You are on page 1of 95

‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.

net‬‬

‫‪1‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫حن ـ ـ ـو نظريـ ـة تربـ ـويـ ـة ج ـدي ـ ـ ـدة‬


‫( البي ـ ـداغـ ـوجيا اإلبـ ـ ـداعي ـ ـة)‬

‫املؤلف‪ :‬مجيل محداوي‬

‫‪2‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫اإله ـ ـ ــداء‬

‫أهدي هذا الكتاب إىل أخي العزيز والويف‬


‫والطيب الدكتور حممد الفهري الذي حقق نبوغا‬
‫ال نظري له يف حقلي العروض والتحقيق‪.‬‬

‫يقول ستاندال (‪:)Sthendal‬‬


‫‪3‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫" العقول الكبيرة‪ ،‬فقط‪ ،‬هي التي تكتب بأسلوب بسيط"‬

‫املقدم ــة‬
‫جرب املغرب بصفة خاصة‪ ،‬والعامل العريب بصفة عامة‪ ،‬نظرايت تربوية عدة‪ ،‬كنظرايت الرتبية‬
‫احلديثة‪ ،‬ونظرية األهداف السلوكية‪ ،‬ونظرية اجلودة‪ ،‬ونظرية الشراكة‪ ،‬وبيداغوجيا اجملزوءات‪،‬‬
‫ونظرية الكفاايت واإلدماج‪ . . .‬وما زال البحث مستمرا إلجياد نظرايت تعليمية أخرى موجودة‬
‫يف الساحة الرتبوية الغربية من أجل جتريبها يف مدارسنا ومؤسساتنا الوطنية تقليدا واستريادا‬
‫واستنباات‪ ،‬قصد تطبيقها وممارستها رغبة يف التحقق من جناعتها وفعاليتها‪.‬‬

‫و اهلدف من هذا البحث الدؤوب عن املستجدات الرتبوية النظرية واإلجرائية هو جتديد الوضع‬
‫البيداغوجي والديدكتيكي‪ ،‬وإجياد احللول املمكنة للمشاكل اليت يتخبط فيها تعليمنا من املستوى‬
‫االبتدائي حىت املستوى اجلامعي‪ .‬والسبب يف ذلك أن تعليمنا خيرج أفواجا كثرية من الطلبة‬
‫احلاصلني على الشهادات العليا كل سنة‪ .‬بيد أن هذه الشهادات تبقى دون مردودية عملية أو‬
‫واقعية ؛ إذ سرعان ما جيد هؤالء الطلبة أنفسهم‪ ،‬بعد التخرج مباشرة‪ ،‬عاطلني عن العمل‪ ،‬أو‬
‫يتخرجون بدون كفاءة أو مهارة أو حرفة أو مهنة وظيفية‪ ،‬تساعدهم على تدبري شؤون حياهتم‪،‬‬
‫على الرغم من حاجة اجملتمع املاسة إليهم‪ .‬وهذا ما دفع الكثري من الدول العربية‪ ،‬ومنهم املغرب‪،‬‬
‫إىل استرياد النظرايت الرتبوية الغربية اليت وضعت يف سياق غريب له خصوصياته املميزة‪ ،‬بتكييف‬
‫تصوراهتا النظرية والتطبيقية مع أوضاعنا احمللية‪ ،‬واستنباهتا بشكل تعسفي ال يراعي خصوصياتنا‪،‬‬
‫مع السعي اجلاد إىل زرعها يف تربة أتىب االستجابة؛ نظرا الختالف بيئة املصدر عن بيئة املستورد‬
‫الذي يرى يف هذه النظرية املستنبتة حال سحراي إلنقاذ الوضع التعليمي املتدهور تطبيقا للمقولة‬
‫الرائجة‪ ":‬يتأثر املغلوب دائما ابلغالب"‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫و ندعو يف هذه الدراسة املتواضعة إىل تطبيق نظرية تربوية جديدة يف العامل العريب‪ ،‬مسيناها‬
‫ابلنظرية اإلبداعية أو البيداغوجيا اإلبداعية (‪.)La pédagogie créative‬‬

‫إذا‪ ،‬ما البيداغوجيا اإلبداعية؟ وما سياقها الظريف؟ وما فلسفتها وغاايهتا وأهدافها؟ وما مرجعياهتا‬
‫النظرية؟ وما أهم مرتكزاهتا املنهجية والتطبيقية؟ وكيف يتم تنزيل هذه النظرية ديدكتيكيا ختطيطا‬
‫وتدبريا وتقوميا؟‬

‫هذا ماسوف نرصده يف كتابنا هذا الذي عنوانه بـ(حنو نظرية تربوية جديدة‪ :‬البيداغوجيا‬
‫اإلبداعية)‪ ،‬على أساس أن البيداغوجيا اإلبداعية تصور تربوي عريب جديد‪ ،‬جيمع بني األصالة‬
‫واملعاصرة على مستوى املرتكزات النظرية والتطبيقية‪.‬‬

‫وأرجو من هللا عز وجل أن يلقى هذا الكتاب املتواضع رضا القراء‪ ،‬وأشكر هللا شـكرا جـزيال علـى‬
‫نعمـه الكثــرية‪ ،‬وأمحــده علــى علمــه وصــحته وفاـائله الــيت التعــد وال صــى‪ .‬وأســتغفره عــن أخطــاء‬
‫اجتهادي يف هذا الكتاب‪ .‬وقد صدق هللا العظيم‪ " :‬وما أوتيتم من العلم إال قليال‪"1 .‬‬

‫‪ - 1‬اآلية‪ ،85 :‬سورة اإلسراء‪ ،‬القرآن الكرمي برواية ورش لنافع‪.‬‬


‫‪5‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫الفصل األول‪:‬‬

‫حتديـ ـد املفاهي ــم العام ــة‬

‫يتكون مصطلح (البيداغوجيا اإلبداعية‪ )La pédagogie créative/‬من مفهومني‬


‫أساسيني مها‪ :‬البيداغوجيا(‪ )La pédagogie‬واإلبداع(‪ .)La création‬وال تكتمل‬
‫حقيقة مصطلح البيداغوجيا إال إبضافة مفهومني أساسيني يرتابطان معه معرفيا ومنهجيا مها‪:‬‬
‫الديدكتيك(‪ )Didactique‬والرتبية (‪ .)Education‬ومن هنا‪ ،‬البد من ديد هذه‬
‫‪6‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫املفاهيم العامة كلها بدقة وجناعة وروية بغية تقدمي تعريف جامع مانع للبيداغوجيا اإلبداعية‪ .‬إذا‪،‬‬
‫ما البيداغوجيا؟ وما الديدكتيك؟ وما الرتبية؟ وما اإلبداع؟ وما الفرق بني اإلبداع احليواين‬
‫واإلنساين؟ وما أنواع اإلبداع؟ وما عملياته األساسية؟ وما أهم عوامله املباشرة؟ وما الفرق بني‬
‫اإلبداع واإلهلام؟ هذا ما سوف نتعرف إليه يف املباحث التالية‪:‬‬

‫املبحث األول‪ :‬مفهوم البيداغوجي ــا‬


‫تعين البيداغوجيا (‪ ،)La pédagogie‬يف دالالهتا اللغوية‪ ،‬هتذيب الطفل وأتديبه وأتطريه‬
‫وتكوينه وتربيته‪ .‬وقد تعين الذي يرافق املتعلم إىل املدرسة‪ .‬وتدل أياا على الرتبية العامة‪ ،‬أو فن‬
‫التعليم‪ ،‬أو فن التأديب‪ ،‬أو نظرية الرتبية اليت تنصب على مجيع الطرائق والتطبيقات الرتبوية اليت‬
‫متارس داخل املؤسسة التعليمية‪.‬‬

‫وقد يكون املقصود هبا أياا ذلك العلم الذي يتناول الرتبية يف أبعادها الفيزايئية والثقافية‬
‫واألخالقية‪ ،‬أو يدل على جمموعة من العلوم الرتبوية النظرية والتطبيقية‪ ،‬كعلم النفس الرتبوي‪،‬‬
‫وعلم االجتماع الرتبوي‪ ،‬وعلم التخطيط الرتبوي‪ ،‬وعلم االقتصاد الرتبوي‪ ،‬وعلم اإلحصاء‬
‫الرتبوي‪ ،‬وعلم مناهج البحث‪ ،‬والسياسة الرتبوية‪ ،‬وفلسفة الرتبية‪ ،‬والديدكتيك‪. . .‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فكلمة البيداغوجيا " إغريقية األصل‪ ،‬وكانت تدل على العبد الذي يرافق الطفل يف‬
‫تنقالته‪ ،‬وخباصة من البيت إىل املدرسة‪ .‬ولقد تطور استعمال الكلمة‪ ،‬وأصبح يدل على املريب‬
‫(‪ .)Pédagogue‬والبيداغوجيا هي مجلة األنشطة التعليمية‪ -‬التعلمية اليت تتم ممارستها من‬
‫قبل املعلمني واملتعلمني‪" .2‬‬

‫‪ - 2‬أمحد أوزي‪ :‬املعجم املوسوعي لعلوم الرتبية‪ ،‬دار النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيااء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬
‫‪2006‬م‪ ،‬ص‪.150:‬‬
‫‪7‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وأكثر من هذا فالبيداغوجيا نظرية تربوية علمية عامة‪ ،‬ذات بعد نظري وتطبيقي وتوجيهي‪ ،‬هلا‬
‫عالقة وثيقة ابملدرس واملتعلم‪ ،‬بل تنفتح على اإلدارة واألسرة واحمليط اخلارجي الذي يؤثر يف‬
‫املدرسة‪ .‬وقد تعين البيداغوجيا تلك النظرية الرتبوية اليت هتتم ابملتعلم يف خمتلف جوانبه السلوكية‬
‫والتعلمية والتثقيفية‪ ،‬وتقدم جمموعة من النظرايت اليت تسعف املتعلم يف تعلمه وتكوينه وأتطريه‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬فالبيداغوجيا متعددة االختصاصات‪ .‬كما تنفتح على علوم عدة‪ ،‬مثل‪ :‬علم النفس‪،‬‬
‫وعلم االجتماع‪ ،‬والبيولوجيا‪ ،‬والدميوغرافيا‪ ،‬واإلحصاء‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬والسياسة‪ ،‬وعلم‬
‫التخطيط‪ ،‬وعلم التوجيه‪ ،‬واللسانيات‪ ،‬والسيميوطيقا‪ ،‬وعلم التدبري‪ ،‬وعلم اإلدارة‪ ،‬وعلم اإلعالم‪.‬‬
‫‪..‬‬

‫هذا‪ ،‬وتنبين البيداغوجيا على ثالثة عناصر رئيسية هي‪ :‬املعلم‪ ،‬واملتعلم‪ ،‬واملعرفة‪ .‬أي‪ :‬إن املعلم‬
‫هو الذي ينقل املعرفة إىل املتعلم عرب املاامني واحملتوايت‪ ،‬والطرائق البيداغوجية‪ ،‬والوسائل‬
‫الديدكتيكية‪. . .‬‬

‫ويعين هذا أن مثة مرتكزات تربوية ثالثة‪ :‬املعلم‪ ،‬واملتعلم‪ ،‬واملعرفة‪ .‬فاملعلم هو الذي يقوم مبهمة‬
‫تكوين املتعلم‪ ،‬ضمن عالقة بيداغوجية‪ .‬وما يعلمه املعلم من معارف وأفكار وحمتوايت وماامني‬
‫وخربات وجتارب يدخل ذلك ضمن عالقة ديدكتيكية‪ .‬أما ما حيصله املتعلم من معارف‬
‫ومعلومات يدخل ضمن عالقات التعلم‪ .‬واجلامع بني املرتكزات الثالثة يسمى ابلفااء‬
‫البيداغوجي‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يتامن هذا الفااء الرتبوي ثالث عالقات أساسية هي‪ :‬العالقة‬
‫الديدكتيكية (املعلم‪ ‬التعليم‪ ‬املعرفة)‪ ،‬والعالقة البيداغوجية (املعلم‪ ‬التكوين‬
‫‪‬املتعلم)‪ ،‬وعالقة التعلم(املتعلم‪ ‬التعلم ‪‬املعرفة)‬

‫‪8‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬مفه ــوم الديدكتي ــك‬


‫إذا كانت البيداغوجيا ختصصا نظراي عاما‪ ،‬يتحكم يف العالقة اليت تكون بني املعلم واملتعلم‪ ،‬فإن‬
‫الديدكتيك (‪ )La didactique‬هو ختصص عملي تطبيقي يتعلق بتدريس مادة معينة‪ ،‬إذ‬
‫نقول‪ :‬ديدكتيك العربية‪ ،‬وديدكتيك الفرنسية‪ ،‬وديدكتيك الرايضيات‪ ،‬وديدكتيك العلوم‪. . . . .‬‬
‫ويعين هذا إذا كانت البيداغوجيا مرتبطة ابملتعلم ونظرايت التعلم‪ ،‬فإن الديدكتيك هلا حيز ضيق‪،‬‬
‫يتعلق مبجال دراسي معني‪ ،‬أو ما ميكن تسميته كذلك ابلرتبية اخلاصة‪.‬‬

‫وللتمييز بني البيداغوجيا والديدكتيك‪ ،‬فاألوىل عبارة عن نظرية عامة تعىن برتبية الطفل‪ .‬يف حني‪،‬‬
‫هتتم الثانية ابلتدريس‪ ،‬وتتخذ طابعا تطبيقيا خاصا‪.‬‬

‫وإذا كان مصطلح البيداغوجيا قد ظهر قدميا مع اليوانن‪ ،‬وكان يعين هتذيب الطفل وأتديبه‪ ،‬فإن‬
‫مصطلح الديدكتيك قد ظهر يف منتصف القرن العشرين‪ ،‬و" استخدم مبعىن فن التدريس أو فن‬
‫‪9‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫التعليم (‪ .)Art d’enseigner‬هذا هو التعريف الذي قدمه قاموس (‪ )Le Robert‬سنة‬


‫‪ 1955‬وقاموس(‪ )Le Littré‬سنة ‪ .1960‬وابتداء من هذا التاريخ‪ ،‬أصبح املصطلح لصيقا‬
‫مبيدان التدريس‪ ،‬دون ديد دقيق لوظيفته‪ .‬وهناك من منظري علوم الرتبية من اعترب هانس إبلي‬
‫(‪ )Hans Aebeli‬أول من اقرتح عام ‪ 1951‬م إطارا عمليا ملوضوع الديداكتيك‪ ،‬يف مؤلفه‬
‫(‪ ،)La didactique psychologie‬حيث نظر إىل الديداكتيك كمجال تطبيقي لنتائج‬
‫‪3‬‬
‫السيكولوجيا التكوينية‪" .‬‬

‫نعين ابلديدكتيك طريقة التدريس‪ ،‬أو ما يسمى ابلعملية التعليمية‪ -‬التعلمية‪ ،‬وجتمع هذه العملية‬
‫بني طرفني أساسني مها‪ :‬املعلم واملتعلم‪ .‬ومن مث‪ ،‬تنبين العملية الديدكتيكية على املدخالت‪،‬‬
‫والعمليات‪ ،‬واملخرجات‪ ،‬والتغذية الراجعة‪ .‬وقد تكون املدخالت أهدافا أو كفاايت أو ملكات‬
‫أو غريها من التصورات الرتبوية اجلديدة املعرتف هبا رمسيا‪ .‬وتستهدف هذه املدخالت تسطري‬
‫جمموعة من الكفاايت املزمع قيقها‪ ،‬يف شكل أهداف إجرائية سلوكية‪ ،‬قبل الدخول يف مسار‬
‫تعلمي‪ ،‬أو تنفيذ جمزوءة دراسية‪ .‬ويتم ذلك بوضع امتحان تشخيصي قبلي يف شكل وضعيات‬
‫إدماجية‪.‬‬

‫ويعين هذا أن العملية التعليمية‪ -‬التعلمية تنطلق من مدخل أساسي يتمثل يف ديد األهداف‬
‫اإلجرائية أو الكفاايت النوعية من أجل التثبت من قيقها‪ .‬لذا‪ ،‬البد أن خيتار املدرس‬
‫احملتوايت املناسبة‪ ،‬والطرائق البيداغوجية الكفيلة ابلتبليغ وتسهيل االكتساب واالستيعاب‪ .‬مث‬
‫هناك الوسائل الديدكتيكية اليت يستعني هبا املدرس لتقدمي درسه وتوضيحه بشكل جيد‪ .‬أما‬
‫املخرجات‪ ،‬فتقرتن بقياس األهداف والقدرات والكفاءات لدى املتعلم على مستوى األداء‬
‫واملمارسة واإلجناز‪ .‬ويتحقق هذا القياس عرب حمطات التقومي التشخيصي واملرحلي والنهائي‪.‬‬

‫‪ - 3‬أمحد أوزي‪ :‬املعجم املوسوعي لعلوم الرتبية‪ ،‬ص‪.140:‬‬


‫‪10‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫والميكن احلكم على اهلدف أو الكفاية إال ابلتقومي الذي قد يكون تشخيصيا أو قبليا أو تكوينيا‬
‫أو إمجاليا أو إشهاداي أو مستمرا أو إدماجيا‪ . . .‬وبعد ذلك‪ ،‬نلتجئ إىل التغذية الراجعة والدعم‬
‫واملعاجلة الداخلية واخلارجية‪.‬‬

‫ويعين هذا كله أن الديدكتيك أو الرتبية اخلاصة تعتمد على األهداف أو الكفاايت من انحية‬
‫أوىل‪ ،‬واملاامني والطرائق والوسائل الديدكتيكية من انحية اثنية‪ ،‬والتقومي والفيدابك من انحية‬
‫اثلثة‪.‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬مفه ــوم الرتبية‬


‫تعين الرتبية (‪ ،)Education‬يف دالالهتا اللغوية‪ ،‬احلفظ والعناية والرعاية والتنشئة واإلصالح‬
‫والتنمية وهتذيب الطفل وأتديبه وأتطريه وتكوينه وتربيته‪ .‬وأكثر من هذا فالرتبية هلا اتريخ طويل‪،‬‬
‫فهي " عبارة عن تراكمات من اخلربات‪ ،‬محلها الكبار‪ ،‬ونقلوها للصغار‪ ،‬وهي ابلتايل سلوكات‬
‫رضي عنها اجلماعة‪ ،‬ورضيت هبا أسلواب حلياهتا‪ ،‬وتفاعلها مع بعاها البعض‪ ،‬ومع ذلك فهي‬
‫ليست حكرا على أحد‪ ،‬وال هي مهمة إنسان دون آخر‪ ،‬فقد يقوم هبا األب‪ ،‬واألم‪ ،‬واملعلم‪،‬‬
‫والسائق‪ ،‬والبائع‪ ،‬أو أي خملوق قد أتهل لذلك‪ ،‬فعرف قيم جمتمعه‪ ،‬ونظمه‪ ،‬وتقاليده‪ ،‬كما‬
‫عرف ما يصلح ألمته وينهض هبا‪.‬‬

‫يتاح‪ ،‬مما تقدم‪ ،‬أن العملية الرتبوية عملية هامة لبين البشرية‪ ،‬وأمهيتها تكمن يف كوهنا الطريق‬
‫املنظم لنقل الرتاث‪ ،‬واستمرار بقائه لكل األمم‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫إن جذور الرتبية قدمية‪ ،‬عتيقة‪ ،‬وفروعها مستحدثة‪ ،‬متجددة‪ ،‬ومثارها مستمرة‪ ،‬طيبة‪ ،‬وهي ابلتايل‬
‫شجرة ابسقة الطول‪ ،‬جذورها يف أعماق األرض‪ ،‬وفروعها اخلاراء الندية العطرة‪ ،‬صاعدة دائمة‬
‫يف أعايل السماء‪"4 .‬‬

‫ويعين هذا أن الرتبية عملية إنسانية قدمية ظهرت مع ظهور اإلنسان الذي كان يريب نفسه على‬
‫العمل واخلالل الفاضلة وعبادة هللا وحده‪ .‬ومن انحية أخرى‪ ،‬كان يرعى أبناءه وأفراد أسرته رعاية‬
‫حسنة ومتكاملة‪.‬‬

‫عالوة على ذلك‪ ،‬فالرتبية عملية ضرورية لتنشئة األبناء وتعليمهم وأتهيلهم وتكوينهم من أجل‬
‫أن يتكيفوا مع الواقع من جهة‪ .‬ويتأقلموا مع وضعياته الصعبة واملعقدة واملركبة من جهة اثنية‪.‬‬
‫وكذلك من أجل أن يواجهوا الطبيعة بتسخريها وتغيريها والتحكم فيها‪ ،‬وكذلك من أجل‬
‫احلصول على املكانة الالئقة هبم‪ ،‬ونيل الفالح يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫إذا‪ ،‬فالرتبية " عملية ضرورية ملواجهة احلياة ومتطلباهتا‪ ،‬وتنظيم السلوكيات العامة يف اجملتمع من‬
‫أجل العيش بني اجلماعة عيشة مالئمة‪ ،‬وضرورهتا لكل من الفرد واجملتمع معا‪ ،‬أما ضرورهتا للفرد‬
‫اإلنسان‪ ،‬فتكون للمحافظة على جنسه‪ ،‬وتوجيه غرائزه‪ ،‬وتنظيم عواطفه‪ ،‬وتنمية ميوله‪ ،‬ونقل‬
‫الرتاث الثقايف إليه‪ ،‬وأمناط السلوك اليت ترضى عنها اجلماعة‪ ،‬وكل ذلك البد من اكتسابه على‬
‫مر األايم‪ ،‬ألن فرتة الطفولة اإلنسانية طويلة بطبيعتها‪ ،‬واحلياة البشرية معقدة‪ ،‬وكثرية التبديل‬
‫والتغيري‪ .‬وبنقل النمط السلوكي والرتاث لألفراد حيتفظ اجملتمع بثقافته من الاياع‪ ،‬وليس هذا‬
‫فقط‪ ،‬بل إن الرتاث عند نقله ال يكتفى ابحملافظة على الرتاث كما هو أو كما نقل من األجداد‬
‫لآلابء‪ ،‬ومكن اآلابء لألبناء‪ ،‬بل إن دور الرتبية هنا يظهر إبضافة أو حذف ما هو غري مناسب‬

‫‪ -‬إبراهيم انصر‪ :‬علم االجتماع الرتبوي‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان؛ مكتبة الرائد العلمية‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.32:‬‬
‫‪12‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫من الرتاث‪ ،‬وهلذا نقول‪ :‬إن ضرورة الرتبية لكل من اجملتمع واألفراد تظهر يف نقل الرتاث الثقايف‬
‫‪5‬‬
‫واالحتفاظ به وتنقيته من الشوائب وتعديله‪ ،‬وابلتايل استمراره وازدهاره وتطوره وبقائه‪" .‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يتاح لنا أن الرتبية عملية ضرورية يف بناء الذات واألسرة واجملتمع واألمة واإلنسانية‬
‫مجعاء‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وللرتبية وظائف عدة تتمثل يف هتذيب اإلنسان ورعايته والعناية به‪ ،‬وتكوينه وأتهيله مهاراي‬
‫وتربواي وعمليا‪ ،‬وتنميته معرفيا ووجدانيا وحسيا وحركيا‪ .‬ومن وظائفها األخرى" نقل األمناط‬
‫السلوكية للفرد من اجملتمع؛ ونقل الرتاث الثقايف من األجيال السابقة لألجيال الالحقة؛ وتعديل‬
‫الرتاث الثقايف‪ ،‬وتغيري مكوانته إبضافة ما يفيد وحذف ما اليفيد؛ واكتساب الفرد خربات‬
‫اجتماعية انبعة من قيم ومعتقدات ونظم وعادات وتقاليد وسلوك اجلماعة اليت يعيش بينها؛‬
‫‪6‬‬
‫وتنوير الفرد ابملعلومات احلديثة اليت تغزو احلياة اليومية يف اجملتمع‪" .‬‬

‫ويعين هذا أن الرتبية هتدف إىل بناء اإلنسان بناء متكامال‪ ،‬والسمو به معرفيا وعاطفيا ومهاراي‪،‬‬
‫وتطهريه أخالقيا‪ ،‬ومساعدته على احلفاظ على قيم األجداد‪ ،‬ونقل قيمهم وعاداهتم وثقافتهم‬
‫وتراثهم من جيل إىل آخر‪ ،‬يف إطار ما يسمى ابلتطبيع االجتماعي‪ .‬وتقوم الرتبية بوظيفة التنشئة‬
‫االجتماعية‪ .‬عالوة على وظيفة احملافظة على اجملتمع أو تغيريه جزئيا أو كليا‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تستند الرتبية إىل جمموعة من األسس الفلسفية والتارخيية والنفسية والبيداغوجية‬
‫والديدكتيكية واالقتصادية والدينية والثقافية واالجتماعية‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فللرتبية عالقة ابلفلسفة مادامت هتدف إىل تنوير اإلنسان وتكوينه عقليا وذهنيا‬
‫الستخدام عقله لتأمل الكون‪ ،‬و صيل احلقائق‪ ،‬ومتثل القيم الصادقة‪.‬‬

‫‪ - 5‬إبراهيم انصر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.37-36:‬‬


‫‪ - 6‬إبراهيم انصر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.37:‬‬
‫‪13‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وميكن احلديث عن ثالثة اجتاهات فلسفية يف جمال الرتبية‪ ،‬كاالجتاه التسلطي التقليدي الذي‬
‫كان يركز على املدرس ابعتباره سيد املعرفة؛ واالجتاه التقدمي الدميقراطي الذي يعرتف مبكانة‬
‫املتعلم يف إطار مقاربة تشاركية جتمع بني املدرس واملتعلم؛ واالجتاه التحرري الطبيعي الذي ميثله‬
‫روسو وكارل روجرز‪ .‬وينبين هذا التصور على رير املتعلم‪ ،‬ومساعدته على التعلم من الطبيعة‪،‬‬
‫ويبقى املدرس مستشارا أو موجها إذا طلب منه ذلك‪.‬‬

‫يف حني‪ ،‬يتمثل األساس التارخيي يف ربط املاضي ابحلاضر‪ ،‬حيث تعرفنا الرتبية مباضي األجداد‬
‫واآلابء‪ ،‬واستجالء مظاهر القوة والاعف يف هذا التاريخ‪ ،‬ودراسته بشكل جيد من أجل‬
‫االعتبار به متثال واقتداء وتطبيقا‪.‬‬

‫والميكن احلديث عن الرتبية إال إذا ربطناها بعلم النفس؛ ألن الرتبية تتعامل مع األطفال‬
‫واملراهقني‪ .‬وهنا‪ ،‬البد من معرفة مشاعرهم ورغباهتم وميوهلم‪ ،‬وتفهم حاجياهتم ومشاكلهم‪ ،‬وإجياد‬
‫احللول املناسبة لعالجهم شعوراي والشعوراي‪.‬‬

‫كما للرتبية عالقة ابألساس االجتماعي؛ ألن الرتبية تشمل مجيع مؤسسات اجملتمع من األسرة‪،‬‬
‫والشارع‪ ،‬وروض األطفال‪ ،‬واملدرسة‪ ،‬واإلعدادية‪ ،‬والثانوية‪ ،‬واجلامعة‪ ،‬والنقابة‪ ،‬واحلزب‪. . .‬‬
‫فالرتبية حاضرة يف كل هذه احلقول واجملاالت وامليادين‪ .‬واهلدف منها هو تكوين مواطن صاحل‬
‫لنفسه وأسرته ووطنه وأمته‪.‬‬

‫وتستند الرتبية أياا إىل أسس ثقافية‪ ،‬إذ ينتقل اإلنسان من كائن بيولوجي إىل كائن ثقايف‬
‫بواسطة الرتبية والتعليم‪ ،‬ابكتساب جمموعة من املهارات الكفائية‪ ،‬ومتلك التقنيات اليت تساعده‬
‫على تطوير قدراته وابتكاراته ومؤهالته‪ ،‬وخلق ثقافته اخلاصة به‪ .‬و" الصلة هنا بني الثقافة‬
‫والرتبية كبرية جدا‪ ،‬إذ إن مادة الرتبية هي الثقافة والرتاث الثقايف املرتاكم على مر األجيال‪،‬‬
‫ومادامت الرتبية عملية تكيف مع اجملتمع احمليط الذي يعيش بطريقة معينة انبعة من تراثه الذي‬

‫‪14‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫أحبه‪ ،‬وتوارثه وأراد أن ينقله ويستمر يف ممارسته وهو ابلتايل ثقافته فإن ذلك يعين أن أساس‬
‫الرتبية هو الثقافة‪ ،‬وموضوعها األساسي الذي تبىن عليه كل املواضيع األخرى هو الثقافة‪ ،‬ثقافة‬
‫‪7‬‬
‫اجملتمع احمليط‪ .‬وأي صلة أكثر من هذا؟"‪.‬‬

‫كما تسعفنا الرتبية ‪ -‬دينيا‪ -‬يف اختيار املعبود األوحد‪ ،‬ونبذ عبادة األصنام واألواثن والتماثيل‪،‬‬
‫وتوحيد هللا‪ ،‬ومتثل القيم الدينية‪ ،‬والتعرف إىل أوامر هللا ونواهيه‪ .‬لذلك‪ ،‬تقوم الرتبية بدور هام يف‬
‫هتذيب األبناء قيميا‪ ،‬وتنشئتهم دينيا وأخالقيا؛ إذ تعرفهم ابلعقيدة الصحيحة‪ ،‬وتقرهبم إىل‬
‫خالقهم األوحد واألكمل واألعظم واألجل‪ ،‬وتنورهم بدورهم احلقيقي يف احلياة العاجلة بغية‬
‫الظفر ابآلجلة‪.‬‬

‫أما عالقة الرتبية ابالقتصاد‪ ،‬فالرتبية عملية اقتصادية ابمتياز‪ .‬إذ يتحسن مستوى معيشة اإلنسان‬
‫ابلرتبية والتعليم‪ .‬وحيصل على مكاسب وامتيازات مادية ومعنوية عن طريق الرتبية والتعليم‪ ،‬ومتلك‬
‫الشهادات‪.‬‬

‫إذا‪ ،‬فالعالقة بني االقتصاد والرتبية " عالقة وثيقة‪ ،‬فمستوى املعيشة يرتبط ابملستوايت الثقافية‬
‫والعلمية اليت يصل إليها أفراد اجملتمع‪ ،‬فوجود أعداد كبرية من األميني يؤدي إىل التخلف‪ ،‬وكلما‬
‫ارتفع املستوى االقتصادي وزاد الدخل القومي كلما ازداد التعليم وزاد عدد الطالبني للعلم‪.‬‬

‫وتتاح صلة الرتبية ابألسس االقتصادية فيما لو نظران إىل الرتبية كقوة ضاغطة يف يد طبقة‬
‫اجتماعية مسيطرة تتحكم بوسائل اإلنتاج وتنمية املهارات والقدرات لدى الفئات املتعلمة‪،‬‬
‫فالتعليم يزيد من القدرة على االبتكار‪ ،‬ويسهم يف سني السلوك‪ ،‬ويطور يف اإلنتاج‪.‬‬

‫‪ - 7‬إبراهيم انصر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.45-44:‬‬


‫‪15‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫أما عن أتثري الرتبية يف النمو االقتصادي‪ ،‬فيتاح بقوة رأس املال املادي وأتثريه وارتباطه بقدرات‬
‫األفراد ومهاراهتم‪ ،‬وملا كان التعليم هو السبيل إىل تكوين املهارات والقدرات عند األفراد‪ ،‬فإنه‬
‫يعترب األساس يف التقدم االجتماعي واالقتصادي ويف أحداث التنمية‪. . .‬‬

