You are on page 1of 237

‫ترياق‬

‫حنو معاجلة تأصيلية‬


‫للشبهات الفكرية‬
y

‫الطبعة الثانثة‬
‫ م‬2021 ‫ هـ ـ‬1442 ‫شهر رمضان‬

https://www.dr-mutlaq.com

mutlaq09@gmail.com

@Dr_Mutlaq

@Dr_Motlaq

.
‫َ‬
‫ِترْياقْ‬
‫حنو مُعَالَجة تأصيلية للشُّبهات الفِكْريّة‬

‫تأليف‬

‫د‪.‬مطلق بن جاسر بن مطلق الجاسر‬

‫كلية الشريعة ـ جامعة الكويت‬


ْ

.
‫سيدتي الوالدة‬
‫ومتعة اللقاء‪ ،‬وجوهرة الصفاء‪ّ ،‬‬
‫إلى منبع النقاء‪ُ ،‬‬
‫سارة جلوي ضاوي العتيبي‬
‫حفظها اهلل ِمن بين يديها و ِمن َخلفها وأطال في ُعمرها على طاعته‪..‬‬
‫الحميد‪ ،‬والنَّظ ِر‬
‫والخ ُلق َ‬
‫السديد‪ُ ،‬‬
‫وإلى الرجل الصالح‪ ،‬ذي الرأي َّ‬
‫سيدي الوالد السعيد‬
‫البعيد‪ّ ،‬‬
‫جاسرمطلق فارس الجاسر‬
‫حفظه اهلل ِمن بين يديه و ِمن َخلفه وأطال في ُعمره على طاعته‪..‬‬
‫أ ُهدي لهما هذا الكتاب‪ ،‬وكأنني أُهدي مال إنسان إليه!‬
‫كيف ال وهو ثمرةٌ من ثمراتهما؟!‬
‫الح ّب‪..‬‬
‫لم ُ‬‫فقد غرسا في قلبي ُح َّب العلم و ِع َ‬
‫َم ّتعني اهلل ببقائهما‪ ،‬وأنالني َش َر َف ِخدمتهما‪،‬‬
‫وأعانني على ّبرهما‪ ،‬ووفّقني لنيل رضاهما‬
‫صغيرا‪..‬‬
‫ً‬ ‫ويا رب ارحمهما كما ربياني‬
‫بالخلزز ز ِي آمينززززا‬
‫ُ‬ ‫ومزز ز ُيعل ُّم ِنزز ز‬ ‫والل يج ز أب ز َع ّن ز ووالززي‬
‫حتزززززد أُبلّغهزززززا مليزززززا آمينزززززا‬ ‫آمزززي آمزززي ر أ بزززد ب احزززي‬
‫مقدمة الطبعة الثانية‬

‫مقدمة الطبعة الثانية‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫أما بعد‪،،‬‬
‫طبعته األولى‬
‫فت َ‬ ‫فهذه هي الطبعة الثانية من كتاب ترياق‪ ،‬بعد أن تل ّق ْ‬
‫أيدي الرضى والقبول بحمد اهلل تعالى وتوفيقه‪.‬‬
‫دأبت منذ فراغي من الكتاب أن‬ ‫وحيث إن النقص من طبع البشر‪ ،‬فقد ُ‬
‫فأجريت عليه قلم التصويب والتنقيح‪ ،‬ط ًَلبا‬
‫ُ‬ ‫أراجعه بين الفينة واألخرى‪،‬‬
‫أضفت إليه بعض‬‫ُ‬ ‫للتحسين ودر ًءا للتقبيح‪ ،‬مستفي ًدا من كل قارئ نصيح‪ ،‬كما‬
‫الفوائد والنقول اليسيرة‪.‬‬
‫وإ ّني إذ أُق ّد ُم هذه الطبعة الجديدة‪ ،‬ال يفوتني أن أتو ّجه بالشكر الجزيل‬
‫تصويبا أو فائدة‪.‬‬
‫ً‬ ‫والثناء العاطر الجميل لكل من أرسل إلي مالحظة أو‬

‫ﺍ‬
‫وكتبه فقير عفو ربه‬
‫مطلق الجاسر‬
‫الكويت ــ ليلة الجمعة ‪ 13‬شعبان ‪ 1442‬هـ‬
‫الموافق ‪2021/3/26‬م‬

‫‪7‬‬
‫مقدمة‬

‫‪‬‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على المبعوث رحم ًة‬


‫للعالمين‪ ،‬نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬والتابعين لهم بإحسان إلى‬
‫يوم الدين‪.‬‬

‫أم عب‪،،‬‬
‫قدر اهلل ‪ ‬لي‬
‫ففي يوم من أيام عام ‪1432‬هـ الموافق لعام ‪2012‬م ّ‬
‫أول مواجهةٍ مباشرة مع الشبهات‪ ،‬وذلك من خالل جلسة حوارية امتدت‬
‫لساعات مع شاب الديني‪ ،‬وقد أصابني الذهول حينها عندما سمعته ــ وهو‬
‫من بني جلدتنا ــ يقول‪ :‬دينكم فيه كذا! ونبيكم يقول كذا! هكذا بضمير‬
‫علي‬
‫فشعرت حينها بخطورة األمر‪ ،‬وفداحة الخطب‪ ،‬وقد ألقى ّ‬ ‫ُ‬ ‫المخاطَب!‬
‫وغرب‪ ،‬أعانني اهلل ‪ ‬على‬
‫شرق فيها ّ‬‫هذا الشاب حينها ُركا ًما من الشبهات‪ّ ،‬‬
‫وعجزت عن الجواب عن بقيتها‪ ،‬فقد كانت تطرق‬ ‫ُ‬ ‫الجواب عن بعضها‪،‬‬
‫فطلبت منه جلسة ثانية ألبحث عن اإلجابات‪.‬‬
‫ُ‬ ‫سمعي ألول مرة حينها‪،‬‬
‫ومنذ فارقني لم يفارقني الهم‪ ،‬ولم يكن لي شغل إال البحث والتنقيب‪،‬‬
‫فاستعنت باهلل تعالى في القراءة والبحث ومحاولة إيجاد اإلجابات الشافية‬
‫ُ‬
‫واجهت حينها بعض الصعوبات‪ ،‬منها أن المكتبة‬
‫ُ‬ ‫على هذه الشبهات‪ ،‬وقد‬

‫‪9‬‬
‫مقدمة‬

‫صا حا ًّدا في المؤلفات الفكرية‬


‫اإلسالمية العربية في تلك الفترة كانت تعاني نق ً‬
‫المفصلة على الشبهات الالدينية ونحوها‪ ،‬لكن اهلل سبحانه أعان‬ ‫ّ‬ ‫والردود‬
‫ويسر‪ ،‬وجلسنا الجلسة الثانية‪ ،‬وأجبته‪ ،‬وانتهت الجلسة بنطقه الشهادتين‬ ‫ّ‬
‫بحمد اهلل تعالى وتيسيره وتوفيقه‪.‬‬
‫رت دخول هذا الميدان‪ ،‬وحاولت خوض هذا‬ ‫ومن هذا الموقف ّقر ُ‬
‫فيسر اهلل لي أن جلست‬‫المعترك‪ ،‬ومما زاد في عزيمتي ُش ّح المتخصصين فيه‪ّ ،‬‬
‫وخضت نقاشات ماراثونية امتدت لساعات طويلة‪،‬‬ ‫مطولة‪ُ ،‬‬
‫جلسات حوارية ّ‬
‫وح َملَ ْتهم أعاصير‬
‫مع عشرات الشباب الذين اجتاحتهم جائح ُة الشبهات‪َ ،‬‬
‫األفكار الوافدة فَ َر َم ْت بِهم في أودية سحيقة‪ ،‬بعضهم كان في عمقها‪ ،‬وبعضهم‬
‫كان في طرفها‪.‬‬
‫حضر لها‪ ،‬من‬‫ألزمت نفسي قبل كل جلسة من هذه الجلسات أن أُ ّ‬ ‫ُ‬ ‫وقد‬
‫أدون‬
‫الكتب تارة‪ ،‬ومن بعض المواقع االلكترونية وغيرها تارة أخرى‪ ،‬وكنت ّ‬
‫أحضره‪ ،‬ثم صارت دور النشر تنشر تبا ًعا عد ًدا من الكتب المتعلقة‬ ‫بعض ما ّ‬
‫وأدون عليها‬
‫ّ‬ ‫وألخصها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بهذه المسائل‪ ،‬فكنت أتل ّقفها‪ ،‬وأستفيد منها‪،‬‬
‫المالحظات‪ ،‬وأضم النظير إلى النظير‪.‬‬
‫الحظت في هذه التجربة المتواضعة سم ًة مشتركة بين هؤالء‬ ‫ُ‬ ‫وقد‬
‫المتأثرين بالشبهات‪ ،‬وهي أن كثير ًا من شبهاتهم لم تكن مبني ًة على أُسس‬
‫علمية صحيحة‪ ،‬ولم تكن نتيج َة دراسةٍ علميةٍ جا ّدة يستطيع اإلنسان من‬
‫كافيا ألهم قضية في حياته‪ ،‬بل هي القضية المصيرية‬‫خاللها أن يبني تصو ًرا ً‬
‫عناء البحث عن إجابات‬
‫الكبرى‪ ،‬وهي قضية الدين‪ ،‬فلم يكلّفوا أنفسهم َ‬
‫‪10‬‬
‫مقدمة‬

‫شافية من خالل قراءة الكتب الشرعية المعتمدة أو سؤال أهل االختصاص‪،‬‬


‫بل كان مصدرهم في الغالب كتب أعداء اإلسالم والمستشرقين‪ ،‬أو الوسائل‬
‫اإلعالمية المضللة‪ ،‬مع جهل كبير بالشريعة‪.‬‬
‫ووجدت كذلك أن العامل النفس يُعد من أهم األسباب التي أ ّدت بهم‬
‫إلى هذه االنحرافات الفكرية‪ ،‬فهناك مجموعة من األسباب النفسية‬
‫واالجتماعية التي تؤدي باإلنسان إلى االنحراف الفكري‪ ،‬وسيأتي مزيد كالم‬
‫عن هذه المسألة‪.‬‬
‫ضا أدى إلى انتشار هذه‬ ‫عامال مه ًما أي ً‬
‫كما أن التضليزل اإلعالمز كان ً‬
‫الشبهات‪ ،‬فقد أضحت الشبهات في هذا العصر ُتطرح بأشكا ٍل مختلفة‪ ،‬فتار ًة‬
‫مصور قد ُع ِجن بعجينة األكاذيب وأُضيفت إليه‬ ‫ُتطرح على شكل مقطع ّ‬
‫بهارات التزييف!‪ ،‬وتار ًة عبر فيلم سينمائي يعبث بعقول الناس بسحر التقنية‬
‫والصناعة السينمائية المبهرة‪ ،‬وأحيا ًنا عبر مقابلة تلفزيونية‪ ،‬وأحيا ًنا عبر خبر‬
‫تشو ُه من خالله صور ُة اإلسالم‪ ،‬وكل هذا في إطار هجمةٍ‬ ‫كاذب أو مبالَ ٍغ فيه َّ‬
‫شرسة على اإلسالم عقيد ًة ومنه ًجا(‪.)1‬‬
‫وأصبحنا نرى ضحايا هذه الهجمات يتساقطون يمن ًة ويسر ًة ــ مع األسف‬
‫يتحصنوا بالعلم الشرعي‪ ،‬فنسأل اهلل‬
‫الشديد ــ‪ ،‬وأغلبهم من الشباب الذين لم ّ‬
‫يثبتنا على الحق حتى نلقاه‪.‬‬
‫أن ّ‬
‫إن نقد الدين وإثارة الشبهات حوله شأن قديم ليس بجديد‪ ،‬فال يخلو‬
‫زمان من عدو ُم ْب ِغض يسعى لهدم اإلسالم وتشكيك المسلمين في عقيدتهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر على سبيل المثال‪ :‬كتاب >الميديا واإللحاد< للمهندس أحمد حسن‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫مقدمة‬

‫وشريعتهم‪ ،‬ولكن تأثيرهم في القرون السالفة كان محدو ًدا‪ ،‬وذلك نتيج ًة‬
‫لمحدودية وسائل التشكيك‪ ،‬وندرة القنوات اإلعالمية‪ ،‬فلم يكن يقع في‬
‫دائرة التأثير التشكيكي إال فئة قليلة من الناس‪ ،‬وهم قُ ّراء الكتب‪ ،‬ومن يجالس‬
‫الزنادقة هنا وهناك‪ ،‬أما عامة الناس فكانوا بمنأى عن هذا التأثير‪ ،‬مطمئنين‬
‫بعقيدتهم‪ ،‬سعداء بيقينهم‪ ،‬يعبدون ربهم‪ ،‬وينشغلون بتحصيل أرزاقهم‪،‬‬
‫شاكرين اهلل ‪ ‬على نعمه وآالئه‪.‬‬
‫يتطور‪ ،‬واإلعالم ينفتح‪ ،‬حتى‬
‫يتقدم‪ ،‬والعلم التجريبي ّ‬
‫ثم لم يزل الزمن ّ‬
‫ك ُثرت َو َسائِل اإلعالم‪ ،‬وظ ََهرت وسائل التواصل االجتماعي‪ ،‬وانفجر على‬
‫سيل َها ِدر من المعلومات واألفكار‪ ،‬بشكل غير مسبوق في التاريخ‪.‬‬
‫الناس ٌ‬
‫وهذا االنفجار المعلوماتي قد يكون َح َس ًنا من حيث سهولة الحصول‬
‫يوسع األفق ويزيد في‬
‫على العلم وتيسر االطالع على ثقافات اآلخرين مما ّ‬
‫خطير من حيث سهولة بث السموم والشبهات‬ ‫ٌ‬ ‫الفهم‪ ،‬ولكنه في الوقت ذاته‬
‫واألفكار الخبيثة في عقول الناس‪ ،‬مما يستدعي وقف ًة جادة‪.‬‬
‫وال يجوز لنا والحال ُة هذه أن نقف مكتوفي األيدي نتفرج على هؤالء‬
‫ردود‬
‫َ‬ ‫الشباب دون موقف جاد‪ ،‬وعلينا كذلك أال تكون مواقفنا وجهودنا‬
‫أفعال‪ ،‬بل علينا أن نصنع الوقاية من الغواية‪ ،‬وذلك من خالل توضيح الحقائق‬
‫وإزالة العوائق التي تعيق الفهم الصحيح‪.‬‬
‫وقد رأيت أن المعالجة الجزئية لفروع الشبهات قد تكون فائدتها محدودة‪،‬‬
‫حرصت في‬
‫ُ‬ ‫وذلك ألن الشبهات كثيرة متجددة‪ ،‬تصعب اإلحاطة بها‪ ،‬لذلك‬

‫‪12‬‬
‫مقدمة‬

‫هذا الكتاب أن تكون المعالجة تأصيلية‪ ،‬تهتم بعالج أصول الشبهات‪ ،‬أكثر من‬
‫فروعها‪ ،‬فإن من الحكمة أن نقتلع جذور الشجرة الفاسدة بدل االنشغال بقص‬
‫فروعها الخبيثة‪ ،‬ألن الفرع إذا قصصته خرج فر ٌع جديد‪ ،‬أما إذا اقتلعت الشجرة‬
‫من أصلها سقطت الفروع كلها معها ولو كان لها ألف فرع‪.‬‬

‫وهذا ما حاولت فعله في هذا الكتاب الذي بين يديك‪ ،‬فاستعنت باهلل‬
‫ورجعت إلى بعض األفكار التي دونتها‪ ،‬والمقاطع التي صورتها(‪،)1‬‬
‫ُ‬ ‫تعالى‬
‫فبدأت‬
‫ُ‬ ‫واجتهدت في الترتيب والتحرير‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وحاولت ضم النظير إلى النظير‪،‬‬
‫بنقطة البداية وهي تصحيح مصادر المعرفة‪ ،‬وذلك بعد تقرير بعض المقدمات‬
‫المؤسسة للشبهات‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ّطت الضوء على المناهج‬
‫المهمة عن الشبهات‪ ،‬ثم سل ُ‬
‫فذكرت أهمها‪ ،‬ونقدتها‪ ،‬ثم تناولت األسس التي ُبنيت عليها الشبهات‪ ،‬والتي‬
‫ال تكاد شبه ٌة تخرج عنها‪ ،‬ثم رسمت خريطة عملية لنقض الشبهات‪ ،‬تتضمن‬
‫خطوات واضحة‪ ،‬ثم ختمت الكتاب بنماذج مختارة من الشبهات وحاولت‬
‫تطبيق الخطوات العملية في نقضها‪.‬‬
‫سميت هذا الكتاب بـ‬
‫وقد ّ‬
‫ْ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َُ َ‬
‫(ت ِْرياق‪ :‬حنو معاَلة تأصيلية للشبهات ال ِفكرية)‪.‬‬
‫ومناسبة التسمية أن الشبهات نو ٌع من السموم‪ ،‬والترياق هو دواء‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وأحب هنا أن أوجه الشكر الجزيل والثناء العاطر الجميل لألخ الفاضل صالح بن عبدالعزيز‬
‫وسدده ــ على جهده الكبير في تفريغ كثير من مقاطعي المصورة بشك ٍل‬
‫الخرجي ــ وفقه اهلل ّ‬
‫خيرا‪.‬‬
‫منظم جميل‪ ،‬فجزاه اهلل ً‬

‫‪13‬‬
‫مقدمة‬

‫السموم‪ ،‬فكل َما ْيس َت ْعمل لدفع السم فهو ترياق(‪ ،)1‬كما أنه يُستعمل للوقاية‬
‫منها كذلك‪ ،‬فقد قال الحافظ السيوطي ‪> :‬الترياق‪ :‬كل ما يَحفظ ِصحة‬
‫الروح وقوته ليتمكن من دفع السموم<(‪ ،)2‬فأرجو أن يكون هذا الكتاب وقاية‬
‫من الشبهات وعال ًجا لها‪.‬‬
‫قسمت هذا الكتاب إلى ستة فصول يسبقها مقدمة وتمهيد‪ ،‬وتتبعها‬
‫وقد ّ‬
‫خاتمة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫قيمات ع الشبهات‪.‬‬
‫‪ُ :‬م ّ‬
‫‪ُ :‬نقطة البياية‪َ :‬صحيح َمصاد المعرفة‪.‬‬
‫للشبهات‪.‬‬
‫المؤسسة ُ‬
‫ِّ‬ ‫المناهج‬
‫‪َ :‬‬
‫‪ :‬ال ُسس الت ُبنيت عليها ُ‬
‫الشبهات‪.‬‬
‫الشبهات‪.‬‬
‫العملية لنقض ُ‬
‫الخ ُط ات َ‬
‫‪ُ :‬‬
‫‪ُ :‬شبهات و دود‪.‬‬
‫ثم وضعت في آخر الكتاب بعض الفهارس الفنية الخادمة للكتاب‬
‫والمعينة على االستفادة المثلى منه‪ ،‬كفهرس الحوارات مع المتأثرين‬
‫بالشبهات‪ ،‬وفهرس الشبهات والردود‪ ،‬وفهرس الخرائط الجدلية‪.‬‬
‫كما أنني أود التنبيه على أنني لم أترجم لجميع األعالم والشخصيات‬
‫الواردة في الكتاب‪ ،‬وإنما اكتفيت بترجمة األعالم الذين لترجمتهم صلة‬
‫مباشرة بموضوع الكتاب‪ ،‬وتركت ترجمة المشهورين منهم‪ ،‬أو الذين ليس‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬غريب الحديث‪ ،‬البن الجوزي (‪.)106/1‬‬
‫(‪ )2‬مقاليد العلوم في الحدود والرسوم‪ ،‬للسيوطي (ص ‪.)181‬‬
‫‪14‬‬
‫مقدمة‬

‫لترجمتهم صلة مباشرة بموضوع الكتاب‪.‬‬


‫شافيا‪ ،‬يقي المؤمن من‬
‫واقيا ً‬
‫فأسأل اهلل أن يكون هذا الكتاب تريا ًقا ً‬
‫سموم الشبهات‪ ،‬ويشفي المبتلى بها‪.‬‬
‫وقبل أن أختم هذه المقدمة فإنني أتوجه بالشكر الجزيل والثناء العاطر‬
‫الجميل ــ بعد ُشكر اهلل العظيم الجليل ــ ل ُك ّل َمن َس َاه َم في إتمام هذا الكتاب‪.‬‬
‫وأخص بالذكر زوجتي الفاضلة أم عبداهلل‪ ،‬وأوالدي ــ حفظهم اهلل‬
‫ورعاهم وأصلحهم وبارك فيهم ــ فقد كان لهم دور كبير في تهيئة الجو‬
‫المناسب حتى أنجزت هذا الكتاب‪.‬‬
‫كما أُث ّني بالشكر‪ ،‬وأخص بالذكر األخوة األفاضل واألصحاب األماثل‬
‫أعضاء نادي بينات للقراءة‪ ،‬وهم األحبة‪ :‬عثمان شاهين الفودري‪،‬‬
‫وخالد محمد الصالح‪ ،‬وراشد عدنان الشطي‪ ،‬وراشد نايف العدواني‪،‬‬
‫وعمر وليد الهولي‪ ،‬وعبداهلل مبارك السعيدي‪ ،‬ومحمد أحمد العبداهلل‪،‬‬
‫وتركي عبدالمحسن المطيري‪ ،‬وإبراهيم سعود الربيعة‪ ،‬وجاسم خالد النمش‪،‬‬
‫وعبدالعزيز خليل الفيلكاوي‪ ،‬ويوسف خالد العوضي‪ ،‬ويوسف إبراهيم القرشي‪،‬‬
‫خيرا وبارك فيهم‪.‬‬
‫جزاهم اهلل ً‬
‫دفعت لهم نسخة من الكتاب قبل طباعته فقرؤوه مشكورين‪ ،‬ثم‬‫ُ‬ ‫فقد‬
‫فاستفدت من ملحوظاتهم السديدة ومقترحاتهم‬
‫ُ‬ ‫تدارسناه سو ًيا وتباحثنا حوله‪،‬‬
‫المفيدة‪.‬‬
‫كما أشكر أخي محمد الجاسر على ملحوظاته‪ ،‬وأشكر األخ الكريم‬
‫‪15‬‬
‫مقدمة‬

‫أحمد السعد المنيفي‪ ،‬حيث أفادني بعد ٍد من التصويبات والملحوظات التي‬


‫خيرا‪.‬‬
‫استفدت منها في تصحيح تجارب الكتاب‪ ،‬فجزاه اهلل ً‬
‫ُ‬
‫خاتمته‬
‫َ‬ ‫الهمام‪ ،‬ابن قيم الجوزية ‪‬‬
‫ولعلي في الختام أستعير من اإلمام ُ‬
‫لمقدمة كتابه >طريق الهجرتين<‪ ،‬والتي قال فيها عن كتابه‪> :‬ما كان فيه من‬
‫حق وصواب فمن اهلل‪ ،‬هو اهلل الما ّن به‪ ،‬فإن التوفيق بيده‪ ،‬وما كان فيه من‬
‫زلل فم ّني ومن الشيطان‪ ،‬واهللُ ورسولُه منه براء‪.‬‬
‫فيا أيها القارئ له والناظر فيه‪ ،‬هذه بضاع ُة صاحبِها المزجاة مسوقة‬
‫معروض عليك‪ ،‬لك ُغنمه وعلى مؤلفه ُغرمه‪ ،‬ولك‬ ‫ٌ‬ ‫فهمه وعقلُه‬‫إليك‪ ،‬وهذا ُ‬
‫وشكرا فال يعدم منك عذ ًرا‪ ،‬وإن‬ ‫ً‬ ‫ثمرته وعليه عائدته‪ ،‬فإن َع ِد َم منك حم ًدا‬
‫أبيت إال المالم فبابه مفتوح‪ ،‬وقد‪:‬‬
‫الـــرجال‬ ‫ـحمـــ ِد ّ‬
‫وولـــى المالمـــ َة‬ ‫ِ‬
‫بالثنـــــــاء وبالــــــــ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫اســـــــتأثر اهللُ‬
‫صا‪ ،‬وينفع به مؤلفه وقارئه وكاتبه في‬
‫واهلل المسؤول أن يجعله لوجهه خال ً‬
‫الدنيا واآلخرة‪ ،‬إنه سميع الدعاء وأهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل<(‪.)1‬‬

‫وكتبه فقير عف به‬


‫ا بو عبداهلل مطلق بن جاسر بن مطلق الجاسر‬
‫الك يت ــ صبيحة ي م عرفة المبا ك عام ‪ 1441‬هز‬
‫الم افق ‪ 2020/7/30‬م‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬طريق الهجرتين‪ ،‬البن القيم (ص ‪ 10‬ــ ‪.)11‬‬

‫‪16‬‬
‫متهيد‪ :‬أسئلة عن األسئلة‬

‫أسئلة عن األسئلة‪..‬؟!‬
‫‪$‬‬
‫الكشف عن المخفي والسؤال عن المجهول قد بدأ مع اإلنسان منذ‬
‫مالزما له‪ ،‬وسيظل معه إلى األبد‪ ،‬لذلك وقبل الشروع‬
‫ً‬ ‫َخلَ َقه اهللُ تعالى‪ ،‬وظل‬
‫أحببت أن أطرح بعض األسئلة عن األسئلة‪!..‬‬
‫ُ‬ ‫في مقصود الكتاب‬

‫هل السؤال ممن ع ف الشريعة اإلسالمية؟‬


‫الج اب‪ :‬أب ًيا‪ !..‬السؤال ليس ممن ًعا ف الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫كيف يكون ممنو ًعا؟! وقد أمرنا اهلل سبحانه تعالى في محكم تنزيله أن‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ‬ ‫نسأل أهل الذكر إن ك ّنا ال نعلم‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ﱇ ﱈﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓﱔ ﱕ ﱖ‬

‫ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ} [النحل‪ 43 :‬ــ ‪ ،]44‬ونبينا ‘‬


‫اء ال ِع ّ السؤال<(‪ ،)1‬والعي هو الجهل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يقول‪> :‬ش َف ُ‬
‫قال الحافظ ابن عبد البر‪> :‬يلزم كل مؤمن ومؤمنة إذا جهل شي ًئا من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ )337‬وابن ماجه (‪ )572‬من حديث ابن عباس ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫متهيد‪ :‬أسئلة عن األسئلة‬

‫دينه أن يسأل عنه‪ ،‬قال رسول اهلل ‘‪> :‬شفاء العي السؤال<<(‪.)1‬‬
‫فال حرج من السؤال في اإلسالم‪ ،‬بل هو مطلوب ومرغوب إذا ُسلك‬
‫طري ُقه الصحيح‪ ،‬ومن أوضح األدلة على ذلك أن اهلل ‪ ‬قد ذكر في كتابه‬
‫كثيرا من اإلجابات عن أسئلة الناس للنبي ‘‪ ،‬منها قوله تعالى‪:‬‬
‫الكريم ً‬
‫ﳄ ﳆ ﳇ} [البقرة‪ ،]219 :‬وقوله تعالى‪{ :‬ﱅ ﱆ‬ ‫ﳅ‬ ‫{ﳂ ﳃ‬
‫ﱇ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ} [البقرة‪ ،]220 :‬وقوله تعالى‪{ :‬ﲐ ﲑ‬ ‫ﱈ‬
‫ﲽﲿﳀ‬ ‫ﲾ‬ ‫ﲒ ﲔ ﲕ ﲖ} [البقرة‪ ،]222 :‬وقوله تعالى‪{ :‬ﲻ ﲼ‬ ‫ﲓ‬
‫ﳁ ﳂ ﳃ} [اإلسراء‪ ،]85 :‬وقوله تعالى‪{ :‬ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ‬
‫ﳗ ﳘ ﳙ} [الكهف‪ ،]83 :‬وقوله تعالى‪{ :‬ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ‬
‫ﲅ ﲆ} [طه‪.]105 :‬‬
‫ولكن إذا ثار أمام المسلم سؤال في دينه أو استشكال في شريعة ربه‬
‫أور‪ :‬أن يُحسن الظن بربه تعالى وبدينه‪ ،‬ألنه قد عاين َخلْق ربه‬
‫تعالى فعليه ً‬
‫ثيرا من محاسن الشريعة‪،‬‬ ‫تعالى وحكمته‪ ،‬ورأى عظمة خلقه‪ ،‬واستوعب ك ً‬
‫فمن عدم الكياسة أن ينسف اإلنسا ُن كل تلك العظمة وأن يجعل ظنه بربه‬
‫هشا يتزعزع أمام أدنى شك أو إشكال أو شبهة هشة أو سؤال يسير! بل عليه‬ ‫ًّ‬
‫أن يرد المتشابه إلى المحكم ويعلم أن ربه حق ودينه حق‪.‬‬
‫حل إشكاله وجواب سؤاله‪ ،‬مستعي ًنا باهلل‬
‫ثانيا أن يبحث عن ّ‬
‫ثم عليه ً‬
‫ويحسن به كذلك القراءة والبحث في‬ ‫ُ‬ ‫تعالى ثم بأهل العلم المتخصصين‪،‬‬
‫كتب اإلسالم الموثوقة بالطريقة المنهجية الصحيحة‪ ،‬فإن وصل إلى الجواب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬التمهيد البن عبدالبر (‪.)338/8‬‬

‫‪18‬‬
‫متهيد‪ :‬أسئلة عن األسئلة‬

‫الصحيح المقنع فالحمد هلل‪ ،‬وإن لم يصل فليستمر في البحث والسؤال حتى‬
‫وثقته بدينه‪ ،‬وليعلم أن فوق كل ذي علم‬
‫يقينه بربه َ‬
‫مستحضرا َ‬
‫ً‬ ‫يزول اإلشكال‬
‫عليم‪.‬‬
‫‪b‬‬
‫هل اإلسالم ييع إلد إغالق العقل ومنع التفكير؟‬
‫الجواب‪ :‬أب ًيا‪ !..‬ر ييع اإلسالم إلد إغالق العقل ور منع التفكير؟‬
‫كيف ذلك وديننا يحثنا على التفكر والتدبر والتأمل؟! والقارئ لكتاب‬
‫اهلل تعالى يجد عد ًدا ليس بالقليل من اآليات التي تحث اإلنسان على التفكير‬
‫كل ما يحيط به من مخلوقات؛‬ ‫العميق والفهم الدقيق الذي يبصر به اإلنسان َّ‬
‫ويجد به اإلجابات الشافيات‪ ،‬حتى يصل في النهاية إلى معرفة اهلل تعالى‬
‫ﲴﲶﲷﲸﲹﲺ‬ ‫ﲵ‬ ‫ووحدانيته‪ ،‬يقول اهلل ‪{ :‬ﲱ ﲲ ﲳ‬ ‫َّ‬
‫ﳁ‬
‫ﳂ‬ ‫ﲼﲾﲿﳀ‬ ‫ﲽ‬ ‫ﲻ ﲼ}‪ ،‬فاهلل ‪ ‬يأمرنا أن نتفكر {ﲻ‬
‫ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ} [سبأ‪.]46 :‬‬
‫ﲬ}‬ ‫{ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩﲪ ﲫ‬ ‫ويقول اهلل ‪:‬‬
‫ﱜﱞﱟﱠﱡﱢ‬ ‫ﱝ‬ ‫[األنعام‪ ،]50 :‬ويقول اهلل ‪{ :‬ﱙ ﱚ ﱛ‬
‫ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ} [الروم‪ ،]8 :‬ويقول سبحانه‪{ :‬ﲆ ﲇ‬
‫ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ} [الحشر‪ ،]21 :‬إلى آخر تلك اآليات العظيمة‬
‫الصريحة الواضحة‪ ،‬فهناك أكثر م ثمان عشر آية صريحة ف القرآن يع‬
‫إلد التفكر‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫متهيد‪ :‬أسئلة عن األسئلة‬

‫يع إلد التفكير بشكل غير مباشر فكثير يصعب‬ ‫أما اآليات الت‬
‫حصرها‪.‬‬
‫>وقد ذكر اهلل تعالى العقل في القرآن في معرِض المدح ألهله في مواضع‬
‫يطول ع ّدها‪ ،‬وهو جدير بالمدح الكامل إذ به عرف الحق سبحانه‪ ،‬ومعرفته‬
‫تعالى أكمل الفضائل‪ ،‬وبه أيضا مناط التكليف وزجر النفس عن الهوى الموقع‬
‫لها في شقاوة األبد وحلول دار الجحيم والجذب لها إلى الخوف المفضي‬
‫بها إلى سعادة األبد والفالح المخلد لها في دار النعيم<(‪.)1‬‬
‫{ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽﱾ ﱿ ﲀ‬ ‫ومن ذلك قوله تعالى‪:‬‬
‫{ﱙ ﱚ‬ ‫ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ} [يونس‪ ،]101 :‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫ﱛ ﱜﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ}‬
‫[الروم‪ ،]8 :‬وقوله تعالى‪{ :‬ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ‬
‫ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ}‬
‫[األعراف‪.]185 :‬‬
‫معطال‪.‬‬
‫فالسؤال مشروع‪ ،‬والتفكير غير محجور عليه‪ ،‬والعقل ليس ً‬
‫منطقيا‪ ،‬والعقل‬
‫ً‬ ‫ولكن‪ ..‬يجب أن يكون السؤال صحي ًحا والتفكير‬
‫سلي ًما‪ ،‬بعي ًدا عن المغالطات المنطقية والتشغيبات الفكرية‪ ،‬وأرجو أن يكون‬
‫هذا الكتاب خير معين لتحقيق هذه الغاية بعون اهلل وتوفيقه‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مرهم العلل المعضلة في الرد على أئمة المعتزلة‪ ،‬لليافعي (ص ‪.)64‬‬

‫‪20‬‬
‫ُّ‬ ‫ٌ‬
‫مقدمات عن الشبهات‬
‫املبحث األول‪ :‬تعريف الشبهات‬

‫ل‬
‫امبحث ا أ‬
‫لول‬
‫ُّ‬
‫تعريف الشبهات‬
‫‪$‬‬
‫االلتباس(‪ ،)1‬أي التباس الحق‬
‫ُ‬ ‫الشبهات جمع شبهة‪ ،‬وال ُش ْبهة في اللغة‪:‬‬
‫بالباطل‪.‬‬
‫فالشبهات هي تلبيسات وتحريف للحقائق‪ ،‬بأن يُؤتى بالباطل ُفيلبس‬
‫لباس الحق لينخدع به الناس‪.‬‬
‫يرد علد القلب يح ل بينه وبي‬‫الشبهة‪ :‬وا ٌد ُ‬
‫قال ابن القيم ‪ُ > :‬‬
‫انكشاف الحق له‪ ...‬وإنما سميت الشبهة شبهة الشتباه الحق بالباطل فيها‪،‬‬
‫أصحاب ُح ْس ِن ظاه ٍر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل‪ ،‬وأكثر الناس‬
‫فينظر الناظر فيما أَ ْل َب َس ْته من اللباس فيعتقد صحتها‪.‬‬
‫وأما صاحب العلم واليقين‪ ،‬فانه ال يغتر بذلك بل يجاوز نظره الى‬
‫باطنها‪ ،‬وما تحت لباسها؛ فينكشف له حقيقتها<(‪.)2‬‬
‫فالشبهات إذن تلبس الحق بالباطل فتخلط بينهما على وجه يضيع معه‬
‫ضا؛ لر ّدته‬ ‫الباطل في صورتِه الحقيقية‪ُ ،‬فرؤِي ً‬
‫باطال مح ً‬ ‫ُ‬ ‫الحق‪ ،‬ولو جاء‬
‫بالصد ِق كذ ًبا‬
‫بالحق زو ًرا‪ ،‬ولُ ِّبس ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ولكن عن َدما ُزيِّن‬
‫ْ‬ ‫فوس‪،‬‬
‫وم َّج ْته الن ُ‬
‫العقولُ ‪َ ،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور (‪.)17/8‬‬
‫(‪ )2‬مفتاح دار السعادة‪ ،‬البن القيم (‪ 394/1‬ــ ‪.)395‬‬

‫‪23‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مقدمات عن الشبهات‬

‫داعيا لقبولِه‪ ،‬وال َّت ُ‬


‫لبيس‬ ‫زييف فيه ً‬‫وكذبه بصد ِقه‪ ،‬فكان ال َّت ُ‬‫اخت َلط حقه بباط ِله‪ُ ،‬‬ ‫َ‬
‫اليهود والنصارى الَّذين َيلب ُِسو َن َّ‬
‫الحق‬ ‫َ‬ ‫جالبا لالعتقا ِد فيه‪ ،‬ولذلك َذ َّم اهللُ‬
‫ً‬
‫وحذرهم منها بقولِه‬ ‫الحق‪ ،‬فنهاهم عن تلك الفعلةِ القبيحةِ‪َّ ،‬‬ ‫كتمون َّ‬ ‫وي ُ‬
‫بالباط ِل‪َ ،‬‬
‫بحانه‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ}‬ ‫ُس َ‬
‫[آل عمران‪ ]71 :‬وقال ‪{ :‬ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ}‬
‫[البقرة‪.]42 :‬‬
‫األمر ألب ُِسه إذا مزجت ّبي َنه ب ُِم ْش ِكلِه‬
‫ست عليه َ‬
‫فاللبس هو >الخلط‪ ،‬لَ َب ُ‬
‫وحقَّه ب َِبا ِطلِه‪ ،‬قال اهلل تعالى‪{ :‬ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ} [األنعام‪ ]9 :‬وفي‬
‫األمر لُ ْب َسة أي ليس بواضح‪ ،‬ومن هذا المعنى قول علي رضي اهلل عنه للحارث‬
‫الحق ال يُعرف بالرجال‪ ،‬اعرف‬ ‫ملبوس عليك‪ ،‬إن َّ‬
‫ٌ‬ ‫بن حوط‪ :‬يا حارث إنه‬
‫تعرف أهله<(‪.)1‬‬
‫الحق ْ‬
‫َّ‬
‫والشبهات المثارة حول اإلسالم مهما كثرت فإن دالئل الحق وبينات‬
‫الهدى تدحضها إن شاء اهلل‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪> :‬وهكذا كلما كان الناس أحوج إلى‬
‫معرفة الشيء‪ ،‬فإن اهلل يوسع عليهم دالئل معرفته‪ ،‬كدالئل معرفة نفسه‪،‬‬
‫ودالئل نبوة رسوله‪ ،‬ودالئل ثبوت قدرته وعلمه‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬فإنها دالئل‬
‫كثيرة قطعية‪ ،‬وإن كان ِمن الناس َمن قد يضيق عليه ما وسعه اهلل على من‬
‫هداه‪ ،‬كما أن من الناس من يعرض له شك وسفسطة في بعض الحسيات‬
‫والعقليات‪ ،‬التي ال يشك فيها جماهير الناس<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تفسير القرطبي (‪.)19/2‬‬
‫(‪ )2‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬لشيخ اإلسالم ابن تيمية (‪.)129/10‬‬

‫‪24‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬تعريف الوسواس‬

‫ل‬
‫امبحث الثاني‬
‫تعريف الوسواس‬
‫‪$‬‬
‫يشتبه على بعض الناس الفرق بين الشبهات والوساوس‪ ،‬وقد ال يتمكن‬
‫من تمييز الفرق بينهما لتشابههما‪ ،‬لذلك وقبل دراسة منهجية الرد على‬
‫الشبهات يجب تمييزها عن الوسواس حتى تكون المعالجة صحيحة ودقيقة‪.‬‬
‫الوسواس أو الوسوسة‪ :‬هي حديث النفس واألفكار‪ ،‬والرجل‬
‫الموسوس‪ ،‬هو الذي غلبت عليه الوسوسة‪ ،‬وقد وسوست إليه نفسه وسوسة‬
‫والو ْسواس أيضا‪ :‬اسم للشيطان‪،‬‬
‫ووِسوا ًسا بالكسر‪ ،‬وهو بالفتح‪ :‬االسم‪َ ،‬‬
‫ووسوس‪ ،‬إذا تكلم بكالم لم يبينه(‪.)1‬‬
‫فال ساوس أفكار تأتي لإلنسان‪:‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ‬ ‫إما من نفسه كما قال تعالى‪:‬‬
‫ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ} [ق‪.]16 :‬‬

‫{ﲇ‬ ‫وإما من الشيطان‪ ،‬كما وسوس ألبينا آدم ‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬


‫ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ} [طه‪،]120 :‬‬
‫وهذه الوساوس ُتشكّكه في دينه أو في ربه أو في رسوله ‘‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬النهاية في غريب الحديث واألثر‪ ،‬البن األثير (‪ ،)186/5‬ولسان العرب‪ ،‬البن منظور‬
‫(‪.)255/6‬‬

‫‪25‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مقدمات عن الشبهات‬

‫يؤاخذ على وساوس النفس والشيطان‪ ،‬ما لم يتكلم بها أو‬ ‫والمسلم ال َ‬
‫يعمل بها‪ ،‬لقول اهلل تعالى‪{ :‬ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ} [الطالق‪ .]7 :‬وقوله‬
‫تعالى‪{ :‬ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ} [التغابن‪ ،]16 :‬ولقول النبي ‘‪ِ > :‬إ َّن اللَ َ َج َاو َز‬
‫ل ُ َّم ِت َما َح َّي َثت ِب ِه أَن ُف َس َها َما لَم َي َت َكلَّ ُم ا أَو َيع َملُ ا ِب ِه<(‪ ،)1‬ولكنه مأمور‬
‫بمدافعتها‪ ،‬فإذا ما تهاون في مدافعتها واسترسل معها فإنه قد يؤاخذ على هذا‬
‫التهاون‪.‬‬
‫وقد يأتي الشيطان ويوسوس للمسلم أشياء منكرة في حق اهلل تعالى‪،‬‬
‫أو رسوله‪ ،‬أو شريعته‪ ،‬يكرهها المسلم وال يرضاها‪ ،‬فمدافعة هذه الوساوس‬
‫وكراهيتها دليل على صحة اإليمان‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬جاء ناس من‬
‫أصحاب النبي ‘ فسألوه‪ :‬إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به‪،‬‬
‫قال‪> :‬وقي وجي م ه؟< قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪> :‬ذاك صريح اإليمان<(‪ ،)2‬وفي‬
‫رواية عائشة(‪ )3‬وابن مسعود(‪> : )4‬محض اإليمان<‪.‬‬
‫وتدل روايات الحديث على ِعظم ما يجدونه في نفوسهم‪ ،‬ففي رواية‪:‬‬
‫>قالوا‪ :‬يا رسول اهلل إنا لنجد في أنفسنا شيئا ألن يكون أحدنا ُح َم َمة(‪ )5‬أحب‬
‫إليه من أن يتكلم به<(‪.)6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه البخاري (‪ )4968‬ومسلم (‪ )127‬من حديث أبي هريرة ‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رواه مسلم (‪.)132‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه أحمد في المسند (‪.)24752‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رواه مسلم (‪.)133‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫قال الطيبي في شرح المشكاة (‪> :)525/2‬الحمم‪ :‬الفحم والرماد‪ ،‬وكل ما احترق بالنار‪،‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫والواحد ُح َم َمة<‪.‬‬
‫صحيح ابن حبان (بترتيب ابن بلبان) (‪.)359/1‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪26‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬تعريف الوسواس‬

‫وفي رواية‪> :‬إني أحدث نفسي بالحديث‪ ،‬ألن أخر من السماء أحب‬
‫إلي من أن أتكلم به<(‪.)1‬‬
‫وفي رواية‪> :‬لو خر من السماء‪ ،‬فتخطفه الطير كان أحب إليه من أن‬
‫يتكلم به<(‪.)2‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪> :‬أي‪ :‬حصول هذا الوسواس‪ ،‬مع هذه‬
‫الكراهة العظيمة له‪ ،‬ودفعه عن القلب‪ ،‬هو من صريح اإليمان‪ ،‬كالمجاهد‬
‫الذي جاءه العدو‪ ،‬فدافعه حتى غلبه‪ ،‬فهذا أعظم الجهاد‪ ،‬والصريح الخالص‪،‬‬
‫كاللبن الصريح‪ ،‬وإنما صار صريح ًا‪ ،‬لما كرهوا تلك الوساوس الشيطانية‪،‬‬
‫ودفعوها فخلص اإليمان فصار صريح ًا<(‪.)3‬‬
‫وقال اإلمام الخطابي ‪> :‬قوله ذاك صريح اإليمان‪ ،‬معناه أن صريح‬
‫اإليمان هو الذي يمنعكم من قبول ما يلقيه الشيطان في أنفسكم والتصديق به‬
‫حتى يصير ذلك وسوسة ال يتمكن في قلوبكم وال تطمئن إليه أنفسكم‪ ،‬وليس‬
‫معناه أن الوسوسة نفسها صريح اإليمان وذلك أنها إنما تتولد من فعل الشيطان‬
‫وتسويله فكيف يكون إيمان ًا صريح ًا‪ ،‬وقد روي في حديث آخر أنهم لما شكوا‬
‫إليه ذلك قال الحمد هلل الذي رد كيده إلى الوسوسة<(‪.)4‬‬
‫قلت‪ :‬يشير إلى الحديث المروي عن ابن عباس ‪ ‬قال‪ :‬جاء رجل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مسند أحمد (‪.)9156‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫شرح السنة للبغوي (‪.)109/1‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫اإليمان الكبير‪ ،‬لشيخ اإلسالم ابن تيمية (ص ‪ 539‬ــ ‪.)540‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫معالم السنن (‪ ،)147/4‬وبنحوه المازري في المعلم بفوائد مسلم (‪.)313/1‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪27‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مقدمات عن الشبهات‬

‫عرض بالشيء‪،‬‬ ‫إلى النبي ‘ فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن أحدنا يجد في نفسه‪ ،‬يُ ّ‬
‫ألن يكون ُح َممة أحب إليه من أن يتكلم به‪ ،‬فقال‪> :‬الل أكبر‪ ،‬الل أكبر‪،‬‬
‫الحمي لل الذ د كييه إلد ال س سة<(‪.)1‬‬
‫قال الصنعاني ‪> :‬قوله‪> :‬الذي رد كيده إلى الوسوسة< معناه‪ :‬أن‬
‫الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه‪ ،‬فيكيد عليه بالوسوسة لعجزه عن‬
‫إغوائه‪ ،‬وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء‪ ،‬وال يقتصر في حقه على‬
‫الوسوسة‪ ،‬بل يتالعب به كيف أراد<(‪.)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد في المسند (‪ ،)2097‬وأبو داود (‪ ،)5112‬قال محققو المسند (‪> :)10/4‬إسناده‬
‫صحيح على شرط الشيخين<‪.‬‬
‫(‪ )2‬التحبير إليضاح معاني التيسير‪ ،‬للصنعاني (‪.)198/1‬‬

‫‪28‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬الفرق بني الوساوس والشبهات‬

‫ل‬
‫امبحث الثالث‬
‫ُّ‬
‫الفرق بين الوساوس والشبهات‬
‫‪$‬‬
‫ضا فروق ظاهرة بينهما‪ ،‬ومن‬
‫هناك شبه بين الوسوسة والشبهة‪ ،‬وهناك أي ً‬
‫المهم معرفة الفرق بين صاحب الوسواس وصاحب الشبهة‪ ،‬ألن طريقة‬
‫المعالجة تختلف‪ ،‬ويمكن تلخيص هذه الفروق في أمرين‪:‬‬
‫‪ 1‬زز الموسوس غير راغب في ما يأتيه من أفكار‪ ،‬فهو يعلم أن اهلل موجود‬
‫وأن الدين صحيح‪ ،‬لكن يأتيه خاطر عابر من غير إرادته فيستقر في ذهنه‬
‫فيفزعه‪ ،‬فيزداد وروده عليه وفزعه‪ ،‬ولو لم يكن مؤمن ًا باهلل وبوجود النار لما‬
‫فزع منها‪.‬‬
‫لذلك ال حساب عليه إن شاء اهلل‪ ،‬قال الحافظ ابن كثير ‪ :‬في قوله‬
‫{ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ} [البقرة‪> ]284 :‬أي‪:‬‬
‫دفعه‪ ،‬فأما ما ال‬
‫الشخص َ‬
‫ُ‬ ‫هو وإن حاسب وسأل لكن ال يعذب إال بما يملك‬
‫يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثها فهذا ال يكلَّف به اإلنسان‪ ،‬وكراهية‬
‫الوسوسة السيئة من اإليمان<(‪.)1‬‬
‫أما الشاك المتأثر بالشبهات فهو يسمع الشبهة ويقلّب ِفكره فيها بإرادته‬
‫فيميل إليها ويحكم عليها بإرادته أنها شبهات منطقية‪ ،‬ومن الممكن عنده جد ًا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تفسير ابن كثير (‪.)737/1‬‬

‫‪29‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مقدمات عن الشبهات‬

‫أن تكون صحيحة‪ ،‬وقد يتوقف في شأن إيمانه‪.‬‬


‫ال بجواب الشبهة التي أدخلها عليه‬ ‫‪ 2‬زز الموسوس قد يكون جاه ً‬
‫الوسواس‪ ،‬فيسأل عنها‪ ،‬فيقتنع عقلُه أول األمر‪ ،‬لكن األفكار ُتلح عليه وال‬
‫تفارقه وتظل تدور في رأسه رغم معرفته بأنها غير صحيحة‪ ،‬ورغم محاوالته‬
‫طردها‪ ،‬وتظل تأتيه بصيغ جديدة وتقول له‪( :‬لكن ماذا لو‪.)...‬‬
‫أما الشاك فبمجرد معرفته لجواب الشبهة واقتناعه بها فإنه يزول تردده‬
‫وينشرح صدره‪ ،‬وتفارقه األفكار إذا كان من المنصفين‪.‬‬
‫وهذا الكتاب في مجمله هو معالجة للشبهات‪ ،‬أما معالجة الوسواس‬
‫ففي المبحث التالي‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬عالج وسواس العقيدة‬

‫ل‬
‫امبحث الرابع‬
‫(‪)1‬‬
‫علج وسواس العقيدة‬
‫‪$‬‬
‫ينبغي على المبتلى بوسواس العقيدة أن يطمئن‪ ،‬ألن كراهته لهذا‬
‫الوسواس ورغبته في التخلص منه يُعد من صريح اإليمان ومحض اإليمان‬
‫كما سبق في حديث النبي ‘‪.‬‬
‫ضا إلى االطمئنان أن يعلم أن اهلل ‪ ‬ال يكلف نف ًسا إال‬
‫ومما يدعو أي ً‬
‫وسعها‪ ،‬فال يضر المسلم ما ال يستطيع صرفه من الخواطر الشيطانية‬
‫والوساوس‪ ،‬فإنه طالما لم يترجمها إلى قول أو عمل فهي داخلة تحت عفو‬
‫اهلل ومغفرته‪.‬‬
‫واعلم أخي المبتلى بوسواس العقيدة أن الشريعة اإلسالمية قد جاءت‬
‫بعالج لهذا الوسواس‪ ،‬ولعلي أسميه (عالج التاءات ال بعة) وهو التأكيد‪،‬‬
‫والتطمين‪ ،‬والتحصين‪ ،‬والتشاغل‪.‬‬
‫وبيانها على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ 1‬زز أكيي اإليمان‪ ،‬فإن من أنفع ما يدفع وسواس الشيطان تأكيد اإليمان‬
‫في النفس‪ ،‬أي ترسيخه في النفس والنطق به باللسان‪ ،‬وقد أرشد النبي ‘‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أفردت هذا المبحث وما قبله في رسالة صغيرة سميتها (العالج الشرعي للوسواس) ليعم‬
‫ُ‬ ‫(‪ )1‬وقد‬
‫النفع إن شاء اهلل‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مقدمات عن الشبهات‬

‫إلى ذلك‪ ،‬فيما رواه أبو هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‘‪> :‬ر ي ال الناس‬
‫الخل َق‪ ،‬فم َخلَ َق الل؟ فم وجي م ذلك‬
‫يتساءل ن حتد يقال‪ :‬هذا َخلَ ُق اللُ َ‬
‫شيئا‪ ،‬فليقل‪ :‬آمنت بالل<(‪.)1‬‬
‫>فأمر النبي ‘ العبد أن يقول‪ :‬آمنت باهلل أو آمنت باهلل ورسوله‪ ،‬فإن‬
‫هذا القول إيمان وذكر اهلل يدفع به ما يضاده من الوسوسة القادحة في العلوم‬
‫الضرورية الفطرية‪ ،‬ويشبه هذا الوسواس الذي يعرض لكثير من الناس في‬
‫العبادات حتى يشككه هل كبر أو لم يكبر؟ وهل قرأ الفاتحة أم ال؟ وهل نوى‬
‫العبادة أم لم ينوها؟ وهل غسل عضوه في الطهارة أو لم يغسله؟ فيشككه في‬
‫علومه الحسية الضرورية‪.‬‬
‫وكونه غسل عضو ًا أمر يشهده ببصره‪ ،‬وكونه تكلم بالتكبير أو الفاتحة‬
‫أمر يعلمه بقلبه ويسمعه بأذنه‪ ،‬وكذلك كونه يقصد الصالة مثل كونه يقصد‬
‫األكل والشرب والركوب والمشي‪ ،‬وعلمه بذلك كله علم ضروري يقيني‬
‫أولي ال يتوقف على النظر واالستدالل وال يتوقف على البرهان‪ ،‬بل هو‬
‫مقدمات البرهان وأصوله التي يبنى عليها البرهان أعني البرهان النظري المؤلف‬
‫من المقدمات‪ ،‬وهذا الوسواس يزول باالستعاذة وانتهاء العبد‪ ،‬وأن يق ل إذا‬
‫قال‪ :‬لم غسل وجهك‪ ،‬بلد‪ ،‬قي غسلت وجه ‪ ،‬وإذا خطر له أنه لم ين ولم‬
‫يكبر‪ ،‬يق ل بقلبه‪ :‬بلد قي ن يت وكبرت فيثبت علد الحق وييفع ما يعا به‬
‫م ال س اس‪ ،‬فيرى الشيطان قوته وثباته على الحق‪ ،‬فيندفع عنه‪ ،‬وإال فمتى‬
‫ال للشكوك والشبهات‪ ،‬مستجيب ًا إلى الوساوس والخطرات‪ ،‬أورد عليه‬ ‫رآه قاب ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪.)134‬‬

‫‪32‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬عالج وسواس العقيدة‬

‫من ذلك ما يعجز عن دفعه وصار قلبه مورد ًا لما توحيه شياطين اإلنس والجن‬
‫من زخرف القول وانتقل من ذلك إلى غيره إلى أن يسوقه الشيطان إلى‬
‫الهلكة<(‪.)1‬‬
‫وقال اإلمام العراقي ‪ ‬مبي ًنا عالج الوسواس‪> :‬ينبغي مع اإلعراض‬
‫عن ذلك واالنتهاء عنه النطق باإليمان والتصريح به فيقول آمنت باهلل‬
‫ورسله<(‪.)2‬‬
‫‪ 2‬زز التطمي ‪ ،‬بأن يعتقد الموسوس بأن الوسواس ال يدل على ضعف‬
‫اإليمان‪ ،‬وال قلَّة الديانة‪ ،‬فقد أصاب حتى صحابة النبي ‘ خير القرون‪،‬‬
‫وهذه الوساوس وكراهيتها دليل على صحة اإليمان‪ ،‬كما سبق في الحديث‪:‬‬
‫>ذاك صريح اإليمان<‪.‬‬
‫‪ 3‬زز التحصي بالتع ّ ذ والذكا ‪ ،‬أي االستعاذة باهلل تعالى من الشيطان‬
‫الرجيم‪ ،‬فإن الوسواس مصدره الشيطان‪ ،‬فهو الذي يوسوس في صدور‬
‫الناس‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ‬
‫ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ‬
‫ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ} [الناس]‪.‬‬
‫ض لك فيه الشيطان بشبهة‪ ،‬فدواؤه‬‫قال اإلمام ابن العربي ‪> :‬فإن َع َر َ‬
‫األدلة‪ ،..‬فإن عرض لك بداء الوسواس فدواؤه االستعاذة<(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬درء تعارض العقل والنقل (‪ 317/3‬ــ ‪.)318‬‬
‫(‪ )2‬طرح التثريب في شرح التقريب (‪.)164/8‬‬
‫(‪ )3‬القبس في شرح الموطأ (‪.)1179/3‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مقدمات عن الشبهات‬

‫وقد روى الشيخان عن أَبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‘‪> :‬يأ‬
‫الشيطا ُن أح َيكم فيق ل‪ :‬م خلق كذا؟ م خلق كذا؟ حتد يق ل‪ :‬م خلق‬
‫بك؟ فإذا بلغه‪ :‬فليستعذ بالل ولينته<(‪.)1‬‬
‫وعن ابن مسعود ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‘‪> :‬إن للشيطان َل ّمة باب‬
‫كذيب بالحق‪ ،‬وأما لَ ّمة‬
‫ٌ‬ ‫آدم وللملك لَ ّمة‪ :‬فأما لَ ّمة الشيطان فإيعاد بالشر و‬
‫الملك فإيعاد بالخير و صييق بالحق‪ ،‬فم وجي ذلك فليعلم أنه م الل‬
‫فليحمي الل‪ ،‬وم وجي الخرى فليتع ذ بالل م الشيطان الرجيم< ثم قرأ‪:‬‬
‫{ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ} [البقرة‪.)2( ]268 :‬‬
‫قال المناوي ‪> :‬إن للشيطان لَ ّمة ــ بالفتح ــ قُرب وإصابة‪ ،‬من‬
‫اإللمام وهو القرب‪ ..‬وللملك لمة المراد بها فيهما ما يقع في القلب بواسطة‬
‫الشيطان أو الملك<(‪.)3‬‬
‫فذكر اهلل يطرد الشياطين ووساوسها‪> ،‬وال يمحو وسوسة الشيطان من‬
‫القلب إال ذكر ما سوى ما يوسوس به ألنه إذا حضر في القلب ذكر شيء‬
‫انعدم منه ما كان فيه من قبل‪ ،‬ولكن كل شيء سوى اهلل تعالى وسوى ما‬
‫فذكر اهلل هو الذي يؤمن جانبه‬
‫يتعلق به فيجوز أيضا أن يكون مجاال للشيطان‪ُ ،‬‬
‫ويعلم أنه ليس للشيطان فيه مجال وال يعالج الشيء إال بضده‪ ،‬وضد جميع‬
‫وساوس الشيطان ذكر اهلل باالستعاذة والتبري عن الحول والقوة‪ ،‬وهو معنى‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )3276‬ومسلم (‪.)221‬‬
‫(‪ )2‬رواه الترمذي (‪ ،)2988‬والطبري في تفسيره (‪ )6/5‬وحسن إسناده الشيخ أحمد شاكر في‬
‫تحقيقه لتفسير الطبري‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح موارد الظمآن (‪.)38‬‬
‫(‪ )3‬فيض القدير (‪.)499/2‬‬

