You are on page 1of 24

‫أسرار اإلمام املهدي ‪ - ‬قسم التفسير (‪)66‬‬

‫تفسري آية‬
‫من سورة يونس‬
‫تفسري آية من سورة يونس‬ ‫عنوان الكتاب‪:‬‬
‫أمحد احلسن‬ ‫املؤلف‪:‬‬
‫شركة جنمة الصباح‬ ‫الناشر‪:‬‬
‫الثالثة (‪2015‬م – ‪1436‬هـ)‬ ‫الطبعة‪:‬‬
‫‪ 1000‬نسخة‬ ‫العدد‪:‬‬
‫‪ 2208‬لسنة ‪2010‬‬ ‫رقم اإليداع‪:‬‬

‫وكالء شركة نجمة الصباح‬


‫لبنان‬
‫مكتبة نجمة الصباح‪ /‬جنوب لبنان‪ /‬صور‪ /‬برج الشمالي‪ /‬مفرق المؤسسة‬
‫‪Tel.: 0096170621437 / 009617346015‬‬
‫‪lebanon@najmatalsabah.com‬‬ ‫جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة‬
‫أمريكا‬ ‫لشركة نجمة الصباح المحدودة‬
‫‪Straight Path Library 24142‬‬ ‫العراق‪ /‬بغداد‪ /‬هاتف ‪+9647815643684‬‬
‫‪B. Warren Street. Dearborn Heights. Michigan. 48127 USA‬‬ ‫‪contact@najmatalsabah.com‬‬
‫‪Tel. (313)914-3397 / (313)919-1977,‬‬
‫‪E-mail: usa@najmatalsabah.com‬‬
‫السويد‬
‫‪Byggmästargatan 3. 80324 Gävle. Sweden‬‬
‫‪Tel.: +46737297728 , E-mail: sweden@najmatalsabah.com‬‬
‫لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن‬
‫أستراليا‬
‫يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي‪:‬‬
‫‪Antwerp Street, Auburn, NSW 2144. Australia 15‬‬
‫‪Tel.:+61406009043 , E-mail: australia@najmatalsabah.com‬‬
‫‪www.almahdyoon.org‬‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫ً‬
‫وصىل اهلل ىلع حممد وآهل الطاهرين األئمة واملهديني وسلم تسليما كثريا‬
‫الكاتب في سطور‬
‫السيد أمحد احلسن‪ ..‬هو أمحد بن إمساعيل بن صاحل بن حسني بن سلمان بن حممد بن احلسن بن‬
‫علي بن حممد بن علي بن موسى بن جعفر بن حممد بن علي بن احلسني بن علي بن أيب طالب عليهم‬
‫الصالة والسالم‪.‬‬
‫هو وصي ورسول اإلمام املهدي حممد بن احلسن ‪ ‬إىل الناس كافة‪ ،‬اليماين املوعود عند الشيعة‪،‬‬
‫يف آخر الزمان على وفق الفهم السين للمهدي‪ ،‬واملعزي‬ ‫واملهدي الذي بشر بوالدته رسول هللا‬
‫ألنبياء هللا ورسله الذي وعد به نيب هللا عيسى ‪ ‬كما ورد يف اإلجنيل‪ ،‬واملنقذ الذي وعد إبرساله نيب‬
‫هللا إيليا ‪ ‬عند اليهود‪.‬‬
‫إنطلق بدعوته اإلهلية الكربى عام ‪1999‬م يف العراق عاصمة دولة العدل اإلهلي‪ ،‬ومنه انتشرت إىل‬
‫العامل كله‪ ،‬جاء الناس حمتجاً عليهم مبا احتج به أنبياء هللا ورسله على أقوامهم‪ ،‬النص (الذي متثله وصية‬
‫املذكور فيها ابمسه ومنزلته وعشرات النصوص الثابتة عند املسلمني والنصارى‬ ‫جده رسول هللا‬
‫واليهود)‪ ،‬والعلم الذي به حتدى كبار علماء األداين والطوائف كلها‪ ،‬وراية البيعة هلل والدعوة إىل حاكمية‬
‫هللا‪ ،‬إضافة إىل أتييد هللا سبحانه له ابمللكوت عرب مئات الرؤى الصادقة ابألنبياء واألوصياء اليت تشهد‬
‫له‪.‬‬
‫وكان قد خط بيمينه جمموعة من الكتب اليت حتوي جوانب كبرية من املعرفة اإلهلية اليت بدأ ببثها إىل‬
‫الناس كان منها‪ :‬كتاب التوحيد‪ ،‬واملتشاهبات‪ ،‬واضاءات من دعوات املرسلني‪ ،‬ورحلة موسى إىل جممع‬
‫البحرين‪ ،‬والنبوة اخلامتة‪ ،‬والعجل‪ ،‬واجلهاد ابب اجلنة‪ ،‬وحاكمية هللا ال حاكمية الناس‪ ،‬و وهم اإلحلاد‪،‬‬
‫وغريها‪.‬‬
‫أما هدف دعوته فهو اهلدف من دعوة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وحممد صلوات هللا عليهم‬
‫أمجعني‪ ،‬أن ينتشر التوحيد على كل بقعة يف هذه األرض هدف األنبياء واألوصياء هو هدفه‪ ،‬وبيان‬
‫التوراة واإلجنيل والقرآن وما أختلف فيه‪ ..‬أن متتلئ األرض قسطاً وعدالً كما ملئت ظلماً وجوراً‪ ,‬أن‬
‫يشبع اجلياع وال يبقى الفقراء يف العراء‪ ،‬أن يفرح األيتام بعد حزهنم الطويل وجتد األرامل ما يسد حاجتها‬
‫املادية بعز وكرامة‪ ،‬أن‪ ...‬وأن‪ ،...‬أن يطبق أهم ما يف الشريعة العدل والرمحة والصدق‪.‬‬
‫وقد التحق بركب هذه الدعوة املباركة الكثري من املؤمنني املنتشرين على مناطق كثرية من العامل‪..‬‬
‫وللمزيد من املعلومات‪ ،‬يرجى زايرة املوقع الرمسي ألنصار اإلمام املهدي ‪:‬‬
‫‪www.almehdyoon.org‬‬
‫أو بزايرة الصفحة الشخصية للسيد أمحد احلسن على موقع الفيسبوك‪:‬‬
‫‪www.facebook.com/Ahmed.Alhasan.10313‬‬
‫(أمحد احلسن)‬

‫سبحانه‪:‬‬ ‫قال‬
‫﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْي ًا‬

‫ركَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَ ْنتُ أَنَّهُ ال إِلَهَ إِلَّا الَّذِي‬


‫وَعَ ْدواً حَتَّى إِذَا أَدْ َ‬

‫ي﴾(‪.)1‬‬
‫آمَنَتْ بِهِ بَنُو ِإسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِ َ‬

‫‪ -1‬يونس‪.90 :‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‬
‫وصلى هللا على حممد وآل حممد األئمة واملهديني وسلم تسليماً‬

‫اللهم أان العبد املسكني الضعيف املستضعف رضيت ابنتصارك يل ممن ظلمين‪.‬‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬


‫ك ِِبَبصا ِرِهم لَ َّما َِمسعوا ِ‬
‫الذ ْك َر َويَـقولو َن إِنَّه‬ ‫ِ‬ ‫﴿وإِ ْن ي َكاد الَّ ِ‬
‫ين َك َفروا لَيـ ْزلقونَ َ ْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ َ‬
‫ِ ِ‬
‫لَ َم ْجنو ٌن ‪َ ‬وَما ه َو إَِّال ذ ْك ٌر لل َْعالَ ِم َ‬
‫ني﴾(‪.)3‬‬
‫قبل البدء يف بيان معنى اآلية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أنقل بعض كلمات الصرخي اليت هامجين هبا‪:‬‬

‫وهذا األسلوب وهذه الكلمات اليت سطرها الصرخي بعيدة كل البعد عن األخالق وينأى‬
‫أي كاتب يتحلى بقليل من األدب بنفسه عنها فضالا عمن يدعي أنه يكتب ردا علمي ا‪ ،‬لقد‬
‫‪ -‬وهللا ‪ -‬ذكرين الصرخي اببن العاص ملا كشف عورته لينجو بنفسه‪.‬‬