‫إن الرتبية عملية اقتصادية ألهنا تعد كل فرد ليقوم أبداء مهنة معينة تكون مصدرا لدخله‪ ،‬وكلما‬
‫تعلم املهارات الالزمة ملهنته وأتقنها‪ ،‬زاد دخله‪ ،‬ويف الوقت نفسه‪ ،‬كلما أتقن األفراد مهنهم على‬
‫اختالف أنواعها‪ ،‬أدى ذلك إىل زايدة دخل الفرد‪ .‬وابلتايل زاد دخل اجملتمع"‪.8‬‬

‫وللرتبية عالقة وطيدة ابلسياسية‪ ،‬فكل عنصر يتأثر ابآلخر‪ .‬مبعىن أن املدرسة تعبري عن صراعات‬
‫طبقية واجتماعية‪ ،‬وتعبري عن صراعات سياسية ونقابية وإيديولوجية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فثمة‬
‫أنظمة سياسية جتعل من الرتبية وسيلة للحفاظ على العادات والتقاليد والقيم اليت يدافع عنها‬
‫النظام السياسي‪ ،‬كما يف الدول االشرتاكية واألنظمة الديكتاتورية(النازية والفاشية)‪ .‬وهناك أنظمة‬
‫تريد أن جتعل من الرتبية أداة للتغيري‪ ،‬ووسيلة انجعة للقااء على األمية بكل أنواعها (األلفبائية‪،‬‬
‫والوظيفية‪ ،‬واإلعالمية)‪ ،‬مع تطوير اجملتمع كما يف الدول الدميقراطية‪.‬‬

‫أما فيما خيص األسس البيداغوجية والديدكتيكية‪ ،‬فللرتبية عالقة وثيقة ابملدرس واملتعلم‪ ،‬بل‬
‫تنفتح على اإلدارة واألسرة واحمليط اخلارجي الذي يؤثر يف املدرسة‪ .‬وقد تعين الرتبية جمموعة من‬
‫الطرائق والتصرفات واخلربات والتجارب اليت هتدف إىل تنشئة املتعلم يف خمتلف جوانبه السلوكية‬
‫والتعلمية والتثقيفية‪. . .‬‬

‫وبناء على ماسبق‪ ،‬فالرتبية فعل تربوي وهتذييب وأخالقي‪ ،‬هتدف إىل تنشئة املتعلم تنشئة‬
‫اجتماعية صحيحة وسليمة‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬تساهم الرتبية يف احلفاظ على قيم اجملتمع وعاداته‬
‫وتقاليده‪ ،‬وتسعى جادة لتكوين املواطن الصاحل‪ .‬وكذلك تسعى إىل تغيري اجملتمع ابلتدريج‪،‬‬

‫‪ -8‬إبراهيم انصر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.42:‬‬


‫‪16‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫والدفع به حنو طريق التقدم واالزدهار‪ ،‬بتحقيق الدميقراطية التشاركية‪ ،‬والعدالة االجتماعية‪،‬‬
‫واملساواة املثلى‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فالرتبية هي اليت تنشئ اجملتمع نشأة أخالقية‪ ،‬وترفع مكانته‬
‫وشأنه ومستواه التنموي‪ ،‬وتوصله إىل مصاف الدول املتقدمة واملزدهرة‪ .‬وتسعى الرتبية جادة إىل‬
‫إدماج الفرد يف اجملتمع تكيفا وأتقلما وتصاحلا وتغيريا‪ ،‬كما تسعى إىل" اإلمناء الكامل لشخصية‬
‫اإلنسان‪ ،‬وتعزيز حقوق اإلنسان واحلرايت األساسية‪ .‬يعين تكوين أفراد قادرين على االستقالل‬
‫الفكري واألخالقي‪ ،‬وحيرتمون هذا االستقالل لدى اآلخرين‪ ،‬طبقا لقاعدة التعامل ابملثل اليت‬
‫‪9‬‬
‫جتعل هذا االستقالل مشروعا ابلنسبة إليهم‪" .‬‬

‫وعلى العموم‪ ،‬فالرتبية هي وسيلة لتحقيق اإلبداع واالبتكار‪ ،‬وطريقة يف االستكشاف والتأويل‬
‫والبحث ودمقرطة اجملتمع‪ ،‬وترتكز على احلرية‪ ،‬واملبادرة الفردية‪ ،‬وسيادة النقاش اهلادف‪ ،‬ومتثل‬
‫النقد البناء واحلوار السليم من أجل بناء جمتمع متقدم واع‪ ،‬يساهم يف خلق احلداثة وبنائها‪،‬‬
‫وإثراء العوملة مبا لديه من طاقات منتجة‪ ،‬واخرتاعات ومكتشفات‪ ،‬ومستجدات نظرية وتقنية‬
‫وعلمية ومعلوماتية‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬يقول حممد لبيب النجيحي‪ ":‬وملا كان هدف الرتبية‬
‫األساسي هو تنمية التفكري واستغالل الذكاء‪ ،‬فمعىن هذا أن الرتبية تعمل من أجل احلرية‬
‫اإلنسانية‪ .‬فالتأكيد على منو الطفل إمنا هو أتكيد على رير قدراته العقلية من قيودها‪ ،‬وإاتحة‬
‫الفرصة هلا لالنطالق حىت تستطيع أن تستخدم بطريقة فعالة إمكانيات البيئة اليت يعيش فيها‪.‬‬
‫ويصبح اجملتمع احلر هو اجملتمع الذي يشرتك أفراده أياا يف تطويره وتوجيه التغيري االجتماعي‬
‫احلادث له‪.‬‬

‫وعندما يتمتع أفراد اجملتمع ابحلرية‪ ،‬فتكون الرتبية بذلك قد أسهمت يف بناء جمتمع مفتوح‪ .‬ونعين‬
‫ابجملتمع املفتوح اجملتمع الذي يسعى عن قصد وتصميم يف سبيل تطوره‪ ،‬وال يعمل فقط على‬

‫‪ -‬جان بياجي‪ :‬التوجهات اجلديدة للرتبية‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد احلبيب بلكوش‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيااء‪،‬‬ ‫‪9‬‬

‫املغر ب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‪1998‬م‪ ،‬ص‪.52:‬‬


‫‪17‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫احملافظة على الوضع الراهن‪ .‬وهذا اجملتمع هو جمتمع قد نظم تنظيما يدخل يف اعتباره حقيقة‬
‫التغيري يف األمور اإلنسانية‪ .‬وهو جمتمع يقبل التغري على أنه وسيلة للقااء على الفساد‬
‫واالحنالل‪ ،‬وأن الذكاء اإلنساين واجملهود التعاوين من مجيع أفراد اجملتمع تؤدي مجيعا إىل منو‬
‫‪10‬‬
‫اإلنسانية وتقدمها‪" .‬‬

‫وينااف إىل ذلك أن الرتبية قق جمموعة من الوظائف اجلوهرية‪ ،‬كالتعليم‪ ،‬والتثقيف‪ ،‬والتطهري‪،‬‬
‫والتهذيب‪ ،‬والتنوير‪ ،‬و رير الفكر من قيود األسطورة واخلرافة والشعوذة‪ ،‬والسمو ابإلنسان حنو‬
‫آفاق إجيابية ومثالية‪.‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬اإلبــداع عند اإلنسان واحليوان‬


‫من املعروف أن اإلبداع غري مقتصر على اإلنسان فقط‪ ،‬بل يتعدى ذلك إىل احليوان الذي يبدع‬
‫أياا من أجل التكيف مع الطبيعة‪ ،‬ومواجهة الظروف الصعبة‪ ،‬فالطائر يبين عشه ليحتمي به‪،‬‬
‫والنحلة تصنع خليتها لتاع فيها عسلها‪ ،‬والفأر حيفر جحره ليعيش فيه‪ .‬ويعين هذا أن احليوان‬
‫كائن حي مبدع ومتقن (النمل مثال)‪ ،‬إال أن إبداعه طبيعي صرف‪ ،‬وغريزي اثبت‪ ،‬تنقصه‬
‫األهداف الواعية‪ ،‬وحيتاج إىل اللغة التواصلية األساسية‪ ،‬ويفتقد الوسائل الناجعة لتحقيق ذلك‬
‫بشكل مستمر ومتجدد ختطيطا وتدبريا وتقوميا‪.‬‬

‫أي‪ :‬يعيش احليوان يف نطاق زماين ومكاين حمدود وضيق‪ ،‬ويعتمد على حواسه املباشرة اللتقاط‬
‫مجلة من الصور املدركة ماداي وحسيا‪ .‬يف حني‪ ،‬يتميز اإلنسان بقدرة فائقة وخارقة على التخييل‪،‬‬
‫وتوظيف ذاكرته يف اسرتجاع األحداث املاضية‪ ،‬واستقبال أحداث استشرافية واقعية أو خيالية‪.‬‬
‫وميكن لإلنسان أن خيرتق واقعه املادي احلايل بتوظيف ملكة اخليال‪ ،‬إبعادة الصور القدمية‬

‫‪ - 10‬حممد لبيب النجيحي‪ :‬مقدمة يف فلسفة الرتبية‪ ،‬دار النهاة العريب للطباعة والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل سنة‪1992‬م‪ ،‬ص‪.240:‬‬
‫‪18‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫والتليدة‪ .‬ويف الوقت نفسه‪ ،‬ينشىء صورا جديدة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬ميكن احلديث عن نوعني من‬
‫التخيل‪ :‬ختيل متثيلي واسرتجاعي يقوم على اسرتجاع صور قدمية من حياة اإلنسان املاضية عرب‬
‫التذكر واإلعادة واحلفظ والتمثل‪ .‬وهناك التخيل املبدع أو اإلبداعي‪ ،‬ويقوم على خلق صور‬
‫طريفة‪ ،‬وبناء مدركات بدالالت ووظائف جديدة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالتخيل اإلبداعي هو رر من‬
‫الواقع احلايل‪ ،‬وخروج عن إسار الزمان واملكان‪ ،‬واالنزايح عن مواضعات القوانني واألعراف‬
‫السائدة والكائنة يف واقعنا امللموس‪ ،‬وختطي الواقع حنو عوامل ختييلية ممكنة‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬قد يكون التخيل عاداي ومنحطا وابهتا أساسه الصور غري املنتظمة‪،‬‬
‫واالسرتسال العفوي والومهي‪ ،‬وامليل حنو االنعكاس غري الواقعي‪ ،‬كما يف اهلذايانت واهللوسات‬
‫واألوهام واألمراض النفسية غري الواعية‪ .‬انهيك عن أحالم املنام واليقظة والتخيالت الطفولية‬
‫واخلرافية‪.‬‬

‫وقد يكون ختيال أتمليا عاليا‪ ،‬يصاحبه نوع من اجلهد واملمارسة واإليغال يف التخييل‪ ،‬بتجاوز‬
‫الذات والواقع معا حنو العوامل التخييلية املمكنة‪ ،‬كما حيدث ذلك يف األدب‪ ،‬والعلم‪ ،‬والفلسفة‪،‬‬
‫والتقنية‪. . .‬‬

‫يف حني‪ ،‬يتميز اإلنسان ابإلبداع واخللق واالبتكار واالكتشاف‪ .‬فاإلنسان قادر على توليد مجل‬
‫ونصوص المتناهية العدد من خالل قواعد حمدودة‪ .‬ومن مث‪ ،‬يتميز إبداعه ابلتجديد والتحول‬
‫والتعدد والتنوع والتغري‪ ،‬وال يبقى على حالة واحدة‪ ،‬بل يستمر هذا اإلبداع حسب جتدد‬
‫الظروف والسياقات والوضعيات واحلاجيات والارورات‪ .‬وميكن القول‪ :‬إن اإلبداع اإلنساين‬
‫مرتبط ابحلاجة أو الارورة أو الشدة أو الندرة‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وأكثر من هذا فاإلنسان كائن ختييلي‪ ،‬يستطيع خبياله أن يبدع وينتج وخيلق األفكار واألشياء‪.‬‬
‫أي‪ :‬إن التخييل أساس اإلبداع واالبتكار‪ .‬ويستطيع بعقله وذكائه وخياله أن حيول أفكاره إىل‬
‫سلوكيات إبداعية‪ :‬أدبية‪ ،‬وفنية‪ ،‬وتقنية‪ ،‬وعلمية‪ ،‬وفلسفية‪. . .‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فاإلنسان هو الكائن الوحيد الذي يتسم ابلقدرة اإلبداعية‪ ،‬والقدرة اخلارقة اهلائلة على‬
‫ابتكار أفكار طريفة‪ ،‬وخلق صور جديدة‪ ،‬وإنتاج أشياء غري معروفة‪ ،‬أو اكتشاف أدوات‬
‫وتقنيات حديثة‪ .‬ويستطيع هذا اإلنسان املبدع أن خيلق جمموعة من العوامل املمكنة االفرتاضية‬
‫املوازية لعاملنا الواقعي احلقيقي‪ .‬مبعىن أن اإلنسان هو الكائن الوحيد القادر على خلق العوامل‬
‫املمكنة؛ تلك العوامل الذهنية واخليالية واجملردة اليت يتصورها املبدع أثناء الكتابة‪ ،‬وجتعله يسبح يف‬
‫آفاق خيالية متنوعة‪ ،‬ابالنتقال من عامل إىل آخر‪ ،‬بسرد جمموعة من التجارب الذاتية واملوضوعية‬
‫اليت عاشها ‪ -‬فعال‪ -‬يف الواقع‪ ،‬أو ميكن أن تتحقق يف العوامل األخرى‪.‬‬

‫وهبذا‪ ،‬ينتقل املبدع من العامل الواقعي إىل عامل التخييل والفن واإلبداع خرقا وانزايحا وجتاوزا‪ .‬أي‪:‬‬
‫يتجاوز احملاكاة إىل اخللق وتغيري العامل‪ ،‬وخلق نسخ جديدة مقابلة لعاملنا احلايل‪ .‬كما يتامن‬
‫النص األديب والفين عوامله التخييلية املمكنة اخلاصة به‪ ،‬يف شكل أحداث ووقائع وشخصيات‬
‫وفااءات ممكنة توجد يف عوامل موازية‪ .‬ويقوم املتلقي بدوره خبلق عوامل خاصة به أثناء عملية‬
‫القراءة والتلذذ ابلنص وأتويله‪ ،‬وفق جتاربه اخلاصة به‪ ،‬ووفق املعايري والاوابط اليت يؤمن هبا‪.‬‬
‫وابلتايل‪ ،‬التقتصر عملية خلق األكوان املمكنة على مرحلة بناء النص فحسب‪ ،‬بل ميكن‬
‫احلديث عن عوامل مرحلة ماقبل النص‪ ،‬ومرحلة مابعد النص‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وليس العامل املمكن‪ -‬حسب نيلسون كودمان)‪ - (Nelson Goodman‬إال عاملا من‬
‫العوامل املمكنة املصنوعة من الكلمات والرموز اليت تقدم نسخة من العامل احلايل‪ .11‬ويعين هذا أن‬
‫العوامل التخييلية املمكنة هي عوامل متشاهبة أو متطابقة مع عاملنا احلقيقي‪ .‬إنه نسخة أو ترمجة‬
‫حرفية لواقعنا‪ .12‬ومن مث‪ ،‬يبىن العامل املمكن يف ضوء ثقافة األفراد واترخيهم‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فاإلبداع هو ضرورة إنسانية‪ ،‬وخلق وجتاوز للمحاكاة والتقليد والسائد‪ .‬وابلتايل‪ ،‬إذا كان‬
‫أفالطون وأرسطو يربطان اإلبداع مبحاكاة الطبيعة‪ ،‬فإن كانط (‪1724-1804 ()Kant‬م)‬
‫وهيجل (‪1770-1831()Hegel‬م) يربطانه ابخللق والتجاوز‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول هيجل‬
‫يف كتابه (املدخل إىل علم اجلمال)‪ ":‬قدمي هو املبدأ الذي ينص على وجوب حماكاة الفن‬
‫للطبيعة‪ ،‬ومن أقدم من قال به أرسطو‪ ،‬ويوم كان التفكري ما يزال يف بداايته‪ ،‬كان من املمكن‬
‫االكتفاء بفكرة مماثلة؛ وهي ما تزال تتامن على كل حال شيئا ميكن تربيره أبساليب وجيهة‪،‬‬
‫شيئا سينكشف لنا كلحظة من حلظات الفكرة‪ ،‬له مكانته يف تطورها‪ ،‬مثله مثل حلظات أخرى‬
‫كثرية‪ .‬يكمن اهلدف األساسي للفن مبوجب هذا التصور يف احملاكاة‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ ،‬يف‬
‫‪11‬‬
‫‪- N. Goodman, Of Mind and other Matters, Cambridge MA:‬‬
‫‪Harvard UP, 1984, 224 p ; N. Goodman, Faits, fictions et‬‬
‫‪prédictions(1954), tr. de l’anglais (États-Unis) par M. Abran, Paris,‬‬
‫‪Éditions de Minuit, coll. «Propositions», 1985, 136p ; N. Goodman,‬‬
‫‪Langages de l’art. Une approche de la théorie des symboles(1968), tr.‬‬
‫‪del’anglais (États-Unis) et présenté par J.Morizot, Nîmes, Éd.‬‬
‫‪Jacqueline Chambon, Coll. «Rayon Art», 1990, 312p.‬‬
‫‪12‬‬
‫‪-N. Goodman, Manières de faire des mondes(1978), tr. de‬‬
‫‪l’anglais (États-Unis) par M.-D. Popelard, Nîmes, Éd. Jacqueline‬‬
‫‪Chambon, coll. «Rayon art», 1992, p. 135-136.‬‬

‫‪21‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫االستنساخ البارع لألشياء كما هي موجودة يف الطبيعة‪ ،‬و تكون ضرورة مثل هذا التقليد الذي‬
‫يتم وفقا للطبيعة مصدرا ابلتايل للذة‪ .‬إن هذا التعريف يعزو إىل الفن هدفا شكليا خالصا‪،‬‬
‫هدف إعادة صنع ما هو موجود يف العامل اخلارجي وما هو موجود فيه‪ ،‬مرة اثنية‪ ،‬وابلوسائل‬
‫املتاحة لإلنسان‪ .‬لكن هذا التكرار قد يبدو شاغال عدمي النفع ال طائل فيه؛ إذ ما حاجتنا إىل‬
‫أن نرى من جديد يف لوحات أو على خشبة املسرح حيواانت أو مناظر أو أحدااث إنسانية سبق‬
‫لنا أن عرفناها على اعتبار أننا رأيناها أو نراها يف حدائقنا ويف بيوتنا‪ ،‬أو أننا مسعنا‪ ،‬يف أحوال‬
‫معينة‪ ،‬أشخاصا من معارفنا يتحدثون عنها؟ بل ميكننا القول إن تلك اجلهود الباطلة الالجمدية‬
‫ترتد إىل لعبة ابعثة على الغرور واإلعجاب ابلذات‪ ،‬لعبة تظل نتائجها على الدوام دون ما‬
‫تقدمه لنا الطبيعة‪ .‬ذلك أن الفن احملدود يف وسائل تعبريه‪ ،‬ال يستطيع أن ينتج سوى أوهام‬
‫أحادية اجلانب‪ ،‬وال ميكنه أن يقدم سوى ظاهر الواقع لواحدة فحسب من حواسنا؛ وابلفعل‪،‬‬
‫حني ال يتخطى الفن احملاكاة اخلالصة يعجز عن اإلحياء لنا بواقع حي أو حبياة واقعية‪ :‬فكل ما‬
‫يف وسعه أن يعرضه علينا ال يعدو أن يكون صورة كاريكاتورية للحياة …من قبيل ذلك أن‬
‫زوكسيس كان يرسم عنبا له ظاهر جد طبيعي حبيث كان احلمام خيدع به وأييت إليه لينقره‪ ،‬كما‬
‫رسم بركسياس ستارة خدعت إنساان‪ ،‬هو الرسام عينه؛ وما أكثر القصص املتداولة عن خداع‬
‫الفن‪ ،‬يتحدث املتحدثون‪ ،‬يف أشباه هذه احلاالت‪ ،‬عن ظفر للفن وانتصار …‬

‫و ميكن القول‪ ،‬بصورة عامة‪ ،‬إن الفن بتطلعه إىل منافسة الطبيعة مبحاكاهتا‪ ،‬سيبقى أبد الدهر‬
‫دون مستوى الطبيعة‪ ،‬وسيكون أشبه بدودة جتهد وتكد لتااهي فيال‪ .‬مثة أانس يعرفون كيف‬
‫حياكون زغردة العندليب‪ ،‬وقد قال كانط هبذا الصدد أننا ما إن ندرك أن إنساان هو الذي يغرد‬
‫على ذلك النحو‪ ،‬وليس العندليب‪ ،‬حىت جند ذلك التغريد غثا عدمي املعىن‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫فنحن نرى فيه جمرد تصنع وتكلف‪ ،‬ال إنتاجا حرا من قبل الطبيعة أو عمال فنيا‪ .‬إن تغريد‬
‫العندليب يبهجنا بصورة طبيعية‪ ،‬ألننا نسمع حيواان يصدر‪ ،‬يف الوعيه الطبيعي أصواات تشبه‬
‫التعبري عن مشاعر إنسانية‪.‬‬

‫ما يبهجنا إذا هنا إمنا هو حماكاة الطبيعة ملا هو إنساين‪"13 .‬‬

‫وعليه‪ ،‬يساعد اإلبداع اإلنسان على التالؤم مع الواقع املوضوعي‪ ،‬والتخلص من راتبة احلياة‬
‫ومجود العادة وتكرارها‪ ،‬وبناء ذاته من جديد‪ ،‬وابستمرار دائم‪ ،‬والتفكري يف نفسه ومصريه‬
‫ومستقبله‪ ،‬بتجاوز الواقع الكائن حنو الواقع املمكن‪ ،‬بعوامله التخييلية الرحبة‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬جيب أن منيز بني اإلبداع اإلنساين واإلبداع اإلهلي‪ .‬فاإلبداع اإلنساين هو‬
‫إبداع نسيب يف مجيع فعاليات السلوك‪ ،‬وحمدود بطاقات اإلنسان احملدودة أياا‪ .‬أي‪ :‬الميكن‬
‫لإلنسان أن يتخطى بعض احلواجز على مستوى اإلدراك من حيث الزمان واملكان‪ .‬وابلتايل‪،‬‬
‫الميكن له أن يدرك عوامل الغيب‪ ،‬ويعتمد‪ ،‬يف ذلك‪ ،‬على مناذج معينة حياكيها ويقلدها أو‬
‫يتجاوزها خلقا وإبداعا‪ .‬يف حني‪ ،‬يتميز اإلبداع اإلهلي ابلكمال املطلق ألنه خلق من عدم‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فاإلبداع‪ ،‬يف املنظور السيكولوجي‪ ،‬هو القدرة على إجياد حلول جديدة لوضعيات أو‬
‫مشكالت مطروحة‪ ،‬ابخرتاع أشياء طريفة وحديثة‪ ،‬أو اكتشاف عالقات جديدة بني األشياء‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬تتجسد قدرة اإلبداع يف االخرتاع واالكتشاف معا‪ .‬فاالخرتاع هو إجياد شيء ما مل‬
‫يكن موجودا‪ .‬أي‪ :‬إنشاء شيء جديد‪ .‬أما االكتشاف‪ ،‬فهو إجياد شيء خفي أو جمهول كان‬
‫موجودا‪ .‬ويف احلقيقة‪ ،‬كل اخرتاع هو اكتشاف‪ ،‬وكل اكتشاف هو اخرتاع‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فاإلبداع‬
‫هو اكتشاف أشياء خفية أو جمهولة غري معروفة لدى الناس‪ ،‬إبجيادها من جديد عن طريق‬

‫‪- 13‬هيجل‪:‬مدخل إىل علم اجلمال‪ ،‬فكرة اجلمال‪ ،‬ترمجة‪ :‬جورج طرابيشي‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة سنة‪1988‬م‪ ،‬صص‪.40-36:‬‬
‫‪23‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫البحث واالستكشاف والتنقيب‪ ،‬كالبحث عن اآلاثر التارخيية‪ .‬واإلبداع أياا هو اخرتاع ألشياء‬
‫وعالقات طريفة وجديدة مل تكن معروفة لدى اإلنسان سابقا‪.‬‬

‫وميكن كذلك احلديث عن إبداع حمافظ وإبداع أصيل‪ .‬فاإلبداع احملافظ هو إبداع قائم على‬
‫احملاكاة والنقل واإلعادة والتقليد واالجرتار‪ ،‬واحملافظة على القواعد املعيارية املألوفة‪ .‬ومن مث‪ ،‬فهو‬
‫رهني أفكار قدمية ابلية‪ ،‬يف شكل متسك أعمى مبجموعة من القواعد املستهلكة‪ .‬كما أنه‬
‫خاضع ملؤثرات ماضية‪ ،‬ومتسك بصيغ أصولية اثبتة وساكنة وجاهزة‪ ،‬واستسالم لفكر تواكلي‬
‫سليب عاطل‪ .‬أما اإلبداع األصيل‪ ،‬فهو إبداع دينامكي متحول ومتغري ومتجدد‪ ،‬ينزاح عن‬
‫القواعد املعيارية السائدة‪ ،‬وهو اكتشاف واخرتاع‪ ،‬و رر من قيود املاضي‪ ،‬واستشراف للمستقبل‪.‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬مراحل اإلبداع وعوامل ــه‬


‫ينبين اإلبداع‪ ،‬سيكولوجيا‪ ،‬على احلدس‪ ،‬والتخيل‪ ،‬واإلهلام‪ ،‬والتفكري‪ ،‬والتأمل‪ ،‬والتخييل‪،‬‬
‫والذكاء‪ ،‬والتذكر‪ ،‬واالسرتجاع‪ ،‬واإلدراك اخلارق‪. . .‬‬

‫ولإلبداع جمموعة من املراحل والعوامل‪ ،‬ويتميز كذلك عن اإلهلام‪ ،‬وسنوضح ذلك كله يف هذه‬
‫املطالب التالية‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬مراحل العملية اإلبداعية‬

‫جتتاز العملية اإلبداعية أربع مراحل أساسية متداخلة ومتقاطعة من أجل إجياد حل ملشكلة ما‪،‬‬
‫وميكن حصر هذه املراحل فيما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬مرحلة اإلعداد والتحضري‪ :‬يبدأ اإلبداع بطرح املشكلة املعقدة‪ ،‬أو ديد الوضعية الصعبة‬
‫اليت يواجهها املبدع بغية تقدمي احللول املمكنة‪ .‬ولن يتحقق ذلك إال ابلتفكري املاين‪ ،‬وبذل‬

‫‪24‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫اجلهد الكبري‪ ،‬والتحاري اجليد‪ ،‬والتنقيب اجلاد يف املشكلة أو القاية املطروحة‪ ،‬وإعداد مجيع‬
‫األدوات أو اخلطوات الالزمة ملعاجلة املشكلة؛‬

‫‪‬مرحلة الكمون واالختمار‪ :‬هي مرحلة وسطية مهمة قبل مرحلة اإلبداع واإلنتاج‬
‫واالكتشاف واالخرتاع‪ .‬وتعين هذه املرحلة أن املبدع قد يصاب إبرهاق نفسي أو جسدي‪ ،‬وقد‬
‫يصيبه اإلعياء أو الفتور أو ختيل الشعوري مفاجئ يزعجه ويقلقه ويربكه فكراي وذهنيا ووجدانيا‬
‫وحركيا‪ .‬ومن مث‪ ،‬يلتجئ هذا املبدع إىل راحة نفسية وبدنية عبارة عن حلظة للتأمل‪ ،‬وإعادة‬
‫التفكري يف املشكلة بشكل جيد‪ ،‬وترو يف ليل املشكلة ومعاجلتها حىت تستوي على النار‬
‫اهلادئة‪ ،‬أو حىت ختتمر بعد مرحلة الكمون؛‬

‫‪‬مرحلة اإلهلام‪ :‬يف هذه املرحلة ابلذات‪ ،‬تنكشف الرؤاي‪ ،‬ويظهر األمل‪ ،‬ويشرق احلل‪،‬‬
‫وتنتعش النفس املبدعة‪ ،‬ويظهر احلل جليا ساطعا أمام عيين املبدع‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تبدأ مرحلة اإلبداع‬
‫ابكتشاف املخفي أو اجملهول‪ ،‬واخرتاع اجلديد أو الطريف‪ .‬وقد يكون ذلك اإلهلام عفواي‬
‫ومفاجئا‪ ،‬أو قد يكون نتاج أتمل طويل‪ ،‬أو نتيجة خلوة أو نزهة أو إشراقة أمل أو حلم أو يقظة‬
‫أو صدفة سعيدة‪ ،‬كما حدث لنيوتن(‪1727-1643( )Newton‬م) الذي اكتشف‬
‫حدث‬ ‫كما‬ ‫أو‬ ‫رأسه‪،‬‬ ‫على‬ ‫التفاحة‬ ‫سقوط‬ ‫بسبب‬ ‫اجلاذبية‬
‫ألرمخيديس(‪212-287()Archimède‬ق‪ .‬م) الذي وجد احلل العلمي الصحيح للتمييز‬
‫بني الذهب الصحيح واملزيف؛‬

‫‪ ‬مرحلة التحقيق‪ :‬هي مرحلة التأكد والتثبت من ذلك احلل علميا وتقنيا وإبداعيا‪ ،‬إبجراء‬
‫التجارب والفحوص الدقيقة؛ ألن مرحلة اإلهلام غري كافية يف الشروع يف العمل‪ ،‬فالبد من‬

‫‪25‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫التحقق من الفرضيات‪ ،‬و ويلها إىل أسئلة وإشكاليات‪ ،‬وتكرار التجربة مرات عديدة بغية‬
‫الوصول إىل القوانني والنظرايت اجملردة بغية تعميمها كليا وكونيا‪.14‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬ع ــوامل اإلبـ ــداع‬

‫مثة جمموعة من العوامل اليت تتحكم يف العملية اإلبداعية اليت ميكن اختزاهلا يف العوامل التالية‪:‬‬

‫‪ ‬العامل البيولوجي‪ :‬ترى جمموعة من النظرايت البيولوجية أن األعراق والسالالت الوراثية‬


‫تكون السبب يف رقي األفراد والشعوب‪ ،‬وتكون سببا يف مسوهم إبداعا ومدنية حاارة وتقدما‬
‫وازدهارا‪ .‬وقد عد العرق اجلرماين أفال األعراق مقارنة ابألعراق األخرى‪ ،‬نظرا جملموعة من‬
‫املواصفات الفسيولوجية واإلثنية والوراثية واجلسدية اليت تدل على العبقرية والذكاء وسرعة البديهة‬
‫والفطنة‪ .‬فقد أجنبت أسرة املوسيقي ابخ (‪1750-1685( )Bach‬م) ‪ -‬مثال‪ -‬سبع‬
‫ومخسني(‪ )57‬موسيقيا‪.‬‬

‫بيد أن هذا التصور غري صحيح دائما‪ ،‬فثمة عباقرة مل يصلوا إىل مصاف املبدعني إال عن طريق‬
‫الرتبية ورقي الوسط األسري والتعليم والتثقيف واالحتكاك ابملبدعني‪ ،‬فقد كان الرسام الفرنسي‬
‫بول غوغان (‪1848-1903( )Paul Gaugin‬م) جمرد صراف بنكي‪ ،‬ومل يصر مبدعا‬
‫متميزا إال بعد احتكاكه ابملبدعني التشكيليني‪ ،‬وابلابط يف اخلامسة والثالثني من عمره؛‬

‫‪ ‬العامل االجتماعي‪ :‬يعين هذا أن اإلبداع مرتبط ابلوسط اجملتمعي‪ ،‬كما يثبت ذلك إميل‬
‫دوركامي(‪1917-1858()Durkheim‬م)‪ ،‬فالميكن لإلنسان أن يبدع إال يف ضوء تقدم‬
‫اجملتمع ورقيه وازدهاره‪ .‬ومن مث‪ ،‬فاإلبداع هو نتاج الوسط االجتماعي‪ ،‬يعرب عن حاجيات اجملتمع‬
‫ورغباته ومنافعه‪ ،‬ويعكس درجة منو ذلك اجملتمع وتطوره‪.‬‬

