Professional Documents
Culture Documents
TEVILAT
TEVILAT
تدل بخصائصها وهوياتها على صفات هللا اسم الشيء ما يعرف به ،فأسماء هللا تعالى هي الصور النوعية التي ّ
وذاته ،وبوجودها على وجهه ،وبتعينها على وحدته ،إذ هي ظواهره التي بها يعرف .و {هللا} اسم للذات اإللهية من
حيث هي هي على اإلطالق ،ال باعتبار اتصافها بالصفات ،وال باعتبار ال اتصافها.
و {الرحمن} هو المفيض للوجود والكمال على الكل بحسب ما تقتضي الحكمة وتحتمل القوابل على وجه البداية .و
المعنوي المخصوص بالنوع اإلنساني بحسب النهاية ،ولهذا قيل" :يا رحمن الدنيا
ّ {الرحيم} هو المفيض للكمال
العامة والخاصة ،التي هي مظهر الذات واآلخرة" ،ورحيم اآلخرة .فمعناه بالصورة اإلنسانية الكاملة الجامعة الرحمة ّ
اإللهي والحق األعظمي مع جميع الصفات ابدأ واقرأ ،وهي االسم األعظم وإلى هذا المعنى أشار النبي صلى هللا عليه
وسلم بقوله" :أوتيت جوامع الكلم ،وبعثت ألتمم مكارم األخالق" ،إذ الكلمات حقائق الموجودات وأعيانها .كما سمي
عيسى عليه السالم كلمة من هللا ،ومكارم األخالق حاالتها وخواصها التي هي مصادر أفعالها جميعها محصورة في
الكون الجامع اإلنساني .وههنا لطيفة وهي أن األنبياء عليهم السالم وضعوا حروف التهجي بإزاء مراتب الموجودات.
وقد وجدت في كالم عيسى عليه الصالة والسالم وأمير المؤمنين علي عليه السالم وبعض الصحابة ما يشير إلى
ذلك .ولهذا قيل :ظهرت الموجودات من باء بسم هللا إذ هي الحرف الذي يلي األلف الموضوعة بإزاء ذات هللا .فهي
إشارة إلى العقل األول الذي هو أول ما خلق هللا المخاطب بقوله تعالى" :ما خلقت خلقاً أحب إلي وال أكرم علي منك،
ّ ّ
بك أعطي ،وبك آخذ ،وبك أثيب ،وبك أعاقب "...الحديث.
والحروف الملفوظة لهذه الكلمة ثمانية عشر ،والمكتوبة تسعة عشر .وإذا انفصلت الكلمات انفصلت الحروف إلى
اثنين وعشرين ،فالثمانية عشر إشارة إلى العوالم المعبر عنها بثمانية عشر ألف عالم ،إذ األلف هو العدد التام
أمهات العوالم التي هي عالمالمشتمل على باقي مراتب األعداد فهو ّأم المراتب الذي ال عدد فوقه ،فعبر بها عن ّ
الجبروت ،وعالم الملكوت ،والعرش ،والكرسي ،والسموات السبع ،والعناصر األربعة ،والمواليد الثالثة التي ينفصل كل
واحد منها إلى جزئياته.
الحق ،باعتبار
ّ واأللفات الثالثة المحتجبة التي هي تتمة االثنين والعشرين عند االنفصال إشارة إلى العالم اإللهي
ّ
الذات ،والصفات ،واألفعال .فهي ثالثة عوالم عند التفصيل ،وعالم واحد عند التحقيق ،والثالثة المكتوبة إشارة إلى
ظهور تلك العوالم على المظهر األعظمي اإلنساني والحتجاب العالم اإللهي.
ّ ّ
حين سئل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن ألف الباء من أين ذهبت؟ قال صلى هللا عليه وسلم" :سرقها الشيطان"".
وأمر بتطويل باء بسم هللا تعويضاً عن ألفها إشارة إلى احتجاب ألوهية اإللهية في صورة الرحمة االنتشارية وظهورها
في الصورة اإلنسانية بحيث ال يعرفها إال أهلها ،ولهذا نكرت في الوضع.
وقد ورد في الحديث" :إن هللا تعالى خلق آدم على صورته" ،فالذات محجوبة بالصفات ،والصفات باألفعال ،واألفعال
باألكوان واآلثار .فمن تجّلت عليه األفعال بارتفاع حجب األكوان توكل ،ومن تجّلت عليه الصفات بارتفاع حجب
األفعال رضي وسّلم .ومن تجّلت عليه الذات بانكشاف حجب الصفات فني في الوحدة فصار موحداً مطلقاً فاعالً ما
مقدم على توحيد الصفات وهو على توحيد الذات وإلى
فعل وقارئاً ما ق أر بسم هللا الرحمن الرحيم ،فتوحيد األفعال ّ
الثالثة أشار صلوات هللا عليه في سجوده بقوله" :أعوذ بعفوك من عقابك ،وأعوذ برضاك من سخطك ،وأعوذ بك منك
".
رب العالمين} إلى آخر السورة ،الحمد بالفعل ولسان الحال هو ظهور الكماالت وحصول الغايات من{الحمد هلل ّ
األشياء إذ هي أثنية فاتحة ومدح رائعة لموليها بما يستحقه .فالموجودات كلها بخصوصياتها وخواصها ،وتوجهها إلى
{وِإن ِّمن َشي ٍء ِإالَّ ُي َسِّب ُح ِب َح ْم َدِه}
القوة إلى الفعل ،مسبحة ،حامدة ،كما قال تعالىَ :
غاياتها ،وإخراج كماالتها من حيز ّ
ْ
[اإلسراء ،اآلية ،]44 :فتسبيحها إياه تنزيهه عن الشريك وصفات النقص والعجز باستنادها إليه وحده ،وداللتها على
وحدانيته وقدرته ،وتحميدها إظهار كماالتها المترتبة ،ومظهريتها لتلك الصفات الجاللية والجمالية.
ولما تجلى في كالمه لعباده بصفاته شاهدوه بعظمته وبهائه ،وكمال قدرته وجالله ،فخاطبوه قوالً وفعالً بتخصيص
العبادة به ،وطلب المعونة منه ،إذ ما أروا معبوداً غيره ،وال حول وال ّقوة ألحد إالّ به .فلو حضروا لكانت حركاتهم
وسكناتهم كلها عبادة له وبه ،فكانوا على صالتهم دائمين داعين بلسان المحبة لمشاهدتهم جماله من كل وجه على
كل وجه.
{اهدنا الصراط المستقيم} أي :ثبتنا على الهداية وم ّكنا باالستقامة في طريق الوحدة التي هي طريق المنعم عليهم
الصديقين واألولياء،
بالنعمة الخاصة الرحيمية التي هي المعرفة والمحبة والهداية الحقانية الذاتية من النبيين والشهداء و ّ
الذين شاهدوه ّأوالً وآخ اًر وظاه اًر وباطناً ،فغابوا في شهودهم طلعة وجهه الباقي عن وجود الظل الفاني.
{غير المغضوب عليهم} الذين وقفوا مع الظواهر ،واحتجبوا بالنعمة الرحمانية ،والنعيم الجسماني ،والذوق الحسي عن
ّ ّ
الحقائق الروحانية ،والنعيم القلبي ،والذوق العقلي كاليهود إذ كانت دعوتهم إلى الظواهر والجنان والحور والقصور،
ّ
فغضب عليهم ألن الغضب يستلزم الطرد والبعد والوقوف مع الظواهر التي هي الحجب الظلمانية غاية البعد{ .وال
الضالين} الذين وقفوا مع البواطن التي هي الحجب النورانية واحتجبوا بالنعمة الرحيمية عن الرحمانية ،وغفلوا عن
الكل كالنصارى إذ كانت دعوتهم إلى الحق ،وضّلوا عن سواء السبيل ،فحرموا شهود جمال المحبوب في ّ ّ ظاهرية
الكل ،والجمع بين محبة جمال الذات ،وحسن الصفات، القدوس ودعوة المحمديين الموحدين إلى ّ البواطن وأنوار عالم ّ
آمُنوْا ِب َرُسولِ ِه
َّللا و ِ َّ ٍ {و َس ِارُعوْا ِإَل ٰى َم ْغِف َرٍة ِّمن َّرّب ُ
ِك ْم َو َجَّنة} [آل عمران ،اآلية{ ،]133 :اتُقوْا َّ َ َ كما ورد في القرآن الكريمَ :
َّللاَ َوالَ تُ ْش ِرُكوْا ِب ِه َش ْيئاً} [النساء،
اعُب ُدوْا َّ ِِ َّ ِِ ِ ِ ِ
ُي ْؤت ُك ْم كْفَل ْي ِن من َّر ْح َمته َوَي ْج َعل ل ُك ْم ُنو اًر تَ ْم ُشو َن به} [الحديد ،اآليةَ ،]28 :
{و ْ
{وَي ْر ُجو َن َر ْح َمتَ ُه َوَي َخاُفو َن َع َذ َاب ُه} [اإلسراء ،اآلية،]57 :
اآلية ،]36 :فأجابوا الدعوات الثالث .كما جاء في حقهمَ :
َّ ِ ِ
اموْا} [فصلت ،اآلية .]30 :فأثيبوا استََق ُ
َّللاُ ثُ َّم ْ ورَنا} [التحريم ،اآليةِ{ ،]8 :إ َّن الذ َ
ين َقاُلوْا َربَُّنا َّ {يُقوُلو َن َربََّنآ أ َْتم ْم َلَنا ُن َ
َ
ِ
ورُه ْم} ات َع ْد ٍن تَ ْج ِرى} [البينة ،اآليةَ{ ،]8 :ل ُه ْم أ ْ
َج ُرُه ْم َوُن ُ آؤ ُه ْم ع َند َرّب ِِه ْم َجَّن ُ
{ج َز ُ
بالجميع على ما أخبر هللا تعالىَ :
َح َسُنوْا اْل ُح ْسَن ٰى َوِزَي َادةٌ} [يونس ،اآلية.]26 : َِّ ِ [الحديد ،اآليةَ { ،]19 :فأَينما توُّلوْا َفثَ َّم وجه َّ ِ
ين أ ْ َّللا} [البقرةّ{ ،]115 :للذ َ َُْ ْ َ َ َُ
أما أهل الفضل والثواب ،الذين آمنوا وعملوا الصالحات للجنة راجين لها ،راضين بها ،فوجدوا ما عملوا حاض اًر على
ولكل درجات مما عملوا .ومنهم أهل الرحمة الباقون على سالمة نفوسهم ،وصفاء قلوبهم ،المتبوئون
تفاوت درجاتهمّ ،
درجات الجنة على حسب استعداداتهم من فضل ربهم ،ال على حسب كماالتهم من ميراث عملهم.
المستعدون الذين بقوا على فطرتهم األصلية ،واجتنبوا رين الشرك والشك
ّ فعلى هذا ،المتقون في هذا الموضع هم
لصفاء قلوبهم وزكاء نفوسهم ،وبقاء نورهم الفطري ،فلم ينقضوا عهد هللا .وهذه التقوى ّ
مقدمة على اإليمان ،ولها مراتب
أخرى متأخرة عنه كما سيأتي إن شاء هللا .
ين ُي ْؤ ِمُنو َن ِب َمآ أُْن ِزَل ِإَل ْي َك َو َمآ أ ُْن ِزَل ِمن َقْبلِ َك َّ ِ ِ َّال ِذين يؤ ِمنون ِباْلغي ِب ويِقيمون َّ ٰ
اه ْم ُي ْنفُقو َن * والذ َ مما َرَزْقَن ُ وة َو َّ
الصل َ َ ُْ ُ َ َْ َ ُ ُ َ
ِاآلخ َرِة ُه ْم ُيوِقُنو َن * أ ُْوَلـِٰئ َك َعَل ٰى ُه ًدى ِّمن َّرِّب ِه ْم َوأ ُْوَلـِٰئ َك ُهم اْل ُمْفلِ ُحو َن
وب ِ
َ
ُ
فإن اإليمان
العلميّ ، التقليدي ،أو التحقيقي الصالة} أي :بما غاب عنهم اإليمان
َ ويقيمو َن بالغ ِ
يب {الذين ُيؤمنو َن َ
ّ ّ ّ ُ
حد العلم والغيب ،وإما غير
إما واقف على ّوكشفي ،وكالهما ّ تقليدي وتحقيقي .والتحقيقي قسمان :استدالليّ قسمان:
ّ ّ ّ
إما عيني ،وهو المشاهدة المسمى عين اليقين ،وإما حقي، المسمى علم اليقين .والثانيّ :
ّ واقف .واألول هو اإليقان
ّ
المسمى حق اليقين .والقسمان األخيران ال يدخالن تحت اإليمان بالغيب ،واإليمان بالغيب يستلزم ّ وهو الشهود الذاتي
األعمال القلبية التي هي التزكية ،وهي تطهير القلب عن الميل إلى السعادات البدنية الخارجية ،الشاغلة عن إحراز
فإقامة الصالة ترك الراحات البدنية وإتعاب اآلالت الجسدية ،وهي ّأم العبادات التي إذا وجدت لم يتأخر عنها البواقي
الصالَ َة تَْن َه ٰى َع ِن اْلَف ْح َش ِآء َواْل ُم ْن َكر} [العنكبوت ،اآلية ]45 :إذ هي تحامل على البدن والنفس ،ومشقة فادحة
{ِإ َّن َّ
المسمى بالزهد ،فإن اإلنفاق ربما كان
ّ عليهما ،وإنفاق المال هو اإلعراض عن السعادة الخارجية المحبوبة إلى النفس
الشح إياها ،ولم يكتف بالقدر الواجب فقال :
أشد عليها من بذل الروح للزوم ّ
ّ
المروات ،والهبات،
ّ {ومما رزقناهم ينفقون} ليعتاد القلب ترك الفضول المالية بالجود والسخاء وبذل المال ،في وجوه
شح نفسه ،وخصص اإلنفاق بالبعض بإيراد من التبعيضية لئال يقع في رذيلة التبذير والصدقات الغير الواجبة ،فيوقي ّ
ببذل القدر الضروري فيحرم فضيلة الجود الذي هو من باب التخلق بأخالق هللا.
{والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} أي :اإليمان التحقيقي الشامل لألقسام الثالثة المستلزم لألعمال
ّ
المنزلة في الكتب اإللهية والعلوم المتعلقة بأحوال المعاد،
تفرس القلب بالحكم والمعارف ّالقلبية التي هي التحلية ،وهي ّ
وأمور اآلخرة ،وحقائق علم القدس .ولهذا قال{ :وباآلخرة هم يوقنون} وأهل اآلخرة الذين ما جاوزوا ّ
حد التزكية ،ولم
ورثه هللا علم ما لم يعلم" .وأهل هللا
يصلوا إلى التحلية التي هي ميراثها ،لقوله عليه السالم" :من عمل بما علم ّ
إما إليه وإما إلى داره ،دار السالمة والفضل والثواب واللطف ،وهمالموقنون الجامعون لها كلهم على هدى من ربهم ّ
أهل الفالح ال غير إما من العقاب وإما من الحجاب ولهذا قال :
{أولئك} أي :الموصوفون بهذه الصفات المذكورة من التزكية والتحلية{ .على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون}
ألجلها ،فعلى هذا الذين يؤمنون مبتدأ ،والذين يؤمنون الثاني معطوف عليه ،وأولئك خبره ،ولو جعل صفة للمتقين
لكان المراد بهم الكاملين في التقوى بعد الهداية .وكان مجا اًز من باب تسمية الشيء بما سيؤول إليه .
{إن الذين كفروا} -إلى قوله { -عظيم} هم الفريق األول من األشقياء الذين هم أهل القهر اإللهي ال ينجح فيهم
اإلنذار وال سبيل إلى خالصهم من النار ،أولئك حّقت عليهم كلمة رّبك أنهم ال يؤمنون ،وكذلك حّقت كلمة ربك على
سدت عليهم الطرق ،وأغلقت عليهم األبواب ،إذ القلب هو المشعر اإللهي الذي هو الذين كفروا أنهم أصحاب النارّ ،
ّ
محل اإللهام ،فحجبوا عنه بختمه .والسمع والبصر هما المشعران األنسيان ،أي الظاهران اللذان هما بابا الفهم
ّ
واالعتبار ،فحرموا عن جدواهما المتناع نفوذ المعنى فيهما إلى القلب ،فال سبيل لهم في الباطن إلى العلم الذوقي
ّ
الكشفي وال في الظاهر إلى العلم التعلمي والكسبي ،فحبسوا في سجون الظلمات ،فما أعظم عذابهم .
ّ ّ ّ
ألن ِ
{ومن الناس من يقول آمنا} هم الفريق الثاني من األشقياءُ ،سل َب عنهم اإليمان مع ّادعائهم له بقولهم{آمنا باهلل} ّ
ان ِفي ِ ِ ِ َّ ِ ِ
آمَّنا ُقل ل ْم تُ ْؤمُنوْا َوَلـٰكن ُقوُلوْا أ َْسَل ْمَنا َوَل َّما َي ْد ُخل اإل َ
يم ُ اب َ
َع َر ُ
محل اإليمان هو القلب ال اللسانَ { .قاَلت األ ْ
ّ
ِ
اآلخر} ّادعاء على التوحيد والمعاد اللذين هما أصل ِك ْم} [الحجرات ،اآلية .]14 :ومعنى قولهم{ :آمنا باهلل وباليوم
ُقُلوب ُ
الدين -وأساسه أي لسنا من المشركين المحجوبين عن الحق وال من أهل الكتاب المحجوزين عن الدين والمعاد ،ألن
يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ،فإذا أحببته كنت سمعه الذي به يسمع ،وبصره
وقد ورد في الحديث" :ال يزال العبد ّ
ّ
الذي به يبصر ،ولسانه الذي به يتكلم ،ويده التي بها يبطش ،ورجله التي بها يمشي" فخداعهم هلل وللمؤمنين إظهار
اإليمان والمحبة ،واستبطان الكفر والعداوة ،وخداع هللا والمؤمنين إياهم مسالمتهم وإجراء أحكام اإلسالم عليهم بحقن
الدماء وحصن األموال وغير ذلك ،و ّادخار العذاب األليم والمآل الوخيم ،وسوء المغبة لهم وخزيهم في الدنيا
أن خداعهم ال ينجح إال في أنفسهم بإهالكها الفتضاحهم بإخباره تعالى وبالوحي عن حالهم لكن الفرق بين الخداعين ّ
وتحسيرها وإيراثها الوبال والنكال بازدياد الظلمة والكفر والنفاق واجتماع أسباب الهلكة والبعد والشقاء عليها ،وخداع هللا
ِ
َّللاُ َخ ْي ُر اْل َماك ِر َ
ين} [آل عمران ،اآلية]54 : َّللاُ َو َّ
{و َم َك ُروْا َو َم َك َر َّ
أشد إيباق ،كقوله تعالىَ :
يؤثر فيهم أبلغ تأثير ويوبقهم ّ
وهم من غاية تعمقهم في جهلهم ال يحسون بذلك األمر الظاهر.
الكي وغير ذلك من اآلالم .وأما المنافقون فلثبوت استعدادهم في األصل وبقاء إدراكهم يجدون ّ
شدة
ّ
عليه من القطع و
األلم فال جرم كان عذابهم مؤلماً مسبباً عن المرض العارض المزمن الذي هو الكذب ولواحقه.
وإذا نهوا عن اإلفساد في األرض ،أي في الجهة السفلية التي هي النفوس وما يتعلق بها من المصالح بتكدير النفوس،
وتهييج الفتن والحروب ،والعداوة والبغضاء بين الناس ،أنكروا وبالغوا في إثبات اإلصالح ألنفسهم ،إذ يرون الصالح
في تحصيل المعاش وتيسير أسبابه ،وتنظيم أمور الدنيا ألنفسهم خاصة ،لتوغلهم في محبة الدنيا وانهماكهم في
الكلية ،واللذات العقلية ،وبذلك يتيسر
الحسية عن المصالح العامة ّ
ّ اللذات البدنية ،واحتجابهم بالمنافع الجزئية ،والمالذ
مرادهم ،ويتسهل مطلوبهم وهم ال يحسون بإفسادهم المدرك بالحس.
آمنوا} حكاية لنفاقهم الالزم لحصول استعدادين فيهم الفطرّي النورّي ،الضعيف المغلوب ،القريب من الذين ُ
{وإذا لُقوا َ
القوي الغالب الذي تألفوا به الكفار ،إذ لو لم يكن فيهم أدنى
ّ االنطفاء ،الذي ناسبوا به المؤمنين ،والكسبي الظلماني
ّ
نور لم يقدروا على مخالطة المؤمنين ومصاحبتهم أصالً كغيرهم من الكفار لتنافي الضروري بين النور والظلمة من
جميع الوجوه.
والشيطان فيعال من الشطون ،الذي هو البعد ،وشياطينهم المتعمقون في البعد وهم المطرودون ،ورؤساؤهم البالغون
وقوة جهة الظلمة فيهم ،إذ المستخف بالشيء هو الذي يدل على ضعف جهة النور ّ في النفاق واستهزاؤهم بالمؤمنين ّ
يجد ذلك الشيء في نفسه خفيفاً ،قليل الوزن والقدر .فهم يستخفون النورانيين لخفة النور عندهم ،إذ بالنور يعرف قدر
النور ،وبرجحان الظلمة فيهم أووا إلى الكفار وألفوهم.
ِح ْت ِتّ َج َارتُ ُه ْم َو َما َك ُانوْا ِ َّ ِ َّللا يستَهزِئ ِب ِهم ويمُّدهم ِفي ُ ِ
الضَلـَٰل َة ِباْل ُه َد ٰى َف َما َرب َ
اشتَ َرُوْا َّ ط ْغَيان ِه ْم َي ْع َم ُهو َن * أ ُْوَلـٰئ َك الذ َ
ين ْ َّ ُ َ ْ ْ ُ ْ َ َ ُ ُ ْ
ين ِ
ُم ْهتَد َ
ِئ ِب ِهم} أي :يستخفهم ،ألن الجهة التي هم بها ناسبوا الحضرة اإللهية فيهم خفيفة ،ضعيفة .فبقدر ما فنيت{هللا يستهز ُ
أن المؤمنين بقدر ما فنيت فيهم أينيتهم النفسانية وجدوا عند هللا شتان بين
فيهم الجهة اإللهية ثبتوا عند أنفسهم ،كما ّ
{ويمدهم} في ظلماتهم البهيمية والسبعية التي هي الصفات الشيطانية والنفسانية بتهيئة مو ّادها وأسبابها التي
ُ المرتبتين.
فإن
بالهدى} أي :الظلمة ،واالحتجاب عن طريق الحق الذي هو الدين ،أو عن الحقّ . اشتَروا الضالل َة ُ{أولئك الذين ْ
َ
االستعدادي األصلي{ .فما ربِحت تجارتُ ُهم} إذ كان رأس مالهم من عالم النور
ّ الضاللة تنقسم بإزاء الهداية بالنور
ّ
والبقاء ليكتسبوا به ما يجانسه من النور الفيضي الكمالي ،بالعلوم واألعمال والحكم والمعارف واألخالق والملكات
ّ ّ
الفاضلة ،فيصيرون أغنياء في الحقيقة ،مستحقين للقرب والكرامة والتعظيم والوجاهة عند هللا ،فما ربحوا بكسبها
وضاعت الهداية األصلية التي كانت بضاعتهم ورأس مالهم بإزالة استعدادهم وتكدير قلوبهم بالرين الموجب للحجاب
السرمدي ،أعاذنا هللا من ذلك.
ّ األبدي ،فخسروا بالخسران
ّ والحرمان
{مَثُل ُهم} أي :صفتهم في النفاق كصفة المستوقد لإلضاءة الذي إذا أضاءت ما حوله من األشياء القريبة منه خمدت
َ
متحي اًر ،ألن نور استعدادهم بمنزلة النار الموقدة ،وإضاءتها لما حولهم هي اهتداؤهم إلى مصالح معاشهم
ناره وبقي ّ
القريبة منهم دون مصالح المعاد البعيدة بالنسبة إليهم وصحبة المؤمنين وموافقتهم في الظاهر وخمودها سريعاً انطفاء
بكم ُعمي} بالحقيقة الحتجاب قلوبهم عن نور العقل الذي به تسمع الحق وتنطق به ،وتراه في الظاهر لعدم
{صم ٌ
ٌّ
ٌ
فوائدها ،النسداد الطرق من تلك المشاعر إلى القلب لمكان الحجاب ،فلم يصل إليها نور القلب ليحتفظوا بفوائدها ولم
ترد مدركاتها على القلب ليفهموا ويعتبروا{ .فهم ال يرجعون} إلى هللا لوجود ّ
السدين المضروبين على قلوبهم المذكورين
{و َج َعْلَنا ِمن َب ْي ِن أ َْي ِدي ِه ْم َسّداً و ِم ْن َخْلِف ِه ْم َسّداً} [يس ،اآلية .]9 :وفائدة التشبيه تصوير المعقول بصورة
في قولهَ :
المحسوس ،ليتمثل في نفوس العامة .ثم شبههم ثانياً بقوم أصابهم مطر فيه ظلمات ورعد وبرق ،فالمطر هو نزول
الوحي اإللهي ووصول إمداد الرحمة إليهم ببركة صحبة المؤمنين ،وبقية استعدادهم مما يفيد قلوبهم أدنى لين،
وحصول ِ
الن َعم الظاهرة لهم بموافقتهم في الظاهر .
اإللهي والوعيد القهرّي الوارد في القرآن واآليات واآلثار المسموعة والمشاهدة مما ّ
يخوفهم فيفيد أدنى انكسار
ّ
التهديد
لقلوبهم الطاغية وانهزام لنفوسهم اآلبية .والبرق هو اللوامع النورية والتنبهات الروحية عند سماع الوعد وتذكير اآلالء
والنعماء مما يطمعهم ويرجيهم ،فيفيدهم أدنى شوق وميل إلى اإلجابة.
األول
هذا آخر الكالم في األصناف السبعة على سبيل اإلجمال ،وفصل بين فريقي األشقياء وأوجز ذكر الفريق ّ
وذمهم ،وتعييرهم ،وتقبيح صورة حالهم،
وأعرض عنهم ،إذ الكالم فيهم ال يجدي .وبالغ في ذكر الفريق الثانيّ ،
وتهديدهم ،وإبعادهم ،وتهجين سيرهم ،وعاداتهم إلمكان قبولهم للهداية وزوال مرضهم العارض ،واشتعال نور قرائحهم
وتتنور قلوبهم
اإللهي عسى التقريع يكسر أعواد شكائمهم ،والتوبيخ يقلع أصول رذائلهم ،فتتزكى بواطنهم ّ بمدد التوفيق
ّ
بنور اإلرادة ،فيسلكوا طريق الحق .ولعل موادعة المؤمنين ومالطفتهم إياهم ومدجالستهم معهم ،تستميل طباعهم فتهيج
فيهم محبة ّما ،وشوقاً تلين به قلوبهم إلى ذكر هللا ،وتنقاد به نفوسهم ألمر هللا ،فيتوبوا ويصلحوا كما قال هللا تعالى:
صوْا ِد َين ُه ْم صي اًر ِإالَّ َّال ِذين تابوْا وأَصَلحوْا واعتصموْا ِب َّ ِ
الن ِار وَلن تَ ِجد َلهم ن ِ الدرِك األ ِ ِ {ِإ َّن اْلمَن ِافِق ِ
َخَل ُ
اَّلل َوأ ْ َ َ ُ َ ْ ُ َ َْ َ ُ َ ُْ َ َسَفل م َن َّ َ ْ ين في َّ ْ ُ َ
َج اًر َع ِظيماً} [النساء ،اآليات.]146-145 : ِ ف ُي ْؤ ِت َّ ِ ِ ِ
َّللاُ اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين أ ْ ََّّلل َفأ ُْوَلـٰئ َك َم َع اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين َو َس ْو َ
آء السم ِ * َّال ِذي َج َع َل َل ُكم األ َْر َ ِ ٰ ين ِمن َقْبلِ ُك ْم َل َعَّل ُك ْم تَتَُّقو َن َّ ِ الناس اعبدوْا رب ُ َّ ِ
َٰيـأَي َ
ُّها َّ ُ ْ ُ ُ َ
اء بَن ً
ض ف َرشاً َو َّ َ َ ُ َّك ُم الذي َخَلَق ُك ْم َوالذ َ
َنداداً َوأ َْنتُ ْم تَ ْعَل ُمو َن السم ِآء مآء َفأَخرج ِب ِه ِمن الثَّم ٰر ِت ِرزقاً َّل ُكم َفالَ تجعُلوْا ََّّللِ وأ َ ِ
أَ ََْ ْ ْ َ ََ َنزَل م َن َّ َ َ ً ْ َ َ َ
الناس} ثم لما فرغ من ذكر السعداء واألشقياء ،دعاهم إلى التوحيد .و ّأول مراتب التوحيد :توحيد األفعال،
{يا أيها ُ
فلهذا عّلق العبودية بالربوبية ليستأنسوا برؤية النعمة ،فيحبوه ،كما قال" :خلقت الخلق وتحببت إليهم ِ
بالن َعم" .فيشكروه
بإزائها ،إذ العبادة شكر فال تكون إال في مقابلة النعمة ،وخصص ربوبيته بهم ليخصوا عبادتهم به ،وقصد رفع
الحجاب األول من الحجب الثالثة التي هي حجب األفعال والصفات والذات ،ببيان تجلي األفعال ألن الخلق في
الثالثة كلهم محجوبون عن الحق بالكون مطلقاً ،فنسب إنشاءهم وإنشاء ما توقف عليه وجودهم من المبادئ واألسباب
والشرائط كمن قبلهم من اآلباء واألمهات ،وجعل األرض فراشاً لهم لتكون ّ
مقرهم ومسكنهم ،وجعل السماء بناء لتظلهم،
وأنزل الماء من السماء وأخرج النبات به من األرض ليكون رزقاً لهم إلى نفسه لعلهم يتقون نسبة الفعل إلى غيره،
فيتنزهون عن الشرك في األفعال عند مشاهدة جميعها من هللا ،ولهذا ذكر نتيجة هذه ّ
المقدمات بالفاء فقال{ :فال
تجعلوا هلل أنداداً وأنتم تعلمون} ،ما ذكرنا من المقدمات كأنه قال :هو الذي فعل هذه األفعال ،فال تحق العبادة إال له،
وال تنبغي أن تجعل لغيره ،فال تجعلوا له ّنداً بنسبة الفعل إليه ،فيستحق أن يعبد عندكم فتعبدوه مع علمكم بهذا.
فعبادتهم إنما هي للصانع ،وربهم هو المتجّلي في صورة الصنع ،إذ كل عابد ال يعبد إال ما يعرفه ،وال يعرف هللا إال
الجنة
بقدر ما وجد من األلوهية في نفسه ،وهم ما وجدوا إال الفاعل المختار فعبدوه .وغاية هذه العبادة الوصول إلى ّ
التي هي كمال عالم األفعال ،فاهلل مهد لهم أراضي نفوسهم ،وبنى عليها سموات أرواحهم ،وأنزل من تلك السموات ماء
علم توحيد األفعال ،فأخرج به من تلك األرض نبات االستسالم واألعمال والطاعات واألخالق الحسنة ليرزق قلوبهم
منها ثمرات اإليقان واألحوال والمقامات ،كالصبر والشكر والتوكل.
َّللاِ ِإن ُك ْنتُم ٰ ِ ِ ِ ِ وإِن ُكنتم ِفي ري ٍب ِم َّما نَّ ْزلنا عَلى عب ِدنا َفأْتوْا ِبس ٍ ِ ِ ِ ِ
ين
ص دق َ آء ُكم ّمن ُدون َّ ْ ْ َ ورة ّمن ّم ْثله َو ْاد ُعوْا ُش َه َد َ
َْ ّ َ َ َ ٰ َْ َ ُ ُ َ ْ ُْ َ
{فإن لم تفعلوا} فاذعنوا وأسلموا وآمنوا ،واتركوا العناد المفضي بكم إلى النار .فحذف الملزوم الذي هو اإليمان أو
أدل على أن اإلنكار موجب لدخول النار وحصول العذاب لهم. اإلسالم ،وأقام الزمه الذي هو اتقاء النار مقامه ليكون ّ
وقوله{ :ولن تفعلوا} اعتراض على طريق اإلخبار بالغيب للعلم بامتناع عقول المحجوبين عن مثله .والمراد بالنار
احتراقهم بثورة نفوسهم ،وشرر طباعهم المصروفة عن الروح القدسي الروحاني ،والنسيم الذوقي الرحماني ،المحرومة
ّ ّ ّ ّ
البدنية الممنوعة ،بما ضربت به وألفته
ّ اللذات
و ة، الحسي
ّ عن ل ّذة برد اليقين ،وسالمة دار القرار المقطوعة بالمألوفات
واعلم أن ح اررة النار تابعة لصورتها النوعية التي هي روحانيتها وملكوتها ،وإال ساوت سائر األجسام في خواصها،
وتلك الروحانية شرر من نار ،قهر هللا المعنوية بعد تنزلها في مراتب كثيرة كتنزلها في مرتبة النفس بثورة الغضب ،إذ
ربما تؤثر ثورة الغضب في إحراق األخالق ما ال تؤثر النار في الحطب .ومن هذا يعلم أن كل مسخن ال يجب أن
أشد وأدوم من إيالم هذه النار ،كيف
أن إيالمها ّ يكون ّاً
حار .وإذا كانت النار الجسمانية أث اًر للنار الروحانية ،فال جرم ّ
وكل ّقوة جسمانية متناهية دون القوى الروحانية؟ ،ولهذا المعنى يقال :إن نار جهنم غسلت بالماء سبعين ّ
مرة ،ثم
ين} المحجوبين عن الدين النقطاعهم دون مرادهم. ِ
أنزلت إلى الدنيا ليمكن االنتفاع بها {أُعدت للكافر َ
َن َل ُه ْم َج َّٰن ٍت تَ ْجرِي ِمن تَ ْحِت َها األ َْن َٰه ُر ُكَّل َما ُرِزُقوْا ِم ْن َها ِمن ثَ َم َرٍة ِّرْزقاً َقاُلوْا َهـٰ َذا َّال ِذي
الصـٰلِ َٰح ِت
آمُنوْا َو َع ِمُلوْا َّ
أ َّ ِ َّ ِ
َوَب ّش ِر الذين َ
ض ِر َب َمثَالً َّما َب ُع َ
وض ًة َّللاَ الَ َي ْستَ ْحى أَن َي ْيها َٰخلِ ُدو َن* ِإ َّن َّ ِ ُرِزْقَنا ِمن َقْب ُل َوأُتُوْا ِب ِه ُمتَ َٰشِبهاً َوَل ُه ْم
يهآ أ َْزَٰوٌج ُّم َ
ط َّه َرةٌ َو ُه ْم ف َ فَ
ِ
آمنوا} بالصانع وعملوا ما يصلحهم للجنة بمقتضى عملهم بتوحيد األفعال أن لهم مراداتهم ومشتهياتهم الذين ُ
{وبشر َ
تصوروا وتمنوا ،التنكير الجنات ،والجنات الجارية من تحتها األنهار أبهى وأطيب ما يكون من مقام ،وأل ّذ
فوق ما ّ
وأحلى ما يكون من مرام ألهل الدنيا ،فهي لنفوسهم من جنس جنات الدنيا ،وأصفى منها بحسب المعاد الجسماني،
ّ
{إن هللا ال َي ْستَ ِحي} ال يمتنع امتناع المستحيي {أن يضرب مثالً ّما بعوضة فما فوقها} إذ الكافر عنده أحقر من
الحق من ربهم} لمناسبة الممثل به الممثل له {وما يضل به
ّ بعوضة ،والدنيا من جناحها ،كما نطق به الحديث{ .أنه
ين} الذين خرجوا من مقام القلب إلى مقام النفس ،ومن طاعة الرحمن إلى طاعة الرحمن الشيطان .وهم ِ
إال الفاسق َ
الفريق الثاني من األشقياء ال الفريق األول ،فإنهم ضالون في نفس األمر على ّ
أي حال كان ال به وال بسبب آخر.
بالعلية وهي زيادة عنادهم وإنكارهم
ّ مسبب عن فسقهم في الحقيقة ،إذ ترتيب الحكم على الوصف يشعر وإضاللهم به ّ
وحقدهم وغلبة صفات نفوسهم على قلوبهم بورود القرآن فيزيدهم بعداً وظلمة على ظلمة.
ُ
َّللاُ ِب ِه أَن ُيوص َل وُيْف ِس ُدو َن ِفي األ ْر ِ
ض أُوَل ِـئ َك ُهم اْل َٰخ ِس ُرو َن َ َ َم َر َّ َّللاِ ِمن َب ْع ِد ِمي ٰثَِق ِه َوَيْق َ
ط ُعو َن َمآ أ َ ضو َن َع ْه َد َّ
ين َينُق ُ
َّ ِ
الذ َ
مر تفسير اإلفساد في األرض ،والخسران الذي هو تضييع الجوهر النورّي الباقي ألجل الظلماني الفاني.
وقد ّ
ّ
يكم ثُ َّم ِإَل ْي ِه تُ ْر َج ُعو َن * ُهو َّال ِذي َخَل َق َل ُكم َّما ِفي األ َْر ِ ِ ِ اَّللِ وُك ْنتُم أ َْم ٰوتاً َفأ ْ ٰ ِ
ض ْ َ َحَي ُك ْم ثُ َّم ُيميتُ ُك ْم ثُ َّم ُي ْحي ُ ْ ف تَ ْكُف ُرو َن ب َّ َ ْ َ َك ْي َ
ٍ ِ ِ ِ ٍ ج ِميعاً ثُ َّم اس َتو ٰى ِإَلى َّ ِ ٰ
الس َمآء َف َسَّو ُه َّن َس ْب َع َس َٰم َٰوت َو ُه َو ب ُك ّل َش ْيء َعل ٌ
يم ْ َ َ
{فأحياكم}
ُ أي حال تحجبون عنه {و} الحال أنكم {كنتم أمواتاً} نطفاً في أصالب آبائكم {كيف تكفرون باهلل} أي :على ّ
األول معلوم بالمشاهدة،
يكم} بالبعث ،إذ ّ أي :لم ال تستدلون بالخلق على الخالق {ثم ُي ِميتُ ُكم} بالموت الطبيعي {ثم ُي ْحِي ُ
أن الجهةالكرسي والعرش الظاهران .والحقيقة ّ لهن سبع سموات بحسب ما تراه العامة ،إذ الثمن والتاسع هو
فعد ّ
ّ
ّ
لدنو رتبته بالنسبة إلى العالم الروحاني الذي هو الجهة العلوية المعبر
الجسماني كالبدن وأعضائه ّ السفلية هي العالم
ّ
ّ ّ
اهن سبع سموات إشارة إلى مراتب عالم الروحانيات ،فاألول :هو عنها بالسماء .وثم للتفاوت بين الخلق واألمر .وسو ّ
عالم الملكوت األرضية والقوى النفسانية و ّ
الجن .والثاني :عالم النفس .والثالث :عالم القلب .والرابع :عالم العقل.
السر القلبي .وإلى
الروحي غير ّ السر
السر .والسادس :عالم الروح .والسابع :عالم الخفاء الذي هو ّوالخامس :عالم ّ
ّ ّ
هذا أشار أمير المؤمنين عليه السالم بقوله" :سلوني عن طرق السماء ،فإني أعلم بها من طرق األرض" ،وطرقها:
األحوال والمقامات كالزهد ،والتوكل ،والرضا ،وأمثالها.
ونقدس لك}
الدماء} وتعريضهم بأولويتهم لذلك بقولهم{ :ونحن نسبح بحمدك ّ {قالوا أتجعل فيها من يْف ِسد فيها وي ِ
سف ُك
َ َ ُ ُ
هو احتجابهم عن ظهور معنى اإللهية واألوصاف الربانية فيه التي هي من خواص الهيئة االجتماعية والتركيب
الجامع للعالمين الحاصر لما في الكونين .وعلمهم بصدور األفعال البهيمية التي هي اإلفساد في األرض ،والسبعية
المعبر عنها بسفك الدماء اللتين هما من خواص ّقوة الشهوة والغضب الضروري وجودهما في تعلق الروح بالبدن،
المقدسة تطلع على ما تحتها وما في أنفسها وال
وتقدس نفوسهم عن ذلك ،إذ كل طبقة من المالئكة ّ وبنزاهة ذواتهم ّ
تطلع على ما فوقها ،فهي تعلم أنه ال ّبد في تعلق الروح العلوي النوراني بالبدن السفلي الظلماني من واسطة تناسب
ين * َقاُلوْا ُس ْب َٰحَن َك الَ ِعْل َم وعَّلم ءادم األَسمآء ُكَّلها ثُ َّم عرضهم عَلى اْلم َٰلِئ َك ِة َفَقال أ َْنِبُئوِني ِبأَسم ِآء هـٰؤ ِ
الء ِإن ُك ْنتُم ٰ ِ ِ
ص دق َ ْ َ ْ َ َُ َ َ ََ َ ُ ْ َ َ َ َ َ ََ ْ َ َ َ
َّ ِ َهم ِبأ ِ ِ َلَنآ ِإالَّ ما َعَّلمتََنآ ِإَّن َك أ َْن َت اْل َعلِيم اْل َح ِكيم * َقال َيآء َادم أَنِب ْئهم ِبأ ِ ِ
ال أََل ْم أَُق ْل ل ُك ْم ِإني أ ْ
َعَل ُم َس َمآئه ْم َفَل َّمآ أَْنَبأ ُ ْ ْ
َس َمآئه ْم َق َ َ َ ُ ُْ ْ ُ ُ َ ْ
َعَلم َما تُْب ُدو َن َو َما ُك ْنتُ ْم تَ ْكتُ ُمو َن ِ َغيب َّ ِ
الس َٰم َٰوت َواأل َْرض َوأ ْ ُ َْ
ض ُهم}
ومضارها {ثم َع َر ُ
ّ {وعلم آدم األسماء كلها} أي :ألقى في قلبه خواص األشياء التي تعرف بها هي ومنافعها
ِ
المالئكة} بشهودهم البنية اإلنسانية ومرافقتهم آلدم في التنزيل .ومعنى قوله{ :فقال أنبئوني أي :عرض مسمياتها {على
الء إن كنتم صادقين} إرادته النتعاشهم ببعض معلومات اإلنسان باقتضاء التركيب اإلنسانيَّ ،
وتأذي بأسماء هؤ ِ
ِ
ْ
محسوساته ومعلوماته المتنوعة منها والحادثة فيه بخاصية التركيب والهيئة االجتماعية إلى ذواتهم بعد ما لم تكن ،إذ
علومهم تابعة لعلمه وهو معنى إفحامهم وتعلق إرادته بذلك أمر آدم باإلنباء إذ جميع القوى اإلنسانية والمالئكة التي
بحضرته تنتعش بما ال تنتعش هي في غير ذلك المحل ،وهو معنى إنباء آدم إياهم.
ِٰ وإِ ْذ ُقْلنا لِْلم َٰلِئ َك ِة اسجدوْا ألَدم َفسجدوْا ِإالَّ ِإبلِيس أَبى واستَ ْكبر وَك ِ
ان م َن اْل َكف ِر َ
ين ْ َ َ ٰ َ ْ ََ َ َ ْ ُُ َ َ َ َُ َ َ َ
آلد َم} سجودهم آلدم انقيادهم وتذللهم له ومطاوعتهم وتسخرهم له {فسجدوا إال إبليس َأبى ِ
اسج ُدوا َ
{وإ ْذ قلنا للمالئكة ُ
استَ ْكَب َر} وإبليس هو القوة الوهمية ألنها ليست من المالئكة األرضية الصرفة المحجوبة عن إدراك المعاني بإدراكوْ
الصور ،فيذعن بالقهر مطاوعة ألمر هللا ،وال من السماوية العقلية فتدرك شرف آدم وتوافق عقله فيذعن بالمحبة طالباً
جنياً :أي من جملة الملكوت السفلية والقوى األرضية ،نشأ وتربى بين ظهور المالئكة السماوية
لرضا هللا .وكان ّ
إلدراكه المعاني الجزئية وترقيه إلى األفق العقلي ولهذا كان في الحيوانات العجم بمنزلة العقل في اإلنسان وإباؤه عدم
ّ
تفوقه على الخلقة الطينية والمالئكة السماوية واألرضية بعدم وقوفه
انقياده للعقل ،وامتناعه لقبول حكمه ،واستكباره ّ
وتعديه عن طوره بخوضه في المعاني العقلية واألحكامحده من إدراك المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوسات ّعلى ّ
ين} المحجوبين في األزل عن األنوار العقلية والزوجية فضالً عن نور الوحدة. الكلية{ .وكان ِمن َ ِ
الكافر َ َ َ
ين َّٰ ِ ِ وُقْلنا يآءادم اس ُكن أ َْنت وَزوجك اْلجَّن َة وُكالَ ِم ْنها رَغداً حي ُث ِش ْئتُما والَ تَْقربا هـ ِٰذِه ال َّشجرة َفتَ ُك ِ
ونا م َن اْلظلم َ
َ َ ََ َ َ ََ َ َْ َ َ َ َ َ َ َُ ْ ْ َ َ ْ ُ َ َ َ
وزوج َك الجنة} زوجته :هي النفس ،وسميت حواء لمالزمتها الجسم الظلماني إذ الحياة هي
ُ أنت
اس ُك ْن َ
{وقلنا يا آدم ْ
اللون الذي يغلب عليه السواد كما أن القلب سمي آدم لتعلقه بالجسم دون المالزمة باالنطباع إذ األدمة هي السمرة
أي :اللون الذي يضرب إلى السواد ولوال تعلقه لما سمي آدم .والجنة المأمور بمالزمتهما إياها هي سماء عالم الروح
التي هي روضة القدس أي ِ
ألزَما سماء الروح.
توسعا وتفسحا في تلقي معانيها ومعارفها وحكمها التي هي األقوات القلبية والفواكه {وكال منها رَغداً ُ ِ
حيث شئتُما} أيّ : َ
الروحية توسعاً بالغاً على أي وجه ومن أي مرتبة وحال ومقام شئتما إذ هي دائمة غير منقطعة وال محجورة {فتكونا
من الظالمين} الواضعين النور في محل الظلمة الذي ليس موضعه والناقصين من نور استعدادكما وحظكما من عالم
النور ،فإن الظلم في العرف هو وضع الشيء في غير موضعه وفي اللغة نقص الحق والحظ الواجب.
ٍ
كلمات} أي :استقبل من جهة رّبه أنوا اًر وأطوا اًر ،أي :مراتب من الملكوت والجبروت وأرواحاً {فتلقى آدم من ر ِ
به
اب
مجردة ،إذ كل مجرد كلمة ألنه من عالم األمر كما سمي عيسى كلمة أو تلقن منه معارف وعلوماً وحقائقَ{ .فتَ َ ّ
بالتجرد عن المالبس الطبيعية واالنخراط في سلك األنوار الملكوتية ،واالتصاف بالكماالت
ّ تقبل رجوعه إليهعليه} ّ
القدسية ،والتجّلي بالعلوم الحقيقية .وأصل تاب عليه :ألقى الرجوع عليه وجعله راجعاً .ولعمري إنها هي التوبة المقبولة
اب} الكثير القبول لتوبة عباده {الرحيم} الذي سبقت رحمته غضبه ،فيرحم
ال الرجوع الناشئ من قبله{ .إنه هو التو ُ
ليتقرب منه .
عبده في حين غضبه ،كما جعل غضبه على آدم سبب كماله ورجوعه إليه وبعده ّ
ِ
َصحاب ِ
النار} ُ {وكذبوا ِبآياتنا أ َ
ُولئك أ {والذي َن َكَفروا} أي :حجبوا عن الدين لكونه في مقابلة اتباع الهدى .وإردافه بقولهَ :
اذكروا ِنعمتي التي أنعمت عليكم وأوُفوا ِبعهدي أ ِ ِ
ُوف بعهدكم َ ُ أي :نار الحرمان {هم فيها خالدون * يا َبني إسر َ
ائيل ُ
إياي فارهبون} بنو إس ارئيل هم أهل اللطف اإللهي ،وأرباب نعمة الهداية والنبوة ،دعاهم باللطف وتذكير النعمة
و َ
ّ
السابقة ،والعهد السالف المأخوذ منهم في التوراة بتوحيد األفعال بعد العهد األزلي كما هو عادة األحباب عند الجفاء.
ّ
المودة واإلخاء
ّ وكان بنا ألم يك بيننا رحم ووصل
وهذه الدعوة مخصوصة بتوحيد الصفات الذي هو رفع الحجاب الثاني ،فهي أخص من الدعوة األولى العامة لتذكير
أخص من الخوف،الولي ،والتهديد على عدم إجابتها بالرهبة التي هي ّ
النعمة الدينية والعهد والتجّلي بصفة المنعم و
ّ
فإن الخوف إنما يكون من العقاب ،والرهبة من السخط والقهر ،واإلعراض واالحتجاب والخشية أخص منها لكونها
ِ
الحس ِ ن
اب} [الرعد ،اآلية .]21 :وكذا الهيبة وء َ {وَي ْخ َش ْو َن َرب ُ
َّه ْم َوَي َخا ُفو َ ُس َ مخصوصة باحتجاب الذات .قال هللا تعالىَ :
ألنها قرنت بعظمة الذات.
َوالَ تَ ْشتَ ُروْا ِب َٰآيِتي ثَ َمناً َقلِيالً َوِإ َّٰيي َفاتَُّقو ِن * َوالَ َتْلِب ُسوْا اْل َح َّق ونوْا أََّو َل َك ِاف ٍر ِب ِه
َوالَ تَ ُك ُ صِّدقاً ّلِ َما َم َع ُك ْم َنزل ُت ُم َ
وِ
آمُنوْا ِب َمآ أ َ ْ َ
َ
الزَٰكوة وارَكعوْا مع َّٰ ِ ِ *وأ َِقيموْا َّ ٰ ِ
ِباْل َٰبط ِل َوتَ ْكتُ ُموْا اْل َح َّق َوأ َْنتُ ْم َت ْعَل ُمو َن
ينالركع َ َّ َ َ ْ ُ َ َ وة َوآتُوْا الصل َ َ ُ
لت} من القرآن على حبيبي من توحيد الصفات {مصدقاً لما معكم} في التوراة من توحيد األفعال {وال آمنوا ِبما ْأنز ُ
{و ُ
ِ
{بآياتي} الدالة على تكونوا أول ِ
كاف ِر ِبه} أي :أول محجوب عنه الحتجابكم باعتقادكم {وال تشتروا} أي :ال تستبدلوا ّ
تجليات ذاتي وصفاتي كسورة (اإلخالص) وآية (الكرسي) وأمثالهما{ ،ثمناً قليالً} أي :جنتكم النفسية لتألفكم بالمالذ ّ
الحسية وثواب األعمال بتوحيد األفعال .وإن اتقيتم عن الشرك فاتقوا سطوة قهري وجاللي وحجابي بابتغاء رضاي فال
ّ
تثبتوا صفة لغيري.
ِ
بالباطل} أي :وال تخلطوا صفاته تعالى الثابتة كعلمه وقدرته وإرادته بالباطل الذي هو صفات نفوسكم {وال تلبسوا الحق
بظهورها بصفاتها وعدم تمييزكم بين دواعيها وخواطرها ودواعي الحق وخواطره ،وال تكتموها بحجاب صفات النفس
{وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة} طلباً لمرضاتي ال رجاء لثوابي ،ومصداقه قوله{ :واركعوا مع الراكعين} إذ الركوع هو
الخضوع واإلذعان لما يفعل به فهو عالمة الرضا الذي هو ميراث تجّلي الصفات وغايته ،أي :ارضوا بقضائي عند
مطالعة صفاتي والتوجه عند القيام بالفعل عالمة طلب الثواب واألجر الستقالل النفس بصورتها ،والسجود الذي هو
غاية الخضوع عالمة الفناء في الوحدة عند تجلي الذات.
الص َٰلوِة َوِإَّن َها َل َكِب َيرةٌ ِإالَّ َعَلى استَ ِعيُنوْا ِب َّ
الص ْب ِر َو َّ ِ ِٰ الن َ ِ ِ
اس باْلبِّر َوتَْن َس ْو َن أ َْنُف َس ُك ْم َوأ َْنتُ ْم تَْتُلو َن اْلكتَ َب أََفالَ تَ ْعقُلو َن َ
*و ْ ْم ُرو َن َّ
أَتَأ ُ
يل ا ْذ ُك ُروْا ِن ْع َمِتي َّالِتي أ َْن َع ْم ُت َعَل ْي ُك ْم َوأَِّني ظُّنون أََّنهم ُّمَلـُٰقوْا رِب ِهم وأََّنهم ِإَلي ِه ٰرِجعون ٰ ِ ِ ِ َّ ِ ِٰ ِ
*يَبني إ ْس َرائ َ
َّ ْ َ ُ ْ ْ َ ُ َ َ ين َي ُ َ ُ ين* الذ َ اْل َخشع َ
س َش ْيئاً َوالَ ُيْقَب ُل ِم ْن َها َش َٰف َع ٌة َوالَ ُي ْؤ َخ ُذ ِم ْن َها َع ْد ٌل َوالَ ُه ْم
ين* واتَُّقوْا َي ْوماً الَّ تَ ْجزِي َنْف ٌس َعن َّنْف ٍ ٰ ِ
ضْلتُ ُك ْم َعَلى اْل َعَلم َ ََف َّ
ص ُرو َن ُي ْن َ
نسو َن {أتأمرو َن َ ِ
بالتنور {وتَ َ
الناس بالبر} الذي هو الفعل الجميل الموجب لصفاء القلب ،وزكاء النفس الزائد منها ّ
أنفسكم} أفال تفعلون ما ترتقون به من مقام تجّلي األفعال إلى تجّلي الصفات {وأنتُم تَْتُلو َن} كتاب فطرتكم الذي يأمركم
باتباع محمد في دينه السالك بكم سبيل التوحيد {أفال ِ
تعقلو َن} تعيير بالغ ،وتهييج لحميتهم.
أن الذي هداهم أوالً ولطف بهم وفضلهم على عالمي زمانهم المحجوبين بالهداية إلى رفع الحجاب كرر الخطاب ليفيد ّ
ّ
شر في الهداية األولى فكذلك في الثانية ال يريد بهم إال خي اًر.
األول هو الذي يهديهم ثانياً ،فكما لم يرد بهم ّاً
عن َن ٍ
فس َش ْيئاً} من اإلغناء لعدم القدرة ألحد فس ْ
{ن ٌ
جزي} أي :حال تجلي صفة القهر حين ال تغني َ {واتقوا يوماً ال تَ ِ
بل منها شفاع ٌة} لعدم الشفاعة والمدد إذ كلهم مسلوبو الصفات واألفعال ،كقوله : {وال ُيْق ُ
اب ي َذِبحون أَبنآء ُكم ويستَحيون ِنسآء ُكم وِفي َٰذلِ ُكم بالء ِمن َّرب ُ ِ ِ ٰ ِ ِ ِ
يم
ِك ْم َعظ ٌ
ْ َ ٌ ّ ّ وء اْل َع َذ ُ ّ ُ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ ْ ُ َ َ َ ْ َ ون ُك ْم ُس َ
وم ََوإِ ْذ َن َّج ْيَن ُكم ّم ْن آل ف ْرَع ْو َن َي ُس ُ
آل ِف ْرَع ْو َن َوأ َْنتُ ْم تَن ُ
ظ ُرو َن َنج ْي َٰن ُك ْم َوأ ْ
َغ َرْقَنا َ * َوإِ ْذ َف َرْقَنا ِب ُك ُم اْلَب ْح َر َفأ َ
آل ِفرعو َن} ظاهره وتفسيره على ما يفهم من تذكير النعمة لتهييج المحبة وباطنه وتأويله {وإذ
{وإذ َنجيناكم من ِ
نجيناكم من آل فرعون} النفس األمارة المحجوبة بأنانيتها المستعلية على ملك الوجود ومصر مدينة البدن التي
استعبدت هي وقواها التي هي الوهم والخيال والتخلية والغضب والشهوة والقوى الروحانية التي هي أبناء صفوة هللا
يعقوب الروح والقوى الطبيعية البدنية من الحواس الظاهرة والقوى النباتية.
الكد واألعمال الشاّقة في جمع المال و ّادخاره بالحرص واألمل ومونكم سوء الع َذ ِ
اب} يكلفونكم المتاعب الصعبة و ّ {ي ُس َ ُ َ َ َ
الحراص من أبناء الدنيا ويستعبدونكم في التفكر فيها واالهتمام بها
وترتيب األقوات والمالبس وغيرها مما يكدح فيه ّ
أبناء ُكم} التي هي تلك القوى الروحانية وضبطها وتحصيل لذاتهم التي هي عذاب لمنعها إياكم عن لذاتكم{ .يذبحو َن
َ
عن العاقلة النظرية ،والعاقلة العملية اللتين هما عينا القلب النظرية اليمنى والعملية اليسرى ،والفهم الذي هو سمع
ساءكم} القوى الطبيعية المذكورة بمنع الطائفة األولى نِ
السر الذي هو قلب القلب ،والفكر والذكر {ويستحيو َ ن َ
القلب ،و ّ
عن أفعالها الخاصة بالقهر واالستيالء وحجبها عن حياة نور الروح ومددها وإقدار الطائفة الثانية عن أفعالها
وتمكينها.
حر} أي البحر األسود الزعاق الذي هو المادة الجسمانية النفالقها بوجودكم انفالق األرض {الب َ
{وإ ْذ فر َقنا} بوجودكم َ
آل ِف ْرعون} أي :القوى النفسانية فيها بمالزمتها إياها وهالكها بفسادها،
أغ َرقنا َ
بالتجرد منها {و ْ
ّ يناكم}
{فأن َج ُ
من النبات ْ
{و ْأنتم} تشاهدون ذلك .وعلى هذا يمكن أن يؤول بنو إسرائيل في أول الخطاب بتلك القوى الروحانية و ِ
الن ْعمة التي أنعم ّ ّ
بها عليهم هي التهدي إلى قبول األنوار الفائضة عليها من عالم الروح وتلقي المعارف والحكم ،وإيفاؤهم بالعهد،
وإبرازهم ما ركز فيها بحسب االستعداد األول من األدلة التوحيدية والمعاني الكلية الكامنة فيها بالتصفية ومزاولة ما
يختص بها من األفعال ،وإيفاؤه بعهدهم إفاضة النور الكمالي عليها عند قيامها بحق النور االستعدادي بالتصفية
ّ
واستعمال ما عندهم من المعاني .وإن كنتم رهبتم شيئاً فارهبوا احتجاب أنواري بزوال استعدادكم ،وآمنوا أي :واقبلوا ما
مصدقاً لما في استعدادكم من النور الفطرّي ،وال تكوونوا في ّأول
ّ أفيض عليكم من اإلشراقات النورية والسوانح الغيبية
رتبة المحتجبين عن قبولها بالتوجه إلى الجهة السفلية وال تستبدلوا بها لذات النفس ومقاصدها ،وال تخلطوا حق
المعارف الروحية واألنوار القدسية بباطل المطالب الحسية والصفات النفسية ،وتكتموا تلك األنوار والمعارف بظهور
هذه عليكم .وأقيموا وأديموا التوجه إلى حضرة الروح وامتثال أمره ،وآتوا زكاة معلوماتكم التي هي أموالكم بتصفحها
وتركيبها لتحرزوا بها ثواب النتائج واللوازم ،وأنفقوها على فقرائكم الذين بحضرتكم من القوى البدنية الطبيعية ليعيشوا
بها ،ويكتسبوا بها األخالق الفاضلة والملكات الجميلة ،وعلموها أبناء جنسكم ليكملوا بها ،واركعوا واخضعوا لقبول
بالبر وتنسون أنفسكم؟ أتسوسون ما تحتكم من القوى
األوامر العقلية واألنوار الروحية واألعمال القلبية .أتأمرون الناس ّ
بالعبادات الجميلة واآلداب الحسنة والترقي إلى مقامكم والتأدب بآدابكم وتنسون أنفسكم في ّ
التأدب بين يدي هللا بآداب
نكم ِّمن َب ْع ِد َذلِ َك َل َعَّل ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن ظلِ ُمو َن * ثُ َّم َعَف ْوَنا َع ُ ين َلْيَل ًة ثُ َّم اتَّ َخ ْذتُ ُم اْل ِع ْج َل ِمن َب ْع ِدِه َوأ َْنتُ ْم َٰ ِ
وس ٰى أ َْرَبع َ ٰع ْدَنا ُم َ َوِإ ْذ َو َ
وس ٰى لَِق ْو ِم ِه َٰيَق ْو ِم ِإَّن ُك ْم َ
ظَل ْمتُ ْم أ َْنُف َس ُك ْم ِب ِاتّ َخ ِاذ ُك ُم اْل ِع ْج َل ال ُم َ
َّ
ان َل َعل ُك ْم تَ ْهتَ ُدو َن * َوإِ ْذ َق َ اب َواْلُف ْرَق َ
ِ
وسى اْلكتَ َ * َوإِ ْذ آتَْيَنا ُم َ
ِ َّ ِ ِٰ
يم
اب ا َّلرح ُ اب َعَل ْي ُك ْم ِإَّن ُه ُهَو التََّّو ُ َنف َس ُك ْم َذل ُك ْم َخ ْيٌر ل ُك ْم ع ْن َد َب ِارِئ ُك ْم َفتَ َ وبوْا ِإَل ٰى َب ِارِئ ُك ْم َفا ْقُتُلوْا أ ُ
َفتُ ُ
{وإذ آتينا موسى} القلب كتاب المعقوالت والحكم والمعارف والتمييز الفارق بين الحق والباطل ،لكي تهتدوا بنور هداه.
وبوا}
أنفسكم} نقصتم حقوقها وحظوظها من الثواب والتجليات المذكورة {فتُ ُ
غني عن التأويل{ .ظلمتم ُ وعلى الوجه األول
ّ
إلى خالقكم برفع الحجاب األول لداللة ذكر البارئ عليه {فاقتلوا ْأنُفسكم} بسيف الرياضة ومنعها عن حظوظها وأفعالها
الخاصة بها على سبيل االستقالل وقمع هواها التي هي روحها التي تحيا هي بها ،وعلى الثاني ألهم القلب قواه أنكم
نقصتم حقوقكم بتعبد النفس فارجعوا إلى بارئكم بنور هداه فامنعوا أنفسكم بالرياضة عما ضربتم فاقتلوها عن حياتها
العارضة لها بغلبة الهوى لتحيوا بحياتكم األصلية فتقبل توبتكم.
ظ ُرو َن * ثُ َّم َب َع ْث َٰن ُكم ِّمن َب ْع ِد َم ْوِت ُك ْم َل َعَّل ُك ْم الص ِعَق ُة َوأ َْنتُ ْم تَن ُ
َخ َذ ْت ُك ُم َّٰ وس ٰى َلن ُّن ْؤ ِم َن َل َك َحتَّ ٰى َن َرى َّ
َّللاَ َج ْه َرًة َفأ َ ٰ
َي ُم َ َوإِ ْذ ُقْلتُ ْم
ونا َوَلـ ِٰكن َك ُانوْا أ َْنُف َس ُه ْم ظَل ُم َ
اك ْم َو َما َ طِّي َٰب ِت َما َرَزْقَن ُ
السْل َو ٰى ُكُلوْا ِمن َ ظَّلْلَنا َعَل ْي ُك ُم اْل َغ َم َام َوأ َ ْ
َنزلَنا َعَل ْي ُك ُم اْل َم َّن َو َّ *و َ
َ تَ ْش ُك ُرو َن
ظلِ ُمو َن
َي ْ
لن ُنؤ ِم َن} ألجل هدايتك اإليمان الحقيقي حتى تصل إلى مقام المشاهدة والعيان َ
{فأخ َذتكم} {وإ ْذ قلتم يا موسى ْ
صاعقة الموت الذي هو الفناء في التجلي الذاتي {و ْأنتُم} تراقبون أو تشاهدون{ .ثم بعثناكم} بالحياة الحقيقية والبقاء
عليكم} غمام تجلي الصفات لكونها حجب
ُ للنا
ظ َ بعد الفناء لكي تشكروا نعمة التوحيد والوصول بالسلوك في هللا {و َ
شمس الذات المحرقة بالكلية{ ،وأنز َلنا عليكم} من األحوال والمقامات الذوقية الجامعة بين الحالوة وإسهال رذائل
أخالق النفس كالتوكل والرضا ،وسلوى الحكم ،والمعارف والعلوم الحقيقية التي تحشرها عليكم رياح الرحمة ،والنفحات
اإللهية في تيه الصفات عند سلوككم فيها{ .كلوا} أي :تناولوا وتلقوا هذه الطيبات {وما ظلمونا} ما نقصوا حقوقنا
{ولكن كانوا} ناقصين حقوق أنفسهم بحرمانها وخسرانها .هذا على التأويلين،
ْ وصفاتنا باحتجابهم بصفات نفوسهم
والخطجاب وإن كان عاماً لكنه مخصوص بالسبعين المختارين.
{وسن ِز ُيد ُ
الم ْحسنين} أي :المشاهدين لقوله عليه الصالة والسالم" :اإلحسان أن تعبد َ خطاياكم} تلويناتكم وذنوب أحوالكم
هللا كأنك تراه" .ثواب إحسانهم الذي هو كشف الذات أو إحسانهم بالسلوك في هللا.
يل لهم} أي :طلبوا االتصاف بصفات النفس ابتغاء حظوظها سوى طلب ِ
ظَل ُموا قوالً غير الذي ق َ
{فبدل الذين َ
َ
االتصاف بصفات هللا ابتغاء الحظوظ الروحية .كما روي عنهم حنطاً سمقاثاً أي :نطلب غذاء النفس{ .فأنز َلنا} على
الظالمين خاصة ِ
{ر ْج اًز} عذاباً وضنكاً وضيقاً وظلمة في حبس النفس وأس اًر في وثاق التمني واحتجاباً في قيد الهوى،
وحرماناً وذالً بمحبة المادة السفلية وتغيرها وزوالها من جهة قهر سماء الروح ،ومنع اللطف والروح عنهم بسبب فسقهم
أي خروجهم عن طاعة القلب إلى طاعة النفس ،وتركنا التأويل الثاني لقربه منه جداً.
{وإ ْذ استسقى موسى} طلب نزول أمطار العلوم والحكم والمعاني من سماء الروح ،فأمرناه بضرب عصا النفس التي
{فانفجرت ِمنه اثنتَا
ْ يتوكأ عليها في تعلقه بالبدن وثباته على أرضه بالفكر على حجر الدماغ الذي هو منشأ العقل
عشرَة عيناً} من مياه العلوم على عدد المشاعر اإلنسانية التي هي الحواس الخمس الظاهرة ،والخمس الباطنة ،والعاقلة
النظرية والعملية .ولهذا قال عليه الصالة والسالم" :من ُفِق َد حساً َفَق ْد َفَق َد علماً"{ .قد علم كل أ ٍ
ُناس مشربهم} أي :أهل ّ
كل علم مشربهم من ذلك العلم ،كأهل الصناعات ،والعلماء العاملين من مشرب العقل العملي ،والحكماء والعارفين من
ّ
النظرّي والصباغين من علم األلوان المبصرة ،وأهل صناعة الموسيسقى من علم األصوات وغير ذلك .وعلى التأويل
الثاني :أمرنا موسى القلب ،بضرب عصا النفس على حجر الدماغ{ ،فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً} هي المشاعر
بقوة من القوى االثنتي عشرة المذكورة التي هي أسباط يعقوب الروح ،قد علم كل كل واحدة منها ّ المذكورة التي تختص ّ
{كُلوا واشرُبوا من ِرز ِق هللا} أي :انتفعوا بما رزقكم هللا من العلم والعمل واألحوال والمقامات{ .وال تعثوا في
منها مشربه ُ
ِ
األرض ُمْفسدين} وال تبالغوا في الفساد بالجهل.
ض ِمن َبْقلِ َها َوِقثَّ ِآئ َها َوُفو ِم َها ِ ٍِ
َّك ُي ْخ ِرْج َلَنا م َّما تُْنِب ُت األ َْر ُ صِب َر َعَل ٰى َ
ط َعا ٍم َواحد َف ْادعُ َلَنا َرب َ وس ٰى َلن َّن ْ ٰ
َوإِ ْذ ُقْلتُ ْم َي ُم َ
ض ِرَب ْت َعَل ْي ِه ُم ال ِّذَّل ُة ص اًر َفِإ َّن َل ُك ْم َّما َسأَْلتُ ْم َو ُ
وعد ِسها وبصلِها َقال أَتَستَب ِدُلو َن َّال ِذي هو أ َْدنى ِب َّال ِذي هو خير اهِب ُ ِ
طوْا م ْ َُ َ ٌْ ْ َُ َ ٰ َ ََ َ َ َ َ َ َ ْ ْ
ِٰ ِ النِبِّي َ ِ َّللاِ َوَيْقُتُلو َن َّ َّللاِ َذلِك ِبأََّنهم َكانوْا ي ْكُفرون ِبآي ِ واْلمس َكن ُة وبآءو ِب َغ ٍ ِ
صوْا َّوَك ُانوْا ين ب َغ ْي ِر اْل َح ِّق ذل َك ب َما َع َ ات َّ ضب ّم َن َّ َ ُ ْ ُ َ ُ َ َ َ َ َ ْ َ ََ ُ
َي ْعتَ ُدو َن
صالِحاً َفَل ُه ْم أَ ْج ُرُه ْم ِع َند َرّب ِِه ْم َوالَ ِ ِ الصاِبِئين من آمن ِب َّ ِ َّ ِ َّ ِ
اَّلل َواْلَي ْو ِم اآلخ ِر َو َعم َل َ ص َار ٰى َو َّ َ َ ْ َ َ ين َه ُادوْا َو َّ
الن َ آمُنوْا َوالذ َين َ ِإ َّن الذ َ
ف َعَل ْي ِه ْم َوالَ ُه ْم َي ْح َزُنو َن َخ ْو ٌ
أخ ْذنا ميثَا َق ُكم} أي :عهدكم السابق أو الالحق المأخوذ منهم في التوراة أو بدالئل العقل بتوحيد األفعال والصفات
{وإ ْذ َ
{ورَفعنا فوقكم} طور الدماغ لتمكن من فهم المعاني وقبولها .وقلنا {خذوا} أي :اقبلوا {ما آتيناكم} من التوراة أو كتاب
َ
بجد {وا ْذ ُكروا} وعوا ما فيه من الحكم والمعارف والعلوم والشرائع ،لكي تتقوا الشرك والجهل والفسق {ثم}
العقل الفرقاني ّ
عليكم} بهدايته العقل {ورحمته} بنور البصيرة
فضل هللا ُ أعرضتم {من ِ
بعد ذلك} بإقبالكم إلى الجهة السفلية {َفلوال
ُ
الخاسرين}. ِ
والشرع {لكنتُم من َ
اها َن َكاالً ِّل َما َب ْي َن َي َد ْي َها َو َما َخْلَف َها ِِ السب ِت َفُقْلَنا َلهم ُك ُ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
ين * َف َج َعْلَن َ
ونوْا ق َرَد ًة َخاسئ َ ُْ اعتَ َدوْا م ْن ُك ْم في َّ ْ
ين ْ
َوَلَق ْد َعل ْمتُ ُم الذ َ
ومو ِع َ ِ ِ
ظ ًة ّلْل ُمتَّق َ
ين َ َْ
{ولقد علِ ْمتم الذين اعتدوا} اعلم :أن الناس لو أهملوا وتركوا وخّلي بينهم وبين طباعهم لتوغلوا وانهمكوا في اللذات َ
الجسمانية ،والغواشي الظلمانية لضراوتهم بها واعتيادهم من الطفولية والصبا حتى زالت استعداداتهم وانحطوا عن رتبة
ض َب َعَل ْي ِه َو َج َع َل ِم ْن ُه ُم اْلِق َرَد َة َواْل َخَن ِاز َير} [المائدة ،]60 :وإن
َّللا و َغ ِ َّ
{من ل َعَن ُه َّ ُ َ
اإلنسانية ،فمسخوا كما قال تعالىَ :
وتنوروا ،كما قال
وروعوا بالسياسات الشرعية والعقلية والحكم واآلداب والمواعظ الوعدية والوعيدية ترقوا ّ حفظوا ّ
الشاعر:
فلهذا وضعت العبادات ،وفرض عليهم تكرارها في األوقات المعينة لتزول عنهم بها درن الطباع المتراكم في أوقات
فتتنور بواطنهم بنور الحضور ،وتنتعش
الغفالت وظلمة الشواغل العارضة في أزمنة اتخاذ اللذات ،وارتكاب الشهواتّ .
وحب الوحدة عن وحشة الهوى،
قلوبهم بالتوجه إلى الحق عن السقوط في هاوية النفس والعثور ،وتستريح بروح الروحّ ،
وتعلق الكثرة ،كما قال عليه السالم" :الصالة بعد الصالة كفارة ما بينهما من الصغائر إذا اجتنبت الكبائر" .أال ترى
كيف أمرهم عند الحدث األكبر ومباشرة الشهوة بتطهير الغسل ،وعند األصغر بالوضوء ،وعند االشتغال باألشغال
الدنيوية في ساعات اليوم والليل بالصلوات الخمس المزيلة لكدورات الحواس الخمس الحاصلة في النفس بسببها ،كل
بما يناسبه ،فلذلك وضعوا بإزاء وحشة تفرقة األسبوع وظلمة انفرادهم بدؤوب األشغال والمكاسب ،والمالبس البدنية،
والمالذ النفسانية ،اجتماع يوم واحد على العبادة والتوجه لتزول وحشة التفرقة بأنس االجتماع وتحصل بينهم المحبة
التنور فوضع
واألنس وتزول ظلمة االشتغال باألمور الدنيوية واإلعراض عن الحق بنور العبادة والتوجه ،ويحصل لهم ّ
لليهود أول أيام األسابيع لكونهم أهل المبدأ والظاهر ،وللنصارى بعده ألنهم أهل المعاد والروحاني والباطن المتأخرين
النبوة الخاتمة
عن المبدأ والظاهر بالنسبة إلينا ،وللمسلمين آخرها الذي هو يوم الجمعة لكونهم في آخر الزمان أهل ّ
الحق تعالى ألن
ّ وأهل الوحدة الجامعة للكل ،وإن جعل السبت آخر األيام -على ما نقل أنه السابع -فبالنسبة إلى
الحس الذي إليه دعوة اليهود هو آخر العوالم ،وعالم العقل الذي إليه دعوة النصارى ّأولها ،والجمعة هي يوم
عالم ّ
الجمع والختم ،فمن لم يراع هذه األوضاع والمراقبات أصالً زال نور استعداده ،فمسخ كما مسخت أصحاب السبت.
نهوا عن الصيد ،أي :إحراز الحظوظ النفسانية واقتنائها في يوم السبت ،فاحتالوا فيه فاتخذوا حياضاً على ساحل
البحر ليحبسوا فيها الحيتان ويصطادوها يوم األحد .أي :ادخروا في سائر أيام األسبوع من ماء بحر الهيولى الجرمية
والجرمانيات المادية في حياض بيوتهم فجمعوا بها أنواع المطاعم والمشارب والمالذ والمالهي ،فاجتمع لهم كل
الحظوظ النفسانية في يوم السبت ما اكتفوا به سائر أيام األسبوع ليفرغوا فيها إلى االشتغال بالمكاسب والصناعات
والمهن ،كحما هو عادة اليهود اليوم وشطار المسلمين في الجماعات فإن أكثر فسقهم فيها ،فذلك اعتيادهم في السبت
أن جميع أوقات حضورهم مصروفة في هموم الدنيا وطلب حظوظ النفس والهوى .كما ترى اليوم واحداً وهو يدل على ّ
من المسلمين قالبه في المسجد في الصالة وقلبه في السوق في المعاملة ،حتى قال أحدهم :جريدة حسابي هي
الصالة .أي :إذا فرغت من أشغال الدنيا إلى الصالة أخذ قلبي في تصفح تجاراتي وما لي على الناس وما للناس
العلوي اإلنساني إلى األفق السفلي الحيواني .وهو معنى قوله :
ّ علي ،وذلك موجب لالنحطاط عن العالم
ّ ّ
ئين} بعيدين ،طريدين .والمسخ بالحقيقة حق {فقلنا لهم كونوا قردة} أي :مشابهين الناس في الصورة وليسوا بهم ِ
{خاس َ
َ ُ
{و َج َع َل ِم ْن ُه ُم اْلِق َرَدةَ َواْل َخَن ِاز َير} [المائدة،
غير منكر في الدنيا واآلخرة ،ووردت به اآليات واألحاديث كقوله تعالىَ :
اآلية ،]60 :وقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم" :يحشر بعض الناس على صور يحسن عندها القردة والخنازير".
وبين أعمالهم ومعاصيهم وموجبات مسخهم. وقد روي عنه عليه الصالة والسالم" :المسوخ ثالثة عشر" ،ثم ّ
عدهم ّ
".
{تثير} أرض االستعداد باألعمال الصالحة والعبادات {وال تسقي} حرث لول} غير مذللة ،منقادة ألمر الشرع ُ
{ال َذ ٌ
بالقوة باستقاء ماء العلوم الكسبية واألفكار الثاقبة ،لعدم احتياج مثل هذه البقرة إلى الذبح
المعارف والحكم التي فيها ّ
{مسلم ٌة} سلمها أهلها لترعى ،غير مسوسة برسوم وعادات وشرائع وآداب {ال ِشي َة فيها} أي :لم يرسخ فيها اعتقاد
ُ
ومذهب لعدم صالحيتها للذبح.
بالحق} الثابت في بيان المستعد المشتاق ،الطالب للكمال {فذبحوها وما كادوا َيفعلون} لكثرة سؤاالتهم
ِ { ِج َ
ئت
تدل على عدم انقياد النفس
ومبالغاتهم وتعمقهم في البحث والتفتيش عن حالها ،وفضول كالمهم في بيانها التي ّ
بالسرعة ،وإبائها للرياضة ،وغلبة الفضول عليها ،وتعذر مطلوبهم ،وتأخرهم عنه بسبب ذلك .ولهذا قال رسول هللا
فشدد هللا عليهم" ،أي :لو لم يكن منهم كثرة
شددوا ّ
صلى هللا عليه وسلم" :لو اعترضوا أدنى بقرة فذبحوها لكفتهم ،ولكن ّ
لقوة قبولهم وإرادتهم ،فكان سلس القياد ،سهل االنقياد .ونهى صلى هللا عز عليهم مطلوبهم ّفضول البحث والسؤال لما ّ
آء ِإن
َشَي َ
عليه وسلم عن كثرة السؤال ،وقال" :إنما هلك من كان قبلكم بكثرة السؤال" .قال هللا تعالى{ :الَ تَ ْسأَلُوْا َع ْن أ ْ
تُْب َد َل ُك ْم تَ ُس ْؤُك ْم} [المائدة ،اآلية.]101 :
إن شيخاً من بني إسرائيل نتجت له عجلة على هذه الصفة ،وكان له ابن طفل ،فجاء بها إلى وقيل في قصتهاّ :
عجوز وقال :إنها لهذا الطفل ،سلميها في مرعاها عساها تنفعه إذا بلغ .فلما وقعت هذه الواقعة وسعى بنو إسرائيل في
طلب البقرة أربعين سنة سمعت العجوز بها ،فأخبرت ابنها بما فعل أبوه وقد ترعرع ،فجاء إلى المرعى فوجدها ،فأتى
بها فساوموه في شرائها ومنعته العجوز عن بيعها حتى اشتروها بملء مسكها ذهباً .فالشيخ هو الروح ،والعجوز
الشاب المقتول هو القلب.
الطبيعة الجسمانية ،وابنه الطفل هو العقل الذي هو نتيجة الروح ،و ّ
فادارْء ِْتُم فيها} إشارة إلى بيان سبب األمر بذبح البقرة ،وهو أنه كان شيخ موسر من بني إسرائيل وله
{وإذ قتلتم نفساً ّ
ابن شاب فقتله ابنا عمه ،أو بنو عمه ،طمعاً في ميراث أبيه وطرحوه بين أسباط بني إسرائيل على الطريق ،فتدافعوا
فالشاب هو القلب الذي هو ابن الروح الموسر
ّ في قتله ،فورد األمر بذبح البقرة وضربه ببعضها ليحيا فيخبر بالقاتل.
بأموال المعارف والحكم ،وقتله منعه عن حياته الحقيقية وإزالة العشق الحقيقي الذي هو حياته عنه باستيالء ّقوتي
الشهوة والغضب اللذين هما ابنا عمه النفس الحيوانية أو جميع قواها عليه ،إذ الروح والنفس أخوان باعتبار فيضانهما
{فقلنا اضربوه ببعضها} بذنبها أو لسانها ،على ما ورد في القصة ،ليحيا ،فيخبركم بالقاتل .وضرب الذنب إشارة إلى
كالحس اللمسي مثالً وسائر
ّ إماتة النفس وتبقية أضعف قواها وآخرها ،وجهتها التي تلي النفس النباتية ورابطتها بها
ّ
الحواس الظاهرة فإنها ذنبها .وضرب اللسان إشارة غلى تعديل أخالقها وقواها وتبقية فكرها الذي هو لسانها ،وهما
التصوف وهو بالنفوس القوية الجانية المستولية
ّ طريقان :طريق الرياضة وإماتة الغضب والشهوة ،كما هو طريق
الطاغية أولى ،وطريق التحصيل وتعديل األخالق كما هو سبيل العلماء والحكماء ،وهو بالنفوس الضعيفة والصافية
المنقادة اللينة أولى .فضربوه ،فقام وأوداجه تشخب دماً ،وأخبر بقاتليه ،أي :صار حياً قائماً بالحياة الحقيقية وعليه أثر
وتلوثه بمطالبه بحسب الضرورة ،وعرف حال القوى البدنية في منعها إياه عن إدراكه وحجبها له القتل لتعلقه بالبدن ّ
الموتى} أي :مثل ذلك اإلحياء العظيم ،يحيي هللا موتى الجهل بالحياة الحقيقية العملية
{كذلك ُي ْحيي هللا َ
َ عن نوره.
{وي ِريكم} دالئله وآيات صفاته لكي تعقلون.
ُ
ون ُه ِمن َب ْع ِد َما َعَقُلوهُ َو ُه ْم َي ْعَل ُمو َن * َوإِ َذا َلُقوْا طمعون أَن يؤ ِمنوْا َل ُكم وَقد َكان َف ِريق ِمنهم يسمعون َكالَم َّ ِ
َّللا ثُ َّم ُي َحِّرُف َ َ ٌ ّْ ُ ْ َ ْ َ ُ َ ْ َ ْ َ ُْ ُ أََفتَ ْ َ ُ َ
وكم ِب ِه ِع ْن َد َرّب ُ
ِك ْم أََفالَ َّللاُ َعَل ْي ُك ْم لُِي َح ُّ
آج ُ ون ُهم ِب َما َفتَ َح َّ ِ ض ُهم ِإَل ٰى َب ْع ٍ
ض َقاُلوْا أَتُ َحّدثُ َ آمَّنا َوِإ َذا َخالَ َب ْع ُ ْ
آمُنوْا َقاُلوْا َين َ
َّ ِ
الذ َ
َّللا يعَلم ما ي ِسُّرو َن وما يعلِنو َن * و ِم ْنهم أ ُِميُّو َن الَ يعَلمو َن اْل ِكتَاب ِإالَّ أَم ِان َّي وإِن هم ِإالَّ تَ ْعِقُلو َن * أ ََوالَ َي ْعَل ُمو َن أ َّ
َ َ ْ ُْ َ َْ ُ َ ُْ ّ َ َ ُْ ُ َن َّ َ َ ْ ُ َ ُ
ظُّنو َن
َي ُ
وتأويل األولى:
َّللاِ لَِي ْشتَ ُروْا ِب ِه ثَمناً َقلِيالً َفوْي ٌل َّلهم ِم َّما َك َتَب ْت أ َْي ِد ِ
يه ْم ثُ َّم َيُقوُلو َن َهـٰ َذا ِم ْن ِع ْن ِد َّ
اب ِبأ َْي ِد ِ ِ َِّ ِ
يه ْم َوَوْي ٌل ُْ ّ َ َ ين َي ْكتُُبو َن اْلكتَ َ
َف َوْي ٌل ّللذ َ
َّل ُه ْم ِّم َّما َي ْك ِسُبو َن
{فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} ،أي :ويل لمن بقيت منه بقايا صفات النفس وهو ال يشعر بها أو يشعر فيحتال
ويدعي أنه من عند هللا ليكتسب به حظاً من حظوظ النفس ،بل عين
أو ال يحتفل بها فيفعل ويقول بنفسه وصفاتهاّ ،
تام لها وذنب ال ذنب أقوى منه .ويمكن أن ّ
تؤول اآليات الثالث األول على ذلك القول والفعل ونسبته إلى هللا حظ ّ
{أو ال َي ْعَلمو َن أن هللا َي ْعَلم ما ُي ِسّرون} عنكم من مدركاتهم {وما ُي ْعلِنون} فيطلعكم عليها وينصركم عليهم {ومنهم} أي:
القوى الطبيعية الغير المدركة والحواس الظاهرة {ال يعلمون} كتاب المعاني المعقولة {إال ِ
أماني} لذاتهم وشهواتهم وما
ومضرتها في طريق الكمال ،بل يظنون نفعها وخيريتها.
ّ يتيقنون خاتمة عاقبتها
النار} إلى آخر اآلية .اعتقدوا أن زمان العقاب يساوي زمان مباشرة الذنب ،ولم يعلموا ّ
أن الذنب إذا {وقالوا لن تمسنا ُ
كان معتقداً فاسداً ،ثابتاً في النفس ،وهيئة راسخة فيها ،وصار ملكة كصورة ذاتية لها ،كان سبباً لتخليد العذاب .وهو
ين وُقوُلوْا ِل َّلن ِ ِ ِ ِ ِ يل الَ تَ ْعُب ُدو َن ِإالَّ َّ وإِ ْذ أَخ ْذنا ِميثَ ِ ِ ِ
اس ُح ْسناً ام ٰى َواْل َم َساك ِ َ
َّللاَ َوبِاْل َوال َد ْي ِن إ ْح َساناً َوذي اْلُق ْرَب ٰى َواْلَيتَ َ اق َبني إ ْس َرائ َ َ َ َ َ
َّ ِ ِ َّ وأ َِقيموْا َّ ٰ
ضو َن اة ثُ َّم تََول ْيتُ ْم ِإال َقليالً ّم ْن ُك ْم َوأ َْنتُ ْم ُّم ْع ِر ُ وة وآتُوْا َّ
الزَك َ الصل َ َ َ ُ
يل} عاهدناهم بالتوحيد .ومقتضى التوحيد مالحظة الحضرة الربوبية ومشاهدة تجلياتها في ِ ِ ِ
إسرائ َ
َخ ْذنا ميثَاق َبني َ
{وإ ْذ أ َ
مظاهرها ،والقيام بحقها على حسب ظهور أوصافها .وأول من يظهر عليه صفات الربوبية وآثارها في الظاهر وعالم
الرب الرحيم فيهما له .فاإلحسان إليهما
الشهادة هما األبوان لمكان النسبة والتربية والعطوفية ،التي هي آثار الموجد ّ
يجب أن يلي عبادة هللا بحسب ظهوره في مظهريهما ،ثم ذوي القربى لظهور المواصلة والمرحمة اإللهية فيهم بالنسبة
إليه ،ثم اليتامى الختصاص واليته وحفظه تعالى بهم فوق من عداهم إذ هو ولي من ال ولي له ،ثم المساكين لتوليته
ّ ّ
ظل الرحمانية .فاإلحسان
العامة بينهم التي هي ّ
رعايتهم ورزقهم بنفسه بال واسطة غيره ،ثم سائر الناس للرحمة ّ
المأمور به في اآلية على درجاته وتفاضله في مراتبه هو تخصيص العبادة باهلل مع مشاهدة صفاته في مظاهرها
ورعاية حقوق تجلياتها وأحكامها.
َخ ْذَنا ِميثَا َق ُك ْم الَ تَ ْسِف ُكو َن ِد َمآء ُك ْم َوالَ تُ ْخ ِر ُجو َن أ َْنُف َس ُك ْم ِّمن ِدَي ِارُك ْم ثُ َّم أَ ْق َرْرتُ ْم َوأ َْنتُ ْم تَ ْش َه ُدو َن
َوإِ ْذ أ َ
َ
الء} الساقطون عن الفطرة ،المحتجبون عن نور االستعداد األصلي {تَْقتلون ْأنُف َسكم} بغوايتكم ومتابعتكم {ثم أنتُم هؤ ِ
ّ
منكم من ِدَيارهم} أوطانهم القديمة األصلية ،بإغوائهم وإضاللهم وتحريضهم على ارتكاب للهوى {وتُ ْخرجون َف ِريقاً ُ
ظاهرون عليهم} تتعاونون عليهم {باإل ْثمِ} بارتكاب الفواحش والمعاصي ليروكم فيتبعوكم فيها
المعاصي واتباع الهوى {تَ َ
القوتين البهيمية والسبعية وتحريضكم لهم
ليتعدى إليهم ظلمكم ،وإلزامكم إياهم رذائل ّ
ان} واالستطالة على الناس ّ {والعدو ِ
أسارى} في
المدعين للتوحيد{ .وإن يأتُوكم َ
عليها ،وتزيينكم لهم إياها كما هو عادة مالحدة المسلمين من أهل اإلباحة ّ
قيد تبعات ارتكبوها وشين أفعالهم القبيحة ،أخذتكم الندامة وعيرتهم عقولهم وعقول أبناء جنسهم بما لحقهم من العار
أن اللذات المستعلية هي :العقلية والروحية وعاقبة
فادوهم} بكلمات الحكمة والموعظة والنصيحة الدالة على ّ
والشنار {تُ ُ
ِ
مر .والظاهر أن جبرائيل هو العقل الفعال.{ولقد آتينا ُموسى الكتاب} إلى قوله{ :ال يعلمون} ظاهر ومعلوم مما ّ
وميكائيل هو روح الفلك السادس ،وعقله المفيض للنفس النباتية الكلية الموكلة بأرزاق العباد .وإسرافيل هو روح الفلك
الرابع ،وعقله المفيض للنفس الحيوانية الكلية ،الموكلة بالحيوانات .وعزرائيل هو روح الفلك السابع الموكل الألرواح
اإلنسانية كلها ،يقبضها بنفسه أو بالوسايط التي هي أعوانه ويسلمها إلى هللا تعالى .
ِ
الس ْح َر َو َمآ أ ُْن ِزَل ين َكَف ُروْا ُي َعِّلمو َن َّ ٰطين عَلى مْل ِك سَليمـٰن وما َكَفر سَليمـٰن وَلـ ِٰك َّن َّ ِ َّ ِ َّ
اس ّ الن َ ُ الشَيـٰط َ َواتَب ُعوْا َما تَْتُلوْا الشَيـ ُ َ ٰ ُ ُ ْ َ َ َ َ َ ُ ْ َ ُ َ
َح ٍد َحتَّ ٰى َيُقوالَ ِإَّن َما َن ْح ُن ِف ْتَن ٌة َفالَ تَ ْكُف ْر َفَيتَ َعَّل ُمو َن ِم ْن ُه َما َما ُيَفِّرُقو َن عَلى اْلمَل َكي ِن ِبباِبل هـٰروت ومـٰروت وما يعّلِم ِ ِ
ان م ْن أ َ َ ْ َ َ َ ُ َ َ َ ُ َ َ َ َُ َ َ
ضُّرُه ْم َوالَ َي َنف ُع ُه ْم َوَلَق ْد َعلِ ُموْا َل َم ِن ْ َّ ِب ِه بين اْلمرِء وزو ِج ِه وما هم ِبض ِآرين ِب ِه ِمن أَح ٍد ِإالَّ ِبِإ ْذ ِن َّ ِ
اشتََراهُ َما َّللا َوَيتَ َعل ُمو َن َما َي ُ ْ َ َْ َ َ ْ َ َ ْ َ َ ُ َ ّ َ
اآلخ َرِة ِم ْن َخ َٰل ٍ
ـق َوَلِب ْئ َس َما َش َرْوْا ِب ِه أ َْنُف َس ُه ْم َل ْو َك ُانوْا َي ْعَل ُمو َن َله ِفي ِ
ُ
ابتالء للساحر وإمهاالً له في كفره واحتجابه لرؤيته ذلك من تأثير سحره{ .ويتعلمون ما ّ
يضرهم} بزيادة االحتجاب
وشدة الميل والهوى {وال ينفعهم} في رفع الحجاب برؤيتهم ذلك ابتالء من هللا واستعاذاتهم باهلل ليقيهم من ّ
شره{ .ولقد ّ
علموا لمن اشتراه ما له في اآلخرة من خالق} أي :نصيب ،إلقباله على النفس والهوى بالكلية واستعمال ذلك في
اكتساب حطام الدنيا وتمتعاتها .
َّللاِ خير َّلو َكانوْا يعَلمون * ٰيأَيُّها َّال ِذين آمنوْا الَ تَُقوُلوْا ر ِ ِِ
ظ ْرَنا
اعَنا َوُقوُلوْا ْان ُ َ َ َُ َ َ وب ٌة ِّم ْن عند َّ َ ْ ٌ ْ ُ َ ْ ُ َ آمُنوْا واتََّق ْوا َل َمثُ َ
َوَل ْو أََّن ُه ْم َ
لك ِاف ِرين ع َذ ِ
يم اس َم ُعوْا َولِ َ َ َ ٌ
اب أَل ٌ َو ْ
{ولو أنهم آمنوا} برؤية األفعال من هللا {واتقوا} الشرك بنسبة التأثير إلى غيره {لمثوبة} دائمة كائنة {من عند هللا} من
األنوار الروحية ،والمواهب الفتوحية ،واألحوال القلبية ،والمعارف اإللهية {خير لو كانوا يعلمون}.
َّللاَ َل ُه ُمْل ُك َّللاَ َعَل ٰى ُك ِّل َشي ٍء َق ِد ٌير * أََل ْم تَ ْعَل ْم أ َّ
َن َّ َن َّ نسها نأ ِ
ْت ِب َخ ْي ٍر ِّم ْن َها أ َْو ِم ْثِل َها أََل ْم تَ ْعَل ْم أ َّ ِ ٍ ِ
ْ نس ْخ م ْن َآية أ َْو ُن َ َ َما َن َ
يرصٍ َّللاِ ِمن ولِ ٍي والَ ن ِ ض َو َما َل ُك ْم ِّمن ُدو ِن َّالس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ
َ ّ َ َ َّ َ َ َ
{ما ننسخ من آية} بإبطال حكمها وإبقاء لفظها ومعناها ،أو لفظها دون معناها ،كآية الرجم {نأت بخير منها} أي:
بما هو أصلح في بابه منها في بابها أو يساويها في الخير والصالح .واعلم أن األحكام المثبتة في اللوح المحفوظ إما
مخصوصة وإما عامة ،والمخصوصة إما أن تختص بحسب األشخاص وإما أن تختص بحسب األزمنة ،فإذا نزلت
بقلب الرسول فالتي تختص باألشخاص تبقى بقاء األشخاص ،والتي تختص باألزمنة تنسخ وتزال بانقراض تلك
األزمنة ،قصيرة كانت كمنسوخات القرآن ،أو طويلة كأحكام الشرائع المتقدمة .وال ينافي ذلك ثبوتها في اللوح إذ كانت
فيه كذلك ،والعامة تبقى ما بقي الدهر كتكلم اإلنسان واستواء قامته مثالً.
{ألم تعلم أن هللا له ملك السموات واألرض} أي :له ملك سموات عالم األرواح وأرض األجساد وهو المتصرف فيهما
بيد قدرته بل كله ظاهره وباطنه فلم يبق شيء غيره ينصركم ويليكم .
{وقالوا لن يدخل الجنة إال من كان هوداً أو نصارى} أي :قالت اليهود :لن يدخل الجنة المعهودة عندهم ،أي :جنة
الظاهر وعالم الملك التي هي جنة األفعال وجنة النفس إال من كان هوداً .وقالت النصارى :لن يدخل الجنة المعهودة
عندهم ،أي :جنة الباطن وعالم الملكوت التي هي جنة الصفات ،وجنة القلب إال من كان نصرانياً .ولهذا قال عيسى
مرتين" ،وكانت دعوته إلى السماء ،أي: عليه السالم في دعوتهم إلى جنتهم" :لن يلج ملكوت السموات من لم يولد ّ
حدها واحتجبوا بها عما فوقها {قل هاتوا برهانكم}
السماء الروحانية {تلك أمانيهم} أي :غاية مطالبهم التي وقفوا على ّ
دل على نقيض مدعاكم.
جنتكم {إن كنتم صادقين} في دعواكم ،بل الدليل ّ
أي :دليلكم الدال على نفي دخول غيركم ّ
فإن {من أسلم وجهه} أي :ذاته الموجودة مع جميع لوازمها وعوارضها {هلل} بالتوحيد الذاتي عند المحو الكلي والفناء
ّ
ّ ّ
في ذات هللا {وهو محسن} أي :مستقيم في أحواله بالبقاء بعد الفناء ،مشاهد رّبه في أعماله ،راجع من الشهود الذاتي
ّ
إلى مقام اإلحسان الصفاتي الذي هو المشاهدة بالوجود الحقاني لمكان االستقامة والعبادة ،ال بالوجود النفساني {فله
ّ ّ
أجره عند رّبه} أي :ما ذكرتم من الجنة وأصفى وأل ّذ الختصاصها بمقام العندية أي المشاهدة التي احتجبتهم عنها {وال
خوف عليهم وال هم يحزنون} أي :وزيادة على ما لكم من الجنة وهو عدم خوفهم من احتجاب الذات وبقاء النفس
جنة األفعال والصفات والتل ّذذ بها واالستراحة
الالزم لوجود بقيتهم وعدم حزنهم على ما فتهم بسبب الوقوف بحجاب ّ
فيها واالستدامة إليها من شهود جمال الذات .فإنهم وإن تركوها بالشوق إلى تجّلي الذات فإنها حاصلة لهم وأدنى
مقامهم تحت جنة الذات .
النصار ٰى َليس ِت اْليهود عَلى َشي ٍء وهم ي ْتُلون اْل ِكتَاب َك َذلِك َق َّ ِ ِ ص َار ٰى َعَل ٰى َشي ٍء ود َل ْي َس ِت َّ ِ
ين
ال الذ َ َ َ َ َُ ُ َ ٰ ْ َ ُْ َ َ َوَقاَلت َّ َ َ ْ َ ْ الن َ َوَقاَلت اْلَي ُه ُ
َّللاِ أَن ُي ْذ َك َر
ظَل ُم ِم َّم ْن َّمَن َع َم َسا ِج َد َّ اْلِقيام ِة ِفيما َكانوْا ِف ِ
يه َي ْخَتلُِفو َن * َو َم ْن أَ ْ ََ َ ُ الَ َي ْعَل ُمو َن ِم ْث َل َق ْولِ ِه ْم َف َّ
اَّللُ َي ْح ُك ُم َب ْيَن ُه ْم َي ْوَم
ِ ِ ِفيها اسمه وسع ٰى ِفي َخ ارِبهآ أُوَلـِٰئك ما َكان َلهم أَن ي ْد ُخُلوهآ ِإالَّ َخ ِآئِفين َّلهم ِفي ُّ ِ
الد ْنَيا خ ْزٌي َوَل ُه ْم في اآلخ َرِة َع َذ ٌ
اب َ ُْ َ َ َ ْ َ َ َ ُْ َ َ ْ ُُ َ ََ
يم ِ
َعظ ٌ
{وقالت اليهود ليست النصارى على شيء} الحتجابهم بدينهم عن دينهم ،وكذا قالت النصارى الحتجابهم بالباطن عن
الظاهر كما احتجب اليهود بالظاهر عن الباطن على ما هو حال أهل المذاهب اليوم في اإلسالم.
{وهم يتلون الكتاب} وفيه ما يرشدهم إلى رفع الحجاب ،ورؤية حق كل دين ومذهب ،وليس أهل ذلك الدين والمذهب
لتقيدهم بمعتقدهم ،فما الفرق بينهم وبين الذين ال علم لهم وال كتاب ،كالمشركين ،فإنهم يقولون مثل قولهم
حقهم بباطل ّ
بل هم أعذر ،إذ ليس عليهم إال حجة العقل وهم بحجة العقل والشرع {فاهلل يحكم بينهم} بالحق في اختالفاتهم {يوم}
"إن هللا يتجلى
المهدي عليه السالم .وفي الحديث ما معناهّ :
ّ قيام {القيامة} الكبرى وظهور الوحدة الذاتية عند خروج
يتحول عن صورته إلى صورة أخرى فينكرونه" ،وحينئذ يكونون كلهم ضاّلين
لعباده في صورة معتقداتهم فيعرفونه ،ثم ّ
محجوبين إال ما شاء هللا وهو الموحد الذي لم يتقيد بصورة معتقده.
{ومن أظلم} أي :أنقص حقاً وأبخس حظاً {ممن منع مساجد هللا} أي :مواضع سجود هللا التي هي القلوب التي يعرف
فيها فيسجد بالفناء الذاتي {أن يذكر فيها اسمه} الخاص الذي هو االسم األعظم ،إذ ال يتجلى بهذا االسم إال في
ّ
القلب ،وهو ا لتجلي بالذات مع جميع الصفات أو اسمه المخصوص بكل واحد منها ،أي الكمال الالئق باستعداده
المستعدين
ّ المقتضي له{ .وسعى في خرابها} بتكديرها بالتعصبات الباردة وغلبة واستيالء التمنيات عليها ،ومنع أهلها
عنها بالهرج والمرج وتهييج الفتن الالزمة لتجاذب قوى النفس ودواعي الشيطان والوهم {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها
إال خائفين} ويصلوا إليها ،أي :منكسرين لظهور تجّلي الحق فيها {لهم في الدنيا خزي} أي :افتضاح وذّلة بظهور
َّللا أَو تَأِْتينآ آي ٌة َك َذلِك َقال َّال ِذين ِمن َقبلِ ِهم ِم ْثل َقولِ ِهم تَ َشابه ْت ُقُلوبهم َق ْد بيََّّنا اآلي ِ ِ وَق َّ ِ
ات َ ُُ ْ َ ْ ْ ّ َ ْ ْ ََ َ َ َ َ َ الَ َي ْعَل ُمو َن َل ْوالَ ُي َكّل ُمَنا َّ ُ ْ ين
ال الذ َ َ َ
ِ اك ِباْلح ِّق ب ِشي اًر وَن ِذي اًر والَ تُسأَل َع ْن أَصح ِ لَِق ْو ٍم ُيوِقُنو َن
ود َوالَنك اْلَي ُه ُ
ض ٰى َع َ اب اْل َجحي ِم * َوَل ْن تَ ْر َ ْ َ َ ْ ُ َ * ِإَّنا أ َْرَسْلَن َ َ َ
َّللاِ
ك ِم َن اْل ِعْل ِم َما َل َك ِم َن َّ َّ ِ ِ النصار ٰى حتَّى تتَِّبع ِمَّلتهم ُقل ِإ َّن هدى َّ ِ
آء َ
آء ُه ْم َب ْع َد الذي َج َ َّللا ُه َو اْل ُه َد ٰى َوَلئ ِن اتََّب ْع َت أ ْ
َه َو َ َُ َّ َ َ َ ٰ َ َ َ ُ ْ ْ
{وقال الذين ال يعلمون} علم التوحيد من المشركين {لوال يكلمنا هللا أو تأتينا آية} إلى قوله{ :تشابهت قلوبهم} في
الجهل بعلم التوحيد وبكالم هللا وآياته ،إذ العلم بهما فرع علم التوحيد {قد ّبينا} دالئل التوحيد وكيفية المكالمة ألهل
اإليقان {وال تسئل عن أصحاب الجحيم} أي :وال تؤخذ باحتجابهم وما عليك أن تنتقذهم من ظلمات حجبهم ،إنما عليك
إن هدى هللا هو الهدى} أي :طريق الوحدة المخصوصة بالحق هو الطريق ال غير. أن تدعوهم بالبشارة واإلنذار{ .قل ّ
الجادة"{ .ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي
ّ كما قال علي عليه السالم" :اليمين والشمال مضّلة ،والطريق الوسطى هي
ّ
جاءك من العلم} أي :من علم التوحيد والمعرفة {ما لك من هللا من ولي وال نصير} المتناع وجود غيره.
ّ
العدو
اجعل هذا} الصدر الذي هو حرم القلب {بلداً آمناً} من استيالء صفات النفس واغتيال ّ رب
{وإذ قال إبراهيم ّ
القوى البدنية أهله {وارزق أهله} من ثمرات معارف الروح أو حكمه وأنواره {من آمن منهم باهلل جن
اللعين ،وتخطف ّ
واليوم اآلخر} من وحد هللا منهم وعلم المعاد {قال ومن كفر} أي :ومن احتجب أيضاً من الذين سكنوا الصدر وال
يجاوزون ّ
حده بالترقي إلى مقام العين الحتجابهم بالعلم الذي وعاؤه الصدر {فأمتعه} تمتيعاً {قليالً} من المعاني
أضطره إلى عذاب} نار الحرمان
ّ العقلية ،والمعلومات الكلية النازلة إليهم من عالم الروح على قدر ما تعيشوا به {ثم
والحجاب {وبئس المصير} مصيرهم ،لتعذبهم بنقصانهم وتألمهم بحرمانهم.
اج َعْلَنا ُم ْسلِ َم ْي ِن َل َك َو ِمن ِ اعد ِمن اْلبي ِت وإِس ٰم ِعيل ربَّنا تََقبَّل ِمَّنآ ِإَّنك أَنت َّ ِ ِ ِ ِٰ
يم * َربََّنا َو ْ يع اْل َعل ُ
السم ُ َ َ ْ يم اْلَق َو َ َ َ ْ َ ْ َ ُ َ َ َوإِ ْذ َي ْرَف ُع إ ْب َره ُ
يم * َربََّنا َو ْاب َع ْث ِفي ِه ْم َرُسوالً ِّم ْن ُه ْم َي ْتُلوْا َعَل ْي ِه ْم َنت التََّّواب َّ ِ
الرح ُ ُ
ِ َّ ُذِّريَِّتَنآ أ َّ
ُم ًة ُّم ْسلِ َم ًة ل َك َوأ َِرَنا َمَناس َكَنا َوتُ ْب َعَل ْيَنآ ِإَّن َك أ َ
َسِف َه َنْف َس ُه َوَلَق ِد يم ِإالَّ َمن ِ َّ ِ ِ ِ ٰآيِتك ويعِّلمهم اْل ِك ٰتَب واْل ِح ْكم َة وي َزِّكي ِهم ِإَّنك أَنت الع ِز ُيز ِ
* َو َمن َي ْرَغ ُب َعن ّملة إ ْب َراه َ يم
الحك ُ َ َ َُ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َُ ُ ُ ُ
ِ ِ َله رب ِ ِ ِ ِ ِ ِ طَف ْيَناهُ ِفي ُّ
ص ٰى ِب َهآ * َوَو َّ ال أ َْسَل ْم ُت ل َر ِّب اْل َعاَلم َ
ين ُّه أ َْسل ْم َق َ
َُ ُال ِ
ين * إ ْذ َق َ الصالح َ الد ْنَيا َوإَِّن ُه في اآلخ َرِة َلم َن َّ اص َ ْ
ِ ن ِ َّ طَفى َل ُكم ِ وب َي َابِن َّي ِإ َّن َّ ِ اه ِ ِ ِ
وب
ض َر َي ْعُق َ آء ِإ ْذ َح َ
ين َفالَ تَ ُموتُ َّن إال َوأ َْنتُم ُّم ْسل ُمو َ * أ َْم ُكنتُ ْم ُش َه َد َ الد َ
اص َ ٰ ُ ّ َّللاَ ْ يم َبنيه َوَي ْعُق ُإ ْب َر ُ
اعيل وإِسحاق ِإَلـٰهاً و ِ
احداً َوَن ْح ُن َل ُه ِ ِ ِ ِ ِ ِ ن ِ اْلموت ِإ ْذ َق ِ ِ ِ
َ يم َوإِ ْس َم َ َ ْ َ َ ال لَبنيه َما تَ ْعُب ُدو َ من َب ْعدي َقاُلوْا َن ْعُب ُد إَلـ َٰه َك َوإَِلـ َٰه َآبائ َك إ ْب َراه َ َ َْ ُ
ُم ْسلِ ُمو َن
إن الكعبة أنزلت من السماء في زمان آدم ولها بابان إلى المشرق والمغرب،
{وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} قيلّ :
فحج آدم عليه السالم من أرض الهند واستقبله المالئكة أربعين فرسخاً فطاف بالبيت ودخله .ثم رفعت في زمان ّ
طوفان نوح عليه السالم ،ثم أنزلت مرة أخرى في زمان إبراهيم صلوات هللا عليه ،فزارها ورفع قواعدها وجعل بابيها
باباً واحداً .وقيل :ثم تمخض أبو قبيس فانشق عن الحجر األسود وكان ياقوتة بيضاء من يواقيت الجنة نزل بها
اسود بمالمسة النساء
جبرائيل فخبئت فيه في زمان الطوفان إلى زمن إبراهيم عليه السالم ،فوضعه إبراهيم مكانه ،ثم ّ
الحيض.
فنزولها في زمان آدم إشارة إلى ظهور القلب في زمانه بوجوده عليه .وكونه ذا بابين شرقي وغربي إشارة إلى ظهور
ّ ّ
علم المبدأ والمعاد ،ومعرفة عالم النور ،وعالم الظلمة في زمانه دون علم التوحيد .وقصده زيارتها من أرض الهند
إشارة إلى توجهه بالتكوين واالعتدال من عالم الطبيعية الجسمانية المظلمة إلى مقام القلب ،واستقبال المالئكة إشارة
إلى تعلق القوى الحيوانية والنباتية بالبدن وظهور آثارها فيه قبل آثار القلب في األربعين التي ّ
تكونت فيها بنيته
وتخمرت طينته أو توجهه بالسير والسلوك من عالم النفس الظلماني إلى مقام القلب .واستقبال المالئكة تلقي القوى
التمرن فيها والتنقل في المقامات قبل
النفسانية والبدنية إياه بقبول اإلذعان واألخالق الجميلة والملكات الفاضلة و ّ
وصوله إلى مقام القلب .وطوافه بالبيت إشارة إلى وصوله إلى مقام القلب وسلوكه فيه مع التلوين ،ودخوله إشارة إلى
تمكنه واستقامته فيه .ورفعه في زمان الطوفان إلى السماء إشارة إلى احتجاب الناس بغلبة الهوى وطوفان الجهل في
{ربنا واجعلنا مسلمين لك} أي :ال تكلنا إلى أنفسنا فنسلم بأنفسنا بل بك وبجعلك {ربنا وابعث فيهم رسوالً} هو محمد
صلى هللا عليه وسلم ،ولهذا قال عليه السالم" :أنا دعوة أبي إبراهيم ،وبشرى عيسى ،ورؤيا أمي" وقد رأت في المنام
أن نو اًر خرج منها فأضاءت لها قصور الشام.
{ومن يرغب عن مّلة إبراهيم} أي :مّلة التوحيد {إال من سفه نفسه} إال من احتجب عن نور العقل بالكلية وبقي في
مقام ظلمة نفسه .أي :سفه نفساً على التمييز أو في نفسه على انتزاع الخافض {ولقد اصطفيناه} أي :من كان من
المحبوبين المرادين بالسابقة األزلية فاخترناه حالة الفناء في التوحيد {وهو في اآلخرة} أي :حالة البقاء بعد الفناء من
أهل االستقامة الصالحين لتدبير النظام وتكميل النوع {إذ قال له ربه أسلم} أي :وحد وأسلم ذاتك إلى هللا ،يعني :جعله
لرب العالمين ،فانياً فيه {ووصى بها} أي :بكلمة التوحيد {إبراهيم
في األزل من أهل الصف األول مسلماً موحداً مذعناً ّ
بنيه ويعقوب} بنيه تأسياً {يا بني إن هللا اصطفى لكم الدين} أي :دينه الذي يدين به الموحد ،ال دين له غيره ،وال
ّ
تموتن بالموت الطبيعي موت الجهل ،بل ّ ال أي: الدين، هذا على إال }تموتن
ّ {فال هللا ذات ،فدينه دين هللا وذاته ذات
كونوا ميتين بأنفسكم ،أحياء باهلل أبداً ،فيدرككم موت البدن على هذه الحالة.
ِتْل َك أ َّ
ُم ٌة َق ْد َخَل ْت َل َها َما َك َسَب ْت َوَل ُك ْم َّما َك َس ْبتُ ْم َوالَ تُ ْسأَُلو َن َع َّما َك ُانوا َي ْع َمُلو َن
{تلك أمة قد خلت} أي :ال تكونوا مقلدين وال تكتفوا بالتقليد الصرف في الدين إذ ال اعتماد على النقل ،فليس ألحد إال
ما كسب من العلم والعمل واالعتقاد والسيرة ،ال يجازى أحد بمعتقد غيره وال بعمله ،فكونوا على بصائركم واطلبوا اليقين
واعملوا عليه.
{صبغة هللا} أي :آمنا باهلل وصبغنا هللا صبغة ،فإن كل ذي اعتقاد ومذهب باطنه مصبوغ بصبغ اعتقاده ودينه
المتفرقة مصبوغون بصبغ نيتهم ،والمتمذهبون بصبغ إمامهم وقائدهم ،والحكماء بصبغ
ّ ومذهبه .فالمتعبدون بالملل
المتفرقة بصبغ أهوائهم ونفوسهم ،والموحدون بصبغة هللا خاصة التي ال صبغ أحسن
ّ عقولهم ،وأهل األهواء والبدع
رش عليهم من
منها وال صبغ بعدها .كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم" :إن هللا تعالى خلق الخلق في ظلمة ثم ّ
ضل" ،فذلك النور هو صبغته.
نوره ،فمن أصاب من ذلك النور اهتدى ،ومن أخطأ ّ
سماهم سفهاء خفاف العقول ،لعدم وفاء عقولهم بإدراك حقيقة دين اإلسالم وقضائها
السف َهاء من الناس} ّ
{سيقول َ
على ما عرفت بحق مذهبها ووقوفها به ،ولذلك كانت محاجتهم في هللا مع اتفاقهم في التوحيد واختصاص المسلمين
باإلخالص ،إذ لو أدركوا الحق ألدركوا إخالصهم فلم تبق محاجتهم معهم .ولو كانت عقولهم رزينة الستدلت باآليات
وفرقت بين ذلك الدين الحق الذي هو كالروح لذلك ،وبين باطل أهله الذي اختلط
وأدركت في كل دين ومذهب حقهّ ،
به ولبسه خاصة دين اإلسالم ،فإن كله حق ،بل هو حق الحقوق ولذلك جعلوا ّ
أمة وسطاً أي :عدالً بين األمم،
فضالء شهداء عليهم{ .ما والّ ُهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} ألنهم كانوا مقيدين بالجهة فلم يقبلوا إال مقيداً ولم يعرفوا
التوحيد الوافي بالجهات كلها {قل هلل المشرق والمغرب} على ما مر من التأويلين {يهدي من يشاء إلى صر ٍ
اط مستقيمٍ} ّ َ َ
أي :طريق الوحدة التي تتساوى الجهات بالنسبة إليها لكون الحق المتوجه إليه ال في جهة ،وكون الجهات كلها فيه
َّللاِ} [البقرة ،اآلية.]115 :
وبه وله ،كما قال تعالىَ { :فأ َْيَن َما تَُوُّلوْا َفثَ َّم َو ْج ُه َّ
ِ َِّ
ول َعَل ْي ُك ْم َش ِهيداً َو َما َج َعْلَنا اْلقْبَل َة التي ُك َ
نت َعَل ْي َهآ الن ِ
اس َوَي ُكو َن َّ
الرُس ُ ونوْا ُش َه َدآء َعَلى َّ
َ ُم ًة َو َسطاً ّلِتَ ُك ُ َوَك َذلِ َك َج َعْلَن ُ
اك ْم أ َّ
ض ِ َّللا وما َكان َّ ِ ِ َّ ِ َّ ِ ِ ِ الرس ِ ِ َّ ِ
يم َان ُك ْم
يع إ َ َّللاُ لُي َ ين َه َدى َّ ُ َ َ َ ول م َّمن َينَقل ُب َعَل ٰى َعقَب ْيه َوإِن َك َان ْت َل َكِب َيرًة ِإال َعَلى الذ َ ِ
إال لَن ْعَل َم َمن َيتَّب ُع َّ ُ َ
يم ِ َّللاَ ِب َّ
الن ِ ِإ َّن َّ
وف َّرح ٌ
اس َل َرُء ٌ
ومعنى شهادتهم على الناس وشهادة الرسول عليهم ،واطالعهم بنور التوحيد على حقوق األديان ومعرفتهم بحق أهل
كل دين وحق ،كل ذي دين من دينه وباطلهم الذي ليس حقهم الذي هو مخترعات نفوسهم وتمنياتهم وأكاذيب أخبارهم
حد دينهم ،وإبطالهم لما عداه من األديان ،واحتجابهم وتقيدهم بظاهره دون ّ
التعمق إلى باطنه وملفقاتهم ،ووقوفهم على ّ
حقية دين اإلسالم ألن طريق الحق واحد فال يستخفون بحق سائر األديان وخاصة دين اإلسالم
وأصله وإال عرفوا ّ
الذي هو الحق األعظم األظهر ،والرسول مطلع على رتبة كل متدين بدينه في دينه ،وحقيقته التي هو عليها من دينه،
وحجابه الذي هو به محجوب عن كمال دينه ،فهو يعرف ذنوبهم وحدود إيمانهم وأعمالهم وحسناتهم وسيئاتهم
أمته يعرفون ذلك من سائر األمم بنوره.
وإخالصهم ونفاقهم وغير ذلك بنور الحق ،و ّ
{وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إال لنعلم} بالعلم التفصيلي التابع لوقوع المعلوم ال العلم السابق في عين جميع ّأول
ّ
الوجود فإنه معلوم له بذلك العلم قبل وجوده ،ألن العلم كله له ال علم ألحد غيره .فعلومنا التي نعلم بها األشياء تظهر
على مظاهرنا من علمه وذلك علمه التفصيلي أي :علمه في تفاصيل الموجودات .فهو يعلم بذلك العلم التفصيلي
ّ
الظاهر في مظاهرنا األشياء بعد وجودها ،كما يعلمها بالعلم األول الذي هو في عين الجمع قبل وجودها.
{قد نرى تقلب وجهك} في جهة سماء الروح في مقام الجمع عند االستغراق في الوحدة واالحتجاب بالحق عن الخلق
النبوة ومقام الدعوة ،لعدم التفاتك إلى الكثرة ،ويعسر عليك الرجوع إلى الحق في ّأول حال البقاء بعد الفناء
يؤدك وزر ّ
فلنجعلن وجهك يلي قبلة القلب بانشراح الصدر ،كما قال
ّ قبل التمكن لقوة توجهك إلى الحق {فلنولينك ِقبل ًة ترضاها}
ك} [الشرح ،اآليات ]3-1 :فإنها قبلة ترضاها
ظ ْه َر َ
ض َ ك َّال ِذي أ َ
َنق َ نك ِوْزَر َ
ض ْعَنا َع َ
ك َوَو َ تعالى{ :أََل ْم َن ْش َرْح َل َك َ
ص ْد َر َ
لوجود الجمع هناك في صورة التفصيل وعدم احتجاب الوحدة بالكثرة ،فترضى تلك القبلة بدعوة الخلق إلى الحق مع
نبوتك وحقية قبلتك ولو من كتابهم ،أو ما كانت عقلية ٍ ِ
أتيت الذين أُوتُوا الكتاب بكل آية} دالة على صحة ّ
{ولئ ْن َ
بلتك} الحتجابهم بدينهم ومعقولهم وتقيدهم به {وما أنت ِبتَابع قبلتهم} لعلوك عن رتبة دينهم وترقيك ِ
قطعية {ما تِبعوا ق َ
التضاد المركوز في
ّ وتضاد وجههم الناشئ من
ّ كل بدينه ٍ
بعض} الحتجاب ّ عن مقامهم {وما بعضهم بتابع قبل َة
المتفرقة {من بعد ما جاءك من} علم التوحيد الجامع ّإياك {إنك إذاً لمن} الناقصين طباعهم ِ
{ولئن اتّبعت أهواءهم}
ّ
وحق مقامك .
حقك ّ
{ومن حيث خرجت} من طرق حواسك وميلك إلى حظوظك واالهتمام بمصالحك ومصالح المؤمنين {فول وجهك
شطر المسجد الحرام} أي :فكن حاض اًر للحق في قلبك ،مواجهاً صدرك ،تشاهد مشاهد فيه ،مراعياً جانبه لتكون في
{فولوا وجوهكم} جانب الصدر ،تشاهدون مشاهدكم فيه ،مراعين
األشياء باهلل ال بالنفس {وحيث ما كنتم} أيها المؤمنون َ
{كما أرسلنا} أي :كما ذكرتم بإرسال رسول {فيكم} من جنسكم ليمكنكم التلقي والتعلم ،وقبول الهداية منه لجنسية
ّ
النفس ورابطة البشرية {فاذكروني} باإلجابة والطاعة واإلرادة {أذكركم} بالمزيد والتوالي للسلوك وإفاضة نور اليقين
{واشكروا لي} على نعمة اإلرسال والهداية بسلوك صراطي على قدم المحبة أزدكم عرفاني ومحبتي {وال تكفرون}
بالفترة واالحتجاب بنعمة الدين عن المنعم ،فإنه كفران بل كفر.
{وال تقولوا لمن يقتل في سبيل هللا} أي :يجعل فانياً مقتولة نفسه في سلوك سبيل التوحيد ميتاً عن هواه ،كما قال رسول
هللا صلى هللا عليه وسلم" :موتوا قبل أن تموتوا" .هم {أموات} أي :عجزة مساكين {بل} هم {أحياء} عند ربهم بالحياة
الحقيقية ،وحياة هللا الدائمة السرمدية ،شهداء هللا بالحضور الذاتي ،قادرون به {ولكن ال تشعرون} لعمى بصيرتكم
ّ
القدوس وحقائق األرواح.
وحرمانكم عن النور الذي تبصر به القلوب أعيان عالم ّ
س والثَّمر ِ
ات َوَب ِّش ِر َّ ص ِم َن األَمو ِ ِ ِ ٍ ِ
الصاِب ِر َ
ين َنف ِ َ َ َ
ال َواأل ُ ََ ّ
ف واْل ُجوِع وَنْق ٍ
َ َوَلَنْبُل َوَّن ُك ْم ب َش ْيء ّم َن اْل َخ ْو َ
{ولنبلونكم بشيء من الخوف} أي :خوفي الموجب النكسار النفس وانهزامها {والجوع} الموجب لنهك البدن ،وضعف
المقوية للنفس
وسد طريق الشيطان إلى القلب {ونقص من األموال} التي هي مو ّاد الشهوات ّ قواه ،ورفع حجاب الهوىّ ،
الزائدة في طغيانها {واألنفس} المستولية على القلب بصفاتها ،والمستغنية بذاتها ،ليزيد بنقصها القلب ويقوى ،أو أنفس
األقرباء واألصدقاء الذين تأوون إليهم وتستظهرون بهم لتنقطعوا إلي وتبتلوا {والثمرات} أي :المالذ والمتمتعات
ّ
النفسانية لتلتذوا بالمكاشفات والمعارف القلبية ،والمشاهدات الروحية عند صفاء بواطنكم باالنقطاع منها وخلوص
غش صفات نفوسكم.
بصائر قلوبكم بنار الرياضة والبالء والعزلة من ّ
َوأُوَلـِٰئ َك ُه ُم صَل َوا ٌت ِّمن َّرِّب ِه ْم َوَر ْح َم ٌة ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّال ِذ َ ِ
َص َاب ْت ُهم ُّمص َيب ٌة َقاُلوْا إَّنا ََّّلل َوإَِّنـآ إَل ْيه َارج ُعو َن * أُوَلـٰئ َك َعَل ْيه ْم َ
ين إ َذآ أ َ
ِب ِه َما َو َمن تَ َ َّ ِ الصَفا واْلمروة ِمن شع ِآئ ِر َّ ِ
طَّوعَ ف اح َعَل ْيه أَن َيطَّو َ َّللا َف َم ْن َح َّج اْلَب ْي َت أ َِو ْ
اعتَ َم َر َفالَ ُجَن َ ََ اْل ُم ْهتَ ُدو َن * ِإ َّن َّ َ َ ْ َ َ
يم َخي اًر َفِإ َّن َّ ِ ِ
َّللاَ َشاكٌر َعل ٌ ْ
تصرفاتي فيهم دائماً شاهدوا آثار قدرتي ،بل أنوار تجليات صفتي و {قالوا ّإنا هلل}
{الذين إذا أصابتهم مصيبة} من ّ
أتصرف فيه {و ّإنا إليه راجعون} أي :تفانوا في ،وشاهدوا تهلكهم في بي {أولئك عليهم
ّ أي :سلموا وأيقنوا أنهم ملكي،
ّ ّ
المنور بأنواري {ورحمة} ونور وهداية يهدون
صلوت من رّبهم} بالوجود الموهوب لهم بعد الفناء الموصوف بصفاتي ّ
بها الخلق إلي {وأولئك هم المهتدون} بهداي كما ورد في الدعاء" :واجعلنا هادين مهديين غير ضالين وال مضلين".
ّ
إن صفاء وجود القلب ومروة وجود النفس {من شعائر هللا} من أعالم دينه ومناسكه القلبية {إن الصفا والمروة} أيّ :
ّ
حج البيت} أي :بلغكاليقين ،والرضا ،واإلخالص ،والتوكل ،والقالبية ،كالصالة والصيام وسائر العبادات البدنية {فمن ّ
اعتَمر} نار الحضرة بتوحيد الصفات والفناء فيالكلي {أو ْ مقام الوحدة الذاتية ودخل الحضرة اإللهية بالفناء الذاتي
ّ ّ
ويتردد بينهما ،ال
ّ مقامهما، إلى جعير أي: بهما} ف يطو
ّ {أن في أنوار تجليات الجمال والجالل {فال جناح عليه} حينئذ
فإن في هذا
بوجودهما التكويني ،فإنه جناح وذنب ،بل بالوجود الموهوب بعد الفناء عند التمكين ولهذا نفي الحرجّ ،
تبرع خي اًر من باب التعاليم وشفقة الخلق والنصيحة ومحبة أهل
تطوع خي اًر} أي :ومن ّ
األول {ومن ّ
الوجود سعة بخالف ّ
الخير والصالح بوجود القلب ،ومن باب األخالق ،وطرق البر والتقوى ،ومعاونة الضعفاء والمساكين ،وتحصيل الرفق
لهم ولعياله بوجود النفس بعد كمال السلوك والبقاء بعد الفناء {فإن هللا شاكر} يشكر عمله بثواب المزيد {عليم} بأنه
التصرف في األشياء باهلل ال من باب التكوين واالبتالء والفترة .
ّ من باب
َّللاُ َوَيْل َعُن ُهم الالَّ ِعُنو َن ِ ِ ِ ات واْلهد ٰى ِمن بع ِد ما بيََّّناه لِ َّلن ِ ِ
ِ ِإ َّن َّال ِذين ي ْكتُمو َن مآ أ َ ْ ِ
ُ اس في اْلكتَاب أُوَلـٰئ َك َي َ
لعُن ُه ُم َّ َْ َ َ ُ َنزلَنا م َن اْلَبِّيَن َ ُ َ َ َ ُ َ
يم * ِإالَّ َّال ِذين تَابوْا وأَصَلحوْا وبيَُّنوْا َفأُوَل ِـئك أَتُوب عَلي ِهم وأََنا التََّّواب َّ ِ
الرح ُ ُ ُ َْ ْ َ ْ َ َ ُ َ ْ ُ ََ
البينات والهدى} أي :يكتمون ما أفضنا عليهم من بينات أنوار المعارف وعلوم{إن الذين يكتمون ما أنزلنا من ّ
فإن العياني ال
الذاتي بطريق علم اليقينّ ، تجليات األفعال والصفات ،وهدى األحوال والمقامات أو الهداية إلى التوحيد
ّ ّ
ينكتم بالتلوينات النفسية أو القلبية الحاجبة للمكاشفات القلبية والمسامرات السرّية والمشاهدات الروحية {من بعد ما
المنورة بنور المتابعة المدركة آلثار أنوار القلوب واألرواح ببركة الصحبة {أولئك
ّبيناه للناس} في كتاب عقولهم ّ
يردهم ويطردهم {ويلعنهم الالعنون} من المأل األعلى لخذالنهم وترك إمدادهم من عالم األبد والنور ،ومن
يلعنهم هللا} ّ
بقوة صدقهم ،واستراحوا إلى صحبتهم
المستعدين المشتاقين الذين كانوا قد استأنسوا بنور قلوبهم واستفاضوا منهم النور ّ
ّ
يتبركون بهم وبأنفاسهم عند استشراق لمعان أحوالهم بالهجران واالنقطاع عن صحبتهم و ّ
الصد واإلعراض ومالزمتهم ّ
بتكدر صفائهم {إال الذين تَ ُابوا} أي :رجعوا عن ذنوب أحوالهم وعلموا أن ذلك كان
عنهم لفقدانهم ذلك واستشعارهم ّ
{وبيُنوا} أي :كشفوا وأظهروا بصدق المعاملة مع هللا واإلخالص ما
أصَلحوا} أحوالهم باإلنابة والرياضة ّ
ابتالء من هللا {و ْ
التواب الرحيم}. ِ
احتجب عنهم {فأولئك} أتقبل توبتهم وألقي التوبة عليهم {وأنا ّ
أن في إيجاد سموات األرواح والقلوب والعقول وأرض النفوس ِ {إن في خلق السمو ِ
األرض} إلى آخره ،أيّ : ات و ّ
اخِتالف} النور والظلمة بينهما وفلك البدن التي تجري في بحر الجسم المطلق {بما َي ْنفع الناس} في كسب كماالتهم
{و ْ
{وبث فيها من كل
{وما ْأن َزل هللا من السماء} أي :الروح من ماء العلم {فأحيا به} أرض النفس بعد موتها بالجهل ّ
ظَل ُموْا ِإ ْذ َي َرْو َن َّ ِ ِ َّللاِ أَنداداً ي ِحبُّونهم َكح ِب َّ ِ َّ ِ ِ ِ
َشُّد ُحّباً ََّّلل َوَل ْو َي َرى الذ َ
ين َ آمُنوْا أ َ
ين َ
َّللا َوالذ َ اس َمن َيتَّخ ُذ من ُدو ِن َّ َ ُ َ ُ ْ ُ ّ الن ِ
َو ِم َن َّ
ابَّللا َش ِد ُيد اْلع َذ ِ
َ َن اْلُقَّوَة ََّّللِ َج ِميعاً َوأ َّ
َن َّ َ اب أ َّ
اْل َع َذ َ
أشد حباً هلل} من غيره ألنهم ال يحبون إال هللا ،ال يختلط حبهم له بحب غيره وال يتغير ،ويحبون األشياء
آمُنوا ّ
{والذين َ
بمحبة هللا وهلل ،وبقدر ما يجدون فيها من الجهة اإللهية كما قال بعضهم" :الحق حبيبنا ،والخلق حبيبنا وإذا اختلفا
أشد حباً من محبتهم آللهتهم
أحب إلينا" أي :إذا لم تبق جهة اإللهية فيهم بمخالفتهم إياه لم تبق محبتنا لهم ،أو ّ
فالحق ّ
ألنهم يحبون األشياء بأنفسهم ألنفسهم ،فال جرم تتغير محبتهم بتغيير إعراض النفوس أنفسهم عند خوف الهالك
ومضرة النفس عليهم والمؤمنون يحبون هللا بأرواحهم وقلوبهم ،بل باهلل هلل ،ال تتغير محبتهم لكونها ال لغرض ،ويبذلون
ّ
أرواحهم وأنفسهم لوجهه ورضاه ،ويتركون جميع مراداتهم لمراده ويحبون أفعاله وإن كانت بخالف هواهم ،كما قال
أحدهم :
َّللاُ َقاُلوْا َب ْل َنتَِّب ُع َمآ ِ وء واْلَفحش ِآء وأَن تُقوُلوْا عَلى َّ ِ
يل َل ُه ُم اتَِّب ُعوا َمآ أ َ
َنزَل َّ َّللا َما الَ تَ ْعَل ُمو َن * َوإِ َذا ق َ َ الس ِ َ ْ َ َ َ ْم ُرُك ْم ِب ُّ ِ
إَّن َما َيأ ُ
أَْلَفينا عَلي ِه آبآءنآ أَوَلو َكان آباؤهم الَ يعِقُلو َن َشيئاً والَ يهتَدو َن * ومَثل َّال ِذين َكَفروْا َكمَث ِل َّال ِذي ي ْن ِعق ِبما الَ يسمع ِإالَّ
َْ َ ُ َ ُ َ َ ُ َ ََ ُ ْ َ َْ ُ َْ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ ْ َ ْ
ِ ِِ طِيب ِ ِ دعآء وِندآء ص ٌّم ب ْكم عمي َفهم الَ يعِقُلون * ٰيأَي َّ ِ
اش ُك ُروْا ََّّلل إن ُك ْنتُ ْم إيَّاهُ
اك ْم َو ْ
ات َما َرَزْقَن ُ آمُنوْا ُكُلوْا من َ ّ َ
ين َ ُّها الذ َ
َ ُ َ ً َ َ ً ُ ُ ٌ ُ ْ ٌ ُْ َْ َ
تَ ْعُب ُدو َن
القوة
الف ْحشاء} أي :القبائح التي هي إفراط ّ
أمركم بالسوء} اإلضرار واألذى الذي هو إفراط القوة الغضبية {و َ
{إنما ي ُ
الشهوانية {وأن تقولوا على هللا ما ال تعلمون} الذي هو إفراط ّ
القوة النطقية لشوب العقل بالوهم الذي هو الشيطان
كل شيء على الوجه المأمور به في حد االعتدال والعدالة في ّالمسخر له {وإذا قيل لهم اتِبعوا ما أ َْن َزل هللا} من مراعاة ّ
الشرع {قالوا بل نتّبع ما َو َج ْدنا عليه آباءنا} من اإلسرافات المذمومة في الجاهلية تقليداً لهم أتتبعونهم {ولو كان آباؤهم
ال يعقلون شيئاً} من الدين و ِ
العلم {وال َي ْهتَدون} إلى الصواب في العمل لجهلهم. َْ
".
البر أن تولوا وجوهكم} مشرق عالم األرواح ومغرب عالم األجساد ،فإنه تقيد واحتجاب {ولكن ّ
البر} ّبر الموحدين {ليس ّ
األبدي الذي هو المعاد الحقيقي.
ّ الذين آمنوا باهلل والمعاد في مقام الجمع ،إذ التوحيد في مقام الجمع يلزمه البقاء
وشاهدوا الجمع في تفاصيل الكثرة ولم يحتجبوا بالجمع عن التفصيل الذي هو باطن عالم المالئكة وظاهر عالم
النبيين{ .و ِ
الكتَاب} الذي جمع ببين الظاهر باألحكام والمعارف ،وأفاد علم االستقامة ثم استقاموا بعد تمام التوحيد جمعاً
وتفصيالً باألعمال المذكورة ،فإن االستقامة عبارة عن وقوف جميع القوى على حدودها باألمر اإللهي ّ
لتنورها بنور
الروح عند تحقق صاحبها باهلل في مقام البقاء بعد الفناء وذلك مقام العدالة ،فتكون هي في ّ
ظل الحق منخرطة في
الشح به ،كما قال ابن مسعود :أن تؤتيه وأنت صحيح سلك الوحدة بكليتها{ .على حبه} أي :في حال االحتياج إليه و ّ
شحيح ،تأمل العيش ،وتخشى الفقر ،وال تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم ،قلت لفالن :كذا ،ولفالن :كذا .قال هللا تعالى:
َنف ِس ِهم وَلو َك َ ِ ِ ِ
اص ٌة} [الحشر ،اآلية ]9 :أو على حب هللا لئال يشغل قلبه عنه وألنه تعالى
ص َان به ْم َخ َ {وُي ْؤث ُرو َن َعَل ٰى أ ُ ْ َ ْ
َ
حب اإليتاء ،يعني :بطيب النفس ،فإن الكريم هو الفرح وطيب النفس باإلعطاء .ومن قوله: يرضى بإيتائه أو على ّ
حدها فيما يتعلق
{وآتى المال} إلى قوله{ :وآتى الزكاة} من باب العفة التي هي كمال القوة الشهوانية ووقوفها على ّ
القوة النطقية فإنها ما لم
اهدوا} من باب العدالة المستلزمة للحكمة التي هي كمال ّ بها ،وقوله{ :والموفون َ
بع ْهدهم إذا َع َ
الشدة
تعلم تبعة الغدر والخيانة وفائدة الفضيلة المقابلة لهما ،لم تف بالعهد .وقوله{ :والصابرين في البأساء} أيّ :
القوة الغضبية
الضراء} أي :المرض والزمانة {وحين البأس} أي :الحرب من باب الشجاعة التي هي كمال ّ والفقر {و ّ
{أولئك} الموصوفون بهذه الفضائل كلها ،الثابتون في مقام االستقامة {الذين صدقوا} هللا في مواطن التجريد بأفعالهم
المجردون عن غواشي النشأة والطبيعة.
ّ البر كله {وأولئك هم المتقون} عن محبة غير هللا حتى النفس،
التي هي ّ
يؤول المال بالعلم الذي هو مال القلب ،ألنه يقوى به ويستغنى ،أي :أعطي العلم مع كونه محبوباً ذويويمكن أن ّ
قربى القوى الروحانية لقربها منه ،ويتامى القوى النفسانية النقطاعها عن نور الروح الذي هو األب الحقيقي ومساكين
ّ
القوى الطبيعية لكونها دائمة السكون لثواب البدن وعلمها علم األخالق والسياسات الفاضلة .ثم إذا ارتوى من العلم،
علم المعارف واألخالق واآلداب والمعايش جملة وتفصيالً وفرغ من نفسه ،أفاض على أبناء السبيل ،أي :السالكين
فك رقاب عبدة الدنيا والشهوات من أسرهم بالوعظ والخطابة وأقام صالة الحضور،
والسائلين ،أي :طلبة العلم وفي ّ
أي :أدامها بالمشاهدة ،وآتى ما يزكي نفسه عن النظر إلى الغير ،والتفاتات الخواطر بالنفي ،ومحو الصفات،
وضراء كسر
ّ والموفون بعهد األزل بمالزمة التوحيد وإفناء الذات واآلتية ،والصابرين في بأساء االفتقار إلى هللا دائماً،
َخ ِ
يه ٰيأَيُّها َّال ِذين آمُنوْا ُكِتب عَلي ُكم اْلِقصاص ِفي اْلَق ْتَلى اْلحُّر ِباْلح ِر واْلعب ُد ِباْلعب ِد واألُنثَ ٰى ِباأل ُْنثَ ٰى َفم ْن عِفي َله ِم ْن أ ِ
َ ُ َ ُ ُّ َ َْ َْ َ ُ َ َْ ُ َ ُ َ َ َ
ِ ِ ٰ ِ ِ ِ ٰ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
يم * َوَل ُك ْم اب أَل ٌ ِك ْم َوَر ْح َم ٌة َف َم ِن ْ
اعتََد ٰى َب ْع َد ذل َك َفَل ُه َع َذ ٌ يف ّمن َّرّب ُ
ان ذل َك تَ ْخف ٌ آء إَل ْيه بإ ْح َس ٍَش ْي ٌء َفاتَّباعٌ باْل َم ْع ُروف َوأ ََد ٌ
صَّي ُة لِْلَوالَِد ْي ِناب َلعَّل ُكم تَتَُّقو َن * ُكِتب عَلي ُكم ِإ َذا حضر أَحد ُكم اْلموت ِإن تَرك خي اًر اْلو ِ اص ح ٰيوةٌ ٰيأُولِي األَْلب ِ ِ ِ
َ َ َْ َ َ َ َ ََ ُ َْ ُ َ َْ ْ َ ْ َ ص ِ ََ في اْلق َ
يم * ِ وف حّقاً عَلى اْلمتَِّقين * َفمن بَّدَله بعد ما س ِمعه َفِإَّنما ِإ ْثمه عَلى َّال ِذين يبِّدُلونه ِإ َّن َّ ِ واألَْقربِين ِباْلمعر ِ
يع َعل ٌ َّللاَ َسم ٌ َ َُ َ ُ َ َ ُ ََْ َ َ َ ُ َ ُ ُ َ ُ َ َ َ َ َ َ َ ُْ
آمُنوْا ُكِت َب َعَل ْي ُك ُم َّللا غُفور َّرِحيم * ٰيأَي َّ ِ ِ اف ِمن ُّم ٍ
ين َ ُّها الذ َ َ ٌ َصَل َح َب ْيَن ُه ْم َفالَ ِإ ْث َم َعَل ْيه ِإ َّن َّ َ َ ٌ ِ
وص َجَنفاً أ َْو إ ْثماً َفأ ْ َف َم ْن َخ َ
نكم َّم ِريضاً أ َْو َعَل ٰى َسَف ٍر َف ِعَّدةٌ ِّم ْن ان ِم ُ الصيام َكما ُكِتب عَلى َّال ِذين ِمن َقبلِ ُكم َلعَّل ُكم تَتَُّقون * أَيَّاماً َّمعد ٍ ِ
ودات َف َمن َك َ ُْ َ َ ْ ْ َ ْ َ َ َ َُّ َ
وموْا َخ ْيٌر َّل ُك ْم ِإن ُك ْنتُ ْم َّ ط َعام ِم ْس ِك ٍ ُخر وعَلى َّال ِذين ي ِطيُق َ ِ
ص ُطَّوعَ َخ ْي اًر َف ُه َو َخ ْيٌر ل ُه َوأَن تَ ُ
ين َف َمن تَ َ ون ُه ف ْدَي ٌة َ ُ َ ُ أَيَّا ٍم أ َ َ َ َ
تَ ْعَل ُمو َن
ظل من ظالل عدله تعالى فإنه إذا القوة السبعية ،وهو ّالقصاص قانون من قوانين العدالةُ ،ف ِرض إلزالة عدوان ّ
حر روحه روحاً موهوماً خي اًر منه ،وعن عبد قلبه قلباً موهوباً ،وعن أنثى
عوضه عن ّ تصرف في عبده بإفنائه فيه ّ
ّ
مقاصة هللا إياكم بما ذكر {حياة} عظيمة ،أي :حياة ال يوصف كنهها {يا أولي
ّ نفسه نفساً موهوبة كاملة{ .ولكم} في
األلباب} أي :العقول الخالصة عن قشر األوهام وغواشي العينيات واألجرام .فكذا في هذا القصاص -لكي تتقوا تركه
القوة النطقية وقصورها
القوة الملكية ،أيّ :
ض إلزالة نقصان ّ وتحافظوا عليه -الوصية والمحافظة عليها قانون آخر ُف ِر َ
القوتين األخريين بنور الحق وحكم الشرع ،ومنعها عن
التصرف في األموال ،والسلطنة على ّ ّ عما يقتضي الحكمة من
عدوانها أيضاً بتبديل الوصية الذي هو نوع من الجريمة والخيانة ،وتحريضها على التحقيق والتدقيق في باب الحكمة
التي هي كمالها باإلصالح بين الموصى لهم على مقتضى الحكمة ،إذا توقع وعلم من الموصي إض ار اًر بالسهو والعمد
أن قصاص أهل الحقيقة ما ذكر،
القوة البهيمية وتسلطها -واعلم ّ -الصيام قانون آخر مما ُف ِر َ
ض إلزالة عدوان ّ
{أحل لكم} أي :أبيح لكم {ليلة الصيام} أي :في وقت الغفلة الذي يتخلل ذلك اإلمساك المذكور في زمان حضوركمّ
{الرفث إلى ِن َسائكم} ّ
التنزل إلى مقارفة نفوسكم بحظوظها إذ ال مصابرة لكم عنها لكونها تالبسكم وكونكم تالبسونها
بالتعلق الضروري {علم هللا أنكم كنتم تختانون أنفسكم} باستراق الحظوظ في أزمنة تلك السلوك والرياضة والحضور
{باشروهن} في أوقات
ّ {فتاب عليكم وعفا عنكم} {فاآلن} أي :في وقت االستقامة والتمكين حال البقاء بعد الفناء
الغفالت {وابتغوا ما كتب هللا لكم} من التقوى والتمكن بتلك الحظوظ على توفير حقوق االستقامة والقيام بما أمر هللا به
من العبودية والدعوة إليه {وكلوا واشربوا} أي :كونوا مع رفقها {حتى يتبين لكم الخيط األبيض من الخيط األسود من
الفجر} حتى تظهر عليكم بوادي الحضور ولوامعه وتغلب آثاره وأنواره على سواد الغفلة وظلمتها ،ثم كونوا على
اإلمساك المذكور بالحضور مع الحق حتى يأتي زمان الغفلة ،لوال ذلك لما أمكنه القيام بمصالح معاشه ومهماته .وال
لتشوش وقتكم بظهورها .
تقاربوهن في حال كونكم معتكفين مقيمين حاضرين في مساجد قلوبكم وإال ّ
{وال تأكلوا أموالكم} معارفكم ومعلوماتكم {بينكم} بباطل شهوات النفس ولذاتها بتحصيل مآربها واكتساب مقاصدها
األمارة بالسوء {لتأكلوا فريقاً من أموال} القوى
الحسية والخيالية باستعمالها {وتدلوا بها} وترسلوا إلى ح ّكام النفوس ّ
ّ
{يسئلونك عن األ ِ
َهلة} أي :عن الطوالع القلبية عند إشراق نور الروح عليها {قل هي مواقيت للناس} أي :أوقات وجوب
البر بأن تأتوا} بيوت
المعاملة في سبيل هللا وعزيمة السلوك ،وطواف بيت القلب ،والوقوف في مقام المعرفة {وليس ّ
قلوبكم {من ظهورها} من طرق حواسكم ومعلوماتكم المأخوذة من المشاعر البدنية ّ
فإن ظهر القلب هو الجهة التي تلي
البر} ّبر {من اتقى} شواغل الحواس وهواجس الخيال ووساوس النفس {وأتوا البيوت من أبوابها} الباطنة
{ولكن ّ
ّ البدن
فإن باب القلب هو الطريق الذي انفتح منه إلى الحق {واتّقوا هللا} في االشتغال بما يشغلكم
التي تلي الروح والحقّ ،
عنه {لعلكم تفلحون} .
وه ْم ِّم ْن ِ ِ ِ ون ُك ْم َوالَ تَ ْعتَ ُدوْا ِإ َّن َّ ِ يل َّ ِ َّ ِ وَق ِاتُلوْا ِفي سِب ِ
َخ ِرُج ُ
وهم َوأ ْ وه ْم َح ْي ُث ثَقْفتُ ُم ُ
ين * َوا ْقُتُل ُ َّللاَ الَ ُيح ُّب اْل ُم ْعتَد َ ين ُيَقاتُل َ
َّللا الذ َ َ َ
ِ ِ
وه ْم َك َذلِ َك
وك ْم َفا ْقُتُل ُ وه ْم ِع ْن َد اْل َم ْس ِجد اْل َح َار ِم َحتَّ ٰى ُيَق ِاتُل ُ
وك ْم ِفيه َفِإن َق َاتُل ُ ِ وكم واْلِف ْتن ُة أ َ ِ
َشُّد م َن اْلَق ْت ِل َوالَ تَُقاتُل ُ َخ َر ُج ُ ْ َ َ َح ْي ُث أ ْ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ين ََّّلل َفِإ ِن ْانتَ َهوْا َفالَ ُع ْدَو َ
ان وه ْم َحتَّ ٰى الَ تَ ُكو َن ف ْتَن ٌة َوَي ُكو َن ال ّد ُ
يم * َوَقاتُل ُ
ور َّرح ٌ ين * َفِإ ِن انتَ َه ْوْا َفِإ َّن َّ
َّللاَ َغُف ٌ آء اْل َكاف ِر ََج َز ُ
ِ ِ الشه ِر اْلح ار ِم واْلحرم ِ َّ ِ ِ َّ
اعتََد ٰىاعتَُدوْا َعَل ْيه ِبم ْث ِل َما ْ اص َف َم ِن ْ
اعتََد ٰى َعَل ْي ُك ْم َف ْ ص ٌ ات ق َََ َ ُُ َ ُ الش ْه ُر اْل َح َر ُام ِب َّ ْ ين * َّ ِإال َعَلى الظالم َ
ِ
َّللاَ َم َع اْل ُمتَّق َ
ين َن َّ اعَل ُموْا أ َّ َعَل ْي ُك ْم َواتَُّقوْا َّ
َّللاَ َو ْ
{الشهر الحرام بالشهر الحرام} أي :وقت منعها إياكم عن مقصدكم ودينكم وهو بعينها وقت منعكم إياها عن عقوقها
حتى ترضى بالوقوف على حدودها ،وشهرها الحرام هو وقت قيامها بحقوقها ،وشهركم الحرام هو وقت الحضور
والمراقبة .
ين * َوأَِت ُّموْا اْل َح َّج َواْل ُع ْم َرَة ََّّللِ َفِإ ْن ِِ يكم ِإَلى التَّهُل َك ِة وأَح ِسُنوْا ِإ َّن َّ ِ
َّللاَ ُيح ُّب اْل ُم ْحسن َ ْ َ ْ
ِ ِ يل َّ ِ
َّللا َوالَ ُتْلُقوْا بأ َْيد ُ ْ
وأ َْنِفُقوْا ِفي سِب ِ
َ َ
نكم َّم ِريضاً أَو ِب ِه أَ ًذى ِمن َّأر ِْسهِ ِ َّ ِ َّ ِ ِ ِ
ّ ْ ان م ُ استَْي َس َر م َن اْل َه ْد ِي َوالَ تَ ْحلُقوْا ُرُؤ َ
وس ُك ْم َحت ٰى َيْبُل َغ اْل َه ْد ُي َمحل ُه َف َمن َك َ ُحص ْرتُ ْم َف َما ْ أْ
َّ ِ ِ ِ ِِ َّ ِ ٍ ِ ِ ٍ ِ ِ ِ
استَْي َس َر م َن اْل َه ْد ِي َف َمن ل ْم َيج ْد َفصَي ُ
ام ص َد َقة أ َْو ُن ُسك َفإ َذآ أَمنتُ ْم َف َمن تَ َمت َع باْل ُع ْم َرة إَلى اْل َح ِّج َف َما ْ َفف ْدَي ٌة ّمن صَيا ٍم أ َْو َ
اعَل ُموْا اض ِري اْل َم ْس ِج ِد اْل َح َار ِم َواتَُّقوْا َّ امَل ٌة ٰذِلك ِلمن َّلم ي ُكن أَهُله ح ِ ثَالثَ ِة أَيَّا ٍم ِفي اْلح ِج وسبع ٍة ِإ َذا رجعتُم ِتْلك ع َشرةٌ َك ِ
َّللاَ َو ْ َ َ ْ َ ْ ْ ُ َ َ َْ ْ َ َ َ َ ّ َ َ َْ
ابَّللا َش ِد ُيد اْل ِعَق ِ أ َّ
َن َّ َ
حج توحيد الذات وعمرة توحيد الصفات بإتمام جميع المقامات واألحوال ،بالسلوك إلى هللا وفي هللا{ ،فإن
أتموا} ّ
{و ُ
استيسر من الهدي} فجاهدوا في هللا بسوق هدي النفس وذبحها َ األمارة إياكم عنهما {فما
أحصرتم} بمنع كفار النفس ّ
أن النفوس مختلفة في استعداداتها
بفناء كعبة القلب أو عرصة ما تمنى منها القلب من المقام .وما استيسر إشارة إلى ّ
ولكل ما تيسر أو بعضها
وصفاتها ،فبعضها موصوف بصفات حيوان ضعيف ،وبعضها بصفات حيوان قويّ .
بصفات حيوان ذلول سهل االنقياد ،وبعضها بصفات حيوان صعب عسر االنقياد ،وربما كان لبعضها صفة لم يتيسر
قمعها وإن تيسر قمع سائر صفاتها .ومثل هذا الحاج محصر أبداً.
{وال تحلقوا رؤوسكم} وال تزيلوا آثار الطبيعة وتخاروا طيب القلب وفراغ الخاطر من الهموم والتعلقات كلها ،والعادات
والعبادات وتقتصروا على صفاء الوقت كما هو مذهب القلندرية {حتى يبلغ} هدي النفس {محله} أي :مكانه ،وهو
{فمن كان منكم مريضاً} أي :ضعيف االستعداد مملوء القلب بعوارض الزمة في جبلتها أو مكتسبة من العادات {أو
به أذى من رأسه} أو ممنوعاً مبتلى بهموم وتعّلقات ورذائل وهيئات ،ولم يتيسر له السلوك والمجاهدة على ما ينبغي
وأراد أن يقتصر على طيب القلب وصفاء الوقت ليبقى على الفطرة وال ينتكس وينحط عن درجته وإن لم يترق .فعليه
فدية من إمساك عن بعض لذاته وشواغله النفسانية .أو فعل ّبر أو رياضة ومجاهدة تقمع بعض القوى المزاحمة،
العدو المحصر {فمن تمتع} بذوق تجلي
فليحفظ وقته وليراع صفاءه بزهد ما أو عبادة أو مخالفة نفس {فإذا أمنتم} من ّ
الصفات متوسالً به إلى حج تجلي الذات {فما استيسر من الهدي} بحسب حاله {فمن لم يجد} لضعف نفسه وخمودها
وانقهارها {فصيام ثالثة أيام} فعليه اإلمساك عن أفعال القوى التي هي األصول القوية في وقت التجلي واالستغراق في
وتجر إلى حضيض النفس والصدر ،وهي العقل والوهم والمتخيلة
الجمع والفناء في الوحدة فإنها ال ّبد من أن تحجب ّ
{وسبعة إذا رجعتم} إلى مقام التفصيل والكثرة وهي الحواس الخمس الظاهرة والغضب والشهوة ليكون عند االستقامة
في األشياء باهلل {تلك عشرة كاملة} فذلكة ،أي :تلك اإلمساكات المذكورة عن أفعال هذه القوى والمشاعر جميع
التفاصيل الكاملة الموجبة ألفاعيل قوى وجوده الموهوب بالحق عند حصول الكمال ،كما قال" :كنت سمعه الذي
معلومات} أي :وقت الحج أزمنة معلومة ،وهو من وقت بلوغ الحلم إلى األربعين ،كما قال تعالى في ٌ {الحج أشهر
ِٰ َّ
فيهن الحج} على نفسه بالعزيمة ض َوالَ ِب ْكٌر َع َو ٌ
ان َب ْي َن ذل َك} [البقرة ،اآلية{ ،]68 :فمن فرض ّ وصف البقرة{ :ال َف ِار ٌ
والتزم {فال َرْفث} أي :فاحشة ظهور القوة الشهوانية {وال ُف ُسوق} أي ألسباب يعني خروج ّ
القوة الغضبية عن طاعة
الحج} أي :في قصد بيت القلب {وما تفعلوا من خير} من تعدي القوة النطقية بالشيطنة {في ّ
القلب {وال جدال} أيّ :
فضيلة من أفعال هذه القوى الثالث بأمر الشرع والعقل دون رذائلها {يعلمه هللا} ويثبكم عليه {وتزودوا} من فضائلها
ِ
خير الزاد التقوى} منها {واتقو ِن} في أعمالكم ونياتكم {يا أُولي َ
األلباب} فإن {فإن َ
التي يلزمها االجتناب عن رذائلها ّ
اللب أي :العقل الخالص من شوب الوهم وقشر المادة اتقائي.قضية ّ
جناح أن تَْبتغوا فضالً من رّبكم} أي :ال حرج عليكم عند الرجوع إلى الكثرة في أن تطلبوا رفقاً ألنفسكم
ٌ {ليس عليكم
فإن حظها حينئذ يقويها على موافقة القلب في مقاصده وألنهاوتمتعوها بحظوظها على مقتضى الشرع بإذن الحقّ ،
لتنورها بنور الحق {فإذا أفضتم} أي :دفعتم أنفسكم من مقام المعرفة التامة الذي هو نهاية مناسك الحج
غير طاغية ّ
المشعر الحرام} أي :شاهدوا جمال هللا عند
"الحج عرفة"{ .فاذكروا هللا عند ْ
ّ أمها كما قال النبي صلى هللا عليه وسلم:
وّ
أفاض الناس} ثم أفيضوا إلى ظواهر العبادات والطاعات وسائر وظائف الشرعيات والمعامالت أفيضوا من حيث َ{ثم ُ
من حيث ،أي :من مقام إفاضة سائر الناس فيها ،وكونوا كأحدهم .قيل لجنيد رحمة هللا عليه :ما النهاية؟ قال :الرجوع
استَغفروا هللا} من ظهور النفس وتبرمها بالحال وطغيانها .قال النبي صلى هللا عليه وسلم" :إنه ليغان
إلى البداية{ .و ْ
على قلبي ،وإني ألستغف ر هللا في اليوم سبعين مرة" .وقال صلى هللا عليه وسلم" :اللهم ثبتني على دينك" ،فقيل له في
إن مثل القلب كمثل ريشة في فالة ،تقّلبها الرياح كيف شاءت" .ولما
ذلك فقال صلى هللا عليه وسلم" :أو ما يؤمننيّ ،
تورمت قدماه فقالت له عائشة رضي هللا عنها :أما غفر لك هللا ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال صلى هللا عليه
ّ
وسلم" :أفال أكون عبداً شكو اًر"" .وقال أمير المؤمنين عليه السالم" :أعوذ باهلل من الضالل بعد الهدى ".
{ومنهم من يقول ربنا ِآتنا} أي :يطلب خير كل من الدارين ويحترز عن االحتجاب بالظلمة والتعذب بنيران الطبيعة
نصيب مما َكسبوا} من حظوظ اآلخرة وأنوار دار القرار واللذات الباقية
ٌ {أولئك لهم
َ والحرمان عن أنوار الرحمة
باألعمال الصالحة بعد المحاسبة وحط بعض الحسنات بالسيئات والتعذيب بحسبها أو العفو.
عليه لمن اتقى} أي :ذلك الحكم لمن اتقى أن يكون مع حظوظ النفس بالنفسّ ،
فإن النفس ألزم لحظها من صاحبيها
وحظها أغلظ وأبعد من النور من حظوظهما وسريعاً ما تظهر للزوم الطيش والحركة إياها بخالف صاحبيها وحظها
أيضاً كثي اًر ما يحجب ،وإذا حجب كان حجابه غليظاً ظلمانياً فاالحتراز هناك واالحتياط واجب وأولى من الباقيين
ألنهما إن ظه ار ر ّق حجابهما وسهل زواله ،أو ذلك التخيير لمن اتقى في المراتب الثالث{ .واتقوا هللا} في المواطن
الثالثة من ظهور األنانية واآلنية حتى تكونوا في الحظوظ به ال بالنفس وال بالقلب وال بالروح {واعلموا أنكم إليه
تُ ْحشرون} أي :أنكم محشورون معه تحشرون من اسم إلى اسم حاضرون بحضرته فأنتم على خطر عظيم بخالف
سائر الناس كما ورد في الحديث" :المخلصون على خطر عظيم" .وعن النبي صلى هللا عليه وسلم عن هللا تعالى:
الصديقين بأني غفور
ّ "بشر المذنبين بأني غفور وأنذر
".
يحب مطيع
المحب لمن ّ
ّ إن
ّ لو كان حبك صادقاً ألطعته
َخ َذ ْت ُه اْل ِعَّزةُ ِب ِ يل َل ُه اتَّ ِق َّ ِ َّللا رؤ ِ ِ ِ ات َّ ِ اس من ي ْشرِي نْفسه ابِت َغآء مرض ِ
اإل ْث ِم َف َح ْسُب ُه َّللاَ أ َ وف باْلعَباد * َوإِ َذا ق َ َّللا َو َّ ُ َ ُ ٌ َ َ ُ ْ َ َْ َ الن ِ َ َ َو ِم َن َّ
ين * َفِإن طوا ِت َّ َّ ِ ِ جهَّنم وَلِب ْئس اْل ِمهاد * ٰيأَي َّ ِ
ان ِإَّن ُه َل ُك ْم َع ُدٌّو ُّمِب ٌ
طِ الش ْي َ َِّ
السْل ِم َكآف ًة َوالَ تَتب ُعوْا ُخ ُ َ
آمُنوْا ْاد ُخُلوْا في ّ ين َ ُّها الذ َ َ َُ ََ ُ َ َ
ظَل ٍل ِّم َن اْل َغ َما ِم َّللاُ ِفي ُ ظ ُرو َن ِإالَّ أَن َيأِْتَي ُه ُم َّ ِ ِ ِ
يم * َه ْل َين ُ َّللاَ َع ِز ٌيز َحك ٌ
َن َّاعَل ُموْا أ َّ آء ْت ُك ُم اْلَبِّيَن ُ
ات َف ْ َزَلْلتُ ْم ّمن َب ْعد َما َج َ
َّللاِ ِمناهم ِّم ْن َآي ٍة َبِّيَن ٍة َو َمن ُيَبِّد ْل ِن ْع َم َة َّ
يل َك ْم آتَْيَن ُ
ِ ِ ِ
ور * َس ْل َبني إ ْس َرائ َ
ضي األَمر وإَِلى َّ ِ
َّللا تُ ْر َج ُع األ ُُم ُ
ِ ِ
َواْل َمالئ َك ُة َوُق َ ْ ُ َ
ين اتََّقوْا َف ْوَق ُه ْم َي ْوَم َّ ِ ِ َّ ِ اب * زي َِّ ِ َّللا َش ِد ُيد اْل ِعَق ِ ِ ِ
آمُنوْا َوالذ َ ين َ الد ْنَيا َوَي ْس َخ ُرو َن م َن الذ َ
ين َكَف ُروْا اْل َحَياةُ ُّ
ِن للذ َ ُّ َ آء ْت ُه َفإ َّن َّ َ
َب ْعد َما َج َ
َّللا ي ْرُز ُق من ي َشآء ِب َغ ْي ِر ِحس ٍ
اب اْلِقي ِ
َ َ َ ُ امة َو َّ ُ َََ
العزة باإلثم} أي :حملته الحمية النفسانية حمية الجاهلية على اإلثم لجاجاً وأش اًر لظهور
{وإذا قيل له اتق هللا أخذته ّ
نفسه حينئذ وزعمه أنه أعلم بما يفعل من ناصحه { َف َحسبه جهنم} أي :غايته عمق حضيض رتبته التي هو فيها
فإن جهنم معناه :مهوى بعيد العمق مظلمة {يشري نفسه ْابِتغاء مرضاة هللا} يبذل نفسه في سلوك سبيل هللا وظلمتهاّ ،
طلباً لرضاه {ادخلوا في السلم} أي :في االستسالم وتسليم الوجوه هلل ،إذ معاداة القوى بعضها بعضاً ،وعدم موافقتها في
التسليم ألمر هللا دلي ل تتبع الشيطان ،وهو يريد أن تستحقوا قهر هللا بارتكاب اإلسرافات المذمومة لعداوته الغريزية لكم
الختالف جبلته وجبلتكم ،وقصوره عن نور فطرتكم ،لكونه نارّي الخلقة ال يطلب منكم إال أن تكونوا ناريين مثله ال
المحب.
ّ عدو في الحقيقة في صورة
نورانيين .فهو ّ
اس ِفيما اختَلُفوْا ِف ِ َنزَل َم َع ُهم اْل ِك ٰتَ َب ِباْل َح ِّق لَِي ْح ُكم َب ْي َن َّ ِ ِ ُم ًة َٰو ِح َد ًة َفَب َع َث َّ
يه الن ِ َ ْ َ َ ُ ين َوأ َ ين َو ُمنذ ِر َ النِبِّي َ
ين ُمَب ّش ِر َ َّللاُ َّ اس أ َّالن ُان َّ َك َ
َّللا َّال ِذين آمنوْا لِما اختَلُفوْا ِف ِ
يه ِم َن اْل َح ِّق ِ ِ وما اخَتَل ِ ِ َّ َّ ِ
آء ْت ُه ُم اْلَبِّي َٰن ُت َب ْغياً َب ْيَن ُه ْم َف َه َدى َّ ُ َ َ ُ َ ْ َ ين أُوتُوهُ من َب ْعد َما َج َ ف فيه ِإال الذ َ ََ ْ َ
ين َخَل ْوْا ِمن َقْبلِ ُكم َّ ِ ِ ِ ِ ِ ٍ ِبِإ ْذِن ِه و َّ ِ
آء ِإَل ٰى ص َٰرط ُّم ْستَقي ٍم * أ َْم َحس ْبتُ ْم أَن تَ ْد ُخُلوْا اْل َجَّن َة َوَل َّما َيأْت ُكم َّمَث ُل الذ َ َّللاُ َي ْهدي َمن َي َش ُ َ
ِ ِ ِ ِ َّ
ون َك
يب * َي ْسأَُل َ َّللا َق ِر ٌص َر َّ َّللا أَال إ َّن َن ْص ُر َّ آمُنوْا َم َع ُه َمتَ ٰى َن ْين َ ول َوالذ َ الرُس ُ
ول َّ آء َوُزْل ِزُلوْا َحتَّ ٰى َيُق َ آء َو َّ
الضَّر ُ ْس َُّم َّس ْت ُه ُم اْلَبأ َ
َّللاَ ِب ِه
يل َو َما تَْف َعُلوْا ِم ْن َخ ْي ٍر َفِإ َّن َّالسِب ِ ين َو ْاب ِن َّ اك ِما َذا ي ْنِفُقو َن ُقل مآ أ َْنَفْقتُم ِمن َخي ٍر َفِلْلو ِالدي ِن واألَْقربِين واْليتَامى واْلمس ِ
َ َْ َ َ َ َ َ َ ٰ َ َ َ ْ ّْ ْ ْ َ َ ُ
يم ِ
َعل ٌ
وضراء المجاهدة والرياضة وكسر النفس بالعبادة {وزلزلوا} بدواعي الشوق والمحبة عن ّ
مقار نفوسهم ّ والفقر واالفتقار،
صر هللا} أي :حتى تضجروا من طول بالقوة {حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى َن ْ
ليظهروا ما في استعدادهم ّ
مدة الحجاب ،وكثرة الجهاد من الفراق ،وعيل صبرهم عن مشاهدة الجمال ،وذوق الوصال ،وطلبوا نصر هللا بالتجليّ
على قمع صفات النفوس مع قوة مصابرتهم ،وحسن تحملهم ،لما يفعل المحبوب ويريد بهم من ابتالئهم بالهجران،
وإذاقتهم طعم الفرقة الشتداد قوة المحبة ،فكيف بغيرهم؟ فأجيبوا إذا بلغ جهدهم ونفدت طاقتهم وقيل لهم {أال إ ّن نصر
هللا قريب} أي :رفع الحجاب وظهرت آثار الجمال.
ال َو ُه َو ُك ْرهٌ َّل ُك ْم َو َع َس ٰى أَن تَ ْك َرُهوْا َش ْيئاً َو ُه َو َخ ْيٌر َّل ُك ْم َو َع َس ٰى أَن تُ ِحُّبوْا َش ْيئاً َو ُهَو َشٌّر َّل ُك ْم َو َّ
َّللاُ َي ْعَل ُم ِ ِ
ُكت َب َعَل ْي ُك ُم اْلقتَ ُ
َوأ َْنتُ ْم الَ َت ْعَل ُمو َن
وه َّن ِمن َقْب ِل وف حّقاً عَلى اْلمح ِسِنين * وإِن ََّ وس ِع َقدره وعَلى اْلمْقِت ِر َقدره متَاعاً ِباْلمعر ِ ِ
طلْقتُ ُم ُ َ ُْ َ َ َ َ ُْ َ ُُ َ ُ وه َّن َعَلى اْل ُم ِ َ ُ ُ َ َ يض ًة َو َمتّ ُع ُ َف ِر َ
ِِ ِ
ضتُ ْم ِإالَّ أَن َي ْعُفو َن أ َْو َي ْعُف َوْا َّالذي ِبَيده ُعْق َدةُ ِّ ِ
الن َكا ِح َوأَن تَ ْعُفوْا أَ ْق َر ُب ف َما َف َر ْ صُ يض ًة َفن ْ ضتُ ْم َل ُه َّن َف ِر َ وه َّن َوَق ْد َف َر ْ
أَن تَ َم ُّس ُ
ين ِ ٰ ِِ
وموْا ََّّلل َقنت َ ط ٰى َوُق ُ الص َٰلوِة اْلُو ْس َ
الصَل َٰو ِت و َّ ظوْا َعَلى َّ *ح ِاف ُ ِ
َّللاَ ِب َما تَ ْع َمُلو َن َبص ٌير َ ض َل َب ْيَن ُك ْم ِإ َّن َّ ِ َّ
للتْق َو ٰى َوالَ تَ َ
نس ُوْا اْلَف ْ
ين ُيتََوَّف ْو َن ِم ُ َّ ِ إن ِخْفتُ ْم َف ِر َجاالً أ َْو ُرْكَباناً َفِإ َذآ أ َِمنتُ ْم َفا ْذ ُك ُروْا َّ
نك ْم َوَي َذ ُرو َن ونوْا تَ ْعَل ُمو َن * َوالذ َ َّللاَ َك َما َعَّل َم ُكم َّما َل ْم تَ ُك ُ * َف ْ
اح َعَل ْي ُك ْم ِفي َما َف َعْل َن ِفي أ َْنُف ِس ِه َّن ِمن ِ ِ ِ
أ َْزَواجاً َوصَّي ًة أل َْزَواج ِه ْم َّمتَاعاً ِإَلى اْل َح ْول َغ ْي َر ِإ ْخ َار ٍج َفِإ ْن َخ َر ْج َن َفالَ ُجَن َ
َّللاُ َل ُك ْم َآي ِات ِه َل َعَّل ُك ْم تَ ْعِقُلو َن
ين * َك َذلِ َك ُيَبِّي ُن َّ ِ ِ
طلَقات َمتَاعٌ ِباْل َم ْع ُروف َحّقاً َعَلى اْل ُمتَّق َ
َّللا ع ِز ٌيز ح ِكيم * ولِْلم ََّ ِ
َ ُ َ ٌ
ٍ
َّم ْع ُروف َو َّ ُ َ
ض ٍل َعَلى َّ ِ ِ ِ َّ ِ
الن ِ
اس َّللاَ َل ُذو َف ْ َح َٰي ُه ْم ِإ َّن َّ
َّللاُ ُموتُوْا ثُ َّم أ ْ
ال َل ُه ُم َّ
وف َح َذ َر اْل َم ْوت َفَق َ ين َخ َر ُجوْا من د َٰي ِرِه ْم َو ُه ْم أُُل ٌ * أََل ْم تَ َر ِإَلى الذ َ
َّ ِ ِ َن َّ ِ يل َّ ِ اس الَ ي ْش ُكرو َن * وَٰقِتُلوْا ِفي سِب ِ َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثَ َر َّ
َّللاَ َق ْرضاً ض َّ يم * َّمن َذا الذي ُيْق ِر ُ يع َعل ٌ َّللاَ َسم ٌ اعَل ُموْا أ َّ
َّللا َو ْ َ َ الن ِ َ ُ
ط َوإَِل ْي ِه تُ ْر َج ُعو َن َض َعافاً َكِث َيرًة َو َّ
َّللاُ َيْقِب ُ
ض َوَي ْب ُس ُ حسناً َفي ٰ ِ
ضعَف ُه َل ُه أ ََْ ُ َ
الح َرام ِقتال فيه} يسألونك عن جهاد النفس وأعوانها ،والشيطان وجنوده في وقت التوجه والسلوك
ونك عن الشهر َ
{يسئُل َ
السر {ُق ْل} الجهاد في ذلك الوقت أمر عظيم شاق ،وصرف وجوهكم عنإلى الحق وجمعية الباطن الحرام فيه حركة ّ
سبيل هللا ،ومقام السر ،ومحل الحضور احتجاب عن الحق ،وإخراج أهل القلب الذين هم القوى الروحانية عن ّ
مقارهم
أشد من قتلكم إياهم بسيف الرياضة .وال تزال تلك القوى
أعظم وأكبر عند هللا ،وفتنة الشرك والكفر وبالؤهما عليكم ّ
النفسانية واألهواء الشيطانية يقاتلونكم بذبكم عن دينكم ومقصدكم ،ودعوتكم إلى دين الهوى والشيطان {حتى ّ
يردوكم
عن دينكم إن استطاعوا ومن ير ِتد ْد منكم عن دينه} باتباعهم {فأولئك َحبطت أعمالهم} التي عملوها في االستسالم
اب} نار الحجاب والتعذيب {هم فيها خالِ ُدون}. أصح ُ
َ واالنقياد {وأولئك
ِ
{وقاتُلوا في ِ
سبيل هللا} النفس والشيطان على األول والثاني .وعلى الثالث ال تخافوا من الموت في مقاتلة األعداء ،فإن
الهرب منه ال ينفع كما لم ينفع أولئك .وهللا يحييكم كما أحياهم {قرضاً حسناً} هو بذل النفس بالجهاد ،أو بذل المال
باإليثار {وهللا يقبض ويبسط} أي :هو مع معاملتكم في القبض والبسط ،فإنكم بأوصافكم تستنزلون أوصافه .إن تبخلوا
يضيق عليكم ويقتر ،وإن تجودوا يوسع عليكم بحسب جودكم كما ورد في الحديث" :تنزل المعونة على
بما في أيديكم ّ
قدر المؤونة
".
ال َه ْل َع َس ْيتُ ْم يل َّ ِ إل ِمن بِني ِإسرِائيل ِمن بع ِد موسى ِإ ْذ َقاُلوْا لَِنِب ٍي َّلهم ابع ْث َلَنا ملِكاً ُّنَق ِاتل ِفي سِب ِ أََلم تَ َر ِإَلى اْلم ِ
َّللا َق َ َ ْ َ ّ ُُ َْ َْ ُ َ َْ َ َ َ ْ
ُخ ِر ْجَنا ِمن ِدَي ِارَنا َوأ َْبَن ِآئَنا َفَل َّما ُكِت َب َعَل ْي ِه ُم يل َّ ِ ِإن ُكِتب َعَلي ُكم اْلِقتَال أَالَّ تَُق ِاتُلوْا َقاُلوْا وما َلَنآ أَالَّ ُنَق ِاتل ِفي سِب ِ
َّللا َوَق ْد أ ْ َ َ ََ ُ َ ْ ُ
ِ ُّه ْم ِإ َّن َّ ِ ِ ِ َّ ِ ال تََوَّل ْوْا ِإالَّ َقليالً ّم ْن ُه ْم َو َّ
ِ ِ ِ
وت َملكاً َقاُلوْا أََّن ٰى َي ُكو ُن َل ُه طاُل َ َّللاَ َق ْد َب َع َث َل ُك ْم َ ال َل ُه ْم َنبي ُ
ين * َوَق َيم ِبالظالم َ َّللاُ َعل ٌ اْلقتَ ُ
ط ًة ِفي اْل ِعْل ِم َواْل ِج ْس ِم
طَفاهُ َعَل ْي ُك ْم َوَزَادهُ َب ْس َ
اص َ ال ِإ َّن َّ
َّللاَ ْ
ِ ِ اْلمْلك عَلينا ونحن أ ِ ِ ِ
َح ُّق باْل ُمْلك م ْن ُه َوَل ْم ُي ْؤ َت َس َع ًة ّم َن اْل َمال َق َ
ُ ُ َ َْ َ َ ْ ُ َ
للملك في أفريدون ،وذهب عن كي كاؤوس فر الملك ،فطلبوا من له الفر ،فوجدوا للملك المبارك كيخسرو ّ
وسماه
ألن التابوت فعلوت من التوب ،أي :يأتيكم من جهته ما يرجع في ثبوت "التابوت" أي :ما يرجع إليه من األمورّ .
ملكه من اإلذعان والطاعة واالنقياد والمحبة له بإلقاء هللا له ذلك في قلوبكم ،كما قال النبي صلى هللا عليه وسلم:
"نصرت بالرعب مسيرة شهر" .أو ما يرجع إليه من الحالة النفسانية ،والهيئة الشاهدة له على صحة ملكه {فيه سكينة
المسمى "فر" وهو
ّ من رّبكم} أي :ما تسكن قلوبكم إليه {وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون} في أوالدهم من المعنى
نور ملكوتي تستضيء به النفس باتصالها بالملكوت السماوية ،واستفاضتها ذلك من عالم القدرة مستلزم لحصول علم
ّ
السياسة وتدبير الملك والحكمة المزينة لها {تَ ْحمله المالئكة} أي :ينزل إليكم بتوسط المالئكة السماوية .ويمكن أنه كان
صندوقاً فيه طلسم من باب نصرة الجيش وغيره من الطلسمات التي تذكر أنها للملك على ما يرى من أنه كان فيه
الهر ،وذنب كذنبه كالذي كان في عهد أفريدون المسمى "درفش كاويان".
صورة لها رأس كرأس اآلدمي و ّ
بنهر} هو منهل الطبيعة الجسمانية {فمن َش ِرب منه فليس مني} أي :من كرع فيه مفرطاً في الرّي
{إن هللا ُم ْبَتليكم ٍ
عدو
األمارة ،وال بجالوت ّ
أذل وأعجز خلق هللا ،ال ّقوة لهم بقتال جالوت النفس ّ
ألن أهل الطبيعة وعبدة الشهوات ّ منهّ .
اغتَرف َغ ْرفة بيده} أي :إال من اقتنع منه بقدر الضرورة واالحتياج من غير تشدد {إال من ْ
الدين ،إذ ال حمية لهم وال ّ
{فشرُبوا منه} أي :كرعوا فيه وانهمكوا {إال قليالً منهم} إذ المتنزهون عن األقذار الطبيعية،
حرص وانهماك فيه َ
يل َّما ُه ْم} [ص،المتقدسون عن مالبسها ،المتجردون عن غواشيها قليلون بالنسبة إلى من عداهم .قال هللا تعالىِ :
{وَقل ٌ
َ ّ ّ
ور} [سبأ ،اآلية ]13 :وهم الذين آمنوا معه من أهل اليقين الذين كانوا يعلمون ِ ِ ِ
يل م ْن عَبادي َّاآليةِ ،]24 :
الش ُك ُ َ {وَقل ٌ ّ
َ
بقوة يقينهم ،فظفروا.
بنور يقينهم أن الغلبة ليست بالكثرة ،بل بالنصرة اإللهية ،فصبروا على ما عاينوا ّ
{وسع ُكرسيه السموات واألرض} أي :علمه ،إذ الكرسي مكان العلم الذي هو القلب .كما قال أبو يزيد البسطامي ِ
ّ
أحس به لغاية سعته .ولهذا
مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما ّرحمة هللا عليه :لو وقع العالم وما فيه ألف ألف ّ
قال الحسن :كرسيه :عرشه ،مأخوذ من قوله عليه السالم" :قلب المؤمن من عرش هللا" .والكرسي في اللغة :عرش
صغير ال يفضل عن مقعد القاعدُ ،شبه القلب به تصوي اًر وتخييالً لعظمته وسعته .وأما العرش المجيد األكبر فهو
فيهن {وال يؤده} أي:
الروح األول وصورتهما ومثالهما في الشاهد الفلك األعظم ،والثامن المحيط بالسموات السبع وما ّ
وال يثقله ِ
{حفظهما} ألنهما غير موجودين بدونه ليثقله حملهما ،بل العالم المعنوي كله باطنه والصورّي ظاهره ،فال
{العظيم}
العلي} الشأن الذي ال يعلوه شيء وهو يعلو كل شيء ،ويقهره بالفناء َ وجود لهما إال به وليسا غيره{ .وهو
ّ
يتصور كنه عظمته ،وكل عظمة تتصور لشيء فهي رشحة من عظمته ،وكل عظيم فبنصيب من عظمته ّ الذي ال
وحصة منها عظيمة .فالعظمة مطلقاً له دون غيره ،بل كلها له ،ليس لغيره فيها نصيب .وهي أعظم آية في القرآن
لعظم مدلولها .
ِ ِ ِ وت ويؤ ِمن ِب َّ ِ ِ الط ُ ِالرْشد ِمن اْل َغ ِي َفمن ي ْكُفر ِب َّ الَ ِإ ْكراه ِفي ِ
ص َام
استَ ْم َس َك باْل ُع ْرَوة اْلُوْثَق ٰى الَ انف َ
اَّلل َفَقد ْ اغ َ ْ ْ ّ َْ َ ْ َّن ُّ ُ َ ين َقد تََّبي َ
الد ِ
ّ ََ
َّ ِ َّ ِ ُّ ِ
آمُنوْا ُي ْخ ِر ُج ُه ْم ّم َن الظُل َمات ِإَلى ُّ ِ َّ ِ ِ
وت
اغ ُآؤ ُه ُم الط ُ ين َكَف ُروْا أ َْولَِي ُ الن ِ
ور َوالذ َ َّللاُ َولِ ُّي الذ َ
ين َ يم * َّ يع َعل ٌ
َّللاُ َسم ٌ
َل َها َو َّ
ِ اه ِ الن ِار هم ِفيها خالِدون * أََلم تَر ِإَلى اَّل ِذي ح َّ ِ ِ ُّ ِ ِ الن ِ ِون ُه ْم ِّم َن ُّ
َن
يم في َرّبِه أ ْآج إ ْب َر َ َ ْ َ اب َّ ُ ْ َ َ ُ َ َص َح ُ ور إَلى الظُل َمات أ ُْوَلـٰئ َك أ ْ ُي ْخ ِر ُج َ
س ِم َن َّللا َيأِْتي ِب َّ
الش ْم ِ اه ِ اهيم ربِي َّال ِذي يحِيـي وي ِميت َقال أَنا أُحِيـي وأ ُِميت َق ِ ِ َّللا الملك ِإذ قال ِإبر ِ
يم َفإ َّن َّ َ
ال إ ْب َر ُ
ُ ْ َُ ُ َ َ ْ َ ُ َ َ ُ ُ ْ ُْ َ ْ َ َ َْ ُ َ ّ َ
آتاه َّ
ين َّ ِ ِ ِ ْت ِب َها ِم َن اْل َم ْغ ِر ِب َفُب ِه َت َّال ِذي َكَف َر َو َّ
ِق َفأ ِاْلم ْشر ِ
َّللاُ الَ َي ْهدي اْلَق ْوَم الظالم َ َ
{ال إ ْك َراه في الدين} ألن الدين في الحقيقة هو الهدى المستفاد من النور القلبي ،الالزم للفطرة اإلنسانية ،المستلزم
َّللاِ َذلِ َك
يل لِ َخْل ِق َّ ِ
اس َعَل ْي َها الَ تَْبد َ َّللاِ َّالِتي َف َ
ط َر َّ
الن َ ط َر َت َّ لإليمان اليقيني .كما قال تعالىَ { :فأ َِق ْم َو ْج َه َك لِ ِّلد ِ
ين َحِنيفاً ِف ْ
ين اْلَقِّيم} [الروم ،اآلية ،]30 :واإلسالم الذي هو ظاهر الدين مبتن عليه وهو أمر ال مدخل لإلكراه فيه .والدليل ِ
الد ُ
ّ
أن باطن الدين وحقيقته اإليمان كما أن ظاهره وصورته اإلسالم ما بعده {قد تبين} أي تميز {الرشد من الغي} على ّ
ّ
بالدالئل الواضحة لمن له بصيرة وعقل ،كما قيل :قد أضاء الصبح لذي عينين.
بالع ْرَوة {فمن َي ْكفر بالطاغوت} أي :ما سوى هللا وينفي وجوده وتأثيره {ويؤ ِمن باهلل} إيماناً شهودياً حقيقياً {فقد ْ
استَ ْمسك ُ
كل وثيق بها موثوق ،بل الوثقى} أي :تمسك بالوحدة الذاتية التي وثوقها واحكامها بنفسها ،فال شيء أوثق منها ،إذ ّ
كل وجود بها موجود وبنفسه معدوم ،فإذا اعتبر وجوده فله انفصام في نفسه ألن الممكن وثاقته ووجوده بالواجب ،فإذا
قطع النظر عنه فقد انقطع وجود ذلك الممكن ولم يكن في نفسه شيئاً .وال يمكن انفصامه عن وجود عين ذاته ،إذ
ليس فيه تجزؤ وإثنينية ،وفي االنفصام لطيفة وهو أنه انكسار بال انفصال .ولما لم ينفصل شيء من الممكنات من
ذاته تعالى ،ولم يخرج منه ،ألنه إما فعله وإما صفته ،فال انفصال قطعاً ،بل إذا اعتبره العقل بانفراده كان منفصماً،
{عليم} بنياتهم وإيمانهم.
ٌ أي :منقطع الوجود متعلقاً وجوده بوجوده تعالى {وهللا َس ِميع} يسمع قول كل ذوي دين
{ي ْخرجهم} من ظلمات صفات النفس وشبه الخيال والوهم ،إلى نور ولي الذين آمنوا} متولي أمورهم ومحبتهم ُ {هللا
ّ
فروا أولياؤهم} ما يعبدون من دون هللا {يخرجونهم} من نور االستعداد
اليقين والهدى وفضاء عالم الروح {والذين َك ُ
والهداية الفطرية إلى ظلمات صفات النفس والشكوك والشبهات.
سنة ،وأن تكون أعمارهم في ذلك الزمان كانت طويلة {ثم َب َعثه} بالحياة الحقيقية وطلب منه الوقوف على ّ
مدة اللبث
استصغار لمدة اللبث في موت الجهل المنقضية بالنسبة إلى الحياة األبدية ولعدم
ًا فما ظنها إال يوماً أو بعض يوم،
شعوره بمرور المدة كالنائم الغافل عن الزمان ومروره .ثم لما تف ّكر ّنبهه هللا تعالى على طول مدة الجهل وموت
ادي في إحدى المدد المذكورة ،فتكون المدة زمان رياضته وسلوكه الغفلة ،بأنه مائة عام ،أو أماته بالموت اإلر ّ
ومجاهدته في سبيل هللا ،أو أماته حتف أنفه بالموت الطبيعي فتعلق روحه ببدن آخر من جنسه الكتساب الكمال إما
مر عليه إحدى المدد الثالث المذكورة ،وهو ال يطلع على حاله فيها ،ولم يشعر بمبدئه
بعد زمان وإما في الحال حتى ّ
ثم بالحياة الحقيقية فاطلع بنور العلم على حاله وعرف مبدأه ومعاده.
ومعاده وكان ميتاً ّ
".
ظر إلى ِح َمارك} أي :بدنك بحاله على الوجه األول والثاني ،وكيف نخرت عظامه وبليت على الوجه الثالث {و ْان ُ
{ثم ظر إلى ِ
كيف ننشزها} أي :نرفعها ّظام َ الع َ {ولنجعلك آية للناس} أي :ولنجعلك دليالً للناس على البعث ،بعثناك {و ْان ُ
وتجرده عن البدن على تركيب بدنه برفع العظام َن ْكسوها َل ْحماً} على كال الوجهين ظاهر ،فإنه إذا بعث وعلم حاله ّ
كل شيء َق ِدير}.
أن هللا على ّوجمعها وكسوتها لحماً {فلما تََبين له} ذلك البعث والنشور {قال أعلم ّ
طمِئ َّن َقْلِبي َقال َفخ ْذ أَربع ًة ِمن ال َّ ِ ِ اهيم َر ِّب أ َِرِني َك ْي َ ِ وإِ ْذ َق ِ ِ
ط ْي ِر َ ُ ََْ ّ َ ال َبَل ٰى َوَلـكن ّلَي ْ َال أ ََوَل ْم تُ ْؤ ِمن َق َ ف تُ ْحيـي اْل َم ْوتَ ٰى َق َ ال إ ْب َر ُ َ َ
ِ ِ ِ
َّللاَ َع ِز ٌيز َحك ٌ
يم اج َع ْل َعَل ٰى ُك ِّل َجَب ٍل ّم ْن ُه َّن ُج ْزًءا ثُ َّم ْاد ُع ُه َّن َيأْت َين َك َس ْعياً َو ْ
اعَل ْم أ َّ
َن َّ ص ْرُه َّن ِإَل ْي َك ثُ َّم ْ
َف ُ
الم ْوتى} أي :بلغني إلى مقام العيان من مقام العلم اإليقاني .ولهذا قرر إيمانه إبراهيم رب ِأرني َ
كيف تُ ْحيي َ {وإذ َقال َ
بهمزة االستفهام التقريرية.
منهن جزءاً} أي :من الجبال التي بحضرتك ،وهي العناصر األربعة التي هي أركان بدنه،
كل َجَبل ّ اج َعل على ّ{ثم ْ
المعدة في طبائع العناصر التي فيك .كانت
ّ أي :اقمعها وأمتها حتى ال يبقى إال أصولها المركوزة في وجودك ومو ّادها
عهن} أي :أنها إذا أنت حييت
الجبال سبعة ،فعلى هذا يشير بها إلى األعضاء السبعة التي هي أجزاء البدن {ثم ْاد ّ
بحياتها كانت غير طيعة مستولية عليك ،وحشية ممتنعة عن قبول أمرك ،فإذا قتلتها كنت حياً بالحياة الحقيقية
حية بحياتك ال بحياتها ،حياة النفس مطيعة لك منقادة ألمرك فإذا دعوتها
الموهوبة بعد الفناء والمحو .فتصير هي ّ
{حكيم} ال يقهرها إال بحكمة .ويمكن حمله على حشر
ٌ اعَلم أن هللا ِ
عز ٌيز} غالب على قهر النفوس {يأتينك َس ْعياً} {و ْ
الوحوش والطيور ،وعلى هذا فيكون جعل أجزائها على الجبال تغذية الجسم بها ودعاؤه وإتيانه إليه ساعية توجهها
إلى اإلنسان بعد النشور .
أموالهم في َسِبيل هللا} ذكر سبحانه ثالث إنفاقات وفاضل بينها في الجزاء ،أولها :اإلنفاق في ِ
{مثل الذين ُي ْنفقون َ
سبيل هللا وهو إنفاق في عالم الملك عن تجلي األفعال يعطيه صاحبه ليثيبه هللا تعالى ،فأثابه سبعمائة أضعاف ما
ألن يده تعالى أبسط وأطول من يده بما ال يتناهى.
أعطى ثم زاد في األضعاف إلى ما ال يتناهى بحسب المشيئة ّ
بنيات المعطين واعتقاداتهم أنه من فضل هللا تعالى،
{عليم} ّ
ٌ يتقدر بأعطيتنا عطاؤه
اسع} كثير العطاء ،ال ّ
{وهللا و ٌ
فيثيبهم على حسب ذلك .وثانيها :اإلنفاق عن مقام مشاهدة الصفات على ما سيأتي ،وهو اإلنفاق لطلب رضاء هللا
كما أن األولى هو اإلنفاق لطلب عطاء هللا .وثالثها :اإلنفاق باهلل ،وهو عن مقام شهود الذات {ثم ال يتبعون ما أنفقوا
المن واألذى ،ألن اإلنفاق إنما يكون محموداً لثالثة أوجه :كونه موافقاً لألمر
مناً وال أذى} ّنبه على أن اإلنفاق يبطله ّ
بالنسبة إلى هللا تعالى ،وكونه مزيالً لرذيلة البخل بالنسبة إلى نفس المنفق ،وكونه نافعاً مريحاً بالنسبة إلى المستحق.
من صاحبه فقد خالف أمر هللا ألنه منهي وظهرت نفسه باالستطالة واالعتداد بالنعمة والعجب واالحتجاب بفعلها فإذا ّ
ّ
ورؤية النعمة منها ال من هللا ،وكلها رذائل أردأ من البخل ،الزمة له ،ولو لم يكن له إال رؤية نفسه بالفضيلة لكفاه
مبطالً .وأما الوجه الثالث الذي هو بالنسبة إلى المستحق ،فيبطله األذى المنافي للراحة والنفع والمن أيضاً مبطل له
القتضائه الترفع وإظهار االصطناع وإثبات حق عليه .
ويروح روحه، صد َقة َي ْتبعها أَ َذ ًى} إذ القول الجميل ،وإن كان ّ
بالرد ،يفرح قلبهّ ، خير من َ
وم ْغفرة ٌ
ثم قال{ :قول َم ْعروف َ
وتصور النفع ،فإذا قارن ما ينفع الجسد ما يؤذي الروح ّ
تكدر ّ تفرح القلب إال بالتبعية
والصدقة إنما تنفع جسده وال ّ
النفع وتنغص ،ولم يقع في مقابلة الفرح الحاصل من القول الجميل ،ولو لم يكن مع التنغيص أيضاً ألن الروحانيات
أشرف وأحسن وأوقع في النفوس {وهللا غني} عن الصدقة المقرونة باألذى ،فيعطي المستحق من خزائن غيبه {حليم}
ّ
ال يعاجل بالعقوبة.
ِ ِ
فضله على األول بتشبيهه بالجنة، {مثل الذين ُي ْنفقون َ
أموالهم ْابتغاء مرضاة هللا} هذا هو القسم الثاني من اإلنفاقّ .
فإن الجنة مع إيتاء أكلها تبقى بحالها بخالف الحبة ،فأشار بها أنه ملك لهم كأنه صفة ذاتية ولهذا قال{ :وتثبيتاً من
أنفسهم} أي :توطيناً لها على الجود الذي هو صفة ربانية ،وقولهِ{ :ب َرْب َوٍة} إشارة إلى ارتفاع رتبة هذا اإلنفاق وارتقائه
عن درجة األول {أصابها وابل} اي :حظ كثير من صفة الرحمة الرحمانية ومدد وافر من فيض جوده ألنها ملكة
االتصال باهلل تعالى بمناسبة الوصف واستعداد قبوله واالتصاف به {فإن لم يصبها وابل} أي :حظ كثير ،فحظ قليل
َص َاب ُه اْل ِكَب ُر َوَل ُه َّ ِ يها ِمن ُك ِّل ِ ِ ِ يل وأ ْ ٍ ِ ِ ٍ
الث َم َرات َوأ َ َعَناب تَ ْجرِي من تَ ْحت َها األ َْن َه ُار َل ُه ف َ َح ُد ُك ْم أَن تَ ُكو َن َل ُه َجَّن ٌة ّمن َّنخ َ
أََي َوُّد أ َ
آمُنوْا أ َْنِفُقوْا * ٰيأَي َّ ِ األي ِت َل َعَّل ُك ْم تَتََف َّك ُرو َن احتَ َرَق ْت َك َذلِ َك ُيَبِّي ُن َّ ِِ ِ
ين َ ُّها الذ َ
َ َّللاُ َل ُك ُم َٰ ص ٌار فيه َن ٌار َف ْ
َص َاب َهآ إ ْع َ
آء َفأ َ
ض َعَف ُ ُذِّرَّي ٌة ُ
يه ِإالَّ أَن تغ ِمضوْا ِف ِ
يه آخ ِذ ِ
ِب ِ يث ِم ْن ُه تُْنِفُقو َن َوَل ْستُ ْم َخ َر ْجَنا َل ُكم ِم َن األ َْر ِ
ض َوالَ تََي َّم ُموْا اْل َخِب َ َك َس ْبتُ ْم َو ِم َّمآ طِيب ِ ِ
ُْ ُ ّ أْ ات َما من َ ّ َ
يم ِ ِم ْنه وَفضالً و َّ ِ
َّللاُ َواس ٌع َعل ٌ ّ َُ ْ َ َّللاُ َي ِع ُد ُكم َّم ْغِف َرًة
ْم ُرُكم ِباْلَف ْح َش ِآء َو َّ ط ِ
ان َيع ُد ُك ُم اْلَفْق َر َوَيأ ُ
* َّ
الش ْي َ ُ َغِن ٌّي َح ِم ٌيد َّللاَ اعَل ُموْا أ َّ
َن َّ َو ْ
سبتم} أمر بالقسم الثالث من اإلنفاق من طيبات ما كسبتم ،إذ المختار باهلل يختار األشرف من ِْ
{أنفُقوا من طيبات ما َك ْ
يحب الجمال" ومن كان في إنفاقه بالنفس
علي عليه السالم" :إن هللا جميل ّ كل شيء للمناسبة كما قال أمير المؤمنين
ّ
لضن النفس ومحبتها إياه ،واستئثارها به عن تخصيصه باهلل ،فما كان بالنفس ليس ببر
ال يقدر على إنفاق األشرف ّ
ِ
أصالً لقوله تعالىَ{ :لن تََناُلوْا اْلِبَّر َحتَّ ٰى تُْنِفُقوْا م َّما تُ ِحبُّون} [آل عمران ،اآلية{ ،]92 :وال تََيمموا َ
الخبيث منه تنفقون}
تخصونه باإلنفاق كعادة المنفقين بالنفس والطبيعة {ولستم بآخذيه إال أن تغمضوا فيه} لمحبتكم األطيب من المال
ألنفسكم الختصاص محبتكم بالذات إياها ،ولهذا ال تؤثرون هللا بالمال عليها فتنفقوا أطيبه له {واعلموا أن هللا غني}
ّ
{حميد} ال يفعل إال الفعل المحمود ،فاقتدوا به.
ٌ فاتصفوا بغناه فتستفيضوا به عن المال ومحبته
{للفقراء} أي :اقصدوا بصدقاتكم الفقراء {الذين} أحصرهم المجاهدة {في سبيل هللا} {ال يستطيعون ضرباً في األرض}
للتجارة والكسب الشتغالهم باهلل واستغراقهم في األحوال وصرف أوقاتهم في العبادات{ .يحسبهم الجاهل أغنياء من
التعفف} عن السؤال واالستغناء عن الناس {تعرفهم بسيماهم} من صفرة وجوههم ،ونور جباههم ،وهيئة سحناتهم ،أنهم
عرفاء فقراء ،أهل هللا ،ال يعرفهم إال هللا ومن هو منهم {ال يسألون الناس َ
إلحافاً} أي :إلحاحاً .والمراد نفي مسئلة
الناس بالكلية كقوله :
على ِ
الح ٍب ال ُي ْهتدى بمناره
أي من والمراد نفي المنار واالهتداء جميعاً ،أو نفي اإللحاف وإثبات التعطف في المسألة{ .وما تنفقوا من ٍ
خير} على ّ
{فإن هللا به عليم} أي :بأن ذلك اإلنفاق له أو لغيره ،فيجازي بحسبه.
