Professional Documents
Culture Documents
Idoc - Pub
Idoc - Pub
/http://rewayatbook.blogspot.com
إهداء
ض بعيدة
الذي ينام في قبضر وحيضد في أر ض
اللعبة الصغيرة
هب أنك الحاج تعثما ن سنين ،وأنت في الطريق إلى المدرسة الشرقية لزيارة أبنك؛ بعد أ ن هبطت ،قبل قليل ،من لوري
حاج تعمر ،القادم لتوه من أم شقايق..
أصلحت تعمامتك الوحيدة ،وتحسست ججزلنك ،وحسبت الجنيهات التي فيه .أخرجت الجنيه "أبوشنة ورنة" إياه! ثم
أضفت إليه الخمسين قرش ا التي أوصتك بها زوجتك )بت النور( لدتعم مصروف إبنها الشهري ،الذي ـ أنت تعرف أنه ـ
سوف ينتهي في صباح الغد؛ موزتع ا بين الرفاق ...ولكنك لم تنزتعج؛ قلت لنفسك" :الولد يصيرو ن رجال هكذا ،"...ثم
أ ن إبنك هذا لم يقصر معك في المدرسة ،فهو دائما ما يرفع رأسك في طابور نهاية العام .قلت أيضاا" :ما الولد طالع
ل" :ياخي، تعلى خاله !"...ومرت بخاطرك أيام صهرك تعبد الرحمن النور ،خال الولد .فأضفت خمسين قرشا أخرى قائ ا
خللي الولد يفرحوا ...هي الدنيا فيها شنو؟ خربانة أم قدود"...
ها هم مجموتعة من الطلب جالسين بجوار سور المدرسة ،قرب الباب ..وإنت تعلى نية أ ن تسألهم ،إرتبكت!! "أأقول
جومو أم النور!؟؟" ولكن لزوم الرسميات ،توكلت تعلى ال وقلت النور .فتلفت الطلب ولم يذكروا شيئا من الذي تقول!!
فلما تنازلت تعن الرسميات وقلت جومو؛ ضربوا تعلى جباههم بأيديهم )الحرة( في تلك اللحظة وقالوا بنبرة واحدة:
إ ن الورطة التي دخل فيها الطلب في البداية ،والدقائق التي ضاتعت من تعمرك إثر الرسميات؛ سببها الساسي صهرك
تعبد الرحمن النور ـ مثقف زمن الحلم ـ الذي فشل في إقناع زوجته ـ بنت الحسب والنسب ـ بأ ن يسميا ابنهما )جومو(
فقام بإسقاط حلمه تعلى ابن أخته؛ التي هي زوجتك! ولكنه طبع ا كفر تعن إزتعاجه لـ)بت النور( بأ ن تبرع بخروف آخر
للسماية .واستمتع أهل أم شقايق بخروفين بد ال من خروفك الواحد .ولكن تعلى أية حال؛ ليست هناك مشكلة ـ حسب
رأيك ـ فطالما أ ن أم الولد كانت سرتعا ن ما تتخلى تعن السم الذي اختارته لبنها ليطابق اسم أبيها ـ وتناديه )جدو(؛ فما
فارقه ..جدو وجومو )كله من بعضه(.
وطالما ليس لديك اتعتراضات أخرى ـ وقد أفلت اللعب من يدك من البداية ـ فإ ن جومو ال ن هو أحد أفراد شلة )أولد
قرف( أو )تعصابة قرف( ـ سمها ما شئت ـ واسمع حكايته الخطيرة:
...وقد كا ن أبرز أفراد الشلة هم :تعثما ن شربات ،وتعلى إسماتعيل الكضاب ،وأحمد سالم أبو خمسين الذي خسر خمسين
قرشه مع إحدى اللعوبات بعد أ ن أخذ )شرة كاربة( .هذا بالضافة لمحمد الشيخ فريني ،وسيد شطة ،ومصطفى بطيخة
السمين..
ثمة مزاجات ومصائر مشتركة جمعت بينهم ،تعلى مر العامين ونيف الفائتين ،الذين قضوهما في المدرسة الشرقية .إذ
لم تك تخلو لستة مهرجلين من أسمائهم قط! وحتى إ ن غفل )اللفة( ،وجسحبت منه الللستة بتدبير ما ،فإنه ل يجد صعوبة
البتة ،ويقوم ـ أوتوماتيكياا ـ بتدبيجها مرة أخرى وتقديمها للستاذ متى مر من هناك.
ولكن هؤلء )الشياطين( ،بالضافة لذلك ،قد ساهموا بقدر كبير في تشويه حيطا ن المدرسة؛ ابتدااء من جدرا ن الفصول
وسقوفها ،حتى المراحيض .كتبوا أشعار الغزل ،اللفاظ النابية ،وأسماء الفتيات بحروفها الولى .ورسموا تقاسيم
أجسادهن كما يفعلو ن مع الرسومات التوضيحية في دفاتر )العلوم( .خاصة بعد أ ن تعرفوا الطريق إلى بيت )زوبا(،
وجربوا في الواقع ما كا ن يحدث بالصابو ن ،أو في الحلم ،ليكلفهم ذلك مشقة الستحمام في الصباحات الباكرة) ،ونشر
الغسيل( في أواخر النهارات .وفي الحقيقة ،فقد كانوا )البصلة المعفنة( التي كا ن يبحث تعنها )السيد المدير( للقائها
بعيدا تعن بقية البصل! وقد دخل السيد المدير في متاهة ذات يوم وهو يتفقد حيطا ن المدرسة تعقب نهاية اليوم الدراسي
ليجد الرسومات الخطرة ،بتقاسيمها التي لكل منها جملة أو مقطع شعر يحمل اسمها:
فأتعجب المدير جداا ،رغم اتعتراضه تعلى صيغة العبث الجدرانية .وساقه السهم )الدال تعلى ما بعد( إلى تفاصيل نهد )
:(M
ـ ثم ساقه السهم التالي إلى خصر ) (Fمن الخلف <--------) :الهالكني (...
ثم ساقه دليل السهم إلى المرحاض الثالث ،ليجد تفاصيل ما بين فخذي ):(A
والغريبة أنه لم يجرؤ أحد ،من )المؤدبين( الذين يذمو ن )البذاءة( جهراا ،تعلى "إماطة الذى تعن المرحاض"!! بل لوحظ
أ ن هذا المرحاض بالذات قد كثر رواده لدرجة أنه يطفح أحيانا دو ن رفاقه! مما يكلف )اللطجي( ساتعات تعمل إضافية،
وبالتالي ،يكلف سجلت الحكومة وخزينتها أوراقا وحبرا و)أوفرتايم( .تعلى كل حال ،هذه قصة.
ولكن ضمن سيرورة التعبير تعن )الواقع( ،كا ن طلب المدرسة ينقسمو ن )تعرفياا( إلى فريقين :فأنت إما ضمن )أولد
قرف( ،إذا كا ن مصدرك الفقر أو القرية أو الداخلية ..أو؛ ضمن)أولد كموش( إذا هبطت تعلى المدرسة من أتعلى
المدينة .أما إذا كنت )جيمس آيول(؛ فل محل لك من التعراب!! ولكن هذا التصنيف بأت هلميا في الونة الخيرة بعد
أ ن بدأت تختل موازين تنقلت المدرسين بحجج مثل )الستثناء لدارة شئو ن المنظمات الفئوية(! هذا بالضافة لبقاء
بعض المدراء لمدد أطول تعقب تشمم الناس لرائحة التلتعب في )التعيين( ،وظهور متعهدين لم يعرف لهم أصل ول
فصل!
تعلى أي حال ،فقد تزايد أولد كموش في المدرسة وتضاءل أولد قرف إلى أ ن أصبحوا نهرا واحدا تعكس ما كا ن يحدث
قبل سنوات قليلة.
أيضاا ،من الجانب الخر ،فقد أفلت بعض من كموش وأنضم إلى قرف تعلى سبيل المزاج؛ مثل سيد تعمر تعبد الحفيظ،
الملقب بشطه ،الذي كا ن من أمهر لتعبي كرة القدم .وقد أطلق تعليه هذا اللقب بسبب أحد الباكات؛ ذلك المسكين ،الذي
كا ن يكلف بمراقبة سيد في المباريات .وكا ن بمجرد أ ن يستلم الخير الكرة يفرك تعينيه ،فيصبح فيه الجمهور "شطة ..
شطة "..هذا بالضافة لمصطفى ابن أحمد العاقب كبير تجار المدينة.
وقد كا ن من تعادة هؤلء ـ ضمن تعادتهم المشاغبة ـ استغلل مهاراتهم اللغوية في كتابة رسائل غرامية إلى حبيبات
وهميات ،وتداولها بينهم ،ماتعدا تعلى إسماتعيل الكضاب ،الذي لم يك للحقيقة مجانبا؛ فهو الوحيد من بينهم الذي
استطاع الظفر بقصة حب حقيقية مع إحدى طالبات المدرسة الميرية .ويحكى تعن تعلي إسماتعيل هذا أنه نال لقب
الكضاب زورا وبهتاناا! فهو ،بالرغم من أصوله القروية ،إل أنه لم يكن قرويا صرفاا؛ فقد درس المرحلة السابقة متجوال
بين مد ن البلد ،مرافقاا لعمه الذي كا ن يعمل بالسكة الحديد .وبسبب هذه الوضعية ،كا ن تعلى صلة بـ)العالم( أكثر من
البقية ،ولديه معرفة بأمور كثيرة غائبة تعن الخرين ،حازها مما كا ن يقرأ من المجلت وكتب "الشياطين الطلطاشر"
التي كا ن من تعادة أولد الموظفين أ ن يتداولوها .وقد كا ن حبه الشخصي للقراءة يكلفه مضاتعفة الجهد في بيع
المشروبات والمأكولت في محطات القطار ،ليظفر بثمن ما يرضي نهمه في القراءة ،بالضافة للبسكويت والداندرمة
والشكولته .ولكن الحال ذاك لم يدم ،فقد )نزل تعمه المعاش( وقرر العودة إلى مسقط رأسه ليجد تعلى إسماتعيل نفسه
من جديد بين رفاقة القرويين القدامي ،الذين لم تك تتعدى آفاقهم حدود الكتب المدرسية.
ولما كا ن يحكي لهم تعن مغامرات الشياطين الطلطاشر ،وقصص الطباق الطائرة ،كانوا يموتو ن من الدهشة .وكانت
النتيجة أ ن جأطلق تعليه لقب الكضاب .بيد أ ن ملبسات هذا اللقب نفسها هي سبب توطيد العلئق القديمة مع جومو ،الذي
كا ن بين الفينة والخرى يطالع بعضا من الكتب والمجلت الخاصة بخاله تعبد الرحمن النور ،التي كانت مدسوسة في
منزلهم لسبب لم يك يعرفه! لذلك ،كا ن يرى بعض المعقولية في ما يحكية تعلى إسماتعيل .وكا ن يعاضده في معاركة
القناتعية مع )القرويين( .هذا بالضافة لقصة صباهما التي سيحكيها لنا تعلى إسماتعيل بنفسه في مقبل اليام.
ولما كا ن لعلي إسماتعيل من كارزيما ،وخبرة ،فقد أمسى قائدا تلقائي ا لمغامرات الشلة .فهو الذي كشف لهم الطريق إلى
بيت )زوبا( ليجربوا فحولتهم هناك .وقد ساهم في جرهم إلى الكثير من المشاكل في المدرسة .ولول لطف ال ووجود
أستاذ تعساكر ،لكانوا اليوم ـ بالتأكيد ـ في المنطقة الصناتعية ،أو في موقف اللواري ،أو في طريقهم إلى )القوات
النظامية( .فقد قبض تعليهم أستاذ تعساكر مرات تعديدة وهم يتداولو ن كيس التمباك في مؤخرة الفصل .ولكن الجريمة
الكبرى كانت في بداية السنة الثالثة ،تعندما استطاع أستاذ تعساكر أ ن يطب تعليهم ،في هجوم مباغت ،ويصادر مجلة الـ
!! PLAY BOYمما اضطره لجراء تحقيقات )تربوية( طويلة ،ولكنها كانت دائرية ولم تفض إلى شيء!
وبالرغم من تهديده إياهم بأ ن يرفع المر إلى السيد المدير ،إل أنه لم يفعل ،واحتفظ بالمجلة )المعروضات( لزوم التهدي
فقط .وقد كا ن ذلك كله بسبب إتعجابه بذكائهم ومواهبهم ،خاصة بعد أ ن أبدتعوا في تعمل وأداء المسرحية التي فازت بها
المدرسة في مسابقات المدارس في احتفالت تعيد التعليم الفائت ،وهم الذين رفعوا رأسه باتعتباره المشرف تعلى
النشاطات الدبية والفنية ،بالضافة لـ)وكالة النظام( في المدرسة .وقد كانوا بالنسبة له )المعادل الموضوتعي( لمقولة
)تعماد المستقبل( التي )ججننتهم( بها السيد المدير في خطبه المتكررة.
وبعد كل ما تعرفناه ،فلم تك هذي هي المرة الولى التي )يتجاوز( فيها أستاذ تعساكر )اللوائح المدرسية( وما تتطلبه
نزاهة الموقع! فقد قام بإخفاء جزء من التقارير تعن السيد المدير ،لمعرفته بتشدده .فليس من الممكن ـ بالضافة
)للمعروضات( ـ أ ن يقدم للمدير حكاية )تام زين(؛ )ست النداية( التي اشتكت إليه بأ ن أولد قرف لم يدفعوا لها ثمن ما
شربوه خلل أسبوع ،بعد أ ن ضللوها بأنه )في قروش جاياهم(! وبالتأكيد فإ ن السيد المدير لن يعيد إليه ما دفعه لها من
حر ماله تجاوز ا للفضيحة ..حتى إ ن تغاضى تعن المصير المحتوم لـ)تعماد المستقبل( حينها ،والهلولة التي ـ لبد ـ
سيقيمها أستاذ تعبد الجليل إثر ذلك.