‫‪ - 14‬انظر‪ :‬مصطفى سويف‪ :‬األسس النفسية لإلبداع الفين‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬
‫‪1951‬م‬
‫‪26‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وأكثر من هذا فاإلبداع يعكس اجملتمع الذي يعيش فيه املبدع سياسيا واجتماعيا واقتصاداي‬
‫وثقافيا ودينيا وحااراي‪ .‬ويرى كارل ماركس(‪1818-1883( )K. Marx‬م) أن اإلبداع هو‬
‫نتاج الظروف االقتصادية والتارخيية للمجتمع البورجوازي الرأمسايل‪ .‬واليعين هذا أن العامل‬
‫االجتماعي هو الوحيد‪ ،‬بل البد من التكامل مع العوامل األخرى‪ :‬النفسية‪ ،‬والتارخيية‪ ،‬والوراثية‪،‬‬
‫والثقافية‪ ،‬واالقتصادية‪ . . .‬إخل‪.‬‬

‫‪ ‬العامل السيكولوجي‪ :‬يقوم العامل السيكولوجي بدور هام يف تكوين املبدع‪ ،‬ابلرجوع إىل‬
‫أغوار احلياة النفسية للمبدع شعوراي والشعوراي‪ .‬أي‪ :‬تسهم الدوافع والرغبات اإلرادية وغري‬
‫اإلرادية يف فيز املرء على اإلبداع‪ ،‬ومواصلة اإلنتاج واخللق واالكتشاف واالخرتاع‪ .‬ومن مث‪،‬‬
‫فاإلبداع تعبري عن حاجيات اإلنسان النفسية‪ ،‬واستكناه لرغباته املكبوتة واملقموعة الشعوراي‪.‬‬
‫مبعىن أن "اهلو" يقوم بدور كبري يف تكوين املبدع ونقله من الواقع إىل عوامل الشعورية أخرى‪ ،‬عرب‬
‫عمليات التذكر‪ ،‬والتخييل‪ ،‬والتسامي‪ ،‬واإلسقاط‪ ،‬والتداعي احلر‪ ،‬والتعويض النفسي‪.‬‬

‫بيد أن العامل النفسي لوحده غري كاف لفهم اإلبداع اإلنساين وتفسريه‪ ،‬فالبد من استحاار‬
‫ابقي العوامل الوراثية واالجتماعية واالقتصادية والتارخيية‪. . .‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬اإلب ـداع واإلهلـ ـام‬

‫عندما نقدم تفسريات خارجية لإلبداع‪ ،‬فإننا نقيده مبجموعة من املقارابت اليت جتعل اإلبداع‬
‫معلوما ومعروفا‪ ،‬مادمنا قد حددانه مبجموعة من املصادر‪ :‬سواء أكانت بيولوجية‪ ،‬أم‬
‫سيكولوجية‪ ،‬أم اجتماعية‪ ،‬أم اترخيية‪ ،‬أم اقتصادية‪ .‬يف حني‪ ،‬يتناىف اإلبداع مع التفسريات‬
‫السببية والتقنني اخلارجي‪ ،‬فالميكن معرفة مصدر اإلبداع بطريقة واضحة وجلية‪ ،‬أو تفسري‬
‫حيثياته بشكل دقيق‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬يتحدث املبدعون العباقرة عن اإلهلام واحلدس واإلشراق‪ ،‬وجيهلون عملية اإلبداع‬
‫لديهم‪ ،‬فاملتصوفة يقولون ابلعرفان والكشف والتجلي الرابين‪ ،‬وجيهلون مصدر اجلذب الصويف‬
‫الذي يغمرهم يف أثناء اجلذابت الصوفية‪ ،‬واحلارات العرفانية الروحية‪ .‬وجيهل الشعراء كذلك‬
‫مصدر شعرهم‪ .‬فهناك من يربط شعره بوادي عبقر‪ ،‬أو بعامل الشياطني‪ .‬وكان‬
‫موزارت(‪1791-1756()Mozart‬م) ال يعرف من أين أتتيه األفكار املوسيقية‪ ،‬وقد صرح‬
‫هنري بوانكاري (‪1845-1912( )H. Poincaré‬م) أن بعض كشوفه الرايضية والعلمية‬
‫جاءته صدفة عندما كان يتسلق احلافلة‪.‬‬

‫وخالصة القول‪ ،‬يتاح لنا‪ ،‬مما سبق ذكره‪ ،‬أن اإلبداع هو القدرة على اإلنشاء واخللق واالخرتاع‬
‫واالستكشاف‪ .‬وهو أنواع عدة‪ :‬إبداع فردي ومجاعي‪ ،‬وإبداع اسرتجاعي واستشرايف‪ ،‬واكتشاف‬
‫واخرتاع‪ ،‬وإبداع منحط وإبداع أتملي أصيل وسام‪.‬‬

‫ومن مث‪ ،‬يعتمد اإلبداع على أربع مراحل أساسية هي‪ :‬مرحلة اإلعداد والتهييء‪ ،‬ومرحلة الكمون‬
‫واالختمار‪ ،‬ومرحلة اإلهلام‪ ،‬ومرحلة التحقيق‪.‬‬

‫كما خياع اإلبداع لعدة عوامل أساسية منها‪ :‬العوامل البيولوجية الوراثية‪ ،‬والعوامل االجتماعية‪،‬‬
‫والعوامل السيكولوجية‪.‬‬

‫ومن مث‪ ،‬يفرتق اإلبداع عن اإلهلام‪ ،‬فاإلبداع هو املقيد ابلتفسريات اخلارجية النفسية واالجتماعية‬
‫والوراثية‪ .‬أما اإلهلام‪ ،‬فهو احلدس والكشف واإلشراق‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫التصـ ــور النظـ ـ ــري‬

‫توطئـ ـة البد منها‪:‬‬


‫تقوم الرتبية املدرسية بدور هام يف عملية التغيري االجتماعي‪ .‬ومن مث‪ ،‬فهناك ثالثة أنواع من‬
‫املدارس الرتبوية‪ :‬مدرسة تغري اجملتمع كما يف الياابن ‪ -‬مثال‪ ،-‬وجمتمع يغري املدرسة كما يف العامل‬
‫الثالث‪ ،‬ومدرسة تتغري يف الوقت الذي يتغري فيه اجملتمع‪ ،‬كما هو حال املدرسة يف أورواب الغربية‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬أصبحت املدرسة يف اجملتمعات الصناعية والتقنية احلديثة مؤسسة مهمة؛ ملا هلا من أدوار يف‬
‫تكوين أجيال مؤهلة ذات كفاءة‪ ،‬وقادرة على تسيري املقاوالت واملؤسسات الصناعية‪ .‬كما تعمل‬
‫على أتهيل الناشئة أتهيال جيدا‪ ،‬وتوفري األطر املدربة واحملرتفة لتسيري دواليب اجملتمع‪ ،‬و ريك‬
‫عجلة االقتصاد بشكل إجيايب‪ .‬ويعين هذا أن املدرسة وليدة اجملتمع الصناعي‪ ،‬على عكس‬
‫املدرسة يف العامل الثالث‪ ،‬فما تزال عاجزة عن تلبية حاجيات اجملتمع على مجيع املستوايت‬
‫واألصعدة لغياب الدميقراطية احلقيقية‪ ،‬وارتباطها ابملنظومة االستعمارية‪.‬‬

‫وللرتبية عالقة وطيدة ابلسياسية‪ ،‬فكل عنصر يتأثر ابآلخر‪ .‬مبعىن أن املدرسة تعبري عن‬
‫صراعات طبقية واجتماعية‪ ،‬وتعبري عن صراعات سياسية ونقابية وإيديولوجية‪ .‬عالوة على ذلك‪،‬‬
‫فثمة أنظمة سياسية جتعل من املدرسة وسيلة للحفاظ على العادات والتقاليد والقيم اليت يدافع‬
‫عنها النظام السياسي‪ ،‬كما يف الدول االشرتاكية واألنظمة الديكتاتورية(النازية والفاشية)‪ .‬وهناك‬
‫أنظمة تريد أن ول املدرسة إىل أداة للتغيري‪ ،‬ووسيلة انجعة للقااء على األمية بكل أنواعها‬
‫(األلفبائية‪ ،‬والوظيفية‪ ،‬واإلعالمية)‪ ،‬مع تطوير اجملتمع كما يف الدول الدميقراطية‪ .‬وهناك من‬
‫يرفض املدرسة‪ ،‬ويدعو إىل جمتمع بدون مدرسة؛ ألهنا وليدة اجملتمع الصناعي‪ ،‬ومرتبطة‬

‫‪29‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫يف كتابه(جمتمع‬ ‫‪15‬‬


‫ابالستعمار الغريب‪ ،‬كما يذهب إىل ذلك إيفان إليتش(‪)Ivan Illich‬‬
‫بدون مدرسة)‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬وظائــف املدرسـ ـة‬


‫تعد املدرسة مؤسسة اجتماعية وتربوية صغرى ضمن اجملتمع األكرب‪ ،‬تقوم برتبية املتعلمني تربية‬
‫شاملة‪ ،‬وأتهيلهم يف اجملتمع تكييفا واندماجا وأتقلما‪ .‬أي‪ :‬إن املدرسة ‪ -‬حسب إميل دوركامي‪-‬‬
‫ذات وظيفة سوسيولوجية وتربوية هامة‪ .‬مبعىن أهنا مبثابة فااء مؤسسايت عام‪ ،‬تقوم ابلرعاية‬
‫والرتبية والتهذيب واإلصالح‪ ،‬والسهر على التنشئة االجتماعية‪ ،‬وتكوين املواطن الصاحل‪ .‬ومن‬
‫مث‪ ،‬فاملدرسة "هي املكان أو املؤسسة املخصصة للتعليم‪ ،‬تنهض بدور تربوي اليقل خطورة عن‬
‫دورها التعليمي‪ ،‬إهنا أداة تواصل نشيطة تصل املاضي ابحلاضر واملستقبل‪ ،‬فهي اليت تنقل‬
‫لألجيال اجلديدة جتارب ومعارف اآلخرين واملعايري والقيم اليت تبنوها‪ ،‬وكذا خمتلف االختيارات‬
‫اليت ركزوا وحافظوا عليها‪ ،‬بل وأقاموا عليها جمتمعهم احلايل‪" 16 . . .‬‬

‫إذا‪ ،‬فاملدرسة فااء تربوي وتعليمي‪ ،‬وأداة للحفاظ على اهلوية والرتاث‪ ،‬ونقله من جيل إىل‬
‫آخر‪ ،‬وأس من أسس التنمية والتطور وتقدم اجملتمعات اإلنسانية‪ .‬بيد أن للمدرسة أدوارا فنية‬
‫ومجالية وتنشيطية أخرى‪ ،‬إذ"تتحمل مسؤولية إعطاء التالميذ فرصة ممارسة خرباهتم التخييلية‬
‫وألعاهبم االبتكارية اليت تعترب األساس حلياة طبيعية يتمتعون فيها ابخلربة واحلساسية الفنية‪". 17‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يتبني لنا أن للمدرسة وظيفة تعليمية وتربوية وديدكتيكية وتنشيطية وتدبريية‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫‪- Ivan Illich, Une société sans école, 1971, trad., Seuil, 1972.‬‬
‫‪ - 16‬انظر‪ :‬وزارة الثقافة والرتبية‪ :‬معجم علم النفس الرتبوي‪ ،‬تونس‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬نقال عن املختار عنقا اإلدريسي‪ (:‬املسرح والتنشيط)‪ ،‬جملة آفاق تربوية‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد‪1996 ،11‬م‪،‬‬ ‫‪17‬‬

‫ص‪.92:‬‬
‫‪30‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وعليه‪ " ،‬تعترب املؤسسات التعليمية فااءات للرتبية والتكوين‪ ،‬وجماال ملمارسة املتعلمني حلقوقهم‪،‬‬
‫واحرتامهم لواجباهتم‪ ،‬مما ميكنهم من اكتساب املعلومات واملهارات والكفاءات اليت تؤهلهم‬
‫لتحمل التزاماهتم الوطنية‪ .‬لذا‪ ،‬جيب على املؤسسات أن تامن احرتام حقوق وواجبات‬
‫التالميذ‪ ،‬وممارستهم هلا‪ ،‬واعتماد هذه املرتكزات أثناء إعدادها للنظام الداخلي للمؤسسة‪،‬‬
‫والعمل على إشراك خمتلف الفاعلني الرتبويني يف صياغته مبن فيهم التلميذات والتالميذ‪ ،‬وممثلي‬
‫مجعيات اآلابء واألولياء‪ ،‬ترسيخا للممارسة الدميوقراطية‪ ،‬انطالقا من الثوابت العامة التالية‪:‬‬

‫‪‬مبادئ العقيدة اإلسالمية وقيمها الرامية إىل تكوين الفرد تكوينا يتصف ابالستقامة‬
‫والصالح‪ ،‬ويتسم ابالعتدال والتسامح‪ ،‬ويتوق إىل طلب العلم واملعرفة‪ ،‬ويطمح إىل املزيد من‬
‫اإلبداع املطبوع بروح املبادرة اإلجيابية واإلنتاج النافع ؛‬

‫‪‬االلتحام بكيان اململكة املغربية العريق القائم على ثوابت ومقدسات جيليها اإلميان ابهلل‪،‬‬
‫وحب الوطن‪ ،‬والتمسك ابمللكية الدستورية ؛‬

‫‪‬املشاركة اإلجيابية يف الشأن العام‪ ،‬والوعي ابلواجبات واحلقوق‪ ،‬والتشبع بروح احلوار‪ ،‬وقبول‬
‫االختالف‪ ،‬وتبين املمارسة الدميوقراطية يف ظل دولة احلق والقانون ؛‬

‫‪‬الوفاء لألصالة والتطلع الدائم للمعاصرة‪ ،‬والتفاعل مع مقومات اهلوية يف انسجام وتكامل‪،‬‬
‫وترسيخ اآلليات واألنظمة اليت تكرس حقوق اإلنسان وتدعم كرامته‪.‬‬

‫‪‬جعل املتعلم يف قلب االهتمام والتفكري والفعل‪ ،‬خالل العملية الرتبوية التكوينية‪ ،‬حىت ينهض‬
‫بوظائفه كاملة جتاه وطنه‪ ،‬بتحديد حقوق املتعلم وواجباته يف عالقاته مع خمتلف املتدخلني‬
‫الرتبويني واإلداريني ابملؤسسة‪"18 .‬‬

‫‪ - 18‬انظر‪ :‬وزارة الرتبية الوطنية‪ :‬دليل احلياة املدرسية‪ ،‬الرابط‪ ،‬املغرب‪ ،‬غشت ‪2008‬م‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ويعين هذا أن املدرسة مؤسسة تعليمية وتربوية تقوم بعملية التكوين‪ ،‬والتأطري‪ ،‬والتأهيل‪،‬‬
‫والتهذيب األخالقي‪ ،‬بغية تكوين مواطن صاحل انفع ألسرته ووطنه وأمته واإلنسانية مجعاء‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬تستند املدرسة الرتبوية إىل جمموعة من الوظائف األساسية اليت ميكن حصرها يف الوظائف‬
‫التالية‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬وظيف ـ ــة التطبيع والتنشئـ ــة االجتماعي ــة‬


‫تقوم املدرسة بوظائف عدة‪ ،‬أمهها‪ :‬التنشـئة االجتماعيـة بتكـوين مـواطنني صـاحلني انفعـني ألسـرهم‬
‫ووطــنهم وأمــتهم‪ ،‬حيــافظون علــى قــيم أجــدادهم ومعتقــداهتم وأع ـرافهم‪ .‬إذا‪ ،‬مــا املقصــود ابلتنشــئة‬
‫االجتماعية؟‬

‫يقصد ابلتنشئة االجتماعية (‪ )Socialisation‬عمليـة التطبيـع االجتمـاعي القائمـة علـى الـتعلم‬


‫والتعلــيم والرتبيــة والتهــذيب‪ ،‬وتقــوم علــى التفاعــل االجتمــاعي‪ ،‬ومتثــل جمموعــة مــن القــيم واملعــايري‬
‫واملثل من أجل التوافق النسيب مع اجملتمع‪ ،‬واالندماج يف مؤسساته تكيفا وأتقلمـا ومسـايرة‪ .‬ويعـين‬
‫هذا أن التنشئة االجتماعية هي اليت هتـدف إىل " إكسـاب الفـرد (طفـال فمراهقـا فراشـدا فشـيخا)‬
‫س ــلوكا ومع ــايري واجتاه ــات مناس ــبة ألدوار اجتماعي ــة معين ــة متكن ــه م ــن مس ــايرة مجاعت ــه والتواف ــق‬
‫االجتماعي معها‪ ،‬وتكسبه الطابع االجتماعي‪ ،‬وتيسر له االندماج يف احلياة االجتماعية‪"19 .‬‬

‫وبصيغة أخرى‪ ،‬يقول خليـل ميخائيـل معـوض‪ ":‬هتـدف التنشـئة االجتماعيـة إىل إكسـاب األفـراد‪،‬‬
‫يف خمتلــف مراحــل منــوهم (طفولــة‪ -‬مراهقــة‪ -‬رشــد‪ -‬شــيخوخة)‪ ،‬أســاليب معينــة تتفــق مــع معــايري‬

‫‪ -‬حممد ايسر اخلواجة وحسني الدريين‪ :‬املعجم املوجز يف علم االجتماع‪ ،‬مصر العربية للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪19‬‬

‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2011‬م‪ ،‬ص‪.89‬‬


‫‪32‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫اجلماعة وقيم اجملتمع‪ ،‬حىت يتحقق هلؤالء األفراد التفاعل والتوافـق يف احليـاة االجتماعيـة يف اجملتمـع‬
‫‪20‬‬
‫الذي يعيشون فيه‪" .‬‬

‫وقــد ارتبط ــت التنش ــئة االجتماعي ــة‪ ،‬يف ب ــدايتها‪ ،‬برتبيــة الص ــغار فق ــط‪ ،‬وق ــد أص ــبحت ‪ -‬الي ــوم ‪-‬‬
‫مرتبطـ ــة بتنشـ ــئة الراش ـ ــدين والكبـ ــار والش ـ ــيوخ‪ .‬أي‪ :‬ت ـ ـرتبط التنشـ ــئة االجتماعيـ ــة بس ـ ــريورة احلي ـ ــاة‬
‫أبكملها‪ .‬ويسهم اجملتمـع وثقافتـه يف تطبيـع الفـرد وإدماجـه يف اجملتمـع‪ ،‬و ويلـه مـن كـائن بيولـوجي‬
‫وعا ــوي إىل ك ــائن ثقـ ــايف واجتم ــاعي‪ .‬أي‪ :‬يكتسـ ــب اإلنس ــان إنس ــانيته احلقيقيـ ــة ع ــرب التنشـ ــئة‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬وبــذلك يتميــز عــن الكــائن احلي ـواين‪ .‬ومــن مث‪ ،‬فاإلنســان اليكتســب إنســانيته بفعــل‬
‫العوام ــل الوراثي ــة واخلص ــائص البيولوجي ــة فق ــط‪ ،‬ولك ــن يكتس ــبها بفا ــل التنش ــئة االجتماعي ــة‪ ،‬يف‬
‫أبعادها الدينية والرتبوية واحلاارية والثقافية واجملتمعية‪.‬‬

‫وختتلــف التنشــئة االجتماعيــة مــن بيئــة إىل أخــرى‪ ،‬فتنشــئة أبنــاء البــدو ختتلــف عــن أبنــاء احلاــر‪،‬‬
‫وتنشـئة أبنــاء املنــاطق الصــناعية ختتلــف عــن أبنــاء املنــاطق الزراعيــة‪ ،‬وهكــذا دواليــك‪ .‬ويعــين هــذا أن‬
‫التنشــئة االجتماعيــة تتبــاين بــني جمتمعــني خمتلفــني‪ ،‬أو داخــل جمتمــع واحــد متماثــل لــه اخلصــائص‬
‫االجتماعية نفسها‪.‬‬

‫وتتمثـل أمهيــة التنشــئة االجتماعيــة يف أهنــا تكســب اإلنسـان إنســانيته‪ ،‬حيــث يــتعلم اإلنســان اللغــة‬
‫والعادات والقيم‪ ،‬ويتمثـل ثقافـة اجملتمـع‪ ،‬وينـأى عـن الصـفات احليوانيـة الفطريـة والغريزيـة العدوانيـة‪.‬‬
‫ومــن مث‪ ،‬يكــون الفــرد منوطــا مبســؤوليات اجتماعيــة معينــة‪ ،‬حيــث يســاهم يف قيــق تنميــة اجملتمــع‪،‬‬
‫كم ـا تســاعده هــذه التنشــئة علــى التوافــق النســيب مــع جمتمعــه‪ .‬و" يقــوم اجملتمــع خــالل عمليــات‬
‫التنشــئة االجتماعيــة بــدور هــام يف تشــجيع وتقويــة بعــض األمنــاط الســلوكية املرغــوب فيهــا‪ ،‬والــيت‬
‫تتوافق مع قيم اجملتمع وحاارته اليت يبثها ويقويها يف نفـوس أفـراد اجملتمـع‪ .‬يف حـني‪ ،‬يقـاوم وحيـبط‬

‫‪ -‬خليل ميخائيل معوض‪ :‬علم النفس االجتماعي‪ ،‬دار نشر املغربية‪ ،‬الدار البيااء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل‬ ‫‪20‬‬

‫سنة ‪1982‬م‪ ،‬ص‪.101:‬‬


‫‪33‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫أمناطــا أخــرى مــن الســلوك غــري املرغــوب فيهــا لتعارضــها مــع االجتاهــات والقــيم الســائدة‪ ،‬وحيــاول‬
‫اجملتمع حماربتها واقتالعها من جذورها‪.‬‬

‫وختتلف احلاارات يف تزويد أفراد اجملتمع ابجتاهات ختتلف ابختالف اجملتمعات‪"21 .‬‬

‫وأتسيسا على ما سبق‪ ،‬يتاح لنا أن التنشئة االجتماعية عملية منو؛ إذ ينتقـل اإلنسـان مـن كـائن‬
‫بيول ــوجي‪ ،‬يه ــتم بتحقي ــق غرائ ــزه وش ــهواته وميول ــه وحاجيات ــه‪ ،‬إىل ك ــائن جمتمع ــي وثق ــايف ي ــتحكم‬
‫ابلعقل يف سـلوكه‪ ،‬ويعتمـد علـى نفسـه يف حـل مشـاكله‪ .‬أضـف إىل ذلـك أن التنشـئة االجتماعيـة‬
‫عمليــة مســتمرة ديناميــة‪ .‬و يــل الديناميــة علــى خمتلــف العالقــات التفعاليــة الــيت جيريهــا الفــرد مــع‬
‫اآلخرين ضـمن البنيـة اجملتمعيـة‪ .‬وتعـد هـذه التنشـئة سلسـلة مـن التحـوالت املتتابعـة واملتعاقبـة تصـل‬
‫حىت سن الشيخوخة‪ .‬مث هي عملية تعلم اجتماعي عرب جمموعة مـن األدوار واملواقـف والوضـعيات‬
‫املتعددة‪ ،‬فيكتسب الفرد جمموعـة مـن اخلـربات والتجـارب واالجتاهـات النفسـية‪ .‬وغالبـا‪ ،‬مـا نقصـد‬
‫كل تعلم ذي طابع جمتمعي حيار فيه اآلخرون‪.‬‬

‫ومثة جمموعة من العوامل اليت تتحكم يف التنشئة االجتماعية‪ ،‬وأثرها الكبري يف منو شخصـية الفـرد‪،‬‬
‫مث ـ ــل‪ :‬العوام ـ ــل الوراثي ـ ــة‪ ،‬واهلرم ـ ــوانت ال ـ ــيت تفرزهـ ـ ــا الغ ـ ــدد الص ـ ــماء‪ ،‬والتغذي ـ ــة‪ ،‬وعوام ـ ــل البيئـ ـ ــة‬
‫االجتماعي ــة‪ ،‬وعوام ــل أخ ــرى اثنوي ــة‪ ،‬مث ــل‪ :‬أعم ــار الوال ــدين‪ ،‬وامل ــرض واحلـ ـوادث‪ ،‬واالنفع ــاالت‬
‫احلادة‪ ،‬والوالدة املبكرة‪ ،‬وعوامل املناخ والطقس والساللة‪.22‬‬

‫بيــد أن هنــاك عوامــل أكثــر نفــاذا وأتث ـريا يف عمليــات التنشــئة االجتماعيــة‪ ،‬وهــي‪ :‬ثقافــة اجملتمــع‪،‬‬
‫واألســرة‪ ،‬واملدرســة‪ ،‬ومجاعــة األق ـران والرفــاق‪ ،‬ووســائل اإلعــالم (اإلذاعــة‪ ،‬والســينما‪ ،‬والتلفزيــون‪،‬‬
‫واحلاسـوب‪ ،‬والكتــب‪ ،‬والصــحف)‪ ،‬واملؤسســات االجتماعيــة‪ ،‬والوحــدات االجتماعيــة واجلماعــات‬
‫اليت ينتمي إليها الفرد‪ ،‬ويرتبط هبا ارتباطا وثيقا‪ ،‬وهلا أتثريها املباشر يف سلوكه‪.23‬‬

‫‪ - 21‬خليل ميخائيل معوض‪ :‬علم النفس االجتماعي‪ ،‬ص‪.104:‬‬


‫‪ - 22‬خليل ميخائيل معوض‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.113:‬‬
‫‪ - 23‬خليل ميخائيل معوض‪ :‬نفسه‪ ،‬صص‪.143-117:‬‬
‫‪34‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وقد اهتم علماء النفس االجتماعي أبربعة مظاهر من التنشئة االجتماعية‪:‬‬

‫‪ "‬عملية التعلم االجتماعي مثل التقليد والتقمص وتعلم الدور‪.‬‬

‫‪‬ع ــن طري ــق ال ــتعلم االجتم ــاعي ترس ــخ الاـ ـوابط الداخلي ــة وت ــدعم كالا ــمري ومفه ــوم ال ــذات‬
‫واألدوار االجتماعية‪.‬‬

‫‪ ‬منـو أمنــاط ســلوكية متعــددة مثــل االعتمــاد علــى اآلخـرين‪ ،‬والعــدوان واالنــدماج وتكــوين خطــط‬
‫خمتلفة لتحقيق أهداف معينة والدفاع عنها‪.‬‬

‫‪ ‬عالقة البناء االجتماعي هبذه العمليات وبتأثرياهتا‪"24 .‬‬

‫وقــد ينبــين فعــل التنشــئة االجتماعيــة علــى جمموعــة مــن آليــات الــتعلم‪ ،‬مثــل‪ :‬الــتعلم املــؤثر (املثــري‬
‫واالســتجابة) أو احملفــز أو املــدعم؛ والــتعلم املباشــر؛ والــتعلم العرضــي؛ وآاثر العقــاب؛ والــتعلم مــن‬
‫النماذج؛ والتقليد والتكرار والتقمص وتعلم الدور‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وتستند التنشئة االجتماعية إىل جمموعة من األساسـيات الالزمـة‪ ،‬مثـل‪ :‬التفاعـل االجتمـاعي‬
‫بــني الفــرد واحملــيط‪ ،‬واحملــرك األول هلــذا التفاعــل هــو حاجيــات اإلنســان‪ .‬أمــا األســاس الثـاين‪ ،‬فهــو‬
‫الدافعيــة‪ ،‬واألســاس الثالــث هــو اإلرشــاد والتوجيــه‪ ،‬واألســاس الرابــع هــو مطاوعــة الســلوك ومرونتــه‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫ومث ــة جمموع ــة م ــن املؤسس ــات ال ــيت تع ــىن ابلتنش ــئة االجتماعي ــة‪ ،‬مث ــل‪ :‬األس ــرة‪ ،‬والش ــارع‪ ،‬وروض‬
‫األطف ــال‪ ،‬واملدرس ــة‪ ،‬واجلامع ــة‪ ،‬والنـ ـوادي‪ ،‬والرف ــاق‪ ،‬واملسـ ــاجد‪ ،‬والكن ــائس‪ ،‬ووسـ ــائل اإلعـ ــالم‪،‬‬
‫واملؤسسات السجنية‪ ،‬واألحزاب‪ ،‬والنقاابت‪ ،‬واجلمعيات املدنية‪ ،‬والكتب والصحف‪. . .‬‬

‫و" قــد تعــاق عمليــات النمــو يف التنشــئة االجتماعيــة بســبب مــؤثرات تط ـرأ علــى الفــرد فتعــوق منــو‬
‫شخصيته‪ ،‬ومـن هـذه املـؤثرات الـيت تعـوق منـو الشخصـية وتعرقـل التنشـئة االجتماعيـة‪ :‬الصـراع بـني‬

‫‪ - 24‬خليل ميخائيل معوض‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.104:‬‬


‫‪ - 25‬حممد ايسر اخلواجة وحسني الدريين‪ :‬املعجم املوجز يف علم االجتماع‪ ،‬ص‪.92-91:‬‬
‫‪35‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫مكوانت اجلهاز النفسي للفرد‪ -‬جتريد الفرد من أدواره االجتماعية‪ -‬انعزال الفرد من أفـراد مجاعتـه‬
‫الــيت تشــجع حاجاتــه‪ -‬ظــروف تتعلــق ابألســرة مثــل الطــرق اخلاطئــة يف معاملــة الوالــدين ألبنــائهم‪-‬‬
‫عدم االستقرار العائلي‪ -‬عدم صالحية البيئة املدرسية‪ -‬أو بيئة اجملتمع‪.‬‬

‫وعنــدما حيــدث هــذا األثــر العكســي يف التنشــئة االجتماعيــة اليكــف الفــرد ذاتــه واجلماعــات الــيت‬
‫تتعامـ ـ ـ ـ ــل مع ـ ـ ـ ــه علـ ـ ـ ـ ــى أن تعي ـ ـ ـ ــد للفـ ـ ـ ـ ــرد توازنـ ـ ـ ـ ــه يف التنشـ ـ ـ ـ ــئة االجتماعي ـ ـ ـ ــة " إعـ ـ ـ ـ ــادة التطبي ـ ـ ـ ــع‬
‫‪26‬‬
‫االجتماعي(‪"")Resocialization‬‬
‫ومــن أهــم الــذين دافعـوا عــن وظيفــة التنشــئة االمجاعيــة إميــل دوركــامي(‪)Émile Durkheim‬‬
‫وبيــري بورديــو(‪1930-2002( )Pierre Bourdieu‬م)علــى ســبيل اخلصــوص‪ . . .‬علــى‬
‫أســاس إدمــاج الفــرد داخــل اجملتمــع ليتــأقلم مــع وضــعياته اجملتمعيــة‪ ،‬وحيــرتم عاداتــه وأعرافــه وقوانينــه‬
‫وتشـ ـريعاته‪ .‬فا ــال ع ــن نق ــل ق ــيم األج ــداد واآلابء إىل األبن ــاء‪ ،‬ض ــمن جدلي ــة املاض ــي واحلاض ــر‪،‬‬
‫وإعادة اإلنتاج نفسه‪.‬‬

