You are on page 1of 234

‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬

‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫الطريق إلي المدن‬


‫المستحيلة‬

‫إهداء‬

‫إلى نصر الدين الرشيد‬

‫رفيق دربي‪ ،‬العظيم‬

‫ض بعيدة‬
‫الذي ينام في قبضر وحيضد في أر ض‬

‫فمنذ رحيلك ما زلت أتخاذل التعتراف بالواقع‬

‫ولم أذهب حتى ال ن إلى محاريب العزاءات في منزل "حاججة أمينة"‬

‫ابكر ادم اسماتعيل‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫اللعبة الصغيرة‬

‫سيرة أولد رقررف‬

‫هب أنك الحاج تعثما ن سنين‪ ،‬وأنت في الطريق إلى المدرسة الشرقية لزيارة أبنك؛ بعد أ ن هبطت‪ ،‬قبل قليل‪ ،‬من لوري‬
‫حاج تعمر‪ ،‬القادم لتوه من أم شقايق‪..‬‬

‫أصلحت تعمامتك الوحيدة‪ ،‬وتحسست ججزلنك‪ ،‬وحسبت الجنيهات التي فيه‪ .‬أخرجت الجنيه "أبوشنة ورنة" إياه! ثم‬
‫أضفت إليه الخمسين قرش ا التي أوصتك بها زوجتك )بت النور( لدتعم مصروف إبنها الشهري‪ ،‬الذي ـ أنت تعرف أنه ـ‬
‫سوف ينتهي في صباح الغد؛ موزتع ا بين الرفاق‪ ...‬ولكنك لم تنزتعج؛ قلت لنفسك‪" :‬الولد يصيرو ن رجال هكذا‪ ،"...‬ثم‬
‫أ ن إبنك هذا لم يقصر معك في المدرسة‪ ،‬فهو دائما ما يرفع رأسك في طابور نهاية العام‪ .‬قلت أيضاا‪" :‬ما الولد طالع‬
‫ل‪" :‬ياخي‪،‬‬ ‫تعلى خاله‪ !"...‬ومرت بخاطرك أيام صهرك تعبد الرحمن النور‪ ،‬خال الولد‪ .‬فأضفت خمسين قرشا أخرى قائ ا‬
‫خللي الولد يفرحوا‪ ...‬هي الدنيا فيها شنو؟ خربانة أم قدود"‪...‬‬

‫ها هم مجموتعة من الطلب جالسين بجوار سور المدرسة‪ ،‬قرب الباب‪ ..‬وإنت تعلى نية أ ن تسألهم‪ ،‬إرتبكت!! "أأقول‬
‫جومو أم النور!؟؟" ولكن لزوم الرسميات‪ ،‬توكلت تعلى ال وقلت النور‪ .‬فتلفت الطلب ولم يذكروا شيئا من الذي تقول!!‬
‫فلما تنازلت تعن الرسميات وقلت جومو؛ ضربوا تعلى جباههم بأيديهم )الحرة( في تلك اللحظة وقالوا بنبرة واحدة‪:‬‬

‫ـ يا آ ‪ ..‬أنت مما تقول كدة من قبيل!!‬

‫قال الطالب المديني منهم‪:‬‬

‫ـ وال جومو دة قبل شوية كا ن بهنا‪.‬‬

‫قال شبه المتمد ن‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ شوفو في الجنبة التانية ديك ‪ ..‬وأشار إليها‪:‬‬

‫ـ أما الطالب القروي‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫ـ "أجلس ياتعمي‪ ..‬سأذهب وأبحث تعنه وآتيك به"!!‬

‫إ ن الورطة التي دخل فيها الطلب في البداية‪ ،‬والدقائق التي ضاتعت من تعمرك إثر الرسميات؛ سببها الساسي صهرك‬
‫تعبد الرحمن النور ـ مثقف زمن الحلم ـ الذي فشل في إقناع زوجته ـ بنت الحسب والنسب ـ بأ ن يسميا ابنهما )جومو(‬
‫فقام بإسقاط حلمه تعلى ابن أخته؛ التي هي زوجتك! ولكنه طبع ا كفر تعن إزتعاجه لـ)بت النور( بأ ن تبرع بخروف آخر‬
‫للسماية‪ .‬واستمتع أهل أم شقايق بخروفين بد ال من خروفك الواحد‪ .‬ولكن تعلى أية حال؛ ليست هناك مشكلة ـ حسب‬
‫رأيك ـ فطالما أ ن أم الولد كانت سرتعا ن ما تتخلى تعن السم الذي اختارته لبنها ليطابق اسم أبيها ـ وتناديه )جدو(؛ فما‬
‫فارقه‪ ..‬جدو وجومو )كله من بعضه(‪.‬‬

‫وطالما ليس لديك اتعتراضات أخرى ـ وقد أفلت اللعب من يدك من البداية ـ فإ ن جومو ال ن هو أحد أفراد شلة )أولد‬
‫قرف( أو )تعصابة قرف( ـ سمها ما شئت ـ واسمع حكايته الخطيرة‪:‬‬

‫‪ ...‬وقد كا ن أبرز أفراد الشلة هم‪ :‬تعثما ن شربات‪ ،‬وتعلى إسماتعيل الكضاب‪ ،‬وأحمد سالم أبو خمسين الذي خسر خمسين‬
‫قرشه مع إحدى اللعوبات بعد أ ن أخذ )شرة كاربة(‪ .‬هذا بالضافة لمحمد الشيخ فريني‪ ،‬وسيد شطة‪ ،‬ومصطفى بطيخة‬
‫السمين‪..‬‬

‫ثمة مزاجات ومصائر مشتركة جمعت بينهم‪ ،‬تعلى مر العامين ونيف الفائتين‪ ،‬الذين قضوهما في المدرسة الشرقية‪ .‬إذ‬
‫لم تك تخلو لستة مهرجلين من أسمائهم قط! وحتى إ ن غفل )اللفة(‪ ،‬وجسحبت منه الللستة بتدبير ما‪ ،‬فإنه ل يجد صعوبة‬
‫البتة‪ ،‬ويقوم ـ أوتوماتيكياا ـ بتدبيجها مرة أخرى وتقديمها للستاذ متى مر من هناك‪.‬‬

‫ولكن هؤلء )الشياطين(‪ ،‬بالضافة لذلك‪ ،‬قد ساهموا بقدر كبير في تشويه حيطا ن المدرسة؛ ابتدااء من جدرا ن الفصول‬
‫وسقوفها‪ ،‬حتى المراحيض‪ .‬كتبوا أشعار الغزل‪ ،‬اللفاظ النابية‪ ،‬وأسماء الفتيات بحروفها الولى‪ .‬ورسموا تقاسيم‬
‫أجسادهن كما يفعلو ن مع الرسومات التوضيحية في دفاتر )العلوم(‪ .‬خاصة بعد أ ن تعرفوا الطريق إلى بيت )زوبا(‪،‬‬
‫وجربوا في الواقع ما كا ن يحدث بالصابو ن‪ ،‬أو في الحلم‪ ،‬ليكلفهم ذلك مشقة الستحمام في الصباحات الباكرة‪) ،‬ونشر‬
‫الغسيل( في أواخر النهارات‪ .‬وفي الحقيقة‪ ،‬فقد كانوا )البصلة المعفنة( التي كا ن يبحث تعنها )السيد المدير( للقائها‬
‫بعيدا تعن بقية البصل! وقد دخل السيد المدير في متاهة ذات يوم وهو يتفقد حيطا ن المدرسة تعقب نهاية اليوم الدراسي‬
‫ليجد الرسومات الخطرة‪ ،‬بتقاسيمها التي لكل منها جملة أو مقطع شعر يحمل اسمها‪:‬‬

‫فعيو ن )‪ (Z‬في سقف الفصل‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫تعيو ن المها بين الرصافة والجسر‬

‫جلبن الهوى من حيث أدري ول أدري‬

‫فأتعجب المدير جداا‪ ،‬رغم اتعتراضه تعلى صيغة العبث الجدرانية‪ .‬وساقه السهم )الدال تعلى ما بعد( إلى تفاصيل نهد )‬
‫‪:(M‬‬

‫) ‪ ..<--------‬البرتكا ن نهدك مدردم(‬

‫ـ ثم ساقه السهم التالي إلى خصر )‪ (F‬من الخلف‪ <--------) :‬الهالكني ‪(...‬‬

‫ثم ساقه دليل السهم إلى المرحاض الثالث‪ ،‬ليجد تفاصيل ما بين فخذي )‪:(A‬‬

‫)‪ <--------‬و آآآآآآآي ‪(..‬‬

‫والغريبة أنه لم يجرؤ أحد‪ ،‬من )المؤدبين( الذين يذمو ن )البذاءة( جهراا‪ ،‬تعلى "إماطة الذى تعن المرحاض"!! بل لوحظ‬
‫أ ن هذا المرحاض بالذات قد كثر رواده لدرجة أنه يطفح أحيانا دو ن رفاقه! مما يكلف )اللطجي( ساتعات تعمل إضافية‪،‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬يكلف سجلت الحكومة وخزينتها أوراقا وحبرا و)أوفرتايم(‪ .‬تعلى كل حال‪ ،‬هذه قصة‪.‬‬

‫ولكن ضمن سيرورة التعبير تعن )الواقع(‪ ،‬كا ن طلب المدرسة ينقسمو ن )تعرفياا( إلى فريقين‪ :‬فأنت إما ضمن )أولد‬
‫قرف(‪ ،‬إذا كا ن مصدرك الفقر أو القرية أو الداخلية ‪ ..‬أو؛ ضمن)أولد كموش( إذا هبطت تعلى المدرسة من أتعلى‬
‫المدينة‪ .‬أما إذا كنت )جيمس آيول(؛ فل محل لك من التعراب!! ولكن هذا التصنيف بأت هلميا في الونة الخيرة بعد‬
‫أ ن بدأت تختل موازين تنقلت المدرسين بحجج مثل )الستثناء لدارة شئو ن المنظمات الفئوية(! هذا بالضافة لبقاء‬
‫بعض المدراء لمدد أطول تعقب تشمم الناس لرائحة التلتعب في )التعيين(‪ ،‬وظهور متعهدين لم يعرف لهم أصل ول‬
‫فصل!‬

‫تعلى أي حال‪ ،‬فقد تزايد أولد كموش في المدرسة وتضاءل أولد قرف إلى أ ن أصبحوا نهرا واحدا تعكس ما كا ن يحدث‬
‫قبل سنوات قليلة‪.‬‬

‫أيضاا‪ ،‬من الجانب الخر‪ ،‬فقد أفلت بعض من كموش وأنضم إلى قرف تعلى سبيل المزاج؛ مثل سيد تعمر تعبد الحفيظ‪،‬‬
‫الملقب بشطه‪ ،‬الذي كا ن من أمهر لتعبي كرة القدم‪ .‬وقد أطلق تعليه هذا اللقب بسبب أحد الباكات؛ ذلك المسكين‪ ،‬الذي‬
‫كا ن يكلف بمراقبة سيد في المباريات‪ .‬وكا ن بمجرد أ ن يستلم الخير الكرة يفرك تعينيه‪ ،‬فيصبح فيه الجمهور "شطة ‪..‬‬
‫شطة ‪ "..‬هذا بالضافة لمصطفى ابن أحمد العاقب كبير تجار المدينة‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وقد كا ن من تعادة هؤلء ـ ضمن تعادتهم المشاغبة ـ استغلل مهاراتهم اللغوية في كتابة رسائل غرامية إلى حبيبات‬
‫وهميات‪ ،‬وتداولها بينهم‪ ،‬ماتعدا تعلى إسماتعيل الكضاب‪ ،‬الذي لم يك للحقيقة مجانبا؛ فهو الوحيد من بينهم الذي‬
‫استطاع الظفر بقصة حب حقيقية مع إحدى طالبات المدرسة الميرية‪ .‬ويحكى تعن تعلي إسماتعيل هذا أنه نال لقب‬
‫الكضاب زورا وبهتاناا! فهو‪ ،‬بالرغم من أصوله القروية‪ ،‬إل أنه لم يكن قرويا صرفاا؛ فقد درس المرحلة السابقة متجوال‬
‫بين مد ن البلد‪ ،‬مرافقاا لعمه الذي كا ن يعمل بالسكة الحديد‪ .‬وبسبب هذه الوضعية‪ ،‬كا ن تعلى صلة بـ)العالم( أكثر من‬
‫البقية‪ ،‬ولديه معرفة بأمور كثيرة غائبة تعن الخرين‪ ،‬حازها مما كا ن يقرأ من المجلت وكتب "الشياطين الطلطاشر"‬
‫التي كا ن من تعادة أولد الموظفين أ ن يتداولوها‪ .‬وقد كا ن حبه الشخصي للقراءة يكلفه مضاتعفة الجهد في بيع‬
‫المشروبات والمأكولت في محطات القطار‪ ،‬ليظفر بثمن ما يرضي نهمه في القراءة‪ ،‬بالضافة للبسكويت والداندرمة‬
‫والشكولته‪ .‬ولكن الحال ذاك لم يدم‪ ،‬فقد )نزل تعمه المعاش( وقرر العودة إلى مسقط رأسه ليجد تعلى إسماتعيل نفسه‬
‫من جديد بين رفاقة القرويين القدامي‪ ،‬الذين لم تك تتعدى آفاقهم حدود الكتب المدرسية‪.‬‬

‫ولما كا ن يحكي لهم تعن مغامرات الشياطين الطلطاشر‪ ،‬وقصص الطباق الطائرة‪ ،‬كانوا يموتو ن من الدهشة‪ .‬وكانت‬
‫النتيجة أ ن جأطلق تعليه لقب الكضاب‪ .‬بيد أ ن ملبسات هذا اللقب نفسها هي سبب توطيد العلئق القديمة مع جومو‪ ،‬الذي‬
‫كا ن بين الفينة والخرى يطالع بعضا من الكتب والمجلت الخاصة بخاله تعبد الرحمن النور‪ ،‬التي كانت مدسوسة في‬
‫منزلهم لسبب لم يك يعرفه! لذلك‪ ،‬كا ن يرى بعض المعقولية في ما يحكية تعلى إسماتعيل‪ .‬وكا ن يعاضده في معاركة‬
‫القناتعية مع )القرويين(‪ .‬هذا بالضافة لقصة صباهما التي سيحكيها لنا تعلى إسماتعيل بنفسه في مقبل اليام‪.‬‬

‫ولما كا ن لعلي إسماتعيل من كارزيما‪ ،‬وخبرة‪ ،‬فقد أمسى قائدا تلقائي ا لمغامرات الشلة‪ .‬فهو الذي كشف لهم الطريق إلى‬
‫بيت )زوبا( ليجربوا فحولتهم هناك‪ .‬وقد ساهم في جرهم إلى الكثير من المشاكل في المدرسة‪ .‬ولول لطف ال ووجود‬
‫أستاذ تعساكر‪ ،‬لكانوا اليوم ـ بالتأكيد ـ في المنطقة الصناتعية‪ ،‬أو في موقف اللواري‪ ،‬أو في طريقهم إلى )القوات‬
‫النظامية(‪ .‬فقد قبض تعليهم أستاذ تعساكر مرات تعديدة وهم يتداولو ن كيس التمباك في مؤخرة الفصل‪ .‬ولكن الجريمة‬
‫الكبرى كانت في بداية السنة الثالثة‪ ،‬تعندما استطاع أستاذ تعساكر أ ن يطب تعليهم‪ ،‬في هجوم مباغت‪ ،‬ويصادر مجلة الـ‬
‫‪ !! PLAY BOY‬مما اضطره لجراء تحقيقات )تربوية( طويلة‪ ،‬ولكنها كانت دائرية ولم تفض إلى شيء!‬

‫وبالرغم من تهديده إياهم بأ ن يرفع المر إلى السيد المدير‪ ،‬إل أنه لم يفعل‪ ،‬واحتفظ بالمجلة )المعروضات( لزوم التهدي‬
‫فقط‪ .‬وقد كا ن ذلك كله بسبب إتعجابه بذكائهم ومواهبهم‪ ،‬خاصة بعد أ ن أبدتعوا في تعمل وأداء المسرحية التي فازت بها‬
‫المدرسة في مسابقات المدارس في احتفالت تعيد التعليم الفائت‪ ،‬وهم الذين رفعوا رأسه باتعتباره المشرف تعلى‬
‫النشاطات الدبية والفنية‪ ،‬بالضافة لـ)وكالة النظام( في المدرسة‪ .‬وقد كانوا بالنسبة له )المعادل الموضوتعي( لمقولة‬
‫)تعماد المستقبل( التي )ججننتهم( بها السيد المدير في خطبه المتكررة‪.‬‬

‫وبعد كل ما تعرفناه‪ ،‬فلم تك هذي هي المرة الولى التي )يتجاوز( فيها أستاذ تعساكر )اللوائح المدرسية( وما تتطلبه‬
‫نزاهة الموقع! فقد قام بإخفاء جزء من التقارير تعن السيد المدير‪ ،‬لمعرفته بتشدده ‪ .‬فليس من الممكن ـ بالضافة‬
‫)للمعروضات( ـ أ ن يقدم للمدير حكاية )تام زين(؛ )ست النداية( التي اشتكت إليه بأ ن أولد قرف لم يدفعوا لها ثمن ما‬
‫شربوه خلل أسبوع‪ ،‬بعد أ ن ضللوها بأنه )في قروش جاياهم(! وبالتأكيد فإ ن السيد المدير لن يعيد إليه ما دفعه لها من‬
‫حر ماله تجاوز ا للفضيحة ‪ ..‬حتى إ ن تغاضى تعن المصير المحتوم لـ)تعماد المستقبل( حينها‪ ،‬والهلولة التي ـ لبد ـ‬
‫سيقيمها أستاذ تعبد الجليل إثر ذلك‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫*****‬

‫بالضافة لجيمس آيول‪ ،‬الذي ل محل له من التعراب‪ ،‬كا ن هناك اثنا ن آخرا ن من الطلبة )الجنوبيين(‪ ،‬الذين جاءت بهم‬
‫حكاية )صديقنا منقو( إلى المدرسة‪ .‬وكا ن جيمس آيول وبول أشويل يقنطا ن حجرة صغيرة في الداخلية‪ ،‬كانت يوما‬
‫مخزناا! ولم يعرف أحد إ ن كا ن ذلك بسبب أفكار يمينية أم يسارية‪ ،‬ولكن ثالثهم مايا ن دينق‪ ،‬ابن ضابط البوليس‪ ،‬كا ن‬
‫أقرب ل ن يكو ن كموشاا‪.‬‬

‫في بداية أيام الرفقة‪ ،‬صرح شربات بأنه مستغرب لوجود )جنوبيين( في المدرسة! لنه لم ير ذلك من قبل‪ .‬ولكن أحمد‬
‫سالم أبو خمسين ذهب أكثر في مرامي الدهشة‪ ،‬وحكى أنه هناك في قريتهم‪ ،‬فإ ن كل ما جيعرف تعن الجنوبيين أنهم‬
‫)جانقي(‪ .‬وأ ن )الجنقاي( ل تخرج حياته تعن العمل كأجير في المزارع أو جالب للحطب‪ ،‬أو تعمل المشاجرات في بيوت‬
‫المريسة ‪ ..‬واستدرك أنه بمجرد أ ن يحل الجنقاي في القرية‪ ،‬سرتعا ن ما يغير اسمه‪ ،‬كأ ن يسمي نفسه )قرشين ( أو‬
‫)أربعة يوم( أو‪ ..‬أو‪ ..‬إلخ‪ .‬ول جيعرف للجنقاي زوجة أو أولد! وإ ن جتعرفوا فإ ن أولده إما أ ن يعملوا خدامين‪ ،‬أو رتعاة‬
‫للبقار ويلقبهم أصحابها بـ)العب الصغجير( و)العب الكبير(!!‬

‫ولكن هاهو مايا ن دينق أكثر أناقة‪ ،‬وأكثر شطارة من بقية الطلب! وليس كما تقول الغنية‪:‬‬

‫"دود ماني سـرب سـربة‬

‫تعيال جانقي شالوا الحربـة"‬

‫كناية تعن تعدم شجاتعتهم!‬

‫كانت المسألة برمتها‪ ،‬تعادية بالنسبة لعلي إسماتعيل الكضاب‪.‬‬

‫ولكن جومو كا ن بين بين؛ فما كا ن يؤرقه شيء واحد‪،‬هو كونهم )مسيحيين(‪ .‬وكا ن يقول لنفسه "حرام أ ن يدخل جيمس‬
‫آيول النار‪ ..‬فهو إنسا ن جيد ول يستحق ذلك لي سبب‪ ."..‬وكا ن قد تعزم تعلى هدايته للسلم )تأمينا للموقف( فحسب‪،‬‬
‫ل قلي ال لما توطدت العلقات‪ ،‬بدأت تتفجر المجادلت حول قضايا لهوتية ل أول لها ول‬ ‫فهو يحب الخير للجميع‪ .‬وقلي ا‬
‫حجة تعما هم به مؤمنو ن!! وبعد ذلك نمت العلقة‬ ‫آخر‪ .‬ولكن جومو أحس في النهاية بأ ن منطق جيمس آيول‪ ،‬ل يقل ج ج‬
‫تعلى قاتعدة )التواطؤ التسامحي( "لكم دينكم ولي ديني ‪ "..‬واستمر الحوار وديا بالسكوت تعن الشياء الملغمة‪ ..‬إلى أ ن‬
‫جاء ذلك اليوم الذي أكمل فيه أستاذ تعبد الجليل الشرح في حصة )اللهوت( بعد أ ن أبا ن وأوفى تعن اليما ن بالكتب‬
‫الربعة‪ ،‬ثم مسح يديه من الطباشير قائ ا‬
‫ل‪:‬‬

‫"أهناك سؤال؟؟"‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫فرفع شربات اصبعه وهو يصيح‪" :‬أستاذ‪ ..‬أستاذ‪ ."..‬فقمعه أستاذ تعبد الجليل بصرامة‪:‬‬

‫"أججججلس"‪.‬‬

‫فقد تورط أستاذ تعبد الجليل في الحصة السابقة تعندما كا ن يشرح مسألة وجود ال مرددا "إنه موجود في كل مكا ن"‪،‬‬
‫ففاجأه شربات بسؤوال حسبه قلة أدب‪:‬‬

‫ـ يعني هسي يا أستاذ ربنا قاتعد في الفصل هنا مثال؟! أو لو أنا مشيت الحمام ممكن ألقاه هناك!؟؟‬

‫لكن هذه المرة قرر أستاذ تعبد الجليل إحباط المهزلة في مهدها‪ .‬فجلس شربات وابتلع سؤاله‪.‬‬

‫رفع جومو يده‪ ،‬فسمح له أستاذ تعبد الجليل بإشارة منه‪ ،‬فقام وألقى بسؤاله هو الخر‪:‬‬

‫ـ إنت يا أستاذ قلت الكتب التلتة التانية دي محرفة طيب الضما ن شنو إنو كتابنا ده ما محرف؟؟‬

‫"إ ن هذا الكتاب قد تعهد ال بحفظه‪ ،‬لذلك سماه اللوح المحفوظ‪".‬‬

‫ـ لكن يا أستاذ الضما ن شنو؟ ما إحتمال السم ده تعملوه الناس الحرفوه تعشا ن ما في زول يشك؟؟ ـ فوجئ أستاذ تعبد‬
‫الجليل ـ مرة أخرى ـ بهذا السؤال فأمره‪:‬‬

‫"أجلس واستغفر ال ‪"..‬‬

‫جلس جومو ونفذ بقية المر‪.‬‬

‫خارج الفصل‪ ،‬تفجرت النقاشات مرة أخرى حول التحريف وممكناته‪ ،‬خاصة مع وجود سوابق في هذا المجال‪ ..‬وتجرأ‬
‫تعلى إسماتعيل الكضاب تعلى السؤال‪" :‬لماذا لتكو ن هذه الكتب التي تخفى تعنا ولم نقرأها هي الصحيحة؟ وإل لماذا‬
‫تخفى؟"‪ .‬وتكاثرت الجراثيم البليسية أو ما يسمى )حب المعرفة( في تلك الذها ن‪ .‬ولكن جومو ظل ممسكا بطرف‬
‫الحكاية‪ :‬فما أ ن التقى بجيمس آيول حتى أسرع في محاولة أحراجه بالسؤال الذي يؤورقه هو‪:‬‬

‫ـ إنت مش مؤمن بالتوراة؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ أيوه‬

‫ـ طيب إنت قريتو وجل مؤمن بيهو ساي؟؟‬

‫وكانت المفاجأة التي لم يتوقعها جومو هي الجابة ب )نعم(!!‬

‫ـ طيب والزبور؟؟‬

‫ـ كما ن ‪..‬‬

‫ـ وإنت الكتب دي لقيتها وين؟؟‬

‫ما في كتاب مقدس!! إنت ما بعرف؟‬

‫ـ الكتاب المقدس دة مش النجيل؟؟‬

‫ـ كتاب مقدس ده فيهو تعهد قديم وتعهد جديد‪ ،‬وتعهد جديد ده يا هو إنجيل‬

‫ومع دهشة الكتشاف‪:‬‬

‫ـ طيب إنت تعندك الكتاب المقدس ده؟‬

‫ـ أيوة‬

‫ـ ممكن أجي بعدين استلفو منك؟ بس أقراه وأرجعو ليك؟‬

‫ـ ياخي أنا بديهو ليك مرة واحد‪...‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫كذب جومو تعلى فريني‪ ،‬حين لمحه الخير حامال حقيبته المدرسية خارجا وهو لم يغير ملبس المدرسة بعد‪ ،‬بأنه‪:‬‬
‫"ماشي أشرح تعربي لجيمس آيول"‪ .‬ولما استدرك أ ن إجابته تلك قد تفتح منفذا يحشر فيه أولد قرف أنوفهم‪ ،‬مر تعلى‬
‫آيول وأخذ )ما حاك في النفس وكرهت أ ن يطلع تعليه الناس( وخرج إلى )هناك(؛ لكي يجلس تحت شجرة النيم الظليلة‪،‬‬
‫خلف المدرسة‪ ،‬وراء ميز المدرسين؛ حيث ل يمر مار في تلك الساتعة من النهار‪ .‬ولكن حكم العادة ساقه ليجد قدميه‬
‫وقد تعتبتا تعلى باب المدرسة! قال‪" :‬حسناا‪ ،‬سأدلف من الناحية الخرى"‪ .‬ولكن شاءت )دروب إبليس( أ ن توقعه في‬
‫الشر! فها هو السيد المدير قد فتح بوابة ميز المدرسين وصاح‪:‬‬

‫ـ ياولد ‪..‬‬

‫ارتبك جومو‪ ،‬وتحسس حقيبته بعد أ ن غامره إحساس بأ ن السيد المدير لبد ناظر إلى محتوياتها‪ .‬بيد أ ن الطامة الكبرى‬
‫جاءت لما أضاف السيد المدير‪:‬‬

‫" جخت الشنطة دي هنا‪ ..‬وأمشي جيب الغدا من البيت"‪..‬‬

‫"استر يارب ‪ ."..‬قالها جومو في نفسه‪ ،‬ولعن الطالع الذي ساقه إلى هذه الورطة‪ .‬ولكنه لم يجد مفرا من تنفيذ المر‪.‬‬

‫نقر الباب‪ ،‬ففتحت له نازك‪ ،‬بنت المدير‪ ،‬التي كانت هي في تعمره تماما وفي نفس السنة الدراسية‪ .‬كا ن وجهها مثل‬
‫)شيء( لم يفكر فيه من قبل‪ ،‬تعيناها جميلتا ن‪ ،‬وخصلت من شعرها طائرة‪ ،‬مسحتها بيدها غير التي تحمل )كتاب‬
‫العلوم(‪ .‬رأى حبة الشباب النابتة تعلى خدها اليسر‪.‬‬

‫ـ اتفضل‪..‬‬

‫ـ تعايز الغدا‪..‬‬

‫ـ يا ماما‪ ..‬تعايزين الغدا‪.‬‬

‫قالت‪ ،‬ثم أضافت‪" :‬مش أنتو المثلتو المسرحية؟"‬

‫ـ أيوه‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ابتسمت واستدارت‪ ،‬ثم انحنت لتعبر تحت قوس الليمو ن باتجاه الباب النملية‪ .‬رأى )أقواس النار( واضحة‪ ،‬ثم تعاد إلى‬
‫وقفته ليستمع إلى زوجة المدير وهي تأمر الخادمة‪" :‬هذا هنا‪ .‬وهذا هناك‪ ،"..‬وهو لم يزل به من الرتباك‪ ،‬يفكر فيما‬
‫يمكن أ ن يحدث لحقيبته؛ "أليس من الممكن أ ن تحدث صدفة أخرى‪ ،‬كا ن يفتح السيد المدير الحقيبة ليستعير قلما أو‬
‫ل؟"‪ .‬ولكنه‬ ‫ورقة مث ال؟ أليس من الممكن أ ن تنتاب المدير لحظة فضول ويحاول أ ن يعرف كيف يكتب طلبه النشاء مث ا‬
‫رتب في ذهنه إجابة مقنعة للطوارئ‪" :‬سأقول أ ن جيمس نسبه في الدرج‪ ،‬وأنا أخذته لوصله إليه‪ ..‬إجابة مقنعة‪ ..‬ثم يا‬
‫ولد إنت ناسي إنك ممثل؟"‪.‬‬

‫ذهبت كل تلك الهواجس أدراج الرياح‪ ،‬ومر المر بسلم‪ .‬ومن تحت شجرة النيم الظليلة‪ ،‬تلك التي يسمح موقعها المقابل‬
‫للفسحة التي يرتادها مجانين الكرة‪ ،‬بإخفاء )المعروضات( في الوقت المناسب‪ ،‬بدأ جومو يتصفح التفاصيل الغريبة‬
‫والكلمات التي ما تعرف يوما معناها‪:‬‬

‫)رسرفر التكوين(! )الصحاح السادس (!! )مراثي إرميا(!!! ‪)..‬المزامير(!!!! )نشيد النشاد(!!!!!‪:‬‬

‫"ليلثمني بقبلت فمه‪ ،‬ل ن حبك ألذ من الخمر‪!"..‬‬

‫استعدل جومو جلسته لجدية المر!‬

‫"‪ ..‬أجذبني وراءك فنجري‪"..‬‬

‫"‪..‬إنني أشبهك ياحبيبتي بفرس في مركبات فرتعو ن‪"..‬‬

‫"ما أجمل خديك ‪"..‬‬

‫ـ ظهرت حبة الشباب في اللوحة ـ‬

‫"‪ ..‬طوال الليل طلبت بشوق من تحبه نفسي فما وجدته‪ .‬سأنهض ال ن أطوف في المدينة‪ ،‬وأتجول في شوارتعها‬
‫وساحاتها ألتمس من تحبه نفسي‪."..‬‬

‫قال جومو‪" :‬إنه كلم ال‪ .‬هذا ل يمكن أ ن يكو ن محرفاا"‪ .‬وأقعي يتمتع ويمتدح من نبع النشيد‪ ،‬يعيد ويستزيد‪ ،‬إلى أ ن‬
‫ظهر بعض مجانين الكرة في طرف الميدا ن‪ ،‬فقام بإخفاء )الكنز(‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وفي الليل‪ ،‬بعد أ ن "آبت الوحوش إلى آجامها"‪ ،‬وأطفئت النوار‪ ،‬كا ن جومو يحدق في الظلم؛ يستعيد ذاكرة النشيد‪.‬‬
‫فدخلت من ثناياه اللحظة الحاسمة التي أجلها الرتباك وريح الظنو ن‪ .‬أطل تعنفوا ن الوجه وابتسامته الجاسرة‪ .‬كا ن شيئا‬
‫كرائحة أتعشاش تعصافير الجنة في تعمق الخريف‪ ..‬شيئ ا كألعاب الطفولة‪ ..‬كوقع أقدام المطر‪ ..‬الضفائر الطائرة‪ ،‬حبة‬
‫الشباب التي تسبب الكل ن في القلب وما من ظفر يحك إل لمستها! وقوس النار لحظة تعبور )قوس الليمو ن( الذي‬
‫شيدته الطبية لتعلن انتصارها النهائي‪..‬‬

‫"نازك!! ‪..‬اللـــــــــــــــه!!" قال لنفسه في مشهد الظلم ذاك‪ .‬ثم تدفق شلل الماضي؛ كيف كا ن يراها تعابرة‪ ،‬في‬
‫الصباح‪ ،‬بزيها المدرسي وحقيبتها في حضنها برفقة أختها سلمى‪ .‬كيف كانت تعود في آخر النهار‪ ،‬ولمرات تعديدة‪،‬‬
‫لوحدها‪ ..‬تقرأ نفس الكتب المدرسية التي يقرأها‪ ..‬حك ذاكرته للتلصص تعلى اليام التي تعود فيها لوحدها‪ ..‬لكن هيهات‬
‫هيهات‪ ..‬وفات الليل‪..‬‬

‫ولما دند ن )تعم تعبده(‪ ،‬مؤذ ن الزاوية‪ ،‬بأدتعيته اللطيفة‪" :‬أسبحنا وأسبح الملك ل‪ ،"..‬بلكنته التي تدل تعلى أصله‬
‫التعجمي‪ ،‬قبل أ ن يصدح بأذا ن الفجر الول؛ قام جومو‪ ،‬استحم‪ ،‬وتوضأ وصلى الفجر حاضرا ـ ليس كما كا ن )يكلفته(‬
‫بعد شروق الشمس‪ .‬كا ن يحرك أصابعه‪ ،‬ولم تك بخاطره تسابيح محددة‪ .‬ومع شقشسقات تعصافير الصباح‪ ،‬استيقظ كلب‬
‫الداخلية الذي لم يسمع له أحدد نباح ا وجاء ورقد بجواره‪ ..‬تأمله جومو وحن تعليه‪ .‬وبدأ يفكر فيما يفكر فيه هذا الكائن‬
‫المتوحد النبيل!! احتمالت كثيرة! ولكن ال وحده يشاركه في معرفتها!!‬

‫قام جومو ودخل )العنبر(‪ .‬صار الزما ن بطيئ ا في تلك اللحظة التي يستحلي فيها الخرو ن بطأه‪ ،‬ويتمنو ن أ ن تكو ن‬
‫الشمس الشارقة هي شمس الجمعة‪ ،‬أو أي إجازة حتى يكتمل برنامج الكسليات‪..‬‬

‫مع ضوء الشمس المائل تعبر النافذة المهشمة‪ ،‬نظر جومو إلى صورته في المرآة‪ .‬داهمته الرغبة في أ ن يستعاد الخلق‬
‫في تلك اللحظة‪ .‬وتحمل إليه المرآة نبا أنه )دهر مندرا(‪ ..‬فسرح شعره بعناية وطبطب تعليه بيده حتى صارت الصورة‬
‫)مقنعة(‪ ،‬ثم حمل حقيبته وخرج‪ .‬تعلى الزاوية التي كانت تنعطف منها كل صباح‪ ،‬تلك التي كانت يوما ـ وبالمس القريب‬
‫ـ كبقية خلق ال‪ ،‬فصارت اليوم )أميرة البر والبحار( كما كانوا يكتبو ن في رسائلهم الغرامية لولئك الفتيا ن الوهميات؛‬
‫جلس جومو‪ ،‬وأخرج كتاب )العلوم( مدتعي ا المذاكرة‪ .‬مر تعليه تعدد من السابلة‪ ،‬ألقوا تعليه تحايا الصباح ودتعوا ال له‬
‫بالنجاح‪ .‬كا ن مع كل نصف دقيقة يرسل البصر كرتين إلى )هناك(‪ ،‬من حيث )ستشرق العصافير( التي ما فتئت تشقشق‬
‫منذ انطفاء أنوار البارحة‪.‬‬

‫شووو‪ ..‬تدفقت الشللت بقلبه ثم اندفق القلب مع اقتراب العصفورة‪ .‬فوجد نفسه هاربا باتجاه البوابة يشهق كأنه في‬
‫نهاية الماراثو ن!‬

‫هتف هاتف‪" :‬أثبت يا راجل‪ ..‬خليك واثق من نفسك!"‪ .‬لما )ثبت الراجل( كانت أقدامه تعلى تعتبة بوابة الفصل! استعاد‬
‫قلبه وأنفاسه وتعاد إلى هامش أرض المعركة‪ .‬كانت العصافير )البطلة( قد تعبرت ـ حينها ـ إلى ماوراء الفق المنظور‪.‬‬

‫ظل جومو ساهما طوال النهار؛ ففي وقت الفطور‪ ،‬وقفت اللقمة في حلقه‪ ،‬غالبها لو تجد لها جيزا في الجوف مع زحمة‬
‫النيازك‪ .‬في الحصة الرابعة‪ ،‬لحظ أستاذ أزهري سهومه‪ ،‬ولما ألقي تعليه السؤال‪ ،‬احتاج إلى قرو ن ليعود من تفاصيل‬
‫بحار قديمة رقدم العالم‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ومع نهاية الحصة الخيرة‪ ،‬وبمجرد أ ن اتجه أستاذ تعساكر إلى الباب؛ قفز جومو من النافذة المجاورة لتعادة الكرة‪ ،‬بعد‬
‫الفرة المخجلة في الصباح‪ .‬ولكن تعلى إسماتعيل الكضاب لحق به ممسكا بكم قميصه‪" :‬تعال‪ ..‬تعال‪ ..‬قبضتك! إنت كما ن‬
‫ماشي تعمل خيانة؟ إتعترف‪."..‬‬

‫"كيف تعرف تعلى إسماتعيل بالمر؟!" سأل جومو نفسه‪ ،‬ثم استهدى بال ورد تعلى الكضاب‪:‬‬

‫ـ خيانة شنو؟؟‬

‫ـ تعال شوف صاحب أبو خمسين!!‬

‫ولم يترك له فرصة للتملص‪ ،‬وتعادا من نفس النافذة التي خرجا منها‪.‬‬

‫كا ن شربات يضحك بخساسة "جأهو‪ ..‬جأهو ‪ ..‬جأهو"‪ ،‬وأبو خمسين سارحا‪ .‬ولما دخل‪ ،‬ترك شربات بعضا من خساسته‬
‫قائ ا‬
‫ل‪:‬‬

‫ـ تعال‪ ..‬تعال يا جومو شوف صاحبك‪ ..‬أتاريهو يومداك لمن اختفى‪ ،‬ونحن نشيل ونحشي في الساندوتشات ونشاكل‬
‫تعشانو‪ ،‬أتاريهو كا ن تعامل خيانة قدر كدة )‪ (...‬لكن الخاين ال يخونو‪ ..‬شوفو تعامل ضبل ن كيف؟ دة تعندو )أبو‬
‫شروروة(‪ ..‬وصاحبك الداقس قال تعايز يمشي المستشفى!!‬

‫قال بطيخة‪:‬‬

‫ـ طيب ما يمشي؟؟!‬

‫فعاجلة إسماتعيل‪:‬‬

‫ـ إنت كما ن داقس ول شنو؟! إنت تعارف حيكتبوا شنو قدام إسمو مكا ن )المرض(؟؟‬

‫)سين‪ ،‬ياء‪ ،‬لم‪ ،‬ألف‪ ،‬نو ن(‪ ،‬وطبظ بسبابته جبهة بطيخة الذي أدرك خطورة المسألة‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وتعلق فريني بخبث‪:‬‬

‫ـ وال يا أبو خمسين وقعتك سودة‪ ..‬ما فيش أمل‪ .‬غياتو )تعتلتك( حتنقطع )ال يرحمها( وإنت حتكو ن بلطة‪ ..‬غايتو‬
‫حنفقدك لنو حينقلوك )الميرية(‪ ،‬لكين ما تخاف‪ ،‬أخوك حيتبرع ليك بطرحة زي الورد‪..‬‬

‫انزتعج أبو خمسين وقال‪:‬‬

‫ـ يا جماتعة ما تهظروا بال ‪..‬‬

‫ـ قول الروب ‪..‬‬

‫ـ ل‪ ..‬روب شنو ياخي؟ ده لزم يقول "ووب تعلجي"‬

‫ـ ل‪ ..‬ده لزم يقو ل "ألجي"‪..‬‬

‫ولما رأى شربات تعيني أبو خمسين وقد اغرورقتا بالدموع‪ ،‬سأل سيد شطة‪:‬‬

‫ـ أسمع‪ ..‬قلت لي نعمل ليهو شنو؟‬

‫ـ وال الحل الوحيد إنو نوديهو لـ)كوجاك التمرجي(‪ ..‬وغنوا‪:‬‬

‫" البنسلين يا تمرجي ‪..‬‬

‫جابو الحكيم يا تمرجي ‪"..‬‬

‫ثم أضاف سيد شطة‪:‬‬

‫ـ لكين ال يستر! أصلو كوجاك ده )تعيالتي( معروف‪ ..‬آها يا أبوخمسين؟ أخير ليك ده ول تبقي بلطة؟ اختار‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ ل أنا ما بمشي براي‪.‬‬

‫فغنوا‪:‬‬

‫"واي واي‪ ،‬خلني براي‪ ،‬خلني براي ‪..‬‬

‫ومع الغنية والتبشر‪ ،‬صاح فريني‪:‬‬

‫ـ طللع ‪ . .‬طللع ‪..‬‬

‫وجمع جنيها وخمسة تعشر قرشا ثم قال‪" :‬الباقي يتمو تعلى إسماتعيل الكضاب )حنك(‪ .‬ولكن تعلى إسماتعيل الكضاب‬
‫تنازل تعن حكاية الحنك هذه لشربات‪ ..‬والتفت إلى جومو‪:‬‬

‫ـ و أنت شكلك كدة تعامل خيانة‪ ..‬قول تعندك أبو شرورة خلينا نللحقك أبو خمسين "ناس ما تعندها دم"‪.‬‬

‫ـ ياخي خيانة شنو؟ هسي فوتونا الغدا‪..‬‬

‫وهكذا مكر بهم‪ .‬فترك تعلى إسماتعيل حكاية الخيانات الصغرى قائ ا‬
‫ل‪:‬‬

‫ـ ي جل يا جماتعة‪ .‬الفقريين ديل يكونوا هسي شربوا القرع‪ ..‬غايتو ناس بطيخة ديل ما تعندهم مشكلة‪ ..‬لكين إنتو‪ ..‬وال‬
‫إل تغلتسوا رغيفكم في قدح الزولة بتاتعة أبو خمسين‪..‬‬

‫ولما تعتبوا خارج بوابة المدرسة الرئيسية‪ ،‬كانت العصافير تنعم بـ)التشنقل( تعلى سريرها‪.‬‬

‫جاء المساء ثقي ال‪ ،‬وبدا الزمن كسلحفاة كسيحة‪ .‬فتح جومو نافذة نزقة الهواء وبقى متربصا باللحظات وقد تعاف كل‬
‫شيء؛ الطعام‪ ،‬الشراب‪ ،‬والسلم والكلم‪ .‬وفي الليل مر النيزك مشتع التعلى تخوم المجرة‪ ،‬وتفجرت الروح مرة أخرى‬
‫كما تفعل آلم الضرورس‪.‬‬

‫قال صوت الحادي الليلي‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫"قم‪ ..‬أمشي‪ ..‬أقفز فوق جميع السوار‪ ،‬قل الكلمة‪ ،‬وليحدث ما يحدث "‬

‫قال الحارس‪:‬‬

‫"ستصلبا ن هنا‪ ..‬وأشار إلى المسافة بين بؤرة الجمر الراقد في الصدر‪ ،‬وبحر البراح الممتد هناك قريبا من قوس‬
‫الليمو ن‪" .‬آه‪ ..‬كيف نائمة أنت ال ن؟ أي جماد يستدفيء بلمسك؟ أي شيء يستمتع بهمس أنفاسك؟ آهـ‪ ..‬آهـــ ‪..‬‬
‫آهــ ‪"..‬‬

‫دخل ضوء القمر من ثقب البوابة الشرقية‪..‬‬

‫"متى سيجيء اليوم الذي نجلس فيه في مثل هذا السحر؟ ونبث بيننا الهوى‪ ...‬ل‪ ...‬ل لماذا يكو ن بينا بين؟ كفى هذا‬
‫المدار‪ ...‬كفى"‪..‬‬

‫قام جومو وجر تعلى إسماتعيل ـ الغارق في النوم ـ من أصابع يده‪ ،‬فلم يزد هذا تعن‪:‬‬

‫"أووووم ‪"..‬‬

‫ثم انقلب ليكمل نومته‪ .‬فضربه جومو تعلى كتفه ست ضربات متتاليات‪ ..‬فقام تعلى إسماتعيل مخلوتعاا‪:‬‬

‫ـ مالك؟ في شنو؟؟‬

‫ـ قوم‪ ..‬أنا تعايزك‪..‬‬

‫ـ ياخي الصباح‪..‬‬

‫ـ ما ينفع ‪..‬‬

‫فجلس تعلى إسماتعيل وهو يغالب النوم‪:‬‬

‫ـ آها‪ ..‬؟؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ ل هنا ما ينفع‪ ...‬أراح بره‪..‬‬

‫أحس تعلى إسماتعيل بجدية الموقف‪ ،‬ولف ملءته حول جسده وقام تعلى حال )إلعن أبو اليوم الجلمانا فيكم(‪.‬‬

‫تعلى الساحة المجاورة للداخلية‪ ،‬حيث كانوا يلعبو ن الكرة الطائرة‪ .‬تعرف تعلى إسماتعيل تفاصيل الحكاية‪ ،‬أو ما أسماه‬
‫)قولة تيت(‪ .‬ولما كا ن )ما يزال في النوم تعشما ن(‪ ،‬تخارج من الموقف باقتراح وجيه‪:‬‬

‫ـ أسمع‪ ..‬أحسن حاجة تعملها‪ ،‬ما تفوت اللحظة دي‪ ..‬وبدل ما تقعد تحبني أنا‪ ..‬أحسن تحبها هي!‬

‫ـ يعني أتعمل شنو؟؟‬

‫ـ يا أخي أمشي جيب ليك قلم وكم كراس كدة‪ ،‬واتعتبرها الكراس‪ ،‬وبعدين وقول ليها أي حاجة إنت تعايزها‪ ..‬بعد داك‬
‫الباقي هين‪.‬‬

‫كا ن القتراح وجيهاا بالفعل‪ ..‬وبعد دقائق‪ ،‬أستعاد تعلى إسماتعيل نومته‪ .‬وكا ن جومو )أنا و انت والليل والقمر(‪ ..‬ولما‬
‫استفتح تعم تعبده صباحات ال بـ)أسبحنا وأسبح الملك ل(‪ ،‬كا ن جومو قد جأوحى إليه نشيد النشاد الخاص به! و مل‬
‫كراسة‪.‬‬

‫وبعد أ ن صلى الفجر‪ ،‬وتعاد إلى سريره مغمضا تعينيه يستعيد نفسه الذي ظل متوقفا منذ منتصف الليل‪ ،‬ظهر ذلك الطائر‬
‫الخرافي الذي يشبه السمبرية متمرجح ا في خياله! كانت تلك أول بوادر الحمى )الملريا(‪.‬‬

‫في التاسعة صباحا وجد نفسه تعلى سواتعد الرفاق محمو ال إلى المستشفى‪ ..‬ولم يفارقه الطائر الخرافي إل في اليوم‬
‫الرابع‪ .‬فجلس الرفاق بجواره‪ ..‬وقال له تعلى إسماتعيل‪:‬‬

‫"إطمئن يا أبو الشباب ‪ ..‬إنت بس خليها تجيك ) ندبة الصباح("‪.‬‬

‫كانت اليام الربعة قد شهدت نشاطا دائب ا سخر فيه جنرالت قرف كل مكرهم ودهائهم لخوض حرب ل مجال لخسرانها‬
‫أبدا‪ .‬فقد قام تعلى إسماتعيل بإقناع زهرة بخطة )الحرب(‪ ،‬بعد أ ن أبكاها وهو يتلو تعليها صفحات من )كراس القمر(‬
‫محذر ا إياها من الوقوع في غرام هذا )النبي(‪ ،‬وهو يقار ن لها ما كتبه مع مقاطع من نشيد النشاد الصلي‪ .‬ولما اقتنعت‬
‫زهرة بالخطة‪ ،‬قام بتسليمها )الطعم(‪ ،‬وهو كتاب )قصة حب تعلى ضفاف المانج (؛ تلك القصة التي تحكي تعن فتاة تحب‬
‫فتى غائباا‪ .‬وظلت تحلم بلقائه لسنين طويلة‪ ،‬ولما لم يجيء‪ ،‬قررت النتحار أخيراا‪ ،‬فودتعت ذكرياتها الجميلة‪ ،‬وشكرتها‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫تعلى حسن الرفقة‪ ،‬وذهبت لتلقي بنفسها تعلى ضفاف نهر المانج‪ .‬ولكن هناك كانت المفاجاة! إذ أ ن الفتى نفسه كا ن‬
‫تعلى الضفة الخرى‪ .‬وقد اتخذ نفس القرار ولنفس السباب!‬

‫فسبح كل منهما باتجاه الخر‪ ،‬وفي منتصف النهر‪ ،‬كا ن تعناقا حار ا أخجل الكواكب‪ ،‬فحملتهما تعلى مركب النور إلى‬
‫حديقة السعادة البدية ـ ليكمل تعناقهماهناك‪ .‬وفي لجج العناق‪ ،‬تستمتع الفتاة إلى أخبار أيام الفتى‪ ،‬تبكي‪ ،‬فتهطل‬
‫دموتعها وتنبت أزهارا ‪ ..‬وأزهاراا!!‬

‫في مساء ذلك اليوم كا ن الكتاب قد وصل إلى أنامل تعزة ـ صديقة نازك الوحيدة ـ بصدفة مفتعلة‪ .‬وفي صباح اليوم‬
‫التالي‪ ،‬تم جر )العدو( إلى خط المواجهة‪ .‬جاءت نازك لتبادل قبلة الصباح وحضنته مع تعزة‪ ،‬فلحظت احمرار تعينيها!‬
‫ولما سألتها أجابت دموتعها!! وهناك في زاوية السرار‪ ،‬أخرجت تعزة الكتاب وأتعطته لنازك‪.‬‬

‫وفي أزقة الوقت بين أسرار المدرسة الميرية‪ ،‬كانت سيرة )الولد الجميل( الراقد تعلى سرير المرض قد تم تداولها مع‬
‫بهار ذكريات أتعياد الماضي‪.‬‬

‫انتحل بقية أولد قرف شخصيات قطاع الطرق‪ .‬حتى أ ن نازك وهي في طريق العودة اليومي‪ ،‬قد ألقت التحايا لول مرة‬
‫تعلى شربات وسيد شطة الذين كانا يفتعل ن مشهدا شاهده )الجميع( في يوم مضى تعلى خشبة مسرح )المدينة( الكبير‪.‬‬

‫في الليل‪ ،‬وبد ال من المذاكرة المفروضة من قبل )كبير المدرسين(‪ ،‬العارف بواجبات أنجاله في سنين دراستهم الفاصلة‪،‬‬
‫جوضعت الكتب المردسية جانباا‪ ،‬وامتدت النامل الناتعمة إلى )السر( بعد أ ن أدخل بين دفتي )كتاب الدين(! حتى ل يشك‬
‫شاك‪.‬‬

‫كانت اليد اليمنى تمسد في البدء )حبة الشباب( ذات الملمس )الحلو(‪ .‬وتارة أخرى تمسد الضفائر الطائرة‪ .‬إلى أ ن‬
‫ل قلي ال لتمسح غشاوة العين التي صارت تصنعها الدموع‪ .‬لتصبح أخيرا في إنتظار الكواكب!‬
‫زحفت قلي ا‬

‫في تلك الليلة‪ ،‬نبتت أشجار الغربة والتوحد‪ ،‬وصارت غابة في القلب النضير‪ .‬وانبجس النداء النثوي الذي كا ن يتعرج‬
‫بين أسوار الوامر الزلية‪ ،‬وكهوف التغييب الصم‪ ،‬ليجد نفسه دفعة واحدة في البرية‪ ،‬وتعلى مرأي من الشمس‪ ،‬أمام‬
‫الحياة بالطعم واللو ن والرائحة‪.‬‬

‫أستمرت جرجرة العدو في اليوم التالي‪ ،‬بل وتقدمت إلى أبعد مما كا ن مرسوم لها! فقد جاءات نازك أكثر بكرة تعن‬
‫تعادتها وأنتظرت تعزة‪ .‬وبعد القبلة البدئية‪ ،‬والحضنة‪ ،‬أضافت قبلة أخرى ثم ألقت بالرجاء‪:‬‬

‫"تعزة‪ ،‬تعليك ال لو إنتي صاحبتي بالجد‪ ..‬تعليك ال تديني الكتاب ده"‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫فردت تعزة باسف‪ :‬أ ن الكتاب ليس ملكها وأخبرتها أنه كتاب زهرة‪ .‬وأضافت أنها هي نفسها كانت تفكر في نفس‬
‫الموضوع‪ ،‬بعد أ ن بحثت تعن الكتاب في كل المكتبات ولم تجد له أثرا ول حتى ذكرا!! ولكنها أتعلنت تعن تنازلها إذا‬
‫سمحت زهرة بذلك قائلة‪:‬‬

‫"ما نحن يا نازك )حاجة واحدة("!‬

‫وطفقتا في تعناق جديد‪ .‬وبدأ مشوار البحث تعن زهرة‪ .‬أخير ا وجدتاها جالسة هناك في طرف المدرسة في انتظار جرس‬
‫بداية اليوم الدراسي‪ .‬وقد كانت حزينة بالفعل وهي تمثل دور الحزينة ـ حسب الخطة ـ ولما فأجانها بالطلب تصرفت‬
‫وأدخلت تعديلت فورية تعلى الخطة من تعندها‪ .‬فهي ال ن أكثر حماسا من الجميع!! وقد بررت ذلك لحبيبها تعلى‬
‫إسماتعيل‪ ،‬بأ ن "كل شيء في سبيل الحب مشروع‪ ،‬بل وواجب!"‪.‬‬

‫وضمن التعديلت في الخطة‪ ،‬أتعطت زهرة الوتعد الجميل لنازك بأنها ستبذل قصارى جهدها لقناع قريبتها صاحبة‬
‫الكتاب بأ ن تتركه لها‪ ،‬وإلى أ ن يأتي ذلك الحين فليبق الكتاب معها كعربو ن صداقة‪ .‬وكا ن ذلك وحده كافيا لنشوء صداقة‬
‫فورية‪ ،‬وإضافة تعضوة جيدة إلى جماتعة )سرب العصافير(‪ ،‬التي تضم تعزة‪.‬‬

‫في فسحة الفطور‪،‬تعادت الخطة الجهنمية إلى مجراها الساسي؛ فشرحت زهرة للصديقتين سر حزنها الحقيقي‪/‬المفتعل‪:‬‬

‫ـ وال يا جماتعة أنا حزينة لنو صاحبنا تعيا ن وراقد في المستشفى‪ ..‬ومافي طريقة نمشي نزوره‪..‬ما إنتو تعارفين‬
‫قوانين الداخلية الزفت دي‪ .‬ده جومو يا تعزة‪ ..‬طبعا نازك ما بتعرفو‪..‬‬

‫قالت تعزة‪:‬‬

‫ـ تتذكري يا نازك الولد الكا ن بمثل خالد تعبد الفراج ود التاجر في مسرحية الشماشة بتاتعة السنة الفاتت؟؟‬

‫ـ أيوة‪ ،‬أيوة‪ ..‬بتذكرو! الود ده أ ن شفتو متين ياربي؟؟ أيوة‪ ..‬قبل كم يوم كدة جا بيتنا تعشا ن يشيل الغدا‪ ..‬وهو بقى‬
‫تعيا ن متين ؟؟‬

‫وأمسكت زهرة بالخيط‪:‬‬

‫ـ ده ياهو‪ ..‬وال ده ود!! إل غايتو‪ ..‬تصوري! تعندو ملريا‪ ،‬وليهو كم يوم راقد‪ ..‬تخيلي الملريا مخلية الناس الشينين‬
‫الكتار ديل كلهم‪ ،‬وماسكة الولد العسل ده!!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وهنا استعادت نازك صورة باهتة لذلك كالولد الذي فتحت له الباب يومذاك‪ .‬كانت الصورة ضبابية‪.‬تعادت إلى احتفال‬
‫العام الماضي ولم تنجل الصورة بعد! وبدأ جهاز الفضول ير ن في الدماغ بحثا تعن التفاصيل الكاملة للصورة!‬

‫ومع جرس نهاية اليوم الدراسي‪ ،‬جاءت زهرة إلى تعزة ونازك وقالت‪:‬‬

‫ـ تعزة‪ ..‬ما يعني أ ن تعايزاكي في خدمة صغيرة‪..‬‬

‫ـ جدا يا زهرة من تعيوني ‪..‬‬

‫ـ وإنتي مارقة من هنا مش ممكن تتقدمي مع نازك؟ بس نحنا تعندنا حاجة تعاوزنك توصليها داخلية الولد‪ .‬لـ)تعلي(‪،‬‬
‫أصلو إحنا تعايزين نرسل لجومو حاجة صغيرة كدة نعبر بيها‪ .‬دي أقل حاجة‪ ..‬وهو طبعا تعارف إنك صاحبتنا‪.‬‬

‫أفرحت الجملة الخيرة تعزة‪ .‬وتحمست للفكرة فأضافت زهرة‪:‬‬

‫"أووف من السجن الحنا فيهو ده ‪"..‬‬

‫أحست نازك‪ ،‬ولول مرة بأنها تعيش في سجن أكبر من الذي تتحدث تعنه زهرة‪ .‬فبدا لها أ ن كل البنات لديهن تعلقات‬
‫)حب( و)صحبة( مع الولد إل هي‪ .‬وهي تستعيد تاريخها الشخصي ول تجد فيه إل صور الصبية الذين رافقوها في‬
‫سنين مضت‪ ،‬ولم تستطع صنع التماثيل التي تريدها من تذكارات وجوههم‪ .‬جاء بقية سرب العصافير‪ ،‬جلسن بعد أ ن‬
‫بصمن تعلى شيء لم يكن تعلى دراية بخلفياته‪ .‬جررت زهرة جسستة حقيبتها ببطء ثم أخرجت كرت البوستال؛ أزهار‬
‫حمراء وصفراء وبيضاء تعلى أرضية زرقاء‪ ،‬وقالت‪:‬‬

‫ـ آها‪ ..‬رايكم شنو؟؟‬

‫ـ اللـــه‪ ..‬وال حلو خالص‪ ،‬صحن بصوت واحد‪.‬‬

‫أحست نازك بأنه فعال حلو‪ .‬وزادت إلى حصيلة اكتشافاتها شيئا آخر جيم ا‬
‫ل‪.‬‬

‫قلبت زهرة الكرت ووضعته تعلى فخذها وأخرجت قلم الحبر الجاف الخضر‪ .‬فتجمعت الرؤوس وأنكبت العيو ن في‬
‫انتظار ما سيكتب‪ .‬وبعد مماحكة أثارت التعصاب كتبت‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫سلم ال يغشاك ‪..‬‬

‫وتعين ال ترتعاك‪..‬‬

‫فإ ن غبت تعن العيو ن فإ ن قلوبنا لن تنساك‪.‬‬

‫صديقاتك المشتاقات لشوفتك مع الصحاب‪:‬‬

‫زهرة‬

‫جليلة أنهار‬

‫تعزة ‪..‬‬

‫ولما جاء الدور تعلى نازك ماحكت زهرة قليال وهي تصلح إحدى الزرة تعلى صدرها‪ ،‬وهنا شعرت نازك بالخذل ن‪،‬‬
‫وقالت شبه محتجة‪:‬‬

‫"يعني يا جماتعة أنا كنت بتمنى أكو ن معاكم‪ ..‬لكين‪"..‬‬

‫هنا تصرفت زهرة‪ ،‬وأدخلت تفاصيل جديدة للخطة‪ ،‬وأتعطت القلم لنازك قائلة‪:‬‬

‫ـ إنتي أهم واحدة! لنك صاحبتنا الجديدة‪ ،‬تعشا ن كدة أكتبي اسمك بخطك الجميل‪.‬‬

‫ومدت إليها الكرت!‬

‫فرحت نازك وكتبت‪:‬‬

‫نازك ‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وملها إحساس‪ ،‬في تلك اللحظة‪ ،‬بأنها صارت كبقية البنات ولها أصحاب وأصدقاء من الولد‪.‬‬

‫تعقب إدخال الكرت في الظرف وتصميغه‪ ،‬جش ليع بالنظرات الفرحة إلى حقيبة تعزة‪ ،‬وتم الطمئنا ن تعلى سلمته وراحته‬
‫داخلها‪..‬‬

‫وهناك‪ ،‬كا ن جيش قرف قد شدد الحراسة تعلى كل الطرقات والممرات‪ .‬كانوا كذئاب جائعة تذرع المسافة جيئة وذهاباا‪،‬‬
‫وسط جو من القلق باحتمال حدوث طوارئ أو خلل في الخطة‪ ،‬والقلوب ترتجف مع مرور كل سرب‪.‬‬

‫صاح شربات محاول اتبديد القلق‪:‬‬

‫ـ إنتو يا )مع جرصين( خليكم أذكياء‪ ..‬الجماتعة ديل إتاخروا معناه الحاجات ماشة تمام التمام‪..‬‬

‫فقاطعة أبو خمسين‪:‬‬

‫ـ أنت الو رراك منو؟ ما احتمال تكو ن الحكاية تعصلجت‪ .‬أو تكو ن حصلت شكلة‪ .‬أو تكو ن المشرفة قبضتم ياخي؟؟‬

‫فصاح شربات في وجهه‪:‬‬

‫ـ أسكت يا شوم‪ ،‬إنت أصلوا ما بتتخلى تعن الجبن بتاتعك ده؟ يا خي خليك واثق‪.‬‬

‫واضطر أبو خمسين ـ الذي بدأ يتعافى ـ للصمت وتسلق حبال التفاؤل‪.‬‬

‫وبعد لحظات‪ ،‬أطلت العصفورتا ن تتهاديا ن "هناك"‪ ..‬في بداية الطريق المؤدي إلى "هنا" فعاد تعلى إسماتعيل إلى‬
‫الداخلية‪ ،‬لكسب الوقت الذي تتم منادته فيه إذا كا ن في المر )سبع(‪ ،‬أما إذا كا ن في المر )ضبع( ليقوم بـ)تجهيز‬
‫وسائل التهديد لبو خمسين الرتعديد(‪.‬‬

‫كا ن طاقم المناورة المشكل من شربات وفريني مرابطاا‪ ،‬وقد تم افتعال مشهد المتجادلين في أمر ججدي‪ ،‬غير العارفين بما‬
‫سيحدث وراء الزاوية التي ل يستطيع أحد رؤية ما يجري وراءها‪.‬‬

‫وبالفعل ظنت العصافير أ ن في المر صدفة جميلة‪ ،‬فهاهم رفاق )تعلي( في أول المشوار وفي مكا ن يسمح بتبادل التحايا‬
‫والقصص الصغيرة‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ السلم تعليكم ‪ ..‬قالت تعزة‪ ،‬إزيكم قالت نازك‪.‬‬

‫ومثلتا أنهما لم ترياهما من قبل!‬

‫ـ وتعليكم السلم‪ ،‬قال فريني‪ .‬أهال‪ ،‬قال شربات‪ .‬ومجثل تعدم تعلمهما بشيء!‬

‫ـ أسمعوا‪ ..‬إنتو بتقروا في الشرقية؟‬

‫ـ أيوة‪ ..‬في حاجة؟؟‬

‫ـ ل‪ ،‬بس إحنا تعايزين واحد في الداخلية‪.‬‬

‫ـ أيوة‪ .‬نحنا في الداخلية‪ ،‬تعايزين منو؟؟‬

‫ـ تعلى إسماتعيل ‪...‬ممكن تناديهو؟‬

‫ـ جداا‪ ..‬جداا‪.‬‬

‫وهنا تأكد شربات من نجاح هذه المرحلة من الخطة‪ ،‬وأمر فريني‬

‫ـ اسمع‪ ،‬أمشي ناديهو ‪..‬‬

‫ذهب فريني‪ ،‬وتمحرك شربات مع العصافير في )حق ال بق ال( وإزاي الحال‪ .‬والمدرسة‪ ،‬والمذاكرة‪ ..‬والسنة دي‬
‫المتحانات احتمال تكو ن صعبة‪ ،‬واحتمال تكو ن سهلة‪ .‬وكسر حاجز )أول مرة(‪ .‬أسترق النظر ليقرأ ملمح )العدو( تعن‬
‫قرب‪ ،‬قال لنفسه‪" :‬أمانة ما وقعت يا أبو الشباب!!"‪.‬‬

‫زال توتر اللقاء واللحظة‪ ،‬ولكنه سمع الشارة إياها‪ ،‬فافتعل حكاية )كدي نشوفو إتأخر مالو( وبعد قليل‪ ،‬جاء تعلى‬
‫إسماتعيل لوحده‪ ،‬قدم نفسه لنازك واتعذر تعن شربات‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ أخونا ده نادوهو في الداخلية وبقول ليكم مع السلمة‪.‬‬

‫ـ ال يسلمه‪ ..‬ال يسلمه‪..‬‬

‫هو أيضا استرق النظر إلى نازك بحثا تعن تفاصيل إضافية‪ .‬أخرجت تعزة )الظرف( وكانت نازك تتلفت بعد أ ن احست‬
‫بقلق إطالة الوقفة‪ .‬قالت تعزة‪:‬‬

‫ـ ده من زهرة‪.‬‬

‫ـ شكراا‪.‬‬

‫ـ إل صاحبكم العيا ن كيف هجسي؟؟‬

‫ـ وال تعبا ن شوية‪ ..‬إل بدا يخف‬

‫ـ تعليك ال سلم تعليهو‪ ،‬قالت تعزة وإجتازت نازك باب الحرز وقالت‪:‬‬

‫ـ سلم تعليهو تعليك ال‬

‫ـ يوصل ‪ ..‬يوصل ‪ ..‬ال يسلمكم ‪.‬‬

‫وجرجرت نازك طرحة تعزة‪ ،‬كناية تعن )ياجل إتأخرنا(‬

‫ـ خلص مع السلمة‪.‬‬

‫ـ مع السلمة‪..‬‬

‫تعاد تعلي إسماتعيل ظافرا ومعه بقشيش "سلم تعليهو تعليك ال"‪ .‬كا ن يغني هذه الجملة وهو يلز بقية أولد قرف بكوتعه‬
‫ليفسحوا له الطريق إلى السرير‪ ،‬حيث قام بفتح الظرف وقلب الكرت وصاح‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫" ييهووو ‪" ...‬‬

‫ثم أضاف‪:‬‬

‫ـ ده أكيد خط زهرة‪ ،‬وأنتو تعارفنو‪ ،‬لكين تعليك ال وحي من )تعليك ال( دي‪ :‬النا الحلوة دي‪ .‬وال الحلى دي‪ ،‬والزا‬
‫الشربات دي‪ ..‬والكا أم ضنيب العسل دي‪ ..‬يكو ن كتبهم منو؟ أحبك يا زهرة‪ ..‬أحبك‪..‬أحبك‪ ..‬وقجبل الكرت وحضنه‬
‫وانبطح فوقه تعلى السرير‪ .‬وبعد )جهاد( طويل استطاتعوا أخيرا تحرير الكرت‪ .‬فقال شربات‪:‬‬

‫ـ ياخي شربتو كلو!‬

‫ـ ياخي بتشجرط ول يتب جرط‪ .‬هو أتعمل خلص‪ .‬لكين ـ تعلي اليمين ـ زهرة دي خطيرة!! تعرفوا‪ ،‬خط نازك ده إنتو ول‬
‫كنتو متخيلنو!!‬

‫في مساء اليوم الرابع‪ ،‬لما تعاد جومو إلى الداخلية‪ ،‬بدأت مراحل )الفيء والغنائم(‪ .‬فبعد أ ن أقنعه جيش قرف‬
‫بمشروتعية ماحدث‪ ،‬جطلب منه أ ن يكتب رسالة )شكر وتعرفا ن( لشلة )سرب العصافير(‪ .‬قاموا بإملء بعضها‪..‬‬

‫"‪...‬‬

‫‪...‬‬

‫وفي النهاية‬

‫‪ ...‬وأخص بالشكر‪ ،‬الصديقة النبيلة )نازك(‪ ،‬التي منحتني الصداقة وهي لم تك تعرف تعني إل محنتي‪ .‬فأرجو أ ن تقبل‬
‫)معزتي ( لها‪ ،‬إلى أ ن )نلتقي("‪.‬‬

‫ومع بريد السادسة والنصف صباحاا‪ ،‬وصلت الرسالة إلى زهرة‪ ،‬التي رقصت إلى أ ن اكتمل سرب العصافير ثم فتحنها‪:‬‬

‫إلى الصديقات العزيزات‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫زهرة‪ ،‬جليلة‪ ،‬أنهار‪ ،‬تعزة‪ ،‬نازك‪..‬‬

‫‪..‬‬

‫‪...‬إلخ‬

‫ولول مرة تلوي نازك تعنقها باتجاه الداخلية وهي تعائدة في دربها اليومي‪ ،‬الذي اتعتادته منذ مئات اليام وفي الخاطر‪،‬‬
‫حلم بلقاء أو حتى نظرة تعابرة‪ .‬وفي الليل وتعلى ضفة المانج ظهرت بعض ملمح الفارس‪.‬‬

‫كا ن أولد قرف )الملتعين( قد راقبوا النجم في مداره‪ ،‬ولما تأكدوا من )الذي في بالهم(‪ ،‬أصدروا المر الحاسم )ل‬
‫ظهور تعلى الشاشة(‪ ،‬ثم‪:‬‬

‫ـ أصبر لينا يومين كدة‪ .‬وبطل حكاية )جالس تعلى الجمر( دي‪ ..‬وخلي الحكاية تسخن حبتين‪.‬‬

‫قاموا بعمل ‪ sharing‬بكل ما لديهم‪ .‬واستهبل بطيخة والده في حسابات الدكا ن‪ .‬وذهب شربات وخدع سائق اللوري‬
‫صديق والده بأ ن "ناس المدرسة تعايزين قروش الرحلة"! وذهبوا إلى السوق و اشتروا بالضافة للجزمة )الكموش(‪،‬‬
‫قميصا وبنطا ال بمواصفات كموش‪ .‬ثم أحضروا المقصات والمواس "وساحوا في رأس الرفيق حلقاة"‪ .‬ثلثة أيام‬
‫أخرى مرت وكانت نظرة العصفور تطول مع كل يوم‪ .‬وفي اليوم الرابع‪ ،‬ونهاية السبوع‪ ،‬تم التوقيت لمنح نظرة‬
‫تعابرة‪ ..‬ففي اللحظة التي مرت فيها العصفورة كا ن جومو في كامل أبهته تعلى طرف السور ينفض منديله الزرق من‬
‫بلل الغسيل وكأنه غير آبه بما يجري حوله بعد الخفاء التكتيكي البارع‪.‬‬

