‬المركز الهندسي‬
‫أخير قلُب الخليفة المنصور وقال‪" :‬وِهللا ألبنيَّنها‪ ،‬ثم‬
‫ًا‬ ‫لعاصمة المنصور المستقبلية]‪
.[138‬واطمئن‬
‫َأسكنها
أياَم حياتي‪ ،‬ويسكنها ولدي من بعدي‪ ،‬ثم لَتكونَّن أعمَر مدينٍة في األرض"]‪
.[139‬وُس ميت‬
‫عاصمُة المنصور ’مدينة السالم‘ وُنقش اسُم ها هذا على المسكوكات العباسية
وسوى ذلك من وثائَق‬
‫وكتٍب رسمية احتفاًء بها لكنها ظلت لدى الناس تحمل اسَم
المستوطنة الفارسية القديمة التي ُبنيت‬
‫عليها؛ بغداد‪.‬‬
‫قبل اثنتي عشرَة سنة من بدء العمل في بناء
العاصمة‪ ،‬تَّم ت للسفاح أخي المنصور اإلطاحُة‬
‫بساللة بني أمية‪ ،‬التي كانت قد وصلت
إلى حكم العالم اإلسالمي بعد ثالثة عقود من وفاة النبي‬

‫محمد
سنة ‪ .632‬وفي الثأر الثوري الذي تال ذلك أرسل السفاُح قواِت ه تحت الرايات السوداء‬ ‫÷‬
‫المميزِة لبني العباس لَتعُق ِب َم ن بقي حيًا ِم ن بني أمية‪ .‬ولم َينُج من هؤالء سوى
األمير عبد الرحمن‪،‬‬

‫الذي فر إلى شمال أفريقيا ومنها إلى جنوبي إسبانيا لتأسيس


الخالفة الغربية
هناك‪ .‬لكَّن انتصاَر‬
‫*‬

‫من طريق عمه‬ ‫من المناسب سياسيًا توكيَد نسبهم


المباشر إلى النبي ÷‬ ‫المتمردين‪ ،‬الذين وجدوا أَّن‬
‫ٍة‬
‫العباس‪ ،‬كان خطًا
دمويًا فاصًال بين سالل هرمة وأخرى تطمح إلى السلطة أكثر مما كان ثورًة‬
‫ثقافيًة
شاملة َتنَتِظ م البالَد اإلسالمية‪.‬‬
‫قبل انتصار العباسيين سنة ‪ ،750‬كانت جيوُش
المسلمين قد نجحت في اقتفاء ُخ طا اإلسكندر‬
‫األكبر‪ ،‬قبلها بألف عام‪ ،‬مندفعًة عبر
النهر [نهر جيحون أو َب لخ ‪ ]Oxus River‬إلى أفغانستان‬
‫لتص إلى الهند وغربي الصين‪ .‬وفي العام ‪ُ 651‬فتحت
بالد فارس‪ ،‬إلى الشرق من دمشق عاصمِة‬
‫َل‬
‫األمويين‪ ،‬ولم تلبث أن امتدت كذلك سلطُة
المسلمين غربًا‪ ،‬عبر شمال أفريقيا إلى إسبانيا‪ .‬ونتيجة‬
‫هذا التوسع الجغرافي
السريع‪ ،‬لم يعد العرُب هم األغلبيَة في اإلمبراطورية التي يحكمونها‪ .‬فقد بات‬
‫عليهم
اآلن التنافُس مع خليٍط مرعب من األعراق والملل‪ِ :‬م ن سكان المدن الفرس كثيري
العدد‪َ ،‬م ن‬
‫أسلم منهم وَم ن بقي على مجوسيته القديمة؛ وِم ن الذين يتحدثون اللغة
اآلرامية؛ والمسيحيين‪،‬‬
‫واليهود؛ وكذا المسيحيين العرب من مختلف الشرائح‪ ،‬ومنهم
الطوائف "الثنوية" الكثيرة التي انفصلت‬
‫عن بيزنطة األرثوذكسية الشرقية؛
وغيرهم]‪.[140‬‬
‫كان كثيٌر من مسلمي اإلمبراطورية الجدد‪ ،‬ال
سيما الفرس‪ ،‬يشككون صراحًة في مزاعم بني‬
‫أمية امتالَك الشرعيتين السياسية
والدينية‪ .‬كان أوائُل الخلفاء األمويين منحدرين من أف ارٍد من الدائرة‬

‫لكنهم لم تكن لهم قرابُة


الدِم معه‪ ،‬وهو ما لم َيُر ق للفرس المتحولين إلى‬ ‫÷‬
‫الداخلية
للنبي محمد‬
‫اإلسالم وغيِرهم من الوافدين
الجدد إلى الدين‪ .‬فاستجابوا بحماسة لبروباغندا التمرد التي وكدت‬

‫÷‬
‫الصالِت العائليَة
المباشرة بين العباسيين وبين النبي
ونادوا "بحاكٍم مقبول" من آل البيت‪ .‬ومع‬
‫االنهيار الحاسم للنظام القديم
على يد العباسيين‪ ،‬أصبحت الطريُق سالكة لسلسلٍة من الوافدين‬
‫الجدد‪ - ‬ال سيما
الفرس‪ ،‬وكذا الصابئة واليهود وغيرهم‪ - ‬للعب دوٍر متعاظم في الشؤون الفكرية‬
‫والسياسية لإلمبراطورية‪.‬‬
‫وشكلت األقاليُم المنَتَزعة من البيزنطيين
مالذًا جذابًا لليعاقبة السوريين‪ ،‬والنسطوريين‪،‬‬
‫ومسيحييَن آخرين‪ ،‬الذين راحوا في
القرنين السابع والثامن يفرون من األرثوذكسية الدينية التي‬
‫فرضتها عليهم
القسطنطينية ويتعاظم بغُض هم للتعاليم القديمة‪ .‬وفجأًة وجد العلماء المسيحيون
أنفسهم‬
‫ار لسبر وتطويِر التعاليِم القديمة تحت حماية المسلمين‪ ،‬الذين كانوا
عادًة يفرضون جزيًة [ضريبَة‬
‫أحر ًا‬
‫حماية] على "أهل الكتاب"‪ - ‬اليهود
والنصارى عمومًا وكذا المجوس‪ - ‬الذين اختاروا أال يتحولوا إلى‬
‫اإلسالم ولكنهم
ُتركوا وما يعتقدون به‪ .‬ونمت مراكُز فكريٌة مهمة في أرجاء المنطقة‪ ،‬من الُرها إلى‬
‫مدينة جنديسابور الفارسية‪ ،‬ومن حّران‪ ،‬بتركيا اليوم‪ ،‬إلى مرو المدينِة الواحة
بآسيا الوسطى‪ ،‬ما منح‬
‫العباسيين كتلًة هائلة من المهارات اللغوية المحلية‪
،‬والمواهب العلمية‪ ،‬والمعرفة الثقافية]‪.[141‬‬
‫كذلك أدى الفتُح اإلسالمي وبناُء
اإلمبراطورية إلى استعادة الروابط القديمة بين المراكز‬
‫التاريخية للحضارة على
رقعٍة واسعٍة جدًا من األرض‪ .‬فأوجد هذا بوتقًة نفيسة لصهر التقاليد التي‬
‫كانت قد
أجبرتها االنقسامات السياسية على التباعد لقرون‪ :‬المعرفة الهلنستية التي نشأت
باليونان‪،‬‬
‫ثم‪ ،‬في مرحلٍة الحقة‪ ،‬باإلسكندرية‪ ،‬من جهة‪ ،‬والسومرية والفارسية والحكمة
الهندية من جهٍة‬

‫أخرى]‪
.[142‬فكان المسلمون والنصارى واليهود‪ ،‬والمجوس والصابئة عبدُة النجوم ووثنيون‬
‫ٍت‬
‫آخرون من
فئا مختلفة قادرين على تبادل األفكار والتثاقف‪ .‬وفي األندلس‪ ،‬ترَّس َخ هذا
التقليُد‬
‫الفكري نفُس ه بعمق في عهد عبد الرحمن [بن معاوية]‪ ،‬األميِر األموي
الناجي‪ ،‬وَم ن أتى بعده‪.‬‬
‫وسوف ُيهدي َس َد َنته هناك‪ ،‬في يوٍم من األيام‪ ،‬هدايا ال
تقدر بثمن إلى جيش الدارسين الالتين الذين‬
‫انطلقوا‪ ،‬وقد ألهب حماسَتهم مثاُل
آديالرد أوف باث‪ ،‬الكتشاف الدراسات العربية‪.‬‬
‫لم تكن نتائُج التوسع العظيم لإلسالم‪
،‬ربما‪ ،‬بعظمة ذلك التالقي بين بعض أعظم التقاليد‬
‫الفكرية في العالم‪ ،‬ولكن َثَبَت
أنها ال تقل عنها إن لم َتُف قها أهمية‪ .‬من هذه النتائج التحصُل على‬
‫تكنولوجيا
الورق الصينية المدهشة‪ ،‬وكانت عونًا هائًال للمشروع الثقافي الذي كانت مالمُح ه
األولى‬
‫قد بدأت تتشكل للتو في البالط العباسي‪ .‬جاء في األثر العربي أَّن أسيَر حرب
من معركة تاالس‬
‫نصر حاسمًا على جيوش
ساللة تانغ للسيطرة على‬ ‫ًا‬ ‫سنة ‪ ،751‬التي َأحرزت فيها الجيوُش المسلمة‬
‫َّل‬
‫الصين الغربية التوركية‪َ ،‬ج َلَب فَن صناعة الورق إلى مدينة
سمرقند بآسيا الوسطى‪ .‬فقد ع َم األسيُر‬
‫الصين آسريه كيف ينتجون الورق من
الكتان والقنب‪ .‬القصُة نفُس ها مشكوٌك في صحتها على‬
‫ُي‬
‫األرجح‪ ،‬لكَّن سرَد ها العام
النتقال تكنولوجيا الورق من الصين وآسيا الوسطى إلى العرب ال يزال‬
‫يترك لدى القارئ
انطباعًا بأنها قصٌة حقيقية‪.‬‬
‫كانت النتيجة منتوجًا رخيصًا ومرنًا
ومالئمًا لتدوين كل ضروب المعلومات؛ من الجداول‬
‫الضريبية إلى قصائد الحب‪ ،‬ومن
الك ارريس الفلسفية إلى جداول النجوم‪ .‬وسرعان ما أصبحت‬
‫سمرقند المركَز اإلسالم
الرئيس لصناعة الورق‪ .‬كذلك ازدهر هذا الفن بسوريا وشمال أفريقيا‬
‫َي‬
‫ومدينة شاطبة [‪
]Játiva‬األندلسية‪ ،‬التي تخصصت في صناعة الصحائف الورقية الثقيلة اللماعة‪.‬‬
‫َو َر َد ِذ كُر
أوِل مصنٍع للورق ببغداد سنة ‪ ،795‬وصار ‘سوُق الوراقين’ الحقًا‪ ،‬الذي يضم مئات‬
‫الحوانيت التي تبيع السلَع الورقيَة الفاخرة‪ ،‬مفخرَة عاصمة العباسيين‪ .‬في الحقيقة‪
،‬كان ورُق بغداد‬
‫تقدير عاليًا في المنطقة‪ ،‬حتى إَّن بعض المصادر البيزنطية
تسمي الورق صحف بغداد‬ ‫ًا‬ ‫يقَد ر‬
‫[‪
،]bagdatixon‬في ربٍط مباشر بينه وبين المدينة الواقعة على نهر دجلة]‪.[143‬‬
‫في تلك األثناء‪ ،‬كانت أوروبا المسيحية ال
تزال تعتمد في طباعة كتبها وخرائطها على جلود‬
‫الحيوانات‪ ،‬التي كانت ُتَم ط وُتكَش ط
وُتجفف‪ ،‬وكانت تلك مهمًة تتطلب دقًة وجهدًا كبيرين‪ .‬وكان ِر ُق‬
‫البرشمان [‪
]parchment‬الناتُج عنها ثقيًال‪ ،‬يصعب التعامُل معه وحفُظ ه‪ ،‬وكانت صناعُته مكلفة‪.‬‬
‫أما الورق
فلم يكن يعاني من أٍّي من هذه العيوب‪ ،‬وكانت سرعُة توفيره وسهولُة استخداِم ِه
ونقِله قد‬
‫سَّرعت إنتاَج ونشَر المخطوطات في أرجاء اإلمبراطورية العباسية كافة وما
وراءها‪ .‬وسمح هذا بدوره‬
‫محفز الطلَب
على إنتاج المزيد من األعمال والبحوث‬ ‫ًا‬ ‫بالتبادل السريع والفعال لألفكار والمعارف‪،‬‬
‫والكتابات العلمية المعرفية‪ .‬كذلك غذت صناعُة
الورق ثقافَة الكتاب العميقة لدى العرب‪ .‬فلطالما‬
‫كانت المعرفُة والثقافة موضَع
تقدير في المجتمع المسلم‪ ،‬وصارت أسواُق الكتب والمتاجر‬
‫المتخصصة سمًة معتادة من
سمات الحياة في المدن اإلسالمية‪ .‬وازدهرت إلى جانب الكتابة‬
‫والبحث والترجمة خدماُت
إنتاج الكتب والتجليد والنسخ‪ .‬وكان عمُل الخطاطين موضَع تقدير من‬
‫الشارين
المدققين‪ ،‬بينما عمل كثيٌر من أفضل النساخين هم أنفُس هم محررين أو مؤلفين‪ .‬وكان
إنتاُج‬
‫الكتب مكلفًا‪ ،‬وكانت الطبعاُت النادرة مرغوبًة ومطلوبًة من المثقفين
واألثرياء وذوي الجاه والسلطان‬
‫على السواء‪ .‬وكان استغالُل الندرة لرفع السعر
والتزويُر َخ َط رين معروفين على الُغ فل من الناس‪،‬‬
‫بينما كان المؤلفون يجدون أنفَس هم
أحيانًا تحت رحمة الُنساخ الذين يصرون على نقدهم مزيدًا من‬
‫المال قبل إتماِم َنسِخ
المخطوطات‪.‬‬
‫وسرعان ما َأنتجت رعايُة النخبِة المؤلفين
وكتبهم مكتباٍت كبرى‪ُ ،‬فتح بعضها للعامة وفيها‬
‫حج ارُت قراءة وأدواُت نسخ‪ .‬وكان
األمويون قد أنشأوا بدمشق أوَل مكتبٍة عربية‪ ،‬تضم أعماًال يونانيًة‬
‫ونصرانية في
السيمياء والطب وعلوٍم أخرى‪ .‬كذلك كان السالطنة الفاطميون بمصر من كبار‬
‫جامعي
الكتب ورعاِة األكاديميات التي تبنْو ها لنشر معتقداتهم الشيعية‪ .‬وفي أواخر القرن
العاشر‪،‬‬
‫كانت لدى العزيز [باهلل]‪ ،‬خامِس الحكام الفاطميين‪ ،‬أربعون حجرًة [أو
خزانة] مملوءًة كتبًا‪ ،‬منها‬
‫ثمانية عشر ألف كتاب بما كان ُيعرف بالعلوم القديمة
[الفلسفة والطب واإللهيات وغيرها]]‪.[144‬‬
‫وعندما تأسست مدرسة المستنصرية ببغداد سنة ‪ ،1234‬قيل إن َو ْق َف ها األولَي ضم
ثمانين ألَف‬
‫كتاب هبًة من مكتبة الخليفة]‪
.[145‬حتى مجموعات الكتب الخاصة كانت ضخمة‪ ،‬عشرات‬
‫آالف المجلدات في أغلب األحيان‪ .‬وكانت
ُتترك هذه عادًة بوصيٍة خيرية للجوامع أو المراقد أو‬
‫المدارس بعد وفاة صاحبها‪ ،‬حيث
يمكَن االعتناُء بها كما ينبغي ووضُع ها في متناول القراء‬
‫المثقفين]‪.[146‬‬
‫وككثيٍر من جوانب الحياة العامة للمسلمين‪
،‬دار جانٌب واسع من صناعة الكتاب العربي حول‬
‫الجامع‪ .‬فكانت المحاض ارُت والمناظ ارُت
والمناقشات في طائفٍة واسعة من المسائل الدينية والعلمية‬
‫أمر
شائعًا في دور العبادة هذه‪ ،‬التي كانت أيضًا مراكَز لإلجراءات القضائية‪.‬‬ ‫والفلسفية المعاصرة ًا‬
‫وحسب ابِن
بطوطة الرحالِة العالمي والكاتب من القرن الرابع عشر‪ ،‬كان "سوق
الوراقين" بدمشق‬
‫قريبًا من الجامع األموي الكبير؛ وكان التجاُر هناك يبيعون
كَل أدوات مهنة الكتابة؛ "الكاغد (الورق‬
‫الفاخر) واألقالم والمداد"‪
،‬فضًال عن الكتب‪ .‬لكَّن وّراقي بغداد ُم نعوا من إقامة حوانيتهم داخل‬
‫الجدران
الصارمة للمدينة المدورة وأقاموا بدًال من ذلك بجوار حي ارٍق جنوب غربي‬
‫المدينة]‪.[147‬‬
‫كان ق ارُر الخليفة المنصور التخل عن دمشق
التي يهيمن عليها العرب وإقامَة عاصمته‬
‫َي‬
‫ٍت‬
‫الجديدة في بالد ما بين النهرين توكيدًا
لتغيي ار أساسية حدثت في قلب العالم اإلسالمي‪ .‬بالفعل‪،‬‬
‫ٍة‬ ‫ٍة‬
‫كانت الهيكليُة القبلية
للمجتمع العربي التقليدي تتنحى لصالح ثقاف إسالمي جديدة كان فيها الفرُد‬
‫وأسرته‪ ،‬ال العشيرة األوسع‪ ،‬الالعبين االجتماعيين والسياسيين األساسيين‪ .‬وقد َف تح
هذا وال شك‬
‫الطريَق أمام صعود مدينٍة جديدة‪ ،‬يتفاعل فيها المواطنون متنوعو األعراق
مع بعضهم بعضًا‪ ،‬ال‬
‫قرابَة بينهم‪ ،‬وفق قواعَد سلوكيٍة قانونيٍة وشخصيٍة متَف ٍق
عليها]‪
.[148‬وستمثل مدينة المنصور‬
‫المدورة‪ ،‬بأسوارها الحلقية المزدوجة‪ ،‬بدايًة جديدًة ثورية
للعالم اإلسالمي‪.‬‬
‫اكتمل البناء حوالي سنة ‪ ،765‬وبدا بناء
المدينة على الخطوط اإلقليدية بتوجيٍه من أبرز‬
‫منّج مي القصر أنه َيِع د بمستقبٍل
عظيم لها كمركٍز فكرٍي وعلمي‪ .‬حتى تقنيات بنائها األساسية‬
‫أعلنت بدايَة عصٍر جديد
في البناء‪ .‬فقد تخلى أحد المشرفين على المشروع عن عد الِّلَبن َلِب نًة فلبنة‬
‫نظر
للكميات الضخمة الالزمة لبناء السور الحلقي المزدوج للمدينة‪ ،‬وأمر بدًال من ذلك
عماَله‬ ‫ًا‬
‫باستخدام قصبِة قياس لحساب الحجم ومن ثم حساِب دفعاٍت كبيرٍة من الِّلبن
بخطوٍة واحدٍة سهلة‪.‬‬
‫كان هذا هو أبا حنيفة‪ ،‬مؤسَس أقدِم المدارس األربع في الفقه
الُس ني]‪.[149‬‬
‫كانِت المدينُة المدورة األصلية تشبه من
جوانَب كثيرة نسخًة موسعة من قلعٍة فارسيٍة تقليدية‪،‬‬
‫ُبنيت للدفاع القوي أكثر مما
بنيت للراحة أو الرفاهية‪ .‬في وسطها يقع قصر الخليفة والمسجد الملكي‬
‫[الجامع]
ودواوين الحكومة‪ .‬لم تكن هناك حدائُق أو مسابُح أو مصادُر أخرى للهو العابث‪ .‬ثم‪،‬‬
‫أضيف بيُت المال ومنازُل أوالد المنصور‪ .‬وُأقِط ع كباُر القادة والمساعدون المقربون
والموالون‬
‫المخلصون قطائَع قليلة داخل السور الحلقي المزدوج]‪
.[150‬يقول المؤرخ أحمد اليعقوبي من‬
‫القرن التاسع إنه لم ُيسَتبَق على مقربة إال
"الُق واد الموثوُق بهم في النزول معه وُج َّلُة مواليه وَم ن‬
‫يحتاج إليه في
األمر المهم"]‪
.[151‬أما َم ن تبقى فقد ُأقطع قطائَع مختارة خارج أسوار المدينة‬
‫تحسبًا‪.‬‬
‫وقد ثبت أَّن توّق ع الخليفة بأَّن مدينته
ستكون مدينًة ليس لها نظير لم يكن تبجحًا فارغًا‪ .‬فقرُبها‬
‫من طرقات تجارة المحيط
الهندي‪ ،‬وثقافُتها النابضة متعددُة األعراق‪ ،‬وُبعُد ها اآلِم ن عن األخطار‬
‫العسكرية
التقليدية التي كان يمثلها اليونان البيزنطيون‪ ،‬كُل ذلك ساعد بغداد على أن تظَل
قرونًا من‬
‫الدهر أنجَح وأغنى مركٍز للتواصل والتجارة والتبادل الثقافي والعلمي في
العالم]‪
.[152‬وقد أسرع‬
‫الحرفيون والتجار وغيُرهم من الساعين في شؤون الحياة اليومية إلى تلبية
طلباِت ِع ليِة القوم‪ .‬ثم‬
‫توسعت بغداد على ضفاف دجلة‪ ،‬وكان طوُل باعها االقتصادي‪
،‬وقوُتها العسكرية‪ ،‬وسلطُتها‬
‫اإلمبراطورية مددًا لسرعة نموها وثرائها الفاحش‪ .‬فكان
الزجاُج السوري واألصبغُة والتوابُل الهندية‪،‬‬
‫والحريُر وغيُره من فاخر سلع الصين
وفارس‪ ،‬والذهُب من أفريقيا‪ ،‬والعبيُد من آسيا الوسطى كُل ذلك‬
‫كان يمر بأسواقها
وُيثري تجاَرها‪.‬‬
‫لم يبَق من بغداد العباسية األولى اليوَم
شيء‪ ،‬لكَّن كتَب التاريخ والدالئَل األثرية والنماذَج‬
‫الباقية من تلك الفترة في
أمكنٍة أخرى قّد مت ما يكفي من اإلشارات إلى طريقة الحياة الباذخة وما‬
‫كان أثرياُء
المدينة ومتنفذوها يحيطون أنفَس هم به‪ .‬ففي تقليٍد ال يزال قائمًا إلى اليوم في
كثيٍر من‬
‫أرجاء الشرق األوسط‪ ،‬كانت المباني عمومًا عصيًة على الوصف من الخارج‪
،‬فالمظاهُر الخارجيُة‬
‫البسيطة ال تشي بحقيقة الغنى الهاجِع في الداخل‪ .‬لكَّن
الجد ارَن الخارجية كانت غالبًا ما تغَط ى‬
‫بالجص الذي كان يمكن عمُل زخارَف
وتصميماٍت غنيٍة منه‪ ،‬وتزَين بفساطيَن من القماش الفاخر‬
‫وقشر الخشب المستورد أو
برقائق الذهب وتطلى بدرجاٍت غنية من الالزورد السماوي‪ .‬وكانت‬
‫األرضياُت تشَّك ل من
بالط السيراميك أو الرخام‪ ،‬أو تزَين بالموزاييك‪ .‬وكانِت األباريُق واألقداح‬
‫مصنوعًة من الزجاج‪ ،‬بينما كانت أواني المطبخ‪ ،‬على األقل مطبِخ الخليفة‪ ،‬من الذهب
أو‬
‫الفضة]‪.[153‬‬
‫مبهور‪ ،‬في ما كتب بعد
نحو قرن من وفاة المنصور‪ ،‬وصفًا للحياة في مدينة‬ ‫ًا‬ ‫يقِّد م اليعقوبي‬
‫َّل‬
‫السالم التي خ فها الخليفُة
وراءه‪" :‬وإنما ابتدأُت بالعراق ألنها وسُط الدنيا‪ ،‬وسرُة األرض‪ ،‬وذكرُت‬
‫بغداَد ألنها وَس ُط العراق‪ ،‬والمدينُة العظمى التي ليس لها نظير في مشارق األرض
ومغاربها‪َ ،‬س عًة‬

‫‪
.‬ويمضي في سرده المثير واصفًا بدقة مناقَب‬
‫وِك َب ًار وعمارًة‪ ،‬وكثرَة مياه‪ ،‬وصحَة هواء‪[154]"...‬‬
‫أهِلها النبيلَة الجمة فيقول‪" :‬فليس
عاِلٌم أعلُم من عاِلمهم‪ ،‬وال أروى من راويتهم‪ ،‬وال أجدل ُمن‬
‫متكلمهم‪ ،‬وال أعرُب
من نحويهم‪ ،‬وال أصُح من قارئهم‪ ،‬وال أمهُر من متطببهم‪ ،‬وال أحذُق من مغنيهم‪،‬‬
‫وال
ألطُف من صانعهم‪ ،‬وال أكتُب من كاتبهم‪ ،‬وال أبيُن من منطقيهم‪ ،‬وال أعبُد من
عابدهم‪ ،‬وال أورُع‬
‫من زاهدهم‪ ،‬وال أفقُه من حاكمهم‪ ،‬وال أخطُب من خطيبهم‪ ،‬وال
أشعُر من شاعرهم‪ "...‬حتى يأت إلى‬
‫َي‬
‫متحسر‪..." :‬وال أفتُك من ماجنهم"‬‫ًا‬ ‫وصف أخالِق بعِض سكاِن العاصمة األقَل
رصانة فيقول‬
‫]‪
.[155‬وقد شدت في الواقع حكاياُت الشهوة‪ ،‬والعربدة‪ ،‬والَس َر ف عمومًا في أوساط ِع لية
القوم في‬
‫المدينة اهتماَم طبقة األدباء‪ .‬فِك تاب الديارات [األديرة]
للشابشتي‪ ،‬مثًال‪ ،‬يقود القارئ في رحلٍة إلى‬
‫أفضل خمارات بغداد‪ ،‬وكان كثيٌر منها في
األماكن الدينية المسيحية‪ .‬وصَّنَف ُك تاٌب آخرون أنماَط‬
‫زركشة المالبس‪ ،‬وأنواَع
األثاث الفاخر‪ ،‬وأسباَب الترف األخرى الشائعَة بين الموسرين‪ ،‬فيما ازدهر‬
‫شعُر
المجون‪.‬‬
‫ِم ن مستقره اآلمن خلف األسوار السميكة
والبواباِت الحصينة لمدينته الجديدة على الضفاف‬
‫الغربيِة لدجلة‪ ،‬راح المنصور النشط
يخطط لتحويل ما تحت سلطانه من أمصاٍر متغايرة إلى قوٍة‬
‫علميٍة عظمى وضماِن مستقبل
العباسيين بالربط بين دولتهم الجديدة وبين التقاليد الكالسيكية‬
‫دور‬
‫العظيمة السالفة‪
.‬لكن‪ ،‬كان عليه أوًال االعت ارُف بالقوة والنفوذ المتعاظمين للفرس الذين لعبوا ًا‬
‫كبير في نجاح التمرد على األمويين‪ .‬وتقول إحدى الروايات إَّن الخليفَة كان يفاخر
علنًا بهؤالء‬
‫ًا‬

‫‪
.‬كذلك كان تأسيُس‬
‫األنصار المتحمسين واصفًا إياهم بأنهم "عماد حكمنا"‪[
.‬ترجمة عكسية]]‪[156‬‬
‫الخليفة عاصمَته في قلب األراضي الناطقة بالفارسية‪ ،‬غيَر بعيد عن
تسيفون عاصمِة الساسانيين‬
‫وبابل عاصمِة البابليين‪ ،‬بدايًة موفقة‪ .‬كذلك استقدم
الخليفة العناصَر األساسيَة للثقافة اإلمبريالية‬
‫المجوسية‪ ،‬ومن ذلك بروتوكوُلها
المتطور واعتماُد ها الشديد على علم النجوم‪ .‬هذا االنجذاُب إلى‬
‫التنجيم الفارسي
مهٌم على نحٍو خاص‪ ،‬ألنه كان يوحي بأن العباسيين هم الورثُة الشرعيون للتراث‬
‫مقدور]‪
.[157‬كما ساعد على ربط علِم النجوم بالفروع‬ ‫ًا‬ ‫الفارسِي العظيم وأَّن صعوَد هم كان ًا‬
‫قدر‬
‫العلميِة األخرى الناشئة‪ ،‬وهو تقليٌد وجده
الغرب في ما بعد ال يقاَو م‪.‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬سعى المنصور لربط انتصا ارِت
الحكمة القديمة‪ ،‬ال سيما حكمة اليونان‪ ،‬بإنجازات‬
‫الفرِس القدماء‪ .‬فحسب المنِّظ رين
العباسيين‪ ،‬كان انتصاُر اإلسكندر على داريوس الثالث وغزُو ه‬
‫فارَس في القرن الرابع
ق‪.‬م‪ .‬بمثابة نقٍل شامل للمعرفة الفارسية إلى الغرب‪ ،‬من حيث إنه شَّك ل نواَة‬
‫التطورات اليونانية الالحقة]‪
.[158‬وبعد ستمائة سنة‪ ،‬قال المؤرخ وعالُم االجتماع العربي الكبير‬
‫ابُن خلدون ِم ثَل ذلك‪"
:‬وأما الفرس فكان شأُن هذه العلوم العقلية عندهم عظيمًا ونطاُقها متسعًا ِلما‬
‫كانت عليه دولُتهم من الضخامة واتصاِل الملك‪ .‬ولقد ُيقال إَّن هذه العلوم إنما وصلت
إلى يوناَن‬
‫منهم حين قتل اإلسكندر دا ار [داريوس] وغلب على مملكة الكينية [األخمينية]
فاستولى على كتبهم‬
‫وعلومهم"]‪
.[159‬وبصرف النظر عن جدارة النهج العباسي‪ ،‬فقد استمر زمنًا طويال الفتًا‪.‬‬
‫كان بالُط المنصوِر الحديُث محاطًا تقريبًا
بمراكَز علميٍة قديمة نصرانيٍة وفارسيٍة ووثنية‪ ،‬ولكن‬
‫كان عليه أن يبحَث عن عنصٍر
هام لما يمكن أن يسمى السياسة الفكرية العباسية‪ .‬فبدعوٍة من‬
‫الخليفة‪ ،‬وصل إلى
بغداد وفٌد من علماء الهند الذين برعوا في دراسة حركات النجوم يحملون معهم‬
‫ِع‬
‫متونًا
علميًة هندية‪ ،‬وكانت تلك قفزًة لألمام ل لَم ي الفلك والرياضيات العربَيين‪ .‬فقد
حذق حكماُء‬
‫الهنود حَل المعادالت الجيبية واخترعوا طرائق عبقرية لتوّق ع مواعيد
الكسوف والخسوف‪ .‬فأمر‬
‫الخليفُة بترجمة المادِة الهندية إلى العربية ترجمًة أصولية‪
،‬كجزٍء من جهٍد أكثَر تنظيمًا الستيعاب‬
‫المعرفة الفارسية والهندية‪ .‬وسوف يطَّبق هذا
النهج نفُس ه‪ ،‬مشفوعًا بكثيٍر من البحوث األصيلة‪،‬‬
‫وبفعاليٍة عظيمة‪ ،‬على الجديلة
المعرفيِة المهمِة الثالثة للعلوم القديمة‪ ،‬أعني علوَم اليونان‪.‬‬
‫كثير أوَل األمر على مسائل‬ ‫ًا‬ ‫وضع األمويون األوائل أساَس البحث العلمي‪
،‬لكنهم رّك زوا‬
‫الشريعة وممارسة الطب‪ ،‬وهو حقٌل اعتمدوا
فيه‪ ،‬كَخ َلِفهم‪ ،‬اعتمادًا شديدًا على األطباء النصارى من‬
‫ِد‬
‫سوريا وفارس‪ .‬أما
الخلفاُء العباسيون فقد تعمدوا توسيَع نطاِق هذه الحدو المعرفية لتتسَع أكثَر‬
‫لدراسة الفلسفِة والعلوِم الُم حكمة‪ .‬يرى المؤرخ العربي صاعد األندلسي‪ ،‬الذي توفي
سنة ‪ ،1070‬أَّن‬
‫الفض في ذلك يعود في جانٍب كبيٍر منه إلى مؤسس بغداد‪ :‬إذ "ثا ِت
الهم ِم ن غفلتها وهَّبِت‬
‫ُم‬ ‫َب‬ ‫َل‬
‫ِس‬
‫الِفطُن من َنتها فكان أوَل من ُع ني منهم بالعلوم
الخليفُة الثاني أبو جعفر المنصور‪ ...‬فكان رحمه‬
‫هللا تعالى مع براعته في الفقه
وتقدِم ه في علم الفلسفة وخاصًة في علم صناعة النجوم َك ِلفًا بها‬
‫وبأهلها"]‪
.[160‬ويذكر مؤرٌخ آخر أَّن الخليفَة أمر بعمل ترجماٍت كثيرة من اللغات األجنبية إلى‬
‫العربية‪ ،‬ومنها األعماُل القديمة لكبار العلماء الهنود والفرس واليونان‪ ،‬وأنه حدد
اتجاَه البحث‬
‫المستقبلي‪[" :‬وهو أوُل خليفٍة ُترجمت له الكتُب من اللغات
العجمية إلى العربية‪ ،‬منها‪ :‬كتاب كليلة‬
‫ودمنة وكتاب السندهند‪ ،‬وُترجمت له كُتُب
أرسطاطاليس‪ ،‬من المنطقيات وغيِرها‪ ،‬وُترجم له كتاُب‬
‫المجسطي لبطليموس‪ ،‬وكتاب
األرتماطيقي‪ ،‬وكتاب إقليدس وسائُر الكتب القديمة من اليونانية‪،‬‬
‫والرومية‪
،‬والفهلوية‪ ،‬والفارسية‪ ،‬والسريانية‪ ]،‬وًأخرجت إلى الناس‪ ،‬فنظروا فيها‪ ،‬وتعلقوا إلى
علمها"‬
‫]‪.[161‬‬
‫والستيعاب ضخامِة العمِل المطلوب لترجمة
وَنسِخ ودراسِة وخزِن الحجِم الضخم من المتون‬
‫الفارسية والسنسكريتية واليونانية‪
،‬أنشأ المنصور مكتبًة ملكية على غرار تلك التي كانت لملوك‬
‫الفرس العظام‪ .‬واحتاج
األمُر كذلك إلى حيٍز للعمل والدعم اإلداري والمساعدة المالية لجيش العلماء‬
‫الصغير
الذين سيتولون هذه المهام ثم يبنون عليها بطرائق إبداعيٍة أصيلة‪ .‬كان هذا أصَل ما
بات‬
‫عرف ببيت الحكمة؛ التعبيِر المؤسسي اإلمبراطوري الجامع للطموح الفكري
العباسي األول والسياسِة‬
‫ُي‬
‫الرسمي للدولة‪ .‬ومع الوقت‪ ،‬صار بيُت الحكمة يشتمل على
مكتٍب للترجمة‪ ،‬ومستودٍع للكتب‪،‬‬ ‫ِة‬
‫وأكاديميٍة من العلماء والمفكرين الوافدين من
أرجاء اإلمبراطورية‪ .‬لكَّن وظيفَته األولى كانت حفَظ‬
‫المعرفة التي ال تقدر بثمن‪
،‬ما ظهر أحيانًا بتعبي ارٍت أخرى لدى المؤرخين العرب استخدموها‬

‫‪
.‬وعمل الخب ارُء‬
‫لوصف المشروع‪ ،‬كخزانة
كتِب الحكمة أو ببساطة خزانة الحكمة]‪[162‬‬
‫المنقطعون إلى هذا المعهد اإلمبراطوري كذلك في المرصد الفلكي
للخليفة وشاركوا في ما أمرهم‬

دور مهمًا في رعاية األعمال األدبية‬
‫بإجرائه من تجارَب علمية‪ .‬ولعب بيُت الحكمة إلى ذلك ًا‬
‫العباسية‪.‬‬
‫وُأجريت أر از كثيرة من بيت المال لبيت
الحكمة ومشروعات اإلغناء الثقافي والفكري المتصلِة‬
‫ٌق‬
‫به‪ .‬حتى الدبلوماسية‪ ،‬وابنُة
عمها الحرب في بعض األحيان‪ ،‬كانتا تسَّخ ران لدفع عجلة المعرفة‬
‫لألمام‪ .‬فغالبًا ما
كانت الوفود العباسية إلى البالط البيزنطي المنافس َتنقل إليه طلباٍت للحصول‬
‫على
نسٍخ من المتون اليونانية النفيسة‪ ،‬ونجحت في الحصول على أعماٍل ألفالطون وأرسطو‬
‫وأُبقراط وجالينوس وإقليدس‪ .‬وسرعان ما انتشرت بين العرب‪ ،‬ومن ثم الالتين‪ ،‬نسخٌة
لتحفة‬
‫بطليموس في علم الفلك‪ ،‬المجسطي‪ ،‬وقيل إَّن الحصوَل عليها كان أحَد
شروط الصلح بين القوتين‬
‫العظميين‪ .‬يعطي العاِلُم والمترجُم المهم من القرن التاسع
حنين بن إسحق فكرًة عن المدى الذي كان‬
‫الحكماء العرب مستعدين للمضي إليه سعيًا
وراء المادة العلمية التي تلزمهم‪ ،‬ويقول عن مخطوطٍة‬
‫طبيٍة مفقودة‪" :‬سعيُت أنا
نفسي جهدي طلبًا لهذا الكتاب في بالد الرافدين‪ ،‬وعموِم سوريا‪ ،‬وفلسطين‪،‬‬
‫ومصر‪ ،‬حتى
وصلت إلى اإلسكندرية‪ ،‬فلم أجد شيئًا‪ ،‬إال نصَف ه أو نحَو ذلك‪ ،‬بدمشق"]‪.[163‬‬
‫لم يكن الخلفاُء وعلماؤهم الرسميون وحدهم
فقط وراء هذه الحملة‪ .‬فقد بات هذا المسعى سمًة‬
‫ملتصقًة بالمجتمع العباسي نفِس ه
وحظي بدعٍم حماسي من النخبة االجتماعية والسياسية‪ ،‬من ِع لية‬
‫األمراء والتجار
والمصرفيين والضباط العسكريين‪ .‬حتى جواري الخلفاء ُع رف عن بعضهن أنهن كن‬
‫يتعاقدن
أحيانًا مع علماء للقيام بترجماٍت تخصصية‪ .‬وحَّو ل قاطُع طريٍق سابق وصديُق طفولة‬
‫للخليفة المأمون‪ ،‬سابِع الحكام العباسيين‪ ،‬موهبَته الخاصة في علم النجوم إلى سلطٍة
سياسية وثروٍة‬
‫كبيرتين؛ وأنجب في ما بعد ثالثَة أبناء ُع رفوا ببني موسى وقاموا
جميعًا بأبحاٍث أصيلة في علم‬
‫الفلك والرياضيات والهندسة ومولوا بسخاء علماَء
ومترجمين آخرين‪.‬‬
‫وأصبح العلُم وسواه من المساعي الفكرية
وسيلًة أساسيًة للتقدم االجتماعي‪ ،‬ما أسهم في تحطيم‬
‫ما تبقى من الهرمية االجتماعية
التقليدية للعرب]‪
.[164‬وعزز كذلك تنافَس العلماء ذوي األصول‬
‫المختلفة‪ ،‬ال سيما العرب والفرس‪ ،‬على الفوز
بالرعاية‪ ،‬وهي ظاهرٌة ضمنت استم ارَر العمل العلمي‬
‫واألدبي الرفيع قرونًا]‪
.[165‬وكان يتقاضى أبرُع المترجمين مبالَغ ضخمة لقاء عملهم ‪ - ‬وقد‬
‫ُع رف عن أحدهم أنه
كان يتقاضى وزَن المخطوطة التي يترجمها ذهبًا ‪ - ‬أو يرتقي إلى منصٍب‬
‫رفيع
نظيَر قوِة منج ازِت ه الفكرية‪ .‬ولوال هذا الدعم المؤسسي‪ ،‬ما كان للمواهب الفذة
لمختلف العلماء‬
‫في فترة الحكم العباسي قط أن تتوحَد في حركٍة فكريٍة جبارة‪.‬‬
‫وعلى امتداد ‪ 150‬عامًا‪َ ،‬ترجم العرب كَل
كتِب العلم والفلسفِة اليونانية‪ .‬وحلِت العربيُة محل‬
‫اليونانية كلغٍة عالمية للبحث
العلمي‪ .‬وغدا التعليُم العالي أكثَر فأكثَر تنظيمًا في أوائل القرن التاسع‪،‬‬
‫وكان
في أغلب المدن اإلسالمية الرئيسية جامعٌة من نوٍع ما‪ِ .‬م ن هذه الجامعات‪ ،‬مجَّم ع
األزهر‬
‫بالقاهرة‪ ،‬الذي ظل مركَز التدريس ألكثر من ألف عام بال انقطاع‪ .‬وكان طلبُة
العلم يقطعون‬
‫مسافاٍت شاسعة للتتلمذ على أشهر األساتذة المتوزعين في أرجاء
اإلمبراطورية‪ .‬وكان السفر وما يمر‬
‫به المرء فيه من تجارب ويتعرف خالَله إلى طرائق
جديدة في التفكير عامًال مهمًا في تعليم الطالب‬
‫في مجتمٍع كان يولي احترامًا
عظيمًا لثقافة المشافهة؛ فكيف لمتعلٍم أن يلقى أقرانه وَيجمَع أفكاَرهم‬
‫ويناقشها
إن لم يكن ذلك وجهًا لوجه؟‬
‫يروي ياقوت كاتُب السيرة العربي من العصور
الوسطى في معجم األدباء قصَة أحد األدباء‬
‫التي وإن كانت حديًة بعض الشيء لم
تكن مجهولًة في أيامها‪ُ .‬و لد هذا األديب الرحالة باألندلس‬
‫سنة ‪ 1147‬ثم رحل منها
إلى القاهرة‪ ،‬فمكة‪ ،‬فالمدينة‪ ،‬فبغداد؛ ومنها توجه إلى مدن فارس وخراسان‬
‫ائر إلى مكة‪،‬‬
‫قبل أن
يعوَد إلى بغداد؛ ثم إلى حلب‪ ،‬فدمشق‪ ،‬فالموصل‪ ،‬في طريق عودته ز ًا‬
‫كبير من
الكتب]‪.[166‬‬‫ًا‬ ‫فالمدينة‪ ،‬فالقاهرة‪ .‬وقد استغرقت أسفاُرُه سبَع عشرَة سنة وأثمرت عددًا‬
‫وقال مفكٌر مرموٌق آخر إَّن الخطَر األكبر على العلماء ما يتعرضون له من حيٍن آلخر
في الطريق‬
‫من "غوائل المنتشرين فيه"]‪
.[167‬وهذا بالضبط ما أودى بحياة أبي النصر الفارابي‪ ،‬أحِد أهم‬
‫شارحي أرسطو في العالم
العربي‪ ،‬الذي قتلته عصابٌة من المجرمين على الطريق في ظاهر دمشق‬
‫حوالي سنة ‪.950‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فإَّن ثمرَة النشاط الفكري الحديث
كانت قرونًا من البحث المنظم المتواصل والتقدِم‬
‫العلمي في الرياضيات والفلسفة وعلم
الفلك والطب والبصريات وغيرها من الفروع المعرفية‪ ،‬تشكلت‬
‫منه كتلٌة معرفية يمكن
بحق تسميُتها العلم العربي‪ .‬يسمي المسلمون هذا المشروع الفلسفة؛ التي‬
‫تعني
بالعربية "الفلسفة الطبيعية"‪ ،‬وبالمفهوم الكالسيكي [اليوناني] للكلمة‪
،‬نظامًا معرفيًا كامًال يشمل‬
‫علوَم الطبيعة وما بعد الطبيعة‪.‬‬
‫وَّلد صعوُد هذا التقليد العلمي والفلسفي
الجديد طلبًا على ترجماٍت أكثَر وأجود من المصادر‬
‫اليونانية وغيِر اليونانية؛ ولم
يكِن األمر‪ ،‬كما كان غالبًا في التقليد الغربي‪ ،‬أن أدِت الترجماُت إلى‬
‫تطور العلم
والفلسفة عند العرب]‪ .[168‬ففتٌح مفاجئ في الرياضيات أو البصريات‪ ،‬مثًال‪ ،‬كان‬
‫يعيد العلماَء
العرب إلى األدبيات اليونانية‪ ،‬إذ يترجمونها وُيعملون فيها النظَر من جديد‪
،‬وغالبًا ما‬
‫كانوا يصححونها أو يحِّس نونها‪ .‬وطوال ذلك‪ ،‬كان ال بد أيضًا من ابتكار
مصطلحاٍت علميٍة جديدة‪،‬‬
‫وهي مهمٌة برع فيها العرب أيما براعة‪ .‬فكثيٌر من هذه
الكلمات‪ - ‬كالكحول واإلمبيق والسيمياء وهي‬
‫بضعة أمثلة
ال غير من أول سلم الترتيب األبجدي‪ - ‬هي اليوم جزٌء ثابت من القاموس الغربي‪.‬‬
‫ُيثني عالُم الرياضيات الفارسي [علي بن أحمد] الَنساوي [نسبًة إلى مدينة َنسا
بخراسان] في‬
‫مخطوطٍة له في الحساب باللغة العربية من القرن العاشر [الُم قِن ع في
الحساب الهندي] على دقة هذه‬
‫اللغة؛ فيذكر في مقدمته أنه كتب كتابه أوَل األمر
بالفارسية لكنه اضطر إلى إعادة كتابته بالعربية‬
‫لنقل المعنى نقًال أدق‪ .‬ولم تستطع
اللغُة السريانية‪ ،‬التي كانت لغَة العلماء المسيحيين العرب‪،‬‬
‫كثير من كبار رجال الكنيسة تحوُل‬‫ًا‬ ‫بالقطع مجا ارَة
العربية في مرونتها ودقِة تعبيراتها‪ .‬وقد أرعب‬
‫أبناء أبرشياتهم عمومًا إلى اللغة العربية في حياتهم اليومية كذلك]‪.[169‬‬
‫كان من أول إنجازات بيت الحكمة ترجمُة عمٍل
بارد ألرسطو في المنطق‪ ،‬اختير خصيصًا‬
‫لتعزيز موقف علماء الدين العباسيين في مجابهة
أتباِع الديانات األخرى المنافسة‪ .‬فقد كان‬
‫المسيحيون المستعربون‪ ،‬واليهود‪
،‬والمانويون الفرس‪ ،‬بين سكاٍن آخرين لإلمبراطورية اإلسالمية‪،‬‬

‫ُل‬
‫كُلهم بارعين في
المجادلة الدينية‪ ،‬يمارسونها منذ قرون‪ .‬طلب العباسيون المؤسسون العوَن في‬
‫موضوعات
أرسطو‪ ،‬وسرعان ما ترسخ مفهوُم الجدل والمناظرة لمواجهة األديان المنافسة‪ .‬وساعد‬
‫هذا بدوره على تماسك الشريعة كقوٍة فكريٍة مركزيٍة في اإلسالم‪ ،‬وهي خطوٌة تعززت
بإنشاء أولى‬
‫المدارس الدينية المخصصِة تحديدًا لتعليم أصول الشريعة وطرائق المنطِق
والبيان إلقرار األحكاِم‬
‫الدينية والدفاِع عنها]‪.[170‬‬
‫وتبع ذلك سريعًا ترجماٌت مهمة‪ ،‬وشروٌح
ثاقبة‪ ،‬وبحوٌث أصيلة أغنِت العلَم القديم ووضعته في‬
‫متناول العاَلم المعاصر‪
.‬وسرعان ما أصبحت األفكاُر األرسطية وما يبدو فيها من تنافٍر مع التعاليم‬
‫الدينية
القديمة مركزيًة في الفكر اإلسالمي‪ .‬بخالف نظرائهم المسيحيين في العصور الوسطى‪
،‬رأى‬
‫المفكرون المسلمون‪ ،‬أوَل األمر‪ ،‬في الدافع الديني للبحث عن المعرفة سبيًال
للتقرب إلى هللا‪ .‬ولم‬
‫تظهر التوترات بين متطلبات اإليمان ومتطلبات العقل إال في
مرحلٍة الحقة‪ .‬ومع دخول العالم‬
‫المسيحي في سبات‪ ،‬ظهر بيُت الحكمة كأوِل ساحِة
ص ارٍع كبرى بين موجباِت العلوِم الحديثة‬
‫ومفهوِم اإلله الواحد في العصور الوسطى‪
،‬الذي يشترك فيه المسلمون والنصارى واليهود‪ .‬ففي أعين‬
‫كثيٍر من الهوتيي األديان
الثالثة‪ ،‬بدت أُي رغبٍة من جانب اإلنسان لفهم محيطه بل السيطرِة عليه‬
‫تتعارض مع
المفاهيم التقليدية لطالقة القدرة اإللهية‪ .‬وقد مهد هذا السبيَل إلى نشوء الص ارِع‬
‫المصيرِي نفِس ه بأوروبا المسيحية بعد قرون‪.‬‬
‫حفظ المأمون القرآن الكريم وهو صبي بأمٍر
من والده‪ ،‬الخليفِة األسطوري هارون الرشيد‪ ،‬ثم‬
‫قرأه كلمًة فكلمة على كبير قراء
البالط [الِك سائي]‪ ،‬على مسمٍع منه ومرأى‪ .‬وعندما كان الصبي‬
‫ِط‬
‫يخ ئ في التالوة‪ ،‬كما
يخبرنا كاتبو سيرة الخليفة‪ ،‬كان الشيخ يرفع أرَس ه الُم طرَق فيصحح المأموُن‬
‫الخطَأ
على الفور]‪
.[171‬يتبوأ حفُظ هكذا نصوٍص طويلٍة ومعقدة مكانًة مرموقة في التعليم‬
‫التقليدي‪ .‬فالُك تاب
المسلمون بكل طبقاتهم‪ ،‬ال الالهوتيون فحسب‪ ،‬بل العلماُء والشع ارُء والفالسفُة‬
‫أيضًا‪ ،‬يستحضرون مرًة بعد مرة أعماَلهم األصلية من الذاكرة في المحاضرات العامة‪
،‬التي غالبًا ما‬
‫كانت ُتلقى في المساجد‪ .‬وكانت هذه المحاضرات تدون بعناية‪ ،‬حيث كان
يدونها تلميٌذ المع‪ ،‬أو‬
‫مري مفضل‪ ،‬أو خطاٌط محترف ليصاد عليها المؤلف قبل
النشر‪ .‬ثم يقوم ال ساخ بإنتاج إصدا ارٍت‬
‫ُن‬ ‫َق‬ ‫ٌد‬
‫معتمدٍة بالجملة للبيع في السوق‪ .‬وقد
ترَّس خ هذا التقليد الشفوي بقوة عند المسلمين بنزول القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬الذي كان
المؤمنون يرددونه بصوٍت عاٍل في ما بينهم ولم ُيجمع ويرَتب كليًة إال بعد وفاة‬

‫‪ .‬ومنذ ذلك الوقت‪ ،‬سيطرت


التالوة من الذاكرة على المخيلة العربية‪.‬‬ ‫النبي محمد ÷‬
‫المأمون الفكرية وطبَع الفضول لديه‪.‬‬ ‫ال شك في أَّن ِح فَظ القرآن الكريم بدا أنه
يحفز ملكاِت‬
‫سيصبح سابَع الخلفاء العباسيين تلميذًا‬ ‫وبخالف أخيه األكبر غير الشقيق
وغريِم ه األمين‪ ،‬كان َم ن‬
‫جادًا على الدوام‪
،‬وهو أمٌر سعى له أبوه من البداية‪ .‬وُنقل عن الرشيد أنه أوصى مؤدَب ابِن ِه فقال‪:‬‬
‫"‪...‬وال تمرَّن بك ساعة إال وأنت مغتنٌم فيها فائدًة تفيده إياها‪ ،‬من غير أن
َتخُر َق به فُتميَت ذهنه‪ ،‬وال‬
‫تمعن في مسامحته فيستحل الف ارَغ ويألَف ه‪
.[172]"...‬وكان المأمون‪ ،‬الذي حكم من ‪ 813‬إلى‬
‫َي‬
‫‪ ،833‬سيصبح القوَة الدافعَة ألعظِم اإلنجازات
المعرفية العربية في العصور الوسطى‪ .‬يذكر ابن‬
‫النديم في الفهرست الذي وضعه
في القرن العاشر للمفكرين العرب [من علماَء ونحويين ولغويين‬
‫وإخباريين وشع ارَء
ومتكلمين وفقهاَء ونحِوهم‪ ،‬وكتِب هم] أّن الخصاَل الفكرية للخليفة أكثر من أن
ُتَع د‪،‬‬
‫ويقول‪" :‬ونحن نستغني بشهرة أخباره عن استقصاء ِذ كره"]‪
.[173‬وقد امتدح أسقٌف مسيحي‬
‫مواهَب المأمون بعد دخوله في مناظرٍة الهوتية مع علماَء
مسلمين كان فيها الخليفة َح َك مًا‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"وعندما كان الفيلسوف المعروف يتحاور
مع المأمون‪ ،‬كانِت الحيرُة تعقد لسانه"]‪.[174‬‬
‫بصير بالعلم
والفلسفة‪ ،‬علَم النجوم محمَل ِج د‪ ،‬وهي رؤيٌة شكلتها‬
‫ًا‬ ‫كذلك َح َم ل المأمون‪ ،‬وكان‬
‫التأثيرات الثقافية للفرس داخل
البالط وحواليه ثم أغنتها خالل فترٍة قصيرة ترجماُت المتون اليونانية‬
‫المهمة في
علم النجوم‪ .‬وقد ظل علم النجوم عند العرب ملتصقًا دومًا بالعلوم األخرى‪ .‬ودعاه أحد‬
‫منجمي القصر ببغداد "سيد العلوم كافة" [ترجمة عكسية]]‪
.[175‬فقد كان يتعين على المنجم‬
‫دراسُة طبيعة األشياء ومعرفُة أحواِل الحيوان‪ ،‬والنبات‪
،‬والمعادن‪ ،‬وتغيِرها حسب الفصول‪ .‬وكان‬
‫يتعين على الممارس لهذه الصناعة الماهِر بها
العودُة إلى توابَع مثلثاتية معقدة اللتقاط الحركة‬
‫المراوغة لألجرام السماوية‪
.‬وكان يحتاج إلى سبر أسرار االنعكاس واالنكسار لتأويل وقع تلك‬
‫األجرام على ما يجري
في األرض البعيدة من أحداث‪ .‬كما كان يتعين عليه الت ازُم الدقة الفائقة في‬
‫استعمال
اآلالت وحساب الوقت‪ ،‬وإعداُد جداوَل دقيقٍة للنجوم تقَد ر دقتها ال بدقائق الدرجات
بل‬
‫بثوانيها وأجزاء تلك الثواني]‪
.[176‬بعبارٍة أخرى‪ ،‬كان يتعين على المنجم الناجح امتالُك صفات‬
‫العاِلم المعاصر الناشئ‪.‬‬
‫وطوال العصور الوسطى‪ ،‬سعى الملوُك
واألم ار والخلفا والسالطيُن باستمرار‪ - ‬المسيحيون‬
‫ُء‬ ‫ُء‬
‫والمسلمون على
السواء‪ - ‬الستقراء األبراج واستشارة المنجمين الذين يستطيعون سبَرها وغيَرها
من‬
‫القراءات الدقيقة للحركات المعقدة لألجرام السماوية‪ .‬وكان قلٌة آخرون منهم
يستطيعون تحمَل‬
‫تكاليِف االستخدام الدائم لهؤالء الناس أو تمويَل ما يطلبون إجراءه
من بحوٍث وأرصاٍد مكلفة‬
‫لممارسة وتهذيِب هذه الصناعة‪ .‬لكَّن أَي استبصار لألحداث
الحياتية‪ ،‬كمعرفة أكثر األوقات مواتاًة‬
‫مبرر كافيًا‬
‫ًا‬ ‫لشن الحرب أو الزواج السياسي المصلحي أو
حتى مصير الساللة الحاكمة كان ُيعتبر‬
‫لهذا اإلنفاق الكبير‪ .‬كذلك‪
،‬كان كثيٌر من أفضل المنجمين أطباَء مقَّد رين‪ ،‬أو مستشارين شخصيين‪،‬‬
‫أو مستشارين
علميين بآٍن معًا‪ .‬وكان هذا الترتيُب مواتيًا جدًا ألوائل العلماء‪ ،‬ألَّن مساعدَة
الحاكم‬
‫المحلي كانت توِّفر لهم درجًة ال بأس بها من الحماية من الالهوتيين األكثر
تحفظًا‪ ،‬الذين كانوا‬
‫يشككون في أنشطة العلماء ويتوجسون من أن ينساَق هؤالء
"الفالسفة" إلى تجاوز حدوِد هللا‪.‬‬
‫حافز للتطور الفكري‬ ‫ًا‬ ‫وقد تبين أَّن الجمَع بين هاتين القوتين‪
،‬علِم النجوم والعلِم القديم‪ ،‬كان‬
‫المبكر لدى العرب‪ .‬فقد كان
بعُض أعظِم منجمي بغداد كذلك مترجمين ومحررين مهمين ألمهات‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬وسعى أفضُلهم
إلجراء قياساٍت وحساباٍت فلكيٍة دقيقة لدعم صناعتهم كمنجمين‪.‬‬
‫يربط نٌص من العصر
العباسي األول ربطًا صريحًا بين االثنين‪ ،‬ويعلن أنه قدٌر مقدور من هللا‬
‫تعالى أن
يقوَم العرب بتجديد العلم في العالم و[أنه تعالى سَّخ ر لذلك] الكواكَب والبروج‪"
:‬وألهل كّل‬
‫زماٍن ودهر تجارُب حادثة وعلٌم مجدٌد لهم على قدر الكواكب والبروج
الذي هو ول تدبير الزمان‬
‫ُي‬
‫بأمر هللا تعالى َج ده"]‪.[177‬‬
‫ال شك في أَّن رعايَة المأمون دراسَة
النجوم كانت‪ ،‬في جانٍب كبيٍر من األمر‪ ،‬بدافٍع الَك َلف‬
‫الملكي بهذا العلم‪ ،‬لكنه
أظهر كذلك فضوًال صحيًا لمعرفة العالم من حوله وَم يًال إلى البحث والمنهج‬
‫العلمي‪
.‬فخالل زيارٍة له إلى مصر سنة ‪ ،832‬في آخر سنٍة كاملة من حياته‪ ،‬حاول الخليفة عبثًا‬
‫تعلَم الهيروغليفيِة القديمة لكنه تمكن من دخول هرِم الجيزِة األكبر‪ ،‬ليجَد القبَر
الملكي فارغًا قد نهبه‬
‫اللصوص]‪
.[178‬وكان الخليفة قبل أربع سنوات قد أطلق برنامجًا منهجيًا للدراسات الفلكية في‬
‫أول
المراصد الفلكية التخصصية‪ ،‬المقامِة ببغداد ودمشق‪ ،‬وأرسل أوَل بعثٍة موسعة مكرسة
إلجراء‬
‫التجارب العلمية]‪
.[179‬وكشفت هذه المساعي عن طريقة العلماء العرب في فهم المتون‬
‫الكالسيكية واستيعابها؛
ال كغايٍة بحد ذاتها بل كنقطة انطالق إلجراء أبحاِث هم ودراساِت هم الخاصة‪.‬‬
‫وكانت
هذه المشروعات بدايَة السيرة المهنية لبعٍض من أعظم العلماء والمفكرين األوائل في
اإلسالم‪.‬‬
‫وقد اهتم المأمون اهتمامًا عميقًا لعمل
العلماء ببيت الحكمة‪ ،‬فكان يتردد إليه بانتظام للتباحث‬
‫مباشرًة مع الخبراء
والمستشارين في آخر ما انتهت إليه البحوث‪ ،‬وفي مسائل التمويل‪ ،‬وسوى ذلك‬
‫من مسائَل
ذات صلة‪ .‬وشدد على االستزادة من دراسة الرياضيات وعلم الفلك في ما كان جاريًا‬
‫بالفعل من عمل‪ .‬لكنه‪ ،‬وبالرغم من كتيبة العلماء الكبار التي كانت تحت تصرفه‪ ،‬لم
يكن يحصل‬
‫دومًا على األجوبة التي يريدها‪ .‬يروي حبش الحاسب‪ ،‬أحُد أرفع علماء الفلك
لدى الخليفة‪ ،‬عنه أنه‬
‫"عندئٍذ سأل التراجمَة عن معنى [‪[ ]stades‬وهي وحدات طول
يونانية]‪ ،‬أعطوه ترجماٍت مختلفة"‬
‫[ترجمة عكسية]]‪.[180‬‬
‫ولّم ا أعيِت خبراءه اإلجابة‪ ،‬قرر المأمون
إيجاَد طوِل الدرجِة الواحدة من الدائرة الكبرى لألرض‬
‫بالقياس‪ ،‬واضعًا خطًة مفصلة
لتجربٍة علميٍة طموحة لحل المعضلة‪ .‬ففي توسعٍة لتجربة الرياضي‬
‫اليوناني القديم
إراتوستينس [‪ 270‬ق‪.‬م]‪ ،‬أرسل الخليفة فريقين من علماء الفلك والمساحين وصانعي‬
‫اآلالت إلى سهل سنجار الصحراوي‪ ،‬بالقرب من الموصل‪ ،‬حيث أخذوا القراءاِت األولية
الرتفاع‬
‫الشمس قبل أن ينقسموا فريقين‪ :‬فريٌق اتجه صوَب الشمال األصلي وفريٌق آخُر
صوب الجنوب‬
‫األصلي‪ .‬ومع تحركهم كانوا يسجلون بدقة ما قطعوا من مسافة‪ ،‬واضعين في
األرض عالماٍت‬
‫خاصًة على الدرب‪ .‬وعندما كانت مجموعٌة ثانية من القراءات الشمسية
تشير إلى أنهم قطعوا درجًة‬
‫على دائرة خط الطول‪ ،‬يتوقفون ويعودون أدراجهم للتثبت من
المسافة التي قطعوها‪.‬‬
‫ثم تحلل المجموعتان المستقلتان النتائج
وتقاَر ن الواحدُة باألخرى‪ ،‬لتعطيا رقمًا نهائيًا دقيقًا إلى‬
‫حٍّد الفت‪ .‬كان حساُب
بحاثِة المأمون محيَط األرض قريبًا جدًا مما نعرف اليوم‪ .‬وبالرغم من هذا‬
‫النجاح‪
،‬يقول أحُد علماء الفلك الكبار في وصفه البعثة إن فريَق ي الخليفة كان في إمكانهما
أن يوف ار‬
‫كثير من العناء باستخدام مالحظٍة بسيطة مع بعض الحسابات
المثلثاتية البسيطة‪.‬‬ ‫ًا‬ ‫على نفسيهما‬
‫يلمح إلى ذلك البيروني عالُم الفلك والرياضيات الراسخ في كتاب
تحديد نهايات األماكن "َثم طريقٌة‬
‫أخرى لتحديد محيط األرض‪ .‬ال تتطلب
السيَر في البراري [ترجمة عكسية]"]‪
.[181‬أيًا ما كان‬
‫النهج المتبع‪ ،‬فإّن قراءاِت العرب في العصور الوسطى لموقَع الشمس
واإلحداثياِت الجغرافيَة للمدن‪،‬‬
‫وتحديَد هم الوقَت والتاريخ‪ ،‬وما لذلك به صلة من
قياسات‪ ،‬كل ذلك كان على الدرجة العاليِة نفِس ها‬
‫من الدقة‪ .‬ولم يستطع أحٌد تحدي
دقِة األرصاد اإلسالمية المبكرة حتى أتى الفلك الدنمركي تيكو‬
‫ُي‬
‫براهي في القرن
السادس عشر]‪.[182‬‬
‫وعندما كان يحصل خطٌأ ما‪ ،‬كان المأمون
يسارع إلى التدخل‪ .‬وقد استغل ذاَت مرة زيارًة له‬
‫إلى دمشق زمَن الحرب لقيادة بعثٍة
لتقصي الحقائق‪ ،‬بعدما تبين له أن نتائَج المحاوالت األولى لتتبع‬
‫منازل الشمس
والقمر في السماء من مرصد بغداد لم تكن دقيقة‪ .‬طلب الخليفة من مستشاريه‬
‫السوريين
إيجاَد فلكٍّي مؤهل لتحسين نتائج بغداد‪ .‬يقول حبش الحاسب‪" :‬أمره المأمون
بتجهيز أصح‬
‫ما يمكن من آالت ومراقبِة األجرام السماوية طوال العام" [ترجمة
عكسية]‪ .‬ثم ُج ِم عت الحصيلُة‬
‫الضخمة للقياسات الفلكية وُر تبت‪ ،‬بأمٍر من المأمون‪
،‬وُنشرت "لمن يرغب في تعلم ذلك العلم"‬
‫[ترجمة عكسية]]‪
.[183‬وبدا لفلكيي بغداد المحبطين أَّن أفضَل مخرٍج لهم أن ُي لقوا اللوَم على‬
‫آالتهم؛
فبيعت آلٌة نحاسية استخدموها إلجراء بعض القياسات غير الصحيحة‪ ،‬وُتعرف بذات الحلق‬
‫[‪ ،]armillary sphere‬كخردة في سوق الُك تبيين]‪.[184‬‬
‫ال بد من أن مؤسَس بغداد‪ ،‬المنصور‪ ،‬كانت
لديه آماٌل عريضة عندما أرسل مبعوثًا له أول‬
‫األمر إلى مدينة أرين المقدسة‪ ،‬التي
كانت آنذاك مركَز علم الفلك والرياضيات بالهند‪ ،‬بحثًا عن‬
‫علماَء هنود]‪
.[185‬يقول شرٌح باللغة العبرية من القرن الثالث عشر‪ :‬ثم بلغ الخليفَة نبُأ تعاليم‬
‫العلوم الهندية‪ ،‬وبعد أن تيقن أَّن هذه المسائل ال تخالف اإلسالم‪ ،‬أرسل أحَد
رعاياه اليهود لدعوة‬
‫الهنود إلى بغداد لالطالع على حكمتهم]‪
.[186‬لكن‪ ،‬حتى الخليفُة لم يكن يتوقع أن يكوَن لذلك‬
‫اإلدخاِل المفاجئ لطريقِة تفكيٍر
جديدة ومغايرة في العالم المادي تلك اآلثاُر العميقة في الحياة‬
‫الفكرية للمسلمين‪
.‬فمع بداية القرن الثامن‪ ،‬كانت التأثي ارُت الخارجية المتفرقة قد بدأت بالفعل تصل‬
‫إلى العرب من خالل جداول النجوم الهندية والفارسية‪ .‬كانت هذه الجداول ُتعرف في
العربية‬
‫باألزياج [أو الزيجات‪ ،‬ومفردها زيج]‪ ،‬من الفارسية‪ ،‬أو "الخيط
الناظم" [‪،]guiding thread‬‬
‫بصفوفها وأعمدتها المرتبة التي تشبه الَّس داة والُلحمة في
الحياكة التقليدية‪ .‬وسرعان ما راح الفلكيون‬
‫والمنجمون واألطباء وغيُرهم من أهل
العلم العرب يسترشدون بالزيج لرسم حركة األجرام السماوية بل‬
‫لتعيين الوقت
والتاريخ‪ .‬وكان ُم نِّج مًا القصر ما شاء هللا ونوبخت قد اعتمدا على أحد هذه األزياج‬
‫الفارسية‪ ،‬واسمه زيج الشاه‪ ،‬لتحديد أفضل تاريخ لبدء بناء بغداد]‪.[187‬‬
‫لكَّن زيارَة الوفد الهندي إلى البالط
العباسي‪ ،‬حوالي سنة ‪ ،771‬شكلت نقطَة تحوٍل حقيقي في‬
‫التاريخ الفكري العربي‪ .‬فقد
جلب الحكماُء الهنود معهم من الغنائم متونًا علميًة سنسكريتية‪ُ ،‬يعتقد‬
‫أنها جز
من كتاب السيدهانتا [‪[
]siddhanta‬السند هند] للفلكي الهندي براهماغوبتا من القرن‬
‫ٌء‬
‫السابع‪ ،‬الذي قال عنه
المسعودي‪ ،‬الجغرافي الرحالة من القرن العاشر‪" :‬وهو الكتاُب الجامع لعلم‬
‫األفالك والنجوم والحساب وغيِر ذلك من أمر العالم"]‪
.[188‬وتشير روايٌة أخرى إلى االعتماد‬
‫الشديد في كتاب السند هند على تابع الجيب
كأساٍس لكل حساباته؛ وتابُع الجيب مساهمٌة نفيسة‬
‫للهنود طوروها هم أوًال ثم
تناولها العرب بالتهذيب]‪
.[189‬ومع حلول القرن التاسع‪ ،‬كانت كل‬
‫التوابع المثلثاتية الستة قد ُع رفت‪ :‬الجيب وجيب
التمام‪ ،‬والظل وظل التمام‪ ،‬والقاطع وقاطع التمام‪.‬‬
‫لم ُيستورد من هذه التوابع إال
األول؛ أما الخمسة األخرى فكانت اكتشافاٍت عربية‪ .‬وقد سمح هذا‬
‫بإحالل الحسابات محل
المخططات الهندسية‪ ،‬ما فتح الباَب على مصراعيه لتطور علم الفلك‬
‫الرياضي الحديث]‪.[190‬‬
‫شعر‪ ،‬لتسهيل حفظها‪ ،‬وال تقدم إال القليل‪ ،‬إن‬
‫ًا‬ ‫كانِت األعماُل العلميُة الهندية في العادة
ُتكتب‬
‫هي قدمت شيئًا‪ ،‬من الشرح أو
المناهج أو البراهين‪ .‬ونتيجة ذلك‪ ،‬واجه العلماء والمترجمون العرب‬
‫األوائل تحدَيين
مباشَر ين‪ :‬استخالص المحتوى العلمي من الشعر السنسكريتي المنمط‪ ،‬ثم اكتشاف‬
‫المناهج
الحسابية والفلكية المستودعة في النص بأنفسهم‪ .‬ولم يكن الهنود أسخياَء بالشروح التي
كان‬
‫في إمكانها تسليُط كثيٍر من الضوء على العملية األخيرة]‪
.[191‬تجاوز العباسيون هذه المشكالت‬
‫بسرعة وثبت في النهاية أنها كانت مفيدًة لهم في
سعيهم المعرفي‪ .‬فقد أجبرِت العرَب على إحكام‬
‫العلوم األساسية المستودعة في أدبيات السند
هند بدل االعتماد على التقليد البسيط‪ ،‬وضمنت لهم‬
‫عمليًا إمكانيَة استغالِل
المعارِف الفارسية واليونانية مع الوقت لحل ما يعترضهم من مسائل‪ .‬وبذا‪،‬‬
‫ساعدت
الترجمة العربية األولية للسند هند على إطالق كتلِة أعماٍل ديناميكية ُتوجت
بالتأليف بين‬
‫العلم التقليدي والعلم المعاصر‪.‬‬
‫لم يقِّد م أحٌد لدفع عجلة االتجاهات
العلمية األخيرة في زمنه ثم تفسيِر ونشِر النتائج أكثَر مما‬
‫قدم الرياضي والفلكي
محمد بن موسى الخوارزمي‪ .‬ولد الخوارزمي حوالي سنة ‪ ،783‬وأتيح له أن‬
‫َيفيد غايَة
اإلفادة من الحركية االجتماعية والجدارة الفكرية اللتين اتصفت بهما الحياة العلمية‬
‫العباسية ببغداد‪ .‬ال ُيعرف الكثير عن أصوله‪ ،‬وإن كان اسمه يوحي بأنه آٍت أو عائلته
في األصل‬
‫من خوارزم؛ أو خيفا كما ُتعرف اليوم بأوزبكستان‪ .‬كان اإلسالم ديَن
الخوارزمي وبدا هذا واضحًا من‬
‫مقدمات بعض أعماله المصطبغة بالتدين‪ ،‬لكَّن أسالَف ه
ربما كانوا مجوسًا‪ .‬وكباحٍث بارز منقطٍع إلى‬
‫خزانة حكمة المأمون‪ ،‬مضى الخوارزمي
ليبلغ قممًا نادرة في علوم الفلك والحساب والجبر‪.‬‬
‫وِِلما له من خبرٍة واهتمامات‪ ،‬ربما يكون
الخوارزمي قد شارك في األرصاد الفلكية للخليفة‬
‫ببغداد‪ ،‬أو حتى في تجربة المسح
الصحراوي لقياس طول الدرجة من محيط األرض‪ .‬لكن األقرَب‬
‫إلى الظن عمُله على السند
هند‪ ،‬ألنه وضَع في حوالي سنة ‪ 825‬نسخًة مختصرًة منه بطلٍب من‬
‫المأمون‪ ،‬وجداوَل
شهيرًة للنجوم ُع رفت بزيج السند هند‪ ،‬ظلت ُتستخدم قرونًا في العالم
اإلسالمي ثم‬
‫في أوروبا المسيحية‪ .‬واليوم‪ُ ،‬تعتبر جداول الخوارزمي أقدَم مثاٍل حي
للزيج اإلسالمي‪ ،‬وإن جرى‬
‫عليها حتى وصلت إلينا تعديٌل كثير في ما مضى من قرون‪
.‬كذلك فإن عمُله في األسطرالب هو‬
‫أقدُم مثاٍل إسالمي حي من نوعه‪ ،‬ظلت أصداؤه تتردد
قرونًا‪ .‬يقول عنه ابن النديم‪" :‬وهو من‬
‫أصحاب علوم الهيأة‪ ،‬وكان الناس قبل
الرصد وبعده يعولون على زيجيه األول والثاني وُيعَر فان‬
‫بالسند هند"]‪.[192‬‬
‫ساعد نجاُح وانتشاُر زيج الخوارزمي على
تكريس جداول النجوم كعنصٍر أساس من الترسانة‬
‫العلمية العربية‪ ،‬يشهد بذلك شيوُع
استخداِم ه وطوُل بقائه الملفت‪ ،‬وتهذيُبه شبه المتواصل‪ .‬وقد ُو ضع‬
‫أكثر من ‪
225‬جدوًال من هذا النوع في العالم اإلسالمي في ما بين القرنين الثامن والتاسع عشر‪،‬‬
‫وإن ضاع نصُف هذا العدد تقريبًا ولم ُيعرف إال من اإلشارة إليه في التعليقات أو
غيِرها من‬
‫األعمال العلمية]‪
.[193‬وقد ُح سب بعُض ها بدقة ليعكَس البياناِت الدقيقة في مكاٍن معين‪ ،‬بينما‬
‫كانت
الجداوُل األخرى نسخًا نصَف مفهومة أو تنقيحاٍت ضبابية للجداول القديمة‪ .‬أما النسخ
الباقية‬
‫من جداول الخوارزمي فُص ِر فت بياناُتها الفلكية لُتستخدم بدار الخالفة
الغربية باألندلس‪ ،‬حيث ظل‬
‫العمُل محافظًا على شعبيته مدًة طويلة بعد أن تخطته
جداوُل العلماء المسلمين في الشرق‪.‬‬
‫كان الزيُج الدقيق يزود مستخدَم ه بكل ما
يحتاج إليه من أدوات لتحديد منازل الشمس والقمر‬
‫والكواكب المرئية الخمسة وتعييِن
الوقت من النهار أو الليل استنادًا إلى األرصاد النجمية أو‬
‫الشمسية‪ ،‬التي كانت
مفيدًة خاصًة لضبط أوقات الصلوات الخمس في اإلسالم؛ وتحري الهالل‪،‬‬
‫لتحديد بداية
الشهر القمري عند المسلمين‪ .‬ولم يكن ُيستغنى عن جداول النجوم في قراءة الطالع من‬
‫دون االضطرار إلى القيام بأرصاٍد طويلة‪ ،‬ولعل هذه كانت الميزَة األكثَر جاذبيًة
فيه‪ .‬كما كان في‬
‫اإلمكان استخداُم الزيج مع بعض اآلالت الفلكية‪ ،‬غالبًا لحل
المسائل المعقدة في الهندسة الكروية‬
‫وتعيين الوقت‪ .‬وبعد ألف عام من وضعه‪ ،‬كان زيج السند
هند للخوارزمي ال يزال ُيستخدم‬
‫بمصر]‪.[194‬‬
‫لم َيجِر نقُل الفلك الهندي‪ ،‬بالطبع‪ ،‬في
فراغ لكنه كان جزءًا من حملٍة عربيٍة شاملة الستيعاب‬
‫وإتقان المعرفة القديمة
والبناء عليها‪ .‬وأتت صناعُة الحساب الهندي المتقدم‪ - ‬وقواُم ه النظاُم العشري‬
‫المؤلف من تسعة أعداد والصفر‪ ،‬تقريبًا كالذي نستخدمه اليوم‪ - ‬إما مع تسليم
السند هند أو بعيد‬
‫تسليمه‪ .‬وكان معروفًا بعد عقود من وصول علم الفلك الهندي‪ ،‬هذا
مؤكد]‪
.[195‬وكشأنه في زيج‬
‫السند هند‪ ،‬وضع الخوارزمي رسالًة ناجحة في استخدام النظام
الجديد سماها كتاب الجمع والتفريق‬
‫بالحساب الهندي‪ ،‬أوُل عمٍل عربٍي معروف
في الموضوع‪.‬‬
‫يقول الخوارزمي لقرائه‪" :‬عزمنا على
شرح فنون الحساب الهندي باستخدام الحروف التسعة‬
‫وبيان أنها‪ ،‬لبساطتها واقتضاِب ها‪
،‬قادرٌة على التعبير عن أي عدد" [ترجمة عكسية]‪ .‬ثم يقدم شرحًا‬
‫مفصًال لمبدأ
المراتب في نظام الترقيم العشري‪ ،‬مع اإلشارة إلى األصل الهندي لرموز األرقام‬
‫التسعة‪ ،‬وإلى استخدام الصفر‪" ،‬الرقم العاشر على شكل دائرة" [ترجمة
عكسية]‪ - ‬لمنع االلتباس في‬
‫موضع األعداد]‪.[196‬‬
‫ضاع النُص العربي للخوارزمي‪ ،‬لكنه وصل
إلينا مترجمًا إلى الالتينية في القرن الثاني عشر‪،‬‬
‫وكانت هذه الترجمة هي الوسيلَة
األساسية التي انتقلت بها األرقاُم العربية‪ ،‬هكذا‪ ،‬إلى الغرب‪ .‬أما‬
‫العرب الذين
ق أروا كتاب الجمع والتفريق‪ ،‬فقد وجدوا فيه شرحًا كامًال لنظاٍم كان
مستخدمًا بالفعل إلى‬
‫حد ما في أوائل القرن التاسع‪ ،‬وقاد في غضون مائة سنة ونيف إلى
اكتشاف الكسور العشرية‪.‬‬
‫وكانت هذه ُتستخَد م إليجاد جذور األعداد ثم لحساب قيمة ‪
- p‬نسبِة محيط الدائرة إلى قطرها‪- ‬‬
‫بدقٍة مدهشة إلى المرتبة العشرية السادسَة
عشرة]‪.[197‬‬
‫ربما ليس هناك من عمل ُيظهر عبقريَة
الخوارزمي‪ ،‬وخاصًة قدرَته على استعراف ما َيجُّد من‬
‫معرفٍة أو صناعة وإتقانه إياه
ثم شرحه شرحًا وافيًا كافيًا‪ ،‬كرسالته في الجبر‪ .‬أهدى الخوارزمي كتاب‬
‫الجبر
والمقابلة [‪
،]The Book of Restoring and Balancing‬الذي أورث الغرَب‬
‫مصطلَح الجبر‪ ،‬إلى سيده الخليفِة المأمون مغَلفًا برداٍء من
الفائدة الدينية والعملية‪" .‬وقد شجعني ما‬
‫حاصر‬
‫ًا‬ ‫مختصر‬
‫ًا‬ ‫فَّض ل هللا به اإلماَم المأمون‪
...‬على أن أَّلفُت من حساب الجبر والمقابلة كتابًا‬
‫للطيف الحساب
وجليِله لما يلزم الناس من الحاجة إليه في موارثهم ووصاياهم وفي مقاسمتهم‬
‫وأحكامهم
وتجاراتهم وفي جميع ما يتعاملون به بينهم من مساحة األرضين وكري األنهار والهندسة‬
‫وغيِر ذلك من وجوهه وفنونه"]‪.[198‬‬
‫ٍة‬
‫وفي أحد األمثلة‪ ،‬يأخذ الخوارزمي بيد
القارئ ليدَله كيف يسَّوى مي ارُث ام أر توفيت ولها زوٌج‬
‫وابن وثالُث بنات‪ .‬في
قوانين الميراث السائدة‪ ،‬يكون للزوج ربُع ما تركت الزوجة‪ ،‬وللذكر من األوالد‬
‫مثُل
حظ االنثيين؛ وهذا أفضُل من العرف الذي كان سائدًا قبل اإلسالم ولم يكن يعطي
اإلناث‬
‫شيئًا]‪
.[199‬وكما يبين الخوارزمي‪ ،‬فإَّن عمليًة جبريًة بسيطة َتحل المعادلة أيًا كان حجُم
التركة‪.‬‬
‫ثم َأتَبَع ذلك بأمثلٍة أعقَد لحل مسائل المواريث منها حساب الزكاة‪
،‬الفريضة الدينية السنوية الُم لزمة‪.‬‬
‫هنا بدأت دراسة العرب الجبَر إذن‪ ،‬وهو حقٌل
برعوا فيه كما يظهر من العدد الضخم للشروح‬
‫العلمية على عمل الخوارزمي‪ ،‬وكثرِة ما
أنتجوا من متوٍن فيه‪ .‬يمكن تلمُس األثر النافذ لكتاب الجبر‬
‫والمقابلة على
مر العصور في االستخدام الحرفي المتكرر لكثيٍر من أمثلة الخوارزمي األشهر في‬
‫المعادالت التربيعية‪ .‬فعلى طريقته المعهودة‪ ،‬استطاع الخوارزمي الجمَع بين األثر
الهندي والبابلي‬
‫القديم لحل تلك المعادالت بالطرائق الجبرية وبين التقليد اليوناني
في البراهين الهندسية للتثبت من‬
‫ِلِه‬ ‫النتائج]‪[200‬‬
‫‪
.‬وبتشديده على العالقة بين الحلول التحليلية والهندسية لهكذا مسائل وإدخا نظاَم‬
‫المراتب العشرية‪ ،‬أرسى الخوارزمي ألول مرة في تاريخ الرياضيات أسَس صناعة التحليل
كفرٍع‬
‫األكثر
سحر‪ .‬كذلك يبين في‬
‫ًا‬ ‫معرفٍي جدير قائٍم بذاته ووضعه على قدم المساواة مع علم الهندسة‬
‫الفصول األخيرة أنه‪ ،‬وبالرغم من مقدمته الرقيقة للمأمون‪
،‬مهتٌم بنظرية الجبر والحساب بحد‬
‫ذاتها]‪.[201‬‬
‫أتى جُل اإللهام الفكري للخوارزمي في
البداية من العلم الهندي‪ .‬فالشطُر األعظم من فلكه‬
‫يعتمد على التقليد الهندي‪ ،‬ثم
على التعاليم الفارسية‪ .‬فمدينة أرين الفارسية‪ ،‬مثًال‪ُ ،‬تستخدم في زيج‬
‫السند هند
كنقطٍة مرجعية للقياسات الفلكية‪ ،‬تمامًا كما ُيستخدم خط الطول المار ببلدة غرينتش‬
‫بإنكلت ار اليوم‪ .‬وتدعو إحدى نسخ الزيج مدينة أرين "مركز كرة األرض"
[ترجمة عكسية]]‪.[202‬‬
‫وقد َك شفت طرائق تحديِد حركِة القمر وطرائق قياِس مواضِع الكواكب عن الجذور
الهندية القوية‬
‫للعمل]‪
.[203‬ويكرس الخوارزمي القسَم األوَل من كتابه للتحويل بين مختلف نظم التقويم للعاَلمين‬
‫القديم والحديث‪ - ‬العربية والمسيحية والمصرية والفارسية‪ - ‬ويتخذ ‪
16‬يونيو ‪ ،632‬وهو تاريُخ بدء‬
‫حكم آخر ملٍك فارسي قبل الفتح اإلسالمي‪ ،‬نقطَة البداية
لديه‪ ،‬أو العصر [‪.]epoch‬‬

‫ُل‬
‫وبالرغم من ذلك‪ ،‬توجد ُلَم ٌع متفرقة إلى
التأثير المتعاظم للتعليم اليوناني على العلوم العربية‬
‫المتضمنة في زيج السند
هند وفي أعماله األخرى‪ ،‬ال سيما عمله في الجبر‪ .‬وال غرابة‪ .‬فقد حكم‬
‫راعي
الخوارزمي‪ ،‬المأمون‪ ،‬في فترٍة شهدت بدايَة تحوٍل لمعظم العلماء العرب في العلوم
الُم حكمة‬
‫عن التعاليم الهندية والفارسية القديمة إلى التعاليم اليونانية والمصرية
الهلنستية‪ .‬كان الَم علَم األساس‬
‫لهذه الفورة في النشاط العلمي ترجمُة تحفة بطليموس
في الفلك اليوناني الكالسيكي‪ ،‬الكتاب األهم‬
‫واألوحد‪ ،‬بعد القرآن الكريم‪ ،‬لدى
العلماء العرب في العصور الوسطى‪ .‬ولد بطليموس حوالي سنة‬
‫‪ 100‬من ميالد المسيح وأمضى
حياَته العملية في اإلسكندرية‪ ،‬التي كانت آنذاك مركَز التعليم‬
‫اليوناني ومقَر أضخم
مكتبٍة في العالم‪ ،‬قبل بيت الحكمة ببغداد‪.‬‬
‫هناك أنتج أعماَله القّيمة في الجغرافيا
وعلم النجوم‪ ،‬بين موضوعاٍت أخرى‪ ،‬لكن أيًا منها لم‬
‫يكن بأهمية الكتاب المعروف لدى
اليونان باسم ‪ ،Megale Syntaxis‬أو "الِس فر الكبير" الذي‬
‫ُع رف في ما بعد عالميًا باسمه
العربي المحَّو ر‪ ،‬المجسطي [‪ .]Almagest‬يقدم كتاُب بطليموس‬
‫هذا نظريًة متطورًة شاملة لحركة النجوم
الثابتة‪ ،‬والشمس‪ ،‬والقمر‪ ،‬والكواكب الخمسة المرئية ‪- ‬‬
‫عطارد‪ ،‬والزهرة‪
،‬والمريخ‪ ،‬والمشتري‪ ،‬وزحل‪ - ‬وسيظل سائدًا حتى منتصف القرن السادس عشر‪.‬‬
‫كان
بطليموس‪ ،‬بالنظر إلى العلم اليوناني‪ ،‬مهيمنًا على حقل علم الفلك إلى حد أن أعماَل
أهِّم َم ن‬
‫أتى بعده من علماء اختفت عمليًا]‪
.[204‬وفي الغرب‪ ،‬الذي سيتعَّر ف عليه من خالل لقائه غيِر‬
‫المتوقع بالِع لم اإلسالمي‪ ،‬صار
بطليموس أسطورة‪ ،‬تكاد تكون رمزية‪ ،‬شخصيًة ُيتوهم أنها من خلفاء‬
‫ِك‬
‫اإلسكندر األكبر‪
،‬ملو مصر البطالمة؛ وكان الفلكُي الشهير يصَّو ر في العصور الوسطى عادًة‬
‫وعلى رأسه
تاج‪.‬‬
‫أما العرب‪ ،‬فكان المجسطي لهم خارطَة
طريق ال تقدر بثمن للبحث والدراسة‪ ،‬إلى حد أن كباَر‬
‫علماء بيت الحكمة ظلوا عاكفين
على ترجمته وإعادِة ترجمِت ه وتنقيِح ه وشرِح ه مرًة بعد مرة طوال‬
‫القرن التاسع وما
بعده‪ .‬فبرنامج المأمون المبتكر لألرصاد الفلكية ببغداد ودمشق‪ ،‬على سبيل المثال‪،‬‬
‫ُص مم الختبار نتائج المجسطي ومقارنتها بنتائجه هو‪ .‬وقد حلت جداوُل النجوم
التي نتجت عن هذه‬
‫التجارب آخَر األمر‪ ،‬ال سيما زيج السند هند للخوارزمي‪
،‬محل تلك القائمة على العلم الهندي‪ .‬كذلك‬
‫كان ما دفع الخليفَة إلى إجراء المسح
الجيوديزي بسهل سنجار الحار المغَبر أسئلة مستخلصة من‬
‫قراءٍة متأنية للمجسطي‪
.‬أدت نتائُج هذه التجارب وغيِرها في الغالب إلى تحسين البيانات التي أتى‬
‫بها
بطليموس؛ الذي كان يؤخذ عليه أنه لم ُيجِر هو نفُس ه ِم ن تجارَب إال القليل نسبيًا
وأنه اعتمد‬
‫بدًال من ذلك على أرصاد من سبقوه‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لم تكن هناك عالمٌة مباشرة
على أن مثَل هذه‬
‫العيوب في عمل األستاذ قد أرعبت أو صدمت العرب أو جعلتهم يشككون
في دقة النظريات العامة‬
‫المقَد مة في المجسطي]‪
.[205‬فهذا سيأتي الحقًا‪ ،‬بعد أن نضج علُم العرب ونضجت فلسفُتهم في‬
‫عدة قرون‪.‬‬
‫ربما كان للشؤون السياسية الراهنة آنذاك ما
كان تقريبًا للذائقة الفكرية أو التحليل العلمي ِم ن‬
‫أثر في اإلقرار الملكي للتعليم
اليوناني‪ .‬فقد أشعلت وفاُة والد المأمون‪ ،‬الرشيد‪ ،‬سنة ‪ 809‬شرارَة‬
‫حرٍب أهلية بين
العباسيين‪ ،‬ولم يستطع المأمون اإلمساك بزمام األمور إال بعد فترٍة طويلة [‪14‬‬
‫شهر] من القتال الدامي مع قوات أخيه غير الشقيق األمين‪ .‬وبعد أن أضنته حرُب
وراثة العرش‬ ‫ًا‬
‫وغياُبه الطويل عن العاصمة‪ ،‬أقام المأمون في المدينة المدورة مصممًا
على اإلمساك بالسلطتين‬
‫السياسية والدينية بيديه‪.‬‬
‫رافق هذا اإلرساَء الصارَم للسلطة نبرٌة
عدوانيٌة جديدة في سياسة الخليفة الخارجية‪ ،‬التي أعادت‬
‫صياغَة المنافسة
الجغراسياسية التقليدية مع اإلمبراطورية البيزنطية المجاورة بعبارات الصراع الديني‬
‫الصارمة‪ .‬حتى هنا‪ ،‬تقدمت السياسُة الفكريُة للدولة إلى الواجهة‪ :‬ففي النظرة
العباسية الجديدة‪ ،‬لم‬
‫يكن البيزنطيون األرثوذكس الشرقيون كفرًة فحسب‪ ،‬بل كانوا
مذنبين بنبذهم التعليَم اليوناني‬
‫الكالسيكي بعد قدوم المسيحية‪ .‬ومّم ا زاد في
االستعالء الديني لإلسالم حقيقُة أَّن المسلمين كانوا من‬
‫الفطنة بحيث التفتوا إلى
عبقرية اليونان القديمة‪ .‬فكانت معارضُة البيزنطيين تعني محاباَة التعليم‬
‫اليوناني‪
،‬والعكس بالعكس]‪
.[206‬وبدا أن المضايقَة البيزنطية المبكرة للنسطوريين والسوريين‬
‫وغيرهم من العلماء
المسيحيين‪ ،‬الذين راح كثيٌر منهم اآلن يلجأون إلى المسلمين‪ ،‬تؤكد هذه‬
‫البروباغندا
الجديدة‪ .‬كذلك كان المأمون من أنصار القراءة القومية الراديكالية لإلسالم‪ ،‬وهو
موقٌف‬
‫بدا أنه ينسجم بسهولة مع االهتمام المتجدد بالدراسات الفلسفية اليونانية‪.‬‬
‫وسرعان ما تبَّنى يعقوب بُن إسحق الكندي‪
،‬الذي يلقب بفيلسوف العرب تمجيدًا له‪ ،‬الزمَة‬
‫مناهضة البيزنطيين‪ .‬فافترض ماضيًا
متخيًال كان فيه الرواُد القدماء اليونان والعرب أنسباء‪ .‬لم تكن‬
‫وراثة العرب
األعماَل القديمة إلخوتهم اليونان قبل ظهور المسيحية ثم البناء عليها‪ ،‬في رأي
الكندي‪،‬‬
‫سوى تحصيل حاصل‪ .‬وهي نظرٌة راحت تترسخ أكثر فأكثر في العالم اإلسالمي]‪
.[207‬وبعد قرٍن‬
‫من ذلك‪ ،‬ربط الجغرافي المسعودي ربطًا صريحًا بين ظهور المسيحية وانحدار
العلم فقال‪" :‬ولم تزل‬
‫الحكمُة باقيًة عالية زمَن اليونانيين‪ ،‬وبرهًة من مملكة
الروم‪ُ ،‬تعّظ م العلماء وُتشّر ف الحكماء‪ ،‬وكانت‬
‫لهُم اآلراء في الطبيعيات والجسم
والعقل والنفس‪ ،‬والتعاليِم األربعة [أعني‪ :‬اإلرتماطيقي‪ ،‬وهو علم‬
‫األعداد‪ ،‬والجو
مطريقي‪ ،‬وهو علم المساحة والهندسة‪ ،‬واألسترونوميا‪ ،‬وهو علم النجوم‪ ،‬والموسيقى‪،‬‬
‫وهو
علم تأليف اللحون] ولم تزل العلوُم قائمَة السوق‪ ،‬مشرقَة األقطار قويَة المعالم‪
،‬شديدَة المقاِو م‪،‬‬

‫َ‬
‫ساميَة البناء‪ ،‬إلى أن تظاهرت ديانُة النصرانية في الروم‪ ،‬فعفوا
معالم َالحكمة‪ ،‬وأزالوا رسَم ها‪ ،‬ومحوا‬
‫ُس ُب َلها‪ ،‬وطمسوا ما كانِت اليونانيُة قد أبانته‪
،‬وغيروا ما كان القدماء منهم قد أوضحوه"]‪.[208‬‬
‫اتجهت سياسة رعاية النشاط العلمي والفلسفي‪
،‬والبحث‪ ،‬واالختراع‪ ،‬إلى خدمة المصالح‬
‫السياسية والدينية والدبلوماسية الحيوية
للدولة العباسية األولى‪ .‬لكَّن مؤرخًا مجتهدًا لتاريخ العرب‬
‫الفكري في العصور
الوسطى لديه تفسيٌر آخر ُيرجع شغَف المأمون بعمل بيت الحكمة إلى حلٍم‬
‫غامض‪ .‬فحسَب
ابِن النديم‪" ،‬أَّن المأمون رأى في منامه كأَّن رجًال أبيَض اللون‪ ...‬أجلَح
الرأس‪...‬‬
‫جالٌس على سريره‪ .‬قال المأمون وكأنني بين يديه قد ُم لئُت له هيبة‪ .‬فقلت
من أنت؟ قال أنا‬
‫أرسطاليس‪ ،‬فسررت به وقلُت أيها الحكيم أسئلك؟ قال َس ل‪ ،‬قلُت ما
الحسن؟ قال ما َح ُس َن في‬
‫العقل‪ .‬قلُت ثم ماذا؟ قال ما َح ُس َن في الشرع‪ .‬قلُت ثم
ماذا؟ قال ما َح ُس َن عند الجمهور" وهو رٌد‬
‫اعتبره الخليفة دليًال على أن
تعُّلَم العلم واجٌب ديني "‪ ...‬فكان هذا المنام من أوكد األسباب في‬
‫إخراج
الكتب"]‪.[209‬‬
‫الفصل
الرابعرسم خريطة العالم‬
‫َتدين إمبراطوريُة المأمون العباسيُة
العظمى بالكثير من حيويتها الهائلة إلى الطاقات الروحية‬
‫والفكرية التي تحررت قبل
قرنين في ركٍن ناٍء من أركان شبه الجزيرة العربية‪ .‬هناك‪ ،‬في العام ‪،610‬‬
‫راح تاجٌر
بسيٌط سابق يتلقى وحيًا من هللا في فترات اعتكافه في الجبال المجاورة‪ .‬وبعد تلقيه
أوَل‬
‫وحي‪ ،‬اضطرب محمد (النب محمد ) ولم
يخبر أول األمر أحدًا‪ ،‬إال زوجَته خديجة‪ .‬لكنه ما لبث‬ ‫÷‬ ‫ّي‬
‫ِذ‬ ‫ِّث‬
‫أن ُأِم ر بالمجاهرة بالدعوة‪َ)
:‬يا َأُّيَه ا اْل ُم َّد ُر * ُقْم
َف َأْن ْر * َو َر َّبَك َف َك ِّب ْر * َو ِث َياَبَك َف َط ِّه ْر * َو الُّر ْج َز‬
‫َف اْه ُجْر ‪[ (...‬المدثر‪.[210]]12 :‬‬


الداعيُة إلى العدالة االجتماعية‪ ،‬واألعماِل الصالحة‪ ،‬وتوحيِد هللا‪ ،‬بعضًا‬ ‫شدت رسالُة محمد ÷‬
‫من
أفراد النخبة بمكة‪ ،‬كخديجة‪ ،‬وكانت هي نفُس ها ام أرًة ثرية وصاحبَة تجارة‪ .‬وترددت
أصداء‬
‫الرسالة بين أفراد القبائل العربية األقل شأنًا والفق ارِء من سكان مدينِة
مكة مسقِط رأسه‪ .‬لكنها أثارت‬
‫كذلك غضَب كثيٍر من طبقة التجار النافذين بمكة‪ ،‬الذين
أثروا من سيطرتهم على طرقات التجارة‬
‫النفيسة واحتكاِرهم السياحَة الدينية المربحة
إلى الِم َح ج المسمى الكعبة‪.‬‬
‫وكان صعوُد هذه القبائل الغنية نفِس ها في
العقود األخيرة قد أزاح إلى حد بعيد النظام القديم‬

‫÷‬
‫بمكَة وما حولها وحصر النفوَذ
والسلطَة في قبيلة محمد ‪
،‬بني قريش‪ ،‬وما أشبهها من قبائل‪.‬‬
‫وانسجامًا مع التقليد العربي في أن تكوَن مسؤوليُة
القبيلة جماعية‪ ،‬ضغطت األقليُة الحاكمة بمكة‬
‫على كبراء قريش لكف محمد قبل أن
يزعزَع أركاَن النظام االقتصادي واالجتماعي كله‪ .‬فشددوا‬