‫‪34‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬عالج وسواس العقيدة‬

‫قولك أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم وال حول وال قوة إال باهلل العلي‬
‫العظيم<(‪.)1‬‬
‫‪ 4‬زز التشا ُغل‪ ،‬فاإلعراض عن هذه الوساوس واالنشغال عنها من أعظم‬
‫الوسائل في دفعها ورفعها‪ ،‬وقد أرشد النبي ‘ إلى ذلك في الحديث السابق‬
‫فقال ‘‪ ...> :‬فليستعذ بالل ولينته<‪ .‬أي‪ :‬ينشغل ويعرض عن هذه‬
‫الوساوس‪ ،‬ومما يعين على ذلك أن يشغل الموسوس نفسه بممارسة أنشطة‬
‫وأعمال تأخذ من جهده البدني والفكري حتى يصرف ذهنه عن الوساوس‪،‬‬
‫كثيرا إن شاء اهلل‪.‬‬
‫وهذا مما ينفع ً‬
‫ولكن ينبغي أن يُنتبه إلى أن هذا اإلعراض ال يصلح للشبهات التي‬
‫تم ّكنت من اإلنسان وأتته من خارج نفسه فأشغلت فكره‪ ،‬فهذه البد من إزالتها‬
‫بالحجة والبرهان‪ ،‬بخالف الوسواس الذي يُدفع باالستعاذة واإلعراض‪.‬‬
‫قال اإلمام المازري ــ شار ًحا الحديث السابق ــ‪> :‬ظاهره أنه أمرهم أن‬
‫يدفعوا الخواطر با ِإلعراض عنها والرد لها من غير استدالل وال نظر في إبطالها‪.‬‬
‫والذي يقال في هذا المعنى‪ :‬إن الخواطر على قسمين‪:‬‬
‫فأما الت ليست بمستقر وال اجتلبتها شبهة طرأت فهي التي تدفع‬
‫با ِإلعراض عنها‪ ،‬وعلى هذا يحمل الحديث وعلى مثلها ينطلق اسم َ‬
‫الوسوسة‪،‬‬
‫فكأنه لما كان أمر ًا طارئ ًا على غير أصل دفع بغير نظر في دليل إذ ال أصل له‬
‫ينظر فيه‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إحياء علوم الدين‪ ،‬للغزالي (‪.)102/5‬‬

‫‪35‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مقدمات عن الشبهات‬

‫وأما الخ اطر المستقر التي أوجبتها الشبهة فإنها ال تدفع إال باستدالل‬
‫ونظر في إبطالها‪ ،‬ومن هذا المعنى حديث‪َ > :‬ال َع ْد َوى< مع قول األعرابي‪:‬‬
‫فما بال ا ِإلبل الصحاح تجرِب بدخول الجمل األجرب فيها؟ وعلم ‘ أنه‬
‫اغتر بهذا المحسوس وأن الشبهة قدحت في نفسه فأزالها ‪ ‬من نفسه بالدليل‬
‫فقال له‪> :‬فمن أعدى األول<(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المعلم بفوائد مسلم للمازري (‪.)81/1‬‬

‫‪36‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬من بواعث الشبهات‬

‫ل‬
‫امبحث ا لحام س‬
‫ُّ‬
‫من بواعث الشبهات‬
‫‪$‬‬
‫النزوع نحو التأثر بالشبهات له بواعثه الكامنة‪ ،‬والتي قد تخفى حتى‬
‫مجرد ستار يخفي به هذه البواعث‪،‬‬
‫على صاحبها نفسه‪ ،‬الذي يتخذ الشبهات ّ‬
‫وأول خطوة في معالجة الشبهات هي معرفة هذه البواعث ومعالجتها‪ ،‬وقد ال‬
‫يحتاج المتأثر بالشبهات إلى أكثر من ذلك‪ ،‬ومن أبرز هذه البواعث‪:‬‬

‫أور‪ :‬عمد ارنبها ‪.‬‬


‫ً‬
‫والمعبر‬
‫ّ‬ ‫ال شك أن نمط الحياة المهيمن على العالم أجمع في هذا العصر‬
‫عن التقدم والتطور هو نمط الحياة الغربية‪ ،‬فالثقافة الغربية قد بسطت هيمنتها‬
‫على العالم شر ًقا وغر ًبا بشكل جلي‪ ،‬وال يختص بذلك العالم العربي‬
‫واإلسالمي فحسب‪ ،‬بل يتعدى إلى غيره كذلك‪ ،‬وأوضح مثال على ذلك‬
‫أنك تجد الشاب العربي والشاب الهندي والشاب الصيني كلهم يلبسون‬
‫اللباس الغربي‪ ،‬بينما ال تجد الشاب الغربي يلبس اللباس العربي أو الهندي‬
‫أو الصيني!‬
‫وال شك أن لهذه الهيمنة الثقافية أسبا ًبا عديدة‪ ،‬منها حركات االحتالل‬
‫التي اجتاحت العالم في القرون المنصرمة تحت مسمى االستعمار‪ ،‬ومنها‬
‫اآللة اإلعالمية الضخمة بمختلف أنواعها‪ ،‬ومنها االنبهار بالتقدم التقني‬

‫‪37‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مقدمات عن الشبهات‬

‫واالقتصادي الغربي‪ ،‬وغيرها‪.‬‬


‫وإذا تأملنا المسائل الشرعية التي ُتثار حولها زوبع ُة الشبهات دائ ًما نجدها‬
‫تلكم المسائل التي تتصادم مع الثقافة الغربية فقط‪ ،‬وال نجد الشبهة تحوم‬
‫مى يعمي‬
‫حول غيرها من المسائل التي ال تتصادم معها‪ ،‬وهذا يعني أن هناك ع ً‬
‫اإلنسان عن رؤية الحق‪ ،‬وهو عمى االنبهار بالثقافة الغربية‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫تقريبا‬
‫قال الدكتور وائل حالق ‪> :‬عملت فكرة التقدم بكل تجلياتها ً‬
‫على بناء التاريخ بطريقة متمركزة حول أوربا‪ ،‬بعد أن توغلت فيما سماه شيلر‬
‫(‪ )scheler‬بنية الهيمنة الفكرية الغربية<(‪.)2‬‬
‫ومن اإلشكاالت الكبرى في هذا االنبهار أنه يقلب الحقائق‪ ،‬ويجعل‬
‫قبائح الثقافة المهيمنة محاس ًنا!‬
‫وقفت عليه في هذا المعنى قول هدى شعراوي(‪ )3‬وهي‬
‫ُ‬ ‫ومن أطرف ما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الدكتور وائل حالق (ولد ‪1955‬م) باحث فلسطيني األصل‪ ،‬كندي الجنسية‪ ،‬نصراني‬
‫الديانة‪ ،‬متخصص في القانون وتاريخ الفكر اإلسالمي‪ ،‬يعمل أستاذًا للعلوم االجتماعية في‬
‫جامعة كولومبيا ــ قسم دراسات الشرق األوسط‪ .‬التحق بعد حصوله على شهادة الدكتوراه‬
‫من جامعة واشنطن بمعهد الدراسات اإلسالمية بجامعة مكغيل وعمل أستاذًا مساع ًدا في‬
‫القانون اإلسالمي عام ‪1985‬م‪ ،‬من كتبه المنشورة‪ :‬الدولة المستحيلة‪ :‬اإلسالم والسياسة‬
‫ومأزق الحداثة األخالقي‪ ،‬وكتاب‪ :‬مقدمة في القانون اإلسالمي‪ ،‬وكتاب‪ :‬الشريعة‪ :‬النظرية‪،‬‬
‫التطبيق‪ ،‬والتحوالت‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدولة المستحيلة‪ ،‬وائل حالق (ص ‪.)54‬‬
‫(‪ )3‬هدى شعراوي (‪ 1879‬ــ ‪1947‬م) هي نور الهدى بنت محمد سلطان باشا ــ التي تسمت‬
‫فيما بعد على الطريقة األوربية بهدى شعراوي إلحاق ًا لها باسم زوجها >على باشا شعراوي<‬
‫ــ وأبوها محمد سلطان باشا الذي كان يرافق جيش االحتالل اإلنكليزي في زحفه على=‬

‫‪38‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬من بواعث الشبهات‬

‫تحكي موق ًفا حصل لها في باريس‪> :‬وقي أعجبن ف با يس كل ش ء حتد‬


‫شراسة أخالق الرعاع فيها‪ ،‬ألنها ال تخلو من خفة الروح وتعبر عن شخصية‬
‫ال تكلف فيها وال تغيير! فالفرنسيون أشخاص متفردون بعبقريتهم!‪ ،‬مستقلون‬
‫في أفكارهم وطباعهم وأعمالهم وصفاتهم وحتى في عيوبهم! ولذلك تجدهم‬
‫محافظين على شخصيتهم فخورين بها متباهين بحريتهم‪ ،‬متفانين في تقديسها‪،‬‬
‫ومع ذلك فقد تألمت من نتائج التطرف في تلك الحرية في بدء عهدي‬
‫بزيارتها‪ ،‬إذ كنت أظن أن الصغير والكبير من كل طبقة في تلك األمة على‬
‫جانب عظيم من الرقة وحسن المعاملة‪ ،‬وأذكر بهذه المناسبة أنني عندما أردت‬
‫ألول مرة زيارة أحد حوانيت باريس الكبرى في يوم ُحدد لتخفيض أثمان‬
‫زحاما شدي ًدا‪ ،‬فوقفت عند الباب‬
‫ً‬ ‫البضائع‪ ،‬وجدت على أبواب الحانوت‬
‫ألُمكّن بعض الداخلين من المرور مجاملة كما هي عادتنا في بالد الشرق‪،‬‬
‫ظانة أنه سيأتي دوري وأجد من بين الداخلين من يرد لي تلك المجاملة‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫العاصمة والذي كان يدعو األمة إلى استقباله وعدم مقاومته ويهيب بها عالنية أن تقدم له كافة‬ ‫=‬
‫المعاونات والمساعدات‪ ،‬وقدم هدايا لقادة جيش االحتالل وذلك حسب ما ورد في >جريدة‬
‫الوقائع المصرية<‪> ،‬شكر ًا لهم على إنقاذ البالد من غوائل الفئة العاصية<!‪ ،‬وقد أنعمت عليه‬
‫ملكة بريطانيا فيكتوريا برتبة >سير< جزاء لخدماته لبالدها‪.‬‬
‫جليا في مذكراتها‪ ،‬وكانت من أوائل‬‫كانت هدى شعراوي منبهر ًة بالغرب ج ًدا‪ ،‬ويظهر ذلك ً‬
‫دعاة السفور في مصر‪ ،‬وقد قالت وداد السكاكيني في ترجمتها‪> :‬لما عادت هدى شعراوي‬
‫للمرة األولى من الغرب كانت تفكر في هذه التقاليد الموروثة التي ال تسمح لها بالظهور‬
‫سافرة في بالدها‪ ،‬فثارت عليها وما كادت تطل على اإلسكندرية حتى ألقت الحجاب جانب ًا‬
‫ودخلت مصر مع صديقتها (سيزا نبراوي) بدون نقاب‪ ،‬فلقيتا من جراء هذا السبق بالسفور‬
‫لغط ًا وتعنت ًا من المتزمتين!<‪.‬‬
‫انظر‪ :‬كتاب نساء شهيرات من الشرق والغرب‪ ،‬لوداد السكاكيني‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مقدمات عن الشبهات‬

‫ولكني الحظت لألسف أنه لم يشعر بوجودي أحد‪ ،‬ورأيتني مدفوع ًة بشدة‬
‫بين تلك األمواج المتالطمة من األجسام البشرية‪ ،‬تقاذفن م جة و تلقان‬
‫أخرى باللكم والسير علد قيم ‪ ،‬فكادت نهمر دم ع علد خي م هذا‬
‫التسابق الرهيب‪ ،‬وثم وجدت نفسي أمام منضدة محوطة بالمتفرجين‬
‫والمتفرجات‪ ،‬وقد مددت يدي بلطف إلى قطعة من القماش أعجبتني‪ ،‬ولك‬
‫سرعان ما اختطفتها م يي إحيى المتفرجات بغلظة حتد كادت اليم ع فر‬
‫م عين مر أخرى! ولكن كتمت أثر حتد ر يضحك ا أو يسخروا من ‪،‬‬
‫خرجت من المحل بعد أن اتخذت من ذراعي مجذافين أستعين بهما‬‫ُ‬ ‫وأخيرا‬
‫ً‬
‫على النجاة من تلك اللجج البشرية المتراصة‪.‬‬
‫مثل هذه األشياء لم ترقني أول األمر‪ ،‬ولكن انتهيت منها إلد أن أفهم‬
‫أن الت احم ف الحيا ه سبب نهضة لك المم و ف قها‪ ،‬وإن كان ذلك‬
‫مظه ًرا م مظاهر النانية‪ ،‬وأن تسامح الشرق ورقة شعوره هما سبب تأخره‬
‫واضمحالله‪ ،‬رغم ما في ذلك من نبل ودعة!<(‪.)1‬‬
‫تأمل هذا الكالم يكفي في استيعاب أثر االنبهار في قلب الحقائق‪،‬‬
‫وتحسين القبيح‪ ،‬وتقبيح الحسن‪.‬‬
‫واالنبهار باألقوى ظاهرة مألوفة في النفس البشرية‪ ،‬على مر العصور‬
‫وتعاقب الدهور‪ ،‬ولم يسلم منها الغربيون أنفسهم في فترة تاريخية ما‪ ،‬فإنه‬
‫لما كانت األندلس مملك ًة إسالمية مزدهرة كان هناك ميل من الشباب‬
‫األوروبي للتشبه بالعرب والمسلمين‪ ،‬ففي عام ‪854‬م يشكو األسقف ألفار‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مذكرات هدى شعراوي (ص ‪ )109‬وعالمات التعجب م ّني‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬من بواعث الشبهات‬

‫(‪ )Alvar‬من انجذاب الشباب النصارى الشديد إلى الشعر العربي‪ ،‬ونبذهم‬
‫لدراسة اللغة الالتينية لمصلحة اللغة العربية(‪.)1‬‬
‫ويقول الدكتور محمود سعيد عمران متحد ًثا عن أسقف مدينة عكّا سنة‬
‫‪1216‬م ومعاناته مع المتأثرين بالعرب والمسلمين‪> :‬عانى الكثير من اإلفرنج‬
‫المتمشرقين الذين كان يطلق عليهم اسم ‪> Poulains‬بوالن< والذين تأثروا‬
‫بالعادات الشرقية خاصة في ملبسهم واستخدامهم اللغة العربية في حياتهم‬
‫اليومية‪ ،‬هذا باإلضافة إلى افتقارهم للروح الصليبية واعتيادهم على حياة‬
‫الكسل والترف والفساد‪ ،‬ولذلك اعتبرهم جاك دي فتري جماعة من الخونة‬
‫الغشاشين األفاقين<(‪.)2‬‬
‫مفهوما إلى حد ما‪ ،‬لكن ينبغي أن يكون عند‬
‫ً‬ ‫فهذا أمر يمكن أن يكون‬
‫اإلنسان من الوعي ما يمنعه من ربط صحة دينه ومعتقداته بمجرد تقدم صناعي‬
‫أو حضاري ألمة أخرى‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬ن عة التمرد‪:‬‬


‫ً‬
‫هناك شهوة خفية كامنة في قلوب بعض الناس‪ ،‬وهي نزعة التمرد على‬
‫األحوال االعتيادية واألوامر والنواهي! حتى وصل الحال ببعضهم إلى التمرد‬
‫على طبيعة جنسه كذكر أو أنثى! ومن هنا نشأت مشكلة الشذوذ!‬
‫يزين‬
‫وقد تتضخم هذه النزعة حتى تصل للتمرد عل ٰى اإلله نفسه! وقد ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تأثير اإلسالم في أوروبا العصور الوسطى‪ ،‬لوليام مونتغمري واط (ص ‪.)57‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ الحروب الصليبية‪ ،‬د‪ .‬محمود سعيد عمران‪( ،‬ص ‪.)237‬‬

‫‪41‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مقدمات عن الشبهات‬

‫له الشيطان أن هذا من جنس الشجاعة األدبية والعزة والكرامة في رفض‬


‫عبودية وطاعة اإلله وقضائه وقدره‪ ،‬وقد يتقمص الشخصية العقالنية والمنطقية‬
‫بين الناس(‪.)1‬‬

‫حتى يصل اإلنسان إلى أنه ر ي جي ش ء مق ّيس إر فكر عيم وج د‬


‫الم ُثل بغض النظر عن صحتها وخطئها‪،‬‬‫فيتمرد على كل القيم و ُ‬
‫مقيس! ّ‬ ‫ش ء ّ‬
‫وهذا ما توصل له الفيلسوف العدمي الملحد فريدريك نيتشه(‪ )2‬حيث قال‪:‬‬
‫>إن آخر ما يمكن أن يخطر لي أن أعد به هو إصالح البشرية‪ ،‬كما أنني لن‬
‫أشيد أصناما جديدة؛ وليعلم القدامى ما الذي يجلبه االنتصاب على قدمين‬
‫الم ُثل‪ ،‬هي‬
‫من صلصال‪ ( .‬حطيم الصنام) وهذه كلمتي المفضلة للتعبير عن ُ‬
‫حرفتي‪ ،‬ذلك أنه بمجرد أن ابتدعت أكذوبة عالم المثل قد تم تجريد الواقع‬
‫من قيمته ومن معناه ومن حقيقته<(‪.)3‬‬

‫ضا‪> :‬ليس عبثا إذن أن أكون قد دفنت اليوم السنة الرابعة‬‫وقال أي ً‬


‫واألربعين من عمري‪ ،‬فقد ُحق لي أن أدفنها‪ ،‬ما كان جديرا بالحياة فيها‬
‫تم إنقاذه‪ ،‬وغ ًدا خال ًدا‪ :‬ق يض كل القيم‪ ،‬والديثرامبوس الديونيزية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الميديا واإللحاد‪ ،‬ألحمد حسن (ص ‪.)46‬‬
‫(‪ )2‬فريدريك نيتشه (‪ 1844‬ــ ‪1900‬م) فيلسوف ألماني ملحد‪ ،‬التحق بجامعة بون‪ ،‬لدراسة فقه‬
‫اللغة الكالسيكي والالهوت البروتستانتي‪ ،‬ثم ُعين أستاذا مشاركا لعلم اللغة الكالسيكي في‬
‫جامعة بازل في عام ‪1869‬م‪ ،‬وكان يرى أن القوة هي أساس األخالق وليس اللين والرحمة‪،‬‬
‫وأُصيب بالعمى ثم بالجنون في آخر حياته حتى مات‪.‬‬
‫انظر‪ :‬قصة الفلسفة‪ ،‬لويل ديورانت‪( ،‬ص ‪ 212‬ــ ‪.)228‬‬
‫(‪ )3‬هذا هو اإلنسان‪ ،‬لفريدريك نيتشه (ص ‪.)8‬‬

‫‪42‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬من بواعث الشبهات‬

‫(األناشيد المدائحية)‪ ،‬وغروب اآللهة‪ ،‬ومحاوالتي لتعاطي الفلسفة بضربات‬


‫المطرقة‪.)1(<..‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬الب اعث النفسية‪:‬‬


‫لمروجي الشبهات على اختالف مناهجهم أن يظهروا بمظهر‬ ‫يروق ّ‬
‫العقالنيين أصحاب الفكر والتنوير! وأحيا ًنا يبالغون في محاولة إثبات ذلك‬
‫بشكل مثير للضحك‪ ،‬فيضعون في حساباتهم الشخصية على وسائل التواصل‬
‫مثال! أو ألنشتاين! ونحو ذلك في محاولة مضحكة‬ ‫االجتماعي صو ًرا للدماغ ً‬
‫كثيرا‬
‫لتقمص شخصية المفكر العقالني‪ ،‬ولكن إذا تأملنا حقيقة حالهم سنجد ً‬ ‫ّ‬
‫منهم ــ وليس كلهم ــ يعاني من إشكاالت نفسية تنعكس على معتقداتهم‬
‫وتصوراتهم‪.‬‬
‫ناقشت أحدهم مر ًة‪ ،‬فطرح علي أسئلة تشكيكية سطحية‪ ،‬فأجبته‬‫ُ‬ ‫وقد‬
‫عنها‪ ،‬ثم ناقش نقا ًشا ينم عن ضحالة علمية واضحة‪ ،‬فحاولت أن أَ ْنحى‬
‫بالحوار معه منحى آخر‪ ،‬فسألته عن حياته وعن عالقته بأسرته‪ ،‬فلما أتيت‬
‫تغير فجأة‪ ،‬ثم انفجر أمامي بالبكاء بشكل غريب! وقال‪ :‬ال‬ ‫على ذكر والده ّ‬
‫تذكر هذا الرجل أمامي! ثم سرد لي قصة مأساوية بينه وبين والده أ ّثرت على‬
‫فعلمت أن هذه الشبهات التي طرحها ما هي إال ستار‬
‫ُ‬ ‫نفسيته بشكل عميق‪،‬‬
‫يستر به الحالة النفسية التي يعيشها‪ ،‬فأرشدته بعدها إلى العالج النفسي‪.‬‬
‫وقد أُ ْفرِدت عد ُة مؤلفات عن عالقة البواعث النفسية باإللحاد‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬هذا هو اإلنسان‪ ،‬لفريدريك نيتشه (ص ‪.)13‬‬

‫‪43‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مقدمات عن الشبهات‬

‫كتاب >نظرية األب المعيب< للدكتور بول فيتز‪ ،‬وكتاب >اإللحاد مشكلة‬
‫نفسية< للدكتور عمرو شريف‪ ،‬وكتاب >تأمالت في البواعث النفسية لإللحاد<‬
‫تأليف‪ :‬رشود بن عمر التميمي‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫اب ًعا‪ :‬الشه ات‪:‬‬


‫معرضون للخطأ والتقصير‪ ،‬بل والوقوع في الفواحش‪ ،‬ولكن‬ ‫البشر ّ‬
‫المؤمن إذا عصى تاب وإذا سقط قام‪ ،‬فليست المعصية منه ًجا في حياته‪،‬‬
‫وإنما هي أمر طارئ يدافعه ويجاهده‪.‬‬
‫تيسر للناس طريق‬‫وفي ظل هذا االنفتاح الكبير الذي نعيشه اليوم ّ‬
‫الوصول للحرام والفواحش‪ ،‬فخاض في وحلها من خاض‪ ،‬وغاص فيها دون‬
‫أصيال في حياته مع‬
‫توبة هلل تعالى من غاص‪ ،‬مما جعل هذه الفواحش جز ًءا ً‬
‫األسف‪ ،‬وهذا يقوده إلى االنسالخ من الدين بالكلية والعياذ باهلل‪ ،‬فعن حذيفة‬
‫‪ ‬أنه قيل له‪ :‬في يوم واحد تركت بنو إسرائيل دينهم؟ قال‪> :‬ال‪ ،‬ولكنهم‬
‫كانوا إذا أُمروا بشيء تركوه‪ ،‬وإذا نهوا عن شيء ركبوه‪ ،‬حتى انسلخوا من‬
‫دينهم كما ينسلخ الرجل من قميصه<(‪.)1‬‬
‫عبر عن هذا المعنى أحد السلف وهو أبو حفص عمرو بن سلمة‬ ‫وقد ّ‬
‫تعبيرا دقي ًقا حيث قال‪> :‬المعاصي بري ُد الكفر<(‪.)2‬‬
‫النيسابوري ‪ً ‬‬
‫وشعب‬
‫قال اإلمام ابن رجب الحنبلي ‪> :‬اإلصرار على المعاصي ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه أبو نعيم في حلية األولياء (‪.)278/1‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو نعيم في حلية األولياء (‪ ،)229/10‬والبيهقي في شعب اإليمان (‪.)384/9‬‬

‫‪44‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬من بواعث الشبهات‬

‫النفاق من غير توبة يُخشى منها أن يعاقب صاحبها بسلب اإليمان بالكلية‪،‬‬
‫وبالوصول إلى النفاق الخالص وإلى سوء الخاتمة‪ ،‬نعوذ باهلل من ذلك‪ ،‬كما‬
‫يقال‪ :‬إن المعاصي بريد الكفر<(‪.)1‬‬
‫فالشهوات بوابة للشبهات‪ ،‬وذلك ألمرين‪:‬‬
‫‪ 1‬زز أن اإليمان يزيد وينقص‪ ،‬يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية‪ ،‬فكلما‬
‫استمر المرء في المعاصي‪ ،‬واستمرأ الفواحش‪ ،‬قَلَّ مستوى اإليمان في قلبه‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن القيم ‪> :‬اإليمان عند جميع أهل السنة يزيد بالطاعة‬
‫وينقص بالمعصية‪ ،‬وقد حكاه الشافعي وغيره عن الصحابة والتابعين‪ ،‬ومن‬
‫بعدهم‪ ،‬وإضعاف المعاصي لإليمان أمر معلوم بالذوق والوجود‪ ،‬فإن العبد‬
‫ــ كما جاء في الحديث ــ إذا أذنب ُن ِكت في قلبه نكتة سوداء‪ ،‬فإن تاب‬
‫واستغفر ُصقل قلبه‪ ،‬وإن عاد فأذنب نكت فيه نكتة أخرى‪ ،‬حتى تعلو قلبه‬
‫ﱴ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ}‬ ‫وذلك الران الذي قال اهلل تعالى‪{ :‬ﱲﱳ ﱵ‬
‫تسود القلب‪ ،‬وتطفئ نوره‪ ،‬واإليمان هو نور في القلب‪،‬‬‫[المطففين‪ ]14 :‬فالقبائح ِّ‬
‫والقبائح تذهب به أو تقلله قط ًعا<(‪.)2‬‬
‫بصيص‬
‫ٌ‬ ‫‪ 2‬زز أن بعض الناس إذا خاضوا لُ ّجة المعاصي يبقى في قلبهم‬
‫من تأنيب الضمير‪ ،‬يتحرك بسبب معاصيهم‪ ،‬فيتضايقون منه‪ ،‬ويرغبون‬
‫بإسكاته وكتمه‪ ،‬فيدفعهم إبليس إلى الكفر والعياذ باهلل ليتخلصوا من هذا‬
‫التأنيب بزعمهم!‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري البن رجب (‪.)197/1‬‬
‫(‪ )2‬مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين‪ ،‬البن القيم (‪.)27/2‬‬

‫‪45‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مقدمات عن الشبهات‬

‫صالح محاف ٌظ على الصالة في المسجد‪ ،‬فانحرف عن‬ ‫ٌ‬ ‫كان هناك شاب‬
‫الجادة مع األسف‪ ،‬ولم يتب‪ ،‬فازداد انحرا ًفا حتى سقط في حفرة الالدينية!‬
‫ضا‬
‫فتواصلت معي والدته وطلبت مني أن أجلس معه وأحاوره‪ ،‬وكان راف ً‬
‫للحوار‪ ،‬لكن وتحت إلحاح منها وافق على محاورتي‪ ،‬فلما تحاورنا لم أجد‬
‫فسألت أخاه فيما بعد عن ذلك‬‫ُ‬ ‫منه ردو ًدا تدل على أدنى اطالع أو معرفة!‬
‫فقال‪ :‬ليست المسألة مسألة فكر وال اطالع‪ ،‬وإنما المسألة أنه كان يتضايق‬
‫وينزعج من وخز ضميره إذا أ ّنبه وتذ ّكر سالف أيامه الصالحة‪ ،‬ويزداد هذا‬
‫الوخز إذا سمع صوت المؤذن يؤذن للصالة‪ ،‬فإنه يذ ّكره بخطئه وبما كان عليه‬
‫سول وقرر ترك اإلسالم‬
‫فسول له الشيطان ما ّ‬ ‫من الصالة والصالح الذي فقده‪ّ ،‬‬
‫ليسكت هذا التأنيب! لكن هيهات‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬أقسام أصحاب الشبهات‬

‫ل‬
‫امبحث ال سادس‬
‫ُّ‬
‫أقسام أصحاب الشبهات‬
‫‪$‬‬
‫معرفة المناهج واألفكار والعقائد من األمور المهمة ج ًدا للداعية إلى‬
‫اهلل تعالى‪ ،‬ألن أسلوب الدعوة يختلف من مدعو إلى آخر‪ ،‬فال بد أن يعرف‬
‫الداعية معتقد المدعو وطريقة تفكيره حتى يتمكن من دعوته بشكل صحيح‪.‬‬
‫ويشهد لذلك ما في الصحيحين عن عبداهلل بن عباس ‪ ‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل ‘ لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن‪> :‬إنك ستأ ق ًما أهل‬
‫جئتهم فادعهم إلد أن يشهيوا أن ر إله إر الل وأن محم ًيا س ل‬
‫كتاب‪ ،‬فإذا َ‬
‫الل‪ )1(<..‬فأعلمه النبي ‘ بمعتقد هؤالء القوم ليستعد لهم في الدعوة بما‬
‫يناسبهم‪.‬‬
‫وأصحاب الشبهات‪ ،‬والذين يتأثرون بها ويثيرونها ليسوا سوا ًء‪ ،‬بل هم‬
‫مختلفون في المناهج والمنطلقات‪ ،‬ويمكن تقسيمهم بشكل مجمل إلى‬
‫منهجين‪:‬‬
‫المنهج الول‪ :‬منهج فض مرجعية الشريعة اإلسالمية‪:‬‬
‫يصرحون ويجاهرون برفضهم الشريعة اإلسالمية‬ ‫وأصحاب هذا المنهج ّ‬
‫ربا وبمحمد بن‬‫كمرجع في العقائد واألحكام‪ ،‬فهم ال يعترفون باهلل تعالى ًّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ،‬رواه البخاري (‪ )1425‬ومسلم (‪.)19‬‬

‫‪47‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مقدمات عن الشبهات‬

‫رسوال‪ ،‬وال يدينون بدين اإلسالم‪.‬‬


‫ً‬ ‫عبد اهلل ‘‬
‫عموما‪ ،‬ومنهم اليهود والنصارى والالدينيون‬
‫ً‬ ‫وهؤالء هم غير المسلمين‬
‫من المالحدة والربوبيين والالأدريين وغيرهم ممن يرفض أن تكون الشريعة‬
‫اإلسالمية مرج ًعا‪ ،‬فهم يجاهرون برفض اإلسالم ونقده صراح ًة‪ ،‬ويقوم‬
‫بعضهم بالتلبيس والتدليس وإثارة الشبهات‪ ،‬وتقبيح بعض األحكام الشرعية‪.‬‬
‫وقد تكون نسبة مناعة الفرد المسلم تجاه أصحاب هذا المنهج عالية‪،‬‬
‫وممانعته إزاء أفكارهم شديدة‪ ،‬وذلك ــ ببساطة ــ ألنهم ُكفار‪ ،‬ليسوا معه في‬
‫الدين والملة‪ ،‬فيضعف تأثيرهم عليه إلى حد كبير‪.‬‬
‫وينبغي أن يُنتبه إلى خطأ شائع يقع فيه بعض المسلمين‪ ،‬وهو الدخول‬
‫مع أصحاب هذا المنهج في نقاش حول فروع الشريعة اإلسالمية قبل تثبيت‬
‫أصولها معهم‪ ،‬وهذا خلل عظيم وخطأ جسيم‪ ،‬وذلك لسببين‪:‬‬
‫‪ 1‬زز أن من هدي النبي ‘ في الدعوة أولوية العقيدة‪ ،‬والبدء بغرس‬
‫شجرة التوحيد‪ ،‬وتثبيتها قبل بيان فروعها وتوضيحها‪ ،‬كما في تتمة الحديث‬
‫السابق الذي قال فيه رسول اهلل ‘ لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن‪:‬‬
‫جئتهم فادعهم إلد أن يشهيوا أن ر إله‬‫>إنك ستأ ق ًما أهل كتاب‪ ،‬فإذا َ‬
‫إر الل وأن محم ًيا س ل الل‪ ،‬فإن هم أطاع ا لك بذلك فأخبرهم أن الل قي‬
‫فرض عليهم خمس صل ات ف كل ي م وليلة‪ ،‬فإن هم أطاع ا لك بذلك‬
‫فأخبرهم أن الل قي فرض عليهم صيقة ؤخذ م أغنيائهم ُفت َرد علد فقرائهم‪،‬‬
‫وكرائم أم الهم‪ ،‬وا ِق دع المظل م؛ فإنه‬
‫َ‬ ‫فإن هم أطاع ا لك بذلك فإياك‬

‫‪48‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬أقسام أصحاب الشبهات‬

‫حجاب<(‪.)1‬‬
‫ٌ‬ ‫ليس بينه وبي الل‬
‫فأمره النبي ‘ أن يبدأ معهم بالتوحيد قبل الصالة والزكاة‪.‬‬
‫‪ 2‬زز مناقشة غير المعترف بمرجعية الشريعة في فرع من فروعها هو نقاش‬
‫ضائع ألنه غير قائم على أرضية مشتركة ومرجعية واحدة‪ ،‬فليست هناك نقطة‬
‫التقاء بين الطرفين‪ ،‬وال أرضية مشتركة بينهما‪ ،‬فال يؤدي هذا النقاش إال إلى‬
‫زيادة التشغيب على فروع الشريعة‪ ،‬والتشكيك في قلوب أتباعها‪ ،‬فال ينبغي‬
‫مناقشة الشبه الفرعية مع أصحاب هذا المنهج‪ ،‬وإنما يُردون إلى األصول‬
‫أوال‪.‬‬
‫ُفيناقشون فيها ً‬
‫مثال في فرع‬
‫فمناقشة ملحد ً‬
‫من فروع الشريعة قبل إثبات‬
‫أصولها له كمثل مناقشة شاب ِغ ّر‬
‫الزر (الذي‬
‫في أهمية وفوائد هذا ّ‬
‫في الصورة) وهو ال يعرف طريقة‬
‫عمل الجهاز! وال يعرف لماذا‬
‫أصال!‬
‫ُصنع! وال يعرفه ً‬
‫فهذا النقاش محكوم عليه بالفشل قبل أن يبدأ‪..‬‬

‫‪b‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ،‬رواه البخاري (‪ )1425‬ومسلم (‪.)19‬‬

‫‪49‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مقدمات عن الشبهات‬

‫المنهج الثان ‪ :‬منهج ادعاء قب ل مرجعية الشريعة اإلسالمية‪:‬‬


‫أما المنهج األخطر ــ من وجهة نظري ــ في تبني الشبهات وطرحها‪،‬‬
‫فهو منهج ادعاء قبول مرجعية الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وأصحاب هذا المنهج على‬
‫قسمين‪:‬‬
‫* القسم الول‪ :‬المخادع ن‪ ،‬الذين ال ينكرون االعتراف بمرجعية‬
‫يتنصلُون منها ومن‬
‫الشريعة اإلسالمية عل ًنا‪ ،‬ولكنهم يكفرون بها باط ًنا‪ ،‬و ّ‬
‫أحكامها‪ ،‬فالمسلم البسيط يراهم من جملة المسلمين‪ ،‬ولم تبلغ بهم الجرأة‬
‫كليا‪ ،‬بل بعضهم يرتدي‬ ‫للتصريح بالردة ورفض مرجعية الشريعة اإلسالمية ً‬
‫لباس الدين وعمامة المشيخة! ويدعي أنه متخصص في العلوم الشرعية! وهنا‬
‫تكمن الخطورة‪ ،‬فإن المسلم ينظر إليه على أنه مسلم بل من العلماء أو‬
‫الباحثين أو المفكرين اإلسالميين! فتكون حصون المناعة الفكرية مفتوحة غير‬
‫محكمة‪.‬‬
‫فيبدأ أصحاب هذا المنهج بعملية التفريغ الثقافي(‪ ،)1‬حيث يحافظون‬
‫يفرغونه من الداخل‪ ،‬بإثارة‬
‫على رسومِ اإلسالم الظاهرة وإهابه الخارجي‪ ،‬ثم ّ‬
‫الشكوك في أصوله وفروعه‪ ،‬ويحشون بدله زباالت األفكار البشرية من الكفر‬
‫والزندقة والتحلل من األحكام الشرعية‪.‬‬
‫ويتزامن مع هذا عدة عوامل‪ ،‬منها اشتعال حالة االنبهار‪ ،‬واشتغال القلب‬
‫باالنصهار مع الكفار‪ ،‬وغيرها من العوامل النفسية عند المتل ّقين فتجعلهم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬استعرت هذا المصطلح من كالم الشيخ محمود محمد شاكر ‪ ‬في كتابه الفذ >رسالة في‬
‫قليال عن استعمال الشيخ‪.‬‬
‫الطريق إلى ثقافتنا<‪ ،‬وقد استعملته على نحو مختلف ً‬
‫‪50‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬أقسام أصحاب الشبهات‬

‫ال يرغبون بااللتزام بشريعة رب العالمين‪ ،‬وال يريدونها حاكمة عليهم‪،‬‬


‫فيحصل هذا التصادم بين الهوى والشريعة اإلسالمية‪ ،‬فيقعون في مأزق! فال‬
‫يملكون الجرأة الكافية للتصريح بعدم رغبتهم في الشريعة‪ ،‬وفي نفس الوقت‬
‫ال يرغبون بااللتزام بها‪ ،‬فيسلكون هذا المنهج‪.‬‬
‫* القسم الثان ‪ :‬الصادق ن ف البحث ع الحقيقة‪ ،‬وهؤالء فئة من‬
‫غال على دينهم‪ ،‬وال كراهية لشريعة ربهم‪،‬‬
‫المسلمين ال يحملون في أنفسهم ًّ‬
‫ابتلوا بالوقوع في شيء من الشبهات أورثتهم شكو ًكا لم يستطيعوا‬
‫ولكنهم ُ‬
‫التخلّص منها‪ ،‬وهم صادقون في البحث عن الجواب الكافي والدواء الشافي‪،‬‬
‫فحري بهؤالء أن يصلوا إلى الحقيقة ويطمئنوا باليقين إذا صدقوا في ذلك‬
‫ٌ‬
‫وسلكوا المنهجية الصحيحة فيه‪.‬‬
‫فهؤالء يجب علينا األخذ بأيديهم‪ ،‬وانتشالهم من لجة الشبهات إلى‬
‫ساحل اليقين‪ ،‬ومن مرض الشكوك إلى عافية الطمأنينة‪.‬‬
‫وأرجو أن يكون هذا الكتاب ممه ًدا لطريق ذلك‪ ،‬فات ًحا أمامه أوسع‬
‫المسالك‪ ،‬لننجوا جمي ًعا من المساوئ والمهالك‪ ،‬بإذن اهلل رب العالمين‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫نقطة البداية‪ :‬تصحيح مصادراملعرفة‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقطة البداية‪ :‬تصحيح مصادر املعرفة‬

‫أتاني مر ًة شاب‪ ،‬فبدأ يناقشني عن اإلسالم وبعض شرائعه‪ ،‬فسألته‪:‬‬


‫أعرف نفسي بأنني باحث عن الحقيقة!‬
‫هل أنت مسلم أم ال؟ فقال‪ :‬أنا ّ‬
‫فقلت له‪ :‬طيب‪ ،‬هذه الحقيقة التي تبحث عنها ما هي؟ وما شكلها؟‬
‫وكيف تعرف أنك وصلت إليها؟‬
‫قليال ثم قال‪ :‬ها‪ ..‬ال أدري‪ ،‬لم أسأل نفسي هذا السؤال‬
‫فرجع للخلف ً‬
‫من قبل!‬
‫فقلت له‪ :‬إذن أنت تبحث عن ماذا؟! وإلى متى وأنت تجري في سباق‬
‫ال نهاية له؟‬
‫ور َج َع إلى اإلسالم بحمد اهلل ونطق الشهادتين‪ ،‬أسأل اهلل لي‬
‫فا ْن َت َبه‪َ ،‬‬
‫وله الثبات على الحق‪.‬‬
‫قليال ونتأكد من‬
‫لذلك نحن نحتاج قبل الخوض في أي نقاش أن نقف ً‬
‫صالحية اإلدراك العقلي‪ ،‬واستقامة المنظومة المعرفية المتمثلة في مصادر‬
‫المعرفة لدى اإلنسان‪ ،‬ألن اإلدراك العليل لن يجد حالوة المعرفة واليقين‬
‫كما أن اللسان العليل لن يجد حالوة المطعوم والمشروب‪.‬‬
‫يفسر لنا السبب وراء موقف المنحرفين‬ ‫وعدم العناية بهذا األمر ّ‬
‫والمتأثرين بالشبهات‪ ،‬فإنهم إذا نوقشوا باألدلة الناصعة والبراهين الساطعة‪،‬‬
‫غيهم! رغم وضوح األدلة وشدة‬ ‫ال يرجعون عن انحرافهم! وال يرعوون عن ّ‬
‫سطوعها!‬
‫وقد حدث هذا أمامي مرا ًرا‪ ،‬فكنت أناقش بعض الشباب وأسرد لهم‬
‫‪55‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقطة البداية‪ :‬تصحيح مصادر املعرفة‬

‫األدلة العقلية والبراهين الجلية‪ ،‬التي ال يملك المرء أمامها إال اإلذعان‬
‫والقبول‪ ،‬فأجد الواحد منهم بعد سردها يحملق في وجهي ثم يرفع كتفيه‬
‫ويقول‪ :‬لم أقتنع!‬
‫كنت أستغرب من ذلك أول األمر وأتعجب منه غاية العجب‪ ،‬لكن زال‬
‫هذا االستغراب وتبدد العجب لما اكتشفت بعد مدة أن المشكلة ليست في‬
‫الدليل‪ ،‬وإنما المشكلة في اآللة التي ُتد ِر َك هذا الدليل وهي العقل والمنظومة‬
‫المعرفية‪ ،‬فذكر الدليل وحده ال يجدي إذا كانت اآللة المدركة فاسدة(‪!)1‬‬
‫فحوارك مع شخص دون االتفاق معه على نظرية المعرفة‪ ،‬ودون الوقوف‬
‫معه على أرضية مشتركة يعتبر حوا ًرا عقي ًما‪ ،‬وجه ًدا ضائ ًعا يصدق عليه قول‬
‫القائل‪:‬‬
‫شـــــتــا َن بـيـن ُم َشـــــ ِّرق و ُمـغ ِّـر ِب‬
‫َّ‬ ‫شــــرق ًة ِ‬
‫وســــ ْر ُت ُم َغ ِّر ًبا‬ ‫ســــارت ُم ِّ‬
‫صحح مسار هذه‬
‫فيجب إذن قبل ذكر األدلة أن ُن ّ‬
‫اآللة المدرِكة‪ ،‬وذلك بتصحيح مصادر المعرفة‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪> :‬فال بد من‬
‫أولية يبتدؤها اهلل في قلبه‪ ،‬وغاية البرهان أن ينتهي إليها‪ ،‬ثم تلك‬
‫علوم بدهية ّ‬
‫العلوم الضرورية قد يعرض فيها شبهات ووساوس كالشبهات‬
‫السوفسطائية‪ ،...‬والشبهات القادحة في تلك العلوم ال يمكن الجواب عنها‬
‫بالبرهان ألن غاية البرهان أن ينتهي إليها‪ ،‬فإذا وقع الشك فيها انقطع طريق‬
‫النظر والبحث‪ ،‬ولهذا كان َم أَنكر العل م الحسية والضرو ية لم ُينا َظر‪ ،‬بل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر شرح األصبهانية لشيخ اإلسالم ابن تيمية (‪.)60‬‬

‫‪56‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقطة البداية‪ :‬تصحيح مصادر املعرفة‬

‫إذا كان جاحي ًا معاني ًا عوقب حتى يعترف بالحق‪ ،‬وإن كان غالط ًا إما لفساد‬
‫ض لحسه أو عقله لعج ه ع فهم لك العل م‪ ،‬وإما لنح ذلك‪ ،‬فإنه يعالج‬ ‫َع َر َ‬
‫بما ي جب حص ل شروط العلم له وانتفاء م انعه‪ ،‬فإن عجز عن ذلك لفساد‬
‫في طبيعته عولج باألدوية الطبيعية أو بالدعاء والرقى والتوجه ونحو ذلك وإال‬
‫ُت ِرك‪.‬‬
‫ولهذا اتفق العقالء على أن كل شبهة تعرض ال يمكن إزالتها بالبرهان‬
‫والنظر واالستدالل‪ ،‬وإنما ُيخا َطب بالبرهان والنظر وارستيرل م كانت‬
‫عنيه مقيمات علمية‪ ،‬وكان ممن يمكنه أن ينظر فيها نظر ًا يفيده العلم بغيرها‬
‫فمن لم يكن عنده مقدمات علمية أو لم يكن قادر ًا على النظر لم تمكن‬
‫مخاطبته بالنظر واالستدالل<(‪.)1‬‬
‫ووضحتها غاية الوضوح‪ ،‬وذلك‬ ‫وقد اعتنت الشريعة بمصادر المعرفة‪ّ ،‬‬
‫ألن >اإلسالم هو دين الحجة والبرهان‪ ،‬فليس في دين اهلل مسألة إال والتسليم‬
‫بها قائم على الدليل العقلي‪ ،‬سواء كان ذلك من جهة التسليم بصدق النبي‬
‫‘‪ ،‬أو من جهة ما تتضمنه نصوص الكتاب والسنة من االستدالل على‬
‫مسائلها<(‪.)2‬‬
‫أما المذاهب الفلسفية فقد تباينت مواقفها في ذلك‪ ،‬حيث انفرد كل‬
‫واحد منها بمصدر من مصادر المعرفة‪ُ ،‬فو ِجد منها ما يحصر المعرفة في‬
‫الحس‪ ،‬ووجد ما يحصرها في العقل‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬أما اإلسالم فإنه يُعطي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬درء تعارض العقل والنقل (‪ 309/3‬ــ ‪.)310‬‬
‫(‪ )2‬المعرفة في اإلسالم‪ ،‬للدكتور عبداهلل القرني (ص ‪.)5‬‬

‫‪57‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقطة البداية‪ :‬تصحيح مصادر املعرفة‬

‫كل مصدر من مصادر المعرفة حقه من القبول‪ ،‬على نمط تكاملي‪ ،‬بحيث‬
‫يُكمل كل مصدر ما بدأه المصدر اآلخر دون انحياز لمصدر على حساب‬
‫غيره‪ ،‬مع مراعاة مجال وحدود كل مصدر من هذه المصادر‪.‬‬
‫وهذه المصادر أربعة‪ ،‬وهي‪ :‬الفطرة والعقل والحس والخبر‪ ،‬وبيانها‬
‫في المباحث التالية‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الفطرة‬

‫ل‬
‫امبحث ا أ‬
‫لول‬
‫الفطرة‬
‫‪$‬‬
‫الفطرة في اللغة بمعنى ِ‬
‫الخلقة واالبتداء واإلنشاء‪ ،‬وفَ َطر األمر أي‪:‬‬
‫ابتدأه وأنشأه(‪ ،)1‬وقد قال ابن عباس ‪ :‬ما كنت أدري ما {ﱁ ﱂ‬
‫ﱃ} حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر‪ ،‬فقال أحدهما‪ :‬أنا فطر ُتها‪،‬‬
‫ابتدأت حفرها(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫أي‪ :‬أنا‬
‫والفطرة كذلك هي ال ِجبلّة القابلة للدين الحق(‪ ،)3‬والتي ُطب َِع ْت عليها‬
‫وبيته(‪.)4‬‬
‫ور ُب ّ‬
‫الدين‪ ،‬فقد فَ َط َر ُه ُم اهلل على معرفته ُ‬
‫الخليقة من ّ‬
‫قال اهلل ‪{ :‬ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ} [الروم‪ ،]30 :‬وعن أبي‬
‫هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‘‪> :‬كل م ل د ُي لَي علد الفطر ؛ فأب اه‬
‫كم َثل البهيمة ُ َنت ُج البهيم َة‪ ،‬هل رى‬
‫مجسانه؛ َ‬
‫نصرانه‪ ،‬أو ُي ِّ‬
‫ُيه ِّ دانه‪ ،‬أو ُي ِّ‬
‫جيعاء؟<(‪.)5‬‬
‫َ‬ ‫فيها‬
‫قال ابن األثير ‪> :‬والمعنى أنه يولد على نوع من الجبلّة والطبع‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تاج العروس‪ ،‬للزبيدي (‪.)326/13‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رواه البيهقي في شعب اإليمان (‪.)212/3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أساس البالغة‪ ،‬للزمخشري (‪.)28/2‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫كتاب العين‪ ،‬للخليل بن أحمد (‪.)418/7‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫متفق عليه‪ ،‬رواه البخاري (‪ )1385‬ومسلم (‪.)2658‬‬ ‫(‪)5‬‬

‫‪59‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقطة البداية‪ :‬تصحيح مصادر املعرفة‬

‫الستمر على لزومها ولم يفارقها إلى‬


‫ّ‬ ‫المتهيئ لقبول الدين‪ ،‬فلو ترك عليها‬
‫غيرها‪ ،‬وإنما يعدل عنه من يعدل آلفة من آفات البشر والتقليد‪ ،‬ثم تمثل‬
‫بأوالد اليهود والنصارى في اتباعهم آلبائهم والميل إلى أديانهم عن مقتضى‬
‫الفطرة السليمة<(‪.)1‬‬
‫فالفطرة إذن‪ :‬ه ق م َدعة ف النفس لَي مع اإلنسان قتض معرف َة‬
‫الل عالد و حييه‪ ،‬وإد ا َك المبادئ العقلية الضرو ية‪ ،‬الت سير حيا ه م‬
‫خاللها بشكل صحيح بشرط عيم التأثير الخا ج الذ يحرف هذه الفطر‬
‫ع مسا ها‪.‬‬
‫الطفل من المؤثرات الخارجية التي تحرفه عن فطرته سينشأ‬
‫ُ‬ ‫فلو َسلِ َم‬
‫موح ًدا مؤمن ًا باهلل ‪ ،‬كما ثبت في الحديث السابق‪.‬‬
‫وقد أثبت العلم التجريبي صحة هذا الحديث‪ ،‬ففي بحث كبير تحت‬
‫إشراف أساتذة في جامعة أكسفورد عمل فيه ‪ 57‬باح ًثا‪ ،‬في ‪ 20‬دولة‪ ،‬على‬
‫مدار ‪ 3‬سنوات‪ ،‬بتكلفة ‪ 1,9‬مليون جنيه استرليني‪ ،‬ونُشرت نتائجه سنة‬
‫‪ 2011‬م‪ ،‬وثبت فيه أن األطفال الصغار يولدون ولديهم فطرة اإليمان باهلل‬
‫(‪)2‬‬
‫ضا صحيفة‬ ‫وبالحياة بعد الموت ‪ ،‬وقد نشرت نتائج هذا البحث أي ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬النهاية في غريب الحديث واألثر (‪.)457/3‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪https://www.sciencedaily.com/releases/2011/07/110714103828.htm# :‬‬
‫استفدت الداللة على هذا البحث من كتاب‪ :‬اإللحاد للمبتدئين‪ ،‬للدكتور هشام عزمي‬
‫ُ‬ ‫وقد‬
‫(ص ‪.)71‬‬
‫ومن أراد االستزادة في هذا الموضوع فعليه بكتاب‪> :‬فطرية اإليمان‪ :‬كيف أثبتت التجارب‬
‫أن األطفال يولدون مؤمنين باهلل< للدكتور جاستن باريت‪ ،‬وقد ترجمه وأصدره مركز دالئل‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الفطرة‬

‫التليغراف البريطانية(‪.)1‬‬

‫( ‪Born Believers:‬‬ ‫وقد ألّف البروفسور جاستن باريت كتابه الشهير‬


‫‪ )The Science of Children's Religious Belief‬وهذا الكتاب مبني على‬
‫تجاربه العلمية خالل عشرين سنة‪ ،‬وقد دلّل بأدلة كثيرة ج ًّدا على أن األوالد‬
‫يولدون مفطورين على اإليمان بالخالق‪ ،‬وأن المبادئ الفطرية ــ التي أنكرها‬
‫جون لوك ــ موجودة لدى اإلنسان منذ والدته‪.‬‬
‫وبغض النظر عن الثقافة ودون الحاجة إلى‬
‫ّ‬ ‫وخالصة كتابه في قوله‪> :‬‬
‫تلقين باإلكراه‪ ،‬ينمو األطفال بنزعة للبحث عن معنى محيطهم وفهمه‪ ،‬وعند‬
‫طبيعيا يؤ ّدي بهم هذا البحث إلى اعتقاد‬
‫ً‬ ‫ونموها‬
‫لتطور عقولهم ّ‬‫منح المجال ّ‬
‫صممه‪ ،‬ويفترضون أن هذا الصانع‬
‫مصمم له غاية‪ ،‬وأن صان ًعا حكي ًما قد ّ‬
‫بعالَ ٍم ّ‬
‫المقصود كلّي القدرة‪ ،‬وكلّي العلم‪ ،‬وكلّي اإلدراك‪ ،‬وأبدي‪ ،‬وال يحتاج هذا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪)1‬‬ ‫‪https://www.telegraph.co.uk/news/politics/8510711/Belief-in-God-is-‬‬
‫‪part-of-human-nature-Oxford-study.html‬‬

‫‪61‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقطة البداية‪ :‬تصحيح مصادر املعرفة‬

‫متجس ًدا مثل البشر‪ ،‬ويربط األطفال بسهولة هذا‬ ‫ّ‬ ‫مرئيا أو‬
‫الصانع أن يكون ً‬
‫الصانع بالخير األخالقي وبأ ّنه مصدر اإللزام بالقيم األخالقية‪ ،‬وتعلّل هذه‬
‫المالحظات واالستنتاجات جزئ ًّيا سبب االنتشار الواسع لإليمان باآللهة بهذه‬
‫الصفات العامة عبر الثقافات وعلى مدى التاريخ<(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فطرية اإليمان‪ :‬كيف أثبتت التجارب أن الطفال يولدون مؤمنين باهلل‪ ،‬د‪ .‬جاستن باريت (ص‬
‫‪ 20‬ــ ‪.)21‬‬

‫‪62‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬العقل‬

‫ل‬
‫امبحث الثاني‬
‫العقل‬
‫‪$‬‬
‫كلمة (العقل) مشترك لفظي‪ ،‬يُستعمل بإزاء أربعة معا ٍن‪ :‬الغريزة‬
‫الم ْدرِكة‪ ،‬والعلوم الضرورية‪ ،‬والعلوم النظرية‪ ،‬والعمل بمقتضى العلم(‪،)1‬‬
‫ُ‬
‫وبيان ذلك‪:‬‬
‫المي ِكة ف اإلنسان(‪ ،)2‬أي اآللة والقوة التي‬
‫المعند الول‪ :‬الغري ُ‬
‫من خاللها يعلم اإلنسان ويعقل‪ ،‬وهي فيه كقوة البصر في العين‪ ،‬والذوق في‬
‫اللسان‪ ،‬فهي شرط في المعقوالت والمعلومات‪ ،‬وهي مناط التكليف‪ ،‬وبها‬
‫يمتاز اإلنسان عن سائر الحيوان‪.‬‬
‫المعند الثان ‪ :‬العل م النظرية المكتسبة‪ ،‬وهي تلك المعاني‬
‫واألفكار التي تحصل بالنظر واالستدالل عبر آلة العقل‪ ،‬فهي ثمرة العقل‬
‫جليا‪.‬‬
‫بالمعنى األول‪ ،‬ويتفاوت الناس في هذه األفكار والمعاني تفاو ًتا ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬منهج االستدالل على مسائل االعتقاد عند أهل السنة والجماعة‪ ،‬لعثمان بن علي حسن‬
‫(‪ ،)158/1‬والدليل العقلي عند السلف‪ ،‬لعبدالرحمن الشهري (ص ‪ )19‬وما بعدها‪.‬‬
‫واالختالف في معنى العقل موجود حتى عند الفالسفة‪ ،‬انظر‪ :‬ثورة العقل في الفلسفة العربية‪،‬‬
‫للدكتور عاطف العراقي‪( ،‬ص ‪.)79‬‬
‫(‪ )2‬وقد نص على أن هذا هو المعنى الحقيقي للعقل الحارث المحاسبي في كتابه‪ :‬مائية العقل‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ‬في‬ ‫(ص ‪ ،)201‬ونقل عنه هذا النص وعن اإلمام أحمد كذلك ُ‬
‫درء التعارض (‪ ،)50/6‬والرد على المنطقيين (ص ‪.)136‬‬

‫‪63‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقطة البداية‪ :‬تصحيح مصادر املعرفة‬