‫استعادت )لحظة المنديل الزرق( بعض الملمح الضائعة ولم تبق في الحس بقية تعتمة‪ .‬بقى أ ن تصدر الكواكب أمرها‪،‬‬
‫ويتم النتقال إلىحديقة السعادة البدية‪ .‬وقد تدربت العينا ن الجميلتا ن تعلى )قطر الندى( في ليالي المانج‪ ،‬وما تعلى‬
‫الزهار إل أ ن تنبثق‪.‬‬

‫في الرابع والعشرين من أغسطس‪ ،‬جحبس الناس داخل الجدرا ن طوال ساتعات النهار‪ ،‬بعد أ ن ظل المطر يهطل تعلى‬
‫المدينة منذ الحادية تعشر صباحاا‪ .‬وفي الثالثة بعد الظهر‪ ،‬وما يزال المطر يشرشر‪ ،‬خرجت نازك ـ تعقب فشل سرب‬
‫العصافير في إقناتعها بالنتظار؛ فقد تجاوز الوقت حدود )قانو ن الحضور البيتي(‪ .‬كانت تحمل حقيبتها في حضنها‪،‬‬
‫مغطاة بطرحتها‪ ،‬تاركة ضفائرها لبقايا الريح والمطر‪ .‬تقفز فوق المياه هنا‪ ،‬وتضطر لمسايرة جدول إلى أ ن يرق قلبه ثم‬
‫تعبر في لعبة الحبل الوهمي تلك‪.‬‬

‫كا ن شربات‪ ،‬في وردية مراقبة الطريق بعد أ ن تجاسر أولد قرف تعلى البلل تاركين المدرسة قبل الساتعة المرسومة‬
‫تحسبا لي تجاوزات قدرية‪ .‬صاح شربات‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫"العصفورة ظهرت!!"‬

‫ولما ظنوا أنها إحدى مقالبه ليحل محل أول كبكابة في تربيعة الكوتشينة‪ ،‬ليورطه في المراقبة‪ ،‬لم يأبه له أحد‪.‬‬

‫فقفز صائحاا‪:‬‬

‫"وال أنا بتكلم جد‪ .‬قوموا يا جماتعة!!"‬

‫فقام تعلى إسماتعيل وهو يمسك بأوراقه حتى إ ن بدا في المر مقلب‪ ،‬يمكنه ممارسة )الخرخرة( وفي يده أدوات الضغط‪.‬‬
‫ولما تاوق من النافذة وقذف بالوراق؛ تأكد البقية من صدق الحكاية‪.‬‬

‫تم إتعادة إرتجال الخطة‪ ،‬فأمروا فريني أ ن ينتتحل شخصية )الصنفور( في الزاوية البعيدة التي اسمها اسكب )‬
‫‪ ( scope‬تعلى وز ن الفيلم )أسكوب وألوا ن(‪ .‬وبعد اجتهادات مضنية‪ ،‬تم تأكيد المكياج‪:‬‬

‫شربات يسرح الشعر‪.‬‬

‫سيد شطة يصلح الرشكة‪.‬‬

‫وتعلى إسماتعيل )يقتنع(‪ ..‬ثم‪:‬‬

‫"ياجل يا بطل‪ ..‬هيما ماليني قدامك ‪ ..‬وأوتعك تنسي )الجغنا("‪.‬‬

‫ل قليال‪ ..‬تداخلت‬
‫ذهب جومو إلى الزاوية الضيقة إياها‪ ،‬المقابلة للسكوب‪ .‬ومع شرشرات المطر‪ ،‬كا ن الرتباك يدب قلي ا‬
‫خيالت لحظة اللقاء مع تهديدات قدرية محتملة‪ ..‬الكلمات المرتبة بدأت تنفصل تعقودها وتسبح في هلم‪ ..‬في انتظار‬
‫الشارة‪ .‬وفي اللحظة الحاسمة‪ ،‬أنزل فريني الصنفور‪ .‬وخطوة‪ ،‬ثم يمين دور‪ ،‬ثم وجها لوجه مع )العدو(!‬

‫لم تك نازك مستعدة للمفاجأة‪ ،‬فقد كا ن ذهنها مشغول ابقانو ن الحضور المنزلي‪ .‬فتسمرت أما الماء الذي يسد الطريق‬
‫تعند العطفة‪ .‬نظرت إليه ودق قلبها بعنف‪ .‬فلحظ هو الخر‪ ،‬المرتبك‪ ،‬ارتجاف شفتيها‪ .‬طارت كل كلمات )الغنية( التي‬
‫كا ن يحفظها تعن ظهر قلب‪ ،‬ولم يجد أمامه إل صدقة الشخصي‪ ،‬وبات مشفقا تعليها‪ .‬فوضع طوبة في الماء وغمس‬
‫جزمته الجديدة في الوحل‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ تعالي تعدي ‪..‬‬

‫ومد يده وأمسك بيدها‪ ،‬وكطفلة صغيرة يعلمها المشي‪ ،‬تعبر بها إلى الطرف الخر‪.‬‬

‫قالت‪:‬‬

‫ـ شكراا‪..‬‬

‫فعادت بعض الكاذيب‪:‬‬

‫ـ ل‪ ...‬شكرا للصدفة دي‪ ..‬قالها بارتباك ظاهر‪ ،‬ثم‪:‬‬

‫ـ أنا‪ ..‬أنا‪ ..‬أنا تعايز أقول‪ ..‬ليك‪..‬‬

‫كانت خائفة فقالت‪:‬‬

‫ـ أنا إتاخرت ‪..‬‬

‫تجاسر‪:‬‬

‫ـ طيب‪ ..‬أشوفك متين؟‬

‫ـ بكرة‪ ..‬بكرة‪..‬‬

‫تورطت في الوتعد هربا من الخوف الذي لم يكن هذه المرة من قانو ن الحضور المنزلي‪ ،‬وإنما من هول الموقف‪.‬‬

‫في الوقت الذي كا ن يستلذ فيه ويستعيد شعب جمهورية قرف )طعم( المسكة التي أكدها فريني‪ ،‬كا ن العصفور هناك‬
‫يحسب الساتعات بضربات القلب "يا يوم بكرة ما تسرع " ويفتش تعن وسيلة لبراح في لقاء الغد‪ .‬ولكن يفاتعة التجربة‪،‬‬
‫وتاريخ التوحد وآثار النضباط التربوي قد وقفت جيمعها أمام أي حل ولم يبق إل الدتعاء والتضرع إلى ال أ ن يحلها‪.‬‬
‫ولول مرة تخطر بالبال الفكرة المشؤومة‪" :‬طيب لو كا ن تعايز يشكرك وبس؟ تموتي طوالي‪ ..‬أيوة‪ ..‬تموتي‪ ."..‬كا ن‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫الليل بحر للنجيب الصامت المحاصر بأنفاس سلمى‪ ،‬الخت الكبيرة‪ ،‬شريكة الغرفة‪ .‬قبل الذهاب إلى المدرسة‪ .‬دغدغت‬
‫النثى فيها أكثر مما مضى ووقفت أمام المرآة لمدة أطول‪ .‬لعنت حبة الشباب )اللئيمة(‪ ،‬ولم تك تعرف أ ن هذه اللئيمة‬
‫بالذات لها شأ ن تعظيم‪ ،‬أتعتنت بضفائرها أكثرمن أي يوم مضى ولم تك تعرف ـ أيضا ـ أ ن فوضاها أكثر وقعاا‪ .‬خرجت‬
‫وفي بالها الرسالة التي تعند زهرة )أمينة أرشيف السرب(‪ .‬ولما تعتبت خارج بوابة المنزل أبصرت فارسها ضمن أفراد‬
‫الشلة‪ .‬خافت لول مرة من شيء مجهول! فعادت إلى الداخل تلملم نفسها ولما فاجأتها أمها‪ ،‬أجابت‪:‬‬

‫ـ نسيت قلمي‪ .‬وما كانت الم قد لحظت ما لحظته سلمى من تغيرأت حدثت لختها‪ .‬وتعلى الباب تلصصت من الفتحة‬
‫الصغيرة التي فتحتها وقارنت اللحظة بيوم )الغداء(‪ .‬ولما اطمأنت من خلو الطريق خرجت ومشت بسرتعة تاركة هذا‬
‫المكا ن الذي صار كل شبر فيه يثير توترها‪.‬‬

‫في المدرسة‪ .‬لم تستطع أ ن تطلب من زهرة الذي في بالها‪ .‬بالرغم مما صنعته اليام القليلة الماضية من لطف‪ .‬كانت‬
‫زهرة هي مركز الدائرة ومصدر الثقة والجرأة‪ .‬فدارت بينهما أحاديث خالية من السرار‪ .‬إل أ ن زهرة أحست بتطور‬
‫المسألة بالرغم من أ ن بريد الصباح تغيب لسبب ما‪ ،‬فساقتها إلى المكا ن إياه‪ ،‬ولوحدهما هناك‪ ،‬ثم سألتها‪:‬‬

‫ـ إنتي يا نازك إحنا مش بقينا أصحاب؟‬

‫ـ أيوة!‬

‫ـ طيب إنتي ما بتحكي لي مالك؟‬

‫وكا ن ذلك ما تحتاجه نازك في تلك اللحظة‪ .‬بعد أ ن كانت تعزة تغلق السيرة!؟؟ وبكلمات مواربة‪ ،‬استطاتعت أ ن توصل‬
‫لزهرة معلومة واحدة‪:‬‬

‫"صاحبكم أمس كقطعني الموية"‪.‬‬

‫ـ أمس متين؟؟‬

‫ـ لمن كنت راجعة من هنا‪..‬‬

‫ـ إنتي ليه بتقولي صاحبكم؟؟ مش صاحبنا كلنا؟؟‬

‫ـ أيوة‪ .‬آسفة‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ وهو قال ليك شنو؟؟‬

‫ـ ل دة بس قطعني الموية ومشى‪..‬‬

‫ـ أنا ما قلت ليك ده ولد زوق‪ ..‬وإنتي لو تعرفتيهو أكثر حتصدقيني‪..‬‬

‫ـ قولي يا نازك‪ .‬إحنا مش اتفقنا إننا أصحاب؟ وبعدين أهم شيء في الصداقة الناس يكونوا صريحين مع بعض؟؟‬

‫ـ أيوة بس‪ ..‬أنا كنت تعايزة أقول يعني أنا تعايزة أشكره تعلى العملو معاي‪..‬‬

‫ـ إنتي أمبارح ما شكرتيهو ليه؟‬

‫ـ ما تعارفه‪ ..‬أنا كنت خايفة‪ ..‬أقصد مستعجلة‪..‬‬

‫ـ برضو كويس‪ ..‬إنتي لمن تلقيهو تاني أشكريهو‪.‬‬

‫فكرت نازك قليال ثم قالت‪:‬‬

‫ـ يعني يا زهرة‪ ،‬أنا بقول يعني تعشا ن إنتي صاحبتم من زما ن‪ ،‬تقولي ليهو أنا بشكره‪.‬‬

‫ـ بس يا نازك الحكاية دي بسيطة‪ .‬وإنتي تعارفة أنا ما بمرق من السجن ده إل يوم الخميس‪ .‬وبعدين الشكر ده ما بنفع‬
‫يوصلوا زول‪.‬‬

‫ـ طيب يعني أنا ممكن أقول ليهو شنو مث ال؟ إنتي تعارفة أنا ما بعرف أتكلم مع الولد‪ ،‬وما بعرف أتعلبر؟؟‬

‫فهمت زهرة الموقف فقالت‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ شوفي يا ستي إذا إنتي خائفة ما تعرفي تعبري كويس لمن تلقيه‪ ،‬أمشي أكتبي جواب قولي أي حاجة إنتي تعايزاها‬
‫بالراحة كدة‪ .‬ولمن تلقيه أديهو الجواب‪.‬‬

‫ـ ل‪ ...‬ل‪ ..‬ما بقدر!‬

‫ـ ما بتقدري تعلى شنو؟‬

‫ـ ما بقدر أديهو الجواب‪..‬‬

‫ـ بسيطة يا ستي‪ .‬إنتي بس أمشي أكتبيهو‪ ،‬ودخليهو في ظرف‪ ،‬وجيبيهو لي‪ ،‬أنا بعرف أوصول ليك‪.‬‬

‫ـ وال جد؟! آآي يا زهرة ‪ ...‬أنا بحبك ‪..‬‬

‫وذابتا في الحضا ن‪.‬‬

‫تعند الغروب‪ ،‬كا ن أولد قرف في سرادق العزاء!! لم يبق إل آخر أمل مع تعودة تعلى إسماتعيل الكضاب‪ ،‬الذي ذهب‬
‫)يشمشم( الخبار‪ .‬ففي آخر النهار‪ ،‬مر العصفور مختبئا وسط سرب ل نهاية له! كا ن يبدو صارما للغاية ـ في مشيته ـ‬
‫ولم يلتفت أبد ا كما كا ن يفعل! لقد ضرب كل خططهم التي وضبوها لساتعات بعد أ ن خذلهم ساتعي البريد في الصباح‪.‬‬
‫فوضعوا كل الحتمالت‪ .‬ولكن وراء كل مكر مكر‪ ،‬وفوق كل طريقة طرائق أخرى‪ .‬وأ ن للصدق الكامل أيضا مكره‬
‫الخاص به!!‬

‫كا ن جومو جالسا تعلى سريره قبالة الحائط كراهب ل يكلم أحداا‪ .‬بطيخة وشطة قد تسيبا تعن بيتيهما ذلك اليوم‪ ،‬ولم يتغد‬
‫ل ولكما من المام ومن الخلف حتى ظنوا‬ ‫أحد‪ .‬وظلوا في جمرة القلق إلى أ ن جاء تعلى إسماتعيل‪ ،‬فدخل ووقع فيهم رك ا‬
‫أنه ج رن‪ ،‬ففروا من أمامه بمن فيهم بطيخة‪ ،‬الذي كا ن يستغل حجمة للجم نزتعات تعلي إسماتعيل العدوانية‪ .‬وبعد ابتعادهم‬
‫تعن حلبة الركل )الكضابي( ناداهم‪:‬‬

‫"تعالوا هنا يا بجم ‪ ..‬تكتيك!!"‬

‫وإخرج شارة النصر المبين‪ .‬ولم يصدقوا أ ن هذه الرسالة من نازك مباشرة‪ .‬فأخرج تعلى إسماتعيل الكرت وطالبهم‬
‫بمقارنة الخط‪) :‬نازك( و)يجدك كما أود(‪ .‬واستنادا إلى قوانين )الشتراكية الطبيعية(‪،‬نزع الظرف وقذف به بعيداا‪ ،‬ثم‬
‫بسط الرسالة دو ن أ ن تجد نزتعه )الملكية الفردية( أي مجال ‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫"بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫تحية أرق من النسيم‬

‫صديقي الغالي‬

‫سلم ال يغشاك‬

‫وتعين ال ترتعاك‬

‫و‪ ....‬و‪....‬‬

‫وانزلق القلب في القلم‪:‬‬

‫‪ ...‬ولو فرقتنا الليالي سيجمعنا الصباح‪..‬‬

‫‪ ...‬ولم تغيب تعن تفكيري‪..‬‬

‫آسفة لني مضطرة رسلت ليك أقوالي في الجواب‪ ،‬لكن لما تعرف السبب تعذرني ‪..‬‬

‫أرجوك تقبل )معزتي( لك‬

‫و‪...‬‬

‫و‪...‬‬

‫صديقتك الوفية )نو ن(‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وقد تم تمرير القلم مرتين تعلى كلمتي )الغالي( و)معزتي( ثم )الوفية(‪ .‬وانقلب سرادق العزاء الوهمي إلى هيصة كلفت‬
‫أولد قرف ثماني جلدات لكل‪ ،‬لما سببوه من إزتعاج في الداخلية‪ ،‬بعد الوقت المسموح به ـ تعرفيا ـ للهجييص الممنوع‬
‫أص ا‬
‫ل‪.‬‬

‫وبين أستار الليل‪ ،‬تحول نشيد النشاد إلى )أتعمال الرسل(‪:‬‬

‫نو ن "يا سوسنة الودية" ‪..‬‬

‫النهار ينطفيء‪ ،‬وها أنت نجمة تضيء تعتمات الليل‪،‬‬

‫نو ن يا أميرة البحار‪ ،‬ياوردة الزما ن يا ‪..‬‬

‫تعصفورتي "اللئذة بشقوق الصخر ومخابئ المعاقل أريني وجهك"‪ ،‬خدك الليسر‪ ،‬وحبة الشباب ياجميلة الشباب‪.‬‬
‫"أمسعيني صوتك ل ن صوتك تعذب ومحياك رائع"‪ ..‬تعيناك وردتا ن‪ ،‬وأنفك شامخ كجبل )جلعاد(‪ ،‬ابتسامتك صلة تعيد‪،‬‬
‫قامتك أشجار الجسر‪ ،‬ونهداك مثل العناقيد‪ .‬أتعبري قوس الليمو ن تعالي وأذهبي ‪..‬‬

‫‪...‬‬

‫إ ن لحظة لقائنا ستكو ن الحتفال‬

‫محبك إلى البد )جومو(‪.‬‬

‫نفذ كتاب الحب )أمر التحرك( ووصل إلي زهرة‪ .‬و هنا‪ ،‬أصبح التلصص قبل الخروج تعادة‪ .‬فبعد أ ن تم مسح المكا ن‬
‫جيد ا والتاكد من خلوه ما يربك القلب والمشية‪ ،‬خرجت التي كانت نازك في طريق المدرسة‪ ،‬آملة أ ن ل تكو ن الرسالة قد‬
‫جأرسلت خوفا تعلى ما )تهورت( وصرحت به في لحظة صدقها وهي لم تعد متأكدة من أنها كتبت صديقي أم )حبيبي(‪.‬‬
‫ولكن زهرة تعاجلتها بجرة كادت تسقطها أرضاا‪ .‬وفي ركن العصافير‪ ،‬سلمتها الرسالة المنتفخة ومعها أول درس في‬
‫كيفية إرسال الرسائل‪.‬‬

‫أنجز أولد قرف المهمة الضارية‪ ،‬وبعد الهيصة الجوانية‪ ،‬التي انتهت بالجلدة إياها‪ ،‬هاهم يستعدو ن للهيصة البرانية؛‬
‫والتغميس تعند )بيت زوبا(‪ .‬ولكنهم هذه المرة فشلوا في إقناع )العريس( بالذهاب معهم! فقد صرح بأنه ثمل بخمر‬
‫الرسالة‪ ،‬ومغمس في البنفسج‪ .‬وأنه ل يريد أ ن يلوث طعم النامل السحرية )الطاتعمة( منذ ذكرى يوم المطر‪ .‬وأنه صار‬
‫أبو أولد‪ .‬فقال شربات‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ إنت متين بديت!!؟ إنت باين تعليك )راجل المرة الواحدة(‪ .‬ما ياهو الكضاب بجاي‪ ..‬وبجاي؟‬

‫فعلق سيد شطة‪:‬‬

‫ـ تعرف دة باين تعليهو قاتعد يغمس في صابو ن نو ن البنفسجي‪..‬‬

‫ثم أضاف‪:‬‬

‫ـ ياخي بلطل قوم أراح ‪..‬‬

‫ـ ده إنت ياشطة القاتعد تعمل كدة‪..‬‬

‫ـ أنا براي؟؟ ما القطر ده كلو قاتعد يعمل كدة!!‬

‫تدخل شربات‪:‬‬

‫ـ وال أنا غايتو بطلت أتعمل الحكاية دي‪ ..‬ومال جقداحة )فوق( دي البغمس فيها منو؟‬

‫ولكن أبو خمسين استنفر أفكاره الخبيثة‪:‬‬

‫ـ إنتو يا جماتعة‪ ،‬خليكم من قداحة )فوق( دي‪ ..‬إنتو القداحة الما شامة ريحة التغميس دي بتستعمل باتو صابو ن؟‬
‫معقول تكو ن قاتعدة ساكت كدة؟؟‬

‫ـ وال ده سؤوال!! إنت يا أبو خمسين تعبقريتك دي كانت وين؟ قال تعلى إسماتعيل مندهشاا‪.‬‬

‫فعلق شربات‪:‬‬

‫ـ يا ربي يكو ن بالداندرما؟؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ خبيث‪ .‬تعاجله شطة‪.‬‬

‫ومضوا تاركين العريس مع )أتعمال الرسل(‪.‬‬

‫****‬

‫كانت سلمى‪ ،‬بسبب فارق العمر‪ ،‬والمراحل الدراسية‪ ،‬قد توطدت تعلقتها بحسني بنت أستاذ تعباس ـ وكيل المدرسة ـ‬
‫التي هي جارتها وزميلتها في الصف الدراسي‪ .‬وبسبب هذه الوضعية‪ ،‬كانت الفرصة لطالبتي السنة الثانية الثانوية‬
‫للخرق المتبادل لقوانين الحضور المنزلي؛ "ماشة وين؟"‪" ،‬ماشة لحسني"‪" .‬جاية من وين ؟"‪" ،‬جاية من سلمى"‪.‬‬
‫وتم افتعال حكاية المذاكرة المشتركة‪ ،‬لصنع الحياة الخاصة‪ .‬ولما كا ن لحسنى أفضلية )الحجرة لوحدها(‪ ،‬بالضافة‬
‫لليبرالية النسبية لستاذ تعباس‪ ،‬فقد تم التحول التدريجي إلى غرفتها‪ .‬هذا بالضافة طبعا للبتعاد تعن نازك‪ ،‬التي كانتا‬
‫تعتبرانها )جاسوسة( محتملة‪ .‬وقد كا ن لذلك الثر في مط المسافة بين الختين من جهة‪ ،‬ولكن من جهة أخرى فقد أخلى‬
‫الجو لنازك‪ .‬ففي أغلب اليام حتى التاسعة والنصف مساء‪ .‬وفي يوم الخميس‪ ،‬حتى الحادية تعشر ـ تعندما تكو ن سهرة‬
‫الذاتعة )حلوة(‪.‬‬

‫وجدت نازك البراح ذلك المساء‪ .‬وفي تعمق تمثيلية المذاكرة‪ ،‬أو البنت الممتحننة‪ ،‬أخرجت الرسالة‪ .‬مسدتها بأناملها‬
‫الراتعشة‪ .‬بدأت تفتحها‪ ،‬وقد بدا لها صوت تمزيق الظرف مسموتعا لجهة ما! ففتحته بحرص حتى ل تتسرب‬
‫الخشخشات إلى خارج الحجرة المغلق بابها بجحة جاهزة تحسبا للطوارئ "الكديسة دي جننتني"‪.‬‬

‫"نو ن يا سوسنة الودية‪".‬‬

‫طارت وجقلبت في أرجاء الغرفة‪ ،‬ثم تعادت إلى السرير متجاوزة متن الرسالة إلى آخر صفحاتها‪..‬‬

‫محبك إلى البد‪) ..‬جومو(‬

‫لم تصدق ما رأت‪ ،‬وأدخلت الرسالة بين نهديها وضغت تعليها بالوسادة‪ .‬وغرقت في بحر الحلم الطويل‪ .‬وقد كا ن ثمن‬
‫هذا الحلم أ ن كلف )المحب البدي( يوما إضافيا كا ن أطول من القرو ن‪ ،‬في أنتظار رد الرسالة‪ .‬ولما دفعت سلمى الباب‬
‫في العاشرة إل الربع‪ ،‬وجدته متربس ا من الداخل؛ مما أضطرها إلى طرقه بنزق أطار الحلم تعن مخدتعه‪ .‬ومع شمس‬
‫اليوم الجديد‪ ،‬غرقت زهرة في الحضا ن والقبل ثم‪:‬‬

‫ـ يعني أ ن ما قادرة أشكرك كيف يا زهرة!!‬

‫ـ مش إحنا أصحاب؟ ما تقولي كدة تاني يا نازك‪ ..‬إنتي فرحانة؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ أنا!؟ اللــــــه!! أنا بموت من الفرح‪..‬‬

‫ـ خلص‪ ..‬ده أهم شي‪..‬‬

‫ثم بحر أحضا ن وموج قبل‪.‬‬

‫وفي تلك اللحظة أطلت تعزة‪:‬‬

‫ـ في شنو ياجماتعة؟؟ ما تفرحونا معاكم؟ وإنتي يا نازك بقيتي اليومين ديل تجي أبدر مني‪ ..‬الظاهر زهرة دي خطفتك‬
‫مننا؟؟‬

‫ـ ل وال ياتعزة‪ ..‬دة نحن كلنا أصحاب‪..‬‬

‫ـ طيب احكوا لينا‪ ..‬فرحانين كدة مالكم؟؟‬

‫أحكيك‪ ..‬أحكيك‪ ..‬أحكيك‪ ..‬وأسبلت الخيبة تعلى المعزات التي كانت تنتظر لحظة تعبور الجسر‪ .‬فها هو )الجسر( قد وقع‬
‫في الشرك قبل المجسور إليه!! وذهبت كل التفاصيل التي في الخيال أدراج الريح‪ .‬أغمضت تعزة تعينيها بعد ومضة‬
‫الصحو الصغيرة ولم تفتحها إل في الليل وهي تنظر إلى اللوحة المعلقة تعلى الجدرا ن‪ ،‬وبها صورة النورس العائد إلى‬
‫البحر‪ .‬لم يعرف أحد تلك القصة قط!‬

‫صارت لنازك تعادة ثانية ـ غيرالتلصص قبل الخروج ـ وهي تعادة إغلق الباب )من الكديسة(‪ .‬وكا ن صريف القلم هذه‬
‫المرة أكثر جرأة وصراحة‪:‬‬

‫حبيبي )جو(‬

‫ومن هذه اللحظة فصاتعداا‪ ،‬فقد جومو نصف اسمه وصار يمشي في البرية هكذا!‬

‫أسمح لي أ ن أهديك أتعز ما أملك‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫فعاد كتاب )قصة حب تعلى ضفاف المانج( أدراجه معطراا!‬

‫‪ ...‬وأرجوك أ ن تحتفظ به في كل أيام حبنا ‪..‬‬

‫‪...‬‬

‫‪...‬‬

‫محبوبتك إلى البد )نو ن(‪.‬‬

‫قرأ جو الكتاب‪ .‬هذه المرة بعيو ن أخرى‪ ،‬بالرغم من أنه كا ن يحفظه تعن ظهر قلب من كثرة ما طالعه‪ .‬ولكن ظهرت‬
‫مشكلة!! فلم يستطع أحد التحديد القاطع إزاء لمن تكو ن ملكية الكتاب‪ .‬أهي لعلي إسماتعيل الذي اشتراه بحر ماله؟ أم‬
‫لجو الذي أهدته له حبيبته معطراا؟ لكن‪ ،‬تعلى كل حال‪ ،‬كانت الغلبية قد انحازت لجو في النهاية‪.‬‬

‫ولما حكى جو كيفية وصول الرسالة والكتاب إليه صرخ أبو خمسين‪:‬‬

‫ـ بت الكلب! كنا قايلنها ملك‪ ..‬أتاريها إبليس أبو ضنيب!‬

‫فرد تعليه تعلي إسماتعيل الذي لحقه طرف السوط‪:‬‬

‫ـ بدو ن إساءات بال‪.‬‬

‫وفي ذلك المنعطف الذي التقيا فيه أول مرة تعلى ذاكرة المطر‪ ،‬صار يتم تبادل الرسائل كل يوم‪:‬‬

‫حبيبي جو‬

‫‪...‬‬

‫‪....‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫إلى البد ‪..‬‬

‫نو ن‬

‫نو ن يا سوسنة الودية‬

‫‪...‬‬

‫‪...‬‬

‫‪...‬‬

‫إلى البد ‪..‬‬

‫جو‬

‫ولكن نو ن كانت ل تستطيع النظر إلى وجهه كامال! كانت نظراتها تقف تعند الزغيبات التي )تجدتعي( أنها شارب‪ .‬فكانت‬
‫تخاف تعينيه‪ .‬وحتى في الصورة‪ ،‬كانت ل تستطيع التحديق فيهما‪ .‬أنهما )شيء( ل تفسير له! وخلل أيام‪ ،‬كانت نو ن قد‬
‫طالعت كل ما توفر من كتب الرومانسية‪:‬‬

‫مادجولين‪ ،‬روميو وجوليت‪) ،‬بحيرة تعصافير الجنة( و‪ ...‬و‪...‬‬

‫وصار يتم تبادل الوتعود في الوقفات القصيرة المسروقة من ذاكرة الزما ن‪:‬‬

‫ـ شايف الرز ده‪ ..‬أنا الليلة حأتعشى ليك معاي!‬

‫ـ شايفة الفستا ن الجميل دة‪ ..‬أناحأشتريهو ليك‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ شايف التنونين الصغار السمحين ديل؟ حيكو ن تعندنا أولد زيهم‪.‬‬

‫وتغطي وجهها بطرحتها‪.‬‬

‫ـ شايفة البيت الجميل دة‪ ..‬حنعيش في واحد زيو‪..‬‬

‫ـ شايف‬

‫ـ شايفة‬

‫ـ ‪...‬‬

‫ـ ‪...‬‬

‫في السادس تعشر من أكتوبر‪ ،‬فوجئت سلمى‪ ،‬وهي تعائدة من المذاكرة الوهمية ـ مع حسنى في غرفة الحرية ـ‬
‫بالجاسوسة تمد إليها صورة طارق‪ ،‬الملقب بدو ن جوا ن‪ ،‬ورسالة مكتوبة بخط جميل!‬

‫ولما لملمت سلمى نفسها صاحت‪:‬‬

‫ـ جيبي هنا‪.‬‬

‫ولما تاكدت من أ ن أدوات الجريمة بين يديها صرخت في وجه نو ن‪:‬‬

‫ـ إنتي جبتي الحاجات دي من وين يا جاسوسة؟؟ أنا تعارافاك يا حاقدة‪ ،‬تكوني فتحتي شنطتي وسرقتيهم‪ ..‬هي وصلت‬
‫لكدة!؟؟‬

‫شعرت نو ن بالظلم وبكت ‪..‬‬

‫ـ ل وال‪ ..‬إنتي ليه بتعامليني كدة؟؟ أنا بس كنت بفرش في المليات‪ .‬وبصلح في المخدات‪ ،‬ولقيت )الحاجات( دي‬
‫ودسيتها‪ .‬لني كنت خايفة تجي الخدامة ول أي واحد وبعدين تحصل ليك مشكلة‪ .‬ولما أحست سلمى بـ)شيء( من‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫الصدق في كلم نو ن‪ ،‬راجعت في خاطرها ما لحظته من تغيرات تعليها‪ ،‬خاصة اهتمامها بنظافة ونظام الغرفة‪ ،‬ومسالة‬
‫إغلق الباب بحجة الكديسة ـ سألتها‪:‬‬

‫ـ إنتي بتتكلمي جد؟‬

‫ـ آيي وال‪ ...‬وأنا أكذب تعليك ليه؟‬

‫ـ شكرا يا نازك‪ ..‬أنا كنت قايلك لسة بت تعويرة‪.‬‬

‫ـ ‪...‬‬

‫ـ ‪...‬‬

‫والتقى الغرباء لول مرة‪:‬‬

‫ـ سلمى أنا بحبك‪ ..‬إنتي بتعامليني كدة ليه؟‬

‫ـ أنا ذاتي بحبك‪ ..‬أنا آسفة‪.‬‬

‫ومنذ تلك الليلة‪ ،‬خرجت الصحبة إلى بستانها وتفسحت‪ .‬بدأت الحكايات تترى‪ .‬ولما قرأت سلمى كتب نازك تمتنت‬
‫الصداقة‪ .‬وتعرفت أ ن نازك صارت نو ن‪ .‬وظهر جو في الشاشة‪ .‬قرأت سلمى رسائله الملتهبة‪ ،‬فأتعجبت بها أشد‬
‫التعجاب ونقلت منها تعبارات كثيرة زينت بها رسائلها الغرامية بل وذهبت يوما مخصوص لترى جو وتسلم تعليه! ثم‬
‫إنثال الحوار حول المصير المشترك ـ الذي كا ن مسكوت ا تعنه‪ .‬وناقشتا في ليال طويلة‪ ،‬مشكلة )السجن( الذي تعيشا ن‬
‫فيه‪ .‬ومع مرور اليام صارت كل واحدة تعبر بصراحة تعن حسرتها وهي تستعيد قصص صديقاتها حول التجول مع‬
‫أحبابهن في العصريات وتعبور الجسر‪..‬‬

‫قالت سلمى‪:‬‬

‫ـ ونحنا ما نمشي هناك إل مع البوليس؟؟!‬

‫ـ يخس تعليك يا سلمي‪ ..‬ما تقولي كدة تعلى ماما‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ أناما قاصدة‪..‬بس أنا زهجانة من الوضع ده‪ .‬وكما ن إيه قال! بعربية المدرسة‪ ،‬والسواق يؤدي ويجيب! في شنو تعليك‬
‫ال؟؟‬

‫وهكذا يوم بعد يوم‪ ،‬إلى أ ن تجرأت سلمى وألقت بفكرة المغامرة المرتعبة تعلى طاولة المفاوضات‪.‬‬

‫ـ إنتي تعارفه يانازك أنا بحب طارق‪.‬‬

‫ـ أيوه‪ ..‬تعارفة!‬

‫ـ يرضيك أنا أقعد مسجونة كدة ما ألقى فرصة واحدة ألقيهو؟؟‬

‫ـ ل وال‪ ..‬بس إنتي مش قاتعدة تلقيهو؟‬

‫ـ أيوة‪ ،‬بس زي ما إنتي قاتعدة تلقي جو وبس‪.‬‬

‫ـ وإنتي تعايزة يحصل شنو؟؟‬

‫ـ إنتي مش قريتي كتاب )روميو وجوليت(؟‬

‫ـ أيوة!!‬

‫ـ بس دي الحكاية كلها‪.‬‬

‫ـ لكين‪...‬‬

‫ـ ما ل كين ول حاجة‪ .‬نازك يعني أ ن تعايزة أكلموا بالليل‪ ،‬ونكو ن برانا‪ .‬طبعا إنتي تعارفه الشباك دة فيهو )نملية(‪.‬‬

‫ـ أيوة!!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ يعني ما حتصل حاجة‪ .‬وبعدين اتجاهو كويس‪ ،‬يعني زول من جوة البيت ما حيشوف حاجة‪ ،‬بس المشكلة الباب بتاع‬
‫الوضة وإنتي‪ .‬أما أي حاجة بي برة‪ ،‬طارق حيتصرف‪ ...‬آها؟ قلتي شنو؟؟‬

‫ـ وال أنا خايفة يا سلمى ‪..‬‬

‫ـ مافي أي حاجة بتخوف‪ .‬إنتي بس تقعدي جنب الباب‪ ،‬ولو سمعتي أي حاجة كدة ول كدة تنبهيني‪ ...‬وبعدين دة كله‬
‫تعشا ن الحرص بس‪ ،‬لنو ما في حاجة حتحصل‪ .‬قلتي شنو؟‬

‫وتعلى مضض وافقت نازك‪.‬‬

‫في يوم الخميس‪ ،‬تعادت سلمى مبكرة من برنامج المذاكرة‪ ،‬و)هاك يا استحمام وهاك يا روائح(‪ .‬في العاشرة والنصف‬
‫بدأ العد التنازلي‪:‬‬

‫"إنتي يا نازك خليك جنب الباب‪ ..‬ولو سمعتي أي حاجة تقومي براحة وتنبهيني‪"..‬‬

‫وتمت إماطة الكراسي والترابيز والشباشب‪ ،‬وكل أنماط )الذى( تعن الطريق‪.‬‬

‫"ولو حصل أي حاجة‪ ،‬نعمل نايمين‪ ..‬سامعة؟"‬

‫وهكذا سمعت نازك لول مرة وقع أقدام النمل‪ ،‬و)جعير( الريح‪ ،‬وكل أصوات الكائنات الليلية ـ ماخلق ال وما لم يخلق‬
‫بعد ـ وهي جالسة قرب الباب‪ .‬بينما سلمى تراقب الشباح التي تمر من هنا ومن هناك‪ .‬وتسمع أصوات أقدام في الظلم‬
‫ل تأتي أبداا!!‬

‫وظلتا هكذا إلى أ ن صعد صوت تعم تعبده الجليل أدراج الصمت الصاخب الطويل‪" :‬أسبحنا و أسبح الملك ل"‪ ،‬فأغلقت‬
‫سلمى النافذة وبكت طويال تعلى صدر نو ن‪.‬‬

‫كانت نو ن أكثرحنقاا لدرجة أنها‪ ،‬في كابوس‪ ،‬رأت نفسها تخنق هذا )الطارق( )الخائن(‪) ،‬الجبا ن(‪ ،‬بعد أ ن حكت لها‬
‫سلمى قصة تعذره )القبيح(‪.‬‬

‫"آجي ليه؟‪ ...‬إنتي تعايزة يعضيني كلب؟"‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫قد اضطرت هذه الجابة نو ن أ ن تستلف الكتاب من جو مرة أخرى لقناع سلمى بأ ن الحب )حقيقة(‪ .‬ولم يعد إليه الكتاب‬
‫بعد ذلك‪ .‬وبعد أ ن اثبتت القصة نظرياا‪ ،‬أرادت أ ن تؤكدها تعمليا ا فطلبت من سلمى أ ن تساتعدها كما ساتعدتها هي في تلك‬
‫الليلة )المشئومة(‪ .‬وبنفس الحجج ـ بالضافة لحجة رد الجميل‪.‬‬

‫وهكذا استجاب ال لدتعاء جو‪ .‬ولما كا ن المر هذه المرة في غاية الجدية‪ ،‬فقد جاء )المر( صريحا بأ ن ل يعرف أي‬
‫مخلوق بذلك‪.‬‬

‫وتعلى أساس كذبة سلوكية‪ ،‬وفي العاشرة النصف تحرك جو‪ .‬وقد ظن تعلى إسماتعيل أنه ذاهب للقيام بـ)أتعمال الرسل(‬
‫كما كا ن يفعل في اليام الفائتة‪ .‬ولم يلحظ أحد استلفه لساتعة سيد شطة الذي بدوره لم يك يعرف إلى أين ساتعته‬
‫ذاهبة‪.‬‬

‫أشعل جو سيجارة ومع ضوئها تأكد أ ن الساتعة هي العاشرة والنصف إل خمس دقائق‪ ،‬فأنتهت مهمة ساتعة شطة‪ ،‬وبدأ‬
‫الزمن الداخلي‪ .‬حمل معه القلم والكراسة لزوم التضليل وخرج‪.‬‬

‫وبينما كانت سلمى جالسة قرب الباب تراقب )بوفاء(‪ ،‬أبصرت نو ن وهي ترقص في الظلم‪.‬‬

‫ـ نو ن ‪..‬‬

‫ـ جو‬

‫مسحت اليادي النملية‪..‬‬

‫ـ جو يا حبيبي‪.‬‬

‫ـ نو ن يا حبيبتي‬

‫ـ وقبل بعضهما ـ من وراء النملية ـ طوي ا‬


‫ل‪..‬‬

‫ـ أحبك‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ أحبك ‪..‬‬

‫ـ حبيبتي‬

‫ـ حبيبي‬

‫ـ آهـ‬

‫ـ آهـ‬

‫وكذلك مرت ساتعات الليل سريعا تعلى المساجين‪ ..‬سمعت نو ن هسهسة ونحيب سلمى الذي ظل يغالب نفسه لزما ن‬
‫طويل فقالت‪:‬‬

‫ـ خلص‪ ..‬نتلقى يوم تاني‪.‬‬

‫ـ طيب خليني ألمسك‪..‬‬

‫ـ لكين كيف؟‬

‫ـ وال ماتعارف‪ ..‬بس أنا تعايز ألمسك‪.‬‬

‫فتذكرت نو ن الثقب الصغير أسفل النملية‪ ،‬الذي كانت تلقي تعبره )اللبانة( إلى الخارج فقالت‪:‬‬

‫ـ نزل يدك تحت‪ ..‬تلقى )قردة(‪ ..‬لقيتها؟‬

‫ـ أيوة‪.‬‬

‫ـ إنت تعايز تلمسني وين؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ أنفك‪.‬‬

‫وانحنت نو ن‪ ،‬ولما كانت )القردة( قرب أسفل النميلة‪ ،‬أضطرت إلى )سجدة الخد(!‬

‫فأدخل جو أصبعه وتحسس أنفها وهمس تعلى طريقة الرسائل‪:‬‬

‫ـ اللــه أنفك )شامخ( كجبل جلعاد‪...‬‬

‫ـ خلص؟؟‬

‫ـ كما ن شفتك‪..‬‬

‫ومرر أصبعه تعلى شفتيها‪..‬‬

‫ـ خلص؟؟‬

‫ـ آخر حاجة بس تعليك ال‬

‫ـ وين؟؟‬

‫ـ حلمتك‪.‬‬

‫ـ لكين المحلة دي صعبة!‬

‫ـ حاولي‪..‬‬

‫وتعبت في )المحاولة( ثم‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ ياها‪..‬‬

‫فمسد تعليها كتلميذ في ثالث أيامه المدرسية‪ ،‬يمسح من تعلى كراسته خطأ في حرف )نا نمر(‪.‬‬

‫ـ آآخ‪ ..‬خلص‪ ...‬أنا تعبت‪.‬‬

‫ـ تصبحي تعلى خير‬

‫ـ تص ‪...‬‬

‫********‬

‫اللعبة الخطرة‬

‫سيرة )المدينة(‬

‫انت اليام تمضي‪" .‬والليالي جميلة حالمة"‪ .‬شمس ديسمبر تتهادى في مدارها‪ .‬ومدارات )المدينة( تنعم بشتاء دافئ‬
‫وشفيف‪ .‬لم تعكره في ذلك اليوم رياح‪ .‬ولكن غبشة العالم تؤكد بعضا من حضورها‪ .‬فالرض تقضي أجازتها السنوية‬
‫في استراحتها‪ ،‬بعد موسم أمطار تعارم‪ ،‬والجسام )تر لية( برحيق الحصاد الوافر ذلك العام‪ ،‬الخواطر مطمئنة‪ ،‬وأشياء‬
‫القلوب في انتظار بهجة ما ينتظرها من احتفالت مؤجلة‪ .‬وطلب المدرسة الشرقية في دوامة الغسيل والكي‪ ،‬وإزالة‬
‫الزاغيب‪.‬‬

‫اليوم تحديد ا هو الرابع تعشر من ديسمبر‪ ..‬كبقية أيام السبوع‪ ،‬إلى أ ن حلت الساتعة العاشرة إل الربع صباحاا‪ .‬وقد تعاد‬
‫الطلب من جفسحة الفطور‪ .‬ودخل بعضهم إلى الفصل يستذكر درس الحصة الثالثة ـ ذلكم المجد المجتهد‪ ،‬أما البعض‬
‫الخر‪ ،‬من أمثال أولد قرف‪ ،‬فيمارس تعاداته المعروفة!‬

‫كا ن جو جالساا بجانب الحائط الجنوبي للفصل‪ ،‬قبالة الشمس‪ ،‬يتأمل صورة في خياله‪ ،‬دق الجرس قبل وقته المعهود!‬
‫لذلك أندهش البعض! وظنوا أنها )دقسة( من ساتعة تعم محمود‪ ،‬فراش المدرسة‪ .‬ولكن أولد قرف قد ارتجفوا! فقد‬
‫هجسوا أ ن شيئاا من بعض أمورهم قد تجاوز أستاذ تعساكر‪ .‬وفي غمرة الترقب والخوف‪ ،‬والتساؤلت والظنو ن‪ ،‬نزلت‬
‫الطامة!! فقد سمع شربات من أحد الطلب العابرين ـ الذي كا ن يشير إلى جمهرة تعلى حواف تعربة اللندروفر الواقفة‬
‫أمام بيت السيد المدير ـ أ ن‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫"خلص‪ ،‬سيادتو نقلوه وريحونا‪"..‬‬

‫ـ ؟!!!!!‬

‫أمر أستاذ تعباس الطلب بالتوجه إلى مكا ن الطابور‪ ،‬وشرح للقريبين منه أ ن السيد المدير يريد أ ن يلقي تعليهم خطبته‬
‫الخيرة )!!(‬

‫تجمع الطلب في مكا ن الطابور المعهود‪..‬‬

‫أمسك شربات بجو وسأله بشغف‪:‬‬

‫ـ إنت كنت تعارف!؟‬

‫ـ تعارف شنو يا شربات يا خي!؟‬

‫ـ طيب إنت ما لقيتها؟ وهي‪ ،‬ما قالت ليك؟!‬

‫ـ تقول لي شنو يا خي؟ ما إنت تعارف أنا تعندي يومين كنت ما فيش!‬

‫دخل ركب )الستاذة الجلء( يتقدمهم أستاذ تعباس‪ ،‬واتجهوا إلى تعتبة المسرح وواجهوا الطلب في وقفتهم مثلين‬
‫حزنهم تعلى فقد زميلهم )السيد المدير(‪ .‬وبعد هنيهة‪ ،‬جسمعت كعكعات جزمة المدير تشق الصمت‪ ،‬فالتفت الجميع إليه‪،‬‬
‫وهو يمشي مشيته العسكرية‪ ،‬وبنفس بنطاله الذي يضرب به المثل في النظافة والكي‪..‬‬

‫صفق أستاذ )رحرت جى( المعروف بمنافقته للسيد المدير‪ ،‬فدوى التصفيق من بعده‪ .‬وتردد الصدى من الزنك حتى أوقف‬
‫المارة الذين مدوا رقابهم يستنظرو ن!‬

‫وصل السيد المدير إلى مقام الساتذة الجلء‪ .‬وهبط أستاذ تعباس إلى وسط الطابور‪ .‬فبسمل وحمد ال وشكره‪ .‬وصدع‬
‫بكلمة الساتذة؛ مقرظا السيد المدير‪ ،‬ومتحسرا تعلى انقضاء أيامه في المدرسة‪ ،‬وبهذه الطريقة المفاجئة ـ وقد تحسر‬
‫آخرو ن دو ن شك ـ وفي نهاية كلمته المؤثرة‪ ،‬قدم أستاذ تعباس سيادة المدير ليلقي خطبته الخيرة‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫نزل السيد المدير بتؤدة‪ ،‬ومشى بخطواته التي يحسد تعليها‪ .‬ومن وسط الطابور بث خطبته ذات الكليشيهات المحفوظة‪.‬‬
‫بلغته الفصيحة )جداا(‪ ،‬والتي صقلتها خمس وتعشرو ن سنة من تدريس اللغة العربية والتزمت البلغي‪:‬‬

‫"أبنائي الطلبة‪ ..‬أنتم تعماد المستقبل‪ ..‬سؤدد المة‪ .‬ومجد الوطن‪ ..‬وإنكم‪ ...‬و‪ ...‬و‪" ...‬‬

‫وفي نهاية إكليشيهاته‪ ،‬أكد ما ذكره أستاذ تعباس من أنه قد تم اختياره في التحاد الشتراكي ليصبح أمينا لللمنظمات‬
‫الفئوية والجماهيرية بمديرية )القاش(! وأكد أ ن تعزاءه في فراق مهنة التدريس هو خدمة )المة(‪.‬‬

‫ولما انتهى‪ ،‬ووسط دوي التصفيق‪ ،‬انحشر أستاذ )حتى( ودس تعلى الجميع اقتراحه المفاجئ بأ ن تصطف المدرسة تعلى‬
‫السور للقاء تحية وتلويح الوداع تعلى تعربة السيد المدير‪ ،‬كما يحدث مع )مسئولي( ذلك الزما ن!! وفي هذا الجو لم‬
‫يجد أحد سبي ال للتعتراض‪ .‬فنزل الساتذة ومشوا خلف السيد المدير‪ ،‬واصطف الطلبة تعلى امتداد السور‪.‬‬

‫كانت العربة مشحونة بما خف من تعفش السيد المدير؛ زوجته بجوارالسائق‪ ،‬وسلمى ونازك فوق المنقولت تعلى الجزء‬
‫الخلفي من العربة‪ .‬بدت سلمى بوجهها الكاكاوي‪ ،‬شبه المستدير وتعينيها الجميلتين‪ ،‬وقوامها المتوسط المائل إلى‬
‫الفراتعة‪ ،‬مرتدية طرحة لزوردية‪ ،‬وبلوزة ذات مزاج صباحي‪ ،‬واسكيرت أسود بنجمات بيضاء‪ ،‬حذاؤها مغلق‪ .‬وبا ن‬
‫ساقاها الممتلئا ن‪ .‬وكانت نازك تعلى يسارها أفرع قليال‪ ،‬برغم صغر سنها‪ ،‬مائلة إلى القمح قليال‪ ،‬ممتلئة‪ ،‬أنفها )شامخ(‬
‫كجبل جلعاد‪ .‬خصلة من شعرها يتلتعب بها الهواء‪ .‬طرحتها المائلة إلى الرمادي ساقطة تعلى كتفيها‪ ،‬صدرها نافر‪،‬‬
‫بلوزتها بيضاء واسكيرتها أسود بزرائر من المام‪ ،‬وتلبس شبطها المدرسي النيق‪ ،‬وشرابا أبيض بدوائر حمراء‬
‫وخضراء متتالية‪ ،‬وطرف من سويتيانها ذي النزتعة الوردية بائن من خلل مفترق زرارتين‪.‬‬

‫مر طابور الساتذة وودتعوهما‪ .‬ثم وجدتعوا السيد المدير وزوجته‪:‬‬

‫بالتوفيق‪ ...‬بالتوفيق‪.‬‬

‫باي ‪ .‬باي‬

‫وتحركت العربة ببطء‪ ،‬أصوات من هنا ومن هناك والعربة تزحف كموكب دكتاتور في تعيد إنقلبه ـ الذي إسمه‬
‫)الثورة(‪ .‬تاكدت سلمى من وضع طرحتها تعلى رأسها‪ .‬أما نازك‪ ،‬فلم تأبه لشيء‪ .‬كانت تتفرس الوجوه واحدا واحداا‪،‬‬
‫وبجرأة لم تعرفها من قبل‪ .‬وفي وسط )الهيلمانة( وقعت تعينها تعلى تعصابة قرف‪ .‬دق قلبها‪ .‬وفي تعمق الزحام أبصرت‬
‫وجه جو‪ .‬ولما تأكدت من أنه تعرف أنها أبصرته؛ جرت طرحتها وأسبلتها تعلى وجهها وضمت التوأميين )ذكرى وأمل(‪.‬‬

‫ولما تجاوزت العربة آخر التلويحات‪ ،‬وبدأت )تغذ الخطى(‪ ،‬بلغ السيل الزبى‪ ،‬وكسر الحواجز‪ ،‬والسدود‪ .‬ومن داخل‬
‫هرجلة الزملء‪ ،‬رفاق النظام واللنظام‪ ،‬واجترارات الساتذة لسيرة الذي كا ن قبل قليل رئيسهم‪ ،‬تسلق جو سور‬
‫المدرس وجرى خلف العربة كما تجرى الرياح!!!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ألقى الساتذة بالمر‪ ،‬فهرع الرفاق ليمسكوا به‪ .‬واتخذ البعض من الموضوع مهزلة للتسلية‪ ،‬وتعالى الصياح‪:‬‬

‫ـ أمسكوه‪ ..‬أمسكوه‬

‫ـ جو‪ ..‬جو ‪..‬‬

‫ـ ججن‪ ..‬ججن‪..‬‬

‫ولما فتحت نو ن تعينيها الذارفتين‪ ،‬رأت من وراء دموتعها )الفتى( يسبح من الضفة الخرى‪ .‬فكرت في القفز والسباحة‪.‬‬
‫ولكن النثى المدججة بتاريخ الرتعب الطويل‪ ،‬لم تزودها إل بشجاتعة البكاء المرير‪ ،‬فرأت صورته تتكسر في أمواج‬
‫دموتعها‪ .‬وكانت سلمى تصيح‪:‬‬

‫"ووب تعلجي الليلة!!‬

‫‪..‬الليلة ووب تعلجي‪"!!..‬‬

‫وفي تلك اللحظة سمع السيد المدير الجلبة‪ ،‬فأمر السائق بالتوقف ليستطلع المر‪ .‬نزلت الست )أم العيال( مرتجفة! فقد‬
‫ظنت أ ن إحدى بناتها سقطت من العربة‪ .‬رأى السيد المدير المدرسة كلها تجري وراءه ولكن الدهشة تبخرت لما رأى‬
‫جو واقفا تعلى بعد أمتار‪ ،‬ونو ن غارقة في البكاء والنشيج‪.‬‬

‫أمره بصرامة‪:‬‬

‫"أرجع يا ولد‪ .‬يا قليل الدب!!"‬

‫ولم يتزحزح جو من وقفته وتحديقه‪ .‬ولما كر السيد المدير ببصره ورأى جمهرة اللحقين‪ ،‬انزاحت تعن الطار صورة‬
‫الرجل التربوي وحلت محلها صورة الب البدوي المختبئ منذ قرو ن طويلة‪.‬‬

‫أمر نازك بالنزول‪ ،‬فقفزت خوفاا؛ وأمر زوجته بالصعود إلى جوار سلمى‪ ،‬فصعدت‪ ..‬ثم‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫بيده اليمنى ك جور ضفيرة نو ن الخلفية وأدار وجهها إلى الرض وحشرها في المكا ن الذي كانت تجلس فيه أمها‪ .‬وأمر‬
‫السائق أ ن يقود العربة بأقصى سرتعة‪ ،‬فغطى فغطى الغبار وجه جو الذي أغمى تعليه وهو يحتضن صورة الضفيرة‬
‫المكورة التي ظلت ل تفارقة لزما ن طويل!!‬

‫لم يك في المدينة ـ في تلك اليام ـ ما هو أهم من سيرة الحادثة التي إنتشرت وتداولتها )وكالت النباء(‪ ،‬وبثتها تعلى‬
‫الشوارع والندية والبيوت‪ ،‬ثم بخرتها في )القعدات( وميادين الكرة والدواوين‪ ،‬في جلسات الجبنة والمشاط‪ ،‬وفي )حي‬
‫فوق( وبين ستات الشاي وبائعات الفول والتسالي‪ .‬ولكن أكثر الماكن استبساال في القضية هي المدرسة الميرية‪ ،‬التي‬
‫كانت قبل )الفاصلة( مسرح الغزل ن وبينهن الملكة‪ .‬فقد تصادمت الشهقات والهات‪ .‬وانذرفت الدموع قدر ما أغرق‬
‫الرخبيلت والجبال البدية‪ .‬أنها لم تكن دموتع ا للحز ن أو للفرح‪ .‬هي دموع أخرى لم يخترع الناس لها اسما بعد‪ .‬كتبن‬
‫تعلى دفاترهن المدرسية تأريخ الطوفا ن وتاريخ القيامة‪ ،‬وما بينهما تاريخ نو ن‪ .‬وأضطر المدرسو ن أ ن يعيدوا كل‬
‫الدروس التي تعلقوها تعلى شماتعة تلك اليام‪.‬‬

‫كانت بالمس ضحكة ورفلة‪ ،‬وأسرار مذاتعة‪ ،‬وال ن‪ ،‬ها هي حتى زهور الصباح ل تبدو كما كانت! المدرسة لم تعد‬
‫الشمس‪ ،‬وهن لم يعد ن أسراب الضياء‪ .‬كل شيء معتم‪.‬‬

‫تعزة صامت إلى أ ن وجدت نفسها بجوار جو في المستشفى‪ ،‬أميرة كتبت رسائل إلى النبي‪ ،‬أم الحسن ججلدت كراستها‬
‫البنفسجية بغلف أسود‪ .‬أنهار تخلت تعن وضع )البهار( تعلى وجهها‪ .‬زهرة ربطت رأسها وظلت قبضتها منكمشة!!‬

‫تضرر جميع العشاق‪ ،‬الحاضرين منهم والغائبين‪ .‬ورغم اختلف الحبيبات‪ ،‬إل أنهن أشتركن في أمنية واحدة‪:‬‬

‫)أ ن يكجن نازك(‬

‫ولحظ وكيل المدرسة والمشرفة‪ ،‬الزيادة غيرالمعهودة ـ التي كانت في الحقيقة رحلة جماتعية ـ في الذهاب إلى‬
‫المستشفى‪ .‬ولما راجعا دفاتر العلج‪ ،‬وجدا أسماء جميع طالبات الصف الثالث‪ ،‬وثلثة أرباع طالبات الصف الثاني‪،‬‬
‫وتعدد غير مسبوق من طالبات الصف الول تراوحت تحديدات الطبيب ما بين الصداع الشدجى )‪ (T.H‬و النزلت‬
‫النتهازية ‪ (( OP.C‬بسبب هبوط المناتعة‪ ،‬وتعلمات شرحتها المشرفة بأنها دورات طمث غير مكتملة! جميع‬
‫المريضات مرر ن والقين نظرة تعلى النافذة القريبة من سرير الفارس النيزكي مثلما يمر الحجاج تعلى الحجر السود‪،‬‬
‫واحتقبن ذكرى تلك النافذة‪.‬‬

‫في اليوم الثاني‪ ،‬اكتملت المعلومات الضرورية تعن الفارس‪ ،‬أهمها بالنسبة للتي لم تكن لهن سابق معرفة‪ ،‬أنه ذلك‬
‫الولد الذي مثل دور ابن التاجر في مسرحية الشماشة في العام الماضي‪ .‬ولسوء حظ مشاتعرهن‪ ،‬فقد كا ن‪ ،‬بطبيعة الدور‬
‫الذي أجداه‪ ،‬أكثر وجاهة مماهو تعليه في الواقع‪ ،‬مما نسف أي محاولة لحتواء حالة العشق الجماتعي الفريدة هذه‪ .‬وقد‬
‫قامت الكثيرات بتأليف قصص وحكايات التقين فيها به وتبادلن معه الحاديث وأخريات أكد ن أنه غازلهن وادتعت أخرى‬
‫أنها كانت لها )تعلقة( به!‬

‫أقنعت زهرة تعلي إسماتعيل الكضاب أ ن يجلب لها )كراسة القمر(‪ ،‬وهو بحدسه الماكر قد تعرف المغزى‪ ،‬فقام بإضافة‬
‫قصائد حب تعارمة ـ مما كا ن يحفظ ـ دجونها تعلى الصفحات الفارغة من الكراسة‪ ،‬مقلدا خط صديقه جو‪ .‬وازداد الطين‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫بلة في الميرية وحلت الطامة الكبرى بعد الطلع تعلى كراسة القمر التي فيها ما لم يسمع به أحد من قبل‪ .‬وتم تداولها‬
‫بين جميع اليادي الراتعشة‪ ،‬ونسخت مرات تعديدة‪ .‬وبذلك صارت زهرة أخطر مراكز القوى في المدرسة؛ تتردد إليها‬
‫الخريات من أجل النسخ المباشر من هذا الدليل الخالد تعلى تعظمة الحب‪..‬‬

‫ولما تعلم شربات بحكاية الكراس‪ ،‬أخرج من )تعبه( إحدى أفكاره الجهنمية؛ فقد ذهب إلى العنبر‪ ،‬وفتح حقيبته ونثر‬
‫محتوياتها تعلى السرير‪ ،‬وطار في الهواء "هيييووو" متناسي ا محنة صديقه‪ ،‬ثم برك فوق المنثورات وبدا يقذف بها‬
‫واحدا بعد الخر‪ ،‬إلى أ ن تعثر تعلى الصورة الجماتعية لشلة أولد قرف‪ .‬تلك التي أخذت لهم في بداية العام الدراسي‪ ،‬في‬
‫استديو المنتزه‪ ،‬حاملة تاريخ ابتساماتهم‪ ،‬وأبهى لحظات وجودهم‪ ،‬وأججد ما كا ن لديهم من قمصا ن‪.‬‬

‫أخذ الصورة ودسها في جيبه ونادى تعلى إسماتعيل وجره إلى الزقاق‪:‬‬

‫ـ شوف يا أبو الكضاضيب‪ ،‬تدي الصورة دي لهيما ماليني بتاتعتك‪ ..‬فهمت؟‬

‫قفز تعلى إسماتعيل من هول الفكرة وتعلق قائ ا‬


‫ل‪:‬‬

‫ـ ال ال‪ ...‬حنكو ن أشهر من شامي كابور‪..‬‬

‫ـ شامي كابور وجل كومار أبشلخة‪ ..‬إنت بس أسرع وديها لناس هيما ماليني‪.‬‬

‫ولما لمست الصورة أنامل زهرة‪ ،‬كانت جيوش اليقين قد اجتاحت أم الممالك‪ ،‬وجطبع خيال الوسامات تعلى الصورة التي‬
‫شبعت قب ال؛ مائة وتسع وستو ن قبلة أحصاها التاريخ وغفل تعن أخرى‪..‬‬

‫شهد اليوم السادس تطورات أخرى للحداث‪ .‬فقد انتهز أستاذ تعساكر ساتعة فراغة أثناء الحصة الثالثة‪ ،‬وذهب إلى‬
‫المستشفى لزيارة )البطل(‪ .‬وتعلى بوابة العنبر ألقى التحايا تعلى مرافقي المرضى وتجاذب معهم أطراف الحديث‪ .‬وصار‬
‫البعض يدلي بدلوه في الحادثة التي باتت معروفة‪ ،‬إلى أ ن هجم تعليه )ود العمدة(‪:‬‬

‫ـ أكيد جاي تزور ولدكم بتاع الحكاية؟‬

‫ـ أيوة‪ ..‬أيوة‪.‬‬

‫ـ وال أولد الزمن دة بقوا قليلين أدب خلص‪ ،‬يا خي بت المدير؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫دة لزم تعاقبوه ‪..‬‬

‫كا ن أستاذ تعساكر قد سئم الحديث في هذا الموضوع خاصة بعد المجادلت مع بقية المدرسين حول التصرف )المثل(‬
‫إزاء الموقف‪...‬‬

‫وانحشر ود العمدة مرة أخرى‪:‬‬

‫ـ ياخي إنتو طبعاا ناس تربويين وتعارفين الحكاية كويس‪ ..‬بالمناسبة‪ :‬السيد المدير تعينوه حاجة كبيرة في التحاد‬
‫الشتراكي‪..‬‬

‫ـ أيوة‪ ..‬أيوة‬

‫تضايق أستاذ تعساكر من تحشرات ود العمدة التي انتقلت من لجا ن ذلك الزمن إلى قضية التربية‪ ..‬فقال‪:‬‬

‫ـ تعن إذنك‪ ..‬أنا تعايز أشوف الولد وراجع تعندي حصص‪ ..‬وقريبتك العيانة ربنا يديها العافية‪..‬‬

‫ـ ال يبارك فيك يا أستاذ‪..‬‬

‫تقدم أستاذ تعساكر باتجاه السرير الذي كا ن خالياا‪ ،‬جلس تعلى طرفه‪ ،‬وقد كانت كل الشياء في أمكنتها‪ ..‬مرت دقائق‬
‫وهو يتفرس وجوه المرضى‪..‬‬

‫خمس تعشرة دقيقة مرت!‬

‫تعشرو ن!!‬

‫تململ أستاذ تعساكر ونظر إلى ساتعته ثم خاطب المريض المجاور‪:‬‬

‫ـ ياخي سلمات‪..‬‬

‫ـ أهال يا أستاذ‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ يا خي جارك دة وين؟‬

‫ـ وال الراجل دة طلع من قبيل‬

‫ـ ما قال ماشي وين؟‬

‫ـ وال تعلمي تعلمك‪ ..‬لكين كا ن لبس هدومو!‬

‫ـ وال!؟‬

‫وقام أستاذ تعساكروذهب إلى بوابة العنبر‪ .‬فهجم تعليه ود العمدة مرة أخرى‪:‬‬

‫ـ أها‪ ..‬إنشال الراجل بخير ـ مفخما الراء بطريقة )الممسئولين(‪.‬‬

‫ـ ل‪ ..‬هو ما موجود‪..‬‬

‫ـ ما موجود!؟ كيف!!؟‬

‫ـ وال قالوا مرق من قبيل‬

‫ـ ل‪ ..‬ل لزم نسأل الممرضة‪..‬‬

‫وتولى ود العمدة المر‪ .‬وجاء يستاق واحدة من الممرضات‪ .‬ولما اقتربت سألها أستاذ تعساكر‪ ،‬فكانت الجابة "تعلمي‬
‫تعلمك" وبدأ )حيص البيص(‪ .‬ودخل ود العمدة في مهاترات مع الممرضة وألقى محاضرة تعن التسيب والهمال‪ .‬إلى أ ن‬
‫جاءت الروضة كبيرة الممرضات‪:‬‬

‫ـ أ لجي ياود العمدة!! إنت نسيت السكر السايب ول مكنات الطواحين! وجاي تتكلم تعن تسيبنا أنحنا!!؟؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫فغير ود العمدة الموضوع إلى هزل‪:‬‬

‫ـ دي إنتي يا حاجة الروضة؟ وال إنتي بتاتعة مشاكل‪ .‬ياخي لسانك دة البكو ن طفش العيانين‪.‬‬

‫ـ لساني أنا ول إنتو التطفشو المطرة؟‬

‫ـ ها‪ ..‬ها‪ ..‬ها‪ ..‬ضحك ود العمدة‪.‬‬

‫وأثناء ذلك الجدال‪ ،‬تعرف أستاذ تعساكر أ ن جو شوهد خارج ا من البوابة الخرى وهنا رأى أ ن المسألة دخلت في باب‬
‫المسئولية الشخصية‪ ،‬خاصة وأنه هو الذي أقنع أستاذ تعباس باحتواء المسألة في حدودها المدرسية‪ .‬ولم يبلغوا ولي‬
‫أمر الطالب‪ .‬ذهب أستاذ تعساكر إلى الطبيب مستفسراا‪ ،‬فأكد له هذا أ ن )الولد صحته جيدة( وكا ن المفروض أ ن يعود إلى‬
‫المدرسة في اليوم التالي‪ ،‬ول ن المريض لم يكن معه مرافق‪" :‬فالمستشفى ليست مسئولة تعن اختفائه"!!‬

‫تعاد أستاذ تعساكر إلى المدرسة وأخبر أستاذ تعباس )المدير بالنابة( بما حدث‪ .‬وبسبب قلق أستاذ تعباس‪ .‬خرجا إلى‬
‫موقف العربات بحثااتعن معلومة‪ .‬ولكن جميع الكومسنجية أكدوا أنهم لم يروا شخصا بالوصاف إياها‪ .‬فقال أستاذ‬
‫تعباس‪:‬‬

‫ـ بعد دة‪ ..‬مفيش غير نبلغ البوليس‪..‬‬

‫ـ ل‪ ..‬إحنا مرحلة البوليس دي لسة ما وصلناها‪ .‬الود لسة قاتعد في )المدينة( وأنا بعرف اطلعوا ليك‪.‬‬

‫ـ كيف؟‬

‫ـ دي خليها تعلي‪.‬‬

‫دخل أستاذ تعباس مكتبه ـ الذي لم يهنأ به ولو لدقيقة‪ ،‬فهو قد انتظر بإخلص‪ ،‬ولسنوات طويلة لحظة الجلوس تعلى هذا‬
‫الكرسي‪ .‬ولكن ها هي المصائب تهطل تعليه من السماء! وقد كا ن في قمة القلق التشاؤمي بالرغم من تطمينات أستاذ‬
‫تعساكر بأ ن المسألة )تعادية( وأنها مجرد صدفة‪.‬‬

‫وفي المكتب الثاني‪ ،‬استدتعى أستاذ تعساكر أولد قرف‪ .‬وبدو ن مقدمات أخبرهم بالحقيقة ثم أضاف‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ أنا تعايزكم في )المهمة( دي‪.‬‬

‫واختار لها شاربات وأبو خمسين‪ ..‬فضحكا ضحكة خبيثة اطمأ ن لها أستاذ تعساكر فيما هو به مهموم‪ .‬ثم تخابث تعليهم‪:‬‬

‫ـ تفتكروا هسي يكو ن وين؟‬

‫ثم أضاف‪" :‬المرة دي مافيها جلد"‪.‬‬

‫فأخبراه بأنه سيكو ن في واحد من مكانين‪ .‬قال‪:‬‬

‫ـ الول أنا تعارفه‪ .‬أها التاني وين؟‬

‫ـ )حي فوق(‪ ..‬بيت زوبا‪..‬‬

‫ـ ال ال!! وفيها زوبا كما ن؟ أسمع يا ولد زوبا دي تطلع مين؟‬

‫قالها بجدية مفتعلة‪ ..‬فرد تعليه شربات‪:‬‬

‫ـ وال يا أستاذ‪ ،‬دي بعرفها أبو خمسين دة‬

‫فانبهت أبوخمسين‪:‬‬

‫ـ أنا!! أنا يا شربات!؟ مش إنت الوديتنا هناك أول مرة؟‬

‫ـ أنا!!؟ خاف ال يا أبو خمسين!!‬

‫ـ خلص‪ ..‬خلص ـ صاح أستاذ تعساكر ـ ما تضيعوا الوكت‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وذهب أستاذ تعساكر إلى أستاذ تعباس وطمأنه‪ .‬ودار بينهما جدال آخر في النظريات التربوية‪.‬‬

‫اهتبل شربات وأبو خمسين الفرصة لعمل )خيانة كبرى(‪ .‬فبعد أ ن تم )إحياء( القوانين المتشددة في المدرسة بعد الحادثة‬
‫ها هو أستاذ تعساكر يمنحهما الفرصة‪ ،‬ويوكل إليها )المهمة( المر الذي أغاظ البقية‪ .‬وبدال من الخروج من الباب‪،‬‬
‫)تسيبا( من )الجخرم( الخلفي لسور المرسة كي ل يراهما أحد!‬

‫وفي الهواء الطلق أخرج شربات خمسة تعشر قرشا وسأل أبو خمسين‪:‬‬

‫ـ تعندك كم؟‬

‫أخرج أبو خمسين )خمسين قرشاا( ولوح بها في الهواء‪ ،‬فعلق شربات‪:‬‬

‫"ياخي إنت خمسيناتك دي قاتعد تبليضها؟!"‬

‫وضربا أيديهما في الهواء بمرح ثم قال شربات‪:‬‬

‫ـ وال أستاذ تعساكر دة راجل )شربات(‪ ..‬إتخيل ال‪########‬ين ديل هسي يكونوا قاتعدين في الحصة ميتين من‬
‫الغيظ ونحنا هنا قادليين!! وحاكي مشية النساء‪.‬‬