‫هــذا‪ ،‬وتعــد املدرســة ‪ -‬حســب املنظــور اإلصــالحي إلميــل دوركــامي‪ -‬فاــاء لإلدمــاج االجتمــاعي‪،‬‬
‫ومكاان الئقا للتنشئة االمجاعية بواسطة التعليم والرتبية األخالقية‪ ،‬واحلفاظ على العادات والتقاليـد‬
‫واملعــايري والقــيم املوروثــة‪ .‬مبعــىن أن املدرســة هلــا وظيفــة التطبيــع واإلدمــاج‪ ،‬وتكــوين أف ـراد مســتقلني‬
‫ومندجمني يف اجملتمع يف الوقت نفسـه‪ .‬أي‪ :‬يعتمـدون علـى أنفسـهم يف تكـوين أنفسـهم‪ ،‬ويتمثلـون‬
‫القـ ــيم املوروثـ ــة‪ .‬ويف الوقـ ــت نفسـ ــه‪ ،‬ينصـ ــهرون يف بوتقـ ــة اجملتمـ ــع قيقـ ــا ملبـ ــدأ الوحـ ــدة اجملتمعيـ ــة‬
‫واتســاقها‪ .‬وهنــا‪ ،‬نالحــظ البعــد اإلصــالحي عنــد دوركــامي‪ .‬فاملدرســة هــي الــيت تســاهم يف احلفــاظ‬
‫على ثوابت اجملتمع‪ ،‬وهي اليت جتعل األفـراد يتمثلـون معـايري اجملتمـع‪ ،‬ويلتزمـون بقواعـده‪ ،‬ويتعلمـون‬
‫قواعد احلياة اجلماعية‪ .‬ومن مث‪ ،‬فرؤية دوركامي إيديولوجية ابمتيـاز؛ إذ يكـرس األوضـاع نفسـها الـيت‬
‫توجد يف اجملتمعات الغربية العلمانية‪.‬‬

‫‪ - 26‬خليل ميخائيل معوض‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.113:‬‬


‫‪36‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وعلي ـ ــه‪" ،‬فلقـ ـ ــد كـ ـ ــان مـ ـ ــن الطبيع ـ ــي أن يسـ ـ ــري دوركـ ـ ــامي يف ركـ ـ ــاب األسـ ـ ــتاذ الـ ـ ــذي أنشـ ـ ــأ ع ـ ــامل‬
‫االجتماع(أوجســت كونــت)‪ ،‬ويتــأثر بوجهــة نظــره يف كثــري مــن املوضــوعات الــيت عاجلهــا؛ فقــد كــان‬
‫دوركامي يسلم تسليما اتما مببدأ التـوانن يف اتتمـع‪ ،‬وأن الصـراع جمـرد حالـة طارئـة ومؤقتـة‪ ،‬بـل قـد‬
‫‪27‬‬
‫ميكن اعتباره حالة مرضية التلبث أن تزول وختتفي ويسرتد اجملتمع توازنه األصلي القدمي‪" .‬‬

‫مادام دوركامي جيعـل مـن املدرسـة فاـاء لإلنـدماج الكلـي‪ ،‬وجمـاال لتلقـني قواعـد احليـاة االجتماعيـة‪،‬‬
‫ابحرتام املتعلم ثوابت اجملتمع‪ ،‬ومتثل معايريه املقننة‪ ،‬وااللتزام أبخالقه وقيمه وعاداته وتقاليده‪ ،‬فإنـه‬
‫يريد بذلك ضرورة احلفاظ على توازن اجملتمع‪ ،‬واستمرار سريورته بذلك الشكل املتصل‪.‬‬

‫ويعــين هــذا أن املدرســة عنــد دوركــامي هتــدف إىل إدمــاج املــتعلم يف اجملتمــع‪ ،‬مث إعطائــه ثقافــة كونيــة‬
‫عقالنيــة وإنســانية وذكائيــة‪ ،‬مث تكــوين ذوات مســتقلة داخــل جمتمــع عاــوي‪ ،‬مث تلبيــة حاجيــات‬
‫اجملتمع‪ .‬وحيقق هذا كله نوعا من التقدم واالزدهار للمجتمع‪ ،‬ويكسب املتعلم هوية وطنية وقوميـة‬
‫حقيقية‪ .‬ويكتسب املتعلم هويته احلقيقية عرب دروس التاريخ واجلغرافيـا والـدين واألخـالق‪ ،‬وحيـتكم‬
‫إىل العقــل واملنطــق‪ .‬ولكــن مدرســة دوركــامي ليســت مدرســة املســاواة يف احلظــوظ‪ ،‬بــل هــي مدرســة‬
‫النخــب العقالنيــة والشــرعية‪ ،‬وقــد اســتمر هــذا املفهــوم حــىت ســنوات اخلمســني مــن القــرن املاضــي‪.‬‬
‫وقد نتج عن ذلك خلق مدرسة ليربالية وعلمانية دميقراطية‪ ،‬ولكنها ليست مدرسة شعبية‪.‬‬

‫أما السوسيولوجي الفرنسي بيري بورديو‪ ،‬فريى أن األفراد اجملتمعيني الذين يوجـدون يف املدرسـة هـم‬
‫نتــاج التنشــئة اإلدماجيــة واملعياريــة‪ ،‬ونتــاج الوضــعيات االجتماعيــة املوجــودة ابلقــوة واجلربيــة امللزمــة‪،‬‬
‫وهم أياا نتاج إعادة اإلنتاج ووضعيات التوريث بغية اكتساب اهلوية اجملتمعية‪.‬‬

‫‪ - 27‬وسيلة خزار‪ :‬اإليدولوجيا وعلم االجتماع‪ ،‬جدلية االنفصال واالتصال‪ ،‬منتدى املعارف‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪2013‬م‪ ،‬ص‪.142 :‬‬
‫‪37‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وهنــاك ابحثــون آخــرون يقولــون ابلتنشــئة االجتماعيــة أو ابلتطبيــع واالنــدماج االجتمــاعي‪ ،‬مثــل‪:‬‬
‫املفكر األملاين جورج زميل (‪1918-1858( )GEORG SIMMEL‬م)‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬وظيفـ ــة اإلعالم والتكوي ــن والتأهي ــل‬


‫التقتصر املدرسة على نقـل القـيم األخالقيـة فحسـب‪ ،‬بـل تسـعى جاهـدة إىل أتهيـل املـتعلم معرفيـا‬
‫وذهني ـا ووجــدانيا وحســيا‪ -‬حركيــا‪ .‬كمــا تس ـهم يف توعيتــه وتنــويره ثقافيــا وأخالقيــا وتربــواي وعلميــا‬
‫وأدبيا وفنيا وتقنيا‪ ،‬أو توعيته وطنيا أو قوميا‪.‬‬

‫وتعــد املدرســة كــذلك فاــاء للتأهيــل والتعلــيم والتكــوين والرتبيــة‪ ،‬ومؤسســة دميقراطيــة للتنــافس بــني‬
‫املتعلمني قصد الفوز والنجاح‪ ،‬واحلصول على شهادات ودبلومـات الـيت تسـمح هلـم بتـويل منصـب‬
‫أو مســؤولية مــا‪ .‬عــالوة علــى ذلــك‪ ،‬فاملدرســة تصــقل عقــول األف ـراد ابلتكــوين املناســب‪ ،‬وهتــذيبها‬
‫ابملعارف والقيم واحلقائق العلمية‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬وظيفـ ـ ــة التغيري اتتمعي‬


‫التقف املدرسة عند وظيفة احملافظـة علـى إرث األجـداد فقـط‪ ،‬بـل تسـهم يف تغيـري اجملتمـع كليـا أو‬
‫جزئيا‪ .‬ويف هذا النطاق‪ ،‬ميكـن احلـديث عـن ثـالث مـدارس‪ :‬مدرسـة تغـري اجملتمـع كمـا يف اليـاابن‪،‬‬
‫ومدرســة يغريهــا اجملتمــع كمــا يف دول العــامل الثالــث‪ ،‬ومدرســة تتغــري مــع تغــري اجملتمــع كمــا هــو حــال‬
‫املدرسة يف الدول الغربية‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬الوظيفـ ـ ــة اإليديولوجي ــة‬


‫‪1918-1990( (L.‬م)‪ ،‬جه ــازا‬ ‫تعت ــرب املدرس ــة‪ ،‬يف منظ ــور ل ــوي ألتوس ــري )‪Althusser‬‬
‫إيــديولوجيا قمعيــا‪ .‬مبعــىن أن املدرســة مؤسســة عامــة تعــرب عــن توجهــات الدولــة وتطلعاهتــا السياســية‬
‫وأهــدافها اإليديولوجيــة‪ ،‬عــرب مناهجهــا وبراجمهــا ومقرراهتــا وحمتوايهتــا الدراســية‪ .‬ومــن مث‪ ،‬فهــي تعــرب‬
‫عن مصاحل الطبقة احلاكمة‪ ،‬وتكـرس ثوابتهـا وأفكارهـا وطموحاهتـا‪ .‬أي‪ :‬يـرى ألتوسـري‪" ،‬خبصـوص‬
‫التقنيــات واملعــارف‪ ،‬أنــه جيــري يف املدرســة تعلــم قواعــد كــم الــروابط االجتماعيــة مبوجــب التقســيم‬
‫االجتماعي والتقين للعمل‪.‬‬

‫كمــا يقــول أبن النظــام املدرســي وهــو أحــد أجهــزة الدولــة اإليديولوجيــة هــو الــذي يــؤمن بنجاعــة‬
‫استنســاخ روابــط اإلنتــاج عــن طريــق وجــود مســتوايت مــن التأهيــل الدراســي تتج ـاوب مــع تقســيم‬
‫العمــل‪ ،‬وعــن طريــق ممارســة اإلخاــاع لإليــديولوجيا الســائدة‪ .‬إن املســالك املوجــودة املدرســة هــي‬
‫‪28‬‬
‫انعكاس لتقسيم اجملتمع إىل طبقات‪ ،‬وغايتها اإلبقاء على الروابط الطبقية‪" .‬‬

‫ويدل هذا كله على أن املدرسة متارس عنفا رمزاي كما يقول بورديـو‪ ،‬وتسـاهم يف تكـريس التفـاوت‬
‫الطبقي‪ ،‬وخلق الطبقات االجتماعية نفسها‪ ،‬سواء أكانت مهيمنة أم خاضعة‪.‬‬

‫وعليــه‪ ،‬فالوظيفــة اإليديولوجيــة هلــا عالقــة وثيقــة بوظيفــة التطبيــع واحلفــاظ علــى ثوابــت األجــداد‪،‬‬
‫وربط املاضي ابحلاضر‪ .‬ويف هذا‪ ،‬يقول مبارك ربيع(‪ ":) . . .-1935‬ميكن اعتبار هـذه الوظيفـة‬
‫اإليديولوجيـ ــة وجهـ ـ ـا م ـ ــن وج ـ ــوه الوظيف ـ ــة التطبيعي ـ ــة العامـ ــة‪ ،‬وذلـ ــك عل ـ ــى األق ـ ــل ألن الوظيف ـ ــة‬
‫اإليديولوجيــة‪ ،‬تعتمــد فيمــا تعتمــد عليــه‪ ،‬علــى املنظومــة املعرفيــة‪ ،‬إال أهنــا تعتمــد عليهــا المــن حيــث‬
‫هي معرفة ابلعامل أو الكون‪ ،‬بل ابعتبار هذه املعرفـة مباـموهنا خصوصـا‪ ،‬تعمـل علـى تكـوين اجتـاه‬

‫‪ -‬مارسيل بوستيك‪ :‬العالقة الرتبوية‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد البشري النحاس‪ ،‬املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم‪،‬‬ ‫‪28‬‬

‫تونس‪1986 ،‬م‪ ،‬صص‪.24-21:‬‬


‫‪39‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫فكري خاص يف الطفل‪ ،‬مييل إىل تركيز التحامه مبجتمعه‪ .‬ومن هنا‪ ،‬جتد القيم السياسية واملذهبيـة‬
‫والدينيــة‪ . .‬اخلاصــة ابجملتمــع طريقهــا لتلــوين املنظومــة املعرفيــة‪ ،‬ونــزع طــابع احليــاد عنهــا‪ ،‬فمفهــوم‬
‫ال ــوطن والدول ــة ونوعي ــة النظ ــام السياس ــي يف اجملتم ــع‪ . . .‬رغ ــم أهن ــا أتيت أحي ــاان مص ــاغة يف م ـواد‬
‫حمــددة كالرتبيــة الوطنيــة أو الدينيــة أو األخالقيــة‪ ،‬فإهنــا مــع ذلــك جتــد طريقهــا أياــا ضــمن امل ـواد‬
‫العلمي ــة ذات الط ــابع احملاي ــد أيا ــا‪ .‬فالت ــاريخ أو اجلغرافي ــا رغ ــم الط ــابع املوض ــوعي‪ ،‬تك ــون فرص ــة‬
‫لتثبيت االعتزاز ابلذات الوطنية واألمة وغريها‪.‬‬

‫‪ . .‬إن الــدعوات القائمــة علــى انتقــاد الوظيفــة اإليديولوجيــة للمدرســة‪ ،‬منطلقــة مــن مبــدإ االلت ـزام‬
‫بقاااي الطبقات االجتماعية املتواضـعة واملسـحوقة‪ ،‬وبقاـااي التحـرر االجتمـاعي‪ ،‬مبـا فيهـا حقـوق‬
‫الطفل واملرأة‪ ،‬وهي بذلك تستحق التنويه‪ ،‬وميكن االستفادة منها‪ ،‬مبا يطـور الوظيفـة اإليديولوجيـة‬
‫للمدرسة دون أن يلغيها‪. . .‬‬

‫وإذا اعتــربان الظــروف اخلاصــة ببلــدان العــامل الثالــث حيــث الت ـزال جمتمعاهتــا يف كثــري مــن احلــاالت‬
‫بعيدة عن كيان الدولة مبعناها احلقيقي‪ ،‬وماتزال ابلتايل‪ ،‬قائمـة يف تنظيمهـا علـى القبيلـة والعشـرية‪،‬‬
‫فإننــا نــدرك أن الوظيفــة اإليديولوجيــة للمدرســة ابعتبارهــا عامــل توحيــد وتنظــيم مــاتزال مرغــواب فيهــا‬
‫من هذه الناحية‪ ،‬كما أهنـا مـاتزال مرغـواب فيهـا مـن انحيـة املنظومـة املعرفيـة‪ ،‬نظـرا ملسـتوى التخلـف‬
‫‪29‬‬
‫وتفشي األمية‪" .‬‬

‫وهكـذا‪ ،‬نــدرك أن للمدرســة وظيفـة خطــرية تتمثــل يف الوظيفــة اإليديولوجيـة الــيت تسـهم يف تكـريس‬
‫التفاوت الطبقي واالجتماعي والسياسي نفسه‪.‬‬

‫‪ - 29‬مبارك ربيع‪ :‬خماوف األطفال‪ ،‬اهلالل العربية للطباعة والنشر‪ ،‬طبعة ‪1991‬م‪ ،‬صص‪.209-202:‬‬
‫‪40‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬سياق البيداغوجيا اإلبداعية‬


‫إذا أردان أن نعرف طبيعة املدرسة املغربية بصفة خاصة‪ ،‬واملدرسة العربية بصفة عامة‪ ،‬فهي‬
‫مدرسة حمافظة بال شك‪ ،‬هتدف إىل تكوين مواطن صاحل‪ ،‬مبفهوم السلطة احلاكمة‪ ،‬حيافظ على‬
‫قيم اجملتمع وأعرافه وعاداته وتقاليده‪ .‬ويعين هذا أن املدرسة املغربية تقوم ابلوظيفة االجتماعية‬
‫نفسها اليت أشار إليها إميل دوركامي(‪ .30)E. Durkeim‬وتتمثل هذه الوظيفة يف التنشئة‬
‫الرتبوية والتهذيبية‪ ،‬وتوريث املتعلم القيم االجتماعية نفسها اليت كانت عند آابئه وأجداده من‬
‫أجل التكيف والتأقلم مع أوضاع اجملتمع وقوانينه‪ .‬أي‪ :‬تقوم املدرسة إبدماج الفرد داخل اجملتمع‪،‬‬
‫وتسهر على تربيته عرب مؤسسات صغرى وكربى من أجل احلفاظ على مكتسبات اجملتمع‪ .‬ومن‬
‫هنا‪ ،‬فهذه املدرسة‪ ،‬حبال من األحوال‪ ،‬مؤسسة حمافظة ابمتياز‪ ،‬تكرس القيم املوروثة نفسها‪،‬‬
‫وتعطي املشروعية للطبقة احلاكمة لكي تستمر يف السيطرة على السلطة والثروة‪ ،‬دون التفكري يف‬
‫تغيري اجملتمع من أجل اللحاق ابلدول املتقدمة‪ .‬وابلتايل‪ ،‬تنعدم عند هذه املدرسة األهداف‬
‫الوطنية احلقيقية اليت تعمل على زرع الوطنية الصادقة يف نفوس املواطنني‪ ،‬وبناء اإلنسان املبدع‬
‫احلقيقي‪ ،‬واالحتكام إىل احرتام حقوقه‪ ،‬ومتثل الدميقراطية والشورى‪ ،‬واألخذ بفلسفة احلرايت‬
‫اخلاصة والعامة‪ .‬وتفتقد هذه املدرسة كذلك األهداف القومية اليت تعمل على تطوير األمة‬
‫العربية واإلسالمية‪ ،‬وتسعى إىل تغيري أوضاعها االجتماعية واالقتصادية والثقافية والسياسية‪.‬‬

‫ويعين هذا كله أن وظيفة املدرسة تقوم على وظيفيت احلفاظية واحملافظة‪ ،‬والتشديد على جدلية‬
‫املاضي واحلاضر‪ .‬مبعىن أن املدرسة وسيلة للتطبيع االجتماعي‪ ،‬وإعادة إدماج املتعلم داخل‬
‫اجملتمع‪ .‬أي‪ :‬تقوم املدرسة بتكييف املتعلم‪ ،‬وجعله قادرا على االندماج يف حان اجملتمع‪ .‬إذا‪،‬‬

‫‪30‬‬
‫‪- Émile Durkheim, Éducation et sociologie, 1922. PUF,‬‬
‫; ‪nouv.éd.1966‬‬ ‫‪L'éducation‬‬ ‫‪morale,‬‬ ‫‪1902-1903,‬‬ ‫‪PUF,‬‬
‫‪nouv.éd.1963.‬‬
‫‪41‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫تقوم املدرسة بوظيفة احملافظة والتطبيع‪ ،‬ونقل القيم من جيل إىل آخر عرب املؤسسة التعليمية‪.‬‬
‫ويعين هذا أياا أن املدرسة وسيلة للمحافظة على اإلرث اللغوي والديين والثقايف واحلااري‪،‬‬
‫ووسيلة لتحقيق االنسجام‪ ،‬والتكيف مع اجملتمع‪ .‬أي‪ :‬ويل كائن غري اجتماعي إىل إنسان‬
‫اجتماعي‪ ،‬يشارك يف بناء العادات نفسها اليت توجد لدى اجملتمع‪ .‬وهذا يؤدي إىل أن تكون‬
‫املدرسة مؤسسة توحيد وانتقاء واختيار‪ .‬ويعين هذا كذلك أن املدرسة توحد عرب التكييف‬
‫االجتماعي‪ ،‬ولكنها متيز بني الناس عرب االنتقاء واالصطفاء‪ .‬ومن مث‪ ،‬فالوظيفة األوىل للمدرسة‬
‫هو زرع االناباط املؤسسايت واجملتمعي‪ .‬ويرى مارسيل بوستيك‪ ":‬أبن كل نظام مدرسي يتسم‬
‫بسمة اجملتمع الذي أنشأه‪ .‬وهو منظم حسب مفهوم التصور املعطى للحياة االجتماعية‪،‬‬
‫ولدواليب احلياة االقتصادية‪ ،‬والروابط االجتماعية اليت رك هذا اجملتمع‪ .‬وهلذا‪ ،‬حلل علماء‬
‫االجتماع بصورة مباشرة أو غري مباشرة الصالت بني العالقة الرتبوية والنظام االجتماعي‪ ،‬نظرا‬
‫ألهنم يعدون الرتبية مبثابة مؤسسة‪ ،‬مهمتها تكييف الشباب مع حياة اجلماعة بواسطة إجراءات‬
‫‪31‬‬
‫معقدة االستنباط‪" .‬‬

‫و نستخلص من هذا كله أن املدرسة املغربية مدرسة تقليدية حمافظة ابمتياز‪ ،‬تكرس التبعية‪،‬‬
‫وتعمل على تكوين الورثة مبفهوم بيري بورديو( ‪ ،) P. Bourdieu‬كما يوضح ذلك يف‬
‫كتابه( الورثة‪ .) Les Héritiers‬كما أن األوضاع االقتصادية والاغوطات االجتماعية‬
‫واملؤسسات الدولية اخلارجية هي اليت تغري املدرسة املغربية‪ ،‬وتؤثر فيها سلبا‪.‬‬

‫و من جهة أخرى‪ ،‬ميكن القول أبن املدرسة املغربية قد قطعت أشواطا عدة‪ ،‬وعرفت أمناطا عدة‬
‫يف مسارها البيداغوجي والديدكتيكي‪ ،‬وميكن حصرها يف املسارات التالية‪:‬‬

‫‪ - 31‬مارسيل بوستيك‪ :‬العالقة الرتبوية‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد بشري النحاس‪،‬املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫‪1986‬م‪ ،‬ص‪.19:‬‬
‫‪42‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪ ‬املدرسة االستعمارية اليت ظهرت إابن احلماية من ‪1912‬م إىل ‪1956‬م‪ ،‬وهتدف هذه‬
‫املدرسة إىل القااء على الكتاتيب الدينية واجلوامع القرآنية‪ ،‬وحمو ثوابت األمة املغربية‪ ،‬والتشديد‬
‫على الفصل بني الربابرة وإخواهنم العرب‪ ،‬مع صدور الظهري الرببري سنة ‪1930‬م‪ .‬عالوة على‬
‫حماربة كل النزعات الثورية التحررية اليت تسعى إىل استقالل املغرب‪ .‬وتعمل هذه املدرسة أياا‬
‫على ضرب الوحدة الوطنية‪ ،‬والطعن يف اللغة العربية‪ ،‬والتشكيك يف الدين والقيم اإلسالمية‬
‫واهلوية املغربية عن طريق حماوالت التنصري‪ ،‬وفرنسة املؤسسات التعليمية املعاصرة‪ .‬ومن مث‪ ،‬يعد‬
‫التعليم املغريب إابن احلماية تعليما انتقائيا خنبواي تصنيفيا(التعليم اإلسالمي‪ ،‬والتعليم األورويب‪،‬‬
‫والتعليم اإلسرائيلي‪ ،‬والتعليم األمازيغي)؛‬

‫‪‬مرحلة التأسيس وبناء املدرسة الوطنية اليت ظهرت بعد االستقالل مباشرة‪ ،‬بتطبيق نظرية‬
‫البديل الوطين‪ ،‬أو ما يسمى أياا بنظرية املبادئ األربعة‪ ،‬وهي‪ :‬التعميم‪ ،‬والتوحيد‪ ،‬والتعريب‪،‬‬
‫واملغربة؛‬

‫‪‬مرحلة االستواء والعطاء واإلنتاج إابن مرحلة السبعينيات من القرن العشرين؛ إذ سامهت‬
‫املدرسة املغربية يف تكوين جيل من األطر املتميزة واملنفتحة والواعية اليت عرفت ابإلبداع واملهارة‬
‫واحلذق وجودة امللكات‪ ،‬ومتيزت ابملسامهة الكبرية يف ريك االقتصاد املغريب‪ ،‬وإغناء الثقافة‬
‫العربية‪ ،‬وإثراء الفكر اإلنساين؛‬

‫‪‬مرحلة النكوص والرتاجع اليت بدأت مع سياسة التقومي اهليكلي يف منتصف مثانينيات القرن‬
‫العشرين؛ إذ تراجعت املدرسة املغربية عن جودهتا الكمية والكيفية بسبب األزمات اليت كان‬
‫يتخبط فيها املغرب سياسيا واقتصاداي وعسكراي واجتماعيا وثقافيا‪ ،‬وخاصة مع حرب الصحراء‪.‬‬
‫انهيك عن الاغوطات الدولية اخلارجية اليت تتجلى‪ ،‬بكل وضوح‪ ،‬يف قرارات املؤسسات املالية‪،‬‬
‫كمؤسسة البنك العاملي‪ ،‬ومؤسسة صندوق النقد الدويل؛‬

‫‪43‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪‬مرحلة اإلصالح الرتبوي اليت بدأت يف أواخر التسعينيات من القرن املاضي وبداية األلفية‬
‫الثالثة‪ .‬وقد استهدفت الدولة ضمن هذه املرحلة إنقاذ الوضع الرتبوي املغريب املرتدي الذي أصبح‬
‫ال ينسجم مع شروط ومعايري املدرسة الدولية ؛ مما كان سببا يف تراجع مستوى التالميذ والطلبة‪،‬‬
‫وكان مؤشرا داال على انعدام مصداقية الشهادات املغربية‪ ،‬والسيما شهادة الباكلوراي اليت تراجع‬
‫مستواها العلمي احلقيقي‪ .‬وهذا ما دفع املسؤولني إىل التفكري جبدية يف إصالح التعليم‪ ،‬إبجياد‬
‫(امليثاق الوطين للرتبية والتكوين)‪ ،‬مع االستفادة من بيداغوجيا اجملزوءات‪ ،‬وبيداغوجيا الكفاايت‬
‫واإلدماج‪ ،‬ورفع شعار اجلودة الرتبوية‪.‬‬

‫وعلى الرغم من جدية مبادئ( امليثاق الوطين للرتبية والتكوين)‪ ،‬وأمهيتها النظرية والتطبيقية‪ ،‬فلم‬
‫تتحقق اجلودة اليت كانت تنادي إليها وزارة الرتبية الوطنية والتعليم العايل وتكوين األطر يف أرض‬
‫الواقع؛ إذ كانت الوزارة تشتغل على قيق اجلودة الكمية على حساب اجلودة الكيفية‪ ،‬وهي‬
‫اجلودة احلقيقية‪ ،‬واجلودة املطلوبة‪ .‬وهلذا السبب‪ ،‬أفرزت الوزارة مؤسسات تعليمية متعثرة ماداي‬
‫وماليا ومعنواي‪ ،‬تفتقد اجلودة العلمية‪ ،‬واملشروعية البيداغوجية‪ ،‬واملصداقية األخالقية‪ .‬وابلتايل‪،‬‬
‫فقد انعدمت الثقة لدى املربني واألسر واإلداريني يف املدرسة املغربية اليت أصبحت مدرسة لتفريخ‬
‫العاطلني واليائسني من مستقبل البالد‪ .‬لذلك‪ ،‬فقد اختار الطلبة املتخرجون اهلجرة السرية سبيال‬
‫إىل الافة األخرى حال ملشاكلهم‪ ،‬ومالذا أخريا لوضع هناية حلياهتم املأساوية داخل وطنهم‬
‫الذي يعج مبجموعة من املفارقات والتناقاات اجلدلية على مجيع األصعدة واملستوايت‪.‬‬

‫و تستلزم هذه املراحل اليت تؤرخ لتطور السياسة التعليمية‪ ،‬وتطور الفلسفة الرتبوية‪ ،‬إعادة النظر‬
‫يف النظام البيداغوجي املغريب‪ ،‬والتفكري يف فلسفات تربوية أخرى‪ ،‬جديرة إبنقاذ املدرسة الوطنية‬
‫من أزماهتا ومشاكلها اليت تتخبط فيها من أجل صيل جودة حقيقية‪ ،‬و قيق حداثة تقدمية‬
‫تؤهل املغرب للحاق مبصاف الدول النامية أوال‪ ،‬وابلدول املتقدمة اثنيا‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ومن النظرايت الرتبوية اليت نرى أهنا كفيلة إبخراج املغرب من شرنقة التخلف واالحنطاط‬
‫واالستالب‪ ،‬خنتار لكم النظرية الرتبوية اإلبداعية ( ‪La pédagogie de la‬‬
‫‪ .)créativité‬فما مفهوم هذه النظرية؟‬

‫املبحث الثالث‪ :‬مفهوم النظرية اإلبداعية لغة واصطالحا‬


‫تشتق كلمة اإلبداعية من فعل بدع وأبدع‪ .‬فبدع الشيء"يبدعه بدعا وابتدعه ‪ -‬يف " لسان‬
‫العرب" البن منظور‪ -‬مبعىن أنشأه وبدأه‪ .‬وبدع الركية‪ :‬استنبطها وأحدثها‪ .‬وركي بديع‪ :‬حديثة‬
‫احلفر‪ ،‬والبدعة‪ :‬احلدث وما ابتدع من الدين بعد اإلكمال‪ .‬وفالن بدع يف هذا األمر أي أول ومل‬
‫يسبقه أحد‪ .‬وأبدع وابتدع وتبدع‪ :‬أتى ببدعة‪ .‬والبديع‪ :‬من أمساء هللا تعاىل‪ .‬والبديع‪ :‬مبعىن‬
‫السقاء واحلبل‪ .‬والبديع‪ :‬الزق اجلديد والسقاء اجلديد‪ .‬وأبدعت اإلبل كربكت يف الطريق من‬
‫هزال أو داء أو كالل يقال‪:‬أبدعت به راحلته إذا ظلعت‪ .‬ويقال أبدع فالن بفالن إذا قطع به‬
‫وخذله ومل يقم حباجته‪ .‬وأبدعت حجة فالن أي بطلت حجته أي بطلت‪ .‬وبدع يبدع فهو بديع‬
‫إذا مسن‪ .‬وأبدعوا به‪ :‬ضربوه‪ .‬وأبدع ابلسفر وابحلج‪ :‬عزم عليه ‪"32 .‬‬

‫و تدل كلمة اإلبداعية (‪ ،) Créativité‬يف القواميس األجنبية‪ ،33‬على القدرة على اإلبداع‬
‫واالخرتاع والتجديد واإلنشاء والتأليف والتكوين والتأسيس واإلخراج واخللق‪ .‬ومن أضداد‬
‫اإلبداع‪ ،‬يف هذه القواميس‪ ،‬التقليد‪ ،‬والنقل‪ ،‬واحملاكاة‪ ،‬واهلدم‪ ،‬والتخريب‪ ،‬والثبات‪ ،‬والنفي‪،‬‬
‫والالوجود‪. . .‬‬

‫‪ - 32‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬دار صبح بريوت‪ ،‬لبنان‪ /‬وأديسوفت‪ ،‬الدار البيااء‪ ،‬املغرب‪ /‬الطبعة األوىل سنة‬
‫‪2006‬م‪ ،‬صص‪.326-325:‬‬
‫‪33‬‬
‫‪-AZNAR G., « Préciser le sens du mot “créativité”, Synergies‬‬
‫‪Europe, n° 4, 2009, p. 23-37.‬‬
‫‪45‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫و يفهم من هذه الدالالت اللغوية االشتقاقية أن اإلبداعية تدل على اخللق واالخرتاع‬
‫واالكتشاف والتجديد والتحديث‪ ،‬وجتاوز التقليد واحملاكاة‪ ،‬إىل ما هو أصيل وبناء وهادف‪ .‬ومن‬
‫هنا‪ ،‬فاإلبداعية هو فعل اإلنشاء‪ ،‬وخلق أشياء جديدة‪ ،‬وبلورة تصورات وأفكار ومشاريع أخاذة‬
‫قائمة على اخرتاع مفاهيم جديدة‪ ،‬وابتكار مناهج وطرائق حديثة يف التعامل مع الظواهر املادية‬
‫واملعنوية‪.‬‬

‫و أتخذ كلمة اإلبداعية دالالت اصطالحية ختتلف من حقل إىل آخر‪ ،‬فاإلبداعية يف التصور‬
‫الديين هو خلق هللا للعامل واإلنسان من العدم‪ .‬أي‪ :‬من الشيء‪ .‬ومن مث‪ ،‬فكلمة اإلبداعية‬
‫ترادف اخللق واإلجياد‪ ،‬وإنشاء الكون‪ .‬بينما يعين اإلبداع يف اجملال الفقهي البدع واملستجدات‬
‫اليت مل يستوجبها الشرع‪ ،‬فكل بدعة ضالة‪ ،‬وكل ضاللة يف النار‪ ،‬وأصحاب البدع هم أصحاب‬
‫املستحداثت‪.‬‬