‫نفسه محَل استه ازٍء


وتحقير بل تعَّر ض لمحاولة اغتيال‪.‬‬ ‫÷‬
‫الخناق على كل من يدعمه‪
.‬وجد محمٌد‬
‫وطالبه المستهزئون المتشدقون أن يأت بمعجزٍة
تثبت أنه يوَح ى إليه‪ .‬في مواجهة هذا الضغط‪،‬‬
‫َي‬
‫÷‬
‫تضاءل عدُد األتباع الجدد بشدة‪ .‬وبموت
عمِه أبي طالب‪ ،‬فَق َد محمٌد
حمايَة الشخص الذي كان‬
‫رجًال ذا شأٍن في قريش‪ .‬ولم تعد الحياة بمكَة تطاق‪.‬‬
‫فكانت الهجرة‪ ،‬سنة ‪ ،622‬إِذ اتجه محمٌد
وثلٌة من أتباعه شماًال إلى المدينة‪ ،‬البلدِة الواحة‪،‬‬
‫وهو حدٌث كان من أهمية شأنه
أنه سُيتَخ ذ في ما بعد بدايَة التقويم اإلسالمي‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬التاريخ‬
‫اإلسالمي‪ .‬قطع
محمٌد عهدًا بينه وبين قبائل العرب المتشاكسة في المدينة‪ ،‬وكان جُلهم وثنيًا مع‬
‫عدٍد من القبائل اليهودية المهمة‪ :‬أن َيحُك َم في ما شجَر بينهم من خصومات ما كانت
تنتهي حتى‬
‫تبدأ من جديد مقابَل أن يجنبوه وأتباَع ه أذى تجاِر مكة‪ .‬وما إن اطمأن
محمٌد في قاعدته الجديدة‪،‬‬
‫مثير وكذا مضموُن‬‫تغير ًا‬
‫ًا‬ ‫حتى بدأت عالقُة ما بينه وبين المجتمع الفتي من المؤمنين
حوله تتغير‬
‫دعوته‪.‬‬
‫كان الوحي في المرحلة المكية‪ ،‬المدَّو ُن
بين ‪ 114‬سورة من سور القرآن الكريم‪ ،‬قد ُأنِز ل على‬


على مدٍة من الزمن تزيد عن عقدين‪ ،‬تدعو الناس إلى االستقامة واتباِع رضواِن هللا
مولهم‬ ‫محمد ÷‬
‫الحق قبل [أن ُيَر ُّد وا إليه] يوم القيامة‪ .‬أما السَو ر المدنية‪ ،‬فكانت أطوَل
وأكثَر تفصيًال‪ ،‬وأقرَب إلى‬
‫أن تعكَس شؤوَن الحياة اليومية على وجه العموم‪ .‬وفيها
كذلك توجيهاٌت محددة لتنظيم الشؤون‬


متنامي العدد]‪
.[211‬في هذه المرحلة بدأ‬ ‫السياسية واالجتماعية واالقتصادية ألتباع محمد ÷‬

يوَص ف برسول هللا وخاتم النبيين إبراهيم وموسى وعيسى والباقين]‪.[212‬‬ ‫محمٌد ÷‬
‫÷‬
‫تشير كُل الدالئل إلى أن محمدًا
كانت لديه آماٌل عراض في أن يجَد هذا الدين صدًى طيبًا‬
‫لدى يهود المدينة‪ ،‬الذين
قّل شأنهم لكنهم كانوا ال يزالون العبين مهمين في الحياة السياسية‬

‫َّك‬
‫قد
ف ر‪ ،‬على أي حال؛ وال شك في أَّن القبائَل‬ ‫÷‬
‫واالقتصادية
للمدينة‪ .‬وال بد من أن محمدًا‬
‫اليهودية النافذة في المدينة قد
أدركت‪ ،‬أَّن التوحيَد الخالص الذي هو جوهُر رسالته إنما يعزز رسالَة‬
‫التوحيد التي
أتى بها إلى اليهود نبُيهم موسى قبل ذلك‪ ،‬وأنهم سيقِّو مون مرًة أخرى سلوكهم‪ ،‬الذي‬
‫كثير على مر السنين‪ ،‬ويعودون إلى الجادة]‪.[213‬‬
‫كان قد انحرف ًا‬
‫لطالما ازدهر في المخيلة البشرية مفهوُم
الجغرافيا المقدسة‪ ،‬التي تقاس بالحاجة الروحية أو‬
‫تالوة الكتاب المقدس أكثر مما
تقاس بإحداثيات راسِم الخرائط‪ .‬تتحدد حدوُد هذه الجغرافيا بالتجربة‬
‫الدينية
المطَّع مة بفهٍم مشترك للزمان والمكان‪ ،‬أكثر مما تتحدد بالهيئات الفيزيائية لألرض
أو الحدوِد‬
‫السياسيِة المتحركة للمدينة أو الدولة أو البلد‪ .‬فموق الحج‪ ،‬أو مسر
حدوث المعجزات أو أِي حدٍث‬
‫ُح‬ ‫ُع‬
‫ديني آخر‪ ،‬كُل ذلك يمكن أن يحدَد طبوغرافيا الخريطة
المقدسة‪ .‬ولعلك ال تجد مكانًا على وجه‬
‫حضور فيه
كالشرق األدنى‪ ،‬مهِد الديانات التوحيدية الرئيسية الثالث‪.‬‬
‫ًا‬ ‫األرض تبدو هذه الفكرة أكثر‬
‫هنا‪ ،‬تتقاطع الجغرافيا
الدينية والدنيوية في شعيرة الصالة وفي التنافس على المكان المقدس‪ ،‬في‬
‫سعِي
المؤمنين لالنتظام الفيزيائي مع ما هو إلهي‪.‬‬
‫َيكتسب االتجاُه الدقيُق للصالة عند
المسلمين أهميًة دينيًة وثقافيًة وسياسيًة كبيرة‪ .‬ونتيجة ذلك‪،‬‬
‫مضى اإلسالم في ما
مضى أشواطًا بعيدة في تعريف وتحديِد القبلة وتشريِف األماكن المقدسة‬
‫المحيطِة
بَم علمها ومنتهاها‪ :‬البيِت العتيق؛ الرمِز الخالد لقدرة ووجود هللا‪ .‬كذلك موقُع
مكة‪ ،‬بالطبع‪،‬‬
‫ذو أهميٍة حاسمة للحج‪ ،‬الذي هو فرٌض ديني واجُب األداء على المؤمنين
مرًة واحدة في العمر‪َ ،‬م ن‬
‫استطاع إليه سبيًال‪ .‬ومع الوقت‪ ،‬نما مشروٌع دين وعلم
ضخم حول موضوع مراعاة قدسية‬
‫ٌي‬ ‫ٌي‬
‫األماكن في اإلسالم عمومًا‪ ،‬والكعبِة خصوصًا‪.‬‬
‫يميل كثيٌر من الناس اليوم إلى اعتبار
الدين عدوًا للتقدم العلمي‪ .‬إّال أّن اإلسالم شجع من‬

‫ذات مرة في طلب العلم‪"


:‬اطلبوا العلَم ولو‬ ‫÷‬ ‫البداية على التفكر ورعاه بكل
أشكاله‪ .‬فقال محمٌد‬
‫في الصين"‪ .‬وقال في ما قال من أحاديَث كثيرة منسوبٍة
إليه‪ُ ،‬ج معت وقوِر نت وُد ِر ست على مر‬
‫العصور وُع رفت بالحديث‪ ،‬إَّن العلماء هم
"ورثة األنبياء"‪ ،‬ممتدحًا إياهم‪ .‬هذا في حين ضمن الحُج‬
‫اجتماَع المسلمين
من كل أرجاء األرض في كل عام‪ ،‬ما أوجد ساحًة عامة لتبادل األفكار واالبتكار‬
‫والعلم
والثقافة‪.‬‬
‫ووجد العلماُء والفالسفُة العرب بسهولة
دعمًا ربانيًا للعلم في الوحي اإللهي‪ ،‬إذ يشير القرآن‬
‫الكريم في عدٍد من اآليات
إلى النظام الكامن في كون هللا وإلى قدرة اإلنسان على إدراك واستغالِل‬
‫ِض‬ ‫َّش‬ ‫َّلِذ‬
‫َياًء َو اْل َق َم َر ُنوًرا َو َق َّد َرُه َم َناِز َل‬ ‫هذا النظام
لتلبية حاجاته‪ ،‬كمعرفة الوقت‪ُ) :‬هَو
ا ي َج َع َل ال ْمَس‬
‫ِلَتْع َلُم وا َع َد َد الِّس ِن يَن َو اْل ِح َس اَب َم ا َخ َلَق ُهَّللا َذ ِلَك ِإَّال
ِباْل َح ِّق ُيَف ِّص ُل اآلَياِت ِلَق ْو ٍم َيْع َلُم وَن (
[يونس‪.]5 :‬‬
‫ويؤيد القرآُن في موضٍع آخر استخدا عناصر الَخ لق لمعرفة االتجاه في
الصحاري البيداء والبحاِر‬
‫َم‬
‫الواسعة‪َ) :‬و ُهَو
اَّلِذ ي َج َع َل َلُك ُم الُّنُج وَم َتْه َتُد وا ِب َه ا ي ُظُلَم ا اْل َبِّر
َو اْل َبْح ِر َق ْد َف َّص ْل َنا اآلَيا َق ْو ٍم‬
‫ِل‬ ‫ِت‬ ‫ِت‬ ‫ِف‬ ‫ِل‬
‫َيْع َلُم وَن (
[األنعام‪.]97 :‬‬

‫تتطلب
فهمًا‬ ‫من شعائر اإلسالم
وواجباِته التي رسمها النبي ÷‬ ‫في الوقت نفسه‪ ،‬كان كثيٌر‬
‫متطور نسبيًا للعاَلم الطبيعي‪ .‬فليس في وسع المؤمنين ببساطة أن يغمضوا
أعينهم "عن مسير‬ ‫ًا‬
‫النجوم" بدافع الدين اتباعًا لنصيحة الفيلسوف المسيحي
القديس أوغسطين‪ ،‬بل‪ ،‬يتعين عليهم أن‬
‫َيعلموا األوقاَت الصحيحة للصلوات اليومية
الخمس‪ ،‬واتجاَه الكعبة‪ ،‬ووالدَة هالل شهر الصيام‪ .‬قال‬
‫ابن يونس الفلكي [المصري] من
العصور الوسطى‪:‬‬
‫"معرفة مواقيت الصالة فرٌض على
المسلمين الممِّي زين‪ .‬أجَم َل هذا القرآُن ‪ ،‬يا صاِح ‪ ،‬وفَّص له‬
‫الحديث‪ ...‬وال خيَر في
امرٍئ ساٍه عن صالته‪ ،‬وال َيعرف له ربًا يعبد"]‪.[214‬‬
‫‪“Knowing the prayer times is a prescribed
duty for discerning Muslims.‬‬
‫‪This is summarized in the Koran, my friend, and
was explained by [the‬‬
‫‪Prophet Muhammad]... There is no virtue in a person who
is neglectful of‬‬
‫‪the prayer times, and he has no knowledge of Him who is to be‬‬
‫”‪worshipped.‬‬
‫كان المؤمنون األوائل‪ ،‬المتجمعون في
محلياٍت قليلة بشبه الجزيرة العربية وما حولها‪ ،‬يحلون‬
‫هكذا مشكالٍت في الممارسة
الدينية بسهولٍة نسبية‪ .‬وكانت تكفي على وجه العموم طرائق الفلك‬
‫الشعبي اإلسالمي؛
التي كانت تقوم على اإلشارات البصرية وتفتقر إلى األساس النظري في علم‬
‫الفلك‪
.‬وكانت تلك هي الحال خاصًة في ضبط أوقات الصلوات اليومية المفروضة‪ ،‬التي غالبًا ما‬
‫كانت تحَد د بتغير ظل عموٍد خاص‪ ،‬يدعى عقرب الِم زولة الشمسية [‪
،]gnomon‬يغرس في‬
‫األرض أو يقام داخل مزولٍة شمسية [رخامة ‪ .]sundial‬يعود تعريُف أوقات
الصالة في الوقت‬
‫الراهن إلى القرن الثامن‪ ،‬حيث يتعين أداُء كٍّل منها خالل فترٍة
معينة تحددها عالماٌت فلكية‪ُ .‬تعَر ف‬
‫مواقيت الصلوات النهارية بطول الظالل‪ ،‬بينما
ربط مواقي الصلوات الليلية بأحداٍث نجمية ممكنِة‬
‫ُت‬ ‫ُت‬
‫الرصد‪ .‬تسمى أول صالة صالة
المغرب‪ ،‬البداية التقليدية لليوم عند المسلمين‪ ،‬وينبغي أداؤها قبل‬
‫حلول الظالم‪
.‬بينما تؤَد ى الصالة الثانية بعد هبوط الظالم‪ ،‬أما الصالة الثالثة فتؤَد ى قبيل طلوع‬
‫الشمس‪ .‬تبدأ الصالة الرابعة‪ ،‬وتعرف في الغرب بصالة الظهر‪ ،‬عمليًا مع بداية أفول
الشمس عن‬
‫خط الزوال الذي يقع في منتصف السماء مباشرًة‪ .‬كذلك الصالة األخيرة‪ ،‬صالة
العصر‪ُ ،‬تعرف‬
‫بتقدم الظل ويتعين أداؤها قبل غروب الشمس‪ ،‬وينتهي بذلك يوم ويبدأ يوم]‪.[215‬‬
‫أدرك العلماء المسلمون األوائل على الفور
أهميَة تأسيس بحثهم على اإليمان‪ ،‬وكرس كثيٌر‬
‫منهم المقاطَع االفتتاحيَة لرسائلهم
العلمية وتعليقاتهم وغيِر ذلك من أعماٍل تقنيٍة صرفة للتوكيد على‬
‫أهمية علمهم
للشؤون اليومية للمؤمنين‪ .‬وربما َتَر َك هم هذا التركيُز نفُس ه على المسائل العملية
عرضًة‬
‫في بعض األحيان لرد فعٍل عنيف من المتحفظين‪ .‬وما إن كانت ُتَح ل هكذا مسائل
وتلبي حاجة‬
‫المؤمنين‪ ،‬حتى ُيضطر الِع لم اإلسالمي إلى إيجاد مبر ارٍت جديدة للقيام
بمزيٍد من الدراسة]‪.[216‬‬
‫لكن حتى تلك المرحلة‪ ،‬كان اإليمان والعقل ال يزاالن متنافَر ين‪.‬‬

‫من أنحاء
العالم المعروف في السنوات التي تلت وفاَة محمد ÷‬ ‫بدأ انتشاُر اإلسالم في كثيٍر‬
‫يجعل التحديَد الدقيق للوقت والتاريخ واالتجاه بعيدًا عن متناول الفلك الشعبي
البدائي‪ .‬وبحلول‬
‫بحر بمحاذاة ساحل الصين‪
،‬والتاجُر العربي في أقاصي‬ ‫العصر العباسي‪ ،‬كان المسلُم المسافر ًا‬
‫األندلس‪ ،‬والمؤمُن المتعبد في أقاصي آسيا الوسطى؛ كُل
أولئك يحتاجون إلى معلوماٍت بات يصعب‬
‫توصيُلها إليهم من جهٍة مرجعيٍة مركزيٍة
بعيدة‪ .‬وكرغبة المسلمين في توحيد أداء واجباتهم الدينية‬
‫على امتداد الرقعة
الجغرافية الواسعة للعالم اإلسالمي تجد التماَس اإلمبراطور قسطنطين قبل أربعة‬
‫قرون‪ ،‬من دون جدوى‪ ،‬جمَع كلمة العالم المسيحي كله على تاريٍخ واحد معترٍف بهم
لالحتفاء‬
‫بالفصح‪ .‬كذلك أتى منسجمًا تمامًا مع الخميرة الفكرية التي أنتجتها
سياساُت البالط العباسي‪ .‬ففي‬
‫رعاية الخلفاء األوائل‪ ،‬ظلت احتياجاُت الدين وضرو ارُت
العلم تتفاعل بحرية خالل مئات السنين‬
‫بطرائق ما كانت أوروبا العصور الوسطى
لتتصورها‪ .‬كذلك فتح الخلفاُء آفاقًا واسعة للعمل المبكر‬
‫على المبادئ العلمية
األساسية ما أدى‪ ،‬بين ما أدى إليه من ثماٍر ال تقدر بثمن‪ ،‬إلى فتوحاٍت في‬
‫الجغرافيا‪ ،‬وآالِت القياس‪ ،‬والبصريات‪ ،‬والمالحة‪.‬‬
‫في البداية‪ ،‬كان المؤذن ُيختار لشخصيته
الفاضلة وقوِة صوته الذي سيدعو به المؤمنين إلى‬
‫الصالة من أعلى المنارة‪ .‬ومع
الوقت‪ ،‬أضيفت معرفُة السماء إلى قائمة الشروط‪ .‬يقول الكاتب‬
‫المصري ابن األخَّو ة
[القرشي] في هذا الشأن‪" :‬وال يؤِّذ ن في المنارة إال عدٌل ثقٌة أميٌن عارٌف
بأوقات‬
‫الصلوات‪ ...‬وينبغي للمؤذن َأن يكوَن عارفًا بمنازل القمر وشكل كواِك ب
المنازل ليعلَم أوقاَت الليل‬
‫ومضي ساعاته وهي ثمانيٌة وعشروَن منزلة"]‪
.[217‬وفي المناطق الحضرية‪ ،‬حل مؤِّقت المسجد‪،‬‬
‫وهو نوٌع من فلكي ديني‪ ،‬تدريجيًا محل
األعراف الشعبية األقدم‪ .‬وكان أمثاُل هؤالء العلماء‬
‫المحترفين يضبطون أوقاَت
الصالِة المحلية‪ ،‬لكنهم بنوا كذلك آالٍت فلكية‪ ،‬ووضعوا رسائَل في الفلك‬
‫الكروي‪
،‬واشتغلوا بالتدريس‪ .‬وكان من عملهم وضُع ونشُر تقاويَم دقيقة [‪
-  ]almanacs‬من‬
‫العربية "المناخ"‪ - ‬تعطي أوقاَت الصالة في كل يوم من أيام السنة
في األمصار البعيدة كالصين‬
‫مركز رئيسًا لهكذا نشاط‪ ،‬نحُو‬
‫ًا‬ ‫والمغرب‪ .‬وكان يوجد بالقاهرة في العصور الوسطى‪ ،‬وكانت
آنذاك‬
‫مائتي صفحة إلعطاء الوقِت من الشمس وغيِرها
من المؤشرات السماوية‪.‬‬
‫لعل التفاعَل بين اإليمان والعلم لم يكن في
شيء أهَم مما كان في مسألة القبلة‪ ،‬التي ُتلحظ في‬
‫الترتيبات الدقيقة في المساجد
كافة لتوجيه المؤمن إلى الكعبة‪ .‬كان المسلمون األوائل في آسيا‬


عندما كان‬ ‫الوسطى واألندلس
يتوجهون في صالتهم ببساطة إلى الجنوب‪ ،‬مؤتّم ين بالنبي محمد ÷‬
‫في المدينة‪ ،‬التي تبعد ‪ 270‬ميًال إلى الشمال من مكَة والكعبة‪ .‬ومع تطور
فهم العرب للكون من‬
‫حولهم‪ ،‬راحوا بطبيعة الحال َينُش دون دقًة أكبر في مراعاة
األماكن اإلسالمية المقدسة في عباداتهم‪.‬‬
‫يقول زين الدين الدمياطي الفقيه المسلم من
القرن الثاني عشر‪" :‬القبلة لسكان المعمورة كالمركز‬
‫للدائرة‪ .‬فكل األقاليم
تتجه إلى الكعبة‪ ،‬وتحيط بها إحاطَة الدائرة بمركزها‪ ،‬وكُل إقليٍم منها يقابل ركنًا‬
‫من أركان الكعبة" [ترجمة عكسية]]‪ [218‬لكن‪
،‬أين كانت الكعبة بالضبط؟‬
‫اعتمدت إحدى الطرائق تحديد القبلة على نظم
تحديد االتجاه بالرياح األربع عند عرب ما قبل‬
‫اإلسالم؛ ولعل كلمَة ِقبلة نفَس ها
مشتقٌة من القبول االسِم العربي التقليدي للرياح الشرقية‬
‫السائدة]‪  [219‬بينما
اعتمدت الطرائق األخرى على مواضِع نجوٍم بارزة‪ ،‬أو اتجاِه مطلع الشمس‬
‫في الشتاء‪
،‬أو غيِر ذلك من الظواهر التي يسهل رصُد ها‪ .‬وثمة مخططاٌت أخرى شائعة عَّر فت‬
‫األركاَن األربعة للكعبة بأسماء أقاليم الشركاء التجاريين التقليديين األربع لمكة‪
:‬الشام‪ ،‬والعراق‪،‬‬
‫واليمن‪ ،‬و"الغرب"‪ .‬وهكذا‪ ،‬كانت الجغرافيا المقدسة تكمل
بسهولة النظَم العمليَة القائمة التي كانت‬
‫القوافُل الصحراوية والسفُن التجارية
العربية التي تمخر المحيطات تستخدمها منذ قرون في سيرها‬
‫على طرقات التجارة
التقليدية‪ .‬ومع الوقت‪ ،‬ازدادت دقُة التمييز بربط مناط جغرافيٍة أضيق بسماٍت‬
‫َق‬
‫معمارية معينة للكعبة‪ ،‬كالميزاب أو الباب]‪
.[220‬تصف مخطوطٌة يمنية من القرن الثالث عشر‪،‬‬
‫عنواُنها المنمق "تحفة الراغب وُترفة
الطالب في تيسير النيرين [الشمس والقمر] وحركاِت الكواكب"‪،‬‬
‫منظومًة من اثنتي
عشرة منطقًة جغرافية مركزها الكعبة‪ .‬وفي نسٍخ أخرى من اثنتين وسبعين‬
‫منطقة]‪.[221‬‬
‫القت هكذا نظٌم غيُر رسمية استحسانًا لدى
الفقهاء المسلمين‪ ،‬الذين أقروا عمومًا بموافقتها‬
‫شروَط اإليمان‪ .‬لكن‪ ،‬ظل االلتباُس
والخالُف حول االتجاه الصحيح للقبلة قائمًا أحيانًا‪ .‬ففي إحدى‬
‫األمصار النائية‪
،‬مثًال‪ ،‬واجهت المؤمنين المرتبكين أربعة خيا ارٍت مختلفة‪ :‬أرٌي يؤيد جهة الغرب‬

‫في‬ ‫يؤيد التقليَد الجنوبي األقدم


للنبي ÷‬ ‫األصلي‪ ،‬في اتجاه طريق الحج التقليدي إلى مكة؛ وآخُر‬
‫المدينة؛ وثالٌث يراعي
اتجاَه القبلة في أقدم مساجد المنطقة؛ ورابٌع يترك المسألة للفلكيين]‪.[222‬‬
‫وزاد الصورَة تعقيدًا استخداُم المسلمين الهياكَل الدينية القديمة؛ كالُك ُنس أو
الكنائس‪ ،‬التي لها ِق بالتها‬
‫الخاصة‪ .‬فقد ُع ثر في صحراء النقب على مسجٍد بقبلتين‪
،‬إحداهما جهَة القدس من الشرق وأخرى‬
‫أحدُث منها جهَة الكعبة من الجنوب]‪ )...(
.[223‬وفي بعض مناطق إندونيسيا النائية ال تزال‬
‫هناك مشكلة في تحديد االتجاه
الصحيح إلى القبلة‪ ،‬حيث يشيع استخدام أطواٍل من الخيوط أو غير‬
‫ذلك من عالمات
لتصحيح وجهة القبلة]‪.[224‬‬
‫ما كانت هكذا أحوال لترض الصنَف الجديد
من العلماء العرب في العصور الوسطى‪،‬‬
‫َي‬
‫المتمكنين جيدًا من علوم المثلثات والهندسة
الكروية والفلك‪ ،‬هذا مفهوم‪ .‬وقد ُك تبت إحدى أعظِم‬
‫الرسائِل العربية في الجغرافيا
الرياضية‪ ،‬وكانت للبيروني‪ ،‬في القرن الحادي عشر‪ ،‬حول إيجاِد اتجاِه‬

‫القبلة من
مدينٍة بأفغانستان [رسالة في معرفة سمت الِقبلة]]‪
.[225‬وكان كتاب تحديد نهايات‬
‫األماكن األوَل في التاريخ في ميدان التحديد الدقيق
لألماكن الجغرافية بتقنيات المثلثات الكروية‪ .‬وقد‬
‫ُص ِم م نهُج ه الدقيُق المضبوط
ليحَل محل الطريقة الصعبة األقَل موثوقيًة التي كانت شائعَة‬
‫االستخدام آنذاك
لتحديد الفوارق في خطوط الطول‪ :‬أي طريقة رصد خسوف القمر من نقطتين‬
‫مختلفتين بآٍن
واحد‪ .‬وقد قيل إَّن انقطاَع البيروني للعلم كان تامًا حتى "ال يكاد يفارق يَد ه
القلم وعيَنه‬
‫النظر وقلَبه الفكر إال في يومي النيروز والمهرجان من السنة
[مناسبتان خاصتان بالفرس]"‬
‫]‪
.[226‬وبالرغم من احتواء عمله على بعض األخطاء البسيطة‪ ،‬فقد ظل مهيمنًا عمليًا حتى‬
‫القرن
التاسع عشر بل العشرين]‪
.[227‬وألمثال الخوارزمي والبيروني وزمالئهما الميالين إلى‬
‫التجربة‪ ،‬كان االتساُع الهائل
لإلمبراطورية العربية كذلك قوًة دافعة لصناعتي رسم الخرائط والمالحة‪،‬‬
‫وقاد إلى
تطوير اآلالت العلمية المحمولة كاألسطرالب‪ ،‬وأفسح في المجال إلحداث تطو ارٍت كبيرة‬
‫في كثيٍر من الفروع المعرفية التي ستصبح في ما بعد أساسيًة للعلم الغربي‪.‬‬
‫لم يكن علُم الفلك وما اتصل به من فروٍع
معرفية هما المستفيدين الوحيدين من فورة الحماسة‬
‫للتعلم في اإلسالم‪ .‬بل إَّن
السحَر والتجربَة والعلم كلها أتت في صورة الكيميا‪ ،‬حجِر الزاوية في‬
‫الكيمياء المعاصرة‪ .‬وأدى الخالُف حول المشروعية الدينية لتصوير اإلنسان والحيوان
في الفن إلى‬
‫االستخدام الكثيف للتزيينات الدقيقة المنمطة للمنشآت العامة‪ ،‬وأعماِل
السيراميك‪ ،‬واألقمشِة التي‬
‫َتَبَّد ى فيها فهُم المسلمين المتطور جدًا لعلم
الهندسة‪ .‬وقد أظهرت دراسٌة رياضية سنَة ‪ 2007‬أن‬
‫معماريي العصور الوسطى المسلمين
استنبطوا نماذَج فسيفسائية معقدة من أربعة أشكال مختلفة‬
‫فحسب من البالطات يمكن أن
تشكَل نظريًا عددًا النهائيًا من النماذج الفريدة التي ال تجد واحدًة‬
‫منها تشبه
األخرى‪ .‬من أمثلة ذلك نماذُج تبليٍط هندسية في مرقٍد إسالمي من القرن الخامس عشر‬
‫بمدينة أصفهان بإيران لم يستطع الغرب فهَم الرياضيات التي تقوم عليها إال بعد
خمسمائة‬
‫سنة]‪.[228‬‬
‫في هذه األثناء‪ ،‬شجع الحض على التداوي في
اإلسالم على تحصيل مكتسباٍت هائلة في‬
‫الطب وإقامِة مستشفياٍت متقدمة [بيمارستانات
(جمع بيمارستان)]‪ ،‬كاملة بمبتك ارٍت من قبيل األجنحة‬
‫التخصصية‪ ،‬والجوالِت المنتظمة
لألطباء‪ ،‬والرعايِة الصحية المجانية للمرضى المعوزين‪ ،‬والمعاملِة‬
‫اإلنسانية
للمجانين‪ .‬ومضى العرب‪ ،‬مستندين في عملهم إلى العلم اليوناني الذي وصل إليهم أول‬
‫األمر من طريق المسيحيين النسطوريين الفارين من االضطهاد الديني البيزنطي‪ ،‬إلى
تطوير أدويٍة‬
‫جديدة وطرائق جديدة لتحضير المكونات الفعالة لهذه األدوية‪ .‬وأتوا
باكتشافاٍت مهمة في ميدان‬
‫البصر والبصريات وقطعوا أشواطًا متقدمة في الجراحة‪
.‬واختار المختصون [أبو بكر الرازي] إقامَة‬
‫بيمارستان بغداد الرئيس [بيمارستان
المعتضد] في موقٍع أظهرت االختبارات أَّن فساَد اللحم النيء‬
‫فيه كان أبطأ ما يكون‪
،‬كاشفين عن إد ارٍك مبكٍر ومتناٍم للجراثيم والطرائق األخرى النتشار‬
‫األمراض‪.‬‬
‫وأقيمت مدارُس طبيٌة كبرى بدمشق وبغداد
وقرطبة والقاهرة‪ .‬وظل كتاُب القانون في الطب‬
‫للطبيب والفيلسوف الفارسي ابن
سينا المرجَع األساَس في الطب لدى الغرب ألكثر من خمسمائة‬
‫سنة‪ ،‬بينما كانت مدرسة
ساليرنو الطبية‪ ،‬بجنوبي إيطاليا‪ ،‬الممَر الرئيس لنقل العلوم الطبية‬
‫اإلسالمية إلى
أوروبا الغربية‪ .‬وقد زار آديالرد أوف باث ساليرنو في جولته الكبرى‪ ،‬لكن ال يوجد ما‬
‫يثبت أنه تعمق قط في فنون المداواة‪ .‬وبخالف الغرب المسيحي في العصور الوسطى‪ ،‬الذي
مال‬
‫إلى اعتبار العلِة والمرض عقابًا إلهيًا‪ ،‬بحث األطباء العرب عن اختالالت
الموازين الصحية أو غيِر‬
‫ذلك من األسباب البدنية التي يمكن عالُج ها واعتبروا
بحَثهم هذا جزءًا من رسالتهم الدينية‪.‬‬
‫كذلك يولي اإلسالم أولويًة للنظافة
الشخصية‪ ،‬وهي حقيقٌة تؤكدها شعيرُة الوضوء من غسٍل‬
‫لليدين والوجه والقدمين قبل كل
صالة من الصلوات اليومية الخمس‪ .‬وقد احتوت مساجُد ومباٍن‬
‫عامٌة أخرى كثيرٌة من
العصور الوسطى على نظٍم معقدة لإلمداد بالمياه‪ ،‬وهو ميداٌن برع فيه‬
‫المهندسون
العرب األوائل‪ .‬ومن اختراعاتهم األصيلة آلياُت تغذيٍة عكسية متطورة وأدواُت تحكٍم
آلي‬
‫لضبط اآلالت من دون تدخٍل بشري‪ .‬ومن األشياء األخرى التي طوروها مضخٌة
بأسطوانتين وسفٍط‬
‫مضبوط‪ ،‬والعموُد المرفقي (ذراع الكَر نك)‪ ،‬لنقل الطاقة بشكٍل
فعال‪ .‬ولم يبدأ هذا األخير بالظهور في‬
‫اآلالت األوروبية حتى القرن الرابع عشر]‪
.[229‬في رسالٍة له تعود إلى ‪ ،1206‬يتحدث ابن‬
‫الرزاز الَج َز ري‪ ،‬أعظُم مهندسي العصور
الوسطى‪ ،‬عن ساعاٍت زمانية بالماء والشمع‪ ،‬وأواٍن لتوزيع‬
‫الشراب [آليًا]‪ ،‬وفوا ارٍت
معقدة‪ ،‬وآالِت َز مٍر دائم ‪ - ‬أشهُرها آلُة طبول مبرمجة تتألف من أربعة‬
‫شخوص في
زورق ‪ - ‬وكذا ُنظٍم متقدمة لرفع الماء من اآلبار والصهاريج‪ ،‬وما شابه‪ .‬وكانت‬
‫أوصاُفه من الدقة بحيث أمكن استخداُم ها في العصور الحديثة إلحياء بعٍض من آالته‬
‫الفريدة]‪.[230‬‬

‫÷‬
‫وكخليفٍة رمزي للنبي ‪
،‬كان المأموُن مسؤوًال ‪ - ‬على األقل نظريًا ‪ - ‬عن الصالح الديني‬
‫لمجتمع
المؤمنين الواسع في إمبراطوريته‪ .‬وكان في الوقت نفِس ه أرَس هذه اإلمبراطورية
الضخمة‪،‬‬
‫بكل تعقيداتها السياسيِة واالقتصاديِة والعسكريِة واإلداريِة المصاحبِة
لها‪ .‬لجأ الخليفة إلى علماء بيت‬
‫الحكمة طلبًا للعون على شؤون الدين والدنيا‪ .‬وِلما
يتمتع به من طبٍع فضولي وما نشأ عليه من حب‬
‫للعلم‪ ،‬طلب من هؤالء الخبراء تحديَد
المكان الدقيق لبغداد ومكة لمعرفة الِقبلة الشرعية الصحيحة‪.‬‬
‫وسوف تساعد هكذا
معلوماٌت كذلك الُح جاج‪ ،‬الذين كانت تهمهم معرفُة المسافة بين بغداد ومكة‪،‬‬
‫على
معرفتها وتحديِد أقصر الطرقات المؤدية إلى الكعبة‪ ،‬وكذلك على الرصد الصحيح للتقويم‬
‫القمري الشريف‪ .‬وكان هذا التقويم صعبًا جدًا‪ .‬تتحدد بدايُة الشهر القمري في التقليد
الديني بأول‬
‫عالمٍة على والدة هالل الشهر‪ ،‬ما يتطلب من الفلكي معرفَة الفلك القمري
والمنازل المقابلة للشمس‬
‫واألرض لَتَو ُّق ع "رؤية الهالل"‪ .‬وكأي عاهٍل
يحترم نفَس ه‪ ،‬أراد الخليفة العباسي أيضًا صورًة دقيقة‬
‫لطول وعرض العاَلم الذي
يحكمه‪.‬‬
‫عند فلكيي وعلماء بيت الحكمة اآلخرين‪ ،‬كان
كُل ذلك يؤول إلى حل مسائَل أساسية في‬
‫الهندسة الكروية‪ .‬وكانوا قد حِذ قوا‪
،‬باالستعانة بالقدماء‪ ،‬نظاَم تحديد اإلحداثيات الجغرافية؛ أي‪،‬‬
‫استخدام دوائر الطول
والعرض التخيلية التي تطوق األرض إلعطاء كل نقطٍة منها موقعًا فريدًا‬
‫يمكن تحديُد ه
بهذه الدوائر‪ .‬وبخالف مسيحية العصور الوسطى‪ ،‬لم يعارض اإلسالم المفهوَم القديَم‬
‫لألرض ككرة؛ فقد طبق العلماُء العرب بسهولة رياضياِت الكرة على مسائل الجغرافيا من
البداية‪.‬‬
‫وكان هؤالء العلماء قد تعلموا من بطليموس‪ ،‬صاحِب كتاب المجسطي
وكتاِب جغرافيا الذي يكاد‬
‫َيعدله أهمية‪ ،‬مسألَة اإلسقاط أو الَبسط [‪ ،]projection‬أي تمثيل السطح المكَّو ر لألرض على‬
‫خريطٍة مستوية‪ .‬وكان المسح
الجيوديزي الذي أمر بإجرائه المأمون في برية سنجار الصحراوية قد‬
‫أعطى طوَل الدرجة
الواحدة من محيط األرض بوحدات قياس عربية [فكان ‪ 56‬ميًال‪ ،‬والميل العربي‬
‫‪
4000‬ذراع‪ ،‬والذراع (التي وضعها المأمون) ‪ 120‬إصبعًا؛ حسب المسعودي في المروج]‪
،‬بينما‬
‫َق ّد مت تصحيحاُت المسلمين لجداول بطليموس‪ ،‬التي تحدد إحداثياِت ثمانية آالف
مدينة ومكان‪ ،‬وما‬
‫أضافوا إليه‪ ،‬بياناٍت جديدة أكثَر دقًة‪ ،‬للفلكيين والجغرافيين
على السواء‪.‬‬
‫كانت المعلوماُت والتقنيات التي طورها
خب ارُء المأمون وأمثاُلهم ‪ - ‬وكان األمُر عندهم في‬
‫األساس مسألَة علم هندسة
ومثلثات ُط بقت على كرة األرض‪ - ‬تستطيع تحديَد الِقبلة بدقٍة ملفتة من‬
‫خط
الطول المحلي للدائرة الكبرى لكرة األرض‪ .‬كانت الجغرافيا ُتعِّر ف الِقبلَة بأنها
الخُط المستقيم‬
‫"الذي يتبادر إلى الذهن بداهًة" أنه يصل المؤمَن بمكة‪
،‬لكَّن رياضيي وفلكيي بيت الحكمة َع ِلموا أن‬
‫الشكَل الكروي لألرض يعني أن الِقبلَة
الفعلية كانت في الحقيقة خطًا مائًال بزاويٍة محددة من نقطة‬
‫الصالة ال تزال تعرف
إلى اليوم باسم ‪ ،azimuth‬من العربية الَس مت‪ .‬وصار الفرق بين هاتين‬
‫المقاربتين
للقبلة أكثَر وضوحًا بازدياد البعد عن مكة‪ ،‬ولقد كان مقياسًا لتأثير علماء الفلك
الرياضي‬
‫أن أصبحت مقاربُتهم هم لمسألة القبلة موضَع إجماع لدى المؤمنين‪ .‬ويقع هكذا
نظام لقياس الدائرة‬

‫‪
.‬كما يشكل أساَس‬
‫الكبرى اليوم في أساس الحسابات الجغرافية المعاصرة للمسافة
واالتجاه]‪[231‬‬
‫أعظِم إنجا ازِت المأمون العلمية‪ ،‬أال وهي وض خريطة العالم‪ ،‬مع
وصٍف لسكان وأمكنِة وعجائِب‬
‫ُع‬
‫األرض‪ ،‬وجدوٍل مجَد د باإلحداثيات الجغرافية إلسناد
البحوث القادمة‪.‬‬
‫لم تكن مثل هذه المجهودات مجهولًة في
العالم اإلسالمي األول‪ .‬يخبرنا المسعودي أنه قبل‬
‫مائتي عام من حكم المأمون‪ ،‬سعت
السلطاُت المسلمة األولى لالستعالم عن مملكة اإلسالم‬

‫حين
فتح هللا البالَد على المسلمين من العراق‬ ‫‪L‬‬ ‫المتسعة‪َ" .‬ذ َك َر ذوو
الدراية أّن عمَر بَن الخطاب‬
‫والشام ومصر‪ ،‬وغيِر ذلك من األرض كتب إلى
حكيٍم من حكماء العصر‪’ :‬أّنا أناٌس ُع رب‪ ،‬وقد‬
‫فتح هللا علينا البالد‪ ،‬ونريد أن
نتبوأ األرض‪ ،‬ونسكَن البالَد واألمصار‪ ،‬فصف لي المدَن وأهويَتها‬
‫ومساكَنها‪ ،‬وما
تؤِّث ُره التربُة واألهويُة في سكانها‘"‪ .‬وحسب المسعودي‪ ،‬فقد رد الحكيم بذكر
أوصاف‬
‫الشام ومصر والعراق وأجزاء من فارس لكنه آثر أال يقوَل شيئًا عن الهند أو
الصين أو الغرب‪" .‬وأما‬
‫الهند والصين وبالد الروم فال حاجَة بي إلى وصفها لك‪
،‬ألنها منازُل شاسعة‪ ،‬وبلداٌن نائية‪ ،‬كافرٌة‬
‫طاغية"]‪.[232‬‬
‫وكان في وسع المأمون وبحاثيه كذلك
االعتماُد على بعض األعمال التقنية الماهرة‪ ،‬ومن ذلك‬
‫الخرائُط والمسوح العسكرية القديمة
والسجالُت التفصيلية لنظام طرقات البريد المتطور في‬
‫اإلمبراطورية اإلسالمية‪ ،‬بما
يحتوي عليه من سجالِت طرقات‪ ،‬ومسافات‪ ،‬وأزمنِة قطعها‪ .‬وقد ُع ثر‬
‫على شاخصاٍت حجرية
تبين المسافَة من بغداد حتى فلسطين وجورجيا‪ ،‬بالقوقاس]‪
.[233‬وكان‬

شهير لهكذا‬
‫ًا‬ ‫صاحُب البريد ومسؤوُل االستخبار بشمال غربي فارس قد عمل في ما بعُد مسحًا‬
‫بيانات في كتاب المسالك والممالك‪ .‬وكان التجاُر والبحارُة
والجواسيُس ومصالُح البريد المنتشرُة في‬
‫أرجاء اإلمبراطورية يشكلون مصادَر
معلوماٍت مثاليًة للخلفاء وإدارييهم في العاصمة العباسية‪ .‬كذلك‬
‫يتضمن كتاب المسالك
والممالك وصفًا ألهم الطرقات البحرية المؤدية إلى فارس والبحرين وعمان‬
‫أخير إلى ميناء كانتون‬ ‫واليمن
وما وراء ذلك وصوًال إلى كمبوديا وشبه جزيرة الماليو و ًا‬
‫بالصين]‪
.[234‬ثم أتت كتٌب أخرى على هذا المنوال أضافت ثروًة من البيانات االقتصادية‬
‫المفيدة
للتجارة وجمع المكوس وما شابه من مسائل في إدارة اإلمبراطورية‪.‬‬
‫بل إَّن المأمون كان لديه طموٌح أكبُر
بكثير لخريطة العالم وما فيها من وصف للجغرافيا‬
‫البشرية‪ ،‬فجمع لصنعها فريقًا من
عشرات العلماء‪ .‬يقول المسعودي عن نطاق هذا المشروع‪[" :‬وفي‬
‫الصورة المأمونية
التي ُع ملت للمأمون اجتمع على صنعتها ِع دٌة من حكماء أهل عصره] ُص ِّو ر فيها‬
‫العاَلُم بأفالكه ونجوِم ه وبِّره وبحِره وعامِره وغامِره ومساكِن األمم والمدن
وغير ِذلك‪[ ،‬وهي أحسُن مما‬
‫تقَّد مها من جغرافيا أبطلميوس وجغرافيا مارينوس
وغيِرهما]"]‪
.[235‬وفي روايٍة أحدث‪ ،‬يقول أبو‬
‫عبد هللا الزهري‪ ،‬إنه إلى جانب السمات الجغرافية
البارزة لألرض‪ ،‬أدرج جغرافيو الخليفة ببغداد أوائل‬
‫القرن التاسع "مكاَن
أعاجيبها وما في كل جزء من األعاجيب المشهورة والمباني الموصوفِة بالِقَد م في‬
‫أقطارها"]‪
.[236‬ومن هذه "األعاجيب المشهورة" وصٌف جغراف دقيق لسور الصين العظيم‪.‬‬
‫ٌي‬
‫ِح‬
‫إضافة إلى هذه التحف والُط َر ف‪ ،‬جاء في
خريطة المأمون ومس ه وصُف ‪ 530‬مدينًة وبلدًة‬
‫نهر‪ ،‬و‪
200‬جبل‪ ،‬ومقداِرها وما فيها من المعادن والجواهر‪ .‬وقد‬ ‫مهمة‪ ،‬وخمسِة أبحر‪ ،‬و‪ً 290‬ا‬
‫توزعت هذه السمات بين ما م ‪ ،climata‬التقسيم اليوناني التقليدي للعالم المعروف إلى أحزمٍة‬
‫ُس َي‬
‫[‪[
]zones‬أو أقاليَم ] متوازيٍة ومتساوية تمتد من خط االستواء وإلى الشمال‪ .‬وكان هذا النظام
قد‬
‫وصل إلى العرب من بطليموس‪ ،‬لكَّن علماَء المأمون هذبوه‪ ،‬ومن جملة ما أدخلوا
إليه من تحسينات‬
‫إضافُة إقليمين جديدين غيِر مسكونين تقريبًا يقعان تحت خط
االستواء مباشرًة وذلك انسجامًا مع‬
‫المعلومات األحدث التي كانت لديهم‪ .‬كذلك عّد لوا
امتداَد البحر المتوسط‪ ،‬مقلصين هذا االمتداد من‬
‫ًال‬
‫اثنتين وستين درجًة طوًال عند
بطليموس إلى اثنتين وخمسين درجة؛ ثم قلص الجغرافيون العرب في‬
‫أوائل القرن الحادي
عشر هذا الرقم مرًة أخرى إلى اثنتين وأربعين درجة؛ وهو رقٌم قريب جدًا من‬

‫‪
.‬األهم من ذلك كله‪ ،‬أن جغرافيي الخليفة صححوا تمثيَل بطليموس التقليدَي‬
‫التقدير
الحالي]‪[237‬‬
‫للمحيط
الهندي كبحٍر محاٍط باليابسة‪ ،‬وأوضحوا‪ ،‬ألول مرة‪ ،‬أّنه كتلًة كرويًة من الماء تحيط
بالعالم‬
‫المسكون]‪  [238‬وهو
فتٌح كبير في تاريخ علم الخرائط سبق بستمائة سنة َم قِد َم ما يسمى عصر‬
‫االكتشاف
بأوروبا‪ ،‬الذي بدأ في منتصف القرن الخامس عشر‪.‬‬
‫هذا المسعى الدؤوب لهكذا فريٍق كبير من
الجغرافيين والرياضيين والعلماء اآلخرين ما كان له‬
‫أن يكون لوال االهتمام والدعم
الشخصيين من جانب المأمون‪ ،‬وقد حضرت المأموَن الوفاة مع‬
‫اكتمال المشروع سنة ‪
.833‬ثم طور علماء مسلمون منفردون وهذبوا علَم ي الجغرافيا ورسم الخرائط‬
‫في ما تال من
قرون‪ .‬وكان ِم ثُل هذا التطور منسجمًا مع النظرة العربية المبدئية إلى العلم‪
،‬وعمليٌة‬
‫ديناميكية تبني فيها األجياُل الالحقة على عمل األجيال السابقة وأَّن
الكَل متحٌد في مشروٍع ضخٍم‬
‫واحد‪ .‬وفي حالة الجغرافيا‪ ،‬هيمنت على المرحلة التالية
األوصاُف التفصيليُة للشعوب والثقافات‬
‫والبيئة‪.‬‬
‫شهد هذا المسعى اآلِخ ُذ في االنتشار حلوَل
ُك تاِب رحالت ودارسي أجناس وثقافات‬
‫(إثنوغرافيين) رفيعي المستوى تدريجيًا محَل
علماء الفلك الرياضي الذين كانوا يقفون خلف خريطة‬
‫المأمون وما شابهها من أبحاث‪
.‬وكانت مثل هذه األعمال تندرج في التقليد نفِس ه الذي يندرج فيه‬
‫كتاب االعتبار
ألسامة بن منقذ‪ ،‬تلك الرواية التثقيفية الممتعة ألحوال القادمين الجدد من
المسيحيين‬
‫إلى الشرق األوسط‪ .‬ففضًال عن جاذبيتها األدبية‪ ،‬تلبي هذه الجغرافيا
اإلنسانية الجديدة الطلباِت‬
‫المتزايدة لإلدارات الحكومية المركزية على معلوماٍت
أفضَل عن البلدان والشعوب الواقعِة تحت‬
‫سلطانها‪ .‬وُتظهر‪ ،‬على نحٍو الفت‪ ،‬عبقريَة
العرب في السبر الدقيق للعاداِت والتقاليِد والمعتقداِت‬
‫وطرائق العيش والثقافاِت
األجنبية على امتداد اإلمبراطورية وما وراءها‪[" ،‬ليقُرَب الوصُف إلى‬
‫اإلفهام]‪
،‬ويقف َعليه الخاُص والعام"‪ ،‬كما يقول محمد بن أحمد الُم َق َّد سي أحُد أصحاب
هذا الجنس‬
‫األدبي]‪.[239‬‬
‫لكن ينبغي أّال نسمَح لهذه النكتة اللطيفة
أن تحجَب جديَة الغرض الذي وضع الُم قَّد سي ألجله‬
‫كتاَبه‪ ،‬أحسن التقاسيم في
معرفة األقاليم‪ ،‬سنة ‪ 985‬مستندًا إلى َع قدين من السفر واالستكشاف‪.‬‬
‫الملفُت في
عمله على وجه الخصوص إلحاُح ه على أولوية المادة التي جمعها بنفسه؛ وهذا نهٌج‬
‫يشير
الُم قَّد سي بشيٍء من الرثاء للذات إلى أنه أزرى به ًا‬
‫كثير في بعض األحيان‪"
:‬وَع ريُت وافتقرُت‬
‫وفير‪" :‬ولقد ذهب لي في
هذه األسفار فوق عشرة آالف درهم"‪ .‬ويقول إنه لم‬ ‫مرات" وأنه كَّلفه ماًال ًا‬
‫مضطر حين ال يستطيع الوصوَل إليها ببدنه‪ ،‬وأنه ما‬
‫ًا‬ ‫يستِع ن بروايات اآلخرين عن
منطقٍة تهمه إال‬
‫كان َيسأل حين
َيسأل إال "ذوي العقول من الناس‪ ،‬وَم ن لم أعرفهم بالغفلة وااللتباس‪ ،‬عن الكور‬
‫واألعمال في األطراف التي َبُع دُت عنها‪ ،‬ولم يتقَّد ر لي الوصوُل إليها"]‪
.[240‬وقد قصد الُم قَّد سي‬
‫إلى ترتيب كتابه على طرائق الفقه‪ ،‬الذي يرتب المصادر الدينية
ترتيبًا صارمًا‪ .‬فيأتي القرآن الكريم‬
‫أوًال‪ ،‬كمصدٍر مهيمن‪ ،‬ثم يأتي بعده الحديث‪
،‬ثم إجماع العلماء‪ ،‬ثم في األخير القياس‪ .‬إال أن‬
‫الُم قَّد سي يترك القياس ألنه غير
مناسٍب تمامًا لحرفة الجغرافي]‪.[241‬‬
‫مثل هذه الدقة في تحديد مصدر المعلومات
واإللحاح‪ ،‬ما أمكن‪ ،‬على المالحظة والتجربة‬
‫الشخصية هي سمٌة مميزة للعلم العربي في
العصور الوسطى‪ .‬وهي إلى ذلك إرٌث ثمين للتقاليد‬

‫مدون للنبي محمد ÷‬ ‫الدينية اإلسالمية‪ ،‬التي بَذ ل


فيها جه ضخم لحفظ سلسلة رواية أي حديٍث‬
‫ٌد‬ ‫ُي‬
‫وتقييِم ها تقييمًا نقديًا‪ .‬لذلك ُيذكر كل حديث من هذه األحاديث ومعه مجموعُة آراء
علماء تحدد هل‬

‫نصًا وروحًا) أم
"ضعيف"‬ ‫هو "حسن" (أي مؤكد على درجٍة معقولة من اليقين أنه كالم
النبي ÷‬

كثير عليه)‪ .‬كذلك الُم قَّد سي‪ ،‬يقدم‬
‫ًا‬ ‫(أي مشكوٌك في مصدره وبالتالي ال يعول الفقهاء وال العلماء‬
‫المعاينَة الشخصيَة على السماع بشكٍل صريح
فيقول‪" :‬فانتظَم ِك تاُبنا هذا بثالثة أقسام‪ :‬أحُد ها ما‬
‫عايناه‪ ،‬والثاني ما سمعناه
من الثقات‪ ،‬والثالث ما وجدناه في الكتب المصنفة في هذا الباب وفي‬
‫غيره‪ .‬وما بقيت خزانُة
ملك إال وقد لزمُتها‪ ،‬وال تصانيُف فرقٍة إال وقد تصفحُتها‪ ،‬وال مذاهُب قوٍم إال‬
‫وقد
عرفُتها‪ ،‬وال أهُل زهٍد إال وقد خالطُتهم‪ ،‬وال ُم ذِّك رو بلٍد إال وقد شهدُتهم‪ ،‬حتى
استقاَم لي ما‬
‫ابتغيُتُه في هذا الباب"]‪.[242‬‬
‫في حوالي ‪ ،1138‬تلّق ى العاِلُم العربي
ارستقراط المولد الشريف اإلدريسي إحدى أهم الدعوات‬
‫ُي‬
‫في تاريخ العلوم‪ .‬فقد ُع رض
عليه‪ - ‬وهو الشاعُر الرحالة وعالُم العقاقير والنبات الذي يعطي في‬
‫أعماله
الفنية أسماَء النباتات بالعربية والفارسية والالتينية واليونانية والبربرية
والسنسكريتية ‪ - ‬أن‬
‫يتولى مهمَة اإلشراف على وضع خريطٍة جديدٍة للعالم‪ُ ،‬تنَق ش
على قرٍص من الفضة وزنه ثالثمائة‬
‫رطل ينقشها عليه نقاشو البالط‪ ،‬ويضَع كتابًا
مرافقًا لها في الجغرافيا الوصفية]‪
.[243‬وكانت تلك‬
‫هي المرَة الوحيدة التي لم يكن فيها راعي العمل خليفًة وال سلطانًا‪ ،‬بل
الملك المسيحي حديث النعمة‬
‫روجر الثاني‪ ،‬ملك صقلية التي كانت في ما مضى مسلمة‪.‬‬
‫وصل أجداد روجر الثاني النورمان إلى صقليَة
في أوائل القرن الحادي عشر‪ ،‬وكانت ُج َّلُتهم‬
‫مرتزقًة في خدمة لوردات الحرب
المحليين المسيحيين والمسلمين‪ ،‬وقرروا البقاَء فيها‪ .‬واتسعت‬
‫تدريجيًا رقعة سيطرتهم
على الجزيرة وشنوا غا ارٍت خطيرة على البر اإليطالي الجنوبي‪ ،‬الذي كان‬
‫يقطنه في
معظمه آنذاك اليونان تحت الحكم البيزنطي‪ .‬وعندما بلغ روجر سن الرشد‪ ،‬سنة ‪،1112‬‬
‫قرر
أن يجعَل باليرمو [َب ِلرم أو باليرمة كما يسميها ابن جبير] عاصمًة دائمًة له بعد
أن كانت‬
‫المركَز اإلدارَي العربي للجزيرة‪ُ .‬ينّح ي األديب الرحالة ابُن جبير جانبًا
شعوَره بالم اررة من الغزو‬
‫المسيحي ويقف برهًة ليصَف مفاتَن باليرمو وصفًا نابضًا
بالحيوية بعد ثالثين سنًة من وفاة روجر‪،‬‬
‫فقال من جملة ما قال‪" :‬عتيقٌة أنيقة‪
،‬مشرقٌة ؤنقة‪ ،‬تتطَّلع بم أر فَّتان‪ ،‬وتتخايل بين ساحاٍت‬
‫ًى‬ ‫ُم‬
‫وبسائَط كُلها بستان‪
،‬فسيحُة السكِك والشوارع‪ ،‬ترو األبصاَر بحسن منظرها البارع‪ ،‬عجيبُة الشان‪،‬‬
‫ق‬
‫قرطبيُة
البنيان‪ ،‬مبانيها كُلها بمنحوت الحجِر ‪ ...‬قد خِر فت فيها ِل ِلِك ها دنياه‪
،‬فاتخذها حضر لِك ِه‬
‫َة ُم‬ ‫َم‬ ‫ُز‬
‫اإلفرنجي أباده هللا"]‪.[244‬‬
‫كانت زيارُة ابن جبير حادثًا طارئًا نتيجة
تحطم سفينته وهو في طريق العودة إلى األندلس من‬
‫رحلة الحج‪ ،‬فوجد مدينًة ومملكًة في
نقطة التقاء الشرق بالغرب تمامًا‪ .‬وفيما كان معاصرو روجر‬
‫الثاني‪ ،‬ومنهم أقرُب
أقربائه‪َ ،‬يُؤ زهم شيطاُن الحرِب أَّزا‪ ،‬اختار هو أن يستقَر بمدينته التي كانت
ُج َّلُة‬
‫أهِلها مسلمة‪ ،‬وكان فيها آنذاك أكثر من ثالثمائة مسجد‪ .‬واتبع نهَج اإلسالم
القائَم في معاملة‬
‫األقليات الدينية‪ ،‬ففرض جزيًة خاصًة على المسلمين واليهود لكنه
ترك لهم إدارة شؤونهم بأنفسهم‬
‫على وجه العموم‪ .‬وسن قوانيَن جديدة اعترفت صراحًة
بالعادات والتقاليد الدينية القائمة‪ ،‬ونّظ م‬
‫دواوين الدولة على الطريقة العربية‪
،‬ورّق ى موظفيه المسلمين إلى بعٍض من أرفع‬
‫المناصب]‪
.[245‬بل إن روجر أوكل قيادَة وحداٍت عسكرية مهمة لبعض رعاياه العرب‪ .‬وكانت‬
‫ُج َّلُة
أجناده المشاة مسلمة وكذا كثيٌر من رماة السهام الراكبين لديه‪ ،‬وهي حقيقٌة صدمت
كبيَر أساقفة‬
‫كانتربري عندما ازره]‪
.[246‬كذلك شكل العرب الكتلَة األساسية ألركان بالطه من مهندسين‬
‫ومسؤولين عن بناء قالعه‪
،‬وكان مهتمًا جدًا ببناء القالع‪ ،‬وبناِء وتشغيِل منجنيقاته المرعبة وغيِرها‬
‫من آالت
الحرب لديه]‪.[247‬‬
‫كذلك رعى روجر فناني وحرفيي وصناع الجزيرِة
العرب‪ .‬ويضم متحف فيينا اليوم شملًة ملكية‬
‫ُص نعت له حوالي سنة ‪ 1133‬نقش عليها
بالعربية‪ِ" :‬م ّم ا ُع ِم ل للخزانة الملكية المعمورِة بالسعد‬
‫واإلجالل والمجِد
والكمال والطوِل واألفضال واإلقباِل والسماحِة والجالل والفخِر والجمال وبلوِغ‬
‫األماني واآلمال وطيِب األيام والليالي بال زوال وال انتقال بالعِز والرعاية
والحفِظ والحماية والسعِد‬

‫والسالمة والنصِر والكفاية بمدينة صقلية سنة ثماٍن


وعشرين وخمسمائة"]‪
.[248‬يغلب على العمارة‬
‫الصقلية في عهد النورمان‪ ،‬ومنها الكنائس والمصليات‪ ،‬مزيٌج من
التصاميم العربية في الغالب‬
‫والمسيحية الشرقية‪ .‬وكان الشع ارُء العرب نشطين في
البالط‪ ،‬وُح فظت مقتطفاٌت من أعمال ستة‬
‫منهم في خالصٍة من القرن الثاني عشر أوجزها
المحرر لئال تمَس المشاعَر الدينية للمسلمين‬
‫بتمجيدها "الكفاَر
النورمان"]‪ُ
.[249‬تظهر الصورُة الوحيدة الباقية لروجر‪ ،‬بالفسيفساء في كنيسة ال‬
‫مارتورانا بباليرمو‪
،‬الملَك بلحيٍة سوداَء كاملٍة وشارب وقد اشتمل بأرديٍة إمبراطوريٍة بيزنطية عليها‬
‫كتاباٌت عربية بالخط الكوفي المنمق]‪ .[250‬ال
غرابة في ذلك‪ ،‬إذ يذكر أحد المؤرخين العرب‬
‫مستتر‪ ،‬وهي شهرٌة ال شك‬
‫ًا‬ ‫البارزين أَّن إشاعاٍت سرت بين الناس
أَّن ملَك هم كان في الحقيقة مسلمًا‬
‫عززتها صداماُته
المتكررة مع الباباوات ورفُض ه إق ارَر الحمالت الصليبية‪.‬‬
‫مع ذلك‪ ،‬من غير الواضح مقداُر حرص اإلدريسي
على االستقرار في مملكٍة مسيحية‪ ،‬وإن في‬
‫مملكٍة مستعِر بٍة جدًا كصقليِة روجر‪ ،‬وال
تزال المالبساُت المحيطُة بمهمته غامضة‪ .‬لم يوِل‬
‫المؤرخون العرب عمومًا كبيَر
اهتمام لإلدريسي في أواخر حياته‪ ،‬ولربما كان ذلك عالمًة على‬

كافر]‪
.[251‬ففي مرحلٍة ما‪ ،‬لجأ روجر إلى تكتيكاٍت مبطنة بعض الشيء‬ ‫رفضهم مجالسته ملكًا ًا‬
‫مذكر
إياه بأنه من األداِر سة‪ ،‬العائلِة الحاكمة السابقة‪ ،‬وأنه لذلك في خطر من‬
‫ًا‬ ‫إلخافة اإلدريسي‪،‬‬
‫الخصوم
السياسيين لهذه العائلة بإسبانيا وشمال أفريقيا‪ .‬يقول له روجر‪" :‬أنت من بيت
الخالفة‪.‬‬
‫ومتى كنَت بين المسلمين‪ ،‬عمل ملوُك هم على قتلك‪ ،‬ومتى كنَت عندي‪ ،‬أِم نَت
على نفسك"]‪.[252‬‬
‫وربما لجأ روجر بدًال من ذلك إلى إظهار معرفته الواسعة بتاريخ المسلمين وشؤونهم
السياسية‬
‫الداخلية لكسب ثقة اإلدريسي‪.‬‬
‫على أي حال‪ ،‬قبل اإلدريسي دعواِت الملك
وسرعان ما استقر بباليرمو‪ ،‬حيث بدأ االثنان‬
‫خمَس عشرَة سنًة من التعاون الذي سيثمر
عن واحدٍة من تحف األعمال الجغرافية في العصور‬
‫الوسطى‪ :‬خريطِة األرض المبسوطة
[مستديرة الشكل] "عظيمِة الجرم ضخمِة الجسم" المصنوعِة من‬
‫الفضة‪ .‬لكَّن
هذه الخريطة ُس رقت بعد مدٍة ليست ببعيدة من اكتمالها ثم ُص هرت‪ ،‬وبقيت ُنَس ٌخ يدوية‬
‫منها معمولٌة من الحصى المتباين‪ ،‬وبضُع مجموعاِت خرائَط إقليميٍة جزئية ملحقٍة
بها‪ ،‬عشر لكل‬
‫إقليم من أقاليم العالم التقليدية السبعة‪ .‬يقول لنا اإلدريسي‪"
:‬ومبلُغ أعداِد هذه المصَو رات اآلتية بعد‬
‫ن‬
‫هذا سبعو مصَو رة غير النهايتين
اللتين إحداُهما نهايُة المعمورة في جهة الجنوب وأكثُرها خالًء‬
‫لشدة الحر وقلِة
المياه والنهايُة الثانية نهايُة المعمورة في جهة الشمال وأكثُرها خالًء لشدة البرد"‬
‫]‪.[253‬‬
‫صَّو ر اإلدريسي وفريُق بحاثيه وعلمائه
العالَم المأهول بأنه يشغل نصَف األرض كامًال‪ ،‬أو‬
‫‪ 180‬درجة‪ ،‬من كوريا شرقًا إلى
جزر الكناري غربًا؛ آخِر أ ارٍض مؤكدة قبل بلوغ المياه الزرقاء‬
‫الداكنة للمحيط
األطلسي الذي يخافه العرب ويسمونه بحر الظلمات‪ .‬أّم ا ما يسَم ى البحر المحيط‪،‬‬
‫الذي
يحيط بنصف األرض اليابس‪ ،‬فيغطي عشَر درجات على كل جانب‪ .‬اعتمد اإلدريسي على‬
‫طائفٍة
واسعة من المصادر‪ ،‬منها كالسيكياُت علم الجغرافيا وعلُم الخرائط لدى المسلمين‪
،‬كمصدر‬
‫للمعلومات عن أفريقيا وآسيا‪ .‬أما المناطق األقرب إلى موطنه‪ ،‬فاعتمد في معلوماته
عنها على‬
‫سيرته هو نفِس ه كعالٍم متجول بعد أن تلقى تعليمه التقليدَي بقرطبة‪ ،‬إلى
جانب روايات الرحالة‬
‫والتجار والدبلوماسيين األوروبيين وأف ارٍد في أسطول روجر
الكبير]‪
.[254‬ووصلت إلينا كذلك‬
‫خالصُة أعمال اإلدريسي الجغرافية العظيمة‪ ،‬التي يعود تاريخها إلى
العام ‪ .1154‬وكان الملك قد‬
‫أمر هو نفُس ه بإعطاء العمل االسَم الذي ُع رف به‪ ،‬نزهة
المشتاق في اختراق اآلفاق‪ ،‬لذلك ُع ِر ف‬
‫عند العرب باسم كتاب روجار‪.‬‬
‫قَّد م كتاب روجار لغرب العصور
الوسطى أشم وصٍف للناس واألراضي والثقافات معروٍف‬
‫َل‬
‫حتى تاريخه في األقاليم
السبعة‪ ،‬ال سيما أفريقيا‪ ،‬وهي منطقٌة تعرفها أجياٌل من البحارة والتجار‬
‫والمغامرين
العرب معرفًة جيدة‪ .‬وقَّد م اإلدريسي أوصافًا تفصيلية ودقيقة على وجه العموم لتجارة‬
‫الذهب بغانا وتجارة الملح بالنيل األعلى]‪
.[255‬وإذا تقدمنا أكثَر صوب الشرق‪ ،‬يخبر كتاب‬
‫روجار قّراءه بتقليد أكل لحوم
البشر بجزيرة بورنيو‪ ،‬وذكاِء الفيلة‪ ،‬ونظاِم الطوائف االجتماعية بالهند‪،‬‬
‫والمعتقدات البوذية لملوك أقصى الصين]‪
.[256‬واختفى من هذا العمل االهتماُم التقليدي الذي‬
‫كثير من األعمال
العربية األولى في الجغرافيا الوصفية للتفصيالت التي تفيد أموَر‬
‫كنَت تجده َيميز ًا‬
‫الجباية أو اإلدارة
أو التجارة أو الفتح‪ .‬وحلت محله محاولٌة مستكِم لة النضج لجمع أشتات المعارف‬
‫الحديثة المتاحة لتشكيل واحٍد شامٍل متماسك]‪.[257‬‬
‫كذلك كانت خريطة اإلدريسي للعالم مهمًة
لمستقبل علم الخرائط والمالحة في الغرب‪ ،‬ألنها‬
‫اعتمدت على التقاليد العلمية
للخليفة المأمون وبحاثيه في بيت الحكمة وساعدت على وضعها بين‬
‫أيدي جمهوٍر جديٍد
تمامًا‪ .‬وقد بدأت أعمال تقليد الخرائط العربية في الغرب تظهر في أواخر القرن‬
‫الثالث عشر‪ ،‬ومنها عمٌل في علم الكون للفيلسوف اإليطالي برونيتو التيني‪ .‬كذلك أنتج
[العاِلم‬
‫والالهوتي] السكوالستي األلماني الكبير ألبرتوس ماغنوس خريطة بدائيًة
للعالم في الوقت نفِس ه‬
‫تقريبًا؛ تجد فيها بغداَد والبصرة وال تجد باريس‪ ،‬وما كان
له أن يضَع ها لوال االعتماد على مصادَر‬
‫إسالمية]‪.[258‬‬
‫الخرائط بطبيعتها هشة وعرضٌة لقساوة
االستخدام المتواصل‪ ،‬ال سيما الدالئل المالحية منها‬
‫وخرائط السواحل‪ ،‬كذلك‪ ،‬في أيام
ما قبل الطباعة‪ ،‬كانت إعادُة إنتاج الخرائط صعبًة ومكلفة‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫ال غرابة في أال
يبقى منها كثير "كسلسلة وثائق" تربط التطو ارِت النوعية في الخرائط
األوروبية‬
‫والخرائط المالحية مباشرًة باإلنجازات المبكرة للجغرافيين والبحارة
العرب‪ .‬كذلك‪َ ،‬تظهر صورٌة مقِن عة‬
‫لتأثير المسلمين الكبير من مالحظاٍت متناثرة في
المصادر الغربية وكذا من دراسِة مسيرِة تطور علم‬
‫الخرائط األوروبي‪ ،‬سيما وأن
أوروبا في ذلك العصر لم يكن لها تماٌس مباشر مع العالم اإلسالمي‬
‫البعيد‪.‬‬
‫من هذه األدلة ما تجده من تحسٍن ملحوظ طوال
القرن الرابع عشر في التصاوير األوروبية‬
‫لشبه القارة الهندية‪ ،‬والبحر األحمر
والخليج الفارسي وسيبيريا التي كان يعرفها التجار العرب منذ‬
‫ِس‬ ‫ٍت‬
‫وق طويل ببالد
ال بر‪ .‬وقد بلغت هذه التصاويُر من الدقة حدًا ما كان يمكن تصوُره لوال وجوُد‬
‫نماذَج موثوقٍة لالستنساخ‪ .‬كذلك ظهرت في األعمال األوروبية تصوي ارٌت دقيقة لجنوب
آسيا‬
‫والساحل الشرقي ألفريقيا قبل أن يصَل الرحالُة األوروبيون إلى هكذا مناطَق
بعيدة بزمٍن‬
‫طويل]‪
.[259‬وكان فهُم المسلمين ألفريقيا والمحيَط الهندي مهمًا لالستكشاف األوروبي المستقبلي‬
‫بحر‬ ‫ِة‬
‫ًا‬ ‫خاصة‪ ،‬ألنه بتنحية المفاهيم القديمة القائل بأن هذا المحيط محاٌط باليابسة‪
،‬تبَّين أن السفَر‬
‫حول أفريقيا الجنوبية لم يكن مستحيًال‪.‬‬
‫وثمة دليٌل آخر على أن رسامي الخرائط
المسيحيين األوائل كانوا يعتمدون اعتماًد ا شبَه كلي‬
‫على المصادر األجنبية ويمكن
إيجاُد ه في التاريخ الطريف لرسم خريطة بحر قزوين‪ ،‬الذي هو في‬
‫الواقع أكبُر بحيرٍة
في العالم‪ .‬فالخرائُط األوروبية للبحر في القرن الرابع عشر‪ ،‬التي كانت تتبع
التقليَد‬
‫العربي‪ ،‬كانت تصور بدقة اتجاَه بحر قزوين شماَل جنوب‪ .‬لكن في أوائل القرن
السادس عشر‪،‬‬
‫ألغى الجغرافيون الغربيون فجأًة‪ ،‬متأثرين بالترجمات الالتينية الحديثة
ألعمال بطليموس األقدِم‬
‫بكثير‪ ،‬نتائَج سنوات من بحوث العرب‪ ،‬وعادوا إلى التصوير
القديم لبحر قزوين كممٍّر بيضاوي‬
‫يتجه شرَق غرب‪ .‬وسوف َيمضي قرنان آخران إلصالح
هذا الغلط من جديد‪ ،‬بعد ثمانمائة سنة من‬
‫نجاح العرب في تصوير البحر التصويَر
الصحيح]‪.[260‬‬
‫ٍت‬
‫لكن ما هو أهم للغرب من أي استعا ار محددة
من الجغرافيين المسلمين كان اإلرَث الفكرَي‬
‫العرب العام‪ ،‬الذي انتقل بُك لِّي ته
إليه عبر كتاب روجار‪ ،‬وَف هَم العرِب العاَلَم كمكاٍن يمكن رسُم ُه على‬
‫َي‬
‫خريطة
واستكشاُفُه بطريقٍة منهجيٍة علمية‪ .‬وقد تحدت خرائُط العاَلم في تقليد المأمون
واإلدريسي‬
‫بشكٍل مباشر التمثيَل التخطيطي للجغرافيا المقدسة في العالم المسيحي‪
،‬وخرائَط ‪ T-O‬لألرض‬
‫المسطحة بقاراتها المميزة الثالث‪ ،‬أوروبا‪ ،‬وآسيا‪ ،‬وأفريقيا‪
.‬كما قدمت أعماُل العرب في الجغرافيا‬
‫البشرية العاَلَم كمكاٍن لألعاجيب‪ ،‬ال
ُيجَتَنب لصالح التأمل في الحياة األخروية وحسب‪.‬‬
‫رافق هذا التصوَر الفكرَي العرب للعاَلم
أحيانًا بعُض المساعدة العملية الحيوية‪ .‬ففاسكو دي‬
‫َي‬
‫ِس‬ ‫ٍة‬
‫غاما‪ ،‬الذي كان قد أتم بالفعل
رحلَته الشهيرة حول أقصى نقط في أفريقيا جنوبًا‪ ،‬أر الرجاء‬
‫الصالح‪ ،‬سنة ‪
،1497‬كان دليَله آنذاك إلى الهند خريطٌة عربية وربما مّال مسلم‪ .‬فحسب روايٍة‬
‫ٌح‬
‫برتغالية
معاصرة‪ُ ،‬أعط دي غاما ومالحوه لمحًة عن خريطٍة مفصلة للساحل الهندي كله
"مجهزٍة‬
‫َي‬
‫بخطوِط طوٍل عديدة وخطوٍط متوازية على طريقة البرابرة"]‪
.[261‬وُتجمع المصادر العربية كُلها‪،‬‬
‫مدركًة حجَم كارثة السماح للقوى األوروبية بالتغلغل
في المحيط الهندي وطرقات تجارته الحيوية‪،‬‬
‫على أن المّالَح المسلم ال بد من أنه كان
سكران حتى ارتكب هكذا خيانة في حق إخوته المؤمنين‪.‬‬
‫فقد استولت القوات البحرية
البرتغالية بعد ذلك على خرائَط ال تقدر بثمن لجزر التوابل الشرقية‪.‬‬
‫وأسرعت عائدًة
إلى لشبونة لترجمتها وإدراجها في الخرائط واألطالس األوروبية التي كانت تزداد دقًة‬
‫مع الوقت‪.‬‬
‫كذلك كريستوفر كولومبوس أفاد من عمل العرب‪
،‬ال سيما ترجمة زيج الصابئ [‪Sabean‬‬
‫‪[
]Tables‬للَبَّتاني‪ ،‬الفلكي والرياضي العربي الشهير] إلى الالتينية في منتصف القرن الثاني
عشر‪،‬‬
‫الذي يلخص آخَر تقنيات الجغرافيا الرياضية العربية‪ .‬كما تأثر كولومبوس
ومستكشفون آخرون من‬
‫جيله بالترجمات المسيحية الحديثة لمفهوم األرض المتناظرة لدى
العرب والهنود‪ ،‬وهي فكرٌة عن‬
‫العاَلم أيدت استراتيجية كولومبوس في اإلبحار غربًا
للذهاب شرقًا‪ .‬ولعلهم تشجعوا أيضًا بقراءتهم‬
‫المغلوطة للمصادر العربية‪ ،‬ال سيما ما
ُك تب عن تحديد العباسيين طوَل الدرجة الواحدة من محيط‬
‫األرض‪ ،‬تلك القراءة التي
قادتهم إلى االعتقاد بأن األرض كانت أصغر بنسبة ‪ 20‬بالمئة مما هي‬
‫في الواقع]‪
.[262‬وثمة‪ ،‬في األخير‪ ،‬طروحاٌت تفيد أن المالحين المسلمين ‪ - ‬من العرب‬
‫والماالويين
والصينيين‪ - ‬كَلهم قاموا برحالٍت مبكرة إلى األقاصي البعيدة لبحر الظلمات‪
،‬وربما بلغوا‬
‫العاَلَم الجديد‪.‬‬
‫كان الملك روجر الثاني واحدًا من أوائل
طبقٍة جديدٍة من األوروبيين بدأت تظهر من الَّتماس‬
‫المباشر مع العرب‪ ،‬ال كأعداء في
حرٍب مقدسة بل كأساتذة ال ُيَش ق لهم غبار في العلم‪ ،‬والفلسفة‪،‬‬
‫والثقافة الرفيعة‪
.‬فقد ق أر العربيَة وكان ملمًا إلمامًا واسعًا بأعمال كبار العلماء المسلمين‪ .‬وكانت‬
‫ٍت‬
‫العمالُت المعدنية التي سكها في العام ‪ ،1138‬وهي أقدُم عمال معروفة بأوروبا‪
،‬تستخدم نظاَم‬
‫بالِط ه كُلهم عربًا‪ ،‬ويقول ابن األثير‪،‬‬ ‫‪
.‬وكان أطباُء‬
‫األعداد العربية الذي أشاعه الخوارزمي]‪[263‬‬
‫أكثر من اعتماده على َم ن عنده ِم ن‬ ‫المؤرخ العربي من القرن الثاني
عشر‪ ،‬إنه كان يعتمد عليهم‬

‫فو ذلك كان ُيجّل "الرجاَل الشرفاَء‬


‫ق‬ ‫القساوسة والرهبان]‪
.[264‬ويقول مؤرٌخ مسيحي إن الملك‬
‫والحكماء
سواٌء أكانوا من بالده أم من بالٍد أخرى‪ ،‬من الناس العاديين أم من رجال
الدين"]‪.[265‬‬
‫لذلك كان طبيعيًا أن يعهَد روجر بعمل إنجاز حياته العلمي إلى عاِلٍم مسلم‪.‬‬
‫يخبرنا اإلدريسي نفُس ه أَّن مشروَع خريطة
روجر للعالم لم يأِت من جهل الملك بل من عدم‬
‫رضاه العميق عن أعمال الجغرافيين
العرب السابقين ومنها كتاُب المسالك والممالك ورواياُت‬
‫المسعودي‪ .‬وكان روجر
قد استغرق في قراءة هذين النصين وغيرهما من النصوص ليعرَف "‬
‫[كيفياِت بالده
حقيقًة‪ ...‬مع معرفة] غيِرها من البالد واألقطار في األقاليم السبعة التي اتفق
عليها‬
‫المتكلمون وأثبتها في الدفاتر الناقلون والمؤلفون"‪ .‬لكّن اإلدريسي يقول
إّن الملك "لم يجد ذلك فيها‬
‫مشروحًا مستوَع بًا مفصًال بل وجده فيها
ُم غَف ًال"]‪.[266‬‬
‫بياناٍت‬
‫رَّد روجر كما كان للُم قَّد سي أو أي عالٍم
عربي آخر يحترم نفَس ه أن يفعل‪ :‬فَج َم َع‬
‫إضافية ثم مَّح ص النتائج بحثًا عن
اتجاهاٍت عامة وحقائَق مؤكدة‪ .‬يصف اإلدريسي نهَج الملك مع‬
‫باحثيه فيقول‪"
:‬فأحضر لديه العارفين بهذا الشأن فباَح َثهم عليه وأخَذ معهم فيه فلم يجد
عندهم علمًا‬
‫أكثَر مما في الكتب المذكورة [للجغرافيين المسلمين] فلما رآهم على مثل
هذه الحال بعث إلى سائر‬
‫بالده فأحضر العارفيَن بها المتجوليَن فيها فسألهم عنها
جمعًا وإفرادًا فما اتفَّق فيه قوُلهم وصَّح في‬
‫جمعه نقُلهم أثبَتُه وأبقاه وما
اختلفوا فيه أرجاه وألغاه"]‪.[267‬‬
‫يقول اإلدريسي‪" :‬وأقام على ذلك نحوًا
من خمس عشرة سنة ال ُيخلي نفَس ه في كل وقت من‬
‫النظر في هذا الفن والكشف عنه إلى أن
تَم له فيه ما يريده‪ .‬ثم أراد أن يستعلَم يقينًا صحَة ما اتفق‬
‫عليه القوم‪ ...‬فأحضر
إليه لوَح الترسيم وأقبَل يختبرها‪ ...‬مع نظره في الكتب المقَد ِم ِذ كُرها وترجيِح ه‬
‫بين أقوال مؤلفيها‪ ...‬حتى وقَف على الحقيقة فيها فأمر عند ذلك بأن تفرَغ له من
الفضة الخالصة‬
‫دائرٌة مفصلة عظيمُة الجرم ضخمُة الجسم‪ ...‬فلما كُم لت أمَر الَف َع َلَة
أن ينقشوا فيها صوَر األقاليم‬
‫السبعة‪ ...‬على نص ما يخرج إليهم ممَثًال في لوح
الترسيم وال يغادروا منه شيئًا ويأتوا به على هيئته‬
‫وشكله كما ر م
لهم‪ ."...‬ثم يذكر اإلدريسي أَّن كل ما بقي عليه أن يفعله كان رس مصو ارٍت‬
‫َم‬ ‫ُي َس‬
‫جزئيٍة [توضيحية] وإسناَد ها بما يوافق في الكتاب [نزهة المشتاق] من شروح نصية‪
،‬يقول‪" :‬لكن‬
‫يبقى عليه بعد ذلك أن يعلَم صفاِت الممالك وهيئاِت األمم وِح الها
وِز َيها وطرقاِت ها المسلوكة بأميالها‬
‫وفراسِخ ها وعجائِب بالِد ها مما شاهده
المسافرون وَذ كره المتجولون وصححه الناقلون ولذلك ما رأينا‬
‫أن نذكَر بعد كل صورٍة
منها ما يجب ِذ كُره ويليق بمكانته من الكتاب حسب المعرفة واإلمكان"‬
‫]‪.[268‬‬
‫إنجاز ضخمًا بكل
المقاييس‪ ،‬التساع نطاق المشروع ونجاِح ه في توليف آ ارِء‬
‫ًا‬ ‫كان كتاب روجار‬
‫هكذا عدٍد كبير من المصادر
في هكذا عدٍد كبير من الفروع المعرفية‪ ،‬أكثر مما كان ألي سبٍب‬
‫آخر‪ .‬كذلك ساعد على
تكريس الطريقة العلمية العربية التي َترجع أصوُلها إلى عمل فقهاء وعلماء‬
‫الدين
اإلسالمي األوائل‪ .‬وهو فوق كل ذلك قد أظهر أمجاَد الجغرافيا العربية‪ ،‬وهي حقٌل فاق
فيه‬
‫كثير سابقيهم ِم ن علماء اليونان والفرس والهنود‪ .‬وقد أتى هذا
التعاوُن بين العاِلم‬
‫ًا‬ ‫العلماء العرب‬
‫المسلم وراعيه المسيحي الفذ بالتراث العربي ووضعه في مركز
تقاطع طرقات العالم المعروف‪ .‬فكقوٍة‬
‫متوسطية‪ ،‬كانت مملكة روجر بصقيلة وجنوبي
إيطاليا تقيم عالقاٍت تجاريًة ودبلوماسيًة وعسكريًة‬
‫حيوية مع كل الدول المهمة في
الشرق والغرب‪ .‬من هنا‪ ،‬كان كتاب روجار‪ ،‬بذلك المزج القوي فيه‬
‫بين التقاليد
العلمية القديمة والجديدة‪ ،‬في وضٍع يؤهله تمامًا لصوغ المفاهيم المسيحية حديثة
العهد‬
‫حول العالم الخارجي‪.‬‬
‫وقد تمتع كتاب روجار بعمٍر مديد على
رفوف المكتبات‪ .‬وترَّس خ عمُل اإلدريسي خصوصًا في‬
‫شمال أفريقيا‪ ،‬حيث تخصصت أسرٌة
تونسية من رسامي المصورات في رسم الخرائط المالحية التي‬
‫اشتملت على كثيٍر مما توصل
إليه‪ .‬ويمكن أن نجَد ًا‬
‫آثار لمصوراته كذلك في تقليد خرائط بورتوالن‬
‫[‪ ]portolan charts‬الناشئ بأوروبا في العصور الوسطى‪ ،‬وفي المساِع دات المالحية‪
،‬والخرائط‬
‫الساحلية التي تتسم بقدٍر كبير من التفصيل والدقة‪ .‬وقد ُط بعت نسخٌة
عربيٌة موجزة لتحفة اإلدريسي‬
‫في الغرب سنة ‪ ،1592‬وكانت تلك إحدى أقدم األعمال
العربية الالدينية التي أنتجتها مطبعة روما‬
‫األكاديمية‪ ،‬مطبعة آل ميديتشي‪ ،‬وعالمًة
على األهمية الباقية للكتاب‪ .‬وقد ظهرت ترجمٌة التينية له‬
‫بباريس بعد سبٍع وعشرين
سنة من ذلك‪ ،‬لكَّن النَص األصل المترَج م كان منسوبًا إلى "جغرافي‬
‫َي‬
‫نوبي" مجهول‪.‬‬
‫وفي واحدٍة من تلك الحواشي الغريبة لتاريٍخ
أدبي‪ ،‬يذكر إدغار آالن بو هذا الجغراف النوب‬
‫َي‬ ‫َي‬
‫نفَس ه وبحَر الظلمات في قصٍة له
بعنوان "سقوٌط في الدوامة" ["‪A Descent into
the‬‬
‫‪
]''Maelstrom‬تعود إلى العام ‪ 1841‬وتحكي عن قوة الطبيعة وعنفها البالغ]‪
.[269‬فمن بداية‬
‫ٍف‬
‫مستذكر وهو يحدق بحذر من أعالي جر نرويجي
شاهق‪" :‬ألقيُت نظرًة‬ ‫ًا‬ ‫القصة‪ ،‬يقول راويُة بو‬
‫سريعة‪ ،‬فأبصرُت رقعًة من البحر واسعة‪ ،‬ذّك رتني على الفور
مياُهها الزرقاُء الداكنُة كالِح بر بوصف‬
‫الجغرافي النوبي بحَر الظلمات"‪ .‬كذلك
ُأنجزت ترجمٌة علميٌة معمقة لكتاب روجار إلى الفرنسية سنة‬
‫‪ 1840‬بهدف تحسين
المعرفة الغربية الراهنة للعالم‪ ،‬ال سيما ألفريقيا‪ ،‬التي كانت قد بدأت للتو‬
‫تظهر
كغنيمٍة طريدة في فترة التوسع االستعماري األوروبي الكبير]‪.[270‬‬
‫توفي روجر الثاني في أوائل سنة ‪ 1152‬وله
ثماٍن وخمسون سنة‪ ،‬بعد فترٍة وجيزة من فراغ‬
‫اإلدريسي من وضع كتابه‪ .‬يخبرنا أحد
رجال الكنيسة الحقودين‪ ،‬ملمحًا وال شك إلى ما أشيع عن أن‬
‫هذا الملَك المستعرب كان
له [كملوك العرب] حريم‪ :‬لقد أسلم نفَس ه بنفسه لهذا المصير‪ ،‬فهِر م قبل‬
‫األوان‪ ،‬وقد
أفناه عظيُم مسعاه وانشغاُله بالنساء أكثر مما ينبغي للمرء حفاظًا على صحته
البدنية"‬
‫]‪
.[271‬أما كبيُر أساقفة ساليرنو‪ ،‬روموالد‪ ،‬األكثُر تعاطفًا معه‪ ،‬فيذكر أنه كان رجًال
"ضخمًا‪،‬‬
‫جسيمًا‪ ،‬كاألسد هيأة‪ ،‬في صوته بحة؛ حكيمًا‪ ،‬بعيَد النظر‪ ،‬يقظًا‪ ،‬حاَد
الذهن‪ ،‬سديَد الرأي‪ ،‬يرِّج ح‬
‫العقل على القوة"]‪
.[272‬لكن أيًا ما كانت شخصية روجر‪ ،‬من الواضح أن الت ازَم ه بالسعي وراء‬
‫المعرفة ‪
- ‬دع عنك رعاية اإلدريسي ومشاركته العميقة شخصيًا في وضع كتاب روجار وخريطة‬
‫العالم الكبرى‪ - ‬يشكل إرثًا خليقًا بتقليد الخلفاء العباسيين األوائل‪
،‬كالمنصور والمأمون‪ .‬وكان هذا‬
‫التعطُش الجديد إلى آخر ما توصل إليه العلم العربي‪
،‬وإن كان ال يزال على هوامش الحياة الفكرية‬
‫األوروبية‪ ،‬هو ما دفع معاصَر روجر
الثاني الجسوَر ‪ ،‬آديالرد أوف باث‪ ،‬إلى أن يحَج إلى الشرق‪.‬‬
‫القسم
الملون‬
‫الجزء
الثالثالُظهر‬
‫الفصل
الخامسأوُل العلماء‬
‫ال أحد يعلم أين تعلم آديالرد العربية؛
ربما في سيراكيوز‪ ،‬بصقلية‪ ،‬الجزيرِة التي كانت في ما‬
‫مضى مسلمة‪ ،‬وربما بعد ذلك
بأنطاكية‪ .‬وكان قبل أن يتوجَه إلى الشرق قد وَّك د المفهوَم الشائع في‬
‫العصور
الوسطى القائَل بأَّن إتقاَن النحو والصرف إتقانًا تامًا يفتح للقارئ في النهاية
الباَب إلى أي‬
‫نص بأي لغة‪ .‬كذلك ذكَر فوائَد دراسة اللغات‪ ،‬ما يوحي بأنه كان هو
نفُس ه مهيًأ تمامًا للنجاح في‬
‫هكذا مسعى]‪
.[273‬يخبرنا آديالرد أنه أمضى قرابَة سبِع سنوات في مناطِق الصليبيين وما حولها‬
‫قادر
على التواصل بكفاءة مع العلماء المحليين‪ ،‬وهو أمٌر ال بد من أنه كان يتطلب طالقًة
معتبرة‬ ‫ًا‬
‫في اللغة العربية‪ .‬وَيذكر‪ ،‬في رحلته‪ ،‬طائفًة من المعلمين العرب كانوا له في
بحثه أدالء‪ ،‬ويعبر‬
‫بوضوح عن قلقه من أنه لكثرة ما حضر من دروس لم يعد في ذاكرته
متسٌع للمزيد‪ .‬كان أحد هؤالء‬
‫المعلمين أستاذًا في التشريح‪" ،‬رجًال مسنًا من
طرسوس"‪ ،‬جنوبي آسيا الصغرى‪ ،‬غيَر بعيٍد عن‬
‫أنطاكية‪ .‬وقد عَّلمه أستاُذ ه هذا‪
،‬وكان حاذقًا في الطب العربي المتقدم‪ ،‬تقنياِت تشريٍح متطورة‪ ،‬منها‬
‫كيف يغمر جثًة
بالماء الجاري ليزي عنها بلطف اللح الطري ويكش عما فيها من شبكات أوعيٍة‬
‫َف‬ ‫َم‬ ‫َل‬
‫دمويٍة وأعصاٍب معقدة‪.‬‬
‫ويكاد ال يقل المسار الذي تبعه آديالرد إلى
أنطاكية غموضًا هو اآلخر عن مسار دراساته‬
‫كثير من
المعلومات الكاشفة عن تقلبه في البالد سعيًا وراء الدراسات العربية‪،‬‬ ‫اللغوية‪ .‬فهو ال يقدم ًا‬