أنفقتم ،غنياً كان أو فقي اًر ّ
{الذين ُينفقو َن} عمم اإلنفاق أوالً وثانياً بحسب األوقات واألحوال ليعلم أنه ال يتفاوت بها ،بل بالقصد و ّ
النية {الذين َ
فإن كل مكتسب له توكل ما فييأكلون الربا ال يقومون} إلى آخره ،آكل الربا أسوأ حاالً من جميع مرتكبي الكبائرّ ،
كسبه قليالً كان أو كثي اًر ،كالتاجر والزارع والمحترف ،إذ لم يعينوا أرزاقهم بعقولهم ولم تتعين لهم قبل االكتساب فهم
على غير معلوم في الحقيقة ،كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم" :أبى هللا أن يرزق المؤمن إال من حيث ال
يعلم" .وأما آكل الربا فقد عين على آخذه مكسبه ورزقه سواء ربح اآلخذ أو خسر ،فهو محجوب عن ربه بنفسه وعن
الجن
رزقه بتعيينه ،ال توكل له أصالً ،فوكّله هللا تعالى إلى نفسه وعقله ،وأخرجه من حفظه وكالءته ،فاختطفه ّ
وخبلته ،فيقوم يوم القيامة وال رابطة بينه وبين هللا كسائر الناس المرتبطين به بالتوكل ،فيكون كالمصروع الذي ّ
مسه
بأن ُهم قالوا} أي :ذلك بسبب احتجابهم بقياسهم وأول من قاس إبليس
الشيطان فتخبطه ال يهتدي إلى مقصد {ذلك َ
فيكونون من أصحابه مطرودين مثله .
الصلِ ٰح ِت وأَقاموْا َّ ٰ ٰ ِ َّ ِ ِ ِ الص َد َٰق ِت َو َّ
وة َوآتَُوْا الصَل َ آمُنوْا َو َعمُلوْا َّ َ َ َ ُ ين َ َّللاُ الَ ُيح ُّب ُك َّل َكَّف ٍار أَثي ٍم * ِإ َّن الذ َ الرَٰبوْا َوُي ْربِي َّ
َّللاُ ِّ
َي ْم َح ُق َّ
الرَٰبوْا ِإنَّللاَ َوَذ ُروْا َما َبِقي ِم َن ِّ آمُنوْا اتَُّقوْا َّ الزَٰكوة َلهم أَجرهم ِعند رِب ِهم والَ خوف عَلي ِهم والَ هم يحزنون * ٰيأَي َّ ِ
َ ين َ ُّها الذ َ َ َّ َ ُ ْ ْ ُ ُ ْ َ َ ّ ْ َ َ ْ ٌ َ ْ ْ َ ُ ْ َ ْ َ ُ َ
ظلِ ُمو َن َوالَ تُ ْ
وس أ َْم َٰولِ ُك ْم الَ تَ ْ ِ ُكنتم ُّمؤ ِمِنين * َفِإن َّلم تْفعُلوْا َف ْأ َذنوْا ِبحر ٍب ِمن َّ ِ
ظَل ُمو َن * َّللا َوَرُسولِه َوإِ ْن تُْبتُ ْم َفَل ُك ْم ُرُؤ ُ ُ َْ ّ َ ْ ََ ْ ُْ ْ َ
َّللاِ ثُ َّم تَُوَّف ٰى
يه ِإَلى َّ وإِن َكان ُذو عسرٍة َفن ِظرة ِإَلى ميسرٍة وأَن تصَّد ُقوْا خير َّل ُكم ِإن ُكنتم تعَلمون * واتَُّقوْا يوماً ترجعون ِف ِ
َ ْ ُْ َ ُ َ َ ْ ُْ َ ْ ُ َ َ ٌْ ْ ُ ْ َ َ ٌَ ٰ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ
َج ٍل ُّم َس ًّمى َفا ْكتُُبوهُ َوْلَي ْكتُب ب َّْيَن ُك ْم َك ِات ٌب ظَلمون * ٰيأَي َّ ِ
آمُنوْا ِإ َذا تَ َد َاينتُم ِب َد ْي ٍن ِإَل ٰى أ َ
ين َ ُّها الذ َ َ س َّما َك َسَب ْت َو ُه ْم الَ ُي ْ ُ َ ُك ُّل َنْف ٍ
َّه َوالَ َي ْب َخ ْس ِم ْن ُه َش ْيئاً َفإن َّللاُ َفْلَي ْكتُ ْب َوْلُي ْملِ ِل َّال ِذي َعَل ْي ِه اْل َح ُّق َوْلَيتَّ ِق َّ
َّللاَ َرب ُ َن َي ْكتُ َب َك َما َعَّل َم ُه َّ ِ
ْب َكات ٌب أ ْ ِ
ِباْل َع ْدل َوالَ َيأ َ
استَ ْش ِه ُدوْا َش ِه َيد ْي ِن ِّمن ِّرَجالِ ُك ْم ض ِعيفاً أَو الَ يستَ ِطيع أَن ي ِم َّل ُهو َفْليملِل ولِي ُ ِ ِ ِ ِ َك َّ ِ
ُّه باْل َع ْدل َو ْ َ ُْ ْ َ ْ َْ ُ ُ ان الذي َعَل ْيه اْل َح ُّق َسفيهاً أ َْو َ َ
ِ ِ ان ِم َّمن تَرضو َن ِمن ُّ ِ
ْبُخ َر ٰى َوالَ َيأ َ اه َما األ ْ اه َما َفتُ َذ ّك َر ِإ ْح َد ُ
الش َه َدآء أَن تَض َّل ِإ ْح َد ُ َ ْ َْ ام َأرَتَ ِ َفِإن َّل ْم َي ُك َ
ونا َرُجَل ْي ِن َف َر ُج ٌل َو ْ
لش َٰه َد ِة َوأ َْدَن ٰى أَالَّ تَ ْرتَ ُابوْاَّللاِ وأَ ْقوم لِ َّ الشهدآء ِإ َذا ما دعوْا والَ تَسأَموْا أَن تَ ْكتُبوه ص ِغي اًر أَو َكِبي اًر ِإَلى أَجلِ ِه َذلِ ُكم أَ ْقس ُ ِ ُّ
ط ع َند َّ َ ُ ْ َ ٰ َ ُُ َ َ ُُ َ ْ ُ ََ ُ
ض َّآر َك ِات ٌب َوالَ َش ِه ٌيد َّ ِ ِ ِ َّ
َش ِه ُدوْا ِإ َذا تََب َاي ْعتُ ْم َوالَ ُي َ
وها َوأ ْ
اح أَال تَ ْكتُُب َ ِإال أَن تَ ُكو َن ت َٰج َرًة َحاض َرًة تُد ُير َ
ون َها َب ْيَن ُك ْم َفَل ْي َس َعَل ْي ُك ْم ُجَن ٌ
يم * َوإِن ُكنتُ ْم َعَل ٰى َسَف ٍر َوَل ْم تَ ِج ُدوْا َك ِاتباً َف ِرَٰه ٌن ٍ ِ َّللا و َّ ِ ِ
َّللاُ ب ُك ّل َش ْيء َعل ٌ
ِ َوإِن تَْف َعُلوْا َفِإَّن ُه ُف ُسو ٌق ِب ُك ْم َواتَُّقوْا َّ
َّللاَ َوُي َعّل ُم ُك ُم َّ ُ َ
الش َٰه َد َة َو َمن َي ْكتُ ْم َها َفِإَّن ُه ِآث ٌم َقْلُب ُه
َّه والَ تَ ْكتُموْا َّ ِ ِ َّ ِ ِ
ُ َم َانتَ ُه َوْلَيتَّ ِق َّ
َّللاَ َرب ُ َ ض ُكم َب ْعضاً َفْلُي َؤّد الذي ْاؤتُم َن أ َ وض ٌة َفِإ ْن أَم َن َب ْع ُ َّمْقُب َ
ِ و َّ ِ
َّللاُ ب َما تَ ْع َمُلو َن َعل ٌ
يم َ
{آم َن الرسول بما أ ُْن ِزل إليه من ربه} صدقه بقبوله والتخلق به ،كما قالت عائشة" :كان خلقه القرآن والترقي بمعانيه
َ
والتحقق"{ .والمؤمنون كل آمن باهلل} وحده جميعاً {ومالئكته وكتبه ورسله} أي :وحده تفصيالً عند االستقامة مشاهداً
نفرق} أي :يقولون :ال
تجل من تجلياته في مظهر من مظاهره وحكمه {ال ّ لوحدته في صورة تلك الكثرة معطياً لكل ّ
برد بعض وقبول بعض ،وال نشك في كونهم على الحق وبالحق لشهود التوحيد ومشاهدة الحق فيهم بالحق نفرق بينهم ّّ
{وقالوا سمعنا} أي :أجبنا رّبنا في كتبه ورسله ونزول مالئكته واستقمنا في سيرنا {غفرانك رّبنا} أي :اغفر لنا وجوداتنا
وصفاتنا وامحها بوجودك ووجود صفاتك {وإليك المصير} بالفناء فيك.
كل
{ال يكلف هللا نفساً إالّ ُوسعها} ال يحملها إالّ ما يسعها ،وال يضيق به طوقها واستعدادها من التجليات ،فإن حظ ّ
أحد من الكشوف والتجليات ما يطيق به وعاء استعداده الموهوب له في األزل من الفيض األقدس ،وال يضيق عليه
أي وجد ،سواء كانت بقصدها أو ال بقصدها ،فإنها من
{لها ما َك َسبت} من الخيرات والعلوم والكماالت والكشوف على ّ
عالم النور فالخيرات كلها ذاتية لها ،ترجع فائدتها إليها دون الشرور من الجهاالت والرذائل والمعاصي والنقائص،
تضرها وال تلحق تبعتها بها إال إذا كانت منجذبة إليها متوجهة بالقصد
فإنها أمور ظلمانية غريبة عن جوهرها فال ّ
واالعتمال لتكسبها ولهذا ورد في الحديث" :إن صاحب اليمين يكتب كل حسنة تصدر عن صاحبها في الحال،
أصر
وصاحب الشمال ال يكتب حتى تمضي عليه ست ساعات ،فإن استغفر فيها وتاب أو ندم ،فلم يكتب ،وإن ّ
كتب" .والمراد بالنفس ها هنا الذات وإال لكان األمر بالعكس ،فيكون حينئذ معناه ال يكلفها إال ما يسعها ويتيسر لها
من األعمال دون مدى الجهد والطاقة وذكر الكسب في موضع الخير لكونها غير معتنية به معتملة له ،واالكتساب
فإنا غرباء،
{رّبنا ال تؤاخذنا إن نسينا} عهدك {أو أخطأنا} في العمل لما سواك ،والقران على فراقك محتجبين عنكّ ،
ُب َع َداء ،طال العهد بنا مسافرين عنك ،ممتحنين في الظلمات بأنواع البالء ،وال قدر وال مقدار لنا في حضرتك ،حتى
إص اًر} في ذاتنا وصفاتنا وأفعالنا ،فتأصرنا وتحبسنا في مكاننا مهجورين عنك، تؤاخذنا بذنوبنا {ربنا وال ِ
تحم ْل علينا ْ
ْ
فإنه ال ثقل أثقل منها {كما حملته على الذين من َقْبلِنا} من المحتجبين بظواهر األفعال أو بواطن الصفات {ربنا وال
اعف عنا}تُ َحملنا ما ال طاقة لنا به} من ثقل الهجران والحرمان عن وصالك ،ومشاهدة جمالك ،بحجب جاللك {و ْ
يل * ِمن ِ َّللا ال ِإَلـٰه ِإالَّ هو اْلح ُّي اْلَقيُّوم * نَّزل عَليك اْل ِك ٰتَب ِباْلح ِق م ِ
ِ ِ
التَّ ْوَراةَ َواإل ْنج َ صّدقاً ّلِ َما َب ْي َن َي َد ْيه َوأ َ
َنزَل َ َّ َُ َ َ ََْ ُ َُ َ َ الم * َّ ُ
* ِإ َّن َّ
َّللاَ الَ َي ْخَف ٰى اب َش ِد ٌيد َو َّ
َّللاُ َع ِز ٌيز ُذو ْانِتَقا ٍم ات َّ َِنزل اْلُفرَقان ِإ َّن َّال ِذين َكَفروْا ِبآي ِ َقْب ُل ُه ًدى ّلِ َّلن ِ
َّللا َل ُه ْم َع َذ ٌ َ ُ َ اس َوأ َ َ ْ َ
ِ ِ ِ َّ ِ َّ ِ ض والَ ِفي َّ ِ ِ ِ
يم ِ
آء الَ إَلـ َٰه إال ُهَو اْل َعز ُيز اْل َحك ُ صِّوُرُك ْم في األ َْر َحا ِم َك ْي َ
ف َي َش ُ الس َمآء * ُه َو الذي ُي َ
ِ
َعَل ْيه َش ْي ٌء في األ َْر َ
مر تأويله {نزل عليك الكتاب بالحق} أي :رّقاك رتبة فرتبة ،ودرجة فدرجة،
الحي القيوم} ّ {الم * هللا ال إله إال هو
ّ
{مصدقاً لما بين
ّ المسمى بالعقل القرآني
ّ بتنزيل الكتاب عليك منجماً إلى العلم التوحيدي الذي هو الحق باعتبار الجمع
يديه} من التوحيد األزلي السابق المعلوم في العهد األول المخزون في غيب االستعداد {وأنزل التوراة واإلنجيل من قبل}
ّ
المسمى بالعقل الفرقاني ،وهو منشأ
ّ هكذا ثم {أنزل الفرقان} أي :التوحيد التفصيلي الذي هو الحق باعتبار الفرق
ّ ّ ّ
{إن الذين كفروا} أي :احتجبوا عن هذين التوحيدين بالمظاهر واألكوان التي هي آيات التوحيد االستقامة ومبدأ الدعوة ّ
في الحقيقة {لهم عذاب شديد} في البعد والحرمان {وهللا عزيز} أي :قاهر {ذو انتقام} ال يقدر وصفه وال يبلغ كنهه وال
يقدر على مثله ،منتقم {ال يخفى عليه شيء} في العالمين ،فيعلم مواقع االنتقام {منه آيات محكمات}.
ُخر سمت من أن يتطرق إليها االحتمال واالشتباه ال يحتمل إال معنى واحداً ّ
{هن ّأم} أي :أصل {الكتاب وأ َ
أن الحق تعالى له وجه هو الوجه المطلق الباقي
ُمتَشابهات} تحتمل معنيين فصاعداً ويشتبه فيها الحق والباطل ،وذلك ّ
متعددة بحسب مرائي المظاهر .وهي ما يظهر
التعدد ،وله وجوه متكثرة إضافية ّ
بعد فناء الخلق ال يحتمل التكثر و ّ
بحسب استعداد كل مظهر فيه من ذلك الوجه الواحد ،يلتبس فيها الحق بالباطل ،فورد التنزيل كذلك لتنصرف
فأما العارفون المحققون الذين
المتشابهات إلى وجوه االستعدادات فيتعلق كل بما يناسبه ،ويظهر االبتالء واالمتحانّ .
يعرفون الوجه الباقي في أية صورة وأي شكل كان ،فيعرفون الوجه الحق من الوجوه التي تحتملها المتشابهات فيردونها
إلى المحكمات متمثلين بمثل قول الشاعر :
تعددا
إذا أنت أعددت المزايا ّ وما الوجه إال واحد غير أنه
أما المحجوبون {الذين في ُقُلوبهم َزيغ} عن الحق {فيتبعون ما تَ َشابه} الحتجابهم بالكثرة عن الوحدة .كما أن المحققينوّ
يتبعون المحكم ،ويتبعونه المتشابه ،فيختارون من الوجوه المحتملة ما يناسب دينهم ومذهبهم {ابِتغاء ِ
الف ْتنة} أي :طلب ْ
الضالل واإلضالل الذي هم بسبيله {و ْابِت َغاء تَأْويله} بما يناسب حالهم وطريقتهم.
فعوج قرابه
إذا اعوج سكين ّ
{قد كان لكم آية} يا معشر السالكين دالة على كمالكم وبلوغكم إلى التوحيد {في فئتين التقتا فئة} القوى الروحانية
الحق .ترى
ّ الذين هم أهل هللا وجنوده {تقاتل في سبيل هللا وأخرى} هي جنود النفس وأعوان الشياطين محجوبة عن
العلوي والسفلي ،ومن نشأته ووالدته تحجبت فطرته وخمدتّ حب الشهوات} ألن اإلنسان مركب من العالم
{زين للناس ّ ُ
ّ
الحسية ،والرياح
ّ نار غريزته وانطفأ نور بصيرته بالغشاوات الطبيعية والغواشي البدنية ،والماء األجاج من ال ّذات
مبلواً بأنواع
العواصف من الشهوات الحيوانية ،فبقي مهجو اًر من الحق في أوطان الغربة وديار الظلمة يسار بهّ ،
النصب والتعب ،فإذا هو بشعشعة نور من التميز ولمعان برق من عالم العقلٍ ،
وداع ينادينه من الهوى والشيطان،
فتبعه فصادف منزالً نزهاً ،وروضة أنيقة ،فيها ما تشتهي األنفس وتل ّذ األعين ،فاستوطنه وشكر سعيه ورضيه مسكناً
وقال :
حب الشهوات ،أي :المشتهيات المذكورة وتزيينها له وهو تمتيع له بحسب ما فيه من العالم السفلي ،وكمال
فذلك ّ
ّ
لحياته حجب به من تمتيع الحياة األخرى وكمالها ،بحسب ما فيه من العالم العلوي ،ولم يتنبه على أنها أبهى وأل ّذ
وأصفى مع ذلك وأبقى ،وهو معنى قوله{ :وهللا عنده ُح ْسن المآب} .
ِ ِِ ِِ الصاِب ِرين و َّ ِ ِ َّال ِذين يُقوُلو َن ربََّنآ ِإَّنَنآ آمَّنا َف ْ ِ
َواْل ُم ْستَ ْغف ِر َ
ين ينين َواْل ُم ْنفق َ ين َواْلَقانت َ الصادق َ َ َ الن ِار * َّ اب َّ وبَنا َوِقَنا َع َذ َاغف ْر َلَنا ُذُن َ َ َ َ َ
ين * ِإ َّن ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ ِ َس َح ِار * َش ِه َد َّ َّ ِ
الد َ
ّ يم
َّللاُ أَن ُه الَ إَلـ َٰه إال ُه َو َواْل َمالَئ َك ُة َوأ ُْوُلوْا اْلعْل ِم َقآئ َماً باْلق ْسط الَ إَلـ َٰه إال ُهَو اْل َعز ُيز اْل َحك ُ باأل ْ
َّللاِ َفِإ َّن َّ
َّللاَ ات َّ اخَتَلف َّال ِذين أُوتُوْا اْل ِكتَاب ِإالَّ ِمن بع ِد ما جآءهم اْل ِعْلم ب ْغياً بينهم ومن ي ْكُفر ِبآي ِ
َ ْ َ َ َ ُ ُ ُ َ ََْ ُ ْ َ َ َ ْ َ َ َ اإل ْسالَ ُم َو َما ْ َ َّللاِ ِ
ِع َند َّ
ِ ِ ِٰ َِّ ِ ِ س ِريع اْل ِحس ِ
َسَل ُموْاين أَأ َْسَل ْمتُ ْم َفإ ْن أ ْين أُوتُوْا اْلكتَ َب َواأل ُّمِّي َ
وك َفُق ْل أ َْسَل ْم ُت َو ْج ِه َي ََّّلل َو َم ِن اتََّب َع ِن َوُق ْل ّللذ َ آج َإن َح ُّ اب * َف ْ َ ُ َ
ين ِب َغ ْي ِر َح ٍّق ِ ِ ِ َّ ِ ِ ٰ
َفَق ِد اهتَدوْا َّوإِن تَوَّلوْا َفِإَّنما عَليك اْلبَلغ و َّ ِ
النِبِّي َ
َّللا َوَيْقُتُلو َن َّين َي ْكُف ُرو َن ِب َآيات ََّّللاُ َبص ٌير ِباْلعَباد * ِإ َّن الذ َ َْ َ ََْ َ ُ َ َْ
الد ْنيا و ِ
اآلخ َرِة َو َما َل ُه ْم ِ ين َحِب َ ِ َّ ِ اس َفب ِّشرهم ِبع َذ ٍ ِ ْم ُرو َن ِباْلِق ْس ِط ِم َن َّ َّ ِ
َع َماُل ُه ْم في ُّ َ َ ط ْت أ ْ اب أَلي ٍم * أُوَلـٰئ َك الذ َ الن ِ َ ْ ُ َ ين َيأ ُ َوَيْقُتُلو َن الذ َ
{الذين يقولون ربنا إننا آمنا} بأنوار أفعالك وصفاتك {فاغفر لنا ذنوبنا} أي :ذنوب وجوداتنا بذاتك {وِقَنا َع َذاب ّ
النار}
أي :نار الهجران ووجود البقية {الصابرين} على غصص المجاهدة والرياضة {والصادقين} في المحبة واإلرادة
الم ِنفقين} ما عداه من أموالهم وأفعالهم وصفاتهم ونفوسهم وذواتهم {والمستغفرين}
{والقانتين} في السلوك إليه وفيه {و ُ
عن ذنوب تلويناتهم وبقياتهم في أسحار أيام التجليات النورية عند طلوع طوالع األنوار ،وظهور تباشير صبح يوم
القيامة الكبرى باألفق األعلى ،فأجابهم وقت طلوع شمس الذات من مغرب وجودهم ،فلم يبق مغرباً بقوله {شهد هللا ّأنه
ال إله إالّ هو} طلع الوجه الباقي ،فشهد بذاته في مقام الجمع على وحدانيته ،إذ لم يبق شاهد وال مشهود غيره .ثم
رجع إلى مقام التفصيل فشهد بنفسه مع غيره على وحدانيته في ذلك المشهد فقال{ :والمالئكة وأولو العلم قائماً
كل ذي ِ
ظل الوحدة في غير الجمع بإعطاء ّ بالق ْسط} أي :مقيماً للعدل في تفاصيل مظاهره ،وصور كثرتها الذي هو ّ
حق بحسب استعداده واستحقاقه حّقه من جوده وكماله وتجليه فيه على قدر سعة وعائه {ال إله إال هو} في المشهدين ّ
{العزيز} القاهر الذي يقهر كل شيء باعتبار الجمع فال يصل إليه أحد {الحكيم} الذي يدبر بحكمته كل شيء،
فيعطيه ما يليق به باعتبار التفصيل.
فإن دينه دين إسالم الوجوه كما قال إبراهيم صلى هللا عليه
قرره بنفسهّ .
{إن الدين عند هللا} هو هذا التوحيد الذي ّ
ّ
وسلم" :أسلمت وجهي هلل" أي :نفسي وجملتي ،وانخلعت عن أنانيتي ،ففنيت فيه .وأمر هللا تعالى حبيبه عليه الصالة
والسالم فيما بعد بقوله{ :فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي هلل ومن اتّبعن}.
ِ
حق} لكونهم محجوبين بدينهم ال {إن الذين َي ْكفرون بآيات هللا} أي :المحجوبين عن الدين {ويقتلون النبيين بغير ّ
ّ
{ويْقتلون الذين
يقبلون إال ما هم عليه من التقيد والتقليد ،واألنبياء دعوهم إلى التوحيد ومنعوهم عن التقيد فقتلوهم َ
ِ
َيأْمرون بالق ْسط من الناس} من أتباعهم ،إذ العدل ّ
ظل التوحيد ،فمن لم يكمل له ال يمكنه العدل ،وهم قد حجبوا
بتقييدهم بدينهم ،فقد حجبوا بظلمهم عن العدل فخالفوهم وقتلوهم.
أعمالهم} التي عملوها على دين نبيهم ،ألنهم كانوا بتقليد نبيهم ناجين بالمتابعة ،وأنبياؤهم كانوا
الذين َحبطت َ
{أولئك َ
نبيهم ألن
شفعاءهم بتوسطهم بينهم وبين هللا في وصول الفيض إليهم ،فإذا أنكروا النبيين وأتباعهم العادلين فقد خالفوا ّ
الحق فمن خالف
ّ نفرق بين أحد منهم في كونهم على
األنبياء كلهم على مّلة واحدة في الحقيقة هي مّلة التوحيد ،ال ّ
ك اْل َخ ْي ُر ِإَّن َك نزع اْلمْلك ِم َّمن تَ َشآء وتُ ِعُّز من تَ َشآء وتُِذ ُّل من تَ َش ِ ِ ِ ِ ِ َّ
آء ِبَيد َ
ُ َ ُ َ َ ُ َ آء َوتَ ِ ُ ُ َ ْ ُقل الل ُه َّم َمال َك اْل ُمْلك تُ ْؤتي اْل ُمْل َك َمن تَ َش ُ
َعَل ٰى ُك ِّل َشي ٍء َق ِد ٌير
ْ
متصرف وال مؤثر فيه غيرك {تؤتي تتصرف فيه ال مالك وال المْلك} تملك ُملك عالم األجسام مطلقاً، ِ
ّ ّ اللهم َمالك ُ
{قل ّ
التصرف في يد غيره وال غير ثمة بل
ّ المْلك ِم َم ْن تشاء} بجعل
متصرفاً في بعضه {وتَنزع ُ
ّ المْلك َمن تشاء} تجعله
ُ
المتصرف فيه على كل حال بحسب اختالف المظاهر {وتعز من تَشاء} بإلقاء نور من
ّ تقّلبه من يد إلى يد ،فأنت
{وتذل من تَشاء} بسلب لباس عزتّك عنه فيبقى ذليالً ِ
{بيدك الخير} كله ،وأنت العزة هلل جميعاً ِ
ّ فإن ّ
أنوار عزتّك عليه ّ
القادر مطلقاً ،تعطي على حسب مشيئتك ،تتجلى تارة على بعض المظاهر بصفة العز والكبرياء ،فتكسوه لباس العز
المذل
ّ والبهاء ،وتارة بصفة القهر واإلذالل فتكسوه لباس الهوان والصغار ،وتارة بصفة المعز فتكون مذالً ،وتارة بصفة
فتكون مع اًز ،وتارة بصفة الغني فتعطي المال ،وتارة بصفة المغني فتفقره ،أي :تجعله مستغنياً عن المال ،فقي اًر ال
يحتاج إلى شيء.
َّللاِ ِفي َشي ٍء ِإالَّ أَن تَتَُّقوْا ِم ْن ُه ْم تَُقـٰ ًة ين َو َمن َيْف َع ْل ٰذلِ َك َفَل ْي َس ِم َن َّ ِ الَّ يتَّ ِخ ِذ اْلمؤ ِمنو َن اْل َك ِاف ِرين أَولِي ِ
آء من ُدو ِن اْل ُم ْؤ ِمن َ
َ ََْ ُْ ُ َ
ْ
الن َه َار ِفي اْلَّلْي ِل َوتُ ْخ ِرُج اْل َح َّي ِم َن اْل َمِّي ِت َوتُ ْخ ِرُج اللْي َل ِفي اْلَّن َه ِار َوتُولِ ُج َّ
صير * تُولِج َّ ِ ِ َوُي َح ِّذ ُرُك ُم َّ
ُ َّللا اْل َم ُ
َّللاُ َنْف َس ُه َوإَِل ٰى َّ
َّللاُ َوَي ْعَل ُم َما ِفي ص ُد ِ ِ ِ ِ ٍ اَلمِّي َت ِم َن اْلح ِي وتَ ْرُز ُق من تَ َش ِ
ورُك ْم أ َْو تُْب ُدوهُ َي ْعَل ْم ُه َّ آء ب َغ ْي ِر ح َساب * ُق ْل إن تُ ْخُفوْا َما في ُ ُ َ َّ َ َ
ِ ٍ ِ
َّللاُ َعَل ٰى ُك ّل َشيء َقد ٌير
ض َو َّ ِ
الس ٰم ٰوت وما في األ َْر ِ ِ
ْ َّ َ َ َ َ
{تُولِج الليل في النهار وتُولج النهار في الليل} تدخل ظلمة النفس في نور القلب فيظلم ،وتدخل نور القلب في ظلمة
النفس فتستنير بخلطهما معاً مع بعد المناسبة بينهما {وتُخرج الحي} أي :حي القلب {من الميت} أي :من ميت
ّ ّ
النفس ،وميت النفس من حي القلب ،بل تخرج حي العلم والمعرفة من ميت الجهل ،وتخرج ميت الجهل من حي العلم
ّ ّ ّ
{وترزق من تَشاء} من النعمة الظاهرة والباطنة جميعاً ،أو من إحداهما {ِب َغير
ْ ر
ا باعو بن بلعم تحجبه عن النور ،كحال
الم ْؤمنين} إذ ال مناسبة بينهم في الحقيقة ،والوالية ال تكون إالّ ِ ِ
ح َساب} {ال يتخذ المؤمنون الكافرين ْأولياء من دون ُ
بالجنسية والمناسبة ،فحينئذ ال يمكن أن تكون المحبة بينهم ّ
ذاتية ،بل مجعولة مصنوعة بالتصنع والرياء والنفاق وهي
خصال مبعدة عن الحق إذ كلها حجب ظلمانية ولو لم يكن فيهم ظلمة تناسب حال الكفرة ما قدروا على مخالطتهم
معتد به ،إذ ليس فيهم نورية
ومصاحبتهم {ومن يفعل ذلك فليس من هللا في شيء} أي :من والية هللا في شيءّ ،
صافية يناسبون بها الحضرة اإللهية {إال أن تتقوا منهم تقاة} أي :إال أن تخافوا من جهتهم أم اًر يجب أن يتقى،
محبتهم ،وذلك أيضاً ال يكون إال لضعف اليقين .إذ لو باشر قلوبهم اليقين فتوالوهم ظاه اًر ليس في قلوبكم شيء من ّ
ك ِب َخ ْي ٍر َفالَ َّ ِ
ف َل ُه ِإال ُه َو َوإِن ُي ِرْد َ َّللاُ ِب ُ
ضٍّر َفالَ َكاش َ {وإِن َي ْم َس ْس َك َّ
لما خافوا إال هللا تعالى وشاهدوا معنى قوله تعالىَ :
ضلِه} [يونس ،اآلية ]107 :فما خافوا غيره ولم يرجوا غيره ،ولذلك عقبه بقوله{ :ويحذركم هللا َنفسه} أي :يدعوكم َر َّآد لَِف ْ
إلى التوحيد العياني كي ال يكون حذركم من غيره بل من نفسه {وإلى هللا المصير} فال تحذروا إال ّإياه فإنه المطلع
سر أو جه اًر.
على أسراركم وعالنياتكم ،القادر على مجازاتكم إن توالوا أعداءه أو تخافوهم ّاً
{يوم تَجد كل َنفس} اآلية ،كل ما يعمله اإلنسان أو يقوله يحصل منه أثر في نفسه وتنتقش نفسه به وإذا تكرر صار
النقش ملكة راسخة ،وكذا ينتقش في صحائف النفوس السماوية ،لكنه مشغول عن هيئات نفسه ونقوشها بالشواغل
الحسية واإلدراكات الوهمية والخيالية ،ال يفرغ إليها ،فإذا فارقت نفسه جسدها ولم يبق ما يشغلها عن هيئاتها ونقوشها
ّ
شر تتمنى بعد ما بينها وبين ذلك اليوم أو ذلك العمل لتعذيبها
شر محض اًر ،فإذا كان ّاً
وجدت ما عملت من خير أو ّ
وتكرر {ويحذركم هللا نفسه}
به ،فتصير تلك الهيئات والنقوش صورتها إن كانت راسخة وإال وجدت جزاءها بحسبها ّ
تأكيداً لئال يعملوا ما يستحقون به عقابه {وهللا رؤوف بالعباد} فلذا يحذرهم عن السيئات تحذير الوالد المشفق لولده ّ
عما
يوبقه.
{ُقل إن كنتم تحبون هللا فاتّبعوني يحببكم هللا} لما كان عليه الصالة و السالم حبيبه فكل من ّيدعي المحبة لزمه
النبي ،ومحبته إنما تكون بمتابعته وسلوك سبيله قوالً وعمالً وخلقاً
ّ
اتباعه ألن محبوب المحبوب محبوب ،فتجب محبة
حاالً وسيرة وعقيدة ،وال تمشي دعوى المحبة إال بهذا فإنه قطب المحبة ومظهره وطريقته طلسم المحبة ،فمن لم يكن
وسره وقلبه ونفسه باطن
له من طريقته نصيب لم يكن له من المحبة نصيب ،وإذا تابعه حق المتابعة ناسب باطنه ّ
اهيم و ِطَفى ءادم ونوحاً و ِ ِ ين * ِإ َّن َّ ِ ِ ول فِإن تََوَّل ْوْا َفِإ َّن َّ ِ
ان
آل ع ْم َر َ
آل إ ْب َر َ َ َ
اص َ ٰ َ َ َ َ ُ َ َ
َّللاَ ْ َّللاَ الَ ُيح ُّب اْل َكاف ِر َ الرُس َ َّللاَ َو َّ
يعوْا َّ
ُق ْل أَط ُ
ِ ض و َّ ِ ٍ ِ ِ
يم
يع َعل ٌ َّللاُ َسم ٌ ض َها من َب ْع َ ين * ُذِّرَّي ًة َب ْع ُ َعَلى اْل َعاَلم َ
أطيعوا هللا والرسول} أي :إن لم تكونوا محبين ولم تستطيعوا متابعة حبيبي فال أقل من أن تكونوا مريدين،
فقال{ :قل ُ
الكافرين} أي :إن
يحب َ
فإن هللا ال ّ
مطيعين لما أمرتم به ،فإن المريد يلزمه متابعة األمر وامتثال المأمور به {فإن تولوا ّ
أعرضوا عن ذلك أيضاً ،فهم كّفار منكرون محجوبون ،وهللا ال يحب من كان كاف اًر .فبترك الطاعة يلزم الكفر ،وبترك
ألن تارك المتابعة يمكن أن يكون مطيعاً بمتابعة األمر .ومعنى {أطيعوا هللا والرسول} :أطيعوا رسول المتابعة ال يلزمّ ،
َّللاَ} [النساء.]80 :
اع َّ ول َفَق ْد أَ َ
ط َ {م ْن ُي ِط ِع َّ
الرُس َ هللا صلى هللا عليه وسلم لقوله تعالىَّ :
أن الوالدة المعنوية أكثرها يتبع الصورية في التناسل ،ولذلك كان األنبياء في الظاهر أيضاً نسالً ،ثم ثمر شجرة
واعلم ّ
واحدة ،فإن عمران بن يصهر أبا موسى وهارون كان من أسباط الوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ،وعمران بن
ماثان أبا مريم أم عيسى عليه السالم كان من أسباط يهود بن يعقوب ،وكون محمد عليه الصالة والسالم من أسباط
إسماعيل بن إبراهيم مشهور وكذا كون إبراهيم من نوح عليه السالم .وسببه ّ
أن الروح في الصفاء والكدورة يناسب
ويخصه ،إذ الفيض يصل بحسب المناسبة وتفاوتّ التكونّ ،
فلكل مزاج يناسبه المزاج في االعتدال وعدمه وقت ّ
البعد ،فتتفاوت األمزجة بحسبها في األبد لتتصل بها .واألبدان
األرواح في األزل بحسب صنوفها ومراتبها في القرب و ُ
اللهم إال ألمور عارضة اتفاقية ،فكذلك األرواح
المتناسلة بعضها من بعض متشابهة في األمزجة على األكثرّ ،
المهدي عليه السالم من نسل محمد صلى
ّ المتصلة بها متقاربة في الرتبة ،متناسبة في الصفة .وهذا مما يقوي أن
هللا عليه وسلم .
السميع
أنت َ
{عليم} بنيتها كما شهدت بقولها {إنك َ
ٌ ميع} حين قالت امرأة عمران{ :رب إني َن َذرت} إلى قولها:
{وهللا َس ٌ
النيات وهيئات النفس مؤثرة في نفس الولد ،كما أن األغذية مؤثرة في بدنه .فمن كان غذاؤه حالالً العليم} .واعلم أن ّ
نبياً .ومن كان غذاؤه حراماً
ولياً أو ّ
حقانية ،جاء ولده مؤمناً صديقاً أو ّّ ونياته صادقة
طيباً وهيئات نفسه نورية ّ
يتكون الولد منها متولدة
وهيئات نفسه ظلمانية خبيثة ونياته فاسدة رديئة جاء ولده فاسقاً أو كاف اًر خبيثاً .إذ النطفة التي ّ
سر أبيه" ،فكان صدق
من ذلك الغذاء ،مرّباة بتلك النفس ،فتناسبها .ولهذا قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم" :الولد ّ
{وجد عندها ِرزقاً} يجوز أن يراد به الرزق الروحاني من المعارف
َ مريم وبنوة عيسى عليهما السالم بركة صدق أبيها
اللدنية. يدل على كونها من األرزاق ِ
ّ والحقائق والعلوم والح َكم الفائضة عليها من عند هللا ،إذ االختصاص بالعندية ّ
صّلِي ِفي ِ ِ الد َع ِآء * َفَنا َد ْت ُه ِ َّه َقال َر ِّب َه ْب لِي ِمن َّل ُد ْن َك ُذِّرَّي ًة َ ِ ِ ِ
اْل َمالئ َك ُة َو ُه َو َقائ ٌم ُي َ طّيَب ًة إَّن َك َسم ُ
يع ُّ ُهَنال َك َد َعا َزَك ِريَّا َرب ُ َ
ال َر ِّب أََّن ٰى َي ُكو ُن لِي َّللاِ وسِيداً وحصو اًر وَنِبياً ِمن َّ ِ ِ ِ ٍ ِ َّللا يب ِّشرك ِبيحيـى م ِ اْل ِم ْحر ِ
* َق َ ين
الصالح َ صّدقاً ِب َكل َمة ّم َن َّ َ َ ّ َ َ ُ َ ّ ّ َ َن َّ َ ُ َ ُ َ َ ْ َ ٰ ُ َ اب أ َّ َ
ال َآيتُ َك أَالَّ تُ َكِّلم َّ ِ ال َك َذلِ َك َّ ِ وَق ْد بَل َغِني اْل ِكبر و ِ
اس
الن َ َ ال َر ِّب ْ
اج َع ْل ّلي َآي ًة َق َ آء * َق َ
َّللاُ َيْف َع ُل َما َي َش ُ ام َأرَتي َعاقٌر َق َ َُ َ ْ َ َ ُغالَ ٌم
ِ ِ ِ ِ ِ
َّك َكثي اًر َو َسّب ْح باْل َعش ِي َواإل ْب َك ِار َّ ِ
ّ أَيَّا ٍم إال َرْم اًز َوا ْذ ُكر َّرب َ ثَالَثَ َة
مقدماً للناس ،إماماً ،طلب من رّبه ولداً حقيقي ًا يقوم مقامه في
{هنالك دعا زكريا رّبه} كان زكريا شيخاً هرماً ،وكان ّ
تربية الناس وهدايتهم كما أشار إليه في سورة (كهيعص) فوهب له يحيى من صلبه بالقدرة ،بعدما أمر باعتكاف ثالثة
أن الطبيعة الجسمانية ،أي :القوة البدنية.
أيام ولك التأويل بالتطبيق على أحوالك وتفاصيل وجودك كما علمت ،وهو ّ
امرأة عمران الروح نذرت ما في ّقوتها من النفس المطمئنة هلل تعالى بانقيادها ألمر الحق ومطاوعتها له ،فوضعت
القوى البدنية ّ
{ونبياً} باإلخبار عن المعارف والحقائق الكلية ،وتعليم األخالق الجميلة ،والتدابير السديدة بأمر الحق
اس ُج ِدي ِ ِ ِ
ين * ٰي َم ْرَي ُم ا ْقُنتي ل َرّبِك َو ْ
ِ ِ ِ ط َّهرِك واص َ ِ
طَفـٰك َعَل ٰى ن َسآء اْل َعـَٰلم َ طَفـٰك َو َ َ َ ْ
َّللا اص َ ِ ِ
ٰم ْرَي ُم إ َّن َّ َ ْ
ِ ِ
َوإِ ْذ َقاَلت اْل َمالَئ َك ُة ي َ
يك وما ُك َ ِ ِ ِ ِ ِِ ِ ِٰ ِ وارَك ِعي مع َّ ِ ِ
نت َل َد ْيه ْم إ ْذ ُيْلُقون أَْقالَ َم ُه ْم أَي ُ
ُّه ْم َي ْكُف ُل َم ْرَي َم َو َما ُك ْن َت ين * ذل َك م ْن أََنَبآء اْل َغ ْيب ُنوحيه إَل َ َ َ الراكع َ ََ َْ
ِ ِ ِ ِ ِ ٍ ِ ِ ِ ِ ٰم ْرَي ُم ِإ َّن َّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
يسى ْاب ُن َم ْرَي َم َوجيهاً في يح ع َ اس ُم ُه اْل َمس ُ
َّللاَ ُيَب ّش ُرك ب َكل َمة ّم ْن ُه ْ َل َد ْيه ْم إ ْذ َي ْختَص ُمو َن * إ ْذ َقاَلت اْل َمالئ َك ُة ي َ
الناس ِفي اْلمه ِد وَكهالً و ِمن َّ ِ ِ ِ ِ
ينالصالح َ َْ َ ْ َ َ ِين * َوُي َكّل ُم َّ َ الد ْنَيا َواآلخ َرِة َو ِم َن اْل ُمَقَّرب َ
ُّ
لتنزهك عن الشهوات {وطهرك} عن وكذا قالت مالئكة القوى الروحانية لمريم النفس الزكية الطاهرة {إن هللا اص ِ
طفاك} ّ ْ
نساء} نفوس الشهوانية الملونة باألفعال الذميمة والملكات الرديئة ِ
رذائل األخالق والصفات المذمومة {واصطفاك على َ
الذل واالفتقار والعجز واالستغفار
اسجدي} في مقام االنكسار و ّ {يا َم ْريم} أطيعي لربك بوظائف الطاعات والعبادات {و ْ
اركعي} في مقام الخضوع والخشوع مع الخاضعين.
{و َ
وحيه ِ
إليك} يا نبي الروح {وما كنت َلديهم} لدى القوى الروحانية {ن ِ
ّ الغيب} أي :أحوال غيب وجودك ُ أنباء َ
{ذلك من َ
َ
والنفسانية ،أي :في رتبتهم ومقامهم {إ ْذ يلقون أقالمهم أيهم َيكفل مريم} أي :يتسابقون في سهامهم ويتبادرون في
حظوظهم أيهم يدبر مريم النفس ويكفلها بحسب رأيه ومقتضى طبعه يترأس عليها ويأمرها بما يراه من مصلحة أمره
{وما كنت َلديهم} في مقام الصدور الذي هو محل نزاع القوى الروحانية والنفسانية ومحل نزاعهم الذي هو الصدر {إ ْذ
صمون} يتنازعون ويتجاذبون في طلب الرياسة عند ظهوره قبل الرياضة وفي حالها ،إذ غلبت مالئكة القوى ي ْختَ ِ
َ
الم ِسيح}
اسمه َ
{إن هللا ّ ِ
يبشرك ب َكلمة} القلب موهوباً {منه ُ الروحانية بتوفيق الحق بعد الرياضة .وقالت لمريم النفسّ :
ألنه يمسحك بالنور {وجيهاً في الدنيا} إلدراكه الجزئيات وتدبير مصالح المعاش أجود وأصفى وأصوب ما يكون،
ِ
وجن القوى الباطنة {و} في {اآلخ َرة} إلدراكه المعاني ّ
الكلية فيطيعه ويذعن له ،ويحتشمه ويعظمه ،أنس القوى الظاهرة ّ
القدسية وقيامه بتدبير المعاد والهداية إلى الحق ،فنعطيه ملكوت سماء الروح ،ونكرمه .ومن جملة مقربي
ّ والمعارف
حضرة الحق قابالً لتجلياته ومكاشفاته {ويكلم الناس} في مهد البدن {وكهالً} بالغاً إلى قرب طور شيخ الروح ،غالباً
عليه بياض نوره {ومن الصالحين} لمقام المعرفة.
رب أنى يكون لي ولد} تعجب النفس من حملها ووالدتها من غير أن يمسها بشر ،أي من غير تربية شيخ {قالت ّ
وتعليم معلم بشري ،وهو معنى بكارتها {قال كذلك هللا َيخلق ما َيشاء} أي :يصطفي من شاء بالجذب والكشف ويهب
له مقام القلب من غير تربية وتعليم كما هو حال المحبوبين وبعض المحبين.
{ويعّلمه} بالتعليم الرباني ،كتاب العلوم المعقولة ،وحكم الشرائع ،ومعارف الكتب اإللهية من التوراة واإلنجيل ،أي
ّ
ِ
المستعدين الروحانيين من أسباط يعقوب الروح {أني قد ج ْئتكم بآية من رّبكم} {ورُسوالً} إلى
ّ معارف الظاهر والباطن َ
المستعدين الناقصين
ّ تدل على أني آتيكم من عنده {أني أخلق لكم} بالتربية والتزكية والحكمة العملية من طين نفوسّ
شدة الشوق {فأنفخ فيه} من نفث العلم اإللهي ونفس الحياة الحقيقية {كهيئة الطير} الطائر إلى جناب القدس من ّ
ّ
الحق {وأ ُْب ِر ُ
ئ األكمه} ّ حية طائرة بجناح الشوق والهمة إلى جناب بتأثير الصحبة والتربية {فيكون َ
طي اًر} أي :نفساً ّ
المحجوب عن نور الحق الذي لم تنفتح عين بصيرته قط ولم تبصر شمس وجه الحق وال نوره ولم يعرف أهل بكحل
ومحبة الدنيا ولوث الشهوات بطب النفوسّ نور الهداية {واأل َْب َرص} المعيوب نفسه بمرض الرذائل والعقائد الفاسدة
ِ
{بإذن هللا وأُنبئكم بما تأكلون} تتناولون من مباشرة الشهوات والل ّذات {وما ّتدخرون ُحيي} موتى الجهل بحياة العلم
{وأ ْ
ومصدقاً لما بين يدي
ّ {إن في ذلك آلية لكم إن كنتم مؤمنين
النيات ّ
في ُبُيوتكم} أي :في بيوت غيوبكم من الدواعي و ّ
{وجئتكم بآية} بدليل {من
ُ حرم عليكم} من أنوار الباطن
من التوراة} أي :من توراة علم الظاهر {وألحل لكم بعض الذي َ
رّبكم} هو التوحيد الذي لم يخالفني فيه نبي قط {فاتّقوا هللا} في مخالفتي ،فإني على الحق {وأطيعو ِن} في دعوتكم إلى
ّ
التوحيد .
الصالِح ِ ِ َّ ِ ِ ِ ِ ُع ِّذُب ُه ْم َع َذاباً َش ِديداً ِفي ُّ َفأ َّ َّ ِ
ات آمُنوا َو َعمُلوْا َّ َ ين * َوأَ َّما الذ َ
ين َ الد ْنَيا َواآلخ َرِة َو َما َل ُه ْم ّمن َّناص ِر َ ين َكَف ُروْا َفأ َ
َما الذ َ
ات َوال ِّذ ْك ِر اْل َح ِكي ِم
الظالِ ِمين * ٰذلِك ن ْتُلوه عَليك ِمن اآلي ِ
َ َ ُ ََْ َ َ َ
َّللا الَ ي ِح ُّب َّ
ورُه ْم َو َّ ُ ُ ُج َ َفُيوِّف ِ
يه ْم أ ُ َ
{فأما الذين كفروا فأعذبهم عذاباً شديداً} بالحرمان عن مقام القلب ،واالحتجاب بهيئات أعمالهم {وأما الذين آمنوا} من
ّ
الروحانيات {وعملوا الصالحات} من أنواع التزكية والتحلية والتصفية في إعانة القلب على النفس ومتابعته في التوجه
إلى الحق {فيوفيهم أجورهم} من األنوار القدسية واإلشراقات الروحية عليهم {وهللا ال يحب} الذين ينقصون األجور من
الحقوق.
فشبه لهم صورة جسدانية هي مظهر وأما التأويل بغير التطبيق ،فهو أنهم مكروا ببعث من يغتال عيسى عليه السالمّ ،
عيسى روح هللا عليه السالم بصورة حقيقة عيسى ،فظنوها عيسى فقتلوها وصلبوها ،وهللا رفع عيسى عليه السالم إلى
السماء الرابعة لكون روحه عليه السالم فائضاً من روحانية الشمس ،ولم يعلموا لجهالتهم ّ
أن روح هللا ال يمكن قتله.
السماوي" ،أي :أتطهر من عالم الرجس ،وأتصل
ّ ولما تيقن حاله قبل الرفع قال ألصحابه" :إني ذاهب إلى أبي وأبيكم
فأمدكم من فيضه .وكان
بروح القدس الواهب الصور ،المفيض لألرواح والكماالت ،المربي للناس بالنفث في الروحّ ،
بالتفرق بعده في البالد والدعوة إلى الحق ،فقالوا :كيف ذاك إذا
ّ إذ ذاك ال تقبل دعوته وال يتبع مثله ،فأمر الحواريين
لم تكن معنا؟ واآلن أنت بين أظهرنا وال تجاب دعوتنا؟ قال" :عالمة إمدادي ّإياكم قبول الخلق دعوتكم بعدي" .فلما
ُرِف َع لم يدع أصحابه أحداً إال أجابهم ،وظهر لهم القبول في الخلق ،وعلت كلمتهم ،وانتشر دينهم في أقطار األرض.
عرج بمحمد صلى هللا عليه وسلم إليها ،المعبر عنها بـ "سدرة المنتهى" أعني:
ولما لم يصل إلى السماء السابعة التي ّ
مقام النهاية في الكمال ،ولم ينل درجة المحبة ،لم يكن له بد من النزول مرة أخرى في صورة جسمانية ،يتبع المّلة
المحمدية لنيل درجتها ،وهللا أعلم بحقائق األمور.
ِ ِ
ال َل ُه ُكن َفَي ُكو ُن * اْل َح ُّق من َّرِّب َك َفالَ تَ ُك ْن ّمن اْل ُم ْمتَ ِر َ
ين ٍ ِ ِإ َّن مَثل ِعيس ٰى ِع َند َّ ِ ِ
َّللا َك َمَثل َء َاد َم َخَلَق ُه من تَُراب ثُ َّم َق َ َ َ َ
إن صفته عند هللا في إنشائه بالقدرة من غير أب {كمثل آدم} في إنشائه من غير أبوين .واعلم
{إن مثل عيسى} أيّ :
لتكون اإلنسان من غير األبوين نظي اًر من عالم الحكمة ،فإن كثي اًر
أن عجائب القدرة ال تنقضي وال قياس ثمة على أن ّ
ّ
من الحيوانات الناقصة الغريبة الخلقة تتولد خلقاً في ساعة ،ثم تتناسل وتتوالد ،فكذا اإلنسان ،يمكن حدوثه بالتولد في
أحر كثي اًر من مني المرأة ،وفيه القوة العاقدة مني الرجل ّ التكون من غير أب ،فإندور من األدوار ،ثم بالتولد ،وكذا ّ
ّ ّ ّ
مني المرأة أقوى ،كما في اللبن فإذا اجتمعا ّ
تم العقد وانعقد،
ّ
أقوى كما في األنفحة بالنسبة إلى الجبن ،والمنعقدة في
ويتكون الجنين .فيمكن وجود مزاج إناثي قوي يناسب المزاج الذكوري كما يشاهد في كثير من النسوان ،فيكون المتولد ّ
ّ
قوي الح اررة ،والمتولد في ِ
مني الذكر لفرط ح اررته بمجاورة الكبد ل َمن مزاج كبدها صحيح ّ ّ
في كليتها اليمنى بمثابة
كليتها اليسرى بمثابة مني األنثى فإذا احتملت المرأة الستيالء صورة ذكورية على خيالها في النوم واليقظة بسبب
ّ
اتصال روحها بروح القدس وبملك آخر ،ومحاكاة الخيال ،ذلك كما قال تعالىَ{ :فتَ َمَّث َل َل َها َب َش اًر َس ِوّيا} [مريم ،اآلية:
المنيان من الجانبين إلى الرحم فتكون في المنصب من الجانب األيمن ّقوة العقد أقوى ،وفي المنصب من ]17سبق ّ
{ك ْن َفَيكون} إشارة إلى نفخ الروح وكونه من
فيتكون الجنين ويتعلق به الروح .وقولهُ :
الجانب األيسر ّقوة االنعقادّ ،
عالم األمر ليس مسبوقاً بمادة ومدة ،كخلق الجسد ،فيتناسب آدم وعيسى بما ذكر في اشتراكهما في خرق العادة
وبكون جسديهما مخلوقين من تراب العناصر ،مسبوقين بمادة ومدة وكون روحهما مبدعاً من عالم األمر ليس مسبوقاً
بمادة ومدة .
حاجك ِفيه} أي :في عيسى ،اآلية .إن لمباهلة األنبياء تأثي اًر عظيماً سببه اتصال نفوسهم بروح القدس وتأييد
َ {فمن
هللا إياهم به ،وهو المؤثر بإذن هللا في العالم العنصري فيكون انفعال العالم العنصري منه كانفعال بدننا من روحنا
تحرك األعضاء عند حدوث بالهيئات الواردة عليه كالغضب والحزن والفكر في أحوال المعشوق وغير ذلك من ّ
اإلرادات والعزائم وانفعال النفوس البشرية منه كانفعال حواسنا وسائر قوانا من هيئات أرواحنا .فإذا اتصل نفس قدسي
ّ
به أو ببعض أرواح أجرام السماوية والنفوس الملكوتية كان تأثيرها في العالم عند التوجه االتصالي تأثير ما يتصل به
فتنفعل أجرام العناصر والنفوس الناقصة اإلنسانية منه بما أراد .ألم تر كيف انفعلت نفوس النصارى من نفسه عليه
السالم بالخوف وأحجمت عن المباهلة وطلبت الموادعة بقبول الجزية{ .وما من إله إالّ هللا} أي :ليس عيسى من
تجرد ذاته ،فإن عالم الملكوت والجبروت كله كذلك .
اإللهية في شيء ،فال يستحق العبادة بمجرد ّ
ضَنا َب ْعضاً أ َْرَباباً ِّمن ِ َّللا والَ ن ْش ِر ِ َّ َّ ٍ ِ ٍ َهل اْل ِكتَ ِ
ك ِبه َش ْيئاً َوالَ َيتَّخ َذ َب ْع ُ اب تَ َعاَل ْوْا ِإَل ٰى َكل َمة َس َوآء َب ْيَنَنا َوَب ْيَن ُك ْم أَال َن ْعُب َد ِإال َّ َ َ ُ َ ُق ْل ٰيأ ْ َ
اإلن ِجيل ِإالَّ
وراةُ َو ْ ُ
اهيم ومآ أ ِ ِ
ُنزَلت التَّ َ
اب لِم تُح ُّ ِ ِ ِ
آجو َن في إ ْب َر َ َ َ َ َ
َهل اْل ِكتَ ِ ِ ِ َّللاِ َفِإن تََوَّل ْوْا َفُقوُلوْا ْ
اش َه ُدوْا بأََّنا ُم ْسل ُمو َن * ٰيأ ْ َ ُدو ِن َّ
يما َل ْي َس َل ُك ْم ِب ِه ِعْل ٌم َو َّ
َّللاُ َي ْعَل ُم َوأ َْنتُ ْم الَ الء حاججتُم ِفيما َل ُكم ِب ِه ِعلم َفلِم تُح ُّ ِ
آجو َن ف َ ٌ َ َ
ِ ِ
من َب ْعده أََفالَ تَ ْعقُلو َن * ٰهأ َْنتُ ْم َه ُؤ َ َ ْ ْ َ
ِِ ِ
الن ِ ين * ِإ َّن أ َْوَلى َّ ودياً والَ نصرِانياً وَل ِكن َكان حِنيفاً ُّمسلِماً وما َك ِ ِ تَعَلمون * ما َك ِ ِ
اس ان م َن اْل ُم ْش ِرِك َ ْ ََ َ َ َ يم َي ُه ّ َ َ ْ َ ّ َ ان إ ْب َراه ُ َ َ ْ ُ َ
ُّ ِ ِ
َه ِل اْلكتَ ِ ِ ِ َّ ِ ِ َّ ِ َّ ِِ ِ
ون ُك ْم َو َما
اب َل ْو ُيضل َ ين * َوَّدت طآئَف ٌة ّم ْن أ ْ َّللاُ َولِ ُّي اْل ُم ْؤ ِمن َ
آمُنوْا َو َّ
ين َ النِب ُّي َوالذ َ
ين اتََّب ُعوهُ َو َهـٰ َذا َّ
يم َللذ َ بإ ْب َراه َ
اب لِ َم َتْلِب ُسو َن اْل َح َّقَهل اْل ِكتَ ِ ات َّ ِ
اب لِم تَ ْكُفرون ِبآي ِ َهل اْل ِكتَ ِ ِ ُّ ِ َّ
َّللا َوأ َْنتُ ْم تَ ْش َه ُدو َن * ٰيأ ْ َ َ ُ َ َ ُيضلو َن إال أ َْنُف َس ُه ْم َو َما َي ْش ُع ُرو َن * ٰيأ ْ َ
َّ ِ َّ ِ ط ِآئَف ٌة ِمن أَه ِل اْل ِكتَ ِ ِ اط ِل وتَ ْكتُمو َن اْلح َّق وأ َْنتُم تَعَلمو َن * وَقاَل ْت َّ ِباْلب ِ
الن َه ِار
آمُنوْا َو ْج َه َّ
ين َ اب آمُنوْا ِبالذي أُْن ِزَل َعَلى الذ َ ّْ ْ َ َ َ ْ ْ ُ َ ُ َ
َحٌد ِّم ْث َل َمآ أُوِتيتُ ْم أ َْو ِ ِ
آخ َرهُ َل َعَّل ُه ْم َي ْرِج ُعو َن * َوالَ تُ ْؤ ِمُنوْا ِإالَّ لِ َمن تَِب َع د َين ُك ْم ُق ْل ِإ َّن اْل ُه َد ٰى ُه َدى َّ
وا ْكُفروْا ِ
َّللا أَن ُي ْؤتَى أ َ َ ُ
وبينكم} أي :لم يختلف في كلمة التوحيد نبي وال كتاب قط {وما كان لبشر أن ُي ْؤتيه هللا} اآلية .االستنباء
بيننا َ
{سواء َ
ال يكون إال بعد مرتبة الوالية والفناء في التوحيد .ما ينبغي لبشر محا هللا بشريته بإفنائه عن نفسه وأثابه وجوداً نورانياً
حّقانياً قابالً للكتاب والحكمة اإللهية ،ثم يدعو الخلق إلى نفسه ،إذ الداعي إلى نفسه يكون محجوباً بالنفس كفرعون
وأضرابه من الذين علموا التوحيد وما وجدوه حاالً وذوقاً ،ولم يصلوا إلى العيان ونفوسهم باقية ما ذاقت طعم الفناء،
"شر الناس من قامت
فاحتجبوا بها ،فدعوا الخلق إلى نفوسهم وهم ممن قال فيهم رسول هللا صلى هللا عليه وسلمّ :
الرب الستيالء الربوبية عليهم وطمس البشرية
حي"{ .ولكن} يقول {كونوا ربانيين} منسوبين إلى ّ القيامة عليه وهو
ّ
بسبب كونهم عالمين عاملين معلمين تالين لكتب هللا ،أي :كونوا عابدين مرتاضين بالعلم والعمل والمواظبة على
الطاعات حتى تصيروا ربانيين بغلبة النور على الظلمة {وال يأمركم} بتعبد معين والتقيد بصورة ،فإنه حجاب وكفر وال
يأمر النبي صلى هللا عليه وسلم باالحتجاب بعد إسالمكم الوجود هلل.
ّ
ميثاق النبيين} إلى آخره ،إن بين النبيين تعارفاً أز ّلياً بسبب كونهم أهل الصف األول ،عرفاء هللا ،وكل
َ أخذ هللا
{وإذ َ
عام لبني آدم ،كما ذكر ،وعهد النبيين خاص بهم
عارف يعرف مقام سائر العرفاء ومتعهدهم من هللا بعهد التوحيد ّ
ُّك ِمن َبِني َآدم} َخ َذ َرب َ {وِإ ْذ أ َ
وبمن يعرفهم بحق المتابعة ،فقد أخذ هللا من النبيين عهدين أحدهما ما ذكر في قولهَ :
النِبِّي ْي َن ِميثَاَق ُه ْم َو ِم ْن َك َو ِمن ُّنو ٍح
َخ ْذَنا ِم َن َّ
{وإِ ْذ أ َ
[األعراف ،اآلية ]172 :إلى آخره .وثانيهما ما ذكر في قوله تعالىَ :
َخ ْذَنا ِم ْن ُه ْم ِّميثَاقاً َغلِيظا} [األحزاب ]7 :وهو عهد التعارف بينهم ،وإقامة الدين، ِ ِ
يسى ْاب ِن َم ْرَي َم َوأ َ
وس ٰى َوع َ
يم َو ُم َ
َوإِ ْب َراه َ
التفرق به بتصديق بعضهم بعضاً ودعوة الحق إلى التوحيد ،وتخصيص العبادة باهلل تعالى ،وطاعة النبي صلى وعدم ّ
هللا عليه وسلم ،وتعريف بعضهم بعضاً إلى أممهم وخصوصه بسبب أن معرفة هللا تعالى في صورة التفاصيل ،وحجب
الصفات ،وتكثر المظاهر أدق وأخفى من معرفته في عين الجمع وهم من رزق حق المتابعة عارفون بذلك وبأحكام
تجليات الصفات التي هي الشرائع خاصة دون من عداهم.
ّ
{فمن تولى بعد ذلك} أي :بعدما علم عهد هللا مع النبيين وتبليغ األنبياء إليه ما عهد هللا إليهم {فأولئك هم الفاسقون}
الخارجون عن دين هللا وال دين غيره معتد به في الحقيقة إال توهماً {أفغير دين هللا َي ْبغون} ّ
وكل من في السموات
ط ْوعاً} كما عدا اإلنسان والشيطان {وكرهاً} كاإلنسان والشيطان إذ الكفر ال يسع موجوداً سواهما،واألرض يدين بدينه { َ
فكلهم ممتثلون لما أمرهم هللا ،طائعون .واإلنسان الحتجابه بإرادته ونسيانه عهد هللا وقبوله لدعوة الشيطان لمناسبته
اللهم إال من عصمه هللا واجتباه ،والشيطان الحتجابه بعجبه وأنيته
إياه بالظلمة النفسانية ال يؤمن وال ينقاد إال كرهاًّ ،
وليس دين لغير الحق مشروع كل يدين بدين الحق لو فطنوا
ّ
{ومن يبتغ غير اإلسالم ديناً} المراد من اإلسالم ههنا :التوحيد الذي هو دين هللا في قوله{ :أ َْسَل ْم ُت َو ْج ِهي هلل} وهو
المذكور في اآلية التي قبلها ،وما وصف شموله لجميع األديان ويلزمه االنقياد التام الطوعي المذكور في فاصلة اآلية
{وَن ْح ُن َل ُه ُم ْسلِ ُمون} [البقرة{ ،]133 :فلن ُيقبل منه} لعدم وصول دينه إلى الحق تعالى لمكان الحجاب {وهو
بقولهَ :
في اآلخرة من الخاسرين} الذين خسروا باشترائهم أنفسهم وما حجبوا به بالحق.
آمناً وََّّللِ
ٰت َّمَقام ِإب ٰرِهيم ومن دخَله َكان ِ * ِف ِ ِ ِ ضع لِ َّلن ِ َّ ٍِ ِ
َ ُ َْ َ َ َ َ َ ُ َ َبِّيَنـ ٌ يه َء َٰاي ٌت اس َللذي ِبَب َّك َة ُمَب َاركاً َو ُه ًدى ّلْل َعاَلم َ
ين ِ
إ َّن أََّو َل َب ْيت ُو َ
ين ِ
اْل َٰعَلم َ هللا َغِن ٌّي َع ِن طاعَ ِإَل ْي ِه َسِبيالً َو َمن َكَف َر َفِإ َّن ِ الن ِ ِ
اس ح ُّج اْلَب ْيت َم ِن ْ
استَ َ َعَلى َّ
ض َع للناس} قيل :هو ّأول بيت ظهر على وجه الماء عند خلق السماء واألرض ،خلقه قبل األرض {إن أول بيت و ِ
ُ ّ
يت األرض تحته .فالبيت إشارة إلى القلب الحقيقي ،وظهوره على
ّ فد ِح َ
بألفي عام ،وكان زبدة بيضاء على وجه الماءُ ،
ّ
وجه الماء تعلقه بالنطفة عند سماء الروح الحيواني ،وأرض البدن وخلقه قبل األرض إشارة إلى قدمه ،وحدوث البدن
ّ
تقدماً بالرتبة ،إذ األلف رتبة تامة
تقدمه على البدن بطورين :طور النفس ،وطور القلبّ .
بألفي عام إشارة إلى ّ وتعيينه
ّ
تكون البدن من
كما سبقت اإلشارة إليه ،وكونه زبدة بيضاء إشارة إلى صفاء جوهره ،ودحو األرض تحته إشارة إلى ّ
تأثير ،وكون أشكاله وتخطيطاته وصور أعضائه تابعة لهيئاته فهذا تأويل الحكاية.
َّللاِ َم ْن
يل َّ اب لِم تَصُّدو َن َعن سِب ِ
َ َ ُ
َهل اْل ِكتَ ِ
َّللاُ َشه ٌيد َعَلى َما تَ ْع َمُلو َن * ُق ْل ٰيأ ْ َ
َّللاِ و َّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َه َل اْلكتَاب ل َم تَ ْكُف ُرو َن ب َآيات َّ َ ُق ْل ٰيأ ْ
ِ ِ َّ ِ ِ َّللا ِبغ ِاف ٍل ع َّما تَعمُلون * ٰيأَي َّ ِ ِ
اب
ين أُوتُوْا اْلكتَ َ آمُنوْا ِإن تُط ُ
يعوْا َف ِريقاً ّم َن الذ َ ين َ ُّها الذ َ َ َ َْ َ آء َو َما َّ ُ َ ون َها ع َوجاً َوأ َْنتُ ْم ُش َه َد ُ
آم َن تَْب ُغ َ
َ
اَّللِ َفَق ْد ُه ِد َي ِإَل ٰى يكم رسوُله ومن يعتَ ِ
صم ِب َّ َّللا َوِف ُ ْ َ ُ ُ َ َ َ ْ
وكم بعد ِإيم ِان ُكم َك ِاف ِرين * وَكيف ت ْكُفرون وأَنتم ت ْتَلى عَلي ُكم آيات َّ ِ
َ ْ َ َ ُ َ َ ْ ُْ ُ ٰ َ ْ ْ َ ُ َ َي ُرُّد ُ َ ْ َ َ ْ
َّللاَ َح َّق تَُق ِات ِه َوالَ تَ ُموتُ َّن ِإالَّ َوأ َْنتُ ْم ُّم ْسلِ ُمو َن
آمُنوْا اتَُّقوْا َّ
ين َ
اط ُّمستَِقي ٍم * ٰيأَي َّ ِ
ُّها الذ َ َ ص َر ْ
ِ ٍ
َصَب ْحتُ ْم ِبِن ْع َمِت ِه ِإ ْخَواناًَب ْي َن ُقُلوبِ ُك ْم َفأ ْ ف َّللاِ عَلي ُكم ِإ ْذ ُك ْنتُم أَعد َّ
آء َفأَل َ ْ َْ ً
ِ
َّللا َجميعاً َوالَ َتَفَّرُقوْا َوا ْذ ُك ُروْا ن ْع َم َت َّ َ ْ ْ
ِبحب ِل َّ ِ ِ
َْ
واعتَ ِ
ص ُموْا َ ْ
ُم ٌة َي ْد ُعو َن ِإَلى * َوْلتَ ُكن ِّم ْن ُك ْم أ َّ َّللاُ َل ُك ْم َآي ِات ِه َل َعَّل ُك ْم تَ ْهتَ ُدو َن
الن ِار َفأَنَق َذ ُك ْم ِّم ْن َها َك ٰذلِ َك ُيَبِّي ُن َّ
َشَفا ُحْف َرٍة ِّم َن َّ
َوُك ْنتُ ْم َعَل ٰى
اخَتَلُفوْا ِمن َب ْع ِد َما
ين تََفَّرُقوْا َو ْ
َّ ِ ِ ِ
ْم ُرو َن ِباْل َم ْع ُروف َوَي ْن َه ْو َن َع ِن اْل ُم ْن َك ِر َوأ ُْوَلـٰئ َك ُه ُم اْل ُمْفلِ ُحو َن * َوالَ تَ ُك ُ
ونوْا َكالذ َ اْل َخ ْي ِر َوَيأ ُ
ِ ِ
يم
اب َعظ ٌ آء ُه ُم اْلَبِّيَن ُ
ات َوأ ُْوَلـٰئ َك َل ُه ْم َع َذ ٌ َج َ
ِكم} [األعراف ،اآلية ]172 :مجتمعين على التوحيد {والبحْبل هللا َجميعاً} أي :بعهده في قوله{ :أََل ْس ُت ِب َرّب ُ
صموا َ
اعتَ ُ
{و ْ
التفرق عن الحق إنما يكون باختالف الطبائع واتباع الهوى وتجاذب القوى ،والموحد تُفرقوا} باختالف األهواء ،فإن ّ
تنور قلبه بنور الحق واستنارت نفسه من فيض القلب فتسالمت القوى وتصادقت{ .وا ْذكروا ِن ْع َم َة هللا عنها بمعزل ،إذ ّ
أع َداء} الحتجابكم بالحجب النفسانية والغواشي
َعليكم} بالهداية إلى التوحيد المفيد للمحبة في القلوب {إذ ُك ْنتم ْ
الطبيعيةُ ،ب َع َداء عن النور والمقاصد الكلية التي تقبل الشركة وتزال باالتفاق في مهوى الظلمة {فأّلف َ
بين ُقُلوبكم}
لتتنور بنوره {فأصبحتُم ِبِن ْعمته إخواناً} في الدين ،أصدقاء في هللا {وكنتم على َشَفا ُحْفرة من النار} هي
بالتحاب في هللا ّ
ّ
{فأنقذكم منها} بالتواصل الحقيقي بينكم إلى سدرة مقام الروح ،وروح
ُ مهوى الطبيعة الفاسقة ومحل الحرمان والتعذيب
ّ
يبين هللا لكم آياته} بتجليات الصفات اللطيفة واإلشراقات النورية {لعلكم تَ ْهتدون} إلى جماله وتجلي
جنة الذات {كذلك ّ
ذاته.
{وال تكونوا} ناشئين بمقتضى طباعكم غير متابعين إلمام وال متفقين على كلمة واحدة باتباع مقدم يجمعكم على طريقة
اءهم} الحجج العقلية والشرعية الموجبة التحاد
واحدة {كالذين تفرقوا} واتبعوا األهواء والبدع {واختلفوا من بعد ما َج َ
متفرقة ،وعادات وسي اًر متفاوتة ،مستفادة من أمزجتهم
الوجهة ،واتفاق الكلمة .فإن للناس طبائع وغرائز مختلفة وأهواء ّ
وأهويتهم ،ويترتب على ذلك فهوم متباينة ،وأخالق متعادية ،فإن لم يكن لهم مقتدى وإمام تتحد عقائدهم وسيرهم
متفرقين فرائس للشيطان كشريدة
وآراؤهم بمتابعته ،وتتفق كلماتهم وعاداتهم وأهواؤهم بمحبته وطاعته كانوا مهملين ّ
الغنم تكون للذئب ،ولهذا قال أمير المؤمنين علي عليه السالم" :ال ّبد للناس من إمام ّبر أو فاجر" .ولم يرسل نبي هللا
ّ ّ
صلى هللا عليه وسلم رجلين فصاعداً لشأن إال وأمر أحدهما على اآلخر وأمر اآلخر بطاعته ومتابعته ليتحد األمر
اختل نظام المعاش والمعاد .
وينتظم ،وإال وقع الهرج والمرج ،واضطراب أمر الدين والدنيا ،و ّ
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم" :من فارق الجماعة قيد شبر لم ير بحبوحة ّ
الجنة" .وقال صلى هللا عليه وسلم:
"هللا مع الجماعة" .أال ترى أن الجمعية اإلنسانية إذا لم تنضبط برياسة القلب وطاعة العقل كيف اختل نظامها وآلت
صر ِ
اطي ُم ْستَِقيم ًا َفاتَِّب ُعوهُ َوالَ تَتَِّب ُعوْا ِ {وأ َّ إلى الفساد و ّ ق
َن َهـٰ َذا َ التفر الموجب لخسارة الدنيا واآلخرة ،ولما نزل قوله تعالىَ :
طاً فقال" :هذا سبيل ط رسول هللا صلى هللا عليه وسلم خ ّ السُب َل َفتََفَّر َق ِب ُك ْم َعن َسِبيلِه} [األنعام ،اآلية .]153 :خ ّ
ُّ
كل سبيل شيطان يدعوه إليه"
ط عن يمينه وشماله خطوطاً فقال" :هذه سبل ّ
الرشد" ،ثم خ ّ
الم ْنكر} إذ ال يقدر بالم ْعروف وتَْن َهون عن ُ {تأمرون َأمة} لكونكم موحدين ،قائمين بالعدل الذي هو ظله ُ خير ّ
{ك ْنتم َ
ُ
طا} [البقرة،
ُم ًة َو َس ً مر في تأويل قولهَ { :وَك َذلِ َك َج َعْلَن ُ
اك ْم أ َّ على ذلك إال الموحد العادل لعلمه بالمعروف والمنكر ،كما ّ
اآلية .] 143 :قال أمير المؤمنين عليه السالم" :نحن النمرقة الوسطى ،بنا يلحق التأويل ،وإلينا يرجع الغالي".
فيأمرون المقصر بالمعروف الذي يوصله إلى مقام التوحيد ،وينهون الغالي المحجوب بالجمع عن التفصيل وبالوحدة
عن الكثرة{ .وتُ ْؤمنون باهلل} أي :تثبتون في مقام التوحيد الذي هو الوسط ،وكذا في ّ
كل تفريط وإفراط واعتدال في باب
األخالق {ولو آمن أهل الكتاب} لكانوا مثلكم.
يضروكم إال أذى} لكونهم منقطعين عن أصل القوى والقدر ،كائنين في األشياء بالنفس التي هي محل العجز {لن ّ
الشر ،وأنتم معتصمون باهلل ،معتضدون به ،كائنون في األشياء بالحق الذي هو منبع القهر .فقدرتهم ال تبلغ إال ّ
حد و ّ
حد قدرة النفس ونهايتها ،وقدرتكم تفوق ّ
كل قدرة بالقهر واالستئصال الطعن باللسان والخبث واإليذاء الذي هو ّ
التصافكم بصفات هللا تعالى ،فال جرم ينهزمون منكم عند المقاتلة وال ينصرون.
ض ِرَب ْت َعَل ْي ِه ُم اْل َم ْس َكَن ُة اس وبآءوا ِبغض ٍب ِمن َّ ِ َّللاِ َو َحْب ٍل ِّم َن َّ
ض ِرَب ْت َعَل ْي ِه ُم ال ِّذَّل ُة أ َْي َن َما ثُِقُفوْا ِإالَّ ِب َحْب ٍل ِّم َن َّ
َّللا َو ُ الن ِ َ َ ُ َ َ ّ َ ُ
ِ ِ ٰ ِ
َّللا وَيْقُتُلو َن األ َْنِبَي ِ ِ ِ ِٰ ِ
آء ب َغ ْي ِر َح ٍّق ذل َك ب َما َع َ
ص ْوْا َّوَك ُانوْا َي ْعتَُدو َن
َ ذل َك بأََّن ُه ْم َك ُانوْا َي ْكُف ُرو َن ب َآيات َّ َ
ِ
العزة هلل جميعاً ،فال نصيب فيها ألحد إال لمن تخّلق بصفاته بمحو صفات البشرية، {ض ِرَب ْت عليهم الذلة} ّ
ألن ّ ُ
{وََِّّللِ اْل ِعَّزةُ َولِ َرُسولِ ِه َولِْل ُم ْؤ ِمِنين} [المنافقون ،اآلية،]8 :
عزته ،كما قال هللا تعالىَ :
كالرسول والمؤمنين الذين هم مظاهر ّ
{مَثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا} الفانية ولذاتها السريعة الزوال ،طلباً للشهوات أو رياء وسمعة في المفاخر،
محم َدة الناس ،ال يطلبون به وجه هللا ،وما تهلكه وتفنيه با ّ
لكلية من ريح هوى النفس التي فيها برد دنياتكم وطلب َ
صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم} بالشرك والكفر الفاسدة وأغراضكم الباطلة كالرياء ونحوه {كمثل ريح فيها ّ
َِ
طان ًة ِمن دوِن ُكم الَ ي ْأُلون ُكم خباالً وُّدوْا ما عِنتُّم َقد بد ِت اْلب ْغضآء ِمن أَ ْفو ِ
اه ِه ْم َو َما تُ ْخِفي ٰيأَي َّ ِ
َ َ ُ ْ َ آمُنوْا الَ تَتَّ ِخ ُذوْا ِب َ َ ّ ُ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ ْ َ َ ين َ ُّها الذ َ َ
ِ ِ
اآليات ِإ ْن ُك ْنتُ ْم تَ ْعقُلو َن
ورُه ْم أَ ْكَب ُر َق ْد َبيََّّنا َل ُك ُم َ
ص ُد ُ
ُ
{ال تتخذوا بطانة من دونكم} بطانة الرجل صفيه وخليصه الذي يبطنه ويطلع عليه أس ارره ،وال يمكن وجود مثل هذا
الصديق إال إذا اتحدا في المقصد واتفقا في الدين والصفة ،متحابين في هللا ال لغرض كما قيل في األصدقاء :نفس
متفرقة ،فإذا كان من غير أهل اإليمان فبأن يكون كاشحاً أحرى .ثم ّبين نفاقه واستبطانه العداوة
واحدة في أبدان ّ
بقوله{ :ال يألونكم خباالً} إلى آخره ،إذ المحبة الحقيقية الخالصة ال تكون إال بين الموحدين ،لكونها ّ
ظل الوحدة فال
التضاد والظلمة .فأين الصفاء والوفاق في عالمهم؟ بل ربما تتآلفهم الجنسية
ّ تكون بين المحجوبين لكونهم في عالم
العامة اإلنسانية الشتراكهم في النوع والمنافع والمالذ واحتياجهم إلى التعاون فيها ،فإذا لم تتحصل أغراضهم من النفع
والل ّذة تهارشوا وتباغضوا وبطلت اإللفة التي كانت بينهم ،لكونها مسببة عن أمر قد تغير إذ النفس منشأ التغير
والمنافع الدنيوية ال تبقى بحالها ،واللذات النفسانية سريعة االنقضاء فال تدوم المحبة عليها بخالف المحبة األولى،
فإنها مستندة إلى أمر ال تغير فيه أصالً ،هذا إذا كانت فيما بينهم ،فكيف إذا كانت بينهم وبين من يخالفهم في
األصل والوصف؟ و ّأنى يتجانس النور والظلمة؟ ومن أين يتوافق العلو والسفل؟ فبينهما عداوة حقيقية وتخالف ذاتي ال
تخفى آثاره كما ّبين هللا تعالى بقوله{ :قد بدت البغضاء من أفواههم} المتناع اختفاء الوصف الذاتي .قال النبي صلى
ّ
هللا عليه وسلم" :ما أضمر أحد شيئاً إال وأظهره هللا في فلتات لسانه وصفحات وجهه"{ .وما تخفي صدورهم أكبر}
ألنه نار وهذا شرار ،ذاك أصل ،وهذا فرعه {قد ّبينا لكم اآليات} دالئل المحبة والعداوة وأسبابهما {إن كنتم تعقلون}
أي :تفهمون من فحوى الكالم.
{ها أنتم أوالء تحبونهم} بمقتضى التوحيد ،إذ الموحد يحب الناس كلهم بالحق للحق ،ويراهم متصلين بنفسه اتصال
األحماء واألقرباء بل اتصال األجزاء ،فينظر إليهم بنظر الرحمة اإللهية والرأفة الربانية ،ويعطف عليهم مترحماً إذ
وتضاد الطبع.
ّ يراهم أهل الرحمة شغلوا بالباطل ،وابتلوا بالقدر وال يحبونكم بمقتضى الحجاب والبقاء في ظلمة النفس
{وتُؤ ِمنون بالكتاب} أي بجنس الكتاب {كله} لشمول علمكم التوحيدي ،وال يؤمنون للتقيد بدينهم واالحتجاب بما هم
عليه {وإذا لقوكم قالوا آمنا} لنفاقهم المستجلب ألغراضهم العاجلة {وإذا خلوا عضوا عليكم األنامل من الغيظ} لحقدهم
الذاتي وبغضهم الكامن والباقي ظاهر.
تصِبروا} على ما يبتليكم هللا به من الشدائد والمحن والمصائب ،وتثبتوا على مقتضى التوحيد والطاعة {وتتقوا}
{وإن ْ
يضركم كيدهم شيئاً} ألن المتوكل على هللا ،الصابر على بالئه،
االستعانة بهم في أموركم وااللتجاء إلى واليتهم {ال ّ
المستعين به ال بغيره ،ظافر في طلبته ،غالب على خصمه ،محفوظ بحسن كالءة ربه ،والمستعين بغيره مخذول
موكول إلى نفسه ،محروم عن نصرة ربه .كما قال الشاعر :
{إن هللا بما يعملون} من المكايد {محيط} فيبطلها ويهلكها ،وقد قيل :إذا أردت أن تكبت من يحسدك فازدد فضالً في
{بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم} اآلية ...الصبر على مضض الجهاد وبذل النفس في طاعة هللا ،وتحمل المكروه طلباً
ين طع َ ِ َّ ِ
ط َرفاً ّم َن الذ َ
ِ
يز اْل َحكي ِم * لَيْق َ َ
ِ َّللاِ اْل َع ِز ِ
ص ُر ِإالَّ ِم ْن ِع ِند َّ وب ُك ْم ِب ِه َو َما َّ
الن ْ
َّللا ِإالَّ ب ْشر ٰى َل ُكم ولِتَ ْ ِ
ط َمئ َّن ُقُل ُ َو َما َج َعَل ُه َّ ُ ُ َ
ْ َ
ظالِ ُمو َن * َوََّّللِ َما ِفي وب َعَل ْي ِه ْم أ َْو ُي َع ِّذَب ُه ْم َفِإَّن ُه ْم َ ِ
ين * َل ْي َس َل َك م َن األ َْم ِر َش ْي ٌء أ َْو َيتُ َ
ِ ِ
َكَف ُروْا أ َْو َي ْكِبتَ ُه ْم َفَينَقلُبوْا َخآئِب َ
َّللا غُفور َّرِحيم * ٰيأَي َّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
الرَٰبوْا أ ْ
َض َٰعفاً ْكُلوْا ِّ آمُنوْا الَ تَأ ُ ين َُّها الذ َ َ َ ٌ آء َو َّ ُ َ ٌ آء َوُي َع ّذ ُب َمن َي َش ُ الس َٰم َٰوت َو َما في األ َْرض َي ْغف ُر ل َمن َي َش ُ
ول َل َعَّل ُك ْم تُ ْرَح ُمو َن ِ َّللا َلعَّل ُكم تُْفلِحو َن * واتَُّقوْا َّ َِّ ِ ِ ِ
الرُس َ َّللاَ َو َّ
يعوْا َّ ين * َوأَط ُ الن َار التي أُعَّد ْت لْل َكاف ِر َ َ ض َعَف ًة َواتَُّقوْا َّ َ َ ْ ُ ُّم َٰ
{وما جعله هللا إال ُبشرى لكم} أي :ما جعل اإلمداد بالمالئكة إال لتستبشروا به فتزداد قوة قلوبكم وشجاعتكم ونجدتكم
ونشاطكم في التوجه إلى الحق والتجريد للسلوك {ولتطمئن به قلوبكم} فتتحقق الفيض بقدر التصفية والخلف بقدر
الترك.
{وما النصر إالّ من عند هللا} ال من المالئكة وال من غيرهم ،فال تحتجبوا بالكثرة عن الوحدة ،وال بالخلق عن الحق،
فإنها مظاهر ال حقيقة لها وال تأثير{ ،العزيز} القوي الغالب بقهره {الحكيم} الذي ستر قهره ونصرته بصور المالئكة
بحكمته.
{ليقطع طرفاً من الذين كفروا} يقتل بعضهم تقوية للمؤمنين {أو يكبتهم} يخزيهم ويذلهم بالهزيمة إع از اًز للمؤمنين {أو
يتوب عليهم} باإلسالم تكثي اًر لسواد المؤمنين {أو يعذبهم} بسبب ظلمهم وإصرارهم على الكفر تفريحاً للمؤمنين .وأوقع
بين المعطوف والمعطوف عليه في أثناء الكالم قوله{ :ليس لك من األمر في شيء} اعتراضاً لئال يغفل رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم فيرى لنفسه تأثي اًر في بعض هذه األمور ،فيحتجب عن التوحيد وال يزول ،وتتغير شهوده في
األقسام كلها ،أي :ليس لك من أمرهم شيء كيفما كان ،ما أنت إالّ بشر مأمور باإلنذار ،إن عليك إالّ البالغ ،إنما
أمرهم إلى هللا.
ِ
{وسارُعوا إلى} ستر أفعالكم التي هي حجابكم عن مشاهدة أفعال الحق بأفعاله تعالى ،فإنما حرمتم عن التوكل وجنة
وجنة األفعال من الطاعات
المْلك التي هي تجلي األفعال برؤية أفعالكم ،أي :إلى ما يوجب ستر أفعالكم بأفعالهّ ،
عالم ُ
بالجنة هنا جنة األفعال ،وصف عرضها بمساواة عرض السموات
ّ بعد كما ورد" :أعوذ بعفوك من عقابك" .وألن المراد
قدر طولها ألن األفعال باعتبار السلسلة العرضية ،وهي توقف
واألرض ،إذ توحيد األفعال هو توحيد عالم الملك وإنما ّ
يقدرها ،إذ
يتقدره الناس .وأما باعتبار الطول فال تنحصر فيه وال ّ
الملك الذي ّ
كل فعل على فعل آخر تنحصر في عالم ُ
حد .فالمحجوبون عن الذات والصفات ال يرون إالالفعل مظهر الوصف ،والوصف مظهر الذات ،فال نهاية له وال ّ
الجنة ،وأما البارزون هلل الواحد القهار فعرض جنتهم عين طولها وال ّ
حد لطولها فال يقدر قدرها طوالً وال عرض هذه ّ
عرضاً.
{والذين إذا َف َعلوا فاحشة} كبيرة من الكبائر ،برؤية أفعالهم صادرة عن قدرتهم {أو ظلموا أنفسهم} نقصوا حقوقها
وتبر عنها إليه لرؤيتهم
بارتكاب الصغائر وظهور أنفسهم فيها {ذكروا هللا} في صدور أفعالهم برؤيتها واقعة بقدرة هللا أ
بالتبري عن الحول و ّ
القوة إليه {ومن يغفر ّ ابتالءه إياهم بها {فاستغفروا} طلبوا ستر أفعالهم التي هي ذنوبهم بأفعاله
يصروا على ما َف َعلوا} في غفلتهم وحالة
الذنوب} أي وجودات األفعال {إال هللا} أي علموا أن ال غافر إال هو {ولم ّ
لمون} أن ال فعل إال هللا {وِن ْع َم أجر العاملين} بمقتضى توحيد
ظهور أنفسهم ،بل تابوا ورجعوا إليه في أفعالهم {وهم َي ْع ُ
األفعال.
ان ّلِ َّلن ِ ِ ِ َق ْد َخَل ْت ِمن َقْبلِ ُكم سَن ٌن َف ِس ُيروْا ِفي األ َْر ِ
اس َو ُه ًدى َو َم ْو ِع َ
ظ ٌة ين * َهـٰ َذا َبَي ٌ ان َعاقَب ُة اْل ُم َك ّذِب َ
ف َك َ ظ ُروْا َك ْي َ ض َف ْان ُ ْ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
َّام ِ
ين * إن َي ْم َس ْس ُك ْم َق ْرٌح َفَق ْد َم َّس اْلَق ْوَم َق ْرٌح ّم ْثُل ُه َوتْل َك األَي ُ َعَل ْو َن ِإ ْن ُك ْنتُ ْم ُّم ْؤ ِمن َ
ين * َوالَ تَ ِهُنوا َوالَ تَ ْح َزُنوا َوأ َْنتُ ُم األ ْ
ّلْل ُمتَّق َ
{ويتخذ ِمنكم ُشهداء} الذين يشهدون للحق فيذهلون عن أنفسهم ،أي :نداول الوقائع بين الناس ألمور شتى ِ
وح َكم
وقوة اليقين ،وقّلة المباالة بالنفس،
كثيرة ،غير مذكورة ،من خروج ما في استعدادهم إلى الفعل من الصبر والجلد ّ
واستيالء القلب عليها ،وقمعها وغير ذلك .ولهذين العلتين المذكورتين ولتخليص المؤمنين من الذنوب والغواشي التي
البلية إذا كانت عليهم ،ومحق الكافرين وقهرهم وتدميرهم إذا كانت لهم .وقد اعترض بين
تبعدهم من هللا بالعقوبة و ّ
وقوة الثبات
أن من ليس على صفة اإليمان والشهادة وتمحيص الذنوب ّ الظالمين} ليعلم ّ
َ العلل قوله{ :وهللا ال يحب
لكمال اليقين ،بل حضر القتال لطلب الغنيمة أو لغرض آخر فهو ظالم وهللا ال يحبه.
{ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه} اآلية ،كل موقن إذا لم يكن يقينه ملكة بل كان خطرات ،فهو في بعض
أحواله يتمنى أمو اًر ويدعي أحواالً بحسب نفسه دائماً ،وكذلك حال غير اليقين وعند إقبال القلب هو صادق ما دام
موصوفاً بحاله .أما في غير تلك الحالة ،وعند اإلدبار ،فال يبقى من ذلك أثر وكذا كل من لم يشاهد حاالً ولم
تضرره به حال التصور .أما في حال وقوعه وابتالئه فال يطيق تحمللتصوره في نفسه وعدم ّّ يمارسه ،ربما يتمناه
المحب رحمه هللا لما قال في أبياته :
ّ شدائده كما حكي عن سمنون
ردد في الطرق ويرضخ إلى الصبيان ما يلعبون به كالجوز ،ويقول :ادعوا على
فابتلي باألسر ،فلم يطق ،فكان يت ّ
عمكم الكذاب .وفي هذا المعنى قال الشاعر :
فال يلتفت بحال إال إذا صار مقاماً ،وال يعتبر مقاماً إال إذا امتحن في مواطنه ،فإذا خلص من االمتحان فقد صح
ويتقوى يقينهم ويتوفر صبرهم ويتحقق مقامهم بالمشاهدة كما قال:
ليتمرنوا بالموت ّ
وهذا أحد فوائد مداولة األيام بينهم ّ
{فقد رأيتموه} من قتل إخوانكم بين أيديكم {وأنتم} تشاهدون ذلك .وفيه توبيخ لهم على ّ
أن يقينهم كان حاالً ال مقاماً،
ففشلوا في الموطن.
{وما محمد إال رسول} أي :إنه رسول بشر ،سيموت أو يقتل كحال األنبياء قبله ،فمن كان على يقين من دينه فبصيرة
من رّبه ال يرتد بموت الرسول وقتله ،وال يفتر عما كان عليه ،ألنه يجاهد لرّبه ال للرسول كأصحاب األنبياء السالفين.
وكما قال أنس عم أنس بن مالك يوم أُحد حين أُرجف بقتل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وشاع الخبر ،وانهزم
نبياً ما ُقِت َل! ،يا
المسلمون ،وبلغ إليه تقاول بعضهم :ليت فالناً يأخذ لنا أماناً من أبي سفيان .وقول المنافقين :لو كان ّ
رب محمد حي ال يموت! ،وما تصنعون بالحياة بعد رسول هللا؟ فقاتلوا على ما قاتل ِ
ّ فإن ّ
قوم ،إن كان محمد قد ُقتل ّ
شد
اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤالء ،وأب أر إليك مما جاء به هؤالء .ثم ّعليه ،وموتوا على ما مات عليه .ثم قالّ :
ضر نفسه بنفاقه وضعف يقينه {وسيجزي هللا ِ
يضر هللا شيئاً} إنما ّ
بسيفه وقاتل حتى ُقتل{ .ومن َي ْنقلب على َعقبيه فلن ّ
الشاكرين} لنعمة اإلسالم ،كأنس بن النضر وأضرابه من الموقنين.
{وما كان لنفس أن تموت إال بإذن هللا كتاباً مؤجالً} فمن كان موقناً شاهد هذا المعنى ،فكان من أشجع الناس كما
األصم ع ن نفسه أنه شهد مع الشقيق البلخي رحمهما هللا ،بعض غزوات خراسان .قال :فلقيني شقيق
ّ حكى حاتم بن
وقد حمى الحرب ،فقال :كيف تجد قلبك يا حاتم؟ قلت :كما كان ليلة الزفاف ،بين الحالين .فوضع سالحه وقال :أما
أنا فهكذا .ووضع رأسه على ترسه ونام بين المعركة حتى سمعت غطيطه .وهذا غاية في سكون القلب إلى هللا ووثوقه
به لقوة اليقين {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب} اآلية ،جعل إلقاء الرعب في قلوب الكفار مسبب ًا عن شركهم ،ألن
المنور بنور
تنورها بنور القلب ّالشجاعة وسائر الفضائل اعتداالت في قوى النفس من وقوع ظل الوحدة عليها عند ّ
الوحدة ،فال تكون تامة حقيقة إال للموحد الموقن في توحيده .وأما المشرك فألنه محجوب عن منبع القوة والقدرة بما
أشرك باهلل من الموجود المشوب بالعدم إلمكانه الخفي الوجود ،الضعيف ،الذي لم يكن له بحسب نفسه قوة وال وجود
ّ
وال ذات في الحقيقة ،ولم ينزل هللا بوجوده حجة لوجوده أصالً لتحقق عدمه بحسب ذاته ،فليس له إال العجز والجبن
وجميع الرذائل ،إذ ال يكون أقوى من معبوده وإن اتفقت له دولة أو صولة أو شوكة فشيء ال أصل له وال ثبات وال
بقاء كنار العرفج مثلما كانت دولة المشركين.
اك ْم َّما تُ ِحبُّو َن ِم ُص ْيتُ ْم ِّمن َب ْع ِد َمآ أ ََر ُ ِ ِِ ِ ِ َّ ِ ِ
نكم ون ُه ْم بإ ْذنه َحت ٰى إ َذا َفشْلتُ ْم َوتََن َاز ْعتُ ْم في األ َْم ِر َو َع َ َّللاُ َو ْع َدهُ ِإ ْذ تَ ُح ُّس َ
ص َد َق ُك ُم َّ
َوَلَق ْد َ
ِ ص َرَف ُك ْم َع ْن ُه ْم لَِي ْبَتلَِي ُك ْم َوَلَق ْد َعَفا َع ْن ُك ْم َو َّ ِ
ين *ِإ ْذ ض ٍل َعَلى اْل ُم ْؤ ِمن َ َّللاُ ُذو َف ْ نكم َّمن ُي ِر ُيد اآلخ َرَة ثُ َّم َ الد ْنَيا َو ِم ُ
َّمن ُي ِر ُيد ُّ
َصـَٰب ُك ْم ِ ِ وكم ِفي أ ْ ٰ
ُخ َرُك ْم َفأَثَـَٰب ُك ْم َغ ّماً ب َغ ٍّم ّل َك ْيالَ تَ ْح َزُنوْا َعَل ٰى َما َفاتَ ُك ْم َوالَ َمآ أ َ ول َي ْد ُع ُ ْ
الرُس ُ أح ٍد َو َّ
صع ُدو َن َوالَ َتْل ُوو َن َعَل ٰى َ
تُ ِ
ْ
َّللاُ َخِب ٌير ِب َما تَ ْع َمُلو َن
َو َّ
{ولقد صدقكم هللا وعده} أي :وعدكم النصر إن تصبروا وتتقوا ،فما دمتم على حالكم من قوة الصبر على الجهاد
وتيقن النصر والثبات على اليقين واتفاق الكلمة بالتوجه إلى الحق واالتقاء عن مخالفة الرسول وميل النفوس إلى
زخرف الدنيا واإلعراض عن الحق ،مجاهدين هلل ال للدنيا ،كان هللا معكم بالنصر ،وإنجاز الوعد ،وكنتم تقطعونهم
بإذنه وتهزمونهم {حتى إذا َفشْلتُم} أي :جبنتم بدخول الضعف في يقينكم وفساد اعتقادكم في حق نفسه بتجويز غلوله
نازعتم} في أمر الحرب بعد االتفاق وما صبرتم عن حظ الدنيا ،وعصيتم الرسول بترك ما أمركم به من في الغنيمة {وتَ َ
ِ
مالزمة المركز ،وملتم إلى زخرف الدنيا {من بعد ما َأراكم ما تحبون} من الفتح والغنيمة وحان زمان شكركم هللّ ،
وشدة
إقبالكم عليه ،فذهلتم عنه ،فكان أشرفكم يريد اآلخرة والباقون يريدون الدنيا ،ولم يبق فيكم من يريد هللا منعكم نصره {ثم
صرفكم عنهم َلي ْبَتليكم} بما فعلتم فكان االبتالء لطفاً بكم وفضالً {وهللا ذو فضل على المؤمنين} في األحوال كلها ،إما
بالنصرة وإما باالبتالء ،فإن االبتالء فضل ولطف خفي ليعلموا أن أحوال العباد جالبة لظهور أوصاف الحق عليهم
ّ
ن ن
أعدوا له نفوسهم موهوب لهم من عند هللا كما مر في قوله" :مطيع من أطاعني" .كما يكونو مع هللا يكو هللا
فما ّ
وليتمرنوا بالصبر على الشدائد ،والثبات في المواطن ،ويتمكنوا في
ّ معهم ،ولئال يناموا إلى األحوال دون المسلكات،
اليقين ،ويجعلوه ملكاً لهم ،ومقام ًا ،ويتحققوا أن هللا ال يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ،وال يميلوا إلى الدنيا
وزخرفها ،وال يذهلوا عن الحق ،وال يبيعوه بالدنيا واآلخرة ،وليكون عقوبة عاجلة للبعض فيتمحصوا عن ذنوبهم وينالوا
{وَلَق ْد َعَفا َع ْن ُك ْم}
درجة الشهادة برفع الحجب ،خصوصاً حجاب محبة النفس ،فيلقوا هللا طاهرين .ولهذا قال تعالىَ :
[آل عمران ،]152 :إذ االبتالء كان سبب العفو.
غم لحق رسول هللا من جهتكم ،بعصيانكم ّإياه ،وفشلكم بغم} أي :صرفكم عنهم فجازاكم غماً بسبب ّ
غماً ّ
{فأثابكم ّ
وتتعودوا رؤية الغلبة والظفر
ّ لتتمرنوا بالصبر على الشدائد والثبات فيها،
غماً مضاعفاً ّ
بغم أيّ :
غماً بعد ّ
وتنازعكم ،أو ّ
الغم باألمن وإلقاء النعاس على الطائفة الصادقين دون المنافقين الذين {أهمتهم ْأنفسهم} ال نفس {ثم} خّلى عنكم ّ ّ
ِ
اب من ِ
َص َ{مآ أ َ
{لبرز الذين ُكتب عليهم الَقتل إلى مضاجعهم} لقوله تعالىَ : َ الرسول وال الذين وافقوا عالمة للعفو
َنف ِس ُكم ِإالَّ ِفي ِكتَ ٍ ِ ِ ِ ٍ ِ
اب ّمن َقْب ِل أَن َّن ْب َأر َ
َهآ} [الحديد ،اآلية.]22 : ِ
ُّمص َيبة في األ َْرض َوالَ في أ ُ ْ
التجرد
ص ُدوركم} أي :وليمتحن ما في استعدادكم من الصدق واإلخالص واليقين والصبر والتوكل و ّ
{ولي ْبَتلي هللا ما في ُ
َ
القوة إلى الفعل {وليمحص ما في قلوبكم} أي :وليخلص ما برز منها من
وجميع األخالق والمقامات ،ويخرجها من ّ
مكمن الصدر إلى مخزون القلب من عثرات وساوس الشيطان ودناءة األحوال وخواطر النفس ،فعل ذلك فإن البالء
سوط من سياط هللا يسوق به عباده إليه بتصفيتهم عن صفات نفوسهم وإظهار ما فيهم من الكماالت ،وانقطاعهم عنده
من الخلق ومن النفس إلى الحق .ولهذا كان متوكالً باألنبياء ثم األولياء ثم األمثل .وقال رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم بياناً لفضله" :ما أوذي نبي مثل ما أُوذيت" ،كأنه قال :ما صفى نبي مثل ما صفيت .ولقد أحسن من قال:
ّ ّ
َّللاُ َع ْن ُه ْم ِإ َّن َّ ان ِبَب ْع ِ ان ِإَّنما استَ َزَّلهم َّ َّ ِ َّ ِ
ور
َّللاَ َغُف ٌ ض َما َك َسُبوْا َوَلَق ْد َعَفا َّ طُ الش ْي َ َ ْ ُُ
نك ْم َي ْوم اْلتََقى اْل َج ْم َع ِ ِإ َّن الذ َ
ين تََول ْوْا م ُ َ
يمِ
َحل ٌ
{وي ِميت} من يشاء في الحضر وغيره {لمغفرة من هللا ورحمة} أي :لنعيمكم األخروي من ّ
جنة في السفر والجهاد وغيره ُ
وجنة الصفات خير لكم من الدنيوي لكونكم عاملين لآلخرة و {إللى هللا تُ ْح َشرون} لمكان توحيدكم ،فحالكم فيما
األفعال ّ
بعد الموت أحسن من حالكم قبله .
ظَل ُمو َن * أََف َم ِن اتََّب َع ْت ِبما َغ َّل َي ْوم اْلِقَيام ِة ثُ َّم تُوَّف ٰى ُك ُّل َنْف ٍ
س َّما َك َسَب ْت َو ُه ْم الَ ُي ْ ِ
ان لَِنِب ٍّي أ ْ
َ َ َ َن َي ُغ َّل َو َمن َي ْغُل ْل َيأ َ َو َما َك َ
ص ٌير ِب َما َي ْع َمُلو َن * َلَق ْد وَّللا ب ِ صير * هم درجـٰت ِعند َّ ِ ِ َّللاِ َكمن بآء ِبسخ ٍط ِمن َّ ِ
َّللا َّ ُ َ ُْ َ َ َ ٌ َ َّللا َو َمأ َْواهُ َج َهَّن ُم َوبِ ْئ َس اْل َم ُ ان َّ َ َ َ َ َ ّ َ ض َو َِر ْ
النبوة وعصمة األنبياء عن جميع الرذائل ،وامتناع صدور ذلك منهم مع كونهم
يغل} لبعد مقام ّ
لنبي أن ّ {وما كان
ّ
منسلخين عن صفات البشرية ،معصومين عن تأثير دواعي النفس والشيطان فيهم ،قائمين باهلل متّصفين بصفاته
غل بعينه.
غل} أي :يظهر على صورة غلوله بما ّ
{يأت بما ّ
الغال في مقام
النبي في مقام الرضوان التي هي جنة الصفات ،التصافه بصفات هللا ،و ّ {أ َف َمن اتّبع رضوان هللا} أي:
ّ
السخط الحتجابه بصفات نفسه {ومأواه} أسفل حضيض النفس المظلمة ،فهل يتشابهان؟ {هم درجات} أي :كل من
أهل الرضا وأهل السخط ذوو درجات متفاوتات أو هم مختلفون اختالف الدرجات {قل هو من عند أنفسكم} ال ينافي
ألن السبب الفاعلي في الجميع هو الحق تعالى ،والسبب قوله تعالىُ{ :قل ُك ٌّل ِمن ِع ِند َّ ِ
َّللا} [النساء ،اآليةّ ]78 : ّْ ْ
القابلي أنفسهم ،وال يفيض من الفاعل إال ما يليق باالستعداد ويقتضيه ،وباعتبار الفاعل يكون من عند هللا ،وباعتبار
ّ
القابل يكو من عند أنفسهم .واستعداد األنفس إما أصلي وإما عارضي ،واألصلي من فيضه األقدس على مقتضى ن
ّ ّ
مشيئته ،والعارضي من اقتضاء قدره .فهذا الجانب أيضاً ينتهي إليه ،ومن وجه آخر ما يكون من أنفسهم أيضاً يكون
من هللا نظ اًر إلى التوحيد ،إذ ال غير ثمة {وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا} أي :وليتميز المؤمنون والمنافقون في
العلم التفصيلي.
ّ
{وال تحسبن الذين ُقِتلوا في سبيل هللا} سواء كان قتلهم بالجهاد األصغر ،وبذل النفس طلباً لرضا هللا ،أو بالجهاد
األكبر ،وكسر النفس ،وقمع الهوى بالرياضة {أمواتاً بل أحياء عند رّبهم} بالحياة الحقيقية ّ
مجردين عن دنس الطبائع،
{ي ْرَزقون} من األرزاق المعنوية ،أي المعارف والحقائق واستشراق األنوار ،ويرزقون في ّ
الجنة مقربين في حضرة القدس ُ
ّ
الصورية كما ُي ْرزق سائر األحياءّ .
فإن للجنان مراتب بعضها معنوية وبعضها صورية ،ولكل من المعنوية والصورية
جنة الذات وجنة الصفات وتفاضل درجاتها على حسب تفاضل درجات أهل درجات على حسب األعمال ،فالمعنوية ّ
الملك من السموات
جنة األفعال وتفاوت درجاتها على حسب تفاوت درجات عالم ُ الجبروت والملكوت ،والصدورية ّ
يب إخوانكم بأُحدَ ،ج َعل هللا أرواحهم في أجواف طير ِ
النبي صلى هللا عليه وسلم" :لما أُص َ
ّ
العلى ،وجنات الدنيا وعن
خضر ،تدور في أنهار الجنة ،وتأكل من ثمارها ،وتأوي إلى قناديل من ذهب ،معلقة في ّ
ظل العرش" .فالطير
ف َعَل ْي ِه ْم َوالَ ُه ْم َي ْح َزُنو َن * َّ ِ ِ َّ ِ ِ َّللا ِمن َف ِ ِ ِ
ين َل ْم َيْل َحُقوْا ِب ِهم ّم ْن َخْلف ِه ْم أَال َخ ْو ٌ
ضله َوَي ْستَْبش ُرو َن ِبالذ َ ْ ين ِب َمآ آتَ ُ
اه ُم َّ ُ َف ِرح َ
َص َاب ُه ُم ِ ضيع أَجر اْلمؤ ِمِنين * َّال ِذين استَجابوْا ََّّللِ و َّ ِ ِ ِ ض ٍل َوأ َّ يستب ِشرون ِبِنعم ٍة ِمن َّ ِ
الرُسول من َب ْعد َمآ أ َ َ َ ْ َُ َّللاَ الَ ُي ُ ْ َ ُ ْ َ َن َّ َّللا َوَف ْ َ ْ َْ ُ َ ْ َ ّ َ
ِ ِ َِّ ِ
يم
َجٌر َعظ ٌ َح َسُنوْا م ْن ُه ْم َواتََّقوْا أ ْ
ين أ ْ
اْلَق ْرُح للذ َ
{فرحين بما آتاهم هللا من فضله} من الكرامة والنعمة والقرب عند هللا {ويستبشرون} بحال إخوانهم {الذين لم يلحقوا
بهم من من خلفهم} ولم ينالوا درجاتهم بعد من خلفهم الستسعادهم عن قريب بمثل حالهم ولحوقهم بهم {أال َخ ْؤف
عليهم وال هم َي ْحزنون} بدل اشتمال من الذين ،أي :يستبشرون بأنهم آمنوا ،ال خوف عليهم وال هم يحزنون {يستبشرون
بنعمة} أي :أمنهم بنعمة عظيمة ال يعلم كنهها ،هي جنة الصفات بحصول مقام الرضوان المذكورة بعده لهم
فإن هللا ال
الكلي من بقية الوجود وذلك كمال كونهم شهداء هلل ،ومع ذلك ّ {وفضل} وزيادة عليها هي جنة الذات واألمن
ّ
ُيضيع أجر إيمانهم الذي هو جنة األفعال وثواب األعمال{ .الذين استجابوا هلل} بالفناء في الوحدة الذاتية {والرسول}
بالمقام بحق االستقامة {من بعد ما أصابهم القرح} أي :كسر النفس {للذين أحسنوا منهم} أي :ثبتوا في مقام المشاهدة
{واتقوا} بقاياهم {أجر عظيم} وراء اإليمان هو روح المشاهدة.
َّللاُ أَالَّ َي ْج َع َل ِ تَخا ُفوهم وخا ُفو ِن ِإن ُكنتُم ُّمؤ ِمِنين * والَ يحز َّ ِ
َّللاَ َش ْيئاً ُي ِر ُيد َّ ين ُي َس ِارُعو َن في اْل ُكْف ِر ِإَّن ُه ْم َلن َي ُ
ضُّروْا َّ نك الذ َ َ َ ُْ َ ْ ْ َ َ ُْ َ َ
َّللا َشيئاً ولهم ع َذ ِ َّ ِ ِ ِ َلهم ح ّ ِ
يم * َوالَ اب أَل ٌ ضُّروْا َّ َ ْ َ ُ ْ َ ٌ ان َلن َي ُ يم ِ ِ ِ
اشتَ َرُوْا اْل ُكْف َر باإل َ يم * ِإ َّن الذ َ
ين ْ ظاً في اآلخ َرِة َوَل ُه ْم َع َذ ٌ
اب َعظ ٌ ُْ َ
ِ ِ ِ ِ َّ ِ
اب ُّم ِه ٌ
ين ين َكَف ُروْا أََّن َما ُن ْملي َل ُه ْم َخ ْيٌر أل َْنُفس ِه ْم ِإَّن َما ُن ْملي َل ُه ْم لَي ْزَد ُادوْا ِإ ْث َماً َوَل ْه ُم َع َذ ٌ
َي ْح َسَب َّن الذ َ
اعتدوا
{الذين قال لهم الناس} قبل الوصول إلى المشاهدة {إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم} أي :اعتبروا لوجودكم و ّ
بكم فاعتدوا بهم {فزادهم} ذلك القول {إيماناً} أي :يقيناً وتوحيداً بنفي الغير وعدم المباالة به ،وتوصلوا بنفي ما سوى
هللا إلى إثباته بقولهم {حسبنا هللا} فشاهدوه ثم رجعوا إلى تفاصيل الصفات باالستقامة فقالوا{ :وِن ْع َم الوكيل} وهي الكلمة
ُلقي في النار فصارت برداً وسالماً عليه {فانقلبوا بنعمة من هللا وفضل} أي: التي قالها إبراهيم عليه السالم حين أ ِ
َ
مر آنفاً {لم يمسسهم سوء} البقية ورؤية الغير . الحقاني في جنة الصفات والذات كما ّ رجعوا بالوجود
ّ
َّللاُ
ض َو َّ السم ٰٰو ِت واأل َْر ِ
اث َّ َ َ َ ام ِة َوََّّللِ ِم َير ُ ِ ِ ِِ
طَّوُقو َن َما َبخلُوْا به َي ْوَم اْلقَي َ ضلِ ِه ُه َو َخ ْي اًر َّل ُه ْم َب ْل ُه َو َشٌّر َّل ُه ْم َسُي َ آتَاهم َّ ِ
َّللاُ من َف ْ ُُ
ِب َما تَ ْع َمُلو َن َخِب ٌير
{ما كان هللا ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه} من ظاهر اإلسالم وتصديق اللسان {حتى يميز الخبيث} من صفات
النفس وشكوك الوهم وحظوظ الشيطان ،ودواعي الهوى من طيبات صفات القلب كاإلخالص واليقين والمكاشفة
السر ومسامراته ،وتخلص المعرفة والمحبة هلل باالبتالء ووقوع الفتن والمصائب بينكم.
ومشاهدات الروح ومناغيات ّ
{وما كان هللا ليطلعكم على} غيب وجودكم من الحقائق واألحوال الكامنة فيكم بال واسطة الرسول لبعد ما بينكم وبينه
وعدم المناسبة وانتفاء استعداد التلقي منه {ولكن هللا يجتبي من رسله من يشاء} فيطلعه على أس ارره وحقائقه بالكشف
ليهديكم إلى ما غاب عنكم من كنوز وجودكم وأس ارره للجنسية النفسانية التي بينه وبينكم ،الموجبة إلمكان اهتدائكم به
{فآمنوا باهلل ورسله} بالتصديق القلبي واإلرادة والتمسك بالشريعة ليمكنكم التلقي والقبول منهم {وإن تؤمنوا} بعد ذلك
ّ
اإليمان بالتحقيق والسلوك إلى اليقين والمتابعة في الطريقة {وتتقوا} الحجب النفسانية وموانع السلوك {فلكم أجر عظيم}
من كشف الحقيقة {بما أتاهم هللا من فضله} من المال والعلم والقدرة والنفس وال ينفقونه في سبيل هللا على المستحقين
الذب عنهم أو الفناء في هللا {سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة} أي :يجعل ّ
غل الصديقين في ّ
المستعدين واألنبياء و ّ
ّ و
أعناقهم وسبب تقييدهم وحرمانهم عن روح هللا ورحمته وموجب هوانهم وحجابهم عن نور جماله لمحبتهم له وتعلقهم به
{وهلل ميراث السموات واألرض} من النفوس وصفاتها كالقوى والقدر والعلوم واألموال وكل ما ينطبق عليه اسم الوجود
فما لهم يبخلون بماله عنه.
َغِنَيآء سَن ْكتُ ُب ما َقاُلوْا وَق ْتَلهم األَنِبَي ِ َّللا َقول َّال ِذين َقاُلوْا ِإ َّن َّ ِ ِ َّ
اب ول ُذوُقوْا َع َذ َ اء ب َغ ْي ِر َح ٍّق َوَنُق ُ َ َ ُُ َ َّللاَ َفق ٌير َوَن ْح ُن أ ْ ُ َ َ لَق ْد َسم َع َّ ُ ْ َ
َّللا َع ِه َد ِإَليَنا أَالَّ ُن ْؤ ِم َن لِرس ٍ ِ َّ ِ َّللا َليس ِب َ َّ ِ ِ يق * ٰذلِ َك ِب َما َقَّد َم ْت أ َْي ِد ُ
ول َحتَّ ٰى َُ ْ ظال ٍم ّلْل َعِبيد * الذ َ
ين َقاُلوْا إ َّن َّ َ َن َّ َ ْ َ يك ْم َوأ َّ اْل َح ِر ِ
ين * َفِإن ِال ِذي ُقْلتُم َفلِم َقَتْلتُموهم ِإن ُكنتُم ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ات وب َّ ان تَأ ُ َّ َيأِْتَيَنا ِبُق ْرَب ٍ
صادق َ ْ َ ْ َ ُ ُْ آء ُك ْم ُرُس ٌل ّمن َقْبلي باْلَبّيَن َ
ْكُل ُه الن ُار ُق ْل َق ْد َج َ
ورُك ْم
ُج َ
َّ ِ ير * ُك ُّل نْف ٍ ِ
س َذآئَق ُة اْل َم ْوت َوإَِّن َما تَُوف ْو َن أ ُ اب اْل ُمِن ِ وك َفَق ْد ُك ِّذ َب ُرس ٌل ِّمن َقْبلِ َك َج ِ ِ ِ ُّ
الزب ِر واْل ِكتَ ِ َّ
َ آءوا باْلَبّيَنات َو ُ َ ُ ُ َكذُب َ
ور * َلتُْبَلُو َّن ِفي أ َْمَوالِ ُك ْم َوأ َْنُف ِس ُك ْم
الد ْنَيا ِإالَّ َمتَاعُ اْل ُغ ُر ِ ام ِة َف َمن ُز ْح ِزَح َع ِن َّ
النا ِر َوأ ُْد ِخ َل اْل َجَّن َة َفَق ْد َف َاز َوما اْل َحَياةُ ُّ ِ
َي ْوَم اْلقَي َ
صِب ُروْا َوتَتَُّقوْا َفِإ َّن ٰذلِ َك ِم ْن َع ْزِم األ ُُم ِ ِ َّ ِ وَلتَسمع َّن ِمن َّال ِذين أُوتُوْا اْل ِكتَ ِ ِ
ور َش َرُكوْا أَ ًذى َكثي اًر َوإِن تَ ْ اب من َقْبل ُك ْم َو ِم َن الذ َ
ين أ ْ َ َ َ ْ َُ َ
اشتَ َرْوْا ِب ِه ثَ َمناً َقلِيالً َفِب ْئ َس َما
ورِه ْم َو ْ
ظ ُه ِ
آء ُ
ون ُه َفَنَب ُذوهُ َوَر َ
اب َلتَُبِّيُنَّن ُه لِ َّلن ِ
اس َوالَ تَ ْكتُ ُم َ ِ
ين أُوتُوْا اْلكتَ َ
َّللا ِميثَ َّ ِ
اق الذ َ
َ َخ َذ َّ ُ
* َوإِ ْذ أ َ
َي ْشتَ ُرو َن
أن أنبياء بني إسرائيل كانت معجزتهم أن يأتوا بقربان فيدعوا هللا{لقد سمع هللا} إلى قوله {إن كنتم صادقين} روي ّ
يتقربون بها إلى هللا ويدعون هللا بالزهد والعبادة ،فتأتي نار
فتأتي نار من السماء تأكله .وتأويله :أن يأتوا بنفوسهم ّ
نبوتهم وظهرت فسمع به عوام بني إسرائيل فاعتقدوا
العشق من سماء الروح تأكله وتفنيه في الوحدة ،فبعد ذلك صحت ّ
ظاهره ،وإن كان ممكناً من عالم القدرة فاقترحوا على كل نبي تلك اآلية كما توهموا من إقراض هللا الذي هو بذل المال
في سبيل هللا باإلنفاق الستيفاء الثواب وبذل األفعال والصفات بالمحو في السلوك الستبدال صفات الحق وأفعاله
وتحصيل مقام اإلبدال ،فقر الحق وغناهم ،أو كابروا األنبياء في الموضعين بعدما فهموا.
اب وَلهم ع َذ ِ ِ ين َيْف َر ُحو َن ِب َمآ أَتَ ْوْا َّوُي ِحبُّو َن أَن ُي ْح َم ُدوْا َّ ِ
يم * ِب َما َل ْم َيْف َعُلوْا َفالَ تَ ْح َسَبَّن ُه ْم ِب َمَف َازٍة ّم َن اْل َع َذ ِ َ ُ ْ َ ٌ
اب أَل ٌ الَ تَ ْح َسَب َّن الذ َ
النه ِار آلي ٍ ض و ْ ِ ِ َّ ِ ِ * ِإ َّن ِفي خْل ِق َّ ِ َّللاُ َعَل ٰى ُك ِّل َشي ٍء َق ِد ٌير الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ ِ
ات َ اختالَف اليل َو َّ َ الس َٰم َٰوت َواأل َْر َ َ ْ
ض َو َّ َوََّّلل ُمْل ُك َّ َ َ َ
وكل حسنة من الحسنات ،ويحجبون تحسبن الذين يفرحون بما أتوا} أي :يعجبوا بما فعلوا من طاعة وإيثارّ ،
ّ {ال
برؤيته {ويحبون أن يحمدوا} أي :يحمدهم الناس ،فهم محجوبون بعرض الحمد والثناء من الناس ،أو أن يكونوا
َّللاُ َخَلَق ُك ْم َو َما تَ ْع َمُلو َن}
{و َّ
محمودين في نفس األمر عند هللا {بما لم يفعلوا} بل فعله هللا على أيديهم إذ ال فعل إال هللَ ،
[الصافات ،اآلية ]96 :فائزين من عذاب الحرمان {ولهم عذاب أليم} لمكان استعدادهم واحتجابهم عما فيه ،وكان من
وقوتهم إليه وال يحتجبوا برؤية الفعل من أنفسهم،
ويتبروا عن حولهم ّ
حقهم أن ينسبوا الفضيلة والفعل الجميل إلى هللا ّأ
وال يتوقعوا به المدح والثناء.
{الذين يذكرون هللا} في جميع األحوال وعلى جميع الهيئات {قياماً} في مقام الروح بالمشاهدة {وقعوداً} في ّ
محل القلب
بالمكاشفة {وعلى جنوبهم} أي :تقلباتهم في مكان النفس بالمجاهدة {ويتفكرون} بألبابهم أي :عقولهم الخالصة عن
شوب الوهم {في خلق} عالم األرواح واألجساد .يقولون عند الشهود {ربنا ما خلقت هذا} الخلق {باطالً} أي :شيئاً
فإن غير الحق هو الباطل ،بل جعلته أسماءك ومظاهر صفاتك {سبحانك} ننزهك أن يوجد غيرك ،أي :يقارن غيركّ ،
شيء فردانيتك أو يثني وحدانيتك {فقنا عذاب} نار االحتجاب باألكوان عن أفعالك ،وباألفعال عن صفاتك ،وبالصفات
عن ذاتك وقاية مطلقة تامة كافية.
{فاستجاب لهم رّبهم أني ال أُضيع عمل عامل منكم من َذ َكر} القلب من األعمال القلبية كاإلخالص واليقين والكشف
{أو أنثى} النفس من األعمال القالبية ،كالطاعات والمجاهدات والرياضات {بعضكم من بعض} يجمعكم أصل واحد
وحقيقة واحدة هي الروح اإلنسانية ،أي :بعضكم منشأ من بعض ،فال أثيب بعضكم وأحرم بعضاً {فالذين هاجروا} عن
أوطان مألوفات النفس {وأخرجوا من} ديار صفاتها أو هاجروا من أحوالهم التي الت ّذوا بها ،وأخرجوا من مقاماتهم التي
يسكنون إليها {وأوذوا في سبيلي} أي :ابتلوا في سبيل سلوك أفعالي بالباليا والمحن والشدائد والفتن ّ
ليتمرنوا بالصبر،
تجليات الجالل والعظمة والكبرياء ليصلوا إلى الرضا {وقاتلوا} البقية
ويفوزوا بالتوكل في سبيل سلوك صفاتي بسطوات ّ
بالجهاد في {وقتلوا} وأفنوا في بالكلية {ألكفرّن عنهم سيئاتهم} كلها من الصغائر والكبائر ،أي :سيئات بقاياهم
ّ ّ
{وألدخلنهم} الجنات الثالثة المذكورة {ثواباً} أي :عوضاً لما أخذت منهم من الموجودات الثالثة {وهللا عنده ُح ْسن
الثواب} أي :ال يكون عند غيره الثواب المطلق الذي ال يبقى منه شيء ،ولهذا قال :وهللا ،ألنه االسم الجامع لجميع
الصفات ،فلم يحسن أن يقول :والرحمن ،في هذه الموضع أو اسم آخر غير اسم الذات .
يغرنك تقّلب الذين كفروا} أي :حجبوا عن التوحيد الذي هو دين الحق في المقامات واألحوال.
{ال ّ
{متاع قليل} أي :هو يعني االحتجاب بالمقامات والتقّلب فيها تمتع قليل {ثم مأواهم جهنم} الحرمان {وبئس المهاد}
معداً {من عند
تجردوا عن الوجودات الثالثة ،لهم الجنات الثالث{ ،نزالً} ّ
{لكن الذين اتّقوا رّبهم} من المؤمنين ،أيّ :
ّ
إن من أهل الكتاب} أي :المحجوبين عن التوحيد ،والمذكورين بصفة التقّلب في األحوال والمقامات {لمن يؤمن هللا} {و ّ
باهلل} أي :يتحقق بالتوحيد الذاتي {وما أُنزل إليكم} من علم التوحيد واالستقامة {وما أ ُْن ِزل إليهم} من علم المبدأ والمعاد
{خاشعين هلل} قابلين لتجلي الذات.
{ال يشترون بآيات هللا} التي هي تجليات صفاته ثمن البقية الموصوف بالقّلة {أولئك لهم أجرهم عند رّبهم} من الجنان
{إن هللا سريع الحساب} يحاسبهم ويجازيهم فيعاقب على بقايا من بقي منهم شيء ،أو يثيب بنفي البقايا على المذكورة ّ
حسب درجاتهم في المواطن الثالثة.
ض َذهباً وَل ِو ا ْفتََد ٰى ِب ِه أُوَلـِٰئك َلهم ع َذ ِ َح ِد ِهم ِم ْلء األ َْر ِ ِ َّ َّ ِ
يم َو َما َل ُه ْم
اب أَل ٌ
ْ َ ُْ َ ٌ َ َ ّ ُ ِإ َّن الذ َ
ين َكَف ُروْا َو َماتُوْا َو ُه ْم ُكف ٌار َفَلن ُيْقَب َل م ْن أ َ
الطعا ِم َكان ِحـالًّ
َّ اص ِرين * َلن تََناُلوْا اْلِبَّر حتَّ ٰى تُْنِفُقوْا ِم َّما تُ ِحبُّو َن وما تُْنِفُقوْا ِمن َشي ٍء َفِإ َّن َّ ِ ِ ِ ِمن َّن ِ
َ يم * ُك ُّل َ َّللاَ به َعل ٌ ْ ََ َ َ ّ
ين * َف َم ِن ِ
ِّلبِني ِإسرِائيل ِإالَّ ما حَّرم ِإسرِائيل عَلى َنْف ِسه ِمن َقب ِل أَن تَُنَّزل التَّوراة ُقل َفأْتُوْا ِبالتَّورِاة َف ْاتُلوها ِإن ُكنتُم ِ ِ
صادق َ ْ َ َ َْ َ َْ ُ ْ ْ َ َ َ َْ ُ َ ٰ َْ َ َ
ان ِم َن اه ِ الظالِمون * ُقل صدق َّ َِّ ِ َّ ِ ِ ِ ِ ا ْفتَر ٰى عَلى َّ ِ ِ
يم َحنيفاً َو َما َك َ
َّللاُ َفاتب ُعوْا مل َة إ ْب َر َ ْ َََ َّللا اْل َكذ َب ِمن َب ْعد َذلِ َك َفأ ُْوَلـٰئ َك ُه ُم َّ ُ َ َ َ
اْل ُم ْش ِرِك َ
ين
{فلن يقبل من أحدهم ملء األرض ذهباً} إذ ال تقبل هناك إال األمور النورانية الباقية ألن اآلخرة هي عالم النور
محبة هذه الفواسق
والبقاء ،فال وقع وال خطر لألمور الظلمانية فيها الفانية .وهل كان سبب كفرهم واحتجابهم إال ّ
الفانية؟ ،فكيف تكون سبب نجاتهم وقربهم وقبولهم وندبتهم وهي بعينها سبب هالكهم وبعدهم وخسرانهم وحرمانهم.
بالتبري عما سواه ،فمن أحب شيئاً ّ التقرب إليه إال
يقرب صاحبه من هللا فهو ّبر ،وال يمكن ّ كل فعل ّ البر} ّ {لن تََنالوا ّ
اس َمن َيتَّ ِخ ُذ ِمن ُدو ِن
الن ِ
{و ِم َن َّ
خفياً لتعلق محبته بغير هللا ،كما قال تعالىَ :
فقد حجب عن هللا تعالى به وأشرك شركاً ّ
َّ ِ
بع َد من هللا بثالثة أوجه وهي :محبة َّللا} [البقرة ،اآلية ]165 :وآثر نفسه به على هللا ،فقد ُ َنداداً ُي ِحب َ
ُّون ُه ْم َك ُح ِّب َّ َّللا أ َ
وتصدق به وأخرجه من يده ،فقد زال البعد
ّ غير الحق ،والشرك ،وإيثار النفس على الحق .فإن آثر هللا به على نفسه
بر لعلمه تعالى بما ينفق وباحتجابه بغيره.
وحصل القرب ،وإال بقي محجوباً وإن أنفق من غيره أضعافه فما نال ّاً
إس َرِائيل} أي :العقالء بحكم األصل ،إذ العقل يحكم بأن األشياء خلقت لمنافع العباد مطلقاً ًّ ِ
{كل الطعام كان حال َلبني ْ
ّ
فما يكون من جملة المطعومات خلقت لتناولها {إالّ ما ّ
حرم إسرائيل} الروح {على َنْفسه} بالنظر العقلي عند التجربة
ّ
تنزل التوراة} أي :من قبل نزول الحكم الشرعي بالتوراة وسائر الكتب اإللهية وذلك أن الناس اختلفوا بعدما
{من قبل أن ّ
وردهم إلى
أمة واحدة على دين الحق ،كما ذكر ،فبعث هللا النبيين لهدايتهم وإصالح أحوال معاشهم ومعادهمّ ،
كانوا ّ
المخرفة ونفوسهم المريضة ،حرمته
ّ الحق واالتفاق ،فما اقتضت الحكمة اإللهية بحسب أحوالهم المختلة وطباع قلوبهم
من المألوفات واألشياء الصارفة عن الحق الحاجبة بينهم وبين هللا ،والمهيجة للهوى والشهوات وسائر المفاسد والفتن
حرم عليهم.
المانعة إياهم عن كمالهم واهتدائهم ّ
{يا أيها الناس اتّقوا رّبكم} احذروه في انتحال صفته عند صدور الخيرات منكم ،واتخذوا الصفة وقاية لكم في صدور
ما صدر منكم من الخير ،وقولوا صدر عن القادر المطلق {الذي خلقكم من نفس واحدة} هي النفس الناطقة الكلية،
التي هي قلب العالم ،وهو آدم الحقيقي {وجعل منها زوجها} أي :النفس الحيوانية الناشئة منها .وقيل :إنها خلقت من
ّ
ضلعه األيسر من الجهة التي تلي عالم الكون ،فإنها أضعف من الجهة التي تلي الحق ،ولوال زوجها لما أهبط إلى
أن التعلق البدني ال يتهيأ إال
سول لها أوالً فتوسل بإغوائها إلى إغواء آدم وال شك في ّ
أن إبليس ّ الدنيا .كما اشتهر ّ
ّ
كثي اًر} أي :أصحاب قلوب ينزعون إلى أبيهم {ونساء} أصحاب نفوس وطبائع ينزعون إلى {وبث منهما ِرجاالً ِ
بواسطتها ّ
أمهم {واتّقوا هللا} في ذاته عن إثبات وجودكم ،واجعلوه وقاية لكم عند ظهور البقية منكم في الفناء في التوحيد حتى ال
ّ
ْكُلوْا أَمواَلهم ِإَلى أَموالِ ُكم ِإَّنه َكان حوباً َكِبي اًر *وإِن ِخْفتُم أَالَّ َّ ِ
ْ َ ْ يث ِبالطِّيب َوالَ تَأ ُ ْ َ ُ ْ ٰ ْ َ ْ ُ َ ُ ام ٰى أ َْم َواَل ُه ْم َوالَ تَتََبَّدُلوْا اْل َخِب َ
َوآتُوْا اْلَيتَ َ
الن َس ِآء َم ْثَن ٰى َوُث َٰل َث َوُرَٰب َع َفِإ ْن ِخْفتُ ْم أَالَّ تَ ْع ِدُلوْا َف َٰو ِح َدةً أ َْو َما َمَل َك ْت أ َْي َٰمُن ُك ْم
اب َل ُك ْم ِّم َن ِّ
ط َ انك ُحوْا َما َ طوْا ِفي اْليتَامى َف ِ
َ َٰ تُْق ِس ُ
ِ ِ ِ ِٰ ِ ِ
ٍ ِ
ص ُد َقته َّن ن ْحَل ًة َفإن ط ْب َن َل ُك ْم َعن َش ْيء ّم ْن ُه َنْفساً َف ُكُلوهُ َهنيئاً َّم ِريئاً َ
*والَ تُ ْؤتُوْا آء َ الن َس َ*وَءاتُوْا ِّ َّ
ذل َك أ َْدَن ٰى أَال تَ ُعوُلوْا َ
ِٰ
ام ٰى َحتَّ ٰى ِإ َذا َبَل ُغوْا َّللا َل ُكم ِق ٰيماً وارُزُق ِ َِّ
*و ْابَتُلوْا اْلَيتَ َ
وه ْم َوُقوُلوْا َل ُه ْم َق ْوالً َّم ْع ُروفاً َ
يها َوا ْك ُس ُوه ْم ف َ آء أ َْم َواَل ُك ُم التي َج َع َل َّ ُ ْ َ َ ْ ُ السَف َه َ
ُّ
ِ ِ اح َفِإ ْن َآن ْستُ ْم ِّم ْن ُه ْم ُرْشداً َف ْاد َف ُعوْا ِإَل ْي ِه ْم أ َْم َواَل ُه ْم َوالَ تَأ ُ ِ
ف َو َمن ان َغنّياً َفْلَي ْستَ ْعف ْ وهآ ِإ ْس َرافاً َوب َِدا اًر أَن َي ْكَب ُروْا َو َمن َك َ
ْكُل َ الن َك َ
ّ
ِ
ال َنصِي ٌب ّم َّما تََر َ اَّللِ ح ِسيباً * ّلِ ِلرج ِ ْكل ِباْلمعر ِ َك ِ
ك َّ َش ِه ُدوْا َعَل ْي ِه ْم َوَكَف ٰى ِب َّ َ وف َفِإ َذا َد َف ْعتُ ْم ِإَل ْي ِه ْم أ َْم َواَل ُه ْم َفأ ْ ان َفقي اًر َفْلَيأ ُ ْ َ ْ ُ َ
ِ ِ ِ ك اْل َوالِ َد ِ ص ِ ِ ِ ِ اْل َوالِ َد ِ
ض َر ان َواألَْق َرُبو َن م َّما َق َّل م ْن ُه أ َْو َكثَُر َنصيباً َّمْف ُروضاً َ
*وِإ َذا َح َ يب ّم َّما تَ َر َ ان َواألَْق َرُبو َن َولِ ّلن َسآء َن ٌ
ين َل ْو تََرُكوْا ِم ْن َخْلِف ِه ْم ُذِّرَّي ًة اكين َفارزُقوهم ِمنه وُقوُلوْا َلهم َقوالً َّمعروفاً *وْليخ َّ ِ ِ ِ
ش الذ َ َ َْ َ ُْ ْ ُْ ام ٰى َواْل َم َس ُ ْ ُ ُ ْ ّ ْ ُ َ اْلق ْس َم َة أ ُْوُلوْا اْلُق ْرَب ٰى َواْلَيتَ َ
طوِن ِه ْم َنا اًرْكُلو َن ِفي ُب ُ ال اْلَي ٰتَ َم ٰى ُ
ظْلماً ِإَّن َما َيأ ُ َّ ِ ِ ِ
ْكُلو َن أ َْم َو َ َّللاَ َوْلَيُقوُلوْا َق ْوالً َسديداً *ِإ َّن الذ َ
ين َيأ ُ ض َعافاً َخا ُفوْا َعَل ْي ِه ْم َفْلَيتَُّقوْا َّ
ك َوِإن آء َف ْو َق ا ْثَنتَْي ِن َفَل ُه َّن ُثُلثَا َما تَ َر َ
ِ ِ ِ
ظ األ ُْنثََي ْين َفإن ُك َّن ن َس ً َّللاُ ِفي أ َْوَٰل ِد ُك ْم لِ َّلذ َك ِر ِم ْث ُل َح ِّ
يك ُم َّ
وص ُ وسيصَلو َن س ِعي اًر *ي ِ
ُ َ ََ ْ ْ َ
السدس ِم َّما ترك ِإن َكان َله وَلد َفِإن َّلم ي ُكن َّله وَلد ووِرثَه أَبواه َفأل ُِمهِ ِ ٍ ِ ِ ِ ِ ِ َك َان ْت و ِ
ْ َ ْ ُ َ ٌ َ َ ُ ََ ُ ّ َ ٌَُ ََ َ ف َوألََب َوْيه ل ُك ّل َواحد ّم ْن ُه َما ُّ ُ ُ صُ الن ْ
اح َد ًة َفَل َها ّ َ
ِ ِ ٍ ِ ِ ُم ِه ُّ
ِ ُّ
َبناؤُك ْم الَ تَ ْد ُرو َن أَي ُ
ُّه ْم أَ ْق َر ُب َل ُك ْم َنْفعاً آؤُك ْم َوأ ُ الس ُد ُس من َب ْعد َوصيَّة ُيوصي ِب َهآ أ َْو َد ْي ٍن َآب ُ الثُل ُث َفِإن َك َ ِ
ان َل ُه إ ْخ َوةٌ َفأل ّ
َّ َّ
ك أ َْزَٰو ُج ُك ْم ِإ ْن ل ْم َي ُك ْن ل ُه َّن َوَلٌد َفِإن َك َ
ان َل ُه َّن َوَلٌد َفَل ُك ُم ف َما تَ َر َ
صُ
ِ ِ ِ
ان َعليماً َحكيماً * َوَل ُك ْم ن ْ َّللاِ ِإ َّن َّ
َّللاَ َك َ يض ًة ِّم َن َّ
َف ِر َ
يه َخ ْي اًر َكِثي اًر * َوإِ ْن َّللا ِف ِ ِ ِ ٍ يأِْت ٰ ِ ٍ
وه َّن َف َع َس ٰى أَن تَ ْك َرُهوْا َش ْيئاً َوَي ْج َع َل َّ ُ وه َّن ِباْل َم ْع ُروف َفِإن َك ِرْهتُ ُم ُ ين ِبَفح َشة ُّمَبِّيَنة َو َعاش ُر ُ َ َ
ِ ِ ِ
ون ُه ْخ ُذ َ ف تَأ ُ ْخ ُذوَن ُه ُب ْهتَاناً َوإِ ْثماً ُّمِبيناً * َوَك ْي َ ْخ ُذوْا م ْن ُه َش ْيئاً أَتَأ ُ طا اًر َفالَ تَأ ُ اه َّن ق ْن َ ان َزْو ٍج َو َآت ْيتُ ْم ِإ ْح َد ُ ال َزْو ٍج َّم َك َ است ْب َد َ ُّ
أ ََرْدت ُم ْ
ف ِإَّن ُه نكحوْا ما ن َكح ءابآؤُكم ِمن ِّ ِ َّ ِ َخ ْذن ِم ُ ِ ٰ ِ
الن َسآء ِإال َما َق ْد َسَل َ نكم ّميثَقاً َغليظاً * َوالَ تَ ُ َ َ َ َ َ ُ ْ ّ َ ض َوأ َ َ ض ُكم ِإَل ٰى َب ْع ٍ
ض ٰى َب ْع ُ ْ َوَق ْد أَ ْف َ
ُخ ِت ٰ ِ
ات األ ْ َخ َوَبَن ُ ات األ َِخ َٰوتُ ُك ْم َو َع َّٰمتُ ُك ْم َو َخاَلتُ ُك ْم َوَبَن ُ
ُم َٰهتُ ُك ْم َوَب َٰنتُ ُك ْم َوأ َ
آء َسِبيالً * ُحِّرَم ْت َعَل ْي ُك ْم أ َّ ان َفاح َش ًة َو َمْقتاً َو َس َ َك َ
ٰ ُم َٰه ُت ِن َس ِآئ ُك ْم َوَرَب ِائُب ُكم َّٰالِتي ِفي ُح ُج ِ َِّٰ
ورُك ْم ِّمن ِّن َس ِآئ ُك ُم َّالِتي َد َخْلتُ ْم ِب ِه َّن ُ ض َع ِة َوأ َّ َخ َٰوتُ ُكم ِّم َن َّ
الر َٰ ض ْعَن ُك ْم َوأ َ ُم َٰهتُ ُك ُم التي أ َْر َ َوأ َّ
ف ِإ َّن َّ فِإن َّلم تكونوْا دخْلتم ِب ِه َّن فالَ جناح عَليكم وح َٰلِئل أَبن ِائكم َّال ِذين ِمن أ ٰ
ُختَْي ِن ِإال َما َق ْد َسَل َ َصَلِب ُك ْم َوأَن تَ ْج َم ُعوْا َب ْي َن األ ْ َ ْ ْ َ ُ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ ُ َْ ُ ُ َ ْ َ ُ ُ َ َ ُْ
اء َٰذلِ ُك ْم أَن تَْبتَ ُغوْا ِ
َّللا َعَل ْي ُك ْم َوأُح َّل َل ُك ْم َّما َوَر َ
النس ِآء ِإالَّ ما مَل ْكت أَي ٰمن ُكم ِك ٰتب َّ ِ
َ َ َ ْ َُ ْ َ َ
َّللا َكان َغُفو اًر َّرِحيماً * واْلمح ٰ ِ ِ
صَن ُت م َن ّ َ َ ُْ َ َّ َ َ
ض ْيتُ ْم ِب ِه ِمن يما تَ َٰر َ
ِ
اح َعَل ْي ُك ْم ف َ يض ًة َوالَ ُجَن َ ورُه َّن َف ِر َ ُج َ وه َّن أ ُ
ِ ِ
استَ ْمتَ ْعتُ ْم ِبه م ْن ُه َّن َفآتُ ُ ين َف َما ْ
ِِ
ين َغ ْي َر ُم َٰسفح َ
ِِ ِ
ِبأ َْم َٰول ُك ْم ُّم ْحصن َ
ص َٰن ِت اْل ُم ْؤ ِم َٰن ِت َف ِم ْن َّما َمَل َك ْت ِ
ط ْوالً أَن َينك َح اْل ُم ْح َ ان َعلِيماً َح ِكيماً * َو َمن َّل ْم َي ْستَ ِط ْع ِم ُ
نك ْم َ َّللاَ َك َ يض ِة ِإ َّن َّ َب ْعد اْلَف ِر َ
ِ
انكحوه َّن ِبِإ ْذ ِن أَهلِ ِه َّن وآتُوه َّن أُجوره َّن ِباْلمعر ِ يمِن ُكم بعض ُكم ِمن بع ٍ ِ أ َْي َٰمُن ُكم ِّمن َفتَ َٰيِت ُك ُم اْل ُم ْؤ ِم َٰن ِت َو َّ
وف َ ُْ َ ُ ُ َُ ْ ض َف ُ ُ َعَل ُم ِبِإ َٰ ْ َ ْ ُ ْ ّ َ ْ َّللاُ أ ْ
ف ما َعَلى اْلم ْحص َٰن ِت ِم َن اْلع َذ ِ ِ ِ ِٰ ِ ٍ ٰ
اب َ ُ َ صُ َ ُحص َّن َفإ ْن أَتَْي َن بَفح َشة َف َعَل ْيه َّن ن ْ
ان َفِإ َذآ أ ْ ِ ِ َخ َد ٍ ص َٰن ٍت َغ ْي َر ُم َٰسِف َٰح ٍت َوالَ ُمتَّ ِخ َذ ِت أ ْ ُم ْح َ
ين ِمن َّ ِ ِ َّللا َغُفور َّرِحيم * ي ِر ُيد َّ ِ َّ ِ ِ ِ ِ
َّللاُ لُيَبِّي َن َل ُك ْم َوَي ْهدَي ُك ْم ُسَن َن الذ َ ُ ٌ صِب ُروْا َخ ْيٌر ل ُك ْم َو َّ ُ ٌ َذل َك ل َم ْن َخش َي اْل َعَن َت م ْن ُك ْم َوأَن تَ ْ
ات أَن تَ ِميُلوْا َم ْيالً َع ِظيماً الشهو ِ َّ
ين َيتب ُعو َن َ َ
وب َعَل ْي ُكم وُي ِر ُيد َّال ِذ َ َِّ
ْ َ َّللاُ ُي ِر ُيد أَن َيتُ َ يم * َو َّ ِ
يم َحك ٌ
َقبلِ ُكم ويتُوب عَلي ُكم و َّ ِ
َّللاُ َعل ٌ ْ ْ ََ َ َ ْ ْ َ
ْكُلوْا أ َْم َٰوَل ُك ْم َب ْيَن ُك ْم ِباْل َٰب ِط ِل ِإالَّ أَن تَ ُكو َن ِت َٰج َرًة آمُنوْا الَ تَأ ُ ين َ
اإلنسان ض ِعيفاً * ٰيأَي َّ ِ
ُّها الذ َ َ َ
ِ
ف َع ْن ُك ْم َو ُخل َق ِ َ ُ َ
ِ
َّللاُ أَن ُي َخّف َ * ُي ِر ُيد َّ
ان ظْلماً َفسوف ن ِ ِ ان ِب ُك ْم َرِحيماً * َو َمن َيْف َع ْل ٰذلِ َك ُع ْد َواناً َو ُ اض ِّم ْن ُك ْم َوالَ تَْقُتُلوْا أ َْنُف َس ُك ْم ِإ َّن َّ َعن تَ َر ٍ
صليه َنا اًر َوَك َ َْ َ ُ ْ َّللاَ َك َ
َّللاِ َي ِسي اًرٰذلِ َك َعَلى َّ
{وآتوا اليتامى} يتامى قواكم الروحانية ،المنقطعين عن تربية الروح القدسي الذي هو أبوهم {أموالهم} أي :معلوماتهم
ّ
تتبدلوا الخبيث} من المحسوسات والخياليات والوساوس ودواعي الوهم وسائر قوى النفسوكماالتهم ،وربوهم بها {وال ّ
أم َوالهم إلى أموالكم} أي :ال تخلطوها بها ،فيشتبه الحق بالباطل
التي هي أموالها {بالطيب} من أموالهم {وال تأكلوا ْ
كبائر ما تُْن َهون عنه} من إثبات الغير في الوجود الذي هو الشرك ذاتاً وصفة وفعالً ،فإن أكبر الكبائر
{إن تَ ْجتنبوا َ
ْ
إثبات وجود غير وجوده تعالى كما قيل:
ثم إثبات اإلثنينية في الذات بإثبات زيادة الصفات عليها ،كما قال أمير المؤمنين عليه السالم .وكما قال" :اإلخالص
له نفي الصفات عنه".
اعبدوا هللا} خصصوه بالتوجه إليه ،والفناء فيه ،الذي هو غاية التذّلل {وال تُ ْش ِركوا به َش ْيئاً} بإثبات وجوده {وبالو ِ
الدين {و ْ
حق
إحساناً} وأحسنوا بالروح والنفس اللذين تولد القلب منهما وهو حقيقتكم ،لستم إالّ ّإياه ،ووفوا حقوقهما وراعوهما ّ َ
المراعاة باالستفاضة من األول ،والتوجه إليه بالتسليم والتعظيم وتزكية الثانية ،وحفظها من أدناس محبة الدنيا ،والتذّلل
شر الشيطان وعداوته إياها وأعينوها بالرأفة والحمية بتوفير حقوقها عليها ،ومنع
بالحرص والشره وأمثالهما ،ومن ّ
الحظوظ عنها {وب ِِذي الُق ْربى} الذي يناسبكم في الحقيقة بحسب القرب في االستعداد األصلي والمشاكلة الروحانية
ّ
ين ِ
القدسي الذي هو األب الحقيقي ،باالحتجاب عنه {والمساك ْ ّ
المستعدين المنقطعين عن نور الروح
ّ {والَيتامى}
العاملين الذين ال مال لهم ،أي :ال حظ من العلوم والمعارف والحقائق ،فسكنوا ولم يقدروا على المسير وهم السعداء
الصالحون الذين مآلهم إلى جنة األفعال.
ِ
الجنب} الذي هو في مقامه {والجار ِذي القربى} الذي هو في مقام من مقامات السلوك ،قريب من مقامك {والجار
ِ
الصاحب بالجنب} والرفيق الذي هو في عين مقامكم ويرافقكم في سيركم {و ْابن السبيل} أي:
بعيد من مقامك{ ،و
الحق ،الداخل في الغربة عن مأوى النفس الذي لم يصل إلى مقام من مقامات أهل هللا {وما َم َ
لكت ّ السالك في طريق
أيمانكم} من أهل إرادتكم ومحبتكم ،الذين هم عبيدكم ُكالًّ بما يناسبه ويليق به من أنواع اإلحسان ،وإن شئت ّأولت ذي
َ
مر .والمساكين بالقوى النفسانية
المجردات واليتامى بالقوى الروحانية كما ّ
ّ القربى بما يتصل به من الملكوت العالية من
ِ
الجنب بالوهم ،والصاحب بالجنب بالشوق واإلرادة، من الحواس الظاهرة وغيرها .والجار ذي القربى بالعقل ،والجار
وابن السبيل بالفكر ،والمماليك بالملكات المكتسبة التي هي مصادر األفعال الجميلة.
الء َش ِهيداًِمن َّلد ْنه أَج اًر ع ِظيماً * َف َكيف ِإ َذا ِج ْئنا ِمن ُك ِل أُ َّم ٍة ِب َش ِه ٍيد و ِج ْئنا ِبك عَلى هـٰؤ ِ
َ َ َ َ ٰ َُ ّ َ َْ ُ ُ ْ َ
{الذين َي ْبخلون} أوالً بإمساك كماالتهم وعلومهم في مكامن قرائحهم ومطامير غرائزهم ،ال يظهرونها بالعمل بها في
وقتها ثم باالمتناع عن توفير حقوق ذوي الحقوق عليهم ،ال يبذلون صفاتهم وذواتهم بالفناء في هللا لمحبتهم لها ،وال
ْمرو َن الناس ِبالبخل} يحملونهم على مثل ينفقون أموال علومهم وأخالقهم وكماالتهم على ما ذكرنا من المستحقينَ .
{ويأ ُ
ضله} من التوحيد والمعارف واألخالق والحقائق في كتم االستعداد وظلمة القوة
من َف ْ {وي ْكتمو َن ما ُ
آتاهم هللا ْ حالهم َ
ذل وجوههم وشين صفاتهم. ِ ِ
مهيناً} في ّ
{عذاباً َ
أعتَدنا لْلكافرين} المحجوبين عن الحق َ
كأنها معدومة {و ْ
ينفُقون أموالهم رَئاء الناس} أي :يبرزون كماالتهم من كتم العدم ،ويخرجونها إلى الفعل ،محجوبين برؤيتها {والذين ِ
َ
ألنفسهم ،يراؤون الناس بأنها لهم {وال ُي ْؤ ِمنون باهلل} اإليمان الحقيقي ،فيعلمون أن الكمال المطلق ليس إال له ،ومن
أين لغيره وجود حتى يكون له؟ فيتخلصون عن حجاب رؤية الكمال ألنفسهم ،وينجون عن إثم العجب{ .وال باليو ِم
القهار ،فيتبرؤون من ذنب الشرك ،وذلك لمقارنة شيطان الوهم إياهم {ومن ِ
اآلخر} أي :الفناء في هللا والبروز للواحد ّ
الحق {وماذا عليهم لو آمنوا باهلل} أي :لو
ّ َيكن الشيطان له َقريناً َف َساء َقريناً} ألنه يضّله عن الهدى ،ويحجبه عن
صدقوا هللا بالتوحيد والفناء فيه ،ومحو كماالتهم التي رزقهم هللا بإضافتها إلى هللا؟ {وكان هللا بهم عليماً} يجازيهم
ّ
بالبقاء بعد الفناء ،وكونهم مع تلك الصفات والكماالت باهلل ال بأنفسهم.
ٍ ِ ِ
أمة ِب َش ِهيد} إلى آخره ،الشهيد والشاهد :ما يحضر ّ
كل أحد مما بلغه من الدرجة في العرفان، {فكيف إذا ج ْئَنا من كل ّ
وهو الغالب عليه ،فهو يكشف عن حاله وعمله وسعيه ومبلغ جهده مقاماً كان أو صفة من صفات الحق أو ذاتاً،
وعرفه لهم وما دعاهم إال إلى ما وصل إليه من مقامه في المعرفة ،وال
أمة شهيد بحسب ما دعاهم إليه نبيهم ّفلكل ّ
أمته فهم يعرفون هللا بنور استعدادهم في صورة كمال ّ
نبيهم .ولهذا ورد في الحديث :إن نبي إال بحسب استعداد ّ
ّ
يبعث
يتحول عن تلك الصورة ،فيبرز في
كل واحد من الملل والمذاهب ،ثم ّ هللا يتجلى لعباده في صورة معتقدهم ،فيعرفه ّ
أمة شهيداً ،فكذلك لكل صورة أخرى فال يعرفه إالّ الموحدون الداخلون في حضرة األحدية من كل باب .وكما ّ
أن لكل ّ
المحمديون فشهيدهم هللا المحبوب الموصوف
ّ اهل مذهب شهيد ،ولكل واحد شهيد يكشف عن حال مشهوده ،وأما
بجميع الصفات لمكان كمال نبيهم وكونه حبيباً مؤتى جوامع الكلم ،متمماً لمكارم األخالق ،فال جرم يعرفونه عند
التحول في جميع الصور إذا تابعوا نبيهم حق المتابعة ،وكانوا أوحديين محبوبين كنبيهم .
ّ
آمنوا} باإليمان العلمي ،فإن المؤمن باإليمان العيني ال يكون في صالته غافالً {ال تَْق َربوا الصالة} أي:
الذين ُ
{يا أيها َ
ّ
{س َكارى} من نوم الغفلة ،أو من خمور الهوى ومحبة الدنيا ال تقربوا مقام الحضور والمناجاة مع هللا في حال كونكم ُ
{حتى تعلموا ما تقولون} في مناجاتكم وال تشتغل قلوبكم بأشغال الدنيا ووساوسها فتذهلوا عنه ،وال في حال كونكم
بشدة الميل إلى النفس ومباشرة لذاتها وشهواتها وحظوظها والركون إليها {إالّ عابري سبيل} أي:
بعداء عن الحق ّ
مارين عليها ،سالكي طريق من طرق تمتعاتها بقدر الضرورة والمصلحة كعبور طريق االغتذاء بالمطعم والمشرب ّ
لسد ّ
بمجرد
ّ الحر والبرد وستر العورة ،والمباشرة لحفظ النسل ال منجذبين إليها بالكلية
الرمق وحفظ القوة ،واالكتساء لدفع ّ
الهوى فتنطبع فيكم فال يمكن زوالها أو يتعذر {حتى تغتسلوا} أي :تتطهروا عن تلك الهيئة الحاصلة من االنجذاب إلى
الجهة السفلية بماء التوبة واالستغفار وعيون التنصل واالعتذار {وإن كنتم مرضى} القلوب ،فاقدي سالمتها بأمراض
العقائد الفاسدة والرذائل المهلكة {أو على سفر} في تَْيه الجهل والحيرة لطلب ل ّذة النفس ومادة الرجس بالحرص {أو
ملوثاً بهيئة محبته وميله راسخة فيه تلك الهيئة {أو المستم
جاء أحد منكم} من االشتغال بلوث المال وكسب الحطام ّ
النساء} الزمتم النفوس وباشرتموها في لذاتها وشهواتها {فلم تجدوا ماء} علماً يهديكم إلى التفصي منها ويهذبكم
بالتطهر عنها {فتيمموا صعيداً طيباً} فتوجهوا صعيد استعدادكم الطيب ،واقصدوه وارجعوا إلى أصل االستعداد الفطرّي
ّ
التصرف
أيديكم} أي :ذواتكم الموجودة وصفاتكم بالنزول ومحو هيئات العلق بها ،و ّ
وجوهكم و ُ {فام َسحوا} من نوره {ِب ُ
ْ
عفواً} يعفو عن تلك الهيئات المظلمة ورسوخ {إن هللا كان ّ
فيها ،فإن ذلك التراب يمحو آثارها ويذرها صافية كما كانت ّ
{غُفو اًر}
وتستعدوا للقائه ومناجاته َ
ّ تلك الملكات الحاجبة بتركها واإلعراض عنها ،فيزيلها بالكلية فيصفو استعدادكم
يستر صفاتكم وذواتكم بصفاته وذاته .
{آمنوا} إيماناً حقيقياً عيانياً بإخراج ما في كتاب استعدادكم إلى الفعل من
{يا أيها الذين أوتُوا الكتاب} كتاب االستعداد ُ
وجوهاً} بإزالة استعدادها ومحوه {فنردها على أدبارها} التي هي أسفل سافلي عالمأن نطمس ُ توحيد الذات {من َقبل ْ
ِ
السبت} {وكان أمر هللا مفعوالً} أي: الجسم الذي هو خلف كل عالم {أو َنْل َعنهم} نعذبهم بالمسخ كما مسخنا {أصحاب
يغيره أحد وال ينقضه. مقضياً إلى األبد ،ال ّ
اَّللِ َفَق ِد ا ْفتََر ٰى ِإ ْثماً َع ِظيماً * أََل ْم تََر ِإَلىآء َو َمن ُي ْش ِر ْك ِب َّ ن ِ ِ َّللا الَ ي ْغِفر أَن ي ْشر ِ ِ ِ
ك به َوَي ْغف ُر َما ُدو َ َذل َك ل َمن َي َش ُ ُ ََ ِإ َّن َّ َ َ ُ
الك ِذ َب َوَكَف ٰى ِب ِه ِإ ْثماً ُّمِبيناً
َّللاِ َ يف َيْفتَُرو َن َعَلى َّ ظ ْر َك َ ظَل ُمو َن َفِتيالً *ان ُآء َوالَ ُي ْ َّال ِذين ي َزُّكو َن أ َْنُفسهم ب ِل َّ ِ
َّللاُ ُي َزّكي َمن َي َش ُ َ ُْ َ َ ُ
ِ ِ َّ ِ ِ َِّ ِ ٰ
َّ ِ ِ ِ ِٰ ِ َّ
آمُنوْا
ين َ َه َد ٰى م َن الذ َ ين َكَف ُروْا َٰه ُؤالء أ ْ ين أُوتُوْا َنصيباً ّم َن اْلكتَ ِب ُي ْؤ ِمُنو َن ِباْل ِج ْبت َوالط ُغوت َوَيُقوُلو َن للذ َ * أََل ْم تَ َر ِإَلى الذ َ
يب ِّم َن اْل ُمْل ِك َفِإذاً الَّ ُي ْؤتُو َن َّ ِ ِ ِ َّ ِ
اسالن َ َّللاُ َفَلن تَ ِج َد َل ُه َنصي اًر * أ َْم َل ُه ْم َنص ٌ
َّللاُ َو َمن َيْل َع ِن َّ َسِبيالً * أ ُْوَلـٰئ َك الذ َ
ين َل َعَن ُه ُم َّ
اه ْم ُّمْلكاً َع ِظيماً* ِ َّللا ِمن َفضلِ ِه َفَق ْد آتَينآ آل ِإب ٰرِه ِ ٰ ٰ َنِقي اًر * أ َْم َي ْح ُس ُدو َن َّ
يم اْلكتَ َب َواْلح ْك َم َة َو َآت ْيَن َُْ َ ْ َ َ ْ اس َعَل ٰى َمآ آتَ ُه ُم َّ ُ الن َ
صَّد َع ْن ُه َوَكَف ٰى ِب َج َهَّن َم َس ِعي اًر ِِ ِ ِ
آم َن به َوم ْن ُه ْم َّمن َ
َفم ْن ُه ْم َّم ْن َ
أن الشقاوة العلمية االعتقادية مخّلدة ال تتدارك أبداً دون العملية ،أي :ال
{إن هللا ال يغفر أن ُي ْشرك به} إشارة إلى ّ
ّ
يستر بوجوده وال يفني بذاته من يثبت غيره في الوجود وكيف وأنه يناوبه بوجوده{ .ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم}
أي :يزيلون صفات نفوسهم بنفوسهم ،وذلك غير ممكن كما ال يمكن ألحدنا حمل نفسه إذ هي لوازم النفس باقية الزمة
{و َمن ُيو َق ُش َّح َنْف ِس ِه} [الحشر ،اآلية ،]9 :إذ الرذائل معجونة فيها ،باقية ببقائها .وقال عليه
لها ،ولهذا قال تعالىَ :
"شر الناس من قامت عليه القيامة وهو حي" أي :يقف على علم التوحيد ونفسه لم تمت بالفناء حتى الصالة والسالمّ :
ّ
تحيى باهلل ،فإنه حينئذ زنديق قائل باإلباحة في األشياء{ .بل هللا ُيزكي من َيشاء} بمحو صفاته وإزالتها بصفاته تعالى
{وال يظلمون فتيالً} أي :ال ينقصون شيئاً حقي اًر من صفاتهم وحقوقها ّ
فإن هللا ال يأخذ شيئاً منها مع ضعفها وسرعة
{ألم تَ َر} إلى آخره{ ،يؤمنون بالجبت والطاغوت} إلثباتهم وجود الغير ،وذلك إضاللهم عن الدين الذي هو طريق
{سِبيالً} لموافقتهم في الشرك دون
التوحيد {ويقولون} ألجل الذين حجبوا عن الحق {هؤالء أهدى} من الموحدين َ
المؤمنين ،فإنهم يخالفونهم في الطريق والمقصد ،إذ المعترفون بالتوحيد لما ضّلوا السبيل لم يصلوا إلى المقصد الذي
وصوبوهم وزعموا
ّ جلياً فناسبوهم
خفي قريب من حال المحجوبين عن الحق الذين أشركوا شركاً ّ اعترفوا به فلزمهم شرك
ّ
الذين َل َعَنهم هللا} بمسخ االستعداد، أنهم أهدى الموحدين على ما نرى عليه بعض الظاهريين من اإلسالميين ِ
{أولئ َك
َ
ومن طرده هللا فال يمكن ألحد نصرته بالهداية والتقريب واإلنجاء .
الذي اختاروه ألنفسهم بدواعيهم الغضبية والشهوية وغيرها ،وميولهم إلى المالذ الجسمانية فلذلك بدلوا حجباً ظلمانية
بعد حجب.
ول ِإن ُك ْنتُ ْم الرس ِ الرسول وأُولِي األَم ِر ِمن ُكم َفِإن تنازعتم ِفي شي ٍء َفرُّدوه ِإَلى َّ ِ َطيعوْا َّ ِ ِ يا أَي َّ ِ
َّللا َو َّ ُ َ ْ ُ ُ ََ َ ْ ُ ْ ْ ْ ْ يعوْا َّ ُ َ َ ْ َّللاَ َوأَط ُ آمُنوْا أ ُ ين َ ُّها الذ َ َ َ
امُنوْا ِب َمآ أ ُْن ِزَل ِإَل ْي َك َو َمآ أ ِ َّ ِ ِ ِٰ تؤ ِمنون ِب َّ ِ
ُنزَل َح َس ُن تَ ْأ ِويالً * أََل ْم تَ َر ِإَلى الذ َ
ين َي ْزُع ُمو َن أََّن ُه ْم َء َ اَّلل َواْلَي ْو ِم اآلخ ِر ذل َك َخ ْيٌر َوأ ْ ُْ ُ َ
ضالَالً َب ِعيداً * َوإِ َذا ِ َّ وت وَق ْد أ ُِم ُروْا أَن َي ْكُف ُروْا ِب ِه وُي ِر ُيد َّ
الط ُ ِ
اكموْا ِإَلى َّ ِ ِ
ان أَن ُيضل ُه ْم َ طُ الش ْي َ َ اغ َ من َقْبل َك ُي ِر ُيدو َن أَن َيتَ َح َ ُ
َصب ْتهم ُّم ِ
ص َيب ٌة ِب َما نك ص ُدوداً * َف َك ْي َ ِ ٰ ِِ الرس ِ يل َل ُه ْم تَ َعاَل ْوْا ِإَل ٰى َمآ أ َ ِ
ف إ َذآ أ َٰ َ ُ ْ صُّدو َن َع َ ُ ين َي ُ ول َأرَْي َت اْل ُمَنفق َ َّللاُ َوإَِلى َّ ُ
َنزَل َّ ق َ
ِ ِ َّ ِ َّ َقَّدمت أَي ِدي ِهم ثُ َّم جآءوك يحلُِفون ِب َّ ِ
ض َع ْن ُه ْم َّللاُ َما في ُقُلوب ِِه ْم َفأ ْ
َع ِر ْ اَّلل ِإ ْن أ ََرْدَنآ ِإال ِإ ْح َٰسناً َوتَ ْوِفيقاً * أُوَلـٰئ َك الذ َ
ين َي ْعَل ُم َّ َ ُ َ َْ َ َْ ْ ْ
ظ ُه ْم َوُقل َّل ُه ْم ِفي أ َْنُف ِس ِه ْم َق ْوالً َبلِيغاً
َو ِع ْ
يعوا هللا} بتوحيد الذات والفناء في الجمع {وأطيعوا الرسول} بمراعاة حقوق ِ
{يا أيها الذين آمنوا} بتوحيد الصفات {أط ُ
التفصيل في عين الجمع ومالحظة ترتيب الصفات بعد الفناء في الذات {وأُولي األمر ِم ْنكم} ممن استحق الوالية
والرياسة كما مر في حكاية طالوت{ .ألم َتر} أي :تعجب من {الذين َي ْزَعمون أنهم آمنوا بما َ
أنزل إليك} من علم
التوحيد {وما أنزل من قبلك} من علم المبدأ والمعاد {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت} وهو ينافي ما ّادعوه إذ لو
كان إيمانهم صحيحاً لما أثبتوا غي اًر حتى يكون له حكم ،فإنهم بحكم اإليمان الحقيقي مأمورون بالكفر بغيره ،ومن لم
ينسلخ عن صفاته وأفعاله ولم تنطمس ذاته في هللا تعالى فهو غيره ،ومن توجه إلى الغير فقد أطاع الشيطان وال يريد
الشيطان بهم إال الضالل البعيد الذي هو االنحراف عن الحق بالشرك ،إذ الزيغ عن الدين هو الضالل المبين.
{وما أرسلنا من رسول إال ليطاع بإذن هللا} اآلية ،الفرق بين الرسول والنبي هو :أن الرسالة ،باعتبار تبليغ األحكام:
النبوة باعتبار اإلخبار عن المعارف والحقائق التي تتعلق بتفاصيل الصفات الرس ِ
ول َبّل ْغ} [المائدة ،اآلية ]67 :و ّ
ُّها َّ ُ ُ
{يـأَي َ
َ
النبوة ظاهر الوالية التي هي االستغراق في عين الجمع والفناء في الذات ،فعلمها علم توحيد الذات
فإن ّ واألفعالّ .
كل نبي مرسالً ،وإن كانت رتبة
ولي نبياً ،وال ّ ومحو األفعال والصفات .فكل رسول نبي ،وكل نبي ولي ،وليس كل
ّ ّ ّ ّ
النبوة من الرسالة كما قيل :
النبوة ،و ّ
الوالية أشرف من ّ
َّللاِ َم َغ ِان ُم َكِث َيرةٌ َك ٰذلِ َك ُك ْنتُ ْم ِّمن َقْب ُل َف َم َّن َّ
َّللاُ َعَل ْي ُك ْم الد ْنَيا َف ِع ْن َد َّ
ض اْل َح َٰيوِة ُّ أَْلَقى ِإَل ْي ُك ُم َّ
السالَ َم َل ْس َت ُم ْؤ ِمناً تَْبتَ ُغو َن َع َر َ
َّللاِ الضرِر واْلم ٰج ِه ُدو َن ِفي سِب ِ ِ ِ ِٰ َّ
يل َّ َ ين َغ ْي ُر أ ُْولِي َّ َ َ ُ َ ان ِب َما تَ ْع َمُلو َن َخِبي اًر *ال َي ْستَ ِوي اْلَقع ُدو َن م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ َفتََبيَُّنوْا ِإ َّن َّ
َّللاَ َك َ
ِ ين َد َر َج ًة َوُكـالًّ َو َع َد َّ ٰ ِِ ِ ِ ِ ِبأ َْم َٰولِ ِه ْم َوأ َْنُف ِس ِه ْم َف َّ
َّللاُ اْل ُم َٰج ِهد َ
ين َّللاُ اْل ُح ْسَن ٰى َوَف َّ
ض َل َّ ين ِبأ َْم َٰول ِه ْم َوأ َْنُفس ِه ْم َعَلى اْلَقعد َ َّللاُ اْل ُم َٰج ِهد َ
ض َل َّ
َّللاُ َغُفو اًر َّرِحيماً
ان َّ ِ ٍ ِ ِ ٰ ِِ
َج اًر َعظيماً * َد َر َجات ّم ْن ُه َو َم ْغف َرًة َوَر ْح َم ًة َوَك َ ين أ ْ َعَلى اْلَقعد َ
{ولو ّأنا كتبنا} أي :فرضنا {عليهم أن ا ْقتلوا أ َْنُفسكم} بقمع الهوى الذي هو حياتها وإفناء صفاتها {أو اخرجوا من
ِدَياركم} مقاماتكم التي هي الصبر والتوكل والرضا وأمثالها ،لكونها حاجبة عن التوحيد كما قال الحسين بن منصور
قدس هللا روحه إلبراهيم بن أدهم رحمه هللا ،لما سأله عن حاله ،وأجابه بقوله :أدور في الصحاري ،وأطوف فيّ
البراري ،حيث ال ماء وال شجر وال روض وال مطر ،هل يصح حالي في التوكل أم ال؟ ،فقال :إذا أفنيت عمرك في
عمران بطنك فأين الفناء في التوحيد؟.
والمقامات ،وهو طريق الوحدة واالستقامة في التوحيد {ومن ُي ِطع هللا} بسلوك طرق التوحيد والجمع {والرسول} بمراعاة
النبيين والصديقين} الذين صدقوا بنسبة األفعال والصفات إلى
الذين أنعم هللا عليهم} بالهداية {من ّ
{فأولئك مع َ
َ التفصيل
هللا ،باالنخالع عن صفاتهم واالتصاف بصفاته ولو ظهروا بصفات نفوسهم لكانوا كاذبين {والشهداء} اي :أهل
الحضور {والصالحين} أي :أهل االستقامة في الدين.
الفضل} أي :التوفيق لتحصيل الكمال الذي ناسبوا به النبيين ومن معهم فرافقوهم{ .عليماً} يعلم ما في استعدادهم
{ذلك َ
من الكمال فيظهره عليهم {خذوا حذركم} أي :ما تحذرون من إلقاء الشيطان ووساوسه وإهالكه إياكم باإلغواء ،ومن
كل فرقة
{فانفروا ثبات} اسلكوا في سبيل هللا جماعاتّ ،
عدوكم ْظهور صفات نفوسكم واستيالئها عليكم ،فإنها أعدى ّ
إن تصبهم حسنةالنبي {و ْ على طريقة شيخ كامل عالم {أو ْانفروا جميعاً} في طريق التوحيد واإلسالم على متابعة
ّ
يقولوا هذه من عند هللا} إلى آخره ،ثبت أنهم قدريون يضيفون الخيرات إلى هللا والشرور إلى الناس ،يتشبهون بالمجوس
ومحرضهم
ّ في الثبات ،مؤثرين مستقلين في الوجود ،وإضافتهم الشرور إلى الرسول ال إلى أنفسهم كانت ألنه باعثهم
الشر عندهم .فأمر الرسول صلى هللا عليه وسلم بدعوتهم إلى توحيد األفعال ونفي التأثير عن على ما يلقون بسببه ّ
يك ُادون َيْفقهون َحديثاً} األغيار واإلقرار بكونه فاعل الخير والشر بقوله{ :قل كل من عند هللا َف ِ
مال هؤالء الَقوم ال َ ّ ّ
أن هلل فضالً وعدالً،
الحتجابهم بصفات النفوس وارتجاج آذان قلوبهم التي هي أوعية السماع والوعي .ثم ّبين ّ
فالخيرات وا لكماالت كلها من فضله ،والشرور من عدله ،أي :يقدرها علينا ويفعلها بنا الستعداد واستحقاق فينا يقتضي
ذلك .وذلك االستحقاق إنما يحدث من ظهور النفس بصفاتها وارتكابها المعاصي والذنوب الموجبة للعقاب ال بفعل
الشر إلى الرسول ،ألن االستحقاق مرتب على االستعداد ،وال يعرض ما يقتضيه آخر كما نسبوا ما أصابهم من ّ
طأهم في قدريتهم {والَ تَ ِزُر َو ِازَرةٌ ِوْزَر أ ْ
ُخ َر ٰى} [األنعام ،اآلية ،]164 :فك ّذبهم وخ ّ استعداد أحد لغيره ،كما قال تعالىَ :
الشر ليس إال هلل وحده بمقتضى فضله وعدله .وأما السبب القابلي فهو وإن كان
الفاعلي للخير و ّ أن :السبب
بإثبات ّ
ّ
أيضاً منه في الحقيقة إال أن قابلية الخير هو من االستعداد األصلي الذي هو من الفيض األقدس الذي ال مدخل
الشر من االستعداد الحادث بسبب ظهور النفس بالصفات واألفعال الحاجبة للقلب، لفعلنا واختيارنا فيه ،وقابلية ّ
المكدرة لجوهره ،حتى احتاج إلى الصقل بالرزايا والمصائب والباليا والنوائب ال من ِقَبل الرسول أو غيره .
ّ
{إن الذين توفاهم المالئكة} إلى آخره ،التوفي هو :استيفاء الروح من البدن بقبضها عنه ،وهو على ثالثة أوجه:
توفي المالئكة ،وتوفي ملك الموت ،وتوفي هللا .أما توفي المالئكة فهو ألصحاب النفوس وهم إما سعداء أهل الخير
{ال ِذين تَتَوَّفاهم اْلم ِ
والصفات الحميدة واألخالق الحسنة من الصالحين المتّقين َّ
الم َعَل ْي ُك ُم ْاد ُخُلوْا طِّيِب َ
ين َيُقوُلو َن َس ٌ الئ َك ُة َ َ َ ُُ َ
الشر والصفات الرديئة اْل َجَّن َة ِب َما ُك ْنتُ ْم تَ ْع َمُلو َن} [النحل ،اآلية ]32 :فمعادهم إلى جنة األفعال .وإما أشقياء أهل ّ
واألخالق السيئة فال يقبض أرواحهم إال القوى الملكوتية التي هي للعالم بمثابة قواهم التي هم في مقامها ،محتجبون
اه ُم اْل َمالِئ َك ُة َ
ظالِ ِمي أ َْنُف ِس ِهم} َّ ِ
ين تَتََوَّف ُ
بصفات النفس ول ّذات القوى الخيالية والوهمية والسبعية والبهيمية من الكافرين{ :الذ َ
[النحل ،اآلية ]28 :فمعادهم إلى النار .وأما توفي ملك الموت فهو ألرباب القلوب الذين برزوا عن حجاب النفس إلى
فتنوروا بنورها ،فتْقبض أرواحهم النفس الناطقة الكلية التي هي قلب العالم باتصالهم
مقام القلب ،ورجعوا إلى الفطرةّ ،
بها ،هذا إذا قبض أرواحهم ملك الموت بنفسه ،أما إذا قبض بأعوانه وقواهم فهم الفريق األول .وقد يقبض بنفسه
ويذرهم في ملكوت العذاب حتى يحاسبوا ويعاقبوا بحسب رذائلهم ويتخلصوا ،وذلك للكمال العلمي والنقصان العلمي
ّ ّ
كما خلص من الجهل والشرك وتحّلى بالعلم والتوحيد ،ولكن تراكمت على قلبه الهيئات المظلمة والملكات الرديئة
بسبب األعمال السيئة واألخالق الذميمة .وللعلم بالتوحيد والجهل بالمعاد كالموحد المنكر للجزاء ،فينهمك في
اكم َّمَل ُك اْل َم ْو ِت َّال ِذي ُوِّك َل ِب ُكم} [السجدة ،اآلية .]11 :وأما توفي هللا تعالى ،فهو
المعاصي كما قال تعالىُ{ :ق ْل َيتََوَّف ُ
للموحدين الذين عرجوا عن مقام القلب إلى محل الشهود فلم يبق بينهم وبين رّبهم حجاب ،فهو يتولى قبض أرواحهم
{َّللاُ َيتََوَّفى ين ِإَلى َّ ِ
الر ْح َمـ ِٰن َوْفداً} [مريم ،اآلية ،]85 :كما قال تعالىَّ : {ي ْوَم َن ْح ُش ُر اْل ُمتَّق َ
بنفسه ويحشرهم إلى نفسه َ
موِت َـها} [الزمر. ]42 : األ ُ ِ
ين ْ
َنف َس ح َ
َّللاِ َوَرُسوِل ِه ثُ َّم ُي ْد ِرْك ُه ض م ٰرَغماً َكِثي اًر وسع ًة ومن ي ْخرْج ِمن ب ْيِت ِه مه ِ
اج اًر ِإَلى َّ َ َُ َََ ََ َ ُ
يل َّ ِ ِ ِ
َّللا َيج ْد في األ َْر ِ ُ َ
ومن يها ِجر ِفي سِب ِ
َ َ َ َُ ْ
ِ
َّللاُ َغُفو اًر َّرحيم ًا
ان َّ ِ
َّللا َوَك َ
َج ُرهُ َعلى َّ
َ اْل َم ْو ُت َفَق ْد َوَق َع أ ْ
{يجد} في أرض استعداده مهاجر ومساكن مقار النفس المألوفة في سبيل طريق الحق بالعزيمة َ {ومن ُي َها ِجر} أي ّ
{وسعة} وانشراحاً في الصدر عند
َ ومنازل كثيرة فيها رغم أنوف قوى نفسه الوهمية والخيالية والبهيمية والسبعية وإذاللها
الخالص من ضيق صفات النفس وأسر الهوى {ومن َي ْخرج} من المقام الذي هو فيه سواء كان ّ
مقر استعداده الذي
ِ َّ ِ ِ ِ ض فَليس عَليكم جناح أَن تقصروْا ِمن َّ ٰ ِ
ين َك ُانوْا ين َكَف ُروْا ِإ َّن اْل َكاف ِر َ الصَلوِة ِإ ْن خْفتُ ْم أَن َيْفتَن ُك ُم الذ َ َ َْ ُ ُ ض َرْبتُ ْم في األ َْر ِ َ ْ َ َ ْ ُ ْ ُ َ ٌ َوإِ َذا َ
ونوْا ِمن الص َٰلوة َفْلتَُقم َ ِ ِ َل ُكم َع ُدواً ُّمِبيناً * وإِ َذا ُك َ ِ ِ
ْخ ُذوْا أَ ْسلِ َحتَ ُه ْم َفِإ َذا َس َج ُدوْا َفْلَي ُك ُ
طآئَف ٌة ّم ْن ُه ْم َّم َع َك َوْلَيأ ُ نت فيه ْم َفأََق ْم َت َل ُه ُم َّ َ ْ َ ْ ّ
َسلِ َحِت ُك ْم َّ ِ ِ ُخر ٰى َلم يصُّلوْا َفْليصُّلوْا معك وْليأ ُ ِ ْت َ ِورِآئ ُكم وْلتَأ ِ
ين َكَف ُروْا َل ْو تَ ْغُفلُو َن َع ْن أ ْ ْخ ُذوْا ح ْذ َرُه ْم َوأ َْسل َحتَ ُه ْم َوَّد الذ َ ُ َ ََ َ َ َ طآئَف ٌة أ ْ َ ْ ُ َ ََ ْ َ
َسلِ َحتَ ُك ْم ان ِب ُك ْم أَ ًذى ِّمن َّم َ ِ ِ ِ ِ
ض ُعوْا أ ْ ضى أَن تَ َ ط ٍر أ َْو ُكنتُ ْم َّم ْر َ اح َعَل ْي ُك ْم ِإن َك َ
َوأ َْمت َعت ُك ْم َفَيميُلو َن َعَل ْي ُك ْم َّمْيَل ًة َواح َد ًة َوالَ ُجَن َ
َّللا أَعَّد لِْلك ِاف ِرين ع َذاباً ُّم ِهيناً * فِإ َذا قضيتم َّ ٰ
َّللاَ ِقَياماً َوُق ُعوداً َو َعَل ٰى ُجُنوب ُ
ِك ْم َفِإ َذا وة َفا ْذ ُك ُروْا َّ
الصَل َ َ َ َ ْ ُُ َو ُخ ُذوْا ح ْذ َرُك ْم ِإ َّن َّ َ َ َ َ َ
ِ
ِ ِ ِ الص َٰلوة َكان ْت عَلى اْلمؤ ِمِن ِ ٰ طمأْننتم فأ َِقيموْا َّ ٰ
ونوْا تَ ْأَل ُمو َن ين كتَباً َّم ْوُقوتاً * َوالَ تَ ِهُنوْا في ْابت َغآء اْلَق ْو ِم ِإن تَ ُك ُ ُْ َ الصَلوةَ ِإ َّن َّ َ َ َ ا ْ َ َ ُْ َ ُ
َّللاُ َعلِيماً َح ِكيماً َفِإَّنهم ي ْأَلمون كما ت ْأَلمون وترجون ِمن َّ ِ
ان َّ َّللا َما الَ َي ْر ُجو َن َوَك َ ُ ْ َ ُ َ َ َ َ َ َ َْ ُ َ َ
وإذا سافرتم في أرض االستعداد بالطريق العلمي لطلب اليقين {فليس عليكم ُجناح أن تقصروا} أي :تنقصوا من
ّ
األعمال البدنية وأداء حقوق العبودية من الشكر والحضور ،لقوله عليه الصالة والسالم" :من أوتي حظه من اليقين
فال يبالي بما انتقص من صالته وصومه
".
{الذين َكَفروا} أي :حجبوا من قوى الوهم والتخيل وشياطين اإلنس الضالين
َ تنك ْم} أي :يغويكم ويضلكم
{إن خفتم أن َيْف ُ
أشد على الشيطان من ألف عابدالمضلين لما علم من قوله صلى هللا عليه وسلمَ" :لَفقيه واحد ّ
{إنا أنزلنا عليك الكتاب} أي :علم تفاصيل الصفات وأحكام تجلياتها بالحق ملتبساً بالعدل والصدق أو قائماً بالحق ال
ّ
يؤدون أمانة هللا التي أودعها
بنفسك لتكون حاكماً بين الخلق {بما أراك هللا} من عدله {وال تكن للخائنين} الذين ال ّ
عندهم في األزل بما ركز في استعدادهم من إمكان كمال معرفته وخانوا أنفسهم وغيرهم بنهب حقوقهم وصرفها في
غير وجهها {خصيماً} يدفع عنهم العذاب وتسليط هللا الخلق عليهم باإليذاء ويحتج عنهم على غيرهم أو على هللا
باالعتراض بأنه لم خذلهم وقهرهم فإنهم الظالمون ال حجة لهم بل الحجة عليهم {واستغفر هللا} لنفسك بترك االعتراض
واالحتجاج عنهم لنغفر تلوينك الذي ظهر عليك بوجود قلبك وبصفاته {وال تجادل} ظهر تأويله من هذا {يستخفون من
الناس} بكتمان رذائلهم وصفات نفوسهم التي هي معايبهم عنهم {وال يستخفون من هللا} بإزالتها وقلعها وهو شاهدهم
يقدرون في عالم ظلمة النفس والطبيعة {ما ال يرضى من القول} من الوهمياتيعلم بواطنهم {إذ يبيتون} أيّ :
والتخيالت الفاسدة التي يلفقونها في تحصيل أغراضهم من حطام الدنيا ولذاتها {وكان هللا بما يعملون محيطاً} يجازيهم
بحسب صفاتهم وأعمالهم .
َّللاَ َع ْن ُه ْم َي ْوَم اْلِق َٰي َم ِة أ َْم َّمن َي ُكو ُن َعَل ْي ِه ْم َو ِكيالً * َو َمن َي ْع َم ْل
الد ْنَيا َف َمن ُي َٰج ِد ُل َّ
الء َٰج َدْلتُ ْم َع ْن ُه ْم ِفي اْل َح َٰيوِة ُّ ٰهأ َْنتُم هـٰؤ ِ
َ ْ َُ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َّللاَ َي ِجد َّ ِ ِ
َّللاُ َعليماًان ََّّللاَ َغُفو اًر َّرحيماً * َو َمن َي ْكس ْب ِإ ْثماً َفِإَّن َما َي ْكسُب ُه َعَل ٰى َنْفسه َوَك َ ظل ْم َنْف َس ُه ثُ َّم َي ْستَ ْغف ِر َُّسوءاً أ َْو َي ْ
احتَ َم َل ُب ْهتَاناً َوِإ ْثماً ُّمِبين ًا ِ ِ ِ ِ ِ
َحكيماً * َو َمن َي ْكس ْب َخط َيئ ًة أ َْو ِإ ْثماً ثُ َّم َي ْرِم ِبه َب ِريئاً َفَقد ْ
مر {ومن يعمل سوءاً} بظهور صفة من صفات نفسه {أو يظلم نفسه} بنقص شيء من {ها أنتم هؤالء} ظاهر مما ّ
كماالته التي هي مقتضى استعداده بتقصير فيه وارتكاب عمل ينافيه ثم يطلب من هللا ستر تلك الصفة والهيئة الساترة
لكماله بالتوجه إليه والتنصل عن الذنب {يجد هللا غفو اًر} يستر ذلك السوء والهيئة المظلمة بنور صفته {رحيماً} يهب ما
يقتضيه استعداده{ .ومن يكسب خطيئة} بظهور نفسه {أو إثماً} يمحو ما في استعداده وكسب هيئة منافية لكماله {ثم
يرم به بريئاً} بأن قال :حملني على ذلك فالن ،ومنعني عن طلب الحق فالن ،وهذا جريمة فالن ،كما هو عادة
يضاد كماله ومناسبة لمن ّ احتمل بهتاناً} بنسبة فعله إلى الغير إذ لو لم يكن في نفسه ميل لما المتعللين باألعذار {فقد ْ
وافقه وأطاعه لما قبل ذلك منه ،فما كان إال من قبل نفسه كما قال لهم الشيطانِ{ :إ َّن َّ
َّللاَ َو َع َد ُك ْم َو ْع َد اْل َح ِّق َوَو َعدتُّ ُك ْم
َنف َس ُك ْم} [إبراهيم ،اآلية]22 :
وموْا أ ُ ان ِإالَّ أَن َد َعوتُ ُكم َفاستَ َج ْبتُم ِلي َفالَ َتُل ِ
طٍ ان لِ َي َعَل ْي ُك ْم ِّمن ُسْل َ
وموني َوُل ُ
ُ ْ ْ ْ ْ َخَلْفتُ ُك ْم َو َما َك َ
َفأ ْ
إذ لو لم يكن في نفوسهم ظلمة بكسبها وظهور صفاتهم لم يكن فيهم محل لوسوسته وقابلية لدعوته {وإثماً مبيناً}
ظاه اًر متضاعفاً لتركبه من هيئة الخطيئة واالمتناع من االعتراف ،ونسبة التقصير إلى أنفسهم لتنكسر فتضعف عن
االستيالء على القلب وحجبه عن الكمال.
{ولوال فضل هللا عليك} أي :توفيقه وإمداده لسلوك طريقه بما يخرج كمالك إلى الفعل ويبرز ما فيك كامناً من العلم
{ورحمته} هبته لذلك الكمال المطلق الذي أودعه فيك في األزل وهي الرحمة التي ليس وراءها رحمة {وما يضلون إال
أنفسهم} لكون الضالل ناشئاً من أصل استعدادهم لكونهم مجبولين على الشقاوة أزالً فكيف يرجع ذلك الضالل
المعجون فيهم إلى غيرهم.
{وأنزل هللا عليك الكتاب} أي :العلم التفصيلي التام بعد الوجود الموهوب {و ِ
الح ْك َمة} وعلم أحكام التفاصيل وتجليات ّ
الصفات مع العمل به {وعّلمك ما لم تَ ُكن تَ ْعلم} ألنه علم هللا ال يعلمه إال هو ،فلما كشف لك عن ذاته بفنائك فيه ثم
أبقاك بالوجود الحقاني فصار قلبك وحجبك بحجاب ذلك القلب علمك علمه ،إذ الصفة تابعة للذات {وكان فضل هللا}
ّ
خير في ٍ
كثير من نجواهم} في إظهار هذا الكمال عليك بالتوفيق للعمل الذي أوصلك إلى ما أوصلك {عظيماً} {ال َ
فإنها فضول ،والفضول يجب تركها على السالك كما قال عليه الصالة السالم" :من ُح ْس ِن إسالم المرء تركه ما ال
يعنيه
".
{إال من أمر} أي :إال نجوى من أمر {بصدقة} أي :بفضيلة السخاء التي هي من باب العفة {أو معروف} قولي
ّ
كتعليم علم وحكمة من باب فضيلة الحكمة ،أو فعلي كإغاثة ملهوف وإعانة مظلوم من باب الشجاعة {أو إصالح بين
ّ
ِ
مرضات هللا} ال لطلب المحمدة أو ِ
{ابتغاء َ
الناس} من باب العدالة {ومن يفعل ذلك} أي :يجمع بين الكماالت المذكورة ْ
أج اًر َع ِظيماً} من جنات الصفات.
الرياء والسمعة ،فتصير به الفضيلة رذيلة {فسوف ُنؤتيه ْ
{إن يدعون من دونه إال إناثاً} أي :نفوساً ،إذ كل من يشرك باهلل فهو عابد لنفسه بطاعة هواها ،وعابد لشيطان الوهم
ْ
بقبول إغوائه وطاعته ،أو كل ما يعبد من دون هللا ألنه ممكن وكل ممكن فهو متأثر عن الغير قابل لتأثيره محتاج
نهم} بالعادات
إليه وهي صفة اإلناث {نصيباً مفروضاً} أي :غير المخلصين الذين أخلصوا دينهم بالتوحيد {وآلمر ُ
الفاسدة واألهواء المردية واألفعال الشنيعة المخالفة للعقل والشرع {والذين آمنوا} اإليمان الحقيقي التوحيد ،ألنهم في
ّ
مقابلة المشركين {وعملوا} ما يصلح لهم في الوصول إلى الجمع أو يصلح للناس أجمعين باالستقامة في هللا وباهلل بعد
الفناء وحصول البقاء {سندخلهم} الجنات الثالثة المذكورة {ليس} حصول الموعود {بأمانيكم وال أماني أهل الكتاب}
ّ
مجرد ٍ
تمن والتمني طلب ما يمتنع وجوده في العادة . أي :ما بقيتم مع نفوسكم وصفاتها وأفعالها ،فإرادتكم ّ
{ومن أحسن ديناً} أي طريقاً {ممن أسلم وجهه} أي :وجوده {هلل} وأخلص ذاته من شوب اآلنية واإلثنينية بالفناء
المحض {وهو محسن} مشاهد للجمع في عين التفصيل ،م ار ٍع لحقوق تجليات الصفات وأحكامها ،سالك طريق
كل شرك في ذاته وصفاته وأفعاله، اإلحسان باالستقامة في األعمال {واتبع ِمّلة إبراهيم} في التوحيد ِ
{حنيفاً} مائالً عن ّ
َ َْ
ؤدي إلى إثبات فعل لغيره أو صفة أو ذات ،إذ دينه دين الحق ،أعني :سيره حينئذ كل دين باطل ،أي :طريق ي ّوعن ّ
{أيبتَغون} التعزز {الذين يتخذون الكافرين أولياء} لمناسبتهم إياهم في االحتجاب {من دون ُ
الم ْؤمنين} لعدم الجنسية َ
التقوي بمالهم وجاههم فال سبيل إلى ذلك ،وهم قد أخطأوا ألن العزة كلها صفة من صفات هللا تعالى
بهم في الدنيا و ّ
منيع القوى والقدر ،له قوة القهر والغلبة للكل فبقدر القرب منه وقبول نوره ّ
وقوته واالتصاف بصفاته تحصل العزة فهي
بأهل اإليمان أولى وأهل الحجاب والكفر بالزلة أولى {قاموا كسالى} لعدم شوقهم إلى الحضور ونفورهم عنه لظلمة
استعدادهم باستيالء الهوى .
يتعدى إليكم كفرهم واحتجابهم بالصحبة والمخالطة فإنه ال شيء أقوى تأثي اًر من
أولياء} لئال ّ ِ
{ال تتخذوا الكافرين َ
الصحبة والميل إلى واليتهم ال يخلو عن جنسية بينهم لوجود هوى كامن فيهم وضراوة بعادة رديئة تشملهم ال يؤمن
عليهم الوقوع في الكفر بغلبة الهوى والنفس.
{سلطاناً ُمبيناً} حجة ظاهرة في عقابكم برسوخ الهيئة التي بها تميلون إلى واليتهم بصحبتهم ومجالستهم {في َ
الدرك ُ
وشدة إيالمه وإحراقه ال باعتبار كونه أدون مرتبة ،إذ تأثير النار في المنافق أ ّ
شد وأكثر األسفل} باعتبار زيادة عذابه ّ
أما الكافر األصلي البهيم فلعدم استعداده ال يتألم بعذابه كما يتألم المنافق وإن كان أسوأ
إيالماً لبقية استعداد فيه .و ّ
محبتهم مع أهل هللا {إال الذين ِ
حاالً منه وأعظم عذاباً وهواناً {نصي اًر} ينصرهم من عذاب هللا النقطاع وصلتهم وارتفاع ّ
أصَلحوا} ما أفسدوا من استعدادهم بقمع الهوى وكسر
تَابوا} رجعوا إلى هللا ببقية نور االستعداد وقبول مدد التوفيق {و ْ
صموا باهلل} بالتمسك بحبل اإلرادة وقوة العزيمة في التوجه إليه صفات النفس ورفع حجب القوى بالزهد والرياضة {و ْ
اعتَ َ
أخَلصوا ِدينهم هلل} بإفناء موانع السلوك من صفات النفس وإزالة خفاء الشرك وقطع النظر عن الغير في السير {و ْ
{أج اًر عظيماً} من مشاهدة تجليات الصفات وجنة األفعال.
{فأولئك مع المؤمنين} الموقنين ْ
َ
{إن الذين يكفرون} يحتجبون عن الحق والدين وعن الجمع والتفصيل {ويريدون أن ّ
يفرقوا بين هللا ورسله} باالحتجاب ّ
عن الدين دون الحق والتفصيل دون الجمع ،فينكرون الرسل لتوهمهم وحدة منافية للكثرة وجمعاً مبايناً للتفصيل ،وذلك
هو إيمانهم بالبعض وكفرهم بالبعض.
ُجورهم} من الجنات الثالثة {وكان هللا غفو اًر} يستر عنهم ذواتهم وصفاتهم
{والذين آمنوا باهلل ورسله} جمعاً وتفصيالً {أ ُ
التي هي ذنوبهم وحجبهم بذاته وصفاته {رحيماً} يرحمهم بتمتيعهم بالجنات الثالثة وبالوجود الموهوب الحقاني والبقاء
ّ
{كتاباً من السماء} علماً يقينياً بالمكاشفة من سماء الروح {أكبر من ذلك} ألن المشاهدة أكبر وأعلى من السرمدي ِ
المكاشفة {بظلمهم} بطلبهم المشاهدة مع بقاء ذواتهم إذ وجود البقية عند المشاهدة وضع الشيء في غير موضعه
{سلطاناً} تسلطاً
وطلب المشاهدة مع البقية طغيان من النفس ينشأ من رؤيتها كماالت الصفات لنفسها وذلك ظلم ُ
بالحجة عليهم بعد اإلفاقة {بل رفعه هللا إليه} إلى قوله {ليؤمنن به} رفع عيسى عليه السالم اتصال روحه عند المفارقة
عن العالم السفلي بالعالم العلوي .وكونه في السماء الرابعة إشارة إلى أن مصدر فيضان روحه روحانية تلك الشمس
ّ
يحرك ذلك الفلك بمعشوقيته وإشراق أشعته على نفسه
الذي هو بمثابة قلب العالم ومرجعه إليه وتلك الروحانية نور ّ
مقره األصلي ولم يصل إلى الكمال الحقيقي وجب نزوله في آخر الزمان، المباشرة لتحريكه ولما كان مرجعه غلى ّ
ّ ّ
بتعّلقه ببدن آخر وحينئذ يعرفه كل أحد فيؤمن به أهل الكتاب ،أي :أهل العلم العارفين بالمبدأ والمعاد كلهم عن آخرهم
قبل موت عيسى بالفناء في هللا ،وإذ آمنوا به يكون يوم القيامة أي يوم بروزهم عن الحجب الجسمانية وقيامهم عن
{شهيداً} شاهدهم يتجلى عليهم الحق في صورته كما أشير إليه .
حال غفلتهم ونومهم الذي هم عليه اآلن َ
{فبظلم} عظيم {من الذين َهادوا} أي :بعباداتهم عجل النفس واتخاذه إلهاً وامتناعهم عن دخول القرية التي هي حضرة
الروح واعتدائهم في السبت بمخالفة الشرع واالحتجاب عن كشف توحيد األفعال ونقضهم ميثاق هللا واحتجابهم عن
تجليات الصفات الذي هو كفرهم بآيات هللا واالنغماس في الرذائل كلها ،كقتل األنبياء واالفتراء على هللا بكون قلوبهم
غلفاً أي :مغشاة بحجب خلقية ال سبيل إلى رفعها وبهتانهم على مريم ،وادعائهم قتل عيسى عليه السالم من
حرمنا عليهم طيبات} جنات النعيم من تجليات األفعال والصفات وشهودالخصال التي اجتماعها ظلم ال يعرف كنهه { ّ
الذات التي هي طيبات ال يعرف كنهها {أ ِ
ُحلت لهم} بحسب قابلية استعدادهم لوال هذه الموانع {وبصدهم} الناس
بصد قواهم الروحانية {عن سبيل هللا وأخذهم} ربا فضول العلوم
بصحبتهم ومرافقتهم ودعوتهم إلى الضالل أو ّ
كالخالف والجدل واللذات البدنية والحظوظ التي نهوا عنها {وأ ْكلهم أموال الناس بالباطل} برذيل الحرص والطبع كأخذ
الرشا وأجر التزويرات والتلبيسات أو استعمال علوم القوى الروحانية بين الفكر والعقل النظرّي والعلمي في تحصيل
ّ
الحسية والمآرب السبعية والبهيمية عذاباً مؤلماً لوجود
ّ المآكل والمشارب وكسب الحطام ،وتحصيل اللذات والشهوات
استعدادهم .
{ومنذرين} بتجليات صفات القهر {لئال يكون للناس على هللا حجة} ظهور {رُسالً مبشرين} بتجليات صفات اللطف ُ ُ
{وكان هللا عزي اًز} قوياً يقهرهم بمحو صفاتهم وإفناء ذواتهم
َ وسلطنة بوجود صفة ما بعد رفعها ومحوها بإمداد الرسل
{حكيماً} ال يفعل ذلك إال بحكمة اتصافهم بصفاته أو بقائهم بذاته .