‫وتعين اإلبداعية‪ ،‬يف اجملال العلمي‪ ،‬االخرتاع واالبتكار واالكتشاف‪ .‬أما املقصود هبا‪ ،‬يف جمال‬
‫األدب والفن والفلسفة‪ ،‬خلق نظرايت وتصورات فكرية ومبادئ نسقية جديدة منسجمة وغري‬
‫متناقاة‪ ،‬وأتليف نصوص متتاز ابحلداثة والتجديد واالنزايح والغرابة واخلرق‪.‬‬

‫و املقصود ابإلبداعية يف جمال اللسانيات التوليدية التحويلية‪ ،‬كما عند مؤسسها األمريكي نوام‬
‫شومسكي ( ‪ ،) . . .-1928() N. Chomsky‬خلق مجل ال متناهية العدد بواسطة‬
‫قواعد متناهية العدد‪ ،‬أو تغيري القواعد النحوية وتبديلها‪ .‬أي‪ :‬ليس " اإلنسان مالكا لدوالب‬
‫اللغة فحسب‪ ،‬فعند التحدث ال يكتفي إبعادة اجلمل‪ ،‬بل خيلق مجال جديدة‪ ،‬رمبا مل يسمعها‬
‫قبل‪ .‬وابلتايل‪ ،‬فاحلديث ليس إعادة جلمل مسعت‪ ،‬بل هو عملية إبداع‪ ،‬ويبدو أن هذا هو‬
‫املظهر األساسي املوجود ابلقوة‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول الفرنسي نيكوال روفيت ( ‪Nicolas‬‬
‫‪":)Ruvet‬إنه من االستثنائي والنادر إعادة اجلمل‪ ،‬فاإلبداع املتفق مع حنو اللغة هو القاعدة‬

‫‪46‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫يف االستعمال العادي للتحدث يوميا‪ .‬والفكرة القائلة‪ :‬إن اإلنسان ميلك رصيدا لغواي‪ ،‬ذخرية‬
‫من البياانت‪ ،‬أيخذ منها كلما استدعت احلاجة لذلك‪ ،‬إمنا هي خرافة ال متت بصلة إىل‬
‫استعمال اللغة كما نالحظه‪ .‬ومييز شومسكي بني نوعني من اإلبداع‪:‬‬

‫أ‪ -‬إبداع يبدل القواعد النحوية‪ ،‬وهو خاصية املوجود ابلفعل‪.‬‬

‫ب‪ -‬إبداع ميكننا من إجياد عدد ال متناه من اجلمل‪ ،‬وهو انتج عن تطبيق القواعد النحوية‪.‬‬
‫ويسمى هذا اإلبداع إبداعا حمكوما ابلقواعد‪ .‬ووجوده ممكن بطبيعة القوانني النحوية نفسها اليت‬
‫ميكن هلا أن تتوالد إىل ما ال هناية‪ .‬وعلى هذا املنوال‪ ،‬يصري املوجود ابلقوة كمجموعة مكونة من‬
‫عدد حمدود من القوانني‪ ،‬وقادرة على إنشاء عدد ال حمدود من اجلمل‪ 34" .‬أضف إىل ذلك أن‬
‫اإلنسان يتميز لسانيا عن احليوان ابلقدرة اإلبداعية‪ .‬يف حني‪ ،‬يعتمد احليوان على ماهو فطري‬
‫وغريزي تكراري‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬تدل اإلبداعية على النهوض والتجديد واإلتيان ابلشيء اجلديد‪ ،‬وتقدمي أفكار جديدة‪،‬‬
‫وإبداع طرائق حديثة يف العمل‪ ،‬وابتكار آليات تقنية مل تكن موجودة‪ ،‬أو اكتشاف أشياء مل تكن‬
‫معروفة يف السابق‪ ،‬وطرح نظرايت وتصورات وبرامج ومشاريع حديثة مل يسبق إليها أحد‪ .‬وتعين‬
‫اإلبداعية كذلك التميز والسبق والتفرد‪ .‬كما يعين اإلبداع اإلميان ابلتحول يف مقابل الثبات‪.‬‬
‫وحييل كذلك على األصالة وجدة البحث واملوضوع واإلنشاء‪ ،‬وجتاوز التقليد واحملاكاة واالجرتار‪،‬‬
‫وتوليد أفكار جديدة وتقوميها‪ ،‬وتغيري السلوك كما عند املدرسة السلوكية‪. . .35‬‬

‫‪ - 34‬انظر‪ :‬عبد السالم املسدي‪ :‬اللسانيات من خالل النصوص‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪ ،‬تونس‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫سنة ‪1984‬م‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫‪- Isabelle Puozzo:Pédagogie de la créativité: de l’émotion à‬‬
‫‪l’apprentissage , http://edso.revues.org/174.‬‬

‫‪47‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ويعين هذا املفهوم عند كرافت (‪ )CRAFT‬طرح أفكار وتصورات ونظرايت وبراديغمات‬
‫ومبادئ جديدة خلقا وتوليدا وإبداعا وجتديدا‪.36‬‬

‫وقد ارتبط اإلبداع األول مبجال األدب والفن والتخييل‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬انتقل هذا املفهوم إىل‬
‫جماالت أخرى‪ ،‬كالعلم‪ ،‬والتقنية‪ ،‬والرتبية‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬واملوسيقا‪ ،‬والتشكيل‪ ،‬واملسرح‪ ،‬والسينما‪،‬‬
‫وعلم اللغة‪ ،‬واإلعالم‪ ،‬والرايضة البدنية‪ ،‬وتعلم اللغات‪. . .37‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬مفهوم اإلبداعية يف جمال البيداغوجيا‬


‫يقصد ابلنظرية اإلبداعية يف جمال البيداغوجيا أن يكون املتعلم أو املتمدرس مبدعا قادرا على‬
‫التأليف واإلنتاج ومواجهة الوضعيات الصعبة املعقدة‪ ،‬مبا اكتسبه من تعلمات وخربات معرفية‬
‫ومنهجية‪ .‬وال يفهم من البيداغوجيا اإلبداعية تغيري املقررات املدرسية شكال وماموان فقط‪،‬‬
‫واستبداهلا من حني آلخر‪ ،‬بل تعين تقدمي التعلمات واخلربات بطريقة إبداعية نشطة‪ ،‬توصل‬
‫املدرس أو املتعلم معا إىل قيق األهداف املرجوة‪ .‬ويتحقق ذلك ابقرتاح جمموعة من احملتوايت‬
‫واألنشطة والطرائق الديدكتيكية املالئمة واملناسبة لنمو املعلم وتفتقه معرفيا ووجدانيا وحسيا‪-‬‬
‫حركيا‪ .38‬أي‪ :‬مبساعدة املتعلم على إظهار قدراته الكفائية والنمائية‪ ،‬وتوظيف ملكاته توظيفا‬
‫جيدا‪ ،‬وتفتيق مواهبه الواعية والالواعية‪ ،‬والسماح له إبظهار مشاعره وأهوائه ورغباته وميوله‬

‫‪36‬‬
‫‪- CRAFT A., Creativity in schools. Tensions and dilemmas,‬‬
‫‪New York, Routledge, 2005.p:19.‬‬
‫‪37‬‬
‫‪-CRAFT A., Creativity in schools. Tensions and dilemmas,‬‬
‫‪p:78-79.‬‬
‫‪38‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪BANDURA A., Auto-efficacité. Le sentiment d’efficacité‬‬
‫‪personnelle (P. Lecomte, trad.) (2e éd.), Bruxelles, De Boeck, 2007‬‬
‫‪(original publié en 1997).‬‬
‫‪48‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫الوجدانية بكل حرية وعفوية وتلقائية‪ ،‬ومساعدته على قيق التوازن النفسي والعاوي‬
‫واجلسدي‪ .‬وهذا كله من أجل قيق النجاح املدرسي‪.39‬‬

‫وتتجلى اإلبداعية الرتبوية يف االخرتاع‪ ،‬واالكتشاف‪ ،‬وتركيب ما هو آيل وتقين‪ ،‬وتطوير ما هو‬
‫موجود ومستورد من األشياء‪ ،‬وإخراجها يف حلة جديدة‪ ،‬وبطريقة أكثر إتقاان ومهارة وجودة‪.‬‬
‫وال بد أن يكون ما هو مطور قائما على البساطة واملرونة والفعالية التقنية واإللكرتونية وسهولة‬
‫االستعمال‪ .‬ويرى عبد الكرمي غريب أن البيداغوجيا اإلبداعية هي "األنشطة والعمليات املنظمة‬
‫‪40‬‬
‫اليت يقوم هبا املتعلم ألجل ابتكار أفكار أو اكتشاف أشياء تتميز بتفردها‪" .‬‬

‫‪un‬‬ ‫ومـ ــن هنـ ــا‪ ،‬فالبيـ ــداغوجيا اإلبداعيـ ــة ثـ ــورة أو قطيعـ ــة تربوي ــة‪ ،‬أو مبثابـ ــة ب ـ ـراديغم تربـ ــوي (‬
‫‪ )paradigme‬جديــد‪ ،‬حيــدث قطيعــة مــع الرتبيــة الكالســيكية‪ ،‬أو الرتبيــة التقليديــة الــيت تقــوم‬
‫على الثبات‪ ،‬والتقليد‪ ،‬واحملاكاة‪ ،‬واالجرتار‪ ،‬واحملافظة على القواعـد‪ .‬وابلتـايل‪ ،‬فاإلبـداع هـو تطـوير‬
‫الربديغمــات العلميــة‪ ،‬واالن ـزايح عمــا هــو قــدمي وتقليــدي‪ .‬وختاــع التصــورات والنظ ـرايت الرتبويــة‬
‫للتطور والتغري والقطـائع اإلبسـتمولوجية والثـورات علـى غـرار النظـرايت العلميـة املفاجئـة‪ ،‬ضـمن مـا‬
‫يسمى ابلرباديغمات(‪ )Paradigmes‬أو النماذج العلمية‪.‬‬

‫ويعين هذا أن الرتبية‪ ،‬بصفة عامة‪ ،‬تتغري بتغري الرباديغمات والنماذج واألنساق البيداغوجية‬
‫والديدكتيكية والعلمية والسيكواجتماعية نظرية وتطبيقا وممارسة ووظيفة‪ .‬مبعىن أن التحول الرتبوي‬

‫‪39‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Isabelle Puozzo, « Pédagogie de la créativité: de l’émotion à‬‬
‫‪l’apprentissage », Éducation et socialisation [En ligne], 33 | 2013,‬‬
‫‪mis en ligne le 01 septembre 2013, consulté le 12 juin 2016. URL:‬‬
‫‪http://edso.revues.org/174.‬‬
‫‪ -‬عبد الكرمي غريب‪ :‬املنهل الرتبوي ‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬منشورات عامل الرتبية‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار‬ ‫‪40‬‬

‫البيااء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2006‬م‪ ،‬ص‪.722:‬‬


‫‪49‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫يتحقق بفعل تغري النظرايت والنماذج والربديغمات العلمية اليت تظهر من حني آلخر‪ ،‬كما يثبت‬
‫ذلك توماس كون(‪ )T. Kuhn‬يف كتابه (بنية الثورات العلمية)‪ .41‬أي‪ :‬تتغري األنساق‬
‫الرتبوية بتغري الرباديغمات والنماذج والنظرايت واملناهج واالفرتاضات العلمية‪.‬‬

‫ومن مث‪ ،‬تستند البيداغوجيا اإلبداعية إىل الذكاءات املتعددة‪ ،‬وامتالك الكفاءة املهارية‪ ،‬والتسلح‬
‫ابلقدرات الذاتية التعلمية يف مواجهة أسئلة الواقع املوضوعي‪ ،‬بتشغيل ما يدرسه املتعلم يف مقطع‬
‫دراسي‪ ،‬ويستوعبه يف السنة الدراسية‪ ،‬أو يكتسبه عرب امتداد األسالك الدراسية من أجل‬
‫التكيف مع الواقع‪ ،‬والتأقلم معه إما حمافظة‪ ،‬وإما تغيريا‪.‬‬

‫وميكن االستعانة ابلسكولوجيا املعرفية ملساعدة املتعلم على إجياد أفكار جديدة‪ ،‬ودفعه إىل‬
‫تشغيل عقله وذكائه بطريقة إجيابية بغية طرح أفكار بديلة‪ ،‬وتقدمي تصورات وآراء ومقرتحات غري‬
‫مسبوقة‪ ،‬وتشجيعه على النقد البناء اهلادف‪ .‬ويف الوقت نفسه‪ ،‬ميكن االستعانة أياا‬
‫ابلسيكولوجيا السلوكية لتغيري سلوكيات املتعلم من األسوإ حنو األحسن واألفال‪ ،‬أو مساعدته‬
‫على متثل السلوك اإلبداعي يف حياته اليومية‪ .‬وهنا‪ ،‬ميكن احلديث عن تقومي إبداعي يرصد‬
‫ملكة اإلبداع لدى املتعلم على املستوى املعريف والذهين‪ ،‬أو على املستوى السلوكي‪ ،‬أو على‬
‫مستوى املواقف وامليول واالجتاهات النفسية والوجدانية واالنفعالية‪ ،‬أو على املستوى احلسي‪-‬‬
‫احلركي‪ .‬أي‪ :‬يرصد التقومي اإلبداعي كل التحوالت اليت تنتاب املتعلم‪ ،‬ويستجلي كل مظاهر‬
‫التحول والتغري والتجديد والتحديث لدى املتعلم على مستوى التفكري‪ ،‬واللغة‪ ،‬والعمل‪،‬‬
‫والسلوك‪. . .‬‬

‫‪41‬‬
‫‪-T.Kuhn: La structure des révolutions scientifiques, traduit par‬‬
‫‪Laure Meyer, Flammarion, Paris, 1970.‬‬
‫‪50‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فالبيداغوجيا اإلبداعية ‪ -‬حسب لوابر(‪ -)Lubart‬هي اليت تظهر قدرة املتعلم على‬
‫إنتاج إنشاء جديد‪ ،‬وفق سياق معني‪ ،‬أو وضعية ما‪ .42‬وابلتايل‪ ،‬تسهم يف خلق الفوارق الفردية‬
‫اإلجيابية‪.‬‬

‫وتتأسس اإلبداعية الرتبوية على أربعة عوامل أساسية هي‪:‬‬

‫‪ ‬العوامل املعرفية‪ :‬تتمثل يف قدرة املتعلم على طرح أفكار جديدة‪ ،‬وتوظيف ملكته الكفائية‬
‫بشكل إجيايب‪ ،‬والقدرة على التطبيق‪ ،‬والتحليل‪ ،‬واالستنتاج‪ ،‬والتقومي‪ ،‬واالنتقاء‪ ،‬واملقارنة؛ أو‬
‫القدرة على التفكيك والرتكيب؛ أو القدرة على الفهم والتفسري والتأويل؛‬

‫‪ ‬عوامل اإلاثرة‪ :‬تتعلق بتفرد شخصية املتعلم فكراي‪ ،‬ووجدانيا‪ ،‬وحسيا‪-‬حركيا؛ ومتيزه عن‬
‫أقرانه اآلخرين ابلذكاء واملوهبة واخللق‪ ،‬وتفرده آبرائه وميوله ورغباته واجتاهاته النفسية؛ واستعمال‬
‫أساليب متميزة يف املعرفة والتحفيز؛‬

‫‪ ‬العوامل الوجدانية‪ :‬تتعلق ابجلوانب الشعورية والذاتية واالنفعالية والعاطفية اليت فز املتعلم‬
‫على اإلبداع واالبتكار والتجديد والتميز معرفيا وعلميا وأدبيا وفنيا وتقنيا؛‬

‫‪ ‬عوامل احمليط‪ :‬تسهم عوامل احمليط والوسط‪ ،‬كاألسرة‪ ،‬والشارع‪ ،‬واملدرسة‪ ،‬واجلامعة‪. . .‬‬
‫يف تكوين الفرد املبدع من مجيع النواحي النفسية واملعرفية والسلوكية‪ ،‬وجناحه يف احلياة الدراسية‬
‫أو املهنية أو اإلبداعية‪ ،‬إما بطريقة مباشرة‪ ،‬وإما بطريقة غري مباشرة‪.43‬‬

‫‪42‬‬
‫‪- LUBART T., Psychologie de la créativité (2e éd.), Paris, Armand‬‬
‫‪Colin, 2003, p:10.‬‬
‫‪43‬‬
‫‪-LUBART T., Psychologie de la créativité, p: 31-84.‬‬
‫‪51‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وتسعى البيداغوجيا اإلبداعية إىل خلق فااءات صفية دراسية مالئمة‪ ،‬تساعد املتعلم على‬
‫قيق توازن نفسي ووجداين وانفعايل إجيايب بغية اخللق واإلنشاء واإلبداع واالكتشاف واالبتكار‪.‬‬
‫وال ينبغي أن تكون املدرسة حجرة عثرة أمام تقدم املتعلم‪ ،‬أو تاع املتاريس أمامه ملنعه من‬
‫التقدم أو النمو السيكولوجي واملعريف‪ ،‬أو تعيقه عن اإلبداع املدرسي‪ ،‬أو متنعه من إظهار قدراته‬
‫النمائية العادية أو اخلارقة‪.44‬‬

‫وما ميكن للمدرسة اإلبداعية أن تفعله هو أن د من االنفعاالت الزائدة أو الطائشة لدى‬


‫املتعلم‪ ،‬فتشجعه على إظهار العواطف واملشاعر الوجدانية اإلجيابية املثمرة واهلادفة والبناءة‪.‬‬

‫و تعتمد البيداغوجيا اإلبداعية على ليل النصوص وفهمها وتفسريها وأتويلها‪ ،‬والقدرة على‬
‫استنباط معانيها السطحية والثاوية يف العمق‪ .‬وقد تتجاوز اإلبداعية هذا املفهوم التحليلي النصي‬
‫إىل تقدمي تصورات فكرية نسقية جديدة حول اإلنسان واملعرفة والكون والقيم‪ ،‬تااف إىل‬
‫األفكار الفلسفية املوجودة يف الساحة الثقافية‪ .‬وميكن أن تكون اإلبداعية هي جتريب نظرايت‬
‫وفرضيات علمية جديدة‪ ،‬واإلدالء أبطروحات منهجية ومعرفية تسعف اإلنسان أو الدولة يف‬
‫استثمارها للصاحل العام‪.‬‬

‫و ميكن أن تكون اإلبداعية يف جمال الفن برسم لوحات تشكيلية‪ ،‬وحنت مشخصات تنم عن‬
‫تصورات حديثة‪ ،‬أو إخراج فيلم أو مسلسل أو مسرحية فيها الكثري من اإلضافات الفنية‬
‫اجلديدة‪ .‬و من مث‪ ،‬فاإلبداعية نظرية تربوية ثورية سامية ومتطلعة‪ ،‬هتدف إىل تربية التلميذ تربية‬
‫إبداعية ومهارية وملكاتية‪ ،‬وتعويده على اخللق واإلنتاج واإلبداع واالبتكار واالخرتاع والتجديد‬
‫والتطوير والرتكيب والتأليف‪ ،‬بعد االبتداء ابحلفظ وتقوية الذاكرة‪ ،‬واالستعانة بعمليات التدريب‬
‫‪44‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪BANDURA A., Auto-efficacité. Le sentiment d’efficacité‬‬
‫‪personnelle (P. Lecomte, trad.) (2e éd.), Bruxelles, De Boeck, 2007‬‬
‫‪(original publié en 1997).‬‬
‫‪52‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫والتمرين واحملاكاة‪ ،‬ومتثل املعارف السابقة املخزنة يف الذاكرة‪ ،‬وتفتيقها أثناء مواجهة الوضعيات‬
‫اجلديدة يف الواقع امليداين والنظري واالفرتاضي‪.‬‬

‫وميكن أن تكون اإلبداعية الرتبوية فردية أو مجاعية‪ .‬وكلما كانت مجاعية‪ ،‬ويف إطار فريق تربوي‪،‬‬
‫كانت أحسن وأفال؛ بسبب ما يرتتب على ذلك من مردودية كمية وكيفية مثلى‪ ،‬وما هلا من‬
‫نتائج إجيابية ومثمرة ذات أثر فعال يف نفسية كل عاو من أعااء الفريق‪ .‬ولكن البد من قائد‬
‫يدبر أمر هذا الفريق‪ ،‬ويكون أكثر كفاءة ومحاسة و فيزا ورغبة يف اإلبداع واالبتكار واالكتشاف‬
‫واإلنتاج واخللق‪.‬‬

‫وقد تكون تلك اإلبداعية الرتبوية أياا شفوية أو كتابية أو بصرية‪ .‬وقد تكون كذلك نظرية أو‬
‫عملية‪ ،‬أو تكون ذهنية أو وجدانية أو حسية حركية‪ .‬وختتلف هذه اإلبداعية الرتبوية من جمال‬
‫إىل آخر‪ ،‬فتكون إبداعية لغوية ولسانية‪ ،‬أو إبداعية أدبية‪ ،‬أو إبداعية فنية‪ ،‬أو إبداعية فلسفية‪،‬‬
‫أو إبداعية علمية‪ ،‬أو إبداعية تقنية‪. . .‬‬

‫املبحث اخلامس‪ :‬مرتكـ ـزات النظري ــة اإلبداعي ــة‬


‫تتكئ النظرية اإلبداعية الرتبوية على جمموعة من األسس واملرتكزات‪ ،‬ومن أمهها‪ :‬استقاللية‬
‫شخصية املتعلم‪ ،‬والبحث عن األفكار والتصورات والنظرايت واآلراء اجلديدة‪ ،‬والسعي الدائم‬
‫وراء التحديث والتجديد‪ ،‬واستعمال التكنولوجيا املعاصرة والثقافة الرقمية‪ ،45‬وتفادي التكرار‬
‫واالجرتار‪ ،‬واالبتعاد عن استنساخ ما هو موجود سلفا‪ ،‬واستيعاب الثورات العلمية والربديغمات‪،‬‬
‫واالستفادة من القطائع اليت دث على مجيع املستوايت املعرفية واإلنتاجية‪ ،‬وجتنب أوهام‬

‫‪45‬‬
‫‪- Olivier Rey et Annie Feyfant: (VERS UNE ÉDUCATION PLUS‬‬
‫‪INNOVANTE ET CRÉATIVE).Dossier d’&ctualité.n70, janvier‬‬
‫‪2012. http://ife.ens-lyon.fr/vst/DA-Veille/70-janvier-2012.pdf‬‬

‫‪53‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫احلداثة الشكلية والزائفة ابملفهوم األدونيسي‪ ،46‬واعتماد حداثة حقيقية وظيفية بناءة وهادفة‪،‬‬
‫تنفع اإلنسان يف صريورته التارخيية واالجتماعية‪ .‬ولن تتحقق هذه احلداثة إال ابلتعلم الذايت‪،‬‬
‫وتطبيق البيداغوجيا الالتوجيهية أو املؤسساتية أو امللكاتية‪ ،‬واالسرتشاد بنظرية الذكاءات‬
‫املتعددة‪ ،‬واالستعانة ابلبيداغوجيا الفارقية‪ ،‬ومتثل تربية القيم واملواطنة وحقوق اإلنسان‪ ،‬ودمقرطة‬
‫الدولة وكل مؤسساهتا التابعة هلا‪ .‬ويعين هذا أن البيداغوجيا اإلبداعية لن تنجح يف الدول اليت‬
‫تكم إىل القوة واحلديد‪ ،‬وتسن نظاما ديكتاتوراي مستبدا ؛ ألن الثقافة اإلبداعية هي ثقافة‬
‫تغيريية راديكالية ضد أنظمة التسلط والقهر واجلور‪.‬‬

‫و ال ميكن احلديث أياا عن النظرية اإلبداعية إال إذا كان هناك تشجيع كبري لفلسفة التخطيط‬
‫والبناء والتدبري‪ ،‬وإعادة البناء واالخرتاع واالكتشاف‪ ،‬وتطوير البحث العلمي‪ ،‬وتنمية القدرات‬
‫الذاتية واملادية من أجل مواجهة كل التحدايت‪.‬‬

‫ومن الشروط اليت تستوجبها النظرية اإلبداعية االحتكام الدائم إىل اجلودة احلقيقية كما وكيفا‬
‫حسب املقاييس العاملية؛ تلك اليت اجلودة ال ميكن احلصول عليها إال بتخليق املتعلم واملواطن‬
‫بصفة خاصة‪ ،‬واجملتمع بصفة عامة‪ .‬ويعد اإلتقان من الشروط األساسية ملا هو إبداعي؛ ألن‬
‫اإلسالم حيث على إتقان العمل‪ ،‬وحيرم الغش واإلثراء غري املشروع‪ .‬وال بد من ضبط النفس أثناء‬
‫التجريب واالختبار‪ ،‬وتنفيذ املشاريع العلمية والتقنية‪ ،‬مع الرتوي يف إبداعاتنا على مجيع األصعدة‬
‫واملستوايت والقطاعات اإلنتاجية‪ ،‬واالشتغال يف فريق تربوي متميز كفاءة ومهارة وحذقا وكياسة‪،‬‬
‫واالنفتاح على احمليط العاملي قصد االستفادة من جتارب اآلخرين‪ ،‬واملسامهة بدوران يف خدمة‬
‫اإلنسان كيفما كان‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬البد أن يكون التعليم اإلبداعي منفتحا على حميطه‪ ،‬ويف‬
‫خدمة التنمية احمللية واجلهوية والوطنية والقومية واإلنسانية‪.‬‬

‫‪ -‬أدونيس‪ :‬مقدمة للشعر العريب‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة ‪1986‬م؛ والثابت واملتحول‪ ،‬اجلزء‬ ‫‪46‬‬

‫الثالث‪ ،‬واجلزء الرابع‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة ‪2001‬م‪.‬‬


‫‪54‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫هذا‪ ،‬وترفض النظرية اإلبداعية التقليد اجملاين واحملاكاة السائبة العمياء‪ ،‬واالتكال على اآلخرين‪،‬‬
‫واسترياد كل ما هو جاهز‪ ،‬واستبدال ذلك كله ابلتخطيط العقالين واملدبر‪ ،‬وإنتاج األفكار‬
‫والنظرايت الناجعة واملثمرة‪ ،‬ابلتفكري يف املاضي واحلاضر واملستقبل‪ ،‬ومتثل التوجهات الرباغماتية‬
‫العملية املفيدة‪ ،‬بشرط ختليقها ملصلحة اإلنسان بصفة عامة‪.‬‬

‫وينبغي أن ينصب اإلبداع كذلك على ما هو أديب‪ ،‬وفين‪ ،‬وفكري‪ ،‬وعلمي‪ ،‬وتقين‪ ،‬ومهين‪،‬‬
‫وصناعي‪ ،‬وإعالمي‪ ،‬يف إطار نسق منسجم ومتناغم ومتكامل لتحقيق التنمية احلقيقية والتقدم‬
‫واالزدهار النافع لوطننا وأمتنا‪.‬‬

‫و من املعلوم‪ ،‬أن الدول الغربية مل تتقدم إال بتشجيع احلرايت اخلاصة والعامة‪ ،‬وإرساء الدميقراطية‬
‫احلقيقية‪ ،‬وتشجيع العمل اهلادف‪ ،‬و فيز العاملني ماداي ومعنواي‪ .‬ومن مث‪ ،‬تعد فكرة التشجيع‬
‫والتحفيز‪ ،‬وتقدمي املكافآت املادية والرمزية‪ ،‬واالعتداد ابلكفاءة احلقيقية‪ ،‬من أهم مقومات هذه‬
‫البيداغوجيا العملية احلقيقية‪ ،‬ومن أهم أسس الرتبية املستقبلية القائمة على االستكشاف‬
‫واالخرتاع واالبتكار‪.‬‬

‫أضف إىل ذلك أن االقتصاد العاملي هو اقتصاد تنافسي ابمتياز‪ ،‬يفرض على الشعوب أن تعىن‬
‫ابلتعليم من أجل تكوين املوارد البشرية املؤهلة‪ ،‬وتوفري األطر الكفأة‪ ،‬وتكوين العمال وفق‬
‫أحدث األنظمة التقنية املعاصرة‪ .‬ويستوجب هذا كله أن يكون التعليم إبداعيا‪ ،‬يركز على‬
‫الكيف‪ ،‬والتنوع‪ ،‬وتنمية امللكات والقدرات اإلبداعية لدى املتعلم تعلما وتكوينا وتطبيقا‪.‬‬

‫وقد سعت جمموعة من الدول الغربية‪ ،‬ابخلصوص‪ ،‬منذ سنوات األلفية الثالثة‪ ،‬إىل متثل املقاربة‬
‫اإلبداعية يف جمال الرتبية والتعليم والديدكتيك لتجويد التعلمات لدى املتمدرس‪ ،‬والبحث عن‬
‫اجلديد‪ ،‬ومساعدته على اخللق واإلبداع واالبتكار‪ ،‬ومواجهة الوضعيات الصعبة واملعقدة‪ ،‬وتطوير‬

‫‪55‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫اإلبداع الذكائي‪ ،‬جبعل املتعلم أمام وضعيات سياقية خارجية شائكة للتثبت من مدى قدرته على‬
‫التكيف والتأقلم والتمثل واالستيعاب والتجديد وحل املشاكل‪.‬‬

‫ويعين هذا أن البيداغوجيا اإلبداعية هي بيداغوجيا املركز‪ ،‬واجلودة‪ ،‬والتنافس‪ ،‬واهليمنة‪ ،‬والتميز‪،‬‬
‫واملردودية‪ ،‬والتدبري‪ ،‬والتخطيط‪ ،‬والتسيري‪ ،‬و قيق االكتفاء‪ ،‬وزايدة اإلنتاج‪ ،‬وتصدير املنتج كما‬
‫وكيفا‪.‬‬

‫املبح ــث السادس‪ :‬املرجعيـ ـات النظرية‬


‫تستوحي البيداغوجيا اإلبداعية مرتكزاهتا النظرية والتطبيقية من نظرية اللسانيات التوليدية‬
‫التحويلية اليت تتبين كثري على اإلبداعية اللغوية على مستوى اإلجناز‪ ،‬وتوليد اجلمل الالمتناهية‬
‫العدد من خالل قواعد هنائية وحمددة‪ ،‬واستعماهلا بشكل إبداعي متجدد‪ .‬كما تعتمد النظرية‬
‫اإلبداعية على إجيابيات بيداغوجيا األهداف والكفاايت واجملزوءات ونظرية اجلودة الرتبوية‪،‬‬
‫والتخلي عن سلبياهتا املعيقة‪ .‬ومن انحية أخرى‪ ،‬تتبىن مبادئ الرتبية احلديثة واملعاصرة‪ ،‬مع متثل‬
‫الفلسفة الرباغماتية املخلقة‪ ،‬وتنفيذ مقررات احلياة املدرسية‪ ،‬واألخذ بفلسفة التنشيط الرتبوي‪،‬‬
‫واالستهداء بنظرية الذكاءات املتعددة‪ ،‬واالستفادة من مبادئ مدرسة املستقبل‪ ،‬ونظرية امللكات‬
‫كما لدى الدكتور حممد الدريج‪.47‬‬

‫هذا‪ ،‬وتستلهم هذه النظرية التجارب الرتبوية يف الدول الغربية املتقدمة اليت تربط املدرسة والتعليم‬
‫ابملمارسة العملية‪ ،‬وسوق الشغل‪ ،‬والبحث العلمي‪ ،‬واالخرتاع اآليل والتقين‪ .‬وتقرنه كذلك‬
‫ابلتنمية والتقدم واالزدهار‪ .‬وتعتمد أياا على الطرائق البيداغوجية الفعالة‪ ،‬والتعليم اإلقرائي‬
‫املسرحي‪ ،‬واالستفادة من نظرايت التدبري والشراكة واملشاريع‪ ،‬واالنفتاح على النظرايت‬

