You are on page 1of 82

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬


‫جامــــعة دمحم بوضياف بالمسيلة‬

‫مــــــــــــــــــــــــــــيدان الحقــــــــــــــوق‬ ‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬


‫تخصص الدولة والمؤسسات العمومية‬ ‫قســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــم الحــــــــــــــــــــقوق‬

‫مذكرة مكملة لنيل شهادة ماستر أكاديمي‬


‫بعنـــــــــــــــــــــــــــــوان‬

‫الرقابة القضائية على الحاكم في الفقه السياسي اإلسالمي‬


‫" مقارنة باألنظمة الدستورية الحديثة"‬

‫اشراف األستاذ‬ ‫إعداد الطالب‪:‬‬


‫د‪.‬زرواق نصير‬ ‫ـــــــ وشن دمحم او لحنافي‬

‫لجنة المناقشة‬

‫الصفة‬ ‫الرتبة‬ ‫اللقب واالسم‬


‫رئيسا‬ ‫جامعة المسيلة‬ ‫األستاذ‪/‬د‪ .‬خضري حمزة‬
‫مشرفا ومقر ار‬ ‫جامعة المسيلة‬ ‫األستاذ‪ /‬د‪ .‬زرواق نصير‬
‫مناقشا‬ ‫جامعة المسيلة‬ ‫األستاذ‪ /‬د‪.‬مقروف دمحم‬

‫السنة الجامعية ‪7102-7102‬‬


‫قال هللا تعال* فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من‬
‫خوف* ‪ -‬صدق هللا العظيم‪ *-‬اآليتان ‪ 3،4‬من سورة قريش*‪.‬‬
‫قال الرسول (ص)*الساعي على األرملة واملسكني كاجملاهد يف سبيل هللا أو‬
‫الذي يصوم النهار ويقوم الليل*‬
‫احلمد هلل الذي أانر لنا درب العلم واملعرفة وأعاننا على أداء هذا الواجب‬
‫ووفقنا إىل إجناز هذا العمل أتوجه جبزيل الشكر واالمتنان إىل كل من‬
‫ساعدين على إجناز هذا العمل واىل كل من مل يبخل علي بتوجيهاته‬

‫ونصائحه القيمة اليت كانت عوان يل وأخص بالذكر األستاذ المشرف‪:‬‬

‫" زرواق نصير"‬


‫إلى الروح التي يرعاني دعاها ويرافقني‬
‫في دربي رجاها‪.‬‬
‫إلى أمي الغالية على قلبي‪.‬‬
‫إلى مشعل النور الذي سطع في أرجاء دربي‪.‬‬
‫إلى أبي‬
‫وعزتي في زماني‪.‬‬
‫إلى عماد الدار وركائز القرار إخوتي وأخواتي‪.‬‬
‫إلى كل األقارب واألصدقاء‬
‫مقدمة‬
‫مقدمة‬

‫المقـدمـــة‪.‬‬
‫إنه ليس في النظام اإلسالمي من هو معفى من المسؤولية ‪،‬عن عبد هللا بن عمر رضي هللا‬
‫فاألم ُير َّالِذي َعَلى‬ ‫ِ‬ ‫اع‪َ ،‬وُكُّل ُك ْم مسؤول َع ْن َرِعيَِّت ِه‪،‬‬
‫عنهما عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬أال ُكُّل ُك ْم َر ٍ‬
‫اع عَلى أَه ِل بيِت ِه‪ ،‬وهو مسئول عنهم‪ ،‬واْلم أَرة ر ِ‬
‫اع َي ٌة َعَلى َب ْي ِت‬ ‫ؤول َع ْن َرِعيَِّت ِه‪َ ،‬و َّ‬ ‫الن ِ‬
‫َّ‬
‫َْ ُ ْ َ َْ ُ َ‬ ‫ْ َْ َ َُ‬ ‫الرُج ُل َر ٍ َ‬ ‫اع‪َ ،‬و ُه َو َم ْس ٌ‬
‫اس َر ٍ‬
‫ال َسِِّيِدِه َو ُه َو مسؤول َع ْن ُه‪ ،‬أال َف ُكُّل ُك ْم َر ٍ‬
‫اع‪َ ،‬وُكُّل ُك ْم‬ ‫اع عَلى م ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َب ْعل َها َوَوَلده‪َ ،‬وه َي َم ْسؤوَل ٌة َع ْن ُه ْم‪َ ،‬واْل َع ْبُد َر ٍ َ َ‬
‫ؤول عن رعيته "‪ -‬متفق عليه ‪ -‬ومنه فالمسؤولية مرتبطة حتما بالسلطة أي كل من تولى السلطة‬ ‫َم ْس ٌ‬
‫يخضع للمساءلة عن ما تولى من أمر الرعية‪ ،‬ولما كان أمر الناس ال يستقيم بغير حاكم ألنهم بحاجة‬
‫إلى من يحميهم ويحفظ حقوقهم ويؤمن مصالحهم ويصون دينهم ‪ ،‬لذا فرض هللا عز وجل على المؤمنين‬
‫يعوا‬ ‫َطيعوا َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫طاعة أولي األمر وجعلها تابعة لطاعته ورسوله قال عز من قائل " يا أَي َّ ِ‬
‫َّللاَ َوأَط ُ‬ ‫آمُنوا أ ُ‬ ‫ُّها الذي َن َ‬ ‫َ َ‬
‫اَّلِ واْليو ِم ِ‬
‫األِ ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ و َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرُسول إ ْن ُكنتُ ْم تُ ْؤم ُنو َن ب َّ َ َ ْ‬ ‫األم ِر م ْن ُك ْم َفإ ْن تََن َازْعتُ ْم في َش ْيء ُ‬
‫فرُّدوهُ إَلى َّ َ‬ ‫ول َوأ ُْولِي ْ‬ ‫الرُس َ‬
‫َّ‬
‫َح َس ُن تَأ ِْويال" ‪1‬و لم يكرر فعل األمر أطيعوا مع أولي األمر حي ال طاعة مطلقة للحاكم ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َذل َك َِ ْيٌر َوأ ْ‬
‫إنما يطاعون بطاعتهم هلل ورسوله كما جعل للطاعة شرط هو اإليمان وهو رد ما يتنازعون فيه إلى هللا‬
‫ِ ِ‬ ‫ول ِإن كنتم تؤ ِمنون ِب َّ ِ‬ ‫َّللاِ َو َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اَّل َواْل َي ْو ِم األِ ِر َذل َك َِ ْيٌر َوأ ْ‬
‫َح َس ُن‬ ‫الرُس ِ ْ ُ ُ ْ ُ ْ ُ َ‬ ‫فرُّدوهُ ِإَلى َّ‬ ‫ِ‬
‫ورسوله " َفإ ْن تََن َازْعتُ ْم في َش ْيء ُ‬
‫تَأ ِْويال"‪ .2‬ومع تطور المجتمعات اتسعت سلطات الدولة وتطورت نظاما وحكما ووسط هذه السلطات‬
‫المتسعة والتي أصبح ال غنى عنها النتظام حياة األفراد في المجتمع كان لزاما ترسيخ ضمانة هامة‬
‫تتمثل في مبدأ المشروعية أين انطوت تحت لواءه الكثير من الدول حتى أصبح طابعا تتميزبه الدول‬
‫القانونية والتي يخضع فيها الحاكم والمحكوم للقانون وكلهم على قدم المساواة في الحقوق والواجبات وفي‬
‫لم يعد الخضوع للقانون مقصو ار على األفراد يلتزمون بأحكامه‬ ‫الخضوع لكل أنواع الرقابة والمسائلة حي‬
‫بل تعدى ذلك إلى السلطة الحاكمة والحاكم على الخصوص إذ يخضع لمبدأ المشروعية أي "القانون"‬
‫وبعكس ذلك نكون أمام حاكم مستبد يعمل على حمل شعبه على احترام القانون دون أن يلتزم به لتصبح‬
‫إرادة الحاكم مطلقة طليقة من كل قيد إن شاء طبق القانون أو استبعده‪.‬‬
‫ولما كانت السلطة المطلقة مفسدة مطلقة كان لزاما أن الحاكم يخضع للقانون ولرقابة القانون الذي‬
‫يطبقه القضاء كهيئة رقابة على الحاكم ولكي يكتمل النظام القانوني للدولة ال بد من أن يكون هناك‬
‫استقالل للسلطة القضائية ورقابة قضائية على أعمال اإلدارة‪،‬الن استقالل القضاء دعامة أساسية لقيام‬

‫‪ - 1‬سورة النساء ‪ ،‬اآلية ‪95‬‬


‫‪ -2‬نفس المرجع السابق‪.‬‬

‫أ‬
‫مقدمة‬

‫الدولة ‪ 1‬فسيادة القانون ال تتحقق دون أن تشمل الحكام والمحكومين على حد سواء ‪ 2‬وقد انتهى الفقه‬
‫تكون المسؤولية وعلى قدر المسؤولية تكون‬ ‫الدستوري إلى قاعدة شهيرة مفادها أن السلطة تكون حي‬
‫السلطة‪.‬إن مسالة الرقابة القضائية على الحاكم مسالة مهمة إذ من ِاللها يمكن تكريس مبدأ المشروعية‬
‫وكذا تعزيز أسس الشورى والديمقراطية وهي ضمان لعدم ِروج الحاكم على ما حدده القانون كما أن‬
‫مسألة الرقابة القضائية على الحاكم مسألة مرت عبر األزمنة بالعديد من التطورات‪ ،‬من مرحلة كانت‬
‫منعدمة على اإلطالق إلى وصولها لمرحلة مسؤولية الحاكم وِضوعه للرقابة‪.‬‬
‫فما المقصود بالرقابة القضائية على الحاكم وما هي أسسها وتطبيقاتها في الفقه اإلسالمي‬
‫تمهيدي‬ ‫إلى فصلين بعد مبح‬ ‫لإلجابة عن هذه األسئلة اِترنا تقسيم البح‬ ‫والقانون الوضعي الحدي‬
‫يتمحور الفصل األول بعنوان ماهية الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية‬
‫الحديثة وفصل ثاني بعنوان آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين‬
‫أن اعتمد على منهج استقرائي تحليلي ومنهج مقارن في‬ ‫الدستورية الحديثة وقد وجدت لمقتضيات البح‬
‫طرح البح ‪.‬‬
‫في مسألة الرقابة القضائية على الحاكم تستلزم ضبط بعض المفردات والمصطلحات‬ ‫إن البح‬
‫وتبيان مفهومها وداللتها لغة واصطالحا سواء في الفقه اإلسالمي أو القانون الوضعي لذلك ارتأيت أن‬
‫تمهيدي ِاص بضبط المصطلحات ‪.‬‬ ‫يكون مبح‬

‫‪-1‬األستاذ ذبيح ميلود ‪،‬الفصل بين السلطات في التجربة الدستورية الجزائرية‪،‬دار الهدى‪ ،‬عين مليلة الجزائر‪،‬‬
‫‪،7002‬ص‪.8‬‬
‫‪ -2‬لجلط فواز ـ أطروحة دكتوراه في القانون‪،‬بعنوان الضمانات الدستورية لحماية مبدأ الشرعية‪،‬جامعة الجزائر‪-،،70،1‬‬
‫‪،70،9‬ص‪3‬‬

‫ب‬
‫الفصل االول‬
‫ماهية الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية الحديثة‬ ‫الفصل األول‬

‫الفصـــل األول ‪ :‬ماهيـــة الرقابـــة القضـــائية علـــى الحـــاكم بـــين الفقـــه اإلســـالمي‬
‫والقوانين الدستورية الحديثة‬
‫عن ماهية الرقابة القضائية على الحاكم في الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي يتطلب‬ ‫إن البح‬
‫عن النصوص الواردة في القران الكريم والسنة النبوية عن مسؤولية الحاكم أو الخليفة أو أمير‬ ‫البح‬
‫المؤمنين هذه النصوص تجعل من سلطة الحاكم ِاضعة لقواعد الدين وهي النصوص التي تقوم تباعا لها‬
‫في القواعد الفقهية كمصدر لمسؤولية الحاكم وأساس لمسائلة الحاكم‬ ‫مسؤولية الحاكم ‪ ،‬كما يتطلب البح‬
‫عن أحكام الرقابة القضائية على الحاكم في القوانين الوضعية‪.‬‬ ‫عن تصرفاته كما يتطلب البح‬
‫في ذلك يتطلب طرح إشكاليات عديدة تتلخص في‪ :‬ما مصادر مسؤولية الحاكم في الفقه‬ ‫وللبح‬
‫اإلسالمي ؟ وفيما تتمثل ِصائصها وصورها ؟ إلى أي مدى تتجلى أحكام الرقابة القضائية على الحاكم ؟‬
‫وكيف نشأت وتطورت؟ وما هي المراحل التي مرت بها؟ وما أنواع الرقابة على الحاكم ؟‪.‬‬

‫‪ -‬المبحث األول‪ :‬أحكام الرقابة القضائية على الحاكم في الفقه اإلسالمي‪.‬‬


‫‪ -‬المطلب األول‪ :‬مصادر مسؤولية الحاكم في الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫جاء الدين اإلسالمي بدستور كامل للحياة في جميع جوانبها كما ورد في قوله تعالى‪" :‬ما فرطنا‬
‫في الكتاب من شيء"‪ ،1‬وعليه فقد وضع اإلسالم أسس الرقابة العامة والمحاسبة للمسلم فرداً كان أم أمة‪،‬‬
‫وجعل الرقابة على مستوى الدولة اإلسالمية وظيفة من وظائف اإلدارة العليا ومسؤولياتها في تحقيق العدل‬
‫واألمن‪ ،‬وجعلها أيضاً األساس إليجاد المجتمع اإلسالمي والمدِل لصالح األمة ونهضتها‪ ،‬كما أكد‬
‫اإلسالم على أن مسؤولية الرقابة مسؤولية المسلمين جميعاً‪ ،‬قال تعالى‪" :‬كنتم ِير أمة أِرجت للناس‬
‫‪،‬عن أبي سعيد الخدري قال ‪ :‬سمعت رسول هللا‬ ‫‪2‬‬
‫تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باَّل"‬
‫صلى هللا عليه وسلم يقول‪" :‬من رأى منكم منك اًر فليغيره بيده‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه‬
‫وذلك أضعف اإليمان‪ " .3‬ومنه وضع اإلسالم أسس ومبادئ للرقابة وحمل كال من الحاكم والرعية‬
‫المسؤولية‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة األنعام اآلية ‪.38‬‬


‫‪ - 2‬سورة ال عمران اآلية ‪.،،0‬‬
‫‪- 3‬ابن رجب الحنبلي‪ ،‬جامع العلوم‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ص ‪.731‬‬

‫‪4‬‬
‫ماهية الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية الحديثة‬ ‫الفصل األول‬

‫المسؤولية ‪ :‬ويقصد بها تحمل نتائج األفعال والتصرفات المتحققة فعالً وتقع في ثالثة مستويات‪.‬‬
‫أ ‪ -‬المسؤولية الذاتية‪ :‬وهي المسؤولية عن األفعال والتصرفات الذاتية وهي مبدأ مهم في الرقابة‪ ،‬فكل‬
‫فرد مسئول عن أفعاله أمام هللا‪ ،‬قال تعالى‪" :‬كل امرئ بما كسب رهين‪" .1‬‬
‫ب ‪ -‬المسؤولية الجماعية‪ :‬أي رقابة الجماعة على الفرد‪ ،‬وهي تأكيد ألهمية الرقابة الخارجية‪ ،‬يقول‬
‫تعالى‪" :‬والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"‪ ،.2‬عن عبد هللا‬
‫بن عمر رضي هللا عنهما انه سمع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪" :‬كلكم راع وكلكم مسئول عن‬
‫رعيته‪ ".‬متفق عليه‪.3‬‬
‫ج ‪ -‬المسؤولية اإلدارية‪ :‬وتعني مسؤولية الحاكم عن رعيته‪ ،‬فمن تولى أمر المسلمين يكون مسؤوالً أمام‬
‫هللا في شؤونهم‪ ،‬وبالتالي فهو مسؤول أمام الناس وأمام هللا عن المحافظة على أحكام الشريعة وحدود هللا‪،‬‬
‫اح ُك ْم َب ْي َن ُه ْم ِب َما‬ ‫وبالتالي فإن سلطته مقيدة بتلك األحكام وبتحقيق مصالح المسلمين يقول هللا تعالى‪" :‬وأ ِ‬
‫َن ْ‬ ‫َ‬
‫َّللاُ‪."4‬‬
‫أ َْن َزَل َّ‬
‫انه ال يوجد في اإلسالم من هو بمنأى عن المسؤولية ابتداء من رئيس الدولة اإلسالمية‬ ‫حي‬
‫وهو أعلى سلطة في الدولة إلى اصغر فرد فيها ‪ ،‬فكل فرد في الدولة اإلسالمية مسؤول مسؤولية كاملة‬
‫عن أفعاله وأقواله أمام هللا سبحانه وتعالى ‪ ،‬إلى جانب مسؤوليته في الدنيا تجاه المجتمع الذي يعيش فيه‪.‬‬
‫إن اإلسالم ال يعطي رئيس الدولة مرك از ِاصا يعفيه من النصح والتوجيه والمحاسبة من أفراد‬
‫الدولة اإلسالمية‪ ،‬فهو فرد من أفرادها‪ ،‬إال أن األمة تختاره ليكون ممثال لها يتولى اإلشراف على أمورها‬
‫وتدبير شؤون ها‪ ،‬وهو ملزم بأن ال يخرج عن أحكام اإلسالم ‪ ،‬فان تحقيق العدالة ال يتأتى إال بان يسأل كل‬
‫فرد عن أفعاله وتصرفاته‪ .‬ورئيس الدولة كذلك ‪ ،‬فال بد من مساءلته ومحاسبته تحقيقا للعدالة والمساواة إن‬
‫ِالف أي حكم من أحكام الشريعة ‪ .‬القرآن الكريم جاء بأحكام عامة لجميع المسلمين صغيرهم وكبيرهم ‪،‬‬
‫حاكمهم ومحكومهم على حد سواء ‪ ،‬فكل من يرتكب جريمة يحاسب عليها حتى ولو كان رئيس الدولة‬
‫نفسه‪ ،‬فليس له أن يستعلي على أحكام اإلسالم أو يقول أن قواعد وأحكام اإلسالم ال تنطبق عليه كونه‬
‫رئيسا للدولة فكل الناس سواسية أمام الشرع وال تفاضل بينهم إال بالتقوى‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة الطور اآلية ‪.7،‬‬


‫‪ - 2‬سورة التوبة اآلية ‪.2،‬‬
‫رقم ‪.893‬‬ ‫‪ - 3‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬الحدي‬
‫‪ - 4‬سورة المائدة اآلية ‪.15‬‬

‫‪5‬‬
‫ماهية الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية الحديثة‬ ‫الفصل األول‬

‫فإذا ارتكب رئيس الدولة اإلسالمية جناية تستوجب عقوبة تعزير أو قصاص أو حد فإنه يحاسب‬
‫عليها بل يجب على األمة محاسبته وإقام الحد ويقتص منه ويعزر بحسب األحوال‪.1‬‬

‫‪ -‬الفرع األول‪ :‬القواعد الشرعية للرقابة على الحاكم في الفقه اإلسالمي‪.‬‬


‫المسؤولية في اإلسالم أمانة في عنق الشخص الحاكم إن صانها له جزاء في الدنيا وفي اآلِرة‬
‫وإن أساء عوقب عليها لقوله تعالى " إنا عرضنا األمانة على السموات واألرض والجبال ‪ ،‬فأبين أن‬
‫يحملنها وأشفقن منها وحملها اإلنسان‪ ،‬انه كان ظلوما جهوال"‪ 2‬وفي تفسير ابن كثير األمانة تعني "الطاعة"‬
‫أي طاعة هللا في وجب فعل كل ما أمر به واالنتهاء عن ما نهى عنه ‪،‬هذه الطاعة عرضها هللا سبحانه‬
‫وتعالى على السموات واألرض والجبال فلم يتحمل أي منهم أن يطيقها فقال هللا عز وجل ألدم " عرضت‬
‫األمانة على السموات واألرض والجبال فلم يطيقوها ‪ ،‬فهل أنت اِذ بما فيها؟ قال ادم عليه السالم ‪ :‬وما‬
‫فيها؟ قال عز وجل إن أحسنت جزيتك وان أسأت عوقبت‪ .‬فأِذها أدم وتحملها‪.‬‬
‫إن مصادر المسؤولية في اإلسالم أساسها ومنبعها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة‪.‬‬
‫لقد جاء القران بالكثير من اآليات والعديد منها تنص على مسؤولية الحاكم " ولي األمر" ِليفة‬
‫كان أو أمير ‪ ،‬ملك ‪ ،‬سلطان‪ ،‬رئيس جمهورية ‪.‬‬
‫سورة "ص" اآلية ‪.72‬‬ ‫‪‬‬
‫اس ِباْلح ِق وال تَتَِّب ِع اْلهوى َفي ِ‬
‫ضَّل َك ع ْن سِب ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يل هللا‬ ‫َ َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ ِّ َ‬
‫الن ِ‬
‫أح ُك ْم َب ْي َن َّ‬ ‫األر ِ‬
‫ض َف ْ‬ ‫اك َِل َيف ًة في ْ‬ ‫ود ِإَّنا َج َعْل َن َ‬
‫"يا َد ُاو ُ‬
‫اب َشِد ٌيد ِبما َنسوا يوم اْل ِحس ِ‬
‫اب "‬ ‫ِ‬ ‫ِ ُّ‬
‫ين َيضلو َن َع ْن َسِبيل هللا َل ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫َّ ِ‬
‫ِإ َّن الذ َ‬
‫َ ُ َْ َ َ‬
‫هذه وصية من هللا عز وجل لوالة األمور أن يحكموا بين الناس بالحق المنزل من عنده تبارك‬
‫وتعالى " القران " وال يعدلوا عنه فيضلوا عن سبيله وقد توعد هللا تعالى من ضل عن سبيله‪ ،‬وتناسى يوم‬
‫الحساب بالوعيد والعذاب الشديد ‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم‪ :‬حدثنا أبي حدثنا هشام بن ِالد حدثنا الوليد ‪،‬حدثنا مروان بن جناح‪ ،‬حدثني‬
‫إبراهيم أبو زرعة – وكان قد ق أر الكتاب‪ -‬أن الوليد بن عبد المالك قال له‪ :‬أيحاسب الخليفة ؟ فانك قد‬
‫قرأت الكتاب األول ‪ ،‬وقرأت القرآن وفهمت ؟ فقلت يا أمير المؤمنين أقول ‪:‬؟ قال ‪ :‬قل ولك األمان ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬يا أمير المؤمنين أنت أكرم على هللا أو داود ؟ إن هللا عز وجل جمع له النبوة والخالفة ثم توعد في‬

‫‪-،‬غسان عبد الحفيظ دمحم حمدان‪ ،‬رسالة ماجستير في الفقه والتشريع‪ ،‬جامعة النجاح الوطنية ‪،‬نابلس فلسطين‪7003،‬‬
‫‪ - 2‬سورة األحزاب اآلية ‪. 27‬‬

‫‪6‬‬
‫ماهية الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية الحديثة‬ ‫الفصل األول‬

‫كتابه ‪ . 1‬فإذا كان األنبياء وهم اشرف ِلق هللا وحملة رساالته وقد ِيرهم هللا سبحانه عز وجل عن باقي‬
‫البشر ‪ ،‬هم يحاسبون ومأمورين بالحكم بالعدل فمن باب أولى الحكام أن يلتزموا بالحق والعدل‪.‬‬
‫‪ ‬سورة النساء اآلية ‪.98‬‬

‫َن تَ ْح ُك ُموا ِباْل َع ْد ِل ِۚإ َّن هللا‬ ‫َهلِ َها َوإِ َذا َح َك ْمتُ ْم َب ْي َن َّ‬ ‫ِ‬
‫الن ِ‬
‫اس أ ْ‬ ‫األم َانات ِإَلى أ ْ‬
‫َن تؤدوا َ‬ ‫ْم ُرُك ْم أ ْ‬
‫هللا َيأ ُ‬ ‫"ِإ َّن‬
‫ير"‬
‫ص ًا‬‫ِب ِه ِۚإ َّن هللا َكان س ِميعا ب ِ‬ ‫ِن ِع َّما َي ِع ُ‬
‫ظ ُك ْم‬
‫َ َ ً َ‬

‫("إن هللا يأمركم أن تؤدوا األمانات" أي ما اؤتمن عليه من الحقوق «إلى أهلها» نزلت لما أِذ‬
‫علي رضي هللا عنه مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة لما قدم النبي صلى هللا عليه وسلم مكة عام الفتح‬
‫ِّ‬
‫ومنعه وقال لو علمت أنه رسول هللا لم أمنعه فأمر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم برده إليه وقال هاك‬
‫علي اآلية‪ ،‬فأسلم وأعطاه عند موته ألِيه شيبة فبقي في ولده ‪.‬‬
‫ِالدة تالدة فعجب من ذلك فق أر له ُّ‬

‫واآلي ُة وإن وردت على سبب ِاص فعمومها معتبر بقرينة الجمع "وإذا حكمتم بين الناس" يأمركم‬
‫نعما" فيه إدغام ميم نعم في ما النكرة الموصولة أينعم شيئا "يعظكم به" تأدية‬
‫"أن تحكموا بالعدل إن هللا َّ‬
‫‪2‬‬
‫األمانة والحكم بالعدل"إن هللا كان سميعا" لما يقال "بصي ار" بما يفعل)‬

‫‪ ‬سورة االنفال االية ‪.72‬‬


‫َم َان ِات ُك ْم َوأ َْنتُ ْم تَ ْعَل ُمو َن "‬ ‫"يا أَي َّ ِ‬
‫ونوا أ َ‬
‫ول َوتَ ُخ ُ‬
‫الرُس َ‬
‫ونوا هللا َو َّ‬
‫آمُنوا ال تَ ُخ ُ‬
‫ين َ‬
‫ُّها الذ َ‬
‫َ َ‬

‫من ِالل اآلية الكريمة هي ِطاب صريح لالبتعاد عن الخيانة بكل أنواعها سواء ِيانة هللا‬
‫سبحانه عز وجل أو ِيانة األمانة بما فيها هذا الفعل من دناءة‪.‬‬

‫‪ ‬سورة آل عمران االية‪.،01‬‬

‫وف َوَي ْن َه ْو َن َع ِن اْل ُم ْن َك ِر َوأُوَلِئ َك ُه ُم اْل ُمْفلِ ُحو َن"‬


‫ُم ٌة يدعون ِإَلى اْلخي ِر ويأْمرون ِباْلمعر ِ‬
‫َ ْ َ َ ُُ َ َ ْ ُ‬
‫ِ‬
‫" َوْلتَ ُك ْن م ْن ُك ْم أ َّ َ ْ ُ َ‬

‫(و المقصــود مــن هــذه اآليــة أن تكــون فرقــة مــن األمــة تتصــدى لهــذا الشــأن ‪ ،‬وإن كــان ذلــك واجبــا‬
‫على كل فرد من األمة بحسبه‪ ،‬كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضية هللا عنه قال ‪ :‬قال رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم " من رأى منكم منك ار فليغيره بيده‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لـم يسـتطع فبقلبـه‪،‬‬
‫وذلك اضعف اإليمان)‪.‬‬

‫‪ - 1‬ابن كثير ‪ ،‬تفسير القران العظيم‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬ص ‪. 191‬‬
‫‪ - 2‬بن كثير ‪،‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ماهية الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية الحديثة‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ ‬سورة التوبة اآلية ‪.،09‬‬

‫" َوُق ِل ْ‬
‫اع َمُلوا َف َس َي َرى هللا َع َمَل ُك ْم َوَرُسوُل ُه َواْل ُم ْؤ ِمُنو َن"‬
‫الش َه َاد ِة َفُي َنِِّبُئ ُكم ِب َما ُكنتُ ْم تَ ْع َملُو َن"‪.‬‬
‫"وستُرُّدو َن ِإَلى َعالِ ِم اْل َغ ْي ِب و َّ‬
‫َ‬ ‫ََ َ‬

‫إن لفظ ‪ -‬وقل ‪ِ -‬طاب موجه للرسول صلى هللا عليه وسلم النبي أن يقول للعباد أن اعملوا هلل‬
‫بما يرضيه من طاعته‪ ،‬وأداء فرائضه‪ ،‬واجتناب المعاصي‪ ،‬فسيرى هللا عملكم ورسوله والمؤمنون‪ ،‬وسيتبين‬
‫أمركم‪ ،‬وسترجعون يوم القيامة إلى َمن يعلم سركم وجهركم‪ ،‬فيخبركم بما كنتم تعملون‪ .‬وفي هذا تهديد‬
‫ووعيد لمن استمر على باطله وطغيانه‪.‬‬

‫‪ -‬الفرع الثاني‪ :‬القواعد الفقهية للرقابة على الحاكم في الفقه اإلسالمي‪.‬‬


‫إن القاعدة الفقهية حكم كلي ينطبق على جميع الجزئيات غالبا لتعرف أحكامها منه إما على‬
‫سبيل القطع أو على سبيل الضن‪ 1‬والقواعد الفقهية أهميتها تكمن في أنها أساس القياس وأساس الفتوى بل‬
‫هي عماد االجتهاد وأساسه إذ به تعرف األحكام الشرعية المتعلقة بما يستجد من نوازل وقضايا معاصرة‬
‫تحتاج إلى أحكام شرعية‪.‬‬
‫‪ ‬قاعدة اعتبار مأالت األفعال‪.‬‬
‫يقصد باعتبار مأالت األفعال أن األحكام الشرعية إنما وضعت لتحقيق مصالح اإلنسان على‬
‫أساس من العموم الذي يشمل أجناس األفعال مطلقا ‪ ،‬واألحكام وان كانت تؤول عند تطبيقها على واقع‬
‫األفعال إلى تحقيق المصلحة المبتغاة منها ‪ ،‬فإنها في بعض األحيان قد ال تؤدي إلى تلك المصلحة‬
‫المبتغاة ‪ ،‬بل قد تؤدي إلى نقيضها من المفسدة ‪ ،‬ومن ثم يؤول تطبيق الحاكم عليها إلى المفسدة من‬
‫أريد به تحقيق المصلحة ‪ ،‬ولذا وجب على أهل الحل والعقد اعتبار مال أفعال وتصرفات الحاكم‪.‬‬ ‫حي‬
‫يقصد بهذه القاعدة عند الفقهاء واألصوليين‪ :‬االعتداد واالعتبار بما تؤول إليه األفعال من مصالح‬
‫مشروعا‪ ،‬ولكن ُينهى عنه؛ لما يؤول إليه من المفسدة‪ ،‬وهو ما يسميه‬
‫ً‬ ‫ومفاسد‪ ،‬فقد يكون العمل في األصل‬
‫ممنوعا‪ ،‬ولكن ُيترك النهي عنه؛ لما في ذلك من المصلحة‪ ،‬وهو‬
‫ً‬ ‫بسد الذرائع‪ ،‬وقد يكون العمل‬
‫أهل العلم ِّ‬
‫ما يسميه أهل العلم بفتح الذرائع‪،‬فنزع الملكية الفردية ال يجوز‪ ،‬ولكن إذا كان في نزعها مصلحة عامة‪،‬‬
‫كتوسعة مسجد أو فتح طريق عام للمسلمين فإنه يجوز‪ ،‬لما يؤول إليه من المصلحة العامة‪،‬هذه القاعدة‬

‫‪7009 ،‬‬ ‫‪.- 1‬د‪ .‬عبد العزيز دمحم عزام ‪ ،‬القواعد الفقهية ‪ ،‬دار الحدي‬

‫‪8‬‬
‫ماهية الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية الحديثة‬ ‫الفصل األول‬

‫تعتبر مصدر من مصادر التشريع اإلسالمي وأساس النضر في تصرفات ومراقبة الحاكم من أهل الحل‬
‫العقد ‪.‬‬