كثير من ذلك للقارئ أن يجمع شتاَته المتناثَر في كتبه وترجماته وفي القليل من
إشارات‬ ‫ًا‬ ‫تاركًا‬
‫زمالئه العلماء‪ .‬في العام ‪ ،1109‬استودع آديالرد ابَن أخيه وتالمذَته
اآلخرين‪ ،‬الذين كانوا آنذاك‬
‫في عهدته‪ ،‬مدرسَة الون‪ ،‬وتركهم نهبًا "لآلراء
الفرنسية المزعَزعِة القلقة"‪ .‬ثم انقطعت أخباره على‬
‫الفور تقريبًا‪ ،‬إلى أن
ظهر مرًة أخرى بعد خمس سنوات في إمارة أنطاكية‪ ،‬جاثمًا على "الجسر‬
‫المرتجف" بماميست ار التي كانت قد أخذتها الرجفة‪ .‬وإذا أخذنا في االعتبار
زيارَته قبل ذلك كبيَر‬
‫أساقفة سيراكيوز‪ ،‬المذكورَة في الثابت والمتغير‪
،‬يبدو من المحتمل أنه عاد إلى صقلية واتخذها نقطَة‬
‫انطالٍق له إلى الشرق‪ .‬وكانت بين
حاكم الجزيرة وحاكم أنطاكية النورمانَيين أواصُر قربى متينة‪ ،‬ما‬
‫سَّه ل نسبيًا
التواصَل والسفَر والتجارة في ما بينها‪.‬‬
‫في ذلك الوقت‪ ،‬كانت أنطاكية في بداية
ظهورها كمركٍز ذي شأن لترجمة النصوص العربية‬
‫إلى الالتينية‪ ،‬ال سيما في حقل الطب‪
،‬حيث كان العل العربي ال يجا ى‪ .‬وكان تجا پيزا‪ ،‬المدينِة‬
‫ُر‬ ‫َر‬ ‫ُم‬
‫اإليطاليِة والدولة
التي ساعدت في ما مضى الصليبيين على العبور إلى األرض المقدسة مقابل‬
‫غنائَم
وأ ارٍض ‪ ،‬يتمتعون بنفوٍذ عظيم بأنطاكية‪ ،‬فكان لهم ح كامل خاٌص بهم في قلب المدينة‬
‫ٌي‬
‫وكانوا يسيطرون سيطرًة تامة على الالذقية الميناِء المجاور‪ .‬ونتيجة هذه وغي ها من
الروابط التجارية‬
‫ِر‬
‫مركز
حيويًا النتشار الحكمة العربية‪ .‬فكانت‬
‫ًا‬ ‫والسياسية في أرجاء شرقي المتوسط‪ ،‬وجدت پي از نفَس ها‬
‫الكتُب العربية التي استولت عليها الجيوُش المسيحية
من المنطقة تمأل أسواَق الكتب في المدينة‪،‬‬
‫محولًة إياها إلى مستودٍع للعلم
اإلسالمي‪ ،‬شيئًا من ذلك‪ .‬وكان حي الپيزيين بأنطاكية محاذيًا لدير‬
‫سان بول‪ ،‬وهو
مؤسسٌة بندكتية ال شك في أنها كانت سترحب بآديالرد الذي كان أبوه‪ ،‬فاستراد‪،‬‬
‫ومعلُم ه الخاص‪ ،‬األسقف جون‪ ،‬كالهما عضوين بارزين في السلك نفِس ه بباث‪.‬‬
‫وكآديالرد‪ ،‬كان المترجم والعاِلم اإليطالي
ستيفن أوف پيزا‪ - ‬المعروُف أحيانًا بستيفن الفيلسوف‬
‫[أو ستيفن
األنطاكي] ‪ - ‬قد وجد طريَق ُه بسرعة إلى أنطاكية القتباس العلم من المسلمين‪
.‬وهناك‬
‫ترجم موسوعًة طبيًة بارزة‪ ،‬هي الكتاب الملكي [كامل الصناعة الطبية
الضرورية]‪ ،‬لعلي بن العباس‬
‫المجوسي‪ ،‬المعروف في الغرب بهالي عباس [‪ .]Haly Abbas‬هذا العمل‪ ،‬الذي يعود إلى القرن‬
‫العاشر ويتألف من عشرة فصول في
نظرية الطب وعشرة فصوٍل أخرى في التطبيق السريري‪ ،‬كان‬
‫انتشار
واسعًا في العالم اإلسالمي‪ .‬وسرعان ما أصبحت نسخُة ستيفن الالتينية من‬ ‫ًا‬ ‫قد انتشر بالفعل‬
‫الكتاب هي
أيضًا مرجعًا معتمدًا بأوروبا‪َ .‬يستهل ستيفن الفصَل العاشر‪ ،‬في التطبيق السريري‪،‬‬
‫بمالحظٍة شخصية‪ ..." :‬ترَج َم ُه من العربية إلى الالتينية ستيفن طالُب
الفلسفة‪ .‬وقد خَّط النسخَة بيده‬
‫وأتَّم ها في السنة ‪ 1127‬لميالد السيد المسيح‪ ،‬في
يوم السبت‪ ،‬الثالث من نوفمبر‪ ،‬بأنطاكية‪ .‬فالحمُد‬
‫هلل‪ ،‬في األوِل واآلِخ ر"]‪.[274‬‬
‫ولتجويد عمله‪ ،‬وضع ستيفن بجانب الكتاب
قائمَة مصطلحاٍت طبية عربيٍة يونانية خاصٍة به‪،‬‬
‫مع بعض المكاِفئات الالتينية؛ وهو
عمٌل بلغ من قيمته أنه ُنِس خ َنسخًا دقيقًا ثم أعيد نسُخ ه يدويًا في‬
‫ِت‬
‫الغرب مئا
السنين وُط بع كذلك بعد قرون‪ ،‬في عصر النهضة‪ .‬كان ستيفن نفُس ه على ما يبدو أقَل‬
‫إعجابًا بصنعِة يده؛ فلم يكن طبيبًا بل اعتبر نفَس ه "طالَب فلسفة"‪ .‬ووعد
أنه‪ ،‬في المرة القادمة‪،‬‬
‫سيترجم شيئًا من جم أسرار الحكمة المخبوءة باللسان
العربي"]‪
.[275‬ويقول إن الطب ليس سوى‬
‫الدرجة السفلى في سلم الفلسفة‪ ،‬لكن على المرء أن يبدأ
باحتياجات الجسد قبل العناية بصالح‬
‫الروح]‪.[276‬‬
‫وبينما أكب ستيفن أول األمر على المسائل
الدنيا للجسم البشري‪ ،‬رنا آديالرد ببصره إلى‬
‫السماء‪ .‬وتوّق ع بثقة حين كان طالبًا
شابًا بفرنسا بأن في إمكان المعرفة المتاحة في الشرق العربي أن‬
‫تساعَد الغرب على
التخّلص أو الشفاء من أمراضه؛ وكانت تلك بال ريب نظرًة غيَر تقليدية في‬
‫عصر
الحمالت الصليبية على المسلمين‪ .‬لكن حتى آديالرد لم يكن في وسعه أن يتوقَع ما سوف‬
‫يقع عليه [من نفائس] في الدراسات العربية‪ .‬وكان من بين غنائمه العلمية
نظاُم إقليدس الهندسي؛‬
‫وزيٌج عرب متطور لحركات النجوم؛ وفنوُن استخدام الحاسوب
القوي لذلك الزمان‪ ،‬األسطرالب؛‬
‫ٌي‬
‫وكثيٌر من أمهات الكتب في صناعة علم النجوم
العربية؛ وكتاٌب في الكيمياء القديمة يشرح طرائق‬
‫صباغة الجلود‪ ،‬وتلويِن الزجاج‪
،‬وإنتاِج الصبغ األخضر؛ لون آديالرد المفضل‪ .‬وسرعان ما انغمس‬
‫الشاب اآلتي من باث في
عاَلم الفلك‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬والسحر‪.‬‬
‫في الجملة يمكن أن نعثَر لإلنكليزِي القلق
على نحو عشرِة مؤلفاٍت باقية‪ .‬أما طيُف اهتماماته‬
‫فمثير‪ ،‬فِم ن فن الصيد بالصقور
إلى الكيمياء التطبيقية‪ ،‬ومن علم الهندسة إلى الفلك الرياضي وعلم‬
‫النجوم؛ وغالبًا
ما ُك تبت نصوُص ه باألسلوب الميسر للمعِّلم والراويِة الفطري الذي كان‪ .‬كما تقدم‬
‫أعماُل آديالرد إطاللًة مفيدة على االستعارات الغربية من العرب‪ ،‬ألنه يمكن تصنيُف
أعماِله‬
‫األصيلة بدقة إلى فئتين‪ :‬فئِة األعمال التي أتمها قبل لقائه الفكري
بالشرق‪ ،‬وتلك التي أتمها بعد هذا‬
‫اللقاء‪.‬‬
‫إثر عودته إلى باث‪ ،‬وجد آديالرد نفَس ه
محاطًا باألصدقاء والعائلة‪ ،‬والكُل متلهٌف لمعرفة ما‬
‫شاهد في سنوات االغتراب
السبع‪ .‬يروي آديالرد أَّن "ِم ن بين السائلين ابُن أٍخ لي كان‪ ،‬في بحثه‬
‫عن علل
األشياء‪ ،‬يعقد األمور أكثَر مما يحلها‪ .‬فألّح عل أن آت بشيٍء جديد من دراسات
العرب"‬
‫َي‬ ‫ّي‬
‫]‪
.[277‬فكانت النتيجة كتاب مسائل في علم الطبيعة [‪Questions
on Natural‬‬
‫‪ ]Science‬وهو محاورٌة حول ما يسميه الُك تاب
الكالسيكيون الفلسفَة الطبيعية‪ ،‬كان السائَل فيها‬
‫القريُب المتعلُم في الغرب‪
،‬والمجيب آديالرد العاِلم [المتفِّقُه في الشرق]‪ ،‬متحدثًا هذه المرة نيابًة عن‬
‫كثير‪ ،‬ما سوف يشكل ربما محر
سيرِت ِه الطويلِة‬ ‫ًا‬ ‫العرب‪ .‬من البداية‪ ،‬يعلن آديالرد‪ ،‬الذي سافر‬
‫َك‬
‫كعاِلٍم ومعِّلم‪ ،‬أْن "هكذا تفعُل ِع لُل األشياء‪ .‬فإذًا‪
،‬دعنا نبدأ باألجرام من أدناها وننتهي بمنتهاها"‬
‫]‪.[278‬‬
‫‪ááá‬‬
‫من أوائل النصوص العربية التي استحوذت على
مخيلة آديالرد نٌص قديم في الطالسم أو فن‬
‫"كتابة التمائم"‪ - ‬وهي
ُر ق مدروسة ُيعتقد أنها تستمد المدَد من السماء‪ - ‬واألب ارِج وهيئاِت النجوم‬
‫ًى‬
‫لثابت بن قرة‪ ،‬إحدى المنارات العلمية الكبرى في العصور الوسطى [النص المقصود هو كتاب
في‬
‫الهيئة أو كما ُترِج م إلى الالتينية كتاب الهيئات ‪ .]De Imaginibus‬كان ثابُت بن قرة من‬
‫الصابئة عبدِة النجوم‪ ،‬الذين وَّلدت
ممارساُتهم الدينيُة لديهم صلًة وثيقًة بعلم الفلك‪ ،‬وعلم النجوم‪،‬‬
‫والرياضيات‪ .‬كما
كانت للصابئة قدٌم راسخة في الفلسفة اليونانية‪ .‬جاء في األثر العربي أن ثابتًا كان‬
‫صيرفيًا في أسواق حران [بتركيا اليوم]‪ ،‬وكان قوَي المعرفة باللغات‪ .‬فلفت انتباَه
عاِلِم [رياضيات]‬
‫أرستقراطي بارز من بغداد [هو محمد بن موسى بن شاكر‪ ،‬أكبر بني
موسى الثالثة المعروفين]‪،‬‬
‫فهيأ له أن يدرَس ويعمَل ببيت الحكمة‪ .‬وبالرغم من أن
الصابئة كانوا موضَع شك لدى كثيٍر من‬
‫كبير من النفوذ‬
‫ًا‬ ‫المسلمين‪ ،‬فإَّن معرفَتهم المتقدمَة بعلوم
اليونان ومها ارِت هم القّيمَة أكسبتهم ًا‬
‫قدر‬
‫والمكانة في السنوات
األولى للعصر العباسي‪.‬‬
‫عال شأن ثابت الموهوب في أكناف بغداد
المثقفة‪ ،‬حتى صار منِّج مًا ببالط الخليفة [المعتضد‬
‫باهلل] في أواخر القرن التاسع‪
.‬وكأحد كباِر علماِء ولغويي اإلمبراطورية‪ ،‬نّق ح ثابت وصّح ح النسَخ‬
‫العربيَة للمجسطي
وغيِره من األعمال اليونانية الكالسيكية وألف أعماًال أصيلة في نظرية األعداد‬
‫[األعداد المتحابة]‪ ،‬وحساب التكامل [حساب سطوح وأحجام مختلف أنواع األجسام‪ ،‬الذي
تطور‬
‫الحقًا إلى ما بات ُيعرف بحساب التكامل]‪ ،‬والميكانيك [دراسة شروط توازن
األجسام والعوارض‬
‫والعتالت وُيعتبر ثابت لذلك مؤسَس علم السكون (االستاتيكا) ‪ .]statics‬كذلك وضع عدَة مؤلفات‬
‫خبير في الطالسم]‪
.[279‬يلمح‬‫ًا‬ ‫في اآلراء الفلسفية والدينية للصابئة وكان
العلماُء العرب يعتبرونه‬
‫العاِلُم الالتيني من القرن الثاني عشر يوحنا اإلشبيلي في مقدمة ترجمته لكتاب
ثابت في الهيئة إلى‬
‫أن آديالرد‪ ،‬الغرب الوحيد الذي اطلع على األصل العربي للعمل‪
،‬اشترى نسخًة منه عندما كان‬
‫َي‬
‫ن‬
‫بأنطاكية‪ ،‬يقول‪" :‬حصلُت بعو هللا على هذا الكتاب
من أستاذي آنذاك؛ وهو كتاٌب ما حصل عليه‬
‫التين سواَي َق ط إال أنطاك ‪ ،‬وقع ذات
مرة على جزٍء منه" ولم يكن ذاك "األنطاك " سوى آديالرد‬
‫ّي‬ ‫ّي‬ ‫ٌي‬
‫أوف باث‪
،‬الذي كان قد َنشر قبل ذلك نسخًة مختصرًة من الكتاب نفِس ه]‪.[280‬‬
‫فيما كان اآلخرون يخشْو ن أثَر سحر
المسلمين‪ ،‬كان آديالرد يشيد بفكرة أَّن لإلنساِن أن يطمَح‬
‫مباشر بين ممارسة السحر والجهوِد العلميِة األخرى‪
،‬قائًال‬
‫ًا‬ ‫لفهم الطبيعة بل
لتذليلها‪ .‬كما ربط ربطًا‬
‫إّن دراسَة الطالسم تتطلب أوَل األمر إتقاَن علم الهيئِة وصناعة التنجيم‪
.‬يخبرنا آديالرد في نسخته‬
‫[المترَج مة] ِم ن عمل ثابت أَّن "أيما امرٍئ لم
يتمَّه ر في صناعة النجوم ال ُيغنيِه شيء تمهُره في علم‬
‫الهندسة والفلسفة؛ ألَّن
صناعَة النجوم مقَد مٌة في نفسها على كل ما سواها من فنون وهي األشُد نفعًا‬
‫بينها
ِلما للطالسم من آثار‪[.‬ترجمة عكسية]]‪  [281‬يشتمل
كتاب الطالسم ‪The Book of‬‬
‫‪[ Talismans‬هكذا يسميه آديالرد] على
تعاويَذ لطرد الفئران وفنوٍن إلشعال جذوة الحب من جديد‬
‫بين الزوجين‪ .‬بل إَّن فيه
طلسمًا لطرد العقارب من المدينة‪ .‬ف ر أوًال من المعدِن على هيئِة‬
‫ُيَص َو‬
‫ٍت‬
‫عقرب عندما
يطلع في السماء برُج العقرب‪ .‬ثم ُينقش اسُم هذه الكوكبة وغيُرها من بيانا فلكية
على‬
‫الطلسم‪ .‬وُيطَم ر في المكان المراد حمايُته؛ بل‪ ،‬وهذا أفضل‪ ،‬في أركانه األربعة‪
،‬بينما تتلى التعويذُة‬
‫التالية‪" :‬ههنا قبُره وما أشَبَه كان‪ ،‬فال أتى ذا وال
ذا ِم ن مكان"‪[ .‬ترجمة عكسية] [‪This is the‬‬
‫‪burial of it
and of its species, that it may not come to that one and to‬‬
‫‪.[282]"]that place‬‬
‫وقد طَّع م أديالرد ترجمَته بكثيٍر من
العبارات العربية‪ ،‬ما أسبغ عليها جاذبيًة خفية في عاَلٍم‬
‫التيني متعطٍش إلى
المعرفة؛ الجديدِة منها واألساسية‪ .‬ففي وصفٍة الم أرٍة تسعى الستعادة عواطف‬
‫ِح‬ ‫ِذ‬ ‫ِع‬
‫زوجها
تجاهها‪ ،‬يقدم آديالرد التميمَة الالزمَة التالية‪" :‬يا ُم ُز يا ُم ل‪ ،‬يا
ُم ض ُك يا ُم بكي‪ ،‬ويا نوَر‬
‫السماواِت واألرِض أِّلف بالحب بين قلبي هذين‪ ،‬ويا
أيتها األرواُح التي تعرف كيف تؤِّلُف بين‬
‫القلوب أِّلفي بين قلبيهما واستعيني
بعظيِم سلطاِن وقدرِة الَم ِلِك الُق دوِس الحِي القيوم"‪[ .‬ترجمة عكسية‬
‫بتصُّر ف]
[‪O fount of honor, joy and light of the world! Mix
together the‬‬
‫‪loves of these two people, o spirits, using your knowledge of
mixing,‬‬
‫‪and being helped toward this end by the greatest power and the‬‬
‫‪
.[283]"]might of
al-malik al-quddus wa al-hayah al-da 'ima‬ينسجم هذا‬
‫االنجذاب الشريف إلى هللا وشفعائه‪ ،‬ال إلى الجان‪ ،‬مع التقليد اإلسالمي
وينفصم عن مفهوم السحر‬
‫األسود بأوروبا المسيحية]‪
.[284‬وفي أحد المواضع‪ ،‬يقدم لنا آديالرد إشارًة نادرة إلى السبب‬
‫المحتمل الذي أحو
شابًا من الريف اإلنكليزي إلى ارتياد أرٍض فكريٍة مجهولة‪ ،‬وحيدًا في بالٍد‬
‫َج‬
‫غريبٍة
نائية‪ .‬يقول‪" :‬على المشتغل بالسحر التركيُز على العمل الذي بين يديه‪ ،‬وأن
يتصرَف دومًا‬
‫بإيمان‪ .‬ألّن "انقطاع الرجاء ُيفضي إلى التردد‪ ،‬والتردد ُيفضي
إلى العجز"]‪.[285‬‬
‫َّل‬
‫وقد تو د لدى آديالرد‪ ،‬بتأثيٍر من ثابت
بن قرة ومفكرين آخرين ممن كانوا على شاكلته‪ ،‬افتتاٌن‬
‫بمسائل السحر والتنجيم كجزٍء
أساسي من علم سيرافقه طوال حياته‪ .‬ال يتعارض السحُر والتنجيم‪،‬‬
‫كثير على‬ ‫ًا‬ ‫عند علماء المسلمين‪
،‬مع علم الفلك والطب والكيمياء واألنواء‪ ،‬وهو تقليٌد عمل آديالرد‬
‫إشاعته
بين العلماء الغربيين األوائل‪ .‬فقد كان األطبا العرب‪ ،‬مثًال‪ ،‬يستشيرون النجوم
على نحٍو‬
‫ُء‬
‫روتيني لتحديد أفضل وقت إلجراء الفصد أو الجراحة‪ ،‬ويطابقون ما بين أجزاء
بدن المريض‬
‫وخريطة البروج‪ .‬وكان هذا النظام قد انتشر في الممارسة الطبية
اليونانية‪ :‬فكان برج الَح َم ل مرتبطًا‬
‫بالرأس وبرج الحوت بالقدمين‪ ،‬وفي ما بينهما
أج ازُء البدن األخرى ولكٍّل منها برج]‪
.[286‬وكان‬
‫بجامعة بولونيا‪ ،‬إحدى أعظم مراكز تعليم الطب في الغرب في العصور الوسطى‪
،‬أستاٌذ خاص‬
‫متفرغ لتدريس أطباء المستقبل كيف يقِّيمون أثَر النجوم في بدن المريض]‪.[287‬‬
‫ويبدو أن آديالرد مارس كذلك هوايَة
السيمياء‪ ،‬وكانت هذه حاضنًة مهمة للعلم التجريبي في‬
‫أيامه األولى وهي أم الكيمياء
الحديثة‪ .‬وبالرغم من أن أصوَلها مستمدٌة من البحث الفلسفي عن‬
‫طبيعة المادة وحقيقِة
األشياء‪ ،‬فقد تدرجت السيمياء في العصور الوسطى لتشمَل في كثيٍر من‬
‫جوانبها تقنياٍت
محددة لمعالجة المواد بالمذيبات والعوامل التفاعلية أو إيجاد خالئَط معدنية
وأصبغة؛‬
‫كل تلك العمليات األساسية التي ستجد لها يومًا ما مكانًا في مختبر
الكيميائي‪ .‬واليوم‪ ،‬تعيد كلمُة‬
‫سيمياء إلى األذهان في أغلب األحيان ذلك البحَث
السرَي ‪ ،‬الُم لِغ ز‪ ،‬عن طرائق لتحويل المعادن غير‬
‫النفيسة إلى ذهب‪َ .‬ينسب أحُد
المراجع الباقية من العصور الوسطى إلى آديالرد مخطوطًة ضائعة‬
‫من القرن الثاني عشر
لوصفاٍت وتقنياٍت سيميائية‪ ،‬تعرف باسم مفتاح صغير إلى التصوير‪ .‬تظهر‬
‫في
نسخٍة من هذه المخطوطة‪ - ‬ال ُتنَس ب إلى آديالرد وال إلى غيره‪ - ‬سلسلٌة
من التعليمات لتنقية‬
‫الذهب والفضة‪ ،‬واالشتغاِل بالمعادن الثمينة‪ ،‬وتلويِن الزجاج‪
،‬وصباغِة الجلود‪ ،‬ويعود كثيٌر من ذلك‬
‫إلى التقاليد السيميائية لمصر الهلنستية‪
.‬تتضمن المخطوطة ككل ‪ 382‬فصًال‪ ،‬أو وصفة‪ ،‬ثلُثها‬
‫على ما يبدو إضافاٌت حديثُة العهد
نسبيًا]‪
.[288‬ولهذه المخطوطة سمٌة بارزة وهي أنها ال تعتمد‬
‫البتة على مصادَر التينيٍة لمادتها
األساسية‪ - ‬فليس في فصولها المتعلقة بالعمارة‪ ،‬مثًال‪ ،‬إشارٌة إلى‬
‫األعمال
القانونية للمهندس المعماري الروماني ڤيتروڤيوس ‪ - ‬ما يجعلها أحد أقدم األمثلة
لنقل‬
‫التكنولوجيا إلى العالم المسيحي]‪.[289‬‬
‫وثمة دالئُل تشير إلى أن آديالرد ربما أضاف
شيئًا من عنده إلى النص األساسي األقدم‬
‫للمخطوطة مستِن دًا إلى بحوثه واهتماماِت ه
الشخصية‪ .‬من ذلك االعتماُد على مصطلحاٍت عربية تشبه‬
‫تلك التي توجد في ترجمته عمَل
ثابت‪ ،‬كتاب في الهيئة [كتاب الطالسم]؛ وإدخال كلمتين إنكليزيتين‬
‫إلى
النص الالتيني في الفصل الذي يدور حول تقنيات إنتاج الصباغ األخضر‪ ،‬وهو لوٌن تبناه‬
‫آديالرد كعالمٍة مميزٍة له؛ وزوٌج من الوصفات لصنع السكر نبات من قصب السكر‪ ،‬وهو
نباٌت لم‬
‫يكن معروفًا آنذاك في شمالي أوروبا لكنه كان مألوفًا لشخٍص وصل إلى ما
وصل إليه آديالرد في‬
‫أسفاره؛ وفي األخير‪ ،‬كانت هناك بعض المقاطع التي تجد لها صدًى
في كتابات آديالرد المعروفة‪،‬‬
‫ومنها عمُله المبكر‪ ،‬في الثابت والمتغير]‪.[290‬‬
‫لعل العنواَن الحميد لتلك المخطوطة
السيميائية‪ ،‬مفتاح صغير إلى التصوير‪ ،‬اختير إلخفاء‬
‫محتوياتها الحقيقية عن
أعين الفضوليين الدخالء ألنها منجُم ذهب لتكنولوجيا العصور الوسطى‪،‬‬
‫وتشتمل على
أس ارٍر صناعية لحرفيين معاصرين ممن كانوا يصنعون الزجاَج ‪ ،‬والجلود‪ ،‬وغيَرهما من‬
‫منتجات‪ ،‬وعلى التقنيات والطرائق األساسية للِع لم الغربي المبكر]‪
.[291‬من كنوز هذه المخطوطة‬
‫رمز‪ ،‬لتقطير الكحول؛ وهو مكوٌن أساس في
كثيٍر من العمليات السيميائية‪ .‬تكشف‬ ‫وصفٌة مكتوبٌة ًا‬
‫هكذا أعمال جوانَب كثيرًة من األساس المعرفي
المنقول من أساتذة ذلك الزمان العرب‪ ،‬ألن صناعَة‬
‫السيمياء عند المسلمين كانت
مكرسًة‪ ،‬في جانٍب منها‪ ،‬للبحث عن "الجواهر" الصافية من خالل‬
‫التقطير‪
،‬والبلورة‪ ،‬واإلرجاع‪ ،‬وغير ذلك من عملياٍت كيميائيٍة أساسية‪ .‬فقد كان جهابذُة الموضوع
من‬
‫العرب يقولون إَّن مزج ُقطارتين معينتين معًا يمكن أن يؤدَي إلى والدة جوهٍر
أكثَر نقاوة‪ ،‬هو‬
‫اإلكسير‪ ،‬قادٍر على مداواة األسقام‪ ،‬وتنقيِة المواد األقل نبًال‪
،‬بل إطالة العمر‪ .‬وقد ُع رف هذا الحقًا‬
‫في أوروبا بالجوهر الخامس‪ - ‬األصل
الحرفي لكلمة الجوهر [‪
]quintessence‬عندنا‪ - ‬وكان‬
‫مكمًال لنظام العناصر األساسية األربعة لدى قدامى اليونان‪
:‬الهواء‪ ،‬والماء‪ ،‬والتراب‪ ،‬والنار‪.‬‬
‫ُيستفاد من السيميائي العربي العظيم من
القرن التاسع جابر بن حيان أَّن كَل معدٍن من معادن‬
‫األرض مكوٌن من خالئَط مختلفِة
النسب والمقادير من الكبريت والزئبق‪ ،‬ما يسمح بإمكانية "تحويلها"‬
‫إن هي
ُح للت إلى هذين العنصرين الوسيطين ثم إعادة ترتيب المقادير ودرجات النقاوة
النسبية‪ .‬وقد‬
‫شَّك ل ذلك األساَس النظري لكثيٍر من التحقيقات العلمية األولى
للسيميائيين‪ ،‬وهو بحٌث ثبت أنه ال‬
‫يقل شعبيًة في الغرب عنه في الشرق؛ ال أقله
أمًال في أن يتمكَن المرء في النهاية من إنتاج الذهب‬
‫من المعادن غير النفيسة
األكثر شيوعًا]‪
.[292‬كان جابر‪ ،‬المعروُف عند الالتين باسم ‪،Gaber‬‬
‫زور
في ما بعد أعداٌد ال تحصى من األعمال السيميائية األوروبية‪ ،‬مرتبطًا ارتباطًا‬
‫والذي ُنسبت إليه ًا‬
‫وثيقًا بالتعاليم الشيعية والصوفية‪ ،‬وعكست مزاولُته السيميائيُة سع تينك
الطائفتين الروح للنفاذ‬
‫َي‬ ‫َي‬
‫ُس‬‫األسا‬ ‫بالتالي‪،‬‬ ‫كان‪،‬‬ ‫هنا‬ ‫من‬ ‫إلى الظواهر الطبيعية والتوصل إلى استكناه المعنى
الباطني‪.‬‬
‫الفلسفي لصناعة السيمياء التي باتِت اآلن
منتَق َص َة الشأن‪ ،‬وأُي تغيٍر في الجوهر المادي في‬
‫رمز لتحول الروح]‪.[293‬‬
‫المختبر كان لدى جابر وزمالئه
المتفقين معه في الرأي ًا‬
‫ثم تكَّش ف هذا المكوُن الرمزي الحيوي شيئًا
فشيئًا على يد بعض الكيميائيين العرب المتأخرين‪،‬‬
‫ما سَّه ل االنتقاَل من المعرفة
الروحية للسيمياء إلى علم الكيمياء العملي‪ .‬وقد شملت أعماُل هكذا‬
‫علماء متأخرين
تصنيَف العناصر المعدنية‪ ،‬والعملياِت والتقنياِت األساسية‪ ،‬ووصَف األدوات وغيِرها‬

‫‪
.‬ولقد أطلق وصوُل‬
‫من المعدات؛ واسُتوِع َب كُل ذلك بسهولة في لغٍة علميٍة غربيٍة ناشئة]‪[294‬‬
‫السيمياء العربية إلى العاَلم الالتيني قرونًا من البحث في الخواص
الكيميائية والطرائق التجريبية‪،‬‬
‫تمامًا كما ساعدت النظرُة إلى األرض كمركٍز للكون
في الدراسات العربية للمجسطي على توسيع‬
‫حدود الفلك الرياضي‪ .‬وقد رأى العاِلُم
والفيلسوُف اإلنكليزي من القرن الثالث عشر روجر بيكون‪،‬‬
‫كبير في ما سماه النهَج العمل إلى المعرفة‪" :‬لكن ثمة‬ ‫ًا‬ ‫الذي شاطر آديالرد حماسَته
للسحر‪ ،‬أمًال‬
‫َي‬
‫سيميا أخرى‪ ،‬فعالٌة وعملية‪ ،‬تبين كيفيَة صنِع المعادِن النبيلة واأللوان وكثيٍر
من األشياء بشكٍل‬
‫ُء‬
‫أفضل وأكثَر تفننًا مما في الطبيعة‪ .‬وإَّن علمًا من هذا النوع
لهو أعظُم من كل تلك الك ارريس ألنه‬
‫أجُّل منها نفعا"]‪.[295‬‬
‫مثلما كان الحال في تطور علم النجوم‪ ،‬الذي
كان له بدوره منتقدوه الدينيون الكثر في الشرق‬
‫دور مهمًا في صعود العلِم الغربي‪ ،‬ألَّن‬
‫والغرب على السواء‪ ،‬كذلك في
السيمياء لعبت السياسُة ًا‬
‫متطلباِت الدولة
منحت في بعض األحيان ممارسي السيمياء األوائل حمايًة ثمينة من اإلدانة الدينية‪.‬‬
‫فقد
كان أم ارُء الغرب حريصين على ملء خزائنهم الهزيلة بمعونة "علماء الفلسفة
الطبيعية"‪ ،‬على‬
‫حد تعبير أحد الملوك اإلنكليز‪ ،‬لزيادة أرصدتهم الملكية من
العملة الذهبية بالسيمياء]‪
.[296‬في‬
‫الواقع‪ ،‬كان أفضَل ما استطاع السيميائيون أن يفعلوه خفُض قيمة عملة التاج بما
أدخلوه عليها ًا‬
‫سر‬
‫من شوائب ضَّخ مت عدَد ُقَط ِع ها لكنها قللت محتواها الحقيق من
الذهب‪ ،‬مثلما َي لجأ اقتصاُد العملة‬
‫َي‬
‫الورقية هذه األيام إلى طباعة المزيد من أوراق
البنكنوت لتغطية مصروفاته المتعاظمة‪ .‬وقد لجأت‬
‫القوى الكنسية‪ ،‬التي كانت قد بدأت
تخسر سلطَتها ونفوَذ ها أمام الممالك العلمانية "المتمكنِة " جدًا‪،‬‬
‫إلى
وصم المشتغلين بهذه الفنون بالشعبذة‪ .‬كذلك استحضر البابا وحلفاؤه تعاليَم الكنيسة
للتحذير من‬
‫تدخل اإلنسان في النظام الذي أودعه الرب في الطبيعة‪ ،‬فقال البابا جون
الثاني عشر في حق‬
‫أولئك "المشعبذين"‪َ ،‬بِر مًا بهم‪ ،‬في منشوٍر بابوي سنة
‪ ،1317‬إنهم "يقولون ما ال يفعلون"]‪.[297‬‬
‫ورد أوُل ذكٍر لكتاب مفتاح صغير إلى
التصوير في فهرس مكتبة ديٍر بندكتي في رايخنو‪،‬‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫ألمانيا‪ ،‬في القر التاسع‪ ،‬لكن
المخطوطَة الضائعة التي يشير إليها الفهرس ربما تكو أقدَم‬
‫منه]‪
.[298‬ال شك في أن الحرفيين األوروبيين قد أتقنوا وحفظوا بعَض التقنيات الصناعية الهامة‬
‫في فوضى العصور الوسطى المبكرة‪ .‬لكَّن هذا لم ينل من التأثير الهائل لوصول
السيمياء العربية‬
‫والكيمياء المبكرة التي بدأ أمثال آديالرد ُيدخلونها في القرن
الثاني عشر‪ .‬وخالل عقوٍد قليلة‪ ،‬أنتج‬
‫اإلنكليزي روبرت أوف كيتون أوَل نص التيني في
الفن العربي‪ :‬كتاب تركيب السيمياء [‪The‬‬
‫‪ .]Book of
the Composition of Alchemy‬يقول روبرت لقرائه في مقدمة هذا الكتاب‪:‬‬
‫"لَّم ا كان العاَلم الالتيني ال يعلم بعُد ما السيمياء وِم َم تتركب‪ ،‬فسأبين
له في هذا الكتاب ذلك"‬
‫]‪.[299‬‬
‫وسرعان ما بدأ فيٌض من األعمال العربية
المترجمة في السيمياء يجتاح الغرب‪ ،‬مهددًا‬
‫باإلطاحة بالعالقة التقليدية بين
اإلنسان والطبيعة في المسيحية ودافعًا إلى جدٍل فلسفي والهوتي قوي‬

‫‪
.‬وكان السيميائيون الالتين‪ ،‬وقد حفزهم وصوُل‬
‫حول استخدام
وسوء استخدام التكنولوجيا]‪[300‬‬
‫هذه التعاليم العربية‪ ،‬بين الرواد
األوائل في مغامرة اكتشاف الغرب العالَم ‪ ،‬فيما كانت نظرياُتهم في‬
‫الطبيعة‪ ،‬كتلك
التي تتصل بتركيب المادة‪ ،‬في سبيلها إلى إذكاء شعلة الثورة العلمية في القرنين‬
‫السادس عشر والسابع عشر]‪.[301‬‬
‫قبل وصول آديالرد بمدٍة طويلة إلى أنطاكية‪
،‬كان الجهُل والفوضى والعزلُة الطوعية‪ ،‬كُل ذلك‬
‫قد عزل الغرب عن قروٍن من التقدم
العلمي والفلسفي‪ .‬فكان العاَلُم الطبيع عمومًا خارج النقاش‬
‫ُي‬
‫وغيَر مرتاد‪ ،‬وكانت
المحاوالُت المبكرة لسبر أس ارره تثير في الغالب شبهاِت االشتغال بالسحر أو‬
‫تسخيِر
الجان ألغراض األذى‪ .‬فمع قلة أو فقدان المعرفة بالقوانين الفيزيائية التي يمكن أن
تفِس َر ‪،‬‬

‫ًال‬
‫مثًال‪ ،‬انتشاَر المرض الوبيل‪ ،‬أو فنوَن المالحة أو تعييِن الوقت‪ ،‬كان
العاَلم المسيحي في العصور‬
‫الوسطى يميل إلى اعتبار الكون مكانًا مظلمًا مخيفًا‪
.‬كانت الخرافُة هي السائدة‪ .‬باختصار‪ ،‬لم يكن‬
‫هناك نظام‪ ،‬بل نوٌع من الهوس أو المس
ال غير؛ يشهد بذلك شيوُع توّق عات نهاية العالم وتفسي ارٌت‬
‫سفيهة للظواهر الطبيعية
واستحواُذ ها على مخيلة الناس‪ .‬كُل ذلك بدأ يتغير مع اكتشاف آديالرد أحَد‬
‫أعظِم
األعمال العلمية في التاريخ‪ ،‬النظام الرياضي لهندسة إقليدس‪.‬‬
‫تشتمل الكتب الثالثة عشر إلقليدس‪ ،‬المعروفة
باسم األصول [‪
،]Elements‬على ستة‬
‫فصول [الكتب من ‪ 1‬إلى ‪ ]6‬في مبادئ علم الهندسة [اإلقليدية المستوية]‪
،‬وثالثة في نظرية العدد‬
‫[الكتب من ‪ 7‬إلى ‪ ،]9‬وواحد [الكتاب ‪ ]10‬في "المقادير
غير المتقاسمة"‬
‫[‪]incommensurables‬؛ [التي تكون ِن َس ُبها إلى بعضها بعضًا] أعدادًا صماء [‪irrational‬‬
‫‪ ]numbers‬كما تسمى اليوم‪ .‬أكثُر األمثلة شيوعًا للمقادير غير المتقاسمة
ضلُع المربع وقطره‪.‬‬
‫فما ِم ن وحدة قياس يمكن أن تقيس هذين الخطين معًا؛ ومن ثم‪ ،‬ال
يمكن التعبير عن عالقِة ما‬
‫بينهما بكسر أو بنسبة‪ .‬وقد ُظ ن أن مسألة المقادير غير
المتقاسمة أجبرت الفالسفة اليونان على نبذ‬
‫فكرة أَّن الكون يمكن أن يوَص ف كليًا
بأرقاٍم صحيحٍة موجبة والتركيِز بدًال من ذلك على جعل‬
‫الهندسة تمثيًال للواقع
المادي أكثر دقًة وفائدة]‪
.[302‬أما الكتب الثالثة األخيرة ففي الهندسة‬
‫الفراغية‪.‬‬
‫يحيط الغموض بحياة إقليدس وأصوله
وهي موضوُع كثيٍر من التوّق عات‪ ،‬وإن كان ُيعرف أنه‬
‫أسس مدرسة باإلسكندرية‪ ،‬حيث سطع
نجمه حوالي العام ‪ 300‬ق‪.‬م‪ .‬جمع إقليدس في تحفته تلك‬
‫ر
كثير من أعمال من سبقه من الرياضيين اليونان‪ .‬فهو يبدأ‪ ،‬أول ما‬ ‫ًا‬ ‫وهذب وقدم بشكٍل منطقي آِس‬
‫يبدأ‪ ،‬بمسَّلمات
علم الهندسة ثم يطرح مسألًة للحل ويأتي لها بحل مقترح‪ .‬ويعطي في األخير براهيَنه‬
‫استنادًا إلى تلك المسَّلمات أو إلثبات صحة التفسير‪ ،‬ويخلص إلى النتيجة التي تؤكد
أن المسألة قد‬
‫ُح لت حًال مقنعًا وفق القواعد المتفق عليها للعبة‪ .‬ويشكل كُل برهاٍن
ناجح َلِب نًة من األساس الذي‬
‫يقوم عليه برهان المسائل التالية األكثر تعقيدًا‪.‬‬
‫تقدم كتب األصول الثالثة عشر إذا
ُأخذت معًا نظامًا منطقيًا شامًال ومقدمًة للتفكير‬
‫االستنتاجي ذي األهمية الحيوية
لتطور المنهج العلمي والبحث الفلسفي العقالني‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لم‬
‫تعرف أوروبا العصور
الوسطى شيئًا تقريبًا عن علم إقليدس‪ ،‬إال شذرات لم ُتفَه ِم الفهَم الصحيح مما‬
‫حفظه
بوثيوس وثلٌة من الموسوعيين الالتين اآلخرين‪ .‬فلم يخِص ص إيزيدور اإلشبيلي‪ ،‬مثًال‪
،‬في‬
‫أصوله [‪]Etymologies‬؛
[وهي موسوعٌة ضخمة من ‪ 448‬فصًال لخص فيها علوَم األولين‬
‫واآلِخ رين] أكثر من أربع
صفحات لموضوعات الهندسة والحساب والموسيقى والفلك‬
‫مجتمعًة]‪
.[303‬فلم تعِط هذه القصاصات المعرفية العلماَء المسيحيين فكرًة عما في أصول‬
‫إقليدس من كنوٍز فكرية‪.‬‬
‫أما العرب فقد أصاب إقليدس عندهم نجاحًا
أكبَر من ذلك بكثير‪ ،‬فقدروه حق قدره وجعلوا‬
‫أصوَله الفذَة‪ ،‬مع المجسطي‪
،‬وفنون الفلك الهندي‪ ،‬والفلسفة الطبيعية ألرسطو‪ ،‬حجَر الزاوية في‬
‫مشروعهم الفكري‪
.‬تجدر اإلشارة إلى أن العلماَء العرب بينوا كذلك أهَم نقاط الضعف في نظام‬
‫إقليدس‪
،‬أي المسَّلمة الخامسة [أو مسَّلمة التوازي]‪ ،‬التي تبين أَّن الخطين المتوازيين ال
يلتقيان أبدًا‬
‫ولو امتدا إلى ما ال نهاية‪ .‬يكمن جوهُر المشكلة هنا في توكيد سلوك
هذين الخطين خارج حدود‬
‫التجربة البشرية‪ ،‬ويبدو أن إقليدس نفَس ه عَّبر عن بعض
الشكوك في هذا الجانب من عمله‪ .‬وقد‬
‫فشلت كُل المحاوالت التي ُبذلت حتى تاريخه
إلثبات صحة هذه القاعدة بشكٍل قطعي‪ .‬لكَّن‬
‫الرياضيين العرب في العصور الوسطى كانوا
يتصدون لهذه المسألة بطرائق جديدٍة ومبتكرة مرًة بعد‬
‫مرة على مدى قرون؛ وهو عمٌل
سيجد طريَق ُه في النهاية إلى الغرب‪ ،‬وسيؤثر الحقًا في عدٍد من‬
‫ُم َق َّد مي علماء
الرياضيين هناك]‪.[304‬‬
‫اسَتحضر الخليفُة المنصور تعاليَم إقليدس
في التصميم الهندسي لمدينته المدورة‪ ،‬وحرص َم ن‬
‫أتى بعَد ه على أن تكوَن األصول
ِم ن أول ما يترَج م إلى العربية من أمهات الكتب اليونانية‪ .‬وال تزال‬
‫أعماُل اثنين
من علماء العصر العباسي حول األصول موجودًة إلى اليوم‪ .‬أوُل هذين العاِلمين
هو‬
‫الحجاج [بن يوسف بن مطر]‪ ،‬الذي وضع ترجمًة كاملة لها وملخصًا‪ ،‬وقد وضع هذا
األخي بطلٍب‬
‫َر‬
‫مباشر من الخليفة المأمون‪ .‬ثم قام ثابت بن قرة‪ ،‬الباحُث ببيت الحكمة
الذي َترجم عنه آديالرد عمله‬
‫كتاب في الهيئة [كتاب الطالسم]‪ ،‬بتحرير
وتنقيح هذه الترجمة لتقترَب أكثَر من األصل‬
‫اليوناني]‪.[305‬‬
‫كذلك أنتج العرب عش ارِت الشروح ألصول
إقليدس وترجموا أعماًال مهمًة أخرى له‪ .‬وعلى‬
‫الفور‪ ،‬تقريبًا‪ ،‬بدأ نهُج المسلمين في
العلم والفلسفة يعكس اإلص ارَر المبدئي لهذا الرياضي اليوناني‬
‫على تقديم ما يمكن
إقامُته من براهين‪ .‬وما لبث هذا النهج أن اتسع ليشمَل مسائَل اإللهيات والدين‪،‬‬
‫ما
دفع الِك ندي العاِلَم األرستقراطي إلى االستعانة بتعاليم الفالسفة اليونان في ما
بعد الطبيعة‬
‫إلخضاع مسائل اإليمان إلى هذا الشكل نفِس ه من التحليل الصارم‪ .‬لهذا
الغرض‪ ،‬طلب الِك ندي‬
‫كبير لالهوتيين في‬
‫ًا‬ ‫عمَل ترجماٍت عربية لكتب الفالسفة اليونان‪ ،‬تلك التي ستشكل
يومًا ما تحديًا‬
‫الشرق والغرب على السواء‪ ،‬ومنها أعمال أرسطو في
علم الكون والروح]‪.[306‬‬
‫مثير‪ .‬وقد ُنسبت تاريخيًا‬
‫أمر ًا‬
‫كان اكتشاُف األبعاد الكاملة إلقليدس
بأوروبا العصور الوسطى ًا‬
‫إلى آديالرد النسُخ
الالتينيُة الثالُث األولى القائمُة على ترجمة الَح جاج قبل ثالثة قرون]‪.[307‬‬
‫ٍد‬
‫وتلتها بسرعة نسٌخ لعلماَء آخرين‪ .‬تثبت بعُض الهوامش في عد من المخطوطات الباقية
وشهادُة‬
‫مفكرين الحقين من العصور الوسطى آلديالرد صالٍت وثيقًة بالنصوص األقدم‪
.‬يقتبس روجر بيكون‬
‫من ثالثِة هذه الرسائل ‪ - ‬وهي في الواقع شرٌح إلقليدس أكثر
مما هي ترجمٌة لعمله ‪ - ‬ويسميها‬
‫"نسخة خاصة آلديالرد أوف باث"‪
،‬مستصوبًا هذا الرأي]‪
.[308‬وليس ثمة سبٌب للشك في رواية‬
‫آديالرد نفِس ه عندما يخبرنا في عمٍل الحٍق له أنه
ترجم األصوَل بالفعل قبل بضع سنواٍت من‬
‫ذلك]‪.[309‬‬
‫لم ينجح أحٌد إلى اآلن في حل اللغز ليخبرنا
أَي نص من هذه النصوص هو بالضبط نُص‬
‫األستاذ‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬عندما تتتَّبع تاريَخ
اإلدخال الناجح لهندسة إقليدس إلى الغرب الالتيني منذ‬
‫‪ ،1126‬تجد بصماِت آديالرد في
كل مكان‪ .‬بصرف النظر عن منشأ هذه المخطوطات األولى‪،‬‬
‫فهي تكشف لنا الكثيَر عن كيفية
استيعاِب آديالرد‪ ،‬والعلماء الالتين األوائل الذين ساروا على دربه‪،‬‬
‫للنصوَص
العلميَة العربية وإتقاِن ها تدريجيًا‪ .‬تحمل النسُخ األقدم كَل عالمات اللقاء
العابر األول‬
‫بالدراسات العربية [‪
.]studia
Arabum‬فترجمُة المصطلحات الفنية غيُر متسقة في الغالب‬
‫وتعتمد اعتمادًا شديدًا على
المصطلحات الالتينية غيِر الدقيقة أو المغلوطة؛ ويفشل المؤلف أحيانًا‬
‫في إيجاد أي
مكافٍئ التيني للمصطلح‪ ،‬فال يجد أمامه سوى أن ينسَخ ه لفظيًا من األصل العربي‪.‬‬
‫ولم
تلبث ترجمات الفلسفة اإلسالمية أن ابُتليت هي أيضًا بمتالزمِة الِع َو ِز اللغوِي
تلك؛ ففي إحدى‬
‫الترجمات الالتينية األولى ألحد األعمال العربية المهمة في ما بعد
الطبيعة اضُط ر المترجم إلى‬
‫متميز لمفهوم‬
‫ًا‬ ‫استخدام كلمٍة التينيٍة واحدة‪ ،‬هي ‪
،esse‬للتعبير عن أربٍع وثالثين مرادفًا عربيًا‬
‫الوجود وما يتصل به من
مفاهيم]‪.[310‬‬
‫مباشر من‬
‫ًا‬ ‫وحسب تحليٍل لغوي حديث‪ ،‬تعتمد الترجمُة
األقدم على أكثر من سبعين َنسخًا لفظيًا‬
‫العربية للتعبير عن المفاهيم الهندسية
األساسية التي لم يكن لها في التينية العصور الوسطى مقابٌل‬
‫جاهز‪ .‬من هذه المفاهيم الُق طر
[‪ ،]diameter‬والظل [‪
،]tangent‬والنسبة [‪ .]ratio‬لكَّن نسخًة‬
‫أحدَث منها قليًال أحلت
مكاِفئاٍت التينيًة مناسبة محل كل المصطلحات المذكورة وتقَّلص عدد‬
‫المصطلحات
المنسوخة لفظًا من العربية فيها إلى نحو عشرين‪ .‬يوحي هذا بأن آديالرد‪ - ‬أو
ربما‬
‫زميل له أو أحد تالمذته‪ - ‬قد خطا منذ ذلك الحين خطواٍت واسعة في إتقان
المادة التي بين يديه‬
‫واستبانِة أو توليِد مكاِفئاٍت لغويٍة التينيٍة إضافية]‪
.[311‬كما تتضمن بعُض مخطوطات إقليدس‬
‫الباقية هوامَش تناقش بعَض المفردات العربية أو
تشرح مسائَل في قواعد اللغة‪ ،‬وهذا أسلوٌب اتبعه‬
‫ِت‬ ‫ٍل‬
‫آديالرد نفُس ه في أعما
أخرى ‪ - ‬فتراه في أحد هذه األعمال يميز الكلما األجنبيَة بحبٍر أحمَر‬
‫خاص‪ - ‬وسار عليه تالمذته من بعده]‪.[312‬‬
‫تكاد ُتجمع كُل النماذج المتبقية من النسخة
الثانية للترجمات الالتينية ألصول إقليدس صراحًة‬
‫كبير" على مدى خمسة قرون وشكلت‬ ‫ًا‬ ‫على أنها من عمل آديالرد‪
.‬وقد القت هذه النسخة "رواجًا‬
‫إحدى
المعالم البارزة لعلوم الغرب حديثِة النشأة‪ .‬وقد بقيت منها سٌت وخمسون مخطوطًة على‬
‫َّك‬
‫‪
.‬وقد ش ل أساَس‬
‫األقل‪ ،‬وهو رقٌم كبير نسبيًا يشهد بالجاذبية الكلية للعمل وسعة استخدامه]‪[313‬‬
‫ما أصبح الحقًا النَص المدرسي النهائي في حينه ومرجعًا ُيستند
إليه في الشروح طوال القرنين‬
‫الثالث عشر والرابع عشر‪ .‬في الميدان النظري‪ ،‬قَّد م
إقليدس للعالم الالتيني أوَل نموذٍج صريح‬
‫للتفكير العلمي وأطلعهم على المنهج الكالسيكي
في االستنتاج المنطقي]‪
.[314‬أما في الميدان‬
‫العملي‪ ،‬فكانت هندسته حاسمَة األهمية لتطور علم الفلك في العصور
الوسطى‪ ،‬ألنها سمحت‬
‫بقياس األجرام السماوية البعيدة بالزوايا والدرجات وساعدت على
تفسير حركاتها في السماء وتوّق ع‬
‫هذه الحركات‪.‬‬
‫لقد مهدت هذه الترجمات الالتينية األولى‪
،‬التي سعت لشرح أصول إقليدس للجمهور الغربي‪،‬‬
‫السبيَل لبرنامج الدراسة العربي
الدقيق الذي ُتوج بعلم الفلك الرياضي وعلِم النجوم التطبيقي]‪.[315‬‬
‫كما كان لها أثٌر عميق في تطور التفكير العلمي والفلسفي األوروبي المبكر عمومًا‪
.‬أدرك روبرت‬
‫غروسِت ت (ت‪ - )1253 .‬الذي يعني اسمه حرفيًا "ذو الرأس
الكبير" ما دفع أحَد معاصريه إلى‬
‫تسميته "روبرت ذو الرأس الغليظ والفكر
الدقيق"]‪
-  [316‬وكان رئيسًا لجامعة أكسفورد‪ ،‬ما ِلعلم‬
‫الهندسة الوافد من أهميٍة جوهرية‪ .‬يقول‪"
:‬إَّن فائدَة دراسة الخطوط والزوايا واألشكال عظيمٌة جدًا‪،‬‬
‫ألن من المستحيل
معرفة الفلسفة الطبيعية بدونها‪ .‬فهي في الكون الكبير وفي أجزائه‪ .‬فبدون‬
‫الخطوط
والزوايا واألشكال‪ ،‬سيكون من المستحيل معرفة طبيعة األشياء على الحقيقة"]‪.[317‬‬
‫ار نسخَة آديالرد ألصول إقليدس‬ ‫ويستدعي روجر بيكون‪ ،‬الزميُل األصغر
لروبرت‪ ،‬مر ًا‬
‫ار وتكر ًا‬
‫كمرجٍع لفكرة استخدام
البرهان في المنطق ونظرية المعرفة‪ ،‬اإلبستومولوجيا‪ ،‬وهي فكرٌة كانت قد‬
‫بدأت للتو
فقط تترسخ في الغرب‪ .‬ويعتمد روجر صراحًة على آديالرد في عمله األصيل في‬
‫نظريات
البصر وفي المسألة األعم التي هي دوُر التجربِة في العلم‪ .‬يقول روجر في الهندسة‬
‫النظرية [‪"
:]Geometrica Speculativa‬البديهية [‪ ،]axiom‬كما يقول آديالرد أوف باث في‬
‫كتابه‪ ،‬تعلو وال يعلى عليها‪ ،‬ألنها
تفسر حدوَد (تعاريَف ) األشياء‪ .‬يصح هذا خاصًة عندما تؤخذ‬
‫البديهية بمعناها الدقيق‪
،‬وإن كانت كُل المبادئ تدعى بديهيات بالمعنى األعم‪ ،‬كما تشير إلى ذلك‬
‫خاتمُة كتاب
آديالرد أوف باث"‪.‬‬
‫ثم يمضي إلى ربط آديالرد مباشرًة بعمل
أرسطو في التجربة والتجريب قبل أن يضيف‪،‬‬
‫"والُم سَّلمة [‪ ،]postulate‬كما يقول آديالرد أوف
باث‪ ،‬هي التي لكونها مؤكدة ال ينتج عن المقدمة‬
‫َّل‬
‫ما ال ُيسيغه العقل"‪ .‬وقد شكل
اجتماُع هذه العناصر ‪ - ‬الهندسة؛ ونظام البديهيات والمسَّلمات‬
‫والبراهين الذي
شرحه آديالرد؛ والتجربة المباشرة ‪ - ‬أساَس كثيٍر من البحوث والمعارف الغربية‬
‫الخصبة‪ ،‬ومنها تطوير حساب التفاضل والتكامل ‪ calculus‬والتحليل الصوري ‪Formal‬‬
‫‪ Analysis‬بأكسفورد]‪
.[318‬كذلك كان فُن الهندسة الجديد أساسيًا للبحث الفلسفي في العصور‬
‫الوسطى في الضوء
واللون والبصر‪.‬‬
‫وسرعان ما صارت أصوُل إقليدس تدَّر س
في مدارس الكاتدرائيات‪ ،‬ال سيما مدرسة شارتر‪ ،‬التي‬
‫بر‪ِ ،‬ج رِبر‬
‫مركز تعليميًا رائدًا
مذ عاد إليها من األندلس الراهُب الفرنسي الذي سيغدو َح ًا‬
‫ًا‬ ‫أصبحت‬
‫دوريالك‪
،‬لينشَر ما تعلمه من العرب في الرياضيات وغيرها من مواد التعاليم األربع‪ .‬وقد ثبت
أن‬
‫هذه الصلَة المبكرَة بإقليدس إلحدى أكبر كاتدرائيات فرنسا كانت ذاَت قيمٍة
عمليٍة وجماليٍة عظيمة‬
‫بعد الحريق الذي أتى عليها سنة ‪ 1145‬وحَّتم إعادَة تصميم
وبناء هيكلها الضخم بالكامل‪ .‬وقد‬
‫قدمت الكاتدرائية إلقليدس التقديَر الذي يليق به‪
،‬حرفيًا ومجازيًا‪ :‬فأضافته إلى ُنُص ب الفنون العقلية‬
‫السبع‪ ،‬في حين أبانت عمارُة
الكاتدرائية الجديدة عن ثقافٍة جديدة في مبادئ الهندسة‬
‫والتناسب]‪
.[319‬فكانت النتيجة إحدى أعظم اإلنجازات المعمارية في العالم المسيحي‪.‬‬
‫بالفعل‪ ،‬بدأ البناُء والمعماُر األوروبي
وكذا الرسم يبدي تحسنًا فنيًا ملحوظًا‪ .‬يعود هذا التقدم‬
‫المفاجئ‪ ،‬وظهوُر مها ارٍت
وتقنياٍت نوعية لم تكن موجودًة من قبل‪ ،‬إلى النقل المباشر للتكنولوجيا‬
‫العملية من
كبار بنائي ومعماريي الشرق‪ .‬ففي حالتين معروفتين اثنتين على األقل‪ ،‬وصل إلى‬
‫الغرب
صناٌع عرٌب مهرة وقّد موا ما لديهم من معرفة‪ .‬أحدهم‪ ،‬وكان مسلمًا ُيدعى الليس [‪،]Lalys‬‬
‫ُأسر في الحمالت الصليبية وُأحضر إلى إنكلترا‪ ،‬حيث انتهى به األمر إلى أن أصبح
معمارَي‬
‫البالط في عهد الملك هنري األول]‪
.[320‬وفي مثاٍل آخر‪ ،‬يخبرنا المؤرخ السوري أسامة بن منقذ‬
‫أن بّناًء كان يعمل ألسرته رحل
إلى بالد اإلفرنج وحمل مها ارِت ه الثمينَة معه‪ .‬كذلك جعلت الحمالت‬
‫الصليبية بعَض
أصحاب الصنائع الغربيين من زّو ار األماكن الدينّية والمحاربين َيَّط لعون على أحدث‬
‫أساليب البناء لدى العرب‪ ،‬بينما وصل حرفيون آخرون إلى الغرب قادمين من األندلس في
أعقاب‬
‫االنتصارات العسكرية المسيحية هناك‪.‬‬
‫ومن االبتكارات المأخوذة عن العرب إدخاُل
األقواس المدببة‪ ،‬وهي سمٌة مالزمة لألسلوب‬
‫القوطي الحديث في عمارة الكاتدرائيات]‪
.[321‬وقد سمحت تكنولوجيا هذا األسلوب بإنشاء عقوٍد‬
‫وقناطَر رائعة فتحت هذه
الكاتدرائياِت الضخمَة للهواء [بأن أتاحت لها بلوَغ ارتفاعاٍت شاهقة ِلما‬

كثير عن البيوت‬
‫ًا‬ ‫تمنح
األقواُس المدببُة الهياكَل من متانٍة واستق ارٍر مدهشين] ‪ - ‬ال يختلف ذلك‬
‫الزجاجية الحديثة‪ - ‬وقادت إلى بناء نوافَذ ضخمة فيما كان في
الماضي حيطانًا سميكة ال ُتخَر ق‪.‬‬
‫كذلك منح االعتماُد على األقواس المدببة بدل
األقواس النصف دائرية في ما بين أعمدة اإلسناد‬
‫البنائين والمعماريين مرونًة أكبر‪
،‬إذ بات في استطاعتهم تنويُع مسافِة ما بين األعمدة من دون‬
‫المساس بالتصميم أو
تشويهه]‪.[322‬‬
‫إلى جانب مستوى التمُّه ر الرفيع للحرفيين
المسلمين في الرسوم الهندسية‪ ،‬وقواعِد التناسب‪،‬‬
‫وتقنياِت البناء النوعية‪ ،‬أظهر
هؤالء إدراكًا ثاقبًا للمبادئ الهندسية العامة التي لم تكن آنذاك معلومًة‬
‫في
الغرب‪ .‬ونتيجة ذلك‪ ،‬بدأت الزوايا غير المنتظمة‪ ،‬والحيطاُن المعَو َّج ة‪ ،‬واألبواُب
والنوافُذ المتنافرة‬
‫كثير من عمائر الكنائس األوروبية في القرن الثاني
عشر تتنحى باضطراد أمام دقٍة‬ ‫ًا‬ ‫التي سادت‬
‫أكبَر بكثير في التصميم والبناء]‪
.[323‬وسرعان ما تبنى أساتذُة البناء األوروبيون هندسَة العرب‪،‬‬
‫على نحو ما أشاعها
آديالرد‪ ،‬كأساٍس لصنعتهم‪ .‬تقول وثيقٌة إلحدى نقابات البناء من القرن الرابع‬
‫عشر‪"
:‬صار إقليدُس العظيُم ذاك ملهَم هم‪ .‬فاعلم أَّن ِم ن بين كل ِح َر ف العالم‪
،‬تتبوأ حرفُة البناء‬
‫أعلى مكانة وهي األوفُر بينها حظًا من علم الهندسة"]‪.[324‬‬
‫شكلت هذه التقنياُت الهندسيُة
المبتكرة ‪ - ‬يكاد يكون ذلك مؤكدًا ‪ُ - ‬لباَب المعرفة "السرية"‬
‫للبنائين األحرار (الماسونيين) مستقبًال‪ ،‬التي ال تزال تدور حولها أساطيُر كثيرة‪
.‬يحتوي كتيٌب يعود‬
‫في األصل إلى المعماري الفرنسي من القرن الثاني عشر ڤيالر دو
هونكور [‪Villard de‬‬
‫‪ ]Honnecourt‬على إشارٍة نموذجية إلى االستخدامات العملية لعلم الهندسة‪"
:‬إنه بفضل علم‬
‫الهندسة يمكن حساُب ارتفاِع بناء أو عرِض نهر"‪ .‬ويشتمل
ملخص ڤيالر على الطرائق الهندسية‬
‫لتنصيف مساحة المربع‪ ،‬وهي مهارٌة ضرورية لبناء
األبراج أو القباب المستدقة وغير ذلك من‬
‫السمات المعمارية المميزة لتلك الفترة]‪.[325‬‬

‫هنا‪ ،‬أيضًا‪ ،‬ظهرت القيمُة الجليلة لألصل


العربي لهذه الطرائق الجديدة‪ ،‬فقد كان التقليُد الفكرُي‬
‫اإلسالمي أكثَر من متهِّي ئ
لمعالجة المسائل العملية‪ .‬وكان البناؤون وغيُرهم من الحرفيين الذين‬
‫شاركوا في بناء
كاتدرائية ويلز في القرن الثالث عشر‪ ،‬غيَر بعيٍد عن باث بلدِة آديالرد األم‪،‬‬
‫ِت‬ ‫ِة‬ ‫ِد‬
‫يستخدمون بالفعل األرقاَم العربية لوسِم وتحدي هوي مكونا المشروع‪ ،‬بينما كان
زبائُنهم‪ ،‬رجاُل‬
‫الدين المتعلمون‪ ،‬ال يزالون يستعملون األرقا الرومانية األقَل
مرونة في دفاتر حساباتهم وسيظلون‬
‫َم‬
‫قائمين على ذلك أربعمائة سنٍة أخرى]‪.[326‬‬
‫ثم اكتملت األهميُة الكاسحة لعمل إقليدس
المجَد ِد بعمِل آديالرد الثورِي اآلخر‪ :‬ترجمة زيج‬
‫السند هند للخوارزمي‪ .‬فقد
اكتسح زيُج آديالرد هذا الغرَب أو كاد‪ ،‬ألن تقليَد األدلة الجدولية‬
‫[األزياج] كان
يعكس قرونًا من التطورات العلمية اإلسالمية ويعتمد على افتراضاٍت رياضية تفوق‬
‫بكثير أَي شيء عرفه العالم المسيحي من قبل‪ .‬كتلٌة دراسيٌة ومصطلحاٌت جديدٌة تمامًا
كان ال بد‬
‫للغرب من استيعابها ليدرَك تمامًا مدى ومقداَر أهمية الزيج‪ .‬وقد َش غلت
هذه العمليُة العلماَء الالتين‬
‫مئاِت السنين‪ ،‬ولم يستطع الغرب بلوَغ مستوى الفلكيين
العرب القدامى إال في القرن السادس عشر‪،‬‬
‫مع قدوم كوبرنيكوس]‪
.[327‬حتى هذا العاِلُم البولون العظيم ما كان ليستطيَع إكماَل هذا العمل‬
‫ُي‬
‫األصيل لوال
المساعدة الحاسمة من العلماء العرب الذين سبقوه‪.‬‬
‫وبالرغم من أن الزيَج الخاص الذي نقله
آديالرد إلى زمالئه الالتين في حوالي ‪ 1126‬كان قد‬
‫أصبح قديمًا بالمعايير العربية
المعاصرة‪ ،‬فإَّن تاريَخ ه الغن يكشف عن عمق واتساع العلم الذي نشأ‬
‫َي‬
‫في بيت الحكمة
ثم ُنقل إلى أماكَن أخرى من العالم اإلسالمي‪ .‬وكان أكث من كاٍف لحفز طفرِة‬
‫َر‬
‫نشاط
بين علماء الغرب الجدد‪ .‬يتألف العمل نفُس ه من ‪ 116‬جدوًال‪ ،‬تعتمد أول األمر على
التعاليم‬
‫الهندية لبيان حركات الشمس والقمر والكواكب المرئية الخمسة‪ .‬ومع الجداول
سبعٌة وثالثون فصًال‬
‫موجز‪ .‬وبالرغم من بعض األخطاء البسيطة في ترجمة
النص العربي‪ ،‬نقل آديالرد األشكاَل‬ ‫ًا‬ ‫تفسيريًا‬
‫والجداوَل نقًال دقيقًا‪ ،‬ما يوحي بأنه فهم الحساباِت
المعقدة‪ ،‬وإن لم يفهِم الدقائَق اللغويَة‬
‫جميعًا]‪
.[328‬كذلك سار فيه على مذهبه القديم‪ ،‬في ترجمة أصول إقليدس وغيرها‪ ،‬من ترصيع‬
‫مشير إلى أهمية المصطلحات األجنبية‪ ،‬ومضيفًا شروحًا
وهوامَش‬ ‫ًا‬ ‫النص بكلماٍت وُج مٍل عربية‪،‬‬
‫مفيدة‪.‬‬
‫بخالف األسطرالب العام‪ ،‬ال يصلح واحد من
الجداول في الزيج إال لمكاٍن جغرافٍي بعينه ُو ضع‬
‫في األصل ألجله‪ .‬وكان هذا مصدَر
خطٍأ وإحباٍط كبيرين للفلكيين والرياضيين الغربيين األوائل‪،‬‬
‫ألنهم اُض طروا ألول
مرة إلى فهم مضامين الزيج أوًال ثم البحث بالتجريب عن طرائق لتحديثه‬
‫وضبطه الضبَط
المناسب قبل أن يغدَو صالحًا ألي استخداٍم عملي فعلي‪ .‬تتيح هذه الظاهرة نفُس ها‬
‫للبحاثة المعاصرين تحديَد أين ومتى ُد ِّو ن أو ُص حح هذا الزيج أو ذاك‪ .‬وفي حالة زيج
السند هند‪،‬‬
‫يغطي هذا السجُل ألفًا وثالثمائة سنة من تاريخ علم الفلك؛ من أيام
العلماء الهنود الذين وضعوا‬
‫أساَس الجداول الفلكية إلى يومنا هذا]‪.[329‬‬
‫استخدم الخوارزمي قاعدته بعاصمة الخالفة
العباسية‪ ،‬بغداد‪ ،‬كنقطٍة مرجعية لبعض حساباته‪،‬‬
‫واعتمد التقويَم الشمس الفارسي
الذي كان سائدًا ببلدته األم‪ ،‬خوارزم‪ ،‬على ساحل بحر قزوين‪ .‬لكَّن‬
‫َي‬
‫ن‬
‫النسخَة العربية
التي ترجمها آديالرد من الزيج كانت قد خضعت لتنقيٍح كثير في القرو الثالثة‬
‫الفاصلة بينها وبين النسخة األصلية‪ .‬تعكس هذه الجداوُل األحدث موِقَع قرطبَة طوًال
بينما ُص ِر فت‬
‫التواريخ إلى التقويم القمري القياسي المستخَد م في أرجاء العالم
اإلسالمي‪ .‬كانت هذه التنقيحات من‬
‫عمل الرياضي األندلسي من القرن الحادي عشر أبو
القاسم َم سلمة بن أحمد‪ ،‬المكنى بالمجريطي‪- ‬‬
‫أي المولود بمدريد [مجريط]‪
- ‬الذي أضاف تصاريَف التقويم ومختلَف الجداول المثلثاتية وجداوَل‬
‫الخسوف والكسوف‪
،‬وكذا المعلوماِت المخصصة للحسابات الفلكية]‪
.[330‬تثير النكهُة األندلسية‬
‫للزيج احتماَل أن يكوَن آديالرد قد زار هذه البالد
المسلمة‪ ،‬أو ربما شماَل أفريقيا المجاورة‪ ،‬في رحلته‬
‫الطويلة التي دامت سبع سنين‪ .‬لكن آديالرد لم يذكر شيئًا
عن هذه الرحلة‪ ،‬ويبدو أن نسخَة‬
‫المجريطي من الزيج وصلت إليه من مكاٍن آخر‪.‬‬
‫في أواخر القرن التاسع‪ ،‬عمد الخليفة األموي
بقرطبة‪ ،‬الَح َك م الثاني المستنصر‪ ،‬إلى تحدي‬
‫التفوق الفكري للعباسيين المنافسين
ببغداد‪ .‬فاستجلب أعدادًا ضخمًة من عيون التواليف الجليلة‬
‫والمصنفات الغريبة في
العلوم القديمة والحديثة [كتاب طبقات األمم لصاعد األندلسي‪( 66 ،‬انظر‬
‫الحاشية ‪ ])60‬واستحضر إلى مملكته األندلس كباَر أهل العلم‪ .‬في قلب هذا المجهود يقع
عمُل‬
‫َم سلمة المجريطي وأتباِع ه‪ ،‬من أئمة علم الفلك‪ ،‬والرياضيات‪ ،‬وعلم النجوم‪
،‬ونظرية‬

‫األسطرالب]‪
.[331‬يقول صاعد األندلسي المؤرخ من العصور الوسطى‪" :‬وأبو القاسم َم سلمُة بُن‬
‫أحمد
المعروُف بالمرحيط [هكذا] كان إماَم الرياضيين في األندلس في وقته وأعلَم ممن كان
قبَله بعلم‬
‫الفلك وكانت له عنايٌة بأرصاد الكواكب وشغٌف بتفهم كتاِب بطليموس
المعروف بالمجسطي وله‬
‫كتاٌب حسن في تمام علم العدد وهو المعنى المعروُف عندنا
بالمعامالت‪ ...‬وُع ني بزيج محمد بن‬
‫موسى الخوارزمي وَص َر َف تاريَخ ه الفارسي إلى
التاريخ العربي ووضع أوساَط الكواكب فيه ألول‬
‫تاريخ الهجرة‪ ...‬على أنه اَّتبعه على
حكايتِه فيه ولم ينّبه على مواضع الغلِط منه"]‪.[332‬‬
‫ال بد من أن آديالرد وجد زيج الخوارزمي
بتنقيح المجريطي ال يقاَو م‪ ،‬ألنه جمع بين علم الفلك‬
‫الرياضي العربي ودراسة علم
النجوم وتكنولوجيا األسطرالب؛ وكُلها موضوعاٌت قريبٌة إلى قلب‬
‫اإلنكليزي‪ .‬فقبل أن
تطأ قدماه بالَد اإلسالم‪ ،‬قال آديالرد في الثابت والمتغير إَّن شغَف ه بعلم
الفلك‬
‫يفوق شغَف ه بجميع "عرائس" الفنون العقلية األخرى‪" :‬هذه
العروس التي تراها أمامك واقفًة بكل‬
‫فخامة‪ ...‬ترسم لك شكَل العالم‪ ،‬كما تراه‪
،‬وتحدد عدَد وقياَس الدوائر‪ ،‬وُبعَد األفالك‪ ،‬ومدارَج‬
‫الكواكب‪ ،‬ومطاِلَع البروج؛
وترسم خطوطًا متوازية ودوائَر تخيلية في الفضاء‪ ،‬وتقسم البرج بفكٍر ثاقب‬
‫إلى اثني
عشر جزءًا‪ ،‬وَتعرف حجوَم النجوم‪ ،‬وموقعي القطبين المتقابلين‪ ،‬ومحوَر ما
بينهما"‬
‫]‪.[333‬‬
‫ُي لِم ح العمُل القديم نفُس ه كذلك إلى تعّلق
آديالرد بعلم أحكام النجوم العربي؛ أي‪ ،‬دراسِة األجرام‬
‫السماوية استق ارًء لألحداث
على األرض‪ .‬يقول‪" :‬لو أن أحدًا حذق [علَم الفلك] حقًا‪ ،‬الستطاع أن‬
‫خبر ال
بحاضر األشياء السفلية فحسب‪ ،‬بل بماضيها ومستقبلها أيضًا‪ .‬ذلك ألن تلك الكائناِت‬
‫ُي‬
‫الُع لويَة السماويَة الحية هي مبدُأ العوالم السفلية وعلُة هذه العوالم"]‪
.[334‬عندما خط آديالرد هذه‬
‫الكلمات ألول مرة‪ ،‬كان ال يزال بعيدًا جدًا عن إتقان أدوات
وتقنيات علم الفلك‪ .‬واآلن‪ ،‬بعد خمس‬
‫ِه‬
‫عشرة سنة أو عشرين‪ ،‬صار في إمكان زيِج
العربي‪ ،‬موَض حًا بأصول إقليدس‪ ،‬أن يسَد الفجوَة‬
‫الكبيرة في فهمه ومعرفته‪.‬‬
‫حتى قبل أن ُيدخَل آديالرد جداوَل الزيج
ويقدَم لمحًة عن علم الفلك الرياضي العربي الذي‬
‫تستند إليه هذه الجداول‪ ،‬كان ثمة
جيوٌب مبعثرة للنشاط العلمي في المشهد الفكري الغربي‪ .‬فقد‬
‫استوعب رهباُن كاتالونية
المتعلمون‪ ،‬الذين كانوا مجاورين لبالد اإلسالم‪ ،‬جزئيًا كتَب األسطرالب‬
‫للمجريطي
وزمالئه‪ .‬فنجح ِج رِبر دوريالك في نشر عناصر التعاليم األربعة ‪ quadrivium‬في‬
‫مدارس الكاتدرائيات الفرنسية‪ .‬واستضافت بلدُة آديالرد األم
واألديرُة المجاورُة لها في حوض سيڤرن‬
‫حلقًة نشطة من الرياضيين والفلكيين‪ ،‬وكان
أغلُبهم لوثارنجيين وكُلهم يسعى لفهم التعاليم األولى‬
‫المتسربة إليهم من العالم
اإلسالمي‪ .‬بل لقد كانت هناك محاولٌة فاشلة لتعريف القراء الالتين على‬
‫زيج السند
هند‪ ،‬وهو تطوٌر ربما يكون اضَط ر آديالرد في النهاية إلى إنتاج ترجمته الناجحة
الخاصة‬
‫للزيج]‪
.[335‬ال غرابَة أن يتباهى المؤرخ جون روتشستر سنة ‪ 1138‬بأنه ساعد على نسخ ذلك‬
‫الكنِز
المكنوز من جداول النجوم في دير كاتدرائية روتشستر‪ ،‬على بعد خمسٍة وسبعين ميًال
إلى‬
‫الشمال من باث‪" :‬الذي حملني على أن أجلَس ههنا في الشهر األول للسنة
العربية‪ ،‬في اليوم الذي‬
‫بدأ فيه والساعة التي بدأ فيها هذا الشهر‪ ،‬حرص على أال
ُيسَلَم إلى النسياِن العمُل الذي ُيدعى‬
‫َي‬
‫بالعربية "الزيج" الذي وضعه لمدارِج
األجراِم السماويِة السبعِة الخوارزم [‪]Elkaurexmus‬‬
‫ُي‬
‫العاِلم‪ ،‬باذًال له
غايَة عنايته‪ ،‬وَج َع َله في جداول"]‪.[336‬‬
‫ِث‬
‫كثير من األعمال العربية‬ ‫ًا‬ ‫في البداية‪ ،‬لم ُي ِر الربُط الصريح لعلم
الفلك بعلم النجوم‪ ،‬الذي ماَز‬
‫األولى التي ظهرت
بالالتينية‪ ،‬كبيَر اهتماٍم في الغرب‪ .‬وكان العاَلُم اإلسالمي قد بدأ بالفعل يواجه
َر َد‬
‫فعٍل عنيفًا‪ ،‬مع إجماع بعض نجوم الفكر العربي على اعتبار علِم النجوم والرجم
بالغيب عمًال غير‬
‫المسيحي جون أوف سالزبري أن عمَل
المنجمين‬ ‫إسالمي‪ .‬كذلك‪ ،‬أعلن الالهوت‬
‫ُي‬
‫["‪ ]"mathematici‬مناٍف لألخالق وال ينسجم واإلرادَة الحرة لإلنسان وكلَّيَة
وطالقَة القدرِة اإللهية‪.‬‬
‫ن‬
‫يتوعد جو المنجمين باللعن في رسالته في مبادئ الحكم
[‪ ،]Policraticus‬يقول‪َ" :‬ترى المنجَم‬
‫ُيزِّيُن
السنيَن بِم شكال األشياء التي ستقع‪ ،‬كأنما يرسم لوحة؛ ويلف حبَل أحداث المستقبل
حول عجلة‬
‫الزمان الدوارة‪[ ...‬غير أَّن ]‪ ...‬مشيئَة ِهللا غالبة‪ ،‬والتنجيم يفضي إلى
اللعن"]‪
،[337‬لكن‪ ،‬كما في‬
‫العاَلم العربي‪ ،‬ظل المنجمون الالتين عمومًا يمارسون فنهم هذا ال يحول
بينه وبينهم حائل‪.‬‬
‫تعكس أعما فنيٌة صعبة كأصول إقليدس
وزيج الخوارزمي نض عاِلميِة آديالرد‪ ،‬بعد سنواٍت‬
‫َج‬ ‫ٌل‬
‫ِع‬
‫من االنغماس في ال لم
العربي‪ .‬وقد أتم عمليه الباقيين هذين في علم الهندسة وجداول النجوم بعد‬
‫عودته إلى
إنكلترا‪ ،‬ربما لُيستخَد ما ككتابين مدرسيين أو دليلي دراسة لطالب آديالرد والعلماء‬
‫الناشئين‪ .‬لكَّن آديالرد ترك لنا كذلك مقالة له قريبَة المنال سهلَة القراءِة
ممتعَتها‪ :‬مسائل في علم‬
‫الطبيعية [‪ ،]Questions on
Natural Science‬التي عمد فيها إلى تلخيص روح التعلم‬
‫والبحث الذي لمس في الشرق؛ وقد صاغ هذا النَص في صورة جواب لطلِب ابن أخيه
المتغطرس‬
‫أن يأت ببعض األفكار الجديدة من الدراسات العربية‪.‬‬
‫َي‬
‫تبدأ الموضوعات بمملكتي النبات والحيوان ثم
تنتقل إلى القمر والنجوم‪ ،‬قبل االرتقاء إلى‬
‫المسألة الدقيقة لوجود هللا‪ .‬يتطرق
الفصل السابع للمسألة التالية "ما الذي يجعل بعَض العجماوات‬
‫تجتر الطعام‪
،‬وبعَض ها اآلخر ال تجتره؟" ويشرح الفصل ‪" 19‬سبَب كوِن األنف فوق
الفم"‪ ،‬بينما‬
‫يجيب الفصل ‪ 58‬على ما أصبح سؤاًال تقليديًا في الفيزياء
األولية‪ِ :‬ل ال يخرج الماء من أنبوٍب‬
‫َم‬
‫مفتوٍح من أعلى وأسفل إذا ُس دت فتحُته
الُع ليا باإلبهام؟ كذلك‪َ ،‬يستوعب أديالرد مفهوَم حفظ المادة‪،‬‬
‫يقول‪" :‬وفي
تقديري أن ال شيَء على اإلطالق يفنى في هذا العالم المحسوس‪ ،‬هذا مؤكد‪ ،‬وليس‬
‫العاَلُم اليوم بأصغَر منه عندما ُخ ِلق‪ .‬فأٌي جزٍء يتحرر منه‪ ،‬إنما ينتقل من
اتحاٍد إلى اتحاد‪ ،‬وال فناء"‬
‫]‪ .[338‬ثم
يمضي آديالرد إلى حل لغز البرق والرعد‪ ،‬وافتقاِر القمر في الظاهر إلى النور‪ ،‬وما‬
‫إذا كان في النجوم حياة‪ ،‬وإن كان‪ ،‬فما عسى أن يكوَن طعاُم النجوم؟ ‪"
- ‬ورطوبات األرض‬
‫ومياهها‪ ،‬التي تخف لطول ما تقطع من مسافة عندما ُتسحب إلى
المناطق األكثر ارتفاعًا"]‪.[339‬‬
‫كان آديالرد قد أبدى من قبُل نوعًا من
الحذر في طرح آراء قد ال تقع موقعًا حسنًا من األذن‬
‫الغربية‪ .‬فهو غالبًا ما يختفي
وراء آراء "العرب" للتعبير عما قد يكون في الحقيقِة آ ارَء ُه ُهو في‬
‫اإلنسان والطبيعة والكون‪" .‬ال يظنَّن أحٌد أنني آتي بذلك من عندي‪ ،‬غير أنني
أطرح ما جاء في‬
‫دروس العرب ِم ن آراء‪ ...‬فأنا أعلم ما يالقي المجاِه ُر بالحقيقة على
أيدي شاِم تِة السوقة‪ .‬لذلك‬
‫سأدفع بدعوى العرب ال بدعواي"]‪.[340‬‬
‫ويماطل آديالرد كسبًا للوقت‪ ،‬إذ يواجه
إلحاَح ابِن أخيه‪ ،‬فيشير إلى أنه معتاٌد على دحض‬
‫األباطيل أكثر مما هو معتاٌد على
إثبات الحقائق‪ .‬ثم يقول إَّن أَي نقاش حول الذات اإللهية يتخطى‬
‫كَل ما سواه في
"ِد َّق ِة فكرِت ه وِش َّق ِة عبارِت ه"]‪
.[341‬ويقول البن أخيه بحصافة إَّن الوقَت قد تأخر‬
‫وحان وقت النوم‪ ،‬وَيِع ده أنه سيتناوَل
الموضوَع يومًا ما من "أِلِفِه ال يائه"‪ .‬ثم بشكٍل ما‪ ،‬ال يأتي ذلك‬
‫اليوم أبدًا‪.‬‬
‫يدل بقاُء كثيٍر من أعمال آديالرد قرونًا
على شعبيتها وأهميتها في وقتها‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فأعداُد ها‬
‫قليلة‪ ،‬تماشيًا مع تدني مستوى
"ثقافة الكتاب" في ذلك الوقت والعقبات العملية الجمة التي كانت‬
‫تواجه
نش وحفَظ المعلومات‪ .‬فمجرُد بقاِء نص من العصور الوسطى مأثرٌة جليلة‪ ،‬ألَّن ك
عمٍل‬
‫َل‬ ‫َر‬
‫منها كان يتعين نسُخ ه يدويًا نسخًا دقيقًا على صحائَف خشنة من ِرق
الَبرُش مان‪ ،‬الذي كان يستغرق‬
‫شهور على يد نساخيَن محترفين
في أديرٍة متناثرة في أرجاء العالم الناطق‬ ‫ًا‬ ‫صنُع ه في الغرب عامًة‬
‫ٍة‬
‫بالالتينية‪ .‬فمقابَل كل نسخ وصلت
إلينا اليوم من عمل‪ ،‬ال بد من أن تكون هناك نسٌخ أخرى كثيرٌة‬
‫ضاعت؛ َف َغَد ت ُط عمًا
للنيران أو الهوام أو غير ذلك من مخاطر؛ أو وقعت ببساطة فريسَة اإلهمال‬
‫ولم يعد
ُي لتَف ت إليها كما كان في غرف الكتابة الضيقة بأديرة العصور الوسطى‪.‬‬
‫ُأنِت جت النسخ األولى لكتاب آديالرد مسائل
في علم الطبيعة ببلده األم إنكلت ار والقارة األوروبية‪.‬‬
‫وتوجد منها اآلن ثالث
عشر نسخة من القرن الثاني عشر‪ُ ،‬أنتج بع ها في طبعاٍت صغيرة سهلِة‬
‫ُض‬ ‫َة‬
‫الحمل لتيسير
استخداِم ها ودراسِت ها‪ .‬وبقيت عشُر نسٍخ أخرى من القرن الثالث عشر‪ ،‬وأربع من‬
‫القرن
الرابع عشر واثنتان من القرن الخامس عشر‪ ،‬ال غير‪ ،‬ما يوحي بتدني شعبية العمل مع
تقدم‬
‫أعماٍل أخرى إلى الواجهة‪ .‬لكَّن العمَل تمتع بعد ذلك بفترٍة قصيرٍة من
الرواج‪ ،‬ال سيما ببلد أديالرد‬
‫األم إنكلترا‪ .‬كما ُأنِت جت منه طبعاٌت عبرية وربما
فرنسية وهذا راجح‪ ،‬بينما ُترجمت فصوٌل طويلٌة‬
‫منه إلى اإليطالية]‪
.[342‬وُع ثر على عشرات النصوص الالتينية األولى ألصول إقليدس‪ ،‬وتسِع‬
‫نسخ‪
- ‬اثنتان منها فقط كاملتان‪ - ‬من ترجمة آديالرد لزيج الخوارزمي]‪.[343‬‬
‫لكَّن أعظَم إنجا ازِت آديالرد لم يكن في
مخطوطاِت ه بل في إدراكه الفطري ما للتعاليم العربية‪،‬‬
‫التي كانت قد بدأت للتو تتسرب
إلى الوعي المسيحي‪ ،‬من عظيِم شأن‪ .‬يسري هذا اإلد ارُك في كتاب‬
‫مسائل في علم
الطبيعة‪ ،‬الذي تقع فيه على عبا ارٍت من قبيل "أساتذتي العرب"
و"دعوى العرب"‪.‬‬
‫وبخالف ثلِة المستكشفين المثقفين الذين سبقوه‪ ،‬لم يكن
آديالرد يقنع بالجاذبية السطحية لألفكار‬
‫والتقنيات الجديدة‪ ،‬بل سعى إلعادة تعريِف
نفِس ه وفكرِة الغرب ذاتها على منهج العلم العربي‪ ،‬الذي‬
‫قام في األساس على فرضية
أَّن التجريَب ‪ ،‬والتفكيَر المنطقي‪ ،‬والمعاينَة الشخصية‪ ،‬كل هذه مقّد مة‬
‫على الُع رف
وعلى التسليِم األعمى بالمرجعية التقليدية‪ .‬وبدا أَّن آديالرد قد أدرك أَّن مجرَد
إتقان‬
‫ٍف‬
‫اللغة العربية غيُر كا الستيعاب واستغالل هذه االكتشافات العظيمة؛ فكان ال
بد له من أن يهجَر‬
‫تقريبًا كَل شيٍء َظ ن أنه َع ِلمه ويتبنى طريقًة جديدة تمامًا في
النظر إلى العاَلم من حوله]‪.[344‬‬
‫مما يعظ به ابَن أخيه‪" :‬إذا كنَت تريد أن تعرَف المزيد‪ ،‬خذ معي بالعقل واعِط
معي به‪ .‬فلسُت ذلك‬
‫وطور ألولئك"‬
‫ًا‬ ‫طور‬
‫ًا‬ ‫صدر
لهؤالِء‬
‫ًا‬ ‫الرجَل الذي يأخذ بظاهر األشياء‪ .‬وكُل حرٍف بغي‪ ،‬تفتح‬
‫]‪.[345‬‬
‫أما الصليبيون الذين سبقوا آديالرد إلى
سوريا‪ ،‬فقد أعمى بصائَر ُج لِه ُم الجهُل والحقُد الطائفي‬
‫أو وهُم التفوق األخالقي
الَص ِلف عن أن ُتبصَر إنجا ازِت الحضارِة المتقدمة التي يواجهونها اآلن في‬
‫الساِح
بالسالح‪.‬‬

‫ُل‬ ‫ًال‬
‫ونزوًال عند إلحاح األهل واألصدقاء‪ ،‬الذي
التأم شمُله بهم للتو‪ ،‬مَس َح آديالرد حالَة المجتمع‬
‫اإلنكليزي‪ .‬وقال في مسائل
في علم الطبيعة ُبعيد عودته إلى الوطن‪" ،‬وجدُت األم ارَء ِش ر ًا‬
‫ار‪،‬‬
‫والمطارنَة ُس كارى‪ ،‬والقضاَة مرتشين‪ ،‬وأصحاب العمل خائنين‪ ،‬والزبائَن مداهنين‪
،‬وأصحاَب الوعود‬
‫حانثين‪ ،‬واألصدقاَء حاسدين‪ ،‬قد مأل الطمُع قلوَبهم جميعًا"]‪
.[346‬وكُم علٍم ال َيفُتر عن كونه‬
‫كذلك‪ ،‬قطع آديالرد بأَّن المعرفَة أنجُع دواء لداء
"االنحالل الُخ لقي" الساري ببلده‪ .‬يقول‪" :‬أجريُت‬
‫الدراسَة التالية‪
،‬التي أدري أنها ستفيد القراء‪ ،‬أَّم ا أنها سَتُس رهم فلست أدري‪ .‬ألَّن في الجيل
الحالي‬
‫خلًال متأصًال‪ ،‬إنه يظن أَّن عليه أن يضرَب صفحًا عما يأتي به الُم حَد ثون"]‪.[347‬‬
‫يخبرنا آديالرد أنه اتخذ‪ ،‬في أسفاره‪ ،‬شملًة
خض ارَء فضفاضة عالمًة مميزًة له وراح يتباهى‬
‫بخاَتٍم بارز‪ ،‬مرصٍع برمٍز غامض من
رموز التنجيم‪ ،‬باللون األخضِر الغنِي نفِس ه‪ ،‬الذي "لم يكن‬
‫فاقعًا بل أشَّد
وقعًا في النفِس " بما له من مسحٍة زمردية‪ .‬لم تكن هيئُة آديالرد الفكريُة
بأقَل من هيئته‬
‫البدنيِة غرابة‪ .‬فهو لم يعد ذاك الجنتلمان الريفي الشاب الذي كَّر س
نث ه الجا للفلسفة‪ ،‬في تقليٍد‬
‫َد‬ ‫َر‬
‫باهت لعصٍر قديٍم منصرم؛ بل صار باحثًا ال يهدأ
عن المعرفة والحقيقة العلمية‪ .‬فآديالرد الجديد‪،‬‬
‫الذي صار اآلن مواطنًا عالميًا‪
،‬يتحدى الفساَد الفكري‪ ،‬والرضا عن الذات‪ ،‬وجموَد الفكر الذي ظل‬
‫يالحق الغرَب
قرونًا‪ .‬وبخالف الطالب اآلتي من مدارس الكاتدرائيات الذي كان‪ ،‬والذي رمى‬
‫المعاصريَن مرًة بصفة "الحمق"‪ ،‬صار آديالرد الجديُد مدافعًا قويًا عن
العلم الحديث‪ ،‬وصار له اآلن‬
‫عاَلٌم آخر تضيئه شمُس المعرفِة العربيِة الحديثة‪
،‬الطالعُة [على الغرب] من الشرق‪.‬‬
‫ِل‬ ‫ِة‬
‫يقول‪ ،‬تستطيع هذه المعرفة تحريَر العاَلِم
الغربي من وطأ التقليد فُتط َق ُه ليشَق طريَق ُه الخاَص‬
‫به في الكون‪" :‬ذلك
ألنني تعلمت من أساتذتي العرِب شيئًا‪ ،‬أنك إْن لم َتتبِع العقل‪َ ،‬تِبعَت النقل‪،‬‬
‫مبهور بمرآه انقياَد
الحيواناِت العجماء‪ ،‬التي‬ ‫ًا‬ ‫وصاَر لَك ِلجامًا‪ ،‬فما النقُل إال لجامًا قِد انقدَت له‬
‫تسوقها به حيث شئت لكنها ال تدري إالَم ُتساق وِلَم ‪ ،‬إن
َتَّتِبع إال الرسَن الذي ُر ِس َنت بِه وحسب‪،‬‬
‫كذلك الَك ِل المسطوُر خِط ٌر على
غيِر قليٍل منكم ألنه يأسركم فتسارعون إلى تصديقه من دون‬
‫ُم‬
‫تمحيص [أو كما قال‪
،‬بسذاجٍة وحمق]"]‪.[348‬‬
‫ويقول‪ ،‬ما ينبغي للمرء أن يلجأ إلى هللا
إال إذا عجز عقُله عن فهم العالم من حوله‪ .‬يربط هذا‬
‫التصريُح مباشرًة بين آديالرد
أوف باث وبين وريثه الروحي والفكري‪ ،‬عاِلِم الفلِك الرائد غاليليو‪ ،‬الذي‬
‫ستكون
مواجهُته العلنيُة مع المعتقدات الدينيِة التقليدية بعد خمسة قرون نهايَة البداية
للثورة العلمية‬
‫الغربية‪ُ .‬يصِد ر هذا الرحالة ذو العباءة الخضراء الفضفاضة أوَل
توكيٍد صريح في العصور‬
‫المسيحية الوسطى؛ أَّن اإليمان باهلل ينبغي أّال يحوَل بين
المرء وبين استكشاف قوانين الطبيعة‪.‬‬
‫فيقول‪ ..." :‬علينا أن نتلمَس الحدوَد
الحقيقيَة للمعرفة البشرية وأال نحيَل األموَر إلى هللا إال عندما‬
‫تتعطل هذه
المعرفُة تمامًا"]‪.[349‬‬
‫الفصل
السادس"ما قيل
في الكرة‪"...‬‬
‫ذات فجٍر شاحب‪ ،‬قبل اثنتين وعشرين سنًة من
زلزال أنطاكية‪ ،‬وقف راهٌب عاِلم وبيده‬
‫أسطرالب ليصنَع التاريخ‪ - ‬ولم يكن
َيستخدمه بأوروبا آنذاك إال ِقلة‪ - ‬غيَر بعيد عن وست كنتري‬
‫بلِد آديالرد‪
،‬موِّج هًا إياه إلى القمر الذي كان قد َخ َس ف‪ .‬لم يكن ذلك الراهب إال وولتشر‪ ،‬رئيس
دير‬
‫غريت مالڤرن‪ ،‬وكانت تلك أوَل تجربٍة معروفٍة في الغرب لتحسين التوقعات
الفلكية‪ .‬أما التاريخ‬
‫فالثامن عشر من أكتوبر لسنة ‪ .1092‬قبل ذلك بسنة‪ ،‬حين كان
يتجول بإيطاليا‪ ،‬شهد الكاهن‬
‫خسوفًا قمريًا لكن لم تكن لديه آنذاك وسيلٌة لتسجيل
الحدث الذي كان يجري فوق رأسه‪ ،‬سوى أن‬
‫يخمَن التاريَخ تخمينا‪ .‬وكان راهٌب آخُر ‪
،‬أٌخ لهذا الراهب في السلك‪ ،‬قد شهد تلك الظاهرة السماويَة‬
‫تقدير مختلفًا جدًا إلى حد مدهش لوقت وقوعها]‪
.[350‬ال شك في أن‬
‫ًا‬ ‫نفَس ها غربي إنكلترا
وأعطى‬
‫أحَد االثنين كان على خطأ؛ ألن أّي فرق في التوقيت بين المكانين‪ ،‬وإن
كان محسوسًا‪،‬‬
‫ضئيل]‪
.[351‬ومع ذلك‪ ،‬كانت تلك هي الظاهرَة نفَس ها التي استغلها الفلكيون العباسيون األوائل‬
‫لتحديد الفرق في اإلحداثيات الجغرافية بين المدن وغيرها من األماكن المهمة‪.‬‬
‫هذا االلتباُس بين الرؤيتين حمل وولتشَر
على العمل‪ ،‬يقول‪" :‬كنت ال أزال غيَر متيقن من وقت‬
‫الخسوف وكنت منزعجًا من ذلك‪
،‬ألنني كنت أنوي وضَع جدوٍل قمري ولم يكن لدي ما أبدأ به"‪.‬‬
‫فآلى على نفسه أال
يقَع األمُر مرًة أخرى وهو غيُر متأهٍب له‪ .‬وبعد سنة‪ ،‬حصل وولتشر على‬
‫فرصته عندما
َخ َس َف القمُر مرة أخرى وأظلمت سماُء تلك الليلة؛ هذه المرة فوق أفِق الغرب بخمَس‬
‫عشرَة درجة‪" .‬فتناولُت أسطرالبي على الفور"‪ ،‬لتسجيل مكاِن وساعِة الخسوف]‪.[352‬‬
‫كان وولتشر اسمًا مهمًا في حلقٍة صغيرة من
رجال الدين المحليين الذين تعود أصوُلهم‬
‫الشخصيُة والفكرية إلى لوثارنجية
(اللورين‪ ،‬شرقي فرنسا‪ ،‬اليوم) التي أتى منها كثيٌر من أعلم رجال‬
‫البالط والكنيسة
بإنكلت ار في القرن الحادي عشر‪ .‬لم يكن يوجد بإنكلت ار آنذاك تعليٌم علمان ُيذكر‪.‬‬
‫ٌي‬
‫وهو ظرف كان قد بدأ يتغير ببطء أول األمر‪ ،‬ثم احتدم بغزو النورمان إنكلت ار سنة
‪ .1066‬أحضر‬
‫الغ ازُة النورمان معهم إلى إنكلت ار تآليَف ومعلمي أوروبا ألول مرة‪
،‬لكَّن األمر كان سيستغرق حتى‬
‫‪ 1130‬لتأسيس أوِل تجمٍع سكوالستي جدي بأكسفورد]‪
.[353‬كان أسقف باث وويلز الراحل‪،‬‬
‫جيزو‪ ،‬الذي َخ َلَف ه معلُم آديالرد الخاص جون دي
ڤيلوال‪َ ،‬ع َلمًا آخَر من أعالم تلك الحركة الفكرية‬
‫الحرة]‪
.[354‬وكذلك كان روبرت‪ ،‬أسقُف هيريفورد؛ وهو فلك ورياض متوقد لوثارنج األصل‬
‫ُي‬ ‫ٌي‬ ‫ٌي‬
‫ٍة‬
‫مثل
وولتشر‪ .‬وعندما كان صديُق ه وزميُله هذا بإيطاليا‪ ،‬استشار روبرت النجوم في شأن
رحل مقترحة‬
‫لحضور حفل افتتاح كاتدرائية لنكولن؛ فأظهرت له قراءُته أن االحتفاَل
لن يقاَم في الموعد المحدد‪،‬‬
‫وهكذا كان‪ ،‬فجَّنبه ذلك رحلًة صعبة ما كان لها لزوم]‪.[355‬‬
‫وكان وولتشر قد عمل عن كثب مدًة من الزمن
مع يهودي إسباني متنصر‪ ،‬اسمه بطرس‬
‫ألفونسي‪ ،‬كان قد أتى إلى ميدالندز بإنكلت ار يحمل
معرفًة أولية في علم الفلك والرياضيات العربية‪.‬‬
‫وقام االثنان بمحاولٍة لتقديم زيج
الخوارزمي إلى الجمهور الغربي‪ ،‬فلم يفلحا في ذلك‪ ،‬وأفلح فيه‬
‫آديالرد]‪
.[356‬كان بطرس‪ ،‬الذي ولد وتعلم في جو الثقافِة العربيِة باألندلس‪ ،‬مجادًال بارعًا‪.‬‬
‫وكانت خط ه الالذعة ضد اليهود‪ ،‬إخوته السابقين في الدين‪ ،‬وضد المسلمين قد قَّر بته
إلى قلوِب‬
‫ُب‬
‫كثيٍر من أهل السلطة‪ .‬هذا الرجل الذي يكاد ال يذكره اليوَم أحد‪ ،‬وكان
تشوسر يسميه بيرز ألفونس‪،‬‬
‫هو كذلك مؤلف الحكايات الكهنوتية [‪.])Disciplina Clericalis (The Priestly Tales‬‬
‫وقد ظل هذا العمل يؤثر في
تطور األدب الغربي أمدًا طويًال‪ ،‬ألنه عَّر ف الق ارَء األوروبيين على‬
‫الشكل األدبي
العربي المسمى القصة المرَّك بة‪ - ‬القصة داخل قصة‪ - ‬الذي صار في ما بعد
أكثر‬
‫شيوعًا بترجمة ألف ليلة وليلة‪ .‬وقد تبنى تشوسر نهَج بطرس الروائ في
مؤَّلفه ُهو حكايات‬
‫َي‬
‫كانتربري [‪
]Canterbury Tales‬مثلما فعل بوكاشيو في الديكاميرون [عمل األيام العشرة] [‪Il‬‬

‫‪
.[357]]Decamerone‬وقد ساعدت رواياُت بطرس عن مسلك المسلمين‪ ،‬ومنها التوكيُد‬


إلى التوحيد‬ ‫÷‬ ‫الباطل أَّن عبادة
األصنام استمرت في الكعبة في تحد صارخ لدعوة محمد‬

‫الخالص‪ ،‬على تشكيل بعض المواقف العدائية المبكرة للمسلمين لدى


المسيحيين]‪.[358‬‬
‫كان كثيٌر من رهبان ِو ست كنتري هؤالء
علماَء قلبًا‪[ ،‬كهنًة قاَلبًا]‪ ،‬وفي تحمسهم للعلم الجديد‬
‫تقبلوا بسرور ما أتى لهم
به من ابتكارات كاألسطرالب‪ ،‬والِم عداد‪ ،‬ومبادئ نظام العد العربي‪ .‬وكان‬
‫تصميُم
وولتشر على تحديد الوقت الصحيح للخسوف الذي َر صد مثاًال نموذجيًا للفكر
الجديد ‪- ‬‬
‫العقالني‪ ،‬الدقيق‪ ،‬القائم على التجربة‪ - ‬الذي راح ببطء يواكب
هذه التطورات‪ .‬وقد ُنسب نٌص أولي‬
‫عن األسطرالب‪ ،‬مستمٌد جزئيًا من ترجمٍة التينية
جزئية مبكرة جدًا عن اإلسبانية لعمل الخوارزمي‪،‬‬
‫مبدئيًا إلى وولتشر أو أحِد أفراد
حلقته]‪
.[359‬وبعد وفاته‪ ،‬صار هذا الرياضي والفلكي ُيعَر ف‬
‫"بالفيلسوف‪ ،‬والفلكي‪ ،‬والهندسي‪
،‬والَح َّس اب"]‪.[360‬‬
‫تجاهل وولتشر المسائَل الدينيَة التقليدية
التي كانت تشغل بال سابقيه‪ ،‬كالتأريخ السنوي للفصح‪،‬‬
‫واستخدم بدًال من ذلك بياناِت
أرصاده لوضع جدولين قمريين جديدين‪ .‬كان نهُج ه الجديد يخالف‬
‫التعاليَم القديمة
آلباء الكنيسة]‪
.[361‬كذلك تبنى وولتشر النظاَم الحديث‪ ،‬الذي كان قد ترسخ‬
‫بالفعل لدى العرب‪ ،‬لتسجيل
البياناِت الفلكية بالدرجات والدقائق والثواني‪ .‬وقد حل هذا محَل الكسور‬