*****
بالضافة لجيمس آيول ،الذي ل محل له من التعراب ،كا ن هناك اثنا ن آخرا ن من الطلبة )الجنوبيين( ،الذين جاءت بهم
حكاية )صديقنا منقو( إلى المدرسة .وكا ن جيمس آيول وبول أشويل يقنطا ن حجرة صغيرة في الداخلية ،كانت يوما
مخزناا! ولم يعرف أحد إ ن كا ن ذلك بسبب أفكار يمينية أم يسارية ،ولكن ثالثهم مايا ن دينق ،ابن ضابط البوليس ،كا ن
أقرب ل ن يكو ن كموشاا.
في بداية أيام الرفقة ،صرح شربات بأنه مستغرب لوجود )جنوبيين( في المدرسة! لنه لم ير ذلك من قبل .ولكن أحمد
سالم أبو خمسين ذهب أكثر في مرامي الدهشة ،وحكى أنه هناك في قريتهم ،فإ ن كل ما جيعرف تعن الجنوبيين أنهم
)جانقي( .وأ ن )الجنقاي( ل تخرج حياته تعن العمل كأجير في المزارع أو جالب للحطب ،أو تعمل المشاجرات في بيوت
المريسة ..واستدرك أنه بمجرد أ ن يحل الجنقاي في القرية ،سرتعا ن ما يغير اسمه ،كأ ن يسمي نفسه )قرشين ( أو
)أربعة يوم( أو ..أو ..إلخ .ول جيعرف للجنقاي زوجة أو أولد! وإ ن جتعرفوا فإ ن أولده إما أ ن يعملوا خدامين ،أو رتعاة
للبقار ويلقبهم أصحابها بـ)العب الصغجير( و)العب الكبير(!!
ولكن هاهو مايا ن دينق أكثر أناقة ،وأكثر شطارة من بقية الطلب! وليس كما تقول الغنية:
ولكن جومو كا ن بين بين؛ فما كا ن يؤرقه شيء واحد،هو كونهم )مسيحيين( .وكا ن يقول لنفسه "حرام أ ن يدخل جيمس
آيول النار ..فهو إنسا ن جيد ول يستحق ذلك لي سبب ."..وكا ن قد تعزم تعلى هدايته للسلم )تأمينا للموقف( فحسب،
ل قلي ال لما توطدت العلقات ،بدأت تتفجر المجادلت حول قضايا لهوتية ل أول لها ول فهو يحب الخير للجميع .وقلي ا
حجة تعما هم به مؤمنو ن!! وبعد ذلك نمت العلقة آخر .ولكن جومو أحس في النهاية بأ ن منطق جيمس آيول ،ل يقل ج ج
تعلى قاتعدة )التواطؤ التسامحي( "لكم دينكم ولي ديني "..واستمر الحوار وديا بالسكوت تعن الشياء الملغمة ..إلى أ ن
جاء ذلك اليوم الذي أكمل فيه أستاذ تعبد الجليل الشرح في حصة )اللهوت( بعد أ ن أبا ن وأوفى تعن اليما ن بالكتب
الربعة ،ثم مسح يديه من الطباشير قائ ا
ل:
"أهناك سؤال؟؟"
فرفع شربات اصبعه وهو يصيح" :أستاذ ..أستاذ ."..فقمعه أستاذ تعبد الجليل بصرامة:
"أججججلس".
فقد تورط أستاذ تعبد الجليل في الحصة السابقة تعندما كا ن يشرح مسألة وجود ال مرددا "إنه موجود في كل مكا ن"،
ففاجأه شربات بسؤوال حسبه قلة أدب:
ـ يعني هسي يا أستاذ ربنا قاتعد في الفصل هنا مثال؟! أو لو أنا مشيت الحمام ممكن ألقاه هناك!؟؟
لكن هذه المرة قرر أستاذ تعبد الجليل إحباط المهزلة في مهدها .فجلس شربات وابتلع سؤاله.
رفع جومو يده ،فسمح له أستاذ تعبد الجليل بإشارة منه ،فقام وألقى بسؤاله هو الخر:
ـ إنت يا أستاذ قلت الكتب التلتة التانية دي محرفة طيب الضما ن شنو إنو كتابنا ده ما محرف؟؟
ـ لكن يا أستاذ الضما ن شنو؟ ما إحتمال السم ده تعملوه الناس الحرفوه تعشا ن ما في زول يشك؟؟ ـ فوجئ أستاذ تعبد
الجليل ـ مرة أخرى ـ بهذا السؤال فأمره:
خارج الفصل ،تفجرت النقاشات مرة أخرى حول التحريف وممكناته ،خاصة مع وجود سوابق في هذا المجال ..وتجرأ
تعلى إسماتعيل الكضاب تعلى السؤال" :لماذا لتكو ن هذه الكتب التي تخفى تعنا ولم نقرأها هي الصحيحة؟ وإل لماذا
تخفى؟" .وتكاثرت الجراثيم البليسية أو ما يسمى )حب المعرفة( في تلك الذها ن .ولكن جومو ظل ممسكا بطرف
الحكاية :فما أ ن التقى بجيمس آيول حتى أسرع في محاولة أحراجه بالسؤال الذي يؤورقه هو:
ـ أيوه
ـ طيب والزبور؟؟
ـ كما ن ..
ـ كتاب مقدس ده فيهو تعهد قديم وتعهد جديد ،وتعهد جديد ده يا هو إنجيل
ـ أيوة
كذب جومو تعلى فريني ،حين لمحه الخير حامال حقيبته المدرسية خارجا وهو لم يغير ملبس المدرسة بعد ،بأنه:
"ماشي أشرح تعربي لجيمس آيول" .ولما استدرك أ ن إجابته تلك قد تفتح منفذا يحشر فيه أولد قرف أنوفهم ،مر تعلى
آيول وأخذ )ما حاك في النفس وكرهت أ ن يطلع تعليه الناس( وخرج إلى )هناك(؛ لكي يجلس تحت شجرة النيم الظليلة،
خلف المدرسة ،وراء ميز المدرسين؛ حيث ل يمر مار في تلك الساتعة من النهار .ولكن حكم العادة ساقه ليجد قدميه
وقد تعتبتا تعلى باب المدرسة! قال" :حسناا ،سأدلف من الناحية الخرى" .ولكن شاءت )دروب إبليس( أ ن توقعه في
الشر! فها هو السيد المدير قد فتح بوابة ميز المدرسين وصاح:
ـ ياولد ..
ارتبك جومو ،وتحسس حقيبته بعد أ ن غامره إحساس بأ ن السيد المدير لبد ناظر إلى محتوياتها .بيد أ ن الطامة الكبرى
جاءت لما أضاف السيد المدير:
"استر يارب ."..قالها جومو في نفسه ،ولعن الطالع الذي ساقه إلى هذه الورطة .ولكنه لم يجد مفرا من تنفيذ المر.
نقر الباب ،ففتحت له نازك ،بنت المدير ،التي كانت هي في تعمره تماما وفي نفس السنة الدراسية .كا ن وجهها مثل
)شيء( لم يفكر فيه من قبل ،تعيناها جميلتا ن ،وخصلت من شعرها طائرة ،مسحتها بيدها غير التي تحمل )كتاب
العلوم( .رأى حبة الشباب النابتة تعلى خدها اليسر.
ـ اتفضل..
ـ تعايز الغدا..
ـ أيوه..
ابتسمت واستدارت ،ثم انحنت لتعبر تحت قوس الليمو ن باتجاه الباب النملية .رأى )أقواس النار( واضحة ،ثم تعاد إلى
وقفته ليستمع إلى زوجة المدير وهي تأمر الخادمة" :هذا هنا .وهذا هناك ،"..وهو لم يزل به من الرتباك ،يفكر فيما
يمكن أ ن يحدث لحقيبته؛ "أليس من الممكن أ ن تحدث صدفة أخرى ،كا ن يفتح السيد المدير الحقيبة ليستعير قلما أو
ل؟" .ولكنه ورقة مث ال؟ أليس من الممكن أ ن تنتاب المدير لحظة فضول ويحاول أ ن يعرف كيف يكتب طلبه النشاء مث ا
رتب في ذهنه إجابة مقنعة للطوارئ" :سأقول أ ن جيمس نسبه في الدرج ،وأنا أخذته لوصله إليه ..إجابة مقنعة ..ثم يا
ولد إنت ناسي إنك ممثل؟".
ذهبت كل تلك الهواجس أدراج الرياح ،ومر المر بسلم .ومن تحت شجرة النيم الظليلة ،تلك التي يسمح موقعها المقابل
للفسحة التي يرتادها مجانين الكرة ،بإخفاء )المعروضات( في الوقت المناسب ،بدأ جومو يتصفح التفاصيل الغريبة
والكلمات التي ما تعرف يوما معناها:
)رسرفر التكوين(! )الصحاح السادس (!! )مراثي إرميا(!!! )..المزامير(!!!! )نشيد النشاد(!!!!!:
" ..طوال الليل طلبت بشوق من تحبه نفسي فما وجدته .سأنهض ال ن أطوف في المدينة ،وأتجول في شوارتعها
وساحاتها ألتمس من تحبه نفسي."..
قال جومو" :إنه كلم ال .هذا ل يمكن أ ن يكو ن محرفاا" .وأقعي يتمتع ويمتدح من نبع النشيد ،يعيد ويستزيد ،إلى أ ن
ظهر بعض مجانين الكرة في طرف الميدا ن ،فقام بإخفاء )الكنز(.
وفي الليل ،بعد أ ن "آبت الوحوش إلى آجامها" ،وأطفئت النوار ،كا ن جومو يحدق في الظلم؛ يستعيد ذاكرة النشيد.
فدخلت من ثناياه اللحظة الحاسمة التي أجلها الرتباك وريح الظنو ن .أطل تعنفوا ن الوجه وابتسامته الجاسرة .كا ن شيئا
كرائحة أتعشاش تعصافير الجنة في تعمق الخريف ..شيئ ا كألعاب الطفولة ..كوقع أقدام المطر ..الضفائر الطائرة ،حبة
الشباب التي تسبب الكل ن في القلب وما من ظفر يحك إل لمستها! وقوس النار لحظة تعبور )قوس الليمو ن( الذي
شيدته الطبية لتعلن انتصارها النهائي..
"نازك!! ..اللـــــــــــــــه!!" قال لنفسه في مشهد الظلم ذاك .ثم تدفق شلل الماضي؛ كيف كا ن يراها تعابرة ،في
الصباح ،بزيها المدرسي وحقيبتها في حضنها برفقة أختها سلمى .كيف كانت تعود في آخر النهار ،ولمرات تعديدة،
لوحدها ..تقرأ نفس الكتب المدرسية التي يقرأها ..حك ذاكرته للتلصص تعلى اليام التي تعود فيها لوحدها ..لكن هيهات
هيهات ..وفات الليل..
ولما دند ن )تعم تعبده( ،مؤذ ن الزاوية ،بأدتعيته اللطيفة" :أسبحنا وأسبح الملك ل ،"..بلكنته التي تدل تعلى أصله
التعجمي ،قبل أ ن يصدح بأذا ن الفجر الول؛ قام جومو ،استحم ،وتوضأ وصلى الفجر حاضرا ـ ليس كما كا ن )يكلفته(
بعد شروق الشمس .كا ن يحرك أصابعه ،ولم تك بخاطره تسابيح محددة .ومع شقشسقات تعصافير الصباح ،استيقظ كلب
الداخلية الذي لم يسمع له أحدد نباح ا وجاء ورقد بجواره ..تأمله جومو وحن تعليه .وبدأ يفكر فيما يفكر فيه هذا الكائن
المتوحد النبيل!! احتمالت كثيرة! ولكن ال وحده يشاركه في معرفتها!!
قام جومو ودخل )العنبر( .صار الزما ن بطيئ ا في تلك اللحظة التي يستحلي فيها الخرو ن بطأه ،ويتمنو ن أ ن تكو ن
الشمس الشارقة هي شمس الجمعة ،أو أي إجازة حتى يكتمل برنامج الكسليات..
مع ضوء الشمس المائل تعبر النافذة المهشمة ،نظر جومو إلى صورته في المرآة .داهمته الرغبة في أ ن يستعاد الخلق
في تلك اللحظة .وتحمل إليه المرآة نبا أنه )دهر مندرا( ..فسرح شعره بعناية وطبطب تعليه بيده حتى صارت الصورة
)مقنعة( ،ثم حمل حقيبته وخرج .تعلى الزاوية التي كانت تنعطف منها كل صباح ،تلك التي كانت يوما ـ وبالمس القريب
ـ كبقية خلق ال ،فصارت اليوم )أميرة البر والبحار( كما كانوا يكتبو ن في رسائلهم الغرامية لولئك الفتيا ن الوهميات؛
جلس جومو ،وأخرج كتاب )العلوم( مدتعي ا المذاكرة .مر تعليه تعدد من السابلة ،ألقوا تعليه تحايا الصباح ودتعوا ال له
بالنجاح .كا ن مع كل نصف دقيقة يرسل البصر كرتين إلى )هناك( ،من حيث )ستشرق العصافير( التي ما فتئت تشقشق
منذ انطفاء أنوار البارحة.
شووو ..تدفقت الشللت بقلبه ثم اندفق القلب مع اقتراب العصفورة .فوجد نفسه هاربا باتجاه البوابة يشهق كأنه في
نهاية الماراثو ن!
