Professional Documents
Culture Documents
آليات اشتغال الخبر في الرحمة العمية إلى منطقة توات لمحمد باي بمعالم
The mechanisms of operating the news on the attic trip to the Touat region
by Muhammad Bey Belalem
1
محمد سرير
جامعة يحيى فارس المدية
Serirmohamed_2017@yahoo.com
.1مقدمة:
عرف السرد الرحلي العديد من الكتابات ادلمتدة ُب الزمن ،فقد كان ىناك ابن فضالن ُب القرن الرابع اذلجري ،وادلسعودي
ُب كتابو أخبار الزمان ،وابن بطوطة وابن جبَت األندلسي ،كما صلد ادلقري التلمساين وابن خلدون ،فقد كتبوا عن أخبار تنوعت
رلاالهتا بُت الثقاُب والديٍت واالجتماعي والتارؼلي ،وكان كل ذلك ربت سلطة السرد الذي حوى الذات ُب نظرهتا لآلخر من
جوانب سلتلفة.
إضافة إىل ذلك صلد تواصل السرد الرحلي ُب الكتابات احلديثة على ادلستوى العريب مثل أمُت الرػلاين الرحالة اللبناين ،ورفاعة
رافع الطهطاوي ،وعلى ادلستوى اجلزائري صلد رحلة ابن ضبادوش اجلزائري ،والشيخ احلسُت بن زلمد الورثالين ،كما صلد الرحلة العلية
لصاحبها الشيخ زلمد باي بلعامل ،وىي رحلة معاصرة حاولنا من خالذلا طرح اشكالية اشتغال آلية اخلرب ُب النص السردي ،وكيف
سبت تشكيالتو ضمن ادلنت الرحلي؟.
فقد قام الرحالة بكتابة ىذه الرحلة اليت تعترب كشكول منوع أو نص ثقاُب يعرفنا على العادات والتقاليد ادلعروفة ُب ادلنطقة،
كما تعترب بطاقة تعريفية للمنطقة دبا ربمل من مدارس قرآنية وزوايا تعليمية ،ضف إىل ذلك طريقة ربفيظ القرآن الكرمي ،وذكر
تقارير عن مراحل تارؼلية عرفتها ادلنطقة إبان فًتة االحتالل الفرنسي ،كما أربف الرحالة كتابو ىذا دبناظرات فكرية ودينية حوت
العديد من ادلسائل الفقهية.
وصاحب الرحلة ىو الشيخ أبو عبد اهلل زلمد عبد القادر بن زلمد بن ادلختار بن أضبد القبلوي اجلزائري الشهَت بالشيخ
باي ،ولد سنة ُ 0391ب قرية ساىل والية أدرار ،نشأ وسط عائلة عرفت بالعلم والتدين ،فاكتسب بذلك ثورة علمية أىلتو لبلوغ
مراتب سامية ُب العلم ،بسبب ما كتبو من علوم شىت تفرقت بُت الفقو والتفسَت واحلديث ،إضافة إىل ذلك علمو بالتاريخ وبعلم
اإلنسان الذي سبرس ُب دراستو كثَتا ،كما تعد مناظراتو وحلقاتو العلمية مادة أولية لكتابو الرحلة العلية ،توُب سنة .9113
إن الدراسة التحليلة للخطاب السردي تطلبت منا توظيف ادلنهج الوصفي التحليلي ،مع االستعانة بآليات ادلنج االجتماعي
وادلنهج التأويلي ُب فهم دالالت النص ادلخبوءة ربت داللة األلفاظ ضمن سياقاهتا ادلختلفة ،ىادفُت بذلك إىل معرفة سبظهرات
اخلرب عرب اخلطاب السردي الرحلي ،ومعرفة طبيعة الكتابة الرحلية ُب النص السردي ادلعاصر.