‫الرومانية
األقَل مالءمًة ودقة التي كانت ُتستخدم آنذاك بأوروبا]‪
.[362‬كان جدوال وولتشر أدَق‬
‫بكثير من الجداول القديمة التي كانت تقوم على الرصد المباشر
ولكن على االحتساب‬
‫[‪ ]computus‬التقليدي في العصور الوسطى‪ .‬وبالرغم من ذلك‪ ،‬ثبت أن جدولي وولتشر
كانا‬
‫افتقار فادحًا إلى الكفاية‪ .‬فلم يلبث أن َو جد‪ ،‬مثًال‪ ،‬أن توّق عه
اكتمال البدر عشية السنة‬
‫ًا‬ ‫يفتقران‬
‫الجديدة‪ 1107 ،‬كان بعيدًا بست عشرة ساعة]‪.[363‬‬
‫وبالرغم من حداثِة أساِس هما التجريبي‪ ،‬كان
جدوال وولتشر يعانيان من عيِب تساوي أيام الشهور‬
‫المفترض في العصور الوسطى‪ ،‬ما جعل
الحساباِت منسقة‪ ،‬أي نعم‪ ،‬لكنه قلل عدَد أياِم السنة ًا‬
‫كثير‪.‬‬
‫أما النسخُة الفارسية
المعدلة للروزنامة التي وضعها في الوقت نفِس ه تقريبًا العالمة عمر الخيام‪- ‬‬
‫المعروُف في الشرق ليس برباعياته فحسب بل برياضياته الرفيعة الفائقة كذلك‪
- ‬فقد َح سب طول‬
‫السنة الشمسية بدقة إحدى عشرة مرتبًة بعد الفاصلة‪ .‬كان وولتشر
وزمالؤه‪ ،‬يفتقرون إلى الفهم‬
‫النظري لحركة األجرام السماوية‪ ،‬لذلك لم يستطيعوا
استغالَل الدقة التي وصلوا إليها حديثًا في‬
‫القياسات العلمية‪ .‬فاحتاجوا إلى مساعدة
الفلكيين العرب]‪.[364‬‬
‫قَّد مت ترجمُة آديالرد زي الخوارزمي
قطعًة واحدة من األحجية‪ ،‬مانحًة الغر أو إطاللٍة‬
‫َب َل‬ ‫َج‬
‫حقيقيٍة له على األعمال
الصميمي للعرب في الفلك الرياضي‪ .‬وق مت هندسُة إقليدس قطعًة ثانية‪،‬‬
‫َّد‬ ‫ِة‬
‫ألنها سمحت
بالتقاط المقادير الضخمة في قياسات األجرام السماوية والتعبير عنها بداللة
"المسافة‬
‫الزاوية" نسبًة إلى األرض أو إلى بعضها البعض‪ .‬كما سمحت بحساب
ورسِم خريطة المواقع‬
‫األرضية والسماوية بدقة على كرة أو "مبسوطة" على
خريطٍة فلكية أو مالحيٍة مستوية أو على‬
‫القرص الخارجي لألسطرالب‪ .‬ومع نشر رسالته
األصيلة في استخدام األسطرالب [‪On the Use‬‬
‫‪ ،]of the Astrolabe‬ربما حوالي ‪ 1149‬أو ‪ ،1150‬أحدث آديالرد
مرًة أخرى ثورًة في الطريقة‬
‫التي فهم بها الغرب الكوَن من حوله]‪
.[365‬كما أبان صراحًة عن الصلة بين التكنولوجيا الجديدة‬
‫ُي‬
‫وبين الصرح العلمي العربي الضخم
الذي كان يقف أمامه‪ .‬لقد بات اآلن ممكنًا سبُر أغوار العاَلم‬
‫سبر تامًا‪
،‬من تعيين الوقت إلى المالحة‪.‬‬
‫الطبيعي ًا‬
‫كان األسطرالب لدى آديالرد أكثَر من مجرد
آلة يوّج هها إلى الشمس أو أي نجٍم بازٍغ آخر ثم‬
‫رمز برونزيًا صقيًال لطريقٍة جديدٍة في النظر إلى‬
‫يستخدمها ألخذ قياسات أو لتعيين
الوقت؛ لقد كان ًا‬
‫العاَلم تستند
إلى الفلسفة القديمة وابتكارات علماء بيت الحكمة العرب‪ .‬وصار في إمكان اإلنسان‪،‬‬
‫بهذه اآللة‪ ،‬قياُس الحركات الزاوية المنتظمة للنجوم والكواكب والبدُء بفك طالسمها‪
،‬وكذا استكشاُف‬
‫ِد‬
‫قوانين الطبيعة والتعمُق في كيفية عمل األشياء كما لم يكن له أن
يفعَل من قبل‪ .‬فلم َيُع الكوُن‬
‫أعجوبًة من أعاجيب الخلق اإللهي التي تتخطى الوصف
فقط؛ بل َتحَّو ل إلى مختبٍر ضخم‪،‬‬
‫كالوقِت والمسافة مجرداٍت‬
‫وموضوٍع للبحث ُيدَر س وُيحَلل كأي موضوٍع آخر‪
.‬ولم تعد خواُص‬
‫غامضة بل أخذت قيمًا عدديًة حقيقية‪ ،‬ما
مَّه د السبيل إلى نشوء العلم التجريبي وإيجاد مجتمعاٍت‬
‫حديثٍة منظمة‪.‬‬
‫وفتحت رسالُة آديالرد في استخدام
األسطرالب أعيَن العالم الالتيني‪ ،‬ألول مرة‪ ،‬على بدايات‬
‫ِع‬
‫لم النجوم المتماسك
الشامل‪ ،‬وأسقطت تعاليَم إيزيدور اإلشبيلي المغلوطة التي تقول إَّن األرَض‬
‫مسطحٌة
"كدوالب" وغيَرها من مقوالت الجغرافيا الغربية‪ .‬في قلب هذه النظرة
الجديدة إلى العالم تقع‬
‫الكرة‪" - ‬المجسُم التام" عند قدامى اليونان
والوحيد الذي يمكن أن يدوَر حول محوره بتناظٍر مطلق‪،‬‬
‫ُم زيحًا الحيَز نفَس ه من
الفراغ أبدًا ‪ - ‬وتمثيُلها المستوي‪ ،‬الدائرة‪ .‬يقول آديالرد للذي سيصبح الملَك‬
‫هنري الثاني‪" :‬بشأن الكون‪ ...‬وأجزائه المختلفة سأكتب بلسان الالتين ما
عَّلمنيه العرب‪ .‬لك أن‬
‫تظن‪ ،‬وأنت مطمئن‪ ،‬أَّن الكوَن ليس مربعًا‪ ،‬وال مستطيًال‪ ،‬بل
كرة‪ .‬وما قيل في الكرة يقال في الكون"‬
‫]‪
.[366‬وُيهدي آديالرد العمَل إلى هنري‪ ،‬الذي ربما عمل آديالرد في وقٍت سابق معلَم ًا
خاصًا‬
‫له‪.‬‬
‫يفتتح آديالرد عمَله في األسطرالب‪ ،‬على طريقة
الخوارزمي وغيِره من العلماء العرب‪ ،‬الذين‬
‫كثير ما يقدمون أعمالهم العلمية
في صورة إجابة إلى دعواِت أصدقاء أو تالميَذ لهم أو َم ن هم‬ ‫كانوا ًا‬
‫في رعايته إلى تشاطِر
علمهم معهم‪ .‬فيخبرنا أن األميَر هنري سأله "عما يقول العرب في الكرة‬
‫والدوائر
وحركات النجوم"‪ .‬هنا‪ ،‬يتخلى آديالرد‪ ،‬الذي كان قد أصبح عاِلمًا محترمًا وأو
مستعرٍب‬
‫َل‬
‫بإنكلترا‪ ،‬عن طقس التواضع المعهود لمعلميه المسلمين ليعَظ هنري اليافع في
األهمية القصوى للفهم‬
‫العلمي للعاَلم الطبيعي‪ .‬يقول‪" :‬تقول إَّن َم ن يسكن
بيتًا وال يعلم مادَته وتركيَبه وَك َم ه ونوَع ه وموقَع ه‬
‫وميزَته ال يستحق أن يستظَل
بظله‪ .‬كذلك إذا ُو لد امرٌؤ ونشأ في قصِر العاَلم وغادر سَن الرشد ولم‬
‫يدِر ِلَم
هذا الَج ماُل المدهُش فيه‪ ،‬ال يستحق أن يعيَش فيه‪ ،‬ولوال أَّن ذلك غيُر ممكن‪َ
،‬لَو َج َب طرُد ه‬
‫منه"]‪.[367‬‬
‫يبدأ آديالرد بعرض المبادئ والمفاهيم
األساسية لعلم الفلك الكروي والنظري‪ ،‬والنقاط األساسية‬
‫في الجغرافيا‪ .‬ويستخدم كرًة
أنموذجًا لكرة األرض‪ ،‬قبل أن يلَج إلى القدرات الحوسبية لألسطرالب‪،‬‬
‫موضوع ما تبقى
من الكتاب]‪ُ
.[368‬تقدم المصادُر الالتينيُة الموجودة المادَة نفَس ها تقريبًا سوى أَّن‬
‫فيها أثٌر
قوٌي ظاهر لعاِلمين عربيين اثنين على األقل‪ .‬األول‪ ،‬بالطبع‪ ،‬هو الخوارزمي‪ ،‬الذي
َترجم‬
‫عنه آديالرد قبل ذاك زيَج السند هند‪َ .‬يفترض صاحُب رسالة في
استخدام األسطرالب أَّن القارَئ‬
‫مطلٌع على الزيج‪ ،‬وعلى ترجمِت ه الالتينية هو أصوَل
إقليدس‪ ،‬وتعتمد الرسالُة بشدة على جداول‬
‫تغيير مهمًا على‬
‫ًا‬ ‫النجوم العربية إلتمام الحسابات التي
ُتجرى باآللة نفِس ها‪ .‬كذلك ُيدخل آديالرد‬
‫بعض البيانات الفنية
من طبعته من زيج السند هند‪ ،‬صارفًا خَط الطول المرجعي من قرطبة إلى‬
‫باث]‪.[369‬‬
‫يعطي آديالرد‪ ،‬كما فعل في ترجمته متَن
إقليدس‪ ،‬األسماَء العربية لمختلف أجزاء األسطرالب‬
‫وما يقابلها في الالتينية‪ .‬كذلك
ُيدرج في دليله إلى زيج الخوارزمي شرحًا كامًال لعمل األسطرالب‪،‬‬
‫محيًال
المستخِد َم بانتظام إلى البيانات الموجودة في جداول النجوم فيتيح له بالتالي
تحصيَل أعظِم‬
‫فائدٍة ممكنة من هذه التكنولوجيا]‪
.[370‬أما الصوُت العرب المهُم اآلخر فهو صوت َم سلمة‬
‫ُي‬
‫المجريطي‪ ،‬الذي َص َر ف زيج
السند هند ألول مرة إلى خط طول قرطبة وأحَّل التقويَم اإلسالمي محَل‬
‫التقويم
الفارسي فيه‪ .‬يشير آديالرد في موضٍع من الكتاب إلى أسطرالٍب كان لألستاذ المجريطي‪،‬‬
‫‪ :astrolabium doctoris Almirethi‬أو أنه أتى من مدرسة الفلكيين الرياضيين التي كان‬
‫يمثلها]‪.[371‬‬
‫في عرضه "آ ارَء العرب"‪ُ ،‬يفرد
آديالرد جانبًا مهمًا الستخدام الدائرة في قياس ورسم الحركات‬
‫في كرة الكون‪ ،‬ما
يوحي بأن هذه الفكرة كانت ال تزال جديدًة على القراء المتعلمين في‬
‫الغرب]‪
.[372‬وقد كان هذا الفهُم ذا أهميٍة حيوية‪ ،‬ألن الدائرَة والكرة هما الدرجتان األساسيتان‬
‫اللتان توِص الن إلى دراسة للفضاء‪ .‬هنا‪َ ،‬تظهر أهميُة رسالة آديالرد في استخدام
األسطرالب‪ ،‬التي‬
‫ُتقِّد م وَتشرح النماذَج المشتركة التي تستند إليها الحركُة
المتصَو رة للفضاء‪ .‬من ذلك‪ ،‬المفهوُم المركزي‬
‫للكون المتراكز‪ ،‬المؤَّلِف من ك ارٍت
متداخٍل بعُض ها في بعض تتحكم في الحركات العامة لألجرام‬
‫السماوية؛ وما يدعى
األفالك الالمتراكزة لألجرام السماوية؛ تلك التي ُع رفت من قديم الزمان بأنها‬
‫الشمس
والقمر وعطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل‪ .‬لكل واحٍد من هذه األجرام كرُته
الخاصة به‬
‫المعطاُة له وكُلها متحلقة حول األرض الواقعة في المركز‪ ،‬كما يقول
آديالرد‪ ،‬لكَّن أفالَك ها المستديرة‬
‫اكز في دوراناتها المنتظمة]‪
.[373‬وثمة‬ ‫
مسار المتر ًا‬
‫ًا‬ ‫داخل الكرة تتفاوت بين أوٍج وحضيض راسمًة‬
‫ك ارٌت إضافية‪ ،‬ككرات النجوم الثابتة‪ ،‬ودقائُق أخرى للمحافظة على السير
المنتظم آللية الكون‬
‫كالساعة‪ .‬واضٌح أن رسالة في استخدام األسطرالب إنما هي
كذلك‪ ،‬رسالٌة في استخدامه‪ ،‬أكثر منها‬
‫مقدمٌة أصيلة في علم الفلك‪.‬‬
‫تعكس هذه اآللُة النظريُة المعقدة الجهوَد
البطولية التي بذلها الفلكيون والفالسفة على مدى‬
‫قرون لمعالجة مسألة أفالطون
"حفظ المظاهر"؛ أي أخُذ أرصاِد العلماء متعاظمِة الدقة في الحسبان‬
‫من
دون تجاوِز الخطوِط األساسيِة الصارمة التي وضعها اليونان وأثبَتها كما يبدو
العقُل السليم‪ .‬وقد‬
‫بَّين تيماوس [‪ ،]Timaeus‬في أسطورة الخلق
ألفالطون‪ ،‬في القرن الرابع قبل الميالد‪ ،‬بعَض‬
‫ًال‬ ‫ًال‬
‫الشروط األساسية‪ :‬ال بد من أن يكوَن
العاَلم‪ ،‬الذي صَّيره الخالق‪ُ ،‬ك ًال كامًال؛ وال بد من أن يكوَن‬
‫فريدًا‪ ،‬ال مثيَل
له؛ وال بد من أن يكوَن منيعًا على التحلل أو الفساد‪" .‬من أجل ذلك‪ ،‬صَّو ر
الخالُق‬
‫ِد‬ ‫ِغ‬ ‫ِة ٍة‬
‫العالَم على هيئ كر مدورة‪ ،‬كأنما ُش لت كذلك بآلة‪ ،‬أط ارُفها متساويُة
البع عن المركز‪ ،‬هي الشكُل‬
‫األتُم األكمُل واألكثُر تجانسًا في الهيئة بين كل
األشكال؛ ألنه [تعالى] اعتبر المتشابَه أجمَل من‬
‫المتخالف بما ال يقاس"]‪
.[374‬وال بد من أن ينعكَس كماُل العالم السماوي‪ ،‬في رأي الفالسفة‬
‫اليونان‪ ،‬كذلك في مسير
األجرام السماوية‪ ،‬فَيسبَح كٌل منها في السماء في فلٍك دائري قديٍم تام‪.‬‬
‫كذلك ُط ِرحت حوا ارٌت مشابهة حول كروية
األرض‪ .‬وبدا أن العقَل السليم والتجربَة اليومية‬
‫يدعمان ذلك‪ :‬الهيأُة المدورة التي
تبدو للقمر عند الخسوف؛ ومالحظُة صارية السفينة تهبط تحت‬
‫األفق مع ابتعادها عن
الشاطئ؛ أو حتى ظهوُر واختفاُء الكوكبات مع تحرك المرء شماًال أو جنوبًا‬
‫من األرض‪
.‬وقد أوحت حقيقُة سقوط األجسام‪ ،‬كالتفاحة‪ ،‬مثًال‪ ،‬تسقط من الشجرة نحو مركِز‬
‫األرض‪
،‬أَّن هذه ال بد من أن تكوَن مركَز الكوِن أيضًا‪َ .‬لم تكن هناك آنذاك نظريُة جاذبية
لتفسير‬
‫هذه الظاهرة؛ كذلك كان مفهو سكن اإلنسان في مركز الخليقة الكونية دومًا
ذا جاذبيٍة دينيٍة‬
‫ُم‬
‫واضحة]‪
.[375‬فال شك في أَّن هللا جلت قدرُته ما كان لُيخرَج مخلوَق ه األسمى‪ ،‬اإلنسان‪[ ،‬من‬
‫الجنة] إلى مكاٍن في الكوِن غيِر ذي شأن‪.‬‬
‫وال هو َط َرَح وضُع األرض في مركز النجوم
والكواكب أَي مصاعَب عملية في وجه العلم‪.‬‬
‫فكان في اإلمكان عمومًا تفسيُر الحركات
السماوية إذا اعُتبر أَّن الشمَس تدور في االتجاه المعاكس‬
‫حول أرٍض ثابتة‪ ،‬مرًة في
السنة‪ ،‬بزاويِة ميالٍن صغيرة عن خط االستواء [السماوي]‪ ،‬وأَّن "كرة النجوم‬
‫الثابتة" تدور مرة في أقَل من أربٍع وعشرين ساعًة بقليل‪ .‬ونتيجة ذلك‪ ،‬أمكن
وضُع التقاويم‬
‫والمناخات وتعيين الوقت‪ .‬وحتى اليوم‪ ،‬ال تزال مبادُئ المالحة
وتحديِد االتجاه كُلها تعمل على ما‬
‫يرام عندما تستند إلى نموذج األرض الثابتة‪.‬‬
‫لكن كانت هناك مسألٌة مقلقة‪ُ ،‬تعَر ف منذ
القدم باسم "مسألة الكواكب"‪ ،‬وكان التصميُم على‬
‫حلها ذا أهميٍة مركزية
لتطور الفلك الرياضي‪ .‬فقد الحظ اإلنسان منذ وقٍت طويل أَّن الكواكب‬
‫[‪
-  ]planets‬وهذه الكلمُة مشتقٌة من المكافئ اليوناني [‪ ]πλανήτης‬لكلمة "‪"wanderer‬‬
‫[المتحِّي ر]‪ - ‬تخرج بصورٍة دورية عن أفالكها المنتظمة‪ ،‬فتتوقف هنيهة‪ ،‬ثم
تتقهقر‪ ،‬ثم تعود فتتقدم‬
‫ثانيًة على مسارها المعهود جهَة الشرق‪ .‬تحدث هذه الحركة
االرتجاعية لعطارد مرًة كل ‪ 116‬يومًا‪،‬‬
‫وللمريخ مرًة كل ‪ 780‬يومًا‪ .‬كذلك تتهادى
الكواكب ببطء ذاَت الشمال وذاَت الجنوب بين النجوم‬
‫الثابتة‪ ،‬بينما تظل عمومًا في
برجها ال تغادره‪ .‬يكمن السبب‪ ،‬بالطبع‪ ،‬في حقيقة أَّن الكواكَب‬
‫المنفردَة واألرَض
نفَس ها في حركٍة دائبة؛ وإن أنكر ذلك ُج َّلُة األقدمين واألوسطين ممن كانوا
يعتقدون‬
‫بثبات ومركزية األرض للكون كله‪ .‬أما القمر‪ ،‬فكانت له مشكالُته الفريدُة
الخاصة؛ فأفالُك ه غيُر‬
‫المنتظمِة حول األرض‪ ،‬التي تتغير حتى ليبلَغ مقداُر ابتعادها
عن المتوسط سبَع ساعات‪ً ،‬ا‬
‫كثير ما‬
‫أحبطت سع َم ن كان يسعى ِم ن الفلكيين الستخدام
هذا الُج رم السماوي شديِد الظهور وسيلًة سهلة‬
‫َي‬
‫لتعيين الوقت]‪.[376‬‬
‫هنا أيضًا‪ ،‬كانت ألفالطون الكلمُة األولى‪
،‬أن طاَلَب "بحركاٍت منتظمة ومرتبة" من شأنها أن‬
‫ٍت‬
‫تحفَظ المظاهر‪ .‬وسرعان
ما ُط ِرحت سلسلُة حلول تشتمل على ك ار متشابكة تدور حول محاوَر‬
‫مشتركة حول األرض
التي هي في المركز‪ .‬لكنها لم تُد م طويًال‪ ،‬علميًا على األقل‪ .‬وتخطاها علُم‬
‫الفلك
الرياضي بعد قرٍن أو نحِوه‪ ،‬لكن بعد أن عملت على تشكيل رؤية أرسطو؛ التي كانت ربما‬
‫ِع‬
‫أكثر دوامًا وأنفَذ رؤية لم كونية في التاريخ المدون‪ .‬فقد ظل مفهوُم ه للكون الذي
جعل فيه الكواكَب‬
‫تدور حول األرض في سلسلٍة من القباب الشفافة سائدًا كنظاٍم علم
كوني حتى أوائل القرن السابع‬
‫عشر لم يكد يتغير فيه شيء]‪
.[377‬كان الكوُن عند الفالسفة يعَّر ف بثالثة مبادئ‪ :‬إنه يتألف من‬
‫قباٍب شفافٍة دوارة‪
،‬تقع األرُض في مركزها؛ وإَّن شكَله مجسٌم كامل‪ ،‬أي كروي؛ وإَّن األج ارَم التي فيه‬
‫تسبح في أفالٍك مستديرة تامِة االستدارة‪ .‬أما القوُل بِقَد ِم العالم‪ ،‬التصوِر
اآلخر للفلك األرسطي‪،‬‬
‫فاختلفت فيه اآلراء‪ .‬وسوف ُتِلح هذه المسألة في ما بعد على
أعظم المفكرين الموحدين في الديانات‬
‫الثالث اليهودية والمسيحية واإلسالمية على
السواء‪.‬‬
‫كثير؛ بل انتقلت ببساطة من سعة عاَلم الفلسفة وعلم‬ ‫ًا‬ ‫عند أرسطو‪ ،‬لم تبتعد "مسألة
الكواكب"‬
‫الكون إلى
ِض يِق عاَلم الفلك الرياضي‪ .‬ففي ما قد يعتبر سباَق تسلٍح فكريًا‪ ،‬راح الفلكيون
يضعون‬
‫نماذَج رياضيًة أكثَر تعقيدًا للحركة الكوكبية‪ ،‬وما إن بدأوا بفعل ذلك‪ ،‬حتى
برزت لهم فجأًة مشكالٌت‬
‫جديدة نتيجة األرصاد والقياسات السماوية الجديدة الفضلى‪
.‬فأدخلوا أول األمر سالحين جديدين‪:‬‬
‫فلك التدوير [‪ ]epicycle‬ودائرة اإلرجاء [‪
.]deferent‬حتى إذا ُض بطت هذه التركيبُة من‬
‫الحركات الضبَط الصحيح‪ ،‬اقتربوا من تفسير حركة
التقهقر الدورية لكل كوكب كما ُيرى من‬
‫األرض‪.‬‬
‫كانِت االختالفاُت البسيطة التي ما كان في
اإلمكان حُلها بهذه التقنيات ُتَح ل أحيانًا بإزاحة‬
‫مركِز دائرِة اإلرجاء قليًال عن
األرض‪ .‬فأوجد هذا ما ُس مي الفلك الالمتراكز [‪،]eccentric orbit‬‬
‫وهو نهٌج كان مفيدًا
خاصًة لتفسير حركات الشمس التي كانت تبدو في الظاهر غريبة‪ .‬فبإزاحة‬
‫مركز دائرة
اإلرجاء ببطٍء شديد‪ ،‬استطاع العلماء‪ ،‬مثًال‪ ،‬تفسيَر ما رصدوه من واقع أن الشمس‬
‫ُتمضي نحو ستة أياٍم بين االعتدالين زيادًة على ما تفعل بين الخريف والربيع]‪
.[378‬وتم هذا‬
‫البنيان الرياضي المعقد في األخير بطرح نظرية نقطة التعادل [‪
.]equant‬فحسب هذا المفهوم‪،‬‬
‫كانت حركة الكواكب تنتِظ م‪ ،‬كما ينبغي لها أن تفعَل عند أفالطون
وأتباِع ه‪ ،‬ال حوَل مركز دائرة‬
‫اإلرجاء بل حول نقطٍة أخرى مبتعدٍة عن هذا المركز‪
.‬فعندما ُينظر إلى مسير الكوكب من األرض‪،‬‬
‫متغير أو متراوحًا؛
أما عندما ُينَظ ر إليه من نقطة التعادل المبتعدِة عن المركز‪،‬‬
‫ًا‬ ‫يبدو هذا المسيُر‬
‫فيبدو منتظَم السرعة
والمسافة‪ ،‬كما ينبغي له أن يكون عند الفالسفة‪.‬‬
‫كان الرياض اإلسكندراني بطليموس هو َم ن
وضع اللمساِت األخيرة على تركيبة هذه اآللية‬
‫ُي‬
‫السماوية‪ .‬وكان هو أيضًا مهندَس نظرية
نقطة التعادل‪ .‬وكان النظاُم الُم جَم ل في المجسطي من‬
‫النجاح في تفسير حركات
الشمس والقمر والكواكب كما ُترى من األرض وتوّق عها لدرجة أنه لم ِد‬
‫َيُع‬
‫العلماء
َيرجعون إلى األعمال السابقة في الموضوع‪ ،‬التي اختفى كثيٌر منها عمليًا‪ .‬وشيئًا
فشيئًا‪ ،‬بدأ‬
‫الفلكيون والرياضيون العرب يتبرمون بنقطة التعادل وخرِقها مبدَأ
الحركِة المستديرِة التامة حول مركٍز‬
‫واحد‪ ،‬األرض‪ .‬وُبذلت عدُة محاوالٍت جدية
إلصالح النموذج البطلمي‪ ،‬لكنها كانت تستند في المقام‬
‫األول إلى أسٍس نظرية ال
عملية‪.‬‬
‫َف تحت رسالُة في استخدام األسطرالب‪
،‬وقبلها زيُج السند هند‪ ،‬شهيَة الغرب للفلك وفتحت كذلك‬
‫الطريَق من بعد
الستقباِل نظاِم بطليموس وِم ن ثم استيعاِبه في نهاية المطاف‪ .‬وكان المجسطي
قد‬
‫ُترجم إلى الالتينية من األصل اليوناني بصقلية حوالي سنة ‪ ،1160‬لكنه لم ُيعرف
لدى العلماء‬
‫والفالسفة الغربيين إال من خالل نسخته المترجمِة من العربية سنة ‪
.[379]1175‬كذلك ساعدت‬
‫رسالُة آديالرد األصيلُة تلك على رواج األسطرالب البرونزي في أوروبا
أَي رواج‪ ،‬وانتشر استخداُم ه‬
‫فيها حتى القرن السابع عشر‪ .‬كانت الفائدُة العظيمة
لهذه اآللة في قراءة الطالع وغير ذلك من‬
‫عمليات صناعة النجوم‪ ،‬وكذا مالءمتها كأداة
تعليمية‪ ،‬القوَة الدافعة لالنتشار السريع نسبيًا لهذه‬
‫التكنولوجيا الجديدة‪ .‬وقد
أسمى بطرس آبيالرد وهيلواز‪ ،‬أشهُر عاشقين سوَء طالع في العصور‬
‫الوسطى‪ ،‬ولَد هما
أسطرالب‪ ،‬وكانا هما عاِلمين بارعين‪ .‬وصار لزامًا على كل عالٍم أو أديب يحترم‬
‫نفسه
أن يكتَب في األسطرالب‪ ،‬عاجًال أم آجًال؛ وقد ترك تشوسر في اآللِة مقالًة لم تتم‪
،‬أهداها إلى‬
‫ابن أخيه‪.‬‬
‫لكَّن رسالَة آديالرد في استخدام
األسطرالب أسهمت في َم علٍم آخَر مهم؛ هو التسرُب المبكُر‬
‫المؤقت إلى الوعي
الغربي لفكر اليونان الوثني في علم الكون‪ .‬كانِت المتوُن الالتينيُة األولى عن‬
‫ِت‬ ‫ِة‬ ‫ٍت‬
‫األسطرالب ترِّك ز تقليديًا على موضوعا ثالثة‪ :‬نظري اإلسقاط اإلستريوغرافي التي
مَّثل الكوَن‬
‫المجسَم ثالث األبعاد على سطٍح مستٍو ببعدين (كخريطٍة جغرافيٍة
أو مالحية أو قرِص أسطرالب)‪،‬‬
‫َي‬
‫ِف‬ ‫ِت‬ ‫ِب‬
‫وتصميِم وتركي اآللة‪ ،‬وتعليما استخدامها‪ .‬أما
جديُد أديالرد‪ ،‬ذاك الذي أدخله بسرده ووص ه‬
‫المبتَك رين لكرات الكون المتراكزة‪
:‬فقبٌة شفافٌة خارجية ال ُترى بالعين تقع خارج قبة السماء‪ ،‬هي التي‬
‫َتَه ب األشياَء
التي تحتها القوَة والهيئة‪ .‬وكانت تلك إضافًة الفتة]‪  [380‬لم
يكن ذاك [في الحقيقة]‬
‫سوى ظل لمفهوم المحِّر ك الثابت عند أرسطو‪ ،‬الذي َتستمد منه
آلُة الكون حركَتها األبدية لكنه ال‬
‫يهتم لشؤون اإلنسان‪ ،‬وهي فكرٌة سوف تترسخ في
الغرب المسيحي‪ ،‬حتى تقّض مضاجَع الالهوتيين‬
‫والفالسفة التقليديين‪.‬‬
‫‪ááá‬‬
‫كان األمُر الصادُر من السلطات الدينية
بجامعة باريس كفيًال بتجميد الدم في العروق‪ ،‬إن لم‬
‫يكن بتجميد السعي الفعلي لتحصيل
العلم الحديث من الشرق‪" :‬فلُيسَتخَرج جثمان األستاذ آموري من‬
‫القبر‪
،‬ولُيطَرَح ن في األرض غيِر الَط هور‪ ،‬ثم لُيحَر َم ن ِم ن كنائس المنطقة كافة"‪
.‬كذلك‪ ،‬صدر قرار‬
‫[ِس نودس باريس] سنة ‪ 1210‬بتسليم ك ارريس دافيد دينان للمطران المحلي
وحرِقها في الحال‪ .‬وفي‬
‫ِس‬ ‫ٍل‬
‫فص آخر من األمر نف ه وصٌف للسبب النبيل الذي من أجله
َص َد ر‪" :‬ما ينبغي أن ُتق أر كتُب‬
‫سر
أو علنًا‪ ،‬بجامعة باريس‪ ،‬تحت طائلة الحرمان‬ ‫أرسطو في الفلسفة الطبيعية وال شروُح ها‪ً ،‬ا‬
‫الكنسي لمن يخالف هذا األمر‪ .‬وسُيعتَبر
مهرطقًا كُل من ُتضبط بحوزته كتاباُت دافيد دينان بعد‬
‫الميالد"]‪.[381‬‬
‫وبعد خمس سنوات‪ ،‬أعادت لوائُح جديدة لجامعة
باريس‪ ،‬التي كانِت المركَز الرائد للدراسات‬
‫الالهوتية في الغرب‪ ،‬تكريَس الحظر على
تدريس الفلسفة الطبيعية ألرسطو ودروِس تابعيه‪ ،‬األستاذ‬
‫آموري ودافيد دينان‪ .‬يبدو
أن األمَر األول قد ِز يَغ عنه بل ُتجوِه َل كليًة في كلية الفنون؛ وهو تكتيٌك‬
‫ار في المشاكسة التي كانت تزداد حدًة بين الالهوتيين والفالسفة طوال
القرن‬ ‫سيطفو
على السطح مر ًا‬
‫الثالث عشر‪ .‬وقد نَّص األمُر كذلك على فرض قواعَد سلوكيٍة أكثَر دنيويًة على
األستاذين‪ ،‬منها‬
‫منُع هما من التأنق في الَم لبس‪" :‬وُيحظر عليهما انتعال حذاء
الكاهن المدَّو ر المزخرف أو طويُل‬
‫البوِز المدبب"‪ .‬ولكن ُس مح لهما‪ ،‬مع ذلك‪
،‬بدعوة األصدقاء والمشاركة في "عدٍد قليل وال غير" من‬
‫اجتماعات
واستقباالت الجامعة"]‪.[382‬‬
‫كان لدى سلطات الكنيسة سبٌب وجيه للقلق من
سرعة التغير الذي كان يضرب جامعَة باريَس‬
‫وغيَرها من مراكز المعرفة الغربية
الوليدة‪ .‬فكانِت الضوابُط الكهنوتية قد بدأت ترتخي مع بداية انتقال‬
‫محل التعليم
المتقدم من مدارس الكاتدرائيات إلى الجامعات التي راحت تتشكل في المدن األوروبية‬
‫من كوكباٍت من المدرسين والطالب‪ .‬وكان احتكاُر آباِء الكنيسة القديم تعاليَم
الفلسفة والالهوت قد‬
‫بدأ يزول بعد قرون‪ .‬كان الذي وضع القواعد هو القديس أوغسطين
في فجر العصور الوسطى حين‬

‫قال إّن على المرء أن يبدأ باإليمان ثم يتدرج من النقل


إلى العقل]‪
.[383‬وقد أقام هذا الالهوَت‬
‫على عرش التفكير التأملي وأنزل الفلسفَة‪ ،‬ومعها العلوم
الطبيعية‪ ،‬إلى منزلة "الخادمة" عند‬
‫الالهوتيين؛ وهو نهٌج كانت قد بدأت
تنهال عليه مطارُق التطور التكنولوجي وما رافقه من نزعٍة إلى‬
‫التفكير االنتقادي‪
.‬مع ذلك‪ ،‬ال يزال شيٌء من الغموض يلف الحظَر على فلسفة أرسطو الطبيعية‪- ‬‬
‫المشتملة على نظريات في الطبيعة‪ ،‬وأصول الكون‪ ،‬وما أشبَه ذلك من موضوعات ‪ - ‬في
ذلك‬
‫الوقت المبكر من فجر الصحوة الغربية المستوحاة من العرب‪.‬‬
‫لطالما رفع رجال الكنيسة بأوروبا اسَم
أرسطو الرتباطه عندهم بتقنية المجادلة المنطقية التي‬
‫يحبونها‪ ،‬أي الديالكتيك‪ .‬وهم قد
قلدوا بذلك اللقاَء األول للعباسيين بتعاليمه‪ ،‬التي اهتموا لها أول‬
‫األمر إلسناد
منظوماتهم المنطقيِة التي كانوا يستخدمونها للمناظرة الدينية مع غير المسلمين‪ .‬وما‬
‫كان الموجوُد من التعاليم الفلسفية بأوروبا القرن الثاني عشر ليتخطى طرائق
المناظرِة تلك إال لمامًا‬
‫ليشمَل علَم الطبيعة أو ما بعد الطبيعة‪ .‬وكان عندما
يفعل‪ ،‬يصطدم في الغالب بنصوٍص متفرقة‬
‫وفهٍم قاصر‪ .‬كانِت المادُة نفُس ها تدَّر س في
المقام األول لشحذ عقول التالميذ وإعدادها لتقبل دراسة‬
‫الالهوت األكثر جدية؛ فلم
تكن مصممًة لنقل المعلومات‪ ،‬كالنظرة الفلسفية المتماسكة إلى الكون‪.‬‬
‫لقد كان
التأمُل الفلسفي‪ ،‬عمومًا‪ ،‬ال سيما في علم الكون‪ُ ،‬م َنَّح اثني عشر قرنًا تقريبًا
لصالح النظرة‬
‫ًى‬
‫الشاملة للكنيسة إلى العالم‪ ،‬التي كان لها تفُس يرها الخاص ألصل
اإلنسان‪ ،‬ومكاِن ه في الكون‪،‬‬
‫ومصيِره النهائي]‪.[384‬‬
‫صحيح أَّن ترجماٍت التينيًة متفرقة‪ ،‬ال
سيما من العربية‪ ،‬ألهم أعمال أرسطو في الفلسفة‬
‫الطبيعية كانت قد بدأت بالفعل تظهر
قبل بضع عقود بإسبانيا وإيطاليا‪ ،‬لكن يصعب على المرء‬
‫التحدُث بجدية عن وجود جسٍم
منَّظ م للفكر األرسطي باللغة الالتينية‪ .‬وما كان‪ ،‬يقينًا‪ ،‬ألعضاء هيئة‬
‫تدريس
الالهوت بجامعة باريس‪ ،‬الذين كانوا هم وراء قراري حظر ‪ 1210‬و‪ ،1215‬أن يستحضروا‬
‫أ
نص من نصوص أرسطو يسفه آراءهم أو أ شرٍح من شروح المسلمين المهمِة عليه الالزمِة‬
‫َي‬ ‫َي‬
‫لوصول‬ ‫لفهم تلك النصوص]‪ُ
.[385‬ترِج ع مرجعيٌة مرموقة‪ ،‬حاضرت بباريس‪ ،‬التاريَخ الحقيق‬
‫َي‬
‫الفلسفة الطبيعية
األصلية ألرسطو إلى هناك إلى حوالي ‪ ،1230‬بعد مائة سنة من دخول كثيٍر من‬
‫األفكار
والمفاهيم األساسية اليونانية والعربية في علم الطبيعة في التداول الفعلي‪ .‬لم تكن
تلك‬
‫المرجعيُة إال روجر بيكون نفسه]‪  [386‬وُيستَش ف
من مذكرات المحاضرات الباقية من العام‬
‫‪ 1245‬أَّن روجر كان ِم ن أوائل َم ن دّر سوا
هذه الفلسفَة الطبيعية بجامعة باريس‪ ،‬وإن كانت أكسفورد‬
‫قد سبقت إلى طرح هذه
األعمال]‪.[387‬‬
‫إذًا‪ ،‬ما الذي كان يدور في ذهن الكنيسة
بالضبط سنة ‪ 1210‬عندما أصدرت أمَر حظر‬
‫تدريس العلم الطبيعي ألرسطو ودروِس اثنين من
تابعيه المتحمسين‪ ،‬دافيد دينان واألستاذ أموري؟‬
‫إن كان فكُر أرسطو في ذلك الوقت
مجهوًال أو‪ ،‬في أحسن األحوال‪ ،‬مساَء الفهم فحسب‪ ،‬إذًا‪ ،‬فما‬
‫التهديد الذي كان يمثله
للمسيحية األرثوذكسية؟ ومن أين أتى؟‬
‫مفتاُح الجواب هنا‪ ،‬كما في إدخال أصوِل
إقليدس وجداوِل نجوم الخوارزمي مترَج مًة عن‬
‫العربية‪ ،‬مع آديالرد أوف باث‪ ،‬الذي
قاده سعُيه للدراسات العربية إلى المرجعية الكالسيكية األولى‬
‫في موضوع علم
النجوم‪ :‬العاِلِم الفارسي أبي معشر البلخي من القرن التاسع‪ ،‬المعروِف لدى الالتين‬
‫باسم ‪ُ .Albumazar‬يستَد ل من المخطوطات الباقية أن آديالرد ربما تحَّص ل على مختصر‬
‫المدخل
الكبير في علم أحكام النجوم [أو ما يعرف بالمدخل الصغير] عندما كان
بأنطاكية‪ ،‬إلى‬
‫جانب نسخته من كتاب في الهيئة لثابت بن قرة‪ .‬وَتظهر ترجمتاه
الالتينية للعملين بجانب ترجمته‬
‫للمختصر‪ ،‬وهذا مؤشر على أن األعماَل
الثالثة ربما قد أتّم ها آديالرد في الزمان والمكان نفسيهما‬
‫تقريبًا]‪.[388‬‬
‫العمل نفُس ه‪ ،‬وهو في األساس كراسٌة في علم
النجوم‪ ،‬ليس عمًال الفتًا جدًا‪ .‬بل نسخٌة مصغرة‬
‫ومبسطة من عمل أبي معشر الموسوعي المدخل
الكبير في علم أحكام النجوم‪ ،‬المكتوِب ببغداد سنة‬
‫‪ .848‬كانت الفكرة من
المختصر‪ ،‬كما يقول صاحبه‪" ،‬تقريب" هذا الموضوع الصعب "إلى
األفهام"‪.‬‬
‫[ترجمة عكسية]]‪  [389‬وقد
خال من كثيٍر من الشروح الفلسفية والتفصيالت العلمية الغنية التي‬
‫جعلت العمَل
األكبر يشيع في الغرب قدر ما شاع في الشرق‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد أثبت المختصر بقوة‬
‫أهميَة
تعلم صناعة النجوم العربية وأحوَج العلماء الالتين حاجًة شديدة إلى معرفة المزيد
عن هذه‬
‫الصناعة حتى القرن السابع عشر على األقل حين ظهرت اكتشافات غاليليو وآخرين]‪.[390‬‬
‫ظل علُم النجوم ردحًا طويًال من الزمن
مذمومًا‪ ،‬لكنه كان في يوٍم من األيام ميداَن دراسٍة مهمًا‬
‫ومشروعًا َيِع د بقراءة
ما سوف يقع للبشر من حوادث من حركات النجوم والكواكب‪ .‬وقد استندت هذه‬
‫ن‬
‫النظرة إلى
التسليم على نطاق واسع "بالقانو " الشامل الذي به َتحكم حركاُت األجرام
السماوية العالَم‬
‫الطبيع كله؛ أي شؤون اإلنسان؛ ودورات حياة الحيوانات
والنباتات‪ :‬وظواهر الزالزل والفيضانات‬
‫َي‬
‫والطقس‪ .‬وقد قَّد م ذلك نظريًة متماسكة
للطبيعة ربطت بين اإلنسان والكون في كل واحٍد متعادل‪.‬‬
‫تقوم هذه النظرية في األساس
على المفهوم القديم‪ ،‬الذي يعبر عنه عنوان كتاب آديالرد أوف باث‬
‫في الثابت
والمتغير‪ ،‬أّن األج ارَم السماوية "الُع لوية" الثابتة والتامة
والقديمة‪ ،‬أو عالم الثابت‪ ،‬تحكم أو‬
‫يحكم العاَلَم "السفلي" الفاسَد
والمتغير أبدًا‪ :‬عالَم اإلنسان واألرض‪ ،‬أو عاَلم المتغير‪.‬‬
‫وقد ظل علُم النجوم هذا‪ ،‬قرونًا‪ ،‬نظريًة
علميًة شرعيًة تمامًا‪ :‬وبدا أنه يفسر بنجاح العاَلَم‬
‫المرصود؛ وقد عالج المسائَل
األساسية التي كانت تلح على أهل زمانه؛ وَتبَّين أنه أرٌض خصبة‬
‫إلجراء المزيد من
البحث والتقصي‪ .‬وبالرغم من بعض الظنون التي حامت حوله عند رجال الدين‬
‫المسلمين
والمسيحيين واليهود‪ ،‬أنه ينال من حرية اإلنسان في اختيار الخير على الشر ويقوض‬
‫أساَس مفهوم مساءلة اإلنسان عن أعماله‪ ،‬فإن مبادئه األساسيَة كانت مقبولًة على
نطاٍق واسع من‬
‫دون تحد جدي‪ .‬ولم يجِد الفيلسوف ألبرتوس ماغنوس غضاضًة في التوفيق
بين المبدأ األساس لعلم‬
‫النجوم وبين رواية اإلنجيل لليوم السادس من الخلق‪ ،‬عندما
"َأخرَج ت" األرُض الكائناِت الحية‪" .‬ذلك‬
‫ألن القدرَة على إخراج
الكائنات الحية ليست عند المنجمين في األرض بل في السماء"‪ ،‬كما يخلص‬
‫آلبرتوس
في خالصتة الالهوتية [‪
،]Summa theologiae‬فال بد من أن األرَض قدمت األصَل‬
‫المادي للحيوانات‪ ،‬بينما ظل الجز الفاع في
السماء]‪
.[391‬واحتاج األمر إلى أربعمائة سنٍة‬
‫ُل‬ ‫ُء‬
‫أخرى‪ ،‬وإلى قانون الثقالة العام إلسحاق نيوتن‪
،‬ليخَّف ثم يتالشى في النهاية التمييُز عند المتعلمين‬
‫بين السماء‪ ،‬من جهة‪ ،‬وبين
السكن األرضي لإلنسان‪ ،‬من جهة أخرى‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬استمر هذا‬
‫الفصل قائمًا في علم
األحياء والطب حتى أتت نظرية دارون في النشوء والتطور‪ ،‬التي ُنشرت سنة‬
‫‪
،1859‬فأزالته جملًة واحدة]‪.[392‬‬
‫وِلما ِلعلِم النجوم من أهميٍة مركزية عند
العرب‪ ،‬فال عجَب أن يتحوَل آديالرد نفُس ه إلى علم‬
‫تمييز له عن علم الفلك األصلي‪ ،‬الذي َيدرس‬
‫ًا‬ ‫"أحكام النجوم" الذي
بات َيعرفه الغرب بهذا االسم؛‬
‫الحركاِت والمواضَع المنتظمة لألجرام السماوية‪ .‬يقول آديالرد في السطر األول من
ترجمته الالتينية‬
‫لعمل أبي معشر‪ ،‬أوِل كراسٍة عربيٍة كاملة في علم النجوم تظهر في
الغرب‪" ،‬ههنا يبدأ المدخل‬
‫الصغير في علم أحكام النجوم لجعفر المنجم‪ ،‬نقله من
العربية آديالرد أوف باث"]‪ .[393‬ثم‬
‫َيمضي آديالرد إلى تعريف قرائه باألهمية األساسية لعلم النجوم وصلِت ه الجوهرية
بإتقان العلوم‬
‫األخرى فيقول‪َ" :‬م ن كان يتحرى‪ ،‬في بحثه المتواصل عن الحكمة
السامية‪ ،‬ما [للكائنات] السماوية‬
‫من آثاٍر باهرة في العاَلم المحسوس‪ - ‬أي ما
ينعكس‪ ،‬بحركٍة طبيعية ما‪ِ ،‬م ن صوِر الهيئات الُع لوية‬
‫على هذا العالم السفلي‪ ،‬ويخبر
بوقوع األشياء المستقبلية قبل وقوعها‪ - ‬ال سبيَل له إلى ذلك من‬
‫دون معرفة
درجات الدائرة وعالمات [البروج]"]‪.[394‬‬
‫ساعد ظهوُر ترجمِة آديالرد لمختصر المدخل
الكبير في علم أحكام النجوم‪ ،‬التي أتمها حوالي‬
‫‪ ،1120‬على جعل أبي معشر
المرجعيَة العليا في الغرب لعلم النجوم وكل ما يتعلق به]‪.[395‬‬
‫وخالل عقدين‪ ،‬أتم مترجمون إسبان ترجمتين التينيتين مختلفتين للمدخل الكبير
كله‪ ،‬أطوَل بست‬
‫مرات من ترجمة آديالرد للمدخل الصغير‪ .‬وَأحيت هاتان
الترجمتان األسَس الفلسفيَة والعلمية‬
‫للمدخل الصغير‪ .‬وقدمت هذه الترجمُة
الكاملة للغرب أوَل مدخٍل حقيقٍي له إلى العلم الطبيعي‬
‫ألرسطو المعَّر ب‪ .‬إذ كان
أبو معشر قد شرع في تعليل علم النجوم والدفاِع عنه بالمفهوم العلمي‬
‫العام‪ .‬وكان
معنى ذلك ببغداد القرن التاسع الذي عاش وعمل فيه ربَط هذا العلم بتعاليم الطبيعة
وما‬
‫بعد الطبيعة اليونانية‪ ،‬المعروفِة بالفلسفة‪ .‬وَع نى ذلك‪ ،‬أوًال وقبل كل
شيء‪ ،‬أرسطو؛ على األقل كما‬
‫فهمه العرب‪ .‬والنتيجُة هي عمٌل عرب انتقائي من
األفكار العربية واليونانية والفارسية والهندية في‬
‫ٌي‬
‫علم النجوم‪ ،‬قائٌم على قدٍم
راسخة نسبيًا في التفكير العلمي اليوناني القديم]‪.[396‬‬
‫َز ودت ترجمُة المدخل الكبير في علم
أحكام النجوم الفالسفَة الطبيعيين الناشئين في العاَلم‬
‫الناطِق بالالتينية
بنظرٍة شاملٍة آِس رة للكون الذي تخضع آلُته لقوانين الحركة والسببية‪ .‬كذلك أظهر‬
‫عمٌل آخُر ألبي معشر‪ُ ،‬ترِج م هو أيضًا إلى الالتينية‪ ،‬كيف يمكن تطبيُق هذه
القوانين نفِس ها على‬
‫مسير التاريخ البشري‪ .‬ففي مقدمة هذا العمل الثاني‪ُ ،‬يفصح
الفلك العربي عن العالقة بين السماء‬
‫ُي‬
‫واألرض‪ ،‬معَّر فًة هنا بعبا ارٍت أرسطيٍة
صرفة‪" :‬ههنا كتاٌب جامع لدالالت األجرام الُع لوية على‬
‫الحوادث السفلية
الجارية في عالم الكون والفساد‪ُ ...‬يدعى كتاب الِم لل والدول [ترجمة
عكسية]"‬
‫]‪.[397‬‬
‫لقد غاب أو كاد عن األسماع اليوم اسُم أبي
معشر وكثيٍر من العلماء العرب اآلخرين الذين‬
‫كانت أعمالهم في يوٍم من األيام
ُع ملًة مشتركة في الشرق والغرب على السواء‪ .‬ودفَع علما عصِر‬
‫َء‬
‫النهضة وتابعيهم‪ ،‬من
عصر التنوير إلى عصرنا هذا‪ ،‬ميُلهم إلغفال إسهاماِت المسلمين وإضفاِء‬
‫أصٍل يوناني
كالسيكي على عاَلم األفكار الغربية إلى التشديد على أثر مؤلفات الفلكي اليوناني‬
‫بطليموس في علم النجوم]‪
.[398‬لكَّن عمَل آديالرد أوف باث المبكَر وَم ن أتى مباشرًة بعده منح‬
‫أبا معشر‪ ،‬مع ذلك‪
،‬قرونًا من النفوذ كأحد أكبِر المرجعيات العلمية والفلسفية في العالم المسيحي‬
‫في
العصور الوسطى‪ .‬وساعدت تعاليُم ه على تأسيس قاعدِة قبوٍل شاملة تقريبًا برؤيٍة للكون
تعتبره‬
‫محكومًا بقوانيَن قابلٍة للفهم]‪.[399‬‬
‫وبما يستند إليه من أساٍس نظري في التصور
اليوناني القديم للكون‪ ،‬أثبت المدخُل الكبير في‬
‫علم أحكام النجوم أنه مطيٌة
مثالية لنقل العلم والفلسفة عامًة إلى العاَلم الالتيني‪ ،‬ألنه جمع بين‬
‫احترام
أرسطو وإغواء التنجيم الذي ال يجادل فيه اثنان‪ .‬وبلغ األساُس الفلسفي ألحكام نجوِم
أبي‬
‫معشر من التأثير حدًا أن جعله أوَل ممر مهم إلى الغرب لفلسفة أرسطو الطبيعية]‪
.[400‬تقول‬
‫حاشيٌة ربما كان روجر بيكون قد خطها بيده على مخطوطٍة من العصور الوسطى أَّن
"مرجعية علم‬
‫السماء" ليست أرسطو المعروف بل أبو معشر]‪.[401‬‬
‫كان الذي أثار أكثَر ما أثار رَد الفعِل
العنيف األوَل لالهوتيين المسيحيين على "المنطق‬
‫الجديد"‪ - ‬أقصد
إدانَة جامعة باريس ‪ 1210‬األستاذ آموري ودافيد دينان‪ - ‬هو تنامي شعبية علم‬
‫الفلك العربي بما له من مسحٍة فلسفيٍة يونانيٍة وثنية‪ .‬فقد شكل هذان التقليدان
الفكريان‪ ،‬العربي‬
‫كثير من
الجدل الالهوتي والفلسفي في القرنين‬
‫واليوناني‪ ،‬تحديين لألرثوذكسية المسيحية سيستغرقان ًا‬
‫الثالث عشر والرابع عشر‪ .‬وقد انطويا على
مسائَل ذاِت أهميٍة جوهرية للكنيسة‪ :‬من دوِر اإلرادة‬
‫الحرة لإلنسان؛ وخلوِد الروح؛
وعلِم هللا بتفاصيل عمِل اإلنسان‪ ،‬وهو أمٌر ينسجم تمامًا مع مفهوم‬
‫الحساب يوم
الدين؛ وهل العاَلُم قديم‪ ،‬كما تؤكد فلسفة أرسطو الطبيعية‪ ،‬أم مخلوق "في
البدء" كما‬
‫جاء في سفر التكوين [اإلصحاح األول‪ ،‬اآلية ‪ ،]1‬وهذه مسألٌة جدليٌة
جدًا ولعلها كانت األهَم للعلم‬
‫في مراحله المبكرة‪.‬‬
‫كان ثمة استياٌء عام من هذا الغزِو الفكرِي
الكبير الذي يخالف على ما يبدو تعاليَم الكنيسة‪،‬‬
‫كاالستياء الذي كان من تعُلم
البابا سلفستر الثاني علوَم العرب قبل مائتي سنة‪ .‬لم يكن في وسع‬
‫الغرب ببساطة تبني
التعاليم األساسية لهذه الفلسفة الطبيعية الجديدة كما هي من دون أن يعدَل‬
‫بعضها؛
ولم يكن يستطيع في المقابل إغماَض العين أكثر من ذلك عن ِه بات علم الطبيعة وغيِره‬
‫من المعارف التي أتت مع التعاليم المريبة‪ .‬وكان ال بد من تعديل فلسفة الطبيعة قبل
أن يصبَح في‬
‫مقدور المسيحية استساغُتها واستغالُل ذلك العلم الجديد اآلتي إلى
الغرب من الشرق‪.‬‬
‫لكن بقيت أعماُل أرسطو العظيمُة في علم
الكون والفيزياء‪ ،‬التي كان قد مضى عليها قرون‬
‫وهي ُتق أر بالعربية‪ ،‬مجهولًة للغرب
عمومًا‪ ،‬كشروح الفالسفة العرب المعمقِة والمثيرة على تلك‬
‫األعمال‪ ،‬ال سيما األعمال
الفذة البن سينا والمنطقي الذي أتى بعده‪ ،‬ابِن رشد‪ .‬وسيكون لهذه‬
‫المتون‪ ،‬التي
احتوت ُع صارَة مئاِت السنين من النقاش تحت سقف التقليد اإلسالمي ولم تكن مع‬
‫ذلك
معروفًة لدى الغرب‪ ،‬أثٌر فورٌي وقوي على العقول الفتية في أرجاء أوروبا‪ .‬وسرعان ما
ستالقي‬
‫رواجًا عظيمًا بباريس‪ ،‬وأكسفورد‪ ،‬وغيِرهما من الجامعات‪.‬‬
‫اقتحم آديالرد أوف باث المشهَد الفكرَي
األوروب شابًا‪ ،‬فور تخرجه من مدرسة الكاتدرائية‬
‫َي‬
‫بتور‪ ،‬بإنكاره عالنيًة تعاليَم
"المعاصرين" وعزِم ه الذي ال يقل عالنيًة على تقويم الحالة المزرية للعلم‬
‫الغربي بتوُج ِه ِه القتباس نوِر العلم من العاَلم العربي‪ .‬يمكن تلُم ُس الخطوِط العريضة
الغامضة لحياته‬
‫ومغامراته‪ - ‬حتى ذوقه في المالبس‪ ،‬أو على األقل في
األلوان‪ - ‬من ترجماته وكتاباِت ه األصيلة‪.‬‬
‫بخالف مكان وزمان مولده ومماته
اللذين ال يزاالن محجوبين عن علمنا حتى اليوم‪.‬‬
‫مع ذلك‪ ،‬ربما يكون آديالرد هو الفلك
المجهول الذي َيرجع إليه وضُع سلسلٍة من خرائط‬
‫َي‬
‫البروج الملكية الالفتة التي ُأنجزت
بإنكلت ار في منتصف القرن الثاني عشر‪ .‬فخرائُط البروج في فترة‬
‫الغزو النورماني
نادرٌة للغاية‪ .‬وقد ال يزيد عدُد ما بقي منها من القرن الثاني عشر كله عن خمَس‬
‫عشرة خارطة‪ ،‬في أحد التقديرات‪ ،‬كما ال يزيد عدُد المنجمين الغربيين األحياء‪
،‬القادرين على إجراء‬
‫ما يلزم من حساباٍت وأحكاٍم معقدة للقيام بتلك القراءات
الحساسة سياسيًا لطالع العائلة المالكة‪ ،‬عن‬
‫عدد أصابَع اليد الواحدة؛ ربما اثنان
فقط بإنكلت ار آنذاك]‪.[402‬‬

‫ّل‬
‫ُيستشف من النظر إلى المجموعة من عدة جوانب
أن آديالرد ربما كان مؤّلَف ‪ - ‬ثماني من‬
‫عشر خرائط ‪ - ‬الخرائط البروجية
المحفوظة معًا في مخطوطٍة واحدة]‪
.[403‬فهي‪ ،‬أوًال‪ ،‬تعتمد‬
‫على بياناٍت فلكية شبيهٍة بتلك المستمدة من زيج الخوارزمي
المصروِف إلى موقع قرطبة طوًال [زيج‬
‫الخوارزمي بتنقيح المجريطي]‪ ،‬المادة نفسها
التي ترجمها آديالرد أوًال إلى الالتينية وقدمها للغرب‪ .‬ثم‬
‫إَّن العمل يبدي مستوًى
رفيعًا من البراعة والخبرة الفنية‪ ،‬إال في استخدام البيانات الفلكية القرطبية‬
‫بدل
البيانات الفلكية المحلية بإنكلترا‪ ،‬وذاك خطٌأ فاضح‪ .‬والسبب الثالث أَّن خرائَط
البروج تفترض‬
‫أن يكوَن واضُع ها موضَع ثقة في البالط‪ ،‬وهذا أمٌر يبدو أن آديالرد
تمتع به في أواخر أيامه‪ .‬يمكن‬
‫َّلِة‬
‫إرجاُع ُج الخرائط إلى العام ‪ ،1151‬عندما كان
آديالرد في حوالي السبعين من عمره‪ ،‬وهو رقٌم‬
‫كبير لسنه لكنه ليس غيَر معقول‪ ،‬اختفى
بعده أثُر آديالرد على الورق‪ ،‬ما يوحي بأن العاِلَم الجوال‪،‬‬
‫ومنجَم البالط‪
،‬والمستعرَب السامي ربما توفي ليس بعد ذلك بوقٍت طويل‪.‬‬
‫ومفكر بوطنه‬
‫ًا‬ ‫خبير‬
‫ًا‬ ‫لقد جعلت آديالرد خبر ه في علوم العرب
عاِلمًا محترمًا وصَّيرته رج دولٍة‬
‫َل‬ ‫ُت‬
‫إنكلترا‪ .‬هناك‪ ،‬حيث
ألهم سلسلًة متصلة من العلماء المغامرين الالمعين‪ ،‬ما لبث بعُض هم أن تبَع‬
‫خطاه في
استشارة العرب في كل شيء من علم النجوم إلى علم الحيوان‪ .‬وقد استغل آديالرد موقَع ه‬
‫في البالط ليطرَح في أحد فصول رسالته في استخدام األسطرالب على هنري
بالنتاجينيت نموذجًا‬
‫راديكاليًا لمملكته يكون فيه الملُك فيلسوفًا‪ ،‬كما يقول
آديالرد للذي سيصبح الملك هنري الثاني‪ ،‬ألن‬
‫الفالسفَة يقولون بالحق ويَّتبعون
العدَل والعقَل الفطريين؛ وأن تكوَن المملكُة متسامحًة مع األديان‬
‫والمعتقدات
كافة؛ وأن تعترَف بمرجعية العرب‪ - ‬من علمائهم ومفكريهم‪ - ‬ال بمرجعية
آباء الكنيسة‬
‫المتحجرين]‪.[404‬‬
‫الفصل
السابع" أحكم
حكماء العالم"‬
‫لم يلبِث العلماء الغربيون المغامرون من
رواِد الدراسات العربية‪ ،‬وقد ألهب حماسَتهم آديالرد‬
‫أوف باث‪ ،‬وستيفن أوف
پي از وغيُرهما من رواد هذه الدراسات‪ ،‬أن بدأوا ينتشرون في األصقاع التي‬
‫كانت في ما مضى ُم سلمة‪ ،‬إسبانيا وصقلية وجنوبي إيطاليا وما ُيدعى الشرق الالتيني‪
،‬بحثًا عن‬
‫متون الفلسفة والفنون والعلوم التي باتِت اآلن متاحًة لهم في تلك
األصقاع‪ .‬وبدأ الغزو المسيحي‪،‬‬
‫والتجارة إلى حد أدنى بكثير‪ ،‬يفتحان األعيَن الغربية
على المكتباِت العربية الكبرى‪ ،‬ال سيما بإسبانيا‬
‫التي حكمها المسلمون ذات يوم‪
.‬وظهر على الساحة كثيٌر من القراء المتحمسين‪ .‬قبل قرون من‬
‫سقوط مملكة غرناطة‪ ،‬آخِر
معقٍل عربي بالمنطقة‪ ،‬في أيدي جيوش فرديناند وإيزابيال سنة ‪،1492‬‬
‫أكَّب الالتين
على األعمال التي راح المسلمون يتركونها وراءهم وهم ينسحبون مكَرهين شيئًا فشيئًا‬
‫من شبه الجزيرة اإليبيرية‪ .‬واندفع العلماء الشبان إلى المجهول‪ ،‬اندفاَع الباحثين
عن الذهب إلى‬
‫مظانه‪ ،‬الكتشاف المتون العربية ومن ثم نقِلها إلى الالتينية قبل أن
يسبَق هم إليها أحد‪.‬‬
‫وابتداًء من الربع الثاني من القرن الثاني
عشر‪ ،‬راح علماء غربيون يفتتحون فرادى متاجَر‬
‫حيثما وجدوا إمداداٍت معتمدة من الكتب
العربية ورعا ذوي شأن لتمويلها‪ .‬ففي إسبانيا‪ - ‬المقصِد‬
‫ًة‬
‫األكثر شعبية لقربها
وغناها الثقافي الهائل ‪ - ‬اشتغل كثيٌر من المترجمين في ِفَر ق‪ ،‬مستخِد مين‬
‫مثقفيَن محلييَن يهودًا أو نصارى متمكنين من اللغة العربية ومن لغة القوم المحلية
وسطاَء بين‬
‫النص األصلي والنسخة الالتينية النهائية‪ .‬وأتقن بعضهم العربيَة
والعبرية‪ ،‬مصممين على اعتصار‬
‫غايِة ما يستطيعون اعتصاَره من الوسط األندلسي الغني‪
،‬الذي ازدهرت فيه الثقافة اليهودية والثقافة‬
‫العربية معًا‪.‬‬
‫وكان ال بد من أن تقَع أغالٌط وحاالٌت من
سوِء الفهم وسوِء اإلسناد بالنظر إلى الطبيعة‬
‫التلقائية لحركة الترجمة تلك‪ .‬وكانت
سهولُة الوصول إلى النص ووجازُته أهَم في الغالب من محتواه‬
‫في اختيار ما يترَج م من
نصوص‪ ،‬فراجت كتٌب هزيلة وُأهِم لت أخرى جليلة]‪
.[405‬وكان ًا‬
‫أمر‬
‫شائعًا أن َيُظ َن العلماُء المسيحيون األوائل أنفَس هم يقرأون أرسطو
بينما كانوا يقرأون على األرجح‬
‫انتشار واسعًا كتٌب‬
‫ًا‬ ‫نسخًا غيَر شرعية تسربت إليهم من خالل علم النجوم
العربي‪ .‬كذلك‪ ،‬انتشرت‬
‫ُنسبت خطًأ إلى أرسطو‪ ،‬وُس ميت متون
أرسطو الزائفة [‪ .]Pseudo-Aristotle texts‬وظهرت‬
‫"ترجماٌت " كثيرة لم ُتعَر ف أصوُلها العربية أو
اليونانية‪ ،‬ما أثار احتماَل أن يكوَن بعُض العلماء أو‬
‫األدباء الالتين قد أخفوا
آراءهم غيَر التقليدية خلف واجهِة التبجيل الذي كان يوَلى للعلوم العربية‬
‫حديثِة
االكتشاف]‪.[406‬‬
‫كثير من هذه النواقص ما أبداه
المترجمون من اندفاٍع وحماسة شديدين سَّرعا عجلَة نقل‬ ‫عَّو ض ًا‬
‫الكتب العربية إلى
الالتينية‪ .‬وأقبل الناس على تعلم علم الهندسة والرياضيات والفلك مدفوعين أول‬
‫األمر
بتعلقهم بعلم النجوم؛ ألَّن كَل هذه العلوم ضروريٌة لالشتغال بقراءة الطالع‪ .‬وحفزت
المؤلفاُت‬
‫العربية ذاُت الشأن في تصانيف العلوم المختلفة على توسيع نطاق الترجمة
ليشمَل الطب‪،‬‬
‫والصيدلة‪ ،‬والبصريات‪ ،‬والسيمياء‪ ،‬وطرائق استخدام األسطرالب والزيج‪
.‬وفي النصف الثاني من‬
‫القرن الثاني عشر‪ ،‬نشطت ترجمُة أمهات الكتب العلمية بفضل
تعاليم الفالسفة العرب‪.‬‬
‫تدين الكنوز التي وجدها الرحالة الغربيون
في انتظارهم بالكثير للتقاليد العلمية والثقافية والفكرية‬
‫التي أرساها أوُل حكام
األندلس العظام‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬الحفيِد الشريد لعاشر الخلفاء األمويين‪ .‬كان‬
‫عبد
الرحمن قد فر من الثورة العباسية ولجأ إلى أخواله البربر بشمالي أفريقيا‪ .‬ومن
هناك‪ ،‬وضع‬
‫عينيه على كنوز إسبانيا الشهيرِة المجاورة التي ليس بينها وبينه إال
المضيق‪ .‬وفي بضع سنين‪،‬‬
‫ٍة‬ ‫ٍت‬
‫شكل تحالفًا من البربر‪ ،‬والمقاتلين العرب الموالين لبني
أمية‪ ،‬وجماعا ساخط أخرى وعَبَر‬
‫المضيق إلى أوروبا في خريف ‪.755‬‬
‫كان شطٌر كبير من شبة الجزيرة [األسبانية]
قد دخل قبل ذلك تحت السيطرة العربية ألكثر من‬
‫أربعة عقوٍد خلت‪ ،‬مذ قاد طارق بن
زياد جيشًا من نحو سبعة آالف رجل ُج َّلُتهم من بربر شمال‬
‫أفريقيا وهزم القوَط
الغربيين المسيحيين‪ .‬وطئت أقداُم هذا القائد وجيِش ه البَر األيبيري في ربيع ‪711‬‬
‫وابتنى له قلعًة هناك على جبل الصخرة الذي ال يزال يحمل اس ه إلى اليوم ‪
- ‬جبل طارق‬
‫َم‬
‫[‪ - ]Gibraltar‬قبل أن يتقد شماًال ويقتَل ملَك القوط الغربيين‪
،‬روديريك [لذريق]‪ .‬لكَّن طاعون‬
‫َم‬
‫الشقاق الداخلي حل بساحته من البداية‪ ،‬وفي صيف ‪
756‬استغل عبد الرحمن نقاَط الضعف هذه‬
‫ليستول على العاصمة‪ ،‬قرطبة‪ ،‬ويعلن نفسه حاكمًا
على األندلس‪.‬‬
‫َي‬
‫كان العاه الجديد حريصًا على أال يطال
باللقب والسلطة الدينية للخليفة‪ ،‬مدركًا حساسياِت‬
‫َب‬ ‫ُل‬
‫منافسيه العباسيين األقوياء‪
- ‬لكن أحَد خلفائه سيطالب بهما بعد نحو مائتي سنة‪ - ‬واكتفى بدًال من‬
‫ذلك‪ ،‬بلقب
األمير أو القائد العسكري العادي‪ .‬وخالل فترِة حكٍم دامت أكثر من ثالثة عقود‪ ،‬وضع‬
‫عبد الرحمن األندلَس التي لم تستقَر حدوُد ها الجغرافيُة قط‪ ،‬على مساٍر جعلها في
يوٍم من األيام‬
‫تنافس أمجاَد اإلمبراطورية الشرقية‪ .‬وسيدوم بقاُء المسلمين
بإسبانيا قويًا نحو ثمانية قرون‪.‬‬
‫وكعبد الرحمن نفِس ه‪ ،‬كانت عربية األصل
الخامُة التي حَّو لت ما كان تحت حكم القوط الغربيين‬
‫منطقًة مسيحيًة معزولة إلى
قوٍة أوروبية عظمى ال ِم ريَة فيها‪ ،‬وإلى ذلك يعود فضُل التحول في‬
‫جانٍب كبيٍر منه‪
.‬ابتنى األمير لنفسه دارًة ريفية على مشارف قرطبة‪ ،‬وأسماها ُم نية الرصافة‪ ،‬على‬
‫اسم
عزبة جده بالشام التي اضُط ر األمير الشاب إلى الفرار منها برأسه‪ .‬وسرعان ما َّز ينت
هذه‬
‫الواحُة االصطناعية بغرائب الغراس المجلوبِة من الشرق األوسط كأشجار الرمان
والدراق‪ .‬وكذلك‬
‫ُج لبت إليها من الشرق أوُل شجرة نخيل بإسبانبا‪ ،‬فألهم وجوُد ها
الحزيُن هذا عبَد الرحمن أبياتًا في‬
‫الحنين قارن فيها غربَتها بغربته‪:‬‬
‫تبَّد ت
لنا وسَط الَّر صافِة نخلٌة‬
‫‪             ‬تناءت
بأرض الغرب عن بلِد النخِل‬
‫فقلُت
شبيهي في التغُّر ِب والنوى‬
‫‪             ‬وطوِل
اكتئابي عن بنَّي وعن أهلي‬
‫نشأِت
بأرٍض أنِت فيها غريبٌة‬
‫والُم نتأى ِم ثلي]‪[407‬‬ ‫‪             ‬فِم ثُلِك
في اإلقصاِء‬
‫لكَّن تغيَر الوضع هذا لم يكن بحاٍل من
األحوال ضالًال‪ .‬فعبقريُة عرب العصور الوسطى تكمن‬
‫في قدرتهم الفائقة على تشُّر ِب
األفكار الجديدة وَتبُّيِن وتبني ما يحتاجون إليه من الثقافات األجنبية‪- ‬‬
‫الفارسيِة والهنديِة أوًال‪ ،‬ثم اليونانية ‪ - ‬ثم تعديِل وتحسيِن هذه المفاهيم
لتالئَم متطلباِت هم العمليَة‬
‫والفكرية وال سيما الدينية في زمانهم‪ .‬قال ابُن خلدون
مرًة‪ ،‬وهو مراقٌب بارع ألحوال البشر وقد أخرج‬
‫الغز المسيح عائلَته من األندلس‪
،‬إَّن العر ال يستطيعون ببساطة البقا ساكنين‪" :‬فغايُة األحواِل‬
‫َء‬ ‫َب‬ ‫ُي‬ ‫ُو‬
‫العاديِة
كلها عندهم الرحلُة والتغُّلب"]‪
.[408‬فكانت النتيجُة انتقاًال مذهًال للناس والفنون والصنائع‬
‫حتى النباتات عبر رقعٍة
واسعٍة من العالم المعروف الذي ضم بالَد اإلسالم‪.‬‬
‫حتى االنقساماُت السياسيُة العميقة في
األمة المسلمة‪ ،‬سواء صعوُد األندلس في القرن الثامن‪،‬‬
‫أم تفتُت اإلمبراطورية
العباسية الحقًا‪ ،‬أم تحلُل األندلس آخَر األمر في القرن الحادي عشر إلى‬
‫ممالَك
صغيرة متنازعة‪ ،‬لم تستطع تحطيَم الروابط األساسية التي وفرها لها المشتَر ُك الديني
واللغوي‬
‫والقانوني وغيُر ذلك من قيٍم حضاريٍة مشتركة‪ .‬في الوقت نفِس ه‪َ ،‬م نح وجوُد
اإلسالِم في ثالث قارات‬
‫قادر على اكتشاف
واستيعاب جملٍة من التقاليد والثقافات التي كانت‬ ‫هذا الديَن َط وًال هائًال‪ ،‬جعله ًا‬
‫ستظل لواله منعزلًة متباعدة‪ .‬وقد
تمتع العلماُء العرب عمليًا باحتكاٍر عاَلمي للمعرفة في أقاصي‬
‫األرض لم ينازعهم
فيه أحد حتى عصر االكتشافات األوروبي‪ .‬في هكذا بيئة‪ ،‬ال غرابَة إن كان في‬
‫استطاعة
الرازي [مثًال]‪ ،‬الطبيِب والعاِلِم الشهير‪ ،‬المعروِف في الغرب باسم ‪
،Rhazes‬التحدُث‬
‫بدراية في أوائل القرن العاشر عن الخصائص الدوائية لسالالٍت مختلفة من
األشنان التي تنبت في‬
‫أقاٍص بعيدة كإسبانيا والهند]‪.[409‬‬
‫وعلى مدى أربعة قرون‪ ،‬راحت االختراعات من
كل نوع تتدفق بانتظام صوب الغرب من الهند‬
‫وفارس والعراق‪ ،‬عبر مصر‪ ،‬إلى مسلمي
المغرب؛ الجزائر وتونس والمغرب اليوم؛ وغرب أفريقيا؛‬
‫واألندلس جارِة أوروبا
المسيحية المباشرة‪ .‬فمثًال‪ ،‬جلب العرب اليمنيون الذين استوطنوا شماَل أفريقيا‬
‫واألندلس معهم ما كان سائدًا لديهم من أنظمِة ري وإجراءاٍت إدارية‪ ،‬وكذا محاصيَل
وتقاناٍت زراعيًة‬
‫جديدة‪ ،‬ونظمًا جديدة لتحسين استخدام األرض وزيادة الغالل]‪
.[410‬وبالرغم من أن هذه الحركَة‬
‫لن تظَل أحاديَة االتجاه طويًال‪ ،‬فقد كانت األندلس
وبقيُة العالم اإلسالمي في وقٍت من األوقات هما‬
‫أهَم مستفيدين من هذا المخزون
المتعاظم من االختراعات والعلوم والمعرفة التطبيقية الناشئة في‬
‫الشرق‪.‬‬
‫خذ مثًال الباذنجان المعروف‪ .‬هذا النوع من
الخضروات‪ ،‬أصُله الهند‪ ،‬وقد كان شائعًا في بالد‬
‫فارس حين فتحها المسلمون‪ ،‬وسرعان
ما صرَت تجده مشروحًا بالتفصيل في كتب الطبخ والدالئل‬
‫الزراعية العربية‪ .‬بل لقد
قيل فيه شعر‪ .‬ثم ُأخذ إلى مصر‪ ،‬فالمغرب‪ ،‬فاألندلس‪ .‬ثمة روايٌة من‬
‫العصور الوسطى
تصف األنواَع المختلفَة األربعة التي كانت آنذاك معروفًة للباذنجان باألندلس‪:‬‬
‫"المحلي"‪ ،‬والقرطبي‪ ،‬والسوري‪ ،‬والمصري]‪
.[411‬كذلك كان شأن البطيِخ األحمر‪ ،‬والسبانخ‪،‬‬
‫والقمِح القاسي الالزِم لفن المعكرونة
اإليطالي الرفيع‪ ،‬وكثيٍر من األطعمة األخرى الشائعة على‬
‫موائد الغرب اليوم؛ تبعت
جميُع ها مسا ارٍت مشابهة‪ .‬وقد تعَّين في أثناء ذلك تكييُف هذه الغراس‬
‫المجلوبة مع
المناخات والظروف الجديدة وإسناُد ها بأنظمة استنباٍت وري معقدة في أغلب األحيان‪.‬‬
‫فكثيٌر من المحاصيل األندلسية الهامة‪ - ‬كاألرز‪ ،‬وقصب السكر‪ ،‬والبرتقال وغيِره
من الحمضيات‪،‬‬
‫وهذا غيٌض من فيض ‪ - ‬كانت أصوُلها ُتزَرع في مناخاٍت ال تعاني من
أحوال الجفاف الصيفي‬
‫المعتاد بمنطقة البحر المتوسط‪ .‬وكانت نظُم الري‪ ،‬القائمُة على
وسائَل هندسيٍة متطورة تسندها‬
‫إجراءاٌت قانونيٌة وإداريٌة معقدة لتنفيِذ ها
وتشاطِرها وصيانِت ها‪ ،‬ذاَت أهميٍة حيوية لنجاح تلك‬
‫المحاصيل على المدى البعيد‪.‬‬
‫وصار مزارعو األندلس خب ارَء في تحويل
وتجميع وتوزيع المياه للزراعة‪ ،‬كما يشهد بذلك األثُر‬
‫اللغوُي العرب الغني الذي
تركوه في اللغة اإلسبانية‪َ :‬ع َزَق ‪ِ/‬م عزقة [‪ ،]azuda‬والساقية‬
‫ُي‬
‫ُت‬ ‫ذا‬ ‫ى‬‫أخر‬ ‫ٌت‬‫ومصطلحا‬ ‫[‪]aceña‬‬ ‫المائية‬ ‫الصينية‪/‬الطاحونة‬
‫و‬ ‫[‪،]noria‬‬ ‫ة‬
‫ر‬ ‫الناعو‬
‫و‬ ‫[‪
،]acequia‬‬
‫صلة
كُلها مشتقٌة من اللغة العربية]‪ .[412‬وقد
تكررت عمليُة التداوِل من الشرق إلى الغرب‬
‫والتكييِف االنتقائي تلك مرًة بعد مرة‪
،‬شاملًة كل شيء من أحدث أنماط الموسيقى والمالبس إلى‬
‫اإلقبال على الدراسات المتقدمة
في علم النجوم‪ ،‬والرياضيات‪ ،‬والطب‪ ،‬والفلسفة‪.‬‬
‫فمنذ تأسيسه‪ ،‬راح البالط العربي يستورد
الكتب ويجذب إليه العلما من الشرق في محاولٍة‬
‫َء‬
‫مدروسة للتنافس مع العباسيين‪ .‬كان
من هذه األعمال زيج السند هند للخوارزمي‪ ،‬الذي لم َيُط ل به‬
‫األمر قبل أن
يصَل إلى البالط الغربي بعد إتمامه ببغداد‪ .‬وقد ترك الص ارُع الطويل بين المأمون‬
‫وأخيه على العرش العباسي في أوائل القرن التاسع عددًا من علماء وأطباء وشعراء
البالط مؤقتًا بال‬
‫رعاية أو أفق؛ وكان بعُض هم أكثَر من سعيد أن يذهَب ويجرَب حظه
في األندلس‪ .‬مع ذلك‪ ،‬لم تكن‬
‫قد طارت لألندلس شهرٌة ذاُت شأن في األوساط الفكرية
ببغداد والقاهرة ودمشق‪ .‬وكان يتطلب األمر‬
‫كثير من الرهبة من االضطراب
السياسي أو االجتماعي في الشرق‪ ،‬أو الرغبة في المكافأة‬ ‫ًا‬ ‫غالبًا‬
‫المالية الكبيرة إلقناع
العلماء واألدباء المترددين في الذهاب إلى األندلس لشد الرحال إليها‪.‬‬
‫من أولئك الذين شدوا إلى األندلس الرحال
الموسيق الشهير زرياب‪ ،‬الذي َق ِد م من بغداد في‬
‫ُي‬
‫األق‬ ‫منافسيه‬ ‫أحد‬ ‫من‬ ‫أسود‬ ‫ظروٍف غامضة؛ وُتلمح روايا
معاصرة بأس إلى مكيدٍة ملكية وحسٍد‬
‫َل‬ ‫ًى‬ ‫ٌت‬
‫موهبًة منه‪ .‬جلب
زرياب معه مجموعَة أعمال تقدر بآالف األغاني‪ ،‬وسرعان ما جعلته موهبُته‬
‫وشهرُته
مرجَع األسلوِب والذوِق والثقافِة الشعبيِة بقرطبة‪ .‬وإليه َيرجع الفضُل ُج ُله في
تعريف الناس‬
‫المحليين بأسباب التأنق في المعيشة كاستعمال معجون األسنان‪ ،‬ومزيِل
رائحة اإلبط‪ ،‬وتناوِل‬
‫الوجبات على مراحَل متباينة‪ ،‬والمطبِخ الفاخر بصفة عامة‪ .‬ومن
بين الوجوه األخرى التي ظهرت‬
‫على المسرح كان المخترع غريب األطوار عباس بن فرناس‪
،‬الذي انتهت محاولُته غيُر الموفقة‬
‫لتقليد الطير والطيران بجناحين من قمة قصر
األمير ببعض اإلصابات البليغة التي لم تنل مع ذلك‬
‫من معنوياته؛ فمضى إلى إنجاز
تقنيٍة لقطع الكريستال‪ ،‬وبناِء نموذٍج بيتي للنظام الشمسي‪ ،‬وتصميِم‬
‫ساعٍة مائيٍة
معقدة‪ ،‬تستطيع مالحقَة تغيِر أوقات الصلوات اليومية الخمس]‪.[413‬‬
‫كان الفتح اإلسالمي قد أتى معه إلى طرف
أوروبا الغربي باللغة العربية‪ ،‬التي سرعان ما‬
‫صارِت الوسَط المتعاَر َف عليه
للثقافة الرفيعة وغالبًا للحياة اليومية في أوساط المسلمين وجاليات‬
‫اليهود
والنصارى باألندلس وفي ما بين بعضهم بعضًا‪ .‬وقد َأِس َف ُأسقُف قرطبة في القرن
التاسع أن‬
‫بات اللساُن العربي يهدد بزوال الالتينية‪ ،‬لغِة الكنيسِة الكاثوليكية‪
،‬وأصابه الذعر من السرعة‬
‫المخيفة التي كان إخوُته في الدين المسيحيون يلتهمون بها
الكتَب العربية بنهم و"ينفقون أمواًال طائلة‬
‫في جمع كتبها‪ ...‬فما عاد المرء
يستطيع أن يخَط رسالًة بسيطًة واحدة بالالتينية إلى صديق‪ ،‬لكن‬
‫ِم‬
‫ما أكثَر أولئك
الذين باتوا يجيدون التعبيَر بالعربية وَينظمون ن الشعر بتلك اللغة ما يفوق شعَر‬
‫العرب أنفِس هم فنًا وجماًال"]‪.[414‬‬
‫شنت ثلٌة من المحافظين المناوئين للعرب
حملًة لحمل المسيحيين على اإلساءة علنًا إلى النبي‬

‫محمد ‪
،‬طمعًا في أن تؤدَي المعاملُة القاسية للمسيئين إلى التمرد‪ .‬وقد ُأعدم في الواقع
بعُض‬‫÷‬
‫هؤالء ممن ُس موا شهداء قرطبة‪ ،‬لكن ليس قبل أن يحاوَل زعماُء المسلمين
والمسيحيين حَل األزمة‬
‫سلمًا‪ .‬ولم تنتشِر الحركُة قط‪ ،‬واستعيدت العالقاُت الطيبة
بين أهل الديانتين‪ .‬ومع ذلك لم تكن‬
‫مخاوُف األسقف العميقة بال أساس‪ :‬فقد ساعد
االنتشاُر الواسع للغة العربية على تحطيم قبضة‬
‫اللغة الالتينية على الخطاب األدبي
والعلمي األوروبي‪ ،‬ممهدًا السبيل إلى ظهور اللغات العامية‬
‫واألعماِل العظيمة
للُك تاب "الوطنيين"]‪.[415‬‬
‫وانتشرت اإلبداعاُت األندلسية في شعر الغزل
العربي بأرجاء األندلس وجنوبي فرنسا من خالل‬
‫الدبلوماسية والتزاوج والحرب وغير ذلك
من أشكال االتصال عبر خطوط التماس المذهبية‪ .‬وَح ملت‬
‫كثير عن فتيات الجيشا اليابانيات‪ ،‬تقليَد‬
‫ًا‬ ‫مؤسسُة القيان‪ ،‬أي الفتياِت
المغنيات الالتي ال يختلفن‬
‫الشعر
الغنائي والغناِء العربي إلى قصور األندلس‪ .‬وقدمت هاتيك الجواري ألسيادهن وَم ن كن
في‬
‫كنفه صورَة المرأة المحبوبة المتقلبة صعبِة المنال في الغالب‪ ،‬تماشيًا مع
الحساسية اإليروطيقية لتلك‬
‫متحسر‪" :‬إَّن القينَة ال تكاد‬
‫ًا‬ ‫األيام‪ ،‬يقول أحُد الكتاب العرب من القرن التاسع في موضوع
القيان‬
‫ُتخاِلص
في عشقها‪ ،‬وال ُتناِص ح في وِّد ها؛ ألنها مكتِس بٌة ومجبولٌة على نصب الِح بال
والَّش َر ك‬
‫للمترِّبطين ليقتحموا في ُأنشوطتها"]‪.[416‬‬
‫كانت هذه القيان ُتهدى في بعض األحيان إلى
أمراء النصارى على سبيل المجاملِة الدبلوماسية‬
‫أو كجزٍء من دوطة زواج‪ .‬وكن ُيسَبين
كذلك في المعارك‪ .‬وقد شهد استيالُء قوٍة من النورمان‬
‫وفرساِن جنوبي فرنسا على
مدينة بربشتر [‪ ]Barbastr‬المسلمة [بإمارة سرقسطة] سب مئاٍت من‬
‫َي‬
‫هذه الجواري رفيعاِت
الثقافة‪ ،‬وآل أمُر كثيٍر منهن إلى أن أصبحن منادماٍت ومحظيات في القصور‬
‫الملكية
بجنوبي فرنسا‪ .‬كان ممن أفاد من ذلك الشاب غيوم التاسع داكيِت ّن [‪Guillaume IX‬‬
‫‪ -  ]d'Aquitaine‬الذي كان غالبًا ما يلَق ب بالتروبادور األول أو الشاعر
الغنائي باللسان‬
‫األوروبي "الدارج" ‪ - ‬وقد نشأ محاطًا بأغاني وأشعار
العرب]‪َ
.[417‬يسُهُل على قراء شعر‬
‫التروبادور تعُّر ُف الموضوعاِت المتكررة التي تسترجع أغاني
القيان القديمة؛ من الخضوع التام‬
‫للمحبوب‪ ،‬واستخداِم إشا ارٍت خفية ووسطاء‪
،‬والنشوِة المتأتية من المكابدة الصامتة والصبر عن‬
‫المحبوب]‪.[418‬‬

‫الجغرافي ابن حوقل‪ ،‬الذي زار قرطبة سنة


‪ ،948‬يقول عن العاصمة اإلمبراطورية‪" :‬وأعظُم‬
‫مدينٍة باألندلس قرطبة‪ ،‬وليس
بجميع المغرب عندي لها شبيه‪ ،‬وال بالجزيرة والشام ومصر ما‬
‫يدانيها‪ ،‬في كثرِة أهل
و عِة رقعة وفسحِة أسواق ونظافِة محال وعمارِة مساجد وكثرِة حماماٍت‬
‫َس‬
‫كبير‪ُ ،‬قِّد ر أهُل قرطبة بأكثَر من مائة ألف‬
‫ًا‬ ‫وفنادق"]‪
.[419‬وبالرغم من اختالف األرقام اختالفًا‬
‫نسمة‪ ،‬يكاد يقارب هذا عدَد سكان القسطنطينية عاصمِة بيزنظة‪ ،‬لكنه أكبُر بكثير من
عدد سكان‬
‫أي مدينٍة أخرى بأوروبا المسيحية آنذاك‪.‬‬
‫وتقول رواياٌت أخرى معاصرة إَّن الخلفاَء
كانوا يحتفظون بمكتبٍة يمأل فهرَس ها فحسب أربعة‬
‫وأربعون مجلدًا ضخمًا‪ .‬وكانت
مجموعُة الكتب التي فيها من الضخامة‪ - ‬أربعمائة ألف مجلد كما‬
‫أشيع‪
- ‬أَّن نقَل أعمال الشعر وحدها استغرق خمسة أيام في إحدى نوبات النقِل الدوري
للمكتبة إلى‬
‫حي أوسع‪ .‬وكانت مصابيُح الشوارع‪ ،‬والطرقات المرصوفُة في المدينة‪
،‬وغيُر ذلك من أسباب الراحة‬
‫الَم دينية‪ ،‬جمة‪ ،‬قبل أن تزده لندن بأي إنارٍة عامة
بسبعمائة عام‪ .‬وكان َج َّراحو المدينة ُيجرون في‬
‫َي‬
‫جامعها عملياٍت لحاالت إعتام عدسة
العين‪ ،‬مستخدمين أدواٍت مصنوعًة من عظام السمك‬
‫الَم برية]‪.[420‬‬
‫كان هناك ميدانان اثنان على األقل فاق
فيهما علماُء األندلس نظراءهم في الشرق‪ .‬األول‪ ،‬وهو‬
‫األقرب إلى األرض‪ ،‬علُم
الزراعة‪ ،‬وما اتصل به من فروٍع معرفية كعلم النبات‪ ،‬والصيدلة‪ ،‬وعلم‬
‫الفلك‪ ،‬وعلم
األرصاد الجوية‪ .‬أما الثاني‪ ،‬األقرب إلى السماء‪ ،‬فكان فلسفَة أرسطو‪ ،‬وما اشتملت‬
‫عليه من علم الكون‪ ،‬وما بعد الطبيعة‪ ،‬وأصول الالهوت‪.‬‬
‫وكان ثمة عدٌد من العوامل دفعت المسلمين
إلى إحداث ما يمكن اعتباُره ’ثورًة
خضراء‘ في‬
‫شبه الجزيرة
األيبيرية؛ بعُض ها كما ال يخفى حوادُث تاريخية‪ ،‬والبعُض اآلخر ارتبط ارتباطًا وثيقًا‬
‫بطبيعة وتجربة العرب أنفِس هم‪ .‬أما العامل األول‪ ،‬فهو الظهور المواتي بإسبانيا لعدة
أعماٍل علميٍة‬
‫رئيسة‪ ،‬ما دفع ِع لَم الزراعة خطواٍت لألمام‪ .‬فقد أثار الوصوُل
المفاجئ في القرن العاشر لتحفة‬
‫ديسُق وريِد س [‪ ]Dioscorides‬اليوناني في الطب [‪ ،]De materia medica‬كهديٍة دبلوماسية‬
‫من اإلمبراطور البيزنطي
[إلى البالط القرطبي]‪ ،‬اهتمامًا قويًا لدراسة علم النبات والصيدلة‪ .‬كذلك‬
‫كان التقويم
القرطبي [كتاب األنواء] [‪[
]Calendar of Cordoba‬ألبي الحسن عريب بن سعد‬
‫الكاتب القرطبي]‪ ،‬وهو عمٌل أندلس فريد جمع إلى غنى
التقليد الفلكي العربي حساباٍت معقدة‬
‫ٌي‬
‫للمعلومات الزراعية‪ ،‬وتوّق عات مناخية‪ ،‬حتى
عناصَر رئيسية من التقويم الديني للجالية اإلسبانية‬
‫المسيحية الكبيرة الناطقة
بالعربية‪’ ،‬المستعربين‘ [‪ ،]Mozarabs‬أي "الذين اتبعوا سنَن العرب"‬
‫[لغًة ومسلكًا]‪ .‬من
األمثلة الرمزية الباقية للطبيعة متعددِة األديان لألندلس‪ ،‬التي كان حكاُم ها‬
‫المسلمون عمومًا متسامحين مع رعاياهم اليهود والنصارى‪ ،‬نسخٌة من كتاب األنواء
القرطبي ُك تبت‬
‫بالعربية الفصحى ولكن بحروٍف عبرية]‪
.[421‬تجد في مادة مارس في أحد نصوص الكتاب‬
‫وتحذير‬
‫ًا‬ ‫كالمًا عن االعتدال الربيعي‪ ،‬والفصح القادم‪
،‬واألحداِث الفلكية التي توّق عها زيج السند هند‪،‬‬
‫ِت‬ ‫ِل ِت‬ ‫ٍة‬
‫من عاصف في
أواخر الشهر‪" :‬الرياح التي تهب اآلن تتلف‪ ،‬شد ها‪ ،‬شجي ار التين الصغيرة
وبراعَم‬
‫الفاكهة‪[ .‬ترجمة عكسية]"]‪.[422‬‬
‫أما العامُل الثاني‪ ،‬فكان توَق األندلسيين
عمومًا إلى مجاراة بل تخطي الوطِن العربِي األكبر في‬
‫جمع أسباب التأنق واألبهة‪
.‬ففي فن الطبخ الراقي‪ ،‬مثًال‪َ ،‬ع نى ذلك في أقله استنساَخ التنوع الكبير‬
‫في الفواكه
والخضار واألعشاب الذي كان في المجموعة النباتية العربية الكالسيكية المطورِة في‬
‫الشرق‪ .‬وتطلب ذلك المض بعيدًا في استجالب وإدخال وأقلمِة المحاصيل‪ ،‬التي لم تكن
في ما‬
‫َي‬
‫ُج‬‫ا‬‫و‬‫ر‬ ‫الميدان‬ ‫في
هذا‬ ‫األساسية‬ ‫البحوث‬ ‫اء‬
‫ر‬ ‫إج‬ ‫على‬ ‫ساعد‬ ‫بنجاح‪.‬‬ ‫ها‬‫مضى معروفًة بإسبانيا‪ ،‬وزر َت‬
‫اع‬
‫زراعِة الحدائق التجريبية وحدائِق الزينة بين األغنياء
والنافذين‪ ،‬والتي ُع ملت على شاكلة ُم نية‬
‫الرصافة‪ ،‬العزبِة الريفية لألمير األول‪
.‬في هكذا أجواء‪ ،‬استطاع المختصون تكييَف النباتات‬
‫المجلوبة مع الظروف المحلية
وتحسيَن األنواع القائمة بالتطعيم وسواه من وسائل]‪.[423‬‬
‫وارتفع عدُد هكذا ِج نان "ملكية"
ارتفاعًا ًا‬
‫كبير في أوائل القرن الحادي عشر لَّم ا انهارت الخالفة‬
‫المركزية ومهدت
السبيَل إلى قيام عشرات الممالك الصغيرة المتناثرة في أرجاء األندلس‪ .‬ولم َتُق م
بعد‬
‫ذلك للعاصمة اإلمبراطورية قائمة بعد أن ضربتها الفوضى االجتماعية‪ ،‬تلك التي
يسميها العرُب‬
‫الفتنة‪ ،‬فأقعدتها‪ .‬جاء في تاريخ ابن ِع ذاري هذان البيتان في ندب
قرطبة‪:‬‬
‫"ابِك
على قرطبَة الزيِن‬
‫‪             ‬فقد
دهتها نظرُة العيِن‬
‫َأنَظ ها
الده بأسالفِه‬
‫ُر‬ ‫َر‬
‫‪             ‬ثم
تقاضى ُج ملَة الديِن "]‪[424‬‬
‫لكَّن تبعثَر السلطة هذا إلى دويالٍت
متفرقة أوجد فرصًا للعلماء من الطبقات كافة‪ ،‬مع سعي‬
‫الجيل الجديد من الحكام
الفرادى والسالالِت الحاكمة الصغيرة لتقليد قدامى الخلفاء ومفاخرِة بعضهم‬
‫بعضًا في
اآلِن عيِن ه]‪
.[425‬ومع ضيق فسحِة المناورِة السياسيِة والعسكريِة عندهم غالبًا ِلَو هِن هم‬
‫الداخلي‪
،‬وما أبرموا مع بعضهم بعضًا ومع المسيحيين في الشمال من عهوٍد ومواثيق كبلت أيديهم‪،‬‬
‫ُترك ما سمي ملوك الطوائف [‪ ]party kings‬لُيصفوا حساباِت هم مع بعضهم بعضًا في الميدان‬
‫الثقافي‪ .‬ولعل
المهندسين الزراعيين والشعراء والفالسفة وغيرهم من مثقفي البالط كانوا هم [القوَم ]‬
‫الوحيدين الذين أفادوا مباشرًة من [مصيبة] الفتنة‪.‬‬
‫عنصر إضافيًا في‬ ‫ًا‬ ‫وأدخَل انكماُش جغرافيا األندلس‪ ،‬تحت ضغط
التوسع المسيحي المتواصل‪،‬‬
‫ميوعة لعبة الرعاية الملكية‪ .‬فتهاَف َت
حاكُم إشبيلية [المعتمد بن عباد]‪ ،‬مثًال‪ ،‬على جذِب ابِن بَّص ال‬
‫مدير "لِج نان
السلطان"‬ ‫ًا‬ ‫[الطليطلي]‪ ،‬أحِد
كبار المرجعيات الزراعية في األندلس‪ ،‬إلى بالطه وعَّيَنه‬
‫بعد أن أجبر سقوُط طليلطة في يد المسيحيين هذا العاِلَم وغيَره من
أفراد النخبة المسلمة المثقفة بهذه‬

‫‪
.‬وسرعان ما برزت إشبيلية كمركٍز لعلم الزراعة‪ ،‬وارتبط كثيٌر‬
‫المدينِة ‪ - ‬الدولة على التفرق]‪[426‬‬
‫من النشاط في هذا
الميدان بعمل ابِن بَّص ال وزمالئه [ابِن الحجاج اإلشبيلي‪ ،‬والطغنري الغرناطي‪،‬‬
‫وابِن اللونقة الطليطلي] في ’جنة السلطان‘‪.‬‬
‫ُتسَتهل الرسائُل األندلسية في علم الزراعة
عادًة بأبواٍب في أنواع التراب والمياه واألسمدة‬
‫المختلفة‪ ،‬تتلوها فصوٌل في علم
البيطرة‪ ،‬والفالحِة والغراسة‪ ،‬وتربيِة الحيوانات‪ .‬ويحتوي كثيٌر منها‬
‫على جداوَل
زمنية أو تقاويَم للنشاط الزراعي‪ ،‬إلى جانب نصائَح مهمة في األنواء وما يتصل بذلك‬
‫من آالٍت فلكية‪ ،‬وتقاليَد شعبية‪ ،‬بل سحر]‪
.[427‬ولعل أروَع عمٍل بقي من التقليد اإلشبيلي في‬
‫الزراعة كتاُب النباتي المجهول [‪ُ .]Anonymous Botanist‬تقِّد م هذه الرسالة محاولًة طموحة‬
‫في
التصنيف المنهجي للمملكة النباتية وفق أصوٍل تقترب بوضوح من أصول التصنيف الحديثة‪،‬‬
‫قبل قرون من ظهور األعمال الغربية [ألندرياس] سيزالبينوس [‪]Andreas
Cesalpinus‬‬
‫[اإليطالي‪ ،‬ت‪ ]1603 .‬و[كارلوس] ليناوس [‪[ ]Carolus Linnaeus‬السويدي‪ ،‬الذي ُط ِبع
عمُله‬
‫الفذ ‪ Systema Naturae‬أوَل مرة سنة ‪.[428]]1735‬‬
‫ِد‬
‫وعلى النقيض من الفضول الفكري والتفتِح
الثقافي للعالم العربي‪ ،‬لم يب الغرُب المسيحي كبيَر‬
‫اهتمام بالثورة الخضراء‪ .‬ففي
األقاليم الثالثة التي انتصر الغرُب فيها عسكريًا على المسلمين في‬
‫القرنين الحادي
عشر والثاني عشر‪ - ‬أي إسبانيا وصقلية والدول الصليبية في ’الشرق
األدنى‘‪- ‬‬
‫اختفت االبتكا ارُت الزراعيُة العربية وما أدخله العرُب من محاصيل
عمومًا تحت الََنَظ ارة األوروبية‬
‫الجديدة لألرض‪ .‬فقد كان الفالحون المسيحيون الذين
ُج لبوا للعمل في األراضي المنتَزعة حديثًا غيَر‬
‫قادرين على اكتساب المهارات
الالزمة الستزراع هذه المحاصيل التخصصية‪ .‬وزاد الطيَن ِب لة قسوُة‬
‫النظام اإلقطاعي
األوروبي السائد‪ .‬كذلك أخذ العر المنسحبون معهم المعرفَة بتقنيات السقاية ذاِت‬
‫ُب‬
‫الحوافُز
االقتصادية‬ ‫َّلِت‬ ‫األهمية الحيوية‪ ،‬وتدنِت الكثافُة السكانية برحيل الالجئين المسلمين فَق‬
‫للزراعة الكثيفة]‪.[429‬‬
‫بدًال من ذلك‪ ،‬مال المسيحيون إلى االعتماد
على المحاصيل القديمِة المألوفة لكن األقَل نفاسًة‪،‬‬
‫ال سيما الحبوب والكروم‪
،‬واستخدموا الطرائق القديمة في الزراعة‪ .‬وكانت المحاوالُت الالحقة التباع‬
‫األمثلِة
العربية إما أنها تفشل مرًة بعد مرة لنقص الخبرة العملية أو فقداِن التنظيم
المناسب‪ ،‬أو تأتي‬
‫المحاصيُل دون المستوى‪ .‬وقد اضُط ر فردريك الثاني ملُك صقلية في
أوائل القرن الثالث عشر أن‬
‫يرسل في طلب خب ارَء عرب من الشرق األوسط لمساعدته على
إحياء ما كان في يوٍم من األيام‬