‫‪ ‬التصرف على الرعية منوط بالمصلحة‪.‬‬

‫قال اإلمام الشافعي " منزلة اإلمام من الرعية منزلة الولي من اليتيم " وقال رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم " ما من عبد استرعاه هللا رعية فلم يحطها بنصيحة إال لم يجد رائحة الجنة "‪.‬‬

‫و قال صلى هللا عليه وسلم " ما من أمير يولى أمر المسلمين ثم ال يجتهد لهم وينصح إال لم‬
‫يدِل الجنة"‪ 1‬و المقصود منالقاعدةأن صحة ولزوم تصرفات الراعي على رعيته تتوقف على تضمنها‬
‫للمصلحة والمنفعة ‪ ،‬فان ِلت منها فال صحة وال لزوم ألنه مطالب بتحري المصلحة وصيانة الحقوق وال‬
‫يكون تصرفه شهيا غير مبني على مقتضى المصلحة في التدبير فعن عمر ابن الخطاب رضي هللا عنه‬
‫قال " إني أنزلت نفسي من مال هللا بمنزلة والي اليتيم ‪ ،‬إن احتجت أِذت منه فإذا أيسرت رددته فان‬
‫استغنيت استعففت" ‪.‬‬

‫ظاهر في التحذير من غش المسلمين كتضييع حقوقهم ‪ ،‬وترك العدل بينهم من‬ ‫ومعنى الحدي‬
‫تمييز بعض الناس دون بقيتهم أو تنفيذ األحكام على الضعفاء دون األشراف وتحذير في اإلسراف‬
‫والتبذير من المال العام ‪.‬‬

‫‪ -‬المطلب الثاني‪ :‬خصائص وصور الرقابة القضائية على الحاكم في الفقه اإلسالمي ‪.‬‬
‫حقوق وحريات األفراد من الضمانات التي قررها اإلسالم ‪ ،‬فنظم بإحكام أمور الحكم والحياة بكل‬
‫مجاالتها وأسس قواعد تحكم عالقة اإلنسان بربه هذه القواعد شملت وأحاطت كل عمل العبد بالمسؤولية ‪،‬‬
‫ومنه كانت المسؤولية صفة متالزمة مع العمل الذي يؤديه بخصائصها وصورها المختلفة‪.‬‬

‫‪ -‬الفرع االول‪ :‬خصائص المسؤولية في الفقه اإلسالمي‪.‬‬


‫يمتاز النظام اإلسالمي في مجال الحكم وِاصة في مجال المسؤولية بخصائص انفرد بها عن‬
‫باقي الديانات واألنظمة هذه الخصائص تتمثل في‪:‬‬
‫* العمومية‪ :‬إن مفهوم المسؤولية في اإلسالم مفهوم وقاعدة ‪ ،‬جميع البشر مخاطبين بها ضمن أحكام‬
‫الشريعة اإلسالمية أينما كانوا داِل ديار المسلمين أو ِارج دولة اإلسالم فالمسؤولية ملزم بها اإلنسان‬

‫‪ 1‬صحيح مسلم " شرح النووي على مسلم " ‪،‬يحي بن شرف أبو زكرياء النووي‪ ،‬دار الخير‪،،552،‬ص ‪379‬‬

‫‪9‬‬
‫ماهية الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية الحديثة‬ ‫الفصل األول‬

‫لنسألنهم أجمعين عما كانوا‬


‫ً‬ ‫كإنسان مخلوق بغض النضر عن جنسه ولونه وأصله ‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬فو ربك‬
‫يعملون" (‪ ،)1‬وقوله‪ -‬صل ـ ـ ــى هللا عليه وسلم‪" :-‬أال كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته‪ ،‬فاألمير الذي على‬
‫الن اس راع وهو مسؤول عن رعيته‪ ،‬والرجل راع عن أهل بيته وهو مسؤول عنه‪ ،‬والمرأة راعية على بيت‬
‫بعلها وولده وهي مسؤولة عنه‪ ،‬والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه‪ ،‬أال فكلكم راع وكلكم مسؤول‬
‫عن رعيته‪".‬‬
‫وعليه فالمسؤولية في اإلسالم عامة تقع على كل فرد مسؤول مرتكب لفعل مخل بأمن المجتمع‪،‬‬
‫ونظامه وآدابه دون استثناء وال مفاضلة‪ ،‬إال من كان فاقدا اإلدراك والتمييز وعديم األهلية فال مسؤولية‬
‫عليه‪.‬‬

‫* الجزاء عن العمل في الحياة اآلخرة‪ :‬على عكس القوانين الوضعية اإلسالم يمتاز بخاصية الجزاء في‬
‫وهذه من أهم ِصائص‬ ‫اآلِرة والمسائلة أمام هللا عز وجل عن المسؤولية التي تولها اإلنسان في الدنيا‬
‫المسؤولية في اإلسالم ‪ ،‬إذ انه ال يفلت احد من العقاب أمام هللا عز وجل عن األفعال التي ارتكبها وان‬
‫كان استطاع أن يفلت منها في دنياه فاَّل بصير بالعباد ويعلم الجهر وما يخفى‪.‬‬

‫* الثبات والتطور‪ :‬إن قواعد الشريعة اإلسالمية ثابتة تصلح للتطبيق في كل زمان ومكان‪ ،‬فإذا حدثت‬
‫تطورات في مجتمع ما وفي زمن ما استطاع رجال الفقه اإلسالمي (المجتهدون) استنباط األحكام‪ ،‬ووضع‬
‫القواعد التي تتماشى مع التقدم في ضوء الكتاب والسنة ‪ ،‬لذلك تعهد هللا بحفظها لقوله تعالى‪" :‬إن نحن‬
‫‪2‬‬
‫أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون‪".‬‬

‫* شخصية المسؤولية والعقاب‪ :‬كل إنسان يسأل عن أفعاله التي ارتكبها هذه األفعال لصيقة به دون‬
‫" كل نفس بما كسبت رهينة"‪ ، 3‬ويترتب على ذلك أن المسؤولية‬ ‫غير وهو من يسأل عنها لقوله تعالى‪:‬‬
‫ال تلحق إال الشخص مرتكب الذنب والعقوبة كذلك ألن المسؤولية شخصية ال تلحق إال الجاني‪ ،‬كما أنها‬
‫غير قابلة للتقادم أو تحميلها للغير ولو أراد الغير تحملها وتقوم العقوبة على الشخص وإن كان الفاعل‬
‫رئيس الدولة‪.‬‬

‫‪ -1‬سورة الحجر‪ ،‬اآلية‪.57 ،‬‬


‫‪ - 2‬صورة الحجر اآلية ‪05.‬‬
‫‪.- 3‬صورة المدثر اآلية ‪38‬‬

‫‪01‬‬
‫ماهية الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية الحديثة‬ ‫الفصل األول‬

‫* مبدأ الشرعية في المسؤولية‪ :‬إن مبدأ الشرعية الذي جاءت به القوانين الوضعية " ال جريمة وال عقوبة‬
‫وال تدابير أمن إال بنص " هذه القاعد أسس لها اإلسالم قبل أن تعرفها القوانين الوضعية ذلك أن علم‬
‫المسلم باألحكام مسبقا وموضوع المسؤولية ينصرف إلى النص القرآني أو نهج النبي‪ -‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ -‬أما ما لم ينهى عنه أو لم يأمر به هللا بنصوص القران أو بسنة النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬فال‬
‫مجال للعقاب عنه إذ انه ال يوجب المسؤولية ‪ ،‬القواعد واضحة أمام المسلم ال يجوز له أن يتعداها ألنه‬
‫في حالة تعديه يضع نفسه موضع المساءلة‪ ،‬ويتعرض للعقاب ‪.‬‬

‫‪ -‬الفرع الثاني‪ :‬صور مسؤولية الحاكم في الفقه اإلسالمي‪.‬‬


‫جميع البشر رؤساء أو ملوك ‪ ،‬أغنياء أم فقراء ‪ ،‬أقوياء أم ضعفاء ‪ ،‬حكام أم محكومين كلهم‬
‫يخضعون لتعاليم الدين اإلسالمي في مجال العبادات أو المعامالت ‪ ،‬فدولة الخالفة اإلسالمية تقوم على‬
‫نظام أساسه العقيدة واإليمان وهي دولة دستورها القران الكريم الذي أسس قواعد المسؤولية أين يخضع لها‬
‫الجميع مهما كانت أنواع المسؤولية وصورها والتي تنقسم إلى‪:‬‬
‫‪ -‬مـسؤولية أمام هللا‪:‬‬
‫قال تعالى‪" :‬وما ِلقت الجن واإلنس إال ليعبدون" ‪ِ1‬لق هللا اإلنسان واستخلفه في األرض‬
‫واستعمره فيها ليعبده وحده ال شريك له وليطيع أمره وينتهي بنهيه وجعل هللا القرآن الكريم دستو ار يحكم‬
‫تصرفات البشر ويحدد حقوقهم وواجباتهم بصفة عامة‪ ،‬ويرسم لهم الخطوط والمناهج العامة التي يجب أن‬
‫يقيدوا بها‪ ،‬فكل من ِالف هذه الحدود الدينية فقد أِضع نفسه لنوع من المساءلة أمام هللا عز وجل‬
‫وتحمل وزر ما فعله‪.‬‬

‫هذا الوزر يتحمله كل البشر سواء كانوا حكاما أم محكومين‪ ،‬إالِّ من تاب وآمن ورجع إلى هللا‬
‫وعمل صالحا فإن هللا يغفر له لقوله تعالى‪ " :‬إالِّ من تاب وآمن وعمل عمال صالحا فأولئك يبدل هللا‬
‫سيئاتهم حسنات وكان هللا غفو ار رحيما" ‪ ،2‬ولقد لعبت المسؤولية الدينية ومازالت دو ار هاما في حياة األمة‬
‫اإلسالمية من تهذيب لألِالق وحسن المعامالت وااللتزامات مع الغير‪ ،‬ألن القرآن الكريم والسنة المطهرة‬
‫وبينت أن كل إنسان سوف يجد ما قدم من ِير أو شر في الدنيا‪ ،‬وأن هللا تعالى سيحاسب‬
‫قررت ذلك ً‬
‫عليه وسوف يجازي كل نفس بما كسبت‪.‬‬

‫‪ .- 1‬سورة الذاريات االية‪92‬‬


‫‪ -2‬سورة الفرقان االية‪.20‬‬

‫‪00‬‬
‫ماهية الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية الحديثة‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬المسؤوليـة أمـام األمة‪:‬‬

‫إن النص الديني أساس كل مسؤولية ومرجعية تتضمن قاعدة سلوك اجتماعي مخالفتها ينتج‬
‫عنها إضرار بمصلحة محددة للفرد وتكون المسؤولية حسب طبيعة قاعدة السلوك والمصلحة المخالفة‪،‬‬
‫فنجد المسؤولية المدنية واإلدارية والجنائية وحتى السياسية ‪ ،‬ويالحظ أن القانون قد أِذ بنفس التقسيم‬
‫الذي أِذ به فقهاء الشريعة مع االِتالف في األلفاظ واألسماء وبعض الجزئيات‪ ،‬لكن المعنى واحد في‬
‫االثنين‪.‬‬

‫‪ -‬المسؤولـية المدنيـة‪:‬‬
‫عرفت الشريعة اإلسالمية المسؤولية المدنية وكان لها فضل السبق عن القانون الوضعي‪،‬‬
‫لقد ً‬
‫وكانت مجاال توسع الفقهاء فيه ‪.‬‬
‫يوجد في الفقه الكثير من المسائل التي تفيد أحكاما عن المسؤولية المدنية‪ ،‬فقد قام الفقهاء‬
‫المسلمون بشرح وبسط مسائل الضمان بأنواعه الثالثة‪ :‬ضمان العقد‪ ،‬وضمان اليد وضمان اإلتالف‪،‬‬
‫يعتبر الضمان األول تعويضا عن اإلِالل بااللتزامات العقدية وهو نفسه المسؤولية التعاقدية في‬ ‫حي‬
‫القانون‪ ،‬والنوعان اآلِران‪ -‬ضمان اليد وضمان اإلتالف‪ -‬يعبر عنها بالمسؤولية التقصيرية‪.‬‬
‫اهتمت الشريعة اإلسالمية كذلك بتعويض المضرور سواء كان الضمان منشأه العقد أو كان فعال‬
‫ضا ار ‪،‬بل يكفي لقيامها توافر أركان المسؤولية المدنية الثالث"الخطأ "في الشريعة التعدي" والضرر‬
‫والعالقة السببية ‪ ،‬ولما كان الخليفة في اإلسالم فردا كسائر األفراد وال يتميز عنهم في شيء ‪ ،‬فيسري‬
‫عليه ما يسري على األفراد من قواعد في أموره الخاصة وعالقاته الشخصية‪.‬‬
‫ال توجد للخليفة أي حصانة تمنعه من المسؤولية وفي نطاق المسؤولية المدنية يمكن أن يكون‬
‫مدعيا أو مدعى عليه‪ ،‬وإذ أثبت ِطأه تحمل نتيجة هذا الخطأ فال يجوز له أن يتعدى على حقوق األفراد‬
‫ويتحمل مسؤولية مدنية كاملة عن أِطائه التي ينتج عنها ضرر‪ ،‬فال عالقة لهذه المسؤولية بالمنصب‬
‫الذي يشغله الخليفة ‪ ،‬وال تؤثر على استمرار الحاكم في الحكم أو تركه بل يكفي التعويض عما ألحقه‬
‫بالغير من ضرر أثناء توليه منصب الرئاسة‪.1‬‬

‫‪-،‬العايب سامية‪" :‬مكانة السلطة التشريعية في النظام الدستوري الجزائري طبقا لدستور ‪ ،،552‬مذكرة ماجستير كلية‬
‫الحقوق‪ -‬قالمة‪7009-‬‬

‫‪01‬‬
‫ماهية الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية الحديثة‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬المسؤولــية اإلداريـة‪:‬‬
‫مفهوم المسؤولية اإلدارية في اإلسالم يعني إزاحة الظلم " ديوان المظالم" الواقع من الحكام أو من‬
‫ينوب عنهم على األفراد ‪ ،‬وهي صورة للمسؤولية اإلدارية في القانون إالِّ أنها في الشريعة اإلسالمية‬
‫صورتها أشمل‪.‬‬
‫يمارسها بحكم مسؤوليته على المسلمين ‪،‬‬ ‫فإذا كا ن الخليفة هو رأس السلطة التنفيذية حي‬
‫ويساع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــده فيها بتفويـ ـ ـ ـ ـ ــض منه من ينوبه على األقالـ ـ ـ ـ ـ ــيم‪ ،‬ويخضع الخليفة في اإلسالم للمسؤولية‬
‫اإلدارية في جميع ق ارراته‪ ،‬ولما كان يستطيع ممارسة شؤون الحكم بنفسه فإنه يستعين بغيره من أمراء ووالة‬
‫على األقاليم وغيرهم ممن يقومون بممارسة السلطة ال على أساس والية أصلية‪ ،‬فإذا وقع من أحدهم "من‬
‫ينوبه" ظلم ألحد أفراد الرعية سأل الخليفة عن هذا الظلم ويجب رفعه ورد الحق إلى صاحبه‪ ،‬ومن هنا‬
‫نشأت فكرة والية المظالم‪.‬‬
‫‪ -‬المسؤولية الجنائية‪:‬‬
‫المسؤولية الجنائية في اإلسالم عامة يتحملها كل مخاطب في اإلسالم ممن توافرت فيهم األهلية‬
‫لنسألنهم أجمعين عما كانوا‬
‫ً‬ ‫الالزمة " العقل " إذ تقوم مسؤوليته عن أفعاله لقوله تعالى‪ " :‬فوربك‬
‫يعملون"سورة الحجر اآلية‪ ،.29 ،27 ،‬فالمسؤولية بصفة عامة ًتوقع على كل فرد ارتكب فعال أِل‬
‫بالنظام العام واألمن بالمجتمع‪ .‬ويالحظ أنه لقيام المسؤولية الجنائية في اإلسالم يجب أن يكون المتهم‬
‫مسؤوال عن الجريمة ماديا ومعنويا عالوة على الركن الشرعي وهو تجريم الفعل‪ ،‬وهذه األركان ال تختلف‬
‫في توافرها لقيام المسؤولية الجنائية في القانون عنها في الشريعة ‪ ،‬وعند توافرها فليس هناك ملك يحميه‬
‫ملكه إن ارتكب ظلما‪ ،‬وال استثناء ألحد على اآلِر لعظمته أو جاهه أو سلطانه أو ماله‪ ،‬فالجميع سواء‬
‫أمام هللا فال فضل ألحد على اآلِر‪.‬‬
‫‪ -‬المسؤولية السياسية‪:‬‬
‫إن تقرير حق العزل الذي تمارسه األمة أو أهل الحل والعقد يعتبر مسؤولية سياسية وهو شبيه‬
‫لما يعتبر في النظم الدستورية الحديثة جزاء للمسؤولية السياسية ‪ ،‬وهذا النوع من المسؤولية في اإلسالم‬
‫عند ثبوت إدانة الحاكم ومخالفته لألحكام الشرعية‪ ،‬يقوم حق األمة في محاسبة حاكمهم عند ِروجه عن‬
‫أحكام الكتاب والسنة المتعلقة بالمصالح العامة‪ ،‬وعزله من منصبه عند ثبوت إدانته‪.‬‬

‫‪01‬‬
‫ماهية الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية الحديثة‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬المبحث الثاني‪ :‬أحكام الرقابـة القضـائية علـى الحـاكم فـي القـوانين الدسـتورية‬
‫الحديثة‪.‬‬
‫إذا كان النظام اإلسالمي قد قرر المسؤولية عن تصرفات وأعمال الحاكم بصرف النظر عن‬
‫مكانتهم ِلفاء أو والة أو عمال‪...‬ففيما تتمثل المسؤولية وكيف نشأت وتطورت في القانون الوضعي؟‬
‫‪ -‬المطلب األول‪ :‬نشأة وتطور الرقابة القضائية على الحاكم في القوانين الدستورية الحديثة‪.‬‬
‫مراحل عديدة مرت بها مسؤولية الحكام قبل أن يتم النص عنها دستوريا‪ ،‬كانت البداية بسيادة مبدأ‬
‫انعدام مسؤولية الحكام‪ ،‬كانت البشرية تعتقد أن الحكام في موضع ومكانة فوق البشر‪ ،‬فقد كان يعتقد أن‬
‫الحكام آلهة ثم تطورت النضرة وأصبح اعتبارهم نوابا عن هللا أو ِلفاء هللا في أرضه‪ ،‬وأمام هكذا معتقدات‬
‫عن المسؤولية فقد كانت منعدمة أصال‪ ،‬إلى أن تطورت المعتقدات والنضرة‬ ‫لم يكن يوجد مجال للحدي‬
‫فطالب المحكومين حكامهم باحترام حقوق وحريات الشعوب وطالبوا بسيادة القانون ‪،‬والفصل بين شخصية‬
‫الحاكم وشخصية الدولة ككيان مستقل‪.1‬‬
‫وعليه لتوضيح المسؤولية ولمعرفة مدى تالزمها مع مسؤولية الحكام في أعقاب هذه النظم‬
‫السياسية البد من التطرق قبال إلى مراحل نشأة المسؤوليـ ــة وِصوصية كل مرحلة من مراحل إرساء‬
‫المسؤولية‪.‬‬
‫‪ -‬الفرع االول ‪ :‬مرحلة انعدام تقرير مسؤولية الحاكم‪( -‬المرحلة األولى النظريات الثيوقراطية)‬
‫إن مبدأ انـعدام مسؤولية الحكام نظرية سادت في القديم استنادا إلى أن مكانة الحكام فـوق كل‬
‫الناس‪ ،‬بل هم آ لهة ثم تطورت االعتقادات إلى أنهم نواب عن هللا في األرض وكان من المنطقي في ظل‬
‫عن المسؤولية باعتبارها منعدمة أصال ‪،‬و في مرحلة نهاية ألوهية‬ ‫هذه المعتقدات أال يوجد مجال للحدي‬
‫الحاكم واالعتقاد أن الحاكم ممثل عن الرب فمسؤولية هؤالء الحكام ال تقام إال أمام هللا مباشرة‪.2‬‬
‫هذه المعتقدات عبر التاريخ كانت أساس السلطة فأقرتها المسيحية في أول عهدها ثم استند إليها‬
‫الملوك في أوربا في القرنين (‪ ،2‬و‪. ) ،2‬‬
‫ف ي هذه المرحلة كان ينضر إلى تفسير سلطة الملوك وتبريرها بأنها مستمدة من هللا عز وجل‬
‫بطريق مباشر أو غير مباشر‪ ،‬ولقد عرفها الفقه الدستوري باسم " النظريات الدينية" والتي تعني أن إرادة‬

‫‪ .1‬سعيد بوشعير ‪ ،‬القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة ‪،‬ديوان المطبوعات الجامعية ‪ ،‬الجزائر‪.‬‬
‫‪ .2‬سعيد بوشعير‪ ،‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪04‬‬
‫ماهية الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية الحديثة‬ ‫الفصل األول‬

‫الحاكم تعلو إرادة المحكومين‪ ،‬وال يملك الشعب محاسبتهم أو مساءلتهم عما يرتكبونه من أِطاء أو‬
‫تقصير أو إهمال ذلك أن الحاكم من طبيعة إلهية وليست بشرية بل هو هللا نفسه هؤالء الحكام ذو الطبيعة‬
‫اإللهية يملكون السيادة المطلقة والسلطان المقدس الذي ال حدود له على رعاياهم‪ ،‬وكان هؤالء الرعايا‬
‫يطيعونهم طاعة عمياء ويخضعون لهم ِضوعا كامال ‪ ،‬وينفذون أوامرهم المقدسة تنفيذا دقيقا دون إبداء‬
‫أدنى اعتراض أو مناقشة ألنهم كانوا ينظرون إليهم بكل تقديس وإجالل باعتبارهم آلهة وفي ظل طبيعة‬
‫عن المسؤولية ألنه ال يمكن محاسبة اإلله أو ممثل هللا في األرض‪.‬‬ ‫الحكام اإللهية ال مجال للحدي‬
‫ظل الشعب الياباني معتقدا بالطبيعة اإللهية لألباطرة‪،‬‬ ‫حي‬ ‫امتدت هذه األفكار إلى غاية العصر الحدي‬
‫ويعتقدون أن اإلمبراطور أو "الميكادو" إالها حيا إلى أن قامت الحرب العالمية الثانية وانتهت بانتهائها هذه‬
‫النظرية في عام ‪،518‬م‪.‬‬
‫بقيت هذه النظريات حتى أتت الثورة الفرنسية سنة ‪ ،285‬التي أطاحت بها وحلت مكانها نظرية‬
‫سيادة الشعب ‪ ،‬أما عن المسؤولية في هذه المرحلة فال يمكن ألحد من أفراد الشعب محاسبة الحاكم‪،‬ألنه‬
‫ال يخضع للحساب إال أمام هللا عز وجل وهو مصدر سلطته التي أعطاها بطريق غير مباشر للشعب‬
‫الِتياره ممثال لقد كانت هذه النظريات سائدة في جميع بلدان العالم بسبب الجهل‪ ،‬ولكن مع انتشار العلم‬
‫انتهى األمر إلى المرحلة التي تم فيها تنظير المسؤولية ثم تقريرها ‪.‬‬
‫يعد أن سادت هذه النظرية فترة من الزمن قامت الحروب والثورات ضد الحكومات الجائرة وطالبت‬
‫الشعوب باحترام حقوقها وحرياتها‪ ،‬وجعل السيادة للقانون وليس لألفراد الذين لهم حق عزل الحاكم‪ ،‬ومن‬
‫هنا ظهرت النظريات الديمقراطية التي تنادي بمحاربة السلطة المطلقة للحكام وتطالب بخضوعهم إلرادة‬
‫الشعب وتقرير مبدأ مسؤولية الحاكم أمام شعبه صاحب السيادة‪.‬‬

‫‪ -‬الفرع الثاني‪ :‬مرحلة تأسيس الرقابة تقرير المسؤولية ‪ ( -‬النظريات الديمقراطية)‬


‫تغيرت النظرة إلى الحكام ‪ ،‬وكان النتشار العلم دور‬
‫في مطلع القرنين السابع عشر والثامن عشر ً‬
‫كبير في ذلك بظهور الفكر الديمقراطي المتحرر أين قام صراع مرير بين الشعوب وحكامهم مطالبين‬
‫بمسؤوليتهم عن أعمالهم الناشئة عن تصرفاتهم وإعطائهم حقوقهم المسلوبة منهم‪ ، 1‬وتأسس ذلك من ِالل‬
‫تجسيد نظريات تمثلت في نظرية القانون الطبيعي والعقد االجتماعي‪ ،‬ثم نظرية "مونتسكيو" الفصل بين‬

‫‪ -،‬أحمد إبراهيم السبيلي ‪ ،‬المسؤولية السياسية لرئيس الدولة في النظم الوضعية والفكر السياسي‬
‫اإلسالمي‪،‬أطروحة دكتوراه ‪،‬جامعة عين شمس القاهرة‪،550،‬‬

‫‪05‬‬
‫ماهية الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية الحديثة‬ ‫الفصل األول‬

‫السلطات وكانت الغاية من هذه األفكار هو ضمان حقوق األفراد وحرياتهم ومنع الحكام من االستبداد‬
‫بالسلطة‪ .‬فكيف ساهمت هذه األفكار في بلورة وتنظير مبدأ مسؤولية السلطة أو الحكام؟‬
‫أوال‪ :‬نظرية القـانون الطـبيعي‪:‬‬
‫أساس النظرية وجود قانون طبيعي كامن في طبيعة الروابط االجتماعية يكتشفه العقل‪ ،‬وهو يسبق‬
‫الدولة في الوجود ألنه من ِلق هللا والعقل يتولى مهمة التأمل الكتشافه وصياغته ودرجة الكمال في‬
‫القانون الوضعي تزداد كلما اقتربت من القانون الطبيعي وبما انه قانون كامن في الطبيعة فهو يعتبر قيدا‬
‫على سلطان الحاكم‪ ،‬لكنها في الواقع كانت " من الناحية النقدية " ال تضع على سلطان الدولة سوى قيود‬
‫تقيدها بأي قيد قانوني إال أنها اشتهرت في القرن السابع عشر ‪،‬وذلك على اثر ما‬
‫أدبية وسياسية دون أن َ‬
‫ساد في القرن السادس عشر من أفكار عن سيادة الدولة المطلقة التي ال تخضع للقانون‪ ،‬وكانت كوسيلة‬
‫للدفاع وضمان لحقوق األفراد وحرياتهم ضد طغيان الدولة واتخذها فالسفة السياسة أداة لمقاومة‬
‫الطغيان‪.1‬‬
‫ولقد ساهمت فكرة القانون الطبيعي في تكوين نظرية الحقوق الفردية‪ ،‬فقد استخدمت للتأكد على‬
‫وجود حقوق طبيعية لإلنسان سابقة على وجود الدولة وملزمة لها‪ ،‬ألنها حقوق ثابتة وأزلية تحتمها‬
‫وتفرضها طبيعة اإلنس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ‪.‬‬
‫هكذا ارتبطت الحقوق الفردية مرة بالقانون الطبيعي واستمدت منه وجودها‪ ،‬وارتبطت حينا آِر‬
‫بنظرية العقد االجتماعي الذي ًبين كيفية كفالة السلطة لهذه الحقوق وحدود ممارستها‪.‬‬
‫‪ -‬العقد االجتماعي‪:‬‬
‫في أوائل القرن السابع عشر تناول الفيلسوف االنجليزي "توماس هوبز" ثم "جون لوك" ومن‬
‫بعدهم "جون جاك روسو" فكرة التعاقد بين أفراد الجماعة ‪ ،‬وصاغ منها نظريته على نحو ينتهي إلى تأييد‬
‫السلطان المطلق للحكام‪ ،‬فهو كان ضد اآلراء والثورات التي تطالب بالحد من سلطان الملوك وعزلهم ‪،‬‬
‫وسنده في هذا أن األفراد قد اتفقوا فيما بينهم على إقامة مجتمع منظم يخضعون فيه إلمرة رئيس واحد‬
‫يسهر على مصالحهم‪ ،‬ويكفل لهم االستقرار واألمن بمقتضى تنازلهم عن كل حقوقهم للحاكم الذي اِتاروه‬
‫عن رضا والذي لم يكن طرفا في العقد‪.‬‬
‫وعليه مهما استبد الحاكم فإن حياة األفراد ستكون أفضل من حياتهم البدائية التي كان يسودها‬
‫يقرر ما يراه صالحا‪ ،‬لكنه ملزم‬ ‫التناحر والحروب‪ ،‬لكن إذا كان للملك وحده السلطة التشريعية بحي‬

‫‪- 1‬إبراهيم أبو النجا ‪ ،‬محاضرات في فلسفة القانون ‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية ‪ ،‬ط‪.،555 ، ،‬‬

‫‪06‬‬
‫ماهية الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية الحديثة‬ ‫الفصل األول‬

‫باحترام الحريات وإالِّ تحولت السلطة المطلقة إلى سلطة مستبدة ‪ ،‬والحاكم ملزم بالعدل بين أفراد الجماعة‬
‫والمساواة بينهم في جميع المجاالت القانون وفي األعباء كما يلزم واجبات هي من مهام الحاكم اتجاه‬
‫الجماعة " التعليم ‪ ،‬توزيع الثروات " وفي حالة عجز الحاكم عن القيام بهذه المهام كان من حق الجماعة‬
‫أو الشعوب عزله عن الحكم من ِالل استرداد ما تنازلوا عنه للحاكم ألنه لم يعد قاد ار على السهر على‬
‫توفير األمن والرفاهية وإرساء قواعد العدل أين يستوجب الحال اللجوء لحاكم غيره‪.‬‬
‫‪ -‬فكرة الفـصل بين السلطات‪:‬‬
‫أقام مونتسكيو فكرة الفصل بين السلطات على توزيع وظائف الدولة بين سلطات ثالث سلطة‬
‫بإمكان أن توقف كل سلطة األِرى فتمنعها من إساءة‬ ‫تنفيذية ‪ ،‬سلطة تشريعية ‪ ،‬سلطة قضائية ‪ ،‬حي‬
‫استعمال سلطتها‪.‬‬
‫يؤكد مونتسكيو أن استحواذ هيئة واحدة أو شخص واحد على السلطات جميعا يقود حتما إلى‬
‫االستبداد وضياع حقوق األفراد‪ ،‬وحتى ال يستطيع أحد أن يسيء استعمال السلطة فيجب بحكم طبيعة‬
‫األشياء أن تقوم سلطة أِرى لتوقفها‪.‬‬
‫"مونتسكيو" لم ينادي بالفصل المطلق بين السلطات‪ ،‬وإنما نادى بأن تقوم كل سلطة في مواجهة‬

‫ورقابة السلطة األِرى ‪،‬ألن السلطة المستقلة إذا لم تجد أمامها ما يـ ٌ‬


‫ـحدها ويراقبها فإنها تتحول إلى‬
‫سلطة مطلقة ومنها مستبدة‪.‬‬
‫لقد كان دستور انجلت ار – دستور كرامويل‪ -‬أول دستور طبق عمليا توزيع السلطة على جهات‬
‫متعددة وعدم تركيزها لدى جهة واحدة‪ ،‬وعليه ميـ ـ ـ ـ ـ ــًــز بين ثالث سلطات إحداها تختص بالتشريع وأِرى‬
‫بتسوية النزاعات‪ ،‬وسلطة تنفيذية تختص بتنفيذ القوانين والسهر على تنفيذ سياسة الدولة‪.‬‬
‫إن أفكار مونتيسكيو كانت أداة تأثير في العديد من الدساتير ولم تكن الواليات المتحدة األمريكية‬
‫الدولة الوحيدة التي تأثرت في وضع دستورها باألفكار السابقة الذكر وبالنظام السياسي االنجليزي ‪ ،‬سواء‬
‫في نظام الملكية المقيدة أم النظـ ـ ـ ـ ــام البرلماني بل كثير من دول أوربا منها‬
‫فرنس ـ ـ ـ ـ ــا التي تبنت ثورتها مبدأ الفصل بين السلطات من ِالل ما نص عليه اإلعالن العالمي‬
‫‪1‬‬
‫لحقوق اإلنسان والمواطن ‪ ،‬وهذا بعدما نشأ النظام البرلماني في انجلت ار سنة ‪.،287‬‬