.2اإلطار الزماني والمكاني لمرحمة
قد عمل الرحالة على كتابة ىذه الرحلة ُب مرحلة متأخرة عن الزمن الفعلي للرحلة ،خاصة رحلتو إىل ادلغرب األقصى
سنة 0339وكان من أىدافها زيارة قرب شيخو الويل "موالي أضبد الطاىري" ،واغتنم الفرصة ُب ذلك دلالقاة ثلة من األدباء
والفقهاء ،واألىل واألصحاب ،طبعا صلد الشخص ية العلمية للرحالة تفرض نفسها طيلة ادلسار الرحلي ،فهو ذو ثقافة دينية
متشبع حبب الدين والشريعة ،لذلك نراه يعمل على تأثيث نصو الرحلي دبا يوافق مذىبو العلمي ،كما عمل الرحالة على ادلزج
بُت أزمنة متعددة ُب الرحلة ،فقد رجع ُب بعض ادلناسبات إىل بداية تكوين منطقة توات ،كما أرخ للعديد من القبائل كمنطقة
تيميمون ،تيدكلت ،كما عمل على التدرج ُب السلم الزمٍت متتبعا تطور وتغَت العادات والتقاليد ،حىت وصل إىل الزمن ادلعاصر،
الذي يذكر فيو ثلة من ادلسؤولُت الذين كان ذلم الفضل ُب كثَت من األعمال الصاحلة ،ويذكر على رأسهم الرئيس عبد العزيز
054
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
مجلذ 62 :عذد( 7 :رت ) 26السنة6266 :
بوتفليقة ،كما حظي زمن االستعمار الفرنسي دبساحة البأس هبا ،فقد ذكر العديد من األحداث وادلعارك اليت مسع هبا ومنها
من عاشها ،فقد كانت كتابتو دبثابة التسجيل التارؼلي ألحداث قد يغفلها ادلؤرخ البعيد عن احلدث.
كما حوت الرحلة ُب إطارىا ادلكاين منطقة توات دبقاطعاهتا الثالث :تيدكلت ،توات ،قرارة تيميمون ،زلاوال ذكر جل
القبائل اليت استوطنت ادلنطقة ،مركزا على مناخها وأىم النباتات اليت تغطي سطحها اجلغراُب ،ضف إىل ذلك الوديان اليت
تتمركز هبا ،كما اتسع الفضاء الرحلي ليشمل منطقة ادلغرب األقصى اليت كانت فرصة لو لزيارة وزلاورة شيوخ الدين وزيارة بعض
الزوايا ،كزاوية أوالد السباعي دبراكش ،وزاوية زلمد احلبيب الدرقاوية دبكناس ،وجامع القرويُت بفاس ،ومقام الشيخ عبد السالم
بن مشيش ُب قمم جبال مشال ادلغرب ،كما زين الرحالة مدونتو الرحلية بذكر ألىم الزوايا ادلوجودة ُب ادلدن اجلزائرية ،لتكون
الرحلة بذلك قاموسا ثريا دلنطقة توات وقاموسا معرفيا للباحثُت والطالب.
.3الخبر االجتماعي
جاء اخلرب االجتماعي خاضعا للتنوع ادلعرُب ،حيث صلد الرحالة يورد أخبارا مستوحاة من قبل اجملتمع وذلك باعتباره فاعال
اجتماعيا ،يتأثر دبا ىو زليط بو ،كما ػلاول التقرب من ادلتلقي الذي يدرك أنو جامع دلعلومات عامة ،لكن ىدف إفادة اخلرب تبقى
قائمة وىي من الدوافع األساسية للكتابة الرحلية ،حىت ولوعمل الرحالة على نقل اخلرب من مصدر معُت ٍب يعيد صياغتو بنفس
السند فهو بذلك ناقل للمعرفة وىذا من قواعد نقل العلم الذي يعتمد على الرواية والتدوين" ،ولوال تقييد العلماء خواطرىم على
الدىر ،ونقرىم آثار األوائل ُب الصخر ،لبطل أول العلم وضاع آخره ،ولذلك قيل" :اليزال الناس خبَت ما بقي األول يتعلم منو
اآلخر" ،1وأول ما يثَته الرحالة ىو أصل ونسبة ادلنطقة اليت ينتمي إليها ،يقول" :مسيت توات خالل سنة 805ه اشتق امسها من