‫ـ كدة خليك من القدلة دي‪ ..‬أسي نحنا حنمشي وين أول؟ تام زين ول زوبا؟؟‬

‫ـ وإنت زوبا دي خاجتيها في الخر مالك؟ ول إنت لسة متعقد؟؟‬

‫ـ يا خي خلص نمشي زوبا أول‪..‬‬

‫ـ ل‪ ..‬إنت تعوير!؟ أراح ناخد )حبتين(‪ ،‬وكما ن ما إحتمال نلقى صاحبك هناك؟‬

‫واستدرك‪:‬‬

‫ـ لكين برضو حنمشي زوبا‪ ..‬إنشالجل نتفرج ساي في )شرف الوطن(‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وفي أول تعطفة تعلى الزقاق المقابل للمدرسة‪ ،‬ظهر تعم محمود ممطتيا صهوة دراجته‪ ،‬فزاغا فزتعا بالرغم مما معهما‬
‫من تصاريح! ولكن في النهاية قال )سيبك(‪ ..‬وراحا داخلين تعلى زقاق تام زين‪ .‬أبصرا العارضة تعلى البوابة الكبيرة!‬

‫ولما وصل‪ ،‬قفزا من فوقها تعلى تعجل‪ ،‬ولكن مسمار ا تعلق برداء شربات وسقطت العارضة وأحدثت ضوضاء صاحت‬
‫إثرها تام زين‪:‬‬

‫ـ مين؟ سكرانين وجايين تتطاقشو؟؟‬

‫ـ ل‪ ..‬ديل أنحنا‪..‬‬

‫ـ إنتو مين ؟؟‬

‫ـ أنحنا أنحنا‪..‬‬

‫ودخل تعليها‪:‬‬

‫ـ إزيك‬

‫ـ أه ا‬
‫ل‬

‫وتعرفتهما وتذكرت أنها )موصية تعليهم( من أصدقاء سيد شطة )بتاتعين الكورة( وراودتها حكاية رفيقهم فقالت‪:‬‬

‫ـ اتفضلوا‬

‫ونادت بنتها ذات الثلثة تعشر ربيعا‪:‬‬

‫ـ نورا‪ ..‬جيبي موية لخوانك‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ آآ‪..‬كيفكم؟ قال شربات‬

‫ـ الحمد ل‪ ..‬ثم أضافت‪:‬‬

‫"يا أولدي أخوكم دة ماله ومال المشاكل الزي دي!؟"‬

‫وكانت قد سمعت القصة بإضافاتها؛ بأنه )سب دين للمدير‪ .‬وطلع مطوة كا ن تعايز يطعنه‪ ..‬و‪ ...‬و‪ (...‬وكانت حكاية‪ ،‬ثم‬
‫أنهى شربات المرحلة‪:‬‬

‫ـ ل‪ ..‬دي حاجة بسيطة‪ .‬وهو ما جاكم بجاي؟‬

‫ـ ل وال!‬

‫ـ طيب‪ ..‬شوفي لينا )حبتين( كدة ؟‬

‫ـ وال الليلة ما تعندنا‪.‬‬

‫ـ طيب‪ .‬شوفي لينا من العندهم؟‬

‫وتذكرت الوصايا تعليهم‪ ،‬ومن )العندهم( جاءت نورا بما تيسر وبدأ العد‪:‬‬

‫واحد هنا‬

‫وواحد هنا‪..‬‬

‫"والكأس مجراها اليمينا"!‬

‫خرج النمل من مخابئه وبدأ يدب‪ .‬ظهرت الفراشات الضوئية في رأس شربات‪ ..‬وأخرج أبو خمسين السيجارة من تحت‬
‫الحزام!!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وأشعلها‪ .‬أخذ نفسا تعميقا وتعمل )باص( لشربات‪..‬‬

‫ومع الدورة الثالثة للسيجارة قال أبو خمسين‪:‬‬

‫ـ يا خي كب بسرتعة‪ .‬اتأخرنا‪ ..‬تلقاهو أستاذ تعساكر هسي بفتش تعلينا‪..‬‬

‫ـ يا خي إنت مالك رتعديد كدة؟ بفتش لينا شنو؟ مش نحن بنفتش؟ خلص كنا بنفتش وما ليقيناهو! دي كما ن دايرة ليها‬
‫شطارة؟؟‬

‫ـ يا خي إنت سكرت ول شنو؟؟‬

‫ـ هسي السكرا ن منو؟ أنا ول إنت ؟ ـ قالها بحدة‪.‬‬

‫وتدخلت تام زين لتهدئة اللعب‪:‬‬

‫ـ يا أولد!! إنتو دايرين تتشاكلو لي هنا ول شنو!؟‬

‫ـ ل‪ ..‬ل يا خالة‪.‬‬

‫وخفضا صوتيهما‪:‬‬

‫ـ إنت ما تكو ن رتعديد كدة‪ ..‬إحنا‪..‬‬

‫ـ إنت شنو رتعديد المجنني بيها دي!؟‬

‫ضحك شربات ثم قال‪:‬‬

‫ـ خلص يا خي جبا ن ما رتعديد‪ ..‬كدة خلينا في المهم‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ آها؟‬

‫ـ شوف يا سيدي إحنا حنقعد هنا لحدي ما )نكلمل(‪ ،‬كويس؟‬

‫ـ كويس!‬

‫ـ وبعدين نماطل لحدي ما الواطة تمغرب‪ ،‬وبعدين نطلع‪ ..‬طبع ا مش منطقي نطلع )نتنجروك( بـ)أرديتنا( بتاتعة المدرسة‬
‫دي )هناك( بالنهار‪ .‬صاح؟‬

‫ـ أيوة صاح يا أبو الشرابيت‪ ..‬كلمك منطقي‪.‬‬

‫ـ وبعدين صاحبك دة أكيد يكو ن هناك‪ ..‬مافيش داتعي نمشي هسي زي الحرس الجمهوري‪ .‬مش أستاذ تعساكر قال لينا‬
‫أقنعوه؟‬

‫ـ أيوة ‪..‬‬

‫ـ خلص‪ ..‬ما هسي نحن بنقنع فيهو!!؟‬

‫وضحك أبو خمسين الذي أتعجبته الفكرة ثم قال‪:‬‬

‫ـ وال إنت يا أبو العباقرة بس أقنع لينا الخالة دي‪..‬‬

‫ـ ل‪ ..‬ما تشيل هم‪..‬‬

‫وأقنعك‪ ..‬أقنعك‪ ..‬ثم وجدا نفسيهما مستلقيين تعلى السرة‪ .‬ولم يستيقظا إل مع رائحة الطعام ـ مما تبرتعت به الخالة ـ‬
‫في الصيل‪.‬‬

‫فهجما بشراهة النمور‪ .‬وفي تلك اللحظة‪ .‬سمعا صوت تعلى إسماتعيل الكضاب يلقي التحايا قادماا‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫فارتجف أبو خمسين‪:‬‬

‫ـ ياخي دة أكيد مرسلو أستاذ تعساكر!!‬

‫ـ ياخي خلينا‪ ..‬حتى ولو‪ .‬ياخي إنت مالك رتعديد كدة؟‬

‫ـ تاني رتعديد!؟‬

‫ـ السلم تعليكم‪ ..‬دخل تعلى إسماتعيل ثم أضاف‪:‬‬

‫"وال حصانا دة شربات خلص" ـ وحشر يده في الطعام وهو ما يزال واقفا ـ‬

‫"بال كنتو تعايزين تفوتونا الخوابير دي كلها؟ يا مستنكحين؟؟ لكين شكرا لستاذ تعباس"‪.‬‬

‫ومع ذكر أستاذ تعباس ارتبك شربات نفصسه ‪..‬وصاح أبو خمسين‪:‬‬

‫ـ أسمع‪ .‬هو رسلك؟؟‬

‫ـ آآ‪ ..‬أيوة‪ ،‬وكما ن قال لي شوف الجماتعة ديل وين وقول ليهم يجو بسرتعة!!‬

‫ـ شوف يا تعلى إسماتعيل يا كضاب ـ قال شربات ـ إنت بقيت كضاب جد جد‪ .‬وبعدين الرسلك منو؟ أستاذ تعباس ول أستاذ‬
‫تعساكر؟ ثم أضاف‪ :‬وأستاذ تعباس دة تعرف من وين ؟ ويرسلك بمناسبة شنو؟‬

‫ولما لم يجد تعلى إسماتعيل خرقة يسد بها بداية كلمه التي كانت مرتبكة‪ ،‬اتعترف قائ ا‬
‫ل‪:‬‬

‫ـ وال يا جماتعة دة ما حصل‪ .‬بس أنا يعني قلت أشارك في الخيانة‪..‬‬

‫ـ يا خي فاتتك وخلص‪ ،‬وبعدين إحنا مرسلين‪ ..‬ما تخرب تعلينا‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وتمسكن تعلى إسماتعيل‪:‬‬

‫ـ طيب يا جماتعة ما ترحننوا تعلى أخوكم‪.‬‬

‫ـ المرة الجاية‪ .‬المرة الجاية‪.‬‬

‫ـ يا خي المرة الجاية دي إحتمال أجرى أنا وتجو أنتو تاني يا فشوشات وتعملوا خيانة بسببي‪..‬‬

‫ـ شوف يا كضاب‪ ..‬إحنا بعد )الصورة( المشت هناك دي كلنا حنجري‪ ..‬ما تجننا يا خي‪.‬‬

‫ثم سأله أبو خمسين‪:‬‬

‫ـ وإنت معاك كم؟‬

‫ـ آ آي‪ ..‬خمسة وسبعين ‪..‬‬

‫خلص ديل نمشي بيهم هناك‪.‬‬

‫فتدخل شربات‪:‬‬

‫ـ يا زول هناك وين‪ ..‬إنتو ناسين نحنن في مهمة؟‬

‫فراوغ تعلى إسماتعيل‪:‬‬

‫ـ المهمة دي بتاتعكم إنتو‪ ..‬أنا هناك حأتعمل خيانة‪.‬‬

‫****‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫كا ن الظلم قد دب في )حي فوق( وبدأت تتلمع الكهرباء هناك في وسط المدينة‪ .‬خرج ثلثتهم‪ .‬وبعد زقاقين كانت‬
‫جمهرة من الطفال والنسوة أمام أحد البيوت‪ ،‬وكركبة الدلليك داخله‪.‬‬

‫"الظاهر الليلة في مزيكة!؟"‬

‫ـ لكن ما في أي طريقة‪ .‬يا خي السبب كله جو!!‬

‫كانت هناك مشاجرة بين السكارى‪ ،‬فلفوا من الشارع الخر ليمسكوا )درب الربعين( المشهور في )حي فوق( الذي‬
‫يلقب بـ) شارع البهجة المسرة(‪ .‬كانت لمبات الجاز المزججة تصطف أما البيوت تمازح الداخلين والخارجين‪ .‬ومع‬
‫اللمبة الثامنة‪:‬‬

‫تووش ‪..‬‬

‫معرض شرف الوطن! خلف المصابيح أربع بنابر‪ ،‬تعلى كل فخذين تعاريين بينهما ) ‪ .(capital I‬الباذنجيا ن‬
‫اللمعا ن‪ )I( :‬أبيض! الكاكاويا ن‪ )I( :‬أحمر! القميحا ن‪ )I( :‬أخضر! الحلبيا ن‪ )I( :‬أسود!!!‬

‫وضع تعلى إسماتعيل يده تعلى رأسه قائ ا‬


‫ل‪:‬‬

‫ـ ل إله إل ال!!! تعلى اليمني )تعلمي أنت رجائي( تعدييييل!!‬

‫قال شربات‪:‬‬

‫ـ شوفوا يا جماتعة‪ ،‬إحنا في )مهمة(‪.‬‬

‫فخرخر تعلى إسماتعيل بالجد‪:‬‬

‫ـ منو القال ليكم أنا معاكم في المهمة بتاتعتكم دي؟‬

‫وذهب إلى الكاكاو )وراح ضارب الشكولته(!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫في)حي فوق( هنا‪ ،‬حيث ل غضاضة في العري‪ ،‬وجد جو نفسه محتفى به‪ .‬وتقاطر )الشكش( منذ لحظة وصوله ليشهد ن‬
‫خيانة أتعظم تعاشق في المدينة‪ .‬وللتأكد )العملي المرفوع( من الحقيقة الزلية؛ )خيانة الرجال(‪ .‬ولكن ذلك كله ذهب‬
‫بددا!!‬

‫ف)زريــــــا( التي تعمل ساتعتها البيولوجيا بالتوقيت القمري‪ ،‬والشهور تعندها هي‪:‬‬

‫الويحيد‬

‫الكرامة‬

‫التوم‬

‫التومين‬

‫سايق التيما ن‬

‫رجب‬

‫رقصصرير‬

‫رمضا ن‬

‫الفطر‬

‫الفطرين‬

‫الضحية‬

‫والضحيتين؛ كانت تؤمن بخرافة تقول أنه مع نهاية كل قر ن قمري‪ ،‬يظهر إله الحب ويجدد للعشق أمجاده بعد اندثارها!!‬
‫ولما صادف بالفعل أ ن كانت الحادثة في العقد الخير من القر ن‪ ،‬وقد تعلمت ـ زوبا ـ ضمن الشاتعات التي تم تداولها‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫)حقيقة( أ ن هذا العاشق هو من نوع البشر الذين ل يستطيعو ن النوم في أيام اكتمال القمر‪ ،‬فلم تشك لحظة واحدة في‬
‫أنه )هو(!‬

‫وتعقب شرحها لنظرية )الفرق( بين خيانة الرجل للمرأة من أجل أمرأة أخرى‪ .‬وخيانته لها مع أخرى من أجلها هي‪،‬‬
‫رتبت طقس الخيانة بإيما ن تعميق‪ :‬جاءت بالنخب‪ ،‬واستدتعت سمسة ذات السبعة تعشر ربيعاا‪ ،‬ووتعدتها بـ)حق يومها(‬
‫كام ال‪ .‬ولكن هذه المرة في )المتربسة( ـ غرفتها الخاصة ـ التي ل يدخلها أحد غيرها في ذلك الحي المستباح‪.‬‬

‫قيل ضمن الشاتعات‪ ،‬أ ن زوبا متزوجة من )ملك الجن(! وقد كانت تلك الشاتعة مصدر أمن نسبي لها‪ ،‬وسببا آخر يمنع‬
‫اللصوص )السيئين أولد الحرام( ـ الذين يسرقو ن من وسط المدينة ما يسرقه اللصوص )الطيبين أولد الحلل( من‬
‫طرف المدينة‪ ،‬ليعيدوه إليه‪ ،‬وإ ن كا ن ناقص ا ـ من أ ن يجرؤوا تعلى التفكير في السطو تعلى المتربسة بالرغم من تعلمهم‬
‫بما تحويه من ثروات!‬

‫كا ن جو في سابع نومة حين شرح شربات )المهمة( لزوبا‪ ،‬التي لم تزد تعلى قولها‪:‬‬

‫"أمشوا كلموا استاذكم دة قولوا ليهو صاحبكم راجع بكرة"‪.‬‬

‫ولما استتر تعري المدينة بأردية الصمت‪ .‬أقامت زوبا )طقس الطواف الليلي لبنات أورشليم( اللتي أنشد ن النشيد‪:‬‬

‫"من هذه الصاتعدة من القفر كأتعمدة من دخا ن‪ ،‬معطرة بالمر واللبا ن وكل تعطور التاجر؟" الكتاب المقدس‪ :‬نشيد‬
‫النشاد‪.‬‬

‫‪..‬وصلت زوبا‪:‬‬

‫"‪ ...‬وقد صنع الملك سليما ن كرسي العرش من خشب لبنا ن‪ ،‬وصنع أتعمدته فضة‪ ،‬ومتكأه ذهباا‪ ،‬ومقعده أرجواناا‪،‬‬
‫ورصعت بنات أورشليم غطاءه محبة‪ "...‬نشيد النشاد‪.‬‬

‫جاءت كل ذات مصباح بمصباحها‪ ،‬تطوف لتاتي التي بعدها بالذي بعده‪ .‬لم يكن هذا الولد المراهق الراقد هو )هو(‪،‬‬
‫وإنما خرافة تقاس تعلى ذكرى )وجهه( أوصاف الحلم المستحيلة؛ المقتولة‪ ،‬والتي ل تجيء لنها ستقتل!!‬

‫*****‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫أطاح الرب بأمن أستاذ تعباس الطفيف‪ .‬فقد نقر تعم محمود الباب وجاء بما ل تشتهي السفن! والدا الطالب جالسا ن‬
‫بالخارج ويريدا ن مقابلته! ارتبك أستاذ تعباس )السيد المدير بالنابة(‪ ،‬فعدل من جلسته وتأكد من حال كونة مديراا! ثم‬
‫أمر تعم محمود بأ ن يسمح للضيفين بالدخول‪ .‬وقبل أ ن يغادر تعم محمود المكتب أمره قائ ا‬
‫ل‪:‬‬

‫ـ أسمع يا تعم محمود ‪..‬‬

‫ـ أفندم‬

‫ـ بال نادي معاك أستاذ تعساكر حاال‪.‬‬

‫ـ أمرك أفندم ‪..‬‬

‫وخرج تعم محمود‪ ،‬دتعا السيد تعثما ن سنين والسيدة فاطمة بت النور فدخل‪ .‬قام أستاذ تعباس من كرسيه وسألمهما‬
‫ببشاشة أطالت المسالمة‪ .‬أصلح السيد تعثما ن سنين تعمامته أثناء رده تعلى الستاذ تعن الحال والحوال‪ ،‬وأخبار‬
‫الموسم‪ .‬لكن القروية‪ ،‬بت النور‪ ،‬قطعت حبل المجاملت الممتدة‪ ،‬ودخلت في الموضوع بدو ن مقدمات‪:‬‬

‫ـ أستاز المدير‪ ،‬ولدي وينو؟‬

‫تنحنح السيد تعثما ن سنين محتجا تعلى تدخلها في وجوده وأمرها‪:‬‬

‫ـ أسكتي ساكت ‪..‬‬

‫وتدخل استاذ تعباس مهدئا الموقف قائال ببعض الطمئنا ن‪:‬‬

‫ـ ل ‪..‬ل‪ ،‬ما في حاجة‪ .‬أصلو الولد من أمبارح في بيت خالته‪.‬‬

‫ولكنه فوجئ بالدهشة التي اتعتلت وجه تعثما ن سنين والسؤال المباغت من بت النور‪:‬‬

‫ـ خالتو ياتا ؟ دة ماتعندو خالة هنا؟؟!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ولكن أستاذ تعساكر أنقذ الموقف بعد أ ن سمع طرف الحديث هو تعلى تعتبة الباب فسلم تعلى الضيفين بحميمية أهل البلد‪.‬‬
‫وطلب منهم الجلوس‪ .‬وضحك بمودة ثم أجاب تعلى السؤال الخير‪.‬‬

‫ـ أصلو يا حاجة الولد في بيت ناس واحد صاحبو في المدرسة‪ .‬أيوة‪ ،‬زميله يعني‪ .‬وإحنا أديناهو الذ ن‪ .‬لكين الغريبة هو‬
‫بعد شوية كدة حيجي‪ .‬وال فيكم الخير‪.‬‬

‫ثم ضحك أستاذ تعساكر لزوم القناع‪ ،‬فبدا مقنعا لبت النور‪ ،‬التي أصلحت جلستها وهي تردد‪:‬‬

‫ـ الحمد ل‪ ،‬الحمد ل‪.‬‬

‫وبرر أستاذ تعساكر الموقف مضيفاا‪:‬‬

‫ـ وال إحنا ما كنا تعايزنكم تتعبوا‪ .‬ما الولد برضو ولدنا‪ ..‬الحكاية بسيطة‪.‬‬

‫وتعرف من السيد تعثما ن سنين ـ تعلى سبيل )الونسة( بكيفية وصول الخبر تعلى أم شقايق‪ .‬إذ جاء خلل تلك اليام أحد‬
‫مواطنيهم إلى المدينة والتقط الخبر وقام بإيصاله )بكل أمانة القرويين( و)وبضبانته(‪..‬‬

‫ـ ما في مشكلة‪ ..‬بسيطة بسيطة هو هسي حيجي‪.‬‬

‫وتعلى رأي المثل‪" :‬من تعاشر قوما اربعين يوما صار مثلهم"‪.‬‬

‫فبمجرد تعلم أستاذ تعساكر بهوية الضيفين‪ ،‬أنزلق هو الخر في التكتيكات والخطط السعافية الطارئة! فنادى تعلي‬
‫إسماتعيل الكضاب وتعثما ن شربات‪ .‬أغلق تعليهما باب المكتب و أمسك بإذ ن كل منهما وجرهما قريبا منه‪:‬‬

‫ـ شوفو يا أولد أنتو أهل جو ديل بعرفوكم؟‬

‫ـ أيوة‪ ..‬أيوة‪..‬‬

‫ـ إذ ن ما بنفع!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ثم سالهما تعن زميل لهما ل يعرفه أهل جو‪.‬‬

‫ـ أيوة ‪ ..‬سيد شطة وبطيخة!!‬

‫ـ بطيخة دة تاجرمعروف‪ ..‬ما ينفع‪ ..‬أمشي نادي سيد شطة‪.‬‬

‫وهرول تعلى إسماتعيل الكضاب‪ ..‬ولما حضر ومعه سيد شطة‪ ،‬شرح لهم الموقف بدقة‪ ..‬طلب منهم إحضار جو فوراا‪،‬‬
‫وتمثيل مسرحية )بيت زميلهم إياهـا(‪.‬‬

‫فاستفسر تعلى إسماتعيل‪:‬‬

‫"طيب يا أستاذ لو الحاجة قالت تعايزة تمشي تزور )خالتنا أم سيد( نعمل شنو ما إنت تعارف يا أستاذ أهلنا القرويين ديل‬
‫بتاتعين واجبات وحاجات زي دي؟؟"‬

‫ـ وال دي نقطة مهمة نبهتنا ليها!‬

‫فاقترح سيد شطة )الكذب(‪:‬‬

‫"أنا أقول ليهم ناس أمي سافروا‪ ،‬وتعشا ن كدة رجعنا كلنا الداخلية‪ ..‬وبكدة نتخلص من المشكلة!"‬

‫أمن الجميع تعلى القتراح‪ .‬دقائق وقفز ثلثتهم من السور الغربي للمدرسة فناداهم تعم محمود‪:‬‬

‫"يا ولد !!"‬

‫ولكنهم فروا بعيدا باتجاه )حي فوق(‪ .‬ولما استمع أستاذ تعساكر إلى الشكوى‪ ،‬أبلغ تعم محمود أنه هو الذي أرسلهم‪،‬‬
‫ولكن تعليه أ ن يذكره لحقاا‪ ،‬ويحضر معه السوط لمعاقبتهم تعلى )قفزهم من سور المدرسة(! ثمانية وثلثين ودقيقة فقط‬
‫هذه المرة‪ .‬وكانوا قد انجزوا المهمة‪ :‬اختطفوا جو وذهبوا به رأسا إلى الداخلية‪ ،‬شطفوه‪ ،‬وألبسوه الزي المدرسي‬
‫وسرحوا له شعره ثم جاءوا به إلى مكتب المدير‪.‬‬

‫لم تترك بت النور الفرصة لشيء آخر‪ ،‬وهجمت تعلى إبنها وأوسعته بكاءا لم تنفع معه أوامر تعثما ن سنين‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫"إنتي يا )صمصرجه( قايلة نفسك قاتعدة وين ؟؟ آآ؟!"‬

‫"دة مكتب المدير ‪ ..‬بكيكي دة سويه في الخل هناك‪"..‬‬

‫ولجما لم تأبه لهرشاته‪:‬‬

‫"أسمعي‪ ..‬خلص كفاكي‪ ،‬خليني أسلم تعلى الولد‪"..‬‬

‫واستغلت بت النور لحظة المسلمات تلك وفكت صرة في طرف ثوبها‪ ،‬وأخرجت الرمل الذي جلبته من )قبة الشيخ أبو‬
‫مفاريك(‪ ،‬ولما لم تجد ما اء بللته بلعابها وبدأت تمسح جبين إبنها غير آبهة بمكتب المدير!! وفي نهاية مشهد ـ‬
‫)ال نزوارة( في مكتب المدير ـ الذي لن ينسى ولن يتكرر‪ ،‬تدخل سيد شطة وألقى بالكذبة المتفق تعليها‪:‬‬

‫ـ وال يا جيمة لو ما ناس أمي سافروا الليلة الصباح‪ ،‬كا ن سقناكم البيت‪ ..‬وال بس جيتكم صادفت وفاة جدنا‪..‬‬

‫ـ الفاتحة‪.‬‬

‫قال تعثما ن سنين‪ ،‬وجقرئت الفاتجة تعلى روح جد سيد شطة الوهمي! فأكمل شطة‪:‬‬

‫ـ وال ناس أمي سافروا كوستي الصباح دة‪ ..‬وهسي أنا ذاتي رحلت وجيت أقعد في الداخلية! فتدخل تعثما ن سنين‪:‬‬

‫ـ تشكروا يا إبني‪ ،‬أنحنا راجعين‪ ،‬لكين لزم نرد ليكم الواجب ونجي نزوركم تعشا ن العملتوه مع أخوك دة‪ .‬ثم سأل السيد‬
‫المدير وفي رأسه اقتراحات بت النور‪:‬‬

‫ـ إل هسة الراي شنو؟؟‬

‫فتذكر أستاذ تعباس ما توصلوا إليه في المجادلت التي قادت تعلى خطة التصرف‪:‬‬

‫ـ وال يا حاج ما في مشكلة‪ ..‬والولد ممكن يواصل دروسه‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ يعني يقعد في الداخلية؟‬

‫ـ أيوة‪ .‬بالظبط كدة‪..‬‬

‫وهنا تدخلت بت النور‪:‬‬

‫ـ ل‪ ،‬تعليك ال يا أستاز المدير‪ ..‬بس أديه إذ ن تلتة يوم بس وبعدين يرجع‪ .‬تعليك ال يا أستاذ المدير‪..‬‬

‫وأمام إلحاحها‪ ،‬وافق أستاذ تعباس‪:‬‬

‫ـ خلص ما في مانع ‪ ..‬بس تلتة أيام‪.‬‬

‫كا ن إصرار بت النور‪ ،‬تعلى اصطحاب إبنها مبنيا تعلى ترتيبات معدة سلفاا‪ .‬فهي منذ أ ن سمعت بخبر الحادثة‪ ،‬ذهبت إلى‬
‫الفكي إساخا )إسحق( ودفعت له )البياض( ليكتب )محاية مركزة( لولدها‪ ،‬وأقرنت ذلك بـ)الزوارة( من تراب قبة الشيخ‬
‫أبو مفاريك‪ ،‬ثم بخور )أم الصبيا ن( لتحمي ولدها من شر )العوارض المتباريات(‪.‬‬

‫كانت بت النور تؤمن إيمانا قاطع ا بأ ن )الجلبة( تعندهم )فكي كبير(‪ .‬وأنهم يتزوجو ن بالجنيات اللتي يقبعن في المنازل‬
‫)ول يخدمن كما تخدم النساء( لينجبن البنات الساحرات اللتي يسخرهن آباؤهن لخطف )أولد الناس(‪ .‬وقد تأكد لها ذلك‬
‫بالتجربة قبل سنين طويلة في مشكلة شقيقها تعبد الرحمن النور‪ ،‬الذي أطلق السم تعلى ولدها‪.‬‬

‫وقد كا ن تعبد الرحمن النور هذا‪ ،‬تلميذا نابهاا‪ .‬كا ن دائم ا يأتي في مقدمة أقرانه في المدرسة‪ ،‬إلى أ ن دخل الجامعة‪.‬‬
‫وهناك أصبح زتعيما للطلبة‪ ،‬وسافر إلى بلدا ن تعديدة‪ ،‬بل وكا ن الناس يموتو ن من العجب‪ ،‬وهم يستمعو ن إلى صوته‬
‫وهو يتحدث في الرادي )الراديو(‪ ،‬تعبر أول جهاز يدخل أم شقايق‪ ،‬ذلك الذي إشتراه حاج النور خصيصا لجيسمع الناس‬
‫صوت إبنه الذي أصبح مكا ن فخر‪ ،‬بعد أ ن كا ن حاج النور يتوجس من المدراس تعموماا! تلك التي كانت تعني تعنده‬
‫)صش صرك النصارى(‪ .‬وبعد أ ن تغير موقفه ذاك‪ :‬كا ن يضحك ضحته المجلجة وهو يحكي في المجمع الكبير أمام بيته مرارا‬
‫قصة إبنه الكبر مع المدرسة! الذي كانت أمه )أم الحيرا ن( ـ ال يرحمها ـ تأخذه ليقضيا النهار في الخلء مزودا ن‬
‫بـ)جبجخصسة( مليئة بالروب هروبا من المفتش النجليزي الذي كا ن يمر تعلى القرى‪ ،‬باحثا تعن الصبيا ن لخذهم إلى‬
‫المدرسة! وقد كا ن والده هو ـ الحاج تعثما ن النصاري ـ ال يرحمه‪ ،‬قد أقنعه بما كا ن يروجه الجلبة تعن أ ن النجليز‬
‫يأخذو ن الصبيا ن إلى المدرسة ليحولوهم إلى نساء لهم!!‬

‫لكن تعبد الرحمن النور بدد لهم كل ذلك الشك‪ ،‬إل في شيء واحد؛ هو أنه لما اختاروا له بنت تعمه )خدوج( ـ أسمح‬
‫بنات القرية ـ ليتزوجها‪ ،‬ضحك‪ ،‬ورفض المر‪ ،‬وحاول إقناتعهم بأ ن الزواج مسألة )شخصية(! ولم يفهم حاج النور‬
‫معنى )شخصية( هذه إلى أ ن رحمه ال هو الخر‪ .‬وقد فأجاهم تعبد الرحمن النور يوماا‪ ،‬بصرامة‪ ،‬أنه نوى أ ن يتزوج‬
‫بإحدى زميلته في الجامعة وأخرج صورتها ووضعهم أمام المر الواقع! وقد كا ن ذلك مصدر رتعب وسط قريباته ـ‬
‫وخاصة بت النور ـ اللئي روجن لحكاية الجنيات تلك وصدقنها‪ .‬بل وذهبن إلى أخطر )فكي( في المنطقة كلها‪،‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ولـ)كوجا( الجمجع صراقي‪ ،‬ودسسن لعبد الرحمن ما استطعن من السحر في الطعام والشراب‪ .‬ولكن ذلك كله لم ينفع! فايقجن‬
‫بأ ن فكي الجلبة )فكي كبير(‪ .‬وازداد المر يقينا لما قلت زيارات تعبد الرحمن النور إلى القرية بعد زواجه‪ ،‬إلى أ ن‬
‫جاءهم خبر موته في )حادث حركة( ـ هكذا يقولو ن‪ .‬وحكت بت النور بعد تعودتها من العزاء في الخرطوم‪ ،‬أنها وجدت‬
‫زوجته )ممسحة( )ومسرحة(‪ .‬وأ ن أطفاله ـ ماجد وسهى ـ كانا يهربا ن منها ويسخرا ن من لهجتها القروية!!‬

‫لكل ذلك‪ ،‬فقد جأخضع جو لتدابير طقسية صارمة خلل اليام الثلثة التي قضاها في البيت‪.‬‬

‫*****‬

‫تعقب المذاكرة الجبارية ـ وقد تعادت بعض المياه إلى مجاريها ـ أخرج أستاذ تعساكر كرسيه وجلس أمام المسرح‪ .‬نادى‬
‫شلة أولد قرف ليتفاكر معهم حول الستعداد لبرنامج احتفالت تعيد التعليم‪.‬‬

‫وكما نعرف‪ ،‬فإ ن أستاذ تعساكر هو المشرف تعلى ما كا ن يعرف بـ)الجمعيات الدبية( والنشاطات‪ .‬وقد قام بدور المخرج‬
‫لمسرحية )الشماشة( التي فازت بها المدرسة في مسابقة المدارس العام الفائت‪ .‬تلك المسرحية التي يرجع الفضل في‬
‫تأليفها لـ)جو( الذي استقاها من الواقع‪ ،‬مطبق ا إتعجابه بما قرأه في الكتب )المدسوسة( في بيتهم القروي‪ ،‬ومستغ ا‬
‫ل‬
‫ا‬
‫)تجربته( في المشاركة في التمثيل في تمثيليات المدرسة الولية ـ التي صارت )البتدائية( فوق رأسه‪ .‬والفضل أيض ـ‬
‫يرجع لولد قرف‪ ،‬الذين أجادوا التمثيل‪ .‬أما فضل أستاذ تعساكر‪ ،‬فكا ن في أمرين‪ :‬الول‪ ،‬هو كفاحه المرير لقناع السيد‬
‫المدير بالمسرحية‪ ،‬فهذا كا ن يرى فيها خروج ا تعلى )أصول التربية( و)الذوق العام(!! وقد كا ن مصرا ـ ومعه أستاذ تعبد‬
‫الجليل ـ تعلى المشاركة بمسرحية )صلح الدين اليوبي( التي مل الناس من تكرارها‪ ،‬المر الذي أضطر أستاذ تعساكر‬
‫أ ن يضحي ـ في سبيل الشماسة ـ بنقاط مهمة لكنها ساقت إلى الفضل الثاني‪ :‬فعقب إسقاط بعض اللفاظ‪ ،‬تولى مهمة‬
‫الخراج‪ ،‬وابتدع وسائل حركية كانت أبلغ دللة من الكلم!‬

‫فأستاذ تعساكر لم يك‪ ،‬في الواقع‪ ،‬أكثر من )جربندي( موهوب‪ .‬فمعرفته بالخراج‪ ،‬والمسرح تعموماا‪ ،‬ما كانت تتعدى‬
‫المقدمات النظرية التي درسها في )بخت الرضا(‪ .‬وما التقطه من المداومة تعلى حضور مسرح )جماتعة الطليعة( ـ‬
‫تعندما كانت هناك طليعة‪ .‬وقد تحسر أنه ما كا ن مهتم ا بالموضوع في أيام )التأهيل( ليكتشف )ميوله واتجاهاته( مؤخراا!‬
‫لذلك‪ ،‬فهو حريص تعلى تجنيب طلبه ـ خاصة هؤلء الشقياء ـ غلطة تعمره‪ .‬وها هم سيغادرو ن المدرسة بعد شهور‬
‫قلئل‪ ،‬ليصعدوا )السلم التعليمي( الذي قد يفضي بهم إلى الهاوية! ويبقى هو ـ ربما ـ هنا‪ ،‬وفي نفس المكا ن‪ ،‬يجتر‬
‫ذكراهم التي قدل تتكرر‪.‬‬

‫بل مقدمات‪ ،‬أخبرهم بأنه وردت إليه طلبات مهولة ـ من الميرية خاصة ـ تطالب بإتعادة المسرحية هذا العام‪.‬‬

‫أشار شربات لعلي إسماتعيل إشارة النصر )ومازال الزحف مستمرا ( ‪..‬‬

‫بعد أ ن أكملوا تلعليقاتهم الجانبية‪ ،‬طلب منهم أستاذ تعساكر أ ن يفكروا في الموضوع ولكن اليوم سيكو ن للمسامرة‪ .‬ثم‬
‫ألقى بالسؤال لجو ـ ذلك السؤال الذي فات تعليه أ ن يسأله العام الماضي‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ إنت تعرفت حكاية الشماشة دي كيف!؟‬

‫وقف جو ـ كعادة الطلبة ـ ليجيب‪ ،‬فطلب منه أستاذ تعساكر الجلوس قائ ا‬
‫ل‪:‬‬

‫يا جماتعة خلو )البساط أحمدي(‪.‬‬

‫قال جو‪:‬‬

‫ـ كنت في يوم قدام السينما‪ ،‬وشفت الشماشة بمثلوا فيلم أمبارح‪ .‬وكا ن أبو طويلة لما يمثل )ديجانقو( يبقى ديجانقو‪،‬‬
‫ولما يمثل )شامي كابور( يبقى شامي كابور‪ .‬وبعد داك بقيت أمشي كل يوم أتعاين‪ ..‬لمن جا يوم كنت إتاخرت في‬
‫الداخلية‪ ،‬وحصلت قصة رينقو‪ ..‬وبعد داك صاحبته وبقى يحكي لي‪.‬‬

‫ـ يعني إنتو كنتو بتحاكوا الشماشة بس؟‬

‫ـ أيوة ‪ ..‬بس أنا كنت شايف رينقو دة ود ذكي جداا‪ ،‬ولو دخل المدرسة ممكن يبقى حاجة‪ ،‬فعملنا حكاية الستاذ البلقيهو‬
‫ويدخلو المدرسة‪ ..‬يعني تعشا ن الناس يعرفوا أنو الشماشة ديل زي بقية الناس‪ .‬وممكن يكونوا أحسن!‬

‫فتأوه أستاذ تعساكروقال‪:‬‬

‫"تعرف يإبني‪ ،‬إنت تمشي تقرا مسرح طوالي‪"..‬‬

‫وأضاف‪:‬‬

‫"يا إبني أي زول ممكن يبقى مدرس زينا كدة‪ ،‬وممكن يبقى مهندس أو دكتور أو ضابط أو حتى رئيس جمهورية‪ .‬لكن‬
‫ما أي زول ممكن يبقى فنا ن"‪.‬‬

‫فتساءل أبو خمسين‪:‬‬

‫ـ يعني هو حيغني يا أستاذ!؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ ل يا أبو خمسين‪ .‬كلمة فنا ن دي ما لزم تعني ال جغنا؛ الرسام فنا ن‪ ،‬العازف فنا ن‪ ،‬الممثل فنا ن‪ ،‬والمسرح دة إسمو أبو‬
‫الفنو ن‪.‬‬

‫ضحك تعلى إسماتعيل الكضاب ثم تعلق‪:‬‬

‫ـ هسي يا أستاذ‪ ،‬أبو خمسين دة يعني كا ن فنا ن لمن كا ن بمثل دور البوليس )إر الجمرضجر(!؟‬

‫ـ أيوة‪ ...‬طبعاا‪ ..‬مش كل الناس اقتنعوا بيهو لمن في ناس صدقوا إنو بوليس جد جد؟‬

‫ـ أيوة ‪..‬‬

‫ـ خلص يبقي فنا ن‪.‬‬

‫ـ بس يا أستاذ دة هو نفسه صدق إنو بوليس جد جد وجلدني جد جد ما تمثيل!!‬

‫ضحك أستاذ تعساكر بعد أ ن تعرف بهذه الحكاية لول مرة ثم قال‪:‬‬

‫ـ صحيح يا أبو خمسين؟‬

‫ـ ما هو ذاتو صدق إنو شماشي جد جد وقعد يشاغل في البنات جد جد‪ .‬أنا تعارفه وال يا أستاذ‪.‬‬

‫ضحك أستاذ تعساكر بعمق ثم قال‪:‬‬

‫ـ ياخي إنتو ملتعين!‬

‫إنتهز شربات الفرصة‪:‬‬

‫ـ يا أستاذ أنا المرة دي ما تعايز دور التاجر‪ .‬ثم أردف محتجاا‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ ما ممكن الجماتعة يرقصوا ويهججوا وأنا داخل لي في تعمة وجلبية‪ ..‬وبعدين يا أستاذ الحكاية المجرة دي حتبقى‬
‫جسخنة‪..‬‬

‫ضحك أستاذ تعساكر مرة أخرى ثم رد‪:‬‬

‫ـ يا شربات ياخي‪ ،‬في واحد تعاقل يتنازل من رتبة تاجر لشماشي!؟‬

‫ـ أنا يا أستاذ‪.‬‬

‫ـ طيب خلص يا شربات‪ ،‬حكاية الرقيص دي حتتحل‪.‬‬

‫وتدخل جو مقترحا إضافة مشهد أخير يرقصو ن فيه جميعا "لن ننسى أياما مضت" مثل ما فعل طلب الجامعة في الحفل‬
‫الختامي لرحلتهم تعلى مسرح المدينة‪.‬‬

‫ـ الشماشة يبقوا أولد جامعة!! برافو‪ ..‬برافو‪ .‬دي فكرة مجنونة! دة حيكو ن مشهد!! دة حيكو ن أجمل حاجة!!‬

‫وبعفوية‪ ،‬وكأنهم توصلوا إلى نهاية المسرحية غنوا‪:‬‬

‫"لن ننسى أياما مضت‬

‫لن ننسى ذكراها‬

‫لن ننسى أياما مضت مرحا قضيناهاآآآ‪"..‬‬

‫وفي زحام البهجات والمسرات‪ ،‬لحت الفرصة فقام شربات وألقى بطرف خيط )المؤامرة(‪:‬‬

‫ـ يا أستاذ لو سمحت أنا تعندي إقتراح تاني‪.‬‬

‫ـ تعايز تقول شنو ياشربات؟ إنت أقتراحاتك دي ما بتكمل!؟ أها قول؟؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ أنا يا أستاذ شايف يعني‪ ،‬بقول يعني‪ ،‬بدل ما نمجثل بنات‪ ،‬ما يجو البنات نفسهم يمثلوا؟؟‬

‫لكن أستاذ تعساكر أدرك ما وراء المسألة‪ .‬وبالرغم من إتعجابه بالفكرة‪ ،‬إل إنه أحبط المؤامرة فورا قائ ا‬
‫ل‪:‬‬

‫"إنتو يا جماتعة نسيتو حاجة مهمة جدا جداا‪ .‬إنو بعد الحصل‪ ،‬مستحيل الجماتعة بتاتعين الميرية يوافقوا ويسمحوا‬
‫للبنات‪ .‬دة طبعا بالضافة للجماتعة الهنا في المدرسة"‪.‬‬

‫تعلى أي حال‪ ،‬فقد فاتت هذه النقطة المنطقية تعلى مدبري المؤامرة في تيار الرغبة والحماس‪ .‬والواقع‪ ،‬أ ن زهرة وتعزة‬
‫قد ترجمتا ـ لستاذ تعساكر شخصي ا ـ رغبة زميلتهن الصادقة في إتعادة المسرحية‪ .‬وتعبر الرسائل أبدين رغبتهن في‬
‫المشاركة في التمثيل‪ .‬وطالبن باختراع أدوار جديدة‪ ،‬وقدمن اقتراحات )فنانة( في هذا الشأ ن‪ ،‬بل وتعملن بروفات ـ‬
‫بالرغم من أ ن جمعية المسرح في مدرستهن معطلة من سنين! ل ن كل المسرحيات والتمثيليات المسموح بها "مقرفة"‬
‫كما قلن‪ .‬لذلك كله تحمس أولد قرف للقتراحات وقطعوا وتعد ا بأ ن يستغلوا أول فرصة‪) ،‬ويدردقوا( أستاذ تعساكر‬
‫باتجاه المسألة‪ .‬ولكن ها هو )المنطق( يتدخل ويهزم القضية في مهدها‪ ،‬ولم يبق إل مشاهدة )العلمة(‪ :‬وهي قلب كبير‬
‫يخترقه سهم ذو رأسين في أحد أطرافه حرف )‪ (N‬وفي الطرف اللخر )‪ .(J‬وقطرات ورد نازلة من القلب تحولت قبل‬
‫أ ن تسقط إلى )نج (‪) ...‬نج(‪) ...‬نج(!!‬

‫تلك العلمة التي امتلت بها حيطا ن المدينة‪ ،‬صارت مصطلحا بين الشباب‪.‬‬

‫تكتب )‪ (NJ‬وتقرأ )نج(‪ .‬ويقال أ ن فلن ا تعمل نج وفلنة أرسلت رسالة )للنج بتاتعها(‪ .‬وضاتعت أمجاد كيوبيد كما‬
‫ضاتعت أحلم شلة قرف في أ ن تعمل مسرحيتهم نج‪.‬‬

‫****‬

‫"الكبس العديل في تمثيلية أستاذ تعبد الجليل"‪.‬‬

‫جملة مكتوبة تعلى حائط المخز ن‪ ،‬قبالة بوابة الداخلية الرئيسية‪ ،‬تحت العلمة‪ ،‬بالفحم‪ ،‬ومظلة بالطباشير البيض ـ مع‬
‫أ ن العكس كا ن يجب أ ن يحدث! كانت الكلمات كبيرة‪ ،‬والجملة كلها مسورة بإطار طباشيري تعلى شاكلة أشباه دوائر‪.‬‬
‫ويبدو أ ن شخصاا آخر ـ غير كاتبها ـ تدخل ووضع هذا الطار‪ .‬ثم جاء آخر وكتب فوق كلمة تمثيلية )نيو(! ثم جاء آخر‬
‫وتعمل )×( تعلى كلمة )نيو( وكتب)‪ . (NJ‬وتعلق آخر )حرام تعليكم(‪.‬‬

‫كا ن أستاذ تعبد الجليل‪ ،‬بالرغم من تزمته في أشياء كثيرة‪ ،‬إل أنه كا ن حريصا تعلى التواصل مع طلبه‪ .‬كا ن يأتي مرة‬
‫بعد مرة ويجالسهم في أوقات الفراغ‪ ،‬ويؤمهم ـ أحيانا ـ في الصلة‪ ،‬وقد حاول مرارا سحب البساط من أستاذ تعساكر ـ‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫الذي كا ن )صديقاا( للطلب‪ ،‬المر الذي فشل فيه أستاذ تعبد الجليل بسبب حواجز )الدب( المفترضة التي تقوم تعليها‬
‫نظريته )التربوية(‪.‬‬

‫ولما تقدم الستاذ تعساكر باقتراح برنامج مشاركة المدرسة في احتفالت أتعياد التعليم‪ ،‬اتعترض أستاذ تعبد الجليل مرة‬
‫أخرى تعلى مسرحية الشماشة! بالرغم من العرف السائد بأحقية المسرحية الفائزة في العرض مرة أخرى‪ .‬وليكو ن‬
‫)منطقياا( فقد بني اتعتراضه تعلى أساس أ ن لدية مسرحية جديدة‪ .‬والواقع أنه ظل يخطط لهذا المر منذ بداية العام‪ ،‬وذلك‬
‫لعمل خبطة مسرحية تكو ن مضادة لتجاهات أستاذ تعساكر ومقربية! وقد أفنى ليالي طوال ساهرا لتأليف مسرحيته‬
‫الجديدة‪ .‬وطالع من الكتب ما طالع‪ .‬وأخيرا اهتدي إلي تجهيز نص سماه )أرضنا السليبة(‪ ،‬تعن قضية فلسطين‪ .‬وقام‬
‫باستقراب تعدد من الطلبه المثاليين ليمثلوا المسرحية‪ .‬ولما لم يجد المدرسو ن غير الحل الوسط لفض النزاع‪ ،‬قرر‬
‫المجلس أ ن تعرض المسرحيات تعلى مسرح المدرسة وتعتبر البروفة النهائية منافسة‪ .‬والتي ستنال التعجاب‪ ،‬ستتبناها‬
‫المدرسة‪ .‬ولذلك جقسمت أيام البروفات تعلى الطرفين‪ ،‬بالتساوي‪ .‬ولكن أستاذ تعساكر وجماتعته رأوا ترك المسرح لستاذ‬
‫تعبد الجليل وجماتعته‪ ،‬ليقيموا بروفاتهم في الساحة‪.‬‬

‫وقد انهمك أستاذ تعبد الجليل بحماس كبير مع المجموتعة التي اختارها‪ .‬ولنه هو الخر ليس سوى )جربندياا( فضل تعن‬
‫أنه يفتقر إلى الموهبة‪ ،‬فقد ووجه بصعوبات جمة؛ أولها مشكلة الملبس‪ ،‬ل ن منافسيه لم يتقدموا بطلب في هذا‬
‫الخصوص! لذلك اضطر أ ن ينفق من حر ماله في سبيلها من بداية أيام البروفات!! ثم أنه تورط في مشاكل أخرى‬
‫متعلقة بالحركة تعلى المسرح وكيفية تمثيل المسافات الطويلة التي يزخر بها نصه!! ولكن أهم مافي المر أنه أضطر‬
‫للتنازل تعن )أجمل( فكرة لديه وهي )الحصا ن(! لنه ل يستطيع إدخاله إلى خشبة المسرح‪ .‬والمشكلة التي لم يعتبرها‬
‫هو مشكلة‪ ،‬كانت قضية المهات اللئي أراد أ ن يعبر تعن مآسيهن‪ ،‬وذلك بسبب اتعتراضه المبدئي تعلى )الختلط( من‬
‫جهة‪ ،‬وتعلى أ ن يمثل الرجال دور النساء من جهة أخرى! فصارت المسرحية‪:‬‬

‫قالت الم ‪ :‬كذا ‪..‬وكذا ‪..‬‬

‫وبكت الم بحرقة‬

‫ودتعت أم هاني قائلة كذا‪ ..‬وكذا‬

‫وطبع ا بالفصحى‪ .‬فكانت المسرحية معسكر جيش من جهة‪ ،‬وحصة )تعربي( من جهة أخرى! ولم تكن )أرضاا( بأي حال‬
‫من الحوال‪ .‬ولكن )رابعة الثافي( كانت مشكلة الطلب الذين اختارهم! فقد كا ن ججلهم يفتقر إلى موهبة التمثيل‪.‬‬
‫وببساطة فقد ظن أستاذ تعبد الجليل ـ في البداية ـ أ ن المسألة )سهلة(‪ ،‬ول تحتاج إلى )درس تعصر(‪ ،‬ليجد نفسه أمام‬
‫أخشاب ناطقة!‬

‫ولما جاء يوم البروفة النهائية‪ ،‬التي هي العرض التنافسي‪ ،‬لم تك هناك منافسة في الواقع‪ ،‬فقد جسحقت مسرحية أستاذ‬
‫تعبد الجليل سحقاا‪ .‬وكا ن لذلك أثر خطير في مقبل اليام! أما فلسطين المسكينة‪ ،‬فقد تضررت أيما ضرر‪ ،‬لكنها كظمت‬
‫غيظها ولم ترفع دتعوى تعويض تعن الضرار‪ ،‬لنه ل توجد ـ في البلد ـ قوانين تعاقب الذين يسببو ن الضرار‬
‫للمساكين!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وبالرغم من أ ن )أدب الحيطا ن( المناوئ‪ .‬كا ن بدوافع تعفوية‪ ،‬إل أ ن أستاذ تعبد الجليل ظل مقتنعا إلى يوم القيامة أ ن ذلك‬
‫من تدبير أستاذ تعساكر‬

‫صباح الخير يا وطن‪..‬‬

‫ها هي المدينة نظيفة‪ ،‬كل الشوارع‪ ،‬حتى غير المسلفتة‪ ،‬أيض ا نظيفة! الشجار سيقانها مطلية بالجير البيض‪ .‬كل شيء‬
‫متأنق‪ .‬فقد قيل أ ن السيد المحافظ )سيشرف( إحتفالت المدينة بعيد التعليم هذا العام‪.‬‬

‫في الداخلية‪ ،‬كانت )مكوة( التاج ود الصول قد تعبت من الكي‪ ،‬في يوم النظافة العالمي‪ .‬أما كرجار ورفاقه )بتاتعين‬
‫الورنيش(‪ ،‬فخرجوا بحصيلة ل بأس بها من النقود )الكاش( والخرى المؤجلة من قبل بعض )المستنكحين(‪ .‬وقد رحم‬
‫ال الديدسات المزيفة بغسلت‪ ،‬وتنفست الشرابات الصعداء‪.‬‬

‫قبل السابعة صباحاا‪ ،‬كا ن كل شيء جاهزا‪ .‬الرسائل الغرامية تنام داخل الشرابات‪ .‬فاليوم ل كتب ول كراريس‪.‬‬

‫جأخرجت اللفتات الطويلة العريضة‪ .‬أفردت‪ ،‬وحملها رؤساء الفصول‪:‬‬

‫"العم يبني‪" .."..‬العلم‪ ..‬يرفع" "‪...‬العلم‪" "..‬العلم‪ ،".....‬ثم‪:‬‬

‫"المدرسة الشرقية ترحب باللسيد المحافظ وصحبه الميامين ‪"..‬‬

‫سأل شربات سيد شطة‪:‬‬

‫ـ إنت يا شطة الميامين ديل شنو؟‬

‫فرد شطة ساخراا‪:‬‬

‫ـ ديل البمشوا بيت ميمونة‪..‬‬

‫ـ ياخي خليك جادى‪ ..‬أنا بسأل جد!؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫تدخل أبو خمسين‬

‫ـ وإنت مالك ومال الميامين ديل؟ أهو كلم وخلص‪ .‬مش كل ما واحد يجي يكتبوا ليهو الكلم دة؟؟؟‬

‫ثم أضاف‪:‬‬

‫ـ مش أي واحد لما يموت يكتبوا ليهو "أظله ال بشأبيب رحمته"؟‬

‫إنت هسي تعارف شآبيب دي يعني شنو؟‬

‫ـ ل وال!! لكن‪ ،‬صحي دي معناها شنو؟؟‬

‫ـ ما تعشا ن كدة قلنا ليك‪ ..‬إحنا مالنا؟‬

‫‪....‬‬

‫تغير الموضوع وتحرك الموكب إلى )ميدا ن الكراكة(‪ ،‬من حيث ستنطلق )المسيرة الكبرى( إلى )ميدا ن الحرية(‪ .‬وجأخرج‬
‫النشيد‪:‬‬

‫أمتى يا أمة المجاد والماضي العريغي‬

‫لل لل‬

‫يا نشيدا في دمي يحيا ويجري في تعروغي‬

‫لل لل‬

‫‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وهناك في ميدا ن الكراكة‪ ،‬بدأت المبارزة بالحناجر‪ ،‬خاصة بعد ظهور موكب )الميرية( ‪ .‬ثم اختلط الحابل بالنابل مما‬
‫كلف المدرسين والمنظمين جهدا كبيرا لتعادة النظام‪ .‬بدأ التحرك بتقديم مدارس البنات منعا للتسيب‪ .‬وذلك بعد مجادلت‬
‫أخلقية وتعرفية طويلة حول مسألة التقديم والتأخير هذه! ولكن برزت فائدة هذا الترتيب )الحكيم( تعمليا في المحافظة‬
‫النسبية تعلى النظام‪ ،‬إلى أ ن انفرط أخير ا بجوارالسوق‪ .‬فلما وصلت اللفتات إلى ميدا ن الحرية‪ ،‬لم تكن تعبر في الواقع‬
‫إل تعن حامليها ـ وكاتبيها افتراضاا‪.‬‬

‫لحظات من التحاشد ثم جاء موكب السيد المحافظ‪ .‬هرع المدرسو ن والمنظمو ن لستقباله وصحبه الميامين‪ .‬فذهبت كل‬
‫ذات ظلف إلى مراحها وماتت من الحسرة من ل مراح لها‪ .‬وما أ ن صعد سيادته إلى المنبر وألقى بالجمل المعهودة‬
‫"مواطني الكرام ‪.. " "..‬أهلي وتعشيرتي"‪ ،‬حتى فكت اليادي الناتعمة والخشنة الوريقات الملفوفة بعناية! المتعوسة‬
‫منها الخارجة من الشرابات‪ ،‬والخرى المحظوظة الخارجة من فتحات الصدور‪ .‬وصار كل في شغله‪ ،‬ل يخرج تعنه إل‬
‫مع صيحات أمثال ود العمدة‪" :‬يعيش‪ ..‬يعيش‪ ..‬يعيش‪"..‬‬

‫هذا بالضافة لبؤرة جو التي أذهبت وجاهة المحافظ مع أدراج الريح‪ .‬ومع انفضاض الكرنفال )الكيتة(‪ .‬انتشر الناس في‬
‫المدينة‪ .‬وهبر كل وراء غزاله‪ .‬وجد جو نفسه بجوار أبو خمسين‪ ،‬وقد مرت تعلى هيئته نظرات كثيرة ل قبل للمحافظ‬
‫بها‪ .‬وضع كل يده تعلي كتف الخر وقال "ياجل‪"..‬‬

‫في الطريق‪ ،‬أتعاد جو فيلم الكرنفال بضوء النجم الذي سهد في مدارات اليام "‪ ...‬ياه! كا ن سيكو ن واقفا هناك‪ ..‬بجوار‬
‫زهرة وتعزة‪ .‬لن يقرأ وريقتي لنه سيدخرها للمساء حتى تنتبه الكواكب‪ .‬كا ن الهواء سيلعب بخصلة الشعر تلك‬
‫المتمردة‪ ..‬كا ن سينظر إلى الرض ليراني! ها أنت تمشي مستندا تعلى كتف رفيق‪ ،‬ربما ل يكو ن أبوخمسين لو لم تكن‬
‫لعبة القدر تلك‪ ،‬ولو كانت لعبة أخرى‪ ،‬ربما يكو ن المر أكثر إفراحاا؟؟‪..‬هل لهذا الميدا ن معنى؟؟ ما معنى المحافظ؟‬
‫المدير؟ المدرسة؟ الناس؟ المدينة؟ الكرنفال؟ لماذا يتأملك الناس هكذا؟؟ وأنت تتأمل ماذا؟؟ وغداا؟ ألست ستكو ن مثل‬
‫هؤلء الميامين؟؟ وهذا الشارع الذي مر تعليه اللف ذات يوم‪ ،‬ومشت تعليه نو ن ذات يوم‪ ،‬أيذكر هذا الشارع مشيتها؟؟‬
‫وها أنت تمشي‪ ،‬هل سينتهي بك كما قالت زوبا؟ أم كما قال الكتاب؟؟ لكن الكيد الكيد أ ن ما مضى لن يعود! هذه‬
‫واحدة ‪..‬‬

‫وداتعا أيها النهار‪.‬‬

‫والميعاد في المساء ‪!"..‬‬

‫****‬

‫كا ن أهم ما يثير شغف الكثيرين في انتظار ذلك المساء ـ في برنامج الحفل ـ مسرحية الشماشة‪ ،‬والفاصل الغنائي الذي‬
‫ستقدمه الطالبة ندى تعبد الواحد من مدرسة الشروق الثانوية‪ .‬وندى هذه كانت واحدة من أساطير )المدينة(‪ .‬جميلة لحد‬
‫النثيال‪ .‬لطيفة وذوق في نفس الوقت‪ .‬أما صوتها‪ ،‬فـ)ل تدانية نبرات العنادل( ـ هكذا يقولو ن ـ دو ن أ ن يعرفوا ما هي‬
‫هذه )العنادل(! كا ن شباب المدينة ـ وخاصة طلب الثانوية ـ يعشقونها تعن بكرة أبيهم‪ .‬بل وجميعهم )يحقدو ن( تعلى‬
‫سيف حسن تعازف النورمال جيتار في فرقة )إفريقيا الجديدة( الذي سرت إشاتعات بأ ن له )تعلقة( بها‪ .‬فهو الذي يدوز ن‬
‫أصوات اللت الموسيقية لمجاورة صوتها في بروفات الغنيات التي تؤديها‪ .‬وقد تأكدت الشاتعة تعندما شوهدا معا‬
‫يعبرا ن جسر المدينة ذات مساء‪ .‬وقيل فيما قيل أنه )تهرنى بها(! إل أ ن أحدا لم يتخل تعن )طمعه( فيها‪ .‬وقد احتشد‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫جمهور كبير في المعرض الذي أقامته مدرسة الشروق‪ .‬وبالذات في القسم الذي تقف فيه ندى وتشرح لزوار المعرض‬
‫اللوحات التي رسمها أستاذ الفنو ن؛ تلك التي تسمى )سوريالية(! والواقع أنهم كانوا معنيين بلوحة واحدة هي )هي(!‬

‫لكن تعصر ذلك اليوم شهد موجات متصاتعدة من القلق بسبب غباء أحد طلب الثانوية! فقد كا ن صاحبنا ممطتيا صهوة‬
‫دراجته مارا بحي النقل‪ ،‬والتقى صدفة بـ)تعواطف( زميلة ندى في المدرسة‪ .‬وبدال من اهتبال الفرصة وارتجال الغزل أو‬
‫التزام الصمت ـ الذي هو من ذهب ـ فقد فججر حقدها سائ ال إياها تعن أخبار ندى! فردت بحسرة مفتعلة أنه للسف لن‬
‫تستطيع ندى أ ن تغني في المساء لنها أصيبت بنزلة مفاجئة! والواقع أ ن ذلك كا ن حلمها هي فقط! إل أ ن صديقنا اكتفى‬
‫بالتصديق‪ .‬ولما التقى بالسر وجمال‪ ،‬أخبرهما بما سمع‪ .‬وهما بدورهما نقل جبهة الموجة إلى أفق الحدث‪ .‬وخلل‬
‫ساتعة واحدة‪ .‬كا ن الجميع تعلى تعلم بالكارثة‪ .‬وبالرغم من أ ن طارق دو ن جوا ن‪ ،‬الذي يسكن في نفس الحي الذي تسكنه‬
‫ندى قد أكد أنه التقى بها قبل ساتعة فقط‪ ،‬وأنها في تمام الصحة وأ ن حكاية مرضها مجرد إشاتعة‪ ،‬إل أ ن أحدا لم يصدقه‬
‫ظناا أنها إحدى أكاذيبه التي يعمل بها أهميات لنفسه ل غير‪ .‬وهكذا اختلطت الشياء؛ القلق بالمل‪ .‬والنتظار باليأس‪.‬‬
‫ولكن أحد ا لم يفرط في هندامه حتى حل المساء وبدأت تتقاطر الجموع التي لم يكن من بينها من هو متأكد من مشاركة‬
‫ندى من تعدمها‪.‬‬

‫صار الليل يؤكد نفسه في المكا ن‪ .‬وصار ضوء اللمبات الكهربائية أكثر إشعاتعاا‪ .‬تتهادى المغارب وطلب الثانوية قد‬
‫جلسوا تعلى الفسحة أمام المسرح مباشرة‪ ،‬وتعلى الرض تاركين آلف الكراسي الشاغرة وراءهم يريدو ن قرباا‪ .‬ولكن‬
‫ذلك لم يدم طوي ال؛ فقد ظهر )منظمو الحفل( وطلبوا منهم إخلء المكا ن بالرجوع إلي الكراسي‪ ،‬مبرريين ذلك بأ ن السيد‬
‫المحافظ سيحضر الحفل‪ .‬وليس من المعقول أ ن يجلسوا أمامه!!‬

‫ـ يا خي إنتو ناس واتعيين ‪ ..‬و‪ ...‬و‪...‬‬

‫ولكن هذا )المنطق( لم يقنع أحداا‪ ،‬وثار الهرج والمرج‪ ،‬وجلعنت أم المحافظ تعلى مسمع من الجميع‪ .‬وأخيرا ـ لما لم تنفع‬
‫"التي هي أحسن" ـ أضطر المنظمو ن للستعانة بالشرطة وأستاذ )الذرة( ـ الذي كا ن يخشاه الطلبة ـ لرجاتعهم إلى‬
‫الخلف‪ .‬وقد حكم تعليهم أستاذ الذرة بأ ن يبقوا )خلف( الكراسي تعقابا لهم تعلى سوء تصرفهم‪..‬‬

‫جاء موكب الميرية يزلزل الفضاء بحماسة النشيد‪:‬‬

‫أمتى يا أمة المجاد والماضي )العريغي(‬

‫لل لل‬

‫يا نشيدا في دمي يحيا ويجري في )تعروغي(‬

‫لل لل‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫‪...‬‬

‫احتل الموكب ثلث الكراسي تعلى اليمين‪ .‬ثم بدأت تمتلئ البقية‪ .‬بشتى صنوف الناس حتى أحتشد المكا ن‪.‬‬

‫كا ن مهندس الجهزة الصوتية وراء الكواليس يقوم بعمل التيستات‪:‬‬

‫و ن‪ ..‬تو‪ ..‬ثري ‪..‬تيست‪ ..‬تيست‪..‬‬

‫صييييييج ‪...‬‬

‫و ن‪ ...‬تو‪ ..‬ثري‪ ...‬تيست‪ ...‬تيست‪ ...‬تيست‪..‬‬

‫‪..... .....‬‬

‫وال ن سيداتي سادتي‪ ،‬نرحب باسمكم بالسيد المحافظ‪..‬‬

‫هييي ‪ ..‬ثار الضجيج والتصفيق ثم همد‪.‬‬

‫تعالت الصيحات مرة أخرى لما أزيحت الستارة بمقدار الباب‪ .‬وأطل مقدم الحفل أنيقا ليلقي كلمة الفتتاح بعد )اليات(‪.‬‬
‫ولكنه هو الخر‪ ،‬مكر بالقوم ولم يذع التفاصيل الكاملة لبرنامج الحفل! بل اكتفى بأ ن "حفلنا اليوم زاخر بالمفاجآت"!‬
‫وقد كانت كلمة المفاجآت هذه مصدر تأويلت شتى؛ فالمتشائمو ن فسروها بأنها تأكيد لغياب )النجمة(‪ .‬ولكن المتفائلين‬
‫رأوا أ ن تلك ليست سوى حذلقة من مقدم برنامج الحفل‪ ،‬وبالتالي تأكيد تعلى مشاركتها‪ .‬وبذلك ازداد أوار النتظار‬
‫اشتعا ال‪ .‬وبعد التباري في إلقاء الكلمات المشحونة بالترحيبات المبالغ فيها‪ ،‬أخيرا هجم المحافظ تعلى الناس مرة أخرى‪،‬‬
‫وألقى خطبة طويلة بعثت السأم في النفوس‪ .‬ولما أنهاها وترجل‪ ،‬قوبل بتصفيق حاد ظنه إتعجابا به بينما كا ن العكس هو‬
‫الحقيقة!‬

‫وال ن سيداتي سادتي مع المدرسة الميرية ونشيد )أمتي(‪:‬‬

‫هييي‪ ..‬صفير ‪ ..‬صفير‪ ...‬زتعيق‪ ..‬موسيقى وراء الستارة‪ ..‬ثم هدوء‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫أزيحت الستارة‪ ،‬فأطل )سرب العصافير( أنيقاا‪ :‬زهرة‪ ،‬تعزة‪ ،‬فاطمة‪ ،‬أنهار‪ ،‬جليلة‪ ،‬سمية‪ ،‬تعائشة‪ ،‬جميلة‪ ..‬بزيهن‬
‫الموحد وتسريحاتهن المختلفة‪ ،‬وغنين النشيد كما لم يطاله غناء‪.‬‬

‫وتوالت البرامج إلى أ ن حلت إحدى اللحظات الحاسمة‪:‬‬

‫وال ن سيداتي سادتي‪ ،‬مع تعندليب )المدينة(‪ ،‬الصوت الملئكي الذي خضر القلوب وأزهر الدنيا‪ ،‬مع درة الشروق ندى‬
‫تعبد الواحد‪..‬‬

‫كا ن الزتعيق والصغير قد بدأ منذ كلمة )تعندليب(‪ .‬ووسط هذا الزتعيق أضاف مقدم الحفل‪:‬‬

‫بمصاحبة تعازفي فرقة أفريقيا الجديدة‪ :‬تعلي رقردام‪ ،‬سيف حسن‪ ،‬رسلري‪ ،‬طارق الباشا‪ ،‬كموش‪ ،‬و‪ ...‬و‪...‬‬

‫وأزيحت الستارة‪ ..‬والهتاف مستمر‪.‬‬

‫الفرقة تدوز ن‪ ..‬والهتاف مستمر‬

‫أطلت ندى وأمسكت بالمايك فانفجرت الهستيريا‪:‬‬

‫آيي ‪...‬آيي آيي آيي‪...‬‬

‫آيي ‪..‬آيي آيي أي آيي‬

‫وبدأ الزحف باتجاه المسرح قبل أ ن تنبس ندى بكلمة واحدة!‬

‫فأخجلها هذا الستقبال الحار‪ ،‬والتفتت إلى الوراء ومشت خطوات لتصلح طرحتها‪ ،‬فانكب جمهور العشاق وراء المسرح‬
‫لرؤية وجهها وإثنائها من قرار لم تتخذه!‬

‫وكادت تحدث كارثة لول تدخل مدير التأهيل وبعض العقلء لقناع المنظمين بأ ن سيمحوا لـ)الثوار( بالجلوس في‬
‫الفسحة المامية شريطة أ ن يلتزموا )النظام(‪ .‬وهكذا تحول )الثوار( إلى حمل ن وديعة! وجلسوا في إنتظام‪ .‬فاستؤنف‬
‫الحفل بعد توقف دام تعشرين دقيقة‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫فلق الصبح‬

‫قول لي‬

‫آهو نورك لح‬

‫رخللي‬

‫يا خفيف الروح‬

‫أهو هذا نداك؟!‬

‫آم ندى الزهار؟؟!‬

‫كا ن صوت ندى والغنية‪ .‬كمطر يهطل تعلى المدائن فيغسلها ليبدو كل شيء جميال كما )الخليل(‪ ،‬ومنفع اال بالحياة كما‬
‫شجر التبلدي في الرشاش‪..‬‬

‫ولما بالغ في استفزازهم )المنحنى العاشر( في جمال صوتها‪ ،‬خففوا وطأته بأصواتهم وغنوا معها‪:‬‬

‫آهو نورك لح‬

‫خلي‬

‫يا خفيف الروح‬

‫أهو هذا نداك!؟‬

‫أم )ندى( الزهار!؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫مع الضغط تعلى ندى الغنية لتصبح )ندى( المغنية!‬

‫وكما قيل‪" ،‬أحيانا يستشف حدس الفنا ن العالم‪ ،‬ويقرأ المدينة من نظرة"‪.‬‬

‫جبرح صوت ندى وهي تقدم للجمهور مفاجأة الحفل‪ .‬قالت‪:‬‬

‫"المرة دي إخترنا ليكم إغنية نتمنى تعجبكم وتعبر تعنكم‪ .‬وهي إغنية جديدة للفنا ن )زيدا ن إبراهيم("‪.‬‬

‫انفجر الزتعيق والصفير والهتاف مرة أخرى‪..‬‬

‫موسيقى‪ ..‬موسيقى‬

‫"إحم‪ ..‬إحم" ـ ندى تستفرد حبال صوتها‪.‬‬

‫مساحة للنورمال جيتار‪..‬‬

‫ثم‪:‬‬

‫داوي ناري والتياتعي‬

‫وتمهل في وداتعي‬

‫ياحبيب الروح هب لي‬

‫بعض لحظات سراع‬

‫قف تامل!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫مغرب العمر وإخفاق الشعاع‬

‫‪...‬‬

‫‪...‬‬

‫تبعث السلوى‬

‫وتنسى الموت مهتوك القناع‬

‫دمعة الحز ن التي تسكبها فوق ذراتعي‬

‫صمت‪ ..‬صمت‪...‬‬

‫لم يهلل أحد‪ ،‬لم يهتف‪ ،‬لم يصفر! حتى الريح التي كانت تعبث بفروع الشجار هجعت!! وبقي‪:‬‬