‫‪ -2‬الكافي‪ :‬ج‪ 2‬ص‪ ،304‬دعائم اإلسالم‪ :‬ج‪ 2‬ص‪.537‬‬


‫‪ -3‬القلم‪.52 – 51 :‬‬
‫‪‬‬

‫وال حول وال قوة إال ابهلل العلي العظيم‪ ،‬ويكفي هذا التفاوت بيننا فكل إانء مبا فيه‬
‫ينضح‪.‬‬
‫والصرخي أخرج ما ضج به صدره من احلسد بكلماته املتقدمة فأضاف حبسده دليالا هلذه‬
‫الدعوة اليمانية املباركة‪ ،‬فنحن آل حممد الناس احملسودون‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫آل إِبـر ِاه ِ‬ ‫اَّلل ِمن فَ ْ ِ ِ‬
‫اب‬
‫يم الْكتَ َ‬
‫ضله فَـ َق ْد آتَـ ْيـنَا َ ْ َ َ‬ ‫آَتهم َّ ْ‬
‫َّاس َعلَى َما َ‬
‫﴿أ َْم ََْيسدو َن الن َ‬
‫َوا ْحلِ ْك َمةَ َوآتَـ ْيـنَاه ْم ملْكاً َع ِظيماً﴾(‪.)5( ،)4‬‬

‫اثنياً‪ :‬الصرخي نقل العبارة اآلتية من كتاب إضاءات من دعوات املرسلني‪( :‬أما املعجزة‬
‫املادية فهي ال ميكن أن تكون وحدها طريقاً إلميان الناس‪ ،‬بل هللا ال يرضى هبكذا إميان‬
‫مادي حمض‪ ،‬ولو كان يَقبل ل َقبل إميان فرعون بعد أن رأى معجزة مادية قاهرة ال تؤول‪،‬‬
‫آم ْنت ‪...‬‬
‫وهي انشقاق البحر‪ ،‬ورأى كل شق كالطود العظيم‪ ،‬وملسه بيده فقال‪َ ﴿ :‬‬
‫﴾)(‪ ،)6‬اليت هي تعليق على اآلية القرآنية وليست تفسريا كامالا هلا‪ ،‬فلم أكن يف معرض تفسري‬
‫اآلية‪ ،‬بل جئت هبا كشاهد على عدم قبول اإلميان عندما تكون املعجزة قاهرة ال تؤول‪.‬‬
‫وكالمي واضح ال ميكن أن يفهم منه فيما خيص اآلية من سورة يونس إال اآليت‪ :‬وهو أن‬
‫فرعون قال آمنت كما يف القرآن بعد أن رأى وملس بيده ماء البحر الذي كان كالطود العظيم‪،‬‬
‫وأن هللا مل يقبل إميان فرعون؛ ألنه أجلئ إليه ابملعجزة القاهرة اليت ال تؤول‪.‬‬
‫ولكن الصرخي حاول إيهام القارئ أين قد قلت إن فرعون قال آمنت مبجرد رؤية املعجزة‪،‬‬
‫مع أن الكالم املتقدم الذي نقله عين من كتاب اإلضاءات واضح كل الوضوح أين قلت‪:‬‬
‫(ورأى كل شق كالطود العظيم‪ ،‬وملسه بيده)‪.‬‬

‫‪ -4‬النساء‪.54 :‬‬
‫‪ -5‬وروى الكليني بسنده‪ :‬عن حمد بن محمد‪ ،‬عن محمد بن أبي عمير‪ ،‬عن سيف بن عميرة‪ ،‬عن أبي‬
‫الصباح الكناني‪ ،‬قال‪ :‬قال أبو عبد هللا ‪( :‬نحن قوم فرض هللا ‪ ‬طاعتنا‪ ،‬لنا األنفال‪ ،‬ولنا صفوا‬
‫المال‪ ،‬ونحن الر اسخون في العلم‪ ،‬ونحن المحسودون الذين قال هللا‪﴿ :‬أم يحسدون الناس على ما آتاهم‬
‫هللا من فضله﴾) الكافي‪ :‬ج‪ 1‬ص‪.186‬‬
‫‪ -6‬اإلضاءات‪ :‬ج‪ 2‬ق‪ 2‬ص‪.24‬‬
‫وحاول الصرخي أيضا إيهام القارئ أين قلت إن فرعون مل يتبع بين إسرائيل‪ ،‬إىل آخر ما‬
‫جاء من كالم الصرخي البعيد كل البعد عن املصداقية فضالا عن أن يكون الطرح علميا‪.‬‬
‫اثلثاً‪ :‬إن الصرخي قال‪:‬‬

‫والبد من مالحظة أمرين يف هذا الكالم‪:‬‬


‫‪ -1‬مسألة أن إميان فرعون كان مبجرد أن رأى معجزة انفالق البحر هذه مسألة واضح من‬
‫كالمي الذي نقله الصرخي أين مل أقل هبا‪ ،‬إال إذا كان احلسد قد جعل غشاوة على بصر‬
‫آَتهم َّ‬
‫اَّلل‬ ‫َّاس َعلَى َما َ‬
‫الصرخي ومنعه من قراءة (وملسه بيده)‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬أ َْم ََْيسدو َن الن َ‬
‫اب َوا ْحلِ ْك َمةَ َوآتَـ ْيـنَاه ْم ملْكاً َع ِظيماً﴾(‪.)7‬‬ ‫آل إِبـر ِاه ِ‬ ‫ِمن فَ ْ ِ ِ‬
‫يم الْكتَ َ‬
‫ضله فَـ َق ْد آتَـ ْيـنَا َ ْ َ َ‬ ‫ْ‬
‫‪ -2‬وأيضا الصرخي قال‪:‬‬

‫واعترب الصرخي أن الذي دفع فرعون إىل قول آمنت هو إدراك الغرق‪ .‬والصرخي ال مييز‬
‫بني (أدركه الغرق) و(الغرق)‪ ،‬فلو كان يفهم الفرق بينهما لعلم أن ترتيب إميان فرعون على‬
‫إدراك الغرق يعين أن إميان فرعون كان بسبب معجزة انفالق البحر‪ ،‬أي بعد أن ملس جبلي‬
‫املاء اللذين حييطانه وجيشه وعلم قطعا أن انفالق البحر حقيقة وليس سحرا كما كان يتهم‬
‫موسى من قبل‪.‬‬
‫والفرق بني إدراك الغرق والغرق هو‪:‬‬
‫إن إدراك الغرق لفرعون يعين اقرتابه منه وحلوقه به‪ ،‬أي‪ :‬إن حدث الغرق اقرتب من فرعون‬
‫ومل يقع إىل اآلن‪ ،‬والغرق يعين وقوع حدث الغرق‪ ،‬فهل فهمت اآلن اي صرخي أن فرعون إىل‬

‫‪ -7‬النساء‪.54 :‬‬
‫‪‬‬

‫أن قال آمنت مل يكن حدث الغرق قد وقع‪ ،‬وابلتايل مل يبق إال املعجزة (انفالق البحر) اليت‬
‫ملسها بيده وتيقن أهنا معجزة سببا لقوله (آمنت)‪.‬‬
‫وأيضا ما يدل بوضوح على أن الصرخي ال مييز بني أدركه الغرق والغرق هو ترتيبه إميان‬
‫فرعون على الغرق نفسه كما قال الصرخي‪( :‬بل الذي دفعه إىل قول آمنت هو الغرق وإدراكه‬
‫الغرق وأمارات وعالمات املوت ؟)‬
‫وإليك أسئلة الصرخي وكيف أجاب عنها‪:‬‬

‫فالصرخي كما هو واضح كل الوضوح ملن يقرأ كلماته ال مييز بني الغرق وأدركه الغرق‪ ،‬ولو‬
‫أنه ميز بينهما لعلم أن إدراك الغرق حصل مبجرد نزول فرعون وجيشه إىل قاع البحر الذي‬
‫احنسر عنه املاء إىل جبلني‪ ،‬وقبل أن يقول فرعون آمنت‪.‬‬
‫أما الغرق فقد حصل متأخرا عن قول فرعون آمنت‪ ،‬أي‪ :‬إن قول فرعون آمنت متأخر‬
‫عن إدراك الغرق ومتقدم على الغرق‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬قال الصرخي‪:‬‬