‫‪ -‬انظر‪ :‬حممد الدريج‪( :‬ماذا بعد بيداغوجيا اإلدماج؟ منوذج التدريس ابمللكات)‪ ،‬جريدة األخبار‪ ،‬املغرب‪،‬‬ ‫‪47‬‬

‫العدد‪ ،62:‬الثالاثء ‪ 29‬يناير ‪2013‬م‪ ،‬ص‪.8:‬‬


‫‪56‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫املستقبلية‪ ،‬والتوفيق بني األصالة واملعاصرة‪ ،‬والتأثر بنظرايت الرتبية لدى علمائنا القدامى اليت‬
‫تركز على احلفظ والعقل والنقد واحلوار على حد سواء‪ ،‬والتشديد على فلسفة القيم واملواطنة‬
‫وحقوق اإلنسان‪.‬‬

‫املبحث السابع‪ :‬فلسفة البيداغوجيا اإلبداعية وغاايهتا‬


‫هتدف البيداغوجيا اإلبداعية إىل تكوين مواطن صاحل يغري جمتمعه‪ ،‬ويسهم يف تطويره‪ ،‬ويرفع‬
‫مراتبه‪ ،‬وحيفظ كينونة أمته ومقوماهتا الدينية‪ ،‬ويسعى جاهدا من أجل تنميتها بشراي وماداي‪،‬‬
‫ومحايتها من املعتدين ابلدفاع عنها ابلنفس والنفيس‪ ،‬وإعداد القوة البشرية والعلمية والتقنية من‬
‫أجل اجملاهبة والتحصني والدفاع‪ .‬و يعين هذا أن البيداغوجيا اإلبداعية نظرية تعمل على تكوين‬
‫جيل من املتعلمني ميتلك العلم والتكنولوجيا‪ ،‬ويكون مؤهال ابلقدرات وامللكات الكفائية يف‬
‫مجيع التخصصات من أجل تسيري دفة اجملتمع‪ ،‬وتوجيهه الوجهة احلسنة والسليمة‪ ،‬مع لي هذا‬
‫اجليل ابألخالق الفاضلة اليت تؤهله خلدمة اجملتمع والوطن واألمة على حد سواء‪.‬‬

‫و من أهداف البيداغوجيا اإلبداعية العمل على خلق مدرسة عملية نشيطة‪ ،‬حيس فيها التلميذ‬
‫ابحلرية واخللق واإلبداع‪ .‬وابلتايل‪ ،‬تتحول هذه املدرسة إىل ورشات تقنية‪ ،‬ومقاوالت صناعية‪،‬‬
‫وخمتربات علمية‪ ،‬وحمرتفات أدبية‪ ،‬وقاعات فنية‪ ،‬من أجل املسامهة يف االقتصاد الوطين والعاملي‪.‬‬
‫و ال بد أن يتعود التلميذ‪ ،‬يف هذه املدرسة‪ ،‬على التحكم يف اآللة تفكيكا وتركيبا وتطويرا‪،‬‬
‫واخرتاع آالت جديدة لتنمية االقتصاد‪ ،‬و ديث الصناعة الوطنية على غرار املدارس اآلسيوية‪،‬‬
‫كما يبدو ذلك جليا يف دول التنينات أو الياابن أو املدارس الغربية‪.‬‬

‫و ال ميكن خلق تلميذ مبدع إال إذا كانت اإلدارة وهيئة التعليم واإلشراف تتوخى التغيري‬
‫واإلبداع‪ ،‬وهتوى التنشيط بكل آلياته املختلفة واملتنوعة‪ ،‬وهلا الرغبة احلقيقية يف العمل اهلادف‬
‫املتنامي‪ ،‬والقدرة على املسامهة يف البناء واخللق والتطوير والتجديد من أجل قيق األهداف‬

‫‪57‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫الوطنية والقومية‪ .‬وال ميكن كذلك احلصول على هذه الشرائح املبدعة الراغبة يف اخللق والتطوير‬
‫والتحديث إال إذا حسنا أوضاعها املادية واملالية‪ ،‬وحفزانها معنواي واجتماعيا ومهنيا‪ ،‬ووضعنا كل‬
‫شخص يف مكانه املناسب اعتمادا على معايري العمل والعلم‪ ،‬مع إبعاد الرتقية ابألقدمية‬
‫واالختيار اليت تسيء إىل الفلسفة اإلبداعية وبيداغوجيا اخللق والتجديد‪.‬‬

‫وبناء على ما سبق‪ ،‬تسعى املدرسة اإلبداعية إىل استكشاف اجلديد‪ ،‬واالهتمام ابملخرتعات‬
‫التكنولوجية‪ ،‬وجتديد املفاهيم املوروثة‪ ،‬وتطوير آليات البحث العلمي معرفيا وتقنيا وصناعيا‪.‬‬
‫والبد من آلية التسريع يف االكتشاف واالخرتاع واإلبداع‪ .‬ومن مث‪ ،‬تعطى األولوية لتأهيل املوارد‬
‫البشرية‪ ،‬واالبتعاد عن السياسات املركزية‪ ،‬ابستشارة الطاقات والكفاءات اجلهوية واحمللية‪،‬‬
‫واالنتقال من التسيري املركزي إىل التسيري اجلهوي واحمللي‪ .‬فاال عن األخذ ابلنظام التعليمي‬
‫النظري والتطبيقي‪ ،‬واالستفادة من التكوين املستمر‪ ،‬وتطوير البيئة الصناعية والتقنية‪ ،‬واألخذ‬
‫بسياسة التنافس واإلنتاجية‪ ،‬وتقدير الكفاءات‪ ،‬وتشجيعها و فيزها‪ ،‬والبحث عن املشاريع‪،‬‬
‫و ويل املدرسة إىل ماركتينغ(‪ )Marketing‬حبثا عن املمولني واملشاريع اإلجيابية‪ ،‬واستكشاف‬
‫أسواق جديدة لتصريف املنتج الرتبوي والعلمي‪ ،‬واألخد أياا ابخلوصصة التعليمية‪ ،‬وربط‬
‫املدرسة بسوق الشغل بغية القااء على األمية واجلهل والفقر‪ ،‬وأياا عرب التحكم يف‬
‫اإلعالميات‪ ،‬وإتقان اللغات األجنبية‪ ،‬وتطوير التجارة الرقمية‪ ،‬وتطوير املنظومة اإلعالمية‪.‬‬

‫والبد من ويل اخلدمات التعليمية إىل وسيلة للتبادل بني األنظمة الرتبوية العاملية‪ ،‬وجعل‬
‫اخلدمات التعليمية آلية للتبادل االقتصادي والتجاري‪ .‬والبد أن تكون الشهادات املقدمة من‬
‫قبل املدرسة اإلبداعية معرتفا هبا عامليا‪ ،‬يف ضوء االحتكام إىل مقاييس اجلودة والتميز والتفرد‪،‬‬
‫واالنامام إىل املقررات العاملية املوحدة‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫أضف إىل ذلك أنه البد أن تكون املدرسة الرتبوية اإلبداعية مؤسسة اجتماعية عادلة ومتوازنة‪،‬‬
‫جتمع أبناء العمال مع أبناء األطر يف فااء تربوي سعيد‪ ،‬تذوب فيه الفوارق االجتماعية‬
‫واالقتصادية‪ ،‬بتشجيع املواطنة والتاحية وخدمة األمة‪ ،‬وتطبيق نظرية الذكاءات املتعددة يف‬
‫استكشاف الفوارق الفردية‪ ،‬واالهتمام بذوي احلاجيات اخلاصة‪.‬‬

‫وعلى العموم‪ ،‬تتقادم النظرايت العلمية والرتبوية بتقادم اجملتمع‪ ،‬ويتقادم اجلهاز املعريف‬
‫واإلبستمولوجي للنظام املتحكم يف بناء املعرفة وإنتاجها‪ .‬ومن مث‪ ،‬البد لإلنسان من التعلم الذايت‬
‫والتكوين املهين املستمر ليكون قريبا مما هو مستجد يف الساحة الثقافية واألدبية والعلمية والتقنية‬
‫والفنية واملعرفية‪ .‬ومن مث‪ ،‬فأساس النهاة احلقيقية والتنمية املستدامة هو التكوين احلريف واملهين‬
‫املستمر القائم على البحث الشخصي‪ ،‬والتعلم الذايت‪ ،‬واحلاور ميدانيا يف ورشات التكوين‬
‫والتأهيل ملسايرة مستجدات املعرفة اإلنسانية اليت تتطور كل يوم بوترية سريعة‪ ،‬من الصعب‬
‫تطويقها والتحكم فيها‪ .‬ويعين هذا كله أن على اإلنسان أن يتعلم طوال حياته‪ ،‬سواء أكان‬
‫تلميذا أم طالبا أم موظفا أم حرفيا‪ .‬فاملعرفة التتحدد بوقت معني‪ ،‬بل البد من متابعة الدروس‬
‫واحملاضرات مادام اإلنسان حيا ملسايرة كل ماهو جديد وحديث؛ ألن املعرفة تتقادم بسرعة‪ .‬لذا‪،‬‬
‫فعلى وزارة الرتبية والتعليم ‪ -‬مثال‪ -‬أن تعيد تكوين التالميذ واملدرسني ورجال اإلدارة على حد‬
‫سواء‪ ،‬بغية أتهيلهم يف خمتلف حقول املعرفة‪ ،‬سواء أكان ذلك يف مادة ختصصهم‪ ،‬أم يف مواد‬
‫معرفية أخرى‪ ،‬قريبة أم بعيدة عن جمال اهتمامهم‪ .‬وهذا كله من أجل تطوير العدة املهنية أو‬
‫احلرفية‪ ،‬ومن أجل احلفاظ على اإلنتاجية‪ ،‬وخلق حياة عملية نشيطة وحمفزة‪ ،‬وتطوير القدرات‬
‫املهنية واملهارات احلرفية‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫الفص ــل الثالث‪:‬‬

‫اإلجـ ـ ـراء التطبيقـ ــي‬

‫املبحث األول‪ :‬اإلجراء العملي للبيداغوجيا اإلبداعيـ ـة‬


‫يستوجب قيق البيداغوجيا اإلبداعية املرور مبجموعة من املراحل األساسية حسب مسار‬
‫التعلم‪ ،‬وتعاقب أسالك املدرسة من املستوى االبتدائي حىت املستوى اجلامعي‪ .‬وتبدأ البيداغوجيا‬
‫اإلبداعية ‪ -‬منهجيا‪ -‬مبرحلة احلفظ‪ ،‬وهي ملكة تراثية مهمة يف تقوية قدرات املتعلم‪ ،‬وصقل‬
‫ملكاته الذهنية والعقلية‪ .‬مث‪ ،‬أتيت مرحلة التقليد واحملاكاة والتدريب والتمرين‪ ،‬ومتثل ما هو جاهز‬
‫سلفا يف األسالك الدراسية األوىل بشكل مؤقت‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬ننتقل إىل مرحلة الرتكيب‪ ،‬وإعادة‬
‫اإلنتاج والتوليد‪ ،‬والتجريب يف األسالك الدراسية املتوالية‪ ،‬لننتهي مبرحلة اإلبداع واخللق والتجديد‬
‫والتحديث واالنزايح‪ ،‬واالستقالل بتصورات ومشاريع علمية وتقنية وفنية وأدبية جديدة هلا‬
‫مواصفات امللكية القانونية واإلبداعية‪ .‬وتنتهي هذه املراحل كلها ابلتطبيق‪ ،‬وإجناز املشاريع‬
‫اإلبداعية إجرائيا وواقعيا يف امليدان‪ ،‬وربط ما هو نظري ابملمارسة والتطبيق الفوري‪.‬‬

‫وبناء على ماسبق‪ ،‬تعتمد البيداغوجيا اإلبداعية على املراحل التالية‪:‬‬

‫‪ ‬مرحلة احلفظ‪ ،‬وتكون بتقوية الذاكرة الذهنية لتتسع لكل املعارف املقدمة؛‬

‫‪‬مرحلة التقليد واحملاكاة والتدريب واملران والتكرار؛‬

‫‪‬مرحلة التجريب والرتكيب وإعادة البناء؛‬

‫‪‬مرحلة اخللق واإلبداع والتجديد والتحديث؛‬

‫‪‬مرحلة التطبيق واإلجناز واملمارسة امليدانية‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫هذا‪ ،‬وتستلزم البيداغوجيا اإلبداعية‪ ،‬يف أثناء وضع املقررات واملناهج والربامج الدراسية‪ ،‬أن رتم‬
‫هذه املراحل كلها مع ديد خطواهتا البيداغوجية والديدكتيكية‪ .‬وال بد كذلك من متثل مبادئ‬
‫احلياة املدرسية‪ ،‬واألخذ بفلسفة التنشيط املدرسي‪ ،‬وتغيري استعماالت الزمن لتواكب هذه‬
‫النظرية‪ ،‬وأتهيل األطر الرتبوية واإلدارية وأطر اإلشراف لتكون يف مستوى هذه النظرية‬
‫البيداغوجية اجلديدة‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وننبه املسؤولني عن قطاع الرتبية والتعليم إىل أن هذه النظرية ال ميكن أن تنجح إال إذا‬
‫شيدت مدارس تربوية مركبة‪ ،‬تام الورشات واملختربات واحملرتفات التطبيقية واألقسام النظرية‪.‬‬
‫أي‪ :‬البد أن تكون املدرسة نظرية وتطبيقية‪ ،‬جتمع بني ما هو نظري‪ ،‬وما هو مهين وعملي‪،‬‬
‫وتكون مبثابة ورشة تقنية‪ ،‬وخمترب علمي‪ ،‬وقاعة للفنون واآلداب‪ ،‬ومتحف لعرض املنتجات‬
‫الفنية‪ ،‬ومسبح لتعلم السباحة‪ ،‬وقاعة للرايضة البدنية‪ ،‬بغية خلق أجيال رايضية متميزة‪ ،‬تساهم‬
‫يف رفع راية الوطن يف أعايل السماء‪.‬‬

‫و من هنا‪ ،‬البد أن يكون اإلبداع شامال ومرتابطا ومتناسقا‪ .‬والبد أياا من بناء مؤسسات‬
‫تربوية خاصة ابملتفوقني واألذكياء والعباقرة‪ ،‬كما هو الشأن يف الوالايت املتحدة األمريكية والدول‬
‫الغربية ويف روسيا؛ نظرا ملا هلؤالء من قدرات خارقة‪ ،‬ميكن استغالهلا يف اخرتاع األسلحة املتطورة‪،‬‬
‫وإنتاج النظرايت العلمية واألدبية والتقنية من أجل قيق التقدم واالزدهار‪ .‬وينبغي أن تكون‬
‫املقررات الدراسية عبارة عن وضعيات إبداعية معقدة وصعبة ذات مصداقية عملية وعلمية‬
‫وواقعية‪ ،‬وذات أهداف مفيدة وانفعة يف احلاضر واملستقبل‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فمن األكيد أن املدرسة املغربية‪ ،‬بظروفها احلالية‪ ،‬وأوضاعها املرتدية‪ ،‬وواقعها احملبط‪ ،‬ال‬
‫ميكن أن تفرض نفسها يف عامل اليوم الذي يتسم ابملنافسة احلادة‪ ،‬والصراع الشرس بني جمموعة‬
‫من األقطاب االقتصادية الكربى (الصني‪ ،‬والياابن‪ ،‬والوالايت املتحدة األمريكية‪ ،‬واال اد‬

‫‪61‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫األورويب‪ ،‬والربازيل‪ ،‬والتنينات األربعة‪) . . .‬؛ تلك املنافسة الشرسة القائمة على العلم والثقافة‪،‬‬
‫وإنتاج املعلومات وتسويقها‪ ،‬ومتثل التكنولوجيا املعاصرة يف كل مستوايهتا وجماالهتا املتنوعة‪ .‬ومن‬
‫مث‪ ،‬البد للمدرسة املغربية بصفة خاصة‪ ،‬واملدرسة العربية بصفة عامة‪ ،‬أن تنمو يف حميط إبداعي‬
‫متفرد‪ ،‬يؤمن ابحلرية والدميقراطية واجلودة واإلنتاجية‪ ،‬واعتماد معايري التنافس واإلتقان واحلداثة‬
‫والتميز واالخرتاع واالبتكار‪ ،‬وإنتاج النظرايت يف خمتلف جماالهتا املعرفية والعلمية‪ .‬ويعين هذا‬
‫االبتعاد عن مدرسة الثكنة املستبدة‪ ،‬واستبدال مدارسنا مبدارس التنشيط الثقايف والعلمي والفين‪،‬‬
‫ومتثل مبادئ احلياة املدرسية‪ ،‬واألخذ بفلسفة الشراكة يف تطبيق مشاريع املؤسسة‪ ،‬وتطبيق‬
‫الالتوجيهية يف التدريس والتوجيه والتعليم‪ ،‬واألخذ ببيداغوجيا اإلبداع فلسفة وطريقة ورؤية‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬التدبي ــر الديدكتيكي اإلبداع ــي‬


‫يرتكز التدبري الديدكتيكي‪ ،‬يف املدرسة اإلبداعية‪ ،‬على جمموعة من املبادئ واآلليات النظرية‬
‫والتطبيقية على الشكل التايل‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬االنطالق من الفلسفـ ــة اإلبداعي ــة‬


‫من الاروري أن ينطلق املدرس واملتعلم معا من الفلسفة اإلبداعية تصورا ومنهاجا وبرانجما‪،‬‬
‫فيختار املدرس اجملال اإلبداعي الذي يريد االشتغال عليه‪ ،‬أو تنميته نظرية وتطبيقا وتقوميا‪ ،‬كأن‬
‫يكون اجملال اإلبداعي رايضيا‪ ،‬أو موسيقيا‪ ،‬أو طبيعيا‪ ،‬أو تقنيا‪ ،‬أو إعالميا‪ ،‬أو أدبيا‪ ،‬أو فنيا‪،‬‬
‫أو تشكيليا‪ . . .‬فيختار اآلليات واألنشطة اليت قق هذا اجملال على مستوى إعادة اإلنتاج‬
‫كتابة أو شفواي ومهاراي أو صناعيا أو تقنيا‪ .‬ويقوم العمل اإلبداعي داخل القسم على" إعداد‬
‫وضعيات ديدكتيكية وتنظيمها‪ ،‬تتميز ابخلصائص احملددة للنشاط اإلبداعي‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ ‬وضع التالميذ يف وضعية متكنهم من إدراك املشكل‪ ،‬والشعور ابحلاجة إىل اإلبداع واالبتكار‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪‬متكني التلميذ من تقدمي أكرب قدر من األفكار واأللفاظ‪ .‬فالفعل اإلبداعي يتميز بسيولته‬
‫الفكرية‪ .‬أي‪ :‬إنتاج قدر كبري من األفكار أو سيولة لفظية‪ .‬أي‪ :‬إنتاج قدر من األلفاظ‬
‫والتسميات‪.‬‬

‫‪ ‬مرونة النشاط‪ ،‬حيث يتمكن املتعلم من االنتقال من جمال إىل آخر‪ ،‬والتكيف مع معطيات‬
‫جديدة‪.‬‬

‫‪ ‬أصالة اإلنتاج الذي يصدره املتعلم‪ ،‬مثل‪ :‬األجوبة غري املألوفة واألفكار اجلديدة واخلاصة‪.‬‬

‫‪ ‬إعادة بناء األشياء واألفكار يف شكل جديد‪"48 .‬‬

‫عالوة على ذلك‪ ،‬تتميز البيداغوجيا اإلبداعية جبعل التالميذ يواجهون مشكال يدفعهم إىل‬
‫االبتكار‪ ،‬مع تقييم املنتجات‪ ،‬واختيار األفال منها‪.49‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ " ،‬تستند هذه البيداغوجيا ‪ -‬حسب منوذج جيلفورد‪ -‬إىل ثالثة أمناط من‬
‫التفكري‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬التفكري املغاير أو املتشعب‪ ،‬وفيه تنتج أفكار وآراء متعددة ومتنوعة‪.‬‬

‫‪ -2‬التفكري التقييمي الذي ميكن من الفحص واالختبار والتجريب‪.‬‬

‫‪ -3‬التنفكري املماثل أو املتجمع الذي يتجه فيه التالميذ إىل االتفاق حول معطى واحد‪.‬‬

‫وتتطلب هذه العمليات من املدرس جمموعة من املواقف‪ ،‬مثل‪ :‬احرتام أسئلة التالميذ‪ ،‬وأفكارهم‬
‫‪50‬‬
‫األصيلة‪ ،‬وإبراز قيمتها‪ ،‬وفسح الفرصة للعمل احلر‪ ،‬وجتنب إصدار األحكام‪" .‬‬

‫‪ - 48‬عبد الكرمي غريب‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.722:‬‬


‫‪ - 49‬عبد الكرمي غريب‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.722:‬‬
‫‪63‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وعليه‪ ،‬ميكن تسويد اجلذاذة املقطعية التخطيطية مبجموعة من اجملاالت اإلبداعية‪ ،‬وإرفاقها‬
‫أبنشطة استكشافية وإبداعية يف شكل وضعيات ومشاكل‪ ،‬تستوجب تشغيل الذهن حللها عرب‬
‫آليات اإلبداع ومناهج االبتكار والتجديد‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬حتديث احملتوايت وعصرنة املضامني‬


‫تستلزم البيداغوجيا اإلبداعية‪ ،‬أثناء وضع املقررات واملناهج والربامج الدراسية‪ ،‬أن رتم مرحلة‬
‫احلفظ‪ ،‬ومرحلة التقليد واحملاكاة‪ ،‬ومرحلة التجريب والتجاوز‪ ،‬ومرحلة اإلبداع‪ .‬ومن جهة أخرى‪،‬‬
‫تبىن املقررات على مبدإ القيم واهلوية اإلسالمية األصيلة‪ .‬ويقصد ابلقيم جمموعة من األخالق‬
‫والتمثالت السلوكية واملبادئ الثابتة أو املتغرية اليت ترتبط بشخصية اإلنسان إجيااب أو سلبا‪.‬‬
‫وابلتايل‪ ،‬دد كينونته‪ ،‬وطبيعته‪ ،‬وهويته‪ ،‬انطالقا من جمموع تصرفاته األدائية والوجدانية‬
‫والعملية‪ .‬ومن املعلوم أن كلمة القيم من الناحية الصرفية مجع قيمة‪ .‬ومن مث‪ ،‬يل كلمة القيمة‬
‫على مكانة اإلنسان اليت يتبوأها بني الناس‪ ،‬وشأنه يف اجملتمع‪ .‬كما ترتبط هذه القيمة حكما‬
‫وتقييما ابألفعال البشرية والتصرفات اإلنسانية بشكل ذايت وموضوعي‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وتتخذ القيم أبعادا مجالية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬وثقافية‪ ،‬ودينية‪ ،‬وفلسفية‪ .‬ويعلم كل منا‬
‫أن الكتب السماوية قد صورت القيم يف كل جتلياهتا املتناقاة‪ .‬وقد حثت اإلنسان على التمثل‬
‫ابلقيم الفالى‪ ،‬وااللتزام ابألخالق السامية العليا من أجل الفوز ابجلنة‪ ،‬واالبتعاد عن النار‪ .‬ويف‬
‫املقابل‪ ،‬هنته عن اإلتيان ابلقيم األخالقية املشينة املنافية ملبادئ الكتب السماوية‪ ،‬واملتعارضة مع‬
‫شرائعها الرابنية‪.‬‬

‫ويكون جتديد املاامني واستحداثها‪ ،‬يف ضوء الفلسفة اإلبداعية‪ ،‬إيدراج ما هو جديد وعصري‪،‬‬
‫مع احلفاظ على ما هو هواييت وأصيل من القيم واألفكار والتصورات‪.‬‬

‫‪ - 50‬عبد الكرمي غريب‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.722:‬‬


‫‪64‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬حتديــث الوسائ ـل الديدكتيكي ـة‬


‫تستلزم البيداغوجيا اإلبداعية أن نسرتشد ابلوسائل الديدكتيكية املعاصرة‪ ،‬مثل‪ :‬االستعانة‬
‫ابخلطاطات الشكلية والرقمية‪ ،‬وتنويع امللفوظ البياين شرحا وتفسريا وأتويال‪ ،‬واستخدام الربهان‬
‫واحلجاج العقالين لإلقناع والتأثري‪ ،‬مع التوسل بكل ماهو روحاين يف التعامل مع ماهو ديين‬
‫وشرعي إمياين‪ ،‬وتطبيق أدوات اإلعالميات واحلوسبة‪ ،‬واالستفادة من الصورة األيقونية والبصرية‬
‫واألفالم واألقراص الرقمية‪ .‬ويف الوقت نفسه‪ ،‬نسرتشد آبليات الدرس الرتبوي عند علمائنا‬
‫املسلمني القدامى‪ ،‬مثل‪ :‬اإلمام الغزايل‪ ،‬وابن خلدون‪ ،‬وابن سحنون‪ ،‬والقابسي‪ ،‬والسمعاين‪،‬‬
‫وابن طفيل‪ ،‬وابن اهليثم‪ . . .‬كأن نتمثل احلفظ الذي يقوي الذاكرة‪ ،‬ووينميه إدراكيا‪ ،‬ويعمق‬
‫الذكاء الدماغي والعصيب‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬ننتقل إىل آليات احلوار والنقد واملناقشة‪ ،‬وغربلة األفكار‬
‫بشكل علمي وموضوعي‪ ،‬مع االنطالق من الشك املنهجي حنو اليقني العلمي‪ ،‬كما يرى كل‬
‫من ابن اهليثم‪ ،‬واإلمام الغزايل‪ ،‬وابن خلدون‪ ،‬وعلماء اجلرح والتعديل‪. . .‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬متثل الطرائق اإلبداعية‬


‫تستلزم البيداغوجيا اإلبداعية جتديد الطرائق البيداغوجية والوسائل الديدكتيكية ملسايرة التطور‬
‫البيداغوجي‪ ،‬ومتطلبات سوق الشغل‪ ،‬والتطور العلمي والتكنولوجي‪ .‬وهنا‪ ،‬البد من االستفادة‬
‫من كل الوسائل اإلعالمية املتاحة راهنا يف الساحة الثقافية والعلمية والتواصلية‪ ،‬وتتبع كل‬
‫الوسائل اجلديدة لتجريبها قصد قيق احلداثة احلقيقية‪ ،‬واملسامهة يف إثراء املنظومة الرتبوية املغربية‬
‫والعربية على حد سواء‪ ،‬كأن نستعني ابلسبورة الرقمية‪ ،‬وتوظيف التكنولوجيا املعاصرة‪ ،‬واستخدام‬
‫احلاسوب يف التدريس والتعلم‪. . .‬‬

‫والميكن كذلك هلذه العملية أن تنجح إال إذا وفران لألستاذ فااء بيداغوجيا مالئما وصاحلا‪،‬‬
‫كمدرسة التنشيط‪ ،‬ومدرسة احلياة‪ ،‬وجمتمع الشراكة‪ ،‬ومؤسسة املشاريع‪ ،‬وإصالح اإلدارة‬

‫‪65‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ودمقرطتها‪ ،‬وإصالح اجملتمع كله‪ ،‬و سني الوضعية االجتماعية للمدرس‪ ،‬و فيزه ماداي ومعنواي‪،‬‬
‫والسهر على تكوينه بطريقة مستمرة‪ ،‬و سني وسائل التقومي واملراقبة على أسس بيداغوجيا‬
‫إبداعية كفائية متنوعة املراحل‪ ،‬وتكوين أطر هيئة التفتيش ليقوموا أبدوارهم املنوطة هبم اليت تتمثل‬
‫يف أتطري املدرسني املبدعني‪ ،‬وإرشادهم إىل ماهو أحدث وأكفى وأجود‪ .‬والميكن أن ينجح‬
‫املدرس يف عمليته التعليمية ‪ -‬التعلمية إال إذا سن سياسة االنفتاح والتعاون واحلوار‪ ،‬مع العمل‬
‫يف إطار فريق تربوي‪ ،‬يهتم دائما ابلبحث العلمي واإلنتاج الثقايف إلغناء عدته املعرفية واملنهجية‬
‫‪51‬‬
‫والتواصلية لصاحل املتعلم واملدرسة املغربية‪.‬‬

‫لذا‪ ،‬فمن الاروري أن ختاع الطرائق البيداغوجية لتجديد جذري‪ ،‬يكون اهلدف من وراء ذلك‬
‫هو قيق اجلودة الكمية والكيفية‪ ،‬وأتهيل الناشئة املغربية بطريقة كفائية لكي تتحمل بنفسها‬
‫تسيري دواليب االقتصاد املغريب تسيريا حسنا‪ ،‬وتدبري املقاوالت تدبريا أفال ليتالءم كمها‬
‫املنهجي يف آليات اإلدارة والتشغيل انسياقا مع متطلبات سوق العمل‪ ،‬والدخول يف املنافسة‬
‫العاملية اليت تزداد حدة مع تطور العوملة‪ ،‬وازدايد احتكاراهتا العلمية والتكنولوجية واإلعالمية‬
‫واالقتصادية والثقافية‪.‬‬

‫والبد من االنفتاح على الطرائق البيداغوجية الفعالة لتحقيق تربية إبداعية ذات مردودية انجعة‪،‬‬
‫وتعويد النشء على الدميقراطية ؛ والسيما أن هذه الطرائق الفعالة من مقومات الرتبية احلديثة‬
‫واملعاصرة يف الغرب‪ ،‬كما يقول السيد بلوخ( ‪ ،) Bloch‬حينما أثبت أن جناح املدرسة الفعالة‪:‬‬

‫‪ -‬مجيل محداوي‪ :‬من قضااي الرتبية والتعليم‪ ،‬سلسلة شرفات‪ ،‬رقم‪ ،19:‬مطبعة النجاح اجلديدة‪،‬الدار‬ ‫‪51‬‬

‫البيااء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2006‬م‪،‬ص‪.138-137:‬‬


‫‪66‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫" الزب من أجل بزوغ جمتمع دميقراطي الميكن أن يكون كذلك إال عن طريق منطوق‬
‫مؤسساته"‪.52‬‬

‫وقد ظهرت هذه الطرائق الفعالة يف أوراب يف أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مع‬
‫ماراي مونتيسوري( ‪ ،) Maria Montessori‬وجون ديوي( ‪ ،)Dewey‬وكالابريد(‬
‫‪ ،)Claparide‬وكرشنشتاير( ‪ ،)Kerschensteiner‬وفرينيه( ‪ ،)Freinet‬وكارل‬
‫روجرز( ‪ ،)Rogers‬ومكارنكو( ‪ ،)Makarenko‬وأوليفييه ريبول( ‪ ،)Reboul‬وفرييري(‬
‫‪ ،)Ferrière‬وجان بياجيه( ‪. . . ،)J. Piaget‬‬

‫وتعتمد هذه الطرائق الفعالة احلديثة على عدة مبادئ أساسية هي‪ :‬اللعب‪ ،‬وتعلم احلياة عن‬
‫طريق احلياة‪ ،‬والتعلم الذايت‪ ،‬واحلرية‪ ،‬واملنفعة العملية‪ ،‬وتفتح الشخصية‪ ،‬واالعتماد على‬
‫السيكولوجيا احلديثة‪ ،‬واالستهداء ابلفكر التعاوين‪ ،‬والتسيري الذايت‪ ،‬وتطبيق الالتوجيهية‪،‬‬
‫ودمقرطة الرتبية والتعليم‪. . .‬‬