هتف هاتف" :أثبت يا راجل ..خليك واثق من نفسك!" .لما )ثبت الراجل( كانت أقدامه تعلى تعتبة بوابة الفصل! استعاد
قلبه وأنفاسه وتعاد إلى هامش أرض المعركة .كانت العصافير )البطلة( قد تعبرت ـ حينها ـ إلى ماوراء الفق المنظور.
ظل جومو ساهما طوال النهار؛ ففي وقت الفطور ،وقفت اللقمة في حلقه ،غالبها لو تجد لها جيزا في الجوف مع زحمة
النيازك .في الحصة الرابعة ،لحظ أستاذ أزهري سهومه ،ولما ألقي تعليه السؤال ،احتاج إلى قرو ن ليعود من تفاصيل
بحار قديمة رقدم العالم.
ومع نهاية الحصة الخيرة ،وبمجرد أ ن اتجه أستاذ تعساكر إلى الباب؛ قفز جومو من النافذة المجاورة لتعادة الكرة ،بعد
الفرة المخجلة في الصباح .ولكن تعلى إسماتعيل الكضاب لحق به ممسكا بكم قميصه" :تعال ..تعال ..قبضتك! إنت كما ن
ماشي تعمل خيانة؟ إتعترف."..
"كيف تعرف تعلى إسماتعيل بالمر؟!" سأل جومو نفسه ،ثم استهدى بال ورد تعلى الكضاب:
ـ خيانة شنو؟؟
ولم يترك له فرصة للتملص ،وتعادا من نفس النافذة التي خرجا منها.
كا ن شربات يضحك بخساسة "جأهو ..جأهو ..جأهو" ،وأبو خمسين سارحا .ولما دخل ،ترك شربات بعضا من خساسته
قائ ا
ل:
ـ تعال ..تعال يا جومو شوف صاحبك ..أتاريهو يومداك لمن اختفى ،ونحن نشيل ونحشي في الساندوتشات ونشاكل
تعشانو ،أتاريهو كا ن تعامل خيانة قدر كدة ) (...لكن الخاين ال يخونو ..شوفو تعامل ضبل ن كيف؟ دة تعندو )أبو
شروروة( ..وصاحبك الداقس قال تعايز يمشي المستشفى!!
قال بطيخة:
ـ طيب ما يمشي؟؟!
فعاجلة إسماتعيل:
ـ إنت كما ن داقس ول شنو؟! إنت تعارف حيكتبوا شنو قدام إسمو مكا ن )المرض(؟؟
)سين ،ياء ،لم ،ألف ،نو ن( ،وطبظ بسبابته جبهة بطيخة الذي أدرك خطورة المسألة.
ـ وال يا أبو خمسين وقعتك سودة ..ما فيش أمل .غياتو )تعتلتك( حتنقطع )ال يرحمها( وإنت حتكو ن بلطة ..غايتو
حنفقدك لنو حينقلوك )الميرية( ،لكين ما تخاف ،أخوك حيتبرع ليك بطرحة زي الورد..
ولما رأى شربات تعيني أبو خمسين وقد اغرورقتا بالدموع ،سأل سيد شطة:
ـ لكين ال يستر! أصلو كوجاك ده )تعيالتي( معروف ..آها يا أبوخمسين؟ أخير ليك ده ول تبقي بلطة؟ اختار.
فغنوا:
وجمع جنيها وخمسة تعشر قرشا ثم قال" :الباقي يتمو تعلى إسماتعيل الكضاب )حنك( .ولكن تعلى إسماتعيل الكضاب
تنازل تعن حكاية الحنك هذه لشربات ..والتفت إلى جومو:
ـ و أنت شكلك كدة تعامل خيانة ..قول تعندك أبو شرورة خلينا نللحقك أبو خمسين "ناس ما تعندها دم".
وهكذا مكر بهم .فترك تعلى إسماتعيل حكاية الخيانات الصغرى قائ ا
ل:
ـ ي جل يا جماتعة .الفقريين ديل يكونوا هسي شربوا القرع ..غايتو ناس بطيخة ديل ما تعندهم مشكلة ..لكين إنتو ..وال
إل تغلتسوا رغيفكم في قدح الزولة بتاتعة أبو خمسين..
ولما تعتبوا خارج بوابة المدرسة الرئيسية ،كانت العصافير تنعم بـ)التشنقل( تعلى سريرها.
جاء المساء ثقي ال ،وبدا الزمن كسلحفاة كسيحة .فتح جومو نافذة نزقة الهواء وبقى متربصا باللحظات وقد تعاف كل
شيء؛ الطعام ،الشراب ،والسلم والكلم .وفي الليل مر النيزك مشتع التعلى تخوم المجرة ،وتفجرت الروح مرة أخرى
كما تفعل آلم الضرورس.
"قم ..أمشي ..أقفز فوق جميع السوار ،قل الكلمة ،وليحدث ما يحدث "
قال الحارس:
"ستصلبا ن هنا ..وأشار إلى المسافة بين بؤرة الجمر الراقد في الصدر ،وبحر البراح الممتد هناك قريبا من قوس
الليمو ن" .آه ..كيف نائمة أنت ال ن؟ أي جماد يستدفيء بلمسك؟ أي شيء يستمتع بهمس أنفاسك؟ آهـ ..آهـــ ..
آهــ "..
"متى سيجيء اليوم الذي نجلس فيه في مثل هذا السحر؟ ونبث بيننا الهوى ...ل ...ل لماذا يكو ن بينا بين؟ كفى هذا
المدار ...كفى"..
قام جومو وجر تعلى إسماتعيل ـ الغارق في النوم ـ من أصابع يده ،فلم يزد هذا تعن:
"أووووم "..
ثم انقلب ليكمل نومته .فضربه جومو تعلى كتفه ست ضربات متتاليات ..فقام تعلى إسماتعيل مخلوتعاا:
ـ مالك؟ في شنو؟؟
ـ ياخي الصباح..
ـ ما ينفع ..
ـ آها ..؟؟
أحس تعلى إسماتعيل بجدية الموقف ،ولف ملءته حول جسده وقام تعلى حال )إلعن أبو اليوم الجلمانا فيكم(.
تعلى الساحة المجاورة للداخلية ،حيث كانوا يلعبو ن الكرة الطائرة .تعرف تعلى إسماتعيل تفاصيل الحكاية ،أو ما أسماه
)قولة تيت( .ولما كا ن )ما يزال في النوم تعشما ن( ،تخارج من الموقف باقتراح وجيه:
ـ أسمع ..أحسن حاجة تعملها ،ما تفوت اللحظة دي ..وبدل ما تقعد تحبني أنا ..أحسن تحبها هي!
ـ يا أخي أمشي جيب ليك قلم وكم كراس كدة ،واتعتبرها الكراس ،وبعدين وقول ليها أي حاجة إنت تعايزها ..بعد داك
الباقي هين.
كا ن القتراح وجيهاا بالفعل ..وبعد دقائق ،أستعاد تعلى إسماتعيل نومته .وكا ن جومو )أنا و انت والليل والقمر( ..ولما
استفتح تعم تعبده صباحات ال بـ)أسبحنا وأسبح الملك ل( ،كا ن جومو قد جأوحى إليه نشيد النشاد الخاص به! و مل
كراسة.
وبعد أ ن صلى الفجر ،وتعاد إلى سريره مغمضا تعينيه يستعيد نفسه الذي ظل متوقفا منذ منتصف الليل ،ظهر ذلك الطائر
الخرافي الذي يشبه السمبرية متمرجح ا في خياله! كانت تلك أول بوادر الحمى )الملريا(.
في التاسعة صباحا وجد نفسه تعلى سواتعد الرفاق محمو ال إلى المستشفى ..ولم يفارقه الطائر الخرافي إل في اليوم
الرابع .فجلس الرفاق بجواره ..وقال له تعلى إسماتعيل:
كانت اليام الربعة قد شهدت نشاطا دائب ا سخر فيه جنرالت قرف كل مكرهم ودهائهم لخوض حرب ل مجال لخسرانها
أبدا .فقد قام تعلى إسماتعيل بإقناع زهرة بخطة )الحرب( ،بعد أ ن أبكاها وهو يتلو تعليها صفحات من )كراس القمر(
محذر ا إياها من الوقوع في غرام هذا )النبي( ،وهو يقار ن لها ما كتبه مع مقاطع من نشيد النشاد الصلي .ولما اقتنعت
زهرة بالخطة ،قام بتسليمها )الطعم( ،وهو كتاب )قصة حب تعلى ضفاف المانج (؛ تلك القصة التي تحكي تعن فتاة تحب
فتى غائباا .وظلت تحلم بلقائه لسنين طويلة ،ولما لم يجيء ،قررت النتحار أخيراا ،فودتعت ذكرياتها الجميلة ،وشكرتها
تعلى حسن الرفقة ،وذهبت لتلقي بنفسها تعلى ضفاف نهر المانج .ولكن هناك كانت المفاجاة! إذ أ ن الفتى نفسه كا ن
تعلى الضفة الخرى .وقد اتخذ نفس القرار ولنفس السباب!
فسبح كل منهما باتجاه الخر ،وفي منتصف النهر ،كا ن تعناقا حار ا أخجل الكواكب ،فحملتهما تعلى مركب النور إلى
حديقة السعادة البدية ـ ليكمل تعناقهماهناك .وفي لجج العناق ،تستمتع الفتاة إلى أخبار أيام الفتى ،تبكي ،فتهطل
دموتعها وتنبت أزهارا ..وأزهاراا!!
في مساء ذلك اليوم كا ن الكتاب قد وصل إلى أنامل تعزة ـ صديقة نازك الوحيدة ـ بصدفة مفتعلة .وفي صباح اليوم
التالي ،تم جر )العدو( إلى خط المواجهة .جاءت نازك لتبادل قبلة الصباح وحضنته مع تعزة ،فلحظت احمرار تعينيها!
ولما سألتها أجابت دموتعها!! وهناك في زاوية السرار ،أخرجت تعزة الكتاب وأتعطته لنازك.
وفي أزقة الوقت بين أسرار المدرسة الميرية ،كانت سيرة )الولد الجميل( الراقد تعلى سرير المرض قد تم تداولها مع
بهار ذكريات أتعياد الماضي.
انتحل بقية أولد قرف شخصيات قطاع الطرق .حتى أ ن نازك وهي في طريق العودة اليومي ،قد ألقت التحايا لول مرة
تعلى شربات وسيد شطة الذين كانا يفتعل ن مشهدا شاهده )الجميع( في يوم مضى تعلى خشبة مسرح )المدينة( الكبير.
في الليل ،وبد ال من المذاكرة المفروضة من قبل )كبير المدرسين( ،العارف بواجبات أنجاله في سنين دراستهم الفاصلة،
جوضعت الكتب المردسية جانباا ،وامتدت النامل الناتعمة إلى )السر( بعد أ ن أدخل بين دفتي )كتاب الدين(! حتى ل يشك
شاك.
كانت اليد اليمنى تمسد في البدء )حبة الشباب( ذات الملمس )الحلو( .وتارة أخرى تمسد الضفائر الطائرة .إلى أ ن
ل قلي ال لتمسح غشاوة العين التي صارت تصنعها الدموع .لتصبح أخيرا في إنتظار الكواكب!
زحفت قلي ا
في تلك الليلة ،نبتت أشجار الغربة والتوحد ،وصارت غابة في القلب النضير .وانبجس النداء النثوي الذي كا ن يتعرج
بين أسوار الوامر الزلية ،وكهوف التغييب الصم ،ليجد نفسه دفعة واحدة في البرية ،وتعلى مرأي من الشمس ،أمام
الحياة بالطعم واللو ن والرائحة.
أستمرت جرجرة العدو في اليوم التالي ،بل وتقدمت إلى أبعد مما كا ن مرسوم لها! فقد جاءات نازك أكثر بكرة تعن
تعادتها وأنتظرت تعزة .وبعد القبلة البدئية ،والحضنة ،أضافت قبلة أخرى ثم ألقت بالرجاء:
فردت تعزة باسف :أ ن الكتاب ليس ملكها وأخبرتها أنه كتاب زهرة .وأضافت أنها هي نفسها كانت تفكر في نفس
الموضوع ،بعد أ ن بحثت تعن الكتاب في كل المكتبات ولم تجد له أثرا ول حتى ذكرا!! ولكنها أتعلنت تعن تنازلها إذا
سمحت زهرة بذلك قائلة:
وطفقتا في تعناق جديد .وبدأ مشوار البحث تعن زهرة .أخير ا وجدتاها جالسة هناك في طرف المدرسة في انتظار جرس
بداية اليوم الدراسي .وقد كانت حزينة بالفعل وهي تمثل دور الحزينة ـ حسب الخطة ـ ولما فأجانها بالطلب تصرفت
وأدخلت تعديلت فورية تعلى الخطة من تعندها .فهي ال ن أكثر حماسا من الجميع!! وقد بررت ذلك لحبيبها تعلى
إسماتعيل ،بأ ن "كل شيء في سبيل الحب مشروع ،بل وواجب!".
وضمن التعديلت في الخطة ،أتعطت زهرة الوتعد الجميل لنازك بأنها ستبذل قصارى جهدها لقناع قريبتها صاحبة
الكتاب بأ ن تتركه لها ،وإلى أ ن يأتي ذلك الحين فليبق الكتاب معها كعربو ن صداقة .وكا ن ذلك وحده كافيا لنشوء صداقة
فورية ،وإضافة تعضوة جيدة إلى جماتعة )سرب العصافير( ،التي تضم تعزة.
في فسحة الفطور،تعادت الخطة الجهنمية إلى مجراها الساسي؛ فشرحت زهرة للصديقتين سر حزنها الحقيقي/المفتعل:
ـ وال يا جماتعة أنا حزينة لنو صاحبنا تعيا ن وراقد في المستشفى ..ومافي طريقة نمشي نزوره..ما إنتو تعارفين
قوانين الداخلية الزفت دي .ده جومو يا تعزة ..طبعا نازك ما بتعرفو..