َّللاِ ين َكَفروْا وصُّدوْا َعن سِب ِ ِ َّ ِ الئ َك ُة َي ْشه ُدو َن وَكَف ٰى ِب َّ ِ ِ َنزَله ِب ِعْل ِم ِه واْلم ِ َّلـ ِٰك ِن َّ
يل َّ َ اَّلل َشهيداً * إ َّن الذ َ ُ َ َ َ َ َ َ َنزَل ِإَل ْي َك أ َ ُ
َّللاُ َي ْش َه ُد ِب َمآ أ َ
ِِ َّللاُ لَِي ْغِف َر َل ُه ْم َوالَ لَِي ْه ِدَي ُه ْم َ
ط ِريقاً * ِإالَّ َ َّ ِ َق ْد ضُّلوْا ٰ ِ
يق َج َهَّن َم َخالد َ
ين ط ِر َ ظَل ُموْا َل ْم َي ُك ِن َّ ضَلالً َبعيداً * ِإ َّن الذ َ
ين َكَف ُروْا َو َ َ َ
ِكم َف ِ
آمُنوْا َخ ْي اًر َّل ُك ْم َوإِن تَ ْكُف ُروْا َفِإ َّن ِ الرس ِ َّ ِفيهآ أَبداً وَكان ٰذلِك عَلى َّ ِ ِ
ول باْل َح ِّق من َّرّب ُ ْ
آء ُك ُم َّ ُ ُ
اس َق ْد َج َ الن ُ ُّها
َّللا َيسي اًر * ٰيأَي َ َ َ َ َ َ َ
َح ِكيم ًا َّللاُ َعلِيماً
ان َّ الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ ِ ِ
ض َوَك َ ََّّلل َما في َّ َ َ َ
{و ِ
المالئ َكة َي ْشهدون} لكونك مراعياً للتفصيل في غير الجمع فهو الشاهد بذاته وبأسمائه وصفاته {وكفى باهلل شهيداً}
أي :الذات مع الصفات تكفي في الشهادة إذ ال موجود غيره {كفروا} حجبوا عن الحق لكون ضاللهم بعيداً ّ
{إن الذين
ظلموا} منعوا استعداداتهم عن حقوقها من الكمال بارتكاب الرذائل وتسليط صفات النفس
كفروا} حجبوا عن الدين {و َ
َ
يكن هللا لي ِ
غفر لهم} لرسوخ هيئات الرذائل فيهم وبطالن االستعداد {وال ليهديهم طريقاً} لجهلهم المركب على قلوبهم {لم ُ
َ
اها ِإَل ٰى رسول َّ ِ ِ َّللاِ ِإالَّ اْلح َّق ِإَّنما اْلم ِس ِ اب الَ تَ ْغُلوْا ِفي ِد ِين ُك ْم َوالَ تَُقوُلوْا َعَلى ََّهل اْل ِكتَ ِ
َّللا َوَكل َمتُ ُه أَْلَق َ َُ ُ يسى ْاب ُن َم ْرَي َميح ع َ َ َ ُ َ ٰيأ ْ َ
أَن َي ُكو َن َل ُه َوَلٌد َّل ُه َما ِفي َّللا ِإَلـٰه و ِ َّ ِ آمنوْا ِب َّ ِ ِ ِ ِ ِ
احٌد ُس ْب َح َان ُه اَّلل َوُرُسله َوالَ تَُقوُلوْا ثَالَثَ ٌة انتَ ُهوْا َخ ْي اًر ل ُك ْم إَّن َما َّ ُ ٌ َ َم ْرَي َم َوُروٌح ّم ْن ُه َف ُ
نكف اْلم ِسيح أَن ي ُكون عبداً ََّّللِ والَ اْلم ِ ِ َّ ض وَكَفى ِب َّ ِ ِ َّ ِ
الئ َك ُة اْل ُمَقَّرُبو َن َو َمن َ َ اَّلل َو ِكيالً * لن َي ْستَ َ َ ُ َ َ َ ْ الس َٰم َٰوت َو َما في األ َْر ِ َ ٰ
َما َّال ِذين آمُنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ ِ يه َج ِميعاً * َفأ َّيستن ِكف عن ِعبادِت ِه ويست ْكِبر َفسيحشرهم ِإَل ِ
ورُه ْم َوَيز ُيد ُه ْم الصال َحات َفُيَوّفي ِه ْم أ ُ
ُج َ َ َ ََ َ ْ َْ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ُ ُ ْ
َّللاِ ولِياً والَ ن ِ ِ ِ ِمن َفضلِ ِه وأ َّ َّ ِ
صي اًر استَ ْكَب ُروْا َفُي َع ّذُب ُه ْم َع َذاباً أَلِيماً َوالَ َي ِج ُدو َن َل ُه ْم ّمن ُدو ِن َّ َ ّ َ َ
نكُفوْا َو ْ
استَ َ
ين ْ
َما الذ َ ْ َ ّ
بكون عيسى مظهر الصفات اإللهية ،حيا بحياته داعياً إلى مقام توحيد األوصاف و {كلمته} نفساً ّ
مجردة هي كلمة
ورسله} بالجمع والتفصيل {وال تُقولوا
من كلمات هللا ،أي :حقيقة من حقائقه الروحانية وروحاً من أرواح {فآمنوا باهلل ُ
ثالثة} بزيادة الحياة والعلم على الذات ،فيكون اإلله ثالثة اشياء ويكون عيسى جزء من حياته بالنفخ أو بالتفرقة بين
كل فيكون العلم
ذات الحق وعالم النور وعالم الظلمة ،فيكون عيسى متولداً من نوره .بل قولوا بالكل من حيث هو ّ
والحياة عين الذات وكذا عالم النور والظلمة .ويكون عيسى فانياً فيه موجوداً بوجودهّ ،
حياً بحياته ،عالماً بعلمه ،وذلك
احد ُس ْبحانه} ّنزهه عن أن يكون موجود غيره ،فيتوّلد منه وينفصل
له و ٌ
وحدته الذاتية المعبر عنها بقوله {إنما هللا إ ٌ
ويجانسه بأنه موجود مثله ،بل هو الموجود من حيث هو وجود.
يستَنكف المسيح أن يكون عبداً هلل} في مقام التفصيل ،إذ باعتبار الجمع ال وجود للمسيح وال لغيره فال ممكن
{لن ْ
فكل ما ظهر بتعين فهو ممكن ،والممكن ال وجود له بنفسه فضالً عن شيء غيره فيكون أصالً .وأما باعتبار التفصيل ّ
التقدس
بالتجرد المحض و ّ
ّ غنياً عن تعلق األجسام
عبداً محتاجاً ذليالً مفتق اًر غير مستنكف عن ذّلة العبودية وإن كان ّ
المجردة واألنوار المحضة {ومن َي ْستَْنكف عن عبادته} بظهور
ّ المقربين الذين هم األرواح
عن دنس الطبائع كالمالئكة ّ
أنيته {ويستكبر} بطغيانه في الظهور بصفاته {فسيحشرهم إليه جميعاً} بظهور نور وجهه وتجليه بصفة قاهريته حتى
يفنوا بالكلية في عين الجمع ،كما قال تعالىّ{ :لِم ِن اْلمْلك اْليوم ََِّّللِ اْلو ِ
اح ِد اْلَق َّه ِار} [غافر ،اآلية ،]16 :وقال النبي َ َ ُ ُ َْ َ
"إن هلل تعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة ،لو كشفها ألحرقت سبحات وجهه ما انتهى صلى هللا عليه وسلمّ :
إليه بصره من خلقه
".
{فأما الذين آمنوا} بالفناء في عين الجمع بمحو الصفات وطمس الذات {وعملوا الصالحات} باالستقامة في األعمال
ضله} بالوجود
ُجورهم} وصفاتهم من جنات صفاته {ويزيدهم من َف ْ {فيوِفيهم أ ُ
ومراعاة تفاصيل الصفات وتجلياتها ُ
وتنورهم
استَ ْكَبروا} طغوا عند تجليات الصفات ّ
استَْنكفوا} بظهور أنيتهم {و ْ
الموهوب بعد الفناء في الذات {وأما الذين ْ
بنورها ،فظهروا بها ونسبوها إلى أنفسهم كمن قال :أنا رّبكم األعلى .
{فيعذبهم َعذاباً أليماً} باحتجابهم ببقايا ذواتهم وصفاتهم وحرمانهم عن مقام الجمع {وال يجدون} غير هللا ّ
{ولياً} يواليهم ُ
صي اًر} ينصرهم في رفع حجاب الصفات البرهاني وهو التوحيد الذاتي والنور المبين وهوبرفع حجاب الذات {وال ن ِ
َ
التفصيل في عين الجمع ،أي :القرآن الذي هو علم الجمع والفرقان الذي هو علم التفصيل .
بالعُقود} أي :العزائم التي أحكمتموها في السلوك .والفرق بين العهد والعقد
آمنوا} باإليمان العلمي {أوفوا ُ
{يا أيها الذين ُ
ليتأدى بهم إلى
مر ،والعقد هو إحكام عزائم التكليف عليهم ّ أن العهد هو إيداع التوحيد فيهم في األزل كما ّ
ههناّ :
{ال تُ ِحلوا َش َع ِائ َر هللا} من المقامات واألحوال التي يعلم بها حال السالك في سلوكه كالصبر والشكر والتوكل والرضا
وأمثالها ،أي :ال ترتكبوا ذنوب األحوال وال تخرجوا عن حكم المقامات فإنها شعائر دين هللا الخالص .وكما أن
الحج شعائر
المواضع المعلومة المعلمة بما يفعل فيها كالمطاف والمسعى والمنحر وغيرها واألفعال المعلومة في ّ
يشعر بها الحاج .فهذه المقامات والمراتب واألحوال شعائر يشعر بها حال السالك وكما أنه ال يجوز في ظاهر الشرع
تغييرها عن موضعها والخروج عن حكمها فكذلك هذه في شرع المحبين كما يحكى عن أحدهم أنه كان يتكلم في
فدب عقرب على ساقه وأخذت تضربه وهو على حاله ال ينحيها فسئل عنه فقال :أستحي من أن أتكلم في الصبر ّ
مقام وأنا أفعل ما ينافيه {وال الشهر الحرام} أي :وقت اإلحرام بالحج الحقيقي وهو وقت السلوك والوصول بالخروج عن
المستعدة المعدة للقربان عند
ّ حكمه واالشتغال بما ينافيه ويصده عن وجهته ويثبطه في سيره {وال الهدي} وال النفس
الوصول إلى فناء الحضرة اإللهية على ما أُشير إليه باستعمالها في شغل يصرفها عن طريقها أو يضعفها أو حمل
فوق طاقتها من الرياضة ،فينقطع دون البلوغ إلى المحل {وال الَق ِ
الئد} وال ما قلدته النفس من شعار أهل السلوك
المجدين في السلوك
ّ الب ْيت الحرام} وال القاصدين
ين َآم َ
والسنن واألعمال الظاهرة بتركها وتغييرها عن وضعها {وال ّ
المجتهدين بتغيرهم ومنعهم عن الرياضة وإيهان عزائمهم بالمخالطة وتقليل السعي وإيهامهم أنه ال حاجة بهم إليه
{ورضَواناً} بتجليات الصفات.
ْ {ي ْبتَغون َف ْ
ضالً من ربهم} بتجّليات األفعال يصدهم أو يكسلهم َ
وشغلهم بما ّ
{وإذا حللتُم} بالرجوع إلى البقاء بعد الفناء واالستقامة {فاصطادوا} أي :فال حرج عليكم في الحظوظ بل ربما كان تمتيع
وشدة صفائها {وال يجرمنكم شنآن قوم} إلى آخره،
النفس بالحظوظ إعانة لها في مشاهداتها ومكاشفاتها لشرفها وذكائها ّ
أي :ال يكسبنكم بعض القوى النفسانية المانعة عن سلوككم أن تقهروها بالكلية بمنعها عن الحقوق التي تقوم بها
فإن وبال ذلك عائد إليكم .أو عداوة
صدها إياكمّ ،
فتبطلوها أو تضعفوها عن منافعها وما يحتاج إليه من أفعالها بسبب ّ
قوم من أهليكم وأقاربكم وأصدقائكم بسبب منعهم إياكم عن التجريد والرياضة في السلوك {أن تعتدوا} عليهم بإضرارهم
السُب ُع
َك َل َّ يح ُة َو َمآ أ َ َّللاِ ِب ِه واْلمنخِنَق ُة واْلموُقوَذة واْلمتَرِدي ُة و َّ ِير َو َمآ أ ُِه َّل لِ َغ ْي ِر َّ
َواْلَّدم َوَل ْحم اْل ِخ ْن ِز ِ
ُحِّرَم ْت َعَل ْي ُك ُم اْل َم ْيتَ ُة
النط َ َ ُْ َ َ َ ْ ُ َ ُ َّ َ َ ُ ُ
ِ ِ ِ
ين َكَف ُروْا من دين ُك ْم َفالَ تَ ْخ َش ْو ُه ْم ِ َّ ِ ِ ِ ٰ ِ ِ ِإالَّ َما َذ َّك ْيتُ ْم َو َما ُذِب َح
ِ َعَلى ُّ
َن تَ ْستَْقس ُموْا باأل َْزالَ ِم ذل ُك ْم ف ْس ٌق اْلَي ْوَم َيئ َس الذ َ صب َوأ ْ الن ُ
ص ٍة َغ ْي َر اإلسٰلم ِديناً َفم ِن اض ُ ِ
طَّر في َم ْخ َم َ َ ْ ِ ِ ِ ِ ِ
اخ َش ْو ِن اْلَي ْوَم أَ ْك َمْل ُت َل ُك ْم د َين ُك ْم َوأ َْت َم ْم ُت َعَل ْي ُك ْم ن ْع َمتي َوَرض ُ
يت َل ُك ُم ْ َ َو ْ
يم ِ ف ِإل ْث ٍم َفِإ َّن َّ متَج ِان ٍ
ور َّرح ٌ َّللاَ َغُف ٌ ُ َ
رمت عليكم الميتة} هذه هي األمور المستثناة من أنواع التمتعات المحّللة ،وهي الميتة أي :خمود الشهوة التي هي
{ح َ
ُ
رذيلة التفريط المنافية للعفة كالخنوثة والعجز عن اإلقدام على القدر الضروري من التمتعات والتمتع بفقدان اعتدال
القوة الشهوانية على ما يفعله الخناثى وبعض المغزلين والمتقشفين والمتزهدين بالطبع ،القاصرين عن السلوك لنقصان
الخنزير} ِ االستعدادات {والدم} أي :التمتع بهوى النفس في األعمال فإن مزج الهوى وشوبه يفسد األعمال كلها ْ
{ولح ُم
أسدها لطرق الكمال والنجاة {وما أ ُِهل لِ َغ ْي ِر
ووجوه التمتعات الحاصلة بالحرص والشره ،فإن ّقوة الحرص أخبث القوى و ّ
هللا ِبه} أي :الرياضات واألعمال بالرياء وكل ما يفعل لغير هللا .فإن كسر النفس وقمعها ومخالفتها ال يكون فعالً
الم ْن َخِنَقة}
فأما إذا كان لغير هللا فهو شرك والشرك أكبر الكبائر {و ُ
جميالً وفضيلة ومعيناً في السلوك إال إذا كان هللّ ،
أي :حبس النفس عن الرذائل ومنعها عن القبائح بحصول صور الفضائل وصدور األفعال الحسنة صورة مع كمون
فإن األفعال النفسية إنما تحسن بقمعها وقهرها هلل وخروج الهوى الذي هو ّقوتها وحياتها عنها وقيامها
الهوى فيهاّ .
بإرادة القلب كخروج الدم الذي هو ّقوة الحيوان وحياته منه بذبحه هلل {والموقوذة} أي :صدور الفضائل في الظاهر عن
{وما ُذِبح على النصب} ما يفعل بناء على العادات التي يجب رفعها إال لغرض عقلي أو شرعي {وأن تستقسموا
الجد في
وقدر وتتركوا السعي و ّ
باألزالم} وأن تطلبوا السعادات والكماالت بالرسوم والطوالع اتكاالً على ما قضى هللا ّ
مجرد
الطلب ،وتجعلوا ذلك عّلة للتقصير بأن تقولوا :ليس لنا نصيب فيها ،ولو كان لنا نصيب لحصل .فإنه ربما كان ّ
الحق
ّ تعليل وقد علق في القدر كماله بسعيه ،فإنه لم يطلع على ذلك {ذلِ ُكم ِف ْسق} خروج عن الدين الذي هو طريق
{يِئ َس الذين َكَفروا} أي :حجبوا من قوى
بتمرن النفس بالفضائل ،وتثبتها في العزائم َ
{اليوم} أي :وقت حصول الكمال ّ
نفوسكم أو من أبناء جنسكم وأهل ِجْل َدتكم من الطبيعيين والمتزندقين {من دينكم} أي :من أن ّ
يصدوكم عن طريق
{اليوم أكملت لكم دينكم} ببيان الشعائر وكيفية السلوك {وأتممت عليكم ِنعمتي} بالهداية إلي {ور ِ
ضيت لكم} االستسالم ّ َ َْ ُْ
طر} إلى أمر ِ
اض ّ
واالنقياد باالنمحاء عند تجليات األفعال والصفات أو إسالم الوجه للفناء عند تجلي الذات {ديناً فمن ْ
المحرمة التي عددناها {في َم ْخمصة} في هيجان شديد من النفس وغلبة لظهور صفة من صفاتها
ّ من هذه األمور
{فإن هللا َغُفور} يستر ذلك
{غير متجانف إلثم} غير منحرف عن الدين والوجهة إلى رذيلة مانعة لقصد منه وعزيمة ّ
عنه بنور صفة من صفاته تقابلها {رِحيم} يرحم ِبمداد التوفيق إلظهار الكمال ورفع موانعه.
الحقية والفضائل العلمية التي تحصل لكم بعقولكم وقلوبكم وأرواحكم الطيبات} من الحقائق والمعارف ِ
ّ {ُق ْل أُحل لكم ّ
{وما علمتم} من جوارح حواسكم الظاهرة والباطنة وسائر قواكم وآالتكم البدنية في اكتساب الفضائل واآلداب،
{تعلمونهن مما عّلمكم هللا} من علوم األخالق والشرائع التي تبين طريق االحتظاء من الحظوظ على وجه
ّ محرضين
ّ
بنية وإرادة قلبية وغرض صحيح يؤدي إلى
العدالة {فكلوا مما أمسكن عليكم} مما حصلن لكم بتعليمكم على ما ينبغي ّ
هن {واذكروا ا ْس َم هللا عليه}
لذتهن وشهوت ّ
ّ وحرصهن لطلب
ّ بميلهن
ّ كمال الشخص أو النوع ال يهجن ويثبن وينزّن عليه
واحضروا بقلوبكم أنها للصورة اإلنسانية الكاملة تُْقصد وتُراد ،ال لغرض آخر .واجعلوا هللا وقاية لكم في فعلها حتى
تكون حسنة {إن هللا سريع ِ
الحساب} يحاسبكم بها في آن ال في أزمنة ،كحصول هيآتها في أنفسكم عند ارتكابها.
آمنوا} اإليمان العلمي {إذا ُق ْمتُم إلى الصالة} انبعثتم عن نوم الغفلة وقصدتم إلى صالة الحضور
{يا أيها الذين ُ
طهر من
الم َ والمناجاة الحقيقية والتوجه إلى الحق ْ ِ
وجوهكم} أي :طهروا وجود قلوبكم بماء العلم النافع الطاهر ُ
{فاغسلوا ُ ّ
علم الشرائع واألخالق والمعامالت التي تتعلق بإزالة الموانع عن لوث صفات النفس {وأيديكم} أي :وقدركم عن دنس
ِ
الم َرافق} إلى قدر الحقوق والمنافع {و ْ
ام َسحوا برؤوسكم} بجهات تناول الشهوات والتصرفات في مو ّاد الرجس {إلى َ
فإن الروح ال يتكدر
أرواحكم عن قتام كدورة القلب وغبار تغيره بالتوجه إلى العالم السفلي ومحبة الدنيا بنور الهدىّ .
فيسود القلب ويظلم ويكفي في انتشار نوره صقل الوجه العالي من القلب الذي
ّ بالتعلق ،بل يحتجب نوره عن القلب
إليه ،فإن القلب ذو وجهين أحدهما :إلى الروح والرأس ههنا إشارة إليه .والثاني :إلى النفس وقواها ،فأحرى بالرجل أن
تكون إشارة إليه {وأرجلكم} وجهات قواكم الطبيعية البدنية بنفض غبار االنهماك في الشهوات واإلفراط في الل ّذات {إلى
حد االعتدال الذي يقوم به البدن .فعلى هذا من انهمك في الشهوات وأفرط في الل ّذات احتاج إلى غسلها
الك ْعبين} إلى ّ
َ
يستعد به القلب للحضور والمناجاة ،ومن َق ُرب
ّ بماء علم األخالق وعلم الرياضات حتى ترجع إلى الصفاء الذي
حوضه فيها من االعتدال كفاه المسح ولهذا مسح من مسح وغسل من غسل {وإن كنتم ُجنباً} ُب َع َداء عن الحق
باالنجذاب إلى الجهة السفلية واإلعراض عن الجهة العلوية والميل الكلي إلى النفس {فاطهروا} بكليتكم عن تلك الهيئة
للبعد واالحتجاب.
المظلمة والصفة الخبيثة الموجبة ُ
{وإن كنتم مرضى} إلى آخره مكرر{ ،ما يريد هللا ليجعل عليكم من حرج} من ضيق ومشّقة بكثرة المجاهدات
{وليتم نعمته عليكم} بالتكميل {ولعلكم
ّ والمكابدات {ولكن يريد} أن يطهركم من الهيآت المظلمة والصفات الخبيثة
تَ ْش ُكرون} نعمة الكمال باالستقامة والقيام بحق العدالة عند البقاء بعد الفناء ِ{نعمة هللا عليكم} بالهداية إلى طريق
النبوة بصفاء الفطرة {هو أقرب للتقوى} أي :العقل
الوصول {وميثاقه} أي :عقود عزائمه المذكورة إذ قبلتموها من معدن ّ
للتجرد عن مالبس صفات النفس واتخاذ صفات هللا تعالى وقاية ألنه أشرف الفضائل الذي إذا حصل تبعهّ أقرب
{إن هللا خبير
الجميع {واتّقوا هللا} واجعلوه وقاية لكم في صدور العدل منكم فإن منبع الكماالت والفضائل ذاته تعالى ّ
بما تعملون} أنه من صفات نفوسكم أو منه.
آمنتُ ْم َّ َّللا ِإِني مع ُكم َلِئن أََقمتُم َّ ٰ ِ ِ َّللا ِميثَ ِ ِ ِ
الصلوةَ َوآتَْيتُ ُم الزَكاةَ َو َ ال َّ ُ ّ َ َ ْ ْ ْ ُ نه ُم ا ْثَن ْي َع َش َر َنقيباً َوَق َ
يل َوَب َع ْثَنا م ُ
اق َبني إ ْس َرآئ َ َ َخ َذ َّ ُ َوَلَق ْد أ َ
ات تَ ْجرِي ِمن تَ ْحِت َها األ َْن َه ُار َف َمن َكَف َر
ُكِّفرَّن ع ْن ُكم سِيَئ ِات ُكم وأل ُْد ِخَلَّن ُكم جَّن ٍ
ْ َ َّللاَ َق ْرضاً َح َسناً أل َ َ َ ْ َ ّ ْ َ ضتُ ُم َّوه ْم َوأَ ْق َر ْ ِ
ِب ُرُسلي َو َعَّزْرتُ ُم ُ
اض ِع ِه
اسي ًة يح ِرُفو َن اْل َكلِم عن َّمو ِ
َ َ َ
ِ
وب ُه ْم َق َ ُ َ ّ
اه ْم َو َج َعْلَنا ُقُل َ ض ِهم ِّميثَا َق ُه ْم َل َّ
عن ُ
يل * َفِبما نْق ِ
َ َ السِب ِ
آء َّ
ض َّل َس َو َ
ِٰ ِ
َب ْع َد ذل َك م ْن ُك ْم َفَق ْد َ
ين ِِ طلِع عَل ٰى َخ ِآئَن ٍة ِم ْنهم ِإالَّ َقلِيالً ِم ْنهم َفاعف ع ْنهم واصَفح ِإ َّن َّ ِ ظا ِم َّما ُذ ِكروْا ِب ِه والَ تَ َز َّ ًّ
َّللاَ ُيح ُّب اْل ُم ْحسن َ ّ ُُ ْ ُ َ ُْ َ ْ ْ ّ ُْ ال تَ ُ َُ َ ُ َوَن ُسوْا َح ّ
القوة
{ميثاق بني إسرائيل} هو العهد المذكور والنقباء اإلثنا عشر هم الحواس الخمس الظاهرة والخمس الباطنة و ّ
العاقلة النظرية والعاقلة العلمية {وقال هللا إني معكم} أي :في العقد الالحق أوفقكم وأعينكم لئن قمتم بحقوق التزكية
والتخلية من اإلعراض عن السعادات البدنية بالعبادة وترك السعادات الخارجية بالزهد ،وإيثار الثالثة التي هي اإليمان
برسل العقل واإللهامات واألفكار الصائبة والخواطر الصادقة من الروح والقلب ،وإمداد الملكوت وتعزيرهم أي:
تعظيمهم بتسليطهم على شياطين الوهم وتقويتهم ومنعهم وساوسها وإلقاء الوهميات والخياليات والخواطر النفسانية
{وأقرضتم هللا قرضاً حسناً} بالبراءة من الحول والقوة والعلم والقدرة إلى هللا بالجملة من األفعال والصفات كلها ثم من
الذات بالمحو والفناء وإسالمها إلى هللا {ألكفرّن عنكم سيئاتكم} أي :وجودات هذه الثالث التي هي حجبكم وموانعكم
جنات} من أفعالي وصفاتي وذاتي {تجري من تحتها األنهار} علوم التوكل والرضا والتسليم والتوحيد.
عنكم {وألدخلنكم ّ
ضل} السبيل
وبالجملة علوم تجليات األفعال والصفات والذات ،فمن احتجب بعد ذلك العهد وبعث النقباء منكم {فقد ّ
المستقيم بالحقيقة.
{قاسية} قست باستيالء صفات النفس عليها وميلها إلى األمور األرضية الجاسية الصلبية فحجبت عن أنوار الملكوت
والجبروت التي هي كلمات هللا واستبدلوا قوى نفوسهم بها ،واستعملوا وهمياتهم وخيالياتهم بدل معارفها وحقائقها من
المعاني المعقولية أو خلطوها بها ،وذلك هو تحريف الكلم عن مواضعه{ .ونسوا حظاً} أي :نصيباً واف اًر مما أوتوه في
العهد السابق من الكماالت الكامنة في استعدادهم بالقوة ،فذكروا به في العهد الالحق {وال تزال تطلع على خائنة
{فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء} أي :الزمناهم ذلك لتخالف دواعي قواهم السبعية والبهيمية والشيطانية وميلهم إلى
الجهة السفلية الموجب للتضاد والتعاند الحتجابهم عن نور التوحيد وبعدهم عن العالم القدسي الذي فيه المقاصد كلية
ال تقتضي التجاذب والتعاند إلى وقت قيامهم بظهور نور الروح والقيامة الكبرى بظهور نور التوحيد {ينبئهم هللا} بعقاب
ما صنعوا عند الموت وظهور الحرمان والخسران بظهور الهيآت القبيحة المؤذية الراسخة فيهم .
{وهلل ُمْلك السموات} أي :عالم األرواح {واألرض} عالم األجساد {وما بينهما} من الصور واألعراض كلها ظاهرة
المقدسة} أي :حضرة القلب التي هي مقام تجلي الصفات ،فإنه
وباطنة وأسماؤه وصفاته وأفعاله {ادخلوا األرض ّ
بالنسبة إلى سماء الروح أرض {كتب هللا لكم} عين لكم في القضاء السابق وأودع في استعدادكم الوصول إليها
والمقام بها {وال تر ّتدوا على أدباركم} في الميل إلى مدينة البدن واإلقبال عليه بتحصيل مآربه ولذاته وطلب موافقته
وتزيين هيآته فإنه مقام خلف مقامكم وأدنى وأسفل من رتبتكم {فتنقلبوا خاسرين} باستبدال ظلمات البدن بأنوار القلب
جبارين} من سلطان الوهم وأمراء الهوى والغضب والشهوة وسائر صفات النفس {إن فيها قوماً ّوخبائثه بطيباته ّ
الفرعونية أخذوها عنوة وقه اًر واستولوا عليها مستعلين يجبرون كالً على هواهم ما لنا بهم يدان وال نقدر على مقاومتهم،
قالوا ذلك العتيادهم بالذات الطبيعية والشهوات الجسمانية وغلبة الهوى عليهم ،فلم يقدروا على الرياضة وقمع الهوى
وكسر صفات النفس بالمجاهدة {و ّإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها} أي :يصرفهم هللا عنها بال رياضة منا ومجاهدة أو
ينصرفوا بالطبع مع إحالته أو يضعفوا عن االستيالء كما في الشيخوخة مع امتناع دخولهم فيها حينئذ .
باهلل يهرب شيطان الوهم والتخيل والهوى والغضب منكم فغلبتم عليهمّ .
ويدل على أن الباب هو التوكل قوله{ :وعلى
هللا فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} بالحقيقة ،إذ اإليمان بالغيبة عن المؤمن به أقل درجات حضور تجلي األفعال {قالوا يا
نبياً فادفعهم عنا بقوة نفسك،
بك} أي :إن كنت ّأنت ور َ
موسى} أي :أصروا على إبائهم وامتناعهم عن الدخول {فا ْذ َهب َ
طار والوغود عند موعظتك واقمع الهوى ،وتلك القوى فينا بال رياضة ومجاهدة منا ،وسل رّبك يدفعها عنا كما يقول الش ّ
{إنا ها هنا قاعدون}
جداً واعتقاداً ّ
إما استهزاء وعناداً وإما ّإياهم ،وزجرك وتهديدك لهم .ادفع بهمتك عنا هذه الشقاوة ّ
مالزمون مكاننا في مقام النفس ،معتكفون على هوى نفوسنا ولذات أبداننا كما قالوا :حطاً سمقاث ًا.
محرمة عليهم أربعين سنة ِيتيهون في األرض} هي مدة بقائهم في مقام النفس ،أي :بقوا في تيع الطبيعة
{قال فإنها ّ
يتحيرون أربعين سنة إلى قرية القلبّ ،
فإن دخول مقام القلب مع استيالء جبابرة صفات النفس عليه حرام ممتنع ،ولهذا
ِ
َشَّدهُ َوَبَل َغ أ َْرَبع َ
ين َسَن ًة} [األحقاف ،اآلية ،]15 :فإنه وقت البلوغ الحقيقي .وقيل في قصة التيه :إنهم قال تعالى{َ :بَل َغ أ ُ
جادين طول النهار في ستة فراسخ ،فإذا أمسوا كانوا على المقام الذي ارتحلوا عنه ،أي :كان سعيهم في كانوا يسيرون ّ
تحصيل المناجح الجسمانية والمباغي البدنية المحصورة في الجهات الست ولم يخرجوا عن الجهات بالتجرد ،فكانوا
التنزه عن الهيآت البدنية والصفات النفسانية .وكان
على المقام األول لعدم توجههم إلى سمت القلب بطلب التجرد و ّ
ينزل من السماء بالليل عمود من نار يسيرون وينتفعون بضوئه ،أي :ينزل عليهم نور عقل المعاش من سماء الروح
فيهتدون به إلى مصالحهم .وقيل :من نار ألنه عقل مشوب بالوهم ليس عقالً صرفاً ،وإال الهتدوا به إلى طريق
اآلخ ِر َقال ألَْقُتَلَّن َك َق ِ و ْاتل عَلي ِهم نبأَ ابني ءادم ِباْلح ِق ِإ ْذ َقَّربا ُقرباناً َفتُُقِبل ِمن أَح ِد ِهما وَلم يتََقب ِ
َّللاُ ال إَّن َما َيتََقب ُ
َّل َّ َ َ َّل م َن َ
َ َ َ ْ ُ ْ َّ َ َْ َ ُ َ ْ ْ ََ ْ َ ْ َ َ َ َ ّ
ِ ِ
م َن اْل ُمتَّق َ
ين
{واتل عليهم َنَبأ ابني َآدم} القلب للذين هما هابيل القلب وقابيل الوهم ،إذ كان لكل منهما توأمة .أما توأمة العقل
فالعاقلة العلمية المدبرة ألمور المعاش والمعاد باآلراء الصالحية المقتضية لألعمال الصالحة واألخالق الفاضلة
المتصرفة في المحسوسات والمعاني
ّ فالقوة المتخيلة
المستنبطة ألنواع الصناعات والسياسات .وأما توأمة الوهمّ :
الجزئية لتحصيل اآلراء الشيطانية ،فأمر آدم القلب بتزويج الوهم بتوأمة العقل التي هي العاقلة العلمية لتتسلط عليه
وتسخره للعقل فيطيع أب القلب،
ّ وتدربه بالرياضات اإلذعانية والسياسات الروحانية،
بالقياسات العقلية البرهانية ّ
ويبره بأنواع الرجاء الصادقة ويعينه في األعمال الصالحة ويمتنع من عقوقه بالتسويالت والتزينات
ويحسن إليهّ ،
الشيطانية الفاسدة ،وإغراء النفس عليها بالهيئات الفاسقة واألفعال السيئة ،وتزويج العقل توأمة الوهم ليجعلها صالحة
ويمنعها عن شهوات التخيالت الفاسدة وتهيج أحاديث النفس الكاذبة فيستريح أبوها منها ويستعملها في المعقوالت
والمحسوسات والمعاني الكلية والجزئية ،فتصير مفكرة عاملة في تحصيل العلوم فينتفع أبوها .فحسد قابيل الوهم هابيل
العقل لكون توأمته أجمل عنده وأحب لمناسبتها إياه ،فأمر أبوهما القلب بأن يقرب كل واحد منهما قرباناً أي :نسكاً
يتقرب به إلى هللا بإفاضة النتيجة وإفناء صورة القياس وقبول الصورة المعقولة الكلية المطابقة لما في نفس األمر التي
ّ
يتقرب بها إلى هللا منه ،وعدم قبول قربان الوهم الذي هو صورة المغالطة أو الصورة الموهومة
هي نسيكته التي ّ
الجزئية امتناع اتصال العقل به بإفاضة النتيجة إذ ال نتيجة لها أو امتناع قبول الصورة الوهمية إذ ال تطابق ما في
نفس األمر فزاد حسده عليه .
لنك} أي :لما زاد قرب العقل من هللا وبعده عن رتبة الوهم في مدركاته وتصرفاته كان الوهم أحرص على
{قال أل ْقُت َ
إبطال عمله ومنعه عن فعله كما ترى في التشكيكات الوهمية ومعارضاته العقل في تحصيل المطالب النظرية العميقة
الغور وقتله عبارة عن منعه عن فعله وقطع مدد الروح ونور الهداية الذي به حياة العقل عنه {من المتّقين} الذين
يتخذون هللا وقاية في صدور الخيرات منهم أو يحذرون آثام الهيئات المظلمة البدنية واألكاذيب الباطلة واألضاليل
المغوية واألهواء المردية والتسويالت المهلكة .
اء} [فاطر ،اآلية ]28 :واعلم بأنه {إني أخاف هللا رب العالمين} ألني أعرفه ،وقالِ{ :إَّنما يخ َشى َّ ِ ِ ِ ِ
َّللاَ م ْن عَباده اْل ُعَل َم ُ َ َْ ّ
أتعرض له في ذلك {إني أريد أن تبوء} بإثم قتلي وإثم قتلك من اآلراء الباطلة إنما خلقك لشأن وأوجدك لحكمة ،فال ّ
التصورات الفاسدة التي لم يتقبل قربانك ألجلها {فتكون من أصحاب} نار الحجبة والحرمان {وذلك جزاء الظالمين}
و ّ
الحسية في المعقوالت.
ّ الواضعين األشياء في غير موضعها كوضعك األحكام
{فكأنما َقَت َل الناس جميعاً} ألن كل شخص يشتمل على ما يشتمل عليه جميع أفراد النوع وقيام النوع بالواحد كقيامه
بتعدد األفراد وال ينقص بانحصاره في شخص. فإن النوع ال يزيد بحسب الحقيقة ّ
بالجميع في الخارج وال اعتبار بالعدد ّ
مصدقاً لما بين يديه من الكتاب} أي :علمّ إليك الكتاب} علم الفرقان الذي هو ظهور تفاصيل كمالك {بالحق{و ْأن َ ْزلنا َ
القرآن وهو العلم اإلجمالي الثابت في استعدادك وحافظاً عليه باإلظهار أو لما بين يديه العلوم النازلة على األنبياء
فإن الغالب على موسى عند الرجوع إلى البقاء عند الفناء بالوجود الموهوب ّقوة النفس وسلطانها ،ولهذا السابقين زماناً ّ
يه َي ُجُّرهُ ِإَل ْي ِه} [األعراف ،اآلية ،]150 :وقال عند طلب التجلي{ :أ ِِ
َرني َخ ِ
ْس أ ِ
َخ َذ ِب َأر ِ
{وأ َ
بطش بأخيه كما قال تعالىَ :
أنزَل هللا} من العدل الذي هو ظل المحبة التي هي ظل الوحدة التي انكشفت عليك {وال تَتّبع
بما َ
{فاح ُكم َب ْيَنهم َ
ْ
فإن
جاءك من الحق} من التوحيد واملحبة والعدلّ ،َ أهواءهم} في تغليب أحد الجانبين ،إما الظاهر وإما الباطن {عما
ٍ
{لكل
التوحيد يقتضي المحبة ،والمحبة العدل ،ويقع ظله من سماء الروح على القلب بالمحبة ،وعلى النفس بالعدالة ّ
َج َعْلَنا منكم شرعة ومنهاجاً} مورداً كمورد النفس ومورد القلب ومورد الروح ،وطريقاً كعلم األحكام والمعامالت التي
جنة الصفات ،وعلم التوحيد والمشاهدة الذي يتعلق بالروح وسلوك
تتعلق بالقلب وسلوك طريق الباطن الموصل إلى ّ
أمة واحدة} موحدين على الفطرة األولى ،متفقين على
طريق الفناء الذي يوصل إلى جنة الذات {ولو شاء هللا لجعلكم ّ
{فاستَبقوا
فتتنوع الكماالت ْ
دين واحد {ولكن} ليظهر عليكم ما آتاكم بحسب استعداداتكم على قدر قبول كل واحد منكم ّ
قدر لكم بحسب استعدادكم المقربة إياكم إليه بإخراجه إلى الفعل {إلى
الخيرات} أي :األمور الموصلة إلى كمالكم الذي ّ
هللا َم ْرِجعكم جميعاً} في عين جمع الوجود على حسب المراتب ال عين جمع الذات {فُي ُ
نبئكم بما كنتم فيه تختلفون}
أي :يظهر عليكم ما اختلفتم فيه بحسب اختالف استعداداتكم من طلب إحدى الجنان الثالث ،والوصول إليها،
والحرمان بموانعها التي احتجبتم بها عما في استعدادكم من الكمال {ببعض ذنوبهم} ذنوب اليهود حجب األفعال
وذنوب النصارى حجب الصفات ففسق اليهود هو الخروج عن حكم تجليات األفعال اإللهية برؤية النفس أفعالها
أن فسق
الحقانية برؤية النفس صفاتها واحتجابها بها كما ّ
ّ وفسق النصارى خروجهم عن حكم ّ
تجليات الصفات
المحمديين هو االلتفات إلى ذواتهم والخروج عن حكم الوحدة الذاتية.
{أفحكم الجاهلية يبغون} أي :ما يطلبون بجهلهم إال حكماً صاد اًر عن مقام النفس بالجهل ال صاد اًر عن علم إلهي
أي حجاب كان وخرج عنه فهو من المردودين {من ير ّتد} من يرجع عن طريق الحق إلى االحتجاب ببعض الحجبّ ،
ال من أهل ا لمحبة وال ينثلم وال ينتقض دين الحق بارتداده ،فإن هللا سوف يأتي بقوم يحبهم بحسب العناية األولى ال
لعلة بل لذواتهم ،ويحبون ذاته ال لصفة من صفاته ككونه لطيفاً أو رحيماً أو منعماً فإن محبة الصفات تتغير
باختالف تجلياتها ومن يحب اللطيف لم تبق محبته إذا تجلى بصفة القهر ،ومن يحب المنعم انمحت محبته إذا تجلى
بصفة المنتقم .وأما محبة الذات فهي باقية ببقائها ال تتغير باختالف التجليات فيحب محبها القهار عند القهر كما
يحب اللطيف عند اللطف ،ويحب المنتقم حالة االنتقام كما يحب المنعم حالة اإلنعام فال تفاوت في الرضا وعدمه ،وال
تختلف محبته في أحواله ويشكر عند البالء كما يشكر عند النعماء .وأما من يحب المنعم فال يشكر عند البالء بل
يصبر ومثل هذه المحبة يلزم المحبة األولى التي هي هلل وألوليائه فيحبونه بحبه إياهم ،وإال فمن أين لهم المحبة هلل،
ورب األرباب.
ما للتراب ّ
ِ
{أذلة على المؤمنين} لينين حانين عليهم ،عطوفين في تواضعهم لهم لمكان الجنسية الذاتية ورابطة المحبة األزلية
أشداء غالظ {على} المحجوبين ألضداد ما ذكر {يجاهدون في سبيل هللا} بمحو ِ
والمناسبة الفطرية بينهم {أعزًة} ّ
صفاتهم وإفناء ذواتهم التي هي حجب مشاهداتهم {وال يخافون لومة الئم} من نسبتهم إلى اإلباحة والزندقة والكفر،
وعذلهم بترك الدنيا ولذاتها ،بل بترك اآلخرة ونعيمها كما قال أمير المؤمنين عليه السالم" :اعبدوا هللا ال لرغبة وال
لرهبة" ،فهم من الفتيان الذين قيل فيهم:
العذال
هانت عليه مالمة ُ وإذا الفتى عرف الرشاد لنفسه
ين َّ ِ اك ُعو َن * َو َمن َيتََو َّل َّرِ وة وُي ْؤتُو َن َّ و َّال ِذين آمنوْا َّال ِذين يِقيمون َّ ٰ َولِي ُ ِإَّن َما
َّللاَ َوَرُسوَل ُه َوالذ َ َ اة َو ُه ْم
الزَك َ الصل َ َ َ ُ ُ َ َ َ َُ َّللاُ َوَرُسوُل ُه
ُّك ُم َّ
اب ِ
ين أُوتُوْا اْلكتَ َ
ِ َّ ِ ِ ِ
د َين ُك ْم ُه ُزواً َوَلعباً ّم َن الذ َ ين اتَّ َخ ُذوْا ِ َّ ِ
آمُنوْا الَ تَتَّخ ُذوْا الذ َ
ين َ
اْلغالِبون * يـٰأَي َّ ِ
ُّها الذ َ
َ َ َ ُ َ َّللاِ ُه ُم
َفِإ َّن ِح ْز َب َّ
آمُنوْا
َ
الصٰلوِة اتَّخ ُذوها ه ُزواً وَل ِعباً ٰذلِك ِبأََّنهم َقوم الَّ
* َوإِ َذا َن َاد ْيتُ ْم ِإَلى َّ ِ َّ ِ ِ
َ ُْ ٌْ َ َ ُ َ َّللاَ ِإن ُكنتُم ُّم ْؤ ِمن َ
ين آء َواتَُّقوْا َّ ِ
من َقْبل ُك ْم َواْل ُكف َار أ َْولَي َ
َن أَ ْكثَرُكم َف ِ ُنزل ِإَلينا ومآ أ ِ ِ آمَّنا ِب َّ ِ ِ َّ ِ َهل اْل ِكتَ ِ ِ
اسُقو َن * ُنزَل من َقْب ُل َوأ َّ َ ْ اَّلل َو َمآ أ ِ َ ْ َ َ َ َ اب َه ْل تَنق ُمو َن مَّنآ ِإال أ ْ
َن َي ْعقُلو َن * ُق ْل َيـٰأ ْ َ
ضب عَلي ِه وجعل ِم ْنهم اْلِقردة واْلخن ِازير وعبد َّ ِ َّللاِ َمن َّل َعَن ُه َّ
وب ًة ِع َند َّ ِ ِٰ
وتاغ َ الط ُ َّللاُ َو َغ َ َ ْ َ َ َ َ ُ ُ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُق ْل َه ْل أَُنِّبُئ ُك ْم ِب َشٍّر ّمن ذل َك َمثُ َ
َعَل ُم ِب َما آمَّنا َوَق ْد َّد َخُلوْا ِباْل ُكْف ِر َو ُه ْم َق ْد َخ َرُجوْا ِب ِه َو َّ
َّللاُ أ ْ وك ْم َقاُلوْا َ
آء ُ
*وإِ َذا َج ُالسبيل َ
آء َّ ِ ِ أُوَلـِٰئك َشٌّر َّم َكاناً وأَض ُّل عن سو ِ
َ َ َ ََ ْ َ
ان َوأَ ْكلِ ِه ُم ُّ
الس ْح َت َلِب ْئ َس َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * َل ْوالَ َي ْن َه ُ
اه ُم َك ُانوْا َي ْكتُمو َن * وتَ َر ٰى َكِثي اًر ِم ْنهم ُيس ِارُعو َن ِفي ِ
اإل ْث ِم َواْل ُع ْد َو ِ ّ ُْ َ َ ُ
ِ َّ ِ
َّللا م ْغُلوَل ٌة ُغل ْت أ َْيد ِ ِ ِ ِ
اإل ْث َم َوأَ ْكل ِه ُم ُّ
َحَب ُار َعن َقولِ ِهم ِ َّ ِ
يه ْم ود َي ُد َّ َ صَن ُعو َن * َوَقاَلت اْلَي ُه ُ الس ْح َت َلب ْئ َس َما َك ُانوْا َي ْ ْ ُ الربَّانيُّو َن َواأل ْ
ط ْغَيان ًا َوُكْف اًر َوأَْلَق ْيَنا َب ْيَن ُه ُم
ِك ُ ِ ف َي َشآء َوَلَي ِز َيد َّن َكِثي اًر ِّم ْن ُهم َّمآ أ ِ
ُنزَل ِإَل ْي َك من َّرّب َ
طتَ ِ ِ
ان ُينف ُق َك ْي َ َوُل ِعُنوْا ِب َما َقاُلوْا َب ْل َي َداهُ َم ْب ُسو َ
ُ
َّللاُ الَ ُي ِح ُّب
ض َف َساداً َو َّ َّللاُ وَي ْس َع ْو َن ِفي األ َْر ِ
َها َّ َ ام ِة ُكَّل َمآ أ َْوَق ُدوْا َنا اًر ّلِْل َح ْر ِب أَ ْ
طَفأ َ
ِ ض ِ
آء إَل ٰى َي ْو ِم اْلقَي َ
اْل َع َد َاوَة َواْلَب ْغ َ َ
ين ِِ
اْل ُمْفسد َ
ورُسوله} والمؤمنون ال هم للتنافي الحقيقي بينكم وبينهم ،أي :يتولى هللا ورسوله والمؤمنون إياكم أو ال
وليكم هللا َ
{إنما ُ
للتضاد الحقيقي بينهم ،إنما تتولون هللا ورسوله والذين آمنوا أنتم.
ّ يتولى هللا وأولياءه من الرسول والمؤمنين المحجوبون
جمع أوالً في إثبات واليتهم هلل مطلقاً ثم فصلها بحسب الظاهر ،فقال{ :ورسوله والذين آمنوا} ،كما فعل في الشهادة
َّللاُ أََّن ُه الَ ِإَلـ َٰه ِإالَّ ُه َو} [آل عمران ،اآلية.]18 :
{ش ِه َد َّ
في قوله تعالىَ :
ِ ِ َن أَهل اْل ِك ٰتَ ِب ءامنوْا واتََّقوْا َل َكَّفرنا ع ْنهم سِيَئ ِات ِهم وأل َْدخْل ٰنهم ج َّٰن ِت َّ ِ
اموْا التَّ ْوَرَاة َواإل ْنج َ
يل َو َمآ النعي ِم * َوَل ْو أََّن ُه ْم أََق ُ َْ َ ُ ْ َ ّ ْ َ َ َُ ْ َ َ َُ َ ْ َوَل ْو أ َّ ْ َ
ِ ِ ِ َكُلوْا ِمن َف ْوِق ِه ْم َو ِمن تَ ْح ِت أ َْرُجلِ ِهم ِّم ْن ُه ْم أ َّ
ُنزَل ِإَلي ِه ْم ِّمن َّرّب ِِه ْم أل َ
أِ
آء َما َي ْع َمُلو َن * َيـٰأَي َ
ُّها ُم ٌة ُّمْقتَص َدةٌ َوَكث ٌير ّم ْن ُه ْم َس َ
َّللاَ الَ َي ْه ِدي اْلَق ْوَم
اس ِإ َّن َّ
الن ِ ص ُم َك ِم َن َّ َّللا يع ِ َّ َّ
ِك َوإِن ل ْم تَْف َع ْل َف َما َبل ْغ َت ِرَساَلتَ ُه َو َّ ُ َ ْ
ِ
ُنزَل ِإَل ْي َك من َّرّب َول َبّلِ ْغ َمآ أ ِ
الرُس ُ َّ
ِك ْم َوَلَي ِز َيد َّن َكِثي اًر ِّم ْن ُه ْم
ُنزَل ِإَل ْي ُك ْم ِّمن َّرّب ُ ِ ِ
يموْا التَّ ْوَرَاة َواإل ْنج َ
يل َو َمآ أ ِ ٍ َّ ِ ين * ُق ْل يـٰأ ْ ِ ِ
َه َل اْلكتَاب َل ْستُ ْم َعَل ٰى َش ْيء َحت ٰى تُق ُ َ
ِ
اْل َكاف ِر َ
الصاِبُئو َن َو َّ َّ ِ َّ ِ ِ ِ
ص َار ٰى الن َ ين َه ُادوْا َو َّ آمُنوْا َوالذ َ ين َ ين * ِإ َّن الذ َ ْس َعَلى اْلَق ْو ِم اْل َكاف ِر َ ط ْغَياناً َوُكْف اًر َفالَ تَأ َ
ِك َُّمآ أ ُْن ِزَل ِإَل ْي َك من َّرّب َ
يل َوأ َْرَسْلَنآ اآلخ ِر وع ِمل صالِحاً َفالَ خوف عَلي ِهم والَ هم يح َزنون * َلَق ْد أَخ ْذنا ِميثَ ِ ِ ِ اَّللِ واْليو ِم ِ ِ
اق َبني إ ْس َرائ َ َ َ َ َ ْ ٌ َ ْ ْ َ ُْ َ ْ ُ َ َ َ َ آم َن ب َّ َ َ ْ َم ْن َ
ِ َّ ِ َّ ِإَل ْي ِهم ُرسالً ُكَّلما َجآء ُهم َرس ٌ ِ
ول ب َما الَ تَ ْه َو ٰى أ َْنُف ُس ُه ْم َف ِريقاً َكذُبوْا َوَف ِريقاً َيْقُتُلو َن * َو َحسُبوْا أَال تَ ُكو َن ف ْتَن ٌة َف َع ُموْا َو َ
ص ُّموْا ثُ َّم َ ْ ُ َ ْ ُ
ِ
َّللاُ َبص ٌير ِب َما َي ْع َمُلو َن ِ ِ
ص ُّموْا َكث ٌير ّم ْن ُه ْم َو َّ ِ
َّللاُ َعَل ْيه ْم ثُ َّم َع ُموْا َو َ
اب َّ
تَ َ
أن أهل الكتاب آمنوا} آمنوا اإليمان التوحيدي الحقيقي {واتّقوا} واجتنبوا عن شرك أفعالهم وصفاتهم وذواتهم
{ولو ّ
{لكفرنا عنهم سيئاتهم} من بقاياهم {وألدخلناهم} الجنات الثالث {ولو أنهم أقاموا التوراة} بتحقق علوم الظاهر والقيام
بحقوق تجليات األفعال والمحافظة على أحكامها في المعامالت {واإلنجيل} بتحقق عنوان الباطن ،والقيام بحقوق
تجليات الصفات ،والمحافظة على أحكامها {و} احكموا {ما أ ُْن ِزل إليهم} من علم المبدأ والمعاد وتوحيد الملك والملكوت
العلوي الروحاني العلوم اإللهية
ّ من عالم الربوبية الذي هو عالم األسماء {ألكلوا من فوقهم} أي :لرزقوا من العالم
الحقانية التي بها اهتدوا إلى معرفة هللا ومعرفة الملكوت والجبروت {ومن تحت
ّ والحقائق العقلية اليقينية ،والمعارف
الحسية التى اهتدوا بها إلى معرفة عالم الملك،
ّ أرجلهم} أي :من العالم السفلي الجسماني العلوم الطبيعية والمدركات
ّ
أمة
فعرفوا هللا باسمه الظاهر والباطن ،بل بجميع األسماء والصفات ووصلوا إلى مقام التوحيدين المذكورين {منهم ّ
{وأرسلنا إليهم رسالً} على حسب مراتبهم فلما كانوا محجوبين من جميع الوجوه أرسلنا موسى لرفع حجاب األفعال
والدعوة إلى توحيد الملك ،فما هوته أنفسهم ألن دعوته كانت مخالفة لهواها لضراوتها بأفعالها وبتجمعها بها وبلذاتها
وشهواتها فكذبوه وعبدوا عجل النفس واعتدوا في السبت وفعلوا ما فعلوا حتى إذا آمن به من آمن وبرز من حجاب
األفعال حسب أنه الكمال المطلق ،فأرسلنا عيسى برفع حجاب الصفات والدعوة إلى الباطن ،وتوحيد الملكوت فما
هوته أنفسهم لمخالفة دعوته هواها من حسبان الكمال ،فك ّذبوه وفعلوا ما فعلوا حتى إذا آمن به من آمن وبرز عن
حجاب الصفات بقي على حاله ،حاسباً لنفسه الكمال المطلق فأرسلنا محمداً برفع حجاب الصفات والدعوة إلى توحيد
الذات فما هوته أنفسهم فكذبوه.
{وحسبوا أن ال تكون فتنة} شرك عند توحيد األفعال وظهور الدعوة العيسوية ُ
{فعموا} عن تجليات رؤية الصفات
وصموا}
ُ عموا
{وصموا} عن سماع علمها {ثم تاب هللا عليهم} بفتح أسماع قلوبهم وأبصارها ،فتابوا ،فَقبل توبتهم {ثم ُ
ُ
عند الدعوة المحمدية عن مشاهدة الوجه الباقي وسماع علم توحيد الجمع المطلق {وهللا بصير} بعملهم في المقامات
ورد الدعوات وإنكار األنبياء فيجازيهم على حسب حالهم.
الثالث ّ
اَّللِ
َّك ْم ِإَّن ُه َمن ُي ْش ِر ْك ِب َّ ِ ِ ِ ِ ِ ين َقاُلوْا ِإ َّن َّ َّ ِ
َّللاَ َرّبِي َوَرب ُ
اعُب ُدوْا َّ
يل ْ
يح َي َابني إ ْس َرائ َ
ال اْل َمس ُ
يح ْاب ُن َم ْرَي َم َوَق َ
َّللاَ ُه َو اْل َمس ُ َلَق ْد َكَف َر الذ َ
َنص ٍار لظالِ ِم ِ النار وما لِ َّ ِ
ين م ْن أ ََ َّللاُ َعَليه اْل َجَّن َة َو َمأ َْواهُ َّ ُ َ َ
َفَق ْد َحَّرَم َّ
اب ُه ْم َخالِ ُدو َن * َّلَق ْد َّللا َعَل ْي ِهم وِفي اْلع َذ ِ َنف ُس ُه ْم أَن َس ِخ َين َكَف ُروْا َلِب ْئ َس َما َقَّد َم ْت َل ُه ْم أ ُ َّ َّ ِ ِ ِ
َ ْ َ ط َّ ُ تَ َر ٰى َكثي اًر ّم ْن ُه ْم َيتََول ْو َن الذ َ
ِ َّ ِ َّ ِ ٍ َّ ِ ٍ َكَفر َّال ِذين َقاُلوْا ِإ َّن َّ ِ
اب َّللاَ ثَال ُث ثَالَثَة َو َما م ْن ِإَلـٰه ِإال ِإَلـ ٌٰه َواحٌد َوإِن ل ْم َي َنت ُهوْا َع َّما َيُقوُلو َن َلَي َم َّس َّن الذ َ
ين َكَف ُروْا م ْن ُه ْم َع َذ ٌ َ َ
ول َق ْد َخَل ْت ِمن َقْبلِ ِه ُّ
الرُس ُل َّ
يح ْاب ُن َم ْرَي َم ِإال َرُس ٌ
ِ
يم * َّما اْل َمس ُ
ِ
ور َّرح ٌ
َّللاُ َغُف ٌ
ون ُه َو َّ * أََفالَ يتوبون ِإَلى َّ ِ
َّللا َوَي ْستَ ْغِف ُر َ َُ ُ َ ٰ يم
أَل ٌ
ِ
إن هللا ثالث ثالثة} واحد من جملة ثالثة أشياء :الفعل الذي هو ظاهر عالم الملك،
{لقد كفر} حجب {الذين قالوا ّ
والصفة التي هي باطن عالم الملكوت ،والذات التي تقوم بها الصفة ويصدر عنها الفعل ،إذ ليس هو ذلك الواحد الذي
توهموه بل الفعل والصفة في الحقيقة عين الذات ،وال فرق إال باالعتبار ،وما هللا إالّ الواحد المطلق ،وإال لكان بحسب
علواً كبي اًر {وإن لم ينتهوا عما يقولون}
فتعدد اآللهة سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون ّ
كل اسم من أسمائه إله آخرّ ،
مستعدين {أفال
ّ {ليمسن} المحجوبين {عذاب} مؤلم لقصورهم في العرفان مع كونهمّ من كون الصفة والفعل غير الذات
ص َار ٰى ٰذلِ َك ِ َّ ِ َِّ ِ ِ اس عداوة ّلَِّل ِذين آمنوْا اْليه َّ ِ َلتَ ِج َد َّن أ َ
ين َقالُوْا إَّنا َن َ
آمُنوْا الذ َ َش َرُكوْا َوَلتَج َد َّن أَ ْق َرَب ُه ْم َّمَوَّد ًة ّللذي َن َ
ين أ ْ الن ِ َ َ َ ً َ َ ُ َ ُ َ
ود َوالذ َ َشَّد َّ
الد ْم ِع ِم َّما
ض ِم َن َّ ِ
ول تَ َرى أ ْ
َعُيَن ُه ْم تَفي ُ الرس ِ
ُنزَل إَلى َّ ُ
ين وُرْهَباناً وأََّنهم الَ َيستَ ْكِب ُرو َن * وِإ َذا س ِم ُعوْا مآ أ ِ ِ
َ َ َ ْ َ ُْ
ِبأ َّ ِ ِ ِ ِ
َن م ْن ُه ْم ق ّسيس َ َ
ط َم ُع أَن ُي ْد ِخَلَناآءَنا ِم َن اْل َح ِّق َوَن ْ اه ِدين * وما َلنا الَ نؤ ِمن ِب َّ ِ عرُفوْا ِمن اْلح ِق يُقوُلون ربَّنآ آمَّنا َفا ْكتُبنا مع َّ ِ
اَّلل َو َما َج َ َ َ َ ُْ ُ الش َ َْ َ َ َ َّ َ َ ََ َ ََ
ين * ِِ ِٰ ات تَجرِي ِمن تَحِتها األ َْنهار َخالِ ِد ِ
َّللا ِبما َقاُلوْا جَّن ٍ ربَُّنا مع اْلَقو ِم َّ ِ ِ
آء اْل ُم ْحسن َ
يها َوذل َك َج َز ُ
ين ف َ
َ َُ ْ َ ْ َ ين * َفأَثَ َاب ُه ُم َّ ُ َالصالح َ َ ََ ْ
َص َٰح ُب اْل َج ِحي ِم ِ َّ ِ ِ َّ ِ
ين َكَف ُروْا َوَكذُبوْا ب َٰآيتَنآ أ ُْوَلـئ َك أ ْ
َوالذ َ
{آمنا} بالتوحيد الذاتي إيماناً عيني ًا فاجعلنا من {الشاهدين} الحاضرين الذين مقامهم الشهود الذاتي واليقين الحقي،
ّ
وإيماناً علمياً يقينياً فاجعلنا مع المعاينين {وما لنا ال نؤمن} إيماناً حقيقياً بذاته وما جاءنا من كالمه أو ال نؤمن باهلل
جمعاً {وما جاءنا من الحق} تفصيالً {مع القوم الصالحين} الذي استقاموا بالبقاء بعد {جنات تجري من تحتها األنهار}
من التجليات الثالث مع علومها {وذلك جزاء المحسنين} المشاهدين للوحدة في عين الكثرة باالستقامة في هللا.
{والذين} حجبوا عن الذات {وك ّذبوا} بآيات الصفات {أولئك أصحاب} الحرمان الكلي في جحيم صفات النفوس.
ّ
ين * َوُكُلوْا ِم َّما َرَزَق ُك ُم َّ ِ ِ َّللاُ َل ُك ْم َوالَ تَ ْعتَ ُدوْا ِإ َّن َّ ٰيأَيُّها َّال ِذين آمنوْا الَ تُح ِرموْا َ ِ
َّللاُ َحَلـٰالً َّللاَ الَ ُيح ُّب اْل ُم ْعتَد َ طِّيَبات َمآ أ َ
َح َّل َّ َّ ُ َ َُ َ
ِ ِ ِ اخ ُذ ُكم َّ َّ ِ
َّللاُ ِبالل ْغ ِو في أ َْي َمان ُك ْم َوَلـٰكن ُي َؤاخ ُذ ُكم ِب َما َعَّقدتُّ ُم األ َْي َم َ
ان َف َكَّف َارتُ ُه ِ ِِ ِ ن طِيباً واتَُّقوْا َّ َّ ِ
َّللاَ الذي أَنتُم به ُم ْؤمُنو َ * الَ ُي َؤ ُ َّ َ
ٰ ِ َّ ِ ِ ٍ ِ اكين ِمن أَوس ِط ما تُ ْ ِ
ِ
ام ثَالَثَة أَيَّا ٍم ذلِ َك َكَّف َارةُ ِ
يك ْم أ َْو ك ْس َوتُ ُه ْم أ َْو َت ْحر ُير َرَقَبة َف َمن ل ْم َيج ْد َفصَي ُ َهلِ ُطع ُمو َن أ ْ ِ
ام َع َش َرة َم َس َ ْ ْ َ َ ِإ ْ
ط َع ُ
آمُنوْا ِإَّن َما اْل َخ ْم ُر َواْل َم ْي ِس ُر َّللا َل ُكم آي ِات ِه َلعَّل ُكم تَ ْش ُكرون * ٰيأَي َّ ِ ِٰ ِ ِ
ين َُّها الذ َ َ َ ُ َ ظوْا أ َْي َم َان ُك ْم َكذل َك ُيَبّي ُن َّ ُ ْ َ َ ْ احَف ُ أ َْي َمان ُك ْم ِإ َذا َحَلْفتُ ْم َو ْ
ان أَن ُيوِق َع َب ْيَن ُك ُم اْل َع َد َاوَةطُ اجتَِنُبوه َل َعَّل ُكم تُْفلِ ُحو َن * ِإَّنما ُي ِر ُيد َّ
الش ْي َ طِ اب واأل َْزالَم ِر ْج ٌس ِم ْن َعم ِل َّ
َ ْ ان َف ْ ُ الش ْي َ َ ّ ُ َنص ُ َ َواأل َ
َطيعوْا َّ ِ ِ َّللاِ و َع ِن َّ ٰ ِ ِ ِ واْلب ْغض ِ
ول
الرُس َ يعوْا َّ َّللاَ َوأَط ُ الصلوة َف َه ْل أ َْنتُ ْم ُّمنتَ ُهو َن * َوأ ُ صَّد ُك ْم َعن ذ ْك ِر َّ َ آء في اْل َخ ْم ِر َواْل َم ْيس ِر َوَي ُ َ َ َ َ
يما ات جَن ِ واح َذروْا َفِإن تَوَّليتُم َفاعَلموْا أََّنما عَلى رسولِنا اْلبالَغُ اْلمِبين * َليس عَلى َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ
اح ف َ الصال َح ُ ٌ َ َُ َ َ َْ َ ُ ُ َ ْ ْ ْ ُ َ َ ٰ َُ َ َ َ ْ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ َِ ِ
ين
َّللاُ ُيح ُّب اْل ُم ْحسن َ آمُنوْا ثُ َّم اتََّقوْا َّوأ ْ
َح َسُنوْا َو َّ َّ
الصال َحات ثُ َّم اتَقوْا َو َآمُنوْا َو َعمُلوْا َّ َّ
طع ُموْا إ َذا َما اتَقوْا َو َ
{وأطيعوا هللا} بالفناء فيه فتنقادوا فيما يستعملكم فيه كالميت {وأطيعوا الرسول} بالبقاء بعد الفناء ،فتستقيموا فيه مراعين
للتفصيل ،أحياء بحياته {واحذروا} ظهور البقاء حالة االستقامة {فإن توليتم فاعلموا} أن التقصير منكم وما على
الرسول إال البالغ ال اإللزام.
{ليس على الذين آمنوا} اإليمان الغيبي بتوحيد األفعال {وعملوا} بمقتضى إيمانهم أعماالً تخرجهم عن حجب األفعال
وتصلحهم لرؤية أفعال الحق ،حرج وضيق فيما تمتعوا به من أنواع الحظوظ إذا ما اجتنبوا بقايا أفعالهم واتّخذوا هللا
وقاية في صدور األفعال منهم {وآمنوا} بتوحيد الصفات {وعملوا} ما يخرجهم عن حجب الصفات ويصلحهم لمشاهدة
التجليات اإللهية بالمحو فيها {ثم اتّقوا} بقايا صفاتهم واتخذوا هللا وقاية في صدور صفته عليهم {وآمنوا} بتوحيد الذات
{ثم اتّقوا} بقية ذواتهم واتخذوا هللا وقاية في وجودهم بالفناء المحض واالستهالك في عين الذات وأحسنوا بشهود
يحب المحسنين} المشاهدين للوحدة في عين الكثرة،
التفصيل في عين الجمع واالستقامة في البقاء بعد الفناء {وهللا ّ
المراعين لحقوق التفاصيل في عين الجمع بالوجود الحقاني.
ونية بميل قوى من {ال تقتلوا الصيد} ال ترتكبوا الحظوظ النفسانية في حالة اإلحرام الحقيقي ،ومن ارتكبه قصداً منه ّ
النفس وانجذاب إليه ال ألمر اتفاقي أو رعاية خاطر ضيف أو صاحب {جزاء} أي :فحكمه جزاء قهره تلك القوة التي
ارتكب بها الحظ النفساني من قوى النفس البهيمية بأمر يوازي ذلك الحظ {يحكم به ذوا عدل} من العاقلتين النظرية
والعملية {منكم} أي :من أنفسكم أو من شيوخكم أو من أصحابكم المقدمين السابقين يعينان كيفيته وكميته {هدياً بالغ
الكعبة} الحقيقية ،أي :في حال كون تلك القوة البهيمية هدياً بإفنائها في هللا إن كان صاحبها من األقوياء ملبياً قاد اًر
{أو كفارة} أي :ستر بصدقة أو صيام يزيل ذلك الميل ويستر تلك الهيئة عن نفسه أو بإيتاء حق تلك القوة واالقتصار
أم ِره
ال ْ عليه دون الحظ فإنها مسكينة أو إمساك عن أفعال تلك القوة بقدر ذلك الحظ كيما يزول عنها الميل {ليذوق َ
وب َ
عزه مع كدورات صفات النفس ومن عاد فينتقم هللا منه} بالحجب والحرمان {وهللا عزيز} ال يمكن الوصول إلى جنات ّ
".
{أ ِ
ُحل لكم صيد} بحر العالم الروحاني من المعارف والمعقوالت والحظوظ العلمية في إحرام الحضرة اإللهية {وطعامه}
من العلم النافع الذي هو حق واجب تعلمه في المعامالت والخالق تمتيعاً {لكم} أيها السالكون لطريق الحق
ص ْيد} بر العالم الجسماني من
{وحرم عليكم َ
{وللسيارة} المسافرين لسفر اآلخرة ،المحرزين ألرباح النعيم الباقي ّ
المحسوسات والحظوظ النفسانية .واجعلوا هللا وقاية لكم في سيركم لتسيروا به واجعلوا نفوسكم وقاية هللا في صدور
الشرور المانعة منها وتيقنوا أنكم {إليه تُ ْح َشرو َن} بالفناء في الذات ،فاجتهدوا في السلوك وال تقفوا مع الموانع وراء
الحجاب .
جل جناب الحق من أن يكون شريعة المحرم من دخول الغير فيه كما قيلّ :ّ {جعل هللا} كعبة حضرة الجمع {البيت}
لكل وارد{ .قياماً للناس} من موتهم الحقيقي وانتعاشاً لهم به وبحياته وقدرته وسائر صفاته {والشهر الحرام} أي :زمان
الهدي} أي :النفس المذبوحة بفناء تلك
الوصول ،وهو زمان الحج الحقيقي الذي يحرم ظهور صفات النفس فيه {و َ
التقرب بها أفضل وشأنها عند البقاء والقيام ِ
فإن ّ الكعبة {والقالئد} وخصوصاً النفس القوية ،الشريفة ،المطيعة ،المنقادةّ ،
العقاب} بالحجب لمن ظهر بصفة أو بقية حال الوصول أو ضرب بخطأ واشتغل بغير حال {اعَلموا أن هللا شديد ِ
ْ ُ ّ
السلوك وانتهك حرمة من حرماته {غفور} للتلوينات والفترات {رحيم} بهيئة الكماالت والسعادات التي ال يعلم قدرها إال
هو .
اب َلعَّل ُكم تُْفلِحون * ٰيأَي َّ ِ الطِيب وَلو أَعجبك َك ْثرة اْلخِب ِ َّ ُقل الَّ َي ْستَ ِوي اْل َخِب ُ
آمُنوْا الَين َ
ُّها الذ َ
َ َّللاَ ٰيأ ُْولِي األَْلَب ِ َ ْ ُ َ يث َفاتَُّقوْا َّ يث َو ّ ُ َ ْ ْ َ َ َ َ ُ َ
ِ ِ
يم * َق ْد
ور َحل ٌ
َّللاُ َغُف ٌ
َّللاُ َع ْن َها َو َّ ين ُيَنَّزُل اْلُق ْر ُ
آن تُْب َد َل ُك ْم َعَفا َّ آء ِإن تُْب َد َل ُك ْم تَ ُس ْؤُك ْم َوإِن تَ ْسأَُلوْا َع ْن َها ح ََشَي َ
تَ ْسأَُلوْا َع ْن أ ْ
ِ َّ ِ ِ ٍ ٍِ * ما جعل َّ ِ ِ ِ ِ ِ
ين َكَف ُروْا َّللاُ من َبح َيرٍة َوالَ َسآئَبة َوالَ َوصيَلة َوالَ َحا ٍم َوَلـٰك َّن الذ َ َ ََ َ ِب َها َكاف ِر َ
ين َصَب ُحوْا َسأََل َها َق ْوٌم ّمن َقْبل ُك ْم ثُ َّم أ ْ
الرس ِ
ول َقاُلواْ َح ْسُبَنا َما َو َج ْدَنا َّللاُ َوإَِلى َّ ُ يل َل ُه ْم تَ َعاَل ْوْا ِإَل ٰى َمآ أ َ
َنزَل َّ ِ
* َوإِ َذا ق َ َّللاِ اْل َك ِذ َب َوأَ ْكثَ ُرُه ْم
الَ َي ْعِقُلو َن َيْفتَ ُرو َن َعَل ٰى َّ
ض َّل ِإ َذا عَلي ِه آباءنآ أَوَلو َكان آباؤهم الَ يعَلمون َشيئاً والَ يهتَدون * ٰيأَي َّ ِ
ضُّرُك ْم َّمن َ آمُنوْا َعَل ْي ُك ْم أ َْنُف َس ُك ْم الَ َي ُ
ين َ ُّها الذ َ َ َ ْ َ ََ َ ْ َ َ ُ ُْ َْ ُ َ ْ َ َ ْ ُ َ
ِ َّللاِ مرِجع ُكم ج ِميعاً َفينِبُئ ُكم ِبما ُكنتُم تَعمُلون * يِآ أَي َّ ِ
َح َد ُك ُم اْل َم ْو ُت آمُنوْا َش َه َادةُ َب ْين ُك ْم ِإ َذا َح َ
ض َر أ َ ين َ ُّها الذ َ َ َُّ ْ َ ْ ْ ْ َ َ اهتَ َد ْيتُ ْم ِإَلى َّ َ ْ ُ ْ َ ْ
صيب ُة اْلموتِ ض َفأَصاب ْت ُكم ُّم ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َ َْ ض َرْبتُ ْم في األ َْر ِ َ َ ان م ْن َغ ْي ِرُك ْم ِإ ْن أَنتُ ْم َ ان َذ َوا َع ْد ٍل ّم ْن ُك ْم أ َْو َ
آخ َر ِ ين اْل َوصيَّة ا ْثَن ِحَ
َّللاِ ِإَّنآ ِإ َذاً َّل ِم َن ِ ان ِب َّ ِ
اَّلل ِإ ِن ْارتَْبتُ ْم الَ َن ْشتَرِي ِبه ثَ َمناً َوَل ْو َك َ
ان َذا ُق ْرَب ٰى َوالَ َن ْكتُ ُم َش َه َاد َة َّ ون ُه َما ِمن َب ْع ِد َّ
الصٰلوِة َفُيْق ِس َم ِ تَ ْحِب ُس َ
اَّللِ ان َفُيْق ِس َم ِ ِ َّ ِ ِ ِ ِِ
ان ِب َّ استَ َح َّق َعَل ْي ِهم األ َْوَلَي ِ
ُ ين ْ ام ُه َما م َن الذ َ وم ِ
ان َمَق َ ان َيُق َ استَ َحَّقآ ِإ ْثماً َف َ
آخ َر ِ ين * َفإ ْن ُعث َر َعَل ٰى أََّن ُه َما ْ اآلَثم َ
الخِبيث} من النفوس واألعمال واألخالق واألموال {والطيب} منها عند هللا تعالىّ ،
فإن الطيب مقبول {ُق ْل ال َي ْستَوي َ
موجب للقرب والوصول والخبيث منها مردود موجب للبعد والطرد والحرمان {ولو أعجبك} الخبيث بكثرته ووفوره
لب
لمناسبته للنفس ولمالءمته لصفاتها ،فاجعلوا هللا وقاية لكم في االجتناب عن الخبيث واختيار الطيب .يأكل من له ّ
أي :عقل خالص عن شوب الوهم ومزج هوى النفس {لعلكم تفلحون} بالخالص عن نفوسكم وصفاتها وخبائثها
والوصول إلى هللا بالفناء فيه .
{يوم يجمع هللا الرسل} في عين الجمع المطلق أو عين جمع الذات {فيقول ماذا} أجابكم األمم حين دعوتموهم إلي؟
ّ
أي :هل تطلعون على مراتبهم في كماالتهم التي توجهوا إليها في متابعتكم {قالوا ال ِعْلم لنا} أي :العالم كله لك جمع ًا
وتفصيالً ليس لغيرك علم لفناء صفاتنا في صفاتك {إنك أنت عالّم الغيوب} فغيوب بواطننا وبواطنهم كلها علمك
النبوة والوالية {وعلى والدتك} بالتطهير والتزكية واالصطفاء {تكلم الناس} في
{نعمتي عليك} بالهداية الخاصة ومقام ّ
بالتجرد عن البدن ومالبسه {وإذ علمتك} كتاب الحقائق والمعارف
ّ مهد البدن {وكهالً} بالغاً إلى نور شيب الكمال
الثابتة في اللوح المحفوظ بتأييد روح القدس وحكمة السلوك في هللا بتحصيل األخالق واألحوال والمقامات والتجريد
{وإذ تخلق} من طين العقل الهيوالني الذي هو االستعداد المحض بيد التربية والحكمة العملية {كهيئة} طير القلوب
لتجردها عن عالمها وكمالها {بإذني} أي :بعلمي وقدرتي وتيسيري عند تجّلي صفات حياتي الطائرة إلى حضرة القدس ّ
وعلمي وقدرتي لك وإنصافك واستنبائي إياك {فتنفخ فيها} من روح الكمال ،حياة العلم الحقيقي بالتكميل واإلضافة
{وإ ْذ ْأو َحيت إلى الحواريين} أي :ألهمت في قلوبهم النورانيين الذين طهروا نفوسهم بماء المنافع واألعمال المزكية حتى
قبلوا دعوتك لصفاء نفوسهم وأحبوك باإلرادة التامة لمناسبتهم إياك بنور الفطرة وصفاء االستعداد {أن آمنوا بي} إيماناً
حقيقياً بتوحيد الصفات والمحو {وب َِرُسولي} برعاية حقوق تجلياتها على التفصيل{ .قالوا آمنا واشهد} يا إلهنا بعلمك
الشامل المحيط بالكل أننا منقادون لك مسلمين وجودات صفاتنا إليك .
ِ ِإ ْذ َقال اْلحو ِاريُّو َن ي ِٰعيسى ابن مريم هل يستَ ِطيع ربُّك أَن ينِّزل عَلينا م ِآئدة ِمن َّ ِ
ين * َّللاَ ِإن ُك ْنتُم ُّم ْؤ ِمن َ
ال اتَُّقوْا َّ
الس َمآء َق َ َُ َ َ ْ َ َ َ ً ّ َ َ ْ َ َ ْ ََ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ ََ
َّ ِ ِ ِ ِ
وبَنا وَن ْعَلم أَن َق ْد ص َد ْقتََنا وَن ُكو َن َعَل ْيها م َن َّ ِ ِ َقاُلوْا ُن ِر ُيد أَن َّنأ ُ
يسى ْاب ُن َم ْرَي َم الل ُه َّم ال ع َ ين * َق َ الشاهد َ َ َ َ ط َمئ َّن ُقُل ُ َ َ
ْك َل م ْن َها َوتَ ْ
قال الحواريون} إذ اقترح عليك أصحابك فقالوا {هل يستطيع رّبك} أي :شاهدك من عالم الربوبيةّ ،
فإن ر ّب كل {إذ َ
واحد هو االسم الذي يرّبه ويكمله وال يعبد أحد إال ما عرفه من عالم الربوبية وال عرف إال ما بلغ إليه من المرتبة في
ويستمد منه المدد الروحاني ،ولهذا قالوا مع إقرارهم وإسالمهم:
ّ األلوهية فيستفيض منه العلوم ويستنزل منه البركات
رّبك ،ولم يقولوا :ربنا ،ألن ربهم ال يستطيع {أن ينزل علينا مائدة من السماء} شريعة من سماء عالم الروح تشتمل
على أنواع العلوم والحكم والمعارف واألحكام فيها غذاء القلوب وقوت النفوس وحياتها وذوقها {قال اتّقوا هللا} احذروه
في ظهور صفات نفوسكم واجعلوه وقاية لكم فيما يصدر عنكم من األخالق واألفعال تنجوا من تبعاتها وتفوزوا وتفلحوا
إن تحقق إيمانكم فال حاجة بكم إلى شريعة جديدة.
فإن العلم غذاء القلب وقوته {ونعلم} صدقك في {قالوا نريد أن} نستفيد {منها} ونعمل بها ونتقوى بها {وتَ ْ ِ
ط َمئن ُقُلوبنا} ّ ّ
ونبوتك وواليتك بها وفيها {ونكون عليها من الشاهدين} الحاضرين أهل العلم نخبر بها من عدانا مناإلخبار عن ربك ّ
الغائبين ونعلمهم وندعوهم بها إلى هللا {تكون لنا عيداً ّ
ألولنا وآخرنا} أم اًر أي :شرعاً وديناً يعود إليه من في زماننا من
أهل ديننا ومن بعدنا ممن سيوجد من النصارى {وآية منك} عالمة وعلماً منك تعرف بها وتعبد {و ْارزْقَنا} ذلك الشرع
والعلم النافع والهداية {وأنت خير الر ِازقين} ال ترزق إال ما ينفعنا ويكون صالحنا فيه {فمن َي ْكفر} يحتجب عن ذلك
الدين بعد إنزاله ووضوحه {فإني أعذبه عذاباً ال أعذبه أحداً من العالمين} لبيان الطريق ووضوح الدين والحجة مع
أشد من العذاب مع الجهل ،إذ الشعور بالمحجوب عنه
وجود استعدادهم فال ينكرونه إال معاندين والعذاب مع العلم ّ
شدة اإليالم.
يوجب ّ
{إن تعذبهم} بإدامة الحجاب {فإنهم ِعَبادك} أحقاء بالحجب والحرمان وأنت أولى بهم تفعل بهم ما تشاء {وإن تغفر
لهم} برفع الحجاب {فإنك أنت العزيز} القوي القادر على ذلك ال تزول عزتك بتقريبهم ورفع حجابهم {الحكيم} تفعل ما
تفعله من التعذيب بالحجب والحرمان والتقريب باللطف والغفران بحكمتك البالغة {هذا يوم} نفع صدقك إياك ،وصدق
فإن الرضا ال يكون إال
كل صادق لكونه خميرة الكماالت وخاصية الملكوت {لهم جنات} الصفات بدليل ثمرة الرضوان ّ
قدم رضوان هللا عنهم على رضوانهم عنه،
بفناء اإلرادة وال تفنى إرادتهم إال إذا غلبت إرادة هللا عليهم فأفنتها ،ولهذا ّ
أي :لما أرادهم هللا تعالى في األزل بمظهرية إرادته ومحل رضوانه ورضي بهم محالً وأهالً لذلك سلب عنهم إرادتهم
الع ِظيم} أي :الفالح العظيم الشأن ولو كان فناء ِ
بأن جعل إرادته مكانها وأبدلهم بها فرضي عنهم وأرضاهم {ذل َك الفوز َ
فيهن} أسماؤه وصفاته
السفلي باطنه وظاهره {وما ّ العلوي و
ّ الذات لكان الفوز األكبر والفالح األعظم .له ما في العالم
ّ
وأفعاله {وهو على كل شيء قدير} إن شاء أفنى بظهور ذاته ،وإن شاء أوجد بتستره بأسمائه وصفاته .
َخَلَق ُك ْم ِّمن ين َكَف ُروْا ِب َرِّب ِه ْم َي ْع ِدُلو َن * ُهَو َّال ِذي َّ ِ َو ُّ الظُل َٰم ِت
الس ٰم ٰو ِت واألَرض وجعل ُّ ِ َّ ِ
ور ْث َّم الذ َ
الن َ اْل َح ْم ُد ََّّلل الذي َخَل َق َّ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ
َو َج ْه َرُك ْم َوَي ْعَل ُم الس ٰم ٰو ِت وِفي األ َْر ِ
ض َي ْعَل ُم ِسَّرُك ْم * وهو َّ ِ َج ٌل ُّم َس ًّمى ِع َندهُ ثُ َّم أَنتُ ْم تَ ْمتَ ُرو َن ِط ٍ
َّللاُ في َّ َ َ َ َ َُ َجالً َوأ َ
ضى أ َ ين ثُ َّم َق َ
ف َيأِْت ِ َّ ِ ِ ِ َّ ِ ٍ ِ ِ ِ ِ
يه ْم آء ُه ْم َف َس ْو َ ين * َفَق ْد َكذُبوْا باْل َح ّق َل َّما َج َ َما تَ ْكسُبو َن * َو َما تَأْتي ِهم ّم ْن َآية ّم ْن َٰآيت َرّبِ ِه ْم ِإال َك ُانوْا َع ْن َها ُم ْع ِرض َ
آء َهَل ْكَنا ِمن َقْبلِ ِهم ِمن َق ْرٍن َّم َّك َّٰن ُهم ِفي األ َْر ِ
ض َما َل ْم ُن َم ِّكن َّل ُك ْم َوأ َْرَسْلَنا َّ ِ
اء َما َك ُانوْا ِبه َي ْستَ ْه ِزُءو َن * أََل ْم َي َرْوْا َك ْم أ ْ
الس َم َ ْ ّ أ َْنَب ُ
آخ ِري َن * َوَل ْو َنَّ ْزلَنا َعَل ْي َك ِك ٰتَباً ِِ ِ ِ ِ ِ
َهَل ْك َٰن ُه ْم ِب ُذُنوبِ ِه ْم َوأ َْن َشأَْنا من َب ْعده ْم َق ْرناً َ
َعَل ْي ِهم ّم ْد َار اًر َو َج َعْلَنا األ َْن َه َار تَ ْجرِي من تَ ْحت ِه ْم َفأ ْ
نزَل َعَل ْي ِه َمَل ٌك َوَل ْو أ َ ْ
َنزلَنا َمَلكاً ين * َوَقاُلوْا َل ْوال أُ ِ َّ ِ
ين َكَف ُروْا ِإ ْن َهـٰ َذآ ِإال س ْحٌر ُّمِب ٌ
اس َفَلمسوه ِبأَي ِدي ِهم َلَق َّ ِ
ال الذ َ ط ٍ َُ ُ ْ ْ َ ِفي ِق ْر َ
ظ ُرو َن َّلُق ِ
ض َي األ َْم ُر ثُ َّم الَ ُين َ
{الح ْم ُد هلل الذي َخَل َق السموات واألرض} ظهور الكماالت ،وصفات الجمال والجالل على مظاهر تفاصيل
َ
الموجودات بأسرها الذي هو كمال الكل .والحمد المطلق مخصوص بالذات اإللهية الجامعة لجميع صفاتها وأسمائها
باعتبار البداية الذي أوجد سموات عالم األرواح وأرض عالم الجسم وأنشأ في عالم الجسم ظلمات مراتبه التي هي
كف ُروا} حجبوا مطلقاً
حجب ظلمانية لذاته وفي عالم األرواح نور العلم واإلدراك {ثم} أي :بعد ظهور هذه اآليات {الذين َ
{برّبهم يعدلون} غيره يثبتون موجوداً يساويه في الوجود {هو الذي خلقكم من طين} المادة الهيوالنية {ثم قضى أجالً}
منزهة عن الزمان ،متعالية عن
مطلقاً غير معين بوقت وهيئة ،ألن أحكام القضاء الثابت الذي هو ّأم الكتاب كلية ّ
المقدس عن التعلق بالمحل ،فهو األجل الذي يقتضيه االستعداد طبعاً بحسب
المشخصات إذ محلها الروح األولى ّ
المسمى أجالً طبيعياً بالنظر إلى نفس ذلك المزاج الخاص والتركيب المخصوص بال اعتبار عارض من
ّ هويته
المقدر الزماني الذي يجب وقوعه عند اجتماع الشرائط
مسمى} معين {عنده} هو األجل ّ
العوارض الزمانية {وأجل ّ
وارتفاع الموانع المثبت في كتاب النفس الفلكية التي هي لوح القدر المقارن لوقت معين مالزماً له ،كما قال تعالى:
اع ًة َوالَ َي ْستَْق ِد ُمو َن} [األعراف ،اآلية{ .]34 :ثم أنتم} بعدما علمتم قدرته على إبدائكم ِ
َجُل ُه ْم الَ َي ْستَأْخ ُرو َن َس َ
آء أ َ ِ
{ َفإ َذا َج َ
وإفنائكم وإحاطة علمه بكم تشكون فيه وفي قدرته ،فتتبتلون لغيره تأثي اًر وقدرة .
َس ِخ ُروْا ِم ْن ُه ْم َّ ِ ِ ىء ِب ُرُس ٍل ِّمن َوَل ْو َج َعْل َٰن ُه َمَلكاً َّل َج َعْل َٰن ُه َر ُجالً َوَلَلَب ْسَنا َعَل ْي ِهم َّما َيْلِب ُسو َن * َوَلَق ِد ْ ِ
ِبالذ َ
ين اق
َقْبل َك َف َح َ استُ ْهز َ
الس َٰم َٰو ِت
َّ َّما ِفي * ُقل ّلِ َمن ِ ِ
ان َٰعقَب ُة اْل ُم َك ّذِب َ
ين ف َك َ
ظ ُروْا َك ْي َ َّما َك ُانوْا ِب ِه َي ْس َت ْه ِزءو َن * ُق ْل ِس ُيروْا ِفي األ َْر ِ
ض ثُ َّم ْان ُ ُ
ين َخ ِس ُروْا ِ ِ َّ ِ ِ ِ ض ُقل ََّّللِ َكتَ َب َعَل ٰى َنْف ِس ِه َّ
أ َْنُف َس ُه ْم َف ُه ْم الَ ُي ْؤ ِمُنو َن * الر ْح َم َة َلَي ْج َم َعَّن ُك ْم ِإَل ٰى َي ْو ِم اْلق َٰي َمة الَ َرْي َب فيه الذ َ واأل َْر ِ
َ
ط ِع ُم َوالَ لس ٰم ٰوتِ
واأل َْر ِ ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
َّللا أَتخ ُذ َولّياً َفاط ِر ا َّ َ َ الن َه ِار َو ُه َو َّ
ض َو ُه َو ُي ْ َغ ْي َر َّيم * ُق ْل أ َ َوَل ُه َما َس َك َن في اْللْيل َو َّ
َ يع اْل َعل ُالسم ُ
َخ ُ ِ ِ ِ ِ ِ
اب َي ْو ٍم
ص ْي ُت َرّبِي َع َذ َ
اف إ ْن َع َ ين * ُق ْل ِإّني أ َ ون َّن م َن اْل ُم ْش ِرَك َ
َكو َن أََّو َل َم ْن أ َْسَل َم َوالَ تَ ُك َ َن أ ُط َع ُم ُق ْل ِإّني أُم ْر ُت أ ْ
ُي ْ
ف َل ُه ِإالَّ ُهَو َوإِن ِ ِ ِ ٍِ ِ
ضٍّر َفالَ َكاش َ َّللاُ ِب ُ
ين * َوإِن َي ْم َس ْس َك َّ ف َع ْن ُه َي ْو َمئذ َفَق ْد َرح َم ُه َوَذل َك اْلَف ْوُز اْل ُمِب ُ ص َر َْعظي ٍم * َّمن ُي ْ
َي ْم َس ْس َك ِب َخ ْي ٍر َف ُه َو َعَل ٰى ُك ِّل َشي ٍء َق ُد ٌير
ْ
{ولو جعلناه} الرسول {ملكاً لجعلناه رجالً} أي :لجسدناه ألن الملك نور غير مرئي بالبصر وهم ظاهريون ال يدركون
ّ
إال ما كان محسوساً وكل محسوس فهو جسم أو جسماني وال صورة تناسب الملك الذي ينطبق بالحق حتى يتجسد
فيها إال الصورة اإلنسانية ،إما لكونه نفساً ناطقة تقتضي هذه الصورة وإما لوجوب وجود الجنسية التي لو لم تكن لما
أمكنهم السماع منه وأخذ القول {كتَ َب على نفسه الرحمة} أي :ألزم ذاته من حيث هي إفاضة الخير والكمال بحسب
استعداد القوابل فما من مستحق لرحمة وجود أو كمال إال أعطاه عند حصول استحقاقه لها.
{ليجمعنكم إلى يوم القيامة} الصغرى واإلعادة أو الكبرى في عين الجمع المطلق {ال َرْيب فيه} في كل واحد من
الجمعين في نفس األمر عند التحقيق ،وإن لم يشعر به المحجوبون وهم {الذين خسروا أنفسهم} بإهالكها في الشهوات
محب لشيء فهو محشور فيه .فهؤالء لمحبتهم إياها
والل ّذات الفانية ومحبة ما يفنى سريعاً من حطام الدنيا ،وكل ّ
{وهو القاهر فوق عباده} فإفنائهم ذاتاً وصفة وفعالً بذاته وصفاته وأفعاله ،فيكون قهره عين لطفه كما لطف بهم
بإيجادهم وتمكينهم وإقدارهم على أنواع التمتعات وهيأ لهم ما أرادوا من أنواع ِ
الن َعم والمشتهيات فحجبوا بها عنه وذلك
اشتدت نقمته على أعدائه في سعة رحمته {وهو عين قهره .فسبحان الذي اتسعت رحمته ألوليائه في ش ّدة نقمته و ّ
الحكيم} يفعل ما يفعل من القهر الظاهر المتضمن للطف الواسع أو اللطف الظاهر المتضمن للقهر الكامل بالحكمة
{الخبير} الذي يطلع على خفايا أحوالهم واستحقاقها للطف والقهر {ومن أظلم ممن افترى على هللا كذباً} بإثبات وجود
غيره {أو ك ّذب} بصفاته بإظهار صفات نفسه ،فأشرك به .وغاية الظلم الشرك باهلل {إنه ال يفلح الظالمون} الحتجابهم
بما وضعوه في موضع ذات هللا وصفاته.
َّللاِ
ين ُكنتُ ْم تَ ْزُع ُمو َن * ثُ َّم َل ْم تَ ُك ْن ِف ْتَنتُ ُه ْم ِإالَّ أَن َقاُلوْا َو َّ َّ ِ ويوم نح ُشرهم ج ِميعاً ثُ َّم نُق َِّ ِ
آؤُك ُم الذ َ
َش َرُكوْا أ َْي َن ُش َرَك ُ
ين أ ْ
ول للذ ََ ُ َ َْ َ َ ْ ُ ُ ْ َ
ض َّل َع ْن ُه ْم َّما َك ُانوْا َيْفتَُرو َن * َو ِم ْن ُه ْم َّمن َي ْستَ ِم ُع ِإَل ْي َك َو َج َعْلَنا ظر َكيف َك َذبوْا عَلى أ ُ ِ
َنفس ِه ْم َو َ ين * ان ُ ْ ْ َ ُ َ ٰ َرّبَِنا َما ُكَّنا ُم ْش ِرِك َ
ين َكَّن ًة أَن يْفَقهوه وِفي ءا َذ ِان ِهم وْق اًر وإِن يروْا ُك َّل ءاي ٍة الَّ يؤ ِمنوْا ِبها حتَّى ِإ َذا جآءوك ي ٰج ِدُلونك يُق َّ ِ عَلى ُقُلوبِ ِهم أ ِ
ول الذ َ َ ُ َ َُ ََ َ ُ ُْ ُ َ َ ٰ ََ ْ َ َ ََ ْ َ ُ َُ َ ْ َ ٰ
َو َما َي ْش ُع ُرو َن * َوَل ْو تََر ٰى ِإ ْذ ين * َو ُه ْم َي ْن َه ْو َن َع ْن ُه َوَي ْنأ َْو َن َع ْن ُه َوإِن ُي ْهلِ ُكو َن ِإالَّ أَ ُنف َس ُه ْم َكَفروْا ِإن هـٰ َذآ ِإالَّ أ ٰ ِ
َسط ُير األََّولِ َ َ ُ ْ َ
َّما َك ُانوْا ُي ْخُفو َن ِمن َقْب ُل َوَل ْو ِ ِ ِ ِ
ين * َب ْل َب َدا َل ُه ْم الن ِار َفَقاُلوْا ٰيَل ْيتََنا ُن َرُّد َوالَ ُن َك ّذ َب ِب َٰآيت َرّبَِنا َوَن ُكو َن م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ
ُوِقُفوْا َعَلى َّ
ُرُّدوْا َل َع ُادوْا لِ َما ُن ُهوْا َع ْن ُه َوِإَّن ُه ْم َل َك ِاذُبو َن * َوَقاُلوْا ِإ ْن ِهي ِإالَّ َحَياتَُنا ُّ
الد ْنَيا َو َما َن ْح ُن ِب َم ْب ُعوِث َ
ين
َ
{ويوم نحشرهم جميعاً} في عين جمع الذات {ثم نقول للذين أشركوا} بإثبات الغير {أين شركائي الذين كنتم تَ ْزعمون}
القهار نهاية شركهم وعاقبته {إال أن
لفناء الكل في التجلي الذاتي {ثم لم تكن} عند تجلية الحال وبروز الكل للملك ّ
قالوا وهللا ربنا ما كنا مشركين} المتناع وجود شيء نشركه باهلل.
{انظر كيف كذبوا على أنفسهم} بافتراء الوجود والصفات لها وضاع {عنهم ما كانوا يفترون} فلم يجدوه شيئاً بل وجدوه
ال شيء سوى المفتري أو كذبوا على أنفسهم بنفي الشرك عنها مع رسوخ ذلك االعتقاد فيها.
{ولو ترى إذ وقفوا على} نار الحرمان والتع ّذب بهيآت نفوسهم المظلمة واستيالء صور المفتريات عليهم في العذاب
نرد وال نكذب بآيات ربنا} من تجليات صفاته {ونكون من المؤمنين} الموحدين ،لكان ما ال يدخل تحت {فقالوا يا ليتنا ّ
الوصف {بل َب َدا} ظهر {لهم ما كانوا يخفون} من العقائد الفاسدة والصفات المهلكة والهيآت المظلمة ببروزهم هلل
وانقالب باطنهم ظاه اًر ،فتعذبوا به {ولو ردوا لعادوا لما ُنهوا عنه} لرسوخ تلك االعتقادات والملكات فيهم {وإنهم
لكاذبون} في الدنيا واآلخرة لكون الكذب ملكة راسخة فيهم.
{ولو ترى إذ وقفوا على ربهم} في القيامة الكبرى وهو تصوير لحالهم في االحتجاب والبعد وإال لم يكن ثم قول وال
جواب ،لحرمانهم عن لحضور والشهود ،وإن كانوا في عين الجمع المطلق.
واعلم أن الوقف على الشيء غير الوقوف معه ،فإن الوقوف مع الشيء يكون طوعاً ورغبة ،والوقف على الشيء ال
يكون إال كرهاً ونفرة ،فمن وقف مع هللا بالتوحيد كمن قال:
متقدم
لي متأخر عنه وال ّ وقف الهوى من حيث أنت فليس
يها َو ُه ْم َي ْح ِمُلو َن أ َْوَزَارُه ْم الساع ُة ب ْغتَ ًة َقاُلوْا يٰحسرتََنا عَلى ما َفَّر ْ ِ ين َك َّذُبوْا ِبلَِق ِآء َّ ِ َّ ِ ِ َّ ِ
طَنا ف َ ََْ َ ٰ َ آء ْت ُه ُم َّ َ َ َّللا َحت ٰى إ َذا َج َ َق ْد َخس َر الذ َ
ين َيتَُّقو َن أََفالَ تَ ْعِقُلو َن * َق ْد َِّ ِ ِ َّ ِ ورِه ْم أَالَ َسآء َما َي ِزُرو َن * َو َما اْل َح َٰيوةُ ُّ
الد ْنَيآ ِإال َلع ٌب َوَل ْهٌو َوَل َّلد ُار اآلخ َرةُ َخ ْيٌر ّللذ َ َ
ظ ُه ِ
َعَل ٰى ُ
َّللاِ َي ْج َح ُدو َن نعَلم ِإَّنه َليح ُزنك َّال ِذي يُقوُلو َن َفِإَّنهم الَ ي َك ِّذبونك وَلـ ِٰك َّن َّٰ
الظلِ ِمين ِبآي ِ
ات َّ َ َ ُْ ُ ُ َ َ َ َ َْ ُ ُ َ ْ ُ َ
{قد خسر الذين} المحجوبون المكذبون بلقاء الحق {حتى إذا جاءتهم} القيامة الصغرى ندموا على تفريطهم فيها {وهم
الحسيات {على
ّ يحملون أوزارهم} من أعباء التعلقات ،وأفعال محبة الجسمانيات ،ووبال السيئات ،وآثام هيئات
ظهورهم} أي :ارتكبتهم واستولت عليهم للرسوخ في نفوسهم فحجبتهم وع ّذبتهم وثبطتهم عما أرادوا {وما الحياة الدنيا}
الحسية ،ألن المحسوس أدنى إلى الخلق من المعقول {إال لعب} أي :إال شيء ال أصل له وال حقيقة سريع
ّ أي :الحياة
يتجردون عن مالبس الصفات البشرية واللذات
الفناء واالنقضاء {وللدار اآلخرة} أي :عالم الروحانيات {خير للذين} ّ
البدنية {أفال تعقلون} حتى تختاروا األشرف األطيب على األخس األدون الفاني{ .قد نعلم إنه ليحزنك} عتاب لرسول
ك ِمن َّنَبِإ ات َّ ِ وَلَق ْد ُك ِّذب ْت رسل ِمن َقبلِك َفصبروْا عَلى ما ُك ِّذبوْا وأُوُذوْا حتَّى أَتَاهم نصرنا والَ مب ِدل لِ َكلِم ِ
آء َ
َّللا َوَل ْقد َج َ َ ٰ ُ ْ َ ْ ُ َ َ ُ َّ َ َ َ ُ ُ ٌ ّ ْ َ َ َُ َ ٰ َ ُ َ َ
السم ِآء َفتأِْتيهم ِبآيةٍ ِ َّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ط ْع َت أَن تَْبتَغ َي َنَفقاً في األ َْرض أ َْو ُسلماً في َّ َ َ َ ُ ْ َ استَ َ اض ُه ْم َفإن ْ ان َكُب َر َعَل ْي َك إ ْع َر ُ
ين * َوإِن َك َ اْل ُم ْرَسل َ
َّللاُ ثُ َّم ِإَل ْي ِه
ين َي ْس َم ُعو َن َواْل َم ْوتَ ٰى َي ْب َعثُ ُه ُم َّ َّللا َلجمعهم عَلى اْلهد ٰى َفالَ تَ ُكون َّن ِمن اْل ٰج ِهلِين * ِإَّنما يستَ ِج َّ ِ
يب الذ ََ َْ ُ َ َ َ َ َُ آء َّ ُ َ َ َ ُ ْ ََوَل ْو َش َ
َّللاَ َق ِادٌر َعَل ٰى أَن ُيَنِّزٍل َآي ًة َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثَ َرُه ْم الَ َي ْعَل ُمو َن * َو َما ِمنِه ُق ْل ِإ َّن َّ يرجعون * وَقاُلوْا َلوالَ ن ِزل عَلي ِه آي ٌة ِمن َّرب ِ
ْ ُّ َ َ ْ َ ّ ّ َ ُْ َ ُ َ
الك ٰتَ ِب ِمن َشي ٍء ثُ َّم ِإَل ٰى َرّب ِِه ْم ُي ْح َش ُرو َنطَنا ِفي ُِم ٌم أ َْمثَاُل ُك ْم َّما َفَّر ْ ط ِائ ٍر ي ِطير ِبجن ِ ِ َّ دآب ٍ
َّة ِفي األ َْر ِ
ْ اح ْيه إال أ َض َوالَ َ َ ُ َ َ َ َ
{ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا} باهلل ،سالّه باهلل بعدما عاتبه لئال يبقى في التلوين وال يتأسف بعد ذهابه عليه
مبدل لكلمات هللا} أي :صفات هللا التي يتجلى بها لعباده وال
فيقع في القبض بل يطمئن قلبه ،ولهذا عقبه بقوله{ :وال ّ
تتبدل بإنكار المنكرين وال يمكنهم تبديلها .ونفى عنه القدرة وعجزه بقوله{ :وإن كان َكُب َر عليك إعراضهم فإن
تتغير وال ّ
تكونن من الجاهلين} الذين ال يطلعون على حكمة تفاوت ّ استطعت} إلى آخره ،لئال تظهر نفسه بصفاتها {فال
االستعدادات ،فتتأسف على احتجاب من احتجب .فإن المشيئة اإللهية اقتضت هداية بعض وحرمان بعض لحكمة
ترتب النظام وظهور الكماالت الظاهرة والباطنة ،فال يستجيب إال من فتح هللا سمع قلبه بالهداية األصلية ووهب له
الحياة الحقيقية بصفات االستعداد ونور الفطرة ،ال موتى الجهل الذين ماتت غريزتهم بالجهل المركب أو بالحجب
الجبلية ،أو لم يكن لهم استعداد بحسب الفطرة فإنهم ال يمكنهم السماع ،بل{ :يبعثهم هللا} باإلعادة في النشأة الثانية
{ثم إليه يرجعون} في عين الجمع المطلق للجزاء أو المكافأة مع احتجابهم .وقد يمكن رفع الحجب في اآلخرة للفريق
{ولكن أكثرهم ال يعلمون} نزول اآليات ،فإن ظهور كل صفة من صفاته على كل مظهر من
ّ الثاني دون الباقين
مظاهر األكوان آية له يعرفه بها أهل العلم.
اط ُّم ْستَِقي ٍم * ُق ْل أ ََرَء ْيتَ ُك ْم ِإ ْن صر ٍ ِ َّللا ي ْ ِ ُّ ِ ِ َّ ِ ِ َّ ِ
ضلْل ُه َو َمن َي َش ْأ َي ْج َعْل ُه َعَل ٰى َ ص ٌّم َوُب ْك ٌم في الظُل َمات َمن َي َشِإ َّ ُ ُ ين َكذُبوْا ب َآياتَنا ُ َوالذ َ
آء نِ ِِ ِ
ين * َب ْل ِإيَّاهُ تَ ْد ُعو َن َفَي ْكش ُ
َّللاِ تَ ْدعو َن ِإن ُكنتُم ِ ِ َّللاِ أ َْو أَتَ ْت ُك ُم َّ
ف َما تَ ْد ُعو َ إَل ْيه إ ْن َش َ صـٰدق َ ْ َ َغ ْي َر َّ ُ اع ُة أ َ الس َ اب َّ أَتَـ ُٰك ْم َع َذ ُ
آء ُه ْم ِ آء َل َعَّل ُه ْم َيتَ َ ن الضَّر ِ
ْس ِآء َو َّ وتَنسو َن ما تُ ْش ِرُكو َن * وَلَق ْد أ َْرس َلنآ ِإَل ٰى أُم ٍم ِمن َقْبلِ َك َفأ َ ٰ ِ
ضَّرُعو َ * َفَل ْوال إ ْذ َج َ َخ ْذَن ُه ْم باْلَبأ َ َ ّ َ َ َ َْ َ
ان ما َك ُانواّ يعمُلو َن * َفَل َّما َنسوْا ما ُذ ِّكروْا ِب ِه َفتَحَنا َعَلي ِهم أَبواب ُكلِ َّ ِ
ْ ْ َْ َ ّ ْ ُ َ ُ َْ َ طُ َ َّن َل ُه ُم الش ْي َوب ُه ْم َوَزي َضَّرُعوْا َوَلـٰكن َق َس ْت ُقُل ُ ْسَنا تَ َ َبأ ُ
ِ ِ َّ ِ ِ ِ ٍ
ظَل ُموْا َواْل َح ْم ُد ََّّلل َر ِّب اْل َعاَلم َ
ين ين َ اه ْم َب ْغتَ ًة َفِإ َذا ُه ْم ُّمْبل ُسو َن * َفُقط َع َداِب ُر اْلَق ْو ِم الذ َ َخ ْذَن ُ َش ْيء َحتَّ ٰى ِإ َذا َف ِر ُحوْا ِب َمآ أُوتُوْا أ َ
ظر َكيف نص ِرف اآلي ِ َّللاِ يأِْت ُ ِ
ات ثُ َّم يك ْم ِبه ْان ُ ْ ْ َ ُ َ ّ ُ َ ِك ْم َّم ْن ِإَلـ ٌٰه َغ ْي ُر َّ َ ص َارُك ْم َو َختَ َم َعَل ٰى ُقُلوب ُ َّللاُ َس ْم َع ُك ْم َوأ َْب َ
َخ َذ ََّرَْيتُ ْم ِإ ْن أ َ
* ُق ْل أ َأ
الظلِمو َن * وما نرِسل اْلمرسلِين ِإالَّ َّللاِ ب ْغتَ ًة أَو جهرة هل يهَلك ِإالَّ اْلَقوم َّٰ هم ي ِ
َ َ ُْ ُ ُ ْ َ َ ُ ُْ ْ َ ْ ًَ َ ْ ُْ ُ اب َّ َ صد ُفو َن * ُق ْل أ ََرَء ْيتَ ُك ْم ِإ ْن أَتَـ ُٰك ْم َع َذ ُ ُْ َ ْ
اب ِب َما َك ُانوْا ِ َّ ِ َّ ِ ِ
ين َكذُبوْا ِب َآياتَنا َي َم ُّس ُه ُم اْل َع َذ ُف َعَل ْي ِه ْم َوالَ ُه ْم َي ْح َزُنو َن * َوالذ َ َصَل َح َفالَ َخ ْو ٌ ام َن َوأ ْ ين َف َم ْن َء َ ين َو ُمنذ ِر َ ُمَب ّش ِر َ
وح ٰى ِإَل َّي ُق ْل َه ْل َّ ِ يْفسُقون * ُقل الَّ أَُقول َل ُكم ِع ِندي خزِآئن َّ ِ
ول َل ُك ْم ِإّني َمَل ٌك ِإ ْن أَتَِّب ُع ِإال َما ُي َ
َعَل ُم اْل َغ ْي َب َوال أَُق ُ
َّللا َوال أ ْ ََ ُ ُ ْ َ ُ َ
يستَ ِوي األَعمى واْلب ِ
ص ُير أََفالَ تَتََف َّك ُرو َن َْ ٰ َ َ َْ
وشدة شكيمتها،
مقار نفوسهم ويكسر سورتها ّ لعل تضاعف أسباب اللطف ،كقود األنبياء وسوق العذاب ،يزعجهم عن ّ
تضرعوا لقساوة
متضرعين عند تجلي صفة القهر وتأثيرها فيهم ،ثم ّبين أنهم ما ّ
ّ فيطيعوا ويبرزوا من الحجاب وينقادوا
غش الهوى وحب الدنيا وميل اللذات الجسمانية .
قلوبهم بكثافة الحجاب وغلبة ّ
َنذر ِب ِه َّال ِذين يخا ُفون أَن يح َشروْا ِإَلى رِب ِهم َليس َلهم ِمن دوِن ِه ولِ ٌّي والَ َشِفيع َّلعَّلهم يتَُّقون * والَ تَ ْ َّ ِ ِ
ط ُرِد الذ َ
ين َي ْد ُعو َن َ ٌ َ ُْ َ َ ٰ َّ ْ ْ َ ُ ْ ّ ُ َ َ ُْ ُ َ ََ َ َوأ ْ
َّه ْم ِباْل َغ َد ِاة َواْل َع ِش ِّي ُي ِر ُيدو َن َو ْج َه ُه َما َعَل ْي َك ِم ْن ِح َساِب ِهم ِّمن َش ْي ٍء َو َما ِم ْن ِح َساِب َك َعَل ْي ِه ْم ِّمن َش ْي ٍء َفتَ ْ
ط ُرَد ُه ْم َفتَ ُكو َن َرب ُ
َّللا ِبأَعَلم ِب َّٰ ِ ِ ِ ِ ض ّلِيُقولوْا أَهـٰؤ ِ ِٰ َّ ِ ِ ِ
الشك ِر َ
ين َّللاُ َعَل ْيهم ّمن َب ْينَنآ أََل ْي َس َّ ُ ْ َالء َم َّن ََُّ ض ُه ْم ِبَب ْع ٍ َ ين * َوَكذل َك َفتََّنا َب ْع َ م َن الظالم َ
المستعدين الذين هم أهل الخوف والرجاء ،وأعرض عن الذين ّ {وأنذر به الذين يخافون} أي :أنذر بما أوحي إليك
ِ ِ
{ه ًدى ّلْل ُمتَّق َ
ين} [البقرة ،اآلية{ .]2 :أن ُي ْح َشروا إلى رّبهم قست قلوبهم فإنه ال ينجع فيهم كما قال في ّأول الكتابُ :
ليس لهم من دونه ولي وال شفيع} أي :يعلمون بصفاء استعدادهم أنه ال بد من الرجوع إلى هللا ،فيخافون أن يحشروا
ّ
إليه في حال كونهم محجوبين عنه بحجب صفاتهم وأفعالهم ال ولي ينصرهم غير هللا فينقذهم من ذّلة البعد وعذاب
ّ
طرد الذين يدعون} أي :ال تزجرهم به ،وهم أهل الوحدة الكاملون الواصلون ،فإن اإلنذار كما ال ينجع في الذين
{وال تَ ْ
العشي} أي :يخصونه بالعبادة دائماً
ّ
قست قلوبهم ال ينفع في الذين طاشت قلوبهم في هللا وتالشت {رّبهم بالغداة و
السر إليه ،ال يريدون بالعبادة إال ذاته بالمحبة األزلية ال يجعلون عبادتهم معللة
بحضور القلب وشهود الروح وتوجه ّ
بغرض من توقع ثواب جنة أو خوف عقاب أو نقمة ،وال يريدونه بمحبة الصفات فتتغير إرادتهم باختالف تجلياتها وال
يستحلون توسيط ذاته في مقصد أو مطلب بل شاهدوا فناء الوسائط والوسائل فيه ولم يبق في شهودهم شيء يقع
نظرهم عليه حتى ذواتهم {ما عليك من ِح َسابهم} فيما يعملون من شيء ،أي :ال واسطة بينهم وبين رّبهم من ملك أو
نبي فلست من دعوتهم إلى طاعة أو إلى جهاد أو إلى غير ذلك في شيء ،فحسابهم على هللا إذ عملهم ليس إال باهلل
ّ
وفي هللا {وما من حسابك عليهم من شيء} أي :ال يخوضون في أمور دعوتك بنصر وإعانة لإلسالم وال بدفع وقمع
صالَِت ِه ْم َد ِآئ ُمو َن} [المعارج ،اآلية: َّ ِ
ين ُه ْم َعَل ٰى َ
للكفر الشتغالهم باهلل عما سواه ودوام حضورهم كما قال تعالى{ :الذ َ
ونبوتك {فتطردهم} عما هم عليه من دوام الحضور بإنهاضهم لشغل ديني أو مصلحة ]23ال يعنيهم شأن من أمرك ّ
فتنا {بعضهم} تشوش وقتهم وجمعيتهم {فتكون من الظالمين} {وكذلك ّ
فتنا} أي :مثل ذلك الفتن واالبتالء العظيم ّ أو ّ
وهم المحجوبون بالبعض ،فإن المحجوبين لما لم يروا منهم إال صورتهم وسوء حالهم في الظاهر وفقرهم ومسكنتهم،
ولم يروا قدرهم ومرتبتهم وحسن حالهم في الباطن ،استحقروهم وازدرتهم أعينهم بالنسبة إلى ما هم فيه من المال والجاه
والتنعم وخفض العيش فقالوا فيهم :
من هللا عليهم من بيننا} بالهداية استخفافاً وهم وهللا األطيبون عيشاً ،األرفعون حاالً ومنزالً ،األعظمون قد اًر {أهؤالء ّ
َعُيُن ُك ْم َلن ُي ْؤِتَي ُه ُم َّ ورتبة عند هللا وعند من يعرفهم كما قال نوح عليه السالم{ :والَ أَُق َِّ ِ
َّللاُ َخ ْي اًر} [هود، ين تَ ْزَدرِي أ ْ
ول للذ َُ َ
اآلية ]31 :بل الخير كل الخير ما آتاهم هللا {أليس هللا بأعلم بالشاكرين} الذين يشكرونه بالحقيقة باستعمال نعمة
وجودهم وصفاتهم وجوارحهم وما يقوم به من أرزاقهم ومعايشهم في طاعة هللا فشكروه بإزاء النعمة الخارجية بالعبادة
وتصورها من المنعم وصرفها في مراضي هللا ،وبإزاء نعمة الجوارح باستعمالها في عبادته وسلوك طريقه وتحصيل
ّ
معرفته ومعرفة صفاته ،وبإزاء نعمة الصفات بمحوها في هللا واالعتراف بالعجز عن معرفته وشكره وعبادته ،وبإزاء
{ثم يبعثكم فيه} أي :فيما جرحتم من صواب أعمالكم ومكاسبكم للجزاء {ليقضى أجل} عينه للبعث واإلحياء .ثم إلى
ربكم ترجعون في عين الجمع المطلق فينبئكم بإظهار صور أعمالكم عليكم وجزائكم بها.
بتصرفه فيهم كما شاء وإفنائهم في عين الجمع المطلق إذ ال شيء إال وهو مقهور فيه
ّ {وهو القاهر فوق عباده}
{ويرسل عليكم حفظة} هي قواهم التي ينطبع فيها كل حال بحسب الرسوخ وعدمه ،فيظهر عليهم عند انسالخهم عن
البدن فيتمثل بصور تناسبها إما روحانية لطيفة توصل إليها الروح والثواب ،وإما جسمانية مظلمة توصل إليها العذاب
بل تظهر تلك الصور على جوارحها وأعضائها فتتشكل بهيآتها وتنطق عليهم بأعمالها بلسان الحال .والقوى السماوية
التي أشرنا إليها وإلى انتقاش جميع الحوادث الجزئية فيها فتظهر عليهم بأسرها عند مفارقتها عن بدنها ،ال تغادر
الرد أيضاً يكون في عين الجمع
صغيرة وال كبيرة إال أحصتها عليهم وهي بأعيانها الرسل التي توفتهم عند الموت .و ّ
المطلق فإنه للجزاء {وهو أسرع الحاسبين} لوقوع حسابهم في آن وهو :توفيهم .
البر} التي هي حجب الغواشي البدنية والصفات النفسانية {و} ظلمات {البحر} التي هي
{قل من ينجيكم من ظلمات ّ
{تضرعاً} في نفوسكم {وخفية} في أسراركم {لئن أنجيتنا من
ّ حجب صفات القلوب وفكر العقول {تدعونه} إلى كشفها
{لنكونن من} الذين شكروا نعمة اإلنجاء باالستقامة والتمكين {قل هللا ينجيكم منها} بكشف تلك الحجب
ّ هذه} الحجب
بأنوار ت جليات صفاته {ومن كل كرب} أي :ما بقي في استعدادكم بالقوة من كماالتكم بإبرازها حتى لو كانت بقية من
بقايا وجودكم كرباً لكم الستعدادكم للفناء والخالص منها بالكلية لقوة االستعداد وكمال الشوق ألنجاكم منها {ثم أنتم}
بعد علمكم بهذا المقام الشريف وما ّادخر لكم {تشركون} به أنفسكم وأهواءكم فتعبدونها.
{قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم} باحتجابكم بالمعقوالت والحجب الروحانيات {أو من تحت
أرجلكم} باحتجابكم بالحجب الطبيعية {أو يلبسكم شيعاً} أو يخلطكم فرقاً متفرقة كل فرقة على دين قوة من قواكم هي
أمامهم تقابل الفرقة األخرى فيقع بينكم الهرج والمرج والقتال ،أو فرقاً مختلفة العقائد كل فرقة على دين دجال أو
شيطان أنسي أو جني هو إمامهم ،أو يجعل أنفسكم شيعاً باستيالء كل قوة من قواكم على القلب بطلب لذتها
ّ ّ
المخصوصة بها ،إحداها تجذبه إلى غضب واألخرى إلى شهوة أو طمع أو غير ذلك ،فيغرق القلب عاج اًز فيما بينهم،
هم بتحصيل لذة هذه منعته األخرى ،ويقع بينهم الهرج والمرج في وجودكم لعدم ارتياضهم أسي اًر في قبضتهم ،كلما ّ
بسياسة رئيس واحد قاهر يقهرهم ويسوسهم بأمر وحداني يقيم كالًّ منهم في مقامها ،مطيعة منقادة فتستقيم مملكة
ّ
ستقر الملك على رئيس القلب .وعلى هذا التأويل يكون كل واحد منهم فرقة أو فرقاً متفرقة على أديان شتى
الوجود وي ّ
ال شخصاً واحداً.
{وك ّذب به} أي :بهذا العذاب {قومك وهو الحق} الثابت النازل بهم {قل لست عليكم بوكيل} بموكل يحفظكم ويمنعكم
من هذا العذاب {لكل} ما ينبأ عنه محل وقوع واستقرار {وسوف تعلمون} حين يكشف عنكم أغطية أبدانكم فيظهر
عليكم ألم هذا العذاب بصور ما تقتضيه نفوسكم.
{وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} أي :صفاتنا بإظهار صفات نفوسهم وإثبات العلم والقدرة ال {فأعرض عنهم}
فإنهم محجوبون مشركون {وإما ينسينك الشيطان} بتسويل بعض األباطيل والخرافات عليك ،ووسوسة نفسك فتظهر
ببعض صفاتها وتجانسهم بذلك فتميل إلى صحبتهم {فال تقعد بعد} ما تذكرت بتذكيرنا إياك {مع القوم} الذين ظلموا
أنفسهم بوضع صفاتهم موضع صفاتي وحجبوها بصفاتهم فإن صحبتهم تؤثر فيوشك أن تقع في االحتجاب بشؤم
صحبتهم على سبيل التلوين.
يتجردون عن مالبس صفاتهم ويجتنبون هيآتها من حساب أولئك المحجوبين {من شيء}
{وما على} الموحدين الذين ّ
أي :ال يحتجبون بواسطة مخالطتهم فيكونون معهم سواء ولكن ذكرناهم لعلهم يحترزون عن صحبتهم وما عسى
يقعون فيه من التلوين أو وبالهم وشأنهم وحسابهم حتى يصاحبونهم ولكن فليذكروهم أحياناً بأدنى مخالطة لعلهم
يحذرون شركهم وحجبهم فينجون ببركة صحبتهم أو وما عليهم مما يحاسب به من أعمالهم ووبالها من شيء ولكن
فليذكروهم بالزجر والنهي لعلهم يحترزون عنها .
{وذر الذين اتخذوا} أي :اترك الذين دينهم وعاداتهم الهوى واللهو ألنهم ال يرفعون بذلك رأساً لرسوخ ذلك االعتقاد فيهم
الحسية وأعرض عنهم وأنذر بالقرآن كراهة أن تحجب نفس بكسبها ،أي :ال يكون دينها وديدنها ذلك ّ واغترارهم بالحياة
ولم ترسخ تلك العقيدة فيها لكن ترتكب بالميل الطبيعي أفعاالً مثل أفعالهم فتحتجب بسببها فإنها تتأثر به وتتعظ
فتنتهي ،فأنذرها حتى ال تصير مثلهم فتحبس بعملها عن الهداية وحينئذ ال يقبل منها فدية إذ حجبت بكسبها .والشراب
شدة شوقها إلى الكمال لقوة استعدادها .والعذاب األليم حرمانها عنه باحتجابها بأعمالها وهيآتها.
الحميم هو ّ
ين ِفي َّللا َك َّال ِذي استَهوْته َّ ِ ِ ضُّرَنا وُن َرُّد َعَل ٰى أ ْ ِ ُقل أَندعوْا ِمن دو ِن َّ ِ
الشَياط ُ ْ َْ ُ َعَقابَنا َب ْع َد إ ْذ َه َد َانا َّ ُ َّللا َما الَ َي َنف ُعَنا َوالَ َي ُ َ ُ ْ َْ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ ض حيران َله أَصحاب يدعونه ِإَلى اْلهدى ا ْئِتنا ُقل ِإ َّن هدى َّ ِ
َن
ين * َوأ َّْللا ُه َو اْل ُه َد ٰى َوأُم ْرَنا لُن ْسل َم ل َر ِّب اْل َعاَلم َ َُ َ ْ َُ األ َْر ِ َ ْ َ َ ُ ْ َ ٌ َ ْ ُ َ ُ
ول ُكن َفَي ُكو ُن َق ْوُل ُه الس ٰم ٰو ِت واأل َْر َ ِ َّ ِ َّ ِ ِ ِ الصٰل َ َّ ِ
ض باْل َح ِّق َوَي ْوَم َيُق ُ *و ُه َو الذي َخَل َق َّ َ َ َ وة َواتُقوهُ َو ُه َو الذي إَل ْيه تُ ْح َش ُرو َن َ يموْا َّ
أَق ُ
يم اْل َخِب ُير ِ ِ َّ ٰ ِ اْلح ُّق وَله اْلمْلك يوم ي َنف ُخ ِفي ُّ ِ ٰ ِ
الصور َعل ُم اْل َغ ْيب َوالش َه َدة َو ُه َو اْل َحك ُ َ َ ُ ُ ُ َْ َ ُ
{وهو الذي خلق} سموات األرواح وأرض الجسم قائماً بالعدل الذي هو مقتضى ذاته {ويوم يقول كن فيكون} أي :وقت
السرمدي الذي هو أزل آزال ظهور األشياء في أزلية ذاته التي هي أزلية األزل مطلقاً وهو حين تعلق إرادته القديمة
بالظهور في تعينات ذاته المعبر عنه بقوله :كن ،وهو بعد أزلية اآلزال باالعتبار العقلي ال أنها تتأخر عن تلك األزلية
بالزمان بل بالترتيب العقلي االعتباري في ذاته تعالى ،فإن التعينات تتأخر عن مطلق الهوية المحضة عقالً وحقيقة
وظهورها باإلرادة المسماة بقوله{ :كن فيكو ُن} بال فصل وتأخير يعبر عنه بـ( :يكون) ،ألنها لم تكن في األزل فكانت
سرمدي إرادته التي اقتضت وجود المبدعات على ما هي عليه ثابتة في حالها
ّ {قوله الحق} أي :في ذلك الوقت سيما
قال إبراهيم ألبيه} أي :اذكر وقت سلوك إبراهيم طريق التوحيد عند تبصيرنا وهدايتنا إياه واطالعه على شرك
{وإ ْذ َ
الملك عن حقائق عالم الملكوت وربوبيته تعالى لألشياء بأسمائه معتقدين لتأثير األجرام
قومه واحتجابهم بظهور عالم ُ
لمقدمهم وأكبرهم أبيه{ :أتتخذ أصناماً آلهة} وتعتقد تأثيرها {إني المكون ّ
فعيرهم بذلك وقال ّ ّ واألكوان ،ذاهلين بها عن
بالحس ،ومثل ذلك التبصير والتعريف العام الكامل نعرف إبراهيم ونريه
ّ أراك وقومك في ضالل مبين} ظاهر يعرف
فإن لكل شيء قوة ملكوتية{ملكوت السموات واألرض} أي :القوى الروحانية التي يدبر هللا بها أمر السموات واألرضّ ،
يدبر تحفظه وتدبر أمره بإذن هللا {وليكون من الموقنين} فعلنا ذلك أيّ :
بصرناه ليعلم ويعرف أن ال تأثير إال هللّ ،
بأسمائه التي هي ذاته مع كل واحدة من الصفات ،فتتكثر األفعال من رواء حجب األكوان .فالمحجوب بالكون واقف
كالملك بالنسبة إلى الملكوت ،فكما ال يرى التأثير من األكوان ال يراها من ملكوتها بل من مالكها و ّ
مكونها ،فيقول
حقاً :ال إله إال هللا.
جن عليه الليل} أي :فلما أظلم عليه ليل عالم الطبيعة الجسمانية في صباه و ّأول شبابه {رأى} كوكب ملكوت
{فلما ّ
الهيكل اإلنساني التي هي النفس المسماة روحاً روحانية وجد فيضه وحياته وربوبيته منها إذ كان هللا تعالى يريه في
ذلك الحين باسمه المحيي ،فقال بلسان الحال{ :هذا ربي فلما أفل} بعبوره عن مقام النفس وطلوع نور القلب وإشراقه
أحب اآلفلين} الغاربين في
عليه بآثار الرشد والتعقل ومعرفته إلمكان النفس ووجوب انطباعها في الجسم {قال ال ّ
مغرب الجسم ،المحتجبين به ،المتسترين بظلمة اإلمكان واالحتياج إلى الغير {فلما رأى} قمر القلب بازغاً بوصوله إلى
مقام القلب وطلوعه من أفق النفس بظهوره عليه ورأى فيضه بمكاشفات الحقائق وعلمه وربوبيته منه ،إذ كان هللا
تعالى يريه حينئذ باسمه العالم والحكيم {قال هذا ربي فلما افل} باحتجابه عنه وعبوره عن طوره وشعوره بأن نوره
مستفاد من شمس الروح وإنه قد يتغيب في ظلمة النفس وصفاتها فيحتجب بها وال نور له أعرض عن مقامه سالكاً
الضالين} الذين يحتجبون بالبواطن
طريق تجلي الروح قائالً{ :لئن لم يهدني رّبي} إلى نور وجهه {ألكونن من القوم ّ
عنه كالنصارى الواقفين مع الحجب النورانية.
آء َرِّبي َش ْيئاً َوِس َع َرّبِي ُك َّل َشي ٍء ِ ن ِ ِ ِ َّ َّللاِ وَق ْد َه َد ِ آجه َقومه َقال أَتُ ٰح ُّج ِّ ِ
ْ اف َما تُ ْشرُكو َ به إال أَن َي َش َ َخ ُ ان َوالَ أ َ وني في َّ َ َو َح َّ ُ ْ ُ ُ َ َ
َي اْلَف ِريَق ْي ِن
طناً َفأ ُّاَّللِ َما َل ْم ُيَنِّز ْل ِب ِه َعَل ْي ُك ْم ُسْل َٰ
َش َرْكتُم ِب َّ
َش َرْكتُ ْم َوالَ تَ َخا ُفو َن أََّن ُك ْم أ ْ
اف َمآ أ ْ َخ ُ ف أَ
ِ
عْلماً أََفالَ تَتَ َذ َّك ُرو َن * َوَك ْي َ
ظْل ٍم أ ُْوَلـِٰئ َك َل ُه ُم األ َْم ُن َو ُه ْم ُّم ْهتَُدو َن * َوِتْل َك ُح َّجتَُنآ يم َان ُه ْم ِب ُ ِ ِ َّ ِ
آمُنوْا َوَل ْم َيْلب ُسوْا إ َ ين َ َح ُّق ِباأل َْم ِن ِإن ُكنتُ ْم تَ ْعَل ُمو َن * الذ َ أَ
وب ُكالًّ َه َد ْيَنا َوُنوحاً ءاتَي َٰنهآ ِإب ٰرِهيم عَل ٰى َقو ِم ِه َنرَفع َدر ٰج ٍت َّمن َّن َشآء ِإ َّن ربَّك ح ِك ِ
اق َوَي ْعُق َ يم * َوَو َه ْبَنا َل ُه ِإ ْس َح َ يم َعل ٌ ُ َ َ َ ٌ ْ ُ ََ ْ َ ْ َ َْ َ َ
ِِ ِ ِِ ِ
* َوَزَك ِريَّا َوَي ْحَي ٰى وس ٰى َو َه ُارو َن َوَك َذل َك َن ْجزِي اْل ُم ْحسن َ
ين ف َو ُم َ وس َُّوب َوُي ُ ان َوأَي َ ود َو ُسَل ْي َم ََه َد ْيَنا من َقْب ُل َو ِمن ُذِّريَّته َد ُاو َ
* َو ِم ْن َآب ِائ ِه ْم ين ِ
ضْلَنا َعَلى اْل َعاَلم َ ون َس َوُلوطاً َوُكالًّ َف َّ يل َواْلَي َس َع َوُي ُ
ِ
ين * َوإِ ْس َماع َ
و ِعيس ٰى وإِْلياس ُك ٌّل ِمن ا َّ ِ ِ
لصالح َ َّ َ َ َ َ َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ٰ ِ ٍ
اه ْم ِإَل ٰى ص َراط ُّم ْستَقي ٍم * ذل َك ُه َدى َّ ِ ِ ِ
َش َرُكوْا آء م ْن عَباده َوَل ْو أ ْ َّللا َي ْهدي به َمن َي َش ُ اه ْم َو َه َد ْيَن ُ َوُذِّريَّات ِه ْم َوإِ ْخ َوان ِه ْم َو ْ
اج َتَب ْيَن ُ
النبَّوة َفِإن ي ْكُفر ِبها هـٰؤ ِ
الء َفَق ْد َوَّكْلَنا ِب َها َق ْوماً ِ ِ َّ ِ َل َحِب َ
َ ْ َ َُ اب َواْل ُح ْك َم َو ُّ ُ َاه ُم اْلكتَ َ ين آتَْيَن ُ ط َع ْن ُه ْم َّما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * أ ُْوَلـٰئ َك الذ َ
ِ ِ َّ ِ ِ َّ ِ ِ َّ ِ ِ َّ
ين * َو َما َج اًر ِإ ْن ُهَو ِإال ذ ْك َر ٰى لْل َعاَلم َ َسأَُل ُك ْم َعَل ْيه أ ْ
اه ُم ا ْقتَد ْه ُقل ال أ ْ َّللاُ َفِب ُه َد ُ
ين َه َدى َّ ين * أ ُْوَلـٰئ َك الذ َ ل ْي ُسوْا ِب َها ِب َكاف ِر َ
اسَنزَل اْل ِك ٰتَ َب َّال ِذي َجآء ِب ِه موس ٰى ُنو اًر و ُه ًدى ّلِ َّلن ِ َّللاُ َعَل ٰى َب َش ٍر ِّمن َش ْي ٍء ُق ْل َم ْن أ َ َنزَل َّ َّللاَ َح َّق َق ْد ِِره ِإ ْذ َقاُلوْا َمآ أ َ
َق َد ُروْا َّ
َ َ ُ َ
ض ِه ْم َيْل َعُبو َن * َّللا ثُ َّم َذرهم ِفي خو ِ ِ ون َها َوتُ ْخُفو َن َكِثي اًر َو ُعِّل ْمتُ ْم َّما َل ْم تَ ْعَل ُموْا أَنتُ ْم َو َ ِ
َْ ْ ُْ آؤُك ْم ُقل َّ ُ ال َء َاب ُ يس تُْب ُد َون ُه َق َراط َ تَ ْج َعُل َ
َخ َرِة ُي ْؤ ِمُنو َن ِب ِه َو ُه ْم
َنزل َٰنه مبارك ُّمصِّدق َّال ِذي بين ي َدي ِه وِلتُ ِنذر أ َُّم اْلُقر ٰى وم ْن حوَلها و َّال ِذين يؤ ِمُنو َن ِباأل ِ
َ َ َ َ ْ َ َ َ ُْ َْ َ َ ْ َ َ َو َهـٰ َذا كتَ ٌب أ َ ْ ُ ُ َ َ ٌ َ ُ
ِٰ
ظو َن صالَِت ِه ْم ُي َح ِاف ُ َعَل ٰى َ
{الذين آمنوا} بالتوحيد الذاتي {ولم} يخلطوا {إيمانهم بظلم} من ظهور نفس القلب أو وجود بقية فإنها شرك خفي
ّ
لك حجتنا} أي :حجة التوحيداألمن} الحقيقي الذي ال خوف معه {وهم ُم ْهتَدون} بالحقيقة إلى الحق {وِت َ
{أولئك لهم ْ
احتج بها إبراهيم على قومه {كل من الصالحين} الذين يقومون بصالح العالم وضبط نظامه وتدبيره الستقامتهم ّ التي
بالوجود الموهوب الحقاني بعد فناء الوجود البشري {وكالًّ فضلنا على} عالمي زمانهم.
{وما قدروا هللا حق قدره إذ قالوا ما أنزل هللا على َب َشر من شيء} أي :ما عرفوه حق معرفته إذ بالغوا في تنزيهه حتى
جعلوه بعيداً من عباده بحيث ال يمكن أن يظهر من علمه وكالمه عليهم شيء ولو عرفوه حق معرفته لعلموا أن ال
وجود لعباده وال لشيء آخر إال به .والكل موجود بوجوده ال وجود إال له جميع عالم الشهادة ظاهره وعالم الغيب
فأي حرج من ظهور بعض صفاته على مظهر بشري بل ال مظهر لكمال علمه الباطن باطنه ،ولكل باطن ظاهرّ ،
وحكمته إال اإلنسان الكامل .فالنبي من حيث الصورة ظاهره ،ومن حيث المعنى باطنه ينزل علمه على قلبه ويظهر
على لسانه ويدعو به عباده إلى ذاته وال إثنينية إال باعتبار تفاصيل صفاته .وأما باعتبار الجمع فال أحد موجود إال
هو ال النبي وال غيره ،فإذا اعتبرنا تفاصيل صفاته وأسمائه يظهر النبي تبعية الخاص في ذاته تعالى ببعض صفاته
ّ
نبوته يكون األعظم الذي ال تنفتح أبواب خزائن غيبه ووجوده وحكمته إال
ّ في ال
ً كام كان إذا
و أسمائه، من فيصير ً
ا اسم
به كما سمعت .فال تنكر إن عجبت وحرمت من فهمه وبهت ،فعسى أن يفتح هللا عين بصيرتك فترى ما ال عين رأت
ينور قلبك فتدرك ما ال خطر على قلب بشر.
أو سمع قلبك ،فتسمع ما ال أذن سمعت أو ّ
مجردين عن الصفات والعالئق واألهل واألقارب والوجود باالستغراق في عين جمع الذات {كما {ولقد جئتمونا فرادى} ّ
خولناكم} من الوسائل والعلوم والفضائل
خلقناكم أول مرة} بإنشاء ذرات هوياتكم في األزل عند أخذ الميثاق {وتركتم ما ّ
{وراء ظهوركم وما نرى معكم} وسائلكم وأسبابكم وما آثرتموه بهواكم وتعلقتم بها من محبوباتكم ومعبوداتكم {الذين
التفرق بينكم
زعمتم أنهم فيكم شركاء} بمحبتكم إياها وتعبدكم لها ونسبتكم التأثير إليها واعتباركم واعتدادكم بها قد وقع ّ
{وضل عنكم ما كنتم تزعمون} شيئاً موجوداً بشهودكم ثناء الكل في هللا.
ّ وتبدل الصور واألشكال
بتغير األحوال ّ
اح
صَب ِ ِ ِ
* َفال ُق اإل ْ ٰذلِ ُك ُم َّ
َّللاُ َفأََّن ٰى تُ ْؤَف ُكو َن الن َو ٰى ُي ْخ ِرُج اْل َح َّي ِم َن اْل َمِّي ِت َو ُم ْخ ِرُج اْل َمِّي ِت ِم َن اْل َح ِي
َّللاَ َفالِ ُق اْل َح ِّب َو َّ
ِإ َّن َّ
ّ
لِتَ ْهتَ ُدوْا ِب َها ِفي وم ُّ َّ ِ يز اْل َعلِي ِم * َو ُه َو الش ْم َس َواْلَق َم َر ُح ْسَباناً ٰذلِ َك تَْق ِد ُير اْل َع ِز ِ
و َج َعل اْلَّلْيل س َكناً و َّ
الذي َج َع َل َل ُك ُم الن ُج َ َ َ َ َ َ
س َٰو ِح َد ٍة َف ُم ْستََقٌّر َو ُم ْستَ ْوَدعٌ َق ْد َف َّ
صْلَنا َّنْف ٍ َكم ِّمن اآلي ِت لَِق ْو ٍم َي ْعَل ُمو َن * َو ُه َو َّال ِذي أ َ
َنشأ ُ ظُل َٰم ِت اْلَبِّر َواْلَب ْح ِر َق ْد َف َّ
صْلَنا َٰ ُ
اآلي ِت لَِق ْو ٍم َيْفَق ُهو َن
َٰ
{إن هللا فالق} حبة القلب بنور الروح عن العلوم والمعارف ونوى النفس بنور القلب عن األخالق والمكارم ُ
{ي ْخرج}
{وم ْخرج} ميت النفس عن حي القلب أخرى بإقباله عليها
حي القلب عن ميت النفس تارة باستيالء نور الروح عليها ُ
ّ ّ
واستيالء الهوى وصفات النفس عليه{ .ذلكم هللا} القادر على تقليب أحوالكم وتغليبكم في أطواركم {فأنى} تصرفون منه
اإلصَباح} أي :فالق ظلمة صفات النفس عن القلب بإصباح نور شمس الروح وإشراقه عليها {وجاعل} ِ
إلى غيره { َفالق ْ
وتستقر عن
ّ ظلمة النفس سكن القلب يسكن إليها لالرتفاق واالسترواح أحياناً أو سكناً تسكن فيه القوى البدنية
معتداً بهما .أو علمي حسب
االضطراب وشمس الروح وقمر القلب محسوبين في عداد الموجودات الباقية الشريفةّ ،
األحوال واألوقات تعتبر بهما {ذلك تقدير العزيز} القوي على ذلك {العليم} بأحوال البروز واالنكشاف والتستر
واالحتجاب بهما يعز تارة باحتجابه بهما وعنهما في ستور جالله ،وتارة بتجليه وقهرهما وإفنائهما يعلم ما يفعل
بحكمته.
{وهو الذي جعل لكم} نجوم الحواس {لتهتدوا بها في ظلمات} ّبر األجساد إلى مصالح المعاش وبحر القلوب باكتساب
العلوم بها {قد فصلنا اآليات} أي :الروح والقلب والحواس {لقوم يعلمون} ذلك {وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة} هي
{فمستقر} في أرض البدن حال الظهور {ومستودع} في عين جمع الذات حال الفناء{ .قد فصلنا} آيات
ّ النفس الكلية
الن ْخ ِل ِمن ض اًر ُّن ْخ ِرج ِم ْنه حباً ُّمتَر ِ َخرجنا ِم ْنه خ ِ ٍ ِ َنزل ِمن َّ ِ َّ ِ
اكباً َو ِم َن َّ ُ ُ َّ َ ات ُك ِّل َش ْيء َفأ ْ َ ْ َ ُ َ َخ َر ْجَنا ِبه َنَب َ
آء َفأ ْ
الس َمآء َم ً َو ُه َو الذي أ َ َ َ
ظ ُروْا ِإلِ ٰى ثَ َم ِِره ِإ َذآ أَ ْث َم َر َوَي ْن ِع ِه ِإ َّن ِفي ٰذلِ ُك ْمان ُم ْشتَِبهاً َو َغ ْي َر ُمتَ َٰشِب ٍه ْان ُ اب و َّ
الزْيتُو َن َو ُّ
الرَّم َ ان َد ِاني ٌة وج َّٰن ٍت ِم ْن أ ْ ٍ َِ ِ
َعَن َ طْلع َها ق ْن َو ٌ َ َ َ ّ
صُفو َن * أل َٰي ٍت ِّلَقو ٍم يؤ ِمنو َن * وجعُلوْا ََّّللِ ُشرَكآء اْل ِج َّن وخَلَقهم وخرُقوْا َله بِنين وب ٰن ٍت ِب َغي ِر ِعْل ٍم سب ٰحنه وتَ ٰعَلى ع َّما ي ِ
ُ ْ ََ ُ َ َ ٰ َ َ ْ ُ َ َ َ ََ َ َ ُْ َ ََ َ َ َ ََ ْ ُْ ُ َ
يم ٍ ِ ض أََّن ٰى ي ُكو ُن َل ُه وَلٌد وَلم تَ ُك ْن َّل ُه ٰص ِحب ٌة و َخَلق ُك َّل َشي ٍء ُ ِ ِ الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ ِ
وه َو ب ُك ّل َش ْيء َعل ٌ ْ َ َ َ َ َ َ ْ َ يع َّ َ َ َ َبد ُ
{وهو الذي أنزل} من سماء الروح ماء العلم {فأخرجنا به نبات} كل صنف من األخالق والفضائل {فأخرجنا} من
النبات هيئة خضرة النفس وزينة حسنة جميلة وبهجة بالعلم والخلق {نخرج} من تلك الهيئة والنفس الطرية الغضة
يتقوى بها القلب ،ومن نخل العقل من ظهور تعلقها معارف وحقائق قريبة
ونيات صادقة ّ
أعماالً مترتبة شريفة مرضيةّ ،
أعَناب} األحوال واألذواق وخصوصاً أنواع المحبة القلبية المسكر
{وجنات من ْ
التناول لظهورها بنور الروح كأنها بديهية ّ
عصيرها وسالفها ،وزيتون التف ّكرّ ،
ورمان التوهمات الصادقة التي هي الهمم الشريفة ،والعزائم النفيسة {مشتبهاً}
النيات وكمحبة الذات ومحبة الصفات {وغير بعضها ببعض كالتعقالت والتفكرات والمعارف والحقائق واألعمال و ّ
متشابه} كأنواع المحبة مع األعمال مثالً ،أو مشتبهاً في رتبتها وقوتها وضعفها وجالئها وخفائها وغير متشابه فيه
ظروا إلى ثمره إذا أثمر} وراعوه بالمراقبة عند السلوك وبدء الحال ،وليكن نظركم من اللذات إلى هذه الثمرات
{ان ُ
{وينعه} وكماله عند الوصول بالحضور {إن في ذلكم آليات لقوم يؤمنون} باإليمان العلمي ،ويوقنون هذه اآليات
ّ
عددناها.
واألحوال التي ّ
{عما يصفون} به ّ
علواً كبي اًر . وتعاظم ّ
ص ُر َو ُه َو ُي ْد ِر ُ
ك َّ
يل * ال تُ ْد ِرُك ُه األ َْب َٰ
ٍ ِ
اعُب ُدوهُ َو ُه َو َعَل ٰى ُك ّل َش ْيء َو ِك ٌ
ٍ ِ َّ
ُّك ْم ال ِإَلـ َٰه ِإال ُه َو َٰخل ُق ُك ِّل َش ْيء َف ْ ٰذلِ ُك ُم َّ
َّللاُ َرب ُ
ِكم َفمن أَبصر َفلِنْف ِس ِه ومن ع ِمي َفعَليها ومآ أَن ْا عَلي ُكم ِبحِف ٍ
يظ الل ِطيف اْلخِبير * َق ْد جآء ُكم ب ِ ِ األَب ٰصر وهو َّ
َ َ ْ َ َ َ َْ َ َ َ َ ْ ْ َ صآئ ُر من َّرّب ُ ْ َ ْ ْ َ َ َ َ َ ْ ََ ُ َ ُ ْ َ َ َ َُ
َّ ِ ِ ِ ِ ِٰ
ض َع ِر ْ ِك ال ِإَلـ َٰه ِإال ُهَو َوأ ْ اآليات َولَِيُقوُلوْا َد َرْس َت َولُِنَبِّيَن ُه لَق ْو ٍم َي ْعَل ُمو َن * اتَِّب ْع َمآ أُوح َي ِإَل ْي َك من َّرّب َ ف َ صِّر ُ * َوَكذل َك ُن َ
َّ ِ َنت َعَلي ِهم ِبو ِك ٍ ِ ِ
ين َي ْد ُعو َن يل * َوالَ تَ ُسُّبوْا الذ َ اك َعَل ْيه ْم َحفيظاً َو َمآ أ َ ْ َ َش َرُكوْا َو َما َج َعْلَن َ َّللاُ َمآ أ ْ
آء َّ ين * َوَل ْو َش َ َع ِن اْل ُم ْش ِرِك َ
ُم ٍة َع َمَل ُه ْم ثُ َّم ِإَل ٰى َرِّب ِه ْم َّم ْرِج ُع ُه ْم َفُيَنِّبُئ ُه ْم ِب َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن َّللاِ َفَي ُسُّبوْا َّ
َّللاَ َع ْدواً ِب َغ ْي ِر ِعْل ٍم َك َذلِ َك َزيََّّنا لِ ُك ِّل أ َّ ِمن ُدو ِن َّ
{ذلكم} البديع العديم المثل الموصوف بجميع هذا الصفات {هللا رّبكم ال إله} في الوجود {إال هو} أي :ال موجود إال
هو باعتبار الجمع {خالق كل شيء} باعتبار تفاصيل صفاته فخصوا العبادة به ،أي :بالوجود الموصوف بجميع
الصفات الذي هو هللا دون من سواه {وهو على كل شيء وكيل} أي :ال يستحق العبادة إال المبدئ لكل شيء وهو مع
ذلك وكيل على الكل يحفظها ويدبرها ويوصل إليها األرزاق وما تحتاج إليه حتى تبلغ الكمال الالحق بها .
{ال تدركه األبصار} أي :ال تحيط به ألنه اللطيف الجليل عن إدراكها ،وكيف تدركه وهي ال تدرك أنفسها التي هي
صار} إلحاطته بكل شيء ولطف إدراكه {قد جاءكم بصائر من رّبكم} أي :آيات ّبينات هي نور منه؟! {وهو ُي ْد ِرك ْ
األب َ
أن البصر نور تبصر به صور تجليات صفاته التي هي أنوار بصائر القلوب .والبصيرة نور يبصر به القلب ،كما ّ
مضرة احتجابه ال
ّ صر} أي :صار بصي اًر بها ،فإنما فائدة إبصاره وهدايته لنفسه ومن حجب عنها فإنما
العين{ ،فمن ْأب َ
عدواً} إلى آخره ،يلزم من ترتب مراتب األرواح أن مقابلة أصفى االستعدادات وأنورها بأكدرهانبي ّ {وكذلك جعلنا لكل
ّ
العدو في مقابلته له أن الكمال
نبي للتضاد الحقيقي بينهما .وفائدة وجود ّ عدو لكل
وأظلمها وأبعدها ولزم منه وجود ّ
ّ
قدر له بحسب استعداده ال يظهر عليه إال بقوة المحبة لالستمداد ،وأما القهر فالنكسار نفسه به وبإهانته
الذي ّ
بالعدو ذاهالً عنها لفرط
ّ واستخفافه له ،وتثبته عند مقابلته في مقام القلب وتجلده معرضاً عن النفس ولذاتها الشتغاله
الحمية والحرص على الفضيلة التي يقهر بها العدو واالحتراز عن المالبس الحيوانية والشيطانية ليبعد بها عن مقامه
يتطرق له سبيل إلى طعنه وتحقيره وازدرائه بها ،ولهذا قال صلى هللا عليه وسلم" :ما أُوِذي نبي قط
ومناسبته ولئال ّ
ّ
مثل ما أُوذيت" ،إذ ال كمال ألحد مثل كماله فيجب أن يكون سبب إخراجه إلى الفعل أقوى لغاية بعده عن صفات
النفس وعاداتها.
{ولتصغى إليه أفئدة الذين ال يؤمنون باآلخرة} ولتميل إليه المحجوبون لمناسبتهم {وليرضوه} لمحبتهم إياه ،فتقوى
وك َعن * وإِن تُ ِطع أَ ْكثَر من ِفي األَر ِ ِ ُّ ِ ص ْدقاً وع ْدالً الَّ مبِّد ِل لِ َكلِم ِات ِه وهو َّ ِوتَ َّم ْت َكلِمت ربِك ِ
ض ُيضل َ ْ ْ َ َ َ يم
يع اْل َعل ُ
السم ُ َ َ َُ َُ ََ َ ُ َّ َ َ
ِ ِ ِ ِ َّ َّ َّ ِ ِ
َعَل ُم َمن َيض ُّل َعن َسِبيله َو ُهَو أَ ْعَل ُم ِباْل ُم ْهتَد َ
ين * أْ صو َن * ِإ َّن َرب َ
َّك ُه َو ِ ِ سِبيل َّ ِ َِّ
َّللا إن َيتب ُعو َن إال الظ َّن َوإِ ْن ُه ْم إال َي ْخ ُر ُ َ
َّللاِ َعَل ْي ِه َوَق ْد َف َّ
ص َل َل ُك ْم َّما َحَّرَم اس ُم َّ ِ َّللاِ عَلي ِه ِإن ُكنتُم ِبآي ِات ِه مؤ ِمِنين * وما َل ُكم أَالَّ تَأ ُ ِ
ْكُلوْا م َّما ُذك َر ْ ََ ْ ْ َ ُْ َ اس ُم َّ َ ْ
ِ ِ
َف ُكُلوْا م َّما ُذك َر ْ
وقدر من إسالم من أسلم وكفر من كفر ومحبة{وتمت كلمة رّبك صدقاً وعدال} أي :تم قضاؤه في األزل بما قضى ّ ّ
أحب أحداً ،وعداوة من عادى قضاء مبرماً وحكماً صادقاً مطابقاً لما يقع عادالً بمناسبة كل قول وكل كمال
من ّ
مبدل} ألحكامه األزلية {وهو السميع} لما يظهرون من األقوال
وحال ،الستعداد من يصدر عنه واقتضائه له {ال ّ
المقدرة {العليم} بما يخفون {أكثر من في األرض} أي :من في الجهة السفلية بالركون إلى الدنيا وعالم النفس
واألفعال ّ
والطبيعة {يضلوك عن سبيل هللا} بتزيينهم زخارفهم عليك ودعوتهم إياك إلى ما هم فيه {إن يتّبعون إال ّ
الظن} لكونهم
محجوبين في مقام النفس باألوهام والخياالت عن اليقين {وإن هم إال} يخمنون المعاني بالصور واآلخرة بالدنيا،
المحرمات.
ّ ويقدرون أحوال المعاد وذات الحق وصفاته كأحوال المعاش وذواتهم وصفاتهم فيشركون ويحلون بعض
ّ
مر في (المائدة) ومسبب للنهي عن طاعة المضلين واتباعهم {ظاهر اإلثم} سيئات {فكلوا} إلى آخره ،معلوم مما ّ
األعمال واألقوال الظاهرة على الجوارح {وباطنه} العقائد الفاسدة والعزائم الباطلة {أو من كان ميتاً} بالجهل ،وهو
النفس وباحتجابه بصفاتها {فأحييناه} بالعلم ومحبة الحق أو بكشف حجب صفاته بتجليات صفاتنا {وجعلنا له نو اًر}
من هدايتنا وعلمنا أو نو اًر من صفاتنا أو نو اًر منا بقيوميتنا له بذاتنا على حسب مراتبه ،كمن صفته هذا ،أي :هذا
القول وهو أنه في ظلمات من نفسه وصفاتها وأفعالها ليس بخارج منها {كذلك زّين} للمحجوبين عملهم فاحتجبوا به.
{وكذلك جعلنا في كل قرية} للحكمة المذكورة في إعالء األنبياء وكذا في قرية وجود اإلنسان التي هي البدن ،جعلنا
األمارة ليمكروا فيها بإضالل القلب وفتنته وإغوائه {وما يمكرون إال بأنفسهم} ألن عاقبة
أكابر مجرميها من قوى النفس ّ
مكرهم راجعة إليهم باحتراقهم بنيران فقدان اآلالت واألسباب في جحيم الهوى والحرمان عن اللذات والشهوات وحصول
اآلالت الجسمانية عند خراب البدن وعند المعاد والبعث في أقبح الصور على أسوأ األحوال.
{وإذا جاءتهم آية} من صفة قلبية وإشراق نوري من هيئة ملكية خلقية ،أو علم وحكمة وفيض من روح ينكرونها
باإلعراض عنها ،ويتمنون من قبل الوهم والخيال إدراكات مثل إدراكات العقل والفكر وتركيبات تخيلية ومغالطات
وهمية يعارضون بها البراهين الحقة حتى يؤمنوا بها ويذعنوا لها{ .هللا أعلم حيث يجعل رسالته} ال يضعها إال
المجردة من المواد الهيوالنية {سيصيب الذين أجرموا} باحتجابهم ومكرهم في إضاللهم
ّ مواضعها من القوى الروحانية
استعد للهدى أو اهتدى من القلوب الصافية {صغار عند هللا} بزوال قدرتهم وتمكنهم بخراب البدن {وعذاب شديد}
ّ من
بحرمانهم عما يالئمهم ووصول ما ينافيهم في المعاد الجسماني بسبب مكرهم.
{فمن يرد هللا أن يهديه} من هذه القوى لالنقياد للعقل {يشرح صدره} أي :يسهل عليه ويجعل وجهه الذي يلي القلب ذا
نتوء وسعة لقبول نوره وممكناً من استسالمه له {ومن يرد أن يضّله يجعل صدره} يعسر عليه ويعجزه عن ذلك {حرجاً}
ذا ظلمة وقصور استعداد عن قبول النور كأنما يزاول أم اًر ممتنعاً في االستنارة بنور القلب وطلب الفيض منه .على
هذا التأويل الذي ذكرناه وعلى المعنى الظاهر المراد من اآلية السابقة .فمن يرد هللا أن يهديه للتوحيد يشرح صدره
بقبول نور الحق وإسالم الوجود إلى هللا بكشف حجب صفات نفسه عن وجه قلبه الذي يلي النفس ،فيفسح لقبول نور
الحق .ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً باستيالئها عليه وضغطها له {كأنما يصعد} في سماء روحه مع
تلك الهيآت البدنية وذلك أمر محال.
التلوث بلوث التعلقات المادية أو رجس التعذب بالهيآت البدنية {على الذين ال يؤمنون}.
{كذلك يجعل هللا} رجس ّ
ُّه ْم ِب َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * ِ ات لَِقو ٍم ي َّذ َّكرون * َلهم دار َّ ٰ ِ صْلنا اآلي ِ ِ وهـٰ َذا ِ
السَل ِم ع َند َرِّبه ْم َو ُه َو َولِي ُ ُْ َ ُ ْ َ ُ َ ِك ُم ْستَقيماً َق ْد َف َّ َ َ ط َرّب َص َار ُ ََ
ضَنا ِبَب ْع ٍ آؤ ُهم ِم َن ِ
اإل ْن ِ وَيوم يِ ْح ُش ُرُهم َج ِميعاً َٰيم ْع َش َر اْل ِج ِّن َق ِد استَ ْكثَ ْرتُم ِم َن ِ
اإل ْن ِ
ض َوَبَل ْغَنآ استَ ْمتَ َع َب ْع ُ
س َربََّنا ْ ال أ َْولَِي ُ ّ س َوَق َ ْ ّ ْ َ ْ َ َْ
ِ ِ
النار م ْث ٰوُكم ٰخلِدين ِف ِ َّ ِ
َجَلَنا َّالذي أ َّ
ليم
يم َع ٌ َّللاُ ِإ َّن َرب َ
َّك َحك ٌ آء َّيهآ إال َما َش َال َّ ُ َ َ ْ َ َ َ َجْل َت َلَنا َق َ أَ
{وهذا} أي :طريق التوحيد وإسالم الوجه إلى هللا {صراط ربك مستقيماً} ال اعوجاج فيه بوجه من الوجوه يميل إلى
جانب الصورة وإلى جانب المعنى أو إلى النظر إلى الغير والشرك به {قد فصلنا اآليات لقوم يذكرون} المعارف
والحقائق التي هي مركوزة في استعدادهم فيهتدوا بها {لهم دار السالم} السالمة من كل نقص وآفة وخوف ظهور صفة
ووجود بقية {عند رّبهم} في حضرة صفاته أو حضرة ذاته {وهو وليهم} يعطيهم محبته وكماله ،ويدخلهم في ظل
صفاته وذاته ،ويجعلهم في أمانه بالبقاء السرمدي بعد فناء حدثانهم بسبب أعمالهم القلبية والقالبية في سلوكهم .
صو َن َعَل ْي ُك ْمس أََل ْم َيأِْت ُك ْم ُرُس ٌل ِّم ْن ُك ْم َيُق ُّ ين َب ْعضاً ِبما َك ُانوْا َي ْك ِسُبو َن * َٰيم ْع َش َر اْل ِج ِّن و ِ
اإل ْن ِ َّٰ ِ ِ ِ ِٰ
َ َ َ ض الظلم َ َوَكذل َك ُن َوّلي َب ْع َ
ِ ِ ون ُك ْم لَِقآء َي ْو ِم ُك ْم َهـٰ َذا َقاُلوْا َش ِه ْدَنا َعَل ٰى أ َْنُف ِسَنا َو َغَّرْت ُهم اْل َحَياةُ ُّ ِ ِ
الد ْنَيا َو َش ِه ُدوْا َعَل ٰى أ َْنُفس ِه ْم أََّن ُه ْم َك ُانوْا َكاف ِر َ
ين ُ َ َآياتي َوُينذ ُر َ
َهُل َها َٰغِفُلو َن * َولِ ُك ٍّل َد َر َٰج ٌت ِّم َّما َع ِمُلوْا َو َما َرُّب َك ِب َٰغِف ٍل َع َّما َي ْع َمُلو َن * ُّك ُم ْهلِ َك اْلُق َر ٰى ِب ُ َّ ِٰ
ظْل ٍم َوأ ْ * ذل َك أَن ل ْم َي ُك ْن َّرب َ
ين * ِإ َّن َما ِ َنشأ ُ ِ ِ الرحم ِة ِإن ي َش ْأ ي ْذ ِهب ُكم ويستَ ْخلِ ِ ِ
آخ ِر َ
َك ْم ّمن ُذِّريَّة َق ْو ٍم َ آء َك َمآ أ َ ف من َب ْعد ُك ْم َّما َي َش ُ ْ َ ُ ْ ْ ََْ ُّك اْل َغن ُّي ُذو َّ ْ َ َوَرب َ
ف تَ ْعَل ُمو َن َمن تَ ُكو ُن َل ُه َٰعِقَب ُة َّ ِ ِ ٍ
الد ِار اع َمُلوْا َعَل ٰى َم َك َانت ُك ْم ِإَّني َعام ٌل َف َس ْو َ ين * ُق ْل َٰيَق ْو ِم ْ وع ُدو َن آلت َو َمآ أَنتُم ِب ُم ْع ِج ِز َ تُ َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ٰ
َّ ِ ِ
ِإَّن ُه الَ ُيْفل ُح الظل ُمو َن * َو َج َعُلوْا ََّّلل م َّما َذ َأَر م َن اْل َح ْرث َواأل َْن َٰع ِم َنصيباً َفَقاُلوْا َهـٰ َذا ََّّلل ِب َز ْعم ِه ْم َو َهـٰ َذا ل ُش َرَكآئَنا َف َما َك َ
ان
صل ِإَلى ُشرَك ِآئ ِهم سآء ما يح ُكمو َن * وَك ٰذلِك َزيَّن لِ َكِث ٍ ِ ِ ِ صل ِإَلى َّ ِ ِ ِ
ير ّم َن اْل ُم ْش ِرِك َ
ين َ َ َ ان ََّّلل َف ُه َو َي ُ ٰ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ َّللا َو َما َك َ لِ ُش َرَكآئ ِه ْم َفالَ َي ُ ٰ
َّللاُ َما َف َعُلوهُ َف َذ ْرُه ْم َو َما َيْفتَ ُرو َن * َوَقاُلواْ َهـ ِٰذِه أ َْن َٰع ٌم َو َح ْر ٌث
آء َّ ِ ِ آؤ ُهم لُِي ْرُد ُ ِ ِ ِٰ ِ
وه ْم َولَيْلب ُسوْا َعَل ْيه ْم د َين ُه ْم َوَل ْو َش َ َق ْت َل أ َْوَلده ْم ُش َرَك ُ ْ
يهم ِب َماَّللاِ َعَل ْيها ا ْفِت َرآء َعَل ْي ِه سَي ْج ِز ِ َّ آء ِب َز ْع ِم ِه ْم َوأَْن َٰع ٌم ُحِّرَم ْت ُ ِ َّ ِح ْجٌر الَّ َي ْ
َ ً َ ورَها َوأ َْن َٰع ٌم ال َي ْذ ُك ُرو َن ْ
اس َم َّ ظ ُه ُ َّ
ط َع ُم َهآ إال َمن ن َش ُ
ِِ ِ طو ِن َهـ ِٰذِه األ َْن َٰع ِم َخالِ َ ِ ِ َك ُانوْا َيْفتَ ُرو َن * َوَقاُلوْا َما ِفي ُب ُ
ص ٌة ّل ُذ ُكورَنا َو ُم َحَّرٌم َعَل ٰى أ َْزَٰوجَنا َوِإن َي ُكن َّم ْيتَ ًة َف ُه ْم فيه ُش َرَك ُ
آء
َّللاِ يهم وصَفهم ِإَّنه ِح ِكيم علِيم * َق ْد خ ِسر َّال ِذين َقَتُلوْا أَوَٰلدهم سَفهاً ِب َغي ِر ِعْل ٍم وح َّرموْا ما رَزَقهم َّ ِ
آء َعَلى َّ َّللاُ ا ْفت َر ً َ َ ُ َ َ ُُ ْ ْ َ ُْ َ َ َ َ ٌ َ ٌ َسَي ْج ِز ِ ْ َ ْ ُ ْ ُ
ٰ
ُكُل ُه و َّ
الزْيتُو َن الزر َ ِ
ع ُم ْخَتلفاً أ ُ َ
وش ٍت َو َّ
الن ْخ َل َو َّ ْ وش ٍت َو َغ ْي َر َم ْع ُر َٰ ين * َو ُه َو َّال ِذي أ َ
َنشأَ َجَّن ٍت َّم ْع ُر َٰ ِ َق ْد ُّ
ضلوْا َو َما َك ُانوْا ُم ْهتَد َ َ
ِ الرَّمان متَ َٰشِبهاً وغير متَ َٰشِب ٍه ُكُلوْا ِمن ثَم ِِره ِإ َذآ أَ ْثمر وآتُوْا حَّقه يوم ح ِ ِ
ين * َو ِم َن صاده َوالَ تُ ْس ِرُفوْا ِإَّن ُه الَ ُيح ُّب اْل ُم ْس ِرِف َ َ ُ َْ َ َ َ ََ َ َ َ َ َْ ُ َو ُّ َ ُ
ْن ا ْثَن ْي ِنالضأ ِين * ثَ َٰمِنَي َة أ َْزَٰو ٍج ِّم َن َّ الش ْي َٰ
ط ِن ِإَّن ُه َل ُك ْم َع ُدٌّو ُّمِب ٌ ط ٰو ِت َّ َِّ األ َْن َٰع ِم َح ُموَل ًة َوَف ْرشاً ُكُلوْا ِم َّما َرَزَق ُك ُم َّ
َّللاُ َوالَ تَتب ُعوْا ُخ ُ َ
ين * َو ِم َن اشتَمَل ْت عَلي ِه أَرحام األُنثَيي ِن َنِبُئوِني ِب ِعْل ٍم ِإن ُكنتُم ٰ ِ ِ و ِمن اْلمع ِز ا ْثَني ِن ُقل ء َّ
آلذ َك َرْي ِن َحَّرَم أَ ِم األُنثََي ْي ِن أ َّ
ص دق َ ْ َ َْ ّ َْ َْ ُ َما ْ َ ْ ْ َ َ َ َْ
آء ِإ ْذ َو َّٰ ِ اإلب ِل ا ْثَني ِن و ِمن اْلبَق ِر ا ْثَني ِن ُقل ء َّ
ص ُك ُم ِ
ام األ ُْنثََي ْين أ َْم ُكنتُ ْم ُش َه َد َ
اشتَ َمَل ْت َعَل ْيه أ َْر َح َُما ْ آلذ َك َرْي ِن َحَّرَم أَ ِم األ ُْنثََي ْي ِن أ َّ ْ ْ َ ْ َ َ َ ِْ
ين * ُقل الَّ أَ ِج ُد ِفي َّٰ ِ ِ ِ اس ِب َغ ْي ِر ِعْل ٍم ِإ َّن َّ ض َّل َّ َّللاِ َك ِذباً لِي ِ
ظَل ُم ِم َّم ِن ا ْفتَ َر ٰى َعَلى َّ
َّللاُ ِب َهـٰ َذا َف َم ْن أَ ْ
َّللاَ الَ َي ْهدي اْلَق ْوَم الظلم َ الن َ ُ َّ
ير َفِإَّن ُه ِر ْج ٌس أ َْو ِف ْسقاً أ ُِه َّل لِ َغ ْي ِر ط َع ُم ُه ِإالَّ أَن َي ُكو َن َم ْيتَ ًة أ َْو َدماً َّم ْسُفوحاً أ َْو َل ْحم ِخ ِ
نز ٍ
َ
ط ِ
اع ٍم َي ْ َمآ أ ُْو ِح َي ِإَل َّي ُم َحَّرماً َعَل ٰى َ
ين َه ُادوْا َحَّرْمَنا ُك َّل ِذي ُ َّ ِ ِ ٍ َّ ِ ِ
ظُف ٍر َو ِم َن اْلَبَق ِر َواْل َغَن ِم يم * َو َعَلى الذ َ ور َّرح ٌ َّك َغُف ٌ طَّر َغ ْي َر َبا ٍغ َوالَ َعاد َفِإ َّن َرب َ اض ُ َّللا ِبه َف َم ِن ْ
ص ِدُقو َن * َفِإن ٰ ِ ِِ ِ ط ِبع ْ ٰ ِ
ظ ٍم ذل َك َج َزْيَن ُهم بَب ْغيه ْم وإَِّنا َل َٰ اخَتَل َ َ ورُه َما أ َِو اْل َح َو َايآ أ َْو َما ْ وم ُه َمآ ِإالَّ َما َح َمَل ْت ُ
ظ ُه ُ ِ
َحَّرْمَنا َعَل ْيه ْم ُش ُح َ
ول َّال ِذي َن أ ْ ٍ ِ ٍ َّ
َش َرْكَنا َوالَ َّللاُ َمآ أ ْ
آء َّ َش َرُكوْا َل ْو َش َ ين * َسَيُق ُ ْس ُه َع ِن اْلَق ْو ِم اْل ُم ْج ِرِم َ ُّك ْم ُذو َر ْح َمة َواس َعة َوالَ ُي َرُّد َبأ ُ وك َفُق ْل َّرب َُكذُب َ
ْسَنا ُق ْل َه ْل ِع َند ُكم ِّم ْن ِعْل ٍم َفتُ ْخ ِرُجوهُ َلَنآ ِإن تَتَِّب ُعو َن اؤَنا والَ َحَّرمَنا ِمن َشي ٍء َك ٰذلِ َك َك َّذ َب َّال ِذ َ ِ ِ ِ َّ
ين من َقْبلهم َحت ٰى َذا ُقوْا َبأ َ ْ ْ َآب ُ َ
ين َّ ِ اكم أ ِ ِ َِّ ِ الظ َّن َوإِ ْن أَنتُ ْم إَالَّ تَ ْخ ُر ُ ن
ِإالَّ َّ
آء ُك ُم الذ َ ين * ُق ْل َهُل َّم ُش َه َد َ َج َمع َ آء َل َه َد ُ ْ ْصو َ * ُق ْل َفلله اْل ُح َّج ُة اْلَبال َغ ُة َفَل ْو َش َ
َّللا حَّرم هـٰ َذا َفِإن َش ِه ُدوْا َفالَ تَ ْشه ْد معهم والَ تَتَِّبع أَهوآء َّال ِذين َك َّذبوْا ِبآي ِاتَنا و َّال ِذين الَ يؤ ِمُنو َن ِب ِ
اآلخ َرِة َو ُهم َي ْش َه ُدو َن أ َّ
َ ُ َ َ َ ُْ ْ َْ َ َ ََُْ َ َن َّ َ َ َ َ
ِب َرِّب ِه ْم َي ْع ِدُلو َن
تشقني؟
قال الجدار للوتد :لم ّ
وكشهادة األيدي واألرجل بصورها التي تناسب هيآت أفعالها وتعذبها بها {ذلك} إشارة إلى إرسال الرسل وتبيين
اآليات وإلزام الحجة باإلنذار والتهديد ،أي :األمر ذلك ألن رّبك لم يكن مهلك القرى على غفلتهم ظالماً ألنه ينافي
الحكمة.
الحجة البالغة} أي :إن كان ظنكم صدقاً في تعليق شرككم بمشيئة هللا فليس لكم حجة على المؤمنين وعلى
{قل فلله ّ
وتصدقوهم بل هلل الحجة عليكم في وجوب
ّ غيركم من أهل دين ،لكون كل دين حينئذ بمشيئة هللا ،فيجب أن توافقوهم
حرم رّبكم عليكم} لما أثبت أن المشركين في التحريم والتحليل ّيتبعون أهواءهم ،إذ الشرك في نفسه
أتل ما ّ
{قل تعالوا ُ
أمروا عليهم الهوى وعبدوه وأطاعوا
ليس إال عبادة الهوى والشيطان .فلما احتجبوا بصفات النفس عن صفات الحق ،و ّ
أوامره ونواهيه في التحريم والتحليلّ ،بين أن التحريم والتحليل المتّبع فيهما أمر هللا تعالى ما هما ،ولما كان الكالم
عدد المحرمات ليستدل بها على المحلالت فحصر جميع أنواع الفضائل بالنهي عن أجناس معهم في تحريم الطيبات ّ
الرذائل وابتدأ بالنهي عن رذيلة القوة النطقية التي هي أشرفها .فإن رذيلتها أكبر الكبائر ،مستلزمة لجميع الرذائل،
القوتين البهيمية والسبعية فقال{ :أال تشركوا به شيئاً} إذ الشرك من خطئها في النظر
بخالف رذيلة أخويها من ّ
وقصورها عن استعمال العقل ودرك البرهان وعّقبه بإحسان الوالدين ،إذ معرفة حقوقهما تتلو معرفة هللا في اإليجاد
والربوبية ألنهما سببان قريبان في الوجود والتربية وواسطتان جعلهما هللا تعالى مظهرين لصفتي إيجاده وربوبيته ،ولهذا
قال صلى هللا عليه وسلم" :من أطاع الوالدين فقد أطاع هللا ورسوله" .فعقوقهما يلي الشرك وال يقع الجهل بحقوقهما إال
عن الجهل بحقوق هللا تعالى ومعرفة صفاته ،ثم بالنهي عن قتل األوالد خشية الفقر ،فإن ارتكاب ذلك ال يكون إال
عن الجهل والعمى عن تسبيبه تعالى الرزق لكل مخلوق وأن أرزاق العباد بيده يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر.
مقدرة بإزاء األعمار كتقدير اآلجال ،فأوالها ال تقع إال من خطئها في
سر القدر ،فال يعلم أن األرزاق ّ
واالحتجاب عن ّ
أن فضائلها
ثم أراد أن يبين أن الرذائل الثالث مستلزمة باجتماعها رذيلة الجور التي هي أعظمها وجماعها كما ّ
تستلزم العدالة التي هي كمالها والشاملة لها فقال{ :وال تقربوا مال اليتيم} بوجه من الوجوه {إال بالتي هي أحسن} إال
أشده} فينتفع به ،ال باألكل واإلنفاق في مآربكم واإلتالف فإنه
بالخصلة التي هي أحسن من حفظه وتثميره {حتى يبلغ ّ
أفحش .ولما ّبين تحريم أجناس الرذائل األربع بأسرها على التفصيل أمر بإيجاب الفضائل األربع باإلجمال ،إذ تفصيل
الرذائل يغني عن تفصيل مقابالتها وذلك أنها مندرجة بأسرها في العدالة فأمر بها في جميع الوجوه فعالً وقوالً وقال:
فاع ِدلوا} أي :ال تقولوا
{وأوفوا الكيل والميزان بالقسط} أي :حافظوا على العدل فيما بينكم وبين الخلق مطلقاً {وإذا قلتم ْ
ِعهد هللا ْأوُفوا} أي:
إال الحق {ولو كان} المقول فيه {ذا قربى} فال تميلوا في القول له أو عليه إلى زيادة أو نقصان {وب َ
{وأن هذا} أي :طريق الفضائل ألن منبع الفضيلة هي الوحدة .أال ترى أنها أواسط واعتداالت بين طرفي إفراط وتفريط
ال يمكن سلوكها على التعيين بالحقيقة إال لمن استقام في دين هللا إليه وأيده هللا بالتوفيق لسلوك طريق الحق حتى
وصل إلى الفناء عن صفاته ثم عن ذاته .ثم اتصف في حال البقاء بعد الفناء بصفاته تعالى حتى قام باهلل فاستقام
فيه وبه فحينئذ يكون صراطه صراط الحق وسيره سير هللا {صراطي مستقيماً} أي :طريقي ال يسلكها إال من قام بي
مستوياً غير مائل إلى اليمين والشمال لغرض {فاتّبعوه وال تتّبعوا السبل} من المذاهب المتفرقة واألديان المختلفة فإنها
وعتواً وحيرة .وروى ابن مسعود
أوضاع وضعها أهل االحتجاب بالعادات واألهواء ،أي :وضع لهم لئال يزدادوا ظلمة ّ
ط عن يمينه وشماله خطوطاً طاً فقال" :هذا سبيل الرشاد"" ،ثم خ ّ
طخّ
"عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،أنه خ ّ
{فتفرق بكم عن سبيله ذلكم} أي :سلوك
فقال" :هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه" ثم تال هذه اآليةّ :
{وصاكم به لعلكم تتقون} السبل المتفرقة باالجتناب عن مقتضيات األهواء ودواعي النفوس
طريق الوحدة والفضيلة ّ
وتجعلون هللا وقاية لكم في مالزمة الفضائل ومجانبة الرذائل .
كتاب أنزلناه ُمَبارك} بزيادة الهداية إلى محض التوحيد واإلرشاد إلى سواء السبيل يهدي بأقرب الطرق إلى أرفع
{وهذا ٌ
الدرجات من الكمال {فاتّبعوه واتّقوا} كل ما سوى هللا حتى ذواتكم وصفاتكم {لعلكم ترحمون} رحمة االستقامة باهلل وفي
هللا بالوجود الموهوب{ .أو تقولوا لو ّأنا أ ُْن ِزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم} ّ
لقوة استعداداتنا وصفاء أذهاننا إن صدقتم
{فقد جاءتكم بينة من ربكم} بيان لكيفية سلوككم {وهدى} إلى مقصدكم {ورحمة} بتسهيل طريقكم وتيسيرها إلى أشرف
الكماالت.
{هل ينظرون إال أن تأتيهم المالئكة} لتوفي روحهم {أو يأتي رّبك} بتجلية في جميع الصفات كما ّ
مرت اإلشارة إليه
تحول الصورة في القيامة ،فال يعرفه إال الموحدون الكاملون .وأما أهل المذاهب والملل المختلفة فال يعرفونه إال في
من ّ
صورة معتقدهم {أو يأتي بعض آيات رّبك} تجليه في بعض الصفات التي لم يعرفوه بها {يوم يأتي بعض آيات رّبك}
فإن الناس إما محجوبون
بعض تجلياته التي لم يأنسوا بها أو لم يعرفوها {ال ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من َقبل} ّ
مطلقاً أو ليسوا كذلك ،وهم إما مؤمنون لعرفانهم ببعض الصفات أو بكلها ،والمؤمنون به العارفون إياه بكلها إما
محبون للذات وإما محبون للصفات ،فإذا تجلى الحق ببعض الصفات ال ينفع إيمان المحجوبين مطلقاً ،وإيمان
المؤمنين الذين لم يعرفوه بهذه الصفة من قبل هذا التجلي ،إذ اإليمان إنما ينفع إذا صار عقيدة ثابتة راسخة يتمثل بها
وتتنور بها النفس وتشاهد بها الروح ،ال الذي يقع عند االضطرار دفعة {أو كسبت في إيمانها خي اًر} كإيمان
القلب ّ
المحبين للصفات ،فإنهم وإن آمنوا به وعرفوا بتجليه بكل الصفات .فلما لم يكتسبوا المحبة الذاتية ،والكمال
ّ العارفين،
القهار أو المبلي لم
أحبوه ببعض الصفات ،كالمنعم مثالً أو اللطيف أو الرحيم فإذا تجلى بصفة المنتقم أو ّ
المطلق ،و ّ
يحبوا الذات فيلتذوا بشهوده في أي صفة
يتمرنوا بتجليه ولم ّ
ينفعهم اإليمان به ،إذ لم يطيعوه من قبل بهذا الوصف ولم ّ
كانت .
آء ن ِ ِ ِإ َّن َّال ِذين َفَّرُقوْا ِدينهم وَكانوْا ِشيعاً َّلست ِمنهم ِفي شي ٍء ِإَّنمآ أَمرهم ِإَلى َّ ِ
َّللا ثُ َّم ُيَنّبُئ ُهم ب َما َك ُانوْا َيْف َعُلو َ * َمن َج َ َ ْ َ ُْ ُْ َُ ْ َ ُ َ ْ َ ُْ ْ َ
ظَل ُمو َن ِ َّ ِ
السِّيَئة َفالَ ُي ْج َزى ِإال م ْثَل َها َو ُه ْم الَ ُي ْ
آء ِب َّ ِ ِ ِ
باْل َح َسَنة َفَل ُه َع ْش ُر أ َْمثَال َها َو َمن َج َ
متفرقة ،كالذين غلبت عليهم صفات النفس بجذبهم هذه إلى شيء وهذه فرقوا دينهم} أي :جعلوا دينهم أهواء ّ{إن الذين ّ
إلى شيء فحدثت فيهم أهواء مختلفة ،فبقوا حيارى ال جهة لهم وال مقصد {وكانوا شيعاً} فرقاً مختلفة بحسب غلبة تلك
األهواء يغلب على بعضهم الغضب وعلى بعضهم الشهوة وإن دانوا بدين جعلوا دينهم بحسب غلبة هواهم مادة
أن الحسنة تصدر بظهور القلب ،والسيئة بظهور أقل درجات الثواب وذلك ّ {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} هذا ّ
فأقل درجات ثوابها أنه يصل إلى مقام القلب الذي يتلو مقام النفس في االرتقاء تلو مرتبة العشرات لآلحاد في
النفسّ ،
األعداد{ .ومن جاء بالسيئة فال يجزى إال مثلها} ألنه ال مقام أدون من مقام النفس ،فينحط إليه بالضرورة فيرى جزاءه
ويتنور استعداده ويزداد قبوله
في مقام النفس بالمثل .ومن هذا يعلم أن الثواب من باب الفضل فإنه يزيد به صاحبه ّ
فيتقوى على إضعاف ما فعل ويكتسب به أجو اًر متضاعفة إلى غير نهاية بازدياد القبول عند فعل كل
لفيض الحق ّ
حسنة ،وزيادة القدرة والشغف على الحسنة عند زيادة الفيض إلى ما ال يعلمه إال هللا ،كما قال بعد ذكر أضعافها إلى
آء} [البقرة ،اآلية ]261 :وأن العقاب من باب العدل ،إذ العدل يقتضي المساواة ومن اع َِّللا ي ِ
ف ل َمن َي َش ُ
ض ُ {و َّ ُ ُ َ
سبعمائةَ :
فعل بالنفس إذا لم يعف عنه يجازى بالنفس سواء وتذكر ما قيل في قوله تعالىَ{ :ل َها َما َك َسَب ْت َو َعَل ْي َها َما ا ْكتَ َسَب ْت}
[البقرة ،اآلية ]286 :فإن الفضيلة لإلنسان ذاتية موجبة لترقيه البتة ،والرذيلة عارضة ظلمتها للفطرة ،فمهما لم تكن
يصر عليها ،عفي عنها ولم تحجب صاحبها .وإن كانت وأصر عليها جوزي
ونية من صاحبها أو كانت ولم ّ بقصد ّ
فرب سيئة من شخص تعادل حسنةفي مقام النفس بالمثل .والحسنة والسيئة المذكورتان ههنا من قبيل األعمال وإال ّ
المقربين" ،بوجود القلب عند الشهود ،وسيئات األبرار بظهور
من غيره ،كما قال عليه السالم" :حسنات األبرار سيئات ّ
ورب سيئة توجب حجاب األبد كاعتقاد الشرك مثالً.
النفس عند السلوك ،وحسناتهم بظهور القلبّ ،
{قل أغير هللا} الذي هذا شأنه {أبغي رّباً} فأطلب مستحيالً أو غير الذات الشامل لجميع الصفات الذي هو الكل من
رب كل شيء} وما سواه باعتبار تفاصيل صفاته مربوب {والحيث هو كل أبغي متعينا فيكون مربوباً ال رّباً {وهو ّ
تكسب كل نفس} شيئاً {إالّ} هو وبال {عليها} إذ كسب النفس شرك في أفعاله تعالى ،وكل من أشرك فوباله عليه
باحتجابه {وال تزر وازرة ِوْزر أخرى} لرسوخ هيئة وزرها فيها ولزومه إياها تحتجب هي به ،فكيف ّ
يتعدى إلى غيرها.
{وهو الذي جعلكم خالئف} في أرضه بإظهار كماالته في مظاهركم ليمكنكم إنفاذ أمره {ورفع بعضكم فوق بعض
درجات} في مظهرية كماالته على تفاوت درجات االستعدادات{ ،ليبلوكم فيما آتاكم} من كماالته بحسب االستعدادات
من يقوم بحقوق ما ظهر منها عليه ومن ال يقوم ،ومن يقوم بحقي في سلوك طريقها حتى يظهرها هللا بإخفاء صفات
مؤدياً ألمانات هللا ومن ال يقوم فيكون خائناً وتظهر عليكم أعمالكم بحسبها فيترتب عليها الجزاء معاً ،إما
نفسه فيكون ّ
بمثوبة االحتجاب حالة التقصير فيكون رّبك سريع العقاب ،وإما بمثوبة البروز واالنكشاف فيكون غفو اًر يستر أفعالكم
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ُنزَل ِإَل ْي ُك ْم ِّمن َّرّب ُ
ِك ْم ك َح َرٌج ّم ْن ُه لتُنذ َر ِبه َوِذ ْك َر ٰى لْل ُم ْؤ ِمن َ
ين * اتَِّب ُعوْا َمآ أ ِ ص ْد ِر َ
ِ اب أ ِ ِ
ُنزَل إَل ْي َك َفالَ َي ُك ْن في َ
ِ
المص * كتَ ٌ
ِ ٍ ِ والَ تَتَِّبعوْا ِمن ُدوِن ِه أَولِي ِ
انْسَنا َبَياتاً أ َْو ُه ْم َقآئُلو َن * َف َما َك َ
آء َها َبأ ُاها َف َج َ آء َقليالً َّما تَ َذ َّك ُرو َن * َوَكم ّمن َق ْرَية أ ْ
َهَل ْكَن َ ََْ ُ َ
ص َّن َعَل ْي ِهم ِ َّ ِ دعواهم ِإ ْذ جآءهم بأْسنآ ِإالَّ أَن َقالُوْا ِإَّنا ُكَّنا َ ِ ِ
ين أ ُْرِس َل ِإَل ْي ِه ْم َوَلَن ْسأََل َّن اْل ُم ْرَسل َ
ين * َفَلَنُق َّ ين * َفَلَن ْسأََل َّن الذ َ
ظالم َ َ َ ُْ َ ُ َ َ َْ ُْ
ِ ِ
ِبعْل ٍم َو َما ُكَّنا َغآئِب َ
ين
إليك} -إلى قوله { -ذكرى للمؤمنين} (ا) إشارة إلى الذات األحدية ،و (ل) إلى الذات مع صفة
{المص كتاب أُنزل َ
مر ،و (م) إلى التميمة الجامعة التي هي معنى محمد ،أي :نفسه وحقيقته ،و (ص) إلى الصورة المحمديةالعلم كما ّ
التي هي جسده وظاهره.
وعن ابن عباس ،أنه قال صلى هللا عليه وسلم" :جبل بمكة كان عليه عرش الرحمن حين ال ليل وال نهار" ،أشار
بالجبل إلى جسد محمد ،وبعرش الرحمن إلى قلبه .كما ورد في الحديث" :قلب المؤمن عرش هللا" .وجاء" :ال يسعني
أرضي وال سمائي ،ويسعني قلب عبدي المؤمن" .وقوله" :حين ال ليل وال نهار" إشارة منه إلى الوحدة ،ألن القلب إذا
وقع في ظل أرض النفس واحتجب بظلمة صفاتها كان في الليل ،وإذا طلع عليه نور شمس الروح واستضاء بضوئه
كان في النهار ،وإذا وصل إلى الوحدة الحقيقية بالمعرفة والشهود الذاتي واستوى عنده النور والظلمة كان وقته ال ليالً
وال نها اًر ،وال يكون عرش الرحمن إال في هذا الوقت.
ظلِ ُمو َن * َواْل َوْزُن َي ْو َمِئ ٍذ اْل َح ُّق َف َمن ثَُقَل ْت َمَو ِاز ُين ُه
ين َخ ِس ُروْا أ َْنُف َس ُهم ِب َما َك ُانوْا ِب َآي ِاتَنا ِي ْ ِ َّ ِ
َو َم ْن َخَّف ْت َم َو ِاز ُين ُه َفأ ُْوَلـئ َك الذ َ
َفأ ُْوَلـِٰئ َك ُهم اْل ُمْفلِ ُحو َن
ُ
{والوزن يومئذ الحق} الوزن هو االعتبار ،أي :اعتبار األعمال حين قامت القيامة الصغرى .هو الحق ،أي :العدل أو
{فأولئك هم
َ الثابت أو الوزن العدل يومئذ{ .فمن ثُقلت موازينه} أي :رجحت موزوناته بأن كانت باقيات صالحات
المْفلحون} الفائزون بصفات الفطرة ،ونعيم جنة الصفات في مقام القلب {ومن خّفت موازينه} موزوناته بأن كانت من
ُ
المحسوسات الفانية {فأولئك الذين خسروا أنفسهم} ببيعها باللذات العاجلة السريعة الزوال وإفنائها في دار الفناء مع
كونها بضاعة البقاء .واعلم أن لسان ميزان الحق هو صفة العدل وإحدى كّفتيه هو عالم الحس ،والكّفة األخرى هو
عالم العقل فمن كانت مكاسبه من المعقوالت الباقية واألخالق الفاضلة واألعمال الخيرية المقرونة بالنيات الصادقة،
ثقلت أي :كانت ذات قدر ووزن ،إذ ال قدر أرجح من البقاء الدائم .ومن كانت مقتنياته من المحسوسات الفانية
الئ َك ِة
اكم ثُ َّم ُقْلنا لِْلم ِ
َ َ صَّوْرَن ُ ْ ش َقلِيالً َّما تَ ْش ُك ُرو َن * َوَلَق ْد َخَلْقَن ُ
اك ْم ثُ َّم َ يها َم َعا ِي َ ِ
ض َو َج َعْلَنا َل ُك ْم ف َ اكم ِفي األ َْر ِ َّ
َوَلَق ْد َمكَّن ُ ْ
ال أََن ْا َخ ْيٌر ِّم ْن ُه َخَلْقتَِني ِ َّ الس ِ ِيس َل ْم َي ُك ْن ِّم َن َّ َّ ِ
َم ْرتُ َك َق َال َما َمَن َع َك أَال تَ ْس ُج َد إ ْذ أ َ ين * َق َ اجد َ اس ُج ُدوْا أل ََد َم َف َس َج ُدوْا ِإال ِإْبل َ
ْ
َنظ ْ ِرنياغ ِرين * َقال أ ِ اخرج ِإَّنك ِمن ا َّ ِ ِ ين * َقال َفاهِب ْ ِ ِمن َّن ٍار و َخَلْقتَ ُه ِمن ِط ٍ
َ لص َ يها َف ْ ُ ْ َ َ ط م ْن َها َف َما َي ُكو ُن َل َك أَن تَتَ َكب ََّر ف َ َ ْ َ
ِ ِ
يم * ثُ َّم آلتَيَّن ُه ْم ّمن َب ْي ِن ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ط َك اْل ُم ْستَق ََغ َوْيتَني ألَْق ُع َد َّن َل ُه ْم ص َار َال َفب َمآ أ ْ
ين * َق َ ظ ِر َ ال إَّن َك م َن ُ
المن َ إَلى َي ْو ِم ُي ْب َعثُو َن * َق َ
اخ ُرْج ِم ْن َها َم ْذ ُءوماً َّم ْد ُحو اًر َّل َمن تَِب َع َك ِ ِِ ِ ِ ِ
ال ْ أ َْيدي ِه ْم َو ِم ْن َخْلف ِه ْم َو َع ْن أ َْي َمان ِه ْم َو َعن َش َمآئل ِه ْم َوالَ تَ ِج ُد أَ ْكثَ َرُه ْم َشاك ِر َ
ين * َق َ
نكم أ ِ ِ ِم ْن ُه ْم أل َْمأل َّ
ين
َج َمع َ َن َج َهَّن َم م ُ ْ ْ
القوة الوهمية من ألطف أجزاء الروح الحيوانية التي تحدث في القلب من
{خلقتني من نار وخلقته من طين} خلقت ّ
سماها نا اًر .والح اررة توجب
أحر ما في البدن فلذلك ّ
بخارية األخالط ولطافتها وترتقي إلى الدماغ ،وتلك الروح هي ّ
مر أن كل قوة ملكوتية تطلع على خواص ما تحتها دون ما فوقها وعلى الكماالت البدنية الترفع ،وقد ّ
الصعود و ّ
وخواصها وكماالت الروح الحيوانية وخواصها ،واحتجابها عن الكماالت اإلنسانية الروحانية والقلبية هو صورة إنكارها
المجردات واالمتناع عن قبول حكم العقل
وعلة إبائها واستكبارها ،وتعديها عن طورها بالحكم في المعاني المعقولة و ّ
هو صورة إبائها عن السجود.
{فما يكون لك أن تتكبر فيها} إذ التكبر ،وهو التظاهر بما ليس فيه من الفضيلة من صفات النفس ،فال يليق بالحضرة
الروحانية التي تزعم أنك من أهلها بالترفع على العقل{ ،فأخرج} ،فلست من أهلها الذين هم األعزة {إنك من
الصاغرين} من القوى النفسانية المالزمة للجهة السفلية الدائمة الهوان بمالزمة األبدان {إلى يوم يبعثون} من قبور
محجوب عن الذات األحدية دون الصفات واألفعال ،فشهوده لألفعال وتعظيمه لها إقسام بها كما أقسم ّ
بعزته في قوله:
ُغ ِويَّنهم أ ِ ِ
ين} [ص ،اآلية.]82 : { َفِبعَّزِت َك أل ْ َ ُ ْ ْ
َج َمع َ
األبدي
ّ {لمن تبعك منهم ألمألن جهنم} الطبيعة التي هي أسفل مراتب الوجود {منكم أجمعين} محجوبين عن ل ّذة النعيم
وذوق البقاء السرمدي والكماالت الروحانية والكماالت الحقانية معذبين بنيران الحرمان عن المراد في انقالبات عالم
التضاد وتقلبات الكون والفساد.
التجرد من
ّ {ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما} أي :ليظهر عليهما بالميل إلى الطبيعة ما حجب عنهما عند
األمور الطبيعية واللذات البدنية والرذائل الخلقية واألفعال الحيوانية والصفات السبعية والبهيمية التي يستحيي اإلنسان
من إظهارها ويستهجن إفشاءها وتحمله المروءة على إخفائها لكونها عورات عند العقل يأنف منها ويستقبحها {وقال ما
نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إال أن تكونا ملكين} أي :أوهمهما أن في االتصال بالطبيعة الجسمانية والمادة الهيوالنية
لذات ملكية وإدراكات وأفعاالً وخلوداً فيها أو ملكاً ورياسة على القوى وسائر الحيوانات دائماً بغير زوال إن قرئ ملكين
بكسر الالم كما قال{ :أ َُدُّل َك َعَل ٰى َش َج َرِة اْل ُخْل ِد َو ُمْل ٍك الَّ َيْبَل ٰى} [طه ،اآلية .]120 :وزّين لها من المصالح الجزئية
الحسية التي ال تنال إال باآلالت البدنية في صورة الناصح األمين . ّ والزخارف
غرهما من التزيي بزي الناصحين وإفادة توهم دوام اللذات {فدالهما} أي :فنزلهما إلى التعلق بها والسكون إليها بما ّ
صفان عليهما من ورق الجنة} أي: {وطفَقا ي ْخ ِ وسول لهما من المنافع البدنية والشهوات النفسية
َ َ البدنية والرياسة اإلنسية ّ
القوة العاقلة
يكتمان الغواشي الطبيعية باآلداب الحسنة والعادات الجميلة التي هي من تفاريع اآلراء العقلية ومستنبطات ّ
التجرد
ّ العملية ويخفيانها بالحيل العلمية {وناداهما رّبهما ألم ْأن َه ُكما} صورة النهي هو ما ركز في العقول من الميل إلى
عدو مبين} ما ألهم العقل من
وإدراك المعقوالت والتجافي عن المواد والمحسوسات وقوله لهما{ :إن الشيطان لكما ّ
ومضادة مدركاته والوقوف على مخالفاته ومكابراته إياه ونداؤه إياهما بذلك هو التنبيه على ذلك
ّ منافات أحكام الوهم
المعنى على سبيل الخاطر والتذكير له بعد التعلق واالنغمار في اللذات الطبيعية عند البلوغ وظهور أنواع العقل والفهم
عليهما.
وقولهما{ :ربنا ظلمنا أنفسنا} هو لتنبه النفس الناطقة على نقصانها من جهة الطبيعة وانطفاء نورها وانكسار قوتها
بالتجرد {وإن لم تغفر لنا} بإلباسنا األنوار الروحانية وإفاضتها مشرقة علينا
ّ وحصول الداعي فيها على طلب الكمال
يها تَ ْحَي ْو َن َوِفي َها تَ ُموتُو َن َو ِم ْن َها ين * َق ِ ض َع ُدٌّو وَل ُكم ِفي األ َْر ِ
ض ُم ْستََقٌّر َو َمتَاعٌ ِإَل ٰى ِح ٍ ض ُكم لَِب ْع ٍ اهِب ُ
ال ف َ
َ َ ْ طوْا َب ْع ُ ْ ال ْ
َق َ
َّللاِ َل َعَّل ُه ْم َنزلنا عَلي ُكم لِباساً يوارِي سوء ِات ُكم وِريشاً ولِباس التَّْقو ٰى ٰذلِك خير ٰذلِك ِمن آي ِ
ات َّ َ َ ٌْ َ ْ َ َ ََ ُ ََْ ْ َ
ِٰ
تُ ْخ َر ُجو َن * َيَبني َء َاد َم َق ْد أ َ ْ َ َ ْ ْ َ ُ َ
اس ُه َما لُِي ِرَي ُه َما َس ْوَء ِات ِه َمآ ِإَّن ُه َي َر ُ
اك ْم ِ َخ َرَج أََب َوْي ُك ْم ِّم َن اْل َجَّن ِة َي ِ َي َّذ َّك ُرو َن * َي َابِني ء َادم الَ َيْفِتَنَّن ُكم َّ
نزعُ َع ْن ُه َما لَب َ ان َك َمآ أ ْ
طُ الش ْي َ ُ َ َ
اح َش ًة َقاُلوْا َو َج ْدَنا َعَل ْي َهآ اطين أَولِيآء لَِّل ِذين الَ يؤ ِمُنو َن * وِإ َذا َفعُلوْا َف ِ َّ ِ ِ َّ ِ ِ
َ َ َ ُْ ُه َو َوَقبيُل ُه م ْن َح ْي ُث الَ تَ َرْوَن ُه ْم إنا َج َعْلَنا الشَي َ ْ َ َ
َّللاِ َما الَ تَ ْعَل ُمو َنْم ُر ِباْلَف ْح َش ِآء أَتَُقوُلو َن َعَلى َّ َم َرَنا ِب َها ُق ْل ِإ َّن َّ
َّللاَ الَ َيأ ُ َّللاُ أ َ
اءَنا َو َّ
َآب َ
{لباساً يواري سوآتكم} أي :شريعة تستر قبائح أوصافكم وفواحش أفعالكم {وريشاً} أي :جماالً يبعدكم عن شبه األنعام
المهملة ويزينكم باألخالق الحسنة واألعمال الجميلة {ولباس التقوى} أي :صفة الورع والحذر من صفة النفس {ذلك
خير} من جملة أركان الشرائع ألنه أصل الدين وأساسه كالحمية في العالج {ذلك من آيات هللا} أي :من أنوار
صفاته ،إذ االجتناب عن صفات النفس ال يحصل وال يتيسر إال بظهور تجليات صفات الحق .وإلى هذا أشار القوم
ويعوضه أحسن منه من جنسه {لعلكم تذكرون} عند ظهور تجليات يتصرف في شيء من العبد إال ّ ّ بقولهم :إن هللا ال
لباسكم النوري األصلي أو جوار الحق الذي كنتم تسكنون فيه بهداية أنوار الصفات {ال يفتنكم الشيطان} عن دخول
الجنة ومالزمتها بنزع لباس الشريعة والتقوى عنكم {كما أخرج أبويكم} منها بنزع اللباس الفطري النوري.