‫أي‪ :‬إن الصرخي يعترب أن معجزة انفالق البحر ابلنسبة لفرعون بعد أن رآها وملس جبلي‬
‫املاء بيده ليست قاهرة وميكن أن تؤول ابلنسبة لفرعون‪.‬‬
‫وأترك للقارئ أن يسأل الصرخي السؤال الذي لن جيد له الصرخي إجابة أبدا‪ ،‬وهو كيف‬
‫ميكن أن تؤول معجزة انفالق البحر ابلنسبة لفرعون بعد أن أصبحت أثرا بعد عني ملا ملسها‬
‫فرعون بيده أو بعد أن نزل إىل قاع البحر وأصبح بني جبلي املاء‪ ،‬وهو يسري على أرض احنسر‬
‫عنها املاء إىل جبلني عن ميينه ومشاله ؟؟!!‬

‫خامساً‪ :‬إن ما اعتربه الصرخي حبث ا أو كتاابا ‪ -‬كما صرح الناطق ابمسه لإلعالم للرد على‬
‫أمحد احلسن ‪ -‬ال يتضمن سوى هذه األسطر املتقدمة يف رابعا اليت توهم الصرخي أهنا رد‪ ،‬ولو‬
‫أنه يعرف كيف جيتنب اإلطناب اململ والكالم البذيء الختصر ما توهم هو أنه إشكال على‬
‫آية قرآنية جاءت كشاهد يف اإلضاءات بسطر واحد فهل هذا السطر (الباطل) يسمى كتاابا‬
‫يف الرد على أمحد احلسن‪ ،‬ولكن ال ضري فأنتم ورثة طبول معاوية وابن العاص‪ ،‬وقدميا قيل‪ :‬إن‬
‫تستح فاصنع ما شئت‪.‬‬‫مل ِ‬
‫وعلى كل حال‪ ،‬فالصرخي وغريه كثري ممن سبقوه تومهوا تفسريا لآلية القرآنية‪ ،‬وسأبني‬
‫خطأهم يف التفسري والفهم الذي ذهبوا إليه؛ حيث سيتبني عدم صحته من خالل تفسري اآلية‬
‫القرآنية وإيراد االحتماالت اخلاطئة يف التفسري وردها‪.‬‬

‫***‬
‫‪‬‬

‫تفسري اآلية من سورة يونس‬

‫قال تعاىل‪:‬‬
‫ائيل الْبَ ْح َر فَأَتْـبَـ َعه ْم فِ ْر َع ْون َوجنوده بَـغْياً َو َع ْدواً َح ََّّت إِ َذا‬ ‫ِ ِ‬
‫﴿ َو َج َاوْزَان ببَ ِين إ ْسر َ‬
‫ائيل َوأ ََان ِم َن‬ ‫آمنَ ْ ِ ِ ِ‬
‫ت به بَـنو إ ْسر َ‬
‫ِ‬
‫آم ْنت أَنَّه ال إِلَهَ إَِّال الَّذي َ‬ ‫ال َ‬‫أَ ْد َرَكه الْغَ َرق قَ َ‬
‫ِ‬
‫ني﴾(‪.)8‬‬ ‫الْم ْسل ِم َ‬
‫ت بِ ِه‬‫آمنَ ْ‬ ‫ِ‬
‫آم ْنت أَنَّه ال إِلَهَ إَِّال الَّذي َ‬
‫مىت كان إميان فرعون الذي جاء يف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ائيل َوأ ََان م َن الْم ْسل ِم َ‬
‫ني﴾ ؟؟‬ ‫ِ‬
‫بَـنو إ ْسر َ‬
‫وللجواب هنا عدة احتماالت هي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون إميان فرعون عندما رأى معجزة انفالق البحر بعينه‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون إميان فرعون بعد أن نزل إىل قاع البحر ملالحقة بين إسرائيل‪ ،‬ولكن قبل أن‬
‫يطبق عليه املاء ويغرق فيه‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون إميان فرعون بعد أن أطبق عليه املاء وغرق فيه‪ ،‬ولكن قبل أن ميوت قطعا‪،‬‬
‫وهذا االحتمال هو الذي اعتربه الصرخي حقيقة قرآنية يقينية‪ ،‬قال الصرخي‪ .......( :‬بل‬
‫الذي دفعه إىل قول آمنت هو الغرق ‪.)...........‬‬
‫ولنضع االحتماالت الثالثة حتت طائلة النقد العلمي املستند إىل كالم هللا سبحانه وتعاىل‬
‫املتقدم‪ ،‬والواقع الفيزايئي للقول أو ما يلفظه اإلنسان من كلمات‪ ،‬وسيكون الرتتيب االحتمال‬
‫األول مث الثالث مث أعود لالحتمال الثاين‪.‬‬
‫االحتمال األول‪ :‬وهو إميان فرعون حال رؤية انفالق البحر‪.‬‬
‫ائيل الْبَ ْح َر فَأَتْـبَـ َعه ْم فِ ْر َع ْون‬ ‫ِ ِ‬
‫وهذا االحتمال غري صحيح؛ لقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َج َاوْزَان ببَ ِين إ ْسر َ‬
‫آم ْنت ‪ ﴾......‬ففرعون اتبع بين إسرائيل‪،‬‬ ‫ال َ‬ ‫َوجنوده بَـغْياً َو َع ْدواً َح ََّّت إِذَا أَ ْد َرَكه الْغَ َرق قَ َ‬

‫‪ -8‬يونس‪.90 :‬‬
‫يكتف برؤية االنفالق‪ ،‬بل أمر جيشه ابلنزول إىل قاع البحر ومتابعة بين إسرائيل‬‫ِ‬ ‫أي‪ :‬إنه مل‬
‫﴿فَأَتْـبَـ َعه ْم فِ ْر َع ْون َوجنوده بَـغْياً﴾‪.‬‬
‫االحتمال الثالث‪ :‬أن يكون إميان فرعون بعد أن أطبق عليه املاء وغرق فيه‪ ،‬ولكن قبل أن‬
‫ميوت قطعا‪.‬‬
‫وهذا االحتمال ‪ -‬الذي توهم الصرخي صحته ‪ -‬غري صحيح؛ ألن القول من اإلنسان يف‬
‫هذا العامل املادي يعين لفظ الكلمات‪ ،‬وال ميكن أن يتحقق دون الواسطة اليت يلفظ فيها‪ ،‬وهي‬
‫اهلواء ومع إطباق املاء على فرعون تنعدم واسطة اللفظ وهي اهلواء فال ميكنه قول شيء‪.‬‬
‫ب‬ ‫ض ِر ْ‬ ‫كما جيب مالحظة أن املاء احمليط بفرعون كان جبلني ﴿فَأَوح ْيـنَا إِ َىل موسى أ ِ‬
‫َن ا ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫اك الْبَ ْح َر فَانْـ َفلَ َق فَ َكا َن ك ُّل فِ ْر ٍق َكالطَّْو ِد ال َْع ِظ ِيم﴾(‪ .)9‬ولك أن تتصور كم حيتاج من‬ ‫صَ‬ ‫بِ َع َ‬
‫الوقت جبالن عظيمان عند اهنيارمها الكلي مللئ ارتفاع أقصى طول لإلنسان يف عرض ال‬
‫يتجاوز عدة أمتار فقط‪ ،‬ومن درس الفيزايء يعلم أن ضغط املاء يف قاعدة جبلي املاء هائل‪،‬‬
‫وابلتايل ال حيتاج إطباق املاء على فرعون وجنوده عند اهنيار اجلبلني إىل دقائق أو حىت ثوا ٍن‪،‬‬
‫بل إن األمر ال يتجاوز جزءا ضئيالا جدا من الثانية ال يكفي أن يلفظ اإلنسان فيه عدة‬
‫ت بِ ِه‬‫آمنَ ْ‬ ‫ِ‬
‫آم ْنت أَنَّه ال إِلَهَ إَِّال الَّذي َ‬
‫ال َ‬ ‫أحرف فكيف ميكن تصور لفظه ألكثر من مجلة ﴿قَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ائيل َوأ ََان م َن الْم ْسل ِم َ‬
‫ني﴾‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بَـنو إ ْسر َ‬
‫وأيضا البد من مالحظة حال فرعون ملا أطبق عليه املاء فقد كان مثقالا ابحلديد الذي‬
‫تدرع به كحال جنده أيض ا؛ ألهنم قد خرجوا لقتال بين إسرائيل فال ميكن تصور أنه يطفو أو‬
‫يسبح فتكون عنده فرصة ألن يقول شيئ ا؛ ألن احلديد مينعه من ذلك؛ وألنه مثقل ابحلديد‬
‫فقد كان خروج جثته من املاء بعد هالكه آية من هللا؛ ألن املفروض أن يبقيه احلديد يف قاع‬
‫آايتِنَا‬ ‫ك آيَةً َوإِ َّن َكثِرياً ِم َن الن ِ‬
‫َّاس َع ْن َ‬ ‫ك لِتَكو َن لِ َم ْن َخ ْل َف َ‬ ‫البحر ﴿فَالْيَـ ْوَم نـنَ ِج َ‬
‫يك بِبَ َدنِ َ‬
‫لَغَافِلو َن﴾(‪.)10‬‬