كثير من المسلمين من الجزيرة]‪.[430‬‬ ‫ًا‬ ‫صناعًة مزدهرة لقصب السكر قبل أن ُيخِرَج أجداُد ه‬
‫واستغرق األمُر أوروبا قرونًا لتبدَي انفتاحًا أَي انفتاح للمحاصيِل الجديدة؛
غرائِب نباتات الزينِة أول‬
‫األمر ثم المواد الغذائية والمواد الخام الصناعية‪
.‬واضُط رت السلطاُت اإلسبانية‪ ،‬في مرحلٍة متأخرة‬
‫جدًا من عصر النهضة‪ ،‬بعد مدٍة طويلة
من إجبار آخِر المسلمين على التنصر أو طردهم جملًة‬
‫واحدة من البالد‪ ،‬إلى ترجمة
دليٍل زراعي عربي للحصول على أعظم غالٍل من األرض التي كانت‬
‫في يوٍم من األيام
األندلس‪.‬‬
‫ِة‬ ‫ِت‬
‫ومما فاقم العقبا العملي التي كانت
تحول بين إسبانيا وبين تبني االبتكارات العربية الحاجُز‬
‫اإليديولوج الذي يكاد
يتعذر تخطيه؛ فكر أَّن طر المسلمين واقتال كل آثاِر الديانِة والثقافِة‬
‫َع‬ ‫َد‬ ‫ُة‬ ‫ُي‬
‫ِة‬
‫اإلسالمية وتحريَر األرض من الغ از األجانب واجٌب على المسيحيين‪ .‬لم يكن هذا
فتحًا بل‬
‫"استعادة"؛ عودة مستلَه َم ة دينيًا إلى الترتيب الطبيعي [هكذا]
لألشياء‪ ،‬الذي كانت فيه إسبانيا بلدًا‬
‫كاثوليكيًا صرفًا‪ ،‬نق الدِم والقلب‪ .‬كان
ذلك غالبًا يسَم ى حملًة صليبية‪ ،‬لكن إسبانيا فضلت تسميته‬
‫َي‬
‫حمالِت االستعادة أو
االستنقاذ [‪.]Reconquista‬‬
‫وقد استغرق األمُر وقتًا‪ ،‬لكَّن حمالِت
االستعادة كانت قوًة عسكريًة وسياسيًة كاسحة‪ ،‬راحت‬
‫تدفع المسلمين على مدى قرون
خارج شبه الجزيرة‪ .‬في النهاية‪ ،‬وجدت إسبانيا الكاثوليكية نفَس ها‪،‬‬
‫دوَن الدوِل
الغربيِة الكبرى‪ ،‬غيَر قادرٍة تقريبًا على اإلفادة إفادًة مباشرًة من كنوز العلوم
العربية التي‬
‫ُتِر كت عمليًا على أعتابها‪ .‬فعندما سقطت إشبيلية سنة ‪ ،1248‬لم تكن
قواُت االستعادة المسيحية‬
‫تدري أَّن مئذنَة الجامع الكبير في المدينة كانت
أيضًا أوَل مرصٍد فلكي بأوروبا‪ُ ،‬بني تحت إشراف‬
‫الرياضي [والفلكي العربي المسلم]
جابر بن أفلح‪ .‬لم يدِر الغزاة ما يفعلونه بهذا الهيكل الشاهق‬
‫فحولوه إلى برِج حراسة‪.‬‬
‫ومع تسارع حركة الترجمة‪ ،‬بدعٍم قوي من
الكنيسة والدولة‪ ،‬وقف المسلمون عاجزين ال‬
‫يستطيعون منَع استباحِة إرثهم الثقافي
والفكري‪ .‬وكعالمٍة على اإلحباط الذي وَّلده ذلك في بعض‬
‫األوساط‪ ،‬أغتاظ أحُد رجال
الدين المسلمين من األندلس من متاجرة المسلمين بالكتب العربية‪ .‬ففي‬
‫عصٍر لم يكن قد
ُع رف فيه االقتباُس العلمي الذي نعرفه اليوم وغيُره من األعراف المشابهة‪ ،‬كان‬
‫من
السهل انتحاُل األفكار العربية كابتكا ارٍت غربية‪ .‬يقول ابن عبدون‪" :‬يجب أّال
ُيباَع من اليهود‪،‬‬
‫وال من النصارى‪ ،‬كتاُب علم‪ ،‬إال ما كان من شريعتهم؛ فإنهم يترجمون
كتَب العلوم‪ ،‬وينسبونها إلى‬
‫أهلهم وأساقفتهم‪ ،‬وهي من تواليف المسلمين"]‪.[431‬‬
‫اجتمع اثنان من أبرز المترجمين األوائل‪
،‬هما اإلنكليزي روبرت أوف كيتون [‪Robert of‬‬
‫‪ ]Ketton‬والسالفي هرمان أوف
كارنثيا [‪ ،]Hermann of Carinthia‬بإسبانيا في مسعى‬
‫دراسٍة وبحث كانا يأمالن أن يتيَح لهما في
يوٍم من األيام اإللماَم بتعقيدات المجسطي‪ .‬في أثناء‬
‫ذلك‪َ ،‬ترجم هيرمان المدخَل
الكبير إلى علم أحكام النجوم ببغداد ألبي معشر‪ ،‬متناوًال النسخَة الكاملة‬
‫التي
كان آديالرد أقرَب إلى تفضيل مختَص ِرها‪ ،‬بينما عَّر ف روبرت الغرَب على علم جبر
الخوارزمي‬
‫ووضع أوَل نص التيني في صناعة السيمياء العربية‪ .‬وكان االثنان يرسالن
بانتظام ترجماِت هما إلى‬
‫زمالَء لهما بفرنسا‪ ،‬حيث أغنت هذه النصوُص مناهَج مدارس
الكاتدرائيات القديمة‪ .‬من الواضح أن‬
‫االثنين كانا يظنان أنهما يحققان تقدمًا في
سعيهما الدؤوب لإلحاطة بالجسم الجليل للعلم العربي‪.‬‬
‫يتحدث هيرمان‪ ،‬في أحد المواضع‪
،‬عن "النفائس التي أتى [لنا] بها من أعماِق كنوِز العرب سهُر‬
‫الليالي الطوال
والعمُل المتأني الدؤوب"]‪
.[432‬ويوصي روبرت‪ ،‬في موضٍع آخر‪ ،‬باالنتقال بعد‬
‫ذلك إلى "كتاٍب في الِن َس ب‪
،‬لينفتَح أمامنا طريٌق أوضُح إلى المجسطي (الذي هو الهدُف األسمى‬
‫لدراستنا)"]‪.[433‬‬
‫لكن في العام ‪ ،1142‬قطع هذه الملحمَة
الفكريَة الوصوُل غيُر المتوقع من فرنسا لبطرس‬
‫الجليل [‪
،]Peter
the Venerable‬رئيِس دير كلوني‪ ،‬الذي كان َيتبع له في قمِة مجِد ه أكثُر من‬
‫ستمائة دير ونحُو عشرة
آالف راهب]‪
.[434‬كَّلف بطرس الطالبين بمهمٍة غير اعتيادية؛ أول‬
‫ترجمٍة التينية للقرآن‪ ،‬وبعض
األعمال األخرى في عقائد وعبادات المسلمين‪ .‬ولم يكن روبرت وال‬
‫هيرمان‪ ،‬اللذان كانا
يعمالن معًا في مكاٍن ما بالقرب من نهر إيبرو‪ ،‬قد أبديا من قبُل قط أدنى‬
‫اهتمام
بالمسائل الدينية‪ .‬وكانا أكثَر من سعيدين أن يتعلما من العلماء والفالسفة المسلمين
ويتركا‬
‫الصليبيَة‪ ،‬العسكريَة أو الفكرية‪ ،‬لآلخرين‪.‬‬
‫اضُط ر رئيس الدير إلى دفع مبلٍغ باهظ إلى
الرجلين إلغرائهما بترك بحثهما العلمي الذي‬
‫يهويانه ليتوليا هذه المهمة‪ .‬ومع ذلك‪
،‬بدا أنه لم يكن واثقًا كَل الثقة من أنهما على مستوى العمل‪.‬‬
‫يعترف بطرس بذلك في
رسالٍة إلى زميٍل له في الكنيسة‪" :‬وجدتُه ما بإسبانيا قرب إيبرو يدرسان‬
‫صناعة
التنجيم‪ ،‬وأدليُت إليهما بمبلٍغ كبير لدفعهما إلى القيام بهذا العمل‪ .‬وحرصًا مني
على األمانة‬
‫التامة للترجمة‪ ،‬وأال ُيغَف َل عن شيٍء منها أو ُيحَج َب عنا منها شيء‪
،‬عززُت المترجمين المسيحيين‬
‫بمسلم"]‪.[435‬‬
‫يقدم مشروُع بطرس وجهَة نظٍر مغايرة مثيرًة
لالهتمام اللتزام الكنيسة الثابت بالحرب‪ ،‬بعد‬
‫خمسين سنًة من دعوة البابا أوربان
الثاني إلى شن الحمالت الصليبية‪ .‬يتساءل بطرس‪ ،‬ما الذي‬
‫جعل الكنيسَة مصممًة كَل
هذا التصميم على إزهاق أرواح المسلمين بدل إنقاذها بتحويلهم إلى‬
‫المسيحية؟ لكن
للقيام بذلك‪ ،‬يتعين على الغرب أوًال معالجُة جهله المحِزن بالدين [اإلسالمي]‪"
.‬لقد‬
‫أساءني أال يعلَم الالتين سبَب هذا التردي‪ .‬ولجهلهم به لم يستطيعوا
التحرَك لتعبئة أي مقاومٍة ضده‬
‫[أي اإلسالم]؛ فلم يكن هناك َم ن يرد [عليه]‪ ،‬ألن
أحدًا لم تكن له درايٌة [به]‪َ .‬ع َر َض لي هذا في‬
‫تأملي"]‪.[436‬‬
‫كان اتهاُم بطرس نهَج الكنيسة باألحادية
الفكرية اتهامًا كذلك للعلم الالتيني بالبؤس‪ ،‬ألنه ألقى‬
‫بالالئمة على المباالة
الغرب عمومًا بدراسة اللغات األجنبية وطرائق حياة األجانب‪ .‬كذلك أشار إلى‬
‫ِة‬
‫أن
المسلمين كانوا "أذكياء ومتعلمين" شدت كتُبهم في العلوم العقلية ودراس
الطبيعة المفكريَن‬
‫‪
.‬وإلى أن تتحسَن معرفة المسيحيين بالمسلمين‪ ،‬لم يكن واردًا التفكيُر‬
‫المسيحيين إلى إسبانيا]‪[437‬‬
‫في أي مفهوم
للصليبية الفكرية‪ .‬لكن‪ ،‬ليس من الواضح ما إذا كان ماُل بطرس قد ذهب هباًء أم ال‪.‬‬
‫ففي محاولته رسَم صورٍة أدَق لإلسالم‪ ،‬كي يستطيَع تنصيَر المسلمين‪ ،‬وَق ع بطرس في
بعٍض من‬
‫الفخاخ نفِس ها التي سيقع فيها الحقًا كثيٌر من الشارحين المسيحيين األقَل
[حيلًة و]ماًال منه‪.‬‬
‫أما روبرت‪ ،‬الذي كان قد لعب الدوَر األكبر
في ترجمة القرآن الكريم‪ ،‬فكان أقَل من متحمس‬
‫للمشروع ككل‪ .‬يقول في المقدمة‪ ،‬إنه
كان مستعدًا "آنذاك لترك دراستـ[ـه] األساسية علمي الفلك‬
‫والهندسة"
للمشاركة في الترجمة لكنه كان مصممًا على العودة إلى عمل عمره‪ ،‬ذاك الذي
"ينفذ‬
‫إلى‪ ...‬كل األفالك‪ ،‬ومقاديِرها‪ ،‬ومراتِب ها‪ ،‬وخالئقها‪ ،‬وخاصًة كل أنماط
حركة النجوم‪ ،‬وآثاِرها‪،‬‬
‫وطبائعها"]‪
.[438‬كذلك‪ ،‬هيرمان عاد إلى حياة العاِلم العلماني فور انتهائه من ترجمة القرآن‪.‬‬
‫ومع
ذلك‪ ،‬ساعد الماُل والرعايُة والمكانُة المكتسبة من ترجمة القرآن والدعُم الذي حظي
به المشروع‬
‫من سلك رهبنة كلوني على تكريس ترجمِة األعماِل العربية كمسع جدير
برعاية الكنيسة]‪.[439‬‬
‫ًى‬
‫يمكن تلمُس مقدماِت ذلك في ما شاع من تقليد إهداِء الترجمات الالتينية لعلوم
وفلسفة العرب إلى‬
‫رجال الدين البارزين في حينه‪.‬‬
‫إَّن تصوَر هيرمان وروبرت في البداية
مشروَع الترجمة مدخًال لهما إلى المجسطي لهو دليٌل‬
‫على ما كان لهذا العمل
الذي لم يكن قد اسُتوِع ب بعد من قوِة جذٍب هائلة للفكر الغربي في‬
‫العصور الوسطى‪
.‬فمجرد السماع بوجود نسٍخ عربيٍة منه في المكتبات اإلسبانية كان كافيًا إلرسال‬
‫جيرار أوف كريمونا على جناح السرعة لرؤيته بنفسه‪ .‬هكذا كان مقداُر جاذبيته‪ .‬كان
جيرار أغزَر‬
‫المترجمين عمًال في النصف الثاني من القرن الثاني عشر وظل [عاكفًا على
الترجمة] بإسبانيا حتى‬
‫نقَل إلى الالتينية أكثَر من سبعين متنًا عربيًا‪ .‬وكان ِم ن
بين ما أنجز الهدَف األول لشوقه الفكري‪:‬‬
‫نسخًة التينيًة من المجسطي‪ .‬وقد
القت هذه النسخة ِم ن الرواِج بين علماء العصور الوسطى ما لم‬
‫تالِقه أُي نسخٍة أخرى
منه‪ ،‬وكانت أوَل نسخٍة ُتطبع من المجسطي‪ ،‬وتظهر بالبندقية سنة‬
‫‪.[440]1515‬‬
‫ِل‬
‫يعكس تقريٌظ لتالمذة جيرار مقداَر تأثير
عم بطليموس العظيِم هذا على معلمهم‪" :‬تلّق ى العلَم‬
‫وهو صغير بمراكز دراسة
الفلسفة وتوَّص ل إلى معرفة كل ما كان معروفًا لالتين في ذلك الحين؛‬
‫ولكن لتعلِقِه
بالمجسطي‪ ،‬الذي لم يجده عند الالتين َبت‪ ،‬ذهب إلى طليطلة؛ وبعد أن رأى هناك ما‬
‫رأى
من كثرة الكتب العربية في كل فن‪ ،‬وِم ن حسرته أال يجَد عند الالتين كَل هذه
األشياء‪ ،‬تعلم‬
‫ِت‬ ‫ِت‬
‫اللغَة العربية‪ ،‬ليتمكَن من الترجمة‪ .‬وهكذا‪ ،‬بجمعه اللغا إلى
العلوم‪ ... ،‬نقل كتابا العرب نقَل‬
‫الرجِل الحكيم الذي تجّو ل في حقٍل أخضر‪ ،‬ونظر
أُي الورود أجمل فجمَع منها إكليًال؛ وظل ينقل‬
‫إلى العاَلم الالتيني (كما لو كان
ينقل إلى ورثٍة له أع ازَء عليه) ما استطاع نقَله من كتب‪ ...‬بأدق‬
‫وأوضِح ما استطاَع
ِع بارة‪ ،‬حتى وافته المنية"]‪.[441‬‬
‫من الترجمات الكثيرة التي ُتنسب إلى جيرار
وفريِقه كتُب طب وأدلُة جراحة‪ ،‬منها كتاُب ابن‬
‫سينا العظيم القانون في الطب؛
وكتاُب األنواء القرطبي؛ ورسائُل متنوعة في السيمياء والكيمياِء وعلِم‬
‫النجوم وعلِم الفلك والرياضياِت والبصريات وعلِم األوزان [والمكاييل]]‪
.[442‬وفي نقلٍة مهمة‪ ،‬بعيدًا‬
‫كثير من الترجمات‬ ‫ًا‬ ‫عن االهتمامات التقنيِة الصرفة لمدارس الكاتدرائيات
الفرنسية التي أملت‬
‫السابقة‪ ،‬بدأ جيرار وفريُق ه توسعَة اآلفاِق
الفكريِة للغرب بإدخاله إليه مجموعًة أوسَع من أعمال‬
‫اليونان في الفلسفة والطبيعة‪
،‬وكتابات الفالسفة والعلماء العرب أنفِس هم‪.‬‬
‫لئن كانِت الطرائق القديمة محكومًة
بالمتطلبات الضيقة لمنهاج الدراسة بمدارس الكاتدرائيات‬
‫القائم على العلوم العقلية
السبعة‪ ،‬وهو منهٌج لم َيترك فسحًة حقيقيًة لدراسة العاَلم الطبيعي‪ ،‬فإَّن هذا‬
‫الِع لَم المستقى من العرب يكون قد أهدى المفكرين المسيحيين سبًال جديدة الكتشاف
العاَلم من‬
‫حولهم‪ .‬وَّك َد هذا التحوَل الجذري العاِلُم اليهودُي المشارك في
[مشروع] الترجمة‪ ،‬إبراهيُم بن داوود‬
‫ِن‬
‫[‪ ،]Avendauth‬بنقله إلى الالتينية
عمَل اب سينا الفلسفي مقالة في النفس‪ :‬يقول‪" :‬سَيعَلُم الق ارُء‬
‫الالتين علَم اليقين شيئًا لم يكن معلومًا لهم من َق بل‪ ،‬أي حقيقة وجود الروح‪ ،‬وما
هو‪ ،‬وما صفاُته‬
‫بالقياس إلى جوهره ونشاطه‪ ،‬وسَيثبت ذلك لهم بالبرهان العقلي
الصحيح‪ ...‬هاُك ُم اآلن كتابًا مترجمًا‬
‫من العربية‪َ ،‬ج َم َع مؤلُف ه‪ ،‬والحُق يقال‪
،‬كَل ما قال أرسطو في كتابه عن النفس‪ ،‬والحس والمحسوس‪،‬‬
‫والعقِل والمعقول"]‪.[443‬‬
‫كثير من أفضل وألمع عقول العالم‬‫وبالرغم من أَّن الزخَم الفكري المنساَح من
األندلس قد جذب ًا‬
‫المسيحي‪ - ‬من أمثال جيرار
وروبرت وهيرمان وبطرس الجليل‪ - ‬يبدو أن شبَه الجزيرة األيبيرية لم‬

كثير آديالرد أوف باث‪ ،‬قبَل ال أكثَر من جيٍل واحٍد فقط‪ .‬وَلَّم ا لم يأِت على
ذكر إسبانيا في ما‬
‫ًا‬ ‫تغِر‬
‫بقي من كتاباته‪ ،‬فإنه ال سبيَل إلى معرفة ِلَم َلم يتجه مباشرًة
من الون بفرنسا إلى إسبانيا‪ ،‬وفَّض ل‬
‫على ذلك الرحلَة األشق إلى الجنوب والشرق؛ إلى
صقلية أوًال ثم إلى إمارة أنطاكية الصليبية‪ .‬لعل‬
‫أحَد األسباب ما كان من روابَط
قديمة بين الجالية البندكتية البارزة في باث بلِد آديالرد األم وبين‬
‫تلك التي كانت
بصقلية‪ ،‬حيث نزل ضيفًا على األسقف البندكتي المحلي‪ ،‬في حي تجار پي از الرحب‬
‫بأنطاكية‪.‬‬
‫على النقيِض منه‪ ،‬يبدو العاِلُم األصغر
دانييل أوف مورلي [‪ ]Daniel of Morley‬كأنه‬
‫يتحدث بلسان كثيٍر من أفراد الجيل األحدث عندما يستذكر بعد
سنواٍت من عودته إلى الوطن كيف‬
‫نفور من
تدني المستوى العلمي لألساتذِة هناك‪َ .‬ك تب في‬ ‫سافر إلى إسبانيا بعد تركه دراسته بباريس ًا‬
‫ٍت‬
‫وق ما بعد ‪ 1175‬يقول‪" :‬منذ
مدة عندما غادرُت إنكلت ار لمتابعة دراستي األكاديمية وأمضيُت‬
‫بباريس بعَض الوقت‪
،‬وجدُت هنالك بهائَم متربعين على كراسي األساتذة ويتمتعون بسلطٍة خطرة‪...‬‬
‫لقد كان
ِم ن جهل هؤالء أنهم كانوا يقفون جامدين كالتماثيل‪ ،‬متظاهرين بالحكمة بالتزام
الصمت‪.‬‬
‫لكنني عندما سمعت بمذهب العرب‪ ...‬وكان هو السائَد بطليطلة في تلك األيام‪ُ
،‬هرعت إليها بأسرع‬
‫ما استطعت‪ ،‬ألستمَع إلى أحكم حكماء العالم"]‪.[444‬‬
‫وبعد أن َد َرَس مع جيرار أوف كريمونا
وآخرين‪ ،‬عاد دانييل إلى إنكلت ار "بكنٍز ضخم" من الكتب‬
‫سائر
في ذلك على مذهب آديالرد أوف باث‪ .‬ولدى عودته‪ ،‬طلب األسقف جون أوف‬ ‫ًا‬ ‫العربية‪،‬‬
‫نورويتش‪ ،‬وكان
نفُس ه دارسًا لعلم الفلك‪ ،‬من العاِلم الرحالة أن يكتَب رسالًة في الزيج المنَق ح‬
‫المعروِف بالزيج الطليطلي [‪[ ]Toledan Tables‬إلبراهيم بن يحيى
الزرقالي المعروف في الغرب‬
‫باسم ‪ .]Arzachel‬وبدًال من كتابة مقالة
عن آِخ ر ما استجد في الفكر الفلكي‪ ،‬كتب دانييل في‬
‫علم الكون المنهجي‪ ،‬فكان ذلك
أوَل عمٍل في الغرب مستوح كليًا من "مذهب العرب"‪ ،‬ال سيما‬
‫ًى‬
‫النظرة
األرسطية إلى العاَلم ألبي معشر‪ ،‬العاِلم في صناعة أحكام النجوم]‪
.[445‬ففي إحدى‬
‫طبعات هذا العمل عشرُة اقتباسات على األقل من المدخل الكبير في صناعة
أحكام النجوم‪،‬‬
‫واستشهاٌد بأبي معشر في كل شيء تقريبًا من تركيب األجرام
السماوية إلى الحركة المستديرة التامة‬
‫ومصدِر اللون]‪
.[446‬أَّم ا غيُر ذلك ِم ن إحاالت فإلى أعماٍل عربيٍة أخرى في الفلسفة الطبيعية‬
‫ألرسطو
وقراءٍة متأنية لرسالة آديالرد في استخدام األسطرالب]‪.[447‬‬
‫تناول علماُء بيت الحكمة العرب كالسيكياِت
الفلسفة والعلوم اليونانية على طريقتهم ابتداًء من‬
‫أوائل القرن التاسع‪ ،‬واضعين
بشكٍل منهجي أساسًا متينًا ألبحاثهم األصيلة الخاصة‪ .‬وبعد ثالثمائة‬
‫سنة‪ ،‬إذ لم
يوَهِب الغرُب هذا الترف؛ راح مترجموه بدًال من ذلك ُيغرقون العاَلم المسيحي
بنصوٍص‬
‫قديمة وشروٍح وبدٍع علمية وفلسفيٍة عربيٍة أحدث‪ .‬هزت صدمُة وصوِل الفلسفة
الوثنية‪ ،‬في زي‬
‫عربي مغٍر مطرٍز بالسحِر والتنجيم‪ ،‬العلماَء الغربيين فأسقطت عن
أعينهم الغشاوَة التي كانت‬
‫تجعلهم ينظرون إلى العالم نظرًة ضيقًة وأجبرتهم على
مواجهة أسئلٍة ثقيلة عن طبيعة الكون‪،‬‬
‫وتعريِف المعرفة‪ ،‬بل ووجوِد هللا‪ .‬وسرعان ما
هيمن المفكرون العرب على العلم الالتيني‪ .‬كانِت‬
‫المرجعياُت المسيحيُة التقليدية‪
،‬كأوغطسين وبيدي‪ُ ،‬تنَّح ى جانبًا‪ ،‬لتحَل محلها في األدبيات العلمية‬
‫الغربية وتترسخ
شيئًا فشيئًا كلماٌت ومصطلحاٌت وجمٌل عربية؛ كأسماء النجوم‪ ،‬مثًال‪ ،‬وعشرات‬
‫المصطلحات الفنية‪.‬‬
‫أما عند الطبقة الصاعدة الجديدة من
العلماء‪ ،‬المفكرين المتجولين كدانييل أوف مورلي‪ ،‬فكان‬
‫األمُر واضحًا تمامًا‪"
:‬فلنستعر من حكماء الوثنيين ما عندهم من حكمٍة وبيان‪ ،‬ثم بعون هللا ومشيئته‬
‫نسلبهم إياه‪ .‬ولنأخذ من الكفرِة بإيمان ما نغني به أنفَس نا ِم ن غنائم"]‪[
.[448‬لكن] لم يكن هذا‬
‫االختالُس الفكري من دون مصاعَب عملية‪ .‬فقد اكتشف المترجمون
األوائل‪ ،‬مثًال‪ ،‬أن الالتينية أفقُر‬
‫بالمفردات من أن تجارَي لغَة العرب الفلسفيَة
والعلمية‪.‬‬
‫كان آديالرد أوف باث قد اعترف من قبُل غيَر
مضطر بأَّن العرَب هم أساتذُته‪ ،‬وهو تقليٌد اتبعه‬
‫أولئك الذين أتوا من بعده‪ .‬فراح
هاغ أوف سانتاال المترجم‪ ،‬زميُل روبرت وهيرمان المقرُب إليهما‪،‬‬
‫يحض زمالءه
العلماَء على اتباع سبيل المسلمين [يقصد العرب] في علم الفلك‪" :‬إنه َلَيحُس ن
بنا‬
‫ِل‬ ‫تقليُد العرب‪ ،‬ال سيما وأنهم إن صح التعبير أساتذُتنا الذين سبقونا في هذا الفن"]‪[449‬‬
‫‪
.‬وأقر عا ٌم‬
‫آخُر بأَّن العرَب هم القوُم الوحيدون الذين فهموا علَم الهندسة حَق
الفهم‪ .‬لقد كانت مكانُة [العرب]‬
‫المسلمين بإنكلت ار القرن الثاني عشر من القوة أن
دعت أتباَع هنري الثاني‪ ،‬الذي كان يومًا تلميَذ‬
‫آديالرد‪ ،‬إلى تهديد البابا بأَّن
سيَد هم قد يتحول إلى اإلسالم ليتخلَص من ذلك "الكاهن المتطفل"‪،‬‬
‫توماس
بيكيت‪ ،‬كبيِر أساقفة كانتربري]‪
.[450‬فكان الحل‪ ،‬في هذه الحال‪ ،‬إسكاَت بيكيت فأُس ِك ت‪.‬‬
‫في بحوثه العلمية‪ ،‬تجاهل آديالرد أوف باث
إلى حد بعيد النصوَص الفلسفية أو النظرية‪ .‬وهو‬
‫قد آثر‪ ،‬على أي حال‪ ،‬أن يترجَم
مختصَر عمِل أبي معشر الكبير‪ ،‬من دون نواِت ِه الفلسفيِة الحيوية‪.‬‬
‫وقد أملت ميوُله
القويُة إلى المعارف األكثَر تقنيًة‪ ،‬كعلم الفلك عند العرب وصناعِة النجوم عندهم‪،‬‬
‫اتجاَه الموجِة األولى من الترجمات الالتينية التي ُع ِم لت بإسبانيا‪ .‬ومع حلول
القرن الثالث عشر‪،‬‬
‫كان الغرب قد غرق حتى أذنيه بنصوٍص متنافسة في علم الفلك‪ ،‬ما
َح َم َل أوليفر أوف بريتاني على‬
‫التشكي قائًال‪" :‬يكاد ال يكفي المرَء يوٌم
كامل ليق أر [وحسب] عناويَن كتب [علم الفلك] التي ال ُتَع د‬
‫وأسماَء مؤلفيها"]‪.[451‬‬
‫لكَّن تمرَس العلماِء الغربيين اآلخَذ في
االزدياد َع نى أَّن المسألَة باتت مسألَة وقت قبل أن‬
‫يغامَر هؤالء باالنتقال من
ساحة التهديد الضمني خفيِف الوطأة نوعًا ما لمفهوم اإلرادة الحرة في‬
‫الدين
المسيحي‪ :‬علِم الفلك والنجوم‪ ،‬إلى ساحة التهديد الصريح‪ :‬علِم الكون وما بعد
الطبيعة لدى‬
‫العرب واليونان‪ .‬كان الشخَص الذي ردم الهوة بين الساحتين هو مايكل
سكوت [‪Michael‬‬
‫‪ ،]Scott‬تلك القامُة العلميُة الشامخة‪ ،‬التي رسمت في النصف األول من
القرن الثالث عشر مساَر‬
‫الفلسفة والرياضيات والعلوم أكثر مما فعلت أُي شخصيٍة
غربيٍة أخرى‪ .‬ولئن كان آديالرد أوف باث‬
‫قضم قضمًة من الدراسات العربية قبل مائة
سنة‪ ،‬فقد التهم مايكل سكوت العلَم العرب كله؛ في‬
‫َي‬
‫طليطلة أوًال ثم في صقلية‪ ،‬في
بالط اإلمبراطوِر الروماني فردريك الثاني‪.‬‬
‫ال ُيعَر ف الكثير عن المراحل المبكرة لحياة
مايكل]‪
.[452‬إال أنه ُو لد بمكاٍن ما باسكتلندا‬
‫أواخَر القرن الثاني عشر‪ ،‬وظهر باسم األستاذ
مايكل سكوت في مخطوطاٍت من العصور الوسطى‪،‬‬
‫ًال‬
‫ٍة‬ ‫ٍة‬
‫ما يوحي بأنه كان حاصًال على درج
علمي ما وربما اشتغل كذلك بالتدريس‪ .‬يؤيد هذا التصوَر‬
‫ميُله الطفيف إلى األستذة
في بعض كتاباته وترجماته‪ .‬فهو َيِع د راعَيه الملكي [فردريك الثاني] في‬
‫موضٍع ما
بأنه سيؤلف له عمًال تمهيديًا في علم الفلك "بأسلوٍب لغوي مدرسي شائع"]‪
،[453‬بينما‬
‫تنسجم إشا ارُته المرجعية األدبيُة والعلميُة واإلنجيليُة جميعًا مع الرطانة
الجامعية السائدِة في أيامه‪.‬‬
‫وقد كانت لديه معرفٌة طبيٌة واسعة‪ ،‬وَك َتَب عن أثر
السماء على صحة اإلنسان‪ ،‬وربما حصل في‬
‫مرحلٍة ما على تعليٍم طبي رسمي‪ .‬وقد ورد
ِذ كره في سجل شهير ألطباء القرن السادس عشر‪ :‬اللقب‬
‫مايكل‪ ،‬المهنة طبيب‪ ،‬البلد
سكوت"]‪
.[454‬وُتقدم مخطوطٌة التينية وصفاٍت سيميائيًة ُذ ِك ر فيها‬
‫أنها ُأِخ ذت من "كتاب ‪ ،MS‬طبيِب
اإلمبراطور فردريك"]‪.[455‬‬
‫وعلى مر العصور‪ ،‬أضفى كثيرون خياالٍت
وأساطيَر إلى األعماق المظلمة لسيرة حياة مايكل‪.‬‬
‫فقيل لنا‪ ،‬مثًال‪ ،‬إن مها ارِت ه في
التنجيم جعلته يتوّق ع سبب وفاتِه ُهو؛ أَّن صخرًة صغيرة ستقع فوق‬
‫رأسه‪ .‬فصَمَم
لذلك خوذًة معدنية وراح يضعها َح َذ َر األمر‪ .‬وتقول إحدى نسِخ الرواية إَّن هذا
التوّق ع‬
‫تحّق ق في يوٍم من األيام عندما كشف عن رأسه مرًة في قداس‪ ،‬فانقلعت في تلك
اللحظة حجرٌة‬
‫ملساُء من سقف الكنيسة وهوت على رأسه فكشطته؛ عاين مايكل الَح جَر
والجرَح الطفيَف الذي‬
‫أصابه‪ ،‬وأسرع إلى بيته لترتيب أموره‪ ،‬وإن هي إال أيام حتى
توفي‪ .‬وكان قد حَّذ ر قبل ذلك فردريك‪،‬‬
‫الذي كان يعمل لديه منجمًا وطبيبًا‪ ،‬أال يدَع
الحالَق الملكي يفصده‪ ،‬وكان ذلك إج ارًء طبيًا معتادًا‪.‬‬
‫فتجاهل الملُك النصيحة ومات
من التهاٍب [معوٍي ] أصابه بعد حادثٍة غريبة‪.‬‬
‫وقيل إَّن توّق عات مايكل بما ستؤول إليه
مغام ارُت فردريك العسكرية كانت شديدَة الدقة‪ .‬يستذكر‬
‫مؤخر إلى البالط الملكي‪ ،‬كيف توّق ع مايكل‬ ‫ًا‬ ‫الشاعر هنري أوف آڤرانش‪ ،‬الذي
كان قد انضم‬
‫انتصار اإلمبراطور في حربه
المرسومة على مدن لومبارد‪ ،‬قبل أن تبدأ الحملُة سنة ‪ .1236‬ثم‬
‫يصف الشاعُر موَت
المنِّج م‪:‬‬
‫وَلَّم ا
إلى القوِل َهَّم َو َج م‬
‫وَلَّم ا
َيُبح بالذي قد َكَتم‬
‫هوى
نجُم َم ن كان يرعى النجوم‬
‫وصار
الذي كان شيئًا َع َد م]‪[456‬‬
‫‪As he was about to say more, he became silent and,‬‬
‫‪Not permitting his secrets to be published to the
world,‬‬
‫‪Bade that his breath be spent on thin air,‬‬
‫‪Thus the inquisitor of the Fates submitted to Fate52.‬‬
‫خالل مسيرة حياته المهنية المنوعة والغنية‪
،‬ظهر مايكل كأول خبيٍر حقيقي بأرسطو؛ وكمترجٍم‬
‫للنصوص األصيلة في علم الفلك وما بعد
الطبيعة العربيين؛ وُم علٍم ألحد أعظم عباقرة الرياضيات‬
‫في الغرب؛ ومؤلٍف ألعماٍل
أصيلة في علم النجوم‪ ،‬وعلِم التشريح البشري‪ ،‬وعلِم وظائف األعضاء‪،‬‬
‫وعلِم الفراسة‪
.‬وفي عصر األمّية الجماعية‪ ،‬كان تعُلُم ه هذه العلوم الخفية وارتباُط ه بالتعاليم
العربية‬
‫كافَيين لجعله في أعين الناس عرافًا‪.‬‬
‫بالنظر إلى كل ما َع ِلق باسمه في النهاية
من أعماٍل شريرٍة وغريبة‪ ،‬كان مايكل سكوت إلى حد‬
‫بعيد نتاَج تغي ارٍت اجتماعيٍة
واقتصاديٍة واسعة كانت تتشكل شيئًا فشيئًا في الغرب منذ القرن العاشر‬
‫أو نحوه‪ ،‬ال
سيما ظهور اقتصاٍد نقدي وما ارتبط به من صعود بلداٍت ومدن]‪
.[457‬لم تكن‬
‫أوروبا في بدايات العصور الوسطى تعرف شيئًا عن كبريات المراكز السياسية
والثقافية والتجارية‬
‫اإلسالمية؛ بغداد والقاهرة ودمشق وقرطبة‪ .‬وقد أثبت العرب أنهم
بناؤو مدٍن عظام‪ ،‬وكانت هذه‬
‫المراك الحضرية أساسيًة للمشروع اإلسالمي‪ ،‬فهي التي
أَّم نت أماك تالقي األفكار‪ ،‬ومستودعاِت‬
‫َن‬ ‫ُز‬
‫حفظ الكتب‪ ،‬ودوَر سكِن العلماء‪
،‬والمساجَد الضخمة التي كان يستطيع فيها هؤالِء أن ُي لقوا‬
‫محاض ارِت هم أو دروَس هم‪
.‬وآَو ت حوانيَت المشتغلين بلوازِم مهنِة الفكر ِم ن نساخيَن ‪ ،‬وُص ناِع ورق‪،‬‬
‫وُك تبييَن ‪ ،‬وباعِة كتب‪ .‬ووَّلد أصحاُب حوانيت وتجاُر المدن من الفوائض النقدية
وأوقاِت الفراغ ما‬
‫جعل الحياَة الفكريَة ممكنًة في المقام األول‪ .‬وبما اتسمت به
الحياة في المدينة العربية من تقسيٍم‬
‫للعمل‪ ،‬كان ثمة متسٌع كبير للمفكر والمدرس
والكاتب‪.‬‬
‫أما المدُن األوروبية في العصور الوسطى
فكان أغلُبها حصيلًة متواضعة لنمو ثكناٍت حربية‪ ،‬أو‬
‫مراكَز كنسية‪ ،‬أو أنها تحجرت
شيئًا فشيئًا حول بلداِت سوٍق مركزية منتشرٍة على طول طرقات‬
‫التجارِة التقليدية‪
،‬ونما بعُض ها من مستوطناٍت تعود إلى أيام الرومان‪ .‬لكَّن كَل هذا تغَّيَر مع بداية‬
‫انحالل نظام اإلقطاع في الريف‪ ،‬وهجَر الفالحون األرَض التي كانت تكبلهم ليشقوا
طريقهم إلى‬
‫المراكز الُم ُد نية المتنامية‪ .‬هناك‪ ،‬اشتغلوا بالتجارة‪ ،‬مستغلين ما أدى
إليه توسُع التجارة الخارجية‬
‫وظهوُر حياة المدن من تحسٍن عام في االقتصاد
األوروبي‪ ،‬جزئيًا [على األقل]‪ .‬وسرعان ما‬
‫انتظمت الكوميونات الُم ُد نية الجديدة
للدفاع عن مصالحها ضد طبقة النبالء‪ ،‬والتاج‪ ،‬والكنيسة‪.‬‬
‫فأسس أصحاُب الحرف وغيُرهم
من المهنيين نقاباٍت واتحاداٍت مهنية لتنظيم العضوية‪ ،‬وتخفيِف حدة‬
‫المنافسة‪
،‬وحمايِة أرزاقهم‪ .‬من هنا أصُل مصطلح الجامعة [‪ ]university‬الحديث‪ ،‬الذي كان‬
‫ستخ م في البداية لوصف ميدان نشاط [‪ ،]universe‬أو مجموِع [‪
]totality‬أعضاِء النقابِة‬
‫ُي َد‬
‫ٍة‬
‫المهنية أو المشتغلين بالمهنة‪ ،‬قبل أن يتبناه الطالُب واألساتذة‪
،‬الذين راحوا يتجمعون بصف غير‬
‫رسمية في البلدات والمدن؛ ومع الوقت غابت أصوُل
المصطلح‪ ،‬وبقي منه ما نعرفه اليوم‪ :‬مؤسسة‬
‫للتعليم العالي]‪.[458‬‬
‫كان مفكرو أوروبا الجدد مختلفين عن مجتمع
العصور الوسطى بما كانوا يتمتعون به من درجٍة‬

‫مرتفعة من حرية الحركة وبأصولهم


الُم ُد نية]‪
.[459‬يمكن تلمُس اتساِع هذه الحركة في التنوع‬
‫المدهش لألصول الوطنية لكبار المترجمين
العاملين بإسبانيا؛ من ألمان‪ ،‬وإنكليز‪ ،‬واسكتلنديين‪،‬‬
‫وفرنسيين‪ ،‬وطليان‪ ،‬وسالف‪
،‬وغيرهم‪ .‬ومع ذلك كانوا يشتركون معًا في عدٍد من الصفات المهمة‪:‬‬
‫فكانوا يرون
أنفَس هم روادًا‪ ،‬ليس أمامهم وقت لالهتمام بالتقليد القائم‪ ،‬وكانوا مستعدين أن
يضربوا في‬
‫األرض طوًال وعرضًا بحثًا عن أفضل األساتذة وأحدث الكتب‪ ،‬أو للمشاركة في
أكثر النقاشات‬
‫سخونًة في أيامهم‪ .‬ولم يكن لدى كثيٍر في المؤسسة الدينية سوى
االزدراء "لطالب الصنائع" هؤالء‪.‬‬
‫عشر
متحسر‪" :‬لقد اعتادوا على أن يجوبوا أقطاَر العالم ويزوروا مدَنه‬
‫ًا‬ ‫يقول أحُد رهبان القرن الثاني‬
‫كافة‪ ،‬حتى
أصبحوا مجانين لكثرة ما تعلموا؛ فهم بباريس يسعون لتعلم العلوم العقلية‪ ،‬وبأورليان‬
‫الكالسيكيات‪ ،‬وبساليرنو الطب‪ ،‬وبطليطلة السحر‪ ،‬لكنهم ال يذهبون إلى أي مكان في
العالم لتعلم‬
‫ُح سن السلوك و[مكارم] األخالق"]‪.[460‬‬
‫وكان بعُض هم يتسول ليكسَب قوَته أو يعمل
خادمًا للميسور من زمالئه‪ ،‬وآخرون يغّنون‪ ،‬حقيقًة‬
‫مجاز‪ ،‬ليكسبوا قوَت يومهم‪
.‬ففي ما قد ُيعد فاكهًة من فواكه الترجمِة الذاتيِة النادرة‪ ،‬يصف مايكل‬
‫ًا‬ ‫ال‬
‫سكوت في
مخطوطٍة غيِر منشورة قيمَة المهارة الموسيقية للمسافر الفقير لكِن المتعلم‪"
:‬وما ِم ن آلٍة‬
‫موسيقية أفضُل من القيثارة ُم ِع ينًا على الحياة في أي كان‪
،‬بصرف النظر عن العازف‪ ،‬يعرف ذلك‬
‫أُي شخص يتكسب باللعب عليها من باٍب إلى باب‪ .‬فإن
هو أجاد اللعب‪ ،‬كفتُه مؤونَة السفر أينما‬
‫حل وارتحل في أرجاء العالم المسيحي"]‪.[461‬‬
‫كانت حركُة الترجمة‪ ،‬التي ساعدت على جعل
مايكل سكوت المفكر الشعبي الرائد في زمانه‪،‬‬
‫صناعَة تصدير‪ ،‬يقوم عليها "عماُل
معرفة" متعلمون‪ ،‬ومحبون لالستطالع‪ ،‬ومستقلون‪ ،‬أتوا إلى‬
‫إسبانيا مشدودين إليها
من البالد األجنبية سعيًا وراء الدراسات العربية‪ .‬وكانِت المنتجاُت
النهائية‬
‫نادر ما كانت
َتبقى حيث ُأنِت جت‪ ،‬بل‬
‫لهذه الصناعة‪ ،‬في صورِة ترجماٍت ‪ ،‬وشروٍح ‪ ،‬وأعماٍل أصيلة‪ً ،‬ا‬
‫مهيأًة للتصدير إلى األسواق األجنبية كإيطاليا‪ ،‬وفرنسا‪
،‬وإنكلترا؛ التي كانت مالذًا لتجمعاٍت من‬
‫األساتذة والطالب الذين انضموا في أوائل
القرن الثالث عشر لتكوين أولى جامعات الغرب‪ ،‬ببولونيا‪،‬‬
‫وباريس‪ ،‬وأكسفورد‪ .‬ولقد
كانِت النصوُص العربية الجديدُة المتدفقُة من أندلِس األمس جديرًة علميًا‪،‬‬
‫ومتماسكة‪ ،‬ومتشِّبعًة بمرجعية أرسطو [القديمة] وعلوِم المسلمين المتقدمة‪ .‬ولم تكن
قابلًة لذلك النوع‬
‫من التفسير المجازي الذي كان العاَلُم الالتيني يستخدمه في
الماضي لحرف أو امتصاص األفكار‬
‫غير المسيحية الخطرة‪.‬‬
‫ولم يكن أثُر هذه النصوص العربية في مكاٍن
ما أكثَر منه عمقًا بجامعة باريس‪ ،‬التي كانت‬
‫المسيحي‪
.‬أخير‪ ،‬في هذا المكان‪ ،‬بدا كأَّن لساَن حاِل الطالب واألساتذة الشبان‬
‫ًا‬ ‫مركز رئيسًا لالهوت‬
‫ًا‬
‫يقول‪ :‬اآلَن
يمكن االطالُع مباشرًة على التعاليم الفلسفية غيِر المثقلِة بالمعتقدات الكنسيِة
التقليدية‪،‬‬
‫المتحررِة [من استبداد] أساتذة الزمن الماضي الالتين الجهلة‪ .‬وها هي ذي
قوُة الِع لم الجديد التي ال‬
‫تقاَو م‪ ،‬بعد أن أطلقها أوَل األمر آديالرد وسار بها من
بعده رجاٌل كمايكل سكوت‪ ،‬تتجه اآلن صوَب‬
‫التعليم المسيحي الجامد‪ .‬وال بد من أن
شيئًا ما سيتحطم‪.‬‬
‫الجزء
الرابعالعصر‬
‫الفصل
الثامنحول ِقَدم العاَلم‬
‫ما زاد سمعَة مايكل سكوت السوداء‪ ،‬التي
جَّرها عليه ارتباُط ه بعلوم العرِب الخطرِة ‪ ،‬سوادًا‬
‫ارتباُط ه باإلمبراطور الروماني
فردريك الثاني‪ ،‬الذي حكم مقاطعاِت ه المضطربَة من صقلية وجنوبي‬
‫إيطاليا‪ .‬كان
فردريك ‪ - ‬حفيُد روجر الثاني‪" ،‬السلطاِن المعمد" األول وراعي خريطة
اإلدريسي‬
‫للعالم ‪ - ‬قد تعرض مرتين للحرمان الكنسي من البابا لعصيانه أوامَره
ومظنِة تعلِقِه بالِع لم العربي‬
‫الذي كان شائعًا عنه في الغرب على نطاٍق واسع‪
،‬ولتناقِض ِه الوجداني العميق إزاء الحروب‬
‫ٍت‬ ‫ِت ِه‬
‫الصليبية المقدسة‪ ،‬ومعرف الواسعة
للغاية‪ .‬فقد كان فردريك يتحدث سَت لغات [في وق كان كثيٌر‬
‫من الملوك والنبالء
أميين]‪ ،‬ويَّتِبع نظامًا صحيًا مخزيًا[!] وصفه له أطباؤه العرب يشتمل على‬
‫ِد ِل‬ ‫ٍة‬
‫االغتسال
وحمي غذائية‪ ،‬وكان يسافر مع "مجا ه" الخاص‪ ،‬وَم ن يكون غيَر مسلم؛
كي يواصَل‬
‫دراساِت ه الفلسفية على الطريق‪.‬‬
‫وقد أدت حرُبه الكالميُة مع الباباوات‪
،‬التي تحولت أحيانًا إلى ص ارٍع مسلح‪ ،‬إلى حملِة إشاعات‬
‫بإيحاٍء من الكنيسة تدعي أن
فردريك كان في الواقع المسيَح الدجال‪ ،‬وهي إشاعٌة قَّو تها المالبسات‬
‫التي أحاطت
بمولده‪ .‬فأمه هي ابنُة روجر الثاني بعد الوفاة‪ ،‬وقيل إنها ُأخفيت عن األعين في
ديٍر‬
‫للراهبات في عمٍر مبكر وسط توقعات تقول إنها ستجلب يومًا ما على البلد
الوبال‪ .‬وفي عمر‬
‫الثالثين‪ ،‬تزوجت أبا فردريك‪ ،‬األصغَر منها بعشر سنوات‪ ،‬ولم يرزقا
أوالدًا لعشر سنوات تقريبًا قبل‬
‫حملها غيِر المتوقع بفردريك‪ .‬وكانت الخرافة في تلك
األيام تقول إَّن المسيَح الدجال سيولد لراهبة‪،‬‬
‫وسرعان ما راحت أصابُع كثيرة تشير
إلى فردريك]‪.[462‬‬
‫كذلك غذى حملَة اإلشاعاِت هذه ما ُع رف من تعلقه
بعالم اإلسالم‪ ،‬ما أربك الكنيسَة والرعايا‬
‫المسيحيين معًا‪ .‬كتب أحد األوروبيين
المعاصرين الذين صدمهم األمر‪" :‬عندما يحين وقت صالة‬
‫الظهر ويرفع المؤذُن
صوَته باألذان‪ ،‬يقوم خدُم ه وغلماُنه جميعًا‪ ،‬وكذا معلُم ه الخاص‪ ،‬وهو صقل‬
‫ّي‬
‫ق أرسطو بجميع فصوله‪ ،‬ليؤدوا الصالَة المكتوبة‪ ،‬ألنهم كانوا
جميعًا مسلمين"‬ ‫كان
يق أر معه منط َ‬
‫]‪
.[463‬وكانت تلك المالحظة موضَع تقديٍر أكبَر من سفيٍر عربي بارز إلى بالط فردريك‪"
:‬كان‬
‫فريدًا بين سائر ملوك اإلفرنج بما لديه من َم َلكات وميِله إلى الفلسفة
والمنطق والطب؛ وكان ُيقِّد ر‬
‫المسلمين ألنه نشأ بصقلية التي َتدين ُج َّلُة أهِلها
بدين اإلسالم"‪[ .‬ترجمة عكسية]"]‪ [464‬ومع
ذلك‪،‬‬
‫صد بعَض المعلقين العرب عنه افتقاُره إلى الطول‪ ،‬واحم ارُر وجهه‪ ،‬وأنه أجلُح
الرأس‪ ،‬ضعيُف‬
‫البصر‪ :‬قال عنه أحُد هم متهكمًا‪" :‬لو كان عبدًا‪ ،‬ما كان المرُء
ليدفَع مائتي درهٍم لشرائه [ترجمة‬
‫عكسية]"]‪.[465‬‬
‫مع ذلك‪ ،‬كان فردريك الثاني محَل إجالٍل
شعبي واسع؛ وقد دعاه بعضهم أعجوبة العالم‬
‫[‪
.]stupor
mundi‬وفي زيارٍة شهيرٍة له إلى مدينة رافيّنا اإليطالية سنة ‪ ،1231‬سار فردريك في‬
‫الشوارع مع مجموعِة حيواناته البريِة الغريبة‪ ،‬التي كان كثيٌر منها مجهوًال لدى
السكان المحليين‪.‬‬
‫ٍة‬
‫ومنها فيلٌة وِج ماٌل ونموٌر وصقوٌر بيضاء وأوُل زراف أوروبية
أهداه إياها الكامل‪ ،‬سلطاُن‬
‫مصر]‪.[466‬‬
‫ار‪ .‬إِذ استعاد‬
‫وفي شتاء ‪ ،1229‬نجح اإلمبراطور المتمرد حيث
فشل الصليبيون السابقون مر ًا‬
‫السيطرَة على القدس‪ ،‬التي استولى عليها
المحارُب المسلم الشهير صالح الدين من أيدي المسيحيين‬
‫منذ أكثر من أربعة عقود‪
.‬فبعد كثيٍر من التوقف والتأخر‪ ،‬وصل فردريك إلى الشرق الالتيني قبل‬
‫ثمانية أشهر من
الموعد المقرر‪ ،‬لكنه لم يتبع سبيَل الصليبيين السابقين في بلوغ هدفه‪ .‬فلم ُيِرق‬
‫فردريك‪ ،‬في الواقع‪ ،‬قطرَة دٍم واحدة‪ .‬بل‪ ،‬تفاوض بدأب على التسليم السلمي للقدس وما
جاورها من‬
‫أ ارٍض مع السلطان الكامل‪ ،‬الذي كان يسيطر آنذاك على األرض المقدسة‪.‬‬
‫سر في ظل حملٍة مسعورة من‬ ‫تقول الروايات إَّن المحادثاِت بين
الطرفين‪ ،‬التي جرت ًا‬
‫اإلشاعات من موظفي الكنيسة الغيورين
الذين كانوا يخشون ِم ن أن يكوَن فردريك قد فقد كَل دافٍع‬
‫لديه إلى الحرب الدينية
المقدسة‪ ،‬كانت صعبًة وبطيئًة وطويلة‪ .‬وقد اشتكى بطر القدس في مرحلٍة‬
‫ُك‬
‫ما‪ ،‬وهو
عدٌو لدود لإلمبراطور‪ ،‬إلى حلفائه في البالط البابوي بروما قائًال‪" :‬إنه
ألمٌر مخجٌل أشَد‬
‫الخجل ومخٍز أشَد الخزي أن ننقَل إليكم ما سمعنا ِم ن أَّن السلطان‪
،‬لـّم ا رأى ِم ن تمتع اإلمبراطور‬
‫بالعيش على طريقة المسلمين‪ ،‬أرسل إليه قيانًا
ومشعبذين وأناسًا ال ينبو القلُم عن ِذ كرهم فحسب بل‬
‫ما ينبغي حتى أن ُيذَك َر
اسُم هم على مسامع المسيحيين"]‪
.[467‬وقارن شاعٌر ألماني‪ ،‬شارك في‬
‫الحملة الصليبية مع اإلمبراطور‪ ،‬الكامَل وفردريك
ببخيلين عنيدين ال يستطيعان تقاسَم ثالث قطٍع‬
‫ذهبية]‪
.[468‬ثم توصل الطرفان‪ ،‬في النهاية‪ ،‬إلى اتفاق‪ ،‬وبات في استطاعة فردريك‪ ،‬الصليبي‬
‫المتردد‪ ،‬اآلن أن يعلَن النصر‪ .‬فقد تضمن االتفاق سيطرًة رسميًة مسيحيًة على
المدينة‪ ،‬بما فيها‬
‫المرقُد القديم للسيد المسيح‪ ،‬لكنه ضمن للمسلمين كذلك وصوَلهم
إلى الحرم القدسي [وأن يكوَن في‬
‫أيديهم ويتواله ُقَّو اٌم منهم‪ ،‬يقيمون فيه شعائَر
اإلسالم من األذان والصالة؛ السلوك للمقريزي (انظر‬
‫كثير أعضا حزِب‬
‫ًا‬ ‫الحاشية ‪ .])8‬ونَّص على
وقف األعمال العدائية لمدة عشر سنوات‪ ،‬ما كَّد ر‬
‫َء‬
‫البابا
المولعين بالقتال‪ ،‬الذين كانوا يريدونها حربًا بال هوادة مع األعداء‪.‬‬
‫انتصار الفتًا؛ ال‬
‫ًا‬ ‫إذا نظرنا إلى إنجاز فردريك‪ ،‬خارج المنظور
الضيق للبالط البابوي‪ ،‬وجدناه‬
‫للجيوش المسيحية بل للنموذج
الجديد في الروابط السياسية‪ ،‬والدبلوماسية‪ ،‬والفكرية مع العالم‬
‫العربي‪ .‬فلم يكن
تحت يد اإلمبراطور الروماني قط من الجنود ما يكفي لالستيالء على القدس‬
‫بالقوة‪ .‬زد
إلى ذلك‪ ،‬أَّن العرَب كانوا قد سووا خالفاِت هم الداخلية األخيرة على َع َج ل وباتوا
أكثَر من ند‬
‫لجيش الصليب‪ .‬كما كان فردريك بحاجٍة ماسة إلى نصٍر من نوٍع ما‪
.‬إذ كان ص ارُع ه مع البابوات‬
‫منتصر‪ .‬لعب اإلمبراطور‬
‫ًا‬ ‫والضغوُط السياسية في الوطن كُل ذلك يتطلب منه أن يعوَد
إلى إيطاليا‬
‫الورقَة الحقيقيَة الوحيدَة التي كانت في
يده‪ ،‬فراح يذِّك ر السلطاَن الكامَل من دون كلل بأنه أتى إلى‬
‫المنطقة بطلٍب منه
لنصرته على منافسه الحاكِم المسلِم بدمشق [أخيه المعظم]‪ .‬وقال فردريك إَّن‬
‫الشقاَق
كان سينتهي بالموت المفاجئ لغريم السلطان‪ ،‬لكنه أتى بنيٍة طيبة‪ .‬وأنه ما كان
يستطيع‬
‫العودة إلى الوطن خاوَي الوفاضوأنه
"لوال يخاف انكساَر جاِه ه‪ ،‬ما كَّلف السلطاَن شيئًا من ذلك"‪،‬‬
‫كما يقول
المقريزي‪ ،‬مؤرخ العصور الوسطى المصري]‪.[469‬‬
‫لم يتأثر السلطان بهكذا مداهنة أول األمر‪
.‬فما عاد يحتاج إلى مساعدة اإلمبراطور‪ ،‬وال بد من‬
‫أن تسليَم ه أرضًا بيد المسلمين
كان سيوهن عزائَم رعاياه ويثير غضَب العلماء عليه‪ .‬لكَّن فردريك‬
‫أنهك السلطان
بشهوٍر من الدبلوماسية الصبورة‪ ،‬المدعومِة بهجوٍم ثقافٍي ذكي‪ .‬فقد اختلى اإلمبراطور‬
‫بالمبعوث الخاص للكامل‪ ،‬وخاض معه بلساٍن عربي فصيح في طائفٍة من المسائل العلمية
والفلسفية‬
‫والدينية‪ .‬وكان قد بعث إلى بالط السلطان بالقاهرة "بعدة
مسائَل ُم شكلة في الهندسة والحكمة‬
‫متأثر‬
‫ًا‬ ‫والرياضة‪ ،‬فعَر ضها على الشيخ علم الدين قيصر
الحنفي‪ ...‬وغيِره"‪ .‬فرجع السلطاُن عن ق ارره‬
‫على ما يبدو بمثابرة فردريك ومعرفِت ه وتقديِره العلَم العربي والديَن اإلسالمي‪
.‬ولعل معارَك فردريك‬
‫دور في ذلك؛
فبمساعدتهم فردريك‪ ،‬سيوجه العرُب‬ ‫المعروفة مع باباوات روما لعبت هي األخرى ًا‬
‫ضربًة غيَر مباشرة إلى هؤالء "الخلفاء
النصارى"‪ ،‬أبرِز مناصري الصليبيين أعداِء المسلمين‪.‬‬
‫لقد حدث تغيٌر كبير منذ أيام بطرس الراهب
والحملِة الصليبيِة األولى‪ ،‬قبل أكثر من ‪125‬‬
‫سنة‪ .‬فلم َيُع ِد المسلمون ببساطة
العدَو المجهول للعالم المسيحي‪ .‬إذ كان الِع لم اإلسالمي قد بدأ‬
‫يتغلغل بعمق في
الوعي الغربي‪ .‬وقد اعترف بطرس الجليل‪ ،‬رئيُس الدير القوي الذي أمر بترجمة‬
‫القرآن
ليعرَف كيف يهاجم اإلسالم‪ ،‬أَّن العرَب كانوا بارعين جدًا في العلم والفلسفة‪ .‬كذلك
كانت‬
‫الحماسُة للحروب الصليبية تخّف لدى الجمهور األوروبي‪ .‬وكانت فرنسا وإنكلترا‪
،‬اللتان كانتا‬
‫َم صدرين معتمدين للتعصب الصليبي‪ ،‬مشغولتين بمحاربة إحداهما األخرى‪
.‬وكانت حملٌة حديثٌة‬
‫على المسلمين‪ ،‬ألح البابا على أن يقوَد ها أسقٌف ال عسكرٌي أو
سياس مجرب‪ ،‬قد انتهت بكارثة‪.‬‬
‫ٌي‬
‫أكث‬ ‫ها‬ ‫وسار التروبادور بأشعاٍر انتقادية يسخرون بها من
الحملة‪ ،‬فأوهنوا التأييَد الشعبي للمغامرة كِل‬
‫َر‬
‫فأكثر]‪
.[470‬حتى فردريك نفسه لم يتعاون إال لمواجهة الضغط الذي ال يلين عليه من الباباوات‪،‬‬
‫حرصًا على تجنب قطيعٍة نهائيٍة معهم يتعذر بعد ذلك إصالُح ها‪.‬‬
‫في هذه المرحلة‪ ،‬كانت شبكٌة متنامية من
الروابط التجارية والسياسية والفكرية قد بدأت تمتد‬
‫ببطء بين الشرق والغرب‪ .‬كان
فردريك الثاني‪ ،‬المعروُف لدى العرب "باألمبيرور" (االمبراطور)‪،‬‬
‫نتاَج
أوروبا الصاعدِة هذه؛ المنفتحِة على العالم األرحب وأفكاِره وثقافِت ه‪ .‬فراح يعرض
مكافآت ماليًة‬
‫سخية لشد أفضِل المواهب الفكرية إلى حاشيته‪ ،‬جاعًال بالَط ه على
شاكلة بالِط جده وبالطاِت‬
‫الحكاِم العرِب في زمانه‪ .‬وساند العلماَء المسلمين
واألوروبيين وتبادل الرسائل مع علماء وحكام‬
‫بشمال أفريقيا واألندلس ومراكِز العلم
العربي األخرى‪ .‬ولم تكن رعايُته مقتصرًة على المسيحيين‬
‫والمسلمين‪ .‬فقد مدحه يعقوب
األناضولي‪ ،‬المترجُم اليهودُي البارز للعلم والفلسفة العربيين‪ ،‬الذي‬
‫وصل حديثًا من
بروڤانس‪ ،‬فقال إنه "نصيُر الحكمِة وأهِلها" ِلما يقدمه من دعٍم مادي]‪.[471‬‬
‫وتراسل جودا بن سولومون ها‪-‬كوهن‪ ،‬وهو يهودٌي من األندلس وصاحُب موسوعٍة في
الفلسفة‪ ،‬مع‬
‫البالط بل لقد زار فردريك في شمالي إيطاليا]‪.[472‬‬
‫كانت شخصيُة فردريك المتغطرسة وأسلوُبه
االستبدادي يجعالنه يشك في أي مؤسسٍة ال‬
‫يسيطر عليها سيطرًة تامة‪ .‬وكان تطوُر
الجامعات في مملكته بطيئًا ولم تكن هذه الجامعات تنافس‬
‫حقيقًة مركزي التعليم
الجامعي األولين البارزين‪ :‬باريس وأكسفورد‪ .‬ولم يَر فردريك في جامعة نابولي‬
‫ومدرسِة ساليرنو الطبيِة الشهيرة أكثَر من مجرد مصدرين معتمدين للموظفين اإلداريين
ورجاِل البالط‬
‫دور هامًا‪ ،‬كحاضنٍة‬
‫ال مؤسستي تعليم مستقلتين]‪
.[473‬لكَّن بالَط فردريك الثاني لعب مع ذلك ًا‬
‫للفنون والعلوم‪ ،‬في
نقل الدراسات العربية إلى الغرب‪ .‬فقد بدأ المفكُر الكاثوليكي العظيم توما‬
‫اإلكويني دراسَته الجامعية أوَل ما بدأها بجامعة بنابولي‪ - ‬التي أسسها فردريك
الثاني سنة ‪- 1224‬‬
‫قبل االنتقال إلى باريس‪ ،‬التي كانت آنذاك مركز الفكر
الالهوتي والفلسفي األوروبي‪ .‬ومن شبه‬
‫المؤكد أنه تعَّر ف أوَل ما تعَّر َف على
التقليَد الفلسف العربي هناَك أيضًا‪.‬‬
‫َي‬
‫في ‪ 18‬مارس‪ ،1229 ،‬دخل اإلمبراطوُر الروماني
القدَس دخوًال رمزيًا‪ ،‬وأمضى فيها ليلة‪.‬‬
‫وقال بعدها إنه ما أِس ف على شيء سوى أَّن
المسؤولين المسلمين أمروا المؤذنين أال يؤذنوا تلك‬
‫الليلة احترامًا للملك
النصراني؛ فلطالما وَّد سماَع أدعيِة المؤذنين تتردد في المدينة القديمة قبل طلوع‬
‫الفجر‪[ .‬يقول المقريزي‪" :‬ثم نزل الملُك في دار‪ ،‬وأمر شمُس الدين قاضي نابلس
المؤذنين أال يؤذنوا‬
‫تلك الليلة‪ .‬فلم يؤذنوا البتة‪ .‬ولما أصبح قال الملُك للقاضي‪ِ’
:‬لَم َلم يؤّذ ِن المؤذنون على المنائر؟‘‬
‫فقال له القاضي‪’ :‬منعهم المملوك إعظامًا
للملك واحترامًا له‘‪ ،‬فقال له اإلمبراطور‪’ :‬أخطأت في ما‬
‫فعلت‪ ،‬وِهللا إنه كان
أكبَر غرضي في المبيت بالقدس أن أسمَع أذاَن المسلمين وتسبيَح هم في‬
‫الليل‘"]‪
.‬لم يحَظ اإلمبراطور بمثل هذا االحترام من الفرنجة المحليين‪ .‬فعندما صعد إلى سفينته‬
‫عائدًا [من عكا] إلى الوطن‪ ،‬قذفه ساكنُة البلدة من الصليبيين بالقمامة‪ .‬بقي فردريك‪
،‬حتى بعد‬
‫عودته إلى إيطاليا‪ ،‬على اتصال مع السلطان الكامل‪ .‬وظال يتبادالن الرسائَل
والهدايا الدبلوماسية‪،‬‬
‫بل لقد أرسل إليه السلطاُن صديَق ه وهو أحكم الحكماء لديه
لُيعِّلَم المسيحيين المزيد]‪.[474‬‬
‫ُض َّم مايكل سكوت إلى هذا البالط المستعرب
في وقٍت من األوقات أواسَط عشرينيات القرن‬
‫الثالث عشر ِلما صارت له بإسبانيا من
شهرٍة قوية‪ .‬وكان قد وصل إلى طليطلة حوالي ‪1217‬‬
‫وشرع بترجمة رسالٍة عربيٍة مهمة في
السماء وثالثٍة من أهم أعمال أرسطو‪ ،‬الحيوان‪ ،‬والسماء‪،‬‬
‫والنفس‪
،‬من النسخ العربية لهذه األعمال‪ .‬وكمستشاٍر علمي لفردريك‪ ،‬نشر مايكل سكوت في وقٍت‬
‫كثير في علم النجوم‪ ،‬وعلم
األنواء‪ ،‬وعلم‬
‫ًا‬ ‫الحق ترجمًة لعمل ابن سينا في علم الحيوان وكتب‬
‫الفراسة؛ وأهدى جميَع هذه األعمال إلى اإلمبراطور‪ُ .‬تظهر هذه
األعمال إلماَم مايكل بالطب‪،‬‬
‫والموسيقى‪ ،‬والسيمياء‪ ،‬وفلسفِة أرسطو عمومًا‪ .‬قال عنه
البابا هونوريوس الثالث إنه "ذو قريحٍة فذٍة‬

‫للعلم بين المتعلمين"‪ ،‬وشهد


له بابا آخر بطالقته في العربية والعبرية]‪
.[475‬وقد ساعد البالُط‬
‫البابوي على إعالة هذا العاِلم المتجول والموسيقي أحيانًا براتٍب
من عائدات أمالك الكنيسة‪ .‬وقيل إنه‬
‫كان ذا درايٍة كبيرة بعلم الفلك العربي وتطبيقاِت ه
وكان يفاخر بما يجريه من حساباٍت معقدة]‪.[476‬‬
‫وضعت صالُت مايكَل بفردريك في قلب أوروبا
الفكري والثقافي‪ ،‬وكان مصممًا على اإلفادة من‬
‫هذه الصالت إلى أبعد حد بعد الذي
واجهه من صعوباٍت مادية كطالٍب وأستاٍذ شاب‪ .‬وقد بَّين ذلك‬
‫في أحد المقاطع‪ ،‬يقول‪َ"
:‬م ن كان يريد أن يكوَن له بين الناس في العالم شأن‪ ،‬كان له ما أراد‪ :‬إما‬
‫بالعناية اإللهية كأن يصبَح أسقفًا أو رئيَس دير أو بطركًا باالصطفاء الصرف‪ ،‬أو
بالجهد الصرف‬
‫معتبر
ذا َم َلكٍة عقليٍة ما"]‪
.[477‬من‬
‫ًا‬ ‫خبير‬
‫ًا‬ ‫الذي يستدر عبقريَة الطبيعة أو الفن‪ ،‬كأن يكوَن المرء‬
‫الواضح أن مايكل استغل مهارَته العابرَة بالعزف أمًال في شهرٍة مقيمٍة له
بالحرف‪.‬‬
‫استخدم مايكل البالَط اإلمبراطوري منصًة
لترويج أفكاٍر راديكالية‪ ،‬وِع لٍم جديد‪ ،‬وتقاناٍت جديدة‪.‬‬
‫وِم ن الذين تعلموا على
يديه ليوناردو أوف پيزا‪ ،‬المعروُف كذلك بفيبوناتشي [‪ ]Fibonacci‬الذي‬
‫ُيعتبر اليوم أحَد
أعظِم الرياضيين في العصور كافة‪ .‬ومثل مايكل وراعيه فردريك‪ ،‬كان ليوناردو نتاَج‬
‫تاجر پيزيًا بمقاطعة شمال أفريقيا‪ ،‬الجزائر
اليوم‪ ،‬التي كانت‬ ‫ًا‬ ‫أوروبا األقرَب إلى األرض‪ .‬فأبوه كان‬
‫آنذاك تابعًة لپي از المدينِة ‪ - ‬الدولة وأرسل ابَنه الشاب
إلى هناك ليتعلَم من التجار العرب أحدَث‬
‫طرائق الحساب والمحاسبة‪ ،‬ومن ذلك أساُس فن
مسِك الدفاتر مزدوجِة القيد اإليطالي]‪ .[478‬ثم‬
‫سافر ليوناردو بعد ذلك إلى صقليَة ومصر وجنوبي فرنسا والقسطنطينية قبل أن يعوَد
إلى وطنه‬
‫إيطاليا‪ .‬هناك حيث أتم كتاَب الحساب [‪
]Liber
Abaci‬سنة ‪1202‬؛ أوَل عمٍل شامٍل في الجبر‬
‫والهندسة بأوروبا المسيحية]‪
.[479‬كذلك أعطى أدَق وصف حتى تاريخه للعمل بنظام األرقام‬
‫العربية‪ ،‬الذي كان الخوارزمي
أوَل من شرحه‪ .‬يقول ليوناردو‪" :‬هنا يبدأ الفصل األول‪ ،‬األعداُد‬
‫الهنديُة
التسعة هي‪ .1 2 3 4 5 6 7 8 9 :‬بهذه األعداد التسعة‪ ،‬وبعالمة ‪ 0‬التي يدعوها العرُب‬
‫الصفر‪ ،‬يمكن كتابُة أي عدٍد كان"]‪.[480‬‬
‫لفت ليوناردو انتبا مايكل‪ ،‬الذي أرسل إلى
الرياضي تعليقًا مفصًال‪ ،‬يتضمن تعديالٍت‬
‫َه‬
‫وتصويباٍت مقترحة لكتاب الحساب‪
.‬كذلك حرص مايكل على أن يحظى العا ُم اإليطالي بدعم‬
‫ِل‬
‫اإلمبراطور‪ ،‬الذي سره ما رأى
من قدرة ليوناردو على حل األحاجي الرياضية التي أعيت بعضًا من‬
‫أهم الخبراء العرب
الذين كان فردريك يراسلهم بانتظام‪ .‬وفي طبعٍة تالية من كتاب الحساب شكر‬
‫ليوناردو لمايكَل شيئين‪" :‬إنكم‪ ،‬أستاذي ومعلمي الفيلسوف العظيم مايكل سكوت‪
،‬كتبتم إلى سيدي‬
‫[فردريك الثاني] بـ ‪ ‬كتاب الحساب الذي أَّلفت منذ مدة
ونسخُت لكم منه نسخة؛ فمن أجل ذلك‪،‬‬
‫وتقدير لكم ولكثيريَن آخرين‪ ،‬صححُت الكتاب‪...‬‬
‫ًا‬ ‫واستجابًة النتقادكم‪ ،‬وتحفِظ كم المتفحِص
الدقيق‪،‬‬
‫فإَّم ا تجدون‪ِ ،‬م ن بعد
ذلك‪ ،‬فيه نقصًا أو عيبا‪ ،‬فإني مقدُم ُه إليكم لُتصِلحوه"]‪.[481‬‬
‫كما وضع ليوناردو رسائَل مهمة في الهندسة‪
،‬ومعادالِت الدرجة الثانية‪ ،‬واالحتياجاِت الخاصة‬
‫لطبقة التجار العاَلميِة
المتنامية ‪ - ‬كالتحويل بين العمالت‪ ،‬وتحصيِص حصٍص في الشركات‬
‫التجارية‪
،‬والعمِل بوحدات قياٍس مختلفة ‪ - ‬وفي االستخدام القادم المتوقع للكسور العشرية‪
.‬وفي‬
‫ابتعاٍد غيِر مألوف عن أعراف عصره‪ ،‬أسقط ليوناردو اإلشا ارِت إلى دراسة المعاني
الخفية لألعداد‬
‫[‪ ،]numerology‬وكان أكثَر ِم ن مستعد لالعتراف بمساهمات العرب في فنه]‪
.[482‬يقول‪:‬‬
‫"ثمة‪ ،‬في حل المسائل‪ ،‬طريقٌة يستخدمها العرب تدعى ’الطريقة المباشرة‘‪
،‬وهي طريقٌة قِّيمة وجديرٌة‬
‫بالثناء‪ ،‬ألَّن بها ُتَح ل كثيٌر من المسائل"]‪
.[483‬وتطَّر ق في عدٍد من كتبه بالتفصيل إلى بعض‬
‫األحاجي الحقيقية التي طرحها فردريك
عليه وعلى متبارين آخرين في بطوالٍت أقيمت لهم في‬
‫الرياضيات برعاية البالط‪ ،‬لكَّن
أيًا من هذه الكتب لم يحَظ بالشعبية التي حظي بها كتاُب الحساب‬
‫األكثُر
تخصصًا‪.‬‬
‫كذلك طَّو ر ليوناردو ما بات عرف بمتوالية
فيبوناتشي [‪ ،]Fibonacci Sequence‬القائمِة‬
‫ُي‬
‫على حل أحجية تنمية الثروة من األرانب‪ .‬يطرح كتاب
الحساب المسألَة التالية‪" :‬لدى أحدهم زوجان‬
‫من األرانب في مكاٍن مغلق‪
،‬ويريد معرفَة كم سيوَلد له منهما في السنة إذا كانا يستطيعان إنجاب‬
‫زوجي أرانَب في
الشهر‪ ،‬وهذان الزوجان باستطاعتهما إنجاب زوجين آخرين في الشهر الذي يليه‪،‬‬
‫وهكذا"]‪
.[484‬فتبين أَّن نموذَج التوالد العددي الذي أتى به ليوناردو في حله يعالج طائفًة كاملة‬
‫من المسائل العلمية والرياضية‪ .‬واليوم‪ ،‬توجد دوريٌة علميٌة مكرسٌة خصيصًا لتطبيق
هذه المتوالية‬
‫الشهيرة‪ :‬هي فصلية فيبوناتشي [‪
،]Fibonacci
Quarterly‬يستخدمها منذ عقود محللو السوق‬
‫الذين يتعاملون في األسهم والسندات وغيِرها من
األدوات المالية‪.‬‬
‫شَّك ل عهد فردريك‪ - ‬الذي ُتوج سنة
‪ 1198‬وهو ابُن أربع وتوف سنة ‪ - 1250‬محطًة هامة‬
‫َي‬
‫على الطريق في رحلة الغرب
الطويلة إلى التطورات العلمية العظيمة في القرن السابع عشر‪ .‬ولعل‬
‫ثان
"السالطين المعمدين" هذا يكون أوحَد زمانه بين الحكام األوروبيين في السعي
لتأسيس نظرته‬
‫َي‬
‫إلى العاَلم على العقل‪ ،‬وهي سمٌة مميزة للمنهج العلمي القادم‪ .‬وقد
كان هذا النهج في صميم قرار‬
‫اإلمبراطور إبطاَل نظاِم المحاكمة بالتعذيب؛ ذاك الذي
سخر منه أسامة بن منقذ‪ ،‬المعلُق السوري‬
‫على الحمالت الصليبية المبكرة‪ .‬فقد خُلص
فردريك إلى أنه ال يقود إلى الحقيقة وال يمكن تبريُره‬
‫بالعقل]‪
.[485‬وفي رسالته األصيلة عن الصيد بالصقور‪َ ،‬يمضي فردريك أبعَد بكثير مما مضى‬
‫إليه
آديالرد أوف باث في دراسته السطحية نوعًا ما لهذا الفن قبله بنحو مائة سنة وذلك
بإدخال‬
‫مادٍة من مصادَر عربية وِم ن أحدث ترجمات مايكل سكوت عن أرسطو وابن سينا في
علم الحيوان‪.‬‬
‫فهو ُيدِخ ل‪ ،‬مثًال‪ ،‬إلى الغرب تقليَد العرب في تغطية رؤوس الصقور‪
،‬ويعود إلى الخبراء المصريين‬
‫في محاولِة حضانة بيوض النعام بح اررة الشمس]‪
.[486‬وكآديالرد‪ ،‬حرر فردريك نفَس ه من "لجام"‬
‫النقل؛ فكان اإلمبراطور أكثَر من
مستعد لتصحيح حتى أرسطو نفسه عندما كانت مالحظاُته‬
‫الخاصة أو تجربُته الواسعة في
الصقور تستدعي ذلك]‪
.[487‬يكتب فردريك بنبرة الثقة نفِس ها التي‬
‫ستسود على نطاٍق أوسَع في الغرب عما قريب‪"
:‬عمُلنا أن نقدَم األشياء كما هي"]‪.[488‬‬
‫لم يكن لفردريك من معاصريه متعاطفون كثر مع
ميله العلمي واعتماِد ه على العقل‪ .‬فقد كال له‬
‫البابا غريغوري التاسع‪ ،‬الذي تصارع
معه على السلطة والنفوذ في كل منعطف‪ ،‬اتهامًا مر ًا‬
‫ير بأنه‬
‫يستخف بتعاليم الكنيسة‪
،‬ومن ثم بسلطة البابا‪ ،‬وأنه ال يقبل إال ما يمكن إثباُته بالعقل]‪.[489‬‬
‫وتحصي له الحكاياُت الشعبية‪ - ‬التي لفقها له أعداؤه الكثر‪ ،‬كالكاهن
الفرانسيسكاني ساليمبيني من‬
‫ِت‬
‫القرن الثالث عشر‪ ،‬الذي كان يكره اإلمبراطور‪
- ‬شطحا ه العلميَة المفتَر ضة‪ .‬تقول إحداها إَّن الملَك‬
‫أمر بتنشئة األطفال في جو من
السكون التام ليعرَف هل سيتحدثون عندما يكبرون العبرية أم ال‪،‬‬
‫التي كان ُيَظ ن
آنذاك أنها لغُة اإلنسان "الطبيعية"‪ .‬وتقول حكايٌة ثانية إَّن
اإلمبراطوَر أمر بأن ُيترَك‬
‫أحُد المحكومين باإلعدام ليختنَق في غرفٍة محكمِة
اإلغالق‪ُ ،‬تفتح في ما بعد لرؤية هل خرجت‬
‫روُح ه بعد الموت من الغرفة المغلقة أم لم
تخرج‪.‬‬
‫كذلك كان فردريك قارئًا نهمًا‪ ،‬ال يتحرج من
أن يأخَذ حاجته من العلماء على أي تقليٍد كانوا أو‬
‫دين‪ :‬مسلمين كانوا أم يهودًا أم
مسيحيين شرقيين‪ ،‬بانفتاٍح ال بد من أنه صدم رجَل الكنيسة المذكوَر‬
‫ذاك الجالَس
بروما‪ .‬فالخوُف من التغيير‪ ،‬الذي شل عمليًا العقَل المسيح الجماعي في العصور‬
‫َي‬
‫الوسطى قرونًا متتالية‪ ،‬كان غيَر موجود في التركيبة العقلية لفردريك]‪
.[490‬فهو يقول عن نفسه‬
‫إنه كان تواقًا إلى المعرفة منذ الطفولة‪" ،‬أتنشق وال أمّل
عطوَرها اللذيذة"‪ .‬هذه الطبيعُة المنفتحُة‬
‫ٍة‬
‫والفضوليُة ذاُتها‪ ،‬المصطبغُة
بحماس طلقة وعقٍل واسِع األفق‪ ،‬هي التي َأمَلت عليه ما ُس مَّي‬
‫’المسائل الصقلية‘
[‪ ،]Sicilian Questions‬وهي سلسلُة تساؤالٍت فلسفيٍة وميتافيزيقيٍة وعلميٍة‬
‫محّيرة
طرحها فردريك بحماسة على شبكة علمائه الواسعة الذين كان يراسلهم وأكثرهم كانوا‬
‫عربًا]‪
.[491‬وكان من بين الموضوعات المطروحة ما له عالقٌة بالبصريات‪ِ - ‬لَم يبدو جسٌم ما‬
‫منحنيًا عندما ُيغَم ر جزئيًا بالماء؟‪ - ‬وماذا عن حجم وبنية الكون؟‬
‫شكك بعُض العلماِء العرب الذين كان يراسلهم
فردريك في عمق فهِم ه بعَض المسائل الفلسفية‪،‬‬
‫ومع ذلك تظل حقيقُة أن اإلمبراطور كان
اسمًا مهمًا في التطور العلمي للغرب؛ ال أقله ألنه أظهر‬
‫روحيَة بحٍث جديدة
وانفتاحًا ثقافيًا حطم قرونًا من العزلة الفكرية الطوعية‪ .‬وقد َر سمت مسائُله‬
‫الصقليُة حدوَد ساحٍة من أكبر ساحات الصراع الذي أطلقت شرارَته أعماُل المفكرين
العرب األوائل‬
‫بين الالهوتيين المسيحيين التقليديين وجيٍل جديد من الفالسفة
الغربيين‪ ،‬يقول‪" :‬يقول أرسطو الحكيم‬
‫ويبين في جميع كتاباته أَّن العالَم
قديم‪ .‬فإن كان يبرهن على ذلك‪ ،‬فما برهاُنه عليه‪ ،‬وإن لم يكن‪،‬‬
‫فكيف يفكر في هذه
المسألة؟"]‪.[492‬‬
‫وكان فردريك قبل ذلك قد طرح سؤاًال مشابهًا
على مايكل سكوت‪ .‬وال ُيعَر ف هل كانت إجابُة‬
‫مستشاره العلمي الغامض مقنعًة له أم
غيَر مقنعة‪ ،‬لكن ما من شك في أن هذا الفضوَل الشديد حول‬
‫الموضوع منشؤه آخُر ما وصل
إلى بالطه من الفكر الفلسفي العربي‪ .‬هنا‪ ،‬أيضًا‪ ،‬كانت مساعدُة‬
‫مايكل حاسمة‪ ،‬فقد
تالشى سوُء سمعته كساحر أمام قوِة وديمومِة أمواِج الصدمِة المنبعثِة من‬
‫ترجمِت ه
أعماَل ابِن رشد‪ ،‬واسطِة عقِد الفالسفة العرب البارزين في العصور الوسطى‪ .‬كان
الالتين‬
‫ينادون ابَن رشد ‪ ،Averroes‬لكَّن شروَح ه على فلسفة أرسطو كانت من أهميتها لفهم الغرب‬
‫الناشئ
للعلم والطبيعة وما بعد الطبيعة أن صار يلَّق ب ببساطة ’الشارح‘‪.‬‬
‫جمع ابُن رشد‪ ،‬الذي كان أبوه وجُد ه قاضيين
معروفين بقرطبَة األندلس‪ ،‬بين التعليم العربي‬
‫يسير بعلم الفلك ‪ - ‬وبين الفطنة السياسية‬ ‫ًا‬ ‫الرفيع ‪ - ‬إذ درس الطب والفقه بل
واشتغل أيضًا شيئًا‬
‫المنتقلِة إليه
من خبرة عائلته الطويلة في أرفع مناصب الدولة والدين‪ .‬وبالرغم من تشكك السواد‬
‫األعظم من فقهاء المسلمين المحليين في الفلسفة‪ ،‬من الواضح أَّن ابَن رشد تلقى كذلك
تعليمًا وافيًا‬
‫في هذا الفرع المعرفي الذي تسرب إلى األندلس شيئًا فشيئًا من بالد
اإلسالم في الشرق‪ .‬واتباعًا‬
‫لتقليد العائلة‪ ،‬عمل ابُن رشد قاضيًا إلشبيلية‪ ،‬من
‪ 1169‬إلى ‪ ،1172‬ثم ُع ِّي ن قاضي قضاة‬
‫قرطبة‪.‬‬
‫شكلت أعماُل ابِن رشد لقّراِئ ه الغربيين‪
،‬الذين كانوا يميلون إلى مواقِفِه الرقيقِة في الغالب من‬
‫تأثير فيهم‬
‫ًا‬ ‫استنتاجاتهم المتطرفة
أشَّد التطرف‪ ،‬تجربًة جديد كاشفة‪ .‬ومن أشد تعاليِم ِه الفلسفيِة‬
‫ًة‬
‫إص ارُره على القول بِقدم العالم‪ ،‬بخالف الفهم التقليدي اإلسالمي والمسيحي واليهودي
القائل بأن هللا‬
‫خلق الكون وقَت شاء وأخضع كَل شيٍء فيه لمشيئته‪ .‬على أي حال‪ ،‬هذا
ما يخبرنا به سفر‬
‫التكوين‪" :‬في البدء‪ ،‬خلق هللا السماوات واألرض"‪َ
.‬ف ِه َم المسيحيون من هذا وِم ن قبلهم اليهود ثم‬
‫المسلمون أَّن للكون َم بدءًا وأنه
ُخ لق من "عدم"‪ .‬بخالف ذلك‪ ،‬يشرح ابُن رشد أرَي أرسطو القائل إَّن‬
‫الزماَن والمادَة كليهما أزليان وأَّن الخالَق ببساطة صَّيَر العالم صيرورًة
جارية‪.‬‬
‫ِع‬ ‫قبل قرون‪ ،‬قال القديس أوغسطين [‪430-354‬‬
‫م]
ساخر إَّن في جهنَم مكانًا ُأ َد لكل من َج ُر َؤ‬
‫ًا‬
‫على التساؤل عما كان هللا يفعل
قبل الخلق]‪
.[493‬لكَّن جيَش أتباع ابن رشد المتعاظَم في الغرب‬
‫ما كان ليصَد ه قوٌل كهذا‪ .‬وكان
آديالرد أوف باث أجاز للعاَلم المسيحي اكتشاَف الكون‪ .‬وها هو ذا‬
‫اآلن ابُن رشد
يفتح الباب‪ ،‬عبر مايكل سكوت‪ ،‬لعاَلٍم جريٍء جديد‪ .‬فعند هذا المفكِر العربي‪،‬‬
‫كأرسطو
قبَله‪ ،‬أَّن َهللا خلق الكون لكنه ترك لإلنسان أن يشَق طريَق ه الخاَص به فيه‪.‬‬
‫وقد كان لمبدأ ِقَد م العاَلم تاريٌخ طويل
في المسيحية‪ .‬فالديُن المسيح نفُس ه ُو لد في عاَلٍم كان ال‬
‫ُي‬
‫يزال واقعًا تحت سيطرة
الفلسفة اليونانية‪ ،‬وانتشر أوَل ما انتشر في محيط الثقافة اليونانية‪ .‬لذلك‪،‬‬

أمر مهمًا للكنيسة األولى أن تتبنى وتحفَظ ما استطاعت من هذا اإلرث الكالسيكي
الغني‬ ‫كان ًا‬
‫وخاصًة حيث يمكن استخداُم ه لدعم ادعائها بحقيقة الوحي المنَّز ل على المسيح‪
.‬لكَّن مشكلَة ِقَد م‬
‫العاَلم العويصَة تلك‪ ،‬وقد حجبها تعقيُد كتاباِت المرجعيات
اليونانية الكبيرة‪ ،‬نامت أو كادت قرونًا‪.‬‬
‫وعندما كانت تستيقظ وُتدَر س‪ ،‬كان آبا
الكنيسة وبعُض الالهوتيين المسيحيين المتأخرين يتآمرون‬
‫ُء‬
‫في الحقيقة للتوكيد‪ ،‬بالرغم
من ثبوت العكس‪ ،‬على أَال تعار حقيقيًا بين الكتاب المقدس وفلسفِة‬
‫َض‬
‫أرسطو الطبيعية]‪.[494‬‬
‫لم يكن االصطداُم الفعلي مع العالم الطبيعي
ممكنًا إال بعد أن بدأ نسُج الخياِل الفكري هذا‬
‫ينسل‪ ،‬لكن كان على المسيحية أوًال
أن تستمسَك بهدي المفكرين العرب في محاوالتهم التوفيَق بين‬
‫متطلبات الفلسفة ومتطلبات
اإليمان الديني‪ .‬يعترف الكندي الفيلسوف بأنه لليوناِن مدين‪ .‬لكنه يبين‬
‫كذلك أَّن
المفكرين العرب كانوا مصممين على تطوير الحكمة القديمة وتكييِفها الحتياجات
الثقافة‬
‫اإلسالمية‪" :‬يَح سن بنا‪ ،‬إذا كنا ِح راصًا على تتميم نوعنا‪ - ‬إِذ
الحُق في ذلك‪ - ‬أن َن لزَم في كتابنا‬
‫هذا عاداِت نا في جميع موضوعاِت نا ِم ن
إحضار ما قال القدماء في ذلك قوًال تامًا على أق ِد ِلِه‬
‫َص ُس ُب‬
‫وأسهِلها سلوكًا على
أبناء هذه السبيل‪ ،‬وتتميِم ما لم يقولوا فيه قوًال تامًا‪ ،‬على مجرى عادِة اللسان‬
‫وُس نِة الزمان‪ ،‬وبقدر طاقتنا"‪.‬‬
‫ثم يمضي الكندي إلى بيان أَّن "البحث‪
،‬والمنطق‪ ،‬والعلوم التمهيدية‪ ،‬وطول الدرس" هي السبيُل‬
‫األوحُد للبشر ‪ - ‬غيِر
أولي الوحي اإللهي ‪ - ‬إلى المعرفة]‪ .[495‬وقد
ثبت للعلماء الالتين في‬

كثير من هذا النقاش الذي كَّد ر‬
‫ًا‬ ‫أواخر العصور الوسطى ما لهذا الكالم من قيمٍة هائلة‪ ،‬ألَّن‬
‫جامعتي باريس وأكسفورد وغيَرهما من مراكز
التعاليم الكنسية كانوا قد أِلفوه بالفعل‪ .‬وكُل ما كان‬
‫عليهم أن يفعلوه أن يفقهوا
النصوَص العربية ثم يواصلوا السير على هديها‪.‬‬
‫كانِت التعاليُم اليونانية حول أصول الكون
ُتصاغ غالبًا بلغٍة صعبٍة ولم تكن تخلو تمامًا من‬
‫إبهام‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ثمة مقاطُع في أعمال
أرسطو الرئيسة تعِّب ر بوضوح عما كان يجول في رأسه‪ .‬فهو‬
‫يقول مثًال‪ ،‬في ما بعد
الطبيعة‪" :‬هناك شيٌء يتحرك دومًا حركًة متصلة؛ لكَّن هذه حركٌة مستديرة‪.‬‬
‫هذا واضح‪ ،‬ال من العقل فحسب [إذ يلزم أن تكوَن الحركة مستديرة كي تكوَن متصلة]‪ ،‬بل
ومن‬
‫ِت‬
‫الشيء ذا ه‪ .‬وهكذا فالسماُء األولى أزلية‪ .‬ويلزم من ذلك وجوُد محِّر ك‪ .‬لكن‪
،‬لَّم ا كان هناك متحرٌك‬
‫ومحرك‪ ،‬ووسٌط يقوم بينهما‪ ،‬لزم من ذلك وجوُد شيٍء يحرك وال
يتحرك‪ ،‬أي سرمد‪ ،‬وهو جوهٌر وقوة"‬
‫]‪ .[496‬هذا
هو [مفهوُم ] ’المحرك الذي ال يتحرك‘ الشهيُر عند أرسطو‪ .‬أما المضاميُن الكاملة‬
‫لوظيفته‪ - ‬إن هي ُفِه مت تمامًا في حينه‪ - ‬فإما أنها لم تجد سبيَلها حقًا
إلى الوعي المسيحي أو تم‬
‫تجاهلها ألن ذلك كان مناسبًا [في حينه]]‪.[497‬‬
‫عند أرسطو‪ ،‬كانت مسألُة ِقَد م العالم كُلها
مرتبطًة بتصور الالنهاية والزمن‪ ،‬وقد عَّر ف أرسطو‬
‫هذا األخيَر بأنه مقياُس األجرام
المتحركة‪ .‬هنا‪ ،‬شعر أوغسطين وبعُض المفكرين المسيحيين‬
‫المتأخرين بأَّن لديهم
متسعًا للمناورة لتبرئة أرسطو من تهمة إنكاِر كالِم هللا‪ ،‬كما ورد في سفر‬
‫التكوين‪
.‬فقالوا إَّن العاَلَم لم ُيخلق "في زمان" بل "مع الزمان"]‪.[498‬‬
‫ِم ن األعمال األولى التي كانت ستزعزع رضا
المسيحيِة عن نفسها كتاباُت ابِن سينا الفارسي‬
‫متعدِد الثقافات غزيِر اإلنتاج‪
،‬الذي كان يتمتع بشعبيٍة عظيمة بين الفالسفة والالهوتيين الغربيين‬
‫حتى وقٍت متأخر
من القرن الثالث عشر وما يليه‪ .‬من أهم تلك األعمال مطارحاُته في ما بعد‬
‫الطبيعة
وفي النفس‪ ،‬المقتبسُة من مؤَلفه الشامل كتاب الشفاء الذي استهله سنة ‪.[499]1021‬‬
‫ُترجمت هذه االقتباسات إلى الالتينية أول ما ُترجمت بطليطلة قبل ‪ ،1166‬لكنها
استغرقت وقتًا‬
‫طويًال قبل أن ُي لَم س أثُرها الكامل‪ ،‬شأُنها في ذلك شأُن أغلب
الترجمات األخرى ألمهات النصوص‬
‫العربية‪ .‬وقد ُنسخ أكثُر من مائة مخطوطة التينية
حية لكتابات ابن سينا في الفلسفة بعد ‪1250‬؛‬
‫وهو عدٌد يعادل ثالثَة أمثال عدِد
المخطوطات التي كانت ُتتداول قبل ذلك التاريخ‪ ،‬بالرغم من َس بِق‬
‫المائة عام الذي
حظيت به]‪.[500‬‬
‫كان في تعاليم ابن سينا الكثيُر مما يستحق
أن يوَص ى به المفكرون المسيحيون‪ .‬ففي مواجهة‬
‫الَم همة المرعبة المتمثلِة في إع ارِب
عمِل أرسطو نفِس ه في الموضوع‪ ،‬ال سيما عمله المبهم شديد‬
‫اإلبهام‪ :‬ما بعد
الطبيعة‪ ،‬بدا أَّن ابَن سينا يقدم طريقًة أليفًة ِلَط رِق مادٍة على تلك الدرجة
العالية من‬
‫التعقيد‪ .‬يقول هو نفُس ه إنه ق أر كتاب ما بعد الطبيعة أربعين مرة ‪
- ‬ما يكفي لحفظه عن ظهر‬
‫قلب‪ - ‬لكنه لم يفهِم الغرَض الحقيق لواضعه إال بعد أن
عثَر في سوق الوراقين على دليٍل موجٍز‬
‫َي‬
‫إليه لسلفه أبي النصر الفارابي‪ .‬يقول‪"
:‬ورجعت إلى بيتي وأسرعُت قراءَته فانفتحت علَّي
في الوقت‬
‫أغ ارُض ذلك الكتاب؛ بسبب أنه كان لي محفوظًا عن ظهر قلب‪ ،‬وفرحُت بذلك‪
،‬وتصدقُت في ثاني‬
‫يوم بشيٍء كثير على الفقراء‪ً ،‬ا‬
‫شكر هلل تعالى"]‪.[501‬‬
‫ُيعِّر ف ابُن سينا "زبدة"[ترجمة
عكسية] علِم ما بعد الطبيعة بأنها إثباُت وجوِد ِهللا وصفاِت ه‪ ،‬وهو‬
‫مفهوٌم كان
سيحظى بتأييٍد حماسي من قرائه المسيحيين الجدد‪ .‬وكمسلم‪ - ‬ومن َثم كموحٍد
ملتزم‪- ‬‬
‫كان ابُن سينا بطبيعة الحال أكثَر بكثير اهتمامًا من أرسطو الوثني
لربط علم ما بعد الطبيعة‬
‫بالتعرف إلى هللا‪ .‬لكنه بفضل الدعم الذي سيَق إليه من حيث
ال يحتسب من كتاب الفارابي‬
‫التمهيدي‪ ،‬وَّس ع ابُن سينا كذلك مفهوَم ما بعد الطبيعة
ليشمَل التقليَد األرسط كَله والفقه‬
‫َي‬
‫اإلسالمي]‪
.[502‬وطوال الوقت‪ ،‬كان ابُن سينا يحاول التوفيَق بين الفلسفة والقناعاِت الدينية‬
‫األساسية‪ ،‬وهي مبادُئ كانت تلتقي مع كثيٍر من شواغل المسيحية في العصور الوسطى‪ ،‬ال
سيما‬
‫التمييز بين اإلله السرمدي التام في بساطته [المنزه عن التركيب]‪ ،‬وبين عاَلم
األشياِء الماديِة‬

‫كثير من المعارضة في الشرق والغرب‬ ‫الناقص]‪


.[503‬وحقيقُة أَّن هذه المحاولَة أثارت في النهاية ًا‬
‫ال يمكن أن تحجَب قيمَتها األصليَة أو التأثيَر الكبير الذي مارسته طيلة الحقبة
األخيرة من العصور‬
‫الوسطى‪.‬‬
‫أما تعاليُم ابِن سينا في النفس‪ ،‬وعلم
النفس عمومًا‪ ،‬فقد دخلت هي أيضًا التقليَد الغربي من‬
‫خالل دراساِت ه الغزيرة في
الطب وعلم األحياء‪ .‬وقد استوعب مايكل سكوت‪ ،‬الذي َترجم عن ابن سينا‬
‫رسالَته في
الحيوان‪ ،‬آ ارَء الفيلسوف في سياق عمله هو كطبيب‪ .‬واختار أن يتبنى أفكاَر ابِن
سينا‬
‫في الَم َلكات الحسية‪ ،‬والتمييِز بين اإلدراك والحركة‪ ،‬والفرِق بين العقل
العملي [الذي َيعقل من خالل‬
‫التجارب الحسية] والعقِل العاِلم [العقل النظري
المجرد] لإلنسان]‪
.[504‬أَّم ا كتاُب ابِن سينا الشامل‬
‫القانون في الطب‪ ،‬فقد احتوى على إسهاماٍت
مهمة في النهج العلمي‪ ،‬من ذلك المالحظاُت السريريُة‬