‫الدنيا‬

‫الموسيقى‬

‫صوت ندى‬

‫ووجوه نضرة مدفونة في الحجور واليادي‪ ،‬والبكاء الشفيف!‬

‫كا ن يوم! مثل ماذا ؟؟؟!!!!‬

‫*****‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫كا ن أستاذ تعساكر‪ ،‬رغم جربنديته مخرجا موهوباا‪ ،‬فعقب التدريبات والبروفات الولية التي لم تكلفه طويل وقت بسبب‬
‫مواهب ممثليه العالية‪ ،‬قام بإدخال الكثير من المشاهد الستعراضية‪ .‬واستشف أهمية ضبط المسرحية من خلل أرضية‬
‫إقاتعية مصاحبة ـ كما في الموسيقى التصويرية في الفلم‪ .‬فجمع مجموتعة من السطوانات واستعا ن بفرقة أفريقيا‬
‫الجديدة لعمل الضافات الضرورية والكولجات المطلوبة‪ .‬وبذلك تم إدخال فرقة أفريقيا كلها في المسرحية‪.‬‬

‫إنتهى أستاذ تعساكر من كل تلك التجهيزات التي لم يكن يعرف رأي تعلم المسرح ـ الدراماتولوجيا كما يقول المثقفو ن ـ‬
‫فيها‪ .‬ولكنه كا ن مستند ا تعلى أساس "أ ن الفن هو في المقام الول (حدس الفنا ن)"‪ .‬وقبيل إحدى البروفات كا ن يفكر‪،‬‬
‫فخطرت بباله مشكلة متعلقة بمود ‪ mood‬الجمهور‪ .‬هذا السؤال لم يخطر بذهنه من قبل‪ ،‬ولكنه ـ كمدرس ـ يعرف أ ن‬
‫الناس أحياناا ل ينفعلو ن بالشياء ل لسبب إل لعدم إستعدادهم النفسي لحظتها‪ .‬وقد ساقه هذا التفكير إلى اختراع مشهد‬
‫استعراضي تمهيدي يجعل المسرحية )مستقلة( تعن تأثير أي ظرف خارجي غير موات محتمل‪ ،‬وبالتالي أ ن تصنع‬
‫موودها بنفسها؛ المر الذي دتعاه للستعانة بعدد آخر من الممثلين الثانويين‪ .‬وقد كلفه ذلك أيام أخرى من التدريبات‬
‫والبروفات‪.‬‬

‫لم يعد الكثيرو ن من )حضرة الندى(‪ ،‬وحالة التماهي والدوار الذي صنعه صوت ندى الشروق‪ ،‬واسجتدرجت الذكريات من‬
‫منابعها الولى ـ مأساة الوداع ـ واستدارت حالة الشغف إلى ما كانت تخطو في دروبه ذكريات الماضي القريب الليمة‪.‬‬
‫المتواطئة مع الغنية والصوت واللحظة‪.‬‬

‫‪...‬‬

‫وال ن سيداتي سادتي‪ ،‬مع الفقرة التي انتظرتموها طوي ال؛ مع المدرسة الشرقية ومسرحية الشماشة‪.‬‬

‫تعاد الصفير والهتاف مصحوبا بـ)نج نج ‪ (..‬وتقافز بعض المتقافزين‪.‬‬

‫أطفئت كل أنوار المكا ن ـ ولم يحدث ما كا ن يقلق مدير الميرية‪ .‬وقد ساد الهدوء والصمت المكا ن والزما ن‪ .‬صوت‬
‫النورمال جيتار يوقع تقاسيم "تعزة في هواك"‪ .‬طويت الستارة‪ .‬ودخلت تعيو ن المشاهدين إلى خشبة المسرح وصافحت‬
‫ألوا ن تعلم الوطن تعلى ضوء البطاريات من أتعلى سقف المسرح‪ .‬أنفردت الشرائط الملونة مع تقاسيم "تعزة في هواك"‬
‫وتطور المشهد إلى بانوراما البلد‪:‬‬

‫مزارتعو ن بعراريقهم‪ ،‬يحرثو ن بأدواتهم أرض الحقول ويغنو ن‪ .‬تعمال يكسرو ن الصخر ينشدو ن ‪..‬‬

‫باتعة متجولو ن‬

‫طوابيرتعسكرية‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫تجار ومسئولو ن‬

‫ولكن أكثر ما شد انتباه المشاهدين‪ ،‬هو الشخص الذي يمثل دور الحمار وينهق كمثله تماماا! وتعلى ظهره الرجل‬
‫)أبوتعميمة( الف ررح كأنما هو سائق لعربة من نوع العربات التي بدأت تظهر في البلد في تلك اليام‪..‬‬

‫أسدلت الستارة واستمرت تقاسيم )تعزة في هواك( خفيضا خفيضا‪..‬‬

‫في المشهد الثاني‪:‬‬

‫صهيل‪ .‬صهيل!‬

‫طاخ‪ ..‬طراخ‪ ...‬بنادق‪ ...‬رتعب‪ ..‬مثل أفلم ديجانقوا؟‬

‫إنزاحت الستارة‪ ،‬وظهر في طرف الخشبة رجل ذو تعمامة كبيرة بصحبة جماتعة من الناس الذين شاهدهم الجمهور في‬
‫المشهد السابق‪ .‬الشرطي بسوطه والبندقية يغذ بهم السير‪ .‬ظهر في آخر الطابور الرجل أبو تعميمة وقد ثقل تعليه حمله‬
‫بعد أ ن فقد حماره! فتعثر وسقط‪ .‬ولما ضربه الشرطي أضطر لترك جزء من حمله تعلى قارتعة الطريق‪) .‬تعزة ف هواك(‬
‫تعلو‪ ..‬وتعلو ثم تحرك تحت القماش الملقى شئ!! ظهر أنه صبي‪ ،‬وبدأ يزحف! تركزت تعليه الضواء مع تقاسيم )تعزة‬
‫ل قليال‪ ،‬ثم انطفات ثم تعادت تدريجيا كناية تعن تعاقب‬
‫في هواك(‪ .‬وبالقرب جزع الشجرة )الكرتو ن( خفتت الضواء قلي ا‬
‫الليل والنهار! كا ن المارة يمرو ن‪ ،‬يتبادلو ن التحايا والشاتعات‪ ،‬بعضهم متوحد يكلم نفسه! ثم مر تعدد من )الشماشة(‬
‫يتقافزو ن وهم يعيدو ن سيرة فيلم أمبارح‪ ،‬فيلم )أمبارح( بتاع )جاكي شا ن(‪ .‬تاح‪ ..‬تراح‪ ..‬ولما كانوا يتجولو ن )بل‬
‫أهداف معلنة( ـ كما يقال ـ في تلك الساتعة من اليوم‪ ،‬فقد حاولوا تسلق الشجرة كجزء من العبث‪ ..‬لكنهم انتبهوا إلى‬
‫وجود الرفيق الجديد! ركلوه بأرجلهم فلم يتحرك! أخرجوا )الصمنج منج( وضربوه‪ ،‬فتحرك قليال ثم غفا!!‬

‫جرى رينقو وأخبر أبوطويلة )زتعيم الشماشة( بحكاية الرفيق الجديد‪ .‬جاء أبوطويلة ماشيا بطريقة أبطال السينما‪،‬‬
‫وصاح فيهم‪:‬‬

‫ـ في شنو يا )خولت(!؟‬

‫ولم يكن ذلك سؤاال‪ ،‬وإنما أمرا بإفساح الطريق كما فهموا جميعاا‪.‬‬

‫جلس أبوطويلة تعاكفا رجله اليسرى‪ ،‬وجسه‪ ،‬فلحظ أ ن رجليه رقيقتا ن أكثر من الطبيعي! قال‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ دة )صكجرصجروجيل(!‬

‫يقصد انه كسيح‪ ،‬مشبهاا إياه بالجحش ذو الرجل الملتوية! ومنذ تلك اللحظة صار اسم الرفيق الجديد )كرجويل(‪ ،‬ولم‬
‫جيعرف بعد ذلك اسمه الحقيقي! فهنا ل يسأل أحد تعن مثل هذه الشياء!‬

‫أصلح أبوطويلة جلسته تعلى رجله الخرى‪ ،‬ووضع سبابته تعلى صدغة كما يفعل البطال في السينما تعندما يكونو ن في‬
‫حالة تفكير‪.‬‬

‫ومن داخل حلبة الصمت تلك اقترح تعليه هجباش أ ن )يعملوا فررتك( ـ أي أ ن يهربوأ ويتركوه ـ ولكن أبوطويلة زجره‬
‫قائ ا‬
‫ل‪:‬‬

‫ـإنت )لوطي( في راسك؟ واضطر الممثل للشارة هنا مثلما هناك‪.‬‬

‫ولما توصل أبوطويلة إلى النتيجة النظرية‪ ،‬ووضع تعلى أساسها خطة في رأسه‪ ،‬أمر رينقو والزنجي قائ ا‬
‫ل‪:‬‬

‫ـ "تعرضة صجربجد"‪ .‬ي جل‪ ،‬تلقونا هناك في )القرقف(‪ ..‬ما أكتر من دقائق يل لوايطة‪ .‬دة جعا ن يل قجبال يموت‪.‬‬

‫شمر رينقو والزنجي أكمامهم المهترئة‪ ،‬وأداروا تعربات خرافية في رؤوسهم وطاروا‪..‬‬

‫فحمل أبوطويلة الرفيق كرجويل تعلى كتفه وغادروا المكا ن‪.‬‬

‫ستارة‬

‫المشهد التالي في السوق‪ .‬التاجر تعبدالفراج‪ .‬بعمامته الكبيرة جالسا تعلى كرسية يتحدث‪:‬‬

‫ـ ل ‪ ..‬تعلى الطلق تفطر معانا‪ ..‬ل أنا حلفت‪..‬‬

‫وفي تلك اللحظة كا ن صاحب مطعم )الكواكب( يطارد رينقو والزنجي قائ ا‬
‫ل‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ يل من هنا يا أولد الكلب‪ ..‬الليلة ما فيش )كرتة(‪ ...‬طفشتوا لينا الزبائن! وال الواحد إل يأجر ليهو بوليس تعشا ن‬
‫يوديكم في داهية‪.‬‬

‫وهما جاريا ن من تلك اللعنة‪ ،‬سمعا )حليفة( تعبد الفراج التاجر‪.‬‬

‫فأ جشر رينقو للزنجي إشارة النصر‪ ،‬ففهمها )تعلى الطائر( وقال‪:‬‬

‫"أحسن محلة في الخور الجنب بيتم داك"‪.‬‬

‫ستارة‬

‫كا ن يمكن أ ن يكو ن هذا المشهد تعاديا كبقية المشاهد‪ ،‬لكنه هذه المرة كا ن محفوفا بالبهار! فرغم جماليات العرض إل أ ن‬
‫انتظارا خفياا كا ن لهذا المشهد بالذات‪ ،‬الذي فيه بؤرة التركيز لسيرة أولد قرف في المدينة‪ .‬وخاصة )أم المدائن(؛‬
‫الميرية‪ .‬وقد أبدع أستاذ تعساكر )المخرج( في استغلل وتوظيف الظرف‪ .‬ولما كا ن هذا المشهد مرتجال في المرة‬
‫السابقة‪ .‬فقد اتعتنى به المخرج‪ ،‬وأضاف إليه شيئ ا من التشويق‪ :‬وقد رأي أ ن يظهر الممثل هذه المرة بحجمه الحقيقي‬
‫تعلى خشبة المسرح‪ .‬بدأ المشهد والستارة مغلقة بالحوار التالي بين زوجة التاجر وإبنها خالد‪:‬‬

‫ـ خالد‪ ..‬يا خالد‪..‬‬

‫ـ أيوة يا موما ـ قالها بدلع‪.‬‬

‫ـ إنت خلص فطرت؟‬

‫ـ أيوة ياموما‪ ..‬قالها بعصبية‪.‬‬

‫ـ خلص تعال وإنت راجع المدرسة‪ ،‬خد الفطور دة ولصله معاك لبوك في السوق‪..‬‬

‫ـ ما توديه الخدامة يا موما؟!‬

‫ـ خدامة الجن دي الليلة قالت تعيانة‪ ،‬وال أنحنا تعبنا معاها!!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ طيب يا موما ما تديهو لهشام يوديهو؟‬

‫ـ هشام دة الليلة شال فطورو معاهو‪ ..‬قال تعندهم حصة بساتين في وكت الفطور!‬

‫ـ أووف‪ .‬خلص‪.‬‬

‫ومع وقع اقدام خالد تعبد الفراج تزاح الستارة ويظهر حامال )تعمود( الفطور‪.‬‬

‫صفير‪ ..‬صفير‪ .‬نج‪ ..‬نج‬

‫ويمشي من طرف المسرح نظيفا أنيقاا‪ ..‬فهاج الجمهور‪ .‬وخلطت الكثيرات بين الذي في رؤسهن والممثل‪ .‬كا ن يدند ن‬
‫بأغنية لم يستبنها أحد‪.‬‬

‫إيقاع الكشكوش يصاحب وقع أقدام رينقو والزنجي وهما يتربصا ن به‪ .‬وبعد أ ن تبادل إشارة الهجوم‪ ،‬انطلقا‪ .‬وفي وسط‬
‫المسرح اصطدم به رينقو وقام الزنجي بخطف العمود وأطلقا ساقيهما للريح! وتركاه ساقطا من مفاجأة الهجمة‪ .‬هناك‬
‫وراء الجمهور‪ ،‬كا ن الشماشة )الحقيقيين( يزتعقو ن لبهجة النتصار ـ بد أ ن تعادوا تعقب أ ن قام البوليس بطردهم من‬
‫مكا ن الحتفال بحجة أنهم )بتاتعين جبد(؛ نشالين‪ ،‬ورغم محاولت جو لقناتعه بحقهم في الحضور وأنه هو الذي دتعاهم‬
‫لمشاهدة المسرحية التي تخصهم‪ ،‬إل أ ن البوليس أصر!!‬

‫وفي المقابل لبهجة الشماشة الحقيقيين بالمشهد‪ .‬كانت اللعنات قد جص جبت تعليهم من قبل تعاشقات خالد تعبد الفراج‪ .‬وقد‬
‫أسرت إحداهن لجارتها‪ ،‬أ ن لديها رغبة في أ ن تمسح تعنه الغبار بطرحتها‪ .‬وأصرت هي الخرى أنه كا ن من المفروض‬
‫في المسرحية أ ن تظهر)النج بتاتعتو( في تلك اللحظة كما يحصل في الفلم الهندية‪..‬‬

‫"آآخ‪ ..‬لو كدة‪ ،‬كنت أنا لزم أمثل الدور دة"‪.‬‬

‫وكانت تلك هي بالضبط فكرة أولد قرف في المؤامرة التي أحبطها المنطق السائد!!‬

‫ستارة‬

‫المشهدالتالي‪ ،‬تعبارة تعن مشهدين متزامنين‪ :‬لبيت التاجر‪ ،‬وتحت الكبري المعروف بـ)القرقف(‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫تعلى الجانب اليمن من المسرح‪ .‬في بيت التاجر‪ ،‬حيث رجع خالد تعبد الفراج لستبدال ملبسه‪ ،‬وإخبار والدته بما‬
‫حدث‪:‬‬

‫ـ أجي! مالك يا خالد!؟‬

‫ـ الشماشة يا موما!‬

‫ـ الشماشة مالن؟ وإنت الجلجماك معاجهن شنو!؟‬

‫ـ خطفوا العمود يا موما ‪..‬‬

‫ـ خطفوا منك العمود؟ يخطفن الضريب!!‪.‬‬

‫ولما اقتربت منه ورأت أثر الغبار تعلى ملبسه‪:‬‬

‫ـ ووب تعلى الليلة ووب!! ديل تعوقوك!! ال يقطعن حتة حتة‪ .‬دة إنت قدر ن!!؟‬

‫ـ ل يا موما‪ .‬ديل صغار‪ .‬يعني قجدر هشام أخوي كدة‪..‬‬

‫ـ برضو ولو تعال‪ ..‬تعال‪ ..‬وهم خطفوا العمود وجروا تعلى وين؟‬

‫ـ وال ما تعارف يا موما‪..‬‬

‫ـ إنشاء ال يس جممن يا رب‪ .‬لكن ل‪ ..‬أنا ما حأسكت‪ ..‬أنا لزم أبلغ البوليس‪ ،‬ديل لزم يوروهن الماشوفوهو قجبال كدة‪.‬‬
‫أكل أسويهو أنا بإيدي ديل ياكلوه الشماشة أولد الحرام!؟‬

‫وفي الجانب الخر من المسرح كا ن الشماشة قد تهنجوا بوجبة دسمة تعيار )‪ (...‬وقد خصص أبو طويلة قدرا ل باس به‬
‫للرفيق كرجويل‪ .‬الذي بدأت تعيناه تبرقا ن والحياة تدب في تعروقه‪ ،‬بعد أ ن مل )أم درما ن بتاتعتو( كما تعلق كبوج‪ .‬ثم‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫أمر أبوطويلة رينقو ـ رجل المهمات الصعبة ـ بأ ن يذهب‪ ،‬و)يجبد( قميص‪ ،‬فنيلة‪ ..‬أي حاجة‪" ،‬تعشا ن يعيد بيها" الرفيق‬
‫كرجويل ـ كما قال أبو طويلة‪ .‬وحذره‪:‬‬

‫"أوع يشوفك أي واحد‪"..‬‬

‫ورينقو ل يجادل‪ .‬ويفكر في المهمة وهو في الطريق إليها‪ .‬وهذا سر إتعجاب أبوطويلة به ـ كما فسره للبقية ـ وبدأ‬
‫يشرح لهم خطته‪ ،‬فهو يفكر كبطل وكرئيس )خيانة( في نفس الوقت‪:‬‬

‫ـ أسمعوا يا شكاشيك‪ ،‬إنتو تعارفين إنو حكاية الجبد دي ما مضمونة‪ ..‬ومراسيل ناس )الموقف( والورنيش دة كله ما‬
‫جايب راس تمنو‪ ..‬لكين الحل جانا‪.‬‬

‫إندهش الرفاق من هذا التصريح‪ ..‬وواصل أبو طويلة‪:‬‬

‫ـ متذكرين كرجويل الفي الفيلم‪ ،‬الكا ن بشحد جنب )الجامع بتاع الهنود( داك؟‬

‫ـ أيوة!!‬

‫ـ لجمن مات مش البطل أحسن فيهو وكا ن ماشي يحرقوا؟‬

‫ـ أيوة!!‬

‫ـ تتذكروا اللوفات اللقاها في )دلقينو( ديك؟‬

‫ـ أيوة‪ ..‬أيوة!!‬

‫ـ خلص‪ ..‬أنحنا كرجويل دة نشيلو نختو جنب الجامع بتاع سوق )أم دفسو(‪ ..‬وكل يوم تعصر نجي ناخدو ومعاهو‬
‫الخمجة‪ ..‬فهمتو يا شكاشيك؟؟‬

‫‪...‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وفي بيت تعبد الفجراج دق بشير ود الترزي الباب ثم دخل وقال‪:‬‬

‫ـ خالتي )أم خالد(‪ ،‬تعم تعبد الفراج قال ليك تديني الفطور‪.‬‬

‫ـ وإنت منو؟‬

‫ـ أنا بشير ود الترزي!‬

‫ـ وإنت أبوك ترزي ومالك مقطع كدة؟؟‬

‫لم يجد إجابة‪ ،‬ونظر إلى الرض‪ .‬فأمرته قائلة‪:‬‬

‫ـ أمشي قول لعمك تعبد الفراج الفطور خطفوه الشماشة‪ .‬خليهم يفطروا من السوق‪.‬‬

‫وأدار بشير ود الترزي تعربته الوهمية هو الخر ومضى‪.‬‬

‫تعاد رينقو ظافر ا مرة أخرى‪ ،‬ومعه قميص جديد فسأله أبو طويلة‪:‬‬

‫ـ دة جبدتو من وين؟ أوع يكو ن بتاع الضابط؟!‬

‫ـ ل‪ .‬أنا ما جبدتو‪..‬‬

‫ـ ومال جابو ليك خالك الفي لند ن؟!‬

‫وأخرج رينقو خمسين قرشا ووضعها )بأمانة( أمام أبوطويلة ثم قال‪:‬‬

‫ـ وال أنا مشيت قلت أجبد لي قميص من داخلية الولد‪ ..‬أي حاجة كا ن صاح لنو الطلبة كلهم كانوا في الحصص‪ .‬بس‬
‫ل جمن دخلت أتاري كا ن في واحد لسه ما مرق!! بس وقع البطل في الكمين! لكين الزول طلع ما من )الخيانة(‪ .‬وقام قال‬
‫لي تحكي لي الحكاية وأنا أحلها‪ .‬وقمت حكيت ليهو‪ ،‬قام أجداني القميص دة‪ ،‬وقال لي هاك الخمسين قرش دي أنا تعازمكم‬
‫كلكم سينما‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ولكن رينقو أخذ صفعة حتى سقط ورأى )نجوم القايلة(! ولما استعدل جلسته تعرف غلطته حين سأله أبوطويلة‪:‬‬

‫ـ وإنت تعرفت من وين إنو ما من الخيانة يا )داقس(؟؟‬

‫تأكد رينقو من غلطته في إفشاء أسرار )أمن الدولة(‪ ،‬فسأله أبو طويلة‪:‬‬

‫ـ الزول دة إسمو منو؟‬

‫وهنا أصر المخرج أ ن تقال الحقيقة‪:‬‬

‫ـ جومو‬

‫وصفق الجمهور طوي ا‬


‫ل‪..‬‬

‫هز أبو طويلة رأسه ثم أمر‪:‬‬

‫ـ الزول دة تجيب لينا خبرو‪ ...‬أوع تدقس تاني‪..‬‬

‫ستارة‬

‫في هذا المشهد تجلت ـ مرة أخرى ـ تعبقرية المخرج الذي استعمل الستارة نفسها كجزء من العرض‪ .‬حيث ظهر صف‬
‫السينما الطويل لمشاهدة فيلم )إر المضر( المعلن تعلى اللفتة‪ .‬أججتخذت نقطة تلقي طرفي الستار شباكا للتذاكر‪ .‬والصف‬
‫ل قليال‪ ،‬ظهر أبوطويلة حام ال كرجويل تعلى كتفه ووراءه المليشيا ـ فهو الذي يتكفل بقطع التذاكر‪ ،‬ويوزتعها‬
‫يزحف قلي ا‬
‫تعليهم‪ ،‬ويتكفل بما ينجم من شاجرات كما يعرف الناس جميعاا‪.‬‬

‫بعد الدخول‪ ،‬تزاح الستارة‪ .‬وتبدأ )المناظر( بخيال الظل‪ .‬تعزف الموسيقى‪ ،‬ويرقص رينقو أما الضوء الصادر من ورائه‬
‫رقصة )جكجك جك(‪ .‬تظهر رقصته تعلى حائط المسرح )الشاشة(‪ .‬ثم تضاء النوار في إنتظار الفيلم‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫يقف الشماشة أمام مشاهدي الفيلم‪ ،‬ومع موسيقى )الجالوه( يقدمو ن تعرضا راقصا أثمل جمهور المشاهدين‪ .‬ثم تطفأ‬
‫النوار ليبدأ الفيلم؛ حيث يجتاح البوليس بقيادة )إر المضر( السينما بعد أ ن )كردنها( تعقب بلغ زوجة التاجر‪ .‬وتم‬
‫القبض تعلى الشماشة جميعاا‪.‬‬

‫تقاسيم )تعزة في هواك( تبدأ في التصاتعد‪..‬‬

‫جربطت أيادي أبو طويلة إلى ظهره وما يزال كرجويل تعلى أكتافه كما كا ن لحظة القبض تعليه وهو يحاول الفرار به‪.‬‬

‫ـ وكما ن جايبين لينا مكسرين؟!‬

‫قال إر المضر ثم أشهر سوطه‪:‬‬

‫شو ‪ ..‬شو ‪ ..‬شو‬

‫ـ يا حرامية ‪..‬‬

‫شو ‪ ...‬شو‬

‫تعزة ف هواك نحن الجبال‬

‫وللبخوض صفاك نحن النبال‬

‫وتعالت موسيقى وغناء )تعزة في هواك(‪ .‬ومع إثارة المشهد‪ ،‬تهاطل الطوب تعلى خشبة المسرح! فلم فلم يصدق‬
‫الشماشة )الحقيقيين( أ ن المسألة تمثيل في تمثيل‪ ،‬فرجموا المسرح بالطوب مدافعين تعن )أنفسهم(‪ ..‬مما أضطر السيد‬
‫المحافظ إلى مغادرة الحفل‪ .‬وتوقفت المسرحية لحين استعادة النظام‪ .‬ومع صفارة هروب المحافظ‪ ،‬هرب الشماشة‬
‫)الحقيقيين( ولم يجد البوليس لهم أثراا!‬

‫أخذ المخرج راحته‪ ،‬وأخرج الفنتازيا في المشهد التالي‪ :‬كا ن أستاذ أحمد صابر‪ ،‬وكأنه وسط الطابور يذيع للجمهور‪،‬‬
‫ويقدم السيرة الذاتيه للتلميذ حماد إسماتعيل رينقو‪.‬‬

‫ـ مدرسة )أبو تعنجة( البتدائية )المختلطة(‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ يرجع الفضل إلى الستاذ المربي الكبير تعبد اللطيف الشريف‪ ،‬الذي تبناه بعد أ ن وجده تائها في الشوراع ضمن‬
‫الشماشة‪.‬‬

‫ـ أحزز أفضل نتيجة شهدتها المدرسة في السنة الولى‪ ،‬فنقل إلى الصف الثالث‪.‬‬

‫تصفيق حاد من الجمهور وتقاسيم )تعزة في هواك(‬

‫ـ أحرز أفضل نتيجة شهدتها المدرسة للسنة الثالثة‪ ،‬وكذلك في السنة الرابعة‪.‬‬

‫وصفق الجمهور طوي ا‬


‫ل‪.‬‬

‫وتعالت تعزة في هواك‪.‬‬

‫ـ نقل للصف السادس‪ .‬وها هو يحرز أفضل نتيجة شهدها المركز في تاريخه‪..‬‬

‫تصفيق هستيري‬

‫وقمة تعزة في هواك‬

‫ستارة‬

‫في المشهد قبل الخير‪ ،‬تواصلت الفنتازيا‪:‬‬

‫طاولة وسط خشبة المسرح‪ ،‬حولها كراسي‪ ،‬وتعليها مجموتعة من العمائم والقبعات العسكرية‪ ..‬تعلى تقاسيم )تعزة في‬
‫هواك( يدخل الستاذ تعبد اللطيف الشريف ـ شخص حقيقي يمثل نفسه ـ يسوق أمامه جميع الشماشة‪..‬‬

‫يلوح لهم الشرطي ويبتسم‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫يجلسو ن تعلى الكراسي حول الطاولة‪ ،‬ويكنسونها مما تعليها وينشدو ن‪:‬‬

‫تعزة في هواك نحن الجبال‬

‫وللبخوض صفاك نحن النبال‬

‫تعزة ما سليت وطن الجمال‬

‫ول ابتغيت بديل غير الكمال‬

‫وأنشد الجمهور النشيد طوي ا‬


‫ل‬

‫ستارة‬

‫اكتملت الفنتازيا في المشهد الخير‪:‬‬

‫لفتة كبيرة مكتوب تعليها‪:‬‬

‫)الحفل الختامي لقافلة كلية الطب جامعة الخرطوم(‬

‫فرقة أفريقيا الجديدة تعلى المسرح تدوز ن موسيقى )تعزة في هواك(‪..‬‬

‫وال ن سيداتي سادتي مع كورال الكلية‪ ،‬يؤديه الطلب والطالبات التية أسمائهم‪:‬‬

‫جلل الدين أحمد تعباس‬

‫ياسر حسن تعبد الكبير‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ليزا أبوإدريس‬

‫أسمها ن بلل العاقب‬

‫بدر الدين المير الطيب‬

‫هشام تعبد الفجراج‬

‫‪..‬صفير‪ ..‬صفير‬

‫حماد إسماتعيل رينقو‬

‫هتاف‪ :‬آيي ‪..‬آيي آيي آيي ‪...‬‬

‫آيي ‪...‬آيي آيي آيي ‪.‬‬

‫أسرار تعبد الفتاح‬

‫خليل سليما ن الشيخ‬

‫أبو بكر تعبد الخالق‬

‫سوسن المين ضرار‬

‫كوثر تعامر تعثما ن‪..‬‬

‫كانت السماء مقنعة جد ا بالنسبة للجمهور‪ .‬ولكن لم تظهر الطالبات المذكورات في الكورال!!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫بدأ العزف تعلى فارق زمن تدريجي تعن )تعزة في هواك( ودخل مجرى نشيد الوداع الذي هو الكورال‪:‬‬

‫لن ننسى أياما مضت‬

‫لن ننسى ذكراها‬

‫لن ننسى أياما مضت مرحا قضيناها‬

‫‪...‬‬

‫كا ن الكورال مخت ال بسبب غياب )السوبرانو(‪ .‬فلم تحتمل ندى تعبد الواحد هذا الختلل‪ ،‬فصعدت إلى المسرح ودخلت‬
‫مباشرة في النشيد‪..‬‬

‫صفق لها الجمهور طوي ال بعد أ ن أدرك أهمية )السوبرانو( وصفق مرة أخرى بعد )التواز ن النسبي للكورال(‪ .‬وفي تلك‬
‫اللحظة العارمة برزت الجسارة النثوية؛ ومن وسط الكراسي قفزت زهرة وتعزة‪ ،‬وتبعتهما أنهار وجليلة وأنضممن إلى‬
‫الكورال وسط دهشة مدرسيهن وزميلتهن‪ .‬وغنين بجرأة غريبة‪ ،‬وبانسجام غريب كأنهن كن يتدربن تعلى ذلك منذ‬
‫زما ن بعيد!! وقد أصبح الكورال كوراال بالفعل‪:‬‬

‫وانفجر الجمهور كله يغني‪:‬‬

‫لن ننسى أياما مضت لن ننسى ذكراها‬

‫لن ننسى أياما مضت مرحا قضيناها‬

‫ودخل مقدم الحفل بين ثنايا الكورال‬

‫وال ن سيداتي سادتي‪ ،‬يجدر بنا أ ن نذكر أ ن هذا العمل الرائع‪ ،‬كا ن نتاج جهد رجال )فنانو ن( ـ قالها هكذا ـ وهم‪:‬‬

‫وبدأ يقرأ اللستة‪ ،‬كل من يسمع إسمه يصعد إلى خشبة المسرح وينضم إلى الكورال ثم‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ومثل شخصية )أم خالد( الطالب مصطفى العاقب بطيخة‬

‫ومثل شخصية إر المضر الطالب أحمد سالم أبو خمسين‬

‫ومثل شخصية التاجر الطالب تعثما ن شربات‬

‫ومثل شخصية كرجويل الطالب محمد الشيخ فريني‬

‫ومثل شخصية الحمار تعلي إسماتعيل الكضاب‬

‫ومثل شخصية إبو طويلة أيضا تعلى إسماتعيل الكضاب‬

‫ومثل شخصية رينقو سيد تعمر شطة‬

‫ومثل شخصية خالد تعبد الفججراج جومو تعثما ن سنين‬

‫ومثل شخصية الستاذ تعبد اللطيف الشريف‪ :‬هئ هئ هئ ‪..‬‬

‫ضحك المذيع ثم واصل‪ :‬الستاذ تعبد اللطيف الشريف!!‬

‫وضع الموسيقى المصاحبة الستاذ إبراهيم الطيب تعساكر بالشتراك من العازف الفنا ن سيف حسن‪.‬‬

‫وقام بالداء الموسيقي فرقة أفريقيا الجديدة‪.‬‬

‫جهز الديكور الفنا ن سعيد )شلش(‬

‫وألف المسرحية الطالب جومو تعثما ن سينين بالشتراك مع بقية أولد قرف‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وقام بالخراج اللستاذ الفنا ن إبراهيم الطيب تعساكر‪.‬‬

‫لن ننسى إياما مضت لن ننسى ذكراها‬

‫لن ننسى أياما مضت مرحا قضيناها‬

‫‪....‬‬

‫وأخذت الحماسة الجمهور ووجد الكثير ن أنفسهم تعلى خشبة المسرح يشاركو ن في أداء الكورال حتى امتل المسرح‬
‫كله!‬

‫وتعلى طرف الخشبة‪ ،‬ظهر أبوطويلة الحقيقي حامال كرجويل الحقيقي تعلى كتفه‪ ..‬كا ن يبدو وقورا وكأنه يقول لكرجويل‬
‫"آهـ‪ ..‬ستكبر يوم ا يا صديقي وتعرف كيف تغني هكذا ‪ "..‬وهكذا وقف بجانبه بقية الشماشة )الحقيقيين( ينشدو ن مع‬
‫المنشدين كيفما اتفق‪.‬‬

‫واندغم الجميع في الكورال‬

‫وهكذا أختتم الحفل!!‬

‫****‬

‫وال ن‪ ،‬آخر التعياد م جر‪ .‬المتحانات تعلى البواب‪ .‬موسم المضاربات تعلى أسعار المحاصيل ولى‪ .‬والصيف أطل برأسه‬
‫)الكبير(‪.‬‬

‫واستعدت بكرات فيلم الشاتعات ـ في الذها ن ـ لتدور‪ ،‬مشحونة بما سجلته من حكايا وحكايا‪ .‬لم يدر بخلد أحد ما كا ن‬
‫مختبئاا في سر أناشيد الوداع في تلك الليلة‪ .‬ويا لها من ليلة! هكذا نام الخلق‪ .‬ولما صادف أ ن كا ن الصباح التالي‪ ،‬هو‬
‫الجمعة الخيرة من أمشير‪ ،‬والكثيرو ن يمطو ن نومتهم‪ ،‬أدار المعاشيو ن مؤشرات الراديو لسماع أخبار الصباح‪،‬‬
‫ففوجئوا بالمارشات! طار ما تبقى من نوم النائمة‪ ،‬وخرج الناس إلى الشوراع حاملين راديوهاتهم وتكهناتهم!!‬

‫دقت )البق بن(‪ ،‬ولكن لند ن لم تشف غلي ال فقد أتعلنت وقوع إنقلب تعسكري في الخرطوم! ولم تزد في تعليقها الطويل‬
‫العريض تعن "ما زال الوضع غامضا في الخرطوم‪"..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫بعد ثلث الساتعة انقطع الرسال‪ ،‬مما زاد الوضع إثارة‪ .‬وبدأت التخريجات و)التخارجات(‪ .‬بعض قادة التحاد الشتراكي‬
‫وقادة المنظمات الفئوية بدأوا يتسللو ن إلى خارج المدينة‪.‬‬

‫"الوضع ما زال غامضاا في الخرطوم" آخر جملة ختم بها راديو لند ن بثه الصباحي "تعلى أ ن نلتقي بكم في الواحدة إل‬
‫الربع بعد الظهر بتوقيت قرينتش ‪!"..‬‬

‫في العاشرة والنصف إل خمس دقائق‪ ،‬تعاود راديو أم درما ن بثه‪ .‬وبعد مارشيين تعسكريين‪ ،‬جاء صوت مذيع لم يكن‬
‫معروفا ليقول "بعد )غليل( سيذيع تعليكم )الرئيس الغائد( بيانا هاما )فترغبوه("!‬

‫مجموتعة من المارشات العسكرية‪ ،‬ثم جاء صوت المذيع )حديث الولدة( ليقول‪" :‬وال ن نقدم لكم بيا ن السيد الرئيس‬
‫الغائد )فترغبوه("! كا ن بقية أتعضاء التحاد الشتراكي في المدينة متوجسين‪ ،‬ولم يبدوا أي موقف ظاهر بالرغم من‬
‫سماتعهم لـ)شبه جملة( )الرئيس القائد(‪ ،‬التي فلقوا الناس بها‪ ،‬وظلوا في غاية القلق ليتأكدوا من أ ن الرئيس الغائد هو‬
‫)الرئيس القائد(‪.‬‬

‫"أيهاالمواطنو ن الثوار الحرار ‪."..‬‬

‫لم ينتظروا البقية‪ ،‬وخرجوا مرددين الهتافات الصاخبة منادين بحياة )الثورة(‪ ،‬مطالبين بضرب )الخونة والمأجورين(‪.‬‬
‫ووجدوا كرما ليس هين ا من السابلة وساقوهم معهم في طواف محموم في شوراع المدينة‪ .‬وقد شوهد الزبد يسور فم ود‬
‫العمدة وهو يقود الهتافات‪" :‬يعيش‪ ...‬يعيش‪ ..‬يعيش"!‬

‫بعد ذلك تتالت البيانات‪ .‬وجأتعلن أنه تم القبض تعلى الخونة والمأجورين‪ ،‬وقيل أنهم سيقدمو ن إلى محاكمات تعاجلة‪.‬‬
‫وظلت البيانات تحذر )اليادي الجنبية( التي تقف وراء "المحاولة الفاشلة الجبانة"‪.‬‬

‫بذلك أصبح يوم السبت إجازة تلقائياا‪ ،‬يتل جقى فيه الناس أخبار المحاكمات والتعدامات ـ أيد من أيد‪ ،‬وتحفظ من تحفظ‪.‬‬
‫ولما كانت )المدينة( كبقية مد ن )القاليم( مجرد كومبارس أو كورس للسيدة الخرطوم‪ ،‬فلم يتعود ناسها تعلى القتراب‬
‫من الشياء الغريبة التي تحل بالموطنين في مثل تلك الظروف في )بطن السيدة(‪.‬‬

‫كا ن يوم الحد شبه تعادي‪ ،‬وشمسه كبقية الشموس بالنسبه للكثيرين من الناس‪ .‬ولما ذهب طلب الشرقية إلى طابور‬
‫الصباح ـ كما يحدث كل يوم‪ ،‬جاء أستاذ تعباس بنفسه لخذ التمام! ولم يكن أحد من الطلب يعرف الحقيقة إلى أ ن جاء‬
‫تعم محمود يحمل لستة ونادى ألولد قرف بالدور‪:‬‬

‫"المدير تعايزكم"‪ .‬قال‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وقد ظنوا أنه يريد أ ن يكافئهم ـ أو تعلى القل يشكرهم ـ تعلى ما جلبوه للمدرسة من سمعة حسنة في الحتفال‪ .‬بيد أنهم‬
‫فوجئوا بالسئلة الغريبة‪:‬‬

‫"إنتو أستاذ تعساكر دة بتعرفوا تعجنو شنو؟"!!‬

‫ولما لم يكونوا يعرفو ن أكثر مما يعرفه كل الناس؛ صمتوا؟!‬

‫"قولوا الحقيقة ‪ ..‬وما حتحصل ليكم أي حاجة‪"..‬‬

‫فسألوه تعما حدث بالضبط‪ .‬فأجابهم بأ ن أستاذ تعساكر )إتعتقلوه(!‬

‫وباستثناء تعلى إسماتعيل الكضاب‪ ،‬فقد كانت هذه الكلمة غريبة تعلى مسامعهم‪ .‬إلى أ ن تردد في المدينة أ ن تعربتين‬
‫إحدهما )دبل كابين( يمتطيهما رجال بزي مدني‪ ،‬مسلحين بالرشاشات! قد جاءوا واقتحموا ميز المدرسين وأخذوا أستاذ‬
‫تعساكر!!‬

‫كانت تلك الليلة‪ ،‬هي الوحيدة‪ ،‬بعد ليالي طوال من التفكير والتعديل وإتعادة التفكير ـ في أمر المسرحية‪ ،‬التي راق فيها‬
‫بال أستاذ تعساكر‪ .‬كا ن يستمع إلى أخبار التاسعة مستلقيا تعلى سريره وبه بعض المتعاض من الطرائق التي تسير بها‬
‫الشياء )العامة(‪ .‬ومع نفسه‪ ،‬كا ن متعاطفا مع النقلبيين‪ ،‬ليس حبا فيهم‪ ،‬ولكن رفضا لما هو قائم ومتجه‪ .‬هذا‬
‫بالضافة لعادة السودانيين في التعاطف مع الموتى‪ ،‬مهما كا ن‪ .‬ولنه لم ينضم ـ في حياته ـ إلى أي تنظيم سياسي بسبب‬
‫رؤيته )الخاصة( للشياء‪ ،‬فقد قال لنفسه "كله من بعضه" وربما هذا المعنى هو الذي أوحى إليه مشهد الطاولة‬
‫فاتعتمده ولم يفكر كثير ا في المر باتعتباره جزء من )منطق( العمل الفني‪.‬‬

‫ولما انتهت أخبار التاسعة‪ ،‬أتعتبر أ ن المسألة انتهت‪ .‬وآخر الفكار التي جالت بخاطره قبل النوم كانت متعلقة بمصائر‬
‫تلميذه الفذاذ‪.‬‬

‫استيقظ أستاذ تعساكر إثر ضربة قوية تعلى الباب! ولما جر الغطاء تعن وجهه‪ ،‬كا ن ضوء البطارية الساطع في تعينية!‬

‫أغمض تعينيه منادياا‪:‬‬

‫ـ أزهري‪ ...‬أزهري ‪..‬‬

‫ظان ا أ ن أستاذ ازهري‪ ،‬رفيق الحجرة‪ ،‬قد تعتبر وهو تعائد من الخارج‪ .‬ولكنه سمع صوتا يقول‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ أيوة ‪ ..‬يا هو!‬

‫قفز أحدهم وتعصب تعينيه بقماش‪ .‬وربط يديه إلى الخلف‪ .‬كا ن أستاذ تعساكر ينادي مندهشاا‪:‬‬

‫ـ أزهري ‪..‬أزهري‬

‫إلى أ ن زالت الدهشة أخيراا‪:‬‬

‫"أسكت‪ ،‬وال هسي أفرطك راسك"‪.‬‬

‫وهكذا سيق حافيا بفنلته الداخلية وسرواله الثير )أبو تكة( فقط!‬

‫وقد شاهد أستاذ أزهري ذلك المشهد و)الرشاش( تعلى رأسه!‬

‫كانت العربة تسير لساتعات طويلة إلى أ ن جأدخل أخيرا في مكا ن جتسمع فيه أصوات العربات بعيداا‪ ،‬وأصوات الطيور‬
‫تشقشق‪ .‬فخمن أنه إما الصباح وإما المغرب‪ .‬ولما جفك القماش الذي كا ن به معصوباا‪ ،‬لم تك تعيناه قادرتا ن تعلى النظر‪،‬‬
‫وزيد الطين بلة بأ ن قابله ضوء كشافة تعلى المنضدة التي يجلس تعليها أحدهم ليسأله تعن تعلقته بـ)المؤامرة(! بعد‬
‫سين وجيم المعروفة‪:‬‬

‫ـ أحسن ليك تعترف‪ .‬دة طبعا نحن حنعتبرو تعاو ن منك ويساتعدك كتير‪ ..‬آها ورينا إنت تعلقتك بالجماتعة ديل شنو؟‬

‫ـ ياتو جماتعة؟!‬

‫ـ ما تقعد تعمل لي حركات الشيوتعيين دي ‪ ..‬إنت حتعترف يعني حتعترف‪..‬‬

‫وتدخل آخر‪:‬‬

‫ـ دقيقة‪ ..‬دقيقة سعادتك‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وأدار وجهه نحو حزمة الوراق التي كا ن يحملها‪:‬‬

‫ـ إنت قلت لي إسمك منو؟‬

‫ـ إبراهيم ‪..‬‬

‫ـ إبراهيم منو؟‬

‫ـ إبراهيم الطيب تعساكر‪.‬‬

‫ـ طيب ليه ما قلت كدة من الول؟‬

‫لم يجد إجابة تعلى هذا السؤال‪ ،‬والواقع أنه كا ن مجهداا‪.‬‬

‫ـ دة باين تعليهو من النوع كدة )‪ (...‬سعادتك‪.‬‬

‫فج نروه تعبر ممر ضيق إلي حجرة فارغة‪ ،‬ليس بها غير نافذة صغيرة تفتح باتجاه مكا ن أخر تأتي منه الصراخات‬
‫)آيي ‪ ..‬آآخ‪ ..‬وآآآع ع ع(!‬

‫أجلسوه تعلى كرسي خشبي في منتصف الحجرة‪ ،‬وبادره السائل الخير‪:‬‬

‫ـ آها يا أخينا‪ .‬إحنا حنسألك وتعاوزنك تجاوبنا بدو ن لف ول دورا ن‪..‬‬

‫‪..‬إنت في شهر حداشر كنت وين؟‬

‫ـ كنت في المدرسة‪.‬‬

‫ـ آها طيب وبعدين؟؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫صمت‪ ،‬فسأله سعادتو‪:‬‬

‫ـ إنت ما مشيت أي حتة؟‬

‫ـ مشيت كوستي‪..‬‬

‫ـ و الوداك كوستي شنو؟‬

‫ـ أنا أصلو من هناك‪.‬‬

‫ـ وخليت المدرسة ومشيت لشنو؟‬

‫ـ وال والدنا كا ن تعيا ن‪.‬‬

‫ـ كويس ‪ ..‬طيب في كوستي لقيت منو؟‬

‫ـ لقيت ناس كتار!‬

‫ـ أيوآآآ‪ .‬زي منو؟‬

‫ـ وال هم كتار‪ ،‬ما بقدر أحدد ليك‪..‬‬

‫ـ شوف نحن حنخليك تحدد‪ .‬احسن تمشي كويس زي ما كنت ماشي معانا‪.‬‬

‫ذكر لهم بعض السماء مثل )الجوغا ن( و)محمد تعثما ن( فدونوها ثم قالوا له‪:‬‬

‫ـ ما هو إنت كويس طيب بتعرف أستاذ محمد تعابدين؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ أيوه‪.‬‬

‫ـ كويس خالص ‪ ..‬طيب تعلقتك بيهو شنو؟‬

‫ـ وال ده كا ن أستاذنا في المدرسة الثانوية‪.‬‬

‫ـ وطبعا هو الـ)جندكم(؟‬

‫ـ جندنا وين؟‬

‫ـ ال ال‪ ..‬أوع تحاول تنكر‬

‫ثم تدخل الخر‪:‬‬

‫ـ أسمع يا‪ ...‬قلت لي إسمك منو؟‬

‫ـ إبراهيم ‪.‬‬

‫ـ تاني إبراهيم؟؟‬

‫ـ إبرهيم الطيب تعساكر‪.‬‬

‫ـ طيب يا أستاذ تعساكر‪ ..‬إنت اللفت المسرحية بتاتعة يوم الخميس؟؟‬

‫ـ أيوة‬

‫ـ كويس جدا جد ا يعني إنت كنت متستر ورا الولد القلت للناس إنو اللف المسرحية ‪..‬آآ؟؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬
‫لم يجد إجابة‪ ،‬وصمت قلي ا‬
‫ل ثم‪:‬‬

‫ـ ما ‪.‬‬

‫قاطعه‪:‬‬

‫ـ ما )ما( ول حاجة‪ ..‬أوتعك تحاول تعمل لي فيها ذكي‪..‬‬

‫ثم أضاف‪" :‬طيب إنت قلت لي إنو إنت اللفت المسرحية‪ .‬كنت تقصد شنو بحكاية العمم والطواقي الفي التربيزة دي؟؟"‬

‫لم يجد أستاذ تعساكر إجابة‪ ،‬وصمت‪.‬‬

‫ـ شوف يا أستاذ تعساكر‪ ،‬الحقيقة واضحة زي الشمش‪ :‬إنتو تعملوا مسرحيات وحاجات زي دي )يعني تحرك مدني(‪.‬‬
‫والجماتعة بتاتعنكم ديل يعملوا التحرك العسكري‪ .‬وبكدة )تضربوا تعصفورين بحجر واحد‪ (..‬ول أنا كضاب؟؟‬

‫فسكت إستاذ تعساكر ولم يستطع أ ن يقول له )انت كضاب(‬

‫ـ بكدة المسالة )‪ ،( finish‬وسكاتك دة معناهو إنو كلمي صاح‪ .‬إنت تروق كدة ونحكي لينا الحكاية من اللف إلى‬
‫الياء‪ ..‬وأنا اضمن سلمتك‪.‬‬

‫"يا شمسو ن‪ .‬جيب للستاذ ده سندويتش وكباية موية باردة ‪."..‬‬

‫ـ آآ‪ ...‬آسفين يا أستاذ اليومين ديل ما تعندنا بن ول شاي‪ ..‬إنت تعارف الظروف‪ ..‬وال كا ن تعزمناك‪ .‬إنت أستاذ برضو‪.‬‬
‫هئ ‪...‬هئ هئ ضحك سيادته‪.‬‬

‫جاء شمسو ن أصلع قصير‪ ،‬يرتدي فنلة)‪ . (CUT‬مد له الساندويتش ووقف بجوراه حامال كوب الماء‪.‬‬

‫ما كانت لدى أستاذ تعساكر رغبة في أي شيء‪ ،‬فظل ممسكا بالساندويتش وهو ينظر إلى مكا ن غير محدد ل داخل ذهنه‬
‫ل خارجه!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ أج جكل يا أستاذ‪ .‬وبعدين معاك يا شمسو ن!! خلص خت الكباية دي وأمشي‪..‬‬

‫ـ حاضر سعادتك ‪..‬‬

‫قال الرجل الثاني‪:‬‬

‫ـ شوف‪ ...‬إنت لزم تاكل يعني لزم تاكل‪.‬‬

‫فرد تعليه )أساسي(‪:‬‬

‫ل أججخد ليك لقمة كدة‪ ..‬ول معليش ‪ ..‬نشفنا‬


‫ـ ل ل ياخي ‪ ..‬ما تكو ن راجل )‪ (CRUEL‬ياخي! الراجل دة أستاذنا‪ ..‬ي ج‬
‫ريقك بالسئلة بتاتعتنا‪ ..‬معليش يا أستاذ هاك خد جبنقة‪.‬‬

‫أخذ جرتعة‪ ،‬وضحك سيادته ثم قال‪:‬‬

‫ـ طبع ا يا أستاذ إنت راجل صادق‪ ،‬ودة وضح من إجاباتك‪ .‬طبع ا أستاذ محمد تعابدين دة راجل خالنا وكدة‪ .‬أنا أصلو من‬
‫تعطبرة‪ ..‬بالمناسبة‪ ..‬تعرف خليل صديق بتاع السينما؟‬

‫ـ أيوة دة ساكن في الحي بتاتعنا‪..‬‬

‫ـ أقول ليك سر؟ تعرف خالنا دة هسي )رهن التعتقال( لكين مش مكن أنا أخليهو تحصل ليهو حاجة‪ ..‬مهما كا ن يعني دة‬
‫خالنا‪.‬‬

‫وبعدين يا خي إنت راجل تلميذه‪ ..‬وإحنا تعندنا )تعليمات( إنو الزول البتعاو ن معانا ده حيصدر تعنو تعفو قريباا‪ .‬يعني‬
‫نحنا كل هدفنا تأمن البلد من )الخطار الخارجية(‪ ..‬طبعا إنت سمعت إنو في أيادي خارجية داخلة في المسألة ونحن‬
‫طبع ا الناس المدنيين ديل تعارفين إنهم ناس )وطنيين( مهما اختلفت وجهات النظر يعني ‪..‬‬

‫لم يكن أستاذ تعساكر لديه فكرة تعن هؤلء‪ .‬فكا ن يستمع صامتاا‪ .‬وبعد فترة‪ .‬دخل الرجل الخر‪ ،‬ثم قال‪:‬‬

‫ـ سعادتك الرجل البهنا دة إتعترف بكل شيء‪ ..‬وما أظن الستاذ دة يفيدنا بحاجة إضافية‪...‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ خلص إنت أمشي ‪ ..‬دة الراجل طلع معرفة يا خي‪.‬‬

‫ولما خرج الرجل الثاني‪:‬‬

‫ـ آها‪ .‬قلت لي الجماتعة ديل لموا فيك وين؟؟‬

‫ـ الجماتعة منو؟؟‬

‫ـ الجماتعة أصحاب خالنا‪ .‬بتاتعين المشاكل ديل؟‬

‫ـ شوف يا سيد‪ ،‬أنا أقول ليك الحقيقة‪..‬‬

‫ـ أيوآآ‪ ..‬بس‪ ..‬الحقيقة‪.‬‬

‫ـ أنا ما بعرف أي جماتعة‪ ،‬وما تعندي تعلقة مع أي زول‪.‬‬

‫جر )أساسي( رجله تعلى البلط‪ ،‬ففهم شمسو ن‪ ،‬ووقف بجوار الباب نادى‪:‬‬

‫ـ تعايزنك سعادتك ‪..‬‬

‫ـ خلص يا قريبي‪ ،‬الظاهر في شغل مستعجل‪ ،‬المهم إذا احتجت لي حاجة تطلبني‪.‬‬

‫خرج وأخبرهم بأ ن هذا الرجل إما أ ن يكو ن فعال )ما تعنده تعلقة( أو يكو ن )راجل خطير جداا(‪.‬‬

‫ـ ل سعادتك‪ .‬دة أكيد راجل خطير جداا‪ ،‬وبعد إذ ن سعادتك نبدا معاهو المرحلة الثانية‪:‬‬

‫****‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫تعقب تدخل أحد أقرباء الستاذ تعبد اللطيف الشريف وإنقاذه من كماشات )المرحلة الثانية(‪ ،‬بقيت تدور الشاتعات في‬
‫سيرة أستاذ تعساكر‪ ،‬وقد أقتنع الكثيرو ن من البسطاء وغير البسطاء ـ ومن مصادر مشبوهة ـ بثبوت انتمائه للجماتعة‬
‫من خلل تخريجات مدتعمة بتحليلت لمضامين المسرحية التي شاهدها الجميع‪ .‬ولكن الغالبية كانوا متعاطفين معه‪ .‬ولما‬
‫لم يكن باليد حيلة‪ ،‬في أيام )اللغام( تلك‪ ،‬لم يبق إل تداول نتف الخبار المصنوتعة محلياا‪ ،‬المدتعومة بدتعوات سرية له‬
‫بالسلمة والنجاة‪ ،‬إلى أ ن داست )لواري البحر( فراملها تعلى موقف )المدينة( ‪ ..‬وأشاتعت ما حدث في كوستي؛ حيث‬
‫خرجت مظاهرات تعارمة احتجاج ا تعلى مقتل إبن المدينة )البار( أستاذ تعساكر!!‬

‫جاء رجال أثناء اليوم الدراسي‪ .‬دخلوا تعلى أستاذ تعباس في مكتبه‪ .‬وسمعهم تعم محمود قبل خروجهم يأمرو ن‪:‬‬

‫"القلناهو دة يتنفذ بالحرف"!‪.‬‬

‫لم يكن تعم محمود يعرف شيئ ا وهو ذاهب إلى )مكتبة البدري( ليحضر أوراق البوستر‪ ،‬ففاجأه ود فاضل العجلتي‪:‬‬

‫ـ البركة فيكم يا تعم محمود‪ ..‬وال أستاذ تعساكر كا ن راجل طيب ـ ال يرحمه ‪.‬‬

‫تش جهد تعم محمود‪ ،‬وقرأ الفاتحة تعلى روح الفقيد الذي كا ن ـ بالنسبة له ـ إنسا ن ل ينسى‪ .‬وقال "جايز الموت" ثم سأل‬
‫ود فاضل "الكلم دة حصل متين؟" فتلفت ود فاضل حوله ثم أجاب‪:‬‬

‫ـ إنت كنت وين يا تعم محمود ما الجماتعة ال‪########‬ين ديل كتلوه‪ ..‬وقالوا هسي كوستي مولعة نار‪ ..‬تصدق!!‬
‫تلتمية ول أربعمية من الطلبة إنضربوا رصاص!!‬

‫ـ ل حول ول قوة إل بال ‪ ..‬ل حول ول قوة إل بال ‪..‬‬

‫إشترى تعم محمود أوراق البوستر‪ ،‬وتعلى طول الطريق لم تفارقه الحوقلة‪.‬‬

‫بعد ثلث ساتعة من إحضار الوراق‪ ،‬نودي وجأمر أ ن يعلق البوسترات‪ .‬حملها تعم محمود كما يؤدي تعمله كل يوم‪ .‬وتعلى‬
‫البورد أفرد الروقة الولى وألصقها‪.‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫ينعى التحاد الشتراكي‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫الستاذ العظيم ‪ /‬إبراهيم الطيب تعساكر‬

‫مؤسس فرتعية المنظمات الفئوية بمديرية النيل البيض‪ ،‬وتعضو التحاد الشتراكي الذي غدر به الخونة وأتعداء‬
‫الوطن ‪.‬‬

‫ويهيب التحاد الشتراكي بالجماهير للخروج غد ا في مسيرة الثورة الظافرة للتنديد بأيادي الغدر التي أمتدت لتقتل‬
‫الستاذ تعساكر‬

‫وأظله ال بشابيب رحمته‬

‫وتعلى جذع الشجرة الكبيرة‪ ،‬تعلق تعم محمود الورقة الثانية ـ وهو ما يزال يهز رأسه ويتحوقل‪:‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫ينعى مدير وأسرة المدرسة الشرقية‬

‫الستاذ ‪ /‬إبراهيم الطيب تعساكر‬

‫الذي أغتالته أيدي أتعداء الثورة والوطن‬

‫وإنا ل وإنا إليه راجعو ن‬

‫تعقب انتهاء الحصة الثالثة‪ ،‬وهو خارج سأل أستاذ أزهري تعم محمود‪:‬‬

‫ـ في شنو يا تعم محمود؟‬

‫ولما إقترب لم تصدق تعيناه ما رأى‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ ل‪ ..‬ل‪...‬ما ممكن؟‬

‫وكانت هذه أول مرة يقول فيها أستاذ أزهري )ل( ‪..‬‬

‫ـ دة كذب ‪ ..‬دة كذب ‪...‬‬

‫ودفن وجهه في )حائط المبكى(‪.‬‬

‫إلتف حوله الطلب الذين كانوا متحلقين حول زير الماء‪ .‬ولما أبصروا الوراق إياها صاحوا‪:‬‬

‫ـ ل ‪..‬ل‪..‬‬

‫وخرج بقية الطلب من الفصول تعبر البواب والنوافذ‪ .‬كا ن أستاذ أزهري قد دخل تعلى أستاذ تعباس وتجاسر لول مرة‬
‫وزأر في وجهه‪:‬‬

‫"دة كذب! وإنت يا أستاذ ما تختشي؟! حتى الموت ما تعندكم ليهو اتعتبار!؟ ليه يا أستاذ؟ ليه يا سيادة المدير؟! إنت‬
‫جبا ن‪ ..‬جبا ن"‪.‬‬

‫وخرج غاضبا وخاطب الطلب وحكى لهم )المسكوت تعنه(‪:‬‬

‫"والمكتوب دة كذب‪"...‬‬

‫ولم يستمع الطلب إلى بقية الخطبة‪ .‬انفجر الغضب وقاموا بتمزيق الوراق ثم وانداحوا في شوراع المدينة هتفوا‬
‫ونددوا‪ ،‬ورجموا بالحجارة كل المؤسسات الحكومية‪ .‬وقفز بعضهم فوق سور مدرسة البنات وأخرجوهن‪ .‬وانضم إليهم‬
‫طلب الثانوية‪ ،‬والتأهيلي‪ ،‬ومدارس الشروق واتجهوا إلى مكاتب التحاد الشتراكي‪.‬‬

‫كانت جملة واحدة هي مكمن المتفجرات‪" :‬كتلوا أستاذ تعساكر"‪.‬‬

‫وكانت الشرطة قد استعانت بحامية الجيش‪ ،‬وتحركت إلى وسط المدينة‪ .‬وهناك كا ن المتظاهرو ن قد هجموا تعلى‬
‫)المكاتب( وإحرقوها‪ .‬وفي غمرة الحدث‪ ،‬أطلق الجنود الرصاص‪ .‬وجحمل سبعة تعشر شخصا إلى المستشفى‪ ،‬وتم القبض‬
‫تعلى الكثيرين وسيقوا إلى )معسكر التدريب( وهناك ضربوا "ضرب غرائب البل"‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وفي تعصر ذلك اليوم‪ ،‬تسرب الخبر‪ :‬أ ن ستة أشخاص ماتوا‪ ،‬تأكد موت ثلثة طلب ـ ذكرت أسماؤهم ـ وثلثة أخرو ن‬
‫مجهولو )الهوية(!‬

‫ولم تشاهد المدينة بعد ذلك المدتعو رينقو أبدا ول رفيقيه هباش والزنجي!‬

‫أمشير ومارس‬

‫والمدارس‬

‫فجك جرحك يا مدينة‬

‫ألف فارس‪.‬‬

‫رينقو في شربة مسدس!‬

‫وجنبو هباش المرصص! وجل يا زمن الطورائ!!‬

‫لو تعيش في تحت جيش‬

‫أو تنيش من تعمة بيش‬

‫برضو بفضل شعبي تعارف‬

‫أي طلقة ظلم )ل(‬

‫أي كلمة حق )أيوة(‬

‫وإنت تعايش يا تعساكر‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫في العراريق والبلوزات الحناجر‬

‫وبكرة لما الضلمة ترحل‬

‫تلقوا هباش ـ يا خوازيك ـ في حلوقكم طعم حنضل‬

‫إستعدوا وغنتوا راسكم من حجار رينقو الحتنزل‬

‫زي أبابيل زي قنابل‬

‫من صغاركم لي كباركم راح تجندل‬

‫ويا ضواحي الليل وإيدو‪ ،‬قايلة مافيش البخبرك!؟‬

‫بكرة لما الشمس تشرق شوفي كا ن تختاري قبرك‬

‫أرجي بس وانتظري زنجي‬

‫وشوفي كا ن تلقي الربصنلجي‬

‫وامتلت الحيطا ن بتلك القصيدة‪ ،‬التي وصلت إلى )المدينة( من كوستي تعبر )خط الكفاح المشترك(‪ .‬قيل أنه كتبها شاتعر‬
‫)ثوري( إلتقط تاريخ الحدث من شوراع وأزقة وإندايات كوستي‪ .‬وقد أتعجبت القصيدة تلميذا صغيرا اسمه )تعثما ن‬
‫البشرى( ـ صار بعد ذلك شاتعرا كبيرا من شعراء البلد‪ .‬كا ن تعثما ن البشرى هذا قد حفظ القصيدة تعن ظهر قلب‪ ،‬وقام‬
‫بنسخها لجاره‪ ،‬وشريكه في الدرج والكتب‪ ،‬تعلى غلف كراسته‪ .‬فقام جاره هذا بنسخها بالخطأ تعلى غلف دفتر‬
‫حسابات والده سائق اللوري‪ .‬فتكفل اللوري بقطع المسافة بين كوستي و)المدينة(‪ ،‬فقام سائق اللوري‪ ،‬المي‪ ،‬بنزع‬
‫الغلف المشخبت وإلقائه للريح! فأخذته الريح إلى جوار الحائط! أغرى الحائط فريني ليتبول تعليه! فتواطأ بول فريني‬
‫وطال! فجرجر طوله تعيني فريني للتأمل! فاصطدم التأمل بالغلف المنزوع! فطارت القصيدة وركت في تعيو ن فريني!‬
‫قرأتها وأدخلتها إلى قلبه! فأحبها قلبه وقرر أ ن يتزوجها‪ ..‬فأخذها إلى أبيه الرأس ليطلب له يدها من أهلها! فوافق أبيه‬
‫تعلى الفور وأرسل للمعازيم‪ :‬أمر اليد بأ ن تنسخها تعلى جدار ن الداخلية‪ ،‬واللسا ن أ ن يقرأها بأتعلى صوت! فأتعجب‬
‫صوته المدينة فصارت تغنيها كفاحا يوميا ضد النسيا ن!!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫لما استيقظت تعزة‪ ،‬بعد أيام الهول إلى فضاء الجرح الجريح‪ ،‬وجدت صديقاتها قد نسخنها لها تعلى دفاترها المدرسية‬
‫أسوة بدفاترهن‪ .‬فلبست نظارة سوداء وقراتها‪ ..‬ولم يسألها أحد تعن متى ستنزتعها‪.‬‬

‫زهرة‪ ،‬وأنهار‪ ،‬وجليلة ـ ثلثة أرباع ما تبقى من سرب العاصفير ـ قلبن كل صفحات كتاب البكاء والمرارات‪ ،‬وتعضضن‬
‫تعلى شفاههن بحرقة‪ ،‬ونظر ن إلى المدى الطويل‪ ،‬فأقسمن أ ن ينجبن تعساكر وهباش ورينقو وزنجي‪..‬‬

‫قام سيف حسن بدوزنة القصيدة تعلى ميقات النورمال جيتار‪ .‬وندى تعبد الواحد قررت أ ن تغني كل يوم بأسماء الطيور‬
‫المجندلة‪ ،‬وأ ن تدفع الثمن بأ ن يذهب )تعبد الواحد( إلى المعاش الختياري تاركا وظفته لـ)الشروق (‪ ..‬وما يزال الناس‬
‫يفتشو ن تعن سر الحز ن الجليل كلما ر ن تعلى أذ ن سامع نشيد ضارب في البرية التي كانت يوما )المدينة(‪.‬‬

‫هناك‪ ،‬في )القرقف(‪ ،‬كا ن أبو طويلة يتلقى التعازي ويسأل نفسه "أصحيح لن يعود رينقو؟ أصحيح ؟"‪.‬‬

‫****‬

‫تحول لهيب الذكرى إلى جمر في القلوب‪ .‬كل التذكارات لفتات ليام ستأتي مع مدارات الدنيا‪ .‬ومن تحولت تعنده الذكرى‬
‫إلى رماد‪ ،‬لم يكن يوما من سللة قرف‪.‬‬

‫من وراء خط المصير الذي رسمه القدر‪ ،‬ولعبت به أيدي العواصف‪ .‬نادى المنادي‪" :‬من كد وجد‪ ..‬ومن طلب العل سهر‬
‫الليالي"‪ ..‬ولكن شتا ن بين سهر وسهر‪ .‬كا ن الكثيرو ن يقلبو ن صفحات الكتب المدرسية والدفاتر‪ .‬وبين الفينة والفينة‬
‫يترنمو ن بأغنية أمشير ومارس‪ ،‬ثم يجندل النوم الجفو ن‪.‬‬

‫كا ن جو يقلب ما صار لحقا )أخبار اليام( ويدلو ن رسائل من ورد ورصاص‪:‬‬

‫"ال ن أتعبر الليل‪ .‬والليل بحر أحزا ن‪ ..‬أق جبل أقدام الريح أ ن تاتيك بسر الذي ل سر فيه‪ .‬ال ن أحلم أ ن أحكي لك سيرة‬
‫الضوء الشارد‪ ..‬ال ن تقفز السؤلت الجارحة‪ .‬ماذا بعد؟ ماذا سنصير؟ أمثل من كسروا أجنحة الطير وأحرقوا‬
‫الفراشات؟؟؟"‬

‫ويغمض تعينيه تعن شيئين‪:‬‬

‫الغياب‬

‫والغياب‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وما بين غياب وغياب‪ ،‬ترفل كل الوصايا‪ ،‬ولكنها تبقى في نهاية النفق شيئا واحدا )القسر‪/‬الموت(‪.‬‬

‫يدد بالنهار تهشم تعنفوا ن خصلة أديرت ليراها القلب‪ ،‬فأدير بها الوجه إلى الصليب‪..‬‬

‫يد في الليل تهدم أحلم المسادير‪ .‬ويد بالنهار ـ أيض ا ـ تزرع الرحيل البدي في بعض حلم يافع‪ ،‬ويتبادل الليل والنهار‬
‫وردياتهما‪.‬‬

‫وتتبارى )اليدي( في إدارة الدائرة‪.‬‬

‫ونحن ؟!‬

‫وكل هؤلء؟!‬

‫الطحين؟؟!!‬

‫ويجئ صوت المسيح‪:‬‬

‫ـ أنتم ملح الرض فإذا فسد الملح فماذا‪...‬؟‬

‫ـ أنت نفسك أيها المسيح صلبوك!؟‬

‫ـ ولكن كلماتي باقية‪..‬‬

‫ـ وكلماتهم هم؟ أليست باقية؟؟ أنها ليست كلمات‪ ،‬إنها نفس اليدي التي صنعت الصليب‪..‬‬

‫ـ "إ ن ربك لبالمرصاد"‬

‫ـ وإلى أ ن يوضع )الميزا ن(؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ"‪ ...‬ول تعجل به ‪"...‬‬

‫ـ والمدينة!؟‬

‫ـ "حدد ملمحك يا حراز"‬

‫ـ ونو ن؟‬

‫ـ مدينة‪.‬‬

‫ـورينقو؟ النسا ن؟‬

‫ـ مدينة‪.‬‬

‫ـ ومن أنت؟‬

‫ـ الطريق‪.‬‬

‫ـ !!!‬

‫وبسط الولد الجالس تعلى مقربة من الحائط ذكرياته تعلى نهر الزما ن‪ .‬وهناك من النهر خرجت نو ن في مكتمل الفضيحة‪.‬‬
‫حلق أستاذ تعساكر ورينقو ورفاقه كما النحلت وغابوا في العاصفة‪ .‬مد جو يده بالتلويح‪ .‬سجلت الكواكب إبتسامة نو ن‬
‫تعلى حدب الرحيل‪ .‬لم يعد بينه وبينها إل قيد لمسة‪ ..‬ها هو الخد اليسر وتعليه حبة الشباب‪ ،‬العينا ن الجميلتا ن‪ ،‬الخصلة‬
‫المتمردة‪ ،‬الخجل الثير‪ ..‬وفي لحظة التجاسر تعلى الفاتعيل القديمة‪ ،‬دخلت اليد التنينية في المشهد‪ .‬وجذبة واحدة فإذا‬
‫هما ساقطا ن في )هاوية الزما ن(!‬

‫ـ جو‪ ..‬جو‪ ..‬جو‪ ..‬جو‬

‫ـ نو‪ ..‬نو‪ ..‬نو‪ ..‬نو‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ جو‪ ..‬جو‪ ..‬جو‪..‬‬