قالت تعزة:
ـ تتذكري يا نازك الولد الكا ن بمثل خالد تعبد الفراج ود التاجر في مسرحية الشماشة بتاتعة السنة الفاتت؟؟
ـ أيوة ،أيوة ..بتذكرو! الود ده أ ن شفتو متين ياربي؟؟ أيوة ..قبل كم يوم كدة جا بيتنا تعشا ن يشيل الغدا ..وهو بقى
تعيا ن متين ؟؟
ـ ده ياهو ..وال ده ود!! إل غايتو ..تصوري! تعندو ملريا ،وليهو كم يوم راقد ..تخيلي الملريا مخلية الناس الشينين
الكتار ديل كلهم ،وماسكة الولد العسل ده!!
وهنا استعادت نازك صورة باهتة لذلك كالولد الذي فتحت له الباب يومذاك .كانت الصورة ضبابية.تعادت إلى احتفال
العام الماضي ولم تنجل الصورة بعد! وبدأ جهاز الفضول ير ن في الدماغ بحثا تعن التفاصيل الكاملة للصورة!
ومع جرس نهاية اليوم الدراسي ،جاءت زهرة إلى تعزة ونازك وقالت:
ـ وإنتي مارقة من هنا مش ممكن تتقدمي مع نازك؟ بس نحنا تعندنا حاجة تعاوزنك توصليها داخلية الولد .لـ)تعلي(،
أصلو إحنا تعايزين نرسل لجومو حاجة صغيرة كدة نعبر بيها .دي أقل حاجة ..وهو طبعا تعارف إنك صاحبتنا.
أحست نازك ،ولول مرة بأنها تعيش في سجن أكبر من الذي تتحدث تعنه زهرة .فبدا لها أ ن كل البنات لديهن تعلقات
)حب( و)صحبة( مع الولد إل هي .وهي تستعيد تاريخها الشخصي ول تجد فيه إل صور الصبية الذين رافقوها في
سنين مضت ،ولم تستطع صنع التماثيل التي تريدها من تذكارات وجوههم .جاء بقية سرب العصافير ،جلسن بعد أ ن
بصمن تعلى شيء لم يكن تعلى دراية بخلفياته .جررت زهرة جسستة حقيبتها ببطء ثم أخرجت كرت البوستال؛ أزهار
حمراء وصفراء وبيضاء تعلى أرضية زرقاء ،وقالت:
أحست نازك بأنه فعال حلو .وزادت إلى حصيلة اكتشافاتها شيئا آخر جيم ا
ل.
قلبت زهرة الكرت ووضعته تعلى فخذها وأخرجت قلم الحبر الجاف الخضر .فتجمعت الرؤوس وأنكبت العيو ن في
انتظار ما سيكتب .وبعد مماحكة أثارت التعصاب كتبت:
وتعين ال ترتعاك..
زهرة
جليلة أنهار
تعزة ..
ولما جاء الدور تعلى نازك ماحكت زهرة قليال وهي تصلح إحدى الزرة تعلى صدرها ،وهنا شعرت نازك بالخذل ن،
وقالت شبه محتجة:
هنا تصرفت زهرة ،وأدخلت تفاصيل جديدة للخطة ،وأتعطت القلم لنازك قائلة:
ـ إنتي أهم واحدة! لنك صاحبتنا الجديدة ،تعشا ن كدة أكتبي اسمك بخطك الجميل.
نازك ..
وملها إحساس ،في تلك اللحظة ،بأنها صارت كبقية البنات ولها أصحاب وأصدقاء من الولد.
تعقب إدخال الكرت في الظرف وتصميغه ،جش ليع بالنظرات الفرحة إلى حقيبة تعزة ،وتم الطمئنا ن تعلى سلمته وراحته
داخلها..
وهناك ،كا ن جيش قرف قد شدد الحراسة تعلى كل الطرقات والممرات .كانوا كذئاب جائعة تذرع المسافة جيئة وذهاباا،
وسط جو من القلق باحتمال حدوث طوارئ أو خلل في الخطة ،والقلوب ترتجف مع مرور كل سرب.
ـ إنتو يا )مع جرصين( خليكم أذكياء ..الجماتعة ديل إتاخروا معناه الحاجات ماشة تمام التمام..
ـ أنت الو رراك منو؟ ما احتمال تكو ن الحكاية تعصلجت .أو تكو ن حصلت شكلة .أو تكو ن المشرفة قبضتم ياخي؟؟
ـ أسكت يا شوم ،إنت أصلوا ما بتتخلى تعن الجبن بتاتعك ده؟ يا خي خليك واثق.
واضطر أبو خمسين ـ الذي بدأ يتعافى ـ للصمت وتسلق حبال التفاؤل.
وبعد لحظات ،أطلت العصفورتا ن تتهاديا ن "هناك" ..في بداية الطريق المؤدي إلى "هنا" فعاد تعلى إسماتعيل إلى
الداخلية ،لكسب الوقت الذي تتم منادته فيه إذا كا ن في المر )سبع( ،أما إذا كا ن في المر )ضبع( ليقوم بـ)تجهيز
وسائل التهديد لبو خمسين الرتعديد(.
كا ن طاقم المناورة المشكل من شربات وفريني مرابطاا ،وقد تم افتعال مشهد المتجادلين في أمر ججدي ،غير العارفين بما
سيحدث وراء الزاوية التي ل يستطيع أحد رؤية ما يجري وراءها.
وبالفعل ظنت العصافير أ ن في المر صدفة جميلة ،فهاهم رفاق )تعلي( في أول المشوار وفي مكا ن يسمح بتبادل التحايا
والقصص الصغيرة..
ـ وتعليكم السلم ،قال فريني .أهال ،قال شربات .ومجثل تعدم تعلمهما بشيء!
ـ جداا ..جداا.
ذهب فريني ،وتمحرك شربات مع العصافير في )حق ال بق ال( وإزاي الحال .والمدرسة ،والمذاكرة ..والسنة دي
المتحانات احتمال تكو ن صعبة ،واحتمال تكو ن سهلة .وكسر حاجز )أول مرة( .أسترق النظر ليقرأ ملمح )العدو( تعن
قرب ،قال لنفسه" :أمانة ما وقعت يا أبو الشباب!!".
زال توتر اللقاء واللحظة ،ولكنه سمع الشارة إياها ،فافتعل حكاية )كدي نشوفو إتأخر مالو( وبعد قليل ،جاء تعلى
إسماتعيل لوحده ،قدم نفسه لنازك واتعذر تعن شربات:
هو أيضا استرق النظر إلى نازك بحثا تعن تفاصيل إضافية .أخرجت تعزة )الظرف( وكانت نازك تتلفت بعد أ ن احست
بقلق إطالة الوقفة .قالت تعزة:
ـ ده من زهرة.
ـ شكراا.
ـ تعليك ال سلم تعليهو ،قالت تعزة وإجتازت نازك باب الحرز وقالت:
ـ خلص مع السلمة.
ـ مع السلمة..
تعاد تعلي إسماتعيل ظافرا ومعه بقشيش "سلم تعليهو تعليك ال" .كا ن يغني هذه الجملة وهو يلز بقية أولد قرف بكوتعه
ليفسحوا له الطريق إلى السرير ،حيث قام بفتح الظرف وقلب الكرت وصاح:
ثم أضاف:
ـ ده أكيد خط زهرة ،وأنتو تعارفنو ،لكين تعليك ال وحي من )تعليك ال( دي :النا الحلوة دي .وال الحلى دي ،والزا
الشربات دي ..والكا أم ضنيب العسل دي ..يكو ن كتبهم منو؟ أحبك يا زهرة ..أحبك..أحبك ..وقجبل الكرت وحضنه
وانبطح فوقه تعلى السرير .وبعد )جهاد( طويل استطاتعوا أخيرا تحرير الكرت .فقال شربات:
ـ ياخي بتشجرط ول يتب جرط .هو أتعمل خلص .لكين ـ تعلي اليمين ـ زهرة دي خطيرة!! تعرفوا ،خط نازك ده إنتو ول
كنتو متخيلنو!!
في مساء اليوم الرابع ،لما تعاد جومو إلى الداخلية ،بدأت مراحل )الفيء والغنائم( .فبعد أ ن أقنعه جيش قرف
بمشروتعية ماحدث ،جطلب منه أ ن يكتب رسالة )شكر وتعرفا ن( لشلة )سرب العصافير( .قاموا بإملء بعضها..
"...
...
وفي النهاية
...وأخص بالشكر ،الصديقة النبيلة )نازك( ،التي منحتني الصداقة وهي لم تك تعرف تعني إل محنتي .فأرجو أ ن تقبل
)معزتي ( لها ،إلى أ ن )نلتقي(".
ومع بريد السادسة والنصف صباحاا ،وصلت الرسالة إلى زهرة ،التي رقصت إلى أ ن اكتمل سرب العصافير ثم فتحنها:
..
...إلخ
ولول مرة تلوي نازك تعنقها باتجاه الداخلية وهي تعائدة في دربها اليومي ،الذي اتعتادته منذ مئات اليام وفي الخاطر،
حلم بلقاء أو حتى نظرة تعابرة .وفي الليل وتعلى ضفة المانج ظهرت بعض ملمح الفارس.
كا ن أولد قرف )الملتعين( قد راقبوا النجم في مداره ،ولما تأكدوا من )الذي في بالهم( ،أصدروا المر الحاسم )ل
ظهور تعلى الشاشة( ،ثم:
ـ أصبر لينا يومين كدة .وبطل حكاية )جالس تعلى الجمر( دي ..وخلي الحكاية تسخن حبتين.
قاموا بعمل sharingبكل ما لديهم .واستهبل بطيخة والده في حسابات الدكا ن .وذهب شربات وخدع سائق اللوري
صديق والده بأ ن "ناس المدرسة تعايزين قروش الرحلة"! وذهبوا إلى السوق و اشتروا بالضافة للجزمة )الكموش(،
قميصا وبنطا ال بمواصفات كموش .ثم أحضروا المقصات والمواس "وساحوا في رأس الرفيق حلقاة" .ثلثة أيام
أخرى مرت وكانت نظرة العصفور تطول مع كل يوم .وفي اليوم الرابع ،ونهاية السبوع ،تم التوقيت لمنح نظرة
تعابرة ..ففي اللحظة التي مرت فيها العصفورة كا ن جومو في كامل أبهته تعلى طرف السور ينفض منديله الزرق من
بلل الغسيل وكأنه غير آبه بما يجري حوله بعد الخفاء التكتيكي البارع.
استعادت )لحظة المنديل الزرق( بعض الملمح الضائعة ولم تبق في الحس بقية تعتمة .بقى أ ن تصدر الكواكب أمرها،
ويتم النتقال إلىحديقة السعادة البدية .وقد تدربت العينا ن الجميلتا ن تعلى )قطر الندى( في ليالي المانج ،وما تعلى
الزهار إل أ ن تنبثق.
في الرابع والعشرين من أغسطس ،جحبس الناس داخل الجدرا ن طوال ساتعات النهار ،بعد أ ن ظل المطر يهطل تعلى
المدينة منذ الحادية تعشر صباحاا .وفي الثالثة بعد الظهر ،وما يزال المطر يشرشر ،خرجت نازك ـ تعقب فشل سرب
العصافير في إقناتعها بالنتظار؛ فقد تجاوز الوقت حدود )قانو ن الحضور البيتي( .كانت تحمل حقيبتها في حضنها،
مغطاة بطرحتها ،تاركة ضفائرها لبقايا الريح والمطر .تقفز فوق المياه هنا ،وتضطر لمسايرة جدول إلى أ ن يرق قلبه ثم
تعبر في لعبة الحبل الوهمي تلك.
كا ن شربات ،في وردية مراقبة الطريق بعد أ ن تجاسر أولد قرف تعلى البلل تاركين المدرسة قبل الساتعة المرسومة
تحسبا لي تجاوزات قدرية .صاح شربات:
"العصفورة ظهرت!!"
ولما ظنوا أنها إحدى مقالبه ليحل محل أول كبكابة في تربيعة الكوتشينة ،ليورطه في المراقبة ،لم يأبه له أحد.
فقفز صائحاا:
فقام تعلى إسماتعيل وهو يمسك بأوراقه حتى إ ن بدا في المر مقلب ،يمكنه ممارسة )الخرخرة( وفي يده أدوات الضغط.
ولما تاوق من النافذة وقذف بالوراق؛ تأكد البقية من صدق الحكاية.
تم إتعادة إرتجال الخطة ،فأمروا فريني أ ن ينتتحل شخصية )الصنفور( في الزاوية البعيدة التي اسمها اسكب )
( scopeتعلى وز ن الفيلم )أسكوب وألوا ن( .وبعد اجتهادات مضنية ،تم تأكيد المكياج:
ل قليال ..تداخلت
ذهب جومو إلى الزاوية الضيقة إياها ،المقابلة للسكوب .ومع شرشرات المطر ،كا ن الرتباك يدب قلي ا
خيالت لحظة اللقاء مع تهديدات قدرية محتملة ..الكلمات المرتبة بدأت تنفصل تعقودها وتسبح في هلم ..في انتظار
الشارة .وفي اللحظة الحاسمة ،أنزل فريني الصنفور .وخطوة ،ثم يمين دور ،ثم وجها لوجه مع )العدو(!
لم تك نازك مستعدة للمفاجأة ،فقد كا ن ذهنها مشغول ابقانو ن الحضور المنزلي .فتسمرت أما الماء الذي يسد الطريق
تعند العطفة .نظرت إليه ودق قلبها بعنف .فلحظ هو الخر ،المرتبك ،ارتجاف شفتيها .طارت كل كلمات )الغنية( التي
كا ن يحفظها تعن ظهر قلب ،ولم يجد أمامه إل صدقة الشخصي ،وبات مشفقا تعليها .فوضع طوبة في الماء وغمس
جزمته الجديدة في الوحل:
ومد يده وأمسك بيدها ،وكطفلة صغيرة يعلمها المشي ،تعبر بها إلى الطرف الخر.