‫التروي‬
‫المعند الثالث‪ :‬العمل بم جب العلم‪ ،‬ويدخل فيه صفة ّ‬
‫والرزانة ونحو ذلك‪ ،‬فيقال‪ :‬فالن عاقل‪ ،‬بمعنى أنه رزين يتأمل عواقب‬
‫األمور(‪ ،)1‬ومنه قول األصمعي‪> :‬العقل‪ :‬اإلمساك عن القبيح‪ ،‬وقصر النفس‬
‫وحبسها على الحسن<(‪.)2‬‬
‫المعند الرابع‪ :‬العل م الضرو ية أو البيهيات العقلية‪ ،‬وهي التي‬
‫يتفق عليها جميع العقالء‪ ،‬كالعلم بأن الكل أكبر من الجزء وغيرها من‬
‫البدهيات‪ ،‬وهي علوم ال تحتاج إلى دليل إلقرارها‪ ،‬ولو لزم كونها تحتاج‬
‫لبرهان ألفضى ذلك إلى التسلسل(‪ )3‬وهو محال‪ ،‬وهذا داخل في معنى الفطرة‬
‫كما سبق‪.‬‬
‫أما العقل بالمعنى األول فال يمكن اعتباره مصد ًرا للمعرفة بالمعنى‬
‫الدقيق‪ ،‬ألنه مجرد غريزة وآلة يمكننا الوصول إلى الحقائق من خاللها‪،‬‬
‫ويمكن الوصول إلى الباطل كذلك من خاللها‪ ،‬فاستعمال هذه اآللة ال يعني‬
‫والس ّراق ما كان لهم أن يرتكبوا‬
‫إصابة الحق بالضرورة! فالمجرمون والقتلة ُ‬
‫جرائمهم إال بتخطيط وتفكير بواسطة العقل‪ ،‬فهل يعني ذلك أن عملهم‬
‫صواب؟! أب ًدا‪.‬‬
‫فالواجب علينا إذن أن نستعمل هذه النعمة التي أنعم اهلل بها علينا وهي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬وهذا المعنى للعقل هو الذي تدور عليه رسالة أبي الفرج ابن الجوزي ‪ ‬المسماة >صولة‬
‫العقل على الهوى<‪.‬‬
‫(‪ )2‬المخصص‪ ،‬البن سيده (‪.)16/3‬‬
‫(‪ )3‬جاء في موسوعة مصطلحات علم المنطق عند العرب (ص ‪ :)186‬التسلسل هو‪ :‬تو ّقف الشي‬
‫على أشياء غير متناهية‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬العقل‬

‫نعمة العقل (بمعنى الغريزة المدركة) بالطريقة الصحيحة حتى نصل إلى نتائج‬
‫صحيحة‪.‬‬
‫فاهلل ‪ ‬نهى عن اتباع ما ليس لإلنسان به علم صحيح مستند إلى فه ٍم‬
‫سليم‪ ،‬قال اهلل ‪{ :‬ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ‬
‫ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ} [اإلسراء‪.]36 :‬‬
‫كذلك القرآن دعا إلى التفكر في عد ٍد كبي ٍر من اآليات‪ ،‬منها قوله اهلل‬
‫ﲼﲾ‬ ‫ﲽ‬ ‫ﲴﲶﲷﲸﲹﲺﲻ‬ ‫ﲵ‬ ‫‪{ :‬ﲱ ﲲ ﲳ‬
‫ﳁ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ} [سبأ‪.]46 :‬‬ ‫ﳂ‬ ‫ﲿﳀ‬

‫ﲬ}‬ ‫{ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩﲪ ﲫ‬ ‫ويقول اهلل ‪:‬‬


‫[األنعام‪ ،]50 :‬وهذا حث واضح وصريح من اهلل ‪ ‬على التفكر‪.‬‬
‫ﱜﱞﱟﱠﱡﱢ‬
‫ﱝ‬ ‫كذلك اهلل ‪ ‬يقول‪{ :‬ﱙ ﱚ ﱛ‬
‫{ﲆ ﲇ‬ ‫ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ} [الروم‪ ،]8 :‬ويقول سبحانه‪:‬‬
‫ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ} [الحشر‪ ،]21 :‬فهناك أكثر من ثماني عشر آية‬
‫صريحة في القرآن الكريم تدعو إلى التفكر‪.‬‬
‫كذلك القرآن الكريم ذم المجانبين للعقل المتنكبين له‪ ،‬يقول اهلل تعالى‪:‬‬
‫{ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ} [األنفال‪ ]22 :‬فشر‬
‫الدواب عند اهلل ‪ ‬الصم البكم الذين ال يعقلون‪ ،‬ويقول سبحانه‪{ :‬ﲘ‬
‫ﲙ ﲚ ﲛ ﲜﲝ ﲞ ﲟ} [األنعام‪{ ،]32 :‬ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ‬
‫ﲅ ﲆ ﲇ} [البقرة‪ ،]242 :‬في أكثر من خمسين آية من القرآن‬
‫‪65‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقطة البداية‪ :‬تصحيح مصادر املعرفة‬

‫الكريم يحثنا اهلل ‪ ‬فيها على التفكر واستعمال العقل‪.‬‬


‫أما المعنى الثاني للعقل‪ ،‬والذي هو نتائج استعمال آلة العقل‪ ،‬وهو‬
‫العلوم واألفكار الناتجة عن العقل‪ ،‬فهذه ليست كلها قطعية‪ ،‬بل أكثرها ظني‪،‬‬
‫بل وكثير منها مخالف للصواب‪.‬‬
‫أصال كما هو‬
‫أما العقل بالمعنى الثالث فال يدخل في مصادر المعرفة ً‬
‫ظاهر‪.‬‬
‫يتبق إال العقل بالمعنى الرابع‪ ،‬وهو المسلّمات العقلية المتفق عليها‬
‫فلم َ‬
‫بين العقالء‪ ،‬فالعقل بهذا المعنى مصدر أصيل من مصادر المعرفة في اإلسالم‪.‬‬
‫ويدخل في هذا المعنى المبادئ العقلية األربعة(‪ ،)1‬وهي‪:‬‬
‫‪ 1‬زز مبيأ اله ية‪ ،‬والذي يعني أن الشيء يبقى هو هو ال يتغير وال يتبدل‪،‬‬
‫ال‪ :‬عندما أبحث عن القلم فإن القلم‬ ‫وإن طرأت عليه تغيرات داخلية‪ ،‬فمث ً‬
‫رياضيا‬
‫ً‬ ‫الذي أبحث عنه والقلم الذي سأجده هو هو‪ ،‬ويُ َّعبر عن هذا المبدأ‬
‫بـ أ = أ‪ ،‬ويسمى كذلك مبدأ الذاتية‪.‬‬
‫‪ 2‬زز مبيأ عيم التناقض‪ ،‬وهو امتناع الجمع بين النقيضين‪ ،‬كأن تقول‬
‫عن الشيء‪ :‬إنه موجود وغير موجود في نفس الوقت‪ ،‬فإما أن يكون الشيء‬
‫موجو ًدا أو غير موجود‪.‬‬
‫‪ 3‬زز مبيأ الثالث المرف ع‪ ،‬يتلخص في أن القضيتين المتناقضتين إذا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المدخل عن نظرية المعرفة‪ ،‬البن عقيل الظاهري (ص ‪.)29‬‬

‫‪66‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬العقل‬

‫صدقت إحداهما كذبت األخرى‪ ،‬وال ثالث بينهما(‪ ،)1‬فمثال‪> :‬زيد حي< أو‬
‫>زيد ميت< هما قضيتان متناقضتان‪ ،‬إذا صحت األولى كذبت الثانية والعكس‬
‫بالعكس‪ ،‬وال ثالث بينهما‪.‬‬
‫‪ 4‬زز مبيأ ال ِعلّية‪ ،‬أو مبيأ السببية الذي يعني أن كل حادث ال بد له من‬
‫ِعلّة وسبب و ُمح ِدث‪.‬‬
‫فهذه المسلمات العقلية مصدر مهم من مصادر المعرفة في اإلسالم‪،‬‬
‫ولن تجد في كتاب اهلل وال سنة رسوله ‘ ما يعارضها أب ًدا‪.‬‬
‫وسيتضح هذا األمر أكثر فيما سيأتي في المبحث الثاني من الفصل‬
‫الثالث‪ ،‬عند الحديث عن منهج الغلو في العقل‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬كيف نجيب عن تعارض بعض نصوص القرآن والسنة مع‬
‫العقل؟‬
‫نقول‪ :‬عرفنا مما سبق أن العقل منه ما هو قطعي‪ ،‬ومنه ما هو ظني‪،‬‬
‫والنصوص الشرعية منها ما هو قطعي الداللة‪ ،‬ومنها ما هو ظني الداللة‪،‬‬
‫فالتعامل معها يكون وفق الجدول التالي‪:‬‬
‫قلي‬
‫قُ ّدم ال ّن ّ‬ ‫لي‬
‫نقلي وظ ّن ّي عق ّ‬
‫قطعي ّ‬
‫ّ‬ ‫إذا تعارض‬
‫العقلي‬
‫ّ‬ ‫قُ ّدم‬ ‫عقلي‬
‫ّ‬ ‫وقطعي‬
‫ّ‬ ‫نقلي‬
‫إذا تعارض ظ ّن ّي ّ‬
‫المرجحات‬
‫ّ‬ ‫قُ ّدم أرجحهما بحسب‬ ‫عقلي‬
‫ّ‬ ‫نقلي وظ ّن ّي‬
‫إذا تعارض ظ ّن ّي ّ‬
‫فهو غير ممكن ــ كما سبق بيانه ــ‪.‬‬ ‫عقلي‬
‫وقطعي ّ‬
‫ّ‬ ‫نقلي‬
‫قطعي ّ‬
‫ّ‬ ‫وأما تعارض‬
‫ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المعجم الفلسفي الصادر عن مجمع اللغة العربية في القاهرة (ص ‪.)58‬‬
‫‪67‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقطة البداية‪ :‬تصحيح مصادر املعرفة‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪" :‬فأما القطعيان فال يجوز تعارضهما‪،‬‬
‫سمعي ًا‪ ،‬وهذا متفق‬
‫ّ‬ ‫عقلي ًا واآلخر‬
‫سواء كانا عقليين أو سمعيين‪ ،‬أو أحدهما ّ‬
‫عليه بين العقالء‪ ،‬ألن الدليل القطعي هو الذي يجب ثبوت مدلوله وال يمكن‬
‫أن تكون داللته باطلة‪ ،‬وحينئذ فلو تعارض دليالن قطعيان وأحدهما يناقض‬
‫مدلول اآلخر للزم الجمع بين النقيضين وهو محال"(‪.)1‬‬
‫القيم ‪" :‬التقسيم الصحيح أن يقال‪ :‬إذا تعارض‬ ‫وقال اإلمام ابن ّ‬
‫دليالن سمعيان أو عقليان‪ ،‬أو سمعي وعقلي‪ ،‬فإما أن يكونا قطعيين‪ ،‬وإما أن‬
‫يكونا ظنيين‪ ،‬وإما أن يكون أحدهما قطعيا واآلخر ظنيا‪.‬‬
‫فأما القطعيان فال يمكن تعارضهما في األقسام الثالثة‪ ،‬ألن الدليل‬
‫القطعي هو الذي يستلزم مدلوله قط ًعا‪ ،‬فلو تعارضا لزم الجمع بين النقيضين‪،‬‬
‫وهذا ال يشك فيه أحد من العقالء‪.‬‬
‫تعين تقديم القطعي‪ ،‬سواء كان‬
‫قطعيا واآلخر ظنيا ّ‬
‫وإن كان أحدهما ً‬
‫سمعيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫عقليا أو‬
‫ً‬
‫وإن كانا ظنيين صرنا إلى الترجيح ووجب تقديم الراجح منهما‪.‬‬
‫وهذا تقسيم راجح متفق على مضمونه بين العقالء‪ ،‬فأما إثبات التعارض‬
‫بين الدليل العقلي والسمعي والجزم بتقديم العقلي مطلقا فخطأ واضح معلوم‬
‫الفساد"(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬درء تعارض العقل وال ّنقل (‪.)79/1‬‬
‫الصواعق المرسلة ( ‪) 248 – 247 / 1‬‬
‫(‪ )2‬مختصر ّ‬
‫‪68‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬احلس‬

‫ل‬
‫امبحث الثالث‬
‫الح ُّ‬
‫س‬
‫‪$‬‬
‫الحس مصدر معتبر كذلك من مصادر المعرفة في الشريعة اإلسالمية‪،‬‬
‫ورغم وضوح هذا االعتبار إال أنه قد ُوجد من ينكر داللة الحواس كالعين‬
‫رأيت الشيء بعيني ال أؤمن بأنه موجود‪ ،‬وإذا‬
‫والسمع والبصر! فيقول‪ :‬لو ُ‬
‫لمسته بيدي ال أؤمن بأنه موجود‪ ،‬وهذا نوع من السفسطة وسيأتي بيانها‪.‬‬

‫والصواب أنها من مصادر المعرفة‪ ،‬وقد قال اهلل ‪ ‬حا ًّثا لنا على‬
‫ناعيا على الكفار‪:‬‬
‫االستفادة من هذه الحواس‪ ،‬من خالل التفكر واالعتبار ً‬
‫{ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﱘ ﱙ‬

‫ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ} [األعراف‪ ،]179 :‬أي إن الذي ال يستفيد من حواسه‬


‫للوصول إلى الحقيقة هو كاألنعام‪ ،‬ألنه ال يسمع وال يبصر وال يفقه‪.‬‬

‫{ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ‬ ‫وقال اهلل سبحانه‪:‬‬


‫ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ} [النحل‪.]78 :‬‬

‫فالحس والتجربة من المصادر المعتبرة للمعرفة‪ ،‬ولكن اإلسالم أنزلها‬


‫في منزلتها الالئقة بها‪ ،‬دون إفراط وال تفريط‪ ،‬ويستدل بها على وحدانية‬
‫اهلل تعالى‪ ،‬قال اإلمام محمد بن جرير الطبري ‪> :‬من قيلي وقيل كل‬
‫‪69‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقطة البداية‪ :‬تصحيح مصادر املعرفة‬

‫موحد(‪ :)1‬إن كل محسوس أدركته حاسة خ ْل ٍق في الدنيا فدليل لكل ُمستدل‬


‫وصفاته‪ ،‬وعدله‪ ،‬وكل دال على ذلك فهو‬ ‫على وحدانية اهلل ‪ ‬وأسمائه‪ِ ،‬‬
‫في الداللة عليه متفق‪ ،‬غير مفترق‪ ،‬ومؤتلف‪ ،‬غير مختلف<(‪.)2‬‬
‫لكن مما ينبغي أن يُعلم أن الحس محدود ال يُ ْد ِر ُك كلَّ شيء‪ ،‬فالسمع‬
‫محدود‪ ،‬والبصر محدود‪ ،‬وكل اإلدراكات البشرية محدودة‪ ،‬وليست‬
‫مطلقة‪.‬‬
‫تقرر هذا تبين لنا خطأ من يَ ُرد آي ًة من كتاب اهلل تعالى أو حدي ًثا من‬ ‫إذا ّ‬
‫لمجرد أنه لم يدرك مدلولها بحواسه! ألن عيم العلم ليس‬ ‫أحاديث النبي ‘ ّ‬
‫عل ًما بالعيم‪ ،‬وعيم ال جيان ر يعن عيم ال ج د‪ ،‬أي إنك إذا لم َتر الشيء‬
‫بحواسك فال يعني ذلك أنه غير موجود‪ ،‬وال يحق لك أن‬ ‫ِّ‬ ‫بعينك ولم ُت ْدركه‬
‫تحكم بأنه غير موجود‪ ،‬ومثال ذلك إنكار النصوص الشرعية الواردة في عذاب‬
‫القبر بحجة عدم إدراكها بالحواس!‬
‫وهنا تتضح ضرورة التكامل في مصادر المعرفة‪ ،‬فما ال يمكنك إدرا ُكه‬
‫الصادق‪ ،‬أو ُتدركه بالعقل‪ ،‬وال يَ ِحق لَك‬
‫بحواسك ُت ْد ِر ُكه بالنق ِل والخب ِر َّ‬
‫إنكاره من الوجود‪.‬‬
‫عمليا‪:‬‬
‫مثاال ًّ‬
‫ولنأخذ على ذلك ً‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫موحد‪.‬‬
‫(‪ )1‬أي‪ :‬مما أقول به وأعتقده‪ ،‬ومما يقوله ويعتقده كل ِّ‬
‫(‪ )2‬التبصير في معالم الدين‪ ،‬البن جرير الطبري (ص ‪.)132‬‬

‫‪70‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬احلس‬

‫تأمل معي هذه الصورة حيث ال ترى فيها‬


‫صادق من مصد ٍر‬
‫ٌ‬ ‫سوى مسما ٍر‪ ،‬فإذا جاءك ٌ‬
‫خبر‬
‫موثوق أن في رأس هذا المسمار شعرة وكائنات‬
‫حية متنوعة‪ ،‬فما هو موقفك من هذا الخبر؟‬

‫إذا كنت متب ًعا للمنهج الصحيح في مصادر‬


‫فستصدق هذا الخبر وتؤمن به‪ ،‬ألن هذه الكائنات التي أُ ْخ ِب ْر َت عنها‬
‫ّ‬ ‫المعرفة‬
‫ال تدخل في دائرة إدراكك ال ِح ِّسي‪ ،‬وأنت تعلم أن ذلك ال يعني عدم وجودها‬
‫تصدق الخبر الصادق الذي جاءك من الثقة العالم‪.‬‬
‫فس ّ‬
‫فستنكر وجود شيء على هذا‬
‫أما لو كان عندك خلل في هذه الجزئية ُ‬
‫المسمار ألنك ال ترى شي ًئا!‬

‫رأي العين باستعمال األجهزة‬


‫غائبا ورأيته َ‬
‫فإذا كشف عنك ما كان ً‬
‫المكبرة (كما يأتي في الصور التالية)‪ ،‬فستعلم حينها أنك كنت مخط ًئا في‬
‫ِّ‬
‫إنكارك هذه الحقائق‪ ،‬ويتبين لك حقيقة ما أقول‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقطة البداية‪ :‬تصحيح مصادر املعرفة‬

‫فعلينا أن نعرف قدر أنفسنا‪ ،‬ومحدودية إدراكنا‪ ،‬فإذا ما جاءنا الخبر من‬
‫اهلل تعالى العليم بكل شيء‪ ،‬أو من نبيه ‘ الذي يُطلعه ربه سبحانه على ما‬

‫‪72‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬احلس‬

‫عقال‬
‫شاء من أمور الغيب‪ ،‬ثم لم ُندرك مدلول الخبر بحواسنا فال يحق لنا ً‬
‫إنكاره وال يجوز لنا شر ًعا ر ّده‪.‬‬
‫ومن ذلك ما ورد في حديث سجود الشمس‪ ،‬الذي أخرجه الشيخان‬
‫في صحيحيهما عن أبي ذر ‪ ،‬قال‪ :‬قال النبي ‘ ألبي ذر حين غربت‬
‫الشمس‪> :‬أتدري أين تذهب؟<‪ ،‬قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪> :‬فإنها تذهب‬
‫حتى تسجد تحت العرش‪ ،‬فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد‪ ،‬فال يقبل‬
‫منها‪ ،‬وتستأذن فال يؤذن لها يقال لها‪ :‬ارجعي من حيث جئت‪ ،‬فتطلع من‬
‫ﲴﲶﲷﲸ‬ ‫مغربها‪ ،‬فذلك قوله تعالى‪{ :‬ﲱ ﲲ ﲳ ﲵ‬
‫ﲹ} [يس‪.)1(<]38 :‬‬
‫فهذا الحديث ر َّده بعض الناس بحجة أن الكرة األرضية دائرية‪ ،‬وأننا‬
‫ال نرى الشمس تسجد هنا أو هناك!‪ ،‬فأقول جوا ًبا عن ذلك‪:‬‬
‫أوال‪ :‬لم يَ ْخ َف على المسلمين أن األرض كروية‪ ،‬فعلماؤنا يقررون ذلك‬
‫ً‬
‫منذ أكثر من ألف سنة‪.‬‬
‫فقد نقل شيخ اإلسالم ابن تيمية عن أبي الحسين بن المنادي‬
‫(ت‪336 :‬هـ) أنه نقل إجماع العلماء على ذلك‪ ،‬فقال ‪> :‬وقال اإلمام أبو‬
‫الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي من أعيان العلماء المشهورين بمعرفة‬
‫اآلثار والتصانيف الكبار في فنون العلوم الدينية من الطبقة الثانية من أصحاب‬
‫أحمد‪ :‬ر خالف بي العلماء أن السماء علد مثال الكر ‪ ،‬وأنها تدور بجميع‬
‫ما فيها من الكواكب كدورة الكرة على قطبين ثابتين‪ ،‬غير متحركين‪ :‬أحدها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ،‬رواه البخاري (‪ )3199‬ومسلم (‪.)159‬‬

‫‪73‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقطة البداية‪ :‬تصحيح مصادر املعرفة‬

‫في ناحية الشمال‪ ،‬واآلخر في ناحية الجنوب‪ ،‬قال‪ :‬ويدل على ذلك أن‬
‫الكواكب جميعها تدور من المشرق تقع قليال على ترتيب واحد في حركاتها‬
‫ومقادير أجزائها إلى أن تتوسط السماء‪ ،‬ثم تنحدر على ذلك الترتيب كأنها‬
‫ثابتة في كرة تديرها جميعها دو ًرا واح ًدا‪ ،‬قال‪ :‬وكذلك أجمع ا علد أن‬
‫ال ض بجميع حركا ها م البر والبحر مثل الكر <(‪.)1‬‬
‫وقال اإلمام أبو محمد بن حزم (ت‪456 :‬هـ) ‪> :‬إن أح ًدا من أئمة‬
‫المسلمين المستحقين السم اإلمامة بالعلم ‪ ‬لم ينكروا ك ير ال ض‪،‬‬
‫وال يُ ْح َفظ ألحد منهم في دفعه كلمة‪ ،‬بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت‬
‫بتكويرها‪ ،‬قال اهلل ‪{ :‬ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ}‬
‫[الزمر‪ ]5 :‬وهذا أوضح بيان في تكوير بعضها على بعض مأخوذ من كور العمامة‬
‫وهو إدارتها‪ ،‬وهذا نص على تكوير األرض ودوران الشمس كذلك وهي التي‬
‫منها يكون ضوء النهار بإشراقها وظلمة الليل بمغيبها وهي آية النهار بنص‬
‫القرآن قال تعالى {ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ}<(‪.)2‬‬
‫فغير ٍ‬
‫خاف على علمائنا أن األرض كروية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن النبي ‘ أخبرنا أن الشمس تسجد‪ ،‬لكنه لم يخبرنا بكيفية‬
‫ً‬
‫سجودها‪ ،‬وقد أخبر ‪ ‬عن سجود جميع المخلوقات له فقال ‪{ :‬ﱣ ﱤ‬
‫ﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳ‬
‫ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ} [الحج‪،]18 :‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مجموع فتاوى ابن تيمية (‪.)195/25‬‬
‫(‪ )2‬الفصل في الملل واألهواء والنحل‪ ،‬البن حزم (‪.)78/2‬‬

‫‪74‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬احلس‬

‫فال يعلم أحد كيفية هذا السجود ووقته وحقيقته إال اهلل ‪ ،‬وهكذا سجود‬
‫الشمس‪ ،‬ال يختلف عما ورد في اآلية من قريب أو بعيد‪ ،‬فنؤمن به‪ ،‬ونكل‬
‫علم كيفية السجود هلل تعالى‪ ،‬وليس في ذلك ما يستنكر‪.‬‬
‫استقرار تحت العرش‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫قال اإلمام الخطابي ‪> :‬ال يُ ْن َكر أن يكون لها‬
‫من حيث ال ُن ْد ِركه وال نشاهده‪ ،‬وإنما هو خبر عن غيب‪ ،‬فال ُنك ِّذب به‪ ،‬وال‬
‫نكيفه؛ ألن علمنا ال يحيط به<(‪.)1‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬ال يلزم من سجود الشمس أن يكون سجودها كسجود اآلدميين‪،‬‬
‫وهو إلصاق الجبهة باألرض‪ ،‬كما أن سجودها متحقق بخضوعها لخالقها‬
‫وانقيادها ألمره‪ ،‬وهذا هو السجود العام لكل شيء خلقه اهلل كما في آية الحج‬
‫ويسبح بحمده‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫السابقة إذ كل شيء من َخ ْل ِق اهلل تعالى يسجد له ّ‬
‫راب ًعا‪ :‬ال يلزم من سجود الشمس أن يتوقف جريانها‪ ،‬بخالف اآلدميين‪،‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر ‪> :‬وليس في سجودها كل ليلة تحت العرش ما‬
‫يعيق عن دورانها في سيرها‪ ،‬قلت‪ :‬وظاهر الحديث أن المراد باالستقرار‬
‫وقوعه في كل يوم وليلة عند سجودها ومقابل االستقرار المسير الدائم المعبر‬
‫عنه بالجري واهلل أعلم<(‪.)2‬‬
‫فالسجود عبادة‪ ،‬واهلل قد َت َع َّبد مخلوقاته بما يناسب هيئاتها وصفاتها‬
‫وطبائعها‪ ،‬فكان االنحناء والنزول لآلدميين‪ ،‬وكان غير ذلك من كيفيات‬
‫السجود لسائر الكائنات والمخلوقات مع اشتراكهما في عموم معنى السجود‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أعالم الحديث شرح صحيح البخاري‪ ،‬للخطابي (‪.)1893/3‬‬
‫(‪ )2‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر (‪.)542/8‬‬

‫‪75‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقطة البداية‪ :‬تصحيح مصادر املعرفة‬

‫الذي هو الخضوع هلل تعالى طو ًعا أو كر ًها‪.‬‬


‫إذا تقرر هذا زال اإلشكال حول هذا الحديث بحمد اهلل تعالى‪.‬‬
‫ضا عن غيره من األحاديث التي ال يُستدل على‬ ‫وبه يزول اإلشكال أي ً‬
‫وقفت على من يَ ُرد شي ًئا من ذلك‬
‫َ‬ ‫مضامينها بالحس البشري المحدود‪ ،‬فإذا‬
‫فاسلك معه الخريطة الجدلية التالية‪:‬‬
‫اسأله‪ :‬هل إد اكك محيود؟‬

‫وإن قال‪ :‬غير محدود‬ ‫فإن قال‪ :‬محدود‬

‫فاترك النقاش معه‪ ،‬ألنه‬ ‫قل له‪ :‬أحسنت وأصبت‬


‫ال يقول ذلك عاقل!‬

‫ثم قل له‪ :‬هذا يعن أن الم ج دات علد ن عي ‪:‬‬

‫م ج دات ر ني كها بالح اس‬ ‫م ج دات ني كها بالح اس‬

‫فهذا النص الشرعي الذي‬


‫استنكرته من هذا القسم‬
‫وينتهي اإلشكال‬

‫‪76‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬اخلرب‬

‫ل‬
‫امبحث الرابع‬
‫الخبر‬
‫‪$‬‬
‫شيء ما أو حصول‬ ‫الخبر الذي يسمعه اإلنسان ويعلم من خالله وقوع ٍ‬
‫شيء ما هو مصدر أصيل من مصادر المعرفة‪ ،‬وال ينكر ذلك إال مكابر؛ فإننا‬ ‫ٍ‬
‫في حياتنا اليومية نتعامل مع الخبر كمصدر معرفي مهم‪ ،‬فالخبر يفيدنا عل ًما‬
‫بما هو غائب عن حواسنا كما سبق بيانه‪ ،‬وبما ال يمكن إدراكه بعقولنا‪.‬‬
‫قال اإلمام الشاطبي ‪ ‬معد ًدا أنواع المعلومات‪> :‬وقسم ال يعلمه البتة‪،‬‬
‫إال أن يُعلم به أو يجعل له طريق إلى العلم به‪ ،‬وذلك كعلم المغيبات عنه‪،‬‬
‫كانت من قبيل ما يعتاد علم العبد به أو ال‪ ،‬كعلمه بما تحت رجليه‪ ،‬إال أنه‬
‫مغيب عنه تحت األرض بمقدار شبر‪ ،‬وعلمه بالبلد القاصي عنه الذي لم‬
‫ال عن علمه بما في السماوات وما في البحار وما في‬ ‫يتقدم له به عهد فض ً‬
‫الجنة أو النار على التفصيل‪ ،‬فعلمه لما لم يجعل له عليه دليل غير ممكن<(‪.)1‬‬
‫لكن المعتبر في اإلسالم هو الخبر الصحيح‪ ،‬وليس كل خبر بطبيعة‬
‫الحال يكون مصد ًرا من مصادر المعرفة‪.‬‬
‫ويندرج تحت ذلك الوحي اإللهي‪ ،‬والمقصود به هنا ما يوحي به اهلل إلى‬
‫أنبيائه ورسله‪ ،‬كما في قوله تعالى‪{ :‬ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ} [األنعام‪،]19 :‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬االعتصام‪ ،‬للشاطبي (‪.)283/3‬‬

‫‪77‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نقطة البداية‪ :‬تصحيح مصادر املعرفة‬

‫وهو الوسيلة التي أبلغ اهلل بها رسالته لرسله وأمرهم بتبليغها للناس‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪{ :‬ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ} [النساء‪.]163 :‬‬
‫وإذا تجاوز اإلنسان مرحلة الشك وآمن بوجود اهلل تعالى وربوبيته‬
‫وألوهيته‪ ،‬وآمن بنبوة محمد ‘ فال إشكال في اعتبار الوحي اإللهي في أعلى‬
‫درجات مصادر المعرفة عنده‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫ُّ‬
‫سسة للشبهات‬
‫املناهج املؤس‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املناهج املؤسسة للشبهات‬

‫عرفنا في الفصل السابق مصادر المعرفة‪ ،‬والتي ال يمكن للمعرفة أن‬


‫تكون صحيحة بدون مراعاتها‪.‬‬
‫ومما ينبغي أن يُعلم أنه قد حصل نوع من االنحراف والشطط في هذه‬
‫المصادر على مر التاريخ‪ ،‬فمن الناس من أنكر إمكانية الوصول إلى الحقيقة‬
‫بيقين‪ ،‬وجعل الحقائق نسبية وهم السفسطائية‪ ،‬ومنهم من غال في العقل‬
‫وأنزله في غير منزلته الصحيحة‪ ،‬ومنهم من غال في الحس والتجربة وأنزلها‬
‫كذلك في غير منزلتها الصحيحة‪ ،‬وقد تشكلت من هذه االنحرافات اتجاهات‬
‫ومناهج فتحت الباب على مصراعيه للزيغ واالنحراف عن النهج القويم‬
‫مؤسسة للشبهات‪ ،‬فإذا ما تبين بطالن‬
‫والطريق المستقيم‪ ،‬فأصبحت مناهج ِّ‬
‫وس ّدت أبوابها فلن يلج منها على األفراد والجماعات زيغ وال‬
‫هذه المناهج ُ‬
‫شبهات‪.‬‬
‫وهذه المناهج هي‪ :‬المنهج السفسطائي‪ ،‬ومنهج الغلو في العقل‪،‬‬
‫والمنهج العلموي‪ ،‬ومنهج تقسيم المسلمين إلى إسالميين وغير إسالميين‪.‬‬
‫وفي هذا الفصل سنضع هذه المناهج تحت المجهر لنبحث عن صحتها‬
‫وحقيقتها‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املناهج املؤسسة للشبهات‬

‫ل‬
‫امبحث ا أ‬
‫لول‬
‫املنهج السفسطائي‬
‫‪$‬‬
‫العقالء يقولون‪ :‬يمكن أن نصل إلى الحقيقة بيقين‪.‬‬
‫وهناك مجموعة من الناس يرون أن الحقيقة نسبية وال يمكن الوصول‬
‫إلى الحقيقة بيقين! ويُسمى هؤالء قدي ًما بالسوفسطائيين(‪ )1‬ــ وعلى رأسهم‬
‫كبيرهم الفيلسوف بروتاغوراس(‪ )2‬ــ وقد ظهروا في اليونان ما بين القرنين‬
‫الرابع والخامس قبل الميالد‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬يذكر الدكتور الطيب بوعزة في كتابه‪> :‬دفا ًعا عن السوفسطائيين< أنه ال يوجد مذهب يسمى‪:‬‬
‫(السوفسطائية) ونقد الصورة الشائعة عن السوفسطائي بأنه ذلك الرجل الشكّاك المتالعب‬
‫باأللفاظ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ال مشاحة في االصطالح‪ ،‬فإن هذا النهج في التفكير القائم على نسبية الحقيقة موجود‪،‬‬
‫سواء سميناه السوفسطائية أو لم نسمه‪ ،‬مع أن الشائع عند الكتاب المسلمين وغيرهم تسميتهم‬
‫بهذا االسم‪.‬‬
‫(‪ )2‬بروتاغوراس (‪ 480‬ق م ــ ‪ 410‬ق م) فيلسوف يوناني ولد في أبديرا‪ ،‬وطاف أنحاء إيطاليا‬
‫الجنوبية واليونان يلقي فيها الخطب‪ ،‬ثم قدم أثينا ولم تطل إقامته فيها‪ ،‬ألنه كان قد نشر کتا ًبا‬
‫سماه >الحقيقة< وردت فيه هذه العبارة‪( :‬ال أستطيع أن أعلم إن كان اآللهة موجودين أم غير‬
‫موجودين‪ ،‬فإن أمورا كثيرة تحول بيني وبين هذا العلم‪ ،‬أخصها غموض المسألة وقصر‬
‫وح ِكم عليه باإلعدام‪ ،‬وأُحرقت كتبه علنا ففر هار ًبا‪ ،‬ومات غرقا في‬
‫الحياة) فاتهم باإللحاد‪ُ ،‬‬
‫أثناء فراره‪ ،‬ومن عباراته الشهيرة‪ :‬اإلنسان مقياس األشياء جمي ًعا‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تاريخ الفلسفة اليونانية‪ ،‬ليوسف كرم‪ ،‬تعليق‪ :‬د‪ .‬مصطفى النشار (ص ‪ 78‬ــ ‪.)79‬‬

‫‪82‬‬
‫املبحث األول‪ :‬املنهج السفسطائي‬

‫قال الحافظ ابن الجوزي ‪> :‬هؤالء قوم ينسبون إلى رجل يقال له‬
‫سوفسطا(‪ :)1‬زعموا أن األشياء ال حقيقة لها وأن ما يستبعده يجوز أن يكون‬
‫على ما نشاهده ويجوز أن يكون على غير ما نشاهده<(‪.)2‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪> :‬حكي عن بعض السوفسطائية أنه‬
‫جعل جميع العقائد هي المؤثرة في االعتقادات‪ ،‬ولم يجعل لألشياء حقائق‬
‫ثابتة في نفسها يوافقها االعتقاد تارة ويخالفها أخرى‪ ،‬بل جعل الحق في كل‬
‫شيء ما اعتقده المعتقد‪ ،‬وجعل الحقائق ابعة للعقائي‪ ،‬وهذا القول على‬
‫إطالقه وعمومه ال يقوله عاقل سليم العقل‪ ،‬وإنما هو من جنس ما يحكى أن‬
‫السوفسطائية أنكروا الحقائق ولم يثبتوا حقيقة وال علما بحقيقة<(‪.)3‬‬
‫ويقول الدكتور علي سامي النشار‪> :‬نسبية كل شيء قال بها بروتاغوراس‬
‫السوفسطائي حين أراد أن ينقد أصول المعرفة >إن اإلنسان هو مقياس وجود‬
‫الشكاك بعد‪ ،‬فطبقوها‬
‫ما يوجد منها ومقياس وجود ما ال يوجد< ثم أخذ بهذا ُ‬
‫على الحد كما طبقوها على نواحي العلم كله‪ ،‬فلم تعد حقيقة من حقائق العلم‬
‫ثابتة أو مستقرة‪ ،‬بل كل شيء ــ كما يقول هرقليطس ــ في تغير مستمر<(‪.)4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وقيل في معنى السفسطة‪ :‬الحكمة المموهة‪ ،‬انظر‪ :‬مقدمة تحقيق تلخيص السفسطة ألبي‬ ‫(‪)1‬‬
‫الوليد ابن رشد (ص ج)‪ ،‬وانظر‪ :‬السفسطائية وأثرها في مدارس الشك‪ ،‬للدكتور‬
‫عبدالرحمن عواجي (ص ‪ ،)23‬والمعجم الفلسفي الصادر عن مجمع اللغة العربية في‬
‫القاهرة (ص ‪.)97‬‬
‫تلبيس إبليس البن الجوزي (‪.)288/2‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مجموع الفتاوى (‪.)135/19‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مناهج البحث عند مفكري اإلسالم‪ ،‬للدكتور علي سامي النشار (ص ‪.)191‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪83‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املناهج املؤسسة للشبهات‬

‫وهؤالء الذين يرون أنه ال يمكن الوصول إلى الحقيقة واليقين وأنهما‬
‫غير موجودين‪ ،‬ينقسمون ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪ 1‬زز الالأد ية؛ سموا بذلك ألنهم يقولون‪ :‬نحن ال ندري‪ ،‬وال نعرف‬
‫ثبوت شيء من الموجودات وال انتفاءه بل نحن متوقفون في ذلك‪.‬‬
‫‪ 2‬زز العنادية‪ ،‬نسبة إلى العناد؛ ألنهم عاندوا فنفوا الحقائق مطل ًقا‪.‬‬
‫‪ 3‬زز العنيية‪ ،‬نسبة إلى لفظ >عند<؛ ألنهم يقولون‪ :‬أحكام األشياء تابعة‬
‫العتقادات الناس‪ ،‬فكل من اعتقد شيئ ًا فهو في الحقيقة كما هو عنده وفي‬
‫اعتقاده(‪.)1‬‬
‫وقد رد عليهم جمي ًعا أبو محمد ابن حزم ‪ ‬حيث قال ر ًّدا علد‬
‫أحق‬
‫العنادية‪> :‬يكفي من الرد عليهم أن يقال‪ :‬قولكم إنه ال حقيقة لألشياء‪ٌ ،‬‬
‫هو أم باطل؟‬
‫فإن قالوا‪ :‬هو حق‪ ،‬أثبتوا حقيقة ما‪.‬‬
‫وإن قالوا‪ :‬ليس هو حق ًا؛ أقروا ببطالن قولهم وكفوا خصومهم أمرهم<(‪.)2‬‬
‫وقال ر ًّدا علد الالأد ية‪> :‬ويقال للشكاك منهم وباهلل تعالى التوفيق‪:‬‬
‫أشككم موجود صحيح منكم؟ أم غير صحيح وال موجود؟‬
‫فإن قالوا‪ :‬هو موجود صحيح منا؛ أثبتوا أيض ًا حقيقة ما‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الفصل في الملل والنحل‪ ،‬البن حزم (‪.)172/1‬‬
‫(‪ )2‬الفصل في الملل والنحل‪ ،‬البن حزم (‪.)174/1‬‬

‫‪84‬‬
‫املبحث األول‪ :‬املنهج السفسطائي‬

‫وإن قالوا‪ :‬هو غير موجود؛ نفوا الشك وأبطلوه‪ ،‬وفي إبطال الشك‬
‫إثبات الحقائق أو القطع على إبطالها<(‪.)1‬‬
‫وقال ر ًدا علد العنيية وهم أصحاب الحقيقة النسبية‪> :‬إن الشيء ال‬
‫يكون حق ًا باعتقاد من اعتقد أنه حق‪ ،‬كما أنه ال يبطل باعتقاد من اعتقد أنه‬
‫اعت ِقد أنه حق أو‬
‫باطل‪ ،‬وإنما يكون الشيء حق ًا بكونه موجود ًا ثابت ًا‪ ،‬سوا ًء ُ‬
‫اعت ِقد أنه باطل‪ ،‬ولو كان غير هذا لكان الشيء معدوم ًا موجود ًا في حال واحدة‬
‫ُ‬
‫في ذاتها‪ ،‬وهذا عين المحال<(‪.)2‬‬
‫وهذه خريطة جدلية توضح ردود اإلمام ابن حزم ‪ ‬على طوائف‬
‫السفسطائية‪:‬‬

‫الرد علد العنادية أن ُيقال لهم‪ :‬ق لكم (ر حقيقة لألشياء) حق أم باطل؟‬

‫وإن قالوا‪ :‬باطل‬ ‫فإن قالوا‪ :‬حق‬


‫قد أقروا ببطالن قولهم وكفونا المؤنة‬ ‫فقد أثبتوا حقيقة ما وناقضوا أنفسهم‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المصدر السابق (‪.)174/1‬‬
‫(‪ )2‬المصدر السابق (‪.)174/1‬‬
‫‪85‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املناهج املؤسسة للشبهات‬

‫الرد علد الالأد ية أن ُيقال لهم‪ :‬شكّكم م ج د صحيح أم ر؟‬

‫وإن قالوا‪ :‬غير موجود‬ ‫فإن قالوا‪ :‬موجود صحيح‬


‫فقد نفوا الشك وأبطلوه‬ ‫أثبتوا حقيقة ما‬

‫ومن الطرائف التي تروى عنهم أن أحد كبار السفسطائية واسمه بيرون‪،‬‬
‫كان يشك في كل شيء‪ ،‬ويسمونه بيرون الشكاك‪ ،‬فيروى أنه مرة كان يعبر‬
‫الطريق فرأى عربة من بعيد يجرها حصان تقترب منه‪ ،‬فنظر إليها وهو يقول‪:‬‬
‫هذه تشبه العربة‪ ،‬لكن كيف يتسنى لي أن أتأكد أن حواسي ال تخدعني؟‬
‫وبينما هو كذلك أتت العربة ودهسته هو وتفكيره وسقط أرض ًا!(‪.)1‬‬

‫ويُخشى على من يسلك هذا المنهج في التفكير أن يصل به الحال إلى‬


‫العدمية! وهي موقف يرى أن العالم كله بما في ذلك وجود اإلنسان‪ ،‬عديم‬
‫القيمة وخال من أي مضمون أو معنى حقيقي‪ ،‬فهو مذهب ينفي وجود أية‬
‫هيكلية للقيم(‪.)2‬‬
‫ّ‬ ‫وأية‬
‫حقيقة أخالقية‪ّ ،‬‬
‫قال الدكتور عبدالرزاق بلعقروز‪> :‬فثمة صلة واصلة بين النسبية المعرفية‬
‫الممارسات األخالقية‪ ،‬فمن ال يؤسس لمنظومة سلوکه‬ ‫وذيوع العدمية في ُ‬
‫بناء على رؤية معرفية كلية ونهائية تحدد المنطلقات والمقاصد‪ ،‬وفيها من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬السفسطائية وأثرها في مدارس الشك‪ ،‬للدكتور عبدالرحمن عواجي (ص ‪ 88‬ــ ‪.)89‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬موسوعة أندريه الالند الفلسفية‪( ،‬ص ‪.)871‬‬

‫‪86‬‬
‫املبحث األول‪ :‬املنهج السفسطائي‬

‫الممارسات السلوكية سيكون مآلها فقدان القيمة‬ ‫الثبات نصيب‪ ،‬فإن ُ‬


‫واستجابتها للواحق والمتغيرات النفسية والفيزيولوجية واالجتماعية الفاقدة‬
‫للوحدة الفكرية والسلوكية‪ ،‬ألن من يفقد القدرة على الصعود ال يملك إال‬
‫أن يهوي بفعل جاذبية األرض<(‪.)1‬‬
‫فنسبية الحقيقة إشكالية كبيرة؛ ألن عدم وجود أرضية مشتركة بين الناس‬
‫تقوم عليها ساق الحقائق يؤذن بهالك البشرية‪ ،‬فال يمكن ألحد أن يمنع أح ًدا‬
‫عن خطأ أو يرده عن غي! ألن األمور نسبية‪ ،‬وما هو خطأ عندك ال يعني أنه‬
‫خطأ عندي! وال تسأل بعد ذلك عن المشاكل والكوارث‪.‬‬
‫لكن ال ينبغي اليأس من معالجة هذا الفكر‪ ،‬وقد نقل ابن الجوزي عن‬
‫ابن عقيل الحنبلي ‪> :‬إن أقواما قالوا كيف نكلم هؤالء؟ وغاية ما يمكن‬
‫المجادلة أن يقرب المعقول إلى المحسوس ويستشهد بالشاهد فيستدل به على‬
‫الغائب وهؤالء ال يقولون بالمحسوسات فبم يكلمون؟!‬
‫الع َطن(‪ ،)2‬وال ينبغي أن يُو َئ َس(‪ )3‬من معالجة‬
‫الم َضيِّ ِق َ‬
‫قال‪ :‬وهذا َك ُ‬
‫هؤالء‪ ،‬فإن ما اعتراهم ليس بأكثر من الوسواس وال ينبغي أن يضيق عطننا‬
‫وم َثلُهم‬
‫عن معالجتهم‪ ،‬فإنهم قوم أخرجتهم عوارض انحراف مزاج‪ ،‬وما َم َثلنا َ‬
‫إال َك َرجل ُر ِزق ول ًدا أحول فال يزال يرى القمر بصورة قمرين حتى إنه لم‬
‫يشك أن في السماء قمرين‪ ،‬فقال له أبوه‪ :‬القمر واحد وإنما السوء في عينيك‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أزمة الحداثة ورهانات الخطاب اإلسالمي‪ ،‬للدكتور عبدالرزاق بلعقروز (ص ‪.)83‬‬
‫ضيق الصدر‪.‬‬
‫(‪ )2‬أي‪ :‬قليل الصبر ّ‬
‫(‪ )3‬أي‪ :‬نيأس‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املناهج املؤسسة للشبهات‬

‫قمرا واح ًدا ألني غطيت‬ ‫غض عينك الحوالء وانظر‪ ،‬فلما فعل قال‪ :‬أرى ً‬
‫إحدى عيني فغاب أحدهما‪ ،‬فجاء من هذا القول شبهة ثانية فقال له أبوه‪ :‬إن‬
‫كان ذلك كما ذكرت فغط الصحيحة ففعل فرأى قمرين فعلم صحة ما قال‬
‫أبوه<(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تلبيس إبليس (‪ 291/1‬ــ ‪.)292‬‬

‫‪88‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬منهج الغلو يف العقل‬

‫ل‬
‫امبحث الثاني‬
‫منهج الغلو في العقل‬
‫‪$‬‬
‫تشغيبا على النصوص الشرعية بأنها تتعارض مع العقل!‬ ‫ً‬ ‫كثيرا ما سمعنا‬
‫ً‬
‫وهذا فيه تدليس‪ ،‬ألنهم جعلوا العقل بمعنى واحد! وهذا خطأ؛ ألننا عرفنا‬
‫في الفصل السابق أن العقل له أربعة معا ٍن‪.‬‬
‫قال األستاذ عبدالجليل الكور‪> :‬مما يالحظ بهذا الصدد‪ ،‬هو أن كثير ًا‬
‫من الذين يَ ّدعون االستناد إلى العقل ال يُك ّلفون أنفسهم تحديد مقصودهم به!‬
‫أو تبيان الشروط المحددة الستعمالهم إياه‪ ،‬فتراهم يرسلون الكالم بأن العقل‬
‫بت‪ ،‬والعقل ال يَقبل‪ ،‬والعقل يُوجب‪ ،‬بل إن منهم من ال يكاد ينظر إلى‬ ‫يُ ْث ْ‬
‫العقل إال في تعارضه مع النقل<(‪.)1‬‬
‫كثيرا عند العلمانيين‬
‫ضا ً‬ ‫وتجدر اإلشارة هنا إلى أن في مفهوم العقل غمو ً‬
‫منظري العلمانية العرب‪،‬‬
‫ومن يسمون أنفسهم عقالنيين! لذلك قال أحد كبار ّ‬
‫وهو د‪ .‬عادل ضاهر‪> :‬إن مفهوم العقل ذاته ما زال يحتاج إلى الكثير من‬
‫التوضيح‪ ،‬والالفت للنظر أن غموض هذه األطروحة‪ ،‬بل وغموض مفهوم‬
‫العقل ذاته‪ ،‬ليس نصيب عقولنا منه أكثر بكثير من نصيب عقول رصفائنا في‬
‫تأصل االتجاهات العقلية في الغرب وسيطرتها‬ ‫الغرب‪ ،‬على الرغم من عمق ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬لماذا لست ملح ًدا‪ ،‬لعبدالجليل الكور‪( ،‬ص ‪.)25‬‬

‫‪89‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املناهج املؤسسة للشبهات‬

‫شبه الكاملة على شؤون الحياة‪ ،‬فما زال الخالف قائ ًما في الغرب حول معنى‬
‫عمليا‪،‬‬
‫ال ً‬ ‫العقل‪ ،‬وما إذا كان للعقل وظيفة معيارية أم أن وظيفته‪ ،‬باعتباره عق ً‬
‫محصورة في تحديد الوسائل القمينة(‪ )1‬بتحقيق غايات متفق عليها مسب ًقا‪،‬‬
‫وحتى أطروحة أولية العقل‪ ،‬التي قال بها مفكرو عصر التنوير وأصبحت من‬
‫المصادر األساسية للفكر الغربي على مدى قرون‪ ،‬هي اآلن موضع سؤال من‬
‫قبل مفكرين كجاك دريدا وريتشارد رورتي‪ ،‬اللذين سبقهما إلى وضعها موضع‬
‫سؤال فالسفة كبرغسون‪ ،‬وهوسرل‪ ،‬وهيدجر‪ ،‬وسواهم من فالسفة التأويل‪،‬‬
‫والفالسفة الوجوديين‪ ،‬وفالسفة ما بعد الحداثة<(‪.)2‬‬
‫فإطالق كلمة العقل دون تمييز بين معانيه المشتركة فيه تدليس وخلط!‪.‬‬
‫قال أبو حامد الغزالي ‪> :‬إذا قيل ما حد العقل؟ فال تطمع في أن‬
‫تحده بحد واحد‪ ،‬فإنه َه َوس‪ ،‬ألن اسم العقل مشترك يطلق على عدة معان‪،‬‬
‫إذ يطلق على بعض العلوم الضرورية‪ ،‬ويطلق على الغريزة التي يتهيأ بها‬
‫اإلنسان لدرك العلوم النظرية‪ ،‬ويطلق على العلوم المستفادة من التجربة حتى‬
‫إن من لم تحنكه التجارب بهذا االعتبار ال يسمى عاقال‪ ،‬ويطلق على من له‬
‫وقار وهيبة وسكينة في جلوسه وكالمه وهو عبارة عن الهدوء فيقال‪ :‬فالن‬
‫عاقل أي في هدوء‪ ،‬وقد يطلق على من جمع العمل إلى العلم حتى أن المفسد‬
‫وإن كان في غاية من الكياسة يمنع عن تسميته عاقال<(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أي‪ :‬الجديرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬أولية العقل‪ ،‬لعادل ضاهر (ص ‪.)18‬‬
‫(‪ )3‬المستصفى‪ ،‬للغزالي (‪.)64/1‬‬

‫‪90‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬منهج الغلو يف العقل‬

‫لذلك قبل أن نناقش أح ًدا من أصحاب هذا المنهج إذا أبدى معارضة‬
‫سؤاال‪ :‬ما مقصودك بالعقل هنا؟‬
‫العقل للشرع يجب أن نسأله ً‬
‫* فإن كنت تقصد بالعقل البيهيات العقلية‪ ،‬فهذا ال يتعارض مع الشرع‬
‫بحمد اهلل‪ ،‬وال يوجد في شرع اهلل ما يخالفه البتة‪ ،‬إذ ال يوجد في كتاب اهلل‬
‫تعالى وال سنة رسوله ‘ شيء من المحاالت العقلية أب ًدا‪.‬‬
‫وهذا أمر مشهور معروف عند علماء اإلسالم‪ ،‬فقد قال اإلمام الشافعي‬
‫‪> :‬يستدل على الصدق والكذب فيه بأن يحدث المحدث ما ال يجوز أن‬
‫يكون مثله<(‪.)1‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪> :‬ونحن نعلم أ َّن الرسل ال يُخبِرون‬
‫انتفاءه‪،‬‬
‫َ‬ ‫علم العقل‬
‫بمحارات العقول‪ ،‬فال يُخبِرون بما يَ ُ‬
‫بمحاالت العقول‪ ،‬بل ُ‬
‫العقل عن معرفته<(‪.)2‬‬
‫عجز ُ‬ ‫بل يُخبِرون بما يَ ِ‬
‫وقال أبو الفرج ابن الجوزي ‪> :‬أال ترى أنه لو اجتمع خلق من‬
‫الثقات فأخبروا أن الجمل قد دخل في سم الخياط لما نفعتنا ثقتهم وال أثرت‬
‫في خبرهم‪ ،‬ألنهم أخبروا المستحيل‪ ،‬فكل حييث أيته يخالف المعق ل‪،‬‬
‫أو يناقض الص ل‪ ،‬فاعلم أنه م ب ع فال تكلف اعتبا ه<(‪.)3‬‬
‫والمقصود بمخالفة المعقول أي البدهيات العقلية‪ ،‬وليس ظن ن الظاني‬
‫ور خرصات الخا صي ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الرسالة للشافعي (ص ‪.)399‬‬
‫(‪ )2‬درء التعارض (‪.)147/1‬‬
‫(‪ )3‬الموضوعات البن الجوزي (‪.)150/1‬‬
‫‪91‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املناهج املؤسسة للشبهات‬

‫المي ِكة‪ ،‬فهذا ُسخف!‪ ،‬ألنها ال ُتتصور‬


‫* أما إن كان المقصود الغري ُ‬
‫أصال >ألن تلك الغريزة ليست عل ًما يُتصور أن‬‫معارضتها للنصوص الشرعية ً‬
‫يعارض العقل‪ ،‬وهي شرط في كل علم عقلي أو سمعي كالحياة‪ ،‬وما كان‬
‫منافيا له<(‪.)1‬‬
‫شر ًطا في الشيء امتنع أن يكون ً‬
‫* أما إن كان المقصود به العل م المكتسبة‪ ،‬كالظنون ونحوها ــ وهذا‬
‫غالبا ــ فهذه ليست قطعية‪ ،‬وإنما هي ظنية‪ ،‬فنتائجها ليست ح ًقا‬
‫مقصودهم ً‬
‫بالضرورة‪ ،‬كما سبق بيانه‪.‬‬
‫وبناء على ذلك فال يمكن معارضتها بنصوص القرآن والسنة‪،‬‬
‫ألسباب‪:‬‬
‫‪ 1‬زز أن هذه العلوم المكتسبة هي نتيجة العقل بمعنى الغريزة المدركة‪،‬‬
‫والعقل بهذا المعنى كغيره من الحواس اإلنسانية من السمع والبصر‪ ،‬لها‬
‫حدود ال تتجاوزها وأقدار ال تتخطاها‪ ،‬فالعقل ال يمكنه إدراك كل شيء‪.‬‬
‫قال اإلمام الشاطبي ‪> :‬اعلم أن اهلل جعل للعقول في إدراكها ح ًدا‬
‫تنتهى إليه ال تتعداه‪ ،‬ولم يجعل لها سبيال إلى اإلدراك في كل مطلوب‪ ،‬ولو‬
‫كانت كذلك الستوت مع الباري تعالى في إدراك جميع ما كان وما‬
‫يكون<(‪.)2‬‬
‫‪ 2‬زز أن العلوم المكتسبة الناتجة عن آلة العقل من المحتمل ج ًدا أن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬درء تعارض‪ ،‬البن تيمية (‪.)88/1‬‬
‫(‪ )2‬االعتصام للشاطبي (‪ )282/3‬ط‪ .‬دار ابن الجوزي‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬منهج الغلو يف العقل‬

‫تكون مغلوط ًة مضللة‪ ،‬ألن آلة العقل قابلة للخداع والتحكم والتضليل!‪.‬‬
‫وهذا ما يستغله بعض السياسيين لخداع شعوبهم وتضليلهم‪ ،‬كما قال‬
‫آل غور(‪> :)1‬هناك بنى عقلية أخرى تحكم المشاعر واالنفعاالت‪ ،‬ولها تأثير‬
‫على صنع القرار أكبر من تأثير العقل والمنطق‪ ،‬إضافة إلى ذلك فإن قوة تأثير‬
‫االنفعاالت على العقل أشد من تأثير العقل على االنفعاالت‪ ،‬وال سيما انفعال‬
‫الخوف‪ ،‬وقد بلغ تشارلز تابر ــ أحد علماء جامعة ستوني بروك ــ حد القول‬
‫إن >نموذج العقل المتجرد من العواطف ــ الذي ُوضع في عصر التنوير‬
‫واجبا من واجبات المواطنة ــ هو نموذج مفلس من الناحية‬
‫األوروبي بوصفه ً‬
‫التجريبية<(‪.)2‬‬
‫‪ 3‬زز هناك قاعدة عقلية مهمة تنص على أن عيم العلم ليس عل ًما بالعيم‪،‬‬
‫أي أن عدم علمنا بالحقائق ال ينفي ثبوتها في نفسها‪> ،‬فما أخبر به الصادق‬
‫المصدوق ‘ هو ثابت في نفس األمر‪ ،‬سواء علمنا صدقه أو لم نعلمه‪.‬‬
‫ومن أرسله اهلل تعالى إلى الناس فهو رسوله‪ ،‬سواء علم الناس أنه رسول‬
‫أو لم يعلموا‪ ،‬وما أخبر به فهو حق‪ ،‬وإن لم يصدقه الناس‪ ،‬وما أمر به عن‬
‫اهلل فاهلل أمر به وإن لم يطعه الناس‪ ،‬فثبوت الرسالة في نفسها وثبوت صدق‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ألبرت أرنولد "آل" غور االبن (باإلنجليزية‪)Albert Arnold "Al" Gore, Jr :‬؛ (ولد سنة‬
‫‪1948‬م) هو نائب رئيس الواليات المتحدة الخامس واألربعين في عهد الرئيس بيل كلينتون‬
‫في الفترة بين عام ‪ 1993‬وحتى عام ‪ ،2001‬وكان مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة وخسر‬
‫االنتخابات الرئاسية في الواليات المتحدة سنة ‪2000‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬هجوم على العقل‪ ،‬آل غور (ص ‪.)50‬‬