األتوات ،وىي ادلغارم وقيل من الفواكو واخلضر اليت دفعت مقابل األتوات للملوك ادلوحدين ،وقيل اشتق امسها من أحد البطون
ادلنحدرة من سكان الصحراء ادللثمُت ،وىذا رأي الرصاع ،وقيل مشتقة من مرض الرجلُت يسمى (توات) وىذا من خالل قصة
تنسب إىل السلطان كنكان موسى أثناء سفره للحج ،وُب منطقة توات زبلف عنو كثَت من أصحابو لوجع أصاهبم يسمى تواتا،
فسكنوا فيها فسمي ادلوضع باسم ادلرض ،وقيل مسيت بذلك ألهنا تواٌب للعبادة واالستقرار" ،2نلمس األسلوب اخلربي الّذي يتّبعو
الرحالة ُب الكتابة ،ألجل تن بيو القارئ وبلوغ درجة التأثَت ،حىت يضمن صلاحا خلطابو ،معتمدا على الذاكرة وتعدد أوجو اخلرب ،وعلى
ادلقارنة ىادفا بذلك إىل إقناع القارئ ،بأن يوصل إليو ثقافة حقيقية ،ذبد مكانا ذلا ضمن مكتسباتو ومرجعيتو ثقافية ،فيخلق فيو
شيئا من التفكَت والتدبر ،دون أن ؼلرجو من عامل ادلتعة والتسلية.
العدو "وأما القصبات ُب سائر الدوائر وىي كانت
ومن عادات اجملتمع التواٌب إنشاء ما يسمى بالقصبات كحصن يقيهم شر ّ
احلصون ُب ادلاضي ،وما من قصبة إال ػليط هبا خندق وعند الباب توجد قنطرة ولكن الكثَت من القالع أي القصايب خربت وبقيت
آثارىا وبقي االسم على القرية مثل قصبة بالل مثال ،وقصبة ميخاف ُب أولف الوسط ،وقصبة السيّد ،وقصبة اجلنات ُب سبقطن"،3
- 1اجلاحظ ،الرسائل ،ربقيق عبد السالم زلمد ىارون ،مكتبة اخلاصلي ،القاىرة،ج ،9ص .959
- 2بلعامل زلمد باي ،الرحلة العلية إىل منطقة توات لذكر بعض األعالم واآلثار وادلخطوطات والعادات وما يربط توات من اجلهات ، ،ادلعرفة الدولية للنشر
والتوزيع ،اجلزائر،9108 ،ج 10ص.83
- 3ادلصدر نفسو ،ص .85
054
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
مجلذ 62 :عذد( 7 :رت ) 26السنة6266 :
يشَت الرحالة إىل عادة اجتماعية مارسها اجملتمع التواٌب كوسيل للحماية ،إال أن ىذه القالع اندثرت ،ػلاول الرحالة بدأ اخلرب من
أولو ٍب ػليل على هنايتو ،عامال على سلاطبة ذىن القارئ وتوقع األسئلة ادلمكنة وربضَت اإلجابة ادلالئمة لذلك.
ومن أقوال الرحالة وصفو لعشبة الشاىي ومنافعها الصحية وىي للعارف باهلل سيدي زلمد البكري بن عبد الرضبن التنالين
التواٌب :
ملوكو بسبب فاصلربا ظهر بالصُت لبعض وزرا
فربءوا منو بغب خوُب واستعملوه لوىيج اجلوَب
من بعد األلف نعمة على البشر وذاك يا ذا اللب ُب احلادي عشر
والتخم والعفينة ُب األبدان وينفع الشاىي من األحزان
والنوم والتخدير واجلموده وثقل األعضاء والربوده
ووجع الركب ُب ادلروي وضرر العقرب واجلدري
وضرر الدم وضر العظم ووجع الصدر وشر البلغم
1
وضرر ادلداغ دون مُت كذا الزكام وسقام العُت
وتطول القصيدة ُب ذكر منافع عشبة الشاىي واليت يصل عدد أبياهتا إىل 50بيتا ،يشَت الرحالة إىل ادلكان اليت ظهرت فيو،
سلربا عن فوائدىا اجلمة اليت يراىا تفيد القارئ ،إنو يعمل على انتاج معرفة تفيد اجملتمع ،فهي خالصة ذبربة فردية يعمل على تقدؽلها
ُب قالب شعري ،وىو فن وافق ىوى ُب النفس وصلد ُب ذكره زلاكاة للًتاث العريب الذي جعل ُب الشعر أخبار أيامو وفضائل
حكمو.