‫‪
.‬كذلك كشف عن عاَلٍم يستطيع فيه المرء أن يفهَم بل يستخدَم‬
‫الدقيقة لمختلف األمراض]‪[505‬‬
‫قوانَين الطبيعة لخيره
الخاص‪ ،‬وهي خاصيٌة أساسية سُيعَر ف بها عاَلَم الِع لِم الغربِي الجديد]‪.[506‬‬
‫وكان تأثيُره من القوة أَّن تهافَت الفالسفة ألبي حامد الغزالي‪ ،‬أول
مؤَّلٍف يهاَج م فيه ابُن سينا وربما‬
‫يكون من األعمال المهمة في الفقه اإلسالمي في
العصور الوسطى‪ ،‬كان يحسبه الغرُب عمومًا‬
‫توكيدًا آلراء ابن سينا الفلسفية]‪.[507‬‬
‫عند ابن سينا‪ُ ،‬هللا وحَد ه الذي ال علَة
له؛ وأنه وحَد ه واجُب الوجود وكُل ما عداه وجوُد ه عنه‪.‬‬
‫وأَّن كوَنه واجَب الوجوِد
بذاته أطلق سلسلَة حوادث من خالل سلسلِة وسائَط عاقلة [كائنات ُع لوية أو‬
‫عقول]‪
،‬أوجدت بدورها األج ارَم السماوية والعاَلَم األرضي أحسَن ما يكون اإليجاد‪ .‬وقد قدمت
هذه‬
‫الفكرُة‪ ،‬المنتقلُة من أواخر الُش َّراح اليونان في القرن الثالث إلى أسالف
ابِن سينا ِم ن الفالسفة العرب‬
‫[ال سيما الفارابي]‪ ،‬بع الطمأنة للمسلمين واليهود
والمسيحيين على السواء‪ :‬فهي ُترِج ع كل شيٍء‬
‫َض‬
‫في العالم إلى مصدٍر أوحد‪ ،‬وتوفر نوعًا
من اإلطار المعقول للخلق]‪
.[508‬لكَّن ابَن سينا يرى أَّن‬
‫ِم‬
‫ن مقتضيات الربوبية [أي الُبرء عن األين والَم تى‪
]...‬أال يكوَن العاَلُم حادثًا في زمان [ألن الزماَن‬
‫ُو ِج د مع العاَلم‪ ،‬أي ُخ ِلق معه]؛
وأَّن خلَق العالم ليس‪ ،‬كما ُيستَش ف من القراءات الشائعة للكتاب‬
‫المقدس‪ِ ،‬فعَل
إرادٍة إلهية فكرُة الخلق وفعُل الخلق فيه منفصالن زمنيًا الواحُد عن اآلخر‪ .‬ينتج
من‬
‫ذلك بالتالي أن العاَلم قديم لكنه "مخلوق" من حيث أنه يعتمد [في
وجوده] على العلة األولى‪،‬‬
‫المرادفِة هنا هلل]‪.[509‬‬
‫انتقاُد الغزالي الالذُع للقوِل بِقَد م
العالم إنما هو توكيٌد لطالقِة القدرِة اإللهية في وجِه ما يرى أنه‬
‫اجت ارٌء من ابن
سينا على الذات اإللهية بتقييِد حريِت ها في التصرف‪ .‬هنا‪ ،‬ال بد من أَّن الفقهاء‬
‫التقليديين قد شعروا أنهم يقفون على أرٍض صلبٍة من الكتاب‪ ،‬ألنه كان في استطاعتهم
االستناُد إلى‬
‫ظاهر النصوص لدعم حججهم أَّن َهللا يعلم كَل شيء علمًا مطلقًا )‪َ
...‬ال َيْع ُز ُب َع ْن ُه ِم ْثَق اُل َذ َّرٍة ِفي‬
‫الَّس َم اَو اِت َوَال ِفي اَألْر ِض ‪(
(...‬سبأ‪ .)3 :‬عند الغزالي‪ ،‬يعني مثُل هذا العلم وما يالزمه من قدرة أن‬
‫العاَلَم
صيرورٌة متواصلة من الخلق اإللهي المتجدد‪ ،‬وأَّن َهللا ُيعيد في كل لحظة ترتيَب
الذرات التي‬
‫يتكون منها العاَلم‪ .‬فالحقيقُة هي سلسلٌة متصلٌة من الحقائق
"الجديدة"‪ ،‬خلق هللا كًال منها بإرادته ولم‬
‫ُتمِل أيًا منها الضرورة‪
.‬يقول الغزالي [بعبارٍة أخرى في التهافت]‪ ،‬فإِن احترقت كرُة قطن عند رميها‬
‫في النار‪ ،‬فما ذاك إال ألَّن َهللا في تلك اللحظة أراد لها أن تحترق‪ ،‬ال ألَّن
اإلح ارَق نتيجٌة الزمة‬
‫وطبيعية لرميها في النار‪ .‬فمفهوُم نا للسبِب والمسَّبِب وهم‪.‬‬
‫لعل ِم ن حسن حظ الغزالي وِم ن سوئه كذلك أنه
أتى بعد أهم خصومه‪ ،‬ممَثًال في شخص ابِن‬
‫سينا‪ ،‬ولكن قبل ثاني هؤالء الخصوم‪ ،‬ممثًال
في شخص ابِن رشد العقالني‪ .‬لكَّن الغزالي توّق ع‪ ،‬على‬
‫درجٍة ملفتٍة من الدقة‪ ،‬في تهافت
الفالسفة الكثير من المجادالت التي ستظهر في األعمال القادمة‬
‫البن رشد‪ ،‬ال
سيما رده المباشر الالذع على الغزالي في تهافت التهافت‪.‬‬
‫لم يكن فردريك الثاني‪ ،‬أعجوبة العالم [‪ ،]stupor mundi‬الحاكَم األوحَد في العصور‬
‫ِق‬
‫الوسطى الذي
أَّر قته فكرُة َد م العاَلم‪ ،‬فقد طرح حاكُم األندلس المسلم قبله بخمسين سنة
سؤاًال آخَر‬
‫مشابهًا‪ ،‬أدى إلى وضع شروٍح ألعمال أرسطو ستزعزع األسَس الفكريَة
للمسيحية‪ .‬ففي وقٍت ما‬
‫حوالي سنة ‪ُ ،1168‬أدِخ ل ابن رشد إلى حضرة السلطان‪ ،‬أبي
يعقوب يوسف‪ .‬فارتاع أن وجد نفَس ه‬
‫ُم ساقًا إلى مناقشة السلطان مسألَة الخلق‪ .‬وكان
أبو يعقوب قد أمضى سنواِت ه األولى حاكمًا‬
‫إلشبيلية‪ ،‬حيث انغمس في كبرى مكتبات تلك
المدينة وأحاط نفَس ه بالعلماء والحكماء‪ .‬وعندما تسلم‬
‫السلطنَة سنة ‪ 1163‬صار في
وضٍع يتيح له إطالَق العنان الهتمامه الشخصي الدائم على نحٍو‬
‫أكثر علنيًة نوعًا
ما‪ .‬يستذكر ابُن رشد في ما بعد فيقول‪" :‬فكان أوَل ما فاتحني به أميُر
المؤمنين‬
‫بعد أن سألني عن اسمي واسِم أبي ونسبي أن ُق ل لي ما أرُيهم في السماء
يعني الفالسفة؟ أقديمٌة‬
‫هي أم حادثة؟"]‪.[510‬‬
‫كانت هذه ساحًة خطرة‪ .‬فالفلسفُة‪ ،‬بل
وخصُم ها الالهوت‪ ،‬لم يتمتعا قط بأكثَر من تأثيٍر طفيف‬
‫في الحياة الفكرية في
األندلس‪ ،‬التي بقيت مدًة طويلة تحت تأثير المدرسِة المالكيِة المحافظة في‬
‫الفقه‪
،‬الذي أعلن مؤسُس ها في يوٍم من األيام أَّن الحكمَة البشرية ال تملك أن تتخطى
القرآَن والسنة‪:‬‬
‫"العلُم ثالثة‪ :‬كتاٌب ناطق‪ ،‬وسنٌة ماضية‪ ،‬وال أدري"]‪
.[511‬ونتيجة ذلك‪ ،‬عمل العلماُء عمومًا في‬

‫تكتم‪ ،‬أو في حماية الحكام المحليين‪ ،‬الذين


حموهم من رقابة السلطات الدينية‪ .‬فلم يَر هؤالء الفقهاُء‬
‫المحافظون حاجًة إلى علم
اإللهيات‪ ،‬دع عنك الفلسفة‪ .‬حتى كتُب الغزالي [اإلحياء]‪ - ‬الذي ُيعتبر‬
‫اليوم المدافَع األكبر عن اإلسالم التقليدي في وجه الفالسفة العرب واليونان‪ُ
- ‬أحِر قت بتوجيٍه من‬
‫الفقهاء المحافظين‪ .‬وقد قارن أحُد الفالسفِة األندلسيين‪[ ،‬وهو
ابن باجة] المعروُف عند الالتين باسم‬
‫‪Avempace‬؛ نفَس ه مرًة بالنبتة
المنفردة ‪"[ - ‬النابت المفرد"] ‪ - ‬غيِر المرغوبة‪ ،‬والمنعزلة‪،‬‬
‫ومهضومِة الَق در]‪.[512‬‬
‫بدأت المسائُل تتحسن نوعًا ما مع وصول
ساللِة الموحدين البربر من شمال أفريقيا‪ ،‬التي بدأ‬
‫مؤسُس ها ابُن تومرت بهدوء يخفف
من القيود المفروضة على علم اإللهيات بل الفلسفة‪ .‬وكان ابُن‬
‫تومرت يعتقد بالتفسير
الحرفي للقرآن ولم يكن لديه وقٌت للتفسيرات االستنباطية للمدارس الفقهية‪،‬‬
‫كالمالكية‪ ،‬التي نشأت حول النصوص الدينية‪ .‬فعنده‪ ،‬أَّن اإلنساَن ُم نح العقل ليعقَل
العلَم الديني‪.‬‬
‫وقد اعتقد ابُن تومرت وغيُره من المفكرين المسلمين الذين كانوا
يرون ما يرى أن العقَل والوحي‬
‫متتامان وال َتعارَض بينهما البتة‪ .‬فالعقُل أساُس
االعتقاد بالوحي‪ .‬وبالتالي‪ ،‬ففي استطاعة العقل‬
‫إثباُت وجود هللا]‪
.[513‬ومع ذلك‪ ،‬ظل زعيُم الموحدين وَم ن أتى بعده متحفظين في العلن مخافَة‬
‫إغضاِب
الفقهاِء األقوياء‪.‬‬
‫إذًا‪ ،‬ال عجَب أِن ارتاَع ابُن رشد لـّم ا
فتح السلطاُن معه موضوعًا محرمًا كِقَد م العاَلم‪" :‬فأدركني‬
‫الحيا والخوف
وأخذُت أتعلل وُأنكر اشتغالي بعلم الفلسفة"‪ .‬لكَّن الذي قَّد م ابَن رشد إلى
البالط كان‬
‫صديَق ه ومعلَم ه ابن طفيل‪ ،‬فيلسوف وطبيب السلطان‪[" ،‬ففهم أميُر
المؤمنين مني الروَع والحيا‬
‫فالتفت إلى ابن طفيل و] جعل يتكلم على المسألة"
نفِس ها‪ ،‬مبديًا معرفًة واسعًة بها‪" .‬ولم يزل‬
‫َيبُس طني حتى تكلمت فعرف ما عندي
من ذلك‪ .‬فلما انصرفت أمر لي بماٍل وخلعٍة سنية ومركب"‬
‫]‪.[514‬‬
‫حين قابل ابُن رشد السلطان‪ ،‬كان قد ألف من
قب كتبًا في الحكمة والشريعة‪ ،‬إلى جانب كتاٍب‬
‫ُل‬
‫مدرسي كبير في الطب‪ ،‬القى لقرون
رواجًا عظيمًا لدى األطباء المسيحيين واليهود والمسلمين‪.‬‬
‫وسيصبح بعد سنوات طبيَب
السلطاِن الخاص محَل صديقه ابِن طفيل الذي طعن في السن‪ .‬لكَّن أبا‬
‫يعقوب كلفه
أوًال بمهمٍة مصيرية‪ ،‬كان فيها ابُن طفيل وسيطًا‪ .‬ينقل تلميُذ ابِن رشد عنه أنه
قال‪:‬‬
‫"استدعاني أبو بكر بُن طفيل يومًا فقال لي‪’ :‬سمعُت اليوم أميَر المؤمنين
[السلطان أبا يعقوب]‬
‫يتشكى من قلِق عبارة أرسطوطاليس أو عبارِة المترجمين عنه
ويذكر غموَض أغ ارِض ه ويقول لو وقع‬
‫لهذه الكتب من يلخصها ويقِّر ب أغ ارَض ها بعد أن
يفهَم ها فهمًا جيدًا لقَّر َب مأخَذ ها على الناس‘"‪ .‬فما‬
‫ِم‬
‫كان ن ابن طفيل إال
أن أوصى السلطاَن أن يعهَد بالمهمة إلى ابِن رشد‪ ،‬الذي التقط عرَض‬
‫الرعايِة
الملكية لعمله الفلسفي‪" ،‬فكان هذا الذي [َح َم له] على تلخيص ما [لخصه] من كتب
الحكيم‬
‫أرسطوطاليس"]‪.[515‬‬
‫وبالرغم من الئحة أعبائه الكاملة كقاٍض ‪
،‬أكب ابُن رشد على مشروع أرسطو‪ .‬وبما حصل عليه‬
‫من دعٍم سياسٍي ومالي من السلطان‪
،‬أتم ثالثَة أشكال من األعمال المكرسِة لشرح نصوِص أرسطو‬
‫لقرائه المسلمين‪ ،‬هي‪
:‬المختصرات‪ ،‬التي هي خالصُة أفكاِر أرسطو المركزية؛ وما يسمى الشروح‬
‫سطر‬
‫ًا‬ ‫"الوسطى"‪ ،‬التي تعيد صياغَة النقاط المركزية وتشرحها؛ والشروح
"الكبرى"‪ ،‬التي تعالج النَص‬
‫سطر وتستند إلى طائفٍة واسعة من
الكتابات العربية واليونانية وتفسي ارِت ه هو‪ .‬ويبلغ مجموُع الشروح‬
‫ًا‬
‫التي وصلت إلينا
بالالتينية أو العربية أو العبرية ثمانيًة وثالثين شرحًا تغطي جَل أعمال أرسطو‬
‫الهامة]‪
.[516‬وهي تمثل معًا جهدًا استثنائيًا يكشف عن أرسطو "الحقيقي"‪ ،‬مجردًا من
كثيٍر من‬
‫اإلضافات الخارجية التي أسبغها عليه الش ارُح اليونان المتأخرون‪ ،‬ومن
الميول الباطنية البن سينا‪،‬‬
‫لتوكيد تقليٍد فلسفي أندلسي في مقابل التقليد الفلسفي
اإلسالمي المشرقي]‪
.[517‬وقد كان هذا‬
‫منسجمًا مع ميول ابِن رشد الخاصة وميوِل سالطين الموحدين العقالنيين‪
،‬الذين كانوا مصممين‬
‫على إفساح مكاٍن للعقل بجانب الوحي‪.‬‬
‫يضع هذا ابَن رشد على مساِر تصادم مع
الفقهاء ورجال الدين [المتكلمين]‪ ،‬الذين يَّد عون أَّن‬
‫ِة‬
‫فهَم الفالسف الخلَق ‪ ،‬وما
يصاحبه من قوٍل في السبب والمسَّبب‪ ،‬ينفيان القدرَة عن هللا‪ .‬يقول ابُن‬
‫رشد في رده
على ذلك إَّن َهللا قادٌر على إدراك عاَلِم نا‪ ،‬عاَلِم الكوِن والفساد‪ ،‬من دون
تغيٍر في حالة‬
‫علِم ِه المطلق‪ ،‬ما يجعله محيطًا بالجزئيات‪...‬‬
‫وقد أتاح دفاُع ابِن رشد عن معرفة هللا
بالجزئيات له اإلقامَة على رأيه بِقَد م العاَلم من دون‬
‫تقويض أسِس االعتقاد
اإلسالمي باليوم اآلخر وما يتصل بذلك من مسائل‪ .‬وما "المطارحُة" بين
ابِن‬
‫ِف‬
‫رشد والغزالي في األساس إال هذا النقاش حول الخلق‪ .‬وكالخال على [علِم هللا]
بالجزئيات‪ ،‬آَل‬
‫االشتباُك حول ِقَد م العاَلم إلى مسألة إثبات الصفاِت اإللهية هلل‪
،‬ال سيما صفاِت العلم‪ ،‬والقدرة‪،‬‬
‫واإلرادة‪ .‬وقد استخدم المتكلمون كَل ما في أيديهم
من أسلحة إلثبات تفسيِرهُم الكماَل الربوبي‪ ،‬بينما‬
‫سعى الفالسفة يتقدمهم ابُن رشد
إليجاد حيٍز ميتافيزيقي للعقل وألجل عاَلٍم طبيعي تحكمه قوانيُن‬
‫ثابتة؛ وكال
األمرين مكونان جوهريان للعلم الصحيح‪.‬‬
‫ثم َق َلبت أالعيُب السياسة في العالم
اإلسالمي أواخَر القرن الثاني عشر المي ازَن على ابِن رشد‬
‫ورَّج حت كفَة الالهوتيين‪
.‬فمع التهديد المميت الذي كان يواجهه سالطنُة األندلس البربر من الجيوش‬
‫المسيحية
لشمالي إسبانيا‪ ،‬سعى القصر الستقطاب رجال الدين المسلمين المحافظين والناِس عمومًا‬
‫بمظاهَر من الحماسة الدينية المحافظة‪ .‬فتنَّك ر السلطاُن البن رشد سنة ‪ 1195‬ونفاه
إلى بلدة‬
‫أليسانة [‪ ]Lucena‬قرَب قرطبة التي كان يغلب عليها اليهود‪ .‬وأُح رقت مؤلفاُته
الفلسفية‪ ،‬وَم نعت‬
‫هيئٌة من زمالئه القضاة دراسَة تعاليمه‪.‬‬
‫لم َيُد م نف ابِن رشد الرسم سوى سنتين
قبل أن يستدعيه البالُط الموحدي بمراكش‪ .‬ولم يمهله‬
‫ُي‬ ‫ُي‬
‫القدُر طويًال فتوفي هناك في ‪
9‬ديسمبر ‪ .1198‬وبعد أربعَة عشَر عامًا‪ ،‬تعَّر ض اإلسالُم األندلسي‬
‫لهزيمٍة مصيرية
على يد تحالٍف مسيحٍي قوي في معركة حصن الُع قاب [‪Las Navas
de‬‬
‫‪[ ]Tolosa‬بوادي
ناڤاس قرب بلدة تولوسا]‪ .‬ولم َتُق م لألندلِس المسلمة في حقيقة األمر بعد ذلَك‬
‫قائمة‪ .‬لكن‪ ،‬ال يسع المرَء أن يقوَل الشيَء نفَس ه عن ابِن رشد‪ .‬فخالل نصِف قرٍن
ونيف فقط من‬
‫وفاته‪ ،‬صار النجَم الذي ال يماَرى فيه في دراما فكريٍة راحت تجري
أحداُثها في ’شارع القش‘‬
‫[‪ ]Street of Straw‬بباريس‪ ،‬زقاِق الطلبة
األسطوري الذي يخترق القلَب الالهوتي للعاَلم‬
‫المسيحي الغربي [إضراب سنة ‪ 1229‬الذي
بدأته عصبٌة من الطالب في كارنڤاِل ما قبل الصوم‬
‫الكبير حول دفع أجرة نزٍل جامعي‪
،‬وتفاقم وانتشر وأدى في ما بعد إلى مقتل عدٍد من الطالب‬
‫األبرياء على يد شرطة
المدينة‪ ،‬فأضربت الجامعة وتوقفت الدراسة فيها سنتين‪ ،‬لتفتَح أبواَبها من‬
‫جديد بعد
إصدار البابا غريغوري الرابع (الذي كان أحَد خريجيها) مرسوم "أم العلوم"
(‪Parens‬‬
‫كبير من‬ ‫ًا‬ ‫قدر‬
‫‪ ،)scientiarum‬الذي سماه البعض ’ماغنا كارتا‘ الجامعة‪
،‬والذي منحها ًا‬
‫االستقاللية عن السلطات الكنسية والمدنية ووَض عها
مباشرًة تحت الرعاية البابوية‪ ،‬ومنذ ذلك الحين‬
‫راح يتداعى الحظر على اقتناء ودراسة
كتب أرسطو في الجامعة‪ ،‬بشرح ابن رشد‪ ،‬وههنا الشاهد‪.‬‬
‫لكَّن هذه كانت بداية الدراما
التي سيروي المؤلُف في الفصل التالي بعَض فصولها؛ انظر‪ ،‬مثًال‪،‬‬
‫ريتشارد إي‪
.‬روبنشتاين‪ ،‬أبناء أرسطو‪ :‬كيف اكتشف المسيحيون والمسلمون واليهود من جديد‬
‫الحكمَة القديمة وأناروا عصوَر الظالم (أورالندو‪ ،‬فلوريدا‪ :‬هاركورت‪ 168
،)2003 ،‬فما بعد]‪.‬‬
‫في قيامه بالمهمة السلطانية‪ ،‬أورث ابُن رشد
بجهده الجباِر هذا أوروبا نهجًا عقالنيًا تمامًا إلى‬
‫الفلسفة غَّير المشهَد
الفكرَي الغرب إلى األبد‪ ،‬قبل خمسِة قرون تقريبًا من ديكارت‪ ،‬الذي جعلته‬
‫َي‬
‫عقالنيُتُه الرياضية مرّش َح الغرِب التقليدَي ليكوَن مؤسَس الفلسفِة المعاصرة]‪
.[518‬كان القديس‬
‫أوغسطين قبل قرون قد جعل الفلسفَة تابعًة لالهوت‪ .‬فلَّم ا وصلت كتاباُت
ابِن رشد إلى الغرب‪ ،‬بدأ‬
‫االنقالب‪ .‬يستهل ابُن رشد كتاباِت ه بتوكيد أَّن الفلسفَة
األرسطية علٌم برهان تمامًا‪ ،‬قادٌر على‬
‫ٌي‬
‫الوصول إلى الحقيقِة المطلقة من مبادَئ
أوليٍة ثابتة‪ .‬فعنده‪ ،‬يمكن التعويُل على الفلسفة كمصدٍر‬
‫للحقيقة بمقداِر ما يمكن
التعويُل على الوحي‪ ،‬وال يمكن أن يكوَن بينهما تعارٌض حقيق قط‪ .‬وعند‬
‫ٌي‬
‫اللزوم [أي‪
،‬عندما يكون ظاهُر نطِق الشريعة مخالفًا لما أدى إليه البرهان]‪ ،‬يمكن تأويُل النِص‬
‫الشرعي بالبرهان الفلسفي [أي‪ ،‬بالقياس العقلي] لكشف ما خف من معناه‪ .‬فالالهوُت
والفلسفة‬
‫َي‬
‫يقودان اإلنساَن إلى الحقيقة نفِس ها]‪.[519‬‬
‫ثمة جوانُب كثيرة البن رشد لم ترها العيُن
الغربية في العصور الوسطى‪ .‬فقد اختفت أو كادت‬
‫تمامًا من الترجمات الالتينية األولى
ألعماله صورُة المفكِر المسلِم الورع الذي وضع مؤلفاٍت عظيمَة‬
‫األثر في الشريعة
اإلسالمية وكتب رساالٍت متخصصة يستكشف فيها موقَع الفلسفة وعالقَتها‬
‫باإلسالم‪
،‬الديِن التوحيدِي العظيم‪ .‬فلم يَر العاَلُم المسيحي في حينه‪ ،‬وقد استبد به حماٌس
ال ُيكَبح‬
‫لشروح ابن رشد على أعمال أرسطو‪ ،‬كبيَر قيمة أو أَي قيمة في أعمال ابِن
رشد التي تعالج‬
‫موضوعاٍت إسالميًة صرفة‪ .‬ونتيجَة ذلك‪ ،‬لم ُتَترَج م هذه األعماُل
إلى الالتينية إال بعد قرون‪ ،‬وإن بدا‬
‫أَّن مفكريَن يهودًا من العصور الوسطى‪ ،‬ومنهم
موسى بن ميمون [‪]Moses Maimonides‬‬
‫البارع‪ ،‬أكثُر بكثير انفتاحًا لتلك األعمال‪ِ .‬م ن بين هذه النصوص
"المجهولة" كان عمَل ابِن رشد‬
‫البارَز الذي أنزل به الفلسفَة المنزلَة
الالئقَة بها في السياق الديني‪ ،‬أعني فصل المقال في تقرير ما‬
‫رشد في مقدمة الرسالة‪" :‬الغرُض من هذا‬ ‫بين الشريعة
والحكمة من االتصال]‪
.[520‬يقول ابُن‬
‫في الفلسفة وعلوِم المنطق مباٌح بالشرع‪ ،‬أم‬ ‫القول أن نفحَص ‪ ،‬على جهة النظِر
الشرعي‪ ،‬هل النظُر‬
‫محظوٌر ‪ ،‬أم مأموٌر
به إما على جهة الندب‪ ،‬وإما على جهة الوجوب"]‪.[521‬‬
‫وَيخلص ابُن رشد إلى أَّن الفلسفَة والوحي
يسلكان سبًال مختلفة إلى األجوبة نفِس ها‪ .‬ويعثر في‬
‫القرآن على كثيٍر مما يؤيد
استخداَم اإلنساِن العقل‪ ،‬بل إنه يعتبره واجبًا دينيًا للقادرين حقًا على‬
‫النظر
الفلسفي "وإذا كانت هذه الشريعُة حقًا وداعيًة إلى النظر المؤدي إلى معرفة
الحق‪ ،‬فإنا معشَر‬
‫المسلمين نعلم على القطع أنه ال يؤدي النظُر البرهاني إلى مخالفة
ما ورد به الشرع‪ :‬فإّن الحَق ال‬
‫يضاُّد الحق بل يوافقه ويشهد له"]‪
.[522‬ثم يمضي ابُن رشد إلى بيان سمو المعرفة البرهانية‬
‫ألهل البرهان على المعرفة
الجدلية للمتكلمين أو المعرفة الخطابية لجمهور المؤمنين‪.‬‬
‫لم يكن ابُن رشد هذا ‪ - ‬المؤمُن الحق
والمدافُع الصادق عن الدين اإلسالمي ‪ - ‬غائبًا عن‬
‫مفكري الغرب في القرن الثالث
عشر‪ ،‬المتعطشين إلى طرائق جديدة للنظر إلى العاَلم‪ .‬بل‪ ،‬إَّن ابَن‬
‫ٍل‬
‫رشد في المخيلة
الغربية يكاد يكون نتاَج رجا كمايكل سكوت وفردريك الثاني بقدر ما هو نتاُج‬
‫قلمه‪
.‬فقد ترجم مايكل أربعًة من شروحه الكبرى‪ ،‬منها شرُح ه عمَلي أرسطو األصيَلين بالَغ ي
األثر‪:‬‬
‫ما بعد الطبيعة والنفس؛ وشرحان متوسطان؛ ومختصٌر واحد]‪
.[523‬عمَل فردريك على إرسال‬
‫هذه وترجماٍت أخرى إلى الجامعات اإليطالية‪ ،‬ومنها َو جدت هذه
الترجمات سبيَلها إلى جامعة‬
‫باريس‪ .‬تحتوي مخطوطٌة في المكتبة الوطنية الفرنسية
تعود إلى سنة ‪ 1243‬كَل أعماِل ابن رشد‬
‫تقريبًا المعروفِة للغرب في العصور الوسطى]‪
.[524‬وفي رسالِة إرفاق هذه األعمال إلى "أهل‬
‫العلم" ببولونيا‪ُ ،‬يفصح فردريك
عن رغبته في مشاطرة العاَلم هذه المادَة الثمينة‪" :‬لن نحجَب تلك‬
‫الثمار التي
ُج معت بهكذا جهٍد عظيم‪ ،‬وال يسعنا اعتباُرها ملكًا لنا إن لم نشرِك الغيَر أوًال
بهذا الخيِر‬
‫العميم‪ ...‬فتفضلوا بقبول هذه الكتب هديًة من صديقكم‪ ،‬اإلمبراطور‪ ،‬الذي
يرجو أن تتكرموا بإعالمه‬
‫بما تجدونه فيها بعد بحث"]‪.[525‬‬
‫كانِت الردوُد األولى على هدية فردريك أوَل
األمر خافتة‪ .‬فقد بدا أّن أعماَل ابِن رشد تندرج‬
‫طبيعيًا في الجدال المسيحي الدائر
حول ِقَد م العاَلم واالحتفاِء بأرسطو عمومًا‪ .‬بل إَّن بعَض رجال‬
‫كثير من الضوء المطلوِب جدًا على عاَلِم الفكر‬ ‫ًا‬ ‫الكنيسة رحبوا
بالشارح كشخٍص يمكن أن لق‬
‫ُي َي‬
‫األرسطي المعقد‪ .‬لكَّن هذا الوضَع المستقر كان محكومًا عليه بالزوال‪ .‬فجامعاُت
أوروبا‪ ،‬بالرغم من‬
‫أصولها الباعثِة على الفخر كمؤسساٍت شبه مستقلة‪ ،‬كانت في صميمها
مؤسساٍت دينية وكانت تتبع‬
‫مضطرًة إلى كبار موظفي الكنيسة‪ .‬ولم تكن إال مسألَة وقت
قبل أن يدرَك األساتذُة العلمانيون‪ ،‬ال‬
‫سيما الفالسفة بجامعة باريس‪ ،‬أَّن في
إمكانهم نشَر ابِن رشد الالتيني كبطٍل لهم في ساحة صراعهم‬
‫مع الفقهاء ورجال الدين‪
.‬فإعالؤه الفلسفَة على الالهوت وتوكيُد ه أَّن االثنين سبيالن مشروعان إلى‬
‫الحقائِق
الخالدة أطاح بمفهوِم أوغسطين أَّن الفالسفَة ليسوا إال خدمًا‪ ...‬وما لبث اإليماُن
والعقل أن‬
‫تصادما‪ ،‬وسوف يتطلب األمُر صبَر فيلسوٍف قديس ‪ - ‬متشرٍب في هذه الحال
بتعاليم ابِن رشد‬
‫ومدرسِت ه ‪ - ‬الجتراح هدنٍة بين مؤيدي التعاليِم الكنسيِة
التقليدية وبين األجيال الجديدة للعلماء‬
‫المعاصرين األوائل‪ ،‬الذي تتلمذوا على
العرب‪.‬‬
‫الفصل
التاسعاختراع الغرب‬
‫عندما وصل توما اإلكويني‪ ،‬الالهوت الذي
سيطَّو ب قديسًا‪ ،‬إلى باريس أوائل سنة ‪،1269‬‬
‫ُي‬
‫وجد الجامعَة شبَه مشلولة بمشكلٍة
قديمٍة جديدة‪ :‬ما عسانا نفعل بالفالسفة؟ كانت نصوُص أرسطو‬
‫التعليميُة في المنطق‪
،‬الجدِل المفضِل لرجال الكنيسة في العصور الوسطى‪ ،‬قد أقرتها منذ مدٍة‬
‫طويلة مؤسسٌة
دينية حريصٌة على إثبات صدِق الوحِي المسيحي‪ .‬لكَّن الفلسفَة الطبيعية‪ ،‬كما شرحها‬
‫وأطنَب في شرحها المفكرون العرب‪ ،‬كانت مسألًة أخرى تمامًا‪ .‬فالقوة الكاملة للدراسات
العربية‪ ،‬ال‬
‫سيما مع وصول ترجمات مايكل سكوت عن ابن رشد في ثالثينيات القرن
الثالث عشر‪ ،‬حّو لت ما‬
‫كان في الغالب لعبَة شِّد حبل أرستقراطيًًة أنيقة حول نظرة
المسيحية في العصور الوسطى إلى‬
‫العاَلم إلى مناقشٍة فلسفيٍة والهوتية وعلميٍة
مفتوحٍة للجميع‪.‬‬
‫كانِت العلوُم العقليُة السبعة قد انسحبت
بسهولة قبل الهجمِة الفكريِة العربيِة الكاسحة‪ ،‬لكَّن‬
‫الالهوت ‪ - ‬سيَد العلوم‪
،‬كما كان يدعوه أنصاُره في العصور الوسطى‪ ،‬كان ما يزال يحتفظ بكل‬
‫هيمنته على
"خادمته"‪ ،‬الفلسفة‪ ،‬وخدينِت ها العلوم الطبيعية‪ .‬وما دامت هذه الفلسفُة
الجديدة غي قادرٍة‬
‫َر‬
‫على تقديم أِّي شيء يقترب ِم ن أن يكوَن علَم إلهياٍت متماسكًا‪
،‬علَم "الكينونة كما ه " حقًا‪ ،‬لم تكن‬
‫َي‬
‫هناك نقاُط خالٍف كثيرة مع الدين
المسيحي‪ .‬ولم تكِن البدُع األولى كالِم عداد واألسطرالب واإلمبيق‪،‬‬
‫ِلتهدَد ‪ ،‬كما
بدا‪ ،‬وضَع الالهوت بوصفه السبيَل األهم إلى فهم العاَلِم الطبيعي‪ .‬وعندما بدأت
تظهر‬
‫تباشيُر علِم كوٍن موَّح د في منتصف القرن الثاني عشر‪ ،‬كانت هذه على وجه
العموم انعكاسًا ألفكار‬
‫أفالطون األنيسة‪ ،‬التي لم تالِق الكنيسُة كبيَر مشقة في
استيعابها وتبنيها]‪
.[526‬كُّل ذلك تغير‬
‫تغير ال رجعَة فيه مع ابن رشد‪ ،‬الذي استحوذ دفا ه الثابت عن
الفكر األرسطي في سياق ديِن ِه‬ ‫ًا‬
‫ُع‬
‫التوحيدي على عقول المفكرين المسيحيين في ذلك الوقت‪
.‬وفجأًة صارِت الخادمُة سيدة‪.‬‬
‫كان العاَلُم المسيحي قد اكَتَش َف من قبُل
التهديَد المتعاظم‪ .‬فحاولت الكنيسة‪ ،‬مبتدئًة "بتحريمات"‬
‫جامعة باريس
‪ ،1210‬حمايَة تعاليِم ها وتحصيَنها من اآلثار الخطرة لإلسراف في التفلسف‪ .‬وكانت‬
‫سلطاُت جامعة باريس سُتصِد ر في القرنين الثالث عشر والرابع عشر أكثَر من اثنتي
عشرَة الئحَة‬
‫ٍء‬ ‫ِل‬ ‫ٍة‬
‫أفكاٍر محرمة‪ ،‬مفصل بدقة في سج أخطا رسمي‪ .‬لكن‪ ،‬ال بد من أَّن
هذه التحريمات كانت غيَر‬
‫مجدية في كبح فضول العلماء والالهوتيين على السواء‪ ،‬وإإل
فما كانت صدرت بمثل هذا المعَّد ل‪.‬‬
‫كانت هذه معركًة خاسرة‪ ،‬كما أدرك كثيٌر من
رجال الكنيسة‪ِ .‬م ن أوِل هؤالء سلُك الرهبان‬
‫الدومينيكان لتوما اإلكويني نفِس ه‪
،‬الذي أجاز ناموُس ه سنة ‪ 1228‬لتالمذته االطالَع على أعمال‬
‫مبكر بأَّن العلَم أتى ليبقى وال بد من
تعُّلِم ه‪ ،‬أو‬
‫ًا‬ ‫الوثنيين والفالسفة‪ ،‬وإن
"بإيجاز"‪ .‬كان هذا اعترافًا‬
‫على األقل التعامِل معه بذكاء]‪
.[527‬ولن يمض وقٌت طويل قبل أن يبدأ المفكرون الدومينيكان‬
‫َي‬
‫بالسعي لتسخير هذه األفكار
الجديدة للدفاع عن الدين وتمتينه‪ .‬حتى المؤسسة البابوية كانت‬
‫مضطرًة إلى إيجاد
سبٍل لمالءمة الفلسفة الطبيعية مع العقيدة المسيحية‪ .‬فعَّد ل البابا غريغوري الرابع‬
‫الحظَر القائَم على تدريس فلسفة أرسطو الطبيعية وشَّراِح ها العرب للسماح بتشكيِل
لجنٍة خاصة‬
‫لتنقية هذه األعمال مما فيها من أخطاء‪ ،‬هذا بالرغم من توبيخه الالذع
لفردريك الثاني العتماده‬
‫"العقل"‪.‬‬
‫كتب البابا يقول‪" :‬لكن لـَّم ا قيل
إَّن ُك تَب الطبيعة التي ُم نعت تحتوي‪ ،‬كما َع ِلمنا‪ ،‬على المفيد‬
‫وغيِر المفيد‪
،‬ومخافَة أن ُيبِط َل الثاني األول‪ ،‬فإنا ندُع لكم بأمِر نا معالجَة تلك الكتب كما
ينبغي لها‬
‫ٍة‬
‫أن تعاَلج‪ ،‬بفطن وتدبر‪ ،‬وأن تستبعدوا منها كليًا ما تجدونه فيها من
أغالط وما قد يخدش حياَء‬
‫القراء أو يسيء إليهم‪ ،‬بحيث يمكن‪ ،‬بعد استبعاِد ما يريب‪
،‬دراسُة ما تبقى منها دونما إعاقٍة أو‬
‫إساءة"]‪
.[528‬وفي تنازٍل آخر‪ ،‬ألغى غريغوري الحرماَن الكنسي للطّالب الذين ُيضبطون‬
‫متلبسين بخرق
الحظر القديم‪ .‬لكَّن اللجنَة البابويَة الموعودة لم تلتئم قط‪ ،‬وبحلول سنة ‪
1255‬كانت‬
‫جميُع أعماِل الفلسفِة الطبيعية المتاحة بالالتينية قد أصبحت جزءًا من منهاج
اآلداب الرسمي‬
‫للجامعة‪ .‬ولَّم ا كان الحصوُل على درجٍة في اآلداب شرطًا مسبقًا
التباع أي دراسٍة عليا بعدها‪َ ،‬ع نى‬
‫هذا أَّن جميَع أفواِج خريجي جامعاِت العصور
الوسطى‪ ،‬بمن فيهم الهوتيو المستقبل جميعًا‪ ،‬سوف‬
‫َيتشربون تعاليَم الفلسفِة
الطبيعية‪.‬‬
‫النجاُح المذهل للفلسفة الطبيعية
واستحواُذ ها المتعاظم على المخيلة الغربية خالل القرن الثالث‬
‫عشر أخذ شك تحوٍل
مستمر لجامعة العصور الوسطى إلى مؤسسٍة اجتماعيٍة وفكريٍة وثقافيٍة قويٍة‬
‫َل‬
‫ِت‬
‫مستقلة‪
.‬وقد ظل الجامعُة قرونًا تدور في الفلك العام للكنيسة‪ ،‬لكنها كانت أوًال وقبل كل
شيء‬
‫وليدَة الحاجة المتنامية إلى رجال الدين والمحامين واألطباء والموظفين
والبيروقراطيين المدنيين‬
‫جاهز للمساعدة على‬‫ًا‬ ‫المدربين]‪
.[529‬وِم ن أفضال الدراساِت العربية أن وفرت للجامعة منهاجًا‬
‫تلبية هذا الطلب‪.‬‬
‫من السهل على المرء أن يرى ِلَم كانِت
الفلسفة‪ ،‬على النحو الذي قدمها به العرُب واليونان‪،‬‬
‫على ذلك القدِر الهائِل من
الجاذبية لعقل العصور الوسطى المتأخرة وهو يهم بالخروج شيئًا فشيئًا‬
‫مثير في اتساعه وإمكاناِت ه
وكان‬
‫عن طوِق
عزلِت ه ويواجه العاَلَم الطبيعي‪ .‬لقد كان هذا الِع لُم الجديد ًا‬
‫تفسير متماسكًا لكل شيء تقريبًا‪ .‬ومع أنه غطى ِم ن مكونات الرؤية
المسيحية التقليدية ما‬ ‫ًا‬ ‫يقدم‬
‫واجهه‪ ،‬فقد احتوى كذلك على قدٍر كبير من المواد الجديدة في
مسائَل لم ُتَم س تقريبًا في التعاليم‬
‫الدينية‪ ،‬كمسائِل العاَلِم المادي والعقِل
الباطِن لإلنسان‪ .‬وكان ينبثق منطقيًا من االفتراضات‬
‫البديهية‪
،‬مبشر بالنظام في عاَلٍم كان يبدو اعتباطيًا]‪
.[530‬واألفضُل من هذا‬
‫ًا‬ ‫األساسية والمبادئ‬
‫كله‪ ،‬أنه كان يحمل "عالمَة" أرسطو القوية‪ ،‬التي كان لها
ِم ن قبُل أساس في ممارسة الجدل ومن‬
‫خالل المبادئ التي كان يقوم عليها علُم النجوم
العربي الذي شاع بفضل ترجماِت أعماِل أبي معشر‬
‫إلى الالتينية‪.‬‬
‫بجامعة باريس‪ ،‬مركِز التعليم العالي الرائد
بأوروبا والمقِر السابق للدراسات الدينية‪ ،‬تضخمت‬
‫كليُة اآلداب تضخمًا الفتًا حتى
قَّز مت كلياِت الالهوت والقانون والطب‪ .‬فخالل مائِة سنة من نشر‬
‫ترجماِت مايكل سكوت
أعماَل ابِن رشد‪ ،‬كان في كلية اآلداب من األساتذة أكثر بثماني مرات مما‬
‫في سائر
الكليات مجتمعًة]‪
.[531‬أما إجمالي عدد الطالب الذين تسجلوا في الجامعات األوروبية‬
‫بين سنتي ‪ 1350‬و‪
1500‬فتقول التقدي ارُت المعاصرة إنه ‪ 750,000‬طالب]‪
.[532‬وقد تحَّد ت‬
‫طرائق الحياِة الجامعيِة الجديدِة المثيرة‪ ،‬بروابطها وهيئاِت ها المرنة
واتحاداِت ها الطالبية الحرة‪ ،‬وبما كان‬
‫من تنافٍس محموم بين الكليات بعِض ها مع بعض
واألساتذة بعِض هم مع بعض‪ ،‬االحتكاَر البليد الذي‬
‫تمتعت به مدارس الكاتدرائيات
طويًال‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬سيطرة الكنيسة على التعليم العالي‪.‬‬
‫كثير من الالهوتيين
التقليديين الذين أروا في النفوذ المتصاعد ألساتذة‬ ‫ًا‬ ‫وقد أفزع هذا الوضُع‬
‫اآلداب ‪ - ‬الذين هم عمليًا
فالسفٌة محترفون بالمعنى العملي للكلمة ‪ - ‬خَط ًار على الدين وعلى‬
‫مكانتهم هم‪
.‬فقد كان هؤالء األساتذة‪ ،‬مسلحين بترجماِت أعماِل ابِن رشد وابِن سينا‪ ،‬يرِّو جون
بهمة‬
‫لعدٍد من األفكار المريبة التي تشكك في العقيدة المسيحيِة الراسخة‪ .‬ومما زاد
في الضغينة بين كلية‬
‫اآلداب وكلية الالهوت الحضوُر المتعاظم في األخيرة للرهبان
المتقشفين [من الرومان الكاثوليك]‪،‬‬
‫الدومينيكان والفرنسيسكان‪ ،‬الذين كان ُيَش ك على
نطاٍق واسع في أنهم يضعون والءهم لروما فوق‬
‫ِء‬
‫المصالح األكاديمية للجامعة‪ .‬ولم َيسلم
هؤال كذلك من التنافس الحاد في ما بينهم‪ ،‬ما ألهب المشهَد‬
‫الجامعي أكثَر فأكثر‪.‬‬
‫عندما وصل توما اإلكويني إلى باريس في
أواخر ستينيات القرن الثالث عشر‪ ،‬كانت األموُر‬
‫كثير‪ .‬فراح كثيٌر من
أساتذة كلية اآلداب يطالبون علنًا بحقهم في متابعة تأمالتهم‬ ‫هناك قد تدهورت ًا‬
‫الفلسفية إلى أي مدى
مضت بهم هذه التأمالت‪ .‬كان معنى ذلك عمومًا اجتياُح مناطق نفوذ‬
‫غيور‪ ،‬وِم ن ذلك التأمُل في‬ ‫ًا‬ ‫الالهوتيين الذين
كانوا يحتفظون بها ألنفسهم ويدافعون عنها دفاعًا‬
‫الخلق‪ ،‬وفي النفس‪ ،‬وفي صفات هللا‪ .‬ردًا على ذلك‪ ،‬راح الالهوتيون‪ ،‬يساندهم العلما
العلمانيون‬
‫ُء‬
‫األكثُر تحفظًا‪ ،‬يهاجمون هذه الميوَل األرسطيَة المتنامية‪ .‬كان ملهَم هم
الراهُب الفرانسيسكاني جون‬
‫دي فيدانزا‪[ ،‬الذي اتخذ اسم بونافنتوري [‪ ]Bonaventure‬بعد انضمامه إلى سلك الرهبان‬
‫الفرنسيسكان] وُط وب في ما بعد
قديسًا بهذا االسم‪ .‬ذَّك ر جون خصوَم ه بأَّن الالهوت ال يزال سيَد‬
‫ِر‬ ‫ِم‬
‫العلوم وأن
االعتماَد على الفلسفة‪ ،‬ما لم يكن تمهيدًا لمتابعة الدراسات العليا‪ ،‬ال ارَء
ُيخ ج المرَء‬
‫"من النور إلى الظلمات"]‪
.[533‬وحَّذ ر أحُد حلفاء بونافنتوري‪ ،‬في تلك األثناء‪ ،‬زمالءه‬
‫ِل‬
‫الالهوتيين‪ ،‬كتوما
اإلكويني‪ ،‬من االنغماس في التفلسف قائًال‪" :‬من غير الالئق أن يستعيَن عا ُم‬
‫الهوت بسقطات الفالسفة"]‪.[534‬‬
‫ما من شك في أَّن ابَن رشد نفَس ه ما كان
َيعتقد بضرورة اللجوء إلى هكذا حيلة‪ .‬فقد كان‬
‫’الشارُح ‘ واضحًا كَل الوضوح في
توكيده أَّن الحَق واحد عند الفالسفة والالهوتيين‪ ،‬وإن لم يكن يشُك‬
‫البتَة في أَّن
الفكَر الفلسف أسمى‪ .‬كذلك‪ ،‬كان يحترم الوح والرسَل موسى وعيسى ومحمد‪ ،‬الذين‬
‫َي‬ ‫َي‬
‫ر‬
‫ا‬ ‫اآل‬ ‫لكَّن‬ ‫ها
إليه‪.‬‬ ‫سلو‬
‫ُة َك‬ ‫الفلسف‬ ‫تستطيع‬ ‫ال‬ ‫ٍل‬‫بسب‬ ‫الجمهور‬ ‫عقول‬ ‫إلى‬ ‫الوصو‬ ‫كان في استطاعتهم‬
‫َء‬ ‫ُل‬
‫نادر ما تناَق ش على أي درجٍة من
التفصيل‪ ،‬بل إَّن أخلَص قرائه الالتين‬ ‫الحقيقَة البن رشد كانت ًا‬
‫كانوا ال يزالون غيَر قادرين على الوصول إلى
أعماله المهمة في العالقة بين الفلسفة والدين‪ .‬المهم‬
‫أن الطرفين‪ ،‬اإلكليروس
وأساتذَة اآلداب مستقلي الفكر‪ ،‬كانا يريان في ابن رشد والتقليِد العربي ككل‬
‫نقطَة
ارتكاز لصراعاتهما الخاصة مع بعضهما‪.‬‬
‫وكما فعلت مع المسلمين ِم ن قبل‪ ،‬قَّد مت
مسألُة ِقَد م العاَلم لمسيحيي العصور الوسطى ساحًة‬
‫من أهم ساحات صراعهم الفكري‪
.‬وقد استخدم بونافنتوري اجتماعاِت الصوم الكبير سنة ‪1267‬‬
‫وسنة ‪ 1268‬إلنكار الفلسفة
غيِر المستنيرِة باإليمان‪ ،‬وَأدَرَج مسألَة ِقَد م العاَلم بين أخطر األخطاء‬
‫في
زمانه‪ .‬فعنده أَّن هذا المفهوَم بدعة وقد يستعصي على البرهان العقلي‪ .‬ثم خطى
بونافنتوري‬
‫ومؤيدوه خطوًة أخرى فأقسموا إَّن في استطاعتهم‪ ،‬باالستعانة بالفلسفة‪
،‬إثباَت أَّن العاَلَم ُخ ِلق "في‬
‫زمن" حسب قراءتهم سفَر التكوين‪ .‬وفي
ديسمبر ‪ ،1270‬حذا أسقُف باريس المتشدُد حذَو بونافنتوري‬
‫وأصدر الئحَة تحريم
لثالثَة عشَر خطًأ ال يمكن تدريُس ها أو القوُل بها بأي شكٍل من األشكال‪ .‬وكان‬
‫من
بين األفكار المنتقاة للمزيد من التمحيص ِقَد ُم العاَلم وعلُم ِهللا بالجزئيات‪
.‬وكالتحريمات السابقة‪،‬‬
‫كان مصيَر هذه الالئحة التجاهُل عمومًا في كلَّيتي اآلداب
والالهوت‪.‬‬
‫أرسل الدومينيكان أفقَه هم في الالهوت‪
،‬توما‪ ،‬من روما إلى باريس أمًال في أن يستطيَع معالجَة‬
‫أسباب االضطراب الرئيسة في
الجامعة‪ .‬من هذه األسباب التطرُف المتصاعد "للرشديين" في كلية‬
‫اآلداب
والعداُء الذي كان يبديه األساتذة العلمانيون عمومًا لجماعات الرهبان المتقشفين‪
.‬كذلك رأى‬
‫الدومينيكان تهديدًا جديًا في المحافظين المعارضين للفلسفة الطبيعيِة
ككل‪ ،‬التي كانت تتضمن‬
‫تعاليَم اعتقد الدومينيكان أنها كانت ذاَت قيمٍة كبيرة في
محاربة الهراطقة‪ ،‬كالكاثار [‪]Cathars‬‬
‫[ذوي الجذور الفكرية الباطنية]‪ ،‬الذين سحقتهم الكنيسة [الرومانية
الكاثوليكية] في النهاية في حملٍة‬
‫صليبيٍة وحشية جنوبي فرنسا [معتبرًة إياهم
خوارَج على الدين المسيحي]‪ .‬قبل انضمامه إلى‬
‫الدومينيكان‪ ،‬درس توما بجامعة فردريك
الثاني بنابولي‪ ،‬حيث كان أوُل لقاٍء له بالفلسفة الطبيعية في‬
‫بيئٍة شَّك لتها
أعماُل المفكرين العرب واليهود المفضلُة لدى اإلمبراطور‪ِ .‬م ن هؤالء ابُن سينا
وابُن رشد‬
‫والعالُم اليهودي موسى بن ميمون‪ ،‬الذي كتب رسائَله الفلسفيَة بالعربية‪
.‬وقد انضم مدرسو توما‬
‫األوائُل الحقًا إلى حلقٍة من المسيحيين واليهود كانت تتدارس
أعماَل موسى بن ميمون‪ ،‬ومنها داللة‬
‫الحائرين [‪ ]Guide for the Perplexed‬الذي ربما يكون مايكل سكوت قد ترجمه أو
لخصه‬
‫بين أعماٍل أخرى للعاِلم اليهودي في البالط الصقلي]‪.[535‬‬
‫تكشف عدٌة من رسائل توما المبكرة في
خمسينيات القرن الثالث عشر اشتباكًا دقيقًا وعميقًا مع‬
‫ابِن سينا وابِن رشد‪ ،‬وهي
سمٌة ستظهر في جميع كتاباِت ه‪ ،‬حتى عندما يختلف بعنف مع سابقيه‬
‫العرب‪ .‬كان ابُن
سينا في ذلك الوقت ال يزال هو الشيَخ الرئيس عند الفالسفة الغربيين‪ ،‬والئحُة
أفكاِره‬
‫التي يمكن أن يعثَر عليها المرء في أعمال توما طويلة‪ِ .‬م ن هذه األفكار
برهانان على وجود هللا‬
‫والتمييُز بين المعرفِة اإللهية والمعرفِة البشرية]‪.[536‬‬
‫كذلك‪ ،‬أعطى منهُج تفكير موسى بن ميمون في
مسألة ِقَد م العاَلم دفعًة قوية لتفكير توما الحقًا‬
‫في الموضوع ومضاميِن ه الواسعة
للفلسفة واإليمان‪ .‬ففي داللة الحائرين‪ ،‬يرى موسى بُن ميمون أَّن‬
‫في وسع
المرء التسليَم دينًا بخلق العالم في زمن والقبوَل مع ذلك بوجود أسباٍب طبيعية
يمكن إد ارُك ها‬
‫بالعقل‪ .‬وكابِن رشد‪ ،‬الذي ُو لد وإياه باألندلس‪ ،‬سعى موسى بن ميمون
للتوفيق بين العقل والنقل‬
‫بالقول إَّن قوانيَن الطبيعة عند أرسطو لم َتسِر إال بعد
أن خلَق ُهللا العاَلَم من العدم]‪.[537‬‬
‫كان توما قد اتخذ نهائيًا جانَب زمالئه
الالهوتيين‪ - ‬ضد ابن رشد‪ - ‬في الخالف مع الفالسفة‬
‫الراديكاليين حول
مسألة خلود النفس‪ ،‬لكَّن كتاَبه حول ِقَد م العاَلم‪ ،‬الذي كتبه سنة ‪
1270‬عندما‬
‫كانت اضطرابا باريس توشك أن تص إلى أوجها‪ ،‬خيب آما كثيرين بكلية
الالهوت‪ .‬ففي ضربٍة‬
‫َل‬ ‫َل‬ ‫ُت‬
‫مباشرة لبونافنتوري وحلقته‪ ،‬يصف توما أرَي الكنيسة القائَل
إَّن في وسع العقل البرهنُة يقينًا على أن‬
‫العاَلَم حادث بـ ‪" ‬الهش"‪
،‬فيَّط ِرحه لذلك‪ .‬يقول أنصاُر هذا الرأي‪ ،‬مثًال‪ ،‬إَّن هللا‪ ،‬بوصفه مسِّب ب‬
‫األسباب‪
،‬ال بد من أن يكوَن سابقًا للعاَلم الذي خلق [سبَق السبِب للمسَّبب]‪ ،‬ما ُيثبت
بالتالي أَّن‬
‫خلَق العاَلِم حدَث في زمٍن محدد‪ .‬يرد توما‪ ،‬مستندًا إلى ابن رشد في تهافت
التهافت‪ ،‬أَّن هؤالء‬
‫التقليديين ال يدركون وجوَب اعتباِر أال زمَن يفصل بين
أفعال الخلق واإلرادة اإللهية [كما أَّن ال زمَن‬
‫يفصل بين السبِب والمسَّبب]]‪.[538‬‬
‫"َلَّم ا اعتاد البشر على رؤية صنائع
الخلق تأتي من طريق الحركة‪َ ،‬ص ُع ب عليهم إد ارُك أَّن‬
‫كثير منهم يلتفت‪،‬‬‫العلَة الفاعلية [أي هللا] ال
تحتاج إلى أن تسبَق معلوَلها في الوقت‪ .‬لذلك‪ ،‬ال ترى ًا‬
‫لقلِة
خبرته‪ ،‬إال لبعض الجوانب‪ ،‬فيسارع بخفة إلى اإلدالء برأيه"‪ .‬كذلك يطرح توما
المخاوَف ِم ن أن‬
‫يؤدَي هذا إلى سلِب ِهللا صفَة اإلرادة‪ ،‬التي ال تحتاج بالمثل إلى
أن تسبَق معلوَلها في الزمن‪ .‬يقول‪:‬‬

‫ُل‬
‫"يصح الشيُء نفُس ه على اإلنسان الذي
َتنُتج أفعاُله عن إرادته‪ ،‬ما لم يترَّو قبل الفعل‪ .‬وال يجوز أن‬
‫ننسَب إلى هللا
شأَن البشر هذا في الفعل!"]‪.[539‬‬
‫يقود هذا التفكيُر توما إلى اإلقرار
باحتمال صوابيِة رأِي الفالسفِة العرب َم نِط قًا‪ :‬فالعا أزل‬
‫َلُم ٌي‬
‫ومخلوٌق معًا‪
.‬ويتجنب نهُج ُه فوق ذلك خطَر اعتباِر العاَلِم مشتِر كًا في األزلية مع هللا؛ وهو
مفهوٌم‬
‫ينفر منه اليهود والمسيحيون والمسلمون باعتباره ِش ركًا‪ .‬بالطبع‪ ،‬يشير توما
من البداية في كتابه‬
‫حول ِقَد م العاَلم إلى أَّن َخ لَق ِهللا العاَلَم في
زمٍن معين ركٌن من الديِن ركين في المذهب الكاثوليكي‪،‬‬
‫لكنه يخُلص بنوٍع من الحدة
إلى أَّن المجادالِت الفلسفيَة المتِع بَة للتقليديين ال تفيد القضية‪" :‬وأَّن‬
‫بعَض ها واٍه إلى حد أنه من تهافته يبدو أنه ُيضفي أرجحيًة إلى رأي الطرف
المقابل"]‪.[540‬‬
‫ظل توما يعود إلى مسألة ِق م العاَلم مر
بعد مرة طوال حياته‪ ،‬متطرقًا إلى الموضوع في ستٍة‬
‫ًة‬ ‫َد‬
‫من أعماله على األقل]‪
.[541‬وبدا أنه لم يستوقفه تحٍّد فلسف قط لفكرِة أزليِة الخلق إال واحد‪ ،‬كان‬
‫ٌي‬
‫ِج‬
‫الغزالي
أوَل من محصه في القرن الحادي عشر‪ ،‬وهو أن‪ :‬لو كان العاَلُم ُو د منذ األزل‪ ،‬لما
كان‬
‫ُيحصى عدُد أرواح موتى البشر‪ ،‬وهو شيٌء اعتبره مفكرو العصور الوسطى مستحيًال
منطقيًا‪.‬‬
‫يعترف توما بأَّن المسألَة "صعبٌة" حقًا‪ ،‬لكنه ينِّح يها جانبًا
بعد ذلك بالتلميح إلى أَّن َهللا ربما خلق‬
‫اإلنسان في وقٍت ما بعد خلق العاَلِم
األزلي‪" .‬زد إلى ذلك أنه‪ ،‬ال يبدو حتى اآلن أَّن ثمة برهانًا ينفي‬
‫قدرَة هللا
على خلق عدٍد كبير ال متناهي الِك َبر حقًا"]‪.[542‬‬
‫أظهر الجداُل حول أزلية الخلق براعَة توما
السكوالستيَة الفائقَة األكيدة‪ ،‬لكنه مضى به كذلك‬
‫إلى صميِم إحدى المسائل الملحة
في العصور الوسطى المتأخرة‪ :‬العالقِة بين الوحي والعقل‪ .‬فعند‬
‫أهِل الالهوت
والفالسفِة بباريس‪ ،‬كانت تلك تعني في الحقيقة العالقَة بين قدرِة ِهللا كلِّي
القدرة‪ ،‬كما‬
‫نص عليها الكتاب المقدس‪ ،‬وبين قوانين الطبيعة‪ ،‬كما أثبتها أهُل العلم
الحديث‪ .‬لم تكن تانك‬
‫الشخصيتان المتباينتان‪ ،‬الغزالي المتكلُم المسلُم المرموق‪
،‬وبونافنتوري المسيح المطَّو ُب قديسًا‪،‬‬
‫ُي‬
‫على ما بينهما من تباين‪ ،‬تسمحان بإبقاء أي
مسافٍة حقيقية بين هللا والعالم الطبيعي‪ .‬فعندهما أَّن ما‬
‫يعتبره العلُم قوانيَن
طبيعيًة هو في حقيقة األمر قد ارُت خلٍق إلهيٍة متواصلة‪ ،‬صيرو ارٌت يمكن إيقاُفها‬
‫بل
عكُس ها في أي وقت من دون مقدمات‪.‬‬
‫في المقابل‪ ،‬منح توما الفالسفَة الطبيعيين
حريًة أكبَر بكثير‪ ،‬بمقدار ما ضَّيق في الواقع الساحَة‬
‫على الالهوتيين‪ .‬عَك َس هذا‪
،‬ربما‪ ،‬ما كان وَق َر في نفس الرجل من تبجيل للفالسفة اإلغريق والعرب‬
‫واليهود‪ ،‬حين
كان طالبًا بجامعة نابولي]‪
.[543‬إذ يشير توما في كتابه حول ِقَد م العاَلم بنوٍع من‬
‫االطمئنان إلى أَّن أيًا
من هؤالء المفكرين العظام لم يَر أَي تناقض بين فكرة ِقَد م العاَلم وكونه مخلوقًا‬

‫ًال‬
‫من هللا‪ .‬ويتهكم على خصوِم ه المعاصرين قائًال‪َ" :‬لم توَلِد الحكمُة إال مع
أولئك الذين استطاعوا‪،‬‬
‫لفرط ذكائهم‪ ،‬كشَف هذا التناقض!"]‪.[544‬‬
‫لكَّن توما أقر‪ ،‬كذلك بفكٍر ثاقب‪ ،‬بالحاجة
الملحة إلى نحت تسويٍة ما بين العقل والوحي تدافع‬
‫عن العقيدة األساسيِة للكنيسة
وتترك مع ذلك فسحًة للعلم الذي أطلقه العرب‪ .‬وأُي شيٍء غيَر ذلك‬
‫من شأنه أن يحك
على الكنيسة بخوض حرٍب مضنية وربما مهلكة مع قوى العقل‪ .‬وفي رده الحذِر‬
‫َم‬
‫على األمر
الذي تلقاه سنة ‪ 1271‬من رئيس السلك الدومينيكاني أن يفت في مزيج من المسائل‬
‫َي‬
‫الَع َق ديِة والعلم كونية‪ ،‬قال توما‪َ" :‬يدخل عدٌد من هذه البنود في الفلسفة
أكثَر مما يدخل في الدين‪.‬‬
‫كثير إلى‪[ ...‬العقيدة القُد سية] عندما نؤيد
أو نستنكر باسمها أشياَء ليست منها"‬
‫ًا‬ ‫وإننا نسيء‬
‫]‪
.[545‬ويقول كذلك أن ليس من شأن الدين تفسيُر أرسطو [وأفلوطين]]‪.[546‬‬
‫وفي عمله الفذ غيِر المكتمل‪ ،‬خالصة
الالهوت [‪ ،]Summa theologiae‬يعود توما إلى‬
‫ِق‬
‫َد م العاَلم ليقوَل
بوجوب عدم الخلط بين العلم والوحي‪ ،‬فهذا عاَلم وذاك عاَلم منفصٌل عنه‪" :‬أْن‬
‫يكوَن للعاَلم بداية‪ ...‬تلك مسألُة إيمان‪ ،‬ال مسألَة برهان أو علم‪ .‬وخيٌر لنا أال
ننسى ذلك؛ وإال‪ ،‬فإذا‬
‫ِخ‬ ‫ِم‬
‫حملتنا الغطرسُة على محاولة إثبات ما هو ن الدين وما ليس
منه‪ ،‬فقد ُند ل [على ديننا] براهيَن‬
‫غيَر قطعية؛ وإَّن من شأن ذلك أن يمنَح
الكفاَر فرصًة للسخرية [منا]‪ ،‬ألنهم سيظنون والحالُة هذه‬
‫أننا نسِّلم بحقائِق
اإليمان على هكذا أسس"]‪.[547‬‬

‫عندما توفي توما‪ ،‬في مارس ‪ ،1274‬لم يكن ثمة


ما يدل‪ ،‬هذا مؤكد‪ ،‬على أن مسعاه العظيَم‬
‫للتوفيق بين اإليمان والعقل ‪ - ‬وهو
مسع مستلهٌم من ابن رشد وملَّط ٌف بالتقليد المسيحي ‪- ‬‬
‫ًى‬
‫سيصمد في عقٍد هائٍج
كهذا العقد‪ ،‬دع عنك أن يصبَح يومًا ما جزءًا من تعاليم الكنيسة الكاثوليكية‪.‬‬
‫كثير من زمالئه الالهوتيين‪ .‬وأدرك ذوو
البصيرة منهم أن توما فتح‬ ‫ًا‬ ‫فقد
أرعب "الهوُته الطبيع "‬
‫ُي‬
‫الباَب أمام التأمل الفلسفي غيِر المقَيِد بقيد‪ ،‬وأشفقوا
أشَد اإلشفاق من القريِب اآلتي‪.‬‬
‫شن الفرنسيسكان‪ ،‬يدفعهم وال شك اإليماُن
وتنافُس هم التاريخي مع الدومينيكان‪ ،‬هجومًا ضاريًا‬
‫على توما‪ .‬وساعدوا على هندسة
جولٍة جديدة من التحريمات ‪ - ‬كانت أشَد ها شراسًة على‬
‫اإلطالق‪ - ‬في الذكرى
السنوية الثالثة لوفاته‪ ،‬استهدفت شخَص ه ال اسَم ه‪ ،‬وأّلفوا في انتقاده مؤّلفًا‬
‫أسموه‪ ،‬تقويم األخ توما‪ ،‬وأدرجوه في منهاج السلك‪ .‬وفي جامعتي باريس
وأكسفورد‪ ،‬معقِل‬
‫الفرنسيسكان‪ ،‬اُض ِط هد عدُة أساتذة متعاطفين مع آراء توما أو
اسُتبعدوا من التدريس‪ .‬فرَّد‬
‫الدومينيكان برسالٍة دافعوا بها عن بطلهم وجعلوا
عمَله جزءًا من منهاجهم الدراسي‪ .‬مهما يكن من‬
‫أمر‪ ،‬فقد سادت آ ارُء توما اإلكويني
تدريجيًا على أعلى مستويات الكنيسة‪ ،‬وُط ِّو ب قديسًا سنة‬
‫‪ .1323‬وبعد سنتين‪ ،‬بّرأ
مسؤولو الكنيسة بجامعة باريس اسَم توما رسميًا من أي هرطقٍة تتعلق‬
‫بالتحريمات‪.‬‬
‫لم تكن المعركُة الداخلية على تراث توما‪
،‬على م اررتها‪ ،‬البالَء الوحيد الذي نزل بالكنيسة‪ .‬إذ‬
‫كان العص قد شهد كذلك ظهو
جيٍل جديد من المفكرين العلمانيين بجامعة باريس‪ ،‬بقيادة مقاتِل‬
‫َر‬ ‫ُر‬
‫شوارع تحوَل إلى
ميتافيزيقي اسُم ه سيجر دو برابان [‪ .]Siger de Brabant‬كان سيجر‪ ،‬أياَم‬
‫كان
طالبًا شابًا‪ ،‬زعيَم اتحاد طلبة بيكار [‪ ]Picard nation‬الذي حارب بالمعنى
الحرفي للكلمة‬
‫دفاعًا عن مصالح الطالب المنحدرين من البالد الواطئة‪ .‬كانِت
الشجا ارُت مع الجندرمة الملكية‬
‫وأف ارِد االتحاداِت الطالبيِة الثالثِة
األخرى‪ - ‬الفرنسيِة ‪ ،‬والنورمانيِة ‪ ،‬واإلنكليزية التي كانت تندرج تحت‬
‫لوائها
كذلك فرقٌة كبيرة من الطالب األلمان ‪ - ‬سمًة دائمة للحياة الطالبية في ’شارع
القش‘‬
‫دور مهمًا في بعض أسوأ المعارك‪ .‬وأوشك في مرحلٍة ما‬ ‫[‪ ،]Street of Straw‬ولعب سيجر ًا‬
‫على أن ُيطرَد من الجامعة لمشاركته في اختطاف منافٍس فرنسي‪ .‬وبالرغم من ذلك‪
،‬استطاع‬
‫الحصوَل على درجة الماجستير في اآلداب سنة ‪ 1265‬وغدا أستاذًا بكلية اآلداب‪.‬‬
‫وعلى الفور وَّج ه سيجر نزعَته القتاليَة‪
،‬وفكَره الفَذ كذلك‪ ،‬إلى الزمالء األكثر تقليدية في قسمه‬
‫وإلى كلية الالهوت‪ .‬وكابن
رشد‪ ،‬رأى سيجر ورفاُقه أَّن السع وراء الحقيقة الفلسفية أسمى مسع‬
‫ًى‬ ‫َي‬
‫بشري‪ .‬لكَّن
أف ارَد حلقته‪ ،‬وبالرغم من أنهم جميعًا مسيحيون مخلصون‪ ،‬لم يبالوا بالعقابيل
الدينية‬
‫لتفلسفهم‪ .‬فراحوا‪ ،‬بدًال من ذلك‪ ،‬يرسمون حدًا فاصًال حادًا بين الفلسفة
والالهوت‪ ،‬كٌل على طريقته‬
‫وهواه‪.‬‬
‫عند المتشددين بجامعة باريس‪ ،‬الذين امتألوا
غيظًا من هؤالء الُر شديين الجدد وكانوا من قبُل‬
‫شزر إلى االتجاه الذي كان
توما اإلكويني يسعى ألخذ الكنيسة إليه‪ ،‬كان هذا االستقالُل‬ ‫ًا‬ ‫ينظرون‬
‫الفكري ألساتذة اآلداب
كبيرَة الكبائر‪ .‬وكانت تحريماُت ‪ 1270‬الثالث عشر طلقًة تحذيرية ردًا على‬
‫نزعة سيجر
القتالية‪ ،‬الذي صار لديه اآلن أتبا كثر من طالب اآلداب‪ ،‬لكَّن هذه التحريماِت‬
‫ٌع‬
‫أثر من سابقاتها‪ .‬وفي السنة التالية‪ ،‬قاد سيجر فصيًال
انفصاليًا من األساتذة‬ ‫الكنسية لم تكن أكثَر ًا‬
‫الذين رفضوا التسليَم بالهزيمة في انتخابات عمادِة كلية
اآلداب‪ .‬وأنشأ المنشقون قسمًا موازيًا خاصًا‬
‫بهم‪ ،‬وسموا عميَد هم‪ ،‬وصاروا َيمنحون
درجاِت هم الخاصَة بهم في اآلداب]‪ .[548‬في
هذه األثناء‪،‬‬
‫أقسمت األغلبيُة التقليدية بكلية اآلداب أال تناقَش مسائل الالهوت في
قاعات الدرس‪ .‬وانتهى األمر‬
‫إلى أن تدَّخ َل الممثُل الشخصي للبابا سنة ‪ 1275‬لتثبيت
العميد الجديد‪ .‬وهجر سيجر الجامعَة‬
‫نهائيًا‪ .‬وسرعان ما ُح ظر كذلك التدريُس الخصوصي
ألي شيء سوى النحو والصرف والمنطق‪ ،‬ما‬
‫سر
كانت في تصاعد‪.‬‬ ‫يوحي بأَّن دراسَة المواد الممنوعة ًا‬
‫لم َتشِف الكنيسُة غليَلها من المتمردين‪
.‬فاسُتدعي سيجر واثنان من زمالئه للمثول أمام محكمة‬
‫التفتيش في ‪ 18‬يناير‪
،1277 ،‬متَه مين بالهرطقة‪ .‬ولكن‪ ،‬ال توجد سجالٌت ألي إدانات‪ ،‬ما يوحي‬
‫بتبرئة الثالثة في النهاية‪
.‬وبعد ثالثة أشهر‪ ،‬نشر أسقُف باريس الئحَة تحريماته سيئَة السمعة التي‬
‫عددها ‪
،219‬النَص نفَس ه الذي كان أدان بشكٍل غير مباشر توما اإلكويني‪ .‬كان من بين‬
‫االدعاءات
على أساتذة اآلداب القوُل بحقيقتين ال بحقيقٍة واحدة‪" :‬ألنهم يقولون بصحة هذه
األشياء‬
‫فلسفًة ال دينًا‪ ،‬كما لو أن هناك حقيقتين متضادتين وكما لو أَّن الحقيقَة
في أقوال الوثنيين المالعين‬
‫ُتضاُّد حقيقَة الكتاِب المقدس"]‪.[549‬‬
‫ترسم تحريماُت سنة ‪ 1277‬هذه‪ ،‬التي وضعتها
لجنٌة من بيروقراطيي الكنيسة‪ ،‬صورًة غريبة‬
‫مشوهًة في الغالب للمشهد الفكري بجامعة
باريس‪ .‬وهي‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬تكشف عن قلق الكهنة من فقدان‬
‫مكانتهم الفكرية السامية لصالح
الفالسفة العلمانيين ومعلميهم العرب‪ .‬فحوالي اثني عشر "خطًأ" في‬
‫الئحة
األسقف تتعلق بمفهوم العرب لِقَد م العاَلم‪ ،‬مع إلحاح واضعي التحريمات كذلك‪ ،‬بخالف
تعاليم‬
‫توما اإلكويني‪ ،‬على أَّن مسألَة خلِق العالم في زمن يمكن إثباُتها بالعقل‪
.‬وفي الالئحة كذلك مواُد‬
‫تعكس عمَق قلق الكنيسة من القدرية‪ ،‬المتأصلِة في الصلة
التي يقيمها علُم النجوم العربي بين‬
‫الحراك السماوي واألحداِث األرضية‪ .‬وأخرى تدين
مواقَف مسيحيًة مقبولة‪ ،‬أو ُتشِّوه في يأس ما كان‬
‫سائدًا من نقاشات من دون أن
تدرَك ذلك‪ .‬ففي بعض المواضع‪ ،‬تبدو نصوُص المسائل المحرمة‬
‫كأنها تهكماٍت يكيلها
لبعضهم بعضًا متبارون في ملعب؛ فمثًال‪ُ ،‬م نع األساتذة تحديدًا من توكيد "أَّن‬
‫ما من شيء أسمى مكانة من دراسة الفلسفة" و"أن ليس في العالم حكماُء سوى
الفالسفة"]‪.[550‬‬
‫لم يعد سيجر الموهوُب التعس‪ - ‬الذي
وصفه أحد طالبه بأنه "ألمُع مدرٍس للفلسفة"]‪- [551‬‬
‫كثير قط عن آراء توما
اإلكويني‪ ،‬الذي كان قرأه‬ ‫إلى قاعة المحاضرات أبدًا‪ .‬والحق أّن آراءه لم َتِح د ًا‬
‫وُأعجب به‪ ،‬لكَّن إص ارَره الذي ال يلين على أن يمض
الفالسفُة مع العقل حيث يمضي بهم‪ ،‬وهو‬
‫َي‬
‫دفاٌع مبكر عن حرية الفكر‪ ،‬كلفه وظيفَته
وربما حياته‪ .‬إذ تبّين مدونٌة تاريخية من برابان بلِد ه األم‬
‫أَّن كاهنًا مهووسًا
قتله‪" :‬سيجر هذا‪ ،‬برابان المولد‪ ،‬ونتيجَة اعتناقه بعَض األفكار المتعارضة
مع‬
‫ُي‬
‫َم‬‫الحك‬ ‫َف‬‫
ليستأن‬ ‫بما‬
‫ر‬ ‫[‬ ‫بروما‬ ‫البابوية‬ ‫المحكمة‬ ‫إلى‬ ‫فذهب‬ ‫الدين‪ ،‬لم يعد يستطيع البقاَء بباريس‪،‬‬
‫عليه]‪ ،‬حيث مات بعد فترٍة وجيزة بعد أن طعنه سكرتيُره نصف المجنون
[الكاهن الذي فرضت‬
‫محكمُة البابا عليه مرافقَته]"‪ .‬ال بد من أن وفاَته كانت
قبل نوفمبر ‪ ،1284‬تاريَخ رسالٍة من كبير‬
‫أساقفة كانتربري ورد فيها ِذ كُر موته]‪.[552‬‬
‫َأخَم دت تحريماُت ‪ 1277‬الحماسة بجامعة
باريس للتأمل العقالني والفلسفِة الطبيعية‪ ،‬لكنها‬
‫فشلت في القضاء على نفوذ توما
اإلكويني أو ابِن رشد ومعيِد ه المشاكس سيجر دو برابان‪ .‬وانتقل‬
‫محُل النشاط العلمي
والفلسفي في كثيٍر من األحيان ببساطة إلى أماكَن أخرى‪ ،‬وامتد أثُر الميل إلى‬
‫شروح
ابن رشد حتى بلغ بولندا وإنكلترا‪ .‬ولم يحَظ الالهوُت تاريخيًا بكبيِر نفوذ في
الجامعات‬
‫اإليطالية كبادوا وبولونيا‪ ،‬وازدهرت التعاليُم الرشدية هناك إلى القرن
السابع عشر‪ .‬حتى بجامعة‬
‫باريس‪ ،‬لم يمِض وقٌت طويل قبل أن تعوَد تلك المواُد تدَّر س
وتناَق ش علنًا‪ .‬لقد كان واضحًا أَّن أهَل‬
‫العلم أتوا ليبقوا‪.‬‬
‫من السهل على المرء أن يعزَو نجاَح هم إلى
القوة الصرفة للفلسفِة الطبيعية وعجِز الكنيسِة عن‬
‫استئصال "نظرية كل
شيء" المناِفِس ِة هذه بالطريقة التي استأصلت بها الهرطقَة
"الكاثارية"‪ .‬لكَّن ذلك‬
‫يحجب الدوَر الحاسم للعرب كبناٍة أساسيين‪
- ‬ال مجرد مولدين‪ - ‬للنظرة الغربية الناشئِة إلى العاَلم‪.‬‬
‫لم يكن هذا مجرَد
"استعادة" للحكمة القديمة من طرف التين العصور الوسطى‪ ،‬لعب فيها العرُب‬
‫مباشر هائًال إلى‬
‫ًا‬ ‫دوَر الرعاِة الكرماء‪ ،‬كما يقول أغلُب المؤرخين الغربيين لتلك الفترة‪ .‬بل‪ ،‬كان
نقًال‬
‫الغرب المسيحي ‪ - ‬وقد يقول البعض سرقًة ثقافيًة كبرى
من جانب هذا الغرب ‪ - ‬للمعرفة‬
‫والتكنولوجيا العربية التي ال تقدر بثمن‪.‬‬
‫ليست حالُة فلسفة أرسطو الطبيعية سوى مثاٍل
بارز واحد ألثر العرب كيف فعل‪ .‬لم يكن لدى‬
‫الفيلسوف العظيم كثيٌر من الوقت للتفكير
في هللا‪ ،‬وال هو تصَّو ر ألوهيًة كتلك التي حكمت األدياَن‬
‫التوحيديَة الثالثة
اليهودية والمسيحية واإلسالم‪ .‬لكَّن األمَر مختلٌف عند الفالسفة العرب في العصور‬
‫الوسطى‪ - ‬من الكندي إلى ابن رشد‪ - ‬الذين أخضعوا أرسطو بدأٍب وعناية إلى
متطلبات إيمانهم‬
‫باهلل الحق الواحِد األحد‪ .‬فالذي انتصر آخَر األمر في الغرب هو
"أرسطو العربي"‪ ،‬ال المفكر الوثني‬
‫ليوناَن القديمة‪ .‬فما إِن استقرت هذه
النظرُة األرسطية إلى العاَلم هناك‪ ،‬حتى راح العلما المسيحيون‬
‫ُء‬
‫ٍن‬
‫ُيخضعونها في
جوانَب كثيرة‪ - ‬ال سيما مفهومها الصارم‪ ،‬بل النظري المحض‪ ،‬للكون‪
- ‬لقرو من‬
‫الدراسة النقدية‪ ،‬في عمليِة إعادة تقييم ستؤدي في نهاية المطاف إلى شيء
ما يشبه العلَم الحديث‪.‬‬
‫وفيما كان ذلك يجري في الغرب‪ ،‬كان ثمة
عمليٌة مشابهة تجري منذ وقت طويل في ديار‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫فتمامًا كما "صحح" ابُن سينا
وابُن رشد ما بعد طبيعِة أرسطو إلفساح المجال لإليمان باهلل‪،‬‬
‫كذلك راح
العلماُء العرب ابتدءًا من القرن الحادي عشر‪ - ‬الذين َخ َلفوا علماَء بيِت
الحكمة ببغداد‪- ‬‬
‫ُيجِّم عون رَد هم النقدَي الخاص على علم الفلك وعلِم الكون
اليونانيين‪ .‬فكانت النتيجة هجومًا نظريًا‬
‫وعمليًا على الِب نية المسَّلِم بها
للكون‪ ،‬كما صاغها بطليموس في القرن الثاني الميالدي‪ .‬وشيئًا فشيئًا‪،‬‬
‫ُم ِّه د السبيل
لإلطاحة بهذه المنظومة جملًة واحدة‪ ،‬فبدأ األمر باقت ارٍح من الفلكي البولندي
نيكوالس‬
‫كوبرنيكوس في منتصف القرن السادس عشر ثم تم على يد إسحق نيوتن بعد ‪
150‬سنة‪َ .‬و ضعت‬
‫هذه الثورُة الفلكيُة الشمَس ‪ ،‬بدًال من األرض‪ ،‬في مركز الكون ووكدت
المكانَة المهيمنَة للعلم في‬
‫المجتمع الغربي]‪
.[553‬وقد تطلب تغييُر مكانِة اإلنسان في الكون ‪ - ‬من مركز االهتمام إلى‬
‫ابتكار علميًا قويًا من
نوٍع ما‪ .‬هنا‪،‬‬
‫ًا‬ ‫مجرد واحٍد
بين كثيرين‪ - ‬ليس فقط تحوًال سيكولوجيًا عميقًا بل‬
‫أيضًا‪ ،‬حصل الغرب على بعض المساعدة الحيوية من العرب‪.‬‬
‫فقد َتَبَّين‪ ،‬على وجه التحديد‪ ،‬أَّن
النظرياِت "األصيلَة" الوحيدَة في عمل كوبرنيكوس الضخم‬
‫حول دورات
األجرام السماوية [‪
،]De Revolutionibus Orbium
Coelestium‬الذي ُنشر‬
‫سنة ‪ 1543‬حين كان صاحُبه العاِلُم ورجُل الكنيسة على فراش الموت‪ ،‬تعود
مباشرًة إلى العمل‬
‫األسبق لعلماَء عرب رفيعي المستوى لم تعجبهم تعاليُم المجسطي‪
،‬كتاِب بطليموس المدرسي العظيم‬
‫في علم الفلك‪ .‬ففي السنوات األولى للعلم العربي‪ ،‬قام
علماُء العصر العباسي بتحرير وتنقيح هذا‬
‫العمل الكالسيكي بعَض الشيء‪ .‬فصحح هؤالء
الفلكيون‪ ،‬بدعٍم من المأمون وبعِض الخلفاء اآلخرين‬
‫األوائل‪ ،‬حساَب بطليموس طوَل
الشهر الشمسي وحسنوا إلى حٍّد بعيد قيا ه زاويَة ميِل مسيِر‬
‫َس‬
‫الشمس المحيِط
باألرض‪ ،‬المعروف باسم ‪[ ecliptic‬زاوية انحراف دائرة البروج عن خط االستواء‬
‫السماوي (مسقِط خط
االستواء األرضي على كرة السماء)]‪ .‬وكانت مثل هذه التعديالُت األولية‪،‬‬
‫المهمة لكن
غير الجوهرية للنظرية التي يقوم عليها العمل األصلي‪ُ ،‬تدرج عمومًا في الترجمات‬
‫العربية األحدث للنص اليوناني]‪.[554‬‬
‫وكانت هناك تحسيناٌت أهُم من ذلك ُأدِخ لت
على المجسطي‪ ،‬كاستخدام التوابع المثلثاتية العربية‬
‫بدل األوتار األقَل منها
مالءمًة في التقليد اليوناني أو كمتمٍم لهذه األخيرة‪ .‬كتب الفلكي نصير الدين‬
‫الطوسي في تحرير المجسطي سنة ‪ 1241‬يقول‪" :‬أقول‪ ،‬لـَّم ا كانت طريقُة
الُم حَد ثين‪ ،‬التي تستخدم‬
‫الجيوَب في هذا الموضع بدل األقواس‪ ،‬أقرَب متناوًال‪ ،‬كما
سأبين في ما يلي‪ ،‬فإنني أود أن أذكَرها‬
‫كذلك"‪[ .‬ترجمة عكسية]]‪  [555‬كان
من أهمية هذه العملية أْن أتاحت للتراجمة الالتين في‬
‫العصور الوسطى أن يعطوا
نتائَج أفضل بعملهم على الطبعات العربية [المصَح حة] للمجسطي بدل‬
‫العودِة إلى العمل
اليوناني األصلي لترجمته من الصفر‪.‬‬
‫اتصلت بهذا النهج التدرجي جهوٌد أشُد
طموحًا لتقييم نموذج بطليموس للكون على أسٍس‬
‫نظرية‪ .‬كانت العقبَة األساسية هنا
السهولُة التي يمكن بها المجسطي‪ ،‬عند الحاجة‪ ،‬خرُق إحدى‬
‫القواعد األساسية
للفلسفة الطبيعية‪ ،‬كما صاغها أرسطو وتناولها ِم ن بعده بطليموس وتاِبعوه ومنهم‬
‫العرب‪ :‬أَّن األج ارَم السماويَة كَلها تتحرك حركاٍت منتظمًة في دوائر‪ ،‬تقع األرُض
في مركزها‪ .‬وكان‬
‫بطليموس ِم ن قبُل قد حاول تفسيَر الحركة غير المنتظمة لألجرام
السماوية بإدخال مفهوم نقطة‬
‫التعادل [‪ ]equant‬سيئ الصيت‪ ،‬لكنه أزاح
بعد ذلك محوَر الدوران النظري هذا عن مركز‬
‫األرض ‪ - ‬وبالتالي عن محور
الكون ‪ - ‬ليعكَس قرونًا من المعطيات الفلكية حول الكيفية التي‬
‫تتحرك بها
الكواكب في الواقع عندما ُترى من األرض‪ .‬وبقوله إَّن بعَض هذه األجرام تدور في‬
‫الحقيقة حول محوٍر ال يمر بمركز الكون‪ ،‬خرق المجسطي مبدأ التمام واالنتظام
في حركة األجرام‬
‫السماوية‪.‬‬
‫ِت‬
‫يعني هذا‪ ،‬كما قال نقاُد ه العرب األوائل‪
،‬أَّن وصَف بطليموس حركا األجرام السماوية وصٌف‬
‫"مغلوط"‪ ،‬ما أدى إلى
ظهور أدبياٍت علمية تدعى الشكوك]‪
.[556‬تعود أقدُم النصوص النقدية‬
‫المفصلة هذه إلى منتصف القرن الحادي عشر‪ ،‬قبل مائة سنة
من كفاح هيرمان أوف كارنثية‬
‫وروبرت كيتون المرير لفهم‪ ،‬مجرد فهم‪ِ ،‬ع لم المجسطي
بما يكفي لترجمته إلى الالتينية‪.‬‬
‫ِة‬ ‫ِع‬
‫وسرعان ما انتقل انتقاُد الفلك اليوناني من
ميدان ال لم إلى ميدان الفلسف الطبيعية‪ .‬فأَخ َذ ابُن‬
‫سينا ِع لمًا بعيوب بطليموس
النظرية‪ ،‬وكذا فعل ابُن رشد وابُن ميمون‪ .‬وكان هذان الفيلسوفان‬
‫األخيران‪ ،‬إلى جانب
معلِم ابِن رشد ابِن طفيل وآخرين‪ ،‬جزءًا من تقليٍد نقدٍي أندلسي ثابت سعى‬
‫لالستعاضة عن نموذج المجسطي بمجموعٍة من الكرات الجوفاء تتمركز كلها حول‬
‫األرض]‪
.[557‬فشل المسعى ‪ - ‬وإن ألمح ابُن رشد إلى أنه وجد سبيًال منفصًال لإلبقاء على‬
‫النموذج بحذف نقطة التعادل التي تخرق النظام‪ ،‬وهو ادعاٌء رفضه حتى أخلُص‬
‫‪
- ‬لكنه يكشف مع ذلك المدى الذي بلغه العرب في المطالبة بأال يفسَر العلُم‬
‫تالمذته]‪[558‬‬
‫الظواهَر
المالَح ظة فحسب بل أال يتناقَض مع نفسه في فهمه الحقيقة‪ .‬بعبارٍة أخرى‪ ،‬كان على
العلم‬
‫أن يكوَن قابًال للتوّق ع وأن يكون منسجمًا مع نفسه‪ ،‬وهذان مبدآن أساسيان في
المنهج العلمي‬
‫المعاصر‪ .‬كتب ابُن رشد متشكيًا‪" :‬فإَّن علَم الهيئة في وقتنا
هذا ليس منه شيٌء موجود‪ ،‬وإنما الهيئُة‬
‫الموجودُة في وقتنا هذا هي هيئٌة موافقة
للحسبان ال للوجود"]‪.[559‬‬
‫أتى الفلكيون المرتبطون بمرصٍد بمراغة‪
،‬شمال غربي إيران اليوم‪ ،‬بعدٍد من الفتوحات المهمة‬
‫إلصالح عيوب الفلك القديم‪ .‬وقد
ُبني مركُز البحوِث هذا سنة ‪ 1259‬بأمر من حفيد جنكيز خان‪،‬‬
‫هوالكو‪ ،‬الذي كان قبل
سنٍة من ذلك على رأس الجيش المغولي الذي نهب بغداد وقتل آخَر الخلفاء‬
‫كثير من مكانتها المرجعيِة العظيمِة الممتدة التي كانت لها
في‬
‫ًا‬ ‫العباسيين‪
.‬وكانت بغداد قد فقدت‬
‫يوٍم من األيام‪ ،‬وَق َّز م أم ارُء الحرب المماليك الخلفاَء ‪ ،‬أسياَد هم السابقين‪
،‬إلى مجرد حكاٍم صوريين‪،‬‬
‫وإن بقيت لهم مكانٌة دينيٌة هامة‪ .‬لكَّن نهايَة
اإلمبراطورية لم تقِض على التقاليد العلمية التي أوقد‬
‫شعلَتها العباسيون األوائل‪
.‬فمثلما انتشر العلم في البالطات المسلمة المتناثرة إثر سقوِط الحكِم‬
‫المركزي
باإلندلس‪ ،‬كذلك أبدت المراكُز األخرى في الشرق نشاطًا فكريًا الفتًا بعد سقوط
بغداد‪ .‬من‬
‫هذه المراكز ديار بكر‪ ،‬جنوب شرقي تركيا‪ ،‬وأصفهان‪ ،‬ودمشق‪ ،‬والقاهرة]‪
.[560‬وتلك كانت‬
‫الحاُل بمرصد مراغة‪ ،‬الذي ضم كوكبًة بارزة من الفلكيين والمهندسين
والخبراء اآلخرين واشتمل على‬
‫مكتبٍة علمية حديثِة الطراز‪.‬‬
‫كان نصير الدين الطوسي‪ ،‬الذي أصبح مديَر
مرصد مراغة والمستشاَر العلمي لهوالكو‪ ،‬قد‬
‫ابتكر مقاربًة عبقريًة لحل مشكلة نقطة
التعادل‪ ،‬مقاربًة ولدت حركًة خطية من دو ارٍن منتظم لكرتين‬
‫في اتجاهين متعاكسين‪
.‬وقد أسمى العلماء المعاصرون هذا ’مزدوجة الطوسي‘ [‪Tusi‬‬
‫‪ .]Couple‬لم
يسَّد هذا فحسب فجوًة كبيرة في فلك بطليموس‪ ،‬بل ساعد كذلك العلماء العرب‬
‫الالحقين‪
،‬وكذا الغربيين‪ ،‬على تخطي تحدياٍت جدية لمرجعية الفيزياء األرسطية]‪
.[561‬في هذه‬
‫األثناء‪ ،‬حل مساع الطوسي ومصم اآلالت التخصصية بمرصد مراغة المسألَة
نف ها بطريقٍة‬
‫َس‬ ‫ُم‬ ‫ُد‬
‫ٍد‬ ‫ِت‬
‫مختلفة‪ .‬ومع الوقت‪ ،‬أدخل الفلكيون العرب النظريا التي طورها
الطوسي وزميُله في عد من‬
‫النماذج الكوكبية‪ ،‬وكان أكثر هذه النماذج كماًال ذاك
الذي وضعه المؤقُت الرسمي للجامع األموي‬
‫بدمشق‪ ،‬ابن الشاطر‪ ،‬الذي اسَتخدم تلك
النظريات لتفسير حركات القمر‪ ،‬وما يسمى الكواكب العليا‪،‬‬
‫والكوكب السفلي عطارد‪.‬‬
‫توفي ابُن الشاطر سنة ‪ ،1375‬لكن بعد ‪
168‬سنة من وفاته ظهر استخداُم نظرياِت فلكيي‬
‫مراغة في عمل كوبرنيكوس األصيل‪ ،‬ما يوحي
بأَّن الفلك البولندي ال بد من أنه كان مطلعًا على‬
‫َي‬
‫عمل الفلكيين العرب الذين
سبقوه]‪
.[562‬لم تكن قد ظهرت آنذاك بعد وسائُل نقٍل مباشر‪ ،‬وليس‬
‫ثمة دليل على أن كوبرنيكوس عرف
العربية أو أن هذه النظريات ُنشرت بالالتينية قط‪ .‬ال توجد‬
‫سوى إلماحات‪ :‬فقد درس
كوبرنيكوس بإيطاليا من سنة ‪ 1496‬حّتى سنة ‪ 1503‬حيث لم يتعرض‬
‫العلُم والفلسفة
العربيان لما تعّر ضا له بباريس من رِد فعٍل عنيف؛ وكان يوجد في أيامه عدٌد من‬
‫العلماء المستعربين الغربيين القادرين على تفسير هكذا أعمال عربية متقدمة للعلماء
الالتين؛ وربما‬
‫اطلع كوبرنيكوس كذلك‪ ،‬الذي درس اليونانية‪ ،‬على االستعارات البيزنطية
من علم الهيأة العربي‪.‬‬
‫ومما يزيد في الغموض‪ ،‬أَّن برهاَن الطوسي على مزدوجته حوالي
‪ ،1260‬والبرهاَن الوارَد في كتاب‬
‫كوبرنيكوس حول دورات األجرام السماوية [‪]De Revolutionibus Orbium Coelestium‬‬
‫بعد ثالثة قرون من ذلك يستخدمان تسمياٍت متطابقة لذات النقاط الهندسية‪
،‬وهو مؤشٌر يستدل منه‬
‫العلماء المعاصرون أن كوبرنيكوس كان مطلعًا مباشرة على عمل
الطوسي بنسختة‬
‫األصلية]‪.[563‬‬
‫لم يقترح ابُن الشاطر وال اقترح الطوسي قط
أَي شيء جذري من قبيل تحويل نموذج بطليموس‬
‫لجعل مركِزه هو الشمس أو قريبًا منها‪
،‬وهي السمُة المميزة لما بات ُيعرف بالثورة الكوبرنيكية‪ ،‬وإن‬
‫كان بعُض العلماء
اليونان والعرب قد قَّلب هذه الفكرة وتأملها مليا‪ .‬فالعقباُت الهائلة التي كانت‬
‫تواجه أَي نظريٍة تضع الشمَس في مركز الكون ‪ِ - ‬م ن تعاليَم دينيٍة راسخة
وتقليٍد فلسفي قديم‪،‬‬
‫والحُس العام والخبرُة البشريُة اليومية‪ ،‬واالفتقاُر إلى
نظريٍة في الجاذبية لتفسير هذا األمر كله ‪- ‬‬
‫تشهد بعبقرية كوبرنيكوس وألمعيِة
رجال العلم الغربيين الذين صقلوا عمَله الحقًا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬تجدر‬
‫اإلشارة إلى أَّن
ابَن الشاطر كان قد فرض على نموذج بطليموس حركًة مستديرًة منتظمة بحيث‬
‫كثير على‬‫ًا‬ ‫تصبح كُل
الحركات الكوكبية تدور حول نقطٍة واحدة أال وهي األرض‪ .‬وهذا ما سهل‬
‫كوبرنيكوس االرتقاَء بالمفهوم بإزاحة ذلك المركز إلى الشمس من دون االضطرار إلى
إعادة اخت ارِع‬
‫النموذِج السماوِي كله من الصفر]‪.[564‬‬
‫وقد استمر الص ارُع العلم والفلسف
والالهوتي حول طرح كوبرنيكوس هذا‪ ،‬المغطى بركاٍم من‬
‫ُي‬ ‫ُي‬
‫الرياضيات المعقدة في رسالته
التي اشُتهرت بصعوبتها‪ ،‬سنواٍت عدة]‪
.[565‬وكان ِم ن آالِم‬
‫مخاض عاَلِم العلِم المستقِل الجديد إدانُة غاليليو بالهرطقة سنة
‪ 1633‬لتأييده كوبرنيكوس‪ ،‬وَح رُق‬
‫الفيلسوف الحر جيوردانو برونو قبل ذلك‪ ،‬واضطهاُد
الكنيسِة الكاثوليكيِة عددًا ال يحصى غيَرهما‪،‬‬
‫بكلفٍة كارثية عليها ال تزال تدفع
ثمَنها من سمعتها وسلطتها‪.‬‬
‫وبالرغم من ذلك‪ ،‬لم تستطع محاكم التفتيش
المخيفة إعادَة جنِّي الِع لِم العربِي إلى القمقم‪ .‬فقد‬
‫أتت اكتشافاُت يوهانس كبلر
لألفالك الكوكبية اإلهليلجية ونظريُة الجاذبية إلسحق نيوتن بعد ذلك‪،‬‬
‫التي ُنشرت
سنة ‪ ،1687‬لتكمَل في الواقع عمَل كوبرنيكوس‪ ،‬وساعدت على ضمان نجاح الثورة‬
‫العلمية‪
.‬واُض طرت الكنيسُة إلى الرضوخ لحكم الفلسفة الطبيعية‪ ،‬خادمِت ها السابقة‪ ،‬والتسليِم
بأَّن‬
‫األرض تدور في الحقيقة حول الشمس‪ .‬وُر َّد االعتباُر إلى غاليليو في النهاية‪
،‬وعَّبر البابا جون بول‬
‫الثاني سنة ‪ 1979‬عن أسفه لما لقيه العاِلُم والمخترُع
اإليطال العظيم من الكنيسة من سوِء معاملة‪.‬‬
‫ُي‬
‫َة‬ ‫الكنيس‬ ‫ألَّن‬ ‫إال‬ ‫ذلك‬ ‫كان‬ ‫وما‬ ‫‪.‬‬‫ًال‬‫وعاد‬ ‫لقد كان حكُم التاريخ على هذه المرحلة كلها
قاسيًا‬
‫تجاهلت عامدًة وصفاِت ابنها هي
القديس توما اإلكويني ‪ - ‬ووصفاِت ابِن رشد من خالله ‪- ‬‬
‫بالتعايش السلمي
البَّناء بين اإليمان والعقل‪َ .‬ف َتحَت التأثير المباشر لألرسطيين العرب‪ ،‬كان توما
قد‬
‫صاغ هدنًة بين التعاليم الكنسية التقليدية واكتشافاِت األجياِل الناشئة من
العلماء الغربيين‬
‫المعاصرين‪ .‬وال تزال هذه التسويُة إلى اليوم تحدد قواعَد
االشتباك بين عاَلمي اإليمان والعقل‪ ،‬وتؤازر‬
‫ادعاَء العرب بأنهم هم مخترعو الغرب‪
،‬وهو َد يٌن أقَّر به آديالرد أوف باث قبل عدة قرون في طريق‬
‫عودته من أنطاكية‪ ،‬إذ
يؤكد لقرائه‪" :‬أَّن َهللا بالطبع يحكم الكون‪ .‬لكن يحق بل ينبغي لنا النظُر في‬
‫[ملكوت] العالم الطبيعي‪ .‬ذلكم ما يعلمنا إياُه العرب"]‪.[566‬‬
‫كلمة
شكر‬
‫كالمفكرين المرتِح لين الذين أسهم تفانيهُم
الفريُد في جلب الِع لِم العربي إلى الغرب‪ ،‬كان لهذا‬
‫كثير من‬‫ًا‬ ‫العمِل نوٌع من التاريخ
االرتحالي هو اآلخر‪ .‬لم أدرِك األمَر تماَم اإلدراك في حينه‪ ،‬لكَّن‬
‫الخواطر واألفكار التي كانت ستجد طريقها إلى هذه الصفحات تبلورت في ذهني شيئًا
فشيئًا على‬
‫مر السنين خالل أسفاري الكثيرة‪ ،‬التي كان جُلها في العالم اإلسالمي‪
.‬وعلى الطريق‪َ ،‬أسَه َم أناٌس‬
‫كثر في مسعاَي لجمع شتات العناصِر المنفصلة في سرٍد
شامٍل ذي مغزى؛ وال يسعني لكثرتهم أن‬
‫أشكَر لهم فردًا فردًا‪ .‬فلهم مني جميعًا
خالَص الشكر‪ .‬بيد أنني أخص بالشكر منهم ميشيل جونسون‬
‫التي قرأت بعنايٍة وتبُّص ر‪
،‬وعن طيِب خاطر‪ ،‬كَل كلمٍة من كلمات هذا الكتاب؛ واألستاذ بول كوب‪،‬‬
‫الذي كان
استعداُد ه لتقديم ما عنده ِم ن خبرٍة ومشورة خيَر ُم عين؛ وويل َليونز‪ ،‬الذي لم
َيِخ َّف دعُم ه‬
‫إياَي ولم َتفُتر حماسُته لي يومًا‪ .‬أَّم ا واي‪ .‬إس‪ .‬تشي فقد َم نَح
المشروَع َلَّم ا احتاج إلى الدفع دفعة‪.‬‬
‫وال حاجَة إلى القول أَّن المؤلَف وحَد ه هو
المسؤوُل عن هنات النص النهائي‪.‬‬
‫كما أود أن أشكَر موظفي مكتبة الكونغرس‪ ،‬ال
سيما في حجرة القراءة الرئيسية‪ ،‬حيث أجريُت‬
‫كثير من بحوث هذا الكتاب في جو قديٍم
فخيم‪ .‬ومع أن مجموعَة الكتِب الواسعَة التي اسَتَش رت‬ ‫ًا‬
‫كثير رسُم المرأة التي تمثل ’المعرفَة اإلنسانية‘ تزين القبَة الضخمَة‬‫كانت عظيمَة الفائدة‪ ،‬فقد
ألهمني ًا‬
‫فوق رأسي رافعًة وشاَح ها وناظرًة إلى األعلى نظرة شكر ِم ن أرض ’اإلنجاز البشري
المتناهي‘ [إلى‬
‫سماء التقدم الفكري الالمتناهي]‪ .‬ومن بين الشخصيات االثنتي عشرة
التي تدين لهم [عرو المعرفِة‬
‫ُس‬
‫البشريِة ] بالعرفان شخصيٌة عربية تحمل كتاَب
"الفيزياء"؛ أي الفلسفة الطبيعية‪ ،‬وتقف‪ ،‬وما أنسَبه‬
‫موقف‪ ،‬بجوار الشخصية
التي تمثل العصوَر الوسطى المسيحية‪.‬‬
‫وعلى جدران الرخام أسفَل القبة ُنِقش قوٌل
لمجهول اقتبسُته لنفسي لعله يصلح تعليقًا لهذا‬
‫الكتاب‪" :‬إّننا نذوق التوابَل
العربية مع أننا ال نشعر البتَة بلهيب الشمس التي أنبتتها"‪ .‬وِم ن المؤسف‬
‫ِء‬
‫أَّن
التماثيَل البرونزيَة الستَة عشَر لعظما مفكري العالم على درابزين األروقة
الُع لوية ليس فيها تمثاٌل‬
‫واحٌد لعربي أو مسلم‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإَّن هذا الغياَب [أو
التغييب]‪ ،‬هو اآلخر‪ ،‬جزٌء من القصة‪.‬‬
‫في الختام‪ ،‬أود أن أشكَر لوكيلي‪ ،‬ويل
ليبينكوت‪ ،‬إد ارَك ه الغاية على ُبعد الرماية ولمحررَّي ِب دار‬
‫لومزبري‪ ،‬بيتر جينا
بنيويورك ومايكل فيشويك بلندن‪ ،‬ما قدما لي ِم ن عون ألصَل إلى حيث‬
‫وصلت‪.‬‬
‫مراجع
مختارة‬
‫في ما يلي نخبٌة من المراجع لمن يود ِم ن
القراء معرفَة المزيد عن الموضوعات والتفصيالت‬
‫ ال‬،‫
وقد حرصُت على إدراج جمهرٍة من اآلراء ووجهاِت النظر‬.‫والشخصيات المقَد مِة في هذا الكتاب‬
‫ وفي‬.‫نادر ما ُتسمع في الرواية الغربيِة المعتَم دِة الشائعة لتاريخ األفكار‬