‫ـ نو‪ ...‬نو‪ ...‬نو‪...‬‬

‫ـ جو ‪ ...‬جو‬

‫ـ نو ‪ ...‬نو‬

‫ـ جو‪...‬‬

‫ـ نو‪...‬‬

‫وفي صباح اليوم التالي وجد شربات الرسالة تحت وسادته‪:‬‬

‫"أحبابي‪..‬‬

‫حين تشرق شمس الغد سأكو ن قد قطعت مسافة يوم كامل في الطريق تعلى مد ن بعيدة‪.‬‬

‫أتعرف أنكم ستتصرفو ن كما أريد‪..‬‬

‫لعزة‪ ،‬وزهرة‪ ،‬وأنهار‪ ،‬وجليلة‪ ،‬وسيف‪ ،‬وندى )ما تعرفو ن(‬

‫للكعبة‪ ،‬تحيات الصباح والمساء‪.‬‬

‫لعثما ن سنين وبت النور كتبي وسيكو ن تعزاءهما أنتم‪ ،‬وأنتم ملح الرض‪.‬‬

‫جو‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫جدرا ن الكعبة‬

‫الذكرى الخامسة والتسعين بعادا‬

‫****‬

‫اللعبة الكبيرة‬

‫سيرة السراب‬

‫فالسيد زين العابدين محمد الحسن ـ أي السيد المدير ـ كا ن مدرسا لم تك أحلمه تتعدى أحلم المدرسين المخلصين‪.‬‬
‫ولنه كا ن في يوم ما شخصاا‪ ،‬يمكن أ ن يقال تعليه‪) ،‬طيباا( كبقية خلق ال‪ .‬ول تعلقة له بما يعرف بالمسائل )العامة(؛‬
‫فقد كانت كلماته وإكليشيهاته ـ المجد والسؤدد وتعماد المستقبل ـ التي كا ن يرددها تعلى مسامع طلبه تعلى مر السنين‬
‫ليست سوى كلمات وجمل ذات دللت شاتعرية‪ .‬وقد كا ن كل ما يتخيله من سعادة في مستقبله‪ ،‬هو أنه‪ ،‬بعد أ ن ينزل‬
‫المعاش‪ ،‬يعود إلى كسل ـ مسقط رأسه‪ .‬وأ ن يساتعده أبناؤها في بناء بيت له في أي حي شعبي ـ شريطة أ ن يحمل اسم‬
‫الميرغنية! حتى إذا جاء يوم الحشر‪ ،‬وكانت )القوائم( بالمربعات‪ ،‬أو بالحياء‪ ،‬جحشر في زمرة الولياء الصالحين‪ .‬وتعلى‬
‫أ ن يكو ن البيت بجوار الزاوية‪ ،‬إ ن تعذر المسجد؛ ليصلي فيها الفجر حاضراا‪ ،‬ثم يعود إلى البيت لتعد له الست الشاي‬
‫والقهوة البجاوية ليعدل كيفه الصباحي‪ ،‬وينتظر حتى تعد له الفطور‪ .‬وبعد الفطور‪ ،‬يطوي تعمامته‪ ،‬ويتعطر بالكلونيا أو‬
‫المسك‪ .‬ويضع تعلى كتفه شاله الذي أهدته إليه إحدى بناته بمناسبة زواجها‪ .‬ويحمل تعكازته ضاربا باتجاه السوق‪.‬‬

‫يغشى أو ال كشك الجرائد‪ ،‬ثم يدلف إلى رفيق الصبا‪ ،‬وصهره المحجوب‪ ،‬الذي يجلس أمام دكانه الكبير‪ ،‬فيأتي له‬
‫المحجوب بقهوة الضحى ـ البجاوية أيضاا‪ .‬فيرشف منها ويطالع الجرائد‪ .‬ثم يتبادل مع المحجوب الحكام تعلى )الشياء(‬
‫و)الزما ن(‪ ،‬ثم يعيد إليه قراءة المقال أو الخبر الذي ورد فيه اسمه مصحوب ا بـ)أستاذنا الجليل( أو )المربي القدير(‪ .‬أو‬
‫يجد اسم الدكتور فل ن‪ ،‬أو المهندس تعل ن‪ ،‬فيعلق بسعادة‪" :‬تصور! أنا درست الود دة في مدرسة كذا‪ ،‬في مدينة كذا!"‪.‬‬
‫ويبالغ قلي ال "وال أنا كنت متأكد إنو حيكو ن كدة ‪ ."..‬ويرمي بضحكته إلى الفضاء‪ ،‬ثم يستغفر ال بعدها‪.‬‬

‫وفي آخر النهار‪ ،‬بعد أ ن يصلي الظهر في المسجد الكبير‪ ،‬يعود إلى البيت ببعض الفواكه ـ الموز غالباا‪ .‬وبعد الغداء‪ ،‬إ ن‬
‫لم تكن تعليه زيارة مريض ما أو )فاتحة( في تعزاء ما‪ ،‬يحمل كرسيه ويجلس في )ضل العصر(؛ ليعيد قراءة المقال أو‬
‫الخبر ـ أياا كا ن ـ تعلى جيرانه ممن هم في تعمره ويلقي بالتهديدات إلي الصبية بأ ن يأخذوا الكرة ويلعبوا بعيدا وإل فإنه‬
‫سيقوم بمصادرتها وجلدهم ـ دو ن أ ن ينفذ التهديد‪ .‬ثم يواظب تعلى أداء صلة المغرب في الزاوية وما تيسر من تعشاء‪.‬‬

‫لكن تغيرات خطيرة حدثت في شخصية )أستاذ زين( بعد ذلك )اليوم(! اليوم الذي جكللف فيه‪ ،‬بصفته أستاذ العربي‪ ،‬أ ن‬
‫يلقي كلمة الترحيب بـ)المسؤول(‪ .‬فاستحفز أستاذ زين كل خبراته في تقعيرات اللغة والفصاحة التي صقلتها وتعثاء‬
‫تعشرين تعاماا من إزالة العجمات تعن ألسنة طلبه‪ ،‬ومعاناته مع حروف الظاء‪ ،‬الذال‪ ،‬والضاد‪ ،‬وأحيانا القاف والغين‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫فكا ن أ ن أتعجب به )المسؤول( أيما إتعجاب! بالرغم من أ ن ما قاله )أستاذ زين( من إطراءات وتقريظات ـ التي ظنها‬
‫المسؤول معبرة تعن حقيقته ـ ليست‪ ،‬في الواقع‪ ،‬سوى مهارات بلغية لم يفكر قائلها أبدا في مقاصدها!‬

‫وبعد شهور‪ ،‬لما ظهرت كشوفات الترقيات‪ ،‬كا ن تعلى رأسها )أستاذ زين( قافزا فوق بعض تعقبات اللوائح بجرة قلم‬
‫)الستثنائية(‪ ،‬ليتم نقله إلى )المدينة( مديرا للمدرسة الشرقية‪ .‬وخلل السنوات الخيرة‪ ،‬انتقلت البلغة من دهاليز‬
‫المدرسة إلى دوائر )المنظمات الفئوية(‪ .‬ومع مرور اليام‪ ،‬بدأت تتبدل شخصية )أستاذ زين( الذي أصبح )السيد‬
‫المدير(‪ .‬وبدأ مسلسل )النفتاح الحلمي(! فصار لما كا ن يسمى بالمستقبل ملمح أكثر تحديداا‪ .‬أما المجد والسؤدد ـ‬
‫هذا ن الرفيقا ن القديما ن ـ فقد تخليا تعن هلميتهما السابقة‪.‬‬

‫بدأ تعم زين العزيز‪ ،‬وهو جالس تعلى طاولة )المنظمات الفئوية(‪ ،‬يرى وجوها أخرى غير التي كا ن يتصورها تعن‬
‫)المسؤولين(! فمن قال أ ن هؤلء المسؤلين هم أشخاص أكثر منه تأهيال؟؟ ثم صار يلقي ـ وهو تعائد من )هناك( ـ نظرة‬
‫تعلى التميز الظاهر لبيت المدير‪ ،‬الجير تعلى القل‪ ،‬ويقارب المسألة في ذهنه مع بيوت بقية المدرسين من تحت وبيوت‬
‫المسؤولين من فوق! ثم أ ن تعربة المدرسة التي بات يتم استغللها لتفسيح الست والبنات هناك ـ حيث يعبر الخرو ن‬
‫راجلين ـ هي مجرد لندروفر‪ .‬ثم أ ن تعماد‪ ،‬البن الصغر‪ ،‬يتشاجر مع صلح‪ ،‬البن الكبر‪ ،‬حول هذه العربة الوحيدة‪.‬‬

‫بدأت تتحول صور الجرائد المستقبلية إلى لفتات مثل التي بدأت تنتشر تلك اليام في المد ن الكبيرة ـ الخرطوم خاصة‪،‬‬
‫)الدكتور‪ :‬تعماد الدين زين العابدين‪ ..‬زمالة الية كدة الملكية(! )شركة الية كدة‪ :‬مهندس‪ /‬صلح الدين زين‬
‫العابدين‪ !(..‬في مقابل هذه النزتعة النفتاحية‪ ،‬كا ن ظلها في التجاه المعاكس؛ فسلمى يجب أ ن تصبح زوجة الدكتور‬
‫)فل ن(‪ .‬ونازك زوجة المهندس )فل ن(؛ لذلك ل بد أ ن تكدا في المذاكرة )لتتأهل( لهذا المر الجل‪ .‬وأهم شئ أ ن تبتعدا‬
‫تعن البصل‪ ،‬وخاصة )المعفن( منه‪ .‬وقد زاد الطين بلة ظهور أستاذ تعبد الجليل الذي أكسب كل شئ )مشروتعيته(‪.‬‬

‫لكن أخطر تحولين حدثا في شخصية أستاذ زي هو أنه أوال قد نمت لدية نزتعة الـ ‪ inspection‬المدفوتعة بالـ‬
‫‪ suspicion‬ـ أي الشك المنهجي! فصار يستقصي كل ما يقال بحث ا تعما يمكن أ ن يسربه أتعداء )الثورة(‪ .‬الذين‬
‫صاروا أتعداؤه الحقيقيو ن‪ ،‬الذين يهددو ن مشاريعه وأحلمه الجديدة‪ .‬وهذا هو السبب الذي ساقه للمرور تعلى حيطا ن‬
‫المدرسة وأدبخانات الطلبة‪ ،‬ل ستكشاف ألتعيب البصل المعفن‪ .‬وما يمكن أ ن يسربه التعداء من هناك! إذ يقتضي الحرز‬
‫تأمين كافة الجوانب كما تعجلم في طاولة )المنظمة الفئوية( ليوقع نفسه في مهزلة أولد قرف تلك‪.‬‬

‫ولكن ما لم يكن يتصوره أبد ا هو أ ن )البصل العفن(‪ ،‬الذي يطارده في حيطا ن المراحيض‪ ،‬قد تسلل إلى تعقر داره!!‬

‫وفي سبيل مواجهة الموقف‪.‬‬

‫برزت الخصلة الثانية التي اكتسبها الذي كا ن )أستاذ زين(‪ :‬فأول ما فعله بعد وصوله إلى موقعه الجديد في كسل كأمين‬
‫للمنظمات الفئوية هو )تأمين الجبهة الداخلية(‪ .‬وفي يومي الرتياح من وتعثاء السفر‪ ،‬كا ن يبحث تعن )الخطة‬
‫الجهنمية(‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫تم )التعتقال التحفظي( للمنقولت الخاصة بالبنات‪ ،‬ومنع خروج أي شئ منها إل بأيدي الست وأمام ناظريه‪ ،‬إل‬
‫)الشياء( التي يجب أل يراها‪ .‬فيدير وجهه باتجاه الحائط! وبعد أ ن اكتملت تعناصر التخطيط‪ .‬بدأت مراحل التنفيذ‪ .‬فنادى‬
‫الست وسألها‪:‬‬

‫ـ شلتي الحاجات المامفروض أشوفها كلها؟‬

‫ـ أيوه ‪ ..‬بس إنت تعايز تسوي شنو؟‬

‫ـ ما دخلك‪ ،‬ما إنتي كنتي لوح؟! جججرى الباب دة وراك‬

‫فخرجت الست وجرت الباب وراءها‬

‫قام السيد أمين المنظمات الفئوية بإخراج مجهره للبحث تعن )الجراثيم( بدأ أوال بحقيبة سلمى‪ ،‬فأحصي ورتب التالي‪:‬‬

‫)‪ (+‬ثلث جراثيم تسبب المراض المزمنة‪:‬‬

‫ماجدلوين‬

‫روميو وجلوييت‬

‫بحيرة تعصافير الجنة‪.‬‬

‫)‪ (++‬فيروسات أخرى بهيئة رسائل ورسومات‪ ،‬وكروت بوستال مكتوب تعليها أسماء فتيات من بينهن حسنى بنت‬
‫أستاذ تعباس‪ .‬قال لنفسه‪" :‬وما أدراك أ ن حسنى هي حسنى؟! فقد تكو ن هذه توقيعات مزورة"!‬

‫قلب الحقيبة وهزها جيدا بعد أ ن استكشف كل جيوبها‪ ،‬ثم قذف بها بعيداا‪ ،‬استدار باتجاه ما اسماه )الكرنتينة(! أي حقيبة‬
‫نازك‪ ،‬ليجد فيها ما يصعق العقل‪:‬‬

‫ثلث وسبعو ن رسالة‪ ،‬لم يخف إتعجابه ببلغتها والخط الذي كتبت به‪ .‬وفعل بها ما فعله بأختها‪ .‬لملم المعروضات‬
‫أمامه‪ ،‬وفتح الباب ثم نادى الست وأمرها أ ن تأخذ )حطام الذكريات( إلى أصحابه‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫في الليل‪ ،‬وهو مستلضق تعلى سريره‪ ،‬قرأ )تعلم الجراثيم(‪ ،‬فاقتنع إقتناتعا تاما أ ن هذا الولد مجنو ن‪ .‬فما أتى به لم تأت به‬
‫اجلصوجل‪.‬‬

‫كانت هناك جفو ن ساهرة في صحاري اليأس بعد أ ن تعب الخوف وجفت ينابيع الدموع‪.‬‬

‫"مافي أمل" قالت سلمى‪.‬‬

‫أما نو ن‪ ،‬فلزمت الصمت‪ ،‬وحقدت تعلى الكوكب التي لم تتدخل‪ ..‬وقد كانت تفتش في طريقه توصلها إلى ضفاف المانج‬
‫"هل ينفع القاش بدي ال؟" وإذا نفع فهو ال ن مصوح بل ماء ‪ ..‬شهور أخرى ستمر حتى يصبح القاش )مانجاا(‪ ..‬وكل‬
‫الطرائق الخرى ليست قدر الرجاء!‬

‫لمت نفسها تعلى أنها لم تقفز ـ في تلك اللحظة ـ من العربة ‪.‬فـ"بالتاكيد كا ن الكوكب ستتدخل‪ ،‬فهو كا ن يسبح وأنا‬
‫تخاذلت‪ ..‬أنا أستاهل" قالت لنفسها‪.‬‬

‫مساء اليوم التالي‪ ،‬دخل الذي كا ن )السيد المدير( ضاحكا مستبشراا!!‬

‫ـ إزيكم يا بنات‪ ..‬خلص إرتحتو من السفر؟‬

‫كانت لهجته غريبة ول تتناسب مع الموقف‪ .‬فجاءات الجابة مقتضبة‪:‬‬

‫ـ أيوة )بدو ن يا بابا التي بدأت تنتشر في تلك اليام بدال تعن "يابا"(!‬

‫ـ شوفوا يا بناتي‪ ،‬إنتو لسة في بداية طريق )المستقبل( وأنا تعايزكم تبقوا فوق‪ ..‬ول تعندك راي غير كدة يا نازك؟‬

‫ـ ل يا بابا ‪..‬‬

‫ـ أنا )متأكد( من كدة‪ ،‬وتعشا ن كدة‪ ،‬انا قلت إنتو براكم تبقوا بنات كويسات‪.‬‬

‫أخذ من تعلى حجره ظرفين ومد لكل صاحبة ظرف ظرفها قائ ا‬
‫ل‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫"شوفوا جوه الظروف دي في شنو؟"‬

‫كادت سلمى أ ن تفرح‪ ،‬ولكنها كتمت إحساسها ولم تفعل نازك شيئاا‪.‬‬

‫ـ آها يا سلمى مش دي حاجاتك؟ فيها حاجة ناقصة؟‬

‫ـ ل يا بابا‬

‫ـ وإنتي اشتريتي الكتب دي من وين؟ قالها بلطافة‪.‬‬

‫وبسب الثقة الثابتة‪ ،‬أجابت سلمى بصدق‪:‬‬

‫ـ ديل حقين نازك‪ ...‬أنا قريتم لكين لما شنطتا ما شالت ختيتهم ليها في شنطتي‪.‬‬

‫"وإنتي كما ن مشاركة في الجريمة" قال ذلك في نفسه وأظهر‪:‬‬

‫ـ تعاقلة‪ ..‬يعني الحاجات دي كلها بتاتعة نازك؟‬

‫فأجابت نازك‬

‫ـ أيوة يا بابا‪.‬‬

‫ـ خلص يا سلمى أديها حاجاتها‪.‬‬

‫نفذت سلمى المر‪ ،‬ثم بدأت محاضرة المجد والسؤدد‪ ..‬وكيفية بلوغهما بتجاوز الصغائر ليصل إلى هدفه‪ :‬فآخر ما‬
‫تفتقت تعنه تعبقرية الذي كا ن )أستاذ زين(‪ ،‬الذي لم يكن يتجاوز تعلم الحساب والعقاب تعنده كلمة )يا لوح( أو السوط‪،‬‬
‫هو تلفيق مشاتعر الناس!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ وإنتي بكدة أكيد قررتي تخلصي من الحاجات دي‪ ..‬هاكي الكبريتة دي أحرقيهم‪ ،‬وبكدة تكو ن الحكاية خلصت )!( أنا‬
‫سعيد لنك بنت واتعية‪.‬‬

‫أرادت سلمى أ ن تقول )ل( ولكنها لم تستطع‪ .‬أما نازك فلم تنظر إلى ما في )ظروفها(‪ ،‬فهي كانت مشغولة بالتفكير في‬
‫موسم فيضا ن القاش‪ ،‬وقد حددت قرارها الذي ل رجعة فيه‪.‬‬

‫أخذت الكبريت ووضعت الظروف‪ :‬الجراثيم في السلة أمام الشهود‪ ،‬وأضرمت النار‪ ،‬وفي داخل الغرفة! ومع كل ذكرى‬
‫تقللب المحروقات حتى )ينجض( القلب الذي تخاذل يومذاك!‬

‫ومع آخر ومضة في )المحرقة( أختلطت دموع الدخا ن الذي لوث الغرفة بدموع وداع )الشياء الجميلة العزيزة(‪.‬‬

‫قام السيد زين العابدين مودتعا هو الخر‪:‬‬

‫"خلص‪ .‬بكرة السواق حيجي يوديكم المدارس"‪..‬‬

‫وراء القضبا ن الحديدية ـ هذه المرة بد ال من النملية ـ فتحت نازك زجاج النافذة تستعيد ذاكرة )شباك النبي(‪ .‬وما زالت‬
‫في الجو رائحة دخا ن المحرقة‪ .‬نظرت إلى الشارع الخلفي‪ .‬كا ن يبدو مثل سراب المسافات الطويلة التي قطعوها في‬
‫اليام الفائتة‪ .‬استعادت أصداء اللم والفرح القديم‪ .‬جاءت سلمى وإلتصقت بها من لخلف وتشممت ضفيرتها الخلفية‬
‫قائلة‪:‬‬

‫ـ نازك‪ ..‬أنا حزينة أكثر منك‪ ..‬أهو إنتي تعلى القل تعندك حاجة قاتعدة جواكي‪ ،‬يمكن بكرة تلقيها‪ ..‬بس أمسكيها وأصلو‬
‫ما تفرطي فيها لخر يوم في حياتك‪..‬‬

‫ـ تفتكري يا سلمى؟‬

‫ـ أيوة‪ ..‬بس أنا ما كنت قايلة الدنيا دي قاسية كدة! أهو إنتي الكنتي بتعزيني بالكتاب وببكرة‪ ،‬بقيت أنا أتعزيك؟!!؟‬

‫ـ لكين تفتكري يا سلمى حتى لو جات الحاجات دي تاني حتكو ن زي الحاجات الهسي إحنا فاقدنها؟‬

‫ـ يل خلص يا ستي‪ ..‬أراح نصلح كتبنا‪ ..‬تعشا ن إنتي تعارفه بكرة حتبدا القوانين الجديدة‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬
‫واتجهت سلمى إلى المنضدة ورتبت كتبها‪ ..‬وكا ن حديثها تعن )التمسك( قد فتح نافذة أمل صغيرة‪ ،‬بدأت تتسع قليل قلي ا‬
‫ل‬
‫إلى أ ن أطل الشعاع الذي لم يكن في الحسبا ن‪:‬‬

‫ـ ال يا سلمى ربنا دة كريم وتعادل‪ .‬يا ما إنت كريم يا رب!!‬

‫أحضا ن وقبل‪ .‬واختلطت دموع فرح حقيقي ظل ليام تحت وطأة الخوف والياس والخذل ن‪ .‬فها هما تتفرسا ن )الكتاب(‬
‫والصورة بداخله!‬

‫ـ ديل لقيتيهم وين؟‬

‫ـ وال ياسلمى‪ .‬لقيتم في كتاب الدين‬

‫وكا ن السيد الـ ‪ ، inspector‬المفتش‪ ،‬قد فتش جميع الكتب والدفاتر المدرسية ورقة ورقة بحثا تعن جرثومة )كدة‬
‫ول كدة(‪ ،‬ولكنه )فرط( كتاب الدين إذ ل يعقل أ ن تكو ن فيه )جراثيم(!!‬

‫وهكذا صارت تتم مطالعة الكتاب في الزيارات السبوتعية لقبة )سيدي الحسن(‪ .‬وتعلى مرأى من الست الوالدة المية‬
‫تعلى أساس أنه كتاب أدتعية! وهي لم تشك بعد أ ن لحظت انتظامهما في الصلة وبرنامج المذاكرة اليومي‪ .‬هذا بالضافة‬
‫لتعاطفها مع نصف الحكاية‪.‬‬

‫ومن داخل تلك الفسحة الصغيرة‪ ،‬كانت دوافع الجتهاد في المذاكرة تتحفز مع ترديدات سلمى‪:‬‬

‫ـ إنتي لزم تجتهدي يا نازك‪ .‬تتذكري قافلة الطلبة بتاتعين الجامعة في )المدينة(؟‬

‫ـ أيوة ‪..‬كيف ما بتذكر؟!‬

‫ـ شفتي البنات بقعدوا مع الولد كيف؟ ويتونسوا كيف؟ يا سلآآم‪ ،‬سنة واحدة بس وأمرق من السجن دة‪.‬‬

‫ـ لكين أنا يا سلمى‪ ..‬شوفي الباقي لي كم؟‬

‫ـ ما تخافي يا ستي‪ ..‬أنا لمن أمشي الجامعة أكيد في الجازة خآخدك معاي ونتفسح ونزور صاحباتي وأصاحبي ‪ ..‬و‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ تعرفي يا سلمى أنا بتمنى شنو؟ بس أنا وزهرة وأنهار وكل صاحباتي‪ ،‬وجو وكل أصحابو ننجح ونكو ن في جامعة‬
‫واحدة )ولم تك نو ن تعرف أ ن مثل هذه الفانتازيا هي التي أودت بأستاذ تعساكر وآخرين إلى الخرة(‪.‬‬

‫ـ خلص ذاكرى كويس‪...‬‬

‫س ‪ : 1‬أكتب‪/‬أكتبي تعن قصة أجمل كتاب قرأصته‪/‬قرأرته‪.‬‬

‫"آهـ يا جو ‪ ..‬تلقاك هسي بديت القصة‪"..‬‬

‫وانهمكت نو ن في حل إمتحا ن اللغة العربية‪.‬‬

‫وفي تلك الساتعة من نهار أبريل الحارق‪ ،‬كا ن )قطار الميجا( يمخر تعباب بحر السراب‪ ،‬متهاديا باتجاه الخرطوم‪ ،‬وحام ا‬
‫ل‬
‫تعلى )سطحه( أكبر البصلت المعفنة!‬

‫ــ أسمأ يا أخونا‪ ..‬هاكي رهردم دي ختي في راسك‪ ..‬ول جلهي في قتر دي ناس كتير بدمموا وبموتوا! هر دة وللهي بجيبي‬
‫أبو فرار‪.‬‬

‫ـ شكرا يا أخ ‪..‬‬

‫ـ أخوكي أبدللهي إساخا )تعبد ال إسحق( من )جكجتم(‪ .‬وإسم كريم منو؟‬

‫ـ جو ‪..‬آآ ‪ ..‬أقصد النور تعثما ن ‪ ..‬من )المدينة(‪.‬‬

‫ـ سايق السم ‪ ..‬وإتي ماشي وين؟‬

‫ـ الخرطوم‪..‬‬

‫ـ وإندكم أهل في خرتوم؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ أيوة‪ ..‬في أولد خالنا ساكنين هناك‪...‬‬

‫ـ وهم ساكنين وين في خرتوم؟‬

‫ـ وال ما تعارف‪.‬‬

‫ـ إتي تلقيهم جكيف!؟ خرتوم دي مهجلة كبير!!‬

‫ـ وال ما تعارف بس أنا ماشي ‪..‬‬

‫ـ وتشتخل شنو؟‬

‫ـ وال أنا خليت المدرسة‪.‬‬

‫ـ ليه شنو؟‬

‫ـ وال بس مشاكل‪.‬‬

‫ـ إتي بكو ن ماشي جيش‪ .‬وللهي أنا زاتو قلت نمشي نقجأد ما ناس آدماي فـ)إشش( ونبيأ مآهم ترمس‪ .‬وبأدين كن لقينا‬
‫تريقة ندخلو جيش‪.‬‬

‫وفي لب الحكي‪ ،‬تعرف جو بحكاية الصديق الجديد تعبد ال إسحاق‪ .‬وأحلمه في العودة من )الصبصحجر( ليتزوج )فطين(‪...‬‬

‫أطلت هناك جزيرة وسط السراب‪.‬‬

‫"أمسكي شنتة بتائك كويس‪ ..‬جماءة هنا ديل سجراقين‪ .‬قتر خلس روجسصلت كوستي‪ .‬هو بقأد هنا زمن تويل"‪.‬‬

‫صييج ‪ ..‬دق دق‪ ...‬دق دق‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وفرمل القطار في المحطة‪.‬‬

‫هبط الركاب‪ ،‬وقبلهم المسطحين خوفا من مداهمات الشرطة‪.‬‬

‫‪...‬‬

‫"ل تحملوا بعالم سعيد‬

‫فخلف كل قيصر يموت قيصر جديد‬

‫وخلف كل ثائر بموت أحزا ن بل جدوى‬

‫ودمعة سدى ‪"..‬‬

‫شخبتة تعلى حائط البول‪ .‬بائعات الطعمية‪ ،‬تجار السمك‪ ،‬البسكويت‪ ،‬نوافير المياه‪ ،‬سيقا ن الجميلت المسافرات وهن‬
‫يتشطفن‪ ،‬وهاهو النيل! أو ما يسمى بالنيل‪ ،‬تعادي ول تعلقة له بأساطير الكتب المدرسية! إنه مثل خور المدينة في أيام‬
‫الخريف! ول شيء آخر! رائحة الشواء تقطع المصارين‪.‬‬

‫"نور‪ ..‬نور‪ ،‬تآلي نمشي ناكل"‪.‬‬

‫وأبلعك أبلعك‪ ..‬هدأ نداء المصارين‪ ،‬فخرج نداء الرأس!‬

‫ـ شاي ‪ ..‬شاي ‪..‬‬

‫ـ تآلي بتاء شاهي ـ نادى أبدللهي إساخا وأمر‪" :‬كبي إتنين"‪.‬‬

‫أشطفك‪ ..‬أشطفك‪ .‬وكا ن جو مع كل شفطة يتلصص إلى يد الشاب الجالس تعلى الحجر بجوارهم‪ .‬وتطل من النفس‬
‫دناءاتها‪" :‬يا رب يرمي السيجارة‪ ..‬يا رب يجدتعها"‪ .‬لحظ أبدللهي إساخا قلق صديقه فسأله‪:‬‬

‫ـ إتي تشرب سجار؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ أيوة!!‬

‫ـ لكين سجار دة ما قالوا هرام؟‬

‫ـ وال تقول شنو؟ إنتو هناك مش قاتعدين تشربوا مريسة؟‬

‫ـ ولكين مريسة لجماه مع سجار شنو!؟‬

‫ـ أنا تعايز أقول يعني زي ما الناس تعندكم بشربوا مريسة‪ ،‬أنا بشرب سجاير!‬

‫ـ واللهي إندنا أخونا كدة في خرتوم بشرب سجار‪..‬‬

‫وأخير ا فتح ال تعلى جو‪ ،‬وجاء بائع السجائر‪ ،‬فقام أبدللهي إساخا بارتكاب ثاني الحرامات واشترى تعلبة سجائر كاملة‬
‫وأتعطاها لجو‪..‬‬

‫وبعد أ ن شفط )كم نفس كدة( استيقظت نو ن التي كانت نائمة تحت وطأة الجوع والخرم‪ .‬ثم ظهر وراءها طابور الوجوه‬
‫الليفة والحنين! ظهر أستاذ تعساكر في ملمح المدينة وناسها‪.‬‬

‫قام جو بعد السيجارة الثانية وساح هيام ا في طرقات كوستي‪ .‬صارت كل ذرة تقول "أستاذ تعساكر؟ لقد مر من هنا‬
‫يوماا" وبيوت المرابيع التي تشبه نوافذها )شباك النبي( هل وقفت وراءها نو ن أخرى ذات يوم تناجي أستاذ تعساكر؟‬

‫ساح‪ ..‬ودخن‪ ..‬ودار ولف ودار‪..‬‬

‫ولما صفر قطار الميجا وتحرك‪ ،‬وجد أبدللهي إساخا نفسه وحيد ا بين حقيبتين‪ ،‬بداخل إحداهما أكبر )كرنينة( للوبائيات‪،‬‬
‫قال إساخا لنفسه "ربما تسلق تعربة أخرى!"‪ .‬وفي ربك‪ ،‬ما زال المل قائما ومع جبل موية وجبل تعشطا ن‪ ،‬تقاصر‬
‫المل‪ .‬وفي )سنار التقاطع( اختفى‪ .‬وبكل أمانة القروي ووفاء )الغررابة( الذي يفوق وفاء الكلب لصحابها‪ ،‬قام‬
‫أبدللهي إساخا بالحتفاظ بالحقيبة إلى أ ن التقيا بعد زما ن طويل‪.‬‬

‫في كوستي‪ ،‬اكتشف جو حقيقة أ ن بعض الماكن يمكن أ ن يعيش فيها النسا ن قبل أ ن تطأها قدماه! فما كانت كوستي‬
‫غريبة تعليه بعد الحكايات الطويلة التي حكاها له تعلى إسماتعيل الكضاب‪ .‬وفي المحطة لم يجد صعوبة في تحديد المنزل‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫الذي كا ن يسكنه تعلى إسماتعيل ذات يوم‪ .‬كا ن يمر تعليه ويدخل في أحلم يقظة‪ ..‬وأحيانا يرى نفسه داخال تعلى تعلى‬
‫إسماتعيل‪ ،‬وهو في الواقع يدفن تعقاب سيجارة وهو راقد تعلى معقد المحطة الذي صار )المنزل(‪.‬‬

‫كا ن جو يذهب في الصباح إلى المينا‪ ،‬وتعتلك تعتلك )حق السجائر(‪ ،‬وأحيانا زيادة‪ ،‬ثم إلى رواكيب السمك مستعينا‬
‫بحكمة رينقو‪" :‬لم نسمع أ ن أحدا مات لنه أكل ما خجلفه الخرو ن‪ ،‬بل مات الذين لم يجدوا هذه المخلفات"! وتخلى جو‬
‫ل قلي ال تعن أنفة القرويين‪ .‬كا ن يمر في المساء تعلى السينما تعله يلتقي بأبي طويلة صدفة‪ ،‬أو أي واحد‪ .‬لكن شماسة‬
‫قلي ا‬
‫كوستي كانوا أكثر تعنفاا‪ .‬فلما رأوه غريباا‪ ،‬ظنوا أنه من )ال‪########‬ين بتاتعين القبض( يحاول الندساس بينهم‪،‬‬
‫بعد أ ن اكتشفت المدينة في أيام الحداث أ ن أحد شماشتها لم يكن سوى مخبرا متخفيا يدبج التقارير تعنها! فأوسعوه‬
‫ضرباا ومزقوا قميصه‪ ،‬إلى أ ن تعثر تعلى فنلة ل بأس بها في قمامة حي السوق‪ ،‬كا ن جو قد تجول في كل الماكن‬
‫المشوبة بالذكريات المستعارة‪ .‬المدرسة التي درس فيها تعلى إسماتعيل؛ كل المدارس التي درس أو دررس فيها أستاذ‬
‫تعساكر‪ ،‬الماكن التي يشتبه في أنهما مرا بها‪ .‬وكا ن قبل فسحة الفطور يذهب ويجلس تحت الشجرة المقابلة لباب‬
‫مدرسة البنات‪ ،‬يتفرس وجوههن ويقار ن‪:‬‬

‫"هذه تشبه زهرة!"‬

‫"يآهـ ‪ ..‬دي أنهار تعديل!"‬

‫"ودي تعزة‪ ..‬بس لو لبست نظارة سودة!"‬

‫"ودي ‪ ..‬آآخ‪"..‬‬

‫ويدفن رأسه بين ركبتيه ويسبح في حلم يقظة طويل‪..‬‬

‫ذات يوم‪ ،‬جاء وجلس في نفس المكا ن‪ ،‬ولم يمر أحد! قال في نفسه "الليلة إجازة ول شنو؟" لتأتيه الجابة بعد ساتعات‪،‬‬
‫أ ن المتحانات انتهت‪ .‬وأغلقت المدارس أبوابها إلى بداية العام الدراسي الجديد‪ .‬ولم يبق ما يسند البقاء طويال‪ ،‬فعاد جو‬
‫إلى المحطة في انتظار أول قطار ميجا قادم‪.‬‬

‫****‬

‫لولولولو ‪ ..‬إششش‪..‬‬

‫صاري لي كدة مالك؟ هسة تلقاك )كربست( المتحانات‪ ،‬وفي النشا ـ لق لق لق ـ بجيب قدر نمرك‪ .‬ما حتقدر تفوتني‪.‬‬
‫قايل نفسك براك بتعرف إنشا؟؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫دخلت سلمى ووجدت نو ن تكلم نفسها!‬

‫ـ يا بت ججنيتي وجل شنو!؟‬

‫أدخلت الصورة بين نهديها‪ .‬ولما تأكدت من أنها سلمى‪:‬‬

‫ـ أنا بكلم جو!‬

‫ـ إنتي تعايزة يطبوا تعلينا تاني؟ وكما ن المرة دي زايدة‪ .‬أووف‪.‬‬

‫كا ن صلح زين العابدين قد تعاد قبل أيام من الجامعة‪ .‬ولكن هذه المرة كا ن ملتحياا! لم تك لحيته هي المشكلة‪ ،‬وإنما تلك‬
‫الوامر التي صر ن يتلقينها وهن خارجات أو داخلت‪:‬‬

‫"غطي رأسك ‪!!"..‬‬

‫"طولي السكيرت دة"!!‬

‫ثم بعدها‪:‬‬

‫"هاكي الكتاب دة أقريه يا سلمى"‪.‬‬

‫ويرجع الكتاب ليأتي المر بآخر!‬

‫ولكن ال كا ن يستجيب لدتعواتهما‪ ،‬فقد تعاد )دكتور( تعماد زين العابدين الذي يدرس الطب في مصر لقضاء إجازته‪ ،‬هو‬
‫الخر‪ ،‬فدخلت الفراح إلى البيت الجديد‪.‬‬

‫كن يسترقن السمع إلى المجادلت التي تدور في الديوا ن بعد الغداء بين صلح وتعماد؛‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ ال يهديك يا تعماد‪ ..‬يا خي ربنا قال‪.(...) :‬‬

‫ـ أيوة‪ .‬ربنا قال‪ ،‬بس مش بالطريقة بتاتعتكم دي‪ ..‬ثم تعال ياخي إنتو لحدى هسي ما تعندكم نظرية محددة تحلو بيها‬
‫المشاكل بتاتعة الخلق دي!؟‬

‫ـ القال ليك منو؟ أنت بس ما متفقه‪ .‬ثم ياخي "ما فرطنا في الكتاب من شيء"‪.‬‬

‫ـ أيوة‪ .‬بس دة مامعناه إنو أنا أقرا الكتاب دة وأشيل السماتعة بتاتعتي وأمشي المستشفى أتعالج الناس!!‬

‫ـ يا خي دي تفاصيل‪ .‬المهم )التجاه(‪.‬‬

‫ـ طيب أنتو هسي في الجامعة بتقروا التفاصيل وجل التجاه؟‬

‫ـ إحنا بنقرا التفاصيل والتجاه‪.‬‬

‫ـ طيب التفاصيل دي تعملها التجاه بتاتعكم؟‬

‫ـ ما ضروري ‪..‬‬

‫ـ ل ضروري‬

‫ما ضروري‪ ..‬ضروري ‪ ..‬ما ضروري ‪...‬‬

‫"خلص يا أولد!"‬

‫ويتدخل السيد زين العابدين لفض المشاجرة الكلمية‪.‬‬

‫*****‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫هناك مع )ست الجبايب( تعرف تعماد زين جزء ا من الحكاية‪ .‬وفي ظهر الخميس طرق باب )حجرة الحلم المسجونة(‪:‬‬

‫ـ كو كو كو ‪..‬‬

‫ـ ككك كرك‪ ..‬ككك ككك‪ .‬ششش‪ .‬إتفضل!‬

‫ودخل تعماد زين‪:‬‬

‫ـ كيف يا ستات؟‬

‫ـ ستات مرة واحدة كدة يا تعمدة؟! قالت سلمى‪.‬‬

‫ـ كيف يا نانا؟ أهو إنتي بقيتي ما شاء ال‪ ...‬وال لو ما حظنا الكعب كا ن الواحد بقى ود جيرانكم وراح حابيك طوالي‪..‬‬

‫ـ ال ال تعلى الكلم الجميل دة‪ ..‬إنت الظاهر مصر دي تعلمتك حاجات كثيرة‪ ..‬وبعدين إحنا ما بننفع ول شنو؟ قالت‬
‫سلمى‪.‬‬

‫ـ أنا بتكلم تعن الحب بس؟ لكين لمن تجي سيرة العرس‪ ،‬البعد الحب‪ ،‬حيجيكي الدور‪ ..‬إنتي ما سمعتي المثل البقول‬
‫"ثنوي تعام حاجة تمام‪ ..‬ثنوي تعالي تعرس طوالي"!؟‬

‫ـ ل‪ ،‬كا ن كدة خلص‪ ..‬لكين باين تعليك بقيت ود كدة )‪!(...‬‬

‫ـ وإنتي يا نانا‪ ..‬مالك مكشرة كدة؟ الظاهر الكتمة مأثرة تعليك‪ .‬ياخي السجن دة إنتو متحملنو كيف؟ لكين أنا تعندي ليكم‬
‫مفأجاة )إنما أيه(‪.‬‬

‫ـ أها‪ ..‬قول‪ ..‬قول!!‬

‫ـ شوفوا يا جماتعة‪ ،‬القتراح كالتي‪ :‬أنا أقنعت الست بلش حكاية الزيارة دي الليلة‪ ..‬أنا آخدكم إنتو التنين وبس‪..‬‬

‫ـ وال ‪ .‬وال؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ أسمعوا باقي الحكاية‪ ..‬أنا حآخدكم ونمشي العصرية‪ ،‬وقدلة كدة تعلى القاش‪ ..‬ونشوف لحظة غروب الشمس‪..‬‬

‫ـ اللـــــه!! قالت‪ ،‬وقفزت نازك واحتضنته‪ ،‬آآخ يا تعمدة‪ ،‬ال يخليك‪ ..‬أنا نفسي في كدة من زما ن‪ ...‬بس ‪..‬‬

‫ـ مافيش بس ول حاجة‪ ..‬وبعدين لسة أصبري شوية‪ ..‬أنا بعد المناظر الجميلة دي تعندي ليكم مفاجأة تانية )أنقروا تطلع‬
‫إيه(؟‬

‫ـ تطلع إيه؟ تطلع إيه؟‬

‫ـ لو ما تعرفتوها أنا حأبطلها‪..‬‬

‫ـ ل‪ ...‬ل تعليك ال‪..‬‬

‫وفي الليل الهادي‪ ،‬في )منتزه المدينة(‪ ،‬وحول منضدة طرفية‪ ،‬جلس ثلثتهم‪ .‬وبينهم )كبابي الشاي(‪.‬‬

‫ـ تعليك ال يا سلمى شربتي شاي جميل زي دة قبل كدة؟‬

‫ـ ل‪ ..‬ل ما أظن‪ ..‬ل‪ ،‬متأكدة‪.‬‬

‫ـ وإنتي يا نانا؟‬

‫ـ وال يا تعمدة أنا أول مرة أحس إني سعيدة كدة‪.‬‬

‫ـ ل ما بكو ن أول مرة‪ ..‬إتذكري‪.‬‬

‫ـ أووم‪...‬‬

‫ـ خلص يا ستي ‪ ..‬تعرفتها ‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫طبعا يا جماتعة أنا تعرفت الحصل لنانا‪..‬‬

‫ـ وتعرفت من وين؟ سألتا بصوت واحد‪.‬‬

‫ـ مش مهم من وين‪ ،‬لكن يا نانا دة حال الدنيا كدة "يوم تفلرح ويوم تبلكي"‪ .‬أنا معاك ومش معترض تعلى أي حاجة إنت‬
‫تعملتيها‪ ..‬لني في يوم من اليام حصلت لي حكاية قريبة زي بتاتعتك دي‪ ،‬تتذكروا هدى بت أستاذ منصور الكانوا معانا‬
‫في الدويم؟‬

‫ـ أيوة ‪..‬أيوة!!‬

‫ـ تتذكروا يوم نقلوهم؟ طبعا وكت داك إنتو ما بتكونو جايبين خبر‪ .‬طبعا يا نانا أخوك كا ن حاجبي هدى )موت(‪ .‬ولمن‬
‫نقلوهم‪ ،‬وطبعا أخوك مشى البحر وكا ن تعايز ينتحر لكين ربك ستر‪ .‬وأهو زي ما شايفين أنا قاتعد قدامكم‪.‬‬

‫ـ وهسي نسيتها؟‬

‫ـ طبعا ل‪ ،‬دي حاجة تتنسي؟؟ ياخي لحلدي هسي لو شفت لي واحدة بتشبهها قلبي يوقع! لكين يا ها الظروف‪ ..‬وطبعا‬
‫هي هسي احتمال تكو ن اتزوجت‪..‬‬

‫ـ مش معقول!! قالت نازك‪.‬‬

‫ـ أنا بقول احتمال‬

‫ـ وهي كانت بتحبك؟‬

‫ـ أيوة ‪..‬طبعا‬

‫ـ طيب ليه ما ‪...‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ شوفي يا نانا أنا الحاجة البعرفها‪ ،‬الما بقروها في كتاب‪ ،‬إنو الحب دة بجي كدة‪ ،‬لكين بعد داك يحصل شنو‪ .‬دي مافي‬
‫قانو ن يحددها‪ ..‬المهم الواحد يكو ن صادق مع حاجاتو النجواهو ‪..‬‬

‫"تعشا ن كدجة إنت جميل" قالت سلمى في منولوجها الداخلي‪..‬‬

‫ـ شوفوا يا جماتعة‪ ..‬أوع تفتكروا إني تعامل العزومة دي وبدردق فيكم‪..‬‬

‫ـ حتى لو كدة‪ ..‬إحنا محتاجنك يا تعمدة جبنا‪ ..‬قالت نازك‪.‬‬

‫ـ شوفي يا ستي‪ ..‬وأنا في أي مكا ن وال بفكر فيكم‪ ،‬وبحلم أنكم تكونوا سعيدين‪.‬‬

‫ـ اللــــه يا تعمدة! إنت كلمك حلو‪ ..‬لكين صلح ما زيك ليه؟‬

‫ـ أيوة‪ .‬ذكريتيني‪ .‬أنا شايف صلح اليومين ديل بجرجر فيكم للجماتعة بتاتعتهم‪ .‬تعلى أي حال إذا إنتو مقتنعين إنتو‬
‫أحرار‪ ..‬بس في حاجات كثيرة أحسن تعرفوها‪ .‬أنا غايتو ما تعندي كتب ول حاجة‪ .‬لكين أهو السوق وصاحباتكم‬
‫وأصحاباكم لو في‪ ،‬طبعا أنا ما تعندي إتعتراض يكو ن تعندكم أصحاب‪..‬‬

‫ـ تعمدة إنتو إجازتكم طويلة؟‬

‫ـ خلص حبيتيني يا نانا؟؟‬

‫ـ إنت تعارف يا تعمدة أنا بحبك من زما ن‪.‬‬

‫ـ ال ال‪ .‬تعشا ن الكلمة الحلوة دي أنا حأتعمل ليكم مفاجأة كل خميس‪ .‬أما حكاية )الحرس الجمهوري( دي خلوها تعلي‪..‬‬
‫ومن هسي أقول ليكم مفاجأة الخميس الجاي‪ ..‬لني تعارفكم ما حتصبروا‪ .‬شوفوا‪ ،‬بعد ما ترجعوا من زيارة )سيدي‬
‫الحسن( ـ طبع ا ما فيش قاش‪ ،‬يعني الحاجة كما ن نديها فسحة وما تكو ن أنانيين ـ وبعد داك أنا حآخدكم ونمشي‬
‫السينما‪..‬‬

‫ـ تعمدة‪ ..‬أنا بحلم‪ ..‬وال أ ن بحلم!!‬

‫ـ أقعدي يا نانا‪ ..‬إحنا في مكا ن تعام‪ ،‬ولمن نرجع )السجن( نططي زي ما إنتي تعايزة‪ ..‬شفتي )السجن( بقى مهم كيف!؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫‪ ...‬وبعدين ما فيش داتعي للعربية‪ ...‬أنا بقول يعني حكاية )العنظزة( بعربات الحكومة دي ما حلوة‪ ..‬أنا بقترح نمشي‬
‫برجلينا لحدي السينما‪..‬‬

‫ـ وال أنا نفسي في كدة من زما ن ـ قالت نازك‪ ..‬وأضافت سلمى‪:‬‬

‫ـ أنا بكره العربية دي‪..‬‬

‫ـ لكين أتعملوا حسابكم إذا واحد شاغلكم أنا حأشاكل ‪..‬‬

‫ـ بس ممكن تتعوق يا تعمدة!‬

‫ـ ل هي حتكو ن شكلة )كلمية(‪ ،‬لزوم تقاليد يعني‪ ،‬ما هو إنتو لزم تمشوا في الشارع )ويشاغلوكم وكدة( تعشا ن تحسوا‬
‫إنكم بنات مش داواليب‪ ..‬أنا آسف تعلى دواليب دي‪ ..‬وال ما قصدي‪..‬‬

‫ـ ل تتأسف ول حاجة‪ .‬إحنا فعال دواليب ـ قالت سلمى‪.‬‬

‫ـ ل يا ستي‪ ..‬ل دواليب ول حاجة‪ ..‬كل ما في المر إنو الحاج والحاجة ديل خايفين تعليكم بس بطريقتهم القديمة‪ ..‬لكين‬
‫الزمن لزم يغير الحاجات‪..‬‬

‫ـ بس صلح بعاملنا كدة ليه؟‬

‫ـ أها دي تبقى مشكلة بينكم وبين صلح ـ تحلوها بطريقتكم‪ ..‬وتعلى رأي المثل‪" :‬أي زول بالفي راسو يعرف‬
‫خلصو‪."..‬‬

‫****‬

‫"لو كنت أتعرف الطريق‪ ،‬لعدت إلى بيتي‪ "..‬كانت تلك آخر جملة نطق بها البطل وهو يقود سيارته في طريق طويل‬
‫يتعرج بين المروج الخضراء في نهاية الفيلم‪ .‬ظلت الجملة تتردد في خيال جو وهو )مندس( وسط الشحاذين‬
‫والمتشردين‪ ،‬مستلقياا تعلى كرتونة جلبها من السور المجاور للسينما‪ .‬وكا ن يمر في خاطره قطار اليام‪ ،‬بعد أ ن هبط من‬
‫قطار الميجا ذات مساء‪ ،‬والخرطوم تتلل أنجمها الكهربائية‪ ،‬وتتطاول وتتعالى مبانيها فوق رؤوس المارة‪ .‬لم يك يحمل‬
‫ـ يومذاك ـ من الدنيا إل ذكريات نو ن‪ ،‬وأحلم أستاذ تعساكر‪ ،‬وحماقات أولد قرف ووصايا رينقو‪ ،‬بالضافة لخبرة ل تقل‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫تعن أسبوتعين بين المينا والسينما‪ ،‬والتجول بين الطلل في كوستي‪ ،‬ثم ها هو يأكل بقايا الخرطوميين القل كرماا‪.‬‬
‫ويشرب بقايا تعلب السايدر التي يرميها السكارى المترفين من نوافذ تعرباتهم في طريق )الكابانا(‪ .‬كا ن يذهب في‬
‫الصباح إلى سوق الخضار‪ ،‬فيناديه تجار الملجة‪" :‬ش ريالة"‪ ،‬فيجري‪" .‬شيل القفة دي" فيشيلها‪ .‬وقفة قفتين‪ ،‬وتدخل‬
‫الوراق السحرية الجيب‪ .‬أحيان ا يغسل العربات‪ .‬وفي المساء يشتري سجائر وتسالي‪ ،‬ويذهب إلى السينما ويحلم بلقاء‬
‫رينقو أو أبدل جلهي أساخا أو أي واحد‪ .‬وهكذا إلى أ ن إلتقى ذات يوم بمندوكورو في السينما‪:‬‬

‫ـ تعليك ال يا شاب تذكرة واحدة معاك‪..‬‬

‫ـ كويس‪..‬‬

‫احتج الشاب الذي يقف وراءه‪:‬‬

‫ـ شوف يا جماتعة‪ ،‬الصف بال‪ ..‬وال هسي نخربها‪.‬‬

‫ـ تخربها في شنو!؟‬

‫ـ الزول النت زاقيهو معاك دة!؟‬

‫ـ زاقيهو بتاع شنو؟‬

‫ـ إيوة ‪..‬اقيهو‪ ..‬دة بقول ليك تذكرة معاك؟‬

‫ـ وما يقول ياخي إنت مالك!؟‬

‫ـ مالي كيف!؟ أنحنا واقفين هنا طراطير؟! تدخلوا لينا في الناس؟‬

‫ـ ياخي تذاكر السينما ماشة تكمل!؟‬

‫ـ وتتلءم كما ن!؟ أنا حاقطع قدامك‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ يا زول زح كدة!‬

‫ـ ما بزح‪ ..‬إنت خول وجل شنو؟‬

‫ـ خول إنت‪..‬‬

‫طاخ‪ ..‬طاخ‪ ..‬ووجد جو نفسه )مفلوقاا(‪ ..‬فقال مندوكورو‪:‬‬

‫ـ خلص سينما دة خليناه‪ ،‬أراح نوديك المستشفى‪..‬‬

‫فتدخل الشاب الواقف بالقرب منهم‪:‬‬

‫"شوف‪ ..‬أحسن تمشي تشتري شاش من الجزخانة البجاي دي وتربط ليهو راسو وخلص‪ ،‬هسي تمشي المستشفى‬
‫يعملوا معاكم تحقيقات و)أورنيك تمانية( و)فانحي ما نجي(‪"..‬‬

‫وبسبب هذه الحادثة‪ ،‬صار لجو بيت في تعمارة البنك الجديدة )تحت التشطيب(‪ ،‬وأهل إسمهم )مندكورو(‪ .‬وفي صباح‬
‫اليوم التالي حدث مندوكورو المقاول‪:‬‬

‫ـ في واحد أخونا تعايز شغل‪..‬‬

‫ـ طلبة يعني؟‬

‫ـ أيوة‪ ..‬يا هو دة‪..‬‬

‫ـ أسمع‪ .‬وإنت الفلقك منو؟‬

‫ـ إتشاكلنا مع واحد‪..‬‬

‫ـ يعني إنت بتاع مشاكل؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وتدخل مندوكورو)حارس العمارة والمنقولت( الثقة‪:‬‬

‫ـ ل دة زول كويس‪ ..‬بس أنا قلت ليهو جيب لي معاك تذكرة في السسينما وحصل مشاكل‪..‬‬

‫ـ خلص أمشي وديهو لمعلم )أرارا(‪..‬‬

‫ومن حي لحي‪ ،‬ومن تعمارة لعمارة‪ ،‬مرت اليام‪ .‬إلى أ ن جاء يوم هطلت فيه أمطار سبتمبر غزيرة‪ ،‬وتحولت الخرطوم‬
‫إلى بركة ماء! كانت الحافلة تقف بجوار مدخل الموقف والركاب يتزاحمو ن‪:‬‬

‫"ترمس‪ ..‬ترمس‪"..‬‬

‫ـ تعبد ال ‪ ..‬تعبد ال‬

‫ـ أوو ‪....‬نور!! وين يا راجل؟ دي أمل تأملو؟ ياخي شنتة بتائك لسة قائد إندي ‪ ..‬أنا نكوسيك كل يوم!!‬

‫ـ يا خي شكرا ليك‪.‬‬

‫وأخير ا ستعود الذكريات الجميلة؛ رسائل نو ن‪ ،‬ورائحتها‪..‬‬

‫" اللـــه‪ "..‬تأوه جو ثم سأل إساخا‪:‬‬

‫ـ وإنت ساكن وين؟‬

‫ـ حاج يوسف ‪..‬‬

‫ـ ل حول ول قوة إل بال!!‬

‫‪....‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫‪....‬‬

‫وفي الطريق إلى الحاج يوسف‪:‬‬

‫ـ آها قلت لي كيف أخبار البلد والهل؟ إنشاء ال بترسل ليهم؟؟‬

‫ـ وللهي زروف هنا كأب ‪ ..‬ولهدي هسة دي ما لمينا شخل واهد‪ ..‬يا هو كجلو بقت تكمل في أكل وشراب‪ .‬بس جنيه ول‬
‫مية وخمسين كدة نرسلو لجماءة في بلد لما يكو ن في قتر ماشي‪ ..‬وإتي ساكن وين؟‬

‫ـ تعرف تعمارة البنك الجديدة الكبيرة ديك؟‬

‫ـ أها‪ ..‬أها‪ ..‬أها!! كيف ما نأرفو؟! أنينا نرلنفو واتا دة كلو‪ ..‬مش مهل فيهو )كراكة( تويل دة؟‬

‫ـ أيوة بس‪ ..‬ال يفتح تعليك‪ .‬أنا ساكن هناك‪..‬‬

‫ومن يومها‪ ،‬صار أبدللهي إساخا يستغل ساتعات تسيب سائقي البكاسي )للترطيب( في تعمارة البنك في ساتعات الذروة‬
‫ليسلك ترمسه هناك‪ .‬وبالمرة يلتقي بالصديق جو ليقرأ له الرسائل‪.‬‬

‫فبعد شهور طويلة من الغياب‪ ،‬هاهي الوراق التي لمستها النامل الرقيقة‪ ..‬والحروف التي خطتها ـ خاصة حرف الكاف‬
‫ذو اللتواءة الصغيرة المميزة ـ والورود المرسومة باللو ن البنفسجي‪ .‬وكل أنفاس نو ن تعود ومعها أشجا ن الحنين‪.‬‬

‫في نوفمبر‪ .‬بدأ مسلسل )أوراق الشتاء(‪ .‬يذكيه ما تم اكتسابه من التجربة وما تمت مطالعته في الكتب والمجلت‪.‬‬

‫في الحادي تعشر من ديسمبر‪ ،‬كا ن جو كعادته يقلب الصفحة الثانية من جريدة اليام‪ .‬ليطالع أسفلها حيث "أين تسهر‬
‫هذا المساء"‪ .‬وبعد أ ن حدد فيلم اليوم )الهندي الجبار(‪ ،‬مرر بصره تعلى بقية الجريدة تعلى سبيل تزجية الفراغ‪ ،‬ليرى‬
‫الصورة والعنوا ن‪:‬‬

‫"أمين المنظمات الفئوية والجماهيرية بمديرية كسل يؤكد وقوف الجماهير مع الثورة"!!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ثم‪:‬‬

‫"كسل تعد العدة لستقبال السيد الرئيس القائد‪!"..‬‬

‫أثارت صورة الصهر النفعال فدق قلبه ولكن خطر له سؤال حول شكل الموقع الجديد لهذا الصهر! ثم تعلقته بكل الذي‬
‫يجري؟ ثم أنتبه لول مرة إلى المفارقة في الكليشيهات الجرائدية‪ :‬فطالما كل رئيس هو قائد بالضرورة‪ ،‬فلماذا الصرار‬
‫تعلى )القائد( هذه في حكاية )الرئيس القائد(؟! هذا تعوضا تعن أنه لم يسمع أ ن رئيسا آخر يقال له )الرئيس القائد(!!‬

‫في الليل‪ ،‬تعاد الحلم القديم‪ ..‬نو ن في مكتمل الفضيحة! ولكنها هذه المرة تعلى بوابة تعربة تسير تعبر الجسر‪ ..‬وهو‬
‫يجري‪ ..‬ويجري‪ ..‬ويجري‪ .‬وفجأة دخلت اليد التنينية في المشهد‪ ،‬كورت الضفيرة الخلفية‪ ،‬وأدارات الوجه وحشرته‬
‫داخل العربة!! كانت العربة كبيرة بحجم القطار!!‬

‫ثم صفير ‪ ...‬ثم‪:‬‬

‫ـ جو‪ ..‬جو‪ ..‬جو ‪...‬‬

‫ـ نو‪ ..‬نو‪ ...‬نو‪..‬‬

‫ـ جو‪ ..‬جو‪..‬‬

‫ـ نو‪ ..‬نو‪..‬‬

‫ـ جو‪..‬‬

‫ـ نو‪..‬‬

‫استيقظ وظلت أوتاره مشدودة إلى إ ن دق المؤذ ن المايك‪ ..‬وانتظر أ ن يسمع صوت تعم تعبده‪ ،‬ولكن هيهت!‬

‫في ما تل من أيام‪ ،‬تكاثف الجهد في العمل‪ ..‬وقد تحدث معلم أرارا مع المقاول وحاججه في أ ن جو صار )معلماا(‪،‬‬
‫وبالتالي ضرورة زيادة مرتبه )اليومية(‪ .‬ولما رآه المقاول وهو في حال‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫أنشرك‪ ..‬أنشرك‬

‫أوزنك‪ ..‬أوزنك‬

‫وسلمرك‪ ..‬س جمرك‪ ،‬اقتنع بإمكانياته في العمل‪ .‬بيد أنه لم يزده إل خمسين قرشاا!! ولما تثيره )رحلت الكد( من توادد‪،‬‬
‫فقد تعرف معلم أرارا بالقصة من أولها إلى آخرها‪ ..‬وحين أس رر له جو فكرة الذهاب إلى كسل ـ تحمس جداا‪ ..‬وقرر أ ن‬
‫يعمل أوفرتايم‪ .‬وصارا يقضيا ن النهار بطوله مع صداقة الخشب والمسامير دو ن كلل أو ملل‪ .‬وفي نهاية السبوع قام‬
‫معلم أرارا بجمع المرتبين بأوفرتايمهما ووضعهما تعلى كف جو وأغمض له أصابعه تعليهما وقال‪" :‬ال معاك يا بطل"‪.‬‬

‫****‬

‫الثامن والعشرين من ديسمبر‪.‬‬

‫ذلكم هو جيل توتيل شامخا وراء ضباب المسافات‪ .‬تمنى جو أ ن يجد صورة كبيرة لـ)نو ن(‪ ،‬تعلى شاكلة الدتعايات‬
‫المضيئة‪ ،‬تعلى بوابة المدينة! ليستفتح بها القادمو ن ذكرياتهم مع كسل )بلد الجمال(‪.‬‬

‫هبط وكا ن يحمل معه كتاب )تعادة النوارس( وبكتة )أوراق الشتاء(‪ ،‬وكل الحكايات منذ لحظة صحوه وهروبه من‬
‫المستشفى ـ بما فيها حكاية بيت زوبا!‬

‫قال‪" :‬اكيد نو ن حتكو ن في المدرسة الحكومية الثانوية"‪ .‬ولما سأل المارة دلوه تعلى المدرسة‪.‬‬

‫حمل جراثيمه وذهب إلى هناك‪ .‬جلس )أيضاا( متكئا تعلى جذع شجرة السيسبا ن العتيقة‪ ،‬المقابلة لبوابة المدرسة في‬
‫الجانب الخر من الميدا ن‪ .‬وظل منتظراا‪ ..‬ومنتظراا‪ .‬بدأت أسراب العصافير تفر‪ ..‬وتفر‪..‬‬

‫مر أخر سرب ولم تظهر العصفورة! التي كانت قد وصلت إلى بيتهم في جوف العربة المدججة النوافذ‪ ،‬التي وقفت أما‬
‫بوابة المدرسة لدقائق ثم غادرت قبيل هطول أول سرب تعلى )باب الرجاء(‪.‬‬

‫تعاد جو إلى إلى السوق‪ .‬وتجول بل فكرة محددة‪ .‬ومن أحاديث تعابرة بين مجموتعة من التجار‪ ،‬تعرف أ ن السيد أمين‬
‫المنظمات الفئوية قد غادر صباح اليوم إلى الخرطوم قائد ا لوفد المديرية للمشاركة في احتفالت الخرطوم بالستقلل‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫قال جو "برضو أحسن‪ ،"..‬وجلس أما )بتاع الورنيش(‪ .‬وفتح معه حوارا مستغال خبرته مع أمثال هؤلء إلى أ ن‬
‫استطاع أ ن يلقي بالسؤال‪:‬‬

‫ـ تعرف وين بيت أستاذ زين العابدين؟‬

‫ـ زين العابدين دة منو؟‬

‫ـ بتاع التحاد الشتراكي؟‬

‫ـ واللهي مكتب بتاء إتحاد إشتراكي دة هناك ‪<..>-----‬‬

‫ـ ل أنا تعايز أستاذ زين العابدين‪..‬‬

‫وتدخل صبي الورنيشش الخر‪:‬‬

‫ـ يا خي دة داقس ساي‪ ..‬أستاذ زين العابدين دة في زول ما بعرفو!؟ مش دة الزول الك ج‬


‫لم؟ لمن الرئيس جا؟‬

‫ـ أيوة‪ ..‬بس يا هو ذاتو‪ ..‬تعرف لي بيتو وين؟‬

‫ـ أيوة‪ ..‬شفت اللفة الجنب البيت البيض داك؟‬

‫ـ أيوة‪..‬‬

‫ـ بس تخش بيها‪ ،‬تلقى شارع تمسكو وتمشي طوالي‪..‬‬

‫ـ أيوة‪.‬‬

‫ـ تلقى بيوت سمحة كدة‪ ..‬أول واحد أبيض وشبابيكو زي تعندها حديد ظهري كدة‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ أيوة‪..‬‬

‫ـ بس دة ياهو بيتو‪.‬‬

‫تعصر ذلك اليوم‪ ،‬مر جو تعلى ذلك الشارع )كبائع رتعجدة لحوح(‪ ،‬ولعشرات المرات‪ ..‬تعلى أمل أ ن تمنحه الصدفة طلة‬
‫واحدة‪ ..‬ولكن شيئا من ذلك لم يحدث‪ .‬تعاد إلى السوق‪ ،‬شرب شاي ا تعلى المقهى الطرفي‪ ،‬ودخن‪ ،‬ثم أتعاد الكرة مع حلول‬
‫الليل‪ ..‬كانت النوافذ مغلقة تعلى الحجرات المضاءة‪ .‬وكانت نازك تحكي لسلمى تعن الحساس الغريب الذي ساروها وهما‬
‫تعائدتا ن من المدرسة ـ بعد أ ن أطالت وجودها في الحمام وهي تمسح حلمة نهدها بصورة جو وتستعيد خيال الفاتعيل‬
‫القديمة‪ .‬كا ن جو يدور ويدور‪ .‬إلى أ ن خرج جمهور السينما‪ .‬فحمل جراثيمه وذهب إلى المستشفى‪ ،‬ونام هناك مع‬
‫مرافقي المرضى‪ ،‬لتصبح المستشفى بيته في تلك اليام!‬

‫استيقظ مع شقشقات تعصافير الفجر‪ ،‬وحمل اشياءه وذهب إلى جذع الشجرة السيسبانة العتيقة‪ ،‬فأطلت سيدة القلب في‬
‫أحلم اليقظة‪ .‬كانت تعلى مرمى الوضوح‪ .‬أجمل وأشهى‪ ،‬فتسربت شياطين التخذيل!‬

‫رأى جو نفسه أصغر من الذي في رأس نو ن أو رؤوس البنات! ودخل في منولوجه الشخصي؛ "تشوفك كدة؟ دي‬
‫حتتصدم‪ ..‬ل‪ ..‬ل خليك واثق‪ .‬هي مش بتحبك؟ خلص‪ ..‬ما أحتمال تكو ن حبت واحد تاني؟ ل ل حرام تعليك‪ ..‬نو ن مش‬
‫ممكن تعمل كدة "! وتمنى جو أ ن يرى أولد قرف بجواره‪ .‬وظل كذلك‪ .‬ومر اليوم كما المس!‬

‫وفي المساء‪ ،‬ترك التجول وجلس تعلى سور المستشفى يطالع )تعادة النوارس(‪ ،‬ولسبب غير معروف‪ ،‬أحس بأنه‬
‫مجروح‪ ،‬وأ ن نو ن هي التي جرحته!! وكانت نو ن هناك تحكي لسلمى نفس الحساس الذي أصبح يساورها في طريق‬
‫العودة من المدرسة!‬

‫ولما ظل طوال الليل يعزي نفسه‪ ،‬فقد استيقظ متاخرا فهرع إلى الشجرة وظل منتظراا‪ .‬جاء أطفال وصاحوا ‪:‬‬

‫"المجنو ن المجنو ن"!‬

‫فنهرهم أحد المارة ناصحاا‪:‬‬

‫"دة هسع يقوم يفلقكم وماتلقوا البداويكم"‪.‬‬

‫أدرك جو خطورة المسألة‪ ،‬وهو تعائد إلى المستشفى نظر إلى صورته في زجاج بترينة أحد الصياغ‪ ،‬فاقتنع بأ ن الطفال‬
‫تعلى حق‪ .‬تعاد وأصلح بعضاا مما أفسدته تلك اليام ونظر إلى تعينيه فأتعادتا إليه ثقته في نفسه‪ .‬وفي تعصر ذلك اليوم‬
‫قرر معاودة الكرات والتجوال ـ تعسى ولعله‪ .‬وهو خارج من الستشفى‪ ،‬صادف أ ن كا ن البواب يفتح الباب لعربة مغلقة‬
‫النوافذ‪ ،‬فانتحى جو جانباا‪ ،‬فمرت العربة‪ ،‬وذهب هو في سبيله للطواف حول الكعبة الجديدة‪ .‬ومن وراء زجاج النافذة‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫لمحت سلمى )الشبح(! ولما نزلت من العربة لتتأكد‪ ،‬لم تجد شيئاا‪ ،‬فقد اختفى الشبح وراء المباني المجاورة‪ .‬تعادت‬
‫وغطت تصرفها بكذبة صغيرة‪ .‬وبعد أ ن أنتهت الزيارة لـ)حاجة تعرفة( زوجة المحجوب‪ ،‬استدارت العربة إلى البيت‪ .‬مع‬
‫مغرب الشمس توقفت أمام بوابة المنزل‪ .‬كا ن جو يراقب الموقف‪ .‬ولما نزلت سلمى‪ ،‬تعزف قلبه سيمفونية )يوم المطر(‪.‬‬
‫تلتها الست‪ ،‬فتلعق القلب بالكواكب‪ .‬ثم ل شيء! أحتضن أوراقه وهو يفكر بغيظ في كل اللحظات التي كا ن تقف فيها هذه‬
‫العربة اللعينة أمام بوابة المدرسة صباحا ونهارا تصادر أحلمه وهو ل يدري!!‬

‫‪...‬‬

‫ـ نازك‪ ،‬كو كو كو‪ ،‬نقرت سلمى باب الحمام‪.‬‬

‫ارتبكت نو ن وهي تمسد حلمة نهدها بصورة جو الذي غيبته الليلي وهو حاضر في كل تفاصيل الحس!‬

‫ـ مالك؟! يعني أصلو الواحد ما يعمل حاجة براحتو؟!‬

‫ـ أمرقي بسرتعة‪ ..‬تعندي ليك خبر مهم‪..‬‬

‫ـ تعماد رسل جواب؟‬

‫ـ ل‪ ..‬حاجة أهم من كدة!! فارتجلت ما تبقى من حمامها وخرجت‪:‬‬

‫ـ سلمى ‪ ..‬تعليك ال في شنو؟‬

‫ـ أنا ما متاكدة‪ .‬بس أ ن حأحكي ليكي الحاجة الشفتها‪..‬‬

‫ـ أحكي‪ ،‬أحكي يا سلمى شفتي شنو؟‬

‫بأمانة كاتب العرضحالت‪ ،‬حكت سلمى الحكاية‪..‬‬

‫ـ أكيد دة جو‪ .‬أكيد هو‪ ...‬إنت مش كنتي بتقولي لي مجنونة‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫مش إحساسي طلع صاح؟ آهـ يا جو إنت هنا وبتعاني!‬

‫وفي لحظة البكاء الشفيف‪:‬‬

‫ـ وفي المستشفى دة بكو ن تعيا ن يا سلمى‪ ..‬إنت تعيا ن يا جو وأنا ما قادرة أتعمل أي حاجة‪..‬‬

‫وانتحبت نو ن‪..‬‬

‫ـ ما يمكن يكو ن ما هو؟؟ وال أنا غلطانة الحكيت ليك‪...‬‬

‫ـ تعليك ال تعالي أحكي لي تاني يا سلمى‪ ..‬دة أكيد هو‪ ..‬لزم هو‪...‬‬

‫وبينما كا ن جو جالس ا في طرف السوق يزدرد )الفول المصلح(‪ ،‬ويضع زيادة ملح بين الفينة والفينة‪ ،‬ويقلب في ذهنة‬
‫تكتيكات الغد‪ ،‬كانت نو ن قد رفضت ـ بإصرار ـ العشاء ولبن المساء ولم تذق شيئا وهي تفكر في شيء واحد هو هذا‬
‫)الجائع( )المريض(‪ ،‬وإل "لماذا يذهب إلى المستشفى إذ ن؟؟"‪.‬‬

‫كا ن الصباح حاسماا‪ ،‬فما يليه إجازة ول خروج‪ .‬ولما جاء تعم بشير السائق مبكرا كعادته‪ ،‬لم يواجه بمحركة في ذلك‬
‫الصباح‪ ،‬بل أ ن نازك هي التي فتحت له الباب!‬

‫ـ شنو الليلة بدري كدة؟‬

‫ـ بس يا تعم بشير تعليك ال تغ لشينا المستشفى تعشا ن أشوف خالتي تعرفة‪ .‬إنت تعارف أنا أمبارح ما مشيت ليها‪.‬‬