قالت:
ـ شكراا..
تجاسر:
ـ بكرة ..بكرة..
تورطت في الوتعد هربا من الخوف الذي لم يكن هذه المرة من قانو ن الحضور المنزلي ،وإنما من هول الموقف.
في الوقت الذي كا ن يستلذ فيه ويستعيد شعب جمهورية قرف )طعم( المسكة التي أكدها فريني ،كا ن العصفور هناك
يحسب الساتعات بضربات القلب "يا يوم بكرة ما تسرع " ويفتش تعن وسيلة لبراح في لقاء الغد .ولكن يفاتعة التجربة،
وتاريخ التوحد وآثار النضباط التربوي قد وقفت جيمعها أمام أي حل ولم يبق إل الدتعاء والتضرع إلى ال أ ن يحلها.
ولول مرة تخطر بالبال الفكرة المشؤومة" :طيب لو كا ن تعايز يشكرك وبس؟ تموتي طوالي ..أيوة ..تموتي ."..كا ن
الليل بحر للنجيب الصامت المحاصر بأنفاس سلمى ،الخت الكبيرة ،شريكة الغرفة .قبل الذهاب إلى المدرسة .دغدغت
النثى فيها أكثر مما مضى ووقفت أمام المرآة لمدة أطول .لعنت حبة الشباب )اللئيمة( ،ولم تك تعرف أ ن هذه اللئيمة
بالذات لها شأ ن تعظيم ،أتعتنت بضفائرها أكثرمن أي يوم مضى ولم تك تعرف ـ أيضا ـ أ ن فوضاها أكثر وقعاا .خرجت
وفي بالها الرسالة التي تعند زهرة )أمينة أرشيف السرب( .ولما تعتبت خارج بوابة المنزل أبصرت فارسها ضمن أفراد
الشلة .خافت لول مرة من شيء مجهول! فعادت إلى الداخل تلملم نفسها ولما فاجأتها أمها ،أجابت:
ـ نسيت قلمي .وما كانت الم قد لحظت ما لحظته سلمى من تغيرأت حدثت لختها .وتعلى الباب تلصصت من الفتحة
الصغيرة التي فتحتها وقارنت اللحظة بيوم )الغداء( .ولما اطمأنت من خلو الطريق خرجت ومشت بسرتعة تاركة هذا
المكا ن الذي صار كل شبر فيه يثير توترها.
في المدرسة .لم تستطع أ ن تطلب من زهرة الذي في بالها .بالرغم مما صنعته اليام القليلة الماضية من لطف .كانت
زهرة هي مركز الدائرة ومصدر الثقة والجرأة .فدارت بينهما أحاديث خالية من السرار .إل أ ن زهرة أحست بتطور
المسألة بالرغم من أ ن بريد الصباح تغيب لسبب ما ،فساقتها إلى المكا ن إياه ،ولوحدهما هناك ،ثم سألتها:
ـ أيوة!
وكا ن ذلك ما تحتاجه نازك في تلك اللحظة .بعد أ ن كانت تعزة تغلق السيرة!؟؟ وبكلمات مواربة ،استطاتعت أ ن توصل
لزهرة معلومة واحدة:
ـ أمس متين؟؟
ـ أيوة .آسفة..
ـ قولي يا نازك .إحنا مش اتفقنا إننا أصحاب؟ وبعدين أهم شيء في الصداقة الناس يكونوا صريحين مع بعض؟؟
ـ أيوة بس ..أنا كنت تعايزة أقول يعني أنا تعايزة أشكره تعلى العملو معاي..
ـ يعني يا زهرة ،أنا بقول يعني تعشا ن إنتي صاحبتم من زما ن ،تقولي ليهو أنا بشكره.
ـ بس يا نازك الحكاية دي بسيطة .وإنتي تعارفة أنا ما بمرق من السجن ده إل يوم الخميس .وبعدين الشكر ده ما بنفع
يوصلوا زول.
ـ طيب يعني أنا ممكن أقول ليهو شنو مث ال؟ إنتي تعارفة أنا ما بعرف أتكلم مع الولد ،وما بعرف أتعلبر؟؟
ـ شوفي يا ستي إذا إنتي خائفة ما تعرفي تعبري كويس لمن تلقيه ،أمشي أكتبي جواب قولي أي حاجة إنتي تعايزاها
بالراحة كدة .ولمن تلقيه أديهو الجواب.
ـ بسيطة يا ستي .إنتي بس أمشي أكتبيهو ،ودخليهو في ظرف ،وجيبيهو لي ،أنا بعرف أوصول ليك.
تعند الغروب ،كا ن أولد قرف في سرادق العزاء!! لم يبق إل آخر أمل مع تعودة تعلى إسماتعيل الكضاب ،الذي ذهب
)يشمشم( الخبار .ففي آخر النهار ،مر العصفور مختبئا وسط سرب ل نهاية له! كا ن يبدو صارما للغاية ـ في مشيته ـ
ولم يلتفت أبد ا كما كا ن يفعل! لقد ضرب كل خططهم التي وضبوها لساتعات بعد أ ن خذلهم ساتعي البريد في الصباح.
فوضعوا كل الحتمالت .ولكن وراء كل مكر مكر ،وفوق كل طريقة طرائق أخرى .وأ ن للصدق الكامل أيضا مكره
الخاص به!!
كا ن جومو جالسا تعلى سريره قبالة الحائط كراهب ل يكلم أحداا .بطيخة وشطة قد تسيبا تعن بيتيهما ذلك اليوم ،ولم يتغد
ل ولكما من المام ومن الخلف حتى ظنوا أحد .وظلوا في جمرة القلق إلى أ ن جاء تعلى إسماتعيل ،فدخل ووقع فيهم رك ا
أنه ج رن ،ففروا من أمامه بمن فيهم بطيخة ،الذي كا ن يستغل حجمة للجم نزتعات تعلي إسماتعيل العدوانية .وبعد ابتعادهم
تعن حلبة الركل )الكضابي( ناداهم:
وإخرج شارة النصر المبين .ولم يصدقوا أ ن هذه الرسالة من نازك مباشرة .فأخرج تعلى إسماتعيل الكرت وطالبهم
بمقارنة الخط) :نازك( و)يجدك كما أود( .واستنادا إلى قوانين )الشتراكية الطبيعية(،نزع الظرف وقذف به بعيداا ،ثم
بسط الرسالة دو ن أ ن تجد نزتعه )الملكية الفردية( أي مجال ..
صديقي الغالي
سلم ال يغشاك
وتعين ال ترتعاك
و ....و....
آسفة لني مضطرة رسلت ليك أقوالي في الجواب ،لكن لما تعرف السبب تعذرني ..
و...
و...
وقد تم تمرير القلم مرتين تعلى كلمتي )الغالي( و)معزتي( ثم )الوفية( .وانقلب سرادق العزاء الوهمي إلى هيصة كلفت
أولد قرف ثماني جلدات لكل ،لما سببوه من إزتعاج في الداخلية ،بعد الوقت المسموح به ـ تعرفيا ـ للهجييص الممنوع
أص ا
ل.
تعصفورتي "اللئذة بشقوق الصخر ومخابئ المعاقل أريني وجهك" ،خدك الليسر ،وحبة الشباب ياجميلة الشباب.
"أمسعيني صوتك ل ن صوتك تعذب ومحياك رائع" ..تعيناك وردتا ن ،وأنفك شامخ كجبل )جلعاد( ،ابتسامتك صلة تعيد،
قامتك أشجار الجسر ،ونهداك مثل العناقيد .أتعبري قوس الليمو ن تعالي وأذهبي ..
...
نفذ كتاب الحب )أمر التحرك( ووصل إلي زهرة .و هنا ،أصبح التلصص قبل الخروج تعادة .فبعد أ ن تم مسح المكا ن
جيد ا والتاكد من خلوه ما يربك القلب والمشية ،خرجت التي كانت نازك في طريق المدرسة ،آملة أ ن ل تكو ن الرسالة قد
جأرسلت خوفا تعلى ما )تهورت( وصرحت به في لحظة صدقها وهي لم تعد متأكدة من أنها كتبت صديقي أم )حبيبي(.
ولكن زهرة تعاجلتها بجرة كادت تسقطها أرضاا .وفي ركن العصافير ،سلمتها الرسالة المنتفخة ومعها أول درس في
كيفية إرسال الرسائل.
أنجز أولد قرف المهمة الضارية ،وبعد الهيصة الجوانية ،التي انتهت بالجلدة إياها ،هاهم يستعدو ن للهيصة البرانية؛
والتغميس تعند )بيت زوبا( .ولكنهم هذه المرة فشلوا في إقناع )العريس( بالذهاب معهم! فقد صرح بأنه ثمل بخمر
الرسالة ،ومغمس في البنفسج .وأنه ل يريد أ ن يلوث طعم النامل السحرية )الطاتعمة( منذ ذكرى يوم المطر .وأنه صار
أبو أولد .فقال شربات:
ـ إنت متين بديت!!؟ إنت باين تعليك )راجل المرة الواحدة( .ما ياهو الكضاب بجاي ..وبجاي؟
ثم أضاف:
تدخل شربات:
ـ وال أنا غايتو بطلت أتعمل الحكاية دي ..ومال جقداحة )فوق( دي البغمس فيها منو؟
ـ إنتو يا جماتعة ،خليكم من قداحة )فوق( دي ..إنتو القداحة الما شامة ريحة التغميس دي بتستعمل باتو صابو ن؟
معقول تكو ن قاتعدة ساكت كدة؟؟
ـ وال ده سؤوال!! إنت يا أبو خمسين تعبقريتك دي كانت وين؟ قال تعلى إسماتعيل مندهشاا.
فعلق شربات:
****
كانت سلمى ،بسبب فارق العمر ،والمراحل الدراسية ،قد توطدت تعلقتها بحسني بنت أستاذ تعباس ـ وكيل المدرسة ـ
التي هي جارتها وزميلتها في الصف الدراسي .وبسبب هذه الوضعية ،كانت الفرصة لطالبتي السنة الثانية الثانوية
للخرق المتبادل لقوانين الحضور المنزلي؛ "ماشة وين؟"" ،ماشة لحسني"" .جاية من وين ؟"" ،جاية من سلمى".
وتم افتعال حكاية المذاكرة المشتركة ،لصنع الحياة الخاصة .ولما كا ن لحسنى أفضلية )الحجرة لوحدها( ،بالضافة
لليبرالية النسبية لستاذ تعباس ،فقد تم التحول التدريجي إلى غرفتها .هذا بالضافة طبعا للبتعاد تعن نازك ،التي كانتا
تعتبرانها )جاسوسة( محتملة .وقد كا ن لذلك الثر في مط المسافة بين الختين من جهة ،ولكن من جهة أخرى فقد أخلى
الجو لنازك .ففي أغلب اليام حتى التاسعة والنصف مساء .وفي يوم الخميس ،حتى الحادية تعشر ـ تعندما تكو ن سهرة
الذاتعة )حلوة(.
وجدت نازك البراح ذلك المساء .وفي تعمق تمثيلية المذاكرة ،أو البنت الممتحننة ،أخرجت الرسالة .مسدتها بأناملها
الراتعشة .بدأت تفتحها ،وقد بدا لها صوت تمزيق الظرف مسموتعا لجهة ما! ففتحته بحرص حتى ل تتسرب
الخشخشات إلى خارج الحجرة المغلق بابها بجحة جاهزة تحسبا للطوارئ "الكديسة دي جننتني".
طارت وجقلبت في أرجاء الغرفة ،ثم تعادت إلى السرير متجاوزة متن الرسالة إلى آخر صفحاتها..
لم تصدق ما رأت ،وأدخلت الرسالة بين نهديها وضغت تعليها بالوسادة .وغرقت في بحر الحلم الطويل .وقد كا ن ثمن
هذا الحلم أ ن كلف )المحب البدي( يوما إضافيا كا ن أطول من القرو ن ،في أنتظار رد الرسالة .ولما دفعت سلمى الباب
في العاشرة إل الربع ،وجدته متربس ا من الداخل؛ مما أضطرها إلى طرقه بنزق أطار الحلم تعن مخدتعه .ومع شمس
اليوم الجديد ،غرقت زهرة في الحضا ن والقبل ثم:
ـ في شنو ياجماتعة؟؟ ما تفرحونا معاكم؟ وإنتي يا نازك بقيتي اليومين ديل تجي أبدر مني ..الظاهر زهرة دي خطفتك
مننا؟؟
أحكيك ..أحكيك ..أحكيك ..وأسبلت الخيبة تعلى المعزات التي كانت تنتظر لحظة تعبور الجسر .فها هو )الجسر( قد وقع
في الشرك قبل المجسور إليه!! وذهبت كل التفاصيل التي في الخيال أدراج الريح .أغمضت تعزة تعينيها بعد ومضة
الصحو الصغيرة ولم تفتحها إل في الليل وهي تنظر إلى اللوحة المعلقة تعلى الجدرا ن ،وبها صورة النورس العائد إلى
البحر .لم يعرف أحد تلك القصة قط!
صارت لنازك تعادة ثانية ـ غيرالتلصص قبل الخروج ـ وهي تعادة إغلق الباب )من الكديسة( .وكا ن صريف القلم هذه
المرة أكثر جرأة وصراحة:
حبيبي )جو(
ومن هذه اللحظة فصاتعداا ،فقد جومو نصف اسمه وصار يمشي في البرية هكذا!
...
...