‫‪93‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املناهج املؤسسة للشبهات‬

‫ال‬
‫الرسول‪ ،‬وثبوت ما أخبر به في نفس األمر‪ :‬ليس موقوف ًا على وجودنا‪ ،‬فض ً‬
‫عن أن يكون موقوف ًا على عقولنا‪ ،‬أو على األدلة التي نعلمها بعقولنا‪.‬‬
‫وهذا كما أن وجود الرب تعالى وما يستحقه من األسماء والصفات‬
‫ثابت في نفس األمر‪ ،‬سواء علمناه أو لم نعلمه<(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬البن تيمية (‪.)88/1‬‬

‫‪94‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬املنهج العلموي‬

‫ل‬
‫امبحث الثالث‬
‫املنهج العلموي‬
‫‪$‬‬
‫المنهج العلموي أو النزعة العلموية (‪ )Scientism‬هو االتجاه الفكري‬
‫الذي يقرر بأن العلم التجريبي يمكنه أن يحقق كل ما يحتاجه اإلنسان‪ ،‬وبأنه‬
‫ال طريق للمعرفة إال بالعلم التجريبي فقط‪ ،‬وأنه ال وجود لشيء ال يمكن‬
‫إدراكه عن طريق التجريب‪.‬‬
‫فالنزعة العلموية ليست قضية معرفية فقط‪ ،‬وإنما هي مع ذلك قضية‬
‫وجودية‪ ،‬فهي إذن حقيقة مركبة من أمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬دعوى أن العلم يمكن أن يعرف كل ما يهم اإلنسان‪ ،‬وحصر‬
‫طرق المعرفة اإلنسانية في طريق واحد فقط‪.‬‬
‫والثان ‪ :‬حصر الموجودات في األمور التي يمكن للعلم التجريبي أن‬
‫يدرسها ويتحقق منها(‪.)1‬‬
‫وجاء تعريف هذه النزعة في المعجم الفلسفي الصادر عن مجمع اللغة‬
‫العربية على النحو اآلتي‪> :‬اتجاه يرمي إلى رد كل شيء إلى العلم واعتباره‬
‫قيمة حقيقية مطلقة‪ ،‬فهو ال يسلم إال بالمنهج والحقائق العلمية‪ ،‬وال يستمسك‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ظاهرة نقد الدين في الفكر الغربي الحديث‪ ،‬للدكتور سلطان العميري (‪.)431/1‬‬

‫‪95‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املناهج املؤسسة للشبهات‬

‫به بوجه خاص إال أنصار العلوم الكيميائية والطبيعية<(‪.)1‬‬


‫فهذا المنهج يُلغي الخبر كمصدر من مصادر المعرفة‪ ،‬كما أنه يُلغي‬
‫الفطرة‪ ،‬ويُلغي العقل كذلك كمصدر من مصادر المعرفة‪ ،‬وال يؤمن إال بما‬
‫يُرى ويُحس ويُشاهد‪.‬‬
‫وقد ُبنيت هذه النزعة في األساس على المنهج التجريبي‪ ،‬الذي بدوره‬
‫له أصوله الفكرية القديمة عند فالسفة اإلغريق‪ ،‬وقد نوقش من قِبل مشاهير‬
‫الفالسفة في ذلك الوقت‪ ،‬مثل‪ :‬أرسطو وأفالطون‪.‬‬
‫لكن تجلى هذا المنهج واتضح في القرن السابع عشر وبدايات القرن‬
‫الثامن عشر‪ ،‬من خالل مجموعة من الفالسفة‪ ،‬بد ًءا من فرانسيس بيكون(‪،)2‬‬
‫مرو ًرا بجون لوك(‪.......................................... ،)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المعجم الفلسفي الصادر عن مجمع اللغة العربية (ص ‪.)200‬‬
‫(‪ )2‬فرانسيس بيكون (‪ 1561‬ــ ‪1626‬م) فيلسوف إنجليزي‪ ،‬ولد في لندن ودرس في كلية‬
‫الثالوث في جامعة كمبردج ثم تركها بعد ثالث سنوات ساخ ًطا عليها‪ ،‬وقد أحسن إليه أحد‬
‫الوجهاء وهو إيريل أسيكس فأهداه ضيعة كاملة في توكينهام‪ ،‬ولكن الزمان قد دار بعد ذلك‬
‫فترافع ضد صديقه المحسن إليه في إحدى المحاكم مما أ ّدى إلى إعدامه! ففقد بيكون شعبيته‬
‫فترة من الزمن بسبب ذلك‪ ،‬وقد تراكمت عليه الديون بعد ذلك بسبب بذخه فألقي القبض‬
‫عليه سنة ‪1598‬م‪.‬‬
‫وهو صاحب العبارة الشهيرة‪> :‬قليل من الفلسفة يقترب بعقل اإلنسان من اإللحاد‪ ،‬أما التعمق‬
‫فيها فيزيده إيما ًنا<‪.‬‬
‫انظر‪ :‬قصة الفلسفة‪ ،‬لويل ديورانت (ص ‪ 70‬ــ ‪.)86‬‬
‫(‪ )3‬جون لوك (‪ 1632‬ــ ‪1704‬م) فيلسوف انجليزي ُولِد في قرية سومرست‪ ،‬ودرس في‬
‫تجاو َز الخمسين‪=،‬‬
‫أوكسفورد‪ ،‬وهرب من البالد في أواخر صيف عام ‪1683‬م وكان قد َ‬
‫‪96‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬املنهج العلموي‬

‫وانتها ًء بديفيد هيوم(‪ ،)1‬هؤالء الثالثة هم َم ْن وضع أُسس هذا المنهج‪ ،‬على‬
‫تفاوت فيما بينهم‪.‬‬
‫خصص كتا ًبا في قضية المنهج التجريبي‬
‫ويُقال‪ :‬إن جون لوك هو أول َم ْن َّ‬
‫وهو كتاب (مقال في الفهم البشري) الذي ُنشر سنة ‪1690‬م‪.‬‬

‫لول‪ :‬اسثاب ظهور النرعة العلموية‬


‫المطلث ا أ‬
‫هذه النزعة هي نتيجة لتداعيات وأفكار واعتماالت كثيرة حصلت خالل‬
‫القرون الماضية أ ّدت إلى تشكّلها وظهورها بشكل جلي‪ ،‬من أهمها‪:‬‬
‫‪ 1‬زز ظهور االكتشافات العلمية المبهرة‪ ،‬التي بدأت من القرن الثامن‬
‫غيرت حياة الناس‬‫عشر وتعاظمت في القرن التاسع عشر الميالدي‪ ،‬والتي َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= ولم يكن قد ُن ِشر له بع ُد أي من أعماله المهمة‪ ،‬ووافَ ْته المنية في المنزل الريفي ألصدقائه آل‬
‫ماشام في أوتس بمدينة إسكس‪.‬‬
‫انظر‪ :‬جون لوك‪ :‬مقدمة قصيرة ج ًّدا‪ ،‬تأليف‪ :‬جون َدن‪ ،‬ترجمة‪ :‬فايقة جرجس حنا‪.‬‬
‫(‪ )1‬ديفيد هيوم (‪ 1711‬ــ ‪1776‬م)‪ ،‬فيلسوف واقتصادي ومؤرخ اسكتلندي‪ ،‬ولد في مدينة أدنبرة‬
‫باسكتلندا‪ ،‬تأثر ج ًدا بالتجريبيين مثل جون لوك‪ ،‬وأُعجب ج ًدا بالعلم الطبيعي النيوتوني ألنه‬
‫نجح في تفسير حركة األجسام األرضية والسماوية بقليل من المبادئ العامة والكلية‪ ،‬وهذا‬
‫ما جعله يحاول دراسة الطبيعة اإلنسانية بنفس األسلوب الذي درس به نيوتن الطبيعة‬
‫الفيزيائية‪ ،‬هادف ًا التوصل إلى أهم القوانين والمبادئ التي تحكم الطبيعة البشرية والسلوك‬
‫اإلنساني‪ ،‬األخالقي والمعرفي والسياسي واالقتصادي‪ .‬وكان هيوم ينظر إلى المنهج التجريبي‬
‫على أنه هو المنهج العلمي‪ ،‬وأن الدراسة العلمية للطبيعة البشرية هي دراسة من منطلق المنهج‬
‫التجريبي‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تاريخ الفلسفة الحديثة‪ ،‬ليوسف كرم‪( ،‬ص ‪.)181‬‬

‫‪97‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املناهج املؤسسة للشبهات‬

‫بشكل جذري‪ ،‬فقد برز في القرن التاسع عشر ثورة علمية بكل ما تحمله هذه‬
‫الكلمة من معنى‪ ،‬بحيث يمكننا أن نضع هذا القرن إلى يومنا هذا في كفة‪،‬‬
‫والتاريخ اإلنساني كله في كفة أخرى فيما يتعلق بالعلوم واالكتشافات‬
‫العلمية‪ ،‬حتى وصلنا إلى هذا العصر الذي نعيشه‪ ،‬وال أبالغ إذا قلت‪ :‬إن‬
‫كل ما تقع عليه عين اإلنسان اليوم هو عبارة عن اختراع إنساني‪ ،‬حتى غدت‬
‫حياة اإلنسان في رفاهية‪ ،‬قد تفوق حياة الملوك قدي ًما‪ ،‬في وسائل النقل‪،‬‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫فصار عند الناس بسبب هذه االكتشافات حالة من االنبهار سلبت‬
‫عقولهم‪ ،‬رغم أن هذه الثورة العلمية والصناعية ال تخلو من سلبيات اجتماعية‬
‫وبيئية وصحية كثيرة ‪ ،‬لكنهم أُعجبوا بها وبالعلماء الذين َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫غيروا حياتهم‬
‫حده‪ ،‬فصار الناس أشبه بالطفل الذي يرى والده يفعل أشياء ال‬‫إعجا ًبا تعدى ّ‬
‫يستطيع هو أن يفعلها‪ ،‬فاعتقد أن أباه يستطيع أن يفعل كل شيء!‬
‫‪ 2‬زز الكنيسة‪ ،‬وما يُسمى برجال الدين‪ ،‬أو اإلكليروس(‪ ،)2‬فالكنيسة‬
‫المطلعين ــ ُتضايق العلماء والمكتشفين‬ ‫كانت ــ كما ال يخفى على ُ‬
‫والمخترعين‪ ،‬وقد تتهمهم بالهرطقة إذا خرجوا قيد أنملة عما تقوله‪ ،‬وقد‬
‫تصل عقوبة ذلك إلى اإلعدام‪ ،‬وذلك ألن الكنيسة ظنت أن هذا التيار العلمي‬
‫الجديد سيسحب البساط من تحتها‪ ،‬بساط الهيمنة على عقول الناس‪ ،‬فصار‬
‫هناك كفاح مرير ــ على حد تعبير محمد أسد ــ بين عبقرية أوروبا وروح‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تاريخ القرن التاسع عشر‪ ،‬لمحمد قاسم وحسين حسني (ص ‪.)148‬‬
‫(‪ )2‬اإلكليروس‪ :‬هو النظام الكهنوتي الخاص بالكنيسة‪ ،‬الذي يترتب فيه رجال الدين النصارى‬
‫وفق رتب معينة‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬املنهج العلموي‬

‫(‪)1‬‬
‫كثيرا مما تؤمن به الكنيسة في تلك الفترة لم يكن‬
‫الكنيسة ‪ ،‬مع العلم أن ً‬
‫مورو ًثا من المسيح ‪ ،‬وإنما هو خليط من األساطير والخرافات في الغالب‪.‬‬
‫‪ 3‬زز التحالف اآلثم الذي نشأ بين ملوك أوروبا مع الكنيسة‪ ،‬فأصبحت‬
‫الكنيسة تبرر لهؤالء الملوك أفعالهم‪ ،‬وتوزع عليهم صكوك الرحمة‪ ،‬مقابل‬
‫خدمة الكنيسة والقيام بالحمالت الصليبية‪ ،‬ومن أمثلة ذلك خروج ثالثة من‬
‫ملوك أوروبا بأنفسهم في الحملة الصليبية الثالثة سنة ‪1189‬م‪ ،‬وهم ملوك‬
‫ألمانيا وفرنسا وإنجلترا(‪.)2‬‬
‫يقول الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور متحد ًثا عن الملك األوربي أوتو‪:‬‬
‫>وقد لجأ أوتو األول بحكم اتجاهه نحو االعتماد على الكنيسة ورجالها إلى‬
‫التوسع في منح األساقفة ومقدمي األديرة اإلقطاعات الكبيرة‪ ،‬كما نصب نفسه‬
‫حاميا للكنيسة وأمالكها‪ ،‬وسرعان ما أصبح کبار رجال الدين في ألمانيا على‬‫ً‬
‫درجة واسعة من النفوذ والسلطان‪ ،‬كما أخذوا يباشرون سلطات واسعة في‬
‫النواحي القضائية والمالية واإلدارية<(‪.)3‬‬
‫ويقول ويل ديورانت‪> :‬ساند ملوك أوروبا الكنيسة في القرون األولى‬
‫تدريجيا‪ ،‬فزادت ثرواتها وأصبح‬
‫ً‬ ‫من نشأتها‪ ،‬وقد سلبتهم الكنيسة كل الحقوق‬
‫النفوذ الكنسي هو األقوى على مستوى أوروبا كلها‪ ،‬وامتألت خزائن الكنائس‬
‫بالتبرعات والهبات التي قدمها لها التجار وأصحاب الثروات‪ ،‬وهكذا‬
‫استطاعت الكنيسة السيطرة على أوروبا ألف عام وذلك بفضل دستورها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اإلسالم على مفترق طرق‪ ،‬لمحمد أسد (ليوبولد فايس)‪ ،‬ترجمة‪ :‬عمر فروخ‪( ،‬ص ‪.)40‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬تاريخ الحروب الصليبية‪ ،‬د‪ .‬محمود سعيد عمران‪( ،‬ص ‪.)148‬‬
‫(‪ )3‬تاريخ أوروبا في العصور الوسطى‪ ،‬د‪ .‬سعيد عبدالفتاح عاشور‪( ،‬ص ‪.)256‬‬

‫‪99‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املناهج املؤسسة للشبهات‬

‫وعقيدتها الموحدة‪ ،‬ولم يمر بالعالم ــ ولن يمر به ــ مثل ذلك التوحد الفريد‪.‬‬
‫وقد أحاطت الكنيسة بالعقل األوربي بطريقة محكمة تشبه إحاطة‬
‫الصدفة بالحيوان البحري‪ ،‬وهكذا تقيدت الحركة الفلسفية بقيود العقيدة‬
‫المسيحية‪ ،‬فهناك افتراضات ومسلمات ال يجب تجاوزها أو التخلي عنها‪،‬‬
‫لكن في القرن الثالث عشر الميالدي تنبه العالم المسيحي لما ترجمه العرب‬
‫واليهود من فلسفة أرسطو‪ ،‬وكانت الكنيسة ال تزال قوية‪ ،‬فاستطاعت تحويل‬
‫فلسفة أرسطو إلى فلسفة دينية مناسبة للقرون الوسطى<(‪.)1‬‬
‫فبهذه األسباب مجتمعة وغيرها انفجرت الثورات‪ ،‬ومنها الثورة الفرنسية‬
‫التي قامت سنة ‪1789‬م‪ ،‬والتي ُتعتبر نقطة التحول الكبرى في حياة الناس‬
‫في أوروبا‪ ،‬ففيها أُلغيت سلطة الكنيسة وسطوتها الجاثمة على الصدور‪ ،‬رغم‬
‫دموية هذه الثورة وبشاعتها‪ ،‬إال أنها أشعلت فتيل الثورات في أوروبا كلها‪.‬‬
‫ثم دخلت بريطانيا في القرن التاسع عشر بما يُسمى بالعصر الفيكتوري‪،‬‬
‫والذي يعتبر العلم والتجربة من أبرز سماته‪.‬‬

‫‪b‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قصة الفلسفة‪ ،‬ويل ديورانت‪( ،‬ص ص ‪.)69‬‬

‫‪100‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬املنهج العلموي‬

‫م‬‫عل‬‫ل‬ ‫ه‬‫ف لمن‬ ‫المطلث الثاني‪ :‬ا أ‬


‫لسكالأب الفكرية ي ا ج ا وي‬
‫أفرزت هذه النزعة جمل ًة من النتائج الفكرية واإلشكاالت المعرفية‪،‬‬
‫متأثرا بها‬
‫التي ّأسست بدورها للعديد من الشبهات التي ال يزال بعض الناس ً‬
‫مع األسف الشديد‪ ،‬وهذه اإلشكاالت يجب بحثها على طاولة العقل الصريح‬
‫والنظر الصحيح‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫أور‪ :‬هم البشر أنهم أصبح ا ف غند ع الل ‪!‬‬
‫ً‬
‫قال تعالى‪{ :‬ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ} [العلق‪ 6 :‬ــ ‪ ]7‬أي أن‬
‫اإلنسان ليتجاوز حده‪ ،‬ويستكبر على ربه‪ ،‬فيكفر به‪ ،‬إذا رأى نفسه‬
‫استغنت(‪.)1‬‬
‫أبصارهم عن رؤية ضعفهم وفقرهم‬ ‫َ‬ ‫التقدم العلمي والتقني‬
‫لقد أعمى ّ‬
‫وقوة اهلل تعالى وغناه‪ ،‬ووصل العمى مداه عندما ظنوا أنهم باكتشافهم قوانين‬
‫الكون أصبحوا في غنى عن تدبير الخالق ‪ ،‬حتى أعلن الفيلسوف الملحد‬
‫فريدريك نيتشه موت اإلله! فقال‪> :‬مات اإلله! ويظل اإلله ميت ًا! ونحن من‬
‫قتلناه! كيف يمكننا أن نعزي أنفسنا‪ ،‬نحن أكبر القتلة؟ إن أقدس وأعظم ما‬
‫امتلكه العالم قد نزف دمه حتى الموت بطعنات ُمدانا<(‪.)2‬‬
‫وقد أهدى الفيزيائي الفرنسي بيير البالس(‪ )3‬إلى نابليون ذات مره كتابه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬جامع البيان‪ ،‬لإلمام الطبري (‪.)532/24‬‬
‫(‪ )2‬العلم المرح‪ ،‬لفريدريك نيتشه (ص ‪.)132‬‬
‫(‪ )3‬بيير سيمون دو البالس (‪ 1749‬ــ ‪1827‬م)‪ ،‬فيزيائي ورياضي وفلكي فرنسي‪ ،‬تسلم وزارة‬
‫الداخلية في عهد نابليون‪ ،‬وفي سنة ‪1812‬م وعندما كان نابليون في أوج عظمته أهداه البالس=‬

‫‪101‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املناهج املؤسسة للشبهات‬

‫>حركة األجرام السماوية< فقال نابليون‪ :‬لماذا يخلو الكتاب من ذكر اإلله؟‬
‫فقال البالس‪ :‬يا سيدي لست بحاجة إلى هذا االفتراض!(‪.)1‬‬

‫ثانيا‪ :‬فكر إله الفج ات (‪:)God of the gaps‬‬


‫ً‬
‫نتيجة لما سبق ظهرت في تلك الفترة فكرة ما يُسمى بإله الفجوات‬
‫(‪ ،)God of the gaps‬ويعنون بها أن المؤمنين بوجود اهلل تعالى قدي ًما آمنوا‬
‫باإلله ألنهم لم يعرفوا تفسير حركة الكون‪ ،‬فلجئوا إلى فكرة اإلله لتفسير ما‬
‫َع َج َز ال ِعلم عن تفسيره‪ ،‬وذلك لسد الفجوات المعرفية التي لم يستطع العلم‬
‫أو العلماء أن يسدوها بعد‪.‬‬
‫مثال‪ ،‬لم يعرف الناس قدي ًما كيف ينزل‬
‫فظاهرة كونية كظاهرة المطر ً‬
‫اكت ِشفت الدورة الطبيعية للماء وأنها هي سبب نزول‬
‫فقالوا‪ :‬اهلل أنزله‪ ،‬ثم لما ُ‬
‫المطر قالوا‪ :‬إذن ال حاجة لإلله!‬
‫وال شك أن هذا الكالم سخيف ومتهافت‪ ،‬سرعان ما يتهشم على‬
‫صخرة النظر العقلي الصحيح‪ ،‬وبيان ذلك في قاعدة‪ :‬السبب القريب ر ينف‬
‫السبب البعيي‪.‬‬
‫أي‪ :‬أن العقل ال يمنع أن يكون للحدث عدة أسباب‪ ،‬وال يلزم من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= الطبعة الجديدة من كتابه >نظرية تحليلية في االحتماالت<‪ ،‬ولكن بعد ذلك بعامين زال‬
‫سلطان نابليون ونفي إلى جزيرة (سانت هيالنه) والمفارقة أن البالس كان من بين األشخاص‬
‫الذين أصدروا قرار نفيه!!‬
‫انظر‪ :‬موسوعة علماء الفيزياء‪ ،‬موريس شربل (ص ‪.)249‬‬
‫(‪ )1‬العلم في منظوره الجديد‪ ،‬روبرت أغروس (ص ‪.)54‬‬

‫‪102‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬املنهج العلموي‬

‫اكتشافك للسبب القريب أن ينتفي السبب البعيد‪.‬‬


‫فمثال لو أن عندي آلة إلنتاج الخبز‪ ،‬وهذه اآللة ال تعمل إال بتشغيل‬
‫ً‬
‫قريبا وهو اآللة‪،‬‬
‫سببا ً‬
‫وإدارة م ّني‪ ،‬فإذا ظهر لك الخبز‪ ،‬فمعنى ذلك أن هناك ً‬
‫عقال أن تنفي أنني أنا الذي أنتجت الخبز‬
‫وسببا بعي ًدا وهو أنا‪ ،‬وال يجوز ً‬
‫ً‬
‫لمجرد أنك عرفت كيفية تشغيل هذه اآللة! فاالكتفاء بالسبب القريب عن‬
‫السبب البعيد خلل عقلي وفكري واضح‪.‬‬
‫وتوضيح ذلك في الشكل اآلتي‪:‬‬
‫ظهور السبب رقم (‪ )3‬للناس بعد أن كان‬ ‫السبب رقم ‪1‬‬
‫خافيا ال يعني نفي السببين رقم (‪ )2‬ورقم‬
‫ً‬
‫السبب رقم ‪2‬‬
‫(‪ ،)1‬وال يعني بطبيعة الحال نفي مسبب‬ ‫السبب رقم ‪3‬‬
‫األسباب كلها‪ ،‬وهو اهلل تعالى‪.‬‬ ‫النتيجة‬

‫فاهلل ‪ ‬هو مسبب األسباب‪ ،‬وخالق كل شيء‪ ،‬فالمطر أنزله اهلل‬


‫‪ ،‬وقال‪{ :‬ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴﲵ ﲶ ﲷ ﲸ}‬
‫{ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ‬ ‫ضا فقال‪:‬‬
‫[الشورى‪ ،]28 :‬وقد ذكر اهلل ‪ ‬أن له أسبا ًبا أي ً‬
‫ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳ‬

‫ﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄ‬

‫ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ} [الروم‪ 48 :‬ــ ‪.]49‬‬


‫فاهلل ‪ ‬هو مسبب األسباب وهو الذي أنزل المطر‪ ،‬وهذا ال ينافي أن‬
‫المطر له أسباب مادية‪ ،‬وقل مثل ذلك في كل الحوادث الكونية‪.‬‬
‫‪103‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املناهج املؤسسة للشبهات‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪> :‬والذي دل عليه الكتاب والسنة وكان‬
‫عليه سلف األمة وأئمتها أن اهلل يخلق األشياء باألسباب‪ ،‬فالقوى التي جعلها‬
‫في الحيوان والجماد هي من األسباب التي بها يُ ْح ِدث الحوادث<(‪.)1‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬الثنائية ال ائفة بي اليي والعلم‪:‬‬


‫من اإلشكاالت الفكرية في النزعة العلموية كذلك محاولة بعض الناس‬
‫مغايرا للدين‬
‫أمرا ً‬ ‫إيجاد ثنائية متقابلة‪ ،‬وهي ثنائية العلم والدين! فيعتبرون العلم ً‬
‫ال يمكن أن يلتقي معه! وهذا خلل كبير في الفهم أورث تصو ًرا خاط ًئا(‪.)2‬‬
‫وقبل أن نشرح هذا الخلل البد من التنبيه على أمرين مهمين‪:‬‬
‫‪ 1‬زز هناك خلط في الترجمة بين لفظي العلم والمعرفة‪ ،‬وذلك أنه عندما‬
‫ظهر العلم التجريبي الطبيعي في أوربا أرادوا تمييزه عن العلم الذي تدل عليه‬
‫كلمات مثل كلمة ‪ knowledge‬في اللغة اإلنجليزية‪ ،‬فاختاروا له لفظة تدل‬
‫عليه بخصوصه‪ ،‬وتميزه عن العلم بصفة عامة‪ ،‬وهي لفظة ‪ science‬ذات‬
‫األصل الالتيني‪ ،‬لكن المترجمين العرب فعلوا العكس تما ًما‪ ،‬فعمدوا إلى‬
‫أكثر الكلمات داللة على العلم بصفة عامة وأعطوها هذا المعنى الخاص‪،‬‬
‫فصارت كلمة (علم) تعني ‪ science‬ثم أرادوا أن يميزوا بين هذا المعنى‬
‫الخاص والمعنى العام فعمدوا إلى كلمة أخرى‪ ،‬هي كلمة (معرفة) فأعطوها‬
‫المعنى العام الذي تدل عليه كلمة ‪ knowledge‬هذا مع أن كلمة معرفة أخص‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬شرح العقيدة األصبهانية‪ ،‬البن تيمية (ص ‪.)401‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬اإليمان بالخالق والعلم‪ ،‬لجوردون ليدنر (ص ‪ )47‬وما بعدها‪ ،‬فقد أورد العديد من‬
‫عبارات كبار العلماء التجريبيين التي تنفي التعارض بين العلم والدين‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬املنهج العلموي‬

‫من كلمة علم‪ ،‬فأدى العبث بمعاني هذه األلفاظ المهمة إلى خلط تصوري‬
‫عظيم‪ ،‬والسيما في العالقة بين العلم والدين‪ ،‬فكلمة (العلم) من أهم‬
‫الكلمات القرآنية وأكثرها ورو ًدا في الكتاب العزيز‪ ،‬لكنها عندما أعطيت ذلك‬
‫المعنى الخاص‪ ،‬معنى كلمة ‪ science‬حدث لبس عظيم‪ ،‬من أمثلته‪ :‬أننا‬
‫صرنا نسمع بعض الناس يقولون‪ :‬هذه مسألة علمية ال دينية! بل سمعنا من‬
‫يقول‪ :‬إن القرآن كتاب هداية ال كتاب علم!(‪.)1‬‬
‫‪ 2‬زز ال يجوز أن نجعل األديان كلها في سلة واحدة(‪ ،)2‬فهناك إشكاالت‬
‫حقيقية في النصرانية واليهودية مع العلم التجريبي‪ ،‬فمن الظلم ــ ونحن‬
‫نتحدث عن العالقة بين الدين والعلم ــ أن نجعل اإلسالم في جهة واحدة‬
‫فضال عن بقية األديان األخرى!(‪.)3‬‬
‫مع اليهودية والنصرانية ً‬
‫لذلك حديثنا هنا عن نفي التعارض بين العلم التجريبي والدين‬
‫اإلسالمي على وجه الخصوص‪ ،‬وال شأن لنا ببقية األديان(‪.)4‬‬
‫إذا تقرر هذا فيجب العلم أنه ال تعارض بين اإلسالم وبين العلوم‬
‫التجريبية على اإلطالق‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫انظر‪ :‬مناهج التفكير الموصلة للحقائق الشرعية والكونية‪ ،‬للدكتور جعفر شيخ إدريس‬ ‫(‪)1‬‬
‫(ص ‪ 217‬ــ ‪.)218‬‬
‫كما فعل صادق جالل العظم في كتابه المتهافت‪ :‬نقد الفكر الديني!‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫انظر كتاب‪ :‬بين الدين والعلم‪ ،‬تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى‪ ،‬ألندرو ديكسون‬ ‫(‪)3‬‬
‫وايت‪ ،‬ترجمة إسماعيل مظهر‪ ،‬وهذا الكتاب تكلم عن عالقة العلم مع الديانة النصرانية على‬
‫وجه الخصوص‪.‬‬
‫انظر لمزيد تفصيل في هذه المسألة كتاب‪ :‬موقف اإلسالم والكنيسة من العلم‪ ،‬لعبداهلل‬ ‫(‪)4‬‬
‫المشوخي‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املناهج املؤسسة للشبهات‬

‫وكيف نتصور وجود هذا التعارض واإلسالم يحث على العلم والتق ّدم‬
‫والثقافة في نصوص كثيرة؟! منها ما رواه اإلمام أحمد في مسنده من حديث‬
‫ابن عباس ‪ ‬قال‪ :‬كان ناس من األسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء‪ ،‬فجعل‬
‫رسول اهلل ‘ فداءهم أن يعلِّموا أوالد األنصار الكتابة(‪.)2()1‬‬
‫وعن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد عن أبيه‬
‫زيد بن ثابت ‪ ‬قال‪> :‬لما قدم النبي ‘ المدينة‪ ،‬أُتي بي إليه فقرأت عليه‪،‬‬
‫فقال لي‪> :‬تعلم كتاب اليهود‪ ،‬فإني ال آمنهم على كتابنا<‪ ،‬قال‪ :‬فما َم َّر بي‬
‫نصف شهر حتى تعلمته‪ ،‬فكنت أكتب للنبي ‘‪ ،‬وأقرأ كتبهم إليه<(‪.)3‬‬
‫قال الحافظ ابن كثير ‪> :‬وقد كان زيد بن ثابت من أشد الناس ذكاء‪،‬‬
‫تعلم لسان يهود وكتابهم في خمسة عشر يوما‪ ،‬قال أبو الحسن بن البراء‪ :‬تعلم‬
‫الفارسية من رسول كسرى في ثمانية عشر يوما‪ ،‬وتعلم الحبشية والرومية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه اإلمام أحمد في المسند (‪ 92/4‬ــ رقم‪ )2216 :‬وقال محققوه‪ :‬حسن‪ ،‬وأخرجه البيهقي‬
‫(‪ )322/6‬وروى ابن سعد في الطبقات (‪ )22/2‬من طرق عن عامر الشعبي قال‪ :‬كان فداء‬
‫أسارى بدر أربعة آالف إلى ما دون ذلك فمن لم يكن عنده شيء‪ ،‬أُ ِمر أن يعلم غلمان األنصار‬
‫الكتابة‪ ،‬وهذا مرسل‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫صا في حرص النبي ‘ على تعليم الكتابة في‪ :‬أقضية رسول اهلل ‘‪ ،‬لإلمام ابن‬ ‫(‪ )2‬انظر نصو ً‬
‫الطالع (‪ 235/1‬ــ ‪ ،)236‬وكتاب تخريج الدالالت السمعية‪ ،‬للخزاعي (ص ‪ 84‬ــ ‪،)78‬‬ ‫ّ‬
‫وكتاب التراتيب اإلدارية‪ ،‬للكتاني (‪ 213/1‬ــ ‪.)221‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري في صحيحه تعلي ًقا (‪ ،)7195‬ورواه موصو ًال أبو داود (‪ ،)3645‬والترمذي‬
‫(‪ ،)2715‬وقال األلباني في السلسلة الصحيحة (رقم ‪> :)187‬قلت‪ :‬وإسناده حسن‪ ،‬وإنما‬
‫صححه الترمذي ألن له طريقا أخرى‪ ،‬وقد قال الترمذي عقب ذلك‪> :‬وقد روي من غير هذا‬
‫الوجه عن زيد بن ثابت‪ ،‬رواه األعمش‪ ،‬عن ثابت بن عبيد األنصاري عن زيد بن ثابت‬
‫قال‪ :‬أمرني رسول اهلل ‘ أن أتعلم السريانية<‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬املنهج العلموي‬

‫والقبطية من خدام رسول اهلل ‘<(‪.)1‬‬


‫وقد قبل النبي ‘ فكرة حفر الخندق من سلمان الفارسي ‪ ‬وهي‬
‫استراتيجية جديدة مستوردة من الفرس لم تكن تعرفها العرب‪ ،‬كما قبل فكرة‬
‫صنع المنبر ذي الدرجات الثالث‪ ،‬إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة‪.‬‬
‫فاإلسالم لم يحارب العلم واالكتشاف واالختراع‪ ،‬بل إن العلماء‬
‫المسلمين هم من ص ّدروا العلوم التجريبية إلى الغرب األوروبي‪ ،‬ويكفي أن‬
‫وع َّين‬
‫مثال أن الخليفة العباسي المقتدر قد >أنشأ غرفة لألطباء َ‬ ‫تعرف ً‬
‫سنان بن ثابت رئي ًسا لها‪ ،‬وأمره أن يمتحن كل طبيب على حدة‪ ،‬فإذا ما‬
‫وجده ضلي ًعا في فرع من فروع الطب أعطاه تصريحا بالعمل فيه‪ ،‬هذا وقد بلغ‬
‫طبيبا)‪،‬‬
‫عدد األطباء في جانبي بغداد ثمانمئة رجل ونيفا وستين رجال (‪ً 860‬‬
‫سوى من استغنى عن محنته(‪ )2‬باشتهاره بالتقدم في صناعته‪ ،‬وسوى من كان‬
‫في خدمة السلطان‪ ،‬في الوقت الذي لم يكن في كل مقاطعات الراين طبيب‬
‫واحد!<(‪.)3‬‬
‫وقال علي عزت بيجوفيتش‪> :‬عرف العالِم العربي البيروني قبل خمسة‬
‫قرون من كوبرنيكوس أن األرض تدور حول محورها وحول الشمس‪ ،‬وبسبب‬
‫برهنته لم يُتهم بالهرطقة ولم ير أحدهم أن تعاليمه ضد الدين‪ ،‬لم يتعلق األمر‬
‫وقتها بعالقة ليبرالية في ذلك المجتمع‪ ،‬إن نظام كوبرنيكوس المركزي كان في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬البداية والنهاية‪ ،‬البن كثير (‪.)170/11‬‬
‫(‪ )2‬أي‪ :‬امتحانه‪.‬‬
‫(‪ )3‬شمس العرب تسطع على الغرب‪ ،‬لزيغريد هونكه (ص ‪.)235‬‬

‫‪107‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املناهج املؤسسة للشبهات‬

‫تعارض مع المشاعر المسيحية عن العالم‪ ،‬ولم يتعلق األمر باألرض ووضعها‪،‬‬


‫وإنما باإلنسان وموقعه من الكون‪ ،‬لم يضع كوبرنيكوس مع األرض والريف‬
‫في دائرة خارجية وحسب‪ ،‬وإنما معها اإلنسان‪ ،‬األرض لم تعد مركز العالم‪،‬‬
‫وال حتى اإلنسان وكان على ذلك‪ ،‬أن يقلق بشدة المسيحية‪ ،‬ولكن ليس‬
‫اإلسالم‪ ،‬والذي ال يحمل مفهوما خاصا وممي ًزا عن اإلنسان‪ ،‬التعاليم التي‬
‫كانت مستعدة لتوحيد اهلل واإلنسان >اإلله ــ اإلنسان< كان عليها وفقا لتعاليم‬
‫كوبرنيكوس أن تنظر في بدعة غير مشفوعة‪ ،‬وأن تهاجم عرضها المحبب‪ ،‬ومن‬
‫هنا االختالف في القبول‪ ،‬وفي مصير كوبرنيكوس والبيروني<(‪.)1‬‬
‫‪b‬‬
‫م‬‫عل‬‫ل‬ ‫ه‬‫أ لمن‬
‫لدلة على بطلن ا ج ا وي‬
‫المطلث الثالث‪ :‬ا أ‬
‫بعد أن تبين لنا عدم التعارض بين اإلسالم والعلم التجريبي‪ ،‬وأن العلم‬
‫مستنكرا في اإلسالم‪ ،‬بل هو مرغوب فيه‪ ،‬يجب‬
‫ً‬ ‫التجريبي ليس مستهج ًنا وال‬
‫أن نعلم أن المنهج العلموي الذي يحصر المعرفة في الماديات التجريبية منهج‬
‫باطل‪ ،‬وأدلة ذلك ما يلي‪:‬‬
‫‪ 1‬زز صحة المنهج العلموي ادعاء‪ ،‬واالدعاء ال يثبت إال ببرهان؛ فإن‬
‫صدقت بهذا المنهج دون برهان ــ كما يفعل بعض األغرار ــ فقد ناديت على‬
‫ّ‬
‫نفسك بالدوغمائية(‪!)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬هروبي إلى الحرية‪ ،‬لعلي عزت بيجوفيتش (ص ‪ 329‬ــ ‪.)330‬‬
‫(‪ )2‬الدوغمائية‪ :‬حالة من الجمود الفكري‪ ،‬يتعصب فيها الشخص ألفكار ِه الخاصة لدرجة رفضه ِ=‬

‫‪108‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬املنهج العلموي‬

‫لذلك نحن نطالب أصحاب هذا المنهج بالبرهان‪ ،‬وهذا البرهان ال يخلو‬
‫من أمرين‪ :‬إما أن يكون مصدره المنهج العلموي نفسه‪ ،‬أو يكون مصدره من‬
‫غيره‪:‬‬
‫* فإن كان مصدره المنهج العلموي نفسه فهذه مغالطة منطقية ُتسمى‬
‫ارستيرل اليائر ! وهي البرهنة على المسألة بنفسها!‬
‫* وإن كان مصدره من خارج المنهج العلموي‪ ،‬فقد حكموا على‬
‫أنفسهم بالخطأ في حصر المعرفة اإلنسانية بالعلم التجريبي!‬
‫فهذا المنهج يعاني إذن من مأزق استحالة البرهنة على صحته‪.‬‬
‫‪ 2‬زز المنهج العلموي يوقعنا في مأزق كبير ج ًّدا‪ ،‬وهو عدم إمكان‬
‫االستدالل على المستحيالت‪ ،‬فإنه من المعلوم أن الموجودات ثالثة أنواع‪:‬‬
‫مستحيالت‪ ،‬وممكنات‪ ،‬وواجبات‪ ،‬فالمنهج العلموي عاجز عن إثبات‬
‫المستحيالت‪ ،‬ألنه يقوم على إثبات الوجود ال إثبات العدم‪ ،‬فإن ذلك مرجعه‬
‫إلى العقل‪.‬‬
‫‪ 3‬زز حصر مصادر المعرفة في مصدر واحد فيه تضييق وتحجير للمعرفة‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وحرمان من آفاق واسعة من المعرفة‪ ،‬التي يمكننا الحصول عليها‬
‫من العقل أو الخبر‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أفكار ُه خاطئة‪،‬‬
‫َ‬ ‫االطالع على األفكار المخالفة‪ ،‬وإن ظهرت ُله الدالئل التي تثبت ُله أن‬ ‫=‬
‫سيحاربها بكل ما أوتي من قوة‪ ،‬ويصارع من أجل إثبات صحة أفكار ِه وآرائهِ‪ ،‬وتعتبر حالة‬
‫شديدة من التعصب لألفكار والمبادئ والقناعات‪ ،‬لدرجة معاداة كل ما يختلف عنها‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املناهج املؤسسة للشبهات‬

‫‪ 4‬زز ال يمكن أن يقوم المنهج العلموي التجريبي إال على القواعد العقلية‪،‬‬
‫فبدون مبدأ السببية العقلي‪ ،‬ال يمكن االستفادة من أي تجربة مخبرية قط‪.‬‬
‫‪ 5‬زز المنهج العلموي عاجز عن إيجاد وتوحيد معيار األخالق‪ ،‬ألن‬
‫العلوم محايدة إزاء األخالق‪ ،‬وال يمكن إثبات األخالق من خالل المنهج‬
‫أصال؟ وما هو الجيد منها؟ وما‬
‫التجريبي‪ ،‬فال يمكن معرفة ما هي األخالق ً‬
‫هو السيئ؟‬
‫وهذا ما حدا الملحد الشهير ريتشارد دوكنز أن يقول‪> :‬ما الذي يمنعنا‬
‫من القول أن هتلر لم يكن على حق؟ أعني‪ ،‬هذا سؤال صعب ح ًقا<! كما‬
‫نقله عنه ريتشارد فيكارت(‪.)1‬‬
‫فظهر بذلك بطالن هذا المنهج‪ ،‬والحمد هلل‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪)1‬‬ ‫‪The Death of Humanity, Richard Weikart, ( p80 ).‬‬

‫‪110‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬منهج تقسيم املسلمني إىل إسالميني وغري إسالميني‬

‫ل‬
‫امبحث الرابع‬
‫منهج تقسيم املسلمين إلى إسلميين وغيرإسلميين‬
‫‪$‬‬
‫المؤسسة للشبهات منهج تقسيم المسلمين إلى إسالميين‬
‫ِّ‬ ‫من المناهج‬
‫وغير إسالميين‪ ،‬ولم يعرف المسلمون مصطلح (اإلسالميين!) منذ عهد النبي‬
‫ابتدع هذا‬
‫تقريبا قبل سنوات قليلة‪ ،‬حين ُ‬
‫‘ إلى منتصف القرن الماضي ً‬
‫فمزق المسلمين شي ًعا‬
‫المصطلح في ظروف غامضة ومالبسات مشبوهة‪ّ ،‬‬
‫وأحزا ًبا‪ ،‬وفتح أبواب شر كثيرة‪.‬‬
‫وممن نفخ في كير هذا المصطلح معهد واشنطن لسياسة الشرق‬
‫األدنى(‪ ،)1‬فقد كتب الباحثون فيه عدة مقاالت ترسخ هذا التفريق‪ ،‬وهي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬معهد واشنطن لسياسة الشرق األدنى ( ‪The Washington Institute for Near East‬‬
‫‪ )Policy‬هو معهد بحثي أمريكي تأسس سنة ‪1985‬م من ِقبل لجنة العالقات األمريكية‬
‫اإلسرائيلية المعروفة اختصارا بأيباك ومقره في واشنطن‪ ،‬بحسب موقعه اإللكتروني أُسس لترقية‬
‫فهم متوازن وواقعي للمصالح األمريكية في الشرق األوسط‪ ،‬وبتوجيه من مجلس مستشارين‬
‫بارز من كال الحزبين من أجل توفير العلوم واألبحاث لإلسهام في صنع السياسة األمريكية في‬
‫هذه المنطقة الحيوية من العالم‪ ،‬وينقل موقع تقرير واشنطن أن الهدف من تأسيسه كان دعم‬
‫المواقف اإلسرائيلية من خالل قطاع األبحاث ومراكز البحوث وأن أيباك كانت المؤسسة األم‬
‫للمعهد حيث إن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم األبحاث السابق باللجنة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الموقع الرسمي للمعهد‬
‫‪/https://www.washingtoninstitute.org/ar/about/mission-and-history‬‬

‫‪111‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املناهج املؤسسة للشبهات‬

‫مترجمة إلى اللغة العربية وموجودة في موقع المعهد الرسمي‪ ،‬ومنها قولهم‪:‬‬
‫>‪ ..‬ولدوا ٍع تعريفية‪ ،‬ال بد من اإلشارة إلى أن اإلسالم هو رؤي ٌة عالمية‪،‬‬
‫ونظام قيم‪ ،‬ونظام معتقدات يعتنقه نحو ‪ 1,5‬مليار مسلم في جميع أنحاء‬
‫العالم‪ ،‬أما اإلسالم السياسي‪ ،‬على سبيل المقارنة‪ ،‬فه إييي ل جيا سياسية‬
‫يعم فسير ًا صا م ًا لإلسالم‪ ،‬الذ ه محيود ومتصلّب وصا م‪ ،‬وقان ن‬
‫ف الغالب (أ متقيي بحرفية الشريعة)(‪ ...)1‬ويرسم اإلسالميون صور ًة لدولة‬
‫إسالمية دينية وأسطورية تخاطب العالم اإلسالمي بأجمعه‪ ،‬ولم يكن لها‬
‫وجود صراح ًة‪ ،‬ولكنهم يستغلون فكرتها لحشد الناس على ممارسة العنف‪،‬‬
‫وحين تمتزج اإليديولوجيا اإلسالمية بالعقيدة السلفية‪ ،‬تنشأ هذه المظاهر‬
‫الحديثة للجهادية السلفية‪ ،‬فما الذي يجب فعله؟ يجب عزل اإليديولوجيا‬
‫المتطرفة العنيفة عن اإلسالم الشائع<(‪.)2‬‬
‫وسبب حرصهم على هذا التقسيم هو خشية انتهاض جميع المسلمين‬
‫وانتفاض هممهم للدفاع عن دينهم‪ ،‬لذلك قالوا في مقالة أخرى‪> :‬يجب على‬
‫المفكرين الغربيين أن يدركوا الفرق بين اإلسالموية وعقيدة اإلسالم‪ ،‬وإال‬
‫فإننا نتجه إلى معركة أيديولوجية مع ربع تعداد البشرية<(‪.)3‬‬
‫فمن هم اإلسالميون أو الراديكاليون في نظرهم؟ الجواب في تتمة‬
‫المقال السابق‪> :‬فهذه األحزاب اإلسالموية‪ ،‬حتى عندما ال تلجأ إلى العنف‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬يعني أن المسلم العادي ال يلتزم بالشريعة اإلسالمية بحرفية!‪.‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫‪https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/islamist-‬‬
‫‪terrorism-in-the-west‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫‪https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/is-it-islamic-‬‬
‫‪or-islamist‬‬

‫‪112‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬منهج تقسيم املسلمني إىل إسالميني وغري إسالميني‬

‫تمثل أيديولوجية غير ليبرالية في جوهرها فهي على سبيل المثال ترفض‬
‫االعتراف بالمساواة بين الجنسين<(‪.)1‬‬
‫ومن المعلوم أن اإلسالم هو الذي ّفرق بين الرجل والمرأة في بعض‬
‫األحكام‪ ،‬وليس اإلسالميون!‪ ،‬لكنها محاربة اإلسالم تحت مسمى محاربة‬
‫اإلسالميين!‪.‬‬
‫ويقول جيمس ولسي ــ مفص ًحا عن الراديكاليين! ــ‪> :‬يؤمن الراديكاليون‬
‫بأن فشل العالم اإلسالمي متجذر في قلة إيمان المسلمين‪ ،‬وبأن الحل الوحيد‬
‫للدين‪ ،‬کما يتخيلون أنه حاصل‬ ‫الصافي ّ‬‫لمشكالتهم هو في العودة إلى المنبع ّ‬
‫في حياة محمد(‪ )2‬وصحابته‪ ،‬يعتقدون أن النموذج هو في حكم اإلسالم‬
‫يروجون ألكثر‬
‫عمليا أنهم ّ‬
‫وقانونه الذي طبق في القرن السابع‪ ،‬وهذا يعني ً‬
‫قوانين الشريعة تشد ًدا<(‪.)3‬‬
‫يعني أن جريمة الراديكاليين الشنعاء باختصار أنهم يريدون تطبيق‬
‫طبقه محمد ‘ وصحابته!‬ ‫اإلسالم الصافي كما ّ‬
‫ويصرح جراهام فولير في ندوة قدمها في معهد واشنطن لسياسات‬
‫الشرق األدنى بأن‪> :‬اإلسالمية هي األيديولوجية التي بلغت إلى أبعد من‬
‫کاليون‪ ،‬فاإلسالمي هو ذلك الذي يؤمن‬
‫ذلك الذي بلغه اإلرهابيون الرادي ّ‬
‫وينشط لتنفيذ فكرة أن القرآن والسنة يجب استعمالهما كمرشدين ليقودا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المصدر السابق‪.‬‬
‫(‪.‘ )2‬‬
‫(‪ )3‬صورة اإلسالم في إعالم المحافظين الجدد‪ ،‬د‪ .‬عائشة وزوز (ص ‪.)205‬‬

‫‪113‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املناهج املؤسسة للشبهات‬

‫المجتمعات والحكومات<(‪.)1‬‬
‫أما المسلمون غير الراديكاليين الجيدين في نظر الغرب فهم المنسلخون‬
‫عن دينهم والمقتربون من الفكر الغربي!‬
‫ومع األسف الشديد فإن بعض المسلمين قد ساهم في ترسيخ هذه‬
‫المفاهيم المشوهة المغلوطة‪ ،‬وذلك بتسمية أنفسهم إسالميين! وبإطالق ما‬
‫يُسمى باألحزاب اإلسالمية! أو الجماعات اإلسالمية‪ ،‬ثم انقسموا وتشرذموا‬
‫إلى أحزاب {ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ} [المؤمنون‪.]53 :‬‬
‫والمسلم يجب أن ال يرضى دون اإلسالم نسبة‪ ،‬فكلنا مسلمون‪ ،‬ال‬
‫فرق بيننا إال بالتقوى‪ ،‬والتقوى علمها عند اهلل ‪ ،‬فال ينبغي أن يُ َّفرق بيننا‬
‫بنا ًء على أشكالنا أو لباسنا‪ ،‬وذلك ألن الدين مجموعة من العبادات والشعائر‬
‫يسير منها ظاهر‪ ،‬وكثير منها خفي‪ ،‬فبنا ًء على ماذا يُص ّنف‬‫واالعتقادات‪ٌ ،‬‬
‫اطلعت على أعمالهم؟ هل‬ ‫َ‬ ‫اإلسالمي بأنه إسالمي وهذا غير إسالمي؟ هل‬
‫اطلعت على قربهم من اهلل؟ أم أنك أخذت بالمظاهر فقط؟‬‫َ‬
‫ولهذا التقسيم سلبيات كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ 1‬زز أنه أمر ُمحدث مبتدع لم يكن على عهد النبي ‘ ولم يكن على‬
‫عهد صحابته الكرام‪ ،‬ولم يكن في عهد القرون المفضلة‪ ،‬بل كان الناس في‬
‫عهد النبي ‘ مسلمين فقط‪ ،‬قال اهلل تعالى‪{ :‬ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ‬
‫ﲫ} [الحج‪.]78 :‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬صورة اإلسالم في إعالم المحافظين الجدد‪ ،‬د‪ .‬عائشة وزوز (ص ‪.)209‬‬

‫‪114‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬منهج تقسيم املسلمني إىل إسالميني وغري إسالميني‬

‫‪ 2‬زز أنها تفتح الباب ألعداء اإلسالم في محاربة الدين تحت ستار‬
‫محاربة اإلسالميين الراديكاليين! وذلك بعد تشويههم وتضخيم أخطائهم‪،‬‬
‫لكي يُـ َب ِّغضوا الناس في الدين من خاللهم!‬
‫تقول شيريل بينارد في توصيات تقريرها الشهير عن اإلسالم‬
‫الديموقراطي المدني‪> :‬مالحقة األصوليين بقوة وضرب نقاط الضعف في‬
‫مواقفهم اإلسالمية واأليديولوجية‪ ،‬وذلك بفضح األشياء التي ال يمكن أن‬
‫تتقبلها ال مثالية الشباب من جمهورهم المستهدف وال ورع التقليديين؛ مثل‪:‬‬
‫والتحيز األعمى واألخطاء الفاحشة‬
‫ّ‬ ‫فسادهم ووحشيتهم وجهلهم الفاضح‪،‬‬
‫التي يقعون فيها عند تطبيقهم لإلسالم‪ ،‬وعجزهم عن القيادة والحكم<(‪.)1‬‬
‫‪ 3‬زز أنها توهم أن اإلسالمي ــ حسب تصنيفهم! ــ هو الوحيد المسؤول‬
‫مسؤوال عن‬
‫ً‬ ‫عن تحكيم شرع اهلل في أرض اهلل‪ ،‬وأن غيره من المسلمين ليس‬
‫ذلك!‪ ،‬بل يكتفي بالصالة والصيام‪ ،‬وال عالقة له بعد ذلك في شأن من‬
‫شؤون اإلسالم‪ ،‬ال في أمر بمعروف وال نهي عن منكر‪ ،‬أو سعي الستكمال‬
‫تحكيم شرع اهلل! فأبعدوا جماهير المسلمين عن خيرية هذه األمة‪ ،‬التي قال‬
‫‪ ‬عنها‪{ :‬ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ‬
‫ﱗ} [آل عمران‪.]110 :‬‬
‫خاصا بها!‪ ،‬فغير اإلسالميين‬
‫‪ 4‬زز أنهم بهذا التقسيم جعلوا لكل فئة دي ًنا ًّ‬
‫لهم دين ال حرام فيه‪ ،‬فال يرون على أنفسهم غضاضة في ارتكاب الحرام‪،‬‬
‫نصحته بأمر‬
‫َ‬ ‫فقط ألنهم غير إسالميين بزعمهم!‪ .‬حتى إن بعض الناس إذا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اإلسالم الديموقراطي المدني‪ ،‬لشيريل بينارد‪( ،‬ص ‪ )112‬ترجمة‪ :‬إبراهيم عوض‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املناهج املؤسسة للشبهات‬

‫مثال‪ ،‬فقلت‪ :‬يا فالن‪ ،‬اتق اهلل‪ ،‬هذا حرام‪ ،‬يقول لك‪ :‬يا أخي‪ ،‬أنا لست‬ ‫ً‬
‫ولست متدي ًنا‪ ،‬فلماذا تنصحني؟! وهذا واهلل من تلبيس إبليس‪.‬‬
‫ُ‬ ‫إسالميا‪،‬‬
‫ً‬
‫وحقيقة األمر أن كل آية في كتاب اهلل تخاطبك كما أنها تخاطبني‪ ،‬وكل‬
‫آية في كتاب اهلل أنت مسؤول عنها كما أنني أنا مسؤول عنها‪ ،‬كل حديث‬
‫صح عن النبي ‘ فهو مو َّجه لك‪ ،‬ومو َّجه لي‪ ،‬ومو َّجه للجميع‪ ،‬أنا وأنت‬ ‫َّ‬
‫سنقف يوم القيامة مع الناس جمي ًعا‪.‬‬
‫و ِم ْن َم ْك ِر هؤالء أنه بعد إسقاط ما يُسمى باإلسالميين تأتي عملية إبراز‬
‫شخصيات معينة على هيئة عالم دين‪ ،‬أو مفكّر إسالمي(‪!)1‬‬
‫تقول شيريل بينارد‪> :‬لإلسالم الحداثي العديد من الممثلين والقادة‬
‫المحتملين‪ ،‬وهم أفراد يجمعون المؤهالت العلمية الوثيقة والمعرفة التامة‬
‫بالعقيدة اإلسالمية إلى جانب تعليم ومنظومة قيم حديثين‪ ،‬وبعضهم بارز في‬
‫المجتمعات أو الدوائر األكاديمية المحلية‪ ...‬ومن بين هؤالء الذين تنتشر‬
‫كتاباتهم في الواليات المتحدة أفضل من غيرهم؛ البروفسور خالد أبو الفضل‬
‫أستاذ الشريعة اإلسالمية بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلس (‪ )UCLA‬وهذا‬
‫العالم والكاتب المحترم يركز في كتاباته على نقد كل من النهج االعتذاري‬
‫التبريري الشائع عند التقليديين‪ ،‬والنهج السلطوي االستبدادي المتزمت عند‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الفكر اإلسالمي مصطلح حادث وغامض! فال أدري من هو المفكر اإلسالمي‪ ،‬وما هي‬
‫محدداته؟ إن كان المقصود به العالم بالشريعة فهذا يسمى‪( :‬العالِم) وإن لم يكن عال ًما‬
‫بالشريعة فال يحق له الكالم فيما يتعلق بالعلوم الشرعية! وقد أصبح هذا المصطلح قنا ًعا‬
‫لبعض من يريد أن يتكلم في دين اهلل بغير حق!‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬منهج تقسيم املسلمني إىل إسالميني وغري إسالميني‬

‫حد سواء‪ ،‬وهو يعتقد أن الوضع الحرج للعالم اإلسالمي‬ ‫األصوليين؛ على ّ‬
‫المعاصر يدعو إلى االستبطان الذاتي‪ ،‬وشحذ البصيرة الناقدة‪ ،‬وهجر فکرة‬
‫ضا محمد شحرور‪.)1(<...‬‬ ‫التورط في حرب حضارية مع الغرب‪ ،‬لدينا أي ً‬
‫ثم تقول معدد ًة توصياتها‪ ،‬وبينت أنها تنصح باآلتي‪> :‬المساهمة في‬
‫وتفسيرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫إنهاء احتكار األصوليين والتقليديين لإلسالم؛ تعريفا وشرحا‬
‫زز اختيا العلماء الحياثيي المناسبي إلدارة موقع إلكتروني؛ يجيب‬
‫على األسئلة المتعلقة بالحياة اليومية‪ ،‬ويعرض اآلراء الفقهية الحداثية‪.‬‬
‫ــ تشجيع العلماء الحداثيين على كتابة النصوص األكاديمية واالشتراك‬
‫في تطوير المناهج‪.‬‬
‫ــ نشر الكتب األولية والتمهيدية بأسعار مدعومة‪ ،‬بحيث تكون في‬
‫متناول الجميع؛ كالكتيبات التي ينشرها المؤلفون األصوليون‪.‬‬