{قل أمر ربي بالقسط} أي :العدالة واالستقامة {وأقيموا وجوهكم} ذواتكم الموجودة بمنعها عن الميل والزيغ إلى طرفي
اإلفراط والتفريط في العدالة ،وعن التلوينات في االستقامة {عند كل مسجد} أي :كل مقام سجود أو وقت سجود،
والسجود أربعة أقسام :سجود االنقياد والطاعة وإقامة الوجه فيه باإلخالص ،واالجتناب عن الرياء والنفاق في العمل
هلل ،وااللتفات إلى الغير فيه ،ومراعاة موافقة األمر مع صدق النية واالمتناع عن المخالفة في جميع األمور وهي
العدالة وسجود الفناء في األفعال وإقامة الوجه فيه بالقيام بحقه بحيث ال يرى هو مؤث اًر غير هللا وال يرى مؤث اًر من
نفسه وال من غيره ،وسجود الفناء في الصفات ،وإقامة الوجه عنده بالمحافظة على شرائطه بحيث ال يرى زينة ذاته
بها وال يريد وال يكره شيئاً من غير أن يميل إلى اإلفراط بترك األمر بالمعروف والنهي عن المنكر وال إلى التفريط
بالتسخط على المخالف وسجود الفناء في الذات ،وإقامة الوجه عنده بالغيبة عن البقية ،واالنطماس بالكلية واالمتناع
عن إثبات األنية واإلثنينية فال يطغى بحجاب األنائية وال يتزندق باإلباحة وترك الطاعة{ .و ْادعوه ُم ْخلِصين له الدين}
ف ي المقام األول بتخصيص العمل هلل به ،وفي الثاني والثالث برؤية الدين والطاعة من هللا ،وفي الرابع برؤيته باهلل،
فيكون هللا هو المتدين بدينه ليس لغيره فيه نصيب {كما بدأكم} بإظهاركم واختفائه {تعودون} بفنائكم فيه واختفائكم
ليظهر.
حق عليهم} كلمة {الضاللة} بسبب اتخاذهم شياطين القوى النفسانية الوهمية{فريقاً هدى} إليهم بهذا الطريق {وفريقاً ّ
والتخيلية {أولياء من دون هللا} لمناسبة ذواتهم في الظلمة والكدورة والبعد عن معدن النور إياهم ،والجنسية التي بينهم
في الركون إلى الجهة السفلية ،والميل إلى الزخارف الطبيعية {ويحسبون أنهم ُم ْهتَدون} ّ
ألن سلطان الوهم بالحسبان.
{خذوا زينتكم عند كل مسجد} أي :الزموها وتمسكوا بها ،فزينة المقام األول من السجود هي اإلخالص في العمل هلل،
وزينة المقام الثاني هي التوكل ومراعاة شرائطه ،وزينة المقام الثالث هي القيام بحق الرضا ،وزينة المقام الرابع هي
الحقية ومراعاة حقوق االستقامة وشرائطها {وكلوا و ْ
اش َربوا وال تسرفوا} بالمحافظة على ّ التمكين في التحقيق بالحقيقة
حرم زينة هللا التي أخرج لعباده} أي :من منعهم من جنس هذه الزينة المذكورة المطلقة قانون العدالة فيها {قل من ّ
وقال إنه ال يمكنهم التزين بها واستحال ذلك منهم تمسكاً بأن هللا مانعهم{ .والطيبات} من رزق علوم اإلخالص وعلوم
مقام التوكل والرضا والتمكين {خالصة يوم القيامة} عن شوب التلوينات وظهور شيء من بقايا األفعال والصفات
والذات .
{فمن اتقى وأصلح} أي :اتقى البقية في الفناء وأصلح باالستقامة عند البقاء {فال خوف عليهم وال هم يحزنون} لكونهم
في مقام الوالية.
{والذين ك ّذبوا بآياتنا} أي :أخفوا صفاتنا بصفات أنفسهم {واستكبروا عنها} بالشيطنة {أولئك أصحاب} نار الحرمان
{وبينهما حجاب} أي :بين أصحاب الجنة وبين أصحاب النار حجاب به كل منهم محجوب عن صاحبه .والمراد
بأصحاب الجنة ههنا :أهل ثواب األعمال من األبرار والزهاد والعباد الذين جنتهم جنة النفوس ،وإال فأهل جنة القلوب
واألرواح ال يحجبون عن أصحاب النار {وعلى األعراف} أي :على أعالي ذلك الحجاب الذي هو حجاب القلب الفارق
بين الفريقين هؤالء عن يمينه وهؤالء عن شماله {رجال} هم العرفاء أهل هللا وخاصته {يعرفون كالًّ} من الفريقين
{بسيماهم} يسلمون على أهل الجنة بإمداد أسباب التزكية والتحلية واألنوار القلبية وإفاضة الخيرات والبركات عليهم ،لم
لتجردهم عن مالبس صفات النفوس وطيباتها وترقيهم عن طورهم فال يشغلهم عن الشهود الذاتي
يدخلوا الجنة ّ
ومطالعة التجلي الصفاتي نعيم {وهم} أي :أصحاب الجنة {يطمعون} في دخولهم ليقتبسوا من نورهم ويستضيئوا بأشعة
وجوههم ،ويستأنسوا بحضورهم .
{وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار} أي :ال ينظرون إليهم طوعاً ورأفة ورحمة ورضا ،بل كراهة واعتبا اًر كأن
صارفاً صرف أبصارهم إليهم {ربنا ال تجعلنا مع القوم الظالمين} أي :ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ،كما قال أمير
المؤمنين علي عليه السالم" :أعوذ باهلل من الضاللة بعد الهدى" .وقال النبي صلى هللا عليه وسلم" :اللهم ثَبت قلبي
أن مثل
تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال صلى هللا عليه وسلم :أو ما يؤمنني ّ
على دينك ،فقيل له :أما غفر هللا لك ما ّ
القلب كمثل ريشة في فالة ،تقلبها الرياح كيف شاءت.".
{ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم} أي :البدن اإلنساني المفصل غلى أعضاء وجوارح وآالت وحواس تصلح
لالستكمال على ما يقتضيه العلم اإللهي وتأويله ما يؤول إليه أمره في العاقبة من االنقالب إلى ما ال يصلح لذلك عند
ِ
{سَي ْج ِزيه ْم َو ْ
صَف ُه ْم} [األنعام، البعث من هيئات وصور وأشكال تناسب صفاتهم وعقائدهم على مقتضى قوله تعالىَ :
ص ّماً} [اإلسراء. ]97 : ِِ اآلية ،]139 :كما قال تعالى{ :ونحشرهم يوم اْلِقي ِ
امة َعَل ٰى ُو ُجوهه ْم ُع ْمياً َوُب ْكماً َو ُ
َ َ ْ ُ ُ ُ ْ َْ َ َ َ
{إن ربكم هللا الذي خلق السموات واألرض في ستة أيام} أي :اختفى في صور سماء األرواح وأرض األجساد في
ف َسَن ٍة ِّم َّما تَ ُعُّدو َن} [الحج ،اآلية ]47 :أي :من لدن خلق آدم
ستة آالف سنة لقوله تعالى{ :وإِ َّن يوماً ِعند ربِك َكأَْل ِ
َ َّ َ َ َْ
إلى زمان محمد عليهما الصالة والسالم ألن الخلق هو اختفاء الحق في المظاهر الخلقية وهذه المدة من ابتداء دور
"إن الزمان قد
النبوة وظهور الوالية ،كما قال صلى هللا عليه وسلمّ :
الخفاء إلى ابتداء الظهور الذي هو زمان ختم ّ
استدار كهيئته يوم خلق هللا فيه السموات واألرض" ،ألن ابتداء الخفاء بالخلق هو انتهاء الظهور ،فإذا انتهى الخفاء
مر ،ويتم الظهور بخروج المهدي عليه السالم في تتمة سبعة أيام ولهذا قالوا:
إلى الظهور عاد إلى أول الخلق كما ّ
مدة الدنيا سبعة آالف سنة{ .ثم استوى على العرش} أي :عرش القلب المحمدي بالتجلي التام فيه بجميع صفاته كما
{ي ْغشي} ليل البدن وظلمة الطبيعة نهار نور الروح {يطلبه} بتهيئته واستعداده لقبوله باعتدال
ذكر في معنى (ص) ُ
لكم آية} الناقة لصالح عليه السالم كالعصا لموسى عليه السالم والحمار لعيسى والبراق لمحمد عليهما
{هذه َناقة هللا ُ
فإن لكل أحد من األنبياء وغيرهم مركباً هو نفسه الحيوانية الحاملة لحقيقته التي هي النفس اإلنسانية وتنتسب
السالمّ ،
بالصفة الغالبة إلى ما يتّصف بتلك الصفة من الحيوانات فيطلق عليه اسمه ،فمن كانت نفسه مطواعة منقادة من
غاية اللين حمولة قوية متذللة فمركبه ناقة ونسبتها إلى هللا لكونها مأمورة بأمره مختصة به في طاعته وقربه .وما قيل:
أن مشربهم من القوة العاقلة العملية ،ومشربها من
إن الماء قسم بينها وبينهم ،لها شرب يوم ولهم شرب يوم ،إشارة إلى ّ
ّ
العاقلة النظرية .وما روي أنها يوم شربها كانت تتفحج فيحلب منها اللبن حتى ملؤوا أوانيهم ،إشارة إلى ّ
أن نفسه
تستخرج بالفكر من علومه الكلية الفطرية العلوم النافعة للناقصين من علوم األخالق والشرائع واآلداب .وخروجها من
الجبل :ظهورها من بدن صالح عليه السالم .هذا هو التأويل مع أن اإلقرار بظاهرها واجب ،فإن ظهور المعجزات
وخوارق العادات حق ال ننكر شيئاً منها .وما يؤيد التأويل تسوية النبي عليه الصالة والسالم عاقرها بقاتل علي عليه
ّ
السالم ،حيث قال" :يا علي ،أتدري من أشقى ّ
األولين؟ قال :هللا ورسوله أعلم .قال صلى هللا عليه وسلم" :عاقر ناقة
صالح" ،ثم قال صلى هللا عليه وسلم" :أتدري من أشقى اآلخرين؟" ،قال :هللا ورسوله أعلم .قال صلى هللا عليه وسلم:
ِ
"قاتلك"" .وروي أنه قال صلى هللا عليه وسلم" :من َخ َ
ض َب هذا بهذا" وأشار بيده إلى لحيته ورأسه .
مروي .والتأويل هو :أن العصا إشارة إلى نفسه التي يتوكأ عليها أي:
ّ {فألقى عصاه} ظاهره إعجاز موسى كما هو
القوة البهيمية السليمية ،ورق اآلداب الجميلة
ويهش بها على غنم ّ
ّ يعتمد عليها في الحركات واألفعال الحيوانية
والملكات الفاضلة والعادات الحميدة من شجرة الفكر ،وكانت نفسه من حسن سياسته إياها ورياضته لها ،منقادة
لتصرفاته ،مطواعة ألوامره ،مرتدعة عن أفعالها الحيوانية إال بإذنه كالعصا .وإذا أرسلها عند االحتجاج في مقابلة
ويزورون من حبال شبهاتهم التي بها تحكم دعاويهم،
الخصوم صارت كالثعبان يتلقف ما يأفكون من أكاذيبهم الباطلة ّ
وعصي مغالطاتهم ومزخرفاتهم التي تمسكوا بها عند الخصام في إثبات مقاصدهم فتغلبهم وتقهرهم{ .ونزع يده} أي:
حقية دعواه ،والظاهر أنه كان الغالب على زمانه هو السحر ،فخرج
أظهر قدرته الباهرة التي تبهرهم وتظهر نور ّ
بالسحر اإللهي كما أن الغالب على زمان محمد عليه الصالة والسالم كان هو الفصاحة ،فكانت معجزة القرآن .وعلى
ألن معجزة كل نبي يجب أن تكون من
زمان عيسى عليه السالم الطب ،فجاء بالطب اإللهي -على ما روي ّ -
ّ
جنس ما غلب على زمانه ليكون أدعى إلى إجابة دعواه.
اخُلْفِني ِفي َق ْو ِمي ِه أَرب ِعين َليَل ًة وَقال موسى أل ِ ِ ِ ِ ِ
َخيه َه ُارو َن ْ ات َرّب ْ َ َ ْ َ َ ُ َ ٰ اها ِب َع ْش ٍر َفتَ َّم ميَق ُ
ين َلْيَل ًة َوأ َْت َم ْمَن َ
وس ٰى ثَالَث َ اع ْدَنا ُم َ َوَو َ
ال َلن تََرِاني َوَلـ ِٰك ِن َرني أَن ُ ِال َر ِّب أ ِِ َّ ِِ ِ ِِ ِ ِ وأ ِ
ظ ْر إَل ْي َك َق َ ُّه َق َ
وس ٰى لميَقاتَنا َوَكل َم ُه َرب ُآء ُم َ ين * َوَل َّما َج َ يل اْل ُمْفسد َ َصل ْح َوالَ تَتَّب ْع َسب َ َ ْ
ظر ِإَلى اْلجب ِل َفِإ ِن استََقَّر م َكانه َفسوف تَرِاني َفَل َّما تَجَّلى ربُّه لِْلجب ِل جعَله د ّكاً وخَّر موسى ِ
ال صعقاً َفَل َّمآ أََف َ
اق َق َ َٰ َ َ ٰ َ ُ ََ َ َ ُ َ َ َ َ َُ َْ َ َ ْ ََ ْان ُ ْ
اس ِب ِرَساالَِتي َوب َِكالَ ِمي َف ُخ ْذ َمآ آتَْيتُ َك
الن ِ طَف ْيتُ َك َعَلى َّ اص َ ِِ
وس ٰى إّني ْ ٰم َال ي ُ ين * َق َ
ِ
ُس ْب َح َان َك تُْب ُت ِإَل ْي َك َوأََن ْا أََّو ُل اْل ُم ْؤ ِمن َ
وُكن ِمن َّ ِ
الشاك ِر َ
ين َ ْ َّ
غيبني
وإن بدا ّ تغيبت بدا
إذا ّ
{في األلواح} أي :األلواح تفاصيل وجود موسى من روحه وقلبه وعقله وفكره وخياله .وإلقاؤها عند الغضب هو
التحمل لألذى ،ثم ينسى عند سورة الغضب وال
الذهول عنها والتجافي عن حكم ما فيها كما يحكم أحدنا بحسن الحلم و ّ
بقوة} أي :بعزيمة لتكون من أولي العزم {وأمر قومك
يتذكر شيئاً مما في عقله من علمه عند ظهور نفسه {فخذها ّ
يأخذوا بأحسنها} أي :بالعزائم دون الرخص {سأريكم دار الفاسقين} أي :عاقبة الذين ال يأخذون بها.
{سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في األرض بغير الحق} ألن التكبر من صفات النفس ،فهم في مقام النفس
محجوبون عن آيات الصفات التي تكون في مقام القلب دون المتكبرين بالحق الذين اتّصفوا بصفة الكبرياء في مقام
تكبرهم ،كما قال جعفر الصادق عليه السالم في جواب من قال له :فيك كل المحو والفناء ،فقام كبرياؤه تعالى مقام ّ
فضيلة إال أنك مت ّكبر! فقال" :لست ِب ُم َت ّكبر ،ولكن كبرياء هللا تعالى قام مني مقام الت ّكبر ".
َع َماُل ُه ْم َه ْل ُي ْج َزْو َن ِإالَّ َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * َواتَّ َخ َذ َق ْوُم ُمو َس ٰى ِمن َب ْع ِدِه ِم ْن
ط ْت أ ْ اآلخ َرِة َحِب َو َّال ِذين َك َّذبوْا ِبآي ِاتَنا ولَِق ِآء ِ
َ َ ُ َ َ
ط ِفي أ َْي ِد ِ
يه ْم ين * َوَل َّما ُسِق َ ظالم َ
حلِِي ِهم ِعجالً جسداً َّله خوار أََلم يروْا أََّنه الَ ي َكِّلمهم والَ يه ِدي ِهم سِبيالً اتَّخ ُذوه وَكانوْا َ ِ ِ
َ َُ ُ ُ ّ ْ ْ َ َ ُ ُ َ ٌ ْ ََ ْ ُ ُ ُ ُ ْ َ َ ْ ْ َ
ِ ِ ِ ِ
وس ٰى ِإَل ٰى َق ْو ِمه َغ ْ
ض َٰب َن ين * َوَل َّما َرَج َع ُم َ ون َّن م َن اْل َخاس ِر َ ضُّلوْا َقاُلوْا َلئن َّل ْم َي ْر َح ْمَنا َربَُّنا َوَي ْغِف ْر َلَنا َلَن ُك َ
َوَأرَْوْا أََّن ُه ْم َق ْد َ
ال ْاب َن أ َُّم ِإ َّن اْلَق ْوَم ِ ِ ِكم وأَْلَقى األَْلواح وأَخ َذ ِب أر ِ ِ ِ أ َِسفاً َقال ِب ْئسما َخَلْفتُموِني ِمن ب ْع ِدي أ َ ِ
ْس أَخيه َي ُجُّرهُ إَل ْيه َق َ َ َ َ َ َ َعجْلتُ ْم أ َْم َر َرّب ُ ْ َ َ ُ َ ََ
اغِفر لِي وأل ِ ٰ
َّ ِ ِ ِ ِ استَضعُفوِني وَكادوْا يْقُتُل ِ
َخي َوأ َْد ِخْلَنا َ ال َر ِّب ْ ْ ين * َق َ آء َوالَ تَ ْج َعْلني َم َع اْلَق ْو ِم الظلم َ ونني َفالَ تُ ْشم ْت ِب َي األ ْ
َع َد َ َ ُ َ َ ْ ْ َ
الد ْنَيا َوَك َذلِ َك
ياة ُّ اح ِمين * ِإ َّن َّال ِذين اتَّخ ُذوْا اْل ِعجل سيناُلهم غضب ِمن َّرِب ِهم وِذَّل ٌة ِفي اْلح ِ َنت أَرحم َّ ِ ِ ِ
َ ْ َ َ ََ ُ ْ َ َ ٌ ّ ّ ْ َ َ َ الر َ في َر ْح َمت َك َوأ َ ْ َ ُ
ور َّرِحي ٌم * َوَل َّما َس َك َت َعن ِ ات ثُ َّم تَابوْا ِمن بع ِدها وآمنوْا ِإ َّن رب ِ السِيَئ ِ ِ َّ ِ
َّك من َب ْعد َها َل َغُف ٌ َ َ َ ْ َ َ َُ ُ ين َعمُلوْا َّ َّن ْجزِي اْل ُمْفتَ ِري َن * َوالذ َ
{فلما أخذتهم الرجفة} أي :رجفة جبل البدن التي هي من مبادئ صعقة الفناء عند طيران بوارق األنوار وظهور طوالع
تجليات الصفات من اقشعرار الجسد وتأثره وارتعاده بها ،ولهذا قال موسى عليه السالم عندها{ :رب لو شئت أهلكتهم
{رب لو
من قبل وإياي} إذ ال قول لموسى عليه السالم عند الصعقة وال لهم لفنائهم عندها ،وقوله عليه السالمّ :
شئت} ،كلمة ضجر وفقدان صبر من غلبة الشوق عند ألم الفراق ،كما قال محمد صلى هللا عليه وسلم في مثل هذه
وهم بإلقاء نفسه عن الجبل .ولو هذه للتمني.
رب محمد لم يخلق محمداً"ّ ، الحالة" :ليت أمي لم َتلدني ،وكذا ليت ّ
منا} من عبادة عجل هوى النفس واالحتجاب {أتُهلِكنا} بطول الحجاب وعذاب الحرمان وألم الفراق {بما فعل السفهاء ّ
بصفاتها أو بما صدر منا حالة السفه قبل التيقظ واالستبصار وإرادة السلوك وظهور نور البصيرة واالعتبار من
الوقوف مع النفس وصفاتها {إن هي إال فتنتك} أي :ما هذا االبتالء بصفات النفس وعبادة الهوى إال ابتالؤك ال
{تضل من تشاء} من أهل الحجب والشقاوة والجهل والعمى {وتهدي من تشاء} من أهل السعادة ّ مدخل فيها لغيرك
والعناية والعلم والهدى ،قالها في مقام تجلي األفعال{ .أنت} متولي أمورنا القائم بها {فاغفر لنا} ذنوب صفاتنا وذواتنا
كما غفرت لنا ذنوب أفعالنا {وارحمنا} بإفاضة أنوار شهودك ورفع حجاب األينية بوجودك {وأنت خير الغافرين}
بالمغفرة التامة.
أعز من الكبريت األحمر .وأما الرحمة فال يخلو من حظ منها أحد {َف َسأكتُبها} تامة كاملة ولعمري ّ
إن هذا العذاب ّ
رحيمية كتبة خاصة {للذين يتّقون} الحجب كلها ويفيضون مما رزقوا من األموال واألخالق والعلوم واألحوال على
مستحقيها {والذين هم} بجميع صفاتنا يتصفون وهم {الذين يتبعون الرسول النبي األمي} في آخر الزمان ،أي:
ّ ّ
ِ
{و َما َرَم ْي َت ِإ ْذ َرَم ْي َت َوَلـٰك َّن َّ
َّللاَ َرَم ٰى} [األنفال ،اآلية،]17 : المحمديون الذين اتّبعوا في التقوى وصفه بقوله تعالى لهَ :
ِ
ط َغ ٰى} [النجم ،اآلية.]17 :
ص ُر َو َما َ
غ اْلَب َ {و َما َينط ُق َع ِن اْل َه َو ٰى} [النجم ،اآلية ،]3 :وقوله تعالىَ :
{ما َاز َ وبقوله تعالىَ :
ِك َف َحِّد ْث} [الضحى ،اآليات ،]11-10 :وفي الس ِآئل َفالَ تنهر وأ َّ ِ ِ
َما ِبن ْع َمة َرّب َ َْ َ ْ َ َما َّ َ
{وأ َّ
وفي إيتاء الزكاة قوله تعالىَ :
وب ِعثت ألتمم مكارم األخالق ِ
اإليمان باآليات قوله صلى هللا عليه وسلم" :أوتيت جوامع الكَلمُ ،
".
ض َواتََّب َع ين * َوَل ْو ِش ْئَنا َل َرَف ْعَناهُ ِب َها َوَلـ ِٰكَّن ُه أ ْ
َخَل َد ِإَلى األ َْر ِ طان َف َك ِ
ان م َن اْل َغ ِاو َ
َ ءاتَْيَناه ء َاي ِاتَنا َف ْانسَل َخ ِم ْنها َفأ َْتَب َع ُه َّ
الش ْي َ ُ َ َ َ ُ َ
ص ِ َّ ِ ِ َّ ِ َّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ص َصص اْلَق َ َه َواهُ َف َمَثُل ُه َك َمَثل اْل َكْلب إن تَ ْحم ْل َعَل ْيه َيْل َه ْث أ َْو تَ ْت ُرْك ُه َيْل َهث ذل َك َمَث ُل اْلَق ْو ِم الذي َن َكذُبوْا ب َآياتَنا َفا ْق ُ
ضلِ ْل ِ *من َي ْه ِد َّ َنفسهم َك ُانوْا ي ْ ِ َّ ِ ِ َّ ِ َّ ن َّ
َّللاُ َف ُهَو اْل ُم ْه َتدي َو َمن ُي ْ ظل ُمو َن َ َ ين َكذُبوْا ب َآياتَنا َوأ ُ َ ُ ْ
آء َمثَالً اْلَق ْوُم الذ َ
َل َعل ُه ْم َيتََفك ُرو َ * َس َ
َفأُوَلـِٰئك هم اْلخ ِ
اس ُرو َن ْ َ ُُ َ
أمة من قوم موسى موحدون {يهدون} أمة} أي :أولئك المتّبعون هم المفلحون بالرحمة التامة ،و ّ
{ومن قوم موسى ّ
{بالحق} ال بأنفسهم {وبه يعدلون} بين الناس في حال االستقامة والتمكين {إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم ّ
شرعاً ّ الناس
ويوم ال يسبتون ال تأتيهم} ما كان إال كحال اإلسالميين من أهل زماننا في اجتماع أنواع الحظوظ النفسانية من
المطاعم و ِ
المشارب والمالهي والمناكح ظاهرة في األسواق والمواسم والشوارع والمحافل يوم الجمعات دون سائر األيام،
وما ذلك إال ابتالء من هللا بسبب الفسق.
المراد بالساعة :وقت ظهور القيامة الكبرى ،أي :الوحدة الذاتية بوجود المهدي وال يعلم وقتها إال هللا كما قال النبي
ّ
عليه الصالة والسالم في وقت خروج المهدي" :كذب الوقاتون" ،ولعمري ما يعلمها عند وقوعها أيضاً إال هللا كما هي
قبل وقوعها{ .ثقلت في السموات واألرض} إذ ال يسع أهلها علمها.
{إن الذين تدعون من دون هللا} كائنين من كانوا ،ناساً كانوا أو غيرهم {عباد أمثالكم} في العجز وعدم التأثيرّ
{فاد ُعوهم} إلى أمر ال ييسره هللا لكم {فليستجيبوا لكم} إلى تيسيره {إن كنتم صادقين} في نسبة التأثير إلى الغير ،كما
ْ
قال النبي عليه الصالة والسالم البن عباس" :يا غالم ،احفظ هللا يحفظك ،احفظ هللا تجده تجاهك .وإذا سألت فاسأل
ّ
األمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إال بشيء قد كتبه هللا
أن ّهللا ،وإذا استعنت فاستعن باهلل .واعلم ّ
لك ،ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إال بشيء كتبه هللا عليكُ ،رِف َعت األقالم وجفت الصحف"
".
نِ ِ ِ نِ ٍ ِ
آء ُك ْم
َعُي ٌن ُي ْبص ُرو َ ب َهآ أ َْم َل ُه ْم آ َذا ٌن َي ْس َم ُعو َ ب َها ُقل ْاد ُعوْا ُش َرَك َ أََل ُه ْم أ َْر ُج ٌل َي ْم ُشو َن ِب َهآ أ َْم َل ُه ْم أ َْيد َي ْبط ُشو َن ِب َهآ أ َْم َل ُه ْم أ ْ
ين تَ ْد ُعو َن ِمن ُدوِن ِه الَ َّ ِ
ين * َوالذ َ
َّللا َّال ِذي َنَّزل اْل ِكتَاب وهو يتَوَّلى َّ ِ ِ
الصالح َ َ َ َُ َ َ َ ـي َّ ُ نظ ُرو ِن * ِإ َّن ولِِي
ََّ
ثُ َّم ِكيدو ِن َفالَ تُ ِ
ُ
ظرو َن ِإَليك وهم الَ يب ِ ِ
ص ُرو َن ْ َ َ ُ ْ ُْ وه ْم ِإَلى اْل ُه َد ٰى الَ َي ْس َم ُعوْا َوتَ َٰرُه ْم َين ُ ُ
ص ُرو َن * َوإِن تَ ْد ُع ُ ص َرُك ْم َوال أ َْنُف َس ُه ْم َي ْن ُ يعو َن َن ْ َي ْستَط ُ
ِ ِ ط ِن نزغٌ َفاست ِع ْذ ِب َّ ِ اهلِين * وإِ َّما ينزغَّنك ِمن َّ ٰ ِ ِ ِ
يم
يع َعل ٌ اَّلل ِإَّن ُه َسم ٌ َْ الش ْي َ َ ْ َ َََ َ َ ض َع ِن اْل َج َ َع ِر ْْم ْر ِباْل ُع ْرف َوأ ْ * ُخذ اْل َعْف َو َوأ ُ
{أَل ُهم ْأر ُجل َي ْمشون بها} استفهام على سبيل اإلنكار ،أي :ألهم أرجل ولكن ال يمشون بها بل باهلل ،إذ هو الذي
أم ْر بالعرف} أي :بالوجه الجميل {وأعرض عنالعفو} أي :السهل الذي يتيسر لهم وال تكلفهم ما ال يتيسر لهم {و ُ
{خذ َ
ُ
الجاهلين} بعدم مكافأة جهلهم .وعن اإلمام جعفر الصادق رضي هللا عنه" :أمر هللا نبيه بمكارم األخالق وليس في
القرآن آية أجمع لمكارم األخالق منها" .قال ذلك لقوة داللتها على التوحيد ،فإن من شاهد مالك النواصي وتصرفه في
عباده وكونهم فيما يأتون ويذرون به ال بأنفسهم ،ال يشاقهم وال يداقهم في تكاليفهم وال يغضب في األمر بالمعروف
يتشدد عليهم ويحلم عنهم{ .وإما َي ْنزغنك من الشيطان َن ْزغ} أي :نخس وداعية قوية تحملك
والنهي عن المنكر ،وال ّ
على مناقشتهم برؤية الفعل منهم ونسبة الذنب إليهم {فاستعذ باهلل} بالشهود والحضور لفاعليته {إنه سميع} يسمع
بالنيات واألسرار.
أحاديث النفس ووساوس الشيطان في الصدر {عليم} ّ
صرو َن * وِإ ْخوانهم يمُّدونهم ِفي اْل َغ ِي ثُ َّم الَ يْق ِ ِ ط ِ َّ ف ِم َن َّ ِإ َّن َّال ِذين اتََّقوْا ِإ َذا م َّسهم َ ِ
ص ُرو َن ُ ّ َ َ ُُ ْ َُ َُ ْ ان تَ َذك ُروْا َفِإ َذا ُهم ُّم ْب ُ الش ْي َ طائ ٌ ّ َ ُْ َ
ٍ
ص ِآئ ُر ِمن َّرّب ُ
ِك ْم َو ُه ًدى َوَر ْح َم ًة ّلَِق ْو ٍم ِ ِ
اجتََب ْيتَ َها ُق ْل ِإَّن َمآ أَتَِّب ُع َما ِي َ
وح ٰى إَل َّي من َّرّبِي َهـٰ َذا َب َ
ِ
* َوإِ َذا َل ْم تَأْت ِه ْم ِب َآية َقاُلوْا َل ْوالَ ْ
ضُّرعاً َو ِخ َيف ًة َوُدو َن اْل َج ْه ِر ِ َّك ِفي يؤ ِمنو َن * وإِ َذا ُق ِرىء اْلُقرآن َفاستَ ِمعوْا َله وأ ِ
َنصتُوْا َل َعَّل ُك ْم تُ ْرَح ُمو َن
َنْفس َك تَ َ * َوا ْذ ُكر َّرب َ َ ْ ُ ْ ُ َُ َ ُْ ُ
ِ ِِ ين ِع َند َّ ِ ِِ ِ ِم َن اْلَقو ِل ِباْل ُغ ُد ِو واآلص ِ
َع ْن عَب َادته َوُي َسِّب ُح َ
ون ُه َوَل ُه ِك الَ َي ْس َت ْكِب ُرو َن
َرّب َ ين * ِإ َّن الذ َ ال َوالَ تَ ُك ْن ّم َن اْل َغافل َ ّ َ َ ْ
َي ْس ُج ُدو َن
ِ
َّللاَ َوَرُسوَل ُه ِإن ُكنتُم ُّم ْؤ ِمن َ
َّللا وأَصلِحوْا َذات ِبيِن ُكم وأ ِ َنفال ََِّّللِ و َّ ِ ِ ِ
ين * َطي ُعوْا َّ َ ْ ْ َ الرُسول َفاتَُّقوْا َّ َ َ ْ ُ ون َك َع ِن األ َْنَفال ُقل األ َ ُ َ َي ْسأَُل َ
يمناً وعَلى رب ِِهم يتَوَّكُلو َن * َّال ِذ ِ ِ ِ ٰ ِ ين ِإ َذا ُذ ِكر َّ ِ َّ ِ
يمو َن
ين ُيق ُ
َ وب ُه ْم َوِإ َذا ُتلَي ْت َعَل ْيه ْم َء َايتُ ُه َزَاد ْت ُه ْم إ َٰ َ َ ٰ َ ّ ْ َ َ
َّللاُ َوجَل ْت ُقُل ُ َ ِإَّن َما اْل ُم ْؤ ِمُنو َن الذ َ
ِ ِ الصٰلوة و ِم َّما رَزْقناهم ي ِنفُقون * أُولـِٰئك هم اْلمؤ ِمنون حّقاً َّلهم درج ٌ ِ
ات ع َند َرِّبه ْم َو َم ْغف َرةٌ َوِرْز ٌق َك ِر ٌ
يم ْ َ ُُ ُ ْ ُ َ َ ُ ْ َ َ َ َ َ ُْ ُ َ َّ َ َ
{إن كنتم مؤمنين} اإليمان الحقيقي {إنما المؤمنون} باإليمان الحقيقي {الذين إذا ُذ ِك َر هللا} ذكر الصفات الذي للقلب ال
بتصور العظمة والبهاء والقهر والكبرياء وإشراق أنوار تجليات تلك ّ ذكر األفعال الذي للنفس {و ِجَل ْت قلوبهم} تأثرت
الصفات عليها {وإذا ُتلَِيت عليهم آياته} أي :جليت عليهم صفاته في المظاهر الكالمية {زادتهم إيماناً} حقيقياً بالترقي
عن مقام العلم إلى العين {وعلى رّبهم يتوكلون} أي :يصححون مقام التوكل بفناء األفعال ويتممونه في مقام فناء
الصفات .فإن تصحيح كل مقام إنما يتم بالترقي عنه والنظر إليه من مقام فوقه{ .الذين ُيِقيمون} صالة الحضور
القلبي بمشاهدة الصفات والترقي فيها بتجلياتها {ومما رزقناهم} من علوم التوكل في مقام فناء األفعال أو علوم تجليات
{ي ْنِفقون} بالعمل بها واإلفاضة على مستحقيها{ .أولئك هم المؤمنون حقاً} اإليمان الحقيقي
الصفات في السير فيها ُ
جنات القلب {ومغفرة} من ذنوب األفعال {ورزق كريم} من باب
{لهم درجات عند ربهم} من مراتب الصفات وروضات ّ
تجليات الصفات وعلومها .
َّن َكأََّن َما ُي َساُقو َن َخرجك ربُّك ِمن بيِتك ِباْلح ِق وإِ َّن َف ِريقاً ِمن اْلمؤ ِمِنين َل َك ِارهو َن * يج ِادُل َ ِ
ون َك في اْل َح ِّق َب ْع َد َما تََبي َ َُ ُ ّ َ ُْ َ َْ َ َ ّ َ َك َمآ أ ْ َ َ َ َ َ
ِإَلى اْل َم ْو ِت َو ُه ْم َين ُ
ظ ُرو َن
{كما أخرجك} أي :هذه الحال -يعني حالهم في االعتراض عليك في باب التنقيل -كحالهم في االعتراض عليك
عند إخراج رّبك إياك ألنهم لما احتجبوا عن فعل هللا بأفعالهم أروا الفعلين منك فكرهوا خروجك كما كرهوا تنفيلك وما
فطنوا إلخراج رّبك إياك {من َب ْيتك بالحق} أي :ملتبساً بالحق ،خارجاً به ال بنفسك ،فيكون بالحق حاالً من مفعول:
أمدهم بها.
{ويريد هللا أن يحق الحق بكلماته} أي :يثبته بمالئكته السماوية التي ّ
ِ َّللا رمى ولِيبلِي اْلمؤ ِمِنين ِم ْنه بالء حسناً ِإ َّن َّ ِ ِ ِ وه ْم َوَلـ ِٰك َّن َّ
يم * يع َعل ٌ َّللاَ َسم ٌ َّللاَ َقَتَل ُه ْم َو َما َرَم ْي َت إ ْذ َرَم ْي َت َوَلـٰك َّن َّ َ َ َ ٰ َ ُْ َ ُ ْ َ ُ َ ً َ َ َفَل ْم تَْقُتُل ُ
ان َولَِي ْربِ َ
طِ نكم ِر ْج َز َّ السم ِآء مآء ّلِي َ ِ ِ ِ ِ ِ النعاس أ ِ ِإ ْذ ُي َغ ِّش ُ
ِك ْم
ط َعَل ٰى ُقُلوب ُ الش ْي َ ط ّه َرُك ْم به َوُي ْذه َب َع ُ ْ َمَن ًة ّم ْن ُه َوُيَنِّزُل َعَل ْي ُكم ّمن َّ َ َ ً ُ
يك ُم ُّ َ َ َ
الر ْع َب
ين َكَف ُروْا ُّ الئ َك ِة أَِني مع ُكم َفثَِبتُوْا َّال ِذين آمنوْا سأُْلِقي ِفي ُقُل ِ َّ ِ
وحي ربُّك ِإَلى اْلم ِ ويثَِب َت ِب ِه األَْق َدام * ِإ ْذ ي ِ
وب الذ َ َ َُ َ ّ ََ ْ ّ َ َ َ ُ َ َُ ّ
ِ ِ ِ ُّ ِ ِ ٰ
ان * ذل َك بأََّن ُه ْم َشآقواْ َّ ِ
اض ِرُبوْا م ْن ُه ْم ُك َّل َبَن ٍ َعَن ِ
َّللاَ َشد ُيد َّللاَ َوَرُسوَل ُه َو َمن ُي َشاق ِق َّ
َّللاَ َوَرُسوَل ُه َفإ َّن َّ اق َو ْ اض ِرُبوْا َف ْو َق األ ْ
َف ْ
ُّ ِ َّ ِ الن ِار * ٰيأَي َّ ِ اب * ٰذلِ ُكم َف ُذوُقوه وأ َّ ِ ِ اْل ِعَق ِ
وه ُم األ َْدَب َار
ين َكَف ُروْا َز ْحفاً َفالَ تَُول ُ آمُنوْا ِإ َذا َلقيتُ ُم الذ َ
ين َ ُّها الذ َ َ َ اب َّ ين َع َذ َ َن لْل َكاف ِر َ َُ ْ
َّللاِ ومأْواه جهَّنم وِب ْئس اْلم ِ ال أَو متَحِي اًز ِإَلى ِفَئ ٍة َفَق ْد بآء ِب َغ ٍ ِ ِ َّ ٍِ
ص ُير * ضب ّم َن َّ َ َ َ ُ َ َ ُ َ َ َ ََ َ * َو َمن ُي َوّلِ ِه ْم َي ْو َمئذ ُدُب َرهُ ِإال ُمتَ َحِّرفاً ّلِقتَ ٍ ْ ُ َ ّ ٰ
ودوْا َن ُع ْد َوَلن تُ ْغِني َّ ِ ِ ِ ٰذلِ ُك ْم َوأ َّ
َ آء ُك ُم اْلَف ْت ُح َوإِن تَنتَ ُهوْا َف ُهَو َخ ْيٌر ل ُك ْم َوإِن تَ ُع ُ
ين * إن تَ ْستَْفت ُحوْا َفَق ْد َج َ
ِ َّللاَ ُموِه ُن َك ْيد اْل َكاف ِر َ َن َّ
َّللاَ َوَرُسوَل ُه َوالَ تََوَّل ْوا َع ْن ُه َوأ َْنتُ ْم تَ ْس َم ُعو َن
يعوْا َّ ِ َّللا مع اْلمؤ ِمِنين * ٰيأَي َّ ِ َع ْن ُك ْم ِفَئتُ ُك ْم َش ْيئاً َوَل ْو َكثَُر ْت َوأ َّ
آمُنوْا أَط ُ ين َ ُّها الذ َ َ َن َّ َ َ َ ُ ْ َ
ين الَ َي ْعِقُلو َن * َوَل ْو َعلِ َم َّ ِ َّللاِ ُّ
الص ُّم اْلُب ْك ُم الذ َ اب ِع َند َّ الدو ِّ ِ
ين َقاُلوا َسم ْعَنا َو ُه ْم الَ َي ْس َم ُعو َن * إ َّن َشَّر َّ َ
ِ َّ ِ
ونوْا َكالذ َ * َوالَ تَ ُك ُ
َّ َّ ِ ِ
ضو َن َس َم َع ُه ْم َلتََولوْا َّو ُه ْم ُّم ْع ِر َُس َم َع ُه ْم َوَل ْو أ ْ
َّللاُ فيه ْم َخ ْي اًر أل ْ
هدو القوى البدنية والصفات النفسانية بنزول السكينة أمناً من عند هللا وطمأنينة {وينزل عليكم
{إذ يغشيكم} نعاس ّ
{وي ْذهب عنكم رجز}
من} سماء الروح {ماء} علم اليقين {ليطهركم به} من خبث أحاديث النفس وهواجس الوهم ُ
وسوسة {الشيطان} وتخويفه {وليربط على قلوبكم} أي :ليقوي قلوبكم بقوة اليقين ويسكن جأشكم {ويثبت به األقدام} إذ
الشجاعة وثبات القدم في المخاوف والمهالك ال تكون إال بقوة اليقين.
{فاضربوا فو َق ْ
األعَناق} أي :ثبتوهم بتلقين هذا المعنى ،وشجعوهم بإلقاء هذا القول وقوة الوهم عليهم ْ
واستيالء الشك ّ
عليهم أو بإراءتهم هذا الفعل منكم كما هو المروي.
{فلم تَْقتلوهم} ّأدبهم وهداهم إلى فناء األفعال بسلب األفعال عنهم وإثباتها هلل تعالى .ولما كان النبي عليه الصالة
ْ
والسالم في مقام البقاء بالحق نسب الفعل إليه بقوله{ :إذ رميت} مع سلبه عنه بما رميت وإثباته هلل بقوله{ :ولكن هللا
رمى} ليفيد معنى التفصيل في عين الجمع ،فيكون الرامي محمداً باهلل تعالى ال بنفسه ،وما نسب إليهم من الفعل شيئاً
{إن هللا
إذ لو فعلوا لفعلوا بأنفسهم {وليبلي المؤمنين منه بالء حسناً} أي :عطاء جميالً هو توحيد األفعال فعل ذلك ّ
سميع} بأحاديث نفوسكمّ ،أنا قتلناهم {عليم} بأنه هو القاتل وإن أظهر الفعل على مظاهركم {وال تولوا عنه وأنتم
{ولو علم هللا فيهم خي اًر} وصالحاً ،أي :استعداداً لقبول كمال سمعهم حتى فهموا وقبلوا وأطاعوا {ولو أسمعهم} مع
عدم الخير فيهم حتى فهموا لما كان لفهمهم أثر من اإلرادة والطاعة ،بل ّتولوا سريعاً لكون ذلك الفهم فيهم أم اًر
عارضياً سريع الزوال ال ذاتياً {وهم معرضون} بالذات ،فال يلبث فيهم الفهم واإلرادة كما قال أمير المؤمنين رضي هللا
فإن الحكمة لتتلجلج في صدر المنافق حتى تسكن إلى صواحبها في صدر
عنه" :خذ الحكمة ولو من أهل النفاقّ ،
المؤمن" ،أي :ال تثبت في صدره لكونها عارضية هناك ال تناسب ذاته.
{استَ ِجيبوا} بالتزكية والتصفية {إذا دعاكم لما} يحيي قلوبكم من العلم الحقيقي أو آمنوا
{يا أيها الذين آمنوا} بالغيب ْ
اإليمان التحقيقي ،استجيبوا بالسلوك إلى هللا وفيه إذا دعاكم إليه إلحيائكم به .هذا إذا كانت استجابة هللا والرسول
استجابة واحدة ،أما إذا كانت متغايرة فمعناه :استجيبوا هلل بالباطن واألعمال القلبية ،وللرسول بالظاهر واألعمال
النفسية ،أو استجيبوا هلل بالفناء في الجمع ،وللرسول بمراعاة حقوق التفصيل إذا دعاكم إلى االستقامة لما يحييكم من
البقاء باهلل فيها ،كل ذلك قبل زوال االستعداد فإن هللا يحول بين المرء وقلبه بزوال االستعداد وحصول الحجاب
بارتكاب الرين ،فانتهزوا الفرصة وال تؤخروا االستجابة {وأنه إليه تُ ْحشرون} فيجازيكم من صفاته وذاته على حسب
محوكم وفنائكم.
تصيبن} تلك الفتنة {الذين ظلموا منكم} بإزالة االستعداد أو نقصه الستعماله في غير
ّ {واتّقوا فتنة} شركاً وحجاباً {ال
موضعه وصرفه فيما دون الحق {خاصة} النفرادهم بالظلم .ومعنى ال تصيبن النهي ،أي :إن تصب تصبهم خاصة،
ُخ َر ٰى} [األنعام ،اآلية ،]164 :ويجوز أن يكون المعنى :ال تصيبنهم خاصة ،بل {والَ تَ ِزُر َو ِازَرةٌ ِوْزَر أ ْ
كقوله تعالىَ :
ظ َه َر اْلَف َس ُاد ِفي اْلَبِّر َواْلَب ْح ِر ِب َما
تشملهم وغيرهم بشؤم صحبتهم وتعدي رذيلتهم إلى من يخالطهم كقوله تعالىَ { :
أن هللا شديد العقاب} بتسليط الهيآت الظلمانية التي اكتسبتها القلوب
اس} [الروم ،اآلية{ ،]41 :واعلموا ّ َك َسَب ْت أ َْي ِدي َّ
الن ِ
عليها وحجبها عنه وتعذيبها بها .
يتخطف ُكم
َ {م ْستَضعفون في} أرض النفس {تخافون أن
{واذكروا إذ أنتم قليل} القدر ،لجهلكم وانقطاعكم عن نور العلم ُ
الحسية لضعف نفوسكم {فآواكم} إلى مدينة العلم {وأيدكم بنصره} في مقام توحيد األفعال
ّ الناس} أي :ناس القوى
ونوا هللا} {ورزقكم من} طيبات علوم تجليات الصفات {لعلكم تشكرون} نعمة العلوم والتجليات بالسلوك فيه{ .ال ُ
تخ ُ
بنقض ميثاق التوحيد الفطري السابق {و} تخونوا {الرسول} بنقض العزيمة ونبذ العقد الالحق {وتخونوا أماناتكم} من
المعارف والحقائق التي استودع هللا فيكم بحسب االستعداد األول في األزل بإخفائها بصفات النفس {وأنتم تعلمون}
أمَوالكم وأوالدكم ِف ْتَنة} أي :حجاب لكم
اعَلموا أنما ْ أنكم حاملوها ،أو تعلمون ّ
أن الخيانة من أسوأ الرذائل وأقبحها{ .و ْ
بالتجرد عنها ومراعاة حق
ّ عظيم} فاطلبوه
ٌ أجر
أن هللا عنده ٌ كحب هللا {و ّ
الشتغالكم بها عن هللا ،أو شرك لمحبتكم إياها ّ
هللا فيها.
{إن تتقوا هللا} باالجتناب عن نقض العهد وفسخ العزيمة وإخفاء األمانة ومحبة األموال واألوالد حتى تفنوا فيه {يجعل
لكم فرقاناً} نو اًر يفرق به بين الحق والباطل من طور العقل الفرقاني {ويكفر عنكم سيئاتكم} أي :سيئات نفوسكم
{ويغفر لكم ذنوبكم} أي :ذنوب ذواتكم {وهللا ذو الفضل العظيم} بإعطاء الوجود الموهوب الحقاني والعقل الفرقاني.
{وما كان هللا ليعذبهم وأنت فيهم} ألن العذاب صورة الغضب وأثره فال يكون إال من غضب النبي أو من غضب هللا
ِ ِ َّ
اك ِإال َر ْح َم ًة ّلْل َعاَلم َ
ين} {و َمآ أ َْرَسْلَن َ
المسبب من ذنوب األمة ،والنبي عليه السالم كان صورة الرحمة لقوله تعالىَ :
[األنبياء ]107 :ولهذا إذ كسروا رباعيته قال صلى هللا عليه وسلم" :اللهم اهد قومي فإنهم ال يعلمون" ،ولم يغضب
ِ {ر ِب الَ تَ َذر عَلى األَر ِ ِ
ض م َن اْل َكاف ِر َ
ين َديَّا اًر} [نوح ،اآلية ]26 :فوجوده فيهم مانع ْ ْ َ كما غضب نوح عليه السالم ،وقالّ َّ :
فإن السبب األولي للعذاب لما كان وجود الذنب ،واالستغفار مانع من تراكم من نزول العذاب ،وكذا وجود االستغفارّ .
الذنب وثباته بل يوجب زواله فال يتسبب لغضب هللا ،فما دام االستغفار فيهم فهم ال يعذبون.
آؤهُ ِإالَّ اْل ُمتَُّقو َن َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثَ َرُه ْم الَ ِِ َو َما َل ُه ْم أَالَّ ُي َع ِّذَب ُه ُم َّ
آءهُ ِإ ْن أ َْولَِي ُ ِ َّللاُ َو ُه ْم َي ُ ُّ ن ِ
صدو َ َعن اْل َم ْسجد اْل َح َار ِم َو َما َك ُانوْا أَ ْولَي َ
ين َكَف ُروْا ُي ِنفُقو َن َّ ِ يعَلمون * وما َكان صالَتُهم ِعند اْلبي ِت ِإالَّ م َكآء وتَ ِ
اب ِب َما ُكنتُ ْم تَ ْكُف ُرو َن * ِإ َّن الذ َ صدَي ًة َف ُذوُقوْا اْل َع َذ َ ُ ً َ ْ َ َ َ َ ُ ْ َ َْ َْ ُ َ
ين َكَف ُروْا ِإَل ٰى َج َهَّن َم ُي ْح َش ُرو َن * لَِي ِم َيز َّ ِ يل َّ ِ
َّللا َف َسُي ِنفُق َ
ون َها ثُ َّم تَ ُكو ُن َعَل ْي ِه ْم َح ْس َرًة ثُ َّم ُي ْغَلُبو َن َوالذ َ أَمواَلهم لِيصُّدوْا َعن سِب ِ
َ َْ ُ ْ َ ُ
ض َفيرُكمه ج ِميعاً َفيجعَله ِفي جهَّنم أُوَلـِٰئك هم اْلخ ِ يث ِمن َّ
الطِّي ِب َوَي ْج َع َل اْل َخِب َ
اس ُرو َن * ُقل َ َ َ ْ َ ُُ َ َ َْ ُ ض ُه َعَل ٰى َب ْع ٍ َ ْ َ ُ َ يث َب ْع َ َّللاُ اْل َخِب َ ََّ
وه ْم َحتَّ ٰى الَ تَ ُكو َن ِف ْتَن ٌة ِ َِّ ِ
ين * َوَقاتُل ُ ض ْت ُسَّن ُت األََّولِ َ ودوْا َفَق ْد َم َ ف َوإِ ْن َي ُع ُ ين َكَف ُروْا ِإن َينتَ ُهوْا ُي َغَف ْر َل ُه ْم َّما َق ْد َسَل َ
للذ َ
َّللاَ َم ْوالَ ُك ْم ِن ْع َم اْل َم ْوَل ٰى َوِن ْع َم
َن َّ َّ ِ ين ُكُّل ُه َِّللِ َفِإ ِن ْانتَ َه ْوْا َفِإ َّن َّ
َّللاَ ِب َما َي ْع َمُلو َن َبص ٌير * َوإِن تََول ْوْا َف ْ
اعَل ُموْا أ َّ وي ُكون ِ
الد ُ
ََ َ ّ
الن ِ
ص ُير َّ
{وما لهم أال يعذبهم هللا} أي :ليس عدم نزول العذاب لعدم استحقاقهم لذلك بحسب أنفسهم ،بل إنهم مستحقون
وصدهم المستعدين عن مقام القلب وعدم بقاء الخيرية فيهم ولكن يمنعه وجودك ووجود المؤمنين
ّ بذواتهم لصدورهم
المستغفرين معك فيهم .واعلم أن الوجود اإلمكاني يتبع الخير الغالب ،ألن الوجود الواجبي هو الخير المحض ،فما
الشر لم تبق المناسبة فلزم استئصاله وإعدامه
رجح خيره على شره فهو موجود بوجوده بالمناسبة الخيرية ،وإذا غلب ّ
تفرقوا ما بقي
فهم ما داموا على الصورة االجتماعية كان الخير فيهم غالباً فلم يستحقوا الدمار بالعذاب .وأما إذا ّ
{واتَُّقوْا
شرهم إال خالصاً فوجب تدميرهم كما وقع في وقعة بدر .ومن هذا يظهر تحقيق المعنى الثاني في قوله تعالىَ : ّ
ِ ِ َّ ِ َّ ِ
الشر على المجموع حينئذ ،ولهذا قال أمير
آص ًة} [األنفال ،اآلية ]25 :لغلبة ّ
نك ْم َخ َّ
ظَل ُموْا م ُ ف ْتَن ًة ال تُص َيب َّن الذ َ
ين َ
فرِف َع أحدهما وبقي اآلخر .فأما الذي ُرِف َع فهو رسول هللا صلى هللا
المؤمنين عليه السالم" :كان في األرض أمانانُ ،
عليه وسلم ،وأما الذي بقي فاالستغفار" وق أر هذه اآلية.
{يصدون عن المسجد الحرام} صورة لصدودهم وإعراضهم عن معناه الذي هو القلب بالركون إلى النفس وصفاتها،
ّ
المستعدين عنه بإغرائهم على األمور النفسانية والل ّذات الطبيعية.
ّ وصدهم
ّ
الدين {إن أولياؤه إالّ المتقون} الذين اتّقوا صفات النفس وأفعالها {ولكن أكثرهم ال يعلمون} ّ
أن البيت صورة القلب الذي
هو بيت هللا بالحقيقة فال يستحق واليته إال أهل التقوى من الموحدين دون المشركين.
اَّللِ
آم ْنتُ ْم ِب َّ ين و ْاب ِن َّ ِ ِ ِ ِ ِ ِِ ِ واعَلموا أََّنما غِنمتم ِمن شي ٍء َفأ َّ ِ ِ
السبيل إن ُكنتُ ْم َ ام ٰى َواْل َم َساك ِ َ َن ََّّلل ُخ ُم َس ُه َول َّلرُسول َولذي اْلُق ْرَب ٰى َواْلَيتَ َ َ ْ ُ َ َ ْ ُْ ّ َ ْ
َّللاُ َعَل ٰى ُك ِّل َشي ٍء َق ِد ٌير * ِإ ْذ أَنتُ ْم ِباْل ُع ْدَوِة ُّ
الد ْنَيا َو ُهم ِباْل ُع ْدَوِة َنزلَنا َعَل ٰى َع ْب ِدَنا َي ْوم اْلُف ْرَق ِ
ان َي ْوم اْلتََقى اْل َج ْم َع ِ
ان َو َّ َو َمآ أ َ ْ
ْ َ َ
ان َمْف ُعوالً ِّلَي ْهِل َك َم ْن َهَل َك َعن نكم وَلو تَواعدتُّم الَ ْخَتَلْفتُم ِفي ال ِميع ِاد ولـ ِٰكن ِليق ِ ِ ص َو ٰى َو َّ
َّللاُ أ َْم اًر َك َ
ضي َّ
ْ َ َ َ َّْ َ ْ َسَف َل م ُ ْ َ ْ َ َ ْ الرْك ُب أ ْ اْلُق ْ
يم ِ بِين ٍة ويحيى من ح َّي عن بِين ٍة وإِ َّن َّ ِ
يع َعل ٌ َّللاَ َل َسم ٌ َّ َ َ َ ْ َ ٰ َ ْ َ َ َّ َ َ
فأن هلل ُخ ْمسه} إلى قوله{ :وهللا شديد العقاب} ال يقبل التأويل بحسب ما ورد فيه من
{واعلموا أنما غنمتم من شيء ّ
(الواقعة) وإن شئت تطبيقه على تفاصيل وجودك أمكن أن نقول :واعلموا أيها القوى الروحانية أنما َغنمتم من العلوم
النافعة والشائع المبني عليها اإلسالم في قولهُ :بِني اإلسالم على خمس ،فإن هلل خمسه ،وهو شهادة أن ال إله إالّ هللا
ّ
الق ْربى} الذي هو السر ،ويتامى العاقلة النظرية
ُ {ولذي القلب ولرسول الجمعي التوحيد باعتبار هللا، أن محمداً رسول
وّ
القوة الكفرية ،ومساكين القوى النفسانية {و ْابن السبيل} الذي هو النفس السالكة الداخلة في الغربة الجائبة
والعملية ،و ّ
منازل السلوك ،النابية عن مقرها األصلي باعتبار التوحيد التفصيلي في العالم النبوي .واألخماس األربعة الباقية تقسم
على الجوارح واألركان والقوى الطبيعية {إن كنتم آمنتم} اإليمان الحقيقي {باهلل} جمعاً{ ،وما أنزلنا على عبدنا يوم
الفرقان} وقت التفرقة بعد الجمع تفصيالً {يوم التقى الجمعان} من فريقي القوى الروحانية والنفسانية عند الرجوع إلى
مشاهدة التفصيل في الجمع.
{إذ أنتم بالعدوة الدنيا} من مدينة العلم ومحل العقل الفرقاني {وهم بالعدوة القصوى} أي :الجهة السفلية البعيدة من
الحق ومحل العلم وركب القوى الطبيعية الممتازة للقوى النفسانية {أسفل منكم} أي :من الفريقين {ولو تواعدتم} اللقاء
الص ُد ِ َّللا سَّلم ِإَّنه علِيم ِب َذ ِ ِ ِ امك َقلِيالً وَلو أَر َ ِ َّ ِ ِ يكهم َّ ِ ِ ِ
ور * ات ُّ اك ُه ْم َكثي اًر لَفشْلتُ ْم َوَلتََن َاز ْعتُ ْم في األ َْم ِر َوَلـٰك َّن َّ َ َ َ ُ َ ٌ َْ َ َّللاُ في َمَن َ إ ْذ ُير َ ُ ُ
َّللا أَم اًر َكان مْفعوالً وِإَلى َّ ِ يكموهم ِإ ِذ اْلتََقيتُم ِفي أَعيِن ُكم َقلِيالً ويَقِّلُل ُكم ِفي أ ِ ِ ِ ِ
ُّها
ور * ٰيأَي َ َّللا تُ ْر َج ُع األ ُُم ُ َ َ ُ َ َعُينه ْم لَيْقض َي َّ ُ ْ ْ َُ ْ ُْ ْ ْْ َوِإ ْذ ُي ِر ُ ُ ُ ْ
ِ َّال ِذين آمُنوْا ِإ َذا َلِقيتُم ِفَئ ًة َفا ْثبتُوْا وا ْذ ُكروْا َّ ِ َّ َّ
َّللاَ َوَرُسوَل ُه َوالَ تََن َازُعوْا َفتَْف َشُلوْا َوتَ ْذ َه َب َّللاَ َكثي اًر ل َعل ُك ْم تُْفَل ُحو َن * َوأَط ُ
يعوْا َّ ُ َ ُ ْ َ َ
َّللاِ اس ويصُّدو َن َعن سِب ِ ط اًر وِرَئ َّ ِ ِِ ِ ِ ِ الصاِب ِرين * والَ تَ ُك ُ َّ اصِب ُروْا ِإ َّن َّ
يل َّ َ آء الن َ َ ُ ين َخ َر ُجوْا من دَيارهم َب َ َ َ ونوْا َكالذ َ َ َّللاَ َم َع َّ َ ِر ُ
يح ُك ْم َو ْ
اس َوإِِّني َج ٌار َّل ُك ْم َفَل َّما ال الَ َغالِ َب َل ُكم اْلَي ْوم ِم َن َّ
الن ِ
ُ َ َع َماَل ُه ْم َوَق َ
ان أ ْطُ َّن َلهم َّ
الش ْي َ َّللاُ ِب َما َي ْع َمُلو َن ُم ِحي ٌ
ط * َوإِ ْذ َزي َ ُ ُ َو َّ
َّللا َش ِد ُيد اْل ِعَق ِ
اب * ِإ ْذ ان ن َكص عَلى عِقبي ِه وَقال ِإِّني ب ِر ِ تَر ِ ِ
َّللاَ َو َّ ُ
اف َّ
َخ ُيء ّم ْن ُك ْم ِإَّني أ ََر ٰى َما الَ تَ َرْو َن ِإَّني أ َ
َ ٌ آءت اْلفَئتَ ِ َ َ َ ٰ َ َ ْ َ َ ََ
ِ ِ ِ
الء د ُين ُه ْم َو َمن َيتََوَّك ْل َعَلى َّ
َّللا َفِإ َّن َّ ِ
يُقول اْلمن ِافُقو َن و َّالذين ِفي ُقُلوبِ ِهم َّمرض َغَّر هـٰؤ ِ
َّللاَ َع ِز ٌيز َحك ٌ
يم َُ َ ٌ َ َ َ ُ َُ
سلم} عن الفشل والتنازع بتأييده وعصمته {وال تكونوا} ككفرة القوى النفسانية الذين {خرجوا من} ديار ّ
مقارهم {ولكن هللا َ
ومحالهم وحدودهم {بط اًر ورئاء الناس} وإظها اًر للجالدة على الحواس.
{وإذ زّين لهم} شيطان الوهم {أعمالهم} في التغلب على مملكة القلب وقواه {وقال ال َغالِ َب لكم اليوم من الناس}
أمدكم
وأوهمهم تحقيق أمنيتهم بأن بصرهم أن ال غالب عليهم من ناس الحواس فكذا سائر القوى{ .وإني جار لكم} ّ
وأقويكم وأمنعكم من ناس القوى الروحانية {فلما تراء ْت ِ
الفَئتَان نكص على عقبيه} لشعوره بحال القوى الروحانية َ ّ
مر توفي المالئكة وأنه ال يكون إال لمن هو في مقام النفس ،فإن كان من
{ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا المالئكة} ّ
العصاة ومن غلب عليه صفات النفس من الغضب والحقد والشهوة والحرص وأمثال ذلك من رذائل األخالق توفتهم
مالئكة القهر والعذاب مما يناسب هيئات نفوسهم {يضربون وجوههم} الحتجابهم عن عالم األنوار وإعراضهم عنها،
وشدة انجذابهم إلى البدن و عالم الطبيعة ولهيئات الشهوة ولهيئات ِ
الكبر والعجب والنخوة فيها {و ْأدَبارهم} لميلهم ّ
وا لحرص والشره {وذوقوا عذاب الحريق} أي :حريق الحرمان واستيالء نيران التعب والطلب مع الفقدان الكتسابهم تلك
الهيئات الموجبة لذلك وإن كان من أهل الطاعة ومن غلبت عليه أنوار صفات القلب من الرأفة والرحمة والسالمة
القوتين السبعية والبهيمية دون فضيلة القوة النطقية فإنه حينئذ يكون صاحب قلب والقناعة وأمثال ذلك من فضائل ّ
الم َعَل ْي ُك ُم ْاد ُخُلوْا اْل َجَّن َة ِب َما ُك ْنتُ ْم تَ ْع َمُلو َن} [النحل ،اآلية: طِّيِب َ
ين َيُقوُلو َن َس ٌ ليس في مقام النفس توفتهم مالئكة الرحمة { َ
]32لمناسبة هيئات نفوسهم تلك الروحانيات من العالم.
مغي اًر نعمة أنعمها على قوم} إلى آخره ،أي :كل ما يصل إلى اإلنسان هو الذي يقتضيه{ذلك بأن هللا لم يك ّ
استعداده ويسأله بدعاء الحال وسؤال االستحقاق ،فإذا أنعم على أحد النعمة الظاهرة أو الباطنة لسالمة االستعداد
وغير قبوله للصالح باالحتجاب وانقالب الخير الذي فيه بالقوة إلى
وبقاء الخيرية فيه لم يغيرها حتى أفسد استعداده ّ
الشر لحصول الرين وارتكام الظلمة فيه بحيث لم يبق له مناسبة للخير وال إمكان لصدوره منه ،فيغيرها إلى النقمة
ّ
عدالً منه وجوداً وطلباً من ذلك االستعداد إياها بجاذبة الجنسية والمناسبة ال ظلماً وجو اًر.
{لو أنفقت ما في األرض جميعاً ما أّلفت بين قلوبهم} ألن ما في الجهة السفلية تزيد في عداوتهم ومناوأتهم الشتداد
ظل
حرصهم وتكالبهم به {ولكن هللا أّلف بينهم} بنور الوحدة التي تورث المحبة الروحانية واأللفة القلبية فإن المحبة ّ
قوي على دفع الكفرة وقهرهم باجتماع المؤمنين واتفاقهم
الوحدة ،واأللفة ظل المحبة ،والعدالة ظل األلفة {إنه عزيز} ّ
{حكيم} يفعل ذلك بحكمة إليقاع اإللفة والمحبة بين هؤالء والتفرقة واختالف الكلمة بين أولئك .
ِ يل َّ ِ َّ ِ اه ُدواْ ِبأَموالِ ِهم وأ َْنُف ِس ِهم ِفي سِب ِ َّ ِ
ضض ُهم أ َْولَِيآء َب ْع ٍ
ُ ص ُروْا أ ُْوَلـٰئ َك َب ْع ُ ْ ين َء َاووْا َّوَن ََّللا َوالذ َ َ ْ َْ ْ َ اج ُروْا َو َج َ
آمُنوْا َو َه َ
ين َ ِإ َّن الذ َ
ص ُر ِإالَّ َعَل ٰى ين َف َعَل ْي ُكم َّ
الد ِوكم ِفي ِ ِ ٍ َّ ِِ ِ ِ ِ َّ ِ
الن ْ ُ ّ نص ُر ُ ْاستَ َ آمُنوْا َوَل ْم ُي َهاج ُروْا َما َل ُك ْم ّمن َوالََيتهم ّمن َش ْيء َحت ٰى ُي َهاج ُروْا َوإِ ِن ْ ين َ َوالذ َ
ضض ِإالَّ تَْف َعُلوهُ َت ُك ْن ِف ْتَن ٌة ِفي األ َْر ِ ض ُهم أ َْولَِيآء َب ْع ٍ َّ ِ
َّللاُ ِب َما َت ْع َمُلو َن َبص ٌير * َوال َ
ِ
ُ ذين َكَف ُروْا َب ْع ُ ْ اق َو َّ
َق ْو ٍم َب ْيَن ُك ْم َوَب ْيَن ُه ْم ّميثَ ٌ
يل َّ ِ َّ ِ َّ ِ
ص ُروْا أُوَلـِٰئ َك ُه ُم اْل ُم ْؤ ِمُنو َن َحّقاً َّل ُه ْم َّم ْغِف َرةٌ ين َء َاووْا َّوَن َ َّللا َوالذ َ ين ءامُنوْا و َهاجروْا و ٰجه ُدوْا ِفي سِب ِ
َ َوَف َس ٌاد َكب ٌير * َوالذ َ َ َ َ َ ُ َ َ َ
ِ
تدل على أن الفقير القائم بالخدمة في الخانقاه والبقعة ليس عليه {إن الذين آمنوا وهاجروا} إلى آخر اآلية ،بالفحوى ّ
آمُنوْا َوَل ْم ُي َها ِج ُروْا َما َل ُك ْم ِّمن َوالََيِت ِهم ِّمن َشي ٍء} [األنفال ،اآلية]72 : خدمة المقيم بل المسافر لقوله تعالىِ َّ :
ْ ين َ
{والذ َ
َ
أي :الذين آمنوا اإليمان العلمي وهاجروا المألوفات من األهل والولد واألموال واألسباب وأوطان النفس بقوة العزيمة
واختاروا السياحة في الغربة ،وجاهدوا بقوة اليقين والتوكل بأموالهم بتركها وإنفاقها في مراضي هللا وأنفسهم بإتعابها
بنية السلوك في هللا .والذين آووهم
بالرياضة ومحاربة الشيطان وتحمل وعثاء السفر في سبيل هللا وبذلها في الدين ّ
بالخدمة في المنزل ،ونصروهم بتهيئة ما احتاجوا إليه من األهبة {أولئك بعضهم أولياء بعض} باأللفة والمحبة {والذين
آمنوا ولم يهاجروا} عن األوطان المألوفة ما لكم من واليتهم من شيء حتى يهاجروا .
ورسوله} اآلية ،لما لم يتمكن الرسول في االستقامة لمكان تلوينه بظهور صفاته تارة وبوجود البقية تارة اءة من هللا َ
{ب َر َ
َ
{وَل ْوالَ أَن َّ
{عَب َس َوتََول ٰى} [عبس ،اآلية ،]1 :وقولهَ :
دل عليه القرآن في مواضع العتاب والتثبيت كقولهَ :
أخرى ،على ما ّ
ِ اك َلَق ْد ِك َّ
نك لِ َم أَذ َ ِ
{ما
نت َل ُه ْم} [التوبة ،اآليةَ ،]43 : َّللاُ َع َ دت تَ ْرَك ُن ِإَل ْي ِه ْم َش ْيئاً َقليالً} [اإلسراء ،اآليةَ ،]74 :
{عَفا َّ ثَب َّْتَن َ
َك َ ِ ِ
َس َر ٰى} [األنفال ،اآلية ،]67 :فلم يصل أصحابه من المؤمنين إلى مقام الوحدة الذاتية ان لَنب ٍّي أَن َي ُكو َن َل ُه أ ْ
الحتجابهم تارة باألفعال وتارة بالصفات كان بينهم وبين المشركين مناسبة وقرابة جنسية وآل فبتلك الجنسية عاهدوهم
اب ِ لوجود االتصال بينهم .ثم لما امتثل النبي عليه الصالة والسالم والمؤمنون قوله تعالىَ{ :ف ِ
استَق ْم َك َمآ أُم ْر َت َو َمن تَ َ
ْ ّ
َم َع َك} [هود ،اآلية ]112 :وبلغ غاية التمكين وارتفعت الحجب اإلفعالية والصفاتية و الذاتية عن وجه السالكين من
أصحابه حتى بلغوا مقام التوحيد الذاتي .ارتفعت المناسبة بينهم وبين المشركين ولم تبق بينهم جنسية بوجه ما وتحققت
الم ْشركين} أي :هذه الحالة
اهدتم من ُ
الضدية والمخالفة وحّقت الفرقة والعداوة فنزلت براءة من هللا ورسوله {إلى الذين َع َ
ّ
{وأذان} أي :إعالم {من هللا ورسوله إلى الناس يوم الحج األكبر} أي :وقت ظهور الجمع الذاتي في صورة التفصيل
الم ْشركين ورسوله} في الحقيقة فيوافق الظاهر الباطن .
يء من ُ
كما مر {أن هللا بر ٌ
{إال الذين عاهدتم من المشركين ثم لم َي ْنقصوكم شيئاً} أي :هذه براءة إليهم إال الذين بقيت فيهم مسكة االستعداد وأثر
سالمة الفطرة فلم يقدموا على نقض العهد لبقاء المروءة فيهم الدالة على سالمة الفطرة وبقائهم على عهد هللا السابق
المودة الفطرية بينكم
بوجود االستعداد وإمكان الرجوع إلى الوحدة{ .ولم يظاهروا عليكم أحداً} لبقاء الوصلة األصلية و ّ
وبينهم وعدم ظهور العداوة الكسبية {فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم} أي :مدة تراكم الرين وتحقق الحجاب إن لم
يرجعوا أو يتوبوا {إن هللا يحب المتّقين} الذين اجتنبوا الرذائل خصوصاً نقض العهد الذي هو ّأم الرذائل ظاه اًر وباطناً.
ُّهم ِ
* ُيَب ّش ُرُه ْم َرب ُ َّللاِ َوأ ُْوَلـِٰئ َك ُهم اْلَف ِائ ُزو َن
ظ ُم َد َر َج ًة ِع َند َّ ِ ِ يل َّ ِ
َّللا ِبأ َْم َوال ِه ْم َوأ َْنُفس ِه ْم أ ْ
َع َ اه ُدوْا ِفي سِب ِ
َ اج ُروْا َو َج َ
آمُنوْا َو َه َ
ين َ الذ َ
َّ ِ
ُ
َّ ِ ِ ات َّلهم ِفيها ن ِعيم ُّمِقيم * خالِ ِدين ِفيهآ أَبداً ِإ َّن َّ ِ ان وجَّن ٍ ٍ ِ
آمُنوْا الَين َ الذ َ ُّها
يم * ٰيأَي َ َّللاَ ع َندهُ أَ ْجٌر َعظ ٌ َ َ َ َ ُْ َ َ ٌ ٌ ض َو ٍ َ َ ِب َر ْح َمة ّم ْن ُه َوِر ْ
َّ ِ ِ ان َو َمن َيتََوَّل ُه ْم ِّم ُ تَتَّ ِخ ُذوْا َآبآء ُكم وإِ ْخو َان ُكم أَولَِي ِ
نك ْم َفأ ُْوَلـٰئ َك ُه ُم الظال ُمو َن * ُق ْل ِإن َك َ
ان يم ِ ِ
آء إ ِن ْ
استَ َحُّبوْا اْل ُكْف َر َعَلى اإل َ َ ْ َ َ ْ ْ َ
{الذين آمنوا} علماً {وهاجروا} الرغائب الحسية والمواطن النفسية بالسلوك في سبيل هللا وجاهدوا بأموال معلوماتهم
َ
ظم َد َرجة} في التوحيد
أع َ
ومراداتهم ومقدوراتهم بمحو صفاتهم في صفات هللا {وأنفسهم} بإفنائها في ذات هللا {أولئك ْ
{عند هللا}.
آمن وا ال تتخذوا آباءكم} إلى آخره ،أي :ال يترجح فيكم جهة القرابة الصورية والوصلة الطبيعية على جهة
{يا أيها الذين ُ
القرابة المعنوية والوصلة الحقيقية فيكون بينكم وبين من آثر االحتجاب على الكشف من أقربائكم والية مسببة عن
االتصال الصوري مع فقد االتصال المعنوي واختالف الوجهة الموجب للقطيعة المعنوية والعداوة الحقيقية ،فإن ذلك
َشُّد ُحّباً ََّّللِ} [البقرة،
آمُنوْا أ َ
ين َ
من ضعف اإليمان ووهن العزيمة ،بل قضية اإليمان بخالف ذلك .قال هللا تعالىِ َّ :
{والذ َ
َ
أحب إلينا.
اآلية .]165 :وقال بعض الحكماء :الحق حبيبنا والخلق حبيبنا ،فإذا اختلفا فالحق ّ
{قل إن} كانت هذه القرابات الصورية والمألوفات الحسية {أحب إليكم من هللا ورسوله} فقد ضعف إيمانكم ولم يظهر
أثره في نفوسكم وعلى جوارحكم لتنقاد بحكمه وذلك لوقوفكم مع اآلثار الناسوتية الموجب للعذاب والحجاب {فتربصوا
{والذين يكنزون الذهب والفضة} إلى آخره ،جمع المال وكنزه مع عدم اإلنفاق ال يكون إال الستحكام رذيلة ّ
الشح
وحب المال وكل رذيلة يع ّذب بها صاحبها في اآلخرة ويخزى بها في الدنيا .ولما كانت مادة رسوخ تلك الرذيلة
واستحكامها هي ذلك المال ،كان هو الذي يحمى عليه في نار جحيم الطبيعة وهاوية الهوى فيكوى به ،وإنما خصت
ألن الشح مركوز في النفس والنفس تغلب القلب من هذه الجهات ال من جهة العلو التي هي جهة هذه األعضاء ّ
استيالء الروح وممر الحقائق واألنوار وال من جهة السفل التي هي من جهة الطبيعة الجسمانية لعدم تمكن الطبيعة
من ذلك ،فبقيت سائر الجهات فيؤذى بها من الجهات األربع ويعذب كما تراه يعاب بها في الدنيا ويخزى من هذه
يسار بها في جنبه أو يغتاب بها من وراء ظهره.
الجهات أيضاً إما بأن يواجه بها جه اًر فيفضح أو ّ
{ك ِرَه هللا ْانِب َعاثهم َفثََبطهم} أي :كانوا أشقياء لم يبق في استعدادهم خير فيريده هللا منهم فلذلك كره انبعاثهم ،أي :كانوا
َ
مر ذكرهم غير مرة .
من الفريق الثاني من األشقياء المردودين الذين ّ
{ويقولون هو أذن} كانوا يؤذونه ويغتابونه بسالمة القلب وسرعة القبول والتصديق لما يسمعّ ،
فصدقهم في ذلك وسلم
فإن النفس األبية والغليظة الجافية والكرة القاسية التي تتصلب في األمور
وقال :هو كذلك ،ولكن بالنسبة إلى الخير ّ
وال تتأثر غير مستعدة للكمال ،إذ الكمال اإلنساني ال يكون إال بالقبول والتأثر واالنفعال .فكلما كانت النفس ألين
أشد استعداداً له ،وليس هذا اللين هو من باب الضعف والبالهة
عريكة وأسلم قلباً وأسهل قبوالً كانت أقبل للكمال و ّ
الذي يقتضي االنفعال من كل ما يسمع حتى المحال والتأثر من كل ما يرد عليه ويراه حتى الكذب والشرور والضالل
بل هو من باب اللطافة وسرعة القبول لما يناسبه من الخير والصدق ،فلذلك قال{ :قل أذن خير} إذ صفاء االستعداد
فإن االستعداد الخيري ال يقبل
ولطف النفس يوجب قبول ما يناسبه من باب الخيرات ال ما ينافيه من باب الشرورّ ،
الشر وال يتأثر به وال ينطبع فيه لمنافاته إياه وبعده عنه {لكم} أي :يسمع ما ينفعكم وما فيه صالحكم دون غيره {يؤمن
باهلل} هو بيان لينه وقابليته ألن اإليمان ال يكون إال مع سالمة القلب ولطافة النفس ولينها {ويؤمن للمؤمنين} ّ
يصدق
قولهم في الخيرات ويسمع كالمهم فيها ويقبله {ورحمة للذين آمنوا منكم} يعطف عليهم ويرق لهم فينجيهم من العذاب
بالبر و الصلة وتعليم األخالق من الحلم والشفقة ،واألمر بالمعروف
بالتزكية والتعليم ،ويصلح أمر معاشهم ومعادهم ّ
البر بالقول والفعل إلى
باتباعهم إياه فيها ،ووضع الشرائع الموجبة لنظام أمرهم في الدارين ،والتحريض على أبواب ّ
غير ذلك .
ان ِّم َن ِ َ ِ ات تَجرِي ِمن تَحِتها األ َْنهار َخ ِال ِدين ِفيها ومس ِ ات جَّن ٍ
ِ ِ
طِّيَب ًة في َجَّنات َع ْد ٍن َوِر ْ
ضَو ٌ اك َن َ َ َََ َُ ْ َ ْ ين َواْل ُم ْؤ ِمَن ََّللاُ اْل ُم ْؤ ِمن َ
َو َع َد َّ
ومأْواهم جهَّنم وبِ ْئس اْلم ِ ِِ ِِ ِ ِٰ َّ ِ
ص ُير * َ َ َ ُْ َ َ ُ َ َ َ ظ َعَل ْي ِه ْم
اغُل ْ النِب ُّي َجاهد اْل ُكَّف َار َواْل ُمَنافق َ
ين َو ْ ُّها َّ
يم * ٰيأَي َ َّللا أَ ْكَب ُر ذل َك ُه َو اْلَف ْوُز اْل َعظ ُ
َّ ِ يحلُِفون ِب َّ ِ
َّللاُ َوَرُسولُ ُه
اه ُم َّ
َغَن ُ اَّلل َما َقاُلوْا َوَلَق ْد َقاُلوْا َكلِ َم َة اْل ُكْف ِر َوَكَف ُروْا َب ْع َد ِإ ْسالَم ِه ْم َو َه ُّموْا ِب َما َل ْم َيَناُلوْا َو َما َنَق ُموْا ِإال أ ْ
َن أ ْ َْ َ
ض ِمن َولِ ٍّي َوالَ الد ْنَيا واآل ِخ َرِة وما َل ُهم ِفي األ َْر ِ ِ ِ وبوْا َي ُك َخ ْي اًر َّل ُه ْم َوإِن َيتََوَّل ْوا ُي َع ِّذ ْب ُه ُم َّ ِ ِمن َف ْ ِ
ََ ْ َّللاُ َع َذاباً أَليماً في ُّ َ ضله َفِإن َيتُ ُ
ضلِ ِه َب ِخُلوْا ِب ِه الصالِ ِحين * َفَل َّمآ آتَ ِ
اه ْم ّمن َف ْ
ُ َ ون َّن ِم َن َّ ضلِ ِه َلَن َّ
صَّد َق َّن َوَلَن ُك َ
ِ ير * و ِم ْنهم َّمن عاهد َّ ِ
َّللاَ َلئ ْن آتَ َانا من َف ْ َ ُ ْ ْ َ ََ صٍ نِ
َ
ِما َك ُانوْا َي ْك ِذُبو َن * أََل ْم
َّللاَ َما َو َع ُدوهُ َوب َ َعَقَب ُه ْم ِنَفاقاً ِفي ُقُلوبِ ِه ْم ِإَل ٰى َي ْو ِم َيْلَق ْوَن ُه ِب َمآ أ ْ
َخَلُفوْا َّ ضو َن * َفأ ْ
َّ
َوتََولوْا َّو ُه ْم ُّم ْع ِر ُ
ط ِو ِعين ِمن اْلمؤ ِمِنين ِفي َّ ِ َّ ِ َّ ِ َّ ِ َّللا َعالَّم اْل ُغي ِ ِ
ين
الص َدَقات َوالذ َ ين َيْلم ُزو َن اْل ُم ّ َ َ ُ ْ َ وب * الذ َ ُ ُ اه ْم َوأ َّ
َن َّ َ َّللاَ َي ْعَل ُم سَّرُه ْم َوَن ْج َو ُ
َن َّ َي ْعَل ُموْا أ َّ
استَ ْغِف ْر َل ُه ْم أَ ْو الَ تَ ْستَ ْغِف ْر َل ُه ْم ِإن تَ ْستَ ْغِف ْر َل ُه ْم َّللا ِم ْنهم وَلهم ع َذ ِ ِ ِ َّ
يم * ْ اب أَل ٌالَ َي ِج ُدو َن ِإال ُج ْه َد ُه ْم َفَي ْس َخ ُرو َن م ْن ُه ْم َسخ َر َّ ُ ُ ْ َ ُ ْ َ ٌ
ين * َف ِرَح اْل ُم َخَّلُفو َن ِب َمْق َع ِد ِه ْم ِِ ِ
َّللاُ الَ َي ْهدي اْلَق ْوَم اْلَفاسق َ اَّللِ َوَرُسولِ ِه َو ََّّللاُ َل ُه ْم ٰذلِ َك ِبأََّن ُه ْم َكَف ُروْا ِب َّ
ين َمَّرًة َفَلن َي ْغِف َر َّ ِ
َس ْبع َ
َشُّد َحّاًر َّل ْو يل َّ ِاه ُدوْا ِبأَموالِ ِهم وأ َْنُف ِس ِهم ِفي سِب ِ َّللاِ وَك ِرهوْا أَن يج ِ
َّللا َوَقاُلوْا الَ تَ ِنف ُروْا ِفي اْل َحِّر ُق ْل َن ُار َج َهَّن َم أ َ َ ْ َْ ْ َ َُ ول َّ َ ُ ف رس ِ
خالَ َ َ ُ
ِ
َّللا ِإَلى َ ِ ٍ ِ ِ ِ ِ
وكاستَ ْأ َذُن َ طآئَفة ّم ْن ُه ْم َف ْ آء ِب َما َك ُانوْا َي ْكسُبو َن * َفِإن َّر َج َع َك َّ ُ ٰ ض َح ُكوْا َقليالً َوْلَي ْب ُكوْا َكثي اًر َج َز ً َك ُانوا َيْفَق ُهو َن * َفْلَي ْ
ص ِّل ِِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
ين * َوالَ تُ َ لْل ُخ ُرو ِج َفُق ْل لن تَ ْخ ُر ُجوْا َمع َي أََبداً َوَلن تَُقاتُلوْا َمع َي َع ُدّواً ِإَّن ُك ْم َرضيتُ ْم ِباْلُق ُعوِد أََّو َل َمَّرٍة َفا ْق ُع ُدوْا َم َع اْل َخالف َ
اسُقو َن * َوالَ تُ ْع ِج ْب َك أ َْم َٰوُل ُه ْم َوأ َْوَلـ ُٰد ُه ْم اَّللِ ورسولِ ِه وماتُوْا وهم َف ِ ِ ِِ عَلى أ ٍ ِ
ات أََبداً َوالَ تَُق ْم َعَل ٰى َق ْب ِره إَّن ُه ْم َكَف ُروْا ب َّ َ َ ُ َ َ َ ُ ْ َحد ّم ْن ُهم َّم َ َ ٰ َ
اه ُدوْا َم َع َرُسولِ ِه اَّللِ وج ِ
َن آمُنوْا ِب َّ َ َ
ُنزَل ْت سورةٌ أ ِ
َنف ُس ُه ْم َو ُه ْم َكف ُرو َن * َوإِ َذآ أ ِ ُ َ ْ
ِٰ الد ْنَيا َوتَ ْزَه َق أ ُ َّللاُ أَن ُي َع ِّذَب ُه ْم ِب َها ِفي ُّ ِإَّن َما ُي ِر ُيد َّ
ونوْا مع اْل َخوالِ ِ ِِ َّ ِ
طِب َع َعَل ٰى ُقُلوبِ ِه ْم َف ُه ْم الَ ف َو ُ ضوْا بأَن َي ُك ُ َ َ َ
ين * َر ُ ِ استَ ْأ َذَن َك أ ُْوُلوْا الط ْو ِل م ْن ُه ْم َوَقاُلوْا َذ ْرَنا َن ُك ْن َّم َع اْلَقاعد َ ْ
َعَّد ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
َيْفَق ُهو َن * َلـٰك ِن َّ
ات َوأ ُْوَلـٰئ َك ُه ُم اْل ُمْفل ُحو َن * أ َ اه ُدوْا بأ َْم َواله ْم َوأ َْنُفسه ْم َوأ ُْوَلـٰئ َك َل ُه ُم اْل َخ ْي َر ُآمُنوْا َم َع ُه َج َ ين َ ول َوالذ َ الرُس ُ
اب لُِي ْؤَذ َن َل ُه ْم َعر ِ ِ ِ ِ ات تَجرِي ِمن تَحِتها األ َْنهار َخالِ ِدين ِف ٰ ِ َّللا َلهم جَّن ٍ
آء اْل ُم َع ّذ ُرو َن م َن األ ْ َ يم * َو َج َ يها ذل َك اْلَف ْوُز اْل َعظ ُ َ َ َُ ْ َ ْ َّ ُ ُ ْ َ
ض ٰى َوالَ َعَلى صيب َّال ِذين َكَفروْا ِم ْنهم ع َذاب أَلِيم * َّليس عَلى ُّ ِ ِ َّ ِ
الض َعَفآء َوالَ َعَل ٰى اْل َم ْر َ َْ َ ُْ َ ٌ ٌ َ ُ َّللاَ َوَرُسوَل ُه َسُي ُ ين َك َذُبوْا ََّوَق َع َد الذ َ
ِ ين ِمن سِب ٍ ِِ ِ ِِ ِ ِ ِ َّ ِ
يم * َوالَ َعَلى ور َّرح ٌ َّللاُ َغُف ٌ
يل َو َّ َ ص ُحوْا ََّّلل َوَرُسولِه َما َعَلى اْل ُم ْحسن َ ين الَ َيج ُدو َن َما ُينفُقو َن َح َرٌج إ َذا َن َ الذ َ
الد ْم ِع َح َزناً أَالَّ َي ِج ُدوْا َما ُي ْنِفُقو َن *
يض ِم َن َّ ِ ِ َّ َّال ِذين ِإ َذا مآ أَتَوك لِتَح ِمَلهم ُقْلت الَ أَ ِجد مآ أ ِ
َعُيُن ُه ْم تَف ُ
َحمُل ُك ْم َعَل ْيه تََول ْوا َّوأ ْ
ُ َ ْ َ ْ َ ْ ُْ َ َ
َّللاُ َعَل ٰى ُقُلوبِ ِه ْم َف ُه ْم الَ َي ْعَل ُمو َن *
طَب َع َّ ونوْا مع اْل َخوالِ ِ
ف َو َ َغِنَيآء َر ُ ِ ِ َّ ِ ِإَّنما َّ ِ
ضوْا بأَن َي ُك ُ َ َ َ ون َك َو ُه ْم أ ْ ُ
ين َي ْستَأْذُن َ
يل َعَلى الذ َ السب ُ َ
َخَب ِارُك ْم َو َسَي َرى َّ
َّللاُ َع َمَل ُك ْم َوَرُسوُل ُه ثُ َّم َي ْعتَِذ ُرو َن ِإَل ْي ُك ْم ِإ َذا َر َج ْعتُ ْم ِإَل ْي ِه ْم ُقل الَّ تَ ْعتَِذ ُروْا َلن ُّن ْؤ ِم َن َل ُك ْم َق ْد َنَّبأََنا َّ
َّللاُ ِم ْن أ ْ
المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها األنهار} وهي جنات النفوس {ومساكن طيبة} مقامات أرباب {وعد هللا ُ
َّللاِ أَ ْكَب ُر} [التوبة ،اآلية ،]72 :فإن الرضوان من جنات
ان ِّم َن َّ {وِر ْ
ض َو ٌ التوكل في جنات األفعال بدليل قوله تعالىَ :
وشدة قربهم منه.
الصفات {ذلك} أي الرضوان {هو الفوز العظيم} لكرامة أهله عند هللا ّ
األولون} أي :الذين سبقوا إلى الوحدة من أهل الصف األول {من المهاجرين} الذين هاجروا مواطن النفس
{والسابقون ّ
{بإح َسان}
{واألنصار} الذين نصروا القلب بالعلوم الحقيقية على النفس {الذين اتبعوهم} في االتصاف بصفات الحق ْ
أي :بمشاهدة من مشاهدات الجمال والجالل {رضي هللا عنهم} الشتراكهم في كشف الصفات والوصول إلى مقام
{تجرِي تحتها} أنهار علوم التوكل
أعد لهم جنات} من جنات األفعال والصفات ْ
الرضا الذي هو باب هللا األعظم {و ّ
والرضا وما يناسبهما وذلك ال ينافي وجود جنة أخرى للسابقين هي جنة الذات واختصاصهم بها الشتراك الكل في
هذه.
يم * أََل ْم َي ْعَل ُموْا أ َّ ِ ط ِهرهم وتَُزِّكي ِهم ِبها وص ِل عَلي ِهم ِإ َّن ص َٰلوتَك س َكن َّلهم و َّ ِ ِِ ِ
َّللاَ
َن َّ يع َعل ٌ َّللاُ َسم ٌ َ ٌ ُْ َ َ ْ َ َ َ ّ َْ ْ ص َد َق ًة تُ َ ّ ُ ُ ْ َ
ُخ ْذ م ْن أ َْم َواله ْم َ
َّللا هو التََّّواب َّ ِ الصد َق ِ ِ ِِ
اع َمُلوْا َف َسَي َرى َّ
َّللاُ َع َمَل ُك ْم َوَرُسوُل ُه يم * َوُق ِل ْ
الرح ُ ُ َن َّ َ ُ َ ات َوأ َّ ُه َو َيْقَب ُل التَّ ْوَب َة َع ْن عَباده َوَيأ ُ
ْخ ُذ َّ َ
َّللاِ ِإ َّما ُي َع ِّذُب ُه ْم َوإِ َّما
آخ ُرو َن ُم ْرَج ْو َن أل َْم ِر َّ واْلمؤ ِمنون وستُرُّدون ِإَلى عالِ ِم اْلغي ِب و َّ ِ
الش َه َادة َفُيَنِّبُئ ُك ْم ِب َما ُكنتُ ْم تَ ْع َمُلو َن * َو َ َْ َ َ ُْ ُ َ َ َ َ َ ٰ َ
يم ِ يتُوب عَلي ِهم و َّ ِ
يم َحك ٌ َّللاُ َعل ٌ َ ُ َْ ْ َ
َّللا ورسوَله ِمن َقبل وَليحلُِف َّن ِإن أَرْدنا ِإالَّ ِ ِ ِ َّ ِ
ْ َ َ ُْ َ َْ صاداً ّل َم ْن َح َار َب َّ َ َ َ ُ ُ ين اتَّ َخ ُذوْا َم ْس ِجداً ض َار اًر َوُكْف اًر َوتَْف ِريقاً َب ْي َن اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين َوإِ ْر َ َوالذ َ
يه أَبداً َّلمس ِجد أ ُِسس عَلى التَّْقو ٰى ِمن أََّو ِل يو ٍم أَح ُّق أَن تُق ِ ِ ِ ِ ِِ ِ
وم فيه فيه ِرَج ٌ
ال َ َ َْ َ ْ َ َّللاُ َي ْش َه ُد ِإَّن ُه ْم َل َكاذُبو َن * الَ تَُق ْم ف َ َ ْ ٌ ّ َ َ اْل ُح ْسَن ٰى َو َّ
َسس بنيانه عَلى تْقو ٰى ِمن َّ ِ َّ ط َّهروْا و َّ ِ ِ
َس َس ُب ْنَي َان ُهان َخ ْيٌر أَم َّم ْن أ َّ ضَو ٍ َّللا َوِر ْ َ ين * أََف َم ْن أ َّ َ ُ ْ َ َ ُ َ ٰ َ َ َّللاُ ُيح ُّب اْل ُمط ِّه ِر َ ُيحبُّو َن أَن َيتَ َ ُ َ
ال ُب ْنَي ُان ُه ُم َّال ِذي َبَن ْوْا ِر َيب ًة ِفي
ين * الَ َي َز ُ
َّ ِ ِ ِ
َّللاُ الَ َي ْهدي اْلَق ْوَم الظالم َ ف َه ٍار َف ْان َه َار ِب ِه ِفي َن ِار َج َهَّن َم َو َّ عَلى َشَفا جر ٍ
ُُ َ ٰ
يم ِ طع ُقُلوبهم و َّ ِ َّ ِ ِ َّ
يم َحك ٌ
َّللاُ َعل ٌ ُقُلوبِه ْم إال أَن تََق َ ُ ُ ْ َ
ُسس على التقوى} لما كان عالم الملك تحت قهر عالم الملكوت وتسخيره لزم أن يكون لنيات النفوس{لمسجد أ َ
وهي ئاتها تأثير فيما يباشرها من األعمال فكل ما فعل بنية صادقة هلل تعالى عن هيئة نورانية صحبته بركة ويمن
وجمعية وصفا ،وكل ما فعل بنية فاسدة شيطانية عن هيئة مظلمة صحبته تفرقة وكدورة ومحق وشؤم .أال ترى الكعبة
بنية صادقة ونفس شريفة صافية عن كيف شرفت وعظمت ِ
وجعَلت متبركة لكونها مبنية على يدي نب ّي من أنبياء هللا ّ
ُ
كمال إخالص هلل تعالى .ونحن نشاهد أثر ذلك في أعمال الناس ونجد أثر الصفاء والجمعية في بعض المواضع
َّللاِ َفَيْقُتُلو َن َوُيْقَتُلو َن َو ْعداً َعَل ْي ِه َحّقاً ِفي َن َلهم اْلجَّن َة يَق ِاتُلو َن ِفي سِب ِ
يل َّ َ ِبأ َّ ُ ُ َ ُ َنف َس ُه ْم َوأ َْم َواَل ُه ْم ِ ِ
اشتَ َر ٰى م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين أ ُ ِإ َّن َّ
َّللاَ ْ
يم ِ ِِ ِ َّللاِ َف ِ ِ ِ َّ ِ آن َو َم ْن أ َْوَف ٰى ِب َع ْه ِدِه ِم َن يل َواْلُق ْر ِ التَّوَرِاة و ِ
اإل ْن ِج ِ
استَْبش ُروْا بَب ْيع ُك ُم الذي َب َاي ْعتُ ْم به َوَذل َك ُه َو اْلَف ْوُز اْل َعظ ُ
َّ ْ ْ َ
{إن هللا اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} لما هداهم إلى اإليمان العلمي وهم مفتونون بمحبة األموال واألنفس
ّ
ّ
استنزلهم لفرط عنايته بهم عن مقام محبة األموال واألنفس بالتجارة المربحة والمعاملة المرغوبة بأن جعل جنة النفس
ثمن أموالهم وأنفسهم ليكون الثمن من جنس المثمن الذي هو مألوفهم لكنه ألذ وأشهى وأرغب وأبقى ،فرغبوا فيما عنده
وصدقوا لقوة اليقين وعده.
ظو َن لِح ُد ِ
ود ُ اهو َن َع ِن اْل ُمن َك ِر َواْل َح ِاف ُ الن ُوف َو َّ اآلمرو َن ِباْلمعر ِ
َ ُْ ُ
اجدو َن ِ الس ِ
اك ُعو َن َّ الس ِائ ُحو َن َّ
الر ِ التَّ ِائبو َن اْلعاِبدو َن اْلح ِ
ام ُدو َن َّ َ َ ُ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ َّ ِ
َّن َل ُه ْمين َوَل ْو َك ُانوْا أ ُْولِي ُق ْرَب ٰى من َب ْعد َما تََبي َ آمُنوْا أَن َي ْستَ ْغف ُروْا لْل ُم ْش ِرِك َ
ين َ ان ل َّلنِب ِّي َوالذ َ
ين * َما َك َ َّللا َوَب ّش ِر اْل ُم ْؤ ِمن َ
َّن َل ُه أََّن ُه َع ُدٌّو ََِّّللِ تََبَّأَر ِم ْن ُه ٍ ِ َّ
يم ألَِبيه ِإال َعن َّم ْو ِع َدة َو َع َد َهآ ِإيَّاهُ َفَل َّما تََبي َ
ِ ِ أََّنهم أَصحاب اْلج ِحي ِم * وما َكان ِ
است ْغَف ُار إ ْب َراه َ
ََ َ ْ ُْ ْ َ ُ َ
ِ ِ ِ ِ
يم
يم ألََّواهٌ َحل ٌ إ َّن إ ْب َراه َ
بالتجرد عنها لذة الترك وحالوة نور اليقين رجعوا عن مقام لذة النفس وتابوا عن هواها ومشتهياتها فلم يبق
ّ ثم لما ذاقوا
عندهم لجنة النفس قدر ،فوصفهم بالتائبين بالحقيقة الراجعين عن طلب مالذ النفس وتوقع األجر إليه ،العابدين الذين
إذا رجعوا عن محبة النفس والمال وطلب األجر والثواب ،عبدوا هللا حق عبادته ال لرغبة وال لرهبة بل تشبهاً بملكوته
في القيام بحقه تعالى بالخضوع والخشوع والتذلل لعظمته وكبريائه تعظيماً وإجالالً ثم حمدوا هللا حق حمده بإظهار
الكماالت العملية الخلقية والعملية المكنونة في استعداداتهم بالقوة حمداً فعلياً حالياً ثم ساحوا إليه بالهجرة عن مقام
الفطرة ورؤية الكماالت الثابتة وتآلفهم واعتدادهم وابتهاجهم بها في مفاوز الصفات ومنازل السبحات ثم ركعوا في مقام
محو الصفات ثم سجدوا بفناء الذات ،ثم قاموا باألمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمحافظة على حدود هللا في
مقام البقاء بعد الفناء {وبشر المؤمنين} باإليمان الحقيقي المقيمين في مقام االستقامة.
وقدر،
سر القدر ووقفوا على ما قضى هللا ّ{ما كان للنبي والذين آمنوا أن َي ْستَغفروا} إلى آخره ،أي :لما اطلعوا على ّ
دبر هللا من أمره وإن كان في
وعلموا بما ينتهي إليه عواقب األمور ،لم يكن لهم أن يطلبوا خالف ذلك ورضوا بما ّ
طبيعتهم ما يقتضي خالفه ألنهم قد انسلخوا عن مقتضيات طباعهم فإن اقتضت القرابة الطبيعية واللحمة الصورية
فرط شفقة ورقة على بعض من يناسبهم ويواصلهم فيها وشاهدوا حكم هللا عليه بالقهر والتعذيب ،حملتهم الحمية
الدينية على الصبر إن لم يكن لهم مقام الرضا بل غلبتهم المباعدة الدينية على القرابة الطبيعية فتبرؤوا منه ولم
يقترحوا على هللا خالف حكمته وأمره ولهذا قيل :ال تؤثر همة العارف بعد كمال عرفانه أي إذا تيقن وقوع كل شيء
قدر هللا في األزل علم أن ما شاء هللا كان وما لم يشأ لم يكن ،وال تؤثر همته وال غيرها
بقدره وامتناع وقوع خالف ما ّ
سر القدر.
في شيء ،فال يسلط همته على أمر بخالف المحجوب الذي ينسب التاثير إلى غير هللا وال يعلم ّ
{وما كان هللا} ليضّلهم عن طريق التسليم واالنقياد ألمره والرضا بحكمه {بعد إذ هداهم} إلى التوحيد العلمي ورؤية
وقوع كل شيء بقضائه وقدره {حتى يبين لهم} كل ما يجب عليهم اتقاؤه في كل مقام من مقامات سلوكهم ومرتبة من
مراتب وصولهم ،فإن أقدموا في بعض مقاماتهم على ما تبين لهم وجوب اتقائه فهو يضلهم لكونهم مقدمين على ما
{إن هللا بكل شيء عليم} يعلم دقائق ذنوبهو ذنب حالهم وهو فسق في دينهم والعياذ باهلل من الضالل بعد الهدىّ .
أحوالهم وإن لم يتفطن لها أحد فيؤاخذ بها أهل الهداية من أوليائه كما ورد في الحديث الرباني" :وأنذر الصّديقين بأني
غيور
".
َل َعَّل ُه ْم َي ْح َذ ُرو َن * ين َولُِي ِنذ ُروْا َق ْو َم ُه ْم ِإ َذا َرَج ُعوْا ِإَل ْي ِه ْمالد ِط ِآئَف ٌة ِّليتََفَّقهوْا ِفي ِ
ّ َ ُ لَِي ِنف ُروْا َك َّآف ًة َفَل ْوالَ َنَف َر ِمن ُك ِّل ِف ْرَق ٍة ِّم ْن ُه ْم َ
ِ يك ْم ِغْل َون ُك ْم ِّم َن اْل ُكَّف ِار َوْلَي ِج ُدوْا ِف ُ ِ َّ ِ ٰيأَي َّ ِ
ورةٌ ين * َوإِ َذا َمآ أ ِ
ُنزَل ْت ُس َ َّللاَ َم َع اْل ُمتَّق َ اعَل ُموْا أ َّ
َن َّ ظ ًة َو ْ ين َيُل َآمُنوْا َقاتُلوْا الذ َ
ين َ ُّها الذ ََ
ِ
َما َّالذ ِيماناً َو ُه ْم َي ْستَْب ِش ُرو َن * َوأ َّ ِ ِ ِ
ُّكم َزاد ْته هـٰذه ِإيماناً َفأ َّ َّ ِ
ض ين في ُقُلوبِ ِهم َّم َر ٌ َ ِ
آمُنوْا َف َزَاد ْت ُه ْم إ َ
ين َ َما الذ َ َ ول أَي ُ ْ َ ُ َ َفم ْن ُه ْم َّمن َيُق ُ
ِ ِ ِ
َكاف ُرو َن * أ ََوالَ َي َرْو َن أََّن ُه ْم ُيْفتَُنو َن في ُك ّل َعا ٍم َّمَّرةً أ َْو َمَّرتَْي ِن ثُ َّم الَ َيتُ ُ
وبو َن َوالَ ُه ْم َف َزَاد ْت ُه ْم ِر ْجساً ِإَل ٰى ِر ْج ِس ِه ْم َو َماتُوْا َو ُه ْم
َّللا ُقُلوبهم ِبأََّنهم َقوم الَّ اكم ِمن أ ٍ ض ُهم ِإَل ٰى َب ْع ٍ ورةٌ َّن َ َي َّذ َّك ُرو َن * َوإِ َذا َمآ أ ِ
ُْ ٌْ ف َّ ُ َ ُ ص َر َ انص َرُفوْا َ َحد ثُ َّم َ
ض َه ْل َي َر ُ ْ ّ ْ َ َب ْع ُ ْ ظ َر ُنزَل ْت ُس َ
َيْفَق ُهو َن
آمنوا اتّقوا هللا} في جميع الرذائل باالجتناب عنها خاصة رذيلة الكذب ،وذلك معنى قوله{ :وكونوا مع
{يا أيها الذين ُ
الصادقين} فإن الكذب أسوأ الرذائل وأقبحها لكونه ينافي المروءة لقوله صلى هللا عليه وسلم" :ال مروءة لكذوب" إذ
المراد من الكالم الذي يتميز به اإلنسان عن سائر الحيوان إخبار الغير عما ال يعلم ،فإذا كان الخبر غير مطابق لم
تحصل فائدة النطق وحصل منه اعتقاد غير مطابق وذلك من خواص الشيطنة ،فالكاذب شيطان .وكما أن الكذب
أقبح الرذائل ،فالصدق أحسن الفضائل .وأصل كل حسنة ومادة كل خصلة محمودة ومالك كل خير وسعادة به
يحصل كل كمال ويحصل كل حال وأصله الصدق في عهد هللا تعالى الذي هو نتيجة الوفاء بميثاق الفطرة أو نفسه
َّللاَ َعَل ْي ِه} [األحزاب ،اآلية ]23 :في عقد العزيمة ووعد الخليقة ،كما قال
اه ُدوْا َّ
ص َد ُقوْا َما َع َ
ال َ كما قال تعالىِ :
{ر َج ٌ
ص ِاد َق اْل َو ْع ِد} [مريم ]54 ،وإذا روعي في المواطن كلها حتى الخاطر
ان َ تعالى في إسماعيل عليه السالمِ{ :إَّن ُه َك َ
والفكر والنية والقول والعمل صدقت المنامات والواردات واألحوال والمقامات والمواهب والمشاهدات كأنه أصل شجرة
الكمال وبذر ثمرة األحوال.
{فلوال نفر من كل فرقة منهم طائفة} أي :يجب على كل مستعد من جماعة سلوك طريق طلب العلم إذ ال يمكن
لجميعهم ،أما ظاه اًر فلفوات المصالح ،وأما باطناً فلعدم االستعداد .والتفقه في الدين هو من علوم القلب ال من علوم
الكسب إذ ليس كل من يكتسب العلم يتفقه كما قال تعالى{ :وجعْلَنا عَلى ُقُلوب ِِهم أ ِ
َكَّن ًة أَن َيْفَق ُهوهُ} [األنعام ،اآلية]25 : ْ َ ََ َ ٰ
واألكنة :هي الغشاوات الطبيعية والحجب النفسانية فمن أراد التّفقه فلينفر في سبيل هللا وليسلك طريق التزكية والتصفية
حتى يظهر العلم من قلبه على لسانه كما نزل على بعض أنبياء بني إسرائيل" :يا بني إسرائيل ،ال تقولوا العلم في
السماء من ينزل به ،وال في تخوم األرض من يصعد به ،وال من وراء البحر من يعبر ويأتي به ،العلم مجعول في
يدي بآداب الروحانيين ،وتخلقوا بأخالق الصديقين ،أظهر العلم من قلوبكم حتى يغمركم ويغطيكم".
تأدبوا بين ّ
قلوبكم ّ
فالمراد من التفقه علم راسخ في القلب ،ضارب بعروقه في النفس ،ظاهر أثره على الجوارح بحيث ال يمكن صاحبه
{أو ال يرون أنهم يفتنون} اآلية ،البالء قائد من هللا تعالى يقود الناس إليه .وقد ورد في الحديث" :البالء سوط من
سياط هللا تعالى ،يسوق به عباده إليه" .فإن كل مرض وفقر وسوء حال يحل بأحد يكسر ثورة نفسه وقواها ويقمع
صفاتها وهواها ،فيلين القلب ويبرز من حجابها وينزعج من الركون إلى الدنيا ولذاتها وينقبض منها ويشمئز ،فيتوجه
مفر منه إال إليه ،ولم يجد مهرباً ومحيصاً من البالء سواه، أقل درجاته أنه إذا اطلع على أن ال ّ إلى هللا تعالى .و ّ
صين َله ِ
َّللاَ ُم ْخلِ ِ َ ُ ّ
ين} [لقمان ،اآلية: تضرع إليه وتذّلل بين يديه ،كما قال تعالى{ :وإِ َذا َغ ِشيهم َّموج َك ُّ
الظَل ِل َد َعُوْا َّ
الد َ َُ ْ ْ ٌ َ ّ
ِ ِ ِ
الضُّر َد َع َانا لِ َجنِبه أ َْو َقاعداً أ َْو َقآئماً} [يونس ،اآلية ،]12 :وبالجملة يوجب رقة الحجاب أوان ُّ ِ
نس َ
{وإِ َذا َم َّس اإل َ
َ ،]32
يستقر التيقظ والتذكر وتتسهل التوبة والحضور فال ّ ارتفاعه فليغتنم وقته وليتعوذ وليتخذ ملكة يعود إليها أبداً حتى
يتعود الغفلة عند الخالص وتتقوى النفس عند األمان فتغلب وينسبل الحجاب أغلظ مما كان كما قالَ{ :فَل َّما َن َّج ُ
اه ْم
َّ
ضَّرهُ َمَّر َكأَن ل ْم َي ْد ُعَنآ ِإَل ٰى ُ
ضٍّر َّم َّس ُه} [يونس، ِإَلى اْلَبِّر ِإ َذا ُه ْم ُي ْش ِرُكو َن} [العنكبوت ،اآليةَ{ ،]65 :فَل َّما َك َشْفَنا َع ْن ُه ُ
اآلية.]12 :
ِ َّ ِ اس عجباً أَن أَوحينآ ِإَلى رج ٍل ِمنهم أ ِ اب اْل َح ِكي ِم * أ َ ات اْل ِكتَ ِ ِ
َن َل ُه ْم آمُنوْا أ َّ ين َاس َوَب ّش ِر الذ َ َن أَنذ ِر الَّن َ ان لِ َّلن ِ َ َ ْ ْ َ ْ َ ٰ َ ُ ّ ْ ُ ْ ْ َك َ الر تْل َك َآي ُ
ض ِفي ِستَّ ِة أَيَّا ٍم ثُ َّم َّللا َّال ِذي خَلق ا َّ ِ
لس َٰم َٰوت َواأل َْر َ َ َ ين * ِإ َّن َرب ُ
َّك ُم َّ ُ
ص ْد ٍق ِع َند رِب ِهم َقال اْل َك ِافرو َن ِإ َّن هـٰ َذا َلس ِ
احٌر ُّمِب ٌ َ َ ُ َّ ْ َ
َقدم ِ
ََ
اعُب ُدوهُ أََفالَ تَ َذ َّك ُرو َن
ُّك ْم َف ْ يع ِإالَّ ِمن َب ْع ِد ِإ ْذِن ِه ٰذلِ ُك ُم َّ
َّللاُ َرب ُ ش ُي َدِّب ُر األ َْم َر َما ِمن َشِف ٍ
استَو ٰى َعَلى اْل َع ْر ِ
ْ َ
{قال الكافرون} الذين حجبوا عن هللا فلم يطلعوا على ظهور صفاته في النفس المحمدية ّ
{إن هذا} الذي جاء به
{لسحر مبين} أي :شيء خارج عن قدرة البشر ليس إال من عمل الشياطين .قالوا ذلك لغلبة الشيطنة عليهم واحتجابهم
ٌ
بها عن هللا وعبادتهم الشيطان بحيث لم يصلوا إلى طور من الروحانيات وراءه في القدرة ،فلذلك نسبوا ما تجاوز عن
حد البشرية إليه بالطبع.
ّ
{يدبر} أمر السموات واألرضين على وفق حكمته بيد قدرته {ما من شفيع} يشفع ألحد بإفاضة كمال وإمداد نور يقربهّ
إلى هللا وينجيه من ظلمات النفس ويطهره من رجز صفاتها {إال من بعد} أن يأذن بموهبة االستعداد ثم بتوفيق
األسباب {ذلكم} الموصوف بهذه الصفات {هللا رّبكم} الذي يربيكم ويدبر أمركم ،فخصصوه بالعبادة واعرفوه بهذه
الصفات وال تعبدوا الشيطان وال تحتجبوا عنه ببعض صفاته ،فتنسبوا قوله وفعله إلى الشيطان {أفال تذكرون} ما في
أنفسكم من آياته فتتفكروا فيها وتنزجروا عن الشرك به.
{وعد هللا حقاً إنه َي ْبدأ الخلق} في النشأة األولى {ثم ُي ِعيده} في النشأة الثانية {ليجزي} المؤمن والكافر على حسب
إيمانهم وعملهم الصالح وكفرهم وعملهم الفاسد وهذا على التأويل األول ،وعلى الثاني :يبدأ الخلق باختفائه وإظهارهم
ثم يعيدهم بإفنائهم وظهوره ليجزي الذين آمنوا به وعملوا الصالحات ما يصلحهم للقائه من األعمال الرافعة لحجبهم
المقربة إياهم ِ
{بالق ْسط} بحسب ما بلغوا من المقامات بأعمالهم من مواهبه الحالية والذوقية التي يقتضيها مقامهم
وشوقهم ،أو ليجزي الذين آمنوا اإليمان الحقيقي وعملوا باهلل األعمال التي تصلح العباد ،أي جزاء بالتكميل بقسطهم
أي بسبب عدلهم في زمان االستقامة أو جزاء بحسب رتبتهم ومقامهم في االستقامة {والذين} حجبوا في أي مقام كان
{وعذاب أليم} من
ٌ اب من َح ِميم} لجهلهم بما فوقه وشكهم واضطرابهم إذ لو وصلوا إلى اليقين لذاقوا برده
{لهم شر ٌ
الحرمان والهجران وفقدان روح الوجدان بسبب احتجابهم.
جعل} شمس الروح ضياء الوجود وقمر القلب نوره وقدر مسيره في سلوكه {منازل} ومقامات {لتعلموا عدد} {هو الذي َ
سني مراتبكم وأطواركم في السير إلى هللا وفي هللا وحساب درجاتكم ومواقع أقدامكم في كل مقام ومرتبة .
َن أَُبِّدَل ُه ِمن ِتْلَق ِآء َنْف ِسي ِإ ْن أَتَِّب ُع ِ ين الَ َي ْر ُجو َن لَِقآءَنا ا ْئ ِت ِبُق ْر ٍ
آن َغ ْي ِر َهـٰ َذآ أ َْو َبّدْل ُه ُق ْل َما َي ُكو ُن لِي أ ْ َ
ات َق َّ ِ
ال الذ َ َ
آياتُنا بِين ٍ
َ َ ََّ
اك ْم ِب ِه َفَق ْد
َّللاُ َما َتَل ْوتُ ُه َعَل ْي ُك ْم َوالَ أ َْد َر ُ
آء َّ َّ
َعظي ٍم * ُقل ل ْو َش َ
ِ اب َي ْو ٍم
ص ْي ُت َرّبِي َع َذ َاف إ ْن َع َ
َخ ُ ِ ِ
وحى ِإَل َّي ِإّني أ َ
َّ
ِإال َما ُي َ
َّللاِ َك ِذباً أ َْو َك َّذ َب ِب َآيـِٰت ِه ِإَّن ُه الَ ُيْفلِ ُح اْل ُم ْج ِرُمو َن *
ا ْفتَ َر ٰى َعَلى َّ يك ْم ُع ُم اًر ِّمن َقْبلِ ِه أََفالَ تَ ْعِقُلو َن * َف َم ْن أَ ْ
ظَل ُم ِم َّم ِن َلِب ْث ُت ِف ُ
{فنذر الذين ال يرجون لقاءنا} من جملتهم ،أي :ال يرفعون رأساً من انهماكهم في الشرور وال يتوقعون نو اًر من أنوارنا
ط ْغيانهم} وتماديهم في الشرور يتحيرون وينقطع مدد
وال يتنبهون قط من غفلتهم بالرجوع إلينا وطلب رحمتنا {في ُ
الخيرات الصورية التي يسألها استعدادهم بلسان حاله عنهم حتى يزول بانغماسهم وانهماكهم في الطبيعيات نور
استعدادهم بالكلية لحصول الرين ويحق الطمس ،فنكسوا على رؤوسهم إلى أسفل سافلين.
َس َرعُ َم ْك اًر ِإ َّن ُرُسَلَنا َي ْكتُُبو َن َما تَ ْم ُك ُرو َن آء َم َّس ْت ُه ْم ِإ َذا َل ُه ْم َّم ْكٌر ِفي َآي ِاتَنا ُق ِل َّ ِ ِ َوإِ َذآ أَ َذ ْقَنا َّ
َّللاُ أ ْ ضَّر َ
اس َر ْح َم ًة ّمن َب ْعد َ
الن َ
ف ِ
يح َعاص ٌ آء ْت َها ِر ٌ * ُهو َّال ِذي ُيسِّي ُرُكم ِفي اْلَبِّر واْلَب ْح ِر َحتَّ ٰى ِإ َذا ُكنتُم ِفي اْلُفْل ِك و َج َرْي َن ِب ِهم ِب ِري ٍح َ ِ ٍ ِ ِ
طّيَبة َوَفرُحوْا ب َها َج َ َ ْ َ َ ْ َ
ِ ِ ِ ِ ِ
ين َلئ ْن أَْن َج ْيتََنا م ْن َهـٰذه َلَن ُكوَن َّن م َن ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ ُّ ٍ ِ ِ
الد َ
ين َل ُه ّ َّللاَ ُم ْخلص َط به ْم َد َع ُوْا َّ ظنوْا أَن ُه ْم أُحي َ آء ُه ُم اْل َم ْو ُج من ُك ّل َم َكان َو َ
َو َج َ
َّ ِ
الشاك ِر َ
ين
شرة
مر أن أنواع البالء من الضراء والبأساء وصنوف الألواء تكسر ّ
{وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء} قد ّ
النفس ،وتلطف القلب بكشف حجب صفات النفس وترقيق كثافات الطبع ورفع غشاوات الهوى ،فلذا تنزع قلوبهم
بالطبع إلى مبدئها في تلك الحالة لرجوعها إلى مقتضى فطرتها حينئذ وعودها إلى نوريتها األصلية وقوتها الفطرية
وميلها إلى العروج الذي هو في سنخها لزوال المانع بل الميل إلى الجهة العلوية والمبادئ النورية مفطور في طباع
القوى الملكوتية كلها .حتى النفس الحيوانية لو تزكت عن الهيئات البدنية الظلمانية فإن التسفل من العوارض
{إن ُرُسلنا َي ْكتبون ما تمكرون} قد علمت أن الملكوت السماوية تنتقش بكل حادثة تقع في هذا العالم فكل عمل حسن
أو قبيح يصدر عن أحد فقد كتب عليه في تلك األلواح وقد اتصل ملكوت كل بدن بتلك المبادئ الملكوتية فمتى
هممنا بحسنة أو سيئة ارتسمت صورته في ملكوت أبداننا على سبيل الخاطر أوالً ثم أخذنا في الفكر فيه ،فإن استحكم
النقش وانبعثت منه العزيمة حتى امتثلنا الخاطر األول باإلرادة الجازمة انطبع بإقدامنا على الفعل إال أنه إن كان
المنور بنوره وكتبته القوة العاقلة العملية التي هي حسنة انطبع في الحال في جهة القلب التي تلي الروح ولوح الفؤاد ّ
ال َق ِع ٌيد} [ق ،اآلية ]17 :إذ ِ
الشم ِ {ع ِن اْلَي ِم ِ
ين َو َع ِن ّ َ صاحب اليمين من الملكين الموكلين المشار إليهما بقوله تعالىَ :
الفؤاد هو الجانب األقوى منه وإن كان سيئة ال ينطبع في الحال لبعد الهيئة الظلمانية من القلب وعدم مناسبته إياها
بالذات ،فإن أدركه التوفيق وتألأل عليه نور من أنوار الهداية الروحانية ندم واستغفر فمحى عنه ،وعفى له ،وإن لم
فاستقر في لوح الصدر الذي هو وجه القلب الذي يلي النفس
ّ أمدته النفس بظلمة صفاتها
يتداركه بقي متلجلجاً حتى ّ
المظلم بظلمة النفس الغالبة عليه في صدور هذا الفعل منه وكتبته القوة المتخيلة التي هي صاحب الشمال إذ هذا
الجانب هو األضعف وهذا هو المراد من قولهم :صاحب الشمال ال يكتب السيئة حتى تمضي ست ساعات فإن
أصر كتبته .ويفهم من هذا التقرير إيتاء الكتاب بيمين المسلم وشمال الكافر ،وأما
استغفر فيها صاحبها لم تكتب ،وإن ّ
صورة اإليتاء وكيفيته فقد تجيء في موضعها إن شاء هللا تعالى .
ضد العدل ،فكما أن العدل فضيلة شاملة لجميع الفضائل وهيئة وجدانيةبغيكم على أنفسكم} إلى آخره ،البغي ّ
{إنما ْ
لها فائضة من نور الوحدة على النفس فالبغي ال يكون إال عن غاية االنهماك في الرذائل بحيث يستلزمها جميعاً
فصاحبها في غاية البعد عن الحق ونهاية الظلمة كما قال" :الظلم ظلمات يوم القيامة" .فلهذا قال{ :على أنفسكم} ،ال
على المظلوم ألن المظلوم سعد به وشقى الظالم غاية الشقاء وهو ليس إال متاع الحياة الدنيا إذ جميع اإلفراطات
الحسية التي مثلها في سرعة الزوال
ّ والتفريطات المقابلة للعدالة تمتعات طبيعية ولذات حيوانية تنقضي بانقضاء الحياة
وقّلة البقاء هذا المثل الذي مثل به من تزين األرض بزخرفها من ماء المطر ثم فسادها ببعض اآلفات سريعاً قبل
االنتفاع بنباتها ثم تتبعها الشقاوة األبدية والعذاب األليم الدائم .وفي الحديث :أسرع الخير ثواباً صلة الرحم ،وأعجل
الشر عقاباً البغي واليمين الفاجرة ،ألن صاحبه تتراكم عليه حقوق الناس فال تحتمل عقوبته المهل الطويل الذي
يحتمله حق هللا تعالى .وقد سمعت بعض المشايخ يقول :قلما يموت الظالم حتف أنفه وقلما يبلغ الفاسق أوان
الشيخوخة ،وذلك لمبارزتهما هلل تعالى في هدم النظام المصروف عنايته تعالى إلى ضبطه ومخالفتهما إياه في حكمته
وعدله.
{وهللا يدعو إلى دار السالم} يدعو الكل إلى دار سالم العالم الروحاني الذي ال آفة فيه وال نقص وال فقر وال فناء بل
فيه السالمة عن كل عيب واألمان من كل خوف {ويهدي من يشاء} من جملتهم من أهل االستعداد {إلى صراط}
الوحدة .
طعاً ِّم َن اْلَّلْي ِل وه ُه ْم ِق َ اص ٍم َكأََّنما أ ْ َِّللاِ ِمن ع ِ ِ ِ َّ ٍ ِِ و َّال ِذين َكسبوْا َّ ِ ِ
ُغشَي ْت ُو ُج ُ َ آء َسِّيَئة ِبم ْثل َها َوتَ ْرَهُق ُه ْم ذل ٌة َّما َل ُه ْم ّم َن َّ ْ َالسّيَئات َج َز ُ َ َ َُ
ِ
وه ُه ْم َق َتٌر َوالَ ذَّل ٌة أ ُْوَلـِٰئ َك ِ َِّ ِ ِ ِ م ِْ
َح َسُنوْا اْل ُح ْسَن ٰى َوِزَي َادةٌ َوالَ َي ْرَه ُق ُو ُج َ يها َخال ُدو َن * ّللذ َ
ين أ ْ الن ِار ُه ْم ف َ اب ََّص َح ُ
ظلماً أ ُْوَلـٰئ َك أ ْ ُ
يها َخالِ ُدو َن أَصحاب اْلجَّن ِة هم فِ
ْ َ ُ َ ُْ َ
{للذين أحسنوا} أي :جاؤوا بما يحسن به حالهم من خير فعلي أو قولي أو علمي مما هو سبب كمالهم المثوبة
ّ ّ ّ
{الحسنى} من الكمال الذي يفيض عليهم بسبب ذلك الخير {وزيادة} مرتبة مما كان قبله بالترقي أو زيادة في استعداد
قبول الخيرات والكماالت بانضمام هذا الكمال والنور الفائض عليهم إلى استعدادهم األول على ما ذكر {وال يرهق}
وجوه قلوبهم غبار من كدورات صفات النفس وقيام غلباتها {وال ذّلة} من ميل قلوبهم إلى الجهة السفلية.
أصحاب الجنة} التي يقتضيها حالهم وارتقاؤهم من الجنان المذكورة {هم فيها خالدون} {والذين َك َسبوا} أجناس
َ {أولئك
{جزاء َسيئة بمثلها} من الهيئة التي ارتكبت
{السيئات} من أعمال وأقوال وعقائد تحجب استعدادهم عن قبول الكمال َ
على قلوبهم من سيئاتهم فمنعتها الصفاء والنور {وترهقهم ذلة} الميل إلى الجهة السفلية {ما لهم من هللا من ِ
عاصم}
يعصمهم من تلك الذلة والخذالن لوجود الحجاب وعدم قبول هذه العصمة لثبوت الكدورة {كأنما أغشيت وجوههم قطعاً
{أولئك أصحاب النار} التي
َ الردية عليها.
من الليل} لفرط ارتكاب الهيئة المظلمة من الميول الطبيعية واألعمال ّ
يقتضيها حالهم في التسفل من نيران اآلثار واألفعال.
{ويوم نحشرهم جميعاً} في المجمع األكبر عين جمع الوجود المطلق {ثم نقول للذين أشركوا} منهم أي :المحجوبين
الواقفين مع الغير بالمحبة والطاعة {مكانكم} أي :الزموا مكانكم {أنتم وشركاؤكم} ومعناه :وقفوا مع ما وقفوا معه في
وتبرء المعبود من العابد النقطاع اآلالت البدنية
الموقف مع قطع الوصل واألسباب التي هي سبب محبتهم وعبادتهم ّ
واألغراض الطبيعية التي توجب تلك الوصل وهو معنى قوله{ :فزيلنا بينهم} أي :مع كونهم في الموقف معاً فرقنا
ودنو رتبة العابد وتباين حاليهما إذا كان المعبود شريف ًا كالمالئكة علو رتبة المعبود ّ بينهم في الوجهة وذلك عند ّ
ين َسَبَق ْت َل ُه ْم ِّمَّنا اْل ُح ْسَن ٰى أ ُْوَلـِٰئ َك َع ْن َها َّ ِ
والمسيح وعزير وأمثالهم ممن له السابقة عند هللا كما قال تعالىِ{ :إ َّن الذ َ
ُم ْب َع ُدو َن} [األنبياء ،اآلية{ .]101 :وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون} بل تعبدون الشيطان بطاعتكم إياه وما
اخترعتموه في أوهامكم من أباطيل فاسدة وأماني كاذبة.
{فكفى باهلل شهيداً} إلى آخره ،أي :هللا يعلم ّأنا ما أمرناكم بذلك وما أردنا عبادتكم إيانا {هنالك} أي :عند ذلك الموقف
{وردوا إلى هللا} في موقف الجزاء باالنقطاع عن اآللهة وانفرادهم عنها تختبر وتذوق {كل نفس ما ْ
أسَلَفت} في الدنيا ّ
{وضل عنهم ما كانوا يفترون} من اختراعاتهم وأصول دينهم ومذهبهم
ّ {موالهم الحق} المتولي جزاءهم بالعدل والقسط
وتوهماتهم الكاذبة وأمانيهم الباطلة .
يه ِمن َّر ِّب اب الَ ريب ِف ِ صيل اْل ِكتَ ِ ِ ِ َّللاِ وَلـ ِٰكن تَص ِد َّ ِ ِ ِ
َْ َ يق الذي َب ْي َن َي َد ْيه َوتَْف َ ْ َ آن أَن ُيْفتَ َر ٰى من ُدون َّ َ ان َهـٰ َذا اْلُق ْر ُ
َو َما َك َ
ين * َب ْل َك َّذُبوْا ِب َما َّللاِ ِإن ُكنتُم ِ ِ ط ْعتُ ْم ِّمن ُدو ِن َّ اْلعاَل ِمين * أَم يُقوُلون ا ْفتراه ُقل َفأْتوْا ِبس ٍ ِ ِ ِ
صادق َ ْ َ ورة ّم ْثله َو ْاد ُعوْا َم ِن ْ
استَ َ ْ َ َ ََ ُ ْ ُ ُ َ َ َ
َّ ِ ِ ِ ين ِمن َقْبلِ ِه ْم َف ْان ُ ِ َّ َّ ِ ِ َلم ي ِحي ُ ِ ِ ِ
نه ْم َّمن ُي ْؤ ِم ُن ين * َو ِم ُ ان َعاقَب ُة الظالم َ ف َك َ ظ ْر َك ْي َ طوْا ِبعْلمه َوَل َّما َيأْت ِه ْم تَأ ِْويُل ُه َك َذل َك َكذ َب الذ َ ْ ُ
ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ َّ ِ
وك َفُقل ّلي َع َملي َوَل ُك ْم َع َمُل ُك ْم أَنتُ ْم َب ِر ُيئو َن م َّمآ أ ْ
َع َم ُل َوأََن ْا ين * َوإِن َكذُب َ َعَل ُم ِباْل ُمْفسد َ ِبه َو ِم ْن ُه ْم َّمن ال ُي ْؤ ِم ُن ِبه َوَرب َ
ُّك أ ْ
َنت تُ ْس ِم ُع ُّ
الص َّم َوَل ْو َك ُانوْا الَ َي ْعِقُلو َن ِ ب ِر ِ
يء ّم َّما تَ ْع َمُلو َن * َو ِم ْن ُه ْم َّمن َي ْستَم ُعو َن ِإَل ْي َك أََفأ َ
َ ٌ
{وما كان هذا القرآن} اختالقاً {من دون هللا ولكن تصديق الذي بين يديه} من اللوح المحفوظ {وتفصيل الكتاب} الذي
يم} [الزخرف ،اآلية ]4 :أي :كيف يكون مختلقاً وقد أثبت ِ ِ هو األم له كقوله تعالى{ :وإَِّن ُه ِفي أ ِ ِ ِ
ُم اْلكتَاب َل َد ْيَنا َل َعل ٌّي َحك ٌ
ّ َ ّ
قبله في كتابين من علم مفصالً كما هو في اللوح المحفوظ ومجمالً في ّأم الكتاب الذي هذا تفصيله.
{بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه} أي :لما جهلوا كيفية ثبوته في علم هللا ونزوله على سيدنا محمد عليه الصالة و
السالم وقصر علمهم عن ذلك كذبوا به {ولما َيأِْت ِهم تَأ ِْويله} أي :ظهور ما أشار إليه في مواعيده وأمثاله مما يؤول أمره
وعلمه إليه فال يمكنهم التكذيب ألنه إذا ظهرت حقائقه ال يمكن ألحد تكذيبه ،مثل ذلك التكذيب العظيم {ك ّذب الذين
ان} عاقبتهم لما ظلموا بالتكذيب {ومنهم من يؤمن به} أي :سيؤمن به لرقة حجابه {ومنهم من
كيف َك َ
ظر َ فان ُ
من َقْبلهم ْ
ال يؤمن به} أبداً لغلظ حجابه {ومنهم من يستمعون إليك} ولكن ال يفهمون إما لعدم االستعداد في األصل وإما لرسوخ
الهيئات المظلمة الحاجبة لنور االستعداد فيهم وإما الجتماع األمرين كاألصم الذي ال عقل له فال يسمع وال يتفطن
لإلشارة ،فكيف يمكن إفهامه.
انضم
ّ {ومنهم من ينظر إليك} ولكن ال يبصر الحق وال حقيقتك ألحد األمرين المذكورين أو كليهما كاألعمى الذي
إلى فقدان بصره فقدان البصيرة فال يبصر وال يستبصر فكيف تمكن هدايته.
{إن هللا ال يظلم الناس شيئاً} لما ذكر الصمم والعمى اللذين يدالن على عدم استعداد اإلدراك أشعر الكالم بوقوع الظلم
ّ
لوجود االستعداد لبعض وعدمه لبعض فسلب الظلم عن نفسه ألن عدم االستعداد في األصل ليس ظلماً لعدم إمكان
ما هو أجود منه بالنسبة إلى خصوصية ذلك وهويته فكان عينه مقتضياً له في رتبة من مراتب اإلمكان كما ال يمكن
للحمار مع حماريته استعداد اإلدراك اإلنساني وكان عينه مستدعياً لما هو عليه من االستعداد الحماري وال يطلب منه
وراء ما في استعداده فال ظلم هذا إذا لم يكن في األصل وأما إذا بطل برسوخ الهيئات المظلمة فال كالم فيه وكالهما
ظالم لنفسه .أما األول فلقصوره في درجات اإلمكان ونقصانه باإلضافة إلى ما فوقه كقصور الحمار مثالً عن اإلنسان
حد نفسه ليس بقاصر وال ناقص .وأما الثاني فظاهر وعلى هذا معنى ونقصانه باإلضافة إليه ال في نفسه فإنه في ّ
{أنفسهم يظلمون} ينقصون حظها ،أو إن هللا ال يظلم الناس شيئاً بأن يطلب منهم ما ليس في استعدادهم فيعاقبهم
على ذلك ولكن الناس أنفسهم يظلمون فيستعملون استعداداتهم فيما لم تخلق ألجله.
{ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إال ساعة من النهار} لعدم إحساسهم بالحركة المستلزم لذهولهم عن الزمان إذ الذاهل عن
الحركة ذاهل عن الزمان ،فسواء عندهم الساعة الواحدة والدهور المتطاولة {يتعارفون بينهم} بحكم سابقة الصحبة
وداعية الهوى الالزمة للجنسية األصلية بدالً التشاؤم .ثم إن بقيت الجنسية األصلية والمناسبة الفطرية التحادهم في
الوجهة واتفاقهم في المقصد بقي التعارف بينهم ،وإن لم يبق بسبب اختالف األهواء وتباين اآلراء وتفاوت الهيئات
المستفادة من لواحق النشأة وعوارض المادة انقلب إلى التناكر {قد خسر الذين كذبوا بلقاء هللا} لوقوعهم في وحشة
التناكر حينئذ واحتجابهم بحجب عاداتهم الفاسقة وهيئات اعتقاداتهم الفاسدة {وما كانوا مهتدين} وبطل نور استعدادهم
يؤون أليفاً.
فال يهتدون إلى هللا وال إلى التعارف فخسئوا مبغوضين مطرودين ال يألفون أنيساً وال ُ
{يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة} أي :تزكية لنفوسكم بالوعد والوعيد واإلنذار والبشارة والزجر عن الذنوب المورطة
في العقاب والتحريض على األعمال الموجبة للثواب لتعملوا على الخوف والرجاء {وشفاء لما في الصدور} أي:
الغل والغش وأمثال ذلك بتعليم الحقائق والحكم الموجبة لليقين وتصفيتها لقبول
القلوب من أمراضها كالشك والنفاق و ّ
{وهدى} ألرواحكم إلى الشهود الذاتي {ورحمة} بإفاضة
ً التنور بنور التوحيد ،والتهيئ لتجليات الصفات
المعارف و ّ
الكماالت الالئقة بكل مقام من المقامات الثالث بعد حصول االستعداد في مقام النفس بالموعظة ومقام القلب
بالتصفية ومقام الروح بالهداية {للمؤمنين} بالتصديق أوالً ثم باليقين ثانياً ثم بالعيان ثالث ًا.
ضل هللا} أي :بتوفيقه للقبول في المقامات الثالثة {وبرحمته} بالمواهب الخلقية والعلمية والكشفية في المراتب {ُق ْل ِبَف ْ
الثالث فليعتنوا وإن كانوا يفرحون {فبذلك فليفرحوا} ال باألمور الفانية القليلة المقدار ،الدنيئة القدر والوقع {هو ٌ
خير مما
يجمعون} من الخسائس الفاسدة والمحقرات الزائلة من جملة الحطام إن كانوا أصحاب دراية وفطنة وأرباب قدر وهمة.
{قل أرأيتم ما أنزل هللا} إلى آخره ،أي :أخبروني ما أنزل هللا من رزق معنوي كالحقائق والمعارف واألحوال والمواهب
وكاآلداب والشرائع والمواعظ والنصائح {فجعلتم} بعضه {حراماً} كالقسم األول {و} بعضه {حالالً} كالقسم الثاني {قل
ظن الذين يفترون على هللا الكذب يوم القيامة}
هللا أذن لكم} في الحكم بالتحريم والتحليل {أم على هللا تفترون وما ّ
أولياء هللا} المستغرقين في عين الهوية األحدية بفناء األنية {ال خوف عليهم} إذ لم يبق منهم بقية خافوا بسببها
{أال إن َ
من حرمان وال غاية وراء ما بلغوا فيخافوا من حجبه {وال هم يحزنون} المتناع فوات شيء من الكماالت واللذات منهم،
فيحزنوا عليه .وعن سعيد بن جبير رضي هللا عنه :إن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ُسئل من هم؟ فقال" :هم الذين
يذكروا هللا برؤيتهم" .وهذا رمز لطيف منه عليه السالم .وعن عمر رضي هللا عنه :سمعت رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم يقول":إن من عباد هللا عباداً ما هم بأنبياء وال شهداء يغبطهم األنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من هللا"،
تحابوا في هللا على غير أرحام بينهم وال
قالوا :يا رسول هللا ،أخبرنا من هم وما أعمالهم؟ فلعلنا نحبهم .قال" :هم قوم ّ
أموال يتعاطونها ،فوهللا إن وجوههم لنور وإنهم لعلى منابر من نور ،ال يخافون إذا خاف الناس وال يحزنون إذا حزن
الناس"ثم ق أر اآلية .قوله :وإنهم لعلى منابر من نور ،يريد به اتصالهم بالمبادئ العالية الروحانية كالعقل األول وما
يليه.
{الذين آمنوا وكانوا ّيتقون} إن جعل صفة ألولياء هللا فمعناه الذين آمنوا باإليمان الحقي وكانوا يتقون بقاياهم وظهور
ّ
تلويناتهم.
الب ْشرى في الحياة الدنيا} بوجود االستقامة في األعمال واألخالق المبشرة بجنة النفوس {وفي اآلخرة} بظهور
{لهم ُ
أنوار الصفات والحقائق الروحانية والمعارف الحّقانية عليهم المبشرة بجنة القلوب وحصول الذوق بهما واللذة {ال تبديل
لكلمات هللا} لحقائقه الواردة عليهم وأسمائه المنكشفة لهم وأحكام تجلياته النازلة بهم ،وإن جعل كالماً برأسه مبتدأ
فمعناه الذين آمنوا اإليمان اليقيني وكانوا يتقون حجب صفات النفس وموانع الكشف من التشكيكات الوهمية والوساوس
الشيطانية {لهم البشرى في الحياة الدنيا} بوجدان لذة برد اليقين في النفس واطمئنانها بنزول السكينة وفي اآلخرة
بوجدان ذوق تجليات الصفات وأثر أنوار المكاشفات ال تبديل لكلمات هللا من علومهم اللدنية وحكمهم اليقينية أو
فطرتهم التي فطرهم هللا عليها فإن كل نفس كلمة .
ين ظَلمو َن * ويُقوُلو َن متَى هـٰ َذا اْلوعد ِإن ُكنتُم ِ ِ ِ ِ ِ ولِك ِل أُم ٍة َّرسول فِإذا جآء رسولهم ق ِ
صادق َ ْ َ َ ٰ َ َ ُْ ََ َب ْيَن ُه ْم باْلق ْسط َو ُه ْم الَ ُي ْ ُ ضي
َ ُ ّ َّ ُ ٌ َ َ َ َ َ ُ ُ ُ ْ ُ َ
اع ًة َوالَ َي ْستَْق ِد ُمو َن * ِ
َجُل ُه ْم َفالَ َي ْستَأْخ ُرو َن َس َ ُم ٍة أ َ ِ َّللاُ لِ ُك ِّل أ َّ ضّاًر َوالَ َنْفعاً ِإالَّ َما َّ ِ ِ ِ
آء أ َ
َج ٌل إ َذا َج َ آء َّ
َش َ * ُقل ال أ َْمل ُك لَنْفسي َ
اآلن َوَق ْد ُكنتُم ِب ِه ِ
آم ْنتُ ْم ِبه َ ِ ِ ِ َرَْيتُ ْم ِإ ْن أَتَ ُ
اك ْم َع َذ ُاب ُه َبَياتاً أ َْو َن َها اًر َّما َذا َي ْستَ ْعج ُل م ْن ُه اْل ُم ْج ِرُمو َن * أَثُ َّم إ َذا َما َوَق َع َ ُق ْل أ َأ
َح ٌّق ُهَو ُق ْل ِإي ِ َّ ِ تَستَع ِجُلون * ثُ َّم ِق َِّ ِ
ون َك أ َاب اْل ُخْلد َه ْل تُ ْج َزْو َن ِإال ِب َما ُكنتُ ْم تَ ْكسُبو َن * َوَي ْستَْنِبُئ َ ظَل ُموْا ُذوُقوْا َع َذ َ ين َ يل للذ َ َ ْ ْ َ
ِِ ِ َن لِ ُك ِّل َنْف ٍ
اب
ام َة َل َّما َأرَُوْا اْل َع َذ َ َسُّروْا َّ
الن َد َ
ِ
ظَل َم ْت َما في األ َْرض الَ ْفتََد ْت به َوأ َ س َ ين * َوَل ْو أ َّ َوَرّبِي ِإَّن ُه َل َح ٌّق َو َمآ أَنتُ ْم ِب ُم ْع ِج ِز َ
َّللاِ َح ٌّق َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثََرُه ْم الَ الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ
ض أَالَ ِإ َّن َو ْع َد َّ ِ ِ ِ
ظَل ُمو َن * أَال إ َّن ََّّلل َما في َّ َ َ َ ض َي َب ْيَن ُه ْم ِباْلِق ْس ِط َو ُه ْم الَ ُي ْ
وُق ِ
َ
يت َوِإَل ْي ِه تُ ْر َج ُعو َن ِ
َي ْعَل ُمو َن * ُه َو ُي ْحِيـي َوُيم ُ
{ولكل أمة رسول} يجانسهم في األحوال النفسانية ليمكن بينهم األلفة الموجبة لالستفادة منه ويمكنه النزول إلى مبالغ
عقولهم ومراتب فهومهم فيزكيهم بما يصلح أحوالهم ويكشف حجبهم ويعلمهم بما يوجب ترقيهم عن مقاماتهم ويهديهم
ضل وسعادة من سعد وشقاوة من شقي إلى هللا{ ،فإذا جاء رسولهم قضي بينهم} بهداية من اهتدى منهم وضاللة من ّ
لظهور ذلك بوجوده وطاعة بعضهم إياه لقربه منه وإنكار بعضهم له لبعده عنه {بالقسط} أي :بالعدل الذي هو الغالب
على حال النبي لكونه ظاهر توحيده وسيرته وطريقته {وهم ال يظلمون} بنسبة خالف ما هو حالهم إليهم ومجازاتهم به
ضل وتعذيبه لظهور أسباب ذلك بوجوده .
أو قضى بينهم بإنجاء من اهتدى به وإثابته وإهالك من ّ
{ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} إنكار الحتجابهم عن القيامة وعدم وقوفهم على معناها إذ لو علموا كيفيته
درجهم إلى
صدقوهم في ذلك وما أنكروا{ .قل ال أملك لنفسي} إلى آخرهّ ، بارتفاع حجبهم بالتجرد عن مالبس النفس ّ
شهود األفعال بسلب الملك والتأثير عن نفسه ووجوب وقوع ذلك عنه بمشيئة هللا ليعرفوا آثار القيامة ،ثم ّلوح إلى أن
َّ ِ الس ٰم ٰو ِت وم ْن ِفي األ َْر ِ ِ ِ ِِ ِ والَ يح ُزنك َقوُلهم ِإ َّن اْل ِعَّزة ََِّّللِ ج ِميعاً هو َّ ِ
ض َو َما َيتَِّب ُع الذ َ
ين يم * أَال إ َّن ََّّلل َمن في َّ َ َ َ َ يع اْل َعل ُ
السم ُ َُ َ َ َ َ ْ َ ْ ُْ
ِ ِ
صو َن * ُهَو َّالذي َج َع َل َل ُكم َّالي َل لِتَ ْس ُكُنوْا ِفيه َو َّ ِ َّ ِ َّ َّ َّللا ُش َرَك ِ َِّ ِ َي ْد ُعو َن ِمن ُدو ِن َّ
الن َه َار ُ آء إن َيتب ُعو َن إال الظ َّن َوإِ ْن ُه ْم إال َي ْخ ُر ُ َ
ضالس ٰم ٰوت وما ِفي األَْر ِ ِ ِ ص اًر ِإ َّن ِفي ٰذلِك آلي ٍ
ات ّلَِق ْو ٍم َي ْس َم ُعو َن * َقاُلوْا اتَّ َخ َذ َّ مب ِ
َّللاُ َوَلداً ُس ْب َح َان ُه ُه َو اْل َغن ُّي َل ُه َما في َّ َ َ َ َ َ َ ُْ
ِ ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ
َّللا اْل َكذ َب الَ ُيْفل ُحو َن * ين َيْفتَ ُرو َن َعَلى َّ َّللا َما الَ تَ ْعَل ُمو َن * ُق ْل ِإ َّن الذ َ ان ِب َهـٰ َذآ أَتُقوُلو َن َعَلى َّ
طٍ ِإ ْن ع َند ُك ْم ّمن ُسْل َ
ال لَِق ْو ِم ِه ٰيَق ْو ِم ِ ِ الد ْنَيا ثُ َّم ِإَل ْيَنا م ْرِج ُعهم ثُ َّم ُن ِذيُقهم اْل َع َذ َ َّ ِ ِ
اب الشد َيد ب َما َك ُانوْا َي ْكُف ُرو َن * َو ْات ُل َعَل ْيه ْم َنَبأَ ُنو ٍح إ ْذ َق َ ُُ َ ُْ َمتَاعٌ ِفي ُّ
آء ُك ْم ثُ َّم الَ َي ُك ْن أَ ْم ُرُك ْم َعَل ْي ُك ْم ُغ َّم ًة َّللاِ تَوَّكْلت َفأ ِ ات َّ ِ امي وتَ ْذ ِكيرِي ِبآي ِ ِإن َكان َكبر عَلي ُكم َّمَق ِ
َجم ُعوْا أ َْم َرُك ْم َو ُش َرَك َ
َّللا َف َعَلى َّ َ ُ ْ َ َ َ َُ َ ْ ْ
ين * ِِ أَن أ ُ ِ
َكو َن م َن اْل ُم ْسلم َ ْ َّللاِ َوأ ُِم ْر ُت
ِي ِإالَّ َعَلى َّ َجر َ َج ٍر ِإ ْن أ ْ
ِ َّ ِ
ضوْا ِإَل َّي َوالَ تُنظ ُرو َن * َفِإن تََول ْيتُ ْم َف َما َسأَْلتُ ُك ْم ّم ْن أ ْ ثُ َّم ا ْق ُ
ِ ين َك َّذُبوْا ِب َآي ِاتَنا َف ْان ُ َّ ِ ِ ِ ِ َّ
ين * ثُ َّمان َعاقَب ُة اْل ُم ْن َذ ِر َ
َك َ ف ظ ْر َك ْي َ َغ َرْقَنا الذ َف َوأ ْ اه ْم َخالَئ َ
َف َكذُبوهُ َفَن َّج ْيَناهُ َو َمن َّم َع ُه في اْلُفْلك َو َج َعْلَن ُ
طبع َعَل ٰى ُق ِ ِٰ ِ َّ ِ ِ ِ ِ بع ْثنا ِمن بع ِدِه رسالً ِإَلى َقو ِم ِهم َفجآء ِ ِ ٰ ِ
لوب وه ْم باْلَبّيَنت َف َما َك ُانوْا لُي ْؤ ِمُنوْا ب َما َكذُبوْا به من َقْب ُل َك َذل َك َن ْ َ ُ ٰ ْ ْ َ ُ ُ َْ ُ ُ ََ َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ين * َفَل َّما اس َت ْكَب ُروْا َوَك ُانوْا َق ْوماً ُّم ْج ِرِم َ
وس ٰى َو َهـ ُٰرو َن إَل ٰى ف ْرَع ْو َن َو َمإل ْيه ب َآيـٰتَنا َف ْ ين * ثُ َّم َب َع ْثَنا من َب ْعده ْم ُّم َاْل ُم ْعتَد َ
آء ُك ْم أ َِس ْحٌر َهـٰ َذا َوالَ ُيْفلِ ُح نِ ِ ِ ِ ِِ
وس ٰى أَتُقوُلو َ لْل َح ّق َل َّما َج َ ال ُم َ ين * َق َ آء ُه ُم اْل َح ُّق م ْن عندَنا َقاُلوْا ِإ َّن َهـٰ َذا َلس ْحٌر ُّمِب ٌ َج َ
ين * ِ
ض َو َما َن ْح ُن َل ُك َما ِب ُم ْؤ ِمن َ اح ُرو َن * َقاُلوْا أَ ِج ْئتََنا لَِتْلِفتََنا َع َّما و َج ْدَنا َعَل ْي ِه َآباءَنا وتَ ُكو َن َل ُكما اْل ِك ْب ِرَيآء ِفي األ َْر ِ الس ِ َّ
ُ َ َ َ َ
وَق ِ ن ِ ِ ِ ِ ٍ ِ
وس ٰى
ال ُم َ وس ٰى أَْلُقوْا َمآ أَنتُ ْم ُّمْلُقو َن * َفَل َّمآ أَْلَقوْا َق َ ال َل ُه ْم ُّم َ الس َح َرةُ َق َ
آء َّال ف ْرَع ْو ُ ا ْئتُوني ب ُك ّل َساحر َعلي ٍم * َفَل َّما َج َ َ َ
َّللاُ اْل َح َّق ِب َكلِ َم ِات ِه َوَل ْو َك ِرَه اْل ُم ْج ِرُمو َن *
ين * َوُي ِح ُّق َّ ِِ
صل ُح َع َم َل اْل ُمْفسد َ
َّللا الَ ي ِ ِ ِ
َّللاَ َسُي ْبطُل ُه إ َّن َّ َ ُ ْ الس ْح ُر ِإ َّن َِّ ِِ ِ
َما ج ْئتُ ْم به ّ
ض َوإَِّن ُه َل ِم َن
ال ِفي األ َْر ِ ف ِمن ِفرَعو َن ومَلِئ ِهم أَن يْفِتَنهم وإِ َّن ِفرَعو َن َلع ٍ ٍ ِ ِ َّ ِ
وس ٰى ِإال ُذِّرَّي ٌة ّمن َق ْو ِمه َعَل ٰى َخ ْو ّ ْ ْ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ ْ َ آم َن ل ُم َ َف َمآ َ
َّللاِ تََوَّكْلَنا َربََّنا الَ
ين * َفَقاُلوْا َعَل ٰى َّ ِِ ِ اْلمس ِرِفين * وَقال موسى ٰيَقو ِم ِإن ُكنتم آمنتم ِب َّ ِ
اَّلل َف َعَل ْيه تََوَّكُلوْا ِإن ُكنتُم ُّم ْسلم َ ُْ َ ُْ َ َ ُ َٰ ْ ُْ َ
ِِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ ِ
وس ٰى َوأَخيه أَن تََبَّوَءا لَق ْو ِم ُك َما بم ْ
ص َر ِ ين * َوَن ِّجَنا ِب َر ْح َمت َك م َن اْلَق ْو ِم اْل َكاف ِر َ
ين * َوأ َْو َح ْيَنآ إَل ٰى ُم َ تَ ْج َعْلَنا ف ْتَن ًة ّلْلَق ْو ِم الظالم َ
وس ٰى َربََّنآ ِإَّن َك آتَْي َت ِف ْرَع ْو َن َو َمألَهُ ِز َين ًة َوأ َْمَواالً ِفي ِ ِ بيوتاً واجعُلوْا بيوتَ ُكم ِقبَل ًة وأ َِقيموْا َّ ٰ
ال ُم َين * َوَق َ وة َوَب ّش ِر اْل ُم ْؤ ِمن َ
الصل َ ُُ َ ْ َ ُُ ْ ْ َ ُ
ِ ط ِم ْس َعَل ٰى أ َْم َوالِ ِه ْم َو ْ ضُّلوْا َعن َسِبيلِ َك َربََّنا ا ْ الد ْنيا ربَّنا لِي ِ ِ
يم *
اب األَل َ اش ُد ْد َعَل ٰى ُقُلوب ِِه ْم َفالَ ُي ْؤ ِمُنوْا َحتَّ ٰى َي َرُوْا اْل َع َذ َ اْل َحَياة ُّ َ َ َ ُ
يل اْلَب ْح َر َفأ َْتَب َع ُه ْم ِف ْرَع ْو ُن ِِ ِ ِ آن سِب َّ ِ ِ َقال َق ْد أُ ِجيب ْت َّدعوتُ ُكما َف ِ
ين الَ َي ْعَل ُمو َن * َو َج َاوْزَنا بَبني إ ْس َرائ َ
يل الذ َ يما َوالَ تَتَّب َع ِّ َ َ استَق َ َْ َ ْ َ َ
ِِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ َّ ِ
ين * يل َوأََن ْا م َن اْل ُم ْسلم َ نت أََّن ُه ال إلـ َٰه إال الذي َ
آمَن ْت به َبنوْا إ ْس َرائ َ آم ُ ودهُ َب ْغياً َو َع ْدواً َحتَّ ٰى إ َذآ أ َْد َرَك ُه اْل َغ َر ُق َق َ
ال َ َو ُجُن ُ
يك ِبَب َدِن َك لِتَ ُكو َن لِ َم ْن َخْلَف َك َآي ًة َوإِ َّن َكِثي اًر ِّم َن َّ ِِ وُك ِ
اس َع ْنالن ِ ين * َفاْلَي ْوَم ُنَن ِّج َ نت م َن اْل ُمْفسد َ
َ َ ص ْي َت َقْب ُل
آآلن َوَق ْد َع َ
َ
ِ َّ ِ ِ ص ْد ٍق ورَزْقن ِ بَّوأْنا بِني ِإسرِائيل مبَّوأَ ِ َآي ِاتَنا َل َغافُلو َن * َوَلَق ْد
ِ
آء ُه ُم اْلعْل ُم ِإ َّن َرب َ
َّك َّ
اه ْم ّم َن الطّيَبات َف َما ا ْخَتَلُفوْا َحت ٰى َج َ ََ َ ُ ْ َ َ َُ َ َ َ
{وال يحزنك قولهم} أي :ال تتأثر به فإنه مراء وشاهد عزة هللا وقهره لتنظر إليهم بنظر الفناء وترى أعمالهم وأقوالهم
ِ
وما يهددونك به كالهباء فمن شاهد قوة هللا وعزته يرى كل القوة والعزة ال قوة ألحد وال حول{ .هو السم ُ
يع} ألقوالهم
{العلِيم} لما ينبغي أن يفعل بهم ثم بين ضعفهم وعجزهم وامتناع غلبتهم عليه بقوله{ :أال إن هلل من في
فيك فيجازيهم َ
وتصرفه وقهره ال يقدرون على شيء بغير إذنه ومشيئته وإقداره إياهم
ّ السموات ومن في األرض} كلهم تحت ملكته
{وما يتبع الذين يدعون من دون هللا شركاء} وأي شيء يتبع الذين يدعون من دون هللا شركاء ،أي :إذا كان الكل
تحت قهره وملكته فما يتبعون من دون هللا ليس بشيء وال تأثير له وال قوة {إن يتّبعون إال} ما يتوهمونه في ظنهم
يقدرون وجود شيء ال وجود له في الحقيقة.
ويتخيلونه في خيالهم وما هم إالّ ّ
ِ
{هو الذي َج َعل لكم} ليل الجسم {لتَ ْسكنوا فيه} ونهار الروح لتبصروا به حقائق األشياء وما تهتدون به إليه ّ
{إن في
ذلك آليات لقوم يسمعون} كالم هللا به ،فيفهمون بواطنه وحدوده ويطلعون به على صفاته وأسمائه فيشاهدونه موصوفاً
ومتسماً بها.
الغني} الذي وجوده بذاته وبه وجود {س ْبحانه} أنزهه عن مجانسة شيء {هو
{قالوا اتخذ هللا َوَلداً} أي :معلوالً يجانسه ُ
َ ّ
كل شيء ،فكيف يماثله شيء ،ومن له الوجود كله فكيف يجانسه شيء.
{وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم} أي :إيماناً يقينياً {فعليه توكلوا} جعل التوكل من لوازم اإلسالم وهو إسالم الوجه هلل
تعالى ،ولم يجعل اإلسالم من لوازم اإليمان أي :إن كمل إيمانكم ويقينكم بحيث أثّر في نفوسكم وجعلها خالصة هلل
تم الفناء لزم التوكل الذي
فانية فيه لزم التوكل عليه فإن أول مرتبة الفناء هو فناء األفعال ثم الصفات ثم الوجود فإن ّ
هو فناء األفعال وإن أُريد اإلسالم بمعنى االنقياد كان شرطاً في التوكل ال ملزوماً له وحينئذ يكون معناه :إن صح
إيمانكم يقيناً فعليه توكلوا بشرط أن ال يكون لكم فعل وال تروا ألنفسكم وال لغيركم قوة وتأثي اًر بل تكونوا منقادين كالميت
فإن شرط صحة التوكل فناء بقايا األفعال والقوى كما تقول :إن كرهت هذا الشجر فاقلعه إن قدرت ،والباقي إلى آخر
مر .
السورة بعضه ال يقبل التأويل وبعضه معلوم مما ّ
مر ذكره {أحكمت آياته} أي :أعيانه وحقائقه في العالم الكلي بأن أثبتت دائمة على حالها ال تتبدل وال
{الر كتاب} ّ
تتغير وال تفسد محفوظة عن كل نقص وآفة {ثم فصلت} في العالم الجزئي وجعلت مبينة في الظاهر معينة بقدر
أشد أحكاماً
معلوم {من لدن حكيم} أي :أحكامها وتفصيلها من لدن حكيم بناها على علم وحكمة ال يمكن أحسن منها و ّ
{خبير} بتفاصيلها على ما ينبغي في النظام الحكمي في تقديرها وتوقيتها وترتيبها.
استَ ْغِفروا ربكم} أي :وحدوه واطلبوا منه أن يغفر هيئات النظر إلى الغير واالحتجاب بالكثرة والتقيد باألشياء
{وأن ْ
والوقوف معها حتى أفعالكم وصفاتكم {ثم توبوا إليه} ارجعوا إليه بالفناء فيه ذاتاً {يمتعكم} في الدنيا تمتيعاً {حسناً}
على وفق الشريعة والعدالة حالة البقاء بعد الفناء إلى وقت وفاتكم {ويؤت كل ذي فضل} في األخالق والعلوم
تجردكم إلى وقت فنائكم أو
والكماالت {فضله} في الثواب والدرجات أو يمتعكم بلذات تجليات األفعال والصفات عند ّ
{ويؤت كل ذي فضل} في االستعداد فضله في الكمال والمرتبة عند الترقي والتدلي {وإن توّلوا} أي :تعرضوا عن
التوحيد والتجريد {فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير} شاق عليكم وهو يوم الرجوع إلى هللا القادر على كل شيء أي:
يوم ظهور عجزكم وعجز ما تعبدون بظهوره تعالى في صفة قادريته فيقهركم بالعذاب.
خلق السموات واألرض في ستة أيام} أي :خلق العالم الجسماني في ست جهات {وكان عرشه على {وهو الذي َ
الماء} أي :عرشه الذي هو العقل األول مبتنياً على العلم األول مستنداً إليه مقدماً بالوجود على عالم األجسام ،وإن
ّأولنا األيام الستة بمدة الخفاء كما مر وخلق السموات واألرض باختفائه تعالى بتفاصيل الموجودات فمعنى كون عرشه
الجنة يتزاورون ورأيت أهل النار يتعاوون ورأيت عرش ربي بار اًز .قال صلى هللا عليه وسلم" :أصبت ،فالزم" .وقد ّ
عبر
في الشرع عن المادة الهيوالنية بالماء في مواضع كثيرة منها ما ورد في الحديث :إن هللا خلق أول ما خلق جوهرة،
فنظر إليها بعين الجالل فذابت حياء نفسها ماء ونصفها نار .فإن ّأولناه بها فمعناه :وكان عرشه قبل السموات
واألرض بالذات ال بالزمان مستعلياً على المادة فوقها بالرتبة ،وإن شئت التطبيق على تفاصيل وجودك فمعناه خلق
سموات القوى الروحانية وأرض الجسد في األشهر الستة التي هي أقل مدة الحمل وكان عرشه الذي هو قلب المؤمن
{ليبلوكم أيكم أحسن عمالً} جعل غاية خلق
ُ على ماء مادة الجسد مستولياً عليه متعلقاً به تعلق التصوير والتدبير
األشياء ظهور أعمال الناس أي :خلقناهم لنعلم العلم التفصيلي التابع للوجود الذي يترتب عليه الجزاء أيكم أحسن
يتقدم وجود الشيء في اللوح ،وقسم يتأخر وجوده في مظاهر الخلق والبالء الذي هو
عمالً فإن علم هللا قسمان :قسم ّ
االختبار هو هذا القسم .
{ولئن أذقنا اإلنسان منا رحمة} إلى آخره ،ينبغي لإلنسان أن يكون في الفقر والغنى و ّ
الشدة والرخاء والمرض والصحة
بقوته وقدرته في الطلب وال
وتصرفه في الكسب وال ّ
ّ واثقاً باهلل متوكالً عليه ال يحتجب عنه بوجود نعمة وال بسعيه
بسائر األسباب والوسائط لئال يحصل اليأس عند فقدان تلك األسباب والكفران والبطر واألشر عند وجودها فيبعد بها
عن هللا تعالى وينساه فينساه هللا بل يرى اإلعطاء والمنع منه دون غيره ،فإن أتاه رحمة من صحة أو نعمة شكره أوالً
برؤية ذلك منه وشهود المنعم في صورة النعمة ،وذلك بالقلب ثم بالجوارح باستعمالها في مراضيه وطاعته والقيام
فليصبر وال يتأسف عليها عالماً بأنه هو الذي نزع دون غيره لمصلحة تعود إليهّ .
فإن الرب تعالى كالوالد المشفق في
تربيته إياه ،بل أرأف وأرحم ،فإن الوالد محجوب عما يعلمه تعالى إذ ال يرى إال عاجل مصالحه وظاهرها وهو العالم
بالغيب والشهادة فيعلم ما فيه صالحه عاجالً وآجالً راضياً بفعله راجياً إعادة أحسن ما نزع منها إليه إذ القانط من
رحمته بعيد منه ال يستوسع رحمته لضيق وعائه محجوب عن ربوبيته ال يرى عموم فيض رحمته ودوامه ثم إذا أعادها
لم يفرح بوجودها كما لم يحزن بفقدانها وال يفخر بها على الناس ،فإن ذلك من الجهل وظهور النفس وإال لعلم أن ذلك
ليس منه وله فبأي سبب يسوغ له فخر بما ليس له ومنه بل هلل ومن هللا .
صَبروا} استثناء من اإلنسان أي هذا النوع يؤوس كفور فرح فخور في الحالين إال الذين صبروا مع هللا{إالّ الذين َ
واقفين معه في حالة الضراء والنعماء والشدة والرخاء كما قال عمر رضي هللا عنه :الفقر و ِ
الغنى مطيتان ال أبالي
{وع ِملوا} في الحالين ما فيه صالحهم مما ذكر {أولئك لهم مغفرة} من ذنوب ظهور النفس باليأس
أيهما أمتطيَ ،
أجر كبير} من ثواب تجليات األفعال والصفات وجنانها {فلعلك تارك بعض ما
والكفران والفرح والفخر في الحالين {و ٌ
{من كان يريد الحياة الدنيا} أي :كل من يعمل عمالً وإن كان من أعمال اآلخرة في الظاهر بنية الدنيا ال يريد به إال
فإن لكل أحد نصيباً من الدنياحظاً من حظوظها يوفيه هللا تعالى أجره فيها وال يصل إليه من ثواب اآلخرة شيءّ ،
بمقتضى نشأته التي هو عليها ونصيباً من اآلخرة بمقتضى فطرته التي فطر عليها ،فإذا لم يرد بعمله إال الدنيا فقد
أقبل بوجهه إليها وأعرض عن اآلخرة وجعل النصيب الدنيوي بانجذابه وتوجهه إلى الجهة السفلية حجاب النصيب
األخروي حتى انتكست فطرته وتبعت النشأة واستخدمت نفسه القلب في طلب حظوظها فصار نصيبه من اآلخرة
منضماً إلى النصيب الدنيوي {وهم فيها} ال ينقصون أي :ال ينقص من ثواب أعمالهم في الدنيا شيء ألنه لما تشكل
القلب بهيئة النفس تمثل حظه بصورة حظ النفس .
{أولئك الذين ليس لهم في اآلخرة إال النار} لتعذب قلوبهم بالحجب الدنيوية وحرمانها عن مقتضى استعدادها وتألمها
صَنعوا} من أعمال البر في اآلخرة لكونها بنية الدنيا لقوله صلى هللا عليه
{وحبط ما َ
بما ال يالئمها من مكسوباتها َ
بالنيات ولكل امرئ ما نوى" إلى آخر الحديث.
وسلم" :األعمال ّ
{أفمن كان على بينة من رّبه} أي :أمن كان يريد الحياة الدنيا فمن كان على بينة من رّبه يعني بعد ما بينهما في
َ
المرتبة بعداً عظيماً من كان على بينة أي :يقين برهاني عقلي أو وجداني كشفي ويتبع ذلك اليقين {شاهد} من رّبه
النبوة وأصول الدين ،ومن قبل هذا القرآن {كتاب موسى} أي:المصدق للبرهان العقلي في التوحيد وصحة ّ
ّ أي :القرآن
يتبع البرهان من قبل هذا الكتاب كتاب موسى في حال كونه {إماماً} يؤتّم به وقدوة يتمسك بها في تحقيق المطالب
وتزكيهم وتعلمهم ِ
الح َكم والشرائع {أولئك يؤ ِمُنون به} بالحقيقة دون الطالبين لحظوظ الدنيا. ورحمة رحيمية تهدي الناس ْ
{ومن أظلم ممن ا ْفتَرى على هللا َكذباً} بإثبات وجود غيره وإسناد صفته من الكالم ونحوه إلى الغير {أولئك يعرضون
على رّبهم} بالوقف في الموقف األول محجوبين مخذولين {ويقول األشهاد} الموحدون {هؤالء الذين كذبوا على رّبهم}
بالشرك ثم طردوا ولعنوا بسبب شركهم الذي هو أعظم الظلم {الذين يصدون} الناس عن سبيل التوحيد ويصفونها
باالعوجاج مع استقامتها وهم مع احتجابهم عن الحق محجوبون عن اآلخرة دون غيرهم من أهل األديان.
اب ِ ِ ات وأ ْ ِ وَلَق ْد أَرسْلنا نوحاً ِإَلى َقو ِم ِه ِإَّني َل ُكم ن ِذير ُّمِبين * ِإ َّن َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ
َص َح َُخَبتُوْا إَل ٰى َرّبِه ْم أ ُْوَلـٰئ َك أ ْ الصال َح َ َ َُ َ َ ٌ ْ َ ٌ ٰ ْ َْ َ ُ َ
الس ِمي ِع هل يستَ ِويا ِن مثَالً أََفالَ َت َذ َّكرو َن * أَن الَّ ِ
َص ِّم َواْلَبص ِ ِ ِ ِ
ُ َْ َْ َ َ ير َو َّ يها َخال ُدو َن * َمَث ُل اْلَف ِريَق ْي ِن َكاأل ْ
َع َم ٰى َواأل َ الجَّنة ُه ْم ف َ
َ
{فقال المأل الذين كفروا من قومه} أي :اإلشراق المليئون بأمور الدنيا ،القادرون عليها ،الذين حجبوا بعقلهم ومعقولهم
عن الحق{ .ما نراك إالّ بش اًر مثلنا} لكونهم ظاهريين واقفين على حد العقل المشوب بالوهم المتحير بالهوى الذي هو
عقل المعاش ال يرون ألحد طو اًر وراء ما بلغوا إليه من العقل غير مطلعين على مراتب االستعدادات والكماالت طو اًر
النبوة ومعناها {وما نراك اتّبعك إالّ الذين هم بعد طور ورتبة فوق رتبة إلى ما ال يعلمه إال هللا ،فلم يشعروا بمقام ّ
اه اًر ِّم َن اْل َحَي ِاة
ظِ {ي ْعَل ُمو َن َ
منا ،إذ المرتبة والرفعة عندهم بالمال والجاه ليس إال كما قال تعالىَ : أراذلنا} فقراؤنا األدنون ّ
اآلخ َرِة ُه ْم َغ ِافُلو َن} [الروم ،اآلية.]7 :
الد ْنيا وهم ع ِن ِ
ُّ َ َ ُ ْ َ
{بادي الرأي} أي :بديهة الرأي وأوله ألنهم ضعاف العقول ،عاجزون عن كسب المعاش ،ونحن أصحاب فكر ونظر
تصرفه على كسب المعاش والوقوف
قالوا ذلك الحتجابهم بعقلهم القاصر عن إدراك الحقيقة والفضيلة المعنوية لقصر ّ
متصرفة في المعاش
ّ على حدة .وأما أتباع نوح عليه السالم فإنهم أصحاب همم بعيدة وعقول حائمة حول القدس غير
وال ملتفتة إلى وجوه كسبه وتحصيله ،فلذلك استنزلوا عقولهم واستحقروها {وما نرى لكم علينا فضل} ّ
وتقدم فيما نحن
التقدم بالغنى والمال والجاه {بل نظنكم كاذبين} لعدم إدراك ما تثبتون وفهم
بصدده لكون الفضل عندهم محصو اًر في ّ
ما تقولون مع وفور كياستنا {أرأيتم إن كنت على ّبينة من ربي} يجب عليكم من طريق العقل اإلذعان له {وآتاني
رحمة} أي :هداية خاصة كشفية متعالية عن درجة البرهان {من عنده} أي :فوق طور العقل من العلوم اللدنية ومقام
النبوة {فعميت عليكم} الحتجابكم بالظاهر عن الباطن وبالخليقة عن الحقيقة وال يمكن تلقيها إال باإلرادة ألهل
ّ
االستعداد فكيف نلزمكموها ونجبركم عليها {وأنتم لها كارهون} أي :إن شئتم تلقيها فزكوا نفوسكم وصفوا استعدادكم إن
وهب لكم واتركوا إنكاركم حتى يظهر عليكم أثر نور اإلرادة فتقبلوها إن شاء هللا .
{ال أسألكم عليه ماالً} أي :الغرض عندكم من كل أمر محصور في حصول المعاش وأنا ال أطلب ذلك منكم فتنبهوا
عدو هللا
لغرضي وأنتم عقالء بزعمكم {وما أنا بطارد الذين آمنوا} ألنهم أهل القربة والمنزلة عند هللا فإن طردتهم كنت ّ
مناوياً ألوليائه لست بنبي حينئذ {ولكني أراكم قوماً تجهلون} ما يصلح به المرء للقاء هللا وال تعرفون هللا وال لقاءه
لذهاب عقولكم في الدنيا أو تسفهون تؤذون المؤمنين بسفهكم.
{ويا قوم من َي ْنصرني من هللا} الذي هو القاهر فوق عباده {إن طردتهم} واستوجبت قهره بطردهم {أفال تذكرون}
خزِائن هللا} أي :أنا ّأدعي الفضل بالنبوة ال
مقتضيات الفطرة اإلنسانية فتنزجرون عما تقولون {وال أقول لكم عندي َ
بالغنى وكثرة المال وال باالطالع على الغيب وال بالملكية حتى تنكروا فضلي بفقدان ذلك {وال أقول} للفقراء المؤمنين
الذين تستحقرونهم وتنظرون إليهم بعين الحقارة {لن يؤتيهم هللا خي اًر} كما تقولون ،إذ الخير عندي ما عند هللا ال المال
{هللا أعلم بما في أنفسهم} من الخير مني ومنكم وهو أعرف بقدرهم وخطرهم وما يعلم أحد قدر خيرهم لعظمه {إني إذاً}
أي :إذ نفيت الخير عنهم أو طردتهم {لمن الظالمين}.
{ويصنع الفلك} إلى آخره ،تفسيره على ما دل عليه الظاهر حق يجب اإليمان به وصدق ال ّبد من تصديقه كما جاء
يؤول الفلك بشريعة نوح التي نجا
في التواريخ من بيان قصة الطوفان وزمانه وكيفيته وكميته .وأما التأويل فمحتمل بأن ّ
بها هو ومن آمن معه من قومه كما قال النبي عليه الصالة والسالم" :مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ،من ركب فيها
نجا ومن تخّلف عنها غرق" .والطوفان باستيالء بحر الهيولى وإهالك من لم ّ
يتجرد عنها بمتابعة نبي وتزكية نفس كما
ّ
إن هذه الدنيا بحر مملوء ماء فإن اتخذت سفينة
النبي عليه السالم ومخاطباته لنفسه ما معناهّ : جاء في كالم إدريس
ّ
تركبها عند خراب البدن نجوت منها إلى عالمك وإال غرقت فيها وهلكت ،فعلى هذا يكون معنى ويصنع الفلك يتخذ
شريعة من ألواح األعمال الصالحة ودسر العلوم التي تنظم بها األعمال وتحكم.
أمتك {وَفار} تنور البدن باستيالء األخالط الفاسدة والرطوبات الفضلية على الح اررة
{حتى إذا َجاء أمرنا} بإهالك ّ
الغريزية وقوة طبيعة ماء الهيولى على نار الروح الحيوانية أو أمرنا بإهالككم المعنوي وفار التنور باستيالء ماء هوى
اح ِمل فيها من كل زوجين اثنين} أي :من كل صنفين
الطبيعة على القلب وإغراقه في بحر الهيولى الجسماني {قلنا ْ
من نوع اثنين هما صورتاهما النوعية والصنفية الباقيتان عند فناء األشخاص .ومعنى حملهما فيها :علمه ببقائهما مع
بقاء األرواح اإلنسية ،فإن علمه جزء من سفينته الحاوية للكل لتركبها من العلم والعمل ،فمعلوميتهما محموليتهما
وعالميته بهما حامليته إياهما فيها {وأهلك} ومن يتصل بك في دينك وسيرتك من أقاربك {إال من سبق عليه القول}
أمتك.
أي :الحكم بإهالكه في األزل لكفره {ومن آمن} باهلل من ّ
ْابَن ُه اها ِإ َّن ربِي َل َغُفور َّرِحيم * وِهي تَجرِي ِب ِهم ِفي مو ٍج َكاْل ِجب ِ
ال َوَن َاد ٰى ُنوٌح وَقال ارَكبوْا ِفيها ِبس ِم َّ ِ
َ َْ ْ َ َ ْ ٌ ٌ َّ َّللا َم ْجري َٰها َو ُم ْرَس َ َ َ ْ ُ َ ْ
ِ ِ ِ ِ ِ ٍ ِ وَك ِ
اْلَي ْوَم ال الَ َعاص َم ِ
ال َس ِآوي إَل ٰى َجَبل َي ْعص ُمني م َن اْل َمآء َق َ ان في َم ْع ِزٍل يُٰبَن َّي ْارَك َب َّم َعَنا َوالَ تَ ُكن َّم َع اْل َكاف ِر َ
ين * َق َ َ َ
َّللاِ ِإالَّ من َّرِحم وحال بينهما اْلموج َف َكان ِمن اْلم ْغرِقين * وِقيل ٰيأَرض ابَل ِعي مآء ِك ويٰسم ِ ِ ِم ْن أ َْم ِر َّ
آء أَْقلعي َو ِغ َ
يض َ َ َ ََ ُ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ ََْ ُ َ َ ْ ُ َ َ ُ َ َ َ
َّ ِ ِ ِ ِ ِ
ين استََو ْت َعَلى اْل ُجود ِّي َوِق َ
يل ُب ْعداً ّلْلَق ْو ِم الظالم َ آء َوُقض َي األ َْم ُر َو ْ اْل َم ُ
{وقال ْارَكبوا فيها ِب ْسم هللا مجريها ومرساها} أي :باسم هللا األعظم الذي هو وجود كل عارف كامل من أفراد نوع
اإلنسان إنفاذها وإجراء أحكامها وترويجها في بحر العالم الجسماني وإقامتها وأحكامها وإثباتها كما ترى من إجراء كل
{إن ربي لغفور} يغفر هيئات
شريعة وإنفاذ أمرها وتثبيتها وأحكامها بوجود نبي أو إمام من أئمتها أو حبر من أحبارها ّ
نفوسكم البدنية المظلمة وذنوب مالبس الطبيعة المهلكة إياكم ،المغرقة في بحرها بمتابعة الشريعة {رحيم} يرحم
بإفاضة المواهب العلمية والكشفية والهيئات النورانية التي ينجيكم بها لوال مغفرته ورحمته لغرقتم وهلكتم مثل إخوانكم .
{وهي تجري بهم في موج} من فتن بحر الطبيعة الجسمانية واستيالء دواعيها على الناس وغلبة أهوائها باتفاقهم على
مقتضياتها كالجبال الحاجبة للنظر ،المانعة للسير أو موج من انحرافات المزاج وغلبات األخالط المردية {ونادى ُنوح
ْابِنه} المحجوب بعقله المغلوب بالوهم الذي هو عقل المعاش عن دين أبيه وتوحيده {وكان في معزل} عن دينه
وشريعته {يا ُبني ْاركب معنا} أي :أدخل في ديننا {وال تكن مع الكافرين} المحجوبين عن الحق ،الهالكين بموج هوى
النفس ،المغرقين في بحر الطبع {قال سآوي إلى جبل َي ْعصمني من الماء} يعني به الدماغ الذي هو محل العقل ،أي:
سأستعصم بالعقل والمعقول ليعصمني من استيالء بحر الهيولى فال أغرق فيه {قال ال ِ
عاصم اليوم من أمر هللا إال}
{وحال بينهما} موج هوى النفس واستيالء ماء بحر الطبيعة ،أي :حجبه عن أبيه
َ {رِحم} بدين التوحيد والشرع
الذي َ
الم ْغ َرقين} في بحر الهيولى الجسمانية.
ودينه وتوحيده {فكان من ُ
حد االعتدال الذي به قوامه ،ويا سماء العقل المحجوبة بالعادة والحس ،المشوبة بالوهم ،المغيمة بغيم الهوى التي ّ
تمد ّ
النفس والطبيعة بتهيئة موادها وأسبابها بالفكر {أقلعي} عن مددها {وغيض} ماء قوة الطبيعة الجسمانية ومدد الرطوبة
استَوت} أي: الحاجبة لنور الحق ،المانعة للحياة الحقيقية {وقضى} أمر هللا بإنجاء من نجا وإهالك من هلك {و ْ
استقرت {وقيل ُب ْعداً} أي :هالكاً {للقوم الظالمين} الذين ك ّذبوا بآيات هللا
استقامت شريعته {على} جودي وجود نوح و ّ
وعبدوا الهوى مكان الحق ووضعوا طريق الطبيعة مكان الشريعة.
َهلِ َك ِإَّن ُه ِ ِِ وَن َادى ُنوح َّربَّه َفَقال ر ِب ِإ َّن ابِني ِم ْن أ ِ
ال ٰيُنو ُح ِإَّن ُه َل ْي َس م ْن أ ْ
ين * َق َ َح َك ُم اْل َحاكم َ
َنت أ ْ َهلي َوإِ َّن َو ْع َد َ
ك اْل َح ُّق َوأ َ ْ ْ ٌ ُ َ َّ َ
َعوُذ ِب َك أ ْ
َن ِ
ال َر ِّب ِإّني أ ُ ين * َق َ
ِِ ِ
ظ َك أَن تَ ُكو َن م َن اْل َجاهل َ صالِ ٍح َفالَ تَ ْسَئْل ِن َما َل ْي َس َل َك ِب ِه ِعْل ٌم ِإِّني أ َِع ُ
َع َم ٌل َغ ْي ُر َ
رك ٍ
ط ِب َسالَ ٍم ِّمَّنا َوَب َ
اهِب ْ ِ ِ أَسأََلك ما َليس لِي ِب ِه ِعْلم وإِالَّ تَ ْغِفر لِي وتَرحمِني أ ُ ِ
ات َعَل ْي َك يل يُٰنو ُح ْ
ين * ق َ َكن ّم َن اْل َخاس ِر َ َ َْْ ْ ٌ َ ْ َ َ َْ
ِ ِ ِ ِ ِ وعَل ٰى أُم ٍم ِم َّمن َّمعك وأُمم سُنمِّتعهم ثُ َّم يم ُّسهم ِمَّنا ع َذ ِ
َنت يهآ ِإَل ْي َك َما ُك َ
نت َت ْعَل ُم َهآ أ َ يم * تْل َك م ْن أ َْنَبآء اْل َغ ْيب ُنوح َ
اب أَل ٌ
َ َ َ ٌَ َ َ ُ ُ ْ ََ ُ ْ ّ َ ٌ َ ّ ََ
ِ ِ ِ ِ ِ
يناصِب ْر ِإ َّن اْل َعاقَب َة لْل ُمتَّق َ
َوالَ َق ْو ُم َك من َقْبل َهـٰ َذا َف ْ
لشدة تعلقه
رب إن ْابني من أهلي} حمله شفقة األبوة وتعطف الرحم والقرابة على طلب نجاته ّ
{ونادى نوح رّبه فقال ّ
الحق} ولم يقل ال تخلف وعدك
ّ وع َدك
به واهتمامه بأمره ،وراعى مع ذلك أدب الحضرة وحسن السؤال فقال{ :وإن ْ
بإنجاء أهلي ،وإنما قال ذلك لوجود تلوين وظهور بقية منه إذ فهم من األهل ذوي القرابة الصورية والرحم الطبيعية
ِ َّ
وغفل لفرط التأسف على ابنه عن استثنائه تعالى بقولهِ{ :إال َمن َسَب َق َعَل ْيه اْلَق ْو ُل} [هود ،اآلية ]40 :ولم يتحقق ّ
أن
وعرض بقوله{ :وأنت أحكم الحاكمين} إلى أن العالم ابنه هو الذي سبق عليه القول وال استعطف رّبه باالسترحام ّ
العادل والحكيم ال يخلف وعده.
ِ
{إني أعظك أن تكون من الجاهلين} الواقفين مع ظواهر األمور ،المحجوبين عن حقائقهاّ ،
فتنبه عليه السالم عند ذلك
{رب إني أعوذ بك أن أسالك ما ليس لي به علم وإال تغفر لي} تلويناتي
وتعوذ بقولهّ :
التأديب اإللهي والعتاب الرباني ّ
وظهور بقاياي {وترحمني} باالستقامة والتمكين {أكن من الخاسرين} الذين خسروا أنفسهم باالحتجاب عن علمك
وحكمتك {قيل يا نوح اهبط} أي :اهبط من محل الجمع وذروة مقام الوالية واالستغراق في التوحيد إلى مقام التفصيل
النبوة بالرجوع إلى الخلق ومشاهدة الكثرة في عين الوحدة ال مغضباً باالحتجاب بهم عن الحق وال راضياً
وتشريع ّ
بكفرهم باالحتجاب بالحق عنهم {بسالم} أي :سالمة عن االحتجاب بالكثرة وظهور النفس بالغضب ووجود التلوين
{منا} أي صادر منا وبنا {وبركات} بتقنين قوانين الشرع وتأسيس
وحصول التعلق بعد التجرد والضالل بعد الهدى ّ
قواعد العدل الذي ينمو به كل شيء ويزيد {عليك وعلى أُمم} ناشئة {ممن معك} وعلى دينك وطريقتك إلى آخر
الزمان.
أليم}
عذاب ٌ
ٌ يمسهم منا
{سن َمتعهم} في الحياة الدنيا الحتجابهم بها ووقوفهم {ثم ّ
{وأمم} أي :وينشأ ممن معك أمم ُ
بإهالكهم بكفرهم وإحراقهم بنار اآلثار ،وتعذيبهم بالهيئات ،وإن شئت التطبيق ّأولت نوحاً بروحك والفلك بكمالك العلمي
والعملي الذي به نجاتك عند طوفان بحر الهيولى حتى إذا فار تنور البدن باستيالء الرطوبة الغريبة واألخالط الفاسدة
وأذن بالخراب ،ركب هو فيها وحمل معه من كل صنفين من وحوش القوى الحيوانية والطبيعية وطيور القوى الروحانية
ببينة} لقصور فهمهم وعمى بصيرتهم عن إد ارك البرهان لمكان الغشاوات الطبيعية وإذا لم{قالوا يا هود ما جئتنا ّ
دابة إالّ هو آخذ بناصيتها} بين وجوب التوكل على يدركوه أنكروه بالضرورة {إني توكلت على هللا ربي وربكم ما من ّ
يرب يدبر أمر المربوب ويحفظه فال حاجة له إلى
هللا وكونه حصناً حصيناً أوالً بأن ربوبيته شاملة لكل أحد ،ومن ّ
ك الءة غيره وحفظه .ثم بان كل ذي نفس تحت قهره وسلطانه أسير في يد تصرفه ومملكته وقدرته عاجز عن الفعل
صر ٍ
اط ُم ْستَقيم} ِ
والقوة والتأثير في غيره ال حراك به بنفسه كالميت فال حاجة إلى االحتراز منه والتحفظ ثم بأنه {على َ
أي :على طريق العدل في عالم الكثرة الذي هو ظل وحدته فال يسلط أحداً على أحد إال عن استحقاق له لذلك بسبب
ذنب وجرم وال يعاقب أحداً من غير زّلة ولو صغيرة وقد يكون لتزكية ورفع درجة كالشهادة وفي ضمن ذلك كله نفي
الضر عنهم وعن آلهتهم.
القدرة على النفع و ّ
مر تأويل الناقة ،وأما إنجاء صالح ومن معه على التأويل المذكور فكإنجاء عيسى عليه {ويا قوم هذه ناقة هللا} قد ّ
{و َما ِ ِ
وه َوَلـٰكن ُشّب َه َل ُه ْم} [النساء ،]157 :وفي قولهَ :
صَلُب ُ
{و َما َقَتُلوهُ َو َما َ
الصْلب كما جاء في قوله تعالىَ :السالم من َ
َّللاُ ِإَل ْي ِه} [النساء ،اآليات .]158-157 :وكإنجاء مؤمن آل فرعون على ما أشار إليه بقوله تعالى:
َقَتُلوهُ َيِقيناً َبل َّرَف َع ُه َّ
ات َما َم َك ُـروْا} [غافر ،اآلية.]45 : َّللا سِيَئ ِ
{ َفوَقاهُ َّ ُ َ ّ
المجردة العالية
ّ بالب ْشرى} إلى آخره ،إن للنفوس الشريفة اإلنسانية اتصاالت بالمبادئ
{ولقد جاءت رسلنا إبراهيم ُ
المقدسة الفلكية من األنوار القاهرة العقلية والنفوس المدبرة السماوية واختالطات بالمأل األعلى من أهل
واألرواح ّ
دبر يربها من الجبروت وانخراطات في سلك الملكوت .ولكل نفس بحسب فطرتها مبدأ يناسبها من عالم الجبروت وم ّ
آء ْت ُك ُّل
{و َج َ
عالم الملكوت تستمد من األول فيض العلم والنور ،ومن الثاني مدد القوة والعمل كما أشار إليه قولهَ :
َو َش ِه ٌيد} [ق ،اآليةّ ]21 :
ومقر أصلي تأوي إليه من جناب الالهوت إن ّ
تجردت ،كما قال عليه س َّم َع َها َس ِآئ ٌق
َنْف ٍ
"أرواح الشهداء تأوي إلى قناديل من نور معلقة تحت العرش" ،وكلما انجذبت إلى الجهة السفلية الصالة والسالم:
بالميل إلى اللذات الطبيعية احتجبت بغشاوتها عن ذلك الجناب وانقطع مددها من تلك الجهة من األنوار الجبروتية
من بني نوعها ،ويكون لها أوقات تنخرط فيها في سلكها باالنخالع عن بدنها وأوقات تبعد فيها عنها بما هي ّ
ممنوة به
من تدبير جسدها .ففي أوقات اتصالها بها وانخراطها في سلكها قد تتلقى الغيب منها ،إما كما هو على سبيل الوحي
واإللهام واإللقاء في الروع واإلعالم بمطالعة صورة الغيب المنتقشة هي بها منها ،وإما على طريق الهتاف واإلنهاء،
وإما على صورة كتابة في صحيفة تطالعه منها وذلك بحسب جهة قبول لوح حسها المشترك واختصاصه بنوع بعض
المحسوسات دون بعض لألحوال السابقة واالتفاقات العارضة .وقد يتراءى لها صور منها تناسبها في الحسن واللطافة
اكم ِب َخير} لما رأى شعيب عليه السالم ضاللتهم بالشرك واحتجابهم عن الحق بالجبت ،وتهالكهم على كسب
{إني َأر ُ
الحطام بأنواع الرذائل وتماديهم في الحرص على جمع المال بأسوأ الخصال منعهم عن ذلك وقال :إني أراكم بخير في
استعدادكم من إمكان حصول كمال وقبول هداية فإني أخاف عليكم إحاطة خطيئاتكم بكم الحتجابكم عن الحق
ووقوفكم مع الغير وصرف أفكاركم بالكلية إلى طلب المعاش وإعراضكم عن المعاد ،وقصور هممكم على إحراز
الفاسدات الفانيات عن تحصيل الباقيات الصالحات ،وانجذابكم إلى الجهة السفلية عن الجهة العلوية ،واشتغالكم
بالخواص البهيمي ة عن الكماالت األنسية ،فالزموا التوحيد والعدالة واعتزلوا عن الشرك والظلم الذي هو جماع الرذائل
فإن الظلم هو الغاية في ذلك كما أن
و ّأم الغوائل {وال تعثوا} في إفسادكم أي :وال تبالغوا وال تمادوا في غاية اإلفساد ّ
العدل هو الغاية في الصالح وجماع الفضائل.
مصدقين ببقاء شيء فما يبقى لكم عند هللا من الكماالت والسعادات
ّ خير لكم إن كنتم مؤمنين} أي :إن كنتم{بقية هللا ٌ
األخروية والمقتنيات العقلية والمكاسب العلمية والعملية خير لكم من تلك المكاسب الفانية التي تشقون بها وتشقون
على أنفسكم في كسبها وتحصيلها ثم تتركونها بالموت وال يبقى منها معكم شيء إال وبال التبعات والعذاب الالزم لما
وتنزهه
وعتوهم في العصيان ،واستهزاءهم بطاعته ،وزهده وتوحيده ّ
في نفوسكم من رواسخ الهيئات .ولما شاهد إنكارهم ّ
بقولهم{ :أصالتك} إلى آخره .
َرَيتم} أي :أخبروني {إن كنت على} برهان يقيني على التوحيد {من ربي ورزقني منه رزقاً حسناً} من
{قال يا قوم أ َأ
الحكمة العلمية والعملية والكمال والتكميل باالستقامة في التوحيد ،هل يصح لي أن أترك النهي عن الشرك والظلم
{قالوا يا شعيب ما َنْفَقه} إنما لم يفقهوا لوجود الرين على قلوبهم بما كسبوا من اآلثام وإنما منعهم خوف رهطه من
َشُّد َرْهَب ًة ِفي
رجمه دون خوف هللا تعالى الحتجابهم بالخلق عن الحق المسبب عن عدم الفقه كقوله تعالى{ :ألَنتُ ْم أ َ
َّللاِ َذلِ َك ِبأََّن ُه ْم َق ْوٌم الَّ َيْفَق ُهو َن} [الحشر ،اآلية. ]13 :
ورِه ْم ِّم َن َّ
ص ُد ِ
ُ
ين * ِإَل ٰى ِف ْرَع ْو َن َو َمَلِئ ِه َفاتََّب ُعوْا أ َْم َر ِف ْرَع ْو َن َو َمآ أ َْم ُر ِف ْرَع ْو َن ِب َرِش ٍيد * َيْق ُد ُم َق ْو َم ُه ان ُّمِب ٍ طٍ وس ٰى ِب َآي ِاتَنا َو ُسْل َ
َوَلَق ْد أ َْرَسْلَنا ُم َ
ود * َذلِ َك ِم ْن ام ِة ِب ْئ َس ِّ
الرْف ُد اْل َم ْرُف ُ
ِ ِ ِ ِِ ام ِة َفأ َْوَرَد ُهم َّ
الن َار َوبِ ْئ َس اْل ِوْرُد اْل َم ْوُر ُ
ِ
ود * َوأ ُْتب ُعوْا في َهـٰذه َل ْعَن ًة َوَي ْوَم اْلقَي َ ُ َي ْوَم اْلقَي َ
َنف َس ُه ْم َف َما أَ ْغَن ْت َع ْن ُه ْم آلِ َهتُ ُهم َّالِتي َي ْد ُعو َن
ظَل ُموْا أ ُاه ْم َوَلـ ِٰكن َ
ظَل ْمَن ُ
ص ٌيد * َو َما َ صه عَليك ِم ْنها َق ِآئم وح ِ
أ َْنَبآء اْلُق َر ٰى َنُق ُّ ُ َ ْ َ َ ٌ َ َ
ِ
ُ
ظالِ َم ٌة ِإ َّنَخ َذ اْلُق َر ٰى َوِه َي َ يب * َوَك ٰذلِ َك أ ْ وهم َغ ْير تَ ْتِب ٍ ٍ َّ ِمن دو ِن َّ ِ ِ
ِك ِإ َذا أ ََخ ُذ َرّب َ ِك َو َما َزُاد ُ ْ َ آء أ َْم ُر َرّب َ
َّللا من َش ْيء ل َّما َج َ ُ
ِ ٰ َّ ِ ٰ ِ
اب اآلخ َرِة ذل َك َي ْوٌم َّم ْج ُموعٌ ل ُه َّ ِ ِ ٰ ِ ِ ِ
ود * َو َما اس َوَذل َك َي ْوٌم َّم ْش ُه ٌ الن ُ اف َع َذ َ
آلي ًة ّل َم ْن َخ َيم َشد ٌيد * ِإ َّن في ذل َك َ َخ َذهُ أَل ٌ
أْ
ِ ين َشُقوْا َفِفي َّ ْت الَ تَ َكَّلم نْفس ِإالَّ ِبِإ ْذِن ِه َف ِمنهم َشِق ٌّي وس ِعيد * َفأ َّ َّ ِ ود * يوم يأ ِ ُن َؤ ِّخره ِإالَّ ألَج ٍل َّم ْع ُد ٍ
الن ِار َل ُه ْم ف َ
يها َما الذ َ ََ ٌ ُْْ ُ َ ٌ َْ َ َ َ ُُ
ِ ِ َّ ِ ِ َّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ين ُسع ُدوْا ال ّل َما ُي ِر ُيد * َوأَ َّما الذ َ ُّك إ َّن َرب َ
َّك َف َّع ٌ آء َرب َض إال َما َش َ الس َٰم َٰو ُت َواأل َْر ُ
امت َّ يها َما َد َ ين ف َيق * َخالد َ َزِف ٌير َو َشه ٌ
وذ * َفالَ تَ ُك ِفي ِم ْرَي ٍة ِّم َّما َي ْعُب ُد
طآء َغ ْير م ْج ُذ ٍ
ُّك َع َ ً َ َ آء َرب َ
الس ٰم ٰوت واألَر ِ َّ
ض إال َما َش َ امت َّ َ َ ُ َ ْ ُ
َفِفي اْلجَّن ِة خالِ ِدين ِفيها ما د ِ
َ َ َ َ َ َ َ
ف وص * وَلَق ْد آتَيَنا موس ٰى اْل ِكتَاب َف ْ ِ الء ما يعبدو َن ِإالَّ َكما يعبد آباؤهم ِمن َقبل وِإَّنا َلموُّفوهم ن ِ
ص َيب ُهم َغ ْي َر منُق ٍ ِ
اخُتل َ َ ْ ُ َ َ َ ْ َ َ ْ ُُ َ ُ ُ ّ ْ ُ َ ُ َ ُ ْ َ َهـ ُٰؤ َ َ ْ ُ ُ
َع َماَل ُه ْم ِإَّن ُه ِب َما ِ ًّ َّ ضي ب ْيَنهم وإَِّنهم َلِفي َش ٍّك ِم ْن ُه م ِر ٍ
ِ ِ ِ ِِ
يب * َوإِ َّن ُكـال ل َّما َلُيَوّفَيَّن ُه ْم َرب َ
ُّك أ ْ ّ ُ ِك َلُق َ َ ُ ْ َ ُ ْفيه َوَل ْوالَ َكل َم ٌة َسَبَق ْت من َّرّب َ
َي ْع َمُلو َن َخِب ٌير
ظلموا} أي :أشركوا بهوى كامن ،ناشئ عن وجود بقية خفية أو التفات خفي إلى إثبات غيره، {وال تَ ْركنوا إلى الذين َ
ّ
{فتمسكم} نار السخط ط َغ ٰى} [النجم ،اآلية،]17 :
ص ُر َو َما َ ن
ّ {ما َازغَ اْلَب َ
فإنه هو الزيغ المقار للطغيان في قولهَ :
والحرمان باالحتجاب والتعذيب بالفراق من نيران غيرة المحبوب ،كما قال تعالى لحبيبه صلى هللا عليه وسلم" :بشر
المذنبين بأني غفور ،وأنذر الصديقين بأني غيور" ولهذا المعنى قال" :والمخلصون على خطر عظيم" .فإن دقائق
أدق من أن تُ ْدرك بالعقل وأشد عقاباً من أن تتوهم بالوهم {وما لكم} حينئذ {من دون هللا من أولياء
ذنوب أحوالهم ّ
صرون} من بأسه ،وهذا تهديد ألوليائه فكيف بأعدائه. يتولونكم من عقابه ويدبرون أموركم ويربونكم {ثم ال تُْن َ
{و ِأق ْم الصالة طرفي النهار} لما كانت الحواس الخمس شواغل تشغل القلب بما يرد عليه من الهيئات الجسمانية،
وتجذبه عن الحضرة الرحمانية ،وتحجبه عن النور ،والحضور باإلعراض عن جناب القدس والتوجه إلى معدن
ويسد أبواب
وتبدله الوحشة باألنس ،والكدورة بالصفاء ،فرضت خمس صلوات يتفرغ فيها العبد للحضور ّ
الرجسّ ،
يرد على القلب شاغل يشغله ويفتح باب القلب إلى هللا تعالى بالتوجه والنية لوصول مدد النور ويجمع
الحواس لئال ّ
التفرق ويستأنس برّبه عن التوحش مع اتحاد الوجهة ،وحصول الجمعية ،فتكون تلك الصلوات خمسة أبواب همه عن ّّ
الرب يدخل بها عليه النور بإزاء تلك الخمسة المفتوحة إلى جناب الغرور ودار اللعين
مفتوحة للقلب على جناب ّ
{إن
الغرور التي تدخل بها الظلمة ليذهب النور الوارد آثار ظلماتها ويكسح غبار ُك ُدوراتها ،وهذا معنى قولهّ :
"إن الصالة إلى الصالة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر" .وأمر
الحسنات يذهبن السيئات} وقد ورد في الحديثّ :
بإقامتها في طرفي النهار لينسحب حكمها ببقاء الجمعية واستيالء الهيئة النورية في أوله إلى سائر األوقات ،فعسى أن
صالَِت ِه ْم َد ِآئ ُمو َن} [المعارج ،اآلية ]23 :لدوام ذلك الحضور ،وبقاء ذلك النور يكسح ويزيل َّ ِ
يكون من{ :الذ َ
ين ُه ْم َعَل ٰى َ
في آخره ما حصل في سائر األوقات من التفرقة والكدورة .ولما كانت القوى الطبيعية ّ
المدبرة ألمر الغذاء سلطانها في
الليل وهي تجذب النفس إلى تدبير البدن بالنوم عن عالمها الروحاني وتحجزها عن شأنها الخاص بها الذي هو
مطالعة الغيب ومشاهدة عالم القدس يشغلها باستعمال آالت الغذاء لعمارة الجسد ،فتسلبها اللطافة والطراوة وتكدرها
بالغشاوة .واحتيج إلى تلطيفها وتصفيتها باليقظة وتنويرها وتطريتها بالصالة فقال{ :وزلفاً من الليل} ذلك الذي ذكر من
إقامة الصالة في األوقات المذكورة وإذهاب السيئات بالحسنات تذكير لمن يذكر حاله عند الحضور مع هللا في
اصِبر} باهلل في االستقامة ومع هللا في الحضور في الصالة وعدم الركون إلى الصفاء والجمعية واألنس والذوق {و ْ
الم ْحسنين} الذين يشاهدونه في حال القيام بحقوق االستقامة ومراعاة العدالة والقيام
أج َر ُ
{فإن هللا ال يضيع ْ
الغير ّ
بشرائط التعظيم في العبادة .