‫‪ -9‬الشعراء‪.63 :‬‬
‫‪ -10‬يونس‪.92 :‬‬
‫‪‬‬

‫آم ْنت‬
‫ال َ‬
‫إذن ال ميكن أن يتصور عاقل أن فرعون بعد أن اهنار اجلبالن وغطاه املاء ﴿قَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت بِ ِه بَـنو إِ‬ ‫أَنَّه ال إِلَهَ إَِّال الَّ ِ‬
‫ني﴾‪.‬‬‫ائيل َوأ ََان م َن الْم ْسل ِم َ‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫س‬‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫آم‬
‫َ‬ ‫ي‬‫ذ‬
‫وأيض ا يؤكد عدم صحة هذا االحتمال أن هللا سبحانه وتعاىل مل يقل‪ :‬حىت إذا غرق قال‬
‫آم ْنت﴾ أي‪ :‬إن الغرق كان قريب ا منه مالصق ا له‬ ‫ال َ‬ ‫آمنت‪ ،‬بل قال ﴿ َح ََّّت إِذَا أَ ْد َرَكه الْغَ َرق قَ َ‬
‫ال أنه غرق فعالا‪ ،‬وقد حتقق فرعون من إدراك الغرق له بلمسه جلبل املاء‪ ،‬وملسه لواقع حاله‬
‫وهو يسري على أرض يف قاع البحر بني جبلي ماء حييطانه‪.‬‬
‫وليتوضح أكثر الفرق بني أدركه الغرق والغرق نفسه التفت إىل هذه اآلية‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫وسى إِ َّان لَم ْد َركو َن﴾(‪.)11‬‬ ‫﴿فَـلَ َّما تَـراءى ا ْجلمع ِ‬
‫َص َحاب م َ‬ ‫ال أ ْ‬ ‫ان قَ َ‬ ‫َ َ َْ َ‬
‫فهم يؤكدون أن فرعون وجنوده قد أدركوهم ﴿إِ َّان لَم ْد َركو َن﴾‪ ،‬مع أن فرعون وجنوده فقط‬
‫اقرتبوا منهم إىل درجة أن يرتاءى اجلمعان ومل يقعوا فيهم‪.‬‬

‫واالحتمال الثاني‪ :‬وهو أن يكون إميان فرعون بعد أن نزل إىل قاع البحر ملالحقة بين‬
‫إسرائيل‪ ،‬ولكن قبل أن يطبق عليه املاء ويغرق فيه‪.‬‬
‫وهذا هو الصحيح‪ ،‬فقد نزل فرعون وجيشه إىل قاع البحر واتبع بين إسرائيل‪ ،‬ولكنه يف‬
‫مالحقته لبين إسرائيل أمر هللا الرايح أن تضرب وجه املاء فتساقط بعض املاء على فرعون‬
‫وجيشه فالتفت إىل أنه يسري بني جبلي ماء ميكن أن يطبقا عليه يف أي حلظة‪ ،‬وملس جبلي‬
‫املاء بيده فبانت له أمارات هالكه وجيشه ملا علم أن هذه املعجزة قاهرة‪ ،‬وال ميكن أن تؤول‬
‫ائيل‬ ‫آمنَ ْ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫آم ْنت أَنَّه ال إِلَهَ إَِّال الَّذي َ‬
‫ت به بَـنو إ ْسر َ‬ ‫ال َ‬ ‫أبهنا سحر أو أي شيء آخر عندها ﴿قَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوأ ََان م َن الْم ْسل ِم َ‬
‫ني﴾‪.‬‬
‫واإلميان مراتب؛ أوهلا‪ :‬التصديق‪ ،‬وهذا القول من فرعون تصديق ال ميكن إلحد إنكاره‬
‫بعد أن قصه جبار السماوات واألرض يف كتابه الكرمي‪ ،‬ومن مث أكده بعد ذكره بقوله تعاىل‪:‬‬
‫ين﴾(‪.)12‬‬ ‫ت ِمن الْم ْف ِس ِ‬
‫د‬
‫َ‬ ‫ت قَـ ْبل َوك ْن َ َ‬
‫ص ْي َ‬
‫آْل َن َوقَ ْد َع َ‬
‫﴿ْ‬

‫‪ -11‬الشعراء‪.61 :‬‬
‫أي‪ :‬اآلن تؤمن بعد أن أجلأتك املعجزة القاهرة وقبل هذا كنت ترفض اإلميان ﴿ َوقَ ْد‬
‫ت قَـ ْبل﴾‪ ،‬كما أنه وببساطة يفهمها أي إنسان ملاذا قال فرعون آمنت إن مل يكن يرجو‬ ‫ص ْي َ‬
‫َع َ‬
‫النجاة من هللا دنيوايا وأخروايا‪ ،‬أو على األقل كما يفهم بعضهم دنيوايا فقط ومن الغرق‬
‫ابلتحديد ؟ وكيف يرجو أن ينجيه هللا سبحانه وهو ال يصدق بوجوده ؟‬
‫فإميان (تصديق) فرعون ال ميكن إنكاره حبال‪ ،‬بل يف أكثر من رواية شهد األئمة إبميانه‬
‫(تصديقه) الذي مل ينفعه‪ ،‬ويف وسائل الشيعة عن موسى بْ ِن ج ْعف ٍر ‪ ..( :‬أ ََال تَ ْس َمع َّ‬
‫اَّللَ‬
‫ِ ِ‬ ‫قال آم ْنت أَنَّه ال إِلهَ إَِّال الَّ ِذي آمنَ ْ ِ ِ‬
‫يل َوأ ََان‬
‫ت به بَـنوا إ ْسرائ َ‬ ‫َ‬ ‫يَـقول ﴿ َح ََّّت إِذا أَ ْد َرَكه الْغَ َرق َ َ‬
‫ِِ‬ ‫ت قَـبل و ك ْن َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين)‬ ‫ت م َن الْم ْفسد َ‬ ‫ص ْي َ ْ َ‬ ‫آْل َن َوقَ ْد َع َ‬
‫ال ْ‬ ‫اَّلل إِميَانَه َوقَ َ‬ ‫م َن الْم ْسل ِم َ‬
‫ني ﴾ فَـلَ ْم يَـ ْقبَ ِل َّ‬
‫(‪.)13‬‬
‫بل ويف بداية إرسال هللا موسى ‪ ‬لفرعون (لعنه هللا) أشار سبحانه وتعاىل إىل أن‬
‫فرعون سيتذكر وخيشى (وإن كانت هذه الذكرى واخلشية من هللا مل تنفعه؛ ألهنا جاءت بسبب‬
‫معجزة قاهرة أجلأته إىل اإلميان (التصديق)‪.‬‬
‫حممد بن عمارة عن أبيه عن سفيان بن سعيد‪ ،‬قال‪ :‬مسعت أاب عبد هللا جعفر بن حممد‬
‫الصادق ‪ ‬وكان وهللا صادقا كما مسي ‪ ..............‬قال سفيان‪( :‬فقلت له‪ :‬اي ابن‬
‫رسول هللا هل جيوز أن يطمع هللا ‪ ‬عباده يف كون ما ال يكون ؟ قال‪ :‬ال‪ .‬فقلت‪ :‬فكيف‬
‫قال هللا ‪ ‬ملوسى وهارون ﴿لَ َعلَّه يَـتَ َذ َّكر أ َْو ََيْشى﴾(‪ ،)14‬وقد علم أن فرعون ال يتذكر‬
‫وال خيشى ؟ فقال‪ :‬إن فرعون قد تذكر وخشي‪ ،‬ولكن عند رؤية البأس حيث مل ينفعه‬
‫آم ْنت أَنَّه ال إِلهَ إَِّال الَّ ِذي‬ ‫اإلميان‪ ،‬أال تسمع هللا ‪ ‬يقول‪َ ﴿ :‬ح ََّّت إِذا أَ ْد َرَكه الْغَ َرق َ‬
‫قال َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫آمنَ ْ ِ ِ‬
‫آْل َن َوقَ ْد‬
‫ني﴾‪ ،‬فلم يقبل هللا ‪ ‬إميانه وقال‪ْ ﴿ :‬‬ ‫يل َوأ ََان م َن الْم ْسل ِم َ‬
‫ت به بَـنوا إ ْسرائ َ‬ ‫َ‬