‫ــ استخدام وسائل اإلعالم المحلية واسعة االنتشار؛ كالمذياع‪ ،‬إلبراز‬


‫أفكار الحداثيين المسلمين وممارساتهم‪ ،‬ونشر رؤيتهم وتفسيرهم لإلسالم‬
‫عالميا وعلى أوسع نطاق<(‪.)2‬‬
‫ًّ‬
‫فهذا المنهج مع ما سبق بيانه من سلبياته وإشكاالته الفكرية ّإال أنه يعتبر‬
‫اإلعالم الصور َة‬
‫ُ‬ ‫المؤسسة للشبهات خطور ًة‪ ،‬حيث يستغل‬ ‫ِّ‬ ‫من أكثر المناهج‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اإلسالم الديموقراطي المدني‪ ،‬لشيريل بينارد (ص ‪ 90‬ــ ‪.)91‬‬
‫(‪ )2‬اإلسالم الديموقراطي المدني‪ ،‬لشيريل بينارد (ص ‪.)113‬‬

‫‪117‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املناهج املؤسسة للشبهات‬

‫إسالميا! ثم يعملون على تشويه الدين وعقائده‬


‫ًّ‬ ‫سموه‬
‫النمطية المصنوعة لمن ّ‬
‫وأحكامه من خالله‪ ،‬فينطلي هذا التشويه على بقية المسلمين؛ ألنهم قد‬
‫ّميزوهم وفصلوهم عن اإلسالميين!‬
‫فيجب الحذر و التحذير من هذا المنهج الخطير‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫ُّ‬
‫األسس التي بنيت عليها الشبهات‬
‫الفصل الرابع‪ :‬األسس اليت بُنيت عليها الشبهات‬

‫الشبهات الفكرية كثيرة يصعب حصرها واإلحاطة بها واإلجابة عنها‬


‫تفصيليا‪ ،‬ألن >الكالم على كل ما يخطر ببال كل أحد من الناس من الشبهات‬
‫ً‬
‫السوفسطائية فهذا ال يمكن أن يبينه خطاب على وجه التفصيل<(‪.)1‬‬
‫ولكن إذا تأملنا األمر سنج ُد أن هذه الشبهات تدور حول أصول‬
‫محصورة‪ ،‬وتنطلق من مغالطات معينة‪ ،‬ولها أسس ُتبنى عليها‪ ،‬ال تكاد تخرج‬
‫كثير من هذه‬
‫عنها‪ ،‬فإذا ما ّبي ّنا هذه األسس وكشفنا هذه المغالطات فستنحل ٌ‬
‫اإلشكاالت والشبهات إن شاء اهلل‪ ،‬وتتكون الحصان ُة الفكرية والمناع ُة‬
‫تحد من التأثر بها بحول اهلل تعالى‪.‬‬
‫المعرفية التي ّ‬
‫من أجل ذلك سنناقش في هذا الفصل إن شاء اهلل أهم األصول واألسس‬
‫الفكرية والمغالطات التي ُبنيت عليها الشبهات واألفكار الفاسدة‪ ،‬وذلك في‬
‫المباحث التالية‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬البن تيمية (‪.)306/3‬‬

‫‪121‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬األسس اليت بُنيت عليها الشبهات‬

‫ل‬
‫امبحث ا أ‬
‫لول‬
‫الكذب‬
‫‪$‬‬
‫من أوضح األسس التي ُبنيت عليها الشبهات أساس الكذب! وهو أساس‬
‫يقوم على مغالطة منطقية شهيرة‪ ،‬تسمى مغالطة جل القش ‪ Straw Man‬أو‬
‫طرف ما بإعادة عرض‬ ‫(خيال المآتة)(‪ ،)1‬وهي‪ :‬أن يقوم ٌ‬
‫ُحجة الطرف اآلخر ولكن بعد (استبدالها) أو (تغييرها)‬
‫أو (تحريفها) أو (تشويهها) إلى صورة أخرى أضعف‬
‫من صورتها األصلية التي قالها صاحبها‪ ،‬وذلك حتى‬
‫الحجة‬
‫بدال من مهاجمة ُ‬ ‫يتمكن من مهاجمتها بسهولة ً‬
‫األصلية!!‬
‫رجل القش) مأخوذة من الرجال الوهميين الذين يقوم المزارعون‬ ‫و( ُ‬
‫بوضعهم في الحقول إلخافة الطيور ــ حيث يقومون بعملهم من الخشب‬
‫والحشيش وغيره ويلبسونهم بعض المالبس البشرية لخداع الطيور ــ وتتمثل‬
‫المغالطة هنا في شخص ال يستطيع أن يهزم أحد الناس‪ :‬فبدال من ذلك يذهب‬
‫ُ‬
‫إلى رجل قش فيضربه بدال من الرجل األصلي!!‬
‫المغالطة حيث يقوم الطرف الذي ال يستطيع‬
‫فهذا بالضبط ما تفعله هذه ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المغالطات المنطقية للدكتور عادل مصطفى (ص ‪.)201‬‬

‫‪122‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الكذب‬

‫الرد على ُحجة الطرف اآلخر‪ :‬بالرد على ُحجة أخرى ضعيفة لم يذكرها‬
‫أصال‪ :‬فيظهر بذلك في مظهر المنتصر الذي استطاع الرد!!‬
‫الطرف اآلخر ً‬
‫الحجج الصحيحة‬
‫وبهذه الخدعة ــ إن لم ينتبه إليها أحد ــ يمكن أن تفقد ُ‬
‫قوتها بالفعل بمثل هذا االلتفاف (البهلواني) عليها!! وبالفعل يُسمي بعض‬
‫المغالطة أيضا بالمغالطة البهلوانية‪.‬‬
‫الناس هذه ُ‬
‫وهذه المغالطة تعتمد بشكل أساسي على الكذب والبهتان‪ ،‬وهذه هي‬
‫الصفة السائدة ــ مع األسف الشديد ــ في اإلعالم الذي يثير الشبهات حول‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫حكرا على‬
‫قال باسكال بونيفاس‪> :‬انحرافات أخالقيات المهنة ليست ً‬
‫أي نوع من وسائل اإلعالم‪ ،‬أصبح الكذب وسيلة شرعية للمعارك‬
‫األيدلوجية<(‪.)1‬‬
‫ومن هذا األساس انطلقت حمالت تبشيع اإلسالم وتشويه صورته‬
‫بإلصاق األكاذيب السامجة واالفتراءات السخيفة عليه!‬
‫ولم تقتصر حمالت الكذب هذه على الغوامض والمسائل الدقيقة‪ ،‬بل‬
‫تعدت إلى األمور الواضحة الجلية المشاهدة! كما ادعت المستشرقة باتريشيا‬
‫ّ‬
‫كرون أن مكة المكرمة ليست في مكة المكرمة!(‪.)2‬‬
‫انظر كيف وصلوا إلى مناقشة البدهيات الواضحات! وهذا األمر ليس‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المثقفون المغالطون‪ ،‬باسكال بونيفاس (ص ‪.)33‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الرد على باتريشيا كرون وكتابها تجارة مكة وظهور اإلسالم‪ ،‬للدكتورة آمال الروبي‬
‫(ص ‪ )19‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪123‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬األسس اليت بُنيت عليها الشبهات‬

‫جدي ًدا بل هو قديم يعود إلى عهد النبي ‘ فقد اتهم دينه بأبشع االتهامات‪،‬‬
‫شخصيا كذ ًبا وزو ًرا بأنه مجنون وأنه شاعر‪ !..‬حاشاه ‘‬
‫ً‬ ‫واتهم هو‬
‫واستمرت هذه الحمالت‪ ،‬حتى بلغت أوجها في منتصف القرن‬
‫الخامس الهجري ّإبان اإلعداد للحمالت الصليبية‪ ،‬فقد >انطلق الرهبان‬
‫شمال أوربة ليدخلوا الهمج الهامج في النصرانية‪ ،‬وي ِعد ْ‬
‫وهم إعداد ًا‬ ‫َ‬ ‫يجوبو َن‬
‫عظيم ًا لخوض المعركة العظمى بين اإلسالم والنصرانية‪ ،‬وكان ج ء ًا م هذا‬
‫رسول‬
‫َ‬ ‫اإلعيا ِد‪ :‬بشيع اإلسالم ف عي نهم‪ ،‬وأن أهل ا ِإلسالم وثنيون‪ ،‬وأن‬
‫الكذب والتمويه ِ والبشاعة ّإال‬ ‫ِ‬ ‫ا ِإلسالمِ كا َن وكان‪ ...‬فلم يتركوا باب ًا من‬
‫اله َمج الهامج‪ ،‬ليكون حق ًا‬ ‫دخلوه‪ُ ،‬لي ِقروا معانِ َيه في قَ َرارة نفوس أتباعهم من َ‬
‫ُ‬
‫بالحق‪،‬‬
‫ّ‬ ‫َم ْحض ًا‪ ،‬قد نطق به راهب أو ناسك أو قِسيس‪ ،‬فهو ُم َن َّزه ال ينطق إال‬
‫يم ال ِّدين الذي آمنوا به واعتنقوه<(‪.)1‬‬ ‫فهذا الحق إ َذ ْن‪ ،‬هو عندهم قَ ِس ُ‬
‫يقول الدكتور محمود سعيد عمران‪> :‬ومن أقوى الوسائل التي استخدمها‬
‫الصليبيون في طلب النجدة من أوروبا ما بعثوا به إلى الغرب هي لوحة كبيرة‬
‫بها صورة مدينة بيت المقدس وكنيسة القيامة وفيها ما قالوا‪ :‬إنه قبر السيد‬
‫وصوروا عليه فر ًسا عليه فارس مسلم وقد وطئ هذا!‪ ،‬وغير ذلك‬ ‫المسيح‪َّ ،‬‬
‫مما أثار حماس المسيحيين<(‪.)2‬‬
‫ويقول المستشرق مكسيم رودنسون(‪> :)3‬أوجدت الحروب الصليبية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رسالة في الطريق إلى ثقافتنا‪ ،‬للشيخ محمود شاكر (ص ‪.)35‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ الحروب الصليبية‪ ،‬د‪ .‬محمود سعيد عمران‪( ،‬ص ‪.)147‬‬
‫(‪ )3‬مكسيم رودنسون (‪ 1915‬ــ ‪2004‬م) مستشرق ومؤرخ وعالم اجتماع فرنسي ُولد في باريس‪،‬‬
‫ماركسيا مولعا باللغات‪ ،‬ويتقن حوالي ثالثين لغة بين قديمة‬
‫ً‬ ‫يهودية‪ ،‬كان‬
‫ّ‬ ‫ينحدر من عائلة‬
‫عدة‪ ،‬اكتسبها خالل تجربته في عدد من البلدان=‬
‫عربية ّ‬
‫وحديثة‪ ،‬هذا فضال عن معرفته بلهجات ّ‬
‫‪124‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الكذب‬

‫وم ْر ِضية أليديولوجية‬


‫حاجة کبيرة وملحة للحصول على صورة كاملة ومسلية ُ‬
‫الخصوم‪ ،‬وكان جل الشا ع يرغب ف ص بي الصفة الكريهة لإلسالم‬
‫ع طريق مثيله بشكله الفج‪ ،‬على أن تكون في الوقت نفسه مرسومة بشكل‬
‫يرضي الذوق األدبي الميال إلى كل ما هو غريب‪ ،‬وهو ميل يشکل سمة بارزة‬
‫في جميع األعمال في ذلك الوقت‪ ،‬كان الشخص العادي يريد صورة ألبرز‬
‫السمات الغريبة التي أدهشت الصليبيين في تعاملهم مع المسلمين‪ ،‬وهكذا‬
‫حدث أن ال ُك ّتاب الالتينيين الذين أخذوا بين عام ‪ 1100‬وعام ‪1140‬م على‬
‫عاتقهم إشباع هذه الحاجة لدى اإلنسان العامي‪ ،‬أخذوا ي جه ن اهتمامهم‬
‫نح حيا محمي دون أ اعتبا لليقة‪ ،‬فأطلقوا العنان لجهل الخيال المنتصر‬
‫كما جاء في کلمات ر‪ .‬و‪ .‬ساوثرن ‪ R. W. Southern‬فكان محمد في ُعرفهم‬
‫ساحرا هدم الكنيسة في أفريقيا! وفي الشرق عن طريق السحر والخديعة!‬ ‫ً‬
‫وضمن نجاحه بأن أباح االتصاالت الجنسية‪ ،‬واستعملت أساطير من‬
‫الفولكلور العالمي ومن األدب الكالسيكي ومن القصص البيزنطية عن‬
‫اإلسالم وحتى من المصادر اإلسالمية بعي ش يه باطل م قبل المسيحيي‬
‫الشرقيي ‪ ،‬كل هذه الشياء استخيمت لت يي الص <(‪.)1‬‬
‫>ونشطت الدعاوي المألوفة في الحروب فأخذت تشيع وتؤكد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫العربية ّإبان االنتداب الفرنسي في سوريا ولبنان‪ ،‬حيث أمضى قرابة سبع سنوات في الجيش‬
‫ّ‬ ‫=‬
‫الفرنسي (‪ 1940‬ــ ‪1947‬م)‪ ،‬أمضاها في القيام بعديد من المهام ذات الصبغة االجتماع ّية؛‬
‫وخاصة اليساريين منهم‪ ،‬وتوفي‬
‫ّ‬ ‫هين من المفكّرين العرب‪،‬‬‫وكان له عميق األثر في عدد غير ّ‬
‫رودنسون في مرسيليا‪.‬‬
‫انظر كتاب‪ :‬الجندي المستعرب‪ :‬سنوات مكسيم رودنسون في لبنان وسوريا (‪ 1940‬ــ‬
‫‪ ،)1947‬لفيصل جلول‪.‬‬
‫(‪ )1‬الصورة الغربية والدراسات الغربية اإلسالمية‪ ،‬لماكسيم رودنسون‪ ،‬ضمن كتاب تراث‬
‫اإلسالم‪ ،‬تحرير‪ :‬شاخت‪( ،‬ص ‪.)34‬‬
‫‪125‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬األسس اليت بُنيت عليها الشبهات‬

‫االضطهاد الذي يلقاه المسيحيون في فلسطين‪ ،‬والمعامالت الوحشية التي‬


‫يلقونها على أيدي المسلمين‪ ،‬وكلها أبعد ما تكون عن العقيدة اإلسالمية‪،‬‬
‫فكان المسلمون يوصفون بأنهم يعبدون تمثاال للنبي محمد! وأخذ الجهال‬
‫يقولون‪ :‬إن النبي قد أصابته نوبة صرع التهمته في أثنائها الخنازير البرية!‬
‫ورويت قصص خرافية عن ثروة الشرق‪ ،‬وعن الغانيات العربيات وهن ينتظرن‬
‫الرجال البواسل!<(‪.)1‬‬
‫ثم يأتي بعد ذلك األدب اإلنجليزي ليتمم هذه الحمالت التشويهية‬
‫البغيضة‪ ،‬فإن األدباء اإلنجليز عموما‪ ،‬كانوا أكثر جرأ ًة من األدباء الفرنسيين‬
‫جليا عندهم فيما يُسمى‬‫في الكتابة عن اإلسالم والنيل منه‪ ،‬وقد بدا ذلك ً‬
‫األدب النورماندي؛ الذي كثر فيه وصف الحروب الصليبية‪ ،‬إضافة إلى سب‬
‫اإلسالم والمسلمين وتحقيرهم‪ ،‬حتى غدا من المفاهيم الشائعة في ذلك‬
‫العصر إطالق كلمة (‪ )Saracen‬وتعني الشرقي أو الشركسي على العرب‬
‫وسكان الصحراء في الشرق وهي كلمة استعملها بعض النورمانديين للداللة‬
‫على الوثنيين في شمال أوروبا‪ ،‬وعلى كل من ال يؤمن بالتوراة واإلنجيل‪،‬‬
‫ومع ظهور اإلسالم وانتشار المسلمين أصبحت هذه الكلمة شبه خاصة‬
‫بالمسلمين‪ ،‬كما ُصور اإلسالم في القصص والمسرحيات والشعر في أدب‬
‫ذلك العصر على أنه الكفر واإللحاد والهرطقة(‪.)2‬‬
‫ومن أشهر األكاذيب التي أُلصقت باإلسالم والمسلمين في هذا العصر‬
‫كذبة اإل هاب! ففي حادثة تفجير أوكالهوما الشهير سنة ‪1995‬م التي قام بها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ الحروب الصليبية‪ ،‬د‪ .‬محمود سعيد عمران‪( ،‬ص ‪ 25‬ــ ‪ )26‬وانظر كذلك أمثلة‬
‫أخرى في (ص ‪.)230‬‬
‫(‪ )2‬صورة اإلسالم في إعالم المحافظين الجدد في الواليات المتحدة‪ ،‬د‪ .‬عائشة وزوز (ص‪.)230‬‬

‫‪126‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الكذب‬

‫نصراني أمريكي متدين اسمه تيموثي مكفيه سمي العمل في اإلعالم األمريكي‬
‫انحرا ًفا (‪ !)Aberration‬أما عندما روج اإلعالم لكون الفاعل مسل ًما؛ فقد‬
‫ُوصف العمل باإلرهابي!(‪.)1‬‬
‫وهذه الحمالت آتت ثمارها الخبيثة‪ ،‬حتى غدا الرأي العام األمريکي‬
‫على سبيل المثال ال يعرف الكثير عن اإلسالم والمسلمين والشرق األوسط‬
‫سلبية مختزلة في مشاهد الكوارث واالنقالبات‬ ‫ّ‬ ‫عموما سوى أمور‬
‫ً‬
‫اإلرهابية‪ ،‬وهو ما أنشأ صو ًرا مختلطة‬
‫ّ‬ ‫والصراعات‪ ،‬وما يُسمى بالنشاطات‬
‫بعيدة كل البعد عن الواقع الحقيقي‪.‬‬
‫وقد أجرت >آي بي سي نيوز< دراسة تبين فيها أن ‪ ٪4٦‬م المريكيي‬
‫يعتبرون غالبية المسلمي ذو ن عات عنف وميل لإل هاب‪ ،‬كما يشير مركز‬
‫العالقات األمريكية اإلسالمية >كير< إلى أن واح ًدا من كل أربعة أمريكيين له‬
‫ضد اإلسالم والمسلمين‪ ،‬إذ يرى ‪ 23‬ــ ‪ %27‬من األمريكيين‬ ‫مواقف متحيزة ّ‬
‫أن المسلمين ال يحترمون الحياة كما يحترمها اآلخرون‪ ،‬وبأن اإلسالم دين‬
‫يُع ّلم الحقد والعنف!(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬صورة اإلسالم في إعالم المحافظين الجدد في الواليات المتحدة‪ ،‬د‪ .‬عائشة وزوز (ص ‪.)197‬‬
‫(‪ )2‬صورة اإلسالم في إعالم المحافظين الجدد في الواليات المتحدة‪ ،‬د‪ .‬عائشة وزوز‬
‫(ص ‪.)286‬‬
‫وللمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع انظر‪ :‬كتاب تغطية اإلسالم‪ ،‬تأليف‪ :‬إدوارد‬
‫سعيد‪ ،‬ترجمة‪ :‬سميرة خوري‪ ،‬وهناك ترجمة أخرى للدكتور محمد عناني‪ ،‬طبعت في دار‬
‫رؤية‪ ،‬لكنه لم يترجم مقدمة الطبعة الثانية للمؤلف‪.‬‬
‫وكتاب‪ :‬صورة اإلسالم في إعالم المحافظين الجدد في الواليات المتحدة‪ ،‬تأليف‪ :‬د‪ .‬عائشة‬
‫=‬ ‫ماجد وزوز‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬األسس اليت بُنيت عليها الشبهات‬

‫ومن أمثلة هذا األساس كذلك قول الفيلسوف البريطاني الشهير برتنارد‬
‫مسيحيا؟< الذي شرح فيه سبب تركه الدين‬ ‫ً‬ ‫لست‬
‫راسل في كتابه >لماذا ُ‬
‫النصراني واعتناقه اإللحاد‪> :‬قبلت ولمدة طويلة حجة السبب األول‪ ،‬إلى أن‬
‫وكنت في الثامنة عشرة من العمر قرأت فيه السيرة الذاتية لجون‬
‫ُ‬ ‫جاء يوم‬
‫ستيوارت ميل‪ ،‬هناك وجدت هذه الجملة(‪> :)1‬لقد علمني والدي أن سؤال‬
‫من صنعني ال يمكن اإلجابة عليه ألنه يوحي مباشرة بسؤال آخر‪ ،‬وهو‪ :‬من‬
‫صنع اإلله؟< تلك الجملة البسيطة للغاية أوضحت لي مثلما كنت أفكر وما‬
‫أزال المغالطة في حجة السبب األول‪ ،‬فإذا كان ينبغ أن يك ن لكل ش ء‬
‫سبب‪ ،‬إذن ينبغ أن يك ن لإلله سبب‪ ،‬وإذا كان من الممكن أن يكون هناك‬
‫إله بال علة أو سبب‪ ،‬يمكن إذن أن يكون العالم بدون علة أو سبب مثل اإلله‬
‫تماما<(‪.)2‬‬
‫ً‬
‫نالحظ هنا أنه وقع في مغالطة رجل القش‪ ،‬حيث صاغ حجة من عنده‬
‫سببا!‬
‫وأوهم القارئ أنها حجة المؤمنين بوجود اهلل تعالى‪ ،‬وهي أن لكل شيء ً‬
‫وهذا ال يقوله المؤمنون بوجود اهلل تعالى‪.‬‬
‫وإنما يقولون‪ :‬لكل حادث أو مخل ق سبب‪ ،‬واهلل ‪ ‬ليس مخلو ًقا‪،‬‬
‫المغالِط‪ :‬من خلق اهلل؟!‬
‫فال يمكن أن يورد على هذه الحجة ذلك السؤال ُ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وكتاب‪ :‬لماذا الرسول؟ الصورة ــ الذاكرة ــ التشويه‪ :‬قصدية اإلساءة في الثقافة الغربية‪،‬‬
‫تأليف‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬محمد كريم الساعدي‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬السيرة الذاتية‪ ،‬لجون ستيورات ميل‪( ،‬ص ‪ 36‬ــ ‪.)37‬‬
‫مسيحيا؟‪ ،‬لبرتنارد راسل (ص ‪.)18‬‬
‫ً‬ ‫لست‬
‫(‪ )2‬لماذا ُ‬
‫‪128‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬خلل االحتكام املرجعي‬

‫ل‬
‫امبحث الثاني‬
‫خلل الحتكام املرجعي‬
‫‪$‬‬
‫ضا‪ :‬خلل االحتكام المرجعي‪،‬‬ ‫من األسس التي بنيت عليها الشبهات أي ً‬
‫ونعني به االحتكام في تحسين شيء أو تقبيحه‪ ،‬وتحديد أن هذا األمر خير أو‬
‫شر إلى مرجعية خاطئة‪ ،‬وإلزامنا بما ال يلزم!‬
‫بدال من االحتكام إلى العقل‬
‫فمن الناس من يحتكم إلد أغلبية الناس‪ً ،‬‬
‫ــ أو على حساب العقل ــ‪ ،‬ومحاولة انتزاع التصديق على فكرة معينة بإثارة‬
‫بدال من تقديم حجة منطقية صائبة‪ ،‬فإذا كان‬ ‫مشاعر الحشود وعواطفهم ً‬
‫فالبد أن يكون >ذلك<‬‫ّ‬ ‫>الجميع يعتقد ذلك< أو >الكل يؤمن بذلك<‬
‫صحي ًحا!<(‪.)1‬‬
‫ومن الناس من يحتكم إلد سلطة ما‪ ،‬سواء كانت علمية أو غيرها‪،‬‬
‫فالس ْل َطة هي ذلك المصدر الذي ال يناقَش‪ ،‬فنخضع له بنا ًء على إيماننا بأ َّن‬
‫رأيه هو الكلمة النهائية‪ ،‬وأ َّن معرفته تسمو على معرفتنا‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‬
‫شخصية (أرسطو) بوصفه أشهر أمثلة الس ْل َطة الفكرية والعلمية في التاريخ‬
‫ظل هذا الفيلسوف اليوناني المصدر األساس للمعرفة في شتى‬ ‫الثقافي‪ ،‬إذ َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المغالطات المنطقية‪ ،‬عادل مصطفى (ص ‪.)120‬‬

‫‪129‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬األسس اليت بُنيت عليها الشبهات‬

‫كثير من قضاياه تؤخذ بال مناقشة‪،‬‬


‫نواحيها طوال العصور األوروبية‪ ،‬بل كانت ٌ‬
‫وإن كان البعض تمكن من التحرر من سلطته‪ ،‬خاصة في ميدان العلم‬
‫التجريبي‪ ،‬ولعل ما يلفت النظر في هذا الخضوع أنه يتخذ شكل التمجيد بل‬
‫جمده وجعله‬
‫التقديس لشخصية هذا الفيلسوف‪ ،‬مما عاد عليه بالوبال‪ ،‬إذ َّ‬
‫صن ًما معبو ًدا(‪.)1‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ما قاله الملحد الشهير ريتشارد دوكنز في مقابلة تلفزيونية‬
‫مع اإلعالمي مهدي حسن‪ ،‬حيث قرر دوكنز نظرية األكوان المتعددة‪ ،‬وهي‬
‫نظرية خيالية مضحكة!‬
‫فقال المقدم مهدي حسن‪ :‬أنت سخرت مني إليماني بنبي طار إلى‬
‫الجنة‪ ،‬لكنك تؤمن بوجود الكثير من األكوان التي ال تستطيع أن تقدم لي‬
‫مماثال لإليمان باهلل والنبي؟‬
‫تجريبيا عنها‪ ،‬أليس هذا ً‬
‫ً‬ ‫دليال ملمو ًسا‬
‫ً‬
‫فقال دوكنز‪ :‬ال يمكنك أن تستخدم حدسك الشخصي لتنقض الفيزياء‪،‬‬
‫لو كنت تستطيع فعل ذلك فلن نكون بحاجة لعلماء الفيزياء‪ ،‬هم أناس على‬
‫درجة عالية من الذكاء‪ ،‬ويمارسون الرياضيات!‪.‬‬
‫فقال المقدم‪ :‬لكن هناك علماء فيزياء كبول دايفس ممن اعتبروا نظرية‬
‫األكوان المتعددة غير منطقية(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬التفكير العلمي‪ ،‬الدكتور فؤاد زكريا (ص ‪ 63‬ــ ‪ )64‬وحادي العقول‪ ،‬للدكتور عمرو‬
‫شريف (ص ‪.)270‬‬
‫(‪ )2‬مقابلة مصورة في قناة الجزيرة االنجليزية مع ريتشارد دوكنز‪ ،‬وتقديم مهدي حسن‪ ،‬مرفوعة‬
‫=‬ ‫على اليوتيوب ‪https://youtu.be/tjQD1GvSL1k‬‬

‫‪130‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬خلل االحتكام املرجعي‬

‫فيظهر من هذا الحوار أن دوكنز ارتكب مغالطتين‪:‬‬


‫األولى‪ :‬إيهامه الناس أن نظرية األكوان المتعددة يقول بها علماء الفيزياء‬
‫كلهم!‬
‫الثانية‪ :‬مغالطة االحتكام إلى سلطة‪ ،‬حيث جعل مجرد كون بعض‬
‫دليال‬
‫الفيزيائيين قالوا بهذه النظرية يجعلها صحيحة حتى ولو لم يقدموا ً‬
‫صحي ًحا عليها!‬
‫ومن أشهر األخطاء التي تقع في هذا الباب احتكام الناس إلى الثقافة‬
‫العالمية السائدة! فأصبحت هي المرجع األول‪ ،‬ومن تجليات ذلك ما حكم به‬
‫المستشرق الشهير برنارد لويس(‪ )1‬على المسلمين في كتابه ‪،What Went Wrong‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= وهذا الحوار المذكور أعاله من الدقيقة (‪ )42,00‬حتى الدقيقة (‪.)45,00‬‬
‫(‪ )1‬برنارد لويس (‪ 1916‬ــ ‪2018‬م)‪ ،‬ولد من أسرة يهودية من الطبقة الوسطى في لندن‪ ،‬وال‬
‫خاصا‪ ،‬التحق بجامعة لندن لدراسة‬ ‫يهوديا ًّ‬
‫ًّ‬ ‫دينيا‬
‫تذكر المراجع أية معلومات عن تلقيه تعليم ًا ًّ‬
‫التاريخ‪ ،‬ثم انتقل إلى فرنسا للحصول على دبلوم الدراسات السامية سنة ‪1937‬م‪ ،‬متتلمذا‬
‫على المستشرق الفرنسي ماسينون وغيره‪.‬‬
‫أصبح أستاذ كرسي التاريخ اإلسالمي سنة ‪1949‬م‪ ،‬ثم انتقل إلى الواليات المتحدة األمريكية‬
‫ود ِعي للعمل أستاذًا زائر ًا في العديد من الجامعات‬
‫سنة ‪1974‬م على إثر فضيحة أخالقية!‪ُ ،‬‬
‫األمريكية واألوروبية منها جامعة كولمبيا وجامعة أنديانا وجامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس‬
‫عي ميير ًا مشا ك ًا‬
‫وجامعة أكالهوما وجامعة برنستون التي انتقل إليها‪ ،‬حتى تقاعده‪ ،‬وهناك ِّ‬
‫لمعهي أنانبرج اليه د للي اسات اليه دية والشرق أوسطية في مدينة فيالديلفيا بوالية‬
‫بنسلفانيا‪.‬‬
‫يعد لويس من أغزر المستشرقين إنتاج ًا‪ ،‬وإن كان له قدرة على إعادة نشر بعض ما سبق نشره‬
‫بصور أخرى‪ ،‬قبل تقاعده بقليل اهتم بقضايا العالم العربي واإلسالمي المعاصرة‪ ،‬فكتب عن‬
‫الحركات اإلسالمية (األصولية) وعن اإلسالم والديموقراطية‪ ،‬ق َّدم خدماته واستشاراته=‬

‫‪131‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬األسس اليت بُنيت عليها الشبهات‬

‫وبين الفرق بين المسلم الجيد‪ ،‬والمسلم السيئ وذلك بحسب قربه أو بعده‬ ‫ّ‬
‫من تقليد الغرب وموافقة المصالح الغربية؛ فالمسلم الجيي ه الالدين المقلي‬
‫للغرب‪ ،‬الذ ييعم السياسات الغربية ور يقف ف وجهها وأما السيئ فه‬
‫م يناهض المعاصر ‪ ،‬ويهيد المصالح الغربية!(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫= لكل من الحكومة البريطانية التي ك َّلفته القيام برحلة إلى العديد من الجامعات األمريكية‪،‬‬
‫وإلقاء األحاديث اإلذاعية والتلفازية عام ‪1954‬م‪ ،‬كما ق َّدم استشارته للكونجرس األمريكي‬
‫أكثر من مرة‪ ،‬وف ‪ 8‬ما س ‪1974‬م‪ ،‬ألقد محابر ف أعضاء لجنة الشؤون الخا جية‬
‫بالك نجرس المريك ح ل قضية الشرق الوسط‪ ،‬ولهمية هذه المحابر نشر ها وزا‬
‫الخا جية اإلسرائيلية بعي أسب عي م إلقائها‪ ،‬وهو من أشد المدافعين عن االحتالل‬
‫الصهيوني‪ ،‬والمحاربين لإلسالم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬محاضرة على اليوتيوب بعنوان‪( :‬منهج برنارد لويس في دراسة الفكر السياسي في‬
‫اإلسالم) للدكتور مازن مطبقاني‪ ،‬وكتاب‪ :‬جهود المستشرقين بين التجرد العلمي ونظرية‬
‫المؤامرة (برنارد لويس نموذ ًجا)‪ ،‬تأليف‪ :‬محمد يسري أبو هدور‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬صورة اإلسالم في إعالم المحافظين الجدد‪ ،‬د‪ .‬عائشة وزوز (ص ‪.)252‬‬

‫‪132‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬فخ اإلمجال‬

‫ل‬
‫امبحث الثالث‬
‫ُّ‬
‫فخ الجمال‬
‫‪$‬‬
‫المجمل هو‪ :‬ما تر ّدد بين محتملين فأكثر على السواء(‪ ،)1‬وقيل‪:‬‬
‫المجمل ما لم تتضح داللته(‪.)2‬‬
‫فمن أسس الشبهات ومثاراتها‪ :‬استعمال المجمل من الكالم‪ ،‬أي‬
‫استعمال ألفاظ تحتوي على معا ٍن صحيحة ومعاني باطلة‪ ،‬واعتبار هذه األلفاظ‬
‫كأنها حقيقة مطلقة!‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪> :‬فالسلف واألئمة لم يذموا الكالم‬
‫لمجرد ما فيه من االصطالحات المولدة كلفظ الجوهر‪ ،‬والعرض‪ ،‬والجسم‬
‫وغير ذلك‪ ،‬بل ألن المعاني التي يعبرون عنها بهذه العبارات فيها من الباطل‬
‫المذموم في األدلة واألحكام ما يجب النهي عنه‪ ،‬الشتمال هذه األلفاظ على‬
‫معان مجملة في النفي واإلثبات‪ ،‬كما قال اإلمام أحمد في وصفه ألهل البدع‪،‬‬
‫فقال‪ :‬هم مختلفون في الكتاب‪ ،‬مخالفون للكتاب‪ ،‬متفقون على مفارقة‬
‫الكتاب‪ ..‬يتكلم ن بالمتشابه م الكالم‪ ،‬ويخيع ن جهال الناس بما يلبس ن‬
‫عليهم‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مختصر التحرير‪ ،‬لإلمام ابن النجار (ص ‪.)99‬‬
‫(‪ )2‬هذا التعريف لإلمام ابن مفلح ‪ ‬في كتابه أصول الفقه (‪.)999/3‬‬

‫‪133‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬األسس اليت بُنيت عليها الشبهات‬

‫فإذا عرفت المعاني التي يقصدونها بأمثال هذه العبارات‪ ،‬ووزنت‬


‫بالكتاب والسنة ــ بحيث يثبت الحق الذي أثبته الكتاب والسنة‪ ،‬وينفي‬
‫الباطل الذي نفاه الكتاب والسنة ــ كان ذلك هو الحق‪ ،‬بخالف ما سلكه‬
‫أهل األهواء من التكلم بهذه األلفاظ نفي ًا وإثبات ًا في الوسائل والمسائل من‬
‫غير بيان التفصيل والتقسيم‪ ،‬الذي هو من الصراط المستقيم‪ ،‬وهذا م‬
‫مثا ات الشبه<(‪.)1‬‬
‫فانظر كيف جعل شيخ اإلسالم ابن تيمية هذا األساس من مثارات‬
‫الشبه‪ ،‬فهذا األساس يعتمد على مغالطة منطقية‪ ،‬وهي مغالطة األلفاظ‬
‫المشحونة أو الملقمة(‪.)2‬‬
‫يورد المتحذلِ ُق في علم الجدل الش َب َه‪،‬‬
‫قال العالمة ابن الوزير ‪> :‬وقد ُ‬
‫مو ُه به على كثير من‬ ‫فيكسوها من حسن الترصيف‪ ،‬وجودة الترتيب ما يُ ِّ‬
‫المتعاطين لعلم النظر‪ ،‬والمنقطعين في ف ِّن الكالم‪ ،‬فإيَّاك واالغترار بذلك‪،‬‬
‫المموهة<(‪.)3‬‬
‫ّ‬ ‫المشوهة ُت ْس َت ُر بالعبارات‬
‫َّ‬ ‫فإن أكثر المعاني‬
‫ومن أمثلة ذلك رفع شعار المساواة‪ ،‬واالعتراض على قول اهلل تعالى‪:‬‬
‫{ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ} [النساء‪ ]11 :‬بأنها خطأ ألنها مخالفة للمساواة!‬
‫وهنا المغالطة‪ ،‬فإن المساواة لفظ مجمل‪ ،‬فيه حق وفيه باطل‪ ،‬بل‬
‫المساواة تكون في بعض األحيان ظل ًما؟!‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬البن تيمية (‪ 44/1‬ــ ‪.)45‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬المغالطات المنطقية‪ ،‬د‪ .‬عادل مصطفى (ص ‪.)147‬‬
‫(‪ )3‬العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم‪ ،‬البن الوزير اليماني (‪.)179/4‬‬

‫‪134‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬فخ اإلمجال‬

‫أما المعنى الحق المطلق فهو العدل‪ ،‬والعدل ال يستلزم المساواة‪،‬‬


‫كما هو معلوم‪.‬‬
‫قال غوستاف لوبون‪> :‬إن‬
‫قو َة الكلمات مرتبطة بالصور التي‬
‫تماما عن‬
‫تثيرها‪ ،‬وهي مستقلة ً‬
‫معانيها الحقيقية‪ ،‬والكلمات التي‬
‫يصعب تحديد معانيها بشك ٍل‬
‫دقيق هي التي تمتلك أحيا ًنا أكبر قدرة على التأثير والفعل‪.‬‬
‫فمن أمثلة ذلك الكلمات التالية‪ :‬الديمقراطية‪ ،‬االشتراكية‪ ،‬المساواة‪،‬‬
‫الحرية‪ ،‬إلخ‪ ..‬فمعانيها من الغموض بحيث إننا نحتاج إلى مجلدات ضخمة‬
‫لشرحها‪ ،‬ومع ذلك فإن حروفها تمتلك قوة سحرية بالفعل‪ ،‬كما لو أنها تحتوي‬
‫على حل لكل المشاكل‪ ،‬فهي تجمع المطامحة الالواعية المتنوعة وتركبها‪،‬‬
‫وتحتوي على األمل بتحقيقها‪ ،‬فالعقل والمحاجات العقالنية ال يمكنها أن‬
‫تقاوم بعض الكلمات والصياغات التعبيرية‪ ،‬فما إن ُتل َفظ بنو ٍع من الخشوع‬
‫أمام الجماهير حتى تعلو آيات االحترام على الوجوه وتنحني الجباه بها‪.‬‬
‫والكثيرون يعتبرونها بمثابة قوة من قوى الطبيعة‪ ،‬أو قوى خارقة للطبيعة‪،‬‬
‫فهي تثير في النفوس صو ًرا مجيدة وغامضة‪ ،‬ولكن الغموض الذي يظللها‬
‫يزيد من قوتها السرية<(‪.)1‬‬
‫ومن أشهر الكلمات المجملة‪ ،‬والتي ُمررت من خاللها العديد من‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سيكولوجية الجماهير‪ ،‬غوستاف لوبون (ص ‪.)116‬‬

‫‪135‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬األسس اليت بُنيت عليها الشبهات‬

‫أخاذ‪ ،‬يسلب العقول‪،‬‬ ‫الشبهات‪ ،‬كلمة (الحرية)‪ ،‬فهذه الكلمة لها بريق ّ‬
‫ولك ّنها تحتوي على حق وباطل‪ ،‬فهناك حرية ال ُكفر واالنحالل والعصيان‬
‫واالعتداء على اآلخرين‪ ،‬وهذه مرفوضة‪ ،‬وهناك حرية التملك والتجارة‬
‫والطعام والشراب وغيرها‪ ،‬وهي مقبولة‪ ،‬لذلك ال يجوز لنا أن نقبل كلمة‬
‫الحرية وننادي بها قبل تمحيص معناها‪ ،‬ومعرفة المقصود بها‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬اإلسقاط التارخيي‬

‫ل‬
‫امبحث الرابع‬
‫السقاط التاريخي‬
‫‪$‬‬
‫ضا‪ ،‬وهو أساس اإلسقاط‬ ‫عدد من الشبهات أي ً‬
‫هذا األساس ُبني عليه ٌ‬
‫التاريخي‪> :‬ونعني بهذا إسقاط الواقع المعاصر المعيش على الوقائع التاريخية‬
‫الضاربة في أعماق التاريخ‪ ،‬فيفسرونها في ضوء خبراتهم ومشاعرهم الخاصة‪،‬‬
‫وما يعرفونه من واقع حياتهم ومجتمعاتهم<(‪ ،)1‬والشبهات المبنية على هذا‬
‫األساس اعتمدت على مغالطة منطقية‪ ،‬وهي مغالطة‪ :‬عدم االكتراث‬
‫بالسياق(‪.)2‬‬
‫وأغلب الشبهات المبنية على هذا األساس هي الشبهات المتعلقة‬
‫بالسيرة النبوية وحياة النبي ‘‪ ،‬وذلك من خالل محاكمة األعراف السائدة‬
‫في ذلك الوقت إلى األعراف والمعتقدات السائدة في زمننا هذا‪ ،‬وهذا ــ مع‬
‫األسف ــ ديدن المستشرقين في دراستهم لسيرة النبي ‘(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المنهج عند المستشرقين‪ ،‬للدكتور عبدالعظيم الديب (ص ‪.)363‬‬
‫(‪ )2‬انظر كتاب حجج فاسدة‪ ،‬لجوليان باجيني (ص ‪.)84‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬مناهج المستشرقين ومواقفهم من النبي ‘‪ :‬عرض ونقد في ضوء العقيدة اإلسالمية‪،‬‬
‫تأليف‪ :‬د‪ .‬رياض بن حمد العمري (‪ ،)526/1‬وكتاب محمد مؤسس الدين اإلسالمي‪،‬‬
‫لجورج بوش‪ :‬عرض ونقد‪ ،‬تأليف‪ :‬محمود بغدادي (ص ‪ ،)51‬وكتاب االستشراق في‬
‫السيرة النبوية‪ ،‬لعبداهلل محمد األمين (ص ‪ )35‬وغيرها‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬األسس اليت بُنيت عليها الشبهات‬

‫وم َث َل من يفعل ذلك كمثل من يأتي‬ ‫َ‬


‫ال‪ ،‬ثم‬
‫بصورة إنسان عمرها ‪ 150‬سنة مث ً‬
‫يضحك ويستهزأ بمالبسه التي كانت سائدة في‬
‫ذلك الوقت‪ ،‬ومتوافقة مع أعرافه!‬
‫وهذه السخرية ناشئة عن هذه المغالطة‬
‫الحاصلة‪ :‬وهي محاكمة معايير اللباس في الزمن السابق إلى معايير اللباس في‬
‫هذا الزمن‪ ،‬وإال فإن لباس هذا الرجل ال يُعتبر مثا ًرا للسخرية في زمنه‬
‫وأعرافه‪.‬‬
‫وسيأتي في الفصل السادس من هذا الكتاب نماذج من الشبهات المبنية‬
‫على هذا األساس إن شاء اهلل‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬عدم مراعاة التطور الداللي‬

‫ل‬
‫امبحث ا لحام س‬
‫عدم مراعاة التط ُّورالدللي‬
‫‪$‬‬
‫من طبيعة اللغات حصول التغير في داللتها مع مرور الزمن‪ ،‬وذلك‬
‫ألسباب عديدة‪ ،‬منها كثرة االستعمال‪ ،‬ومنها األسباب الثقافية واالجتماعية‪،‬‬
‫والعوامل النفسية وغيرها(‪.)1‬‬
‫فقد تكون الكلمة في زمن من األزمان دالة على معنى ما‪ ،‬فال تزال‬
‫داللتها تتغير وتتطور حتى يأتي عليها زمن تكون فيه دالة على معنى مغاير‬
‫تماما‪ ،‬ولذلك أمثلة كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ً‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬التغير الداللي وأثره في فهم النص القرآني‪ ،‬للدكتور محمد الشتيوي (ص ‪ )57‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬األسس اليت بُنيت عليها الشبهات‬

‫ومن هنا أثيرت عدة شبهات ُبنيت على أساس عدم مراعاة التطور‬
‫الداللي للكلمات‪.‬‬
‫فمثال يأتون إلى كلمات وردت على لسان النبي ‘ ثم يفهمونها على‬ ‫ً‬
‫مقتضى ما استقر عليه معناها دون مراعاة للتطور الداللي لها‪ ،‬ويشنعون على‬
‫اإلسالم بذلك!‬
‫معد ًدا أسباب مخالفة بعض العلماء‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ّ ‬‬
‫ألحاديث النبي ‘‪> :‬وتارة لكون معناه في لغته وعرفه غير معناه في لغة‬
‫النبي ‘‪ ،‬وهو يحمله على ما يفهمه في لغته بناء على أن األصل بقاء اللغة‪،‬‬
‫كما سمع بعضهم آثا ًرا في الرخصة في النبيذ‪ ،‬فظنوه بعض أنواع المسكر‪،‬‬
‫مفسرا في‬
‫ً‬ ‫ألنه لغتهم وإنما هو ما ينبذ لتحلية الماء قبل أن يشتد‪ ،‬فإنه جاء‬
‫أحاديث كثيرة صحيحة‪ ،‬وسمعوا لفظ الخمر في الكتاب والسنة فاعتقدوه‬
‫عصير العنب المشتد خاصة‪ ،‬بناء على أنه كذلك في اللغة وإن كان قد جاء‬
‫من األحاديث أحاديث كثيرة صحيحة تبين أن الخمر اسم لكل شراب‬
‫مسكر<(‪.)1‬‬
‫وقال اإلمام ابن القيم ‪> :‬وهذا الباب يعرض منه اختالف كثير‪ ،‬سببه‬
‫أن يكون لذلك اللفظ في لغته وعرفه معنى غير معناه في لغة الرسول أو أعم‬
‫منه أو أخص‪ ،‬فتفطن لهذا الموضع فإنه منشأ لغلط كثير على صاحب‬
‫الشرع<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رفع المالم عن األئمة األعالم‪ ،‬لشيخ اإلسالم ابن تيمية (ص ‪.)27‬‬
‫(‪ )2‬الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة البن القيم (‪.)563/2‬‬

‫‪140‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬عدم مراعاة التطور الداللي‬

‫قال الدكتور عبدالحليم محمود ‪> :‬وإذا أردنا أن نعد أخطاء‬


‫>المانس<(‪ )1‬فإننا ال نقف عند حد‪ ،‬إنه مثال يتعمد أن يعطي األلفاظ معنى‬
‫اصطالحيا‪ ،‬وكأنه في ذلك موكل بقلب‬
‫ً‬ ‫آخر غير المعنى الذي تعطيه لغو ًيا‬
‫الحقائق<(‪.)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬هنري المانس (‪ 1862‬ــ ‪ 1937‬م) يسوعي بلجيكي ومستشرق‪ ،‬ولد في بلجيكيا‪ ،‬وتوفي‬
‫في بيروت‪ ،‬قال عنه د‪ .‬عبدالرحمن بدوي‪> :‬مستشرق بلجيكي‪ ،‬وراهب يسوعي شديد‬
‫عصب ضد اإلسالم‪ ،‬يفتقر افتقا ًرا تا ًما إلى النزاهة في البحث واألمانة في نقل النصوص‬ ‫الت ّ‬
‫وفهمها‪ ،‬ويعد نموذجا سيئا ج ًدا للباحثين في اإلسالم من بين المستشرقين<‪ ،‬فهو من أشد‬
‫المتحاملين على اإلسالم حتى اتهم كثيرا بالتزوير والتزييف‪ ،‬وبالذات في دراساته في السيرة‬
‫النبوية والتاريخ األموي‪.‬‬
‫انظر‪ :‬موسوعة المستشرقين‪ ،‬د‪ .‬عبدالرحمن بدوي (ص ‪.)503‬‬
‫(‪ )2‬أوروبا واإلسالم‪ ،‬عبدالحليم محمود (ص ‪ 134‬ــ ‪.)135‬‬

‫‪141‬‬
‫ُّ‬
‫الخطوات العملية لنقض الشبهات‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬اخلطوات العملية لنقض الشبهات‬

‫فر من ال سنهاب فرارك من ا أ‬


‫لسد‪..‬‬
‫قبل بيان الخطوات العملية لنقض الشبهات البد من التنبيه على أمر‬
‫منهجي مهم ج ًدا‪ ،‬وهو ضرورة اإلعراض عن الشبهات ما استطاع اإلنسان‬
‫سبيال‪ ،‬فالسالمة ال يعدلها شيء‪.‬‬
‫إلى ذلك ً‬
‫فإن االستماع ألهل الضالل واألهواء والبدع والشبهات خطر عظيم على‬
‫دين المرء‪ ،‬ما لم يكن عالما بشبهاتهم ومستع ًدا للرد عليها‪ ،‬وإال فال يؤمن‬
‫عليه أن يقذفوه فيها‪ ،‬ولهذا حذر النبي ‘ من أهل األهواء والشبهات‪.‬‬
‫{ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ‬ ‫فعن عائشة ‪ ‬قالت‪ :‬تال رسول اهلل ‘‪:‬‬
‫ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ‬
‫ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧﲨ‬
‫ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ}‬
‫[آل عمران‪ ]7 :‬قالت‪ :‬قال رسول اهلل ‘‪> :‬إذا أيتم الذي يتبع ن ما شابه منه‬
‫فأولئك الذي سماهم الل فاحذ وهم<(‪.)1‬‬
‫وروى اإلمام أحمد بسنده عن عمر بن الخطاب ‪ ‬عن النبي ‘‬
‫وسلم قال‪> :‬ر جالس ا أهل القي ور فا ح هم<(‪.)2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ،‬رواه البخاري (‪ )4547‬ومسلم (‪.)2665‬‬
‫(‪ )2‬رواه اإلمام أحمد في المسند (‪ )206‬وأبو داود في سننه (‪ )4710‬والاللكائي في >شرح‬
‫أصول اعتقاد أهل السنة< (‪ 133/1‬ــ رقم‪ ،)187 :‬وقد سكت عنه الحافظ ابن حجر في‬
‫>هداية الرواة إلى تخريج أحاديث المصابيح والمشكاة< (‪ ،)104/1‬وقد بين في المقدمة أن‬
‫ما سكت عنه فهو حسن عنده‪ ،‬وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (‪.)252/1‬‬

‫‪145‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬اخلطوات العملية لنقض الشبهات‬

‫قال المناوي ‪(> :‬ال تجالسوا أهل القدر)‪ ..‬فإنه ال يؤمن أن‬
‫يغمسوكم في ضاللهم أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون (وال تفاتحوهم) أي‪:‬‬
‫ال تحاكموهم أو ال تبدئوهم بالمجادلة والمناظرة في االعتقاديات لئال يقع‬
‫أحدكم في شك‪ ،‬فإن لهم قدرة على المجادلة بغير الحق‪ ،‬واألول أظهر<(‪.)1‬‬
‫وعن عبداهلل بن مسعود ‪ ‬قال‪> :‬إياكم وما يُحدث الناس من البدع‪،‬‬
‫فإن الدين ال يذهب من القلوب بمرة‪ ،‬ولكن الشيطان يُحدث له بدع ًا حتى‬
‫يخرج اإليمان من قلبه‪ ،‬ويوشك أن يدع الناس ما ألزمهم اهلل من فرضه في‬
‫الصالة والصيام والحالل والحرام‪ ،‬ويتكلم ن ف بهم ‪ ،‬فم أد ك ذلك‬
‫ال مان فليهرب< قيل‪ :‬يا أبا عبدالرحمن فإلى أين؟‪.‬‬
‫قال‪> :‬إلد ر أي ‪ ،‬يهرب بقلبه‪ ،‬ودينه‪ ،‬ر يجالس أحي ًا م أهل‬
‫البيع<(‪.)2‬‬
‫وكان أبو قالبة ‪ ‬يقول‪> :‬ال تجالسوا أهل األهواء وال تجادلوهم‪،‬‬
‫فإني ال آمن أن يغمسوكم في الضاللة أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما‬
‫لبس عليهم<‪.‬‬
‫ودخل رجالن على محمد بن سيرين من أهل األهواء‪ ،‬فقاال‪ :‬يا أبا بكر‬
‫لتقوم َّن‬
‫نحدثك‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬قاال‪ :‬فنقرأ عليك آية من كتاب اهلل ‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ُ ،‬‬
‫ألقوم َّنه‪ ،‬فقام الرجالن فخرجا‪.‬‬
‫َ‬ ‫عني‪ ،‬أو‬
‫وقال الفضيل بن عياض ‪> :‬ال تجلس مع صاحب بدعة؛ فإني أخاف‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فيض القدير‪ ،‬للمناوي (‪.)480/6‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الاللكائي في >شرح أصول اعتقاد أهل السنة< (‪ 136/1‬ــ ‪ 137‬ــ رقم‪.)196 :‬‬

‫‪146‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬اخلطوات العملية لنقض الشبهات‬

‫أن ينزل عليك اللعنة<‪.‬‬


‫وقال محمد بن النضر الحارثي ‪> :‬من أصغى سمعه إلى صاحب‬
‫بدعة‪ ،‬وهو يعلم أنه صاحب بدعة‪ ،‬نزعت منه العصمة‪ ،‬ووكل إلى نفسه<‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق الصنعاني اإلمام‪ :‬قال‪ :‬قال لي إبراهيم بن أبي يحيى‪:‬‬
‫كثيرا‪ ،‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬وهم يزعمون أنك منهم‪ ،‬قال‪:‬‬‫>إني أرى المعتزلة عندكم ً‬
‫أفال تدخل معي هذا الحانوت حتى أكلمك؟ قلت‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬لم؟ قلت‪ :‬ألن‬
‫القلب ضعيف‪ ،‬وإن الدين ليس لمن غلب<(‪.)1‬‬
‫وقال اإلمام ابن القيم ‪> ‬قال لي شيخ‬
‫اإلسالم ‪ ‬ـ وقد جعلت أورد عليه إيرادا بعد‬
‫إيراد ــ‪> :‬ر جعل قلبك لإليرادات والشبهات مثل‬
‫السفنجة‪ ،‬فيتشربها‪ ،‬فال ينضح إال بها‪ ،‬ولكن‬
‫اجعله كالزجاجة المصمتة‪ ،‬تمر الشبهات بظاهرها وال تستقر فيها‪ ،‬فيراها‬
‫بصفائه‪ ،‬ويدفعها بصالبته‪ ،‬وإال فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليك صار‬
‫مقرا للشبهات<‪ ،‬أو كما قال؛ فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات‬
‫كانتفاعي بذلك<(‪.)2‬‬
‫وقال الذهبي ‪ ‬وساق قول سفيان‪> :‬من أصغى بسمعه إلى صاحب‬
‫بدعة وهو يعلم َخ َر َج من ِعصمة اهلل ُ‬
‫ووكل إلى نفسه‪ ،‬وعنه‪ :‬من يسمع ببدعة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ما سبق من اآلثار مصدرها كتاب >الشريعة< لآلجري‪ ،‬وكتاب >أصول اعتقاد أهل السنة<‬
‫للاللكائي‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫(‪ )2‬مفتاح دار السعادة ومنشور والية أهل العلم واإلرادة‪ ،‬البن القيم (‪.)395/1‬‬

‫‪147‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬اخلطوات العملية لنقض الشبهات‬

‫فال يحكها لجلسائه ال يلقيها في قلوبهم<‪ ،‬ثم قال الذهبي‪> :‬قلت‪ :‬أكثر أئمة‬
‫السلف على هذا التحذير‪ ،‬يرون أن القلوب ضعيفة‪ ،‬والشبه خطافة<(‪.)1‬‬
‫فإذا كان هذا حال األئمة‪ ،‬فكيف بمن ال حظ له من العلم؟! وقانا اهلل‬
‫وإياكم البدع واألهواء وأهلها‪.‬‬

‫لكن إذا لم يتمكن اإلنسان من الهرب‪ ،‬وابتلي بشبهة ما ولم يتمكن من‬
‫اإلعراض عنها‪ ،‬فماذا يفعل؟‬

‫ثانيا أن يتأنى وال‬


‫أور أن يثق بربه تعالى وبنبيه ودينه‪ ،‬ثم عليه ً‬
‫عليه ً‬
‫يستعجل‪ ،‬وليكن عنده ثال ًثا شيء من الحمية على دينه‪ ،‬وال يقبل أن يتكلم‬
‫أحد عن دينه بسوء كما ال يقبل أن يتكلم أحد عن أبيه أو أمه!‬

‫ثم عليه أن يعلم أنه ال يوجد شبهة ــ بحمد اهلل تعالى ــ ال يوجد عليها‬
‫جواب مقنع‪ ،‬علمه من علمه وجهله من جهله‪.‬‬

‫ثم إذا أراد نقض الشبهة فليستعن باهلل تعالى ثم ينقضها من خالل‬
‫الخطوات العملية الثالثية اآلتي بيانها‪ ،‬وهي تفكيك الشبهة‪ ،‬والتثبت من‬
‫النقل‪ ،‬وطلب الدليل‪ ،‬وبيانها وتفصيلها في الخطوات التالية‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سير أعالم النبالء (‪.)261/7‬‬

‫‪148‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬اخلطوات العملية لنقض الشبهات‬