‫‪.-1‬د‪ .‬يحي السيد الصباحي‪ ،‬المرجع السابق‬

‫‪07‬‬
‫ماهية الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية الحديثة‬ ‫الفصل األول‬

‫وبعد نشأة النظـ ــام الرئاسي بوضع دستور‪،282‬في الواليات المتحدة األمريكية قامت جل الدول‬
‫العربية التي كانت مستعمرات لهذه الدول بعد ذلك باقتباس جل أحكام دساتيرها وتقليدها في نظمها‬
‫السياسية‪ِ ،‬اصة المستعمرات الفرنسية والبريطانية‪.‬‬
‫وعليه نجد أنه قد حدث تنظير أولي لمبدأ قمع االستبداد والحدِّ من سلطة الملوك‪ ،‬وحماية حقوق‬
‫تأثرت‬ ‫وحريات األفراد في مجمل المنابع الفكرية التي ظهرت في القرنين السابع عشر والثامن عشر‪ ،‬حي‬
‫أقرت بمقتضى ذلك نوع من المسؤولية للحكام ‪،‬بداية بمسؤولية الوزراء دون‬
‫بها الدول في دساتيرها و ِّ‬
‫الملوك ( الرؤساء) كمرحلة أولى في بريطانيا‪ ،‬لتتطور نحو تقرير المسؤولية الجنائية للرؤساء‪.1‬‬

‫‪ -‬المطلب الثاني‪ :‬أنواع الرقابة القضائية على الحاكم في القوانين الدستورية الحديثة‪..‬‬
‫فما هي اآلليات التي قننتها دساتير النظم السياسية الغربية والعربية لتقرير مسؤولية الرؤساء‬
‫والحكومة؟‬

‫‪ -‬الفرع األول ‪ :‬رقابة القضاء الدستوري واإلداري‪.‬‬


‫تكمن أهمية الرقابة الدستورية على سلطات رئيس الجمهورية في كونهـا عنـص ار أساسيا من‬
‫عناصر دولة القانون‪ ،‬وضمانة الحترام مبـدأ الـشرعية ويشكل الدستور أسمى القوانين الموجودة في‬
‫المجتمعات الديمقراطية في إطار التراتبية القانونية السائدة في المنظومة القانونية‪ ،‬ونظ ار لألهمية الكبرى‬
‫التي تميز الدستور فقد أعطيت له أهمية كبرى وبالتـالي احتـرام الدستور‪.‬‬
‫هو حماية لحقوق األفراد وحرياتهم وإرساء رقابة على األفعال التي قد تصبح عرضة لالنتهاك‬
‫ِاصة في الظروف االستثنائية التي تباح فيها المحظورات‪ ،‬ونصبح في إطار ال شرعية مقننة‪ ،‬التي في‬
‫ظلهـا تتركز جميع السلطات بيد رئيس الدولة‪ ،‬إذ أن إقرار الرقابة الفعالة يمنع رئيس الجمهورية من‬
‫التعسف واالستبداد "السلطة المطلقة مفسدة مطلقة"‪.2‬‬
‫لذا البد من اقتران السلطة بالرقابة من أجل إيجاد التـوازن بـين الـسلطة والحريـة وِضوع الجميع‬
‫حكاما ومحكومين للقانون على قدم المساواة‪ ،‬تحقيقا للعدالة وإرساء أسس دولة القانون التي نصبو لبلوغها‬
‫‪3‬‬
‫وفكرة الرقابة والتوازن تحقق الحد من استبداد وتعسف أي سلطة أِرى‪.‬‬

‫‪.1‬السعيد بوشعير ‪ ،‬المرجع السابق‬


‫‪ -7‬أ‪ .‬ذبيح ميلود‪،‬آليات رقابة الكونغرس األمريكي على أعمال السلطة التنفيذية ‪ ،‬مجلة الفكر البرلماني ‪،‬العدد ‪ ،72‬ابريل‬
‫‪70،،‬‬
‫‪ - 3‬األستاذين فريد علواش ‪ /‬نبيل قرقور‪ ،‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪08‬‬
‫ماهية الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية الحديثة‬ ‫الفصل األول‬

‫إن الهيئات الدستورية من أهم المؤسسات في الدولة ألن لها دور رئيسيا في تثبيت دولة القانون‬
‫وجعل األشخاص االعتبارية والطبيعية تحترم القوانين " أعالها القانون الدستوري " وعليه فإن تنظيم هذه‬
‫األجهزة يعتبر أم ار صعبا ومختلفا من دولة إلى أِرى وهذا راجع لطبيعة الجهاز في كل منها ‪ ،‬وبطبيعة‬
‫الحال الِتالف نظرة الجهاز السياسي لهذه الهيئة وما ينتظر منها‪.‬‬
‫تختلف مكانة المجلس الدستوري من دولة ألِرى ‪ ،‬فبعض الدول منحته دو ار محوريا في تسيير‬
‫أمورها وبعض الدول لم تمنحه كل هذه األهمية ‪ ،‬وعليه نالحظ أن اللجوء إلى هذا الجهاز يبقى حسب‬
‫أهميته في النظام السياسي للدولة وكذلك حسب النصوص التي تحكمه ‪.‬‬
‫إن الرقابة الدستورية للمجال التشريعي تعتبر رقابة في العمق لسلطة الرئيس وبذلك يمكن الربط‬
‫بين الرقابة الدستورية وتدعيم الديمقراطية‪.‬‬
‫وألكثر توضيح سنتطرق إلى كيفية عمل المجلس الدستوري في الجزائر فمن ِالل هذا العنصر‬
‫سنعرف أساليب الرقابة‪ ،‬حدودها ونتائجها‪.‬تتنوع صالحيات المجلس الدستوري الجزائري بين الرقابية‪،‬‬
‫واالنتخابية‪ ،‬واالستشارية‪ ،‬إلى جانب الحاالت الخاصة المتعلقة بشغور منصب رئيس الجمهورية‪.‬‬
‫‪.‬الصالحيات الرقابية ‪:‬من صالحيات ومهام المجلس الدستوري رقابة دستورية القوانين والتنظيمات‬
‫والمعاهدات‪ ،‬ورقابة مطابقة القوانين العضوية واألنظمة الداِلية لغرفتي البرلمان للدستور‪ ،‬وقد تكون رقابة‬
‫المجلس سابقة أو الحقة لصدور التشريعات‪ ،‬كما أنها تكون اِتيارية إذا تعلق األمر بالقوانين العادية‬
‫والتنظيمات‪ ،‬في حين تكون إلزامية على القوانين العضوية واألنظمة الداِلية لغرفتي البرلمان‪ ،‬بعد إِطار‬
‫‪1‬‬
‫من رئيس الجمهورية‬
‫الصالحيات االنتخابية ‪:‬باعتباره قاضيا انتخابيا‪ ،‬يتولى المجلس مراقبة صحة االنتخابات التشريعية‬
‫والرئاسية واالستفتاءات‪ ،‬ويتلقى الطعون المقدمة بشأنها‪ ،‬ويعلن نتائجها النهائية‪ ،‬إضافة إلى ذلك فقد ِوله‬
‫لمدة أقصاها ستون يوما‪ ،‬في حالة وفاة أحد المترشحين‬
‫الدستور صالحية تمديد فترة إجراء االنتخابات ِّ‬
‫أي مانع آِر له‪.‬‬
‫لالنتخابات الرئاسية في الدور الثاني أو انسحابه أو حدوث ِّ‬
‫الصالحيات االستشارية ‪:‬يلجأ رئيس الجمهورية الستشارة المجلس الدستوري قبل إقدامه على إعالن بعض‬
‫الحاالت التي قد تمس بحقوق وحريات المواطنين‪ ،‬كحالة الحصار والطوارئ والحالة االستثنائية‪ ،‬إضافة‬
‫إلى إبداء رأيه حول مشروع التعديل الدستوري الذي ال يعرض على االستفتاء‪.‬‬

‫‪ .1‬األستاذين فريد علواش ‪ /‬نبيل قرقور‪ ،‬المرجع السابق‬

‫‪09‬‬
‫ماهية الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية الحديثة‬ ‫الفصل األول‬

‫الحاالت الخاصة ‪:‬من حق المجلس الدستوري التدِل في حاالت ِاصة‪ ،‬مثل التأكد من شغور رئاسة‬
‫الجمهورية في حالة استقالة أو مرض أو وفاة الرئيس‪ ،‬ويصل األمر إلى تولي رئيسه رئاسة الدولة في‬
‫حال تزامن شغور رئاسة الجمهورية مع شغور مجلس األمة‪.‬‬
‫وقد مارس المجلس صالحياته الدستورية المقررة في هذا الصدد مرة واحدة لما اقترن فيها شغور رئاسة‬
‫الجمهورية بسبب االستقالة‪ ،‬بشغور المجلس الشعبي الوطني بسبب الحل‪ .‬وبما أن هذه الحالة لم تكن‬
‫مقررة في دستور ‪ 73‬فبراير ‪ ،،585‬فقد أصدر المجلس الدستوري بيانا يوم ‪ ،،‬يناير ‪ ،557‬يثبت فيه‬
‫الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية ويكلف المؤسسات المخولة بالسلطات الدستورية المنصوص عليها في‬
‫المواد ‪ ،30 ،،75 ،25 ،29 ،71‬و‪ ،93‬من الدستور‪ ،‬أن تسهر على استم اررية الدولة وتوفير الشروط‬
‫الضرورية للسير العادي للمؤسسات والنظام الدستوري‪.‬‬
‫إن الرقابة الدستورية في نهاياتها رقابة تحديد المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية وهي مسؤولية‬
‫أساسية وهي تثور عند اإلِالل بااللتزامات الدستورية أو الفشل السياسي أو ارتكاب أِطاء جسيمة من‬
‫شأنها تعريض مصالح البالد للخطر‪ ،‬وال تتوافر هذه المسؤولية إال في حق من يمارس عمال من أعمال‬
‫السلطة التنفيذية كرئيس الدولة ورئيس الوزراء والوزراء ونوابهم‪.‬‬
‫وقد ثار بشأنها اجتهاد واسع لغموض فكرة المسؤولية في الفقه الدستوري ولم يتوصل الفقه لوضع‬
‫تعريف محدد لها‪ ،‬ويرجع االِتالف في وجهات النظر حسب رؤية كل ب ـ ـ ـ ـ ــاح ‪ ،‬فجانب من الفقه‬
‫المصري ذهب في تعريفه إلى قصر المسؤولية السياسية على الو ازرة وهي حق البرلمان في سحب الثقة‬
‫من الو ازرة كلها ‪ ،‬أو من أحد الوزراء مما يرتب وجوب استقالة الو ازرة أو الوزير وذلك نتيجة سحب الثقة‬
‫منها‪ ،‬في حين ذهب البعض إلى أنها مسؤولية الو ازرة أمام البرلمان عن كافة أعمالهم وتصرفاتهم االيجابية‬
‫عرفها بأنها إسقاط‬
‫والسلبي ـ ــة‪ ،‬المشروعة وغير المشروعة‪ ،‬العمدية وغير العمدية‪ ،‬أما البعض اآلِر فقد ً‬
‫الو ازرة أو الوزير إذا فقد ثقة البرلمان‪.‬‬
‫أما الفقه الفرنسي فقد اتجه إلى أنه يجب التسليم بأن المسؤولية السياسية قد تجاوزت مصيـ ـ ــر‬
‫ذهب الفقيه الفرنسي "‪ "Michel Bélanger‬بقوله "المسؤولية السياسية مسؤولية تنعقد ليس‬ ‫الوزراء‪ ،‬حي‬
‫ألفعال إجرامية ‪ ،‬ولكن ألِطاء سياسية عامة يعاقب عليها بفقد الوجود السياسي‪.‬‬
‫أما في الجزائر وفي ذات السياق يعترف النظام السياسي بالمسؤولية السياسية للحكومة أمام‬
‫البرلمان الذي يملك أدوات للمراقبة تمكنه من ترتيب مسؤولية الحكومة‪ ،‬وعلى هذا المستوى من الطرح‬
‫ُّ‬
‫ومرد ذلك أن الرئيس ًيوجه‬ ‫فلرئيس الجمهورية‪ -‬ضمنيا‪ -‬مسؤولية سياسية أمام البرلمان وأمام الشعب‬

‫‪11‬‬
‫ماهية الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية الحديثة‬ ‫الفصل األول‬

‫وينسق ويتابع أعمال الحكومة برمتها في مجلس الوزراء ‪ ،‬وبالتالي فهو مسؤول على جنوح الحكومة التي‬
‫إن سقطت أثًر ذلك على وجوده وعلى سياسته جملة ‪ ،‬لم يقرر دستور ‪ ،585‬المسؤولية السياسية لرئيس‬
‫الجمهورية رغم ما يتمتع به من صالحيات جد واسعة حسب نص المادة ‪ 21‬من دستور‬
‫‪.،585‬بخصوص مسؤولية رئيس الجمهورية في دستور ‪ ،552‬نجد أنه يتمتع بسلطات واسعة جدا وفي‬
‫مقابل ذلك ال توجد نصوص تقرر مسؤوليته السياسية بصريح النص‪ ،‬ماعدا ما ورد في نص المادة ‪،18‬‬
‫من الدستور التي تمكن البرلمان من فتح مناقشة حول السياسية الخارجية للدولة بناءا على طلب من‬
‫رئيس الجمهورية أورئيس إحدى غرفتي البرلمان‪ ،‬لكن هذا اإلجراء أيضا ال تترتب عليه مسؤولية سياسية‬
‫ألنها ال تؤدي إلى عزله‪.‬‬
‫‪ -‬المسؤولية اإلدارية لرئيس الجمهورية‪:‬‬
‫مفهوم المسؤولية اإلدارية هو حق األفراد في الحصول على تعويض عن األضرار التي تلحق بهم‬
‫بسبب قيام الدولة بأعمال وظائفها المختلفة وذلك إذا توافرت الشروط المقررة لذلك‪ ،‬ومناط المسؤولية‬
‫اإلدارية األفعال الصادرة من السلطة التنفيذية ال بصفتها هيئة حكومية بل بوصفها هيئة إدارية ‪.‬و يتمكن‬
‫الشخص الحصول على حقه في هذا الشأن عن طريق رفع دعوى قضائية أمام القضاء المختص مطالبا‬
‫بحقه ‪ ،‬ويخضع رئيس الدولة لهذه المسؤولية عن طريق الطعن في الق اررات اإلدارية الصادرة منه والتي‬
‫تكون محال للطعن أمام القضاء اإلداري‪( .‬باستثناء أعمال السيادة )‪.‬‬

‫‪ -‬الفرع الثاني ‪ :‬رقابة القضاء العادي ( الجزائي والمدني)‪.‬‬


‫يخضع رئيس الجمهورية لجميع صور المسؤولية لكن بخصوصية في كل نوع نعرضها كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -0‬المسؤولية المدنية لرئيس الجمهورية‪:‬‬
‫تقوم الدعوى المدنية لكل شخص تكبد ضر ار يقدر ماليا على اثر واقعة إجرامية ‪ ،‬ويمكن تحريك‬
‫هذه الدعوى من جانـ ـ ـ ـ ـ ــب الدول ـ ـ ـ ــة إذا تك ـ ـ ـ ــبدت ضر ار في مصالحها المادية كما يمكن تحريـ ـ ـ ـ ــكها من‬
‫ج ـ ـ ـ ــانب األفراد‪ ،‬ويتم تحريك هذه الدعوى أمام نفس القضاء المختص بالدعوى العمومية عندما يتعلق‬
‫بالقضاء العادي‪ ،‬أما إذا تعلق األمر بقضاء استثنائي – محكمة ِاصة بمحاكمة رئيس الجمهورية‪ -‬فإنه‬
‫ينبغي الفصل بين الدعوى العمومية والدعوى المدنية ‪،‬التي ترفع استقالال أمام المحكمة المدنية وال يقبل‬
‫االدعاء المدني أمام هذه المحكمة‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ماهية الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية الحديثة‬ ‫الفصل األول‬

‫هذا ما ذهب إليه الدستور الفرنسي الحال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي في المادة ‪ 28‬منه قبل وبعد التعديل وفي القانون‬
‫‪1‬‬
‫نصت المادة ‪ 72‬منه‬ ‫األساسـي لـ ‪ ،595/0،/07‬حي‬
‫تقيد دعاوى التعويض عن الضرر‬
‫على أنه "ال يقبل االدعاء المدني أمام المحكمة العليا‪ ،‬وال َ‬
‫الناتج عن الجنايات والجنح المنظورة أمام المحكمة إال أمام القضاء العادي‪" ،‬وعليه ال يمكن تحريك‬
‫الدعوى المدنية في حق رئيس الجمهورية إال باسم الدولة‪،‬ولو بموجب اتهام مقدم أمام المحكمة المختصة‬
‫بمحاكمة رئيس الجمهورية‪ ،‬لذلك هناك من وصف وضعية الرئيس هنا " بالوضعية القانونية المنفردة وغير‬
‫العادلة ‪ ،‬بل أن القضاء المصري قد ذهب في حكمه للقضية رقم ‪ ،0098‬لسنة ‪ ،580‬والتي طالب فيها‬
‫المدعي من رئيس الجمهورية (أنور السادات) تعويضا عما سببه له من ضرر‪ ،‬إلى أن مسؤولية الرئيس‬
‫الشخصية مرتبطة بمسؤوليته الجنائية وهذه األِيرة أي المسؤولية الجنائية تخالطها مسؤولية سياسية‪.2‬‬
‫وطالما أن الخطأ المدني والخطأ الجنائي متالزمان ‪،‬وفي ضوء تكييف دعوى المسؤولية الجنائية‬
‫عما إذا كان الفعل المطالب بالتعويض عنه‬ ‫لرئيس الجمهورية أمام المحكمة االستثنائية‪ ،‬البد من البح‬
‫قد تحققت عنه المسؤوليتين معا المدنية والجنائية أم ال‪ ،‬وعليه قضت بعدم جواز سماع الدعوى قبل السيد‬
‫رئيس الجمهورية‪ ،‬بل ذهبت إلى أبعد من هذا‪ ،‬فقد أسست رفضها بأنه ال تنطبق على رئيس الجمهورية‬
‫القواعد العامة في تحديد فكرة الخطأ في المسؤولية المدنية‪ ،‬ألنه ليس فردا عاديا حتى يؤِذ بمعيار‬
‫االنحراف عن السلوك المألوف للشخص العادي الذي يطبقه القضاء العادي‪.‬أما بخصوص المسؤولية‬
‫المدنية المستقلة عن الدعوى العمومية‪ ،‬فتخضع لنصوص القانون المدني ويتعلق األمر هنا بخطأ ينبغي‬
‫أن يقع أثناء ممارسة الوظائف ‪،‬وإال كنا بصدد أشخاص القانون الخاص‪.‬إن المسؤولية الشبه إجرامية‬
‫تنطبق على مجوع عمال الدولة تحت تسمية مسؤولية الموظفين والتي تنقسم إلى مسؤولية مرفقية تقع على‬
‫عاتق الدولة‪ ،‬ومسؤولية شخصية ناتجة عن أفعال الموظف تقع على عاتقه‪ ،‬مع العلم أن هذه المبادئ‬
‫نفسها تنطبق على األجهزة التنفيذية وبصفة ِاصة على الوزراء الذين يعتبرون بمثابة موظفين‪ ،‬وال يبدو‬
‫إمكانية مالحقة رئيس الجمهورية لمسؤوليته الشخصية بسبب ما يوقعه من أوامر‪ ،‬والسبب في عدم‬
‫يصدق عليها ‪.‬‬
‫يوقعه من أوامر َ‬
‫مسؤولية الرئيس الشخصية يكمن في أن ما ِّ‬

‫‪. 1‬د‪ .‬برنار شانت بوت ‪ ،‬القانون الدستوري والعلوم السياسية ‪ ،‬مطبعة كوالن‪ ،‬ط ‪،552 ، ،3‬‬
‫‪-2‬جريدة األهرام عدد ‪ ،،318‬سنة ‪،580‬‬

‫‪11‬‬
‫ماهية الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية الحديثة‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬المسؤولية الجنائية لرئيس الجمهورية‪:‬‬


‫إن المسؤولية الجنائية تعني صالحية الشخص لتحمل الجزاء الجنائي الناشئ عما يرتكبه من‬
‫جرائم فال يتصور أن يسأل شخص عن فعل لم يرتكبه‪ ،‬كما أنه ال يمكن توقيع الجزاء ما لم يوجد نص‬
‫يقضي بذلك تطبيقا للمبدأ " ال جريمة وال عقوبة إال بنص"‪ ،‬والمسؤولية الجنائية لرئيس الدولة تستلزم‬
‫ِضوع الرئيس لنص تجريمي في قانون العقوبات أو في القانون الدستوري ‪،‬كما نظمت ذلك دساتير‬
‫مختلف النظم السياسية حتى يخضع للمساءلة الجنائية‪.‬‬
‫وعليه يمكن تعريف المسؤولية الجنائية لرئيس الدولة بأنها " ِضوع رئيس الدولة للعقاب المقرر‬
‫تم بها مخالفة القانون ‪ ،‬ليبقى اإلشكال مطروح حول تكييف هذه‬
‫في القوانين الجنائية عن جريمة ارتكبها ً‬
‫المسؤولية هل هي ذات طبيعة جنائية أم سياسية؟‬
‫لقد نشأ االتهام الجنائي ِالل القرن الرابع عشر كأداة لفرض رقاب ـ ــة على أعضاءالمجلس‬
‫الخاص وعلى رجال التاج بصفــة عامة‪ ،‬فقد كان اِتيار أعضاء المجلس الخاص ومستشاري الملك من‬
‫صالحيات الملك دون تدِل البرلمان‪ ،‬ومن هنا ظهر االتهام الجنائي كأداة لفرض الرقابة على أعوان‬
‫الملك‪.‬‬
‫بخصوص التجربة في الجزائر عن المسؤولية الجنائية لرئيس الجمهورية فيعد دستور ‪ ،552‬أول‬
‫دستور تضمن صراحة مسؤولية رئيس الجمهورية بنص المادة ‪ ،98‬منه ‪،‬والتي أصبحت بموجب تعديل‬
‫تتقرر له المسؤولية عند ارتكابه جريمة الخيانة العظمى التي يؤول‬ ‫‪ 70،2‬تحت رقم ‪ ،22‬منه حي‬
‫اِتصاص الفصل فيها "للمحكمة العليا للدولة"‪.‬‬
‫وما نخلص إليه أن تكريس مسؤولية رئيس الجمهورية بمقتضى هذا النص الدستوري المستحدث‬
‫عد ِطوة جريئة نحو تكريس دولة القانون‪ ،‬لكن في ضل عدم صدور القانون العضوي الذي يبين‬ ‫ُي ِّ‬
‫إجراءات المحاكمة وتشكيل المحكمة ‪ ،‬يبقى النص الدستوري حب ار على ورق‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫‪24‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫‪ -‬الفصـــل الثـــاني‪ :‬آليـــات تحريـــا الرقابـــة القضـــائية علـــى الحـــاكم بـــين الفقـــه‬
‫اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‪.‬‬
‫كل األشخاص يخضعون للمسائلة حكام ومحكومين‪ ،‬والمسائلة تعني قيام مسؤولية الشخص‬
‫المخالف لقاعدة شرعية او نص قانوني وضعي ‪ ،‬هذه النصوص سواء الشرعية او الوضعية نصوص‬
‫معروفة ومنصوص عليها من قبل عمال بمبدأ الشرعية " ال جريمة وال عقوبة وال تدبير امن بغير نص "‬
‫رسوال" وقوله تعالى " رسال مبشرين ومنذرين لئال يكون للناس‬ ‫وقوله تعالى " وما كنا معذبين حتى نبع‬
‫على هللا حجة بعد الرسل " وقوله تعالى " ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لوال أرسلت إلينا‬
‫رسوال فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى " هذه اآليات تدل على أن القواعد الشرعية والنصوص الدينية‬
‫معروفة عند كل عاقل ‪ ،‬فإذا كان قيام مسؤولية الشخص العادي وِضوعه للمسؤولية والمساءلة القضائية‬
‫في حال مخالفة النصوص أمر بديهي وال يستدعي آي إشكال فان الحاكم في الفقه اإلسالمي إذا كانت‬
‫تقوم مسؤوليته ويخضع للرقابة القضائية ففيما تتمثل آليات الرقابة القضائية وعلى ما تنطوي الرقابة‬
‫القضائية من تصرفاته‪.‬‬

‫‪ -‬المبحــث االول‪ :‬الرقابــة القضــائية أســاا التــوازن بــين ســلطات ومســؤولية‬


‫الخليفة في اإلسالم ‪.‬‬
‫يمارس وتجتمع في يد الحاكم في الدولة اإلسالمية " الخالفة اإلسالمية " العديد من السلطات ذلك‬
‫أن مفهوم الفصل بين السلطات في الخالفة اإلسالمية لم يعرف بالشكل الذي جاءت به نظرية مونتيسكيو‬
‫والقوانين الوضعية المنبثقة عن النظرية ذلك أن النظام السياسي اإلسالمي له طبيعة ِاصة تختلف عن‬
‫الـنظم الـسياسية الوضعية فهو لم يعرف تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات‪ ،‬وأن سبب ذلك يعود إلى أن‬
‫هذا النظام قد بني على مبادئ هي من عند هللا ‪-‬عز وجل‪ ،-‬وتطبيق هذه المبادئ يمنع االستبداد في‬
‫السلطة مـن قبل الحاكم ويغني عن فكرة وهدف األِذ بمبدأ الفصل بين السلطات المعمول بـه فـي األنظمـة‬
‫القانونية الوضعية‪ ،‬كما أن فكرة االستبداد في السلطة من قبل الحاكم غير واردة في نظام الحكم‬
‫اإلسـالمي فبالنـسبة للرسول الكريم ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬كان يتمتع بصفات ِاصة ميزه هللا ‪-‬سبحانه‬
‫وتعالى‪ -‬بهـا عن بقية البشر‪ ،‬وفي مقدمة هذه الصفات أنه معصوم من الخطأ بأمر هللا‪ ،‬وهذا يجعل من‬
‫ممارسته للسلطات في الدولة أم اًر ال يؤدي بأي حال من األحوال لقيامه باالستبداد‪ .‬أما بالنـسبة للخليفـة أو‬
‫اإلمام أو رئيس الدولة في اإلسالم فهو يعتبر ِليفة رسول هللا في تطبيق الشريعة اإلسـالمية‪ ،‬وال يجوز له‬
‫مخالفتها ‪،‬فان كانت السلطات تجتمع في يد الحاكم " الخليفة" واجتماع هذه السلطات إذا ترك دون رقابة‬

‫‪15‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫يؤدي حتما إلى مفسدة ‪1‬فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة فهو يخضع للرقابة وللوقوف على آليات الرقابة‬
‫القضائية على الحاكم في الفقه اإلسالمي ينبغي أوال تبيان سلطات الحاكم وفي أي مجاالت تتمثل وأي‬
‫مدى يخضع الحاكم للرقابة القضائية في مجال سلطاته ؟ وما هي اآلليات لتحريك هذه الرقابة ؟ ‪.‬‬

‫‪ -‬المطلب األول‪ :‬صور الرقابة القضائية على الحاكم في اإلسالم ‪.‬‬


‫إذا كان الحاكم في الخالفة اإلسالمية غير منزه ويساءل عن تصرفاته ويده ليست مطلقة العنان‬
‫يتصرف كيف ما شاء‪ ،‬وهذا ما أكدته التجربة على مر التاريخ أن ما من إنسان أسندت إليه السلطة إالِّ‬
‫وحاول أن يسيء استخدامها وأنه يستمر في ذلك حتى يجد ما يمنعه ‪،‬وحتى ال يستطيع أحد أن يسيء‬
‫في مدى ِضوع‬ ‫استعمالها فإنه يجب بحكم طبيعة األشياء أن تقوم سلطة لتوقف سلطة أِرى ‪ ،‬وابح‬
‫الحاكم للرقابة وكبح يده من طرف السلطة القضائية ينبغي أوال تبيان سلطاته وتحديد مجاالت تخصصها‬
‫‪ .‬ففيما تتلخص اِتصاصات الحاكم في ممارسة سلطته ؟ وما هي المجاالت التي تعتبر سلطة للحاكم ؟‬
‫وإلى أي مدى يخضع في هذه المجاالت للرقابة القضائية؟ ‪.‬‬

‫‪ -‬الفرع األول ‪ :‬الرقابة القضائية على االختصاصات السياسية والتنفيذية للحاكم‪.‬‬


‫‪ -0‬االختصاصات السياسية والتنفيذية ‪:‬‬
‫أ‪ -‬االختصاصات السياسية ‪:‬‬
‫إن مبدأ المسؤولية السياسية في الفقه اإلسالمي مبدأ أصيل تقرر في النظام اإلسالمي من البداية‪،‬‬
‫فالسلطة وفق دولة الخالفة مشروعيتها مستمدة من رضا المسلمين ومتى التزم الحاكم بالشرع لزمت طاعته‬
‫ومتى لم يلتزم بما انزل هللا فال طاعة لمخلوق في معصية الخالق ‪ ،‬وهنا جاز لألمة عزله وِلعه ما دام‬
‫الحاكم ِرج عن ما أمر هللا وحدود الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫ظمت أحكام الشريعة اإلسالمية ضوابط مسؤولية الحاكم؟ والى أي مدى ساهمت هذه‬
‫فكيف ن ً‬
‫الضوابط في ِلق توازن بين سلطة ومسؤولية الحاكم في اإلسالم أم ال؟‬
‫الحاكم في الدولة اإلسالمي يختار من بين أصلح الناس وتتوفر فيه شروط األمانة والكفاءة لقيادة‬
‫األمة وهو نائب عنها ولها عزله إذا ما ارتكب ما يوجب العزل فهو بشر ال قداسة له وهو غير معصوم‬
‫من الخطأ بل هو رئيس وِليفة يتولها باالستناد إلى الشريعة اإلسالمية التي هي دستور األمة يخضع‬
‫للمساءلة إذا ِالف أحكام دستور األمة ‪.‬‬

‫‪ -،‬د‪ .‬باسـم صــبحي بشــناق ‪ ،‬الفصـل بــين الســلطات فــي النظـام السياســي اإلســالمي ‪ ،‬مجلـة الجامعــة اإلســالمية للد ارســات‬
‫اإلسالمية‪ ،‬العدد ‪70،3 ، ،‬‬