َِّ ِ ِ ِ ك ِفي َهـ ِٰذِه اْل َح ُّق َو َم ْو ِع َ ِ ص َعَل ْي َك ِم ْن أ َْنَب ِاء ُّ
َوُكـالًّ َّنُق ُّ
ينين * َوُقل ّللذ َ ظ ٌة َوِذ ْك َر ٰى لْل ُم ْؤ ِمن َ آء َ الرُس ِل َما ُنثَِّب ُت ِبه ُف َؤ َاد َ
ك َو َج َ
ض َوإَِل ْي ِه ُي ْرَج ُع األ َْم ُرامُلو َن * و ْانتَ ِظ ُروْا ِإَّنا منتَ ِظ ُرو َن * وََِّّللِ َغ ْي ُب ال َّس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ
ََ َ َ ُ َ
الَ يؤ ِمنو َن اعمُلوْا عَلى م َكانِت ُكم ِإَّنا ع ِ
َ َْ َ ٰ َ َ ْ ُْ ُ
ُّك ِب َغ ِاف ٍل َع َّما تَ ْع َمُلو َن ِ ُّ
اعُب ْدهُ َوتََوَّك ْل َعَل ْيه َو َما َرب َ
ُكل ُه َف ْ
عشر كوكباً} إلى آخره ،هذه من المنامات التي ذكرنا في سورة (هود) أنها تحتاج إلى تعبير
أحد َ
أيت َ
{يا أبت إني ر ُ
النتقال المتخيلة من النفوس الشريفة التي عرض على النفس من الغيب سجودها له إلى الكواكب والشمس والقمر وما
كانت في نفس األمر إال أبويه وإخوته {ال تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك َك ْيداً} هذا من اإللهامات المجملة،
فإنه قد يلوح صورة الغيب من المجردات الروحانية على الوجه الكلي العالي عن الزمان في الروح ويصل أثره إلى
القلب وال يتشخص في النفس مفصالً حتى يقع العلم به كما هو فيقع في النفس منه خوف واحتراز ،إن كان مكروهاً،
وفرح وسرور إن كان مرغوباً .ويسمى هذا النوع من اإللهام :إنذارات وبشارات ،فخاف عليه السالم من وقوع ما وقع
قبل وقوعه ،فنهاه عن إخبارهم برؤياه احت ار اًز .ويجوز أن يكون احت ارزه كان من جهة داللة الرؤيا على شرفه وكرامته
وزيادة قدره على إخوته ،فخاف من حسدهم عليه عند شعورهم بذلك.
{لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين} أي :آيات معظمات لمن يسأل عن قصتهم ويعرفها تدلهم أوالً على أن
االصطفاء المحض أمر مخصوص بمشيئة هللا تعالى ال يتعلق بسعي ساع وال إرادة مريد ،فيعلمون مراتب
أن من أراد هللا به خي اًر لم يكن ألحد دفعه ومن عصمه هللا لم يكن ألحد رميه
االستعدادات في األزل .وثانياً :على ّ
بشر ،فيقوى يقينهم وتوكلهم ويشهدون تجليات أفعاله وصفاته .وثالثاً :على ّ
أن كيد الشيطان وإغواءه بسوء وال قصده ّ
أمر ال يأمن منه أحد حتى األنبياء ،فيكونون منه على حذر ،وأقوى من ذلك كله أنها تطلعهم من طريق الفهم الذي
هو االنتقال الذهني على أحوالهم في البداية والنهاية وما بينهما وكيفية سلوكهم إلى هللا فتثير شوقهم وإرادتهم وتشحذ
المستعد الذي هو في غاية الحسن ،المحبوب ،المرموق إلى
ّ وتقوي عزيمتهم وذلك أن مثل يوسف مثل القلب
بصيرتهم ّ
أبيه يعقوب العقل ،المحسود من إخوته من العالت ،أي :الحواس الخمس الظاهرة والخمس الباطنة والغضب والشهوة
بنى النفس إال الذاكرة ،فإنها ال تحسده وال تقصده بسوء ،فبقيت إحدى عشرة على عددهم .وأما حسدهم عليه وقصدهم
بالسوء فهو أنها تنجذب بطبائعها إلى لذاتها ومشتهياتها وتمنع استعمال العقل القوة الفكرية في تحصيل كماالت القلب
من العلوم واألخالق وتكره ذلك وال تريد إال استعماله إياها في تحصيل اللذات البدنية ومشتهيات تلك القوى الحيوانية.
أشد وأوفر ،وذلك
وال شك أن الفكر نظره إلى القلب أكثر ،وميله إلى تحصيل السعادات القلبية من العلوم والفضائل ّ
القوة العاقلة العملية من ّأم يوسف القلب التي هي راحيل
منا} وأخوه هوّ :
أحب إلى أبينا ّ
معنى قولهم{ :ليوسف وأخوه ّ
األمارة ،وإنما قالوا {ليوسف وأخوه} ألن العقل كما يقتضي
تزوجها يعقوب القلب بعد وفاة ليا النفس ّ
النفس اللوامة التي ّ
تكميل القلب بالعلوم والمعارف يقتضي تكميل هذه القوة باستنباط أنواع الفضائل من األخالق الجميلة واألعمال
الشريفة ونسبتهم إياه إلى الضالل الذي هو البعد عن الصواب بقولهم{ :إن أبانا لفي ضالل مبين} قصورها عن النظر
الجب استيالؤها على القلب وجذبها العقلي وبعد طريقه عن طريقتها في تحصيل المالذ البدنية وإلقاؤهم إياه في غيابة ّ
جب الطبيعة البدنية ،إال أنه أُْلِب َس قميصاً
محبة البدن وموافقاته له حتى ألقي في قعر ّ
إياه إلى الجهة السفلية بحدوث ّ
من الجنة أتى به جبريل إبراهيم عليهما السالم يوم جرد وأ ِ
ُلقي في النار ،فألبسه إياه وورثه إسحاق وورثه منه يعقوب
َ ّ
فعلقه في تميمة على عنقه ،فأتاه جبريل عليه السالم في البئر فأخرجه وألبسه إياه ،وإال لغمره الماء وظهرت عورته،
كما قيل .وهو إشارة إلى صفة االستعداد األصلي والنور الفطرّي وذلك هو الذي منع إبراهيم عن النار وحماه بإذن هللا
حتى صارت عليه برداً وسالماً .واستنزالها العقل إلى الفكر في باب المعاش وتحصيل أسبابه والتوجه نحوه هو معنى
قولهم:
ٍ
بخس دراهم معدودة} تسليمهم له إلى عزيز الروح الذي هو من مصر مدينة القدس بما يحصل للقوة الفكرية من {بثمن
المعاني والمعارف الفائضة عليها من الروح عند استنارتها بنوره وقربها منه ،فإن القوة الفكرية لما كانت قوة جسمانية،
والقلب ليس بجسماني ،لم تصل إلى مقامه إال عند كونه مغشى بغشاوات النفس في مقام الصدر أي :الوجه الذي يلي
السر فتتركه عند عزيز الروح وتسلمه
تجرد في مقام الفؤاد أو وصل إلى مقام الروح الذي سموه ّ
النفس منه .وأما إذا ّ
إليه وتفارقه على الدريهمات التي تحصل لها بقربه من المعاني المذكورة.
* َو َش َرْوهُ ِبثَ َم ٍن يم ِب َما َي ْع َمُلو َنوجاء ْت سيَّارةٌ َفأَرسُلوْا و ِارَدهم َفأ َْدَل ٰى َدْلوه َقال يٰب ْشر ٰى هـٰ َذا ُغالَم وأَسُّروه ِبضاع ًة و َّ ِ
َّللاُ َعل ٌ ٌ َ َ ُ َ َ َ َُ َ ُ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ ُْ
أَن َي َنف َعَنآ أ َْو ِ ِ
ص َر ِال ْم َأرَته أَ ْك ِرِمي َم ْث َواهُ َع َس ٰى ِ ِ ِ
ين * َوَقا َل َّالذي ْ ِ ِ ِ
ود ٍة وَك ُانوْا ِفيه ِم َن َّ ٍ ِ
اشتَ َراهُ من ّم ْ الزاهد َ َب ْخس َد َراه َم َم ْع ُد َ َ
وامرأة العزيز المسماة زليخاء التي أوصى إليها به بقوله{ :أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً} هي النفس
اللوامة التي استنارت بنور الروح ووصل أثره إليها ولم تتمكن في ذلك ولم تبلغ إلى درجة النفس المطمئنة وتمكين هللا
ّ
التنور بنور الروح على مقاومة النفس والقوى وتسليطه على أرض البدن باستعمال إياه في األرض إقداره بعد التزكية و ّ
آالته في تحصيل الكماالت وسياستها بالرياضات حتى يخرج ما في استعداده من الكمال إلى الفعل كما قال{ :ولنعلمه
غالب على أمره} بالتأييد والتوفيق
ٌ من تأويل األحاديث} أي :ولنعلمه فعلنا ما فعلنا به من اإلنجاء والتمكين {وهللا
أشّده
أشده من مقامه الذي يقتضيه استعداده فيؤتيه العلم والحكمة كما قال{ :ولما َبَلغ ُ والنصر حتى يبلغ غاية كمال ّ
بالتجرد عن غواشي الخلقة الذي نسميه مقام الفتوة
ّ األشد هو نهاية الوصول إلى الفطرة األولى
آتيناه حكماً وعلماً} و ّ
{ولكن أكثر الناس ال يعلمون} أن األمر بيد هللا في ذلك ،فيضيفون إلى السعي واالجتهاد والتربية ،وال يعلمون ّ
أن
قدره ولذلك لم يعزلها.
السعي واالجتهاد والتربية والرياضة أيضاً من عند هللا جعلها هللا أسباباً ووسايط لما ّ
وقوله{ :ألفيا سيدها لدى الباب} إشارة إلى ظهور نور الروح عند إقبال القلب إليه بواسطة تذكر البرهان العقلي وورود
الوارد القدسي عليه ،واستتباعه للنفس وهي تنازعه بالجذب إلى جهتها واستيالئه على القلب ثم على النفس بواسطته.
تسول أغراضها في صور المصالح العقلية وتزينها بحيث سوء} تلويح إلى أن النفس ّ
وقولها{ :ما جزاء من أراد بأهلك ً
تشتبه مفاسدها بالمصالح العقلية التي يجب على العقل مراعاتها والقيام بها وموافقتها فيها ومخالفته إياها فيها إرادة
السوء بها ومقابحها بالمحاسن التي تتعلق بالمعاش كمماكرة النساء بالرجال وميل القلب إلى الجهة العلوية يكذب قولها
أن الفساد الواقع من جهة األخالق
عم لها ،أي :الفكر الذي يعلم ّ
ودعواها ،والشاهد الذي شهد من أهلها قيل كان ابن ّ
واألعمال ال يكون غال من قبل النفس واستيالئها ،إذ لو كان من جهة القلب وميله إلى النفس لوقع في االعتقاد
مجرد العمل .وقيل كان ابن خالتها ،أي :الطبيعة الجسمانية التي تدل على الميل السفلي في النفس
والعزيمة ال في ّ
الجاذب للقلب من جهة الصدر المباشر للعمليات إلى أرض البدن وموافقاته واطالع الروح بنور الهداية ،على أن
الخلل وقع في العمل ال في العقد والعزيمة وذلك ال يكون إال من قبل الداعية النفسانية ،وهو معنى قوله :
كيدكن عظيم}.
ّ إن
كيدكن ّ
ّ {فلما رأى َق ِميصه ُقد من ُدُبر قال إنه من
استغفري لِ َذنبك} إشارة إلى إشراق نور الروح على القلب وانجذابه إلى جانبه للنازل أع ِر ْ
ض عن هذا و ْ وقوله{ :يوسف ْ
النورّي والخاطر الروحي الذي يصرفه عن جهة النفس ويأمره باإلعراض عن عملها ويذكره لئال يحدث الميل مرة
تنورها بنور الروح المنعكس إليها من القلب
أخرى .وتأثير ذلك الوارد والخاطر في النفس بالتنوير والتصفية فإن ّ
استغفارها عن الهيئة المظلمة التي غلبت بها على القلب.
ين * َفَل َّما َس ِم َع ْت ضالَ ٍل ُّمِب ٍ يز تُرِاود َفتَاها عن َّنْف ِس ِه َق ْد َش َغَفها حباً ِإَّنا َلَنر ِ ِ ِ ِ وَق ِ
اها في َ ََ َ ُّ ام َأرَةُ اْل َع ِز ِ َ ُ َ َ ال ن ْس َوةٌ في اْل َمد َينة ْ َ َ
َّ ِ ِ ِ ِ ٍ ِ
اخ ُرْج َعَل ْي ِه َّن َفَل َّما َأرَْيَن ُه أَ ْكَب ْرَن ُه َوَقط ْع َن ِب َم ْك ِرِه َّن أ َْرَسَل ْت ِإَل ْي ِه َّن َوأ ْ
َعتَ َد ْت َل ُه َّن ُمتَّ َكئاً َوآتَ ْت ُك َّل َواح َدة ّم ْن ُه َّن س ّكيناً َوَقاَلت ْ
يه َوَلَق ْد َرَاودتُّ ُه َعن َّنْف ِس ِه أَي ِديه َّن وُقْلن حاش ََِّّللِ ما هـٰ َذا بش اًر ِإن هـٰ َذآ ِإالَّ مَلك َك ِريم * َقاَلت َف ٰذلِ ُك َّن َّال ِذي ُلمتَّنِني ِف ِ
ُْ ْ َ ٌ ٌ َ َ ََ ْ َ ْ َُ َ َ َ َ
السجن أَح ُّب ِإَل َّي ِم َّما ي ْدعونِني ِإَلي ِه وإِالَّ
ِ ِ َفاستَعصم وَلِئن َّلم يْفعل مآ آمره َليسجن َّن وَلي ُكوناً ِمن َّ ِ
ْ َ َ ُ َ ال َر ّب ّ ْ ُ َ الصاغ ِر َ
ين * َق َ ّ ْ َ َ ْ َ ُُُ ُ ْ َ َ َ َ َ ْ ََ َ
ِ ِ ِ َص ُب ِإَل ْي ِه َّن َوأ ُ تَص ِر ِ
ين
َكن ّم َن اْل َجاهل َ ف َعّني َك ْي َد ُه َّن أ ْ
ْ ْ
وتنورت النفس بشعاع نور القلب وتصفت عنولما بلغ القلب هذا المنزل من االتصال بالروح واالستشراق من نوره ّ
التقرب إليه ،وإرادة الوصول إلى مقامه ال لجذبه إلى نفسه وقضاء
كدوراتها عشقته لالستنارة بنوره ،والتش ّكل بهيئته ،و ّ
وطرها منه باستخدامها إياه في تحصيل اللذات الطبيعية واستنزالها إياه عن مقامه ومرتبته إلى مرتبتها ليتشكل بهيئتها
أمارة فتتأثر قواها حينئذ حتى القوى الطبيعية بتأثرها ،وذلك معنى
ويشاركها في أفعالها ولذاتها ،كما كانت عند كونها ّ
قول نسوة المدينة:
كيدهن
ّ أحب إلي مما يدعونني إليه} وإنما قال{ :مما يدعونني إليه} ،ودعا رّبه أن يصرف عنه رب السجن {قال ّ
ّ ّ
ألن في طباعها الميل إلى الجهة السفلية وجذب
إليهن وأكن من الجاهلين} ّ
ّ كيدهن أصب
ّ صرف عني بقوله{ :وإال تَ ْ
يمدها في
وتنورها بنوره وطاعتها له أمر عارضي ال يدوم والقلب ّ
القلب إليها وداعية استنزاله إليها بحيث ال يزول أبداًّ ،
أعمالها دائماً فإنه ذو طبيعتين وذو وجهين ينزع بإحداهما إلى الروح وباألخرى إلى النفس ،ويقبل بوجه إلى هذه وبوجه
إلى هذه ،فال شيء أقرب إلي ه من الصبوة إليها بجهالته لو لم يعصمه هللا بتغليب الجهة العليا وإمداده بأنوار المأل
""اللهم ّثبت قلبي على دينك" ،قيل له :أو تقول ذلك وأنت نبي يوحى إليك؟ قال
ّ األعلى كما قال النبي عليه السالم:
ّ
إن مثل القلب كمثل ريشة في فالة تقلبها الرياح كيف شاءت"" .وذلك الدعاء هوصلى هللا عليه وسلم" :وما يؤمنني ّ
صورة افتقار القلب الواجب عليه أبداً .
{ثم بدا لهم من بعد ما أروا اآليات ليسجننه} أي :ظهر لعزيز الروح ونسوة النفس والقوى وأعوان الروح من العقل
والفكر وغيرهما رأي متفق عليه من جميعها وهو ليسجننه ،أي :ليتركنه في الخلوة التي هي أحب إليه .أما الروح
فلقهره إياه بنور الشهود ومنعه عن تصرفاته وصفاته ،وأما النفس وسائر القوى فالمتناعها عن استجذابه إليها من
بعدما أروا آيات العصمة وصدق العزيمة وعدم الميل إليها وبهره عليها بنوره وإخالصه في االفتقار إلى هللا وإال لما
التعود بالحق .وأما العقل
خلته وشأنه في الخلوة ،وأما الوهم فالنهزامه عن نوره وف ارره من ظله عند التصلب في الدين و ّ
فلتنوره بنور الهداية ،وأما الفكر فلحصول سلطانه في الخلوة ،والفتيان اللذان دخال معه السجن أحدهما ّقوة المحبة
ّ
الروحية الالزمة له وهو شرابي الملك الذي يسقيه خمر العشق كما قيل في القصة :إنه كان شرابيه ،والثاني :هوى
ّ
فإن الهوى حياة النفس الفائضة إليها منه الستبقائها وهو ّ
خباز الملك الذي يدبر النفس التي ال تفارقه أيضاً بحالّ ،
األقوات في المدينة كما قيل وهما يالزمانه في الخلوة دون غيرهما .ومنام الشرابي في قوله{ :إني أراني أعصر خم اًر}
ّ
الخباز في
اهتداء قوة المحبة إلى عصر خمر العشق من كرم معرفة القلب في نوم الغفلة عن الشهود الحقيقي ومنام ّ
قوله{ :إني أراني أحمل فوق رأسي خب اًز تأكل الطير منه} توجه الهوى بكليته إلى تحصيل لذات طير القوى النفسانية
وشبهت بالطير في جذب ما تجذبه من الحظوظ لسرعة حركتها نحوه.
وحظوظها وشهواتهاّ ،
ام تُ ْرَزَق ِان ِه ِإالَّ َنَّبأْتُ ُك َما ِبتَأ ِْويلِ ِه َقْب َل أَن َيأِْت ُ
يك َما ٰذلِ ُك َما ِم َّما َعَّل َمِني َرّبِي ِإِّني تَ َرْك ُت ِمَّل َة َق ْو ٍم الَّ ُي ْؤ ِمُنو َن ط َع ٌ ال الَ َيأِْت ُ
يك َما َ َق َ
اَّللِ ِمن َشي ٍء ٰذلِ َك ك ِب َّان َلَنآ أَن ُّن ْش ِر َ وب َما َك َاق َوَي ْعُق َ يم َوإِ ْس َح َ
ِ َّ ِ ِ ِ َّ ِ ن ِ ِِ
اَّلل َو ُه ْم باآلخ َرة ُه ْم َكاف ُرو َ * َواتَب ْع ُت مل َة َآبآئـي إ ْب َراه َ
ِب َّ ِ
ْ
اب ُّمتََّفِّرُقو َن َخ ْيٌر أَ ِم َّ
َّللاُ
ِ
الس ْج ِن َءأ َْرَب ٌ
اس الَ ي ْش ُكرو َن * ي ِ
ٰصاحَب ِي ّ الن ِ َ ُ اس َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثَ َر َّ الن َِّللاِ َعَل ْيَنا َو َعَلى َّ
ض ِل َّ من َف ْ
ِ
َ
وقوله{ :ال يأتيكما طعام ترزقانه} الخ ،إشارة إلى منعه إياهما عن حظوظهما إال بعد تبيينه لهما ما يؤول إليه أمرهما
من شأنهما الذي يجب لهما القيام به بالسياسة والتسديد والتقويم واإلصالح وإظهار التوحيد لهما بقوله{ :إني تركت}
الهم، إلى آخره ،بعثه إياهما على القيام باألمر اإللهي الضروري وترك الفضول واالمتناع عن ّ ق
تفر الوجهة وتشتت ّ ّ
فإن خاصية الهوى التفرقة والتوزع وتعبد الشهوات المختلفة للقوى المتنازعة ،وخاصية المحبة في البداية وقبل الوصول ّ
إلى النهاية التعلق بحسن الصفات والتعبد لها دون جمال الذات ،فدعاهما إلى التوحيد بقوله{ :إني تَ َركت مّلة قو ٍم ال
ِ
باآلخرِة} أي :وهم عن يؤمنون باهلل} أي :المشركين ،العابدين ألوثان صفات النفس بل لوجود القلب وصفاته {وهم
البقاء في العالم الروحاني محجوبون ،وبقوله{ :ما كان لنا أن نشرك باهلل من شيء}.
ِِ ِ
آء وبقوله{ :أأرباب متفرقون ٌ
خير أم هللا الواحد القهار} أي :إذا كان لكل منكما أرباب كثيرة كما قال تعالى{ :فيه ُش َرَك ُ
ِ
إما للمحبة فكالصفاتُمتَ َشاك ُسون} [الزمر ،اآلية ]29 :يأمره هذا بأمر وهذا بأمر متمانعون في ذلك ،عاجزون ّ
واألسماء ،وإما للهوى فكالقوى النفسانية كان خي اًر له أم رب واحد ال يأمره إال بأمر واحد ،كما قال{ :ومآ أَمرنآ ِإالَّ
َ َ ْ َُ ّ
قوي ،يقهر كل أحد ،ال يمانعه في أمره شيء ،وال يمتنع عليه .وأجبرهما بالسياسة ِ
َواح َدة} [القمر ،اآلية ،]50 :قهارّ ،
فإن القلب إذا غلبت عليه الوحدة امتنعت محبته عن حب الصفات وانصرفت إلى الذات ،وإذا
على اتحاد الوجهةّ ،
التفرق في تحصيل اللذات واقتصر على الحقوق
تمرن في التوحيد انقمع هواه عن تعبد الحظوظ والشهوات و ّ
ّ
والضرورات بأمر الحق ال بطاعة الشيطان.
ُّها اْل َمألُ أَ ْفتُوِني ِ ٍ ٍ ِ وَقال اْلملِك ِإِّني أَر ٰى سبع بَقر ٍ
ات ِس َم ٍ
ض ٍر َوأ َ
ُخ َر َياب َسات ٰيأَي َ اف َو َس ْب َع ُس ْنُبالَت ُخ ْ ْكُل ُه َّن َس ْب ٌع ع َج ٌ
ان َيأ ُ َ ََْ َ َ َ َ َ ُ
ال اَّل ِذي َن َجا ِم ْن ُه َما
ين * َوَق َ
ِِ
َحالَ ِم ِب َعالم َ ِ
َحالَ ٍم َو َما َن ْح ُن ِبتَأ ِْويل األ ْاث أ ْ اي ِإن ُكنتُ ْم لِ ُّلرْءَيا تَ ْعُب ُرو َن * َقاُلوْا أ ْ
َض َغ ُ في ُرْؤَي َ
ِ
ِ ات ِس َم ٍالص ِديق أَ ْفِتنا ِفي سب ِع بَقر ٍ ِ ِ ِ ِ ِِ ِ ِ و َّاد َكر بعد أ َّ ٍ
اف ْكُل ُه َّن َس ْب ٌع ع َج ٌ
ان َيأ ُ َْ َ َ ُّها ّ ّ ُ َ ف أَي َ ُمة أََن ْا أَُنّبُئ ُك ْم بتَأْويله َفأ َْرسُلون * ُي ُ
وس ُ َ َ ََْ
صدتُّ ْم ِِ الن ِ َّ ال ٍت خض ٍر وأُخر ياِبس ٍ
ات َّل َعِّلي أ َْرِج ُع ِإَلى َّ
ال تَ ْزَرُعو َن َس ْب ُع سن َ
ين َدأَباً َف َما َح َ اس َل َعل ُه ْم َي ْعَل ُمو َن * َق َ ُس ُنب َ ُ ْ َ َ َ َ َ َو َس ْب ِع
صُنو َنْكْلن ما َقَّدمتُم َله َّن ِإالَّ َقلِيالً ِم َّما تُح ِ
ّ ْ
ِ ِ ِٰ ِ ِ
ْكُلو َن * ثُ َّم َيأْتي من َب ْعد ذل َك َس ْب ٌع ش َد ٌاد َيأ ُ َ َ ْ ْ ُ ِفي ُس ُنبلِ ِه ِإالَّ َقلِيالً ِّم َّما تَأ ُ َف َذ ُروهُ
لمسمى
والملك الذي قال{ ،إني أرى} قيل :هو ريان بن الوليد الذي َملك قطفير على مصر ووالّه عليها ال العزيز ا ّ
قطفير ،وإن كان العزيز بلسان العرب هو الملك فعلى هذا يكون الملك إشارة إلى العقل الفعال ملك ملوك األرواح
النبوة إال بواسطة نفخه ووحيه
التام الذي هو بداية ّالمسمى روح القدس ،فإن هللا تعالى ال يحيي أهل الوالية عند الفناء ّ
ّ
وباالتصال به تظهر التفاصيل في عين الجمع ولهذا قالوا لما دخل عليه كلمه بالعبرانية فأجابه بها وكان عارفاً
اث أحالمٍ} هي القوى الشريفة من العقل والفكر
{أضغ ُ
َ بسبعين لساناً فكلمه بها ،فتكلم معه بكلها والمأل الذين قالوا:
يعدون
سر الرياضة والتبديل ،كما ترى المحجوبين بها الواقفين معها ّ المحجوب بالوهم والوهم نفسه المحجوبة عن ّ
أحوال أهل الرياضات من الخرافات ورسول المحبة الذي ّادكر بعد أمة إنما يذكر بواسطة ظهور ملك روح القدس
وإيحائه وإراءته تفاصيل وجوده بالرجوع إلى الكثرة بعد الوحدة وإال لكان فيه حالة الفناء ذاهباً في عين الجمع ال يرى
فيها وجود القلب وال غيره ،فكيف يذكره إنما ّيدكره بظهوره بنور الحق بعد عدمه.
والعام الذي {فيه يغاث الناس وفيه يعصرون} هو وقت تمتيعه للنفس عند االطمئنان التام واألمن الكلي .وقول نسوة
القوى {حاش هلل ما علمنا عليه من سوء}.
تنور النفس والقوى بنور الحق واتصافها بصفة اإلنصافوقول امرأة العزيز{ :اآلن حصحص الحق} إشارة إلى ّ
والصدق وحصول ملكة العدالة بنور الوحدة وظهور المحبة حال الفرق بعد الجمع وكمال طمأنينة النفس إلقرارها
فإن من كمال اطمئنان النفس اعترافها بالذنب واستغفارها عما فرط منها حالة
بفضيلة القلب وصدقه وذنبها وبراءته ّ
كونها أمارة وتمسكها بالرحمة اإللهية والعصمة الربانية واستخالص الملك إياه لنفسه استخالفه للقلب على الملك بعد
وتوجه بتاجه وختمه بخاتمه وقّلده بسيفه وعزل قطفير ثم توفى
التام ،كما جاء في القصة :أجلسه على سريره ّ
الكمال ّ
المْلك وجعله في يده و تخّلى بعبادة ربه .كل ذلك إشارة إلى مقام خالفة
وزوجه الملك امرأته زليخا واعتزل عن ُ
قطفير ّ
ض} [ص ،اآلية .]26 :وتوفي العزيز إشارة إلى وصول القلب إلى اك َخلِ َيف ًة ِفي األ َْر ِ
الحق كما قال لداودِ{ :إَّنا َج َعْلَن َ
وتزوجه بامرأة العزيز إشارة إلى تمتيع القلب النفس بعد االطمئنان بالحظوظ
مقامه وذهاب الروح في شهوده للوحدةّ .
المتنورة تقوى بالحظوظ على محافظة شرائط االستقامة وتقنين قوانين العدالة واستنباط أصول العلم
ّ فإن النفس الشريفة
والعمل وهما الولدان اللذان جاءا في القصة أنها ولدتهما منه افراثيم وميشا .وروي أنه لما دخل عليها قال لها :أليس
هذا خي اًر مما طلبت؟ فوجدها عذراء وهو إشارة إلى حسن حالها في االطمئنان مع التمتيع ومراعاة العدالة ،وكونها
لتقدسه دائماً وامتناع مباشرته إياها ،فإن مطالبه كلية ال تدرك جزئياتها
أن الروح ال يخالط النفس ّ
عذراء إشارة إلى ّ
بخالف القلب وإنما كانت امرأته لتسلطه عليها ووصول أثر أمره وسلطانه إليها بواسطة القلب ومحكوميتها له في
الحقيقة وسؤال التولية على خزائن األرض ووصف نفسه بالحفظ والعلم هو أن القلب يدرك الجزئيات المادية ويحفظها
دون الروح فيقتضي باستعداده قبول ذلك المعنى من الواهب الذي هو ملك روح القدس وتمكينه في األرض ّ
يتبوأ منها
حيث يشاء استخالفه بالبقاء بعد الفناء عند الوصول إلى مقام التمكين وهو أجر المحسن أي العابد لرّبه في مقام
الشهود لرجوعه إلى التفصيل من عين الجمع {وألجر اآلخرة} أي :الحظ المعنوي بل ّذة شهود الجمال ومطالعة أنوار
آمنوا} اإليمان العيني {وكانوا يتقون} بقية األنائية .
{خير للذين ُ
سبحات الوجه الباقي ٌ
نك ُرو َن * َوَل َّما َج َّه َزُهم ِب َج َه ِازِه ْم َقا َل ا ْئتُوِني ِبأَ ٍخ َّل ُك ْم ِّم ْن أَِب ُ
يك ْم أَالَ وجآء ِإ ْخوة يوسف َفد َخُلوْا عَلي ِه َفعرَفهم وهم َله م ِ
َ ْ ََ ُ ْ َ ُْ ُ ُ َ َ َ َُ ُ ُ َ َ
ِ ِِ ِِ ِ َّ ِ
ين * َفإن ل ْم تَأْتُوِني به َفالَ َكْي َل َل ُك ْم عندي َوالَ تَْق َرُبون * َقاُلوْا َسُن َرِاوُد َع ْن ُه أََباهُ تَ َرْو َن أَّني أُوِفي اْل َكْي َل َوأََن ْا َخ ْي ُر اْل ُم ْن ِزلِ َ
َهلِ ِه ْم َل َعَّل ُه ْم َي ْرِج ُعو َن * َفَل َّما اعُلون * وَق ِِ ِ ِ ِ
اعتَ ُه ْم ِفي ِر َحالِ ِه ْم َل َعَّل ُه ْم َي ْع ِرُف َ
ون َهآ ِإ َذا ْانَقَلُبوْا ِإَل ٰى أ ْ ض َ اج َعُلوْا ِب َ ال لف ْتَيانه ْ َ َ َوإَِّنا َلَف َ
آمُن ُك ْم َعَل ْي ِه ِإالَّ َك َمآ
ظو َن * َقا َل َه ْل َ َخ َانا َن ْكَت ْل َوإَِّنا َل ُه َل َح ِاف ُ ِ ِ
َر َج ُعوا ِإَل ٰى أَِبي ِه ْم َقاُلوْا ٰيأََب َانا ُمن َع مَّنا اْل َكْي ُل َفأ َْرِس ْل َم َعَنآ أ َ
اعتَ ُه ْم ُرَّد ْت ِإَل ْي ِه ْم َقاُلوْا اَّلل خير ح ِافظاً وهو أَرحم َّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ض َاع ُه ْم َو َج ُدوْا ِب َ
ين * َوَل َّما َفتَ ُحوْا َمتَ َ
الراحم َ َ َُ ْ َ ُ أَمنتُ ُك ْم َعَل ٰى أَخيه من َقْب ُل َف َّ ُ َ ْ ٌ َ
ِ َخ َانا وَن ْزَد ُاد َكيل ب ِع ٍ ٰ ِ ِ ِِ ِ
ال َل ْن أ ُْرِسَل ُهير ذل َك َكْي ٌل َيس ٌير * َق َ َْ َ ظ أَ َ اعتَُنا ُرَّد ْت ِإَل ْيَنا َوَنم ُير أ ْ
َهَلَنا َوَن ْحَف ُ ض َٰيأََب َانا َما َن ْبغي َهـٰذه ِب َ
َّللاِ َلتَ ْأتَُّنِني ِب ِه ِإالَّ أَن ُي َحا َ ِ
َم َع ُك ْم َحتَّ ٰى تُ ْؤتُو ِن َم ْوِثقاً ِّم َن َّ
ول َو ِك ٌ
يل َّللاُ َعَل ٰى َما َنُق ُ ط ب ُك ْم َفَل َّمآ آتَ ْوهُ َم ْوِثَق ُه ْم َق َ
ال َّ
ولما رجع إلى مقام التفصيل وجلس على سرير الملك للخالفة .جاءه إخوته القوى الحيوانية بعد طول مفارقته إياهم
في سجن الرياضة والخلوة بمصر الحضرة القدسية واالستغراق في عين الجمع {فدخلوا عليه} متقربين إليه بوسيلة
وأما جهازهم الذي جهزهم به فهو الكيل اليسير من الجزئيات التي يمكنهم إدراكها والعمل بها ،وقال{ :فإن لم تأتوني
به فال كيل لكم} من المعاني الكلية الحاصلة {عندي وال تقربون} لبعد رتبتكم عن رتبتي إال بواسطته .ولما كانت
الحسية وإلقاؤها المعاني
ّ العاقلة العملية إذا لم تفارق مقام العقل المحض إلى مقام الصدر لم يمكنها مرافقة القوى
{ال تدخلوا من باب واحد} أي :ال تسلكوا طريق فضيلة واحدة كالسخاوة مثالً دون الشجاعة أو ال تسيروا على
وصف واحد من أوصاف هللا تعالى فإن حضرة الوحدة هي منشأ جميع الفضائل والذات األحدية مبدأ جميع الصفات،
طرقوا إلى الحضرة الواحدية ،وسيروا على جميعالمتفرقة حتى تتصفوا بالعدالة فتت ّ
ّ فاسلكوا طرق جميع الفضائل
الصفات حتى يكشف لكم عن الذات .وقد ورد في الحديث :إن هللا تعالى يتجلى على أهل المذاهب يوم القيامة في
يتحول إلى صورة أخرى فينكرونه {وما أُغني عنكم من هللا من شيء} أي :ال أدفع عنكم
صورة معتقدهم فيعرفونه ثم ّ
شيئاً إن منعكم توفيقه وحجبكم ببعض الحجب عن كماالتكم فإن العقل ليس إليه إال إفاضة العلم ال إجادة االستعداد
ورفع الحجاب.
اج ًة ِفي َنْف ِ ٍ َّ وَل َّما دخُلوْا ِمن حي ُث أَمرهم أَبوهم َّما َكان ي ْغِني ع ْنهم ِمن َّ ِ ِ
اها َوإَِّن ُه َل ُذو
ض َ وب َق َ س َي ْعُق َ َّللا من َش ْيء ِإال َح َ َ ُْ ّ َ َ ُ ْ َْ ََ ُْ ُ ُ َ ََ
وك َفالَ تَْبتَِئ ْس اس الَ يعَلمون * وَل َّما دخُلوْا عَلى يوسف آوى ِإَلي ِه أَخاه َق ِ ِعْل ٍم ّلِ َما َعَّل ْمَناهُ َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثَ َر َّ
َخ َ ال ِإّني أََن ْا أ ُ
َ ََ َ ٰ ُ ُ َ َ ْ َ ُ َ الن ِ َ ْ ُ َ
َخ ِ
يه ثُ َّم أ ََّذ َن ُم َؤِّذ ٌن أَيَّتُ َها اْل ِع ُير ِإَّن ُك ْم َل َس ِارُقو َن * َقاُلوْا السَقاي َة ِفي رح ِل أ ِِ
َْ ِب َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * َفَل َّما َج َّه َزُه ْم ِب َج َه ِازِه ْم َج َع َل ّ َ
اَّللِ َلَق ْد َعلِ ْمتُ ْم َّما
يم * َقاُلوْا تَ َّ ِِ ِ
ير َوأََن ْا به َزع ٌ اع اْل َملِ ِك َولِ َمن َجآء ِب ِه ِح ْم ُل َب ِع ٍ
َ ص َو َ
ِ ِ ِ
َوأَ ْقَبُلوْا َعَل ْيه ْم َّما َذا تَْفق ُدو َن * َقاُلوْا َنْفق ُد ُ
ِِ ِ ِ ِ ِج ْئَنا لُِنْف ِس َد ِفي األ َْر ِ
آؤهُ َمن ُوج َد في َر ْحله َف ُهَو َج َز ُاؤهُ ين * َقاُلوْا َج َز ُ آؤهُ ِإن ُكنتُ ْم َكاذِب َ
ين * َقاُلوْا َف َما َج َز ُض َو َما ُكَّنا َس ِارِق َ
ان لَِيأ ُ ِ ِ ِ ِ ِ ِٰ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِِ َّ ِ ِ ِٰ
ْخ َذ ف َما َك َ وس َاستَ ْخ َر َج َها من و َعآء أَخيه َكذل َك ك ْدَنا لُي ُ ين * َفَب َدأَ بأ َْوعَيته ْم َقْب َل ِو َعآء أَخيه ثُ َّم ْ َكذل َك َن ْجزِي الظالم َ
ِ ِ ِ ِ َّ ٍ أ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ
آء َوَف ْو َق ُك ّل ذي عْل ٍم َعل ٌ
يم َّللاُ َن ْرَف ُع َد َر َجات َّمن ن َش ُ
آء َّ
َخاهُ في دين اْل َملك إال أَن َي َش َ
َ
{ولما دخلوا} أي :امتثلوا أمر العقل بسلوك طرق جميع الفضائل لم يغن عنهم من جهة هللا {من شيء} أي :لم يدفع
عنهم االحتجاب بحجاب الجالل والحرمان عن لذة الوصال ألن العقل ال يهتدي إال إلى الفطرة وال يهدي إال إلى
التنور بنور الجمال ،والتلذذ بلذة الشوق بطلب الوصال ،وذوق العشق بكمال الجالل والجمال ،بل جالل
المعرفة .وأما ّ
الجمال وجمال الجالل فأمر ال يتيسر إال بنور الهداية الحقانية {إال حاجة في نفس يعقوب} هي تكميلهم بالفضيلة
{ولكن أكثر الناس ال يعلمون} ذلك فيحسبون الكمال ما عند العقل
ّ {وإنه لذو علم} لتعليم هللا إياه ال ذو عيان وشهود
التجرد {جعل السقاية في
ّ من العلم أو ناس الحواس ال يعلمون علم العقل الكلي {آوى إليه أخاه} للتناسب بينهما في
رحل أخيه} مشربته التي يكيل بها على الناس ،أي :قوة إدراكه للعلوم ليستفيد بها علوم الشرائع ويستنبط قوانين
التجرد عن مالبس الوهم والخيال كما تقوى النظرية وهي
ّ العدالة ،فإن العاقلة العملية تقوى على إدراك المعقوالت عند
القوة المدبرة ألمر المعاش المشوبة بالوهم في أول الحال.
لتعوده بإدراك الجزئيات في محل الوهم من المعاني المتعلقة بالمواد وبعده عن إدراك الكليات ،فلماونسبته إلى السرقة ّ
بالتجرد فكأنه قد سرق ولم يسرق .والمؤذن الذي نسبهم إلى
ّ تقوى عليها باآلوي إلى أخيه واستفادته منه تلك القوة
ّ
السرقة هو الوهم لوجدان الموهم تغير حال الجميع عما كانت عليه ،وعدم مطاوعتها له وتوهمه لذلك نقصاً فيهم.
َعَل ُم ِب َما ِ ِِ َخ َّله ِمن َقبل َفأَسَّرها يوس ِ
َّللاُ أ ْ
ال أ َْنتُ ْم َشٌّر َّم َكاناً َو َّ ف في َنْفسه َوَل ْم ُي ْبد َها َل ُه ْم َق َ ُْ َ َ ُ ُ ُ ِق َفَق ْد َس َر َق أ ٌ ُ َقاُلوْا ِإن َي ْسر ْ
صُفون * َقاُلوْا ٰيأَيُّها اْلع ِزيز ِإ َّن َله أَباً شيخاً َكِبي اًر َفخ ْذ أَحدنا م َكانه ِإَّنا نراك ِمن اْلمح ِسِنين * َقال معا َذ َّ ِ
َّللا أَن َّنأ ُ
ْخ َذ َ ََ ُ َ َ َ َ َ ُ ََ َ َ ُ ْ َ ُ َْ َ َ ُ تَ ِ َ
ال َكِب ُيرُه ْم أََل ْم تَ ْعَل ُموْا أ َّ ِ ظالِمو َن * َفَل َّما استَيأ ِ ِ ِ ِ َّ َّ
َخ َذ
اك ْم َق ْد أ َ
َن أََب ُ صوْا َنجّياً َق َ َسوْا م ْن ُه َخَل ُ
ْ ْ ُ ِإال َمن َو َج ْدَنا َمتَ َ
اعَنا ع َندهُ إَّنـآ إذاً ل َ ُ
َّللاُ لِي َو ُهَو َخ ْي ُر
ض َحتَّ ٰى َي ْأ َذ َن لِي أَِبي أ َْو َي ْح ُك َم َّ ف َفَل ْن أ َْب َرَح األ َْر َ
وس َ
ِ َعَل ْي ُكم َّم ْوِثقاً ِم َن َّ ِ ِ
َّللا َومن َقْب ُل َما َفَّرطتُ ْم في ُي ُ ّ ْ
ين * َو ْسَئ ِل ِِ ِ ِ َّ ِِ
يك ْم َفُقوُلوْا ٰيأََب َانا ِإ َّن ْابَن َك َس َر َق َو َما َش ِه ْدَنآ ِإال ِب َما َعل ْمَنا َو َما ُكَّنا لْل َغ ْي ِب َحافظ َ
ين * ْارِج ُعوْا ِإَل ٰى أَِب ُ
اْل َحاكم َ
ِ اْلَقري َة َّالِتي ُكَّنا ِفيها واْل ِعير َّالِتي أَْقبْلنا ِفيها وإَِّنا َل ِ
َّللاُ أَن
يل َع َسى َّ ص ْبٌر َجم ٌ َنف ُس ُك ْم أ َْم اًر َف َ صاد ُقو َن * َق َ
ال َب ْل َسَّوَل ْت َل ُك ْم أ ُ َ ََ َ َ َ َ َْ َْ
يم ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ
يم اْل َحك ُ
َيأْتَيني به ْم َجميعاً إن ُه ُه َو اْل َعل ُ
استعد لهذا المعنى من قبل دون القوى ،فبقوا منكرين
ّ ومعنى{ :قالوا إن يسرق فقد سرق ٌ
أخ له من قبل} أن القلب
لهما ،متهمين إياهما عند أبيهما لتحصيل مطالبهما وطلب لذة وراء ما يطلبونها .وقيل :كان إلبراهيم صلوات هللا عليه
وسالمه منطقة يتوارثها أكابر أوالده ،فورثها من إسحق عمة يوسف لكونها كبرى من أوالده ،وقد حضنته بعد وفاة ّ
أمه
وإسرار يوسف في نفسه كلمته علمه بقصورهم عن إدراك مقامه ونقصانهم عن كماله ،وهي قوله{ :أنتُم شر مكاناً}
والذي اقترح أن يأخذه يوسف القلب مكان أخيه العقل العملي هو الوهم لمداخلته في المعقوالت ،وشوقه إلى الترقي إلى
أفق العقل ،وحكمه فيها ال على ما ينبغي وميلهم إلى سياسته إياهم دون العقل العملي للتناسب الذي بينهم في التعلق
بالمادة ونزوعه إلى تحصيل مآربهم من اللذات البدنية .ولما وجد القلب متاعه من إدراك المعاني المعقولة عند العقل
العملي دون الوهم {قال معاذ هللا أن نأخذ إال من وجدنا متاعنا عنده ّإنا} إن أخذنا الوهم مكانه وآويناه إلينا وألقينا إليه
ما ألقينا إلى أخينا كنا مرتكبين الظلم العظيم لوضعنا الشيء في غير محله .ويأسهم منه شعورهم بعدم تكفيل الوهم
إياهم وتمتيعهم بدواعيه وحكمه -وكبيرهم الذي ذكرهم موثق أبيهم الذي هو االعتقاد اإليماني ،وتفريطهم في يوسف
عند حكومة الوهم هو الفكر ،ولهذا قال المفسرون :هو الذي كان أحسنهم رأياً في يوسف ومنعهم عن قتله .
وقوله{ :فلن أبرح األرض حتى يأذن لي أبي} أي :ال أتحرك إال بحكم العقل دون الوهم إلى أن أموت ،وأمرهم بالرجوع
إلى أبيهم سياسته إياهم بامتثال األوامر العقلية {وما شهدنا إال بما علمنا} أيّ :إنا ال نعلم كون ذلك المتاع عند العاقلة
ألنا ال ندرك إال ما في
العملية إال نقصاً وسرقة لعدم شعورنا به وبكونه كماالً {وما كنا} حافظين للمعنى العقلي العيني ّ
عالم الشهادة ،وكذا أهل قريتنا التي هي مدينة البدن من القوى النباتية {والعير التي أقبلنا فيها} من القوى الحيوانية،
فاسألهم ليخبروك بسرقة ابنك.
الحسية
ّ {قال بل سولت لكم أنفسكم أم اًر} أي :زّينت طبائعكم الجسمانية لكم أمر التلذذ باللذات البدنية والشهوات
جميل} أي :فأمركم صبر جميل في
ٌ {فص ْبٌر
فحسبتموها كماالً ،وتتبع المعقوالت والتزام الشرائع والتآمر بالفضائل نقصاً َ
العمل بالشرائع والفضائل دائماً والوقوف مع حكم الشرع والعقل ،أو صبر جميل على االستمتاع على وجه الشرع
أجمل بكم من اإلباحة واالسترسال بحكم الطبيعة ،أو فأمري صبر جميل في بقاء يوسف القلب وإخوته على استشراق
األنوار القدسية واستنزال األحكام الشرعية واستخراج قواعدها التي ال مدخل لي فيها ،فال ّبد لي من فراقهم إلى أوان
فإن العقل كما يقتضي طلب الكمال
فراغهم إلى رعاية مصالح الجانبين والوفاء بكال األمرين ،أي :المعاش والمعادّ ،
{وتولى عنهم} أي :أعرض عن جانبهم وُذ ِه َل عن حالهم ،لحنينه إلى يوسف القلب وانجذابه إلى جهته.
الجب وكالل قوة بصيرته لفرط التأسف على فراقه ثم بترقيه عن
ّ عيناه ِمن الحزن} أوالً بوقوعه في غياهب
يضت َ {و ْاب َّ
طوره وفنائه في التوحيد وتخلفه عنه وعدم إدراكه لمقامه وكماله ،فبقي بصره حسي اًر غير بصير بحال يوسف {وهو
شدة حنينه ونزوعه وانجذابه إلى جهة القلب في تلك كظيم} مملوء من فراقه .وقولهم{ :تفتؤ تذكر يوسف} إشارة إلى ّ
التجرد والميل إلى العالم العلوي .وقوله{ :وأعلم من هللا ما ال تعلمون} إشارة إلى
ّ الحالة دونهم لشدة المناسبة بينهما في
علم العقل برجوع القلب إلى عالم الخلق ووقوفه مع العادة بعد الذهاب إلى الجهة الحقانية وانخالعه عن حكم العادة
ف لنا الكيل} استعطافهم إياه بطلب الحظوظ .وقوله{ :هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه} إشارة إلى تنزل وقولهم{ :فأو ِ
ْ
القلب إلى مقامهم في محل الصدر ليعرفوه فيتذكروا حالهم في البداية وما فعلوا به في زمان الجهل والغواية .وقولهم:
{أئنك ألنت يوسف} تعجب منهم عن حاله بتلك الهيئة النورانية واألبهة السلطانية وبعدها عن حال بدايته .وقوله{ :قد
من هللا علينا} إلى آخره ،إشارة إلى عّلة ذلك وسبب كماله .وقولهم{ :تاهلل لقد آثرك هللا علينا} إشارة تهدي القوي عند ّ
االستقامة إلى كماله ونقصها .وقوله{ :ال تَ ْث ِر َ
يب عليكم اليوم} لكونها مجبولة على أفعالها الطبيعية .وقوله{ :يغفر هللا
التنور بنور الفضيلة والتَأمر بأمره عند الكمال.
لكم} إشارة إلى براءتها من الذنب عند ّ
وه ْم ِإِّني صي اًر وأْتُوِني ِبأَهلِ ُكم أَجم ِعين * وَل َّما َف ِ ِ ْت ب ِ ِ ِ ِ ِ
ال أَُب ُصَلت اْلع ُير َق َ َ َ ْ ْ َْ َ َ ا ْذ َهُبوْا ِبَقميصي َهـٰ َذا َفأَْلُقوهُ َعَل ٰى َو ْجه أَِبي َيأ َ
آء اْلَب ِش ُير أَْلَقاهُ َعَل ٰى َو ْج ِه ِه َف ْارتََّد ِ
ضالَل َك اْلَقدي ِم * َفَل َّمآ أَن َج َ
ِ ِ ألَ ِجد ِريح يوسف َلوالَ أَن تَفِندو ِن * َقاُلوْا ت َّ ِ
اَّلل ِإَّن َك َلفي َ َ ُ ُّ ُ َ ُ ُ َ ْ
ِِ ِ صي اًر َقال أََلم أَُقل َّل ُكم ِإِني أَعَلم ِمن َّ ِ بِ
ف
ال َس ْو َ ين * َق َ وبَنآ ِإَّنا ُكَّنا َخاطئ َ َّللا َما الَ تَ ْعَل ُمو َن * َقاُلوْا ٰيأََب َانا ْ
استَ ْغف ْر َلَنا ُذُن َ َ ْ ْ ْ ّ ْ ُ َ َ
ِ ِ
يم
الرح ُ َستَ ْغف ُر َل ُك ْم َرّبِي ِإَّن ُه ُه َو اْل َغُف ُ
ور َّ أْ
وقوله{ :ألم أُق ْل لكم إني أعلم من هللا ما ال تعلمون} إشارة إلى سابق علمه برجوع القلب إلى مقام العقل .واستغفاره
لهم :تقريره إياهم على حكم الفضائل العقلية باالستقامة بعد صفائهم وذكائهم وقبولهم للهيئات النورانية بعد خلع
الظلمانية .
ش َو َخُّروْا َل ُه ين * وَرَف َع أََبوْي ِه َعَلى اْل َع ْر ِ وَقال ْادخُلوْا ِمصر ِإن َشآء َّ ِ ِ
َّللاُ آمن َ ف َآو ٰى ِإَل ْي ِه أََب َوْي ِه وس َ
َ َ َ َْ َ َ ُ َفَل َّما َد َخُلوْا َعَل ٰى ُي ُ
آء ِب ُك ْم ِّم َن َخ َر َجِني ِم َن ِّ ِ َح َس َن َبي ِإ ْذ أ ْ اي ِمن ِ
ال ٰيأََبت َهـٰ َذا تَأ ِْو ُ
الس ْجن َو َج َ َقْب ُل َق ْد َج َعَل َها َرّبِي َحّقاً َوَق ْد أ ْ يل ُرْؤَي َ ُس َّجداً َوَق َ
يم * َر ِّب َق ْد آتَْيتَِني ِم َن ِ ِ يف ّلِ َما َي َش ِ َّ ِ ِ اْلَب ْد ِو ِمن َب ْع ِد أَن َّنز َ
يم اْل َحك ُ آء إن ُه ُهَو اْل َعل ُُ ان َب ْيني َوَب ْي َن ِإ ْخ َوِتي ِإ َّن َرّبِي َلط ٌ طُ غ ال َّش ْي َ
اآلخ َرِة تََوَّفِنى ُم ْسلِماً َوأَْل ِحْقِني
الدُنيا و ِ ِِ ِ الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ يل األ ِ ِ ِ اْلمْل ِك و َعَّلمتَِني ِمن تَأ ِْو ِ
َنت َولّيي في ُّ َ َ ضأ َ َحاديث َفاط َر َّ َ َ َ َ ُ َ ْ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِب َّ ِ ِ
الن ِ
اس َوَل ْو نت َل َد ْي ِه ْم ِإ ْذ أ ْ
َج َم ُعوْا أ َْم َرُه ْم َو ُه ْم َي ْم ُك ُرو َن * َو َمآ أَ ْكثَُر َّ ين * َذل َك م ْن أ َْنَبآء اْل َغ ْيب ُنوحيه ِإَل ْي َك َو َما ُك َ الصالح َ
ودخولهم على يوسف هو وصولهم إلى مقام الصدر حال االستقامة .ودخولهم مصر كون الكل في حضرة الجمعية
اإللهية الواحدية مع تفاضل مراتبهم في عين جمع الوحدة .ورفع أبويه على العرش عبارة عن ارتفاع مرتبتي العقل
{قد جعلها ربي حقاً} أخرجها من القوة إلى الفعل {وقد أحسن بي} بالبقاء بعد الفناء {إذ أخرجني من} سجن الخلوة التي
كنت فيها محجوباً عن شهود الكثرة في عين الوحدة ومطالعة الجمال في صفات الجالل {وجاء بكم من} بدو خارج
مصر الحضرة اإللهية {من بعد أن نزغ} شيطان الوهم {بيني وبين إخوتي} بتحريضه إياهم على إلقائي في قعر بئر
{إن ربي لطيف} يلطف بأحبابه بتوفيقهم للكمال وتدبير أمورهم
الطبيعة ،بانهماكهم وتهالكهم على اللذات البدنية ّ
بحسب مشيئته األزلية وعنايته القديمة {إنه هو العليم} بما في االستعدادات {الحكيم} بترتيب أسباب الكمال وتوفيق
المستعد للوصول إليه.
ّ
المْلك} أي :من توحيد الملك الذي هو توحيد األفعال {وعّلمتني من تأويل األحاديث} أي :معاني
{رب قد آتيتني من ُ
ّ
ِ
المغيبات وما يرجع إليه صورة الغيب ،وهو من باب توحيد الصفات{ .فاطر} سماوات الصفات في مقام القلب وأرض
المْلك وآخرة الملكوت {توفني مسلماً} أفنني عني في
{أنت وليي} بتوحيد الذات في دنيا ُ
توحيد األفعال في مقام النفس َ
حالة كوني منقاداً ألمرك ال طاغياً ببقاء األنية {و ِ
ألحْقني بالصالحين} الثابتين في مقام االستقامة بعد الفناء في
التوحيد.
{وما يؤمن أكثرهم باهلل} اإليمان العلمي {إال وهم ُم ْش ِركون} بإثبات موجود غيره أو اإليمان العيني إال وهم مشركون
باحتجابهم بأنائيتهم {غاشية من عذاب هللا} حجاب يحجب استعدادهم عن قبول الكمال من هيئة راسخة ظلمانية {أو
تأتيهم} القيامة الصغرى {بغت ًة وهم ال يشعرون} بنور الكشف والتوحيد ،فال يرتفع حجابهم فيبقون في االحتجاب أبداً.
{ُق ْل هذه} السبيل التي أسلكها ،وهي سبيل توحيد الذات {سبيلي} المخصوص بي ،ليس عليه إال أنا وحدي {أدعو
إلى} الذات األحدية الموصوفة بكل الصفات في عين الجمع {أنا ومن اتّبعني} في هذه السبيل وكل من يدعو إلى هذه
السبيل فهو من أتباعي ،إذ األنبياء قبلي كلهم كانوا داعين إلى المبدأ والمعاد وإلى الذات الواحدية الموصوفة ببعض
الصفات إال إبراهيم عليه السالم فإنه قطب التوحيد ،ولهذا كان صلى هللا عليه وسلم من أتباعه باعتبار الجمع دون
التفصيل ،إذ ال متمم لتفاصيل الصفات إال هو عليه الصالة والسالم وإال لكان غيره خاتماً السبيل الحق كما ختم ألن
كل أحد ال يمكنه الدعوة إال إلى المقام الذي بلغ إليه من الكمال {وسبحان هللا} أنزهه من أن يكون غيره على سبيله،
بل هو السالك سبيله والداعي إلى ذاته {وما أنا من المشركين} المثبتين للغير في مقام التوحيد الذاتي ،المحتجبين عنه
باألنائية ،بل أنا به ،فإن عنى فهو الداعي إلى سبيله.
ين ِمن ِ َّ ِ َه ِل اْلُق َر ٰى أََفَلم َي ِس ُيروْا ِفي األ َْر ِ وحي ِإَل ْي ِه ْم ِّم ْن
ومآ أَرسْلَنا ِمن َقبلِك ِإالَّ ِرجاالً ُّن ِ
ان َعاقَب ُة الذ َ ف َك َ ظ ُروْا َك ْي َ
ض َفَين ُ ْ أْ َ ْ َ ََ َْ
ص ُرَنا َفُن ِّجي ِ ين اتََّقوْا أََفالَ تَ ْعِقُلو َن َِّ ِ ِ ِ
َ آء ُه ْم َن ْ الرُس ُل َو َ ُّ َّ
ظنوْا أَن ُه ْم َق ْد ُكذُبوْا َج َ َس ُّ استَْيأ َ َّ ِ
* َحت ٰى إ َذا ْ َقْبل ِه ْم َوَل َد ُار اآلخ َرِة َخ ْيٌر ّللذ َ
بقية من الرجولية من أهل قرى الصفات والمقامات ال{وما أرسلنا من قبلك إال رجاالً ُن ْوحي إليهم} أي :من كان فيه ّ
من مصر الذات ،فإن البقاء الحاصل ألهل التمكين ال يكون إال بقدر الفناء .والرجوع إلى الخلق ال يكون إال على
حسب العروج .فالفناء التام والعروج الكامل ال يكون إال للقطب الذي هو صاحب االستعداد الكامل الذي ال رتبة إال
".
{أفلم يسيروا في األرض} أرض استعدادهم {فينظروا كيف كان} نهاية أمر {الذين من قبلهم} وغاية كمالهم ،فيبلغوا
فإن لكل أحد خاصية واستعداده الخاص يقتضي سعادة خاصة
وي َحصلوا كماالتهم بحسب استعداداتهمّ ،
منتهى إقدامهم ُ
هي عاقبته ،ومن االطالع على خواص النفوس وغايات إقدامهم في السير يحصل للنفس هيئة اجتماعية من تلك
األمة المحمدية على حسب اختالف استعداداتهم وهي الدار اآلخرة التي هي خير للذين اتّقوا الكماالت هي كمال ّ
صفات نفوسهم التي هي حجب االستعدادات {أفال تَ ْعِقلون} أن هذا المقام خير مما أنتم عليه من الدار الفانية
الرُسل} أي :ساروا واتّقوا وتراخى فتحهم ونصرهم في الكشوف على كفرة قوى النفس حتى إذا استَيأس ُ
{حتى إذا ْ
الرُسل الذين هم أشراف القوم من بلوغ الكمال {وظنوا أنهم قد} ك ّذبتهم ظنونهم في استعدادهم للكمال أو
استيأس ُ
{فن ّجي من َن َشاء} من أهل العناية من
رجائهم {جاءهم َنصرنا} بالتأييد والتوفيق من إمداد أنوار الملكوت والجبروت ُ
يرد} قهرنا بالحجب والتعذيب {عن القوم المجرمين} بإظهار صفات نفوسهم على قلوبهم الرُسل وأتباعهم {وال ّ
ُ
فيكسبونها الهيئات الغاسقة الحاجبة المؤذية.
{لقد كان في قصصهم عبرة} أي :ما يعبر بها عن ظاهرها إلى باطنها ،كما عبرنا في قصة يوسف عليه السالم
الحسيات {ما كان} هذا القرآن {حديثاً ُيْفترى} من
ّ المجردة عن قشور الوهميات الخالصة عن غشاوات
ّ ألولي العقول
عند النفس {ولكن تصديق الذي} كان ثابتاً قبله في اللوح {وتفصيل كل شيء} أجمل في عالم القضاء وهداية إلى
التوحيد {ورحمة} بالتجليات الصفاتية من وراء أستار آياته {لَِقوم يؤمنون} بالغيب لصفاء االستعداد.
{المر} أي :الذات األحدية ،واسمه العليم ،واسمه األعظم ،ومظهره الذي هو الرحمة التامة على ما أُشير إليه ِ
{تْل َك} ّ
معظمات عالمات كتاب الكل الذي هو الوجود المطلق وآياته الكبرى {و} المعنى {الذي أ ُْن ِزل إليك من رّبك} من العقل
{ولكن أكثر الناس ال يؤمنون}.
ّ الفرقاني ،وهذا الذي ُذ ِكر من درج المعاني في الحروف هو الحق
تحركها من النفوس
تقومها و ّ
{هللا الذي رفع السموات بغير عمد ترونها} أي :بعمد غير مرئية هي ملكوتها التي ّ
اس َتوى} مستعلياً {على
مجردة قائمة بأنفسها {ثم ْ
السماوية أو سموات األرواح بال مادة تعمدها فتقوم هي بها ،بل ّ
{وسخر} شمس الروح بإدراك المعارف الكلية واستشراق األنوار
ّ الع ْرش} بالتأثير والتقويم أو على عرش القلب بالتجلي
َ
العالية وقمر القلب بإدراك ما في العالمين جميعاً ،واالستمداد من فوق ومن تحت ثم قبول تجليات الصفات بالكشف.
ٍ
ألجل مسمى} أي :غاية معينة هي كماله بحسب الفطرة األولى {يدبر األمر} في البداية بتهيئة االستعداد {كل يجري
صل اآليات} في النهاية بترتيب الكماالت والمقامات المترتبة في السلوك على حسب تجليات {يَف ّ
وترتيب المبادئ ُ
األفعال والصفات {لعّلكم بلقاء رّبكم} عند مشاهدات آيات التجليات {توقنون} عين اليقين.
مد} أرض الجسد {وجعل فيها رواسي} العظام وأنهار العروق {ومن كل} ثمرات األخالق والمدركات
{وهو الذي ّ
{جعل فيها زوجين اثنين} أي :صنفين متقابلين كالجود والبخل ،والحياء والقحة ،والفجور والعّفة ،والجبن والشجاعة،
والظلم والعدالة وأمثالها .وكالسواد والبياض ،والحلو والحامض ،والطيب والنتن ،والح اررة والبرودة ،والمالسة والخشونة
وأمثالها{ .يغشى} ليل ظلمة الجسمانيات على نهار الروحانيات كتغشية القوى الروحانية بآالتها والروح بالجسد ّ
{إن في
ذلك آليات لقوم يتفكرون} في صنع هللا وتطابق عالميه األصغر واألكبر.
{وإن تعجب} عن قولهم فهو مكان التعجب ألن اإلنسان في كل ساعة خلق آخر جديد ،بل العالم لحظة فلحظة خلق
بتبدل الهيئات واألحوال واألوضاع والصور ،فكيف ينكر الخلق الجديد من نظر في عالم الكون والفساد بعين
جديد ّ
االعتبار؟ {أولئك الذين} حجبوا عن شهود أفعال الربوبية وتجلياتها ،فكيف عن تجليات الصفات اإللهية؟ {وأولئك
أعَناقهم} فال يقدرون أن يرفعوا رؤوسهم المنتكسة إلى األرض القاصر نظرها إلى ما يدانيها من ّ
الحس األغالل في ْ
اب} نيران جهنم
أص َح ُ
أولئك ْ
الحس من المعقوالت {و َ
فيروا ملكوت األرواح ويشاهدوا عالم القدرة وما يبعد عن منازل ّ
األفعال في قعر هاوية الطبيعة {هم فيها خالدون}.
تلك أسرار خفية ال يعلمها إال {هللا} الذي {يعلم ما تَ ْحمل كل أ ُْنثى} فيعلم ما تحمل أنثى النفس من ولد الكمال ،أي ما
في قوة كل استعداد وما تزيد أرحام االستعداد بالتزكية والتصفية وبركة الصحبة من الكماالت وما تنقص منها
باالنهماك في الشهوات {وكل شيء} من الكماالت {عنده ِب ِمقدار} معين على حسب القابلية أو كل شيء من قوة قبول
مقدر عنده بمقدار في األزل من فيضه األقدس ال يزيد وال ينقص ،أو لكل قوم هاد هو هللا تعالى كما في استعداد ّ
َّللاَ َي ْه ِدي َمن َي َشآء} [القصص ،اآلية ]56 :لعلمه بما في االستعدادات من قوة
َحَب ْب َت َوَلـ ِٰك َّن َّ ِ
قالِ{ :إَّن َك الَ تَ ْهدي َم ْن أ ْ
فيقدر بحسبها كماالتهم. القبول وزيادتها ونقصانها ّ
{ع ِالم} غيب ما في االستعدادات من قوة القبول وشهادة الكماالت الحاضرة الخارجة إلى الفعل {الكبير} الشأن الذي
َ
{المتعال} عن أن ينقطع فيضهيجل عن إعطاء ما يقتضيه بعض االستعدادات بل يسع كلها فيعطيها مقتضياتها ُ
فيتأخر عن حصول االستعداد وينقص مما يقتضيه.
{هو الذي ُيريكم} برق لوامع األنوار القدسية والخطفة اإللهية {خوفاً} أي :خائفين من سرعة انقضائه وبطء رجوعه
{وي ْنشئ} سحاب السكينة {الثَقال} بماء العلم اليقيني والمعرفة الحقة.
ط َمعاً} أي :طامعين في ثباته وسرعة رجوعه ُ
{و َ
يتصور في العقل ممن ترد عليه تلك التجلياتّ يسبح هللا ويمجده عما
{ويسبح} رعد سطوة التجليات الجاللية أي ّ
لوجدانه ما ال يدركه العقل ويحمده حق حمده بالكمال المستفاد من ذلك التجلي حمداً فعلياً فيكون التسبيح للرعد
المنزه عن أن يدرك باإلدراك العقلي {والمالئكة} أي :ملكوت القوى
الموجب لذلك أو السطوة تسبح بنفس التجلي ّ
الروحانية من هيبته وجالله {ويرسل} صواعق السبحات اإللهية بتجلي القهر الحقيقي المتضمن للطف الكلي فيسلب
"إن هلل سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو الوجود عن المتجلى عليه ويفنيه عن بقية نفسه ،كما ورد في الحديثّ :
يب بها من يشاء} من عباده المحبوبين والمحبين كشفها ألحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه"ِ .
{فيص ُ
ُ
العشاق المشتاقين {وهم ُي َج ِادلون في هللا} بالتفكر في صفاته والنظر العقلي في إثباته وما يجب له ويمتنع عليه من
المحال} القوي في رفع الحيل العقلية في اإلدراك وطمس نور بصيرته بالتجلي وإحراقه بنور
ُ شديد
الصفات {وهو ُ
العشق.
ض ُق ِل َّ الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ ِ ِ ِ ِ الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ ِ ِِ
َّللاُ اآلصال * ُق ْل َمن َّر ُّب َّ َ َ َ ط ْوعاً َوَك ْرهاً َوظالُل ُهم باْل ُغ ُدّو َو َ ض َ َوََّّلل َي ْس ُج ُد َمن في َّ َ َ َ
صير أَم هل تَستَ ِوي ُّ ِ
ضّاًر ُق ْل َه ْل َي ْستَ ِوي األ ْ
ِ ِ
آء الَ َي ْمل ُكو َن أل َْنُفس ِه ْم َنْفعاً َوالَ َ ِِ ِ ِ َّ
الظُل َما ُت َع َم ٰى َواْلَب ُ ْ َ ْ ْ ُق ْل أََفات َخ ْذتُ ْم ّمن ُدونه أ َْولَي َ
اح ُد اْلَق َّه ُار * أََن َزَل ِم َن َّللا َخالِق ُك ِل َشي ٍء وهو اْلو ِ ِ ِ ِِ ِ َو ُّ
ُ ّ ْ َ َُ َ آء َخَلُقوْا َك َخْلقه َفتَ َش َاب َه اْل َخْل ُق َعَل ْيه ْم ُقل َّ ُور أ َْم َج َعُلوْا ََّّلل ُش َرَك َ الن ُ
آء ِحْلَي ٍة أ َْو َمتَ ٍ
اع َزَبٌد ِّم ْثُل ُه ِ ن ِ ِ َّ ِ ِ ِ ِ
السْي ُل َزَبداً َّاربياً َوم َّما ُيوق ُدو َ َعَل ْيه في النار ْابت َغ َ آء َف َساَل ْت أ َْوِدَي ٌة ِبَق َد ِرَها َف ْ
احتَ َم َل َّ َّ ِ
الس َمآء َم ً
الناس َفيم ُك ُث ِفي األَر ِ ٰ َّللا اْلح َّق واْلب ِ ٰ
َّللاُ ض َكذلِ َك َي ْ
ض ِر ُب َّ ْ َما َما َي َنف ُع َّ َ َ ْ
آء َوأ َّ اط َل َفأ َّ َّ
َما الزَب ُد َفَي ْذ َه ُب ُجَف ً ض ِر ُب َّ ُ َ َ َ َكذلِ َك َي ْ
ال
األ َْمثَ َ
{وهلل} ينقاد {من في السموات واألرض} من الحقائق الروحانيات كأعيان الجواهر وملكوت األشياء {وظاللهم} أي:
هياكلهم وأجسادهم التي هي أصنام تلك الروحانيات وظاللها ،ولهذا ق أر النبي صلى هللا عليه وسلم في هذه السجدة:
"سجد لك وجهي ،وسوادي ،وخيالي" أي :حقيقة ذاتي وسواد شخصي وخيال نفسي ،أي :وجودي وعيني وشخصي
{بالغدو واآلصال}
ّ {طوعاً وكرهاً} أي :شاؤوا أو أبوا ،والمعنى يلزمهم ذلك اضط ار اًر ،ألن بعضهم طائع وبعضهم كاره
أي :دائماً {قل أفاتَ َخ ْذتُم من ُدوِنه} أي :من كل ما عداه كائناً من كان {أولياء ال يملكون ألنفسهم نفعاً وال ّاً
ضر} إذ
القادر المالك هو هللا ال غير.
ض َج ِميعاً َو ِم ْثَل ُه َم َع ُه الَ ْفتََد ْوْا ِب ِه أ ُْوَلـِٰئ َك َل ُه ْم َن َل ُهم َّما ِفي األ َْر ِ ِ
ين َل ْم َي ْستَج ُيبوْا َل ُه َل ْو أ َّ ْ
َّ ِ
اْل ُح ْسَن ٰى َوالذ َ استَ َج ُابوْا لِ َرّبِ ِه ُم
ين ْ
َِّ ِ
للذ َ
ِك اْل َح ُّق َك َم ْن ُهَو أَ ْع َم ٰى ِإَّن َما َيتَ َذ َّك ُر أ ُْوُلوْا ِ َج َهَّنم َوبِ ْئ َس اْل ِم َه ُاد * أََف َمن َي ْعَلم أََّن َمآ أ ِ سوء اْل ِحس ِ
ُنزَل ِإَل ْي َك من َرّب َ ُ ُ اه ْم
اب َو َمأ َْو ُ َ ُ ُ
صُلون مآ أَمر َّ ِ ِ َّللاِ والَ ي ُنقضو َن اْل ِميثَاق * و َّال ِذين ي ِ ِ َّ ِ األَْلب ِ
وص َل َوَي ْخ َش ْو َن َرب ُ
َّه ْم َّللاُ به أَن ُي َ َ َ ََ َ َ َ َ ين ُيوُفو َن ِب َع ْهد َّ َ َ ُاب * الذ َ َ
اه ْم ِسّاًر َو َعالَِنَي ًة َوَي ْد َرءو َن ِ اب * و َّال ِذين صبروْا ابِتغاء وج ِه رب ِِهم وأََقاموْا َّ ٰالحس ِِ ن
ُ الصلوةَ َوأ َْنَفُقوْا م َّما َرَزْقَن ُ َ َ َ َُ ْ َ َ َ ْ َ ّ ْ َ ُ وء َ َوَي َخا ُفو َ ُس َ
ِباْل َح َسَن ِة َّ
السِّيَئ َة أ ُْوَلـِٰئ َك َل ُه ْم ُعْقَب ٰى َّ
الد ِار
{الح ْسنى} أي :المثوبة الحسنى وهو الكمال استَ َجابوا لرّبهم} بتصفية االستعداد عن كدورات صفات النفس ُ {للذين ْ
ور َعَل ٰى ُنور} [النور ،اآلية{ ،]35 :والذين لم َي ْستَجيبوا} لم الفائض عليهم عند الصفاء المعبر عنه بقوله تعالىُّ :
{ن ٌ
يتزكوا عن الرذائل البشرية والكدورات الطبيعية ال يمكنهم االفتداء بكل ما في الجهة السفلية من األموال واألسباب التي
انجذبوا إليها بالمحبة فأهلكوا نفوسهم ،ألن تلك سبب زيادة البعد والهالك ،فكيف تكون سبباً لخالصهم عن تلك
الظلمات وتبرئهم عنها؟ ،ال ينفعهم عند رسوخ هيئات التعلق بها في أنفسهم {أولئك لهم سوء ِ
الحساب} لوقوفهم مع ُ
األفعال في مقام النفس الذي هو مقام العدل اإللهي ،فال بد لهم من المناقشة في الحساب {ومأواهم جهنم} صفات
صَبروا} في سلوك سبيله عن المألوفات طلباً لرضاه واشتغلوا بالتزكية بالعبادات المالية والبدنية ويدفعون الذين َ
{و َ
ئك لهم ُعْقبى الدار} بالرجوع إلى الفطرة أو صبروا عن صفات نفوسهم {ابتغاء وجه رّبهم}، بالفضيلة رذيلة النفس {أوَل َ
أي :لمحبة الذات ال لمحبة الصفات ،وأقاموا صالة المشاهدة {وأنفقوا مما رزقناهم} من المقامات واألحوال والكشوف
{سر} بالتجريد عن هيئاتها وهيئات الركون إليها والمحبة إياها{ ،وعالنية} بتركها وعدم االلتفات إليها،
واألعمال ّاً
{ويدرؤون بالحسنة} الحاصلة من تجلي الصفة اإللهية {السيئة} التي هي صفة النفس {أولئك لهم عقبى الدار} أي:
البقاء بعد الفناء.
وجنة األفعال عدن} أي :ثالثتها ،يدخلون جنة الذات مع من صلح من آباء األرواحّ ،
وجنة الصفات بالقلوبّ ، {جنات ٍ
ّ
بمن صلح من أزواج النفوس وذرّيات القوى {والمالئكة} من أهل الجبروت والملكوت {يدخلون عليهم من كل باب} من
أبواب الصفات مسلمين محيين إياهم بتحايا اإلشراقات النورية واإلمدادات القدسية كل ذلك بسبب صبرهم على اللذات
يضل من يشاء} أي :ليس الهداية والضالل باآليات فإن في كل شيء آية ،وكفى باآليات المنزلة ّ إن هللا
الحسية {قل ّ
ّ
{يضل من يشاء} لعدم االستعداد أو لحجبهم
ّ على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وإنما هما بالمشيئة اإللهية،
بالغواشي الظلمانية {ويهدي إليه من أناب} بتصفية االستعداد من المحبين .وكما أن أهل الضالل فريقان :عديم
ومحبون
ّ االستعداد وحاجبه بظلمة البشرية ،فكذلك أهل الهداية قسمان :محبوبون يهتدون بغير اإلنابة لقوة االستعداد
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
يب} [الشورى ،اآلية.]13 : آء َوَي ْهدي ِإَل ْيه َمن ُين ُ
{ي ْجتَبي إَل ْيه َمن َي َش ُ
يهديهم هللا بعد اإلنابة ،كما قال تعالىَ :
قائم على كل نفس بما َكسبت} أي :يقوم عليها بإيجاد كل ما ينسب إليها من مكاسبها ،قيوم لها {أفمن هو ٌ
وبمكس وباتها ،وإنما سمي مكسوبها وإن كان بخلق هللا تعالى ألنه إنما أظهره عليها الستعداد فيها يناسبه به قبلته من
هللا تعالى ،فمن جهة قبول المحل وصالحيته لمظهريته ومحليته ينسب إلى كسبها مع قيام الحق تعالى :بإيجاده ألنها
اقتضته ،أو قائم عليها بحسب كسبها وبمقتضاه أي كما يقتضي مكسوباتها من الصفات واألحوال التي تعرض
الستعدادها يفيض عليها من الجزاء الذي هو الهيئات الكمالية النورانية المثيبة إياها ،أو الهيئات الكدرة الظلمانية
المع ّذبة إياها.
مقدر أو مفروض في ذلك الوقت على الخلق ،فالشرائع معينة عند هللا بحسب {لكل ٍ
أجل كتاب} لكل وقت أمر مكتوب ّ
األوقات في كل وقت يأتي بما هو صالح ذلك الوقت رسول من عنده وكذا جميع الحوادث من اآليات وغيرها{ .وما
وتبدل
كان لرسول أن يأتي} بشيء منها إال بإذنه في وقته ألنها معينة بإزاء األوقات التي تحدث فيها من غير تغير ّ
وتقدم وتأخر {يمحو هللا ما ي شاء} عن األلواح الجزئية التي هي النفوس السماوية من النقوش الثابتة فيها فيعدم عن
ّ
{ويثبت} ما يشاء فيها فيوجد{ .وعنده ّأم الكتاب} أي :لوح القضاء السابق الذي هو عقل الكل المنتقش المواد ويفنى ُ
المنزه عن المحو واإلثبات ،فإن األلواح أربعة :لوح القضاء السابق
الكلي ّ بكل ما كان ويكون أزالً وأبداً على الوجه
ّ
العالي عن المحو واإلثبات وهو لوح العقل األول .ولوح القدر أي :لوح النفس الناطقة الكلية التي يفصل فيها كليات
اللوح األول ويتعلق بأسبابها وهو المسمى بـ :اللوح المحفوظ .ولوح النفوس الجزئية السماوية التي ينتقش فيها كل ما
في هذا العالم بشكله وهيأته ومقداره وهو المسمى بالسماء الدنيا وهو بمثابة خيال العالم كما أن األول بمثابة روحه
والثاني بمثابة قلبه .ثم لوح الهيولى القابل للصور في عالم الشهادة وهللا أعلم .
{الر كتاب أنزلناه إليك لتُ ْخ ِرج الناس} من ظلمات الكثرة إلى نور الوحدة ،أو من ظلمات صفات النشأة إلى نور
الفطرة ،أو من ظلمات حجب األفعال والصفات إلى نور الذات {بإذن رّبهم} بتيسيره بإبداع ذلك النور فيهم بهيئة
الحسية على العقلية والصورية على المعنوية لوصفه الضالل بالبعد وكون عالم ّ
الحس ّ {الذين} يؤثرون {الحياة الدنيا}
في أبعد المراتب عن هللا تعالى.
شكور} أي :لكل مؤمن باإليمان الغيبي إذ الصبر والشكر مقامان للسالك قبل الوصولذلك آليات لكل صبار ُ {إن في َ ّ
حال العقد اإليماني والسير في األفعال لتحصيل رتبة التوكل ،وحينئذ آياته التي يعتبر بها ويستمدها يتمسك بها
ويعتمدها في سلوكه هي األفعال ،فكلما رأى نعمة أو سمع بها أو وصلت إليه من هداية وغيرها شكره باللسان وبالقلب
بتصوره من عند هللا ،وبالجوارح بحسن التلقي والقبول والطاعة والعمل بمقتضاها على ما ينبغي ،وكلما رأى أو سمع
بالء أو نزل به صبر بحفظ اللسان عن الجزع .وقولِ{ :إَّنا ََّّللِ َوِإَّنـآ ِإَل ْي ِه َار ِجعو َن} [البقرة ،اآلية ]156 :وربط القلب
وتصور أن له فيه خير أو مصلحة وإال لما ابتاله هللا به ومنع الجوارح عن االضطراب. ّ
شك} مع وضوحه ،أي :كيف تشكون فميا ندعوكم إليه وهو الذي ال مجال للشك فيه لغاية ظهوره وإنما
{أفي هللا ّ
تشكون فيه عند جلية
{يد ُعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم} ليستر بنوره ظلمات حجب صفاتكم فال ّ
يوضح ما يوضح بهْ .
اليقين {ويؤخركم إلى} غاية يقتضيها استعدادكم من السعادة إذ كل شخص عين له بحسب استعداده األول كمال هو
أجله المعنوي كما أن لكل أحد بحسب مزاجه األول غاية من العمر هي أجله الطبيعي ،وكما أن اآلجال االخترامية
المسماة بسبب من األسباب فكذلك اآلفات والموانع التي هي حجب االستعداد
ّ تقطع العمر دون الوصول إلى الغاية
وتنور بنوره ،فأسلم وأطاع وصار محقاً عالماً بأن الحجة هلل
{وقال الشيطان} ظهر سلطان الحق على شيطان الوهم ّ
في دعوته للخلق إلى الحق ال له ،ودعوته إلى الباطل بتسويل الحطام وتزيين الحياة الدنيا عليهم واهية فارغة عن
أقر بأن وعده تعالى بالبقاء بعد خراب البدن والثواب والعقاب عند البعث حق قد وفى به .ووعدي بأن ليس
الحجة ،و ّ
إال الحياة الدنيا باطل اختلقته ،فاستحقاق اللوم ليس إال لمن قبل الدعوة الخالية عن الحجة فاستجاب لها وأعرض عن
ولو ُموا أنفسكم}.
الدعوة المقرونة بالبرهان فلم يستجب لها {فال تلوموني ُ
طِيب ًة َكشجرٍة َ ِ ٍ
الس َم ِآء * تُ ْؤِتي أ ُ
ُكَل َها ُك َّل ِح ٍ
ين ِبِإ ْذ ِن َصُل َها ثَاِب ٌت َوَف ْرُع َها ِفي َّطّيَبة أ ْ
ِ
َّللاُ َمثَالً َكل َم ًة َ ّ َ َ َ
ض َر َب َّ ف َ أََل ْم تَ َر َك ْي َ
ض َما َل َها ِمن اجتُثَّ ْت ِمن َف ْو ِق األ َْر ِ ٍ ٍ اس َلعَّلهم يت َذ َّكرون * وم ِ ٍ
ثل َكل َمة َخِبيثَة َك َش َج َرٍة َخِبيثَة ْ
ََ ُ ال لِ َّلن ِ َ ُ ْ َ َ ُ َ ض ِر ُب َّ
َّللاُ األ َْمثَ َ ِها َوَي ْ
َرّب َ
ض ُّل َّ َّ ِ ِ اآلخرِة وي ِ الد ْنيا وِفي ِ ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ َقر ٍار * يثَِبت َّ َّ ِ
آء
َّللاُ َما َي َش ُ
ين َوَيْف َع ُل َّ
َّللاُ الظالم َ َ َُ آمُنوْا باْلَق ْول الثابت في اْل َحَياة ُّ َ َين َ َّللاُ الذ َ ُُّ َ
{بدلوا ِن ْع َمة هللا} التي أنعم بها عليهم في األزل من الهداية األصلية والنور االستعدادي الذي هو بضاعة النجاة ُ
{كْف اًر} ّ
ِح ْت ِتّ َج َارتُ ُه ْم َو َما َك ُانوْا ُم ْهتَِدين} [البقرة ،اآلية:
الضالََل َة ِباْل ُه َد ٰى َف َما َرب َ
{اشتَ ُروْا َّ
أي :احتجاباً وضاللة ،كما قال تعالىْ :
]16أضاعوا النور الباقي واستبدلوا به اللذة الحسية الفانية ،فبقوا في الظلمة الدائمة {وأحلوا قومهم} من في قوى
نفوسهم أو من اقتدى بطريقتهم وتأسى بهم وتابعهم في ذلك {دار البوار}.
ِي ِفي ِ َّ السمآ ِء مآء َفأ ْ ِ ِ ِ َّ ِ الس ٰم ٰو ِت واألَرض وأ َ ِ َّ َّ ِ
َخ َرَج به م َن الث َم َرات ِرْزقاً ل ُك ْم َو َس َّخ َر َل ُك ُم اْلُفْل َك لتَ ْجر َ َنزَل م َن َّ َ َ ً َّللاُ الذي َخَل َق َّ َ َ َ ْ َ َ
اكم ِّمن ُك ِّل َما يل َو َّ َّ ِ اْلَب ْح ِر ِبأَم ِِره وس َّخ َر َل ُكم األ َْنه َار * وس َّخر َل ُكم َّ
الن َه َار * َوآتَ ُ ين َو َس َّخ َر َل ُك ُم ال َ
الش ْم َس َواْلَق َم َر َدآئَب َ ُ ََ ُ َ ْ ََ
وم َكَّف ٌار سأَْلتموه وإِن تعُّدوْا ِنعمت َّ ِ
ظُل ٌ
ان َل َ وها ِإ َّن ْ
اإلن َس َ ص ََّللا الَ تُ ْح ُ َْ َ َ ُُ ُ َ َُ
تعدوا ِن ْعمة هللا} من األمور السابقة على وجودكم الفائضة من الحضرة اإللهية ومن الالحقة بكم من امداد التربية
{وإن ّ
{إن اإلنسان لظلوم} بوضع نور
تقرر في الحكمة ّالواصلة عن الحضرة الربوبية {ال تحصوها} لعدم تناهيها كما ّ
حق هللا أو حق نفسه بإبطال االستعداد
االستعداد ومادة البقاء في ظلمة الطبيعة ومحل الفناء وصرفه فيها ،أو بنقص ّ
{كّفار} بتلك ِ
الن َعم التي ال تحصى باستعمالها في غير ما ينبغي أن تستعمل وغفلته عن المنعم عليه بها واحتجابه بها
عنه.
غير ِذي َزْرع} أي :وادي الطبيعة الجسمانية الخالية عن زرع اإلدراك والعلم ٍ
أس َكنت من} ذرّية قواي {بواد َ
{ربنا إني ْ
{فاج َعل أ ْفِئدة} من ناس
المحرم} الذي هو القلب {ربنا ليقيموا} صالة المناجاة والمكاشفة ْ
ّ والمعرفة والفضيلة {عند بيتك
الصالَ ِة َو ِمن ِ ِ اعيل وإِسحاق ِإ َّن ربِي َلس ِميع ُّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
يم َّ اج َعْلني ُمق َ الد َعآء * َر ِّب ْ َّ َ ُ اْل َح ْم ُد ََّّلل الذي َو َه َب لي َعَلى اْلكَب ِر ِإ ْس َم َ َ ْ َ َ
َّللاَ َغ ِافالً َع َّما َي ْع َم ُل ِ ِ ِ ُذ ِريِتي ربََّنا وتََقبَّل ُدع ِآء * ربََّنا ْ ِ ِ
اب * َوالَ تَ ْح َسَب َّن َّ وم اْلح َس ُ ين َي ْوَم َيُق ُاغف ْر لي َولِ َوال َد َّي َولِْل ُم ْؤ ِمن َ َ َّ َ َ ْ َ
ِ وس ِه ْم الَ َي ْرتَُّد ِإَل ْي ِه ْم َ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
آء * ط ْرُف ُه ْم َوأَ ْفئ َدتُ ُه ْم َهَو ٌ
ين مْقنعي ُرء ِ
ُ ص ُار * ُم ْهطع َ ُ ص فيه األ َْب َ الظال ُمو َن ِإَّن َما ُي َؤ ّخ ُرُه ْم لَي ْو ٍم تَ ْش َخ ُ
يب ُّن ِج ْب َد ْعَوتَ َك َوَنتَِّب ِع ُّ َخ ْرَنآ ِإَل ٰى أَج ٍل َق ِر ٍ ظَلموْا ربََّنآ أ ِّ الناس يوم يأِْتي ِهم اْلع َذاب َفيُق َّ ِ ِ
ونوْا الرُس َل أََوَل ْم تَ ُك ُ َ ين َ ُ َ ول الذ َ َوأَنذ ِر َّ َ َ ْ َ َ ُ َ ُ َ ُ
ِ َّ ِ ِ أَ ْقسمتُم ِمن َقبل ما َل ُكم ِمن َزو ٍ
ض َرْبَنا َل ُك ُم ف َف َعْلَنا ِب ِه ْم َو َ َّن َل ُك ْم َك ْي َ َنف َس ُه ْم َوتََبي َ
ظَل ُموْا أ ُ
ين َ ال * َو َس َكنتُ ْم في َم َسـٰك ِن الذ َ َْ ْ ّ ُْ َ ْ ّ َ
ِ ِ
ف َو ْعده ُرُسَل ُه ِ ال * َفالَ تَ ْح َسَب َّن َّ ِ ِ ِ ِ ال * َوَق ْد َم َك ُروْا َم ْك َرُه ْم َو ِع َند َّ
َّللاَ ُم ْخل َ ول م ْن ُه اْلجَب ُ ان َم ْك ُرُه ْم لتَ ُز ََّللا َم ْك ُرُه ْم َوإِن َك َ األ َْمثَ َ
َّللاَ َع ِز ٌيز ُذو ْانِتَقا ٍم
ِإ َّن َّ
تبدل أرض الطبيعة بأرض النفس عند الوصول إلى مقام القلب وسماء القلب بسماء
تبدل األرض غير األرض} ّ
{يوم ّ
يبدل ما فوقه وما
السر بسماء الروح ،وكذا كل مقام يعبره السالك ّ
تبدل أرض النفس بأرض القلب وسماء ّ السر وكذا ّ
ّ
كتبدل سماء التوكل في توحيد األفعال بسماء الرضا في توحيد الصفات ،ثم سماء الرضا بسماء التوحيد عند
تحته ّ
{القهار} الذي يفنى كل ما عداه بتجليه {وترى
كشف الذات ثم يطوى الكل {وبرزوا هلل الواحد} الذي ال موجود غيره ّ
{مقرنين} في أماكنهم من سجين الطبيعة وهاوية هوى النفس
الم ْجرمين} المحتجبين بصفات النفوس وهيئات الرذائل ّ
ُ
بقيود عالئق الطبيعيات وأرسان محبات السفليات {سرابيلهم من قطران} الستيالء سواد الهيئات المظلمة من تعلقات
سر آخر ال ينكشف إال
الجواهر الغاسقة عليها {وتغشى وجوههم} نار القهر واإلذالل واالحتجاب عن ل ّذة الكمال ،وفيه ّ
ألهل القيامة ممن شاهد البعث والنشور ،وهللا أعلم .
{وقرآن ُمبين} أي :جامع لكل شيء ،مظهر له {ولقد جعلنا} في سماء العقل {بروجاً} مقامات ومراتب من العقل
الهيوالني والعقل بالملكة والعقل بالفعل والعقل المستفاد {وزيناها} بالعلوم والمعارف {للناظرين} المتفكرين فيه
{فأن َزلنا}
معدة لالستعدادات لقبول التجليات ْ
مصفية للقلوبّ ،
ّ {وأرسلنا} رياح النفحات اإللهية {لواقح} بالحكم والمعارف،
ِ
{بخازنين} لخلوكم عنها. من سماء الروح ماء من العلوم الحقيقية {فأسقيناكموه} وأحييناكم به {وما أنتم} لذلك العلم
{ونحن
ُ {ون ِميت} باإلفناء في الوحدة
{و ّإنا لنحن ُن ْحيي} بالحياة الحقيقية بماء الحياة العلمية والقيام في مقام الفطرة ُ
الوارثون} للوجود ،الباقون بعد فنائكم{ .ولقد علمنا المستقدمين منكم} أي :المستبصرين ،المشتاقين من المحبين
للتقدم {ولقد علمنا المستأخرين} المنجذبين إلى عالم الحس ومعدن الرجس باستيالء صفات النفس ومحبة
الطالبين ّ
إن رّبك هو يحشرهم} مع من يتولونه ويجمعهم إلى من يحبونه
البدن ولذاته ،الطالبين للتأخر عن عالم القدس {و ّ
{عليم} بكل ما فيهم من خفايا
ٌ حكيم} يدبر أمرهم في الحشر على وفق الحكمة بحسب المناسبة
ٌ وينزعون إليه {إنه
الميل واالنجذاب والمحبة وما تقتضيه هيئاتهم وصفاتهم فسيجزيهم وصفهم.
آلئ َك ِة
السمو ِم * وإِ ْذ َقال ربُّك لِْلم ِ
َ َ َ َ َ
ِ
َقْب ُل من َّن ِار َّ ُ آن َخَلْقَناهُ ِمنال ِّم ْن َح َمٍإ َّم ْسُنو ٍن * َواْل َج َّ ان ِمن صْلص ٍ
َ َ نس َ ِ
َوَلَق ْد َخَلْقَنا اإل َ
ِ ِ ِ ال ِمن حمٍإ َّمسنو ٍن * َفِإ َذا سَّويته ونَفخت ِف ِ ِ ِ ِِ
من ُّروحي َفَق ُعوْا َل ُه َسا ِجد َ
ين * َف َس َج َد يه َ ُْ ُ َ َ ْ ُ ص ٍ ّْ ََ ُْ صْل َإّني َخال ٌق َب َش اًر ّمن َ
السا ِج ِدين * َقال ٰيإِبلِيس ما َلك أَالَّ تَ ُكون مع َّ ِ َّ ِ ِ ُّ
ين * السا ِجد َ َ ََ َ ْ ُ َ َ َ يس أََب ٰى أَن َي ُكو َن َم َع َّ َج َم ُعو َن * ِإال ِإْبل َ اْل َمالئ َك ُة ُكل ُه ْم أ ْ
اخرج ِم ْنها َفِإَّنك رِجيم * وإِ َّن عَليك َّ
الل ْعَن َة ِإَل ٰى ٍ ٍ َكن ألَسجد لِب َش ٍر خَلْقتَه ِمن صْل ٍ ِ
َ ََْ َ َ ٌ صال ّم ْن َح َمإ َّم ْسُنون * َق َ
ال َف ْ ُ ْ َ َ َ َ ُ ْ َُ َ ال َل ْم أ ُ
َق َ
ال َر ِّب ِب َمآ ِ ِ ال َفِإَّن َك ِم َن اْل ُمن َ ِ ِ ِ يو ِم ِ
ظ ِر َ
ين * إَل ٰى َي ْو ِم اْلَوْقت اْل َم ْعُلو ِم * َق َ ال َر ّب َفأَنظ ْ ِرني إَل ٰى َي ْو ِم ُي ْب َعثُو َن * َق َ
ين * َق َ الد ِ
َْ ّ
{ولقد خلقنا اإلنسان من صلصال من حمأ مسنون} أي :من العناصر األربعة الممتزجة إذ الحمأ هو الطين المتغير
والمسنون ما ّ
صب عليه الماء حتى خلص عن األجزاء الصلبة الخشنة الغير المعتدلة المنافية لقبول الصورة التي يراد
الجن وهو جوهر الروح
الجان} أي :أصل ّ تصويرها منه .والصلصال ما تخلخل منه بالهواء وتجّفف بالح اررة {و ّ
الحيواني الذي توّلد منه قوى الوهم والتخيل وغيرهما {خلقناه من قبل من نار السموم} أي :من الح اررة الغريزية ومن
لتقدم تأثير الح اررة في التركيب بالتمزيج والتعديل وإثارة
بخارية األخالط ولطافتها المستحيلة بها ،وإنما قال من قبل ّ
مر معنى انقياد ذلك البخار على صور األعضاء بل القوى الفعالة المؤثرة ّ
متقدمة على التركيب في األصل وقد ّ
المالئكة له وعدم انقياد إبليس.
إن
مجرد عن المادة {و ّ
جنة عالم القدس التي ترتقي إلى أفقه {فإنك} مرجوم ،مطرود منها لكونك غير ّ{فاخرج} من ّ
وتجرد النفس عن البدن بقطع عالقتها أو الكبرى بالفناء في
عليك} لعنة البعد في الرتبة {إلى يوم} القيامة الصغرى ّ
َ
التوحيد {ألزينن لهم} الشهوات واللذات في الجهة السفلية {وألغوينهم أجمعين إال ِعَبادك} أي :المخصوصين بك،
وجردتهم بالتوجه إليك من بقايا صفاتهم
وطهرتهم من دنس تعلق الطبيعةّ ،
الذين أخلصتهم من شوائب صفات النفس ّ
ط علي} حق نهجه ومراعاته {مستقيم} الوذواتهم ،أو الذين أخلصوا أعمالهم لك من غير حظ لغيرك فيها {هذا ص ار
ٌ ّ
اعوجاج فيه ،وهو أن ال سلطان لك على عبادي المخلصين إالّ الذين يناسبونك في الغواية والبعد عن صراطي
{لكل باب منهم جزء َمْقسوم} عضو خاص به ،أو
فيتبعونك{ .لها َسبعة ْأب َواب} هي الحواس الخمس والشهوة والغضب ّ
بعض من الخلق يختصون بالدخول منه لغلبة ّقوة ذلك الباب عليهم.
يم * الَ تَ ُمَّد َّن َع ْيَن ْي َك ِإَل ٰى َما َمتَّ ْعَنا ِب ِه أَ ْزَواجاً ِّم ْن ُه ْم َوالَ َت ْح َزْن َعَل ْي ِه ْم ِ
آن اْل َعظ َ
ِ ِ
اك َس ْبعاً ّم َن اْل َمثَاني َواْلُق ْر َ َوَلَق ْد آتَْيَن َ
الن ِذير اْلمِبين * َكمآ أ َْن َ ْزلنا عَلى اْلمْقتَ ِس ِمين * َّال ِذين جعُلوْا اْلُقر ِ ِ ِ ِ ِ و ِْ
ين
آن عض َ ْ َ َ ََ َ ُ َ َ َ ين * َوُق ْل ِإّني أََنا َّ ُ ُ ُ اح َك لْل ُم ْؤ ِمن َ ض َجَن َ اخف ْ َ
ِ
ين * ِإَّنا َكَف ْيَن َ
اك ض َع ِن اْل ُم ْش ِرِك َ َع ِر ْ ع ِب َما تُ ْؤ َم ُر َوأ ْ ين * َع َّما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * َف ْ
اص َد ْ َج َمع َ ِك َلَن ْسأََلَّن ُه ْم أ ْ
* َف َوَرّب َ
ك ِب َما َيُقوُلو َن * َف َسِّب ْح ِ اْلمسته ِزِئين * َّال ِذين يجعُلون مع َّ ِ
ص ْد ُر َ َّ
ف َي ْعَل ُمو َن * َوَلَق ْد َن ْعَل ُم أَن َك َيضي ُق َ َّللا ِإلـٰهاً َ
آخ َر َف َس ْو َ َ َ َْ َ َ َ ُ ْ َْ َ
ِ ِ ِبحم ِد ربِك وُكن ِمن َّ ِ
َّك َحتَّ ٰى َيأْتَي َك اْلَيق ُ
ين اعُب ْد َرب َ
ين * َو ْ السا ِجد َ َ ْ َّ َ َ ْ ّ َ
{ولقد آتيناك َس ْبعاً} أي :الصفات السبع التي ثبتت هلل تعالى وهي :الحياة والعلم والقدرة واإلرادة والسمع والبصر
كرر وثنى ثبوتها لك أوالً في مقام وجود القلب عند تخلقك بأخالقه ،واتصافك بأوصافه، والتكّلم {من المثاني} التي ّ
فكانت لك .وثانياً :في مقام البقاء بالوجود الحقاني بعد الفناء في التوحيد {والقرآن العظيم} أي :الذات الجامعة لجميع
الصفات وإنما كانت لمحمد عليه الصالة و السالم سبعاً ،ولموسى تسعاً ألنه ما أوتي القرآن العظيم بل كان مقامه
التكليم ،أي :مقام كشف الصفات دون كشف الذات ،فله هذه السبع مع القلب والروح.
أمر هللا} لما كان صلى هللا عليه وسلم من أهل القيامة الكبرى يشاهدها ويشاهد أحوالها في عين الجمع ،كما {أتى ُ
قال صلى هللا عليه وسلم"ُ :ب ِع ْث ُت أنا والساعة كهاتين" .أخبر عن شهوده بقوله تعالى{ :أتى أمر هللا} ولما كان ظهورها
على التفصيل بحيث تظهر لكل أحد ال يكون إال بوجود المهدي عليه السالم قال{ :فال تستعجلوه} ألن هذا ليس وقت
عما ُي ْش ِركون} من إثبات وجود الغير.
ظهوره ،ثم أكد شهوده لوجه هللا وفناء الخلق في القيامة بقوله{ :سبحانه وتعالى ّ
فصل ما شهد في عين الجمع لكونه في مقام الفرق بعد الجمع يشاهد كثرة الصفات في عين أحدية الذات بحيث ال ثم ّ
{ش ِه َد َّ
َّللاُ} [آل عمران ،اآلية ]18 :اآلية ،فقال: يحتجب بالوحدة عن الكثرة وال بالعكس ،كما ذكر في قوله تعالىَ :
العْلم الذي يحيي به القلوب ،يعني :القرآن {من} عالم {أمره} الذي انتقش فيه {على من {ينزل المالئكة بالروح} أيِ :
يشاء من عباده} المخصوصين بمزيد عنايته ،إن أخبروهم بالتوحيد والتقوى ،فبين بعد بيان أحدية الذات عالم الصفات
الحقيقية بتنزيل الروح الذي هو العلم ،وإثبات المشيئة التي هي اإلرادة ،وعالم األسماء بإثبات المالئكة ،وعالم األفعال
باإلنذار.
الن َعم المتعددة كالنعم وغيرها .ولما ظهر الحق والخلق ظهر طريق ثم عد الصفات اإلضافية كالخلق والرزق ،وفصل ِ
ّ ّ
الحق والباطل ،فقال{ :وعلى هللا قصد السبيل} أي :عليه لزوم السبيل المستقيم والهداية إليها ألهله ،كما قالِ{ :إ َّن َرّبِي
صر ٍ
اط ُّم ْستَِقيمٍ} [هود ،اآلية ]56 :أي :كل من كان على هذا الصراط الذي هو طريق التوحيد ال ّبد وأن يكون ِ
َعَل ٰى َ
من أهله تعالى ألنه طريقه الذي يلزمه .ومن السبيل {جائر} يعني بعض السبل ،وهي السبل المتفرقة مما عدا سبيل
التوحيد جائر عادل عن الحق ،موصل إلى الباطل ال محالة ،فهي سبيل الضاللة كيفما كانت .ولم يشأ هداية الجميع
مر أن السابقين الموحدين
إلى السبيل المستقيم لكونها تنافي الحكمة{ .الذين تتوّفاهم المالئكة ظالمي أنفسهم} قد ّ
بالتجرد ووصل إلى مقام القلب
ّ يتوفاهم هللا تعالى بذاته ،وأما األبرار والسعداء فقسمان :فمن ترقى عن مقام النفس
المتشرعين الذين لم
بالعلوم والفضائل يتوّفاهم ملك الموت ،ومن كان في مقام النفس من العباد والصلحاء والزّهاد و ّ
يتجردوا عن عالئق البدن بالتزكية والتحلية تتوفاهم مالئكة الرحمة بالبشرى بالجنة ،أيّ :
جنة النفس التي هي جنة ّ
األفعال واآلثار .وأما األشرار األشقياء فكيفما كانوا تتوفاهم مالئكة العذاب ،إذ القوى الملكوتية المتصلة بالنفوس
تتشكل بهيئات تلك النفوس ،فإذا كانت محجوبة ظالمة كانت هيئاتهم غاسقة ظلمانية هائلة ،فتتشكل القوى الملكوتية
القابضة لنفوسهم بتلك الهيئات لمناسبتها ،ولهذا قيل :إنما يظهر ملك الموت على صورة أخالق المحتضر ،فإذا كانت
رديئة ،ظلمانية ،كانت صورته هائلة ،موحشة ،غلب على من يحضره الخوف والذعر ،وتذّلل وتمسكن ،ونزل عن
التمرد
استكباره ،وأظهر العجز والمسكنة ،وهذا معنى قوله{ :فألقوا السلم} أي :سالموا ،وهانوا ،والنوا ،وتركوا العناد و ّ
وقالوا{ :ما كنا نعمل من سوء} فأجيبوا بقولهم{ :بلى إن هللا عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم} األفعال.
{أو لم يروا إلى ما خلق هللا من شيء} أي :ذات وحقيقة مخلوقة ،أية ذات كانت من المخلوقات {يتفيأ ظالله} أي:
يتجسد ويتمثل هياكله وصوره ،فإن لكل شيء حقيقة هي ملكوت ذلك الشيء وأصله الذي هو به ،هو كما قال تعالى:
وت ُك ِّل َشي ٍء} [يس ،اآلية .]83 :وظالله هو :صفته ومظهره ،أي :جسده الذي به يظهر ذلك الشيء{ .عن ِِ
ْ {ِبَيده َمَل ُك ُ
{س ّج َداً هلل} منقادة بأمره ،مطواعة ال تمتنع عما يريد فيها ،أي:
الشر ُ
اليمين و} عن {الشمائل} أي :عن جهة الخير و ّ
الشرية بأمره {وهم داخرون} صاغرون ،متذللون ألمره ،مقهورون{ .وهلل
يتحرك هياكله إلى جهات األفعال الخيرية و ّ
المقدسة {وما في
المجردة ّ
ّ َي ْس ُجد} ينقاد {ما في السموات} في عالم األرواح من أهل الجبروت والملكوت واألرواح
األرض} في عالم األجساد من الدواب واألناسي واألشجار وجميع النفوس والقوى األرضية والسماوية {وهم ال
ّ
َي ْستَ ْكِبرون} ال يمتنعون عن االنقياد والتذّلل ألمره {يخافون رّبهم} أي :ينكسرون ويتأثرون وينفعلون منه انفعال الخائف
وعلوه عليهم {ويفعلون ما يؤمرون} طوعاً وانقياداً بحيث ال يسعهم فعل غيره.
{من فوقهم} من قهره وتأثيره ّ
الضر إلى الغير وإحالة الذنب في ذلك ّ {إذا فريق منكم بربهم ُي ْش ِركون} بنسبة النعمة إلى غيره ورؤيته منه ،وكذا بنسبة
ان َع ِاقَب ُة ف َك َ ظ ُروْا َك ْي َ ض َفان ُ الضالَل ُة َف ِس ُيروْا ِفي األ َْر َِّللاُ َو ِم ْن ُه ْم َّم ْن َحَّق ْت َعَل ْي ِه َّ
وت َف ِم ْن ُهم َّم ْن َه َدى َّ اغ َ
ط ُواجتَِنبوْا اْل َّ
َ ْ ُ
ِ ِ
ين * َوأَ ْق َس ُموْا ِبا ََّّلل َج ْه َد أ َْي َمان ِه ْم الَ ِ ِ ِ ِ اه ْم َفِإ َّن َّ ِ
َّللاَ الَ َي ْهدي َمن ُيض ُّل َو َما َل ُه ْم ّمن َّناص ِر َ ص َعَل ٰى ُه َد ُ ين * ِإن تَ ْح ِر ْ اْل ُم َك ّذِب َ
َّ ِ ِِ ِ َّ ِ ِ وت َبَل ٰى و ْعداً َعَل ْي ِه َحّقاً ولـ ِٰك َّن أَ ْكثَ َر اْلَّن ِ
يناس الَ َي ْعَل ُمو َن * لُيَبِّي َن َل ُه ُم الذي َي ْخَتلُفو َن فيه َولَِي ْعَل َم الذ َ َ َ َّللاُ َمن َي ُم ُ
َي ْب َع ُث َّ
َّللاِ ِم ْن َب ْع ِد َما
اج ُروْا ِفي َّ ين َه َ
َّ ِ
ول َل ُه ُك ْن َفَي ُكو ُن * َوالذ َ ِ ٍ ِ ِ
* إَّن َما َق ْوُلَنا ل َش ْيء إ َذآ أ ََرْدَناهُ أَن َّنُق َ ين ِ
َكَف ُروْا أََّن ُه ْم َك ُانوْا َكاذِب َ
صَب ُروْا َو َعَل ٰى َرِّب ِه ْم َي َت َوَّكُلو َن * َو َمآ َّ ِ ِ ظلِ ُموْا َلُنَبِّوَئَّن ُه ْم ِفي ُّ
َج ُر اآلخ َرِة أَ ْكَب ُر َل ْو َك ُانوْا َي ْعَل ُمو َن * الذ َ
ين َ َح َسَن ًة َوأل ْ الد ْنَيا ُ
الزُب ِر َوأ َْن َ ْزلَنا ِإَل ْي َك ال ِّذ ْك َر ِ ِ ِ
ات و ُّ وحي ِإَل ْي ِهم َفاسأَُلوْا أ ْ ِ ِ
َه َل ال ّذ ْك ِر إن ُك ْنتُم الَ تَ ْعَل ُمو َن * باْلَبّيَن َ ْ ْ
أَرسْلَنا ِمن َقبلِك ِإالَّ ِرجاالً ُّن ِ
َ ْ َ َْ
ِ ِ ِ ِ َّ ِ َّ لِتَُبِّي َن ل َّلن ِ
ِ
اب
ض أ َْو َيأْتَي ُه ُم اْل َع َذ ُ َّللاُ ِب ِه ُم األ َْر َ
ف َّالسِّيَئات أَن َي ْخس َ اس َما ُنِّزَل ِإَل ْي ِه ْم َوَل َعل ُه ْم َيتََف َّك ُرو َن * أََفأَم َن الذ َ
ين َم َك ُروْا َّ
يم ِ ِمن حي ُث الَ ي ْشعرو َن * أَو يأْخ َذهم ِفي تََقُّلِب ِهم َفما هم ِبمع ِج ِزين * أَو يأْخ َذهم عَلى تَخُّو ٍ
ف َفِإ َّن َرب ُ
وف َّرح ٌ
َّك ْم َل َرُؤ ٌ ْ َ ُ ُْ َ ٰ َ ْ َ ُ ُْ َ ْ َ ُ ُْ َ ُُ ْ َْ
{إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} الفرق بين إرادة هللا تعالى وعلمه وقدرته ال يكون إال باالعتبار،
فإن هللا تعالى يعلم كل شيء ويعلم وقوعه في وقت معين بسبب معين على وجه معين ،فإذا اعتبرنا علمه بذلك قلنا
بعالميته ،وإذا اعتبرنا تخصيصه بالوقت المعين والوجه المعين قلنا بإرادته ،وإذا اعتبرنا وجوب وجوده بوجود ما يتوقف
عليه وجوده في ذلك الوقت على ذلك الوجه المعلوم قلنا بقدرته ،فمرجع الثالثة إلى العلم .ولو اقتضى علمنا وجود
ترو وعزيمة غير كونه معلوماً وتحريك اآلالت لكان فينا أيضاً كذلك.
شيء ولم يتغير ولم يحتج إلى ّ
تَْفتَرون * ويجعُلون ََِّّللِ اْلبن ِ اَّللِ َلتُ ْسأَُل َّن َع َّما ُك ْنتُ ْم ِ ِ ِ
ات ُس ْب َح َان ُه َوَل ُه ْم َّما ََ ََ ْ َ َ ُ َ َوَي ْج َعُلو َن ل َما الَ َي ْعَل ُمو َن َنصيباً ّم ّما َرَزْقَن ُ
اه ْم تَ َّ
وء َما ُب ِّش َر ِب ِه أَُي ْم ِس ُك ُه
* َيتَو َار ٰى ِم َن اْلَق ْو ِم ِمن س ِ
ُ َ يم ِ
ظ َّل َو ْج ُه ُه ُم ْس َوّداً َو ُه َو َكظ ٌ َح ُد ُه ْم ِباأل ُْنثَ ٰى َ ِ
َي ْشتَ ُهو َن * َوإِ َذا ُب ّش َر أ َ
اآلخرِة مَثل َّ ِ ِ ِ ِ َِّ ِ ِ ُّ ِ ٍن
الس ْوِء َوََّّلل اْل َمَث ُل األ ْ
َعَل ٰى َو ُهَو ين الَ ُي ْؤ ِمُنو َن ب َ َ ُ
آء َما َي ْح ُك ُمو َن * للذ َ َعَل ٰى ُهو أ َْم َي ُد ُّس ُه في الت َراب أَالَ َس َ
ٍ
َّة وٰل ِكن ي َؤ ِّخرُهم إَل ٰى أ ٍ ِ الناس ِب ُ ِ اْلع ِز ُيز اْلح ِكيم * وَلو يؤ ِ
َجل ُّم َس ًّم ٰى َفِإ َذا َجآ َء أ َ
َجُل ُه ْم َ ُ ُ ْ ك َعَل ْي َها من َدآب َ ظْلم ِه ْم َّما تَ َر َ َّللاُ َّ َ
اخ ُذ َّ َ ْ َُ َ ُ َ
ف أَْل ِسَنتُ ُه ُم اْل َك ِذ َب أَ َّن َل ُه ُم اْل ُح ْسَن ٰى الَ َج َرَم أ َّ ِ ِِ ِ ِ
َن َل ُه ُم َوالَ َي ْستَْقد ُمو َن * َوَي ْج َعُلو َن ََّّلل َما َي ْك َرُهو َن َوتَص ُ الَ َي ْستَأْخ ُرو َن َس َ
اع ًة
يم طان أَعماَلهم َفهو ولِيُّهم اْليوم وَلهم ع َذ ِ َّن َلهم َّ اَّللِ َلَق ْد أَرسْلَنآ ِإَل ٰى أ ِ ِ طو َناْلَّن َار َوأََّن ُه ْم ُّمْف َر ُ
اب أَل ٌ الش ْي َ ُ ْ َ ُ ْ ُ َ َ ُ ُ َ ْ َ َ ُ ْ َ ٌ ُم ٍم ّمن َقْبل َك َف َزي َ ُ ُ َ َْ * تَ َّ
آء ِ ِ يه َو ُه ًدى َوَر ْح َم ًة ّلَِق ْو ٍم ُي ْؤ ِمُنو َن * َو َّ * ومآ أَن ْزلنا عَليك اْل ِكتاب ِإالَّ لِتبِين َلهم َّال ِذي اختَلُفوْا ِف ِ
َّللاُ أ َْن َزَل م َن اْل َّس َمآء َم ً َْ َُّ َ ُ ُ َ َ َْ َ َ ْ َ َ َ
ِ
طوِنه ِمن َب ْي ِنيك ْم ِّم َّما ِفي ُب ُ ٰ ِ
آلي ًة لَِق ْو ٍم َي ْس َم ُعو َن * َوإِ َّن َل ُك ْم ِفي األ َْن َعا ِم َل ِع ْب َرًة ُّن ْسِق ُ ِ ِ
ض َب ْع َد َم ْوِت َهآ ِإ َّن في ذل َك َ
َحَيا ِبه األ َْر َ
َفأ ْ
{ويجعلون لما ال يعلمون} وجوده مما سواه {نصيباً مما رزقناهم} فيقولون :هو أعطاني كذا ،ولو لم يعطني لكان كذا،
وفالن رزقني وأعانني ،فيجعلون لغيره تأثي اًر في وصول ذلك إليه ،وإن لم يثبتوا له تأثي اًر في وجوده فقد جعلوا له نصيباً
مما رزقهم هللا.
َي ْستَُوو َن َّللاُ َمثَالً َع ْبداً َّم ْمُلوكاً الَّ َيْق ِد ُر َعَل ٰى َشي ٍء َو َمن َّرَزْقَناهُ ِمَّنا ِرْزقاً َح َسناً َف ُهَو ُي ْنِف ُق ِم ْن ُه ِسّاًر َو َج ْه اًر َه ْلض َر َب َّ َ
ْ
ٍ ِ ِ ِ
َم ْوالهُ أ َْيَن َما َح ُد ُه َمآ أ َْب َك ُم الَ َيْقد ُر َعَل ٰى َشيء َو ُهَو َك ٌّل َعَل ٰى
ْ َّللاُ َمثَالً َّر ُجَل ْي ِن أ َ
ض َر َب َّ اْل َح ْم ُد ََّّلل َب ْل أَ ْكثَ ُرُه ْم الَ َي ْعَل ُمو َن * َو َ
صر ٍ
اط ُّم ْستَِقي ٍم ِ ِ ِ ِ ُي َو ِّج ُّ
ْم ُر ِباْل َع ْدل َو ُه َو َعَل ٰى َ ِ
هه الَ َيأْت ب َخ ْي ٍر َه ْل َي ْس َتوي ُه َو َو َمن َيأ ُ
َّللاَ َعَل ٰى ُك ِّل َشي ٍء َق ِد ٌير * َو َّ ص ِر أ َْو ُه َو أَ ْق َر ُب ِإ َّن َّ الس ِ ِ َّ الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ ِِ
َّللاُ ْ اعة إال َكَل ْم ِح اْلَب َ
ض َو َمآ أ َْم ُر َّ َ َوََّّلل َغ ْي ُب َّ َ َ َ
ُمه ِات ُكم الَ َتعَلمو َن َشيئاً وجعل َل ُكم اْل َّسمع واألَبصار واألَْفِئدة َلعَّل ُكم تَ ْش ُكرو َن * أََلم يروْا ِإَلى َّ
الط ْي ِر َخ َر َج ُكم ِمن ُب ُ ِ
ْ ََ ْ ٰ ُ ْ َ ََ َ ُ ْ َ َ ْ َ َ َ ََ َ ْ ْ ُ طون أ َّ َ ْ ّ أْ
َّللاُ َج َع َل َل ُك ْم ِّمن ُبُيوِت ُك ْم َس َكناً َو َج َع َل َّللا ِإ َّن ِفي ٰذلِك ألَي ٍ
ٰت ّلَِق ْو ٍم ُي ْؤ ِمُنو َن * َو َّ ِ َّ ِ مس َّخ ٰر ٍت ِفي ج ِو َّ ِ
َ الس َمآء َما ُي ْمس ُك ُه َّن إال َّ ُ َّ َُ َ
ين َص َو ِاف َها َوأ َْوَب ِارَها َوأ ْ
َش َع ِارَهآ أَثَاثاً َو َمتَاعاً ِإَل ٰى ِح ٍ امِت ُك ْم
َو ِم ْن أ ْ
ِ ود األ َْنعا ِم بيوتاً تَستَ ِخُّفونها يوم َ ِ
ظ ْعن ُك ْم َوَي ْوَم إ َق َ َ َ َْ َ ْ َ ُُ َل ُكم ِمن جُل ِ
ْ ّ ُ
ْس ُك ْم يل تَِق ُ ِ يل تَِق ُ ِ ال أَ ْكَناناًَّللا جعل َل ُكم ِم َّما َخَلق ِظالَالً وجعل َل ُكم ِم َن اْل ِجب ِ
يكم َبأ َ يك ُم اْل َحَّر َو َس َارب َ َو َج َع َل َل ُك ْم َس َارب َ َ َ ََ َ ْ ّ َ * َو َّ ُ َ َ َ ْ ّ
َّللاِ ثُ َّم ي ِ
ين * َي ْع ِرُفو َن ِن ْع َم َت َّ َّ ِ َّ ِ ِ ِ
ون َها
نك ُر َ ُ َك َذل َك ُيت ُّم ن ْع َمتَ ُه َعَل ْي ُك ْم َل َعل ُك ْم تُ ْسل ُمو َن * َفِإن تََول ْوْا َفِإَّن َما َعَل ْي َك اْلَبالَغُ اْل ُمِب ُ
َوأَ ْكثَ ُرُهم اْل َك ِاف ُرو َن
ُ
غيب السموات واألرض} أي :وهلل علم الذي خفي في السموات واألرض من أمر القيامة الكبرى ،أو علم مراتب
{وهلل ُ
السر والروح والخفي وغيب الغيوب أو ما غاب من
الجن والنفس والقلب و ّ
الغيوب السبعة التي أشرنا إليه من غيب ّ
حقيقتهما أي :ملكوت عالم األرواح وعالم األجساد {وما أمر} القيامة الكبرى بالقياس إلى األمور الزمانية {إالّ} كأقرب
زمان يعبر عنه مثل لمح البصر {أو هو أقرب} وهو بناء على التمثيل وإال فأمر الساعة ليس بزماني وما ليس بزماني
يدركه من يدركه ال في الزمان {إن هللا على كل شيء قدير} يقدر على اإلماتة واإلحياء والحساب ال في زمان كما
يشاهد أهله وخاصته.
التخيل {مسخرات في{ألم يروا إلى الطير} القوى الروحانية والنفسانية من الفكر والعقل النظري والعملي ،بل الوهم و ّ
يمسكهن} من غير تعلق بمادة وال اعتماد على جسم ثقيل {إال هللا}.
ّ جو السماء} أي :فضاء عالم األرواح {ما ّ
أمته
نبي يبعث على كمال يناسب استعدادات ّ
ّ {يعرفون نعمة هللا} أي :هداية النبي أو وجوده لما ذكرنا ّ
أن كل
بقوة فطرتهم {ثم ينكرونها} لعنادهم وتعنتهم بسبب غلبة صفات نفوسهم من الكبر واألنفة
ويجانسهم بفطرته ،فيعرفونه ّ
وحب الرياسة أو لكفرهم واحتجابهم عن نور الفطرة بالهيئات الغاسقة الظلمانية وتغير االستعداد األول {وأكثرهم
ّ
الكافرون} في إنكاره لشهادة فطرهم بحقيته .
التقرب منه
{ويوم نبعث من كل أمة شهيداً} أي :نبعث نبيهم على غاية الكمال الذي يمكن أل ّمته الوصول إليه أو ّ
والتوجه إليه إلمكان معرفتهم إياه فيعرفونه ،ولهذا يكون لكل أمة شهيد غير شهيد األمة األخرى ،ويعرف كل من
قصر وخالف نبيه باإلعراض عن الكمال الذي هو يدعو إليه ،والوقوف في حضيض النقصان قصوره واحتجابه فال
متحي اًر متحس اًر ،وهو معنى قوله{ :ثم ال يؤذن للذين كفروا} وال سبيل له إلى إدراك ما فاته
حجة له وال نطق ،فيبقى ّ
لقوة استعداده الفطري الذي ُجِب َل عليه ،وشوقه األصلي الغريزي إليه،
من كماله لعدم آلته ،وال يمكن أن يرضى بحاله ّ
فهو مكظوم ال يستعتب وال يسترضي.
{وأوفوا بعهد هللا} الذي هو تذكر العهد السابق وتجديده بالعقد الالحق بالبقاء على حكمه في اإلعراض عن الغير
التجرد عن العوائق والعالئق في التوجه إليه {إذا عاهدتم} أي :تذكرتموه بإشراق نور النبي عليكم وتذكيره إياكم{ .من
و ّ
ّ
َع ِمل صالحاً من ذكر أو أنثى} أي :عمالً يوصله إلى كماله الذي يقتضيه استعداده ،إذ الصالح في الشخص توجهه
بالضد وفي العمل كونه وصلة وسيلة إليه من صاحب قلب بالغ إلى
ّ إلى كماله أو كونه على ذلك الكمال ،والفساد
فإن اإليمان الذي ال يبقى معه سلطان الشيطان كما قال تعالى{ :إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا} أقل درجاته
اليقين العلمي الذي محله القلب الصافي وال يكفي هذا اليقين في نفي سلطانه إال إذا كان مقروناً بشهود األفعال الذي
هو مقام التوكل كما قال تعالى{ :وعلى رّبهم يتوكلون} والفناء في األفعال ال يمكن مع بقاء صفات النفس ،إذ بقاء
صفاتها يستدعي أفعالها ،ولهذا قيل :ال يمكن إيفاء حق مقام وتصحيحه وإحكامه إال بعد الترقي إلى ما فوقه ،فبالترقي
َّللاِ
ض ٌب ِّم َن َّ اإليم ِ ِ اَّللِ ِمن َب ْع ِد إيم ِان ِه ِإالَّ م ْن أُ ْك ِره وَقْلُب ُه م ْ ِ ِ ِ
ص ْد اًر َف َعَل ْي ِه ْم َغ َ ِ
ان َوَلـٰكن َّمن َش َرَح باْل ُكْف ِر َ ط َمئ ٌّن ب َ ُ ََ َ َ َمن َكَف َر ِب َّ
ِ َّ ِ ِ ِ اة اْلُّد ْنيا عَل ٰى ِ
اآلخ َرِة َوأَ َّن َّ ِٰ ِ ِ
ين
ين * أُوَلـٰئ َك الذ َ َّللاَ الَ َي ْهدي اْلَق ْوَم اْل َكاف ِر َ استَ َحُّبوْا اْل َحَي َ َ َ يم * ذل َك بأََّن ُه ُم ْ اب َعظ ٌ َوَل ُه ْم َع َذ ٌ
َّك ِ ِ
اآلخ َرِة ُه ُم اْل َخاسرو َن * ثُ َّم ِإ َّن َرب َ ص ِارِه ْم َوأُوَلـِٰئ َك ُه ُم اْل َغ ِافُلو َن * الَ َج َرَم أََّن ُه ْم ِفي ِِ ِ
َّللاُ َعَل ٰى ُقُلوبِه ْم َو َس ْمعه ْم َوأ َْب َ
طَب َع َّ
َ
س تُ َج ِاد ُل َعن * َي ْوم تَأِْتي ُك ُّل َنْف ٍ
َ يم ِ
ور َّرح ٌ
ِ لَِّل ِذين هاجروْا ِمن بع ِد ما ُفِتنوْا ثُ َّم جاهدوْا وصبروْا ِإ َّن رب ِ
َّك من َب ْعد َها َل َغُف ٌ
َ َ َ َُ َ َ َُ َْ َ ُ َ َ َُ
س َّما َع ِمَل ْت َو ُه ْم الَ ُي ْ
ظَل ُمو َن َّنْف ِس َها وتُوَّف ٰى ُك ُّل َنْف ٍ
َ َ
{من كفر باهلل من بعد إيمانه} لكون الظلمة له ذاتية بحسب استعداده األول والنور عارضياً ،فهو في حجاب خلقي
عن نور اإليمان إن اعتراه شعاع قدسي من نفس الرسول أو من فيض القدس أو أثر فيه وعداً ووعيداً ،أو كلمة حق
ّ
وعزة
ّ جاه أو ماليين ضر
ّ ودفع نفع حصول من نفسانية داعية ودعاه قلبه من في دعوته إلى الحق في حال إقبال
ومقره الكفر ،فقد استحق غضب هللا ألنه محجوب بحسب االستعداد عن أول
بسبب اإلسالم ،آمن ظاه اًر ،ومقامه ّ
مراتب اإليمان الذي هو شهود األفعال باالستدالل من الصنع على الصانع فعقابه من باب األفعال والصفات ال الذي
{أكره} على الكفر باإلنذار والتخويف {وقلبه مطمئن} ثابت متمكن مملوء {باإليمان} لنورية فطرته في األصل وكون
النور ذاتياً له بحسب الفطرة ،والكفر واالحتجاب إنما عرض بمقتضى النشأة .وقد زال الحجاب العارضي{ .ولكن من
مستقره ومأواه األصلي {فعليهم غضب} عظيم ،أي:
ّ شرح بالكفر صد اًر} أي :طاب به نفساً ورضي واطمأن لكونه
غضب {من هللا ولهم عذاب عظيم} الحتجابهم عن جميع مراتب األنوار من األفعال والصفات والذات ،فما أغلظ
حجابهم وما أعظم عذابهم.
طَبع هللا على قلوبهم} بقساوتها وكدورتها في األصل فلم ينفتح لهم طريق اإللهام والفهم والكشف
{أولئك الذين َ
َ
بسد طريق المعنى المراد من مسموعاتهم وطريق االعتبار من مبصراتهم إلى القلب ،فلم يؤثر{وسمعهم وأبصارهم} ّ
فيهم شيء من أسباب الهداية من طريق الباطن من فيض الروح وإلقاء الملك وإشراق النور وال من طريق الظاهر
بطريق التعليم والتعلم واالعتبار من آثار الصنع {وأولئك هم الغافلون} بالحقيقة لعدم انتباههم بوجه من الوجوه وامتناع
تيقظهم من نوم الجهل بسبب من األسباب{ .ال جرم أنهم في اآلخرة هم الخاسرون} الذين ضاعت دنياهم التي
استنفدوا في تحصيلها وسعهم ،وأتلفوا في طلبها أعمارهم ،وليسوا من اآلخرة في شيء إال في عذاب هيئات التعلقات
ووبال التحسرات.
إن
إن رّبك عليهم بالغضب والقهر ،وبين الذينّ : إن رّبك للذين هاجروا} أي :تباعد بين هؤالء المحجوبين الذينّ :
{ثم ّ
رّبك لهم بالرضا والرحمة وهم الذين هاجروا عن مواطن النفس بترك المألوفات والمشتهيات {من بعد ما ُفِتنوا} وابتلوا
بحكم النشأة البشرية {ثم جاهدوا} في هللا بالرياضات وسلوك طريقه بالترقي في المقامات والتجريد عن الهيئات
{إن رّبك من} بعد هذه األحوال {لغفور} لهم بستر
والتعلقات {وصبروا} على ما تحب النفس وتكرهه بالثبات في السير ّ
غواشي الصفات النفسانية {رحيم} بإفاضة الكماالت وإبدال صفاتهم بالصفات اإللهية.
َّللاِ ِب ِه َّللاِ ِإن ُك ْنتُ ْم ِإيَّاهُ تَ ْعُب ُدو َن * ِإَّن َما َحَّرم َعَل ْي ُكم اْل َم ْيتَ َة َواْلَّدم َوَل ْحم اْل َخ ْن ِز ِ
ير َو َمآ أ ُِه َّل لِ َغ ْي ِر َّ َ َ ُ َ اش ُك ُروْا ِن ْع َم َت َّ
طِّيباً َو ْ
َحَلـٰالً َ
ف أَْل ِسَنتُ ُك ُم اْل َك ِذ َب َهـٰ َذا َحالَ ٌل َو َهـٰ َذا َح َرٌام ّلِتَْفتَُروْا ِ ِ
يم * َوالَ تَُقوُلوْا ل َما تَص ُ
ِ
ور َّرح ٌ اغ َوالَ َع ٍاد َفِإ َّن َّ
َّللاَ َغُف ٌ طَّر َغ ْي َر َب ٍ
اض ُ َف َم ِن ْ
َّ ِ َّللاِ اْل َك ِذب الَ يْفلِحو َن * متَاعٌ َقلِيل وَلهم ع َذ ِ َّ ِ عَلى َّ ِ ِ
ين َه ُادوْا
يم * َو َعَل ٰى الذ َ اب أَل ٌٌ َ ُْ َ ٌ َ َ ُ ُ َّللا اْل َكذ َب ِإ َّن الذ َ
ين َيْفتَ ُرو َن َعَل ٰى َّ َ ٰ
وء ِب َج َهاَل ٍة ثُ َّم ين َع ِمُلوْا ُّ
الس َ
ظلِمون * ثُ َّم ِإ َّن رب َِّ ِ
َّك للذ َ َ َ اه ْم َوَلـ ِٰكن َك ُانوْا أ َْنُف َس ُه ْم َي ْ ُ َ صَنا َعَل ْي َك ِمن َقْب ُل َو َما َ
ظَل ْمَن ُ صْ َحَّرْمَنا َما َق َ
يم ِ ِ تَابوْا ِمن بع ِد َذلِك وأَصَلحوْا ِإ َّن رب ِ
ور َّرح ٌ
َّك من َب ْعد َها َل َغُف ٌ
َ َ َ َ ْ ُ َْ ُ
رسول منهم} أي :من جنسهم وهي القوة الفكرية التي هي من جملة قوى النفس بالمعاني المعقولة واآلراء ٌ {ولقد جاءهم
الصادقة {فكذبوه} بعدم التأثر بها واالنقياد ألوامرها ونواهيها العقلية والشرعية وترك العمل بمقتضاها وقّلة المباالة بها،
ولم يرفعوا بها رأساً عن االنهماك فيما هم عليه {فأخذهم} عذاب االحتجاب والحرمان عن لذة الكمال في حالة ظلمهم
وزيغهم عن طريق الفضيلة ونقصهم لحقوق صاحبهم.
مر أن كل نبي يبعث في قوم يكون كماله شامالً لجميع كماالت أمته وغاية ال يمكن ّ
ألمته أمة} قد ّ
{إن إبراهيم كان ّ
الوصول إلى رتبة إال وهى دونه ،فهو مجموع كماالت قومه وال يصل إليهم الكمال في صفة من صفات الخير
والسعادة إال بواسطته بل وجوداتهم فائضة من وجوده فهو وحده أمة الجتماعهم بالحقيقة في ذاته ،ولهذا قال عليه
الصالة والسالم" :لو وزنت بأمتي لرجحت بهم"{ .قانتاً} هلل مطيعاً له ،منقاداً بحيث ال يتحرك منه شعرة إال بأمره
الستيالء سلطان التوحيد عليه ومحو صفاته بصفاته ،واتحاده بذاته ،ولهذا سمي خليل هللا لمخالة الحق إياه في
شهوده .فخّلته عبارة عن مزج بقية من ذاته تؤذن باإلثنينية أما ترى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لما لم يبق منه
شيء من بقيته سمي حبيب هللا فمحو صفاته في صفات الحق بالكلية وبقاء أثر من ذاته دون العين قنوته هلل وإال
اَّللِ} [النحل ،اآلية{ ]127 :حنيفاً} مائالً
ك ِإالَّ ِب َّ
ص ْب ُر َ
{و َما َ
كان قانتاً باهلل ال هلل ،كما قال لمحمد عليه الصالة والسالمَ :
عن كل باطل حتى عن وجوده ووجود كل ما سواه تعالى معرضاً عن إثباته .وما كان {من المشركين} بنسبة الوجود
والتأثير إلى الغير{ .شاك اًر ألنعمه} أي :مستعمالً لها على الوجه الذي ينبغي لكونه متصرفاً فيها بصفات هللا فتكون
أفعاله إلهية مقصودة لذاتها ال لغرض فال يمكنه وال يسعه إال توجيه كل نعمة إلى ما هو كمالها على مقتضى الحكمة
اإللهية والعناية السرمدية {اجتباه} اختاره في العناية األولى بال توسط عمل منه وكذا لكونه من المحبوبين الذين سبقت
لهم منه الحسنى ،فتتقدم كشوفهم على سلوكهم {وهداه إلى صراط مستقيم} أي :بعد الكشف والتوحيد والوصول إلى
ورده من الوحدة إلى الكثرة وإلى الفرق بعد الجمع إلعطاء كل ذي
عين الجمع هداه إلى سلوك صراطه ليقتدي بهّ ،
للنبوة.
حق حقه من مراتب التفاصيل ،وتبيين أحكام التجليات في مقام التمكين واالستقامة وإال لم يصلح ّ
{وآتيناه في الدنيا حسنة} من تمتيعه بالحظوظ لتتقوى نفسه على تقنين القوانين الشرعية والقيام بحقوق العبودية في
اه ْم ُّمْلكاً َع ِظيماً} {وآتَْيَن ُ
المْلك العظيم مع النبوة ،كما قالَ : مقام االستقامة واإلطاقة بحمل أعباء الرسالة {وآتيناه} ُ
{و َج َعْلَنا َل ُه ْم لِ َسا َن
[النساء ،اآلية ]54 :ليتمكن من تقرير الشريعة ويضطلع بأحكام الدعوة والذكر الجميل كما قالَ :
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ٍ ِ
يم}
ين َسالَ ٌم َعَل ٰى إ ْب َراه َ {وتَ َرْكَنا َعَل ْيه في اآلخ ِر َ
ص ْدق َعلّياً} [مريم ،اآلية ]50 :والصالة والسالم عليه كما قالَ :
يه ي ْخَتلُِفو َن * ْادعُ ِإَل ٰى سِب ِ ِِ ِ ام ِة ِ ِِ َّ ِ ِإَّن َما ُج ِع َل َّ
يل َ يما َك ُانوْا ف َ
فَ اخَتَلُفوْا فيه َوإِ َّن َرب َ
َّك َلَي ْح ُك ُم َب ْيَن ُه ْم َي ْوَم اْلقَي َ ين ْ
الس ْب ُت َعَل ٰى الذ َ
ِ ِِ َِّ ِ ِ ِ ربِك ِباْل ِح ْكم ِة واْلمو ِع َ ِ
َعَل ُم ِباْل ُم ْهتَد َ
ين ض َّل َعن َسِبيله َو ُه َو أ ِْب َمن َ َعَل ُم َح َس ُن ِإ َّن َرب َ
َّك ُه َو أ ْ ظة اْل َح َسَنة َو َٰجدْل ُهم ِبالتي ه َي أ ْ َ َ َْ َّ َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ينلصاِبر َ صَب ْرتُ ْم َل ُه َو َخ ْيٌر ّل َّ ِ ِ ِ
* َوإِ ْن َعا َق ْبتُ ْم َف َعاقُبوْا بم ْثل َما ُعوق ْبتُ ْم به َوَلئن َ
{إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه} أي :ما ُف ِرض عليك إنما فرض عليهم فال يلزمك اتباع موسى في ذلك بل
{ادع إلى سبيل رّبك} الخ ،أي :لتكن دعوتك منحصرة في هذه الوجوه الثالثة ألن المدعو إما أن يكون
اتباع إبراهيمْ .
خالياً عن اإلنكار أو ال ،فإن كان خالياً لكونه في مقام الجهل البسيط غير معتقد لشيء ،فإما أن يكون مستعداً غير
قاصر عن درك البرهان بل يكون برهاني الطباع أو ال .فإن كان األول فادعه بالحكمة وكلمه بالبرهان والحجة واهده
إلى صراط التوحيد بالمعرفة ،وإن كان قاصر االستعداد فادعه بالموعظة الحسنة والنصيحة البالغة من اإلنذار والبشارة
والوعد والوعيد والزجر والترهيب واللطف والترغيب ،وإن كان منك اًر ذا جهل مركب واعتقاد باطل فجادله بالطريقة التي
هي أحسن من إبطال معتقده بما يلزم من مذهبه بالرفق والمداراة على وجه يلوح له أنك تثبت الحق وتبطل الباطل ال
ضل عن سبيله} في األزل لشقاوته األصلية فال ينجع فيه أحد هذه الطرق{إن ربك هو أعلم بمن ّ غرض لك سواهّ .
المستعدين ،القابلين للهداية لصفاء الفطرة .
ّ الثالثة {وهو أعلم بالمهتدين}
َّ ِ َّ ِ ض ْي ٍق ِّم َّما َي ْم ُك ُرو َن * ِإ َّن َّ ِ واصِبر وما صبرك ِإالَّ ِب َّ ِ
ين اتََّقوْا َّوالذ َ
ين ُهم َّللاَ َم َع الذ َ اَّلل َوالَ تَ ْح َزْن َعَل ْي ِه ْم َوالَ تَ ُك في َ َ ْ ْ َ َ َ ُْ َ
ُّم ْح ِسُنو َن
أن الصبر أقسام :صبر هلل ،وصبر في هللا ،وصبر مع هللا ،وصبر عن هللا، اصِبر وما صبرك إال باهلل} اعلم ّ
{و ْ
وصبر باهلل .فالصبر هلل هو من لوازم اإليمان وأول درجات أهل اإلسالم .قال النبي عليه الصالة والسالم" :اإليمان
نصفان ،نصف صبر ونصف شكر" ،وهو حبس النفس عن الجزع عند فوات مرغوب أو وقوع مكروه ،وهو من
فضائل األخالق الموهوبة من فضل هللا ألهل دينه وطاعته المقتضى للثواب الجزيل .والصبر في هللا هو الثبات في
وقوة العزيمة
البلياتّ ،
سلوك طريق الحق ،وتوطين النفس على المجاهدة باالختيار ،وترك المألوفات واللذات ،وتحمل ّ
في التوجه إلى منبع الكماالت ،وهو من مقامات السالكين ،يهبه هللا لمن يشاء من فضله من أهل الطريقة .والصبر
التعرض لتجليات الجمال والجالل،
جرد عن مالبس األفعال والصفات ،و ّ مع هللا هو ألهل الحضور ،والكشف عند الت ّ
وتوارد واردات األنس والهيبة ،فهو بحضور القلب لمن كان له قلب ،واالحتراس عن الغفلة والغيبة عند التلوينات
أي :صابر الحبيب الصبر ،فاستغاث به الصبر عند إشرافه على النفاد فصاح المحب بالصبر صب اًر على النفاد
والهالك ،فإن فيه النجاح والفالح .والصبر باهلل هو ألهل التمكين في مقام االستقامة الذين أفناهم هللا بالكلية وما ترك
عليهم شيئاً من بقية األنية واإلثنينية ثم وهب لهم وجوداً من ذاته حتى قاموا به وفعلوا بصفاته وهو من أخالق هللا
تعالى ليس ألحد فيه نصيب ولهذا أمره به .ثم ّبين أن ذلك الصبر الذي أمرت به ليس من سائر أقسام الصبر حتى
"شيبتني يكون بنفسك أو بقلبك بل هو صبري ال تباشره إال بي وال تطيقه إال ّ
بقوتي ،ولعدم وفاء قوته بهذا الصبر قالّ :
سورة هود
".
{وال تحزن عليهم} بالتلوين بظهور القلب بصفته ألن صاحب هذا الصبر يرى األشياء بعين الحق فكل ما يصدر
بصره بأنوع التجليات
عنهم يراه فعل هللا وكل صفة تظهر عليهم يراه تجلياً من تجلياته وينكر المنكر بحكمه ألن هللا ّ
وعرفه أحكامه وأمره بإنفاذ األحكام في مواقعها{ .وال تك في ضيق هما يمكرون} القهرية واللطفية والغضبية والرضوية ّ
النشراح صدرك بي ،فكن معهم كما تراني معهم سائ اًر بسيري قائماً بي وبأمري.
{إن هللا مع الذين اتّقوا} بقاياهم وأنياتهم باالستهالك في الوحدة واالستغراق في عين الجمع {واللذين هم ُم ْح ِسنون}
ّ
بشهود الوحدة في عين الكثرة،والطاعة في عين المعصية ،والقيام باألمر والنهي في مقام االستقامة ،وإبقاء حقوق
التفاصيل في عين الجمع ،فال يحجبهم الفرق عن الجمع وال الجمع عن الفرق ،ويسعهم مراعاة الحق والخلق للرجوع
إلى الكثرة بوجود القلب الحقاني.
ّ
صا َّال ِذي َب َارْكَنا َح ْوَل ُه لُِن ِرَي ُه ِم ْن َآي ِاتَنآ ِإَّن ُه ُهَو ِِ ِ ِِ ِ ِ ِِ
َس َر ٰى ب َع ْبده َل ْيالً ّم َن اْل َم ْسجد اْل َح َار ِم إَل ٰى اْل َم ْسجد األَْق َ
سبح َّ ِ
ان الذى أ ْ ُْ َ َ
الس ِميع الب ِ
ص ُير َّ ُ َ
{لنريه من آياتنا} مشاهدة الصفات ،فإن مطالعة تجليات الصفات وإن كانت في مقام القلب لكن الذات الموصوفة بتلك
الصفات ال تشاهد على الكمال بصفة الجالل والجمال إال عند الترقي إلى مقام الروح ،أي :لنريه آيات صفاتنا من
جهة أنها منسوبة إلينا ونحن المشاهدون بها ،البارزون بصورها {إنه هو السميع} لمناجاته في مقام السر لطلب الفناء
{البصير} بقوة استعداده وتوجهه إلى محل الشهود وانجذابه إليه بقوة المحبة وكمال الشوق.
{وآتينا موسى} القلب كتاب العلم {وجعلناه هدى لبني إسرائيل} أي :القوى التي هي أسباط إسرائيل الروح {أالّ تتخذوا
من دوني وكيالً} ال تستبدوا بأفعالكم وال تستقلوا بطلب كماالتكم وحظوظكم وال تكتسبوا بمقتضى دواعيكم وال تكلوا
فيسول لكم اللذات البدنية وال إلى عقل المعاش فيستعملكم في ترتيبه وإصالحه ،بل كلوا
أمركم إلى شيطان الوهم ّ
أمركم إلي ألدبركم بأرزاق العلوم والمعارف وهيئات األخالق والفضائل ،وأكملكم بإمداد األنوار من عالم القلب والروح
ّ
بتأييد القدس وأنزل عليكم من عوالم الملكوت والجبروت ما يغنيكم عن مكاسب الناسوت أعني {ذرية من حملنا مع
نوح} العقل في فلك الشريعة والحكمة العملية {إنه كان عبداً شكو اًر} لمعرفته ِبِنعم هللا واستعمالها على الوجه الذي
ينبغي.
{فإذا جاء وعد أوالهما} أي :وعد وبال أوالهما {بعثنا عليكم عباداً لنا} من الصفات القلبية واألنوار الملكوتية واآلراء
العقلية {أولي ٍ
بأس شديد} ذوي سلطنة وقهر {فجاسوا خالل} ديار أماكنكم ومحالكم وقتلوا بعضكم بالقمع والقهر وسبوا
الحسية واللذات البهيمية والسبعية {وكان وعداً} على
ّ ذراري الهيئات البدنية والرذائل النفسانية ونهبوا أموال المدركات
هللا {مفعوالً} إليداعه قوة الكمال وطلبه في استعدادكم وتركيزه أدلة العقل في فطرتكم.
{إن أحسنتم} بتحصيل الكماالت الخلقية واآلراء العقلية {أحسنتم ألنفسكم وإن أسأتم} باكتساب الرذائل والهيئات البدنية
{فلها فإذا جاء وعد} المرة {اآلخرة} بالفناء في التوحيد بعثنا عليكم عباداً من األنوار القدسية والتجليات الجاللية
والسبحات القهرية من الصفات اإللهية وجنود سلطان العظمة والكبرياء {ليسوؤوا وجوهكم} أي :وجوداتكم بالفناء في
التوحيد ،فيغلب عليكم كآبة فقدان الكماالت بقهرها وسلبها {وليدخلوا} مسجد القلب {كما دخلوه أول مرة} ووصل أثرها
عليكم من العلوم والفضائل {وليتبروا ما علوا} بالظهور بكماله وفضيلته واإلعجاب برؤية زينته وبهجته {تتبي اًر} باإلفناء
بصفات هللا{ .عسى ربكم أن يرحمكم} بعد القهر بالفناء والمحو بتجليات الصفات باإلحياء ويبعثكم بالبقاء بعد الفناء،
ويثيبكم بما ال عين رأت وال أذن سمعت وال خطر على قلب بشر{ .وإن عدتم} بالتلوين في مقام الفناء بالظهور
دت تَرَكن ِإَلي ِهم َشيئاً َقلِيالً ِإذاً أل َذ ْقن ِ ِ
ف
اك ض ْع َ
َ َ اك َلَق ْد ك َّ ْ ُ ْ ْ ْ {وَل ْوالَ أَن ثَب َّْتَن َ
بأنائيتكم {عدنا} بالقهر واإلفناء كما قال تعالىَ :
صي اًر} [اإلسراء ،اآليات{ ]75-74 :وجعلنا جهنم} الطبيعة {للكافرين} ات ثُ َّم الَ تَ ِجد َلك عَلينا ن ِ ِ ِ
ضعف اْلمم ِ
ُ َ َ َْ َ اْل َحَياة َو ْ َ َ َ
المحجوبين عن األنوار ،الذين بقوا على فساد المرة األولى {حصي اًر} محبساً وسجناً يحصرهم في عذاب االحتجاب
والحرمان عن الثواب.
َن َلهم أَج اًر َكِبي اًر * وأ َّ َّ ِ ِإ َّن هـٰ َذا اْلُقرآن يه ِدي لَِّلِتي ِهي أَ ْقوم ويب ِّشر اْلمؤ ِمِنين َّال ِذين يعمُلون َّ ِ ِ
ين الََن الذ َ الصال َحات أ َّ ُ ْ ْ َ َْ َ َ َ َ ُ َ َُ ُ ُ ْ َ ْ َ َْ َ
َّ َعتَ ْدَنا َلهم َع َذاباً أَلِيماً * وَي ْدعُ ِ ِ
يل
ان َع ُجوالً * َو َج َعْلَنا ال َ
ان ِ
اإل ْن َس ُ آءهُ ِباْل َخ ْي ِر َوَك َ اإل ْن َس ُ ِ َّ ِ
ان بالشّر ُد َع َ َ ُْ ُي ْؤ ِمُنو َن ِباآلخ َرِة أ ْ
ِ ِكم ولِتَعَلموْا عدد ِ ِ ِ ِ النهار آيتَي ِن َفمحوَنآ آي َة َّال ِ
اب َوُك َّلين َواْلح َس َ
السن َ
ضالً ّمن َّرّب ُ ْ َ ْ ُ َ َ َ ّ الن َه ِار ُم ْبص َرًة لِتَْبتَ ُغوْا َف ْ
يل َو َج َعْلَنآ َآي َة َّ َو َّ َ َ َ ْ َ َ ْ َ
صْلناه تَْف ِ
صيالً ٍ
َش ْيء َف َّ َ ُ
{إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} أي :يبين أحوال الفرق الثالث من السابقين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال ّ
{ويبشر المؤمنين} من أصحاب اليمين الذين آمنوا تقليداً
ّ يهدي إلى طريقة التوحيد التي هي أقوم الطرق للسابقين
جازماً أو تحقيقاً علمياً وداوموا على أعمال التزكية والتحلية الصالحة ألن يتوصل بها إلى الكمال {أن لهم أج اًر كبي اًر}
أن الذين ال يؤمنون} من أصحاب الشمال من نعيم جنات األفعال والصفات في عوالم الملك والملكوت والجبروت{ .و ّ
{باآلخرة} لكونهم بدنيين محجوبين عن عالم النور ،محبوسين في ظلمات الطبيعة {أعتدنا لهم عذاباً أليماً} في قعر
سجين الطبيعة ،مقيدين بسالسل محبة السفليات وأغالل التعلقات ونيران الحرمان عن اللذات والشهوات ،والتعذب
الحيات من غواسق الهيئات.
بالعقارب و ّ
{وجعلنا} ليل الكون وظلمة البدن ونهار اإلبداع ونور الروح يتوصل بهما وبمعرفتهما إلى معرفة الذات والصفات
{فمحونا آية الليل} بالفساد والفناء {وجعلنا آية النهار} بينة باقية أبداً ،منيرة بكمالها ،تبصر بنورها الحقائق {لتبتغوا
تستعدونه {ولتعلموا عدد} المراتب والمقامات أي :لتحصوها من أول حال بدايتكم
ّ فضالً من رّبكم} أي :كمالكم الذي
إلى كبر نهايتكم بالترقي فيها وحساب أعمالكم وأخالقكم وأحوالكم ،فال تجدوا شيئاً من سيئات أعمالكم إال وتكفرونه
بحسنة مما يقابله من جنسه وال رذيلة من أخالقكم إال وتكفرونها بضدها من الفضيلة ،وال ذنباً من ذنوب أحوالكم إال
وتكفرونه باإلنابة إلى جناب الحق {وكل شيء} من العلوم والحكم {فصلناه} بنور عقولكم عند الكمال ونزول العقل
الفرقاني {تفصيالً} أي :علماً تفصيلياً مستحض اًر ال إجمالياً مغفوالً عنه كما في العقل القرآني عند البداية.
ام ِة ِكتَاباً َيْلَقاهُ َم ْن ُشو اًر * ا ْق َ ْأر ِك ٰتََب َك َكَف ٰى ِبَنْف ِس َك اْلَي ْوَم َعَل ْي َك ِ ِِ ان أَْل َزمَناه َ ِ ِ
طآئ َرهُ في ُعُنقه َوُن ْخ ِرُج َل ُه َي ْوَم اْلقَي َ
ِ
َوُك َّل إ ْن َس ٍ ْ ُ
ِ ح ِسيباً * َّم ِن اهتَد ٰى َفِإَّنما يهتَدي لِنْف ِس ِه ومن ض َّل َفِإَّنما ي ِ
ين َحتَّ ٰى ُخ َر ٰى َو َما ُكَّنا ُم َع ّذِب َ
ض ُّل َعَل ْي َها َوالَ تَ ِزُر َو ِازَرةٌ ِوْزَر أ ْ َ َ ََ َ َ َ َْ َْ َ
َهَل ْكَنا ِم َن ِ
اها تَ ْدمي اًر * َوَك ْم أ ْ
يها َف َح َّق َعَل ْي َها اْلَق ْو ُل َف َد َّم ْرَن َ
ِ
َم ْرَنا ُم ْت َرِف َ
يها َفَف َسُقوْا ف َ
ِ
َن ْب َع َث َرُسوالً * َوإِ َذآ أ ََرْدَنآ أَن ُّن ْهل َك َق ْرَي ًة أ َ
ير ب ِ ِ ِ ِِ ِ ِ
صي اًر ِك ِب ُذُنوب عَباده َخِب َاً َ اْلُق ُرو ِن من َب ْعد ُنو ٍح َوَكَف ٰى ِب َرّب َ
{وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} أي :جعلنا سعادته وشقاوته وسبب خيره وشره الزماً لذاته لزوم الطوق في
العنق ،كما قال" :السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقى في بطن أمه"{ .ونخرج له َي ْوم القيامة} الصغرى عند
ّ
الخروج من قبر جسده {كتاباً} هيكالً مصو اًر بصور أعماله مقّلداً في عنقه {يلقاه} للزومه إياه {منشو اًر} لظهور تلك
الهيئات فيه بالفعل مفصلة ال مطوياً كما كان عند كونها فيه بالقوة ،يقال له{ :اق أر كتابك} أي :اقرأه قراءة المأمور
الممتثل ألمر آمر مطاع يأمره بالقراءة ،أو تأمره القوى الملكوتية سواء كان قارئاً أو غير قارئ ،ألن األعمال هناك
ممثلة بهيئاتها وصورها يعرفها كل أحد ال على سبيل الكتابة بالحروف فال يعرفها األمي {كفى بنفسك اليوم عليك
ّ
حسيباً} ألن نفسه تشاهد ما فعلته الزماً إياها نصب عينها مفصالً ال يمكنها اإلنكار ،فبين لها غيرها {وال تزر وازرة
ِوْزَر أخرى} لرسوخ هيئة ما فعلته فيها وصيرورتها ملكة الزمة دون الذي فعل غيرها ،ولم يعرض لها منه شيء ،وإنما
يتعذب من يتعذب بالهيئات التي فيه ال من خارج.
{وما َّ
كنا ُم َعذبين حتى َن ْبعث رسوالً} رسول العقل بإلزام الحجة وتمييز الحق والباطل .أال ترى أن الصبي والسفيه غير
الشر والسعادة والشقاوة بسببه ومقابلته باإلقرار
مكلفين؟ ،أو رسول الشرع لظهور ما في االستعداد من الخير و ّ
واإلنكار ،فإن المستعد للكمال يتحرك ما فيه بالقوة عند سماع الدعوة فيشتاق ويطلب متلقياً لها باإلقرار والقبول لما
يدعوه إليه لمناسبته إياه وقربه وغير المستعد ينكر ويعاند لمنافاته لما يدعوه إليه ويعده.
إن لكل شيء من الدنيا زواالً وزواله بحصول استعداد يقتضي ذلك .وكما أن زوال
{وإذا أردنا أن نهلك قرية} الخّ ،
البدن بزوال االعتدال وحصول انحراف يبعده عن ظل الوحدة التي هي سبب بقاء كل شيء وثباته فكذلك هالك
المدينة وزوالها بحدوث انحراف فيها عن الجادة المستقيمة التي هي صراط هللا وهي الشريعة الحافظة للنظام ،فإذا جاء
اجَل َة ع َّجْلَنا َله ِفيها ما َن َشآء لِمن ُّن ِر ُيد ثُ َّم جعْلَنا َله جهَّنم يصالها م ْذموماً َّم ْدحو اًر * وم ْن أَرَاد ِ
اآلخ َرَة ََ َ ُ ََ ُ ََ َ َ ْ َ َ ُ ُ َ ُ َ َ ان ُي ِر ُيد اْل َع ِ َ َّمن َك َ
الء ِمن ع َ ِ الء وهـٰؤ ِِ ًّ ِ ِ
آء
طُ ان َع َ
ِك َو َما َك َ
طآء َرّب َ ْ َ َو َس َع ٰى َل َها َس ْعَي َها َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن َفأُوَلئ َك َك َ
ان َس ْعُي ُهم َّم ْش ُكو اًر * ُكال ُّنمُّد َهـ ُٰؤ َ َ ُ
ات وأَ ْكبر َتْف ٍِ ِ ض ُهم َعَل ٰى َب ْع ٍ ف َف َّ
ال
ضي ً ض َوَلآلخ َرةُ أَ ْكَب ُر َد َرَج َ َ ُ ضْلَنا َب ْع َ ْ ظ ْر َك ْي َظو اًر * ان ُ ِك َم ْح ُ َرّب َ
ِ ِ َّ َّللاِ ِإَلـٰهاً آخر َفتَْقعد م ْذموماً َّم ْخ ُذوالً * وَقضى رب َّ الَّ تَ ْج َعل َم َع
ُّك أَال تَ ْعُب ُدوْا ِإال ِإيَّاهُ َوبِاْلَوال َد ْي ِن ِإ ْح َساناً ِإ َّما َيْبُل َغ َّن ع َند َ
ك َ َ ٰ َ َ ََ َُ َ ُ َّ
الر ْح َم ِة
الذ ِّل ِم َن َّاخِفض َلهما جَناح ُّ َّ
ُف َوالَ تَْن َه ْرُه َما َوُقل ل ُه َما َق ْوالً َك ِريماً * َو ْ ْ ُ َ َ َ
أَو ِكالَهما َفالَ تَُقل َّلهمآ أ ٍ
َُ ّ َُ ْ َح ُد ُه َما ِ
اْلكَب َر أ َ
ونوْا صالِ ِحين َفِإَّنه َك ِ ُّكم أ ِ ِ وُقل َّر ِب ارحمهما َكما ربَّي ِاني ِ
ين َغُفو اًر * ان لألََّواِب ََ ُ َ ِ ِ
َعَل ُم ب َما في ُنُفوس ُك ْم إن تَ ُك ُ َ صغي اًر * َّرب ُ ْ ْ َ ّ ْ ََُْ َ َ َ َ
طان ِلرب ِ الشي ِ ِ ِ ِ السِب ِ ِ ِ ِ
ِهالش ْي َ ُ َ ّ ان َّ ين َوَك َ اط ِ ان َّ َ ين َك ُانوْا ِإ ْخ َو َ
يل َوالَ تَُب ّذ ْر تَْبذي اًر * ِإ َّن اْل ُمَب ّذ ِر َ َوآت َذا اْلُق ْرَب ٰى َحَّق ُه َواْلم ْسك َ
ين َو ْاب َن َّ
ك َم ْغُلوَل ًة ِإَل ٰى ُعُنِق َك َّ ٍ ِ ِ
وها َفُقل ل ُه ْم َق ْوالً َّم ْي ُسو اًر * َوالَ تَ ْج َع ْل َي َد َِك تَ ْر ُج َ
آء َر ْح َمة ّمن َّرّب َ َكُفو اًر * َوإِ َّما تُ ْع ِر َ
ض َّن َع ْن ُه ُم ْابت َغ َ
الرْز َق لِمن ي َشآء ويْق ِدر ِإَّنه َكان ِب ِعب ِادِه خِبي اًر ب ِ ِ
صي اًر * َ َ ُ ََ ُ ُ َ َ َ َ ط ِّ َّك َي ْب ُس ُط َها ُك َّل اْلَب ْسط َفتَْق ُع َد َمُلوماً َّم ْح ُسو اًر * ِإ َّن َرب َ َوالَ تَْب ُس ْ
ِ ان ِخ ْ
آء
ان َفاح َش ًة َو َس َ الزَن ٰى ِإَّن ُه َك َ
طئاً َكِبي اًر * َوالَ تَْق َرُبوْا ِّ إن َق ْتَل ُه ْم َك َاكم َّ الد ُكم َخ ْشَي َة ِإ ْم ٍ
الق َّن ْح ُن َن ْرُزُق ُه ْم َوإَِّي ُ َوالَ تَْقُتُلوْا أ َْو َ ْ
طاناً َفالَ ُي ْس ِرف ِّفي اْلَق ْت ِل ِإَّن ُه ظُلوماً َفَق ْد َج َعْلَنا لَِولِِّي ِه ُسْل َ
الح ِّق َو َمن ُقِت َل َم ْ النْفس َّالِتي حَّرم َّ َّ
َّللاُ ِإال ِب َ َ َ َسِبيالً * َوالَ تَْقُتُلوْا َّ َ
ِ ِ َّ َِّ ِ
ان َم ْس ُؤوالً * َشَّدهُ َوأ َْوُفوْا ِباْل َع ْهد ِإ َّن اْل َع ْه َد َك َ
َح َس ُن َحتَّ ٰى َيْبُل َغ أ ُ ال اْلَيتي ِم ِإال ِبالتي ه َي أ ْ
صو اًر * َوالَ تَْق َرُبوْا َم َ ان َم ْن َُك َ
ف َما َل ْي َس َل َك ِب ِه ِعْل ٌم ِإ َّن َّ
الس ْم َع َح َس ُن تَأ ِْويالً * َوالَ تَْق ُ
ِ ِٰ ط ِ
اس اْل ُم ْستَقي ِم ذل َك َخ ْيٌر َوأ ْ َوأ َْوُفوا اْل َكْي َل ِإذا ِكْلتُ ْم َوِزُنوْا ِبال ِق ْس َ
ِ ش ِفي األ َْر ِ ِ
طوالً
ال ُض َوَلن تَْبُل َغ اْلجَب َ ض َم َرحاً ِإَّن َك َلن تَ ْخر َ
ِق األَْر َ ان َع ْن ُه م ْس ُؤوالً * والَ تَ ْم ِ
َ َ ص َر َواْلُف َؤ َاد ُك ُّل أُولـٰئ َك َك َ
َواْلَب َ
آخ َر َفُتْلَق ٰى ِفي * ُك ُّل ٰذلِك َكان سِيُئه ِعند ربِك م ْكروهاً * َذلِك ِم َّمآ أَوحى ِإَليك ربُّك ِمن اْل ِح ْكم ِة والَ تجعل مع َّ ِ
َّللا ِإَلـٰهاً َ َ َ ََْ ْ َ َ َْٰ َْ َ َ َ َ َ َ َ ّ ُ َْ َّ َ َ ُ
صَّرْفَنا ِفي ِ ِ ِِ ِ َّ ِ ِ
ُّكم ِباْلَبن َ
ين َوات َخ َذ م َن اْل َمالئ َكة إَناثاً إَّن ُك ْم َلتَُقوُلو َن َق ْوالً َعظيماً * َوَلَق ْد َ اك ْم َرب ُ
َصَف َُج َهَّن َم َمُلوماً َّم ْد ُحو اًر * أََفأ ْ
ش َسِبيالً * ان م َع ُه آلِ َه ٌة َكما َيُقوُلو َن ِإذاً الَّْبتَ َغ ْوْا ِإَل ٰى ِذي اْل َع ْر ِ َّ ِ َّ َهـٰ َذا اْلُق ْر ِ ِ َّ َّ
َ آن لَيذك ُروْا َو َما َي ِز ُيد ُه ْم إال ُنُفو اًر * ُق ْل ل ْو َك َ َ
ض َو َمن ِفي ِه َّن َوِإن ِّمن َشي ٍء ِإالَّ ُي َسِّب ُح ِب َح ْم ِدِه ُس ْب َح َان ُه َوتَ َعاَل ٰى َع َّما َيُقوُلو َن ُعُلّواً َكِبي اًر * تُ َسِّب ُح َل ُه َّ
الس َٰم َٰو ُت َّ
الس ْب ُع َواأل َْر ُ
ْ
ان َحلِيماً َغُفو اًر ِ َّ
يح ُه ْم ِإَّن ُه َك َ
َوَلـٰكن ال تَْفَق ُهو َن تَ ْسِب َ
".
قرن سبحانه وتعالى إحسان الوالدين بالتوحيد وتخصيصه بالعبادة ألنه من مقتضى التوحيد لكونهما مناسبين للحضرة
اإللهية في سببيتهما لوجودك وللحضرة الربوبية لتربيتهما إياك ،عاج اًز ،صغي اًر ،ضعيفاً ال قدرة لك وال حراك بك ،وهما
أول مظهر ظهر فيه آثار صفات هللا تعالى من اإليجاد والربوبية والرحمة والرأفة بالنسبة إليك ومع ذلك فإنهما
فأهم الواجبات بعد التوحيد إذن إحسانهما والقيام بحقوقهما ما
غني عن ذلكّ ، محتاجان إلى قضاء حقوقهما وهللا
ّ
أمكن.
إن لكل شيء خاصية ليست لغيره ،وكماالً يخصه دون ما عداه ،يشتاقه ويطلبه {تسبح له السماوات السبع} إلى آخرهّ ،
ّ
ينزه هللا عن الشريك وإال لم يكن متوحداً فيها،
إذا لم يكن حاصالً له ويحفظه ويحبه إذا حصل فهو بإظهار خاصيته ّ
كملني،
فكأنه يقول بلسان الحال :أوحده على ما وحدني ،ويطلب كماله ينزهه عن صفات النقص كأنه يقول :يا كامل ّ
أن اللبوة مثالً بإشفاقها على ولدها تقول :أرأفني
المكمل .وعلى هذا القياس ،حتى ّ
وبإظهار كماله يقول :كملني الكامل ُ
الرؤوف وأرحمني الرحيم .وبطلب الرزق :يا رزاق ،فالسماوات السبع تسبحه بالديمومة والكمال و ّ
العلو والتأثير واإليجاد
والربوبية ،وبأنه كل يوم هو في شأن ،واألرض بالدوام والثبات والخالقية والرزاقية والتربية واإلشفاق والرحمة وقبول
بالتجرد عن المادة والوجوب
ّ المجردة منهم
ّ الطاعة والشكر عليها بالثواب ،وأمثال ذلك .والمالئكة بالعلم والقدرة والذوات
مقدسون له {ولكن ال تفقهون تسبيحهم} لقلة النظر والفكر في ملكوت أيضاً مع ذلك كله فهم مع كونهم مسبحين ّإياهّ ،
الس ْم َع َو ُه َو َش ِه ٌيد} [ق ،اآليةَّ .]37 :
{إنه كان حليماً} ال ان َل ُه َقْل ٌب أ َْو أَْلَقى َّ
{ك َ
األشياء وعدم اإلصغاء إليهم وإنما يفقه َ
يعاجلكم بترك التسبيح في طلب كماالتكم وإظهار خواصكم ،فإن من خواصكم تفقه تسبيحهم وتوحيده كما وحدوه
{غفو اًر} يغفر لكم غفالتكم وإهماالتكم.
اآلخرِة ِحجاب ًا َّمستُو اًر * وجعْلَنا عَلى ُقُلوبِ ِهم أ ِ ِ َّ ِ
َكَّن ًة أَن َيْفَق ُهوهُ َوِفي ْ َ ََ َ ٰ ْ ين الَ ُي ْؤ ِمُنو َن ِب َ َ آن َج َعْلَنا َب ْيَن َك َوَب ْي َن الذ َ
ْت اْلُقر َ َوإِ َذا َق َأر َ
ان َو ْح َدهُ َوَّل ْوْا َعَل ٰى أ َْد َٰب ِرِه ْم ُنُفو اًر * َّن ْح ُن أَ ْعَل ُم ِب َما َي ْستَ ِم ُعو َن ِب ِه ِإ ْذ َي ْستَ ِم ُعو َن ِإَل ْي َك
َّك ِفي اْلُق ْرء ِ
َ
ِ
َءا َذان ِه ْم َوْق اًر َوِإ َذا َذ َك ْر َت َرب َ
يعو َن ِ َف ُّ الظالِ ُمو َن ِإن تَتَِّب ُعو َن ِإالَّ َر ُجالً َّم ْس ُحو اًر * ْان ُ
نجو ٰى ِإ ْذ يُقول َّ
ضلوْا َفالَ َي ْستَط ْ َ ال
ض َرُبوْا َل َك األ َْمثَ َ
ف َظ ْر َك ْي َ َ ُ َ َْ َوإِ ْذ ُه ْم
* أ َْو َخْلقاً ِّم َّما َي ْكُب ُر ِ
ونوْا ِح َج َارًة أَ ْو َحديداً ِ ِ ِ
* َوَقاُلوْا أ َِء َذا ُكَّنا ع َ َسِبيالً
ظاماً َوُرَفاتاً أَءَّنا َل َم ْب ُعوثُو َن َخْلقاً َجديداً * ُق ْل ُك ُ
وس ُه ْم َوَيُقوُلو َن َمتَ ٰى ُه َو ُق ْل َع َس ٰى أَن ط َرُكم أََّول مَّرٍة َفسُي ْن ِغ ُ ِ ِ َّ ِ ِ ص ُد ِ ِ
ضو َن إَل ْي َك ُرُؤ َ ورُك ْم َف َسَيُقوُلو َن َمن ُيع ُيدَنا ُقل الذي َف َ ْ َ َ َ في ُ
َح َس ُن ِإ َّن َِّ ِ ِِ ِ َّ ِ َّ وك ْم َفتَ ْستَ ِج ُيبو َن ِب َح ْم ِدِه َوَت ُ
ظُّنو َن ِإن لِب ْثتُ ْم ِإال َقليالً * َوُقل ّلعَبادي َيُقوُلوْا التي ه َي أ ْ َي ُكو َن َق ِريباً * َي ْوَم َي ْد ُع ُ
َعَل ُم ِب ُك ْم ِإن َي َش ْأ َي ْرَح ْم ُك ْم أ َْو ِإن َي َش ْأ ُي َع ِّذ ْب ُك ْم َو َمآ ان َع ُدّواً ُّمِبيناً * َّرب ُ
ُّك ْم أ ْ إل ْن َس ِان ِل ِان َك َ طَ ان َي َنزغُ َب ْيَنهم ِإ َّن َّ
الش ْي َ ُْ طَ َّ
الش ْي َ
ود َزُبو اًر ض َوآتَْيَنا َد ُاو َ ين َعَل ٰى َب ْع ٍ النِبِّي َ
ض َّ ضْلَنا َب ْع َض َوَلَق ْد َف َّ الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ أَرسْلَناك عَلي ِهم و ِكيالً * وربُّك أ ِ ِ
َعَل ُم ب َم ْن في َّ َ َ َ ََ َ ْ َْ َ َ ْ ْ َ
ِ َّ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
َرّب ِِه ُم ين َي ْد ُعو َن َي ْبتَ ُغو َن ِإَل ٰى
الضِّر َع ْن ُك ْم َوالَ تَ ْح ِويالً * أُوَلـٰئ َك الذ َ
ف ُّ ين َزَع ْمتُم ّمن ُدوِنه َفالَ َي ْمل ُكو َن َك ْش َ * ُق ِل ْاد ُعوْا الذ َ
ِ ٍ َّ ِ
َقْب َل ان َم ْح ُذو اًر * َوِإن ّمن َق ْرَية ِإال َن ْح ُن ُم ْهل ُك َ
وها ِك َك َ اب َرّب َ ُّه ْم أَ ْق َر ُب َوَي ْر ُجو َن َر ْح َمتَ ُه َوَي َخا ُفو َن َع َذ َاب ُه ِإ َّن َع َذ َ
اْل َوِسيَل َة أَي ُ
طو اًر * وما منعنآ أَن ُّنرِسل ِباآلي ِ
ات ِإالَّ أَن َك َّذ َب ِب َها ان ٰذلِك ِفي اْل ِكتَ ِ
اب َم ْس ُ ِ ِ يو ِم اْلِقي ِ
ْ َ َ َ َ ََ ََ وها َع َذاباً َشديداً َك َ امة أ َْو ُم َع ّذُب َ
ََ َْ
ط ِب َّ َّ ِ ِ
اس َو َما الن ِ َحا َ
َّك أ َاآليات ِإال تَ ْخ ِويفاً * َوإِ ْذ ُقْلَنا َل َك ِإ َّن َرب َ ظَل ُموْا ِب َها َو َما ُن ْرِس ُل ِب َ ود َّ
النا َق َة ُم ْبص َرًة َف َ األََّوُلو َن َوآتَْيَنا َث ُم َ
آن َوُن َخِّوُف ُه ْم َف َما َي ِز ُيد ُه ْم ِإالَّ ُ
ط ْغَياناً َكِبي اًر * َوإِ ْذ ُقْلَنا ون َة ِفي الُق ْر ِ الرءَيا َّالِتي أ ََرْيَن َ ِ َّ ِ ِ ِ
اس و َّ
الش َج َرةَ اْل َمْل ُع َ اك إال ف ْتَن ًة ّل َّلن َ َج َعْلَنا ُّ ْ
َرَْيتَ َك َهـٰ َذا َّال ِذي َكَّرْم َت َعَل َّي َلِئ ْن أ َّ ِ ِ َّ ِ ِ ِ ِ
َخ ْرتَ ِن ال أ َأ
َس ُج ُد ل َم ْن َخَلْق َت طيناً * َق َ ال أَأ ْ اس ُج ُدوْا أل ََد َم َف َس َج ُدوْا إَال ِإْبل َ
يس َق َ لْل َمالئ َكة ْ
ِ ِ َّ ِ ِإَلى يو ِم اْلِقيام ِة أل ِ
استَْف ِزْز َم ِن اء َّم ْوُفو اًر * َو ْ ال ا ْذ َه ْب َف َمن تَِب َع َك م ْن ُه ْم َفِإ َّن َج َهَّن َم َج َز ُ
آؤُك ْم َج َز ً َحتَن َك َّن ُذِّريَّتَ ُه إال َقليالً * َق َ
ْ ََ ٰ َْ
طان ِإالَّ الد و ِع ْد ُهم وما َي ِع ُد ُهم َّ ِ ِ ِ ِِ ِ ِ ِ طع َت ِم ْنهم ِبصوِتك وأ ِ
الش ْي َ ُ ُ َجل ْب َعَل ْيهم ب َخْيل َك َوَرجل َك َو َش ِارْك ُه ْم في األَ ْم َوال َواأل َْو َ ْ َ َ ُْ َ ْ َ َ ْ استَ َ ْ
ْ
ُّك ُم َّال ِذي ُي ْزِجي َل ُك ُم اْلُفْل َك ِفي اْلَب ْح ِر لِتَْبتَ ُغوْا ِمن ان َوَكَف ٰى ِب َرّب َ
ِك َو ِكيالً * َّرب ُ طٌ ُغ ُرو اًر * ِإ َّن ِعَب ِادي َل ْي َس َل َك َعَل ْي ِه ْم ُسْل َ
ض َّل َمن تَ ْد ُعو َن ِإالَّ ِإيَّاهُ َفَل َّما َن َّج ُ َفضلِ ِه ِإَّنه َكان ِب ُكم رِحيماً * وِإ َذا م َّس ُكم اْل ُّ ِ
ان
ضتُ ْم َوَك َ َع َر ْ اك ْم ِإَلى اْلَبِّر أ ْ ضُّر في اْلَب ْح ِر َ َ َ ُ ُ َ ْ َ ْ
اصباً ثُ َّم الَ تَ ِج ُدوْا َل ُك ْم َو ِكيالً * أ َْم أ َِم ْنتُ ْم أَن اإل ْنسان َكُفو اًر * أََفأ َِم ْنتُم أَن ي ْخ ِسف ِب ُكم ج ِانب اْلب ِر أَو يرِسل عَلي ُكم ح ِ
ْ َ َ ْ َ َ َّ ْ ُ ْ َ َ ْ ْ َ ِ َ ُ
الري ِح َفُي ْغ ِرَق ُكم ِب َما َكَف ْرتُ ْم ثُ َّم الَ تَ ِج ُدوْا َل ُك ْم َعَل ْيَنا ِب ِه تَِبيع ًا
اصفاً ِّم َن ِّ
ُخر ٰى َفيرِسل عَلي ُكم َق ِ ِِ ِ
ُيع َيد ُك ْم فيه تَ َارًة أ ْ َ ُ ْ َ َ ْ ْ
{جعلنا بينك وبين الذين ال يؤمنون باآلخرة} لقصور نظرهم عن إدراك الروحانيات وقصر هممهم على الجسمانيات
{حجاباً مستو اًر} من الجهل وعمى القلب فال يرون حقيقة القارئ وال آمنوا وإنما ال يبصرونك ألنهم ال يحسبونك إال هذه
الصورة البشرية لكونهم بدنيين منغمسين في بحر الهيولى محجوبين بالغواشي الطبيعية ومالبس الصفات النفسانية
عن الحق وصفاته وأفعاله إذ لو عرفوا الحق لعرفوك ولو عرفوا صفاته لعرفوا كالمه ،ولم يكن على قلوبهم أكنة من
الغشاوات الطبيعية والهيئات البدنية {أن يفقهوه} ولو عرفوا أفعاله لعلموا القراءة ولم يكن {في آذانهم} وقر لرسوخ
{يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده} أي :تتعلق إرادته ببعثكم فتنبعثون في أقرب من طرفة عين حامدين له بحياتكم
وعلمكم وقدرتكم وإرادتكم حمداً واصفين له بالكمال بإظهار هذه الكماالت {وتظنون إن لبثتم إال قليالً} أي :في القبور
والمضاجع لذهولكم عن ذلك الزمان كما يجيء في قصة أصحاب (الكهف) أو في الحياة األولى الستقصاركم إياها
بالنسبة إلى الحياة اآلخرة فيتناول اللفظ القيامات الثالث ،إال أن اآلية السابقة ترجح الصغرى.
استَفزز} إلى آخره ،تمكن الشيطان من إغواء العباد على أقسام ،ألن االستعدادات متفاوتة فمن كان ضعيف
{و ْ
قوي االستعداد فإن أخلص
االستعداد استفزه أي استخفه بصوته يكفيه وسوسة وهمس بل هاجسة ولمة ،ومن كان ّ
استعداده عن شوائب الصفات النفسانية أو أخلصه هللا تعالى عن شوائب الغيرية فليس له إلى إغوائه سبيل كما قال:
الحسية غار اًز رأسه في األمور الدنيوية شاركه
ّ {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} وإال فإن كان منغمساً في الشواغل
ويسول له التمتع بهم والتكاثر والتفاخر
في أمواله وأوالده بأن يحرضه على إشراكهم باهلل في المحبة بحبهم كحب هللا ّ
بوجودهم ويمنيه األماني الكاذبة ويزين عليه اآلمال الفارغة وإن لم ينغمس فإن كان عالماً بصي اًر بتسويالته أجلب
عليه بخيله ورجله ،أي :مكر به بأنواع الحيل وكاده بصنوف الفتن وأفتى له في تحصيل أنواع الحطام والمالذ بأنها
من جملة مصالح المعاش وغره بالعلم وحمله على اإلعجاب ،وأمثال ذلك ،حتى يصير ممن أضّله هللا على علم وإن
وغره بالطاعة والتزكية أيسر ما يكون {وكفى برّبك وكيالً} أي:
لم يكن عالماً بل عابداً متنسكاً أغواه بالوعد والتمنية ّ
عبادي الخاصة ال يكلون أمرهم إال إلى هللا وحده ال إلى الشيطان وال إلى غيره ،وهو كافيهم بتدبير األمور وال يتوكلون
إال عليه بشهود أفعاله وصفاته .
بأبوتي
فلي فيه معنى شاهد ّ وإني وإن كنت ابن آدم صورة
{يوم ندعو} إلى آخره ،أي :نحضر {كل} طائفة من األمم مع شاهدهم الذي يحضرهم ويتوجهون إليه من الكمال
أم ٍة ِب َش ِه ٍيد} [النساء،
ف ِإ َذا ِج ْئَنا ِمن ُك ِّل َّ
نبي آمنوا به كما ذكر في تفسير قولهَ { :ف َك ْي َ ويعرفونه سواء كان في صورة
ّ
اآلية ]41 :أو إمام اقتدوا به أو دين أو كتاب أو ما شئت على أن تكون الباء بمعنى مع أو ننسبهم إلى إمامهم
وندعوهم باسمه لكونه هو الغالب عليهم وعلى أمرهم المستعلي محبتهم إياه على سائر محباتهم {فمن أوتي كتابه
{وإن كادوا ليفتنونك} الخ ،هو من باب التلوينات التي تحدث ألرباب القلوب بظهور النفس وألرباب الشهود والفناء
بوجود القلب ،فإنه عليه السالم لفرط شغفه وحرصه على إيمانهم بوجود القلب كاد يميل إليهم في بعض مقترحاتهم
ويرضى ببعض ما هو خالف شريعته ،ويضيف إلى هللا ما ليس منه طلباً للمناسبة التي كان يتوقع أن تحدث بينه
وبينهم بذلك فيحبوه كما قال{ :وإذاً التّخذوك خليالً} عسى أن يقبلوا قوله ويهتدوا به .واستمالة وتطييباً لقلوبهم عسى
فيرق حجابهم ّ
وتتنور قلوبهم ،فشدد وأقيم من عند هللا ،ولهذا قالت عائشة رضي هللا شدة إنكارهم ّ
أن يلينوا وينزلوا عن ّ
وهمت بما ليس بفضيلة ّنبه من عند هللا
عنها" :كان خلقه القرآن" تعني أنه عليه الصالة والسالم كلما ظهرت نفسه ّ
ان لَِنِب ٍي أَن وترده إلى االستقامة حتى بلغ مقام التمكين ،وهذا وأمثاله من قوله تعالى{ :ما ك تقومه ّ وثبت بتنزيل آية ّ
َ َ َ ّ
ِ
اس {وتَ ْخ َشى َّ
الن َ نك لِ َم أَذ َ
نت َل ُه ْم} [التوبة ،اآلية ،]43 :وقولهَ : َّللاُ َع َ
{عَفا َّ َي ُكو َن َل ُه أ ْ
َس َر ٰى} [األنفال ،اآلية ،]67 :وقولهَ :
{عَب َس َوتََوَّل ٰى} [عبس ،اآلية ]1 :يدل على أنه كان أكثر سلوكه َح ُّق أَن تَ ْخ َشاهُ} [األحزاب ،اآلية ،]37 :وقولهَ :َّللاُ أ َ
َو َّ
في هللا بعد الوصول في زمان النبوة وزمان الوحي .
فإن
{إذاً ألذقناك} أي :لو قاربت فتنتهم وكدت توافقهم ألذقناك عذاباً مضاعفاً في الحياة وعذاباً مضاعفاً في المماتّ ،
علو المرتبة وقوة االستعداد إذ النقصان الموجب للعذاب يقابل الكمال الموجب للذة .فكلما كان
شدة العذاب بحسب ّ ّ
أتم واإلدراك أقوى ،كانت المرتبة في الكمال والسعادة واللذة أقوى فكذا ما يقابله من النقص والشقاوة أبعد
االستعداد ّ
أشد.
وأسفل واأللم ّ
أن الصالة على خمسة أقسام :صالة المواصلة والمناغاة في مقام الخفاء ،وصالة ِ
الصالة لدلوك الشمس} اعلم ّ
{أقم َّ
السر ،وصالة الحضور في مقام القلب ،وصالة المطاوعة واالنقياد
الشهود في مقام الروح ،وصالة المناجاة في مقام ّ
في مقام النفس .فدلوك الشمس هو عالمة زوال شمس الوحدة عن االستواء على وجود العبد بالفناء المحض ،فإنه ال
صالة في حال االستواء إذ الصالة عمل يستدعي وجوداً ،وفي هذه الحالة ال وجود للعبد حتى يصلي كما ذكر في
ِ ِ
َّك َحتَّ ٰى َيأْتَي َك اْلَيق ُ
ين} [الحجر ،اآلية .]99 :أال ترى الشارع عليه السالم كيف نهى عن اعُب ْد َرب َ
{و ْ
تأويل قوله تعالىَ :
الصالة وقت االستواء ،فأما عند الزوال ،إذا حدث ظل وجود العبد سواء عند االحتجاب بالخلق حالة الفرق قبل الجمع
أو عند البقاء حالة الفرق بعد الجمع ،فالصالة واجبة {إلى غسق} ليل النفس {وقرآن} فجر القلب ،فأول الصلوات
وألطفها صالة المواصلة والمناغاة وأفضلها وأشرفها صالة الشهود للروح المشار إليها بصالة العصر كما فسرت
الصَلو ِ
ات} [البقرة ،اآلية ]238 :والصالة الوسطى بها، {ح ِاف ُ
ظوْا َعَلى َّ َ الصالة الوسطى ،أي :الفضلى في قوله تعالىَ :
السر بالمناجاة أول وقت االحتجاب بظهور القلب لسرعة انقضاء وقتها ولهذا استحب التخفف وأوحاها وأخفها صالة ّ
في صالة المغرب في القراءة وغيرها لكونها عالمة لها ،وأزجر الصالة للشيطان ،وأوفرها تنوي اًر لباطن اإلنسان صالة
الحضور للقلب المومئ إليها بقرآن الفجر ،فإنها في وقت تجليات أنوار الصفات ونزول المكاشفات ولهذا استحب
التكثر في جماعة صالة الصبح وأكد استحباب الجماعة فيها خاصة ،وتطويل القراءة ،وقال تعالى{ :إن قرآن الفجر
كان مشهوداً} أي :محضو اًر بحضور مالئكة الليل والنهار إشارة إلى نزول صفات القلب وأنوارها وذهاب صفات
سن فيما جعل آية لها من
أشدها تثبيتاً للنفس وتطويعاً لها صالة النفس للطمأنينة والثبات ،ولهذا ّ
النفس وزوالها ،و ّ
صالة العشاء السكوت بعدها حتى النوم إال بذكر هللا ،وحيث أمكن للشيطان سبيل إلى الوسوسة استحب ،فيما جعل
السر للزجر وال مدخل له في مقام الروح والخفاء فأمر باإلخفات.
عالمة لها الجهر كصالة النفس والقلب و ّ
خصص بعض الليل بالتهجد {نافلة لك} زيادة على ما فرض خاصة بك ،لكونه عالمة {ومن الليل فتهجد به} أيّ :
مقام النفس ،فيجب تخصيصه بزيادة الطاعة لزيادة احتياج هذا المقام إلى الصالة بالنسبة إلى سائر المقامات فيقتدي
أمتك في تطويع نفوسهم ويقوى تمكنك في مقام االستقامة ،كما قال" :أفال أكون عبداً شكو اًر"{ .عسى
بك السالكون من ّ
أن يبعثك رّبك مقاماً محموداً} أي :في مقام يجب على الكل حمده وهو مقام ختم الوالية بظهور المهدي ،فإن خاتم
النبوة في مقام محمود من وجه هو جهة كونه خاتم النبوة غير محمود من وجه هو جهة ختم الوالية ،فهو من هذا
ّ
الوجه في مقام الحامدية فإذا تم ختم الوالية يكون في مقام محمود من كل وجه.
رب أدخلني} حضرة الوحدة في عين الجمع {مدخل صدق} مدخالً حسناً مرضياً به بال آفة زيغ البصر بااللتفات {وقل ّ
إلى الغير وال الطغيان بظهور األنائية وال شوب االثنينية {وأخرجني} إلى الكثرة عند الرجوع إلى التفصيل بالوجود
الموهوب الحقاني {مخرج صدق} مخرجاً حسناً مرضياً به من غير آفة التلوين بالميل إلى النفس وصفاته وال الضالل
اج َعل لي من لدنك
جادة االستقامة والزيغ عن سنن العدالة إلى الجور كالفتنة الداودية {و ْ
بعد الهدى باالنحراف عن ّ
سلطاناً نصي اًر} حجة ناصرة بالتثبيت والتمكين بأن أكون بك في األشياء في حال البقاء بعد الفناء ال بنفسي كما قال
عز وقوة قهرية بك ،أقوي بها دينك وأظهره على األديان
عليه الصالة والسالم" :ال تكلني إلى نفسي طرفة عين" ،أو ّاً
كلها.
ين ِإالَّ َخ َسا اًر * َوإِ َذآ أ َْن َع ْمَنا َعَلى ْ َّ ِ ِ ِ ِ ِ َوُنَنِّزُل ِم َن
ض َوَنأَى
َع َر َ اإلن َس ِ
ان أ ْ آء َوَر ْح َم ٌة ّلْل ُم ْؤ ِمن َ
ين َوالَ َي ِز ُيد الظالم َ اْلُق ْر ِ
آن َما ُه َو شَف ٌ
َعَل ُم ِب َم ْن ُه َو أَ ْه َد ٰى َسِبيالً اكَلِت ِه َف َرب ُ
ُّك ْم أ ْ
الشُّر َكان يُئوساً * ُقل ُك ٌّل يعمل عَلى َش ِ
َْ َ ُ َ ٰ ْ َ َ م َّس ُه َّ
َ ِب َج ِانِب ِه َوإِ َذا
{وننزل من} العقل القرآني الجامع بالتدريج نجوم تفاصيل العقل الفرقاني نجماً فنجماً على الوجود الحقاني على حسب
ظهور الصفات أي :نفصل ما في ذاتك مجمالً مكنوناً تفصيالً بار اًز ظاه اًر عليك ليكون شفاء ألمراض قلوب
الغل والحقد والحسد وأمثالها فنزكيهم
أمتك كالجهل والشك والنفاق وعمى القلب و ّ المستعدين المؤمنين بالغيب من ّ
ّ
ورحمة تفيدهم الكماالت والفضائل وتحليهم بالحكم والمعارف {وال يزيد الظالمين} الناقصين استعدادهم بالرذائل
والحجب الظلمانية الباخسين حظوظهم من الكمال بالهيئات البدنية والصفات النفسانية {إالَّ خسا اًر} بزيادة ظهور
أنفسهم بصفاتها كاإلنكار والعناد والمكابرة واللجاج والرياء والنفاق منضمة إلى ما لهم من الشك والجهل والعمى
والعمه .
{وإذا أنعمنا على اإلنسان} بنعمة ظاهرة {أعرض} لوقوفه مع النفس والبدن وكون القوى البدنية متناهية ال تتدبر
وردها عند عدمها وسائر الغير وال يرى إال العاجل ،وتكبر
األمور الغير المتناهية الممكنة الوقوع من سبب النعمة ّ
الستعالء نفسه على القلب وظهوره بأنائيته وتفرعنه فنأى ،أي :بعد عن الحق في جانب النفس وطوى جنبه معرضاً
مسه يئس الحتجابه عن القادر وقدرته ولو نظر بعين البصيرة شاهد قدرة هللا تعالى في كلتا
الشر إذا ّ
وكذا في جانب ّ
الحالتين وتيقن في الحالة األولى أن الشكر رباط النعم ،وفي الثانية أن الصبر دّفاع النقم ،فشكر وصبر وعلم أن
وضجر
اً المنعم قدر فلم يعرض عند النعمة بط اًر وأش اًر خائفاً زوالها ،غير غافل عن المنعم ،ولم ييأس عند النقمة جزعاً
راجياً كشفها ،مراعياً لجانب المبلي.
{قل كل يعمل على شاكلته} أي :خليقته وملكته الغالبة عليه من مقامه فمن كان مقامه النفس وشاكلته مقتضى
السجية الفاضلة عمل بمقتضاها الشكر
ّ طباعها عمل ما ذكرنا من اإلعراض واليأس ومن كان مقامه القلب وشاكلته
الرو ُح ِم ْن أ َْم ِر َرّبِي َو َمآ أُوِتيتُم ِّم َن اْل ِعْل ِم ِإالَّ َقلِيالً * َوَلِئن ِش ْئَنا َلَن ْذ َهَب َّن ِب َّال ِذي أ َْو َح ْيَنا ِإَل ْي َك ثُ َّم
الرو ِح ُق ِل ُّ
َع ِن ُّ ون َك
َوَي ْسأَُل َ
ان َعَل ْي َك َكِبي اًر ِ َّ ِ الَ تَ ِج ُد َل َك
ضَل ُه َك َ ِك ِإ َّن َف ْ
ِبه َعَل ْيَنا َو ِكيالً * ِإال َر ْح َم ًة ّمن َّرّب َ
{ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} أي :ليس من عالم الخلق حتى يمكن تعريفه للظاهرين البدنيين الذين
الحس والمحسوس بالتشبيه ببعض ما شعروا به من التوصيف بل من عالم األمر ،أي :اإلبداعال يتجاوز إدراكهم عن ّ
المقدسة عن الشكل واللون والجهة واألين ،فال يمكنكم إدراكه أيها
المجردة عن الهيولى والجواهر ّ
ّ الذي هو عالم الذوات
المحجوبون بالكون لقصور إدراككم وعلمكم عنه {وما أوتيتم من العلم إال قليالً} هو علم المحسوسات وذلك شيء نزر
حقير بالنسبة إلى علم هللا تعالى والراسخين في العلم.
َّ
لنذهبن بالذي أوحينا إليك} بالطمس في محل الفناء أو الحجب بعد الكشف بالتلوين {ثم ال تجد لك به {ولئن شئنا
مجرد رحمة عظيمة خاصة بك من فرط عنايتنا وهي أعلى مراتب الرحمة َّ
برده {إال} ّعلينا وكيالً} يتوكل علينا ّ
الرحيمية المتكفلة من عند هللا تعالى بإفاضة الكمال التام عليه ،أي :لو تجلينا بذاتنا لما وجدت الوحي وال ذاتك إال إذا
تجلينا بصفة الرحمة واسمنا الرحيم فتوجد وتجد الوحي ،وكذا لو تجلينا بصفة الجالل الحتجبت عن الوحي والمعرفة
{إن فضله} باإليحاء والتعليم الرباني بعد موهبة الوجود الحقاني {كان عليك كبي اًر} في األزل .
ّ
الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ال يأتون بمثله} لكون االستعداد الكامل الحامل له
{قل لئن اجتمعت اإلنس و ّ
مخصوصاً بك وأنت قطب العالم يرشح إليهم ما يطفح منك فال يمكنهم اإلتيان بمثله وال يطيقون حمله ،ولهذا المعنى
أبى أكثرهم {إال كفو اًر} واقترحوا اآليات الجسمانية المناسبة الستعدادهم وإدراكهم كتفجير العيون من األرض ّ
وجنة
النخيل واألعناب وإسقاط السماء عليهم كسفاً والرقي فيها واإلتيان بالمالئكة وسائر الممتنعات المتخيلة وأجيبوا بقوله :
مجردة على الهيئة {قل لو كان في األرض مالئكة يمشون مطمئنين} أي :ما أمكن نزول المالئكة مع كونهم نفوساً ّ
{وَل ْو َج َعْلَناهُ َمَلكاً َّل َج َعْلَناهُ َرُجالً َوَلَلَب ْسَنا َعَل ْي ِهم َّما
الملكية في األرض ،بل لو نزلت لم ينزلوا إال متجسدين ،كما قالَ :
َيْلِب ُسو َن} [األنعام ،اآلية ]9 :وإال لم يمكنكم إدراكهم فبقيتم على إنكاركم ،وإذا كانوا مجسدين ما ّ
صدقتم كونهم مالئكة
أي حال كان كإنكار الخفاش ضوء الشمس.
فشأنكم اإلنكار على الحالين بل على ّ
{ومن يهد هللا} بمقتضى العناية األزلية في الفطرة األولى بنوره {فهو المهتد} خاصة دون غيره {ومن يضلل} بمنع
ذلك النور عنه {فلن تجد لهم} أنصا اًر يهدونه {من دونه} أو يحفظونه من قهره {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم}
{قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذاً ألمسكتم} لوقوفكم مع صفات نفوسكم التي من لوازمها الشح الجبلي لكون
بالحس من األمور المادية المحصورة واحتجابها عن البركات الغير المتناهية والرحمة
ّ إدراكها مقصو اًر على ما يدرك
الواسعة الغير المنقطعة التي ال تدرك إال عند اكتحال البصيرة بنور الهداية فتخشى نفادها وانقطاعها {تسع آيات
مرت اإلشارة إليها في سورة (الحجر).