‫‪ -12‬يونس‪.91 :‬‬
‫‪ -13‬وسائل الشيعة (آل البيت)‪ :‬ج‪ 16‬ص‪.90‬‬
‫‪ -14‬طه‪.44 :‬‬
‫‪‬‬

‫ك لِتَكو َن لِ َم ْن َخ ْل َف َ‬
‫ك آيَةً﴾ يقول‬ ‫ين فَالْيَـ ْوَم نـنَ ِج َ‬
‫يك بِبَ َدنِ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ت قَـبل وك ْن َ ِ‬
‫ت م َن الْم ْفسد َ‬ ‫ص ْي َ ْ َ‬‫َع َ‬
‫نلقيك على جنوة من األرض لتكون ملن بعدك عالمة وعربة) (‪.)15‬‬
‫والبأس الذي رآه فرعون كما قال اإلمام الكاظم ‪( :‬ال أنه وقع به فهو إىل أن قال‬
‫آمنت ‪ ...‬مل يكن قد وقع به البأس)‪ ،‬هو املعجزة القاهرة اليت أجلأته إىل اإلميان‪ ،‬وهي جبال‬
‫ال‬‫املاء اللذان حييطانه‪ ،‬والذي أدرك فرعون أن هالكه ابهنيارمها ﴿ َح ََّّت إِذَا أَ ْد َرَكه الْغَ َرق قَ َ‬
‫آم ْنت﴾‪.‬‬ ‫َ‬
‫ولو مل تكن هذه املعجزة القاهرة اليت ملسها فرعون بيده واليت أجلأته لإلميان لقبل هللا‬
‫سبحانه وتعاىل إميان فرعون ورفع عنه البأس وأخرجه من البحر سامل ا‪ ،‬أو على أقل تقدير لقبل‬
‫إميانه فقط‪ ،‬فاهلل سبحانه يقبل التوبة من اإلنسان حىت آخر حلظة من حياته‪.‬‬
‫وأيضا جيب مالحظة أن فرعون قد مسع من موسى ‪ ،‬وقبل مناظرة موسى ‪ ‬ومبا‬
‫جاء به موسى ‪ ‬من عند هللا سبحانه‪ ،‬ففرعون أهون شرا بكثري من فراعنة وطغاة هذا‬
‫ب‬ ‫ول ِم ْن َر ِ‬ ‫قال موسى اي فِ ْر َع ْون إِِين َرس ٌ‬ ‫الزمان لعنهم هللا وأخزاهم يف الدنيا واآلخرة‪َ ﴿ .‬و َ‬
‫اَّلل إِالَّ ا ْحلَ َّق قَ ْد ِج ْئـتك ْم بِبَـيِنَ ٍة ِم ْن َربِك ْم فَأ َْر ِس ْل‬
‫ول علَى َِّ‬
‫ني ‪َ ‬ح ِقي ٌق َعلى أَ ْن ال أَق َ َ‬ ‫الْعالَ ِم َ‬
‫ت ِمن َّ ِ ِ‬ ‫ت ِج ْئ َ ٍ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني ‪ ‬فَأَلْقى‬ ‫الصادق َ‬ ‫ت ِِبيَة فَأْت هبا إِ ْن ك ْن َ َ‬ ‫قال إِ ْن ك ْن َ‬
‫يل ‪َ ‬‬ ‫َمع َي بَِين إ ْسرائ َ‬
‫قال ال َْمألَُ ِم ْن‬ ‫ين ‪َ ‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ع يَ َده فَِإذا ه َي بَـ ْيضاء للنَّاظ ِر َ‬ ‫ني ‪َ ‬ونَـ َز َ‬ ‫ِ‬
‫َعصاه فَِإذا ه َي ثـ ْعبا ٌن مبِ ٌ‬
‫ضك ْم فَما ذا َأتْمرو َن ‪ ‬قالوا‬ ‫ساحر َعلِيم ‪ ‬ي ِريد أَ ْن َيْ ِرجكم ِمن أَر ِ‬ ‫قَـوِم فِرعو َن إِ َّن هذا لَ ِ‬
‫َ ْ ْ ْ‬ ‫ٌ ٌ‬ ‫ْ ْ َْ‬
‫ساح ٍر َعلِ ٍيم﴾‪.‬‬ ‫وك بِك ِل ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أ َْرج ْه َوأَخاه َوأ َْرس ْل ِيف ال َْمدائ ِن حاش ِر َ‬
‫ين ‪ََ ‬يْت َ‬
‫ومسألة عدم قبول التوبة واإلميان والرجوع إىل االعرتاف بوالية ويل هللا وحجته على خلقه‬
‫عندما أتيت معجزة قاهرة ال تؤول كالعذاب الدنيوي (البأس) مسألة مذكورة يف القرآن ليس يف‬
‫قضية إميان فرعون وعدم قبول إميانه فقط‪ ،‬بل ويف مواضع أخرى وهذه منها على سبيل املثال‪:‬‬

‫‪ -15‬معانياألخبار‪ :‬ص‪.385‬‬
‫ت َربِ َ‬ ‫ك أَو َيِِْت بـ ْعض آاي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك يَـ ْوَم‬ ‫َ‬ ‫‪َ ﴿ -‬ه ْل يَـ ْنظرو َن إَِّال أَ ْن َأتْتيَـهم ال َْمالئ َكة أ َْو ََيِِْتَ َربُّ َ ْ َ َ َ‬
‫ك ال يـ ْنـ َفع نَـ ْفساً إِميَانـها َمل تَكن آمن ْ ِ‬ ‫َيِِْت بـ ْعض ِ‬
‫ت ِيف‬ ‫سبَ ْ‬‫ت م ْن قَـ ْبل أ َْو َك َ‬ ‫َ ْ ْ ََ‬ ‫آايت َربِ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫إِميَ ِاهنَا َخ ْرياً ق ِل انْـتَ ِظروا إِ َّان م ْنـتَ ِظرو َن﴾(‪.)16‬‬
‫ين َك َفروا إِميَانـه ْم َوال ه ْم يـ ْنظَرو َن﴾(‪.)17‬‬ ‫َّ ِ‬
‫‪﴿ -‬ق ْل يَـ ْوَم الْ َف ْت ِح ال يَـ ْنـ َفع الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني ‪ ‬فَـلَ ْم يَك‬ ‫آمنَّا ِاب ََّّلل َو ْح َده َوَك َف ْرَان ِمبَا كنَّا بِه م ْش ِرك َ‬ ‫ْسنَا قَالوا َ‬ ‫‪﴿ -‬فَـلَ َّما َرأ َْوا َِب َ‬
‫ادهِ َو َخ ِس َر هنَالِ َ‬ ‫ت ِيف ِعب ِ‬ ‫اَّلل الَِّيت قَ ْد َخلَ ْ‬‫َّت َِّ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ْسنَا سن َ‬ ‫يَـ ْنـ َفعه ْم إِميَانـه ْم لَ َّما َرأ َْوا َِب َ‬
‫الْ َكافِرو َن﴾(‪.)18‬‬
‫ت ِيف إِميَ ِاهنَا‬ ‫تِ‬
‫سبَ ْ‬
‫َ‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫َو‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ل‬ ‫ب‬
‫ْ‬ ‫ـ‬
‫َ‬‫ق‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫م‬ ‫آمنَ ْ‬‫والسؤال هنا‪ :‬ملاذا ﴿ال يَـ ْنـ َفع نَـ ْفساً إِميَانـ َها َملْ تَك ْن َ‬
‫َخ ْرياً ق ِل انْـتَ ِظروا إِ َّان م ْنـتَ ِظرو َن﴾(‪ )19‬؟؟ يف حني أن هللا يقبل توبة العبد كما يف الرواايت إىل‬
‫أن يعاين ؟‬
‫اَّللِ ‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ع ْن أِِب عْب ِد ه‬
‫السنَةَ‬‫ال‪ :‬إِ َّن َّ‬ ‫سنَ ٍة قَبِ َل َّ‬
‫اَّلل تَـ ْوبَـتَه‪ُ ،‬ثَّ قَ َ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ال رسول َِّ‬
‫ب قَـ ْب َل َم ْوته ب َ‬ ‫اَّلل ‪َ :‬م ْن ََت َ‬ ‫(قَ َ َ‬
‫الش ْه َر لَ َكثِريٌ‪ُ ،‬ثَّ‬‫ال‪ :‬إِ َّن َّ‬ ‫ش ْه ٍر قَبِ َل َّ‬
‫اَّلل تَـ ْوبَـتَه‪ُ ،‬ثَّ قَ َ‬ ‫ب قَـ ْب َل َم ْوتِِه بِ َ‬ ‫لَ َكثريٌ‪َ ،‬م ْن ََت َ‬
‫ِ‬
‫ال‪َ :‬وإِ َّن ا ْجل ْم َعةَ لَ َكثِريٌ‪َ ،‬م ْن‬ ‫ب قَـ ْب َل َم ْوتِِه ِِب ْم َع ٍة قَبِ َل َّ‬
‫اَّلل تَـ ْوبَـتَه‪ُ ،‬ثَّ قَ َ‬ ‫ال‪َ :‬م ْن ََت َ‬ ‫قَ َ‬
‫ب قَـ ْب َل أَ ْن‬ ‫ِ‬
‫ال‪ :‬إِ َّن يَـ ْوماً لَ َكثريٌ‪َ ،‬م ْن ََت َ‬ ‫ب قَـ ْب َل َم ْوتِِه بِيَـ ْوٍم قَبِ َل َّ‬
‫اَّلل تَـ ْوبَـتَه‪ُ ،‬ثَّ قَ َ‬ ‫ََت َ‬
‫يـ َعايِ َن قَبِ َل َّ‬
‫اَّلل تَـ ْوبَـتَه) (‪.)20‬‬
‫يث‪( :‬أ هن رجالا شْيخ ا كان ِمن الْمخالِِفني عرض علْي ِه ابْن‬ ‫ب ِيف ح ِد ٍ‬ ‫ع ْن معا ِوية بْ ِن و ْه ٍ‬
‫اَّللِ ‪ ‬ف عرض‬ ‫أ ِخ ِيه الْوالية ِعْند م ْوتِِه فأق هر ِهبا وشهق ومات‪ ،‬قال‪ :‬فدخ ْلنا على أِِب عْب ِد ه‬
‫اَّللِ ‪ ،‬ف قال‪ :‬ه َو َرج ٌل ِم ْن أ َْه ِل ا ْجلَن َِّة‪ .‬قال له‬ ‫علِ ُّي بْن ال هس ِر ِي هذا الْكالم على أِِب عْب ِد ه‬