‫‪16‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫الحاكم في الدولة اإلسالمية يتولى مجموعة من االِتصاصات السياسية على الصعيد الداِلي‬
‫للدولة أو على الصعيد الخارجي فهو ممثل الدولة اإلسالمية على الصعيد الخارجي‪.‬‬
‫‪ -‬االختصاصات السياسية في المجال الداخلـي‪:‬‬
‫من المهام الصرفة لرئيس الدولة " الخليفة" في اإلسالم تحديد األسس التي تقوم عليها الدولة أي‬
‫وضع السياسة العامة لها والعمل على تنفيذها اقتداء الن هذه المهمة توالها الرسول – صلى هللا عليه‬
‫وسلم – والذي كان يعتمد على مجموعة من المبادئ في تسير دولة اإلسالم أساسها ان الحاكمية هلل " إن‬
‫الحكم هلل " الشورى في أمور الدولة سلما وحربا " وشاورهم في األمر " والمساواة " ليس لعربي على‬
‫أعجمي " بين كل أفراد الدولة اإلسالمية وإقامة العدل " وهللا لو أن فاطمة بنت دمحم سرقت " ومبدأ طاعة‬
‫ولي األمر ما دام ملتزما بشرع هللا " وأطيعوا هللا وأطيعوا الرسول"‪.‬‬
‫وأساس الشورى بين المسلمين لم يكن في المساءل القطعية في الشريعة اإلسالمية الن مثل هذه‬
‫األحكام منزلة وهي حد من الحدود ال يمكن المساس بها بل كانت الشورى حول المساءل الضنية‪ 1‬وهي‬
‫مساءل تحتاج إلى اجتهاد من العلماء ومساءل تحتاج تفعيل العقل سواء بالقياس أو المطابقة للوصل إلى‬
‫نتيجة يجتمع عليها أمر المسلمين‪.‬‬
‫‪ -‬االختصاصات السياسية في المجال الخارجي‪:‬‬
‫إن تسيير الدولة على الصعيد الخارجي يتطلب حتما إقامة عالقات مع باقي الدول الغير إسالمية‬
‫"على اعتبار أن الدولة اإلسالمية كيان واحد حدودها يتحدد بانتشار اإلسالم " ‪2‬و إقامة العالقات على‬
‫هكذا مستوى يتطلب إبرام معاهدات ‪ ،‬الدِول في سلم مع دولة أِرى ِاصة " وإذا جنحوا للسلم فاجنح‬
‫لها " ِاصة إذا كان في هذا السلم مصلحة للمسلمين ‪ ،‬وقد تدعي الضرورة إلى إعالن الحرب على دولة‬
‫أِرى فيقوم الحاكم بإعالن الحرب والذي يسمى في الشريعة اإلسالمية بالجهاد وهو أعلى منازل األجر‬
‫في اإلسالم‪.3‬‬
‫‪ -‬االختصاصات التنفيذية ‪:‬‬
‫إدارة دولة اإلسالم وتدبير شؤونها تعد من السلطات التنفيذية للحاكم وسلطة التنفيذ في النظام‬
‫السياسي اإلسالمي هي السلطة المختصة بتنفيذ الشريعة اإلسالمية وال تملك الصالحية في مخافتها وهي‬
‫سلطة تعمل على تسيير المرافق وقد توالها في بداية اإلسالم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ذلك أن‬

‫‪ -1‬دمحم رأفت عثمان‪،‬‬


‫‪.2‬عزة مصطفى حسني عبد المجيد‪،‬مسؤولية رئيس الدولة‪ ،‬دار النهضة العربية‪7008،‬‬
‫‪.3‬السيد سابق‪ ،‬فقه السنة‪ ،‬الجزء الثال ‪ -‬دار الفتح لإلعالم العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،7003 ،‬ص ‪،،5‬‬

‫‪17‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫الرسول الكريم هو رسول هللا ومطلوب منه أن يبلغ رسالة ربه إلى الناس أجمعين وهذا يقتضي أن ينفذ‬
‫شريعة اإلسالم وأن يحكم ويدير شؤون الناس وفق أحكام هذه الشريعة وبعد رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم تولى هذه المهمة الخليفة ويستمد الخليفة صالحياته التنفيذية من ما عهد إليه من بيعة من المسلمين‬
‫على حراسة الدين وإدارة شؤونهم لذلك وبموجب هذه لبيعة يملك الخليفة كامل السلطة التنفيذية ال يشاركه‬
‫أو ينازعه فيها أحد وله حق إدارتها بما يرى لتنفيذ طريقة الحكم التي يرتئيها وما على األمة إال الطاعة‬
‫التامة‪ ،‬ولكن بشرط عدم مخالفة ما عاهد األمة عليه عند البيعة‪.‬‬
‫‪ -‬وتتمثل أهم الوظائف في‪:‬‬
‫‪ -‬توفير األمن ‪ :‬إن امن وسالمة العباد من المهام المنوطة بالحاكم وعليه أن يتخذ في ذلك جميع‬
‫التدابير لتوفيرها وتكليف المعاونين لتجسيده في المجتمع حتى تسود الطمأنينة واألمان ‪.‬‬
‫‪ -‬تنظيم المصالح العامة‪ :‬تسيير مصالح الناس وتوفير الخدمات الالزمة يتطلب من الحاكم ان شاء‬
‫مرافق عامة وتنظيمها " دواوين ‪ (.‬ديوان الجيش ‪ ،‬ديوان الخراج‪.)...‬‬
‫‪ -‬تعيين والي اإلقليم‪ :‬إدارة الدولة ال تكون بشخص الحاكم لوحده بل الحاكم يعين من ينوب عليه سواء‬
‫في األقاليم أو الدواوين أو تعين القضاة واألئمة وهو في ذلك يجب أن يتحلى بحسن االِتيار ويختار‬
‫من بين رجال المسلمين من هو يمتاز بالكفاءة ‪1‬و يكون أهال للمنصب ‪.‬‬
‫‪ -‬الرقابة على السلطات السياسية والتنفيذية ‪:‬‬
‫ان الرقابة على السلطة السياسية للحاكم في دولة الخالفة ال يتوالها برلمان حسب النظم السياسية‬
‫الحديثة أو محكمة دستورية بل أن الرقابة تتم عن طريق أهل الحل والعقد وهم من علماء ووجهاء األمة‬
‫وعلى دراية بأحكام الشرع ونصوصه وكلمتهم عالية مسموعة من طرف الحاكم ومن طرف جميع المسلمين‬
‫ونالوا ثقة الجماعة وبذلك هم آهل لمراقبة شؤون األمة وتصرفات الحاكم ومرصد يتولى مراقبة المصلحة‬
‫العامة لدولة المسلمين فيقومون بتقديم النصح للحاكم وتبيان مواطن الصالح سواء عند المشورة من طرف‬
‫الحاكم أو عند وقوفهم علة أِطاء ارتكبها الحاكم ويملكون في ذلك النداء وتقرير عزل الحاكم إذا لم يلتزم‬
‫بالرجوع عن مخالفة قواعد الشريعة اإلسالمية بعد النصح‪.‬‬

‫‪ -1‬دمحم رأفت عثمان‪ ،‬رئاسة الدولة في الفقه اإلسالمي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بدون تاريخ نشر‪ ،‬ص ‪39،‬‬

‫‪18‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫‪ -‬الفرع الثاني‪ :‬الرقابة القضائية على االختصاصات التشريعية والقضائية للحاكم‪.‬‬


‫‪ -‬االختصاصات التشريعية‪:‬‬
‫الشريعة اإلسالمية مبادئها وأحكامها صالحة في كل زمان ومكان ونصوصها أساس التشريع في‬
‫اإلسالم لذلك فالحاكم في المسائل القطعية ال يملك سلطة التشريع ‪1‬ما عدى في المسائل الضنية‬
‫والمستجدة في المجتمع اإلسالمي فالحل يرجع إلى أهل االجتهاد من علماء األمة فإذا اتفق رأي‬
‫المجتهدين على رأي واحد اِذ به الحاكم وكان الجميع ملزم به إما إذا ما اِتلفت اآلراء واالجتهادات في‬
‫‪. 2‬‬
‫مسألة ما فالحاكم يأِذ أرجحها وأقربها إلى نصوص الشريعة اإلسالمية والسنة النبوية ‪.‬‬
‫‪ -‬االختصاصات القضائية‪:‬‬
‫تولى السلطة القضائية في بداية اإلسالم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فكان ينضر في‬
‫الخصومات والمساءل التي تطرح عليه " إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى هللا ورسوله ليحكم بينهم‬
‫أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون" سورة النور اآلية ‪" ،9،‬فاحكم بينهم بما أنزل هللا وال تتبع‬
‫أهواءهم عما جاءك من الحق" سورة المائدة اآلية ‪.18‬‬
‫ولم يكن عليه أي رقيب في ذلك الن الرسول صلى هللا عليه وسلم منزه عن باقي البشر فضال‬
‫عن أن هللا قد عصم النبي من الخطأ‪ ،‬وأن األمة في حاجة إلى أحكامه القضائية وبعد ان اتسعت الدولة‬
‫اإلسالمية وفي بدايتها كان الحاكم " الخليفة " في الدولة اإلسالمية هو من يتولى القضاء وفي المنازعات‬
‫التي تنشأ بين األفراد وفقا لألحكام الواردة بالشريعـ ـ ــة الن القضاء كان احد وظائفه وباتساع رقعة الدولة‬
‫اإلسالمية لم يعد ذلك ممكنا سوى يتعين قضاة على مستوى األقاليم للجلوس والنضر في النازعات‬
‫وأصبحت مهمته في تعيين القضاة أو عزلهم تفقد أحوالهم‪.3‬‬
‫ومن بين سلطات الحاكم في الدولة اإلسالمية سلطة إصدار العفو‪ 4‬لكن العفو ال يشمل الحدود‬
‫والقصاص بل ينحصر في مجال عقوبة التعزير ‪.‬‬

‫‪ - .،‬دمحم عاطف البنا‪ ،‬الوسيط في النظم السياسية‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة ‪،551،‬‬
‫‪ - 7‬دمحم علي السايس‪ ،‬نشأة الفقه االجتهادي وأطواره‪،‬سلسلة البحوث اإلسالمية‪ ،‬الكتاب التاسع‪ ،‬دون ذكر البلد‪،،580 ،‬‬
‫‪.‬ص ‪2‬‬
‫‪ -3‬دمحم رأفت عثمان‪ ،‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪. -1‬السيد سابق‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪152‬‬

‫‪19‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫*الرقابة على السلطات التشريعية والقضائية ‪:‬‬


‫إن القضاء في التاريخ اإلسالمي حقق العدل واألمن واألمان‪ ،‬وسجل صفحات مشرقة‪ ،‬وصار‬
‫مضرب المثل في النزاهة والتجرد والحياد‪ ،‬وحفظ الحقوق واألموال واألعراض‪ ،‬فعاش الناس في طمأنينة‬
‫وسعادة في ظل الدولة اإلسالمية‪ ،‬وتطبيق الشريعة الغراء‪ ،‬مع تفاوت يسير حسب األزمنة واألمكنة‪.‬‬
‫إن إقامة العدل بمفهومه الموضوعي والشمولي يعتبر أهم مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فالعدل‬
‫مأمور به شرعاً في تعامل الفرد مع الفرد أو الجماعة‪ ،‬وتعامل سلطة الحكم مع المحكومين‪ .‬وهذا كله‬
‫يحتاج إلى قواعد عامة ومجردة واجبة التطبيق يرضخ لها الكافة حكاماً ومحكومين‪.‬‬
‫ومن هنا تأتي الرقابة القضائية على شرعية ما يصدر عن سلطات الحكم وأدواته‪ .‬وهذا ما جسده‬
‫قضاء المظالم الذي يعتبر قمة الرقابة في الدولة اإلسالمية لما امتاز به من تجسيد للعدل وقمع للظلم وقد‬
‫أدى التطور الذي أصاب والية القضاء اإلسالمي إلى إيجاد هذا النوع من القضاء يضطلع بالدور الرقابي‬
‫والقضائي على أعمال اإلدارة‪ ،‬وإذا أجاز لنا استعمال هذا التعبير في هذا المقام وهو قضاء المظالم فهذا‬
‫القضاء إنما وجد أصالً إلنصاف من يتظلم من أفعال وتصرفات ذوي النفوذ والسلطة من رجال الدولة ولو‬
‫كان الحاكم ‪ ،‬وأصحاب مراكز القوى ممن يستمدون قوتهم من االتصال بسلطة الحكم أو أشخاصها‬
‫بصورة مباشرة أو غير مباشرة‪ ،‬فهو أداة لرفع الظلم وإحالل العدل وهذا يستهدف أن تكون السيادة للشريعة‬
‫حكا ٍم ومحكومين على السواء‪.‬‬
‫على الكافة من ِّ‬
‫هناك تشابهاً بين القضاء اإلداري وقضاء المظالم في الموضوع إال أن قضاء المظالم أكثر شموالً‬
‫وأوسع اِتصاصاً فهو يشمل الدعاوي والخصومات التي تقوم ما بين األفراد وجهات اإلدارة العامة إلى‬
‫أن القضاء العادي‬ ‫جانب الخصومات التي يكون أحد طرفيها جهة أو شخصاً ذا قوة ونفوذ وتسلط بحي‬
‫ال يستطيع أن يردعه عن ظلمه أو يوقفه عند حد سواء أتى من الحكام أو المحكومين ‪.‬‬
‫القضاء اإلداري اليوم هو من صنع قضاء المظالم تجسده هيئة يطلق عليها اسم مجلس الدولة‬
‫وهو ترجمة حرفية لالسم الفرنسي لهذه الهيئة‪.‬‬

‫‪ -‬المطلب الثاني‪ :‬أسباب وأثار الرقابة القضائية على الحاكم في اإلسالم ‪.‬‬

‫الرقابة على الحاكم ال تكون على أساس االِتالف معه أو تضارب المصالح بل هي تقوم ويتم‬
‫تحريكها على أساس دالئل مقنعة تكون وتشكل سببا للرقابة القضائية عليه وفي حالة ثبوتها فإنها تنتهي‬
‫بإصدار قرار يكون بمثابة نتيجة لتلك الرقابة ففيما تتمثل أسباب الرقابة ؟ وما النتائج المترتبة عن الرقابة؟‬

‫‪11‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫‪-‬الفرع االول ‪ :‬أسباب الرقابة القضائية ( أسباب المسؤولية)‬


‫يخضع الحاكم للمساءلة بل وتقوم مسؤوليته عن تصرفاته ويخضع للرقابة التي قد تعزله عن‬
‫الحكم بعد القرار بعدم أهليته لتولي شأن المسلمين إذا ثبت عن الحاكم األسباب التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬السبب لمتعلق بالفسق‪:‬‬
‫الحاكم بشر شأنه شأن كافة الناس والنفس تأمر بالسوء إال ما رحم ربي ‪ ،‬ونفس الحاكم قد يعتريها‬
‫فسق سواء في جوارحه أو في عقيدته هذه العلة تكون أساس النعدام العدل في أفعاله وأحكامه‪.1‬‬
‫مما يستوجب معه القرار بعزله ‪ ،‬ففسق الجوارح يجعل النفس تتبع الهوى والشهوات وهذه تأثر في‬
‫أحكام وعدالة الحاكم فالفاسق ال يؤتمن على نفسه ناهيك أن يؤتمن على مصالح الناس وفسق العقيدة‬
‫يدفع إلى استحداث بدعة في الدين تكون ِروجا عن أحكام الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -‬السبب المتعلق بالسالمة البدنية‪:‬‬
‫قال الحكماء أن العقل السليم في الجسم السليم والعجز الجسدي أو هون األعضاء الجسدية حتما‬
‫يجعل من الحاكم عاج از عن أداء وظائفه أو االستمرار فيها ويتعذر عليه القيام بمسؤولياته ومن ثمة يكون‬
‫بقاؤه في منصب الرئاسة "الخالفة" إضرار بالمسلمين‪ "،‬فقد البصر أو السمع أو النطق أو فقد الحركة‬
‫على مستوى اليدين أو الرجلين أو إصابة الدماغ بمرض " كل هذا يجعل من الرئيس " الخليفة " ‪2‬ليس‬
‫أهال لتولي شؤون األمة مما يستوجب معه القرار بعدم أهليته وعزله من الحكم بسبب المرض الن استم ارره‬
‫في الحكم حتما يسير بدولة المسلمين إلى الهاوية والفناء‪.‬‬
‫‪ -‬السبب المتعلق بالحكم‪:‬‬
‫يكلف (الخليفة) في النظام اإلسالمي بالكثير من الواجبات فإذا أهمل أو قصر في أداء واجباته‬
‫كأن يستبد باألمر‪ ،3‬أو يقترف ظلما أو عمل ما من شأنه اِتالل أحوال المسلمين بأي وجه من الوجوه‬
‫يجب محاسبته‪ ،‬ولقد حدد فقهاء الشريعة اإلسالمية األسباب الوظيفية الموجبة للمسؤولية في ‪ :‬ترك‬
‫الشورى‪ ،‬اقتراف الظلم‪ ،‬عمل ما من شأنه اِتالل أحوال المسلمين‪.‬‬

‫‪.1‬عزة مصطفى عبد المجيد‪،‬المرجع السابق‬


‫‪.2‬دمحم رأفت عثمان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.350‬‬
‫‪ -3‬دمحم رأفت عثمان ‪،‬المرجع السابق ص ‪.39،‬‬

‫‪10‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫‪ -‬الفرع الثاني ‪ :‬نتائج الرقابة القضائية‪.‬‬


‫يتحقق إسقاط الحاكم كنتيجة للرقابة القضائية بتقرير مسؤوليته السياسية أو الجنائية‪ ،‬وفي كلتا‬
‫الحالتين يتوجب على الحاكم أن يترك دواليب الحكم ألن في هاتين الحالتين إسقاط لحكمه‪.‬‬

‫‪ -‬العـزل‪:‬‬
‫يتقرر عزل الحاكم كجزاء في اإلسالم ويجرد من سلطته ألنه ِرج على نصوص وأحكام الشريعة‬
‫اإلسالمية واِل بواجباته بشكل جسيم وبعد عن الصواب وأضاع األمانة التي سلمت له وعلى أساسها عقد‬
‫له الحكم ولم يكن قائما وحاكما بأمر هللا سواء بالجور أو الظلم فبدل سيرة عهد المسلمين وبذلك يكون قد‬
‫‪1‬‬
‫والمرجع او السند في ذلك لمبدأ سيادة‬ ‫فقد شرطا من شروط الوالية على المسلمين وحق لألمة عزله‬
‫األمة‪..‬‬
‫كما قد يالحظ أن الخليفة قد أصبح غير قادر على القيام بالمهام الموكلة إليه ويلجأ إلى األمة‬
‫طالبا منها إعفاءه مما كلفته به ‪ ،‬وعدم القدرة قد يكون لعجز أو هرم ال يستطيع معه الخليفة مباشرة مهام‬
‫منصبه وقد يكون رغبة منه في ترك المنصب للتخفيف عنه من المسؤولية أمام هللا يوم القيامة أو ألي‬
‫سبب آِر‪ ،‬وإذا ِلع الخليفة نفسه انتقلت إلى ولي عهده وقد يكون ذلك بطلب من أهل الحل والعقد اذا‬
‫ما ثبت عجزه ولم يطلب الخليفة إعفاءه من المنصب‪.‬‬
‫‪ -‬المسؤولية الجنائية‪:‬‬
‫ان الشريعة اإلسالمية لم تكتفي فقط بالعقوبة في اآلِرة وبالترهيب والتخويف من غضب هللا بل‬
‫جعل عقوبات في الدنيا يخضع لها كل من ِالف نصوصها وتعدى حدودها وقد بين لنا رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم ذلك من ِالل تطبيق المسؤولية وتحملها على نفسه عندما طعن " سواد بن غزية" بعود من‬
‫سواك في بطنه‪ ،‬فطلب سواد القصاص من رسول هللا _صلى هللا عليه وسلم_ فلما استنكر األنصار ذلك‬
‫من سواد‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم ‪:‬ما لبشر أحد على بشر من فضل‪ ،‬وكشف الرسول _صلى هللا عليه‬
‫وسلم _عن جسده ليقتص منه فقال سواد‪ :‬أتركها لتشفع لي بها يوم القيامة‪ ،‬وعليه يكون الخليفة مسؤوال‬
‫مسؤولية جنائية كاملة عن جميع ما يرتكبه مما يوجب القصاص أو الحد‪.‬‬

‫‪-1‬دمحم رأفت عثمان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪388 ،382‬‬

‫‪11‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫‪ -‬المبحث الثاني‪ :‬اإلطـار اإلجرائـي والموضـوعي للرقابـة القضـائية علـى الحـاكم‬


‫في النظم المقارنة‪.‬‬
‫إذا كان الحكم يستمد وجوده من الجماعة فإنه يلزم لسلطته أن تكون قائمة على رضا الجماعة‬
‫واعترافها ‪،‬و عهد تولي السلطة بالقوة انتهى وتحول إلى مفهوم السلطة من كونها امتياز للحاكم إلى‬
‫اعتبارها حقا للجماعة ‪ ،‬وما الحاكم إال أداة تنفيذ في يدها‪ ،‬لذا لم يعد المفهوم الموسع للسلطة العامة مقبوال‬
‫في الدولة الحديثة ‪.‬‬
‫إذا لم تلتزم السلطة بالقانون فقد أصبحت تهضم حقوق األفراد وتعتدي على حرياتهم ‪ ،‬لذلك حاول‬
‫رجال القانون الوضعي إيجـ ـ ـ ـ ــاد وسائل كفيلة لتقييد السلطة وإِضاعها للقانون من بينها‪ :‬ضرورة وجود‬
‫أن هذه الوسائل‬
‫دساتير ‪ ،‬الفصل بين السلطات ‪ ،‬استقالل الوظيفة القضائية وتكوين رأي عام ناضج ‪ ،‬إالِّ ِّ‬
‫جميعه ا قد ال تنجح في تقييد السلطة ‪ ،‬إذا لم تكن هذه السلطة تخضع لرقابة قضائية بوصفها الضمان‬
‫األكيد ضد الدكتات ــورية ووسيلة إلحداث التوازن المطلوب بين السلطة وحريات األفراد وحقوقهم‪.‬‬

‫‪ -‬المطلب األول‪ :‬إجراءات الرقابة القضائية على الحاكم في النظم الغربية ‪.‬‬
‫‪ -‬الفرع األول ‪ :‬إقامة وتحريا مسؤولية الحاكم في بريطانيا‪.‬‬
‫كانت األسرة الحاكمة " أسرة تيودور " تحكم بريطانيا ِالل (‪ )،288-،203‬وكانت األسرة تحكم‬
‫وفق نظرية الحق إال هي وجعلتها أساسا لسلطتها ‪ ،‬فاعتدى ملوك هذه األسرة على حقوق وحريات الشعب‬
‫االنجليزي‪ ،‬إضافة إلى قيامهم بفرض ضرائب دون موافقة البرلمان ومن هنا ثار البرلمان االنجليزي‬
‫وكانت البداية لتقوية وتعزيز البرلمان ومن تم التحول إلى الملكية المقيدة ومع ذلك فقد كانت هذه الملكية‬
‫غير متوازنة ألن الملك يملك حق حل البرلمان‪.1‬‬
‫رغم هذا االِتالل فإن هذا النظام كان ي ــٌعد تقدما غير عادي بالنسبة لكل األنظمة التي تعيش‬
‫في ظل حكم ملكي مطلق وكانت التجربة االنجليزية بمثابة الطريق المقتدى به من طرف باقي الدول‬
‫األوربية والتي تأثرت به وأرادت تقليده‪.‬‬
‫تعتبر انجلت ار مهد النظام البرلماني‪ ،‬فقد نشأت المسؤولية وتطورت في هذا النظام بعد الصراع‬
‫المستمر بين الملك والشعب‪ ،‬الذي كان السبب في ظهور الحريات في انجلت ار وانتقالها إلى سائر الدول‬
‫الديمقراطية‪.‬‬

‫‪1-Jacque cadart ،Régime électoral et régime parlementaire en Grande-Bretagne ،Librairie Armand‬‬


‫‪Colin ،1948‬‬
‫‪11‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫‪ -‬مرحلة المسؤولية عن طريق االتهام الجنائـي‪:‬‬


‫كانت السيادة في عهد الملكية المطلقة مصدرها الملك الذي يقوم بممارسة كافة مظاهرها وتسيي ــر‬
‫أمور الحكم‪ ،‬وكان يساعده في ذلك مجموعة من الموظفين وعددا من المجالس المختلفة ولم يكن‬
‫للمسؤولية أي وجود في ذلك الوقت تطبيقا لقاعدة أن الملك ال يخطئ‪.‬‬
‫وبظهور الملكية المقيدة كان الحكم مشاركة بين الملك والشعب ممثال في "البرلمان" ‪1‬الذي كان‬
‫يطلق عليه "المجلس الكبير"‪ ،‬إال أن مهمة المجلس كانت شكلية فليس للبرلمان إكراه التاج على أي شيء‬
‫ألن أهميته تظهر إال في الشؤون القضائية‪.‬‬
‫لقد أعفي الملك من المسؤولية الجنائية والسياسية إال أنه يسأل مدنيا ‪ ،‬فيمكن إثارة المسؤولية‬
‫المدنية في مواجهة التاج كالمطالبة بالمسؤولية العقدية أو التقصيرية أو مسؤوليته عن أفعال تابعيه‪ ،‬ولكن‬
‫بطريقة مختلفة عن الطرق المتبعة مع األفراد العاديين‪ ،‬وعلى هذا األساس تم تقرير مسؤولية مستشاروه‬
‫وأعوانه إذ ٌيسألون جنائيا ومدنيا أمام المحاكم العادية ‪ ،‬لكن لتخوف القضاة آنذاك من عدم وجود الشجاعة‬
‫الكافية للحكم على الوز ارء ِصوصا في الجرائم المتعلقة بوظائفهم ‪ ،‬فكروا في إيجاد محكمة ِاصة‬
‫وإجراءات ِاصة لمحاكمتهم عن هذه الجرائم‪ ،‬من هنا نشأت فكرة االتهام بواسطة مجلس العموم عن‬
‫طريق أسلوب " االتهام الجنائي" "‪.2"L’impeachment‬‬
‫إن إجراء االتهام الجنائي هو إجراء جنائي يستطيع مجلس العموم بواسطته أن يضع الوزراء‬
‫ومستشاري الملك موضع االتهام إذا رأى أنهم قد ارتكب ـ ـ ـ ـ ـوا جريمة في ح ـ ـ ــق البالد‪ ،‬ثم يحيلهم إلى مجلس‬
‫الواردات لمحاكمتهــم وليوقع عليهم عقوبات تبدأ من الغرامة إلى مصادرة األموال‪ ،‬وتصل إلى السجن‬
‫والنفي بل اإلعدام‪.3‬‬
‫لقد نشأ االتهام الجنائي ِالل القرن الرابع عشر كأداة لفرض رقاب ـ ــة على أعضاء المجلس‬
‫الخاص وعلى رجال التاج بصفــة عامة‪ ،‬فقد كان اِتيار أعضاء المجلس الخاص ومستشاري الملك من‬
‫صالحيات الملك دون تدِل البرلمان‪ ،‬ومن هنا ظهر االتهام الجنائي كأداة لفرض الرقابة على أعوان‬
‫الملك ‪.‬‬
‫وبما أن مجلس العموم هو ممثل المقاطعات فقد عهد إليه بمهام هيئة المحلفين على مستوى‬
‫انجلت ار كلها‪ ،‬وأصبح هو صاحب الحق في اتخاذ القرار باتهام الوزراء ويؤول اِتصاص المحاكمة لمجلس‬
‫اللوردات‪.‬‬

‫‪ -1‬عبد هللا إبراهيم ناصف‪" ،‬مدى توازن السلطة السياسية مع المسؤولية في الدولة الحديثة"‪ ،‬رسالة دكتوراه في الحقوق‪،‬‬
‫القاهرة‪،،58، ،‬‬
‫‪ - 2‬سعيد السيد علي‪،‬النظام البرلماني والمسؤولية السياسية‪ ،‬دار الكتاب الحدي ‪،‬القاهرة ‪.7005،‬‬
‫‪3- Albert Geouffre de Lapradelle ،Cours de droit constitutionnel ،Pedone ،1912‬‬
‫‪14‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫أول اتهام حدث في تاريخ انجلت ار كان في ‪ ،322‬في عهد البرلمان الصالح المعروف باسم " ‪the‬‬
‫اتهم "اللورد اليتمر ‪ "lord Latimer‬مستشار الملك بسبب عدائه لفكرة‬ ‫‪ ، "good parlement‬حي‬
‫اإلصالح الديني التي كانت ترمي إلى زيادة استقالل الكنيسة وقد حكم عليه بالغرامة والعزل‪.‬‬
‫تميز باالضطراب ‪،‬كما اتهم‬
‫توالت بعد ذلك االتهامات في عهد "ريتشارد الثاني"(‪ )،355-،322‬الذي ً‬
‫"ايرليك سيفلوك" بتقاضي رشوة من ملك فرنسا ليعقد" هدنة تور‪ ، "tour‬واستمرت االتهامات إلى غاية‬
‫‪ ،125‬أين توقف البرلمان عن استخدام وسيلة االتهام الجنائي إلى غاية ‪ ، ،27،‬ويرجع سبب ذلك إلى‬
‫قيام" أسرة التيودورو" باستمالة أعضاء المجلس إلى جانبها ‪،‬و قدرتها على التعايش معهم في وفاق وسالم‪.‬‬
‫عاد االتهام الجنائي مرة أِرى للظهور في عهد "أسرة استوارت" التي ِّتولت الحكم من سنة‬
‫"‪ ،203‬إلى ‪ ، "،288‬حي دِل البرلمان عن طريق هذا اإلجراء في صراع مرير مع الوزراء أدى‬
‫بالملك إلى حله لمدة ‪ 7،‬عاما ‪ ،‬ليعود مرة أِرى تحت ضغط حاجة الملك له لكنه عاد منتقما لمن‬
‫عاون الملك في سياستهُ أثناء فترة حل البرلمان‪.1‬‬
‫في هذا اإلطار قام البرلمان باحتجاجين كبيرين (األول سنة ‪ ،21،‬والثاني ‪ ، )،217‬وقد جاء‬
‫في االحتجاج األول أنه بعد تلخيص األعمال غير المشروعة التي اقترفها الملك منذ اعتالئه العرش وجب‬
‫تعذر على هذا األِير تأييد سياسة الملك‬
‫عليه اِتيار وزراءه وموظفيه ممن يثق فيهم البرلمان‪ ،‬وإالِّ ِّ‬
‫ومساعدته‪ .‬أما في الثاني فقد احتج البرلمان على أن يتم تسيير المسائل الهامة في المملكة بواسطة رجال‬

‫غير معروفين ال يتمتعون بثقة الشعب‪ ،‬لكن الملك لم يأِذ في االعتبار هذه االحتجاجات ِّ‬
‫ورد على‬
‫البرلمان بما يؤكد سلطته المطلقة في اِتيار وزراءه مما جعل البرلمان يندفع في استخدام االتهام الجنائي‪.‬‬
‫ظلت طريقة االتهام الجنائي هي الوسيلة الوحيدة إلثارة مسؤولية الوزراء أمام البرلمان من القرن‬
‫ال‬ ‫الرابع عشر حتى القرن السابع عشر‪ ،‬لكن كانت تعتريها مجموعة من العيوب عند مباشرتها ‪،‬بحي‬
‫يمكن اللجوء إليها إالِّ إذا كان العمل الذي ارتكبه الوزير يشكل جريمة منصوص عليها في قانون‬
‫العقوبات ‪ ،‬كما أن الملك قد يصدر عفوا عن الوزير المتهم أو يـٌحبط االتهام بحل مجلس العموم أو تأجيل‬
‫البرلمان‪.2‬‬

‫‪ -1‬المرجع السابق ‪ ،‬سعيد السيد علي‬


‫‪. - 2‬عبد هللا ابراهيم ناصف‪ ،‬المرجع السابق‬

‫‪15‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫‪ -‬مرحلة المسؤولية الجنائية السياسيـة‪:‬‬