ىناك عادة اجتماعية أخرى هتدف إىل تعليم الطفل القرآن الكرمي ،وقد زبتلف الطريقة من منطقة ألخرى على حسب
الظروف ادلتوفرة وُب ىذه ادلنطقة يكون "التحاق الصيب بادلدرسة القرآنية لتعليم كتاب اهلل تعاىل ؼلتلف باختالف الصيب ،فتارة يكون
ذلك ُب سن مبكرة وتارة على العكس على حسب إفصاح الصيب ،وُب الغالب يوجو إىل ادلدرسة القرآنية ُب السنة الرابعة ،وادلدرسة
القرآنية وهلل احلمد موجودة ُب كل قرية من قرى ىذا القطر ادلومن باهلل تعاىل ،ادلتشبع دبحبة اهلل تعاىل وزلبة رسولو وزلبة القرآن
وضبلتو والعلم وأىلو".2
ويعرب عن ىذه ادلناسبة السعيدة بوليمة ػلضرىا أقارب الصيب ورجال احلي ،وتكون عادة اإلطعام عادة سبتد ُب تارؼلها إىل
عادة الكرم واجلود الل ذين عرفا ُب اإلنسان ُب عدة مناطق سلتلفة "وهبذه ادلناسبة مناسبة التحاق الطفل بالكتاب القرآين يقام حفل
عظيم وتصنع مائدة تشتمل على التمر واللنب واخلريرة واخلبز الرقيق احمللى ادلأدوم بالسمن اللذيذ يدعى لتلك ادلائدة رجال احلي وُب
مقدمتهم تال ميذ ادلدرسة القرآنية ،فيتناولون الطعام وبثثر ذلك يقدم لوح الصيب للمعلم فيكتب فيو بعد البسملة اآليات االخَتة من
.5الخبر الثقافي:
يؤكد الرحالة على ثقافة ادلنطقة اآلىلة بعلمائها وفقهائها ،ويعد اجملتمع ىو احلاضن األول للثقافة ،لتكون احلياة االجتماعية
بذلك احلقل الذي يتحرك فيو العامل حيث يبدا جبمع البيانات وتصنيفها ٍب يعمد إىل دراستها ليحقق بذلك نظريات وقوانُت
تستخدم كمرجعيات ُب البحث العلمي ،فالسارد الرحلي يعمد إىل ذكر ثقافة ادلنطقة وما شاهبا من أحداث ومشاىد ،يقول" :فثن
تواتا حبكم موقعها اجلغراُب وماضيها التارؼلي واحلضاري ومقاطعاهتا الثالث :تديكلت-توات -قرارة كانت وال تزال تلعب دورا بالغ
األعلية ُب نشر اإلسالم والثقافة العربية ال ُب الصحراء فحسب ،بل ُب الكثَت من بقاع العامل ،وقد كانت آىلة بالعلماء واألدباء"،1
ىي رسالة موجهة للغَت تنم عن شساعة الثقافة التواتية اليت سبتد ُب التاريخ ،وقد عمل الرحالة على تأطَت ىذه الثقافة وفق قواعد
ومفاىيم ُب سلتلف ادليادين ،وذلك ليعكس احلالة العلمية للمنطقة.