قرأ جو الكتاب .هذه المرة بعيو ن أخرى ،بالرغم من أنه كا ن يحفظه تعن ظهر قلب من كثرة ما طالعه .ولكن ظهرت
مشكلة!! فلم يستطع أحد التحديد القاطع إزاء لمن تكو ن ملكية الكتاب .أهي لعلي إسماتعيل الذي اشتراه بحر ماله؟ أم
لجو الذي أهدته له حبيبته معطراا؟ لكن ،تعلى كل حال ،كانت الغلبية قد انحازت لجو في النهاية.
ولما حكى جو كيفية وصول الرسالة والكتاب إليه صرخ أبو خمسين:
وفي ذلك المنعطف الذي التقيا فيه أول مرة تعلى ذاكرة المطر ،صار يتم تبادل الرسائل كل يوم:
حبيبي جو
...
....
نو ن
...
...
...
جو
ولكن نو ن كانت ل تستطيع النظر إلى وجهه كامال! كانت نظراتها تقف تعند الزغيبات التي )تجدتعي( أنها شارب .فكانت
تخاف تعينيه .وحتى في الصورة ،كانت ل تستطيع التحديق فيهما .أنهما )شيء( ل تفسير له! وخلل أيام ،كانت نو ن قد
طالعت كل ما توفر من كتب الرومانسية:
وصار يتم تبادل الوتعود في الوقفات القصيرة المسروقة من ذاكرة الزما ن:
ـ شايف
ـ شايفة
ـ ...
ـ ...
في السادس تعشر من أكتوبر ،فوجئت سلمى ،وهي تعائدة من المذاكرة الوهمية ـ مع حسنى في غرفة الحرية ـ
بالجاسوسة تمد إليها صورة طارق ،الملقب بدو ن جوا ن ،ورسالة مكتوبة بخط جميل!
ـ جيبي هنا.
ـ إنتي جبتي الحاجات دي من وين يا جاسوسة؟؟ أنا تعارافاك يا حاقدة ،تكوني فتحتي شنطتي وسرقتيهم ..هي وصلت
لكدة!؟؟
ـ ل وال ..إنتي ليه بتعامليني كدة؟؟ أنا بس كنت بفرش في المليات .وبصلح في المخدات ،ولقيت )الحاجات( دي
ودسيتها .لني كنت خايفة تجي الخدامة ول أي واحد وبعدين تحصل ليك مشكلة .ولما أحست سلمى بـ)شيء( من
الصدق في كلم نو ن ،راجعت في خاطرها ما لحظته من تغيرات تعليها ،خاصة اهتمامها بنظافة ونظام الغرفة ،ومسالة
إغلق الباب بحجة الكديسة ـ سألتها:
ـ ...
ـ ...
ومنذ تلك الليلة ،خرجت الصحبة إلى بستانها وتفسحت .بدأت الحكايات تترى .ولما قرأت سلمى كتب نازك تمتنت
الصداقة .وتعرفت أ ن نازك صارت نو ن .وظهر جو في الشاشة .قرأت سلمى رسائله الملتهبة ،فأتعجبت بها أشد
التعجاب ونقلت منها تعبارات كثيرة زينت بها رسائلها الغرامية بل وذهبت يوما مخصوص لترى جو وتسلم تعليه! ثم
إنثال الحوار حول المصير المشترك ـ الذي كا ن مسكوت ا تعنه .وناقشتا في ليال طويلة ،مشكلة )السجن( الذي تعيشا ن
فيه .ومع مرور اليام صارت كل واحدة تعبر بصراحة تعن حسرتها وهي تستعيد قصص صديقاتها حول التجول مع
أحبابهن في العصريات وتعبور الجسر..
قالت سلمى:
ـ أناما قاصدة..بس أنا زهجانة من الوضع ده .وكما ن إيه قال! بعربية المدرسة ،والسواق يؤدي ويجيب! في شنو تعليك
ال؟؟
وهكذا يوم بعد يوم ،إلى أ ن تجرأت سلمى وألقت بفكرة المغامرة المرتعبة تعلى طاولة المفاوضات.
ـ أيوه ..تعارفة!
ـ أيوة!!
ـ بس دي الحكاية كلها.
ـ لكين...
ـ ما ل كين ول حاجة .نازك يعني أ ن تعايزة أكلموا بالليل ،ونكو ن برانا .طبعا إنتي تعارفه الشباك دة فيهو )نملية(.
ـ أيوة!!
ـ يعني ما حتصل حاجة .وبعدين اتجاهو كويس ،يعني زول من جوة البيت ما حيشوف حاجة ،بس المشكلة الباب بتاع
الوضة وإنتي .أما أي حاجة بي برة ،طارق حيتصرف ...آها؟ قلتي شنو؟؟
ـ مافي أي حاجة بتخوف .إنتي بس تقعدي جنب الباب ،ولو سمعتي أي حاجة كدة ول كدة تنبهيني ...وبعدين دة كله
تعشا ن الحرص بس ،لنو ما في حاجة حتحصل .قلتي شنو؟
في يوم الخميس ،تعادت سلمى مبكرة من برنامج المذاكرة ،و)هاك يا استحمام وهاك يا روائح( .في العاشرة والنصف
بدأ العد التنازلي:
"إنتي يا نازك خليك جنب الباب ..ولو سمعتي أي حاجة تقومي براحة وتنبهيني"..
وتمت إماطة الكراسي والترابيز والشباشب ،وكل أنماط )الذى( تعن الطريق.
وهكذا سمعت نازك لول مرة وقع أقدام النمل ،و)جعير( الريح ،وكل أصوات الكائنات الليلية ـ ماخلق ال وما لم يخلق
بعد ـ وهي جالسة قرب الباب .بينما سلمى تراقب الشباح التي تمر من هنا ومن هناك .وتسمع أصوات أقدام في الظلم
ل تأتي أبداا!!
وظلتا هكذا إلى أ ن صعد صوت تعم تعبده الجليل أدراج الصمت الصاخب الطويل" :أسبحنا و أسبح الملك ل" ،فأغلقت
سلمى النافذة وبكت طويال تعلى صدر نو ن.
كانت نو ن أكثرحنقاا لدرجة أنها ،في كابوس ،رأت نفسها تخنق هذا )الطارق( )الخائن() ،الجبا ن( ،بعد أ ن حكت لها
سلمى قصة تعذره )القبيح(.
قد اضطرت هذه الجابة نو ن أ ن تستلف الكتاب من جو مرة أخرى لقناع سلمى بأ ن الحب )حقيقة( .ولم يعد إليه الكتاب
بعد ذلك .وبعد أ ن اثبتت القصة نظرياا ،أرادت أ ن تؤكدها تعمليا ا فطلبت من سلمى أ ن تساتعدها كما ساتعدتها هي في تلك
الليلة )المشئومة( .وبنفس الحجج ـ بالضافة لحجة رد الجميل.
وهكذا استجاب ال لدتعاء جو .ولما كا ن المر هذه المرة في غاية الجدية ،فقد جاء )المر( صريحا بأ ن ل يعرف أي
مخلوق بذلك.
وتعلى أساس كذبة سلوكية ،وفي العاشرة النصف تحرك جو .وقد ظن تعلى إسماتعيل أنه ذاهب للقيام بـ)أتعمال الرسل(
كما كا ن يفعل في اليام الفائتة .ولم يلحظ أحد استلفه لساتعة سيد شطة الذي بدوره لم يك يعرف إلى أين ساتعته
ذاهبة.
أشعل جو سيجارة ومع ضوئها تأكد أ ن الساتعة هي العاشرة والنصف إل خمس دقائق ،فأنتهت مهمة ساتعة شطة ،وبدأ
الزمن الداخلي .حمل معه القلم والكراسة لزوم التضليل وخرج.
وبينما كانت سلمى جالسة قرب الباب تراقب )بوفاء( ،أبصرت نو ن وهي ترقص في الظلم.
ـ نو ن ..
ـ جو
ـ جو يا حبيبي.
ـ نو ن يا حبيبتي
ـ أحبك
ـ أحبك ..
ـ حبيبتي
ـ حبيبي
ـ آهـ
ـ آهـ
وكذلك مرت ساتعات الليل سريعا تعلى المساجين ..سمعت نو ن هسهسة ونحيب سلمى الذي ظل يغالب نفسه لزما ن
طويل فقالت:
ـ لكين كيف؟
فتذكرت نو ن الثقب الصغير أسفل النملية ،الذي كانت تلقي تعبره )اللبانة( إلى الخارج فقالت:
ـ أيوة.
ـ أنفك.
وانحنت نو ن ،ولما كانت )القردة( قرب أسفل النميلة ،أضطرت إلى )سجدة الخد(!
ـ خلص؟؟
ـ كما ن شفتك..
ـ خلص؟؟
ـ وين؟؟
ـ حلمتك.
ـ حاولي..
ـ ياها..
فمسد تعليها كتلميذ في ثالث أيامه المدرسية ،يمسح من تعلى كراسته خطأ في حرف )نا نمر(.
ـ تص ...
********
اللعبة الخطرة
سيرة )المدينة(
انت اليام تمضي" .والليالي جميلة حالمة" .شمس ديسمبر تتهادى في مدارها .ومدارات )المدينة( تنعم بشتاء دافئ
وشفيف .لم تعكره في ذلك اليوم رياح .ولكن غبشة العالم تؤكد بعضا من حضورها .فالرض تقضي أجازتها السنوية
في استراحتها ،بعد موسم أمطار تعارم ،والجسام )تر لية( برحيق الحصاد الوافر ذلك العام ،الخواطر مطمئنة ،وأشياء
القلوب في انتظار بهجة ما ينتظرها من احتفالت مؤجلة .وطلب المدرسة الشرقية في دوامة الغسيل والكي ،وإزالة
الزاغيب.
اليوم تحديد ا هو الرابع تعشر من ديسمبر ..كبقية أيام السبوع ،إلى أ ن حلت الساتعة العاشرة إل الربع صباحاا .وقد تعاد
الطلب من جفسحة الفطور .ودخل بعضهم إلى الفصل يستذكر درس الحصة الثالثة ـ ذلكم المجد المجتهد ،أما البعض
الخر ،من أمثال أولد قرف ،فيمارس تعاداته المعروفة!
كا ن جو جالساا بجانب الحائط الجنوبي للفصل ،قبالة الشمس ،يتأمل صورة في خياله ،دق الجرس قبل وقته المعهود!
لذلك أندهش البعض! وظنوا أنها )دقسة( من ساتعة تعم محمود ،فراش المدرسة .ولكن أولد قرف قد ارتجفوا! فقد
هجسوا أ ن شيئاا من بعض أمورهم قد تجاوز أستاذ تعساكر .وفي غمرة الترقب والخوف ،والتساؤلت والظنو ن ،نزلت
الطامة!! فقد سمع شربات من أحد الطلب العابرين ـ الذي كا ن يشير إلى جمهرة تعلى حواف تعربة اللندروفر الواقفة
أمام بيت السيد المدير ـ أ ن:
ـ ؟!!!!!
أمر أستاذ تعباس الطلب بالتوجه إلى مكا ن الطابور ،وشرح للقريبين منه أ ن السيد المدير يريد أ ن يلقي تعليهم خطبته
الخيرة )!!(
ـ تقول لي شنو يا خي؟ ما إنت تعارف أنا تعندي يومين كنت ما فيش!
دخل ركب )الستاذة الجلء( يتقدمهم أستاذ تعباس ،واتجهوا إلى تعتبة المسرح وواجهوا الطلب في وقفتهم مثلين
حزنهم تعلى فقد زميلهم )السيد المدير( .وبعد هنيهة ،جسمعت كعكعات جزمة المدير تشق الصمت ،فالتفت الجميع إليه،
وهو يمشي مشيته العسكرية ،وبنفس بنطاله الذي يضرب به المثل في النظافة والكي..
صفق أستاذ )رحرت جى( المعروف بمنافقته للسيد المدير ،فدوى التصفيق من بعده .وتردد الصدى من الزنك حتى أوقف
المارة الذين مدوا رقابهم يستنظرو ن!
وصل السيد المدير إلى مقام الساتذة الجلء .وهبط أستاذ تعباس إلى وسط الطابور .فبسمل وحمد ال وشكره .وصدع
بكلمة الساتذة؛ مقرظا السيد المدير ،ومتحسرا تعلى انقضاء أيامه في المدرسة ،وبهذه الطريقة المفاجئة ـ وقد تحسر
آخرو ن دو ن شك ـ وفي نهاية كلمته المؤثرة ،قدم أستاذ تعباس سيادة المدير ليلقي خطبته الخيرة.
نزل السيد المدير بتؤدة ،ومشى بخطواته التي يحسد تعليها .ومن وسط الطابور بث خطبته ذات الكليشيهات المحفوظة.
بلغته الفصيحة )جداا( ،والتي صقلتها خمس وتعشرو ن سنة من تدريس اللغة العربية والتزمت البلغي:
"أبنائي الطلبة ..أنتم تعماد المستقبل ..سؤدد المة .ومجد الوطن ..وإنكم ...و ...و" ...
وفي نهاية إكليشيهاته ،أكد ما ذكره أستاذ تعباس من أنه قد تم اختياره في التحاد الشتراكي ليصبح أمينا لللمنظمات
الفئوية والجماهيرية بمديرية )القاش(! وأكد أ ن تعزاءه في فراق مهنة التدريس هو خدمة )المة(.
ولما انتهى ،ووسط دوي التصفيق ،انحشر أستاذ )حتى( ودس تعلى الجميع اقتراحه المفاجئ بأ ن تصطف المدرسة تعلى
السور للقاء تحية وتلويح الوداع تعلى تعربة السيد المدير ،كما يحدث مع )مسئولي( ذلك الزما ن!! وفي هذا الجو لم
يجد أحد سبي ال للتعتراض .فنزل الساتذة ومشوا خلف السيد المدير ،واصطف الطلبة تعلى امتداد السور.