ّبينات} ّ
{قل آمنوا به أو ال تؤمنوا} أي :أن وجوداتكم كالعدم عندنا .ليس المراد منه هدايتكم لكونكم مطبوع ًا على قلوبكم ال
محل لكم عند هللا وال في الوجود لكونكم أحالس بقعة اإلمكان معدومي األعيان بالذات إنما االعتبار بالعلماء الذين
{يخرون}
المعتد بهم في األنباء ،فانظر كيف تراهم عند تالوته عليهم وسماعهم إياه ّّ لهم وجود عند هللا في عالم البقاء
أي :ينقادون له ويعترفون به ويعرفون حقيقته لعلمهم به ومعرفتهم إياه بنورية االستعداد ومناسبته له ،وبنور كمالهم
لتجردهم وعلمهم بأنه كان كتاباً من عند هللا موعوداً ليس هو إال إياه لما وجدوه مطابقاً لما اعتقدوه يقيناً فإن االعتقاد
ّ
الحق ال يكون إال واحداً {ويزيدهم خشوعاً} باللين واالنقياد لحكمه لتأثرهم به وحسن تلقيهم لقبوله{ .قل ادعوا هللا}
{أياً ما} طلبت
بالفناء في الذات الجامعة لجميع الصفات {أو ادعوا الرحمن} بالفناء في الصفة التي هي ّأم الصفات ّ
من هذين المقامين لست هناك بموجود وال لك بقية وال اسم وال عين وال أثر إذ الرحمن ال يصلح اسماً لغير تلك الذات
وال يمكن ثبوت تلك الصفة أي :الرحمة الرحمانية لغيرها فال يلزم وجود البقية بخالف سائر األسماء والصفات {فله
وُق ِل اْلحم ُد ََِّّللِ َّال ِذي َلم يتَّ ِخ ْذ وَلداً وَلم ي ُك ْن َّله َش ِريك ِفي اْلمْل ِك وَلم ي ُك ْن َّله ولِ ٌّي ِمن ُّ
الذ ِّل َوَكِّب ْرهُ تَ ْكِبي اًر ُ َ َّ ُ َ ْ َ ٌ ُ ْ َ َ َ َ َْ َ
{وقل الحمد هلل} أي :أظهر الكماالت اإللهية والصفات الرحمانية التي ال تكون إال للذات األحدية {الذي لم يتخذ
ولداً} أي :لم يكن علة لموجود من جنسه لضرورة كون المعلول محتاجاً إليه ممكناً بالذات معدوماً بالحقيقة فكيف
يكون من جنس الموجود حقاً الواجب بذاته من جميع الوجوه {ولم يكن له} من يساويه في قوة القهر والمملكة من
الشريك في الملك وإال لكانا مشتركين في وجوب الوجود والحقيقة .فامتياز كل واحد منهما عن االخر ال بد وأن يكون
بأمر غير الحقيقة الواجبية فلزم تركبهما فكانا كالهما ممكنين ال واجبين وأيضاً فإن لم يستقال بالتأثير لم يكن أحدهما
استقل أحدهما دون اآلخر فذلك هو اإلله دونه فال شريك له وإن استقال جميعاً لزم اجتماع المؤثرين
ّ إلهاً ،وإن
المستقلين على معلول واحد إن فعال معاً وإال لزم إلهية أحدهما دون اآلخر رضي بفعله أو لم يرض {ولم يكن له ولي
ّ
الذل} أي :لم يكن له ناصر علة كان أو جزء علة تقويه وتنصره من ذّلة االنفال والعدم وإال لم يكن إلهاً واجباً بل
من ّ
{وكبره} من أن يتقيد بصفة دون أخرى أو صورة غير أخرى أو يلحقه شيء من ممكناً لتكون حبيباً قائماً به ال بنفسك ِّ
علواً كبي اًر {تكبي اًر} ال يقدر قدره وال يعرف كنهه
هذه النقائص فينحصر في وجود خاص تبارك وتعالى عن ذلك ّ
المتناع وجود شيء غيره يفضل عليه وينسب إليه بل كل ما يتصور ويعقل وال يكبر غيره بهذا التكبير وهللا الحق
الموفق .
ين اْلحمد ََِّّللِ َّال ِذي أَنزل عَلى عب ِدِه اْل ِكتَاب وَلم يجعل َّله ِعوجا * َقِيماً ّلِين ِذر بأْساً َش ِديداً ِمن َّلدنه ويب ِّشر اْلمؤ ِمِن َّ ِ
ين الذ َّ ُ ْ ُ َ َُ َ ُ ْ َ ّ ُْ َ َ َ َ ْ َ َْ ُ َ َ َْ َ َ ٰ َ ْ َ ُْ
ِ
ين ِفيه أََبداً ِِ الصالِح ِ
َج اًر َح َسناً * َّماكث َ ات أ َّ
َن َل ُه ْم أ ْ َي ْع َمُلو َن َّ َ
{الحمد هلل الذي أنزل على عبده الكتاب} أثنى هللا تعالى بلسان التفصيل على نفسه باعتبار الجمع من حيث كونه
منعوتاً بإنزال الكتاب وهو إدراج معنى الجمع في صورة التفصيل فهو الحامد والمحمود تفصيالً وجمعاً ،فالحمد
إظهار الكماالت اإللهية والصفات الجمالية والجاللية على الذات المحمدية باعتبار العروج بعد تخصيصه إياه بنفسه
في العناية األزلية المشار إليه باإلضافة في قوله :عبده ،وذلك جعل عينه في األزل قابلة للكمال المطلق من فيضه
وإيداع كتاب الجمع فيه بالقوة التي هي االستعداد الكامل وإنزال الكتاب عليه إبراز تلك الحقائق عن ممكن الجمع
الوحداني على ذلك المظهر اإلنساني فهما متعاكسان باعتبار النزول والعروج واإلنزال في الحقيقة حمد هللا تعالى لنبيه
إذ المعاني الكامنة في أغيب الغيب ما لم ينزل على قلبه فلم يمكنه حمد هللا حق حمده فما لم يحمده هللا لم يحمد هللا
بل حمده حمده كما قال :ال أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ،حمد أوالً في عين الجمع نفسه باعتبار
التفصيل ثم عكس فقال :الحمد هلل.
استَِق ْم َك َمآ أ ُِم ْر َت} [هود ،اآلية ،]112 :والمعنى :جعله موحداً{قيماً} أي :جعله قيماً ،يعني :مستقيماً كما أمر بقولهَ { :ف ْ
فانياً فيه غير محتجب في شهوده بالغير وال بنفسه لكونها غير أيضاً ممكناً مستقيماً حال البقاء ،كما قالِ{ :إ َّن َّال ِذي َن
اموْا} [فصلت ،اآلية ،]30 :أو جعله قيماً بأمر العباد وهدايتهم إذ التكميل يترتب على الكمال ألنه استََق ُ
َّللاُ ثُ َّم ْ
َقاُلوْا َربَُّنا َّ
عليه الصالة والسالم لما فرغ من تقويم نفسه وتزكيتها أقيمت نفوس أمته مقام نفسه فأمر بتقويمها وتزكيتها ولهذا
المعنى سمى إبراهيم صلوات هللا عليه أمة ،وهذه القيمية أي القيام بهداية الناس داخلة في االستقامة المأمور هو بها
في الحقيقة {لينذر} متعلق بعامل قيماً أي :جعله قيماً بأمر العباد {لينذر بأساً شديداً} وحذف المفعول األول للتعميم
{الذين يعملون الصالحات} أي :الباقيات من الخيرات والفضائل ألن األجر الحسن هو من جنة اآلثار واألفعال التي
تستحق باألعمال.
َّللا وَلداً * َّما َلهم ِب ِه ِمن ِعْل ٍم والَ آلب ِائ ِهم َكبرت َكلِم ًة تَخرج ِمن أَ ْفو ِ
اه ِه ْم ِإن َيُقوُلو َن ِإالَّ َك ِذباً َّ ِ َّ ِ
َ َ ْ َُ ْ َ ْ ُ ُ ْ َ ْ ُْ ين َقاُلوْا ات َخ َذ َّ ُ َ
َوُي ْنذ َر الذ َ
ِ ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ َّ
* َفَل َعل َك َباخ ٌع َّنْف َس َك َعَل ٰى آثَ ِاره ْم إن ل ْم ُي ْؤمُنوْا ب َهـٰ َذا اْل َحديث أ َ
َسفاً
واعلم أن اإلنذار والتبشير اللذين هما من باب التكميل الالزم لكونه ّقيماً عليهم كالهما أثر ونتيجة عن صفتي القهر
ستعد لقبولهما إال
فإن العبد ما ا ّ
واللطف اإللهيين اللذين محل استعداد قبولهما من نفس العبد الغضب والشهوةّ ،
يستعد فلضيلتي الشجاعة والعفة إال بوجودهما ،فلما انتفتا قامتا مقامهما ألن
ّ بصفتي الغضب والشهوة وفنائهما كما لم
كالًّ منهما ظل لواحدة من تينك يزول بحصولها فعند ارتواء القلب منهما وكمال التخلق بهما حدث عن القهر اإلنذار
عند استحقاقية المحل بالكفر والشرك وعن اللطف التبشير باستحقاقية اإليمان والعمل الصالح ،إذ اإلفاضة ال تكون
إال عند استحقاق المحل.
هذا الوجود وإن تكثّر ظاه اًر وحياتكم ما فيه إال أنتم
ص ِعيداً ُج ُر اًز * أ َْم َح ِس ْب َت ِ َّ ِ ِإَّنا َج َعْلَنا ما َعَلى األ َْر ِ
َح َس ُن َع َمالً * َوِإَّنا َل َجاعُلو َن َما َعَل ْي َها َ ض ِز َين ًة ل َها لَنْبُل َو ُه ْم أَي ُ
ُّهم أ ْ َ
ِ ِ
الرِقي ِم َك ُانوْا م ْن َآياتَنا َع َجباً ِ
اب اْل َك ْهف َو َّ أ َّ
َص َح ََن أ ْ
{و ّإنا لجاعلون} بتجلينا وتجلي صفاتنا {ما عليها} من صفاتها هامدة كأرض ملساء ال نبات فيها أي :نفنيها وصفاتها
بالموت الحقيقي أو بالموت الطبيعي وال نبالي ،بل {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً} أي:
إذا شاهدت هذا اإلنشاء واإلفناء فليس حال أصحاب الكهف آية عجيبة من آياتنا بل هذه أعجب .واعلم أن أصحاب
الكهف هم السبعة الكمل القائمون بأمر الحق دائماً الذين يقوم بهم العالم وال يخلو عنهم الزمان على عدد الكواكب
الساِبَق ِ
ات َس ْبقاً السيارة وطبقها فكما سخرها هللا تعالى في تدبير نظام عالم الصورة كما أشار إليه بقولهَ{ :ف َّ
السبعة ّ
ات أ َْم اًر} [النازعات ،اآليات ]5-4 :على بعض التفاسير وكل نظام عالم المعنى وتكميل نظام الصورة إلى َفاْلمدِبر ِ
ُ َ َّ
سبعة أنفس من السابقين كل ينتسب بحسب الوجود الصوري إلى واحد منهم ،والقطب هو المنتسب إلى الشمس
والكهف هو باطن البدن والرقيم ظاهره الذي انتقش بصور الحواس واألعضاء إن فسر باللوح الذي رقمت فيه أسماؤهم
والعالم الجسماني إن جعل اسم الوادي الذي فيه الجبل والكهف والنفس الحيوانية إن جعل اسم الكلب والعالم العلوي إن
جعل اسم قريتهم على اختالف األقوال في التفاسير ومنهم األنبياء السبعة المشهورون المبعوثون بحسب القرون
واألدوار ،وإن كان كل نبي منهم على ذكر وهم :آدم وإدريس ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصالة
ّ
والسالم ألنه السابع المخصوص بمعجزة انشقاق القمر ،أي :انفالقه عنه لظهوره في دورة ختم النبوة وكمل به الدين
ا إللهي كما أشار إليه بقوله صلى هللا عليه وسلم" :إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق هللا السموات واألرض" .إذ
الكل وكماالتهم كاإلنسان بالنسبة إلى سائر
الحسي هو الحائز لصفات ّ المتأخر بالزمان والظهور أي :الوجود
ّ
تم وبقي منه موضع لبنة واحدة ،فكنت أنا تلك
النبوة قد ّ
"كأن بنيان ّ
الحيوانات ،ولهذا قال صلى هللا عليه وسلمّ :
اللبنة" .وقد اتفق الحكماء المتألهة من قدماء الفرس أن مراتب العقول واألرواح على مذهبهم في التنازل تتضاعف
إشراقاتها ،فكل من تأخر في الرتبة كان حظه من إشراقات الحق وأنواره وسبحات أشعة وجهه وإشراقات أنوار الوسائط
أوفر وأزيد فكذا في الزمان فهو الجامع الحاصر لصفات الكل وكماالتهم الحاوي لخواصهم ومعانيهم مع كماله
الخاص به الالزم للهيئة االجتماعية ،كما قال صلى هللا عليه وسلم" :بعثت ألتمم مكارم األخالق" ومن هذا ظهر
تقدمه عليهم بالشرف والفضيلة ومن جهة أن إبراهيم عليه السالم كان مظهر التوحيد األعظمي الذاتي ،وكان هو
ّ
الوسط في الترتيب الزماني بمنزلة الشمس في الرتبة كان قطب النبوة ،ولزمهم كلهم اتباعه وإن لم يظهر في المتقدمين
عليه بالزمان كارتباط الكواكب الستة في سيرها بها ،ولكن كالقمر ،فمتبعه بالحقيقة محمد صلى هللا عليه وسلم .واعلم
َفَقاُلوْا ربََّنآ ِآتَنا ِمن َّلدنك رحم ًة وهِيىء َلَنا ِمن أَم ِرَنا رَشداً * َفضربَنا عَلى آ َذ ِان ِهم ِفي اْل َكه ِ
ف ف ِإ ْذ أَوى اْلِف ْتي ُة ِإَلى اْل َكه ِ
ْ ْ َ َْ َ ٰ ْ ْ َ ُ َ َ ْ َ َ َّ ْ َ ْ َ َ
ِ ِ لَِنعَلم أ ُّ ِ ِِ
َمداً
ص ٰى ل َما َلبثُوْا أ َ َي الح ْزَب ْي ِن أ ْ
َح َ ْ َ اه ْم
ين َع َدداً * ثُ َّم َب َع ْثَن ُسن َ
{فضربنا على آذانهم} أي :أنمناهم نومة الغفلة عن عالمهم وكمالهم نومة ثقيلة ال ينبههم صفير الخفير وال دعوة
الداعي الخبير .في كهف البدن {سنين} ذوات عدد ،أي :كثيرة أو معدودة أي :قليلة هي مدة انغماسهم في تدبير البدن
وانغمارهم في بحر الطبيعة مشتغلين بها ،غافلين عما وراءها من عالمهم إلى أوان بلوغ األشد الحقيقي ،والموت
اإلرادي أوالطبيعي ،كما قال" :الناس نيام ،فإذا ماتوا انتبهوا".
".
{إنهم فتية آمنوا برّبهم} إيماناً يقيناً علمياً على طريق االستدالل أو المكاشفة {وزدناهم هدى} أي :هداية موصلة إلى
عين اليقين ومقام المشاهدة بالتوفيق{ .وربطنا على قلوبهم} قويناها بالصبر على المجاهدة ،وشجعناهم على محاربة
الحسية ،والقيام بكلمة التوحيد ،ونفي إلهية الهوى،
ّ الشيطان ومخالفة النفس ،وهجر المألوفات الجسمانية ،واللذات
األمارة من غير مباالة بها حين عاتبتهم على ترك عبادة إله الهوى جبار النفس ّوترك عبادة صنم الجسم بين يدي ّ
وصنم البدن ،وأوعدتهم بالفقر والهالك ،إذ النفس داعية إلى عبادته وموافقته ،وتهيئة أسباب حظوظه مخيفة للقلب من
جبار هو
الخوف والموت ،أو جسرناهم على القيام بكلمة التوحيد ،وإظهار الدين القويم والدعوة إلى الحق عند كل ّ
دقيانوس وقته كنمروذ وفرعون وأبي جهل وأضرابهم ممن دان بدينهم واستولى عليه النفس ّ
األمارة فعبد الهوى ،أو
ّادعى لطغيانه ،وتمرد أنائيته وعدوانه الربوبية من غير مباالة عند معاتبته إياهم على ترك عبادة الصنم المجعول كما
{ما َعلِ ْم ُت َل ُك ْم ِّم ْن ِإَلـ ٍٰه َغ ْي ِري} [القصص ،اآلية ]38 :و {أََن ْا
هو عادة بعضهم أو صنم نفسه ،كما قال فرعون اللعينَ :
َعَل ٰى} [النازعات ،اآلية{ .]24 :هؤالء قومنا} إشارة إلى النفس األمارة وقواها ،ألن لكل قوم إلهاً تعبده وهو ُّك ُم األ ْ
َرب ُ
مطلوبها ومرادها ،والنفس تعبد الهوى كقوله{ :أََف َأرَْي َت َم ِن اتَّ َخ َذ ِإَلـ َٰه ُه َه َواهُ} [الجاثية ،اآلية ،]23 :أو إلى أهل زمان كل
من خرج منهم داعياً إلى هللا ،إذ كل من عكف على شيء يهواه فقد عبده{ .لوال يأتون عليهم} أي :على عبادتهم
وإلهيتهم وتأثيرهم ووجودهم {بسلطان ّبين} أي :حجة ّبينة دليل على فساد التقليد وتبكيت بأن إقامة الحجة على إلهية
طٍ
ان} َّللاُ ِب َها ِمن ُسْل َ
آؤُكم َّمآ أََن َزَل َّ ِ ِ ِ َّ
وهآ أَنتُ ْم َو َآب ُ
آء َس َّم ْيتُ ُم َ
َس َم ٌ
غير هللا وتأثيره ووجوده محال ،كما قال{ :إ ْن ه َي إال أ ْ
[النجم ،اآلية ]23 :أي :اسماء بال مسميات لكونها ليست بشيء.
ونزل عيسى وهللا أعلم .وفي نشر الرحمة وتهيئة المرفق من أمرهم عند األوي إلى الكهف إشارة إلى ّ
أن الرحمة الكامنة
في استعدادهم إنما تنتشر بالتعلق البدني والكمال بتهيئاته.
ص ِيد َل ِو ا َّ
طَل ْع َت َعَل ْي ِه ْم َلَوَّل ْي َت ط ِذراعي ِه ِبالو ِ ِ ات ِّ ِ الي ِم ِ
الش َمال َوَكْلُب ُه ْم َباس ٌ َ َ ْ َ ين َوَذ َ ات َود َوُنَقّلُِب ُه ْم َذ َ
َوتَ ْح َسُب ُه ْم أَ ْيَقاظاً َو ُه ْم ُرُق ٌ
ِ ِ ِم ْنهم ِف ار اًر وَلملِ ْئ َت ِم ْنهم رعباً * وَك ٰذلِك بع ْثَن ِ
ض َي ْو ٍم ال َقائ ٌل ّم ْن ُه ْم َكم َلِب ْثتُ ْم َقاُلوْا َلِب ْثَنا َي ْوماً أ َْو َب ْع َ
آءُلوا َب ْيَن ُه ْم َق َ
اه ْم لَيتَ َس َ
َ َ ََ ُ ُْ ُ ْ ُْ َ َ ُ
ف َوالَ َّ ِ ِ
ط َعاماً َفْلَيأْت ُك ْم ِب ِرْز ٍق ّم ْن ُه َوْلَيَتَلط ْ َح َد ُك ْم ِب َوِرِق ُك ْم َهـ ِٰذِه ِإَل ٰى اْل َم ِد َين ِة َفْلَي ْن ُ
ظ ْر أَُّي َهآ أ َْزَك ٰى َ َعَل ُم ِب َما َلِب ْثتُ ْم َف ْاب َعثُوْا أ َ
ُّك ْم أ ْ
َقاُلوْا َرب ُ
وك ْم ِفي ِمَّلِت ِه ْم َوَلن تُْفلِ ُحوْا ِإذاً أََبداً وك ْم أ َْو ُي ِع ُيد ُ ظ َه ُروْا َعَل ْي ُك ْم َي ْر ُج ُم ُ َحداً * ِإَّن ُه ْم ِإن َي ْ ِ
ُي ْشع َرَّن ِب ُك ْم أ َ
{وكذلك بعثناهم} أي :مثل ذلك البعث الحقيقي واإلحياء المعنوي بعثناهم {ليتساءلوا بينهم} أي :ليتباحثوا بينهم عن
المعاني المودعة في استعدادهم الحقائق المكنونة في ذواتهم فيكملوا بإبرازها وإخراجها إلى الفعل ،وهو أول االنتباه
مر تأويله ،والمحققون منهم هم الذين {قالوا رّبكم أعلم بما لبثتم
الذي تسميه المتصوفة اليقظة {قال قائل منهم كم لبثتم} ّ
فاب َعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة} هذا هو زمان استبصارهم واستفادتهم واستكمالهم .والورق هو ما معهم منْ
العلوم األولية التي ال تحتاج إلى كسب ،إذ بها تستفاد الحقائق الذهنية من العلوم الحقيقية والمعارف اإللهية .والمدينة
محل االجتماع ،إذ ال بد من الصحبة والتربية أو مدينة العلم من قوله عليه السالم" :أنا مدينة العلم وعلي بابها" .وإنما
ّ
بعثوا أحدهم ألن كمال الكل غير موقوف على التعليم والتعلم بل الكمال األشرف هو العلمي فيكفي تعلم البعض عن
ين َولُِي ِنذ ُروْا َق ْو َم ُه ْم ِإ َذا َرَج ُعوْا
الد ِ
ّ َ ُ كل فرقة وتنبيه الباقين كما قال تعالىَ{ :فَل ْوالَ َنَف َر ِمن ُك ِّل ِف ْرَق ٍة ِّم ْن ُه ْم َ
ط ِآئَف ٌة ّلِيتََفَّقهوْا ِفي ِ
{فلينظر أيها أزكى طعاماً} أي :أهلها أطيب وأفضل علماً وأنقى من الفضول واللغو والظواهر كعلم الخالف والجدل
والنحو وأمثالها التي ال تتقوى وال تكمل بها النفس كقوله{ :الَّ ُي ْس ِم ُن َوالَ ُي ْغِني ِمن ُجوٍع} [الغاشية ،اآلية ،]7 :إذ العلم
غذاء القلب كالطعام للبدن وهو الرزق الحقيقي اإللهي {وليتلطف} في اختيار الطعام ومن يشتري منه أي :ليختر
المحقق الزكي النفس ،الرشيد السمت ،الفاضل السيرة ،النقي السريرة ،الكامل المكمل دون الفضولي الظاهري الخبيث
المتصدر ،إلفادة ما ليس عنده ليستفيد بصحبته ويظهر كماله بمجالسته ويستبصر بعلمه فيفيدنا أو
ّ النفس ،المتعالم،
ليتلطف في أمره حتى ال يشعر بحالكم ودينكم ،جاهل من غير قصد له {وال يشعرّن بكم أحداً} من أهل الظاهر
يها ِإ ْذ َيتََن َازُعو َن َب ْيَن ُه ْم أَ ْم َرُه ْم َفَقاُلوْا ْابُنوْا َعَل ْي ِه ْم ُب ْنَياناً ِ
اع َة الَ َرْي َب ف َ
الس َ َّللاِ َح ٌّق َوأ َّ
َن َّ َن َو ْع َد َّ َعثَ ْرَنا َعَل ْي ِه ْم لَِي ْعَل ُموْا أ َّ ِٰ
َوَكذل َك أ ْ
ين َغَلُبوْا َعَل ٰى أ َْم ِرِه ْم َلَنتَّ ِخ َذ َّن َعَل ْي ِه ْم َّم ْس ِجداً * َسَيُقوُلو َن ثَالثَ ٌة َّارِب ُع ُه ْم َكْلُب ُه ْم َوَيُقوُلو َن َخ ْم َس ٌة َّربُّهم أَعَلم ِب ِهم َق َّ ِ
ال الذ َ ُْ ْ ُ ْ َ
امنهم َكْلبهم ُقل َّربِي أَعَلم ِب ِعَّدِت ِهم َّما يعَلمهم ِإالَّ َقلِيل َفالَ تُم ِار ِفي ِهم ِإالَّ
ِ ِ ِ ِ
ْ َ ٌ َْ ُ ُ ْ ّ ْ ُ َساد ُس ُه ْم َكْلُب ُه ْم َر ْجماً باْل َغ ْيب َوَيُقوُلو َن َس ْب َع ٌة َوثَ ُ ُ ْ ُ ُ ْ
ِ ِ ِ ِمرآء َ ِ
ظاه اًر َوالَ تَ ْستَْفت في ِه ْم ّم ْن ُه ْم أ َ
َحداً ًَ
المستعدين القابلين لهديهم ومعرفة حقائقهم
ّ {وكذلك أعثرنا عليهم} أي :مثل ذلك البعث واإلنامة أطلعنا على حالهم
أن الساعة ال ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم}
{أن وعد هللا} بالبعث والجزاء {حق و ّ
{ليعلموا} بصحبتهم وهدايتهم ّ
أي :حين يتنازع المستعدون الطالبون بينهم أمرهم في المعاد ،فمنهم من يقول :إن البعث مخصوص باألرواح المجردة
دون األجساد ،ومنهم من يقول :إنه باألرواح واألجساد معاً ،فعلموا باالطالع عليهم ومعرفتهم أنه باألرواح واألجساد
وأن المعاد الجسماني حق{ ،فقالوا ابنوا عليهم بنياناً} أي :فلما توفوا قالوا ذلك كالخانقاهات والمشاهد والم ازرات المبنية
على الكمل ،المقربين من األنبياء واألولياء كإبراهيم ومحمد وعلى سائر األنبياء واألولياء عليهم الصالة والسالم.
أجل وأعظم شأناً من أن يعرفهم غيرهم،
{رّبهم أعلم بهم} من كالم أتباعهم من أممهم والمقتدين بهم ،أي :هم ّ
الموحدون الهالكون في هللا ،المتحققون به ،فهو أعلم بهم كما قال تعالى" :أوليائي تحت قبائي ،ال يعرفهم غيري"{ .قال
َس ِم ْع لس ٰم ٰو ِت واألَر ِ ِ ِ ِ ين َو ْازَد ُادوْا ِت ْسعاً * ُق ِل َّ وَلِبثُوْا ِفي َكهِف ِهم ثَ َ ِ ٍ ِ ِ
ض أ َْبص ْر به َوأ ْ َعَل ُم ِب َما َلِبثُوْا َل ُه َغ ْي ُب ا َّ َ َ َ ْ َّللاُ أ ْ الث م ْاَئة سن َ ْ ْ َ
ِك الَ ُمَبِّد َل لِ َكلِ َم ِات ِه َوَلن تَ ِج َداب َرّب َ ك ِفي ح ْك ِم ِه أَحداً * و ْاتل مآ أُو ِحي ِإَل ْي َك ِمن ِكتَ ِ
َ ُ
ِ ِ
َما َل ُهم ّمن ُدوِنه من َولِ ٍّي َوالَ ُي ْش ِر ُ
ِ
َ ُ َ ْ َ
ِ ِ َّ ِ ِِ ِ
َّهم ِباْل َغ َداة َواْل َعش ِّي ُي ِر ُيدو َن َو ْج َه ُه َوالَ تَ ْع ُد َع ْيَن َ
اك َع ْن ُه ْم تُ ِر ُيد ِز َين َة ين َي ْد ُعو َن َرب ُاصِب ْر َنْف َس َك َم َع الذ َ من ُدونه ُمْلتَ َحداً * َو ْ
ان أ َْم ُرهُ ُف ُرطاً * َوُق ِل اْل َح ُّق ِمن َّرّب ُ ِ الد ْنَيا َوالَ تُ ِط ْع َم ْن أ ْ اْل َحَي ِاة ُّ
آء َفْلُي ْؤ ِمن
ِك ْم َف َمن َش َ َغَفْلَنا َقْلَب ُه َعن ذ ْك ِرَنا َواتََّب َع َه َواهُ َوَك َ
وه ِب ْئ َس ِ ٍ ِ ِ ِ َّ ِ ِ
وج َ ط ِب ِه ْم ُس َراد ُق َها َوإِن َي ْستَغيثُوْا ُي َغاثُوْا ِب َمآء َكاْل ُم ْهل َي ْش ِوي اْل ُ َحا َ ين َنا اًر أ َ
َعتَ ْدَنا للظالم َ آء َفْلَي ْكُف ْر ِإَّنا أ ْ
َو َمن َش َ
آء ْت ُم ْرتََفقاً َّ
اب َو َس َ
الش َر ُ
{ولبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين} من التي تبتنى على دور القمر فتكون كل سنة شه اًر ومجموعها خمسة وعشرون
سنة ،وذلك وقت انتباههم وتيقظهم {و ْازَد ُادوا ِت ْسعاً} هي مدة الحمل .وروعيت في اآلية نكتة ،هي أنه :لم يقل ثلثمائة
سنة وتسعاً ،أو ثلثمائة وتسع سنين ،الستعمال السنة في العرف وقت نزول الوحي في دورة شمسية ال قمرية ،فأجمل
العدد ثم ّبينه بقوله :سنين ،فاحتمل أن يكون المميز غيرها كالشهر مثالً ،ثم بين ّ
أن المدة سنين مبهمة غير معينة ،إذ
لو قيل :ثلثمائة شهر سنين ،فأبدل سنين من مجموع العدد ،كانت العبارة صحيحة والمراد سنين كذا عدداً ،أي :خمسة
{و ْاتل ما أوحي إليك من كتاب رّبك} يجوز أن تكون من البتداء الغاية ،والكتاب هو اللوح األول المشتمل على كل
العلوم الذي منه أوحى إلى من أوحى إليه ،وأن تكون بياناً لما أوحى .والكتاب هو العقل الفرقاني وعلى التقديرين {ال
مبدل لكلماته} التي هي أصول الدين من التوحيد والعدل وأنواعهما {ولن تجد من دونه ملتحداً} تميل إليه المتناع
ّ
وجود ذلك.
{واصبر نفسك} أمر بالصبر مع هللا وأهله وعدم االلتفات إلى غيره وهذا الصبر هو من باب االستقامة والتمكين ال
المجردين الذين ال يطلبون
ّ يكون إال باهلل {مع الذين يدعون رّبهم بالغداة والعشي} أي :دائماً هم الموحدون من الفقراء
ّ
غير هللا وال حاجة لهم في الدنيا واآلخرة ،وال وقوف مع األفعال والصفات {يريدون وجهه} أي :ذاته فحسب ،يدعونه
وال يحتجبون عنه بغيره وقت ظهورها غداة الفناء ووقت احتجابها بهم عند البقاء ،فالصبر معهم هو الصبر مع هللا،
{إنا أعتدنا للظالمين} أي :المشركين المحجوبين عن الحق
ومجاوزة العين عنهم المنهي عنها هو االلتفات إلى الغيرّ .
يم} [لقمان ،اآلية{ ]13 :نا اًر}عظيمة {أحاط بهم سرادقها} من مراتب األكوان كالطباع ِ لقولهِ{ :إ َّن ِّ
ظْل ٌم َعظ ٌ
ك َل ُ
الش ْر َ
العنصرية والصور النوعية المادية المحيطة باألشخاص الهيوالنية {بماء كالمهل} من جنس الغساق والغسلين ،أي:
المياه المتعفنة التي تسيل من أبدان أهل النار مسودة فيها دسومات يغاثون بها أو غساالتهم القذرة أو من جنس
الغصص والهموم المحرقة.
{إن الذين آمنوا} بالتوحيد الذاتي لكونهم في مقابلة المشركين {وعملوا الصالحات} من األعمال المقصودة لذاتها في
ّ
نضيع} أجرهم ،وضع الظاهر موضع المضمر للداللة على أن األجر إنما يستحق بالعمل دون {إنا ال ّمقام االستقامة ّ
العلم ،إذ به يستحق ارتفاع الدرجة والرتبة {جنات عدن} من الجنان الثالث {يحلون فيها من أساور من ذهب} أي:
يزينون فيها بأنواع الحلي هي من حقائق التوحيد الذاتي ومعاني التجليات العينية األحدية ،إذ الذهبيات من الحلي هي
ّ ّ
ض ٍة} [اإلنسان ،اآلية{ .]21 :ويلبسون ثياب ًا
َس ِاوَر ِمن ِف َّ
أ ا
و ُّ
ل
َُ ْ َ ح{و كقوله: انيات
ر النو الصفاتيات العينيات والفضيات هي
خض اًر} يتّصفون بصفات بهيجة ،حسنة ،نضرة ،موجبة للسرور {من سندس} األحوال والمواهب لكونها ألطف
إستَْبرق} األخالق والمكاسب لكونها أكثف {متكئين فيها على} أرائك األسماء اإللهية التي هي مبادئ أفعاله
{و ْ
التصافهم بأوصافه وكون الصفة مع الذات هي االسم المستند هو عليه في جنة الصفات واألفعال ِ{نعم الثواب
آء ْت ُم ْرتََفقاً وحسنت مرتفقاً} في مقابلةِ{ :ب ْئ َس َّ
اب َو َس َ
الش َر ُ
}.
ِ ِ
ونا َك َما صَّفاً َّلَق ْد ِج ْئتُ ُم َ
ِك َ َحداً * َو ُع ِر ُ
ضوْا َعَل ٰى َرّب َ ض َب ِارَزًة َو َح َش ْرَن ُ
اه ْم َفَل ْم ُن َغاد ْر م ْن ُه ْم أ َ ال َوتَ َرى األ َْر َ ِ ِ
َوَي ْوَم ُن َسّي ُر اْلجَب َ
ضع اْل ِكتاب َفترى اْلمج ِرِمين م ْشِفِقين ِم َّما ِف ِ ِ َّ ٍ
يه َوَيُقوُلو َن يَٰوْيَلتََنا َ ُْ َ ُ اك ْم أََّو َل َمَّرة َب ْل َزَع ْمتُ ْم أَلن َّن ْج َع َل َل ُك ْم َّم ْو ِعداً * َوُو َ َ ُ َ َ َخَلْقَن ُ
َحداً * َوِإ ْذ ُقْلَنا اض اًر والَ ي ْ ِ اب الَ ي َغ ِادر ص ِغيرة والَ َكِبيرة ِإالَّ أَحصاها ووجدوْا ما ع ِمُلوْا ح ِ ال َهـٰ َذا اْل ِكتَ ِمِ
ُّك أ َظل ُم َرب َ َ َ َ ْ َ َ ََ َُ َ َ ًَ ُ ُ َ ًَ َ َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ
آء من ُدوِني َو ُه ْم َل ُك ْم ِ ِ َّ ِ ِ
ان م َن اْلج ّن َفَف َس َق َع ْن أ َْمر َرّبِه أََفتَتخ ُذوَن ُه َوُذّريَّتَ ُه أ َْولَي َ يس َك َ اس ُج ُدوْا أل ََد َم َف َس َج ُدوْا ِإال ِإْبل َ
لْل َمالئ َكة ْ
ِِ ض والَ َخْلق أ َْنُف ِس ِهم وما ُك ُ ِ َشهدتُّهم خْلق َّ ِ ِ َّ ِ ِ
ضداً * ين َع ُ نت ُمتَّخ َذ اْل ُمضّل َ ْ ََ َ ِ
الس َٰم َٰوت َواأل َْر َ ين َب َدالً * َّمآ أ ْ َ ُ ْ َ َ َع ُدٌّو ِب ْئ َس للظالم َ
ظُّنوْا أََّن ُه ْم
الن َار َف َ ين َزَع ْمتُ ْم َف َد َع ْو ُه ْم َفَل ْم َي ْستَ ِج ُيبوْا َل ُه ْم َو َج َعْلَنا َب ْيَن ُهم َّم ْوبِقاً * َوَأرَى اْل ُم ْج ِرُمو َن َّ ِ َّ ِ
ول َن ُادوْا ُش َرَكآئ َي الذ َ َوَي ْوَم َيُق ُ
ان أَ ْكثَ َر َشي ٍء َج َدالً * ان ِ
اإل ْن َس ُ اس من ُك ِّل َمَث ٍل َوَك َ
آن لِ َّلن ِ ِ صَّرْفَنا ِفي َهـٰ َذا اْلُق ْر ِ ص ِرفاً * َوَلَق ْد َ
ِ
وها َوَل ْم َيج ُدوْا َع ْن َها َم ْ
ِ
ُّم َواق ُع َ
ْ
ِ ِ َّ ِ
اب ُقُبالً * َو َما َّه ْم ِإال أَن تَأْتَي ُه ْم ُسَّن ُة األََّوِل َ
ين أ َْو َيأْتَي ُه ُم اْل َع َذ ُ آء ُه ُم اْل ُه َد ٰى َوَي ْستَ ْغف ُروْا َرب ُ
ِ ِ
اس أَن ُي ْؤمُنوْا إ ْذ َج َ
َو َما َمَن َع َّ
الن َ
ضوْا ِب ِه اْل َح َّق َواتَّ َخ ُذوْا َء َٰايِتي َو َمآ أ ُْن ِذ ُروْا ُه ُزواً * ِ ِ ِ
ين َكَف ُروْا ِباْل َٰبط ِل لُي ْدح ُ
ِ َّ ِ
ين َوُي َٰجد ُل الذ َ
ِ
ين َو ُمنذ ِر َ
َّ ِ
ين ِإال ُمَب ّش ِر َ
ِ
ُن ْرِس ُل اْل ُم ْرَسل َ
َكَّن ًة أَن َيْفَق ُهوهُ َوِفي َءا َذ ِان ِه ْم ِه َفأَعرض ع ْنها وَن ِسي ما َقَّدم ْت يداه ِإَّنا جعْلَنا عَلى ُقُلوبِ ِهم أ ِ ِ ِ ِ ِ ومن أَ ْ ِ
ْ ََ َ ٰ ظَل ُم م َّمن ُذ ّك َر ب َٰآيت َرّب ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ ََْ
ِ وْق اًر وِإن تدعهم ِإَلى اْلهد ٰى َفَلن يهتدوْا ِإذاً أَبداً * وربُّك اْلغُفور ُذو َّ ِ
اب َبل الر ْح َمة َل ْو ُي َؤاخ ُذ ُهم ِب َما َك َسُبوْا َل َع َّج َل َل ُه ُم اْل َع َذ َ ََ َ َ ُ َ ْ َ ْ َُ َ َ َْ ُ ُ ْ ٰ ُ َ
ظَل ُموْا َو َج َعْلَنا لِ َم ْهلِ ِك ِهم َّم ْو ِعداً ِ ِ َّ َّ
اه ْم َل َّما َ ل ُهم َّم ْو ِعٌد لن َي ِج ُدوْا من ُدوِنه َم ْوِئالً * َوِتْل َك اْلُق َر ٰى أ ْ
َهَل ْكَن ُ
ضي ُحُقباً * َفَل َّما َبَل َغا َم ْج َم َع َب ْيِن ِه َما َن ِسَيا ُحوتَ ُه َما َفاتَّ َخ َذ وإِذ قال موسى لِف ٰته ال أَبرح حتَّى أَبلغ مجمع البحري ِن أَو أَم ِ
َ ْ َ َ ُ َ ٰ َ َ ُ ْ َ ُ َ ٰ ُْ َ َ ْ َ َ َْ ْ َ ْ ْ ْ َ
َرَْي َت ِإ ْذ أ ََوْيَنآ ِإَلى ِ ِ سِبيَله ِفي اْلبح ِر سرباً * َفَل َّما جاوَاز َق ِ ٰ ِ
ال أ َأ
صباً * َق َ آءَنا َلَق ْد َلق َينا من َسَف ِرَنا َهـٰ َذا َن َال لَفتَ ُه آتَنا َغ َد َ
َ ََ َْ ََ َ ُ
ِ ٰ َّ ِ ِ ِ
َن أَ ْذ ُك َرهُ َواتَّ َخ َذ َسِبيَل ُه في اْلَب ْح ِر َع َجباً
ط ُن أ ْ يه ِإال َّ
الش ْي َ وت َو َمآ أ َْن َسان ُ الص ْخ َرِة َفِإّني َنس ُ
يت اْل ُح َ َّ
{وإذ قال موسى لفتاه} ظاهره على ما ذكر في القصص وال سبيل إلى إنكار المعجزات .وأما باطنه فأن يقال :وإذ قال
موسى القلب لفتى النفس وقت التعلق بالبدن{ :ال أبرح} أي :ال أنفك عن السير والمسافرة ،أو ال أزال أسير {حتى أبلغ
مجمع البحرين} أي :ملتقى العالمين :عالم الروح وعالم الجسم ،وهما العذب واألجاج في صورة اإلنسانية ومقام القلب
{أو أمضي حقباً} أي :أسير مدة طويلة.
{فلما بلغا مجمع بينهما} في الصورة الحاضرة الجامعة {نسيا حوتهما} وهو الحوت الذي ابتلع ذا النون عليه السالم
بالنوع ال بالشخص ،ألن غداءهما كان قبل الوصول إلى هذه الصورة في الخارج من ذلك الحوت الذي أمر بتزوده في
حياً كما كان أوالً {سرباً} نقباً واسعاً كما قيل :بقي طريقه في البحر
السفر وقت العزيمة {فاتّخذ سبيله} في بحر الجسد ّ
منفرجاً ،لم ينضم عليه البحر.
{فلما جاوزا} مكان مفارقة الحوت وألقي على موسى النصب والجوع ،ولم ينصب في السفر وال جاع قبل ذلك على ما
حكي ،تذكر الحوت واالغتذاء منه وطلب الغداء من فتاه وإنما قال{ :آتنا غداءنا} ألن حاله ذلك نها اًر بالنسبة إلى ما
قبله في الرحم {لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً} هو نصب الوالدة ومشقتها.
{قال أرأيت} ما عراني {إذ أوينا إلى الصخرة} أي :النحر لالرتضاع {فإني نسيت الحوت} الستغنائنا عنه {وما أنسانيه
إالّ الشيطان أن أذكره} أي :وما أنساني أن أذكره إال الشيطان على إبدال أن أذكره من الضمير ،وذلك ألن موسى
صصاً * َف َو َج َدا َع ْبداً ِّم ْن ِعَب ِادَنآ آتَْيَناهُ َر ْح َم ًة ِّم ْن ِع ِندَنا َو َعَّل ْمَناهُ ِمن َّل ُدَّنا ِ َق ِ
ال َذل َك َما ُكَّنا َن ْب ِغ َف ْارتََّدا َعَل ٰى آثَ ِاره َما َق ََ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
ف ص ْب اًر * َوَك ْي َ ال إَّن َك َلن تَ ْستَطي َع َمع َي َ وس ٰى َه ْل أَتب ُع َك َعَل ٰى أَن تُ َعّل َم ِن م َّما ُعّل ْم َت ُرْشداً * َق َ ال َل ُه ُم َ عْلماً * َق َ
ال َفِإ ِن اتََّب ْع َتِني َفالَ َّللا صاِب اًر والَ أ ِ ِ ِ ِ تصِبر عَلى ما َلم ت ِح ْ ِ ِ
أم اًر * َق َ َعصي َل َك ْ َ ْ آء َّ ُ َ ال َستَج ُدني إن َش َ ط به ُخ ْب اًر * َق َ َْ ُ َ ٰ َ ْ ُ
طَلَقا حتَّى ِإ َذا رِكبا ِفي َّ ِ ِ ِ يء حتَّى أ ِ تَسأَْلني عن َش ٍ
َهَل َها َلَق ْدِق أ ْ السِف َينة َخ َرَق َها َقا َل أ َ
َخ َرْقتَ َها ِلتُ ْغر َ َ َ ُحد َث َل َك م ْن ُه ذ ْك اًر * َف ْان َ َ ٰ َ ٰ ْ َ ْ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
يت َوالَ تُ ْرهْقني م ْن أ َْمرِي ال الَ تُ َؤاخ ْذني ب َما َنس ُ ص ْب اًر * َق َ يع َمع َي َ ال أََل ْم أَُق ْل إَّن َك َلن تَ ْستَط َج ْئ َت َش ْيئاً إ ْم اًر * َق َ
ُع ْس اًر
{قال ذلك} أي :تملص الحوت واتخاذه سبيله الذي كان عليه في جبلته {ما كنا} نطلبه ،ألن هناك مجمع البحرين
الذي وعد موسى عنده بوجود من هو أعلم منه ،إذ الترقي إلى الكمال بمتابعة العقل القدسي ال يكون إال في هذا
يقصان {قصصاً} أي :يتبعان آثارهما عند
المقام {فار ّتدا على آثارهما} في الترقي إلى مقام الفطرة األولى كما كانا أوالً ّ
الهب وط في الترقي إلى الكمال حتى وجد العقل القدسي ،وهو عبد من عباد هللا مخصوص بمزية عناية ورحمة {آتيناه
التقدس عن الجهات .والنورية المحضة التي هي آثار القرب بالتجرد عن المواد و ّ
ّ رحمة من عندنا} أي :كماالً معنوياً
والعندية {وعلمناه من لدنا علماً} من المعارف القدسية والحقائق الكلية اللدنية بال واسطة تعليم بشرّي .وقوله{ :هل
أتبعك} هو ظهور إرادة السلوك والترقي إلى الكمال {إنك لن تستطيع معي صب اًر} لكونك غير مطلع على األمور
تجردك واحتجابك بالبدن وغواشيه ،فال تطيق مرافقتي ،وهذا معنى قوله{ :وكيف تصبرالغيبية والحقائق المعنوية لعدم ّ
لقوة استعدادي وثباتي على الطلب {وال أعصي لك أم اًر}
على ما لم تحط به خب اًر قال ستجدني إن شاء هللا صاب اًر} ّ
لتوجهي نحوك وقبولي أمرك ،لصفائي وصدق إرادتي .والمقاوالت كلها بلسان الحال.
ال أََل ْم أَُق ْل َّل َك ِإَّن َك َلن طَلَقا حتَّ ٰى ِإ َذا َلِقيا ُغالَماً َفَقَتَل ُه َقال أََقَتْل َت َنْفساً َزِكَّي ًة ِب َغ ْي ِر َنْف ٍ َّ ِ
س لَق ْد ج ْئ َت َش ْيئاً ُّن ْك اًر * َق َ َ َ َف ْان َ َ
ص ِح ْبِني َق ْد َبَل ْغ َت ِمن َّل ُدِّني ُع ْذ اًر * َفان َ
طَلَقا َحتَّ ٰى ِإ َذآ أَتََيآ ٍ تَستَ ِطيع م ِعي ص ْب اًر * َق ِ
ال إن َسأَْلتُ َك َعن َش ْيء َب ْع َد َها َفالَ تُ َٰ َ ْ َ َ َ َ
ِ ِ يها ِج َدا اًر ُي ِر ُيد أَن َينَق َّ ِ ٍ
َج اًر * ال َل ْو ش ْئ َت َلتَّ َخ ْذ َت َعَل ْيه أ ْ
ام ُه َق َ ض َفأََق َ ضِّيُف ُ
وه َما َف َو َج َدا ف َ َهَل َها َفأََب ْوْا أَن ُي َ
ط َع َمآ أ ْ
استَ ْ
َه َل َق ْرَية ْ
أْ
ص ْب اًر ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َقال هـٰ َذا ِفر ِ
اق َب ْيني َوَب ْين َك َسأَُنّبُئ َك بتَأْويل َما َل ْم تَ ْستَطع َّعَل ْيه َ َ َ َ ُ
{فانطلقا حتى إذا لقيا غالماً} هو النفس التي تظهر بصفاتها فتحجب القلب فتكون ّ
أمارة بالسوء .وقتله بإماتة الغضب
والشهوة وسائر الصفات {أقتلت نفساً زكية} اعتراض لتحنن القلب على النفس و {ألم أقل لك} تذكير وتعبير روحي و
{إن سألتك عن شيء} إلى آخره ،اعتذار وإقرار بالذنب واعتراف ،وكلها من التلوينات عند كون النفس ّلوامة.
طلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} هم القوى البدنية ،واستطعامهما منهم هو طلب الغذاء الروحاني منهم ،أي :بواسطتهم
{فان َ
ْ
كانتزاع المعاني الكلية من مدركاتها الجزئية وإنما أبوا أن يضيفوهما وإن أطعموهما قبل ذلك ألن غذاءهما حينئذ كان
{هذا فراق بيني وبينك} أي :هذا هو مفارقة مقامي ومقامك ومباينتهما والفرق بين حالي وحالك ،فإن عمارة النفس
بالرياضة والتخلق باألخالق الحميدة ليست لتوقع الثواب واألجر وإال فليست فضائل وال كماالت ألن الفضيلة هي
التخلق باألخالق اإللهية بحيث تصدر عن صاحبها األفعال المقصودة لذاتها ال لغرض .وما كان لغرض فهو حجاب
ورذيلة ال فضيلة والمقصود هو طرح الحجاب وانكشاف غطاء صفات النفس ،والبروز إلى عالم النور لتلقي المعاني
الغيبية بل االتصاف بالصفات اإللهية بل التحقق باهلل بعد الفناء فيه ال الثواب كما زعمت {سأَُنِّبئك بتأويل ما لم
استقرت القوى أمكنك قبول المعاني وتلقي الغيب الذي نهيتك عن تستطع عليه صب اًر} أي :لما اطمأنت النفس و ّ
السؤال عنه حتى أحدث لك منه ذك اًر فسأذكر لك وأنبئك بتأويل هذه األمور إذا استعددت لقبول المعاني والمعارف.
{أما السفينة فكانت لمساكين} في بحر الهيولى ،أي :القوى البدنية من الحواس الظاهرة والقوى الطبيعية النباتية ،وإنما
سماها مساكين لدوام سكونها ومالزمتها لتراب البدن وضعفها عن ممانعة القلب في السلوك واالستيالء عليه كسائر
لكونها أعطف على الروح والبدن وأنفع لهما ،وأكثر شفقة .ويجوز أن يكون المراد باألبوين ّ
الجد واألب ،فكان كناية
أشد تعطفاً.
عن الروح والقلب .وكونه أقرب رحماً أنسب لهما و ّ
َشَّد ُه َما
ُّك أَن َيْبُل َغآ أ ُ َما اْل ِج َدار َف َكان لِ ُغالَمي ِن يِتيمي ِن ِفي اْلم ِد َين ِة وَكان تَحتَه َك ٌنز َّلهما وَكان أَبوهما ِ
صالحاً َفأ ََرَاد َرب َ
ُ َ َ َ ُ َُ َ َ َ ْ ُ َ َْ َ َْ َ ُ َوأ َّ
ون َك َعن ِذي ِ ِ ِ ِ
ص ْب اًر * َوَي ْسأَُل َ يل َما َل ْم تَ ْسطـع َّعَل ْيه َ ِك َو َما َف َعْلتُ ُه َع ْن أ َْمرِي َذل َك تَأ ِْو ُ َوَي ْستَ ْخ ِر َجا َك َنزُه َما َر ْح َم ًة ّمن َّرّب َ
ض َوآتَْيَناهُ ِمن ُك ِّل َشي ٍء َسَبباً * َفأ َْتَب َع َسَبباً * َحتَّ ٰى ِإ َذا َبَل َغ اْلَق ْرَن ْي ِن ُق ْل سأ َْتُلوْا َعَل ْي ُكم ِم ْن ُه ِذ ْك اًر * ِإَّنا م َّكَّنا َل ُه ِفي األ َْر ِ
ْ َ ّ َ
ِ ِ ِ ِ ٍ ِ ِ
س و َج َد َها تَ ْغ ُر ُب في َع ْي ٍن َحمَئة وو َج َد ع َند َها َقوماً ُقْلَنا ٰي َذا اْلَق ْرَن ْي ِن ِإ َّمآ أَن تُ َع ّذ َب وإِ َّمآ أَن تَتَّخ َذ ف ِ َّ ِ
يه ْم ُح ْسناً َ ْ ََ َم ْغ ِر َب الش ْم َ
ظَلم َفسوف نع ِّذبه ثُ َّم يرُّد ِإَلى رب ِ
ِه َفُي َع ِّذُب ُه َع َذاباً ُّن ْك اًرَما َمن َ َ َ ْ َ ُ َ ُ ُ ُ َ ٰ َ ّ ال أ َّ* َق َ
{وأما الجدار فكان لغالمين يتيمين في المدينة} أي :العاقلتين النظرية والعملية المنقطعتين عن أبيهما الذي هو روح
القدس الحتجابهما عنه بالغواشي البدنية أو القلب الذي مات أو قتل قبل الكمال باستيالء النفس في مدينة البدن
{وكان تحته كنز لهما} أي :كنز المعرفة التي ال تحصل إال بهما في مقام القلب إلمكان اجتماع جميع الكليات
والجزئيات فيه بالفعل وقت الكمال وهو حال بلوغ األشد واستخراج ذلك الكنز .وقال بعض أهل الظاهر من المفسرين:
قصة ذي القرنين مشهورة وكان رومياً قريب العهد والتطبيق ،إن ذا القرنين في هذا الوجود هو القلب الذي ملك قرنيه،
مكنا له} في أرض البدن باإلقدار والتمكين على جمع األموال من المعاني الكلية
{إنا ّ
أي :خافقيه شرقها وغربها ّ
أي قطر شاء من المشرق والمغرب{ .وآتيناه من كل شيء} أراده من الكماالت {سبباً} أي :طريقاًوالجزئية والسير إلى ّ
يتوصل به إليه {فأتبع} طريقاً بالتعلق البدني والتوجه إلى العالم السفلي{ .حتى إذا بلغ مغرب الشمس} أي :مكان
غروب شمس الروح {وجدها تغرب في عين حمئة} أي :مختلطة بالحمأة ،وهي المادة البدنية الممتزجة من األجسام
طَف ٍة أ َْم َشا ٍج} [اإلنسان ،اآلية{ .]2 :ووجد عندها قوماً} هم القوى النفسانية البدنية والروحانية {قلنا الغاسقة كقولهِ :
{من ُّن ْ
إما أن تُعذب} بالرياضة والقهر واإلماتة {وإما أن تتخذ فيهم حسناً} بالتعديل وإيفاء الحظ.
يا ذا القرنين ّ
أما من ظلم} باإلفراط وعدم االستسالم واالنقياد كالشهوة والغضب والوهم والتخيل {فسوف نع ّذبه} بالرياضة {ثم {قال ّ
أشد من عذابي ،أو في يرد إلى رّبه} في القيامة الصغرى {فيع ّذبه} باإللقاء في نار الطبيعة {عذاباً نك اًر} أي :منك اًر ّ
ّ
القيامة الكبرى فيعذبه عذاب القهر واإلفناء.
ول َل ُه ِم ْن أ َْم ِرَنا ُي ْس اًر * ثُ َّم أ َْتَب َع َسَبباً * َحتَّ ٰى ِإ َذا َبَل َغ َم ْ
طلِ َع آء اْل ُح ْسَن ٰى َو َسَنُق ُ
َما م ْن آمن وع ِمل ِ
صالحاً َفَل ُه َج َز ًَوأ َّ َ َ َ َ َ َ َ
طَنا ِب َما َل َد ْي ِه ُخ ْب اًر * ثَُّم أ َْتَب َع َسَبباً * ِ ِ َّ ِ َّ
طُل ُع َعَل ٰى َق ْو ٍم ل ْم َن ْج َعل ل ُه ْم ّمن ُدوِن َها س ْت اًر * َك َذل َك َوَق ْد أ َ
َح ْ س َو َج َد َها تَ ْ َّ
الش ْم ِ
ْجو َج ُمْف ِس ُدو َن
ْجو َج َو َمأ ُ
َّ ِ
السَّد ْي ِن َو َج َد من ُدوِن ِه َما َق ْوماً ال َي َك ُادو َن َيْفَق ُهو َن َق ْوالً * َقاُلوْا ٰي َذا اْلَق ْرَن ْي ِن ِإ َّن َيأ ُ َحتَّ ٰى ِإ َذا َبَل َغ َب ْي َن َّ
ض َف َه ْل َن ْج َع ُل َل َك َخ ْرجاً َعَل ٰى أَن تَ ْج َع َل َب ْيَنَنا َوَب ْيَن ُه ْم َسّداًِفي األ َْر ِ
بالتجرد والتزكي {حتى إذا بلغ مطلع الشمس} أي :مطلع شمس ّ {ثم أتبع} طريقاً هي طريق الترقي والسلوك إلى هللا
الروح {وجدها تطلع على قوم} هم العاقلتان والفكر والحدس و القوة القدسية {لم نجعل لهم من دونها ست اًر} أي :حجاباً
لتنورهم بنورها وإدراكهم المعاني الكلية {كذلك} أي :أمره كما وصفنا {وقد أحطنا بما لديه} من العلوم والمعارف
ّ
والكماالت والفضائل {خب اًر} أي :علماً ،ومعناه :لم يحط به غيرنا لكونه الحضرة الجامعة للعالمين فليس في الوجود
من يقف على معلوماته إال هللا وألمر ما سمي عرش هللا .
السدين} أي :الكونين ،وذلك مرتبته ومقامه األصلي بين صدفي {ثم أتبع} طريقاً بالسير في هللا {حتى إذا بلغ بين ّ
جبلي اإلله والسير في المشرق والمغرب سفرة تنزالً وترقياً {وجد من دونهما قوماً} هم القوى الطبيعية البدنية والحواس
الظاهرة {ال يكادون يفقهوه قوالً} لكونها غير مدركة للمعاني وال ناطقة بها.
{مْفسدون} في أرض{إن يأجوج} الدواعي والهواجس الوهمية {ومأجوج} الوساوس والنوازع الخيالية ُ
{قالوا} بلسان الحال ّ
البدن بالتحريض على الرذائل والشهوات المنافية للنظام والحث على األعمال الموجبة للخلل فيه وخراب القوانين
الخيرية والقواعد الحكمية وإحداث النوائب والفتن واألهواء والبدع المنافية للعدالة المقتضية لفساد الزرع والنسل {فهل
سداً} ال يتجاوزونه وحاج اًز ال يعلونه،
نجعل لك خرجاً} بإمدادك بكماالتنا وصور مدركاتنا {على أن تجعل بيننا وبينهم ّ
وذلك هو الحد الشرعي والحجاب القلبي من الحكمة العملية.
مكني فيه ربي} من المعاني الكلية والجزئية الحاصلة بالتجربة والسير في المشرق والمغرب {خير فأعينوني {قال ما ّ
بقوة} أي :عمل وطاعة {أجعل بينكم وبينهم ردماً} هو الحكمة العملية والقانون الشرعي{ .آتوني ُزُب َر الحديد} من
الصور العملية وأوضاع األعمال {حتى إذا ساوى بين الصدفين} بالتعديل والتقدير {قال} للقوى الحيوانية ْ
{انفخوا} في
هذه الصور نفخ المعاني الجزئية والهيئات النفسانية من فضائل األخالق {حتى إذا جعله نا اًر} أي :علماً برأسه من
جملة العلوم يحتوي على بيان كيفية األعمال {قال آتوني أفرغ عليه قط اًر} النية والقصد الذي يتوسط بين العلم والعمل،
سد ،أي :قاعدة وبنيان
فيتحد به روح العلم وجسد العمل كالروح الحيواني المتوسط بين الروح اإلنساني والبدن ،فحصل ّ
طاعوا أن
اس َ
من زبر األعمال ونفخ العلوم واألخالق وقطر العزائم والنيات ،واطمأنت به النفس وتدبرت فآمنت{ .فما ْ
استَطاعوا له
يظهروه} ويعلوه الرتفاع شأنه وكونه مشتمالً على علوم وحجج لم يمكنهم دفعها واالستيالء عليها {وما ْ
نقباً} الستحكامه بالملكات واألعمال واألذكار.
السد ،أي :القانون {رحمة من رّبي} على عباده ،يوجب أمنهم وبقاءهم {فإذا جاء وعد رّبي} بالقيامة {قال هذا} ّ
الصغرى {جعله د ّكاً} باطالً ،منهدماً ،المتناع العمل به عند الموت وخراب اآلالت البدنية.
{وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض} باالضطراب واالختالط ،أي :تركناهم يختلطون الجتماعهم في الروح مع عدم
الحيلولة {ونفخ في الصور} للبعث في النشأة الثانية {فجمعناهم جمعاً} أو بالقيامة الكبرى حال الفناء وظهور الحق.
جعله د ّكاً الرتفاع العلم والحكمة هناك ،وظهور معنى الحل واإلباحة بتجلي األفعال اإللهية وانتفاء الغير وفعله،
{وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض} ،حيارى ،مختلطين شيئاً واحداً ال حراك بهم{ .ونفخ في الصور} باإليجاد
بالوجود الحقاّني حال البقاء {فجمعناهم جمعاً} في التوحيد واالستقامة والتمكين وكونهم باهلل ال بأنفسهم.
َّ ِ ٍِ ِ ِ ات اْلِف ْرَد ْو ِ ِ آمُنوْا َو َع ِمُلوْا َّ َّ ِ
ين
ين َع ْرضاً * الذ َ ضَنا َج َهَّن َم َي ْو َمئذ ّلْل َكاف ِر َ ال * َو َع َر ْ س ُن ُز ً الصالِ َحات َك َان ْت َل ُه ْم َجَّن ُ ين َ ِإ َّن الذ َ
ين َكَف ُروْا أَن َيتَّ ِخ ُذوْا ِعَب ِادي ِمن ُدوِني ِ َّ ِ
يعو َن َس ْمعاً * أََف َحس َب الذ َ
ِ ِ
طآء َعن ذ ْكرِي َوَك ُانوْا الَ َي ْستَط ُ
َكان ْت أَعينهم ِفي ِغ َ ٍ
َ ْ ُُ ُ ْ
ِ
ض َّل َس ْعُي ُه ْم ِفي اْل َحَياة ُّ ِ َّ ِ ِ
الد ْنَيا َو ُه ْم ين َ َع َماالً * الذ َ ين أ ْ َخ َس ِر َين ُن ُزالً * ُق ْل َه ْل ُنَنِّبُئ ُكم ِباأل ْ آء ِإَّنآ أ ْ
َعتَ ْدَنا َج َهَّن َم لْل َكاف ِر َ ِ
أ َْولَي َ
ام ِة َوْزناً ِ
يم َل ُه ْم َي ْوَم اْلقَي َ
ِ
َع َماُل ُه ْم َفالَ ُنق ُ ط ْت أ ْ ات َرّبِ ِه ْم َولَِق ِائ ِه َف َحِب َ
يحسبون أََّنهم يح ِسنون ص ْنعاً * أُوَلـِٰئك َّال ِذين َكَفروْا ِبآي ِ
َ ُ َ ْ َ َ ْ َُ َ ُْ ُ ْ ُ َ ُ
َّ ِ * َذلِك ج َزآؤهم جهَّنم ِبما َكَفروْا واتَّ َخ ُذوْا آي ِاتي ورسلِي ه ُزواً * َخالِ ِد ِ
ان اْلَب ْح ُريها الَ َي ْب ُغو َن َع ْن َها حَوالً * ُقل ل ْو َك َ ين ف َ َ ُ َ َُ ُ َ َ ُ ُْ َ َ ُ َ ُ َ
ِ ِ ِ ِِ ِ ِ ِ
وح ٰى ِإَل َّي أََّن َمآ م َداداً ِّل َكلِ َمات َرّبِي َلَنف َد اْلَب ْح ُر َقْب َل أَن تَ َنف َد َكلِ َم ُ
ات َرّبِي َوَل ْو ج ْئَنا ِبم ْثله َم َدداً * ُق ْل ِإَّن َمآ أََن ْا َب َشٌر ّم ْثُل ُك ْم ُي َ
ِ ِ ِ ِه َفْليعمل عمالً ِ ِ ِ ِ
صالحاً َوالَ ُي ْش ِر ْك ِبعَب َادة َرّبِه أ َ
َح َداً آء َرّب َ ْ َ ْ َ َ َ ان َي ْر ُجوْا لَق َ ِإَلـ ُٰه ُك ْم ِإَلـ ٌٰه َواحٌد َف َمن َك َ
{وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين} أي :يوم القيامة الصغرى يتعذب المحجوبون عن الحق بأنواع العذاب والنيران كما
ذكر في سورة (األنعام) أو في ذلك الشهود ،أي :ظهر لصاحب القيامة الكبرى تعذبهم في نار جهنم {كانت أعينهم
وتجليات صفاتي الموجبة لذكري {ال يبغون عنها حوالً} أي :تحوالً
ّ في غطاء عن ذكري} أي :محجوبة عن آياتي
لبلوغهم الكمال الذي يقتضيه استعدادهم ،فال شوق لهم إلى ما وراءه وإن وجد كمال وراء ذلك لعدم إدراكهم له فال
جنات الفردوس يدالن على ذوق وال شوق ،وكونهم في مقابلة المشركين المحجوبين عن الحق بالغير .وكون ّ
جناتهم ّ
أن المراد بهم هم الموحدون الكاملون االستعداد الذين ال كمال فوق كمالهم ،فال يبقى شيء وراء مرتبتهم ،يريدون
التحول إليه.
ّ
آء َخِفّي ًا كهيعص * ِذ ْكر رحم ِت ربِك عبده َزَك ِريَّآ * ِإ ْذ ناد ٰى رب ِ
َّه ن َد ً
ََ َ ُ ُ َ ْ َ َّ َ َ َْ ُ
{كهيعص} قد تقدم فيما سلف أن كل طالب ينادي رّبه ويدعوه إنما يستحق اإلجابة إذا دعاه بلسان الحال وناداه
باسمه الذي هو مصدر مطلوبه بحسب اقتضاء استعداده في ذلك الحال ،علم أو لم يعلم ،إذ العطاء والفيض ال يكون
إال بحسب االستعداد ،واالستعداد ال يطلب إال مقتضى ذلك االسم فيجيبه بتجلي ذلك االسم الذي يجبر نقصه ويقضي
رب ،فمراده :يا شافي ،إذ الحق يبريه بذلك االسم عند إجابته .وكذا
حاجته بإفادة مطلوبه كما أن المريض إذا قال :يا ّ
الفقير إذا ناداه أجابه باسمه المغني إذ هو رّبه.
ولياً يقوم مقامه في أمر الدين ،وتوسل إليه بأمرين ،واعتذر إليه معتالً بأمرين،
فنادى زكريا عليه السالم رّبه ليهب له ّ
{وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً} توسل بالضعف والشيخوخة والوهن والعجز عن القيام بأمر الدين في قولهَ :
ولما بشره بالولد ،وهداه إلى مقتضى العلم ،تعجب منه لضراوته في عالم األسباب بالحكمة وكرر التعلل بعدم األسباب
بقوله{ :أنى يكون لي غالم} الخ ،ألنه كان يطلب ولداً حقيقياً يلي أمره ويحذو حذوه ويسلك طريقه في القيام بأمر
ا لدين وإن لم يكن من نسله لعدم أهلية مواليه لذلك ،فكرر البشارة وهداه إلى سهولة ذلك في قدرته ،فالتمس عالمة تدل
عليه ،فهداه إليها وأنجز وعده باسمه الصادق فرحمه بهبة يحيى له .فاقتضت األحوال األربعة مع حال الوعد والبشارة
إجابته بالرحمة عليه باألسماء الخمسة .فعلى هذا يكون (كـ) إشارة إلى الكافي الذي اقتضاه حال ضعفه وشيخوخته
وعجزه و (هـ) إشارة إلى الهادي الذي اقتضاه عنايته به وإرادة مطلوبه له و (ي) إشارة إلى الواقي الذي اقتضاه حال
خوفه من الموالي و (ع) إشارة إلى العالم الذي اقتضاه إظهاره لعدم األسباب و (ص) إشارة إلى الصادق الذي اقتضاه
الوعد .ومجموع األسماء الخمسة هو :الرحيم بهبة الولد ،وإفاضة مطلوبه في هذه األحوال .فذكر هذه الحروف
وتعدادها إشارة إلى أن ظهور هذه الصفات التي حصل بها هذه األسماء هو ظهور رحمة عبده زكريا وقت ندائه
وذكرها ذكر تلك الرحمة التي هي وجود يحيى عليه السالم .ولهذا قال ابن عباس رضي هللا عنهما( :كـ) عبارة عن
الكافي و (هـ) عن الهادي و (ي) عن الواقي و (ع) عن العالم و (ص) عن الصادق وهللا أعلم.
وحَنا َفتَ َمَّث َل َل َها ِ ِ اب مريم ِإ ِذ انتَب َذ ْت ِم ْن أ ِ ِ ِ ِ
َهل َها َم َكاناً َش ْرِقياً * َفاتَّ َخ َذ ْت من ُدوِن ِهم ح َجاباً َفأ َْرَسْلَنآ ِإَل ْي َهآ ُر َ
ْ َ َوا ْذ ُك ْر في اْلكتَ َ ْ َ َ
ِك ألَ َه َب َل ِك ُغالَماً َزِكّياً * َقاَل ْت الرحمـ ِٰن ِمنك ِإن ُكنت تَِقياً * َقال ِإَّنمآ أََن ْا رسول رب ِ َب َش اًر س ِوّياً * َقاَل ْت ِإِّني أ ُ ِ
َ ُ ُ َّ َ َ َ ّ َ َعوُذ ب َّ ْ َ َ
ِ ِ ِ
ال َربُّك ُهو َعَل َّي َهّي ٌن ولَِن ْج َعَل ُه َآي ًة ّلْلَّن ِ ِ ٰ ِ ِ ِ
اس َوَر ْح َم ًة َ َ ال َكذل َك َق َ
َك َبغّياً * َق َ أََّن ٰى َي ُكو ُن لي ُغالَ ٌم َوَل ْم َي ْم َس ْسني َب َشٌر َوَل ْم أ ُ
ِمَّنا وَكان أَم اًر َّمْق ِ
ضّياً ّ َ َ ْ
{واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شر ّقياً} المكان الشرقي هو مكان العالم القدسي التصالها بروح
ومقر النفس وأهلها القوى النفسانية والطبيعية .والحجاب الذي اتخذته
تجردها وانتباذها عن ممكن الطبيعة ّ القدس عند ّ
من دونهم هو حظيرة القدس الممنوع من أهل عالم النفس بحجاب الصدر الذي هو غاية مبلغ علم القوى المادية
ومدى سيرها ،وما لم تترق إلى العالم القدسي بالتجرد لم يمكن إرسال روح القدس إليها ،كما أخبر عنه تعالى في
فتتحرك على
ّ سوي الخلق ،حسن الصورة ،لتتأثر نفسها به وتستأنس
قوله{ :فأرسلنا إليها روحنا} وإنما تمثل لها بش اًر ّ
مقتضى الجبلة ويسري األثر من الخيال في الطبيعة فتتحرك شهوتها ،فتنزل كما يقع في المنام من االحتالم وتنقذف
مر أن الوحي قريب من المنامات الصادقة لهذه القوة البدنية وتعطلها عن
نطفتها في الرحم فيتخلق منه الولد .وقد ّ
أفعالها عنده كما في النوم ،فكل ما يرى في الخيال من األحوال الواردة على النفس الناطقة المسماة في اصطالحنا:
قلباً ،واالتصاالت التي لها باألرواح القدسية يسري في النفس الحيوانية والطبيعية وينفعل منه البدن .وإنما أمكن تولد
تكون الولد بمنزلة األنفحة في الجبن ،ومني
مني الذكر في ّ الولد من نطفة واحدة ألنه ثبت في العلوم الطبيعية أن
ّ ّ
أن مني الذكر ينفرد بالقوة مني األنثى ال على معنى
مني الذكر ،واالنعقاد من ّ األنثى بمنزلة اللبن أي :العقد من
ّ ّ ّ
{ولنجعله آية للناس} دالة على البعث والنشور {ورحمة منا} عليهم بتكميلهم به بالشرائع والحكم والمعارف وهدايتهم
مقضياً} في اللوح ،مقد اًر في األزل .وعن ابن عباس:
ّ بسبب فعلنا ذلك فهو صورة الرحمة اإللهية المعنوية {وكان أم اًر
فاطمأنت إليه بقوله{ :إنما أنا رسول ربك ألهب لك غالماً زكياً} فدنا منها ،فنفخ في جيب الدرع ،أي :البدن ،وهو
سبب إنزالها على ما ذكرنا كالغلمة مثالً والمعانقة التي كثي اًر ما تصير سبباً لإلنزال .وقيل :إن الروح المتمثل لها هو
روح عيسى عليه السالم عند نزوله واتصاله بها وتعلقه بنطفتها ،والحق إنه روح القدس ألنه كان السبب الفاعلي
لوجوده ،كما قال{ :ألهب لك غالماً زكياً}.
الن ْخَل ِة َقاَل ْت ٰيَليتَِني ِم ُّت َقبل هـٰ َذا وُكنت نسياً َّم ِ اض ِإَل ٰى ِج ْذ ِع َّ ِ ِ
نسّياً ْ َ َ َ ُ َْ ْ آء َها اْل َم َخ ُ َف َح َمَل ْت ُه َف ْانتََب َذ ْت ِبه َم َكاناً َقصّياً * َفأ َ
َج َ
طباً َجِنّياً * َف ُكلِي الن ْخَل ِة تُ َس ِاق ْ
ط َعَل ْي ِك ُر َ * َفَناداها ِمن تَحِتهآ أَالَّ تَح َ ِزني َق ْد جعل رب ِ
ُّك تَ ْحتَ ِك َس ِرّياً * َو ُهّزِى ِإَل ْي ِك ِب ِج ْذ ِع َّ ََ َ َ ْ ْ َ َ َ
ِن ِمن الب َش ِر أَحداً َفُقولِي ِإِّني ن َذرت لِ َّلرحمـ ِٰن صوماً َفَلن أُ َكّلِم اْليوم ِإ ِ
نسّياً ْ َ َْ َ َْ َ ْ َ ُْ َ اش َربِي َوَقّرِي َع ْيناً َفِإ َّما تَ َري َّ َ َ
َو ْ
اخضرت بالحياة الحقيقية بعد{وهزي إليك بجذع} نخلة نفسك التي بسقت في سماء الروح باتصالك بروح القدس ،و ّ
يبسها بالرياضة وجفافها بالحرمان عن ماء الهوى وحياته ،وأثمرت المعارف والمعاني ،أي :حركيها بالفكر {تُ َس ِاقط
عليك} من ثمرات المعارف والحقائق {رطباً جنياً فكلي} أي :من فوقك رطب الحقائق والمعارف اإللهية وعلم تجليات
الصفات والمواهب واألحوال {واشربي} من تحتك ماء العلم الطبيعي وبدائع الصنع وغرائب األفعال اإللهية وعلم
َكُلوْا ِمن َف ْوِق ِه ْم َو ِمن تَ ْح ِت أ َْرُجِل ِهم}[المائدة ،اآلية:
التوكل وتجليات األفعال واألخالق والمكاسب ،كما قال تعالى{ :أل َ
{فإما ترين من البشر أحداً} أي :من أهل {وقري عيناً} بالكمال والولد المبارك الموجود بالقدرة ،الموهوب بالعناية ّ ّ ]66
الظاهر المحجوبين عن الحقائق بظواهر األسباب وبالصنع والحكمة عن اإلبداع والقدرة التي ال يفهمون قولك وال
يصدقون بك وبحالك لوقوفهم مع العادة ،واحتجابهم بالعقول المشوبة بالوهم المحجوبة عن نور الحق {فقولي إني
ّ
نذرت للرحمن صوماً} أي :ال تكلميهم في أمرك شيئاً وال تماديهم فيما ال يمكنهم قبوله حتى ينطق هو بحاله.
{ما كان هلل أن يتخذ من ولد} المتناع وجود شيء آخر معه {سبحانه} عن أن يوجد معه شيء {فإنما يقول له كن
{إنا نحن نرث األرض ومن عليها} في القيامة الكبرى بالفناء
بمجرد تعلق إرادته به من غير زمانّ .
ّ فيكون} أي :يبدعه
المطلق والشهود الذاتي .الصدق أصل كل فضيلة ،ومالك كل كمال ،وخميرة كل مقام ،واستعداد كل موهبة.
{لم تعبد ما ال يسمع وال يبصر} مما سوى هللا من األكوان التي تطلبها وتنسب التأثير إليها {وال يغني عنك شيئاً} في
جرد هللا ذاتك عن المواد التي
الحقيقة لعدم تأثيره{ .قد جاءني من العلم} أي :التوحيد الذاتي {سالم عليك} أيّ :
احتجبت بها {سأستغفر لك رّبي} سأطلب منه ستر ذاتك بنوره ومحو غشاوات صفاتك بصفاته ،ودناءة هيئات نفسك
مجرداً ذاته وعلمه في السلوك لوجه هللا لم يلتفت إلى ما سواه من
بأفعاله إن أمكن {إنه كان مخلصاً} بالكسر ،أي ّ
ظ ْر ِإَل ْي َك}[األعراف،
ط َغ ٰى} بقوله{ :أ َِرِني أَن ُ
ص ُر َو َما َ
{ما َازغَ اْلَب َ
وجهة حتى صفاته تعالى ،بل نفاها عن ذاته ،وهو َ
اآلية .]143:ومخلصاً بالفتح ،أي :أخلصه هللا عن أنانيته وأفنى البقية منه فخلص من الطغيان المذكور بالتجلي
الذاتي التام ،واستقام بتمكين هللا إياه كما قالَ{ :فَل َّما تَجَّلى ربُّه لِْلجب ِل جعَله د ّكاً وخَّر موسى ِ
ال صعقاً َفَل َّمآ أََف َ
اق َق َ َٰ َ َ ٰ َ ُ ََ َ َ ُ َ َ َ
نبياً} مقام الرسالة دون مقام ّ
النبوة ُس ْب َح َان َك تُْب ُت ِإَل ْي َك}[األعراف ،اآلية ]143:من ذنب ظهور األنانية {وكان رسوالً ّ
لكونها مبينة لألحكام كالحالل والحرام ،منبه على األوضاع كالصالة والصيام فهي متعلقة ببيان أحكام المكلفين .وأما
النبوة فهي عبارة عن اإلنباء عن المعاني الغيبية كأحوال المعاد والبعث والنشور والمعارف اإللهية كتعريف الصفاتّ
واألسماء وما يليق باهلل من التحميدات والتمجيدات والوالية فوقهما جميعاً لكونها عبارة عن الفناء في ذات هللا من غير
النبوة وال الرسالة لكونها
اعتبار الخلق فهي أشرف المقامات لكونها تتقدم عليهما ألنها ما لم تحصل أوالً لم تمكن ّ
مقومة إياهما ولهذا قدم كونه مخلصاً في القرآن بالفتح ،وأخرت النبوة عن الرسالة لكونها أشرف وأدل على المدح
ّ
والتعظيم منها ولم يؤخر الوالية عنهام باعتبار الشرف ألنها وإن كانت أشرف لكنها باطنة ال يعرف شرفها وفضلها إال
األفراد من العرفاء المحققين المخصوصين بدقة النظر دون غيرهم فال يفيد المدح والتعظيم وال االقتصار عليها بقوله
مخلصاً وإن كانت أشرف ألنها قد توجد بدونهما بخالف العكس ،فال يحسن وصفه إال على هذا الترتيب.
السر الذي هو محل المناجاة،وناديناه من جانب الطور األيمن} أي :طور وجوده الذي هو نهاية طور القلب في مقام ّ
نجياً} وسمي كليم هللا .وإنما وصفه باأليمن الذي هو األشرف واألقوى واألكثر بركة احت ار اًز عن
ولذا قال{ :وقربناه ّ
جانبه األيسر الذي هو الصدر ،ألن الوحي إنما يأتي من عالم الروح الذي هو الوادي المقدس.
النِبِّي ْي َن ِمن
َّللاُ َعَل ْي ِهم ِّم َن َّ ِ َّ ِ ِ اب ِإد ِريس ِإَّنه َك ِ ِ ِ ِ
ان صّديقاً َّنِبَّياً * َوَرَف ْعَناهُ َم َكاناً َعلّياً * أُوَلـٰئ َك الذ َ
ين أ َْن َع َم َّ َوا ْذ ُك ْر في اْلكتَ ِ ْ َ ُ َ
ِ ِ ِِِ ِ ِِ
الر ْح َمـ ِٰن َخُّروْا اجتََب ْيَنآ ِإ َذا تُْتَل ٰى َعَل ْي ِه ْم َآي ُ
ات َّ يل َو ِم َّم ْن َه َد ْيَنا َو ْ
يم َوِإ ْس َرائ َ ِ
ُذّريَّة َء َاد َم َوم َّم ْن َح َمْلَنا َم َع ُنو ٍح َومن ُذّريَّة إ ْب َراه َ
آم َن َو َع ِم َل َّ الص َٰلوة واتَّبعوْا َّ ِ ِِ س َّجداً وب ِكياً * َفخَل ِ
اب َو َ ف َيْلَقو َن َغّياً * ِإال َمن تَ َ الش َه َٰوت َف َس ْو َ اعوْا َّ َ َ َ ُ َض ُ فأَ ف من َب ْعده ْم َخْل ٌ َ َ َُ ّ ُ
ِ
صالِحاً َفأ ُْوَلـٰئ َك َي ْد ُخُلو َن اْل َجَّن َة َوالَ ُي ْ
ظَل ُمو َن َش ْيئ ًا َ
علياً} إن كان بمعنى المكانة فهو قربه من هللا ورتبته في مقام الوالية من عين الجمع ،وإن كان بمعنى
{ورفعناه مكاناً ّ
مقر عيسى عليه السالم لما ذكر من كونه مركز روحه في األصل والمبدأ األول المكان فهو الفلك الرابع الذي هو ّ
لفيضانه إذا فاض عن محرك فلك الشمس ومعشوقه {إذا تُْتلى عليهم آيات الرحمن} سمعوا بالنفس من كل آية
حدها ،وصعدوا بالروح مطلعها ،فشاهدوا المتكلم موصوفاً بالصفة التي تجلى
بالسر ّ
ّ ظاهرها ،وبالقلب باطنها ،وفهموا
خروا ُسجداً} فنوا في ذلك االسم الذي تجلى به عند ظهوره بتلك الصفة الكاشفة عنها تلك اآلية ،وبكوا
بها في اآلية فـ{ ّ
اشتياقاً إلى مشاهدته بسائر الصفات المشتمل عليه الرحمن أو هللا وهو بكاء القلب إن لم يكن مستلزماً لبقاء النفس من
خوف البعد ،كما قال الشاعر:
أضاعوا صالة الحضور لكونهم في مقام النفس ،والحضور إنما يكون بالقلب ،وال صالة إال به .ولذلك االحتجاب
شر وضالالً إذ كلما أمعنوا في اتباعها ازداد بصفات النفس عن مقام القلب لزم اتباع الشهوات {فسوف يلقون ّ
غياً} ّاً
تورطهم فيها ،كما قال عليه الصالة والسالم" :الذنب بعد حجابهم فازداد ضاللهم وارتكبت الذنوب على الذنوب ،فازداد ّ
الذنب عقوبة للذنب األول
".
ِ ِ َّ
يها َل ْغواً إال َسالَماً َوَل ُه ْم ِرْزُق ُه ْم ف َ
يها ِ
* ال َي ْس َم ُعو َن ف َ
َّ ان َو ْع ُدهُ َمأِْتّياً ِ ات َع ْد ٍن َّالِتي َو َع َد َّ
الر ْح َمـ ُٰن عَب َادهُ ِباْل َغ ْي ِب ِإَّن ُه َك َ
جَّن ِ
َ
ِك َل ُه َما َب ْي َن أ َْي ِد َينا َو َما َخْلَفَنا َّ
َو َما َنتََنَّزُل ِإال ِبأ َْم ِر َرّب َ ان تَِقّياً * ِ ب ْكرة وع ِشياً * ِتْلك اْلجَّن ُة َّالِتي ن ِ ِ ِ
ور ُث م ْن عَبادَنا َمن َك َ ُ َ َ ُ ًَ َ َ ّ
طِب ْر لِ ِعَب َادِت ِه َه ْل تَ ْعَل ُم َل ُه َس ِمّياً
اص َ
اعُب ْدهُ َو ْ
الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ
ض َو َما َب ْيَن ُه َما َف ْ
وما بين ٰذلِك وما َكان رب ِ
ُّك َنسّياً * َّر ُّب َّ َ َ َ
َ َ َْ َ َ َ َ َ َ َ
{جنات عدن} مرتبة بحسب درجاتهم في مقام النفس والقلب والروح {التي وعد الرحمن} المفيض بجالئل النعم
وأصولها وعمومها {عباده بالغيب} في حالة كونهم غائبين عنها {إال سالماً} أي :ما يسلمهم من النقائص ويجردهم
وعشيا} أي :دائماً أو بكرة في جنة القلب وقت ظهور نور
ّ عن المواد من المعارف والحكم {ولهم رزقهم فيها بكرة
وعشياً في جنة النفس وقت غروبه.
ّ شمس الروح،
تنزل المالئكة واتصال النفس بالمأل األعلى إنما يكون بأمرين :استعداد أصلي وصفاء {وما نتنزل إال بأمر رّبك} ّ
فطري يناسب به جوهر الروح العالم األعلى ،واستعداد حالي بالتصفية والتزكية وال يكفي مجرد حصولها فيه ،بل
ّ
ِ
اموْا تَ َتَنَّزُل َعَل ْي ِه ُم اْل َمالَئ َك ُة}[فصلت ،اآلية]30: َّ ِ
استََق ُ
َّللاُ ثُ َّم ْ المعتبر هو المالئكة :أال ترى إلى قوله {ِإ َّن الذ َ
ين َقاُلوْا َربَُّنا َّ
تنزل الشياطين{ :تََنَّزُل َعَل ٰى ُك ِّل
كيف رتّب التنزل على االستقامة التي هي التمكين الدال على الملكة .وإلى قوله في ّ
تنزلهم بناء المبالغة الدال على الملكة والدوام فكذا ال اك أَِثيمٍ}[الشعراء ،اآلية ]222 :كيف أورد في حصول استعداد ّ أََّف ٍ
الصديق الخير .وهذا االستعداد الثاني إذا اجتمع مع األول كان عالمة إذن الحق وأمره ،إذ
ّ تتنزل المالئكة إال على
وقل صبره نزلت ،أي:
الفيض عام ،تام ،غير منقطع ،فحيث تأخر إنما تأخر لعدم االستعداد ،فلذا لما استبطأ الوحي ّ
نتنزل باختيارنا بل باختياره وأمره ليس إال.
وما ّ
يعتد به ،كما قالَ{ :ل ْم َي ُكن َش ْيئاً َّم ْذ ُكو اًر}[اإلنسان ،اآلية ]1 :ألن
{ولم يك شيئاً} في عالم الشهادة محسوساً أو شيئاً ّ
الوجود العيني في األزل قبل الخلق كال وجود النطماسه في عين الجمع {لنحشرنهم والشياطين} أي :لنحشرّن
ألن نفوس المحجوبين تناسب في الكدورة
المحجوبين المنكرين للبعث مع الشياطين الذين أغووهم وأضلوهم عن الحق ّ
والبعد عن النور نفوس الشياطين ،فبالضرورة يحشرون معهم خصوصاً إذا اتبعوهم في االعتقاد {ثم لنحضرنهم حول
إن منكم إالّ واردها} أي :ال ّبد لكل أحد عند البعث والنشور أن يرد عالم الطبيعة لكونها مجاز عالم القدس {كان
{و ّ
برد روحه إلى الجسد ال يمكنه الجواز على الصراط
على رّبك حتماً مقضيا} أي :حكماً جزماً ،مقطوعاً به .ومن بعث ّ
إال بالجواز على جهنم ،ألن المؤمن لما جاء أطفأ نوره لهبها فلم يشعر بها .كما روي أنها تقول :جز يا مؤمن فإن
نورك أطفأ لهبي .ولو سألته بعد دخول الجنة :كيف كان حالك في النار؟ لقال :ما أحسست بها .كما سئل الصادق
عليه السالم :أتردونها أنتم أيضاً؟ فقال :جزناها وهي خامدة .وعن ابن عباس :يردونها كأنها أهالة .وعن جابر بن
عبد هللا أنه سأل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن ذلك فقال" :إذا دخل أهل الجنة الجنة قال بعضهم لبعض :أليس
وعدنا ربنا أن نرد النار؟ فيقال لهم :وردتموها وهي خامدة" .وعنه رحمه هللا أنه سئل عن هذه اآلية فقال :سمعت
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول ":الورود الدخول ال يبقى ّبر وال فاجر إال دخلها فتكون على المؤمنين برداً
أن للنار ضجيجاً من بردها" .وأما قوله{ :أ ُْوَلـِٰئ َك َع ْن َها
وسالماً كما كانت على إبراهيم عليه السالم حتى ّ
ُم ْب َع ُدو َن}[األنبياء ،اآلية ]101:فالمراد عن عذابها.
{ثم ننجي الذين اتّقوا} لتجردهم بالجواز على الصراط الذي هو سلوك طريق العدالة إلى التوحيد كالبرق {ونذر
الظالمين} الذين نقصوا نور استعدادهم في الظلمات أو وضعوه غير موضعه {فيها جثياً} ال حراك بهم لتوردهم في
ظُلمات يوم القيامة
المواد الظلمانية كما قال عليه السالم" :الظلم ُ
".
{يوم نحشر المتّقين إلى الرحمن وفداً} إنما ذكر اسم الرحمن لعموم رحمته بحسب مراتب تقواهم كما ذكر في قوله:
ان تَِقّياً}[مريم ،اآلية ،]63 :ولهذا لما سمعها بعض العارفين قال :ومن كان مع الرحمن فإلى من يحشر؟ فأجابه
{من َك َ
َ
القهار إلى اسم اللطيف .فإن المتّقي عن المعاصي والرذائل
بعضهم بقوله :من اسم الرحمن إلى الرحمن ومن اسم ّ
وصفات النفس الذي هو في أول درجة التقوى قد يحشر إلى الرحمن في جنة األفعال ثم الصفات ثم بعد الوصول إلى
هللا في جنة الصفات له سير في هللا بحسب تجليات الصفات ،وإذا انتهى السير إلى الذات يكون السير سير هللا
{وفداً} مكرمين.
{ونسوق المجرمين} ألعمالهم الخبيثة {إلى جهنم} الطبيعة {ورداً} كأنهم إبل عطاش فيوردهم النار {ال يملكون الشفاعة
إال من اتخذ عند الرحمن عهداً} هذا العهد هو ما عاهد هللا أهل اإليمان من الوفاء بالعهد السابق بالتوبة واإلنابة إليه
في الصفاء الثاني بعد الصفاء األول ،وذلك االنسالخ عن حجب صفات النفس واالتصاف بصفات الرحمن واالتصال
بعالم القدس الذي هو حضرة الصفات ولهذا ذكر اسم الرحمن المعطي ألصول ِ
الن َعم وجالئلها المشتمل على سائر
استعد لقبول الرحمة
ّ الصفات اللطيفة ،أي :ال يملك أحد أن يشفع له باألمداد الملكوتية واألنوار القدسية إال من
الرحمانية واتصل بالجناب اإللهي بالعهد الحقيقي .وعن ابن مسعود أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ألصحابه ذات
اللهم فاطر السموات واألرض ،عالم الغيب والشهادة ،أني أعهد
يوم" :أيعجز أحدكم أن يتخذ عند كل صباح ومساء ّ
تقربني
أن محمداً عبدك ورسولك ،وأنك إن تكلني إلى نفسي ّ
إليك أني أشهد أن ال إله إال أنت ،وحدك ال شريك لك ،و ّ
الشر وتباعدني من الخير ،وإني ال أثق إال برحمتك ،فاجعل لي عهداً تؤتنيه يوم القيامة ،إنك ال تخلف الميعاد
من ّ
".
{إن كل من في السموات واألرض إال آتي الرحمن عبداً} لكونهم في حيز اإلمكان ومكمن العدم ال وجود لهم وال كمال
إال به ،أفاض باسم الرحمن وجوداتهم وكماالتهم ،فهم أنفسهم ليسوا شيئاً ،فلو لم يعبدوه حق عبادته باستعدادات
أعيانهم في العدم لما وجدوا ،ولو لم يعبدوه بعد الوجوه بالقيام بحقوق نعمه التي أنعمها عليهم لما كملوا ،فهم مربوبون،
مجبورون وفي طي قهره وملكته مقهورون.
ّ
{وكلهم آتيه يوم القيامة} الصغرى منفرداً مجرداً عن األسباب واألعوان كما كان في النشأة األولى ويوم القيامة
الوسطى {فرداً} من العالئق البدنية مجرداً عن الصفات النفسانية والقوى الطبيعية .وأما في القيامة الكبرى فكل من
عليها فان ،ويبقى وجه رّبك ذو الجالل واإلكرام.
المعدة لقبول
ّ {إن الذين آمنوا} اإليمان الحقيقي العلمي أو العيني { وعملوا الصالحات} من األعمال المزكية المصفية
ّ
يتقرب إلي بالنوافل
وداً} كما قال" :ال يزال العبد ّ
تجليات الصفات بالتجرد عن مالبس صفاتهم {سيجعل لهم الرحمن ّ
ّ
حتى أحبه ،فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ،وبصره الذي يبصر به ،ويده التي يبطش بها" .وفي الحقيقة هذا
{الرحمن} أي :رّبك الجليل ،المحتجب بحجب المخلوقات لجالله ،هو الجميل ،المتجلي بجمال رحمته على الكل ،إذ
اختص الرحمن به دون الرحيم المتناع عموم الفيض للكل إال
ّ ال يخلو شيء من الرحمة الرحمانية وإال لم يوجد .ولهذا
منه ،فكما استوى على عرش وجود الكل بظهور الصفة الرحمانية فيه وظهور أثرها أي :الفيض العام منه إلى جميع
الموجودات فكذا استوى على عرش قلبك بظهور جميع صفاته فيه ووصول أثرها منه إلى جميع الخالئق ،فصرت
نبوِتك عامة خاتمة .فمعنى االستواء :ظهوره فيه سوياً تاماً إذ ال يطابق كلها مظهر غيره فال
رحمة للعالمين وصارت ّ
يستوي وال يستقيم إال عليه ،ولذلك لم يكن له عليه السالم ظل إذ لم يبق من ذاته مع صفاته بقية لم تتحقق بالحق
بالبقاء بعد الفناء التام.
{له ما في السموات} إلى قوله{ :وما تحت الثرى} بيان لشمول قهره وملكته للكل ،أي :كلها تحت ملكته وقهره
وسلطنته وتأثيره ال توجد وال تتحرك وال تسكن وال تتغير وال تثبت إال بأمره وكذلك فنيت بالكلية مقهورة بوحدانيته وفناء
قهاريته ال تسمع وال تبصر وال تبطش وال تمشي إال به وبأمره.
رأها باكتحال عين بصيرته بنور الهداية {فقال ألهله} القوى النفسانية {امكثوا} اسكنوا وال ّ
تتحركوا إذ السير إنما يصير
إلى العالم القدسي ويتصل به عند هذه القوى البشرية من الحواس الظاهرة والباطنة الشاغلة لها {إني آنست نا اًر} أي:
فيتنور وتصير ذاته فضيلة {أو أجد على
رأيت نا اًر {لعلي آتيكم منها بقبس} أي :هيئة نورية اتصالية ينتفع بها كلكم ّ
النار} من يهديني بالعلم والمعرفة الموجب للهداية إلى الحق أي :اكتسب باالتصال بها الهيئة النورية أو الصور
العلمية {فلما أتاها} أي :اتصل بها {نودي} من وراء الحجب النارية التي هي سرادقات العزة والجالل المحتجبة بها
الحضرة اإللهية {يا موسى إني أنا رّبك} محتجباً بالصورة النارية التي هي أحد أستار جاللي تجلياً فيها {فاخلع نعليك}
وسرك عن صفاتهما تجردت بروحك ّ تجرد عن الكونين أي :كما ّ تجرد عنهما فقد ّ
أي :نفسك وبدنك أو الكونين ألنه إذا ّ
وتجرد بقلبك وصدرك عنهما بقطع العالقة الكلية ومحو اآلثار والفناء عن
وهيئاتهما حتى اتصلت بروح القدس ّ
يتجرد عن مالبسهما لم يتصل بعالم القدس
الصفات واألفعال .وإنما سماهما نعلين ولم يسمهما ثوبين ألنه لو لم ّ
{وتََبَّت ْل ِإَل ْي ِه تَْبِتيالً}[المزمل ،اآلية ]8:فكأنه بقيت
والحال حال االتصال ،وإنما أمره باالنقطاع إليه بالكلية كما قالَ :
يسوخ قدمه التي هي الجهة السفلية من القلب المسماة بالصدر ،فهما بعد التوجه الروحي عالقته معهما والتعلق بهما ّ
طوى}
المقدس ً والسري نحو القدس ،فأمره بالقطع عنهما في مقام الروح ،ولهذا علل وجوب الخلع بقوله{ :إنك بالواد ّ
المنزه عن آثار التعلق وهيئات اللواحق والعالئق المادية المسمى طوى ،لطي أطوار الملكوت وأجرام
أي :عالم الروح ّ
ّ
السموات واألرضين تحته .ولقد صدق من قال :أمر بخلعهما لكونهما من جلد حمار ميت غير مدبوغ .وقيل :لما
نودي وسوس إليه الشيطان :إنك تنادى من شيطان! فقال :أفرق به ،إني أسمع من جميع الجهات الست بجميع
أعضائي وال يكون ذلك إال بنداء الرحمن.
{وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى} هذا وعد باالصطفاء الذي كان بعد التجلي التام الذاتي الذي جعل جبل وجوده د ّكاً
ال ُس ْب َح َان َك تُْب ُت ِإَل ْي َك َوأََن ْا بالفناء فيه باالندكاك وخروره صعقاً عند إفاقته بالوجود الحقاني كما قال تعالىَ{ :فَل َّمآ أََف َ
اق َق َ
اس ِب ِرَساالَِتي َوب َِكالَ ِمي}[األعراف ،اآليات ،]144 - 143:وهذا الن ِ
طَف ْيتُ َك َعَلى َّ
اص َ ِِ
وس ٰى إّني ْ
ٰم َ
ال ي ُ
ين َق َ
ِ
أََّو ُل اْل ُم ْؤ ِمن َ
التجلي هو تجلي الصفات قبل تجلي الذات ،ولهذا أرسله ولم يستنبئه بالوحي هنا ،وأمره بالرياضة والحضور والمراقبة
الرب باهلل لئال يقف مع الصفات في الحضرة األسمائية فيحتجب عن الذات إذ وكرر {إنني أنا هللا} بالتأكيد ،وتبديل ّ
الرب هو االسم الذي تجلى به له ،إذ ال يريه عند طلب الهداية والقبس إال بذلك االسم العليم الهادي الذي هو جبريل،
وتعدد
أي :إنني الواحد الموصوف بجميع الصفات {ال إله إال أنا} لم أتكثر ولم يتعدد أنائيتي وأحديتي بكثرة المظاهر ّ
خصص عبادتك بذاتي دون أسمائي وصفاتي بالعبادة الذاتية وتهيئة استعداد فناء األنية في
الصفات {فاعبدني} ّ
حقيقتي والتسبيح المطلق الذاتي {وأقم الصلوة} أي :صالة الشهود الروحي لذكر ذاتي فوق صالة الحضور القلبي
لذكر صفاتي.
{إن الساعة} القيامة الكبرى بالفناء المحض في عين األحدية {آتية أكاد أخفيها} باحتجابي بالصفات لتنفصل المراتب
ّ
وتظهر النفوس واألعمال {لتجزى كل نفس} بحسب سعيها من الخير و ّ
الشر ،ويتميز الكمال والنقصان والسعادة
والشقاوة فال أظهرها إال ألفراد خواصي واحداً بعد واحد ألني إن أظهرتها ظهر فناء الكل فال نفس وال عمل وال جزاء
ّ
وال غير ذلك.
ال أَْلِق َها ِ ِ وما ِتْلك ِبي ِم ِينك يٰموسى * َق ِ
ُخ َر ٰى * َق َ ش ب َها َعَل ٰى َغَنمي َولِ َي ف َ
يها َم ِآر ُب أ ْ اي أَتََوَّكأُ َعَل ْي َها َوأ ُ
َه ُّ ِ
ص َ ال ه َي َع َ َ ََ َ َ َ ُ َ ٰ
ِ ِ
ف َسُنع ُيد َها س َيرَت َها األُوَل ٰى ِ يٰموس ٰى * َفأَْلَق َ ِ
ال ُخ ْذ َها َوالَ تَ َخ ْ اها َفإ َذا ه َي َحَّي ٌة تَ ْس َع ٰى * َق َ ُ َ
{وما تلك بيمينك يا موسى} إشارة إلى نفسه ،أي :التي هي في يد عقله إذ العقل يمين يأخذ به اإلنسان العطاء من
هللا ويضبط به نفسه.
{قال هي عصاي أتوكأ عليها} أي :أعتمد في عالم الشهادة وكسب الكمال والسير إلى هللا والتخلق بأخالقه عليها،
أهش بها على غنمي} أي :أخبط أوراق العلوم النافعة و ِ
الح َكم العملية من شجرة أي :ال يمكن هذه األمور إال بها {و ّ
الروح بحركة الفكر بها على غنم القوى الحيوانية {ولي فيها مآرب أخرى} من كسب المقامات وطلب األحوال
التجليات .وإنما سأله تعالى إلزالة الهيبة الحاصلة له بتجلي العظمة عنه وتبديلها باألمن ،وإنما زاد الجواب
والمواهب و ّ
لشدة شغفه بالمكالمة واستدامة ذوق االستئناس.
على السؤال ّ
{قال أ ِ
َلقها يا موسى} أي :خلها عن ضبط العقل {فألقاها} أي :خالها وشأنها مرسلة بعد احتظائها من أنوار تجليات
شدة الغضب ،وكانت نفسه عليه السالم قويةيتحرك من ّ
حية تسعى} أي :ثعبان ّصفات القهر اإللهي {فإذا هي ّ
الحدة ،فلما بلغ مقام تجليات الصفات كان من ضرورة االستعداد حظه من التجلي القهري أوفر كما
الغضب ،شديدة ّ
ذكر في (الكهف) ،فبدل غضبه عند فنائه في الصفات بالغضب اإللهي والقهر الرباني فصور ثعباناً يتلقف ما يجد.
ُخ َر ٰى * لُِن ِرَي َك ِم ْن َآي ِاتَنا اْل ُك ْب َر ٰى * ا ْذ َه ْب ِإَل ٰى ِف ْرَع ْو َن ِإَّن ُه ضآء ِم ْن َغ ْي ِر س ٍ
وء َآي ًة أ ْ ُ
ِ اضمم َي َد َ ِ
ك إَل ٰى َجَناح َك تَ ْخ ُرْج َب ْي َ َ َو ْ ُ ْ
ط َغ ٰى
َ
النبوة
حد العبودية .وذلك يدل على أن ّ {اذهب إلى فرعون إنه طغى} بظهور األنائية ،فاحتجب بها ّ
فتعدى عن ّ
والرسالة غير موقوفة على الفناء الذاتي ألن الدخول في األربعينية التي تجلى فيها له بالذات كان بعد هالك فرعون،
{رب اشرح لي صدري} بنور اليقين والتمكين في مقام تجلي الصفات لئال يضيق بإيذائهم ،وال تتأذى وتتألم نفسي
ّ
بطعنهم وسفاهتهم ،فكما أتكلم بكالمك معهم أسمع بسمعك كالمهم وأجده كالمك ،وأرى ببصرك إيذاءهم وأجده فعلك،
فال أرى وال أسمع ما يقابلونني به إال منك ،فأصبر على بالئك بك وال تظهر نفسي برؤيتها منهم ،فتحتجب بصفاتها
وصفاتهم عن صفاتك {ويسر لي أمري} أي :أمر الدعوة بتوفيقهم لقبول دينك وإمدادي على المعاندين من نصرك
وتأييد قدسك {واحلل عقدة} من عقد العقل والفكر المانعين عن إطالق لساني بكالمك والجراءة والشجاعة على تصريح
الكالم في تبليغ رسالتك وإعالء كلمتك وإظهار دينك على دينهم بالحجة والبينة في مقابلة جبروتهم وفرعنتهم رعاية
لمصحلة خوف السطوة {يفقهوا قولي} لتليينك قلوبهم والخشوع والخشية فيها وتأييد إياي من عالم القدس واأليد .وباقي
القصة ال يقبل التأويل فإن أردت التطبيق فاعلم أن موسى القلب يسأل هللا تعالى بلسان الحال أن يجعل هارون العقل
يتقوى به ويستوزره في أموره ويعتضد برأيه مشاركاً معاوناً له في
الذي هو أخوه األكبر من أبيه روح القدس له وزي اًر ّ
نسبحك} أي :بالتجريد عن صفات النفس وهيئاتها {ونذكرك} باكتساب اكتساب كماالته معلالً طلبه بقوله{ :كي ّ
المعارف والحقائق والحضور فى المكاشفات ومقام تجليات الصفات {كثي اًر إنك كنت بنا} أي :باستعدادنا لقبول الكمال
وأهليتنا له {بصي اًر} فأعنا واجعلنا متعاونين على ما ترى منا وتريد.
{قد أوتيت} أعطيت {سؤلك} ووفقت لتحصيل مطلوبك{ .ولقد مننا عليك مرة أخرى} قبل إرادتك وطلبك بمحض
أمك} النفس الحيوانية {ما يوحى} أي :أشرنا إليها {أن أقذفيه} في تابوت البدن أو الطبيعة عنايتنا {إذ أوحينا إلى ّ
عدو}
اليم} عند ظهور نور التمييز والرشد بساحل النجاة {يأخذه ّ يم الطبيعة الهيوالنية {فليلقه ّ
الجسمانية {فاقذفيه} في ّ
محبة مني} أي :أحببتك وجعلتك محبوباً إلى القلوب وإلى كل شيء
األمارة الجبارة الفرعونية {وألقيت عليك ّ
النفس ّ
األمارة والقوى ،ومن أحببته يحبه كل شيء {ولتصنع} وتربى على كالءتي وحفظي فعلت ذلك. حتى النفس ّ
األمارة وإهالكها
غم استيالء النفس ّ المسولة لك بالرياضة واإلماتة {فنجيناك} من ّ
ّ {وقتلت نفساً} أي :الصورة الغضبية
إياك {وفتناك} ضروباً من الفتن بظهور النفس وصفاتها والرياضة والمجاهدة في دفعها وقمعها وإماتتها وتزكيتها
{فلبثت سنين في أهل مدين} العلم من القوى الروحانية عند شعيب العقل الفعال {ثم جئت على قدر} على حد من
ط َغ ٰى * َفُقوالَ َل ُه َق ْوالً وك ِب َآي ِاتي َوالَ َتِنَيا ِفي ِذ ْكرِي * ا ْذ َهَبآ ِإَل ٰى ِف ْرَع ْو َن ِإَّن ُه َ َخ َ َنت َوأ ُ
ِ
طَن ْعتُ َك لَِنْفسي * ا ْذ َه ْب أ َ اص َ َو ْ
ِِ َّ َّ َّ
ال الَ تَ َخاَفآ إَّنني َم َع ُك َمآ أ ْ
َس َم ُع ط َغ ٰى * َق َ ط َعَل ْيَنآ أ َْو أَن َي ْ لِّيناً ل َعل ُه َيتَ َذ َّك ُر أ َْو َي ْخ َش ٰى * َقاالَ َربََّنآ ِإَّنَنا َن َخ ُ
اف أَن َيْف ُر َ
ٍ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
السالَ ُم َعَل ٰى َم ِن اتََّب َعِك َو َّك ِب َآية ّمن َّرّب َ يل َوالَ تُ َع ّذ ْب ُه ْم َق ْد ِج ْئَنا َ
ِك َفأ َْرِس ْل َم َعَنا َبني إ ْس َرائ ََوأ ََر ٰى * َفأْتَياهُ َفُقوال ِإَّنا َرُسوالَ َرّب َ
اْل ُه َد ٰى
{واصطنعتك لنفسي} أي :استخلصتك لنفسي وجعلتك من جملة خواصي من بين أهل مدينة البدن ،ولما فيك من
الخصال الشريفة واألهلية لخالفتي{ .اذهب أنت وأخوك} إلى آخر القصة ،إن أريد تطبيقها قيل :اذهب يا موسى
الكف عن تسخيرها ،وأن يرسلها معهما في التوجه إلى الحضرة اإللهية واستفاضة األنوار الروحية القدسية والمعارف
و ّ
الحسية والزخارف الدنيوية {قد جئنات بآية} ببرهان دال على وجوب متابعتك
ّ الحقيقية وال يعذبها في تحصيل اللذات
إيانا.
طى ُك َّل َش ٍ
يء َّ ِ َّ َّ ِإَّنا َق ْد أ ِ
ُوحي ِإَل ْيَنآ أ َّ
َع َ ٰال َربَُّنا الذي أ ْ وس ٰى * َق َ ٰم َ ُّك َما ي ُ
ال َف َمن َّرب ُ اب َعَل ٰى َمن َكذ َب َوتََول ٰى * َق َ َن اْل َع َذ َ َ
نسى * َّال ِذي َج َع َل ِ ِ ٍ َّ ِ
ال عْل ُم َها ع َند َرّبِي في كتَاب ال َيض ُّل َرِّبي َوالَ َي َ
ِ خْلَقه ثُ َّم هد ٰى * َقال َفما بال اْلُقرو ِن األُوَلى * َق ِ
َ ٰ َ َ َ ُ ُ َ ُ ََ
ٍ َّ ِ ِِ َنزل ِمن َّ ِ ِ
َخ َر ْجَنا به أ َْزَواجاً ّمن َّنَبات َشت ٰى * ُكُلوْا َو ْارَع ْوا أ َْن َع َ
ام ُك ْم آء َفأ ْالس َمآء َم ً يها ُسُبالً َوأ َ َ َ ض َم ْهداً َو َسَل َك َل ُك ْم ف َ َل ُك ُم األ َْر َ
يها ُن ِع ُيد ُك ْم َو ِم ْن َها ُن ْخ ِرُج ُك ْم تَ َارًة أ ْ الن َه ٰى * ِم ْن َها َخَلْقَن ُ ِإ َّن ِفي ٰذلِك آلي ٍ
ُخ َر ٰى اك ْم َوِف َ ات أل ُْولِي ُّ َ َ
أن العذاب} في جحيم الطبيعة وهاوية الهيولى على من خالفه وأعرض عنه {فمن رّبكما} إشارة إلى{إنا قد أوحي إلينا ّ
ّ
الرب ،وقوله{ :ربنا الذي أعطى} هداية لها بالدليل وتبصي اًر بالحجة ،أي :أعطاه خلقاً على
احتجاب النفس من جناب ّ
وفق مصالح ذاته وآالت تناسب خواصه ومنافعه ومقاصده وهداه إلى تحصيلها {فما بال القرون األولى} إشارة إلى
احتجابها عن المعاد واألحوال األخروية من السعادة والشقاوة وعن إحاطة علم هللا تعالى لها .ولما كان الواجب األول
معرفة هللا تعالى بصفاته وكانت معرفة المعاد موقوفة عليها أجاب بإحاطة علمه بها وبأحوالها مع كثرتها وكون ذلك
العلم مثبتاً في اللوح المحفوظ باقياً أزالً وأبداً ،ال يجوز عليه الخطأ والنسيان.
{الذي جعل لكم} أيها القوى البدنية أرض البدن {مهداً وسلك لكم فيها سبالً} من األعضاء والجوارح كالعين واألذن
واألنف وغيرها {وأنزل} من سماء الروح ماء اإلدراك والمدد الروحاني {فأخرجنا به} أصنافاً من اإلدراكات واألفاعيل
والخواص والهيئات والملكات المخصوصة بكل قوة منكم {كلوا} اغتذوا وتقووا بما يختص بكم من األحوال واألخالق
واألمداد والمواهب كالرضا والصبر وعلم األسماء والخواص واألعداد وسائر اإلدراكات واإلرادات والمقامات {وارعوا
النفس للبرهان النير والحق البين بدون الرياضة واإلماتة ،وكلما أورد عليها ّ
حرضت الوهم والتخيل على التشكيك
والقدح .والموعد هو وقت تركيب الحجة وترتيب المقامات وذلك وقت زينة النفس الناطقة بالمدركات وحشر القوى
العقلية والروحانية الستحضار المعلومات والمخزونات {ضحى} إشراق نور شمس العقل الفعال إذ هناك تعرض النفس
ً
عن قبولها ويجمع كيدها من أنواع المغالطات والوهميات ويقمعها القلب باليقينيات وإظهار أكاذيبها المفتريات .والتنازع
الواقع بين القوى النفسانية هو عدم مسالمتها في طاعة القلب وانجذاب كل منها إلى لذته متمانعة متخالفة .وإسرارها
النجوى استبطان الكل الدواعي المخالفة للقلب مع تخالفها في أنفسها .ونسبتها إلى السحر إشارة إلى عجزها عن إدراك
الحسية واالنهماك في
ّ معانيها وخفاء براهينها عليها .والطريق المثلى ،أي :الفضلى عندها هي تحصيل اللذات
وعتوها لعدم ارتياضها واعتيادها بمألوفاتها وترأسها على القوى وتجبرها ،باقية على عنادها ّ
وشدة شكيمتها. في تفرعنها ّ
ألقطعن} إشارة إلى إبعادها وتخويفها للقوى عند إذعانها يمنع ّ
تصرفاتها في المعايش وترك سعيها في تحصيل المالذ ّ {و
والمشتهيات الجسمانية من جهة مخالفتها إياها بموافقة القلب .وصلبها في جذوع النخل :إيقافها باإلماتة عند الرياضة
التصرف في سائر
ّ مقارها ومبادىء نشأتها من أعالي مراتب القوى النباتية دون
حد القوى النباتية وإثباتها في ّ
في ّ
المراتب واالستعالء على المناصب واالستيالء في المكاسب ،أو من األعضاء التي هي معادنها ومظاهرها .وهذا
التخويف على هذا التأويل من قبيل أحاديث النفس وهواجسها بسبب اللمات الشيطانية المثبطة عن المجاهدة لقوله
اءهُ}[آل عمران ،اآلية ]175:ليفيد إعراضها عن مطاوعة القلب وقيامها بخدمتها ان ُي َخِّو ُ ِ تعالىِ{ :إَّنما ٰذلِ ُكم َّ
ف أ َْولَي َ طُ الش ْي َ ُ َ
ِ ِ َّ ِ
{و َجادْل ُهم ِبالتي ه َي أ ْ
َح َس ُن}[النحل، وتسخرها لها ولو حمل على المباحثة الظاهرة المستفادة من قوله تعالىَ :
وك}[طه ،اآلية ]42:على َخ َ اآلية ]125:بعد التصديق بالظاهر واإليمان باإلعجاز الباهر ألجرى قوله{ :ا ْذ َه ْب أ َ
َنت َوأ ُ
ظاهره إلى قولهَ { :فتََن َازُعوْا أ َْم َرُه ْم َب ْيَن ُه ْم}[طه ،اآلية ]62:أي :تباحثوا فيما بينهم في السر ،متنازعين فيما يعارضونه به
ان َلس ِ
اح َر ِ ِ
ان}[طه ،اآلية ]63:مفلقان في البيان والفصاحة واالحتجاج ال من ضروب الجدل .وقيل في قوله{ :إ ْن َهـٰ َذ ِ َ
فيحجهما.
ّ يكاد يعارضهما أحد
{فأجمعوا كيدكم} أي :اتّفقوا فيما تبارزونهما به فتكونوا متفقي الكلمة متعاضدين {فإذا حبالهم وعصيهم} أي :تخيالتهم
ووهمياتهم {يخيل إليه من سحرهم} في التركيب والبالغة وحسن التقرير وتمشية المغالطة والسفسطة وهيئة ترتيب
الجهال ودولة الضالل ،كما قال أمير المؤمنين علي عليه
القياس الجدلي كأنها تسعى ،أي :تمشي {خيفة} عن غلبة ّ
ّ
الجهال ودولة الضالل".
السالم" :لم يوجس موسى خيفة على نفسه ،إنما خاف من غلبة ّ
{قلنا ال تخف} شجعناه و ّأيدناه ،بروح القدس {وألق ما في يمينك} أي :ما في ضبط عقلك من النفس المؤتلفة بشعاع
وزوروا من الشبهات والتمويهات الباطلة واألباطيل المزخرفة
القدس المضيئة بنور الحق {تلقف ما صنعوا} ما زخرفوا ّ
بالحجج النيرة والبراهين الواضحة {إنما صنعوا} وتلقفوا {كيد ساحر} أي :تمويه وتزوير {فألقي السحرة سجداً} منصفين
مذعنين مقرين بكونه على الحق لما عرفوا من صدق البينة وظهور المعجزة وقيام الحجة وجلية البرهان {قالوا آمنا}
الرب إليهما مع تعميم اإلضافة إلى العالمين
اإليمان اليقيني ألنهم كوشفوا بالحق فعرفوا ربوبيته للكل ،وإنما أضافوا ّ
يرب كل شيء باسم يناسبه ويقتضيه استعداده ويربهما بأكبر
لزيادة اختصاصهما به وفضل ربوبيته إياهما ،فإنه ّ
أسمائه الحسنى على حسب كمال استعدادهما ولظهوره فيهما بكماالت صفاته وتجليه عليهم فيهما بآياته ،فعلموا أنهم
من شكوتهما عرفوا ما عرفوا ،وبوسيلتهما وصلوا إلى ما وصلوا ،وبتبعيتهما وجدوا ما وجدوا ،ال على سبيل االستقالل.
واعلم أن الساحر أقرب الناس استعداداً من النبي ألن مبادىء خوارق العادات أمور ثالثة :إما خواص التركيب
وتمزيجات المواد العنصرية والصور وجمع األخالط المختلفة المزاج والجوهر وهو من باب النيرنجات .وإما جمع
القوى السماوية واألرضية بإعداد الصور السفلية والمواد العنصرية الستجالب فيض النفوس السماوية واتصالها بقوى
األجرام األرضية وهو من باب الطلسمات ،وإما تأثير النفوس وهيئاتها المستفادة من العالم العلوي وهو من الكامل
للنبوة كرامة .والفرق
للنبوة القائم بالدعوة إعجاز ومن الواصل المحق المترقي إلى ذروة الوالية غير المبعوث ّ
المبعوث ّ
للتحدي والمعارضة دون الكرامة ومن المقبل على الدنيا المعرض عن العالم األعلى سحر،
ّ بينهما أن اإلعجاز مقارن
فكانت نفس الساحر في بدء فطرتها قوية مخصوصة بهيئات مؤثرة في هذا العالم وأجرامه إال أنها أعرضت عن
مبدئها بالركون إلى العالم السفلي وانقطعت عن أصل القوى والقدر ومنبع التأثير والقهر بالميل إلى عالم الطبع ،فال
يزال يضعف ما فيها من الهيئة النورية والشعاع القدسي كما ال يزال يزداد في نفس النبي والولي باإلقبال على الحق
ّ ّ
واالئتالف بنور القدس والتأييد بالقوة الملكوتية والتوجه إلى الحضرة اإللهية وال جرم ينكسر من النبي حين عارضه
ّ
{لن نؤثرك} كالم صادر من عظم الهمة الحاصلة للنفس بقوة اليقين ،إذ قوة اليقين في القلب تورث النفس عظم الهمة
الحسية في جنب السعادة األخروية
ّ وهو عدم مباالتها بالسعادة الدنيوية والشقاوة البدنية واللذات العاجلة الفانية واآلالم
واللذة الباقية العقلية ،ولهذا استخفوا بها واستحقروها بقولهم{ :إنما تقضي هذه الحياة الدنيا}{ .ليغفر لنا خطايانا} أي:
يستر بنوره الهيئات المظلمة والصفات الرديئة التي عرضت لنفوسنا بسبب الميل إلى اللذات الطبيعية ومحبة الزخارف
الدنيوية {وما أكرهتنا عليه من السحر} أي :معارضة موسى ألنهم لما عرفوه بنور استعدادهم وعلموا كونه على الحق،
فاستعفوا عن معارضته فأكرهم اللعين.
{من يأت رّبه} في القيامة الصغرى مجرماً م ّثقالً بالهيئات البدنية المميلة إلى األجرام الطبيعية {ال يموت فيها}
بالموت الطبيعي ،فال يشعر باآلالم {وال يحيى} بالحياة الحقيقية فينجو من تبعات اآلثام.
{ومن يأته مؤمناً} باإليمان اليقيني {قد عمل الصالحات} من الفضائل النفسانية المزكية للنفوس {فأولئك لهم الدرجات
العلى} من جنات الصفات بحسب درجات ترقيهم في الكماالت.
{أن أسر بعبادي} في ظلمة صفات النفوس وليل الجسمانية {فاجعل لهم طريقاً} من التجريد في بحر عالم الهيولى
{يبساً} ال تصل إليه نداوة الهيئات الهيوالنية ورطوبة المواد الجسمانية {ال تخاف دركاً} لحوقاً من البدنيين المنغمسين
في غواشي الطبيعة الظلمانية {وال تخشى} غلبتهم عليكم واستيالءهم ،فإنهم مقيدون محبوسون فيها ،قاصرون عن
شأنكم {فأتبعهم} إلهالكهم دينهم باالنغماس في الطبيعيات فغشيهم من يم القطران ما غشيهم من الهالك السرمدي
مر غير مرة.
والعذاب األبدي ،والتطبيق قد ّ
{ونزلنا
{وواعدناكم جانب} طور القلب {األيمن} الذي يلي روح القدس وهو محل الوحي الذي يسمونه الروع والفؤاد ّ
عليكم} من األحوال والمذاهب من الذوقيات وسلوى العلوم والمعارف من اليقينيات {كلوا من طيبات ما رزقناكم} أي:
تغذوا تلك المعارف الطيبة وتقبلوها بقلوبكم فإنها سبب حياتها {وال تطغوا فيه} بظهور النفس وإعجابها بنفسها عند
{فيحل عليكم} غضب الحرمان وآفة الخذالن {فقد هوى} سقط عن مقام
َ استشراقها ورؤيتها بهجتها وكمالها وزينتها
القرب في جحيم النفس واحتجب عن نور تجلي صفات الجمال في ظلمات االستتار وأستار الجالل.
{وإني لغّفار} لستّار صفات النفس الطاغية الظاهرة بتزييناتها واستغنائها بأنوار صفاتي {لمن تاب} عن تظاهرها
ذل فاقتها وافتقارها {وآمن} بأنوار الصفات القلبية وتجليات األنوار
واستيالئها ،واستغفر بانكسارها وانقماعها ولزومها ّ
اإللهية {وعمل صالحاً} في اكتساب المقامات كالتوكل والرضا والملكات المانعة من التلوينات بالحضور والصفاء {ثم
اهتدى} إلى نور الذات وحال الفناء.
شرف بمقام
أن موسى عليه السالم لما ّ
{وما أعجلك عن قومك} -إلى قوله { -في اليم نسفاً} معناه على التحقيقّ :
المكالمة وأوتي كشف الصفات وبعث إلنقاذ بني إسرائيل وإرشادهم إلى الحق ُوعد شريعة يسوس بها قومه ،فاستخلف
هارون على قومه وتخلى للمراقبة قبل تثبتهم على اإليمان وتقريرهم على الحق باإليقان ،فعوقب على تلك العجلة وإن
{فقبضت قبضة من أثر الرسول} وهي على ما قيل :تراب موطىء حافر الحيزوم الذي هو فرس الحياة مركب
المسخرة للعقل الفعال ،المتأثرة منه ،الحاملة لصفاته
ّ جبرائيل ،أي :مما اتصل به أثر النفس الحيوانية الكلية السماوية
التي هي بمثابة مركبه الستعالئه عليها ووصول تأثيره إلى الطبائع العنصرية واألجرام السفلية بواسطتها من األوضاع
التي تفيض بسببها اآلثار على المواد ،فتنفعل منها بحسب االستعداد وتقبل األحوال الغريبة التي هي بمثابة تراب
موطىء مركبه {فنبذتها} فطرحتها على الجرم المذاب عند اإلفراغ في صورة العجل وذلك من تسويل النفس الشيطانية
الشريرة.
ظْلت عَلي ِه ع ِ َّ ِ اس َوإِ َّن َل َك َم ْو ِعداً َّلن تُ ْخَلَف ُه َوان ُ ِ ِ ِ
اكفاً ظ ْر ِإَل ٰى ِإَلـٰ ِه َك الذي َ َ َ ْ َ ول الَ م َس َ ِ
ال َفا ْذ َه ْب َفإ َّن َل َك في اْل َحَياة أَن تَُق َ َق َ
َّلنح ِرَقَّنه ثُ َّم َلن ِ
نسَفَّن ُه ِفي اْلَي ِّم َن ْسفاً ُ َّ ُ َ
وقوله{ :فاذهب} صادر عن غضبه عليه السالم وطرده إياه ،وإنما يجب حلول العذاب من غضب األنبياء واألولياء
وع ّذب بعذاب
ألنهم مظاهر صفات هللا تعالى ،فكل من غضبوا عليه وقع في قهره تعالى وشقى في الدنيا واآلخرةُ ،
التحرز عن المماسة نتيجة ُبعده عن الحق في الدعوة إلى الباطل.
ّ األبد ،وذاق وبال العمل ،وكانت صورة عذابه في
إن القلب إذا سبق له كشف وجذبهوأثر لعن موسى عليه السالم إياه عند إبطال كيده وإزالة مكره .وعلى التطبيقّ :
االجتهاد والسلوك وحصل عنده الكمال العلمي الكشفي دون العلمي الكسبي ،يكون في معرض عتاب الحق عند
يرد إلى العمل والرياضة لسياسة القوى
التعجل إلى الشهود والحضور ،ذاهالً عن أمر الشريعة والمجاهدة ،ويجب أن ّ
واكتساب مقام االستقامة ،إذ ال يقوى هارون العقل الذي هو خليفته على قومه القوى الروحانية والجسمانية على
تدبيرهم وتقويمهم وتسديدهم بدون الرياضة والمجاهدة والمواظبة على الطاعة والمعاملة ،فينبعث سامرّي القوى
حب الشهوات ،ويطرح عليها شيئاً من أمداد الطالع بحسب األوضاع النفسانية من الحواس ويوقد عليها نار ّ
المخصوصة ،أي :التي تأثرت من تأثير النفس الحيوانية التي هي فرس الحياة ،فيمثل الطبيعة بصورة العجل المفرغ
في قالب المو ّاد الذي همه األكل والشرب ودأبه اللذة والشهوة دون العمل والسعي ِ
باإلثارة والتعب كما أشير إليه، ّ
ويتقوى ويصيح ذا خوار ،فيعبده جميع القوى ويتخذه إلهاً ،وكلما نبهها العقل المؤيد بنور
وينتفخ فيه روح الهوى فيحيا ّ
المنور
القلب على ضاللها وفتنتها ودعاها إلى الحق ومتابعة الرأي العقلي وطاعته ،خالفته حتى يرجع إليها القلب ّ
ويعيرها ويعنفها بلسان
وتفرقها في الدينّ ،
بنور الحق ،المؤيد بتأييد القدس ،غضبان هلل تعالى أسفاً على ضاللها ّ
الرب بمقتضى الخلقة والنشأة والسقوط عن
اللوامة ،ويأخذها بالوعد والوعيد ،ويذكرها طول العهد من قرب ّ
النفس ّ
ويخوفها باستحقاق الغضب والسخطة عن نسيان العهد وإخالف الوعد حين اإلقرار بالربوبية عند ميثاق
الفطرةّ ،
التخيل ،مستسلمة للردى ،وال طريق
الفطرة ،فال ينجع فيها القول إذا صارت مأسورة في أسر الهوى ،منقادة لسلطان ّ
إال خرق الطبيعة الجسدانية بمبرد المجاهدة وإحراقها بنار الرياضة ونسفها برياح نفحات الرحمة اإللهية التي إذا ّ
هبت
القوة العاقلة بعد متابعتها للقلب ومشايعتها للسر في
يم الهيولى الجرمية ال حياة بها وال حراك بعد تغير ّ بها الشت في ّ
التوجه ،وبوجود موافقتها للقوى في الميل إلى الطبيعة واألخذ برأسها إلى جهتها العادية التي تلي الروح بتأثير النور
فيه حتى تنفعل وتتأثر بشعاع القدس ونور الهداية الحقانية ولحيتها التي هي الهيئة الذكورية وصورة التأثير فيما
تحت ،أي :جهتها السفلية التي تلي القوى النفسانية .وجرها إليه ،أي :الجهة العلوية وجناب الحق وعالم القدس الذي
هو فيه ،فيتقوى باأليد اإللهي والقدرة الربانية وجوالنها فتؤثر فيها وتطوعها بأمر الحق لها وللقلب ،ويستخلصها من
{إنما إلهكم هللا الذي ال إله إال هو} إذ يكون السالك قبل ذلك مصلياً إلى قبلتينّ ،
متردداً في العبادة بين جهتين ،متخذ
{وس َع كل شيء علماً} أي :يتحقق هناك التوحيد بالفعل ،وتظهر إحاطة علمه بكل شيء وحدوده وغاياته اإللهين ِ
وقوتها ،عابدة له بحسب وسعها
حدها في عبادته وطاعته عائذة به عن حولها ّ
فتقف كل ّقوة بنور الحق وقدرته على ّ
مقرة بربوبيته بقدر ما أعطاها من معرفته :مثل ذلك القصص {نقص عليك من أنباء ما قد
وطاقتها ،شاهدة إياهّ ،
سبق} من أحوال السالكين الذي سبقوا ،ومقاماتهم لتثبيت فؤادك وتمكينك في مقام االستقامة كما أُمرت {وقد آتيناك من
لدنا ِذ ْك َاًر} أيِ :ذ ْك اًر ما أعظمه وهو :ذكر الذات الذي يشمل مراتب التوحيد.
يها ِعَوجاً َوال أ َْمتاً * َي ْو َمِئ ٍذ َيتَِّب ُعو َن ِ َّ
صفاً * ال تَ َر ٰى ف َ صْف َ
ِ
اْلجَبال َفُق ْل َينسُف َها َرّبِي َن ْسفاً * َفَي َذ ُرَها َقاعاً َ
ِ ِ ون َك َع ِن َوَي ْسأَُل َ
اع ُة ِإالَّ َم ْن أ َِذ َن َل ُه َّ
الر ْح َمـ ُٰن ات لِ َّلر ْحمـ ِٰن َفالَ تَسمع ِإالَّ َهمساً * َيومِئ ٍذ الَّ تَ َنفع َّ
الشَف َ ُ َْ ْ َُْ َ َص َو ُ
ِ
َل ُه َو َخ َش َعت األ ْ اعي الَ ِع َو َج الد ِ
َّ
َ
طو َن ِب ِه ِعْلماً
* َي ْعَل ُم َما َب ْي َن أ َْي ِدي ِه ْم َو َما َخْلَف ُه ْم َوالَ ُي ِحي ُ ض َي َل ُه َق ْوالً ور ِ
ََ
فيسويها
{ويسألونك عن الجبال} أي :وجودات األبدان {فقل ينسفها ربي} برياح الحوادث رميماً ورفاتاً ثم هباء منثو اًرّ ،
باألرض ال بقية منها وال أثر .أو حوادث األشياء فقل :ينسفها رّبي برياح النفحات اإللهية الناشئة عن معدن األحدية
{فيذرها} في القيامة الكبرى {قاعاً صفصفاً} وجوداً أحدياً صرفاً {ال ترى فيها} إثنينية وال غيرية ،فتقدح في استوائها.
{يومئذ} يوم إذ قامت القيامة الكبرى {يتّبعون الداعي} الذي هو الحق ،ال حراك بهم وال حياة لهم إال به {ال عوج له}
أي :ال انحراف عنه وال زيغ عن سمته إذ هو آخذ بناصيتهم وهو على صراط مستقيم ،فهم يسيرون بسيرة الحق على
خفياً ،باعتبار
مقتضى إرادته {وخشعت األصوات} انخفضت كلها ألن الصوت صوته فحسب {فال تسمع إال همساً} ّ
{ومن يعمل من الصالحات} بالتزكية والتحلية {وهو مؤمن} باإليمان التحقيقي {فال يخاف} أن ينقص شيء من
كماالته الحاصلة وال أن يكسر من حقه الذي يقتضيه استعداده األصلي في المرتبة {لعلهم يتّقون} بالتزكية {أو يحدث
لهم ذك اًر} بالتحلية.
العلو والعظمة بحيث ال يقدر قدره وال يغدر أمره في ملكه الذي يعلو كل شيء ويصرفه
{فتعالى هللا} تناهى في ّ
بمقتضى إرادته وقدرته في عدله الذي يوفي كل أحد حقه بموجب حكمته {وال تعجل} عند هيجان الشوق لغاية الذوق
بتلقي العلم اللدني عن مكمن الجمع {من قبل} أن يحكم بوروده عليك ووصوله إليك ،فإن نزول العلم والحكمة مترتب
بحسب ترتب مراتب ترقيك في القبول .وال تفتر عن الطلب واالستفاضة فإنه غير متناه ،واطلب الزيادة فيه بزيادة
التصفية والترقي والتحلية ،إذ االستزادة إنما تكون بدعاء الحال ولسان االستعداد ،ال بتعجيل الطلب والسؤال قبل إمكان
مرت غير مرة {أالّ تجوع فيها والالقبول .وكلما علمت شيئاً زاد قبولك لما هو أعلى منه وأخفى .وقصة آدم وتأويلها ّ
المؤدي إلى
ّ لتجرد عن مالبسة المو ّاد في العالم الروحاني ال يمكن تزاحم األضداد وال يكون التحليل
تعرى} إذ في ا ّ
الفساد بل تلتذ النفس بحصول المراد آمنة من الفناء والنفاد.
فإن ِ
وشدة بخلهّ ،
{ومن أعرض عن ذ ْكري} بالتوجه إلى العالم السفلي بالميل النفسي ،ضاقت معيشته لغلبة شحه ّ
اشتد
المعرض عن جناب الحق ركدت نفسه وانجذبت إلى الزخارف الدنيوية والمقتنيات المادية لمناسبتها إياها ،و ّ
فيشح
ّ لقوة محبته إياها للجنسية واالشتراك في الظلمة والميل إلى الجهة السفلية،
وكَلَبه عليها ونهمه وشغفه بها ّ
حرصه َ
وشحه بها وذلك هو الضنك في المعيشة .ولهذا قال بعض بها عن نفسه وغيره ،وكلما استكثر منها ازاد حرصه عليها ّ
المتوجه إليه فإنه ذو يقين
ّ وتشوش عليه رزقه .بخالف الذاكرالصوفية :ال يعرض أحد عن ذكر رّبه إال أظلم عليه ّ
منه وتوكل عليه في سعة من عيشه ورغد ،ينفق ما يجد ويستغنى برّبه عما يفقد.
{ونحشره يوم القيامة} الصغرى على عماه من نور الحق كقوله{ :ومن َكان ِفي هـ ِٰذِه أَعم ٰى َفهو ِفي ِ
اآلخ َرِة َ ْ َ َُ َ ََ
َع َم ٰى}[اإلسراء ،اآلية ]72:وإنكاره لعماه إنما يكون بلسان االستعداد األصلي والنور الفطري المنافي لعماه من رسوخ
أْ
الحب السفلي والعشق النفسي بالفسق الجرمي ونسيان اآليات البينات واألنوار المشرقات الموجب إلعراضه
ّ هيئة
أشد وأبقى} من ضنك العيش في الدنيا لكونه روحانياً دائماً.
تعالى عنه وتركه فيما هو فيه {ولعذاب اآلخرة ّ
والَ تمَّد َّن عينيك ِإَلى ما متَّعنا ِب ِه أَزواجاً ِمنهم زهرة اْلحي ِاة ُّ ِ ِ ِ ِ
َهَل َك
ْم ْر أ ْ ِك َخ ْيٌر َوأ َْبَق ٰى * َوأ ُ الد ْنَيا لَنْفتَن ُه ْم فيه َوِرْز ُق َرّب َ ْ َ ّْ ُ ْ َ ََْ َ َ َ َْْ َ ٰ َ َ ْ َ َ َُ
طِبر عَليها الَ نسأَُلك ِرزقاً َّنحن نرزُقك واْلع ِاقب ُة لِلتَّْقو ٰى * وَقاُلوْا َلوالَ يأِْتينا ِبآي ٍة ِمن َّرب ِ
ِه أ ََوَل ْم تَأِْت ِه ْم َبِّيَن ُة َما ِب َّ ِ
ْ َ َ َ ّ ّ َ َ َ ْ َ ْ ْ ُ َْ ُ َ َ َ َ اص َ ْ َ ْ َ الصالَة َو ْ
اب ِّمن َقْبلِ ِه َلَقاُلوْا َربََّنا َل ْوال أَ ْرَسْل َت ِإَل ْيَنا َرُسوالً َفَنتَِّب َع َآي ِات َك ِمن َقْب ِل أَن َّن ِذ َّل
اهم ِبع َذ ٍ ِفي ُّ ِ
الص ُحف األُوَل ٰى * َوَل ْو أََّنآ أ ْ
َهَل ْكَن ُ ْ َ
الصر ِ
ِ
الس ِوِّي َو َم ِن ْ
اهتَ َد ٰى اط َّ اب ّ َ َّصوْا َف َستَ ْعَل ُمو َن َم ْن أ ْ
َص َح ُ َوَن ْخ َز ٰى * ُق ْل ُك ٌّل ُّمتَ َرّب ٌ
ِص َفتَ َرب ُ
تمدن عينيك} في التلوينات النفسية وظهور النفس بالميل إلى الزخارف الدنيوية ،فإنها صور ابتالء أهل الدنيا
{وال ّ
{ورزق رّبك} من الحقائق والمعارف األخروية واألنوار الروحانية {خير وأبقى} أفضل وأدوم {وأمر أهلك} القوى
الروحانية والنفسانية بصالة الحضور والمراقبة واالنقياد والمطاوعة {واصطبر} على تلك الحالة بالمجاهدة والمكاشفة
الحسية والمدركات النفسية {نحن نرزقك} من الجهة
ّ {ال نسألك} ال نطلب منك {رزقاً} من الجهة السفلية كالكماالت
للتجرد عن المالبس
ّ العلوية المعارف الروحانية والحقائق القدسية {والعاقبة} التي تعتبر وتستأهل أن تسمى عاقبة
البدنية والهيئات النفسانية {أو لم تأتهم بينة ما في الصحف األولى} من الحقائق و ِ
الح َكم والمعارف اليقينية الثابتة في
األلواح السماوية واألرواح العلوية ،وهللا تعالى أعلم.
{ا ْقتَرب للناس حسابهم} في القيامة الصغرى ،بل لو عرفوا القيامة لعاينوا حسابهم اآلن .أي :لو أردنا أن نتخذ
وت َوَن ْحَيا َو َما ُي ْهِل ُكَنآ ِإالَّ َّ
الد ْه ُر}[الجاثية ،اآلية ]24:ألملكننا من جهة القدرة لكنه {ن ُم ُ
موجودات تحدث وتفنى كما قيلَ :
ينافي الحكمة والحقيقة فال نتخذها {بل نقذف} باليقين البرهاني والكشفي على االعتقاد الباطل {فيدمغه} فيقمعه {فإذا
هو} زائل {ولكم} الهالك {مما تصفون} من عدم الحشر أو نقذف بالتجلي الذاتي في القيامة الكبرى الذي هو الحق
ص ِرف ،فيظهر ّ
أن الثابت الغير المتغيرعلى باطل هذه الموجودات الفانية فيقهره ويجعله ال شيئاً محضاً ،فإذا هو ٍ
فان َ
الص ِرف {مما تصفون} من إثبات وجود الغير واتصافه
الكل حق وأمره جد ،ال باطل وال لهو ،ولكم الهالك والفناء َ
بصفة وفعل وتأثير {لفسدتا} ألن الوحدة موجبة لبقاء األشياء ،والكثرة موجبة لفسادها .أال ترى أن كل شيء له خاصية
واحدة يمتاز بها عن غيره هو بها هو ولو لم تكن لم يوجد ذلك الشيء ،وهي الشاهدة بوحدانيته تعالى كما قيل:
والعدل الذي قامت به السموات واألرض هو ظل الوحدة في عالم الكثرة ،ولو لم يوجد هيئة وحدانية في المركبات
كاعتدال المزاج لما وجدت ،ولو زالت تلك الهيئة لفسدت في الحال {فسبحان هللا} أيّ :نزه للفيض على الكل بربوبيته
التعدد.
للعرش الذي ينزل منه الفيض على جميع الموجودات عما تصفونه من إمكان ّ
المجردة
ّ تقدمهم من العلم الكلي الثابت في ّأم الكتاب المشتمل على جميع علوم الذوات{يعلم ما بين أيديهم} أي :ما ّ
ّ
من أهل الجبروت والملكوت {وما خلفهم} من علوم الكائنات والحوادث الجزئية الثابتة في السماء الدنيا ،فكيف يخرج
عن علمهم إحاطة علمه ويسبق فعلهم أمره وقولهم قوله {وال يشفعون إال لمن} علمه أهالً للشفاعة بقبوله لصفاء
استعداده ومناسبة نفسه للنور الملكوتي {وهم} في الخشية من سبحات وجهه والخشوع واإلشفاق واالنقهار تحت أنوار
عظمته.
{وجعلنا} أي :خلقنا من النطفة كل حيوان {وجعلنا} في أرض الجسد {رواسي} العظام كراهة أن تضطرب وتجيء
وتذهب وتختلف بهم فال تقوم بهم وتستقل {وجعلنا فيها فجاجاً} مجاري ،طرقاً للحواس وجميع القوى {لعلهم يهتدون}
بتلك الحواس والطرق إلى آيات هللا فيعرفوه.
الش ْم َس َواْلَق َم َر ُك ٌّل ِفي َفَل ٍك َي ْسَب ُحو َن * َو َما َج َعْلَنا لَِب َش ٍر ِّمن َقْبلِ َك اْل ُخْل َد أََفِإ ْن ِّم َّت َف ُه ُمالنه َار و َّ َّ َّ ِ
َو ُه َو الذي َخَل َق اْللْي َل َو َّ َ َ
الش ِر واْلخي ِر ِف ْتن ًة وِإَلينا تُرجعو َن * وِإ َذا رآك َّال ِذين َكَفروْا ِإن يتَّ ِخ ُذونك ِإالَّ س َذ ِآئَق ُة اْل َم ْو ِت َوَنْبُل ُ اْل َخالِ ُدو َن * ُك ُّل َنْف ٍ
ََ َ َ ُ َ َ َ وكم ِب َّ ّ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ ُ
يك ْم َآي ِاتي َفالَ تَ ْستَ ْع ِجُلو ِن اإلن َسا ُن ِم ْن َع َج ٍل َسأ ُْوِر ُالر ْح َمـ ِٰن ُه ْم َك ِاف ُرو َن * ُخلِ َق َْهـٰ َذا َّال ِذي َي ْذ ُك ُر آلِ َهتَ ُك ْم َو ُه ْم ِب ِذ ْك ِر َّ
ُه ُزواً أ َ
الن َار َوالَ َعن ين الَ َي ُكُّفو َن َعن ُو ُجوِه ِهم َّ ِ َّ ِ * ويُقوُلو َن متَى هـٰ َذا اْلوعد ِإن ُكنتُم ِ ِ
ُ ين َكَف ُروْا ح َ
ين * َل ْو َي ْعَل ُم الذ َصادق َ ْ َ َ ٰ َ َ ُْ ََ
ىء ِب ُرُس ٍل ِّمن ظ ُرو َن * َوَلَق ِد ْ ِ يعو َن َرَّد َها َوالَ ُه ْم ُين َ ِ ِ
* َب ْل تَأْتي ِهم َب ْغتَ ًة َفتَْب َهتُ ُه ْم َفالَ َي ْستَط ُ نص ُرو َن ظه ِ ِ
استُ ْهز َ وره ْم َوالَ ُه ْم ُي َ ُُ
الر ْح َمـ ِٰن َب ْل ُه ْم َعن ِذ ْك ِر ِم ْن ُه ْم َّما َك ُانوْا ِب ِه َي ْستَ ْه ِزُئو َن * ُق ْل َمن َي ْكَل ُؤُكم ِباْلَّلْي ِل َو َّ
الن َه ِار ِم َن َّ ين َس ِخ ُروْا َّ ِ
اق ِبالذ َ
ِ
َقْبل َك َف َح َ
رِب ِهم ُّمع ِرضو َن * أَم َلهم آلِه ٌة تَمنعهم ِمن دوِننا الَ يستَ ِطيعو َن نصر أ َْنُف ِس ِهم والَ هم ِمَّنا يصحبو َن * بل متَّعنا هـٰؤ ِ
الءَ ْ َ َْ َ ُ ْ َ ُْ ّ ُ ْ َُ ْ ُ ْ َ َُْ ُ ْ ّ ُ َ َ ْ ُ َ ْ َ َّ ْ ْ ُ
طرِافهآ أََفهم اْلغالِبون * ُقل ِإَّنمآ أ ِ ِ
ُنذ ُرُكم ْ َ ص َها ِم ْن أَ ْ َ َ ُ ُ َ ُ َ ض َن ُنق ُ ال َعَل ْي ِه ُم اْل ُع ُم ُر أََفالَ َي َرْو َن أََّنا َنأْتي األ َْر َ
ط َآء ُه ْم َحتَّ ٰى َ
َو َآب َ
اب ربِك َليُقوُل َّن يٰويَلنآ ِإَّنا ُكَّنا َ ِ ِ
ِ ِ ِ
ين
ظالم َ َْ آء ِإ َذا َما ُين َذ ُرو َن * َوَلئن َّم َّس ْت ُه ْم َنْف َح ٌة ّم ْن َع َذ َ ّ َ َ ِباْل َو ْح ِي َوالَ َي ْس َم ُع ُّ ُّ
الص ُّم الد َع َ
مقر علوي ّ
وحد {وهو الذي خلق} ليل النفس ونهار العقل الذي هو نور شمس الروح وقمر القلب {كل في فلك} أيّ :
ومرتبة من سموات الروحانيات يسيرون إلى هللا {خلق اإلنسان من عجل} إذ النفس التي هي أصل الخلقة دائمة
الطيش وا الضطراب ال تثبت على حال فهو مجبول على العجل ولو لم يكن كذلك لم يكن له السير والترقي من حال
إلى حال إذ الروح دائم الثبات وبتعلقه بالنفس يحصل وجود القلب ويعتدل بهما في السير ،فما دام اإلنسان في مقام
النفس ولم يغلب عليه نور الروح والقلب المفيد للسكينة والطمأنينة يلزمه العجلة بمقتضى الجبلة.
{أفال يرون} أتمادت غفلتهم فال يرون {أنا نأتي} أرض البدن بالشيخوخة {ننقصها من أطرافها} كالسمع والبصر وسائر
القوى أو أرض النفس المتيقظة المتوجهة إلى الحق ،الذاكرة بأنوار الصفات ننقصها من صفاتها وقواها {أفهم الغالبون}
أم نحن.
{وهذا ذكر} غزير الخير والبركة ،شامل لألمور الثالثة ،زائد عليها بالكشف الذاتي والشهود الحق في مقام الهوية
وعين جمع األحدية جامع لجوامع الكلم ،حاف بجميع المشاهدات و ِ
الحكم إذ في البركة معنى النماء والزيادة.
يه وَقو ِم ِه ما هـ ِٰذِه التَّم ِاثيل َّالِتي أَنتُم َلها ع ِِ ِ ِِ ِ ِ ِ
اكُفو َن * َقاُلوْا ْ َ َ َ ُ ال ألَِب َ ْ َ َ ِ
ين * إ ْذ َق َ يم ُرْش َدهُ من َقْب ُل َوُكَّنا ِبه َعالم َ َوَلَق ْد آتَْيَنآ إ ْب َراه َ
َّ ِ َج ْئتَنا ِباْلح ِق أَم أ ِ ضالَ ٍل ُّمِب ٍ ِ ِ
ين * َنت م َن الالعِب َ ين * َقاُلوْا أ ِ َ َ ّ ْ َ آؤُك ْم في َال َلَق ْد ُكنتُ ْم أَنتُ ْم َو َآب ُ آءَنا َل َها َعاِبد َ
ين * َق َ َو َج ْدَنآ َآب َ
ام ُك ْم َب ْع َد أَن تَُوُّلوْا اه ِدين * وتَ َّ ِ ِ طره َّن وأَن ْا عَلى ٰذلِ ُكم ِمن َّ ِ الس ٰم ٰو ِت واألَر ِ َّ ِ
اَّلل ألَك َيد َّن أ ْ
َصَن َ َ الش َ ْ َّ ض الذي ف َ َ ُ َ َ َ ٰ ُّك ْم َر ُّب َّ َ َ َ ْ ال َبل َّرب ُ َق َ
ُم ْدِب ِر َ
ين
{ولقد آتينا إبراهيم} الروح {رشده} المخصوص به الذي يليق بمثله وهو االهتداء إلى التوحيد الذاتي ومقام المشاهدة
العز {وكنا به عالمين} أي :ال يعلم بكماله
متقدماً عليهما في الشرف و ّ
والخلة {من قبل} أي :قبل مرتبة القلب والعقل ّ
لعلو شأنه.
وفضيلته غيرنا ّ
{إذ قال ألبيه} النفس الكلية {وقومه} من النفوس الناطقة السماوية وغيرها {ما هذه التماثيل} أي :الصور المعقولة من
وتصورها وذلكّ حقائق العقول واألشياء وماهيات الموجودات المنتقشة فيها {التي أنتم لها عاكفون} مقيمون على تمثلها
المقدسة وبروزه عن الحجب النورية إلى فضاء التوحيد الذاتي ،كما قال عليه السالمِ{ :إِّني
عند عروجه من مقام الروح ّ
ض َحِنيفاً}[األنعام ،اآليات ،]79 - 78:ومن هذا ِ
الس َم َاوات َواأل َْر َ يء ِّم َّما تُ ْش ِرُكو َن ِإِّني َو َّج ْه ُت َو ْج ِه َي لَِّل ِذي َف َ
ط َر َّ َب ِر ٌ
المقام قوله لجبريل عليه السالم :أما إليك فال.
{وجدنا آباءنا} عللنا من العوالم السابقة على النفوس كلها من أهل الجبروت {لها عابدين} باستحضارهم إياها في
ذواتهم ال يذهلون عنها {في ضالل مبين} في حجاب عن الحق نورّي ،غير واصلين إلى عين الذات عاكفين في
برازخ الصفات ال تهتدون إلى حقيقة األحدية والغرق في بحر الهوية {أجئتنا بالحق} أي :أحدث مجيئك إيانا من هذا
عز سلطانه أم استمر بنفسك كما كان فتكون أنت القائل فيكون قولك لعباً ال
الوجه بالحق فيكون القائل هو الحق ّ
وتفوقت علينا ،وتخلفنا عنك ،وإن كنتالجد ّ
حقيقة له .فإن كنت قائماً بالحق ،سائ اًر بسيره ،قائالً به ،صدقت وقولك ّ
رب
بنفسك فبالعكس {بل رّبكم} الجائي والقائل ربكم الذي يربكم باإليجاد والتقويم واإلحياء والتجريد واإلنباء والتعليم ّ
ين * َقاُلوْا َس ِم ْعَنا َفتًى َّ ِ ِ ِ ِِ ِ َّ َّ َّ
َف َج َعَل ُه ْم ُج َذاذاً ِإال َكِبي اًر ل ُه ْم َل َعل ُه ْم ِإَل ْيه َي ْرِج ُعو َن * َقاُلوْا َمن َف َع َل َهـٰ َذا ِبآل َهتَنآ ِإَّن ُه َلم َن الظالم َ
ِ ِِ ِ ن اهيم * َقاُلوْا َفأْتُوْا ِب ِه عَلى أ ِ َّ ِ َّ ِ ِ
يم * َعُين الناس َل َعل ُه ْم َي ْش َه ُدو َ * َقاُلوْا أَأَْن َت َف َعْل َت َهـٰ َذا بآل َهتَنا ٰيإ ِْب َراه ُ
َ ٰ ْ ال َل ُه إ ْب َر ُ
َي ْذ ُك ُرُه ْم ُيَق ُ
َنف ِس ِهم َفَقاُلوْا ِإَّن ُكم أَنتُم َّ
الظالِ ُمو َن * ثُ َّم ُن ِك ُسوْا َعَل ٰى ِ ِ ِ َقال َب ْل َف َعَل ُه َكِب ُيرُهم َهـٰ َذا َفاسأَُل ُ ِ
ْ ُ وه ْم إن َك ُانوْا ي ْنطُقو َن * َف َر َج ُعوْا إَل ٰى أ ُ ْ ْ ْ َ
َّللاِ ما الَ ي َنفع ُكم َشيئاً والَ يضُّرُكم * أُ ٍ
ف َّل ُك ْم َولِ َما ِ ِ ِ ِ ِ ُرء ِ ِ
ّ َ ُ ْ ْ َ َُ ْ ال أََفتَ ْعُب ُدو َن من ُدون َّ َ
وسه ْم َلَق ْد َعل ْم َت َما َهـ ُٰؤالء َينطُقو َن * َق َ ُ
ِ ِ ِ
تَ ْعُب ُدو َن من ُدو ِن َّ
َّللا أََفالَ تَ ْعقُلو َن
{فجعلهم} بفأس القهر الذاتي والشهود العيني {جذاذاً} قطعاً متالشية فانية {إال كبي اًر لهم} هو عينه الباقي على اليقين
األول الذي به سمى الخليل خليالً {لعلهم إليه يرجعون} يقبلون منه الفيض ويستفيضون منه النور والعلم كما استفاض
هو منه أوالً.
{قالوا} أي :قالت النفوس العاشقة بالعقول {من فعل هذا} االستخفاف والتحقير {بآلهتنا} التي هي معشوقاتنا ومعبوداتنا
بقوة الظهر كالهباء ،متعجبين منه ،معظمين له ،مستعظمين بنسبتها إلى االحتجاب والنظر إليها بعين الفناء وجعلها ّ
المجردة وجميع الموجودات من الوجودات والكماالت بنفيها عنهم
ّ ألمره {إنه لمن الظالمين} الناقصين حقوق المعبودات
الفتوة والشجاعة على قهر ما
وإثباتها للحق ،أو الناقصين حق نفسهم بإفنائها وقهرها {قالوا سمعنا فتى} كامالً في ّ
{أأنت فعلت هذا} صورة إنكار لما لم يعرفوا من كماله إذ كل ما يمكن للنفوس معرفته فهو دون كمال العقول التي هي
معشوقاتها وهي محجوبة عن كماله اإللهي الذي هو به أشرف منها {قال بل فعله كبيرهم} أي :ما فعلته بأنائيتي التي
أنا بها أحسن منها ،بل بحقيقتي وهويتي التي هي أشرف وأكبر منها {فاسألوهم إن كانوا ينطقون} باالستقالل ،أي :ال
نطق لهم وال علم وال وجود بأنفسهم بل باهلل الذي ال إله إال هو.
{فرجعوا إلى أنفسهم} باإلقرار واإلذعان معترفين بأن الممكن ال وجود له بنفسه فكيف كماله {فقالوا إنكم أنتم الظالمون}
بنسبة الوجود والكمال إلى الغير ال هو {ثم نكسوا على رؤوسهم} حياء من كماله ونقصهم وخضوعاً وانفعاالً منه {لقد
علمت} بالعلم اللدني الحقاني فناءهم فنفيت النطق عنهم ،وأما نحن فال نعلم إال ما علمنا هللا فاعترفوا بنقصهم كما
اعترفوا به عند معرفتهم آلدم بعد اإلنكار ،فقالوا{ :الَ ِعْل َم َلَنآ ِإالَّ َما َعَّل ْمتََنآ}[البقرة ،اآلية.]32 :
{أفتعبدون من دون} وتعظمون غيره مما ال ينفع وال يضر ،إذ هو النافع الضار ال غير ٍ
{أف لكم} أتضجر بوجودكم ّ
ووجود معبوداتكم ووجود كل ما سواء تعالى {أفال تعقلون} أن ال مؤثر وال معبود إال هللا.
{يا نار كوني برداً وسالماً} بالوصول حال الفناء ،فإن ل ّذة الوصول تفيد الروح الكامل والسالمة عن نقص الحدثان
وآفة النقصان واإلمكان في عين نار العشق {وأرادوا به كيداً} بإفنائه وإحراقه {فجعلناهم األخسرين} األنقصين منه
كماالً ورتبة {ونجيناه} ولوط العقل بالبقاء بعد الفناء بالوجود الحقاني الموهوب إلى أرض الطبيعة البدنية {التي باركنا
المستعدين لقبول
ّ فيها} بالكماالت العملية المثمرة واآلداب الحسنة المفيدة والشرائع والملكات الفاضلة {للعالمين} أي:
فيضه وتربيته وهدايته.
للرد إلى مقامه بتكميل الخلق حال الرجوع عن الحق {ويعقوب} النفس المرتاضة الممتحنة
{ووهبنا له إسحاق} القلب ّ
متنورة بنور القلب متوّلدة منه {وكالً جعلنا صالحين} باالستقامة والتمكين
بالبالء ،المطمئنة باليقين والصفاء {نافلة} ّ
في الهداية {وجعلناهم أئمة} لسائر القوى والنفوس الناقصة المستعدة {يهدون بأمرنا} أما الروح فباألحوال والمشاهدات
واألنوار ،وأما القلب فبالمعارف والمكاشفات واألسرار ،وأما النفس فباألخالق والمعامالت واآلداب ،وهي المراد بقوله:
{وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصالة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين} بالتوحيد والعبودية الحّقة في مقام التجريد
والتفريد ،وهذا هو تطبيق ظاهر إبراهيم على باطنه .وقد يمكن أن يؤول بضرب آخر من التأويل مناسب لما قال النبي
وسبحته المالئكة بتسبيحنا وحمدته بتحميدنا،
وعلي نورين نسبح هللا تعالى ونحمده ونهّللهّ ، عليه السالم" :كنت أنا
ّ
وهّللته بتهليلنا .فلما خلق آدم عليه السالم انتقلنا إلى جبهته ومن جبهته إلى صلبه إلى شيث" ..إلى آخر الحديث.
قدسه هللا تعالى ،كان كامالً في أول مراتب صفوف األرواح مفيضاً على أطوار الملكوت
وهو :أن الروح اإلبراهيميّ ،
المجردات بنور التوحيد
كماالتهم ،جاب اًر لنقصهم ،كاس اًر ألصنام أعيان الموجودات وآلهة الذوات الممكنات من المادية و ّ
طاوياً لمراتب الكماالت ،ذاوياً للواقفين مع الصفات والمحجوبين بالغير عن الذات ،فوضعه نمروذ النفس الطاغية،
القوة في نار ح اررة طبيعة الرحم ،فجعلها هللا عليه برداً وسالماً،
العاصية ،وقواها التي هي قومه ،في منجنيق الذكر و ّ
درة وجوده التي هي مظهر روحه ونجيناه إلى أرض البدن التي باركنا فيها أي :روحاً وبراءة من اآلفات ،أي :وضعوا ّ
للعالمين بهدايته إياهم وتكميله وتربيته لهم فيها بالعلوم واألعمال التي هي أرزاقهم الحقيقية وأوصافهم الكمالية.
* َوأ َْد َخْلَناهُ ِفي ِِ ِ ِ َِّ وُلوطاً آتَيناه ح ْكماً و ِعْلماً ون َّجين ِ
اه م َن اْلَق ْرَية التي َك َانت تَّ ْع َم ُل اْل َخَبائ َث ِإَّن ُه ْم َك ُانوْا َق ْوَم َس ْوٍء َفاسق َ
ين َ َ َْ ُ َْ ُ ُ َ َ
ص ْرَناهُ ِم َن ِ
َهَل ُه ِم َن اْل َك ْر ِب اْل َعظي ِم ِ ِ رحمِتَنآ ِإَّنه ِمن َّ ِ ِ
* َوَن َ استَ َج ْبَنا َل ُه َفَن َّج ْيَناهُ َوأ ْ
ين * َوُنوحاً إ ْذ َن َاد ٰى من َقْب ُل َف ْ الصالح َ ُ َ ََْ
اْل َح ْر ِث ِإ ْذ َنَف َش ْت ان ِفيان ِإ ْذ َي ْح ُك َم ِ َغرْقناهم أ ِ ِ َّ َّ ِ
ود َو ُسَل ْي َم َ
ين * َوَد ُاو َ َج َمع َ ين َكذُبوْا ِب َآياتَنا ِإَّن ُه ْم َك ُانوْا َق ْوَم َس ْوٍء َفأ ْ َ َ ُ ْ ْ
اْلَق ْو ِم الذ َ
ِِ ِ ِ ِِ
فيه َغَن ُم اْلَق ْو ِم َوُكَّنا ل ُح ْكم ِه ْم َشاهد َ
ين
واذكر لوط القلب {آتيناه} حكمة {وعلماً ونجيناه من} أهل قرية البدن {التي كانت تعمل} خبائث الشهوات الفاسدة
{فاسقين} بإتيانهم األمور ال من جهتنا المأمورين بها ومباشرتهم األعمال ال على ما ينبغي من وجه الشرع والعقل
{وأدخلناه في رحمتنا} الرحيمية ومقام تجلي الصفات {إنه من الصالحين} العاملين بالعلم الثابتين على االستقامة .ونوح
العقل {إذ نادى} من جهة قدم القلب ،واستدعى هللا الكمال الالحق {فاستجبنا له} بإفاضة كماله على مقتضى استعداده
وإب ارزه إلى الفعل {فنجيناه} فنجينا القوى القدسية والفكرية والحمدية وسائر القوى العقلية {من الكرب} الذي هو كون
كماالتها بالقوة ،إذ كل ما هو كامن من الشيء بالقوة كرب له ،يطلب التنفيس بالظهور والبروز إلى الفعل وكلما كان
السر {وسليمان} العقل العلمي الذي هو في مقام الصدر {إذ يحكمان في{وداود} العقل النظري الذي هو في مقام ّ
الحرث} أي :فيما في أرض االستعداد من الكماالت المودعة فيه ،المخزونة في األزل ،والمغروزة في الفطرة الناشئة
عند التوجه إلى الظهور والبروز {يحكمان} فيه بالعلم والعمل والفكر والرياضة في تثميرها وإيناعها وإدراكها.
َّ ِِ َّ ان وُكالًّ َآت ْيَنا ح ْكماً و ِعْلماً وس َّخ ْرَنا مع َداو َ ِ
ص ْن َع َة ال ُي َسِّب ْح َن َوالط ْي َر َوُكَّنا َفاعل َ
ين * َو َعل ْمَناهُ َ ود اْلجَب َ ََ ُ ََ ُ َ اها ُسَل ْي َم َ ََفَف َّه ْمَن َ
ِ اصَف ًة تَجرِي ِبأَم ِِره ِإَلى األَر ِ َِّ الريح ع ِ ِ ِ ِ َلب ٍ َّ ِ ِ
يها
ض التي َب َارْكَنا ف َ ْ ْ ْ ان ِّ َ َ وس ل ُك ْم لتُ ْحصَن ُك ْم ّمن َبأْس ُك ْم َف َه ْل أَنتُ ْم َشاك ُرو َن * َولِ ُسَل ْي َم َ ُ
ِ ِ ِ ٰ ِ ِ ِ ٍ
ينوصو َن َل ُه َوَي ْع َمُلو َن َع َمالً ُدو َن ذل َك َوُكَّنا َل ُه ْم َحافظ َ الشَياط ِ
ين َمن َي ُغ ُ
ين * و ِم َن َّ
َ َوُكَّنا ِب ُك ِّل َش ْيء َعالم َ
فإن العمل بالتقوى والرياضة على وفق الشرع والحكمة العملية أبلغ في تحصيل الكمالولهذا قال{ :ففهمناها سليمان} ّ
وإب ارزه إلى الفعل من العلم الكلي والفكر والنظر والذوق والكشف {وكالً آتينا حكماً وعلماً} إذ كل منهما على الصواب
في رأيه والحكمة النظرية والعملية والمكاشفة والمعاملة كلتاهما متعاضدتان في طلب الكمال ،متوافقتان في تحصيل
كرم الخصال بهما.
{وعلمناه صنعة لبوس لكم} من الورع والتقوى ونعم الدرع الحصين الورع {لتحصنكم من} بأس القوى الغضبية السبعية
واستيالء الحرص والدواعي الطبيعية والقوى الوهمية الشيطانية {فهل أنتم شاكرون} حق هذه النعمة بالتوجه إلى
الحضرة الربانية بالكلية.
سخرنا لسليمان العقل العملي المتمكن على عرش النفس في الصدر ريح الهوى {عاصفة} في هبوبها
{ولسليمان} أيّ :
{تجري بأمره} مطيعة له إلى أرض البدن المتدرب بالطاعة واألدب {التي باركنا فيها} بتثمير األخالق والملكات
الفاضلة واألعمال الصالحة {وكنا بكل شيء} من أسباب الكمال {عالمين}.
التخيل {من يغوصون له} في بحر الهيولى الجسمانية يستخرجون درر المعاني الجزئية
{ومن} شياطين الوهم و ّ
{ويعملون عمالً دون ذلك} من التركيب والتفصيل والمصنوعات وبهيج الدواعي المكسوبات وأمثالها {وكنا لهم
حافظين} عن الزيغ والخطأ والتسويل الباطل والكذب.
{وأيوب} النفس المطمئنة الممتحنة بأنواع البالء في الرياضة البالغة كمال الزكاء في المجاهدة {إذ نادى رّبه} عند
الضر} من الضعف واالنكسار والعجز {وأنتّ مسني
الجد والجهد {أني ّ
الكد وبلوغ الطاقة والوسع في ّ شدة الكرب في ّ ّ
كد األعمال عند كمال الطمأنينة ونزول السكينةأرحم الراحمين} بالتوسعة والروح {فاستجبنا له} بروح األحوال عن ّ
ضر} الرياضة بنور الهداية ونفسنا عنه ظلمة الكرب بإشراق نور القلب {وآتيناه أهله} القوى
{وكشفنا ما به من ّ
النفسانية التي ملكناها وأمتناها بالرياضة بإحيائها بالحياة الحقيقية {ومثلهم معهم} من إمداد القوى الروحانية وأنوار
الصفات القلبية ووفرنا عليهم أسباب الفضائل الخلقية وأحوال العلوم النافعة الجزئية {رحمة من عندنا وذكرى
للعابدين}.
{وذا النون} أي :الروح الغير الواصل إلى رتبة الكمال {إذ ذهب} بالمفارقة عن البدنية {مغاضباً} عن قومه ،القوى
النفسانية الحتجابها وإصرارها على مخالفته وإبائها واستكبارها عن طاعته {فظن أن لن نقدر عليه} أي :لن نستعمل
قدرتنا فيه باالبتالء بمثل ما ابتلي به ،أو :لن نضيق عليه ،فالتقمه حوت الرحمة لوجوب تعّلقه بالبدن في حكمتنا
لالستعمال {فنادى} في ظلمات المراتب الثالث من الطبيعة الجسمانية والنفس النباتية والحيوانية بلسان االستعداد {أن
التجرد األول
ّ فأقر بالتوحيد الذاتي المركوز فيه عند العهد السابق وميثاق الفطرة والتنزيه المستفاد من
ال إله إال أنت} ّ
في األ زل بقوله{ :سبحانك} واعترف بنقصانه وعدم استعمال العدالة في قومه فقال{ :إني كنت من الظالمين فاستجبنا
غم النقصان واالحتجاب بنور التجلي ورفع
له} بالتوفيق بالسلوك والتصبير بنور الهداية إلى الوصول {ونجيناه} من ّ
الحجاب {وكذلك ننجي المؤمنين} باإليمان التحقيقي الموقنين.
{وزكريا} الروح الساذج عن العلوم {إذ نادى رّبه} في استدعاء الكمال بلسان االستعداد ،واستوهب يحيى القلب
لتنتعش فيه العلوم ،وشكا انفراده عن معاضدة القلب في قبول العلم وحيازة ميراثه مع علمه بأن الفناء في هللا خير من
الكمال العملي حيث قال{ :وأنت خير الوارثين} من القلب وغيره {ووهبنا له يحيى} القلب بإصالح زوجه النفس العاقر
لسوء الخلق وغلبة ظلمة الطبع عليها بتحسين أخالقها وإزالة الظلمة الموجبة للعقر عنها {إنهم} إن أولئك الكمل من
األنبياء {كانوا يسارعون في الخيرات} أي :يسابقون إلى المشاهدات التي هي الخيرات المحضة باألرواح {ويدعوننا}
لطلب المكاشفات بالقلوب {رغباً} إلى الكمال {ورهباً} من النقصان أو رغباً إلى اللطف والرحموت في مقام تجليات
الصفات ورهباً من القهر والعظموت {وكانوا لنا خاشعين} بالنفوس.
المستعدة العابدة التي أحصنت فرج استعدادها ومحل تأثير الروح من
ّ {والتي أحصنت} أي :النفس الزكية الصافية
باطنها بحفظه من مسافحي القوى البدنية فيها {فنفخنا فيها} من تأثير روح القدس بنفخ الحياة الحقيقية فولدت عيسى
المستعدة المستبصرة
ّ القلب {وجعلناها} مع القلب عالمة ظاهرة وهداية واضحة {للعالمين} من القوى الروحانية والنفوس
يهديهم إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
الصالِح ِ
ات ِ ِ
َب ْيَن ُه ْم ُك ٌّل ِإَل ْيَنا َراج ُعو َن * َف َمن َي ْع َم ْل م َن َّ َ
َفاعبدو ِن * وتََق َّ
ط ُعوْا أ َْم َرُه ْم َ ْ ُُ ُّك ْم ُم ًة و ِ
اح َد ًة َوأََن ْا َرب ُ ِإ َّن َهـ ِٰذِه أ َّ
ُمتُ ُك ْم أ َّ َ
اهآ أََّن ُه ْم الَ َي ْرِج ُعو َن
َهَل ْكَن َ
أْ َك ِاتُبو َن * َو َح َرٌام َعَل ٰى َق ْرَي ٍة ان لِ َس ْعِي ِه َوإَِّنا َل ُه
َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن َفالَ ُكْف َر َ
{فمن} يتّصف بالكماالت العملية {وهو} عالم موقن فسعيه مشكور غير مكفور في القيامة الوسطى والوصول إلى مقام
الفطرة األولى {و ّإنا} لصورة ذلك السعي لكاتبون في صحيفة قلبه فيظهر عليه عند التجرد أنوار الصفات وممتنع {على
قرية} حكمنا بإهالكها وشقاوتها في األزل رجوعهم إلى الفطرة من االحتجاب بصفات النفس في النشأة.
{حتى إذا فتحت يأجوج} القوى النفسانية {ومأجوج} القوى البدنية بانحراف المزاج وانحالل التركيب {وهم من كل
{ي ْن ِسلون} الذهاب والزوال {واقترب الوعد الحق} من وقوع القيامة
حدب} من أعضاء البدن التي هي محالها ومقارها َ
الصغرى بالموت ،فحينئذ شخصت أبصار المحجوبين ّ
لشدة الهول والفزع ،داعين بالويل والثبور ،ومعترفين بالظلم
والقصور.
منا} السعادة {الحسنى} وحكمنا بسعادتهم في القضاء السابق {أولئك عنها مبعدون} ّ
لتجردهم عن {إن الذين سبقت لهم ّّ
المالبس النفسانية والغشاوات الطبيعية {ال يسمعون حسيسها} لبعدهم عنها في الرتبة {وهم في ما اشتهت} ذواتهم من
الجنات الثالث وخصوصاً المشاهدات في جنة الذات {خالدون} {ال يحزنهم الفزع األكبر} بالموت في القيامة الصغرى
وال بتجلي العظمة والجالل في القيامة الكبرى {وتتلقاهم المالئكة} عند الموت بالبشارة أو عند البعث النفساني
بالسالمة والنجاة ،أو في القيامة الوسطى والبعث الحقيقي بالرضوان أو عند الرجوع إلى البقاء بعد الفناء حال
التامة.
االستقامة بالسعادة ّ
{ولقد كتبنا في} زبور القلب {من بعد الذكر} في اللوح أن أرض البدن يرثها القوى الصالحة ّ
المنورة بنور السكينة بعد
{أن األرض يرثها
إهالك الفواسق بالرياضة .أو :ولقد كتبنا في زبور اللوح المحفوظ من بعد الذكر في ّأم الكتاب ّ
عبادي الصالحون} من الروح و ّ
السر والقلب والعقل والنفس وسائر القوى باالستقامة بعد إهالك الصالحين بالفناء في
الوحدة {لبالغاً} لكفاية {لقوم} عبدوا هللا بالسلوك فيه {رحمة} عظيمة مشتملة على الرحيمية بهدايتهم إلى الكمال
المطلق والرحمانية بأمانهم من العذاب المستأصل في زمانه لغلبة رحمته على غضبه.
نك ْم َّمن ُي َرُّد ِإَل ٰى أ َْرَذ ِل اْل ُع ُم ِرنك ْم َّمن ُيتََوَّف ٰى َو ِم ُ َج ٍل ُّم َس ًّمى ثُ َّم ُن ْخ ِر ُج ُك ْم ِطْفالً ثُ َّم لِتَْبُل ُغوْا أ ُ
َشَّد ُك ْم َو ِم ُ آء ِإَل ٰى أ َ
األ َْر َحا ِم َما َن َش ُ
َنب َت ْت ِمن ُك ِّل َزْو ٍج َب ِهي ٍج * لِ َكيالَ يعَلم ِمن بع ِد ِعْل ٍم َشيئاً وتَرى األَرض ه ِ
ام َد ًة َفِإ َذآ أ َ ْ
اهتََّز ْت َوَرَب ْت َوأ َ
آء ْ َنزلَنا َعَل ْي َها اْل َم َ ْ َ َ ْ َ َ َْ ْ َْ َ
َّللاَ َي ْب َع ُث َمن يها َوأ َّ
َن َّ ِ َّ ِ ِ ٍ ِ
َّللاَ ُه َو اْل َح ُّق َوأََّن ُه ُي ْحِيـي اْل َم ْوتَ ٰى َوأََّن ُه َعَل ٰى ُك ّل َشيء َقد ٌير * َوأ َّ ٰذلِ َك ِبأ َّ
اع َة آتَي ٌة ال َرْي َب ف َ الس َ
َن َّ ْ
َن َّ
َّللاِ ض َّل َعن سِب ِ
يل َّ طِف ِه لِي ِ ِ ِ اب ُّمِن ٍ َّللاِ ِب َغ ْي ِر ِعْل ٍم والَ ُه ًدى والَ ِكتَ ٍ اس َمن ُي َج ِاد ُل ِفي َّ
الن ِ
ور * و ِم َن َّ ِفي اْلُقُب ِ
َ ير * ثَان َي ع ْ ُ َ َ
{وترى} أرض النفس {هامدة} ميتة بالجهل ال نبات فيها من الفضائل والكماالت{ .فإذا أنزلنا عليها} ماء العلم من
{اهتزت} بالحياة الحقيقية {وربت} بالترقي في المقامات والمراتب {وأنبتت من كل} صنف {بهيج} من
سماء الروح ّ
المغير الفاني {وأنه
ّ {أن هللا هو الحق} الثابت الباقي وما سواه هو
الكماالت والفضائل المزينة لها {ذلك بـ} سبب ّ
أن الساعة}يحيي} موتى الجهل بفيض العلم في القيامة الوسطى كما يحيي موتى الطبع في القيامة الصغرى {و ّ
أن هللا يبعث من في القبور} أي :قبر البدن من موتى الجهل في الساعة الوسطى بالقيام في موضع بالمعنيين {آتية و ّ
القلب والعود إلى الفطرة وحياة العلم كما يبعث موتى الطبع في النشأة الثانية والقيامة الصغرى {بغير علم} أي:
استدالل {وال هدى} وال كشف ووجدان {وال كتاب} وال وحي وفرقان {يدعو} مما سوى هللا {ما ال ّ
يضره وما ال ينفعه}
ضره أقرب من نفعه ألن دعوته كائناً ما كان فإن االحتجاب الغيري {هو الضالل البعيد} عن الحق وإنما كان ّ
والوقوف معه يحجبه عن الحق.
آب َوَكِث ٌير ِّم َن الن ُجوم واْل ِجَبال و َّ
الش َج ُر َو َّ
الدَو ُّ ُ َ
ِ َّ ِ
الس َٰم َٰوت َو َمن في األ َْرض َوالش ْم ُس َواْلَق َم ُر َو ُّ ُ َ
َّللا يسجد َله من ِفي َّ ِ
َن َّ َ َ ْ ُ ُ ُ َ أََل ْم تَ َر أ َّ
آء َّللاُ َف َما َل ُه ِمن ُّم ْك ِرٍم ِإ َّن َّ
اب َو َمن ُي ِه ِن َّ ِ الن ِ ِ َّ
َّللاَ َيْف َع ُل َما َي َش ُ اس َوَكث ٌير َح َّق َعَل ْيه اْل َع َذ ُ
ص َه ُر
يم * ُي ْ
ِ ِق ِ ِ ِ
ص ُّب من َف ْو ُرُءوسه ُم اْل َحم ُ َّن ٍار ُي َ اب ِّمن ِ ين َكَف ُروْا ُق ِّ
ط َع ْت َل ُه ْم ثَي ٌ
َّ ِ
ص ُموْااختَ َ
ِ
في َرِّب ِه ْم َفالذ َ
ان ْ ص َم ِ ان َخ َْهـٰ َذ ِ
اب يها َوُذوُقوْا َع َذ َ
ِ ِ ِ ِ
َي ْخ ُرُجوْا م ْن َها م ْن َغ ٍّم أُع ُيدوْا ف َ ام ُع ِم ْن َح ِد ٍيد * ُكَّل َمآ أ ََرُادوْا أَن
* وَلهم َّمَق ِ
طوِن ِه ْم َواْل ُجُل ُ
ودَ ُْ ِب ِه َما ِفي ُب ُ
َس ِاوَر ِمن ات تَجرِي ِمن تَحِتها األ َْنهار يحَّلو َن ِف ِ ات جَّن ٍ َّللا ي ْد ِخل َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ ِ اْل َح ِر ِ
يها م ْن أ َ
َ َ ُ َُ ْ ْ َ ْ الصال َح َ َ َُ َ َ يق * إ َّن َّ َ ُ ُ
اط اْل َح ِمي ِد
صر ِ ِ ِ َّ ِ ِ
يها َح ِر ٌير * َو ُه ُدوْا ِإَلى الطِّيب م َن اْلَق ْول َو ُه ُدوْا ِإَل ٰى َ
ِ
اس ُه ْم ف َ ِ ٍ
َذ َهب َوُل ْؤُلؤاً َولَب ُ
{ قطعت لهم ثياب من نار} جعلت لهم مالبس من نار غضب هللا وقهره ،وهي هيئات وأجرام مطابقة لصفات نفوسهم
{يصب من فوق رؤوسهم} حميم الهوى ،وحب الدنيا الغالب عليهم ،أو حميم
ّ المنكوسة ،معذبة لها غاية التعذيب
{ولهم مقامع} أي :سياط {من حديد} األثيرات الملكوتية بأيدي زبانية األجرام السماوية المؤثرة في النفوس المادية،
تقمعهم بها وتدورهم من جناب القدس إلى مهاوي الرجس {كلما أرادوا} بدواعي الفطرة اإلنسانيةوتقاضي االستعداد
غم} تلك الهيئات السود المظلمة وكرب تلك
األولي {أن يخرجوا} من تلك النيران إلى فضاء مراتب اإلنسان {من ّ
ّ
الدركات الموجبة ،ضربوا بتلك المقامع المؤلمة وأعيدوا إلى أسافل الوهدات المهلكة {و} قيل لهم{ :ذوقوا عذاب
الحريق}.
{ي َحلون فيها من أساور} األخالق والفضائل المصوغة {من ذهب} {جنات} القلوب {تجري من} تحتهم أنهار العلوم ُ
العلوم العقلية والحكمة العملية {ولؤلؤاً} المعارف القلبية ،والحقائق الكشفية {ولباسهم فيها حرير} شعاع أنواع الصفات
التجليات اللطيفة ،وهداهم {إلى الطيب من} ذكر الصفات في مقام القلب {وإلى صراط} ذي الصفات ،أي:
اإللهية و ّ
توحيد الذات الحميدة باتصافها بتلك الصفات ،تلك بعينها صراط الذات وسّلم الوصول إليها بالفناء.
{ويصدون عن سبيل هللا والمسجد الحرام} الذي هو صدر فناء كعبة القلب {الذي ّ {كفروا} حجبوا بالغواشي الطبيعية
جعلناه} لناس القوى اإلنسانية مطلقاً {سواء} المقيم فيه من القوى العقلية الروحانية وبادي القوى النفسانية إلمكان
السر.
وصولها إليه وطوافها فيه عند ترقي القلب إلى مقام ّ
{ومن يرد فيه} من الواصلين إليه مراداً {بإلحاد} ميل إلى الطبيعة والهوى {بظلم} وضع شيء من العلوم والعبادات
القلبية مكان النفسية كاستعمالها لألغراض الدنيوية وإظهارها لتحصيل الّلذات البدنية من طلب السمعة والمال والجاه
الحسية واللذات النفسية بتوهم كونها مصالح الدارين أو تغير عن وجهها كالرياء
ّ أو بالعكس ،كمباشرة الشهوات
والنفاق ،أو ملحداً ظالماً {من عذاب أليم} في جحيم الطبيعة.
{وإذ ّبوأنا} أي :جعلنا {إلبراهيم} الروح مكان بيت القلب وهو المصدر مباءة يرجع إليها في األعمال واألخالق .وقيل:
أسه القديم ،أي:
أعلم هللا إبراهيم مكانه بعدما رفع إلى السماء أيام الطوفان بريح أرسلها ،فكشف ما حولها ،فبناه على ّ
هداه إلى مكانه بعد رفعه إلى السماء .وأيام طوفان الجهل وأمواج غلبات الطبع برياح نفحات الرحمة فكشفت ما حوله
أسه القديم من الفطرة اإلنسانية {أن ال تشرك}
من الهيئات النفسانية واأللواث الطبيعية والغبارات الهيوالنية فبناه على ّ
وجص األخالق ،وقلنا :ال تشرك ،أي :أمرناهّ أي :جعلناه مرجعاً في بناء البيت بأحجار األعمال وطين الحكم
بالتوحيد ثم بتطهير بيت القلب عن األلواث المذكورة {للطائفين} من القوى النفسانية التي تطوف حوله ّ
للتنور واكتساب
الفضائل الخلقية {والقائمين} من القوى الروحانية التي تقوم عليها بإلقاء المعارف والمعاني الحكمية {و ُّ
الركع السجود}
من القوى البدنية التي تستفيد منه صور العبادات واآلداب الشرعية والعقلية ،أو لهداية الطالبين من المستبصرين
المتعلمين ،والمجاهدين السالكين ،والمتعبدين الخاضعين.
مجردين عن صفات النفوس {وعلى كل} نفس {وأ ّذن في الناس} بالدعوة إلى مقام القلب وزيارته {يأتوك رجاال} ّ
َ
ضامرة بطول الرياضة والمجاهدة {يأتين من كل} طريق بعيد العمق في قعر الطبيعة {ليشهدوا منافع لهم} من الفوائد
العلمية والعملية المستفادة من مقام القلب {ويذكروا اسم هللا} باالتّصاف بصفاته {في أيام معلومات} من أنوار التجليات
تقرباً إلى هللا تعالى بحراب المخالفات وسكاكين
والمكاشفات {على ما رزقهم من بهيمة} أنعام النفوس المذبوحة ّ
المقوية في السلوك {وأطعموا} أي :أفيدوا {البائس}
المجاهدات {فكلوا} استفيدوا من لحوم أخالقها وملكاتها المعينة ّ
الطالب القوي النفس ،الذي أصابه ّ
شدة من غلبة صفاتها واستيالء هيئاتها للتهذيب والتأديب ،والفقير الضعيف النفس،
القديم العلم ،الذي أضعفه عدم التعليم والتربية المحتاج إليها.
كقص شارب الحرص ،وَقلم أظفار الغضب والحقد .وفي الجملة: {ثم ليقضوا} وسخ الفضول وفضالت ألواث الهيئات ّ
بقايا تلوينات النفس {وليوفوا نذورهم} بالقيام بإبراز ما قبلوه في العهد األول من المعاني والكماالت المودعة فيهم إلى
{وليطوفوا} باالنخراط في سلك
ّ الفعل ،فقضاء التفث التزكية وإزالة الموانع واإليفاء بالنذور والتحلية وتحصيل المعارف
الملكوت األعلى حول عرش هللا المجيد البيت القديم.
{ذلك} أي :األمر ذلك {ومن يعظم حرمات هللا} وهي ماال يحل هتكه وتطهيره والقربان بالنفس وجميع ما ذكر من
التجليات ،واالتصاف بالصفات ،والترقي في
ّ التعرض لألنوار في
المناسك كالتحلي بالفضائل ،واجتناب الرذائل ،و ّ
المقامات {فهو خير له} في حضرة رّبه ومقعد قربه {وأحّلت لكم} أنعام النفوس السليمة باالنتفاع بأخالقها وأعمالها في
الطريقة والتمتع بالحقوق دون الحظوظ {إال ما ُي ْتلى عليكم} في صورة المائدة من الرذائل المشتبهة بالفضائل وهي
محرمة في سبيل هللا
التي صدرت من النفس ال على وجهها وال على ما ينبغي من أمرها بالرذائل المحضة ،فإنها ّ
على السالكين {فاجتنبوا الرجس من} أوثان الشهوات المتعبدة؛ واألهواء المتبعة ،كقوله تعالى{ :أََف َأرَْي َت َم ِن اتَّ َخ َذ ِإَلـ َٰه ُه
ان َس ِح ٍ
يق يح ِفي َم َك ٍ الر ُالط ْي ُر أَ ْو تَ ْه ِوي ِب ِه ِّطُفه َّ اَّللِ َف َكأََّنما خَّر ِمن َّ ِ
الس َمآء َفتَ ْخ َ ُ ين ِب ِه َو َمن ُي ْش ِر ْك ِب َّ ِ
ََّّلل َغ ْي َر ُم ْش ِرِك َ آء
َ َ َ ُحَنَف َ
َج ٍل ُّم َس ًّمى ثُ َّم َم ِحُّل َهآ ِإَل ٰى اْلَب ْي ِت اْل َعِت ِ ِ ِ ِ ظم َشع ِائر َّ ِ ِ ِ ِ * ٰذلِ َك
يق يها َمَناف ُع ِإَل ٰى أ َ
َّللا َفإَّن َها من تَْق َوى اْلُقُلوب * َل ُك ْم ف َ َو َمن ُي َع ّ ْ َ َ
{حنفاء هلل} مائلين عن الطرق الفاسدة ،والعلوم الباطلة ،معرضين عن كل ما يغيره من الكماالت واألعمال ،ولو
لنفس ا لكمال والتزين به فإنه حجاب {غير مشركين به} بالنظر إلى ما سواه وااللتفات في طريقه إلى ما عداه{ .ومن
{لكم فيها منافع} من األعمال واألخالق والكماالت العلمية والعملية {إلى أجل مسمى} هو الفناء في هللا بالحقيقة {ثم
السر ،وترقي النفس
حد سوقها وموضع وجوب نحرها بالوصول إلى حرم الصدر عند كعبة القلب إلى مقام ّ محلها} ّ
إلى مقامه ،فانية عن حياتها وصفاتها.
ِ ِ احٌد َفَله أ ِ َّللاِ عَل ٰى ما رَزَقهم ِمن ب ِهيم ِة األ َْنعا ِم َفِإَلـٰه ُكم ِإَلـٰه و ِ ِ ولِ ُك ِل أ َّ ٍ
َسل ُموْا َوَب ّش ِر اْل ُم ْخِبت َ
ين ُ ْ ُ ْ ٌَ َ اس َم َّ َ َ َ ُ ْ ّ َ َ نسكاً ّلَي ْذ ُك ُروْا ْ
ُمة َج َعْلَنا َم َ َ ّ
ِ ٰ ٰ الصِب ِرين عَلى مآ أَصابهم واْلمِق ِ ٰ ين ِإ َذا ُذ ِكر َّ ِ َّ ِ
الصَلوِة َو ِم َّما َرَزْقَن ُه ْم ُينفُقو َن * َواْلُب ْد َن َج َعْلَن َ
اها يمي َّ وب ُه ْم َو َّ َ َ ٰ َ َ َ ُ ْ َ ُ َّللاُ َوجَل ْت ُقُل ُ َ * الذ َ
ط ِع ُموْا اْلَق ِان َع َواْل ُم ْعتََّر
وب َها َف ُكُلوْا ِم ْن َها َوأَ ْ َّللاِ َل ُكم ِفيها خير َفا ْذ ُكروْا اسم َّ ِ ِ ِ
آف َفِإ َذا َو َجَب ْت ُجُن ُص َو َّ
َّللا َعَل ْي َها َ ُ َْ َل ُك ْم ّمن َش َعائ ِر َّ ْ َ َ ْ ٌ
نك ْم َك ٰذلِ َك َس َّخ َرَها َل ُك ْم لِتُ َكِّب ُروْا
آؤ َها َوَلـ ِٰكن َيَناُل ُه التَّْقَو ٰى ِم ُ ِ َّ ِٰ
وم َها َوالَ د َم ُ
َّللاَ ُل ُح ُ
ال َّ َكذل َك َس َّخ ْرَن َ
اها َل ُك ْم َل َعل ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن * َلن َيَن َ
ِِ َّللا عَلى ما هد ُ ِ
اك ْم َوَب ّش ِر اْل ُم ْحسن َ
ين َّ َ َ ٰ َ َ َ
أمة} من القوى {جعلنا} عبادة مخصوصة بها {ليذكروا اسم هللا} باالتصاف بصفاته التي هي مظاهرها في{ولكل ّ
التوجه إلى التوحيد {على ما رزقهم من} الكمال بواسطة {بهيمة} النفس التي هي من جملة {األنعام} أي :النفوس
وخصصوه باالنقياد والطاعة وال تنقادوا إال
السليمة {فإلهكم إله واحد} فوحدوه بالتوجه نحوه من غير التفات إلى غيرهّ ،
{وبشر} المنكسرين المتذللين القابلين لفيضه.
له ّ
{وجلت قلوبهم} انفعلت لقبول فيضه {والصابرين} الثابتين {على ما أصابهم} من
ْ {الذين إذا ُذ ِك َر هللا} بالحضور
المخالفات والمجاهدات {والمقيمي} صالة المشاهدة {ومما رزقناهم} من الفضائل والكماالت {ينفقون} بالفناء في هللا
واإلفاضة على المستعدين.
{والبدن} أي :النفوس الشريفة العظيمة القدر {جعلناها} من الهدايا المعلمة هلل {لكم فيها خير} سعادة وكمال {فاذكروا
اسم هللا عليها} باالتّصاف بصفاته وإفناء صفاتكم فيه ،وذلك هو النحر في سبيل هللا {صواف} قائمات بما فرض هللا
عليها ،مقيدات بقيود الشريعة ،وآداب الطريقة ،واقفات عن حركاتها واضطراباتها {فإذا} سقطت عن هواها الذي هو
المستعدين والطالبين
ّ وقوتها التي بها تستقل وتضطرب بقتلها في هللا {فكلوا} استفيدوا من فضائلها وأفيدوا
حياتها ّ
سخرناها لكم} بالرياضة {لعلكم تَ ْشكرون} نعمة االستعداد والتوفيق باستعمالهاالمتعرضين للطلب من المريدين {كذلك ّ
ّ
في سبيل هللا.
خوان} من
يحب كل ّ {إن هللا يدافع} ظلمة القوى النفسانية بالتوفيق {عن الذين آمنوا} من القوى الروحانية ّ
{إن هللا ال ّ
القوى التي لم ّ
تؤد أمانة هللا من كمالها المودع فيها بالطاعة فيها وخانت القلب بالغدر وعدم الوفاء بالعهد {كفور}
باستعمال نعمة هللا في معصيته.
ِ
{أذ َن للذين يقاتلون} الوهم والخيال وغيرها من القوى الروحانية المجاهدين مع القوى النفسانية {بـ} سبب {أنهم ظلموا}
مقارهم ومناصبهم باستخدامها
باستيالء صفات النفس واستعالئها {الذين} أي :المظلومين الذين {أخرجوا} من ّ
واستعبادها في طلب الشهوات والل ّذات البدنية {بغير حق} لهم عليهم موجب لذلك إال للتوحيد الموجب للتعظيم
والتمكين والتوجه إلى الحق واإلعراض عن الباطل.
{الذين إن م ّكناهم في األرض} باالستقامة بالوجود الحقاني {أقاموا} صالة المراقبة والمشاهدة {وآتوا} زكاة العلوم
الحقيقية والمعارف اليقينية من نصاب المكاشفة مستحقيها من الطلبة {وأمروا} القوى النفسانية والنفوس الناقصة
{بالمعروف} من األعمال الشرعية واألخالق المرضية في مقام المشاهدة ،ونهوهم {عن المنكر} من الشهوات البدنية
الحسية والرذائل المردية والمعاملة {وهلل عاقبة األمور} بالرجوع إليه.
ّ واللذات
ين أ ُْوَلـِٰئ َك ين سعوْا ِفي آي ِاتَنا مع ِ َّ ِ ِ َل ُكم ن ِذير ُّمِبين * َف َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ
اج ِز َ َ َُ يم * َوالذ َ َ َ ْ الصال َحات َل ُه ْم َّم ْغف َرةٌ َوِرْز ٌق َك ِر ٌ َ َُ َ َ ٌ ْ َ ٌ
َّللاُ َما ُيْلِقي نس ُخ َّ ِ ِِ ط ِ ول والَ َنِب ٍي ِإالَّ ِإ َذا تَمَّن ٰى أَْلَقى َّ ٍ ِ ِ ِ ِ
ان في أ ُْمنَّيته َفَي َ الش ْي َ ُ َ ّ اب اْل َجحي ِم * َو َمآ أ َْرَسْلَنا من َقْبل َك من َّرُس َ َص َح ُ أْ
ِ ِ طان ِف ْتَن ًة ّلَِّل ِذ ِ َّللا َعلِيم َح ِكيم * ّلَِي ْج َعل ما ُيْلِقي َّ طان ثُ َّم يح ِكم َّ ِ ِ
وب ُه ْم
ض َواْلَقاسَية ُقُل ُ ين في ُقُلوب ِِهم َّم َر ٌ َ الش ْي َ ُ َ َ ٌ َّللاُ َآياته َو َّ ُ ٌ الش ْي َ ُ ُ ْ ُ
َّ
اق َب ِع ٍيدين َلِفي ِشَق ٍ َّ ِ ِ
َوإِ َّن الظالم َ
{ إذا تمنى} ظهرت نفسه بالتمني في مقام التلوين {ألقى الشيطان في} وعاء {أمنيته} ما يناسبها ألن ظهور النفس
يحدث ظلمة وسواداً في القلب يحتجب بها الشيطان ويتخذها محل وسوسته وقالب إلقائه بالتناسب {فينسخ هللا ما يلقي
الشيطان} بإشراق نور الروح على القلب بالتأييد القدسي وإزالة ظلمة ظهور النفس وقمعها ليظهر فساد ما يلقيه ويتميز
ّ
ويستقر الملكي {ثم يحكم هللا آياته} بالتمكين {وهللا عليم} يعلم اإللقاءات الشيطانية
ّ منه اإللقاء الملكي فيضمحل
وطريق نسخها من بين وحيه {حكيم} يحكم آياته بحكمته ،ومن مقتضيات حكمته أنه يجعل اإللقاء الشيطاني فتنة
شكهم وحجابهم به ،فإنهم بمناسبة
للشاكين المنافقين المحجوبين القاسية قلوبهم عن قبول الحق وابتالءهم الزدياد ّ
{ه ْل أَُنِّبُئ ُك ْم َعَل ٰى َمن تََنَّزُل
المسودة القاسية ال يقبلون إال ما يلقي الشيطان ،كما قال تعالىَ :
ّ نفوسهم الظلمانية وقلوبهم
اك أَِثيمٍ}[الشعراء ،اآليات .]222 - 221:وإنهم لفي خالف بعيد عن الحق فكيف يقبلونه. َّ ِ
اطين تََنَّزل عَلى ُك ِل أََّف ٍ
الشَي ُ ُ َ ٰ ّ
اط ُّم ْستَِقي ٍم * صر ٍ ِ َّ ِ َّ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
آمُنوْا ِإَل ٰى َ ين َ َّللاَ َل َهاد الذ َ ِك َفُي ْؤ ِمُنوْا ِبه َفتُ ْخِب َت َل ُه ُقُل ُ
وب ُه ْم َوِإ َّن َولَِي ْعَل َم الذ َ
ين أُوتُوْا اْلعْل َم أََّن ُه اْل َح ُّق من َّرّب َ
َي ْو ٍم َعِقي ٍم * اْل ُمْل ُك َي ْو َمِئ ٍذ ََّّللِ َي ْح ُك ُم َب ْيَن ُه ْم اب ِ
اع ُة َب ْغتَ ًة أ َْو َيأْتَي ُه ْم َع َذ ُ ين َكَف ُروْا ِفي ِم ْرَي ٍة ِّم ْن ُه َحتَّ ٰى تَأِْتَي ُه ُم َّ
الس َ
والَ يز َّ ِ
ال الذ َ َ ََ ُ
َّ ِ ِ ِ َّ َّ ِ ات ِفي جَّن ِ
ات َّ ِ الصالِح ِ ِ َّ ِ
ين اب ُّم ِه ٌ
ين * َوالذ َ ين َكَف ُروْا َوَكذُبوْا ِبآيٰتَنا َفأ ُْوَلـٰئ َك َل ُه ْم َع َذ ٌ
النعي ِم * َوالذ َ َ آمُنوْا َو َعمُلوْا َّ َ
ين َ
َفالذ َ
{وليعلم الذين أوتوا العلم} من أهل اليقين والمحققين :أن تم ّكن الشيطان من اإللقاء هو الحكمة والحق من رّبك على
قضية العدل والمناسبة {فيؤمنوا به} بأن يروا الكل من هللا فتطمئن {له قلوبهم} بنور السكينة واالستقامة الموجبة لتمييز
تزل أقدامهم بقبول ما يلقي
اإللقاء الشيطاني من الرحماني {وإن هللا} لهاديهم إلى طريق الحق واالستقامة فال ّ
وشدة نوريتها وضيائها.
الشيطان ،وال تقبل قلوبهم إال ما يلقي الرحمن لصفائها ّ
{وال يزال} المحجوبون {في شك منه حتى} تقوم عليهم القيامة الصغرى {لو يأتيهم عذاب} وقت هائل ال يعلم كنهه وال
الشدة أو ال خير فيه.
الشدة أو وقت ال مثل له في ّ
يمكن وصفه من ّ
{الملك يومئذ} إذ وقع العذاب وقامت القيامة {هلل} ال يمنعهم منه أحد إذا ال قوة وال قدرة وال حكم لغيره يفصل {بينهم}
فالموقنون العاملون باالستقامة والعدالة {في جنات} الصفات يتنعمون والمحجوبون عن الذات والمكذبون بالصفات
ذل
عزة هللا وكبريائه وصيرورتهم في ّ
بنسبتها إلى الغير في عذاب مهين من صفات النفوس والهيئات الحتجابهم عن ّ
قهره.