فقد عمل على توجيو اخلرب الثقاُب ضلو العلماء وادلعلمُت ،بصفتهم القاعدة األوىل للفكر التواٌب ،كما اىتم بذكر أوصافهم
اخللقية ادلتمثلة ُب التواضع وحب العلم وتعليمو" ،لقد كان أولئك األسالف اجملاىدون ال يعرفون الدرىم وال الدينار ،مقابل التعليم
فضال عن الوظيفة ،وبفضلهم حفظ اهلل لنا ىذا الدين اإلسالمي واللغة العربيةُ ،ب وقت كان األعداء من مبشرين ومستعمرين
ػلاولوا أن يسلخونا من ديننا وثقافتنا ،فأىب اهلل إال أن يتم نوره ولوكره الكافرون" ،2يبُت الرحالة وجها من أوجو الثقافة التواتية اليت
رباول أخذ تعليماهتا األساسية من العقيدة اإلسالمية ،وذلك دبحاكاة الرعيل األول من السلف الصاحل الذين وىبوا حياهتم للعلم
وللدين ،كما يرمز إىل قمة التحدي ،فكما صلد من غلتهد ويعمل ألجل الدين صلد ُب ادلقابل من يعمل للتفرقة والتشتيت ،ىي ثنائية
ضدية وسنة كونية ،حيت ؽليز اهلل احلق من الباطل.
يواظب طالب العلم علي حفظ القرآن وإضافة إىل ذلك يفرض عليو حفظ متون العقائد "أما بالنسبة لتعليم ادلبادئ الدينية
ُب ادلدرسة القرآنية ،فثن ادلعلم يكتب للصيب ربت لوحو كل يوم قسطا من متوهنا ويفصل خبط بُت القرآن وغَته فيبتدئ لو من
العقائدٍ ،ب شروط الصالة ،وما يتعلق هبا ومن ادلتون الفقهية الصغرى كادلرشد ادلعُت ،والعبقري والقرطبية وغَتىا ،لتًتيب نفسو على
زلبة الدين والتفقو فيو ولينطبع فقو العبادة ُب قلبو" ،3ؽلكننا القول أن الرحالة ىنا وظف آلية العُت لينقل لنا ىذا ادلشهد الثقاُب،
زلددا لنا تراتبية دراسية ؼلضع ذلا طالب العلم ،ليكون بذلك اخلرب الثقاُب الذي يعد نواة فعل السفر ،ونستطيع القول أن السفر ىو
رلموع ادلالحظات اليت يلتقطها الرحالة من خالل تنقالتو ُب ادلكان والزمان ،زلاوال ُب ذلك ربريك ذاكرتو ،ومزجها مع ما ىو آين،
ليخرج دبقارنة بُت ذاتو واآلخر ،قابال دلا وافقو ،ورافضا بشكل فٍت ما خالفو.
ويقول" :ومن العادة عندنا ُب ادلناطق التواتية إىداء التمر للمدارس القرآنية من طرف ادلوسرين لتوزع على الطلبة بعد صالة
العصر ،وذلك ُب شهر ماي عندما تن فذ الثمار ويتعرض الفقراء للمجاعة ،وإذا حل الوباء بالبلد فثن ادلعلم يأمر الطلبة أن غلمعوا
الصدقة من الديار تشفيا هبا وتطبيقا للحديث الشريف "الصدقة تدفع البالء والدعاء يرفع الوباء" ،فيجمعون ما بُت الشفاءين
.6الخبر السياسي:
قد تضمن اخلطاب السردي الرحلى صبلة من األخبار السياسية ،فالرحالة يتنقل ُب وسط تكتنفو رلموعة من األحكام
والقوانُت ،وىو خاضع ذلا وصلد مثيل ىذا ما ُب رحلة ابن جبَت حُت كان ُب القارىرة وذكر ما حدث لو مع صبارك ادليناء وما حلق بو
مر هبا ،فالعامل
من ظلم ،كما صلد ذلك عند ابن فضالن حُت ارربل لبالد الًتك والصقالبة وما حدث لو مع امراء ادلناطق اليت ّ
السياسي بؤثر بصفة مباشرة على اخلطاب الرحلي.