‫أصبح الوزراء يـٌسألون على‬ ‫تحولت المسؤولية الو ازرية إلى مسؤولية جنائية سياسية حي‬
‫ارتكابهم جناية أو جنحة مما نص عليه قانون العقوبات ‪ ،‬وعلى ارتكابهم كذلك أِطاء جسيمة أثناء‬
‫إدارتهم لشؤون الحكم أو عند قيامهم بعمل ال يتفق مع مصلحة المملكة حتى وإن لم تكن جريمة جنائية ‪.‬‬
‫أِذت وسيلة االتهام صورة جديدة هي‬ ‫كان ذلك ِالل القرن السابع عشر في عهد أسرة "استوارت" حي‬
‫المسؤولية الجنائية السياسية ‪ ،‬إذ أصبح البرلمان ال يستخدم االتهام فقط ضد األعمال المجرمة بل ضد‬
‫كل األِطاء الفادحة ولو لم يوجد بشأنها نص‪ ،‬وفي نفس الوقت اعترف مجلس اللوردات لنفسه بحق‬
‫تحديد العقوبات بحرية مطلقة‪.1‬‬
‫لقد كان البرلمان يلجأ إلى هذه الوسيلة إذا عجز عن إصدار حكم ضد المتهم بواسطة االتهام‬
‫أقر عدة مبادئ‬ ‫الجنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـ ـ ــي‪ ،‬كما عمل ع لى تالفي أوجه العيوب المصاحبة لنظام االتهام الجنائي حي‬
‫منها ‪ :‬ال يجوز حل أو تأجيل البرلمان‪،‬وال يجوز استعمال حق العفو أثناء االتهام والذي تقرر بقانون‬
‫توارث العرش سنة ‪ ،2 " act of settlement"،20،‬وهكذا استطاع البرلمان في ظل الصراعات‬
‫السياسية المريرة أن يوسع من نطاق االتهام الجنائي وأِذ يستخدمه لتحقيق أهداف سياسية‪.‬‬
‫‪ -‬مرحلة المسؤولية السياسية للوزراء‪:‬‬
‫في النصف األول من القرن‪ ،8‬حدث تطور هام في مبدأ المسؤولية الجنائية السياسية حي‬
‫استبعدت المسؤولية الجنائية ‪ ،‬وأصبحت مسؤولية الوزراء مسؤولية سياسية فقط وقد تقررت سنة ‪،21،‬‬
‫مع الوزير األول للتاج "روبرت والبول" "‪ ،"Robert Walpole‬فعلى الرغم من تمتعه بثقة الملك واستم ارره‬
‫في الو ازرة لمدة ‪ 70‬سنة إال أنه اضطر في نهاية األمر إلى االستقالة نتيجة الخالف الذي نشأ بينه وبين‬
‫النواب الذين طالبوا بإقالته من الو ازرة‪.‬‬
‫إن االستقالة كانت فردية ولم تستقل الو ازرة كلها ألن المسؤولية آنذاك كانت فرديـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة فقط‪ ،‬ولقد‬
‫ِّ‬
‫كان ِروج الوزير واستقالته دون محاكمة جنائية بمثابة تقرير للمسؤولية السياسية‪،3‬ألنه بالمعنى الحدي‬
‫يعد هذا اإلجراء بمثابة سحب للثقة من الوزير‪ ،‬ومن هنا كان الفرق بين المسؤوليتين السياسية والجنائية‬
‫ُّ‬
‫فاألولى جزاؤها التنحي عن الحكم‪ ،‬أما الثانية فنتيجتها العقاب بشخص الوزير‪.‬علما أنه بعد استقالة‬

‫‪ 1‬دمحم كامل ليلة‪ ،‬النظم السياسية الدولة والحكومة‪ ،‬دار الفكر العربي ‪،‬القاهرة‪.،52،،‬‬
‫‪.2‬سعيد السيد علي‪ ،‬المرجع السابق‬
‫‪-.3‬عبد هللا ابراهيم ناصف‪ ،‬المرجع السابق‬

‫‪16‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫"روبرت والبول" دعا الملك زعيم األغلبية لتولي رئاسة الو ازرة ‪ ،‬ومن هنا تأكدت قاعدة أحقية زعيم‬
‫المعارضة المنتصر في تولي رئاسة الو ازرة‪.‬‬
‫تطورت المسؤولية من مجرد كونها مسؤولية فردية لتصبح مسؤولية تضامنية في عام ‪، ،827‬‬
‫على االستقالة‬ ‫حين أجبر مجلس العموم البريطاني "لورد نورث" الوزير األول في عهد الملك جورج الثال‬
‫بعد اِتالفهما على السياسة الواجب إتباعها حيال المستعمرات األمريكية‪ ، 1‬وتعتبر استقالة "نورث" أول‬
‫استقالة جماعية أو تضامنية شملت الو ازرة كلها‪.‬‬
‫أسفرت األزمة بين وزراة " ‪( "Portland‬بورتلند) وبين الملك الذي كان يحاربها س ار وعالنية إلى‬
‫تقرير قاعدة دستورية جديدة في مجال المسؤولية السياسية للو ازرة‪ ،‬مفادها أنه عند نشوب ِالف بين‬
‫البرلمان والو ازرة فإن هذه األِيرة تستطيع‪ -‬بدال من تقديم استقالتها‪ -‬أن تلجأ إلى حل البرلمان واالحتكام‬
‫إلى هيئة الناِبين للتعرف على رأي األمة ‪ ،‬فإذا جاءت نتيجة االستفتاء في صالح البرلمان تستقيل الو ازرة‬
‫‪ ،‬وإذا جاءت في صالح الو ازرة تستمر في الحكم على أن يؤيدها في سياستها البرلمان الجديد الذي حل‬
‫محل البرلمان "القديم المنحل‪.2‬‬

‫‪ -‬الفرع الثاني‪ :‬إقامة وتحريا مسؤولية الحاكم في فرنسا‪.‬‬


‫نظم الدستور الفرنسي الصادر سنة ‪ ،598‬قبل تعديله في فيفري ‪ 7002‬مسؤولية رئيس‬
‫الجمهورية في حالة واحدة فقط هي حالة ارتكاب جريمة الخيانة العظمى‪ ،‬وبعد توقيع فرنسا على معاهدة‬
‫روما التي تحمل النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬قامت بتعديل الدستور وأضافت فقرة ثانية‬
‫للمادة ‪ 93‬منه تعترف فيها بوالية المحكمة الجنائية الدولية بتاريخ ‪،،555/2/8‬أما في فيفري ‪ 7002‬فقد‬
‫تم تعديل بعض مواد الدستور الفرنسي ومنها نص المادتين ‪ 22‬و‪ 28‬المتعلقتين بالخيانة العظمى‬
‫وإجراءات المحاكمة ليصبح رئيس الجمهورية مسؤوال نتيجة اإلِالل بالواجبات الوظيفية وليس نتيجة‬
‫ارتكابه جريمة الخيانة العظمى مما يعرضه للعزل‪.‬‬
‫وعلى ذلك سوف نتناول بالتحليل المسؤولية المباشرة لرئيس الجمهورية على مرحلتين ‪ ،‬مرحلة ما‬
‫قبل التعديل ومرحلة ما بعد التعديل‪.‬‬

‫‪ -.1‬سعيد السيد علي‪ ،‬المرجع السابق‬


‫‪2‬‬
‫‪Albert Geouffre de Lapradelle‬‬
‫‪17‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫‪ -‬مسؤولية رئيس الجمهورية في ظل دستور ‪ 0292‬قبل التعديل‪:‬‬


‫حددت النصوص الدستورية في فرنسا مسؤولية رئيس الجمهورية طبقا لنص المادة ‪ 22‬وجعلتها‬
‫ِّ‬
‫حص ار في جريمة الخيانة العظمى‪ ،‬كما نظمت المادة ‪ 28‬منه اإلجراءات والمحكمة المختصة بذلك‪.‬‬
‫بتاريخ ‪ 1‬جويلية ‪ 7007‬تم إصدار مرسوم ‪1‬بتكليف لجنة بإعادة النظر في نظام المحاكمة‬
‫الجنائية لرئيس الجمهورية على ضوء قرار المجلس الدستوري الصادر في ‪ 77‬جانفي ‪ ،555‬والخاص‬
‫بالمحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬وحكم الدوائر المجتمعة بمحكمة النقض الصادر في ‪ ،0‬أكتوبر ‪ ،2 700،‬وقد‬
‫وضعت تقريرها المتضمن بعض ضوابط مسؤولية رئيس الجمهورية‪.‬‬
‫نعرج إلى‬
‫وعليه نتناول على التوالي مسؤولية رئيس الجمهورية في حالة الخيانة العظمى ‪ ،‬ثم ِّ‬
‫عرض تقرير اللجنة المكلفة بإعادة النظر في نظام المحاكمة الجنائية لرئيس الجمهورية والذي بناء عليه‬
‫ُعِّدلت المادة ‪ 7/93‬من الدستور‪.‬‬
‫مسؤولية رئيس الجمهورية في حالة الخيانة العظمى طبقا للمادتين ‪ 72‬و‪ 72‬من الدستور قبل‬ ‫‪-‬‬
‫التعديل‪:‬‬
‫إن رئيس الجمهورية يتمتع بموجب دستور ‪ ،598‬باِتصاصات واسعة ولكنه غير مسؤول إالِّ في‬
‫" ال يكون رئيس‬ ‫حالة الخيانة العظمى ‪ ،‬وذلك بموجب المادة ‪ 28‬من الدستور التي تنظم مسؤوليته‬
‫العظمى‪ ،‬ويكون اتهامه‬ ‫الجمهورية مسؤوال عن األعمال التي يقوم بها في مباشرة مهامه إالِّ عن الخيانة‬
‫موحد يصدر بتصويت علني وباألغلبية المطلقة لألعضاء الذين يتكون منهم‬ ‫بواسطة المجلسين وبقرار ِّ‬
‫المجلسان‪ ،‬وتجرى محاكمته أمام المحكمة القضائية العليا‪".‬من ِالل هذا النص نجد أن األصل في فرنسا‬
‫عدم مسؤولية رئيس الجمهورية مدنيا وجنائيا وسياسيا‪ ،‬ويرد استثناء واحد على عدم مسؤوليته هو حالة‬
‫الخيانة العظمى وهو استثناء يرد أيضا على عدم المسؤولية السياسيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة وليس على عدم المسؤولية‬
‫الجنائي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬ويتضح ذلك عندما نحدد معنى الخيانة العظمى إذا ما كانت جريمة جنائية أم سياسية‪ ،‬أم‬
‫أنها ذات طبيعية مختلطة‪.‬‬
‫‪ -‬مضمون وتعريف الخيانة العظمى‪:‬‬
‫نصت معظم الدساتير الفرنسية على الخيانة العظمى ولكن المشرع الفرنسي لم يتعرض للتحديد‬‫ِّ‬ ‫‪:‬ن‬
‫القانوني لها في جميع نصوصه الدستورية والقانونية األِرى‪ ،‬لذلك حاول الفقه إيجاد تعريف جامع مانع‬

‫‪1‬‬
‫‪-Décret n° 2002-961 du 4 juillet 2002 portant création d’une commission chargée de mener une‬‬
‫‪réflexion sur le statut pénal du président de la république français‬‬
‫‪2 - Cour de cassation, arrêt du 10 octobre 2001 Dominique chagnollaud, « la responsabilité pénale des‬‬
‫» ‪gouvernants‬‬
‫‪18‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫أن " فقيه القانون الدستوري يحكم أيضا على الواقع الدستوري‪ ،‬أو بشكل أدق يحكم على‬
‫لها على أساس ِّ‬
‫النظام القانوني ويحل النزاعات والثغرات من ِالل الدستور"‪.1‬‬

‫*ذهب العميد" ليون ديجي ‪ "Duguit .L‬إلى أن الدستور لم ً‬


‫يعرف الخيانة العظمى ويترتب على ذلك‬
‫عدم إدِال مخالفة معينة تحت هذا الوصف‪.2‬‬
‫عرفها بأنها تكون في حالة إساءة استعمال الرئيس لوظيفته وذلك‬
‫*أما الفقيه "موريس دوفرجيه" فقد ِّ‬
‫‪.3‬‬
‫يتحقق بعمل ضد الدستور أو المصالح العليا للبالد‬
‫*أما الفقيه "جورج فيدل‪ "G.VEDEL‬فيرى بأن الخيانة العظمى في حد ذاتها ليست جريمة جنائية ألن‬
‫عرف الخيانة العظمى‪ ،‬وعليه فهي فكرة ذات طابع سياسي تتمثل في‬ ‫قانون العقوبات ِّ‬
‫عرف الخيانة ولم ُي ِّ‬
‫اإلهمال الشديد لاللتزامات الوظيفية وانتهاك جسيم للواجبات الملقاة على عاتق رئيس الجمهورية‪.4‬‬
‫*أما األستاذ "ميشيل هنري فابر‪ "M.H. FABER‬فيقول أن الخيانة العظمى تتضمن كل انتهاك ِطيرة‬
‫من جانب رئيس الجمهورية اللتزاماته الدستورية‪ ،‬ويرى أن المسؤولية الناتجة عنها هي مسؤولية سياسية‬
‫جنائية "‪.5"la responsabilité politico-pénale‬‬
‫*أما األستاذ "جون جيكل‪ "Jean Gicquel‬فيرى بأن الخيانة العظمى تقوم كجريمة ذات طابع سياسي‬
‫‪:‬‬
‫ومحتوى متغير لم ً‬
‫يعرف في دستور‪ ،598‬وعليه يمكن تحليلها في مظهرين أساسين‬
‫‪ -‬إهمال جسيم من الرئيس في أداء واجباته الملقاة على عاتقه الموضحة في المادة ‪ 9‬من الدستور‪.‬‬
‫‪ -‬انتهاك صارخ للدستور مثال في حالة تجاوز الصالحيات االستثنائية وتعسف في استعمال سلطاته‬
‫الواردة في نص المادة ‪ ،2‬من الدستور‪.6‬‬
‫*أما االستاذ "جاك كادار‪ ،"J-Cadart‬فيرى بأنه في ظل غياب تعريف للخيانة العظمى يتعين الرجوع‬
‫إلى إجراءاتها التي تعتبر الطريق الذي يسمح باتهام رئيس الجمهورية عند تجاوزه حدود المادة ‪ ،2‬من‬
‫الدستور‪.1‬‬

‫قانـوني لنيل درجة الدبلوم في القانون العام‪ ،‬دمشق‪ ،7001 ،‬ص ‪.،72‬‬ ‫‪- 1‬غسان عرنوس‪ ،‬مسؤولية رئيس الدولة ‪ ،‬بح ـ‬

‫‪ -،‬عبد الغني بسيوني عبد هللا‪ ،‬سلطة ومسؤولية رئيس الدولة في النظام البرلماني المنظور‪ ،‬دون ذكر دار النشر‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪. - 2،55،‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ . -‬عبد الغني بسيوني عبد هللا‪ ،‬المرجع السابق‬
‫‪ - 4‬عبد الغني بسيوني عبد هللا‪ ، ،‬المرجع السابق‬
‫‪ -5‬عبد الغني بسيوني عبد هللا‪ ، ،‬المرجع السابق‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬عبد الغني بسيوني عبد هللا‪ ، ،‬المرجع السابق‬

‫‪19‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫*ولقد ذكر عضو مجلس الشيوخ "‪ "Dailly‬في ‪ 78‬ماي ‪ ،553‬أن هناك حاالت عديدة يمكن أن تُعتبر‬
‫ِيانة عظمى ‪ ،‬مثال عندما يخون رئيس الدولة عمدا مصالح فرنسا لحساب قوة أجنبية أو يمتنع عمدا عن‬
‫تكيف هذه األعمال على أنها‬
‫مباشرة أعمال وظيفته ‪،‬أو يباشر عادات تتناقض مع الدستور‪ ،‬كما يمكن أن ً‬
‫‪2.‬‬
‫جنايات أو جنح بواسطة قانون العقوبات‬
‫يتضح لنا من عرض آراء الفقهاء الفرنسيين بأن الخيانة العظمى في ظل الدستور الفرنسي تتمثل‬
‫في كل عمل يتلخص في اإلهمال أو التقصير‪ ،‬أو االنحراف الشديد في أداء االلتزامات الدستورية‬
‫الموكلة للرئيس مما يرتب اإلضرار بالمصالح العليا للبالد ‪ ،‬كما أن االتجاه الفقهي الراجح يؤكد على‬
‫ترجيح الطبيعة السياسية على جريمة الخيانة العظمى النتفاء تعريف تشريعي لها من جهة ولطبيعة االتهام‬
‫والمحاكمة من جهة أِرى كما سنرى ذلك‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫‪ - -‬إجراءات االتهام والمحاكمة ‪:‬‬
‫على مستوى كل نظام سياسي توجد هيئة تتولى محاكمة الحكام عندما يقترفون جرائم غير عادية‬
‫ضد أمن الدولة وسالمتها‪ ،‬ولقد عرفت فرنسا في دساتيرها المختلفة هيئات مختلفة تتولى النظر في االتهام‬
‫والمحاكمة‪.‬‬
‫في ظل دستور ‪(،818‬الجمهورية الثانية )كان مجلس النواب هو الذي يتولى النظر في االتهام‬
‫الموجه إلى رئيس الجمهورية‪ ،‬أما في دستور ‪ ،829‬وبمقتضى المادة ‪ ،7‬منه (دستور الجمهورية الثالثة)‬
‫ِّ‬
‫فلقد اقتصرت مهمة مجلس النواب على االتهام في حين يتولى مجلس الشيوخ سلطة المحاكمة‪3‬غير أن‬
‫دستور الجمهورية الرابعة لسنة ‪ ،512‬لم يتبع النهج السابق‪ ،‬فكانت المحاكمة تتم أمام المحكمة العليا بعد‬
‫توجيه االتهام له من طرف الجمعية الوطنية‪ ،‬لتقوم لجنة التحقيق المشكلة بمعرفة النائب العام بتكييف‬
‫الوقائع ‪ ،‬أما في ظل الدستور الحالي لسنة ‪ ،598‬فقد نظمت المادة ‪ 28‬منه كيفية اتهام رئيس‬
‫الجمهورية بالخيانة العظمى وحددت المادة ‪ 22‬تكوين المحكمة القضائية العليا ويتم ذلك كاآلتي‪:‬‬
‫*مرحلة االتهام‪ :‬يكون اتهام رئيس الجمهورية بواسطة مجلسي البرلمان بالتصويت المنفصل لكل مجلس‬
‫وباالنتخاب السري العام وباألغلبية المطلقة لألعضاء‪،‬ويمتنع حل الجمعية الوطنية في هذه‬
‫األثناء ‪ ،‬والمالحظ أنه ليس للمدعي العام أي دور في اتهام الرئيس وإنما يعطي االتهام لغرفتي البرلمان‬

‫‪1‬‬
‫‪.-‬عبد الغني بسيوني عبد هللا‪ ، ،‬المرجع السابق‬
‫‪. - 2‬عبد الغني بسيوني عبد هللا‪ ، ،‬المرجع السابق‬
‫‪. - 3‬عبد الغني بسيوني ‪ ،‬المرجع السابق‬

‫‪41‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫بإجراءات استثنائية‪ ،‬فطبقا للمادة ‪ ،8‬من القانون األساسي رقم ‪ 0،‬لسنة ‪1،595‬والمادة ‪ 82‬من الئحة‬
‫مجلس الشيوخ والمادة ‪ ،92‬من الئحة الجمعية الوطنية يكون تقديم االقتراح باتهام رئيس الجمهورية عن‬
‫طريق طلب موقع من عشرة(‪ )،0‬نواب على األقل من أعضاء الجمعيتين البرلمانيتين‪ ،‬يجب أن يتضمن‬
‫هذا الطلب تحديد اسم المتهم ويكون مرفقا به عرض عن األفعال والوقائع المنسوبة إليه ‪ ،‬وُيقرر مجلسي‬
‫البرلمان عدم قبول االقتراح باتهام رئيس الجمهورية إذا لم يحمل توقيع عشرة أعضاء برلمانيين‪.‬‬
‫ويصدر قرار االتهام من مجلسي البرلمان ويتخذ بالتصويت العلني وباألغلبية المطلقة ألعضاء‬
‫المجلسين‪ ،‬على أن يضع المجلس موج از لالتهام في ِالل عشرة أيام ويكون واضحا فيه اتهام رئيس‬
‫الجمهورية‪،‬ويشترط لعقد االتهام ضد رئيس الجمهورية الشروط اآلتي في ذكرها‪:‬‬
‫‪-‬اجتماع البرلمان سواء بقوة القانون أو في دورة انعقاد عادية أو غير عادية‪.‬‬
‫‪ -‬البد أن يكون توجيه االتهام محترما للشكل الخاص بحماية حقوق الدفاع الموضوعة بواسطة الئحة كل‬
‫مجلس من مجلسي البرلمان‪.‬‬
‫‪ -.‬أن يتم التصويت من المجلسين باألغلبية المطلقة وبصورة علنية‪.‬‬
‫يرسل قرار االتهام بعد تحديد الوقائع إلى النائب العام أمام محكمة النقض الذي يمثل النيابة‬
‫العامة‪ ،‬والذي يعلن في ‪ 71‬ساعة التالية ِبر اتهام رئيس الجمهورية إلى المحكمة العليا ورئيس لجنة‬
‫التحقيق‪.2‬‬
‫*مرحلة التحقيق‪ :‬يكون التحقيق في قرار االتهام طبقا للمادة ‪ ،7‬من القانون األساسي رقم ‪ ،‬لسنة‬
‫‪ ،595‬عن طريق لجنة تتكون من ‪ 9‬أعضاء أساسين‪ ،‬وعضوين احتياطيين ُيعينون لمدة سنتين بواسطة‬
‫ينظم‬
‫مكتب محكمة النقض من بين أعضاء هذه المحكمة‪ ،‬ويتم تعيين رئيس اللجنة من بين أعضائها وال ُ‬
‫لتشكيلها أي عناصر سياسية‪.‬‬
‫تختص لجنة التحقيق بتفحص قرار االتهام دون تغيير للتكييف ألن طبيعتها قضائية والقرار‬
‫المتعلق بتكييف مسؤولية رئيس الجمهورية يعتبر ق ار ار ذو طبيعية سياسية‪ ،‬وينتهي عمل اللجنة بإصدارها‬
‫قرار االتهامضد رئيس الجمهورية وبتبليغ المدعي العام الـم ـ ــكًلف بإبالغ الرئيس قبل مثوله أمام المحكمة‬
‫بثمانية أيام(‪)08‬على األكثر‪ُ ،‬ليعقد االِتصاص للمحكمة العليا لمحاكمته‪.‬‬

‫‪1-ordonnance organique du 02 Janvier 1959 n 59-01 portant loi organique sur la haute cour de Justice‬‬
‫‪2 - Charles Debash ; « président de la République et premier ministre dans le système politique de la‬‬
‫‪Ve République‬‬
‫‪40‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫ال يدِل في‬ ‫*المحكمة المختصة‪ :‬بينت المادة ‪ 22‬من دستور ‪ ،598‬كيفية تشكيل هذه المحكمة حي‬
‫تشكيلة أعضائها العنصر القضائي‪ ،‬فهي تتكون من أعضاء منتخبين من بين أعضاء الجمعية الوطنية‬
‫ومجلس الشيوخ وبعدد متساوي لكل منهما بعد كل تجديد عام أو جزئي للمجلسين‪ ،‬وتختار المحكمة‬
‫رئيسها من بين أعضائها على أن يحدد القانون األساسي تشكيل هذه المحكمة وقواعد سيرها وكذلك‬
‫اإلجراءات المطبقة أمامها‪.‬‬
‫قررت أن‬ ‫و لقد نظمت المادة ‪ 0،‬من القانون األساسي رقم ‪ ،‬سنة ‪ ،595‬تشكيل المحكمة حي‬
‫عدد قضاة المحكمة العليا أربعة وعشرين (‪ )71‬قاضي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أصليا واثني عشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر قاضيا احتياطيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا(‪)،7‬‬
‫يحٌلون محل األصليين في حالة الغياب أو وجود عـ ـ ـ ـ ــائق‪ ،‬وبهذه التشكيلة يكون جميع أعضاء المحكمة‬
‫القضائية سياسيون ألن جميع القضاة الذين يتولون محاكمة الرئيس من النواب‪ ،‬وفي ظل هذه االعتبارات‬
‫يصعب الحكم بوجود مبادئ قانون العقوبات األساسية كافتراض البراءة وحياد القضاة إذ أن الحكم ببراءة‬
‫رئيس الجمهورية المتهم بما هو منسوب إليه يشكل ِطورة على الذين وجهوا إليه االتهام بالخيانة‬
‫العظمى‪ ،‬كما أن الحكم الذي يصدر بعد المحاكمة لن يكون مسببا وال يوجد بطبيعة الحال طريقا للطعن‬
‫فيه سواء باالستئناف أو بالنقض‪.‬‬
‫يجمع الفقه الدستوري الفرنسي على أن المحكمة القضائية العليا تتمتع بسلطة تقديرية واسعة في‬
‫تقدير العقوبة المناسبة لتُِّوقع على الرئيس المتِّهم دون أن يتعقب حكمها أي جهة أِرى ‪ ،‬لذلك تثير‬
‫العقوبات التي يمكن توقيعها على رئيس الجمهورية مشاكل سياسية أكثر منها جنائية‪ ،‬فقد تتخذ العقوبات‬
‫المحتملة جزاء العزل دون محاكمة جنائية‪ ،‬أو العزل بعد المحاكمة الجنائية ‪-‬وهو جوهر نظام االتهام‪.‬‬
‫‪ -..‬مسؤولية رئيس الجمهورية في حالة إخالله بواجباته الوظيفية طبقا للمادتين ‪ 72‬و‪ 72‬من‬
‫الدستور بعد تعديلهما في فيفري ‪:7112‬‬
‫لقد كانت مسؤولية رئيس الجمهورية في فرنسا في ظل دستور ‪ ،598‬منحصرة في حالة ارتكابه‬
‫جريمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الخيانة العظمى‪ ،‬ولقد أضيف إليها بموجب التعديل الدستوري الذي أجري في ‪ 8‬يوليو ‪،555‬‬
‫الجرائم التي تدِل في اِتصاص المحكمة الجنائية الدولية (جرائم العدوان‪ ،‬اإلبادة‪ ،‬جرائم الحرب‪.).....‬‬
‫تم إحداث تعديالت جوهرية في الدستور المذكور في عدة مواد‪ ،‬منها نص‬ ‫وفي شهر فيفري ‪ً 7002‬‬
‫المادتين ‪ 22‬و‪ 28‬ولقد جاء في فحوى المادتين ما يلي‪:‬‬
‫نصت المادة ‪" :22‬رئيس الجمهورية ال يمكن مساءلته عن األعمال التي يرتكبها بهذه الصفة‬
‫باستثناء الحاالت المنصوص عليها في المادتين ‪ 7/93‬و‪ ،28‬وال يجوز استدعاؤه لسماع شهادته ِالل‬
‫مدة رئاسته أمام أي سلطة قضائية أو إداري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة فرنسية‪ ،‬وأكثر من ذلك ال يجوز أن يكون موضوعا‬

‫‪41‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫والتحقيق أو المالحقة القضائية وتكون جميع مدد التقادم وسقوط الحق‬ ‫لدعوى أو عمل من أعمال البح‬
‫موقوفة ويتم مباشرة الدعاوى واإلجراءات التي كانت موقوفة ِالل الشهر التالي النتهاء فترة نيابته"‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫"أما المادة ‪ 28‬فنصت على أنه ‪ ":‬ال يجوز عزل رئيس الجمهورية إال في حالة اإلِالل بواجباته‬
‫الوظيفية إِالال يظهر التناقض مع ممارسته لنيابته‪ ،‬ويصدر الحكم بالعزل من البرلمان المشكل للمحكمة‬
‫العليا ‪.‬‬
‫واالقتراح بانعقاد المحكمة العليا يتخذ بواسطة أي من الجمعيتين البرلمانيتين‪ ،‬والذي يسلم فو ار إلى‬
‫األِرى التي تتخذ ق ار ار بشأنه ِالل ِمسة عشرة يوما‪.‬‬
‫ويرأس المحكمة العليا رئيس الجمعية الوطنية والتي تصدر حكمها ِالل شهر‪،‬ويكون التصويت‬
‫بورقة سرية فيما يتعلق بالحكم بالعزل والذي يكون أثره فوريا‪ ،‬والق اررات الصادرة تطبيقا لهذه المادة تتخذ‬
‫بأغلبية ثلثي األعضاء المكونين للجمعية المعنية أو المحكمة العليا‪ ،‬ويمنع التصويت عن طريق اإلنابة‬
‫ويتم حصر جميع األصوات المؤيدة لالقتراح في اجتماع جلسة المحكمة العليا حينما تصدر حكمها‬
‫بالعزل‪.‬‬
‫ويضع القانون األساسي الضوابط الالزمة لتطبيق هذه المادة"‪..‬‬
‫من ِالل هذين النصين نجد أن المؤسس الفرنسي قد وضع ضوابط جديدة وتنظيما مختلفا‬
‫لمسؤولية رئيس الجمهورية مستعينا باقتراحات اللجنة ‪ ،‬نستكشفها من ِالل دراسة الجرائم التي يمكن‬
‫مساءلة رئيس الجمهورية عنها ثم اإلجراءات المتبعة وصوال إلى العقوبة المقررة تباعا لذلك‪.‬‬
‫‪ -‬الجرائم التي ترتب مسؤولية لرئيس الجمهورية‪:‬‬
‫لقد تم تحديد النظام القانوني لرئيس الجمهورية من قبل االجتهاد الدستوري بعد دعوة الرئيس" جاك‬
‫شيراك" لتشكيل لجنة برئاسة "بيار أفريل" القتراح إصالح ممكن لهذا النظام بعد االعتراضات الحادة للمادة‬
‫‪ 28‬من الدستور الت ي كانت تعتبر بأن الرئيس يتمتع بحصانة غير مبررة‪ ،‬وعليه قررت السلطة التأسيسية‬
‫أِي ار التدِل في ‪ 7002‬لتعديل المادتين آِذة بالحلول التي استخلصها االجتهاد سابقا‪،‬إال أن النص‬

‫الدستوري الجديد للمادتين ِّ‬


‫يكرر مبدأ عدم مسؤولية رئيس الجمهورية بسبب صفته‪ ،‬وينظم أيضا نظام‬
‫حصانة مؤقتة لرئيس الجمهورية أثناء مدة رئاسته‪.1‬‬

‫‪ - 1‬اميلي ما ركوقيتشي‪ "،‬االجتهادات القضائية والتعديل الدستوري‪ :‬مثال عام ‪ ، "7002‬مجلة القانون العام وعلم السياسة‪،‬‬
‫‪ ،7002‬ص ‪،،99-،،91‬‬

‫‪41‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫لقد حددت المادة ‪ 28‬من الدستور الجرائم التي يمكن مساءلة الرئيس عنها وهي تلك المرتكبة‬
‫ِالل فترة الرئاسة وتمثل إِالال بواجبات وظيفته بشكل يتعارض مع ممارسته لنيابته‪ ،‬ومن هذا المنطلق‬
‫يكون المشرع الدستوري قد تجنب فكرة الخيانة العظمى التي كانت غامضة وتحمل أكثر من معنى‪ ،‬وحسم‬
‫الخالف الذي دار بين الفقهاء لمدة تفوق األربعين سنة حول مضمونها ومحاولة وضع تعريف أو تحديد‬
‫لها‪ ،‬وعليه يمكن بعد هذا التعديل مالحقة رئيس الجمهورية قضائيا عن أي عمل يقوم به يمثل تقصي ار‬
‫المحددة في الدستور‪ ،‬والتي تتناقض بوضوح مع ممارسته لواليته ولنيابته عن‬
‫ِّ‬ ‫وإِالال بواجبات وظيفته‬
‫الشعب الفرنسي الذي هو مصدر السلطات‪.‬‬
‫ِارج هذه الحالة وباستثناء األعمال المنصوص عليها في المادة ‪ ،7/93‬ال يمكن استدعاء رئيس‬
‫الجمهورية أمام أي جهة قضائية أو إدارية فرنسية ‪ ،‬أو اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحري والمالحقة‬
‫ضده طوال فترة رئاسته‪ ،‬وال يجوز استدعاؤه أمام أي سلطة قضائية أو إدارية لسماع شهادته أثناء مدة‬
‫العهدة حسب الفقرة ‪ 7‬من المادة ‪ 22‬من الدستور‪.‬‬
‫"إن صيغة الفقرة الثانية واسعة للغاية فميدان الحصانة المؤقتة يغطي في آن واحد الميدان المدني‬
‫واإلداري والميدان الجزائي والتعويض والعقوبة"‪ ، 1‬كما أن النص الدستوري الجديد لم يحدد طبيعة جريمة‬
‫إِالل رئيس الجمهورية لواجباته الوظيفية ‪ ،‬ولكن بالرجوع إلى تقرير اللجنة التي قامت بوضع ضوابط‬
‫مسؤولية رئيس الجمهورية المشكلة بموجب مرسوم ‪ 1‬يوليو ‪ 7007‬بواسطة السيد" بيار افريل" نجدها قد‬
‫قررت أن هذه الجريمة ذات طبيعة سياسية‪ ،‬إذ ورد بالتقرير أن" حالة العزل تكون لخطأ رئيس الجمهورية‬
‫‪2‬‬
‫في أداء واجباته‪ ...‬هذا فيما يتعلق بالمسؤولية السياسية أثناء مباشرته ألعمال وظيفته"‬
‫وعليه نجد أن نظام المسؤولية االستثنائية لرئيس الجمهورية الناجم عن هذه المواد الجديدة من‬
‫الدستور يختلف كثي ار عن النظام القديم‪ ،‬فسبب المسؤولية سياسي بشكل بحت وإجراء اإلقالة يبتعد عن‬
‫التأثير الجزائي‪ ،‬كما أن المحكمة ذات تشكيلة برلمانية ينتمون إلى جهة سياسية ورئيسها هو رئيس‬
‫الجمعية الوطنية‪.‬‬
‫‪ -‬الضوابط الخاصة بإجراءات االتهام والمحكمة المختصة‪:‬‬
‫لقد حدد المشرع الدستوري مجموعة من الضوابط المتعلقة باالتهام وبالمحكمة المختصة بمحاكمة‬
‫رئيس الجمهورية عن اإلِالل بواجباته الوظيفية‪ ،‬وقد أحال إلى قانون أساسي يصدر في هذا الشأن‬