‫الخط الولد‪ :‬فكيك الشبهة و حليل أج ائها‪.‬‬


‫من سمات الشبهات ومن أسباب رواجها أنها مغلفة بغالف يشبه الحق!‬
‫الحسن وباطنها‬
‫ريق وبهرج‪ ،‬كلماتها منمقة‪ ،‬ظاهرها ُ‬ ‫فالشبهة في الغالب لها ب ٌ‬
‫أوال إلى‬
‫لزاما على من يريد أن ينقض شبه ًة أن ُيفكّكها ً‬‫ال ُقبح‪ ،‬لذلك كان ً‬
‫أجزاء‪ ،‬بحيث يتميز الباطل عن غيره‪ ،‬ثم يف ّندها‪ ،‬ثم ينظر هل فيها كلمة مجملة‬
‫تحتاج بيا ًنا فنبينه‪ ،‬وهل فيها سياق تاريخي معين يؤثر في النظر إليها فنراعيه‪،‬‬
‫وهل فيها كلمة حصل لها تطور داللي فنقف عليه‪ ،‬وبيان ذلك في التالي‪:‬‬
‫أور‪ :‬فكيك الشبهة إلد أج اء‪:‬‬
‫* ً‬
‫تفكيك الشبهة يعني بيان أجزائها الثالثة‪ ،‬فالشبهة في الغالب تتكون من‬
‫مثاال‪:‬‬
‫مقدمة صغرى ومقدمة كبرى ونتيجة‪ ،‬ولنأخذ على ذلك ً‬
‫• ُشبهة‪> :‬اإلسالم فيه ظلم لنه ليس فيه مساوا بي الرجل والمرأ <‬
‫نفكّك هذه الشبهة على النحو التالي‪:‬‬
‫هذه مقدمة مجملة‬ ‫اإلسالم ليس فيه مساواة بين‬ ‫المقيمة‬
‫تحتاج بيا ًنا!‬ ‫الرجل والمرأة‬ ‫الصغرى‬
‫عدم المساواة بين الرجل والمرأة هذه المقدمة تحتاج‬ ‫المقيمة‬
‫دليال!‬
‫ً‬ ‫ظلم‬ ‫الكبرى‬
‫نتوقف في النتيجة حتى‬
‫اإلسالم فيه ظلم!‬ ‫النتيجة =‬
‫تثبت صحة المقدمتين‬
‫وسيأتي استكمال تفنيدها في الخطوات التالية‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬اخلطوات العملية لنقض الشبهات‬

‫ثانيا‪ :‬بيان اإلجمال‪:‬‬


‫* ً‬
‫سبق معنا أن من أسس الشبهات‪ :‬العبارات المجملة التي ُتمرر من‬
‫خاللها المفاهيم الخاطئة‪ ،‬والموقف الصحيح هو عدم قبول العبارة مطل ًقا وال‬
‫ردها مطل ًقا‪ ،‬وإنما المطالبة بالتفصيل‪ ،‬فإذا ما وردت عليك شبهة‪ ،‬ففككتها‬
‫فبين هذا اإلجمال وأزل‬ ‫فانظر في كلماتها‪ ،‬فإن كان فيها إجمال أو غموض ّ‬
‫الغموض حتى ال يختلط الحق بالباطل‪.‬‬
‫* ثال ًثا‪ :‬مراعا التط اليرل للكلمات‪:‬‬
‫من المهم ج ًدا إذا اطلعت على شبهة تتعلق بالتشنيع على عبارة وردت‬
‫في نص من النصوص الشرعية‪ ،‬أن تتأكد من عدم وجود اختالل في الفهم‬
‫بسبب التطور الداللي للكلمة‪ُ ،‬فرب كلمة كانت تدل على معنى ما ثم أصبحت‬
‫تدل على معنى مختلف في أذهان المعاصرين‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ما روي عن عبداهلل بن مسعود ‪ ‬عن النبي ‘ أنه‬
‫قال‪> :‬المرأ ع ‪ ،‬فإذا خرجت استشرفها الشيطان<(‪ ،)1‬فيقول صاحب‬
‫الشبهة هذه إهانة للمرأة! كيف توصف المرأة بأنها عورة!؟‬
‫بل قد صدر من بعض من يوصف بأنه من الدعاة! قوله‪> :‬بعض الرجال‬
‫يرى أن المرأ ع ! هذه الكلمة شخصي ًا أعتبرها ثقيلة حقيقة‪ ،‬المرأة إنسانة‬
‫كيان وعقل وروح وعاطفة< انتهى كالمه‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه الترمذي (‪ )1173‬وقال‪ :‬حسن صحيح غريب‪ ،‬ورواه ابن خزيمة في صحيحه (‪)1685‬‬
‫وابن حبان (‪ )5598‬وقال األلباني في إرواء الغليل (‪ :)303/1‬وهذا إسناد صحيح‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬اخلطوات العملية لنقض الشبهات‬

‫انظروا كيف انتقل ذهنهم عند سماع الحديث إلى معنى سيء قبيح على‬
‫خالف مقصود النبي ‘ الذي هو أعف البشر لسا ًنا وأحسنهم ُخل ًقا‪.‬‬
‫وهم لو علموا أن هناك ما يُسمى بالتطور الداللي للكلمة لما قالوا هذا‬
‫الكالم‪.‬‬
‫فالعورة في لغة العرب تعني >كل مكمن للستر<(‪ ،)1‬ومن ذلك بيوت‬
‫الناس‪ ،‬فقد قال اهلل ‪ ‬عن المنافقين‪{ :‬ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ‬
‫ﲰﲲ‬
‫ﲱ‬ ‫ﲤﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯ‬
‫ﲥ‬ ‫ﲢﲣ‬
‫ﲳ ﲴ ﲵ} [األحزاب‪ ]13 :‬فهل يقصدون إهانة بيوتهم أو اإلساءة إليها!؟‬
‫فمعنى الحديث أن المرأة يجب أن ُتحفظ و ُتصان و ُتحمى من أن يعتدي‬
‫إكراما لها‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ‬تعالى‪> :‬المرأة يجب‬
‫عليها أحد‪ً ،‬‬
‫أن ُتصان و ُتحفظ بما ال يجب مثله في الرجل‪ ،‬ولهذا ُخ ّصت باالحتجاب‬
‫وترك إبداء الزينة‪ ،‬وترك التبرج‪ ،‬فيجب في حقها االستتار باللباس والبيوت‬
‫ما ال يجب في حق الرجل<(‪.)2‬‬
‫أما اليوم فال ينصرف الذهن عند سماع كلمة (عورة) إال إلى المعنى‬
‫القبيح! فانظر كيف اتضح المعنى عند مراعاة التطور الداللي للكلمة‪.‬‬
‫* اب ًعا‪ :‬استحضا السياق التا يخ ‪:‬‬
‫سبق أن عرفنا أن من أسس الشبهات أساس اإلسقاط التاريخي‪ ،‬فهناك‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬القاموس المحيط‪ ،‬للفيروزأبادي (‪ ،)446/1‬وتاج العروس (‪.)163/13‬‬
‫(‪ )2‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية (‪.)297/15‬‬

‫‪151‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬اخلطوات العملية لنقض الشبهات‬

‫الكثير من الشبهات قد بنيت على هذا األساس‪ ،‬ال سيما الشبهات المتعلقة‬
‫بالسيرة النبوية وحياة النبي ‘‪ ،‬وذلك من خالل محاكمة األعراف السائدة‬
‫في ذلك الوقت إلى األعراف والمعتقدات السائدة في زمننا هذا‪.‬‬
‫ومن أشهر هذه الشبهات شبهة زواج النبي ‘ من أم المؤمنين عائشة‬
‫المفصل عنهما في‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬وشبهة تعدد زواجات النبي ‘‪ ،‬وسيأتي الجواب‬
‫الفصل القادم‪.‬‬
‫لكن هناك رد مجمل يجب استحضاره هنا‪ :‬وهو أن يُقال‪ :‬إننا إذا استطلعنا‬
‫آراء أعداء النبي ‘ في زمنه مثل أبي جهل وأبي لهب‪ ،‬ممن كان يناصبه العداء‪،‬‬
‫تصور أن مثل هؤالء سيتغاضون عن خطأ من أخطاء النبي ‘؟‬ ‫فهل يُ ّ‬
‫ال كذبوا عليه‪ ،‬وقالوا عنه ساحر وشاعر وكذاب‪،‬‬
‫الجواب‪ :‬أبد ًا‪ ،‬هم أص ً‬
‫يتصور لو كان النبي ‘ قد أتى أمر ًا‬
‫ألنهم لم يجدوا عيب ًا يعيبونه به‪ ،‬فهل ّ‬
‫منتقد ًا أن يتركوه؟!‬
‫فبما أنهم لم ينتقدوا هذا األمر ــ مع شدة حرصهم على خطأ النبي ‘ ــ‬
‫فهذا دليل على أنه ليس بخطأ‪.‬‬
‫وقد أشار إلى هذا المعنى اإلمام الذهبي ‪ ‬في معرض رده شبهة َتع ّل ِم‬
‫النبي ‘ من بحيرا الراهب‪ ،‬حيث قال‪> :‬ولم نر النبي ‘ ذ ّكر أبا طالب‬
‫قط بقول الراهب‪ ،‬وال تذاكرته قريش‪ ،‬وال حكته أولئك األشياخ‪ ،‬مع توفر‬
‫هممهم ودواعيهم على حكاية مثل ذلك‪ ،‬فلو وقع الشتهر بينهم أيما اشتهار‪،‬‬
‫ولبقي عنده ‘ حس من النبوة؛ ولما أُ ْن ِكر مجيء الوحي إليه<(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سير أعالم النبالء ــ قسم السيرة النبوية ــ (‪.)58/1‬‬

‫‪152‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬اخلطوات العملية لنقض الشبهات‬

‫كما استند على هذه الفكرة في الرد اإلجمالي جمل ٌة من علماء السلف‪،‬‬
‫ومن ذلك ما رواه اإلمام الخ ّطابي عن ابن أبي هريرة عن أبي العباس بن سريج‬
‫قال‪ :‬سأل رجل بعض العلماء عن قول اهلل ‪{ :‬ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ} فأخبر‬
‫أنه ال يقسم ثم أقسم به في قوله‪{ :‬ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ‬
‫ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ} [التين‪ 1 :‬ــ ‪.]4‬‬
‫فقال له ابن سريج‪ :‬أي األمرين أحب إليك‪ :‬أجيبك ثم أقطعك‪ ،‬أو‬
‫أقطعك ثم أجيبك؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬بل اقطعني‪ ،‬ثم أجبني‪.‬‬
‫فقال له‪ :‬اعلم أن هذا القرآن نزل على رسول اهلل ‘ بحضرة رجال‪،‬‬
‫وبين ظهراني قوم‪ ،‬كانوا أحرص الخلق على أن يجدوا فيه مغم ًزا‪ ،‬وعليه‬
‫مطعنا‪ ،‬فلو كان هذا عندهم مناقضة لتعلقوا به‪ ،‬وأسرعوا بالرد عليه‪ ،‬ولكن‬
‫أنكرت‪.‬‬
‫َ‬ ‫القوم علموا وجهلت‪ ،‬فلم ينكروا منه ما‬
‫ثم قال له‪ :‬إن العرب قد ُتدخل >ال< في أثناء كالمها و ُتلغي معناها؛‬
‫كقول الشاعر‪:‬‬
‫في بئر ال حـور سرى وما شعــر‬
‫يريد‪ :‬في بئر حور سرى وما شعر<(‪.)1‬‬

‫‪b‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬بيان إعجاز القرآن‪ ،‬لإلمام الخطابي (ص ‪ 57‬ــ ‪.)58‬‬

‫‪153‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬اخلطوات العملية لنقض الشبهات‬

‫الخط الثانية‪ :‬التثبت م صحة النقل‪.‬‬


‫يُعول مثيرو الشبهات دائ ًما على كسلنا المعرفي مع األسف! فقد سبق‬
‫معنا أن من أسس الشبهات اختالق األكاذيب واالفتراءات‪ ،‬ولوال أنهم‬
‫يصدق هذه االفتراءات لما استمروا على كذبهم!(‪.)1‬‬
‫يجدون من ّ‬
‫لذلك يجب علينا أن ننفض عنا غبار الكسل المعرفي‪ ،‬وأن نعرض كل‬
‫معلومة نسمعها ــ ال سيما إذا كانت جديدة علينا ــ على طاولة التثبت والبرهان‪.‬‬
‫أوال كما‬
‫وقبل مناقشة أي فكرة والرد على أي شبهة يجب أن نفكّكها ً‬
‫أوال ثم نناقشها‪ ،‬ألنها إذا لم تثبت فما الحاجة‬
‫سبق ثم نتثبت ونتأكد من ثبوتها ً‬
‫إلى ردها ومناقشتها؟!‬
‫ال فالصحة‪،‬‬
‫ومن هنا قال علماء أدب البحث والمناظرة‪( :‬إن كنت ناق ً‬
‫أو مدعي ًا فالدليل)‪.‬‬
‫التثبت في األمور وعدم التعجل‪،‬‬
‫واهلل ‪ ‬في القرآن الكريم يعلمنا ّ‬
‫فقال تعالى‪{ :‬ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ‬
‫ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ} [الحجرات‪.]6 :‬‬
‫{ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ‬ ‫وقال تعالى‪:‬‬
‫ﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧ‬
‫ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ‬
‫ﲴ ﲵﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ} [النساء‪.]94 :‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬هندسة الجمهور‪ ،‬ألحمد فهمي (ص ‪.)162‬‬

‫‪154‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬اخلطوات العملية لنقض الشبهات‬

‫وجعل النبي ‘ نقل الكالم دون ت ّثبت من صحته نو ًعا من اإلثم‪ ،‬فعن‬
‫حيث بكل ما‬ ‫أبي هريرة ‪ ‬أن النبي ‘ قال‪> :‬كفد بالمرء إثما أن ُي ّ‬
‫سمع<(‪.)1‬‬
‫وفي سبيل تأسيس النبي ‘ لمنهج التثبت والتبين في األخبار ذم‬
‫الكالم المرسل الذي ال زمام له وال خطام‪ ،‬والذي يُجعل قبله كلمة >يقولون<‬
‫أو كلمة >زعموا< فقال ‘‪> :‬بئس مطية الرجل‪ :‬زعم ا<(‪.)2‬‬
‫قال اإلمام الخطابي ‪> :‬وإنما يقال زعموا في حديث ال سند له وال‬
‫ثبت فيه وإنما هو شيء يحكى عن األلسن على سبيل البالغ فذم ‘ من‬
‫الحديث ما كان هذا سبيله وأمر بالتثبت فيه والتوثق لما يحكيه من ذلك‪ ،‬فال‬
‫يرويه حتى يكون معزي ًا إلى ثبت ومروي ًا عن ثقة وقد قيل‪ :‬الراوية أحد‬
‫الكاذبين<(‪.)3‬‬
‫وفي مثالنا السابق في الخطوة األولى فكّكنا الشبهة ووجدنا أن المقدمة‬
‫الصغرى تقول‪ :‬اإلسالم ليس فيه مساواة بين الرجل والمرأة‪.‬‬
‫وفي هذه الخطوة نتفحص هذه المقدمة ونتثبت من صحتها‪ ،‬فهل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم في مقدمة صحيحه (‪ ،)5‬وأبو داود (‪ )4992‬وصححه الحافظ ابن حجر في فتح‬
‫الباري (‪.)407/10‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود (‪ )4972‬والطحاوي في شرح مشكل اآلثار (‪ ،)137/1‬قال الحافظ ابن حجر‬
‫في اإلصابة في تمييز الصحابة (‪> :)216/7‬وسنده صحيح م ّتصل أُ ِم َن فيه من تدليس الوليد‬
‫وتسويته<‪ .‬وقد استفدت الداللة على هذا النقل من كتاب >التفكير الموضوعي في ضوء السنة‬
‫النبوية< للدكتور سامح عبداهلل متولي (ص ‪.)54‬‬
‫(‪ )3‬معالم السنن‪ ،‬للخطابي (‪.)130/4‬‬

‫‪155‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬اخلطوات العملية لنقض الشبهات‬

‫فعال ليس فيه مساواة بين الرجل والمرأة؟‬


‫اإلسالم ً‬
‫الجواب‪ :‬أما على جهة اإلجمال فال فرق بين الرجل والمرأة في‬
‫مكرم مكلّف بالصالة وسائر العبادات في الجملة‪،‬‬‫اإلسالم‪ ،‬فكالهما ّ‬
‫وكالهما له حق التملك‪ ،‬وحق البيع والشراء‪.‬‬
‫ودليل ذلك قول النبي ‘‪> :‬النساء شقائق الرجال<(‪ ،)1‬قال اإلمام ابن‬
‫العربي ‪> ‬يعني‪ :‬أن الخلقة فيهم واحدة‪ ،‬والحكم فيهم بالشريعة سواء<(‪.)2‬‬
‫ولكن ألن المرأة تختلف في تكوينها الجسماني والنفسي عن الرجل‬
‫اختلفت بعض األحكام الشرعية تب ًعا لذلك‪.‬‬

‫‪b‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)236‬والترمذي (‪ ،)113‬وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي‬
‫(‪ :)190/1‬هذا إسناد صحيح‪ ،‬وصححه األلباني في >السلسلة الصحيحة< (‪.)2863‬‬
‫(‪ )2‬المسالك في شرح موطأ مالك‪ ،‬البن العربي (‪.)216/2‬‬

‫‪156‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬اخلطوات العملية لنقض الشبهات‬

‫الخط الثالثة‪ :‬طلب اليليل الصحيح‪.‬‬


‫سبق معنا في الفصل الرابع أن من األسس التي بنيت عليها كثير من‬
‫الشبهات‪ :‬أساس االحتكام إلى مرجعية خاطئة‪.‬‬
‫فالخطوة الثالثة بعد تفكيك الشبهة والتثبت من النقل أن تسأل عن‬
‫المرجعية التي اعتمد عليها قائل الشبهة في كالمه‪.‬‬
‫وفي المثال السابق‪ ،‬وجدنا أن المقدمة الكبرى تقول‪ :‬عدم المساواة‬
‫بين الرجل والمرأة ظلم!‬
‫وهنا نسأل‪ :‬ما اليليل علد هذا الكالم؟ وما ه المرجعية المعيا ية‬
‫فيه؟‬
‫بماذا يمكن أن يجيب قائل الشبهة؟ كالمه ال يخلو‪:‬‬
‫ــ إما أن يقول‪ :‬الدليل هو العقل‪.‬‬
‫فنق ل‪ :‬إن كنت تقصد بالعقل البدهيات العقلية‪ ،‬فال تعارض بينها وبين‬
‫عدم المساواة في بعض األحكام بين الجنسين‪ ،‬وال يترتب على إقرار التمييز‬
‫بين الرجل والمرأة في بعض األحكام ُمحال عقلي‪.‬‬
‫وإن كنت تقصد العقل بمعنى األفكار الظنية فأفكارك الظنية ليست‬
‫معيا ًرا للكون‪ ،‬وأنت لست محو ًرا للحقيقة‪ ،‬فلسنا ملزمين باتباع أفكارك!‬
‫ــ وإما أن يقول‪ :‬الدليل هو العلم التجريب ‪.‬‬
‫أوال العلم التجريبي يعتبر محاي ًدا إزاء األحكام المعيارية‪،‬‬
‫فنق ل‪ً :‬‬
‫‪157‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬اخلطوات العملية لنقض الشبهات‬

‫كما سبق بيانه‪.‬‬


‫دليال عليك ال لك‪ ،‬ألنه يثبت الفروق‬
‫ثانيا‪ :‬العلم التجريبي يعتبر ً‬
‫ً‬
‫التكوينية والنفسية بين الرجل والمرأة‪.‬‬
‫ــ وإما أن يقول‪ :‬الدليل المنظمة اليولية الفالنية‪ ،‬وأنه أ العالم أجمع‪.‬‬
‫أوال‪ :‬ليس هذا هو رأي العالم أجمع‪ ،‬ألنني وجميع المسلمين‬
‫فنق ل‪ً :‬‬
‫من العالم‪ ،‬وليس هذا رأينا!‬
‫ثانيا‪ :‬االحتكام إلى مجرد رأي األكثرية واألفكار السائدة في العصر‬‫ً‬
‫مغالطة منطقية تسمى مغالطة‪ :‬االحتكام إلى عامة الناس ــ وقد سبق بيانها ــ‪.‬‬
‫وبهـذا يتضح افتقار هذه الجملة إلى المرجعية الصحيحـة‪ ،‬والدليل‬
‫الصحيح فال تكون مقبولة‪ ،‬وتأمل معي الخريطة الجدلية التالية‪:‬‬
‫ما ه دليلك ومرجعك ف هذا الق ل؟‬

‫عني مرجع ودليل‬ ‫ليس عني دليل‬


‫نقول‪ :‬ما هو؟‬ ‫نقول‪ :‬هذا تحكّم ال يُقبل!‬

‫المنظمة الفالنية!‬ ‫العلم التجريبي!‬ ‫العقل!‬

‫‪158‬‬
‫شبه ٌ‬
‫ات وردودٌ‬
‫الفصل السادس‪ :‬شبهات وردود‬

‫تقرر ما سبق بيانه من المعالجات التأصيلية للشبهات الفكرية‪،‬‬


‫بعدما ّ‬
‫أحببت أن أختم هذا الكتاب بفصل أتناول فيه عد ًدا من الشبهات الفكرية‬
‫المثارة والمنتشرة والرد عليها‪ ،‬لنكسب من ذلك أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬توضيح مضامين الكتاب‪ ،‬من خالل التطبيق العملي للمعالجات‬
‫التي تناولناها فيه‪ ،‬فبالمثال يتضح المقال‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬المساهمة في كشف ونقض هذه الشبهات‪ ،‬ال سيما وأنها قد‬
‫اشتهرت وانتشرت‪.‬‬
‫وهنا يجب أن أوضح نقطة منهجية مهمة‪ ،‬وهي أن بعض اإلخوة‬
‫الغيورين على الدين ينهون عن الحديث في الشبهات وتفنيدها وينئون عنه‪،‬‬
‫ويقولون‪ :‬أميتوا الباطل بالسكوت عنه‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬كالمهم صحيح ونابع من غيرتهم على الدين‪ ،‬ولكنه ليس على‬
‫إطالقه‪ ،‬فإن بعض الشبهات قد انتشرت واشتهرت ووصلت إلى الصغير قبل‬
‫الكبير‪ ،‬وإلى الجاهل قبل المتعلم‪ ،‬فهذه ال تموت بالسكوت عنها‪ ،‬بل ستحيا‬
‫أكثر‪ ،‬لذلك وجب على المتخصصين االنتهاض لنقضها والتشمير لدفعها‬
‫وتفنيدها‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬شبهات وردود‬

‫ل‬
‫امبحث ا أ‬
‫لول‬
‫مشكلة الشر‬
‫‪$‬‬
‫هذه المعضلة الفكرية قد شغلت العقل البشري منذ قديم الزمان وتفاوتت‬
‫كثيرا‪ ،‬وهو موضوع وجود الشر في هذا الكون‪.‬‬‫فيها اآلراء ً‬
‫وحتى ُتنقض هذه الشبهة نسير على الخطوات التي بيناها آن ًفا‪.‬‬
‫الخط الولد‪ :‬فكيك الشبهة‪:‬‬
‫ــ‬ ‫يوجد شر في الكون‬ ‫المقيمة الصغرى‬
‫ال يستقيم وجود إله كامل القدرة‬
‫ــ‬ ‫المقيمة الكبرى‬
‫مع وجود الشر‬
‫ــ‬ ‫[اختلفت من ملة إلى ملة]‬ ‫النتيجة =‬
‫كبيرا‪ ،‬وبيان ذلك‬
‫فاختلف الناس في نتائج هاتين المقدمتين اختال ًفا ً‬
‫باختصار على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ 1‬زز المالحي ‪:‬‬
‫ذهب المالحي إلد أن النتيجة ه عيم ارعتراف ب ج د إله!‬
‫وأول من أثار هذه المشكلة هو الفيلسوف اإلغريقي أبيقور(‪ ،)1‬والرد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أبيقور (‪ 341‬ــ ‪ 270‬ق‪ .‬م)‪ ،‬فيلسوف يوناني أسس لمدرسة فلسفية سميت باسمه هي=‬

‫‪162‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مشكلة الشر‬

‫على ذلك يسير‪ ،‬فإنه يمكن نقض كالمهم بأمرين‪:‬‬


‫الول‪ :‬أن الشر والخير يحتاجان إلى معيار قيمي‪ ،‬والملحد يفتقد هذا‬
‫المعيار‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬لو سلمنا جد ًال أن وجود الشر يدل على عدم وجود اهلل‪ ،‬إذن‬
‫البد أن يكون وجود الخير يدل على وجود اهلل تعالى‪.‬‬
‫والكل يعلم أن الخير في هذا العالم موجود‪ ،‬بل قد يكون أكثر من‬
‫الشر‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬إن الشر يدل على عدم وجود اهلل‪ ،‬فيلزمك أن تقول‪ :‬إن‬
‫الخير يدل على وجود اهلل‪.‬‬
‫‪ 2‬زز الرب بي ن‪:‬‬
‫المذهب الربوبي مذهب فكري ال ديني وفلسفي يؤمن بوجود خالق‬
‫للكون‪ ،‬وبأن هذه الحقيقة يمكن الوصول إليها باستخدام العقل ومراقبة العالم‬
‫الطبيعي وحده دون الحاجة إلى أي دين‪.‬‬
‫مسيرا للكون‪ ،‬وأنه ال يتدخل‬
‫والنتيجة عند الربوبية ترى أن الخالق ليس ً‬
‫في سير العالم الطبيعي بأي شكل من األشكال‪ ،‬وإنما تركه يعمل وف ًقا لقوانين‬
‫الطبيعة التي تم تكوينها عندما خلق كل شيء(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫بيقورية)‪ ،‬وكان غير مؤم ٍن بالمعتقدات الدينية‪ ،‬وكان يرى أن مقياس الخير هو‬
‫= المدرسة (األ ّ‬
‫اللذة ومفارقة األلم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬موسوعة أعالم الفلسفة حياتهم آثارهم وفلسفتهم‪ ،‬روني إيلي ألفا (‪.)52/1‬‬
‫(‪ )1‬لماذا نحن هنا؟ إسماعيل عرفة (ص ‪.)127‬‬

‫‪163‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬شبهات وردود‬

‫‪ 3‬زز الثن ية‪:‬‬


‫الثنوية هي إحدى المعتقدات التي أ ّثرت فيها هذه المشكلة‪ ،‬ونتيجة‬
‫مشكلة الشر عندهم هي القول بوجود إلهين اثنين‪ ،‬إله الخير‪ ،‬وإله الشر‪ ،‬أو‬
‫إله النور وإله الظلمة‪ ،‬وهم أقسام كالمجوس‪ ،‬والزرادشتية‪ ،‬والمانوية‪،‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫‪ 4‬زز المعت لة‪:‬‬
‫كذلك من الطوائف التي تأثرت بهذه القضية القدرية المعتزلة‪ ،‬ونتيجة‬
‫هذه المشكلة عندهم أن اهلل تعالى لم يخلق أفعال العباد‪ ،‬وأن األمر أُ ُنف‪،‬‬
‫وأنه سبحانه لم يخلق الشر‪ ،‬بل هو من خلق اإلنسان‪.‬‬
‫وغير ذلك من المعتقدات والمذاهب‪.‬‬
‫‪b‬‬
‫الخط الثانية‪ :‬التثبت م صحة النقل‪:‬‬
‫إذا نظرنا هنا إلى المقدمة الصغرى نجدها ليست دقيقة‪ ،‬فإنه ال يوجد‬
‫في الكون شر محض من كل الوجوه‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن القيم ‪> :‬تحقيق األمر أن الشر نوعان‪ :‬شر محض‬
‫حقيقي من كل وجه‪ ،‬وشر نسبي إضافي من وجه دون وجه‪ ،‬فاألول ال يدخل‬
‫ضا‪ ،‬والثاني هو الذي‬
‫شرا مح ً‬
‫في الوجود‪ ،‬إذ لو دخل في الوجود لم يكن ًّ‬
‫‪164‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مشكلة الشر‬

‫يدخل في الوجود<(‪.)1‬‬
‫‪b‬‬
‫الخط الثالثة‪ :‬طلب اليليل الصحيح‪:‬‬
‫نسأل من يطرح هذه الشبهة‪ :‬ما هو الدليل على صحة المقدمة الكبرى؟‬
‫فنحن نمنع هذه المقدمة‪ ،‬ونقول‪ :‬ال دليل عليها‪.‬‬
‫والموقف الصحيح من هذه القضية‪ :‬أننا نعتقد أن اهلل ‪ ‬خالق كل‬
‫شيء‪ ،‬وأنه خلق الخلق وأفعالهم‪ ،‬كما قال اهلل سبحانه‪{ :‬ﲤ ﲥ ﲦ‬
‫ﲧ} [الصافات‪.]96 :‬‬
‫إذن لماذا ُوجي الشر ف هذا الك ن؟‬
‫للجواب على هذه اإلشكالية يجب استيعاب سبعة أصو ٍل مهمة‪ ،‬من‬
‫فهمها حق الفهم زالت عنه هذه اإلشكالية‪ ،‬واضمحلت إن شاء اهلل‪:‬‬
‫* الصل الول‪ :‬أن الل ‪ ‬عيل‪ ،‬حكيم‪ ،‬حيم‪ ،‬ر يظلم أح ًيا أب ًيا‪،‬‬
‫قال اهلل سبحانه‪{ :‬ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ} [الفتح‪ ،]4 :‬وقال اهلل سبحانه‪{ :‬ﳥ‬
‫ﳦ ﳧ ﳨ} [فصلت‪.]46 :‬‬
‫فالعدل من الصفات اإللهيـة العظيمة‪ ،‬قال اهلل تعالى‪{ :‬ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ‬
‫ﱪ ﱫ}‪ ،‬وقال الرسول ‘ ِفيما َر َوى َع ِن اهللِ ‪ ‬أ َّن ُه َ‬
‫قال‪> :‬يا ِع َبا ِدي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل‪ ،‬البن القيم (‪.)515/2‬‬

‫‪165‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬شبهات وردود‬

‫إنِّي َح َّر ْم ُت الظل َْم علَى َن ْف ِسي‪َ ،‬و َج َعل ُْت ُه ْبي َن ُك ْم ُم َح َّر ًما‪ ،‬فال َت َظالَ ُموا<(‪.)1‬‬
‫بمجرد علمه ـ تعالى ـ األزلي‬
‫ّ‬ ‫ومن عدل اهلل ‪ ‬عدم مجازاة الناس‬
‫بأعمالهم‪ ،‬فاهلل ـ تعالى ـ يعلم ما سيقع من عباده من األفعال واألقوال‪ ،‬ولك ّنه‬
‫مجرد علمه األزلي قبل خلقهم‪ ،‬بل خلقهم وتركهم يعملون‬ ‫لم يحاسبهم على ّ‬
‫من خي ٍر أو ش ٍر‪ ،‬وعلى ذلك سوف يحاسبهم في اآلخرة‪.‬‬
‫* الصل الثان ‪ :‬سعة علم الل عالد ومحيودية علم البشر‪ ،‬فالبشر‬
‫كلهم متيقنون بأن اهلل تعالى قد وسع علمه كل شيء‪ ،‬ألنهم يكتشفون كل يوم‬
‫خافيا عليهم‪.‬‬
‫شي ًئا جدي ًدا كان ً‬
‫فنحن البشر نجهل حقيقة األمور‪ ،‬خير هي أم شر‪ ،‬لذلك قال اهلل ‪:‬‬
‫ﱖ‬
‫ﱗ‬ ‫ﱎﱐﱑﱒﱓﱔﱕ‬
‫ﱏ‬ ‫{ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ‬
‫ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ} [البقرة‪،]216 :‬‬
‫{ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ‬ ‫ولما خلق اهلل آدم قال المالئكة له‪:‬‬
‫ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ} فماذا قال اهلل ‪ ‬لهم؟‬
‫قال‪{ :‬ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ} [البقرة‪ ،]30 :‬وقال سبحانه‪{ :‬ﲶ ﲷ ﲸ‬

‫ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ} [النساء‪.]19 :‬‬
‫أصال؟ أال‬
‫ضا‪ ،‬ونحوها فلماذا تجزم أنها شر ً‬
‫فإذا رأيت مصيبة‪ ،‬أو مر ً‬
‫يمكن أن يترتب عليها من المصالح‪ ،‬أضعاف أضعاف ما تراه من الشر‪ ،‬ما‬
‫يدريك؟‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪.)2577‬‬

‫‪166‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مشكلة الشر‬

‫وم َث ُل من يعترض على أقدار اهلل كمثل طفل صغير دخل معمل عالم‬ ‫َ‬
‫كيمائي كبير‪ ،‬فرأى األجهزة والقوارير واألدخنة المتصاعدة فظن أن هذا العالم‬
‫شرا ما!‬
‫يصنع ً‬
‫وهلل عز وجل المثل األعلى‪ ،‬فعلمنا ال يساوي شي ًئا أمام علم اهلل تعالى‪،‬‬
‫وفي حديث موسى والخضر عليهما السالم‪> :‬فجاء عصفور فوقع على حرف‬
‫السفينة‪ ،‬فنقر نقرة أو نقرتين في البحر‪ ،‬فقال الخضر‪ :‬يا موسى ما نقص‬
‫علمي وعلمك من علم اهلل َّإال كنقرة هذا العصفور في البحر<(‪.)1‬‬
‫* الصل الثالث‪ :‬أننا ممل ك ن لل ‪ ،‬فإنه هو الذي خلقنا وأوجدنا‬
‫تصر ُف في ملكه ما َظ َلم‪ ،‬وليس ألحد الحق في‬
‫والم ّ‬
‫من العدم‪ ،‬فنحن ملكه‪ُ ،‬‬
‫أن يسائله عن هذا التصرف‪ ،‬فاهلل سبحانه {ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ}‬
‫[األنبياء‪.]23 :‬‬
‫ونحن عندنا ثقة في اهلل سبحانه أنه حكيم‪ ،‬عدل رحيم‪ ،‬ال يظلم أح ًدا‬
‫أب ًدا‪ ،‬ولكننا مع ذلك ملك هلل يفعل فينا ما يشاء‪ ،‬ولذلك إذا أُصبنا بمصيبة‬
‫نقول‪ :‬إنا لل‪ ،‬أي‪ :‬نحن مملوكون هلل تعالى‪.‬‬
‫* الصل الرابع‪ :‬أن نعلم أن هذه الينيا دا ممر ر دا مقر‪ ،‬وأننا إلى‬
‫اهلل راجعون‪ ،‬وأن وجود اإلنسان في هذه الدنيا مؤقت وال يُخلد في هذه الدنيا‬
‫أحد‪.‬‬
‫وال يجزع المرء عند مصائب الدنيا وشرورها إال بسبب عدم استيعابه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ،‬رواه البخاري (‪ ،)122‬ومسلم (‪.)4385‬‬

‫‪167‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬شبهات وردود‬

‫حقارة الدنيا وضآلتها بالنسبة إلى اآلخرة‪ ،‬فالدنيا أصغر من اآلخرة بمصائبها‬
‫ضا‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱹ ﱺ ﱻ‬ ‫وبمتعها أي ً‬
‫ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ} [التوبة‪.]38 :‬‬
‫ولعلي أُ ِّقرب الفكرة بشكل توضيحي تشبيهي ال حقيقي‪ ،‬فإن حقيقة‬
‫مقدار اآلخرة ال يعلمها إال اهلل ‪ ،‬وذلك في الصورة التالية‪:‬‬

‫منحصرا في هذه النقطة الضئيلة‬


‫ً‬ ‫هل من العقل أن يكون اهتمام اإلنسان‬
‫فقط‪ ،‬ويترك هذه المساحة الكبيرة؟!‬
‫‪168‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مشكلة الشر‬

‫هذا حال من يحصر اهتماماته وانفعاالته في حدود هذه الدنيا‪ ،‬يضيق‬


‫ويحزن لمصائبها غاية الحزن‪ ،‬ويتناسى المساحة الشاسعة للدار اآلخرة!‬
‫وهذان األصالن (الثالث والرابع) قد أرشدنا إليهما اهلل ‪ ،‬فقد أمرنا‬
‫اهلل ‪ ‬بذكر نقوله عند المصائب‪ ،‬وهو ما ورد في قول اهلل تعالى‪{ :‬ﱛ ﱜ‬
‫ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ} [البقرة‪ 155 :‬ــ ‪.]156‬‬
‫فالشق األول من الذكر (إنا لل) يُ َذ ِّكرنا أننا مملوكون هلل تعالى‪ ،‬حتى ال‬
‫نجزع من المصيبة‪.‬‬
‫والشق الثاني (وإنا إليه اجع ن) يذكرنا بأن هذه الدنيا صغيرة ومؤقتة‬
‫ال تدوم فيها المصيبة‪.‬‬
‫فمن أتى بهذا الذكر عند المصيبة كما أمره اهلل سبحانه واستشعر معناه‬
‫واضمحل أثرها‪ ،‬أما الماديون الذين ال يؤمنون باليوم‬
‫ّ‬ ‫هانت عليه المصيبة‬
‫اآلخر فهؤالء ال سلوى لهم‪ ،‬والمصيبة الدنيوية على رؤوسهم موجعة وصغار‬
‫المصائب عندهم فاجعة! ألنهم ال يعرفون إال هذه الحياة؛ فأدنى مصيبة‬‫ِ‬
‫تصيبهم بالجزع‪ ،‬ولذلك تكثر في أوساطهم حاالت االنتحار‪.‬‬
‫قال الدكتور سامي عامري‪> :‬إن الحياة الغربية المفرغة من المعنى‬
‫الشائق والمذعورة بين جدران الميالد والوفاة تضج من كل قرصة ألم وتذعر‬
‫من كل لسعة أنين‪ ،‬فليس في الوجع واألنة غير خسارة لدقائق من أيام فانية‬
‫تسير باإلنسان إلى حتفه‪ ،‬ولذلك فإن الهروب من األذى بأنواعه هدف في‬
‫الشر‬
‫يتوصل به إلى قيمة عليا‪ ،‬فالحياة في ذاتها هي الغاية‪ ،‬وما ّ‬
‫ذاته‪ ،‬وال ّ‬

‫‪169‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬شبهات وردود‬

‫غير َح َد ِ‬
‫ث َع َر ِضي في كون ليس إال مادة وطاقة في حركة دؤوبة عمياء<(‪.)1‬‬
‫* األصل الخامس‪ :‬أن نعم الحيا ومحاسنها ر يمك أن ظهر بيون‬
‫شر‪.‬‬
‫فبض ّدها تتبين األشياء‪ ،‬فالجوع شر‪ ،‬واإلرهاق والتعب شر‪ ،‬لكن هل‬
‫يمكنك أن تتنعم بلقمة طعام وتهنأ بها بدون جوع؟ وهل يمكن أن تهنأ بالراحة‬
‫دون تعب؟ وهل كنا سنعرف الجمال بدون قبح؟ وهل كنا سنعرف العافية‬
‫بدون مرض؟ ال يمكن‪ ،‬بل هناك كثير من األخالق‪ ،‬والقيم ال يمكن أن‬
‫مثال واإلنابة هلل ال يمكن أن‬
‫تخرج بدون وجود الشر في الكون‪ ،‬فالتوبة ً‬
‫ُتتصور بدون ذنب‪ ،‬والصبر ال يُتصور بدون مصيبة‪ ،‬والشجاعة واإلقدام ال‬
‫مثال‪ ،‬وكذلك إغاثة الملهوف‪ ،‬وغيرها من‬ ‫ُتتصور بدون وجود حرب ً‬
‫األخالق‪.‬‬
‫قال أبو عثمان الجاحظ‪> :‬اعلم أن المصلحة في أمر ابتداء الدنيا إلى‬
‫انقضاء مدتها امتزاج الخير بالشر‪ ،‬والضار بالنافع‪ ،‬والمكروه بالسار‪ ،‬والضعة‬
‫بالرفعة‪ ،‬والكثرة بالقلة‪.‬‬
‫ضا سقطت المحنة‬‫ولو كان الشر صر ًفا هلك الخلق‪ ،‬أو كان الخير مح ً‬
‫وتقطعت أسباب الفكرة‪ ،‬ومع عدم الفكرة يكون عدم الحكمة‪ ،‬ومتى ذهب‬
‫التخيير ذهب التمييز‪ ،‬ولم يكن للعالم تثبت وتوقف وتعلم‪ ،‬ولم يكن علم‪،‬‬
‫التبين‪ ،‬وال دفع مضرة‪ ،‬وال اجتالب منفعة‪ ،‬وال صبر على‬
‫وال يُعرف باب ّ‬
‫شكر على محبوب‪ ،‬وال تفاضل في بيان‪ ،‬وال تنافس في درجة‪،‬‬ ‫مكروهِ وال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مشكلة الشر ووجود اهلل‪ ،‬للدكتور سامي عامري (ص ‪.)25‬‬

‫‪170‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مشكلة الشر‬

‫وبطلّت فرحة الظّفر وعز الغلبة‪ ،‬ولم يكن على ظهرها محق يجد عز الحق‪،‬‬
‫ومب ِطل يجد ذلة الباطل‪ ،‬وموقن يجد برد اليقين‪ ،‬وشاك يجد نقص الحيرة‬
‫الوجوم؛ ولم تكن للنفوس آمال ولم تتشعبها األطماع‪ ،‬ومن لم يعرف‬
‫وكرب ُ‬
‫كيف الطمع لم يعرف اليأس‪ ،‬ومن جهل اليأس جهل األمن<(‪.)1‬‬
‫* الصل السادس‪ :‬ر وج د لحرية اختيا اإلنسان بيون شر‪ ،‬فإذا َم َنع‬
‫مخيرا‪.‬‬
‫مجبرا ال ً‬‫اهلل سبحانه الشر في هذه الدنيا فهذا معناه أن اإلنسان سيكون ً‬
‫فكثير من الشرور التي نراها في هذا الكون هي في الحقيقة شرور‬
‫أخالقية‪ ،‬وليست شرو ًرا مجانية‪.‬‬
‫* الصل السابع‪ :‬وج دنا ف هذه الحيا لالبتالء وارختبا ‪ ،‬فكل ما‬
‫نواجهه في هذه الحياة من شر أو خير فهو ابتالء واختبار لنا‪ ،‬قال اهلل سبحانه‪:‬‬
‫{ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ} [الملك‪ ،]2 :‬وقال اهلل سبحانه‪:‬‬
‫ﱙﱛ‬ ‫ﱚ‬ ‫{ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ‬
‫ﱜﱝ ﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨ ﱩﱪ‬
‫ﱮ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ} [البقرة‪ 155 :‬ــ ‪،]157‬‬
‫ﱯ‬ ‫ﱫﱬﱭ‬

‫{ﳉ ﳊ ﳋ ﳌﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑﳒ ﳓ‬ ‫قال اهلل سبحانه‪:‬‬


‫ﳔ} [األنبياء‪.]35 :‬‬
‫فالبالء يكون بالشر ويكون بالخير‪ ،‬ليس فقط بالشر‪ ،‬بل الخير الذي‬
‫أنت فيه يعد نو ًعا من البالء‪ ،‬وقد روى مسلم في صحيحه عن صهيب الرومي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬كتاب الحيوان‪ ،‬للجاحظ (‪.)204/1‬‬

‫‪171‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬شبهات وردود‬

‫عجبا ألمر المؤمن إن أمره كله خير‪ ،‬وليس ذلك‬ ‫‪ ‬قال‪ :‬قال النبي ‘‪ً > :‬‬
‫ضراء‬ ‫ألح ٍد إال للمؤمن‪ ،‬إن أصابته َس َّراء َش َكر فكان ً‬
‫خيرا له‪ ،‬وإن أصابته َّ‬
‫خيرا له<(‪.)1‬‬
‫َص َبر فكان ً‬
‫ومن رحمة اهلل سبحانه أنه يبتلي عباده بالشرور على قدر دينهم‪ ،‬وقوة‬
‫إيمانهم‪ ،‬ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ‘‪> :‬من يُرد‬
‫خيرا يُ ِص ْب منه<(‪.)2‬‬
‫اهلل به ً‬
‫ضا عن عائشة ‪ ‬قالت‪> :‬ما رأيت أح ًدا أشد‬‫وفي صحيح البخاري أي ً‬
‫عليه الوجع من رسول اهلل ‘<(‪.)3‬‬
‫وعن سعد بن أبي وقاص ‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أي الناس‬
‫أشد بالء؟ قال‪> :‬األنبياء‪ ،‬ثم األمثل فاألمثل‪ ،‬يُبتلى العبد على حسب دينه‪،‬‬
‫صلبا اشتد بالؤه‪ ،‬وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب‬ ‫فإن كان في دينه ً‬
‫دينه‪ ،‬فما يبرح البالء بالعبد حتى يتركه يمشي على األرض‪ ،‬وما عليه من‬
‫خطيئة<(‪.)4‬‬
‫إذا تأملنا هذه األصول السبعة سنجد بطالن المقدمة الكبرى‪ ،‬وتبطل‬
‫بعدها وتنتقض الشبهة كلها بحمد اهلل تعالى‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه مسلم (‪.)2999‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رواه البخاري (‪.)5321‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه البخاري (‪.)5646‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رواه الترمذي (‪ ،)2398‬وابن ماجه (‪ ،)4023‬وقد ّبوب البخاري في صحيحه في كتاب‬ ‫(‪)4‬‬
‫المرضى‪ :‬باب‪ :‬أشد الناس بالء األنبياء‪ ،‬ثم األمثل فاألمثل‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬تعدد زوجات النيب ‘‬

‫ل‬
‫امبحث الثاني‬
‫تعدد زوجات النبي ‘‬
‫ُّ‬
‫‪$‬‬
‫يستشكل بعض الناس زواج النبي ‘ من عدد كبير من النساء‪ ،‬وأصل‬
‫هذا االستشكال مأخوذ من المستشرقين الطاعنين في النبي ‘‪.‬‬

‫الخط الولد‪ :‬فكيك الشبهة و حليلها‪:‬‬


‫النبي ‘ تزوج عدد ًا كبير ًا‬
‫هذا صحيح‬ ‫المقيمة الصغرى‬
‫من النساء‬
‫الذي يتزوج عدد ًا كبير ًا‬
‫دليال!‬
‫هذا يحتاج ً‬ ‫المقيمة الكبرى‬
‫من النساء رجل سيء!‬
‫هذا باطل‬ ‫النبي ‘ رجل سيء ـ وحاشاه ـ‬ ‫النتيجة =‬
‫وفي هذه الشبهة ركوب لمغالطة اإلسقاط التاريخي‪ ،‬وإهدار السياق‬
‫أمرا معي ًبا أو غير‬
‫التاريخي‪ ،‬فزواج الرجل من عدد من النساء ال يُعتبر ً‬
‫أخالقي‪ ،‬وإال لو كان كذلك لبادر أعداء النبي ‘ إلى التشنيع عليه‪ ،‬فلما لم‬
‫يفعلوا ذلك فذلك دليل على أن هذا الفعل مرضي مقبول في تلك الحقبة‬
‫التاريخية‪ ،‬وقد سبق معنا هذا المعنى في الكتاب‪.‬‬

‫‪b‬‬
‫‪173‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬شبهات وردود‬

‫الخط الثانية‪ :‬التثبت م صحة النقل‪:‬‬


‫ال إشكال في نقل المقدمة الصغرى‪ ،‬فقد ثبت أن النبي ‘ تزوج عدد ًا‬
‫كبير ًا من النساء‪.‬‬
‫الخط الثالثة‪ :‬طلب اليليل‪:‬‬
‫نقول لصاحب الشبهة‪ :‬ما هو الدليل على أن الذي يتزوج عدد ًا كبير ًا‬
‫من النساء رجل سيء؟ من قال ذلك؟ وبأي حجة؟‬
‫فإنه ال يُسلّم أن الذي يتزوج عدد ًا كبير ًا من النساء يعد سي ًئا‪ ،‬والنبي‬
‫لمجرد التك ّثر من النساء‪ ،‬أو طم ًعا في متع الدنيا‬
‫َّ‬ ‫‘ لم يتز َّوج هذا العدد‬
‫فقط‪ ،‬ال‪ ،‬ويدل على ذلك عدة أمور‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬أن النبي ‘ عاش خم ًسا وعشرين سنة في أول حياته في غاية‬
‫العفة(‪ ،)1‬فلم يقرب النبي ‘ امرأة قط ال في حالل وال في حرام بإجماع‬
‫الناس قاطبة‪ ،‬فلما بلغ خم ًسا وعشرين سنة تزوج امرأة وهي أم المؤمنين‬
‫خديجة ‪ )2(‬وكانت أكبر منه س ًنا(‪.)3‬‬
‫س وعشرين‬
‫ثانيا‪ :‬استمر ‪ ‬مع خديجة ‪ ‬ولم يتزوج عليها طيلة خم ٍ‬
‫ً‬
‫سنة‪ ،‬وذلك مع قدرته ‪ ‬على الزواج ومع إمكانه وعدم ممانعة المجتمع في‬
‫ذلك الوقت من الزواج‪ ،‬ورغم ذلك لم يتزوج عليها‪ ،‬حتى ماتت ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬كتاب المبتدأ والمبعث والمغازي‪ ،‬لإلمام محمد بن إسحاق (سيرة ابن إسحاق)‬
‫(ص ‪.)58‬‬
‫(‪ )2‬السيرة النبوية‪ ،‬البن هشام (‪.)152/1‬‬
‫(‪ )3‬قيل‪ :‬كانت بنت أربعين سنة‪ ،‬وقيل‪ :‬ثمان وعشرين‪ ،‬وقيل‪ :‬خمس وثالثين‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬تعدد زوجات النيب ‘‬

‫ثال ًثا‪ :‬بعد سنتين تقريب ًا من وفاة أم المؤمنين خديجة ‪ ‬تزوج سودة‬
‫بنت زمعة ‪ ،‬وكانت امرأة كبيرة أيض ًا‪ ،‬وكان عمر النبي ‘ قد تجاوز‬
‫الخمسين‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬لم يتزوج النبي ‘ بكر ًا قط إال عائشة ‪ ،‬رغم أن قري ًشا قد‬
‫عرضت عليه أن يختار أجمل فتيات قريش ليزوجوه‪.‬‬
‫فتبين مما سبق أن النبي ‘ ليس باحث ًا عن لذته وشهوته فقط‪ ،‬ولم‬
‫يخف ذلك حتى على غير المسلمين‪ ،‬وقد شهد بذلك بعض المنصفين منهم‪.‬‬‫َ‬
‫إذا تقرر ما سبق تبين بطالن هذه الشبهة‪.‬‬
‫لك لماذا وج النب ‘ إذن هذا العيد الكبير م النساء؟ وما الحكمة‬
‫م ذلك؟‬
‫الج اب‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬هذا العدد من زوجات النبي ‘ كان ضروري ًا لنقل الدين لنا‪.‬‬
‫{ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ‬ ‫فالنبي ‘ قدوتنا وأسوتنا كما قال ‪‬‬
‫ﳅ} [األحزاب‪ ،]21 :‬وهو أسوتنا ‪ ‬في حياته الخارجية خارج بيته‪ ،‬وفي‬
‫حياته الداخلية داخل بيته‪.‬‬
‫أما في حياته الخارجية فقد تك ّفل لنا جمع كبير ج ًّدا في نقل سنته ‪‬‬
‫وأقواله‪ ،‬ولكن دقائق األمور وما يكون بين الرجل وزوجته‪ ،‬ودقائق ما يكون‬
‫داخل بيت اإلنسان‪ ،‬من سينقلها لنا إال زوجاته ‘؟ وال تكفي امرأة أو‬

‫‪175‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬شبهات وردود‬

‫امرأتان لنقل هذا الكم الكبير من هذه السنن النبوية العظيمة‪ ،‬فاقتضت حكمة‬
‫اهلل أن يتزوج النبي ‘ هذا العدد ليتمكنوا من نقل هديه ‘ داخل بيته كأننا‬
‫أحس َّن في ذلك‪.‬‬
‫نراه‪ ،‬وقد َ‬
‫ثانيا‪ :‬تعدد زوجات النبي ‘ دليل من دالئل النبوة‪ ،‬ومن دالئل صدق‬
‫ً‬
‫النبي ‘‪ ،‬يُضاف إلى األدلة العظيمة على صدقه عليه أفضل الصالة وأتم‬
‫التسليم‪.‬‬
‫وذلك ألن اإلنسان قد يستطيع أن يكذب ويتص ّنع على بعض الناس‬
‫خارج بيته ولو مدة طويلة‪ ،‬ولكن ال يستطيع أن يكذب ويتص ّنع داخل بيته‬
‫دائم ًا في كل وقت‪.‬‬
‫والنبي ‘ على كثرة زوجاته وتنوعهن واختالف طبائعهن إال أنهن‬
‫أجمعن على ُحسن خلقه ‪ ‬وعلى صدقه‪ ،‬وطيب معشره‪ ،‬وقد خيرهن ‪‬‬
‫بينه وبين الدنيا فاخترنه هو‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬النبي ‘ قدوة للجميع‪ ،‬في جميع شؤون حياته‪ ،‬ومن تلك‬
‫الشؤون الحياة الزوجية‪ ،‬فالنبي ‘ قدوة لألزواج مهما اختلفت طبائع‬
‫الزوجات‪ ،‬فالزوجات مختلفات الطبائع كما ال يخفى‪ ،‬فكيف يكون النبي‬
‫‘ قدوة لهم إذا كانت عنده زوجة واحدة ذات طبع واحد!؟ لذلك اقتضت‬
‫حكمة اهلل سبحانه أن يتزوج النبي ‘ الكبيرة والصغيرة‪ ،‬والبكر والثيب‪،‬‬
‫وتزوج األرملة والمطلقة‪ ،‬وتزوج الغيرى‪ ،‬فكل واحدة من زوجاته ‪ ‬كانت‬
‫ذات طبع مختلف‪ ،‬وكان النبي ‘ يُحسن المعشر مع الجميع‪ ،‬ليكون قدوة‬
‫للجميع‪ ،‬فيجد كل زوج في النبي ‘ قدوة له مهما كان طبع زوجته‪.‬‬
‫‪176‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬تعدد زوجات النيب ‘‬

‫راب ًعا‪ :‬كان أقرب الناس للنبي ‘ وزراؤه األربعة‪ ،‬وهم الخلفاء‬
‫الراشدون األربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ــ رضي اهلل عنهم جمي ًعا ــ‪،‬‬
‫فصاهرهم النبي ‘‪ ،‬فتزوج بنت أبي بكر وبنت عمر وزوج بناته لعلي وعثمان‬
‫وسهل دخولهم عليه‬‫ــ رضي اهلل عنهم جمي ًعا ــ‪ ،‬مما ّقربهم للنبي ‘ أكثر‪ّ ،‬‬
‫لتحقيق مصالح المسلمين‪.‬‬
‫خام ًسا‪ :‬تزوج النبي ‘ من عدة قبائل عربية‪ ،‬بل تزوج حتى من بني‬
‫إسرائيل وهي صفية ‪ ‬وأهلها من اليهود‪ ،‬وال يخفى ما في هذا من حكمة‬
‫تألف قلوب الناس وتقريبهم للنبي ‘ودينه‪.‬‬
‫وقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقالني ‪ ‬عشر حكم في تعدد زوجات‬
‫تحصل من كالم أهل العلم في الحكمة في استكثاره‬
‫النبي ‘‪ ،‬فقال‪> :‬والذي ّ‬
‫من النساء عشرة أوجه تقدمت اإلشارة إلى بعضها‪:‬‬
‫أحيها‪ :‬أن يكثر من يشاهد أحواله الباطنة فينتفي عنه ما يظن به‬
‫المشركون من أنه ساحر أو غير ذلك‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬لتتشرف به قبائل العرب بمصاهرته فيهم‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬للزيادة في تألفهم لذلك‪.‬‬
‫ابعها‪ :‬للزيادة في التكليف‪ ،‬حيث ُكلِّف أن ال يشغله ما حبب إليه‬
‫منهن عن المبالغة في التبليغ‪.‬‬
‫خامسها‪ :‬لتكثر عشيرته من جهة نسائه فتزداد أعوانه على من يحاربه‪.‬‬
‫سادسها‪ :‬نقل األحكام الشرعية التي ال يطلع عليها الرجال‪ ،‬ألن أكثر‬
‫‪177‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬شبهات وردود‬

‫ما يقع مع الزوجة مما شأنه أن يختفي مثله‪.‬‬


‫سابعها‪ :‬االطالع على محاسن أخالقه الباطنة‪ ،‬فقد تزوج أم حبيبة‬
‫وأبوها إذ ذاك يعاديه‪ ،‬وصفية بعد قتل أبيها وعمها وزوجها‪ ،‬فلو لم يكن‬
‫أكمل الخلق في خلقه لنفرن منه‪ ،‬بل الذي وقع أنه كان أحب إليهن من جميع‬
‫أهلهن‪.‬‬
‫ثامنها‪ :‬ما تقدم مبسو ًطا من خرق العادة له في كثرة الجماع مع التقلل‬
‫من المأكول والمشروب وكثرة الصيام والوصال‪ ،‬وقد أمر من لم يقدر على‬
‫مؤن النكاح بالصوم وأشار إلى أن كثرته تكسر شهوته فانخرقت هذه العادة في‬
‫حقه ‘‪.‬‬
‫اسعها وعاشرها‪ :‬ما تقدم نقله عن صاحب الشفاء من تحصينهن والقيام‬
‫بحقوقهن واهلل أعلم<(‪.)1‬‬
‫هذه بعض الحكم من كثرة زوجات النبي ‘‪ ،‬وأجزم لو أن المرء‬
‫أعمل ذهنه أكثر لظهرت له حكم أخرى‪.‬‬
‫فسقطت هذه الشبهة بحمد اهلل تعالى‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر (‪.)115/9‬‬