{والذين هاجروا} عن مواطن النفوس ومقارها السفلية {في سبيل هللا ثم قتلوا} بسيف الرياضة والشوق {أو ماتوا} باإلرادة
التجليات {رزقاً حسناً} وليدخلنهم مقام الرضا {وإن هللا لعليم}
ّ والذوق {ليرزقنهم هللا} من علوم المكاشفات وفوائد
بدرجات استعداداتهم واستحقاقاتهم وما يجب أن يفيض عليهم من كماالتهم {حليم} ال يعاجلهم بالعقوبة في فرطاتهم
في التلوينات وتفريطاتهم في المجاهدات فيمنعهم مما تقتضيه أحوالهم ليمكنهم قبولهم ذلك .من راعى طريق العدالة
في المكافأة بالعقوبة ثم مال إلى االنظالم ال إلى الظلم ،لوجب في حكمة هللا تأييده باألمداد الملكوتية ونصرته باألنوار
الجبروتية ،فإن االحتياط في باب العدالة هو الميل إلى االنظالم ال إلى الظلم .قال النبي عليه السالم" :كن عبداً هلل
لعفو} يأمر بالعفو وترك المعاقبة {غفور} يغفر لمن ال يقدر على العفو. المظلوم وال تكن عبداً هلل الظالم"َّ .
{إن هللا ّ
حق قدره} أي :ما عرفوه حق معرفته إذ نسبوا التأثير إلى غيره ،وأثبتوا وجوداً لغيره ،إذ كل عارف به ال
{ما قدروا هللا ّ
يعرف منه إال ما وجد في نفسه من صفاته ولو عرفوه حق معرفته لكانوا فانين فيه ،شاهدين لذاته وصفاته ،عالمين
{وهو اجتباكم} بالوجود الحقاني ال غيره ،فال تلتفتوا إلى غيره بظهور أنائيتكم {وما جعل عليكم في} دينه {من حرج}
من كلفة ومشق ة في العبادة فإنه ما دامت النفس باقية أو يجد العابد من القلب والروح بقية ولم يستقر بنور التوحيد ولم
يستحكم مقام التفريد لم يكن في العبادة روح تام وذوق عام ،وال يخلو من حرج وضيق وكلفة ومشقة ،وإما إذا تمكن
في االستقامة ،وتصفى في المحبة التامة وجد السعة والروح.
مقدماً في
أبوته :كونه ّ
أخص مّلة {أبيكم} الحقيقي {إبراهيم} التي هي التوحيد المحض .ومعنى ّ
{مّلة} أي :أعني و ّ
{سماكم المسلمين} الذين أسلموا
التوحيد ،مفيضاً على كل موحد ،فكلهم من أوالده {هو} أي :إبراهيم ،أو هللا تعالى ّ
ذواتهم إلى هللا بالفناء فيه وجعلكم علماء في اإلسالم أوالً وآخ اًر وهو معنى قوله{ :من قبل وفي هذا ليكون الرسول
شهيداً عليكم} بالتوحيد ،رقيباً يحفظكم في مقامه بالتأييد حتى ال تظهر منكم بقية {وتكونوا شهداء على الناس}
بتكميلهم ،مطلعين على مقاماتهم ومراتبهم ،تفيضون عليهم أنوار التوحيد إن قبلوا {فأقيموا} صالة الشهود الذاتي فإنكم
المستعدين وتربية الطالبين المستبصرين
ّ وعز مرامكم {وآتوا الزكاة} بإفاضة الفيض على
على خطر لشرف مقامكم ّ
فإنه شكر حالكم وعبادة مقامكم {واعتصموا} في ذلك اإلرشاد {باهلل} بأن ال تروه من نفسكم وتكونوا به متخلقين
بأخالقه {هو موالكم} في مقام االستقامة بالحقيقة وناصركم في اإلرشاد بدوام اإلمداد ِ
{فن ْعم المولى وِن ْعم النصير} وهو
الموفق.
ـاة َف ِالل ْغ ِو ُّمع ِرضون * و َّال ِذين هم لِ َّلزَك ِ َّ َّ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
اعُلو َن َ َ ُْ ْ ُ َ ين ُه ْم َع ِن صالَت ِه ْم َخاش ُعو َن * َق ْد أَْفَل َح اْل ُم ْؤ ِمُنو َن * َوالذ َ ين ُه ْم في َ الذ َ
آء ٰذِل َك ظو َن * ِإالَّ َعَل ٰى أ َْزو ِ
ين ُه ْم لُِف ُرو ِج ِه ْم َح ِاف ُ َّ ِ
ِ
ين * َف َمن ْابتَ َغ ٰى َوَر َ َفِإَّن ُه ْم َغ ْي ُر َمُلو ِم َ اج ِه ْم أ َْو َما َمَل َك ْت أ َْي َم ُان ُه ْم َ * َوالذ َ
ظو َن * أُْوَلـِٰئ َك ُه ُم صَلَو ِات ِه ْم ُي َح ِاف ُ َّ ِ ِِ ِ َّ ِ ِ
َعَل ٰى َ ين ُه ْم ين ُه ْم أل ََم َانات ِه ْم َو َع ْهده ْم َر ُ
اعو َن * َوالذ َ َفأ ُْوَلـٰئ َك ُه ُم اْل َع ُادو َن * َوالذ َ
يها َخالِ ُدو َن ِ ِ َّ ِ
ين َي ِرثُو َن اْلف ْرَد ْو َس ُه ْم ف َ
اْل َو ِارثُو َن * الذ َ
{قد أفلح} دخل في الفوز األعظم الموقنون {الذين هم} في صالة حضور القلب {خاشعون} باستيالء الخشية والهيبة
عليهم لتجلي نور العظمة لهم {والذين هم عن اللغو} أي :الفضول {معرضون} الشتغالهم بالحق {والذين هم للزكاة
بالتجرد عن صفاتهم {والذين هم لفروجهم} وأسباب ل ّذاتهم وشهواتهم {حافظون} بترك الحظوظ واالقتصار
ّ فاعلون}
على الحقوق {فمن ابتغى وراء ذلك} بالميل إلى الحظوظ {فأولئك هم} المرتكبون العدوان على أنفسهم {والذين هم
سرهم {وعهدهم} الذي عاهدهم هللا عليه في بدء الفطرة {راعون}
ألماناتهم} من أس ارره التي أودعهم هللا إياها في ّ
باألداء إليه واإلحياء به {والذين هم على} صالة مشاهدة أرواحهم {يحافظون}{أولئك} الموصوفون بهذه الصفات {هم
الوارثون}{الذين يرثون} فردوس جنة الروح في حظيرة القدس.
{ثم أنشأناه خلقاً آخر} غير هذا المتقلب في أطوار الخلقة بنفخ روحنا فيه وتصويره بصورتنا ،فهو في الحقيقة خلق
وليس بخلق {لميتون} بالطبيعة.
{ثم إنكم يوم القيامة} الصغرى {تُْب َعثون} في النشأة الثانية ،أو ميتون باإلرادة ،ويوم القيامة الوسطى تبعثون بالحقيقة،
أو ميتون بالفناء ويوم القيامة الكبرى تُْبعثون بالبقاء {فوقكم} أي :فوق صوركم وأجسامكم {سبع طرائق} عن الغيوب
فإن الغيب لنا شهادة {وأنزلنا} من سماء الروح ماء العلم اليقيني
السبعة المذكورة {وما كنا} عن خلقها {غافلين} ّ
{فأسكناه} فجعلناه سكينة في النفس {و ّإنا على ذهاب به لقادرون} باالحتجاب واالستتار {فأنشأنا لكم به ّ
جنات} من
نخيل األحوال والمواهب وأعناب األخالق والمكاسب {لكم فيها فواكه كثيرة} من ثمرات لذات النفوس والقلوب واألرواح
{ومنها} تقوتون وبها تتقون {وشجرة} التف ّكر {تخرج من طور} الدماغ أو طور القلب الحقيقي ّ
بقوة العقل {تنبت} ما
الفعال {وصبغ} لون نورّي أو ذوق حالي تنبت من المطالب ملتبساً بدهن استعداد االشتعال بنور نار العقل ّ
ّ
إن لكم في} أنعام القوى الحيوانية {لعبرة} تعتبرون بها من الدنيا إلى
للمستبصرين المتعلمين المستطعمين للمعاني {و ّ
اآلخرة {نسقيكم مما في بطونها} من المدركات والعلوم النافعة {ولكم فيها منافع كثيرة} في السلوك {ومنها تأكلون}
تتقوتون باألخالق {وعليها وعلى} فلك الشريعة الحاملة إياكم في البحر الهيوالني {تحملون} إلى عالم القدس ّ
بقوة ّ
التوفيق.
{فأوحينا إليه أن اصنع} فلك الحكمة العملية والشريعة النبوية {بأعيننا} على محافظتنا إياك عن الزلل في العمل
{ووحينا} بالعلم واإللهام {فإذا جاء أمرنا} بإهالك القوى البدنية والنفوس المنغمسة المادية {وفار} تنور البدن باستيالء
المواد الفاسدة واألخالط الرديئة {فاسلك فيها من كل زوجين} أي :من كل شيء صنفين من الصور الكلية والجزئية
المجردة
ّ أعني صورتين اثنتين إحداهما كلية نوعية واألخرى جزئية شخصية {وأهلك} من القوى الروحانية والنفوس
تشرع بشريعتك {إال من سبق عليه القول} بإهالكه من زوجتك النفس الحيوانية والطبيعة الجسمانية {وال اإلنسانية ممن ّ
تخاطبنى فى الذين ظلموا} من القوى النفسانية والنفوس المنغمسة الهيوالنية باالستيالء على القوى الروحانية والنفوس
المجردة اإلنسانية وغصب مناصبهم {إنهم مغرقون} في البحر الهيوالني.
ّ
{فإذا استويت} باالستقامة في السير إلى هللا ،فاتّصف بصفات هللا التي هي الحمد القلبي على نعمة اإلنجاء من ظلمة
رب أنزلني منزالً مباركاً} هو مقام القلب الذي بارك هللا فيه بالجمع بين العالمين وإدراك
الجنود الشيطانية {وقل ّ
{إن في ذلك آليات} دالئل ومشاهدات ألولي المعاني الكلية والجزئية وأمنه من طوفان بحر الهيولى وطغيان مائه ّ
ببليات صفات النفوس والتجريد عنها بالرياضة ،أو ممتحنين العقالء باالعتبار
األلباب {وإن كنا} ممتحنين إياهم ّ
بأحوالهم عند الكشف عن حاالتهم وحكاياتهم.
ُم ًة
آء أ َّ ِ ن ثُ َّم أَنشأْنا ِمن بع ِد ِهم ُقروناً آخ ِرين * ما تسِبق ِمن أ َّ ٍ
َجَل َها َو َما َي ْستَأْخ ُرو َ * ثُ َّم أ َْرَسْلَنا ُرُسَلَنا تَ ْت َار ُك َّل َما َج َ
ُمة أ َ َ َْ ُ ْ َ َ َْ ْ ُ َ َ
َخاهُ َه ُارو َن ِب َآي ِاتَنا
وس ٰى َوأ َ َّ ِ ِ
يث َفُب ْعداً ّلَق ْو ٍم ال ُي ْؤمُنو َن * ثُ َّم أ َْرَسْلَنا ُم َ َح ِاد َ
اه ْم أ َ
ض ُه ْم َب ْعضاً َو َج َعْلَن ُ
َّ
َّرُسوُل َها َكذُبوهُ َفأ َْتَب ْعَنا َب ْع َ
ين * َفَقاُلوْا أَُن ْؤ ِم ُن لَِب َش َرْي ِن ِم ْثلَِنا َوَق ْو ُم ُه َما َلَنا َعاِب ُدو َن *ِ ِِ ِ ِ ان ُّمِب ٍ
طٍ
ين * إَل ٰى ف ْرَع ْو َن َو َمَلئه َف ْ
استَ ْكَب ُروْا َوَك ُانوْا َق ْوماً َعال َ َو ُسْل َ
اه َمآ ِإَل ٰى اب َل َعَّل ُه ْم َي ْهتَ ُدو َن * َو َج َعْلَنا ْاب َن َم ْرَي َم َوأ َّ ِ ِ ِ َّ
ُم ُه َآي ًة َو َآوْيَن ُ وس ٰى اْلكتَ َ
ين * َوَلَق ْد آتَْيَنا ُم َ وه َما َف َك ُانوْا م َن اْل ُم ْهَلك َ
َف َكذُب ُ
ُم ًة يم * َوإِ َّن َهـ ِٰذِه أ َّ
ُمتُ ُك ْم أ َّ ِ اعمُلوْا ِ ِِ ِ
صالحاً إّني ب َما تَ ْع َمُلو َن َعل ٌ
َّ ِ ِ ِ
الرُس ُل ُكُلوْا م َن الطّيَبات َو ْ َ َ ُّها ُّ
ين * ٰيأَي َ
ربوٍة َذ ِ
ات َق َر ٍار َو َم ِع ٍ َ َْ
ين * ط ُعوْا أ َْم َرُه ْم َب ْيَن ُه ْم ُزُب اًر ُك ُّل ِح ْز ٍب ِب َما َل َد ْي ِه ْم َف ِرُحو َن * َف َذ ْرُه ْم ِفي َغ ْم َرِت ِه ْم َحتَّ ٰى ِح ٍُّكم َفاتَُّقو ِن * َفتََق َّ ِ
َواح َدةً َوأََن ْا َرب ُ ْ
ات بل الَّ ي ْشعرون * ِإ َّن َّال ِذين هم ِمن خ ْش ِ
ية َرّب ِِه ْم ِ ِ أَيحسبون أََّنما ن ِمُّدهم ِب ِه ِمن َّم ٍ ِ
َ ُ ّْ َ َ ُُ َ ين * ُن َس ِارعُ َل ُه ْم في اْل َخ ْي َر َ ال َوَبن َ َ ْ َ ُ َ َ ُ ُْ
وب ُه ْم َو ِجَل ٌة أََّن ُه ْم َّ ِ َّ ِ ُّم ْشِفُقون * و َّال ِذين هم ِبآي ِ
ين ُي ْؤتُو َن َمآ آتَوْا َّوُقُل ُ ين ُهم ِب َرّب ِِه ْم الَ ُي ْش ِرُكو َن * َوالذ َ َّه ْم ُي ْؤ ِمُنو َن * َوالذ َ ات َرب ِ َ َ ُ َ َ
اجعون * أُوَلـِٰئك يس ِارعون ِفي اْلخير ِ
ات َو ُه ْم َل َها َساِبُقو َن َ َْ ْ َ َُ ُ َ ِإَل ٰى َرّب ِِه ْم َر ِ ُ َ
{أيحسبون أنما ّ
نمدهم به من مال وبنين} {نسارع لهم في الخيرات} أي :ليس التمتيع باللذات الدنيوية واإلمداد
بالحظوظ الفانية هو مسارعتنا لهم في الخيرات كما حسبوا ،إنما المسارعة فيها هو التوفيق لهذه الخيرات الباقية وهي
شدة الخشية عند تجلي العظمة واإليقان العيني بآيات تجلي الصفات الربانية والتوحيد
اإلشفاق باالنفعال والقبول من ّ
الذاتي بالفناء في الحق ،والقيام بهداية الخلق وإعطاء كماالتهم في مقام البقاء مع الخشية من ظهور البقية في الرجوع
إلى عالم الربوبية من الذات األحدية وهو السبق في الخيرات وإليها ولها.
ال ِّمن ِ ِ والَ ن َكّلِف نْفساً ِإالَّ وسعها وَلدينا ِكتَاب ي ِ
وب ُه ْم في َغ ْم َرٍة ّم ْن َهـٰ َذا َوَل ُه ْم أ ْ
َع َم ٌ ظَل ُمو َن * َب ْل ُقُل ُ نط ُق ِباْل َح ِّق َو ُه ْم الَ ُي ْ ٌ َ ُ ْ َ َ َ َ َْ َ ُ ُ َ
ِ ِ ٰ
ِ ِ ِ ِِ ِ ُدو ِن ذلِ َك ُه ْم َل َها َعامُلو َن * َحتَّ ٰى ِإ َذآ أ َ
َخ ْذَنا ُم ْت َرفيه ْم باْل َع َذاب إ َذا ُه ْم َي ْجأ َُرو َن * الَ تَ ْجأ َُروْا اْلَي ْوَم إَّن ُك ْم ّمَّنا الَ تُ َ
نص ُرو َن
اْلَق ْو َل أ َْم نكصو َن * مستَ ْكِب ِرين ِب ِه س ِ
ام اًر تَ ْه ُج ُرو َن * أََفَل ْم َيَّدب َُّروْا ِ * َق ْد َك َان ْت َآي ِاتي تُْتَل ٰى َعَل ْي ُكم َف ُكنتُم َعَل ٰى أ ْ ِ
َ َ ُْ َعَقاب ُك ْم تَ ُ ْ ْ
ِباْل َح ِّق ِ ِ
ن ِ َّ ِ ِ
آء ُه ْم ن ِ آء ُه ُم األََّولِ َ
ين * أ َْم َل ْم َي ْعرُفوْا َرُسوَل ُه ْم َف ُه ْم َل ُه ُمنك ُرو َ * أ َْم َيُقوُلو َ به جن ٌة َب ْل َج َ آء ُه ْم َّما َل ْم َيأْت َآب َ
َج َ
اه ْم ِب ِذ ْك ِرِه ْم َف ُه ْم َعن ض ومن ِف ِ
يه َّن َب ْل أَتَْيَن ُ آء ُه ْم َلَف َس َد ِت َّ
الس َٰم َٰو ُت َواأل َْر ُ َ َ
ِ
َوأَ ْكثَ ُرُه ْم لْل َح ِّق َك ِارُهو َن * َوَل ِو اتََّب َع اْل َح ُّق أ ْ
َه َو َ
اط ُّم ْستَِقي ٍم * َوإِ َّن صر ٍ ِ ِ
وه ْم ِإَل ٰى َ الر ِازِق َ
ين * َوإَِّن َك َلتَ ْد ُع ُ ِك َخ ْيٌر َو ُه َو َخ ْي ُر َّ ضو َن * أ َْم تَ ْسأَُل ُه ْم َخ ْرجاً َف َخ َر ُ
اج َرّب َ ذ ْك ِرِه ْم ُّم ْع ِر ُ
ط ْغَي ِان ِه ْم َي ْع َم ُهو َن *ضٍّر َّلَل ُّجوْا ِفي ُ ِ ِ اآلخرِة ع ِن ِ ِ ِ ِ َّ ِ
اه ْم َوَك َشْفَنا َما ِب ِه ْم ّمن ُ الص َراط َلَناكُبو َن * َوَل ْو َرح ْمَن ُ ّ ين الَ ُي ْؤ ِمُنو َن ِب َ َ الذ َ
اب ش ِد ٍيد ِإ َذا هم ِف ِ ِ
يه ُْ ضَّرُعو َن * َحتَّ ٰى ِإ َذا َفتَ ْحَنا َعَل ْي ِه ْم َباباً َذا َع َذ ٍ َ استَ َك ُانوْا ل َرِّب ِه ْم َو َما َيتَ َ ِ َخ ْذَن ُ ِ
اه ْم باْل َع َذاب َف َما ْ َوَلَق ْد أ َ
ض َوإَِل ْي ِهَكم ِفي األ َْر ِ َّ ِ ِ ِ
ص َار َواألَْفئ َد َة َقليالً َّما تَ ْش ُك ُرو َن * َو ُهَو الذي َذ َأر ُ ْ ُمْبلِ ُسو َن * َو ُه َو َّال ِذي أ َْن َشأَ َل ُك ُم َّ
الس ْم َع َواأل َْب َ
ِ ِ اخِتالَف َّ
اللْي ِل َو َّ ِ َّ ِ
ال األََّوُلو َن * َقاُلوْا الن َه ِار أََفالَ تَ ْعقُلو َن * َب ْل َقاُلوْا م ْث َل َما َق َ يت َوَل ُه ْ ُ تُ ْح َش ُرو َن * َو ُه َو الذي ُي ْحِيي َوُيم ُ
ظاماً أَِإَّنا َلمبعوثُون * َلَقد و ِعدنا نحن وآبآؤنا هـٰ َذا ِمن َقبل ِإن هـٰ َذآ ِإالَّ أ ِ أَِإ َذا ِم ْتَنا َوُكَّنا تَُراباً َو ِع َ
ين * ُقل َساط ُير األََّولِ َ
َ ُْ ْ َ ْ ُ ْ َ َ ْ ُ َ َ َُ َ َْ ُ َ
الس ْب ِع وَر ُّب اْل َع ْر ِ ِ َّ ِِ ض ومن ِف ِ ِ ِ
ش يهآ إن ُكنتُ ْم تَ ْعَل ُمو َن * َسَيُقوُلو َن ََّّلل ُق ْل أََفالَ تَ َذك ُرو َن * ُق ْل َمن َّر ُّب ال َّس َٰم َٰوت َّ َ
َ ّل َمن األ َْر ُ َ َ
وت ُك ِّل َشي ٍء َو ُهَو ُي ْجِي ُر َوالَ ُي َج ُار َعَل ْي ِه ِإن ُكنتُ ْم تَ ْعَل ُمو َن * ِِ
َمن ِبَيده َمَل ُك ُ * ُق ْل اْل َع ِظي ِم * َسَيُقوُلو َن ََِّّللِ ُق ْل أََفالَ تَتَُّقو َن
ْ
ان َم َع ُه ِم ْن ِإَل ٍـه ِإذاً ٍ ِباْلح ِق وإَِّنهم َل َك ِاذبو َن * ما اتَّخ َذ َّ ِ
َّللاُ من َوَلد َو َما َك َ َ َ ُ َ ّ َ ُْ اه ْم
أَتَْيَن ُ َسَيُقوُلو َن ََِّّللِ ُق ْل َفأََّن ٰى تُ ْس َح ُرو َن * َب ْل
الش َه َاد ِة َفتَ َعاَل ٰى َع َّما
صُفو َن * َعالِ ِم اْل َغ ْي ِب و َّ َّللاِ ع َّما ي ِ ض ُهم َعَل ٰى َب ْع ٍ ِ ٍ ِ َّ
َ ان َّ َ َ ض ُس ْب َح َ ل َذ َه َب ُك ُّل إَلـٰه ب َما َخَل َق َوَل َعالَ َب ْع ُ ْ
ين * َوإَِّنا َعَل ٰى أَن ُّن ِرَي َك َما َن ِع ُد ُه ْم َّ ِ ِ ِ ِ ِ
وع ُدو َن * َر ِّب َفالَ تَ ْج َعْلني في اْلَق ْو ِم الظالم َُي ْش ِرُكو َن * ُقل َّر ِّب ِإ َّما تُ ِرَيّني َما ُي َ
َلَق ِاد ُرو َن
جل
{وال ُنكلف نفساً إالّ ُوسعها} أي :ال نكلف كل أحد بمقامات السابقين فإنها مقامات ال يبلغها إال األفراد كما قيلّ :
جناب الحق أن يكون شريعة لكل وارد ،أو يطلع عليه إال واحد بعد واحد ،بل كل مكلف بما يقتضيه استعداده بهويته
{ي ْنطق بمراتب استعداد كل
من كماله الالئق به .وهو غاية وسعه{ .ولدينا كتاب} هو اللوح المحفوظ أو ّأم الكتاب َ
نفس وحدود كماالتها وغاياتها ،وما هو حق كل منها {وهم ال يظلمون} بمنعهم عنه وحرمانهم إذا جاهدوا فيه وسعوا
في طلبه بالرياضة ،بل يعطى كل ما أمكنه الوصول إليه وما يشتاقه في السلوك إليه.
{بل} قلوب المحجوبين {في غمرة} غشاوات الهيولى وغفلة غامرة {من هذا} السبق وطلب الحق {ولهم أعمال} على
التنور كشف
خالف ذلك موجبة للبعد عن هذا الباب تكاثف الحجاب ،أي :كما أن أعمال السابقين موجبة للترقي في ّ
التكدر وغلظ الحجاب والطرد عن باب الحق لكونها في طلب
الغطاء والوصول إلى الحق ،فأعمالهم موجبة للتسفل و ّ
الصراط المستقيم الذي يدعوهم إليه هو طريق التوحيد المستلزم لحصول العدالة في النفس ووجود المحبة في القلب
وشهود الوحدة في الروح .والذين يحتجبون عن عالم النور بالظلمات وعن العقل بالحس وعن القدس بالرجس إنما هم
منهمكون في الظلم والبغضاء والعداوة والركون إلى الكثرة ،فال جرم أنهم عن الصراط ناكبون منحرفون إلى ّ
ضده ،فهو
في واد وهم في واد.
السِّيَئ َة َِّ ِ اغِفر َلنا وارحمنا وأَنت خير َّ ِ ِ ِإَّنه َكان َف ِر ِ ِ ِ
َح َس ُن َّ ين * ا ْدَف ْع ِبالتي ه َي أ ْ الراحم َ آمَّنا َف ْ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ يق ّم ْن عَبادي َيُقوُلو َن َربََّنآ َ
ٌ ُ َ
ات ال َّش ِ صُفون * وُقل َّر ِب أَعوُذ ِبك ِمن هم َز ِ
آء َّ ِ
ض ُرو * َحت ٰى إ َذا َج َ
َعوُذ ِب َك َر ِّب أَن َي ْح ُ ِن ين * َوأ ُ ياط ِ َ ْ ََ َ ْ ّ ُ َعَل ُم ِب َما َي ِ َ
َن ْح ُن أ ْ
يما تَ َرْك ُت َكالَّ ِإَّن َها َكلِ َم ٌة ُهَو َق ِآئُل َها َو ِمن َوَرِآئ ِه ْم َب ْرَزٌخ ِإَل ٰى َي ْو ِم أَحدهم اْلموت َقال ر ِب ارِجعو ِن * َلعّلِي أَعمل ِ ِ
صالحاً ف َ َُْ َ َ َ َ ُُ َْ ُ َ َ ّ ْ ُ
ال ِإن َّلِب ْثتُ ْم ِإالَّ َقلِيالً َّل ْو أََّن ُك ْم ُكنتُ ْم تَ ْعَل ُمو َن * أََف َح ِس ْبتُ ْم أََّن َما َخَلْقَن ُ ِ
اك ْم َعَبثاً َوأََّن ُك ْم ِإَل ْيَنا الَ تُ ْر َج ُعو َن * َف ْسَئ ِل اْل َع ّآد َ
ين * َق َ
ان َل ُه ِب ِه َفِإَّن َما ِح َس ُاب ُه
آخ َر الَ ُب ْرَه َ
ش اْل َك ِري ِم * ومن يدع مع َّ ِ
َّللا ِإَل َـها َ َ َ َْ ُ َ َ َّللاُ اْلملِ ُك اْل َح ُّق الَ ِإَلـ َٰه ِإالَّ ُهو َر ُّب اْل َع ْر ِ
َ َفتَ َعاَلى َّ َ
اغِفر وارحم وأنت خير َّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ينالراحم َ ع َند َرّبِه ِإَّن ُه الَ ُيْفل ُح اْل َكاف ُرو َن * َوُقل َّر ّب ْ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ ُ
أي الحسنات أحسن في {ادفع بالتي هي أحسن السيئة} أي :إذا قابلك أحد بسيئة فتثبت في مقام القلب وانظر ّ
مقابلتها لتنقمع بها نفس صاحبك وتنكسر فترجع عن السيئة وتندم وال تدع نفسك تظهر وتقابله بمثلها فتزداد حدة نفسه
وسورتها وتزيد في السيئة ،فإنك إن قابلته بحسن الحسنات ،ملكت نفسك ،وغلبت شيطانك ،وثبت قلبك ،واستقمت على
ما أمرك هللا به ،وحصلت على فضيلة الحلم ،وتمكنت على مقتضى العلم ،واستقررت في طاعة الرحمن ومعصية
وقومتها وشددتها ،وتلك حسنة
الشيطان ،وأضفت إلى حسنتك إصالح نفس صاحبك وملكتها إن كان فيه أدنى مسكة ّ
أخرى لك ،فكنت حائ اًز للحسنيين وإن عكست كنت جامعاً للسوأيين {نحن أعلم بما يصفون} أي :كل المسيء إلى علم
هللا .واعلم أن هللا عالم به ،فيجازيه عنك إن كان مستحقاً للعقوبة وهو أقدر منك عليه أو يعفو عنه إن أمكن رجوعه
وعلم صالحه بالعفو عنه .واستعذ باهلل من سورة الغضب وظهور النفس بنخس الشيطان وهمزه إياها ومن حضوره
{رب أعوذ بك} منخرطاً في سلك التوجه إلى جنابه بالقلب واللسانوقربه ،أي :توجه إلى رّبك مستعيذاً به قائالًّ :
واألركان الئذاً ببابه من تحريضات اللعين ودواعيه وحضوره ،فيصير مقهو اًر مرجوماً مطروداً.
والموصوف بالسيئة الواصف لك بها ،الذاكر لك بالسوء ،إن بقي على حاله حتى إذا احتضر وشاهد أمارات العذاب
وعاين وحشة هيئات السيئات تمنى الرجوع وأظهر الندامة ونذر العمل الصالح في اإليمان الذي ترك ولم يحصل إال
على الحسرة والندامة والتلفظ بألفاظ التحسر والندم ،والدعوة دون المنفعة والفائدة واإلجابة {ومن ورائهم} أي :أمام
رجوعهم حائل من هيئات جرمانية ظلمانية مناسبة لهيئات سيئاتهم من الصور المعلقة ،مانعة من الرجوع إلى الحق
المجردة واألجساد المركبة يتعذبون فيه بأشد أنواع
ّ وإلى الدنيا ،وهو البرزخ بين بحري النور والظلمة وعالم األرواح
العذاب ،وأفحش أصناف العقاب إلى وقت البعث في الصورة الكثيفة عند النفخ في الصور ووقوع القيامة وحشر
األجساد ،وحينئذ {فال أنساب بينهم} الحتجاب بعضهم عن بعض بالهياكل المناسبة ألخالقهم وأعمالهم وهيئاتهم
{لبثنا يوماً أو بعض يوم} قال ابن عباس :أنساهم ما كانوا فيه من العذاب بين النفختين :االحتجاب في البرزخ
صدقهم
مدة اللبث وإنما استقصروها النقضائها وكل منقض فهو ليس بشي ،ولهذا ّ المذكور ،فالصور المذكور أنساهم ّ
بقوله{ :إن لبثتم إال قليال} ومعنى{ :لو أنكم كنتم تعلمون} إنكم حسبتموها كثي اًر فاغتررتم بها وفتنتم بلذاتها وشهواتها،
{رب اغفر} هيئات المعلقات {وارحم} بإفاضة الكماالت {وأنت خير
وتجردتم عن تعلقاتهاّ .
ولو علمتموها قليالً لتزودتم ّ
الراحمين}.
{إ ّن الذين جاؤوا باإلفك} إلى قوله{ :لهم مغفرة ورزق كريم} إنما عظم أمر اإلفك وغلظ في الوعيد عليه بما لم يغلظ
المحرمة ألن عظم الرذيلة
ّ في غيره من المعاصي ،وبالغ في العقاب عليه بما لم يبالغ فيه في باب الزنا وقتل النفس
القوة التي هي مصدرها .وتتفاوت حال الرذائل في حجب صاحبها عن الحضرة وكبر المعصية إنما يكون على حسب ّ
القدسية وتوريطه في المهالك الهيوالنية والمهاوي الظلمانية على حسب تفاوت مباديها .فكلما كانت
ّ اإللهية واألنوار
القوة التي هي مصدرها ومبدؤها أشرف ،كانت الرذيلة الصادرة منها أردأ وبالعكس ،ألن الرذيلة ما تقابل الفضيلة .فلما
القوة الناطقة التي هي أشرف القوى اإلنسانية،
أخس ،واإلفك رذيلة ّ
كانت الفضيلة أشرف كان ما يقابلها من الرذيلة ّ
لها عند سكون هيجانها وفتور سلطانها باستيالء غلبة النور وتسّلطها عليها بالطبع ،كحال النفس ّ
اللوامة عند التوبة
السر ومحل الحضور ومناجاة
والندامة .وربما بقيت باإلصرار وترك االستغفار ،وفي الحالين ال تبلغ رذيلتهما مقام ّ
حد الصدر .وال تصير الفطرة بها محجوبة الحقيقة منكوسة بخالف تلك ،أال ترى أن الشيطنة الرب ،وال تتجاوز ّ
ّ
المغوي ة لآلدمي أبعد عن الحضرة اإللهية من السبعية والبهيمية وأبعد بما ال يقدر قدره؟ فاإلنسان برسوخ رذيلة النطقية
يصير شيطاناً ،وبرسوخ الرذيلتين األخريين يصير حيواناً كالبهيمة أو السبع وكل حيوان أرجى صالحاً وأقرب فالحاً
اك أَِثيمٍ}[الشعراء ،اآليات-221: من الشيطان ولهذا قال تعالى{ :هل أُنِبُئ ُكم عَلى من تَنَّزل َّ ِ
اطين تََنَّزل عَلى ُك ِل أََّف ٍ
الشَي ُ ُ َ ٰ ّ َ ْ َّ ْ َ ٰ َ َ ُ
فإن ارتكاب مثل هذه الفواحش ال يكون إال بمتابعته ومطاوعته ،]222ونهى ها هنا عن اتباع خطوات الشيطانّ ،
أذل ،محروماً من فضل هللا الذي هو نور هدايته ،محجوباً من
أخس منه و ّوصاحبه يكون من جنوده وأتباعه ،فيكون ّ
بتبدل
رحمته التي هي إفاضة كمال وسعادة ،ملعوناً في الدنيا واآلخرة ،ممقوتاً من هللا والمالئكة ،تشهد عليه جوارحه ّ
فإن مثل هذه الخبائث ال تصدر إال من الخبيثين،
متورطاً في الرجسّ ،
وتشوه منظرها ،خبيث الذات والنفسّ ، صورها ّ
كما قال تعالى{ :الخبيثات للخبيثين} وأما الطيبون المتنزهون عن الرذائل ،فإنما تصدر عنهم الطيبات والفضائل {لهم
مغفرة} بستر األنوار اإللهية صفات نفوسهم {ورزق كريم} من المعاني والمعارف الواردة على قلوبهم.
{هللا نور السماوات واألرض} النور هو الذي يظهر بذاته وتظهر األشياء به ،وهو مطلقاً اسم من أسماء هللا تعالى
شدة ظهوره وظهور األشياء به ،كما قيل:
باعتبار ّ
ولما وجد بوجوده ،وظهر بظهوره ،كان نور السموات واألرض ،أي :مظهر سموات األرواح وأرض األجساد وهو
الوجود المطلق الذي وجد به ما وجد من الموجودات واإلضاءة {مثل نوره} صفة وجوده وظهوره في العالمين بظهورها
وتنوره بنور الروح الذي أشير إليه بالمصباح
به كمثل {مشكاة فيها مصباح} وهي إشارة إلى الجسد لظلمته في نفسه ّ
المتنور
ّ وتشبكه بشباك الحواس وتأللؤ النور من خاللها كحال المشكاة مع المصباح .والزجاجة إشارة إلى القلب
وشبه الزجاجة بالكوكب الدرّي
المنور لما عداه باإلشراق عليه ،تنور القنديل كله بالشعلة وتنويره لغيرهّ .
بالروح ّ
وعلو مكانها وكثر شعاعها كما هو الحال في القلب .والشجرة التي توقد منها هذه الزجاجة هي
لبساطتها وفرط نوريتها ّ
شبهت بها لتشعب فروعها وتفنن قواها ،نابتة من أرض الجسد ومتعالية أغصانها فيالنفس القدسية المزكاة ،الصافيةّ ،
وشدة
قضاء القلب إلى سماء الروح ،وصفت بالبركة لكثرة فوائدها ومنافعها من ثمرات األخالق واألعمال والمدركات ّ
نمائها بالترقي في الكماالت وحصول سعادة الدارين ،وكمال العالمين بها ،وتوقف ظهور األنوار واألسرار والمعارف
وخصت بالزيتونة لكون مدركاتها جزئية مقارنة لنوء اللواحق
والحقائق والمقامات والمكاسب واألحوال والمواهب عليهاّ ،
المادية كالزيتون ،فإنه ليس كله ّلباً ،ولوفور قّلة استعدادها لالشتعال واالستضاءة بنور نار العقل الفعال ،الواصل إليها
بواسطة الروح والقلب كوفور الدهنية القابلة الشتعال الزيتون .ومعنى كونها {ال شرقية وال غربية} إنها متوسطة بين
غرب عالم األجساد الذي هو موضع غروب النور وبروزه عن الحجاب النوراني لكونها ألطف وأنور من الجسد وأكثف
من الروح.
{يكاد} زيت استعدادها من النور القدسي الفطري الكامن فيها ،يضيء بالخروج إلى الفعل والوصول إلى الكمال بنفسه،
فتشرق {ولو لم تمسسه نار} العقل الفعال .ولم يتصل به نور روح القدس ّ
لقوة استعداده وفرط صفائه {نور على نور}
أي :هذا المشرق باإلضاءة من الكمال الحاصل نور زائد على نور االستعداد الثابت المشرق في األصل كأنه نور
{في بيوت} أي :يهدي هللا لنوره من يشاء في مقامات {إذن هللا} أن يرفع بناؤها وتعلى درجاتها {ويذكر فيها اسمه}
باللسان والمجاهدة والتخّلق باألخالق في مقام النفس والحضور والمراقبة ،واالتّصاف باألوصاف في مقام القلب
التحير في األنوار في مقام الروح
السر والمناغاة بالمشاهدة ،و ّ
والمناجاة والمكالمة ،والتحقيق باألسرار في مقام ّ
واالستغراق واالنطماس والفناء في مقام الذات.
بغدو التجلي وآصال االستتار {رجال} أي :رجال أفراد{يسبح له فيها} بالتزكية والتنزيه والتوحيد والتجريد والتفريد ّ
مجردون مفردون قائمون بالحق {ال تلهيهم تجارة} باستبدال متاع العقبى بالدنيا في زهدهم ،وال بيع أنفسهم سابقون ّ
وأموالهم بأن لهم الجنة في جهادهم عن ذكر الذات {وإقام} صالة الشهود في الفناء {وإيتاء} زكاة اإلرشاد والتكميل
حال البقاء {يخافون يوماً تتقّلب فيه القلوب} إلى األسرار {واألبصار} إلى البصائر ،بل تتقلب حقائقها بأن تفنى وتوجد
بالحق ،كما قال" :كنت سمعه وبصره" من ظهور البقية وبقاء األنية {ليجزيهم هللا} بالوجود الحقاني {أحسن ما عملوا}
ّ
من جنات األفعال والنفوس واألعمال {ويزيدهم من فضله} من جنات القلوب والصفات {وهللا يرزق من يشاء} من
ويَقاس.
جنات األرواح والمشاهدات {بغير حساب} لكونه أكثر من أن يحصى ُ
{والذين كفروا} حجبوا عن الدين {أعمالهم} التي يعملونها رجاء الثواب {كسراب بقيعة} لكونها صادرة عن هيئات
خالية قائمة بساهرة نفس حيوانية {يحسبه الظمآن ماء} أي :يتوهمها صاحبها المؤمل لثوابها أمو اًر باقية لذيذة دائمة
مطابقة لما توهمه {حتى إذا جاءه} في القيامة الصغرى {لم يجده} شيئاً موجوداً ،بل خالياً ،فاسداً ،وظناً كاذباً ،كما
آء َّمنثُو اًر}[الفرقان ،اآلية.]23: ٍ ِ ِ قال تعالىِ ِ :
{وَقد ْمَنآ إَل ٰى َما َعمُلوْا م ْن َع َمل َف َج َعْلَناهُ َهَب ً
َ
{ووجد هللا عنده} أي :وجد مالئكة هللا من زبانية القوى والنفوس السماوية واألرضية عند ذلك ّ
التخيل الموهوم يقودونه
إلى نيران الحرمان وخزي الخسران ،ويوفونه ما يناسب اعتقاده الفاسد وعمله الباطل من حميم الجهل وغساق الظلمة.
{أو كظلمات} في بحر الهيولى اللجي العميق الغامر لجثة كل نفس جاهلة ،محجوبة بهيئات بدنية ،الغامس لكل ما
ّ
يتعلق به من القوى النفسانية {يغشاه موج} الطبيعة الجسمانية {من فوقه} موج النفس النباتية {من فوقه} سحاب النفس
الحيوانية وهيئاتها الظلمانية {ظلمات} متراكمة {بعضها فوق بعض إذا أخرج} المحجوب بها ،المنغمسن المحبوس فيها
{يده} القوة العاقلة النظرية بالفكر {لم يكد يراها} لظلمتها وعمى بصيرة صاحبها وعدم اهتدائه إلى شيء ،وكيف يرى
األعمى الشيء األسود في الليل البهيم؟.
{كل قد علم صالته} طاعته المخصوصة به من انقهاره وتسخره تحت قهره ،وسلطنته علمية كانت أو عملية ،ومن
محافظته لتربيته وحضوره لوجهه تعالى فيما أمره به {وتسبيحه} إظهار خاصيته التي ينفرد بها ،الشاهدة على وحدانيته
{وهللا عليم} بأفعالهم وطاعاتهم.
{ألم تر أن هللا يزجي} برياح النفخات واإلرادات سحاب العقل فروعاً منتزعة من الصور الجزئية ثم يؤلف فيه على
ضروب المتألفات المنتجة {ثم يجعله ركاماً} حججاً وبراهين {فترى} ودق النتائج والعلوم اليقينية {يخرج من خالله
وينزل من} سماء الروح من جبال أنوار السكينة واليقين الموجبة للوقار والطمأنينة واالستقرار {فيها} أي في تلك الجبال
من برد الحقائق والمعارف الكشفية والمعاني الذوقية ،أو من جبال في السماء وهي معادن العلوم والكشوف وأنواعها،
تستقر بل تلمع
ّ يقدمه من األنوار الملتمعة التي ال تلبث وال {يكاد سنا برقه} أي :ضوء بوارق ذلك البرد ،وهو ما ّ
وتخفى إلى أن تصير متمكنة تذهب بأبصار البصائر حيرة ودهشاً ،وكلما زاد ازدادت تحي اًر ،ولهذا قال عليه السالم:
فينور القلب
تحي اًر" أي :علماً ونو اًر {يقلب هللا} ليل ظلمة النفس ونهار نور الروح بأن يغلب تارة نور الروح ّ
"رب زدني ّ
ّ
{إن في ذلك لعبرة} يعتبر بها أولو
وتكدر القلب في التلوينات ّ والنفس ويعقبه أخرى ظلمة النفس بالظهور ّ
فتتكدر ّ
األبصار القلبية أو البصائر ،فيلتجئون إلى هللا في التلوينات وظلم النفس ،ويلوذون بجناب الحق ومعدن النور،
ويعبرون إلى مقام السر والروح ،فينكشف عنهم الحجاب.
نه ْم َّمن َي ْم ِشي َعَل ٰى ِر ْجَل ْي ِن َو ِم ْن ُه ْم َّمن َي ْم ِشي َعَل ٰى أ َْرَب ٍع َّة ِمن َّم ٍآء َف ِمنهم َّمن يم ِشي عَلى ب ْ ِ ِ ٍ
طنه َو ِم ُ َ ٰ َ َْ ُْْ َّللاُ َخَل َق ُك َّل َدآب ّ َو َّ
اط ُّم ْستَِقي ٍمصر ٍ ِ ات و َّ ِ ٍ ِ ٍ َّللاَ َعَل ٰى ُك ِّل َش ْي ٍء َق ِد ٌير * َّلَق ْد أ َ ْ
آء ِإَل ٰى َ َّللاُ َي ْهدي َمن َي َش ُ َنزلَنآ َآيات ُّمَبّيَن َ آء ِإ َّن َّ َّللاُ َما َي َش ُ
َي ْخُل ُق َّ
َّللاِ
ين* َوِإ َذا ُد ُعوْا ِإَلى َّ ِ ِ ِ ِٰ طعنا ثُ َّم يتَوَّلى َف ِر ِ ِ ِالرس ِ *ويُقوُلون آمَّنا ِب َّ ِ
يق ّم ْن ُه ْم ّمن َب ْعد ذل َك َو َمآ أ ُْوَلـٰئ َك ِباْل ُم ْؤ ِمن َ ٌ ول َوأَ َ ْ َ َ َ ٰ اَّلل َوب َّ ُ ََ َ َ
ِ ِ ِِ َّ ورسولِ ِه لِيح ُكم بينهم ِإ َذا َف ِر ِ
ض أَ ِم ْارتَ ُابوْا ين * أَفي ُقُلوب ِِه ْم َّم َر ٌ ضو َن * َوإِن َي ُك ْن ل ُه ُم اْل َح ُّق َيأْتُوْا ِإَل ْيه ُم ْذعن َ يق ّم ْن ُه ْم ُّم ْع ِر ٌُ َ ْ َ ََْ ُ ْ ََ ُ
َّللاِ ورسولِهِ ِ ِ
ان َقول اْلم ْؤ ِمن َ ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ
ين إ َذا ُد ُعواْ إَلى َّ َ َ ُ َّللاُ َعَل ْيه ْم َوَرُسوُل ُه َب ْل أ ُْوَلـٰئ َك ُه ُم الظال ُمو َن * إَّن َما َك َ ْ َ ُ أ َْم َي َخا ُفو َن أَن َيح َ
يف َّ
َفأ ُْوَلـِٰئ َك ُه ُم َّللاَ َوَيتَّْق ِه
ش َّ ط ْعَنا َوأ ُْوَلـِٰئ َك ُه ُم اْل ُمْفلِ ُحو َن * َو َمن ُي ِط ِع َّ
َّللاَ َوَرُسوَل ُه َوَي ْخ َ لَِي ْح ُك َم َب ْيَن ُه ْم أَن َيُقوُلوْا َس ِم ْعَنا َوأَ َ
ِب َما تَ ْع َمُلو َن * َّللاَ َخِب ٌير اع ٌة َّم ْع ُروَف ٌة ِإ َّن َّ َم ْرتَ ُه ْم َلَي ْخ ُر ُج َّن ُقل الَّ تُْق ِس ُموْا َ ِِ ِ اْلَف ِآئزون * وأَ ْقسموْا ِب َّ ِ
ط َ اَّلل َج ْه َد أ َْي َمانه ْم َلئ ْن أ َ َ َُ ُ
ول ِإالَّ
الرس ِ ِ ِ ِ ِ َّ َطيعوْا َّ ِ ِ
ول َفِإن تََول ْوْا َفِإَّن َما َعَل ْيه َما ُح ّم َل َو َعَل ْي ُك ْم َّما ُح ّمْلتُ ْم َوإِن تُط ُ
يعوهُ تَ ْهتَ ُدوْا َو َما َعَلى َّ ُ الرُس َ
يعوْا َّ
َّللاَ َوأَط ُ ُق ْل أ ُ
{فمنهم من يمشي على بطنه} ويزحف في الطبيعة ،ويحدث األعمال البدنية الطبيعية {ومنهم من يمشي على رجلين}
من الدواعي اإلنسانية فيحدث األعمال اإلنسانية والكماالت العملية {ومنهم من يمشي على أربع} من الدواعي الحيوانية
فيبعث على األعمال السبعية والبهيمية {يخلق هللا ما يشاء} من هذه الدواعي من منشأ قدرته الباهرة ،الكاملة في إنشاء
األعمال ويهدي من يشاء باآليات السابقة المذكورة من الحكم والمعاني والمعارف والحقائق من منشأ حكمته البالغة
التامة في إظهار العلوم واألحوال إلى صراط التوحيد الموصوف باالستقامة إليه {ويقولون آمنا باهلل وبالرسول} أي:
ّيدعون التوحيد جمعاً وتفصيالً والعمل بمقتضاه {ثم يتولى فريق منهم} بترك العمل بمقتضى الجمع والتفصيل،
بارتكاب اإلباحة والتزندق {وما أولئك بالمؤمنين} اإليمان الذي عرفته و ّادعوه من العلم باهلل جمعاً وتفصيالً.
{وعد هللا الذين آمنوا منكم} باليقين {وعملوا الصالحات} باكتساب الفضائل {ليستخلفنهم} وأقسم ليجعلنهم خلفاء في
أرض النفس إذ جاهدوا في هللا حق جهاده {كما استخلف الذين} سبقوهم إلى مقام الفناء في التوحيد من أوليائه
{وليمكنن لهم} بالبقاء بعد الفناء {دينهم} طريق االستقامة فيه المرضية {وليبدلنهم من بعد خوفهم} في مقام النفس
{أمناً} بالوصول واالستقامة {يعبدونني} أي :يوحدونني من غير التفات إلى غيري وإثباته {ومن كفر بعد ذلك}
بالطغيان بظهور األنائية ،وخرج عن االستقامة والتمكين والتلوين {فأولئك هم الفاسقون} الخارجون عن دين التوحيد.
{نزل الفرقان} وتزايد ،ألن إنزال الفرقان هو إظهار العقل الفرقاني المخصوص
{تبارك الذي} أي :تكاثر خير الذي ّ
بعبده المخصوص به بانفراده من جملة العالمين باالستعداد الكامل الذي لم يكن ألحد مثله ،فيكون عقله الفرقاني هو
العقل المحيط المسمى عقل الكل ،الجامع لكماالت جميع العقول ،وذلك إنما يكون بظهوره تعالى في مظهره المحمدي
بجميع صفاته المفيض بها على جميع الخالئق على اختالف استعداداتهم ،وذلك الظهور هو تكثر الخير وتزايده الذي
لم يمكن أزيد وال أكثر منه ،ولذلك قال{ :ليكون للعالمين نذي اًر} أي :على العموم ،فإن كل نبي غيره كانت رسالته
ّ
{الذي له ُمْلك السماوات واألرض} يقهرهما تحت ملكوته ،أوجد كل شيء موسوماً ،يتعين بسمة اإلمكان ،ويشهد عليه
{فقدره تقدي اًر} على قدر قبول بعض صفاته ومظهرية بعض كماالته دون بعض ،أي :هيأ استعداداتهم لما شاء
بالعدم ّ
من كماالتهم التي هي صفاته.
مقدر بقدر
{وإذا ألقوا} من جملة أماكن نار الطبيعة الحرمانية {مكاناً ضيقاً} يحبسها في برزخ يناسب هيئاتها ّ
{مقرنين} بسالسل محبة السفالنيات وهوى الشهوات ،تمنعها عن الحركة في تحصيل المرادات وأغالل
استعدادها ّ
ومقرنين بما يجانسهم من الشياطين
صور هيوالنية مانعة ألطرافها وآالتها عن مباشرة الحركات في طلب الشهواتّ ،
المغوية إياهم عن سبيل الرشاد والداعية لهم إلى الضالل {دعوا هنالك ثبو اًر} بتمني الموت والتحسر على الفوت،
لكونهم من الشدة فيما يتمنى فيه الموت.
{يوم يرون المالئكة ال بشرى يومئذ للمجرمين} ألن ذلك اليوم هو وقت وقوع القيامة الصغرى وإخراب البدن الذي به
تؤثر فيهم الروحانيات السماوية واألرضية بالقهر والتعذيب وإلزام الهيئات البرزخية المنافية لطباع أرواحهم في
األصل ،وإن كانت مناسبة لها في الحال {ويقولون حج اًر محجو اًر} يتمنون أن يدفع هللا عنهم ذلك ويمنعه .وإنما جعلت
أعمالهم هباء لكونها غير مبنية على عقائد صحيحة .واألصل في العمل اإليمان الالزم لسالمة الفطرة وإذا لم يكن
كان كل حسنة سيئة لمقارنتها النية الفاسدة والتوجه بها لغير وجه هللا.
{ويوم تشقق} سماء الروح الحيواني بغمام الروح اإلنساني بانفتاحها عنه ،ولهذا قيل في التفاسير :إنه غمام أبيض
شبه بالغمام الكتسابه الهيئة الجسدانية والصورة اللطيفة النفسانية من البدن واحتجابه بها وكونه منشأ العلم
دقيق .وإنما ّ
{ونزل المالئكة} باتصالها به إما للثواب وإما
كالغمام للماء ،وفي تلك الصورة الثواب والعقاب قبل البعث الجسداني ّ
للعقاب ألنها إما مظاهر اللطف وإما مظاهر القهر.
{الملك يومئذ الحق} أي :الثابت الي ال يتغير {للرحمن} الموصوف بجميع صفات اللطف والقهر ،المفيض على كل
ما يستحق لزوال كل ملك باطل وال قدرة حينئذ ألحد على إنجاء المعذبين منه وال يمكنهم االلتجاء بغيره لبطالن
وتنزل مالئكة
التعلقات واإلضافات وظهور ملك الرحمن على اإلطالق .أو يوم تشقق سماء القلب بغمام نور السكينة ّ
القوى الروحانية باألمداد اإللهية واألنوار الصفاتية في القيامة الوسطى تكون تلك السلطنة على القلب للرحمن المستوي
على عرشه ،المتجلى له بجميع صفاته {و} على كال التقديرين {كان يوماً على الكافرين عسي اًر} أما على األول
فلتعذبهم عند خراب البدن بالهيئات المظلمة وقهر القوى السماوية ،وأما على الثاني فلظهور تع ّذبهم في شهود صاحب
هذه القيامة واطالعه ،ولم يوجد موجوداً مستقالً في التأثير فيناسبه ولم يكن قاهر غيره فيشاركه على حالهم أو للبناء
على تأويلهم بالقوى النفسانية المقهورة هناك ،المعذبة بالرياضة ،وهللا أعلم.
ول َسِبيالً * َٰي َوْيَلتَ ٰى َل ْيتَِني َل ْم أَتَّ ِخ ْذ ُفالَناً َخِليالً * َّلَق ْدالرس ِ الظالِم َعَل ٰى َي َد ْي ِه َيُق ُ ِ َّ ض َّ
ول ٰيَل ْيتَني ات َخ ْذ ُت َم َع َّ ُ ُ َوَي ْوَم َي َع ُّ
ان لِ ِ أَضَّلِني ع ِن ال ِّذ ْك ِر بعد ِإ ْذ ج ِ
ول ي َٰر ِّب ِإ َّن َق ْو ِمي اتَّ َخ ُذوْا َهـٰ َذا اْلُق ْر َ
آن الرُس ُ
ال َّ ان َخ ُذوالً * َوَق َإل ْن َس ِ طُ الش ْي َان َّ
آءني َوَك َ َ َ ََْ َ َ
صي اًر * وَقال َّال ِذين َكَفروْا َلوالَ ن ِزل عَليهِ ِ
مهجو اًر * وَك َذلِك جعْلنا لِ ُك ِل نِب ٍي عدواً ِمن اْلمج ِرِمين وَكَفى ِبربِك هادياً ون ِ
َ ُ ْ ُّ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ ّ َ ّ َُّ ّ َ ُ ْ َ َ ٰ َّ َ َ َ َ َْ ُ
ِ ِ ِ ِ
آن ُج ْمَل ًة َواح َدةً َك َذل َك لُنثَِّب َت ِبه ُف َؤ َاد َ
ك َوَرَّتْلَناهُ تَ ْرِتيالً اْلُق ْر ُ
رد في مقام البقاء بعد الفناء إلى حجاب القلب لهداية الخلق كان قد تثبيت فؤاده عليه السالم بالقرآن هو أنه لما ّ
{و َمآ أ َْرَسْلَنا ِمن َقْبِل َك ِمن
غب وقت على قلبه بصفاتها ،ويحدث له التلوين بسببها كما ذكر في قولهَ : يظهر نفسه وقتاً ّ
{عَب َس َوتََوَّل ٰى}[عبس ،اآلية]1: ِ ِِ ط ِ ول والَ َنِب ٍي ِإالَّ ِإ َذا تَمَّن ٰى أَْلَقى َّ
ٍ
ان في أ ُْمنيَّته}[الحج ،اآلية ،]52:وفي قولهَ :
الش ْي َ ُ َ ّ َّرُس َ
ويؤدبه ويعاتبه فيرجع إليه في كل حال ويتوب ،كما قال عليه السالم: فكان يتداركه هللا تعالى بإنزال الوحي والجذبة ّ
"أدبني رّبي فأحسن تأديبي" .وقال صلى هللا عليه وسلم" :إنه ليغان على قلبي وإني ألستغفر هللا في اليوم سبعين مرة"
ّ
حتى يتمكن ويستقيم .وكان سبب ظهور ابتالء هللا تعالى إياه بالدعوة إليذاء الناس إياه وعداوتهم ومناصبتهم له،
والحكمة في االبتالء أمران ،أحدهما :راجع إليه ،وهو أن يظهر نفسه بجميع صفاتها في مقابلة استيالء األعداء
فيؤدبه هللا بحكمة وجود كل صفة وفضيلة كل قوة ،فيحصل له
المختلفين في النفوس وصفاتها واستعداداتها ومراتبها ّ
جميع مكارم األخالق وكماالت جميع األنبياء كما قال عليه السالم"ُ :ب ِعثت ألتمم مكارم األخالق ،وأوتيت جوامع الكلم
".
فإن ظهوره بكل صفة هو ظرف قبوله لفضيلتها وحكمتها ،إذ لوال الجهات المختلفة في القلب بواسطة صفات النفس
األمة ،فإنه رسول إلى
استعد لقبول الحكم المتفننة والفضائل بتخصص توجهه لكل واحدة منها .والثاني :راجع إلى ّ
ّ لما
الكل واستعداداتهم متباينة ،ونفوسهم في الصفات متفاوتة .فيجب أن يكون فيه جوامع الحكم و ِ
الكَلم والفضائل واألخالق
ليهدي كالًّ منهم بما يناسبه من الحكمة ،ويزكيه بما يليق به من الخلق ،ويعّلمه ما ينتفع به من العلم على حسب
مفرقاً منجماً إنما يكون بحسب اختالف صفات
استعداداتهم وصفاتهم وإال لم يمكنه دعاء الكل .فعلى هذا كون التنزيل ّ
نفسه في الظهور منها على أوقاته موجباً لتثبت قلبه في االستقامة في السلوك إلى هللا ،وفي هللا عند االتصاف
بصفاته ،ومن هللا في هداية الخلق ،وتلك هي االستقامة التامة المطلقة .فليقتدي به السالكون والواصلون والكاملون
المكملون في سلوكهم وكونهم مع الحق وتكميلهم.
ومن هذا تبين معنى قوله{ :وال يأتونك بمثل} أي :صفة عجيبة {إال جئناك بالحق} الذي يقمع باطل تلك الصفة كما
قال{ :بل نْق ِذف ِباْلح ِق عَلى اْلب ِ
اط ِل َفَي ْد َم ُغ ُه}[األنبياء :اآلية ]18:وهو الفضيلة المقابلة لتلك الرذيلة {وأحسن تفسي اًر} َ َْ َ ُ َ ّ َ
أي :كشفاً بإظهار صفة إلهية تجلى بها لك تقوم مقامها فتكشفها ،وبالحقيقة تلك الصفة اإللهية الكاشفة إياها هي
تنزلت في مراتب التنزالت
ظل ظلماني لصفة إلهية نورانية ّ تفسير الصفة الباطلة ومعاناتها فإن كل صفة نفسانية ّ
وتكدرت كالشهوة للمحبة والغضب للقهر وأمثالها.
واحتجبت وتضاءلت ّ
{الذين يحشرون على وجوههم} لشدة ميل نفوسهم لى الجهة السفلية فتنكست فطرتهم فبعثوا على صور وجوهها إلى
أضل سبيالً} من أن األرض يسحبون إلى نار الطبع {أولئك ّ
شر مكاناً} من أن يقبلوا الحق الدامغ لباطل صفاتهم {و ّ
يهتدوا إلى صفات هللا تعالى التي هي تفسير صفاتهم وكشفها.
محبة هللا عابد له ولهواه وللشيطان متعدد المعبود متفرق الوجهةَ .
أبعد ذلك {تكون عليه وكيالً} بدعوته إلى التوحيد
بظل من ظالله.
وقد كان في غاية البعد محجوباً ّ
مد الظل} بالوجود اإلضافي .اعلم أن ماهيات األشياء وحقائق األعيان هي ظل الحق وصفة
{ألم تر إلى رّبك كيف ّ
عالمية الوجود المطلق ،فمدها إظهارها باسمه النور الذي هو الوجود الظاهر الخارجي الذي يظهر به كل شيء ويبرز
كتم العدم إلى فضاء الوجود أي اإلضافي {ولو شاء لجعله ساكناً} أي :ثابتاً في العدم الذي هو خزانة وجوده ،أيّ :أم
الكتاب واللوح المحفوظ الثابث وجود كل شيء فيهما في الباطن وحقيقته ال العدم الصرف بمعنى الالشيء فإنه ال
يقبل الوجود أصالً ،وما ليس له وجود في الباطن وخزانة علم الحق وغيبه لم يمكن وجوده أصالً في الظاهر ،واإليجاد
واإلعدام ليس إال إظهار ما هو ثابت في الغيب وإخفاؤه فحسب وهو الظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم {ثم جعلنا}
شمس العقل {عليه} أي :الظل {دليالً} يهدي إلى أن حقيقته غير وجوده وإال فال مغايرة بينهما في الخارج فال يوجد إال
يدل على كونه شيئاً غير الوجود إلى العقل {ثم قبضناه إلينا}
الوجود فحسب ،إذ لو يمكن وجوده لما كان شيئاً فال ّ
بإفنائه {قبضاً يسي اًر} ألن كل ما يفنى من الموجودات في كل وقت فهو يسير بالقياس إلى ما سبق ،وسيظهر كل
مقبوض عما قليل في مظهر آخر .والقبض دليل على أن اإلفناء ليس إعداماً محضاً بل هو منع عن االنتشار في
قبضته التي هي العقل الحافظ لصورته وحقيقته أزالً وأبداً.
نيام فإذا ماتوا انتبهوا"{ .وجعل} نهار نور الروح {نشو اًر} تحيا قلوبكم به فتنتشرون في فضاء القدس بعد نوم ّ
الحس.
{وهو ا لذي أرسل} رياح النفحات الربانية ناشرة محيية أو مبشرة بين يدي رحمة الكمال بتجلي الصفات {وأنزلنا} من
سماء الروح ماء العلم {طهو اًر} مطه اًر يطهركم عن لوث الرذائل ورجس الطبائع والعقائد الفاسدة والجهاالت المفسدة
{لنحيي به بلدة ميتاً} أي :قلباً ميتاً بالجهل {ونسقيه مما خلقنا أنعاماً} من القوى النفسانية بالعلوم النافعة العملية
{وأناسي} من القوى الروحانية {كثي اًر} بالعلوم النظرية.
ّ
ِ ِ ٍ ِ ِ ِ الن ِ َّ صَّرْفَناهُ َب ْيَن ُه ْم لَِي َّذ َّك ُروْا َفأََب ٰى أَ ْكثَ ُر َّ
اس ِإال ُكُفو اًر * َوَل ْو ش ْئَنا َلَب َع ْثَنا في ُك ِّل َق ْرَية َّنذي اًر * َفالَ تُط ِع اْل َكاف ِر َ
ين َوَلَق ْد َ
ِ ِ ِ ِ
اج َو َج َع َل َب ْيَن ُه َما َب ْرَزخاً َو ِح ْج اًر
ُج ٌ َو َجاه ْد ُه ْم ِبه ِج َهاداً َكبي اًر * َو ُه َو َّالذي َم َرَج اْلَب ْح َرْي ِن َهـٰ َذا َع ْذ ٌب ُف َر ٌ
ات َو َهـٰ َذا مْل ٌح أ َ
َّللاِ َما الَ َي َنف ُع ُه ْم
ُّك َق ِدي اًر * َوَي ْعُب ُدو َن ِمن ُدو ِن َّ
ان َرب َ
ِ ِ ِ َّ ِ
َّم ْح ُجو اًر * َو ُه َو الذي َخَل َق م َن اْل َمآء َب َش اًر َف َج َعَل ُه َن َسباً َوص ْه اًر َوَك َ
آء ظ ِهي اًر * ومآ أَرسْلناك ِإالَّ مب ِّش اًر ون ِذي اًر * ُقل مآ أَسأَُل ُكم عَلي ِه ِمن أ ٍ ِ َّ والَ يضُّرهم وَكان اْل َك ِافر عَلى رب ِ
َجر إال َمن َش َ ْ َ ْ ْ َْ ْ ْ َُ َ َ ََ َْ َ َ ِه َ ُ َ ٰ َّ َ َ ُ ُْ َ َ
ِ
أَن َيتَّ ِخ َذ ِإَل ٰى َرّبِه َسِبيالً
المنزل على صور وأمثال مختلفة {ليذكروا} حقائقهم وأوطانهم الحقيقية وما نسوا من العهد
صرفناه} هذا العلم ّ
{ولقد ّ
والوصل وطيب األصل {فأبى أكثر الناس إال كفرواً} لنعمة الهداية الحقانية ،وغمطاً للرحمة الرحيمية لالحتجاب
بصور الرحمة في ستور الجالل من الغواشي الهيوالنية.
{فال تطع} المحجوبين بموافقتهم في الوقوف مع بعض الحجب ونقصان بعض الصفات {وجاهدهم} لكونك مبعوثاً إلى
الكل {جهاداً كبي اًر} هو أكبر الجهادات كما قال" :ما أوذي نبي مثل ما أوذيت" ،أي :ما كمل نبي مثل كمالي.
ّ ّ
{وهو الذي مرج البحرين} أي :خلط بحر الجسم والروح في اإليجاد {هذا} الذي هو بحر الروح {عذب فرات} أي:
متكدر غير لذيذ {وجعل بينهما برزخاً} هو النفس
صاف لذيذ ،وهذا الذي هو بحر الجسم {ملح أجاج} أي :متغير ّ
وتجرده {وحج اًر محجو اًر} عياذاً
الحيوانية الحائلة بينهما من االمتزاج وتكدر الروح بالجسم وتكثفه وتنور الجسم بالروح ّ
يتعوذ به كل منهما من بغي اآلخر ومانعاً يمنع ذلك.ّ
وب ِعب ِادِه خِبي اًر * َّال ِذي خَلق َّ ِ ِ ِِ َّ ِ
ض َو َماالس َم َٰٰوت َواأل َْر َ َ َ وت َو َسِّب ْح ِب َح ْمده َوَكَف ٰى ِبه ِب ُذُن ِ َ َ َوتََوَّك ْل َعَلى اْل َح ِّي الذي الَ َي ُم ُ
يل َل ُه ُم ا ْس ُج ُدوْا لِ َّلر ْح َمـ ِٰن َقاُلوْا َو َما َّ
الر ْح َمـ ُٰن ِ ِِ ِ استَو ٰى َعَلى اْل َع ْر ِ ِ ِ َّ ِ
الر ْح َمـ ُٰن َف ْسَئ ْل به َخبي اًر * َوِإ َذا ق َ
ش َّ َب ْيَن ُه َما في ستة أَيَّا ٍم ثُ َّم ْ َ
ْم ُرَنا َوَزَاد ُه ْم ُنُفو اًر ِ
أََن ْس ُج ُد ل َما تَأ ُ
وت} إن منشأ التوكل شهود صفة حياته التي بها يحيا كل حي ألن من يموت ال َّ ِ
ّ {عَلى اْل َح ِّي الذي الَ َي ُم ُ
وبين بقولهَ :
ّ
حياً بالذات وبالترقي عن مقام فناء األفعال إلى الفناء في صفة الحياة يصح مقام التوكل كما قالت المتصوفة: يكون ّ
ال يمكن تصحيح كل مقام إال بالترقي إلى المقام الذي فوقه ،وإذا كان كل حي يموت إنما يحيا بحي الذات الذي
ّ
يضروك بشيء لم يضروك إال بما حياته عين ذاته فبه يتحرك ،فال تبال بأفعالهم فإنهم لو اجتمعوا بأسرهم على أن ّ
كتب هللا عليك ،على ما ورد في الحديث.
بتجردك عن صفاتك ومحوها في صفاته عن أن تكون لغيره صفة مستقّلة تكون مصد اًر لفعله {وسبح بحمده} ونزهه ّ
ّ
ملتبساً بحمده ،أي :متّصفاً بصفا ته ،فإن الحمد الحقيقي هو االتصاف بصفاته الكمالية التي هو بها حميد وذلك هو
تجردت عن صفاتك باالتصاف تصحيح مقام التوكل وتحقيقه بنفي الصفات التي هي مبادىء األفعال من الغير ،وإذا ّ
بصفاته شاهدت إحاطة علمه بالكل ،فاكتفيت به عن سؤاله في دفع جناياتهم عنك وجزاء إيذائهم لك ،وشاهدت قدرته
على مجازاتهم ،كما قال إبراهيم عليه السالم" :حسبي من سؤالي علمه بحالي" .وذلك معنى قوله{ :وكفى به بذنوب
عباده خبي اًر الذي خلق السموات واألرض} أي :احتجب بسموات األرواح وأرض األجسام {وما بينهما} من القوى في
األيام الستة التي هي اآلالف الست ة من ابتداء زمان آدم إلى محمد عليهما السالم ،ألن الخلق ليس إال احتجاب الحق
ف َسَن ٍة
باألشياء واأليام هي أيام اآلخرة ال أيام الدنيا؛ إذ لم تكن الدنيا ثمة وال الشمس والنهار {وإِ َّن يوماً ِعند ربِك َكأَْل ِ
َ َّ َ َ َْ
ِّم َّما تَ ُعُّدو َن}[الحج ،اآلية.]47:
{ثم استوى على} عرش القلب المحمدي في السابع الذي هو يوم الجمعة ،أي :يوم اجتماع جميع األوصاف واألسماء
التام والفيض العام الذي هو الرحمة الرحمانية ولهذا جعل فاعل
فيه ،وذلك هو معنى االستواء في االستقامة بالظهور ّ
االستواء اسم الرحمن دون اسم آخر إذ ال يكون االستواء بمعنى الظهور التام إال به ،ويمكن أن ّ
تؤول األيام بالشهور
يتم فيها خلق سموات أرواح الجنين وأرض جسده وما بينهما من القوى واالستواء بالظهور التام على عرش
الستة التي ّ
قلبه الذي كان على ماء النطفة قبل خلقه ما خلق في الشهر السابع الذي أنشأه فيه خلقاً آخر بحصوله إنساناً،
المعنوي والصورّي من قلبه إلى جميع أجزاء وجوده {فاسئل به خبي اًر} اسأل عارفاً به يخبرك
ّ والرحمانية بعموم فيضه
بحاله واسأله في حالة كونه عالماً بكل شيء.
{تبارك الذي جعل في} سماء النفس بروج الحواس {وجعل فيها} سراج شمس الروح وقمر القلب {مني اًر} بنور الروح
{وهو الذي جعل} ليل ظلمة النفس ،ونهار نور القلب يعتقبان {لمن أراد أن يذكر} في نهار نور القلب العهد المنسي
وينظر في المعاني والمعارف ويعتبر {أو أراد} في ليل ظلمة النفس {شكو اًر} بأعمال الطاعات واكتساب األخالق
والملكات {وعباد الرحمن} أي :المخصوصون بقبول فيض هذا االسم لسعة االستعداد {الذين يمشون على األرض
هوناً} أي :الذين اطمأنت نفوسهم بنور السكينة وامتنعت عن الطيش بمقتضى الطبيعة فهم هينون في الحركات البدنية
لتمرن أعضائهم بهيئة الطمأنينة {وإذا خاطبهم} أهل السفاهة يسلمون مقالهم وال يعارضونهم المتالئهم بالرحمة وبعد
ّ
بالتقوي بنور القلب عن أن تتأثر باإليذاء وتضطرب.
ّ حالهم عن ظهور النفس بالسفاهة وكبر نفوسهم
{والذين يبيتون} أي :الذين هم في مقام النفس ميتون باإلرادة {سجداً} فانين بالرياضة قائمين بصفات القلب أحياء
بحياته هلل قائلين بلسان الحال الذي ال تتخلف عن دعائه اإلجابة {ربنا اصرف}.
َنفُقوْا َلم يس ِرُفوْا وَلم يْقتروْا وَكان بين َذلِك َقواماً * و َّال ِذين الَ يدعون مع َّ ِ و َّال ِذ َ ِ
َّللا ِإَلـ ًٰها َ
آخ َر َوالَ َيْقُتُلو َن َّ
النْف َس َ َ َْ ُ َ َ َ َ ْ َ ُُ َ َ َ ْ َ َ َ ين إ َذآ أ َ ْ ُ ْ َ
يه مهاناً * ِإالَّ َّللا ِإالَّ ِباْلح ِق والَ يزنون ومن يْفعل ٰذلِك يْلق أَثَاماً * يضاعف َله اْلع َذاب يوم اْلِقيام ِة ويخُلد ِف ِ ِ َّ
َُ َ ََ ْ ْ ُ َ َ ْ ُ َ ُ َْ َ َ ّ َ َْ ُ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ التي َحَّرَم َّ ُ
َّللاُ َغُفو اًر َّرِحيماً * َو َمن تَا َب َو َع ِم َل
ان َّ ٍ ِ صالِحاً َفأ ُْوَلـِٰئ َك ُيَبِّد ُل َّ
َّللاُ َسِّيَئات ِه ْم َح َسَنات َوَك َ
ِ
آم َن َو َعم َل َع َمالً َ اب َو َ َمن تَ َ
الل ْغ ِو مُّروا ِكراماً * و َّال ِذين ِإ َذا ُذ ِّكروْا ِبآي ِ
ات الزور وإِ َذا مُّروْا ِب َّ
ين الَ َي ْش َه ُدو َن ُّ َّ ِ صالِحاً َفِإَّنه يتوب ِإَلى َّ ِ
ُ َ َ َ َ َ َ َ َّللا َمتاباً * َوالذ َ ُ َُ ُ َ
ِ ِ
ص ّماً َو ُع ْمَياناًَرِّبه ْم َل ْم َيخُّروْا َعَل ْي َها ُ
ولما وصفهم بالتزكية التامة والفناء عن جميع صفات النفس من الرذائل المذيقة المورطة في عذاب جهنم الطبيعة
ومستقر السوء والعاقبة الوخيمة عقب وصفهم بالتحلية التامة من االتصاف بجميع أجناس الفضائل األربع ،وذلك هو ّ
حياتهم بالقلب بعد موتهم عن النفس ،كما قيل :مت باإلرادة تحيا بالطبيعة ،فالقوام بين اإلسراف واإلقتار في اإلنفاق
هو العدل والتوحيد المشار إليه بقوله:
{ال يدعون مع هللا إلهاً آخر} هو أساس فضيلة الحكمة الذي إذا حصل وقع ظله الذي هو العدل في النفس فاتصفت
المحرمة إشارة إلى فضيلة الشجاعة ،واالمتناع عن الزنا فضيلة
ّ بجميع أنواع الفضائل ،واالمتناع عن قتل النفس
العّفة .ثم ذكر من في مقابلتهم من المحجوبين من فيض الرحمة الرحيمية التي في ضمن الرحمانية الذين ال يستعدون
لقبول عموم فيضه فال يختصون به وإن كانوا ال يخلون من فيضه الظاهر الشامل للكل فقال{ :ومن يفعل ذلك} أي:
يرتكب جميع أجناس الرذائل حتى الشرك باهلل {يلق} جزاء اإلثم الكبير المطلق ،وهو مضاعفة العذاب الروحاني
والجسماني باالحتجاب الكلي وهيئات الهيكل السفلي {يوم القيامة} الصغرى والخلود فيه على غاية الهوان.
{ومروا} بها مكرمين أنفسهم عن مباشرتها،مروا باللغو} أي :الفضول غير الضرورية تركوها وأعرضوا عنها ّ {وإذا ّ
المجردون .ثم لما ّبين الزهد الحقيقي والتجريد قرن به
ّ قانعين بالحقوق عن الحظوظ وهم الزاهدون بالحقيقة ،التاركون
العبادة الحقيقية والتحقيق بقوله{ :والذين إذا ُذ ِّكروا بآيات رّبهم} أي :كوشفوا المعارف والحقائق وتجليات الصفات
{صماً} بل تلقوها بآذان واعية هي آذان القلوب
ّ يخروا} على العلم بتلك اآليات من المعارف والحقائق والمشاهدات {لم ّ
ال النفوس ،وعلى مشاهدتها {و} تجليها {عمياناً} بل أحدقوا نحوها ببصائر جديدة مكحلة بنور الهداية.
ِ ِ اج َعْلَنا لِْلمتَِّق َ ِ ِ ين يُقوُلو َن ربََّنا َه ْب َلَنا ِم ْن أ َْزو ِ َّ ِ
صَب ُروْاين إ َماماً * أ ُْوَلـٰئ َك ُي ْج َزْو َن اْل ُغ ْرَف َة ب َما َ ُ َعُي ٍن َو ْ
اجَنا َوُذِّريَّاتَنا ُقَّرَة أ ْ َ َ َوالذ َ َ
َّ ويَلَّقو َن ِفيها تَ ِحَّي ًة وسالَماً * َخالِِد ِ
ف يها َح ُسَن ْت ُم ْستََقّاًر َو ُمَقاماً * ُق ْل َما َي ْعَبأُ ِب ُك ْم َرّبِي َل ْوالَ ُد َع ُ
آؤُك ْم َفَق ْد َكذ ْبتُ ْم َف َس ْو َ ين ف ََ ََ َ َُ ْ
ِ
َي ُكو ُن ل َزاماً
ثم وصف طلبهم للترقي عن مقام القلب إلى مرتبة السابقين واالستعانة باهلل عن تلوين النفس وصفاتها لينخرطوا في
المقربين بقوله{ :والذين يقولون ربنا هب لنا من} أزواج نفوسنا وذرّيات قوانا ما ّ
تقر به أعيننا من طاعاتهم سلك ّ
وتنورهم بنور القلب مخبتين غير طالبين لالستعالء والترفع واالستكبار والتجبر {واجعلنا للمتقين}
وانقيادهم خاضعينّ ،
المجردين {إماماً} بالوصول إلى مقام السابقين {أولئك يجزون} غرفة الفردوس وجنة الروح بصبرهم مع هللا وفي ّ أي:
هللا عن غيره {ويلقون فيها تحية} خلود حياة {وسالماً} سالمة وبراءة عن اآلفات ،أي :يحييهم هللا بإبقائهم سرمداً ببقائه
{ما يعبأ بكم رّبي لوال دعاؤكم} أي :لو لم يكن طلبكم هلل وإرادتكم لكنتم شيئاً غير ملتفت إليه وال معبوء به كالحشرات
معتداً به إذا كان من أصحاب اإلرادة والطلب ،وهللا تعالى أعلم. والهوام ،فإن اإلنسان إنما يكون إنساناً وشيئاً ّ
(ط) إشارة إلى الطاهر و(س) إلى السالم و(م) إلى المحيط باألشياء بالعلم .و {الكتاب المبين} الذي هذه األسماء
والصفات آياته هو الموجود المحمدي الكامل ذو البيان والحكمة ،كما قال أمير المؤمنين عليه السالم:
فيكون معناه على ما ذكره في (طه) :إنه عليه السالم لما رأى عدم اهتدائهم بنوره وقبولهم لدعوته استشعر أنه من
جهته ال من جهتهم ،فزاد في الرياضة والمجاهدة والفناء في المشاهدة ،فأوحى إليه بأن هذه الصفات التي هي الطهارة
من لوث البقية المانع من التأثير في النفوس وسالمة االستعداد عن النقص في األمثال ،والكمال الشامل لجميع
المراتب بالعلم هي صفات كتاب ذاتك ،المبين لكل كمال ومرتبة باتصافها بجميع الصفات اإللهية واشتمالها على
بشدة الرياضة لعدم إيمانهم وامتناعه ،فإنه من
معاني جميع أسمائه ،فال تبخع نفسك ،أي :ال تهلكها على آثارهم ّ
بشدة الحجاب وإما لعدم االستعداد ،فمعنى لعل في {لعلك باخع} :اإلشفاق ،أي :أشفق على
جهتهم إما لوجود المانع ّ
نفسك أن تهلكها بالرياضة لعدم إيمانهم وفواته.
ننزل عليهم من السماء} من العالم العلوي بتأييدنا لك قه اًر فتخضع أعناقهم له ،منقادين ،مسلمين ،مستسلمين
{إن نشأ ّ
ظاه اًر ،وإن لم يدخل اإليمان في قلوبهم كما كان يوم الفتح أي :امتنع إيمانهم ألنه أمر قلبي سيظهر إسالمهم بالقهر
واإللجاء واالضطرار.
{ويضيق صدري} لعدم اقتداري على قهرهم وعلمي بامتناعهم عن قبول األوامر الشرعية واألسرار الوحيية وما يكون
خارجاً عن طور الفكر والعقل لتدربهم بذلك وتفرعنهم باستبدادهم {وال ينطلق لساني} معهم في هذه المعاني لكونها
تعودوا به ونشؤوا عليه من الحكم العملية الداعية إلى مراعاة التعديل في األخالق دون الفناء باإلطالق
على خالف ما ّ
ليؤدبهم بالمعقول ويسوسهم بما يسهل قبولهم له من رعاية مصلحة الدارين واختيار سعادة {فأرسل إلى هارون} العقل ّ
المنزلين فتلين عريكتهم وتضعف شكيمتهم بمداراته ورفقه وموافقته لهم بعلمه وحلمه {ولهم علي ذنب} بقتلي جبار
ّ
ن ق
الشهوة {فأخاف} إن دعوتهم إلى التوحيد وأمرتهم بالتجريد وترك الحظوظ واالقتصار على الحقو {أن يقتلو }
باالستيالء والغلبة ،وهذا صورة حال من احتجبت نفسه بالحكمة ولم يتألف بعد طريق الوحدة مع ّقوة استعداده وعدم
وقوفه مع ما نال من كمال ،فقلما تقبل نفسه خالف ما يعتقد وتنقاد في متابعة الشريعة وتقلد إال من تداركه سبق
العناية وساعده التوفيق بالجذبة و {كال} ردع له عن الخوف بالتشجيع والتأييد {فاذهبا} أمر باستصحاب العقل
{إنا معكم مستمعون} وعد بالكالءة
للمناسبة والجنسية وتقرير التوحيد بطريق البرهان القامع للتفرعن والطغيان و ّ
والحفظ وتقوية اليقين ،فإن من كان الحق معه ال يغلبه أحد {أن أرسل معنا بني إسرائيل} القوى الروحانية
المستضعفة ،المستخدمة في تحصيل اللذات الجسمانية .وتربيته إياه وليداً ولبثه فيهم سنين صورة حال الطفولية
فإن القلب في هذا الزمان في تربية النفس والوالية
أشده ببلوغ األربعينّ ،
التجرد وطلب الكمال الذي ّ
ّ والصبوية إلى أوان
{وأنا من الضالين} أي :لست من الكافرين لكون الصالح في ذلك بل من الذين ال يهتدون إلى طريق الوحدة{ .فوهب
الم ْرسلين} إليكم بها.
لي رّبي حكماً} أي :حكمة متعالية عن طريق البرهان وراء طور الكسب والعقل {وجعلني من ُ
وأما تعبيد بني إسرائيل القوى التي هي قومي فليس ّ
بمنة تمنها علي ،بل عدوان وطغيان إذ لو لم تعبدهم لما ألقتني
ّ
يم الهيولى في تابوت الجسد ،ولقام بتربيتي أهلي وقومي من القوى الروحانية.
أمي الطبيعة البدنية في ّ
رب العالمين} قيل في القصة :إن فرعون كان منطقياً مباحثاً سأل بما هو عن حقيقته تعالى ،فلما
{قال فرعون وما ّ
بالحد لبساطتها ،غير
ّ أن حقيقته ال تعرف
وبين ّ
أجابه موسى عليه السالم بقوله{ :رب السموات واألرض وما بينهما} ّ
وعرض به في تجهيله ونفي عرفها بالصفة اإلضافية والخاصة الالزمةّ ، لشدة نوريتها ولطافتها ،بأن ّ
معلومة للعقل ّ
اإليقان عنه بقوله{ :إن كنتم موقنين} أي :لو كنتم من أهل اإليقان لعلمتم أن ال طريق للعقل إلى معرفته إال االستدالل
على وجوده بأفعاله الخاصة به ،وأما حقيقته فال يعرفها إال هو وحده وما سألتم عنه بما مما ال يصل إليه نظر العقل.
ونبه قومه على خفة عقله وكون جوابه غير مطابق للسؤال تعجباً منه لقومه وتسفيهاً له ،فلما ثنى قوله بمثل
استخفه ّ
ما قال أوالً من إيراد خاصة أخرى جننه ،فثلث بقوله{ :إن كنتم تعقلون} أي :إن جننت فأين عقلكم حتى يعرف طوره
حده .وهذه المقالة إشارة إلى أن النفس المحجوبة بمعقولها ال تهتدي إلى معرفة الحق وحكمة الرسالة
ولم يتجاوز ّ
ِ ْت ِب ِه ِإن ُكنت ِمن َّ ِ ِ ين * َقال َفأ ِ َقال أَوَلو ِج ْئتُك ِب َش ٍ
ع
ين * َوَن َز َ صاهُ َفِإ َذا ه َي ثُ ْعَبا ٌن ُّمِب ٌ ين * َفأَْلَق ٰى َع َ
الصادق َ َ َ َ يء ُّمِب ٍ َ َ َْ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
يم * ُي ِر ُيد أَن ُي ْخ ِر َج ُك ْم ّم ْن أ َْرض ُك ْم بس ْح ِره َف َما َذا
ال لْل َمإل َح ْوَل ُه إ َّن َهـٰ َذا َل َساحٌر َعل ٌ
ين * َق َآء ل َّلناظ ِر َ
ضُ َي َدهُ َفِإ َذا ه َي َب ْي َ
السحرة لِ ِميَق ِ ِ ِ ِ ِ
ات َي ْو ٍم وك ِب ُك ِّل َس َّح ٍار َعلِي ٍم * َف ُجم َع َّ َ َ ُين * َيأْتُ َ ْم ُرو َن * َقاُلوْا أ َْرِج ْه َوأ َ
َخاهُ َو ْاب َع ْث في اْل َم َدآئ ِن َحاش ِر َ تَأ ُ
اس َه ْل أَنتُ ْم ُّم ْجتَ ِم ُعو َن * َل َعَّلَنا َنتَِّب ُع َّ
الس َح َرَة ِإن َك ُانوْا ُه ُم اْل َغالِِبي َن يل لِ َّلن ِ
َّم ْعُلو ٍم * َوِق َ
والشيء المبين الذي يمنعه عن االستيالء ويردعه عن الغلبة واالستعالء هو النور البارق القدسي ،والبرهان ّ
النير
العرشي الذي ائتلف به القلب في األفق الروحي المعجز للنفس والقوى الدالة على صدقه في الدعوى المفيد ّ
لقوتيه
العاقلتين النظرية والعلمية للهيئة النورية والقوة القهرية حتى صارت األولى قوة قدسية متأيدة بالحكمة البالغة يعتمد
العدو عند المجادلة ودفع الخصم عند المغالطة .والثانية ّقوة ملكية متأيدة بالقدرة الكاملة يعجز بها من
عليها في قمع ّ
غالبه في القوة وعارضه بالقدرة ،فإذا ألقى عصا القوة القدسية بالذكر القلبي صار ثعباناً ظاهر الثعبانية في الغلبة
حير الناظر ِ
باإلشراق والنورية. القوية ،وإذا نزع يد الملكية من جيب الصدر ّ
وأوحى إلى موسى القلب إسراء القوى الروحانية في ليل هدوء الحواس وسكون القوى النفسانية إلى الحضرة الوحدانية
والعبور من بحر المادة الهيوالنية.
فلما أتبعهم فرعون النفس في التلوينات حاش اًر جنوده من مدائن طبائع األعضاء ،حاذ اًر من ذهاب رياسته وملكه،
ممتلئاً من غيظ تسّلط القلب واتباعه واستيالئه على مملكته وأعوانه ،فكادوا أن يظفروا بهم ،ضرب موسى القلب بأمر
الحق عند تقابلهما وتعارضهما بعصا القوة القدسية البحر الهيوالني فانفلق إلى الحقوق والحظوظ ونجا موسى وقومه
بطريق التجريد وأخرج أعداءهم بالمنع عن الحظوظ واإلجبار على الحقوق من جنات اللذات النفسانية وعيون أذواقها
وأهوائها وكنوز مدخراتها وأسبابها ومقام الركون إلى مشتهياتها إلى أن خرج موسى وأهله من البحر بالمفارقة وغرق
فرعون النفس وقومه أجمعون.
{رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين} أي :حكمة وحكماً ثم سأل االستقامة في التحقق به في مقام البقاء بقولهّ :
بالحق ألكون من الذين جعلتهم سبباً لصالح العالم وكمال الخلق واجعلني محبوباً لك فيحبني بحبك خلقك أبداً
فيحصل لي {لسان صدق في اآلخرين} إذ ال بد لمن يحب شيئاً من كثرة ذكره بالخير ذكر الالزم مكان الملزوم {إال
من أتى هللا بقلب سليم} أي :إال حال من أتى هللا وسالمة القلب بأمرين :براءته عن نقص االستعداد في الفطرة،
ونزاهته عن حجب صفات النفس في النشأة.
نبي مذكور فيها بالروح أو القلب وتكذيب قومه المرسلين بامتناع القوى النفسانية عن قبول ّ
التأدب
ّ
يؤول كل
يمكن أن ّ
بآداب الروحانيين والتخلق بأخالق الكاملين .وقول النبي صلى هللا عليه وسلم{ :أال تتقون} معناه :تجتنبون الرذائل
{إني لكم رسول أمين} أؤدي إليكم ما تلقفت من الحق من الحكم والمعاني اليقينية غير مخلوطة بالوهميات والتخيالت.
ِ ِ ِ َّ
ين * ِإ َّن في َذل َك َ
آلي ًة َو َما ط ُر اْل ُمن َذ ِر َ
آء َم َ
ط اًر َف َس َط ْرَنا َعَل ْي ِهم َّم َ
ين * َوأ َْم َ اآلخ ِر َ
ين * ثُ َّم َد َّم ْرَنا َِإال َع ُجو اًز في اْل َغاِب ِر َ
ال َل ُه ْم ُش َع ْي ٌب أَالَ تَتَُّقو َن ِ ِ ِ َّ َكان أَ ْكثَرهم ُّمؤ ِمِنين * وإِ َّن ربَّك َلهو اْلع ِز ُيز َّ ِ
ين * إ ْذ َق َ اب ْلَئ ْي َكة اْل ُم ْرَسل َ
ص َح ُ يم * َكذ َب أَ ْ الرح ُ َ َ َ َُ َ َ ُُ ْ َ
ِ عَلي ِه ِمن أَج ٍر ِإن أَجر َّ َّللا وأ ِ * ِإِّني َل ُكم رس ِ
ين * أ َْوُفوْا ِي ِإال َعَل ٰى َر ِّب اْل َعاَلم ََْ ْ ْ ْ ْ َ يعون * َو َمآ أ ْ
َسأَُل ُك ْم َط ُ ِ َّ
ين * َفاتُقوْا َّ َ َ ول أَم ٌ ْ َُ ٌ
َشَيآء ُهم والَ تَ ْعثَ ْوْا ِفي األ َْر ِ * َوالَ تَْب َخ ُسوْا َّ اس اْل ُم ْستَِقي ِم
ط ِ ين * َوِزُنوْا ِباْلِق ْس َ ِ ِ
ض اس أ ْ َ ْ َ الن َ ونوْا م َن اْل ُم ْخس ِر َ اْل َكْي َل َوالَ تَ ُك ُ
َنت ِإالَّ َب َشٌر ِّم ْثُلَنا َوإِن َّن ُ
ظُّن َك مْف ِس ِدين * واتَُّقوْا َّال ِذي خَلَق ُكم واْل ِجِبَّل َة األََّولِين * َقاُلوْا ِإَّنمآ أ ِ
ين * َو َمآ أ َ َنت م َن اْل ُم َس َّح ِر َ
َ َ َ َ ْ َ َ َ ُ
َّ ِ السم ِآء ِإن ُكنت ِمن َّ ِ ِ ِ ِ َسِق ْ ِ ِ
ال َرّبِي أ َْعَل ُم ب َما تَ ْع َمُلو َن * َف َكذُبوهُ ين * َق َ الصادق َ َ َ ط َعَل ْيَنا ك َسفاً ّم َن َّ َ ين * َفأ ْ َلم َن اْل َكاذِب َ
ِ ِ ِ ِ َُّّ ِ
ين * َوإِ َّن َرب َ
َّك َل ُهَو ان أَ ْكثَُرُهم ُّم ْؤ ِمن َ
آلي ًة َو َما َك َ اب َي ْو ٍم َعظي ٍم * ِإ َّن في َذل َك َ ان َع َذ َاب َي ْو ِم الظلة ِإَّن ُه َك َ َخ َذ ُه ْم َع َذ ُ
َفأ َ
ين * ِبلِ َس ٍ
ان ِ ِ ِ
ين * َعَل ٰى َقْلِب َك لتَ ُكو َن م َن اْل ُم ْنذ ِر َ
ِ
الرو ُح األَم ُ ين * َن َزَل ِب ِه ُّ ِ
يل َر ِّب اْل َعاَلم َنز ُالرِحيم * َوإَِّن ُه َلتَ ِ
اْل َعز ُيز َّ ُ
ِ
التنور والتحلية {وما أسألكم عليه من أجر} مما عندكم من اللذات{فاتّقوا هللا} في التجريد والتزكية {وأطيعون} في ّ
والمدركات الجزئية فإني غني عنها {إن أجري إالّ على رب العالمين} بإلقاء المعاني و ِ
الح َكم الكلية وإشراق األنوار ّ ّ ّ
اللذيذة القدسية.
تنزلهم ال يكون إال عند استعداد قبول النفوس لنزولها بالمناسبة في الخبث والكيد
تنزلت به الشياطين} ألن ّ
{وما ّ
تجرد عن صفات
فإن مدركات الشياطين من قبيل الوهميات والخياليات ،فمن ّ
والمكر والغدر والخيانة وسائر الرذائلّ ،
وتنورت نفس باألنوار الروحية ومصابيح الشهب السبوحية ،وأشرق
النفس وترقى عن أفق الوهم إلى جناب القدسّ ،
يتنزلوا
عقله باالتصال بالعقل الفعال ،وتلقى المعارف والحقائق في العالم األعلى ما ينبغي وال يمكن للشياطين أن ّ
عليه وال أن يتلفقوا المعارف والحقائق والمعاني الكلية والشرائع ،فإنهم معزولون عن جناب سماء الروح واستماع كالم
الملكوت األعلى ،مرجومون بشهب األنوار القدسية والبراهين العقلية ،ألن طور الوهم ال يترقى عن أفق القلب ومقام
َعَل ٰى ثُ َّم َدَنا َفتََدَّل ٰى}[النجم ،اآليات]8 - 7 :؟.
حد من هو {ِباألُُف ِق األ ْ
السر ،فكيف إلى ّ
الصدر وال يتجاوز إلى ّ
اح َك لِ َم ِن اتََّب َع َك ِم َن َنذر ع ِشيرتَك األَْقربِين * و ْ ِ ِ َّ ِ مع َّ ِ
ض َجَن َاخف ْ َ َ َ ين * َوأ ْ َ َ َ آخ َر َفتَ ُكو َن م َن اْل ُم َعذِب َ
َّللا ِإَلـٰهاً َ ََ َفالَ تَ ْدعُ
ِ ِ َّ ِ َّ ِ ِِ ِ ِ
وم * ين تَُق ُاك ح َ الرحي ِم * الذي َي َر َ يء ّم َّما تَ ْع َمُلو َن * َوتَوك ْل َعَلى اْل َع ِز ِ
يز َّ ك َفُق ْل إّني َب ِر ٌ ص ْو َ
* َفإ ْن َع َ اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين
وتََقُّلبك ِفي َّ ِ
السا ِجد َ
ين َ ََ
{فال تدع مع هللا إلهاً آخر} أي :ال تلتفت إلى وجود الغير بظهور النفس وال تحتجب في الدعوة بالكثرة عن الوحدة
ان ِفي أ ُْمِنيَِّت ِه}[الحج،
طُ تنزلهم بالموافقة والمراقبة كقوله{ :أَْلَقى َّ
الش ْي َ {فتكون من المع ّذبين} بإلقاء الشياطين وإن امتنع ّ
تنزلهم ومصاحبتهم اآلية ،]52:فإنه ال يأمن في اإلنذار والنزول إلى مبالغ عقول المنذرين ونفوسهم إلقاءهم وإن أمن ّ
وإغواءهم عند التلقي.
{وأنذر عشيرتك األقربين} من الذين يقارب استعدادهم استعدادك ويناسب حالهم بحسب الفطرة حالك ،إذ القبول ال
يكون إال بجنسية ما في النفس وقرب في الروح.
{واخفض جناحك} بالنزول إلى مرتبة من {اتّبعك من المؤمنين} لتخاطبه بلسانه ليفهم ،وترقيه عن مقامه فيصعد ،وإال
وقوتك بالتوكل
وقوتهم وحولك ّ
لم يمكنهم متابعتك {فإن عصوك} الستحكام الرين وتكاثف الحجاب فتب أر عن حولهم ّ
والفناء في أفعاله تعالى فإنهم وإياك ال يقتدرون على ما لم يشأ هللا وال يكون إال ما يريد وشاهد في توكلك وفنائك عن
العزة التي يقهر بها من يشاء من العصاة فيحجبهم ويمنعهم من اإليمان والرحمة التي يرحم
أفعالك مصادر أفعاله من ّ
بها ويفيض النور على من يشاء من أهل الهداية فإنه يحجب المحجوبين بقهره وجالله ويهدي المهتدي بلطفه وجماله،
آء}[القصص ،اآلية.]56: وليس لك من األمر شيء {ِإَّنك الَ تَه ِدي من أَحببت وَلـ ِٰك َّن َّ ِ
َّللاَ َي ْهدي َمن َي َش ُ َ ْ ْ َْ َ َ ْ َ
{الذي يراك} ويحضرك ويحفظك {حين تقوم} في النشأة في القيامة الصغرى والفطرة في الوسطى بالوحدة حين
االستقامة في الكبرى {وتقلبك} انقالبك وانتقالك في أطوار الفانين في أفعاله تعالى وصفاته وذاته بالنفس والقلب والروح
في زمرتهم وقبل النشأة االولى في أصالب آبائك األنبياء الفانين في هللا عنها.
{إنه هو السميع} لما تقوله {العليم} لما تعلمه فيعلم أنه ليس من كالم الشياطين وإلقائهم{ .هل أنبئكم} إلى آخره،
يعو َن}[الشعراء ،اآلية ]211:ألن اإلفك واإلثم من لوازم النفوس الكدرة ِ ِ
{و َما َي َنبغي َل ُه ْم َو َما َي ْستَط ُ
تقريره لقوله تعالىَ :
وتنزلهم بحسب الجنسية ومن جملتهم الخبيثة المظلمة السفلية المستمدة من الشياطين بالمناسبة ،المستدعية إللقائهم ّ
الشعراء الذين يركبون المخيالت والمزخرفات من القياسات الشعرية واألكاذيب الباطلة سواء كانت موزونة أم ال،
فيتبعهم الغاوون الضالون في ذلك ويأخذون منهم التزويرات والمفتريات دون الذي ينظمون المعارف والحقائق واآلداب
والمواعظ واألخالق والفضائل وما ينفع الناس ويفيد ويهيج أشواقهم في الطلب ويزيد ،وهللا أعلم.
{طس} أي{ :تلك} الصفات العظيمة المذكورة في طسم التي أصلها الطهارة من صفات النفس وسالمة االستعداد في
األصل عن النقص هي {آيات القرآن} أي :العقل القرآني وهو االستعداد الحمدي الجامع لجميع الكماالت باطناً فإذا
{هدى وبشرى} قائم مقام (م) في طسم ألن الهداية
ً ظهرت وبرزت إلى الفعل في القيامة الكبرى كانت فرقاناً ،وقوله:
إلى الحق والبشارة بالوصول ال يكونان إال بعد الكمال العلمي ،إذ الهداية للغير التي هي التكميل ملزومة العلم الذي
هو الكمال ،فيحصل االكتفاء بها عنه وهما حاالن معموالن لتلك المشار بها إلى الصفات المذكورة في {طسم} كما
ومبش اًر للمؤمنين ،أي :الموقنين بعلم التوحيد.
ذكر ،أي :هادياً ّ
{الذين يقيمون} صالة الحضور والمراقبة {ويؤتون الزكاة} عن صفات النفوس ،أي :يزكون بالتجريد والمجاهدة {وهم
باآلخرة} أي :مقام المشاهدة {يوقنون} يعني في حال المكاشفة يوقنون بالمعاينة والرسول يهديهم إليها ّ
ويبشرهم بجنة
الذات والفوز األعظم.
ين ِ
اْل َعاَلم َ
{إن الذين ال يؤمنون باآلخرة} من المحجوبين بتزين نفوسهم بكماالتها وهيئات أعمالها {فهم يعمهون} يعمون بصائرهم
ّ
عن إدراك صفات الحق وتجليات أنوارها وإال لم يحجبوا بصفاتهم وأفعالهم بل فنوا عنها{ .أولئك الذين لهم سوء
{وإنك لتلقى القرآن} أي :العقل القرآني {من لدن} أي :من عين جمع الوحدة في الصفات األول الذي ال حجاب بينه
وبين الحضرة األحدية بل هو نفسه الحجاب األقدس المفيض لكل االستعدادات من العقول الفرقانية على أربابها من
تامة وعلم محيط شامل.
األعيان الثابتة اإلنسانية {حكيم} ذي حكمة بالغة ّ
اذكر من جملة علوم الحق وحكمه وقت قول موسى القلب {ألهله} من النفس والحواس الظاهرة والباطنة {امكثوا}
تشوشوا وقتي بالحركات {إني آنست} بعين البصيرة {نا اًر} أي :نار وما أعظمها هي نار العقل والفعالواثبتوا وال ّ
ضل الطريقة إلى هللا برعاية أغنام القوى البهيمية
{سآتيكم منها بخبر} أي :علم بالطريقة إلى هللا ،وكان حاله أنه ّ
وزوجه النفس الحيوانية {أو آتيكم بشهاب قبيس} أي :بشعلة نورية تشرق عليكم حين اتصالي بالنار وتنوري بها {لعلكم
تصطلون} عن برد الركون إلى البدن والسكون إليه وهوى لذاته فتشتاقوا بحركة تلك النار إلى جناتي وتسيرون بمحبتي
إلى مقام الصدر.
بتجليات الصفات
ّ ك} أي :كثر خير {من في النار} أي :هو موسى القلب الواصل إلى النار {فلما جاءها نودي أن ُب ِ
ور َ
النبوة {ومن حولها} من القوى الروحانية والمالئكة السماوية
اإللهية ووجدان الكماالت الحقيقية ومقام المكالمة عن ّ
ونزه
رب العالمين} ّ ِ
بأنوار المكاشفة وأسرار العلوم والح َكم والتأييدات القدسية واألحوال السرّية والذوقية {وسبحان هللا ّ
بتجردك عن الصفات النفسانية والغواشي الجسدانية والنقائص والمعائب. ذات هللا ّ
{أنا هللا} القوي الذي قهر نفسك وكل شيء بالفناء فيه {الحكيم} الذي علمك الحكمة وهداك بها إلى مقام المكالمة
{وألق} عصا نفسك القدسية المؤتلفة بشعاع القدس ،أي :خلفاً عن الضبط بالرياضة وأرسلها وال تمنعها عن الحركة
{م ْدِب اًر} خوف ظهور
حية غالبة بالظهور {ولى} إلى جناب الحق ُ
وتتحرك {كأنها} ّ
ّ تنورت {فلما رآها} تضطرب
فإنها ّ
النفس {ولم يعقب} أي :لم يرجع وبقي مشتغالً بتدارك البقية {ال تخف} من استيالء النفس وظهور الحجاب ،فإن
النفس إذا حييت بعد موتها باإلرادة وفنائها بالرياضة إن استقلت بنفسها واستبدت بأمر كانت حجاباً وابتالء ،وإذا
لدي المرسلون} الذين أرسلتهم تحركت بأمري ّ
حية بنور الروح والمحبة الحقانية ال بهواها لم تكن حجاباً {إني ال يخاف ّ ّ
بالبقاء بعد الفناء وأحييت نفوسهم بحياتي.
{إال من ظلم} بظهور النفس قبل وقت االستقامة واستحكام مقام البقاء ،فإنه ذنب حاله تجب عنه التوبة باالستغفار
شرها {بعد سوء} أية صفةوالخوف باالبتالء {ثم ّبدل حسناً} بالخوف والتدارك بقمعها وااللتجاء إلى جناب الحق من ّ
ظهرت بها من صفاتها {فإني غفور} أستر بنوري ظلمتها {رحيم} أرحم بعد الغفران بصفتي القائمة صفتها الظاهرة هي
بها.
{وأدخل يدك} العاقلة العلمية {في جيبك} تحت لباس النفس متصلة بالقلب في إبطك األيسر موضع الصدر {تخرج
بالتنور بالنور {في تسع آيات}
بيضاء} نورانية ذات قدرة {من غير سوء} أي :التلوين والظهور بصفة من صفاتها بل ّ
المتنورة ثانيتهما بنوره ،في
الحية إحداهما بحياة القلب ،و ّ
أي :اذهب بهاتين اآليتين بين النفس القدسية والعاقلة العلمية ّ
جملة تسع آيات هما ثنتان منها والباقية هي السبع المشار إليها في قول المتكلمين بالقدماء السبعة :وهي الصفات
اإللهية التي تجلى بها الحق تعالى على القلب فقامت مقام صفاته ،وهي الحياة والقدرة والعلم واإلرادة والسمع والبصر
{ولقد آتينا داود} الروح {وسليمان} القلب {علماً} واتّصفا بالصفات الربانية العامة وذلك قولهما{ :الحمد هلل الذي
فضلنا على كثير من عباده المؤمنين}.
النبوة بالهداية {وقال يا أيها الناس} أي :نادى القوى البدنية وقت
{وورث سليمان} القلب {داود} الروح الملك بالسياسة و ّ
الرياسة عليها ،وقال{ :علمنا منطق الطير} القوى الروحانية {وأوتينا من كل شيء} من المدركات الكلية والجزئية
والكماالت الكسبية والعطائية {إن هذا لهو الفضل المبين} أي :الكمال الظاهر الراجح صاحبه على غيره.
جن القوى الوهمية والخيالية ودواعيها ،وإنس الحواس الظاهرة ،وطير القوى الروحانية
{وحشر لسليمان جنوده} من ّ
بتسخيره ريح الهوى وتسليطه عليها بحكم العقل العملي ،جالساً على كرسي الصدر ،موضوعاً على رفوف المزاج
ّ ّ
يتقدم بعضهم باإلفراط وال
ّ ال العقلي أي
ر ال مقتضى على نويوقفو المعتدل {فهم يوزعون} يحبس أّولهم على آخرهم
يتأخر البعض بالتفريط.
{حتى إذا أتوا على وادي النمل} أي :نمل الحرص في جمع المال واألسباب في السير على طريق الحكمة العملية
الردية {قالت نملة} هي ملكة الشره ،ملكة دواعي الحرص .وكانت على ما قيل :عرجاء ،لكسر العاقلة
وقطع الملكات ّ
رجلها ومنعها بمخالفة طبعها عن مقتضاه من سرعة سيرها {يا أيها النمل} أي :الدواعي الحرصية الفائتة الحصر
قاركم ومحالكم ومباديكم ال يكسرنكم القلب والقوى
{ادخلوا مساكنكم ال يحطمنكم سليمان وجنوده} أي :اختبئوا في م ّ
الروحانية باإلماتة واإلفناء .وهذا هو السير الحكمي باكتساب الملكات الفاضلة وتعديل األخالق وإال لما بقيت للنملة
{فتبسم ضاحكاً من قولها} أي :استبشروا بزوال الملكات
ّ الكبرى ولصغارها عين وال أثر في الفناء بتجليات الصفات
الرديئة وحصول الملكات الفاضلة ودعا رّبه بالتوفيق لشكر هذه النعمة التي أنعم بها عليه باالتصاف بصفاته وأفعاله
وتنوره وقبول الثانية وتأثرها بقوله:
والفناء عن أفعال نفسه وصفاتها .وعلى والديه ،أي :الروح والنفس بكمال األول ّ
الدي وأن أعمل صالحاً ترضاه} باالستقامة في القيام بحقوق
علي وعلى و ّ {رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت
ّ
ّ
تجليات صفاتك والعبادات القلبية لوجهك ونور ذاتك {وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين} أي :بكمال ذاتك في
زمرة الكمل الذين هم سبب صالح العالم وكمال الخلق.
طٍ ذب َحَّن ُه أ َْو َلَيأِْتَيِّني ِب ُسْل َ ِ الطير َفَقال مالِي الَ أَرى اْلهدهد أَم َكان ِمن اْلغ ِآئِبين * أل ِ َّ َّ
ان ُع ّذَبَّن ُه َع َذاباً َشديداً أ َْو ألَاْ َ
َ َ ُ ْ َُ ْ َ َ َ َ َ َ َ َوتََفق َد ْ َ
ام َأرًَة تَ ْملِ ُك ُه ْم َوأُوِتَي ْت
دت ْ ين * ِإِّني َو َج ُّ ط ِب ِه َو ِج ْئتُ َك ِمن َسَبٍإ ِبَنَبٍإ َيِق ٍ
طت ِب َما َل ْم تُ ِح ْ
َح ُ
ال أ َ
ٍِ
ين * َف َم َك َث َغ ْي َر َبعيد َفَق َ ُّمِب ٍ
س ِمن دو ِن َّ ِ ش َع ِظيم * و َجدتُّها وَقومها َيس ُج ُدو َن لِ َّ
صَّد ُه ْم َع َماَل ُه ْم َف َ
ان أ ْ طُ َّن َلهم ا َّ
لش ْي َ َّللا َوَزي َ ُ ُ ُ لش ْم ِ َ َ َ ْ ََ ْ ٌ ِمن ُك ِّل َش ْي ٍء َوَل َها َع ْر ٌ
يل َف ُه ْم الَ َي ْهتَ ُدو َنالسِب ِ
َع ِن َّ
{وتفقد} حال طير القوى الروحانية ففقد هدهد القوة المفكرة ألن القوة المفكرة إذا كانت في طاعة الوهم كانت متخيلة
والمفكرة غائبة بل معدومة ،وال تكون مفكرة إال إذا كانت مطيعة للعقل {ألعذبنه عذاباً شديداً} بالرياضة القوية ومنعها
ألذبحنه} باإلماتة {أو ليأتين بسلطان مبين} أو تصير مطواعة للعقل لصفاء
ّ عن طاعة الوهمية وتطويعها للعاقلة {أو
جوهرها ونورية ذاتها فتأتي بالحجة البينة في حركتها.
{فمكث غير بعيد} أي :لم يطل زمان رياضتها لقدسيتها وما احتاجت إلى اإلماتة لطهارتها حتى رجعت بسلطان
وتمرنت في تركيب الحجج على أصح المناهج {فقال أحطت بما لم تحط به} من أحوال مدينة البدن وإدراك مبينّ ،
الجزئيات وتركيبها مع الكليات ،فإن القلب ال يدرك بذاته إالّ بالكليات وال يضمها إلى الجزئيات في تركيب القياس،
واستنتاج واستنباط الرأي إال الفكر وبواسطته يحيط بأحوال العالمين ويجمع بين خيرات الدارين {وجئتك من سبأ} مدينة
بالحس.
ّ الجسد {بنبأ يقين} عياني مشاهد
ّ
المسماة باصطالح القوم :النفس {وأوتيت من كل شيء} من األسبابّ {إني وجدت امرأة تملكهم} هي الروح الحيوانية،
التي يدبرها البدن ويتم بها تملك ه {ولها عرش عظيم} هو الطبيعة البدنية التي هي متكؤها بهيئة ارتفاعها من طبائع
تؤول مدينة سبأ بالعالم الجسماني ،والعرش بالبدن.
البسائط العنصرية التي هي المزاج المعتدل ،أو ّ
{وجدتها وقومها يسجدون} لشمس عقل المعاش المحجوب عن الحق بانقيادها له وإذعانها لحكمه دون االنقياد لحكم
الروح واالنخراط في سلك التوحيد ،واإلذعان ألمر الحق وطاعته {وزين لهم} شيطان الوهم {أعمالهم} من تحصيل
{فصدهم عن} سبيل الحق وسلوك طريق الفضيلة بالعدل {فهم ال
ّ الشهوات واللذات البدنية والكماالت الجسمانية
يهتدون} إلى التوحيد والصراط المستقيم.
َّللاُ الَ ِإَلـ َٰه ِإالَّ ُهو َر ُّب اْل َع ْر ِ الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ
ض َوَي ْعَل ُم َما تُ ْخُفو َن َو َما تُ ْعلُِنو َن * َّ ِ ِ َّ ِ َّ
ش َ أَال َي ْس ُج ُدوْا ََّّلل الذي ُي ْخ ِرُج اْل َخ ْب َء في َّ َ َ َ
ِ ظر أَصد ْقت أَم ُك ِ ِ
نت م َن اْل َكاذِب َ
ين ال َسَنن ُ ُ َ َ َ ْ َ اْل َعظي ِم * َق َ
فصدهم عن السبيل لئال ينقادوا ويذعنوا في إخراج كماالتهم إلى العقل {الذي يخرج الخبء}
{أال يسجدوا هلل} أيّ :
أي :المخبوء من الكماالت الممكنة في سموات األرواح وأرض الجسم {ويعلم ما يخفون} مما فيهم بالقوة من الكماالت
باألعمال الحاجبة والمانعة لخروج ما في االستعداد إلى العقل {وما يعلنون} من الهيئات المظلمة واألخالق المردية.
{رب العرش العظيم} المحيط بكل شيء ،فما أصغر عرش بلقيس
التعبد واالنقياد إال له ّ
{هللا ال إله إال هو} فال يجوز ّ
النفس في جنب عظمته ،فكيف ال تطيعه وتحتجب بمحبة عرشها عن طاعته {سننظر أصدقت} في تضليلهم
واإلحاطة بأحوالهم بالطريق العقلي {أم كنت من الكاذبين} بموافقة الوهم وتركيب التخيالت الفاسدة.
{أالّ تعلو علي} أال تغلبوا وال تستعلوا {وائتوني} منقادين مستسلمين .وقولها{ :يا أيها المأل أفتوني} إلى آخره ،إشارة إلى
ّ
قابلية النفس ونجابة جوهرها ومخالفتها ألمر قواها في االستعالء والغرور بهيئة الشوكة واالستيالء ،وإن لم يمكنها
أعزتها إشارة إلى منعها عن الحظوظ واللذات ،وقمع ما يغلب
القبول إال بمظاهرتهم ومشاورتهم .وإفساد القرية وإذالل ّ
ويستولي على القوى بالرياضات.
{ارجع إليهم} خطاب للمتخيل المرسل العارض للهدايا عليهم بالتسويل {فلنأتينهم بجنود} من القوى الروحانية وأمداد
لدنو
األنوار اإللهية {ال} طاقة {لهم بها ولنخرجنهم منها} بالقهر واالستيالء والقمع {أذّلة وهم} أذالء بالطبع والرتبة ّ
مرتبتهم في األ صل والطينة وتنويرها باآلداب {قبل أن يأتوني مسلمين} أي :قبل قرب النفس وقواها باألخالق والطاعة،
فإن تسخير القوى الطبيعية باألعمال واآلداب أسهل وأقرب من تسخير النفس الحيوانية وقواها باألخالق والملكات.
والعفريت هو الوهم ألنه يسخرها بالخوف والرجاء ويبعثها على األعمال بالدواعي الوهمية واألماني الموافقة.
{نكروا لها عرشها} بتغيير العادات وترك المذمومات ،ونهك القوى الطبيعية بالرياضات ،وتنكيسه بجعل ما كان أعلى
رتبة منه عندها وهي الهيئات البدنية وراحات البدن ولذاته ،وما كان في جهة اإلفراط من األكل والشرب والنوم
وأمثالها ،والقوى الطبيعية المستعلية أسفل ،وما كان أسفل من أنواع التعب والرياضة والتقليل والسهر ،وكل ما مال إلى
التفريط من األمور البدنية والقوى الروحانية المستضعفة أعلى {ننظر أتهتدي} إلى الفضائل وطرق الكماالت بالرياضة
لنجاة جوهرها وشرف أصلها وحسن استعدادها وقبولها {أم تكون من الذين ال يهتدون} إليها لعكس ما ذكر.
متنورة بأنواره ،متخّلقة بأخالقه ،منقادة مستسلمة بجنودها {قيل أهكذا عرشك} أي:
{فلما جاءت} مترقية إلى مقام القلب ّ
على هذه الصورة المغيرة عرشك أم على الصورة األولى؟ أي :أهذا صورته المستوية التي ينبغي أن يكون عليها أم
كأن هذا بالنسبة إلى حالي هو بالنسبة إلى الحالة األولى ،أي :إذا
تلك ،وتلك منكوسة أم هذه {قالت كأنه هو} أيّ :
كنت متوجهة إلى جهة السفل كان عرشي على تلك الصورة مطابقاً لحالي {وأوتينا العلم} من قبل هذه الحالة ،أي:
{وصدها ما كانت
ّ أوتيناه في األزل عند ميثاق الفطرة {وكنا} منقادين قبل هذه النشأة إال أننا نسينا فتذكرنا الساعة
تعبد} من شمس عقل المعاش بصرفها إلى التوحيد {إنها كانت من قوم} محجوبين عن الحق {قيل لها ادخلي الصرح}
بالتجرد عن المو ّاد من
ّ ممرد مملس عن تقابل األضداد وتخالف الطباع مستوياً
أي :مقام الصدر الذي هو صرح ّ
التنور {فلما رأته حسبته لجة} بحر الوحدة لكونه غاية رتبتها
المشبه بالزجاجة في الصفاء و ّ
ّ قوارير أنوار القلب الصافي
التجرد والترقي ونهاية كمالها في التداني والتلقي ،وال يتجاوز نظرها إلى أعلى منه وكل ما ال يمكن فوقه من
ّ في
الكمال لشيء فيه نهايته في التوحيد ومعظم ما يستغرق فيه من جمال المعبود والمطلوب {وكشفت عن ساقيها} يعني:
جردت جهتها السفلية التي تلي البدن وتسعى بها فيه المنقسمة إلى القوة الغضبية والشهوية عن الغواشي البدنية ّ
والمالبس الهيوالنية بقطع التعلقات لكن كان عليها شعر الهيئات الباقية من أعمالها واآلثار المسودة من كدو ارتها،
ومن هذا قيل :يدخل سليمان الجنة بعد األنبياء بخمسمائة خريف ويحبو حبواً {ظلمت نفسي} باالحتجاب واتخاذ العقل
المشرب بالهوى ،إلهاً ومعبوداً {وأسلمت} باالنقياد ألمر الحق واالنخراط في سلك التوحيد {مع سليمان
ّ المشوب بالوهم،
رب العالمين} وعلى تأويل العرش بالبدن يستقيم هذا أيضاً ويتجه وجه آخر وهو أن يراد أنها كانت محجوبة هلل ّ
بمعقولها ما بقي عرشها ،وما انقادت لسليمان القلب إال في النشأة الثانية ،فعلى هذا يكون {الذي عنده علم من
الفعال وإيتاؤه به قبل ارتداد الطرف إيجاد البدن الثاني في آن واحد ،ومعنى{ :قبل أن يأتوني
الكتاب} هو العقل ّ
{ولقد أرسلنا إلى ثمود} أي :أهل الماء القليل الذي هو المعاش صالح القلب بالدعوة إلى التوحيد {فإذا هم فريقان}
فريق القوى الروحانية وفريق القوى النفسانية {يختصمون} .تقول األولى :ما جاء به صالح حق ،وتقول الثانية :بل
باطل ،وما نحن عليه حق {لم تستعجلون بالسيئة} أي :االستيالء على القلب بالرذيلة {قبل} اإلتيان بالفضيلة {لوال
بالتنور بنور التوحيد ،والتنصل عن الهيئات البدنية المظلمة {لعلكم ترحمون} بإفاضة الكمال.
تستغفرون هللا} ّ
وفاحشة قوم لوط في هذا التطبيق وهي إتيان الذكور ،إتيان القوى النفسانية أدبار القوى الروحانية واستنزالهم عن رتبة
التأثير بتأثرهم عن تأثير هذه من الجهة السفلية واستيالؤها عليهم في تحصل اللذات والشهوات البدنية بهم.
{قل الحمد هلل} بظهور كماالته وتجليات صفاته على مظاهر مخلوقاته {وسالم على عباده الذين اصطفى} بصفاء
استعداداتهم وبراءتهم من النقص واآلفة ،فالحمد مطلقاً مخصوص به لكون جميع الكماالت الظاهرة على مظاهر
األكوان صفاته الجمالية والجاللية ليس لغيره فيها نصيب ،وصفاء ذوات المصطفين من عباده ونزاهة أعيانهم عن
النبوي بالفعل هو قوله ذلك مأمو اًر به من
ّ نقص االستعداد ،وآفة الحجاب سالمه عليهم وحصول األمرين للمظهر التام
عين الجمع في مقام التفصيل ،منتقالً من مقام التفصيل لعين الجمع ،مبتدئاً منه وراجعاً إليه {آهلل} الذي له الحمد
المطلق والسالم المطلق ،خير مطلق محض في ذاته {أما يشركون} من األكوان التي أثبتوا لها وجوداً وتأثي اًر إذ ال
يبقى بعد الكمال المطلق والقبول المطلق الذي هو اسم السالم المطلق باعتبار الفيض األقدس إال العدم البحت،
الشر الصرف المطلق الذي يقابل الخير المحض المطلق فكيف يكون خي اًر.
و ّ
ان َل ُك ْم أَن تُنِبتُوْا َش َج َرَها أَِإَلـ ٌٰه ٍ ِ ِ َنزل َل ُكم ِمن َّ ِ َمن خَلق َّ ِ
ات َب ْه َجة َّما َك َ َنب ْتَنا ِبه َح َدآئ َق َذ َ
آء َفأ َ
الس َمآء َم ً ض َوأ َ َ ْ ّ َ الس َٰم َٰوت َواأل َْر َ أ َّ ْ َ َ
ض َق َار اًر َو َج َع َل ِخالََل َهآ أ َْن َها اًر َو َج َع َل َل َها َرَو ِاسي َو َج َع َل َب ْي َن اْلَب ْح َرْي ِن َحا ِج اًز
َ َمن َج َع َل األ َْر َ َّللاِ َب ْل ُه ْم َق ْوٌم َي ْع ِدُلو َن * أ َّ
َّم َع َّ
َّللاِ
ض أَِإَلـ ٌٰه َّم َع َّ ِ أَِإَلـ ٌٰه َّمع هللا ب ْل أَ ْكثَرُهم الَ ي ْعَلمو َن * أ َّ ِ
السوء وَي ْج َعُل ُكم ُخَلَفآء األ َْر ِ
َ ْ ف ُّ َ َ طَّر ِإ َذا َد َعاهُ َوَي ْكش ُضَيب اْل ُم ْ
َمن ُيج ُ ُ ْ َ ُ َ َ
َّللاِ تَ َعاَلى َّ
َّللاُ اح ُب ْش َاًر َب ْي َن َي َد ْي َر ْح َمِت ِه أَِإَلـ ٌٰه َّم َع َّ ات اْلَبِّر َواْلَب ْح ِر َو َمن ُي ْرِس ُل ِّ
الرَي َ
ظُلم ِ َمن يه ِد ُ ِ
يك ْم في ُ َ َقليالً َّما تَ َذ َّك ُرو َن * أ َّ َ ْ
ِ
َّللاِ ُق ْل َهاتُوْا ُب ْرَه َان ُك ْم ِإن ُكنتُ ْم
ض أَِإَلـ ٌٰه َّم َع َّ السم ِآء واأل َْر ِ ِ
عيدهُ َو َمن َي ْرُزُق ُكم ّم َن َّ َ َع َّما ُي ْش ِرُكو َن * أ َّ
َمن َي ْب َد ُؤْا اْل َخْل َق ثُ َّم ُي ُ
ِعْل ُم ُه ْم ِفي الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ
ض اْل َغ ْي َب ِإالَّ َّ ِ َّ ِِ
َّان ُي ْب َعثُو َن * َب ِل اَّد َار َ
ك َّللاُ َو َما َي ْش ُع ُرو َن أَي َ ين * ُقل ال َي ْعَل ُم َمن في َّ َ صادق َ َ
* َلَق ْد ُو ِع ْدَنا ِ ِ
ين َكَف ُروْا أَإ َذا ُكَّنا تَُراباً َو َآبآ ُؤَنآ أَإَّنا َل ُم ْخ َرُجو َن ِ َّ ِ ِ ٍ ِ ِ ِ
ال الذ َ اآلخ َرة َب ْل ُه ْم في َش ّك ّم ْن َها َب ْل ُهم ّم ْن َها َع ُمو َن * َوَق َ
ِ ين * ُق ْل ِس ُيرواْ ِفي األ َْر ِ وآبآؤنا ِمن َقبل ِإن هـٰ َذآ ِإالَّ أ ِ
ين * ان َٰعقَب ُة اْل ُم ْج ِرِم َ
ف َك َظ ُروْا َك ْي َ
ض َفان ُ َساط ُير األََّولِ َ
َ ُْ ْ َ َ َ َُ َهـٰ َذا َن ْح ُن
ين * ُق ْل َع َس ٰى أَن َي ُكو َن عَلي ِهم والَ تَ ُكن ِفي ضي ٍق ِم َّما يم ُكرو َن * ويُقوُلو َن متَى هـٰ َذا اْلوعد ِإن ُكنتُم ِ ِ والَ تَ ْح َزْن
صادق َ ْ َ َ ٰ َ َ ُْ ََ َ ْ ّ َْ ُ َْ ْ َ َ
الن ِ ِ ض ٍل َعَلى َّ َّ ِ
اس َوَلـٰك َّن أَ ْكثَ َرُه ْم الَ َي ْش ُك ُرو َن * َوإِ َّن َرب َ
َّك َلَي ْعَل ُم َما ض الذي تَ ْستَ ْع ِجُلو َن * َوإِ َّن َرب َ
َّك َل ُذو َف ْ ف َل ُكم َب ْع َُرِد َ
ص َعَل ٰى َبِني ض ِإالَّ ِفي ِكتَ ٍ السم ِآء واأل َْر ِ ٍِ ِ ِ ِ ِ
آن َيُق ُّين * ِإ َّن َهـٰ َذا اْلُق ْر َ اب ُّمِب ٍ ورُه ْم َو َما ُي ْعلُنو َن * َو َما م ْن َغآئَبة في َّ َ َ ص ُد ُ تُك ُّن ُ
ِ ِ ِِ ِ ِ ِ ِِ ِ َّ ِ ِ ِ
يم ِ
َّك َيْقضي َب ْيَن ُهم ب ُح ْكمه َو ُه َو اْل َعز ُيز اْل َعل ُ ين * ِإن َرب َ يل أَ ْكثَ َر الذي ُه ْم فيه َي ْخَتلُفو َن * َوإَِّن ُه َل ُه ًدى َوَر ْح َم ٌة ّلْل ُمؤ ِمن َ إ ْس َرائ َ
ين * َو َمآ أَ َ
نت َّ
آء ِإ َذا َول ْوْا ُم ْدِب ِر َ ين * ِإَّن َك الَ تُ ْس ِم ُع اْل َم ْوتَ ٰى َوالَ تُ ْس ِم ُع ُّ ُّ َّللاِ ِإَّن َك َعَلى اْل َح ِّق اْل ُمِب ِ
* َفتََوَّك ْل َعَلى َّ
الص َّم الد َع َ
ِّم َن ضالَلِت ِه ْم ِإن تُ ْس ِم ُع ِإالَّ َمن ُي ْؤ ِم ُن ِب َآي ِاتَنا َف ُهم ُّم ْسلِ ُمو َن ِ
* َوإِ َذا َوَق َع اْلَق ْو ُل َعَل ْي ِهم أ ْ
َخ َر ْجَنا َل ُه ْم َد َّآب ًة ِب َهادي اْل ُع ْم ِي َعن َ
ِ أ َّ ٍ
* وزُعو َن ُمة َف ْوجاً ِّم َّمن ُي َك ّذ ُب ِب َآي ِاتَنا َف ُه ْم ُي َ اس َك ُانوا ِب َآي ِاتَنا الَ ُيوِقُنو َن * َوَي ْوَم َن ْح ُش ُر ِمن ُك ِّل ض تُ َكّلِ ُم ُه ْم أ َّ
َن َّ
الن َ األ َْر ِ
يهم ِب َما َ
ظَل ُموْا َف ُه ْم الَ * ووَقع اْلَقول َعَل ِ
ََ َ ْ ُ َما َذا ُكنتُ ْم تَ ْع َمُلو َنطوْا ِب َها ِعْلماً أ َّ
َك َّذ ْبتُم ِب َآي ِاتي َوَل ْم تُ ِحي ُ
ال أ َ
آءو َق َ
َّ ِ
َحت ٰى إ َذا َج ُ
آلي ٍ
ات ِّلَق ْو ٍم ُي ْؤ ِمُنو َن ص اًر ِإ َّن ِفي َذِل َك النهار مب ِ ِِ َّ ِ ِ
َ َينطُقو َن * أََل ْم َي َرْوْا أََّنا َج َعْلَنا اْللْي َل لَي ْس ُكُنوْا فيه َو َّ َ َ ُ ْ
{أمن خلق السموات واألرض} أي :المؤثر المطلق الموجد للكل من األعيان الممكنة وصفاتها خير في التأثير
واإليجاد ،أم ما ال وجود له ،فكيف بالتأثير واإليجاد{ .أإله مع هللا} في التأثير واإليجاد {بل هم قوم يعدلون} عن
الحق ،فيثبتون الباطل بالتوهم{ .أمن يهديكم} إلى نور ذاته {في ظلمات ّ
البر} أي :حجب األكوان واألفعال {والبحر}
أي :حجب الصفات {ومن يرسل} رياح النفحات محيية للقلوب من يدي رحمة التجليات.
{وإذا وقع القول عليهم} أي :وإذا تحقق وقوع ما سبق في القضاء حكمنا به من الشقاوة األبدية عليهم {أخرجنا لهم
دابة} من صورة نفس كل شقي مختلفة الهيئات واألشكال هائلة ،بعيدة النسبة بين أطرافها وجوارحها على ما ذكر من
ّ
قدام القيامة الصغرى التي هي من أشراطها {تكلمهم} بلسانّ البدن أرض من وملكاتها قصتها بحسب تفاوت أخالقها
{أن الناس كانوا بآياتنا} قدرتنا على البعث {ال يوقنون}.
حياتها وصفاتها ّ
ِ ِ ِ ِ َّ ِ ور َفَف ِزع من ِفي َّ ِ َوَي ْوَم ُي َنف ُخ ِفي ُّ
ين * َوتََرى اْلجَب َ
ال َّللاُ َوُك ٌّل أَتَ ْوهُ َداخ ِر َ الس َٰم َٰوت َو َمن في األ َْرض إال َمن َش َ
آء َّ َ َ الص ِ
آء ِباْل َح َسَن ِة َفَل ُه ن ٍ ِ َّ ِ ِ
َّللا الذي أ َْتَق َن ُك َّل َش ْيء إن ُه َخب ٌير ب َما تَْف َعُلو َ * َمن َج َ
اب صنع َّ ِ َّ ِ
ُ َْ
السح ِ ِ ِ
تَ ْح َسُب َها َجام َد ًة َوه َي تَ ُمُّر َمَّر َّ َ
الن ِار َه ْل تُ ْج َزْو َن ِإالَّ َما ُكنتُ ْم َت ْع َمُلو َن * آمنون * ومن جآء ِب َّ ِ ٍِ
وه ُه ْم ِفي َّ السِّيَئة َف ُكب ْ
َّت ُو ُج ُ ََ َ َ َخ ْيٌر ِّم ْن َها َو ُه ْم ِّمن َف َزٍع َي ْو َمئذ ِ ُ َ
ِِ يء وأ ُِمرت أَن أ ُ ِ ٍ ِ َّ ِ ِِ ِ
آن َف َم ِن َن أ َْتُلَوْا اْلُق ْر َ
ين * َوأ ْ َكو َن م َن اْل ُم ْسلم َ َعُب َد َر َّب َهذه اْلَبْل َدة الذي َحَّرَم َها َوَل ُه ُك ُّل َش َ ْ ُ ْ َن أ ْ ِإَّن َمآ أُم ْر ُت أ ْ
اهتد ٰى َفِإَّنما يهت ِدي لِنْف ِس ِه ومن ض َّل َفُقل ِإَّنمآ أَن ْا ِمن اْلم ِنذ ِرين * وُق ِل اْلحمد ََّّللِ سي ِر ُ ِ ِ
ُّك يك ْم َآياته َفتَ ْع ِرُف َ
ون َها َو َما َرب َ َُ َ ُْ َ ْ َ َ َ ُ َ ََ َ َ َ ََْ ْ ََ
ِب َغ ِاف ٍل َع َّما تَ ْع َمُلو َن
{ويوم ينفخ في الصور} النفخة األولى نفخة اإلماتة في القيامة الصغرى {ففزع َم ْن في السموات ومن في األرض}
المجردين والجهال والجهار البدنيين ،أو من القوى الروحانية والجسمانية {إال من شاء هللا} من الموحدين
ّ من العقالء
الفانين في هللا ،والشهداء القائمين باهلل {وكل أتوه} إلى المحشر للبعث ،صاغرين ،أذالء ،ال قدرة لهم وال اختيار ،أو
أتوه منقادين قابلين لحكمه بالموت.
نمن على الذين استضعفوا} باإلذالل واإلهانة واالستعمال في األعمال الطبيعية واالستخدام في تحصيل
{ونريد أن ّ
مقدمين {ونجعلهم}
اللذات البهيمية والسبعية وذبح األبناء واستحياء النساء ،فننجيهم من العذاب {ونجعلهم} رؤساء ّ
وراث األرض وملوكها بإفناء فرعون وقومه {ونم ّكن لهم في األرض} بالتأييد {ونري فرعون} النفس ّ
األمارة {وهامان} ّ
المسمى عقل المعاش {وجنودهما} من القوى النفسانية {ما كانوا يحذرون} من ظهور موسى
ّ العقل المشوب بالوهم
القلب وزوال ملكهم ورياستهم على يده.
يه ِفي الي ِم والَ تَخ ِافي والَ تَح َزِني ِإَّنا ر ُّآدوه ِإَلي ِك وج ِ
اعُلوهُ ِم َن يه َفِإ َذا ِخْف ِت عَلي ِه َفأَْلِق ِ ض ِع ِ ُم موسى أَن أَر ِ
َ ُ ْ ََ َ ْ َّ َ َ َْ َوأ َْو َح ْيَنآ ِإَل ٰى أ ِّ ُ َ ٰ ْ ْ
ِ ِِ ِ ِ ِ طه ِ ِ
ام َأرَةُ
ين * َوَقاَلت ْ ود ُه َما َك ُانوْا َخاطئ َ ان َو ُجُن َ آل ف ْرَع ْو َن لَي ُكو َن َل ُه ْم َع ُدّواً َو َح َزناً إ َّن ف ْرَع ْو َن َو َه َ
ام َ ين * َفاْلتََق َ ُ ُ
اْل ُم ْرَسل َ
ارغاً ِإن
وس ٰى َف ِ َّ ِ ِ ِ
ف ْرَع ْو َن ُقَّر ُت َع ْي ٍن ّلي َوَل َك الَ تَْقُتُلوهُ َع َس ٰى أَن َي ْنَف َعَنا أ َْو َنتخ َذهُ َوَلداً َو ُه ْم الَ َي ْش ُع ُرو َن * َوأ ْ
َصَب َح ُف َؤ ُاد أ ُِّم ُم َ
ين ِ ِ ِ
طَنا َعَل ٰى َقْلِب َها لتَ ُكو َن م َن اْل ُم ْؤ ِمن ََك َاد ْت َلتُْب ِدي ِب ِه َل ْوال أَن َّرَب ْ
{فالتقطه آل فرعون} من القوى النفسانية الظاهرة عليه ،الغالبة على أمره ،فإنه ال يصل إلى التمييز والرشد وال يتوقى
إال بمعاونة التخيل والوهم وسائر المدركات الظاهرة والباطنة وإمدادها {ليكون لهم ّ
عدواً وحزناً} في العاقبة ويعلم أن
عدوه النفس التي بين جنبيه فيقهرها وأعوانها بالرياضة ويفنيها بالقمع والكسر واإلماتة.
أعدى ّ
{وقالت امرأة فرعون} أي :النفس المطمئنة العارفة بنور اليقين والسكينة حالة المحبة لصفائها له التي تستولي عليها
{قرة عين لي} بالطبع للتناسب {ولك} بالتوسط ورابطة الزوجية والتواصل .وقيل ،قال
األمارة وتؤثر فيها بالتلوين ّ
ّ
فرعون :لك ال لي .وعالجوا التابوت فلم ينفتح ،ففتحته آسية بعدما رأت نو اًر في جوفه ّ
فأحبته {عسى أن ينفعنا} في
تحصيل أسباب المعاش ورعاية المصالح وتدبير األمور بالرأي {أو نتخذه ولداً} بأن يناسب النفس دون الروح ،ويتبع
الهوى ،ويخدم البدن باإلصالح ،فيقوينا {وهم ال يشعرون} على أن األمر على خالف ذلك.
اض َع ِمن َقْب ُل َفَقاَل ْت َه ْل أ َُدُّل ُك ْم َعَل ٰى يه َفبصر ْت ِب ِه عن جن ٍب وهم الَ ي ْشعرو َن * وحَّرمنا عَلي ِه اْلمر ِ وَقاَلت ألُخِت ِه ُق ِ ِ
َ َ َْ َ ْ ََ َ ُُ َ ُْ َ ُُ ص ََُ ّ َ ْ ْ
َّللاِ َح ٌّق َوَلـ ِٰك َّن ُم ِه َكي تََقَّر َع ْيُن َها َوالَ تَ ْح َزَن َولِتَ ْعَل َم أ َّ
َن َو ْع َد َّ اصحو َن * فرددناه ِإلى أ ِ ِ ٍ
َه ِل َب ْيت َي ْكُفُل َ
ون ُه َل ُك ْم َو ُه ْم َل ُه َن ُ أْ
ََ َ ْ َ ُ َ ٰ ّ ْ
ِِ ِ
يناستََو ٰى آتَْيَناهُ ُح ْكماً َو ِعْلماً َوَك َذل َك َن ْجزِي اْل ُم ْحسن َ
َشَّدهُ َو ْ
أَ ْكثَ َرُه ْم الَ َي ْعَل ُمو َن * َوَل َّما َبَل َغ أ ُ
{قصيه} أي :اتبعيه وتفقدي حاله بالحركة في تصفح معانيه المعقولة وكماالته العلمية
القوة المفكرة ّ
{وقالت ألخته} ّ
حده وال تطلع عن مكاشفته وأس ارره وما
والعملية {فبصرت به عن جنب} أدركت حاله عن بعد ألنها ال ترتقي إلى ّ
يحصل له من أنوار صفاته {وهم ال يشعرون} أي :ال يطلعون على اطالع أخته عليه لقصور جميع القوى النفسانية
حد المفكرة وبلوغ شأوه.
عن ّ
{وحرمنا عليه المراضع} أي :منعناه من التقوي والتغذي بلذات القوى النفسانية وشهواتها وقبول أهوائها وإعدادها {من
ّ
قبل} أي :قبل استعمال الفكر بنور االستعداد وصفاء الفطرة {فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم} بالقيام
بتربيته باألخالق واآلداب ويرضعونه بلبان المبادىء من المشاهدات والوجدانيات والتجريبات ،وما طريقة الحس
والحدس من العلوم {وهم له ناصحون} يشدونه بالحكم العملية واألعمال الصالحة ،ويه ّذبونه وال يغوونه بالوهميات
والمغالطات ،ويفسدونه بالرذائل والقبائح.
استَ َغاثَ ُه َّال ِذي ِمن ِ ين غْفَل ٍة ِمن أَهلِها َفوجد ِفيها رجَلي ِن يْقتِتالَ ِن هـٰ َذا ِمن ِش ِ ِ
ِ
يعته َو َهـٰ َذا م ْن َع ُدِّوه َف ْ
َ َ َوَد َخ َل اْل َم ِد َين َة َعَل ٰى ِح ِ َ ّ ْ ْ َ َ َ َ َ َ ُ ْ َ َ
ال َر ِّب ِ
ان ِإَّن ُه َع ُدٌّو ُّمض ٌّل ُّمِب ٌ
طِ ض ٰى َعَل ْي ِه َقال َهـٰ َذا ِم ْن َعم ِل َّ ِِ َّ ِ ِ ِش ِ ِ
ين * َق َ الش ْي َ َ َ وس ٰى َفَق َ يعته َعَلى الذي م ْن َع ُدّوه َف َوَك َزهُ ُم َ َ
ِ
ظ ِهي اًر ّلْل ُم ْج ِرِم َ
ين َكو َن َ ال َر ِّب ِب َمآ أ َْن َع ْم َت َعَل َّي َفَل ْن أ ُ
يم * َق َ
ِ
الرح ُ
ور َّ ِ ِ
اغف ْر لي َف َغَف َر َل ُه ِإَّن ُه ُه َو اْل َغُف ُ
ِ ِإِّني َ
ظَل ْم ُت َنْفسي َف ْ
َّ ِ َّ ِ ِ ِ ِ ِ
َنين * َفَل َّمآ أ ْ وس ٰى ِإَّن َك َل َغ ِو ٌّي ُّمِب ٌ
ال َل ُه ُم َص ِر ُخ ُه َق َ استَْنص َرهُ ِباأل َْم ِ
س َي ْستَ ْ َصَب َح في اْل َمد َينة َخآئفاً َيتَ َرق ُب َفإ َذا الذي ْ َ
* َفأ ْ
س ِإن تُ ِر ُيد ِإالَّ أَن تَ ُكو َن َجبَّا اًر ِفي ال يٰموس ٰى أَتُ ِر ُيد أَن تَْقُتَلِني َكما َقَتْل َت َنْفساً ِباأل َْم ِ َّ أَراد أَن يب ِط ِ َّ ِ
َ ش بالذي ُه َو َع ُدٌّو ل ُه َما َق َ ُ َ َ َ َْ َ
ين ض وما تُ ِر ُيد أَن تَ ُكو َن ِمن اْلم ِ ِ
ِ
صلح َ َ ُْ األ َْر َ َ
رب بما أنعمت علي} أي :اعصمني بما أنعمت علي من العلم والعمل {فلن أكون ظهي اًر} معاوناً {للمجرمين} {قال ّ
ّ ّ
المرتكبين الرذائل من القوى النفسانية {فأصبح} في مدينة البدن {خائفاً} من استيالء القوى النفسانية بإشارة الدواعي
والهواجس وإلقاء أحاديث النفس والوساوس في مقام المراقبة {يستصرخه} أي :يستنصره العقل على أخرى من قوى
الحب الباعث على السلوك في هللا الذي يسمونه اإلرادة ،وإتيانه من أقصى
ّ {وجاء رجل من أقصى المدينة} هو
المدينة :انبعاثه من مكمن االستعداد عند قتل هوى النفس {يسعى} إذ ال حركة أسرع من حركته يحذره عن استيالئهم
عليه وينبهه على تشاورهم وتظاهرهم عند ظهور سلطان الوهم عليه ومقابلته ومماراته ومجادلته له على هالكه
القلب إذا ورد منهالً ارتوى من فيضه في تلك الحالة جميع القوى ّ
وتنورت بنوره {ثم تولى} من مقامه {إلى الظل} أي:
مستمداً من فضل الحق ومقامه
ّ ظل النفس في مقام الصدر مستحق اًر لعلمه المعقول بالنسبة إلى العلوم الكشفية
القدسي والعلم اللدني الكشفي.
{فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} أي :محتاج سائل لما أنزلت إلي من الخير العظيم الذي هو العلم
ّ ّ
الكشفي وهو مقام الوجد والشوق ،أي :الحال السريع الزوال وطلبه حتى يصير ملكاً.
{قالت إحداهما يا أبت استأجره} أي :استعمله بالمجاهدة في هللا والمراقبة لحاله في رعاية أغنام القوى حتى ال تنتشر
وتشوش فرقتنا ،وبالذكر القلبي في مقام تجليات الصفات والسير فيها بأجره ثواب التجليات وعلوم
فتفسد جمعيتنا ّ
{القوي} على كسب الكمال {األمين} الذي ال يخون عهد هللا بالوفاء
ّ المكاشفات {إن خير من استأجرت} لهذا العمل
بإبرازها في االستعداد من وديعته أو ال يخون الروح بالميل إلى بناته فيحتجب بالمعقول .وقد قيل :إن الرعاة كانوا
يضعون على رأس البئر حج اًر ال يقله إال سبعة رجال ،وقيل عشرة ،فأقله وحده وذلك قوته .وفيها إشارة إلى أن العلم
اللدني ال يحصل إال باالتّصاف بالصفات السبع اإللهية أو العشر.
{قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين} أي :أجعلها تحتك ،تحظى عندك بنور القدس وعلوم الكشف وتكون
ّ
بحكمك وأمرك ال تحتجب عنك بقولها {على أن تأجرني ثماني حجج} أي :تعمل ألجلي بالمجاهدة حتى تأتي عليك
ثمانية أطوار هي أطوار الصفات السبعة اإللهية بالفناء عن صفاته في صفات هللا التي آخرها مقام المكالمة مع طور
ظ ْر ِإَل ْي َك}[األعراف ،اآلية.]143: {ر ِّب أ ِِ
َرني أَن ُ المشاهدة التي يتم بها الوصول المطلوبة بقولهَ :
ور نا اًر َقال أل ِ ِ َفَل َّما َقضى موسى األَجل وسار ِبأ ِ
يك ْم ِّم ْن َهاام ُكثُوْا ِإِّني َآن ْس ُت َنا اًر َّل َعِّلي ِآت ُ َهله ْ َ ْ
ُّ ِ ِ
َهلِه َآن َس من َجان ِب الط ِ َ ََ ََ َ ْ َ ٰ ُ َ
ىء اْلَو ِادي األ َْي َم ِن ِفي اْلُبْق َع ِة اْل ُمَب َارَك ِة ِم َن اط ِ طُلون * َفَل َّمآ أَتَاها نوِدي ِمن َش ِ
َ ُ َ صَ َ َّ ِب َخَب ٍر أ َْو َج ْذ َوٍة ِّم َن َّ
الن ِار َل َعل ُك ْم تَ ْ
آن َوَّل ٰى ُم ْدِب اًر َوَل ْم ُي َعِّق ْب
آها تَ ْهتَُّز َكأََّن َها َج ٌّ
اك َفَل َّما َر َ
ص َ َن أَْل ِق َع َ ين * َوأ ْ
ِ وس ٰى ِإِّني أََنا َّ
َّللاُ َر ُّب اْل َعاَلم َ ٰم َ
َّ ِ
الش َج َرة أَن ي ُ
اح َك ِم َن ضآء ِم ْن َغ ْي ِر س ٍ اآلمِنين * اسُلك يد ِ يٰموسى أَ ْقِبل والَ تَخف ِإَّنك ِمن ِ
اض ُم ْم ِإَل ْي َك َجَن َ وء َو ْ ِ
ُ ك في َج ْيب َك تَ ْخ ُرْج َب ْي َ َ ْ ْ ََ َ َ ُ َٰ ْ َ َ ْ َ َ
ِِ ِِ ِ الره ِب َف َذ ِانك برهان ِ ِ
ِك ِإَل ٰى ف ْرَع ْو َن َو َمَلئه ِإَّن ُه ْم َك ُانوْا َق ْوماً َفاسق َ
ين ان من َّرّب َ َ ُْ َ َ َّ ْ
{واضمم إليك جناحك من الرهب} أي :ال تخف من االحتجاب والتلوين عند الرجوع من هللا واربط جأشك بتأييدي آمناً
قدس هللا روحه العزيز في شهود الوحدة ومقام الفناء
متحققاً باهلل .وقد سمعت شيخنا المولى نور الدين عبد الصمد ّ
عن أبيه أنه كان بعض الفقراء في خدمة الشيخ الكبير شهاب الدين السهروردي في شهود الوحدة ومقام الفناء ذا ذوق
عظيم ،فإذا هو في بعض األيام يبكي ويتأسف ،فسأله الشيخ عن حاله .فقال :إني حجبت عن الوحدة بالكثرة،
فنبه الشيخ على أنه بداية مقام البقاء ،وإن حاله أعلى وأرفع من الحال األولى وأمنه {فذانك
ورددت ،فال أجد حاليّ .
برهانان من رّبك} من التمتع المذكور.
{وأخي هارون} العقل {هو أفصح مني لساناً} ألن العقل بمثابة لسان القلب ولواله لم يفهم أحوال القلب ،إذ الذوقيات
ما لم تدرج في صورة المعقول وتتنزل في هيئة العلم والمعلوم ،وتقرب بالتمثيل والتأويل إلى مبالغ فهوم العقول
يقرر معناي في صورة العلم بمصداق البرهان {إني أخاف أن يكذبون}
يصدقني} عوناً ّ
والنفوس لم يمكن فهمها {ردءاً ّ
لبعد حالي عن أفهامهم وبعدهم عن مقامي وحالي فال ّبد من متوسط.
بالقوة
{سنشد عضدك بأخيك} نقويك بمعاضدته {ونجعل لكما} غلبة بتأثيرك فيهم بالقدرة الملكوتية وتأييدك العقل ّ
ّ
الحجة القياسية {فأوقد لي يا هامان} نار الهوى على طين الحكمة
القدسية ،وإظهار العقل كمالك في الصورة العملية و ّ
الممتزجة من ماء العلم وتراب الهيئات المادية {فاجعل لي} مرتبة عالية من الكمال ،من صعد إليها كان عارفاً .وهو
المادية لشوب الوهم .أي :حاولت النفس المحجوبة بأنائيته
تجرد عقله من الهيئات ّ إشارة إلى احتجابه بنفسه ،وعدم ّ
من عقل المعاش المحجوب بمعقوله أن يبني بنياناً من العلم والعمل المشوبين بالوهميات ،ومقاماً عالياً من الكمال
حد الكمال ،كما ذكر في الشعراء
الحاصل بالدراسة والتعّلم ال بالوراثة والتلقي ،من استعلى عليه توهم كونه عارفاً بالغاً ّ
النبوة ،متدربين بالمنطق والحكمة ،معتنين بهما ،معتقدين الفلسفة
أنهم كانوا قوماً محجوبين بالمعقول عن الشريعة و ّ
ظنه من الكاذبين
غاية الكمال ،منكرين للعرفان والسلوك والوصال {لعلي أطلع إلى إله موسى} بطريقة التفلسف ،وإنما ّ
لقصوره عن درجة العرفان والتوحيد ،واحتجابه بصفة األنائية والطغيان والتفرعن بغير الحق من غير أن يتّصفوا بصفة
الكبرياء عند الفناء ،فيكون ت ّكبرهم بالحق ال بالباطل عن صفات نفوسهم.
{وما كنت بجانب الغربي} أي :جانب غروب شمس الذات األحدية في عين موسى واحتجابها بعينه في مقام
ّ
المكالمة ألنه سمع النداء من شجرة نفسه ،ولهذا كانت قبلته جهة المغرب ودعوته إلى الظاهر التي هي مغارب شمس
الحقيقة بخالف عيسى عليه السالم {إذ قضينا إلى موسى األمر} أوحينا إليه بطريق المكالمة {وما كنت من
الشاهدين} مقامه في مرتبة نقبائه وأولياء زمانه الذين شهدوا مقامه ،ولكن بعد قرنك من قرنه بإنشاء قرون كثيرة بينهما
فنسوا فأطلعناك على مقامه وحاله في معراجك وطريق صراطك ليتذكروا {وما كنت ثاوياً} مقيماً {في أهل مدين} مقام
الروح {تتلو عليهم} علوم صفاتنا ومشاهداتنا ،بل كنت في طريقك إذ ترقيت من األفق األعلى فدنوت من الحضرة
األحدية إلى مقام قاب قوسين أو أدنى ،فأخبرتهم بذلك عند إرسالنا إياك بالرجوع إلى مقام القلب بعد الفناء في الحق.
تامة واسعة شاملة {من رّبك} تداركتك ورّقتك إلى مقام الفناء
السر واقفاً {ولكن رحمة} ّ
{وما كنت بجانب الطور} مقام ّ
تتدرج فيه مقامات جميع األنبياء وصارت وصفك وصورة ذاتك عند التحقق به في مقام البقاء
في الوحدة الذي ّ
حداً من الكمال ما بلغ استعدادات
النبوات و {لتنذر قوماً} بلغت استعدادتهم في القبول ّ
نبوتك بختم ّ واإلرسال لتعم ّ
أمته فـ
المتقدمين وتدعوهم إلى كمال مقام المحبوبين الذي لم يدع إليه أحد منهم ّ
ّ آبائهم الذين كانوا في زمن األنبياء
{ما أتاهم من نذير من قبلك} يدعوهم إلى ما دعوت إليه {لعلهم يتذكرون} بالوصول إلى كمال المحبة.
{الذين آتيناهم} العقل القرآني والفرقاني {من قبله هم به يؤمنون} لكمال استعدادهم دون غيرهم ّ
{إنا كنا من قبله
ُمسلِمين} وجوهنا هلل بالتوحيد ،منقادين ألمره.
{وإذا سمعوا} لغواً لفضول المانع من القبول لم يلحوا وأعرضوا لكونهم أولياء موحدين ال أنبياء {سالم عليكم} سّلمكم
المركب ،فإنهم ال
ّ هللا من اآلفات المانعة عن قبول الحق {ال نبتغي} صحبة {الجاهلين} المفقودين بالسفاهة والجهل
ينتفعون بصحبتنا وال يقبلون هدايتنا.
{فعميت عليهم األنباء يومئذ} أيُ :خِفيت عليهم الحقائق والتبست في القيامة الصغرى لكونهم محجوبين ،واقفين مع
األغيار كالعمي ،وقد رسخ جهلهم الشامل أوقات النشأتين كقوله { :ومن َكان ِفي هـ ِٰذِه أَعم ٰى َفهو ِفي ِ
اآلخ َرِة َ ْ َ َُ َ ََ
َع َم ٰى}[اإلسراء ،اآلية{ ،]72:فهم ال يتساءلون} لعجزهم عن النطلق وكونهم مختوماً على أفواههم. أْ
{فأما من تاب} تنصل عما غطى بصيرته وغشى قلبه واستعداده من صفات النفس ،وآمن بالغيب بطريق العلم ّ
بالتجرد عن
ّ {وعمل} في التحلية واكتساب الخيرات والفضائل {عمالً صالحاً فعسى أن يكون من المفلحين} الفائزين
مقام النفس بمقام القلب والرجوع إلى الفطرة من حجاب النشأة.
{ورّبك يخلق ما يشاء} من المحجوبين والمكاشفين {ويختار} بمقتضى مشيئته وعنايته لهم ما يريد {ما كان لهم الخيرة}
في ذلك {سبحان هللا} ّنزهه عن أن يكون لغيره اختيار مع اختياره فيكون شريكه.
{ال إله إال هو} ال شريك له في الوجود {له الحمد} المطلق لثبوت جميع الكماالت الظاهرة على مظاهر األكوان،
قوياً عزي اًز،
غنياً ّ
وعزته جميالً ّ غني قوي عزيز في الدنيا بجماله وغناه ّ
وقوته ّ والباطنة فيها وعنها له ،فيكون كل جميل
ّ
وكل كامل عالم عارف به في اآلخرة بكماله وعلمه ومعرفته كامالً عالماً عارفاً {وله الحكم} يقهر كل شيء على
مقتضى مشيئته ويحكم عليه بموجب إرادته ،فيكون كل قبيح فقير ذليل ضعيف في الدنيا بحكمه ،وتحت قهره ،كذلك
وكل محجوب مخذول ،أسير ،مردود في اآلخرة في قهره وتحت حكمه مخذوالً محجوباً أسي اًر مردوداً {وإليه ترجعون}
بالفناء في وجوده أو أفعاله وصفاته أو ذاته.
{إن جعل هللا عليكم} ليل ظلمة النفس {سرمداً إلى يوم القيامة} الصغرى {من إله غير هللا يأتيكم بضياء} من نور
الروح {أفال تسمعون} حال كونكم في الحجاب ،فتفهمون المعاني و ِ
الح َكم فتؤمنون بالغيب {إن جعل هللا عليكم} نهار
نور الروح سرمداً بالتجلي الدائم دون االستتار {إلى يوم القيامة} الصغرى {من إله غير هللا يأتيكم بليل} من أوقات
الغفالت وغلبات صفات النفس وغشاوات الطبع {تسكنون فيه} إلى حقوق نفوسكم وراحات أبدانكم {أفال تبصرون}
تجليات الحق.
بنور روح ّ
{ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار} بالغفلة والحضور في مقام القلب واالستتار والتجلي في مقام الروح {لتسكنوا} في
وتجليات صفاته ومشاهداته {لعّلكم
ّ ظلمة النفس إلى نور البدن وترتيب المعاش {ولتبتغوا} من فضل مكاشفاته
تشكرون} نعمه الظاهرة والباطنة والجسمانية والروحانية في أوالكم وأخراكم باستعمالها لوجه هللا فيما وجب عليكم من
طاعته في كل مقام به وفيه وله.
ِِ وز مآ ِإ َّن مَف ِاتحه َلتنوء ِباْلع ِ ِ ِ ِإ َّن َقارو َن َك ِ
صَبة أ ُْولِي اْلُقَّوة إ ْذ َق َ
ال َل ُه َق ْو ُم ُه َ َ ُ َُ ُ ُ ْ وس ٰى َفَب َغ ٰى َعَل ْيه ْم َوآتَْيَناهُ م َن اْل ُكُن ِ َ
ان من َق ْو ِم ُم َ َ ُ
الد ْنيا وأ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ الَ تَْف َرْح ِإ َّن َّ
َّللاُ
َح َس َن َّ َحسن َك َمآ أ ْ نس َنص َيب َك م َن ُّ َ َ ْ َّللاُ َّ
الد َار اآلخ َرَة َوالَ تَ َ اك َّ
يمآ آتَ َ ين * َو ْابتَ ِغ ف َ َّللاَ الَ ُيح ُّب اْلَف ِرح َ
َهَل َكَّللاَ َق ْد أ ْ ال ِإَّن َمآ أُوِتيتُ ُه َعَل ٰى ِعْل ٍم ِع ِندي أََوَل ْم َي ْعَل ْم أ َّ
َن َّ ين * َق َ
ِِ ِ ض ِإ َّن َّ
َّللاَ الَ ُيح ُّب اْل ُمْفسد َ ِإَل ْي َك والَ تَْب ِغ اْلَفس َاد ِفي األ َْر ِ
َ َ
ِمن َقبلِ ِه ِمن اْلُقرو ِن من هو أَشُّد ِمنه ُقَّوة وأَ ْكثَر جمعاً والَ يسأَل عن ُذنوبِ ِهم اْلمج ِرمون * َفخرج عَلى َقو ِم ِه ِفي ِزينِتهِ
َ ََ َ َ ٰ ْ َ ُ َ ْ َُ َ ْ ُ ً َ ُ َ ْ َ ُ ْ ُ َ ُ ُ ُ ْ ُ َ ْ
ِ ظ ع ِظي ٍم * وَق َّ ِ ٍ ِ َق َّ ِ
ابال الذي َن أُوتُوْا اْلعْل َم َوْيَل ُك ْم ثََو ُ َ َ الد ْنَيا ٰيَل ْي َت َلَنا م ْث َل َمآ أُوِت َي َق ُارو ُن ِإَّن ُه َل ُذو َح ّ َ
اة ُّين ُي ِر ُيدو َن اْل َحَي َال الذ َ
َ
ٍ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ َّ ِ ِ ِ َّ ِ
ون ُه
نص ُر َان َل ُه من فَئة َي ُ ض َف َما َك َ الصاب ُرو َن * َف َخ َسْفَنا به َوب َِد ِاره األ َْر َ اهآ إال َّ صالحاً َوالَ ُيَلق َ آم َن َو َعم َل َ َّللا َخ ْيٌر ّل َم ْن َ
ط ِ قِ ين تَمَّن ْوْا م َك َان ُه ِباأل َْم ِ َّ ِ ِ َّللاِ وما َك ِ ِ
آء
الرْز َ ل َمن َي َش ُ َّللاَ َي ْب ُس ُ ّ س َيُقوُلو َن َوْي َكأَ َّن َّ َصَب َح الذ َ َ َ ين * َوأ ْ ان م َن اْل ُمنتَص ِر َ من ُدو ِن َّ َ َ َ
ين الَ ُي ِر ُيدو َن َِّ ِ ِ ف ِبَنا َوْي َكأََّن ُه الَ ُيْفلِ ُح اْل َك ِاف ُرو َن * ِتْل َك َّ ِم ْن ِعَب ِادِه َوَيْق ِد ُر َل ْوال أَن َّم َّن َّ
الد ُار اآلخ َرةُ َن ْج َعُل َها للذ َ َّللاُ َعَل ْيَنا َل َخ َس َ
َّ ِ ض والَ َفساداً واْلع ِاقب ُة لِْلمتَِّقين * من جآء ِباْلحسن ِة َفَله خير ِمنها ومن جآء ِب َّ ِ ِ
السِّيَئة َفالَ ُي ْج َزى الذ َ
ين َ َ َ َ َ َ ُ َ ٌْ ّ ْ َ َ َ َ َ ُعُلّواً في األ َْر ِ َ َ َ َ َ ُ َ
آء ِباْل ُه َد ٰى َو َم ْن ٍ َّ ِ ات ِإالَّ َما السِيَئ ِ ِ
َعَل ُم َمن َج َك ِإَل ٰى َم َعاد ُقل َّرّبِي أ ْآن َل َر ُّآد َ َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * ِإ َّن الذي َف َر َ
ض َعَل ْي َك اْلُق ْر َ َعمُلوْا َّ ّ
ظ اً ِ ِ ِ َّ ِ ضالَ ٍل ُّمِب ٍ ِ
ين * َوالَ هير ّلْل َكاف ِر َ ون َّن َ اب ِإال َر ْح َم ًة ّمن َّرّب َ
ِك َفالَ تَ ُك َ نت تَ ْر ُجو أَن ُيْلَق ٰى ِإَل ْي َك اْلكتَ ُ
* َو َما ُك َين ُه َو في َ
آخ َر الَ ِإَلـ َٰه ُنزَلت ِإَليك وادع ِإَلى ربِك والَ ت ُكون َّن ِمن اْلم ْش ِرِكين * والَ تدع مع َّ ِ ات َّ ِ يصُّدَّنك عن آي ِ
َّللا ِإَلـٰهاً َ َ َْ ُ َ َ َ َّللا َب ْع َد إ ْذ أ ِ ْ ْ َ َ ْ ُ ٰ َ ّ َ َ َ َ َ ُ
ِ َ ُ َ َْ َ
ِ
ِإالَّ ُه َو ُك ُّل َشي ٍء َه ِال ٌك ِإالَّ َو ْج َه ُه َل ُه اْل ُح ْكم َوإَِل ْيه تُ ْر َج ُعو َن
ُ ْ
{إن قارون كان من قوم موسى} عالماً كبلعم بن باعوراء {فبغى عليهم} الحتجابه بنفسه وعلمه ّ
بالتكبر واالستطالة ّ
ومحبة الدنيا ابتالء من هللا لغروره واحتجابه برؤيته زينة نفسه بكاملها ،فمال هواه إلى
ّ عليهم ،فغلب عليه الحرص.
الجهة السفلية ،فخسف به فيها محجوباً ممقوت ًا.
{تلك الدار اآلخرة} من العالم القدسي الباقي {نجعلها للذين} ال يحتجبون بنفوسهم وصفاتها فتصير فيهم اإلرادة
ّ
علو في سماء الروح هوى نفسانية تطلب االستعالء واالستطالة والتكبر على الناس فيالفطرية الطالبة للترقي وال ّ
األرض ،ويصير صالحهم بطلب المعارف واكتساب الفضائل والمعالي فساداً يوجب جمع األسباب واألموال وأخذ
للمجردين الذين ّتزكت نفوسهم عن الرذائل المردية واألهواء المغوية.
ّ حقوق الخلق بالباطل {والعاقبة}
{وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب} كتاب العقل الفرقاني بتفصيل ما جمع فيك لكونك في حجب النشأة مغمو اًر،
وعما أودع فيك محجوباً {إال} أي :لكن ألقى إليك لتجلي صفة الرحمة الرحيمية {من رّبك} وظهور فيضها فيك شيئاً
ّ
تكونن ظهي اًر للكافرين} المحجوبين باحتجابك بها عن الفناء في الذات ،فتظهر أنائيتك
ّ فشيئاً حتى صارت وصفك {فال
يصدنك عن آيات هللا} وتجليات صفته فتقف مع أنائيتك كوقوفهم مع الغير فتكون من المشركين
برؤية كمالها {وال ّ
بالنظر إلى نفسك وإشراكها باهلل في الوجود {وادع إلى رّبك} به ال إلى نفسك بها ،فإنك الحبيب ،والحبيب ال يدعو إلى
نفسه وال يكون بنفسه بل إلى حبيبه بحبيبه {ال إله إالّ هو} فال تدع معه غي اًر ال نفسك وال غيرها .فمن امتثال قوله:
ص ُر}[النجم ،اآلية{ .]17:كل غ اْلَب َ
{ما َاز َ
ِك} حصل له وصف ما طغى ومن قوله{ :وال تدع مع هللا}َ ، {و ْادعُ ِإَل ٰى َرّب َ
َ
الح ْكم} بقهره كل ما سواه تحت صفاته {وإليه تُ ْر َجعون} بالفناء شيء هالك إالّ وجهه} أي :ذاته ،إذ ال موجود سواه {له ُ
في ذاته.
َّللا َّال ِذين صد ُقوْا وَليعَلم َّن اْل َك ِاذِبين * أَم ح ِسب َّال ِذين يعمُلون َّ ِ وَلَق ْد َفتََّنا َّال ِذ َ ِ ِ ِ
السِّيَئات أَن َي ْسِبُق َ
ونا َ َْ َ َ ْ َ َ َ ين من َقْبله ْم َفَلَي ْعَل َم َّن َّ ُ َ َ َ َ َ ْ َ َ
اه ُد لَِنْف ِس ِه ِإ َّن
الس ِميع اْلعلِيم * ومن جاهد َفِإَّنما يج ِ
َ َ َ ََ َ ُ َ
َّللاِ َفِإ َّن أَجل َّ ِ ٍ
َّللا آلت َو ُه َو َّ ُ َ ُ ََ آء َّ ِ
آء َما َي ْح ُك ُمو َن * َمن َك َ
ان َي ْر ُجوْا لَق َ َس َ
َح َس َن َّال ِذي َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن ِ َّللا َل َغِن ٌّي ع ِن اْلعاَل ِمين * و َّال ِذين آمُنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ ِ
الصال َحات َلُن َكّف َرَّن َع ْن ُه ْم َسِّيَئات ِه ْم َوَلَن ْج ِزَيَّن ُه ْم أ ْ َ َ َ ََ َ َ َ َّ َ
ك ِبي َما َل ْي َس َل َك ِب ِه ِعْل ٌم َفالَ تُ ِط ْع ُه َمآ ِإَل َّي َم ْرِج ُع ُك ْم َفأَُنِّبُئ ُكم ِب َما ُكنتُ ْم اإل ْنسان ِبوالِ َدي ِه حسناً وإِن جاه َد ِ
ص ْيَنا ِ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ
اك لتُ ْش ِر َ * َوَو َّ
ُوذ َي ِفي اَّللِ َفِإ َذآ أ ِ
امَّنا ِب َّ ِ الن ِين * َو ِم َن َّ ات َلُن ْد ِخَلَّنهم ِفي َّ ِ ِ الصالِح ِ ِ َّ ِ
تَ ْع َمُلو َن * َوالذ َ
ول َء َ اس َمن يُق ُ الصالح َ ُْ آمُنوْا َو َعمُلوْا َّ َ ين َ
َّللا ِبأ ِ ِ ِ اب َّ ِ ِ اس َكع َذ ِ َّللاِ َج َع َل ِف ْتَن َة َّ
ورص ُد ِ َعَل َم ب َما في ُ ِك َلَيُقوُل َّن ِإَّنا ُكَّنا َم َع ُك ْم أََو َل ْي َس َّ ُ ْ صٌر ّمن َّرّب َ آء َن ْ
َّللا َوَلئ ْن َج َ الن ِ َ َّ
آمُنوْا اتَِّب ُعوْا َسِبيَلَنا َوْلَن ْح ِم ْل َخ َ َِّ ِ * وَق َّ ِ ِِ اْلعاَل ِمين * وَليعَلم َّن َّ َّ ِ
اك ْم
ط َاي ُ ين َ ين َكَف ُروْا للذ َ ال الذ َ َ َ آمُنوْا َوَلَي ْعَل َم َّن اْل ُمَنافق َ
ين ين َ َّللاُ الذ َ َ َْ َ َ َ
ِ ِ ِ ِ ِ اه ْم ِّمن َشي ٍء ِإَّن ُه ْم َل َك ِاذُبو َن ين ِم ْن َخ َ ِِ
امة َع َّما* َوَلَي ْحمُل َّن أَ ْثَقاَل ُه ْم َوأَ ْثَقاالً َّم َع أَ ْثَقاله ْم َوَلُي ْسأَُل َّن َي ْوَم اْلقَي َ ْ ط َاي ُ َو َما ُه ْم ِب َحامل َ
ظالِ ُمو َن * ُّ ٍ َّ ِ ِ ِ
ان َو ُه ْم َ َخ َذ ُه ُم الطوَف ُ ين َعاماً َفأ َ ف َسَنة ِإال َخ ْمس َ َك ُانوْا َيْفتَ ُرو َن * َوَلَق ْد أ َْرَسْلَنا ُنوحاً ِإَل ٰى َق ْو ِمه َفَلِب َث في ِه ْم أَْل َ
َّللاَ َواتَُّقوهُ ٰذلِ ُك ْم َخ ْيٌر َّل ُك ْم ِإن ُكنتُ ْم اهيم ِإ ْذ َق ِ ِ ِ ِ ِ فأَنجيناه وأَصحاب َّ ِ ِ
ال لَق ْو ِمه ْ
اعُب ُدوْا َّ َ ين * َوِإ ْب َر َ اهآ َآي ًة ّلْل َعاَلم َ السف َينة َو َج َعْلَن َ ْ َْ ُ ْ َ َ
َّللاِ الَ َي ْملِ ُكو َن َل ُك ْم ِرْزقاً َف ْابتَ ُغوْا ِع َند
ين تَ ْعُب ُدو َن ِمن ُدو ِن َّ َّ ِ تعَلمون * ِإَّنما تعبدون ِمن دو ِن َّ ِ
َّللا أ َْوثَاناً َوتَ ْخُلُقو َن ِإ ْفكاً ِإ َّن الذ َ ُ َ َ ْ ُُ َ َْ ُ َ
الرس ِ َّ ِ
اش ُكروْا َله ِإَليه تُرجعو َن * وإِن تُ َك ّذبوْا َفَق ْد َك َّذب أ ِ ِ ِ َّللاِ ِّ
ول ِإال اْلَبالَغُ اْل ُمِب ُ
ين ُم ٌم ّمن َقْبل ُك ْم َو َما َعَلى َّ ُ َ َ ُ َ اعُب ُدوهُ َو ْ ُ ُ ْ ْ َ ُ الرْز َق َو ْ َّ
ف َب َدأَ اْل َخْل َقظ ُروْا َك ْي َ
ض َفان ُ َّللاِ َي ِس ٌير * ُق ْل ِس ُيروْا ِفي األ َْر ِ َّللاُ اْل َخْل َق ثُ َّم ُي ِع ُيدهُ ِإ َّن ٰذلِ َك َعَلى َّ ئ َّ ِ
ف ُي ْبد ُ* أ ََوَل ْم َي َرْوْا َك ْي َ
{ولقد فتّنا الذين من قبلهم} من أهل االستبصار واالستعداد بأنواع المصائب والمحن والرياضات والفتن ،حتى يتميز
مهوس الضعيف االستعداد.
الصادق في الطلب ،القابل للكمال بظهور كماله من الكاذب ال ّ
{من كان يرجو لقاء هللا} في أحد المواطن سواء كان موطن الثواب واآلثار أو موطن األفعال أو موطن األخالق أو
موطن الصفات أو موطن الذات {فإن أجل هللا} في إحدى المقامات الثالثة {آلت} أي :فليتيقن وقوع اللقاء بحسب
حاله ورجائه عند األجل المعلوم ،وليعمل الحسنات ليجد الكرامة في جنة النفس من باب اآلثار واألفعال عند الموت
الطبيعي ،أو ليجتهد في المحو بالرياضات والمراقبات ليشاهد في جنة القلب من تجليات الصفات ومقامات األخالق
حق جهاده بالفناء فيه ليجد روح الشهود وذوق الجمال في
ويدعيه عند الموت اإلرادي ،أو ليجاهد في هللا ّ
ما يشتهيه ّ
الطامة الكبرى.
جنة الروح عند الموت األكبر و ّ
ألي موطن أراد {فإنما يجاهد لنفسه}{ .والذين آمنوا} كل واحد من أنواع اإليمان
{ومن جاهد} في أي مقام كان ّ
المذكورة {وعملوا الصالحات} بحسب إيمانهم {لنكفرّن عنهم} سيئات أعمالهم وأخالقهم ،أو صفاتهم أو ذواتهم بأنوار
ذاته {ولنجز ّينهم أحسن الذي كانوا يعملون} من أعمالنا الصادرة عن صفاتنا بدل أعمالهم.
{ووصينا اإلنسان} إلى آخره ،جعل أول مكارم األخالق إحسان الوالدين إذ هم مظه ار صفتي اإليجاد والربوبية ،فكان
وحد هللا لزمه العدل وأول العدل مراعاة حق هللا بقرن طاعتهما بطاعته ألن العدل ّ
ظل التوحيد ،فمن ّ حّقهما يلي ّ
حقوقهما ألنهما أولى الناس ،فوجب تقديم حقوقهما على حق كل أحد إال على حقه تعالى ،ولهذا أوجبت طاعتهما في
كل شيء إال في الشرك باهلل.
ض ُكم ِبَب ْع ٍ الدنيا ثُ َّم يوم اْلِقي ِ ِ ِ ِ َّللاِ أ َْوثَاناً َّم َوَّد َة
ال ِإَّن َما اتَّ َخ ْذتُ ْم ِّمن ُدو ِن َّ
ض ُك ْم
ض َوَيْل َع ُن َب ْع ُ َب ْين ُك ْم في اْل َحَياة ُّ ْ َ َ ْ َ َ َ
امة َي ْكُف ُر َب ْع ُ ْ َوَق َ
ِ ِ ِ َّ ِ ِ ط وَق ِِ ِ ِ
يم * َوَو َه ْبَنا ال إّني ُم َهاجٌر إَل ٰى َرّبِي إن ُه ُهَو اْل َعز ُيز اْل َحك ُ آم َن َل ُه ُلو ٌ َ َ
* َف َ ينالن ُار َو َما َل ُك ْم ّمن َّناص ِر َ اكم َّ
َب ْعضاً َو َمأ َْو ُ ُ
ين * َوُلوطاً ِإ ْذ اآلخرِة َل ِمن َّ ِ ِ الد ْنيا وإَِّنه ِفي ِ النبَّوة واْل ِكتَاب وآتَيَناه أ ِ ِِ ِ
الصالح َ َ َ َج َرهُ في ُّ َ َ ُ َ َ ْ ُ ْ وب َو َج َعْلَنا في ُذِّريَّته ُّ ُ َ َ اق َوَي ْعُق َ َل ُه ِإ ْس َح َ
يل َوتَأْتُو َن ط ُعو َن َّ ِ ين * أَِئَّن ُك ْم َلتَ ْأتُو َن ِّ ِ اح َش َة ما سبَق ُكم ِبها ِمن أ ٍ ِ َقال لَِقو ِم ِه ِإَّن ُكم َلتَأْتُو َن اْلَف ِ
السب َ ال َوتَْق َالرَج َ َحد ّم َن اْل َعاَلم َ َ ََ ْ َ ْ َ ْ َ ْ
انص ْرِني َعَلى ِ َّللاِ ِإن ُكنت ِمن َّ ِ ِ ان جواب َقو ِم ِه ِإالَّ أَن َقاُلوْا ا ْئِتَنا ِبع َذ ِ ِفي َن ِاد ُ
ال َر ّب ُ ين * َق َ الصادق َ َ َ اب َّ َ يك ُم اْل ُم ْن َك َر َف َما َك َ َ َ َ ْ
ال ِإ َّن اهيم ِباْلب ْشر ٰى َقاُلوْا ِإَّنا مهلِ ُكو أَه ِل هـ ِٰذِه اْلَقري ِة ِإ َّن أَهَلها َكانوْا َ ِ ِ ِ ِِ
ين * َق َ ظالم َ َْ ُ َْ ْ َ ُْ آء ْت ُرُسُلَنآ ِإ ْب َر َ ُ َ ين * َوَل َّما َج َ اْلَق ْو ِم اْل ُمْفسد َ
ِ ِ ِفيها ُلوطاً َقاُلوْا نحن أَعَلم ِبمن ِفيها َلنن ِجيَّنه وأ ِ َّ
يء
آء ْت ُرُسُلَنا ُلوطاً س َ ين * َوَل َّمآ أَن َج َ ام َأرَتَ ُه َك َان ْت م َن اْل َغاِب ِر َ َهَل ُه إال ْ َ َُ ّ َ ُ َ ْ َُْ ْ ُ َ َ
َهلِ ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ ِ
نزُلو َن َعَل ٰى أ ْ ين * إَّنا ُم ِ ام َأرَتَ َك َك َان ْت م َن اْل َغابر َ َهَل َك إال ْ وك َوأ ْ ن
ف َوالَ تَ ْح َزْ إَّنا ُمَن ُّج َ اق به ْم َذ ْرعاً َوَقاُلوْا الَ تَ َخ ْ ض َ ِب ِه ْم َو َ
ِ هـ ِٰذِه اْلَقري ِة ِرج اًز ِمن َّ ِ
اه ْم ُش َع ْيباً الس َمآء ِب َما َك ُانوْا َيْف ُسُقو َن * َوَلَقد تَّ َرْكَنا م ْن َهآ َآي ًة َبِّيَن ًة ّلَِق ْو ٍم َي ْعِقُلو َن * َوإَِل ٰى َم ْدَي َن أ َ
َخ ُ َْ ْ ّ َ َ
َصَب ُحوْا ِفي َد ِارِه ْم َخر والَ تَعثَوْا ِفي األَر ِ ِ ِ
الر ْجَف ُة َفأ ْ ين * َف َك َّذُبوهُ َفأ َ
َخ َذ ْت ُه ُم َّ ض ُمْفسد َ ْ
ِ
َّللاَ َو ْار ُجوْا اْلَي ْوَم األ َ َ ْ ْ اعُب ُدوْا َّ
ال ٰيَق ْو ِم ْ
َفَق َ
ِ لسِب ِ
يل َوَك ُانوْا ُم ْس َت ْبص ِر َ
ين صَّد ُه ْم َع ِن ا َّ َّن َلهم َّ ِِ ِ ِ
ود ْا َوَقد تََّبي َ
ِِ
َع َماَل ُه ْم َف َان أ ْ
طُ الش ْي َ َّن َل ُكم ّمن َّم َساكنه ْم َوَزي َ ُ ُ ين * َو َعاداً َوثَ ُم َ َجاثم َ
َخ ْذَنا ِب َذنِب ِه ًّ
ين * َف ُكال أ َ ِ
ض َو َما َك ُانوْا َساِبق َ استَ ْكَب ُروْا ِفي األ َْر ِ ِ ِ ِ
وس ٰى باْلَبّيَنات َف ْ آء ُه ْم ُّم َ
ان َوَلَق ْد َج َ ام َ ِ
* َوَق ُارو َن َوف ْرَع ْو َن َو َه َ
ِ ِ ِ ِ
َّللاُ
ان َّ َغ َرْقَنا َو َما َك َ الص ْي َح ُة َو ِم ْن ُه ْم َّم ْن َخ َسْفَنا ِبه األ َْر َ
ض َو ِم ْن ُه ْم َّم ْن أ ْ َفم ْن ُهم َّمن أ َْرَسْلَنا َعَل ْيه َحاصباً َو ِم ْن ُه ْم َّم ْن أ َ
َخ َذ ْت ُه َّ
نكب ِ
وت اتَّ َخ َذ ْت َب ْيتاً
َوإِ َّن أ َْو َه َن ِ
آء َك َمَثل اْل َع َ ُ ين اتَّ َخ ُذوْا ِمن ُدو ِن َّ ِ ِ َّ ِ
ظل ُمو َن * َمَث ُل الذ َ
َنفسهم ي ْ ِ ِ لِي ْ ِ
َّللا أ َْولَي َ ظل َم ُه ْم َوَلـٰكن َك ُانوْا أ ُ َ ُ ْ َ َ
* َوِتْل َك يم ِ ِ ٍ ِ ِِ ن ِ نكب ِ
وت َل ْو َك ُانوْا َي ْعَل ُمو َن * ِإ َّن َّ ِ
َّللاَ َي ْعَل ُم َما َي ْد ُعو َ من ُدونه من َش ْيء َو ُه َو اْل َعز ُيز اْل َحك ُ اْلُبُيوت َلَب ْي ُت اْل َع َ ُ
ِ ِ ِ ِٰ َّللا َّ ِ ِ ِ َّ ِ ض ِرُب َها لِ َّلن ِ
ين ض ِباْل َح ِّق ِإ َّن في ذل َك َ
آلي ًة ّلْل ُم ْؤ ِمن َ الس َٰم َٰوت َواأل َْر َ اس َو َما َي ْعقُل َهآ إال اْل َعال ُمو َن * َخَل َق َّ ُ ال َن ْ
األ َْمثَ ُ
{إنما اتّخذتم من دون هللا} شيئاً عبدتموه مودوداً فيما بينكم {في الحياة الدنيا} أو أن كل ما اتخذتم من دون هللا شيئاً
لمودة بينكم في هذه على
مودوداً فيما بينكم في الحياة الدنيا ،أو أن كل ما اتخذتم أوثاناً مودوداً في هذه الحياة أو ّ
مودة دنيوية ومودة أخروية ،والدنيوية منشؤها النفس من الجهة السفلية،
القراءتين .والمعنى :أن المودة قسمانّ :
بالمودة
ّ ويود من دون هللا ال هلل وال بمحبة هللا فهو محبوب
واألخروية منشؤها الروح من الجهة العلوية .فكل ما يحب ّ
النفسية ،وهي هوى زائل كلما انقطعت الوصلة البدنية زالت ولم تصل إلى إحدى القيامات فإنها نشأت من تركيب
التضاد والتعاند بمقتضى الطبائع كقوله تعالى:
ّ انحل التركيب وانحرف المزاج تالشت وبقي
البدن واعتدال المزاج ،فإذا ّ
{ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً} ولهذا شبهها ببيت العنكبوت في الوهن في قوله{ :مثل
الذين اتخذوا من دون هللا أولياء كمثل العنكبوت} إلى آخر اآلية .وأما األخرية فمنشؤها الذات األحدية والمحبة
فصل ما أجمل فيك من كتاب العقل القرآني بسبب الوحي ونزول {اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصالة} أيّ :
كتاب العلم الفرقاني ،وأقم الصالة المطلقة على ترتيب تفاصيل التالوة والعلوم .ومعناه :اجمع بين الكمال العلمي
ّ
والعمل المطلق ،فإن لك بحسب كل علم صالة وكما أن العلوم إما نافعة تتعلق باآلداب واألعمال وإصالح المعاش
وهي علوم القوى من غيب الملكوت األرضية ،وإما شريفة تتعلق باألخالق والفضائل وإصالح المعاد وهي علوم النفس
من غيب الصدر والعقل العلمي ،وإما كلية يقينية تتعلق بالصفات وهي على نوعين :عقلية نظرية وكشفية سرّية،
السر .وإما حقيقية تتعلق بالتجليات والمشاهدات ،وهي من غيب الروح ،وإما ذوقية لدنية
وكالهما من غيب القلب و ّ
حقية من غيب الغيوب .وبحسب كل علم صالة ،فاألولى تتعلق بالعشقيات والمواصالت وهي من غيب الخفاء .وإما ّ
هي الصالة البدنية بإقامة األوضاع وأداء األركان ،والثانية صالة النفس بالخضوع والخشوع واالنقياد والطمأنينة بين
السر بالمناجاة والمكالمة ،والخامسة صالة
الخوف والرجاء ،والثالثة صالة القلب بالحضور والمراقبة ،والرابعة صالة ّ
الروح بالمشاهدة والمعاينة ،والسادسة صالة الخفاء بالمناغاة والمالطفة ،وال صالة في المقام السابع ألنه مقام الفناء
والمحبة الصرفة الفناء في عين الوحدة .وكما كان نهاية الصالة الظاهرة وانقطاعها بظهور الموت الذي هو ظاهر
ِ ِ
َّك َحتَّ ٰى َيأْتَي َك اْلَيق ُ
ين}[الحجر ،اآلية ،]99:فكذلك انتهاء اعُب ْد َرب َ
{و ْ
اليقين وصورته كما قيل في تفسير قوله تعالىَ :
الم ْنكر} فالصالة البدنية تنهى عن المعاصي والسيئات الشرعية ،وصالة النفس تنهى
{إن الصالة تنهى عن الفحشاء و ُ
ّ
السر تنهى عن
عن الرذائل واألخالق الرديئة والهيئات المظلمة ،وصالة القلب تنهى عن الفضول والغفلة ،وصالة ّ
االلتفات إلى الغير والغيبة ،كما قال عليه السالم" :لو علم المصلي من يناجي ما التفت" .وصالة الروح عن الطغيان
بظهور القلب بالصفات كنهي صالة القلب عن ظهور النفس بها ،وصالة الخفاء عن االثنينية وظهور األنائية،
وصالة الذات تنهى عن ظهور البقية بالتلوين وحصول المخالفة في التوحيد {ولذكر هللا أكبر} الذي هو ذكر الذات
في مقام الفناء المحض ،وصالة الحق عند التمكين في مقام البقاء أكبر من جميع األذكار والصلوات {وهللا يعلم ما
تصنعون} في جميع المقامات واألحوال والصلوات.
{وال تجادلوا أهل الكتاب إالّ بالتي هي أحسن} إنما منع المجادلة مع أهل الكتاب إال بالطريقة التي هي أحسن ألنهم
ليسوا محجوبين عن الحق بل عن الدين ،فهم أهل استعداد ولطف ال أهل خذالن وقهر .وإنما ضّلوا عن مقصدهم
الذي هو الحق في الطريق لموانع وعادات وظواهر فوجب في الحكمة مرافقتهم في المقصد الذي هو التوحيد كما قال:
اعوج وانحرف عن المقصد
{وإلهنا وإلهكم واحد} ومرافقتهم في الطريق ما استقام منها ووافق طريق الحق ،ال ما ّ
كاالنقياد واالستسالم للمعبود بالحق الواحد المطلق كما قال{ :ونحن له ُم ْسلِمون} ليتحقق عندهم أنهم على الحق
متوجهون إلى مقصدهم سالكون لسبيله ،فتطمئن قلوبهم .ومالطفتهم في بيان كيفية سلوك الطريق بتصويب ما هو
{آمنا بالذي أنزل إلينا وأُنزل إليكم وإلهنا
حق مما هو عليه وتبصير ما هو باطل الحتجابهم عنه بالعبادة ،كقولهّ :
وإلهكم واحد ونحن له مسلمون} لمناسبتهم ومشراكتهم إياهم في اللطف ،فيستأنسوا بهم ويقبلوا قولهم ويهتدوا بهداهم إال
الذي ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون فبطل استعدادهم وحجبوا عن رّبهم ،وهم الذين ظلموا منهم على أنفسهم بإبطال
استعداداتهم ونقص حقوقها من كماالتها بتكديرها وتسويدها ،ومنعها عن القبول بكثرة ارتكاب الفضول فإنهم أهل القهر
للمضادة بين الوصفين.
ّ ال يؤثر فيهم إال القهر وال تنجع فيهم المالطفة
{يوم يغشاهم العذاب من فوقهم} لحرمانهم عن الحق واحتجابهم عن النور واحتراقهم تحت القهر {ومن تحت أرجلهم}
لحرمانهم اللذات والشهوات واحتجابهم عنها بفقدان األسباب واآلالت ،وتع ّذبهم بإيالم الهيئات ونيران اآلثام وهم بين
{والذين جاهدوا} من أهل الطريقة {فينا} بالسير في صفاتنا ،وهو السير القلبي ألن المبتدىء الذي هو في مقام النفس
ّ
سيره بالجهاد إلى هللا .والمجاهدة في هذا السير بالحضور والمراقبة واالستقامة إلى هللا في الثبات على حكم التجليات
{لنهدينهم} إلى طرق الوصول إلى الذات ،وهي الصفات ألنها حجب الذات ،فالسلوك فيها باالتصاف بها موصل إلى
حقيقة اال سم الثابت له تعالى بحسب الصفة الموصوف هو بها وهو عين الذات الواحدية وهي باب الحضرة األحدية
إن هللا لمع المحسنين} الذين يعبدون هللا على المشاهدة ،كما قال عليه السالم" :اإلحسان أن تعبد هللا كأنك تراه".
{و ّ
فالمحسنون السالكون في الصفات والمتّصفون بها ألنهم يعبدون بالمراقبة والمشاهدة ،وإنما قال" :كأنك تراه" ألن الرؤيةُ
والشهود العيني ال يكون إال بالفناء في الذات بعد الصفات.
{الم غلبت الروم} الذات األحدية مع صفتي العلم والمبدئية كما ذكر ،اقتضت أن روم القوى الروحانية تكون مغلوبة
في أقرب موضع من أرض النفس الذي هو الصدر ،ألن فيض المبدأ يوجب إظهار الخلق واحتجاب الحق به ،فكل
ما كان أقرب إلى الحق كان مغلوباً بالذي هو أقرب إلى الخلق وذلك حكم االسم المبدئ في مظهر النشأة وتجليه
{في بضع سنين} من األطوار التي يكون فيها الترقي إلى الكمال وأوقات الحضور والمقامات والتجليات.
{هلل األمر من قبل} بحكم اسمه المبدىء {ومن بعد} بحكم اسمه المعيد ،يدبر األمر من السماء إلى األرض ثم يعرج
إليه {ويومئذ} أي :يوم غلبة روم الروحانيات على النفسانيات {يفرح المؤمنون بنصر هللا} وتأييده من الملكوت
القوي الغالب على
ّ الع ِزيز}
المستعدين بها {وهو َ
ّ السماوية وإمدادهم باألمداد القدسية {ينصر من يشاء} من أهل عنايته
قهر الفارسيين المحجوبين {الرِحيم} بإضافة األمداد الكمالية واألنوار التأييدية القدسية على الروميين الغالبين.
أن وجوه المكاسب منوطة بسعي العباد وتدبيرهم {وهم} عن الباطن وأحوال العالم {يعلمون ظاه اًر من الحياة الدنيا} و ّ
الدار ِ
اآلخ َرَة َل ِهي اْل َحَيَوا ُن
َ {وإِ َّن َّ َ
الروحاني {هم غافلون} ال يفطنون أن وراء هذه الحياة المنقطعة حياة سرمدية كما قالَ :
َل ْو َك ُانوْا َي ْعَل ُمو َن}[العنكبوت ،اآلية ،]64:و ّ
أن وراء تدبير العباد وسعيهم هلل تعالى تقدي اًر وحكماً.
{أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق هللا} سموات الغيوب السبعة وأرض البدن {وما بينهما} من القوى الطبيعية
والملكوت األرضية والروحانية ،والملكوت السماوية والصفات واألخالق وغيرها إال بالحكمة والعدل وظهور الحق في
أجل ُمسمى} هو غاية كمال كل منهم وفنائه في هللا بمقتضى مظاهرهم بالصفات على حسب استعداد قبولها لتجّليه {و ٍ
إن كثي اًر من الناس بلقاء رّبهم
هوية استعداده األول حتى يشهدوا بقدر استعدادهم وإلقاء هللا فيهم بصفاته وذاته {و ّ
لكافرون} الحتجابهم عنه ،فيتوهمون أنه ال يكون إال بالمقابلة الصورية في عالم آخر باندراج الهوية في الهوية.
{هللا يبدأ الخلق} بإظهار الفرس على الروم {ثم ُي ِع َيده} بإظهار الروم على الفرس {ثم إليه ترجعون} بالفناء فيه.
{فس ْبحان هللا} أن يكون غيره في الوجود والصفة والفعل والتأثير {حين تُ ْم ُسون} بغلبة ظلمة الفرس على نور الروم
ُ
الح ْمد} بظهور صفات كماله وتجليات جماله في سموات صِبحون} عند ظهور نورهم على ظلمة الفرس {وله َ {وحين تُ ْ
الغيوب السبعة وقت إصباح غلبة نور الروحانيات على ظلمات النفسانيات وقرب طلوع شمس الروح ،وبظهور صفات
{وعشياً} وقت فنائهم وغيبة شمس
ّ جالله في أرض البدن عند إمساء غلبة ظلمة النفسانيات على نور الروحانيات
الروح في الذات {وحين تظهرون} في البقاء بعد الفناء عند االستقامة واالستواء.
{يخرج} حي القلب من ميت النفس باإلعادة وقت اإلصباح و {يخرج} ميت النفس من حي القلب في اإلبداء عند
ّ ّ
{وي ْحيي} أرض البدن حينئذ {وكذلك تخرجون} في النشأة الثانية.
اإلمساء ُ
{يريكم} برق اللوامع والطوالع في البدايات ،خائفين من انقضاضها وخفوقها وبقائكم في الظلمة بفواتها ،وطامعين في
وسحاب السكينة ،فيحيي بها أراضي
بها،وينزل مياه الواردات والمكاشفات بعدها من سماء الروح َ
ّ رجوعها ومزيدكم
النفوس واالستعدادات الهامدة بعد موتها بالجهل {يعقلون} بمطاوعة نفوسهم للدواعي العقلية معاني الواردات وما
يصلحهم من الحكم والمعقوالت.
{وله المثل األعلى} أي :الوصف األعلى بالفردانية في الوجود والوحدة الذاتية ،وما أحسن قول مجاهد في معناه أنه:
ال إله إال هو.
ِ
{فأق ْم وجهك} لدين التوحيد وهو طريق الحق تعالى ،ولذلك أطلق من غير إضافة أي :هو الدين مطلقاً وما سواه ليس
بدين النقطاعه دون الوصول إلى المطلوب ،والوجه هو الذت الموجودة مع جميع لوازمها وعوارضها ،وإقامته للدين
تجريده عن كل ما سوى الحق قائماً بالتوحيد والوقوف مع الحق غير ملتفت إلى نفسه وال إلى غيره فيكون سيره حينئذ
سير هللا ودينه وطريقته اللذان هو عليهما دين هللا وطريقته إذ ال يرى غيره موجوداً {حنيفاً} مائالً منحرفاً عن األديان
الباطلة التي هي طرق األغيار واألنداد لمن أثبت غيره فأشركه باهلل {فطرة هللا} أي :الزموا فطرة هللا ،وهي الحالة التي
يتبدل عن
القيم أزالً وأبداً ،ال يتغير وال ّ
التجرد في األزل وهي الدين ّ
فطرت الحقيقة اإلنسانية عليها من الصفاء و ّ
المقدر ،أي :الزموا تلك الفطرة المخصوصة باهلل منيبين إليه من
{منيبين إليه} حال من الضمير المتصل في :إلزموا ّ
الباطلةبالتجرد عن الغواشي الجبلية والعوارض
ّ جميع األغيار المتوهم وجودها من قبل شياطين الوهم والخيال وأديانها
البدنية والهيئات الطبيعية والصفات النفسانية إلى الحق ودينه {واتّقوه} بعد اإلنابة إليه بتجريد الفطرة بالفناء فيه {وأقيموا
الصالة} الشهود الذاتي {وال تكونوا من المشركين} ببقية الفطرة وظهور األنائية في مقامها {من الذين} فارقوا دينهم
الحقيقي بسقوطهم عن الفطرة واحتجابهم بحجب النشأة والعادة {وكانوا ِشَيعاً} فرقاً مختلفة لوقوف كل أحد مع حجابه
واختالف حجبهم وتفريق الشيطان إياهم في أودية صفات النفس ،فبعضهم على دين البهائم ،وبعضهم على دين
السباع ،وبعضهم على دين الهوى ،وبعضهم على دين الشيطان خاصة ،وأنواع الشياطين ال تنحصر فكذا األديان.
تكدرالفطرة
المتفرقين شيعاً مختلفة كل حزب عند ّ
ّ {كل حزب بما لديهم َف ِر ُحون} أي :من المفارقين الدين الحقيقي
ّ
وتكاثف الحجاب يفرح بما يقتضيه استعدادهم من الحجاب لكونه مقتضى طبيعة حجابه ،فيناسب حاله من االستعداد
الغالب والفرح إنما يكون باإلدراك المالئم من حيث هو مالئم وذلك مالئم في الحال بحسب االستعداد العارضي وإن
لم يالئم في الحقيقة بحسب االستعداد األصلي ،ولهذا يجب به التعذيب عند زوال العارض.