‫‪. - 1‬اميلي ما ركوقيتشي‪ ،‬المرجع السابق‬


‫‪. - 2‬اميلي ما ركوقيتشي‪ ،‬المرجع السابق‬

‫‪44‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫ليضع الشروط الالزم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة لتطبيق هذه المسؤوليـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬وبالتالي تظل اإلجراءات والضوابط المتعلقة بطريقة‬
‫االتهام والتحقيق والمحاكمة المنصوص عليهما في المادتين ‪ 22‬و‪ 28‬من الدستور قبل تعديله‪ ،‬وكذلك‬
‫القانون األساسي رقم ‪ 0،‬لسنة ‪ ،595‬الصادر في ‪ ،595/،/7‬سارية فيما ال يتعارض مع نص المادة‬
‫‪ 28‬بعد التعديل إلى أن يصدر القانون الجديد الذي يتناول هذا الموضوع‪،‬أما الضوابط الجديدة المحددة‬
‫في المادة ‪ 28‬بعد التعديل فتمثلت في‪:‬‬
‫‪ -‬الق اررات المتعلقة باالتهام والمحاكمة لرئيس الجمهورية عن جريمة اإلِالل بواجباته الوظيفية تصدر‬
‫‪.‬‬ ‫بأغلبية ثلثي األعضاء المكونين للجمعية المعنية أو المحكمة العليا‪.‬‬
‫‪ -‬اقتراح انعقاد المحكمة العليا يتخذ بواسطة إحدى الجمعيتين البرلمانيتين إما الجمعية الوطنية أو مجلس‬
‫الشيوخ والذي يسلم إلى األِرى تباعا والتي تتخذ قر ا‬
‫ار بشأنه ِالل ‪ ،9‬يوما من استالمه‪*.‬‬
‫‪ -‬يتولى رئاسة المحكمة العليا المشكلة للفصل في اتهام رئيس الجمهورية"رئيس الجمعية الوطنية" على‬
‫يتم اِتياره عن طريق االنتخاب من قبل باقي أعضاء المحكمة ‪.‬‬ ‫ِالف السابق حي‬
‫‪ -‬ال بد من أن يكون التصويت شخصيا بورقة سرية مع حصر األصوات في حالة الحكم بالعزل‪ ،‬والبد‬
‫على المحكمة أن تصدر حكمها ِالل شهر من تاريخ إبالغها باالنعقاد‪ ،‬ويكون للحكم الصادر بالعزل في‬
‫حق رئيس الجمهورية أث ار فوريا‪ "،‬وتعتبر مدة الشهر إلصدار الحكم مدة معقولة حتى ال تظل المهام‬
‫الدستورية التي يباشرها رئيس الجمهورية معطلة لمدة طويلة مما يضر بمصالح الدولة في الداِل‬
‫‪. 1‬‬
‫والخارج " ‪.‬‬
‫‪ -‬العـــقـــوبـــة‪:‬‬
‫ساهم القضاء الدستوري الفرنسي في تطوير الفكرة القائلة "بأن السلطة يمكن أن تعاقب سياسيا‬
‫بسبب أخطاء سياسية‪ ،‬وعقوبة الخطأ السياسي ال يمكن أن تكون فعالة إال إذا كانت سياسية أيضا"‪. 2‬‬
‫لقد حدد النص الدستوري العقوبة الواجبة التطبيق بمقتضى التعديل بالعزل وهو بهذا اإلجراء‬
‫يكون قد نهج ما سار عليه القضاء الدستوري سابقا‪ ،‬وأزال اللبس الذي كان قائما بشأن العقوبة المقررة‬
‫لجريمة الخيانة العظمى ولم يعد للمحكمة أية سلطة تقديرية في توقيع العقوبة غير المحددة في النص‪.‬‬
‫وبهذا استقر إلى ما ذهب إليه الفقه سابقا بأن العقوبة الواجبة التطبيق على مخالفات الرئيس تحمل معنى‬
‫سياسيا أكثر منه جنائيا‪.‬‬

‫‪.- 1‬عزة مصطفى حسيني عبد المجيد‪ ،‬المرجع السابق‬


‫‪.- 2‬فرنسوا سان بونيه ‪ ،‬التكوين المزدوج للقضاء الدستوري في فرنسا‪ ،‬مجلة القانون العام وعلم السياسية‪،‬فرنسا‪،‬‬

‫‪45‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫وحكم المحكمة العليا في هذا الشأن يترتب عليه عزل الرئيس من منصبه وإنهاء ما كلفته به األمة‬
‫من أعمال بأثر فوري ‪ ،‬لكن التساؤل المطروح هل يمكن المطالبة بالتعويض عن األضرار التي رتبتها‬
‫تصرفات السلطة الحاكمة(الرئيس) بعد العزل؟ نأمل أن يتضمن القانون األساسي الذي سوف يتم إصداره‬
‫ذلك ولو بتحمل الدولة التعويض عن هذه األعمال ‪.‬‬

‫‪ -‬المطلب الثاني‪ :‬إجراءات الرقابة القضائية على الحاكم في النظم العربية ‪.‬‬
‫إن موضوع مبدأ المسؤولية من المواضيع المستحدثة في دساتير الدول العربية وذلك راجع لعدة‬
‫ِّ‬
‫أسباب أهمها‪ :‬أنها كانت تحت وطأة االستعمار وهي دول حديثة االستقالل في مجملها‪ ،‬إضافة إلى أنها‬
‫عن وسائل لتنظيم مجتمعاتها تنظيما يتالءم مع العقلية السائدة فيها اجتماعيا‪.‬‬ ‫قد دأبت على البح‬
‫مما‬
‫وألنها واجهت صعوبة ِلق نظام سياسي أصيل في المدى القصير لجأت إلى تقليد النظم الغربية ‪ِّ ،‬‬
‫جعل معظم الدساتير العربية تتضمن (عدم توازن) في مبدأ توازن السلطة مع المسؤولية‪.‬‬
‫إن اقتباس وتقليد النظم السياسية الغربية ليس سمة النظم العربية فحسب‪ ،‬بل أن الفرنسيين أنفسهم‬
‫لم يبتكروا نظاما سياسيا ِاصا بهم وإنما قلدوا شأنهم شأن معظم بلدان الغرب النظام البرلماني االنجليزي‬
‫‪،‬والذي حاولوا من ِالله ِلق نظام سياسي وسط بين النظامين الرئاسي والبرلماني عن طريق دستور‬
‫‪ ،،598‬وهو الدستور الذي انتهجت أحكامه جل الدساتير العربية من بينهما الدستورين المصري‬
‫والجزائري‪ ،‬وإن كانت مصر السباقة في ذلك ‪.‬‬
‫‪ -‬الفرع األول ‪ :‬الرقابة القضائية على الحاكم في الجزائر‪.‬‬
‫مسؤولية رئيس الجمهورية في دستور ‪،552‬المعدل في ‪ 70،2‬نجد أنه يتمتع بسلطات واسعة‬
‫جدا وفي مقابل ذلك ال توجد نصوص تقرر مسؤوليته السياسية بصريح النص‪ ،‬ماعدا ما ورد في نص‬
‫المادة ‪ ،18‬من الدستور التي تمكن البرلمان من فتح مناقشة حول السياسية الخارجية للدولة بناءا على‬
‫طلب من رئيس الجمهورية أورئيس إحدى غرفتي البرلمان‪ ،‬لكن هذا اإلجراء أيضا ال تترتب عليه مسؤولية‬
‫سياسية ألنها ال تؤدي إلى عزله ‪.‬‬
‫أما عن مسؤوليته الجنائية فيعد دستور ‪ ،552‬أول دستور تضمن صراحة مسؤولية رئيس‬
‫تتقرر‬ ‫الجمهورية بنص المادة ‪ ،98‬منه ‪،‬والتي أصبحت بموجب تعديل ‪ 70،2‬تحت رقم ‪ ،22‬منه حي‬
‫له المسؤولية عند ارتكابه جريمة الخيانة العظمى التي يؤول اِتصاص الفصل فيها "للمحكمة العليا‬
‫للدولة" والتي لم ترى النور إلى غاية اليوم ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫وما نخلص إليه أن تكريس مسؤولية رئيس الجمهورية بمقتضى هذا النص الدستوري المستحدث‬
‫تم صدور القانون العضوي الذي يبين إجراءات‬ ‫عد ِطوة جريئة نحو تكريس دولة القانون‪ ،‬إذا ما ِّ‬
‫ُي ِّ‬
‫المحاكمة وتشكيل المحكمة ‪،‬حتى ال يبقى النص الدستوري حب ار على ورق‪.‬‬
‫إن المسؤولية المباشرة لرئيس الدولة تتمثل في المسؤولية التي نظمتها وحددت إجراءاتها نصوص‬
‫الدستور‪ ،‬فقد نصت المادة ‪ ،98‬من دستور ‪ " ،552‬تؤسس محكمة عليا للدولة تختص بمحاكمة رئيس‬
‫الجمهورية عن األفعال التي يمكن وصفها بالخيان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة العظمي‪ ،‬والوزير األول عن الجنايات والجنح التي‬
‫يرتكبانها بمناسبة تأديتهما لمهامها‪،‬ويحدد قانون عضوي تشكيلة المحكمة العليا للدولة وتنظيمها وسيرها‬
‫وكذلك اإلجراءات المطبقة" ‪ ،‬ولقد حافظ التعديل الدستوري لسنة ‪ 70،2‬على نفس الفحوى مع تغيير في‬
‫ترتيب المادة فقط إذ أصبحت تحت رقم ‪ ،22‬منه‪.‬‬
‫نظ ار للمركز الدستوري الخاص الذي يتمتع به رئيس الجمهورية فإن اتهامه ومتابعته قد تكون من‬
‫الصعوبة بمكان فمن له يا ترى صالحية االتهام‪ ،‬ومن له صالحية المحاكمة؟ وماهي تشكيلة المحكمة‬
‫؟‬ ‫المختصة بمتابعته؟‬
‫المحدد لصالحيات المحكمة العليا للدولة‪ ،‬ال يمكن اإلجابة عن‬
‫ّ‬ ‫في ظل غياب القانون العضوي‬
‫هذه األسئلة وال يمكننا التنبؤ بالهيئات التي تتكفل بمهمة المتابعة والمحاكمة مستقبال‪ ،‬وعليه ال بد لنا‬
‫من الرجوع إلى أحكام القانون المقارن‪ ،‬السيما فرنسا ومصر بالنظر إلى تشابه أحكام دستوريهما مع‬
‫دستورنا الوطني الستخالص ما يمكن أن يستدل به المؤسس الدستوري الحقا في حالة إصداره القانون‬
‫العضوي‪.‬‬
‫وعليه نتساءل‪ :‬ما هو األساس الدستوري لتقرير المسؤولية المباشرة لرئيس الجمهورية وفق أحكام‬
‫الدساتير المقارنة؟ وما هي إجراءات محاكمة الرئيس في حال ثبوت ارتكابه الخيانة العظمى؟ وما الفرق‬
‫بين المسؤولية السياسية والجنائية لرئيس الجمهورية؟ هذا ما سنحاول اإلجابة عليه‪: : .‬‬

‫الفرع األول‪ :‬المسؤولية الجنائية لرئيس الجمهورية‬


‫إن رئيس الجمهورية يتمتع بموجب دستور ‪ ،552‬المعدل في ‪ 7008‬وفي ‪ 70،2‬باِتصاصات‬
‫جد واسعة ولكنه في المقابل غير مسؤول إال في حالة الخيانة العظمى وذلك بموجب المادة ‪ ،22‬من‬
‫الدستور التي تنظم مسؤولية رئيس الجمهورية ‪ ،‬لكن ما يثير الجدل أنه في ظل غياب القانون العضوي‬
‫الخاص بإجراءات المحاكمة‪ ،‬يبقى االِتالف والغموض قائما حول تعريف الخيانة العظمى وطبيعتها‬
‫القانونية فهل هي جريمة جنائية أو سياسية ؟ فالتفرقة بين هاتين الجريمتين من الصعوبة بما كان‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫اِتلف الفقهاء حول تعريف جريمة الخيانة العظمى وتحديد طبيعتها في ظل عدم وجود تحديد‬
‫تشريعي لها ‪ ،‬فقد تناولها الدستور الجزائري بل معظم الدساتير في النظم المعاصرة بشكل فضفاض غير‬
‫دقيق مما يساعد على اإلفالت منها‪.‬‬

‫أوال‪ :‬اتهام رئيس الجمهورية في الجزائر بالخيانة العظمى‪:‬‬


‫يعتبر دستور ‪ ،552‬المعدل في مادته ‪ 177‬أول دستور في الجزائر يقرر مسؤولية رئيس‬
‫الجمهورية عند ارتكابه أفعال توصف بالخيانة عظمى ‪ ،‬واألصل حسب هذا النص هو عدم مسؤولية‬
‫رئيس الجمهورية إذ أنه غير مسؤول مدنيا‪ ،‬فال يسأل من ماله الخاص عن األضرار التي تترتب على‬
‫أِطائه ويمتد انعدام المسؤولية المدنية"‪ "L’irresponsabilité civile‬إلى عدم تحمله التعويض عن أية‬
‫أضرار تحدث بسبب أِطاء ناتجة عن قيامه بالنشاط الخاص بأعمال وظيفته‪ ،1‬فالدولة هي المسؤولة عن‬
‫يتمتع‬ ‫هذه األضرار وفقا للشروط المحددة بواسطة القانون والقضاء‪ ،‬كما أنه غير مسؤول جنائيا بحي‬
‫‪2‬‬
‫ضد اإلجراءات الجنائية التي يمكن أن تتخذ بشأن الجنايات والجنح التي يرتكبها في ممارسته‬ ‫بحصانة‬
‫ال‬ ‫لوظائفه‪ ،‬باستثناء حالة الخيانة العظمى والتي تكون المحاكمة فيها أمام المحكمة العليا للدولة‪ ،‬بحي‬
‫يمكن متابعته أو إدانته أمام المحاكم الجنائية العادية مع مراعاة أن هذه الحصانة يمكن أن ترفع في‬
‫ظروف معينة‪.‬‬
‫كما يتبين من النص عدم ترتيبه للمسؤولية السياسية بطريقة مباشرة التي تترتب عنها االستقالة‬
‫كما تناول ذلك المؤسس الدستوري في دستور ‪ ،523‬بمقتضى نص المادة ‪ 92‬منه بقولها" التصويت‬
‫على الئحة سحب الثقة باألغلبية المطلقة لنواب المجلس يوجب استقالة رئيس الجمهورية والحل التلقائي‬
‫للمجلس"‪.‬‬
‫إن رئيس الجمهورية في الجزائر غير مسؤول عن األعمال التي يقوم بها عند مباشرته مهامه‬
‫كقاعدة عامة باستثناء حالة الخيانة العظمى التي حددتها نص المادة ‪ ،22‬من الدستور‪.‬‬
‫فما هو مفهوم وتكييف الخيانة العظمى‪ ،‬هل هي جريمة جنائية أم جريمة سياسية؟ أم أنها ذات‬
‫اإلجراءات المقررة للمحاكمة‬ ‫طبيعة مختلطة؟؟طالما ال يجود لدينا ما نستدل به في التكييف ال من حي‬
‫العقوبة المقررة‪ ،‬ال يبقى أمامنا إال تحليل نص المادة ‪ ،22‬من الدستور لنتعرض فيما بعد‬ ‫وال من حي‬

‫‪.- 1‬عبد الغني بسيوني عبد هللا ‪ ،‬المرجع السابق‬


‫‪.- 2‬وسيم حسام الدين األحمد‪ ،‬الحصانات القانونية‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬لبنان‪ ،70،0 ،‬ص ‪75‬‬

‫‪48‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫للدراسات المقارنة لنستخلص من تجاربهم ما يمكن أن نستدل به مستقبال بما يتماشى ونظامنا الدستوري‬
‫الحالي‪.‬‬
‫إذا كان المؤسس الدستوري الجزائري قد فصل في تحديد الجهة القضائية المختصة بنظر الجرائم‬
‫والجنح التي يرتكبها رئيس الجمهورية بمناسبة تأديته لوظائفه‪ ،‬إال أن اإلشكال الذي يبقى مطروحا يتعلق‬
‫بمشكل تحديد مفهوم الخيانة العظمى‪ ،‬وكيفية الفصل بينها وبين جريمة الخيانة المنصوص عليها في‬
‫قانون العقوبات‪.‬‬
‫تطبيقا للمبدأ الذي يقضي بأنه "ال عقوبة وال جريمة إال بنص" يصعب متابعة رئيس الجمهورية‬
‫طالما أن عناصر جريمة الخيانة العظمى لم تحدد بدقة‪ ،‬ألن المبدأ يطبق على المحكمة العليا للدولة كما‬
‫‪1‬‬
‫أن هذه المحكمة ال تستطيع تجريم إالِّ األفعال المنصوص عليها‬
‫يطبق على بقية الجهات القضائية ‪ ،‬كما ِّ‬
‫في القانون الجنائي‪ ،‬وفي نفس الوقت تلت ـ ـ ـ ـ ـ ــزم بتطبيق العقوبات المقررة في ذلك القانون لتلك الجرائم ‪.‬‬
‫إن الخيانة العظمى ليست متعلقة دائما بالتعاون مع جهات أجنبية ضد مصالح الدولة‪ ،‬وإنما قد‬
‫ِّ‬
‫تعني ِرق الدستور وعدم احترام أحكامه أو حتى تطبيق أحكامه بطريقة تعسفية أو لمصالح شخصية‪.‬‬
‫وفي انتظار صدور القانون العضوي المنظم للمحكمة العليا للدولة يمكننا االستفادة من التجربة الفرنسية‬
‫في هذا المجال‪.‬‬
‫‪ -‬الشروط المستنبطة من نص المادة ‪ 022‬من الدستور والمتعلقة باالختصاص القضائي النوعي‪:‬‬
‫لقد أسس الدستور الجزائري هيئة قضائية جديدة من نوعها تسمى المحكمة العليا للدولة‪ ،‬وهي‬
‫جهاز دستوري قضائي جديد يختلف عن أجهزة القضاء العادي واإلداري مهمته الرقابة القضائية الجزائية‬
‫على رئيس الجمهورية عن األفعال التي يمكن وصفها بالخيانة العظمى والتي يرتكبها بمناسبة تأديته‬
‫لمهامه ‪ ،‬وتكريس محكمة داِلية لمحاكمة أعلى وأقوى سلطة في الدولة يعد بال شك ِطوة جريئة نحو‬

‫تكريس دولة القانون ‪،‬بشرط تفعيلها بصدور القانون العضوي الذي ِّ‬
‫يبين تشكيلتها وعملها وتنظيمها‪.‬‬
‫إن المحكمة العليا للدولة تعد محكمة استثنائية ذات طابع جزائي وسياسي تختص بمحاكمة‬
‫شخصين فقط هما رئيس الجمهورية عن جريمة الخيانة العظمى والوزير األول في حالة جناية أو جنحة‪،‬‬
‫ويشترط أن يرتكب الفعل أثناء تولي الرئيس العهدة الرئاسية وأثناء مدة استمرار الوزير األول في حكومته‪.‬‬

‫‪ -،‬عمار عباس‪ ،‬الرقابة البرلمانية على عمل الحكومة في النظام الدستوري الجزائري‪ ،‬دار الخل ـ ــدونية للنشر‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪ ،-7002‬ص‪.7،9‬‬

‫‪49‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫يظهر أن حصانة رئيس الجمهورية أوسع من حصانة الوزير األول‪ ،‬ففي حين يحاكم رئيس‬
‫الجمهورية عن جريمة واحدة نجد أن الوزير األول يحاكم عن كل جنحة أو جناية يرتكبها أثناء‬
‫يحدد المؤسس الدستوري نطاق المسؤولية الجنائية‪ ،‬بجانب ذلك لم يحدد لنا األفعال‬
‫مهامه‪ ،‬ومع ذلك لم ِّ‬
‫التي ترتب حالة االعتداء أو االنتهاك للدستور‪1‬و عليه ينص الدستور على المسؤولية الجنائية ال غير‬
‫مما يجعلها في شكل مبدأ قانوني أجوف لها مضمون صوري ومجازي ويعدمها من الناحية العملية‬
‫أصال‪ ،‬وطالما أن المؤسس الدستوري لم يحدد نوع الجنح والجنايات‪ ،‬فالقاعدة تقضي أن المطلق يبقى‬
‫قيد بصدور القانون العضوي الذي سوف يحدد لنا طائفة هذه الجرائم‪.‬‬
‫على إطالقه ما لم ُي ِّ‬
‫إذا ما رجعنا إلى روح النص نجد المقصود بالخيانة العظمى التي يعاقب عليها القانون الجنائي‬
‫كل الجنايات والجنح التي تمس النظام العام كالتمرد والتخابر‪ ،‬وتسريب أسرار الدولة‪...‬‬
‫ومن شروط عقد االِتصاص للمحكمة العليا للدولة كذلك هو أن ترتكب الجريمة أثناء ممارسة‬
‫رئيس الجمهورية لمهامه‪ ،‬فال يمكن أن يعاقب الرئيس في حالة ارتكابه الفعل ِارج المهام الرسمية سواء‬
‫كانت قبل أو بعد انتهاء العهدة الرئاسية‪ ،‬أو بعد انتهاء مهامه ألي سبب كان أمام المحكمة العليا للدولة‬
‫التي تصبح غير مختصة بنظر هذه الجريمة‪.‬‬
‫وعليه يمكن تقسيم األفعال التي يمكن أن تتصف بالخيانة العظمى إلى نوعين‪ :‬نوع يرتكب أثناء‬
‫فترة الرئاسة وتختص المحكمة العليا به ‪ ،‬ونوع ثاني يرتكب قبل بداية مدة الرئاسية أو بعد انتهائها ‪ ،‬وفي‬
‫هذا النوع من األفعال وطالما أنها لم تقع أثناء فترة النيابة فال مبرر لخضوع الرئيس فيها إلجراءات‬
‫المحاكمة الخاصة طالما أنه يكون في هذه الفترة كجميع المواطنين العاديين‪ ،‬يمكن فقط تأجيل هذه‬
‫المسؤولية لحين انتهاء فترة الرئاسة‪.‬‬
‫‪ -‬الشروط المتعلقة بصفـة المتهم(منصب رئيس الجمهورية)‪:‬‬
‫جاء نص المادة ‪ ،22‬من الدستور واضحا في إعطاء االِتصاص للمحكمة العليا الدولة‬
‫بمحاكمة رئيس الجمهورية‪ ،‬والمقصود بمنصب رئيس الجمهورية هو كل شخص انتخب عالنية في‬
‫المعبر عن إرادة الشعب والناطق‬
‫ِّ‬ ‫انتخاب عام سري ومباشر من طرف أغلبية الناِبين‪ ،‬على أن يكون هو‬
‫يجسد وحدة األمة داِل البالد وِارجها‪.2‬‬
‫باسمه‪ ،‬بل أن الدستور جعله ِّ‬

‫‪.- 1‬عبد هللا بوقفه‪ ،‬آليات تنظيم السلطة في النظام السياسي الجزائري‪ ،‬دار هومة ‪ ،‬الجزائر‪ ،7003 ،‬ص ‪722‬‬

‫‪.- 2‬حسب نص المادة ‪ 20‬من دستور ‪،552‬‬

‫‪51‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫إذا ما ركزنا على تسمية "رئيس الجمهورية" حسب ما ورد في فحوى النص وبالرجوع إلى المادة‬
‫‪ ،07‬من التعديل الدستوري لسنة‪ 70،2‬التي تناولت جميع حاالت شغور منصب الرئاسية تفاديا لما‬
‫حدث في فترة الفراغ المؤسساتي ‪ ،‬يطرح التساؤل إذا ما كان تطبيق أحكام المادة ‪ ،22‬من دستور‬
‫‪ ،552‬يمتد إلى من يتولى مهام رئيس الدولة ورئيس الدولة بالنيابة ومساءلته جنائيا أمام هذه المحكمة‬
‫في حال ارتكابه لجريمة الخيانة العظمى أم ال؟‪.‬‬
‫يتعذر فيها على رئيس‬
‫ِّ‬ ‫إن الحاالت الواردة بنص المادة ‪ ،07‬من دستور ‪ ،552‬حاالت‬
‫يتعين معه تعيين شخص آِر يقوم بهذه المهمة ولو‬
‫الجمهورية ممارسة مهامه بصفة عادية‪ ،‬األمر الذي ِّ‬
‫معين وفق أحكام الدستور وليس منتخبا مما ينفي عنه صفة رئيس الجمهورية‬
‫لفترة محدودة‪ ،‬فهذا الشخص ِّ‬
‫المنتخب بل هو رئيس دولة معين ‪.‬‬
‫وبخصوص مركز كليهما‪ ،‬هل يتمتع رئيس الجمهورية ورئيس الدولة بالنيابة بنفس الصالحيات‬
‫والسلطات الد ستورية الموكلة لرئيس الجمهورية فترة توليهما الحكم‪ ،‬حتى يمكن االستناد إلى تطبيق المادة‬
‫‪ ،22‬من الدستور على أعمالهما أم ال؟‬
‫لإلجابة على هذا السؤال ال بد أن نفرق بين حالتين تضمنتهما المادة ‪ ،07‬من دستور ‪،552‬‬
‫المعدل‪.‬‬
‫الحالة األولى‪ :‬حالة شغور منصب رئيس الجمهورية بسبب المرض الخطير والمزمن‪:‬‬
‫في هذه الحالة يتولى رئيس مجلس األمة مهمة رئيس الدولة بالنيابة لمدة أقصاها ‪ 19‬يوما بعد‬
‫استيفاء الشروط الشكلية التي حددتها المادة ‪ ،07‬فقرة ‪ ،‬و‪ 7‬من دستور ‪،552‬المعدل وهي ‪:‬‬
‫*االجتماع الوجوبي للمجلس الدستوري الذي يتأكد من حقيقة المانع ‪.‬‬ ‫‪:‬‬
‫*إعالن البرلمان المجتمع بغرفتيه معا ثبوت المانع بأغلبية ‪ 7/3‬أعضائه‪.‬‬
‫في هذه الحالة فقط يتولى رئيس مجلس األمة مهام ممارسة رئاسة الدولة بالنيابة لمدة أقصاها ‪ 19‬يوما‬
‫وبالرجوع إلى أحكام المادة ‪ ،01‬ال يمكن لرئيس الدولة بالنيابة في فترة ‪ 19‬يوما أن يمارس بعض‬
‫الصالحيات التي يتمتع بها رئيس الجمهورية المنتخب‪ ،‬فال يمكنه إصدار العفو أو تخفيض العقوبات‪ ،‬وال‬
‫اللجوء إلى استفتاء الشعب وال تعيين الحكومة كما ال يمكنه التشريع بأوامر أو حل الغرفة األولى أو إجراء‬
‫انتخابات تشريعية قبل أوانها‪ ،‬كذلك ال يمكنه تطبيق أحكام المواد ‪ ،99-،91‬من الدستور والمتعلقة‬
‫بملتمس الرقابة ‪ ،‬كما ال يملك حق المبادرة بتعديل الدستور وال إصداره وال عرضه على االستفتاء‪ ،‬وإذا‬
‫استمر المانع أكثر من ‪ 19‬يوما يعلن الشغور باالستقالة وجوبا‪.‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬حالة شغور منصب رئيس الجمهورية بسب االستقالة أو الوفاة‪:‬‬

‫‪50‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫في حالة شغور رئاسة الجمهورية بسبب االستقالة أو الوفاة مهما كان سببها طبيعية أو انتحار أو‬
‫عن طريق جريمة اغتيال‪ ،‬يتولى هنا رئيس مجلس األمة مهمة رئاسة الدولة لمدة أقصاها ‪ 20‬يوما‬
‫أصبحت ‪ 50‬يوما بعد‬ ‫عدل المؤسس في هذه المدة بموجب التعديل الدستوري لسنة ‪ 70،2‬حي‬
‫وقد ِّ‬
‫‪:‬‬ ‫استيفاء اإلجراءات اآلتية ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫*اجتماع المجلس الدستوري وجوبا وإثبات الشغور النهائي‪.‬‬
‫‪*.‬تبليغ شهادة الشغور إلى البرلمان المجتمع بغرفتيه وجوبا‪.‬‬
‫وال يحق لرئيس الدولة المعين بهذه الطريقة إالِّ أن يمارس الصالحيات المنوطة له بالقيود الواردة‬
‫في المادة ‪ ،01‬من الدستور المحددة سلفا‪ ،‬وإذا اقترنت حالة شغور رئاسة الجمهورية بشغور رئاسة‬

‫مجلس األمة لمانع ما‪ ،‬فإن رئيس المجلس الدستوري هو الذي ِّ‬
‫يتولى مهمة رئاسة الدولة لنفس المدة(‪)20‬‬
‫يوما‪ ،‬على أن يتم تنظيم انتخابات رئاسية ِاللها دون أن يترشح لها‪.‬‬
‫وعليه وبعد تحليلنا للمادة ‪ ،07‬من دستور ‪ ،552‬وجدنا أن مركز كل من رئيس الدولة بالنيابة‬
‫ورئيس الدولة أقل مرتبة ومكانة من مركز رئيس الجمهورية‪ ،‬بالنظر إلى السلطات التي يتمتع بها هذا‬
‫األِير والقيود المفروضة على رئيس الدولة من جهة أِرى ‪.‬‬
‫وفي الحقيقة لم نجد ما ينظم هذه مسألة وفي ظل غياب نصوص في الدستور وفي قانون‬
‫العقوبات‪ ،‬وفي قانون اإلجراءات الجزائية‪1‬تقنن االتهام الجنائي لرئيس الدولة بهذه الصفة (إما رئيس‬

‫مجلس أمة أو رئيس مجلس دستوري) ‪ ،‬فهل هذا يعني ِّ‬


‫التقيد الحرفي بنص المادة ‪ ،22‬من الدستور‬
‫وبالتالي استبعاد من ليست له صفة رئيس الجمهورية‪ ،‬وعدم ترتيب مسؤولية لرئيس الدولة ألن فترة حكمه‬
‫قصيرة وصالحياته أقل من صالحيات رئيس الجمهورية مما يعفيه من المساءلة؟‬
‫أمام هذا الفراغ نأمل من مشرعنا الجزائري أن يتدارك ذلك بنصوص ِاصة وواضحة‪.‬‬
‫‪ -‬الشروط المتعلقة بوصف الخيانة العظمى( تكييفها)‪:‬‬
‫يحدد المؤسس الدستوري الجزائري مفهوم الخيانة العظمى فلم ُيظهر ما للجريمة من مضمون وال‬
‫لم ِّ‬
‫على ما تنطوي عليه من معنى‪،‬بل اكتفى بتحديد مقر المحاكمة عليها والتي تكون على مستوى المحكمة‬
‫العليا للدولة مما ُيضفي عليها طابع المسؤولية الجنائية‪.‬‬

‫‪ -،‬نصت المادة ‪ 923‬من قانون اإلجراءات الجزائية على المسؤولية الجزائية ألعضاء الحكومة عند ارتكابهم‬
‫جنح أو جنايات‪ ،‬أما كبار مسؤولي الدولة فال يمكن تطبيق هذا النص عليهم‪ ،‬ألنهم ليسوا من أعضاء الحكومة التي تشمل‬
‫‪.‬الوزراء ورئيس الحكومة‬