‫هذا‪ ،‬ويؤكد أصحاب الطرائق الفعالة احلديثة‪ ،‬بلغة تكاد تكون واحدة‪ ،‬رفاهم القاطع للنزعة‬
‫التسلطية والتلقينية مع ضرورة" تدعيم والدة جمتمع دميقراطي‪ ،‬مادامت املدرسة التقليدية التكون‬
‫الكيان الشخصي‪ ،‬كما ال قق الدمج االجتماعي‪ ،‬بل تؤدي على العكس يف آن واحد إىل‬
‫متييع اجملتمع‪ ،‬وإىل قيام النزعة الفردية األاننية‪ .‬ويايف أوهلم‪ ،‬ونعين كالابريد أن عالج مثل هذه‬
‫النقيصة اليكون أبن ندخل على هامش األمر تربية مدنية غريبة عن أي تربية من هذا الطراز‬
‫التقليدي‪ .‬ومجيعهم يشيد ابلقيادة الذاتية لسبب وحيد هو أهنم يريدون أن حيلوا حمل النظم‬

‫‪ -‬غي آفانزيين‪ :‬اجلمود والتجديد يف الرتبية املدرسية ‪ ،‬ترمجة‪ :‬الدكتور عبد هللا عبد الدائم‪ ،‬دار العلم‬ ‫‪52‬‬

‫للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1981‬م‪ ،‬ص‪.280:‬‬


‫‪67‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫الزجرية اليت ييسر الرتويض ذيوعها وانتشارها‪ ،‬أبخرى جديدة تشتمل على املشاركة واملسؤولية‪.‬‬
‫وابلتايل‪ ،‬على ما ييسر انطالق الشعور الغريي‪.‬‬

‫وأخريا‪ ،‬إهنم خيشون‪ ،‬يف حال غياب التدريب املناسب‪ ،‬أن تنحدر الدميقراطية فتغدو حكم‬
‫‪53‬‬
‫التفاهة والاعة‪" .‬‬

‫إذا‪ ،‬فالطرائق الفعالة والنشيطة اليت أفرزهتا الرتبية احلديثة من أهم مقومات دميقراطية الرتبية‬
‫والتعليم‪ ،‬ومن أسس البيداغوجيا اإلبداعية احلقيقية‪.‬‬

‫املطلب اخلامس‪ :‬تقوي ــم إبداعــي جدي ـد‬


‫ميكن احلديث عن أنواع جديدة من التقومي يف البيداغوجيا اإلبداعية‪ ،‬وميكن حصرها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬تقومي الذاكرة‪ :‬ينصب هذا التقومي األويل على احلفظ‪ ،‬والسيما حفظ القرآن الكرمي‪ ،‬واملتون‬
‫الدينية واألشعار األدبية والنظرايت الرايضية والفيزايئية والعلمية والتقنية‪ .‬فاحلفظ ضروري يف‬
‫املدرسة اإلبداعية؛ ألنه أس النجاح واإلبداع واالبتكار‪ .‬وحنن ندافع عن أتصيل الرتبية والتعليم‬
‫مغربيا وعربيا‪ ،‬وعدم االكتفاء ابلتقليد والتجريب فقط‪ ،‬بل البد من التأسيس التأصيلي لنظامنا‬
‫الرتبوي اخلاص بنا‪.‬‬

‫‪ ‬تقومي احملاكاة‪ :‬ويتم ذلك ابلتأكد من مدى جناح املتعلم يف حماكاة النماذج األدبية أو الفنية‬
‫أو العلمية أو التقنية؛ ألن احملاكاة طريقة من طرائق االبتكار استعدادا لالنتقال إىل التجريب‬
‫واإلبداع؛‬

‫‪ - 53‬غي آفانزيين‪ :‬اجلمود والتجديد يف الرتبية املدرسية‪ ،‬ص‪.279:‬‬


‫‪68‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪‬التقومي التجرييب‪ :‬يعمد هذا التقومي إىل رصد ما يتم تقدميه جتريبيا على املستوايت‪ :‬األدبية‪،‬‬
‫والفنية‪ ،‬والفلسفية‪ ،‬والعلمية‪ ،‬واإلعالمية‪ ،‬والتقنية‪ ، . . .‬وتقييمه يف ضوء األسس العلمية‬
‫املوضوعية‪ ،‬ومقاييس املهارة واجلودة واحلذق والكياسة؛‬

‫‪ ‬التقومي اإلبداعي‪ :‬يستند هذا التقومي إىل وضعيات اإلبداع‪ ،‬ويطالب املتعلم إببداع شخصي‬
‫ذايت يف جماالت عدة‪ :‬أدبية‪ ،‬وفنية‪ ،‬وعلمية‪ ،‬وتقنية‪. . .‬‬

‫ويرتكن هذا التقومي إىل حمكات اجلودة واملعايري الدولية يف تقومي التعلمات البيداغوجية‬
‫والديدكتيكية‪ ،‬ويكون التقدير كميا ونوعيا أو عدداي وحكميا‪.‬‬

‫املطلب السادس‪ :‬األخذ بفلسف ــة التنشيط‬


‫من املعروف أن التنشيط تقنية حركية إجيابية وديناميكية‪ ،‬تساهم يف إخراج املتعلم من حالة‬
‫السكون السلبية حنو حالة الفعل اإلجيايب‪ ،‬ابملسامهة واإلبداع واالبتكار واخللق‪ ،‬وإجناز التصورات‬
‫النظرية‪ ،‬وتفعيلها يف الواقع امليداين ليستفيد منها اآلخرون‪.‬‬

‫فكم هي األنشطة العديدة يف جمال الرتبية والتعليم‪ ،‬ألن املؤسسة الرتبوية مبثابة جمتمع مصغر!‬
‫فجميع القاااي واملواضيع اليت تؤرق اجملتمع‪ ،‬ميكن أن تؤرق املدرسة اإلبداعية‪ ،‬مادامت هذه‬
‫املؤسسة موجودة يف حان اجملتمع املكرب‪ .‬لذا‪ ،‬تعمل هذه املدرسة على إدماج املتعلمني يف‬
‫اجملتمع اإلبداعي ليكونوا مواطنني صاحلني‪ ،‬ويصبحوا طاقات فاعلة انفعة للوطن واألمة على حد‬
‫سواء‪.‬‬

‫ومن أهم األنشطة اليت ميكن أن يقوم هبا الفااء الرتبوي اإلبداعي‪ ،‬ميكن احلديث عن النشاط‬
‫الرتبوي‪ ،‬والنشاط الفين‪ ،‬والنشاط األديب‪ ،‬والنشاط العلمي‪ ،‬والنشاط الثقايف‪ ،‬والنشاط‬
‫اإليكولوجي (البيئي)‪ ،‬والنشاط االجتماعي‪ ،‬والنشاط االقتصادي‪ ،‬والنشاط الديين‪ ،‬والنشاط‬

‫‪69‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫اخلريي‪ ،‬والنشاط السياسي‪ ،‬والنشاط اإلعالمي‪ ،‬والنشاط املدين‪ ،‬والنشاط الرايضي‪ ،‬والنشاط‬
‫السياحي‪. . . .‬‬

‫وعليه‪ ،‬فللتنشيط أمهية كربى يف جمال الرتبية والتعليم؛ لكونه يرفع من املردودية الثقافية‬
‫والتحصيلية لدى املتمدرس‪ ،‬ويساهم يف احلد من السلوكيات العدوانية‪ ،‬مع القااء على‬
‫التصرفات الشائنة لدى املتعلمني‪ ،‬كما يقلل من هيمنة بيداغوجيا اإللقاء والتلقني‪ ،‬ويعمل على‬
‫خلق روح اإلبداع‪ ،‬وامليل حنو املشاركة اجلماعية‪ ،‬واالشتغال يف فريق تربوي‪.‬‬

‫وميكن إخراج املؤسسة التعليمية‪ ،‬عرب عملية التنشيط الفردي واجلماعي‪ ،‬من طابعها العسكري‬
‫اجلامد القامت القائم على االناباط وااللتزام والتأديب والعقاب‪ ،‬إىل مؤسسة بيداغوجية إجيابية‬
‫فعالة صاحلة ومواطنة‪ ،‬حيس فيها التالميذ واملدرسون ابلسعادة والطمأنينة واملودة واحملبة‪ ،‬ويسهم‬
‫الكل فيها بشكل مجاعي يف بنائها ذهنيا ووجدانيا وحركيا‪ ،‬خبلق األنشطة األدبية والفنية والعلمية‬
‫والتقنية والرايضية‪ ،‬يندمج فيها التالميذ واألساتذة ورجال اإلدارة ومجعيات اآلابء وجملس التدبري‬
‫واجملتمع املدين‪.‬‬

‫ومن الاروري أنُ تعوض طرائق اإللقاء والتلقني والتوجيه‪ ،‬يف فلسفة التنشيط اجلديد‪ ،‬ويف‬
‫تصورات البيداغوجيا اإلبداعية‪ ،‬بطرائق بيداغوجية حيوية معاصرة فعالة‪ ،‬تقوم على الفكر‬
‫التعاوين‪ ،‬وتفعيل ديناميكية اجلماعات‪ ،‬واعتماد التواصل الفعال املنتج‪ ،‬وتطبيق الالتوجيهية‪،‬‬
‫ومتثل البيداغوجيا املؤسساتية من أجل رير املتعلمني من شرنقة التموضع السليب‪ ،‬واالستالب‬
‫املدمر‪ ،‬وقيود بريوقراطية القسم‪ ،‬وختليصهم من أوامر املدرس املستبد‪ ،‬وتعويض ذلك كله‬
‫ابملشاركة الدميقراطية القائمة على التنشيط واالبتكار واإلبداع‪ ،‬بتشييد الدولة للمختربات‬
‫العلمية‪ ،‬وإنشاء احملرتفات األدبية‪ ،‬وجتهيز الورشات الفنية‪ ،‬وإجياد املقاوالت التقنية‪ ،‬وخلق‬
‫األندية الرايضية داخل كل مؤسسة تعليمية على حدة‪ .‬وميكن للمؤسسة أن تقوم بذلك اعتمادا‬

‫‪70‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫على نفقاهتا ومواردها الذاتية يف حالة تطبيق قانون سيـﯖما( ‪ )Sigma‬الذي ينص عليه امليثاق‬
‫الوطين املغريب للرتبية والتكوين يف املادة( ‪ ،) 149‬ضمن اجملال اخلامس املتعلق ابلتسيري والتدبري‪.‬‬

‫و من املعلوم أن للتنشيط الرتبوي جمموعة من األهداف العامة واخلاصة ميكن تسطريها يف النقط‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪ ‬يساهم التنشيط التعليمي يف تثقيف املتعلمني‪ ،‬وأتطريهم معرفيا ووجدانيا وحركيا؛‬

‫‪ ‬هتذيب الناشئة وختليقها لتكون يف مستوى املسؤولية وأهلية املشاركة والتدبري؛‬

‫‪ ‬االنتقال من بيداغوجيا املدرس إىل بيداغوجيا املتعلم؛‬

‫‪ ‬تفعيل احلياة املدرسية وتنشيطها؛‬

‫‪ ‬إدخال احليوية والديناميكية على الفعل الرتبوي والسلوك التعليمي؛‬

‫‪ ‬إخااع اإليقاع املدرسي ملتطلبات التنشيط وشروطه اإلجيابية؛‬

‫‪ ‬االهتمام مبيول املتعلم السيكوبيداغوجية‪ ،‬واحلد من تصرفاته العابثة‪ ،‬واستيعاب مترده النفسي‬
‫واالجتماعي‪ ،‬إبشراكه يف بناء املؤسسة الرتبوية عن طريق خلق مشاريع إبداعية؛‬

‫‪ ‬القااء على الروتني القاتل‪ ،‬والثبات املدرسي عرب عمليات التنشيط الثقايف واألديب والفين‬
‫والعلمي والرايضي؛‬

‫‪ ‬تطبيق فلسفة البيداغوجية اإلبداعية ومبادئها اإلنتاجية يف التعليم املغريب؛‬

‫‪ ‬خلق مؤسسات تربوية نظرية وتطبيقية‪ ،‬إبجياد مرافق تنشيطية‪ ،‬كاحملرتف األديب والفين وقاعات‬
‫الرايضة وخمتربات العلوم والتكنولوجيا؛‬

‫‪71‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪ ‬إجياد منشطني مؤهلني أكفاء ليقوموا بعمليات التنشيط والتكوين والتأطري داخل املؤسسات‬
‫الرتبوية التعليمية‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وإذا أتملنا فعل التنشيط يف إطار الفااء الرتبوي اإلبداعي‪ ،‬فهو يقوم على عدة مرتكزات‬
‫نظرية وتطبيقية‪ ،‬مث يستند إىل جمموعة من املفاهيم اإلجرائية اليت البد من االعتماد عليها‪ ،‬ومتثلها‬
‫أثناء حصص التنشيط‪ .‬وهذه املرتكزات هي على الشكل التايل‪:‬‬

‫‪ ‬اإلميان بفلسفة اإلبداع واالخرتاع واالبتكار؛‬

‫‪ ‬االتصاف ابملواطنة الصاحلة؛‬

‫‪ ‬متثل البعد اإلقليمي واجلهوي والوطين والقومي والعاملي؛‬

‫‪ ‬االنطالق من التصور اإلنساين؛‬

‫‪ ‬االشتغال يف فريق مجاعي؛‬

‫‪ ‬األخذ ابلفلسفة التشاركية؛‬

‫‪ ‬االهتداء ابلفكر الدميقراطي املبين على التعاون واالستشارة والتسامح واحرتام اآلخر؛‬

‫‪ ‬ربط النظري ابلتطبيقي؛‬

‫‪ ‬االرتكاز على اجلوانب املعرفية والوجدانية واحلركية يف الشخصية اإلنسانية؛‬

‫‪ ‬التسلح ابملعطيات السيكواجتماعية يف عمليات التنشيط؛‬

‫‪ ‬خلق مؤسسات تربوية ديناميكية؛‬

‫‪ ‬تفعيل بنود احلياة املدرسية وتطبيقها ميدانيا؛‬

‫‪72‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪ ‬خلق أجواء التباري والتنافس والتفوق والرايدة والتميز يف جمال التعليم؛‬

‫‪ ‬ربط املدرسة ابلكفاءة واخلربة واجلودة الكمية والكيفية؛‬

‫‪ ‬ويل املدرسة من ثكنة عسكرية إلزامية إىل مدرسة االلتزام واملواطنة احلقة واحلياة السعيدة‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬يرتكز الفااء الرتبوي اإلبداعي على تنفيذ جمموعة من األنشطة الرتبوية اهلادفة‬
‫واملمتعة اليت نذكر منها‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬النش ــاط الثقاف ــي‬

‫يتمثل هذا النشاط يف العناية خبزانة الفصل أو مكتبة النيابة‪ ،‬واالهتمام أياا بنادي الكتاب‪،‬‬
‫والسهر على إنشاء اجملالت احلائطية واملدرسية‪ ،‬وتكوين متحف على صعيد الفصل واملدرسة‬
‫والنيابة‪ ،‬واملسامهة يف البحوث العلمية والدراسية‪ ،‬واملشاركة يف عمليات الرتاسل الداخلي‬
‫واخلارجي‪ ،‬والعناية ابملطبعة‪ ،‬واستخدامها أحسن استخدام يف اجملال الثقايف‪ ،‬واملشاركة يف‬
‫النوادي الرقمية‪ ،‬والقيام خبرجات سياحية ورحالت ترفيهية هادفة‪ ،‬والعمل على استمرار‬
‫املسابقات الثقافية بني الفصول الدراسية‪ ،‬أو بني املؤسسات التعليمية فيما بينها حمليا وإقليميا‬
‫وجهواي ووطنيا ودوليا‪ ،‬وتشجيع املدرسني على عرض مؤلفاهتم وكتبهم اإلبداعية والنقدية‬
‫والبحثية‪ ،‬وخلق مسابقات للمدرسني يف اجملال الثقايف‪ ،‬وتكرمي املتفوقني واملتميزين منهم‪ ،‬وطبع‬
‫مؤلفاهتم وكتبهم وأحباثهم ودراساهتم‪. . .‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬النش ــاط االجتماعي‬

‫يعىن هذا النشاط بتأسيس التعاونيات املدرسية‪ ،‬واالحتفال ابألعياد الوطنية والدولية‪ ،‬والعمل‬
‫على خلق شراكات داخلية وخارجية‪ ،‬وإنشاء مشاريع املؤسسة اهلادفة اليت تعمل على توفري‬
‫الظروف االجتماعية احلسنة للمتعلمني‪ ،‬وتقدمي املساعدات املادية واملعنوية للتالميذ املرضى‬

‫‪73‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫واملعوزين‪ ،‬وتشجيع تبادل الزايرات بني التالميذ‪ ،‬وتوفري الكتب املدرسية والبدالت واألدوات‬
‫املدرسية واحملافظ واملنح ووسائل النقل واملأوى للمستفيدين من الطبقة االجتماعية الفقرية‬
‫واملعوزة‪ ،‬وتزويد هؤالء املتعلمني احملتاجني ابلنظارات وغريها من األجهزة التقوميية‪ .‬عالوة على‬
‫إشراك التالميذ يف احلفالت املدرسية اليت تقام حسب املناسبات الرتبوية والدينية والوطنية‬
‫والعاملية‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬النش ــاط الفنــي‬

‫يسعى النشاط الفين إىل إكساب املتعلمني مهارات كفائية نظرية وتطبيقية يف جمال الفنون‬
‫اجلميلة‪ ،‬كاألدب‪ ،‬واملسرح‪ ،‬والسينما‪ ،‬والرقص‪ ،‬والنقد الفين‪ ،‬والعناية ابملوسيقا واألانشيد‪،‬‬
‫واالهتمام ابلتنشيط املسرحي عن طريق أتطري التالميذ واملدرسني يف جمال صنع الكراكيز‪،‬‬
‫والتنشيط بواسطة الدمى املتحركة‪ ،‬وتقدمي دروس نظرية وتطبيقية يف جمال املسرح القرائي واملسرح‬
‫املدرسي‪ ،‬والعناية مبعارض الرسم والتشكيل والنحت والصور الفوتوغرافية الثابتة‪ ،‬ومجع الطوابع‬
‫الربيدية‪ ،‬وعرض النقود يف سياقاهتا السيميائية والتارخيية‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬املعام ــل الرتبوي ــة‬

‫ينبغي للمدرسة اإلبداعية أن تعمل على خلق فااءات للبستنة والتشجري‪ ،‬مع تقدمي دروس‬
‫تكوينية و سيسية للمحافظة على البيئة‪ ،‬ومساعدة املتعلمني على كيفية إنشاء جريدة أو جملة‬
‫ابستغالل معطيات الكمبيوتر‪ ،‬واالستفادة من تقنيات الطباعة‪ ،‬ودفع التالميذ لالهتمام بتسفري‬
‫الكتب‪ ،‬وجتويد اخلط‪ ،‬والتدريب على التجسيم ابلورقيات‪ ،‬وصنع الدمى والكراكيز‪ ،‬والكتابة‬
‫على الزجاج واخلشب والثوب‪ ،‬و فيزهم على األعمال اليدوية فيما خيص أعمال اجلبص‪ ،‬وصنع‬
‫الديكور‪ ،‬واالهتمام ابلتلحيم‪ ،‬وإصالح الكهرابء‪. . .‬‬

‫‪74‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫الفرع اخلامس‪ :‬النش ــاط الرايضي‬

‫يهدف هذا النشاط إىل مساعدة التالميذ على ممارسة الرايضة املدرسية بكل أنواعها‪ ،‬والسيما‬
‫تلك الرايضات اليت تناسب أعمار التالميذ‪ ،‬وخصوصياهتم العقلية والصحية والنفسية‪ ،‬وتراعي‬
‫بيئاهتم االجتماعية واألخالقية والدينية‪ ،‬مع تنظيم املسابقات واملنافسات الرايضية بني الفصول‬
‫واملدارس إقليميا وجهواي ووطنيا ودوليا‪.‬‬

‫الفرع السادس‪ :‬النشـ ــاط البيئي‬

‫يسعى هذا النشاط إىل دفع املتعلمني واملعلمني معا لالهتمام ابلبيئة اليت يط بنا‪ ،‬سواء أكانت‬
‫بيئة برية أم حبرية أم جوية‪ ،‬بتنظيم دورات تكوينية و سيسية يف شكل نصائح وتوجيهات‬
‫وإرشادات علمية وأخالقية‪ .‬وكذلك من خالل عمليات التشجري والتنظيف‪ ،‬واحلفاظ على‬
‫النبااتت‪ ،‬والعناية ابألشجار واحلدائق واملنتزهات‪ ،‬والسهر على تنقية الساحات املدرسية‪،‬‬
‫والعناية مبجاهلا األخار‪ ،‬والقيام بزايرات إىل الشواطئ امللوثة القريبة من املدينة لتوعية التالميذ‬
‫خبطورة املوقف‪ ،‬وشرح أضرار التلوث‪ ،‬وتبيان نتائجه املستقبلية على احلياة البشرية‪.‬‬

‫الفرع السابع‪ :‬النش ــاط الديين‬

‫تسعى املدرسة اإلبداعية ‪ -‬جادة‪ -‬لتوعية املتعلمني يف اجملال الديين‪ ،‬كتعليم انشئتنا كيفية‬
‫الصالة‪ ،‬وأداء الفرائض الواجبة‪ ،‬وشرح طرائق املعاملة احلسنة مع اآلخرين‪ ،‬و فيزهم على حفظ‬
‫القرآن الكرمي واألحاديث النبوية الشريفة‪ ،‬وتعليمهم مبادئ التفسري والتأويل‪ ،‬وجتويد القرآن‬
‫الكرمي‪ ،‬واملشاركة يف املسابقات املدرسية اإلقليمية واجلهوية والوطنية والعاملية يف جمال الشؤون‬
‫الدينية‪. . .‬‬

‫‪75‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫الفرع الثامن‪ :‬تشجي ــع اهلوايــات الفردية واجلماعية‬

‫ينبغي للمدرسة اإلبداعية أن تتحكم يف أوقات الفراغ املوجودة عند التالميذ‪ ،‬وتنظيم ما يسمى‬
‫أياا ابلوقت الثالث‪ ،‬بتشغيل التالميذ ابلعناية مبجموعة من اهلواايت املفيدة اليت تعود عليهم‬
‫ابلنفع‪ ،‬كاالهتمام جبمع النقود‪ ،‬واحلفاظ على املخطوطات‪ ،‬وتسفري الكتب‪ ،‬ومجع األحجار‬
‫الكرمية‪ ،‬وتنظيم سجل النبااتت‪ ،‬واستجماع املعادن النفيسة‪ ،‬وعرض الطوابع الربيدية‪ ،‬ومجع‬
‫الصور الفوتوغرافية واإلشهارية وعينات من اإلنتاجات احمللية والوطنية‪ ،‬واالهتمام ابملصنوعات‬
‫الدالة على كينونتهم وهويتهم الثقافية‪. . .‬‬

‫املطلب السابع‪ :‬النشاطات املومسية‬


‫حيتفل املغرب بصفة خاصة‪ ،‬والعامل بصفة عامة‪ ،‬مبجموعة من املناسبات واألايم واألعياد الدينية‬
‫والوطنية والدولية‪ .‬لذا‪ ،‬ينبغي للمدرسة اإلبداعية أن تشارك بدورها يف هذا االحتفال‪ ،‬إبشراك‬
‫املعلمني واملتعلمني يف توفري مجيع الظروف املناسبة لنجاح عملية االحتفال‪ ،‬كاملشاركة ‪ -‬مثال‪-‬‬
‫يف ذكرى أتسيس هيئة األمم املتحدة‪ ،‬واالحتفال بعيد األم واملرأة‪ ،‬واالحتفال ابليوم العاملي‬
‫حلقوق الطفل‪ ،‬واملشاركة يف اليوم العاملي للبيئة‪ ،‬واملسامهة يف اليوم العاملي للمحافظة على الثروة‬
‫الغابوية‪ ،‬واالحتفال ابليوم العاملي لالمتناع عن التدخني‪ ،‬إخل‪. . .‬‬

‫املطلب الثامن‪ :‬حتويل املدرسة إىل مركبات تربوية‬

‫إذا كانت املقاربة الصراعية الترى يف املدرسة سوى فااء للتطاحنات اإليديولوجية والطبقية‪،‬‬
‫وفااء للتفاوت االجتماعي والثقايف واللغوي واالقتصادي‪ .‬فقد ترتب منطقيا واستنتاجيا على‬
‫هذا كله أن أدى الواقع املنهار ابملدرسة الرتبوية إىل الفشل واإلفالس الالزمني‪ ،‬حيث صارت‬
‫املدرسة عند الكثري من املالحظني مؤسسة اخليبة واملأساة والصراع اجلديل والتناقاات الصارخة‪.‬‬
‫بيد أن هناك من يعارض هذا الطرح الصراعي‪ ،‬فيعترب املقاربة الصراعية ذات أبعاد سياسية‬
‫‪76‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وحزبية ضيقة‪ ،‬تنطلق من تصورات ماركسية أو هيجيلية أو منطلقات ڤيبريية أو ألتوسريية‪ .‬ومن‬
‫مث‪ ،‬تفتقد هذه التصورات خاصية املوضوعية‪ ،‬واحلياد‪ ،‬والتحليل العلمي املنطقي‪ ،‬ومصداقية‬
‫التحليل املعقلن‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فليس من الاروري أن تكون املدرسة فااء للصراع والتطاحن العرقي واللغوي والثقايف‬
‫وانعدام تكافؤ الفرص‪ ،‬بل ميكن أن تكون مدرسة دميقراطية‪ ،‬وفااء للحرية واإلبداع واالبتكار‪،‬‬
‫ومكاان إلذابة الفوارق االجتماعية‪ ،‬وتعايش الطبقات‪ ،‬وتوحيد الرؤى والتطلعات بني املتعلمني‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬على املؤسسة الرتبوية أن تذيب كل اخلالفات املوجودة بني التالميذ على املستوى‬
‫االقتصادي واالجتماعي والثقايف واللغوي‪ ،‬و رير املتعلمني املنحدرين من الفئة الدنيا من عقدهم‬
‫الطبقية الشعورية والالشعورية‪ ،‬وختليصهم من مركب النقص عن طريق تنفيذ املشاريع املؤسساتية‪،‬‬
‫وتقدمي األنشطة إلمتاع التالميذ وتسليتهم وترفيههم‪ ،‬وتكوينهم تكوينا ذاتيا ميحي كل الفوارق‬
‫اليت ميكن أن توجد بني املتمدرسني داخل املدرسة الواحدة‪ .‬ومن أهم الوظائف األساسية‬
‫للمدرسة" إجياد حالة من التوازن بني عناصر البيئة االجتماعية‪ ،‬وذلك أبن متنح املدرسة لكل فرد‬
‫الفرصة لتحريره من قيود طبقته االجتماعية اليت ولد فيها‪ ،‬وأن يكون أكثر اتصاال وتفاعال مع‬
‫‪54‬‬
‫بيئته االجتماعية واملذاهب الدينية‪." .‬‬

‫و البد أن تساهم املدرسة يف خلق عالقات إجيابية مثمرة بني التالميذ فيما بينهم من جهة‪،‬‬
‫وبني املتعلمني وأطر الرتبية واإلدارة من جهة أخرى‪ ،‬تكون مبنية على التعاون واألخوة والتسامح‬
‫والتواصل والتآلف واملشاركة الوجدانية والتكامل اإلدراكي‪ ،‬ونبذ كل عالقة قائمة على الصراع‬
‫اجلديل والعدوان والكراهية واإلقصاء والتهميش والتنافر والكراهية والتغريب واجلمود والتطرف‬
‫واإلرهاب‪.‬‬

‫‪ - 54‬أحممد عليلوش‪ :‬الرتبية والتعليم من أجل التنمية‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيااء‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬
‫‪2007‬م‪ ،‬ص‪.123:‬‬
‫‪77‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫والبد للمدرسة من االحتكام إىل منطق املساواة‪ ،‬وتوفري العدالة والعمل على قيق تكافؤ‬
‫الفرص‪ ،‬ودمقرطة التعليم من أجل تكوين مواطن صاحل ينفع وطنه وأمته‪ ،‬وحيافظ على ثوابت‬
‫اجملتمع‪ ،‬ويعمل جاهدا من أجل ديث البلد‪ ،‬وتغيريه إجيابيا‪ ،‬والرفع من مستواه التنموي‪،‬‬
‫والسري به حنو آفاق أرحب من االزدهار والرفاهية‪.‬‬

‫ومن انحية أخرى‪ ،‬ينبغي أن ترتبط البنية املعمارية للمؤسسة اإلبداعية مبدرسة املستقبل‪ ،‬فيجب‬
‫أن يراعى فيها‪ ،‬تصميما وإجنازا وجتهيزات‪ ،‬مواصفات اجلودة ومقوماهتا الوظيفية والتنوع‪،‬‬
‫واالنفتاح على خصوصيات وحاجات وأنشطة حميطها االجتماعي واالقتصادي والثقايف‪. . .‬‬
‫حيث يتجاوز النظر إىل وظائفها جمرد اعتبارها فااء للتعليم والتعلم‪ ،‬وإمنا فااء مفتوحا‬
‫الحتاان أنشطة وتظاهرات اجتماعية واقتصادية وثقافية من خارجها(أنشطة مؤسسات اجملتمع‬
‫املدين‪ ،‬مجعيات‪ ،‬ومجاعات حملية ومؤسسات ثقافية‪ . . .‬إخل)‪ ،‬ولن يتحقق ذلك هلذه املدرسة‬
‫إال إذا مت أتسيسها يف إطار ختطيط تربوي تشاركي متكامل‪ ،‬وبناء على خريطة مدرسية مندجمة‬
‫قائمة على معايري علمية وتربوية واجتماعية عقالنية‪ ،‬وعلى اختيارات سياسية واضحة األهداف‬
‫‪55‬‬
‫واملصاحل والرهاانت والتوجهات‪" . .‬‬

‫وعليه‪ ،‬تعتمد املدرسة اإلبداعية‪ ،‬يف قيق جناعتها ومردوديتها اإلنتاجية‪ ،‬على املركبات الرتبوية‬
‫املتكاملة املتميزة بفااءاهتا اجلذابة‪ ،‬واليت تام جمموعة من الورشات واحملرتفات واملختربات‬
‫واملعامل والقاعات النظرية والتطبيقية‪.‬‬

‫‪ -‬مصطفى حمسن‪ :‬مدرسة املسقبل‪ ،‬سلسلة شرفات‪ ،‬رقم‪ ،26 :‬الرابط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬ ‫‪55‬‬

‫‪2009‬م‪ ،‬ص‪.55:‬‬
‫‪78‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫املطلب التاسع‪ :‬خلق شعب جديدة‬


‫تستلزم البيداغوجيا اإلبداعية إضافة شعب أخرى يف التعليم الثانوي‪ ،‬كأن تكون هناك شعبة‬
‫أدبية‪ ،‬وشعبة فنية‪ ،‬وشعبة علمية‪ ،‬وشعبة تقنية‪ ،‬وشعبة اقتصادية‪ ،‬وشعبة الرتبية البدنية‪ ،‬وشعبة‬
‫اللغات‪ ،‬وشعبة الفلسفة‪ ،‬وشعبة اإلعالميات‪ ،‬وشعبة الفلسفة‪ ،‬يف إطار تعليم مندمج ومتكامل‬
‫عموداي وأفقيا ومنهاجيا‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬تدرس مجيع املواد ضمن شعبة معينة يف ضوء املواد‬
‫املندجمة‪ ،‬ويتم الرتكيز كثريا على اإلبداع واإلنتاج واالبتكار والتجريب واملران واالستكشاف‬
‫والتعلم الذايت‪.‬‬

‫املطلب العاشر‪ :‬اإلدارة املبدع ـ ــة‬


‫تستوجب البيداغوجيا اإلبداعية أن تكون اإلدارة مبدعة بكل طاقمها التسيريي‪ ،‬فالبد أن تتمثل‬
‫اإلدارة الرتبوية آليات التدبري والتخطيط العقالنيني‪ ،‬ابعتماد املقاربة التشاركية‪ ،‬والالمركزية‪،‬‬
‫واالستقاللية‪ ،‬والتسيري الذايت‪ ،‬وأتهيل املوارد البشرية‪ ،‬وتدبري املوارد املالية‪ ،‬واالنفتاح على حميطها‬
‫احمللي والوطين والعاملي‪ . . .‬إخل‪ .‬وينااف إىل ذلك ضرورة ديث اإلدارة شكال وماموان‪،‬‬
‫وعصرنتها ابملعلوميات واحلواسيب وأساليب اإلدارة املعاصرة‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬ويستند العمل اإلداري املبدع‪ ،‬تدبريا وتسيريا وتوجيها وتنظيما‪ ،‬إىل جمموعة من املقارابت‪،‬‬
‫واليت ميكن حصرها يف مايلي‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬املق ــاربة التشاركيــة‬