‫‪ -16‬األنعام‪.158 :‬‬
‫‪ -17‬السجدة‪.29 :‬‬
‫‪ -18‬غافر‪.85 - 84 :‬‬
‫‪ -19‬األنعام‪.158 :‬‬
‫‪ -20‬الكافي‪ :‬ج‪ 2‬ص‪ ،440‬وسائل الشيعة (آل البيت)‪ :‬ج‪ 16‬ص‪.87‬‬
‫‪‬‬

‫ف شْيئ ا ِم ْن هذا غْي ر ساعتِ ِه تِْلك! قال‪ :‬فَـ ِتيدو َن ِم ْنه َماذَا قَ ْد‬ ‫علِ ُّي بْن ال هس ِر ِي‪ :‬إِنهه ملْ ي ْع ِر ْ‬
‫و َِّ‬
‫اَّلل َد َخ َل ا ْجلَنَّةَ) (‪.)21‬‬ ‫َ‬
‫ِِ‬ ‫اَّللِ ‪﴿ ‬ولَْي ِ‬ ‫ص ِادق ‪ ‬عن ق وِ‬ ‫صدوق‪ :‬وسئِ‬
‫ست التـ َّْوبَة للَّذ َ‬
‫ين يَـ ْع َملو َن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ْ ْ‬ ‫ه‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫قال ال ه‬
‫اك إِذَا َعايَ َن‬ ‫قال إِِين تـ ْبت ْاْل َن﴾‪ ،‬قال ‪( :‬ذَ َ‬ ‫َح َدهم ال َْم ْوت َ‬ ‫ئات َح ََّّت إِذا َح َ‬ ‫السيِ ِ‬
‫ض َر أ َ‬ ‫َّ‬
‫أ َْم َر ْاْل ِخ َرةِ) (‪.)22‬‬
‫واجلواب على السؤال املتقدم واضح وموجود يف نفس اآلية املتقدمة‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ت‬ ‫سبَ ْ‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫َو‬ ‫أ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ـ‬‫ق‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫تِ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫آم‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫مل‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ـ‬‫ن‬‫ا‬‫َ‬‫مي‬‫ك ال يَـ ْنـ َفع نَـ ْفساً إِ‬
‫َ‬ ‫ت ربِ‬ ‫﴿‪....‬يـوم َيِِْت بـ ْعض آاي ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َ َ‬
‫ِيف إِميَ ِاهنَا َخ ْرياً ق ِل انْـتَ ِظروا إِ َّان م ْنـتَ ِظرو َن﴾(‪.)23‬‬
‫ت ِيف إِميَ ِاهنَا َخ ْرياً ق ِل‬ ‫تِ‬
‫سبَ ْ‬‫َ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫َو‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ل‬ ‫ب‬
‫ْ‬ ‫ـ‬
‫َ‬‫ق‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬ ‫آمنَ ْ‬‫إذن مىت‪﴿ :‬ال يَـ ْنـ َفع نَـ ْفساً إِميَانـ َها َملْ تَك ْن َ‬
‫انْـتَ ِظروا إِ َّان م ْنـتَ ِظرو َن﴾ ؟؟‬
‫ك﴾‪.‬‬ ‫ت َربِ َ‬ ‫اجلواب‪﴿ :‬يـوم َيِِْت بـ ْعض آاي ِ‬
‫َ‬ ‫َْ َ َ َ‬
‫فاألمر اآلن واضح أن مع إتيان بعض اآلايت اإلهلية‪ ،‬أي‪ :‬بعض املعجزات ال ينفع‬
‫اإلميان‪ ،‬واحلقيقة أنه ال يقبل؛ ألنه إجلاء وقهر على اإلميان واستسالم لألمر الواقع‪ ،‬وليس إمياانا‬
‫وإسالم ا وتسليم ا؛ ألن هذه املعجزات هي معجزات قاهرة وال تؤول‪ .‬وأما ابقي املعجزات‬
‫واآلايت اإلهلية فيقبل اإلميان وإن جاءت؛ ألهنا تركت مساحة لإلميان ابلغيب‪ ،‬فالعصا اليت‬
‫جاء هبا موسى ‪ ‬ويده البيضاء أتوهلا املتأ ِولون فمع أن موسى انتصر على السحرة‪ ،‬ولكن‬
‫اه َرا َوقَالوا إِ َّان بِك ٍل َكافِرو َن﴾(‪ ،)24‬وقال فرعون‪﴿ :‬إِنَّه لَ َكبِريكم الَّ ِذي‬ ‫﴿قَالوا ِس ْحر ِ‬
‫ان تَظَ َ‬ ‫َ‬
‫الس ْح َر﴾(‪ ،)25‬فبقي لإلميان ابلغيب مساحة مع إتيان املعجزة‪.‬‬ ‫َعلَّمكم ِ‬
‫َ‬