كما يعد ادلنت السياسي من ادلواضيع اليت تؤثث السرد الرحلي ،وال يكتف الرحالة حباضر ادلنطقة بل نراه يعود دلاضيها وىو
بذلك ػلاول إعطاء صورة عامة للقارئ يقول" :لقد عرفت ادلنطقة غارات وحشية منذ تأسيسها إىل بزوغ مشس االستقالل وذلك
من طرف األعراب سكان البادية وغَتىم إذ مل يكن آنذاك احًتام احلدود واحًتام اجلوار فكانت الغارات تنتاهبا من حُت آلخر
نتيجة ضعف أىلها ؼلرج أىل القرية لقرية أخرى ألداء صالة اجلمعة مثال فيجدون العدو قد خلفهم ُب ذراريهم وأمواذلم وىذا ىو
السبب الرئيسي الذي جعل اجلمعات تتعدد ُب توات ىنا وىناك".1
يتواصل السرد الرحلي موظفا اخلرب السياسي الذي ػلاول فيو الرحالة التعريف ببعض القبائل التواتية ،مع ذكر رلموعة من
األحداث اليت يراىا ذات أعلية فثنو ينتقي ما يراه خادما لنسقو ادلعرُب ،وما يالحظ على اخلطاب الرحلي الذي بُت أيدينا خلوه من
شيوخ القبائل أو القادة السياسيُت ،إال ما كان عفويا من ذكر ألمساء الوالة وذكر الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة بأسلوب
زلتشم ،لكن القادة الفاعلُت خاصة ُب القدمي ال صلد ذلم أثرا ،بل يذكر لنا الوقائع مقًتبا ُب ذلك من األسلوب البسيط ،لنراه
القص يقول" :وُب سنة 0190ه نزل اوال باضبوا ُب بودة أخذوا منها قافلة ونزلوا بتمنطيط فتبعهم أىل بودة
يقًتب من أسلوب ّ
ووقعت بينهم معركة حذو سبنطيط فدخل اوالد باضبو إىل سبنطيط فاخرجهم منها اىلها فنزلوا بغابة "نوم الناس" ورجعوا بكرة
لتمنطيط فأخذوا أربعة وثالثُت ضبارا واثٍت عشر طفال وساروا إىل "تيطاف" فتبعهم أىل سبنطيط ووقعت بينهم معركة خارج تكوزة،
فخرج أىل تيطاف وأصلحوا بُت الطائفتُت واشًتوا منهم احلمَت باثٍت عشر مثقاال لكل ضبار واألطفال بعشرين مثقاال لكل طفل
فرجع أىل سبنطيط بدواهبم وأطفاذلم وافًتق اجلمعانٍ ،ب بعد ثالثة أيام جاء أىل تيطاف لتمنطيط وطلبوا منهم ما دفعوا ألوالد
باضبو فامتنعوا فرفع األمر لقاضي اجلماعة الشيخ سيدي عبد الكرمي بُت سيدي زلمد فأثٌت على أىل تيطاف خَتا وضبد سياستهم
أمر أىل سبنطيط بدفع ذلك العدد ففعلوا" ،2ؼلربنا الرحالة هباتو القصة واليت نشعر أنو قد اختصرىا ،كما أنو عاد إىل ذاكرتو
مستعيد ا القصة وقد تكون حضرتو زمن الكتابة ،لكننا لو عدنا إىل الزمن احلقيقي للحادثة لوجدنا فيها أكثر من ىذا بكثَت ،وىنا
يدخل العامل التخيلي ،ويتحول اخلرب السياسي من الطول إىل القصر "ومسي اخلرب الطويل قصصا ،ألن بعضو يتبع بعضا حىت
يطول ،وإذا استطال السامع احلديث قال ىذا قصص ،واحلديث يكون عمن سلف وعمن حضر ويكون طويال وقصَتا"،3
كما يذكر السياسة االستعمارية اليت تعتمد على توظيف أشخاصا من بٍت ادلنطقة ٍب تبعثهم كجواسيس وخدم ذلا ،وىنا
نلمس الوظيفة الًتبوية للسرد حيث يتقمص الرحالة شخصية الناصح وادلصلح ،مظهرا بذلك النقاط السلبية ُب اجملتمع ،يقول
- 1حسُت زلمد فهيم ،أدب الرحالت ،سلسلة عامل ادلعرفة ،العدد ،095مطابع الرسالة ،الكويت ،ص.90
-2بلعامل زلمد باي ،الرحلة العلية ،ص .012
- 3عبد اهلل ابراىيم ،موسوعة السرد العريب ،ج 19ص 030
044
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
مجلذ 62 :عذد( 7 :رت ) 26السنة6266 :
تعد الكتاب ة الرحلية ذات تنوع أجناسي ،فثننا صلد األسلوب التقرير ،والعلمي ،إضافة إىل األسلوب األديب الذي يتخللو
اجلانب اخليايل ُب الرحلة ،ويتجلى ذلك ُب استحضار أزمنة وأمكنة سلتلفة ،وكذلك شخصيات متنوعة زبدم اجلانب ادلعرُب للنص
الرحلي ،كما تربز لنا قيمة الشخصية ادلرربلة.