‫تنبين املقاربة التشاركية على احلوار البناء‪ ،‬والدميقراطية العادلة‪ ،‬واجلدال اهلادف‪ ،‬وإشراك مجيع‬
‫املتعلمني واملؤطرين واملثقفني واجملتمع املدين يف التفكري جبدية يف إرساء جمتمع تربوي انجح‪،‬‬
‫يساهم يف قيق التنمية االقتصادية واالجتماعية املثلى‪ .‬كما تعمل اإلدارة على تعويد مجيع‬

‫‪79‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫أطراف الفااء الرتبوي على الفعل التشاركي البناء‪ ،‬بتنفيذ جمموعة من األنشطة وتطبيقها بغية‬
‫اكتساب مهارات معرفية وتقنية وأدائية لتحسني مستواهم التعليمي ‪ -‬التعلمي‪.‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬املقاربة اإلبداعية‬

‫ترتكز هذه املقاربة على اإلبداع واالبتكار واإلنتاج‪ ،‬وتطوير التعليم وجتديده‪ ،‬و فيز املتعلمني‬
‫على العطاء واملردودية‪ ،‬ومساعدهتم على التخييل والتنفيذ واالخرتاع واالكتشاف‪ ،‬وتنفيذ‬
‫اإلجنازات اهلامة اليت هي يف صاحل املدرسة املغربية‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬املقاربة الدميقراطية‬

‫هتدف املقاربة الدميقراطية إىل تعويد املنخرطني داخل املؤسسة اإلبداعية على فعل التصويت‬
‫املشروع‪ ،‬واالنتخاب الدميقراطي القائم على الكفاءة‪ ،‬واحرتام رأي األغلبية‪ ،‬وعدم احتكار‬
‫السلطة‪ ،‬ومتثل مبدإ اإلنصات واحلوار‪ ،‬واحرتام اآلخر‪ ،‬ونبذ التطرف والكراهية واإلقصاء‪،‬‬
‫وتفادي اجلدال العقيم املبين على التعصب والتوتر والتشنج‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬املقاربة احلقوقية‬

‫تسعى هذه املقاربة إىل احرتام املتعلمني واملعلمني لبعاهم البعض‪ ،‬على أساس القيم العادلة‬
‫واملساواة احلقيقية‪ ،‬وخلق أجواء االحرتام املتبادل‪ ،‬ونبذ اخلالف واالنشقاق‪ ،‬ومراعاة العمل‬
‫التعاوين التشاركي‪ ،‬وزرع املواطنة احلقة يف نفوس الناشئة‪ ،‬واحرتام احلرايت اخلاصة والعامة‪،‬‬
‫وصيانة حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫الفرع اخلامس‪ :‬املقاربة التعاقدية‬

‫تنبين هذه املقاربة على احرتام العقود؛ ألن العقد شريعة املتعاقدين‪ .‬ويعين هذا أن املتعلمني‬
‫واملعلمني داخل مؤسسة اإلبداع عليهم أن حيرتموا العقود واملواثيق يف تنفيذ األنشطة‪ ،‬واحرتام‬
‫‪80‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫الوقت املخصص لذلك‪ .‬وترتكز هذه املقاربة أياا على ديد جمموعة من األهداف العامة‬
‫واخلاصة‪ ،‬واختيار وسائل العمل الناجعة‪ ،‬وتبيان عمليات التنفيذ واملمارسة واإلجناز‪ ،‬وانتقاء‬
‫فااءات العمل التشاركي‪ ،‬واالنطالق من التقومي اإلجيايب اهلادف والبناء‪ ،‬وتوزيع املسؤوليات‬
‫واملهام واألدوار بشكل دميقراطي عادل‪.‬‬

‫الفرع السادس‪ :‬مقاربة النوع‬

‫تعمل هذه املقاربة على الوقوف بصرامة وحكمة ضد كل أشكال التمييز اجلنسي والعنصري‬
‫واللوين‪ ،‬خبلق أجواء العمل التشاركي اهلادف والبناء‪ ،‬مع إذابة كل الفوارق االجتماعية والطبقية‬
‫املوجودة يف اجملتمع داخل وحدة املدرسة اإلبداعية‪ ،‬ومواجهة مجيع األحكام اهلدامة واملسبقة يف‬
‫حق جنس معني‪ ،‬مع التكيف اإلجيايب مع العادات والتقاليد واملورواثت القيمية اليت د من‬
‫االنفتاح على مؤسسة اإلبداع‪ ،‬ومتنع من اإلقبال عليها‪.‬‬

‫الفرع السابع‪ :‬مقاربة التدبري ابلنتائج‬

‫تستند هذه املقاربة إىل ديد املدخالت واألهداف والكفاايت املطلوبة‪ ،‬مع التأشري على‬
‫النتائج املرجوة‪ ،‬و ديد السبل احلقيقية للوصول إليها‪ ،‬مع إخااعها لعمليات التقومي والفيدابك‬
‫واملعاجلة والتصحيح اإلبداعي‪.‬‬

‫وخالصة القول‪ ،‬تلكم‪ -‬إذا‪ -‬نظرة خمتصرة إىل أهم آليات التنزيل اإلجرائي للبيداغوجيا‬
‫اإلبداعية يف أرض الواقع ختطيطا وتدبريا وتقوميا‪ .‬ومازالت هذه البيداغوجيا يف حاجة ماسة إىل‬
‫تصورات ونظرايت ومقرتحات أخرى‪ ،‬على صعيد املمارسة والتطبيق‪ ،‬من أجل متثلها واقعيا يف‬
‫مدارسنا ومؤسساتنا الرتبوية والتعليمية‪ .‬فما أحوجنا كذلك إىل هذه املقاربة اإلبداعية اجلديدة‬

‫‪81‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫للرفع من مستوى املنظومة الرتبوية العربية بصفة عامة‪ ،‬واملنظومة التعليمية املغربية بصفة خاصة‪،‬‬
‫لتتبوآ معا مكانتهما اللتني تستحقاهنا على الصعيد العاملي !‬

‫‪82‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫اخلامتـ ـ ــة‬
‫يتاح لنا يف األخري‪ ،‬بعد هذا العرض النظري الوجيز‪ ،‬أن البيداغوجيا اإلبداعية هي نظرية‬
‫هتدف إىل بناء مستقبل تربوي حداثي‪ ،‬يقوم على اخللق والتطوير واإلبداع واالكتشاف واخللق‪،‬‬
‫بعد املرور الاروري من مرحلة احلفظ البناء‪ ،‬ومرحلة التقليد واحملاكاة والتدريب‪ ،‬وذلك كله من‬
‫أجل خلق جمتمع متنور كفء‪ ،‬قادر على مواجهة التحدايت املوضوعية والواقعية والدولية على‬
‫مجيع األصعدة واملستوايت والقطاعات اإلنتاجية‪ .‬بيد أن هذه النظرية الرتبوية اإلبداعية ال ميكن‬
‫أن قق مثارها املرجوة إال يف جمتمع العمل‪ ،‬واحلرايت اخلاصة والعامة‪ ،‬والدميقراطية املتخلقة‪.‬‬

‫و ال ميكن تطبيق هذه البيداغوجيا اجلديدة إال إذا أسسنا مدارس الورشات واملختربات‬
‫واحملرتفات‪ ،‬وعودان املتعلم‪ /‬املتمدرس على حب اآللة والفن والتجريب العلمي‪ ،‬وتطبيق‬
‫النظرايت‪ ،‬ودربناه أياا على فعل التنشيط التخيلي والرايضي‪ ،‬وساعدانه على متثل فلسفة‬
‫املنافسة والتسابق واالخرتاع‪ ،‬وفعلنا الفلسفة الرباغماتية ذات التوجهات العملية واإلنسانية‬
‫واالستكشافية يف احلاضر واملستقبل‪ ،‬وخلقناها دينيا وخلقيا من أجل بناء جمتمع إسالمي‬
‫مزدهر‪ ،‬يساهم يف التنمية العاملية‪ ،‬عن طريق التصنيع‪ ،‬وإنتاج النظرايت‪ ،‬واخرتاع املركبات اآللية‪،‬‬
‫و قيق االكتفاء الذايت‪ ،‬وتصنيع األسلحة املتطورة احلديثة لتأمني وطننا وأمتنا‪ ،‬والدفاع عنها‬
‫ابلنفس والنفيس‪ ،‬ودرء العدوان اخلارجي‪ ،‬واحلفاظ على كرامتنا وأنفتنا وسيادتنا بدل اإلحساس‬
‫ابلذل والايم الذي نستشعره اليوم؛ بسبب ختلفنا السيئ‪ ،‬واحنطاطنا املتقاعس‪ ،‬وانبطاحنا‬
‫التارخيي والسياسي واخللقي‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ثبت املصادر واملراجع‬


‫‪.‬القرآن الكرمي‪ ،‬برواية ورش لنافع‬

‫املص ــادر‪:‬‬

‫‪ -1‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬دار صبح بريوت‪ ،‬لبنان‪ /‬وأديسوفت‪ ،‬الدار البيااء‪ ،‬املغرب‪/‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪2006‬م‪.‬‬

‫املراجع ابللغة العربية‪:‬‬

‫‪-2‬إبراهيم انصر‪ :‬علم االجتماع الرتبوي‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان؛ مكتبة الرائد العلمية‪،‬‬
‫عمان‪ ،‬ت‪ ،‬األردن‪.‬‬

‫‪ -3‬أمحد أوزي‪ :‬املعجم املوسوعي لعلوم الرتبية‪ ،‬دار النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيااء‪ ،‬املغرب‪،‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪2006‬م‪،‬‬

‫‪-4‬أدونيس‪ :‬مقدمة للشعر العريب‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة ‪1986‬م‪.‬‬

‫‪ -5‬أدونيس‪ :‬الثابت واملتحول‪ ،‬اجلزء الثالث‪ ،‬واجلزء الرابع‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة‬
‫‪2001‬م‪.‬‬

‫‪ -6‬أحممد عليلوش‪ :‬الرتبية والتعليم من أجل التنمية‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيااء‪،‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪2007‬م‪.‬‬

‫‪ -7‬جان بياجي‪ :‬التوجهات اجلديدة للرتبية‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد احلبيب بلكوش‪ ،‬دار توبقال للنشر‪،‬‬
‫الدار البيااء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‪1998‬م‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪ -8‬مجيل محداوي‪ :‬من قضااي الرتبية والتعليم‪ ،‬سلسلة شرفات‪ ،‬رقم‪ ،19:‬مطبعة النجاح‬
‫اجلديدة‪ ،‬الدار البيااء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2006‬م‪.‬‬

‫‪ -9‬خليل ميخائيل معوض‪ :‬علم النفس االجتماعي‪ ،‬دار نشر املغربية‪ ،‬الدار البيااء‪ ،‬املغرب‪،‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪1982‬م‪.‬‬

‫‪ -10‬عبد السالم املسدي‪ :‬اللسانيات من خالل النصوص‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪1984‬م‪.‬‬

‫‪ -11‬عبد الكرمي غريب‪ :‬املنهل الرتبوي‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬منشورات عامل الرتبية‪ ،‬مطبعة النجاح‬
‫اجلديدة‪ ،‬الدار البيااء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2006‬م‪.‬‬
‫‪ -12‬غي آفانزيين‪ :‬اجلمود والتجديد يف الرتبية املدرسية‪ ،‬ترمجة‪ :‬الدكتور عبد هللا عبد الدائم‪،‬‬
‫دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1981‬م‪ ،‬ص‪.280:‬‬
‫‪ -13‬حممد لبيب النجيحي‪ :‬مقدمة يف فلسفة الرتبية‪ ،‬دار النهاة العريب للطباعة والنشر‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‪1992‬م‪.‬‬
‫‪ -14‬مارسيل بوستيك‪ :‬العالقة الرتبوية‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد بشري النحاس‪ ،‬املنظمة العربية للرتبية‬
‫والثقافة والعلوم‪ ،‬تونس‪1986 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -15‬مبارك ربيع‪ :‬خماوف األطفال‪ ،‬اهلالل العربية للطباعة والنشر‪ ،‬طبعة ‪1991‬م‪.‬‬
‫‪ -16‬حممد ايسر اخلواجة وحسني الدريين‪ :‬املعجم املوجز يف علم االجتماع‪ ،‬مصر العربية‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2011‬م‪.‬‬
‫‪ -17‬مصطفى سويف‪ :‬األسس النفسية لإلبداع الفين‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل سنة ‪1951‬م‪.‬‬
‫‪ -18‬مصطفى حمسن‪ :‬مدرسة املسقبل‪ ،‬سلسلة شرفات‪ ،‬رقم‪ ،26 :‬الرابط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل سنة ‪2009‬م‪.‬‬

‫‪85‬‬
www.alukah.net ‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة‬

،‫ دار الطليعة‬،‫ جورج طرابيشي‬:‫ ترمجة‬،‫ فكرة اجلمال‬،‫مدخل إىل علم اجلمال‬:‫ هيجل‬-19
.‫م‬1988‫ الطبعة الثالثة سنة‬،‫ لبنان‬،‫بريوت‬
.‫م‬1990 ،‫ تونس‬،‫ معجم علم النفس الرتبوي‬:‫ وزارة الثقافة والرتبية‬-20
.‫م‬2008 ‫ غشت‬،‫ املغرب‬،‫ الرابط‬،‫ دليل احلياة املدرسية‬:‫ وزارة الرتبية الوطنية‬-21
‫ منتدى‬،‫ جدلية االنفصال واالتصال‬،‫ اإليدولوجيا وعلم االجتماع‬:‫ وسيلة خزار‬-22
.‫م‬2013 ‫ الطبعة األوىل سنة‬،‫ لبنان‬،‫ بريوت‬،‫املعارف‬

:‫املراجع األجنبية‬

23-AZNAR G. , « Préciser le sens du mot “créativité”,


Synergies Europe, n° 4, 2009.
24-BANDURA A. , Auto-efficacité. Le sentiment
d’efficacité personnelle (P. Lecomte, trad. ) (2e éd. ),
Bruxelles, De Boeck, 2007 (original publié en 1997).
25- Émile Durkheim, Éducation et sociologie, 1922.
PUF, nouv. éd. 1966.
26-Émile Durkheim L'éducation morale, 1902-1903,
PUF, nouv. éd. 1963.
27-Ivan Illich, Une société sans école, 1971, trad. , Seuil,
1972.
28-Isabelle Puozzo:Pédagogie de la créativité: de
l’émotion à l’apprentissage ,http://edso. revues. org/174.

86
www.alukah.net ‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة‬

29-CRAFT A. , Creativity in schools. Tensions and


dilemmas, New York, Routledge, 2005.
30-LUBART T. , Psychologie de la créativité (2e éd. ),
Paris, Armand Colin, 2003.
31-N. Goodman, Of Mind and other Matters,
Cambridge MA: Harvard UP, 1984.
32-N. Goodman, Faits, fictions et prédictions(1954), tr.
de l’anglais (États-Unis) par M. Abran, Paris, Éditions de
Minuit, coll. «Propositions», 1985.
33-N. Goodman, Langages de l’art. Une approche de la
théorie des symboles(1968), tr. De l’anglais (États-Unis) et
présenté par J. Morizot, Nîmes, Éd. Jacqueline Chambon,
Coll. «Rayon Art», 1990.
34-N. Goodman, Manières de faire des mondes(1978),
tr. de l’anglais (États-Unis) par M. -D. Popelard, Nîmes,Éd.
Jacqueline Chambon, coll. «Rayon art», 192.

34-Olivier Rey et Annie Feyfant: (VERS UNE


ÉDUCATION PLUS INNOVANTE ET CRÉATIVE).
Dossier d’&ctualité. n70, janvier 2012. http://ife. ens-
lyon. fr/vst/DA-Veille/70-janvier-2012. pdf

35-T. Kuhn: La structure des révolutions scientifiques,


traduit par Laure Meyer, Flammarion, Paris, 1970.

87
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫املقاالت‪:‬‬

‫‪ -37‬حممد الدريج‪( :‬ماذا بعد بيداغوجيا اإلدماج؟ منوذج التدريس ابمللكات)‪ ،‬جريدة األخبار‪،‬‬
‫املغرب‪ ،‬العدد‪ ،62:‬الثالاثء ‪ 29‬يناير ‪2013‬م‪.‬‬

‫‪ -38‬املختار عنقا اإلدريسي‪ (:‬املسرح والتنشيط)‪ ،‬جملة آفاق تربوية‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد‪،11‬‬
‫‪1996‬م‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫الفهـ ــرس‬

‫املقدم ــة‪4......................................................................................‬‬

‫املبحث األول‪ :‬مفهوم البيداغوجي ــا ‪7.............................................................‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬مفه ــوم الديدكتي ــك ‪9.............................................................‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬مفه ــوم الرتبية ‪11 ...............................................................‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬اإلبــداع عند اإلنسان واحليوان ‪18 ..................................................‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬مراحل اإلبداع وعوامل ــه ‪24 .......................................................‬‬

‫الفصل الثاين‪29 .............................................................................. :‬‬

‫التصـ ــور النظـ ـ ــري ‪29 ...........................................................................‬‬

‫توطئ ــة البد منها‪29 .......................................................................... :‬‬

‫املبحث األول‪ :‬وظائــف املدرس ــة ‪30 .............................................................‬‬

‫املطلب األول‪ :‬وظيف ـ ــة التطبيع والتنشئـ ــة االجتماعي ــة ‪32 ...........................................‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬وظيفـ ــة اإلعالم والتكوي ــن والتأهي ــل ‪38 .............................................‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬وظيفـ ـ ــة التغيري اجملتمعي ‪38 .......................................................‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬الوظيفـ ـ ــة اإليديولوجي ــة‪39 .........................................................‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬سياق البيداغوجيا اإلبداعية ‪41 ....................................................‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬مفهوم النظرية اإلبداعية لغة واصطالحا ‪45 ........................................‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬مفهوم اإلبداعية يف جمال البيداغوجيا ‪48 ............................................‬‬

‫املبحث اخلامس‪ :‬مرتكـ ـزات النظري ــة اإلبداعي ــة ‪53 .................................................‬‬

‫‪89‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫املبح ــث السادس‪ :‬املرجعي ــات النظرية ‪56 .........................................................‬‬

‫املبحث السابع‪ :‬فلسفة البيداغوجيا اإلبداعية وغاايهتا ‪57 ..........................................‬‬

‫الفص ــل الثالث‪60 ............................................................................ :‬‬

‫اإلجـ ـ ـراء التطبيقـ ــي ‪60 ..........................................................................‬‬

‫املبحث األول‪ :‬اإلجراء العملي للبيداغوجيا اإلبداعي ــة ‪60 ..........................................‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬التدبي ــر الديدكتيكي اإلبداع ــي ‪62 .................................................‬‬

‫املطلب األول‪ :‬االنطالق من الفلسفـ ــة اإلبداعي ــة ‪62 ..............................................‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬ديث احملتوايت وعصرنة املاامني ‪64 .............................................‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬ديــث الوسائــل الديدكتيكيــة ‪65 .................................................‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬متثل الطرائق اإلبداعية ‪65 .........................................................‬‬

‫املطلب اخلامس‪ :‬تقوي ــم إبداعــي جديــد ‪68 .......................................................‬‬

‫املطلب السادس‪ :‬األخذ بفلسف ــة التنشيط ‪69 ....................................................‬‬

‫املطلب السابع‪ :‬النشاطات املومسية ‪76 ...........................................................‬‬

‫املطلب التاسع‪ :‬خلق شعب جديدة ‪79 ..........................................................‬‬

‫املطلب العاشر‪ :‬اإلدارة املبدع ـ ــة ‪79 ..............................................................‬‬

‫اخلامتـ ـ ــة ‪83 ....................................................................................‬‬

‫ثبت املصادر واملراجع ‪84 .......................................................................‬‬

‫الفهـ ــرس ‪89 ...................................................................................‬‬

‫‪90‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫السرية العلمية‪:‬‬

‫‪ -‬مجيل محداوي من مواليد مدينة الناظور (املغرب)‪.‬‬

‫‪ -‬حاصل على دبلوم الدراسات العليا سنة ‪1996‬م‪.‬‬

‫‪ -‬حاصل على دكتوراه الدولة سنة ‪2001‬م‪.‬‬

‫‪ -‬حاصل على إجـازتني‪:‬األوىل يف األدب العـريب‪ ،‬والثانيـة يف الشـريعة والقـانون‪ ،‬ويعـد إجـازتني يف‬
‫الفلسفة وعلم االجتماع‪.‬‬

‫‪ -‬أستاذ التعليم العايل ابملركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين ابلناظور‪.‬‬

‫‪ -‬أس ــتاذ األدب الع ــريب‪ ،‬ومن ــاهج البح ــث الرتب ــوي‪ ،‬واإلحص ــاء الرتب ــوي‪ ،‬وعل ــوم الرتبي ــة‪ ،‬والرتبي ــة‬
‫الفنية‪ ،‬واحلاارة األمازيغية‪ ،‬وديدكتيك التعليم األويل‪. . .‬‬

‫‪-‬أديب ومبدع وانقد وابحث‪ ،‬يشتغل ضمن رؤية أكادميية موسوعية‪.‬‬

‫‪ -‬حصل على جائزة مؤسسة املثقف العريب (سيدين‪/‬أسرتاليا) لعام ‪2011‬م يف النقد والدراسـات‬
‫األدبية‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪ -‬حصل على جائزة انجي النعمان األدبية سنة‪2014‬م‪.‬‬

‫‪ -‬رئيس الرابطة العربية للقصة القصرية جدا‪.‬‬

‫‪ -‬رئيس املهرجان العريب للقصة القصرية جدا‪.‬‬

‫‪ -‬رئيس اهليئة العربية لنقاد القصة القصرية جدا‪.‬‬

‫‪ -‬رئيس اهليئة العربية لنقاد الكتابة الشذرية ومبدعيها‪.‬‬

‫‪ -‬رئيس مجعية اجلسور للبحث يف الثقافة والفنون‪.‬‬

‫‪ -‬رئيس خمترب املسرح األمازيغي‪.‬‬

‫‪ -‬عاو اجلمعية العربية لنقاد املسرح‪.‬‬

‫‪-‬عاو رابطة األدب اإلسالمي العاملية‪.‬‬

‫‪ -‬عاو ا اد كتاب العرب‪.‬‬

‫‪-‬عاو ا اد كتاب اإلنرتنت العرب‪.‬‬

‫‪-‬عاو ا اد كتاب املغرب‪.‬‬

‫‪ -‬من منظري فن القصة القصرية جدا وفن الكتابة الشذرية‪.‬‬

‫‪ -‬مهتم ابلبيداغوجيا والثقافة األمازيغية‪.‬‬

‫‪ -‬ترمجت مقاالته إىل اللغة الفرنسية واللغة الكردية‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪ -‬شـ ــارك يف مهرجـ ــاانت عربيـ ــة عـ ــدة يف كـ ــل مـ ــن‪ :‬اجلزائـ ــر‪ ،‬وتـ ــونس‪ ،‬وليبيـ ــا‪ ،‬ومصـ ــر‪ ،‬واألردن‪،‬‬
‫والسعودية‪ ،‬والبحرين‪ ،‬والعراق‪ ،‬واإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬وسلطنة عمان‪. . .‬‬

‫‪ -‬مستشار يف جمموعة من الصحف واجملالت واجلرائد والدورايت الوطنية والعربية‪.‬‬

‫‪ -‬نش ــر أكث ــر م ــن أل ــف وثالث ــني مق ــال علم ــي حمك ــم وغ ــري حمك ــم‪ ،‬وع ــددا كثـ ـريا م ــن املق ــاالت‬
‫اإللكرتوني ــة‪ .‬ول ــه أكث ــر م ــن (‪ )124‬كت ــاب ورق ــي‪ ،‬وأكث ــر م ــن مائ ــة كت ــاب إلك ــرتوين منش ــور يف‬
‫موقعي (املثقف) وموقع (األلوكة)‪ ،‬وموقع (أدب فن)‪.‬‬

‫‪ -‬يشتغل على عدة مشاريع كربى‪ :‬مشروع القصة القصرية جدا‪ ،‬ومشروع التجديد البيـداغوجي‪،‬‬
‫ومش ــروع الكتاب ــة الش ــذرية‪ ،‬ومش ــروع الص ــحافة واإلع ــالم‪ ،‬ومش ــروع الثقاف ــة األمازيغي ــة‪ ،‬ومش ــروع‬
‫املنــاهج النقديــة يف فــرتة مابعــد احلداثــة‪ ،‬ومشــروع املنطــق وعــامل التخييــل األديب والفــين‪ ،‬واملشــروع‬
‫السيميوطيقي‪ ،‬ومشروع النظرايت املسرحية‪ ،‬ومشروع علم االجتمـاع السياسـي والثقـايف‪ ،‬ومشـروع‬
‫التجديــد الفقهــي وفــق املنــاهج النقديــة املعاصــرة‪ ،‬ومشــروع اتريــخ املوريســكيني واليهــود يف منطقــة‬
‫الريف‪ ،‬ومشروع منطق اجلهات‪ ،‬ومشروع العوامل املمكنة‪ ،‬ومشروع نظرايت علم النفس‪ ،‬ومشـروع‬
‫التجدي ــد الفلس ــفي‪ ،‬ومش ــروع الس ــينما األمازيغي ــة‪ ،‬ومش ــروع الفن ــون التش ــكيلية مبنطق ــة الري ــف‪،‬‬
‫ومشــروع لســانيات اجلملــة ولســانيات اخلطــاب‪ ،‬ومشــروع اإلســالم بــني احلداثــة ومــا بعــد احلداثــة‪،‬‬
‫ومشروعي فقه التعارف وفقه النوازل‪. . . ،‬‬

‫‪ -‬وم ـ ــن أه ـ ــم كتب ـ ــه‪ :‬فق ـ ــه الن ـ ـوازل‪ ،‬ومفه ـ ــوم احلقيق ـ ــة يف الفك ـ ــر اإلس ـ ــالمي‪ ،‬وحمط ـ ــات العم ـ ــل‬
‫الديدكتيكي‪ ،‬وتدبري احلياة املدرسـية‪ ،‬وبيـداغوجيا األخطـاء‪ ،‬وحنـو تقـومي تربـوي جديـد‪ ،‬والشـذرات‬
‫بــني النظريــة والتطبيــق‪ ،‬والقصــة القصــرية جــدا بــني التنظــري والتطبيــق‪ ،‬والروايــة التارخييــة‪ ،‬تصــورات‬
‫تربوية جديدة‪ ،‬واإلسالم بني احلداثة وما بعد احلداثة‪ ،‬وجمزءات التكوين‪ ،‬ومـن سـيميوطيقا الـذات‬
‫إىل س ـ ــيميوطيقا الت ـ ــوتر‪ ،‬والرتبي ـ ــة الفنيـ ــة‪ ،‬ومـ ــدخل إىل األدب الس ـ ــعودي‪ ،‬واإلحص ـ ــاء الرتب ـ ــوي‪،‬‬

‫‪93‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ونظرايت النقد األديب يف مرحلة مابعـد احلداثـة‪ ،‬ومقومـات القصـة القصـرية جـدا عنـد مجـال الـدين‬
‫اخلاـ ــريي‪ ،‬وأنـ ـواع املمثـ ــل يف التيـ ــارات املسـ ــرحية الغربيـ ــة والعربيـ ــة‪ ،‬ويف نظريـ ــة الروايـ ــة‪ :‬مقـ ــارابت‬
‫جدي ــدة‪ ،‬وأنطولوجي ــا القص ــة القص ــرية ج ــدا ابملغ ــرب‪ ،‬والقص ــيدة الكونكريتي ــة‪ ،‬وم ــن أج ــل تقني ــة‬
‫جدي ــدة لنق ــد القص ــة القص ــرية ج ــدا‪ ،‬والس ــيميولوجيا ب ــني النظري ــة والتطبي ــق‪ ،‬واإلخ ـراج املس ــرحي‪،‬‬
‫ومــدخل إىل الســينوغرافيا املســرحية‪ ،‬واملســرح األمــازيغي‪ ،‬ومســرح الشــباب ابملغــرب‪ ،‬واملــدخل إىل‬
‫اإلخ ـراج املســرحي‪ ،‬ومســرح الطفــل بــني التــأليف واإلخ ـراج‪ ،‬ومســرح األطفــال ابملغــرب‪ ،‬ونصــوص‬
‫مسـ ــرحية‪ ،‬ومـ ــدخل إىل السـ ــينما املغربيـ ــة‪ ،‬ومنـ ــاهج النقـ ــد العـ ــريب‪ ،‬واجلديـ ــد يف الرتبيـ ــة والتعلـ ــيم‪،‬‬
‫وببليوغرافيــا أدب األطفــال ابملغــرب‪ ،‬ومــدخل إىل الشــعر اإلســالمي‪ ،‬واملــدارس العتيقــة ابملغــرب‪،‬‬
‫وأدب األطفــال ابملغــرب‪ ،‬والقصــة القصــرية جــدا ابملغــرب‪ ،‬والقصــة القصــرية جــدا عنــد الســعودي‬
‫علي حسن البطران‪ ،‬وأعالم الثقافة األمازيغية‪. . .‬‬

‫‪ -‬عنوان الباحث‪ :‬مجيل محداوي‪ ،‬صندوق الربيد‪ ،1799‬الناظور‪ ،62000‬املغرب‪.‬‬

‫‪ -‬اهلاتف النقال‪0672354338:‬‬

‫‪ -‬اهلاتف املنزيل‪0536333488:‬‬

‫‪ -‬اإلمييل‪Hamdaouidocteur@gmail. com:‬‬

‫‪Jamilhamdaoui@yahoo. fr‬‬

‫‪94‬‬
‫اتبع اجلديد واحلصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫كلمات الغالف اخلارجي‪:‬‬

‫هتدف البيداغوجيا اإلبداعية‪ ،‬ابعتبارها نظرية تربوية جديدة‪ ،‬إىل بناء مستقبل تربوي حداثي‪،‬‬
‫يقوم على اخللق والتطوير واإلبداع واالكتشاف واخللق‪ ،‬بعد املرور الاروري من مرحلة احلفظ‬
‫البناء‪ ،‬فمرحلة التقليد واحملاكاة والتدريب‪ ،‬مث مرحلة التجريب واإلبداع والتأصيل‪ .‬وذلك كله من‬
‫أجل خلق جمتمع متنور ومبدع وكفء‪ ،‬قادر على مواجهة التحدايت املوضوعية والواقعية والدولية‬
‫على مجيع األصعدة واملستوايت والقطاعات اإلنتاجية‪.‬‬

‫بيد أن هذه النظرية الرتبوية اإلبداعية ال ميكن أن قق مثارها املرجوة إال يف جمتمع العمل املثمر‬
‫والقيم الفالى‪ ،‬وجمتمع احلرايت اخلاصة والعامة‪ ،‬وجمتمع الدميقراطية احلقيقية القائمة على‬
‫العدالة‪ ،‬واملساواة‪ ،‬واإلنصاف‪ ،‬وتكافؤ الفرص‪.‬‬

‫الكتاب‪ :‬حنو نظرية تربوية جديدة( البيداغوجيا اإلبداعية)‬

‫الطبعة األوىل‪2015 :‬م‬

‫حقوق الطبع حمفوظة للمؤلف‬

‫‪95‬‬

You might also like