التي ًا‬،‫سيما من العالم العربي‬
.‫الحواشي مزيٌد من المصادر الدقيقة واألدبياِت المتخصصة‬
●     Abdo, Geneive, No God but God: Egypt and the
Triumph of Islam. New York: Oxford
University Press, 2001.
●     Abdo,
Geneive, and Jonathan Lyons. Answering Only to God: Faith and Freedom in
Twenty-first Century Iran. New York: Henry Holt, 2003.
●     Abulafia,
David. Frederick II: A Medieval Emperor. London: Allen Lane, 1988.
●     Adelard
of Bath. Adelard of Bath, Conversations with His Nephew: On the Same and
the
Different, Questions on Natural Science and On Birds. Translated and edited by
Charles Burnett. Cambridge: Cambridge University Press, 1998.
●         Agius,
Dionisius A., and Richard Hitchcock, ed. The Arab Influence in Medieval
Europe. Reading, UK: Ithaca Press, 1994.
●         Ahmad,
Nafis. Muslims and the Science of Geography. Dacca: University Press,
1980.
●         Al-Andalusi,
Said. Science in the Medieval World: "Book of the Categories of
Nations". Translated and edited by Semaan I. Salem and Alok Kumar.
Austin:
University of Texas Press, 1991.
●         Atiya, Aziz S. Crusade, Commerce, and Culture.
Bloomington: Indiana University
Press, 1962.
●         Attiyeh, George N., ed. The Book in the Islamic
World: The Written Word and
Communication in the Middle East. New York: New
York University Press, 1995.
●         Averroes. Averroes: On the Harmony of Religion
and Philosophy. Translated and
edited by George F. Hourani. London: Luzac, 1967.
●     —    Averroes' Tahafut al-Tahafut.
Translated and edited by Simon van den Bergh. 2
vols. Oxford: Oxford University Press, 1954.
●         Aziz, Ahmad. A History of Islamic Sicily.
New York: Columbia University Press,
1979.
●     Al-Azmeh, A. "Barbarians in Arab Eyes.'' Past
and Present 134 (1992): 3-18.
●     Bello, Iysa A. The Medieval Islamic Controversy
Between Philosophy and Orthodoxy.
Leiden, Netherlands: E. J. Brill, 1989.
●     Benson, Robert L., and Giles Constable, eds. Renaissance
and Renewal in the Twelfth
Century. Cambridge, MA: Harvard University
Press, 1982.
●     Berggren, J. J. Episodes in the Mathematics of
Medieval Islam. New York: Springer-
Verlag, 2003.
●         Al-Biruni. The Determination of the
Coordinates of Cities: Al-Biruni's Tahid al-
Amakin. Translated and edited
by Jamil Ali. Beirut: Centennial Publications, 1967.
●     Bloom, Jonathan. Paper Before Print: The History
and Impact of Paper in the Islamic
World. New Haven, CT: Yale University Press,
2001.
●         Bulmer-Thomas, Ivor. "Euclid and Medieval
Architecture.'' Archaeological Journal
136
(1979): 136-50.
●     Burnett, Charles, ed. Adelard of Bath: An English
Scientist and Arabist of the Early
Twelfth Century. London: Warburg Institute, 1987.
●         —      The Introduction of Arabic Learning into
England. London: British Library,
1997.
●     Butterworth, Charles E., and Blake Andree Kessel,
eds. The Introduction of Arabic
Philosophy into Europe. Leiden,
Netherlands: E. J. Brill, 1994.
●         Cochrane, Louise. Adelard of Bath: The First
English Scientist. London: British
Museum Press, 1994.
●     Cooperson, Michael. Al Ma'mun. Oxford:
Oneworld, 2005.
●         Crombie, A. C. Augustine to Galileo.
Cambridge, MA: Harvard University Press,
1979.
●         Science, Optics and Music in Medieval and Early
Modern Thought. London:
Hambledon Press, 1990.
●     Crossley, John N., and Alan S. Henry. "Thus
Spake al-Khwarizmi: A Translation of
the Text of Cambridge University Library
Ms. Ii.vi.5.'' Historia Mathematica
17
(1990):
103-31.
●     Curry, Patrick, ed. Astrology, Science, and
Society: Historical Essays. Woodbridge,
UK: Boydell Press, 1987. Dales, Richard C. Medieval Discussions of
the Eternity of
the World. Leiden, Netherlands: E. J. Brill, 1990.
●     Daniel, Norman. The Arabs and Medieval Europe.
London: Longman, 1979.
●     —    "Crusade Propaganda.'' In A History of
the Crusades, vol. 6, The Impact of
the
Crusades on Europe, edited by Harry W. Hazard and Norman P. Zacour, 39-97.
Madison: University of Wisconsin Press, 1989.
●     —    Islam and the West: The Making of an Image.
Oxford: Oneworld, 1993.
●         Dohrn-van Rossum, Gerhard. History of the
Hour: Clocks and Modern Temporal
Orders. Translated by Thomas Dunlap.
Chicago: University of Chicago Press, 1996.
●     Donini, Pier Giovanni. Arab Travelers and
Geographers. London: Immel, 1991.
●         Dronke, Peter, ed. A History of
Twelfth-Century Western Philosophy. Cambridge:
Cambridge University Press, 1988.
●         Eidelberg, Shlomo, trans. and ed. The Jews and
the Crusaders: The Hebrew
Chronicles of the First and Second Crusades. Madison:
University of Wisconsin Press,
1977.
●         Evans, James. The History and Practice of
Ancient Astronomy. New York: Oxford
University Press, 1998.
●     Fakhry, Majid. Averroes, Aquinas and the
Rediscovery of Aristotle in Western Europe.
Washington, DC: Center for
Muslim-Christian Understanding, Georgetown University,
1997.
●     —    Averroes (Ibn Rushd): His Life, Works and
Influence. Oxford: Oneworld, 2001.
●     —    A History of Islamic Philosophy. New
York: Columbia University Press, 2004.
●     Fletcher, Richard. Moorish Spain. New
York: Henry Holt, 1992.
●     Gabrieli, Francesco. Arab Historians of the
Crusades. Translated by E. J. Costello.
London: Routledge and Kegan Paul, 1969.
●         Gilson, Etienne. Reason and Revelation in the
Middle Ages. New York: Charles
Scribner's Sons, 1938.
●     Gingerich, Owen. "Islamic Astronomy.'' Scientific
American 254 (April 1986): 68-
75.
●     Goldstein, Bernard R. "The Making of
Astronomy in Early Islam.'' Nuncius: Annali di
Storia Della Scienza 1 (1986):
79-92.
●     Goss, Vladimir P., ed. The Meeting of Two
Worlds: Cultural Exchange Between East
and West During the Period of the
Crusades. Kalamazoo, MI: Medieval Institute
Publications, Western Michigan
University, 1986.
●         Gutas, Dimitri. Avicenna and the Aristotelian
Tradition: Introduction to Reading
Avicenna's Philosophical Works. Leiden,
Netherlands: E. J. Brill, 1988.
●     —    Greek Thought, Arabic Culture: The
Graeco-Arabic Translation Movement in
Baghdad and Early Abbasid Society.
London: Routledge, 1998.
●         Harvey, John H. "Geometry and Gothic
Design.'' Transactions of the Ancient
Monuments Society 30 (1986):
43-56.
●     —    The Medieval Architect. London:
Wayland, 1972.
●     Haskins, Charles Homer. "Michael Scot and
Frederick II.'' Isis 4, no. 2 (1921):
250-
75.
●     —    The Rise of Universities. Ithaca, NY:
Cornell PaperbÂacks, 1957.
●     —    Studies in the History of Mediaeval
Science. Cambridge, MA: Harvard University
Press, 1927.
●         Al-Hassan, Ahmad Y. "Factors Behind the
Decline of Islamic Science After the
Sixteenth Century''. In Islam and the
Challenge of Modernity: Historical and
Contemporary Contexts, edited by
Sharifah Shifa Al-Attas, 351-89. Kuala Lumpur:
International Institute of
Islamic Thought and Civilisation, 1996.
●     Hasse, Dag Nikolaus. Avicenna's De Anima in the
Latin West: The Formation of a
Peripatetic Philosophy of the Soul, 1160-1300.
London: Warburg Institute, 2000.
●         Hill, Donald R. Studies in Medieval Islamic
Technology. Brookfield, VT: Ashgate,
1998.
●     Hillenbrand, Carole. The Crusades: Islamic
Perspectives. Chicago: Fitzroy Dearborn,
1999.
●     Houben, Hubert. Roger II of Sicily: A Ruler
Between East and West. Translated by
Graham A. Lound and Diane Milburn.
Cambridge: Cambridge University Press, 2002.
●     Hourani, George F. Arab Seafaring in the Indian
Ocean in Ancient and Early Medieval
Times. Princeton, NJ: Princeton University
Press, 1995.
●         Huff, Toby. The Rise of Early Modern Science:
Islam, China, and the West.
Cambridge: Cambridge University Press, 1993.
●     Ibn Jubayr. The Travels of Ibn Jubayr.
Translated by R. J. C. Broadhurst. London: J.
Cape, 1952.
●     Ibn Khaldun. The Muqaddimah: An Introduction
to History. Translated and edited by
Franz Rosenthal. 3 vols. Princeton, NJ: Princeton University
Press, 1967.
●     Ibn Munqidh, Usama. The Book of Contemplation:
Islam and the Crusades. Translated
by Paul M. Cobb. Hardmondsworth, UK:
Penguin Classics, 2008.
●         Ibn al-Nadim. The Fihrist of al-Nadim.
Translated and edited by Bayard Dodge. 2
vols. New York: Columbia University Press, 1970.
●     Ibn al-Qalanisi. The Damascus Chronicle of the
Crusades. Translated and edited by H.
A. R. Gibb. Mineola, NY: Dover
Publications, 2002.
●     Jayyusi, Salma Khadra, ed. The Legacy of
Muslim Spain. Leiden, Netherlands: E. J.
Brill, 1994.
●         Kennedy, Hugh. When Baghdad Ruled the Muslim
World: The Rise and Fall of
Islam's Greatest Dynasty. New York: De Capo Press, 2004.
●     Khair, Tabish, and others, eds. Other Routes: 1500 Years of African and Asian Travel
Writing.
Bloomington: Indiana University Press, 2005.
●         Al-Khwarizmi. The Algebra of Mohammad ben Musa.
Translated and edited by
Frederic Rosen. Hildesheim, Germany: George Olms
Verlag, 1986.
●     Kieckhefer, Richard. Magic in the Middle Ages.
Cambridge: Cambridge University
Press, 1990.
●         Kimble, George H. T. Geography in the Middle
Ages. London: Methuen and Co.,
1938.
●         Kimerling, A. Jon. "Cartographic Methods for
Determining the Qibla.'' Journal of
Geography 101 (2002): 20-26.
●         King, Charles. "Leonardo Fibonacci.'' In From
Five Fingers to Infinity: A Journey
Through the History of Mathematics,
edited by Frank J. Swetz, 252-54. Chicago: Open
Court, 1994.
●     King, David A. In Synchrony with the Heavens:
Studies in Astronomical Timekeeping
and Instrumentation in Medieval Islamic
Civilization. Leiden, Netherlands: E. J. Brill,
2004.
●     —    Astronomy in the Service of Islam.
Brookfield, VT: Variorum, 1993.
●         King, David A., and Richard P. Lorch. "Qibla
Charts, Qibla Maps, and Related
Instruments.'' In The History of Cartography,
vol. 2, bk. 1, Cartography in the
Traditional Islamic and South Asian
Societies, edited by J. B. Harley and David
Woodward. Chicago: University
of Chicago Press, 1987.
●         Koestler, Arthur. The Sleepwalkers: A History of
Man's Changing Vision of the
Universe. London: Arkana, 1989.
●     Krey, August C., trans. and ed. The First
Crusades: The Accounts of Eyewitnesses and
Participants. Princeton, NJ:
Princeton University Press, 1921.
●         Kuhn, Thomas S. The Copernican Revolution:
Planetary Astronomy in the
Development of Western Thought. Cambridge, MA:
Harvard University Press, 1957.
●     Leaman, Oliver. Averroes and His Philosophy.
Oxford: Clarendon Press, 1988.
●     —    A Brief Introduction to Islamic Philosophy.
Cambridge: Polity Press, 1999.
●         Le Goff, Jacques. Intellectuals in the Middle
Ages. Translated by Teresa Lavender
Fagan. Cambridge, MA: Blackwell, 1993.
●     —    Time, Work, & Culture in the Middle
Ages. Translated by Arthur Goldhammer.
Chicago: University of Chicago
Press, 1980.
●         Leonardo of Pisa. Fibonacci's Liber Abaci: A
Translation into Modern English of
Leonardo Pisano's Book of Calculation.
Translated and edited by L. E. Sigler. New
York: Springer, 2002.
●     Le Strange, Guy. Baghdad During the Abbasid
Caliphate. Westport, CT: Greenwood
Press, 1983.
●         Lindberg, David C. The Beginnings of Western
Science: The European Scientific
Tradition in Philosophical, Religious, and
Institutional Context, 660 B.C. to A.D.
1450. Chicago: University of Chicago Press, 1992.
●     —    ed. Science in the Middle Ages.
Chicago: University of Chicago Press, 1978.
●     Maalouf, Amin. The Crusades Through Arab Eyes.
Translated by Jon Rothschild. New
York: Schocken Books, 1984.
●     Mallette, Karla. The Kingdom of Sicily, 1100-1250:
A Literary History. Philadelphia:
University of Pennsylvania Press, 2005.
●     Marenbon, John. Later Medieval Philosophy (1150-1350).
London: Routledge and
Kegan Paul, 1987.
●     Al-Masudi. The Meadows of Gold. Translated
and edited by Paul Lunde and Caroline
Stone. London: Kegan Paul, 1989.
●         McClenan, R. B. "Leonardo of Pisa and His
Liber quadratorium.'' In From Five
Fingers to Infinity: A Journey Through
the History of Mathematics, edited by Frank J.
Swetz, 255-60.
Chicago: Open Court, 1994.
●         McCluskey, Stephen C. Astronomies and Cultures
in Early Medieval Europe. New
York: Cambridge University Press, 1998.
●         Menocal, María Rosa. The Ornament of the World:
How Muslims, Jews, and
Christians Created a Culture of Tolerance in Medieval
Spain. Boston: Little, Brown,
2002.
●         Moran, Bruce T. Distilling Knowledge: Alchemy,
Chemistry, and the Scientific
Revolution. Cambridge, MA: Harvard University
Press, 2005.
●     Mumford, Lewis. Technics and Civilization.
New York: Harcourt, Brace and World,
1963.
●         Al-Muqaddasi. The Best Divisions for Knowledge
of the Regions. Translated and
edited by Basil. Anthony Collins. Reading,
UK: Garnet Publishing, 1994.
●     Nadvi, Syed Sulaiman. The Arab Navigation.
Translated by Syed Sabahuddin Abdu
Rahman. Lahore, Pakistan: Sh. Muhammad
Ashraf, 1966.
●     Al-Najdi, Ahmad bin Majid. Arab Navigation in
the Indian Ocean Before the Coming
of the Portuguese. Translated and edited
by G. G. Tibbetts. London: Royal Asiatic
Society of Great Britain and Ireland, 1971.
●     Nasr, Seyyed Hossein. "Islamic Alchemy and
the Birth of Chemistry.'' Journal for the
History of Arabic Science 3, no. 1
(1979): 40-45.
●     Nasr, Seyyed Hossein, and Oliver Leaman, ed. History
of Islamic Philosophy. New
York: Routledge, 1996.
●         Newman, William R., and Anthony Grafton, ed. Secrets
of Nature: Astrology and
Alchemy in Early Modern Europe. Cambridge, MA: MIT
Press, 2001.
●     Pedersen, Johannes. The Arabic Book.
Translated by Geoffrey French. Princeton, NJ:
Princeton University Press, 1984.
●         Peters, Francis E. Aristotle and the Arabs.
New York: New York University Press,
1968.
●     Phillips, Jonathan. Defenders of the Holy Land:
Relations Between the Latin East and
the West, 1119-1187. Oxford: Clarendon Press, 1996.
●         Pickthall, Marmaduke. The Meaning of the Glorious
Koran: An Explanatory
Translation. New York: Alfred A. Knopf, 1909.
●         Pym, Anthony. Negotiating the Frontier:
Translators and Intercultures in Hispanic
History. Manchester, UK: St. Jerome
Publishing, 2000.
●     Rashed, Roshdi. The Development of Arabic
Mathematics: Between Arithmetic and
Algebra. Translated by A. F. W.
Armstrong. Dordrecht, Netherlands: Kluwer Academic
Publishers, 1994.
●     Riley-Smith, Jonathan. The First Crusade and
the Idea of Crusading. Philadelphia:
University of Pennsylvania Press, 1986.
●     Rodinson, Maxime. Europe and the Mystique of
Islam. Translated by Roger Veinus.
Seattle: University of Washington Press,
1987.
●         Rubenstein, Richard E. Aristotle's Children: How
Christians, Muslims and Jews
Rediscovered Ancient Wisdom and Illuminated the
Dark Ages. Orlando, FL: Harcourt,
2003.
●     Sabra, A. I. "The Andalusian Revolt Against
Ptolemaic Astronomy: Averroes and al-
Bitruj.'' In Transformation and
Tradition in the Sciences, edited by Everett Mendelsohn.
London: Cambridge
University Press, 1984.
●         —      "An Eleventh-Century Refutation of
Ptolemy's Planetary Theory.'' Studia
Copernicana 16 (1978): 117-31.
●         Saliba, George. Islamic Science and the Making of
the European Renaissance.
Cambridge, MA: MIT Press, 2007.
●         Savage-Smith, Emilie, ed. Magic and Divination
in Early Islam. Burlington, VT:
Ashgate, 2004.
●     Sayili, Aydin. The Observatory in Islam.
Ankara: Turk Tarih Kurumu Basimevi, 1960.
●         Sezgin, Fuat. Mathematical Geography and
Cartography in Islam and Their
Continuation on the Occident, vol. 1. Frankfurt am Main: Institute for the History
of
Arabic-Islamic Science, 2005.
●         Shatzmiller, Maya, ed. Crusaders and Muslims
in Twelfth-Century Syria. Leiden,
Netherlands: E. J. Brill, 1993.
●     Silverstein, Theodore. "Daniel of Morley,
English Cosmologist and Student of Arabic
Science.'' Mediaeval Studies 10 (1948):
179-96.
●     Southern, Richard W. Medieval Humanism.
New York: Harper and Row, 1970.
●         Van Steenberghen, Fernand. Aristotle in the
West: The Origins of Latin
Aristotelianism. Translated by Leonard Johnston.
Louvain, Belgium: E. Nauwelaerts,
1955.
●         —      Thomas Aquinas and Radical
Aristotelianism. Washington, DC: Catholic
University of America Press, 1978.
●         Swetz, Frank J. Capitalism and Arithmetic: The
New Mathematics of the 15th
Century. La
Salle, IL: Open Court, 1987.
●     Tester, S. J. A History of Western Astrology.
Woodbridge, UK: Boydell Press, 1987.
●     Thijssen, J. M. M. H. Censure and Heresy at
the University of Paris. Philadelphia:
University of Pennsylvania Press, 1998.
●         Thorndike, Lynn. History of Magic and
Experimental Science. 8 vols. New
York:
Macmillan, 1923-58.
●     —    Michael Scot. London: Thomas Nelson
and Sons, 1965.
●     —    The Place of Magic in the Intellectual
History of Europe. New York: AMS Press,
1967.
●     Tyerman, Christopher. God's War: A New History
of the Crusades. Cambridge, MA:
Harvard University Press, 2006.
●     —    The Invention of the Crusades.
Toronto: University of Toronto Press, 1998.
●         Van Cleve, Thomas Curtis. The Emperor Frederick
II of Hohenstaufen: Immutator
Mundi. Oxford: Clarendon Press, 1972.
●     Walzer, Richard. Greek into Arabic: Essays on
Islamic Philosophy. Cambridge, MA:
Harvard University Press, 1962.
●     Watson, Andrew M. Agricultural Innovation in the
Early Islamic World: The Diffusion
of Crops and Farming Techniques, 700-1100.
Cambridge: Cambridge University
Press, 1983.
●     Wiet, Gaston. Baghdad: Metropolis of the
Abbasid Caliphate. Translated by Seymour
Feiler. Norman: University of
Oklahoma Press, 1971.
 
‫انتهى‬
 
‫]‪   [1‬سأعكس
اآلية هنا‪ ،‬للسبب نفِس ه‪[ .‬المترجم]‬
‫]‪   [2‬من
اآلن فصاعدًا سأستخدم األندلس بدل إسبانيا المسلمة‪[ .‬المترجم]‬
‫]‪     [3‬وولتر
المستشار‪ ،‬حروب أنطاكية‪ :‬ترجمة وتعليق‪ .‬ترجمة وتحرير توماس س‪ .‬أسبريدج وسوزان ب‪ .‬إدنغتون
(برووكفيلد‪،‬‬
‫فيرمونت‪ :‬آشغيت‪.78 ،)1999 ،‬‬
‫]‪   [4‬المصدر
السابق‪.79 ،‬‬
‫]‪   [5‬المصدر
السابق‪.81-80 ،‬‬
‫]‪    [6‬آديالرد
أوف باث‪ ،‬محاورات مع ابن أخيه‪ :‬في الثابت والمتغير‪ ،‬ومسائل في علم الطبيعة‪
،‬والطيور‪ .‬ترجمة وتحرير تشارلز‬
‫ِب رِن ت (كامبريدج‪ :‬مطبعة جامعة كامبريدج‪.71-69
،)1998 ،‬‬
‫]‪   [7‬ستيفن
َر نسيمان‪ ،‬الحملة الصليبية األولى‪( ،‬كامبريدج‪ :‬مطبعة جامعة كامبريدج‪.157 ،)1980 ،‬‬
‫]‪     [8‬ابن
القالنسي‪ ،‬ذيل تاريخ دمشق‪ ،] [The Damascus Chronicle of the Crusades‬ترجمة وتحرير‬
‫هاملتون ألكسندر روسِك ن غيب]‪( [H.A.R Gibb‬مينوال‪ ،‬نيويورك‪ :‬منشورات دوفر‪[ .89 ،)2002 ،‬النص كما ورد في‬
‫األصل‪ ،‬تحرير إتش‪ .‬إف‪ .‬آميدروز (بيروت‪ :‬مطبعة اآلباء اليسوعيين‪ ،)1908 ،‬عن طبعة
ليدن‪ :‬بريل ‪.163 ،1908‬‬
‫"الذيل"‪ ،‬الذي يغطي في حولياته تاريَخ الحملتين
الصليبيتين األولى والثانية‪ ،‬كان هذا عنواَنه إشارًة إلى أنه استكماٌل للعمل‬
‫األشمل للمؤرخ العراقي هالل الصابئ من حيث انتهى هذا األخير سنة ‪ 1055‬م‪ .‬قبل وفاته
بسنة‪ .‬أما العنوان اإلنكليزي للعمل‬
‫فهو الذي أعطاه إياه غيب ‪ -‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪   [9‬جنيف
عبدو‪" ،‬مسلمو أميركا ليسوا مفهومين بالقدر الذي تظنه"‪ ،‬واشنطن بوست‪
،‬آوتلووك‪ 27 ،‬أغسطس ‪.2006‬‬
‫]‪   [10‬عزيز
س‪ .‬عطية‪ ،‬الحمالت الصليبية‪ ،‬والتجارة‪ ،‬والثقافة (بلومينغتون‪ :‬مطبعة جامعة إنديانا‪.220 ،)1962
،‬‬
‫]‪    [11‬روجر
بيكون‪ ،‬الكتاب األكبر‪ ،]
[Opus Majus‬ترجمة
روبرت بل بورك‪( ،‬فيالدلفيا‪ :‬مطبعة جامعة بنسلفانيا‪،)1927 ،‬‬
‫‪.815‬‬
‫]‪   [12‬برايان
ستوك‪" ،‬التطور العلمي والتكنولوجي واالقتصادي في العصور الوسطى األولى"‪
،‬في العلم في العصور الوسطى‪،‬‬
‫تحرير ديفيد سي‪ .‬لندبرغ (شيكاغو‪ :‬مطبعة جامعة شيكاغو‪.12 ،)1978
،‬‬
‫]‪   [13‬فرانشيسكو
بترارك‪ ،‬رسائل العصر القديم‪ ،‬ترجمة آلدو س‪ .‬برنار‪ ،‬وسول ليفين‪ ،‬وريتا أ‪ .‬برنارد‪(
،‬بلتيمور‪ :‬مطبعة جامعة‬
‫جونز هوبكنز‪.472 :2 ،)1992 ،‬‬
‫]‪   [14‬بحسب
هذا الرأي‪ ،‬فقد تم تجاهل على وجه العموم العوام الجغراسياسية والبيئية
واالقتصادية البارزة‪ .‬للوقوف على تحليٍل‬
‫ُل‬
‫معمق ألسباب انحطاط العلم واإلبداع لدى
المسلمين‪ ،‬انظر أحمد ي‪ .‬الحسان‪" ،‬عوامل انحطاط العلوم اإلسالمية بعد القرن‬
‫السادس عشر"‪ ،‬في اإلسالم وتحدي الحداثة‪ :‬السياقات التاريخية والمعاصرة‪ ،‬تحرير
شريفة شفا العطاس (كوااللمبور‪ :‬المعهد‬
‫الدولي للفكر والحضارة اإلسالميين‪ .89-351
،)1996 ،‬بدأ مفهوم أن اإليمان يتناقض تناقضًا جوهريًا مع العلم يتعرض‬
‫لهجوٍم
متزايد من مؤرخي العلوم اإلسالمية‪ .‬انظر أعمال جورج صليبا‪ ،‬وأحدثها‪ ،‬العلم اإلسالمي
وصنع النهضة األوروبية‬
‫(كامبريدج‪ ،‬ماساتشوستس‪ :‬مطبعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا‪)2007
،‬؛ وأعمال رشدي راشد؛ وأ‪.‬ي‪ .‬صبرا؛ وأحمد دالل‪.‬‬
‫]‪    [15‬نقًال
عن آنا كومنينا‪ ،‬ألكسياد‪ ،]
[The Alexiad‬في
الحمالت الصليبية األولى‪ :‬روايات شهود عيان ومشاركين‪ ،‬ترجمة‬
‫وتحرير أغسطس سي‪ .‬كراي
(برنستون‪ ،‬نيويورك‪ :‬مطبعة جامعة برنستون‪.70 ،)1920 ،‬‬
‫]‪   [16‬ألبرت
ڤون آخن‪ ،‬تاريخ القدس‪ ،]
[Historia Hierosolymita‬في الحمالت الصليبية األولى‪ ،‬كراي‪.84 ،‬‬
‫]‪    [17‬جيبير
دو نوجان‪" ،‬مأ أجراه الرب على أيدي الفرنجة ]"‪" ["Gesta Dei per Francos‬في
ترجمات وطبعات من‬
‫المصادر األصلية للتاريخ األوروبي‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬ترجمة وتحرير دانا
سي‪ .‬منرو (فيالدلفيا‪ :‬مطبعة جامعة بنسلفانيا‪،)1895 ،‬‬
‫‪.20‬‬
‫]‪    [18‬ال
يوجد نٌص باٍق إلى اآلن لُخ طبة أوربان بكليرمون‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يحتوي عدٌد من سجالت
أحداث القرون الوسطى على‬
‫رواياٍت لها‪ ،‬بعُض ها مأخوذ ممن كانوا حاضري الُخ طبة‪ .‬هذه
النسخة مأخوذٌة من فولشيه دو شارتر‪" ،‬ما صنَع الفرنجُة الذين‬
‫هاجموا القدس"‪ ،]" ["Gesta francorum
Jerusalem expugnantium‬في مصدر تاريخ العصور الوسطى‪،‬‬
‫تحرير جيه‪ .‬تاتشر وإدغار هولمز
ماكنيل (نيويورك‪ :‬سكرايبنرز‪ .517 ،)1905 ،‬انظر أيضًا فولشيه دو شارتر‪ :‬تاريخ
الحملة‬
‫الصليبية األولى‪ ،‬ترجمة مارثا إيفلين ماكغنتي (فيالدلفيا‪ :‬مطبعة جامعة
فيالدلفيا‪.16 ،)1941 ،‬‬
‫]‪   [19‬كريستوفر
تايرمان‪ ،‬تاريٌخ جديد للحروب الصليبية (كامبريدج‪ :‬ماساتشوستس‪ :‬مطبعة جامعة هارفرد‪.78-77 ،)2006
،‬‬
‫]‪   [20‬المصدر
السابق‪.48-47 ،‬‬
‫]‪    [21‬جوناثان
رايلي ‪ -‬سميث‪ ،‬الحملة الصليبية األولى وفكرة المشاركة في الحرب الصليبية
(فيالدلفيا‪ :‬مطبعة جامعة بنسلفانيا‪،‬‬
‫‪.5-4 ،)1986‬‬
‫]‪   [22‬المصدر
السابق‪.7 ،‬‬
‫]‪   [23‬نقًال
عن آنا كومنينا‪ ،‬اإللكسياد‪ ،‬في إي‪ .‬أو‪ .‬بليك وسي موريس‪" ،‬راهٌب يذهب إلى
الحرب‪ :‬بطرس وأصول الحملة الصليبية‬
‫األولى"‪ ،‬دراسات في تاريخ الكنيسة ‪.90 :)1985(
22‬‬
‫]‪"  [24‬أغنية
أنطاكية"‪ ،‬في الحملة الصليبية األولى‪ :‬تاريخ فولشيه دو شارتر ومصادر أخرى‪
،‬تحرير إدوارد بيترز (فيالدلفيا‪ :‬مطبعة‬
‫جامعة بنسلفانيا‪.06-302 ،)1998 ،‬‬
‫]‪  [25‬نقًال
عن حوليات روزنفالدنزيس‪ ،‬في بليك أند موريس‪" ،‬الراهب يذهب إلى الحرب"‪.93 ،‬‬
‫]‪  [26‬جيبير
دو نوجان‪ ،‬في ترجمات وطبعات‪ ،‬منرو‪.20 ،‬‬
‫]‪  [27‬ألبرت
ڤون آخن‪ ،‬تاريخ القدس‪ ،]
[Historia Hierosolymita‬في الحمالت الصليبية األولى‪ ،‬كراي‪.56 ،‬‬
‫]‪  [28‬نقًال
عن ألبرت ڤون آخن‪ ،‬تاريخ القدس‪ ،] [Historia Hierosolymita‬في نورمان دانييل‪ ،‬العرب وأوروبا في العصور‬
‫الوسطى (لندن‪
:‬لونغمان‪.123 ،)1979 ،‬‬
‫]‪   [29‬يوميات
سولومون بار سمبسون‪ ،‬في اليهود والحمالت الصليبية‪ :‬اليوميات اليهودية للحملتين
الصليبيتين األولى والثانية‪،‬‬
‫ترجمة شلومو آيدلبرغ (ماديسون‪ :‬مطبعة جامعة وسكنسن‪.21 ،)1977
،‬‬
‫]‪  [30‬آيدلبرغ‪
،‬اليهود‪.4 ،‬‬
‫]‪  [31‬مجهول
مينز‪ ،‬في آيدلبرغ‪ ،‬اليهود‪.110 ،‬‬
‫]‪  [32‬آيدلبرغ‪
،‬اليهود‪.6-5 ،‬‬
‫]‪  [33‬سولومون
بار سمبسون‪ ،‬في آيدلبرغ‪ ،‬اليهود‪.30 ،‬‬
‫]‪  [34‬عطية‪
،‬الحملة الصليبية‪( 58 ،‬انظر تمهيد‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)8‬‬
‫]‪  [35‬آنا
كومنينا‪ ،‬األلكسياد‪ ،‬في كراي‪ ،‬الحمالت الصليبية األولى‪.70 ،‬‬
‫]‪  [36‬كارول
هيلنبراند‪ ،‬الصليبيون‪ :‬وجهات نظر إسالمية (شيكاغو‪ :‬فيتزروي ديربورن‪.270 ،)1999 ،‬‬
‫]‪   [37‬عزيز
العظمة‪" ،‬البرابرة بعيون عربية"‪ ،‬مجلة الماضي والحاضر‪[ ،] [Past and Present‬جامعة أكسفورد] ‪134‬‬
‫(‪.7 :)1992‬‬
‫]‪   [38‬نقًال
عن المسعودي‪ ،‬كتاب التنبيه واإلشراف‪ ،‬في اإلسالم من النبي محمد ÷
إلى سقوط القسطنطينية‪ ،‬ترجمة وتحرير برنار‬
‫لويس (نيويورك‪ :‬مطبعة جامعة أكسفورد‪[ .122 :2 ،)1987
،‬النص كما ورد في األصل‪ ،‬المسعودي‪ ،‬كتاب التنبيه واإلشراف‬
‫(ليدن‪
:‬مطبعة بريل‪ - 24-23 ،)1893 ،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪َ  [39‬ر نسيمان‪
،‬الحملة الصليبية األولى‪( 49-139 ،‬انظر تمهيد‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)5‬‬
‫]‪  [40‬إي‪
.‬إس‪ .‬بوشييه‪ ،‬موجز تاريخ أنطاكية (أكسفورد‪ :‬باسيل بالكويل‪.32-231 ،)1921 ،‬‬
‫]‪   [41‬نقًال
عن ريمون داجيل‪ ،‬مذكرات تاريخ فرنسا‪ ،] [Historia francorum qui ceperint Jerusalem‬في آر‪.‬‬
‫بي‪ .‬يودالي‪ ،‬بومون األول‪ ،‬أمير أنطاكية (أمستردام‪ :‬آدولف
م‪ .‬هاكرت‪[ .53 ،)1970 ،‬الترجمة العربية للعنوان مأخوذة عن‬
‫الترجمة الفرنسية للعمل
التي أنجزها الباحث الفرنسي فرنسوا غيزو في أوائل القرن التاسع عشر (‪ )1824‬تحت
عنوان‬
‫‪Mémoires sur l'histoire de France.‬انظر‪
،‬على سبيل المثال‪http://www.crusades- :‬‬
‫‪ - encyclopedia.com/raymonddaguiliers.html‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [42‬فولشيه
دو شارتر‪.44-43 ،‬‬
‫]‪  [43‬توماس
إس‪ .‬أسبريدج‪ ،‬إنشاء إمارة أنطاكية‪( 1130-1098 ،‬وودبريدج‪ ،‬المملكة المتحدة‪ :‬بويدل
برس‪.48 ،)2000 ،‬‬
‫]‪   [44‬نقًال
عن أبي سعد الهروي في أمين معلوف‪ ،‬الحمالت الصليبية بعيون عربية‪ ،‬ترجمة جون
روثتشايلد (نيويورك‪ :‬شوكن‬
‫بووكس‪ ،xiii ،)1984 ،‬يشير معلوف إلى أن
المؤرخين العرب لم ينسبوا كلهم هذه الكلماِت بالحرف إلى الهروي‪ .‬فابن األثير‪،‬‬
‫مثًال‪ ،‬ينسبها إلى شاعٍر تأثر بتفجع الهروي‪[ .‬األبيات كما وردت في األصل منسوبًة
إلى المظفر بن األبيوردي‪ ،‬انظر ابن‬
‫األثير‪ ،‬الكامل في التاريخ‪ ،‬تحقيق أبي الفدا
عبد هللا القاضي‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪( .20 :9 ،)1987 ،‬المذاكي‪:‬‬
‫الخيل‪
،‬والقشاعم‪ :‬النسور)‪ - .‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪   [45‬أسامة
بن منقذ‪ ،‬كتاب االعتبار‪ ،‬ترجمة بول م‪ .‬كوب‪[The Book of Contemplation: Islam and the‬‬
‫]‪(
Crusades‬هارموندزوورث‪ :‬المملكة المتحدة‪ :‬بنغوين كالسيكس‪[ .144 ،)2008 ،‬النص كما ورد في
األصل‪ ،‬كتاب‬
‫االعتبار البن منقذ‪ ،‬تحقيق هرتويغ درنُبرغ‪( ،‬ليدن‪ :‬مطبعة بريل‪ - 97
،)1882 ،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [46‬معلوف‪
،‬الحمالت الصليبية بعيوٍن عربية‪.40-39 ،‬‬
‫]‪  [47‬المصدر
السابق‪.40-39 ،‬‬
‫]‪  [48‬هيليبراند‪
،‬الحمالت الصليبية‪.260 ،‬‬
‫]‪   [49‬ابن
منقذ‪ ،‬كتاب االعتبار‪[ .146 ،‬النص كما ورد في األصل‪ ،‬كتاب االعتبار البن منقذ‪
،‬تحقيق هرتويغ درنُبرغ‪،‬‬
‫(ليدن‪:‬مطبعة بريل‪ - 98 ،)1882 ،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [50‬المصدر
السابق‪[ .144 ،‬المصدر السابق‪ - 97 ،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [51‬المصدر
السابق‪[ .153 ،‬المصدر السابق‪ - 103 ،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [52‬هيليبراند‪
،‬الحمالت الصليبية‪.258 ،‬‬
‫]‪   [53‬نقًال
عن ابن العربي‪ ،‬في هيليبراند‪ ،‬الحمالت الصليبية‪ .49 ،‬وكان هذا عالَم دين من
األندلس‪ ،‬وهو غيُر المتصوف الشهير‬
‫ابن عربي‪[ .‬النص كما ورد في مختصر "ترتيب
الرحلة للترغيب في الملة" للقاضي أبي بكر بن العربي‪ ،‬تحقيق سعيد أعراب‪،‬‬
‫(بيروت‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ - 203 ،)1987 ،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [54‬ريمون
داجيل‪" ،‬مذكرات تاريخ فرنسا"‪ ،‬في الحمالت الصليبية األولى‪ ،‬كراي‪.261 ،‬‬
‫]‪  [55‬الحملة
الصليبية األولى‪ ،‬بيترز‪.15-14 ،‬‬
‫]‪  [56‬تاريخ
ألفونسو الثالث‪ ،‬في فيليب إف‪ .‬كينيدي‪" ،‬خطوط التماس بين المسيحيين والمسلمين
في األندلس"‪ ،‬في تأثير العرب على‬
‫أوروبا العصور الوسطى‪ ،‬تحرير ديونيسيوس أ‪
.‬آغيوس وريتشارد هيتشكوك (ريدينغ‪ ،‬المملكة المتحدة‪ :‬إيثاكا برس‪،)1994 ،‬‬
‫‪.86‬‬
‫]‪  [57‬نورمان
دانييل‪ ،‬اإلسالم والغرب‪ :‬صنع صورة (أكسفورد‪ :‬ون وورلد‪.36-135 ،)1993 ،‬‬
‫]‪  [58‬المصدر
السابق‪.133 ،‬‬
‫]‪  [59‬ريمون
داجيل‪" ،‬مذكرات تاريخ فرنسا"‪ ،‬في الحمالت الصليبية األولى‪ ،‬كراي‪.260 ،‬‬
‫]‪  [60‬نيكيتا
إيليسييف‪" ،‬رد المسلمين السوريين على تأسيس مملكة القدس الالتينية
األولى"‪ ،‬في الصليبيون والمسلمون بسوريا القرن‬
‫الثاني عشر‪ ،‬تحرير مايا
شاتزميلر (ليدن‪ ،‬هولندا‪ :‬إي‪ .‬جيه‪ .‬بريل‪.163 ،)1993 ،‬‬
‫]‪   [61‬هيلينبراند‪
،‬الحمالت الصليبية‪[ .72 ،‬النص كما ورد في كتاب الجهاد‪ ،‬الفصل الثاني منه‪ ،‬انظر
أربعة كتب في الجهاد من‬
‫عصر الحروب الصليبية‪ ،‬تحقيق سهيل زكار (دمشق‪ :‬التكوين‪ - 45 ،)2007
،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [62‬المصدر
السابق‪[ .74-73 ،‬المصدر السابق‪ - 48 ،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [63‬دانييل‪
،‬اإلسالم والغرب‪.137 ،‬‬
‫]‪  [64‬عطية‪
،‬الحمالت الصليبية‪( 171 ،‬أنظر تمهيد‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)8‬‬
‫]‪   [65‬داوود
أبوالفية‪" ،‬دور التجارة في االحتكاك بين المسلمين والمسيحيين في العصور
الوسطى"‪ ،‬في تأثير العرب‪ ،‬آغيوس‬
‫وهيتشكوك‪.1 ،‬‬
‫]‪  [66‬المصدر
السابق‪.10 ،‬‬
‫]‪   [67‬آديالرد
أوف باث‪ ،‬برِن ت‪( 3 ،‬انظر تمهيد‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)4‬‬
‫]‪   [68‬رايلي
‪ -‬سميث‪ ،‬الحملة الصليبية األولى‪( 8 ،‬انظر الفصل األول‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)7‬‬
‫]‪   [69‬إيه‪
.‬سي‪ .‬كرومبي‪ ،‬من أوغسطين إلى غاليليو (كامبريدج‪ ،‬ماساتشوستس‪ :‬مطبعة جامعة هارفرد‪.32:1 ،)1979
،‬‬
‫]‪   [70‬لويز
كوشران‪ ،‬آديالرد أوف باث‪ :‬أول عالم إنكليزي (لندن‪ :‬مطبعة المتحف البريطاني‪.24
،)1994 ،‬‬
‫]‪   [71‬الصلوات
الثماني كما ُتهّج ى في نظام سان بندكت الكهنوتي‪ :‬صالة منتصف الليل أو الفجر (‪ ،)matin or vigil‬وصالة‬
‫التسبيح (‪ ،)laud‬وصالة باكر [الساعة ‪ 6‬صباحًا] (‪ ،)prime‬وصالة الساعة الثالثة
[‪ 9‬صباحًا] (‪ ،)terce‬وصالة الساعة‬
‫ظهر] (‪ ،)sext‬وصالة الساعة التاسعة
[‪ 3‬بعد الظهر] (‪ )none‬وصالة الغروب [صالة الساعة الحادية عشرة‬
‫ًا‬ ‫السادسة [‪12‬‬
‫أو ‪ 6‬مساًء ] (‪
،)vesper‬وصالة النوم [الساعة ‪ 9‬ليًال] ( ‪compline).‬انظر
جيرهارد دورنيفان روُس م‪ ،‬تاريخ الوقت‪:‬‬
‫الساعات‪ ،‬ونظم التوقيت المعاصرة‪ ،‬ترجمة
توماس دنلوب (شيكاغو‪ :‬مطبعة جامعة شيكاغو‪.35 ،)1996 ،‬‬
‫]‪   [72‬كينيث
إف‪ .‬ولش‪ ،‬مدخل إلى قياس الوقت (لندن‪ :‬جيه‪ .‬بل أند صنز‪.17 ،)1924 ،‬‬
‫]‪     [73‬ستيفن
سي‪ .‬ماكلوسكي‪ ،‬علوم الفلك والثقافات في أوروبا أوائل العصور الوسطى (نيويورك‪
:‬مطبعة جامعة كامبريدج‪،‬‬
‫‪.08-105 ،)1998‬‬
‫]‪   [74‬المصدر
السابق‪.‬‬
‫]‪   [75‬ولش‪
،‬مدخل إلى قياس الوقت‪.15 ،‬‬
‫]‪  [76‬ماكلوسكي‪
،‬علوم الفلك والثقافات‪.112 ،‬‬
‫]‪  [77‬المصدر
السابق‪.111 ،‬‬
‫]‪   [78‬لالطالع
على شرٍح لتأثير ضبط الوقت في األديرة على نشوء المجتمع الرأسمالي الحديث‪ ،‬انظر
لويس ممفورد‪ ،‬التقنيات‬
‫والحضارة (نيويورك‪ :‬هاركورت‪ ،‬بريس أند وورلد‪.17-12 ،)1963 ،‬‬
‫]‪  [79‬ماكلوسكي‪
،‬علوم الفلك والثقافات‪.85 ،‬‬
‫كبير من العصور الوسطى (لندن‪َ :‬ر تلدج‪.42 ،)2002 ،‬‬
‫مفكر ًا‬
‫ًا‬ ‫جي‪
.‬آر‪ .‬إيڤانز‪ ،‬خمسون‬ ‫]‪ [80‬‬
‫ماكلوسكي‪
،‬علوم الفلك والثقافات‪.115 ،‬‬ ‫]‪ [81‬‬
‫]‪   [82‬ديفيد
سي‪ .‬لندبرغ‪ ،‬بدايات العلم الغربي‪ :‬التقليد العلمي األوروبي في سياٍق فلسفي وديني
وتأسيسي‪ ،‬من ‪ 660‬ق‪.‬م إلى‬
‫‪ 1450‬م (شيكاغو‪ :‬مطبعة جامعة شيكاغو‪.39 ،)1992 ،‬‬
‫]‪   [83‬نوتكه
اللجالج‪ ،‬مدونة مشاهير الرجال‪ ،] [Notatio de illustribus viris‬عن مايكل آيدومير آالن‪" ،‬بيدي‬
‫وفريشولف في سان غاِلن
العصور الوسطى"‪ ،‬في بيدا الجليل‪ :‬مؤرخ‪ ،‬وراهب‪ ،‬ونورثامبرياني‪ ،‬تحرير إل‪ .‬إيه‪
.‬جيه‪ .‬آر‪ .‬هاون‬
‫وإيه‪ .‬إيه‪ .‬ماكدونالد (غروننجن‪ :‬إي‪ .‬فورستن‪.65 ،)1996 ،‬‬
‫]‪  [84‬تشارلز
برِن ت‪ ،‬إدخال العلم العربي إلى إنكلت ار (لندن‪ :‬المكتبة البريطانية‪.17 ،)1997 ،‬‬
‫]‪  [85‬كوشران‪
،‬آديالرد أوف باث‪.6-5 ،‬‬
‫]‪  [86‬برِن ت‪
،‬إدخال العلم العربي‪.13 ،‬‬
‫]‪  [87‬المصدر
السابق‪.17-13 ،‬‬
‫]‪  [88‬المصدر
السابق ‪.3‬‬
‫]‪  [89‬دونالد
آر‪ .‬هيل‪ ،‬دراسات في التكنولوجيا اإلسالمية في العصور الوسطى (برووكفيلد‪ :‬فيرمونت‪
،‬آشغات‪.22 ،)1998 ،‬‬
‫]‪  [90‬برِن ت‪
،‬إدخال العلم العربي‪.13-12 ،‬‬
‫]‪ِ  [91‬ج رِبر
دوريالك‪ ،‬رسائل ِج رِبر‪ ،‬وصفاته البابوبة كِس لفستر الثاني‪ ،‬ترجمة وتحرير هارييت
برات التين (نيويورك‪ :‬مطبعة جامعة‬
‫كولومبيا‪.37 ،)1959 ،‬‬
‫]‪  [92‬إيميلي
سافاج ‪ -‬سميث‪" ،‬رسم السماء"‪ ،‬في تاريخ علم الخرائط‪ ،‬المجلد ‪ ،2‬الكتاب ‪
،1‬علم الخرائط في المجتمعات اإلسالمية‬
‫والجنوب آسيوية التقليدية‪ ،‬تحرير جيه‪ .‬بي‪
.‬هارلي وديفيد وودوورد (شيكاغو‪ :‬مطبعة جامعة شيكاغو‪.25-24 ،(1987 ،‬‬
‫[النص العربي
كما ورد في ابن خلكان‪ ،‬وفيات األعيان‪ ،‬تحقيق إحسان عباس‪( ،‬بيروت‪ :‬دار صادر‪- 161 :7
،)1968 ،‬‬
‫المترجم]‪.‬‬
‫]‪   [93‬مدرسة
ِج رِبر‪ ،‬فوائد األسطرالب ‪ ،][De utilitatibus astrolabii‬عن ماكلوسكي‪ ،‬علوم
الفلك والثقافات‪ .165 ،‬وكما‬
‫يشير ماكلوسكي‪ ،‬اختِلف في نسبة هذا العمل فقد نِس ب إلى
ِج رِبر وتالمذته وعدِة أناٍس آخرين‪.‬‬
‫]‪   [94‬بروس
ديكي‪" ،‬آديالرد أوف باث‪ :‬دراسٌة قائمة على ما تمت معاينته حتى اآلن من
مخطوطات" (أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة‬
‫تورنتو‪.25 ،)1982 ،‬‬
‫]‪   [95‬فولِب ر
دو شارتر‪ ،‬رسائل وقصائد فولِب ر دو شارتر‪ ،‬ترجمة وتحرير فردريك بيران (أكسفورد‪
:‬مطبعة كالرندون‪،)1976 ،‬‬
‫‪ .261‬انظر أيضًا ماكلوسكي‪ ،‬علوم الفلك والثقافات‪
،177 ،‬العدد ‪ .34‬وحول أقدم استخدام للكلمات العربية‪ ،‬انظر برِن ت‪،‬‬
‫إدخال العلم العربي‪ُ[
.5 ،‬ترِج مت األبيات بتصرف‪ ،‬إلى شيٍء وسط بين الشعر والنثر ‪ -‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [96‬ماكلوسكي‪
،‬علوم الفلك والثقافات‪.177 ،‬‬
‫*‪   ‬الخليفة
األموي في األندلس (الغرب)‪.‬‬
‫]‪  [97‬كوشران‪
،‬آديالرد أوف باث‪.6 ،‬‬
‫]‪   [98‬وليام
أوف مالمزبري‪ ،‬تاريخ ملوك إنكلترا‪ ،‬ترجمة جون شارب (لندن‪ :‬لونغمان‪ِ ،‬ه رست‪ ،‬رييز‪
،‬أورمي أند براون‪،)1815 ،‬‬
‫‪.199‬‬
‫]‪  [99‬عن
برِن ت‪ ،‬إدخال العلم العربي‪.16 ،‬‬
‫]‪  [100‬ريتشارد
إردوس‪ ،‬سنة ‪ :1000‬العيش بين يدي الساعة (نيويورك‪ :‬هاربر أند رو‪.90 ،)1988 ،‬‬
‫]‪  [101‬ماكلوسكي‪
،‬علوم الفلك والثقافات‪.78-177 ،‬‬
‫]‪  [102‬كوشران‪
،‬آديالرد أوف باث‪.3 ،‬‬
‫]‪  [103‬المصدر
السابق‪.5-3 ،‬‬
‫]‪  [104‬آديالرد
أوف باث‪ ،‬برِن ت‪( xvii-xviii ،‬انظر الحاشية رقم ‪ 4‬في التمهيد)‪.‬‬
‫]‪  [105‬المصدر
السابق‪.71 ،‬‬
‫]‪  [106‬المصدر
السابق‪.‬‬
‫]‪  [107‬المصدر
السابق‪.43 ،‬‬
‫]‪  [108‬كرومبي‪
،‬من أوغسطين إلى غاليليو‪.35 ،‬‬
‫]‪   [109‬أوجين
ويبر‪ ،‬القيامة‪ :‬النبوات‪ ،‬واألديان‪ ،‬واالعتقادات األلفية عبر العصور (كامبريدج‪
:‬ماساتشوستس‪ :‬مطبعة جامعة‬
‫هارفرد‪.45-34 ،)1999 ،‬‬
‫]‪  [110‬اعترافات
سانت أوغسطين‪ ،‬ترجمة إف‪ .‬جيه‪ .‬شيد (نيويورك‪ :‬شيد أند وارد‪.247 ،)1942 ،‬‬
‫]‪  [111‬المصدر
السابق‪.48-247 ،‬‬
‫]‪   [112‬نقًال
عن توماس أوف تشوبهام‪ ،‬فهرس مخطوطات جامعة كامبريدج‪ ،‬كلية كوربوس كريستي ‪
،455‬األوراق ‪ ،82-81‬في‬
‫دي‪ .‬إل‪ .‬دافري‪ ،‬وعظ الرهبان‪ :‬ما صدر ِم ن باريس ِم ن عظات قبَل
‪( 1300‬أكسفورد‪ :‬مطبعة كالرندون‪-232 ،)1985 ،‬‬
‫‪.33‬‬
‫]‪   [113‬دب ار
هاسيغ‪ ،‬قصص الحيوان في العصور الوسطى‪ :‬النص والصورة واإليديولوجيا (كامبريدج‪
:‬مطبعة جامعة كامبريدج‪،‬‬
‫‪.xvii ،)1995‬‬
‫]‪  [114‬المصدر
السابق‪ ،‬الصفحة ‪ 40‬وما بعد‪.‬‬
‫]‪  [115‬آرثر
كوستلر‪ ،‬السائرون في المنام‪ :‬تاريخ تغير رؤية اإلنسان إلى الكون (لندن‪ :‬آركانا‪.89 ،)1989
،‬‬
‫]‪   [116‬كوزماس
إنديكوبلوسِت س‪ ،‬الطوبوغرافيا المسيحية‪ ،‬ترجمة وتحرير جيه‪ .‬دبليو‪ .‬ماكرنِد ل (لندن‪
:‬هاكليون سوسايتي‪،)1887 ،‬‬
‫‪ .6‬انظر أيضًا كوستلر‪ ،‬السائرون في المنام‪.93 ،‬‬
‫]‪   [117‬إيزيدور
اإلشبيلي‪ ،‬األصول‪
،]
[The Etymologies‬ترجمة وتحرير ستيفن إيه‪ .‬بارني‪ ،‬ودبليو‪ .‬جيه‪ .‬لويس‪ ،‬وجيه‪.‬‬
‫إيه‪ .‬بيتش‪ ،‬وأوليفر
برغوف (كامبريدج‪ :‬مطبعة جامعة كامبريدج‪.286 ،)2006 ،‬‬
‫]‪  [118‬المصدر
السابق‪.‬‬
‫]‪  [119‬كوستلر‪
،‬السائرون في المنام‪.105 ،‬‬
‫]‪  [120‬المصدر
السابق‪02-101 ،‬‬
‫]‪  [121‬رينيه
جيرار‪ ،‬كتاب قراءة جيرار‪ ،‬تحرير جيمس جي‪ .‬وليامز (نيويورك‪ :‬هردر أند هردر‪.100
،)2004 ،‬‬
‫]‪  [122‬نقًال
عن غيوم دو ماشو‪ ،‬قرار الملك نافار‪ ،‬في جيرار‪ ،‬كتاب قراءة جيرار‪.100 ،‬‬
‫]‪   [123‬صمويل
كيه‪ .‬كوهين األصغر‪" ،‬الموت األسود وحرق اليهود"‪[ ،‬مجلة] الماضي والحاضر
[جامعة أكسفورد]‪196 ،‬‬
‫(‪.9-8 ،)2007‬‬
‫]‪  [124‬إردوس‪
،‬العام ‪ 1000‬ميالدي‪.7-1 ،‬‬
‫]‪  [125‬المصدر
السابق‪.8 ،‬‬
‫]‪  [126‬كوشران‪
،‬آديالرد أوف باث‪.11 ،‬‬
‫]‪  [127‬المصدر
السابق‪.12-11 ،‬‬
‫]‪  [128‬كرومبي‪
،‬من أوغسطين إلى غاليليو‪.34-33 ،‬‬
‫]‪  [129‬للوقوف
على شرح ما يسميه "التفكير المزدوج" للعصور الوسطى‪ ،‬انظر كوستلر‪
،‬السائرون في المنام‪.106-97 ،‬‬
‫]‪  [130‬التاريخ
الكنسي للشعب اإلنكليزي لبيدي الجليل‪ ،‬تحرير إيه‪ .‬جيلز (لندن‪ :‬هنري جي‪ .‬بون‪.291 ،)1847
،‬‬
‫]‪  [131‬ماكسيم
رودنسون‪ ،‬أوروبا ولغز اإلسالم‪ ،‬ترجمة روجر فينوس (سياتل‪ :‬مطبعة جامعة واشنطن‪.4 ،)1987
،‬‬
‫]‪   [132‬ديفيد
آر‪ .‬بالنكس‪" ،‬اإلسالم والغرب في عصر الحج"‪ ،‬في العام ‪ 1000‬ميالدي‪ :‬ردة
الفعل الدينية والمجتمعية على‬
‫منعطف األلفية األولى‪ ،‬تحرير مايكل ف ارزيتو
(نيويورك‪ :‬بالغريف ماكميالن‪.259 ،)2002 ،‬‬
‫]‪  [133‬المصدر
السابق‪.61-260 ،‬‬
‫]‪  [134‬رودنسون‪
،‬أوروبا ولغز اإلسالم‪.7 ،‬‬

‫‪  ‬أليسون
درو‪" ،‬في الثابت والمتغير"‪[The
De Eodem et Diverso] ،‬في آديالرد أوف باث‪ :‬عالٌم
ومستعرٌب‬
‫]‪[135‬‬
‫إنكليزي من أوائل القرن الثاني عشر‪ ،‬تحرير تشارلز برِن ت (لندن‪ :‬معهد
واربرغ‪.23-17 ،)1987 ،‬‬
‫]‪  [136‬آديالرد
أوف باث‪ ،‬برِن ت‪.91 ،‬‬
‫]‪    [137‬ابن
النديم‪ ،‬فهرست ابن النديم‪ ،‬ترجمة وتحرير بايارد دودج (نيويورك‪ :‬مطبعة جامعة
كولومبيا‪[ .650 ،)1970 ،‬النص‬
‫كما ورد في األصل‪ ،‬كتاب الفهرست للنديم‪ ،‬تحقيق رضا‪(
،‬طهران‪ :‬تجدد‪ ،)1971 ،‬الفن الثاني من المقالة السابعة‪ ،‬ما شاء‬
‫هللا‪ .333 ،‬المقصود
باألحكام طبعًا أحكام النجوم‪ .‬كذلك‪ ،‬قد ُيفهم مما قال المؤلف أن ما شاء هللا هذا
كان مسلمًا في عهد‬
‫المنصور‪ ،‬لكّن ابَن النديم يقول إنه "كان يهوديًا في أيام
المنصور وإلى أيام المأمون" أما نوبخت المجوسي فقد أسلم على يد‬
‫المنصور‪ ،‬كما
يقول المسعودي في المروج ‪ -‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪   [138‬بيير
جيوفاني دونيني‪ ،‬الرحالة والجغرافيون العرب (لندن‪ :‬إيِّم يل‪.21 ،)1991 ،‬‬
‫]‪    [139‬اليعقوبي‪
،‬البلدان‪ ،‬ترجمة غاستون وايت (القاهرة‪ :‬المعهد العلمي الفرنسي لآلثار الشرقية‪[ .10 ،)1937
،‬النص كما ورد‬
‫في األصل‪ ،‬اليعقوبي‪ ،‬كتاب البلدان‪( ،‬ليدن‪ :‬مطبعة بريل‪ - )1860
،‬المترجم]‪.‬‬
‫*‪   ‬الخالفة
الغربية التي أسسها األمير عبد الرحمن في األندلس‪.‬‬
‫]‪    [140‬ديمتري
غوتاس‪ ،‬الفكر اليوناني‪ ،‬والثقافة العربية‪ :‬حركة الترجمة اليونانية ‪ -‬العربية في
بغداد والمجتمع العباسي المبكر‬
‫(لندن‪َ :‬ر تِلدج‪[ .10 ،)1998 ،‬الكتاب مترجم إلى
العربية‪( ،‬بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ - )2003 ،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪   [141‬المصدر
السابق‪.14-13 ،‬‬
‫]‪   [142‬عطية‪
،‬الحمالت الصليبية‪( 209 ،‬انظر تمهيد‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)8‬‬
‫]‪    [143‬جوناثان
بلووم‪ ،‬الورق قبل الطباعة‪ :‬تاريخ تأثير الورق في العالم اإلسالمي (نيو هيفين‪
،‬كونكتيكيت‪ :‬مطبعة جامعة يالي‪،‬‬
‫‪ .51-48 ،)2001‬وحول أوِل مصنٍع للورق بالمدينة‪ ،‬انظر
غاستون وايت‪ ،‬بغداد‪ :‬عاصمة الخالفة العباسية‪ ،‬ترجمة سيمور‬
‫فايلر (نورمان‪ :‬مطبعة
جامعة أوكالهوما‪.70 ،)1971 ،‬‬
‫]‪    [144‬يوهانز
بيدرسون‪ ،‬الكتاب العربي‪ ،‬ترجمة جيفري فرنش (برنستون‪ ،‬نيوجرسي‪ :‬مطبعة جامعة
برنستون‪-116 ،)1984 ،‬‬
‫‪[ .17‬ذكر المؤلف أن العزيز باهلل كان ثاني الحكام الفاطميين
بينما كان في الحقيقة خامَس هم (‪ )996-975‬أما ثانيهم فكان‬
‫القائم بأمر هللا
(‪ .)946-934‬ويبدو أن الخطأ في األصل من بيدرسون (السطر األخير من الصفحة ‪ 115‬من
الكتاب العربي‬
‫‪ -‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪   [145‬المصدر
السابق‪.16-115 ،‬‬
‫]‪  [146‬روث
إس‪ .‬ماكنسون‪" ،‬مكتبات بغداد األربع الكبرى في العصور الوسطى"‪ ،‬اليبراري
كوارترلي ‪.280 :)1932( 2‬‬
‫]‪  [147‬بيدرسون‪
،‬الكتاب العربي‪[ .52 ،‬يقع سوق الوراقين بالقرب من حي الصاغة‪ ،‬كما يقول بيدرسون في
ذيل الصفحة ‪ 52‬من‬
‫كتابه هذا‪ ،‬الحاشية رقم ‪ .17‬ويقول في السطر الرابع من الصفحة
إَّن ح الوراقين يقع "جنوب شرقي" [ال جنوب غربي] المدينة‬
‫َي‬
‫في‪:‬‬ ‫الكتاب‬ ‫لهذا‬ ‫الكامل‬ ‫النص‬ ‫انظر‬ ‫القنوات"‪.‬‬ ‫إحدى‬ ‫من‬ ‫
"بالقرب‬ ‫المدورة‪،‬‬
‫‪ - http://www.ghazali.org/manuscript/research/ArabicBook.pdf‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [148‬صالح
أحمد العلي‪" ،‬تأسيس بغداد"‪ ،‬في المدينة اإلسالمية‪[ :‬حلقة دراسية]‪ ،‬تحرير
أ‪.‬هـ‪ .‬حوراني وإس‪ .‬إم‪ .‬شتيرن (أكسفورد‪:‬‬
‫برونو كاسيريه‪.90-89 ،)1970 ،‬‬
‫]‪  [149‬غي
لو سترنج‪ ،‬بغداد في الخالفة العباسية (وستبورت‪ ،‬كونكتيكيت‪ :‬مطبعة غرينوود‪.17
،)1983 ،‬‬
‫]‪  [150‬العلي‪"
،‬تأسيس بغداد"‪.94-93 ،‬‬
‫]‪  [151‬المصدر
السابق‪[ .94 ،‬النص كما ورد في اليعقوبي‪ ،‬كتاب البلدان‪( ،‬ليدن‪:‬مطبعة بريل‪ - )1860 ،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [152‬سيد
مقبول أحمد‪ ،‬تاريخ الجغرافيا العربية ‪ -‬اإلسالمية (َع مان‪ :‬جامعة آل البيت‪.25
،)1995 ،‬‬
‫]‪  [153‬مايكل
كووبرسون‪ ،‬المأمون (أكسفورد‪ :‬ونوورلد‪.21-19 ،)2005 ،‬‬
‫]‪  [154‬اليعقوبي‪
،‬البلدان‪[ 4 ،‬النص كما ورد في األصل‪ ،‬كتاب البلدان‪ ،‬اليعقوبي‪( ،‬ليدن‪ :‬مطبعة بريل‪ - 4 ،)1860
،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [155‬المصدر
السابق‪[ .6-5 ،‬المصدر السابق ‪ - 5‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [156‬نقًال
عن العلي‪" ،‬تأسيس بغداد"‪.97-96 ،‬‬
‫]‪  [157‬غوتاس‪
،‬الفكر اليوناني‪ ،‬والثقافة العربية‪.46-33 ،‬‬
‫]‪  [158‬المصدر
السابق‪.43 ،‬‬
‫]‪  [159‬ابن
خلدون‪ ،‬المقدمة‪ :‬مقدمة للتاريخ‪ ،‬ترجمة وتحرير فرانز روزنتال (برنستون نيوجرسي‪
:‬مطبعة جامعة نيوجرسي‪،)1967 ،‬‬
‫‪[ 14-113 :3‬النص كما ورد في األصل‪ ،‬مقدمة ابن خلدون‪
،‬مراجعة سهيل زكار‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪ ،)2001 ،‬الفصل‬
‫التاسع عشر‪ ،‬في العلوم العقلية
وأصنافها‪ - 631 ،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪   [160‬صاعد
األندلسي‪ ،‬العلم في العصور الوسطى‪" :‬كتاب طبقات األمم"‪ ،‬ترجمة وتحرير
سمعان آي‪ .‬سالم وآلوك كومار‬
‫(أوستن‪ :‬مطبعة جامعة تكساس‪[ .44 ،)1991 ،‬النص كما ورد
في األصل‪ ،‬أبو القاسم صاعد األندلسي‪ ،‬كتاب طبقات األمم‬
‫(بيروت‪ :‬المطبعة
الكاثوليكية لآلباء اليسوعيين‪ 7 ،)1912 ،‬العلوم عند العرب‪ - 48 ،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪   [161‬المسعودي‪
،‬مروج الذهب‪ ،‬ترجمة وتحرير بول لندي وكارولين ستون (لندن‪ :‬كيغان بول‪[
.388 ،)1989 ،‬النص كما ورد‬
‫في األصل‪ ،‬وصف المنصور‪ ،‬من أول الفقرة ‪ -‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [162‬أي
دين سايلي‪ ،‬المرصد الفلكي في اإلسالم (أنقرة‪ :‬مطبعة َم جمع التاريخ التركي‪.53
،)1960 ،‬‬
‫]‪   [163‬نقًال
عن حنين بن إسحق‪ ،‬رسالة‪ ،‬في ماكس مايرهوف‪" ،‬إضاءٌة جديدة على حنين بن إسحق
وعصره"‪ ،‬إيزيس ‪ ،8‬رقم ‪4‬‬
‫(‪ِ[ .690 :)1926‬م ن "رسالة حنين بن إسحق إلى علي
بن يحي في ذكر ما ترجم من كتب جالينوس بعلمه وما لم يترجم"‪ .‬لم‬
‫أعثر على النص
األصلي للرسالة‪ ،‬وهذه ترجمة عكسية لالقتباس ‪ -‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [164‬غوتاس‪
،‬الفكر اليوناني‪ ،‬والثقافة العربية‪.2 ،‬‬
‫]‪   [165‬للوقوف
على شرٍح مسهب لألثر العميق الباقي لهذه المنافسة‪ ،‬انظر صليبا‪ ،‬العلم اإلسالمي‪( 72-27 ،‬انظر تمهيد‪،‬‬
‫الحاشية رقم ‪.)12‬‬
‫]‪   [166‬بيدرسون‪
،‬الكتاب العربي‪[ .22-21 ،‬األديب المذكور هو محمد بن عبد هللا بن محمد بن أبي الفضل‪
،‬قال عنه ياقوت‬
‫"األديُب النحوُي المفسُر المحدُث الفقيه‪ ،‬أحُد أدباِء
عصرنا‪ ...‬أخبرني أن مولَد ه بمرسية سنة سبعين وخمسمائة‪ "...‬انظر ياقوت‬
‫الحموي‪
،‬معجم األدباء‪ ،‬تحقيق إحسان عباس (بيروت‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪
-1064 ،)1993 ،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [167‬البيروني‪
،‬تحديد أماكن المدن‪ :‬تحديد األماكن للبيروني‪ ،‬ترجمة وتحرير جميل علي (بيروت‪
:‬سنتينيال بابليكيشنز‪،)1967 ،‬‬
‫‪[ .191‬النص كما ُنِقل عن البيروني في إمام إبراهيم
أحمد‪ ،‬تحديد نهايات األقاليم للبيروني‪( ،‬القاهرة‪ :‬الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب‪ - 23 ،)1994
،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [168‬غوتاس‪
،‬الفكر اليوناني‪ ،‬والثقافة العربية‪.137 ،‬‬
‫]‪  [169‬جيه‪
.‬إتش‪ .‬كرامرز‪" ،‬لغة القرآن"‪ ،‬في مختارات أدبية شرقية‪ ،] [Analecta Orientalia‬المجلد ‪( 2‬ليدن‪
،‬هولندا‪ :‬إي‪.‬‬
‫جيه‪ .‬بريل‪.65-164 ،)1954 ،‬‬
‫]‪  [170‬غوتاس‪
،‬الفكر اليوناني‪ ،‬والثقافة العربية‪.69-65 ،‬‬
‫]‪  [171‬بيدرسون‪
،‬الكتاب العربي‪.28 ،‬‬
‫]‪   [172‬نقًال
عن المسعودي‪ ،‬في كوبرسون‪ ،‬المأمون‪[ .22 ،‬النص كما ورد في مروج الذهب‪ ،‬لكّن
المسعودي أورد هذا النص في‬
‫وصية الرشيد لمؤدب األمين‪ ،‬ال المأمون كما ُيفهم من
سياق النص اإلنكليزي ‪ -‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪   [173‬ابن
النديم‪ ،‬فهرست ابن النديم‪[ .254 ،‬النص كما ورد في األصل‪ ،‬كتاب الفهرست للنديم‪
،‬تحقيق رضا‪( ،‬طهران‪ :‬تجدد‪،‬‬
‫‪ ،)1971‬الفن الثاني من المقالة الثالثة (أخبار الملوك
والُك تاب والخطباء والمرَس لين وعمال الخراج وأصحاب الدواوين)‪،‬‬
‫المأمون‪
-129 ،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [174‬نقًال
عن أبو قرة‪ ،‬في مارك إن‪ .‬سوانسون‪" ،‬التراث المسيحي للمأمون"‪ ،‬في مسيحيون
في قلب الحكم اإلسالمي‪ ،‬تحرير ديفيد‬
‫توماس (ليدن‪ ،‬هولندا‪ :‬إيه‪ .‬جيه‪ .‬بريل‪[ .67
،)2003 ،‬لم أعثر على النص العربي األصلي‪ ،‬وهذه ترجمة عكسية‪ .‬أّم ا أبو قرة‬
‫فهو ثاودورس
أبو قرة أسقُف حّران‪ ،‬الذي حضر مجلَس المأمون وكانت له مجادلة مع متكلميَن مسلميَن
فيه ‪ -‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [175‬غوتاس‪
،‬الفكر اليوناني‪ ،‬والثقافة العربية‪.09-108 ،‬‬
‫]‪  [176‬لين
ثورنديك‪" ،‬المكان الحقيقي لعلم النجوم في تاريخ العلم"‪ ،‬إيزيس ‪ ،46‬رقم
‪.277 :)1955( 145‬‬
‫]‪   [177‬نقًال
عن أبي سهل [بن نوبخت]‪ ،‬كتاب النهمطان‪ ،‬في غوتاس‪ ،‬الفكر اليوناني‪ ،‬والثقافة
العربية‪[ .46 ،‬النص العربي كما‬
‫ورد نقًال عن أبي سهل في كتاب الفهرست للنديم‪
،‬تحقيق رضا‪( ،‬طهران‪ ،‬تجدد‪ ،)1971 ،‬الفن األول من المقالة السابعة (في‬
‫أخبار
الفالسفة الطبيعيين والمنطقيين‪ ...‬حكايات في صدر هذه المقالة عن العلماء بلفظهم)‪ - 01-300
،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [178‬كوبرسون‪
،‬المأمون‪ 4-1 ،‬و‪.12-111‬‬
‫]‪  [179‬سايلي‪
،‬المرصد الفلكي في اإلسالم‪.7-4 ،‬‬
‫مؤخر
ألول قياسات جيوديزية إسالمية"‪،‬‬
‫ًا‬ ‫]‪   [180‬نقًال
عن حبش الحاسب‪ ،‬في ديفيد إيه‪ .‬كينغ‪" ،‬طهاٌة كثر‪ ...‬وصٌف جديد اكُتِش ف‬
‫سهيل ‪ -‬مجلة تاريخ العلوم الدقيقة والطبيعية
في الحضارة اإلسالمية‪
[Suhayl - Journal for the History of‬‬
‫‪.the Exact and Natural Sciences in Islamic
Civilisation] I (2000): 217‬‬
‫]‪  [181‬البيروني‪
،‬تحديد األماكن‪.183 ،‬‬
‫]‪   [182‬برنار
آر‪ .‬غولدشتاين‪" ،‬تطور علم الفلك في العصر اإلسالمي األول"‪ ،‬مجلة حوليات
تاريخ العلوم‪[Nuncius:‬‬
‫‪.Annali di Storia Della Scienza] 1 (1986): 87‬‬
‫]‪  [183‬نقًال
عن حبش الحاسب‪ ،‬في سايلي‪ ،‬المرصد الفلكي في اإلسالم‪.57-56 ،‬‬
‫]‪  [184‬سايلي‪
،‬المرصد في اإلسالم‪.57 ،‬‬
‫]‪   [185‬هكذا
لفظ العرب اسم المدينة‪ ،‬كما قرأوها في النصوص الهندية‪ .‬وقد ارتبط هذا االسم بمدينة
أوجين‪ ،] [Ujjain‬بوالية‬
‫مادهيا براديش‪.‬‬
‫]‪   [186‬شرح
ابن المثنى لزيج الخوارزمي‪ ،‬ترجمة وتحرير برنار آر‪ .‬غولدشتاين (نيوهيفين‪
،‬كونيكتيكيت‪ :‬مطبعة جامعة يالي‪،‬‬
‫‪[ .4-3 ،)1967‬لم أعثر على النص العربي األصلي وهذه
ترجمٌة عكسية‪ .‬وقد جاء في جون ديفيد نورث‪ ،‬ولودي نوتا‪ ،‬وآري‬
‫يوهان فاندرشاخت‪ ،‬بين
البرهان والتصور‪ ،228 ،]
[Between Demonstration and Imagination‬أّن‬
‫األصَل العربي لهذا
التعليق ضاع ولم تبَق إال ترجمتاه العبرية والالتينية ‪ -‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [187‬دي‪
.‬إيه‪ .‬كينغ وجيه‪ .‬سامسو‪" ،‬الدالئل والجداول الفلكية من العالم اإلسالمي
(‪ :)1900-750‬تقرير أولي"‪ ،‬سهيل ‪ -‬مجلة‬
‫تاريخ العلوم الدقيقة والطبيعية في
الحضارة اإلسالمية‪
[Suhayl-Journal for the History of the Exact‬‬
‫‪.and Natural Sciences in Islamic
Civilisation] II (2001): 31‬‬
‫]‪  [188‬ديفيد
أوجين سميث ولويس تشارلز كاربنسكي‪ ،‬األعداد الهندية العربية (بوسطن‪ :‬جين أند كو‪[ .6 ،)1911
،‬النص كما ورد‬
‫في كتاب التنبيه واإلشراف للمسعودي (ليدن‪ :‬مطبعة بريل‪ ،)1893
،‬باب ِذ كر ُج مٍل من الكالم في ِس نِّي األمم وشهوِرها‪220 ،‬‬
‫‪ -‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪   [189‬جورج
إفراه‪ ،‬التاريخ الشامل لألرقام‪ :‬مما قبل التاريخ إلى اختراع الحاسوب‪ ،‬ترجمه [عن
الفرنسية] ديفيد بيلوس‪ ،‬وإي‪ .‬إف‪.‬‬
‫هاردينغ‪ ،‬وصوفي وود‪ ،‬وإيان مونك (نيويورك‪ :‬جون
وايلي‪.529 ،)2000 ،‬‬
‫]‪  [190‬أوين
غنغريتش‪" ،‬علم الفلك اإلسالمي"‪ ،‬ساينتيفيك أميركان ‪( 254‬إبريل ‪.A70 :)1986‬‬
‫]‪  [191‬ابن
المثنى‪ ،‬غولدشتاين‪.4 ،‬‬
‫]‪   [192‬ابن
النديم‪ ،‬فهرست ابن النديم‪[ .625 ،‬النص كما ورد في األصل‪ ،‬كتاب الفهرست للنديم‪
،‬تحقيق رضا (طهران‪ ،‬تجدد‪،‬‬
‫‪ ،)1971‬الفن الثاني من المقالة السابعة منه (أخبار أصحاب
التعاليم المهندسين واألرثماطيقيين والموسيقيين والُحّس اب‬
‫والمنجمين وُص ناع اآلالت
وأصحاب الحيل والحركات)‪ -333 ،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [193‬كينغ
وسامسو‪" ،‬الدالئل والجداول الفلكية"‪.14 ،‬‬
‫]‪   [194‬برنار
آر‪ .‬غولدشتاين وديفيد بنغري‪" ،‬الجداول الفلكية للخوارزمي في نٍص مصري من
القرن التاسع عشر"‪ ،‬مجلة الجمعية‬
‫االستشراقية األميركية‪ ،98 ،] [Journal of the American Oriental Society‬العدد ‪.99-96 :)1978( 1‬‬
‫]‪  [195‬سميث
وكاربنسكي‪ ،‬األعداد الهندية العربية‪.92 ،‬‬
‫]‪  [196‬نقًال
عن الخوارزمي‪ ،‬كتاب الجمع والتفريق بالحساب الهندي‪ ،‬في إفراه‪ ،‬التاريخ الشامل
لألرقام‪.65-364 ،‬‬
‫]‪  [197‬جيه‪
.‬جيه‪ .‬بيرغرين‪ ،‬أحداث في رياضيات إسالم العصور الوسطى (نيويورك‪ :‬سبرينغر‪ -‬فيرالغ‪.7 ،)2003
،‬‬
‫]‪   [198‬الخوارزمي‪
،‬جبر محمد بن موسى‪ ،‬ترجمة وتحرير فردريك روزن (هيل ‪ -‬ديشايم‪ ،‬ألمانيا‪ :‬جورج أولمز
فيرالنغ‪،)1986 ،‬‬
‫‪[ .3‬النص األصل كما ورد في الصفحة ‪ 2‬من مقدمة الخوارزمي للكتاب
المختصر في حساب الجبر والمقابلة‪ ،‬طبعة لندن‬
‫انظر‪:‬‬ ‫إنكليزية‪،‬‬ ‫ترجمٍة‬ ‫
مع‬ ‫كاليفورنيا‬ ‫جامعة‬ ‫مكتبة‬ ‫الموَد عة‬ ‫‪1830‬‬
‫‪ - http://www.archive.org/stream/algebraofmohamme00khuwrich‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪   [199‬بيرغرين‪
،‬أحداث في رياضيات‪[ .64-63 ،‬المثال مذكوٌر في ‘كتاب الوصايا’ من الكتاب المختصر في
حساب الجبر‬
‫والمقابلة للخوارزمي‪ ،‬ص‪ ،68-67‬انظر الحاشية السابقة ‪ -‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [200‬المصدر
السابق‪.7 ،‬‬
‫]‪   [201‬رشدي
رشاد‪ ،‬تطور الرياضيات العربية‪ :‬بين الحساب والجبر‪ ،‬ترجمة أنجيال‪ .‬إف‪ .‬دبليو‪
.‬أرمسترونغ (دوردرخت‪ ،‬هولندا‪:‬‬
‫منشورات كلوفر األكاديمية‪.14 ،)1994 ،‬‬
‫]‪   [202‬أوتو
نوجباور‪" ،‬الجداول الفلكية للخوارزمي"‪ ،‬األكاديمية الدنمركية الملكية
للعلوم واآلداب‪ ،‬سلسلة تاريخ الفلسفة ‪ ،4‬العدد ‪2‬‬
‫(‪.46 :)1962‬‬
‫]‪  [203‬المصدر
السابق‪.23 ،‬‬
‫]‪  [204‬جيمس
إيفانس‪ ،‬تاريخ علم الفلك القديم وممارسته (نيويورك‪ :‬مطبعة جامعة أكسفورد‪.34-23
،)1998 ،‬‬
‫]‪  [205‬غولدشتاين‪"
،‬تطور علم الفلك"‪.87-86 ،‬‬
‫]‪  [206‬غوتاس‪
،‬الفكر اليوناني‪ ،‬والثقافة العربية‪.85-75 ،‬‬
‫]‪  [207‬المصدر
السابق‪.88 ،‬‬
‫]‪  [208‬نقًال
عن المسعودي‪ ،‬مروج الذهب‪ ،‬في غوتاس‪ ،‬الفكر اليوناني‪ ،‬والثقافة العربية‪[ .89 ،‬النص
الكامل لمقول المسعودي كما‬
‫ورد في المروج‪ ،‬باب ِذ كر ملوك الروم المتنصرة وهم ملوك
القسطنطينية وُلَم ع من أخبارهم ‪ -‬سبب تنصر قسطنطين ‪-‬‬
‫المترجم]‪.‬‬
‫]‪   [209‬ابن
النديم‪ ،‬فهرست ابن النديم‪[ .84-583 ،‬النص الكامل كما ورد في األصل‪ ،‬كتاب الفهرست
للنديم‪ ،‬تحقيق رضا‬
‫(طهران‪ ،‬تجدد‪ ،)1971 ،‬الفن األول من المقالة السابعة (في أخبار
الفالسفة الطبيعيين والمنطقيين‪ ...‬حكايات في صدر هذه‬
‫المقالة عن العلماء بلفظهم؛
ِذ كر السبب الذي من أجله كثرت كتب الفلسفة‪ - 04-303 ،)...‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪    [210‬يذكر
المؤلف هنا المصدر الذي استقى منه الترجمة اإلنكليزية لمعنى هذا النص القرآني‪
،‬يقول‪" :‬ترجماٌت من القرآن من‬
‫مرمدوك بيكتهال‪ ،‬معنى القرآن العظيم‪ :‬ترجمة
تفسيرية (نيويورك‪ :‬ألفريد إيه‪ .‬نوبف‪ .)1909 ،‬وقد جرى في بعض المواضع‬
‫تحديث
إنكليزية بيكتهال القديمِة بعض الشيء"‪.‬‬
‫]‪    [211‬جيه‪
.‬إتش‪ .‬كرامرز‪ ،‬مختارات أدبية شرقية‪ :‬كتابات اشُتهرت بعد وفاة أصحابها وأعمال مختارة
أقل أهمية (ليدن‪ ،‬هولندا‪:‬‬
‫إي‪ .‬جيه‪ .‬بريل‪ ،)1954 ،‬المجلد ‪.38-235 ،2‬‬
‫]‪   [212‬ألفريد
تي‪ .‬ويلش‪" ،‬محمد‪ :‬حياة الرسول"‪ ،‬موسوعة أكسفورد للعالم اإلسالمي المعاصر
(نيويورك‪ :‬مطبعة جامعة أكسفورد)‪،‬‬
‫المجلد ‪.159 ،3‬‬
‫]‪   [213‬دبليو‪
.‬مونتغمري واط‪ ،‬محمد في المدينة (لندن‪ :‬مطبعة جامعة أكسفورد‪.195 ،)1956 ،‬‬
‫]‪    [214‬ابن
يونس‪ ،‬من ترجمٍة منثورة لقصيدٍة وردت في ديفيد إيه‪ .‬كينغ‪ ،‬في تزامٍن مع السماء‪
:‬دراسات في التقدير الفلكي للوقت‬
‫واآلالت الفلكية في الحضارة اإلسالمية العصر ‪
-‬وسطى‪( .‬ليدن؛ هولندا‪ :‬إي‪ .‬جيه‪ .‬بريل‪َ .215 ،)2004 ،‬يذكر كينغ أن‬
‫القصيدة منسوبٌة
إلى ابن يونس وإلى الشافعي الفقيِه المعروف‪ ،‬لكنه يرِّج ح أنها لألول استنادًا إلى
تحليله محتوياِت ها‪[ .‬بحثُت في‬
‫نثر‪ ،‬إذ إنها لو ُنسبت إليه لُو جدت على األرجح في ديوانه‪.‬‬
‫ديوان الشافعي ولم أعثر على شيء يشبه هذه األبيات
المترجمة ًا‬
‫البيتان
الوحيدان في ديوان الشافعي اللذان وردت فيهما كلماُت "فرض"
و"صالة" و"القرآن" هما في مدح آل بيت الرسول‬
‫شاعر أيضًا‪ ،‬فلم أجد من أعماله المطبوعة
إال مقتطفات من الزيج‬
‫ًا‬ ‫(والصالة عليهم)‪
.‬أما ابن يونس الفلكي المصري‪ ،‬الذي كان‬
‫الكبير الحاكمي صادرًة عن مطبعة الجمهورية بباريس سنة ‪
1804‬مع ترجمٍة فرنسية لكوسان]‪(
[Caussin‬أستاِذ
اللغة‬
‫العربية في الكوّليج دو فرانس آنذاك)‪ .‬توجد في مقدمة هذه المقتطفات أربعة
أبيات البن يونس‪ ،‬لكنها بعيدٌة جدًا عن هذه‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫نثر‪ ،‬وأوردُت النص اإلنكليزي بعدها للمقابلة ‪
-‬المترجم]‪.‬‬
‫اُض طررت إلى ترجمة الترجمة
اإلنكليزية لألبيات كما هي‪ً ،‬ا‬
‫]‪   [215‬كينغ‪
،‬في تزامٍن مع السماء‪.547 ،‬‬
‫]‪   [216‬المصدر
السابق‪.xvii ،‬‬
‫]‪    [217‬نقًال
عن ابن األخَّو ة‪ ،‬معالم الُق ربة [في طلب الُح سبة]‪ ،‬في كينغ‪ ،‬في تزامٍن مع السماء‪[ .38-637
،‬النص كما ورد في‬
‫األصل ‪ -‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪    [218‬نقًال
عن زين الدين الدمياطي‪ ،‬أكسفورد‪ ،‬مخطوطة بودليان اليبراري رقم ‪ ،592‬في ديفيد إيه‪
.‬كينغ وريتشارد بي‪ .‬لورك‪،‬‬
‫"جداول ومخططات الِقبلة وآالت أخرى ذات صلة"‪
،‬في تاريخ علم الخرائط‪ ،‬المجلد ‪ ،2‬الكتاب ‪ ،1‬علم الخرائط في المجتمعات‬
‫اإلسالمية
والجنوب آسيوية التقليدية‪ ،‬تحرير جيه‪ .‬بي‪ .‬هارلي وديفيد وودوورد (شيكاغو‪ :‬مطبعة
جامعة شيكاغو‪،)1987 ،‬‬
‫‪.190‬‬
‫]‪  [219‬كينغ
ولورك‪" ،‬مخططات وخرائط الِقبلة"‪ ،189 ،‬رقم ‪.3‬‬
‫]‪  [220‬إيه‪
.‬جيه‪ .‬فنزينك‪" ،‬الِقبلة"‪ ،‬في موسوعة اإلسالم‪ ،‬المجلد ‪( 5‬ليدن‪ ،‬هولندا‪
:‬إيه‪ .‬جيه‪ .‬بريل‪.87 ،)1960 ،‬‬
‫]‪   [221‬المصدر
السابق‪[ .93-189 ،‬مخطوطة في الفلك الشعبي للفلكي محمد بن أبي بكر الفارسي من عدن‪
،‬اليمن (ت‪.‬‬
‫‪ )79-1278‬تتألف من ‪ 12‬فصًال‪ ،‬يدور أحدها حول تحديد القبلة بالنجوم
والرياح‪ .‬المخطوطة محفوظة في ميالنو (‪MS‬‬
‫‪Milan‬انظر‪:‬‬ ‫
‪Biblioteca‬‬ ‫‪Ambrosiana‬‬ ‫‪X‬‬ ‫‪73‬‬ ‫‪Sup.).‬‬

‪http://adsabs.harvard.edu/full/1982JHA....13..102H‬و‪/‬أو‬
‫‪ - http://islamsci.mcgill.ca/RASI/BEA/Farisi_BEA.htm‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪   [222‬ديفيد
إيه‪ .‬كينغ‪" ،‬االتجاه المقدس في اإلسالم‪ :‬دراسٌة لتفاعل الدين والعلم في
العصور الوسطى"‪ ،‬مجلة العلوم الشاملة‬
‫‪.[Interdisciplinary Science Reviews] 10 (1985):
321‬‬
‫]‪  [223‬سليمان
بشير‪" ،‬القبلة الشرقية وصالة المسلمين األوائل في الكنائس"‪ ،‬العالم
اإلسالمي ‪ ،81‬رقم ‪.268 :)1991( 4-3‬‬
‫]‪  [224‬إيه‪
.‬جيه‪ .‬فنزينك‪" ،‬الِقبلة"‪ ،‬في موسوعة اإلسالم‪ ،‬المجلد ‪( 5‬ليدن‪ ،‬هولندا‪
:‬إيه‪ .‬جيه‪ .‬بريل‪.87 ،)1960 ،‬‬
‫]‪  [225‬ديفيد
إيه‪ .‬كينغ‪ ،‬الفلك في خدمة اإلسالم (بروكفيلد‪ ،‬فيرمونت‪ :‬فاريوَر م‪.257 ،)1993 ،‬‬
‫]‪   [226‬كارل
شوي‪" ،‬جغرافيا مسلمي العصور الوسطى"‪ ،‬جيوغرافيكال ريفيو ‪ ،14‬رقم ‪[ .261 :)1924(
12‬عن ياقوت الحموي‪،‬‬
‫معجم األدباء‪ ،‬تحقيق إحسان عباس (بيروت‪ :‬دار الغرب
اإلسالمي‪ - 2331 )1993 ،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪   [227‬فؤاد
سيزكين‪ ،‬الجغرافيا الرياضية وعلم الخرائط في اإلسالم واستمرارهما في الغرب
(فرانكفورت آم مين‪ :‬معهد تاريخ العلم‬
‫العربي‪ -‬اإلسالمي‪.60-1:159 ،)2005 ،‬‬
‫]‪   [228‬بيتر
جيه‪ .‬لو وبول‪ :‬يه‪ .‬شتاينهارت‪" ،‬البالطات ذات االثنتي عشرة زاوية وشبه
البلورية في العمارة اإلسالمية‬
‫العصروسطى"‪ ،‬علم ‪.1106 :)2007( 315‬‬
‫]‪  [229‬دونالد
آر‪ .‬هيل‪" ،‬التكنولوجيا العربية الدقيقة وأثرها في الهندسة الميكانيكية
األوروبية"‪ ،‬في تأثير العرب‪ ،‬آغيوس وهيتشكوك‪،‬‬
‫‪( 30-29‬انظر الفصل ‪ ،1‬رقم ‪.)42‬‬
‫]‪   [230‬المصدر
السابق‪[ .27 ،‬الرسالة هي الكتاب الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل‪
،‬صدرت محَق قًة عن معهد‬
‫التراث العلمي العربي بحلب سنة ‪ ،1979‬المحقق أحمد يوسف ‪
-‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪   [231‬إيه‪
.‬جون كيمرلينغ‪" ،‬طرائق علم الخرائط في تحديد القبلة"‪ ،‬جورنال أوف
جيوغرافي]‪[Journal
of Geography‬‬
‫‪.101 (2002): 20-22‬‬
‫]‪   [232‬نقًال
عن المسعودي‪ ،‬مروج الذهب‪ ،‬في دونيني‪ ،‬الرحالة والجغرافيون العرب‪( 24 ،‬انظر الفصل
الثالث‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)2‬‬
‫[النص العربي كما ورد في مروج الذهب‪ِ" ،‬ذ كر جوامع من
األخبار ووصف األرض والبلدان وحنين النفوس على األوطان ‪-‬‬
‫عمر بن الخطاب َيستوِص ف
بقاَع األرض" ‪ -‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [233‬دونيني‪
،‬الرحالة والجغرافيون العرب‪.30 ،‬‬
‫]‪   [234‬المصدر
السابق‪[ .31 ،‬المقصود هنا هو أبو إسحق اإلصطخري الفارسي (من القرن العاشر
الميالدي)‪ ،‬صاحب "المسالك‬
‫والممالك"‪ ،‬الكتاب الذي راجعه وأعاد كتابَته
الرحالُة الجغرافي أبو القاسم ابن حوقل بطلٍب من اإلصطخري نفِس ه‪ ،‬مضيفًا إليه‬
‫إضافاٍت جمة ال سيما خرائط البلدان‪ ،‬وأسماه‪" :‬كتاب المسالك والممالك"‪
.‬وُيذكر هنا أن هنالك كتابًا ثالثًا اسمه كذلك "المسالك‬
‫والممالك" البن
خردذابه الفارسي وهو أقدم من االثنين ‪ -‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪   [235‬نقًال
عن المسعودي‪ ،‬كتاب التنبيه واإلشراف‪ ،‬في سيزكين‪ ،‬الجغرافيا الرياضية‪[ .78 ،‬النص
كما ورد في األصل‪،‬‬
‫المسعودي‪ ،‬كتاب التنبيه واإلشراف‪( ،‬ليدن‪ :‬مطبعة بريل‪ ،)1893 ،‬في
"ذكر األقاليم السبعة وقسمتها وحدودها وما قيل في‬
‫طولها وعرضها وما اتصل
بذلك"‪ - 33 ،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪   [236‬نقًال
عن أبي عبد هللا الُزهري‪ ،‬كتاب الجغرافيا‪ ،‬في سيزكين‪ ،‬الجغرافيا الرياضية‪[
.79 ،‬النص كما ورد في كتاب الجغرافيا‪،‬‬
‫[مقدمة المؤلف]‪ ،‬تحقيق محمد حاج صادق (القاهرة‪
:‬مكتبة الثقافة الدينية) ‪ -‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪   [237‬دونيني‪
،‬الرحالة والجغرافيون العرب‪[ .36 ،‬دونيني هنا ينقل عن المسعودي في مروج الذهب‪ ،‬الذي
ينقل بدوره عن‬
‫بطليموس في جغرافيا‪" :‬قال المسعودي‪ :‬وقد َذ َك َر بطليموس في
الكتاب المعروف بجغرافيا صفَة األرض ومدنها وجباَلها وما فيها‬
‫من البحار والجزائر
(جمع جزر) واألنهار والعيون وَو َص َف المدَن المأهولَة والمواضَع العامرة‪ ،‬وأّن
عدَد ها أربعُة آالف مدينة‬
‫وخمسمائة وثالئون مدينة في عصره (قال المؤلف إّن عددها
‪ ،530‬لعل ذلك خطأ مطبعي)‪ ...‬وَذ َك َر في هذا الكتاب ألواَن‬
‫جبال الدنيا‪ ...‬وأن
عدَد ها مائتا جبٍل ونيف‪ ،‬وَذ َك ر َمقداَرها وما فيها من المعادن والجواهر‪ .‬و‪
...‬أَّن عدَد البحار المحيطة‬
‫باألرض خمسُة أبحر‪ ...‬وأَّن جميَع العيون الكبيرة التي
تنبع من األرض مائتا عين وثالثون عينًا‪ ،‬دون ما عداها من الصغار‪،‬‬
‫وأن عدَد األنهار
الكبيرة الجاريِة في األقاليم السبعة على دوام األوقات مائتان وتسعون ًا‬