كانت العربة مشحونة بما خف من تعفش السيد المدير؛ زوجته بجوارالسائق ،وسلمى ونازك فوق المنقولت تعلى الجزء
الخلفي من العربة .بدت سلمى بوجهها الكاكاوي ،شبه المستدير وتعينيها الجميلتين ،وقوامها المتوسط المائل إلى
الفراتعة ،مرتدية طرحة لزوردية ،وبلوزة ذات مزاج صباحي ،واسكيرت أسود بنجمات بيضاء ،حذاؤها مغلق .وبا ن
ساقاها الممتلئا ن .وكانت نازك تعلى يسارها أفرع قليال ،برغم صغر سنها ،مائلة إلى القمح قليال ،ممتلئة ،أنفها )شامخ(
كجبل جلعاد .خصلة من شعرها يتلتعب بها الهواء .طرحتها المائلة إلى الرمادي ساقطة تعلى كتفيها ،صدرها نافر،
بلوزتها بيضاء واسكيرتها أسود بزرائر من المام ،وتلبس شبطها المدرسي النيق ،وشرابا أبيض بدوائر حمراء
وخضراء متتالية ،وطرف من سويتيانها ذي النزتعة الوردية بائن من خلل مفترق زرارتين.
بالتوفيق ...بالتوفيق.
باي .باي
وتحركت العربة ببطء ،أصوات من هنا ومن هناك والعربة تزحف كموكب دكتاتور في تعيد إنقلبه ـ الذي إسمه
)الثورة( .تاكدت سلمى من وضع طرحتها تعلى رأسها .أما نازك ،فلم تأبه لشيء .كانت تتفرس الوجوه واحدا واحداا،
وبجرأة لم تعرفها من قبل .وفي وسط )الهيلمانة( وقعت تعينها تعلى تعصابة قرف .دق قلبها .وفي تعمق الزحام أبصرت
وجه جو .ولما تأكدت من أنه تعرف أنها أبصرته؛ جرت طرحتها وأسبلتها تعلى وجهها وضمت التوأميين )ذكرى وأمل(.
ولما تجاوزت العربة آخر التلويحات ،وبدأت )تغذ الخطى( ،بلغ السيل الزبى ،وكسر الحواجز ،والسدود .ومن داخل
هرجلة الزملء ،رفاق النظام واللنظام ،واجترارات الساتذة لسيرة الذي كا ن قبل قليل رئيسهم ،تسلق جو سور
المدرس وجرى خلف العربة كما تجرى الرياح!!!
ألقى الساتذة بالمر ،فهرع الرفاق ليمسكوا به .واتخذ البعض من الموضوع مهزلة للتسلية ،وتعالى الصياح:
ـ أمسكوه ..أمسكوه
ـ ججن ..ججن..
ولما فتحت نو ن تعينيها الذارفتين ،رأت من وراء دموتعها )الفتى( يسبح من الضفة الخرى .فكرت في القفز والسباحة.
ولكن النثى المدججة بتاريخ الرتعب الطويل ،لم تزودها إل بشجاتعة البكاء المرير ،فرأت صورته تتكسر في أمواج
دموتعها .وكانت سلمى تصيح:
وفي تلك اللحظة سمع السيد المدير الجلبة ،فأمر السائق بالتوقف ليستطلع المر .نزلت الست )أم العيال( مرتجفة! فقد
ظنت أ ن إحدى بناتها سقطت من العربة .رأى السيد المدير المدرسة كلها تجري وراءه ولكن الدهشة تبخرت لما رأى
جو واقفا تعلى بعد أمتار ،ونو ن غارقة في البكاء والنشيج.
أمره بصرامة:
ولم يتزحزح جو من وقفته وتحديقه .ولما كر السيد المدير ببصره ورأى جمهرة اللحقين ،انزاحت تعن الطار صورة
الرجل التربوي وحلت محلها صورة الب البدوي المختبئ منذ قرو ن طويلة.
أمر نازك بالنزول ،فقفزت خوفاا؛ وأمر زوجته بالصعود إلى جوار سلمى ،فصعدت ..ثم:
بيده اليمنى ك جور ضفيرة نو ن الخلفية وأدار وجهها إلى الرض وحشرها في المكا ن الذي كانت تجلس فيه أمها .وأمر
السائق أ ن يقود العربة بأقصى سرتعة ،فغطى فغطى الغبار وجه جو الذي أغمى تعليه وهو يحتضن صورة الضفيرة
المكورة التي ظلت ل تفارقة لزما ن طويل!!
لم يك في المدينة ـ في تلك اليام ـ ما هو أهم من سيرة الحادثة التي إنتشرت وتداولتها )وكالت النباء( ،وبثتها تعلى
الشوارع والندية والبيوت ،ثم بخرتها في )القعدات( وميادين الكرة والدواوين ،في جلسات الجبنة والمشاط ،وفي )حي
فوق( وبين ستات الشاي وبائعات الفول والتسالي .ولكن أكثر الماكن استبساال في القضية هي المدرسة الميرية ،التي
كانت قبل )الفاصلة( مسرح الغزل ن وبينهن الملكة .فقد تصادمت الشهقات والهات .وانذرفت الدموع قدر ما أغرق
الرخبيلت والجبال البدية .أنها لم تكن دموتع ا للحز ن أو للفرح .هي دموع أخرى لم يخترع الناس لها اسما بعد .كتبن
تعلى دفاترهن المدرسية تأريخ الطوفا ن وتاريخ القيامة ،وما بينهما تاريخ نو ن .وأضطر المدرسو ن أ ن يعيدوا كل
الدروس التي تعلقوها تعلى شماتعة تلك اليام.
كانت بالمس ضحكة ورفلة ،وأسرار مذاتعة ،وال ن ،ها هي حتى زهور الصباح ل تبدو كما كانت! المدرسة لم تعد
الشمس ،وهن لم يعد ن أسراب الضياء .كل شيء معتم.
تعزة صامت إلى أ ن وجدت نفسها بجوار جو في المستشفى ،أميرة كتبت رسائل إلى النبي ،أم الحسن ججلدت كراستها
البنفسجية بغلف أسود .أنهار تخلت تعن وضع )البهار( تعلى وجهها .زهرة ربطت رأسها وظلت قبضتها منكمشة!!
تضرر جميع العشاق ،الحاضرين منهم والغائبين .ورغم اختلف الحبيبات ،إل أنهن أشتركن في أمنية واحدة:
ولحظ وكيل المدرسة والمشرفة ،الزيادة غيرالمعهودة ـ التي كانت في الحقيقة رحلة جماتعية ـ في الذهاب إلى
المستشفى .ولما راجعا دفاتر العلج ،وجدا أسماء جميع طالبات الصف الثالث ،وثلثة أرباع طالبات الصف الثاني،
وتعدد غير مسبوق من طالبات الصف الول تراوحت تحديدات الطبيب ما بين الصداع الشدجى ) (T.Hو النزلت
النتهازية (( OP.Cبسبب هبوط المناتعة ،وتعلمات شرحتها المشرفة بأنها دورات طمث غير مكتملة! جميع
المريضات مرر ن والقين نظرة تعلى النافذة القريبة من سرير الفارس النيزكي مثلما يمر الحجاج تعلى الحجر السود،
واحتقبن ذكرى تلك النافذة.
في اليوم الثاني ،اكتملت المعلومات الضرورية تعن الفارس ،أهمها بالنسبة للتي لم تكن لهن سابق معرفة ،أنه ذلك
الولد الذي مثل دور ابن التاجر في مسرحية الشماشة في العام الماضي .ولسوء حظ مشاتعرهن ،فقد كا ن ،بطبيعة الدور
الذي أجداه ،أكثر وجاهة مماهو تعليه في الواقع ،مما نسف أي محاولة لحتواء حالة العشق الجماتعي الفريدة هذه .وقد
قامت الكثيرات بتأليف قصص وحكايات التقين فيها به وتبادلن معه الحاديث وأخريات أكد ن أنه غازلهن وادتعت أخرى
أنها كانت لها )تعلقة( به!
أقنعت زهرة تعلي إسماتعيل الكضاب أ ن يجلب لها )كراسة القمر( ،وهو بحدسه الماكر قد تعرف المغزى ،فقام بإضافة
قصائد حب تعارمة ـ مما كا ن يحفظ ـ دجونها تعلى الصفحات الفارغة من الكراسة ،مقلدا خط صديقه جو .وازداد الطين
بلة في الميرية وحلت الطامة الكبرى بعد الطلع تعلى كراسة القمر التي فيها ما لم يسمع به أحد من قبل .وتم تداولها
بين جميع اليادي الراتعشة ،ونسخت مرات تعديدة .وبذلك صارت زهرة أخطر مراكز القوى في المدرسة؛ تتردد إليها
الخريات من أجل النسخ المباشر من هذا الدليل الخالد تعلى تعظمة الحب..
ولما تعلم شربات بحكاية الكراس ،أخرج من )تعبه( إحدى أفكاره الجهنمية؛ فقد ذهب إلى العنبر ،وفتح حقيبته ونثر
محتوياتها تعلى السرير ،وطار في الهواء "هيييووو" متناسي ا محنة صديقه ،ثم برك فوق المنثورات وبدا يقذف بها
واحدا بعد الخر ،إلى أ ن تعثر تعلى الصورة الجماتعية لشلة أولد قرف .تلك التي أخذت لهم في بداية العام الدراسي ،في
استديو المنتزه ،حاملة تاريخ ابتساماتهم ،وأبهى لحظات وجودهم ،وأججد ما كا ن لديهم من قمصا ن.
أخذ الصورة ودسها في جيبه ونادى تعلى إسماتعيل وجره إلى الزقاق:
ـ شامي كابور وجل كومار أبشلخة ..إنت بس أسرع وديها لناس هيما ماليني.
ولما لمست الصورة أنامل زهرة ،كانت جيوش اليقين قد اجتاحت أم الممالك ،وجطبع خيال الوسامات تعلى الصورة التي
شبعت قب ال؛ مائة وتسع وستو ن قبلة أحصاها التاريخ وغفل تعن أخرى..
شهد اليوم السادس تطورات أخرى للحداث .فقد انتهز أستاذ تعساكر ساتعة فراغة أثناء الحصة الثالثة ،وذهب إلى
المستشفى لزيارة )البطل( .وتعلى بوابة العنبر ألقى التحايا تعلى مرافقي المرضى وتجاذب معهم أطراف الحديث .وصار
البعض يدلي بدلوه في الحادثة التي باتت معروفة ،إلى أ ن هجم تعليه )ود العمدة(:
ـ أيوة ..أيوة.
كا ن أستاذ تعساكر قد سئم الحديث في هذا الموضوع خاصة بعد المجادلت مع بقية المدرسين حول التصرف )المثل(
إزاء الموقف...
ـ ياخي إنتو طبعاا ناس تربويين وتعارفين الحكاية كويس ..بالمناسبة :السيد المدير تعينوه حاجة كبيرة في التحاد
الشتراكي..
ـ أيوة ..أيوة
تضايق أستاذ تعساكر من تحشرات ود العمدة التي انتقلت من لجا ن ذلك الزمن إلى قضية التربية ..فقال:
ـ تعن إذنك ..أنا تعايز أشوف الولد وراجع تعندي حصص ..وقريبتك العيانة ربنا يديها العافية..
تقدم أستاذ تعساكر باتجاه السرير الذي كا ن خالياا ،جلس تعلى طرفه ،وقد كانت كل الشياء في أمكنتها ..مرت دقائق
وهو يتفرس وجوه المرضى..
تعشرو ن!!
ـ ياخي سلمات..
ـ أهال يا أستاذ.
ـ يا خي جارك دة وين؟
ـ وال!؟
وقام أستاذ تعساكروذهب إلى بوابة العنبر .فهجم تعليه ود العمدة مرة أخرى:
ـ ل ..هو ما موجود..
ـ ما موجود!؟ كيف!!؟
وتولى ود العمدة المر .وجاء يستاق واحدة من الممرضات .ولما اقتربت سألها أستاذ تعساكر ،فكانت الجابة "تعلمي
تعلمك" وبدأ )حيص البيص( .ودخل ود العمدة في مهاترات مع الممرضة وألقى محاضرة تعن التسيب والهمال .إلى أ ن
جاءت الروضة كبيرة الممرضات:
ـ أ لجي ياود العمدة!! إنت نسيت السكر السايب ول مكنات الطواحين! وجاي تتكلم تعن تسيبنا أنحنا!!؟؟
ـ دي إنتي يا حاجة الروضة؟ وال إنتي بتاتعة مشاكل .ياخي لسانك دة البكو ن طفش العيانين.
وأثناء ذلك الجدال ،تعرف أستاذ تعساكر أ ن جو شوهد خارج ا من البوابة الخرى وهنا رأى أ ن المسألة دخلت في باب
المسئولية الشخصية ،خاصة وأنه هو الذي أقنع أستاذ تعباس باحتواء المسألة في حدودها المدرسية .ولم يبلغوا ولي
أمر الطالب .ذهب أستاذ تعساكر إلى الطبيب مستفسراا ،فأكد له هذا أ ن )الولد صحته جيدة( وكا ن المفروض أ ن يعود إلى
المدرسة في اليوم التالي ،ول ن المريض لم يكن معه مرافق" :فالمستشفى ليست مسئولة تعن اختفائه"!!
تعاد أستاذ تعساكر إلى المدرسة وأخبر أستاذ تعباس )المدير بالنابة( بما حدث .وبسبب قلق أستاذ تعباس .خرجا إلى
موقف العربات بحثااتعن معلومة .ولكن جميع الكومسنجية أكدوا أنهم لم يروا شخصا بالوصاف إياها .فقال أستاذ
تعباس:
ـ ل ..إحنا مرحلة البوليس دي لسة ما وصلناها .الود لسة قاتعد في )المدينة( وأنا بعرف اطلعوا ليك.