‫‪ -21‬الكافي‪ :‬ج‪ 2‬ص‪ ،440‬وسائلالشيعة (آل البيت)‪ :‬ج‪ 16‬ص‪.87‬‬


‫‪ -22‬من ال يحضره الفقيه‪ :‬ج‪ 1‬ص‪ ،133‬وسائلالشيعة (آل البيت)‪ :‬ج‪ 16‬ص‪.89‬‬
‫‪ -23‬األنعام‪.158 :‬‬
‫‪ -24‬القصص‪.48 :‬‬
‫‪ -25‬طـه‪ ،71 :‬الشعراء‪.49 :‬‬
‫أما ملا آمن فرعون وهو بني جبلي املاء فلم يكن هناك أي مساحة لإلميان ابلغيب‪ ،‬بل هو‬
‫إميان (تصديق) مادي مئة ابملئة؛ ملا يراه من قدرة قاهرة جعلت البحر ينشق نصفني‪ ،‬وهو مل ير‬
‫بعينه فقط ليقال له سحر‪ ،‬بل نزل إىل قاع البحر وملس جبلي املاء بيده‪ ،‬فال ميكن أن تؤول‬
‫هذه املعجزة ابلنسبة لفرعون وهو على هذا احلال من العلم هبا والتحقق منها‪ ،‬فتوقف حمتارا يف‬
‫وسط البحر ومل جيد إال اإلميان والتصديق لينجو‪ ،‬فلم يقبل إميان فرعون؛ ألنه إميان وتصديق‬
‫مادي مئة ابملئة‪ ،‬وهللا ال يقبل إال اإلميان ابلغيب‪:‬‬
‫الصالةَ َوِممَّا َرَزقـْنَاه ْم يـ ْن ِفقو َن﴾(‪.)26‬‬ ‫ب َوي ِقيمو َن َّ‬ ‫ين يـ ْؤِمنو َن ِابلْغَْي ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫‪﴿ -‬الذ َ‬
‫اع ِة م ْش ِفقو َن﴾(‪.)27‬‬ ‫ب َوه ْم ِم َن َّ‬
‫الس َ‬ ‫ش ْو َن َربَّـه ْم ِابلْغَْي ِ‬ ‫ين ََيْ َ‬ ‫َّ ِ‬
‫‪﴿ -‬الذ َ‬
‫ِ َّ ِ‬
‫ب﴾(‪.)28‬‬ ‫ش ْو َن َربَّـه ْم ِابلْغَْي ِ‬
‫ين ََيْ َ‬‫‪﴿ -‬إِ ََّّنَا تـ ْنذر الذ َ‬
‫ٍِ‬ ‫الر ْمحَن ِابلْغَي ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب فَـبَش ْره ِمبَغْف َرة َوأ ْ‬
‫َج ٍر َك ِر ٍي﴾(‪.)29‬‬ ‫‪﴿ -‬إِ ََّّنَا تـ ْنذر َم ِن اتَّـبَ َع الذ ْك َر َو َخش َي َّ َ ْ‬
‫يب﴾(‪.)30‬‬ ‫ْب منِ ٍ‬ ‫ب َو َجاءَ بَِقل ٍ‬ ‫‪َ ﴿ -‬م ْن َخ ِش َي َّ‬
‫الر ْمحَ َن ِابلْغَْي ِ‬
‫وم النَّاس ِابل ِْق ْس ِط‬ ‫ِ‬
‫اب َوال ِْم َيزا َن ليَـق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪﴿ -‬لََق ْد أ َْر َسلْنَا رسلَنَا ِابلْبَـيِنَات َوأَنْـ َزلْنَا َم َعهم الْكتَ َ‬
‫ب‬ ‫َّاس َولِيَـ ْعلَ َم َّ‬
‫اَّلل َم ْن يَـ ْنصره َورسلَه ِابلْغَْي ِ‬ ‫ْس َش ِدي ٌد َوَمنَافِع لِلن ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َوأَنْـ َزلْنَا ا ْحلَدي َد فيه َِب ٌ‬
‫ي َع ِز ٌيز﴾ (‪.)31‬‬ ‫إِ َّن َّ‬
‫اَّللَ قَ ِو ٌّ‬
‫َج ٌر َكبِريٌ﴾(‪.)32‬‬ ‫ِ‬ ‫ش ْو َن َربَّـه ْم ِابلْغَْي ِ‬ ‫‪﴿ -‬إِ َّن الَّ ِ‬
‫ب َهل ْم َمغْف َرةٌ َوأ ْ‬ ‫ين ََيْ َ‬
‫َ‬ ‫ذ‬
‫ولتتم الفائدة أنقل هذه األسطر اليت خطتها يد هذا العبد الفقري إىل رمحة ربه يف كتاب‬
‫(اجلهاد ابب اجلنة) حول مسألة اللبس يف املعجزة‪:‬‬

‫‪ -26‬البقرة‪.3 :‬‬
‫‪ -27‬األنبياء‪.49 :‬‬
‫‪ -28‬فاطر‪.18 :‬‬
‫‪ -29‬يـس‪.11 :‬‬
‫ق‪.33 :‬‬‫‪ّ -30‬‬
‫‪ -31‬الحديد‪.25 :‬‬
‫‪ -32‬الملك‪.12 :‬‬
‫‪‬‬

‫(‪ ....‬ولكن فقط سأانقش جزئية يف املعجزات اليت أؤيد هبا األنبياء ألمهيتها وغفلة الناس‬
‫عنها وهي‪ :‬مسألة اللبس يف املعجزة واهلدف منه‪.‬‬
‫فالناس يعرفون أن من معجزات موسى ‪ ‬العصا اليت حتولت أفعى‪ ،‬وقد كانت يف زمن‬
‫انتشر فيه السحر‪ ،‬ومن معجزات عيسى ‪ ‬شفاء املرضى يف زمن انتشر فيه الطب‪ ،‬ومن‬
‫معجزات حممد القرآن يف زمن انتشرت فيه البالغة‪ ،‬وهنا يعلل من جيهل احلقيقة سبب‬
‫مشاهبة املعجزة ملا انتشر يف ذلك الزمان أنه فقط لتتفوق على السحرة واألطباء والبلغاء ويثبت‬
‫اإلعجاز‪ ،‬ولكن احلقيقة اخلافية على الناس مع أهنا مذكورة يف القرآن هي أن املعجزة املادية‬
‫جاءت كذلك للبس على من ال يعرفون إال املادة‪ ،‬فاهلل سبحانه ال يرضى أن يكون اإلميان‬
‫مادايا بل البد أن يكون إمياانا ابلغيب‪:‬‬
‫الصال َة َوِممَّا َرَزقـْنَاه ْم يـ ْن ِفقو َن﴾(‪.)33‬‬
‫ب َوي ِقيمو َن َّ‬ ‫ين يـ ْؤِمنو َن ِابلْغَْي ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫﴿الذ َ‬
‫ٍِ‬ ‫الر ْمحَن ِابلْغَي ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب فَـبَش ْره ِمبَغْف َرة َوأ ْ‬
‫َج ٍَر ك ِر ٍي﴾(‪.)34‬‬ ‫﴿إِ ََّّنَا تـ ْنذر َم ِن اتَّـبَ َع الذ ْك َر َو َخش َي َّ َ ْ‬
‫يب﴾(‪.)35‬‬ ‫ْب منِ ٍ‬ ‫ب َو َجاءَ بَِقل ٍ‬ ‫﴿ َم ْن َخ ِش َي َّ‬
‫الر ْمحَ َن ِابلْغَْي ِ‬
‫وم النَّاس ِابل ِْق ْس ِط‬ ‫ِ‬
‫اب َوال ِْم َيزا َن ليَـق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿لََق ْد أ َْر َسلْنَا رسلَنَا ِابلْبَـيِنَات َوأَنْـ َزلْنَا َم َعهم الْكتَ َ‬
‫ب إِ َّن‬ ‫َّاس َولِيَـ ْعلَ َم َّ‬
‫اَّلل َم ْن يَـ ْنصره َورسلَه ِابلْغَْي ِ‬ ‫ْس َش ِدي ٌد َوَمنَافِع لِلن ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َوأَنْـ َزلْنَا ا ْحلَدي َد فيه َِب ٌ‬
‫ي َع ِز ٌيز﴾ (‪.)36‬‬ ‫اَّللَ قَ ِو ٌّ‬
‫َّ‬
‫فاإلميان ابلغيب هو املطلوب والذي يريده هللا سبحانه‪ ،‬واملعجزة اليت يرسلها سبحانه البد‬
‫أن تبقي شيئا لإلميان ابلغيب‪ ،‬وهلذا يكون فيها شيء من اللبس؛ وهلذا كانت يف كثري من‬
‫األحيان مشاهبة ملا انتشر يف زمان إرساهلا ﴿ َولَ ْو َج َعلْنَاه َملَكاً َجلََعلْنَاه َرجالً َولَلَبَ ْسنَا َعلَْي ِه ْم‬
‫َما يَـ ْلبِسو َن﴾(‪.)37‬‬