‫‪51‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫عرفها الفقه باسم االتهام الجنائي ففرق بينها وبين باقي الجرائم األِرى المحصورة في القانون‬
‫لقد ِّ‬
‫وإن كانت في جوهرها تختلف عن التهمة المتعلقة بعدم الوالء للنظام الجمهوري‪.1‬‬
‫فهل بهذا التعري ـ ـ ـ ـ ـ ــف الفق ـ ـ ـ ـ ـ ــهي يــُعتبر وص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الخي ــانة الع ـ ـ ـ ــظمى ذو طابـ ـ ــع جنائي أم ذو‬
‫التوجهات بين من ُيكيًِفها‬
‫طابع سياسي؟ هذا السؤال طرحه الفقه المصري وقبله الفقه الفرنسي وقد اِتلفت ٌ‬
‫على أنها جريمة ذات وصف سياسي في حين يرى جانب آِر بأن الجريمة ذات طابع جنائي محض‪ ،‬في‬
‫حين يرى البعض اآلِر أنها ذات وصف مزدوج ‪.‬‬
‫وبالنسبة لوصف الجريمة في النظام الجزائري فإنه يشوبه الغموض‪ ،‬وذلك لعدم ورود نصوص‬
‫تعرفها ال في الدستور وال في قانون العقوبات‪ ،‬ويمكن القول أن المؤسس الدستوري الجزائري كان يقصد‬
‫ً‬
‫إضفاء الصبغة الجزائية على مدلول الخيانة العظمى بعقده االِتصاص في محاكمة الرئيس لجهاز‬
‫قضائي ال سياسي‪،‬ألنه ربط بين الخيانة العظمى والجرائم الجزائية(الجنايات والجنح) باإلضافة إلى أن‬
‫قانون العقوبات تحدث أيضا عن الجنايات والجنح ‪ ،‬جرائم الخيانة والتجسس‪ ،2‬جرائم التعدي على الدفاع‬
‫الوطني واالقتصاد الوطني واالعتداءات والمؤامرات األِرى ضد سلطة الدولة وسالمة أرض الوطن‪ ،3‬وفي‬
‫كل هذه الجرائم تكون العقوبة اإلعدام الذي يطبق على كل جزائري‪.‬‬
‫وتطبيقا لقاعدة العمومية والتجريد ومبدأ المساواة أمام القضاء تنطبق هذه األحكام على رئيس‬
‫الجمهورية‪ ،‬وتبعا لذلك إعمال هذه المواد ِّيقر بأن الخيانة العظمى جريمة جزائية تستوجب المساءلة‬
‫‪.‬‬
‫المقرر في ذلك يكون وفق أحكام قانون العقوبات‪.‬‬
‫الجزائية والعقاب ِّ‬
‫قررت أن كل مواطن يجب‬ ‫لقد جاءت المادة ‪ 29‬من دستور ‪ ،552‬المعدل بما يوافق ذلك بأن ِّ‬
‫عليه حماية وصيانة استقالل البالد‪ ،‬وأن القانون يعاقب على" الخيانة والتجسس والوالء للعدو" وعلى جميع‬
‫الجرائم المرتكبة ضد أمن الدولة‪ ،‬ورئيس الجمهورية مواطن كغيره من المواطنين مطالب باحترام قواعد‬
‫الدستور وحمايته ‪.‬‬
‫قد تكون كل هذه المبررات مردودة بمبررات الرأي المعارض الذي يرى بأن المؤسس الدستوري‬
‫كان يقصد إضفاء الصبغة السياسية على الخيانة العظمى‪ ،‬على اعتبارها جريمة سياسية تستوجب إقامة‬
‫المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية وبالتالي ضرورة تقدير عقوبات سياسية محضة كاالستقالة ‪ ،‬ألن‬
‫غياب تجريم الخيانة العظمى في قانون العقوبات الجزائري ُي ُّ‬
‫قر سلفا بطابعها السياسي ال الجزائي‪ ،‬ومن‬

‫‪ .- 1‬عبد هللا بوقفه‪ ،‬المرجع السابق‬


‫‪. - 2‬المواد ‪ 23،27،2،‬من قانون العقوبات الجزائري‬
‫‪. - 3‬المادتين ‪ 22،29‬من قانون العقوبات الجزائري‬

‫‪51‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫جهة أِرى نجد الدستور الجزائري ِّ‬


‫حدد الحاالت التي يسأل فيها رئيس الجمهورية عن الخيانة العظمى‬
‫والوزير األول عن الجنايات والجنح مما يعني اِتالف الخيانة العظمى عن الجرائم الجزائية‪.‬‬
‫نخلص مما تم عرضه أن المؤسس الدستوري الجزائري لم ي ِ‬
‫وضح مدلول الخيانة العظمى في‬ ‫ُ‬
‫كونها جريمة سياسية ترتب مسؤولية سياسية أم جريمة جنائية ترتب مسؤولية جزائية‪،‬مما يكشف مواطن‬
‫الغموض في مبدأ المسؤولية في الجزائر وكأن الموضوع بعيد عن الواقع العملي‪.‬‬
‫ما دام تقدير مسألة ما إذا كان الفعل المنسوب إلى رئيس الجمهورية يشكل أو ال يشكل ِيانة‬
‫عظمى منسوب لقرار االتهام الصادر من سلطة االتهام التي لم نعرفها لحد الساعة‪ ،‬فال يمكننا استنتاج‬
‫وصف يليق بالفعل المرتكب من رئيس الجمهورية إال إلى أراء فقهاء القانون الدستوري في فرنسا ومصر‬
‫إلمكانية وضع " مشروع تعريف للخيانة العظمى" يتناسب ونظامنا الدستوري‪.‬‬

‫‪ -‬الفرع الثاني ‪ :‬الرقابة القضائية على الحاكم في مصر‪.‬‬


‫حدد حاالتها‬ ‫تناول دستور ‪ ،592‬في المادة ‪ ،30‬منه ألول مرة مسؤولية رئيس الجمهورية حي‬
‫وسلطة االتهام والمحكمة المختصة‪ ،‬وأحال إلى قانون ِاص صدر في هذا الشأن لتبيان تشكيل المحكمة‬
‫وتنظيم إجراءات التحقيق والمحاكمة أمامها وهو القانون األساسي رقم ‪ 712‬لسنة ‪ ،592‬تنفيذا لنص‬
‫المادة السابقة ‪،‬أما دستور ‪،521‬لم يأت بجديد بالنسبة لمسؤولية رئيس الجمهورية إال فيما يتعلق باألغلبية‬
‫ُعِّدلت من ثلثي األعضاء إلى أغلبية األعضاء وكذلك بالنسبة لمن‬ ‫المطلوبة لصدور قرار االتهام‪ ،‬حي‬
‫يحل محل رئيس الجمهورية‪ ،‬فقد أصبح نائب الرئيس بدال من رئيس مجلس األمة ‪.‬‬
‫وبالرجوع ألحكام المادة‪ 89‬من دستور ‪ ،52،‬والمادة ‪ ،97‬من دستور ‪ 70،7‬فإنه يمكن التمييز‬
‫بين نوعين من صور المسؤولية المباشرة لرئيس الجمهورية‪ ،‬إما في حالة ارتكابه جريمة جنائية أو في‬
‫حالة الخيانة العظمى‪ ،‬أما بمقتضى المادة ‪ ،95‬من التعديل الدستوري لسنة ‪ 70،1‬نجد أن المؤسس‬
‫يكون اتهامه بانتهاك أحكام‬ ‫وسع من صور المسؤولية المباشرة لرئيس الجمهورية ‪،‬حي‬‫الدستوري قد ِّ‬
‫غير في إجراءات التحقيق والمحاكمة ‪ ،‬وبهذا يكون‬
‫الدستور‪،‬أو بالخيانة العظمى أو بأي جناية أِرى كما ِّ‬
‫المؤسس قد تشدد في إجراءات محاسبته ومحاكمته بمقتضى الدستور الجديد‬
‫‪ -‬مسؤولية رئيس الجمهورية عند انتهاكه ألحكام الدستور ‪:‬‬
‫يكون انتهاك رئيس الجمهورية للدستور عند إساءة استعماله لوظيفته وذلك يتحقق بعمل ضد الدستور‬
‫استحدث‬ ‫أو ضد المصالح العليا للبالد‪ ،1‬وقد شدد الدستور على محاسبة الرئيس من قبل البرلمان بحي‬

‫‪.- 1‬أحمد سامي متولي ‪ ،‬اِتصاصات الرئيس في الدستور ‪،‬األهرام ‪،‬القاهرة ‪77،‬ماي ‪70،1‬‬

‫‪54‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫جريمة انتهاك أحكام الدستور ضمن الجرائم التي تعفي الرئيس من منصبه فضال عن جريمة الخيانة‬
‫العظمى والجرائم الجنائية‪ .‬وبينما لم يحدد دستور ‪ ،52،‬طريقة تشكيل المحكمة الخاصة برئيس‬
‫‪ 70،1‬هذه الطريقة في صلب‬ ‫الجمهورية وتركها للقانون‪ ،‬فقد أقر دستور‪ 70،7‬المعدل في سنة‬
‫المواد‪ ،‬وعلى أن يرأس هذه المحكمة رئيس مجلس القضاء األعلى‪ ،‬لتصبح لدينا آلية دستورية فعالة‬
‫لمحاكمة الرئيس‪.1‬‬
‫هذا وقد سمحت التعديالت األِيرة لسنة ‪ 70،1‬وألول مرة بإمكانية سحب الثقة من الرئيس عبر‬
‫أن الرئي ـ ـ ــس قد انتهك أحكـ ـ ــام الدستور‪ ،‬على أن يحل‬
‫البرلمان وبعد االستفتاء إذا ما الحظ هذا األِير ِّ‬
‫البرلمان في حالة رفض الشعب سحب الثقة‪ ،‬علما أن سلطات رئيس الجمهورية الواسعة في إصدار‬
‫القوانين عند الضرورة قد ألغيت مما يفيد بأن إمكانية ِرقه ألحكام الدستور بموجب األحوال االستثنائية‬
‫قد قيد أيضا‪ ،‬ومع هذا تبقى إمكانية اتهامه بخرق أحكام الدستور قائمة ‪.‬‬
‫‪ -‬مسؤولية رئيس الجمهورية في حالة الخيانة العظمى‪:‬‬
‫وقع ِالف كبير بين الفقهاء في مصر حول تعريف جريمة الخيانة العظمى وذلك ألن لفظها‬
‫واسع وفضفاض وغير محدد‪.‬‬
‫اتجاه الفقه حول تعريف الخيانة العظمى‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫أحالت المادة ‪ 89‬من دستور ‪ ،52،‬والمادة ‪ ،97‬من دستور ‪ 70،7‬والمادة ‪ ،95‬فقرة ‪ 1‬من‬
‫دستور ‪ 70،1‬إلى قانون ِاص يصدر في هذا الشأن لتنظيم تشكيل المحكمة الخاصة بمحاكمة رئيس‬
‫الجمهورية وإجراءات المحاكمة وتحديد العقاب‪ ،‬إال أن هذا القانون لم يصدر حتى اآلن‪ ،‬لذلك لجأ البعض‬
‫إلى القانون رقم ‪ 712‬لسنة ‪ ،592‬والخاص بمحاكمة رئيس الجمهورية في ظل دستور ‪ ،592‬الذي‬
‫عرف جريمة عدم الوالء للنظام الجمهوري لكنه لم يتناول أيضا تعريف الخيانة العظمى‪ ،‬بل اكتفت المذكرة‬
‫ً‬
‫اإليضاحية للقانون باإلحالة في تحديد أعمالها ألحكام قانون العقوبات وبالتالي تكون الجرائم المنظمة‬
‫للجنايات والجنح المضرة بالمصلحة العامة هي التي تشكل هذه الجريمة‪.‬‬
‫البعض اآلِر من الفقه اتجه إلى القانون رقم ‪ 25‬لسنة ‪ ،598‬الخاص بمحاكمة الوزراء حي‬
‫وعرفها بأنها كل جريمة تمس سالمة الدولة أو أمنها الخارجي أو الداخلي‬
‫حدّد جريمة الخيانة العظمى‪ً ،‬‬
‫ّ‬

‫‪.- 1‬أحمد سامي متولي ‪ ،‬المرجع السابق‬

‫‪55‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫أو نظام الحكم الجمهوري ويكون منصوص عليها في القوانين المصرية‪ ،‬محددا لها عقوبة اإلعدام‬
‫‪..1‬‬
‫أو األشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو االعتقال المؤبد أو المؤقت‬
‫نهج فريق آِر من الفقه مسار الفقه الفرنسي في تعريفه للخيانة العظمى عن طريق مضمونها‬
‫والذي يكون في صورة اإلهمال الخطير أو خرق الدستور فيما يتعلق بالمهام الملقاة على عاتق رئيس‬
‫الجمهورية‪ ،‬على أن يترك تقدير ما إذا كان الفعل مكونا لهذه الجريمة من عدمه إلى الجهة المختصة‬
‫باتهامه ومحاكمته‪.‬‬
‫*أما الرأي المخالف لما ورد جملة‪ ،‬فيرى أن فعل الخيانة العظمى الذي ورد النص عليه‬
‫بالدستور " هو من قبيل الترف الدستوري إذ أنها حروف ميتة وجدت في الدساتير وال يمكن من الناحية‬
‫القانونية أن توجد مخالفة تدخل في هذا الوصف‪ ،‬وأن هذه النصوص عديمة الجدوى ولن تجد مجاال‬
‫للتطبيق استنادا إلى عدم صدور القانون الخاص بمساءلة رئيس الدولة‪ ،‬باإلضافة إلى قوة نفوذه من‬
‫الناحية الفعلية"‪.2‬‬
‫‪ -‬اتجاه الفقه حول طبيعة الخيانة العظمى‪:‬‬
‫انقسم الفقهاء حول تكييف الخيانة العظمى إلى ثالثة اتجاهات‪:‬‬
‫كيفها على أنها جريمة جنائية‪ :‬وقد استند هذا االتجاه ‪3‬إلى المادة ‪ 2‬من القانون رقم‬
‫*االتجاه األول ّ‬
‫حددت عقوبة جنائية الرتكاب جريمة الخيانة العظمى‪ ،‬وهي اإلعدام أو األشغال‬ ‫‪ 712‬سنة ‪ ،592‬حي‬
‫الشاقة المؤبدة أو المؤقتة ‪،‬كما استند إلى أن المذكرة اإليضاحية للقانون المذكور قد تركت تحديد أعمال‬
‫الخيانة العظمى لقانون العقوبات ناهيك على أن القانون رقم ‪ 25‬لسنة ‪ ،598‬الخاص بمحاكمة الوزراء قد‬
‫عرف الخيانة العظمى بأنه جريمة وقد نص الدستور على الخيانة العظمى بشكل متالزم مع ارتكاب‬
‫وحد اإلجراءات والعقوبات المقررة عند ارتكابه أيا منهما أو ارتكابه عدم الوالء للنظام‬
‫جريمة جنائية و ِّ‬
‫الجمهوري‪.‬‬

‫كيفها على أنها جريمة سياسية‪ :‬واستند لعدة أسباب‪ 4‬أهمها أن الدستور والقانون رقم‬
‫*االتجاه الثاني ّ‬
‫‪ 712‬لسنة ‪ ،592‬والخاص بمحاكمة رئيس الجمهورية لم يضعا مدلوال واضحا للخيانة العظمى وال‬

‫‪.- 1‬عزة مصطفى حسني عبد المجيد‪ ،‬المرجع السابق‬


‫‪.- 2‬أحمد ابراهيم السبيلي‪،‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪905‬‬
‫‪.- 3‬عبد هللا إبراهيم ناصف‪،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪11،‬‬

‫‪56‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫وصف القانون رقم ‪ 25‬لسنة ‪ ،598‬الخاص بمحاكمة الوزراء للخيانة العظمى بأنها جريمة‬
‫لعناصرها ‪ ،‬و ُ‬
‫أثناء تعريفها ال يسري بالضرورة في شأن رئيس الجمهورية وذلك في وجود قانون ِاص بمحاكمته‪.‬‬
‫وأبلغ دليل على أن الخيانة العظمى ليست جريمة جنائية وإنما جريمة ذات طابع سياسي أن‬
‫الدستور ذكر الحالتين التي يجوز فيها اتهام رئيس الجمهورية‪ ،‬إذ أورد كل لفظ على حدا "الخيانة العظمى‬
‫وارتكاب أي جناية أِرى"‪.‬‬
‫كيفها على أنها جريمة سياسية بصفة أصلية وجنائية بصفة تبعية‪ :‬واستند في تبريره‬
‫االتجاه الثالث ّ‬
‫لموقفه إلى عدم وجود تجريم محدد سلفا قانونيا لجريمة الخيانة العظمى في حق رئيس الجمهورية‪ ،‬والجزاء‬
‫المقرر عن الخيانة العظمى هو العزل من منصب رئاسة الجمهورية‪ ،‬وال يمكن للمحكمة الخاصة بمحاكمة‬
‫قرر عقوبات جنائية بمفهومها الدقيق عليه عند ارتكابه لجريمة الخيانة العظمى إال إذا كانت‬ ‫رئيس أن تُ ِّ‬
‫‪.‬‬ ‫الوقائع المنشئة لها تقع أيضا تحت طائلة القانون الجنائي‪.‬‬
‫يفهم كذلك من نص المادة ‪ 89‬من دستور ‪ ،52،‬والمادة ‪ ،97‬من دستور‪ 70،7‬المجمـِّـ ـ ـ ـ ــد‬

‫والمادة ‪ ،95‬من التعديل الدستوري لسنة ‪ِّ 70،1‬‬


‫أن المشرع قد أراد وضع قاعدة ذات طبيعة سياسي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫وليست جنائية ‪ ،‬وأكد على أن تحريك المسؤولية الجنائية ال يمكن أن يصدر إالِّ من جهة سياسية‪.‬‬
‫‪ -‬مسؤولية رئيس الجمهورية في حالة ارتكابه جريمة جنائية‪:‬‬
‫نصت المادة ‪ ،/89‬من دستور ‪ ،52،‬المعدلة في ‪ 72‬مارس ‪ 7002‬التي حافظت على فحواها‬
‫نص المادة ‪ ،/،97‬من دستور ‪ 70،7‬على أنه‪" :‬يكون اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى أو‬
‫أعضاء مجلس النواب على األقل‪ ،‬وال يصدر قرار‬ ‫بارتكاب جريمة جنائية بناءا على اقتراح مقدم من ثل‬
‫االتهام إال بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس"‪.‬‬
‫أما المادة ‪ ،95‬فقرة ‪،‬من دستور ‪ 70،1‬تضمنت اتهام رئيس الجمهورية بالنص اآلتي ذكره‪" :‬‬
‫يكون اتهام رئيس الجمهورية بانتهاك أحكام الدستور‪،‬أو بالخيانة العظمى ‪ ،‬أو بأي جناية أِرى بناء على‬
‫طلب موقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على األقل‪ ،‬وال يصدر قرار االتهام إال بأغلبية ثلثي أعضاء‬
‫المجلس ‪ ،‬وبعد تحقيق يجريه معه النائب العام ‪ ،‬وإذا كان به مانع يحول محله أحد مساعديه‪".‬‬
‫لم يضع الدستور المصري تحديدا للجريمة الجنائية التي بسببها يمكن مساءلة رئيس الجمهورية إال‬
‫أن هذه الجريمة لم تثار بشأنها التساؤالت مثل الخيانة العظمى‪ ،‬ألنه بالرجوع لنصوص قانون العقوبات‬

‫‪57‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫وما استقر عليه الفقه يمكن القول أنها" كل مخالفة أو انتهاك ألحكام القانون الجنائي‪ ،‬مما يستلزم تطبيق‬
‫النص وتوقيع العقوبة الواردة به"‪.1‬‬
‫لكن اإلشكال يظهر في ماهية الجرائم التي بمقتضاها يستفيد رئيس الجمهورية من إجراءات اتهام‬
‫ومحاكمة ِاصة تختلف عن اإلجراءات المقررة لألفراد العاديين‪.‬‬
‫فالنص الدستوري والقانون رقم ‪ 712‬لسنة ‪ ،592‬لم يفرقا بين نوعي الجرائم المرتكبة من رئيس‬
‫الجمهورية أثناء ممارسته الوظيفة ‪ ،‬سواء األعمال التي يرتكبها الرئيس أثناء فترة الرئاسة ومتصلة‬
‫تتحدث‬ ‫بأعمالها أو األعمال التي يرتكبها أثناء فترة الرئاسة ومنفصلة عن أعمال الوظيفة ‪ ،‬حي‬
‫النصوص عن إجراءات واحدة لالتهام والمحاكمة‪ ،‬األمر الذي يؤدي إلى نتيجة مؤداها حماية رئيس‬
‫الجمهورية أثناء مدة النيابة من المساءلة الجنائية العادية ألفعال تقع ِارج ممارسة وظائفه‪ ،2‬أما الجرائم‬
‫التي ترتكب قبل بداية مدة الرئاسة أو بعد انتهائها فلم تنظم بموجب نصوص دستورية‪ ،‬وكما جرى عليه‬
‫العمل في فرنسا يمكن تأجيل هذه المسؤولية لحين انتهاء فترة الرئاسة‪.‬‬
‫إجراءات االتهام والتحقيق والمحاكمة قبل التعديل ( في دستوري ‪0220‬و ‪: )7107‬‬
‫يكون اتهام رئيس الجمهورية وفقا لنص المادة ‪ 89‬من دستور‪ ،52،‬والمادة ‪ ،97‬من دستور‬
‫(‪ )،/3‬أعضاء مجلس الشعب‪ ،‬وذلك بطلب يقدم إلى رئيس المجلس‬ ‫‪ 70،7‬بناءا على اقتراح ثل‬
‫ويصدر قرار االتهام بأغلبية (‪ )7/3‬أعضائه وليس الحاضرين فقط‪ ،‬ومن هنا يظهر الطابع السياسي لقرار‬
‫االتهام بصدوره من جهة سياسية‪.‬‬
‫أما عن إجراءات الت حقيق فقد تم إعمال إجراءات التحقيق في اتهام رئيس الجمهورية التي نظمتها‬
‫المواد( ‪ )،،،،7 ،،0‬من القانون رقم ‪ 712‬لسنة ‪ ،،592‬اعتبا ار أن دستور ‪ ،52،‬عند صدوره لم ُي ِ‬
‫لغ‬
‫كل النصوص القانونية التي ُوجدت في ظل الدساتير السابقة إال إذا تعارضت معه‪،‬إلى حين صدور قانون‬
‫ينظم ذلك والذي لم يصدر حتى عند وضع دستور ‪.370،7‬‬
‫بعد تقديم االقتراح باتهام رئيس الجمهورية إلى رئيس المجلس‪ ،‬يقوم المجلس بتشكيل لجنة للتحقيق‬
‫تتكون من ِمسة من أعضائه على أن يجري انتخابهم بطريق االقتراع السري وذلك في جلسة‬
‫علنية‪ ،‬وتتولى لجنة التحقيق دراسة موضوع االقتراح والتحقيق فيه وإعداد تقرير بنتيجة أعمالها ِالل شهر‬

‫‪.- 1‬عزة مصطفى حسني عبد المجيد‪ ،‬المرجع السابق‬


‫‪.- 2‬دمحم فوزي نويجي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪707‬‬
‫‪.- 3‬عزة مصطفى حسني عبد المجيد‪ ،‬المرجع السابق‬

‫‪58‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫من تكليفها بهذا العمل‪ ،‬وتقوم بتقديمه إلى رئيس مجلس الشعب ويجوز للمجلس أن يقوم بتقصير مدة‬
‫عمل اللجنة إلى أقل من شهر‪.‬‬
‫وبعد قيام اللجنة بوضع التقرير يحدد رئيس مجلس الشعب جلسة لمناقشته وذلك ِالل ‪ ،9‬يوما‬
‫من تاريخ رفع التقرير إليه‪ ،‬ويصدر عندها قرار االتهام لرئيس الجمهورية بأغلبية(‪ )7/3‬أعضاء المجلس‬
‫المذكور مع العلم أن إجراءات التحقيق السابقة تتبع قواعد قانون اإلجراءات الجنائية"وال تستطيع اللجنة أن‬

‫تقرر التكييف القانوني للواقع وال تغييره باعتباره خيانة عظمى‪ ،‬وال يمكنها التصرف بأن تصدر أم ار بأالّ‬
‫وجه إلقامـــة الدعوى‪ ،‬فهي تقوم بتقدير مدى كفاية األدلة فقط"‪.1‬‬
‫أما عن إجراءات المحاكمة فتكون المحكمة العليا صاحبة االِتصاص طبقا لنصوص المواد ‪،،‬‬
‫تتكون من ‪ ،7‬عضوا‪،‬ويـ ـ ــُختار كذلك‬ ‫‪ 77 ،،8 ،9 ،1 ،3 ،7‬من القانون رقم ‪ 712‬لسنة ‪ ،592‬حي‬
‫عدد مساو من أعضاء مجلس الشعب والمستشارين بصفة احتياطية‪ ،‬ويقوم بوظيفة االتهام أمام المحكمة‬
‫ثالثة(‪ )3‬من أعضاء مجلس الشعب ينتخبهم المجلس‪ ،‬وذلك بعد صدور قرار االتهام باالقتراع السري‬
‫بأغلبية أعضائه الحاضرين‪.‬‬
‫تنعقد هذه المحكمة في محكمة النقض وتصدر حكمها بأغلبية(‪ )7/3‬أعضائها سواء كان بالبراءة‬
‫أو اإلدانة طبقا للمادة ‪ ،8‬من قانون ‪ 712‬لسنة ‪،592‬م ‪ ،‬وبالرجوع إلى المواد ‪ ،2 ،،9 ،،1 ،،3‬من‬
‫نفس القانون يتضح لنا أنه بمجرد صدور قرار من مجلس الشعب بأغلبية(‪ )7/3‬أعضائه باتهام رئيس‬
‫‪،‬ي ـ ــرسل قرار اال تهام في اليوم الموالي لصدوره إلى رئيس مجلس القضاء األعلى لتحديد تشكيلة‬
‫الجمهورية ُ‬
‫المحكمة العليا كما رأينا سابقا ِالل ‪ 2‬أيام على األكثر من صدور قرار االتهام‪.‬‬
‫وبعد تعيين رئيس المحكمة يقوم رئيس المجلس ِالل ثالثة أيام على األكثر بإرسال القرار‬
‫الصادر من المجلس بإحالة رئيس الجمهورية إلى المحكمة مرفقا بمحضر جلسة الشعب الذي صدر فيه‬
‫قرار االتهام ‪ +‬تقرير لجنة التحقيق مع جميع المستندات واألوراق المؤي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدة له‪ ،‬باإلضافة إلى أسماء‬
‫األعضاء الذين انتخبهم المجلس ليمثلوا االتهام أمام المحكمة‪.‬‬
‫تصدر المحكمة حسب نص المادة ‪ 89‬فقرة أِيرة من دستور ‪ ،52،‬والمادة ‪ ،97‬فقرة أِيرة من‬
‫دستور‪،70،7‬وكذلك نص المادة ‪ 2‬من القانون رقم ‪ 712‬عقوبة العزل وذلك بإعفائه من منصبه‪ .‬مع‬
‫عدم اإلِالل بالعقوبات األِرى وهي اإلعدام أو األشغال الشاقة المؤيدة أو المؤقتة ويكون الحكم الصادر‬
‫نهائيا وال يجوز الطعن فيه بأي وجه من أوجه الطعن األِرى سوى إعادة النظر‪ ،‬وال يكون ذلك إال بعد‬

‫‪.- 1‬دمحم فوزي نويجي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪329‬‬

‫‪59‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫سنة على األقل من صدور الحكم بناء على طلب من النائب العام أو المحكوم عليه أو من يمثله قانونا أو‬
‫أقاربه بعد وفاته‪.1‬‬
‫وينفذ الحكم بمعرفة النائب العام ويجوز العفو عنه بموافقة مجلس الشعب وذلك طبقا للمادة ‪،8‬‬
‫من القانون رقم ‪ 712‬لسنة ‪،،592‬وتنطبق نفس القواعد المنظمة لمسؤولية رئيس الجمهورية على نائب أو‬
‫نواب رئيس الجمهورية وذلك وفقا لنص المادة ‪ ،35‬من دستور ‪.2،52،‬‬
‫‪ -‬إجراءات االتهام والتحقيق والمحاكمة في دستور ‪: 7102‬‬
‫يكون اتهام رئيس الجمهورية بانتهاك أحكام الدستور‪ ،‬أو بالخيانة العظمى‪،‬أو أية جناية أِرى‪،‬‬
‫بناء على طلب موقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على األقل‪ ،‬وال يصدر قرار االتهام إال بأغلبية‬
‫ً‬
‫ثلثي أعضاء المجلس‪.‬‬
‫من هنا يظهر الطابع السياسي لقرار االتهام بصدوره من جهة سياسية‪ -‬مجلس النواب ‪ -‬في‬
‫جميع صور مجاالت اتهام رئيس الجمهورية‪ ،‬سواء تعلق األمر بانتهاكه لألحكام الدستور أو ارتكابه‬
‫للخيانة العظمى أو أي جناية كانت بمجرد صدور هذا القرار‪ُ ،‬ي َوًقف رئيس الجمهورية عن عمله ويعتبر‬
‫ذلك مانعاً مؤقتاً يحول دون مباشرته الِتصاصاته حتى صدور حكم في الدعوى‪.‬‬
‫ويحاكم رئيس الجمهورية أمام محكمة خاصة يرأسها رئيس مجلس القضاء األعلى عوضا من‬
‫محاكمته أمام المحكمة العليا كما كان واردا في دستور ‪ ،52،‬و‪ ،70،7‬وعضوية أقدم نائب لرئيس‬
‫المحكمة الدستورية العليا‪ ،‬وأقدم نائب لرئيس مجلس الدولة‪ ،‬وأقدم رئيسين بمحاكم االستئناف‪ ،‬ويتولى‬
‫االدعاء أمامها النائب العام‪ ،‬وإذا قام بأحدهم مانع‪ ،‬حل محله من يليه في األقدمية‪.‬‬
‫و يالحظ أن إجراءات التحقيق والمتابعة قد تغيرت جملة وتفصيال عما كان سائدا في ظل‬
‫دستوري‪ ،52،‬و‪ ، 70،7‬إذ أصبحت التشكيلة قضائية محضة وبخصوصية في انتقاء أعضائها (أقدم‬
‫نائب لرئيس المحكمة الدستورية العليا‪ ،‬وأقدم نائب لرئيس مجلس الدولة ‪ ،‬وأقدم رئيسين بمحاكم‬
‫االستئناف) ‪،‬وقد ذكرها المؤسس صراحة في متن النص الدستوري‪ ،‬ليحيل هذا األِير إلى قانون‬
‫يصدر في هذا الشأن لتنظيم إجراءات التحقيق والمحاكمة ‪.‬‬

‫‪.- 1‬غازي فوزي مناور‪ "،‬مسؤولية رئيس الدولة " الخليفة في اإلسالم مع المقارنة باألن ـ ـ ـ ـ ــظمة الديمقراطية الغربية‬

‫‪.- 2‬صبري دمحم السنوسي‪ ،‬الدور السياسي للبرلمان في مصر‪ ،‬دار النهضة العربية ‪،‬القاهرة‪7002،‬‬