‫‪178‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حد الردة‬

‫ل‬
‫امبحث الثالث‬
‫ح ُّد الردة‬
‫‪$‬‬
‫من الشبهات الشهيرة التي ُتثار دائ ًما شبهة وجود حد الردة في الشريعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وحتى ننقض هذه الشبهة نتبع الخطوات التي تقدمت‪.‬‬
‫الخط الولد‪ :‬فكيك الشبهة و حليلها‪:‬‬
‫هذا صحيح‬ ‫يوجد حد ردة في اإلسالم‬ ‫المقيمة الصغرى‬
‫وجود عقوبة إعدام لترك معتقد‬
‫دليال!‬
‫هذا يحتاج ً‬ ‫المقيمة الكبرى‬
‫ما خطأ‬
‫هذا باطل‬ ‫اإلسالم فيه خطأ!‬ ‫النتيجة =‬
‫الخط الثانية‪ :‬التثبت م صحة النقل‪:‬‬
‫ال إشكال في المقدمة الصغرى‪ ،‬فحد الردة حكم شرعي أجمع عليه‬
‫وضح‬‫العلماء منذ عهد النبي ‘‪ ،‬وهو أن المسلم إذا ارتد فإنه يُستتاب‪ ،‬ويُ ّ‬
‫له الدين و ُتزال عنه الشبهة‪ ،‬فإن رجع إلى اإلسالم فالحمد هلل‪ ،‬وإن لم يرجع‬
‫إلى اإلسالم فإن على ولي األمر ــ وليس أفراد الناس ــ أن يقيم عليه حد الردة‪.‬‬
‫وضربت‬
‫قال الحافظ ابن عبد البر ‪> :‬من ارتد عن دينه حل دمه‪ُ ،‬‬
‫عنقه‪ ،‬واألمة مجتمعة على ذلك<(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬التمهيد‪ ،‬البن عبدالبر (‪.)306/5‬‬

‫‪179‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬شبهات وردود‬

‫وقال الموفق ابن قدامة ‪> :‬وأجمع أهل العلم على وجوب قتل‬
‫المرتدين‪ ،‬وروي ذلك عن أبي بكر وعثمان وعلي ومعاذ وأبي موسى وابن‬
‫عباس وخالد وغيرهم‪ ،‬ولم يُن َكر ذلك فكان إجما ًعا<(‪.)1‬‬
‫ولم يُعرف طوال التاريخ اإلسالمي من اعترض على هذا الحد‪ ،‬حتى‬
‫نبتت نابتة منكري هذا الحد في بدايات القرن الماضي فقط‪ ،‬مع الثقافات‬
‫الواردة إلى بالد المسلمين‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ولعل أول من أعلن نفي حد الردة هو الطبيب محمد توفيق صدقي‬
‫وذلك في مقالة صحفية له نُشرت في مجلة المنار سنة ‪1906‬م بعنوان‪:‬‬
‫>اإلسالم هو القرآن وحده< قال في مطلعها‪> :‬هذا عنوان مقال لي جديد‪،‬‬
‫أفصح فيه عن رأي لي جديد أبديه لعلماء المسلمين‪ <..‬إلى أن قال‪> :‬قتل‬
‫المرتد‪ ،‬إنه لم يرد أمر بذلك في القرآن فال يجوز لنا قتله لمجرد االرتداد‪،‬‬
‫بل اإلنسان حر في أن يعتقد ما شاء {ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ}‬
‫[الكهف‪.)3(<]29 :‬‬
‫واستدالله بهذه اآلية خطأ محض‪ ،‬فليس المقصود باآلية تخيير الناس‬
‫بين الكفر واإليمان! وإنما جاءت على سبيل التهديد والوعيد‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،‬البن قدامة (‪.)264/12‬‬
‫(‪ )2‬محمد توفيق صدقي (‪ 1881‬ــ ‪ 1920‬م) طبيب مصري‪ُ ،‬ولد سنة ‪ 1298‬هـ = ‪1881‬م‪،‬‬
‫>أولع باألبحاث الدينية وتطبيقها على العلوم العصرية‪ ،‬فنشر مقاالت كثيرة في المجالت‬
‫والجرائد< توفي سنة ‪ 1338‬هـ = ‪1920‬م‪.‬‬
‫انظر‪ :‬األعالم‪ ،‬للزركلي (‪.)65/6‬‬
‫(‪ )3‬مجلة المنار‪ ،‬السنة التاسعة‪ ،‬الجزء السابع‪ ،‬عدد سنة ‪ 1324‬هـ = ‪ 1906‬م (ص ‪.)523‬‬

‫‪180‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حد الردة‬

‫قال اإلمام ابن كثير ‪{> :‬ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ} هذا من‬


‫باب التهديد والوعيد الشديد؛ ولهذا قال‪{ :‬ﱮ ﱯ} أي‪ :‬أرصدنا‬
‫{ﱰ} وهم الكافرون باهلل ورسوله وكتابه {ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ} أي‪:‬‬
‫سورها<(‪.)1‬‬
‫ثم تتابع الناس بعد ذلك على القول بهذا القول الشاذ المخالف‬
‫لإلجماع(‪ ،)2‬ويسوقون لالحتجاج على ذلك استدالالت ضعيفة‪ ،‬ويظنون أنها‬
‫تقف في وجه أدلة قتل المرتد القوية‪.‬‬
‫وهذه األدلة لو كانت صحيحة فكيف خفيت على علماء المسلمين طيلة‬
‫القرون السابقة حتى تتابعوا على القول بوجوب قتل المرتد؟!‬
‫لكن حقيقة مدار األمر ليس على األدلة الشرعية‪ ،‬وإنما هو على أفكار‬
‫غربية هيمنت على عقول الناس فأ ّثرت عليهم وتمكنت منهم‪ ،‬ويرون أنها‬
‫صواب ال خطأ فيها‪ ،‬ويرفضون كل ما يعارضها حتى لو كان كالم اهلل أو كالم‬
‫رسوله ‘!‬
‫الخط الثالثة‪ :‬طلب اليليل‪:‬‬
‫المقدمة الكبرى في هذه الشبهة تقول‪ :‬وجود عقوبة إعدام لترك معتقد‬
‫ما خطأ‪.‬‬
‫ونسأل سؤالنا المعتاد‪ :‬ما هو الدليل على هذا الكالم؟ وما الذي يجعلني‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تفسير ابن كثير (‪.)154/5‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬االستدالل الخاطئ بالقرآن والسنة على قضايا الحرية‪ ،‬للدكتور إبراهيم الحقيل (ص‬
‫‪ 329‬ــ ‪.)334‬‬
‫‪181‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬شبهات وردود‬

‫ألتزم باألفكار الغربية والمعايير الوافدة؟!‬


‫مثال ــ اإللزامية‬
‫وما الذي أعطى لهذا اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان ــ ً‬
‫بالنسبة لي؟‬
‫علي‪ ،‬كل ما في األمر أنها‬
‫والجواب‪ :‬ال إلزامية لهذه المعايير الوضعية ّ‬
‫أفكار ومعايير لفئة من البشر‪ ،‬ليس لهم أدنى قدسية‪.‬‬
‫فإذا ُعدم الدليل المرجعي المعياري فال يقوم لهذه الشبهة قائمة‪،‬‬
‫والحمد هلل‪.‬‬
‫كثيرا من دول العالم اليوم قد َح َّددت‬
‫ومن نافلة القول أن نعلم أن ً‬
‫العظمى‪ ،‬وقد يُحكم على اإلنسان بالخيانة العظمى‬ ‫اإلعدام عقوب ًة للخيانة ُ‬
‫ويُقتل ألنه شارك فيما يعتبرونه خيانة للوطن ونحو ذلك‪ ،‬ولم يعترض على‬
‫هذا المعترضون على ح ِّد الر َّدة!‪.‬‬
‫مثال ــ تفرض عقوبة اإلعدام على عدة‬
‫فالواليات المتحدة األمريكية ــ ً‬
‫جرائم‪ ،‬منها‪ :‬قتل ئيس ال ريات المتحي ‪ ،‬والخيانة العظمد‪ ،‬وتشمل‬
‫الفرار إلى العدو في أثناء الحرب‪ ،‬وإفشاء أسرار الدولة‪ ،‬والتجسس‪ ،‬وبيع‬
‫المخي ات‪ ،‬وخاصة من تسبب بوفاة شخص نتيجة تناول جرعة زائدة‪،‬‬
‫ومحاولة قتل المحلفي أو أحي الشه د‪ ،‬واختطاف الطائرات في بعض‬
‫الواليات‪ ،‬باإلضافة إلى بعض جرائم القتل(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪https://arabic.rt.com/news/ ،RT‬‬ ‫(‪ )1‬الموقع اإلخباري‬

‫‪182‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬زواج النيب ‘ من أم املؤمنني عائشة‬

‫ل‬
‫امبحث الرابع‬
‫زواج النبي ‘ من أم املؤمنين عائشة ‪‬‬
‫‪$‬‬
‫الخط الولد‪ :‬فكيك الشبهة‪:‬‬
‫هذا صحيح‬ ‫المقيمة الصغرى النبي ‘ تزوج عائشة وهي صغيرة‬
‫دليال!‬
‫المقيمة الكبرى زواج الرجل من بنت صغيرة خطأ هذا يحتاج ً‬
‫هذا باطل‬ ‫النبي ‘ مخطئ! وحاشاه‬ ‫النتيجة =‬
‫ضا ركوب لمغالطة إهدار السياق التاريخي‪ ،‬فتنزيل فعل النبي‬ ‫وهنا أي ً‬
‫‘ الذي حصل في سياق تاريخي معين على سياقنا التاريخي الرافض لهذه‬
‫الممارسة يعتبر مغالطة وتموي ًها وإهدا ًرا لقيمة السياق‪ ،‬وشاهد ذلك أن أعداء‬
‫النبي ‘ كأبي جهل ومن معه لم يعيبوا على النبي ‘ هذا الفعل‪ ،‬ولو‬
‫وجدوا في هذا الزواج منقص ًة ولو يسير ًة لما سكتوا‪ ،‬كما سبقت اإلشارة إلى‬
‫ذلك‪.‬‬
‫الخط الثانية‪ :‬التثبت م صحة النقل‪:‬‬
‫النقل صحيح‪ ،‬فقد صح عن أم المؤمنين عائشة ‪ ‬في الصحيحين أ َّن‬
‫النبي ‘ تزوجها وهي بنت ست سنين‪ ،‬وأُدخلت عليه وهي بنت تسع(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ،‬رواه البخاري (‪ ،)3894‬ومسلم (‪.)1422‬‬

‫‪183‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬شبهات وردود‬

‫الخط الثالثة‪ :‬طلب اليليل‪:‬‬


‫نسأل صاحب الشبهة‪ ،‬ما هو الدليل على أن فعل النبي ‘ خطأ؟‬
‫ولو أردنا أن نساعده في اإلجابة ونحصر أوجه الخطأ المحتملة في ذلك‬
‫سنقول‪ :‬هل هو خطأ شرعي‪ ،‬أم هو خطأ عقلي‪ ،‬أو خطأ قانوني‪ ،‬أو عرفي‬
‫أو خطأ صحي؟‬
‫أما من الناحية الشرعية‪ :‬فغير وارد أبد ًا أن يكون خطأ‪ ،‬ألن النبي ‘‬
‫ناقل الشريعة عن رب العالمين ‪.‬‬
‫ضا أن يكون خطأ‪ ،‬ألنه لم يخالف‬
‫أما من الناحية العقلية‪ :‬فغير وارد أي ً‬
‫شي ًئا من البدهيات‪.‬‬
‫ضا‪ ،‬ألن القانون أيام النبي ‘‬
‫أما من الناحية القان نية‪ ،‬فال إشكال أي ً‬
‫كان هو الشريعة‪ ،‬وحتى القوانين المعاصرة ليست كلها تمنع من زواج‬
‫الصغيرات‪ ،‬فهناك دول تسمح بزواج من عندها ‪ 12‬و ‪ 13‬سنة‪ ،‬وهناك من‬
‫يحدد أقل سن للزواج بسن ‪ 14‬و ‪ 15‬سنة‪.‬‬
‫ضا‪ ،‬فإن البنت إذا بلغت‬ ‫أما من الناحية الصحية‪ ،‬فال ِإشكال أي ً‬
‫وأصبحت مستعدة‪ ،‬فال إشكال في زواجها‪ ،‬أضف إلى ذلك أن البنات كن‬
‫يَكبرن بسرعة‪ ،‬خصوص ًا في بالد العرب‪ ،‬فعامل المناخ له أثر في نضوج‬
‫المرأة سري ًعا‪ ،‬قال الداودي‪ :‬وكانت عائشة قد شبت شبا ًبا حس ًنا(‪ ،)1‬وهذا‬
‫يدل على أنها كانت في سن مقبولة للزواج‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إكمال المعلم بفوائد مسلم‪ ،‬للقاضي عياض (‪.)573/4‬‬

‫‪184‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬زواج النيب ‘ من أم املؤمنني عائشة‬

‫ضا‪ ،‬وبرهان‬ ‫أما من الناحية العرفية‪ ،‬فال يوجد في العرف ما يمنع أي ً‬


‫ذلك أن عائشة ‪ ‬قد ُخطبت قبل النبي ‪ ،‬فعن عبد اهلل بن أبي مليكة‬
‫قال‪ :‬خطب رسول اهلل ‘ عائشة إلى أبي بكر الصديق فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪،‬‬
‫إني كنت أعطيتها م ْط ِع ًما البنه جبير فدعني حتى أسلها منهم‪ ،‬فاستس ّلها منهم‪،‬‬
‫فط ّلقها فتزوجها رسول اهلل ‘(‪.)1‬‬
‫قال اإلمام ابن عبدالبر ‪> :‬وكانت تذكر لجبير بن مطعم وتسمى‬
‫له<(‪.)2‬‬
‫فلما عرفنا أنه ال مخالفة عرفية وال قانونية وال عقلية وال شرعية وال‬
‫ال‪.‬‬
‫صحية تبين لنا أن فعل النبي ‘ ليس خطأ أص ً‬
‫أضف إلى ذلك أن حياة النبي ‘ مع أم المؤمنين ‪ ‬كانت حياة‬
‫مثالية غاية في المتعة لها وله ‪ ‬و‘ فقد كانا زوجين سعيدين‪ ،‬فقد كان‬
‫النبي ‘ يسابقها ويالعبها‪ ،‬فعن عائشة ‪ ‬قالت‪ :‬سابقني النبي ‘ فسبقته‪،‬‬
‫فلبثنا حتى إذا رهقني اللحم سابقني فسبقني‪ ،‬فقال‪> :‬هذه بتيك<(‪.)3‬‬
‫وعن عائشة ‪ ‬قالت‪ :‬كنت أشرب وأنا حائض‪ ،‬ثم أناوله النبي ‘‬
‫الع ْرق(‪ )4‬وأنا حائض‪ ،‬ثم أناوله‬
‫وأتعرق َ‬
‫فيضع فاه على موضع في‪ ،‬فيشرب‪ّ ،‬‬
‫النبي ‘ فيضع فاه على موضع في(‪.)5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الطبقات الكبير‪ ،‬البن سعد (‪.)59/10‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫االستيعاب في معرفة األصحاب‪ ،‬البن عبدالبر (‪.)1881/4‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه اإلمام أحمد في المسند (‪ ،)144/40‬وابن ماجه (‪ ،)1979‬وصححه محققو المسند‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الع ْرق هو‪ :‬العظم الذي عليه اللحم‪.‬‬
‫َ‬ ‫(‪)4‬‬
‫رواه مسلم (‪.)300‬‬ ‫(‪)5‬‬

‫‪185‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬شبهات وردود‬

‫فانظر إلى هذا الرقي في التعامل النبوي مع زوجته السعيدة المحبة له‪.‬‬
‫* نبيه مهم‪:‬‬
‫دفاعنا عن فعل النبي ‘ وبيان عدم خطئه ال يعني أننا ندعو إلى زواج‬
‫الصغيرات في هذا العصر كما يروج لذلك الشانئون‪ ،‬فهذه المسألة تكتنفها‬
‫أمور عرفية ومصلحية كثيرة‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬احلدود الشرعية قسوة أم رمحة؟‬

‫ل‬
‫امبحث ا لحام س‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫الحدود الشرعية قسوة أم رحمة؟‬
‫‪$‬‬
‫من الشبهات المثارة كذلك حول اإلسالم شبهة القول بقسوة الحدود‬
‫الشرعية‪.‬‬

‫الخط الولد‪ :‬فكيك الشبهة و حليلها‪:‬‬


‫يوجد حدود (وفيها عقوبات‬
‫هذا يحتاج إثبا ًتا!‬ ‫المقيمة الصغرى‬
‫شديدة) في اإلسالم‬
‫دليال!‬
‫هذا يحتاج ً‬ ‫العقوبات الشديدة خطأ‬ ‫المقيمة الكبرى‬
‫هذا باطل‬ ‫اإلسالم فيه خطأ!‬ ‫النتيجة =‬

‫الخط الثانية‪ :‬التثبت م النقل‪:‬‬


‫هناك حدود في اإلسالم نعم‪ ،‬لكن الحكم عليها بالشدة حكم غير‬
‫دقيق‪ ،‬بل هو حكم سطحي ينظر لألمر من زاوية واحدة فقط‪ ،‬أما إذا نظرت‬
‫نظرة شمولية‪ ،‬فنظرت في مصلحة المجتمع والفرد فلن يُحكم عليها بالشدة‪،‬‬
‫وهذا ما سأبينه إن شاء اهلل‪.‬‬
‫لن نستطيع أن نفهم حكمة هذه الحدود الشرعية وحقيقتها بشكل صحيح‬

‫‪187‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬شبهات وردود‬

‫قبل أن نفهم ضروريات الحياة الخمس التي جاءت كل الشرائع بالمحافظة‬


‫عليها‪ ،‬والتي ال يمكن أن تستمر حياة اإلنسان بدونها وهي‪ :‬الدين‪ ،‬والنفس‪،‬‬
‫والعقل‪ ،‬والنسل أو العرض‪ ،‬والمال‪.‬‬
‫ولذلك ال يُستغرب أن تكون الحدود الشرعية كلها باإلضافة إلى‬
‫القصاص قد جاءت للمحافظة على هذه الضروريات الخمس‪ ،‬كما يظهر في‬
‫الجدول التالي‪:‬‬
‫الحيود الشرعية‬ ‫الضرو يات الخمس‬
‫حد الردة‬ ‫الدين‬
‫القصاص‬ ‫النفس‬
‫حد شرب الخمر‬ ‫العقل‬
‫حد الزنى وحد القذف‬ ‫النسل والعرض‬
‫حد السرقة‬ ‫المال‬
‫فلن تكون المجتمعات مجتمعات صالحة ما لم تحافظ على هذه‬
‫الضروريات الخمس‪ ،‬وقد أوالها اإلسالم عناية عظيمة‪ ،‬وجعل دونها ثالثة‬
‫أسوار‪ :‬سور الحدود الشرعية‪ ،‬وسور األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫(الممانعة المجتمعية)‪ ،‬وسور الوازع الديني‪ ،‬كما في الشكل التالي‪:‬‬

‫‪188‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬احلدود الشرعية قسوة أم رمحة؟‬

‫الضرو يات‬
‫الخمس‬

‫ال ازع اليين الذا‬ ‫الممانعة المجتمعية‬ ‫الحيود الشرعية‬

‫فالحيود الشرعية تزجر الناس عن المساس بالضروريات الخمس‪ ،‬فإذا‬


‫ُن ِّح َيت هذه الحدود فسيبقى بعدها السور الثاني وهو المر بالمعروف والنه‬
‫عاما يجعل من يفكر‬ ‫مجتمعيا ً‬
‫ً‬ ‫ووعيا‬
‫ع المنكر‪ ،‬الذي يشكّل ممانعة مجتمعية ً‬
‫بالمساس بهذه الضرورية يخاف من الناس ويخجل منهم‪ ،‬فإن أُزيل هذا السور‬
‫عبر محاربة هذه الشعيرة العظيمة سيبقى لنا السور األخير وهو ال ازع اليين‬
‫الذا لكل فرد‪ ،‬فإذا ما فُقد هذا الوازع فستكون هذه الضروريات مستباحة‪،‬‬
‫وال تسل بعد ذلك عن اإلشكاالت والمشاكل والمصائب الدينية والدنيوية‬
‫التي ستحل من وراء استباحة هذه األمور‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل‪.‬‬
‫تهويال في موضوع الحدود الشرعية‪ ،‬وكأن‬
‫إذا تقرر ذلك فاعلم أن هناك ً‬
‫الشريعة متعطشة إلى الدماء والقسوة‪ ،‬وهذا التصور مبني على الجهل بحقيقة‬
‫األحكام الشرعية المتعلقة بالحدود الشرعية‪ ،‬التي تسبقها وتساوقها وتلحقها‪.‬‬
‫فهناك مسافة كبيرة بين فعل المعصية وإيقاع العقوبة‪ ،‬وهناك وا ٍد كبير‬
‫قبل أن يُقام الحد على اإلنسان‪ ،‬في هذا الوادي يسقط عدد كبير ممن فعل‬
‫هذه الجريمة فال يُقام عليه الحد‪ ،‬وبيان ذلك على النحو اآلتي‪:‬‬

‫‪189‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬شبهات وردود‬

‫بعي‬
‫إقامة‬ ‫‪٦‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫قبل المعصية‬
‫الحي‬
‫إذا فعل‬
‫يسبق فعل‬
‫المعصية‬
‫لو تراجع المقر بعد إقراره ال يُقام عليه الحد‬

‫المعصية تدابير‬
‫سرا فإنه‬
‫يُغفر ذنبه وال يجوز ّ‬

‫إثبات المعصية ليس ً‬ ‫ًّ‬ ‫تحول دون‬

‫المضطر ال يُقام عليه الحد‬


‫الجاهل ال يقام عليه الحد‬
‫يؤمر‬
‫درء الحدود بالشبهات‬

‫فعلها‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫بالتوبة‬

‫ِفعل المعصية‬
‫‪ .1‬سد الذرائع‬
‫إقامة الحي‬

‫وعدم‬
‫عن الوقوع في‬
‫فضح‬
‫سبه وال تعييره‬

‫المعصية‪.‬‬
‫نفسه‬
‫سهال‬

‫‪ .2‬تيسير‬
‫مالم‬
‫الحالل المغني‬
‫تصل‬
‫عن الحرام‬
‫للحاكم‬

‫أو ًر‪ :‬التيابير قبل المعصية‪:‬‬


‫يسبق فعل المعصية تدابير تحول دون فعلها‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ 1‬زز سد الذرائع عن الوقوع في المعصية‪ ،‬فقد سعت الشريعة لسد‬
‫الذرائع الموصلة إلى المحرمات‪ ،‬فحرمت الخلوة ومصافحة المرأة األجنبية‬
‫ونحوها س ًدا لذريعة الوقوع في الزنى‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ تيسير الحالل المغني عن الحرام‪ ،‬وفتح أبوابه‪ ،‬فقد حثت الشريعة‬
‫اإلسالمية على تيسير أمور الحالل‪ ،‬كالحث على العمل المغني عن السرقة‪،‬‬
‫والحث على الزواج المغني عن الزنى‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫‪190‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬احلدود الشرعية قسوة أم رمحة؟‬

‫ثانيا‪ :‬ر حي علد مضطر‪:‬‬


‫ً‬
‫إذا اضطر اإلنسان إلى الوقوع في المعصية‪ ،‬فال يُقام عليه الحد‪ ،‬فعن‬
‫أبي الضحى‪ ،‬قال‪> :‬جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب ‪ ‬فقالت‪ :‬إني‬
‫زنيت‪ ،‬فرددها حتى أقرت أو شهدت أربع مرات‪ ،‬ثم أمر برجمها‪ ،‬فقال له‬
‫علي‪ :‬سلها ما زناها فلعل لها عذرا؟ فسألها‪ ،‬فقالت‪ :‬إني خرجت في إبل‬
‫أهلي‪ ،‬ولنا خليط(‪ ،)1‬فخرج في إبله فحملت معي ماء‪ ،‬ولم يكن في إبلي‬
‫لبن‪ ،‬وحمل خليطي ماء‪ ،‬ومعه في إبله لبن‪ ،‬فنفد مائي فاستسقيته‪ ،‬فأبى أن‬
‫يسقيني حتى أمكّنه من نفسي‪ ،‬فأبيت‪ ،‬فلما كادت نفسي تخرج أمكنته‪ ،‬فقال‬
‫علي‪ :‬اهلل أكبر‪ ،‬أرى لها عذ ًرا‪{ ،‬ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ}‬
‫[البقرة‪ ]173 :‬فخلى سبيلها<(‪.)2‬‬
‫عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن غلمة ألبيه عبد الرحمن بن‬
‫بعيرا‪ ،‬فانتحروه‪ ،‬فوجد عندهم جلده‪ ،‬ورأسه‪ ،‬فرفع أمرهم‬ ‫حاطب سرقوا ً‬
‫إلى عمر بن الخطاب فأمر بقطعهم‪ ،‬فمكثوا ساعة‪ ،‬وما نرى إال أن قد فرغ‬
‫من قطعهم‪ ،‬ثم قال عمر‪ :‬علي بهم‪ ،‬ثم قال لعبد الرحمن‪ :‬واهلل‪ ،‬إني ألراك‬
‫تستعملهم‪ ،‬ثم تجيعهم‪ ،‬وتسيء إليهم‪ ،‬حتى لو وجدوا ما حرم اهلل عليهم‪،‬‬
‫لحل لهم‪ ،‬ثم قال لصاحب البعير‪ :‬كم كنت تعطى لبعيرك؟ قال‪ :‬أربع مائة‬
‫درهم‪ ،‬قال لعبد الرحمن‪ :‬قم فاغرم لهم ثمان مائة درهم(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬هو الشريك في رعاية اإلبل‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه سعيد بن منصور في سننه (‪ ،)96/2‬وبنحوه رواه عبدالرزاق في المصنف (‪،)13654‬‬
‫وبنحوه البيهقي في السنن الكبرى (‪ ،)263/8‬وصححه األلباني في إرواء الغليل (‪.)341/7‬‬
‫(‪ )3‬رواه عبدالرزاق في المصنف (‪ ،)18978‬قال اإلمام الشافعي ‪ ‬في كتاب األم (‪=:)641/8‬‬

‫‪191‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬شبهات وردود‬

‫وعن عمر بن الخطاب ‪ ‬قال‪ :‬ال يقطع في عذق‪ ،‬وال في عام َس َنة(‪.)1‬‬
‫قال السعدي‪ :‬سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال‪ :‬العذق‬
‫النخلة وعام سنة المجاعة‪ ،‬فقلت ألحمد‪ :‬تقول به؟ فقال‪ :‬إي لعمري‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫إن سرق في مجاعة ال تقطعه؟ فقال‪ :‬ال إذا حملته الحاجة على ذلك والناس‬
‫في مجاعة وشدة(‪.)2‬‬
‫طعاما‪ ،‬فعن الحسن قال‪ :‬أتي‬
‫بل ُروي أنه ال يُقام الحد على من سرق ً‬
‫النبي ‘ بسارق سرق طعاما فلم يقطعه قال سفيان‪ :‬وهو الذي يفسد من‬
‫نهاره ليس له بقاء الثريد واللحم وما أشبهه فليس فيه قطع‪ ،‬ولكن يعزر‪ ،‬وإذا‬
‫كانت الثمرة في شجرتها فليس فيه قطع ولكن يعزر(‪.)3‬‬
‫قال الشيخ علي القاري ‪> :‬وذكره عبد الحق ولم يعله بغير اإلرسال‪،‬‬
‫وأنت تعلم أنه ليس بعلة عندنا فيجب العمل بموجبه‪ ،‬فحينئذ يجب اعتباره‬
‫في غير محل اإلجماع‪ ،‬ولما كان اإلجماع على أنه يقطع في الحنطة والسكر‬
‫لزم أن يحمل على ما يتصارع إليه الفساد كالمهيأ لألكل منه‪ ،‬وما في معناه‬
‫كاللحم والثمار الرطبة مطلقا في الجرين وغيره‪ ،‬هذا والقطع في الحنطة‬
‫وغيرها إجماعا إنما هو في غير سنة القحط أما فيها فال سواء مما كان يتسارع‬
‫ظاهرا وهي تبيح التناول<(‪.)4‬‬
‫إليه الفساد أو ال‪ ،‬ألنه عن ضرورة ً‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫فهذا حديث ثابت عن عمر يقضي به بالمدينة بين المهاجرين واألنصار‪.‬‬ ‫=‬
‫رواه ابن أبي شيبة في المصنف (‪ ،)479/14‬والسنة أي‪ :‬عام مجاعة‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫إعالم الموقعين‪ ،‬البن القيم (‪.)11/3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه عبد الرزاق في المصنف (‪ ،)18915‬وبنحوه أبو داود في المراسيل (‪ ،)245‬والحديث‬ ‫(‪)3‬‬
‫مرسل‪.‬‬
‫مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح‪ ،‬للقاري (‪.)2357/6‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪192‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬احلدود الشرعية قسوة أم رمحة؟‬

‫ثال ًثا‪ :‬ر حي علد جاهل‪:‬‬


‫ال يُقام الحد على الجاهل به‪ ،‬فعن يحيى بن حاطب قال‪ :‬توفي حاطب‬
‫فأعتق من صلى من رقيقه وصام‪ ،‬وكان له أمة نوبية قد حبلت وصامت وهي‬
‫أعجمية لم تفقه فلم يرعه إال بحبلها وكانت ثيبا فذهب إلى عمر فحدثه فقال‬
‫عمر‪ :‬ألنت الرجل ال تأتي بخير فأفزعه ذلك‪ ،‬فأرسل إليها عمر فقال‪:‬‬
‫أحبلت؟ فقالت‪ :‬نعم من مرعوس بدرهمين فإذا هي تستهل بذلك ال‬
‫تكتمه(‪ ،)1‬قال‪ :‬وصادف علي‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعبد الرحمن بن عوف فقال‪ :‬أشيروا‬
‫علي‪ ،‬قال‪ :‬فكان عثمان جال ًسا فاضطجع فقال علي وعبد الرحمن بن عوف‬
‫قد وقع عليها الحد فقال‪ :‬أشر علي يا عثمان فقال‪ :‬قد أشار عليك أخواك‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أشر علي أنت فقال‪ :‬أراها تستهل به كأنها ال تعلمه‪ ،‬وليس الحد إال‬
‫على من علمه‪ ،‬فقال‪ :‬صدقت والذي نفسي بيده ما الحي إر علد م علمه‪،‬‬
‫عاما(‪.)2‬‬
‫فجلدها عمر مائة وغربها ً‬
‫قال اإلمام البيهقي ‪> :‬كان حدها الرجم‪ ،‬فكأنه ‪ ‬درأ عنها حدها‬
‫تعزيرا‪ ،‬واهلل أعلم<(‪.)3‬‬
‫للشبهة بالجهالة‪ ،‬وجلدها وغربها ً‬
‫وعن ابن المسيب قال‪ :‬ذكروا الزنى بالشام‪ ،‬فقال رجل‪ :‬زنيت‪ .‬قيل‪:‬‬
‫ما تقول؟ قال‪ :‬أو حرمه اهلل؟ قال‪ :‬ما علمت أن اهلل حرمه‪ .‬فكتب إلى عمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬فكتب‪> :‬إن كان َعلِ َم أن اهلل حرمه فحدوه‪ ،‬وإن كان لم يعلم‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أمرا غير محرم‪.‬‬
‫(‪ )1‬يعني أنها اعترفت بسهولة وكأنها فعلت ً‬
‫(‪ )2‬رواه الشافعي‪ ،‬كما في مسنده بترتيب السندي (‪ ،)77/2‬وعبدالرزاق في المصنف‬
‫(‪.)13644‬‬
‫(‪ )3‬السنن الكبرى للبيهقي (‪.)415/8‬‬

‫‪193‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬شبهات وردود‬

‫فع ّلموه‪ ،‬وإن عاد فحدوه<(‪.)1‬‬


‫اب ًعا‪ :‬المر بالستر وعيم سليم نفسه للحاكم‪:‬‬
‫سرا فإنه يؤمر بالتوبة وعدم فضح نفسه‪،‬‬
‫إذا فعل المعصية الموجبة للحد ًّ‬
‫فعن عبد اهلل بن عمر ‪ ‬أن رسول اهلل ‘ قال‪> :‬اجتنبوا هذه القاذورات‬
‫التي نهى اهلل عنها؛ فمن ألَ َّم بشيء منها فليستتر بستر اهلل‪ ،‬وليتب إلى اهلل‪،‬‬
‫فإنه من يُبد لنا صفحته ُنقم عليه كتاب اهلل ‪ ،)2(<‬والقاذورات هي‬
‫المعاصي‪.‬‬
‫قصة ماعز بن مالك األسلمي ‪ ،‬عندما جاء إلى رسول ‘‬ ‫وفي َّ‬
‫ليطهره‪ ،‬فأمر النَّبي ‘‬
‫واعترف على نفسه بال ِّزنى‪ ،‬وسأله أن يقيم عليه الح َّد ِّ‬
‫برجمه(‪ )3‬فإ َّن النَّبي ‘ لم يسأله مع من زنيت‪ ،‬وكذلك المرأة الغامديَّة عندما‬
‫أقرت على نفسها‪ ،‬لم يسألها ال َّنبي ‘ عن ذلك‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الصديق‪ ،‬فقال‬ ‫وفي إحدى روايات حديث ماعز‪ ،‬أ َّنه جاء إلى أبي بكر ِّ‬
‫له‪ :‬إ َّن اآلخر زنى ــ يريد نفسه ــ فقال له أبو بكر‪ :‬هل ذكرت هذا ألحد‬
‫واس َت ِتر ِ‬
‫بستر اهلل؛ فإ َّن اهلل‬ ‫غيري؟ فقال‪ :‬ال‪ .‬فقال له أبو بكر‪ُ :‬فتب إلى اهلل‪ْ ،‬‬
‫يقبل ال َّتوبة عن عباده‪ ،‬فلم ُت ْقرِره نفسه‪ ،‬ح َّتى أتى عمر بن الخ َّطاب‪ ،‬فقال له‬
‫مثل ما قال ألبي بكر‪ ،‬فقال له عمر مثل ما قال له أبو بكر‪ ،‬فلم ُت ْقرِره نفسه‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه عبد الرزاق في المصنف (‪ ،)13643‬وقال اإلمام ابن كثير في مسند الفاروق‬
‫(‪> :)506/2‬هذا إسناد صحيح<‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (‪ ،)425/4‬والبيهقي (‪ .)330/8‬وصححه‬
‫األلباني في صحيح الجامع (‪.)149‬‬
‫(‪ )3‬حديث مشهور في الصحيحين وغيرهما‪ ،‬رواه البخاري (‪ ،)4988‬ومسلم (‪.)1328‬‬

‫‪194‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬احلدود الشرعية قسوة أم رمحة؟‬

‫ح َّتى جاء إلى رسول اهلل ‘ فقال له‪ :‬إ َّن اآلخر زنى‪ .‬فقال سعيد‪ :‬فأعرض‬
‫عنه رسول ‘ ثالث َّمرات‪ ،‬كل ذلك يُعرض عنه رسول اهلل ‘‪ ،‬ح َّتى إذا‬
‫أكثر عليه‪ ،‬بعث رسول اهلل ‘ إلى أهله فقال‪ :‬أيشتكي‪ ،‬أم به ِج َّنة؟ فقالوا‪:‬‬
‫يا رسول اهلل‪ ،‬واهلل إ َّنه لصحيح‪ ،‬فقال رسول اهلل ‘‪ :‬أبِ ْكر أم ثيِّب؟ فقالوا‪:‬‬
‫بل ثيِّب‪ ،‬يا رسول اهلل‪ ،‬فأمر به رسول اهلل ‘‪ُ ،‬فر ِجم(‪.)1‬‬
‫رجال اسمه َه َّزال‪ ،‬هو الذي أشار على ماعز أن يأتي‬ ‫وفي رواية‪ :‬أ َّن ً‬
‫ال َّنبي ‘ فيخبره‪ ،‬فقال له ال َّنبي ‘‪> :‬يا َه َّ ال‪ ،‬ل َس َتر ه بردائك‪ ،‬لكان‬
‫خي ًرا لك<(‪.)2‬‬
‫خيرا لك‬
‫يعني‪ :‬لو أمرته بالستر على نفسه حين أخبرك بما صنع لكان ً‬
‫من أن تأمره أن يأتي إلى من يقيم عليه الحد إذا أقر عنده(‪.)3‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر ‪ ‬في التعليق على قصة ماعز ‪> :‬ويؤخذ‬
‫من قضيته‪ :‬أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى اهلل تعالى‪،‬‬
‫ويستر نفسه‪ ،‬وال يذكر ذلك ألحد‪ ،‬كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز‪.‬‬
‫وأن َمن اطلع على ذلك‪ :‬يستر عليه بما ذكرنا‪ ،‬وال يفضحه‪ ،‬وال يرفعه‬
‫إلى اإلمام‪ ،‬كما قال ‘ في هذه القصة‪> :‬ل ستر ه بث بك لكان خير ًا لك<‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه مالك في الموطأ (‪ )2375‬وال َّلفظ له‪ ،‬والبيهقي (‪ )228/8‬من حديث سعيد بن‬
‫المسيب‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه مالك في الموطأ (‪ ،)2376‬والنَّسائي في السنن الكبرى (‪ )7437‬من حديث سعيد بن‬
‫المسيب‪ ،‬قال ابن عبد البر في التمهيد (‪ :)125/23‬وهذا الحديث ال خالف في إسناده في‬
‫الموطأ على اإلرسال كما ترى وهو يستند من طرق صحاح‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الموطأ‪ ،‬للقنازعي (‪.)708/2‬‬

‫‪195‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬شبهات وردود‬

‫وبهذا جزم الشافعي ‪ ،‬فقال‪ :‬أُحب َلمن أصاب ذنب ًا فستره اهلل عليه أن‬
‫يستره على نفسه ويتوب‪ ،‬واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬أنه يستحب لمن وقع في معصية وندم‪ :‬أن يبادر إلى التوبة منها‪،‬‬
‫وال يخبر بها أحد ًا‪ ،‬ويستتر بستر اهلل‪ ،‬وإن اتفق أنه أخبر أحد ًا‪ :‬فيستحب أن‬
‫يأمره بالتوبة‪ ،‬وستر ذلك عن الناس‪ ،‬كما جرى لماعز مع أبي بكر ثم‬
‫عمر<(‪.)1‬‬
‫وقال أبو بكر الصديق ‪ :‬لو أخذت شار ًبا ألحببت أن يستره اهلل‪،‬‬
‫ولو أخذت سار ًقا ألحببت أن يستره اهلل(‪.)2‬‬
‫وعما ًرا‪ ،‬والزبير ــ رضي اهلل عنهم جمي ًعا ــ‬
‫عباس‪َّ ،‬‬
‫وعن عكرمة أ َّن ابن َّ‬
‫عباس‪ :‬بئسما صنعتم حين خلَّيتم‬ ‫أخذوا سار ًقا‪ ،‬فخلوا سبيله‪ ،‬فقلت البن َّ‬
‫لسرك أن يُ َخلَّى سبيلك(‪ ،)3‬واألدلة‬
‫سبيله‪ ،‬قال‪ :‬ال أ َّم لك‪ ،‬أما لو كنت أنت‪َّ ،‬‬
‫والشواهد على ذلك كثيرة لوال طولها ألوردتها كاملة‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬صع بة إثبات المعصية الم جبة للحي‪:‬‬


‫ً‬
‫سهال‪ ،‬فإن المتأمل في األحاديث‬
‫إثبات المعصية الموجبة للحد ليس ً‬
‫تتشوف إلى إقامة الحد بقدر‬
‫واآلثار الواردة في الحدود يتيقن أن الشريعة ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر (‪.)124/12‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن أبي شيبة في المصنَّف (‪ ،)363/14‬وص َّحح إسناده ابن حجر في اإلصابة‬
‫(‪.)126/4‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن أبي شيبة في المص َّنف (‪ ،)28084‬وصحح إسناده ابن حجر في فتح الباري‬
‫(‪.)90/12‬‬

‫‪196‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬احلدود الشرعية قسوة أم رمحة؟‬

‫تشوفها إلى إغالق أبواب المعاصي‪ ،‬وشواهد ذلك كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬


‫‪ 1‬زز اإلعراض عن المعترف بالمعصية الموجبة للحد‪ ،‬كما سبق في‬
‫حديث ماعز ‪.‬‬
‫مجرد اإلعراض‪ ،‬فعن عبد اهلل بن بريدة‬
‫‪ 2‬زز الرد الصريح‪ ،‬الزائد عن ّ‬
‫عن أبيه‪ ،‬أن امرأة ــ يعني من غامد ــ أتت النبي ‘‪ ،‬فقالت‪ :‬إني قد فجرت‪،‬‬
‫فقال‪> :‬ارجعي<‪ ،‬فرجعت‪ ،‬فلما كان الغد‪ ،‬أتته‪ ،‬فقالت‪ :‬لعلك أن ترددني‬
‫كما رددت ماعز بن مالك‪ ،‬فواهلل إني لحبلى‪ ،‬فقال لها‪> :‬ارجعي<‪ ،‬فرجعت‪،‬‬
‫فلما كان الغد‪ ،‬أتته‪ ،‬فقال لها‪> :‬ارجعي حتى تلدي<‪ ،‬فرجعت‪ ،‬فلما ولدت‪،‬‬
‫أتته بالصبي‪ ،‬فقالت‪ :‬هذا قد ولدته‪ ،‬فقال لها‪> :‬ارجعي فأرضعيه حتى‬
‫تفطميه<‪ ،‬فجاءت به وقد فطمته‪ ،‬وفي يده شيء يأكله‪ ،‬فأمر بالصبي‪ ،‬فدفع‬
‫إلى رجل من المسلمين‪ ،‬وأمر بها فحفر لها‪ ،‬وأمر بها فرجمت‪ ،‬وكان خالد‬
‫فيمن يرجمها‪ ،‬فرجمها بحجر‪ ،‬فوقعت قطرة من دمها على وجنته‪ ،‬فسبها‪،‬‬
‫فقال له النبي ‘‪> :‬مهال يا خالد‪ ،‬فوالذي نفسي بيده‪ ،‬لقد تابت توبة لو‬
‫تابها صاحب مكس لغفر له< وأمر بها فصلي عليها‪ ،‬ودفنت(‪.)1‬‬
‫ومن ذلك طرد المعترفين‪ ،‬فعن عمر بن الخطاب ‪ ‬قال‪> :‬اطردوا‬
‫المعترفين< قال سفيان‪ :‬يعني المعترفين بالحدود(‪.)2‬‬
‫‪ 3‬زز لقي اإلنكا ‪ ،‬فعن أبي الدرداء رضي اهلل تعالى عنه أنه أتي بامرأة‬
‫سرقت يقال لها‪ :‬سالمة‪ ،‬فقال لها‪> :‬يا سالمة‪ ،‬أسرقت؟ قولي‪ :‬ال<‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪.)4442‬‬
‫(‪ )2‬رواه البيهقي في السنن الكبرى (‪.)480/8‬‬

‫‪197‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬شبهات وردود‬

‫ال‪ ،‬فدرأ عنها(‪ ،)1‬وروي مثله عن أبي مسعود األنصاري ‪ ،)2(‬وقال عطاء‪:‬‬
‫كان من مضى يؤتى أحدهم بالسارق‪ ،‬فيقول‪ :‬أسرقت؟ قل‪ :‬ال‪ ،‬أسرقت؟‬
‫قل‪ :‬ال‪ ،‬علمي أنه سمى أبا بكر‪ ،‬وعمر‪ .‬وأخبرني أن عليا أتي بسارقين معهما‬
‫سرقتهما‪ ،‬فخرج فضرب الناس بالدرة‪ ،‬حتى تفرقوا عنهما‪ ،‬ولم يدع بهما‬
‫ولم يسأل عنهما(‪.)3‬‬
‫‪ 4‬زز عيم اإلجبا علد ارعتراف‪ ،‬و فض أ اعتراف حت اإلجبا ‪،‬‬
‫وقد ّبوب اإلمام ابن أبي شيبة في مصنفه‪ :‬في االمتحان في الحدود‪ ،‬ثم روى‬
‫عن أبي مجلز قال‪ :‬المحنة في الظنة(‪ )4‬أن توعده‪ ،‬وتجلب عليه‪ ،‬وإن ضربته‬
‫سو ًطا واح ًدا‪ ،‬فليس اعترافه بشيء(‪.)5‬‬
‫وعن عمر بن عبد العزيز ‪ ‬يقول‪ :‬من أقر بعد ما ضرب سو ًطا واح ًدا‪،‬‬
‫فهو كذاب(‪.)6‬‬
‫وعن الزهري ‪ ‬قال‪ :‬إذا اعترف بعد عقوبة‪ ،‬فال يؤخذ به في حد وال‬
‫غيره(‪.)7‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫رواه عبد الرزاق في المصنف (‪ ،)18922‬وابن الجعد في مسنده (‪ ،)1102‬والخرائطي في‬ ‫(‪)1‬‬
‫مكارم األخالق (‪.)430‬‬
‫مصنف عبد الرزاق (‪ ،)224/10‬والسنن الكبرى للبيهقي (‪.)480/8‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مصنف عبد الرزاق (‪.)224/10‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫المحنة في الظنة‪ :‬أي طريقة التحقيق مع المتهمين المشكوك فيهم‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫مصنف ابن أبي شيبة (‪.)412/14‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫مصنف ابن أبي شيبة (‪.)412/14‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫مصنف عبد الرزاق (‪.)363/7‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫‪198‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬احلدود الشرعية قسوة أم رمحة؟‬

‫ساد ًسا‪ :‬د ء الحيود بالشبهات‪:‬‬


‫كل ما سبق من إجراءات وخطوات يقلل بال شك من عدد مستحقي‬
‫الحد‪ ،‬وال يُكتفى بذلك بل إن الحدود ُتدرأ ــ أي ُتدفع ــ بالشبهات‪ ،‬وهذا‬
‫يؤكد أن الشريعة ال تتشوف إلى إقامة الحد بل إلى الحد من المعاصي‪.‬‬
‫عن عائشة ‪ ‬قالت‪ :‬قال رسول اهلل ‘‪> :‬اد ءوا الحيود ع‬
‫المسلمي ما استطعتم‪ ،‬فإن كان له مخرج فخل ا سبيله‪ ،‬فإن اإلمام أن يخطئ‬
‫ف العف خير م أن يخطئ ف العق بة<(‪.)1‬‬
‫فالحاكم إذا وقف على شبهة محتملة تفيد عدم ثبوت الحد أو تؤثر في‬
‫حال من ثبت عليه الذنب‪ ،‬فإنه يعمل بها وال يحد المتهم‪ ،‬فإن اإلمام أن‬
‫يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة‪.‬‬
‫ساب ًعا‪ :‬السماح للمقر بذنبه بالتراجع ع إقرا ه‪:‬‬
‫وهذا من مظاهر سماحة الدين‪ ،‬وعدم التشوف إلى إقامة الحد‪ ،‬ففي‬
‫حديث ماعز ‪ ‬آنف الذكر لما رجم فوجد مس الحجارة جزع فخرج يشتد‪،‬‬
‫فلقيه عبد اهلل بن أنيس وقد عجز أصحابه‪ ،‬فنزع له بوظيف بعير(‪ )2‬فرماه به‬
‫فقتله‪ ،‬ثم أتى النبي ‘ فذكر ذلك له‪ ،‬فقال‪> :‬هال تركتموه لعله أن يتوب‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه الترمذي (‪ ،)1424‬والدارقطني (‪ ،)3097‬والحاكم في المستدرك (‪ ،)8163‬وفيه‬
‫ضعف‪ ،‬ولكن له شواهد‪ ،‬لذلك قال الشوكاني ‪ ‬في نيل األوطار (‪> :)125/7‬وما في‬
‫الباب وإن كان فيه المقال المعروف فقد شد من عضده ما ذكرناه فيصلح بعد ذلك لالحتجاج‬
‫به على مشروعية درء الحدود بالشبهات المحتملة ال مطلق الشبهة<‪.‬‬
‫(‪ )2‬هو عظم ساق البعير‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬شبهات وردود‬

‫فيتوب اهلل عليه<(‪.)1‬‬


‫وقد بوب اإلمام ابن أبي شيبة في مصنفه‪ :‬في الرجل والمرأة يقران‬
‫بالحد ثم ينكرانه‪ ،‬ثم روى بإسناده إلى عبد اهلل بن شداد أن امرأة رفعت إلى‬
‫عمر أقرت بالزنى أربع مرات‪ ،‬فقال‪ :‬إن رجعت لم نقم عليك الحد(‪ ،)2‬ثم‬
‫أورد عدة آثار في هذا الباب‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن القيم ‪> :‬المقر إذا استقال في أثناء الحد‪ ،‬وفَ َّر‪ُ ،‬ت ِرك‬
‫ولم يتمم عليه الحد‪ ،‬فقيل‪ :‬ألنه رجوع‪ ،‬وقيل‪ :‬ألنه توبة قبل تكميل الحد‪،‬‬
‫فال يقام عليه كما لو تاب قبل الشروع فيه‪ ،‬وهذا اختيار شيخنا<(‪.)3‬‬
‫ثام ًنا‪ :‬قيير نفسية المحيود بعي الحي‪.‬‬
‫المقصود من إقامة الحدود صيانة المجتمع من الرذائل وردع من تسول‬
‫له نفسه فعل المنكرات‪ ،‬وإصالح وتربية المحدود‪ ،‬وليس القصد منها قتل‬
‫شخصيته أو إهانته أو التقليل من شأنه‪ ،‬لذلك يحصل الشخص المحدود على‬
‫نوع من التقدير والسلوى بعد الحد‪ ،‬وتتمثل في‪:‬‬
‫‪ 1‬زز اعتبا الحي كفا له‪ ،‬وفي ذلك طمأنينة له وراحة‪ ،‬فعن عبادة بن‬
‫الصامت ‪ ،‬قال‪ :‬كنا عند النبي ‘ في مجلس‪ ،‬فقال‪> :‬بايعوني على أن‬
‫ال تشركوا باهلل شيئا‪ ،‬وال تسرقوا‪ ،‬وال تزنوا ــ وقرأ هذه اآلية كلها ــ فمن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود في سننه (‪ ،)4419‬وأحمد في المسند (‪ ،)219/36‬وقال محققوه‪ :‬صحيح‬
‫لغيره‪.‬‬
‫(‪ )2‬مصنف ابن أبي شيبة (‪.)548/14‬‬
‫(‪ )3‬زاد المعاد في هدي خير العباد‪ ،‬البن القيم (‪.)30/5‬‬

‫‪200‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬احلدود الشرعية قسوة أم رمحة؟‬

‫وفى منكم فأجره على اهلل‪ ،‬ومن أصاب م ذلك شيئا فع قب به فه كفا ه‪،‬‬
‫ومن أصاب من ذلك شيئا فستره اهلل عليه‪ ،‬إن شاء غفر له‪ ،‬وإن شاء عذبه<(‪.)1‬‬
‫‪ 2‬زز ارستغفا له‪ ،‬ففي حديث ماعز ‪ ‬قال النبي ‘‪> :‬استغفروا‬
‫لماع ب مالك<‪ ،‬قال‪ :‬فقالوا‪ :‬غفر اهلل لماعز بن مالك‪ ،‬قال‪ ،‬فقال رسول‬
‫اهلل ‘‪> :‬لقي اب بة ل قسمت بي أمة ل سعتهم<(‪.)2‬‬
‫‪ 3‬زز النه ع اليعاء عليه‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ‬أُتي النبي ‘ برجل‬
‫قد شرب‪ ،‬قال‪> :‬اضربوه< قال أبو هريرة‪ :‬فمنا الضارب بيده‪ ،‬والضارب‬
‫بنعله‪ ،‬والضارب بثوبه‪ ،‬فلما انصرف‪ ،‬قال بعض القوم‪ :‬أخزاك اهلل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫>ر ق ل ا هكذا‪ ،‬ر عين ا عليه الشيطان<(‪.)3‬‬
‫ال على عهد النبي ‘ كان اسمه‬ ‫وعن عمر بن الخطاب ‪ ‬أن رج ً‬
‫عبد اهلل‪ ،‬وكان يلقب حما ًرا‪ ،‬وكان يُ ْض ِحك رسول اهلل ‘‪ ،‬وكان النبي ‘‬
‫قد جلده في الشراب‪ ،‬فأتي به يوما فأمر به فجلد‪ ،‬فقال رجل من القوم‪ :‬اللهم‬
‫العنه‪ ،‬ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي ‘‪> :‬ر لعن ه‪ ،‬ف الل ما علمت إنه‬
‫يحب الل و س له<(‪.)4‬‬
‫‪ 4‬زز النه ع شتمه و عييره‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬سمعت رسول‬
‫اهلل ‘ يقول‪> :‬إذا زنت أمة أحدكم‪ ،‬فتبين زناها‪ ،‬فليجلدها الحد‪ ،‬ور يثرب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫متفق عليه‪ ،‬رواه البخاري (‪ )6784‬ومسلم (‪.)1709‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رواه مسلم (‪.)1695‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه البخاري (‪.)6777‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رواه البخاري (‪ .)6780‬أي‪ :‬ما علمت عنه ّإال أنه يحب اهلل ورسوله‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪201‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬شبهات وردود‬

‫عليها‪ ،‬ثم إن زنت‪ ،‬فليجلدها الحد‪ ،‬ور يثرب عليها‪ ،‬ثم إن زنت الثالثة‪،‬‬
‫فتبين زناها‪ ،‬فليبعها‪ ،‬ولو بحبل من شعر<(‪.)1‬‬
‫‪ 5‬زز الصال عليه بعي م ه‪ ،‬ففي حديث ماعز ‪ ‬أن النبي ‘ صلى‬
‫عليه(‪ ،)2‬ولما رجم النبي امرأة أمرهم فصلوا عليها‪ ،‬فقال عمر‪ :‬يا رسول اهلل‬
‫تصلي عليها وقد زنت؟ قال‪> :‬والذي نفسي بيده‪ ،‬لقد تابت توبة لو قسمت‬
‫بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم‪ ،‬وهل وجدت أفضل من أن جادت‬
‫بنفسها؟<(‪.)3‬‬
‫بعد بيان هذه الخطوات تبين لنا بطالن المقدمة الصغرى‪ ،‬وهي أن‬
‫الحدود الشرعية شديدة‪ ،‬بل تبين أن الرحمة تسبقها وتلحقها‪ ،‬والذي يصف‬
‫الحدود الشرعية بعد ذلك بالشدة والبشاعة ويتجاهل كل هذه الرحمة التي‬
‫تحيط بفعل المعصية وتمنع اإلنسان منها‪ ،‬فإنه إما ساذج أو سيء النية يريد‬
‫الطعن بهذا الدين‪ ،‬ولكن اهلل غالب على أمره‪.‬‬
‫وبهذا سقطت الشبهة والحمد هلل‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ،‬رواه البخاري (‪ )2152‬ومسلم (‪.)1703‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪.)6820‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ )4440‬وأحمد (‪ )19903‬وقال محققو المسند‪ :‬إسناده صحيح على شرط‬
‫مسلم‪ ،‬رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي المهلب ــ وهو الجرمي ــ فمن رجال مسلم‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫اخلامتة‬

‫‪E‬‬
‫‪$‬‬
‫في ختام هذا الكتاب الذي أسأل اهلل أن يبارك فيه وفي كاتبه وقارئه أود‬
‫أن أوصي نفسي وإخواني إذا أردنا أن نكون فاعلين في نصرة الدين والذب‬
‫عن شريعة رب العالمين بالوصايا التالية‪:‬‬
‫واعيا‪ ،‬فالوعي هو السالح الماضي في‬
‫ً‬ ‫ال صية الولد‪ :‬ك‬
‫الحاضر والماضي‪ ،‬واستعملت هنا مصطلح الوعي‪ ،‬ولم أقل‪ :‬المعرفة أو‬
‫العلم؛ وذلك ألن الوعي أوسع داللة وأرحب معنى‪ ،‬فالوعي ليس فقط أن‬
‫تعرف الحق‪ ،‬بل الوعي أن تعرف الباطل كذلك‪ ،‬وأن تعرف كيف تواجهه‪،‬‬
‫وأن تعرف التاريخ وتعرف كيف تستفيد منه‪ ،‬وأن تعرف الحياة وتعرف كيف‬
‫مجرد معلومات مك ّدسة‪.‬‬
‫تعيشها‪ ،‬فالوعي أكبر من ّ‬
‫ومن الوعي أن تملك العقل الناقد الفاحص الذي ال يمكن استغفاله‪،‬‬
‫وال االستخفاف به‪ ،‬وأرجو أن يكون هذا الكتاب مساهمة نافعة في هذا الباب‪.‬‬
‫مفتخرا بأنك عبد هلل تعالى تابع‬
‫ً‬ ‫ال صية الثانية‪ :‬ك معت ًّ ا بيينك‪،‬‬
‫ومصدق برسوله ‘‪ ،‬ال تخجل أنك مسلم‪ ،‬وال تخجل أنك مؤمن باهلل ر ًبا‬
‫نبيا‪.‬‬‫وباإلسالم دي ًنا‪ ،‬وبمحمد ‘ ً‬
‫ومن صور هذا االعتزاز أال يكون المسلم دائ ًما في حالة دفاع عن‬
‫نفسه‪ ،‬متل ٍق للضربات‪ ،‬را ٍد عن الشبهات فقط‪ ،‬بل عليه أن يكون مهاج ًما‬
‫‪203‬‬
‫اخلامتة‬