‫‪ -33‬البقرة‪.3 :‬‬
‫‪ -34‬يس‪.11 :‬‬
‫‪ -35‬ق‪.33 :‬‬
‫‪ -36‬الحديد‪.25 :‬‬
‫‪ -37‬األنعام‪.9 :‬‬
‫وهلذا وجد أهل املادة والذين ال يعرفون إال املادة يف التشابه عذرا لسقطتهم‪﴿ :‬فَـلَ َّما‬
‫وسى ِم ْن‬ ‫وسى أ ََوَملْ يَ ْكفروا ِمبَا أ ِوِتَ م َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َجاءَهم ا ْحلَ ُّق م ْن ع ْند َان قَالوا لَ ْوال أ ِوِتَ مثْ َل َما أ ِوِتَ م َ‬
‫اه َرا َوقَالوا إِ َّان بِك ٍل َكافِرو َن﴾(‪.)38‬‬ ‫قَـ ْبل قَالوا ِس ْحر ِ‬
‫ان تَظَ َ‬ ‫َ‬
‫اه َرا﴾ و ﴿إِ َّان بِك ٍل َكافِرو َن﴾‪ ،‬وقال أمري‬ ‫ان تَظَ َ‬‫فالتشابه أمسى عذرا هلم ليقولوا ﴿ ِس ْحر ِ‬
‫َ‬
‫املؤمنني ‪ ‬وهو يصف أحد املنافقني‪ ..( :‬جعل الشبهات عاذراً لسقطاته) (‪.)39‬‬
‫أما إذا كانت املعجزة قاهرة وال تشابه فيها فعندها ال يبقى لإلميان ابلغيب أي مساحة‬
‫ويكون األمر عندها إجلاء لإلميان وقهرا عليه‪ ،‬وهذا ال يكون إمياانا وال يكون إسالما بل‬
‫ِ ِ‬
‫استسالم وهو غري مرضي وال يريده هللا وال يقبله ﴿ َو َج َاوْزَان ببَ ِين إ ْسر َ‬
‫ائيل الْبَ ْح َر فَأَتْـبَـ َعه ْم‬
‫ت بِ ِه‬‫آمنَ ْ‬ ‫ِ‬
‫آم ْنت أَنَّه ال إِلَهَ إَِّال الَّذي َ‬‫ال َ‬ ‫فِ ْر َع ْون َوجنوده بَـغْياً َو َع ْدواً َح ََّّت إِ َذا أَ ْد َرَكه الْغَ َرق قَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني﴾(‪ ،)40‬ففرعون يؤمن ويسلم أو قل يستسلم وقبل أن ميوت‬ ‫ائيل َوأ ََان م َن الْم ْسل ِم َ‬ ‫ِ‬
‫بَـنو إ ْسر َ‬
‫آْل َن‬‫ولكن هللا ال يرضى وال يقبل هذا اإلميان وهذا اإلسالم وجييبه هللا سبحانه هبذا اجلواب ﴿ ْ‬
‫ين﴾(‪.)41‬‬ ‫ِِ‬ ‫ت قَـبل وكنْ َ ِ‬
‫ت م َن الْم ْفسد َ‬ ‫ص ْي َ ْ َ‬ ‫َوقَ ْد َع َ‬
‫هذا ألنه إميان جاء بسبب معجزة قاهرة ال جمال ملن ال يعرفون إال هذا العامل املادي إىل‬
‫أتويلها أو إدخال الشبهة على من آمن هبا‪ ،‬وهبذا مل يبق جمال للغيب الذي يريد هللا اإلميان به‬
‫ومن خالله‪ ،‬فعند هذا احلد ال يقبل اإلميان؛ ألنه يكون إجلاء وقهرا وليس إمياانا ﴿ َه ْل يَـ ْنظرو َن‬
‫ت َربِ َ‬ ‫ك يـوم َيِِْت بـ ْعض آاي ِ‬ ‫ك أَو َيِِْت بـ ْعض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫آايت َربِ َ َ ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫إَِّال أَ ْن َأتْتيَـهم ال َْمالئ َكة أ َْو ََيِِْتَ َربُّ َ ْ َ َ َ‬
‫ت ِيف إِميَ ِاهنَا َخ ْرياً ق ِل انْـتَ ِظروا إِ َّان‬
‫سبَ ْ‬ ‫ال يـ ْنـ َفع نَـ ْفساً إِميَانـها َمل تَكن آمن ْ ِ‬
‫ت م ْن قَـ ْبل أ َْو َك َ‬ ‫َ ْ ْ ََ‬ ‫َ‬
‫ين َك َفروا إِميَانـه ْم َوال ه ْم يـ ْنظَرو َن﴾(‪.)43‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْنـتَظرو َن﴾ ‪﴿ ،‬ق ْل يَـ ْوَم الْ َف ْت ِح ال يَـ ْنـ َفع الذ َ‬
‫(‪)42‬‬

‫‪ -38‬القصص‪.48 :‬‬
‫‪ -39‬قال أمير المؤمنين ‪ :‬لعمار بن ياسر ‪ -‬وقد سمعه يراجع المغيرة بن شعبة كالما ً ‪( : -‬دعه يا‬
‫عمار فإنه لم يأخذ من الدين إالّ ما قاربه من الدنيا‪ ،‬وعلى عمد لبس على نفسه ليجعل الشبهات عاذرا‬
‫لسقطاته) نهج البالغة بشرح محمد عبده‪ :‬ج‪ 4‬ص‪.95‬‬
‫‪ -40‬يونس‪.90 :‬‬
‫‪ -41‬يونس‪.91 :‬‬
‫‪ -42‬األنعام‪.158 :‬‬
‫‪ -43‬السجدة‪.29 :‬‬
‫‪‬‬

‫ولو كان هللا يريد إجلاء وقهر الناس على اإلميان ألرسل مع أنبيائه معجزات قاهرة ال جمال‬
‫الم ب ِل افْـتـراه بل هو َش ِ‬ ‫معها ألحد أن يقول ﴿ ِس ْحر ِ‬
‫اع ٌر‬ ‫َح ٍ َ َ َ َ ْ َ‬ ‫ضغَاث أ ْ‬ ‫اه َرا﴾ أو ﴿أَ ْ‬ ‫ان تَظَ َ‬ ‫َ‬
‫ض كلُّه ْم‬ ‫ك َْل َم َن َم ْن ِيف ْاألَ ْر ِ‬‫فَـلْيَأْتِنَا ِِبيٍَة َك َما أ ْر ِس َل ْاألَ َّولو َن﴾ ‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَ ْو َشاءَ َربُّ َ‬
‫(‪)44‬‬

‫ِ‬
‫ك‬ ‫ني﴾ ‪ ،‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬وإِ ْن َكا َن َكبـ َر َعلَْي َ‬ ‫َّاس َح ََّّت يَكونوا م ْؤمنِ َ‬ ‫ت ت ْك ِره الن َ‬
‫َِ‬
‫مجيعاً أَفَأَنْ َ‬
‫(‪)45‬‬

‫الس َم ِاء فَـتَأْتِيَـه ْم ِِبيٍَة َولَ ْو‬


‫ض أ َْو سلَّماً ِيف َّ‬ ‫ت أَ ْن تَـ ْبـتَ ِغ َي نَـ َفقاً ِيف ْاألَ ْر ِ‬ ‫ِ‬
‫إِ ْع َراضه ْم فَِإن ْ‬
‫استَطَ ْع َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َشاءَ َّ‬
‫ني﴾(‪.)46‬‬ ‫اَّلل َجلَ َم َعه ْم َعلَى ا ْهل َدى فَال تَكونَ َّن م َن ا ْجلَاهل َ‬
‫فاحلمد هلل الذي رضي ابإلميان ابلغيب وجعل اإلميان ابلغيب ومن خالل الغيب ومل يرض‬
‫ابإلميان ابملادة ومل جيعله ابملادة ومن خالل املادة ليتميز أهل القلوب احلية والبصائر النافذة من‬
‫عمي البصائر وخمتومي القلوب ‪.)47( )...‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫وأسأل هللا لكل من يقرأ هذه الكلمات القليلة اهلداية ومعرفة احلق ونصرته هو وليي وهو‬
‫يتوىل الصاحلني‪.‬‬

‫‪ -44‬األنبياء‪.5 :‬‬
‫‪ -45‬يونس‪.99 :‬‬
‫‪ -46‬األنعام‪.35 :‬‬
‫‪ -47‬الجهاد باب الجنة‪ :‬ص‪ ،47‬الطبعة الثانية‪.‬‬

You might also like