ّ
اة وهم ِب ِ
اآلخ َرِة ُه ْم َّ اب اْلح ِكي ِم * هدى ورحم ًة ّلِْلمح ِسِنين * َّال ِذ ِ ات اْل ِكتَ ِ ِ
الصالَ َة َوُي ْؤتُو َن الزَك َ َ ُ ْ يمو َن َّ ين ُيق ُ َ ًُ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ الـم * تْل َك َآي ُ
ض َّل َعن سِب ِ يث لِي ِ ِ ِ الن ِ ُيوِقُنو َن * أ ُْوَلـِٰئ َك َعَل ٰى ُه ًدى ِّمن َّرِّب ِه ْم َوأ ُْوَلـِٰئ َك ُهم اْل ُمْفلِ ُحو َن * َو ِم َن َّ
يل َ اس َمن َي ْشتَرِي َل ْه َو اْل َحد ُ ُ
َن ِفي ين * َوِإ َذا تُْتَل ٰى َعَل ْي ِه َء َاياتَُنا َوَّل ٰى ُم ْستَ ْكِب اًر َكأَن َّل ْم َي ْس َم ْع َها َكأ َّ اب ُّم ِه ٌ
ِ ِ ِ َّ ِ
َّللا ِب َغ ْي ِر عْل ٍم َوَيتَّخ َذ َها ُه ُزواً أُْوَلـٰئ َك َل ُه ْم َع َذ ٌ
َّللاِ َحّقاً َو ُهَو
يها َو ْع َد َّ الن ِعي ِم * َخالِ ِد ِ
ين ف َ َ ات َّ ِ
الصالِ َحات َل ُه ْم َجَّن ُ آمُنوْا َو َع ِمُلوْا َّ
ين َ
َّ ِ
اب أَلي ٍم * ِإ َّن الذ َ
أُ ُذَني ِه وْق اًر َفب ِّشره ِبع َذ ٍ ِ
ْ َ َ ُْ َ
َنزلَنا ض رو ِاسي أَن ت ِميد ِب ُكم وب َّث ِفيها ِمن ُك ِل دآب ٍ
َّة َوأ َ ْ الس ٰم ٰو ِت ِب َغ ْي ِر َعم ٍد تَ َرْوَن َها وأَْلَق ٰى ِفي األ َْر ِ ِ ِ
ّ َ َ َ َ ْ ََ ََ َ َ َ يم * َخَل َق َّ َ َ
اْل َعز ُيز اْل َحك ُ
َّللاِ َفأَروِني ما َذا خَلق َّال ِذين ِمن دوِن ِه ب ِل َّ
الظالِ ُمو َن ِفي السم ِآء مآء َفأ َْنب ْتَنا ِف ِ ِ ِ
ُ َ َ َ َ َ يها من ُك ّل َزْو ٍج َك ِري ٍم * َهـٰ َذا َخْل ُق َّ ُ َ م َن َّ َ َ ً َ
َّللاَ َغِن ٌّي َح ِم ٌيد * اش ُك ْر ََّّللِ َو َمن َي ْش ُك ْر َفِإَّن َما َي ْش ُك ُر لَِنْف ِس ِه َو َمن َكَف َر َفِإ َّن َّ
َن ْ ان اْل ِح ْك َم َة أ ِين * َوَلَق ْد آتَْيَنا ُلْق َم َ ضالَ ٍل ُّمِب ٍ َ
ِ
ان ِبَوالِ َد ْيه َح َمَل ْت ُه أ ُّ
ُم ُه َو ْهناً ص ْيَنا ِ ِ ِ
اَّلل ِإ َّن ِّ
ظ ُه يُٰبَن َّي الَ تُ ْش ِر ْك ِب َّ ِ
البِنه َو ُه َو َي ِع ُ
اإل ْن َس َ يم * َوَو َّ ظْل ٌم َعظ ٌك َل ُالش ْر َ ان ْال ُلْق َم ُ
َوإِ ْذ َق َ
ك ِبي َما َل ْي َس َل َك ِب ِه اك َعَل ٰى أَن تُ ْش ِر َ اه َد َ
ِ ِ
اش ُك ْر لي َولِ َوال َد ْي َك ِإَل َّي اْل َمص ُير * َوإِن َج َ
َن ْ ِ ام ْي ِن أ ِ ِ
صالُ ُه في َع َ
ِ
َعَل ٰى َو ْه ٍن َوف َ
اب ِإَل َّي ثُ َّم ِإَل َّي َم ْر ِج ُع ُك ْم َفأَُنِّبُئ ُك ْم ِب َما ُكنتُ ْم َت ْع َمُلو َن * ِ ِ اح ْب ُه َما ِفي ُّ ِعْلم َفالَ تُ ِطعهما وص ِ
الد ْنَيا َم ْع ُروفاً َواتَّب ْع َسب َ
يل َم ْن أََن َ َُْ َ َ ٌ
يف َّللا ِإ َّن َّ ِ الس ٰم ٰو ِت أَو ِفي األ َْر ِ ِ ِ ٍ ِ ِ ٍ يٰبني ِإَّنهآ ِإن تك ِم ْثَقال حب ٍ
َّة ِّم ْن
َّللاَ َلط ٌ ض َيأْت ب َها َّ ُ ص ْخ َرة أ َْو في َّ َ َ ْ َخ ْرَدل َفتَ ُك ْن في َ َ َ َُ ُ َ َّ َ
َص َاب َك ِإ َّن َذلِ َك ِم ْن َع ْزِم األ ُُموِر * َوالَ
اصب ْر َعَل ٰى َمآ أ َ
َ ْ ُ
ِ
وف و ْان َه َع ِن اْلم ْن َك ِر و ِ ِ
باْل َم ْع ُر َ ْم ْر َخِب ٌير * يُٰبَن َّي أ َِق ِم َّ
الصالَ َة َوأ ُ
ض ِمن ض ْ اغ ُ
ور * وا ْق ِ
ص ْد ِفي َم ْشِي َك َو ْ َ
َّللا الَ ي ِح ُّب ُك َّل م ْختَ ٍ
ال َف ُخ ٍ ُ ض َم َرحاً ِإ َّن َّ َ ُ ش ِفي األ َْر ِ تُص ِّع ْر َخَّد َ ِ ِ
اس والَ تَ ْم ِ
ك ل َّلن َ َ
الس ٰم ٰو ِت وما ِفي األ َْر ِ ِ ص ْو ُت اْل َح ِم ِ ِ ص ْوِت َك ِإ َّن أ َ
َسَب َغ َعَل ْي ُك ْم
ض َوأ ْ َّللاَ َس َّخ َر َل ُك ْم َّما في َّ َ َ َ َ
َن َّير * أََل ْم تَ َرْوْا أ َّ َص َوات َل َ َنك َر األ ْ َ
يل َل ُه ُم اتَِّب ُعوْا َمآ أ َ
َنزَل ِ َّللاِ ِب َغ ْي ِر ِعْل ٍم والَ ُه ًدى والَ ِكتَ ٍ
اب ُّمِن ٍ اس َمن ُي َج ِاد ُل ِفي َّ الن ِ اطَن ًة َو ِم َن َّ اهرة وب ِ ِنعمه َ ِ
ير * َوإِ َذا ق َ َ َ ظ ًَ َ َ ََُ
ِ ير * َو َمن ُي ْسلِ ْم َو ْج َه ُه ِإَلى َّ
َّللا َو ُهَو الس ِع ِ
اب َّ وهم ِإَل ٰى َع َذ ِ ان َّ ِ َِّ
ان َي ْد ُع ُ ْ
طُ الش ْي َ آءَنا أ ََوَل ْو َك َ
َّللاُ َقاُلوْا َب ْل َنتب ُع َما َو َج ْدَنا َعَل ْيه َآب َ
َّ
نك ُكْف ُرهُ ِإَل ْيَنا َم ْرِج ُع ُه ْم َفُنَنِّبُئ ُهم ِب َما
ور * َو َمن َكَف َر َفالَ َي ْح ُز َ َّللاِ َع ِاقَبةُ األ َُم ِ
استَ ْم َس َك ِباْل ُع ْرَوِة اْل ُوْثَق ٰى َوإَِل ٰى َّ ِ ِ
ُم ْحس ٌن َفَقد ْ
الس َٰم َٰو ِت
يظ * َوَلِئن َسأَْلتَ ُه ْم َّم ْن َخَل َق َّ اب غلِ ٍ ِ ِ َّللا علِيم ِب َذ ِ ِ ِ
طُّرُه ْم ِإَل ٰى َع َذ ٍ َ ضَ ور * ُن َمتّ ُع ُه ْم َقليالً ثُ َّم َن ْ الص ُد ِ ات ُّ َعمُلوْا إ َّن َّ َ َ ٌ
َّللاَ ُه َو اْل َغِن ُّي اْل َح ِم ُيد * الس ٰم ٰو ِت واألَْر ِ
ض ِإ َّن َّ ِِ ِ ِِ ض َليُقوُل َّن َّ ِ
َّللاُ ُقل اْل َح ْم ُد ََّّلل َب ْل أَ ْكثَ ُرُه ْم الَ َي ْعَل ُمو َن * ََّّلل َما في َّ َ َ َ َواأل َْر َ َ
يم * َّما ِ َّللاِ ِإ َّن َّ
َّللاَ َع ِز ٌيز َحك ٌ ض ِمن َش َج َرٍة أَ ْقالَ ٌم َواْلَب ْح ُر َي ُمُّدهُ ِمن َب ْع ِدِه َس ْب َع ُة أ َْب ُح ٍر َّما َنِف َد ْت َكلِ َما ُت َّ وَل ْو أََّنما ِفي األ َْر ِ
َ َ
َّللا س ِميع ب ِ خْلُق ُكم والَ بعثُ ُكم ِإالَّ َكنْف ٍ ِ ٍ
ص ٌير س َواح َدة ِإ َّن َّ َ َ ٌ َ َ َ ْ َ َْ ْ
{ومن يسلم وجهه إلى هللا} أي :وجوده إلى هللا بالفناء في أفعاله أو صفاته أو ذاته {وهو محسن} عابد له على
مشاهدته بحسب مقامه يعمل في األول بأعمال التوكل على مشاهدة أفعاله تعالى ،وفي الثاني بأعمال مقام الرضا
على مشاهدة صفاته ،وفي الثالث باالستقامة في التحقق به على شهود ذاته {فقد استمسك} بدين التوحيد الذي هو
أوثق العرى {وإلى هللا عاقبة األمور} بالفناء فيه وإليه انتهاء الكل.
َج ٍل النه َار ِفي اْلَّلْي ِل وس َّخ َر َّ َّللاَ ُيولِ ُج اْلَّلْي َل ِفي َّ
َّللاَ
َن َّ ُّم َس ًّمى َوأ َّ الش ْم َس َواْلَق َم َر ُك ٌّل َي ْجرِي ِإَل ٰى أ َ ََ الن َه ِار َوُيولِ ُج َّ َ أََل ْم تَ َر أ َّ
َن َّ
* أََل ْم تََر أ َّ َّللاَ ُهَو اْل َعلِ ُّي اْل َكِب ُير َن ما يدعون ِمن دوِن ِه اْلب ِ
اط ُل َوأ َّ ِب َما تَ ْع َمُلو َن َخِب ٌير * َذلِ َك ِبأ َّ
َن َن َّ َ ُ َّللاَ ُه َو اْل َح ُّق َوأ َّ َ َ ْ ُ َ َن َّ
ور * وإِ َذا َغ ِشيهم َّموج َك ُّ
الظَل ِل ٍ ِ ِ ِِ ِ ِ ِ اْلُفْلك تَجرِي ِفي اْلبح ِر ِبِنعم ِت َّ ِ ِ
َُ ْ ْ ٌ َ َّار َش ُك ٍ
صب ٍ آليات ّل ُك ّل َ َّللا لُي ِرَي ُك ْم ّم ْن َآياته ِإ َّن في َذل َك َ َْ َْ َ ْ
اس ُّها َّ صٌد َو َما َي ْج َح ُد ِب َآي ِاتَنآ ِإالَّ ُك ُّل َختَّ ٍار َكُف ٍ الدين َفَل َّما ن َّجاهم ِإَلى اْلب ِر َف ِم ْنهم ُّمْقتَ ِِ ِِ
الن ُ ور * ٰيأَي َ ُْ َّ َ ُْ ين َل ُه ّ َ َّللاَ ُم ْخلص َ َد َع ُوْا َّ
َّكم واخشوْا يوماً الَّ يجزِي والِد عن وَل ِدِه والَ موُلود هو ج ٍاز عن والِ ِدِه شيئاً ِإ َّن وعد َّ ِ َّ
َّللا َح ٌّق َفالَ تَ ُغَّرَّن ُك ُم اْل َحَياةُ َ َْ َْ َ ْ َ ٌ َ َ َ َ ْ ٌ َُ َ َ َ اتُقوْا َرب ُ ْ َ ْ َ ْ َ ْ
اع ِة َوُيَنِّزُل اْل َغ ْي َث َوَي ْعَل ُم َما ِفي األ َْرَحا ِم َو َما تَ ْدرِي َنْف ٌس َّما َذا َّللاَ ِع َندهُ ِعْل ُم َّ
الس َ ور * ِإ َّن َّ الدنيا والَ يغَّرَّن ُكم ِب َّ ِ
اَّلل اْل َغ ُر ُ ُّ ْ َ َ َ ُ
يم َخِب ٌير وت ِإ َّن َّ َي أ َْر ٍ ِ ِ
َّللاَ َعَل ٌ ض تَ ُم ُ تَ ْكس ُب َغداً َو َما تَ ْدرِي َنْف ٌس بأ ِّ
{ألم تر} أن فلك البدن تجري في بحر الهيولى بإفاضة آثار صفاته من الحياة والقدرة واإلدراك عليه وإعداده باآلالت
{بنعمة هللا} أي :لقبول الكماالت عليه {ليريكم} بهذا الجري واالستعداد من آيات تجليات أفعاله وصفاته ّ
{إن في ذلك
صبار} يصبر مع هللا في المجاهدة عن
آليات} من تجليات أفعاله وصفاته ،إذ ال تظهر إال على هذا المظهر {لكل ّ
ظهور أفعال نفسه وصفاتها ألحكام مقام التوكل والرضا {شكور} يشكر ِن َعم التجليات بالقيام بحقها والعمل بأحكام مقام
التوكل في تجليات األفعال وأحكام مقام الرضا في تجليات الصفات ليكون على مزيد من جالله.
{وإذا غشيهم موج} من غلبات صفات النفس ومقتضيات الطبع {كالظلل} كالحجب الساترة ألنوار التجليات {دعوا هللا
مخلصين له ال دين} التجؤوا إلى هللا باإلخالص والقيام بحقه في مقامهم لتنكشف الحجب ببركة الثبات على العمل
باإلخالص ،فإن السالك إذا حجب بالتلوين عن المقام األعلى وجب عليه التثبيت في المقام الذي دونه مما هو ملك
أبر مقام التوكل واألمن من الغرق في بحر
له كاإلخالص بالنسبة إلى التوكل {فلما نجاهم} بالتجلي الفعلي إلى ّ
الهيولى بغلبات النفس {فمنهم مقتصد} ثابت على العدل في القيام بحقوق التوكل والسير في أفعاله تعالى على
التمكين {وما يجحد بآياتنا} بإضافة حقوق مقامه في التجليات واحتجابه عنها في التلوينات {إال ّ
كل ختار} يغدر في
الوفاء بعقد العزيمة وعهد الفطرة مع هللا عند االبتالء بالفترة {كفور} ال يستعمل ِن َعم هللا في مراضيه وال يقضي حقوق
{اتّقوا رّبكم} احذروه في الظهور بأفعالكم وصفاتكم وذواتكم بالفناء فيه عنها {واخشوا يوماً ال يجزي والد عن ولده}
النقطاع الوصل عند بروزكم هلل المتجلى بالوحدة والقهر وال يبقى وجود للوالد والولد ،فال يجزي بعضهم عن بعض
تغرنكم الحياة الدنيا} من الحياة القلبية التي هي أقرب إليكم بأنها حقيقة دائمة فإنه ال حياة ألحد حينئذ {وال
شيئاً {فال ّ
يغرنكم باهلل الغرور} فتظهروا باألنائية وتحتجبوا بوسوسته فتقعوا في الطغيان.ّ
{إن هللا عنده ِعْلم الساعة} الكبرى لفناء الكل فيه حينئذ فكيف بعلومهم {وينزل} غيث ذلك بحسب االستعدادات قبل
ّ
تامة أم ال؟ أو في أرحام النفوس من أوالد القلوب أهي رشيدة
الفناء {ويعلم ما في} أرحام االستعداد من الكماالت أهي ّ
كاملة أم ال؟{ ،وما تدري نفس ماذا تكسب} من العلوم والمقامات في الزمان المستقبل الحتجابها عما في استعدادها
بأي أرض} من أراضي المقامات {تموت} ويفنى استعدادها النقضاء ما فيها من الكماالت ،ألن علم {وما تدري نفس ّ
االستعدادات وحدودها مما استأثر به هللا تعالى لذاته في غيب الغيب ،وهللا تعالى أعلم.
األحدية والصفات والحضرات األسمائية هو {تنزيل} كتاب العقل الفرقاني المطلق على
ّ {الم} أي :ظهور الذات
رب العالمين} بظهوره في مظهره بصورة الرحمة التامة {هللا الذي خلق السموات واألرض وما
الوجود المحمدي {من ّ
ف َسَن ٍة ِّم َّما تَ ُعُّدو َن * ٰذلِ َك َعالِ ُم اْل َغ ْي ِب ض ثُ َّم يعرج ِإَلي ِه ِفي يو ٍم َك ِ
ان مْق َد ُارهُ أَْل َ َ َْ الس َمآء ِإَلى األ َْر ِ َ ْ ُ ُ ْ
يدِبر األَمر ِمن َّ ِ
َُ ُّ ْ َ َ
ِ ٍ ِ
ين * ثُ َّم َج َع َل َن ْسَل ُه من ُسالََلة ّمن ِ
ان من ط ٍ ِ اإل ْن َس ِ ٍ
َحس َن ُك َّل َشيء َخَلَق ُه وَب َدأَ َخْل َق ِ ِ َّ الشه َاد ِة اْلع ِز ُيز َّ ِ
َّ
َ ْ يم * الذي أ ْ َ الرح ُ َ َو َ
ضَلْلَنا ِ ِ ِ
ص َار َواألَْفئ َدةَ َقليالً َّما تَ ْش ُك ُرو َن * َوَقاُلوْا أَء َذا َ وح ِه َو َج َع َل َل ُك ُم َّ
الس ْم َع َواأل َْب َ
ين * ثُ َّم سَّواه ونَفخ ِف ِ
يه ِمن ُّر ِ َ ُ ََ َ َّم ٍآء َّم ِه ٍ
{يدبر األمر} باإلخفاء والخالقية من سماء ظهور الوحدة إلى أرض خفائها وغروبها في األيام الستة {ثم يعرج إليه}
تعدون ذلك} ّ
المدبر {عالم الغيب} وحكمة الخفاء في بالظهور في هذا اليوم السابع الذي كان {مقداره ألف سنة مما ّ
الستة {والشهادة} أي :الظهور في هذا اليوم {العزيز} المنيع بستور الجالل في االحتجاب {الرحيم} بكشفها وإظهار
مختص بالصفات واألكوان كلها مظاهر
ّ الجمال {الذي أحسن كل شيء خلقه} بأن جعله مظاهر صفاته ،فإن الحسن
خصه بالتسوية أي :التعديل بأعدل األمزجة وأحسن
مختص بجمال الذات ولهذا ّ
ّ صفاته إال اإلنسان الكامل فإنه
ليستعد بذلك لقبول الروح المخصوص به تعالى {ونفخ فيه من روحه} وبهذا النوع أنهى الخلق وظهر الحق.
ّ التقويم
{آلتينا كل نفس هداها} بالتوفيق للسلوك مع المساواة في االستعداد ،ولكنه ينافي الحكمة لبقائهم حينئذ على طبيعة
وخلو أكثر مراتب هذا العالم عن أربابها
واحدة وبقاء سائر الطبقات الممكنة في حين اإلمكان مع عدم الظهور أبداًّ ،
فال تمشي األمور الخسيسة والدنيئة المحتاج إليها في العالم التي تقوم بها أهل الحجاب والذّلة والقسوة والظلمة ،البعداء
يتم صالح المهتدين أيضاً لوجوب االحتياج إلى سائرالعزة ،فال ينضبط نظام العالم وال ّ
عن المحبة والرحمة والنور و ّ
الختل بعدم النفوس الغالظ
ّ فإن النظام ينصلح بالمخافي وبالمظاهر فلو كانوا مظاهر كلهم أنبياء وسعداء
الطبقاتّ ،
وشياطين اإلنس القائمين بعمارة العالم .أال ترى إلى قوله تعالى" :إني جعلت معصية آدم سبباً لعمارة العالم" ،فوجب
في الحكمة الحّقة التفاوت في االستعداد بالقوة والضعف والصفاء والكدورة والحكم بوجود السعداء واألشقياء في القضاء
{ألمألن
ّ حق القول مني} أي :في القضاء السابق ليتجلى بجميع الصفات في جميع المراتب ،وهذا معنى قوله{ :ولكن ّ
الخفية عن البصر {والناس أجمعين} {فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم
ّ الجنة} أي :النفوس األرضية
جهنم} الطبيعة {من ّ
{إنا نسيناكم} بالخذالن عن الرحمة لعدم قبولكم إياها وإدباركم
هذا} الحتجابكم بالغشاوات الطبيعية والمالبسة البدنية ّ
ُخِفي َل ُهم ِّمن ُقَّرِة اه ْم ُي ِنفُقو َن * فال تعلم نفس مآ أ ط َمعاً َو ِم َّما َرَزْقَن ُ تَتَجا َف ٰى جُنوبهم َع ِن اْلم َ ِ
ضاج ِع َي ْد ُعو َن َرب ُ
َّه ْم َخ ْوفاً َو َ
َ َ َ ْ َ ُ َْ ٌ َّ ْ َ َ ُ ُُ ْ َ
الصالِحاتِ ِ ِ َّ َّ ِ
آمُنوْا َو َعمُلوْا َّ َ ين َ َما الذ َان َفاسقاً ال َي ْستَُوو َن * أ َّ ان ُم ْؤ ِمناً َك َمن َك َآء ِب َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * أََف َمن َك َ أْ ٍ
َعُين َج َز ً
ِ ِ ِ َما َّال ِذين َفسُقوْا َفمأْواهم َّ َّ ات اْل َمأ َْو ٰى ُن ُزالً ِب َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * َوأ َّ
الن ُار ُكل َمآ أََرُادوْا أَن َي ْخ ُرُجواُ م ْن َهآ أُع ُيدوْا ف َ
يها َ َ ُُ َ َ َفَل ُه ْم َجَّن ُ
اب األَ ْكَب ِر َل َعَّل ُه ْم َي ْرِج ُعو َن الن ِار َّال ِذي ُكنتُم ِب ِه تُ َك ِّذبو َن * وَلُن ِذيَقَّنهم ِم َن اْلع َذ ِ
اب األ َْدَن ٰى ُدو َن اْلع َذ ِ
َ ُْ ّ َ َ ُ ْ اب َّ يل َل ُه ْم ُذوُقوْا َع َذ َ َوِق َ
تَ ُكن ِفي ِ ِ ِ ِ ِ ِ * ومن أَ ْ ِ
اب َفالَ وسى اْلكتَ َ ين ُمنتَق ُمو َن * َوَلَق ْد آتَْيَنا ُم َ ض َع ْن َهآ ِإَّنا م َن اْل ُم ْج ِرِم َ ظَل ُم م َّمن ُذ ّك َر ِب َآيات َرّبِه ثُ َّم أ ْ
َع َر َ ََْ
* ِإ َّن صَب ُروْا َوَك ُانوْا ِب َآي ِاتَنا ُيوِقُنو َن ِ ِ ِ ِِ ِ ِ ِ ٍ ِ ِ ِِ
يل * َو َج َعْلَنا م ْن ُه ْم أَئ َّم ًة َي ْه ُدو َن بأ َْم ِرَنا َل َّما َ
م ْرَية ّمن ّلَقآئه َو َج َعْلَناهُ ُه ًدى ّلَبني إ ْس َرائ َ
َهَل ْكَنا ِمن َقْبلِ ِه ْم ِّم َن اْلُق ُرو ِن َي ْم ُشو َن ِفي ِ ِِ ِ صل بيَنهم يوم اْلَقي ِ ِ ِ
يما َك ُانوْا فيه َي ْخَتلُفو َن * أ ََوَل ْم َي ْهد َل ُه ْم َك ْم أ ْ امة ف َ َّك ُه َو َيْف ُ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َ َ َرب َ
ْك ُل ِم ْن ُه ض اْل ُج ُرِز َفُن ْخ ِرُج ِب ِه َزْرعاً تَأ ُ ات أََفالَ َي ْسم ُعو َن * أَوَلم َي َرْوْا أََّنا َنسو ُق اْلمآء ِإَلى األ َْر ِ
َ َ ُ َ ْ َ
اكِن ِهم ِإ َّن ِفي َذلِك آلي ٍ
َ َ َم َس ْ
ِ
َّ ِ صرو َن * ويُقوُلو َن متَى هـٰ َذا اْلَف ْتح ِإن ُكنتُم ِ ِ ِ
ين َكَف ُروْاين * ُق ْل َي ْوَم اْلَف ْت ِح الَ َي َنف ُع الذ َ صادق َ ْ َ ُ َ ٰ َ ََ َنف ُس ُه ْم أََفالَ ُي ْب ُ
ام ُه ْم َوأ ُ
أ َْن َع ُ
ض َع ْن ُه ْم َوانتَ ِظ ْر ِإَّن ُه ْم ُّمنتَ ِظ ُرو َن َع ِر ْ
ظ ُرو َن * َفأ ْ ِإَي َم ُان ُه ْم َوالَ ُه ْم ُين َ
بالتجرد عن الغواشي الطبيعية والقيام {عن المضاجع} البدنية والخروج عن الجهات بمحو الهيئات
ّ {تتجافى جنوبهم}
{يدعون رّبهم} بالتوجه إلى التوحيد في مقام القلب خوفاً من االحتجاب بصفات النفس بالتلوين {وطمعاً} في لقاء الذات
{ومما رزقناهم} من المعارف والحقائق {ينفقون} على أهل االستعداد {فال تعلم نفس} شريفة منهم {ما أخفي لهم} من
{كمن كان فاسقاً} بخروجه عن ذلك الدين القيم بحكم دواعي النشأة {جنات المأوى} بحسب مقاماتهم من الجنان
الثالث {كلما أرادوا أن يخرجوا منها} بالميل الفطرّي {أعيدوا فيها} الستيالء الميل السفلي وقهر الملكوت األرضية
بسبب رسوخ الهيئات الطبيعية.
{ولقد آتينا موسى} كتاب العقل الفرقاني {فال تكن في مرية} من لقاء موسى عند بلوغك إلى مرتبته في معراجك كما
السر الذي هو مقام المناجاة إلى مقام
ذكر في قصة المعراج أنه لقيه في السماء الخامسة وهو عند ترقيه عن مقام ّ
المقدس {يوم الفتح} المطلق يوم القيامة الكبرى بظهور المهدي ال ينفع إيمان المحجوبين حينئذ
الروح الذي هو الوادي ّ
ألنه ال يكون إال باللسان ،وال يفنى عنهم العذاب ،وهللا تعالى أعلم.
ِك ِإ َّن َّ ِ ِ ِ ين َواْل ُمَن ِافِقي َن ِإ َّن َّ ِ ِ
ان
َّللاَ َك َ وح ٰى ِإَل ْـي َك من َرّب َ
ان َعليماً َحكيماً * َواتَِّب ْع َما ُي َ َّللاَ َك َ النِب ُّي اتَّ ِق َّ
َّللاَ َوالَ تُط ِع اْل َكاف ِر َ َٰيأَي َ
ُّها َّ
ِ ِ اَّللِ و ِكيالً * َّما جعل َّ ِ ٍ ِ ِ ِبما تعمُلون خِبي اًر * وتوَّكل عَلى َّ ِ
َّللاُ ل َرُجل ّمن َقْلَب ْي ِن في َج ْوِفه َو َما َج َع َل أ َْزَو َ
اج ُك ُم ََ َ َّللا َوَكَف ٰى ب َّ َ َ ََ ْ َ ٰ َ َْ َ َ َ
يل * َّللا َيُقول اْل َح َّق و ُهو َي ْه ِدي َّ ِ ِ ِ ِٰ ِ اهرون ِم ْنه َّن أ َّ ِ الالَِّئي تُ َ ِ
السب َ َ َ آء ُك ْم َذل ُك ْم َق ْوُل ُكم بأَ ْفَواه ُك ْم َو َّ ُ ُ
آء ُك ْم أ َْبَن َ
ُم َهات ُك ْم َو َما َج َع َل أ َْدعَي َ ظ ُ َ ُ
اتق هللا} بالفناء عن ذاتك بالكلية دون بقاء البقية {وال تُ ِطع الكافرين} بموافقتهم في بعض الحجب
{يا أيها النبي ّ
لظهور األنائية {والمنافقين} بالنظر إلى الغير فتكون ذا وجهين وباالنتهاء بحكم هذا النهي وصف بقولهَ :
{ما َازغَ
ط َغ ٰى}[النجم ،اآلية{ ،]17:إن هللا كان عليماً} يعلم ذنوب األحوال {حكيماً} في ابتالئك بالتلوينات فإنها
ص ُر َو َما َ
اْلَب َ
أمته فال يمكنه القيام بهدايتهم {واتّبع} في
تنفع في الدعوة وإصالح أمر األمة إذ لو لم يكن له تلوين لم يعرف ذلك من ّ
ظهور التلوينات {ما يوحى إليك من رّبك} من التأديبات وأنواع العتاب والتشديدات بحسب المقامات كما ذكر غير مرة
اك}[اإلسراء ،اآلية ]74:وأمثاله {إن هللا كان بما تعلمون خبي اًر} يعلم مصادر األعمال وأنها من
{وَل ْوالَ أَن ثَب َّْتَن َ
في قولهَ :
-أي الصفات -تصدر من الصفات النفسانية أو الشيطانية أو الرحمانية فيهديك إليها ويزكيك منها ويعلمك سبيل
التزكية والحكمة في ذلك {وتوكل على هللا} في دفع تلك التلوينات ورفع تلك الحجب والغشاوات {وكفى باهلل وكيالً}
فإنها ال ترتفع وال تنكشف إال بيده ال بنفسك وعلمك وفعلك ،أي :ال تحتجب برؤية الفناء في الفناء فإنه ليس من فعلك
سواء كان في األفعال أو الصفات أو الذات أو إزالة التلوينات فإنها كلها بفعل هللا ال مدخل لك فيها وإال لما كنت
فانياً.
{النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} ألنه مبدأ وجوداتهم الحقيقية ومبدأ كماالتهم ومنشأ الفيضين األقدس االستعدادي
ّ
أمهاتهم في التحريم ومحافظة الحرمة مراعاة
ّ اجه
و أز كانت ولذلك لهم الحقيقي األب فهو ،ًا ثاني الكمالي المقدس
و أوالً
لجانب الحقيقة وهو الواسطة بينهم وبين الحق في مبدأ فطرتهم فهو المرجع في كماالتهم وال يصل إليهم فيض الحق
أحب إليهم من نفسهم لكانوا
بدونه ألنه الحجاب األقدس واليقين األول ،كما قال" :أول ما خلق هللا نوري" ،فلو لم يكن ّ
محجوبين بأنفسهم عنه ،فلم يكونوا ناجين ،إذ نجاتهم إنما هي بالفناء فيه ألنه المظهر األعظم.
{وأولوا األرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب هللا من المؤمنين والمهاجرين} بعضهم أولى ببعض من غيرهم لالتصال
الروحاني والجسماني واألخوة الدينية والقرابة الصورية وال تخلو القرابة من تناسب ما في الحقيقة التصال الفيض
الروحاني بحسب االستعداد المزاجي ،فكما تتناسب أمزجة أولي األرحام وهياكلهم الصورية فكذلك أرواحهم وأحوالهم
المعنوية {إال إن تفعلوا إلى أوليائكم} المحبوبين في هللا للتناسب الروحي والتقارب الذات {معروفاً} إحساناً بمقتضى
المحبة واالشتراك في الفضيلة زائداً عما بين األقارب {كان ذلك في الكتاب} أي :اللوح المحفوظ {مسطو اًر}.
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ُّ ِ َِّ ِ ِ َخ ْذَنا ِم َن
َل
َخ ْذَنا م ْن ُه ْم ّميثَاقاً َغليظاً * ّلَي ْسأ َ يسى ْاب ِن َم ْرَي َم َوأ َ
وس ٰى َوع َ
يم َو ُم َ النبّي ْي َن ميثَا َق ُه ْم َوم ْن َك َومن نو ٍح َوإِ ْب َراه َ َوإِ ْذ أ َ
ود َفأ َْرَسْلَنا ِ صد ِق ِهم وأَعَّد لِْل َك ِاف ِرين ع َذاباً أَلِيماً * ٰيأَيُّها َّال ِذين آمنوْا ا ْذ ُكروْا ِنعم َة َّ ِ ِ َّ ِ ِ
آء ْت ُك ْم ُجُن ٌ
َّللا َعَل ْي ُك ْم إ ْذ َج َ ُ َْ َ َُ َ َ َ ْ ْ َ َ ين َعن الصادق َ
نكم وإِ ْذ َز َ ِ ِ صي اًر * ِإ ْذ جآء ُ ِ َّللا ِبما تَعمُلو َن ب ِ َّ
ص ُار
اغت األ َْب َ َسَف َل م ُ ْ َ وك ْم ّمن َف ْوِق ُك ْم َو ِم ْن أ ْ َ ُ َ ان َّ ُ َ ْ َ َعَل ْي ِه ْم ِريحاً َو ُجُنوداً ل ْم تَ َرْو َها َوَك َ
ول اْل ُمَن ِافُقو َن ِ ِ ِ ظُّنو َن ِب َّ ِ ُّ وبَل َغ ِت اْلُقُلوب اْلحَن ِ
ون ْا * ُهَنال َك ْابُتل َي اْل ُم ْؤ ِمُنو َن َوُ ْزل ِزُلوْا ِ ْزل َازالً َشديداً * َوإِ ْذ َيُق ُ
اَّلل الظُن َ اج َر َوتَ ُ ُ َ ََ
َه َل َي ْث ِر َب الَ ُمَق َام َل ُك ْم َف ْارِج ُعوْا َّ ِ ِ َّ و َّال ِذ ِ
َّللاُ َوَرُسوُل ُه ِإال ُغ ُرو اًر * َوإِ ْذ َقاَلت طآئَف ٌة ّم ْن ُه ْم ٰيأ ْ
ض َّما َو َع َدَنا َّ ين في ُقُلوبِ ِهم َّم َر ٌَ َ
النِب َّي َيُقوُلو َن ِإ َّن ُبُيوتََنا َع ْوَرةٌ َو َما ِه َي ِب َع ْوَرٍة ِإن ُي ِر ُيدو َن ِإالَّ ِف َار اًر * َوَل ْو ُد ِخَل ْت َعَل ْي ِه ْم ِّم ْن أَ ْق َ
ط ِارَها يق ِّم ْن ُهم َّ
ُ
ِ
َوَي ْستَْئذ ُن َف ِر ٌ
َّللاِ َم ْسُئوالً
ان َع ْه ُد َّ ُّ ثُ َّم سِئُلوْا اْلِف ْتن َة آلتَوها وما َتَلَّبثُوْا ِبهآ ِإالَّ ي ِسي اًر * وَلَق ْد َكانوْا عاهدوْا َّ ِ
َّللاَ من َقْب ُل الَ ُي َولو َن األ َْدَب َار َوَك َ ُ َ َُ َ َ َ َْ ََ َ ُ
َّللاِ ِإ ْن
ص ُم ُك ْم ِّم َن َّ * ُقل َّلن ي َنفع ُكم اْلِفرار ِإن َفررتُم ِمن اْلمو ِت أ َِو اْلَق ْت ِل وإِذاً الَّ تُمتَّعو َن ِإالَّ َقلِيالً * ُقل من َذا َّال ِذي يع ِ
َْ ْ َ َ ُ َ َ ْ ْ ّ َ َْ َ َ ُ َُ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
أ ََرَاد ِب ُك ْم ُسوءاً أ َْو أ ََرَاد ِب ُك ْم َر ْح َم ًة َوالَ َي ِج ُدو َن َل ُه ْم ّمن ُدو ِن َّ
ين
نك ْم َواْلَقآئل َين م ُ َّللاُ اْل ُم َعِّوق َ
َّللا َولِّياً َوالَ َنصي اًر * َق ْد َي ْعَل ُم َّ
َعُيُن ُه ْم َك َّال ِذي
ور أ ْظ ُرو َن ِإَل ْي َك تَُد ُ ف َأرَْيتَ ُه ْم َين ُآء اْل َخ ْو ُ ِ ِ ِإل ْخوِان ِهم هُل َّم ِإَليَنا والَ يأْتُو َن اْلبأ ِ َّ ِ
ْس إال َقليالً * أَش َّح ًة َعَل ْي ُك ْم َفإ َذا َج َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ
ِ ِ ٍ ِ ٍ ِ ِ ِ ِ
َع َماَل ُه ْم
َّللاُ أ ْ
ط َّ وك ْم ِبأَْلسَنة ح َداد أَش َّح ًة َعَلى اْل َخ ْي ِر ْأوَلـٰئ َك َل ْم ُي ْؤ ِمُنوْا َفأ ْ
َحَب َ ف َسَلُق ُ ُي ْغ َش ٰى َعَل ْيه م َن اْل َم ْوت َفِإ َذا َذ َه َب اْل َخ ْو ُ
َعر ِ ِ ِ وَكان َذِلك عَلى َّ ِ ِ
اب َي ْسأَُلو َن اب َيَوُّدوْا َل ْو أََّن ُه ْم َب ُادو َن في األ ْ َ َح َز ُ
اب َل ْم َي ْذ َهُبوْا َوإِن َيأْت األ ْ َّللا َيسي اًر * َي ْح َسُبو َن األ ْ
َح َز َ َ َ َ َ
َنب ِآئ ُك ْم َوَل ْو َك ُانوْا ِف ُ
يك ْم َّما َق َاتُلوْا ِإالَّ َقلِيالً َع ْن أ َ
{وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم} وخصوصاً الخمسة المذكورة الختصاصهم بمزيد المرتبة والفضيلة ميثاق التوحيد
والتكميل والهداية بالتبليغ عند الفطرة وهو الميثاق الغليظ المضاعف بالكمال والتكميل ولذلك أضافه إليهم بقوله:
لتقدمه
وقدم في االختصاص بالذكر نبينا عليه السالم بقوله منكّ ،
ميثاقهم ،أي :الميثاق الذي ينبغي لهم ويختص بهمّ ،
صدقوا العهد على الباقين في الرتبة والشرف {ليسأل} هللا بسبب عهدهم وميثاقهم وبواسطة هدايتهم {الصادقين} الذين ّ
ِك ْم َقاُلوْا َبَل ٰى }[األعراف ،اآلية{ ،]172:عن صدقهم} بالوفاء والوصول إلى األول والميثاق الفطري في قوله{ :أََل ْس ُت ِب َرّب ُ
ِ ِ
َّللاَ
اه ُدوْا َّ
ص َدُقوْا َما َع َ
ال َ {م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين ِرَج ٌ الحق بإخراج ما في استعدادهم من الكمال بحضور األنبياء كما قال تعالىّ :
َعَل ْي ِه}[األحزاب ،اآلية ]23 :فالسؤال إنما كان مسبباً عن ميثاق األنبياء ألنه يسألهم على ألسنتهم وهم الشاهدون لهم
آخ اًر كما كانوا شاهدين عليهم أوالً.
َّللاَ َكِثي اًر * َوَل َّما َأرَى اْل ُم ْؤ ِمُنو َن َّللا واْليوم ِ
اآلخ َر َوَذ َك َر َّ ِ ول َّ ِ ان َل ُكم ِفي رس ِ َّ
ان َي ْر ُجوْا َّ َ َ َ ْ َ ُس َوةٌ َح َسَن ٌة ّل َمن َك َ
َّللا أ ْ َُ لَق ْد َك َ ْ
يماناً َوتَ ْسلِيماً ِ َّ ِ
َّللاُ َوَرُسولُ ُه َو َما َزَاد ُه ْم إال إ َ
ص َد َق َّ
َّللاُ َوَرُسوُل ُه َو َ
اب َقاُلوْا َهـٰ َذا َما َو َع َدَنا َّ
َح َز َ
األ ْ
{لقد كان لكم في رسول هللا أسوة حسنة} وجب على كل مؤمن متابعة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم مطلقاً حتى
يتحقق رجاؤه ويتم عمله لكونه الواسطة في وصولهم والوسيلة في سلوكهم للرابطة وقرن به الذكر الكثير الذي هو
عمل ذلك المقام ليعلم أن من كان في بدايته يلزمه متابعته في األعمال واألخالق والمجاهدة والمواساة بالنفس والمال،
تجرد وتزكى عن صفات نفسه فليتابعه في موارد القلب ،أي :الصدق
إذ لو لم يحكم البداية لم يفلح بالنهاية .ثم إذا ّ
وتجليات
ّ واإلخالص ،والتسليم والتوكل ،كما تابعه في منازل النفس ليحتظي ببركة متابعته بالمواهب واألحواب
السر والروح
وتجليات األفعال في مقام النفس ،وكذا في مقام ّ
ّ الصفات في مقامه كما احتظى بالمكاسب والمقامات
حتى الفناء .ومن صحة المتابعة تصديقه في كل ما أخبر به بحيث ال يعتروه الشك في شيء من أخباره وإال فترت
العزيمة وبطلت المتابعة ،فإن األصل والعمدة في العمل االعتقاد الجازم ،ولهذا مدحهم بقوله{ :ولما رأى المؤمنون
األحزاب قالوا هذا ما وعدنا هللا ورسوله وصدق هللا ورسوله} إذ وعدهم االبتالء والزلزال حتى ينخلعوا عن أبدانهم
آء َوُ ْزل ِزُلوْا آء َو َّ ِ ِ َّ ِ ِ
الضَّر ُ ْس ُ
ين َخَل ْوْا من َقْبل ُكم َّم َّس ْت ُه ُم اْلَبأ َ
{وَل َّما َيأْت ُكم َّمَث ُل الذ َ
ويتجردوا في التوجه إليه عن نفوسهم في قولهَ : ّ
ِ ِ َّ
َّللا}[البقرة ،اآلية.]214: ص ُر َّ
آمُنوْا َم َع ُه َمتَ ٰى َن ْ
ين َ
ول َوالذ َ
الرُس ُ َحتَّ ٰى َيُق َ
ول َّ
{يا أيها النبي قل ألزواجك} إلى آخره ،اختبر النساء هو إحدى خصال التجريد وأقدام الفتوة التي يجب متابعته فيها،
بميلهن إلى الحياة الدنيا وزينتها
ّ شوشن وقته
إلي من دنياكم ثالث" ،إذ ّ "حبب
إليهن لقولهّ :
ّ فإنه عليه السالم مع ميله
ّ
وحكمهن بين اختيار الدنيا ونفسه ،فإن اخترنه لقوة إيمانهن بقين معه بال تفريق لجمعيته
ّ عنهن
ّ وجرد نفسه
هن ّ خير ّ
وتشويش لوقته بطلب الزينة والميل إليها ،بل على التجرد والتوجه إلى الحق كقوى نفسهن وإن اخترن الدنيا وزينتها
عنهن بمثابة إماتة القوى المستولية.
ّ وفرغ قلبه
حهن ّ
وسر ّ
متعهن ّ
ّ
َّللاُ وَرسوُل ُه أ َْم اًر أَن َي ُكو َن َل ُهم اْل ِخَي َرةُ ِم ْن أ َْم ِرِهم ومن َي ْع ِ ٍ وما َك ِ
ض َّل
َّللاَ َوَرُسوَل ُه َفَق ْد َ
ص َّ ْ ََ ُ ضى َّ َ ُ ان ل ُم ْؤ ِم ٍن َوالَ ُم ْؤ ِمَنة ِإ َذا َق َ
ََ َ
َّللاُ َعَل ْي ِه َوأ َْن َع ْم َت َعَل ْي ِه أ َْم ِس ْك َعَل ْي َك َزْو َج َك َواتَّ ِق َّ
َّللاَ َوتُ ْخِفي ِفي َنْف ِس َك َما َّ
َّللاُ َنع َم َّ ضالَالً ُّمِبيناً * وإِ ْذ تَُق َِّ ِ
ول للذي أ َ ُ َ َ
ين َح َرٌج ِفي ِ ط اًر َزَّوجَن َ ِ ض ٰى َزْيٌد ِّم ْن َها َو َ مب ِد ِ
اك َها ل َك ْي الَ َي ُكو َن َعَلى اْل ُم ْؤ ِمن َ ْ َح ُّق أَن تَ ْخ َشاهُ َفَل َّما َق َ َّللاُ أ َاس َو َّ يه َوتَ ْخ َشى َّ
الن َ ُْ
َّللاِ ِ َّللاِ مْفعوالً * َّما َكان عَلى َِّ ِ ض ْوْا ِم ْن ُه َّن َو َ ِ ِ
َّللاُ َل ُه ُسَّن َة َّ
ض َّ يما َف َر َالنب ِّي م ْن َح َرٍج ف َ َ َ ان أ َْم ُر َّ َ ُ ط اًر َوَك َ أ َْزَوا ِج أ َْدعَيآئ ِه ْم ِإ َذا َق َ
َحداً ِإالَّ َّ َّللاِ َقد اًر َّمْقدو اًر * َّال ِذين يبّلِغون ِرساالَ ِت َّ ِ ِ ِ َّ ِ
َّللاَ َوَكَف ٰى َّللا َوَي ْخ َش ْوَن ُه َوالَ َي ْخ َش ْو َن أ َ َ َُ ُ َ َ ُ ان أ َْم ُر َّ َ ين َخَل ْوْا من َقْب ُل َوَك َ في الذ َ
ُّها ٍ ِ
َّللاُ ب ُك ّل َش ْيء َعليماً * ٰيأَي َ
ان َّ ِ ِ ين َوَك َ َّللاِ َو َخاتَم َّ
النِبِّي َ ول َّ ِ ِ
َحد ّمن ِّر َجال ُك ْم َوَلـٰكن َّرُس َ
اَّللِ ح ِسيباً * َّما َكان مح َّمٌد أَبآ أ ٍ ِ
َ َُ َ َ ِب َّ َ
َ
اتالظُلم ِ َصيالً * هو َّال ِذي يصّلِي عَلي ُكم ومالَِئ َكتُه لِي ْخ ِرج ُكم ِمن ُّ َّللا ِذ ْك اًر َكِثي اًر * وسِبحوه ب ْكرة وأ ِ َّ ِ
َ ُ ُ َ ْ َّ َ ْ ْ ََ َُ َُ َ َ ّ ُ ُ ُ ًَ َ آمُنوْا ا ْذ ُك ُروْا َّ َ
ين َ الذ َ
ِ ِ ِ
َج اًر َك ِريماً
َعَّد َل ُه ْم أ ْ
ين َرحيماً * تَحيَّتُ ُه ْم َي ْوَم َيْلَق ْوَن ُه َسالَ ٌم َوأ َ ان ِباْل ُم ْؤ ِمن َور َوَك َ ِإَلى ُّ
الن ِ
{وما كان لمؤمن وال مؤمنة} اآلية ،من جملة الخصال التي تجب طاعته ومتابعته فيها وهو مقام الرضا والفناء في
اإلرادة لكونه عليه السالم إذا فنى بذاته وصفاته في ذات هللا وصفاته تعالى أعطي صفات الحق بدل صفاته عند
تحققه بالحق في مقام البقاء بالوجود الموهوب وكان حكمه وإرادته حكم هللا وإرادته تعالى كسائر صفاته .أال ترى إلى
{وإذ تقول للذي أنعم هللا عليه} إلى قوله{ :وتخشى الناس وهللا أحق أن تخشاه} أحد التأديبات اإللهية النازلة في تلوينه
عند ظهور نفسه للتثبيت وتلك التلوينات هي موارد التأديبات ،ولهذا كان خلقه القرآن.
السر ،والمشاهدة
{يا أيها الذين آمنوا اذكروا هللا} باللسان في مقام النفس ،والحضور في مقام القلب ،والمناجاة في مقام ّ
في مقام الروح ،والمواصلة في مقام الخفاء ،والفناء في مقام الذات{ ،وسبحوه} بالتجريد عن األفعال والصفات والذات
{بكرة} وقت طلوع فجر نور القلب وإدبار ظلمة النفس وليل غروب شمس الروح بالفناء في الذات ،أي :دائماً من ذلك
الوقت إلى الفناء السرمدي.
{هو الذي يصلي عليكم} بحسب تسبيحكم بتجليات األفعال والصفات دون الذات الحتراقهم هناك بالسبحات ،كما قال
جبريل عليه السالم" :لو دنوت أنملة الحترقت".
{تحيتهم} أي :تحية هللا إياهم وقت اللقاء بالفناء فيه تكميلهم وتسليمهم عن النقص بجبر كسرهم بأفعاله وصفاته وذاته،
أو تحيته لهم بإفاضة هذه الكماالت وقت لقائهم إياه بالمحو والفناء هي سالمتهم عن آفات صفاتهم وأفعالهم وذواتهم
أو بسالمتهم ،ألن التحية بالتجليات والسالمة عن اآلفات تكونان معاً واألول يناسب إطالق اسم السالم على هللا
أعد لهم أج اًر كريماً} بإثابة هذه الجنات عن أعمالهم في التسبيحات والمذاكرات.
تعالى{ :و ّ
َّللاِ
َن َل ُه ْم ِّم َن َّ
ين ِبأ َّ ِ ِ ِ اعياً ِإَلى َّ ِ ِ ِ النِب ُّي ِإَّنآ أَرسْل ٰنك َٰش ِهداً ومب ِّش اًر ون ِذي اًر * ود ِ
َّللا ِبِإ ْذنه َوِس َراجاً ُّمني اًر * َوَب ّش ِر اْل ُم ْؤ ِمن َ ََ َ َُ َ َ َْ َ َ ُّها َّ
ٰيأَي َ
آمُنوْا ِإ َذا اَّللِ و ِكـيالً * ٰيأَي َّ ِ ِ َفضالً َكِبي اًر * والَ ت ِط ِع اْل َك ِاف ِرين واْلمن ِافِقين ودع أَ َذاهم وتوَّكـل عَلى َّ ِ
ين َ ُّها الذ َ َ َّللا َوَكَف ٰى ب َّ َ َ َ ُ َ َ َ َ ْ ُ ْ َ ََ ْ َ َ ُ ْ
وه َّن َس َراحاً َج ِميالً ِ ِ ِ ٍ ِ ن َكحتُم اْلمؤ ِمن ِ
ات ثُ َّم ََّ
وه َّن َو َسِّرُح ُ ون َها َف َمتّ ُع ُ وه َّن من َقْب ِل أَن تَ َم ُّس ُ
وه َّن َف َما َل ُك ْم َعَل ْي ِه َّن م ْن عَّدة تَ ْعتَُّد َ طلْقتُ ُم ُ َ ْ ُ ُْ َ
ات ع ِمك وبن ِ َّللا عَليك وبن ِ ِ ِ َِّ
ات َ ّ َ َ ََ آء َّ ُ َ ْ َ َ َ َ ورُه َّن َو َما َمَل َك ْت َيم ُين َك م َّمآ أََف َ ُج َ اج َك الالتي آتَْي َت أ ُ النِب ُّي ِإَّنآ أ ْ
َحَلْلَنا َل َك أ َْزَو َ ُّها َّ
* ٰيأَي َ
النِب ُّي أَن يستَ ِام َأرًَة ُّم ْؤ ِمَن ًة ِإن َو َهَب ْت َنْف َس َها لِ َّلنِب ِي ِإ ْن أ ََرَاد َّ َِّ ِ ِ ِ ِ ِ
نك َح َها َْ ّ اج ْرَن َم َع َك َو َْع َّمات َك َوَبَنات َخال َك َوَبَنات َخاالَت َك الالتي َه َ
ِ ِ ِ َّ ِ
ين َق ْد َعلِ ْمَنا َما َف َر ْ ِ
ضَنا َعَل ْي ِه ْم في أ َْزَوا ِج ِه ْـم َو َما َمَل َك ْت أ َْي َم ُان ُه ْم ل َك ْيالَ َي ُكو َن َعَل ْي َك َح َرٌج َوَك َ
ان ص ًة ل َك من ُدو ِن اْل ُم ْؤ ِمن َ َخال َ
اح َعَل ْي َك َذلِ َك أ َْدَن ٰى ِ ِ ِ َّللا َغُفو اًر َّرِحيماً * تُرِجي من تَ َش ِ
آء َو َم ِن ْابتَ َغ ْي َت م َّم ْن َع َ ْزل َت َفالَ ُجَن َ
آء م ْن ُه َّن َوتُ ْؤوي إَل ْي َك َمن تَ َش ُ ُ َ ْ َّ ُ
َّللاُ َعلِيماً َحلِيماً * الَّ َي ِح ُّل َل َك ان َّ
ِك ْم َوَك َ َّللاُ َي ْعَل ُم َما ِفي قُلوب ُ
ض ْي َن ِب َمآ آتَْيتَ ُه َّن ُكُّل ُه َّن َو َّ
َعُيُن ُه َّن َوالَ َي ْح َزَّن َوَي ْر َ
أَن تََقَّر أ ْ
َّللاُ َعَل ٰى ُك ِّل َشي ٍء َّرِقيباً * ِ َّ ِ النس ِ ِ
ْ
ان َّ َع َجَب َك ُح ْسُن ُه َّن ِإال َما َمَل َك ْت َيم ُين َك َوَك َ آء من َب ْع ُد َوالَ أَن تََبَّد َل ِب ِه َّن م ْن أ َْزَوا ٍج َوَل ْو أ ْ َّ ُ
ين ِإَناهُ َوَل ِـك ْن ِإ َذا ُد ِعيتُ ْم َف ْاد ُخُلوْا َفِإ َذا ِ النِب ِّي ِإالَّ أَن ُي ْؤَذ َن َل ُك ْم ِإَل ٰى َ ٰيأَي َّ ِ
ط َعا ٍم َغ ْي َر َناظ ِر َ وت َّ آمُنوْا الَ تَ ْد ُخُلوْا ُبُي َ
ين َ ُّها الذ ََ
َّللاُ الَ َي ْستَ ْحِيي ِم َن اْل َح ِّق َوإِ َذا نك ْم َو َّ يث ِإ َّن َٰذلِ ُك ْم َكا َن ُي ْؤِذي َّ
النِب َّي َفَي ْستَ ْحِيي ِم ُ ط ِعمتُم َف ْانتَ ِشروْا والَ مستَأِْن ِسين لِح ِد ٍ
َ َ ُ َ ُْ َ ْ ْ
َّللاِ والَ أَن تَ ِ اب ٰذلِ ُك ْم أَ ْ
ط َه ُر لُِقُلوب ُ آء ِحج ٍ سأَْلتُموه َّن متَاعاً َفاسأَُلوه َّن ِمن ور ِ
نك ُحوْا ول َّ َ تؤُذوْا َرُس َ ان َل ُك ْم أَن ْ ِك ْم َوُقلُوبِ ِه َّن َو َما َك َ َ ََ ْ ُ َ ُ ُ َ
َّللا َكان ِب ُك ِل َشي ٍء علِيماً * الَّ أ َْزواجه ِمن بع ِدِه أَبداً ِإ َّن ٰذلِ ُكم َكان ِعند َّ ِ ِ
َّللا َعظيماً * ِإن تُْب ُدوْا َش ْيئاً أ َْو تُ ْخُفوهُ َفِإ َّن َّ َ َ ّ ْ َ ْ َ َ َْ َ َ َُ
َخَو ِات ِه َّن َوالَ ِن َس ِآئ ِه َّن َوالَ َما َمَل َك ْت أ َْي َم ُان ُه َّن ِ ِ ِ ِ ِ ِ
اح َعَل ْي ِه َّن ِفي َآبآئ ِه َّن َوالَ أ َْبَنآئ ِه َّن َوالَ ِإ ْخ َوان ِه َّن َوالَ أ َْبَنآء ِإ ْخ َوان ِه َّن َوالَ أ َْبَنآء أ َ
ُجَن َ
ان َعَل ٰى ُك ِّل َش ْي ٍء َش ِهيداً َّللاَ ِإ َّن َّ
َّللاَ َك َ
ِ
َواتَّق َ
ين َّ
{إنا أرسلناك شاهداً} للحق في اإلرسال إلى الخلق غير محتجب بالكثرة عن الوحدة مطلقاً على أحوالهم وكماالتهم
ّ
مستعد بحسب
ّ للمستعدين السالمين فيه بالفوز بالوصول {ونذي اًر} للمحجوبين {وداعياً إلى هللا} كل
ّ {ومبش اًر}
ّ بنور الحق
حاله ومقامه {بإذنه} وما يسر هللا له بحسب استعداده {وسراجاً مني اًر} بنور الحق النفوس المظلمة بغشاوات الجهل
{بأن لهم} بحسب صفاء استعداداتهم {من هللا فضال}
{وبشر المؤمنين} المستبصرين بنور الفطرة ّ
وهيئات البدن والطبع ّ
بإفاضة الكماالت بعد هبة االستعدادات {كبي اًر} من جنات الصفات.
َّ ِ ِ ِ ِ النِب ِي ٰيأَيُّها َّال ِذين آمُنوْا ُّ َّللا ومالَِئ َكـتَه ي ُّ
َّللاَ َوَرُسوَل ُه َل َعَن ُه ُم ين ُي ْؤُذو َن َّ صلوْا َعَل ْيه َو َسّل ُموْا تَ ْسليماً * ِإ َّن الذ َ َ َ َ صلو َن َعَلى َّ ّ َ َُُ إ َّن َّ َ َ َ
ِ
ِ ِ ِ َّ ِ ِ َّللاُ ِفي ُّ
احتَ َمُلوْا ُب ْهتَاناًين َواْل ُم ْؤ ِمَنات ِب َغ ْي ِر َما ا ْكتَ َسُبوْا َفَقد ْ ين ُي ْؤُذو َن اْل ُم ْؤ ِمن َ الد ْنَيا َواآلخ َرِة َوأ َ
َعَّد َل ُه ْم َع َذاباً ُّم ِهيناً * َوالذ َ َّ
ين َعَل ْي ِه َّن ِمن َجالَِبيِب ِه َّن ٰذلِ َك أ َْدَن ٰى أَن ُي ْع َرْف َن َفالَ ِ
ين ُي ْدن َ
ِ ِ ِ النِب ُّي ُقل أل َْزو ِ
اج َك َوَبَنات َك َوِن َسآء اْل ُم ْؤ ِمن َ َ ُّها َّ ِ
َوإِ ْثماً ُّمبيناً * ٰيأَي َ
ض َواْل ُم ْرِجُفو َن ِفي اْل َم ِد َين ِة َلُن ْغ ِرَيَّن َك ِب ِه ْم ثُ َّمين في ُقُلوبِ ِه ْم َّم َر ٌ
َّللا َغُفو اًر َّرِحيماً * َّلِئن َّلم ينتَ ِه اْلمَن ِافُقو َن و َّال ِذ ِ
َ َ ُ ْ َ ان َّ ُ
ُي ْؤَذ ْي َن َوَك َ
ين َخَل ْوْا ِمن َقْب ُل َوَلن تَ ِج َد ُخ ُذوْا وُقِتُّلوْا تَْقِتيالً * سَّن َة َّ ِ ِ َّ ِونك ِفيهآ ِإالَّ َقلِيالً * َّمْلعوِنين أَيَنما ثُِقُفوْا أ ِ
َّللا في الذ َ ُ َ ُ َ ْ َ الَ ُي َج ِاوُر َ َ َ
اع َة تَ ُكو ُن َق ِريباً * ِإ َّن َّ الساع ِة ُقل ِإَّنما ِعْلمها ِعند َّ ِ َّللاِ تَ ْب ِديالً * َي ْسأَُل َك َّ
لِ ُسَّن ِة َّ
َّللاَ َل َع َن الس َ َّللا َو َما ُي ْد ِر َ
يك َل َع َّل َّ اس َع ِن َّ َ ْ َ ُ َ َ الن ُ
وه ُه ْم ِفي َّ َّ ِ َّ اْل َك ِاف ِرين وأَعَّد َلهم س ِعي اًر * َخالِ ِد ِ
الن ِار َيُقوُلو َن ٰيَل ْيتََنآ يهآ أََبداً ال َي ِج ُدو َن َولِّياً َوالَ َنصي اًر * َي ْوَم تَُقل ُب ُو ُج ُ
ين ف َ
َ َ َ َ ُْ َ
ال * ربَّنآ ِآت ِهم ِ
ض ْعَف ْي ِن ِم َن اْلع َذ ِ السِبي ْ طعنا سادتَنا وُكبرآءنا َفأ ُّ
اب َ ْ ََ ونا َّ َضل َ الرُسوالَ * َوَقاُلوْا َربََّنآ ِإَّنآ أَ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َّللاَ َوأَ َ
ط ْعَنا َّ أَ َ
ط ْعَنا َّ
ُّها ان ِع َند َّ ِ ِ برَه َّ ِ َّ ِ واْلعنهم َلعناً َكِبي اًر * ٰيأَي َّ ِ
َّللا َوجيهاً * ٰيأَي َ َّللاُ م َّما َقاُلوْا َوَك َ وس ٰى َف َّأ ُ
ين آ َذ ْوْا ُم َ
ونوْا َكالذ َ
آمُنوْا الَ َت ُك ُ
ين َ
ُّها الذ َ
َ َ َُْ ْ ْ
وب ُك ْم َو َمن ُي ِط ِع َّ
َّللاَ َوَرُسوَل ُه َفَق ْد َف َاز َف ْو اًز ِ
َع َماَل ُك ْم َوَي ْغف ْر َل ُك ْم ُذُن َ
َّللا وُقوُلوْا َقوالً س ِديداً * ي ِ
صل ْح َل ُك ْم أ ْ
ُْ ْ َ
َّ
آمُنوْا اتُقوْا َّ َ َ
ين َ
َّ ِ
الذ َ
َع ِظيماً
{إن هللا ومالئكته يصلون على النبي} باإلمداد والتأييدات واإلفاضة للكماالت فالمصلي في الحقيقة هو هللا تعالى
ّ
جميعاً وتفصيالً بواسطة وغير واسطة ،ومن ذلك تعلم صالة المؤمنين عليه وتسليمهم له فإنها من حيز التفصيل
وحقيقة صالتهم عليه قبولهم لهدايته وكماله ومحبتهم لذاته وصفاته فإنها إمداد له منهم وتكميل وتعميم للفيض إذ لو
لم يمكن قبولهم بالتأثير أو من تحت بالتأثر ،وذلك كقبول المحبة .والصفاء هو حقيقة الدعاء في صالتهم بقولهم:
{يوم تقلب وجوههم في النار} بتغيير صورهم في أنواع العذاب وبراز الحجاب .والصواب ،والصدق هو مادة كل سعادة
وأصل كل كمال ألنه من صفاء القلب وصفاؤه يستدعي قبول جميع الكماالت وأنوار التجليات ،وهو وإن كان داخالً
في التقوى المأمور بها ألنه اجتناب من رذيلة الكذب مندرج تحت التزكية التي عبر عنها بالتقوى لكنه أفرد بالذكر
للفضيلة كأنه جنس برأسه كما خص جبريل وميكائل من المالئكة.
{يصلح لكم أعمالكم} بإفاضة الكماالت والفضائل ،أي :زّكوا أنفسكم لقبول التحلية من هللا بفيض الكماالت عليكم
{ويغفر لكم} ذنوب صفاتكم بتجليات صفاته {ومن يطع هللا ورسوله} في التزكية ومحو الصفات {فقد فاز} بالتحلية
واالتصاف بالصفات اإللهية وهو الفوز العظيم.
{لع ّذب هللا المنافقين والمنافقات} الذين ظلموا بمنع ظهور نور استعدادهم بظلمة الهيئات البدنية والصفات النفسانية
ووضعوه في غير موضعه فجهلوا حقه {والمشركين والمشركات} الذين جهلو الحتجابهم باألنائية والوقوف مع الغير
بغلبة الرين وكثافة الحجب الخلقية فعظم ظلمهم النطفاء نورهم بالكلية وامتناع وفائهم باألمانة اإللهية.
{ويتوب هللا على المؤمنين والمؤمنات} الذين تابوا عن الظلم باالجتناب عن الصفات النفسانية المانعة عن األداء
وعدلوا بإبراز ما أخفوه من حق هللا عند الوفاء وعن الجهل بحقه إذ عرفوه و ّأدوا أمانته إليه بالفناء {وكان هللا غفو اًر}
ستر ذنوب ظلمهم وجهلهم عن التزكية والتصفية والتجريد والمحو والطمس بأنوار تجلياته {رحيماً} رحمهم بالوجود
الحقاني عند البقاء بأفعاله وصفاته وذاته أو عرضنا األمانة اإللهية بالتجلي عليها وإيداع ما تطيق حملها فيها من
الصفات بجعلها مظاهر لها .أو :فأبين أن يحملنها بخيانتها وإمساكها عندها واالمتناع عن أدائها ،وأشفقن من حملها
فأدينها بإظهار ما أودع فيها من الكماالت وحملها اإلنسان بإخفائها بالشيطنة وظهور األنائية واالمتناع عن
عندها ّ
أدائها بإظهار ما أودع فيه من الكمال وإمساكها بظهور النفس بالظلمة والمنع عن الترقي في مقام المعرفة ،وهللا أعلم.
يم اْل َخِب ُير * َي ْعَل ُم َما َيِل ُج ِفي ِ ِِ ِ ِ ِ اْلحمد ََّّللِ َّال ِذي َله ما ِفي َّ ِ
الس َم َٰٰوت َو َما في األ َْرض َوَل ُه اْل َح ْم ُد في اآلخ َرة َو ُهَو اْل َحك ُ ُ َ َ ُْ
ين َكَف ُروْا الَ تَأِْت َينا َّ الرِحيم اْلغُفور * وَق َّ ِ ِ نزل ِمن َّ ِ ِ األ َْر ِ
اع ُة
الس َ ال الذ َ َ َ يها َو ُه َو َّ ُ َ ُ الس َمآء َو َما َي ْع ُرُج ف َ ض َو َما َي ْخ ُرُج م ْن َها َو َما َي ِ ُ َ
{الحمد هلل الذي له ما في السماوات وما في األرض} بجعله مظاهر لصفاته الظاهرة وكماالته الباهرة وظهوره فيها
بالحجب الجاللية {وله الحمد في اآلخرة} بتجليه على األرواح بالكماالت الباطنة والصفات الجمالية ،أي :له الحمد
بالصفات الرحمانية في الدنيا ظاه اًر ،وله الحمد بالصفات الرحيمية في اآلخرة باطناً {وهو الحكيم} الذي أحكم ترتيب
عالم الشهادة بمقتضى حكمته {الخبير} الذي نفذ علمه في بواطن عالم الغيب للطافته.
{يعلم ما يلج في األرض} من الملكوت األرضية والقوى الطبيعية {وما يخرج منها} بالتجريد من النفوس اإلنسانية
والكماالت الخلقية {وما ينزل من السماء} من المعارف والحقائق الروحانية {وما يعرج فيها} من هيئات األعمال
الصالحة واألخالق الفاضلة {وهو الرحيم} بإفاضة الكماالت السماوية النورانية {الغفور} بستر الهيئات األرضية
الظلمانية.
بعلو الرتبة وتسبيح المشاهدة والمناغاة في المحبة مع مزيد العبادة والتف ّكر
{منا فضالً} ّ
{ولقد آتينا داود} الروح ّ
والكماالت العلمية العملية ،بأن قلنا{ :يا جبال} األعضاء {أوبي} أي :سبحي {معه} بالتسبيحات المخصوصة بك من
االنقياد والتمرن في الطاعات بالحركات والسكنات واألفعال واالنفعاالت التي أمرناك بها وطير القوى الروحانية
المجردة والذوات
ّ بالتسبيحات القدسية من األذكار واإلدراكات والتعقالت واالستفاضات واالستشراقات من األرواح
َلنا له} حديد الطبيعة الجسمانية العنصرية {أن اعمل سابغات} من هيئات الورع والتقوى فإن
المفارقة كل بما أمر{وأ ّ
{وقدر}
الورع الحصين في الحقيقة هو لباس الورع الحافظ من صوارم دواعي أعادي النفوس وسهام نوازع الشياطين ّ
بالحكمة العملية والصنعة المتقنة العقلية والشرعية في ترغيب األعمال المزكية ووصول الهيئات المانعة من تأثير
الدواعي النفسية {واعملوا} أيها العاملون هلل بالجمعية في الجهة السفلية إلى الجهة العلوية عمالً صالحاً يصعدكم في
ويعدكم لقبول األنوار القدسية .والخطاب لداود الروح وآله من القوى الروحانية والنفسانية
الترقي إلى الحضرة اإللهية ّ
واألعضاء البدنية.
{غدوها شهر} أي :جريها غداة طلوع نور الروح وإشراق شعاع القلب وإقبال
ّ {ولسليمان} القلب ريح الهوى النفسانية
النهار سير طور في تحصيل األخالق والفضائل والطاعات والعابدات والصوالح التي تتعلق بسعادة المعاد {ورواحها}
أي :جريها رواح غروب األنوار الروحية في الصفات النفسية وزوال تأللؤ أشعتها ،وإدبار نهار النور سير طور آخر
في ترتيب مصالح المعاش من األقوات واألرزاق والمالبس والمناكح وما يتعلق بصالح النظام وقوام البدن{ .وأسلنا له
جن القوى الوهمية والخيالية {من يعمل
عين} قطر الطبيعة البدنية الجامدة بالتمرين في الطاعات والمعامالت {ومن} ّ
بين يديه} بحضوره في التقديرات المتعلقة بصالح العالم وعمارة البالد ورفاهية العباد والتركيبات والتفضيالت المتعلقة
بإصالح النفس واكتساب العلوم {بإذن رّبه} بتسخيره إياها له وتيسيره األمور على أيديها {ومن يزغ منهم عن أمرنا}
الجنية وينحرف عن الصواب والرأي العقلي بالميل إلى الزخارف النفسية واللذات البدنية {نذقه من
ّ بمقتضى طبيعته
ّ
نسأَتَ ُه َفَل َّما َخَّر تََبيََّن ِت اْل ِج ُّن أَن َّل ْو َك ُانوْا َي ْعَل ُمو َن ض تَأ ُ ِ ض ْيَنا َعَل ْي ِه اْلم ْو َت ما َدَّل ُهم َعَل ٰى م ْوِت ِه ِإالَّ َد َّاب ُة األ َْر ِ
ْك ُل م َ َ ْ َ َ َفَل َّما َق َ
ال ُكُلوْا ِمن ِّرْز ِق َرّب ُ ين وِشم ٍ ِ ان لِ َسَبٍإ ِفي َم ْس َكِن ِه ْم َآي ٌة َجَّنتَ ِ اْل َغ ْيب ما َلِبثُوْا ِفي اْلع َذ ِ
اب اْل ُم ِه ِ
ِك ْم ان َعن َيم ٍ َ َ ين * َلَق ْد َك َ َ َ َ
طِّيَب ٌة َوَر ٌّب َغُف ٌ
ور اش ُك ُروْا َل ُه َبْل َدةٌ َ
َو ْ
السر {ما دلهم على موته إال دابة األرض} أي :ما اهتدوا إلى فنائه في
في في مقام ّ {فلما قضينا عليه الموت} بالفناء
ّ
السر إال بحركة الطبيعة األرضية وقواها البدنية الضعيفة الغالبة على النفس
مقام الروح وتوجهه إلى الحق في حال ّ
السر وال وقوف على حال القلب فيه وال شعورالحيوانية التي هي منسأته إذ ال طريق لهم إلى الوصول إلى مقام ّ
بكونه في طور وراء أطوارهم إال برابطة اتصال الطبيعة البدنية المتصلة به ،المقهورة بالقوى الطبيعية لضعفها
بالرياضة وانقطاع مدد القلب عنها حينئذ أي :ال يطلعون إال على حال الدابة التي تأكل المنسأة باالستيالء عليها ألن
النفس الحيوانية عند عروج القلب ضعفت وسقطت قواها ولم يبق منها إال القوى الطبيعية الحاكمة عليها {فلما ّ
خر}
من صعقته الموسوية وذهل في الحضور واالشتغال بالحضرة اإللهية عن استعمالها في األعمال وإعمالها بالرياضات
مجردين {ما لبثوا في العذاب الجن أن لو كانوا يعلمون} غيب مقام ّ
السر باالطالع على المكاشفات لو كانوا ّ {تبينت ّ
المهين} من الرياضة الشاقة التي تمنعهم الحظوظ والمرادات ومقتضيات الطباع واألهواء بالمخالفات واإلجبارعلى
األعمال المتعبة في السلوك واالقتصار بها على الحقوق.
{فأعرضوا} عن القيام بالشكر والتوسل بها إلى هللا بل عن األكل من ثمراتها التي هي العلوم النافعة والحقيقية
باالنهماك في اللذات والشهوات واالنغماس في ظلمات الطبائع والهيئات{ .فأرسلنا عليهم سيل} الطبيعة الهيوالنية بنقب
{وبدلناهم
سدته بلقيس النفس التي هي ملكتهم .والعرم الجرذ ّ
جرذان سيول الطبائع العنصرية سكر المزاج الذي ّ
بجنتيهم جنتين} من شوك الهيئات المؤذية وأصل الصفات السيئة البهيمية والسبعية والشيطانية {ذواتي أكل خمط} أي:
الشي ِ
اط ِ
ين}[الصافات ،اآلية.]65 : وس َّ َ
طْل ُع َها َكأََّن ُه ُرُء ُ
مرة بشعة كقولهَ { :
ثمرة ّ
{فقالوا} بلسان الحال والتوجه إلى الجهة السفلية المبعدة عن الحضرة القدسية والميل إلى المهاوي البدنية والسير في
المهامة الطبيعية والمهالك الشيطانية {ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم} باالحتجاب عن أنوار القرى المباركة
{ومزقناهم} بالغرق والتفريق.
لظلمات البرازخ المنحوسة {فجلعناهم أحاديث} وآثا اًر سائرة بين الناس في الهالك والتدمير ّ
ان ِإالَّ لَِن ْعَل َم َمن ُي ْؤ ِم ُن ان َل ُه َعَل ْي ِه ْم ِّمن ُسْل َ ِ ِ َّ ِ
طٍ ين * َو َما َك َ ظَّن ُه َفاتََّب ُعوهُ ِإال َف ِريقاً ّم َن اْل ُم ْؤ ِمن َ يس َ صَّد َق َعَل ْي ِه ْم ِإْبل ُ َوَلَق ْد َ
ال َذَّرٍة ِ ِ ظ * ُق ِل ادعوْا َّال ِذين زعمتم ِمن دو ِن َّ ِ ُّك َعَلى ُك ِّل َش ْي ٍء َحِفي ٌ ٍ ِ ِ ِ ِ
َّللا الَ َي ْمل ُكو َن م ْثَق َ َ َ َ ْ ُْ ّ ُ ُْ ِباآلخ َرِة م َّم ْن ُه َو م ْن َها في َش ّك َوَرب َ
اع ُة ِع َندهُ ِإالَّ لِ َم ْن أ َِذ َن َل ُه ير * والَ تَ َنفع َّ
الشَف َ ُ َ ض َو َما َل ُه ْم ِفي ِه َما ِمن ِش ْرٍك َو َما َل ُه ِم ْن ُه ْم ِّمن َ
ظ ِه ٍ الس ٰم ٰو ِت والَ ِفي األ َْر ِ
في َّ َ َ َ
ِ
ض ُق ِل الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ ِ ِ ِ ِ َحتَّ ٰى ِإ َذا ُفِّز َ
ُّك ْم َقاُلوْا اْل َح َّق َو ُه َو اْل َعل ُّي اْل َكب ُير * ُق ْل َمن َي ْرُزُق ُك ْم ّم َن َّ َ َ َ ال َرب ُع َعن ُقُلوبِه ْم َقاُلوْا َما َذا َق َ
َل َع َّما تَ ْع َمُلو َن * ُق ْل َي ْج َم ُع َّ ضالَ ٍل ُّمِب ٍ ِ َّللاُ َوإَِّنآ أ َْو ِإي ُ
ين * ُقل ال تُ ْسأَُلو َن َع َّمآ أ ْ
َج َرْمَنا َوالَ ُن ْسأ ُ َّاك ْم َل َعَل ٰى ُه ًدى أ َْو في َ َّ
يم * ِ اح اْل َعلِيم * ُق ْل أ َُروِني َّالذِي َن أَْل َحْقتُ ْم ِب ِه ُش َرَكآء َكالَّ َب ْل ُه َو َّ ِ َب ْيَنَنا َربَُّنا ثُ َّم َيْفتَ ُح َب ْيَنَنا ِباْل َح ِّق َو ُه َو اْلَفتَّ ُ
َّللاُ اْل َعز ُيز اْل ْحك ُ َ َ ُ
ين اس الَ يعَلمو َن * ويُقوُلو َن متَى هـٰ َذا اْلوعد ِإن ُكنتُم ِ ِ الن ِاس َب ِشي اًر َوَن ِذي اًر َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثَ َر َّاك ِإالَّ َك َّآف ًة ّلِ َّلن ِ
صادق َ ْ َ َ ٰ َ َ ُْ ََ َْ ُ َو َمآ أ َْرَسْلَن َ
آن َوالَ ِب َّال ِذي َب ْي َن
ين َكَف ُروْا َلن ُّن ْؤ ِم َن ِب َهـٰ َذا اْلُق ْر ِ ْخرون عنه ساع ًة والَ تَستَْق ِدمون * وَق َّ ِ
ال الذ َ
َ َ يع ُاد َي ْو ٍم الَّ تَ ْستَأ ِ ُ َ َ ْ ُ َ َ َ ْ ُ َ َّ ِ
* ُقل ل ُكم ّم َ
{يعملون له ما يشاء من محاريب} المقامات الشريفة {وتماثيل} الصور الهندسية {وجفان كالجواب} من ظروف
الحسية وإيداع الحقائق في األمثلة الصورية وإدراج
ّ األرزاق المعنوية واألغذية الروحانية بمحاكاة المعاني بالصور
المدركات الكلية والواردات الغيبية في المالبس اللفظية والهيئات الجزئية واسعة كالحياض لكونها عرية عن المواد
الهيوالنية ،وإن اكتفت باللواحق المادية والعوارض الجسمانية {وقدور راسيات} من تهيئة االستعدادات بتركيب القياسات
سخرنا لكم
المستقيمة وإعداد موارد العلوم والمعارف باآلراء الصائبة والعزائم القوية الثابتة {اعملوا آل داود} الروح بما ّ
ما سخرنا ،وأفضنا عليكم من ِنعم الكماالت ما أفضنا {شك اًر} باستعمال هذه ِ
الن َعم في طريق السلوك والتوجه إلي وأداء
ّ َ
حقوق العبودية بالفناء في ال في تدبير المملكة الدنيويةوإصالح الكماالت البدنية {وقليل من عبادي الشكور} الذي
ّ
يعمل استعمال النعم في طاعة هللا العمل الخالص لوجه هللا.
{جاعل المالئكة رسالً أُولِي أجنحة} عن جهات التأثير الكائنة في الملكوت السماوية واألرضية باألجنحة ،جعلها هللا
رسالً مرسلة إلى األنبياء بالوحي وإلى األولياء باإللهام وإلى غيرهم من األشخاص اإلنسانية وسائر األشياء بتصريف
إن العاقلتين العلمية
األمور وتدميرها ،فما يصل بتأثيرهم إلى ما يتأثر منه فهو جناح ،فكل جهة تأثير جناح مثالًّ :
والنظرية جناحان للنفس اإلنسانية والمدركة والمحركة الباعثة والمحركة الفاعلة ثالثة أجنحة للنفس الحيوانية والغاذية
تنوعات
المصورة أربعة أجنحة للنفس النباتية .وال تنحصر أجنحتهم في العدد بل لهم بحسب ّ
ّ والنامية والمولدة و
التأثيرات أجنحة .ولهذا حكى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أنه رأى جبريل عليه السالم ليلة المعراج وله ستمائة
جناح ،وأشار إلى كثرتها بقوله تعالى{ :يزيد في الخلق ما يشاء}
الصالِح يرَفعه و َّال ِذين يم ُكرون َّ ِ من َكان ي ِريد اْل ِعَّزة َفلَِّل ِه اْل ِعَّزة ج ِميعاً ِإَلي ِه يصعد اْل َكلِم َّ
السِّيَئات َل ُه ْم َع َذ ٌ
اب الطِّي ُب َواْل َع َم ُل َّ ُ َ ْ ُ ُ َ َ َ ْ ُ َ ُ ْ َ ْ َُ ُ َ َ َ ُ ُ َ
طَف ٍة ثُ َّم جعَل ُكم أ َْزواجاً وما تَح ِمل ِمن أ ُْنثَى والَ تَضع ِإالَّ ِ
اب ثُ َّم من ُّن ْ ِ
َّللا َخَلَق ُكم من تُر ٍ ِ ِ
ََ ْ َ َ َ ْ ُ ْ ٰ َ َ ُ ْ ّ َ ور * َو َّ ُ َشد ٌيد َو َم ْك ُر أ ُْوَلئ َك ُه َو َيُب ُ
َّللاِ َي ِس ٌير * َو َما َي ْستَ ِوي اْلَب ْح َر ِ
ان َهـٰ َذا َع ْذ ٌب اب ِإ َّن َذلِ َك َعَلى َّ ِب ِعْل ِم ِه وما يع َّمر ِمن ُّمع َّم ٍر والَ ينَقص ِم ْن ُعم ِِره ِإالَّ ِفي ِكتَ ٍ
َ َ ُ ُ َ َ َُ ُ
ُ
ِ ِ ِ ِ ٍ ِ ِ ُفر ٌ ِ
ون َها َوتََرى اْلُفْل َك فيه َمَواخ َر ط ِرّياً َوتَ ْستَ ْخ ِر ُجو َن حْلَي ًة َتْلَب ُس َ
ْكُلو َن َل ْحماً َاج َومن ُك ّل تَأ ُ ُج ٌ
ات َسآئ ٌغ َش َرُاب ُه َو َهـٰ َذا مْل ٌح أ َ َ
َّ ِ ِ َّ َّ ِ ِ ِ
النه َار في اْللْي ِل وس َّخ َر َّ
الش ْم َس َواْلَق َم َر ُك ٌّل َي ْجرِي ََ الن َه ِار َوُيولِ ُج َّ َضله َوَل َعل ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن * ُيولِ ُج اْللْي َل في َّ لِتَْبتَ ُغوْا من َف ْ
آء ُك ْم ير * ِإن تَ ْد ُع ُ
وه ْم الَ َي ْس َم ُعوْا ُد َع َ
ط ِم ٍين تَ ْد ُعو َن ِمن ُدوِن ِه َما َي ْملِ ُكو َن ِمن ِق ْ َّ ِ
ُّك ْم َل ُه اْل ُمْل ُك َوالذ َ َج ٍل ُّم َس ًّمى َذلِ ُك ُم َّ
َّللاُ َرب ُ أل َ
َّللاِ َو َّ
َّللاُ آء ِإَلى َّ اس أَنتُ ُم اْلُفَق َر ُ
ُّها َّ
الن ُ ير * ٰيأَي َ ام ِة َي ْكُف ُرو َن ِب ِش ْرِك ُـك ْم َوالَ ُيَنِّبُئ َك ِم ْث ُل َخِب ٍ ِ
استَ َج ُابوْا َل ُك ْم َوَي ْوَم اْلقَي َ
ِ
َوَل ْو َسم ُعوْا َما ْ
ُخ َر ٰى َوإِن يز * َوالَ تَ ِزُر َو ِازَرةٌ ِوْزَر أ ْ َّللاِ ِب َع ِز ٍ
ْت ِب َخْل ٍق َج ِد ٍيد * َو َما َذلِ َك َعَلى َّ هو اْل َغِن ُّي اْلح ِميد * ِإن ي َش ْأ ي ْذ ِهب ُكـم ويأ ِ
َ ُ
َ ُ ْ ْ ََ َُ
العزة جميعاً} أي :العزة صفة من صفات هللا مخصوصة به ،من أرادها فعليه بالفناء في
{من كان يريد العزة فلّله ّ
صفات هللا تعالى عن صفاته ،ثم عّلم طريق التجريد ومحو الصفات بقوله{ :إليه يصعد الكلم الطيب} أي :النفوس
الصافية الطيبة عن خبائث الطبائع الباقية على نور فطرتها ،الذاكرة لميثاق توحيدها {والعمل الصالح} بالتزكية
والتحلية {يرفعه} أي :يرفع ذلك الجنس الطيب إلى حضرته دون غيره فيتّصف بصفة ّ
العزة وسائر الصفات .أو إليه
يصعد العلم الحقيقي من التوحيد األصلي الفطري الطيب عن خبائث التوهمات والتخيالت والعمل الصالح بمقتضاه
يرفعه دون غيره كما قال أمير المؤمنين عليه السالم" :العلم مقرون بالعمل ،والعلم يهتف بالعمل ،فإن أجابه وإال
ارتحل" ،أي :سلم الصعود إلى الحضرة اإللهية هو العلم والعمل ال يمكن الترقي إال بهما وال يكفي التوحيد الذي هو
بعزته وسائر صفاته ألن الصفات مصادر األفعال فما لم يترك األفعال النفسية التي مصادرها
األصل في االتّصاف ّ
يتجرد عن هيئاتها بالعبادة والتبتل لم يحصل استعداد االتصاف بصفاته تعالى ،فكان
صفات النفس بالزهد والتوكل ولم ّ
العلم الحقيقي الذي هو التوحيد بمثابة عضادتي السلم والعمل بمثابة الدرجات في الترقي.
{والذين يمكرون السيئات} بظهور صفات النفوس وإن كانوا عالمين {لهم عذاب} من هيئات األعمال القبيحة المؤذية
{شديد}.
التجلي الثابت للعالم العارف بون بعيد ،ومراتب الخشية ال تحصى بحسب مراتب العلم والعرفان ّ
{إن هللا عزيز} غالب
عزته.
على كل شيء بعظمته {غفور} يستر صفة تعظم النفس وهيئة تكبرها بنور تجلي ّ
ور * لُِي َوِّفَي ُه ْم َّ ِ ِ َنفُقوْا ِم َّما رَزْقن ِ ِ َّ ِ َّ ِ
ورُه ْم
ُج َ أُ اه ْم سّاًر َو َعالَنَي ًة َي ْر ُجو َن ت َج َارًة لن تَُب َ
َ َ ُ ين َي ْتُلو َن كتَ َ
اب الصالَ َة َوأ َ ِإ َّن الذ َ
اموْا ََّّللا َوأََق ُ
ِب ِعَب ِادِه صِّدقاً ّلِ َما َب ْي َن َي َد ْي ِه ِإ َّن َّ
َّللاَ
ِ ِ ِ ِ ضلِ ِه ِإَّن ُه
َّ ِ ِ
َوَي ِز َيد ُهم ّمن َف ْ
ور * َوالذي أ َْو َح ْيَنآ إَل ْي َك م َن اْلكتَاب ُه َو اْل َح ُّق ُم َ ور َش ُك ٌ َغُف ٌ
صٌد و ِم ْنهم ساِبق ِباْلخير ِ ظالِم ّلِنْف ِس ِه و ِم ْنهم ُّمْقتَ ِ صير * ثُ َّم أَورْثنا اْل ِكتَاب َّال ِذين اص َ ِ ِ ِ ِ ِ
ات َ ُ ْ َ ٌ َ َْ َ ُْ طَف ْيَنا م ْن عَبادَنا َفم ْن ُه ْم َ ٌ َ َ ْ َ َْ َ َل َخِب ٌير َب ٌ
يها َح ِر ٌير ِ ِ ٍ َّللاِ َذِلك هو اْلَفضل اْل َكِبير * جَّنات ع ْد ٍن ي ْدخُلونها يحَّلو َن ِفيها ِمن أ ِ ِ ِِ
اس ُه ْم ف َ
َساوَر من َذ َهب َوُل ْؤُلؤاً َولَب ُ َ ْ َ َ ُ َ َ ُ ََ ُ َ ْ ُ ْ ُ بإ ُذ ِن َّ َ ُ َ
{إن الذين يتلون كتاب هللا} الذي أعطاهم في بدء الفطرة من العقل القرآني بإظهاره وإب ارزه ليصير فرقاناً {وأقاموا}
صالة الحضور القلبي عند ظهور العلم الفطري {وأنفقوا مما رزقناهم} من صفة العلم والعمل الموجب لظهوره عليهم
{سر} بالتجريد عن الصفات {وعالنية} بترك األفعال {يرجون} في مقام القلب بالترك والتجريد {تجارة لن تبور} من
ّاً
استبدال أفعال الحق وصفاته بأفعالهم وصفاتهم {ليوفيهم أجورهم} في جنات النفس والقلب من ثمرات التوكل والرضا
{ويزيدهم من فضله} في جنات الروح مشاهدات وجهه في التجليات {إنه غفور} يستر لهم ذنوب أفعالهم وصفاتهم
{شكور} يشكر سعيهم باإلبدال من أفعاله وصفاته.
{مصدقاً
ّ {والذي أوحينا إليك من الكتاب} الفرقاني المطلق {هو الحق} الثابت المطلق الذي ال مزيد عليه وال نقص فيه
{إن هللا بعباده لخبير} يعلم أحوال استعداداتهم {بصير}
لما بين يديه} لكونه مشتمالً عليها ،حاوياً لما فيها بأسرها ّ
بأعمالهم ،يعطيهم الكمال على حسب االستعداد بقدر االستحقاق باألعمال.
{ثم أورثنا} منك هذا {الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} المحمديين المخصوصين من عند هللا بمزيد العناية وكمال
االستعداد بالنسبة إلى سائر األمم ألنهم ال يرثون وال يصلون إليه إال منك وبواسطتك ألنك المعطي إياهم االستعداد
والكمال فنسبتهم إلى سائر األمم نسبتك إلى سائر األنبياء {فمنهم ظالم لنفسه} بنقص حق استعداده ومنعه عن
خروجه إلى الفعل وخيانته في األمانة المودعة عنده بحملها وإمساكها واالمتناع عن أدائها النهماكه في اللذات البدنية
والشهوات النفسانية {ومنهم مقتصد} يسلك طريق اليمين ويختار الصالحات من األعمال والحسنات ،ويكتب الفضائل
{جنات عدن} من الجنان الثالث {يدخلونها يحلون فيها من أساور} صور كماالت األخالق والفضائل واألحوال
والمواهب المصوغة باألعمال من ذهب العلوم الروحانية ولؤلؤ المعارف والحقائق الكشفية الذوقية فلباسهم فيها حرير
الصفات اإللهية.
يها ِ وَقاُلوْا اْلحمد ََّّللِ َّال ِذي أَ ْذهب عَّنا اْلحزن ِإ َّن ربَّنا َلغُفور ش ُكور * َّال ِذي أَحَّلنا دار اْلمَقام ِة ِمن َف ِ ِ
ضله الَ َي َم ُّسَنا ف َ ْ ََ ََ ُ َ ََ َ ٌ َ ٌ ََ َ ََ َ َ ُْ َ
ِ
ف َع ْن ُه ْم ّم ْن َع َذاِب َها َك َذلِ َك ِ َّ ِ
ض ٰى َعَل ْي ِه ْم َفَي ُموتُوْا َوالَ ُي َخَّف ُ
ين َكَف ُروْا َل ُه ْم َن ُار َج َهَّن َم الَ ُيْق َ
وب * َوالذ َ
يها ُل ُغ ٌ ص ٌب َوالَ َي َم ُّسَنا ف َ
َن َ
يه َمن ط ِرخون ِفيها ربَّنآ أَخ ِرجنا نعمل صالِحاً غير َّال ِذي ُك َّـنا نعمل أَوَلم نع ِمرُكم َّما يت َذ َّكر ِف ِ َن ْجزِي ُك َّل َكُف ٍ
َ ْ َ ُ َ ْ ُ َ ّ ْ ْ ََ ُ َ َْ ص َ ُ َ َ َ َ ْ َْ َْ َ ْ َ ور * َو ُه ْم َي ْ
الص ُد ِ ض ِإَّنه علِيم ِب َذ ِ الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ ِ ير * ِإ َّن َّ ِ صٍ لظالِ ِمين ِمن َّن ِ الن ِذير َف ُذوُقوْا َفما لِ َّ َّ
ور ات ُّ ُ َ ٌ َّللاَ َعال ُم َغ ْيب َّ َ َ َ َ َ آء ُك ُم َّ ُ تَ َذك َر َو َج َ
ين ُكْف ُرُه ْم ِع َند َرِّب ِه ْم ِإالَّ َمْقتاً َوالَ َي ِز ُيد ِ ِ ف ِفي األ َْر ِ ِ َّ ِ
ض َف َمن َكَف َر َف َعَل ْيه ُكْف ُرهُ َوالَ َي ِز ُيد اْل َكاف ِر َ * ُه َو الذي َج َعَل ُك ْم َخالَئ َ
ك ِ
ض أ َْم َل ُه ْم ش ْر ٌ َّللاِ أ َُروِني ما َذا َخَلُقوْا ِم َن األ َْر ِ ين تَ ْد ُعو َن ِمن ُدو ِن َّ َّ ِ
آء ُك ُم الذ َ ين ُكْف ُرُه ْم ِإالَّ َخ َسا اًر * ُق ْل أ َأ ِ
اْل َكاف ِر َ
َ َرَْيتُ ْم ُش َرَك َ
َّللاَ ُي ْم ِس ُك
ض ُهم َب ْعضاً ِإالَّ ُغ ُرو اًر * ِإ َّن َّ ِ َّ ِ ٍ ِ الس ٰم ٰو ِت أَم آتَيَن ِ ِ
اه ْم كتَاباً َف ُه ْم َعَل ٰى َبِّيَنة ّم ْن ُه َب ْل ِإن َيع ُد الظال ُمو َن َب ْع ُ في َّ َ َ ْ ْ ُ
اَّللِ َج ْه َد أ َْي َم ِان ِه ْم
ان َحِليماً َغُفو اًر * َوأَ ْق َس ُموْا ِب َّ ِِ الس ٰم ٰو ِت واألَرض أَن تَ ُزوالَ وَلِئن َازَلتَآ ِإن أَمس َكهما ِمن أ ٍ ِ
َحد ّمن َب ْعده ِإَّن ُه َك َ ْ َْ َُ ْ َ َ َّ َ َ َ ْ َ
ض َو َم ْك َر َه َد ٰى ِم ْن ِإ ْح َدى األُم ِم َفَل َّما َجآء ُهم َن ِذ ٌير َّما َزَاد ُهم ِإالَّ ُنُفو اًر * ا ْسِت ْكَبا اًر ِفي األ َْر ِ ِ
آء ُه ْم َنذ ٌير َّلَي ُك ُ
ون َّن أ ْ
ِ
ْ َ ْ َ َلئن َج َ
َّللاِ
َّللاِ تَْب ِديالً َوَلن تَ ِج َد لِ ُسَّن ِت َّ
ين َفَلن تَ ِج َد لِ ُسَّن ِت َّ َّ َهلِ ِه َف َه ْل َين ُ َّ ِ السِي ِ
ظ ُرو َن ِإال ُسَّن َت األََّولِ َ ىء ِإال ِبأ ْ يق اْلم ْك ُر َّ ِ
السّي ُ َوالَ َيح ُ َ ىء َّ ّ
ان َّ ِ ِ ظروْا َكيف َكان ع ِاقب ُة َّال ِذين ِمن َقبلِ ِهم وَكانوْا أ َ ِ * أَوَلم َي ِس ُيروْا ِفي األ َْر ِ
تَ ْح ِويالً
َّللاُ لُي ْعج َزهُ َشَّد م ْن ُه ْم ُقَّوًة َو َما َك َ ْ ْ َ ُ َ ض َفَين ُ ُ ْ َ َ َ َ َ ْ
ظ ْه ِرَها ِمن ض ِإَّنه َكان علِيماً َق ِدي اًر * وَلو يؤ ِ ِ ِمن َشي ٍء ِفي َّ ِ
اس ِب َما َك َسُبوْا َما تََر َ
ك َعَل ٰى َ َّللاُ َّ
الن َ اخ ُذ َّ َ ْ َُ الس َٰم َٰوت َوالَ في األ َْر ِ ُ َ َ ْ
ِ ِ
َّللا َكان ِب ِعباده ب ِ ٍ
َّة وَلـ ِٰكن ي َؤ ِّخرُهم ِإَل ٰى أ ٍ
صي اًر َجُل ُه ْم َفِإ َّن َّ َ َ َ َ آء أ َ ِ
َجل ُّم َس ًّمى َفإ َذا َج َ
َ ُ ُ ْ َدآب َ
عنا الحزن} الالزم لفوات الكماالت الممكنة بحسب االستعدادات بهبته لنا إياها في هذا الوجود الحقاني ّ
{إن ربنا لغفور
شكور} جزاؤنا منه أوفى وأبقى مما نستحقه بسعينا {الذين أحلنا دار} اإلقامة الدائمة التي ال انتقال منها بوجه في هذا
يمسنا فيها لغوب}
يمسنا فيها نصب} بالسعي واالنتقال {وال ّ
الوجود الموهوب من عطائه الصرف وفضله المحض {ال ّ
بالسير والترحال{ .والذين كفروا} المحجوبون منك باإلنكار ،الذين ال يقبلون الكتاب وال يرثونه لبعدهم عنك في
الحقيقة ،فال تقارب وال تواصل بينك وبينهم{ .لهم نار} جهنم الطبيعة يعذبون فيها بأنواع الحرمان واآلالم دائماً {ال
يقضي عليهم فيموتوا} ويستريحوا {وال يخّفف عنهم من عذابها} فيتنفسوا ،وهللا أعلم.
الم ْرَسلين تَْنزيل العزيز الرحيم} أي :القرآن الشامل للحكمة الذي هو صورة كمال ِ
{إنك} بسبب هذه الثالثة {لمن ُ
استعدادك تنزيل بإظهاره مفصالً من مكمن الجمع على مظهرك ليكون فرقاناً من العزيز الغالب الذي غلب على
بقوته لئال تظهر وتمنع ظهور القرآن المكنون في غيبك على مظهر قلبك وصيرورته
أنائيتك وصفات نشأتك وقهرها ّ
فرقاناً{ .الرحيم} الذي أظهره عليك بتجليات صفاته الكمالية بأسرها.
ان َف ُهم ُّمْق َم ُحو َن * َو َج َعْلَنا َغالَالً َف ِهى ِإَلى األَ ْذَق ِ َلَق ْد ح َّق اْلَقول عَلى أَ ْكثَ ِرِهم َفهم الَ يؤ ِمُنو َن * ِإَّنا جعْلَنا ِفي أَع ِ
ناق ِه ْم أ ْ
َ ْ ََ ْ ُْ ُ ُْ َ ٰ َ
آء َعَل ْي ِه ْم َءأَن َذ ْرتَ ُه ْم أ َْم َل ْم تُ ِنذ ْرُه ْم الَ ُيؤ ِمُنو َن * ِ ن
اه ْم َف ُه ْم الَ ُي ْبص ُرو َ * َو َس َو ُ أغ َش ْيَن ُ ِمن َب ْي ِن أ َْي ِد ِ
يه ْم َسّداً و ِم ْن َخْلِف ِه ْم َسّداً َف ْ
ِ ِ ِإَّنما ت ِنذر م ِن اتَّبع ال ِذكر و ِ
َج ٍر َك ِري ٍم * ِإَّنا َن ْح ُن ُن ْحِيي اْل َم ْوتَ ٰى َوَن ْكتُ ُب َما َقَّد ُموْا الر ْحمـ َٰن ِباْل َغ ْي ِب َفَب ّش ْرهُ ِب َم ْغف َرٍة َوأ ْ
خشي َّ
َ ُ ُ َ َ َ ّ َْ َ َ
ينص ْيَناهُ ِفي ِإ َما ٍم ُّمِب ٍ ٍ
َح َ
شيء أ ْ وآثارهم وكل
َ َ َ ُ ْ َ ُ َّ ْ
حق القول على أكثرهم} في القضاء السابق بأنهم أشقياء {فهم ال يؤمنون} ألنه إذا قويت االستعدادات عند
{لقد ّ
الشر كما قوي السعداء في الخير.
ظهورك قوي األشقياء في ّ
{سداً} من حجاب ظهور النفس والصفات المستولية على القلب منعهم من {وجعلنا من بين أيديهم} من الجهة اإللهية ّ
{سداً} من حجاب
الحق عند رؤية األنوار الجمالية {ومن خلفهم} من الجهة البدنية ّ
ّ النظر إلى فوق ليشتاقوا للقاء
يعدهم لقبول الخير
الطبيعة الجسمانية ولذاتها المانعة المتثالهم األوامر والنواهي فمنعهم من العمل الصالح الذي ّ
يتقدمون وال
فانسد لهم طريق العلم والعمل فهم واقفون مع أصنام األبدان حيارى يعبدونها ال ّ
ّ والصفات الجاللية
{إنما تنذر} أي :يؤثر اإلنذار وينجع في {من اتّبع الذكر} لنورية استعداده وصفائه فيتأثر به ويقبل الهداية بما في
بتصور عظمته مع غيبته من التجلي فيتبعه
ّ استعداده من التوحيد الفطري والمعرفة األصلية ،فيتذكر ويخشى الرحمن
بالسلوك ليحضر ما هو غائب عنه ويرى ما استضاء بنوره ّ
{فبشره بمغفرة} عظيمة من ستر ذنوب حجب أفعاله
وصفاته وذاته {و ٍ
أجر كريم} من جنات أفعال الحق وصفاته وذاته.
والرجل الذي جاء من أقصى المدينة ،أي :من أبعد مكان منها ،هو العشق المنبعث من أعلى وأرفع موضع منها
بداللة شمعون العقل ونظره إلظهار دين التوحيد والدعوة إلى الحبيب األول وتصديق الرسل {يسعى} لسرعة حركته
ويدعو الكل بالقهر واإلجبار إلى متابعة الرسل في التوحيد ،ويقول{ :وما لي ال أعبد الذي فطرني وإليه تُ ْرجعون} وكان
اسمه حبيباً وكان نجا اًر ينحت في بدايته أصنام مظاهر الصفات من الصور الحتجابه بحسنها عن جمال الذات وهو
المأمور بدخول جنة الذات ،قائالً{ :يا ليت قومي} المحجوبين عن مقامي وحالي {يعلمون بما غفر لي رّبي} ذنب
"إن
عبادة أصنام مظاهر الصفات ونحتها {وجعلني من المكرمين} لغاية قربي في الحضرة األحدية .وفي الحديثّ :
لكل شيء قلباً ،وقلب القرآن يس" ،فلعل ذلك ألن حبيباً المشهور بصاحب يس آمن به قبل بعثته بستمائة سنة وفهم
".
يز اْل َعلِي ِم * َواْلَق َم َرالش ْم ُس تَ ْجرِي لِ ُم ْستََقٍّر َّل َهـا َذلِ َك تَْق ِد ُير اْل َع ِز ِ
ظلِمو َن * و َّ ِ يل َن ْسَل ُخ ِم ْن ُه َّ َّ َّ
َ الن َه َار َفإ َذا ُهم ُّم ْ ُ َو َآي ٌة ل ُه ُم ال ُ
الن َه ِار َوُك ٌّل ِفي َفَل ٍك
يل َساِب ُق َّ َّ ِ رجو ِن اْلَق ِدي ِم * الَ َّ
ك الَق َم َر َوالَ ال ُ الش ْم ُس َي َنبغي َل َهآ أَن ْتد ِر َ الع َُقَّد ْرَناهُ َمَن ِازَل َحتَّ ٰى َع َاد َك ُ
َي ْسَب ُحو َن * َو َآي ٌة َّل ُه ْم أََّنا َح َمْلَنا ُذِّريَّتَ ُه ْم ِفي اْلُفْل ِك اْل َم ْش ُحو ِن * َو َخَلْقَنا َل ُه ْم ِّمن ِّم ْثلِ ِه َما َي ْرَكُبو َن * َوإِن َّن َش ْأ ُن ْغ ِرْق ُه ْم َفالَ
يخ َل ُه ْم َوالَ ُه ْم ُينَق ُذو َن * ِإالَّ َر ْح َم ًة ِّمَّنا َو َمتَاعاً ِإَل ٰى ِح ٍ
ين ص ِر َ َ
{وآية لهم الليل} أي :ليل ظلمة النفس {نسلخ منه} نهار ونور شمس الروح والتلوين {فإذا هم مظلمون} وشمس الروح
لمستقر لها} وهو مقام الحق في نهاية سير الروح {ذلك تقدير العزيز} المتمنع من أن يصل إلى حضرة أحديته
ّ {تجري
{قدرناه} أي:
سيار وانتهاء سيره ،وقمر القلب ّ
حد كمال كل ّ
شيء ،الغالب على الكل بالقهر والفناء {العليم} الذي يعلم ّ
قدرنا مسيره في سيره {منازل} من الخوف والرجاء والصبر والشكر وسائر المقامات كالتوكل والرضا {حتى عاد} عند ّ
لسر {كالعرجون القديم} وهو بقرب استس ارره فيه وإضاءة وجهه الذي يلي الروح قبل تمام
فنائه في الروح في مقام ا ّ
فنائه فيه ،واحتجابه لنوريته عن النفس والقوى ،وكونه بد اًر إنما يكون في موضع الصدر في مقابلة مقام ّ
السر.
{ال الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر} في سيره فيكون له الكماالت الصدرية من اإلحاطة بأحوال العالمين والتجلي
باألخالق واألوصاف {وال الليل سابق النهار} بإدراك القمر الشمس وتحويل ظلمة النفس نهار نور القلب ألن القمر إذا
ارتقى إلى مقام الروح بلغ الروح حضرة الوحدة فال تدركه وتكون النفس حينئذ ّنيرة في مقام القلب ال ظلمة لها ،فلم
تسبق ظل متها نوره بل زالت مع أن القلب ونوره في مقام الروح فلم تسبقه على تقدير بقائها {وكل في فلك} أي :مدار
يكم وما خْلَف ُكم َلعَّل ُكم تُرحمون * وما تَأِْتي ِهم ِمن آي ٍة ِمن آي ِ
ات َرِّب ِه ْم ِإالَّ َك ُانوْا َع ْن َها ِ ِ
ّْ َ ّْ َ ََ يل َل ُه ُم اتَُّقوْا َما َب ْي َن أ َْيد ُ ْ َ َ َ ْ َ ْ ْ َ ُ َ َوإِ َذا ق َ
طعمه ِإن أَنتُم ِإالَّ َّ َنفُقوْا ِم َّما رَزَق ُكم هللا َقال َّال ِذين َكَفروْا لَِّل ِذين آمنوْا أَن ْ ِ
ضين * وِإ َذا ِقيل َلهم أ ِ ِ
َّللاُ أَ ْ َ َ ُ ْ ْ آء َّ طع ُم َمن ل ْو َي َش ُ َ َُ ُ َ ُ َ َ ُ َ ُْ َ ُم ْع ِر َ
ص ُمو َن احدة تَأْخ ُذهم وهم ي ِخ ِ ِ ِ َّ ين * ويُقوُلو َن متَى ه َذا اْلوعد ِإن ُكنتُم ِ ِ ضالَ ٍل ُّمِب ٍ ِ
ص ْي َح ًة َو َ ً ُ ُ ْ َ ُ ْ َ ّ ظ ُرو َن إال َ ين * َما َين ُ صادق َ ْ َ َ ٰ َ َ ُْ ََ في َ
اث ِإَلى رِب ِهم ي ِ ور َفِإ َذا هم ِمن األَجد ِ َهلِ ِه ْم َي ْرِج ُعو َن * َوُنِف َخ ِفي ُّ ِ ِ
نسُلو َن * َقاُلوْا ٰ َّ ْ َ ُ ّ َ َْ الص ِ يعو َن تَ ْوصَي ًة َوالَ ِإَل ٰى أ ْ
* َفالَ َي ْستَط ُ
اح َدةً َفِإ َذا ُه ْم َج ِمي ٌع َّل َد ْيَنا
الرحمـٰن وص َدق اْلمرسُلو َن * ِإن َك َان ْت ِإالَّ صيح ًة و ِ ِ ِ
َ َْ َ ي َٰوْيَلَنا َمن َب َعثََنا من َّم ْرَقدَنا َه َذا َما َو َع َد َّ ْ ُ َ َ َ ُ ْ َ
اك ُهو َن ظَلم َنْفس َشيئاً والَ تُج َزو َن ِإالَّ ما ُك ْنتُم َتعمُلو َن * ِإ َّن أَصحاب اْلجَّن ِة اليوم ِفي ُش ُغ ٍل َف ِ
ْ َ َ َ َْ َ ْ َْ َ ض ُرو َن * َفاْلَي ْوَم الَ تُ ْ ُ ٌ ْ َ ْ ْ ُم ْح َ
* هم وأ َْزواجهم ِفي ِظالَ ٍل عَلى األَرِآئ ِك متَّ ِكُئو َن * َلهم ِفيها َف ِ
اك َه ٌة َوَل ُه ْم َّما َيَّد ُعو َن * َسالَ ٌم َق ْوالً ِّمن َّر ٍّب َّرِحي ٍم * ُْ َ ُ َ َ ُْ َ َ ُ ُ ْ
ُّها اْل ُم ْج ِرُمو َن
امتَ ُازوْا اْلَي ْوَم أَي َ
َو ْ
{اتّقوا ما بين أيديكم} من أحوال القيامة الكبرى {وما خلفكم} من أحوال القيامة الصغرى ،فإن األولى تأتي من جهة
التجرد عن الهيئات البدنية في الثانية والنجاة منها.
الحق والثانية تأتي من جهة النفس بالفناء في هللا في األولى ،و ّ
ّ
مقدماتها وانزعاج القوى كلها دفعة عن ّ
مقارها ،وعن الثانية بوقوعها والصيحتان هما التنبه عن النفخة األولى بوقوع ّ
وانتباهتهم دفعة ،وانتشار القوى في محالها .واألجداث :األبدان التي هي مراقدهم.
{إنما أمره} عند تعلق إرادته بتكوين شيء ترتب كونه على تعلق اإلرادة به دفعة معاً بال تحلل زماني {فسبحان} أي:
ّنزه عن العجز والتّشبه باألجسام والجسمانيات في كونها وكون أفعالها زمانية {الذي} تحت قدرته وفي ّ
تصرف قبضته
{ملكوت كل شيء} من النفوس والقوى المدبرة له {وإليه ترجعون} بالفناء فيه واالنتهاء إليه ،وهللا أعلم.
الصافات صّفاً} أقسم بنفوس السالكين في سبيله طريق التوحيد ،الصافات في مقامهم ومراتب تجلياتهم ومواقف
{و َّ
مشاهداتهم {صّفاً} واحداً في التوجه إليه {فالزاجرات} في دواعي الشياطين ،وفوارغ التمنيات النفسانية في األحايين
السر أو
{زج اًر} باألنوار واألذكار والبراهين {فالتاليات} نوعاً من أنواع األذكار بحسب أحوالهم باللسان أو القلب أو ّ
الروح كما ذكر غير مرة على وحدانية معبودهم لتثبيتهم في التوجه عن الزيغ واالنحراف بااللتفات إلى الغير {ر ّب}
ورب} مشارق تجليات األنوار الصفاتية،
سموات الغيوب السبعة التي هم سائرون فيها ،وأرض البدن {وما بينهما ّ
تعدد وتجليات
بتعدد األسماء ليتحفظوا عند ّ
التحوالت ّ
ّ وصفه بالوحدانية الذاتية في أطوار الربوبية الكاشفة عن وجوه
الصفات وترتب المقامات من االحتجاب بالكثرة.
َعَل ٰى َوُيْق َذُفو َن ِمن ان َّم ِارٍد * الَّ َي َّس َّم ُعو َن ِإَل ٰى اْلم ِطٍ الد ْنيا ِب ِز َين ٍة اْل َكو ِ
اك ِب * َو ِحْفظاً ِّمن ُك ِّل َش ْي َ ِإَّنا َزيََّّنا َّ
إل األ ْ َ َ آء ُّ َ الس َم َ
طَف َة َفأ َْتبعه ِشهاب ثَ ِاقب * َف ِ ِ َّ ِ ِ ِ
َشُّد َخْلقاً أَم استَْفت ِه ْم أ ُ
َه ْم أ َ ْ ٌ ََ ُ َ ٌ ف اْل َخ ْ ذاب َواص ٌب * ِإال َم ْن َخط َ ُك ّل َجان ٍب * ُد ُحو اًر َوَل ُه ْم َع ٌ
ين الَّ ِز ٍب * َب ْل َع ِج ْب َت َوَي ْس َخ ُرو َن * َوإِ َذا ُذ ِّك ُروْا الَ َي ْذ ُك ُرو َن * َوإِ َذا َأرَْوْا َآي ًة َي ْستَ ْس ِخ ُرو َن اهم ِّمن ِط ٍ َّم ْن َخَلْقَنآ ِإَّنا َخَلْقَن ُ
* وَقاُلوْا ِإن هـٰ َذآ ِإالَّ ِسحر ُّمِبين * أ َِء َذا ِم ْتنا وُكَّنا تُراباً و ِع َ ِ
آؤَنا األََّوُلو َن * ُق ْل َن َع ْم َوأَنتُ ْم ظاماً أَءَّنا َل َم ْب ُعوثُو َن * أََو َآب ُ َ َ َ َ ٌ ٌْ َ َ
ين * هـٰ َذا يوم اْلَفص ِل َّال ِذي ُكنتم ِبهِ ِ
الد ِ ِ ِ
اخ ُرو َن * َفِإَّن َما ه َي َز ْج َرةٌ َواح َدةٌ َفِإ َذا ُه ْم َين ُ َد ِ
ُْ َ َْ ُ ْ ظ ُرو َن * َوَقاُلوْا ي َٰوْيَلَنا َهـٰ َذا َي ْوُم ّ
ِ ِ ِ ظَلموْا وأَزواجهم وما َكانوْا يعبدون * ِمن دو ِن َّ ِ َّ ِ ِ
وه ْم ِإَل ٰى ص َراط اْل َجحي ِم * َوِقُف ُ
وه ْم اه ُد ُ
َّللا َف ْ ُ ين َ ُ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ ُ َ ْ ُ ُ َ اح ُش ُروْا الذ َ تُ َك ّذُبو َن * ْ
ٍ ِ ِ
آءُلو َن * َقاُلوْا ض ُه ْم َعَل ٰى َب ْعض َيتَ َس َ اص ُرو َن * َب ْل ُه ُم اْلَي ْوَم ُم ْستَ ْسل ُمو َن * َوأَ ْقَب َل َب ْع ُ إَّن ُه ْم َّم ْسُئوُلو َن * َما َل ُك ْم الَ تََن َ
ان بل ُكنتُم َقوماً َ ِ ان َلَنا َعَل ْي ُك ْم ِّمن ُسْل َ ِ ونَنا َع ِن اْلَي ِم ِ
ين * طاغ َ ط ٍ َْ ْ ْ ين * َو َما َك َ ين * َقاُلوْا َب ْل َّل ْم تَ ُك ُ
ونوْا ُم ْؤ ِمن َ ِإَّن ُك ْم ُكنتُ ْم تَأْتُ َ
اب ُم ْشتَ ِرُكو َن * ِإَّنا َك َذلِ َك َنْف َع ُل ين * َفِإَّنهم يومِئ ٍذ ِفي اْلع َذ ِ اك ْم ِإَّنا ُكَّنا َغ ِاو َ َف َح َّق َعَل ْيَنا َق ْو ُل َرّبَِنآ ِإَّنا َل َذ ِآئُقو َن * َفأ ْ
َغ َوْيَن ُ
َ ُ ْ َْ َ
َّللا يستَ ْكِبرون * ويُقوُلون أَِئَّنا َلتَ ِارُكوْا آلِهِتنا لِ َش ِ
اع ٍر َّم ْجُنو ٍن * َب ْل ََ ََ َ يل َل ُه ْم الَ ِإَلـ َٰه ِإالَّ َّ ُ َ ْ ُ َ ِ ِ ِ
ين * إَّن ُه ْم َك ُانوْا إ َذا ق َ ِباْل ُم ْج ِرِم َ
َّللاِ
اب األَلِي ِم * َو َما تُ ْج َزْو َن ِإالَّ َما ُك ْنتُ ْم تَ ْع َمُلو َن * ِإالَّ ِعَب َاد َّ ين * ِإَّن ُكم َل َذ ِآئُقو اْلع َذ ِ ِ َج ِ
َ ْ صَّد َق اْل ُم ْرَسل َ آء باْل َح ِّق َو َ َ
ين ِ
اْل ُم ْخَلص َ
{إنا زّينا السماء الدنيا} أي :العقل الذي هو أقرب السموات الروحانية بالنسبة إلى القلب {بزينة} كواكب الحجج ّ
ِ اها ُر ُجوماً ِّل َّ
لشَياط ِ
ين}[الملك ،اآلية.]5: صاِب َ
يح َو َج َعْلَن َ ِ
والبراهين ،كقوله{ :ب َم َ
{وحفظاً} أي :وحفظناها {من كل شيطان} من شياطين األوهام والقوى التخيلية عند الترقي إلى أفق العقل بتركيب
الموهومات والمخيالت في المغالطات والتشكيكات {مارد} خارج عن طاعة الحق والعقل.
{ال يسمعون إلى المأل األعلى} من الروحانيات والملكوت السماوية بتلك الحجج {من كل جانب} من جميع الجهات
السماوية ،أي :من أي وجه من وجوه المغالطة والتخييل يركبون القياس ويرتقون به ،يقذفون بما يبطله من الدحور
والطرد ،أو مدحورين مطرودين {ولهم عذاب واصب} دائم الرياضات وأنواع الزجر في المخالفات.
{إال عباد هللا المخلصين} استثناء منقطع ،أي :لكن عباد هللا المخصوصون به لفرط عنايتهم به ،الذين أخلصهم هللا
عن شوب الغيرية واألنائية والبقية واستخلصهم لنفسه بفناء األنائية واإلثنينية.
اف َعَل ْي ِهم ِب َكأ ٍ ِ ات َّ ِ اكه وهم ُّم ْكرمون * ِفي جَّن ِ ِ ِ
ْس ْ ط ُ النعي ِم * َعَل ٰى ُس ُرٍر ُّمتََقاِبل َ
ين * ُي َ َ َُ َ وم * َف َو ُ َ ُ أ ُْوَلئ َك َل ُه ْم ِرْز ٌق َّم ْعُل ٌ
ين * َكأََّن ُه َّن َّ ِ ِ ِ
يها َغ ْو ٌل َوالَ ُه ْم َع ْن َها ُي َنزُفو َن * َو ِع َند ُه ْم َقاص َار ُت الط ْرف ع ٌ
ِ ضآء َل َّذ ٍة ِّل َّ
لش ِارب َ ِ ِ ٍ
ِين * الَ ف َ ّمن َّمعين * َب ْي َ َ
ول أ َِءَّن َك َل ِم َن ِ ِ ِ
ين * َيُق ُ ان لِي َق ِر ٌ ال َقآئ ٌل ّم ْن ُه ْم ِإّني َك َآءُلو َن * َق َ ٍ ض َّم ْكُنو ٌن * َفأَ ْقَب َل َب ْع ُ
ض ُه ْم َعَل ٰى َب ْعض َيتَ َس َ َب ْي ٌ
آء اْل َج ِحي ِم * اطَلع َفرآه ِفي سو ِ َّ َّ ِ ِ اْلمصِّد ِقين * أ َِء َذا ِم ْتنا وُكَّنا تُراباً و ِع َ ِ
ََ ال َه ْل أَنتُ ْم ُّمطل ُعو َن * َف َ َ ُ ظاماً أَءَّنا َل َمد ُينو َن * َق َ َ َ َ َ َُ َ
ين * ِإالَّ َم ْوتَتََنا األُوَل ٰى َو َما َن ْح ُن ِ
ين * أََف َما َن ْح ُن ِب َمِّيت َ ض ِر َ
ين * وَلوالَ ِنعم ُة ربِي َل ُك ِ
نت م َن اْل ُم ْح َُ َ ْ ْ َ َّ دت َلتُ ْرِد ِاَّللِ ِإن ِك َّ
ال تَ َّ
َق َ
ِبمع َّذِبين * ِإ َّن هـٰ َذا َلهو اْلَفوُز اْلع ِظيم * لِ ِم ْث ِل هـٰ َذا َفْليعم ِل اْلع ِ
امُلو َن َ َْ َ َ َ َُ ْ َ ُ َُ َ
المغذية ألرواحهم.
ّ {أولئك لهم رزق معلوم} يعلمه هللا دون غيره وهو معلومات هللا ّ
المقوية لقلوبهم
{فواكه} ملذة غاية التلذيذ ،إذ الفاكهة ما يتل ّذذ به ،أي :يتلذذون في مكاشفاتهم بما يحضرهم من معلوماته تعالى {وهم
ُمكرمون} في مقعد صدق عند مليك مقتدر في الجنات الثالث يتنعمون بقرب الحق في حضرته غاية اإلكرام والتنعم.
{بيضاء} نورية من عين األحدية الكافورية ،ال شوب فيها وال مزج من التعينات {ل ّذة للشاربين ال فيها غول} يغتال
العقل ألنهم أهل صحوا أخلصهم هللا من الشوائب والحجاب فال ينكر لهم {وال هم عنها ينزفون} بذهاب العقول وإال لم
يكونوا أهل الجنات الثالث في مقام البقاء.
{كأنهن بيض مكنون} في األداحي لغاية صفائها في خدور القدس ونقائها من مو ّاد الرجس {يتساءلون} يتحادثون
ّ
بأحاديث أهل الجنة والنار ومذاكرة أحوال السعداء واألشقياء ،مطلعين على كال الفريقين وما هم فيه من الثواب
والعقاب ،كما ذكر في وصف أهل (األعراف).
َص ِل اْل َج ِحي ِم * َ ِ لظلِ ِم َ ِ الزُّقو ِم *ِإَّنا جعْل ٰنها ِف ْتن ًة ّلِ َّٰ أَ َذلِ َك َخ ْيٌر ُّن ُزالً أَم َش َج َرةُ َّ
طْل ُع َها َكأََّن ُه ُرُء ُ
وس ين* إَّن َها َش َج َرةٌ تَ ْخ ُرُج في أ ْ َ َ ََ َ ْ
ِ ِ
طو َن * ثُ َّم ِإ َّن َل ُه ْم َعَل ْي َها َل َش ْوباً م ْن َحمي ٍم * ثُ َّم ِإ َّن َم ْرِج َع ُه ْم ِإلَلى ِ ِ ِ ِ
ين * َفِإَّن ُه ْم آلكُلو َن م ْن َها َف َمالُئو َن م ْن َها اْلُب ُ الشي ِ
اط ِ َّ َ
اْلج ِحي ِم * ِإَّنهم أَْلَفوْا آبآءهم ِ
ين * َوَلَق ْد أ َْرَسْلَنا ين * َف ُه ْم َعَل ٰى آثَ ِارِه ْم ُي ْه َرُعو َن * َوَلَق ْد َ
ض َّل َقْبَل ُه ْم أَ ْكثَُر األََّولِ َ ضآّل َُ ْ ْ َ َ ُْ َ َ
ِ ِ ِ ِ ِ َّ
ين * ِإال عَب َاد َّ ِ ِ ِ
ين * َوَلَق ْد َنا َد َانا ُنوٌح َفَلن ْع َم اْل ُمج ُيبو َن * َّللا اْل ُم ْخَلص َ ان َعاقَب ُة اْل ُمن َذ ِر َف َك َ ظ ْر َك ْي َ
ين * َفان ُ في ِه ْم ُّمنذ ِر َ
{إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم} وهي شجرة النفس الخبيثة المحجوبة النابتة في قعر جهنم الطبيعة ،المتشعبة
التشوه والخبث بالتنفر
أغصانها في دركاتها القبيحة الهائلة ،ثمراتها من الرذائل والخبائث كأنها من غاية القبح و ّ
{رؤوس الشياطين} أي :تنشأ منها الدواعي المهلكة والنوازع المردية الباعثة على األفعال القبيحة واألعمال السيئة،
يستمدون منها ،ويغتذون
ّ الشر والمفسدة ،فكانت رؤوس الشياطين{ .فإنهم آلكلون منها}فتلك أصول الشيطنة ومبادئ ّ
ويتقوون ،فإن األشرار غذاؤهم من الشرور وال يلتذون إال بها {فمالئون منها البطون} بالهيئات الفاسقة والصفات
ّ
المظلمة ،كالممتلىء غضباً وحقداً وحسداً وقت هيجانها.
إن لهم عليها لشوباً من حميم} األهواء الطبيعية ،والمنى السيئة الرديئة ،ومحبات األمور السفلية ،وقصور الشرور
{ثم ّ
الموبقة التي تكسر بعض غّلة األشرار{ .ثم إن مرجعهم إللى الجحيم} لغلبة الحرص ،والشره بالشهوة ،والحقد والبغض
والطمع وأمثالها ،واستيالء دواعيها مع امتناع حصول مباغيها.
{فلما بلغ معه السعي} بالسلوك في طريق الكماالت الخلقية والفضائل النفسانية ،أوحى إليه أن يذبحه بالفناء في
التوحيد والتسليم لرّبه الحق بالتجريد من الصفات الكمالية :فأخبره بذلك ،فانقاد وأسلم وجهه بالفناء في ذاته عن
الفعال بذبح النفس الشريفة ،السمينة العلوم ،العظيمة األخالق وكماالت الفضائل،
صفاته ،ففدى على يد جبريل العقل ّ
المفدى من جهة هللا ،وترك هللا عليه السالم في
فذبحت بالفناء فيه ،وأنجى إسماعيل القلب بالفناء الحقاني الموهوب ّ
العالمين المتخلفين عن مقامه الهتدائهم بنوره واقتدائهم بإيمانه وهديه.
الم ْرَسلين} إلى أهل النقصان ،المحتجبين باألبدان ،المتّبعين للشيطان ،المتظاهرين بالطغيان ِ
إن يونس} القلب {َلمن ُ{و ّ
الحسية الجاري في بحر الهيولى {فساهم} أي :فاقترع
ّ {إذ أبق} إلى فلك البدن {المشحون} بالقوى البدنية وكماالتها
معهم في الحظوظ البدنية واختيارها باألفكار العقلية {فكان من المدحضين} المحجوبين ،المزلقين بالحجة البرهانية
المجرد من سكان الحضرة اإللهية ،اآلبق من سيده إلى
ّ اليقينية ألنهم بدنيون أهل البحر والسفينة ،وهو القدسي
ّ
السفينة ،الملقي بيده إلى التهلكة ،فألقي في البحر ،فالتقمه حوت الرحم كلقطة النطفة {وهو مليم} مستحق للمالمة
البلية.
للتعلق بالمالبس البدنية الموجبة لوقوعه في تلك ّ
الصغرى {فنبذناه بالعراء} أي :بالفضاء من عرصة الدنيا بالوالدة {وهو سقيم} ضعيف ّ
ممنو باألعراض المادية
واللواحق الطبيعية {وأنبتنا عليه شجرة من يقطين} ال تقوم على ساق وتنسرح على وجه األرض تظلل عليه بأوارقها
من الغواشي البدنية .وقد قيل في التفاسير الظاهرة :إنه قد ضعف بدنه في بطن الحوت وصار كطفل ساعة يولد
{وأرسلناه} عند الكمال { إلى مائة ألف أو يزيدون} وهللا أعلم.
ِ ِ ِِ ِ ين َكَف ُروْا ِفي ِعَّزٍة وِشَق ٍ َّ ِ ِ ص واْلُقر ِ ِ
ين مَن ٍ
اص ٍن
َهَل ْكَنا من َقْبلهم ّمن َق ْر َفَن َادوْا َّوالَ َت ح َ َ اق * َك ْم أ ْ َ آن ذي ال ّذ ْك ِر * َب ِل الذ َ َ ْ
ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ ِ
ابَج َع َل اآلل َه َة ِإَلـٰهاً َواحداً ِإ َّن َهـٰ َذا َل َش ْي ٌء ُع َج ٌ اب * أ َ ال اْل َكاف ُرو َن َهـٰ َذا َساحٌر َكذ ٌ
آء ُهم ٌّمنذٌر ّم ْن ُه ْم َوَق َ * َو َعجُبوْا أَن َج َ
َن ام ُشوْا وْاصِبروْا عَل ٰى آلِهِت ُكم ِإ َّن هـٰ َذا َل َشيء يرُاد * ما س ِمعَنا ِبهـٰ َذا ِفى اْل ِمَّل ِة ِ
اآلخ َرِة ِإ ْن َهـٰ َذا ِ
َ َ ْ َ ْ ٌ َُ َ َ ْ طَل َق اْل َمألُ م ْن ُه ْم أ ِ ْ َ ْ ُ َ * َوان َ
اب * أ َْم ِع َند ُه ْم َخ َزِآئ ُن َر ْح َم ِة نزل َعَل ْي ِه ال ِّذ ْكر ِمن ب ْيِنَنا ب ْل ُهم َفي َش ٍّك ِمن ِذ ْكرِي بل َّل َّما ي ُذوُقوْا َع َذ ِ
َ َ ّ َ َ ْ ُ َء ِ َاختالَ ٌق * أ ُ
ِإالَّ ْ ِ
وم ِّمن ِ ض وما ب ْيَنهما َفْلي ْرتَُقوْا ِفى األ ِ َّاب * أَم َلهم ُّمْلك َّ ِ يز اْلوه ِ
َسَباب * ُج ٌند َّما ُهَنال َك َم ْه ُز ٌ ْ الس َٰم َٰوت َواأل َْر ِ َ َ َ ُ َ َ ُ ْ ُ ِك اْل َع ِز ِ ََرّب َ
ِ ِ ٍ ِ
اب * ِإن َح َز ُاب ْلَئ ْي َكة أ ُْوَلـٰئ َك األ ْ
َص َح ُ ود َوَق ْوُم ُلوط َوأ ْ اب * َك َّذَب ْت َقْبَل ُه ْم َق ْوُم ُنو ٍح َو َع ٌاد وِف ْرَع ْو ُن ُذو األ َْوتَاد * َوثَ ُم ُ األَح َز ِ
َ
اق * وَقاُلوْا ربَّنا ع ِجل َّلنا ِق َّ
طَنا ََ َّ َ اح َد ًة َّما َل َها ِمن َفو ٍ
آلء ِإالَّ صيح ًة و ِ
ظر هـٰؤ ِ ُك ٌّل ِإالَّ َك َّذب ال ُّرسل َفح َّق ِعَق ِ
اب * َو َما َين ُ ُ َ ُ
َ َ َ َْ َ َُ َ
َقْبل يو ِم اْل ِحس ِ
اب َ َ َْ
وقوله{ :اصبر على ما يقولون} معناه :داوم استقامتك في التوحيد ،وعارض أذاهم بالصبر في التمكين ،وال تظهر
نفسك في مقابلة أذاهم بالتلوين ،فإنك قائم باهلل متحقق بالحق فال تتحرك إال به {واذكر} حال أخيك {عبدنا}
زل عن مقام استقامته في
القوة والتمكين واالضطالع في الدين ،كيف ّالمخصوص بعنايتنا القديمة {داود ذا األيد} أيّ :
رجاع
التلوين فال يكن حالك في ظهور النفس حاله .ثم وصف ّقوة حال داود عليه السالم وكماله بقوله{ :إنه ّأواب} ّ
إلى الحق عن صفاته وأفعاله بالفناء فيه.
العزة والهيبة ،وإعطاء العز والقدرة الئتالف نفسه بأنوار تجليات القهر والعظمة
{وشددنا ملكه} ّقويناه بالتأييد وإيتاء ّ
العزة واتصافه بصفاتنا الباهرة ،فيهابه كل أحد ويجله ويذعن لسلطنته ويبجله {وآتيناه الحكمة} التصافه والكبرياء و ّ
ضَنا ص َم ِ وهل أَتَاك نبؤْا اْلخص ِم ِإ ْذ تَسَّوروْا اْل ِمحراب * ِإ ْذ دخُلوْا عَلى داوود َفَف ِز ِ
ان َب َغ ٰى َب ْع ُ ف َخ ْ ع م ْن ُه ْم َقاُلوْا الَ تَ َخ ْ َ ََ َ ٰ َُ َ َْ َ َ ُ َ َ ْ َ ََ ُ َ ْ
َخي َل ُه ِت ْس ٌع َوِت ْس ُعو َن َن ْع َج ًة َولِي َن ْع َج ٌة اط * ِإ َّن ه َذآ أ ِ الصر ِ ِ ِ طو ِ ِ
َ اهدَنآ ِإَل ٰى َس َوآء ّ َ
اح ُك ْم َب ْيَنَنا ِباْل َح ِّق َوالَ تُ ْشط ْ َ ْ َعَل ٰى َب ْع ٍ
ض َف ْ
ال َن ْع َجِت َك ِإَل ٰى ِن َعا ِج ِه َوإِ َّن َكِثي اًر ِّم َن اْل ُخَل َ
ط ِآء َلَي ْب ِغي ظَلم َك ِبس َؤ ِ
ال َلَق ْد َ َ ُ
طاب * َق َ
اح َدةٌ َفَقال أَ ْكِفْلِنيها و َعَّ ِزني ِفي اْل ِخ َ ِ
َ َ َ
وِ
َ
ظ َّن داوود أََّنما َفتََّناه َفاستَ ْغَفر ربَّه و َخَّر ر ِ
اكعاً ض ِإالَّ َّال ِذين آمُنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ ِ ض ُهم َعَل ٰى َب ْع ٍ
ُ ْ َ َ َُ َ يل َّما ُه ْم َو َ َ ُ ُ َ الصال َحات َوَقل ٌ َ َ ََ َب ْع ُ ْ
الن ِ
اس اح ُك ْم َب ْي َن َّ اك َخلِ َيف ًة ِفي األ َْر ِ
ض َف ْ ود ِإَّنا َج َعْلَن َ
ـآب * ي َٰد ُاو ُ وأََناب * َف َغَف ْرَنا َل ُه َذلِ َك وإِ َّن َل ُه ِع َندَنا َل ُ ْزلَف ٰى وحس َن م ٍ
َُْ َ َ َ َ
اب َش ِد ُيد ِبما َنسوْا يوم اْل ِحس ِ
اب يل َّ ِ َّللاِ ِإ َّن َّال ِذين ي ِ
ضُّلو َن َعن سِب ِ ِباْلح ِق والَ تَتَِّب ِع اْلهو ٰى َفي ِ
ضَّل َك َعن سِب ِ
َ َ ُ َْ َ َّللا َل ُه ْم َع َذ ٌ َ َ َ يل َّ َ ََ ُ َّ َ
ثم بين تلوينه وظهور نفسه في زلته ،وتبيينه الحق بالعتاب على خطيئته وتأديبه إياه وتداركه بتوبته بقوله{ :وهل
{وظن} أي :تيقن {داود أنما} ابتليناه بامرأة أوريا {فاستغفر رّبه} بالتنصل عن
ّ تسوروا المحراب}
أتاك نبأ الخصم إذ ّ
{وخر} بمحو صفات النفس {راكعاً} فانياً في
ذنبه باالفتقار وااللتجاء إليه في المجاهدة وكسر النفس وقمعها بالمخالفة ّ
إن له عندنا لزلفى}
صفات الحق {وأناب} إلى هللا بالفناء في ذاته {فغفرنا له ذلك} التلوين بستر صفاته بنور صفاتنا {و ّ
التصافه حينئذ بصفاتنا ال بأنائيته ليلتحق بنا ويحكم
الحقاني الموهوب حال البقاء بعد الفناء {وحسن مآب} ّ بالوجود
ّ
{الحق}
ّ بأحكامنا في محل الخالفة اإللهية ،كما قال{ :يا داود ّإنا جعلناك خليفة في األرض فاحكم بين الناس} بالحكم
ال بنفسك ليكون عدالً ال جو اًر {وال تتّبع الهوى} بظهور النفس فتجور ضاالً عن سبيل الحق إلى سبيل الشيطان.
َّ ِ ين َكَف ُروْا ِم َن َّ َِّ ِ اطالً َذلِك َ َّ ِ واألَرض وما بينهما ب ِ
آمُنوْا
ين َ الن ِار * أ َْم َن ْج َع ُل الذ َ ظ ُّن الذ َ
ين َكَف ُروْا َف َوْي ٌل ّللذ َ َ َ ْ َ َ َ ََْ ُ َ َ آء
الس َم َ
َو َما َخَلْقَنا َّ
ك ّلَِيَّدب َُّروْا َآي ِات ِه َولَِيتَ َذ َّك َر
َنزلَناهُ ِإَل ْي َك ُمَب َار ٌ
ِ
ين َكاْلُف َّج ِار * كتَ ٌ
اب أ َ ْ ِ ين ِفي األ َْر ِ
ض أ َْم َن ْج َع ُل اْل ُمتَّق َ
ِِ
َكاْل ُمْفسد َ
الصالِح ِ
ات ِ
َو َعمُلوْا َّ َ
ال ِإِّني الص ِافَن ُ ِ
ات اْلجَي ُاد * َفَق َ ِباْل َع ِش ِّي َّ ض َعَل ْي ِه اب * ِإ ْذ ُع ِر َ
اب * ووهبنا لِداوود سَليم ِ
ان ن ْع َم اْل َع ْب ُد ِإَّن ُه أََّو ٌ
َ َ ََْ َ ُ َ ُ ْ َ َ أُوُلوْا األَْلب ِ
َ ْ
السو ِق َواأل ْ
َعَن ِ
اق َم ْسحاً ِب ُّ طِف َق اب * ُرُّد َ
وها َعَل َّي َف َ َحب ْب ُت ح َّب اْل َخ ْي ِر َعن ِذ ْك ِر رّبِي حتَّ ٰى تَوار ْت ِباْل ِحج ِ
َ ََ َ َ ُ أ َْ
{وما خلقنا السماء واألرض وما بينهما} خلقاً {باطالً} ال حق فيها ،بل حقاً محتجباً بصورها ال وجود لها بنفسها
فتكون باطالً محضاً.
ظن} المحجوبين عن الحق بمظاهر الكون {فويل} لهم من نار الحرمان واالحتجاب والتقّلب في نيران الطبيعة
{ذلك ّ
بأشد العذاب.
واألنائية ّ
بل لم نجعل {الذين آمنوا} بشهود جماله في مظاهر األكوان {وعملوا الصالحات} من األعمال المقصودة بذاتها،
المتعلقة بصالح العالم ،الصادرة عن أسمائه {كالمفسدين} المحجوبين الفاعلين بأنفسهم وصفاتهم األفعال البهيمية
{كالفجار} المتلبسين بالغواشي
ّ المجردين عن صفاتهم
ّ والسبعية والشيطانية في أرض الطبيعة {أم نجعل المتّقين}
{ليدبروا آياته} بالنظر العقلي ما داموا في مقام النفس ،فينخلعوا عن صفاتهم في
النفسانية والشيطانية في أعمالهم ّ
المجردة الصافية عن قشر
ّ التجرد {أولو} الحقائق
ّ متابعة صفاته {وليتذكر} حال العهد األول والتوحيد الفطري عند
الخلقة.
ثم ذكر تلوين سليمان وابتالءه تأكيداً لتثبيته ،وتقوية له في استقامته وتمكينه ِ{ن ْعم العبد} لصالحية استعداده للكمال
النبوة {إنه ّأواب} رّجاع إلي بالتجريد.
النوعي اإلنساني وهو مقام ّ
ّ
َح ٍد ِّمن َب ْع ِدي ِإَّن َك َّ ِ ِ وَلَق ْد َفتََّنا سَليمان وأَْلَقيَنا عَل ٰى ُكرِسِي ِه جسداً ثُ َّم أََناب * َقال ر ِب ْ ِ ِ
اغف ْر لي َو َه ْب لي ُمْلكاً ال َي َنبغي أل َ َ َّ َ ْ ّ ََ ُ َْ َ َ ْ َ َ
َّاب
َنت اْل َوه ُ أ َ
لقوة الوهمية له في إعادة النفس إلى الهيئة األولى وإن لم تكن على ّقوتها األولى،
وطاعة الشيطان له :تسخير ا ّ
كعادتهن في ملكه:
ّ وحياتها من الهوى :لكونه مصون ًا عن االحتجاب معنياً به في العناية ،وسجود جرادة ووالئدها له
كعادتهن في الجاهلية
ّ تعبد الفكرية وسائر القوى البدنية للنفس باالنقياد والمراعاة والخدمة وإيصال الحظوظ إليها
ّ
{فسخرنا له} ريح الهوى {تجري بأمره رخاء} لينة طيعة منقادة ال تتزعزع باالستيالء واالستعصاء {حيث} قصد وأراد
{هذا عطاؤنا} المحض {فامنن أو أمسك} أي :أطلق إرادتك واختيارك في الحل والعقد واإلعطاء والمنع عند الكمال
التام والعطاء الصرف ،أي :الوجود الموهوب حال البقاء بعد الفناء كما شئت {بغير حساب} عليك ،فإنك قائم بنا
إن له عندنا لزلفى وحسن مآب}.
مختار باختيارنا متحقق بذاتنا وصفاتنا ،وذلك معنى قوله{ :و ّ
{واذكر عبدنا أيوب} في ابتالئنا إياه عند ظهور نفسه في التلوين بإعجابه بكثرة ماله أو مداهنته لكافر النفس في
ظهورها وترك تغذيته إياها بالرياضة والمجاهدة لكون ماشية قواه الطبيعية في ناحيته أو عدم إغاثته لمظلوم العقل
النظرّي والقوى القدسية عند استقامته على اختالف الروايات في التفاسير الظاهرة في سبب ابتالئه ،ويمكن الجمع
بينها وابتالؤه بالمرض والزمانة ،ووقوع ديدان القوى الطبيعية فيه ،واستئكاله وسقوطه على فراش البدن حتى لم يبق
منه إال القلب واللسان ،أي :الفطرة واالستعداد األصليان دون ما اكتسب من الكماالت {إذ نادى رّبه} بلسان
مسني الشيطان بنصب وعذاب} أي :استولى علي الوهم بالوسوسة االضطرار واالفتقار في مكمن االستعداد {أني ّ
ّ
فلقيت بسببه هذا المرض والعذاب من األخالق الرديئة واالحتجاب.
بقوتك التي تلي أرض البدن من العقل العملي المسمى صدر أرض بدنك تنبع عينان {اركض برجلك} أي :اضرب ّ
من الحكمة العملية والنظرية {هذا مغتسل} أي :العملية المزكية للنفوس ،المطهرة من ألواث الطبائع ،المبرئة من
أمراض الرذائل {بارد} ذو روح وسالمة {وشراب} من النظرية ،أي :العلم المفيد لليقين الدافع لمرض الجهل ،والزمانة
عن السير ،فتغتسل وتشرب منه تب أر بإذن هللا ظاهرك وباطنك وتصح وتقوى.
{ووهبنا له أهله} قيل :كان له سبعة أبناء وسبع بنات ،فانهدم عليهم البيت في االبتالء فهلكوا فأحياهم هللا عند كشف
الضر وإعادة أموال الكماالت عليه ،وهي إشارة إلى الروحانية والنفسانية الهالكة في التلوين واستيالء الطبيعة البدنية
ّ
أو البالغة في التلوين األعظم وخراب البدن واستئكال الديدان إياه حتى لم يبق منه إال القلب ولسان االستعداد الفطري،
فأحياهم عند اإلنابة والرجوع إلى حال الصحة والقوة وكشف المرض والزمانة بالشرب والغسل من العينين المذكورتين
{ومثلهم معهم} باكتساب الملكات الفاضلة واألخالق الحميدة والصفات الجميلة حتى صارت القوى الطبيعية النفسانية
{وخذ بيدك ضغثاً} قيل :إنه حلف في مرضه ليضربن امرأته مائة إن برىء ،واختلف في سبب حلفه فقيل :أبطأت
ليرد أموالهم الذاهبة ،وقيل :باعت ذؤابتين لها برغيفين
ذاهبة في حاجة ،وقيل :أوهمها الشيطان أن تسجد له سجدة ّ
وكانتا متعلق أيوب عند قيامه .وقيل :أشارت إليه ليشرب الخمر ،كلها إشارات إلى التلوين المذكور بظهور النفس
بإبطائها وتكاسلها في الطاعات أو طاعة شيطان الوهم وانقيادها له في تمني الحظوظ وترك ما يتعلق به القلب في
التجرد عن الهيئات المنشطة المشجعة من العلوم النافعة واألعمال الفضيلة ،واستبدال الحظوظ
القيام عن مرقد البدن و ّ
القليلة المقدار ،اليسيرة الوقع ،والخطر بها ،أو المراءاة بها ،الستجالب حظ النفس أو شرب خمر الهوى والميل إلى ما
يخالف العقل .وحلفه إشارة إلى نذره المخالفات والرياضات المتعبة والمجاهدات المؤلمة أو ما ركز في استعداده في
محبته التجريد والتزكية بالرياضة وعزيمة تأديب النفس باألخالق واآلداب بالمخالفات المؤلمة بمقتضى العهد األول
وحكم ميثاق الفطرة وأخذ الضغث .والضرب به إشارة إلى الرخصة والطريقة السهلة السمحة من تعديل األخالق
باالقتصار على األوساط واالعتداالت من الرياضات والمخالفات لصفاء االستعداد وشرف النفس ونجابة جوهرها دون
اإلفراط فيها ،واألخذ بالعزائم الصعبة كما قال عليه الصالة والسالم" :بعثت بالحنيفية السمحة السهلة
".
{وال تَ ْحنث} بترك التأديب بالكلية ونقص العزيمة في طلب الكمال ،وترك الوفاء بالنذر الفطري ّ
{إنا وجدناه صاب اًر} في
بالتجرد والمحو والفناء.
ّ بليته وطلبه للكمال ،فرحمناه ،وليس كل طالب صاب اًر ِ{ن ْع َم العبد إنه} رّجاع إلى هللا
{واذكر عبادنا} المخصوصين من أهل العناية {أولي األيدي واألبصار} أي :العمل والعلم لنسبة األول إلى األيدي
والثاني إلى البصر والنظر ،وهم أرباب الكماالت العملية والنظرية.
{إنا أخلصناهم} صفيناهم عن شوب صفات النفوس وكدورة األنائية وجعلناهم لنا خالصين بالمحبة الحقيقية ليس
ّ
لغيرنا فيهم نصيب ،وال يميلون إلى الغير بالمحبة العارضية ال إلى أنفسهم وال إلى غيرهم بسبب خصلة خالصة غير
المقر األصلي ،أي :استخلصناهم لوجهنا بسبب تذكرهم لعالم القدس مشوبة بهم آخر هي {ذكرى الدار} الباقية و ّ
وإعراضهم عن معدن الرجس مستشرفين ألنوارنا ال التفات لهم إلى الدنيا وظلماتها أصالً.
{وإنهم عندنا} أي :في الحضرة الواحدية {لمن} الذين اصطفيناهم لقربنا من بني نوعهم {األخيار} المنزهين عن شوائب
الشر واإلمكان والعدم والحدثان {هذا ذكر} أي :هذا باب مخصوص بذكر السابقين من أهل هللا المخصوصين بالعنايةّ
المجردين من صفات نفوسهم دون الواصلين إلى بساط القرب والكرامة الناظرين إليه في جنة الروح
ّ إن للمتقين}
{و ّ
بالمشاهدة {لحسن مآب} في مقام القلب من جنة الصفات {جنات عدن} مخّلدة {مفتحة لهم} أبوابها بالتجليات
{يدخلونها} من طرق الفضائل الخلقية والكماالت {متكئين فيها} على آرائك المقامات {يدعون فيها بفاكهة كثيرة} من
المكاشفات اللذيذة {وشراب} المحبة الوصفية.
{وعندهم قاصرات الطرف} من األزواج القدسية وما في مراتبهم من النفوس الفلكية واإلنسية {أتراب} متساوية في
الرتب {ليوم الحساب} لوقت جزائكم من الصفات اإللهية على حساب فنائكم من الصفات البشرية {ما له من نفاد}
لكونه غير مادي فال ينقطع.
علوه وكبرياءه
إن} للذين طغوا حدودهم بصفات النفس وظهورها فنازعوا الحق ّ {هذا} باب في وصف الجنة وأهلها {و ّ
باستعالئهم وتكبرهم {لشر مآب} إلى جهنم الطبيعة اآلثارية ونيران الظلمات الهيوالنية {يصلونها} بفقدان اللذات
{وغساق} الهيئات الظلمانية والكدورات الجسمانية.
ّ ووجدان اآلالم {هذا فليذقوه حميم} الهوى والجهل
{و} خزي وعذاب {آخر} من نوعه من مذوقات أخر من مثله ،أصناف من العذاب في الهوان والحرمان {هذا فوج} من
أتباعكم وأشباهكم أهل طبائع السوء والرذائل المختلفة {مقتحم معكم} في مضايق المذلة ومداخل الهوان .قال
ض َو َما َب ْيَن ُه َما اْل َع ِز ُيز اْل َغَّف ُار * ُق ْل ُهَو َنَبأٌالسم ٰٰو ِت واأل َْر ِ ِ
َّللاُ اْل َواح ُد اْلَق َّه ُار * َر ُّب َّ َ َ َ ُق ْل ِإَّن َمآ أََن ْا ُم ِنذٌر َو َما ِم ْن ِإَلـ ٍٰه ِإالَّ َّ
وح ٰى ِإَل َّي ِإالَّ أََّن َمآ أََن ْا َن ِذ ٌير ِ
َعَل ٰى ِإ ْذ َي ْختَص ُمو َن * ِإن ُي َ إل األ ْ ان لِي ِم ْن ِعْل ٍم ِباْلم ِ ضو َن * ما ك يم * أَنتُ ْم َع ْن ُه ُم ْع ِر ُ
ِ
َعظ ٌ
َ َ َ َ َ
ِ ِ ِِ ِ ُّك لِْل َمالَِئ َك ِة ِإِّني َخالِ ٌق َب َش اًر ِّمن ِط ٍ
ين * ين * َفِإ َذا َسَّوْيتُ ُه َوَنَف ْخ ُت فيه من ُّروحي َفَق ُعوْا َل ُه َسا ِجد َ ال َرب َ ِ
ين * إ ْذ َق َ ُّمِب ٌ
يس َما َمَن َع َك أَن تَ ْس ُج َد لِ َما َخَلْق ُت ِ ِ َفسجد اْلمالَِئ َك ُة ُك ُّـلهم أَجمعو َن * ِإالَّ ِإبلِيس استَ ْكبر وَك ِ
ال ٰيإِْبل ُين * َق َ ان م َن اْل َكاف ِر َْ َ ْ ََ َ َ ُْ ْ َُ َ ََ َ
ال أََن ْا َخ ْيٌر ِّم ْن ُه َخَلْقتَِني ِمن َّن ٍار َو َخَلْقتَ ُه ِمن ِط ٍ
ين ين * َق َ
ِ
نت م َن اْل َعال َ
ِبيد َّي أَستَ ْكبرت أَم ُك ِ
ََ ْ َْ َ ْ َ
ما أنا إال منذر ال أدعوكم إلى نفسي وال أقدر على هدايتكم ألني فان عن نفسي وعن قدري ،قائم في اإلنذار باهلل
وصفاته.
ال َفِإَّن َك ِ ِ ِ َقال َفاخرج ِمنها َفِإَّنك رِجيم * وإِ َّن عَليك َلعنِتي ِإَلى يو ِم ِ
ال َر ّب َفأَنظ ْرِني إَل ٰى َي ْو ِم ُي ْب َعثُو َن * َق َين * َق َ الد ِ
ٰ َْ ّ َ َ ْ َ َْ َ َ ٌ َ ُْ ْ َْ
ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ ِم َن اْل ُمن َ
ال
ين * َق َ ك م ْن ُه ُم اْل ُم ْخَلص َين * ِإال عَب َاد َ َج َمع َ ال َفِبعَّزِت َك أل ْ
ُغ ِوَيَّن ُه ْم أ ْ ِ
ين * إَل ٰى َي ْو ِم اْل َوْقت اْل َم ْعُلو ِم * َق َظ ِر َ
َن جهَّنم ِمنك و ِم َّمن تَِبعك ِم ْنهم أ ِ
ين
َج َمع َ
َ َ ُْ ْ ول * أل َْمأل َّ َ َ َ َ َ
َفاْل َح ُّق َواْل َح َّق أَُق ُ
{قل ما أسألكم عليه من أجر} وال غرض لي في ذلك ،فإن أقوال الكامل المحقق بالحق مقصودة بالذات غير معّللة
بالغرض {وما أنا من المتكلفين} أي :المتصنعين الذين ينتحلون الكماالت ويظهرون بأنفسهم وصفاتها ،ويدعون
{ولتعلمن نبأه بعد حين} عند القيامة الصغرى
ّ كماالت هللا ألنفسهم ،بل فنيت عن نفسي وصفاتها ،فاهلل القائل بلساني
أو الكبرى لظهور تأويله حينئذ.
* أَالَ ََِّّللِ ِ َّللا مخلِصاً َّله ِ َنزلنآ ِإَليك اْل ِكتَاب ِباْلح ِق َف ِ ِ َّللاِ اْل َع ِز ِ
اب ِم َن َّ
نزيل اْل ِكتَ ِ
ين
الد ُّ ين
الد َ
ُ ّ اعُبد َّ َ ُ ْ َ َّ ْ يز اْل َحكي ِم * ِإَّنآ أ َ ْ َ ْ َ تَ ِ ُ
ِ ما هم ِف ِ َّللاِ ُ ْزلَفى ِإ َّن َّ
َّللاَ َي ْح ُك ُم َب ْيَن ُه ْم ِفي َّ ِِ ِ ِ ص و َّال ِذ َ َّ
يه َي ْخَتلُفو َن َ ُْ آء َما َن ْعُب ُد ُه ْم ِإال لُِيَقِّرُب َ
ونآ ِإَلى َّ ين ات َخ ُذوْا من ُدونه أ َْولَي َ
ِ
اْل َخال ُ َ
َّللا اْلو ِ
اح ُد َّللا أَن يتَّ ِخ َذ وَلداً الَّص َ ِ َّ َّ ِ ِ ِإ َّن َّ
آء ُس ْب َح َان ُه ُهَو َّ ُ َ
طَف ٰى م َّما َي ْخُل ُق َما َي َش ُ ْ َّللاَ الَ َي ْهدي َم ْن ُه َو َكاذ ٌب َكـف ٌار * ل ْو أ ََرَاد َّ ُ َ َ
اْلَق َّه ُار
هذا {تنزيل} كتاب العقل الفرقاني بظهوره عليك من غيب الغيوب {من هللا} وحضرته الواحدية {العزيز} المحتجب
ّ
بسترات الجالل في غيب غيبه {الحكيم} ذي الحكمة الكامنة هناك ،البارزة في مراتب التنزيالت {بالحق} أي :أنزلناه
فخصصه بالعبادة الذاتية حين تجلى لك بذاته ولم يبق أحداً من خلقه
بظهور الحق فيك بعد كمونه {فاعبد هللا} ّ
{مخلصاً} ممحضاً {له الدين} عن شوب الغيرية واالثنينية ،أي :اعبده بشهوده لذاته ومطالعة تجليات صفاته بعينه
وتالوة كالمه به ،فيكون سيرك سير هللا ودينك دين هللا وفطرتك ذات هللا.
{أال هلل الدين الخالص} عن شوب الغيرية واألنائية ال لك لفنائك فيه بالكلية ،فال ذات لك ،وال صفة ،وال فعل ،وال
دين ،وإال لما خلص الدين بالحقيقة فال يكون هلل {والذين} احتجبوا بالكثرة عن الوحدة واتخذوا الغير ّ
ولياً بالمحبة
{إن هللا يحكم بينهم} عند حشر مبعوداتهم معهم فيما اختلفوا فيه من صفاتهم وأقوالهم للتقرب والتوسل به إلى هللا ّ
ّ
وأفعالهم فيقرن كالًّ منهم مع من يتوالّه من عابد ومعبود ،ويدخل المبطل النار مع المبطلين كما يدخل المحق الجنة
مع المحقين ،ويجزى كالًّ بوصفه الغالب عليه وما وقف معه واحتجب به مع اختالفهم في األوصاف وما وقفوا معه
{إن هللا ال يهدي} إلى النجاة وعالم النور وتجليات الصفات والذوات {من هو كاذب كّفار} لبعده عنه واحتجابه بلظمة
الرذائل وصفات النفس عن النور وامتناعه عن قبوله {سبحانه} أيّ :نزهه عن المماثلة والمجانسة واصطفاء الولد لكون
الوحدة الزمة لذاته وقهره بوحدانيته لغيره ،فال تماثل في الوجود ،فكيف في الوجوب؟.
{وسخر الشمس
ّ {خلق السموات واألرض بالحق} بظهوره في مظاهرها واحتجابه بصورها مصرفاً للكل بقدرته وفعله
القوي الذي يقهر الكل
والقمر} بسلطانه وملكه فال ذات وال صفة وال فعل لغيره ،وذلك دليل وحدانيته {أال هو العزيز} ّ
بسطوة قهره {الغّفار} الذي يسترهم بنور ذاته وصفاته فال يبقى معه غيره أو العزيز المتمنع باحتجابه عن خلقه بصور
مخلوقاته الغفار الذي يستر لمن يشاء ذنوب وجوده وصفاته فيظهر عليه ويتجلى له بصفاته وذاته.
{خلقكم من نفس واحدة} هي آدم الحقيقي ،أي :النفس الناطقة الكلية ،التي تتشعب عنها النفوس الجزئية {ثم جعل
منها زوجها} النفس الحيوانية {وأنزل لكم} لكون صورها في اللوح المحفوظ ونزول كل ما وجد في عالم الشهادة من
عالم الغيب {خلقاً من بعد خلق} يخلقكم في أطوار الخلقة متقّلبين {في ظلمات ثالث} من الطبيعة الجسمانية والنفس
المسخر بملكوته وسلطانه ،المنشىء للكثرة
ّ المكورة ،أي :المصرف بقدرته
ّ النباتية والحيوانية {ذلكم} الخالق لصوركم،
وقدر بأفعاله هو الذات الموصوفة بجميع صفاته يربكم بأسمائه {له
من وحدته بأسمائه وصفاته ،المنزل لما قضى ّ
صرفون} عن عبادته إلى عبادة غيره مع عدمه.
يتصرف فيه بأفعاله {ال إله إال هو} في الوجود {فأنى تُ ْ
ّ المْلك}
ُ
{إن تكفروا} وتحتجبوا بصفاتكم وذواتكم فإن هللا ال يحتاج إلى ذواتكم وصفاتكم في ظهوره وكماله ،لكونها فانية في
نفس األمر ليست شيئاً إال به ،فضالً عن احتياجه إليها وهو الظاهر بذاته لذاته والباطن بحقيقته ،المشاهد لكماله
بعينه {وال يرضى لعباده} االحتجاب لكونه سبب هالكهم ووقوعهم في أسر المالك والزبانية وال يتعلق بهم الرضا ،وال
لتستعدوا لقبول فيضه يرضى الشكر لكم
ّ يقبلون نوره فيدخلوا ّ
الجنة {وإن تشكروا} برؤية نعمه واستعمالها في طاعته
بتجلي الصفات لتتصفوا بها فتبلغوا مقام الرضا وتدخلوا الجنة ،فما تبعة الكفر إال عليكم وال ثمرة الشكر إال لكم ،أهذا
الكافر المحجوب أفضل.
{أمن هو قانت} مطيع في مقام النفس وأوقات ظلمة صفاتها {ساجداً} بفناء األفعال والصفات ،قائماً بالطاعة واالنقياد،
ّ
عند ظهور النفس بصفاتها وأفعالها {يحذر} عقاب اآلخرة ويرجوا الرحمة ،إذ السالك في مقام النفس ال يخلو عن
أن المطيع في مقام النفس
الخوف والرجاء {قل هل يستوي} أي :ال يستويان ،وإنما ترك المضمر إلى الظاهر ليبين ّ
هو العالم والكافر هو الجاهل .أما األول فإن العلم هو الذي رسخ في القلب وتأصل بعروقه في النفس بحيث ال يمكن
سيط باللحم والدم فظهر أثره في األعضاء ال ينفك شيء منها عن مقتضاه ،وأما المرتسم في حيز
صاحبه مخالفته بل ّ
تصوري وتخيل عارضي ال يلبثالعقل والتخيل بحيث يمكن ذهول النفس عنه وعن مقتضاه فليس بعلم إنما هو أمر ّ
بل يزول سريعاً ،ال يغذو القلب وال يسمن وال يغني من جوع .وأما الثاني فظاهر ،إذ لو علم لم يحجب بالغير عن
التخيل والوهم لتحققها بالعلم الراسخ الذي يتأثر
الحق {إنما يت ّذكر} ويتعظ بهذا الذكر {أولو} العقول الصافية عن قشر ّ
به الظاهر .وأما المشوبة بالوهم فال تتذكر وال تتحقق بهذا العلم وال تعيه ،بل تتلجلج فيه فيذهب.
{قل يا عباد} المخصوصين في من أهل العناية {الذين آمنوا} اإليمان العملي {اتّقوا رّبكم} بمحو صفاتكم {للذين
ّ
أحسنوا} أي :اتّصفوا بالصفات اإللهية فعبدوه على المشاهدة {في هذه الدنيا حسنة} ال يكتنه كنهها في اآلخرة وهي
شهود الوجه الباقي وجماله الكريم.
{وأرض هللا} أي :النفس المطمئنة المخصوصة باهلل النقيادها له وقبولها لنوره واطمئنانها إليه ،ذات سعة بيقينها ال
تتقيد بشيء وال تلبث في ضيق من عادة ومألوف وأمر غير الحق {إنما يوفى الصابرون} الذين صبروا مع هللا في
فناء صفاتهم وأفعالهم وسلوكهم فيه وسيرهم في منازل النفس الواسعة باليقين {أجرهم} من جنات الصفات {بغير
جنة النفوس ،متناه لكونه من باب اآلثار
مقدر باألعمال في ّ
حساب} إذ األجر الموفى بحسب األعمال في مقام النفس ّ
محصو اًر في المو ّاد .وأما الذي يوفى بحسب األخالق واألحوال فهو غير متناه لكونه من باب تجليات الصفات في
مجرداً عن المواد {مخلصاً له الدين} عن االلتفات إلى الغير والسير بالنفس {وأمرت ألن
جنة القلب وعالم القدس ّ
أكون} ّ
مقدم {المسلمين} الذين أسلموا وجوههم إلى هللا بالفناء فيه وسابقهم في الصف األول ،سائ اًر باهلل ،فانياً عن
النفس وصفاتها.
{لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل} النغمارهم في المواد الهيوالنية واستقرارهم في قعر بئر الطبيعة
الظلمانية ،فوقهم مراتب من الطبائع وتحتهم مراتب أخرى وهم في غمرات منها.
ِ َّ ِ ِ ِ ِ الطاغوت أَن يعبدوها وأَنابوْا ِإَلى َّ ِ و َّال ِذين اجتَنبوْا َّ
ين َي ْستَم ُعو َن اْلَق ْو َل َفَيـتَِّب ُعو َن أ ْ
َح َسَن ُه َّللا َل ُه ُم اْلُب ْش َر ٰى َفَب ّش ْر عَباد * الذ َ َ ْ ُُ َ َ َ ُ ُ َ َ َ ْ َُ
الن ِار * َلـ ِٰك ِن َنت تُ ِنق ُذ َمن ِفي َّ اب * أََفم ْن ح َّق َعَل ْي ِه َكلِم ُة اْلع َذ ِ
اب أََفأ َ َّللا وأُوَلـِٰئ َك ُهم أُوُلوْا األَْلب ِ ِ َّ ِ
َ َ َ َ َ ْ ْ اه ُم َّ ُ َ ْ
ين َه َد ُ
أ ُْوَلـٰئ َك الذ َ
َّللاِ الَ ي ْخلِف َّ ِ ِ ِ ِ َّال ِذين اتََّقوْا ربَّهم َلهم ُغر ِ
يع َاد * أََل ْم تََر أ َّ
َن َّللاُ اْلم َ ف َّم ْبنَّي ٌة تَ ْجرِي من تَ ْحت َها األ َْن َه ُار َو ْع َد َّ ُ ُ ف ّمن َف ْوِق َها ُغ َر ٌ َ ُْ ُْ َ ٌ َ
ِ ِ يع ِفي األ َْر ِ َنزل ِمن َّ ِ
ـر ثُ َّم َي ْج َعُل ُه
صَف ّاً ض ثُ َّم ُي ْخ ِرُج ِبه َزْرعاً ُّم ْخَتلفاً أَْلَو ُان ُه ثُ َّم َي ِه ُ
ـيج َفـتَ َراهُ ُم ْ
ِ
آء َف َسَل َك ُه َيَناب َ
الس َمآء َم ً َّللاَ أ َ َ َ َّ
طاماً ِإ َّن ِفي َذلِ َك َل ِذ ْكر ٰى ألُولِي األَْلب ِ
اب ُح َ
َ ْ َ
{الذين يستمعون القول} كالعزائم والرخص والواجب والمندوب في قول الحق والغير {فيتبعون أحسنه} كالعزائم دون
الرخص والواجب دون المندوب والقول حق في الكل ال غير {أولئك الذين هداهم هللا} إليه بنور الهداية األصلية
المجردة فيتلقون المعاني المحققة دون غيرها.
ّ {وأولئك هم أولو األلباب} المميزون بين األقوال بألبابهم
حق عليه كلمة العذاب} أي :أأنت مالك أمرهم فمن سبق الحكم بشقاوته فأنت تنقذه ،أي :ال يمكن إنقاذه أصالً
{أفمن ّ
{لكن الذين اتّقو} أفعالهم وصفاتهم وذواتهم في التجريد والتفريد من أهل التوحيد {لهم غرف من فوقها غرف} أي:
مقامات وأحوال بعضها فوق بعض كالتوكل بفناء األفعال فوقه ،الرضاء بفناء الصفات فوقه الفناء في الذات {تجري
من تحتها} أنهار علوم المكاشفات {أنزل من السماء} الروح {ماء} العلم {فسلكه ينابيع} الحكم في أراضي النفوس
بحسب استعدادتها {ثم يخرج به} زرع األعمال واألخالق {مختلفاً} أصنافه بحسب اختالف القوى واألعضاء {ثم يهيج}
مصفر} الضمحالله وتالشيه بفناء أصوله ،القائم هو بها من القوى والنفوس
ّاً فينقطع عن أصله بأنوار التجليات {فتراه
والقلوب{ثم يجعله حطاماً} بذهابه وانكساره وانقشاعه عند ظهور صفاته تعالى واستقرارها بالتمكين.
ضالَ ٍل ُّمِب ٍ اسي ِة ُقُلوبهم ِمن ِذ ْك ِر َّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ إلسالَ ِم َفهو عَلى ن ٍ ِ ِِ أََف َمن َش َرَح َّ
َّللاُ
ين * َّ َّللا أ ُْوَلـٰئ َك في َ ُُ ْ ّ ور ّمن َّرّبِه َف َوْي ٌل ّلْلَق َ َُ َ ٰ ُ ص ْد َرهُ ل ْ َّللاُ َ
َّللاِ
وب ُه ْم ِإَل ٰى ِذ ْك ِر َّ ِ يث ِكتَاباً ُّمتَ َشاِبهاً َّمثَ ِاني تَْق َش ِعُّر ِمنه جُل َّ ِ نَّزل أَحسن اْلح ِد ِ
ود ُه ْم َوُقُل ُ
ين ُجُل ُ ين َي ْخ َش ْو َن َرب ُ
َّه ْم ثُ َّم َتل ُ ود الذ َ ُْ ُ ُ َ َ َ ََْ َ
ِ ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ ٍ ِ ضل ِل َِّ ِ ِ ِ َذلِك هدى َّ ِ
امة َوِق َ
يل وء اْل َع َذاب َي ْوَم اْلقَي َ َّللاُ َف َما َل ُه م ْن َهاد * أََف َمن َيتقي بَو ْجهه ُس َ آء َو َمن ُي ْ َّللا َي ْهدي به َمن َي َش ُ َ َُ
اب ِم ْن َح ْي ُث الَ َي ْش ُع ُرو َن * َفأَ َذا َق ُه ُم َّ
َّللاُ اْل ِخ ْز َي لظالِ ِمين ُذوُقوْا ما ُكنتُم تَ ْك ِسبو َن * َك َّذب َّال ِذ ِ ِ لِ َّ
ين من َقْبل ِه ْم َفأَتَ ُ
اه ُم اْل َعـ َذ ُ َ َ ُ ْ َ َ
آن ِمن ُك ِّل َمَث ٍل َّل َعَّل ُه ْم اس ِفي َهـٰ َذا اْلُق ْر ِ ض َرْبَنا لِ َّلن ِ ِ
اب اآلخ َرِة أَ ْكَب ُر َل ْو َك ُانوْا َي ْعَل ُمو َن * َوَلَق ْد َ ِفي اْل َحَي ِاة ُّ
الد ْنَيا َوَل َع َذ ُ
اك ُسو َن َوَرُجالً َسَلماً ِّل َرُج ٍل يه ُشرَكآء م َت َش ِ َّللا مثَالً َّرجالً ِف ِ ِ ِ َّ َّ
َ ُ ُ ُ ض َر َب َّ ُ َ َيتَ َذ َّك ُرو َن * ُق ْرآناً َع َربِّياً َغ ْي َر ذي ع َو ٍج ل َعل ُه ْم َيتَُّقو َن * َ
ان َمثَالً اْل َح ْم ُد ََّّللِ َب ْل أَ ْكثَ ُرُه ْم الَ َي ْعَل ُمو َن َه ْل َي ْستَ ِوَي ِ
{أفمن شرح هللا صدره لإلسالم} بنوره حال البقاء بعد الفناء ونقى قلبه بالوجود الموهوب الحقاني فيسع صدره الحق
والخلق من غير احتجاب بأحدهما عن اآلخر فيشاهد التفصيل في عين الوحدة والتوحيد في عين الكثرة ،واإلسالم هو
الفناء في هللا وتسليم الوجه إليه ،أي :شرح صدره في البقاء إلسالمه وجهه حال الفناء {فهو على نور من رّبه} يرى
لشدة ميلها إلى اللذات البدنية وإعراضها عن الكماالت القدسية
رّبه {فويل} للذين قست قلوبهم من قبول ذكر هللا ّ
{أولئك في ضالل مبين} عن طرين الحق {متشابهاً} في الحق والصدق {مثاني} لتنزلها عليك في مقام القلب قبل
{تقشعر منه جلود} أهل الخشية
ّ مكررة باعتبار الحق والخلق ،فتارة يتلوها الحق وتارة يتلوها الخلقالفناء وبعده فتكون ّ
من العلماء باهلل النفعالها بالهيئات النوراينة الواردة على القلب النازل أثرها إلى البدن {ثم تلين جلودهم وقلوبهم}
وأعضاؤهم باالنقياد وا لسكينة والطمأنينة {إلى ذكر هللا ذلك هدى هللا} باألنوار اليقينية {يهدي به من يشاء} من أهل
عنايته {ومن يضلل هللا} يحجبه عن النور فال يفهم كالمه وال يرى معناه {فما له من هاد أفمن يتقي بوجهه سوء
{إنك ميت وإنهم ميتون} معناه :كل شيء هالك إال وجهه ،أيٍ :
فان في هللا ،وهم في شهودك هالكون معدومون
بذواتهم.
{ثم إنكم يوم القيامة} الكبرى {عند رّبكم تختصمون} الختالفكم في الحقيقة والطريقة لكونهم محجوبين بالنفس
وصفاتها ،سائرين بها طالبين لشهواتها ولذاتها ،وكونك دائماً بالحق سائ اًر به طالباً لوجهه ورضاه {ليكفر هللا عنهم
أسوأ الذي عملوا} من صفات نفوسهم وهيئات رذائلهم {ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون} من تجليات صفاته
وجنات جماله ،فيمحو ظلمات وجوداتهم بنور وجهه.
{قل هلل الشفاعة جميعاً} لتوقفها على إرضائه للمشفوع له بتهيئته لقبولها ،وإذن الشفيع بتمكينه منها والتهيىء من
المْلك مطلقاً {وإليه} الرجوع دائماً {ما لم يكونوا يحتسبون} مما يشاهدون
فيضه األقدس ،فالقبول والتأثير من جهته له ُ
الحسية ،وأحصاه هللا بإثباته في كتبهم بل في
ّ من هيئات أعمالهم وصور أخالقهم التي ذهلوا عنها الشتغالهم بالشواغل
الكتب األربعة من نفوسهم والسماء الدنيا واللوح المحفوظ و ّأم الكتاب.
الذُنوب ج ِميعاً ِإَّنه هو اْل َغُفور َّ ِ َّللا ي ْغِفر ُّ طوْا ِمن َّرحم ِة َّ ِ َنف ِس ِه ْم الَ تَْقَن ُ ِ ِ َّ ِ
يم * الرح ُ ُ ُ َُ َ َ َّللا ِإ َّن َّ َ َ ُ َْ َس َرُفوْا َعَل ٰى أ ُ ين أ ُْق ْل يٰعَباد َي الذ َ
ِك ْـم ِّمن
ُنزَل ِإَل ْي ُكم ِّمن َّرّب ُ ِ ِ ِ ِ ِ
َح َس َن َمآ أ ِنص ُرو َن * َواتَِّب ُعـوْا أ ْ اب ثُ َّم الَ تُ َ
ِك ْم َوأ َْسل ُموْا َل ُه من َقْبل أَن َيأْتَي ُك ُم اْل َع َذ ُ ـيبوْا ِإَل ٰى َرّب ُ
َوأَن ُ
نت َل ِم َن نب َّ ِ
ط ُت ِفي ج ِ ِ ِ
َّللا َوإِن ُك ُ َ ٰح ْس َرتَا َعَل ٰى َما َفَّر َول َنْف ٌس ي َ اب َب ْغتَ ًة َوأَنتُ ْم الَ تَ ْش ُع ُرو َن * أَن تَُق َ َقْبل أَن َيأْتَي ُك ُـم اْل َع َذ ُ
َكو َن ِم َن َن لِي َك َّـرًة َفأ ُ ـنت ِمن اْلمتَِّقين * أَو تَُق ِ ِ َّ ِ
اب َل ْو أ َّ
ين تََرى اْل َع َذ َ ول ح َ َ ْ َّللاَ َه َداني َل ُك ُ َ ُ َ ول َل ْو أَ َّن َّ
ين * أ َْو تَُق َ الساخ ِر َ
َّ ِ ِ ِ ِ اْلمح ِسِنين * بَلى َق ْد جآء ْتك آي ِاتي َف َك َّذبت ِبها واس َت ْكبرت وُك ِ
ين َك َذُبوْا َعَلى ين * َوَي ْوَم اْلقَيا َمة تَ َرى الذ َ نت م َن اْل َكاف ِر َ ْ َ َ َ ْ َْ َ َ َ َ َ َ َ َ ٰ ُْ َ
ِ ِ َّ ِ
وه ُهم ُّم ْس َوَّدةٌ أََل ْي َس في َج َهَّن َم َم ْثًوى ّلْل ُمتَ َكِّب ِر َ
ين َّللا ُو ُج ُ
{ال تقنطوا من رحمة هللا} فإن القنوط عالمة زوال االستعداد والسقوط عن الفطرة باالحتجاب ،وانقطاع الوصلة من
الحق والبعد ،إذ لو بقيت فيه مسكة من النور األصلي ألدرك أثر رحمته الواسعة السابقة على غضبه بالذات فرجا
وصول ذلك األثر إليه ،وإن أسرف في الميل إلى الجهة السفلية وفرط في جنب الحضرة اإللهية التصاله بعالم النور
العلوي ،والتغشي
ّ بتلك البقية .وإنما اليأس ال يكون إال مع االحتجاب الكلي واسوداد الوجه باإلعراض عن العالم
المادي.
بالغطاء الخلقي ّ
{إن هللا يغفر الذنوب جميعاً} بشرط بقاء نور التوحيد في القلب وهو مستفاد من اختصاص العباد إلفاضتهم إلى نفسه
في قوله{ :ي ِٰعَب ِاد َي}[الزمر ،اآلية ،]53:ولهذا قيل :يغفر جميعها لألمة المحمدية الموحدين دون سائر األمم ،كما قال
بالتجرد عن ذنوب األفعال والصفات من قبل ّ {وأنيبوا إلى رّبكم} بالتنصل عن هيئات السوء {وأسلموا له} وجوهكم
انسداد باب المغفرة بوقوع العذاب الذي تستحقونه بالموت فال يمكنكم اإلنابة والتسليم لفقدان اآلالت وانسداد األبوب {يا
فرطت} بترك السعي في طلب الكمال والتقصير في الطاعة حين كنت في جوار هللا ،قريباً منه، حسرتا على ما ّ
المعدة لي.
ّ وتمكني من السلوك فيه بوجود اآلالت البدنية
لصفاء استعدادي ّ
بتجردهم عن تلك الصفات {بمفازتهم} وأسباب فالحهم من هيئات الحسنات وصور {وينجي هللا الذين اتّقوا} الرذائل ّ
لتجردهم عن الهيئات المؤلمة المنافية {وال هم يحزنون} بفوات كماالتهم التي
يمسهم السوء} ّ
الفضائل والكماالت {ال ّ
اقتضتها استعداداتهم.
{له مقاليد السموات واألرض} هو وحده يملك خزائن غيوبها وأبواب خيرها وبركتها ،يفتح لمن يشاء بأسمائه الحسنى،
إذ كل اسم من أسمائه مفتاح لخزانة من خزائن جوده ال ينفتح بابها إال به ،فيفيض عليه ما فيها من فيض رحمته
العامة والخاصة ونعمته الظاهرة والباطنة.
{قل أفغير هللا تأمروني أعبد} بالجهل ،فأحتجب عن فيض رحمته ونور كماله ،فأكون {من الخاسرين} بل خصص
العبادة باهلل موحداً فانياً فيه عن رؤية الغير إن كنت تعبد شيئاً {وكن من الشاكرين} به له{ ،وما قدروا هللا حق قدره}
يتصورونه فهو مجعول مثلهم {واألرض جميعاً ّ وصوروه وكل ما
ّ أي :ما عرفوه حق معرفته إذ قدروه في أنفسهم
تصرفه وقبضة قدرته وقهر ملكوته {والسموات} في طي قهره ويمين قوته يصرفها كيف يشاء قبضته} أي :تحت ّ
ّ
ويفعل بها ما يشاء ،يطويها وينفيها عن شهود الشاهد يوم القيامة الكبرى ،والفناء في التوحيد لفناء الكل حينئذ في
تصرف تراه بيمينه ولك صفة تراها صفته ،ويرى عالم القدرة بيمينه ،بل كل شيء عينه فال يرى
شهود التوحيد ،وكل ّ
عما يشركون} بإثبات الغير وتأثيره وقدرته.
غيره بل يرى وجهه ،فال عين وال أثر لغيره {سحانه وتعالى ّ
{وسيق الذين اتّقوا} الرذائل وصفات النفوس {إلى الجنة} بسائق العمل وقائد المحبة {وفتحت أبوبها} قبل مجيئهم ألن
أبواب الرحمة وفيض الحق مفتوحة دائماً والتخلف من جهة القبول ال من جهة الفيض بخالف أبواب جهنم ،فإنها
ين * َوتََرى اْل َمالَِئ َك َةِِ وَقـاُلوْا اْلحـمد ََّّللِ َّال ِذي صد َقنا وعده وأَورثَنا األَرض نتَبَّوأُ ِمن اْلجَّن ِة حي ُث ن َش ِ
َج ُر اْل َعامل َ
آء َفن ْع َم أ ْ
َ َ َ َ َْ ُ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ َْ َ ُ َ ُْ َ
ِ ِِ ِ ِ ِ ِ ين ِم ْن َحو ِل اْل َع ْر ِ ِ ِ
يل اْل َح ْم ُد ََّّلل َر ِّب اْل َعاَلم َ
ين ِ
ش ُي َسّب ُحو َن ب َح ْمد َرِّبه ْم َوُقض َي َب ْيَن ُه ْم باْل َح ِّق َوِق َ ْ َحآّف َ
{وقالوا الحمد هلل} باالتّصاف بكماالته والوصول إلى نعيم تجليات صفاته {الذي صدقنا وعده} بإيصالنا إلى ما وعدنا
{نتبوأ} منها {حيث نشاء} بحسب شرفنا
جنة الصفات ّ في العهد األول وأودع فينا وأنبأنا عنه على ألسنة رسله {وأورثنا} ّ
جنة القلب والنفس من األنوار واآلثار {وترى} ومقتضى حالنا ِ
{فن ْع َم أجر العالمين} الذين عملوا بما علموا فأورثوا ّ
{يسبحون} ّ
بتجردهم عن اللواحق المادية، جنة الصفات {حافين من حول} عرش القلب ّ مالئكة القوى الروحانية في ّ
حامدين رّبهم بالكماالت الروحانية {وقضى بينهم بالحق} بتسالمهم واتحادهم في التوجه نحو الكمال بنور العدل
والتوحيد واختصاص كل بما حكم بالحق في تسبيحه من غير تخاصم وتنازع {وقيل} على لسان األحدية {الحمد}
{رب العالمين} مربيهم على حسب استعدادات
المطلق في الحضرة الواحدية للذات اإللهية الموصوفة بجميع صفاتها ّ
األشياء وأحوالها.
أو مالئكة النفوس واألرواح السماوية حافين في جنة الفردوس من حول عرش الفلك األعظم ،يسبحون بحمد رّبهم
ضي بينهم بالحق} باختصاص كل بما حكم به الحق من األفعال باتصاف ذواتهم المجردة بالكماالت الربانية{ .وق ِ
ُ َ ّ
رب العالمين ،وإن حملت القيامة على الصغرى فمعناه :وأرض
والكماالت .وقيل على لسان الكل :الكمال المطلق هلل ّ
يتصرف فيها بقدرته ويقبضها عن الحركة ويمسكها عن االنبساط بالحياة وقت الموت وسموات
ّ البدن جميعاً قبضته،
هذه {حم} أي :الحق المحتجب بمحمد فهو حق بالحقيقة ،محمد بالخليقة ،أحبه فظهر بصورته فكان ظهوره به
الكتاب} المحمدي {من هللا} أي :ذاته الموصوفة قد تجمع صفاته {العزيز} بستور جالله حال كون الكتاب قرآناً ِ يل
{تنز ُ
{العليم} الظاهر بعلمه ،فيكون فرقاناً فقوله( :حم) معناه في الحقيقة :ال إله إال هللا محمد رسول هللا ،أي :الحق الباطن
حقيقته الظاهر بمحمد هو تنزيل الكتاب الذي هو عين الجمع الجامع للكل المكنون ّ
بعزته في سرادقات جالله المتنزل
في مراتب غيوبه ومظاهر علية في الصورة المحمدية التي ظهر علمه بها في مظهر العقل الفرقاني.
اب ِمن َب ْع ِد ِه ْم َّ ِ َّللاِ ِإالَّ َّال ِذين َكَفروْا َفالَ ي ْغرر ُّ ِ ما يج ِادل ِفي آي ِ
ك تََقلُب ُه ْم في اْلِبالَد * َكـذَب ْت َقْبَل ُه ْم َق ْوُم ُنو ٍح َواأل ْ
َح َز ُ َ ُْ َ َ ُ ات َّ َ َ َُ ُ
اب * َوَك َذلِ َك َحَّق ْت َكلِ َم ُة ان ِعَق ِ ِ ِ ِ ِ وه َّمت ُك ُّـل أ َّ ٍ
ف َك َ ضوْا ِبه اْل َح َّق َفأ َ
َخ ْذتُ ُه ْم َف َك ْي َ ُمة ِب َرُسولِ ِه ْم لَِيأ ُ
ْخ ُذوهُ َو َج َادُلوا ِباْلَباط ِل لُي ْدح ُ ََ ْ
ش َو َم ْن َح ْوَل ُه ُي َسِّب ُحو َن ِب َح ْم ِد َرِّب ِه ْم َوُي ْؤ ِمُنو َن ِب ِه ين َي ْح ِمُلو َن اْل َع ْر َ
َّ ِ
الن ِار * الذ َ اب َّ َص َح ُ ين َكَف ُروْا أََّن ُه ْم أ ْ
َّ ِ
ِك َعَلى الذ َ َرّب َ
اب اْل َج ِحي ِم ويستَ ْغِفرون لَِّل ِذين آمنوْا ربَّنا وِسعت ُك َّـل َشي ٍء َّرحم ًة و ِعْلماً َف ْ ِ َِّ ِ
ين تَ ُابوْا َواتََّب ُعوْا َسِبيَل َك َوِق ِه ْم َع َذ َ
اغف ْر للذ َ ْ َْ َ َ َُ َ َ َ ْ َ ََْ ُ َ
{ما يجادل في آيات هللا إال} المحجوبون عن الحق ألن غير المحجوب يقبلها بنور استعداده من غير إنكار لصفاته.
وأما المحجوب فلظلمة جوهره وخبث باطنه ال يناسب ذاته آياته فينكرها ويجادل فيها {بالباطل} ليدحض بجداله آياته
فيحق له العقاب.
{الذين يحملون العرش} من النفوس الناطقة السماوية الالتي أرجلهم في األرضين السفلى بتأثيرهم فيها وأعناقهم مرقت
المجردة
ّ لتجردهم منها وتدبيرهم إياها أو األرواح التي هي معشوقاتها {ومن حوله} من األرواح
من السموات العلى ّ
القدسية والنفوس الكوكبية {يسبحون بحمد ربهم} ينزهونه عن اللواحق المادية ّ
بتجرد ذواتهم حامدين له بإظهار
كماالتهم المستفادة منه تعالى فكأنهم يقولون بلسان الحال :يا من هذه صفاته وهباته {ويؤمنون به} اإليمان العياني
الحقيقي {ويستغفرون للذين آمنوا} باألمداد النورية واإلفاضات السبوحية لمناسبة ذواتهم ذواتهم في الحقيقة اإليمانية
بالتجرد
ّ {ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً} أي :شملت رحمتك وأحاط بالكل علمك {فاغفر} بنورك {للذين تابوا} إليك
عن الهيئات الظلمانية والظلمات الهيوالنية {و ّاتبعوا سبيلك} بالسلوك فيك على متابعة حبيبك في األعمال والمقامات
واألحوال يتنصلون عن ذنوب أفعالهم وصفاتهم وذواتهم {وِق ِه ْم} بعنايتك {عذاب} جحيم الطبيعة.
يم * َوِق ِه ُم ِ َّات ِه ْم ِإَّن َك أ َ ِ ات ع ْد ٍن َّالِتي وع ْدتَّهم ومن صـَلح ِمن آب ِآئ ِهم وأ َْزوا ِج ِهم وُذ ِري ِ ربَّنا وأ َْد ِخْلهم جَّن ِ
َنت اْل َعز ُيز اْل َحك ُ َ َ ُْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ّ َ َ َ َ ُْ َ
ِ
َّللا أَ ْكَب ُر ِمن َّ ِ ِ ِ ِ ٍِ ات ومن تَ ِق َّ ِ ِ َّ ِ ِ
ين َكَف ُروْا ُيَن َاد ْو َن َل َمْق ُت َّ يم * ِإ َّن الذ َ السّيَئات َي ْو َمئذ َفَق ْد َرح ْمتَ ُه َوَذل َك ُه َو اْلَف ْوُز اْل َعظ ُ السّيَئ َ َ
اعتَ َرْفَنا ِب ُذُنوبَِنا َف َه ْل ِإَل ٰى ُخ ُرو ٍج َمتََّنا ا ْثَنتَْي ِن َوأ ْ
َحَي ْيتََنا ا ْثَنتَْي ِن َف ْ يم ِ
ان َفتَ ْكُف ُرو َن * َقاُلوْا َربََّنآ أ َ
ِ ِ ِ َّمْقِت ُك ْم أ ُ
َنف َس ُك ْـم إ ْذ تُ ْد َع ْو َن إَلى اإل َ
َّللاُ َو ْح َدهُ َك َـف ْرتُ ْم َوإِن ُي ْش َر ْك ِب ِه تُ ْؤ ِمُنوْا َفاْل ُح ْكم ََّّللِ اْل َعلِ ِـي اْل َكِب ِ
ير يل * َذلِ ُكم ِبأََّن ُه ِإ َذا ُد ِعي َّ
ِمن سِب ٍ
ّ ُ َ ّ َ
استعد لذلك
بالتجرد عن الغواشي المادية و ّ
ّ {ربنا وأدخلهم جنات} صفاتك وحظائر قدسك {التي وعدتهم ومن صلح}
بالتزكية والتحلية من أقاربهم المتصلين بهم للمناسبة والقرابة الروحانية {إنك أنت العزيز} الغالب القادر على التعذيب
{الحكيم} الذي ال يفعل ما يفعل إال بالحكمة ومن الحكمة الوفاء بالوعد {وقهم السيئات} بتوفيقك وحسن عنايتك
وكالءتك.
{ومن تق السيئات} فقد حّقت له رحمتك {وذلك هو الفوز العظيم} ألن المرحوم سعيد ،والمحجوب يمقت نفسه حين
الحسية التي
ّ تظهر له هيئاتها المظلمة وصفاتها المؤلمة وسواد وجهه الموحش وقبح منظرها المنفر بارتفاع الشواغل
أشد
كانت تشغله عن إدراك ذاته فينادى{ :لمقت هللا أكبر من مقتكم أنفسكم} إذ هو نور األنوار وكلما كان الشيء ّ
نورية وأكثر ضوءاً فهو أبعد مناسبة من الجوهر المظلم الكدر ،فيكون ّ
أشد مقتاً له ،ومقته لنفسه أيضاً ناشىء من
النور األصلي االستعدادي النطباع محبة النور في األصل االستعدادي النوري ،بل النور لذاته محبوب والظلمة
مبغوضة.
{قالوا ربنا أمتنا اثنتين} أي :أنشأتنا أمواتاً مرتين {وأحييتنا} في النشأتين {فاعترفنا بذنوبنا} عند وقوع العقاب المرتب
عليها وامتناع المحيص عنه {ذلكم} العذاب السرمد والمقت األكبر بسبب شرككم واحتجابكم عن الحق بالغير {فالحكم
رد حكمه وعقابه.
لعلوه وكبريائه فال يمكن أحداً ّ
هلل} بعقابكم األبدي ال للغير فال سبيل إلى النجاة ّ
{هوالذي يريكم} آيات صفاته بتجلياته {وينزل لكم} من سماء الروح {رزقاً} حقيقياً ما أعظمه وهو العلم الذي يحيا به
بالتجرد وقطع النظر عن الغير فأنيبوا إليه
ّ يتذكر} أحواله السابقة بذلك الرزق {إالّ من ينيب} إليه
القلب ويتقوى {وما ّ
لتتذكروا بتخصيص العبادة به وإخالص الدين عن شوب الغيرية وتجريد الفطرة عن النشأة ولو أنكر المحجوبون
وكرهوا.
{رفيع الدرجات} أي :رفيع درجات غيوبه ومصاعد سمواته من المقامات التي يعرج فيها السالكون إليه {ذو العرش}
أي :المقام األرفع المالك لألشياء كلها {يلقي الروح} أي :الوحي والعلم اللدني الذي تحيا به القلوب الميتة {من} عالم
{أمره على من يشاء من عباده} الخاصة به أهل العناية األزلية {لينذر يوم} القيامة الكبرى الذي يتالقى فيه العبد
الرب بفنائه فيه أو العباد في عين الجمع.
و ّ
{يوم هم بارزون} عن حجاب األنيات أو غواشي األبدان {ال يخفى على هللا منهم شيء} مما ستروا من أعمالهم
واستخفوا بها من الناس توهماً أنه ال يطلع عليهم لظهورها في صحائفهم وبروزها من الكمون إلى الظهور ،كما قال:
َّ اب الَ ي َغ ِادر ِ
ال َهـٰ َذا اْل ِكتَ ِ
َّللا وَنسوه}[المجادلة ،اآلية ،]6:وقالوا{ :م ِ
اها}[الكهف،
ص َ صغ َيرًة َوالَ َكِب َيرًة ِإال أ ْ
َح َ ُ ُ َ َ صاهُ َّ ُ َ ُ ُ
َح َ
{أ ْ
اآلية ،]49:وال يخفى عليه منهم شيء لبروزهم عن حجب االوصاف إلى عين الذات.
{لمن الملك اليوم} ينادي به الحق سبحانه عند فناء الكل في عين الجمع فيجيب هو وحده {هلل الواحد} الذي ال شيء
{إن هللا سريع الحساب} لوقوعه دفعة باقتضاء سيئاتهم المكتوبة في صحائف سواه {القهار} الذي أفنى الكل بقهره ّ
نفوسهم تبعاتها وحسناتها ثمراتها {وأنذرهم يوم األزفة} أي :الواقعة القريبة وهي القيامة الصغرى {إذ القلوب لدى
لشدة الخوف.
الحناجر} ّ
ظُّن ُه َك ِاذباً وس ٰى َوإِِّني ألَ ُ وَقال َفرعون يٰهامان اب ِن لِي صرحاً َّلعـّلِي أَبُلغ األَسباب * أَسباب َّ ِ َّ ِ ِ ِ ِ
الس َٰم َٰوت َفأَطل َع إَل ٰى إَلـٰه ُم َ َْ َ َ ْ َ ْ ُ َْ َ َ َ ْ َْ ُ َ َ ُ ْ
َه ِد ُك ْـم
آم َن ٰيَق ْو ِم اتَِّب ُعو ِن أ ْ
اب * وَق َّ ِ يل وما َك ْـي ُد ِف ْرَعو َن ِإالَّ ِفي تَب ٍ ِن لِِفرَعو َن سوء َعملِ ِه وصَّد َع ِن َّ ِ ِ ِ
ال الذي َ َ َ َ ْ السب َ َ َوَكـ َذل َك ُزّي َ ْ ْ ُ ُ َ َ ُ
اآلخ َرَة ِهي َد ُار اْلَق َـر ِار * َم ْن َع ِم َـل َس ِّـيَئ ًة َفالَ ُي ْج َز ٰى ِإالَّ ِم ْثَل َها الد ْنيا متَاعٌ وِإ َّن ِ ِِ ِ
الرَشـاد * ٰيَق ْو ِم إَّن َما َهـٰذه اْل َحَياةُ ُّ َ َ َ
سِبيـل َّ ِ
َ َ
َ
ِ ٍ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
يها ب َغ ْي ِر ح َساب * َوٰيَق ْو ِم َما لي صالحاً ّمن َذ َك ٍـر أ َْو أ ُْنثَ ٰى َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن َفأ ُْوَلـٰئ َك َي ْد ُخُلو َن اْل َجَّن َة ُي ْرَزُقو َن ف َ َو َم ْن َعم َـل َ
وك ْم ِإَلى اْل َع ِز ِ
يز ك ِب ِه َما َل ْي َس ِلي ِب ِه ِعْل ٌم َوأََن ْا أ َْد ُع ُ ُش ِر َاَّللِ َوأ ْ
ونِني ألَ ْك ُـف َر ِب َّ الن ِار * تَ ْد ُع َ ونِني ِإَلى َّ وكـم ِإَلى َّ ِ
الن َجاة َوتَ ْد ُع َ أ َْد ُع ُ ْ
َّللاِ َوأ َّ
َن اْل ُم ْس ِرِف َ
ين ُه ْم َن َم َرَّدَنآ ِإَلى َّ الد ْنيا والَ ِفي ِ
اآلخ َرِة َوأ َّ ِ اْلغَّف ِار * الَ جرم أََّنما تدع ِ ِ ِ
ونني إَل ْيه َل ْي َس َل ُه َد ْع َوةٌ في ُّ َ َ َ َ َ َ َْ ُ َ َ
َّللا سِيَئ ِ ِ ِ َّللاِ ِإ َّن َّ ِ
ات َما َم َك ُـروْا َّللاَ َبص ٌير ِباْلعَباد * َفوَقاهُ َّ ُ َ ّ ض أ َْمرِي ِإَلى َّ ول َل ُك ْـم َوأَُفِّو ُ
الن ِار * َف َستَ ْذ ُك ُرو َن َمآ أَُق ُ
اب َّ َص َح ُ أْ
َشَّد اْلع َذ ِ الساع ُة أَ ْد ِخُلوْا ِ ِ اب * َّ آل ِف ْرَعو َن سوء اْلع َذ ِ اق ِب ِ
اب آل ف ْرَع ْو َن أ َ َ َ وم َّ َ الن ُار ُي ْع َر ُ ن
ضو َ َعَل ْي َها ُغ ُدّواً َو َعشّياً َوَي ْوَم تَُق ُ ْ ُ ُ َ َو َح َ
صيباً ِّم َن َّ الضعَفاء لَِّل ِذين استَ ْكـبروْا ِإَّنا ُكَّنا َل ُكم تَبعاً َفهل أَنتُم ُّم ْغنو َن عَّنا ن ِ آجو َن ِفي َّ
الن ِار * َق َ
ال ُ َ َ ْ َ َْ َ ْ َُ ول ُّ َ ُ
الن ِ
ـار َفَيُق ُ * َوإِ ْذ َيتَ َح ُّ
الن ِار لِ َخ َزَن ِة جهَّنم ْادعوْا رب ُ ِ
ين ِفي َّ َّللا َقد ح َكم بين اْل ِعب ِاد * وَق َّ ِ ِ َّ ِ
ف َعَّنا َي ْوماً
َّك ْم ُي َخّف ْ ََ َ ُ َ ال الذ َ َ َ يهآ ِإ َّن َّ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ِ
استَ ْكَب ُروْا إَّنا ُك ٌّل ف َ
ين ْ الذ َ
ضالَ ٍل يكم رسُل ُكم ِباْلبِين ِ
ات َقاُلوْا بَلى َقاُلوْا َف ْادعوْا وما دعاء اْل َك ِاف ِر َّ ِ ِ ِم َن اْلع َذ ِ
ين ِإال في َ َ ُ ََ ُ َ ُ َ ٰ اب * َقاُلوْا أ ََوَل ْم تَ ُك تَأْت ُ ْ ُ ُ ْ َّ َ ّ َ
والصرح الذي أمر فرعون هامان ببنائه هو قاعدة الحكمة النظرية من القياسات الفكرية ،فإن القوم كانوا منطقيين
المنورة بنور الهداية ،أراد أن يبلغ طرق سموات الغيوب ويطلع على الحضرة محجوبين بعقولهم المشوبة بالوهم غير ّ
األحدية بطريق الفكر دون السلوك في هللا بالتجريد والمحو والفناء والحتجابه بأنائيته وعلمه قال {وإني ألظنه كاذباً
{وصد عن السبيل}
ّ الصد {زّين لفرعون سوء عمله} الحتجابه بصفات نفسه ورذائلهوكذلك} أي :مثل ذلك التزيين و ّ
لخطئه في فكره ،أي :فسد علمه ونظره لشدة ميله إلى الدنيا ومحبته إياها بغلبة الهوى بخالف حال الذي آمن حيث
{أن ما تدعونني إليه} ال دعوة له في الدارين لعدمه بنفسه واستحالة وجوده فيهما
{ال جرم} إلى آخره ،أي :وجب وحق ّ
وعشياً} أي :تصلى أرواحهم بنار الهيئات الطبيعية واحتجاب األنوار القدسية والحرمان
ّ {النار يعرضون عليها ّ
غدواً
الحسية والشوق إليها مع امتناع حصولها.
ّ عن اللذات
{ويوم تقوم الساعة} بمحشر األجساد أو ظهور المهدي عليه السالم .قيل لهم :ادخلوا {أَشد العذاب} النقالب هيئاتهم
وصورهم وتراكم الظلمات وتكاثف الحجب وضيق المحبس وضنك المضجع على األول ،وقهر المهدي عليه السالم
إياه وتعذيبه لهم لكفرهم به وبعدهم عنه ومعرفته إياهم بسيماهم على الثاني.