‫منقضا عليه‪.‬‬
‫للباطل ًّ‬
‫قويا‪ ،‬فإنه إذا ارتضى لنفسه أن يكون في قفص‬ ‫ومهما كان اإلنسان ًّ‬
‫االتهام‪ ،‬وفي حالة دفاع مستمر‪ ،‬فإنه يُرى ضعي ًفا ال محالة‪ ،‬ويتجرأ عليه‬
‫المتجرئون‪.‬‬
‫وال أقول‪ :‬الدفاع عن الدين خطأ‪ ،‬أب ًدا‪ ،‬لكن االكتفاء بموقف الدفاع‬
‫هو الخطأ‪.‬‬
‫همة ف‬
‫همة ف السؤال فك ذا ّ‬
‫ال صية الثالثة‪ :‬إذا كنت ذا ّ‬
‫كسوال فإن‬
‫ً‬ ‫سؤوال‪ ،‬وكنت عن طلب العلم‬ ‫ً‬ ‫التعلم‪ ،‬أما إذا كنت دائ ًما‬
‫وباال عليك‪ ،‬وستفتح أبواب الشبهات لتنهال بين يديك!‬
‫سؤاالتك ستكون ً‬
‫شرعت في‬
‫ُ‬ ‫في يوم من األيام قال لي شاب‪ :‬أَ ْثب ِْت لي وجود اهلل! فلما‬
‫الجواب وتفصيالته‪ ،‬معتم ًدا في شرحي على لوحة بيضاء أكتب عليها‪ ،‬فلما‬
‫كالما معناه‪:‬‬
‫تقريبا وضع يده على رأسه‪ ،‬وقال ً‬ ‫مضى على الشرح ربع ساعة ً‬
‫تعبت ومللت من الجواب!‬
‫سؤاال ضخ ًما مثل هذا‪ ،‬وال تريد استماع‬
‫ً‬ ‫فقلت له‪ :‬كيف تسأل‬
‫الجواب؟!‬
‫همة في‬
‫نحن ال نمنعك من السؤال‪ ،‬بل اسأل ما شئت‪ ،‬لكن كن ذا ّ‬
‫التعلم‪.‬‬
‫ال صية الرابعة‪ :‬ق المنطق خير م منطق الق ‪ ،‬فعليك بأدب‬
‫‪204‬‬
‫اخلامتة‬

‫وحسن المحاججة والنقاش‪ ،‬ودع عنك التشغيب ورفع الصوت‪ ،‬فإن‬ ‫الحوار ُ‬
‫صاحب الحجة الدامغة ال يحتاج إلى أكثر من إبدائها بوضوح والتزام بآداب‬
‫الحوار‪.‬‬
‫نظمت منظومة في آداب الحوار سميتها‪ :‬حفة الخيا ف آداب‬ ‫ُ‬ ‫وقد‬
‫سائال المولى جلّت قدرته أن يرزقنا‬
‫الح ا ‪ ،‬لعلي أختم بها هذا الكتاب‪ً ،‬‬
‫اإلخالص والعلم النافع والعمل الصالح‪ ،‬إنه سميع مجيب‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫حتفة األخيار يف آداب احلوار‬

‫ل‬ ‫تحفة ا أ‬
‫لخثار في اداب ا حوار‬
‫نظم الدكتورمطلق الجاسر‬
‫‪$‬‬

‫ـانــه _ علـّمـــه البيـــا َن‬‫_ ســـ ـبـحــ َ‬ ‫أَ ْحمــ ُد َمن َقــد َخ َلق اإلنســـــــا َن‬
‫عـلـى الـنـبـي الـهـــاشـــ ـمـي أحـمـــدا‬ ‫والســــــالم أبـــدا‬
‫ُ‬ ‫ثــم الصــــــال ُة‬
‫والـنصـــــ ِح والـــدعـو ِة والـتـبـيـــا ِن‬ ‫قـــدوتِـنـــا فــي الــلـ ْـف ـ ِظ والــبــيـــا ِن‬
‫وج ِمـن ذاك الـزال ِل الـجـــاري‬‫أَ ْحـ ُ‬ ‫اس لــلــحــوا ِر‬ ‫الــنــ َ‬
‫واعــلــم بـــأن َّ‬
‫ـوار‬
‫ـنشـــــر األن َ‬
‫ُ‬ ‫ِمـن ب ِ‬
‫ـعضـــــهـــا وي‬ ‫األفــــكــــار‬
‫َ‬ ‫يــــقــــر ُب‬
‫ّ‬ ‫ألنــــه‬
‫والــمشـــــــاو ُِر‬
‫ُ‬ ‫كـــذلـــك الـــدعـــا ُة‬ ‫ـاجــه الـ َـفـ ِقـيــ ُـه والـ ُـمـنــ ِ‬
‫ـاظـ ُر‬ ‫يــحــتــ ُ‬
‫زواج او زمـــالـــ ٌة صــــــــداقـــة‬ ‫ٌ‬ ‫ـدوم فــي الــمــال َع ـالقـــة‬ ‫ولــن تــ َ‬
‫قـلـوبــا نـــافـرة‬
‫ً‬ ‫ـالـحــ ِّب‬
‫تـجـمـع بــ ُ‬
‫ُ‬ ‫مـــا لــم ُت ـ َمــ َّد لــلــحــوا ِر قــنــطــرة‬
‫نــاقشــــــا‬
‫ً‬ ‫لوب‬
‫حتى تكو َن في ال ُق ِ‬ ‫فــكــن أديـ ًـبــا لـ ِـبـ ًقــا ُمـنـــاقِ ًشـــــ ـا‬
‫ـاتبـــة‬ ‫خير من اإلْرســـــــا ِل ُ‬
‫والمكــ َ‬ ‫ٌ‬ ‫الم َخــاطَبــة‬ ‫ين في ُ‬ ‫الع َ‬ ‫واعلم بــأن َ‬‫ْ‬
‫كـــالـــد ِّر والــآللــئ الــمــنــظــومـــة‬ ‫وهـــاك في ال ِحوا ِر ذي المنظومـــة‬
‫اسمع له‬
‫عرضــــ ـا‬ ‫اســـــمع لــه وال ُتبـ ِ‬
‫ـاع ـ ْد ُم ً‬ ‫ـرض‬
‫فــقــبـــل أن ُت ـ ْن ـكـ َـر أو تــعــتـ َ‬
‫‪206‬‬
‫حتفة األخيار يف آداب احلوار‬

‫ِ‬
‫بـــل كـن عـلـيـــه يـــا أُخ ّ‬
‫ـي ُمـقـبـال‬ ‫شــــــتــغــال‬ ‫وال تــكــن بــغــيــره ُم‬
‫فـــالــ ِّـرفــ ُـق إن كـــان بـــأمــ ٍر زانـــه‬ ‫حــ ِافـ ْظ عـلـى الـهــ ِ‬
‫دوء والـرزانـــة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ويــكــ ُـمــال‬ ‫حـــتـــى َيــ ِتــ َّم قــ ُ‬
‫ـولــه َ‬ ‫ـاطع قولَ ـه المســـــترســـــال‬ ‫وال ُتقـ ْ‬
‫مـــحـــتـــمــ ًـال ّ‬
‫زلـ ـتـــه حـــكـــيــ ًـمـ ـا‬ ‫حـلـيـمـ ـا‬
‫ً‬ ‫وكـن صــــــبـو ًرا َفـ ِطـ ًنــا‬
‫ثم كلّم‬
‫بــغــيـ ُـت ـنـــا وصــــــولــنـــا لــلــحـ ّـق‬ ‫لصـــــ ـا بِصــــــ ْـد ِق‬
‫ثـم تـكـلـم ُمـ ْخـ ً‬
‫ُمضـــــ ّـي ـ ًعــا لــمـ ِ‬
‫ـوضــــ ـع الــنِّـزا ِع‬ ‫وال َتـ ِحــ ْد عـن ُلــ ِّب االجـتـمـــا ِع‬
‫واحــذر ِم ـن الــط ـِّـ عـــا ِن والـ ِ‬
‫ـك ـالمِ‬ ‫ْ‬ ‫والـكـالمِ‬
‫َ‬ ‫الـلـفـ ِظ‬
‫واخـتـر َجـمـيــ َـل ْ‬
‫والـجـوارح‬
‫َ‬ ‫بـــل هـــذّ ب األلـفـــاظَ‬ ‫ـارحــا‬
‫ـالمــا جــ ً‬
‫فـال ُتســـــ ّمـعـــه ك ً‬
‫اس في ال ِحجــاج‬ ‫الن ـ َ‬ ‫ـب َّ‬‫فال تســـــ َّ‬ ‫فـــإن يــكــن بــيــتـــك مــن ُزجـــا ِج‬
‫ـت الـــحــ َّـق مـــنـــه بـــانـــا‬
‫إذا رأيــ َ‬ ‫ـانـ ـا‬
‫وال تـــكـــن ُمـ ـكـــابــ ًـرا جـــبــ ً‬
‫فلســـت معصـــو ًما أخي من الخلل‬ ‫َ‬ ‫بــل اعترف ثم اعتــذر من الزلــل‬
‫فــالبس ردا ًء من تواضـــ ـ ٍع ُت َح ـ ْب‬ ‫وإن ظ ََه ْر َت في ال ِحوار يــا ُمحـ ْ‬
‫ـب‬ ‫ْ‬
‫ـرف َســــلي ًما‬ ‫الما وا ْنصــــ ْ‬
‫ف ُق ْل َســــ ً‬ ‫دال ذا عـــقـــيــ ًـمــا‬
‫ـجــ َ‬‫وإن تــ َـر الــ ِ‬
‫أدب الـــحـــوا ِر‬
‫ـت فـــيـــه َ‬
‫نـــظـــمــ ُ‬ ‫وتــ َّم نـــظــ ُـم ُتــحـــفـــة األخـــيـــار‬
‫َ‬
‫قتصــ ـ ًرا على األُصــــو ِل ُ‬
‫الم ْج َملة‬ ‫ُم ِ‬ ‫أج ـمـ َـلـ ـه‬
‫مــنــتــقـ ًـيــا مــن الــكــالمِ َ‬
‫ـالم‬
‫الصـــ ـال ُة والســــ ُ‬
‫عـلـى الـنـبـي َّ‬ ‫ـام‬ ‫وخــيــر مـــا َيــ ْكــ ُتــبـ ـه ِ‬
‫الــخــتــ ُ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬

‫‪207‬‬
‫الفهارس‬
‫‪ 1‬زز قائمة المراجع‬
‫‪ 2‬زز فهرس ح ا ات المؤلف مع المتأثري بالشبهات‬
‫‪ 3‬زز فهرس الشبهات والرد عليها‬
‫‪ 4‬زز فهرس الخرائط الجيلية‬
‫‪ 5‬زز فهرس المحت يات‬
‫قائمة املراجع‬

‫قائمة املراجع‬
‫‪$‬‬
‫‪ 1‬زز اإلحسان في تقريب صحيح ابن حبان‪ ،‬لإلمام محمد بن حبان بن أحمد بن‬
‫البستي (ت‪354 :‬هـ)‪ ،‬ترتيب‪ :‬األمير عالء الدين‬
‫حبان بن معاذ بن َم ْعب َد‪ ،‬التميمي ُ‬
‫علي بن بلبان الفارسي (ت‪ 739 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪ 1408 ،1‬هـ ــ ‪ 1988‬م‬
‫‪ 2‬زز إحياء علوم الدين‪ ،‬ألبي حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي‬
‫(ت‪505 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق ونشر دار المنهاج‪ ،‬جدة‪ ،‬ط‪1434 ،2‬هـ‬
‫‪ 3‬زز أزمة الحداثة ورهانات الخطاب اإلسالمي‪ ،‬للدكتور عبدالرزاق بلعقروز‪،‬‬
‫منتدى المعارف‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2013 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ 4‬زز أساس البالغة‪ ،‬ألبي القاسم محمود بن عمرو بن أحمد‪ ،‬الزمخشري‬
‫جار اهلل (ت‪538 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد باسل عيون السود‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1419 ،1‬هـ ــ ‪1998‬م‬
‫‪ 5‬زز االستدالل الخاطئ بالقرآن والسنة على قضايا الحرية‪ ،‬للدكتور إبراهيم‬
‫الحقيل‪ ،‬نشر مؤسسة البيان ــ الرياض‪.‬‬
‫‪ ٦‬زز اإلسالم الديموقراطي المدني‪ ،‬لشيريل بينارد‪ ،‬ترجمة‪ :‬إبراهيم عوض‪،‬‬
‫مركز نماء للدراسات‪.‬‬
‫‪ 7‬زز اإلصابة في تمييز الصحابة‪ ،‬للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقالني‬
‫(ت‪852 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور عبداهلل التركي‪ ،‬بالتعاون مع مركز هجر للبحوث‪،‬‬
‫ط‪2008 ،1‬م‬

‫‪211‬‬
‫قائمة املراجع‬

‫‪ 8‬زز أصول الفقه‪ ،‬لشمس الدين محمد بن مفلح الحنبلي (ت‪763 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫د‪ .‬فهد السدحان‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ط‪1999 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ 9‬زز االعتصام للشاطبي‪ ،‬ألبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي‬
‫(ت‪790 :‬هـ)‪ ،‬دار ابن الجوزي‪ ،‬ط‪2008 ،1‬م‬
‫‪ 10‬زز أعالم الحديث (شرح صحيح البخاري)‪ ،‬ألبي سليمان حمد بن محمد‬
‫الخطابي (ت‪ 388 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد بن سعد بن عبد الرحمن آل سعود‪ ،‬جامعة‬
‫أم القرى (مركز البحوث العلمية وإحياء التراث اإلسالمي)‪ ،‬ط‪1409 ،1‬هـ ــ ‪1988‬م‪.‬‬
‫‪ 11‬زز إعالم الموقعين عن رب العالمين‪ ،‬لإلمام محمد بن أبي بكر أيوب‬
‫الزرعي‪ ،‬المعروف بابن قيم الجوزية (ت‪751 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬طه عبد الرءوف سعد‪،‬‬
‫دار الجيل‪1973 ،‬م‬
‫‪ 12‬زز أقضية رسول اهلل ‘‪ ،‬لإلمام محمد بن فرج بن الطالع المالكي (ت‪:‬‬
‫‪497‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد ضياء الرحمن األعظمي‪ ،‬دار السالم‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1424‬هـ ــ ‪2003‬م‪.‬‬
‫‪ 13‬زز اإللحاد للمبتدئين‪ ،‬للدكتور هشام عزمي‪ ،‬دار الكاتب للنشر‪ ،‬ط‪2015 ،2‬م‬
‫‪ 14‬زز أوروبا واإلسالم‪ ،‬عبدالحليم محمود‪ ،‬بدون ناشر وال رقم طبعة‪ ،‬سنة‬
‫النشر ‪1973‬م‬
‫‪ 15‬زز أولية العقل‪ :‬نقد أطروحات اإلسالم السياسي‪ ،‬عادل ضاهر‪ ،‬دار أمواج‪،‬‬
‫بيروت‪2001 ،‬م‬
‫‪ 1٦‬زز اإليمان الكبير‪ ،‬لشيخ اإلسالم أحمد بن عبدالحليم بن تيمية (ت‪728 :‬هـ)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬الشبراوي أبي المعاطي المصري‪ ،‬دار العاصمة‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1434 ،1‬هـ‬
‫‪ 17‬زز اإليمان بالخالق والعلم‪ ،‬لجوردون ليدنر‪ ،‬ترجمة وإصدار‪ :‬مركز دالئل‪،‬‬
‫ط‪ 1438 ،1‬هـ‬

‫‪212‬‬
‫قائمة املراجع‬

‫‪ 18‬زز البداية والنهاية‪ ،‬لإلمام إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم‬
‫الدمشقي (ت‪774 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد اهلل بن عبد المحسن التركي‪ ،‬دار هجر للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع واإلعالن‪ ،‬ط‪ 1418 ،1‬هـ ــ ‪ 1997‬م‪.‬‬
‫‪ 19‬زز بيان إعجاز القرآن‪ ،‬لإلمام أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي (ت‪:‬‬
‫‪388‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬يوسف بن عبد اهلل العليوي‪ ،‬دار التوحيد‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1439‬هـ ــ ‪2018‬م‪.‬‬
‫‪ 20‬زز بين الدين والعلم‪ ،‬تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى‪ ،‬ألندرو‬
‫ديكسون وايت‪ ،‬ترجمة إسماعيل مظهر‬
‫‪ 21‬زز تأثير اإلسالم في أوروبا العصور الوسطى‪ ،‬لوليام مونتغمري واط‪ ،‬ترجمة‪:‬‬
‫سارة إبراهيم الذيب‪ ،‬ط‪ ،1‬جسور للترجمة والنشر‪2016 ،‬م‬
‫محمد بن عبد الر ّزاق‬
‫لمحمد بن ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ 22‬زز تاج العروس من جواهر القاموس‪،‬‬
‫الحسيني ال َّزبيدي (ت‪1205 :‬هـ)‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الهداية‪.‬‬
‫‪ 23‬زز تاريخ الحروب الصليبية‪ ،‬د‪ .‬محمود سعيد عمران‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫ط‪1999 ،2‬م‬
‫‪ 24‬زز تاريخ الفلسفة الحديثة‪ ،‬ليوسف كرم‪ ،‬مؤسسة هنداوي ‪2012‬م‬
‫‪ 25‬زز تاريخ الفلسفة اليونانية‪ ،‬ليوسف كرم‪ ،‬تعليق‪ :‬د‪ .‬مصطفى النشار‪ ،‬الدار‬
‫العربية للكتاب‬
‫‪ 2٦‬زز تاريخ القرن التاسع عشر‪ ،‬لمحمد قاسم وحسين حسني‪ ،‬مطبعة السعادة‬
‫بمصر‪1922 ،‬م‬
‫‪ 27‬زز تاريخ أوروبا في العصور الوسطى‪ ،‬د‪ .‬سعيد عبدالفتاح عاشور‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية‪1976 ،‬م‬

‫‪213‬‬
‫قائمة املراجع‬

‫‪ 28‬زز التبصير في معالم الدين‪ ،‬لإلمام محمد بن جرير بن يزيد الطبري‬


‫(ت‪310 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬علي الشبل‪ ،‬دار العاصمة‪ ،‬ط‪1440 ،1‬هـ‬
‫إليضاح َم َعاني ال َّتيسير‪ ،‬للشيخ محمد بن إسماعيل الصنعاني‪،‬‬ ‫‪ 29‬زز ال َّتحبير َ‬
‫كت َب ُة‬
‫مح َّمد ُص ْبحي بن َح َسن َح ّالق‪َ ،‬م َ‬
‫المعروف باألمير (ت‪1182 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪َ :‬‬
‫الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪ 1433 ،1‬هـ ــ ‪ 2012‬م‬
‫‪ 30‬زز تخريج الدالالت السمعية على ما كان في عهد رسول اهلل ‘ من ال ِح َرف‬
‫والصنائع والعماالت الشرعية‪ ،‬للشيخ علي بن محمد الخزاعي (ت‪789 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫د‪.‬إحسان عباس‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬تونس‪ ،‬ط‪2010 ،3‬م‪.‬‬
‫‪ 31‬زز التراتيب اإلدارية والعماالت والصناعات والمتاجر والحالة العلمية التي‬
‫كانت على عهد تأسيس المدينة اإلسالمية في المدينة المنورة العلية‪ ،‬للشيخ عبد الحي‬
‫ابن عبد الكبير الكتاني (ت‪1882 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محيي الدين نجيب‪ ،‬دار البشائر‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1438 ،1‬هـ ــ ‪2017‬م‪.‬‬
‫‪ 32‬زز التغير الداللي وأثره في فهم النص القرآني‪ ،‬للدكتور محمد بن علي‬
‫الشتيوي‪ ،‬مكتبة حسن العصرية‪ ،‬ط‪1432 ،1‬هـ ــ ‪2011‬م‪.‬‬
‫‪ 33‬زز تفسير القرآن العظيم‪ ،‬ألبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي‬
‫البصري ثم الدمشقي (ت‪774 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬سامي بن محمد السالمة‪ ،‬دار طيبة للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬ط‪1420 ،2‬هـ ــ ‪1999‬م‪.‬‬
‫‪ 34‬زز تفسير الموطأ‪ ،‬للشيخ عبد الرحمن بن مروان ال َق َنازِعي (ت‪ 413 :‬هـ)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬الدكتور عامر حسن صبري‪ ،‬دار النوادر‪ ،‬ط‪ 1429 ،1‬هـ ــ ‪2008‬م‪.‬‬
‫‪ 35‬زز التفكير العلمي‪ ،‬الدكتور فؤاد زكريا‪ ،‬ذات السالسل‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪1988‬م‪.‬‬
‫‪ 3٦‬زز تلبيس إبليس‪ ،‬ألبي الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي (ت‪ 597 :‬ه)‪،‬‬
‫‪214‬‬
‫قائمة املراجع‬

‫تحقيق‪ :‬د‪ .‬أحمد المزيد‪ ،‬دار الوطن‪ ،‬ط‪2002 ،1‬م‪.‬‬


‫‪ 37‬زز تلخيص السفسطة‪ ،‬ألبي الوليد ابن رشد (ت‪595 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫سليم سالم‪ ،‬مطبعة دار الكتب‪ ،‬القاهرة‪1973 ،‬م‬
‫‪ 38‬زز التمهيد لما في الموطأ من المعاني واألسانيد‪ ،‬ألبي عمر يوسف بن‬
‫عبد اهلل بن عبد البر النمري القرطبي (ت‪463 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى بن أحمد‬
‫العلوي‪ ،‬محمد عبد الكبير البكري‪ ،‬الناشر‪ :‬وزارة عموم األوقاف والشؤون اإلسالمية‬
‫ــ المغرب‪1387 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ 39‬زز ثورة العقل في الفلسفة العربية‪ ،‬للدكتور عاطف العراقي‪ ،‬دار المعارف‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪1999 ،7‬م‬
‫‪ 40‬زز جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري)‪ ،‬لإلمام محمد بن جرير‬
‫ابن يزيد الطبري (ت‪310 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور عبد اهلل بن عبد المحسن التركي‪،‬‬
‫بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات اإلسالمية بدار هجر الدكتور عبد السند حسن‬
‫يمامة‪ ،‬دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع واإلعالن‪ ،‬ط‪ 1422 ،1‬هـ ــ ‪ 2001‬م‪.‬‬
‫‪ 41‬زز الجامع الصحيح (صحيح البخاري)‪ ،‬ألبي عبد اهلل محمد بن إسماعيل‬
‫البخاري (ت‪256 :‬هـ)‪ ،‬دار الشعب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1407 ،1‬هـ ــ ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ 42‬زز الجامع ألحكام القرآن (تفسير القرطبي)‪ ،‬ألبي عبد اهلل محمد بن أحمد‬
‫القرطبي‪( ،‬ت‪671 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد اهلل التركي وآخرين‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1434‬هـ ــ ‪2013‬م‪.‬‬
‫‪ 43‬زز الجامع لشعب اإليمان‪ ،‬ألبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي‬
‫(ت‪458 :‬ه)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد العلي عبد الحميد حامد‪ ،‬مكتبة الرشد بالرياض‪ ،‬بالتعاون‬
‫مع الدار السلفية ببومباي‪ ،‬ط‪ 1423 ،1‬هـ ــ ‪ 2003‬م‪.‬‬
‫‪ 44‬زز الجندي المستعرب‪ :‬سنوات مكسيم رودنسون في لبنان وسوريا (‪1940‬‬

‫‪215‬‬
‫قائمة املراجع‬

‫ــ ‪ ،)1947‬لفيصل جلول‪ ،‬دار الجديد‪ ،‬ط‪1998 ،1‬م‪.‬‬


‫‪ 45‬زز جون لوك‪ :‬مقدمة قصيرة ج ًّدا‪ ،‬تأليف‪ :‬جون َدن‪ ،‬ترجمة‪ :‬فايقة جرجس‬
‫حنا‪ .‬مؤسسة هنداوي‪2015 ،‬م‪.‬‬
‫‪ 4٦‬زز حادي العقول‪ ،‬للدكتور عمرو شريف‪ ،‬نور للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪2017 ،1‬م‬
‫‪ 47‬زز حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬ألبي نعيم أحمد بن عبد اهلل األصبهاني‬
‫(ت‪430 :‬هـ)‪ ،‬الناشر‪ :‬السعادة‪ ،‬مصر‪1394 ،‬هـ ــ ‪1974‬م‪ ،‬تصوير وإعادة نشر دار‬
‫الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 48‬زز كتاب الحيوان‪ ،‬ألبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ‪( ،‬ت‪255 :‬هـ)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪1416 ،‬هـ ــ ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ 49‬زز درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬لشيخ اإلسالم أحمد بن عبدالحليم بن تيمية‬
‫(ت‪728 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور محمد رشاد سالم‪ ،‬الناشر‪ :‬جامعة اإلمام محمد بن‬
‫سعود اإلسالمية‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪1411 ،2‬هـ ــ ‪1991‬م‪.‬‬
‫‪ 50‬زز دفا ًعا عن السوفسطائيين‪ ،‬الدكتور الطيب بوعزة‪ ،‬مركز نماء للبحوث‬
‫والدراسات‪ ،‬ط‪2017 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ 51‬زز الدليل العقلي عند السلف‪ ،‬لعبدالرحمن الشهري‪ ،‬مركز التأصيل‬
‫للدراسات والبحوث‪ ،‬جدة‪ ،‬ط ‪ 1436 ،2‬هـ ــ ‪ 2015‬م‪.‬‬
‫‪ 52‬زز الدولة المستحيلة‪ ،‬د‪ .‬وائل حالق‪ ،‬ترجمة‪ :‬عمرو عثمان‪ ،‬المركز العربي‬
‫لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬ط‪2016 ،4‬م‪.‬‬
‫‪ 53‬زز الرد على المنطقيين‪ ،‬لشيخ اإلسالم أحمد بن عبدالحليم بن تيمية‬
‫(ت‪728 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبدالصمد شرف الدين‪ ،‬ط‪ ،3‬مؤسسة الريان‪2017 ،‬م‪.‬‬
‫‪ 54‬زز الرد على باتريشيا كرون وكتابها تجارة مكة وظهور اإلسالم‪ ،‬ترجمة‬
‫وتعليق‪ :‬آمال محمد الروبي‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪2017 ،‬م‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫قائمة املراجع‬

‫‪ 55‬زز رسالة في الطريق إلى ثقافتنا‪ ،‬للشيخ محمود محمد شاكر‪ ،‬مكتبة‬
‫الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪2006 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ 5٦‬زز الرسالة‪ ،‬لإلمام محمد بن إدريس بن العباس الشافعي (ت‪204 :‬هـ)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬أحمد شاكر‪ ،‬مكتبة البابي الحلبي‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1358 ،1‬هـ ــ ‪1940‬م‪.‬‬
‫‪ 57‬زز رفع المالم عن األئمة األعالم‪ ،‬لشيخ اإلسالم أحمد بن عبدالحليم بن‬
‫تيمية (ت‪728 :‬هـ)‪ ،‬طبع ونشر‪ :‬الرئاسة العامة إلدارات البحوث العلمية واإلفتاء‬
‫والدعوة واإلرشاد‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ 1403 ،‬هـ ــ ‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ 58‬زز زاد المعاد في هدي خير العباد‪ ،‬لإلمام محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي‪،‬‬
‫المعروف بابن قيم الجوزية (ت‪751 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط وعبدالقادر‬
‫األرنؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1415 ،25‬هـ‪1994/‬م‪.‬‬
‫‪ 59‬زز السفسطائية وأثرها في مدارس الشك‪ ،‬للدكتور عبدالرحمن عواجي‪ ،‬مركز‬
‫دالئل‪ ،‬ط‪1439 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ ٦0‬زز سلسلة األحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها أبو عبد الرحمن‬
‫محمد ناصر الدين‪ ،‬بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم‪ ،‬األشقودري األلباني‬
‫(ت‪1420 :‬هـ)‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة المعارف للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ ٦1‬زز سنن ابن ماجه‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن يزيد القزويني (ت‪273 :‬هـ)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط وآخرين‪ ،‬دار الرسالة العالمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ 1430 ،1‬هـ ــ‬
‫‪2009‬م‬
‫‪ ٦2‬زز السنن الكبرى‪ ،‬لإلمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي‪،‬‬
‫(ت‪ 303 :‬ه)‪ ،‬تحقيق‪ :‬مركز البحوث بدار التأصيل‪ ،‬الناشر‪ :‬دار التأصيل ــ القاهرة‪،‬‬
‫ط‪ 1433 ،1‬هـ ــ ‪ 2012‬م‬
‫‪ ٦3‬زز سير أعالم النبالء‪ ،‬لشمس الدين أبو عبد اهلل محمد بن أحمد الذهبي‬

‫‪217‬‬
‫قائمة املراجع‬

‫(ت‪748 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب األرناؤوط‪،‬‬


‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪ 1405 ،3‬هـ ــ ‪ 1985‬م‪.‬‬
‫‪ ٦4‬زز السيرة الذاتية‪ ،‬لجون ستيورات ميل‪ ،‬ترجمة‪ :‬الحارث النبهان‪ ،‬دار‬
‫التنوير‪ ،‬ط‪2015 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ ٦5‬زز سيكولوجية الجماهير‪ ،‬غوستاف لوبن ترجمة‪ :‬هاشم صالح‪ ،‬ط‪ .‬دار‬
‫الساقي‪.‬‬
‫‪ ٦٦‬زز شرح األصبهانية‪ ،‬لشيخ اإلسالم أحمد بن عبدالحليم بن تيمية‬
‫(ت‪728 :‬هـ) تحقيق‪ :‬محمد بن عودة السعوي‪ ،‬دار المنهاج‪1430 ،‬هـ ــ ‪2010‬م‪.‬‬
‫‪ ٦7‬زز شرح السنة‪ ،‬ألبي محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي‬
‫الشافعي (ت‪516 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط ومحمد زهير الشاويش‪ ،‬المكتب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ط‪1403 ،2‬هـ ــ ‪1983‬م‬
‫‪ ٦8‬زز شرح مشكاة المصابيح المسمى بـ(الكاشف عن حقائق السنن)‪ ،‬لشرف‬
‫الدين الحسين بن عبد اهلل الطيبي (‪743‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد الحميد هنداوي‪ ،‬مكتبة‬
‫نزار مصطفى الباز‪ ،‬ط‪ 1417 ،1‬هـ ــ ‪ 1997‬م‬
‫‪ ٦9‬زز شرح مشكل اآلثار‪ ،‬ألبي جعفر أحمد بن محمد بن سالمة الطحاوي‬
‫(ت‪321 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪ 1415 ،1‬هـ ــ ‪ 1994‬م‪.‬‬
‫‪ 70‬زز شمس العرب تسطع على الغرب‪ ،‬لزيغريد هونكه‪ ،‬ترجمة‪ :‬فاروق بيضون‬
‫وكمال دسوقي‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.8‬‬
‫‪ 71‬زز صحيح مسلم‪ ،‬أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري‬
‫(ت‪261‬هـ)‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪1334 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ 72‬زز الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة‪ ،‬لإلمام محمد بن أبي‬
‫بكر أيوب الزرعي‪ ،‬المعروف بابن قيم الجوزية (ت‪751 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي بن محمد‬

‫‪218‬‬
‫قائمة املراجع‬

‫الدخيل اهلل‪ ،‬دار العاصمة‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1408 ،1‬هـ‪.‬‬


‫‪ 73‬زز صورة اإلسالم في إعالم المحافظين الجدد في الواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪ ،‬د‪ .‬عائشة ماجد وزوز‪ ،‬مركز الفكر الغربي للنشر‪ ،‬ط‪1440 ،1‬هـ ــ‬
‫‪2018‬م‪.‬‬
‫‪ 74‬زز الصورة الغربية والدراسات الغربية اإلسالمية‪ ،‬لماكسيم رودنسون‪ ،‬ضمن‬
‫كتاب تراث اإلسالم‪ ،‬تحرير‪ :‬شاخت وبوورث‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬محمد زهير السمهوري‬
‫وآخرون‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪1988 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ 75‬زز الطبقات الكبير‪ ،‬لإلمام محمد بن سعد بن منيع الزهري‪( ،‬ت‪ 230 :‬ه)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬علي محمد عمر‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪2001 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ 7٦‬زز طرح التثريب في شرح التقريب‪ ،‬ألبي الفضل زين الدين عبد الرحيم بن‬
‫الحسين العراقي (المتوفى‪806 :‬هـ) وأكمله ابنه‪ :‬أحمد بن عبد الرحيم (المتوفى‪:‬‬
‫‪826‬هـ)‪ ،‬الناشر‪ :‬الطبعة المصرية القديمة ــ وصورتها دار إحياء التراث العربي‪.‬‬
‫‪ 77‬زز طريق الهجرتين وباب السعادتين‪ ،‬لإلمام محمد بن أبي بكر أيوب‬
‫الزرعي‪ ،‬المعروف بابن قيم الجوزية (ت‪751 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد أجمل اإلصالحي‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬دار عالم الفوائد‪1429 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ 78‬زز العلم المرح‪ ،‬لفريدريك نيتشه‪ ،‬ترجمة حسان بورقية ومحمد الناجي‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬دار افريقيا الشرق‪ ،‬ط‪1993 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ 79‬زز العلم في منظوره الجديد‪ ،‬روبرت أغروس‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬كمال الخاليلي‪،‬‬
‫سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬فبراير ‪1989‬م‪.‬‬
‫‪ 80‬زز غريب الحديث‪ ،‬لجمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد‬
‫الجوزي (ت‪597 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور عبد المعطي أمين القلعجي‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1405 ،1‬هـ ــ ‪1985‬م‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫قائمة املراجع‬

‫‪ 81‬زز فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬لزين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن‬
‫رجب الحنبلي (ت‪795 :‬هـ) تحقيق‪ :‬محمود بن شعبان بن عبد المقصود وآخرين‪،‬‬
‫مكتبة الغرباء األثرية‪ ،‬المدينة النبوية‪ ،‬ط‪ 1417 ،1‬هـ ــ ‪ 1996‬م‪.‬‬
‫‪ 82‬زز فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬للحافظ أحمد بن علي بن حجر‬
‫العسقالني (ت‪852 :‬هـ)‪ ،‬إخراج وتصحيح‪ :‬محب الدين الخطيب‪ ،‬ترقيم‪ :‬محمد‬
‫فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ 1379 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ 83‬زز الفصل في الملل واألهواء والنحل‪ ،‬ألبي محمد علي بن أحمد بن سعيد‬
‫ابن حزم األندلسي القرطبي الظاهري (ت‪456 :‬هـ)‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ 84‬زز ‪ ....‬طبعة أخرى‪ :‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد عوض الشهري‪ ،‬دار البلد‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1440‬هـ‪.‬‬
‫‪ 85‬زز فطرية اإليمان‪ :‬كيف أثبتت التجارب أن األطفال يولدون مؤمنين باهلل؟‪،‬‬
‫للدكتور جاستون باريت‪ ،‬ترجمة وإصدار‪ :‬مركز دالئل‪.‬‬
‫‪ 8٦‬زز فيض القدير شرح الجامع الصغير‪ ،‬لزين الدين محمد عبد الرؤوف‬
‫المناوي (ت‪1031 :‬هـ)‪ ،‬الناشر‪ :‬المكتبة التجارية الكبرى‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1356 ،1‬هـ‬
‫‪ 87‬زز القبس في شرح موطأ مالك بن أنس‪ ،‬للقاضي محمد بن عبد اهلل‬
‫بن العربي المعافري االشبيلي المالكي (ت‪543 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور محمد عبد اهلل‬
‫ولد كريم‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪ 1992 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ 88‬زز قصة الفلسفة‪ ،‬لويل ديورانت‪ ،‬ترجمة‪ :‬أكرم مؤمن‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة ابن سينا‪،‬‬
‫القاهرة‪2016 ،‬م‪.‬‬
‫‪ 89‬زز كتاب العين‪ ،‬ألبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم‬
‫الفراهيدي البصري (ت‪170 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬مهدي المخزومي‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم‬
‫السامرائي‪ ،‬دار ومكتبة الهالل‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫قائمة املراجع‬

‫‪ 90‬زز كتاب محمد ‘ مؤسس الدين اإلسالم لجورج بوش‪ :‬عرض ونقد‬
‫تأليف‪ :‬محمود بغدادي‪ ،‬دار بالل بن رباح‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪2013 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ 91‬زز لسان العرب‪ ،‬لجمال الدين محمد بن مكرم بن علي ابن منظور اإلفريقى‬
‫(ت‪711 :‬هـ)‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1414 ،3‬هـ‪.‬‬
‫مسيحيا؟‪ ،‬لبرتنارد راسل‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبدالكريم ناصيف‪،‬‬
‫ً‬ ‫لست‬
‫ُ‬ ‫‪ 92‬زز لماذا‬
‫ط‪ .‬دار التكوين للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪2015 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ 93‬زز لماذا لست ملح ًدا؟‪ ،‬لعبدالجليل الكور‪ ،‬المؤسسة العربية للفكر‬
‫واإلبداع‪ ،‬ط‪2016 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ 94‬زز لماذا نحن هنا؟‪ ،‬إسماعيل عرفة‪ ،‬مركز دالئل‪.‬‬
‫‪ 95‬زز مائية العقل ومعناه واختالف الناس فيه‪ ،‬للحارث بن أسد المحاسبي‬
‫(ت‪243 :‬هـ) تحقيق‪ :‬حسين القوتلي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1391 ،1‬هـ ــ ‪1971‬م‪.‬‬
‫‪ 9٦‬زز المبتدأ والمبعث والمغازي‪( ،‬سيرة ابن إسحاق) لإلمام محمد بن إسحاق‬
‫(ت‪151 :‬هـ) ـ تحقيق‪ :‬محمد حميد اهلل‪ ،‬معهد الدراسات واألبحاث‪.‬‬
‫‪ 97‬زز المثقفون المغالطون‪ ،‬باسكال بونيفاس ترجمة د‪ .‬عبدالرحمن مزيان‪،‬‬
‫ط‪ .‬ابن النديم للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ 98‬زز مجلة المنار‪ ،‬السنة التاسعة‪ ،‬الجزء السابع‪ ،‬عدد سنة ‪ 1324‬هـ = ‪1906‬م‪.‬‬
‫‪ 99‬زز مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية (ت ‪728‬هـ)‪ ،‬جمع وتحقيق‪:‬‬
‫عبد الرحمن بن قاسم وابنه محمد‪ ،‬الناشر مجمع الملك فهد‪ ،‬المدينة المنورة‪،‬‬
‫‪1416‬هـ ــ ‪1995‬م‪.‬‬
‫‪ 100‬زز مختصر التحرير في أصول الفقه‪ ،‬لإلمام محمد بن أحمد بن النجار‬
‫الفتوحي (ت‪972 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد سليمان مال اهلل‪ ،‬مكتبة أهل األثر‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫ط‪1429 ،1‬هـ ‪.‬‬
‫‪221‬‬
‫قائمة املراجع‬

‫‪ 101‬زز مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة‪ ،‬لإلمام ابن قيم الجوزية‬
‫(ت‪ 751 :‬هـ) اختصار محمد بن الموصلي (ت‪ 774 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور الحسن‬
‫بن عبدالرحمن العلوي‪ ،‬دار أضواء السلف‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط ‪ 1425 ،1‬هـ ــ ‪ 2004‬م‪.‬‬
‫‪ 102‬زز المخصص‪ ،‬ألبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي‬
‫(ت‪458 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬خليل إبراهم جفال‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1417‬ه ــ ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ 103‬زز مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لإلمام محمد بن أبي‬
‫بكر أيوب الزرعي‪ ،‬المعروف بابن قيم الجوزية (ت‪751 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد المعتصم‬
‫باهلل البغدادي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ 1416 ،3‬هـ ــ ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ 104‬زز المدخل عن نظرية المعرفة‪ ،‬البن عقيل الظاهري‪ ،‬دار ابن حزم‪،‬‬
‫الرياض‬
‫‪ 105‬زز مذكرات هدى شعراوي‪ ،‬دار مدى‪ ،‬طبعة خاصة بالتعاون مع جريدة‬
‫القبس الكويتية‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ 10٦‬زز مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح‪ ،‬للشيخ علي الهروي القاري‬
‫(ت‪1014 :‬هـ)‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ ــ ‪2002‬م‪.‬‬
‫‪ 107‬زز مرهم العلل المعضلة في الرد على أئمة المعتزلة‪ ،‬لعبد اهلل بن أسعد بن‬
‫علي بن سليمان اليافعي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمود محمد محمود حسين نصار‪ ،‬ط‪1412 ،1‬هـ‬
‫ــ ‪1992‬م‪.‬‬
‫‪ 108‬زز المستشرقون والتراث‪ ،‬تأليف د‪ .‬عبد العظيم الديب‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪،‬‬
‫البحرين‪ ،‬ط‪1406 ،1‬هـ ــ ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ 109‬زز المستصفى في علم األصول‪ ،‬ألبي حامد محمد بن محمد الغزالي‬
‫الطوسي (ت‪ 505 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد بن سليمان األشقر‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪ 1417 ،1‬هـ ــ ‪1997‬م‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫قائمة املراجع‬

‫‪ 110‬زز المسند‪ ،‬لإلمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هالل بن أسد الشيباني‬


‫(ت‪241 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط وعادل مرشد وآخرين‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫ط‪ 1421 ،1‬هـ ــ ‪2001‬م‪.‬‬
‫‪ 111‬زز المصنف‪ ،‬ألبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت‪211 :‬هـ)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬حبيب الرحمن األعظمي‪ ،‬الناشر‪ :‬المجلس العلمي في الهند‪ ،‬ط‪1403 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ 112‬زز معالم السنن‪ ،‬شرح سنن أبي داود‪ ،‬ألبي سليمان حمد بن محمد بن‬
‫إبراهيم بن الخطاب البستي المعروف بالخطابي (المتوفى‪388 :‬هـ)‪ ،‬المطبعة العلمية‪،‬‬
‫حلب‪ ،‬ط‪ 1351 ،1‬هـ ــ ‪1932‬م‪.‬‬
‫‪ 113‬زز المعجم الفلسفي الصادر عن مجمع اللغة العربية في القاهرة‪1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ 114‬زز معجم مقاليد العلوم في الحدود والرسوم‪ ،‬لإلمام جالل الدين‬
‫عبدالرحمن السيوطي (ت‪911 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬أ‪ .‬د محمد إبراهيم عبادة‪ ،‬مكتبة اآلداب‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪ 1424 ،1‬هـ ــ ‪ 2004‬م‪.‬‬
‫‪ 115‬زز المعرفة في اإلسالم‪ :‬مصادرها ومجاالتها‪ ،‬للدكتور عبداهلل القرني‪ ،‬دار‬
‫عالم الفوائد‪ ،‬ط‪1419 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ 11٦‬زز المعلم بفوائد مسلم‪ ،‬ألبي عبداهلل محمد بن علي المازري (ت‪536 :‬هـ)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬متولي خليل‪ ،‬وموسى السيد شريف‪ ،‬المجلس األعلى للشئون اإلسالمية‪ ،‬مصر‬
‫‪ 1422‬هـ‪.‬‬
‫‪ 117‬زز المغالطات المنطقية‪ :‬فصول في المنطق غير الصوري‪ ،‬للدكتور عادل‬
‫مصطفى‪ ،‬رؤية للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ 2013 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ 118‬زز المغني‪ ،‬لإلمام موفق الدين عبد اهلل بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي‬
‫(ت‪620 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد اهلل بن عبد المحسن التركي وعبد الفتاح الحلو‪ ،‬دار عالم‬
‫الكتب‪1417 ،‬هـ ــ ‪1997‬م‪.‬‬
‫‪223‬‬
‫قائمة املراجع‬

‫‪ 119‬زز مفتاح دار السعادة ومنشور والية أهل العلم واإلرادة‪ ،‬لإلمام محمد بن‬
‫أبي بكر أيوب الزرعي‪ ،‬المعروف بابن قيم الجوزية (ت‪751 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫د‪ .‬عبد الرحمن حسن قائد‪ ،‬دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ 120‬زز مناهج البحث عند مفكري اإلسالم‪ ،‬واكتشاف المنهج العلمي في العالم‬
‫اإلسالمي‪ ،‬للدكتور علي سامي النشار (ت‪1980 :‬م)‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ط‪1404 :،3‬ه ــ ‪1984‬م‪.‬‬
‫‪ 121‬زز مناهج التفكير الموصلة للحقائق الشرعية والكونية‪ ،‬للدكتور جعفر شيخ‬
‫إدريس‪ ،‬مركز البيان للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ 122‬زز مناهج المستشرقين ومواقفهم من النبي ‘‪ :‬عرض ونقد في ضوء‬
‫العقيدة اإلسالمية‪ ،‬تأليف‪ :‬د‪ .‬رياض بن حمد العمري‪ ،‬مركز التأصيل للدراسات‬
‫والبحوث‪ ،‬ط‪2015 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ 123‬زز منهج االستدالل على مسائل االعتقاد عند أهل السنة والجماعة‪ ،‬لعثمان‬
‫ابن علي حسن‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1412 ،1‬هـ ــ ‪1992‬م‪.‬‬
‫‪ 124‬زز المنهج عند المستشرقين‪ ،‬للدكتور عبدالعظيم الديب‪ ،‬بدون دار نشر‪،‬‬
‫وبدون طبعة‪ ،‬سنة النشر ‪1989‬م‪.‬‬
‫‪ 125‬زز موسوعة أندريه الالند الفلسفية‪ ،‬تعريب‪ :‬خليل أحمد خليل‪ ،‬منشورات‬
‫عويدات‪ ،‬ط‪2001 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ 12٦‬زز موسوعة علماء الفيزياء‪ ،‬موريس شربل‪ ،‬دار الكتب العلمية‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ 127‬زز موسوعة مصطلحات علم المنطق عند العرب‪ ،‬تأليف‪ :‬فريد جبر وسميح‬
‫دغيم ورفيق العجم وجيرار جهامي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة لبنان ناشرون‪ ،‬ط‪1996 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ 128‬زز الموضوعات‪ ،‬ألبي الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي‬
‫(ت‪597 :‬ه)‪ ،‬تحقيق‪ :‬نور الدين شكري بوياجيالر‪ ،‬أضواء السلف‪ ،‬ط‪1997 ،1‬م‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫قائمة املراجع‬

‫‪ 129‬زز ال ُْم َو َّطأ‪ ،‬لإلمام مالك ْب ِن أَ َن ٍ‬


‫س األصبحي (ت‪179 :‬هـ) (رواية َيحيى بن‬
‫يثي‪ ،‬ت‪244 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور بشار معروف‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪،‬‬ ‫َيحيى ال َّل ِّ‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ 130‬زز الميديا واإللحاد‪ ،‬للمهندس أحمد حسن‪ ،‬مركز دالئل‪ ،‬ط‪1437 ،3‬هـ‪.‬‬
‫‪ 131‬زز النهاية في غريب الحديث واألثر‪ ،‬مجد الدين أبو السعادات المبارك بن‬
‫محمد الجزري ابن األثير (ت ‪606‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬طاهر أحمد الزواوي ومحمود محمد‬
‫الطناحي‪ ،‬المكتبة العلمية‪ ،‬بيروت‪1399 ،‬هـ‪1979/‬م‪.‬‬
‫‪ 132‬زز نيل األوطار‪ ،‬للشيخ محمد بن علي الشوكاني (المتوفى‪1250 :‬هـ)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬عصام الدين الصبابطي‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1413 ،1‬هـ ــ ‪1993‬م‪.‬‬
‫‪ 133‬زز هجوم على العقل‪ ،‬آل جور ترجمة‪ :‬د‪ .‬نشوى ماهر كرم اهلل‪ ،‬مكتبة العبيكان‪.‬‬
‫‪ 134‬زز هذا هو اإلنسان‪ ،‬لفريدريك نيتشه‪ ،‬ترجمة‪ :‬علي مصباح‪ ،‬منشورات الجمل‪.‬‬
‫‪ 135‬زز هروبي إلى الحرية‪ ،‬لعلي عزت بيجوفيتش‪ ،‬ترجمة‪ :‬إسماعيل أبو‬
‫البندورة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪2017 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ 13٦‬زز هندسة الجمهور‪ ،‬ألحمد فهمي‪ ،‬مركز البيان للبحوث والدراسات‪،‬‬
‫ط‪1436 ،1‬هـ‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫فهارس‬

‫ل‬
‫فهرس خواراب امولف مع المثاثرنن نال سنهاب‬
‫‪ 1‬زز أول مواجه ٍة مباشرة مع الشبهات‪ ،‬جلسة حوارية امتدت لساعات مع شاب‬
‫الديني‪9 .......................................................‬‬
‫‪ 2‬زز حوار مع شاب الديني سبب ردته اإلغراق في الشهوات ‪32 ................‬‬
‫‪ 3‬زز حوار مع شاب لديه شبهات سببها مشكلة حادة مع والده‪43 ................‬‬
‫عرف نفسه بأنه باحث عن الحقيقة!‪55 ....................‬‬‫‪ 4‬زز حوار مع شاب ّ‬
‫‪ 5‬زز حوار مع شاب عنده همة في السؤال وليس عنده همة لفهم الجواب! ‪204 .....‬‬

‫فهرس ال سنهاب والرد علنها‬


‫‪ 1‬زز بيان حديث سجود الشمس ‪73 ......................................‬‬
‫‪ 2‬زز ُشبهة‪ :‬اإلسالم فيه ظلم ألنه ليس فيه مساواة بين الرجل والمرأة‪149 .........‬‬
‫‪ 3‬زز بيان حديث المرأة عورة ‪150 .......................................‬‬
‫‪ 4‬زز شبهة‪ :‬تعلم النبي ‘ من بحيرا الراهب ‪152 ...........................‬‬
‫‪ 5‬زز شبهة‪ :‬مشكلة الشر‪162........................................‬‬
‫‪ ٦‬زز شبهة‪ :‬تعدد زوجات النبي ‘ ‪173 ..............................‬‬
‫‪ 7‬زز شبهة‪ :‬حد الردة‪179 ..........................................‬‬
‫‪ 8‬زز شبهة‪ :‬زواج النبي ‘ من أم المؤمنين عائشة ‪183 ................‬‬
‫‪ 9‬زز شبهة‪ :‬الحدود الشرعية قسوة أم رحمة؟ ‪187 .......................‬‬
‫ل‬
‫فهرس ا خرابط ا لجدلثة‬
‫شرعيا ألنه لم يدركه بحواسه ‪76 .............‬‬
‫ً‬ ‫صا‬
‫‪ 1‬زز خريطة الجدل مع من يرد ن ً‬
‫‪ 2‬زز خريطة رد ابن حزم على طوائف السفسطائية ‪85 ........................‬‬
‫‪ 3‬زز خريطة الجدل في طلب الدليل ‪157 ..................................‬‬

‫‪226‬‬
‫فهرس احملتويات‬

‫فهرس املحتويات‬
‫‪$‬‬
‫الصفحة‬ ‫الم ب ع‬
‫مقدمة الطبعة الثانية‪5 .............................................‬‬
‫مقدمة‪7 .......................................................‬‬
‫مهيي أسئلة عن األسئلة‪..‬؟! ‪17 ...................................‬‬
‫مات ع الش ُبهات ‪21 ..............................‬‬ ‫الفصل الول‪ُ :‬مق ّي ٌ‬
‫المبحث األول‪ :‬تعريف الشبهات ‪23 ............................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تعريف الوسواس‪25 ............................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬الفرق بين الوساوس والشبهات ‪29 ................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬عالج وسواس العقيدة‪31 ........................‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬من بواعث الشبهات ‪37 .......................‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬أقسام أصحاب الشبهات ‪47 ....................‬‬
‫حيح َم َصا ِد ِ َ‬
‫المع ِرفة‪53 ...................‬‬ ‫الفصل الثان ‪ُ :‬نق َط ُة ال ِب َياية‪َ :‬ص ُ‬
‫المبحث األول‪ :‬الفطرة ‪59 ....................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬العقل ‪63 ....................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬الحس ‪69 ...................................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬الخبر‪77 .....................................‬‬
‫ؤس ِسة للشبهات‪79 ..........................‬‬ ‫الم َنا ِهج ُ‬
‫الم َّ‬ ‫الفصل الثالث‪َ :‬‬
‫المبحث األول‪ :‬المنهج السفسطائي ‪82 ..........................‬‬
‫‪227‬‬
‫فهرس احملتويات‬

‫الصفحة‬ ‫الم ب ع‬
‫المبحث الثاني‪ :‬منهج الغلو في العقل‪89 .........................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬المنهج العلموي ‪95 ............................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أسباب ظهور النزعة العلموية ‪97 ..............‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬اإلشكاالت الفكرية في النزعة العلموية ‪101 .....‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬األدلة على بطالن المنهج العلموي ‪108........‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬منهج تقسيم المسلمين إلى إسالميين وغير‬
‫إسالميين ‪111 .............................................‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬الُسس الت ُب ِن َيت عليها ُ‬
‫الش ُبهات ‪119 ....................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الكذب ‪122..................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬خلل االحتكام المرجعي ‪129.....................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬فخ اإلجمال ‪133 ..............................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬اإلسقاط التاريخي ‪137 ..........................‬‬
‫التطور الداللي ‪139 .................‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬عدم مراعاة ّ‬
‫الش ُبهات ‪143 ..................‬‬
‫ض ُ‬ ‫الع َم ّلية َلنق ِ‬
‫الفصل الخامس‪ :‬ال ُخ ُط ات َ‬
‫فر من الشبهات فرارك من األسد‪145......................... ..‬‬
‫الخطوة األولى‪ :‬تفكيك الشبهة وتحليل أجزائها ‪149................‬‬
‫الخطوة الثانية‪ :‬التثبت من صحة النقل ‪154.......................‬‬
‫الخطوة الثالثة‪ :‬طلب الدليل الصحيح ‪157 ........................‬‬
‫ات و ُ ُدود ‪159.................................‬‬
‫الفصل السادس‪ُ :‬ش ُب َه ٌ‬
‫المبحث األول‪ :‬مشكلة الشر‪162...............................‬‬
‫‪228‬‬
‫فهرس احملتويات‬

‫الصفحة‬ ‫الم ب ع‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تعدد زوجات النبي ‘ ‪173 .....................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬حد الردة ‪179 ................................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬زواج النبي ‘ من أم المؤمنين عائشة ‪183 ....... ‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬الحدود الشرعية قسوة أم رحمة؟‪187 .............‬‬
‫الخاتمة ‪203 ..................................................‬‬
‫تحفة األخيار في آداب الحوار ‪206 .................................‬‬
‫قائمة المراجع ‪211 ..............................................‬‬
‫فهرس حوارات المؤلف مع المتأثرين بالشبهات ‪226 ....................‬‬
‫فهرس الشبهات والرد عليها ‪226 ...................................‬‬
‫فهرس الخرائط الجدلية ‪226 ......................................‬‬
‫فهرس المحتويات ‪227 ..........................................‬‬

‫‪229‬‬
‫‪.‬‬

‫أشكرك علد قراء كتاب رياق‪،‬‬


‫ويسعين أن ساهم بتط ير الكتاب م خالل عبئة ارستبيان التال ‪:‬‬

‫وجه الجهاز على الباركود ليظهر لك االستبيان‬


‫ّ‬

‫‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪.‬‬

‫مركز بينات‬

‫مركز بينات هو مركز علمي تطوعي أُعلن عن تأسيسه في الكويت في شهر رمضان‬
‫المبارك عام ‪ 1438‬هـ الموافق الشهر السادس من عام ‪2017‬م‬
‫وهو مركز شرعي تطوعي ُمستقل ُمتخصص بتعزيز اليقين بأصول اإلسالم ونقض‬
‫شبهات خصومه‪.‬‬
‫وقد قام المركز منذ تأسيسه بإقامة عدد من الملتقيات والدورات والبرامج‬
‫العلمية‪ ،‬وعقد حوارات مع عشرات الشباب المتأثرين بالشبهات الفكرية‪ ،‬وقد أسفرت‬
‫عن رجوع عدد منهم إلى دائرة اإلسالم وشاطئ اليقين بحمد اهلل تعالى وتوفيقه‪.‬‬
‫* رؤية املركز‪:‬‬
‫مركز يكون منارة علمية ُتسهم في صناعة الثقافة وتكوين الشخصية اإلسالمية‬
‫علميا والمحصنة فكريًا والقادرة على مواجهة الهجمات الفكرية‬
‫ً‬ ‫الواعية المؤصلة‬
‫الموجهة ضد اإلسالم‪.‬‬
‫* رسالة املركز‪:‬‬
‫استنهاض الفطرة‪ ،‬وتعزيز اليقين باهلل عزوجل‪ ،‬واالعتزاز بالهوية اإلسالمية‪.‬‬
‫* األهداف العامة للمركز‪:‬‬
‫‪ 1‬زز التأصيل الشرعي المتين المبني على الكتاب والسنة وتعزيز الثقة بهما‪.‬‬
‫‪ 2‬زز تعزيز شعور االنتماء إلى اإلسالم واالعتزاز العميق بالهوية اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ 3‬زز ترتيب األولويات المعرفية‪ ،‬وترسيخ المعايير األصيلة لفهم اإلسالم فهم ًا صحيح ًا‪.‬‬
‫صا‪.‬‬
‫عموما‪ ،‬والشباب خصو ً‬ ‫ً‬ ‫‪ 4‬زز تكوين الحصانة الفكرية لدى المسلمين‬
‫‪ 5‬زز بث الوعي الكافي وإزالة التضليل الناتج عن هجمات التشكيك الموجهة ضد‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫‪ ٦‬زز توعية المربين على كيفية معالجة الخلل الفكري لدى المتربين‪.‬‬
‫‪ 7‬زز نشر ثقافة الحوار الهادئ‪ ،‬المبني على قوة المنطق ال منطق القوة‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬

‫أبرزإنجازات املركز‬

‫‪.‬‬
.

.
.

.
.

.
‫‪.‬‬

‫تواصل معنا‪:‬‬

‫الخط الساخ‬ ‫‪Bayynat‬‬ ‫@‪bayyenat_q8‬‬


‫‪)009٦5( 50214053‬‬

‫قنا مرك بينات‬ ‫@‪bayyenat_q8‬‬

‫‪.‬‬

You might also like