نهر‪ - "...‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [238‬سيزكين‪
،‬الجغرافية الرياضية‪.99 ،‬‬
‫]‪   [239‬نفيس
أحمد‪ ،‬المسلمون وعلم الجغرافيا (داكا‪ :‬مطبعة الجامعة‪[ .4 ،)1980 ،‬هذا ما وجدته
أقرَب إلى العبارة اإلنكليزية‬
‫المقتبسة لنفيس أحمد "‪"pleases the
king as well as the beggar‬في المقدسي‪ ،‬كتاب أحسن
التقاسيم في‬
‫معرفة األقاليم‪( ،‬ليدن‪:‬مطبعة بريل‪ ،)1877 ،‬مقدمات وفصول ال بد منها‪ ،9
،‬وإن كان َو َر َد في سياق بيان النهج الذي اتبعه‬
‫الُم قَّد سي في تأليفه كتاَبه
وغايِة اتباعه ‪ -‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪   [240‬الُم قَّد سي‪
،‬أحسن التقاسيم في معرفة األقاليم‪ ،‬ترجمة وتحرير باسيل أنطوني كولنز (ريدينغ‪
،‬المملكة المتحدة‪ ،‬غارِن ت‬
‫بابليشينغ‪[ .3 ،)1994 ،‬النص كما ورد في األصل‪ِ ،‬ذ كر ما
عانيُت من األسباب‪ ،44 ،‬ومقدمات وفصول ال بد منها‪ ،3 ،‬على‬
‫التوالي ‪ -‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪   [241‬المصدر
السابق‪xxv. [ ،‬ال يترك الُم قَّد سي
القياَس جملًة واحدة كما قد ُيفهم من كالم المؤلف‪ ،‬فهو يقول‪" :‬واستعملُت‬
‫القياَس في مواضَع تَح ُس ن وتليق"‪ ،32 ،‬ثم تراه في موضٍع آخر ُيغِّلب
االستحساَن والُع رَف على القياس فيقول في األول‪:‬‬
‫"واالستحساُن في ِع لمنا هذا
ربما غلب القياس"‪ ،156 ،‬ويقول في الثاني‪" :‬التعارُف أصٌل في مذهبنا وهو
مقَّد ٌم على القياس"‪،‬‬
‫‪ - .387‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [242‬المصدر
السابق‪[ .45 ،‬النص كما ورد في األصل (ِذ كر ما عانيُت من األسباب) ‪ -‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [243‬يقّد ر
سيد مقبول أحمد وزَن الخريطة الفضية المستوية لألرض استنادًا إلى رواية اإلدريسي
نفِس ه‪ .‬انظر أحمد‪" ،‬رسم الخرائط‬
‫عند الشريف اإلدريسي"‪ ،‬في تاريخ علم
الخرائط‪ ،‬المجلد ‪ ،2‬الكتاب ‪ ،159 ،1‬رقم ‪.32‬‬
‫]‪   [244‬ابن
جبير‪ ،‬أسفار ابن جبير‪ ،‬ترجمة آر‪ .‬جيه‪ .‬سي‪ .‬برودهرست (لندن‪ :‬جيه‪ .‬كاب‪[
.348 ،)1952 ،‬النص كما ورد في‬
‫األصل‪ ،‬رحلة ابن جبير‪( ،‬ليدن‪ :‬مطبعة بريل‪ -336 ،)1852 ،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪   [245‬هيروشي
تاكاياما‪" ،‬القانون والُم لك في الجنوب"‪ ،‬في إيطاليا في العصور الوسطى‪ ،1300-1000
،‬تحرير ديفيد أبوالفيا‬
‫(أكسفورد‪ :‬مطبعة جامعة أكسفورد‪.67-64 ،)2004 ،‬‬
‫]‪  [246‬هوبرت
هوِبن‪ ،‬روجر الثاني ملك صقلية‪ :‬حاك بين الشرق والغرب‪ ،‬ترجمه [عن اإليطالية]
غراهام إيه‪ .‬الوند وديان ملبورن‬
‫ٌم‬
‫(كامبريدج‪ :‬مطبعة جامعة كامبريدج‪[
.18 ،)2002 ،‬عدُت إلى الصفحة ‪ 18‬من هذا الكتاب فوجدت الحديَث فيها يدور عن‬
‫روجر األول ال
الثاني كما قد ُيفهم من سياق الحديث هنا‪ .‬صحيٌح أن المؤلف َذ كَر اسَم روجر‪ ،‬هكذا‪
،‬من دون إشارة إلى أنه‬
‫األول أو الثاني‪ ،‬لكّن هوبن الذي يستشهد به المؤلف فعل ذلك
هو أيضًا في الموضع المشار إليه (الصفحة ‪ ،)18‬ولعل هذا هو‬
‫سبب االلتباس‪ .‬إنما الفرق
في السياق؛ فالسياُق لدى المؤلف يفيد روجر الثاني‪ ،‬والسياق لدى هوبن يفيد روجر
األول‪ ،‬الذي‬
‫يقول هوبن إن كبيَر أساقفة كانتربري أنِس لم ازره "في أثناء حصار
كابوا سنة ‪ 1098‬فأصابه الذعر" (من كثرة الجنود المسلمين‬
‫في صفوفه‪ ،‬ال سيما
رماة السهام‪ - ").‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪   [247‬إدموند
كورتيس‪ ،‬روجر الصقلي والنورمان في إيطاليا السفلى‪( 1154-1016 ،‬نيويورك‪ :‬جيه‪ .‬بي‪
.‬بوتنامز صنز‪،‬‬
‫‪.308 ،)1912‬‬
‫]‪   [248‬ديفيد
أبوالفيا‪" ،‬التاج واالقتصاد في عهد روجر الثاني وورثة عرشه"‪ ،‬دامبارتون
أوكس بيبرز ‪ [8 :)1993( 37‬النص‬
‫‪http://www.qantara-‬‬ ‫من‬ ‫مأخوٌذ‬ ‫العباءة‬ ‫على‬ ‫
الكوفي‬ ‫بالخط‬ ‫ُنِقش‬ ‫لما‬ ‫الكامل‬
‫‪ - med.org/qantara4/public/show_document.php?do_id=1159&lang=ar‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪   [249‬هوِبن‪
،‬روجر الثاني ملك صقلية‪[ .107 ،‬كانت هذه األشعار في مدح الملك وقصوره وحدائقه‪ ،‬وكان
المحرر عماد الدين‬
‫األصبهاني‪ ،‬المؤرخ واألديب والشاعر (‪ .)1201-1125‬أما الخالصة
ففي جريدة القصر وجريدة العصر للعماد‪ .‬من هؤالء‬
‫الشعراء عبد الرحمن رمضان‪ ،‬وعبد
الرحمن الصقلي‪ ،‬وأبو الضوء‪ ،‬انظر علي محمد الزهراني‪ ،‬الوجود اإلسالمي بصقلية في‬
‫عهد النورمان بين التسامح واالضطهاد ‪ ،1194-1052‬مجلة جامعة أم القرى‪ ،‬المجلد ‪
،12‬العدد ‪.20‬‬
‫]‪  [250‬كورتيس‪
،‬روجر الصقلي‪.297 ،‬‬
‫]‪  [251‬جيه‪
.‬إف‪ .‬بي‪ .‬هوبكنز‪" ،‬األدبيات الجغرافية والمالحية"‪ ،‬في الدين والتعلم
والعلم في العصر العباسي‪ ،‬تحرير إم‪ .‬جيه‪ .‬إل‪.‬‬
‫يونغ‪ ،‬وجيه‪ .‬دي‪ .‬الذام‪ ،‬وآر‪ .‬بي‪
.‬سيرجنت (كامبريدج‪ :‬مطبعة جامعة كامبريدج‪.318 ،)1990 ،‬‬
‫]‪   [252‬نقًال
عن الصفدي‪ ،‬في سيد مقبول أحمد‪ ،‬تاريخ الجغرافية العربية ‪ -‬اإلسالمية‪[ .163 ،‬النص
كما ورد في صالح الدين‬
‫الصفدي‪ ،‬الوافي بالوفيات‪ ،‬تحقيق أحمد األرناؤوط وتركي مصطفى
(بيروت‪ :‬دار إحياء التراث العربي‪- 72:14 )2000 ،‬‬
‫المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [253‬نقًال
عن اإلدريسي‪ ،‬األعمال الجغرافية [ ‪Opus geographicum‬نزهة
المشتاق في اختراق اآلفاق]‪ ،‬في أحمد‪" ،‬رسم‬
‫الخرائط عند الشريف
اإلدريسي"‪[ .163 ،‬النص كما ورد في كتاب نزهة المشتاق في اختراق اآلفاق‪
،‬مجموعة من المحققين‬
‫(القاهرة‪ :‬مكتبة الثقافة الدينية)‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬المقدمة‪
.13 ،‬كأَّن هذه هي في األصل طبعة روما الصادرة في القرن الماضي‬
‫عن المعهد اإليطالي
للشرقين األدنى واألقصى ‪ -‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [254‬أحمد‪"
،‬رسم الخرائط عند الشريف اإلدريسي"‪.69-167 ،‬‬
‫]‪  [255‬جورج
إتش‪ .‬تي‪ .‬كيمبل‪ ،‬الجغرافيا في العصور الوسطى (لندن‪ :‬ميثوين أند كو‪.57 ،)1938 ،.‬‬
‫]‪  [256‬كورتيس‪
،‬روجر الصقلي‪.316 ،‬‬
‫]‪"   [257‬آفاق
اإلدريسي في القرن الحادي عشر"‪ ،‬في مسالَك أخرى‪ 1500 :‬سنة من أدب الرحالت
األفريقي واآلسيوي‪ ،‬تحرير‬
‫تابش خير وآخرين (بلومينغتون‪ :‬مطبعة جامعة إنديانا‪.86 ،)2005
،‬‬
‫]‪  [258‬سيزكين‪
،‬الجغرافيا الرياضية‪.342 ،‬‬
‫]‪  [259‬المصدر
السابق‪.42-541 ،‬‬
‫]‪  [260‬المصدر
السابق‪.‬‬
‫]‪   [261‬المصدر
السابق‪ .309 ،‬تجد تقرير فاسكو دي غاما عن رحلته إلى الهند في خاو دي باروس‪ ،‬آسيا
(لشبونة‪ :‬دار الطباعة‬
‫والسك الوطنية البرتغالية (‪.152 ،)1988 ،)INCM‬‬
‫]‪  [262‬للوقوف
على استعراض لتأثير العرب في كولومبوس‪ ،‬انظر جيه‪ .‬إتش‪ .‬كرامرز‪" ،‬الجغرافيا
والتجارة"‪ ،‬في الدين والتعلم والعلم‬
‫في العصر العباسي‪ .94-93 ،‬انظر أيضًا
دونيني‪ ،‬الرحالة والجغرافيون العرب‪.37 ،‬‬
‫]‪  [263‬سميث
وكاربنسكي‪ ،‬األعداد الهندية العربية‪( 139 ،‬انظر الفصل الثالث‪ ،‬الحاشية رقم ‪).52‬‬
‫]‪   [264‬كورتيس‪
،‬روجر الصقلي‪[ .309 ،‬جاء في الصفحة ‪ 309‬من كتاب كورتيس الكالسيكي هذا ما يلي (انظر
النص الكامل‬
‫في‬ ‫الكتاب‬ ‫لهذا‬
‫‪http://www.archive.org/stream/rogersicilyandn01curtgoog/rogersicilyandn01curt‬‬
‫‪goog_djvu.txt):
Ibn el Athir speaks of a Moslem doctor attached to the court‬‬
‫‪who was of eminent
learning and virtue; the King especially trusted him, and‬‬
‫‪preferred him to the
priests and monks of the palace..‬وقد وجدُت أقرَب شيٍء
إلى هذا النص‬
‫النَص التالي في الكامل البن األثير‪ ،‬تحقيق عبد هللا القاضي (بيروت‪
:‬دار الكتب العلمية‪" ،332 :13 )1994 ،‬كان بصقلية‬
‫إنساٌن من العلماء المسلمين
وهو من أهل الصالح وكان صاحُب صقلية يكرمه ويحترمه وَيرجع إلى قوله ويقدمه على َم ن
عنده‬
‫من القسوس والرهبان‪ ".‬ثم يستدرك كورتيس‪ :‬ربما كان هذا هو اإلدريسي
الشهير
‪This was probably the‬‬
‫‪famous Edrisi.‬قد
يكون هذا صحيحًا‪ ،‬ال سيما وأن اإلدريسي كان ذا اهتمام بالطب والصيدلة وعلم النبات‪
،‬ومن‬
‫مصنفاته "الجامع لصفات أشتات النبات" و"األدوية المفردة"‪
،‬وقد ذكره ابن أبي أصيبعة في طبقات األطباء على أنه منهم وإن‬
‫لم َيذكره بلقبه
اإلدريسي‪ .‬انظر محمد عبد الغني حسن‪ ،‬الشريف اإلدريسي‪ ،‬سلسلة أعالم العرب ‪(
97‬القاهرة‪ :‬الهيئة العامة‬
‫للتأليف والنشر‪ - 186 ،)1971 ،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [265‬هوبن‪
،‬روجر الثاني ملك صقيلة‪.179 ،‬‬
‫]‪   [266‬نقًال
عن اإلدريسي‪ ،‬األعمال الجغرافية [ ‪Opus geographicum‬نزهة
المشتاق في اختراق اآلفاق]‪ ،‬في كارال‬
‫ماليّت ‪ ،‬مملكة صقليا‪ :1250-1100 ،‬تاريخ أدبي
(فيالدلفيا‪ :‬مطبعة جامعة بنسلفانيا‪[ .146 ،)2005 ،‬النص كما ورد في‬
‫كتاب نزهة
المشتاق في اختراق اآلفاق‪ ،‬مجموعة من المحققين (القاهرة‪ :‬مكتبة الثقافة الدينية)‪
،‬المجلد األول‪ ،‬المقدمة‪- 6-5 ،‬‬
‫المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [267‬نقًال
عن اإلدريسي‪ ،‬األعمال الجغرافية [ ‪Opus geographicum‬نزهة
المشتاق في اختراق اآلفاق]‪ ،‬في أحمد‪" ،‬رسم‬
‫الخرائط عند الشريف
اإلدريسي"‪[ .159 ،‬المصدر السابق‪ - 6 ،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪  [268‬المصدر
السابق‪[ 163 ،‬المصدر السابق‪ - 14-6 ،‬المترجم]‪.‬‬
‫]‪ِ   [269‬ك نت
لجانغويست‪" ،‬جغرافي بو النوبي"‪ ،‬األدب األميركي [فصلية] ‪ ،48‬العدد ‪ُ[ .73 :)1976(
1‬يرِج ع محمد عبد الغني‬
‫حسن في الشريف اإلدريسي‪ ،‬سلسلة أعالم العرب ‪(
97‬القاهرة‪ :‬الهيئة العامة للتأليف والنشر‪ 8 ،)1971 ،‬تسميَة اإلدريسي‬
‫بالنوبي إلى
خطٍأ في الترجمة الالتينية التي أنجزها العالمان المارونيان حنا الحصروني وجبريل
الصهيوني لكتاب "نزهة‬
‫المشتاق" سنة ‪ ،1619‬ألنه وهو يتحدث عن النيل في
الكتاب ق أر المترجمان لفظة "أرضنا" بدًال من "أرضها"‪ ،‬أي أرض
النوبة‪،‬‬
‫فتوهما أن الرجَل نوب األصل"‪ ،‬فأسميا الكتاب "جغرافيا
النوبي" ‪ -‬المترجم]‪.‬‬
‫ُي‬
‫]‪  [270‬كرامرز‪"
،‬الجغرافيا والتجارة"‪.82 ،‬‬
‫]‪  [271‬هوِبن‪
،‬روجر الثاني ملك صقليا‪.179 ،‬‬
‫]‪  [272‬روموالد
دي ساليرنو‪ ،‬المصدر السابق‪.179 ،‬‬
‫]‪   [273‬آليسون
درو‪" ،‬في الثابت والمتغير"‪( 20 ،]" ["De Eodem et Diverso‬انظر الفصل الثاني‪
،‬الحاشية رقم ‪.)71‬‬
‫]‪   [274‬نقًال
عن ستيفن دي بيزا‪ ،‬هالي بن عباس‪ ،‬في تشارلز ِب رِن ت‪" ،‬أنطاكية كصلة وصل بين
الثقافة العربية والثقافة الالتينية في‬
‫القرنين الثاني عشر والثالث عشر"‪ ،‬في
الغرب والشرق األدنى أيام الحروب الصليبية‪َ :‬م حاضر سمنار لوفان ‪ -‬ال ‪ -‬نوف‪24 ،‬‬
‫و‪
25‬مارس ‪ ،1997‬تحرير إيزابيل دراالن وآخرين (لوفان ‪ -‬ال ‪ -‬نوف‪ ،‬بلجيكا‪ :‬بريبول‪.6 ،)2000
،‬‬
‫]‪     [275‬نقًال
عن ستيفن دي بيزا‪ ،‬هالي بن عباس‪ ،‬في تشارلز هومر هاسكينز‪ ،‬دراسات في تاريخ علوم
العصور الوسطى‬
‫(كامبريدج‪ ،‬ماساتشوستس‪ :‬مطبعة جامعة هارفرد‪.134 ،)1927 ،‬‬
‫]‪   [276‬برِن ت‪"
،‬أنطاكية كصلة وصل"‪.6 ،‬‬
‫]‪   [277‬آديالرد
أوف باث‪ ،‬برِن ت‪( 83 ،‬انظر تمهيد‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)4‬‬
‫]‪   [278‬المصدر
السابق‪.91 ،‬‬
‫]‪    [279‬تشارلز
برِن ت‪" ،‬الطالسم‪ :‬سحٌر أم علم؟ الَع رافة من الفنون العقلية السبعة"‪ ،‬في
السحر والتنجيم في العصور الوسطى‪:‬‬
‫نصوص وفنون من العالمين اإلسالمي والمسيحي
(آلدرشوت‪ ،‬المملكة المتحدة‪ :‬ڤاريوَر م‪.7 ،)1996 ،‬‬
‫]‪    [280‬للوقوف
على النص الكامل باإلنكليزية والالتينية‪ ،‬انظر تشارلز برِن ت‪" ،‬المعلم يوحنا
اإلشبيلي ورسالة قسطا بن لوقا ’في‬
‫الفرق بين الروح والنفس’‪ :‬مساهمٌة برتغالية في
منهاج الفنون؟" في مجلة العصور الوسطى‪ :‬نصوص ودراسات‬
‫‪[Mediaevalia, textos e estudos] 7-8 (1995):
252-55.‬كما يقول برِن ت‪ ،‬كان ريتشارد جوزيف لوميه‬
‫أول من
اعتبر آديالرد أوف باث هو "أنطاكي" يوحنا اإلشبيلي‪ .‬انظر لوميه‪"
،‬من أجل تحديد المكان الحقيقي للتنجيم في علم‬
‫وفلسفة العصور الوسطى"‪ ،‬في
التنجيم‪ ،‬والعلم‪ ،‬والمجتمع‪ :‬مقاالت تاريخية‪ ،‬تحرير باتريك كوري (وودبريدج‪ ،‬المملكة
المتحدة‪:‬‬
‫بويِد ل برس‪.70 ،)1987 ،‬‬
‫]‪   [281‬برِن ت‪"
،‬الطالسم‪ :‬السحر بوصفه علمًا؟"‪.13 ،‬‬
‫]‪   [282‬لين
ثورنديك‪ ،‬ك ارريس تقليدية من العصور الوسطى حول الصور الفلكية المنقوشة"‪ ،‬في ‪Mélanges Auguste‬‬
‫‪( Pelzer‬لوفان‪ ،‬بلجيكا‪ :‬مكتبة الجامعة‪.231 ،)1947 ،‬‬
‫]‪   [283‬نقًال
عن آديالرد أوف باث‪ ،‬كتاب الطالسم‪ ،] [Liber prestigiorum‬في برِن ت‪ ،‬إدخال العلم العربي‪( 41 ،‬انظر‬
‫الفصل الثاني‪ ،‬الحاشية
رقم ‪.)18‬‬
‫]‪   [284‬إيميلي
ساڤاج سميث‪ ،‬المحِر رة‪ ،‬السحر والعرافة في العصر اإلسالمي المبكر (برلينغتون‪
،‬ڤيرمونت‪ :‬آشغيت‪،)2004 ،‬‬
‫‪.xxiii‬‬
‫]‪  [285‬نقًال
عن آديالرد أوف باث‪ ،‬كتاب الطالسم‪ ،] [Liber prestigiorum‬في برِن ت‪ ،‬الطالسم‪ :‬السحر بوصفه علمًا"‪10 ،‬‬
‫]‪  [286‬إس‪
.‬جيه‪ِ .‬ت سَتر‪ ،‬تاريخ علم النجوم الغربي (وودبريدج‪ ،‬المملكة المتحدة‪ :‬بويِد ل بِر س‪.23 ،)1987
،‬‬
‫]‪  [287‬ريتشارد
كايكفر‪ ،‬السحر في العصور الوسطى (كامبريدج‪ :‬مطبعة جامعة كامبريدج‪.122 ،)1990 ،‬‬
‫]‪   [288‬نقًال
عن مفتاح صغير إلى التصوير]‪ : [Mappae Clavicula‬مفتاح صغير إلى عالم تقنيات العصور الوسطى‪،‬‬
‫ترجمة وتحرير سيريل
ستانلي سميث وجون جي‪ .‬هاوثورن (فيالدلفيا‪ :‬الجمعية الفلسفية األميركية‪.9 ،)1974 ،‬‬
‫]‪  [289‬كوشران‪
،‬آديالرد أوف باث‪( 37 ،‬انظر الفصل الثاني‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)4‬‬
‫]‪   [290‬تشارلز
برِن ت ولويز كوشران‪" ،‬آديالرد والمفتاح الصغير إلى التصوير"‪ ،‬في آديالرد
أوف باث‪ :‬عالٌم ومستعرٌب إنكليزي من‬
‫أوائل القرن الثاني عشر‪ ،‬تحرير تشارلز برِن ت
(لندن‪ :‬معهد واربرغ‪ .31-29 ،)1987 ،‬انظر أيضًا كوشران‪ ،‬آديالرد أوف‬
‫باث‪.39-36 ،‬‬
‫]‪  [291‬كوشران‪
،‬آديالرد أوف باث‪.37-36 ،‬‬
‫]‪   [292‬بروس
تي‪ .‬موران‪ ،‬تقطير المعرفة‪ :‬السيمياء‪ ،‬والكيمياء‪ ،‬والثورة العلمية (كامبريدج‪
،‬ماساتشوستس‪ :‬مطبعة جامعة هارفرد‪،‬‬
‫‪.12-11 ،)2005‬‬
‫]‪   [293‬للوقوف
على شرح للجوانب الدينية للسيمياء اإلسالمية وعالقتها بالكيمياء الحديثة‪ ،‬انظر سيد
حسين نصر‪" ،‬السيمياء‬
‫اإلسالمية ووالدة الكيمياء"‪ ،‬مجلة تاريخ العلوم
العربية ‪ ،3‬العدد ‪.45-40
:)1979( 1‬‬
‫]‪  [294‬نصر‪"
،‬السيمياء اإلسالمية"‪.45-40 ،‬‬
‫]‪   [295‬نقًال
عن روجر بيكون‪ ،‬العمل الثالث‪ ،] [Opus Tertium‬في كرومبي‪ ،‬من أوغسطين إلى غاليليو‪( 69 ،‬انظر الفصل‬
‫الثاني‪
،‬الحاشية رقم ‪.)3‬‬
‫]‪  [296‬موران‪
،‬تقطير المعرفة‪ 33 ،‬رايخنو‪.‬‬
‫]‪  [297‬المصدر
السابق‪.33-32 ،‬‬
‫]‪  [298‬سميث
وهاوثورن‪Mappae Clavicula ،‬مفتاح
صغير إلى التصوير‪.4 ،‬‬
‫]‪   [299‬نقًال
عن روبرت أوف كيتون‪ ،‬كتاب تركيب السيمياء‪ ،‬في إيريك جون هولميارد‪ ،‬صانعو الكيمياء
(أكسفورد‪ :‬مطبعة‬
‫كالرندون‪ .86 ،)1931 ،‬كان روبرت يعرف أيضًا‪ ،‬بين ما يعرف به من
أسماء‪ ،‬باسم روبرت أوف تشستر‪.‬‬
‫]‪   [300‬وليام
آر‪ .‬نيومان‪ ،‬ترجمة وتحرير‪ ،‬كتاب الخالص ]‪ [Summa perfectionis‬لجابر المزيف‪ :‬طبعة
وترجمة ودراسة‬
‫نقدية (ليدن‪ ،‬هولندا‪ ،‬إي‪ .‬جيه‪ .‬بريل‪[ .5 ،)1991 ،‬كتاب الخالص هو الكتاب
الذي ُيرَج ح أنه ترِج م إلى الالتينية بهذا االسم‪،‬‬
‫انظر زكي نجيب محمود‪ ،‬جابر بن
حيان‪ ،‬سلسلة أعالم العرب ‪( ،3‬القاهرة‪ :‬مكتبة مصر‪ - 30 ،)1961 ،‬المترجم]‬
‫]‪  [301‬موران‪
،‬تقطير المعرفة‪.9 ،‬‬
‫]‪  [302‬لندبرغ‪
،‬بدايات العلم الغربي‪( 87 ،‬انظر الفصل الثاني‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)16‬‬
‫]‪  [303‬توماس
إل‪ .‬هيث‪ ،‬تاريخ الرياضيات اليونانية (أكسفورد‪ :‬مطبعة كالرندون‪.365 ،1 ،)1921 ،‬‬
‫]‪  [304‬جيريمي
غراي‪" ،‬علم الهندسة"‪ ،‬في معجم جديد لتاريخ األفكار (ديترويت‪ :‬طومسون
غيل‪.93 ،3 ،)2005 ،‬‬
‫]‪   [305‬إتش‪
.‬إل إل‪ .‬بوسارد‪ ،‬أول ترجمة التينية ألصول إقليدس تنسب عادًة إلى آديالرد أوف باث (تورنتو‪
:‬المعهد البابوي‬
‫لدراسات العصور الوسطى‪.3 ،)1983 ،‬‬
‫]‪  [306‬غوتاس‪
،‬الفكر اليوناني‪ ،‬والثقافة العربية‪.120 ،‬‬
‫]‪   [307‬حدد
الباحثون في علم العصور الوسطى ثالثَة نصوص على األقل إلقليدس‪ُ ،‬تعَر ف عندهم
اصطالحًا باسم آديالرد ‪I‬‬
‫وآديالرد ‪II‬وآديالرد ‪III.‬وقد
أثار تحليل النصوص‪ ،‬واألسانيد‪ ،‬وغيُر ذلك من أدلة جدًال قويًا ال يزال قائمًا‪ .‬كان
مارشال‬
‫كالغيت أوَل من أسس هذا النهج المبدئي‪ .‬انظر كالغيت‪" ،‬الترجمات
الالتينية ألصول إقليدس من العربية في العصور‬
‫الوسطى‪ ،‬مع تركيٍز خاص على ُنَس خ
آديالرد أوف باث"‪ ،‬إيزيس‪. [Isis] 44 (1953): 16-42‬‬
‫‪       ‬وللوقوف
على دراساٍت وآراء مباينٍة أخرى‪ ،‬انظر بوسارد‪ ،‬أول ترجمة التينية؛ وريتشارد لورك‪"
،‬مالحظات على الترجمة‬
‫العربية الالتينية إلقليدس"‪ ،‬ومنزو فولكرتس‪"
،‬نسخة آديالرد من أصول إقليدس"‪ ،‬االثنين في آديالرد أوف باث‪ :‬عالم
إنكليزي‪،‬‬
‫‪54-45‬؛ وبوسارد وفولكرتس‪ ،‬تصحيح روبرت أوف تشيستر ألصول إقليدس‪ ،‬ما يسمى
نسخة آديالرد
‪ ،II‬مجلدان‪( ،‬بازل‪،‬‬
‫سويسرا‪ :‬بركهاوزر تزيرالغ‪.)1992 ،‬‬
‫]‪  [308‬كالغيت‪"
،‬الترجمات الالتينية ألصول إقليدس"‪.23 ،‬‬
‫]‪  [309‬هاسكينغز‪
،‬دراسات في تاريخ علوم العصور الوسطى‪.25 ،‬‬
‫]‪   [310‬جان
جوليِفه‪" ،‬اإلرث العربي الثالث"‪ ،‬في تاريخ الفلسفة الغربية في القرن
الثاني عشر‪ ،‬تحرير بيتر درونكي (كامبريدج‪:‬‬
‫مطبعة جامعة كامبريدج‪.122 ،)1988 ،‬‬
‫]‪  [311‬للوقوف
على قائمٍة بالمصطلحات الفنية المقارنة‪ ،‬انظر بوسارد‪ ،‬أول ترجمة التينية‪.96-391 ،‬‬
‫]‪  [312‬برِن ت‪
،‬إدخال العلم العربي‪.42 ،‬‬
‫]‪  [313‬فولِك رتس‪"
،‬نسخة آديالرد"‪.59-58 ،‬‬
‫]‪  [314‬إيه‪
.‬سي‪ .‬كرومبي‪" ،‬العلم"‪ ،‬في إنكلت ار العصور الوسطى‪ ،‬تحرير لين بوول
(أكسفورد‪ :‬مطبعة كالرندون‪.580 ،)1958 ،‬‬
‫]‪  [315‬آديالرد
أوف باث‪ ،‬برِن ت‪( xi ،‬انظر تمهيد‪ ،‬الهامش رقم ‪.)4‬‬
‫]‪  [316‬نقًال
عن هرمان األلماني‪ ،‬في إف‪ .‬إم‪ .‬بويكه‪" ،‬روبرت غروسِت ت واألخالق عند أرسطو
"‪ ،‬ك ارريس األكاديمية البريطانية ‪16‬‬
‫(‪ .88 :)1930‬انظر أيضًا روجر فرنش وأندرو
كانينغهام‪ ،‬قبل العلم‪ :‬اختراع فلسفة الرهبان الطبيعية (آلِد رشوت‪ ،‬المملكة‬
‫المتحدة‪
:‬مطبعة سكوالر‪.231 ،)1996 ،‬‬
‫]‪   [317‬فرنش
وكانينغهام‪ ،‬قبل العلم‪ .232 ،‬يمضي فرنش وكانينغهام إلى القول بأن اهتمام روبرت
بعلم الهندسة من حيث صلُته‬
‫بالطبيعة ال صلَة له بالقياس والحساب‪ ،‬بل بنظرته
األفالطونية الجديدة إلى الطبيعة؛ لتوسيع هذه النظرة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬شَّك ل إدخال‬
‫تطور مهمًا في تاريخ نشوء التفكير العلمي‪
.‬لالستزادة‪ ،‬انظر العلم التجريبي عند روبرت‪،‬‬
‫ًا‬ ‫علم
الهندسة إلى مناقشات الطبيعة‬
‫‪( 1700-1100‬أكسفورد‪ :‬مطبعة كالرندون‪.)1971
،‬‬
‫]‪   [318‬جيريميا
إم‪ .‬هاكيت‪" ،‬آديالرد أوف باث وروجر بيكون‪ :‬فيلسوفان طبيعيان وعالمان
إنكليزيان قديمان"‪ ،‬إنديَف ر ‪ ،26‬العدد ‪2‬‬
‫(‪.73 :)2002‬‬
‫]‪  [319‬كوشران‪
،‬آديالرد أوف باث‪.66-65 ،‬‬
‫]‪  [320‬جون
إتش‪ .‬هارفي‪ ،‬معمار من العصور الوسطى (لندن‪ :‬ويالند‪.96 ،)1972 ،‬‬
‫]‪  [321‬جون
إتش‪ .‬هارفي‪" ،‬علم الهندسة والتصميم القوطي"‪ ،‬محاضر جمعية المباني
القديمة ‪.48-47 :)1986( 30‬‬
‫]‪  [322‬إي‪
.‬إتش‪ .‬غومبريتش‪ ،‬قصة الفن (إنجلوود كليفز‪ ،‬نيوجرسي‪ :‬برنتيس هول‪[
.86-185 ،)1995 ،‬انظر‪ ،‬مثًال‪ ،‬صورَة هذه‬
‫بفرنسا‬ ‫رانس‬ ‫كاتدرائية‬ ‫في‬ ‫البديعة‬ ‫المدببِة‬ ‫األقواِس‬
‫‪ - http://architecture.about.com/od/earlychristianmedieval/ss/gothic_3.htm‬المترجم]‬
‫]‪   [323‬إيفور
بولمر توماس‪" ،‬إقليدس وعمارة القرون الوسطى"‪ ،‬مجلة اآلثار‪[Archaeological Journal] 136‬‬
‫‪.(1979): 141-44‬‬
‫]‪   [324‬نقًال
عن مخطوطة كووك رقم ‪MS 23198‬بالمتحف
البريطاني‪ ،47-145 ،‬في بولمر توماس‪" ،‬إقليدس وعمارة‬
‫العصور الوسطى"‪.145
،‬‬
‫]‪  [325‬جان
جامبل‪ ،‬بناة الكاتدرائيات‪ ،‬ترجمة تيري از واف (نيويورك‪ :‬مطبعة غروف‪.84-82 ،)1983 ،‬‬
‫]‪  [326‬كوشران‪
،‬آديالرد أوف باث‪.81 ،‬‬
‫]‪  [327‬نقًال
عن ريمون مرسييه‪" ،‬الجداول الفلكية في القرن الثاني عشر"‪ ،‬في آديالرد
أوف باث‪ :‬عالٌم ومستعرٌب إنكليزي من أوائل‬
‫القرن الثاني عشر‪.87 ،‬‬
‫]‪  [328‬مارغريت
جيبسون‪" ،‬آديالرد أوف باث"‪ ،‬في آديالرد أوف باث‪ :‬عالٌم ومستعرٌب إنكليزي
من أوائل القرن الثاني عشر‪.14 ،‬‬
‫]‪  [329‬ميرسييه‪"
،‬الجداول الفلكية"‪.88 ،‬‬
‫المصدر
السابق‪ .‬انظر أيضًا برِن ت‪ ،‬إدخال العلم العربي‪.3 ،‬‬ ‫]‪ [330‬‬
‫برِن ت‪
،‬إدخال العلم العربي‪.2 ،‬‬ ‫]‪ [331‬‬
‫]‪   [332‬األندلسي‪
،‬العلم في العصور الوسطى‪( 64 ،‬انظر الفصل الثالث‪ ،‬الهامش رقم ‪[ .)24‬النص كما ورد في
األصل‪ ،‬أبو‬
‫القاسم صاعد األندلسي‪ ،‬كتاب طبقات األمم (بيروت‪ :‬المطبعة الكاثوليكية
لآلباء اليسوعيين‪ 7 ،)1912 ،‬العلوم عند العرب ‪-‬‬
‫"العلوم في األندلس"‪ -
69 ،‬المترجم]‬
‫]‪  [333‬آديالرد
أوف باث‪ ،‬برِن ت‪.69 ،‬‬
‫]‪  [334‬المصدر
السابق‪.‬‬
‫]‪  [335‬ميرسييه‪"
،‬الجداول الفلكية"‪.100-99 ،‬‬
‫]‪   [336‬جون
روتشستر‪ ،‬تاريخ جون روتشستر‪ ،] [Chronicon Iohannis Wigornensis‬ترجمة وتحرير باتريك‬
‫ماكغرك (أكسفورد‪ :‬مطبعة كالرندون‪.60-259 :3
،)1998 ،‬‬
‫]‪  [337‬نقًال
عن جون أوف سالزبري‪ ،‬رسالة في مبادئ الحكم‪ ،2 ،] [Policraticus‬في جيبسون‪"
،‬آديالرد أوف باث"‪.16 ،‬‬
‫]‪  [338‬آديالرد
أوف باث‪ ،‬مسائل في علم الطبيعة‪.99 ،‬‬
‫]‪  [339‬المصدر
السابق‪.255 ،‬‬
‫]‪  [340‬المصدر
السابق‪.91 ،‬‬
‫]‪  [341‬المصدر
السابق‪.227 ،‬‬
‫]‪  [342‬آديالرد
أوف باث‪ ،‬برِن ت‪.xxxi-xxxii ،‬‬
‫]‪  [343‬ميرسييه‪"
،‬الجداول الفلكية"‪.89 ،‬‬
‫صفر
عمليًا وأنه اعتمد على رواٍة ومعلمين‬
‫ًا‬ ‫]‪ُ  [344‬ي لمح
شارل برِن ت إلى أن مستوى إلمام آديالرد بالعربية ربما كان منخفضًا جدًا أو‬
‫عرب ال على نصوٍص عربية‪ .‬قد يصعب التوفيق بين
هذا الرأي وبين بعض الترجمات المنسوبة إلى آديالرد‪ ،‬التي يسِلم بها‬
‫برِن ت وغيُره
على وجه العموم‪ ،‬بالرغم من احتمال أن يكوَن قد اعتمد فيها على مساعدة بعض الوسطاء
الثقات‪ .‬كذلك‪ ،‬فإَّن‬
‫"اتهاَم " آديالرد هذا يستند في األساس إلى غياب
األصل العربي المدون عن بعض أعماله الباقية‪ .‬لكن‪ ،‬يظل دوُر آديالرد‬
‫ٍل‬
‫الحاسُم كناق
للعلم العربي‪ ،‬وموقُف ه الثوري من أهمية المعاينة المباشرة وتقديم العقل على النقل‪
،‬أسمى من أن يناَل منه أُي‬
‫جدال حول مستوى مهاراته اللغوية‪ .‬انظر برِن ت‪"
،‬آديالرد أوف باث والعرب"‪ ،‬في تصادم الثقافات في فلسفة العصور الوسطى‬
‫(لوفان ‪ -‬ال ‪ -‬نوف‪ :‬كاسينو‪ .107-89 :)1990 ،‬وال أرَي المضاد‪ ،‬في العمل الكالسيكي‪
:‬هاسكينز‪ ،‬دراسات في تاريخ علوم‬
‫العصور الوسطى‪.42-5 ،‬‬
‫]‪  [345‬آديالرد
أوف باث‪ ،‬مسائل في علم الطبيعة‪.105 ،‬‬
‫]‪  [346‬المصدر
السابق‪.83 ،‬‬
‫]‪  [347‬المصدر
السابق‪.‬‬
‫]‪  [348‬المصدر
السابق‪.103 ،‬‬
‫]‪  [349‬نقًال
عن آديالرد أوف باث‪ ،‬مسائل في علم الطبيعة‪ ،‬في كوشران‪ ،‬آديالرد أوف باث‪.45 ،‬‬
‫]‪    [350‬تشارلز
هومر هاسكينز‪" ،‬تلقي العلم العربي بإنكلترا"‪ ،‬مجلة التاريخ اإلنكليزي]‪[English Historical Review‬‬
‫‪ ،30‬العدد
‪.57-56 :)1915( 117‬‬
‫]‪   [351‬ريتشارد
دبليو‪ .‬ساذرن‪ ،‬الحركة اإلنسانية في العصور الوسطى (نيويورك‪ :‬هاربر أند رو‪ ،167
،)1970 ،‬رقم ‪.1‬‬
‫]‪   [352‬نقًال
عن وولتشر أوف مالفرن‪ ،‬أكسفورد‪ ،‬مخطوطة مكتبة بودليان ‪ ،MS Auct. F. 1. 9,
f. 90‬في
ساذرن‪ ،‬الحركة‬
‫اإلنسانية في العصور الوسطى‪.167 ،‬‬
‫]‪   [353‬ساذرن‪
،‬الحركة اإلنسانية في العصور الوسطى‪.64-163 ،‬‬
‫]‪   [354‬برِن ت‪
،‬إدخال العلم العربي‪( 16-15 ،‬انظر الفصل الثاني‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)18‬‬
‫]‪   [355‬ساذرن‪
،‬الحركة اإلنسانية في العصور الوسطى‪.169 ،‬‬
‫]‪   [356‬ميرسييه‪"
،‬الجداول الفلكية"‪.100-99 ،‬‬
‫]‪     [357‬ماريا
رو از مينوثال‪ ،‬زينة الدنيا‪ :‬كيف أوجد المسلمون واليهود والنصارى ثقافة تسامح في
إسبانيا العصور الوسطى‬
‫(بوسطن‪ :‬ليتل‪ ،‬براون‪.151 ،)2002 ،‬‬
‫]‪     [358‬انظر‪
،‬مثًال‪ ،‬برنار سبتيموس‪" ،‬بطرس ألفونسي حول العبادة بمكة"‪ ،‬سبيكولوم‪ :‬مجلة
دراسات العصور الوسطى‬
‫‪ ،[Speculum: Journal of Medieval Studies] 56‬العدد ‪.33-517 :)1981( 3‬‬
‫]‪   [359‬بول
كونيتش‪" ،‬الخوارزمي كمصدر لرسالة في األسطرالب"]‪ ، [Sententie astrolabii‬في ِم ن دائرة اإلرجاء إلى‬
‫نقطة التعادل‪ ،] [From Deferent to Equant‬تحرير ديفيد إيه‪ .‬كينغ وجورج صليبا (نيويورك‪ :‬أكاديمية نيويورك‬
‫للعلوم‪.36-227 ،)1987 ،‬‬
‫]‪  [360‬برِن ت‪
،‬إدخال العلم العربي‪.16 ،‬‬
‫]‪  [361‬ماكلوسكي‪
،‬علوم فلك وثقافات‪( 87-186 ،‬انظر الفصل الثاني‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)7‬‬
‫]‪  [362‬هاسكينز‪"
،‬تلقي العلم العربي"‪.58 ،‬‬
‫]‪  [363‬ماكلوسكي‪
،‬علوم فلك وثقافات‪.180 ،‬‬
‫]‪  [364‬المصدر
السابق‪.93-180 ،‬‬
‫]‪   [365‬ثار
جدٌل علم كبير حول تاريخ رسالة آديالرد في استخدام األسطرالب‪ .‬فإهداؤها الظاهر
إلى األمير هنري بالنتاجينيت‪،‬‬
‫ٌي‬
‫الذي سيغدو الملَك هنري الثاني‪ ،‬في "سن
الرشد" يوحي بأن هنري كان في حوالي السادسة عشرة من العمر آنذاك‪ ،‬ما يجعل‬
‫تاريَخ العمل حوالي ‪ 1149‬أو ‪ .1150‬للوقوف على هذا الرأي‪ ،‬انظر ديكي‪" ،‬آديالرد
أوف باث"‪( 70-64 ،‬انظر الفصل‬
‫الثاني‪ ،‬الحاشية رقم ‪ .)28‬أما تشارلز هومر
هاسكينز فيفضل تاريخًا أبعد قليًال‪ .1146-1142 ،‬انظر هاسكينز‪ ،‬دراسات‪،‬‬
‫‪( 29-28‬انظر
الفصل الخامس‪ ،‬الحاشية رقم ‪ .)3‬من الواضح أن العمَل كان من أواخر أعمال آديالرد‪
،‬ألنه يشير فيه إلى‬
‫عدة أعماٍل سابقٍة له وَيفترض أن القارَئ مطلٌع عليها‪.‬‬
‫]‪   [366‬نقًال
عن آديالرد أوف باث‪ ،‬في استخدام األسطرالب‪ ،‬في كوشران‪ ،‬آديالرد أوف باث‪( 98 ،‬انظر
الفصل الثاني‪ ،‬الحاشية‬
‫رقم ‪.)4‬‬
‫]‪  [367‬نقًال
عن آديالرد أوف باث‪ ،‬في استخدام األسطرالب‪ ،‬في ديكي‪ ،‬آديالرد أوف باث‪.12-11 ،‬‬
‫]‪  [368‬ديكي‪"
،‬آديالرد أوف باث"‪.8 ،‬‬
‫]‪  [369‬هاسكينز‪
،‬دراسات‪.28 ،‬‬
‫]‪  [370‬ديكي‪"
،‬آديالرد أوف باث"‪.27 ،‬‬
‫]‪  [371‬المصدر
السابق‪.13 ،‬‬
‫]‪  [372‬كوشران‪
،‬آديالرد أوف باث‪.98 ،‬‬
‫]‪  [373‬ديكي‪"
،‬آديالرد أوف باث"‪.20-19 ،‬‬
‫]‪  [374‬أفالطون‪
،‬تيماوس‪ ،‬في محاورات أفالطون‪ ،‬ترجمة وتحرير بنجامين جويت (أكسفورد‪ :‬مطبعة جامعة
أكسفورد‪:3 ،)1953 ،‬‬
‫‪.719‬‬
‫]‪  [375‬توماس
إس‪ .‬كوهن‪ ،‬الثورة الكوبرنيكية‪ :‬علم فلك الكواكب مع تطور الفكر الغربي (كامبريدج‪
،‬ماساتشوستس‪ :‬مطبعة جامعة‬
‫هارفرد‪.38-29 ،)1957 ،‬‬
‫]‪  [376‬المصدر
السابق‪.48-45 ،‬‬
‫]‪  [377‬المصدر
السابق‪.59-55 ،‬‬
‫]‪  [378‬المصدر
السابق‪.70 ،‬‬
‫]‪ِ  [379‬ت سَتر‪
،‬تاريخ علم النجوم الغربي‪( 153 ،‬انظر الفصل الخامس‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)14‬‬
‫]‪  [380‬إيمانويل
بوول‪" ،‬رسالة آديالرد في األسطرالب"‪ ،‬في آديالرد أوف باث‪ :‬عالٌم
ومستعرٌب إنكليزي‪.121 ،‬‬
‫]‪  [381‬نقًال
عن سجالت جامعة باريس ]‪[Chartularium universitatis Paresiensis‬في
لين ثورنديك‪ ،‬السجالت‬
‫الجامعية والحياة في العصور الوسطى (نيويورك‪ :‬دبليو‪ .‬دبليو‪
.‬نورتون‪[ .27-26 ،)1975 ،‬األستاذ آموري هو آموري دو‬
‫شارتر ]‪ [Amaury de Chartres‬أستاذ
الفلسفة والالهوت بجامعة باريس اشتِه ر بقدرته على المجادلة وقد شدت‬
‫أرسطو إليه كثيرين‪ .‬قيل إنه مات كمدًا مما تعَّر ض له من إهانة‪ .‬وقد ُأحِرق
عشرٌة من أتباعه أحياء سنة‬ ‫محاضراته في
فلسفة‬
‫الجامعة‪ .‬ونِبش قبُره ُهو وُأحِر قت جثته
وُذ َّر رماُد ها في الهواء‪ .‬أما دافيد دو دينان‪[David de‬‬ ‫‪ 1209‬على أبواب‬

يقول بوحدة الوجود‪ ،‬كان يدّر س بجامعة باريس‪ .‬والك ارريُس المقصودة هي الك ارريس
الصغيرَة‬ ‫]‪Dinant‬ففيلسوٌف‬
‫‪[Quaternuli
(Little‬مؤَّلفه الذي أجبره على الهرب ‪ -‬المترجم]‬ ‫])‪Notebooks‬‬
‫]‪  [382‬المصدر
السابق‪.79-78 ،‬‬
‫]‪  [383‬إيتيين
جيلسون‪ ،‬العقل والنقل في العصور الوسطى (نيويورك‪ :‬تشارلز سكرايبرنرز صنز‪.17
،)1938 ،‬‬
‫]‪   [384‬فرناند
فان ستينبرغن‪ ،‬أرسطو في الغرب‪ :‬أصول األرسطية الالتينية‪ ،‬ترجمة ليونارد جونسون
(لوفان‪ ،‬بلجيكا‪ :‬إي‪.‬‬
‫نوفالرتس‪.39-32 ،)1955 ،‬‬
‫]‪   [385‬للوقوف
على محدودية أثر فلسفة أرسطو الطبيعية في أوائل القرن الثاني عشر‪ ،‬انظر جون
مارنبون‪ ،‬الفلسفة في العصور‬
‫الوسطى المتأخرة (‪( )1350-1150‬لندن‪َ :‬ر تِليدج وكيغان
بول‪.56-54 ،)1987 ،‬‬
‫]‪  [386‬روجر
بيكون‪ ،‬الكتاب األكبر‪( 63 ،]
[Opus Majus‬انظر تمهيد‪ ،‬الحاشية رقم ‪[ .)9‬هذا هو أهُم عمل لروجر بيكون‪،‬‬
‫وضعه
بطلٍب من البابا كليمان الرابع وسلمه إياه سنة ‪ .1267‬وهو رسالة من سبعة أجزاء‪
)1( :‬موانع الحكمة والحقيقة‬
‫واألسباب األربعة للغلط (اتباُع مرجعيٍة ضعيفة أو مهلهلة‪
،‬والتقليد‪ ،‬وجهُل اآلخرين‪ ،‬وإخفاُء المرء جهَله بادعاء المعرفة) (‪)2‬‬
‫العالقة بين
الفلسفة والالهوت (والتوصل إلى أن الكتاب المقدس أساُس كل العلوم)‪ )3( ،‬دراسة لغات
الكتب السماوية (الالتينية‬
‫واليونانية والعبرية والعربية) لفهم الحكمِة الموحاة‪ )6( )5( )4(
،‬دراسة الرياضيات والبصريات والعلم التجريبي‪ )7( ،‬فلسفة‬
‫األخالق
واألخالق ‪ -‬المترجم]‬
‫]‪  [387‬فان
ستينبرغن‪ ،‬أرسطو في الغرب‪.109 ،‬‬
‫]‪  [388‬برنت‪"
،‬أنطاكية كصلة وصل"‪( 4-3 ،‬انظر الفصل الخامس‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)2‬‬
‫]‪   [389‬أبو
معشر‪ ،‬مختصر المدخل الكبير في علم أحكام النجوم‪ :‬مع ترجمة آديالرد أوف باث له من
العصور الوسطى‪ ،‬ترجمة‬
‫وتحرير برِن ت‪ ،‬وكيجي ياماموتو‪ ،‬وميشيو يانو (ليدن‪ ،‬هولندا‪
:‬إي‪ .‬جيه‪ .‬بريل‪.13 ،)1994 ،‬‬
‫]‪  [390‬ريتشارد
جوزيف لوميه‪ ،‬أبو معشر واألرسطية الالتينية في القرن الثاني عشر (بيروت‪ :‬مطبعة
الجامعة األميركية‪،)1962 ،‬‬
‫‪.xxxvii‬‬
‫]‪   [391‬نقًال
عن ألبرتوس ماغنوس‪ ،‬رسالة في النباتات والغراس ]‪ [De vegetabilis et plantis‬في
ثورنديك‪" ،‬المكان‬
‫الحقيقي لعلم النجوم في تاريخ العلم"‪( 275 ،‬انظر الفصل
الثالث‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)40‬‬
‫]‪  [392‬ثورنديك‪"
،‬المكان الحقيقي لعلم النجوم"‪.277 ،‬‬
‫]‪  [393‬عن
آديالرد أوف باث‪ ،‬في مختصر المدخل الكبير‪.15 ،‬‬
‫]‪   [394‬المصدر
السابق‪[ .‬بما أن آديالرد يتحدث هنا في ترجمته للمدخل الصغير ألبي معشر‪ ،‬فاألرجح
أنه يأخذ عنه في هذا‬
‫المقطع‪ .‬لم أستطع الوصول إلى األصل العربي للمدخل الصغير
ألجزَم بذلك‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فهذه مجرُد ترجمٍة عربية للكالم المنقول‬
‫عن آديالرد
مترَج مًا إلى اإلنكليزية عن الالتينية‪ .‬لكّن المصدَر المذكور في الحاشية ‪ 40‬أعاله
يشتمل‪ ،‬كما يقول الناشر‪ ،‬على‬
‫النص العربي األصلي إضافًة إلى ترجمة آديالرد له إلى
الالتينية والترجمِة اإلنكليزية لهذه الترجمة (ِب رِن ت وياماموتو ويانو)‪.‬‬
‫وِم ن
المؤسف أنني لم أستطع االطالَع على هذا المصدر ‪ -‬المترجم]‬
‫]‪  [395‬لوميه‪
،‬أبو معشر‪.4-3 ،‬‬
‫]‪  [396‬لوميه‪"
،‬المكان الحقيقي لعلم النجوم"‪( 68 ،‬انظر الفصل الخامس‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)8‬‬
‫]‪   [397‬أبو
معشر في علم النجوم التاريخي‪ :‬كتاب الملل والدول‪ ،‬ترجمة وتحرير كيجي ياماموتو
وشارل برِن ت (ليدن‪ ،‬هولندا‪ :‬إيه‪.‬‬
‫جيه‪ .‬بريل‪.3 ،)2000 ،‬‬
‫]‪  [398‬لوميه‪"
،‬المكان الحقيقي لعلم النجوم"‪.57 ،‬‬
‫]‪  [399‬المصدر
السابق‪.59-58 ،‬‬
‫]‪  [400‬إدوارد
غرانت‪ ،‬هللا والعقل في العصور الوسطى (كامبريدج‪ :‬مطبعة جامعة كامبريدج‪.89 ،)2001 ،‬‬
‫]‪  [401‬لوميه‪"
،‬المكان الحقيقي لعلم النجوم"‪.59-58 ،‬‬
‫]‪   [402‬جيه‪
.‬دي‪ .‬ليبتون‪" ،‬التنجيم في ميزان العقل في فترة الترجمات العربية ‪ -‬الالتينية‪
،‬حوالي ‪1187-1126‬م"‪( .‬أطروحة‬
‫دكتوراه‪ ،‬جامعة كاليفورنيا‪ ،‬لوس أنجلوس‪ .17-211
،)1978 ،‬انظر أيضًا جيه‪ .‬دي‪ .‬نورث‪" ،‬بعض خرائط البروج النورمانية"‪،‬‬
‫في
آديالرد أوف باث‪ :‬عالم ومستعرب إنكليزي من أوائل القرن الثاني عشر‪.149 ،‬‬
‫]‪  [403‬للوقوف
على تحليٍل مفصل لخرائط البروج وأزمنتها وأمكنتها التقديرية‪ ،‬انظر نورث‪" ،‬بعض
خرائط البروج النورمانية" (‪-147‬‬
‫‪ ،)61‬الذي استندت إليه هذه الرواية‪ .‬يطرح نورث
اسم روبرت أوف كيتون‪ ،‬المترجم والعالم البارز‪ ،‬كمرشٍح محتمٍل آخر أوحد‬
‫لكنه سرعان
ما يستبعده لبعده عن العرش وقلِة الصالت المعروفة له معه‪.‬‬
‫]‪  [404‬برِن ت‪
،‬إدخال العلم العربي‪.46 ،‬‬
‫]‪   [405‬إدوارد
غرانت‪ ،‬أسس العلم الحديث في العصور الوسطى (كامبريدج‪ :‬مطبوعة جامعة كامبريدج‪.24 ،)1996
،‬‬
‫]‪   [406‬أنطوني
بيم‪ ،‬عبور الحدود‪ :‬المترجمون والمبادالت الثقافية في التاريخ اإلسباني (مانشستر‪
،‬المملكة المتحدة‪ :‬سانت جيروم‬
‫بابليشينغ‪.48 ،)2000 ،‬‬
‫]‪     [407‬عبد
الرحمن‪" ،‬النخلة"‪ ،‬مترَج مة في دي‪ .‬فيرتشايلد راغلس‪ ،‬الحدائق والمناظر
والمرائي في قصور األندلس (يونيِفرستي‬
‫بارك‪ :‬مطبعة جامعة والية بنسلفانيا‪[ .42
،)2000 ،‬األبيات كما وردت في نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب‪ ،‬للمقري‬
‫التلمساني‪
،‬تحقيق إحسان عباس‪( ،‬بيروت‪ :‬دار صادر‪ )1968 ،‬الجزء الثالث‪ ،‬الباب السادس ِذ كر بعض
الوافدين على‬
‫األندلس من أهل المشرق‪ ،‬عبد الرحمن بن معاوية ‪ -‬المترجم]‬
‫]‪    [408‬ابن
خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬مقدمة في التاريخ‪ ،‬ترجمة وتحرير فرانز روزنتال (برنستون‪ :‬مطبعة
جامعة برنستون‪:1 ،)1967 ،‬‬
‫‪[ .303‬النص العربي كما ورد في األصل‪ ،‬مقدمة ابن خلدون‪
،‬مراجعة سهيل زكار‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪ ،)2001 ،‬الباب‬
‫الثاني‪ ،‬الفصل السادس
والعشرون‪ ،‬في أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب‪ .187 ،‬غير أن رقَم
هذا الفصل في‬
‫انظر‬ ‫والعشرون‪،‬‬ ‫الخامس‬ ‫هو‬ ‫روزنتال‬ ‫ترجمة‬
‫)‪.http://www.muslimphilosophy.com/ik/Muqaddimah/Chapter2/Ch_2_25.htm‬‬
‫كذلك‪ ،‬وجدُت هنا فرقًا
في معنى الكلمة األخيرة بين األصل والترَج مة‪"All the customary activities of the‬‬
‫"‪Arabs
lead to travel and movement‬فآثرُت األصل (’التغلب‘
على ’التقلب‘)‪ -‬المترِج م]‬
‫]‪    [409‬أندرو
إم‪ .‬واطسون‪ ،‬االبتكارات الزراعية في العالم اإلسالمي المبكر‪ :‬انتشار المحاصيل
وأساليب الزراعة‪1100-700 ،‬‬
‫(كامبريدج‪ :‬مطبعة جامعة كامبريدج‪.92 ،)1983 ،‬‬
‫]‪   [410‬المصدر
السابق‪.84-80 ،‬‬
‫]‪   [411‬المصدر
السابق‪.71-70 ،‬‬
‫]‪     [412‬انظر
إكسبيراثيون غارثيا سانشيز‪" ،‬الزراعة في األندلس"‪ ،‬في تراث األندلس‪
،‬تحرير سلمى الخضراء الجيوسي (ليدن‪،‬‬
‫هولندا‪ :‬إيه‪ .‬جيه‪ .‬بريل‪.996 ،)1994 ،‬‬
‫]‪   [413‬جيه‪ِ
.‬فرِن ت‪" ،‬العلوم الطبيعية والصناعية في األندلس"‪ ،‬في تراث األندلس‪.939 ،‬‬
‫]‪  [414‬نقًال
عن ألفارو‪ ،‬في روبرت هيلينبراند‪" ،‬زينة الدنيا‪ :‬قرطبة كمركٍز ثقافي في العصور
الوسطى"‪ ،‬في تراث األندلس‪.115 ،‬‬
‫]‪  [415‬مينوثال‪
،‬زينة الدنيا‪( 43-42 ،‬انظر الفصل السادس‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)8‬‬
‫]‪   [416‬نقًال
عن الجاحظ‪" ،‬كتاب القيان"‪ ،‬في روجر بوز‪" ،‬التأثيرات العربية في شعر
الحب األوروبي"‪ ،‬في تراث األندلس‪.466 ،‬‬
‫[النص العربي كما ورد في رسائل
الجاحظ‪ ،‬تحقيق عبد السالم هارون‪( ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الخانجي‪ ،)1964 ،‬الرسالة الرابعة
عشرة‬
‫في مجموعة داماد (كتاب القيان)‪ -171 ،‬المترجم]‬
‫]‪   [417‬مينوثال‪
،‬زينة الدنيا‪[ .25-124 ،‬انظر أيضًا محمود علي مكي‪ ،‬الشعر العربي ومولد الشعر
الغنائي األوروبي‪ ،‬مجلة‬
‫مجمع اللغة العربية بالقاهرة‪ ،‬العدد ‪ - 63 :96‬المترجم]‬
‫]‪   [418‬روجر
بوز‪" ،‬التأثيرات العربية"‪ .73-466 ،‬للوقوف على تحليٍل للمدى الذي وصل
إليه التأثير العربي على الشعراء‬
‫الغنائيين األوروبيين‪ ،‬الذي ال يزال مثاَر خالف
في األوساط العلمية‪ ،‬انظر أيضًا ماريا رو از مينوثال‪ ،‬الدور العربي في التاريخ‬
‫األدبي
العصر وسطي‪ :‬ت ارٌث منسي (فيالدلفيا‪ :‬مطبعة جامعة فيالدلفيا‪.)1987 ،‬‬
‫]‪  [419‬نقًال
عن ابن حوقل‪ ،‬في ريتشارد فليتَش ر‪ ،‬إسبانيا المغربية (نيويورك‪ :‬هنري هولت‪[ .65
،)1992 ،‬النص كما ورد في كتاب‬
‫المسالك والممالك‪ ،‬ألبي القاسم ابن حوقل (ليدن‪:‬مطبعة
بريل‪ - 76 ،)1873 ،‬المترجم]‬
‫]‪  [420‬لوثي
لوبيز ‪ -‬بارالتن "تراث اإلسالم في األدب اإلسباني"‪ ،‬في تراث األندلس‪.12-511
،‬‬
‫]‪   [421‬ميغيل
فورثادا‪ ،‬كتاب األنواء في األندلس"‪ ،‬ترجمة مايكل كينيدي‪ ،‬في تكوين األندلس‪
:‬اللغة‪ ،‬والدين‪ ،‬والثقافة‪ ،‬والعلوم‪،‬‬
‫تحرير ماريبل فييرو وخوليو سامسو (آلدرشوت‪
،‬المملكة المتحدة‪ :‬آشغيت‪.311 ،)1998 ،‬‬
‫]‪  [422‬نقًال
عن كتاب األنواء‪ ،‬في ماكلوسكي‪ ،‬علوم الفلك والثقافات‪( 68-166 ،‬انظر الفصل الثاني‪
،‬الحاشية رقم ‪.)7‬‬
‫]‪  [423‬غارثيا
سانشيز‪" ،‬الزراعة في األندلس"‪ ،‬في تراث األندلس‪.997 ،‬‬
‫]‪   [424‬نقًال
عن ابن ِع ذاري‪ ،‬البيان الُم غرب في روبرت هيلينبراند‪" ،‬زينة الدنيا"‪[ .127
،‬البيتان كما وردا في األصل العربي‪ ،‬ابن‬
‫ِع ذاري المراكشي‪ ،‬البيان الُم غِر ب في
أخبار األندلس والَم غرب‪ ،‬تحقيق جي‪ .‬إس‪ .‬كوالن وإيه‪ .‬ليفي ‪ -‬بروفنسال (بيروت‪ :‬دار‬
‫الثقافة‪( 110 :3 )1983 ،‬قال بعُض شعرائهم يبكي قرطبة‪ - )-:‬المترجم]‬
‫]‪  [425‬دبليو‪
.‬مونتغمري واط‪ ،‬تاريخ األندلس (إدنبرة‪ :‬مطبعة جامعة إدنبرة‪.92 ،)1965 ،‬‬
‫]‪  [426‬غارثيا
سانشيز‪" ،‬الزراعة في األندلس"‪.990 ،‬‬
‫]‪  [427‬المصدر
السابق‪.93-992 ،‬‬
‫]‪   [428‬رافائيل
فالنثيا‪" ،‬إشبيلية اإلسالمية"‪ ،‬في تراث األندلس‪ .145 ،‬انظر أيضًا غارثيا
سانشيز‪" ،‬الزراعة في األندلس"‪.997 ،‬‬

‫[كتاب عمدة الطبيب في معرفة النبات


هو المرَج ُح أنه كتاب ‪Anonymous Botanist‬وأبو
الخير اإلشبيلي هو المرَج ُح‬
‫أن مؤلفه حسب محمد العربي الخطابي‪ ،‬الذي حقق الكتاب
وأعاد ترتيَبه سنة ‪ 1990‬وطِبع بإشراف األكاديمية الملكية المغربية‪-‬‬
‫انظر سليمى
محجوب‪ ،‬أبو الخير اإلشبيلي وكتابه "عمدة الطبيب في معرفة النبات"‪ ،‬مجلة
التراث العربي‪ ،‬العدد ‪)2003( 85‬‬
‫‪ -‬المترجم]‬
‫]‪  [429‬واطسون‪
،‬االبتكارات الزراعية‪.83-82 ،‬‬
‫]‪  [430‬المصدر
السابق‪.83 ،‬‬
‫]‪   [431‬ماري
‪ -‬تيريز د’الفيرني‪" ،‬ترجمات ومترجمون"‪ ،‬في النهضة والتجديد في القرن
الثاني عشر‪ ،‬تحرير روبرت إل‪ .‬بنسون‬
‫وجيل كونستابل (كامبريدج‪ ،‬ماساتشوستس‪ :‬مطبعة
جامعة هارفرد‪[ .440 ،)1982 ،‬النص كما ورد في إ‪ .‬ليفي بروفنسال‪،‬‬
‫المحِقق‪ ،‬ثالث
رسائل أندلسية في الُح سبة والمحتسب (القاهرة‪ :‬مطبعة المعهد العلمي الفرنسي لآلثار
الشرقية‪- 57 ،)1955 ،‬‬
‫المترجم]‬
‫]‪   [432‬هيرمان
أوف كارنثيا‪ ،‬في الماهيات‪ ،] [De essentiis‬ترجمة وتحرير شارل برِن ت (ليدن‪ ،‬هولندا‪ :‬إي‪ .‬جيه‪ .‬بريل‪،‬‬
‫‪.70
،)1982‬‬
‫]‪   [433‬نقًال
عن روبرت أوف كيتون في شارل برِن ت‪" ،‬مجموعة مترجمين من العربية إلى الالتينية
يعملون بشمال إسبانيا في‬
‫منتصف القرن الثاني عشر"‪ ،‬مجلة الجمعية اآلسيوية
الملكية‪، [Journal
of the Royal Asiatic Society] 63‬‬
‫العدد ‪ .)1977( 14‬األصل الالتيني في هاسكينز‪ ،‬دراسات‪( 121 ،‬انظر
الفصل الخامس‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)3‬‬
‫]‪  [434‬جيمس
كريتزيك‪ ،‬بطرس الجليل واإلسالم (برنستون‪ :‬مطبعة جامعة برنستون‪.3 ،)1964 ،‬‬
‫]‪  [435‬نقًال
عن بطرس الجليل‪ ،Patrologia Latina, 617c ،‬في جيمس كريتزيك‪"
،‬بطرس الجليل والمجموعة الطليطلية"‪،‬‬
‫في بطرس الجليل ‪ ،1956-1156‬دراسات
ونصوص في الذكرى المئوية الثامنة لوفاته‪ ،‬تحرير جون كونستابل وجيمس‬
‫كريتزيك (روما‪
،‬هردر‪ .180 ،)1956 ،‬وللوقوف على دراسٍة أحدث‪ ،‬انظر توماس إي‪ .‬بورمان‪ ،‬قراءة القرآن
في المسيحية‬
‫الالتينية‪( 1560-1140 ،‬فيالدلفيا‪ :‬مطبعة جامعة فيالدلفيا‪.)2007 ،‬‬
‫]‪  [436‬المصدر
السابق‪.177 ،‬‬
‫]‪  [437‬نقًال
عن بطرس الجليل‪ ،‬رسالة في تفنيد اعتقاد أو إلحاد المسلمين‪[Liber contra sectum sive haeresim‬‬
‫‪ ،]saracenorum‬في جوليِفه‪"
،‬اإلرث العربي الثالث"‪( 113 ،‬انظر الفصل الخامس‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)38‬‬
‫]‪  [438‬نقًال
عن روبرت أوف كيتون‪ ،‬في كريتزيك‪ ،‬بطرس الجليل‪.62 ،‬‬
‫]‪  [439‬بيم‪
،‬عبور الحدود‪.52 ،‬‬
‫]‪  [440‬مجسطي
بطليموس‪ ،‬ترجمة وتحرير جي‪ .‬آي‪ ,‬تومر (نيويورك‪ :‬سبرينغر ‪ -‬فيلرالغ‪.3 ،)1984 ،‬‬
‫]‪   [441‬التقريظ
كما ورد في ديفيد سي‪ .‬ليندبرغ‪" ،‬نقل العلم اليوناني والعربي"‪ ،‬في العلم
في العصور الوسطى‪ ،‬تحرير ليندبرغ‬
‫(شيكاغو‪ :‬مطبعة جامعة شيكاغو‪ ،66 ،)1987 ،‬العدد
‪ُ .61‬أرِفق التقريظ بترجمة جيرار كتاَب الصناعة الصغيرة‪[Tegni‬‬
‫])‪(Ars Parva‬لجالينوس‪
.‬لالطالع على النص الكامل للتقريظ‪ ،‬انظر المرجع في علم القرون الوسطى‪ ،‬تحرير إدوارد‬
‫غرانت (كامبريدج‪ ،‬ماساتشوستس‪ :‬مطبعة جامعة هارفرد‪.35 ،)1974 ،‬‬
‫]‪  [442‬دالفيرني‪"
،‬ترجمات ومترجمون"‪.453 ،‬‬
‫]‪   [443‬نقًال
عن إبراهيم بن داوود‪ ،‬في النفس‪ ،] [De anima‬في جوليِفه‪" ،‬اإلرث العربي"‪َ[ .141 ،‬يعتبر البعض أن‬
‫‪Avendauth‬هو إبراهيُم بن داوود‪ ،‬الفلك والمؤرُخ
والفيلسوُف اليهودُي اإلسباني‪ ،‬وإن لم يثبت ذلك‪ .‬انظر‪ ،‬مثًال‪،‬‬
‫ُي‬
‫‪ - http://www.citizendia.org/Latin_translations_of_the_12th_century‬المترجم]‬
‫]‪  [444‬نقًال
عن دانييل أوف مورلي‪ ،‬فلسفة‪ ،] [Philosophia‬في بيم‪ ،‬عبور الحدود‪.41 ،‬‬
‫]‪   [445‬ثيودور
سيلفرشتاين‪" ،‬دانييل أوف مورلي‪ ،‬عالٌم إنكليزي في منشأ الكون ودارٌس للعلم
العربي"‪ ،‬دراسات َع صرُو سطى‬
‫[ ]‪[Mediaeval Studies‬المجلة السنوية للمعهد
البابوي لدراسات العصور الوسطى (‪ ،)PIMS‬تورنتو] ‪:)1948( 10‬‬
‫‪.179‬‬
‫]‪  [446‬المصدر
السابق‪.89-185 ،‬‬
‫]‪  [447‬برِن ت‪
،‬إدخال العلم العربي‪( 63 ،‬أنظر الفصل الثاني‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)18‬‬
‫]‪  [448‬عن
دانييل أوف مورلي‪ ،‬فلسفة‪ ،]
[Philosophia‬في
بيم‪ ،‬عبور الحدود‪.52 ،‬‬
‫]‪  [449‬نقًال
عن هاغ أوف سانتاال‪ ،‬في برِن ت‪" ،‬مجموعة مترجمين من العربية إلى
الالتينية"‪.90 ،‬‬
‫]‪  [450‬برِن ت‪
،‬إدخال العلم العربي‪.60 ،‬‬
‫]‪  [451‬نقًال
عن أوليفروس بريتو‪ ،‬فسلفة‪ ،] [Philosophia‬في ماكلوسكي‪ ،‬علوم الفلك والثقافات‪.191 ،‬‬
‫]‪   [452‬للوقوف
على بعض المعلومات السطحية عن خلفية مايكل سكوت‪ ،‬انظر هاسكينز‪ ،‬دراسات في تاريخ علوم
العصور‬
‫الوسطى‪ ،73-272 ،‬ولين ثورنديك‪ ،‬مايكل سكوت‪( 12-11 ،‬انظر الفصل الثاني‪
،‬الحاشية رقم ‪.)34‬‬
‫]‪  [453‬نقًال
عن مايكل سكوت‪ ،‬الكتاب المفصل‪ ،] [Liber particularis‬في ثورنديك‪ ،‬مايكل سكوت‪.15 ،‬‬
‫]‪  [454‬ثورنديك‪
،‬مايكل سكوت‪.72 ،‬‬
‫]‪  [455‬جيه‪
.‬وود براون‪ ،‬تحقيق حياة وأسطورة مايكل سكوت (إدنبرة‪ :‬دي‪ .‬دوغالس‪.154 ،)1897 ،‬‬
‫]‪   [456‬ثورنديك‪
،‬مايكل سكوت‪ُ[ .39 ،‬ترِج مت األبيات بتصرف‪ ،‬ال سيما المبادلة بين موضعي شطري البيت
الثاني‪ .‬قد ال َتِج د‬
‫المؤَد ى المنطقي للبيت األول واضحًا تمامًا في الترجمة
العربية لكنه كامٌن فيها‪َ .‬يرعى النجوم‪ :‬يرُقبها‪ ،‬كناية ‪ -‬في هذا الموضع‬
‫‪ -‬عن
قراءة الطالع‪َ .‬لَّم ا األولى بمعنى ِح يَن وَلَّم ا الثانية بمعنى لم الجازمة‪َ
.‬وَج م‪ :‬أمسك عن الكالم لشدة ما ألم به ‪ -‬المترجم]‬
‫]‪  [457‬غرانت‪
،‬أسس العلم الحديث‪.34 ،‬‬
‫]‪  [458‬تشارلز
هومير هاسكينز‪ ،‬صعود الجامعات (إيثاكا‪ ،‬نيويورك‪ :‬كورِن ل بيبرباكس‪ .9 ،)1957 ،‬انظر أيضًا
غرانت‪ ،‬مؤسسات‬
‫العلم الحديث‪.34 ،‬‬
‫]‪  [459‬لو
غوف‪ ،‬مفكرو العصور الوسطى‪.6-5 ،‬‬
‫]‪  [460‬هاسكينز‪
،‬صعود الجامعات‪.83-82 ،‬‬
‫]‪  [461‬ثورنديك‪
،‬مايكل سكوت‪.12 ،‬‬
‫]‪   [462‬إرِن ست
كانتوروفيتش‪ ،‬فردريك الثاني‪ ،1250-1194 :‬ترجمة إي‪ .‬أو‪ .‬لوريمر (لندن‪ :‬كونستابل أند
كو‪.5-4 ،)1931 ،‬‬
‫]‪   [463‬مينوثال‪
،‬زينة الدنيا‪( 192 ،‬انظر الفصل السادس‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)8‬‬
‫]‪    [464‬توماس
كورتيس كليف‪ ،‬اإلمبراطور فردريك الثاني أوف هوهنشتوفن‪ :‬مغَّير العالم (أكسفورد‪
:‬مطبعة كالرندون‪،)1972 ،‬‬
‫‪.225‬‬
‫]‪   [465‬المصدر
السابق‪.25-224 ،‬‬
‫]‪     [466‬تشارلز
هومر هاسكينز‪" ،‬العلم في بالط اإلمبراطور فردريك الثاني"‪ ،‬مجلة التاريخ
األميركي‪[American‬‬
‫‪ ،Historical Review] 27‬العدد ‪.680 ،)1922( 4‬‬
‫]‪   [467‬في
فان كليف‪ ،‬اإلمبراطور فردريك الثاني‪.xxx ،‬‬
‫]‪   [468‬فان
كليف‪ ،‬اإلمبراطور فردريك الثاني‪.217 ،‬‬
‫]‪    [469‬نقًال
عن المقريزي في فان كليف‪ ،‬اإلمبراطور فردريك الثاني‪[ .219 ،‬النص كما ورد في
المقريزي‪ ،‬كتاب السلوك لمعرفة‬
‫دول الملوك‪( ،‬القاهرة‪ :‬مطبعة لجنة التأليف والترجمة
والنشر‪ ،)1956 ،‬الجزء األول ‪ -‬القسم األول‪ ،‬سنة ست وعشرين‬
‫وستمائة‪ - 230 ،‬المترجم]‬
‫]‪   [470‬فان
كليف‪ ،‬اإلمبراطور فردريك الثاني‪.60-158 ،‬‬
‫]‪  [471‬هاسكينز‪
،‬دراسات‪( 251 ،‬انظر الفصل الخامس‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)3‬‬
‫]‪  [472‬ديفيد
أبوالفيا‪ ،‬فردريك الثاني‪ :‬إمبراطور من العصور الوسطى (لندن‪ :‬آالن لين‪.257 ،)1988 ،‬‬
‫]‪  [473‬المصدر
السابق‪.263 ،‬‬
‫]‪  [474‬هاسكينز‪"
،‬العلم في بالط"‪.672 ،‬‬
‫]‪  [475‬ثورنديك‪
،‬مايكل سكوت‪ 1 ،‬و‪( 28‬انظر الفصل الثاني‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)34‬‬
‫]‪  [476‬هاسكينز‪"
،‬العلم في بالط"‪.672 ،‬‬
‫]‪  [477‬نقًال
عن مايكل سكوت‪ ،‬أسرار الطبيعة‪ ،‬في ثورنديك‪ ،‬مايكل سكوت‪.3 ،‬‬
‫]‪  [478‬فرانك
جيه‪ .‬سويتز‪ ،‬الرأسمالية والحساب‪ :‬الرياضيات الجديدة للقرن الخامس عشر (ال سال‪
،‬إيلينوي‪ :‬أوبن كورت‪،)1987 ،‬‬
‫‪.13-12‬‬
‫]‪   [479‬شارل
كينغ‪" ،‬ليوناردو فيبوناتشي"‪ ،‬في ِم ن األصابع الخمسة إلى الالنهاية‪
:‬رحلٌة في تاريخ الرياضيات‪ ،‬تحرير فرانك جيه‪.‬‬
‫سويتز (شيكاغو‪ :‬أوبن كورت‪ .252
،)1994 ،‬انظر أيضًا آر‪ .‬بي‪ .‬ماكلينان‪" ،‬ليوناردو أوف بي از وكتاب المربعات‪[Liber‬‬
‫"]‪ ،quadratorium‬في ِم ن األصابع الخمسة‪
،‬سويتز‪.255 ،‬‬
‫]‪  [480‬كتاب
المعداد لفيبوناتشي‪ :‬ترجمة إلى اإلنكليزية الحديثة لكتاب الحساب لليوناردو‪ ،‬ترجمة
وتحرير إل‪ .‬إي‪ .‬زيغلر (نيويورك‪:‬‬
‫سبرينغر‪.17 ،)2002 ،‬‬
‫]‪  [481‬المصدر
السابق‪.15 ،‬‬
‫]‪  [482‬انظر
كينغ‪" ،‬ليوناردو فيبوناتشي"‪ ،54-252 ،‬وسويتز‪ ،‬الرأسمالية والحساب‪.234 ،‬‬
‫]‪  [483‬كتاب
الحساب لفيبوناتشي‪.291 ،‬‬
‫]‪  [484‬المصدر
السابق‪.05-404 ،‬‬
‫]‪  [485‬هاسكينز‪
،‬دراسات‪.268 ،‬‬
‫]‪   [486‬شارل
هومر هاسكينز‪" ،‬كتاب فردريك الثاني ’فن الصيد بالطيور"‘]‪ ، [De arte venandi cum avibus‬مجلة‬
‫التاريخ اإلنكليزي‪ ، [English Historical Review]
36‬العدد
‪.342 ،)1921( 143‬‬
‫]‪  [487‬شارل
هومر هاسكينز‪" ،‬بعض الرسائل األولى في الصيد بالصقور"‪ ،‬مجلة اآلداب
الرومانسية]‪[Romanic
Review‬‬
‫‪ ،13‬العدد
‪.22-18 ،)1922( 1‬‬
‫]‪  [488‬فان
كليف‪ ،‬فردريك الثاني‪.304 ،‬‬
‫]‪  [489‬كانتوروفيتش‪
،‬فردريك الثاني‪.69 ،‬‬
‫]‪  [490‬هاسكينز‪
،‬دراسات‪.268 ،‬‬
‫]‪  [491‬نقًال
عن مايكل سكوت‪ ،‬الكتاب المفصل‪ ،] [Liber particularis‬في هاسكينز‪ ،‬دراسات‪.266 ،‬‬
‫]‪  [492‬هاسكينز‪"
،‬العلم في بالط"‪.688 ،‬‬
‫]‪  [493‬اعترافات
القديس أوغسطين‪( 241 ،‬انظر الفصل الثاني‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)45‬‬
‫]‪  [494‬ريتشارد
سي‪ .‬ديلز‪ ،‬مناقشات حول ِقَد م العالم في العصور الوسطى (ليدن‪ ،‬هولندا‪ :‬إي‪ .‬جيه‪
.‬بريل‪.18 ،)1990 ،‬‬
‫]‪  [495‬نقًال
عن الكندي‪ ،‬في الفلسفة األولى‪ ،‬في ريتشارد وولتزر‪" ،‬النقل العربي للفكر
اليوناني إلى أوروبا العصور الوسطى"‪ ،‬نشرة‬
‫مكتبة جون رايالندز‪175-76.
[ ،) [Bulletin of the John
Rylands Library] 29 (1945-46‬نص‬
‫االقتباس األول كما ورد في األصل‪ ،‬أنظر محمد عبد الهادي
أبو ريدة‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ ،‬رسائل الكندي الفلسفية‪" ،‬كتاب الكندي‬
‫إلى المعتصم
باهلل في الفلسفة األولى" (مطبعة االعتماد بمصر‪ .103 ،1 )1950 ،‬أما االقتباس
الثاني فلم أجد له مقابًال حرفيًا‬
‫في رسالة الكندي هذه لكن ربما‪ ،‬وهذا ظني‪ ،‬أَّن
وولتزر يشير ‪ -‬بعبارته هو ‪ -‬إلى خالصة مقطٍع من مقاطع رسالة الكندي في‬
‫كمية كتب
أرسطوطاليس وما ُيحتاج إليه في تحصيل الفلسفة‪ ،‬انظر المصدَر نفَس ه ‪
-73-372 ،1‬المترجم]‬
‫]‪  [496‬أرسطو‪
،‬ما بعد الطبيعة‪ ،‬ترجمة توماس تايلور (فرومي‪ ،‬المملكة المتحدة‪ :‬بروميثيوس تراست‪.238 ،)2003
،‬‬
‫]‪  [497‬ديلز‪
،‬مناقشات حول ِقَد م العالم‪.36-35 ،‬‬
‫]‪  [498‬ريتشارد
سي‪ .‬داليز‪" ،‬أصل مبدأ الحقيقة المزدوجة"‪ ،‬مجلة فياتور‪.170 ،) [Viator] 15 (1984‬‬
‫]‪  [499‬داغ
نيكوالس هاس‪ ،‬رسالة ابن سينا في النفس في الغرب الالتيني‪ :‬تكويُن فلسفٍة مَّش ائية
في النفس‪( 1300-1160 ،‬لندن‪:‬‬
‫معهد واربورغ‪.1 ،)2000 ،‬‬
‫]‪  [500‬مارنبون‪
،‬الفلسفة في العصور الوسطى المتأخرة‪( 57 ،‬انظر الفصل السادس‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)36‬‬
‫]‪   [501‬ابن
سينا‪" ،‬السيرة الذاتية"‪ ،‬في ابن سينا والتقليد األرسطي‪ :‬مدخل إلى قراءة
أعمال ابن سينا الفلسفية‪ ،‬ترجمة وتحرير‬
‫ديميتري غوتاس (ليدن‪ ،‬هولندا‪ :‬إي‪ .‬جيه‪
.‬بريل‪[ .28 ،)1988 ،‬النص كما ورد في عباس محمود العقاد‪ ،‬الشيخ الرئيس ابن‬
‫سينا‪(
،‬مصر‪ :‬دار المعارف)‪ .14 ،‬وثمة نٌص قريٌب إلى هذا النص في ترجمة الشيخ الرئيس في
طبقات األطباء البن أصيبعة‬
‫‪ -‬المترجم]‬
‫]‪  [502‬ابن
سينا‪" ،‬السيرة الذاتية"‪ ،‬ابن سينا‪.252 ،‬‬
‫]‪  [503‬أوليفر
ليمان‪ ،‬مدخل إلى الفلسفة اإلسالمية في العصور الوسطى (كامبريدج‪ :‬مطبعة جامعة
كامبريدج‪.34 ،)1985 ،‬‬
‫]‪  [504‬هاس‪
،‬رسالة ابن سينا في النفس‪.29 ،‬‬
‫]‪   [505‬إيه‪
.‬سي‪ .‬كرومبي‪ ،‬العلم الطبيعي‪ ،‬والبصريات‪ ،‬والموسيقى في فكر العصور الوسطى والعصور
الحديثة المبكرة (لندن‪:‬‬
‫مطبعة هامبلدون‪.03-100 ،)1990 ،‬‬
‫]‪  [506‬المصدر
السابق‪.93-92 ،‬‬
‫]‪  [507‬مارنبون‪
،‬الفلسفة في العصور الوسطى المتأخرة‪.62-60 ،‬‬
‫]‪  [508‬أوليفر
ليمان‪ ،‬مقدمة وجيزة في الفلسفة اإلسالمية (كامبريدج‪ :‬مطبعة بوليتي‪.4 ،)1999 ،‬‬
‫]‪  [509‬ديلز‪
،‬مناقشات حول ِقَد م العالم‪.43 ،‬‬
‫]‪   [510‬ابن
رشد‪ :‬فصل المقال في تقرير ما بين الحكمة والشريعة من االتصال‪ ،‬ترجمة وتحرير جورج
إف‪ .‬حوراني (لندن‪ :‬لوزاك‪،‬‬
‫‪[ 12 ،)1967‬النص كما ورد في عبد الواحد المراكشي‪
،‬الُم عِج ب في تلخيص أخبار الَم غرب (ليدن‪ :‬إس‪ .‬أند جيه‪ .‬لوتشمانز‪،‬‬
‫‪
- 174 ،)1847‬المترجم]‬
‫]‪  [511‬المصدر
السابق‪[ .7 ،‬حديث شريف رواه مالك عن نافع عن ابِن عمر‪ ،‬المعجم األوسط للطبراني ‪
-‬المترجم]‬
‫]‪  [512‬المصدر
السابق‪.9 ،‬‬
‫]‪   [513‬ليمان‪
،‬مقدمة وجيزة في الفلسفة اإلسالمية‪ .21 ،‬انظر أيضًا‪ ،‬ماجد فخري‪ ،‬ابن رشد‪ :‬حياته
وأعماله وتأثيره (أكسفورد‪:‬‬
‫ونوورلد‪.xii-xiv ،)2001 ،‬‬
‫]‪  [514‬ابن
رشد‪ :‬فصل المقال‪[ .13 ،‬النص كما ورد في عبد الواحد المراكشي‪ ،‬الُم عِج ب في تلخيص
أخبار الَم غرب‪- 75-174 ،‬‬
‫المترجم]‬
‫]‪  [515‬المصدر
السابق‪[ .‬عبد الواحد المراكشي‪ ،‬الُم عِج ب‪ - 175 ،‬المترجم]‬
‫]‪   [516‬هاري
إيه‪ .‬وولفسون‪" ،‬الخطة المعدلة لنشر شروح ابن رشد ألرسطو"‪ ،‬سبيكولوم‪
:‬مجلة دراسات العصور الوسطى‬
‫‪[Speculum: Journal of Medieval Studies] 38(1963): 90‬وما
بعد‪.‬‬
‫]‪  [517‬ليمان‪
،‬مقدمة وجيزة في الفلسفة اإلسالمية‪.55-154 ،‬‬
‫]‪  [518‬فخري‪
،‬ابن رشد‪.xvi ،‬‬
‫]‪  [519‬ابن
رشد‪ ،‬فصل المقال‪.23 ،‬‬
‫]‪[  [520‬يشير
المؤلف ههنا إلى االسم العربي الكامل للرسالة ويحيل القارئ إلى ترجمتها اإلنكليزية
لجورج إف‪ .‬حوراني ‪ -‬المترجم]‬
‫]‪  [521‬ابن
رشد‪ ،‬فصل المقال‪[ .44 ،‬النص العربي كما ورد في األصل نقًال عن ابن رشد في محمد
عابد الجابري‪ ،‬تقديم وتحليل‪،‬‬
‫فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من
االتصال‪ ،‬سلسلة التراث الفلسفي العربي‪ ،‬مؤلفات ابن رشد‪( )1( :‬بيروت‪:‬‬
‫الترجمة في‬ ‫مركز دراسات
الوحدة العربية‪ .85 ،)1997 ،‬لمقابلة األصل مع ترجمة حوراني‪ ،‬انظر نَص‬
‫‪ - http://www.muslimphilosophy.com/ir/fasl.htm#ch2‬المترجم]‬
‫]‪  [522‬المصدر
السابق‪[ .22 ،‬المصدر السابق‪ - 96 ،‬المترجم]‬
‫]‪  [523‬مارنبون‪
،‬الفلسفة في العصور الوسطى المتأخرة‪.52 ،‬‬
‫]‪  [524‬فان
ستينبرغن‪ ،‬أرسطو في الغرب‪( 82 ،‬انظر الفصل السادس‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)35‬‬
‫]‪   [525‬نقًال
عن فردريك الثاني في فان كليف‪ ،‬اإلمبراطور فردريك الثاني‪ .303 ،‬وقد نسب بعض
الباحثين هذه الرسالة إلى ابن‬
‫فردريك‪ ،‬مانفرد‪ .‬للوقوف على الرأي الذي يقطع تقريبًا
بأن هذه رسالة فردريك‪ ،‬انظر فان كليف‪ ،303 ،‬رقم ‪.2‬‬
‫]‪    [526‬إدوارد
غرانت‪" ،‬العلم والالهوت في العصور الوسطى"‪ ،‬في هللا والطبيعة‪ :‬مقاالت
تاريخية حول المواجهة ببن المسيحية‬
‫والعلم‪ ،‬تحرير ديفيد سي‪ .‬ليندبرغ ورونالد إل‪
.‬نمبرز (بركلي‪ :‬مطبعة جامعة كاليفورنيا‪.53-49 ،)1986 ،‬‬
‫]‪   [527‬فان
ستينبرغن‪ ،‬أرسطو في الغرب‪( 80-79 ،‬انظر الفصل السادس‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)35‬‬
‫]‪    [528‬سجالت
جامعة باريس‪ ،] [Chartularium
universitatis Paresiensis‬في ثورنديك‪ ،‬السجالت الجامعية‪،‬‬
‫‪( 34‬انظر الفصل السادس‪ ،‬الحاشية
رقم ‪.)32‬‬
‫]‪   [529‬فرنش
وكانينغهام‪ ،‬قبل العلم‪ ،63 ،‬انظر الفصل الخامس‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)44‬‬
‫]‪     [530‬غرانت‪
،‬أسس العلم الحديث‪( 54 ،‬انظر الفصل السابع‪ ،‬الحاشية رقم ‪ .)1‬انظر أيضًا مارنبون‪
،‬الفلسفة في العصور‬
‫الوسطى المتأخرة‪( 64 ،‬الفصل السادس‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)36‬‬
‫]‪     [531‬فردريك
هير‪ ،‬عاَلم العصور الوسطى‪ :‬أوروبا‪ ،1350-1100 ،‬ترجمة جانيت سوندهايمر (نيويورك‪
:‬وورد بابليشينغ‬
‫كمباني‪.200 ،)1961 ،‬‬
‫]‪   [532‬غرانت‪
،‬أسس العلم الحديث‪.37 ،‬‬
‫]‪     [533‬جون
دي فيدانزا‪ ،‬حول الهبات السبع للروح القُد س‪[Collationes de septem donis Spiritus‬‬
‫‪ ،]Sancti‬في طوني دوّد ‪ ،‬حياة
وفكر سيِج ر أوف برابان‪ ،‬الفيلسوف الباريسي من القرن الثاني عشر (لويستون‪ ،‬نيويورك‪:‬‬
‫إدوين ميلين برس‪.71 ،)1998 ،‬‬
‫]‪    [534‬نقًال
عن وليام أوف باغليوني‪ ،‬حول ِقَد م العاَلم‪ ،] [De Aeternitate Mundi‬في ديلز‪ ،‬مناقشات حول ِقَد م العالم‪،‬‬
‫‪( 112‬انظر الفصل الثامن‪
،‬الحاشية رقم ‪.)33‬‬
‫]‪   [535‬حول
معِّلم توما‪ ،‬انظر جان ‪ -‬بيير تاريّل ‪ ،‬القديس توما اإلكويني‪ :‬الشخص وعمله‪ ،‬ترجمة
روبر رويال (واشنطن‪،‬‬
‫دي‪.‬سي‪ :.‬الجامعة الكاثوليكية األميركية‪ .7 ،)1996 ،‬وحول
ترجمات مايكل‪ ،‬انظر ثورنديك‪ ،‬مايكل سكوت‪( 28 ،‬انظر‬
‫الفصل الثاني‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)34‬‬
‫]‪   [536‬مارثيا
إل‪ .‬كوليش‪" ،‬نظرية ابن سينا في العلة الفاعلية ]‪ [Efficient Causation‬وأثرها
في توما اإلكويني"‪ ،‬في‬
‫دراسات في فلسفة العصور الوسطى المسيحية السكوالستية
(برلينغتون‪ ،‬فيرمونت‪ :‬آشغيت‪.3-2 ،)2006 ،‬‬
‫]‪   [537‬باري
إس‪ .‬كوجان‪" ،‬مسألة الخلق في الفلسفة اليهودية في العصور الوسطى"‪ ،‬في
صراط مستقيم‪( 161 ،‬انظر الفصل‬
‫الثامن‪ ،‬الحاشية رقم ‪ .)58‬انظر كذلك ديلز‪ ،‬مناقشات
حول ِقَد م العالم‪( 47-45 ،‬انظر الفصل الثامن‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)33‬‬
‫]‪  [538‬ابن
رشد‪ ،‬تهافت التهافت‪( 65 ،‬انظر الفصل الثامن الحاشية رقم ‪.)59‬‬
‫]‪  [539‬توما
اإلكويني‪ ،‬حول ِقَد م العاَلم‪ ،] [De aeternitate mundi‬في القديس توما اإلكويني وسيجر أوف برابان والقديس‬
‫بونافنتوري‪
،‬حول ِقَد م العاَلم‪ ،‬ترجمة وتحرير سيريل فولير ولوتي إتش‪ .‬كنزيرسكي وبول إم‪ .‬بايرن
(ميلواكي‪ ،‬وسكنسن‪ :‬مطبعة‬
‫جامعة ماركيت‪.21 ،)1964 ،‬‬
‫]‪  [540‬المصدر
السابق‪.22 ،‬‬
‫فولير
وكنزيرسكي وبايرن‪ ،‬حول ِقَد م العاَلم‪.14 ،‬‬ ‫]‪ [541‬‬
‫توما
اإلكويني‪ ،‬حول ِقَد م العاَلم‪ ،] [De aeternitate mundi‬في حول ِقَد م العاَلم‪.25 ،‬‬ ‫]‪ [542‬‬
‫]‪   [543‬فرناند
فان ستينبرغن‪ ،‬توما اإلكويني واألرسطية الراديكالية (واشنطن‪ ،‬دي‪.‬سي‪ :.‬مطبعة
الجامعة الكاثوليكية األميركية‪،‬‬
‫‪.22 ،)1978‬‬
‫]‪   [544‬توما
اإلكويني‪ ،‬حول ِقَد م العاَلم‪ ،] [De aeternitate mundi‬في كتاب قراءة اإلكويني‪ ،‬ترجمة وتحرير ماري تي‪.‬‬
‫كالرك (نيويورك‪
:‬مطبعة جامعة فوردهام‪.181 ،)1972 ،‬‬
‫]‪   [545‬نقًال
عن توما اإلكويني‪ ،‬الردود على البنود الـ ‪ ،] [Responsio de 43 articulis43‬في تاريّل ‪ ،‬القديس توما‬
‫اإلكويني‪.169 ،‬‬
‫]‪  [546‬المصدر
السابق‪.‬‬
‫نقًال
عن توما اإلكويني‪ ،‬خالصة الالهوت ]‪ [Summa theologiae‬في حول ِقَد م العاَلم‪.66
،‬‬ ‫]‪ [547‬‬
‫دوّد ‪
،‬حياة وفكر سيجرأوف برابان‪.76-73 ،‬‬ ‫]‪ [548‬‬
‫]‪"   [549‬تحريم
المسائل التي عددها ‪ ،
[Condemnations of 219 Propositions]"219‬في المرجع في الفلسفة‬
‫السياسية في العصور الوسطى‪ ،‬تحرير رالف
ليرنر ومحسن مهدي (نيويورك‪ :‬فري برس أوف غلنكو‪.337 ،)1963 ،‬‬
‫]‪  [550‬المصدر
السابق‪.338 ،‬‬
‫]‪   [551‬ماري
إم‪ .‬ماكلوغلين‪" ،‬أساتذة جامعة باريس في القرنين الثالث عشر والرابع عشر
وأفكار حرية الفكر"‪ ،‬مجلة تاريخ الكنيسة‬
‫‪ ،[Church History] 24‬العدد ‪.196 :)1955( 3‬‬
‫]‪  [552‬دوّد ‪
،‬حياة وفكر سيجر أوف برابان‪.361 ،‬‬
‫]‪  [553‬توماس
إس‪ .‬كوهن‪ ،‬الثورة الكوبرنيكية‪( 3-2 ،‬انظر الفصل السادس‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)26‬‬
‫]‪  [554‬صليبا‪
،‬العلم اإلسالمي‪( 84-78 ،‬انظر تمهيد‪ ،‬الحاشية رقم ‪.)12‬‬
‫]‪  [555‬المصدر
السابق‪.88 ،‬‬
‫]‪  [556‬إيه‪
.‬آي‪ .‬صبرا‪" ،‬التمرد األندلسي على فلك بطليموس‪ :‬ابن رشد والبتروجي"‪ ،‬في
الثابت والمتحول في العلوم‪ ،‬تحرير إيفيريت‬
‫ِم ندلسون (لندن‪ :‬مطبعة جامعة كامبرديجن
‪.34-133 ،)1984‬‬
‫]‪  [557‬المصدر
السابق‪.37-135 ،‬‬
‫]‪  [558‬صليبا‪
،‬العلم اإلسالمي‪.95 ،‬‬
‫]‪  [559‬نقًال
عن ابن رشد‪ ،‬تفسير ما بعد الطبيعة‪ ،‬في صليبا‪ ،‬العلم اإلسالمي‪[ .179 ،‬النص كما ورد
في األصل‪،‬ابن رشد‪ ،‬تفسير‬
‫ما بعد الطبيعة‪ ،‬تحرير موريس بويج (بيروت‪ :‬دار المشرق‪ - 64-1663 :3 )1990
،‬المترجم]‬
‫]‪  [560‬صليبا‪
،‬العلم اإلسالمي‪.236 ،‬‬
‫]‪  [561‬المصدر
السابق‪.183 ،‬‬
‫]‪  [562‬إي‪
.‬إس‪ .‬كينيدي وفيكتور روبرتس‪" ،‬نظرية الكواكب البن الشاطر"‪ ،‬إيزيس‪ ، [Isis] 50‬العدد ‪.35-227 :)1959( 3‬‬
‫]‪   [563‬انظر
ويل هارتنر‪" ،‬كوبرنيكوس‪ ،‬الرجل‪ ،‬والعمل‪ ،‬وتاريخه"‪ ،‬ك ارريس الجمعية
الفلسفية األميركية ‪ ،117‬العدد ‪:)1973( 3‬‬
‫‪.22-413‬‬
‫]‪  [564‬صليبا‪
،‬العلم اإلسالمي‪.164 ،‬‬
‫]‪   [565‬أشار
أرثر كوستلر مرًة إلى عمل كوبرنيكوس بأنه "الكتاب الذي لم يقرأه أحد"‪
.‬للوقوف على رد مرح لكنه جدٌي جدًا على‬
‫ذلك‪ ،‬انظر أوين غينغريتش‪ ،‬الكتاب الذي لم
يقرأه أحد‪ :‬تتبع دورات نيكوالس كوبرنيكوس (نيويورك‪ :‬ووكر أند كو‪.)2004 ،‬‬
‫]‪   [566‬نقًال
عن آديالرد أوف باث‪ ،‬مسائل في علم الطبيعة‪ ،‬في جيبسون‪" ،‬آديالرد أوف
باث"‪( 16 ،‬انظر الفصل الخامس‪،‬‬
‫الحاشية رقم ‪.)56‬‬

You might also like