‫ـ أمرك يا ستي‪.‬‬

‫وتعلى مرمى من باب المستشفى‪:‬‬

‫ـ خلص يا تعم بشير‪ ،‬إنتظرنا هنا ندخل ونجيك بسرتعة‪.‬‬

‫وترجلتا أمام الباب فقالت نو ن‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ إنتي ياسلمى متأكدة إنو كا ن واقف هنا؟ ووقفت في نفس المكا ن الذي حددته سلمى تتشرب روحه!‬

‫ـ اللـــــه!! أكيد كا ن هو‪ ،‬أكيد‪.‬‬

‫ـ خلص يا نازك‪ ..‬أراح نكمل الزيارة تعشا ن إنتي تعارفة!‬

‫ولما تعبرت العربة الفسحة باتجاه بوابة المدرسة‪ ،‬كا ن الشبح واقفا بجوار شجرة السيسبا ن العتيقة‪.‬‬

‫ـ ال يا سلمى!‬

‫ودخلت نو ن في نوبة بكاء وهي تؤشر باتجاه السيسبانة‪ .‬فقرصتها سلمى منبهة لوجود تعم بشير‪.‬‬

‫ـ في شنو يا بنات؟؟‬

‫واستعدل مرآة العربة ونظر إليهما‪:‬‬

‫ـ مالك يا نازك؟‬

‫ـ ل‪ ،‬ما في حاجة يا تعم بشير‪ .‬بس أنا زجتعلتها ـ ردت سلمرى‪.‬‬

‫ولما لم تكن الجابة مقنعة تماماا‪ ،‬أنزلهما ثم قاد العربة وهو ينظر من المرآة‪ ،‬فرآهما تتمحركا ن أمام بوابة المدرسة‪،‬‬
‫فأوقف العربة وراء أول منعطف وبدأ يراقب الموقف‪:‬‬

‫كانت نازك قد توترت كل ذرة فيها‪ .‬وبالرغم من رغبتها في معانقة جو تعلى مرأى من الكواكب إل أ ن الخوف تعاد مرة‬
‫آخرى وتدخل‪ .‬فترجت سلمى أ ن تذهب إليه بدال تعنها ـ لنها لو ذهبت ستحدث أشياء خطيرة!‬

‫وقفت نو ن أمام بوابة المدرسة إلى أ ن نبهها البواب أ ن ذلك ممنوع ولما استدرك أنها بنت السيد زين العابدين‪ ،‬تجاوز‬
‫اللوائح وفتح معها حوارات جانبية وطلب منها أ ن )تكلم( والدها ليساتعده في تعملية تصديقات الكشاك الجديدة!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ جو!! أزيك ‪..‬‬

‫ـ إزيك يا سلمى‪ ..‬مشتاقين‪.‬‬

‫ـ وال بالكثر ‪ ..‬إنت جيت هنا من متين؟‬

‫ـ وال يومين كدة‪ ..‬وليه نو ن مش تعايزة تسلم تعلينا وجل شنو!؟‬

‫ـ ل إنت تعارف الحكاية صعبة شوية تعليها وأنا ما قادرة أقل ليك نازك بتحبك قدر شنو‪.‬‬

‫ـ طيب أنا ألقيها كيف؟؟‬

‫ـ وال ما تعارفه‪ .‬ول أقول ليك بكرة نحاول نقنع ماما نمشي قبة سيدي الحسن ونتلقى هناك‪.‬‬

‫ـ خلص هاك‪..‬‬

‫ـ ديل شنو؟ بس بشوفونا؟‬

‫ـ ما بس ول حاجة‪ ،‬هاك‪.‬‬

‫وفي ذلك المساء‪ .‬كا ن احتفال رأس السنة ذو شنة ورنة‪ .‬وتعادت إلى الليالي بعض مذاقاتها القديمة؛ نازك تبلل الوراق‬
‫بدموتعها وسلمى تحرس الباب تحسبا لي )طارق(!‬

‫وفي العام الجديد‪ ،‬أمام باب الزيارة‪ ،‬كا ن الزحام؛ الست غارقة في دتعاء ما قبل الدخول‪ .‬وقف جو ـ الذي أحرقته‬
‫شموس العالم ولم يبق من وسامته إل بريق تعينيه الخطر ـ وهو )يمجثل( مع الداتعين‪ .‬قامت سلمى بتغطية الموقف‪.‬‬
‫ووقفت وراء نو ن الواقفة وراء جو‪ .‬بجست نو ن نهدها اليمن تعلى الضلع السادس من ظهره‪ ،‬أحس جو بالدفء‬
‫والرجفة‪ .‬وزادت الشهقتا ن المتزامنتا ن اللتصاق! مد جو يده ووجد يدها متدلية مرتجفة دافئة‪ ،‬ضغط تعليها واستعاد‬
‫ذاكرة المطر!‬

‫دخل الداخلو ن إلى الزيارة‪ ،‬ودخلت رسالة بين نهدي نو ن وأخرى في جيب جو!!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫في السادس من كانو ن ثاني‪ ،‬تعاد السيد زين العابدين من رحلته الظافرة بعد الظهر‪ .‬وبدأ يخلع حمالة بنطاله التي‬
‫أصبحت من لوازمه الشخصية‪ ،‬بعد أ ن نبتت له كرش ل تحتملها التفصيلت القديمة‪ ،‬وقد صار له شدقين أملسين‬
‫يمسدهما دائما وهو يلقي بشكوكه إلى وجوه محدثيه! كانت الست )فاطمة بت البجاوية‪ ،‬بت "بت الحبشية" التي‬
‫اختطفتها وجلبتها المليشيات المهدية( تساتعده في لملمة أطرفه في انتظار المشروبات التي ستقدم إليه بعد قليل‪.‬‬

‫دخل في الموضوع مباشرة‪:‬‬

‫"تعرفي يا ست؟ دي رحلة ناجحة مية المية‪ .‬تتصوري! الواحد أخيرا قدر يختكم )تعلى تعتبة المجد والسؤدد( تعرفي!‬
‫أول كشف يطلع في أراضي الخرطوم الجديدة إحنا نمرة ثمانية طوالي! ووين؟ في حي الروضة الجديد‪ ،‬درجة أولى‬
‫ممتازة مع كبار المسئولين؟؟!"‬

‫وهو يجغم الحاجة الباردة‪ ،‬واصل‪:‬‬

‫ـ طبعا كدة أول درجة من السلم إتختت‪ ،‬بس باقي حبة إجتهاد كدة والطوابق تقوم‪.‬‬

‫فقاطعته الست‪:‬‬

‫ـ لكين دة ما داير ليهو صرف كتير؟ وإنت تعارف أنحنا ما تعندنا البسوي قدر دة؟!‬

‫وكعادة النساء الطيبات أضافت‪:‬‬

‫ـ أنحنا هسع غير دهبي دة ما تعندنا حاجة لكين شيلو أمشي أصرفو وبعدين ربنا يفرجها ببركة سيدي الحسن‪.‬‬

‫ـ ل‪ ..‬أنا بعرف بدبر‪ .‬تصوري أحسن حاجة الواحد تعملها بعد )الكشف( دة إني لقيت )ود الدالبي(‪ ،‬بعيد تعنك‪ ،‬دة تاجر‬
‫كبير في الخرطوم‪ .‬وتعملنا يعني إتفاقيات كدة تمشي المور "إ ن شاء ال"‪.‬‬

‫الوقع أ ن السيد زين العابدين قد استطاع خلل تعام أ ن يضع أساسا متين ا للخطوات التي بدأها‪ .‬ففي آخر زيارة قام به‬
‫)الرئيس القائد(‪ ،‬وباسم الحتفالت والستقبالت كا ن ما تم )تجنيبه( ـ وما تثبت الوراق الرسمية تعدم وجوده ـ تعشرات‬
‫اللف من الجنيهات‪ .‬هذا بالضافة لنصيبه من سكر )التومين( ـ الدتعم ـ بعد أ ن يقوم صهره المحجوب بتصريفه!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ثم أ ن هناك مشروتعات )الثورة( لبناء مدراس‪ ،‬ومؤسسة الرتعاية الجتماتعية ومسجد‪ .‬وكل ذلك تحت إشرافه الشخصي‪.‬‬
‫وقد كا ن متحمسا لحكاية المسجد هذه‪ ،‬خاصة وأنه قد صار جيكثر من الصلة! فمنذ أ ن بدأت حكاية التجنيب هذه‪ ،‬صار‬
‫)أستاذ زين( القديم يظهر مرة بعد مرة مثير ا بعض القلقل الداخلية اللسيد زين العابدين الفئوي‪ .‬ولكن كمبيوتره‬
‫الشخصي الـ)‪ ( personal computer‬الكائن في دماغة قد وجد له الحل! فصار يترجم الية "إ ن الصلة‬
‫تنهى تعن الفحشاء والمنكر" إلى "إ ن الصلة تمحو الفحشاء والمنكر"! ومع مرور اليام قام هذا الكمبيوتر بعمل أبحاث‬
‫)تعلمية( في مجال الفقه‪ ،‬أثبت فيها إستثناء التجنيب من دائرة الفحشاء والمنكر!‬

‫ولكن تعم بشير‪ ،‬قد أفسد تعلى السيد زين العابدين بهجة مسائه‪ ،‬و هو يقدم إليه التقرير المفصل ليام الغياب مشفوتعا‬
‫بملحظات مثل‪:‬‬

‫"أكيد المتشرد دة في جماتعة وراهو‪ .‬وأكيد هم المرسلينو‪"..‬‬

‫فعادت تر ن بقوة حكاية البصل المعفن في ذهنه‪.‬‬

‫في اليوم التالي‪ ،‬وفي الجتماع التنويري الخاص برحلة الخرطوم‪ ،‬وفي بند مواضيع أخرى؛ كا ن للسيد زين العابدين‬
‫الفئوي )شرف( إختراع وسائل الدفاع المبكر‪ ،‬مردداا‪:‬‬

‫"أنا لي فترة كدة ملحظ إنو المتشردين بدأوا يكتروا في المدينة وأنا تعندي إقتراح نقوم بحملة كدة )لتفريغ المدينة من‬
‫المتبطلين(‪ .‬القادرين منهم تعلى العمل طبعا تسوقهم الشرطة لمناطق النتاج‪ ،‬والبقية نضيفهم لتعباء الرتعاية‬
‫الجتماتعية‪ .‬وبكدة يكو ن تعندنا )أدلة مادية( نقدر نستقطب بيها الدتعم"‪.‬‬

‫قال ذلك ثم ضحك!! فوافق المجتمعو ن تعلى اقتراحه بالجماع! قد كا ن اليوم الذي بعد تعسيرا تعلى السابلة‪ .‬لما تعرضوا‬
‫له مما سمى بـ)حملة تفريغ المدينة من المتبطلين(!‬

‫ولكن السيد زين العابدين قد أصيب بالخيبة وهو يطالع كشف المقبوض تعليهم من )الدوريات(‪ ،‬فجو كا ن قد غادر‬
‫المدينة مكتفيا ببركات سيدي الحسن )أب قباة لبنية( تعائد ا إلي الخرطوم‪ ،‬بمشروع جديد بحجم الوتعد الذي تضمنته‬
‫رسالة نو ن باللقاء في الجامعة‪ .‬تعلى إ ن يصله راتبه من الرسائل كامال غير منقوص‪.‬‬

‫****‬

‫الصيف‪ ...‬الصيف‬

‫الخرطوم تتأفف من رياح الطلسي التي قطعت الوهاد الطويلة لتنفث مطرا كاذباا‪ .‬وما زال أبدللهي إساخا يتجول في‬
‫شوراتعها "ترمس‪ ..‬ترمس ‪ ،"..‬ويمني النفس ـ في ذلك اليوم ـ بحصيلة جيدة من جيوب )الجماهير( التي تتقاطر صوب‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫الستاد لمشاهدة مشاجرة هلل مريخ‪ .‬كا ن جو وقتها قد أكمل الستحمام تعلى ضفة النيل الزرق‪ .‬وتسكع في شارع‬
‫النيل وهو يحلم أحلم اليقظة كلما رأي صورة زيدا ن إبراهيم ملصقة تعلى حائط تجرجر المارة لستعادة ذكريات العمر‬
‫الحلوة‪.‬‬

‫كا ن تعائدا من هناك‪ .‬ولما تعبر شارع الجمهورية كاد يطير من الفرح وقد لمس أذنه صوت غازل فيه أهازيج الضحى‬
‫المدرسي‪:‬‬

‫"جو‪ ...‬يا حبيبي!"‬

‫كا ن تعلى إسماتعيل الكضاب بكامل تفاصيله يتجدع في شوارع الخرطوم!!‬

‫ـ ما بصدق!! أبو الكضاضيب في شوارع )أم قدودا ألف(؟‬

‫وقد فهمها تعلى إسماتعيل )التافه( بخباثته قائ ا‬


‫ل‪:‬‬

‫ـ ما خجرمتوها إنتو‪.‬‬

‫ثم أضاف‪:‬‬

‫ـ لكين أنا المابصدق‪ ،‬يا خي كيف؟ كدي أول حاجة طلمنا يا جرقاس أخبار العصافير شنو؟‬

‫وبعدين ما ياهو إنت سمين لسة‪ ،‬وتعندك سكاكات تلحق قطر مش ل ندروفر!!‬

‫وضحكا وتسالما طويال‪ .‬ثم ساقه جو إلى الوكر‪.‬‬

‫ـ آها كيف باقي الرقررف والرقرفات؟‬

‫ـ يا خي إنت راجل )أي كلم(! جواب ما ترسلوا؟ وجل الطاقة كلها كملت مع جوابات النونات؟‬

‫ـ يا خي الواحد ‪ ..‬إلخليها ساكت‪ .‬بس كدة قول لي‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ طبع ا قرف كلهم بقوا أولد ثانوي‪ .‬إل صاحبك بطيخة! تصور أبو البطاطيخ تعمل ليهو تعمة وماجدي ليك كرشو‪ ،‬وراح‬
‫قاتعد في دكا ن أبوه يقيس في القماش!!‬

‫ـ وأبو الشرابيت؟؟‬

‫ـ ل‪ ..‬دة أنا جايييك ليهو لكين تصور أخوك ما لحقك!!‬

‫ـ كيف؟!‬

‫ـ تعرف! العصفورة ‪ ..‬اللــــه‪ ..‬أموت أنا‪ .‬ما )في الليلة ديك!(‬

‫ـ ال! معقول زهر تعمل كدة؟ أكيد إنت السبب‪ ،‬بحركاتك تكو ن طفشتها؟!‬

‫ـ يا زول حركات شنو؟ تصور بعد المتحانات ما صدقنا أخدنا لينا )قدوم قدومين( كدة‪ ،‬وقلنا يا خي نتلقى بعد النتائج‪.‬‬
‫أنقر النتائج طلعت إيه؟ جانا الخبر شايلو نكير وقال يا مؤمن وين صلتك؟ وضربة ساطور‪ .‬تصور زهرة لرم فيها واحد‬
‫قريبها كدة مقطوع الطاري وراح مقصقص )البتلت(! تصور أخوك قرب ينتحر إل ربك ستر! لكين في النهاية نعمل‬
‫شنو؟ "يا هو حال الدنيا حالها"‪ .‬لكين المغسة إنو السبب كله ال‪ ########‬السمو ود العمدة! تصور! مشى إجتعرص‬
‫لهلها بحكاية يوم الحفلة ديك!! وإنت تعارف إنو أهلها ديل تعاملين فيها )شيوخ(‪ ،‬قالوا "كما ن جابت ليها قلة أدب!؟"‪،‬‬
‫وراحوا معلرسنها لقريبها التافة ده‪..‬‬

‫ـ لكين وال دة خبر محز ن!! ليه؟ ليه كدة يا دنيا ليه!؟‬

‫ـ المحز ن في المر إنو الراجل دة راح موديها ليك )رحجلة( كدة في الخل إسمها إيه قال! تصور زهرة في حلة إسمها‬
‫)جريبانة(!! وكل الغنا داك راح في الكولة الفي قلبي أنا!‬

‫ـ وال مؤسف‪ ..‬لكين بمناسة الغنا دي‪ .‬كيف سيف وندى؟‬

‫ـ ياخي ديل الفضلو لينا‪ .‬وشغالين يغنوا لسة!‬

‫ـ وتعزة كيف؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ تخيل تعزة دي أنا اتحيرت فيها! تصور من اليوم النت مشيت فيهو‪ ،‬كل ما تلقينا تقعد تبكي إنت البت دي كنت‬
‫غالشيها من ورانا وجل شنو؟‬

‫ـ يا خي دي بت تعندها إحساس‪.‬‬

‫ـ المهم هي هسي في كلية المعلمات‪ .‬أما صاحبك شطة طبعا بقى لتعب كبير‪ ،‬سجلوه ناس فريق الرتعد‪ .‬وكا ن هداف‬
‫الدوري في المدينة‪ .‬وبالمناسبة دي إنت شكلك حتفوتنا هلل مريخ!‬

‫ـ ياخي خلينا في هلل مريخنا نحنا‪ .‬آها بال كيف أبو خمسين؟‬

‫ـ ل حوله! ما قلت ليك!! ياخي الراجل دة لموا ليك فيهو جماتعة بتاتعين دقو ن كدة‪ ،‬تخيل أبوخمسين بقى واتعظ!!‬

‫ـ يا زول خليهو‪ ،‬ما مشكلة‪ .‬أها قول لي أخبار شربات؟‬

‫ـ أبو الشرابيت‪ .‬أنقر دة هسي يكو ن وين؟ أكيد مشرور وقاتعد يتلفت زي قروي في المدينة‪ .‬دة جاء العاصمة وكا ن‬
‫مفروض نتلقى قدام الستاد ونخش الكورة‪.‬‬

‫طبعا إنت تعارفو مريخابي متعصب‪.‬‬

‫ـ طيب أراح نمشي ليهو‪..‬‬

‫ـ ياخي سيبو دة هسي يكو ن زهج وهسي تلقاه في المسطبة الجنوبية‪ ..‬طبعا إنت تعارف أخوك هللبي واي واحد فينا‬
‫سليط اللسا ن وتعشا ن ما في واحد فينا ياخد تعلقة طبعا كا ن كل زول يشوف مراحو وين في الستاد‪ ..‬المهم هو هسي‬
‫قاتعد مع جماتعة قرايبو كدة في كوبر‪ .‬نقوم بكرة نهبر تعليهو‪.‬‬

‫وبعد مطالعة أوراق الحلم‪ .‬وقصص الرحلت المكوكية‪ .‬ظهرت حكاية الوكر المهجور وأخبار )شرف الوطن( في )حي‬
‫فوق بتاع الخرطوم(‪:‬‬

‫ـ دة صاحبنا تعلى إسماتعيل ‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ أهال بالشباب‪ ...‬وأكيد دة شربات؟‬

‫ـ أيوة‪ .‬أنا شربات‪ ..‬لكين ال قادر! وإنتي من وين يا بت الناس؟‬

‫نظرت إلى جو‪ ،‬فأمسك تعصا الرد‪:‬‬

‫ـ دة السؤال المامفروض يتسئل!‬

‫فعقب تعودة جو من رحلته المكوكية‪ ،‬كا ن يلتقي بأبدللهي إساخا في أواخر النهارات تعلى حافة أبو جنزير‪ .‬يتكئا ن تعلى‬
‫الحائط المهشم ويحيكا ن تعن الحلم‪ .‬ولم يفهم )مستر إساخا( ما يريده جو من الدنيا بالتحديد! فهو ل يعرف معاني‬
‫كلمات مثل )ملح االرض( و )المرافيء البعيدة( و)الوجود(‪ ،‬فيعلق‪:‬‬

‫لهي ألتي تكوسي هاجات كتير خلص! إل ربنا يولفرخيك؟!"‬


‫"ول ج‬

‫ولكن إساخا كا ن محدد ا في كل شيء وهو يملي رسائله إلى البلد‪ ،‬فيكتبها له جو بأقل مما تقتضي المانة؛ فبدل من فتين‬
‫يكتب فطين‪ .‬وتعبد ال إسحاق بد ال تعن أبدللهي إساخا!؟ ثم بعد ذلك يذهبا ن إلى قطار الميجا ويرسل ن الرسائل ومعها‬
‫ما تيسر من حصاد‪.‬‬

‫ولما يجيء رد الرسائل من كتم‪ ،‬يجلسا ن ويقرآنها حرفا حرفاا‪ .‬وأحيانا يذهبا ن إلى بيت أبدللهي إساخا الكائن )بزقولنا‬
‫بتاتعة الحاج يوسف(‪ ،‬حيث أصبحت للخرطوم زتعانف تتمدد كل يوم بأمثال أبدللهي إساخا‪ .‬وهناك يمتنع إساخا تعن‬
‫)الحرام( فيمضي جو لوحده إلى )معرض شرف الوطن( ويطفيء أحلم اليقظة التي يشعلها تعطر نو ن الذي كا ن هو هو‬
‫في يوم )النافذة( ويوم )الزيارة(! ولما يخرج‪ ،‬يمسح تعرقه ويلقي بكلماته إلى السماء )آسف نو ن(! وذات يوم ذهب إلى‬
‫هناك قبل حلول المساء‪ ،‬فوجد المعرض مزدحم ا كأنه سوق أم دفسو‪ .‬تأفف من الزحام‪ ،‬ثم استدرك قائال لنفسه‪" :‬ياخي‬
‫ل‪ ."..‬وبينما هو يمر خارجا من )العكة(‪ ،‬مؤج ال فكرته‪ ،‬فإذا بماء طست القاذورات ينقذف تعلى بنطاله‬ ‫دة بيت أبوك؟ ي ج‬
‫من وكر تعلى حافة الزقاق!‬

‫ـ ديرنك!!‬

‫ـ تسب لي أنا )دين( يا صعلوك!؟‬

‫وخرجت صاحبة الوكر وهي ما تزال تستعدل )اللستكة(‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ أيوة بسب ليك‪ ..‬إنتي الشارع دة بتاع أبوك؟!‬

‫ـ أيوة بتاع أبوي يا تافه يا ود ال‪ ..############‬يا ‪..‬‬

‫وتدخل المارة‪:‬‬

‫ـ خلص خلص يا أخوانا باركوها ياخي طول بالك‪ ..‬إنت تعارف الجماتعة ديل!؟‬

‫وفي تلك اللحظة خرجت‪ ،‬من الوكر المجاور‪ ،‬جارة "السبابة" لتستطلع المر‪:‬‬

‫ـ خلص يا )رجننو( ما إنتي غلطانة‪ .‬ما إنتي كشحتي فيهو الموية؟‬

‫قالت ثم أضافت‪:‬‬

‫ـ خلص يا أخوانا أمسحا فيني‪..‬‬

‫كا ن جو قد مات من الدهشة! وظن أ ن هناك مؤامرة كونية! فكأنما )غافل الشيطا ن الرب( وقام باستنساخ نو ن تعلى‬
‫تعجل كما يفعل مزورو العملة الذين ظهروا في تلك اليام! كانت حبة الشباب هذه المرة تعلى الخد اليمن المائل إلى‬
‫القمحي‪ ..‬والصوت زنكوغرافيا! وذهب الغضب مع المنظر‪:‬‬

‫ـ ل يا ستي ‪..‬ل بمسحا فيك ول حاجة‪..‬‬

‫ـ إتفضل‪ ..‬من قبيل شايفاك بهنا‪ ..‬ما تعجتبك الحاجات ول شنو؟‬

‫ـ ل‪ ..‬تعجبني الوكر دة والعصفور الفيهو‪..‬‬

‫ضحكت ثم قالت‪:‬‬

‫ـ تعال‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫أخذته ودخل‪:‬‬

‫ـ إنتي اسمك مين؟‬

‫ـ سوسو ‪..‬‬

‫"إحنا من سمسة لسوسو!؟ الحاصل شنو!؟" قال جو لنفسه‪.‬‬

‫ـ وإنت؟‬

‫ـ جو‬

‫ـ دة أسم ول لقب ؟‬

‫ـ لقب لكنه إسمي ‪..‬‬

‫ـ وال حكاية! إنت أسمك بتاع المدرسة شنو؟‬

‫ـ النور تعثما ن‬

‫ـ خلص يا جو ‪..‬‬

‫ـ اللــــه! تعليك ال قوليها تاني‪..‬‬

‫ـ جو يا سيدي ‪..‬‬

‫ـ ممكن أسالك؟ إنت من وين؟؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ إنت سيد العارفين‪ .‬أسئلة زي دي هنا ما ‪..‬‬

‫ـ خلص يا ستي‪ ،‬آسف ـ أستدرك خطأ السؤال‪ ،‬ثم أدخل يده في جيبه وأخرج الجنية ومده إليها‪ .‬أخذته وأدخلته بين‬
‫نهديها ثم بدأت فيما هو معروف‪.‬‬

‫ـ شوفي يا سوسو‪ ،‬أوتعك تقولي الود دة كدة ول كدة‪ ،‬أنا بس تعايز تسمحي لي أشوف وشك وألمس الحبة دي‪ ..‬ولما‬
‫الزمن يخلص تقولي لي خلص‪ .‬أقوم أمش‪.‬‬

‫ـ وال إنت حكايتك حكاية!! لكن برضو ماشي ‪..‬‬

‫وأخرجت الجنيه وردته إليه!‬

‫ـ ل وال خليهو معاك‪.‬‬

‫ـ ل وال!‬

‫ـ ول وال‪.‬‬

‫ثم‪:‬‬

‫ـ آها يا سيدي‪ .‬إتأمل!!‬

‫"خا ن القدر سير اتجاه الغنية‬

‫ودور في المدى العريا ن!‬

‫فل نفع البكا العادي‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ول البيغادي إستنو السنن!"‬

‫ودخلت تعلى أبدللهي إساخا حكايات جديدة‪ ،‬ولكنه كا ن متسامحا معها باتعتبار أ ن الراجل يحق له )شرتعاا( أربع أما هو‪،‬‬
‫فيسكتفي بـ)فتين( ـ سؤاله البدي الوحيد! ومنذ ذلك اليوم صار جيدق إسفين العزاء إلى أ ن جاء أولد قرف مرة أخرى‬
‫وابتذلوا القضية الملتبسة وأتعادوا ذاكرة النجم كاملة‪" :‬أدخل تعلى الفرق وخلي الشبه لسيادو"! هكذا أوتعزوا له‬
‫وقفلوا إلى مدارسهم راجعين‪ ،‬حاملين معهم وصايا إلى كل ما ومن هناك‪.‬‬

‫****‬

‫اطمأ ن السيد زين العابدين إلى خلو المكا ن من الجراثيم لما رأي البنت وقد بدت أكثر اجتهاداا‪ .‬ومنذ بداية العام الدراسي‪.‬‬
‫ل معفنا لم يكونوا كذلك! فها هو إبنه صلح‬ ‫ولكن هذا الطمئنا ن له أصل آخر‪ ،‬فقد ثبت له أ ن بعضا ممن كا ن يظهنم بص ا‬
‫وجماتعته قد تعادوا إلى الحظيرة يرفلو ن في أمن ووأما ن! ثم ها هو صلح ـ وبإشارة منه قد صار موظفا )كبيراا( في‬
‫الرتعاية الجتماتعية‪ .‬ولنه قد زالت الشكوك حول تعفونة البصال التي ينتمي إليها صلح‪ ،‬فقد صار منزل السيد زين‬
‫العابدين مكانا تعلنيا لجتماتعات تتجدع فيها النلحى وبعض العمائم من الباب إلى آخر النافذة!! لكن أهم ما في المسألة‪،‬‬
‫هو الخطوات العملقة التي خطاها السيد زين العابدين تجاه )المجد والسؤدد(‪ ،‬فقد تورط ووقع في قبضة الشرطة بعض‬
‫ممن يسمو ن أنفسهم بتجار البن ـ الذين هم في الواقع مهربي كل شيء‪ .‬وفي وقت متأخر من ليلة ما‪ ،‬دق المحجوب‬
‫باب صهره‪ ،‬الذي اضطر للذهاب إلى مكتبه لي ال! وفي اليوم التالي‪ ،‬وجد السيد زين العابدين نفسه في وليمة أتعدها أحد‬
‫أصدقاء المحجوب في بيته )العامر(‪ .‬بعد الفزتعة التي فزتعهم إياها‪ .‬كانت تلك العزومة )الجتماع( بداية فعلية للدخول‬
‫في )الطريقة(! حيث أخبره البنك بعد أيام بأ ن رصيده زاد نقطة تعلى اليمين‪ .‬ذلك تعندما ذهب يستقصي وتعود شيخ‬
‫الطريقة‪.‬‬

‫في العزومة الثانية‪ ،‬قجدم له شيخ الطريقة اقتراحا منطقياا‪ .‬وهو؛ بما أنهم بصدد تشييد مكاتب الرتعاية الجتماتعية‪ ،‬فإنه‬
‫يقترح إنشاء دور للرتعاية )من فعل الخير( باتعتبار أ ن المكاتب بل دور أو مراكز خدمية أمر ل جدوى منه‪ .‬وتعلى إثر‬
‫وجاهة القتراح وافق السيد زين العابدين تعلى الفور‪ .‬فبارك الشيخ ضربة البداية‪ .‬وتبرع بمبلغ تكهرب له شعر السيد‬
‫زين العابدين‪ ،‬بل وقجبضه الشيك في الحال‪.‬‬

‫في اليام التالية‪ ،‬وبعد أ ن أصدر توجيهاته‪ ،‬بدأ سيد زين في إتعداد خطبه الرنانة‪ ،‬التي سيلقيها في زيارة أول مسئول‪.‬‬
‫بل وطفحت في ذهنه فكرة دتعوة السيد الوزير المختص‪ ،‬كجزء من الدتعاية للمشروع‪ .‬وستكو ن زيارة الوزير دفعا‬
‫لمسيرة الرصيد الذي صار إسمه )البركة(! وخاض السيد زين العابدين في أفكار شتى‪ ،‬حتى أنه رأى في أحلم اليقظة‬
‫منزله ذو الطوابق الربعة مشيد ا وأمامة نخلتين من نخيل الزينة ومجموتعة من أشجار المهوقني المسورة‪ ،‬حماية لها‬
‫من )أغنام الخرطوم الضالة(!‬

‫ولما تأكد شيخ الطريقة‪ ،‬بوسائله الخاصة‪ ،‬من ابتلع الحوار للطعم‪ ،‬جاءه بالقتراح )العديل(؛‬

‫ـ شوف سيادتك‪ ،‬إنتو بدل ما تقعدوا تشحدوا من الناس البقت ما تعندها شفقة دي‪ ..‬إنتو ما تستثمروا إمكانياتكم‬
‫ومقردراتكم؟!!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬
‫فتعجب السيد زي العابدين الذي ما زالت تعالقة به بعض روائح )براءة( )الستاذ( قائ ا‬
‫ل‪:‬‬

‫ـ إنت تعارف ياسيد‪ ،‬إحنا المبالغ المصدقة دي زي ما قلت ليك لحدي هسع ما وصلت المبلغ النت إتبرتعت بيهو‪ ..‬وفيك‬
‫الخير و)البركة(‪.‬‬

‫ـ ل إنت ما فهمتني! أنا ما بقصد المبالغ المصدقة‪ .‬أنا بقصد حاجة تانية‪..‬‬

‫ـ حاجة تانية!!؟‬

‫ـ أيوة يا سيد زين يا زتعيم الفئويين‪ ..‬خليك معاي‪ ..‬إنتو مش تعندكم سكر الدتعم؟‬

‫ـ أيوة‪ ..‬وال فكرة‪.‬‬

‫ـ وبعدين حق )الجماهير( وراجع ليها!‬

‫وهكذا أضيفت إلى وسائل التجنيب طريقة أخرى أكثر مضاءاا!‬

‫****‬

‫"وال ما تعندنا غير العمارة الكنتو شغالين فيها مع معلم أرارا ديك‪ .‬اليومين ديل فيها تشطيبات‪ .‬ممكن تمشي تدتعك‬
‫السللم بالحجر لحدي ما الواطه تجف‪ ،‬وبعدين تبدو في العمارة الجديدة‪"..‬‬

‫قال المقاول ذلك لجو وهو يمد إليه الرسالة‪.‬‬

‫لم يجد جو بدا من الذهاب إلى هناك‪.‬‬

‫وبينما هو يصنفر السللم بالحجر وشرائط الصنفرة‪ .‬جاء تعامر الديكوريست صاتعدا ونصحه باستعمال )الجوينتيات(‬
‫حتى ل يدمي يديه‪ .‬صعد تعامر ثم نزل حامال الجوينتيات ورماها لجو قائ ا‬
‫ل‪:‬‬

‫"إنتو تدتعكوا وهم يمشوا فيها بالكعب العالي!"‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫قال جو في نفسه‪" :‬إذا كانت ستمشي تعليها نو ن‪ ،‬فيلكن"‪ .‬وكانت نو ن قد سربت إليه‪ ،‬في رسائلها‪ ،‬خبر تعمارتهم‬
‫الجديدة! ولكن تعليقات تعامر أتعادته إلى معترك السئلة الخطرة‪" :‬كيف يا ترى استطاع صهري العزيز أ ن يسير كل هذا‬
‫الطريق؟"‪ .‬وفي آخر النهار‪ ،‬قجدم إليه )تعامر ديكور( تعرضا بأ ن يترك هذا )الهباب( ـ كما قال ـ ويعمل معه مساتعداا‪.‬‬
‫فوافق جو تعلى الفور‪.‬‬

‫ومنذها‪ ،‬نشأت بينهما صحبة‪ ،‬تحولت إلى صداقة حميمة بعد أ ن اكتشف ديكور ما في هذا المساتعد من )حس جمالي(‪.‬‬
‫وكا ن تعامر هذا قد تخرج في كلية الفنو ن الجميلة من سنوات‪ .‬ولما لم يجد أمامه مهنة غير)مدرس فنو ن( ـ التي ل‬
‫يكفي مدخولها الملبس والطعام‪ ،‬صار يمارس أتعمال الديكور ثم استقر تعليها أخيراا‪ .‬وبعد أيام من الرفقة والحكي‪،‬‬
‫أتعجب ديكور بجشرلة أولد قرف‪ ،‬وقدم طلب ا للنضمام إليهم‪ ،‬فقام جو بتعيين نفسه لجنة‪ ،‬ونظر في الطلب‪ ،‬وقبله! ودفع‬
‫ديكور رسوم النضمام برسم لوحة )يد التنين التي تقبض تعلى الضفيرة( تعلى خلفية شمس كبيرة مشرقة‪ .‬ثم قام‪،‬‬
‫بمزاج‪ ،‬بنسخ صورة نو ن تعلى لوحة كبيرة وزاد ابتسامتها وضوحا وألبسها إطارا ثم وضعها في غرفته في مواجهة‬
‫الباب! وبسبب هذه الصورة بالذات‪ ،‬صارت أيام جو تنقسم بين وكر مندكورو وبيت تعامر ديكور‪ .‬يوم هنا ويوم هناك‪.‬‬
‫إلى أ ن استقر أخير ا مع ديكور‪ .‬فانتظم إيقاع حياته‪ ،‬وأمسك بطرف الطريق الذي كا ن هلماا‪ .‬يصحو في الصباح الباكر‬
‫كعادته‪ ،‬يقبل ابتسامة نو ن ثم يجر )كرت اليوم( بالنيابة تعن ديكور‪ .‬فإ ن وجد الكرت أقل من )‪ (7‬اضطر إلى جلب جك‬
‫ماء بارد وصبه تعلى رأس ديكور متحم ال كل اللفاظ النابية و)الدين المكعب(! فقد كانت لديكور هذا تعادة غريبة‪ ،‬هي‬
‫أنه ل ينام إل وهو يضع )فردة كوتشينة( تحت وسادته! ول يفتح تعينيه إل بعد أ ن يجر كرتاا‪ ،‬فإ ن وجده أقل من )‪(7‬‬
‫قال‪:‬‬

‫"ياخي الليلة قافلة معانا‪!!"..‬‬

‫ويواصل نومته!!‬

‫أما إذا كا ن الكرت )‪ (7‬فما فوق قام مسرتع ا إلى الحمام وخرج ليقبض الحظ قبل أ ن )يطير(!! إلى أ ن جاء جو وحطم له‬
‫معاركة مع هذا الحظ!!‬

‫وصارا يخرجا ن كل يوم يججمل ن العالم‪ .‬في البداية‪ ،‬كا ن ديكور جينلظر لوحده‪ .‬ولكن بعدها صار جو هو الخر ج‬
‫منظرا ـ بعد‬
‫أ ن سلك الطريقة الجديدة بسرتعة فائقة‪.‬‬

‫آخر النهار يغسل ن تعنهما وتعثاء العمل ويذهبا ن إلى وسط المدينة ليتلقيا بأبدللهي إساخا‪ .‬يقرآ ن له الرسائل‪ ،‬ويتبرع‬
‫هو لهما بكيسي ترمس‪ .‬ثم يذهب جو إلى الكمبوني‪ ،‬وأبدللهي إساخا إلى "ترمس ‪..‬ترمس‪ "..‬ويبقى ديكور منتظرا‬
‫لساتعات يتامل وينجظر في )ديكور( المارة!‬

‫في المساء‪ .‬يخرج جو‪ ،‬فيذهبا ن إلى )سيدة الفرح(‪ .‬هناك يسكرا ن بالبلدي‪ .‬يمرحا ن ويتشاجرا ن‪ .‬ثم في آخر الليل‬
‫يعبرا ن الطرقات يترنحا ن سكرا وينشدا ن‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫لن ننسى أياما مضت‬

‫لن ننسى ذكراها‬

‫ويقرأ ديكور أشعارا مجهولة المؤلف يشتبه جو في أنه هو مؤلها‪ .‬في أيام أخرى يحمل ن )تعطرهما( إلى البيت‪ :‬ديكور‬
‫يرسم‪ .‬ويفتح جو كتابا ويقرأ‪:‬‬

‫أحدب نو تردام ـ لهيغو‬

‫تعميد شابير ـ بلزاك‬

‫تعيو ن إلزا ‪ ،‬لراجوا ن‬

‫الجحيم لسارتر‬

‫الغريب لكامو‬

‫و‪...‬و‪ ...‬واستشعر تعامر ديكور رغبة جو القديمة‪ ،‬فدله تعل خشبات مسرح شكسبير‪ ،‬والمجنو ن صمويل بيكيت‪.‬‬

‫صارت الدنيا تتسع في تعيو ن جو أكثر فأكثر‪ .‬و صار يقترب من )الفكرة(‪ .‬وانشرحت له معاني فنتازياه المشتركة مع‬
‫أستاذ تعساكر‪ ،‬وبدأت تثور مجادلت في السياسة! مدخلها ما أسماه جو بـ )الرزاق( التي هبطت تعلى صهره‬
‫المستقبلي‪ .‬ولكن ديكور بدد له حكاية الرزاق هذه بالقلم والمسطرة‪ .‬وتعادت إلى جو السئلة الخطرة مرة أخرى‪:‬‬

‫"يا ترى من صاحب هذه العمارة؟ وماذا يعمل؟"‬

‫"وأين يا ترى يسكن الذين بنوها؟"‬

‫ويجبيب‪" :‬أكيد هم مثلنا ‪."..‬‬

‫"ولكن لماذا؟"‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫"وما حقيقة هؤلء النسوة اللتي ل يمشين إل تعلى )البلط( والسللم المدتعوكة؟"‬

‫"ثم ما الذي يفعله بجلة وتعبد ال في السوق العربي حتى يكو ن لهم كل هذا؟ فها هو تعثما ن سنين وسللته يحفرو ن‬
‫الرض لقرو ن طويلة‪ ،‬وليست لهم إل القطاطي؟!"‬

‫"ثم أ ن أستاذ تعساكر‪ ،‬كا ن يكد ليل نهار‪ ،‬ولم يسمع أحد أ ن له جزمة إحتياطي؟!"‬

‫بدأ جو يشك في المثل القائل "من كد وجد ‪ !"..‬فها هو يكد‪ ،‬وديكور يكد‪ ،‬وأبدللهي يكد ولكن ل شيء!! فصعدت‬
‫الشتراكية إلى الخشبة! غير أ ن جو ل يحب الشتراكية! فهي لم تنزل يوما تعن كبريائها لتجلس بجواره في مقعد‬
‫الدرس أو البص‪ ،‬وهو لم يجرؤ تعلى تعزومتها )للعشاء(‪ .‬فكل الذي حدث أنه يراها في الشوراع وقد فقدت تاءها‬
‫المربوطة‪ .‬كبقية الفتيات اللئي فقد ن تعذريتهن‪ .‬ولكنها تسير دائما بين )إثنين بودي قارد(! أمامها؛ واحد )تخين(‪،‬‬
‫مفتول العضلت‪ ،‬و)كتال جكتلة( إسمه )التحاد(‪ ،‬والخر؛ الذي يسير وراءها‪ ،‬هو النحيف كبقية خلق ال واسمه‬
‫)السوداني(‪ .‬لكن جو بالرغم من ذلك بدأ يستقصي تعن أصلها وفصلها‪ .‬وفتح صفحة شجرة سللتها‪:‬‬

‫ماركس‬

‫أنجلز‬

‫لينين‬

‫ستالين وبنجامين‪.‬‬

‫تعنفوف‪ ،‬قمعوف‪ ،‬تزييفوف ‪ ..‬إلخ‬

‫فأتعاد الكرة‪" :‬شيليني ختيني في بيت ال المل ن غلة‪ "..‬ووقع الختيار تعلى ماركس!! فتأمله جو ابتداءا من جزمته إلى‬
‫أ ن وصل إلى )الرأس الكبير(‪ ،‬وكل ذلك بمساتعدات تعامر ديكور‪ .‬وهنا تعرف جو لماذا يكره بجله وتعبدال هذا الماركس‬
‫بالذات! واقتنع با ن حكاية "أفيو ن الشعوب" هذه إشاتعة مغرضة‪ .‬وقام بوضعه في لستة الصدقاء جنبا إلى جنب مع تعم‬
‫تعبده ورينقو وأستاذ تعساكر ونو ن وأولد قرف‪ .‬صار يمشي في الطرقات وينظر بالنظارة التي أهداها إليه ماركس‬
‫بمناسبة صداقتهما‪ ..‬فداهمه الحنين إلى زتعيم البلوتاريا تعثما ن سنين والمناضلة بت النور!‬

‫كا ن جو يتسكع يوما تعلى شارع النيل وهو يقشر الفول السوداني‪ .‬قال‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫"ساسافر‪"..‬‬

‫****‬

‫شاءت القدار أ ن تفتح كوة الضوء لليام وتبدد جز اء من العتمة‪ .‬فبينما كانت نو ن في حمامها المسائي‪ ،‬بعد أيام الوحدة‬
‫التي خلفتها سلمى‪ ،‬بتحقيق حلمها والذهاب إلى الجامعة‪ ،‬ولكن هناك وراء البحار‪ ،‬وأنطفاء شموع البهجة التي أوقدها‬
‫تعمدة في إجازته السنوية‪ ،‬بقيت لنو ن فقط ذكريات التعزي الطويلة‪.‬‬

‫دقت الست باب الحمام في لحظة صعود الغيم‪:‬‬

‫ـ نازك ‪..‬‬

‫ـ أيوة‪ ..‬يا ماما ‪ ..‬في شنو؟‬

‫)نفس السؤال ‪ ،‬ولكن هذه المرة بدو ن احتجاجات معلنة(‬

‫ـ أمرقي‪ ..‬بسرتعة‪ ..‬جاتك ضيفة ‪..‬‬

‫ظنت نو ن أنها هادية بنت الجيرا ن جاءت التأخذ كتاب )الممتاز(‪ ..‬ولكن صوتا نديما تسرب إلى الحمام ‪ ..‬حتى أنها‬
‫لبست جونيلتها بالمقلوب‪ ..‬وخرجت جارية‪.‬‬

‫ـ اللــه! أنهار؟ ما بصدق!!؟‬

‫وغاصت أنهار في البلل‪ .‬وأصيب جو‪ ،‬في تلك اللحظة‪ ،‬بالقشعريرة وهو في الخرطوم!!‬

‫وبينما كانت الست مشغولة مع الخادمة في إتعداد شاي المساء‪ ،‬والسيد زين العابدين منهمك في خطط التجنيب قصيرة‬
‫المد‪ ،‬وصلح غارق في الخرى بعيدة المدى‪ ،‬فقد ججنبت نو ن بعضا من غلواء الحصار‪ .‬وتداتعت في ذلك المساء‬
‫ذكريات الفرح الجميل‪ .‬استعاد الزما ن دورة من دوراته‪ ..‬أطلت )المدينة( زهرة زهرة‪ ،‬وطوبة طوبة‪ ،‬وذرة ذرة‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ أنهار! مش معقول!! وما شاء ال زدتي تعسل!؟‬

‫ـ أنا ول إنتي يا نازك؟ أها إنتي أخبارك شنو؟‬

‫ـ وال يا أنهار زي ما شايفة‪..‬‬

‫ـ إنتي تعارفة أنا قاصدة شنو‪.‬‬

‫ـ وال يا أنهار تتصوري‪ ..‬وجرت إلى دولبها‪ .‬رفعت الخشبة إياها‪ ،‬تتصوري يا أنهار جاني هنا!! ألمسي يدي دي‪ .‬ما‬
‫حاسة بيهو؟‬

‫ـ وال إنتي مجنونة‪ .‬لكين برضو حظلك‪ ..‬ما تتخيلي كل يوم أنا بتذكرك‪ ..‬والبنات كلهم بتمنوا يكونو زيك ‪ ..‬أسكتي‬
‫ساي!! ما شفتي يوم الشؤم داك البنات تعملوا شنو!؟ تصدقي ما في واحدة ما بكت‪ ..‬وال يا نازك بكينا وجقلبنا ليك‬
‫جنس جقلبة!!‬

‫ـ لكين أنا حزينة يا أنهار‪ ..‬تتصوري جو خلص خلى المدرسة!!‬

‫ـ هو يعني دة حينقصوا شنو؟‬

‫ـ لكين يا أنهار مستقبله!؟‬

‫ـ مستقبله ول مستقبلكم إنتي وهو؟‬

‫ـ ال يا أنهار‪ ..‬لكين ما مشكلة‪ .‬يعني شوفي زي السجن دة هسي تعامل للواحدة شنو؟ أنا قلت أقرا بدالو‪ ..‬وأحقق‬
‫معاهو كل أحلمو ‪ ..‬مش مهم إنشال نعيش في خيمة صغيرة‪ .‬أكيد حنكو ن سعيدين‪..‬‬

‫ـ آيي أقعدي أسرحي لي‪..‬‬

‫ـ أيوة يا أنهار ‪ ..‬ما قلتي لي‪ ،‬إنتي جيتي هنا متين؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ وال جينا لينا يومين كدة‪ .‬طبع ا أبوي نقلوه هنا‪ .‬وما تتصوري أنا فرحانة قدر شنو‪ ..‬وأول ما وصلت سألت من بيتكم‪.‬‬

‫ـ أها وباقي الخبار شنو؟‬

‫ـ يادوب جاية تسأليني؟‬

‫وأدخلت أنهار يدها في حقيبتها وأخرجت رزمة الرسائل‪ .‬قامت نو ن وتأكدت من إغلق الباب ثم تعادت‪:‬‬

‫ـ اللـــه ‪ ..‬يا زهرة ودي لقيتيها كيف بعد التعمل فيها؟‬

‫ـ وال سافرت ليها في حلتهم‪ ،‬تخيلي بقت حنانة وأسي تعندها بت سمتها )نواندا( وقالت لو كا ن ولد‪ ،‬كا ن حتسميهو‬
‫)جو(!‬

‫ـ آخ يا زهرة ‪..‬آخ ‪..‬‬

‫دة خط جليلة‪ .‬ودة بتاع تعزة‪ .‬ودة خط منو؟‬

‫ـ خط منو؟؟ نسيتي الجوابات الكا ن بتجي لزهرة؟‬

‫ـ اللــــه ‪ ..‬تعلى إسماتعيل؟! بال هو تعامل كيف؟‬

‫ـ وال كويس هو هسي في الثانوية‪ ..‬وال كلهم مشتاقين ليك وبسلموا تعليك كدة؟‬

‫البوسة دي من زهرة ودي من جليلة ودي من تعزة أما كدة )‪ (...‬من تعلي إسماتعيل‪ .‬ووضعت سبابتيها جوار بعضهما‬

‫وكدة )‪ (...‬دي بتاتعة تعثما ن شربات ‪ ..‬متذكراهو؟‬

‫ـ كيف ما بتذكرو؟؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ آها أقول ليك‪ ..‬كدة )‪ (...‬وصالبت سباتيها‪..‬‬

‫ـ تقصدي إنك حبيتيهو؟‬

‫ـ أنا في اليام الجاية حأوريك جواباتنا‪..‬‬

‫ـ وال يا أنهار دي حاجة حلوة‪ .‬أنا سعيدة‪ .‬تعرفي يا أنهار‪ ،‬نحنا بعدين لزم نسكن جيرا ن‪ ..‬ما خلص!!‬

‫وضحكتا طوي ا‬
‫ل‪.‬‬

‫جأحضر الشاي‪ ،‬جوضع‪ ،‬ثم جأغلق الباب مرة أخرى‪.‬‬

‫ـ إتفضلي ‪ ..‬تعرفي يا أنهار بعدين أنا الحأتعمل ليهو شاي زي دة يإيدي دي ‪ ..‬تتصوري أكتر من سنة وأنا برسل ليهو‬
‫)كل يوم( جواب وطبعاا ما في طريقة هو يرسل لي‪ .‬تتصوري العذاب النا فيهو‪ .‬بس أقعد أقرا في جواباتو القديمة‪ .‬لكين‬
‫شوفي بال حلوة كيف؟ شوفي )أوراق الشتا(‪ ،‬تخيلي هو يقعد كل يوم‪ ،‬بعد ما يشقى في النهار‪ ،‬ويكتب لي!‬

‫وبكت تعلى كتف أنهار!‬

‫ـ جو دة زول تعظيم‪ ..‬لكن خلص هانت‪ ..‬أنا أول رسالة لعثما ن أديهو العنوا ن‪ ..‬وهو يديهو لجو أو أنت رسلي ليهو‬
‫تعنواني‪ ،‬وتعالي شوفي يا ستي‪ ،‬من البوستة لليد دي ‪ ..‬وضربتها تعلى يدها‪.‬‬

‫ـ ل ‪ ...‬دي‪.‬‬

‫ومدت يدها الخرى قائلة‪:‬‬

‫ـ لنها دي أخر واحدة لمستو‪.‬‬

‫وهما تعيدا ن تفاصيل اليام يوما بعد يوم‪ ،‬كا ن جو قد وطأت قدماه أرض )المدينة(‪ .‬ولكن هذه المرة‪ ،‬كانت ذاكرة‬
‫النسيا ن قد دبت! لم يشر إليه أحد وهو يسير تعلى الطريق ـ كما كا ن يحدث في آخر أيامه فيها‪ .‬وفي طرف السوق‬
‫الشمالي الشرقي‪ .‬ها هو بطيخة )بجللة قدره( يجادل المشترين‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫"تعلى الطلق ما كدة ‪"..‬‬

‫ـ ل ما تحلف‬

‫ـ تعلي الطلق ول راس مالو‪..‬‬

‫طاخ ‪"..‬يا كذاب!"‬

‫ـ ال! مين؟ جو !!ياخي بتبالغ!! تعلى الطلق بتبالغ!!‬

‫وأخذه في حضنه العريض‪..‬‬

‫ـ تعال ياخي‪ ..‬قال ثم نادى‪ ،‬يا ولد‪ ..‬جيب موية‪.‬‬

‫ـ شنو يا أبو البطايخ ياخي! إنت بقيت تاجر جد جد ولشنو؟‬

‫ـ ال زي ما شايف‪ ..‬ياخي إمتحنا مرتين ودقينا الدلجة‪ ..‬وقلنا نشوف شغلة تانية!‬

‫ـ برضو كويس يا خي‪..‬‬

‫ـ كويس شنو؟ بال واحد زيك يخلي المدرسة!! يا خي دة إنت كا ن تعمل الذرة!‬

‫ـ ما تبالغ يا أبو البطاطيخ‪ ..‬لكن بالمناسبة دي‪ ،‬بال كيف أستاذ الذرة؟‬

‫ـ وال كويس‪ ،‬ما كلمتك‪ ،‬ما بقى مدير! لكين نقلوه )البيض(‪ .‬وال ذكرتنا أيام زما ن‪ ..‬تصور! شغلنا بتاع المسرحية‬
‫داك نفعنا ليك جنس نفع! يا خي أخوك بقى تعندو زبائن زي المطر!!‬

‫ـ وال كويس آهو في نفع؟! وأخبار قرف كيف؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ ل خليها ساي‪ ..‬ديل طبعا كلهم في المدرسة‪ .‬وقاتعدين يمروا تعلينا بالمساء‪..‬‬

‫طبعا إنت بايت معانا الليلة‬

‫"يا ولد ‪.‬تعال هنا‪"..‬‬

‫ولما جاء الصبي قال بطيخة‪:‬‬

‫"دة أبشلخة"‬

‫ثم أمره‪:‬‬

‫"أسمع يا أبشلخة‪ ،‬شيل العجلة دي أمشي المدرسة الثنوية قول لشربات يسوق الجماتعة ويجو بسرتعة‪"..‬‬

‫فأخذ أبشلخة الدراجة وطار‪.‬‬

‫ـ تعرف! أبشخلة دة كا ن واحد من الشماشة‪ .‬قمنا شجغلناهو معانا‪ .‬يا خي دة ود ذكي ونشيط خلص يا خي بذكرني‬
‫برينقو )ال يرحمه(‪.‬‬

‫ـ وال كويس لسة ما نيست‬

‫ـ أنسى؟؟ أنسى شنو يا خي دي حاجة تتنسي؟‬

‫ولما أبلغ أبشلخة تعلى إسماتعيل الذي كا ن ينفض شراباته تعلى سور الداخلية‪ ،‬قذفها ثم دخل إلي العنبر صائحاا‪:‬‬

‫ـ بال يا جماتعة جدتعوا الكتب والكراسات دي‪ .‬أبو البطاطيخ الليلة تعندو )وليمة كاربة(‪..‬‬

‫وكانت تلك الوسيلة الوحيدة لهزيمة جحافل المحركة‪ .‬فارتدوا بناطيلهم كيفما اتفق ثم هرتعوا إلى السوق‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫‪...‬‬

‫ـ ال ال شوف القاتعد دة! دة جو؟ قال شربات‪.‬‬

‫فهجموا تعليه‪ ،‬ولم ينقذه من )الغمت( إل مصطفى بطيخة بمتره الخشبي ‪..‬‬

‫وها هم أولد قرف يلتقو ن مرة أخرى‪ ،‬ما تعدا سيد شطة الذي كا ن في معسكر الفريق لمباراتهم )الهامة( في الدوري ـ‬
‫التي تغيب بسببها حتى تعن المدرسة‪.‬‬

‫ـ وشنو يا أبو خمسين الدقينة دي؟ سأل جو تعلى سبيل المشاغلة‪.‬‬

‫ـ ياخي ربنا هدانا ‪ ..‬وال يهدي الجميع‪.‬‬

‫فتدخل فريني‪:‬‬

‫ـ أبو خمسين دة لموا فيهو الجماتعة وجابوا فينا قو ن‪ .‬ما قدرنا نعادله!‬

‫ـ يا زول خير‪ ..‬المباراة الجاية جنجيب فيهم قو ن‪.‬‬

‫ـ ياخي دة تعامل لينا فيها إمام جامع‪ .‬قال شربات‪ .‬فرد تعليه أبوخمسين‪:‬‬

‫ـ ال يهديك يا شربات‪..‬‬

‫ـ ال يهدينا ياخي‪ ،‬بس تعليك ال بلطل تطلير لينا نومة الصباح تاني‪.‬‬

‫ـ خلص يا )شيخ(‪ ،‬بس بعدين لما يسألوك يوم القيامة‪ ،‬تقول نومة الصباح حلوة؟‬

‫ـ بسالوني أنا براي؟ ما في حاجات كتيييييرة بسألوا فيها!؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫تدخل تعلي إسماتعيل الكضاب‪:‬‬

‫ـ خلص ياجماتعة بلطلوا خلونا نشوف أخبار جو‪.‬‬

‫وانهمر شلل الحكي‪ .‬وجقللبت أوراق الزما ن وتفاصيل التفاصيل إلى أ ن تحركت أحشاء شربات فقال‪:‬‬

‫ـ إنت يا آبو البطاطيخ وين العزومة؟‬

‫ـ تعزومة بتاتعة شنو؟‬

‫ـ تعلى إسماتعيل ما قال تعندك تعزومة؟‬

‫ـ أسمع‪ ..‬أنا أبوكم!؟ وال يا هو سمنتو من فتاتنا!!‬

‫ـ ومال إنت تعايزنا نسمن من وين؟ ول إنت تعايز تكو ن سمين براك؟‬

‫تدخل فريني‪:‬‬

‫ـ وال دي غلتطتك‪ .‬إنت القال ليك تبقى تاجر منو؟‬

‫ـ تصور يا جو‪ ،‬ديل مفلسننا! لكين أصبروا لي‪ .‬تعلى الطلق تدفعوها تعلى داير المليم‪ .‬لو ما هسي يوم القيامة‪ .‬وال‬
‫ياخولت ما أخليها ليكم أصلو‪.‬‬

‫وضحك جو من تهديدات بطيخة الجوفاء‪ ،‬ثم أستدرك بطيخة أ ن الوقت أصبح ملئما بعد أ ن أخذ أبشلخة الزيادات إلى‬
‫البيت‪ .‬فأمر أبشلخة بحراسة الدكا ن‪" :‬جيب لي المفاتيج بعدين"‬

‫وتعقب الغداء الدسم‪ ،‬خرج أولد قرف إلى زيارة الطلل والستمتاع بالذكريات‪ .‬وأشع الفرح من جديد تعلى )المدينة(‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫أضطر أبو خمسين أ ن يشايعهم في دخول الستاد في الشوط الثاني لمشاهدة ترقيصات سيد شطة الممتعة وأهدافه‬
‫الحاسمة‪..‬‬

‫آيي ‪..‬آيي آيي آيي ‪..‬‬

‫آيي ‪..‬آيي آيي آيي آيي‪..‬‬

‫وأشعل أولد قرف حماسة التشجيع في الستاد‪.‬‬

‫قام سيد شطة بعمل ترقيصة وباص الكرة تعلى الجانب الشمالي الغربي من الملعب‪ .‬ووقف ليلقي تعليهم التحية‪ ،‬فحملوا‬
‫جو ولوحوا به‪ .‬ففرك سيد شطة تعينية هو هذه المرة‪ .‬ولما تأكد من هوية العلم المرفوع‪ ،‬ترك الملعب وسط دهشة‬
‫الجمهور‪ ،‬وفي مصارتعة تعنيفة ألقى بجو أرض ا وبدأ العناق الحميم! المر الذي استدتعى تدخل شرطة الملعب لفض‬
‫المشاجرة‪ ،‬التي تكشف أنها لعب في لعب! ولكن النتيجة كانت أ ن أخذ سيد شطة كرتا أصفر من حكم المباراة!!‬

‫وفي الليل‪ ،‬في ديوا ن بطيخة‪ ،‬تعرف جو أ ن تعلى إسماتعيل قد أصبح مدرس الرياضيات البديل بعد أ ن فشلت المدرسة‬
‫في استجلب مدرس رياضيات!!‬

‫المر الذي ساق البقية أ ن يختاروا المساق )الدبي(‪ .‬لكن تعلى إسماتعيل الكضاب أصر تعلى المضي لتحقيق حلمه في أ ن‬
‫يصبح مهندسا حقيقا بدال من هندسة ألتعيب وتكيتكات أولد قرف‪ .‬وكا ن هذا دليال تعلى الفوضى التي باتت تنعم بها‬
‫المدرسة‪ ،‬خاصة بعد ذهاب أستاذ الذرة‪ .‬فأصبح‪ ،‬بالتالي‪ ،‬ل غضاضة من بقية الفوضات‪.‬‬

‫في صباح اليوم التالي‪ ،‬ذهبوا إلى زيارة فتحية أخت جو‪ ،‬ودخلوا المدرسة الميرية ـ هذه المرة ـ كفاتحين وليس‬
‫متلصصين من وراء السوار )بل حجج مقنعة( كما كا ن يحدث في أيام مضت‪.‬‬

‫وبعد فتحية‪ ،‬قالوا يا دجاج بت النور جاء أجلك‪ ،‬فامتطوا صهوة لوري حاج تعمر إلى أم شقايق‪ ،‬محتقبين معهم )جوز‬
‫كوتشينة(‪.‬‬

‫وهناك أقاموا معسكر ا للهرج والمرج‪ .‬وهرسوا تعظام دجاج القرية كلها وليس دجاج بت النور وحده‪ .‬ورقصوا في‬
‫ساحات القرية ووقعوا في غرام القرويات بنات خالت تعلي إسماتعيل وجو‪.‬‬

‫وقد كانت المجادلت حول السعار سببا حقيقي ا لنشوء صداقة بين الحاج تعثما ن سنين وبطيخة )كبير التجار(‪ .‬وقد كانت‬
‫بت النور سعيدة كأم تعريس‪ ،‬إل أنه بقى )شيء( في نفس تعثما ن سنين؛ فهو كا ن يرجو أ ن يحقق جو أمله بأ ن يصبح‬
‫)ظابط( كبير مثل )المسؤلين(‪ ،‬الذين تذهب القرية بدلليكها لستقبالهم في زياراتهم التي كانوا يقومو ن بها مرة بعد‬
‫مرة‪ ،‬ليلقوا بالوتعود للناس‪ .‬أو تعلى القل أ ن يصبح مثل خاله تعبد الرحمن النور‪ .‬وبرزت سيرة )أولد خاله( ووالدتهم‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ولكن جو رد بأنه لم يلتق بهم‪ .‬ولم يبحث تعنهم‪ .‬فلمه حاج تعثما ن تعلى ذلك "فهم أهلك!"‪ .‬ولكن بت النور رأت صحة‬
‫موقف إبنها باتعتبار أ ن هؤلء قد تخلوا تعنهم‪ .‬فأكثر من تعشرين سنة مرت "ل المره ول أولدها" زاروهم بالرغم من‬
‫أنها تكبدت المشاق وزارتهم مرتين‪ .‬إل أ ن جو اقتنع بخطأ موقفه‪ .‬ووتعد بأ ن يبحث تعنهم تعقب تعودته بعد أ ن تعرف ـ‬
‫بصفة غير مؤكدة ـ أنهم يسكنو ن بحري القديمة‪.‬‬

‫بعد تعشرة أيام‪ ،‬تعاد أولد قرف إلى المدينة‪ ،‬قضى جو يومين أحلى ما فيهما لحظة التجول في المساء وتعبور الجسر‪،‬‬
‫وأحز ن ما فيهما اختفاء آثار قبور رينقو ورفاقه!!‬

‫وطبعاا تعرف جو بحكاية شربات مع أنهار‪ .‬وصعق وهو يستمع إلى خبر إنتقال أنهار إلى ديار الحبيب!‬

‫وقبل أ ن تصل رسائل أنهار إلى شربات وأ ن يستلم جو الرسالة المفرحة‪ ،‬وبتكتكة من أولد قرف ـ بعد أ ن استعادوا‬
‫بعض ا من تفاصيلهم الماضية ـ كا ن شخص يقف بجوار أشلك البوليس‪:‬‬

‫ـ إنتي أنهار بشرى‪ ..‬مش كدة؟‬

‫ل وسه ج‬
‫ل!‬ ‫ـ أيوة‪ ..‬أه ا‬

‫ـ يا ستي أنا جاي من )المدينة(‪ ،‬وجايب ليك الجوابات دي‪.‬‬

‫ووصلت أنهار إلى بيتهم وهي تحمل معها باكتة أوراق الشتاءات وإيقاتعات المطر‪ .‬ورسالة بحجم الكراس‪.‬‬

‫وواصلت حدائق العمر روانقها في المساءات الرحيبة‪ .‬فبعد كل جولة تعبر صفحتين من من المذاكرة‪ ،‬تتفتح أيام وأيام‪.‬‬
‫وتختم جولة المذاكرة برسائل ملؤها الرواح ونبضات القلوب‪ .‬تتكفل أنهار بالبقية‪.‬‬

‫****‬

‫كانت الرحلة إلى الخرطوم في هذا الموسم‪/‬الستقلل‪ ،‬رحلة تعمل بحق وحقيقة‪ ،‬وجقع فيها السيد زين العابدين تعقدا مع‬
‫المقاول‪ ،‬بعد أ ن سلمه مبالغا محترماا‪ ،‬وشيكات مؤجلة‪ ،‬والتقى بود الدالبي الذي قذف هو الخر بالمضرب الثاني‪:‬‬

‫ـ قلت لي بتبني بيتك؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ أيوة ياخي )الحمد ل( الخطوة الولى حتبدأ السبوع الجاي ـ قالها بفرح ـ وبعدين كبرنا ياخي‪ ،‬والولد كبروا كما ن‬
‫ولزم الواحد يأمن مستقبلهم‪..‬‬

‫ـ أيوة صاح‪ .‬لكن يا خي حكاية السكر دي أنا تعندي ليها فكرة‪ ،‬فبدل ما تكلفوا أنفسكم ترحيل وكدة وإنت تعارف الترحيل‬
‫اليومين ديل بقى بالشيء الفلني‪ ،‬أنا بقترح يعني تستفيدوا من حق الترحيل دة‪..‬‬

‫مسح السيد زين العابدين صدغة بشيء من الحنكة ثم رد قائ ا‬


‫ل‪:‬‬

‫ـ كلمل اقتراحك‪.‬‬

‫ـ أنا بقول يعني إنتو تطجلعوا لينا الوراق‪ .‬وإحنا بعد داك نتصرف فيها بطريقتنا‪ .‬وإنت تعارف الباقي طبعاا‪..‬‬

‫ـ مفهوم‪ ..‬مفهوم‪.‬‬

‫ـ ال يفتحها تعليك‪ ..‬وبكدة كما ن مستقبل الولد يبقى )أكتر( من مضمو ن ‪ ..‬وضحك‬

‫ـ وال صدقت‪.‬‬

‫‪...‬‬

‫وبعد كم أسبوع‪ ،‬إستلم ود الدالبي )الوراق(‪ ،‬وتعبرها‪ ،‬وبطريقته الخاصة )إياها(‪ ،‬صار سكر)الشرق( بالضافة لسكر‬
‫)الجنوب(‪ ،‬وسكر )الغرب( سكاكر )قومية(! "ل نفرق بين أحد ‪ !!"..‬وزادت أرقام التجنيب أصفارا أخرى!!‬

‫لكن شيخ الطريقة هناك رأي أ ن المر بدأ يفلت منه فحرك أياديه الخفية‪:‬‬

‫كا ن السيد زي العابدين‪ ،‬في آخر النهار‪ ،‬جالس ا في مكتبه يقلب صفحات المسقبل والرقام في خياله‪ ،‬فدخل تعليه ضابط‬
‫المجلس‪:‬‬

‫ـ ياه‪ ..‬السيد الزتعيم وال أبهة! وال إنت تنفع وزير‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ وزير إيه يا رجل؟‪ ..‬إتفضل‪ ..‬كيف )الحوال(؟‬

‫ـ وال سيادتك خير‪ ..‬بس في حبة مشاكل كدة )مستعصية(‪.‬‬

‫ـ مشاكل؟ مشاكل شنو؟‬

‫ـ يعني سيادتك إحنا راجعنا الحسابات‪ ..‬ولقينا المسألة يعني‪ ،‬وإنت تعارف المحافظة تعلى النزاهة ومقردرات البلد واجبة‪..‬‬
‫وبعدين إنت تعارف أتعداء الثورة كايسين ليهم حاجة كدة ول كدة!‬

‫ـ طيب إنتو ما تتصرفوا؟ زي ما كنتو!!‬

‫ـ بس المرة دي الحكاية صعبة شوية‪..‬‬

‫ـ خلص يا سيد ما في مشكلة‪ .‬أنا حأتصرف‪.‬‬

‫وفي اليوم التالي‪ .‬أقام السيد زين العابدين )وليمة( في منزله‪ .‬وقد فهم شيوخ الطريقة‪ ،‬بالطبع‪ ،‬دوافع الوليمة‪ .‬وبعد أ ن‬
‫تجشأوا وهم يرشفو ن القهوة البجاوية‪ ،‬دخل سيد زين العابدين في الموضوع مباشرة‪:‬‬

‫ـ شوف يا شيخ حصلت بعض المشاكل كدة‪ ،‬وطبعا إنتو ملحظين إنو السكر اليومين ديل ما قاتعد يجي ‪..‬‬

‫ـ ملحظين ‪ ..‬ملحظين‬

‫ـ في الحقيقة أنا تعملت صفقات كدة مع ود الدالبي في الخرطوم‪ ،‬للمصلحة العامة يعني ‪..‬‬

‫ـ خلص خلص يا أبو الفئويات‪ ..‬وال إنت بقيت راجل خطر ـ هيئ هيئ هيئ ‪ ..‬ضحك شيخ الطريقة‪.‬‬

‫ـ يا جماتعة ما تآخذوني‪..‬‬

‫ـ ل‪ .‬مفيش مؤاخذة ول حاجة‪ ..‬إنت بس غلطا ن ياخي!! كنت تكلمنا‪ ،‬لكين إتعتبر المشكلة محلولة‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ولما زاره الضابط فيما بعد‪ ،‬أكد له أ ن "كلو تمام التمام"‪ .‬وبمناسبة الحل هذه‪ ،‬كانت العزومة هذه المرة في بيت الضابط‬
‫بعد أ ن تم التأكد من تبدد آخر ذرة كا ن يلوح بها )تاريخ أستاذ زين القديم(‪.‬‬

‫سافر شيخ الطريقة إلى الخرطوم وتعاد بالضربة القاضية‪ .‬وكانت في مكتب السيد )أمين المنظمات الفئوية‬
‫والجماهيرية(‪:‬‬

‫ـ آها كيف أخبار الرتعاية الجتماتعية؟‬

‫ـ وال لسة‪ ،‬بس إحنا بصد وضع حجر الساس ورسلنا للسيد الوزير تعشا ن )يشجرف( المناسبة وإنت تعارف‪ ..‬يعني‬
‫)إتعلم( للمسألة ‪ ..‬و‪..‬‬

‫ـ وال كويس‪ ..‬فكرتني بمناسبة التعلم دي‪ ..‬أنا اليومين ديل ما شايف صلح ابنك؟‬

‫ـ ل نسيت أكلمك‪ ..‬دة جماتعتو لقوا ليهو وظيفة في البنك بتاتعهم الجديد في الخرطوم‪.‬‬

‫ـ وال تعال العال‪ ..‬أهي الحكاية بقت ماشة "تعلى قدم وساق" زي ما بقولوا!‬

‫ـ وال ربنا يا هو مزود تعلينا الخير و)البركة(‪ ..‬قلنا كويس يمشي الخرطوم‪ .‬وبالمرة يشرف تعلى البيت طبعا أنا كلمتك‬
‫إنو المقاول بدأ‪ ..‬والحكاية مرقت من الرض‪ ،‬وماشة لي فوق‪.‬‬