‫‪61‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫وأحكام المحكمة نهائية غير قابلة للطعن‪ ،‬وإذا ُحكم بإدانة رئيس الجمهورية أُعفى من منصبه مع‬
‫عدم اإلِالل بالعقوبات األِرى‪ ،‬وهو ما يؤكد الطبيعة السياسية للعقوبة التي يتعرض لها رئيس‬
‫الجمهورية إذا ثبتت إدانته‪.‬‬
‫وقد رصدت ‪2 ،‬مادة ب "الئحة النواب" إلعادة قراءتها ألنها تحتاج للتعديل لتتفق مع دستور‬
‫‪ 70،1‬مع ضرورة إضافة فصلين لتنظيم إجراءات سحب الثقة من الرئيس و"محاكمة رئيس الوزراء"‪ ،‬فـ ــد‬
‫المنظمة لعمل مجلس النواب (الشعب سابقا)‪ ،‬أم ًار ملحاً‪ ،‬لتنضبط موادها مع صحيح‬
‫بات تعديل الالئحة ُ‬
‫مواد دستور ‪ِ ،70،1‬اصة أن الالئحة الحالية تستند في موادها إلى دستور ‪ ،52،‬الذي أسقطته ثورة‬
‫‪ 79‬يناير‪ ،‬وهو األمر الذي دفع عددا من النواب السابقين للتشديد على أهمية وضع الئحة جديـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدة‬
‫وع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدم االقتصار على "التعديل المجرد"‪ ،‬وذلك لما تضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمنه من تناقض يشوب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــها في عدد من‬
‫المـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـواد‪ ،‬إذ البد من تعديل المادة (‪ )،07‬من الالئحة‪ ،‬والخاصة باتهام رئيس الجمهورية ومحاكمته‬
‫لتستند لنص المادة (‪ )،95‬من دستور ‪ 70،1‬بدال من المادة (‪ )89‬فى دستور ‪ ،،52،‬وذلك الِتالفهما‬
‫كليا في إجراءات التحقيق والمتابعة ‪.‬‬
‫وقد نشرت "اليوم السابع" نص مشروع الالئحة الداِلية الجديدة لمجلس النواب‪ ،‬التى أعدتها‬
‫اللجنة الخاصة المكلفة بتعديل الالئحة الداِلية وإعداد المشروع الجديد‪ ،‬برئاسة المستشار" بهاء الدين‬
‫أب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو شقة"‪ ،‬والمكونة من ‪ ،1‬باب و‪ 35،‬مادة‪ ،‬باإلضافة إلى عدد من المواد المستحدثة في ‪8‬‬
‫فـ ـ ـ ـ ـ ــبراير في ‪ 70،2‬في انتظار التصويت عليها ‪.‬‬
‫الطبيعة السياسية للمسؤولية الجنائية لرئيس الجمهوريـة‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫يتجه الرأي السائد حاليا إلى إضفاء الطابع السياسي على المسؤولية الجنائية لرئيس الجمهورية‪،‬‬
‫ومؤدى ذلك أن كل جريمة جنائية يرتكبها الرئيس تكون المسؤولية المترتبة عليها سياسية وليست جنائية‪،‬‬
‫وقد أدى إلى هذه النتيجة الشك في إمكانية توقيع عقوبة جنائية على رئيس الجمهورية األمر الذي يحول‪-‬‬
‫من الناحية العملية‪ -‬من نشوء مسؤوليته الجنائية‪.‬‬
‫إن ارتكاب رئيس الجمهورية لجريمة أو ِطأ سياسي ما بسبب الخيانة العظمى أو اإلِالل بالواجبات‬
‫الوظيفية يكون سببا لنشوء المسؤولية السياسية له‪ ،‬وتكون المسؤولية الجنائية هي األساس القانوني إلثارة‬
‫هذه المسؤولية ومن ثمة يمكن القول بأن المسؤولية الجنائية لرئيس الجمهورية تكون ذات طبيعية سياسية‪،‬‬
‫ولو أنها بحسب األصل مسؤولية جنائية تتحقق بسبب انتهاك رئيس الجمهورية لمبدأ المشروعية في فترة‬
‫معينة‪ ،‬وما يؤكد الطابع السياسي لهذه المسؤولية الجنائية أمرين الطبيعة السياسية للوضع موضع االتهام‬
‫والعقوبات المتوقعة على رئيس الجمهورية في حالة ثبوت مسؤوليته الجنائية‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫الطبيعة السياسية للوضع موضع االتهام‪:‬‬ ‫‪-‬‬


‫ليس للمسؤولية السياسية والمسؤولية الجزائية نفس الطبيعة فالمسؤولية الجزائية مشروطة ومقننة‬
‫بإجراء قضائي‪ ،‬أما المسؤولية السياسية فهي من جوهر مختلف وتعتبر غير مشروطة تُحرك أمام جهاز‬
‫سياسي تعبي ار عن ِالف سياسي يتقرر بمقتضاه إمكانية تنحية جهاز سياسي آِر مع احترام السلطات‬
‫التي أسندها الدستور له‪.‬‬
‫إن الطبيعة السياسية للمسؤولية الجنائية لرئيس الجمهورية تبرز من ِالل تكييف الجرم الذي‬
‫يؤدي إلى تقرير المسؤولية الجنائية أال وهو "الخيانة العظمى"‪ ،‬أو "اإلِالل بالواجبات الوظيفية " الذي‬
‫اعتمده المؤسس الجزائري والفرن ـ ـ ـ ـ ـ ــسي والمصري ‪ ،‬فمهما اِتلف وصف االتهام الجنائي للرئيس إال أن‬
‫دساتير جل الدول التي وضعت قوانين تضبط إجراءات المحاكمة الجنائية لرئيس الجمهورية قد أوكلت‬
‫مهمة المحاكمة إلى هيئة قضائية ‪ ،‬يغلب على تشكيلها الطابع السياسي وليس الطابـ ــع القضائي باستثناء‬
‫ما جاء به جديد دستور ‪ 70،1‬في مصر بموجب المادة ‪ ،95‬فقرة ‪ 3‬منه ‪،‬إضافة إلى إسناد سلطة‬
‫االتهام إلى جهة سياسية ‪.‬‬
‫‪ -‬طبيعة االتهام الجنائي‪:‬‬
‫المسؤولية االستثنائية لرئيس الجمهورية في حالة "الخيانة العظمى" تستلزم توجيه اتهام ذو طبيعة‬
‫ِاصة األمر الذي يجعله يتعلق بمفهوم ذو داللة سياسية أو أِالقية‪.‬‬
‫‪ -‬االتهام الجنائي بسبب الخيانة العظمى‪:‬‬
‫لقد اِتلف الفقهاء في فرنسا حول تحديد طبيعة الخيانة العظمى كاِتالفهم في تعريفها ‪ ،‬فيرى‬
‫بعض فقهاء الدستور بأن جريمة الخيانة تندرج تحت المسؤولية الجنائية لرئيس الجمهورية وبالتالي البد‬
‫من توقيع عقوبات جنائية عليه‪ ،1‬لكن هذا الرأي كانت حجته ضعيفة مما فسح المجال للرأي اآلِر وهو‬
‫الموقف الثاني الذي جعل جريمة الخيانة العظمى تدِل تحت المسؤولية السياسية ال الجنائية ‪ ،‬وحجتهم‬
‫فيما ذهب إليه العميد "فيدل" في أن " الخيانة العظمى هنا ال تعني التخابر مع األعداء وتسليمهم أس ار ار‬
‫أو مواقع هامة‪ ،‬وأن الخيانة العظمى بالنسبة لرئيس الجمهورية وبمقتضى التقاليد الفرنسية هي اإلهمال‬
‫الخطير في أداء المهام الملقاة على عاتق رئيس الجمهورية ‪ ،‬وعلى ذلك يمكن تكييف ِرق الدستور من‬
‫الناحية القانونية بأنه ِيانة عظمى حتى ولو لم يكن له أية صلة بالعالقات الدولية"‬
‫لقد استند أنصار هذا االتجاه إلى عدة مبررات لتأييد رأيهم تمثلت أهمها في مايلي‪:‬‬

‫‪.- 1‬ابراهيم حمدان عنزاوي‪،‬رئيس الدولة في النظام الديمقراطي‪،‬رسالة دكتوراه‪،‬جامعة القاهرة‪ ،‬دون تاريخ نشر‬

‫‪61‬‬
‫الفصل الثاني آليات تحريك الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية المقارنة‬

‫* توجيه االتهام وتنظيم المحاكمة بواسطة البرلمان إذ لم يتم تنظيمها وفق قانون العقوبات‪.1‬‬
‫*العقوبة المحددة لجريمة الخيانة العظمى عقوبة سياسية وهي العزل‪.‬‬
‫*لم يتناول قانون العقوبات تعريف الخيانة العظمى‪.‬‬

‫في هذا المجال فيرى بأن جريمة الخيانة العظمى ذات‬ ‫وهو الرأي الثال‬ ‫أما االتجاه الحدي‬
‫طبيعة سياسية وجنائية‪،2‬وكذلك المسؤولية هي مسؤولية سياسية بصفة أصلية وجنائية بصفة احتياطية‬
‫تستشف من ِالل إجراءات االتهام والمحاكمة لوجود تالزم بينهما‪،‬إذ من المسؤولية الجنائية نصل إلى‬
‫المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية‪.‬‬
‫إن الخيانة العظمى تستند في شرعيتها إلى التحديد بواسطة القانون الجنائي وهي حسب هذا‬
‫ِّ‬
‫االتجاه جريمة ذات شكل جنائي لمسؤولية سياسية‪ ،‬وهو نفس الموقف الذي ذهب إليه الفقه المصري إذ‬
‫أضفى الوصف السياسي والجنائي على الخيانة العظمى " الزدواجية العقوبة من جهة وللطبيعة المختلفة‬
‫لتشكيلة المحكمة من جهة أِرى"‪.‬‬
‫فعال‪ ،‬فقد ذهب القضاء المصري‬
‫انتقد البعض نظام االتهام الجنائي في كونه إجراء صوري وغير ِّ‬
‫في حكمه لقضية رقم ‪ ،0098‬لسنة ‪،580‬أنه من الناحية الجنائية ال يمكن أن تثار المسؤولية الجنائية‬
‫إال بالنسبة للجرائم التي تكون على درجة كبيرة من الجسامة والتي هي غير مضبوطة قانونا‪.‬‬
‫قرر القضاء من ِالل القضية التي رفعها المدعي (األستاذ الدكتور حلمي مراد) ضد (دمحم‬
‫و قد ِّ‬
‫أنور السادات) رئيس جمهورية مصر العربية السابق بصفته‪ ،‬إلى أن المسؤولية الجنائية لرئيس الجمهورية‬
‫تخالطها مسؤولية سياسية تتطلب تقدي ار معينا‪ ،‬وهو ما جعل المشرع يشرك عنصر سياسي في المحكمة‬
‫التي تتولى محاكمته جنائيا عن أية جريمة جنائية يرتكبها‪ ،‬كما أن مسؤوليته الشخصية ترتبط بمسؤوليته‬
‫السياسية والجنائية‪.‬‬

‫‪- 1‬عبد الغني بسيوني عبد هللا ‪ ،‬المرجع السابق‬


‫‪.- 2‬عبد الغني بسيوني عبد هللا‪ ،‬المرجع السابق‬

‫‪61‬‬
‫خاتمـــة‬

‫‪64‬‬
‫خاتمة‬

‫خاتمـــة‪:‬‬
‫السلطة أداة للحكم‪ ،‬والحكم المطلق دون الخضوع للرقابة بشتى أنواعها مفسدة مطلقة ‪ ،‬والتجربة‬
‫توجد سلطة توجد المسؤولية ‪ ،‬والحاكم إنما تولى السلطة‬ ‫أثبتت أن الحكم الراشد يقتضي حتما انه حي‬
‫ألنه استمدها من إرادة الشعب لذلك يجب أن يخضع للرقابة ‪ ،‬فالتوازن بين السلطة والمسؤولية عامل‬
‫حاسم في إنشاء حكم راشد وإقامة نظام سياسي صالح في الدولة‪ ،‬ورغم تطور الفكر السياسي واألنظمة‬
‫السياسية إال أن األنظمة الحديثة ِاصة في الدول العربية مازالت بعيدة عن تجسيد مبادئ حكم راشد‬
‫يخضع فيه الحاكم للمساءلة ‪ ،‬ويتجلى ذلك من ِالل مدى السلطات التي يمارسها الحاكم في األنظمة‬
‫الدستورية الحديثة في الوطن العربي في الظروف العادية والتي تزداد اتساعا في الظروف االستثنائية إذ‬
‫ومن ِالل تحليل الواقع في أنظمة الحكم العربية نالحظ انه ال يقع على الحاكم رغم السلطات الواسعة أي‬
‫مسؤولية تقابلها والمسؤولية الوحيدة المنوطة بالحاكم تتمثل في جريمة الخيانة العظمى والتي يبقى معناها‬
‫ومضمونها غير دقيق بل أن الواقع يثبت أن هذه المسؤولية بخصوص هذه الجريمة تبقى حب ار على ورق‬
‫ِاصة في ضل انعدام صدور أي قوانين ِاصة بالمحكمة التي تباشر الدعوى هذا من جهة ومن جهة‬
‫أِرى يبقى مفهوم الخيانة العظمى غامض وغير محدد ولم تقرر له ال مسؤولية سياسية وال مسؤولية‬
‫جزائية مما ينفي على اإلطالق ويجعل استحالة ِضوع رئيس الجمهورية " الحاكم " لمثل هكذا رقابة مما‬
‫أدى إلى ِلل في التوازن بين سلطات الحاكم ومسؤوليته وهذا ما ينعكس على النظام السياسي بشكل عام‬
‫ال رقابة عليه يمسك بزمام السلطة وال مسؤولية عليه مما يجعل من اآلليات‬ ‫يجعله نظام مستبد‬
‫المنصوص عليها في تقرير المسؤولية غير فعالة وعاجزة ِاصة إذا كانت سلطة الحاكم تمتد إلى تعيين‬
‫رئيس المجلس الدستوري وأغلبية األعضاء مع عدم فاعلية البرلمانات النعدام الكفاءة في معظم منتخبيه‬
‫مما يزيد من تغول السلطة التنفيذية والتي على رأسها الحاكم وال يعقل ان يتخذ المجلس الدستوري قرار‬
‫ضد من عينه من جهة ومن جهة أِرى ومن ِالل التحليل نجد ان السلطة القضائية يرأس مجلسها‬
‫األعلى رئيس الجمهورية فلو سلمنا جدال أن المحكمة العليا للدولة قد صدر القانون العضوي الخاص بها‬
‫وتم تعيين قضاة على رأسها فالقضاة يعينون من طرف رئيس الجمهورية "الحاكم" هذه اآلليات والسلطات‬
‫الشاملة التي يمارسها الحاكم ِاصة في تعيين أعضاء المجلس الدستوري وفي تعيين القضاة على أعلى‬
‫هرم السلطة القضائية يشكل عائق ابدي لخضوع الرئيس ألي رقابة قضائية ويجعله بعيد عن تحمل اي‬
‫مسؤولية ولو ارتكب أي ِطأ أو ِالف قواعد الدستور الذي يملك تغييره في أي وقت وفق قواعد تتحكم‬
‫بها السلطة كل هذه العوائق تجعل من الحاكم سلطته مطلقة تأِذنا إلى العودة إلى النظريات التوقراطية‬

‫‪65‬‬
‫خاتمة‬

‫من جديد األمر الذي يجعل ضرورة تحلي المجتمعات العربية بالوعي السياسي والمطالبة بتأسيس حكم‬
‫راشد يخضع للمساءلة مع تأسيس قواعد بعيدة عن سلطة الحاكم من ِاللها تتم مراقبة تصرفاته وتخضعه‬
‫للمساءلة متى ما ِالف القواعد الدستورية ومتى حاد بسلطته عن المصالح العامة لألمة التي استمد‬
‫سلطته من ِاللها هذه اآلليات فقط تخلق نوع من التوازن بين سلطة الحاكم ومسؤوليته ‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫قائمة املراجع‬

‫‪67‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫قائمـــــة المراجـــع‬
‫القران الكريم ‪.‬‬
‫‪ -،‬صحيح مسلم " شرح النووي على مسلم " ‪،‬يحي بن شرف ابو زكرياء النووي‪ ،‬دار الخير‪.‬‬
‫‪ -7‬صحيح البخاري‪.‬كتاب الجمعة‪.‬‬
‫ابن كثير ‪،‬تفسير القران الكريم‪،‬دار احياء الكتب العربية‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫الرازي زين الدين دمحم ابي بكر ‪ ،‬مختار الصحاح ‪،‬ط‪،،،‬مؤسسة الرسالة ‪،‬بيروت‪،172،‬هـ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪ -9‬ابن منضور ‪،‬لسان العرب‪،‬ج‪،،9‬مطبعة بيروت‪.،529،‬‬
‫‪ -2‬الزيات أحمد حسن الزيات‪ ،‬المعجم الوسيط‪ ،‬ط‪،7‬ج‪ ،،‬المكتبة االسالمية اسطنبول‪ ،‬دون تاريخ‬
‫نشر‪.‬‬
‫‪ -2‬احمد بن دمحم بن علي‪ ،‬المصباح المنير‪،‬ط‪،،‬ج‪ ،،‬دار الكتب العلمية بيروت‪.‬‬
‫‪ -8‬المعجم الوسيط‪،‬مجمع اللغة العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬ط‪.70،،، 9‬‬
‫‪ -5‬المنجد الفرنسي الروس‪.7009 ،‬‬
‫‪ -،0‬ابن رجب الحنبلي‪ ،‬جامع العلوم‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪.‬‬
‫‪ -،،‬الدستور الجزائري‪،‬القانون‪ 0،/،2‬المؤرخ في ‪02‬مارس ‪ ،70،2‬الجريدة الرسمية رقم‪،1‬‬
‫سنة‪.70،2‬‬
‫‪ -،7‬د‪ .‬عبد العزيز دمحم عزام ‪ ،‬القواعد الفقهية‪ ،‬دار الحدي ‪.7009 ،‬‬
‫‪ -،3‬عبد الرحمن ابن ابي بكر بن دمحم السيوطي ‪ ،‬القواعد الفقهية االشباه والنضائر‪ ،‬دار الكتب العلمية‬
‫‪،‬ط ‪.،583 ،،‬‬
‫‪ -،1‬دمحم علي السايس‪،‬نشأة الفقه االجتهادي وأطواره‪ ،‬سلسلة البحوث االسالمية‪،‬المتاب السابع‪،‬دون ذكر‬
‫البلد ‪.،580‬‬
‫‪ -،9‬السيد سابق‪،‬فقه السنة ‪ ،‬الجزء الثال ‪ ،‬دار الفتح لالعالم العربي‪ ،‬القاهرة‪.7003،‬‬
‫‪ -،2‬ابراهيم ابو النجا‪ ،‬محاضرات في فلسفة القانون‪،‬ديوان المطبوعات الجامعية ‪.،555‬‬
‫‪ -،2‬سعيد بوشعير‪ ،‬القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.‬‬
‫‪ -،8‬د‪ .‬يحي السيد الصباحي‪ ،‬النظام الرئاسي االمريكي والفقه االسالمي‪ ،‬دار الفكر العربي‪،‬ط‪،،‬‬
‫‪.،553‬‬
‫‪ -،5‬دمحم عاطف البنا ‪ ،‬الوسيط في النظم السياسية‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة ‪.،551،‬‬

‫‪68‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫‪ -70‬األستاذ ذبيح ميلود‪ ،‬الفصل بين السلطات في التجربة الدستورية الجزائرية‪،‬دار الهدى‪،‬‬
‫الجزائر‪.7002،‬‬
‫‪ -7،‬دمحم كامل ليلى‪ ،‬النظم السياسية والحكومة‪،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪.،52،،‬‬
‫‪ -77‬سعيد سيد علي‪ ،‬النظام البرلماني والمسؤولية السياسية ‪ ،‬دار الكتاب الحدي ‪ ،‬القاهرة‪.7005،‬‬
‫‪ -73‬دمحم رأفت عثمان‪ ،‬رئاسة الدولة في الفقه االسالمي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬دون تاريخ نشر‪.‬‬
‫‪ -71‬وسيم حسام الدين األحمد‪ ،‬الحصانات القانونية‪،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪،‬لبنان‪.70،0،‬‬
‫‪ -79‬عمار عباس‪ ،‬الرقابة البرلمانية على عمل الحكومة في النظام الدستوري الجزائري‪ ،‬دارالخلدونية‬
‫للنشر ‪ ،‬الجزائر‪.7002،‬‬
‫‪ -72‬عبد هللا بوقفة‪ ،‬اليات تنظيم السلطة في النظام السياسي الجزائري‪ ،‬دار هومة ‪،‬الجزائر‪.7003 ،‬‬
‫‪ -72‬حسين عثمان دمحم عثمان ‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬دون ذكر دار‬
‫النشر‪،‬االسكندرية‪.،558،‬‬
‫‪ -78‬عزة مصطفى حسني عبد المجيد‪،‬مسؤولية رئيس الدولة‪ ،‬دار النهضة العربية‪.7008،‬‬
‫‪ -75‬صبري دمحم السنوسي ‪،‬الدور السياسي للبرلمان في مصر ‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬القاهرة‪.7002،‬‬
‫‪ -30‬عبد الغني بسيوني عبد هللا‪ ،‬سلطة ومسؤولية رئيس الدولة في النظام البرلماني المنظور‪،‬دون ذكر‬
‫دار النشر ‪ ،‬القاهرة ‪.،55، ،‬‬
‫‪ -3،‬د‪.‬دمحم دمحم بدران‪ ،‬رقابة القضاء االداريعلى اعمال االدارة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -37‬لجلط فواز‪ ،‬اطروحة دكتوراة ‪ ،‬الضمانات الدستورية لحماية مبدأ الشرعية‪،‬جامعة الجزائر‪،،‬‬
‫‪.70،9/70،1‬‬
‫‪ -33‬ابراهيم حمدان غزاوي‪ ،‬رئيس الدولة في النظام الديمقراطي‪،‬رسالة دكتوراة‪،‬جامعة القاهرة‪،‬دون تاريخ‬
‫النشر‪.‬‬
‫‪ -31‬غازي فوزي مناور مسؤولية رئيس الدولة الخليفة في االسالم مع المقارنة باالنظمة الديمقراطية‬
‫الغربية والنظام الدستوري المصري‪،‬رسالة دكتوراة‪ ،‬جامعة االسكندرية‪.،583،‬‬
‫‪ -39‬دمحم فوزي نوجي‪ ،‬مسؤولية رئيس الدولة في الفقه االسالمي‪ ،‬رسالة دكتوراة ‪،‬جامعة القاهرة‪.7007،‬‬
‫‪ -32‬عبد هللا ابراهيم ناصف‪ ،‬مدى توازن السلطة السياسية مع المسؤولية في الدولة الحديثة‪ ،‬رسالة‬
‫دكتوراه‪،‬القاهرة‪.،55،،‬‬
‫‪ -32‬احمد ابراهيم السبيلي‪ ،‬المسؤولية السياسية لرئيس الدولة في النظم الوضعية والفكر السياسي‬
‫االسالمي‪ ،‬اطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة عين شمس‪ ،‬القاهرة‪.،550 ،‬‬

‫‪69‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫‪ -38‬غسان عبد الحفيظ دمحم حمدان‪ ،‬رسالة ماجستير في الفقه والتشريع‪،‬جامعة النجاح الوطنية‪ ،‬نابلس‪،‬‬
‫‪.7003‬‬
‫‪ -35‬العايب سامية‪ ،‬مكانة السلطة التشريعية في النظام الدستوري الجزائري طبقا لدستور ‪،،552‬مذكرة‬
‫ماجستير ‪ ،‬جامعة قالمة‪.‬‬
‫لنيل درجة الدبلوم في القانون العام‪ ،‬دمشق‪.7001،‬‬ ‫‪ -10‬غسان عرنوس‪ ،‬مسؤولية رئيس الدولة‪ ،‬بح‬
‫‪ -1،‬أحمد سامي متولي‪ ،‬اِتصاصات الرئيس في الدستور‪ ،‬االهرام‪ ،‬القاهرة‪77 ،‬ماي ‪.70،1‬‬
‫‪ -17‬أ‪.‬ذبيح ميلود‪ ،‬اليات رقابة الكنغرس االمريكي على اعمال السلطة التنفيذية‪ ،‬مجلة الفكر البرلماني‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،‬العدد‪ ،72‬أفريل ‪.70،،‬‬
‫‪ -13‬االستاذين فريد علواش‪ /‬نبيل قرقور‪ ،‬مبدأ الفصل بين السلطات في الدساتير الجزائرية‪ ،‬مجلة مخبر‬
‫اثر االجتهاد القضائي على حركة التشريع‪ ،‬جامعة بسكرة‪.‬‬
‫‪ -11‬د‪ .‬باسم صبحي بشناق‪ ،‬الفصل بين السطات في النظام السياسي االسالمي‪ ،‬مجلة الجامعة‬
‫االسالمية للدراسات االسالمية ‪،‬عدد‪.70،3 ،،‬‬
‫‪ -19‬شارل ديباش‪ ،‬رئيس الجمهورية والوزير االول في النظام السياسي للجمهورية الخامسة‪.‬‬
‫المراجع باللغة الفرنسية‪:‬‬
‫‪46- Charles Debash ,président de la République et premier ministre dans le‬‬
‫‪système politique de la Ve République‬‬
‫‪47- Albert Geouffre de Lapradelle, Cours de droit constitutionnel,‬‬
‫‪Pedone,1912.‬‬
‫د‪ .‬برنار شانت بوت‪ ،‬القانون الدستوري والعلوم السياسية ‪ ،‬مطبعة كوالن‪،‬ط‪.،552 ،،3‬‬ ‫‪-18‬‬
‫‪49- Jacque cadart، Régime électoral et régime parlementaire en Grande-‬‬
‫‪Bretagne،Librairie Armand Colin, 1491‬‬
‫د‪ .‬روبرت الكسي‪ ،‬فلسفة القانون‪ ،‬مفهوم القانون وسريانه‪ ،‬تعريب د‪ .‬كامل فريد السالك‪ ،‬منشورات‬ ‫‪-90‬‬
‫الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت لبنان‪.‬‬
‫فرنسوا سان بونيه‪ ،‬التكوين المزدوج للقضاء الدستوري في فرنسا ‪ ،‬مجلة القانون العام وعلم‬ ‫‪-9،‬‬
‫السياسة‪ ،‬فرنسا‪.7002،‬‬
‫اميلي ما ركوفيتشي ‪ ،‬االجتهادات القضائية والتعديل الدستوريمثال عام ‪ ،7002‬مجلة القانون‬ ‫‪-97‬‬
‫العام وعلم السياسة ‪.7002‬‬
‫جريدة االهرام ‪،‬عدد‪ ،،318‬سنة‪.،580‬‬ ‫‪-93‬‬

‫‪71‬‬
‫قائمة المراجع‬

54- Décret n° 2002-961 du 4 juillet 2002 portant création d’une commission


chargée de mener une réflexion sur le statut pénal du président de la république
français
55- ordonnance organique du 02 Janvier 1959 n 59-01 portant loi organique sur
la haute cour d11 Justice.
56- la décision n° : 98-408 DC du 22 Janvier 1999 du conseil constitutionnel
relative au traité portant statut de la cour pénale internationale
57- Cour de cassation, arrêt du 10 octobre 2001 Dominique chagnollaud, « la
responsabilité pénale des gouvernants

70
‫فهرا المحتويات‬

‫‪72‬‬
‫فهرس المحتويات‬

‫فهرا المحتويات‬
‫شكر‬
‫إهداء‬
‫المقـدم ــة‪ .............................................................................................‬أ‬

‫الفصل األول ‪ :‬ماهية الرقابة القضائية على الحاكم بين الفقه اإلسالمي والقوانين الدستورية الحديثة ‪1‬‬

‫األول‪ :‬أحكام الرقابة القضائية على الحاكم في الفقه اإلسالمي‪1 ............................ .‬‬ ‫‪ -‬المبح‬

‫‪ -‬المطلب األول‪ :‬مصادر مسؤولية الحاكم في الفقه اإلسالمي‪1 ................................... .‬‬

‫‪ -‬الفرع األول‪ :‬القواعد الشرعية للرقابة على الحاكم في الفقه اإلسالمي‪2 ........................ .‬‬

‫‪ -‬الفرع الثاني‪ :‬القواعد الفقهية للرقابة على الحاكم في الفقه اإلسالمي‪8 ......................... .‬‬

‫‪ -‬المطلب الثاني‪ِ :‬صائص وصور الرقابة القضائية على الحاكم في الفقه اإلسالمي ‪5 ............ .‬‬

‫‪ -‬الفرع االول‪ِ :‬صائص المسؤولية في الفقه اإلسالمي‪5 ........................................‬‬

‫‪ -‬الفرع الثاني‪ :‬صور مسؤولية الحاكم في الفقه اإلسالمي‪،، ....................................‬‬

‫الثاني‪ :‬أحكام الرقابة القضائية على الحاكم في القوانين الدستورية الحديثة‪،1 ............... .‬‬ ‫‪ -‬المبح‬

‫‪ -‬المطلب األول‪ :‬نشأة وتطور الرقابة القضائية على الحاكم في القوانين الدستورية الحديثة‪،1 ...... .‬‬

‫‪ -‬الفرع االول ‪ :‬مرحلة انعدام تقرير مسؤولية الحاكم‪( -‬المرحلة األولى النظريات الثيوقراطية) ‪،1 ..‬‬

‫‪ -‬الفرع الثاني‪ :‬مرحلة تأسيس الرقابة تقرير المسؤولية ‪ ( -‬النظريات الديمقراطية) ‪،9 .............‬‬

‫‪ -‬المطلب الثاني‪ :‬أنواع الرقابة القضائية على الحاكم في القوانين الدستورية الحديثة‪،8 ............ ..‬‬

‫‪ -‬الفرع األول ‪ :‬رقابة القضاء الدستوري واإلداري‪،8 ............................................‬‬

‫‪ -‬الفرع الثاني ‪ :‬رقابة القضاء العادي ( الجزائي والمدني)‪7، ....................................‬‬

‫الفصــل الثــاني‪ :‬آليــات تحريــا الرقابــة القضــائية علــى الحــاكم بــين الفقــه اإلســالمي والقـوانين الدســتورية‬
‫المقارنة‪79 ..........................................................................................‬‬

‫االول‪ :‬الرقابة القضائية أساس التوازن بين سلطات ومسؤولية الخليفة في اإلسالم ‪79 ...... .‬‬ ‫‪ -‬المبح‬

‫‪ -‬المطلب األول‪ :‬صور الرقابة القضائية على الحاكم في اإلسالم ‪72 ............................. .‬‬

‫‪ -‬الفرع األول ‪ :‬الرقابة القضائية على االِتصاصات السياسية والتنفيذية للحاكم‪72 ............. .‬‬

‫‪ -‬الفرع الثاني‪ :‬الرقابة القضائية على االِتصاصات التشريعية والقضائية للحاكم‪75 ............ .‬‬

‫‪ -‬المطلب الثاني‪ :‬أسباب وأثار الرقابة القضائية على الحاكم في اإلسالم ‪30 ................... .‬‬

‫‪71‬‬
‫فهرس المحتويات‬

‫‪-‬الفرع االول ‪ :‬أسباب الرقابة القضائية ( أسباب المسؤولية)‪3، ..................................‬‬

‫‪ -‬الفرع الثاني ‪ :‬نتائج الرقابة القضائية‪37 ......................................................‬‬

‫الثاني‪ :‬اإلطار اإلجرائي والموضوعي للرقابة القضائية على الحاكم في النظم المقارنة‪33 ... .‬‬ ‫‪ -‬المبح‬

‫‪ -‬المطلب األول‪ :‬إجراءات الرقابة القضائية على الحاكم في النظم الغربية ‪33 ..................... .‬‬

‫‪ -‬الفرع األول ‪ :‬إقامة وتحريك مسؤولية الحاكم في بريطانيا‪33 ................................. .‬‬

‫‪ -‬الفرع الثاني‪ :‬إقامة وتحريك مسؤولية الحاكم في فرنسا‪32 .................................... .‬‬

‫‪ -‬المطلب الثاني‪ :‬إجراءات الرقابة القضائية على الحاكم في النظم العربية ‪12 ......................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬المسؤولية الجنائية لرئيس الجمهورية ‪12 ............................................‬‬

‫‪ -‬الفرع الثاني ‪ :‬الرقابة القضائية على الحاكم في مصر‪91 .................................... .‬‬

‫ِاتم ــة‪29 .......................................................................................... :‬‬

‫قائم ـ ــة الم ارج ــع‪28 ...................................................................................‬‬

‫‪74‬‬

You might also like