تعمل الرحلة على زلاورة ادلتلقي الذي يعترب الدافع األول للكتابة ،فالكاتب الرحالة يريد إيصال فكرة معينة للقارئ ،لذا نراه
ؼلتار ألفاظو وعباراتو ،بأسلوب قصصي وعلمي ،عامال على زرع روح التشويق ُب نفس القارئ.
الرحلة العلية من األدب اجلزائري ادلعاصر ،فهي تعترب وعاء ثقاُب لثقافات متنوعة ،ومصدرا علميا لتساؤالت الكثَت من
الباحثُت ،كما أهنا أفادت السَتة العربية بذكر أىم الشيوخ والعلماء ،بًتصباهتم وعلومهم اليت الزال ينتفع هبا الكثَت من الناس.
قد عمل السرد الرحلي على زلاورة الذات فكان بذلك الوسيلة اليت حققت التواصل مع اآلخر ُب إطار تفاعلي ،مستخدمة
صبلة من ادلفاىيم اإلنسانية لرسم قالب الكتابة الذي ربدده العناصر الثقافية دبختلف ميادينها.
.9قائمة المراجع:
1
–0اجلاحظ ،الرسائل ،ربقيق عبد السالم زلمد ىارون ،مكتبة اخلاصلي القاىرة،ج،9
- 9العلوي سعيد بنسعيد ،أوربا ُب مرآة الرحلة ،صورة اآلخر ُب أدب الرحلة ادلغربية ادلعاصرة ،كلية اآلداب الرباط ،مطبعة النجاح
اجلديدة ،الدار البيضاء ،ط.0338 ،0.
-9العسكري أبو ىالل ،الفروق اللغوية ،حققو وعلق عليو ،زلمد ابراىيم سليم ،دار العلم والثقافة للنشر والتوزيع ،القاىرة.
- 0بلعامل زلمد باي ،الرحلة العلية إىل منطقة توات لذكر بعض األعالم واآلثار وادلخطوطات والعادات وما يربط توات من
اجلهات ، ،ادلعرفة الدولية للنشر والتوزيع اجلزائر.9108 ،
- 8بوشعيب الساوري ،الرحلة والنسق دراسة ُب إنتاج النص الرحلي رحلة ابن فضالن ظلوذجا ،دار الثقافة ،الدار البيضاء.9115 ،
- 2حسُت زلمد فهيم ،أدب الرحالت ،عامل ادلعرفة ،اجمللس الوطٍت للثقافة والفنون واألداب ،الكويت ،عدد .095
- 5عبد اهلل ابراىيم ،موسوعة السرد العريب ،ادلؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بَتوت.9115 ،
- 5علوش سعيد ،مكونات األدب ادلقارن ُب العامل العريب ،الشركة العادلية للكتاب ،دار الكتاب اللبناين ،بَتوت ،ط.0355 ،0.
- 3كراتشكوفسكي ،تاريخ األدب اجلغراُب ،ترصبة صالح الدين عثمان ىاشم ،مطبعة جلنة التأليف والًتصبة والتوزيع ،القاىرة.
.0329
- 01مودن عبد الرحيم ،الرحلة ادلغربية ُب القران التاسع عشر ،دار السويدي للنشر والتوزيع ،أبو ظيب.9112 .
-44يقطُت سعيد ،السرد العريب ،ذبليات و مفاىيم ،رؤية للنشر و التوزيع ،القاىرة ،ط.9112 ،0.
044