‫ـ ماشاء ال ‪ ..‬ما شاء ال‪ .‬وال ربنا يزيد )البركات(!‬

‫وبمناسبة المباني دي أنا جاييك لحاجة مهمة‪ :‬لكين قبلها أقول ليك حكاية الرتعاية دي ما تخلو معاها الجامع والمدرسة‬
‫والجزخانة كما ن؟‬

‫ولما يجي الوزير بنضرب "تعصفورين بحجر واحد"؟ ول إنتو ناوين لمناسبات تانية براها؟ لزوم التجنيب وكدة؟ أها أها‬
‫أها ضحك‪.‬‬

‫ـ وال يمكن ‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ شوف يا سيد أبو الفئويات‪ .‬إنت بعد دة خليك من حكاية الحفلت والزيارات والستقبالت دي‪ ،‬دي خليها لناس‬
‫المجلس وأدخل في التقيل‪..‬‬

‫قالها بجرأة الواثق‪ ،‬فرد تعليه السيد زين العابدين‪:‬‬

‫ـ ي جل ورينا إقتراحاتك النيرة‪ ..‬أنا تعارف إنو تعندك إقتراح ـ قالها بمرح‪.‬‬

‫ـ أيوة‪ .‬شوف يا سيدي ـ وأصلح تعمامته ـ أنا بعد ما لقيت ود الدالبي‪ ،‬أخدت منو محاضرة مفيدة جدا جداا‪ ،‬دة راجل‬
‫داهية!!‬

‫شوف يا سيدي إحنا بالضافة لحكاية السكر دي تعايزين )ندتعم( الحكاية بحاجات تانية‪ ،‬مضمونة مية المية‪ .‬وما فيها‬
‫أي كدة ول كدة‪ .‬ل حسابات ل مراجعات ول يحزنو ن‪.‬‬

‫وهنا تشوق السيد زين العابدين وبدأ إدار لعابه يزيد‪..‬‬

‫ـ شفقتنا يا أخي!‬

‫ـ شوف سيدي‪ .‬الحكاية بسيطة وقدر دة ـ ولوح بقلمه ثم واصل وهو يرمي بضحكته المرتعبة‪:‬‬

‫ـ إحنا حنبدأ بالرتعاية الجتماتعية والجامع‪ ..‬إنت طبعا تعارف هم بحتاجو يعني أسمنتي وسيخ وكدة؟‬

‫ـ أيوة ‪..‬‬

‫ـ والسيخ دة بيجيبوهو من برة؟‬

‫ـ أيوة ‪...‬أيوة!!‬

‫ـ والسمنت دة تعايز تصديقات؟؟‬

‫ـ أيوة!!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ خلص‪ ،‬إنت مع السيد الظابط تجهزوا التصديقات وطلبات التعفاءات من الجمارك‪ ،‬والباقي تعلينا‪ ..‬وطبعا ود الدالبي‬
‫تعندو ناسو في )الميناء( و )المكاتب(‪ ،‬وبكدة‪:‬‬

‫ـ "النجوة جوة‪ ..‬والبرة جوة"‬

‫ـ "الجوة وين؟"‬

‫ـ نجوة!‬

‫ـ والبرة وين؟‬

‫ـ نجوة!‬

‫وهكذا‪ ،‬ذهبت "البنسلين يا تمرجي" إلى سلة مهملت التاريخ‪ ،‬بعد أ ن زينت حفلت التعراس لجيال وأجيال!!‬

‫*****‬

‫ـ بال إتنين ترمس‪..‬‬

‫إلتفت ابدللهي إساخا ممنيا النفس بتسليك ما تبقى من ترمسه ليجد نفسه صائحاا‪:‬‬

‫ـ أووه!! ود جأسما ن!! ال يسلميك ‪..‬أل يخليك ‪...‬‬

‫ـ كيف الحال ياخي‬

‫ـ كويسين‪ ..‬وكيف جماءة في البلد؟‬

‫ـ وال بسلموا تعليك‪ ،‬وبت النور مرسلة ليك كيس فول ونبق وللوب كما ن‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ ال يبارك فيها‪ .‬أل يدخليها جنة‪..‬‬

‫ـ إنشاء ال الحكاية مشت كويس في اليومين الفاتو ديل؟‬

‫ـ وللهي خايتو‪ ..‬أل كريم ألى مساكين‪.‬‬

‫وحكي جو تاريخ الرحلة من أولها إلى آخرها‪ ..‬ثم "شجرك" لساخا‪:‬‬

‫ـ أها‪ .‬أخبار الجوابات شنو؟‬

‫ـ وللهي كا ن كنت آرف نلقيك جسدفة كا ن جبت جواب مآي ‪ ..‬إشا ن تقرا لي‪.‬‬

‫ـ طيب ما كا ن تديهو لي واحد يقراهو ليك؟‬

‫ـ ل ‪ ..‬جواب دة لزم تقريه إلتي‪.‬‬

‫ـ برضو ماشي‪ ..‬هسي تقلك داير تموت تعشا ن تعرف فيهو شنو؟‬

‫ـ وللهي أنا قلبي تدق )بت بت بت( لكين الهمدو للهي‪..‬‬

‫ومضت السيرة في الهل والقارب‪ ..‬وأخير ا جاءت الجابة تعلى سؤال إساخا القديم‪ ،‬فعرف‪ ،‬بعد سنوات‪ ،‬أ ن أهل جو‬
‫)المزتعومين( في الخرطوم‪ ،‬يسكنو ن بحري القديمة!‬

‫وبعد أيام‪ ،‬ح جفت لجو‪ ،‬فذهب يبحث تعن أقربائه‪ ..‬تجول في بحري القديمة ولفها شارتعا شارتعا إلى أ ن تعثر أخيرا تعلى‬
‫المنزل‪ ،‬قال الواصف‪:‬‬

‫ـ شايف الباب الجلبني الواسع داك؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ أيوة‪.‬‬

‫ـ بس دة ياهو بيت أستاذة منيرة وأولدها‪.‬‬

‫)وكا ن البيت أبهة تماماا(‪ ،‬فتساءل جو‪:‬‬

‫"ما نوع أقربائي يا سيد ماركس؟"‬

‫فجاءته الجابة‪:‬‬

‫"وال أتعتقد أنهم البرجوازية التعتباطية"!‬

‫!!!‬

‫كو‪ ..‬كو‪ ..‬كو‪ ،‬نقر جو الباب‪.‬‬

‫فجو لم يتعود بعد تعلى الجراس الكهربائية!‬

‫ظهرت الخادمة‪:‬‬

‫ـ أيوة؟!‬

‫ـ دة بيت ناس ماجد تعبد الرحمن؟‬

‫ـ أيوة‪ .‬بس ماجد في الجامعة!‬

‫ـ وبجي متين؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ وال مرات دة بجي في نص السبوع‪ ..‬بس هو قاتعد في الداخلية‪ .‬لكين يوم الخميس دايما بجي‪.‬‬

‫ـ طيب في منو في البيت؟‬

‫ـ في )ستي( سهى‪.‬‬

‫)أحتج جو في داخله تعلى "ستي" هذه(!‬

‫ـ خلص‪ ،‬قولي ليها في واحد قريبكم تعايزك‪.‬‬

‫دخلت الخادمة وتركته واقفا تعل الباب! ولكنه قجدر موقفها‪ ،‬فهي تعرف كل أقرباء )أسيادها(‪ .‬وسمع حوارها مع الست‬
‫سهى‪.‬‬

‫ـ في واحد كدة قال قريبكم؟!‬

‫ـ وإنتي يا مغفلة قرايبنا ما بتعرفيهم؟‬

‫)قام جو بضم الخادمة إلي لستة قرف(!‬

‫ـ وال هو قال كدة!!‬

‫ـ أمشي قولي ليهو‪ ..‬ول خليك كدة أشوف حكايتو!!‬

‫وخرجت من الحجرة وهي لم تكمل هندامها‪ .‬بدت لها ملمحه غريبة‪ ،‬لكنها ـ بالرغم من ذلك ـ ذكرتها بـ)شيء(!‬

‫ل وسهال‪ ..‬إتفضل ‪..‬‬


‫ـ أه ا‬

‫ـ ال يسلمك‪ .‬شكرا‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وفي الطريق إلى الديوا ن صاحت الست سهى‪:‬‬

‫"يا تعوضية ‪..‬جيبي )موية("‬

‫ـ أنا جو‪ ..‬آ‪ ..‬أقصد جومو‪ ..‬أنا‪...‬‬

‫ـ إنت منو؟!‬

‫ـ أنا ود تعمتك بت النور أخت أبوك‪.‬‬

‫ل وسه ا‬
‫ل‪.‬‬ ‫ـ وال!! أه ا‬

‫ولما قامت لتنظر إلى صورة والدها المؤطرة‪ ،‬المعلقة تعلى الجدرا ن‪ ،‬قار ن هو بينها وبين فتحية ولكنه لم يجد مجاال‬
‫لذلك‪ .‬تعاد من مقارنتها وتعادت هي من مقارنته‪:‬‬

‫ل وسهال‪ ..‬وإنت جيت هنا متين؟‬


‫ـ أه ا‬

‫ـ وال أنا طولت هنا‪ ،‬لكين قبل فترة كدة كنت في البلد‪ .‬والهل يسلموا تعليكم‪.‬‬

‫ـ ال يسلمن‪ ..‬وإنت هنا ساكن وين؟‬

‫ـ وال قاتعد مع واحد صاحبنا في الديم ـ قال‪ ،‬ثم أضاف ـ وماجد قالوا في الجامعة؟‬

‫ـ أيوة‪ ..‬هو في كلية الصيدلة‪..‬‬

‫ـ ووين خالتي منيرة؟‬

‫ـ وال بتجي هسي‪ ،‬بس تعن إذنك‪ ..‬أنا كنت مارقة‪ ،‬تعندي مشوار‪ ..‬إنت إنتظر‪ ،‬ماما بتجي هسي‪ ،‬ونادت‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ تعوضية ‪..‬جيبي )تعصير( للضيف‪.‬‬

‫ـ أسمعي‪ .‬الظاهر أنا جيت في وكت ما مناسب! أنا أمشي وأجي مرة تانية؟‬

‫ـ ل ما فيش حاجة‪ .‬انتظر ماما بتجي بعد شوية‪.‬‬

‫وخرجت وتركته جالساا مثل الفأر‪ .‬يتأمل وينظر في )ديكور( الديوا ن! ويقلب في ذهنه )نظرية الهل(‪ ،‬فقال لنفسه "هذه‬
‫مسألة هلمية‪ ،‬وبت النور تعندها حق‪ .‬فهذه البنت فعال غريبة" وظل يطارد أفكارا يحاول أ ن يتصور فيها كيف يفكر‬
‫فيهم هؤلء الهل‪ ..‬و‪ ...‬و‪ ...‬إلى أ ن جاءت الست منيرة وتكررت نفس السئلة‪ .‬ومضى في النهاية بانطباتعه الول‪.‬‬

‫أما هناك ـ في كلية الصيدلة ـ فكانت المسألة مختلفة‪ ،‬فقد كا ن ماجد تعبد الرحمن أكثر حميمية‪:‬‬

‫ـ يا إبن تعمتي‪.‬‬

‫ـ يا إبن خالي‪.‬‬

‫ـ وال أنا كنت مفكر أزوركم بمجرد ما أتخرج‪ ..‬ما تتصور أنا مشتاق لـ)الريف ( كيف؟؟‬

‫وكا ن ماجد تعبد الرحمن منجذبا فع ال للحكايات التي كانت تحكي له تعن )الريف( وأهله )الطيبين(‪ .‬والمسألة طبعا ذات‬
‫دوافع )سياحية( في الساس! وها هو يجد )الدليل السياحي( في إبطه!‬

‫وبعد لقاء لقاءين فتحت الصحبة نوافذ الحكي‪ ،‬وصار لجو بيت )فاره( يعمل )خيانات( ويترك ديكور وحيدا ـ خاصة في‬
‫أيام الخميسات والجمعات‪ .‬وكانت المجادلت أحيان ا تطول في الجامعة‪ ،‬فيذهب جو مع ماجد إلى الداخلية‪ ..‬وهناك في‬
‫)حسيب والرازي ( ظهرت السياسة مرة أخرى‪ :‬ففي ليلة‪ ،‬وبعد الواحدة والنصف صباحا لما خف إزتعاج الطلبة وقلت‬
‫الحركة بين الغرف؛‬

‫"هاك يا إبن تعمتي أقرا دة" ‪..‬‬

‫ومد ماجد تعبد الرحمن )بسرية تامة( برنامج الجبهة الشتراكية التقدمية لجو‪ ،‬بعد أ ن لحظ ـ خلل المناقشات بينهما ـ‬
‫بعضاا من ميوله )الثورية(‪ .‬بدأ جو يقرأ‪ .‬وبعد كم جملة‪ ،‬أتعجب بـ)القصة( ثم أكملها بحماس ل حماس بعده‪ ..‬وأتعاد‬
‫قراءتها مرتين‪ .‬وظل طوال الليل يفكر‪ ،‬وتورط ـ بعد ذلك ـ ماجد تعبد الرحمن ورطته التاريخية!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ كويس خالص! ولكن ما هي البرجوازية الوطنية؟!‬

‫"هي‪ :‬كيت وكيت وكيت ‪"..‬‬

‫ـ ولكن ماركس لم يقل ذلك!‬

‫"قال"‬

‫ـ لم يقل!‬

‫)قال‪ ..‬لم يقل‪ ..‬قال ‪.‬لم يقل(‬

‫ـ يازول أراح نمشي لماركس‪..‬‬

‫ويذهبا ن إلى ماركس فيؤكد ماركس أنه لم يقل ذلك! وفي طريق العودة‪ ،‬يعود ماجد تعبد الرحمن إلى النقطة رقم واحد‬
‫مدفوتع ا بمزاتعم التفوق )الكاديمي( و)المستوى( و)الوضع(‪:‬‬

‫"دة أكيد ماركس مزيف!"‬

‫ـ وكيف تعرفت؟‬

‫"هذا ما قاله )التقدميين("‬

‫ـ ولماذا ل يكو ن هؤلء التقدميين هم المزيفين؟‬

‫ثم تبدأ المغالطة‪ ،‬ويتجاوزر جو‪:‬‬

‫ـ حسناا؛ فمن الذي سيقوم بالثورة؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫"الجماهير طبعاا!"‬

‫ـ ولكن كيف؟؟‬

‫"بـ)تمليك القيقة للجماهير(!"‬

‫ـ ولكن من يمللك الحقيقة لهذه الجماهير؟‬

‫"التقدميين!"‬

‫ـ ومن هم هؤلء التقدميين بالضبط؟‬

‫"كذا‪ ..‬وكذا‪ ..‬والبرجوازية الوطنية!"‬

‫ـ ولكن ما مصحلة البرجوازية الوطنية في )الثورة(؟‬

‫ل إجابة )مادية(!‬

‫وخرج حزب ماجد تعبد الرحمن من المولد بدو ن حمص! ولكن جو خرج بـ"تمليك الحقيقة للجماهير"‪ .‬وقام بتكوين‬
‫حزبه الشخصي إبتدااء من تعم تعبده‪ ،‬مرور ا بأولد قرف ونو ن وأستاذ تعساكر ورينقو وهباش وزنجي‪ ،‬إلى تعوضية‬
‫وديكور وأبدللهي إساخا وتعثما ن سينين وبت النور وآخرين وسماهم جزاف ا )التقدميين(‪ .‬ولم يضع ماجد تعبد الرحمن‬
‫حتى في الحتياطي! لنه لحظ أ ن إبن خاله هذا لديه تبريرات غريبة! فهو يزوغ من مظاهرات الطلبة "اللحفاظ تعلى‬
‫الكيا ن التقدمي"! وأنه يحب الطعمة الشهية‪ ،‬والسرة المخملية ثم يردد تعلى جو بدو ن مناسبة‪:‬‬

‫"الواحد لزم يروق تعشا ن يقدر يفكر ويناضل كويس"‬

‫!!!‬

‫كا ن من تعادة جو ـ كما نعرف ـ الصحيا ن المبكر والنشاط‪ .‬فهو الذي ينظف الحجرة‪ ،‬ويغسل الطباق ويرتب الشياء‬
‫التي يبعثرها ديكور‪ ،‬ويعد الشاي‪ ،‬ويجلب الضروريات من الدكا ن أو السوق‪ .‬وبتردده تعلى منزل )أهله(‪ ،‬فقد نشأت بينه‬
‫وبين تعوضية )الخدامة( صحبة وإلفة جميلة‪ .‬وكا ن تعندما يأتي إلى البيت يقوم بمساتعدتها في أمور كثيرة‪ .‬وكانت قد‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ظهرت في تلك اليام حكاية صف الرغيف! فصار جو يكفي تعوضية شر )المكابسات( الليلية‪ .‬ويحمل الكيس ويذهب في‬
‫الفجر إلى صف الرغيف‪ .‬وذات يوم‪ ،‬وهو تعائد من هناك‪ ،‬فاجأه ماجد تعبد الرحمن‪:‬‬

‫"ياخي أحرجتنا‪ ..‬إنت خدام ياخي؟؟"‬

‫ـ أحرجتك مع منو؟‬

‫"يا أخي جيرانا ديل كلهم تعارفين إنك قريبنا"!‬

‫أندهش جو ثم رد‪:‬‬

‫ـ يا خي الخدامين ديل مش البلوتاريا النت بتناضل تعشانم؟!‬

‫ارتبك ماجد تعبد الرحمن وقال‪:‬‬

‫"آ‪...‬أيوة"‬

‫ـ وإنت محرج منهم ليه؟ ثم تعال يا خي إنتو ليه تعاملين خدامة؟‬

‫"ما دة شغل! وإحنا قاتعدين نديها مرتب يا خي؟!"‬

‫ـ طيب الرأسماليين مش قاتعدين يدوا العمال مرتبات؟‬

‫"تفرق يا خي"‬

‫ـ تفرق في شنو؟‬

‫"إحنا ما قاتعدين نستغلها!!"‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ إذا افترضنا إنو دة صاح في التعب؟ طيب تمن الحراج دة برضو محسوب في المرتب؟ وإذا كنت إنت نفسك يا ماجد ـ‬
‫خجليك من الرأسماليين ـ بجتحرج من شغل الخدامين دة تبقى حتجي من وين المساواة النت بتتكلم تعنها دي؟؟ وبعدين هو‬
‫في حاجة إسمها خدامين في الشتراكية؟؟‬

‫"وال إنت بقيت لي ماركس تعديل!"‬

‫ـ وهو في ماركس تعديل وماركس مش تعديل؟!‬

‫‪...‬‬

‫ل قليصال إلى أ ن أزالت ضباباتها اليام بعد ذلك‪.‬‬


‫وبدأت تتضح لجو حكاية البرجوازية الوطنية هذه قلي ا‬

‫****‬

‫ظهرت نتائج المتحانات‪ .‬ونجح الرفاق إل نو ن! الغريبة أنها رسبت في )اللغة العربية( ولكن "إذا تعرف السبب بطل‬
‫العجب"! والسبب هو ببساطة تز نمت مصححي )العربي( التقليديين‪ ،‬الذين لم يسمعوا بـ)أشكال التعبير الجديدة( فظنوها‬
‫أخطاء الجهل بـ)العربي(! وكاد السيد زين العابدين يموت من الغيظ‪ .‬وكا ن تعلى نو ن أ ن تعيد السنة )الكجرة( ليتولى هو‬
‫بنفسه مسألة العربي هذه!‬

‫إنتحبت نو ن كثيراا‪ ،‬ولكن جو أرسل إليها رسائل أقل رومانسية ـ ولكنها أكثر حباا‪ .‬وحكى لها تعن أشياء كثيرة لم‬
‫تبصرها هي من وراء الجدار ن‪ .‬وفرد لها إتساع الدنيا‪ .‬ودتعاها إلى أ ن تواصل اجتهادها )وتنحني للريح( مرة أخرى‪،‬‬
‫وطمأنها أ ن التأبيدة ستنتهي بالفراج قريباا‪ ،‬وقال لها "إ ن الناس الذين يستحقو ن الحب أكثر بكثير مما نتصور وإ ن‬
‫اليام لبد أ ن تصير جميلة في نهاية المطاف فها هي قد حدثت المعجزة وحقق تعلى إسماتعيل حلمه ودخل كلية‬
‫الهندسة‪ ..‬وهاهي أنهار ستكو ن بجانبه‪ ،‬وشربات ستتحدد صرفته تعما قريب"‪.‬‬

‫في بيت تعامر ديكور‪ ،‬أقاموا إحتفاال كبير ا تعلى شرف النجاح حضره ماجد تعبد الرحمن‪ ...‬ولما صعد العطر الرؤوس‪،‬‬
‫فاجأهم تعثما ن شربات‪:‬‬

‫ـ تعارفين يا ‪########‬ين أنا صاري ليكم شنو؟‬

‫ـ طبع ا صاري لينا وشك المكعوج دة ـ قال ديكور مازحاا‪ ،‬فألقمه شربات حجراا‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ يا زول أتعمل حسابك‪ .‬وال الكلم ده لو وصل لنهار‪ ،‬خشمك حيتكسر بالعكب العالي!‬

‫تدخل جو‪:‬‬

‫ـ أها يا أبو الشرابيت؟‬

‫ـ تعرفوا يا جماتعة إنو )البوكسن( بتاتعنا ما بدخلنا الجامعة‪ ..‬وما تعايزين مدافرة تاني‪ ..‬لكين يا كلبات "كل آفة وليها‬
‫آفة" أنا قررت أدخل كلية الشرطة‪.‬‬

‫ـ ل حولة!! ـ قال تعلى إسماتعيل ـ تعايز تبقى )إر المضر(؟!‬

‫ـ مضر ساكت؟ وال السويها فيكم النجار في الشجر ما سواها‪ ..‬تعلي اليمين أقبضكم جنس قبض!! تمشوا مني وين؟‬
‫لكين أحسن ليكم الفوضى بتاتعتكم دي كملوها من هسع‪ ...‬أنا بحذركم‪.‬‬

‫ـ يا خي إحنا متين بدينا وانت صاقع فينا تهديدات وتحذيرات!؟‬

‫ـ بس أنا كلملتكم ‪" ...‬ول تعذر لمن أنذر"‪.‬‬

‫ـ أيوآآ ‪.‬ـ صاح تعلى إسماتعيل ـ أكيد دي أنهار أقنعتك‪ ..‬طبعا تعايزاك تبقى زي أبوها؟‬

‫ـ يازول أبوها بتاع شنو؟ دة راجل شاويش ساي!! طبعا أخوكم أول ما يجخت النجمة تعلى كتفه‪ ،‬يمشي ويصدر أوامر‪:‬‬
‫"شاويش بشرى‪ ..‬إلى المام مارش" مش زي ناس كدة‪.‬‬

‫ـ وال يا جو الزول دة قاصدك تعدييييل!‬

‫ـ بالمناسبة إنت الجماتعة بتاتعينك ديل حيعملوا شنو؟‬

‫ـ حيعملوا شنو؟ ما يحفظوا خطب‪ ،‬طبعا حتكو ن تعن المجد والسؤدد‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ل‪ ،‬فقد ك جو ن تعلى إسماتعيل وأنهار ومجموتعة من الطلب فرقة مسرح )جماتعة الرصيف(‪ .‬أنضم إليهم‬ ‫كا ن ذلك العام جمي ا‬
‫جو ـ بطبيعة الحال‪ .‬وبعد أول تعرض لمسرحية الشماشة‪ ،‬ضربت شهرة فرقتهم الفاق‪ .‬وصارت تتزين بها إحتفلت‬
‫الجامعة‪ .‬فمع كل إتعل ن تعن حفل لرابطة‪ ،‬أوجمعية‪ ،‬أو حزب سياسي إل ويجد الناظرو ن "كورال‪ ..‬شعر‪ ...‬مسرح‬
‫الرصيف"‪ .‬وانهمك جو في تلك اليام في كتابة مزدوجة‪ :‬إلى نو ن وإلى العالم‪ .‬وظهرت مسرحية )زوار الليل( المستقاة‬
‫من مأساة أستاذ تعساكر‪ ،‬وصادفت هوى لدى الطلبة و)مجلكت الحقيقة لبعض الجماهير(‪ .‬لكن أخطر ما كتبه جو في تلك‬
‫اليام‪ ،‬كا ن مسرحية )البرينسيسة(؛ التي تبدأ بمشهد مثير‪ :‬إذ تزاح الستارة فتدخل البرنسيسة بصحبة كلبها وتمشي‬
‫بكعبها العالي تعلى السللم المفروشة بأيادي الخدم والحشم! وفي وسط المسرح تجلس تعلى ظهور أخرين‪ ،‬فيأتي لها‬
‫آخرو ن بسلة )الموز(‪ ،‬تقشره‪ ،‬تأكله‪ ،‬وترمي بقشره ليتشاجر حوله الجميع!!‬

‫وثارت جدالت طويلة في الجامعة حول )هوية( هذه البرينسيسة! فقد أولها كل تعلى هواه؛ قال اليمنينو ن‪" :‬إنها‬
‫)الطاغوت("!! وقال الوسطيو ن‪" :‬إنها )السلطة("! أما اليساريو ن فاختلفوا فيما إذا كانت هي )الرأسمالية( أم‬
‫)البرجوازية(! أما الخبثاء فقالوا‪ :‬إنها )شكش آخر زمن(!‬

‫ولما سئل جو‪ ،‬قال‪" :‬البرنسيسة هي البرينسيسة"!‬

‫بعد تلك )العلقة( النظرية‪ ،‬فقد حدثت بعض التغيرات الطفيفة لماجد تعبد الرحمن‪ ،‬وقد بدأ يحل جزئيا محل بطيخة! وفي‬
‫تعزومة غداء لـ)أصدقاء التقدميين(‪ ،‬حسب وجهة نظره‪ ،‬حضرها بالضافة لجو‪ ،‬تعلى إسماتعيل وأنهار؛ جاءت تعوضية‬
‫ووضعت المطايب تعلى السفرة‪ ..‬وهمت خارجة‪ .‬فنادها جو‪:‬‬

‫ـ تعالي يا تعوضية أتغدي معانا‪.‬‬

‫ـ ل أنا إتغديت‬

‫ولما كا ن جو يعرف هذه الكذبة ـ ل ن )ألخديم( ل يتغدين إل بعد أسيادهن‪ ،‬حاصرها‪:‬‬

‫ـ إنتي خجلنة من تعلى إسماتعيل ول شنو؟ دة طبعا بخلجل‪.‬‬

‫وكا ن تعلي أسماتعيل يحدق في المطايب التي ذكرته ببطيخة؛‬

‫ـ لكين معليش‪ ،‬إتعتبريهم أصحابك‪ .‬وأهي أنهار قاتعدة معانا‪ .‬وتمنى جو أ ن تكو ن الست سهى موجودة‪.‬‬

‫ترددت تعوضية‪ ..‬فقام جو بجرها من يدها‪ ،‬ولز تعلى إسماتعيل جانبا ليفسح لها المكا ن‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وها هي تعوضية‪ ،‬ولول مرة تتذوق الطعام يدا بيد مع ماجد وفي إناء واحد!!‬

‫لحظ جو مشاطها الجميل فقال‪:‬‬

‫ـ شنو يا تعوضية الليلة قيافة كدة؟‬

‫ـ وال تعندي تعرس أخوي بكرة‪.‬‬

‫ـ وإنتي ما تعازمانا ول شنو؟‬

‫ـ لكين إنو بتجونا؟؟‬

‫ـ وما نجي ليه؟‬

‫ـ وما نجي ليه ـ أضاف تعلى إسماتعيل وهو )يجادل( تعظما ـ ولكز أنهار قائ ا‬
‫ل‪:‬‬

‫ـ شوفي‪ ..‬إنتي تحاولي تتخارجي من الداخلية‪.‬‬

‫ثم قال لعوضية‪:‬‬

‫ـ طبعا يا تعوضية إحنا حنبيت تعندكم‪ ..‬نعمل شنو؟ طبعا دي صحبة البنات‪ ،‬مافي طريقة نرجع بالليل!‬

‫واحتجت أنهار تعلى الجملة الخيرة مؤكدة أ ن المشكلة سببها الرجال وليس النساء لنهم هم الذين يخافو ن تعليهن من‬
‫الحاجات الفي )روسينهم ( و‪ ..‬و‪..‬‬

‫فتدخل جو لخماد )الفتنة(‪:‬‬

‫ـ خلص يا جماتعة‪ ،‬ما تعلموا لينا البيضة أول ول الجدادة!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫قالت تعوضية‪ ،‬بصدق ومسكنة‪:‬‬

‫ـ وال تشرفونا‪.‬‬

‫ـ يشرفوك شنو؟ ديل حيجوا يوسخوا ليك بيتكم‪.‬‬

‫ولول مرة تسعد تعوضية سعادة حقيقية بسيرة )الوساخة(‪.‬‬

‫وكذلك تورط ماجد تعبد الرحمن ورطته التالية في معترك الجماهير والبلوتاريا‪.‬‬

‫وهناك‪ ،‬في )الكرتو ن(‪ ،‬الجيتو السوداني‪ ،‬لم تصدق تعوضية تعينيها‪ ،‬وكانت في غاية الرتباك وهي تستقبل )السادة(‬
‫ضمن الوفد‪ .‬ولكنها ججرت صديقتها إلى دكا ن اللفة لتحضرا )البيبسي( خوفا من أ ن( )يعاف( )السادة( )ماء زيرهم(‬
‫و)تعصيرهم( ـ هذا طبع ا بالضافة إلى كرمها الشخصي‪ ،‬ولكنها تعادت ووجدت تعلى إسماتعيل قد )ضرب الصحبة( مع‬
‫أهل البيت‪ ،‬وجعل البساط احمدياا‪ .‬ولفرحتها بهذه المشاركة‪ ،‬بالضافة للفرح الساسي‪ ،‬رقصت تعوضية "في بنات‬
‫جيلها" كما لم ترقص من قبل‪ .‬ولم يصدق ماجد تعبد الرحمن أ ن هذه الجميلة الرشيقة هي تعوضية )الخدامة(! التي لم‬
‫يكلف نفسه يوم ا بتفرس ملمحها! فصار يحكي بعد ذلك للرفاق )بهجة( ذلك اليوم طويال إلى أ ن جاءت الخاتمة العجيبة!‬

‫بعد شهور‪ ،‬دخل جو تعلى ماجد ‪"..‬حق اله بق ال" و"كيف الحال يا بن خالي"‪ ،‬وكعادته ذهب لداء بقية الطقوس‬
‫السلمية‪ ..‬والمناقرات مع تعوضية تعلى البساط الحمدي الذي امتد بينهما‪ .‬ناظرا إلى قميصه ـ حتى يتسعد للطابور إ ن‬
‫كانت هناك زرارة )مشاترة(‪ ،‬فبالتاكيد ستوقفه تعوضية طابور وتقول له "أحرجتنا ياخي!! زرارة خضرة في قميص‬
‫أبيض!" وتذهب ـ كعادتها ـ لتأتي بعلبة الزرائر والبرة والخيط وتنزع الزرارة المشاترة لتثبت مكانها أخرى )مناسبة(‪.‬‬
‫ولكنه فوجيء بالخدامة الجديدة! فسألها تعن تعوضية‪ ،‬ل إجابة!! وقد ظن أنها مريضة‪ ،‬وبدأ يفكر في مشاكل مواصلت‬
‫)الحاج يوسف(‪ ،‬ولكنه لما سأل ماجد‪ ،‬كانت الدهشة‪:‬‬

‫"يا خي دي طلعت حرامية!"‬

‫ـ إنت متاكد يا ماجد؟ ياخي "إ ن بعض الظن إثم"!‬

‫"يا خي دي سرقت محفظتي‪ ..‬تصور!!"‬

‫ـ وإنت محفظتك دي كانت وين؟ ما يمكن إتنشلت في حتة تانية؟!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫"ل ‪ ..‬دي كانت في البنطلو ن بتاتعي هنا في البيت!"‬

‫ـ طيب‪ ،‬لو فرضنا دة صحيح‪ ،‬إنت سألتها سرقت ليه؟‬

‫"ل‪"..‬‬

‫ـ ياخي إنت غلطا ن! تعلى أي حال‪ ،‬أنا حأمشي ليها‪ ..‬أشوف!‬

‫"ل‪ ..‬ل‪ ..‬ياخي إنت مالك ومال الكلبة دي؟"‬

‫أحس جو أ ن في المر شيئاا! و)جو( "لبد أ ن يعرف الحقيقة"‪.‬‬

‫كا ن ماجد تعبد الرحمن مثل بقية من أسماهم بـ)البرجوازية الوطنية(‪ ،‬ل تتعدى تجاربه مع البرجوازيات الوطنيات‬
‫)الجف صرش(‪ ،‬التي تدمنها أولء البرجوازيات كجزء من "السطحية والنانية وتعبادة المظاهر والتضليل"‪ .‬وبسبب الحكي‬
‫الذي كا ن يحكيه جو وبقية أولد قرف تعن )القاليم العميقة(‪ .‬فقد داهمت ماجدا هذا الرغبة في الستكشاف وزيارة‬
‫)معرض شرف الوطن(‪ .‬ولكنه كبرجوازي )أصيل( )تردد(!‬

‫فقفزت إليه صورة تعوضية ـ خاصة صدرها الفريقي العنيد!! الذي تعبر تعن نفسه جيدا في يوم الحفلة‪.‬‬

‫تخلف ماجد تعن الجامعة‪ ،‬وكما هي العادة‪ ،‬كا ن البيت خاليا في ساتعات النهار‪ .‬نادها‪ ،‬فجاءت كما كل يوم‪ .‬أمرها‪:‬‬

‫ـ أقعدي‪.‬‬

‫نفذت المر كما كل يوم‪.‬‬

‫مدي يده وأمسك البرتقال )كما كل يوم(!‬

‫نزتعت منه هذه البرتقالة )الخاصة(‪ .‬وقامت‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ أقعدي‪.‬‬

‫ماطلت‪.‬‬

‫ـ إنت تعايز شنو؟‬

‫ـ يعني أكو ن تعايز شنو؟! أقعدي‪ ..‬قالها بحدة‪.‬‬

‫ولكنها لم تنفذ المر‪ .‬قام وأمسك بها وجرها إليه‪.‬‬

‫فدفعته وهمت خارجة‪.‬‬

‫لحق بها وطاخ ـ كف‪.‬‬

‫"يا كلبة ‪ ..‬ترفضيني أنا؟!"‬

‫وبعد مصارتعة تعنيفة‪ ،‬فشل في الحصول تعلى مبتغاه! وبقيت تعوضية تحرس البيت من الخارج حتى جاءت الست‬
‫منيرة‪:‬‬

‫ـ مالك يا تعوضية؟!‬

‫لم تنبس بكلمة ‪..‬‬

‫دخلت الست وسألت ماجد فكانت الجابة‪:‬‬

‫"تتصوري يا ماما تعوضية نشلت محفظتي؟!!"‬

‫"تصوري!! تعشا ن كدة أنا طردتها"‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫مضت الست وتحسست ذهبها‪ ،‬فوجدته وحمدت ال تعلى سلمته‪ .‬ولما كانت تعوضية هذه قد تربت معهم‪ ،‬ولم ترتكب‬
‫شيئا كهذا‪ ،‬إكتفت الست بتسريحها‪ ،‬ولم تبحث تعن الحقيقة!!‬

‫ـ لكين بتبالغ يا ماجد!‬

‫"بال دي ترفضني ‪ ..‬الكلبة دي!"‬

‫ـ ياخي من حقها إنها ترفضك! ولنفترض إنو ما من حقها زي ما إنت متصور‪ ،‬ياخي تصادر منها حق إنها تتمنع زي‬
‫البنات؟ ثم هل سألتها؟ يمكن تعندها )دورة( ويمكن كانت نايمة مع حبيبها ويمكن كانت شغالة أمبارح في )معرض‬
‫شرف الوطن(‪ ،‬وتعبانة ـ ودة إنت قايلو ببلش؟ و جل تابع للمرتب البتدفعوه ليها؟ ويمكن ويمكن ويمكن ‪..‬إنت يا ماجد‬
‫راجل نذل‪ ..‬حركاتك دي أتعلمها مع صاحباتك )البرجوازيات(‪..‬‬

‫ولول مرة يضطر جو للقاء محاضرة‪ .‬ومنذها توترت تعلقته مع ماجد وصارت الجمعات تعند تعوضية!‬

‫****‬

‫سلكت قصة التصديقات‪ .‬وارتفعت تعمارة السيد زين العابدين طابقا آخر‪ ،‬وبدأ الذي يليه‪ ،‬وترجقي صلح زين العابدين في‬
‫البنك مستند ا تعلى ترقيته في داخل جماتعته‪ ،‬بعد أ ن بنى قاتعدة معرفية بـ)الوسائل(‪ .‬وفي زيارته إلى كسل‪ ،‬لم تعد‬
‫المسالة مسالة )قدم وساق( بل صارت لها )ساقين(‪ .‬كانت الخطة جاهزة‪ .‬شرحها صلح بتفاصيل خبير وطلب من والده‬
‫أ ن يخبر أصدقاءه إ ن أرادوا اللحاق بالركب! وكا ن )الركب( شركة يتكفل صلح بتسهيلتها البنكية‪ ،‬وهو سيكو ن‬
‫الشريك غير المعلن!‬

‫بعد أشهر‪ .‬زاد تعدد لفتات البلد لفتة أخرى )شركة البركات للتجارة والستيراد المحدودة(‪ .‬و)جأختير( السيد زين‬
‫العابدين رئيساا لمجلس الدارة من تعلى البعد! ولكن تعلى رأي المثل "رب ضارة نافعة"! فبسبب تغلغل جماتعة صلح‬
‫ومزاحمتهم لجماتعة السيد زين العابدين ـ أصحاب )الشغلنة( الساسيين‪ ،‬رأي الخيرو ن الستنجاد بكوادرهم الموثوقة‬
‫لتعزيز وضعهم المركزي ـ خاصة في مسائل الخطب والفصاحة التي ل تجارى فيها جماتعة صلح‪ .‬فتم ترفيع السيد زين‬
‫العابدين إلى رتبة )أمين مركزي(!‬

‫وتعاد تعماد زين ليجد ثلث نتائج‪:‬‬

‫طوابق المجد في البياض الخير؛ ومسألة النتقال إلى العاصمة؛ ونجاح نو ن في امتحا ن الشهادة‪ .‬ولما كا ن في تلك‬
‫اليام قد تفشى بين الناس مرض )جنو ن الدكترة(‪ ،‬فقد إمتعض السيد زين العابدين مرة أخرى‪ ،‬ولكن هذه المرة من‬
‫خذل ن بوكسن نو ن ـ التي أهدرت وقتها وطاقتها مع "إ ن واخواتها"!! ولكن تعماد زين بذل مجهودا جبارا لقناتعه بأ ن‬
‫تذهب نو ن وتدرس )له( الطب في مصر‪ ،‬بعد أبطل كل اتعتراضاته إستنادا تعلى سابقة ذهاب سلمى إلى الباكستا ن‬
‫لدراسة الطب هناك إثر )مجاهدات( صلح مع جماتعته‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وهكذا تحدد مصير نو ن وتم إنقاذها من إتعادة السنة أو الشياء الخرى التي قد تتسبب فيها نظرة من أحد )الدكاترة( أو‬
‫)المهندسين( الراغبين في الزواج!‬

‫وصلت الرسائل إلى جو حاملة الخبار السعيدة؛ النجاح‪ ،‬وقرب الدار الذي هو "خير من البعد"‪ .‬ولكن بسبب محركات‬
‫السيد زين العابدين ومساوماته ـ للحصول تعلى بيت حكومة تعلى النيل‪ ،‬وفرش يليق بالمقام الجديد ـ تلكأت مسألة‬
‫النتقال إلى الخرطوم‪ .‬وحل ميعاد السفر‪ :‬كسل ـ الخرطوم )بيت صلح( ـ القاهرة‪.‬‬

‫وفي يوم السفر‪ ،‬كا ن موكب الوداع قد رابط منذ أول الظهيرة‪ .‬في الثالثة والنصف‪ ،‬هبت تعاصفة ترابية غبرت الوجوه‪.‬‬

‫في الرابعة‪ ،‬استدارت وتوقفت العربة الحكومية الفارهة‪.‬‬

‫هبط شاب وسيم‪ ،‬في دمه بشاشة العابرين‪.‬‬

‫تعرف جو أنه تعماد زين ـ الذي طالما حكت تعنه نو ن الحكايا‪ ،‬في رسائلها الطويلة التي كانت تكتب في حب دائم لغية‬
‫مود الفصول‪.‬‬

‫ترجل السيد زين العابدين‪ .‬ولول مرة يراه جو في تعمامة كتلك التي يرتديها )الخطرو ن(‪ .‬وتبعه صلح‪ ،‬بلحيته إياها‪..‬‬

‫ركت العصفورة‪..‬‬

‫أدار الهواء إسكيرتها‪..‬‬

‫أنحنت وأصلحته‪.‬‬

‫ساتعدت والدتها في النزول من العربة‪ .‬كا ن السائق يجرجرالحقائب‪ ،‬وكانت نو ن قد زاد وزنها‪ ،‬وفتح لونها ـ من أيام‬
‫الحبس الطويل‪ ،‬وزيارات الحمام المتكررة التي ل يعرف سرها إل جو!‬

‫لم يكن السيد زين العابدين قد فكر في مسألة وجود جراثيم وأبصال معفنة في المطار‪ .‬لم يشدد المراقبة‪ .‬كا ن يلقي‬
‫بتشديداته لـ)الدكتور( تعماد للمحافظة تعلى )الدكتورة(‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫التفتت نو ن إلى ما حولها‪ .‬وكا ن المرصد يمر تعلى الوجوه‪.‬‬

‫هذا شربات ‪..‬‬

‫هذا ‪ ..‬تعلى إسماتعيل‪..‬‬

‫هذا أكيد تعامر ديكور‪..‬‬

‫هذا أكيد أبدللهي إساخا‬

‫ثم إلتقت تعيناها‪ ،‬لول مرة بعد زما ن‪ ،‬مع العينين المخيفتين‪..‬‬

‫ربطت جأشها وحدقت فيهما‪.‬‬

‫ذابت‪ .‬واشتهت أ ن تلملها أيادي جو وتحتويها في العناق‪.‬‬

‫نزلت دمعة‪ ،‬وأغرقت المشهد‪.‬‬

‫أخرجت منديلها وبكت‪.‬‬

‫ـوكا ن البكاء لحظتها مشروتعا ـ‬

‫وفي زحام المطار‪ ،‬وبعد أ ن دخلت وراء الزجاج‪ ،‬رأت صف المودتعين‬

‫وهناك العينا ن البعيدتا ن‪.‬‬

‫لوحت بمنديلها المبلل بالدموع‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ولم تبق في تلك اللحظة إل تعينا ن بعيدتا ن تمسدا ن روحها‪.‬‬

‫واختفت بعدها في جوف المدى الجديد!‬

‫****‬

‫أيتها الخرطوم‪ ،‬جاءتك السواهي والدواهي تعلى ما فيك من هذي وتلك!!‬

‫فبعد أ ن استعدل السيد زين العابدين )أمين المانات الفئوية والجماهيرية( تعمامته‪ ،‬التي أصبحت بدال لحمالت البنطال‬
‫بعد أ ن انتقل التك نرش إلى الذهن‪ ،‬بدأ يبهل تعلى الدوائر العليا بعضا من إختراتعاته‪:‬‬

‫ففي يوم الثلثاء‪ .‬الثالث تعشر من أكتوبر‪ ،‬خرج أبدللهي إساخا كعادته يحمل جردل ترمسه‪ ،‬ولم يبق تعليه من وتعد‬
‫)فتين( إل ثمن شبشب واحد لها‪ ،‬ونظارة سوداء له ـ لزوم البكش ـ وإحتياطي من الجنيهات )للتنقيط( تعلى رؤوس‬
‫البنات الراقصات في أيام تعرسه الذي جحدد له شهر ديسمبر‪ ،‬والذي يصادف أيام )الدرت( في كتم‪ ،‬ويكو ن الهل‬
‫و)الحباب( أشد بأس ا في مواجهة )الظروف( والجسام )تريانة( بفيء الحصاد‪ .‬كا ن إساخا يغني أغنية قديمة لها‬
‫سنوات ـ منذ أ ن امتطى صهوة قطار الميجا من أتعوام مضت‪ ،‬ويتوقف كلما مر بسرب من السابلة "ترمس‪ ..‬ترمس‪."..‬‬
‫وهو يعبر شارع القصر باتجاه السوق العربي‪ ،‬رأى الناس يفرو ن كأنما السد )إياه( قد أفلت من )جنينة الحيوانات(‬
‫وهجم تعلى السوق العربي! ولنه ولد )غرباوي( شجاع‪ ،‬والجري )تعيب(‪ ،‬فلم يهرول مع المهرولين وهو يسمع‬
‫"الكشة‪ ..‬الكشة ‪ ."..‬قال لنفسه‪" :‬حتى لو كانت الكشة؟؟"‪ ،‬ومضى‪ ،‬فهو ليس معنيا بها باتعتباره تاجرا تعلى رجليه‬
‫وليس للبلدية تعنده )قيد جزمة(‪.‬‬

‫"ترمس ترمس‪"..‬‬

‫فاجأه جندي‪:‬‬

‫ـ أسمع‪ ..‬البطاقة؟‬

‫ـ بتاقة بتاء شنو؟!‬

‫ـ بطاقة العمل؟؟‬

‫ـ أنا بببيأ ترمس!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫صاح أخر‪:‬‬

‫ـ ياخي سوقو‪ ..‬بال قدامي ‪..‬‬

‫ـ لي وين!؟؟‬

‫ـ وكما ن جايبة ليها لماضة!؟‬

‫طاخ‪ .‬وأخذ الجندي الجردل وقذف به بعيدا‬

‫ـ ل‪ ...‬ل‪!!..‬‬

‫وبقبضه من خلفية )العرراقي(‪ ،‬وجد إساخا نفسه جالس ا تعلى أمشاطه ـ كما أمر الجندي ـ مع الجالسين‪ ،‬الذين كانوا‬
‫جمهرة من الباتعة المتجولين‪ ،‬زوار المرضى‪ ،‬المتسعكين‪ ،‬والذين ل يعرفو ن ما أتى بهم إلى هناك!!‬

‫"إنت الهناك دة‪ ..‬أقلع الطاققية دي"‬

‫"إنت يا بجم ‪ ..‬ما سامعني!؟"‬

‫لكزه جاره‪ .‬فإساخا لم يظن أنه المقصود‪ .‬وأ ن طاقيته التي ظلت تعلى رأسه لسنين ل يخلعها إل وهو نائم أو ذاهب‬
‫ليستحم‪ ،‬لم يخطر بباله أ ن لها دخال‪ ،‬هي الخرى‪ ،‬بما يجري!!‬

‫في منتصف النهار‪ ،‬وجد أبدللهي إساخا نفسه في أستاد الخرطوم ـ الذي طالما سلك فيه ترمسه‪ ،‬خاصة في أيام )هلل‬
‫مريخ(‪ .‬مجموتعة من الجنود‪ ،‬الرسميين وغيرالرسميين‪ ،‬كدل يلقي بأوامره حسب مزاجة‪ .‬كا ن "صياما بل رمضا ن"! إلى‬
‫أ ن جاء المغرب‪ ،‬ففتح ال تعلى )الصائمين( بفتح مواسير ري الستاد )للجماهير(‪.‬‬

‫قام أبدللهي إساخا وزاحم‪ ،‬شرب ماء ثم حمد ال وشكره‪ ،‬ثم توضأ‪ .‬وأضطر هذا اليوم أ ن يصلي الظهر والعصر‬
‫والمغرب )جمع تأخير(‪ .‬ودتعا أ ن تفرج كربته‪ .‬فهو منذ ا ن حفظ سورة )الحمدو( في )الخلوة(‪ ،‬لم يتأخر يوما في‬
‫صلواته‪ .‬ولما جاء دوره أمام كشف المقبوض تعليهم‪ ،‬أدلى بشهاته تعن نفسه بصدق‪ .‬وبدال من أ ن يحدث ما توقعه بعد‬
‫أ ن رأي بعض الناس يطلق سراحهم‪ ،‬وهو لم يرتكب جريمة‪ ،‬كانت النتيجة "سوق دة"!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫كانت )الكشة(‪ ،‬أو ما أسمته الجرائد "حملة تفريغ العاصمة من المتبطلين إلى مناطق النتاج" هي من أخطر إبتاكارات‬
‫السيد زين العابدين الفئوي‪ ،‬التي أخرجها بعد أ ن تحيرت )لجنة التعبئة السياسية( )!!( في تقرير التهديدات )المنية(‬
‫التي صار يشكلها من أسماءهم التقرير بـ)النازحين(‪ ،‬مدرتعما بأخبار جرائم السطو تعلى الفلل والعمارات ليال بالسواطير!‬
‫)ولم يذكر التقرير طبعا حقيقة أ ن ذلك كله من آثار التجنيب(!‬

‫كا ن جو يقرأ كتاب )الطاو( لـ)لو تزاو(‪:‬‬

‫"إ ن منع جمع الكنوز‪ ،‬يمنع السرقات‪"..‬‬

‫"والمتناع تعن إظهار المواهب‪ ،‬يمنع الشجار"‬

‫"‪ ...‬و‪ ...‬و‪"...‬‬

‫ويكتب رسالته إلى أرض مصر‪ ،‬يحكي ما حدث لبدللهي إساخا‪ ،‬الذي شوهد في )سنار التقاطع( جالسا بسرواله‬
‫الداخلي )فقط(! جيق جطع الرغيف لعمل )الفتة( للمكشوشين‪ ،‬المحمولين في قطار الميجا العائد إلى )أقاليمهم(! ولكن هذه‬
‫المرة ليس تعلى )السطوح(‪ ،‬وإنما داخل تعربات نقل البضاتعة! تحرسهم الشرطة المدججة بالسلح!!‬

‫ولما دخل قطار الميجا القادم إلى الخرطوم‪ ،‬نظرت )النية بت أبكر( من نافذة تعربة الدرجة الثالثة فصاحت متعجبة‪:‬‬

‫"صهجي!! أبدللهي أخوي!! إلتي جنيتي ول شنو؟؟"‬

‫"هدورمك وينو؟؟!!"‬

‫ردوا تعليها‪:‬‬

‫"ديل سايقنهم ناس الكشة!! قلعوا منهم ملبسهم تعشا ن ما يشردوا"!!‬

‫كا ن أبدللهي إساخا قد جلس‪ ،‬ولم يستطع القيام‪ .‬كا ن وضعه بالضبط كما تجلس نساء )الصغررجب( للقاء التحية! ولكنه كا ن‬
‫يسلم بظهره تعلى قريبته )النية( التي هالها المر فثارت‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫"إتي خلس بقيتم )مرة( يا أبدللهي أخوي؟!! دي منو راجل بسوقيك زي خنمايتو؟! وال كا ن خنمايتو كا ن أخير‪"!!..‬‬

‫"يسوقيك زي مرتو!! إتي ما تكتلي؟؟؟؟!!"‬

‫وهنا تدخل أحد )الحرس( ملقيا بتهديداته‪:‬‬

‫"هوي يا مرة‪ ...‬أمسكي خشمك‪ ...‬وال هسع أتربسك"!‬

‫وحدثت مشاجرة بين الحارس المسلح والنية بت أبكر‪ ،‬إنتهت بتدخل الشاويش )الغرباوي( الذي تعرف مصير إساخا بعد‬
‫أ ن يصل الخبر تعبر النية بت أبكر‪ .‬صعب تعليه المر‪ ،‬وفي ربك‪ ،‬قام الشاويش بتسريب أبدللهي إساخا وأتعطاه تعراقيه‬
‫قائ ا‬
‫ل‪:‬‬

‫"شوف يا زول‪ .‬أشرد ‪.‬وأوع تاني أشوفك"‪.‬‬

‫وأوصاه‪:‬‬

‫"الخرطوم دي أختاها‪"..‬‬

‫‪.....‬‬

‫وهناك في القضارف‪ ،‬سمع أبدللهي إساخا الغاني التي غنتها بنات كتم تشهيرا به‪ ،‬وكيف لم يتوا ن أهل )فتين( في‬
‫)ستر إبنتهم( في ذلك الدرت‪ .‬أجاز أبدللهي إساخا كل الشياء التي كانت )حراماا(‪ ،‬وبدال من السجائر‪ ،‬صار يدخن‬
‫)البنقو(!‬

‫وأيضاا؛‬

‫إنتقل التجنيب من مرحلة الكرش إلى مرحلة التجنيب الذهني‪ .‬فما باليد من تعمارات ظاهر‪ .‬وما تم ابتلتعه في الكرش‬
‫أيضاا‪ ،‬فما الحل؟‬

‫أستقصى السيد زين العابدين واستجار‪ ،‬فأجاره )اليما ن( بالكتب الربعة‪ .‬وإختار وصية المسيح "ل تكنزوا لكم كنوزا‬
‫في الرض حيث يفسد السوس‪ ،‬وينقب اللصوص فيسرقو ن‪ .‬بل إكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث ل سوس ول‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫لصوص"‪ .‬قام الكمبيوتر الشخصي للسيد زين العابدين بترجمة كلمة )الرض( إلى )‪ (homeland‬والسماء إلى )‬
‫‪ !( overseas‬واستيقظ السوس واللصوص ذات صباح‪ ،‬ولم يجدوا ما يسد رمقهم‪ .‬فانفجرت الخرطوم‪ .‬وكانت‬
‫المواجهات صعبة ومرتعبة أضطرت السيد زين العابدين أ ن يستلف )فقه الضرورة( من إبنه صلح‪ ،‬ومعه كتب الفقه‬
‫والتفاسير للمذاهب الربعة‪" .‬وما فرطنا في الكتاب من شئ"‪.‬‬

‫وبعد تمرير فقه )المصالح المرسلة( من قبل جماتعة صلح‪ ،‬ونجاحهم في خلط البيض بالسود في )بوتقة النصهار(‬
‫وإنتاج الرماديات التي تبدأ بميم‪ :‬مضاربة‪ ،‬مرابحة‪ ،‬مساومة‪ ،‬مباغتة ‪..‬إلخ‪ ،‬اقترب السيد زين العابدين من إبنه صلح‬
‫وجماتعته‪ .‬وبعد قراءة متمعنة للفقه الجديد‪ .‬خرج صائحا كما أرشمييدث يومذاك‪" :‬وجدتها‪ ...‬وجدتها"! وقام ببرمجة‬
‫المسألة في كمبيوتره الشخصي )‪ ،( pc‬فما أ ن تفتح هذا الكمبيوتر وتطلب القاموس‪ ،‬يأتيك مربع الحوار‬
‫‪ ((Dialogue Box‬فتكتب )الحل( وتعمل إدخال )‪:(Enter‬‬

‫تأتيك الجابة )‪(Shari aa‬‬

‫ول ن شريعة هذه كلمة فضفاضة‪ .‬وحمالة أوجه‪ ،‬فتقوم بطلب القاموس مرة أخرى ـ إذا كنت ذا تعقل ـ فيأتيك مرع‬
‫الحوار )‪ ،(Dialigue Box‬وبحثا تعن معنى شريعة في هذا القاموس تكتب‪ Shari aa :‬وتعمل )‪(Enter‬‬
‫فتقرأ التالي تعلى الشاشة‪:‬‬

‫‪.Shari aa is to govern people by one governor until his death -1‬‬

‫‪Shari aa is to cut hands of thieves –Tajneeb is excluded – and -2‬‬


‫‪especially those who jump into villas, but if they were armed,‬‬
‫‪they must be crucified after cutting their limbs opposilaterally‬‬
‫)‪.(i.e, right hand and left foot simultaneously‬‬

‫‪Shari aa is to cover and imprison Naziks till they would be taken -3‬‬
‫‪.to their final prisons‬‬

‫‪;the most important -4‬‬

‫‪Opposition means anti-God, so, Oppositors should be killed, and‬‬


‫‪.Nasty Onions should be persecuted‬‬

‫وتعلى هذا الساس بدأ السيد زين العابدين يتحرك في الدوائر العليا مسنودا هذه المرة بسواتعده اليمنى؛ صلح‬
‫وجماتعته‪ .‬كانت الجامعة مغلقة بسبب المشاكل )إياها(‪ ،‬لذلك تعادت إلى بيت ديكور أيامه القديمة‪ ..‬كا ن ديكور يرسم‪،‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وجو يلملم أطراف الحلم وهو خارج لتوه من دهاليز )نيتشه( التي سار فيها تعلى مركبات أهازيج )زارادشت(‪ .‬أرخي‬
‫أذنه لعامر ديكور الذي )إنسجم( وبدأ يدند ن مع الصوت القادم من )بيت العرس( المجاور‪:‬‬

‫يا سيد العمارة‬

‫يا السايق الطيارة‬

‫لو كنت في بارا‬

‫بس راجية الشارة‪ ..‬طجوالي‬

‫يا حبيبي طوالي‬

‫ـ ال؟! الصوت دة أنا سمعتو وين؟! دة صوت )ندى(!! قال جو‪ ،‬وهو يقذف بنيتشة وزرادشت‪ .‬ثم قام واقتلع الفرشاة‬
‫من يد ديكور قائ ا‬
‫ل‪:‬‬

‫ـ دي ندى الكلمتك تعنها!! تتذكر؟‬

‫ـ أيوة‪ .‬لكن دي يكو ن جابها هنا شنو ياخي؟! إنت يكو ن إتشابه تعليك )البقر(‪ .‬وجل تكو ن سكرت؟!‬

‫ـ بقر شنو وسكر شنو ياخي؟ إنت لو تعايز تشوفها ي ج‬


‫ل قوم يا خي ‪..‬‬

‫استشاق ديكور وأخذ كل منهما ) ججغمة( ثم خرجا إلى بيت العرس‪ .‬هناك كانت ندى الشروق وقد تحولت إلى )جشجهجبصرة‬
‫جلجهجبصرة( وقد زادها )الميك أب( تللؤاا!! كانت تغني ما كا ن يسمى بالغاني الهابطة!‬

‫ولكن جو كا ن يرى العكس في ذلك! ويجادل في أنها صاتعدة! تعلى أساس أ ن الذين يؤلفونها قد أجبروا تعلى أ ن يجدوا‬
‫أنفسهم في القاع‪ ،‬وبالتالي فليس من الممكن أ ن )يهبطوا(! "وإل فإنهم سيهبطو ن إلى أين؟! إذ ن هم يصعدو ن! وإذا كا ن‬
‫في المر سوء فإنه في الماكن التي يصعدو ن إليها!!"‬

‫دخل جو وديكور في الزفة‪ .‬وهججا تماماا‪ ..‬وفي نهاية الحفل لم يستطيعا مقابلة )ندى( لوجود )البودي قاردات( العتاة‪،‬‬
‫الذين يحرسونها من السكارى ول يتفاهمو ن بأي وسيلة غير اللكم!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ول ن جو ل يشفي من مرض )الستقصاء( البدي‪ ،‬فذهب مع ديكور إلى مركز الشباب للستفسارتعن ندى‪ ..‬فوجدا لستة‬
‫طويلة من )الحجز( لصحاب الحفلت و)القعدات(‪ .‬وأخير ا دلهم صبي البوفيه تعلى بيتها في )المتداد(‪ .‬ولكنه أحبطهما‬
‫بالمجا ن‪:‬‬

‫"ال يعلم تلقوا حجز!"‬

‫ولكنهما ذهبا إلى بيتها‪.‬‬

‫وهناك استقبلهما )كاتب شونتها( وأكد لهما )بأمانة( ما قاله الصبي‪ .‬إل إ ن جو ألح وكتب وريقة صغيرة‪.‬‬

‫وشرح للكاتب أنهم )جماتعة أهلها(‪ .‬فأتعاد الكاتب تأكيده‪:‬‬

‫"أقل حاجة )بأمانة( بعد شهرين!"‬

‫فقال ديكور لجو ساخراا‪:‬‬

‫ـ بعد شهرين!؟ دي نو ن بتاتك تكو ن ولدت!‬

‫ولكن الوريقة )شفعت( لهما فأدخل‪ .‬وفي داخل البيت العامر‪ ،‬وبعد إزاحة الستائر المخملية‪ ،‬والشربات القازوز‬
‫المخلوطة بالعصائر المانجوية‪ ،‬أتسعيدت الذكريات حسبما اقتضى )الظرف(‪ ،‬وختمت ندى اللقاء وفي صوتها نبرة حز ن‬
‫تعميق قائلة‪:‬‬

‫"الناس بقت تعايزة كدة!!"‬

‫وطبعاا جو ذهب وأكمل بقية البحث بطريقته‪ ،‬وتعرف أ ن ندى ظلت تغني )أحلم بكرة( لزما ن‪ ،‬ولم يعنها ذلك في لقمة‬
‫العيش‪ ،‬إلى أ ن جاءت ليلة تعرس أحد الصدقاء‪ ،‬واستجابت لرغبة الجمهور فغنت )أحلم هسي( لزوم الهجيج‪ ،‬فتدفقت‬
‫ل قلي ال إلى أ ن وصلت إلى )مجد( قعدات الخرطوم ومفاخرات‬
‫تعليها الطلبات لحياء حفلت التعراس‪ .‬وبدأت تزحف قلي ا‬
‫نساء )المجتمع الراقي(‪ .‬وتعرف جو أ ن فرقة أفريقيا الجديدة قد تفرقت أيدي سبأ‪ .‬وظل سيف حسن هناك مع نورمال‬
‫جيتاره وتعرمل ترزيا في )المدينة(!‬

‫****‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫بعد أ ن أكتمل تشييد )البيت البيض(‪ ،‬قرر صلح زين أ ن يكو ن تعرسه في ذلك الصيف‪ ،‬بعد تعودة تعماد زين )دكتوراا(‬
‫ونو ن )إجازة(‪ .‬وتم حجز ندى الشروق للمناسبة تألسي ا بالمجتمع الراقي! ولكن قرر أ ن تكو ن هناك حفلتا ن بدال من حفلة‬
‫واحدة‪ ،‬إحدهما بمواصفات )الجماتعة( درءا للحرج‪.‬‬

‫ووصلت رسائل العودة إلى جو الذي كف تعن الرد في إنتظار رقصة مع نو ن تعلى أنغام )ندى الشروق(‪ ،‬رغم أنف‬
‫)المجتمع الراقي(‪ ،‬وحتى لو تنتهي الحفلة بشكلة‪.‬‬

‫وبسبب مسائل متعلقة بشهادات تعماد زين‪ ،‬تأخر القدوم إلى أواخر حزيرا ن الذي تبدد في النتظار‪ .‬وفي أول أيام تموز‪،‬‬
‫وبينما كا ن جو وديكور يعبرا ن الجسر يترنحا ن سكر ا ونشدا ن النشيد كما كانا يفعل ن وللف المرات؛ فجأة صعدت لجو‬
‫فكرة تعناد قديم! فجلس في منتصف الجسر وقرر أ ن ينام هناك! حاول معه ديكور شتى السبل لقناتعه بالذهاب إلى‬
‫البيت‪ ،‬ولكنه لم يتزحزح تعن موقفه! ولما تعب ديكور من محاولت إقناتعه‪ ،‬سب له دينا مكعباا‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫ـ إنشال البحر يطفح ويشيلك زي ما شال الجماتعة‪..‬‬

‫ـ ما يشيليني؟ قالها جو بعدم إكتراث ثم أستدرك‪:‬‬

‫ـ إنت يا ديكور‪ ،‬الجماتعة الشالهم البحر ديل منو؟‬

‫ـ إنت ما شفت الجريدة بتاتعة الليلة؟؟‬

‫ـ ل ماشفتها!!‬

‫ـ ما الباخرة بتاتعة مصر غرقت وكتلت ميتين وكم كدة!‬

‫ض سراب السكر تعن درورب الذاكرة‪ .‬طارت السكرة‪ .‬واكتشف جو أول ما اكتشف‪،‬‬ ‫وفجأة‪ ،‬دخل النمل جحوره‪ .‬وانف ر‬
‫الحقيقة الغريبة! وهي أ ن الجسر الذي ظل يعبرانه ونشدا ن تعليه الناشيد للف المرات‪ ،‬لم يكن سوى قنطرة صغيرة‬
‫تعلى المجرى الفاصل بين مربعين في الحي!! وأنه بالرغم من تعبورهما له في لحظات )الصحو( وللف المرات أيضا لم‬
‫يلحظا هذه الحقيقة!!‬

‫قام جو ولم ينفض تعنه غبار الجلوس‪ .‬ترك تعامر ديكور يترنح وراءه‪ .‬وفي البيت دخل الحجرة مؤمنا بكل اللهة‪ .‬أشعل‬
‫النور‪ .‬نظر إلى إبتسامة نو ن العريضة‪ ،‬بحث تعن الجريدة وقلبه يدق‪ ،‬وأنفاسه تتعالى‪ ..‬تتلحق ‪ ..‬أشعل سيجارة‪ .‬أخذ‬
‫نفسا وألقى نظرة إلى الجريدة‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫"مائة وست وسبعو ن ضحايا الباخرة )‪!"(...‬‬

‫"هيئة المواني البحرية تشرح أسباب حادثة أبي سنبل"!‬

‫وفتح الصفحة الثالثة حيث قائمة بأسماء الغرقى وهو يردد‪:‬‬

‫"سترك يا رب‪ ..‬سترك يا رب"‬

‫واحد‬

‫أثنين‬

‫ثلثة‬

‫‪...‬‬

‫‪ 20‬ـ د‪ .‬تعماد الدين زين العابدين )خريج(‬

‫قبض جو تعلى نار السيجارة ليقرأ له الزما ن ما يلي‪:‬‬

‫"كانت نو ن‪ ،‬بعد نهاية العام الدارسي‪ ،‬قد قررت إنتظارتعماد‪ .‬وبالرغم من توفر إمكانيات السفر بالطيرا ن‪ ،‬إل أنها‬
‫أصرت أ ن يسافرا بالباخرة! فمنذ تلك اليام الغريرة‪ .‬كانت النهار تعني لها الحب‪ .‬وكا ن النيل بالنسبة لها )مقدساا( فيه‬
‫ذكرة المانج القديمة‪ ،‬وأحلم الكواكب‪.‬‬

‫وأمام إلحاحها‪ .‬رضخ )تعمدة( لرغبتها وهو تعارف بجزء من سر هذا العشق للنيل رمز الحب البدي‪.‬‬

‫حمل حقائبهما ونزل السد العالي‪ .‬كانت نو ن تحمل في حقيبها الصغيرة‪ ،‬صورة جو وآخر رسائله إليها‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫كا ن المساء مفرحا لدرجة لم تحسها نو ن من قبل‪.‬‬

‫أمواج النيل تلتعب حواف الباخرة‪.‬‬

‫الجبال البدية‪ ،‬صامدة )هناك( ‪" ..‬ترى من متى أنت شامخة هناك؟!" سألتها متعجبة‪.‬‬

‫جبل ذكرها )توتيل(‪ ،‬فلوحت له بمنديلها الزرق‪.‬‬

‫كانت أسراب الطيور تمر‪ ..‬تمر تعكس اتجاه الشمس الغاربة‪.‬‬

‫قالت‪:‬‬

‫"ليتني طيدر"‬

‫إنتبهت للمفارقة‪:‬‬

‫"وليت جو طيجر"‬

‫ضحكت‪ ،‬وهي تستعيد في خيالها خاطرة أنهما طائرا ن‪ ،‬يحمل ن القش ويبنيا ن تعشاا‪.‬‬

‫هي تبيض وتحضن البيض‪.‬‬

‫ويذهب جو إلى الفضاء‪ ..‬ويجلب لها الدود‪.‬‬

‫أتعجبتها فكرة حضانة البيض‪ ..‬وتعادت لتسقط الصورة تعلى واقع الناس‪.‬‬

‫"فعندما نتزوج‪ ،‬ونحن لسنا طيراا‪ ،‬ترى كيف يكو ن شكل الولد؟"‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫قسمت القسمة‪:‬‬

‫"البنات‪ ،‬يشبهنني"‬

‫"والولد‪ ،‬لبد أ ن يشبهوا جو"‬

‫سألت نفسها‪:‬‬

‫"ترى كم سيكونو ن؟"‬

‫و حسبت في يدها‪:‬‬

‫"تعماد‪ ،‬تعلى‪ ،‬تعثما ن‪ ،‬وسيد‪ ،‬وتعامر‪ ،‬وتعبدال ومصطفى ‪..‬ل ل كدة انا حأموت من الولدة ‪"..‬‬

‫سمعها جارها تعلى سطح الباخرة تكلم نفسها فالتفت‪:‬‬

‫ـ إنتي معاي ؟‬

‫ـل‬

‫وتحولت إلى الجانب الخر لتعيد ترتيب الصورة‪:‬‬

‫"البنات‪ :‬سلمى‪ ،‬زهرة‪ ،‬وأنهار‪ ،‬وتعزة وجليلة"‬

‫وأخرجت الصورة‪ ،‬نظرت إلى وجه جو‪ ،‬إلى تعينيه المخيفتين‪ .‬قلبت الصورة ثم أتعادت تأملها‪.‬‬

‫دب الظلم في الفاق‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫جاء وقت العشاء‬

‫قليال من العشاء‬

‫قليال من الغفو‪..‬‬

‫أستيقظت تعند منتصف الليل‪.‬‬

‫طلبت من )تعمدة( أ ن يأخذها إلى سطح الباخرة‪..‬‬

‫قال تعمدة‪:‬‬

‫"أنا تعبا ن يا نانا‪ ..‬تعليك ال أمشي براك"‬

‫فرحت‪ .‬فعمدة دائما يثق فيها ويمنحها الفضاء لتطير‪.‬‬

‫كانت تلك آخر جملة سمعتها من تعمدة‪.‬‬

‫في سطح الباخرة أبتدرت صلة النهر بترتيل ذاكرة اليام‪ .‬ابتدا اء من ذلك اليوم الذي أخذ جو يدها وتعبرا ماء المطر‪،‬‬

‫ومرورا بكل شيء مضى‪،‬‬

‫في الواقع وفي الحلم‪.‬‬

‫كانت في قمة النشوى‪.‬‬

‫ولما بدأت آفاق الصباح تلوح‪،‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ وحسب تعلمها ـ‬

‫ستصل الباخرة في آخر الضحى إلى أرض )التراب( المحسوب جو ضمن كائناته‪.‬‬

‫فرحت أكثر‪.‬‬

‫بدأت تتلمع ـ هناك ـ أنوار أبي سمبل‪ .‬وهي غارقة في الحلم الصاحي لسنين طويلة‪ ..‬سمعت الصوات‪ ،‬الصراخ‪ ،‬الناس‬
‫يتدافعو ن!! لم تفهم شيئاا!! وفي اللحظة التي فكرت في البحث تعن تعماد‪ ،‬وجدت نفسها في تعمق الماء والصراخ‪.‬‬

‫لم تكن خائفة‪..‬‬

‫وفي طي موجة‪ ،‬رأت جو يسبح ويناديها‪:‬‬

‫ـ نو‪ ..‬نو‪ ..‬نو‪..‬‬

‫ـ جو‪ ..‬جو‪ ..‬جو‬

‫ـ نو‪ ...‬نو‪ ...‬نو‬

‫ـ جو‪ ...‬جو‪ ...‬جو‬

‫ـ نو ‪..‬‬

‫ـ جو ‪..‬‬

‫ـ نو ‪..‬‬

‫ـ جو‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ ن‬

‫ـج‬

‫ـ‪.‬‬

‫ـ‪.‬‬

‫وفي تلك اللحظة تدخلت الكواكب‪ ،‬وأخذتها إلى حديقة السعادة البدية!"‬

‫لعبة الزمن‬

‫سيرة الحلم‬

‫)استيقظ( جو في السابع والعشرين من الشهر الرابع بعد الذكرى الولى لرحيل نو ن‪ ،‬ولم يجد نفسه في بيت )سيدة‬
‫الفرح(‪ ،‬ول أي بيت آخر! وإنما ضمن كومة من البشر وهدف لركلة الشرطي النوبتجي الصباحي! سيقوا إلى خيمة‬
‫مكتوب تعليها )محكمة الطوارئ( رقم )‪ !(..‬وبعد سين وجيم في البجديات سأله الرجل الجالس‪:‬‬

‫ـ إنت أمبارح كنت سكرا ن؟‬

‫ـ ل‪ ..‬كنت قاتعد في الكبري!‬

‫تدخل الشرطي‪:‬‬

‫ـ كوبري شنو يا مولنا؟ دة جبناهو من البيت الداهمناهو!‬

‫ـ صحيح الكلم دة؟‬

‫ـ وال ما تعارف ‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ ما تعارف كيف؟ والقزازة دي حجقت منو؟ قال الشرطي‪.‬‬

‫تأمل جو الزجاجة‪ .‬لم تكن غريبة تعليه‪ ،‬ومازالت بها بقية أقل من النصف بقليل‪.‬‬

‫ـ أيوة دي بتاتعتي!! جيبها هنا ‪..‬‬

‫وصدر المر بجلده‪ ،‬وحبسه ثلثة أشهر بسبب )حيازة الخمر( بالتعتراف!!‬

‫وفي السجن‪ ،‬استعاد جو ذاكرة المدينة‪ .‬وال‪ ،‬والنهر‪ ،‬والناس‪ .‬واستعاد صور أستاذ تعساكر ورينقو‪ ،‬وأبدللهي إساخا‪.‬‬
‫وأيام نو ن‪.‬‬

‫بدأ يسمع من زملء السجن الحكايا الطويلة‪ .‬ويفكر ويفكر‪..‬‬

‫كانت بعض التفاصيل ل يعرفها أحد! بعضها يختلط ببعض! فنبتت في ذهن جو فكرة )أخبار اليام(‪ .‬كا ن يجلس ويستمع‬
‫ـ في الليل ـ إلى أحزا ن رفاق السجن بكل تفاصيلها ويضيفها إلى أحزانه الخاصة‪ .‬وتعندما يؤخذ إلى منزل ضابط السجن‬
‫ـ ليغسل الملبس والطباق وينظف الحمامات ـ كا ن يستلف من ابن ضابط السجن بعض الوراق والقلم ويدو ن تحت‬
‫تعنوا ن‪) :‬أخبار اليام( كل ما سمعه‪" .‬لبد أ ن يعرف الناس الحقائق"‪ ،‬هكذا كا ن يقول لنفسه‪ .‬وقد استغربت زوجة ضابط‬
‫السجن أ ن يكو ن مثل هذا الرجل في السجن! فصات تعامله بشيء من الود‪ .‬وتم إتعفائه من الغسيل وأصبح مدرس‬
‫النجليزي لبنتها‪ ..‬صارت تعطيه الطعام الجيد‪ ،‬وتهديه الوراق والقلم‪ ،‬وتحفظ له )أخبار اليام( في دولبها!! إلى أ ن‬
‫جاء السابع تعشر من يناير‪ .‬فأطلق سراحه ـ لسبب لم يكن يعرفه ـ قبل تعشرة أيام من انتهاء المدة!‬

‫قامت زوجة الضابط بإتعطائه بنطا ال جديدا وقميصين وخمسة جنيهات وودتعته قائلة‪:‬‬

‫"تعليك ال ما تنقطع مننا"‪.‬‬

‫حمل جو كيسه وأخبار أيامه وذهب‪ .‬تجول في المدينة‪ .‬تعبر جسر )جب لري( إلى الخرطوم‪ ،‬ثم جسر النيل الزرق إلى‬
‫بحري‪ .‬ثم جسر شمبات إلى أمدرما ن‪ .‬ثم جسر النيل البيض إلى الخرطوم مرة أخرى‪ .‬كا ن ماشيا تعلى رجليه وكيسه‬
‫تعلى ظهره يقول مرة بعد مرة‪:‬‬

‫"إييه! ‪ ...‬ما أحلى الحرية!!"‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫بجوار حديقة الحيوا ن‪ ،‬وفي ذلك العصر‪ ،‬جلس أمام الكشك‪ ،‬أفطر‪ ،‬ثم استلف الجريدة من صاحب الكشك‪..‬‬

‫فتح الصفحة الثانية‪:‬‬

‫"الحمد ل ‪ ..‬لسة في سينما!!"‬

‫سينمتا ن فقط! أخبره صاحب الكشك أنهما أهم مصادر الدخل لـ)واحد كبير في الحكومة(‪.‬‬

‫في كوبر‪" :‬التحفة الهندية الرائعة )شولي(‪ ،‬بطولة دهر مندرا وأميتاب بيشا ن )أبوطويلة("!‬

‫"آآخ يا أبوطويلة‪ ..‬أين تكو ن أنت ال ن؟"‬

‫قام‪ ،‬وضع كيسه تعلى ظهره ثم تعاد إلى )كوبر(‪" .‬والجوة وين؟ جوووة‪ ..‬والبرة وين؟؟ جووووة"!!!‬

‫كانت السينما مزدحمة‪ ،‬لكن الصدفة تواطأت وحنت تعلى جو‪:‬‬

‫ـ تعايز تذكرة يا شاب؟ في واحد أخونا معانا ما جا‪..‬‬

‫ـ جيب‪ ..‬جيب!!‬

‫ودخل جو السينما‪ .‬وكا ن الفيلم )هنديا تماماا(‪ .‬ولما انتهى‪ ،‬نسي جو أنه يحمل أخطر الجرائم وصك إدانة الزما ن! )أخبار‬
‫اليام(‪ .‬ولكنه كا ن ل يريد أ ن ينام هذه الليلة بالذات داخل أي جدرا ن! ذهب وتجول هنا وهناك‪ ،‬ولم يأبه للطوارئ!‬
‫تع جشى في أكشاك السوق‪ ،‬وحمد ال وشكره‪ ،‬ثم قام ومشى‪ .‬وبجوار نادي السجو ن‪ ،‬لحظ زيادة تعدد الحراس! ولكنه‬
‫قجدر أنهم يعرفونه‪ .‬وهو يستطيع أ ن يثبت لهم أنه قد تم إطلق سراحه‪ ،‬وإ ن تعصلجوا‪ ،‬سيستعين بزوجة الضابط!‬

‫توسد كيسه ونام بالقرب من سور النادي‪ .‬كانت نومته تعميقة‪ ،‬لم يكدرها أي كابوس! وفي الصباح‪ ،‬استيقظ تعلى إثر‬
‫جلبة تعظيمة حول المكا ن!! كميات من البشر تتقاطر وهي تهتف "ال أكبر‪ ..‬ال أكبر"!‬

‫ظن جو أ ن الثورة قامت‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ولكنه استقصى؛ سأل الرجل الذي كا ن تعلى نية أ ن يتسلق الحائط‪:‬‬

‫ـ في شنو الليلة يا أخونا؟!‬

‫ـ الكافر )محمود محمد طه(؛ الليلة رجمه؟!‬

‫ولول مرة يجد جو كافرا متعيناا! فكل ما كا ن يعرفه تعن )الكفار( أنهم )أبو جهل( و)أبو لهب( و)فرتعو ن(؛ وأنهم ـ تعلى‬
‫أي حال ـ مرتاحو ن في قبورهم! فقفزت إلى ذهنه صروتا ن متداخلتا ن؛ صورة ذلك )الكافر( الوقور التي تظهر مرات في‬
‫الجرائد‪ ،‬وصورة أولئك الفتيات ذوات الثياب البيضاء اللتي اشترى منهن كتابا ذات يوم في ممرات السوق الفرنجي‪،‬‬
‫ذلك الكتاب الذي ذكره بعم تعبده!‬

‫تسلق جو الحائط مع المتسلقين‪ ..‬ولكنه لم يهتف‪ .‬قال لنفسه‪" :‬من لم يمت بالسيف مات بغيره"‪ ،‬ثم تخيل أ ن هذا الرجل‬
‫سيسعد بعد قليل بلقاء نو ن وجميع الراحلين‪..‬‬

‫"يا لفرحته‪ "..‬ـ قال ‪.‬‬

‫جاءت طائرة هيليوكوبتر‪ ،‬ومرت فوق المكا ن‪.‬‬

‫لم ير جو شيئا بعد ذلك إل وهو يعبر )كوبري بري( ماشياا‪ ،‬وبعض الرجال واضعين تعماماتهم تعلى وجوههم يبكو ن بعد‬
‫أ ن كانوا يهتفو ن!!‬

‫في الديم‪ ،‬وجد ديكور جالسا يرسم لوحة كبيرة للرجل‪ .‬كا ن منهمكا لدرجة أنه لم يرد التحية لـ)جو( ـ رغم أيام الفراق‬
‫الطويلة بينهما‪.‬‬

‫ولما إنتهى ديكور من البورتوريه‪ ،‬إلتفت إلى جو قائ ا‬


‫ل‪:‬‬

‫"تفتكر فاضل حاجة تاني؟"‬

‫)كا ن صلح زين قد ابتهج ثلث بهجات؛ الولى البيت البيض صار له وحده‪ .‬والثانية أنه تزوج من بنت الوزير‪.‬‬
‫و)ثالثة الثافي( أ ن )الكافر( قد زهق‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫أما السيد زين العابدين‪ ،‬ففرح فرحتين‪ :‬الولى أنه دخل معهدا للرشاقة واشترى بدال جديدة بعد أ ن صار اسمه يرد مع‬
‫كل لستة ترشيحات للوزارة‪ ،‬والثانية أنه سلم المقاول خارطة الفيل الجديدة في )حي النيل( من فيء البركات فرع‬
‫ماوراء البحار )‪ (OVERSEAS‬فرد جو‪:‬‬

‫ـ الفاضل ديل‪..‬‬

‫ولكن العالم لم يكتف بـ)مؤامراته التقليدية( كما يسميها تعامر ديكور‪ ،‬كلما قرأ تعليه جو خبرا من أخبار اليام‪ ،‬وإنما‬
‫تجاوز الجلد إلى العظم‪ .‬تعرف جو بسوء الحال بعد أ ن تخاذل المطر للمرة الثانية‪ ،‬و)كسر( الموسم‪ .‬ولكن أشجى ما في‬
‫المر أ ن مصطفى بطيخة قد أضيفت إليه أتعباء جديدة بعد أ ن تخلص من تعبء أولد قرف‪ .‬فصار يعول أسرة تعثما ن‬
‫سنين بالضافة لخرين كثر! وقد أخفى تعلى تعثما ن سنين حقيقة ما حدث لجو وحكاية سجنه وجعل له مرتبا ـ يكذب‬
‫تعليه بأ ن جو هو الذي أرسله!! لقد استشعر بطيخة بحنكة التاجر‪ ،‬ما صار إليه حال الناس تعندما مر يوما تعلى طاحونة‬
‫جاره ووجد إمراة تكنس غبار الدقيق وتضعه في إنائها‪ .‬ولما اتسفسر تعرف أنها تاخذه لتطبخه لطفالها الجائعين ‪..‬‬
‫فواصل المرتب‪.‬‬

‫أتعلن جو وديكور ـ هما الخرا ن ـ حالة الطوارئ‪ ،‬لنقاذ بطيخة من الفلس‪ .‬فتحا )خاناا( لبيع أدوات الزينة التي‬
‫يصنعانها في الليالي وهما يسكرا ن خفية‪ ،‬ويستعيدا ن ذاكرة الجسر وينشدا ن نشيدهما خلف الجدرا ن‪:‬‬

‫لن ننسى أياما مضت لن ننسى ذكراها‪.‬‬

‫‪..‬‬

‫كانت )أياماا( اتسعت فيها الرؤية حتى ضاقت العبارة‪ .‬وكانت الفنتازيا هي الحكي تعن الذين ذهبوا وحملوا معهم وتعودا‬
‫بأيام قادمة ستأتي من رحم الليل الطويل‪.‬‬

‫كا ن شربات قد تخرج في كلية الشرطة‪ .‬وأصبح ضابطاا‪ .‬لكنه لم ينفذ من وتعيده وتهديده إل حينما سمع )حاضر‬
‫سعادتك( من الشاويش بشرى لتصبح أنهار بشرى أول غيمة في صحاري قرف‪.‬‬

‫وقد ظل شربات يلقى بأوامره اللطيفة )للبصل المعفن( والجراثيم وكل الممحوقين في الرض من الذين صادفهم‪:‬‬

‫"أسمعي ‪ ..‬يل أمشي شوفي ليك شغلة تانية ربي بيها تعيالك‪"..‬‬

‫ويصرف لها كانوناا!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫"‪ ...‬شوفي ليك أي شجرة أو حيطة‪ ..‬وسوي شاي‪ .‬ولو رجعتي للحاجات دي تاني أتعملي حسابك لحدي ما ربنا‬
‫يفرجها‪"..‬‬

‫وأحياناا يأمر بإيقاف تعربة الكشة تعند المنعطفات‪ ،‬ولما يهرب المكشوشين‪ ،‬يأمر جنوده بصرامة‪:‬‬

‫"خلوهم‪"..‬‬

‫كا ن يشارك جنوده في السراء والضراء‪ .‬وكانوا يحبونه ويثقو ن به إلى أ ن جاء ذلك اليوم الذي جأمر فيه بالتحرك إلى‬
‫شارع الجمهورية وكانت الخرطوم في ظرف أكثر أيامها اشتعاال‪.‬‬

‫في تنوير ضباط العلميات‪ ،‬جاء المر صريحا )تفريق المظاهرات بالقوة( ليس بالبمبا ن فحسب‪ ،‬وإنما بالرصاص‪ .‬رابط‬
‫الملزم تعثما ن شربات بجنوده تحت قيادة رائدهم منذ الصباح الباكر في المنطقة المحددة‪.‬‬

‫قبيل العاشرة‪ ،‬جاءت المواج تهدر‪.‬‬

‫ألقى الرائد بالمر الجلل‪..‬‬

‫لكن سعادة الملزم تعثما ن شربات )خالف( وألقى بتعليماته‪:‬‬

‫"مفيش ضرب‪) ..‬الشرطة في خدمة الشعب("‪.‬‬

‫وبحنكته القديمة‪ ،‬استطاع أ ن يقنع قائده بأ ن "الشرطة في خدمة الشعب" وليس العكس‪ .‬ثم صارا معا يدل ن الناس تعلى‬
‫البتعاد تعن المناطق الملغومة؛ التي يقود العمليات فيها الضباط الموالو ن‪.‬‬

‫كانت الجرائد تحمل في صفحاتها أخبارا مزيفة تعن أتعداء )للوطن( مندسين لتهديد )أمنه وسلمته(‪ .‬ولكن شموس تلك‬
‫اليام‪ ،‬حملت في معيتها إيقاع زما ن جديد‪.‬‬

‫كتب جو رسائل حميمة إلى كل الذين فاتوا في رحلة العمر‪ .‬وأتعاد لهم ديكور إبتساماتهم في اللوحات التي رسمها‬
‫لوجوههم السمحة‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫صار منزل ديكور وجو غرفة العمليات‪ .‬واستعادت فرقة مسرح الرصيف نشاطها‪ .‬وانضم إليها أتعضاء جدد أهمهم‬
‫تعوضية‪ ،‬التي أظهرت مواهب مدهشة في التمثيل وبراتعة في الستعراض ل تدانيها فيها الممثلت المحترفات‪ .‬وإكبارا‬
‫لجو فقد )أمنها( أهلها له‪ ،‬وحتى خطيبها العريف إسماتعي كججو‪ ،‬فرح جدا لدرجة أنه فكر أ ن يترك الجيش ويعمل معهم‬
‫في الفرقة ليمثل أدوار البوليس والجنود التي يجيدها بطبيعة تعمله‪ .‬وظهر المخرج الموهوب نجم تعبد الخير‪ ،‬الذي أحب‬
‫أفاق جو ونجظم الرتجال وأزال شوائب الجربندية‪.‬‬

‫كونت جماتعة صلح حزب اللفتة وانضم إليهم السيد زين العابدين!‬

‫ملوا البلد باللفتات التي تشجب وتدين وتؤكد وتزتعم وتجدتعي‪ .‬وتسب وتقرر‪ ،‬وتجري وتقف وتتبرأ وتتجرأ‪.‬‬
‫وهلمجرا ‪ ..‬وإستغماية مع )هلمجرا(‪..‬‬

‫ما كا ن جو ورفاقه يحفلو ن بما يجري من شجار‪ .‬كا ن جو يرمي حجرا تعلى بعد نصف قر ن ثم يبدأو ن في رصف الطريق‬
‫إليه‪ .‬ويلقي نجم تعبد الخير بحكمته‪" :‬إذا رصفنا هذا الطريق‪ ..‬فبالتأكيد سيصل أحبابنا القادمو ن وراءنا بأسرع مما نحن‬
‫فيه‪ .‬هيا إلى البروفة"‪.‬‬

‫صارت ليالي المد ن تستضئ بمسرحهم‪ .‬كانت روابط الطلبة تستضيفهم‪ ..‬سائقوا البصات ـ أحيانا ـ يأمرو ن كماسرتهم‬
‫بأ ن يردوا لهم ثمن التذاكر‪ .‬ستات الشاي يرفضن أ ن يأخذ ن منهم ثمن الشاي والقهوة!!‬

‫في )المدينة(‪ ،‬زار جو تعزة‪ ،‬فرأى اللوحة القديمة‪ ،‬وكتب مسرحية )تعودة النوارس( التي أسست لما صار يعرف‬
‫)بمسرح الجمال(‪ .‬وصادف يوم تعرض مسرحية زوار الليل‪ ،‬تعلى خشبة مسرح المدينة الكبير أ ن كا ن أستاذ تعبد الجليل‬
‫ـ الذي صار تعضو ا في حزب اللفتة ـ يتحدث في ندوة حزبه في ميدا ن الكراكة‪ .‬وما أ ن أنتهت المسرحية حتى هجم‬
‫الجمهور تعلى الميدا ن‪ ،‬ورجم جماتعة حزب اللفتة بالحجارة‪ ..‬ولم ينقذهم إل تدخل جو ونجم تعبد الخير‪ ،‬الذين استمتعا‬
‫لول مرة )بالساوند سيستم( شارحين للناس أنه في هذا الزما ن "يحق للحمار أ ن ينهق كما يحق للعصفور أ ن يغني‪،‬‬
‫دو ن أ ن يتدخل أحد في غناء أحد‪ ،‬أو يتدخل أحد في نهيق أحد‪ .‬وأنه ل يحق للعصفور أ ن يمنع الحمار تعن النهيق‪ .‬كما‬
‫ل يحق للحمار أ ن يمنع العصفور تعن الغناء‪ .‬كما إنه يحق ـ أيضا ـ للحمار أ ن يعتقد في أ ن نهيقه أجمل من غناء‬
‫العصفور‪ ،‬مثلما يحق للعصفور أ ن يعتقد في أ ن غناءه أجمل من نهيق الحمار‪ ،‬ومن أتعجبه هذا فيذهب إليه‪ ،‬ومن‬
‫أتعجبه ذاك فيذهب إليه أيضاا"!!‬

‫وفي كسل‪ ،‬صعد جو جبل توتيل في الليل وكتب مسرحية إحتفال النيازك‪.‬‬

‫لفوا المد ن‪ ،‬جل المد ن‪ ،‬الصغيرة منها والكبيرة‪ ،‬وبدأ الزحف تعلى القرى‪ .‬فكانوا كلما مروا بقرية‪ .‬أصبح أطفالها‬
‫يستعيدو ن ذاكرة الرتائن‪ .‬ويضيفو ن إلى ألعابهم البلدية ألعابا بلدية أخرى‪.‬‬

‫كا ن جو ل ينام إل بعد أ ن يكتب )أخبار اليام(‪ .‬ويرسل رسائل تعبر جسر الغياب إلى كل الغائبين‪ ،‬يختمها قائ ا‬
‫ل‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫"أتعرف أنكم كنتم معنا‪ ..‬وأتعرف أنكم تبتسمو ن‪ ..‬وأتعرف أنكم تستعدو ن للمساءات القادمة لحتفال جديد ‪."..‬‬

‫وكذلك مرت اليام الجميلة كما البرق‪ .‬وفي اليوم السابق للذكرى السابعة لرحيل نو ن‪ ،‬قضى جو المساء يحكي للنيل‬
‫)أخبار اليام(‪ .‬ومع نهاية كل قصة‪ ،‬يلقي بحجر فتنداح دوائر ودوائر‪ ..‬ودوائر ‪..‬‬

‫كانت المد ن غافية‪ .‬والكهرباء في الخرطوم تقطع وتجيء‪ .‬المتشاجرو ن يتشاجرو ن‪ .‬وكتاب الصحف )المأجورين(‬
‫يلفقو ن الخبار‪ .‬و)غير المأجورين( يصححو ن أخطائها اللغوية فحسب!‬

‫وضع جو خطة الحتفال بالذكرى السابعة لرحيل نو ن بأ ن يصحو مبكراا‪ ،‬ومع طلوع الشمس‪ ،‬يلقي بقبلة تعلى‬
‫ابتسامتها‪ .‬ويضع كلت الزهار تعلى بورتوريهات الغائبين الحاضرين‪ .‬ويحمل كلة أخرى ليضعها تعلى جيد النيل رغم‬
‫ما بينهما من ثأر‪.‬‬

‫في الصباح‪ ،‬وبعد أ ن أكمل الطقس الول‪ ،‬سمع الضجيج في الشارع‪ .‬خجمن أنها مشاجرة بين نسوة الحي بسبب صبيين‬
‫أحمقين دلق كل منهما لبن صاحبه في طريق العودة من أمام )دكا ن الفوراوي(؛ حيث يقف )سيد البن(‪ .‬ولكنه لما أدار‬
‫مؤشر الراديو‪ ،‬إذا بالطامة الكبرى تتكور وتنفجر مع حماسة المراشات العسكرية!!‬

‫قال جو لنفسه‪" :‬إنهم هم!"‪.‬‬

‫ولم تمض ليلتا ن كما مضت تعلى أستاذ تعساكر إل وجاءه زوار الليل! بدأوا أوال بتهشيم الصور! كا ن جو قد رأى هذا‬
‫المشهد قبل ثلثة قرو ن وهو ما كا ن سوى )فكرة( في خيال وأحلم جده الرابع تعشر في قرية الدناقر‪ .‬تعندما طار وقتها‬
‫وحلق وتداخل مع أحلم وكوابيس )تعم كوني فارس الغابة( الذي سبقت أحلمه الزما ن ليرى ما حدث بعد ثلثة قرو ن‬
‫من لحظته تلك وكل ذلك من فرط حبه لقرية الدناقر وناسها!!‬

‫بعد إ ن هشموا اللوحات والصور‪ ،‬أخذ زوار الليل الكتب و)الوراق( ومن بينها كل رسائل نو ن و)أخبار اليام(‪ ،‬تلك التي‬
‫سببت له من العنت ما لم يصدقه‪ .‬فقد استفادوا منها إيما استفادة في تعذيب المعتقلين! أدرك جو غلفته هو أيضا بعد أ ن‬
‫ظن أ ن المدينة وحدها هي الغافلة‪ .‬وكا ن ذلك آخر الدروس الصعبة‪.‬‬

‫كا ن جو يحب الحرية‪ .‬ولكن طالما أ ن رأسماله هو دماغة‪ ،‬وهم ل سسبيل لهم إليه بسبب جدار حنكة سنين الفواجع‬
‫العظيمة‪ ،‬فقد وضع أفعالهم معه مكا ن العادية‪ .‬ولكن ما آلمه هو خبر موت تعثما ن سنين قبل إ ن يرى ثمار شجرة الحلم‬
‫التي بدأت تمد فروتعها في الفضاء وترك بت النور وحيدة‪ .‬وهي قد تكبدت المشاق وأتت إلى )هنا( لتحمل مصاتعب‬
‫العيش مع )البرجوازية( )المحرجة( من هيئتها القروية‪ .‬ثم بعد ذلك كله لم يسمحوا لها بمقابلته‪ ،‬وهو يعرف مدى الغبن‬
‫الذي تعاشته وتعيشه‪.‬‬

‫وبالطبع لم يزره أحد‪ ،‬ولكن رسائل منتظمة كانت تصله من ديكور وتعلى إسماتعيل تعبر وسائل شربات الخاصة‪ .‬كانت‬
‫في البداية رسائل جميلة )مفعمة بالمل(‪ .‬ثم بدأت تزحف باتجاه المرارات‪ .‬إلى أ ن صارت حنظلية‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫تعرف جو أ ن تعلى إسماتعيل قد أخطأ في كسر صغير في حسابات تكتيكات اللعبة‪ ،‬ولم يقجدر أ ن )بجلة( الجنايني الذي‬
‫انتحل شخصية تعم تعبده‪ ،‬كا ن يخفي )نظارة سوداء( تحت لحيته الصغيرة‪.‬‬

‫قال جو؛ "حتى صورتك إنت يا تعم تعبده!!؟"‪ .‬وقد جقبض تعلى تعلي إسماتعيل‪ ،‬وجضرب حتى كسرت رجله‪ .‬ولما خرج‬
‫وجد نفسه )تعلى باب ال(‪ .‬فكتب إلى جو رسالته الخيرة وهو يتسلل تعبر المطار بأسم غير إسمه بادئا إياها بقول‬
‫الشاتعر‪:‬‬

‫"مافي غير تلكع تسافر‬

‫شيل حقايبك وامشي بينات الشعوب"!!‬

‫ثم رسالة أخرى من ديكور‪ ،‬أتمت المرارات‪ ،‬يأسف فيها تعلى رحيله إلى أرض الحبشة‪ ،‬بعد أ ن انتظر لمدى تعامين‬
‫يصحو كل صباح ويجر كرتا فيجده إما دو)‪ (2‬أو تريس)‪.(3‬‬

‫قال ديكور في رسالته‪:‬‬

‫"دي قافلة معانا‪ .‬وشكلها حتطلول!"‬

‫وتعمل بالحكمة الدينية "وامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور‪ "..‬ـ كما فعل أبو خسين الذي فر بدينه إلى‬
‫جوار النبي ـ وأوصى جو بأنه لو خرج حيا وليس )جدثاا( أ ن يذهب إلى ود تعبد الوهاب الذي كانا يؤجرا ن منه الخا ن في‬
‫أيام )التحف( "والمجاتعة الرحيمة" ليجد تعند ه بعض الشياء‪.‬‬

‫بعد تعامين من تلك الرسالة‪ ،‬وجد جو نفسه في فسحة وراء ضواحي أم درما ن! بعد أ ن جألقي به كما تلقي النفايات! قال‬
‫له الحارس الذي فك العصبة تعن تعينيه‪:‬‬

‫"إنتو خلص إنتهيتوا‪ .‬بقيتوا كوشة‪ .‬تاني ما ليكم لزمة"!‬

‫أدخر جو لقاء شربات ليوم أخر سيجيء ـ وقد بنت ليالي التفكير الطويلة جبل الحتراس ـ قال ـ "سأذهب إلى ماجد تعبد‬
‫الرحمن‪ ،‬فقد يكو ن أدرك )جوهر المسألة(‪ .‬وحتى لو سئل ستكو ن الجابة‪:‬‬

‫ـ دة ود تعمتي‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وستنتهي الحكاية‪ ،‬تعلى أي حال ـ بعد سين وجيم ـ بتف نحص الوراق إياها ومقارنتها بأقوال بت النور في إجابتها تعلى‬
‫أسئلة من شاكلة‪:‬‬

‫ـ وإنتي هنا في الخرطوم قاتعدة مع منو؟"‬

‫ولكن المفاجأة كانت قاسية رغم الخبرات الطويلة مع القساوة‪ .‬دخل جو الصيدلية المضاءة بكثافة‪ .‬بقى لدقائق يتأمل‬
‫رفوف الدوية‪ .‬ن جظر في خياله في )ديكور( الصيدلية ليغتنم أول فرصة فراغ ليدخل منها‪.‬‬

‫وجاءت الفرصة‪:‬‬

‫ـ إزيك يا ابن خالي ‪..‬‬

‫ـ آآ‪ ...‬أه ا‬
‫ل‪ ..‬جو!!؟‬

‫وتلفت ماجد تعبد الرحمن خوفا ثم سأل جو وهو يرتجف‪:‬‬

‫ـ وإنت مرقت متين؟‬

‫ـ الليلة‪..‬‬

‫ـ ومارق الليلة جاييني طوالي؟ ليه ياخي؟؟‬

‫ـ إنت ناسي إنك إبن خالي ول شنو؟‬

‫ـ يا خي ديل بعرفوا كلم زي ده؟ إنت تعايز توجدينا في داهية؟‬

‫ـ إنت خايف كدة مالك؟!!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ ياخي أنا زول تعندي أسرة! كيف ما أخاف؟!‬

‫مرر جو بصره تعلى الرفف مرة أخرى‪ ،‬وقارنها بالحكايات التي سمعها في المعتقل تعما صار يجري للناس بسبب‬
‫الدوية‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫ـ خلص يا قريبي‪ ،‬مع السلمة‪..‬‬

‫وخرج‪.‬‬

‫وأثناء تجواله‪ ،‬وفي الطريق الذي يمر أمام المستشفى‪ .‬كا ن يخمن في ذهنه ما ستكو ن وصايا ديكور‪.‬‬

‫رأى أشياء كثيرة تغيرت‪ .‬قامت مباني جديدة‪ ،‬جطليت واجهات المباني بلو ن البوهية التي كا ن يحتكرها ويخزنها صلح‬
‫زين العابدين وصار تعدد اللفتات مهوال!‬

‫وفي يوم‪ ،‬وهو يمر أمام حوادث المستشفى‪ ،‬رأى شخصا كأهل الكهف ـ شعره كثيف‪ ،‬لحيته غبراء‪ ،‬تعاضر إل من سرواله‬
‫الداخلي! مكوما حوله جب ال من الوساخ؛ جوالت دقيق‪ ،‬أكياس أسمنت‪ ،‬جرائد‪ ،‬هياكل راديوهات وتلفزيونات‪ ،‬تعوادم‬
‫تعربات‪ ،‬بقايا كوانين ستات الشاي وأشياء أخرى كثيرة! كا ن يجلس أمام تلك الكومة ويصبح‪:‬‬

‫"فتين ‪ ..‬فتين‪ .‬شوف هاجات دة كلو أنا جبتو ليك"‬

‫وينادي المارة‪:‬‬

‫"شيف‪ ..‬شيف‪ ..‬هاجات دة كلو أنا جبتو لفتين"‬

‫اقترب جو‪:‬‬

‫ـ أبدللهي إساخا‪ ..‬إزيك‪ .‬أنا جو؟ إنت ما تعرفتني ولشنو؟‬

‫ـ تآلي شيفي‪ .‬هاجات دة كلو أنا جبتو لفتين‪..‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ أنا جو‪ ..‬تتذكر زما ن لمن كنا نقعد نقرا الجوابات سوا ؟‬

‫ـ شيفي شيفي‪ ..‬هاجات دة كلو أنا جبتو لفتين‪..‬‬

‫ـ ؟؟؟!!‬

‫ـ ‪...‬‬

‫وفي المكا ن الذي كا ن مكتب المقاول‪ ،‬الذي شهد أحلى النتظارات لرسائل نو ن تعلى مدى أتعوام‪ ،‬قامت تعمارة كبيرة‪،‬‬
‫"بنك الـ‪ ..‬الـ‪ ."..‬ولفتة بحجم بوابة المدرسة "شركة البركات للتجارة والستيراد"‪ ،‬حاف هكذا! بعد أ ن إختفت كلمة‬
‫)المحدودة( التي كانت ترافقها في أيام مضت!‬

‫أشياء كثيرة أخرى تبدلت‪ :‬فكلمة )ال( مث ال‪ ،‬صارت تعني )البنك(! وكلمة )المستشفى(‪ ،‬صارت تعني )الدكا ن(!!‬
‫و)الجامعة(‪ ،‬تعني )الروضة(!!! و‪ ..‬و‪...‬‬

‫قال جو لنفسه‪:‬‬

‫"ما رأيك يا جو؟"‬

‫تلك هي إستعارة للعبارة "ما رايك يا نجم؟" التي كا ن يقولها نجم تعبد الخير المخرج ـ لنفسه ـ بعد أ ن يفرغ من قراءة‬
‫نص جديد كتبه جو‪.‬‬

‫إلتقى جو بود تعبد الوهاب وكانت قد بانت تعلى وجهه غبشة وكهولة مصارحة‪ .‬وكعادة الرجال الطيبين‪ ،‬تأسف لما حدث‬
‫لجو وتأسف أنهم لم يستطيعوا أ ن يفعلوا له أي شيء‪ .‬ولم يك خائفاا‪ ،‬فأكرمه وحكى له الحكايات وأكد له أنه )بقى تعلى‬
‫الحديدة( وأ ن )البجرة زي الجوة(‪..‬‬

‫"يا خي ديل بخلو حاجة!؟ لكين الحمد ل إنت ود حلل‪ ..‬جيتني في الوكت المناسب‪ .‬أنا هسع مفكر أبيع الدكا ن‪ .‬وكنت‬
‫بفكر أنقل الحاجات بتاتعتك دي البيت‪ ،‬وحتى وال كلمت الولد يفجضوا الحجمام بتاتعي داك تعشا ن أتعمله مخز ن ـ ما‬
‫تآخذني يا خي‪ .‬أنا ذاتي باقي حاجاتي تعايز أنقلها هناك"‪.‬‬

‫وجد جو كل أدوات العمل القديمة‪ .‬وبعض ما نجا من )مسرحية الثور في مستودع الخزف(‪ .‬كا ن تعامر ديكور قد قام‬
‫بإتعادة رسم كل اللوحات التي جه لشمت‪ .‬وبنفس البتسامات القديمة‪ .‬وأضاف إليها صورته وهو يبتسم إبتسامته الساخرة‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫تلك‪ ،‬واضع ا قبعته المعهودة تعلى طرف رأسه‪ ،‬وبقايا اللوا ن تعلى أصابعه‪ ،‬ممسكا بفرشاته يضع اللمسات الخيرة‬
‫للوحة داخل اللوحة يظهر فيها جو وهو حامال صخرة كبيرة كصخرة سيزيف‪ ،‬وصاتعدا بأتجاه قمة الجبل وأمامه لفتة‬
‫في شكل سهم‪:‬‬

‫<‪ ----------‬إلى المستحيل‬

‫ولوحة سوريالية سماها )صوت تعم تعبده(!‬

‫وفي البيت‪ ،‬وبعد الغداء‪ ،‬دخل ود تعبد الوهاب وأخرج الوصية‪:‬‬

‫تعد أربعين ألفا من الجنيهات وسجلمها لجو ومعها الرسالة‪:‬‬

‫"الذكرى التاسعة لرحيل نو ن‪ .‬وأنا أحتفل وحيد ا بالنيابة تعنك‪ .‬لم أجرؤ تعلى شيء واحد لنه يخصك أنت وحدك‪.‬‬

‫تعزيزي جو‪:‬‬

‫ما زال في العالم متسع لي ولك وللذين نحبهم‪ .‬تأكد دائما أ ن حذاءك مربوط جيدا وبحزم‪ ،‬وقبل أ ن تلبسه تأكد أ ن ليس‬
‫فيه حصى‪ .‬لو تأخر خروجك‪ ،‬فلن تكفي الجنيهات التي سلمها لك ود تعبد الوهاب قبل قليل لشراء حذاء‪.‬‬

‫أنت تعرف أنها أخر ما تعندي ‪..‬‬

‫أمنياتي لك بالتوفيق في مارثو ن الزمن‪.‬‬

‫بقية الشياء قد تفيدك‪..‬‬

‫اليوم أكملت لكم دينكم‬

‫ولي الرحيل‪.‬‬

‫ديكور‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫الذكرى التاسعة لرحيل نو ن"‬

‫****‬

‫تعقب الذكرى الحادية تعشر لرحيل نو ن‪ ،‬س جرب جو اللوحات والدوات إلى )المدينة(‪ .‬وذهب إلى أبدللهي إساخا وقال‪:‬‬

‫"وداتعا صديقي‪ ،‬سنلتقي في الزفة القادمة"‪.‬‬

‫كا ن قطارالميجا قد خرج ذات يوم ولم يعد! لتحل محله بصات )المجد( التي تمتلكها شركة )البركات غيرالمحدودة(‪ .‬لم‬
‫يجد جو مفرا من دتعم )الوطن(‪ .‬وأشترى تذكرة مغادرا إلى )المدينة(‪.‬‬

‫وهناك‪ ،‬كا ن أول من صادفه هو البصلة المعفنة الكبيرة مصطفى بطيخة‪ ،‬الذي اضطر في السنين الخيرة أ ن يعمل‬
‫كومسنجيا متجوال بعد أ ن أفلس دكانه رمن كثرة صمن صار يعولهم رمن الناس‪ .‬ولم تسعفه من تعاديات الزما ن إل أريحيته‬
‫وشهرته وتاريخه الشخصي النظيف‪ .‬فكل من نقص تعنده ثمن الفرار‪ ،‬تكفل مصطفى بطيخة بإقناع سائق اللوري‬
‫ليوصله ويختم )أوامره( التي ل ترد بـ"إتكل تعلى ال يا رجل!"‪.‬‬

‫وأول ما صدع به بطيخة ـ كعادة الكومسنجية في إفشاء أسرار المدينة ـ هو أ ن أخبر جو بأ ن أستاذ تعبد الجليل قد جتعلين‬
‫محافظاا للمدينة وضواحيها! وأ ن أول تعمل قام به هو )هدم مسرح المدينة الكبير( وتحويله إلى )بورصة محاصيل(!!‬
‫جصعق جو من الخبر‪ ،‬لنه كا ن يتوقع أ ن يتم تحويل المسرح إلى )مسجد( ـ الذي كا ن‪ ،‬تعلى القل‪ ،‬سيحل ضوائق السابلة‬
‫المساكين‪ ،‬ويوفر لهم مظلة تقيهم غلواء الحر في أيام الحر‪ ،‬وهوجاء المطر في أيام الخريف!‬

‫وبعد‪،‬‬

‫واصل جو تصفح بانوراما المدينة‪ .‬وجد ساقيه قد ساقاه إلى الماكن الحميمة القديمة‪ .‬كانت الغنام ترتعى في‬
‫)المدرسة( التي تحول إسمها إلى إسم أخر‪ .‬ولم تعد الداخلية داخلية‪ ،‬فقد تم تحويلها إلى ملكية منظمة الـ‪..‬‬
‫الـ‪..‬المشهورة!‬

‫أجل جو طواف القدوم‪ ،‬وذهب إلى الميرية ـ مرتع الغزل ن القديم‪.‬‬

‫كانت حيطانها قد تهدمت وأشجار للوبها جفت‪ .‬وتحولت لفتتها إلى لفتة أخرى )معهد تعلوم الـ‪...‬الـ‪ ،(..‬وأغلقت بقية‬
‫المدارس في إنتظار أ ن يفتحها ال!!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وفي المساء‪ ،‬ذهب جو للتنزه تعبر الجسر‪ .‬كانت الشجار قد أزيلت‪ .‬وبقي الجسر تعاريا كأبدللهي إساخا! ولم يعد أحد‬
‫يتخذه متنزهاا! فبالضافة لتهشم منظره‪ ،‬صارت الشرطة تتدخل وتسائل الناس كلما تعبروا في المسيات! كا ن ذلك ضمن‬
‫خطط أستاذ تعبد الجليل لمحو ذاكرة المدينة!‬

‫وفي الليل‪ ،‬وقبل الخروج إلى )الكعبة(‪ ،‬أسر جو لبطيخة بعض ا من أسرار الليالي القديمة مع )الكعبة(‪ .‬فضحك بطيخة‬
‫ضحكة أتعادت أيام زما ن وقال‪:‬‬

‫"تعلى اليمن دي إبليس ما تعملها!!"‬

‫ولكنه صرح لـ)جو( بعدم جدوى الذهاب إلى هناك‪ .‬ل ن ذلك المكا ن كا ن قد أصبح في العام الفائت مأوى للجنود غير‬
‫النظاميين!! وأضاف بطيخة وهو يواصل ضحكته القدرية‪:‬‬

‫"وال ما تلقى التكتح!"‬

‫وفع ال‪ ،‬لما وقف جو تعلى الطلل‪ .‬كانت النافذة مهشمة‪ .‬فقد أخذ الجنود أخشابها‪ .‬ولم يعرف مصير )النملية(! بل حتى‬
‫الزنك وأخشاب السقف )ذهبت في خبر كا ن(!!‬

‫إلتقى جو بسيف حسن‪ .‬وتعرف أنه تزوج جليلة‪ .‬وأنجبا ملويزي و مابانا‪ .‬وتعرف أ ن تعزة إنتقلت لتسكن بجوارهم‪ .‬وقد‬
‫صارت )أبلة تعزة( التي يذهب ملويزي ومابانا مع رفاقهم كل صباح إلى بيتها الذي صار روضة تدجرس فيها الطفال‬
‫)أحلم الزما ن(‪ .‬وفي أيام )الحنين(‪ ،‬يبقى سيف حسن ويعزف لهم أغنيات )الزما ن الجاي( التي كانت يوما )أحلم بكرة(‬
‫تعلى النورمال جيتار فيغنو ن‪.‬‬

‫فرح جو‪،‬‬

‫ولما إلتقى بـ)أبله تعزة(‪ ،‬وجدها ما تزال تضع أمام تعينيها نظارتها السوداء تلك! أحتضنته بإلفة بالغة‪ .‬واستعادت‬
‫قدرتها القديمة تعلى البكاء المرير‪.‬‬

‫أستغل سيف حسن المناسبة واقترح تعلى جو أ ن يسكن معهم‪ .‬ولكن المشكلة كانت في بعض تفاصيل جو‪ ،‬التي تتضمن‬
‫تعودة نورس إسمه بت النور‪ .‬لكن تعزة حلت المشكلة فوراا‪ .‬أمرت جو أ ن يأتي ببت النور لتسكن معها في بيتها وترافق‬
‫والدتها‪ .‬وتعلى القل ستجدا ن فرصة لتبادل )إشعاتهما القديمة( وتسعدا ن بصحبة بعضهما في آخر أيامهما‪ .‬كا ن ذلك ح ا‬
‫ل‬
‫جيداا‪ .‬فجأحضرت بت النور‪ ،‬وجهدم الجدار الفاصل بين البيتين‪ .‬وبعد أيام جأفتتح دكا ن بطيخة مرة أخرى‪ .‬ولكن هذه المرة‬
‫خاناا للتحف وأتعمال النجارة‪ .‬وملجأ لطالبي الديكور‪ ،‬بالضافة لزبونات سيف حسن من الفتيات الراغبات في زيادة‬
‫أناقتهن وهن كثيرات ـ خاصة بعد تفشي ظاهرة )العزوف تعن الزواج(!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫بدأت الدنيا تستعدل مشيتها قلي ال‪ .‬كا ن جو وسيف حسن يعمل ن في النهار‪ ،‬ما تعدا أيام الحد والربعاء‪ .‬الذين‬
‫خصصاهما لروضة تعزة‪ .‬حيث يعزف سيف حسن تعلى النورمال جيتار‪ ،‬ويقوم جو بضبط اليقاع واختراع الجملة‬
‫الحركية للصغار لداء الناشيد وراء تعزة وجليلة‪.‬‬

‫وفي كل خميس‪ ،‬بعد أ ن يمشط جو لمابانا الصغيرة شعرها‪ ،‬يذهبو ن جميعا بصحبة الصغار للتنزه وتعبور الجسر‬
‫ويرزتعو ن الشجار القديمة في ذاكرة هؤلء الصغار‪.‬‬

‫في الليل يذهب جو إلى )سيدة الفرح(‪ .‬ويأخذ مرتبه اليومي‪ ،‬ثم يعود إلى الغرفة‪ .‬يجد تعزة وجليلة تعدا ن العشاء‪.‬‬
‫وسيف يعزف تعلى النورمال جيتار لملويزي ويغني له‪:‬‬

‫"تعندما تكبر قليال وتطول يداك‪ ..‬سأتعلمك كيف تعزف يا صديقي‪"..‬‬

‫فيجلس جو‪ ،‬ويضع مابانا الصغيرة في حجره‪ ،‬ويحكي لها حكايات )الثعلب في الغابة( وهو منهمك ـ في نفس الوقت ـ‬
‫في قصقصة الجلود والقمشة‪ ..‬وأيا من لوازم الشغل‪ .‬وأحيانا يخطط في كراسته تفاصيل المسرحية القادمة التي اكتملت‬
‫في ذهنه‪ .‬وبعد أ ن تنام مابانا‪ ،‬يحملها إلى سريرها ويعود ليتناول الرشيف ويكتب أخبار اليام ثم ينام‪.‬‬

‫مع شقشقات الصباح يصحو‪ ،‬ويصلي صلة اليوم الواحدة! يقرأ سورة الفاتحة التي يحبها‪ .‬وسورة البلد‪ ،‬التي يؤمن‬
‫بها‪ ،‬ويردد قول المسيح "أنتم ملح الرض‪ ..‬فإذا فسد الملح فماذا‪....‬؟"‪ .‬وأحيانا جزءا من نشيد النشاد!‬

‫كا ن جو ل يدتعو أي دتعاء! فهو مع الحكمة القائلة بأنه "ليس هناك داع للصياح وإزتعاج الرب طالما هو يعرف كل‬
‫شيء‪ ..‬وإذا كنا قد ارتكبنا أشياء مخجلة ـ وهو يعلمها بالضرورة ـ فليس هناك معنى من محاولة خداتعه )بكلمات‬
‫حلوة(‪ !"..‬وتعلى رأي المقدم تعثما ن شربات "أ ن هذه الكلمات الحلوة تنفع مع الفتيات فقط‪ ،‬ولكنها ل تنفع مع الرب"!‬
‫ومن دواتعم هذا الموقف أنه في أيامه الولى في المدينة‪ ،‬أستيقظ يوما مبكرا وداهمته الرغبة في أ ن يصلي الفجر مع‬
‫تعم تعبده ـ رغم تعلمه بانتقاله إلى الرفيق التعلى! فتوضأ ومضى باتجاه الزاوية‪ .‬ولكنه لم يتصور أ ن الدكاكين التي نبتت‬
‫كالمسكيت تعلى سور الزاوية قد امتدت إلى داخلها أيضاا! فمنذ رحيل تعم تعبده إلى رحاب ال‪ ،‬أستولى ود العمدة تعلى‬
‫المايكرفو ن الذي لم يهنا به تعم تعبده إل أيام قليلة‪ .‬وبد ال من )أسبحنا وأسبح الملك ل( سمع جو حشرجة حنجرة‬
‫الحوت‪" :‬اللهم كفر تعنا سيئاتنا‪ ..‬اللهم أهزم أتعداء الدين‪ ..‬اللهم‪ ...‬اللهم‪ !"..‬فقار ن جو الصوت بصورة ود العمدة‪،‬‬
‫الذي صار )أمين اللجنة(! أستحضره لما كا ن يمر أمام المشغل ملقيا بتحيته‪:‬‬

‫"السلم تعليكم يا )شيخ( سيف‪"..‬‬

‫وهو يحمل سبحته بيده اليمنى‪ ،‬وأشداقه قد كبرت حتى أطاحت برقبته‪ ،‬وقد امتدت مؤخرته وهو يرتدي تعراقيه‬
‫وسرواله الفضفاض‪ ،‬ويضع طاقيته بطريقة )فكي شاف لحم(! فعاد جو أدراجه‪ ،‬وظل يسمع صوت تعم تعبده بوضوح‬
‫كلما نظر في الفجر إلى الجلوحة التي رسمها ديكور!!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫وفي تلك اليام‪ ،‬كتب جو مسرحية )الطريق إلى المد ن المستحيلة(‪ ،‬التي تحكي تعن قافلة من الناس ضربت أرضهم‬
‫المصائب‪ ..‬فخرجوا باتجاه مد ن تعلى ضفاف أنهار سمعوا بها في أخبار الزما ن‪ .‬وفي الليل الطويل‪ ،‬وجدوا جب ا‬
‫ل تعظيما‬
‫سد تعليهم الطريق‪ .‬فاختلفوا؛ بعضهم آثر الذل والمسكنة والبقاء تحت رحمة هوام الجبل‪ .‬وآخرو ن من الشبا ن‬
‫المتهورين‪ ،‬قرروا المضي جقجدماا‪ ،‬وتسلق الجبل‪ .‬كا ن هناك شيخ كبير‪ ،‬يحمل حفيده تعلى كتفه قد قرر مواصلة الطريق‪.‬‬
‫وكلما ظهرت صخرة كأداء‪ ،‬أنزل حفيده‪ ،‬واتكأ تعلى تعصاه‪ ،‬وحنى كتفه قائال للشبا ن‪:‬‬

‫"هيا ‪ ..‬ضعوا أرجلكم تعلى كتفي واصعدوا واسرتعوا"‪.‬‬

‫ثم ينتظر حتى يمر نيزك فيحترق ويضيء‪ .‬وفي لمح البصر يضع الجد تعلمة في المكا ن‪ ،‬فيساله حفيده‪:‬‬

‫ـ لماذا تفعل ذلك ياجدي؟‬

‫فيرد‪:‬‬

‫ـ تعندما يجيء الذين بعدنا‪ ،‬فلن يضلوا الطريق‪.‬‬

‫ويحمل حفيده ويواصل‪.‬‬

‫وفي أخر المشهد‪ .‬تشرق الشمس‪ .‬ويجدا ن نفسيهما في المنحدر الخر‪ .‬فيتوقف الجد ليستنشق تعبير الشمس‪ .‬ينطط‬
‫حفيده تعلى كتفه ويصيح‪:‬‬

‫"أنظر يا جدي‪ .‬إنها المدينة!!"‬

‫"أنظر بيوتها الجميلة!! أنظر النهر!!"‪.‬‬

‫"ياآآه يا جدي! أنا سأذهب إلى هناك والعب بالطين! أنا فرح يا جدي!‬

‫أنظر أسراب الطيور‪ ..‬كيف هي جميلة!!"‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ولكن الجد في تلك اللحظة كا ن قد مات واقفا وهو متكئا تعلى تعصاه!!!‬

‫****‬

‫في الحادي والثلثين من ديسمبر‪ ،‬وبعد مرور نصف تعام تعلى الذكرى السابعة تعشر لرحيل نو ن‪ ،‬والزما ن تعلى وشك‬
‫أ ن يكمل دورته القديمة‪ .‬استلم جو الرسالة التالية من تعلى إسماتعيل‪:‬‬

‫"جو العزيز‪:‬‬

‫أنا ال ن واقف تعلى أقصى بقعة في الرض تعلى ضفاف بحر الشمال‪ .‬أمامي الفنار القديم‪ ،‬مغطى بالثلوج التي كثلوج‬
‫روحي التي تحن إلى شمس إفريقيا!‬

‫صباح الجمال يا حبيبي العنيد‪ ،‬وأنت ما تزال تمتهن السئلة بالقصي من الجابات‪.‬‬

‫أتعرف أنك ال ن جالس أمام الديار تكتب مسرحا جديد ا تعن بطولت الناس العاديين والناس القادمين‪ .‬أتعرف أنك لم‬
‫تغسل وجهك جيدا هذا الصباح حتى ل تتبخر فكرة مجنونة تعن نشيد تؤديه الحبيبات تعلى أبواب الشمس‪.‬‬

‫وأتعرف أنك قبل قليل أرسلت ملويزي ليأتي لك ببعض السجائر‪ .‬وأ ن ملويزي يماطل في الطريق ويلعب )سركج بركج( مع‬
‫سابيمبي‪..‬‬

‫أتعرف‪ ،‬وأفرح جداا‪ ،‬لنك أجلت بعض ا من تفاصيل المسرحية القادمة يوم أمس لتقنع مابانا الصغيرة بأ ن تمشط لها‬
‫شعرها اليوم‪ .‬وهي ما زالت ل تثق إل في رؤاك الجمالية‪ .‬وتعلن أنها لو كانت كبيرة لتزوجتك أنت‪ ،‬ضاربة تعرض‬
‫الحائط بكل ما تقوله النسوة تعن قميصك الوحيد‪.‬‬

‫جو العزيز‪:‬‬

‫أنا ال ن كما تعرف أبصر العالم جيد ا بعيني تلك التي كنت تنظفها لي بنفخات من فمك تعندما كنا نلعب في التراب‪ .‬وأتعلق‬
‫تعلى جدرا ن قلبي دائما صورة ذلك اليوم الذي مشيت فيه حافيا تعشرين ميال‪ ،‬تعبرت الغابات والجبال ورضجعصت في تلك‬
‫المدينة التي كانت في مخيلتك المكا ن الزرق بحجم المنديل‪ .‬ذلك المكا ن الذي أخذوني إليه ليرمموا لي تعيني التي‬
‫انجرحت بعصاك التي قذفتها لترمي لنا بعض الللوب‪ .‬من المؤكد أنك ال ن اكتشفت أ ن المدينة مكا ن أزرق‪ ،‬ولكنه بحجم‬
‫البحر‪ ،‬الذي هو بحجم المنديل في آخر المطاف‪ .‬أذكر أنهم قالوا أنني قبل أ ن أصحوا من البنج‪ ،‬كنت قد سربت بعض‬
‫أسرارنا لليقاع بأصدقائنا في الجانب الخر من الحي في لعبة القمر القادمة‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ض باتجاه )المد ن المستحيلة(‪.‬‬‫ها أنا يا جو أتعرف العالم جيدا وأرى بعيني تلك كل الفنارات وكل الدروب‪ .‬وأنا ال ن ما ض‬
‫أتذجكر يا جو تعندما كنا )جنصدلق جس( الستاذ ونتصفح كتاب )ألطريق إلى المد ن المستحيلة(؟؟ ونقرأ رواية )تعائد من الجحيم(‬
‫التي تمجد بطولت العناد؟ أتذ جكر تلك الكتب الممنوتعة في تلك المدرسة التي أنشأها الغزاة )المحليين( الذين يعملو ن ليل‬
‫نهار ليرلكبوا لنا جلودا غير جلودنا وقلوبا غير قلوبنا ويدججونا ببعض الفرائض؟!‬

‫جو يا حبيب‪،‬‬

‫مازالت مفاوضاتي جارية مع الـ)التاريخ(‪ ،‬وأحاول أ ن أقنعه بأ ن بيوتنا أيضا كانت جميلة‪ ،‬وكذلك غناءنا ونساءنا‪..‬‬

‫غدا نشرع نافذة أخرى للنهار‪.‬‬

‫غدا سيكو ن ملويزي أكثر إنضباطا في مسألة الوقت‪.‬‬

‫غد ا سيكو ن لمابانا الصغيرة تفاصيل أكثر اتساتعاا‪ ،‬وتقوم المسرحية في ميعادها‪.‬‬

‫غدا سارسل لك قميصنا لتخرج وتتفسح قلي ال وترقص في تعرس حبيبتنا نواندا وتغازل بعض البنات‪ ،‬ل ن ذلك يزيد‬
‫الفرح في العالم‪.‬‬

‫أنا تعائد إلى غرفتي لهندس تعالما وبلدا للصحو‪ ،‬بملمح مد ن ومسارح أكثر أتساتعا لتحمل دراما الحضور التي تكتبها‬
‫أنت‪ ،‬وما يسميه سيف حسن )هزائم المستحيل(‪.‬‬

‫كا ن جو يتأمل تفاصيل هندسة تعلى إسماتعيل‪ .‬فدخلت تعليه مابانا الصغيرة‪ ،‬وأخرجته خشخشة أقدامها النبية تعن لحظة‬
‫اليدي المتشابكة التي كانت ستشكل القوس الذي ستمر تعبره النوارس إلى البحر فناداها‪:‬‬

‫"تعالي يا السمحة‪ ...‬هوب‪ "..‬حملها وأجلسها تعلى حجره وأدخل يده في جيبه اليمن‪ ..‬ثم اليسر‪ ..‬لم يجد الحلوى!‬

‫حملها تعلى صدره وفتش الرفوف‪ ..‬وقبض تعلى الحلوى المندسة‪ ،‬وبدأ يزيل تعنها غطاءها‪:‬‬

‫ـ يا تعمو جو‪ ..‬إنت مش تعايز تمشط لي شعري؟‬

‫ـ أيوة يا حلوة‪ ..‬بس خلي ملويزي يجي يجيب لينا السجائر وبعدين نقعد نمشط شعرنا‪ ..‬كويس؟‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ لكين ملويزي قاتعد يلعب مع سابيمبي سكج بكج!!‬

‫قال جو في نفسه‪" :‬غدا سيكو ن ملويزي أكثر انضباطا في مسألة الوقت"‬

‫أمسكت مابانا شعره بيدها الصغيرة‪ ،‬وتذكرت سيرته التي ظلت تلوكها النسوة اللتي كن في شغل الستعداد للذهاب إلى‬
‫تعرس نواندا‪ ..‬قالت‪:‬‬

‫ـ إنت يا تعمو جو ما تعرست مالك؟‬

‫ـ أنا لما ألقى لي واحدة سمحة زيك كدة وذوق كدة‪ ..‬أتعرسها طوالي؟‬

‫ـ أنا مش ممكن أتعرسك يا تعمو جو؟‬

‫ـ وليه تعرسيني أنا الشين دة؟‬

‫ـ ل يا تعمو جو‪ ،‬أبلة تعزة قالت ‪ ..‬قالت إنت أسمح زول‪.‬‬

‫ـ وإنتي رايك شنو؟‬

‫ـ أنا بحبك يا تعمو‪.‬‬

‫ـ خلص يا ستي‪ ..‬بكرة لما تكبري نعرس طوالي‪..‬‬

‫ـ لكين أنا أكبر متين؟ أناتعايزة أبقى كبيرة‪..‬‬

‫ـ بس كل الناس لزم يكونوا صغار وبعدين يكبروا‬

‫ـ وإنت يا تعمو كنت صغجير؟!‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ أيوة‪ ..‬طبعاا‪ ..‬كنت صغير قدرك كدة‪..‬‬

‫ـ وكا ن تعندك فستا ن زي دة؟‬

‫ـ ل يا حلوة‪ ،‬كا ن تعندي فنيلة زي بتاتعة ملويزي‪..‬‬

‫ودخلت الحلوى فم مابانا الصغيرة فسكتت تعن السؤال المباح‪.‬‬

‫****‬

‫مع دورة الزما ن الجديدة‪ ،‬وفي لياليه‪ ،‬تحول الحلم القديم إلى الضفة الخرى‪ ،‬التي لم تطلها يد التنين بعد‪.‬‬

‫فما أ ن يغمض جو تعينيه ويغفوا حتى يأتيه تعم تعبده "قوم يانايم و لحد الدائم" "أسبحنا وأسبح الملك ل" فيرتجل جو‬
‫قميصه كعادته ويدخل غرفة الرشيف‪ ،‬التي جتكتب وجتحفظ فيها وثائق أخبار اليام‪.‬‬

‫صار تعم تعبده أمين الرشيف‪ .‬وتحولت تعكازته الطويلة ـ التي كا ن يهش بها وهن الدنيا في أخر أيامه ـ إلى انبوبة )بف‬
‫باف( تعمل أوتوماتيكياا وتمنع دخول الكاذيب إلى الغرفة‪ ،‬تبيد الزاحفة منها والطائرة‪ ،‬المتسلقة والمتألقة‪ ،‬ذات العيو ن‬
‫الزرقاء منها وذات العيو ن البلدية‪.‬‬

‫يفتح تعم تعبده الباب لطابور الشهود‪ .‬فيدخل رينقو‪ .‬وتتحول سريرة تعم تعبده إلى شاشة بيضاء يعرض تعليها رينقو‬
‫حكاية الفيلم الهندي من لحظة ميلد البطل‪ ،‬إلى لحظة معانقته لحبيبته بعد النتقام من )الخيانة(‪.‬‬

‫فيسأله جو تعن أثر الفيلم تعلى )ناس الجلوج(‪ .‬فيضحك رينقو من بساطة جو! ويشرح له أ ن السينما )هنا( ليس فيها لوج‬
‫أو درجة أولى! فاللوج هو الدرجة أولى‪ ،‬والدرجة أولى هي شعب‪ ،‬والشعب هو اللوج!! فيفرح جو‪ .‬ولكن فرحته تزداد‬
‫حين يغمز له رينقو بإشارة يفهم منها أنه "تعمل نج"‪ ،‬ولم يعد يذهب إلى السينما )تعزابي(‪ .‬ثم يدس لجو شيئا ويخرج‪،‬‬
‫لياتي الذي بعده‪.‬‬

‫يدخل أبدللهي إساخا ممسك ا بيد فتين ويحكي كيف أنه مات في نفس اليوم الذي ماتت فيه فتين من تعثر الولدة‪ .‬وكيف‬
‫جأخذت جثته إلى مشرحة كلية الطب ليتسلى بها )الحلب( و)أولد البرجوازية(‪ .‬ويدخل يده في قلبه ويخرج وثيقة خطيرة‬
‫ويمدها لجو الذي يفردها فيجدها )بياناا( من )دكتور منقوشي( يتساءل فيه تعن لماذا ل يوجد حلب في المشرحة؟ ولماذا‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫يكو ن سكا ن الـ)‪ (DR‬هم دائم ا من تعلى لو ن أبدللهي إساخا؟؟! ولكن أبدللهي إساخا يحمد ال أنه لم يكن ضمن شلة‬
‫)تيري فنجاس( و)كيري جقجاق( الذين جه لربت جثتهم تعبر المطار إلى دول البترودولر‪ ،‬وقبض )‪ (...‬الثمن!‬

‫ثم يغلق دفتر الحزا ن لتفتح فتين دفتر الفراح‪ .‬وتحكي تعن تفاصيل الحديقة التي كا ن يسكنها آدم وحواء‪ ،‬فتتحول‬
‫دتعوات تعم تعبده إلى جرتق‪ ،‬ويقوم جو بعقد قرانهما‪ ،‬ويبشر فيهما‪ .‬ويشاركهما رقصة )أم صلبونج(‪ ،‬ثم يعدهما‬
‫بالزيارة في أقرب سانحة‪ ...‬ثم يخرجا ن‪.‬‬

‫يدخل تعليه أستاذ تعساكر‪ ،‬فيقف جو لستقباله‪ ،‬ثم يجلسا ن‪ ،‬فيتحول كرم تعم تعبده إلى واحد قهوة مظبوطة‪ ،‬يرشف منها‬
‫أستاذ تعساكر ثم يبدأ نقده )الموضوتعي( لمسرحيات جو‪:‬‬

‫"هذا المشهد كا ن سيكو ن أفضل لو أضفت إليه كذا وكذا‪"..‬‬

‫"وهذا الحوار طويل‪ ،‬ويبدو كخطب المحافظ! ثم ل داتعي لتفخيم اللغة )هنا( مسايرة للنقاد!"‬

‫و"‪ ..‬لقد ضللك لوتعيك )هنا( فواربت جزءا من الحقيقة إرضاءا لما يسمى بـ)الذوق العام( تعدو الحقائق"!‬

‫"‪"...‬‬

‫ثم يكمل أستاذ تعساكر قهوته وملحظاته ويذهب‪ ،‬فيأتي بعده ماركس‪ .‬وتتحول سجادة تعم تعبده إلى بساط أحمدي‪ .‬يضع‬
‫تعليه ماركس رزمة الصور التي التقطها بكمرته )البيض وأسود( للبرينسيسة منذ لحظة لحظة صحوها‪:‬‬

‫ها هي البرنسيسة تتقلب في سريرها المخملي إياه‪.‬‬

‫ها هي تفتح نافذتها وتتأفف من التلوث الذي خلفته مصانع مستلزماتها إياها‪.‬‬

‫ها هي تستحم في البانيو بالصابو ن ولشامبو إياه‪.‬‬

‫ها هي تفطر بالساندويتش إياه‪.‬‬

‫ها هي ترتدي الموضة إياها‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ها هي تمتطي صهوة تعربتها الفارهة إياها‪.‬‬

‫ها هي تؤدي صلواتها في البورصة إياها‪.‬‬

‫ها هي تعود إلى فيلتها النيقة إياها‪.‬‬

‫ها هي تمارس الـ)‪ ( ####### Oral‬مع كلبها المدربة جيدا ذات اللسنة الطويلة إياه‪.‬‬

‫وها هو تعم تعبده يخجل‪ ،‬ويدتعو ماركس أ ن )يشيل حسنة في الولية( ويتزوجها ليضيف إلى ميزا ن حسناته‪.‬‬

‫فيمازحه ماركس‪" :‬إيه يا تعم تعبده‪ ..‬يبدو أنك )كعكعت(‪ ..‬وضعفت ذاكرتك! أنسيت أنه ل يجوز )شرتعاا( للرجل أ ن‬
‫يتزوج بالمرأة المتزوجة؟؟"‬

‫ثم يضيف ‪:‬‬

‫"وهب أنها غير محصنة‪ ،‬أنسيت يا تعم بعده حديث )خضراء الدمن(؟!"‬

‫ويتذكر تعم تعبده‪ ،‬فيضرب كف ا بكف‪ ،‬ويخرج ماركس‪ .‬ويستعدل جو جلسته‪ ،‬فتدخل تعليه نو ن‪ ،‬ببالطوها البيض‬
‫وسماتعاتها تعلى جيدها كعقد‪ .‬وما تزال حبة الشباب تعلى خدها اليسر‪.‬‬

‫تقدم له كشف ا بأسماء أطفالهما تعلى طول البلد وتعرضها؛ بعد أ ن شخصت حالتهم وحددت نوع الدواء‪:‬‬

‫هؤلء مصابو ن بالكتئاب بسبب تحريم الموسيقى‪.‬‬

‫هؤلء مصابو ن بالكتئاب النعكاسي والعدوانية بسبب برامج التفزيو ن‪.‬‬

‫هؤلء طردوهم من المدرسة لنهم لم يدفعوا الرسوم وظهرت تعليهم أتعراض المية‪.‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫هؤلء مصابو ن بداء المية المزمنة ل ن مدارسهم أغلقت بالمرة‪.‬‬

‫هؤلء مصابو ن بداء السمنة لنهم أكلوا نصيب أخوتهم من )الحلوى(‪.‬‬

‫هؤلء مصابو ن بداء الكواشركور من سوء التغذية الذي يسببه طفيل )التجنيب(‬

‫وهؤلء ‪..‬‬

‫وهؤلء ‪..‬‬

‫وتأتي إلى أطول لستة‪:‬‬

‫وهؤلء مصابو ن بالملريا‪ .‬وتحكي له قصة )مؤامرة( تجار الكلوروكوين مع تعمال البلدية ولجا ن مكافحة الملريا‪،‬‬
‫الذين قبضوا الرشاوي؛ فصار تعمال البلدية يتسيبو ن تعن ردم البرك‪ ،‬وصب الزيت‪ ،‬ولجا ن مكافحة الملريا تقوم‬
‫بتزييف التقارير! وتجرؤ تعلى نفي وجودها لتسعد المسؤولين! وتبكي نو ن تعلى كتفه لقلة حيلتها مع )هؤلء(‪...‬‬
‫فتتحول )رح لنية( تعم تعبده إلى )منديل أزرق( وتطير وترك في يد جو! فيأخذها ويمسح لنو ن دموتعها‪ ،‬ويطبطب تعليها‬
‫قائ ا‬
‫ل‪:‬‬

‫"خلص يا حبيبتي‪ ،‬لقد هانت‪ ،‬فغداا‪ ،‬تعندما يعرف الناس الحقيقة‪ ،‬سيختفي تجار الكلوروكين"‪.‬‬

‫ثم يضيف‪:‬‬

‫"بالمناسبة‪ .‬لقد قرأت خبرا سيفرحك جداا‪ ..‬فقد ظهر صديق جديد في أمريكا الجنوبية‪ ،‬أكتشف دواء ناجعا للملريا‪..‬‬
‫وهو )يجاهد( ال ن ليصاله إلى الناس‪ ..‬وغد ا سيظهر واحد آخر‪ ..‬ثم آخر‪ ،‬ويصيرو ن تعشرة ‪ ..‬ثم مائة‪ ،‬ثم ألف‪ ،‬ثم‬
‫تختفي الملريا وأخواتها إلى البد"‪.‬‬

‫فتفرح نو ن‪ ،‬وتتألق تعيناها‪ ..‬وتسأله‪:‬‬

‫ـ متى ستأخذني إلى السينما يا حبيبي؟‬

‫فيرد جو بطريقة الرجال‪:‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬


‫رواية‬ ‫مكتبة الروايات‬
‫‪/http://rewayatbook.blogspot.com‬‬

‫ـ آآ‪ ..‬لقد ذكرتيني! فقد أهدانا رينقو تذكرتين لفيلم الغد الهندي الجبار‪.‬‬

‫ـ وما أسم الفيلم يا حبيبي؟‬

‫ـ "حب إلى مال نهاية"‬

‫بطولة )جو(فندا و)نو ن(يتا‬

‫ويطفح الفرح في تعينيها‪ ،‬وتقوم بتسديد جزء من ديونه تعليها‪:‬‬

‫قبلتين مقابل كل قبلة يطبعها تعلى ابتسامتها ـ في اللوحة ـ كل صباح ‪..‬‬

‫وهكذا ‪......‬‬

‫تم تحميل الروايه من مكتبه الروايات‬

‫‪http://rewayatbook.blogspot,com‬‬

‫الطريق إلي المدن المستحيلة – أبكر ادم إسماعيل‬

You might also like