ـ كيف؟
ـ دي خليها تعلي.
دخل أستاذ تعباس مكتبه ـ الذي لم يهنأ به ولو لدقيقة ،فهو قد انتظر بإخلص ،ولسنوات طويلة لحظة الجلوس تعلى هذا
الكرسي .ولكن ها هي المصائب تهطل تعليه من السماء! وقد كا ن في قمة القلق التشاؤمي بالرغم من تطمينات أستاذ
تعساكر بأ ن المسألة )تعادية( وأنها مجرد صدفة.
وفي المكتب الثاني ،استدتعى أستاذ تعساكر أولد قرف .وبدو ن مقدمات أخبرهم بالحقيقة ثم أضاف:
واختار لها شاربات وأبو خمسين ..فضحكا ضحكة خبيثة اطمأ ن لها أستاذ تعساكر فيما هو به مهموم .ثم تخابث تعليهم:
فانبهت أبوخمسين:
وذهب أستاذ تعساكر إلى أستاذ تعباس وطمأنه .ودار بينهما جدال آخر في النظريات التربوية.
اهتبل شربات وأبو خمسين الفرصة لعمل )خيانة كبرى( .فبعد أ ن تم )إحياء( القوانين المتشددة في المدرسة بعد الحادثة
ها هو أستاذ تعساكر يمنحهما الفرصة ،ويوكل إليها )المهمة( المر الذي أغاظ البقية .وبدال من الخروج من الباب،
)تسيبا( من )الجخرم( الخلفي لسور المرسة كي ل يراهما أحد!
وفي الهواء الطلق أخرج شربات خمسة تعشر قرشا وسأل أبو خمسين:
ـ تعندك كم؟
أخرج أبو خمسين )خمسين قرشاا( ولوح بها في الهواء ،فعلق شربات:
ـ وال أستاذ تعساكر دة راجل )شربات( ..إتخيل ال########ين ديل هسي يكونوا قاتعدين في الحصة ميتين من
الغيظ ونحنا هنا قادليين!! وحاكي مشية النساء.
ـ كدة خليك من القدلة دي ..أسي نحنا حنمشي وين أول؟ تام زين ول زوبا؟؟
ـ ل ..إنت تعوير!؟ أراح ناخد )حبتين( ،وكما ن ما إحتمال نلقى صاحبك هناك؟
واستدرك:
وفي أول تعطفة تعلى الزقاق المقابل للمدرسة ،ظهر تعم محمود ممطتيا صهوة دراجته ،فزاغا فزتعا بالرغم مما معهما
من تصاريح! ولكن في النهاية قال )سيبك( ..وراحا داخلين تعلى زقاق تام زين .أبصرا العارضة تعلى البوابة الكبيرة!
ولما وصل ،قفزا من فوقها تعلى تعجل ،ولكن مسمار ا تعلق برداء شربات وسقطت العارضة وأحدثت ضوضاء صاحت
إثرها تام زين:
ـ ل ..ديل أنحنا..
ـ أنحنا أنحنا..
ودخل تعليها:
ـ إزيك
ـ أه ا
ل
وتعرفتهما وتذكرت أنها )موصية تعليهم( من أصدقاء سيد شطة )بتاتعين الكورة( وراودتها حكاية رفيقهم فقالت:
ـ اتفضلوا
وكانت قد سمعت القصة بإضافاتها؛ بأنه )سب دين للمدير .وطلع مطوة كا ن تعايز يطعنه ..و ...و (...وكانت حكاية ،ثم
أنهى شربات المرحلة:
ـ ل وال!
وتذكرت الوصايا تعليهم ،ومن )العندهم( جاءت نورا بما تيسر وبدأ العد:
واحد هنا
وواحد هنا..
خرج النمل من مخابئه وبدأ يدب .ظهرت الفراشات الضوئية في رأس شربات ..وأخرج أبو خمسين السيجارة من تحت
الحزام!!
ـ يا خي إنت مالك رتعديد كدة؟ بفتش لينا شنو؟ مش نحن بنفتش؟ خلص كنا بنفتش وما ليقيناهو! دي كما ن دايرة ليها
شطارة؟؟
ـ ل ..ل يا خالة.
وخفضا صوتيهما:
ـ آها؟
ـ كويس!
ـ وبعدين نماطل لحدي ما الواطة تمغرب ،وبعدين نطلع ..طبع ا مش منطقي نطلع )نتنجروك( بـ)أرديتنا( بتاتعة المدرسة
دي )هناك( بالنهار .صاح؟
ـ وبعدين صاحبك دة أكيد يكو ن هناك ..مافيش داتعي نمشي هسي زي الحرس الجمهوري .مش أستاذ تعساكر قال لينا
أقنعوه؟
ـ أيوة ..
وأقنعك ..أقنعك ..ثم وجدا نفسيهما مستلقيين تعلى السرة .ولم يستيقظا إل مع رائحة الطعام ـ مما تبرتعت به الخالة ـ
في الصيل.
فهجما بشراهة النمور .وفي تلك اللحظة .سمعا صوت تعلى إسماتعيل الكضاب يلقي التحايا قادماا:
ـ تاني رتعديد!؟
"وال حصانا دة شربات خلص" ـ وحشر يده في الطعام وهو ما يزال واقفا ـ
"بال كنتو تعايزين تفوتونا الخوابير دي كلها؟ يا مستنكحين؟؟ لكين شكرا لستاذ تعباس".
ومع ذكر أستاذ تعباس ارتبك شربات نفصسه ..وصاح أبو خمسين:
ـ آآ ..أيوة ،وكما ن قال لي شوف الجماتعة ديل وين وقول ليهم يجو بسرتعة!!
ـ شوف يا تعلى إسماتعيل يا كضاب ـ قال شربات ـ إنت بقيت كضاب جد جد .وبعدين الرسلك منو؟ أستاذ تعباس ول أستاذ
تعساكر؟ ثم أضاف :وأستاذ تعباس دة تعرف من وين ؟ ويرسلك بمناسبة شنو؟
ولما لم يجد تعلى إسماتعيل خرقة يسد بها بداية كلمه التي كانت مرتبكة ،اتعترف قائ ا
ل:
ـ يا خي المرة الجاية دي إحتمال أجرى أنا وتجو أنتو تاني يا فشوشات وتعملوا خيانة بسببي..
ـ شوف يا كضاب ..إحنا بعد )الصورة( المشت هناك دي كلنا حنجري ..ما تجننا يا خي.
فتدخل شربات:
****
كا ن الظلم قد دب في )حي فوق( وبدأت تتلمع الكهرباء هناك في وسط المدينة .خرج ثلثتهم .وبعد زقاقين كانت
جمهرة من الطفال والنسوة أمام أحد البيوت ،وكركبة الدلليك داخله.
كانت هناك مشاجرة بين السكارى ،فلفوا من الشارع الخر ليمسكوا )درب الربعين( المشهور في )حي فوق( الذي
يلقب بـ) شارع البهجة المسرة( .كانت لمبات الجاز المزججة تصطف أما البيوت تمازح الداخلين والخارجين .ومع
اللمبة الثامنة:
تووش ..
معرض شرف الوطن! خلف المصابيح أربع بنابر ،تعلى كل فخذين تعاريين بينهما ) .(capital Iالباذنجيا ن
اللمعا ن )I( :أبيض! الكاكاويا ن )I( :أحمر! القميحا ن )I( :أخضر! الحلبيا ن )I( :أسود!!!
قال شربات:
في)حي فوق( هنا ،حيث ل غضاضة في العري ،وجد جو نفسه محتفى به .وتقاطر )الشكش( منذ لحظة وصوله ليشهد ن
خيانة أتعظم تعاشق في المدينة .وللتأكد )العملي المرفوع( من الحقيقة الزلية؛ )خيانة الرجال( .ولكن ذلك كله ذهب
بددا!!
ف)زريــــــا( التي تعمل ساتعتها البيولوجيا بالتوقيت القمري ،والشهور تعندها هي:
الويحيد
الكرامة
التوم
التومين
سايق التيما ن
رجب
رقصصرير
رمضا ن
الفطر
الفطرين
الضحية
والضحيتين؛ كانت تؤمن بخرافة تقول أنه مع نهاية كل قر ن قمري ،يظهر إله الحب ويجدد للعشق أمجاده بعد اندثارها!!
ولما صادف بالفعل أ ن كانت الحادثة في العقد الخير من القر ن ،وقد تعلمت ـ زوبا ـ ضمن الشاتعات التي تم تداولها
)حقيقة( أ ن هذا العاشق هو من نوع البشر الذين ل يستطيعو ن النوم في أيام اكتمال القمر ،فلم تشك لحظة واحدة في
أنه )هو(!
وتعقب شرحها لنظرية )الفرق( بين خيانة الرجل للمرأة من أجل أمرأة أخرى .وخيانته لها مع أخرى من أجلها هي،
رتبت طقس الخيانة بإيما ن تعميق :جاءت بالنخب ،واستدتعت سمسة ذات السبعة تعشر ربيعاا ،ووتعدتها بـ)حق يومها(
كام ال .ولكن هذه المرة في )المتربسة( ـ غرفتها الخاصة ـ التي ل يدخلها أحد غيرها في ذلك الحي المستباح.
قيل ضمن الشاتعات ،أ ن زوبا متزوجة من )ملك الجن(! وقد كانت تلك الشاتعة مصدر أمن نسبي لها ،وسببا آخر يمنع
اللصوص )السيئين أولد الحرام( ـ الذين يسرقو ن من وسط المدينة ما يسرقه اللصوص )الطيبين أولد الحلل( من
طرف المدينة ،ليعيدوه إليه ،وإ ن كا ن ناقص ا ـ من أ ن يجرؤوا تعلى التفكير في السطو تعلى المتربسة بالرغم من تعلمهم
بما تحويه من ثروات!
كا ن جو في سابع نومة حين شرح شربات )المهمة( لزوبا ،التي لم تزد تعلى قولها:
ولما استتر تعري المدينة بأردية الصمت .أقامت زوبا )طقس الطواف الليلي لبنات أورشليم( اللتي أنشد ن النشيد:
"من هذه الصاتعدة من القفر كأتعمدة من دخا ن ،معطرة بالمر واللبا ن وكل تعطور التاجر؟" الكتاب المقدس :نشيد
النشاد.
..وصلت زوبا:
" ...وقد صنع الملك سليما ن كرسي العرش من خشب لبنا ن ،وصنع أتعمدته فضة ،ومتكأه ذهباا ،ومقعده أرجواناا،
ورصعت بنات أورشليم غطاءه محبة "...نشيد النشاد.
جاءت كل ذات مصباح بمصباحها ،تطوف لتاتي التي بعدها بالذي بعده .لم يكن هذا الولد المراهق الراقد هو )هو(،
وإنما خرافة تقاس تعلى ذكرى )وجهه( أوصاف الحلم المستحيلة؛ المقتولة ،والتي ل تجيء لنها ستقتل!!
*****
أطاح الرب بأمن أستاذ تعباس الطفيف .فقد نقر تعم محمود الباب وجاء بما ل تشتهي السفن! والدا الطالب جالسا ن
بالخارج ويريدا ن مقابلته! ارتبك أستاذ تعباس )السيد المدير بالنابة( ،فعدل من جلسته وتأكد من حال كونة مديراا! ثم
أمر تعم محمود بأ ن يسمح للضيفين بالدخول .وقبل أ ن يغادر تعم محمود المكتب أمره قائ ا
ل:
ـ أفندم
وخرج تعم محمود ،دتعا السيد تعثما ن سنين والسيدة فاطمة بت النور فدخل .قام أستاذ تعباس من كرسيه وسألمهما
ببشاشة أطالت المسالمة .أصلح السيد تعثما ن سنين تعمامته أثناء رده تعلى الستاذ تعن الحال والحوال ،وأخبار
الموسم .لكن القروية ،بت النور ،قطعت حبل المجاملت الممتدة ،ودخلت في الموضوع بدو ن مقدمات:
ولكنه فوجئ بالدهشة التي اتعتلت وجه تعثما ن سنين والسؤال المباغت من بت النور:
ولكن أستاذ تعساكر أنقذ الموقف بعد أ ن سمع طرف الحديث هو تعلى تعتبة الباب فسلم تعلى الضيفين بحميمية أهل البلد.
وطلب منهم الجلوس .وضحك بمودة ثم أجاب تعلى السؤال الخير.
ـ أصلو يا حاجة الولد في بيت ناس واحد صاحبو في المدرسة .أيوة ،زميله يعني .وإحنا أديناهو الذ ن .لكين الغريبة هو
بعد شوية كدة حيجي .وال فيكم الخير.
ثم ضحك أستاذ تعساكر لزوم القناع ،فبدا مقنعا لبت النور ،التي أصلحت جلستها وهي تردد:
ـ وال إحنا ما كنا تعايزنكم تتعبوا .ما الولد برضو ولدنا ..الحكاية بسيطة.
وتعرف من السيد تعثما ن سنين ـ تعلى سبيل )الونسة( بكيفية وصول الخبر تعلى أم شقايق .إذ جاء خلل تلك اليام أحد
مواطنيهم إلى المدينة والتقط الخبر وقام بإيصاله )بكل أمانة القرويين( و)وبضبانته(..
وتعلى رأي المثل" :من تعاشر قوما اربعين يوما صار مثلهم".
فبمجرد تعلم أستاذ تعساكر بهوية الضيفين ،أنزلق هو الخر في التكتيكات والخطط السعافية الطارئة! فنادى تعلي
إسماتعيل الكضاب وتعثما ن شربات .أغلق تعليهما باب المكتب و أمسك بإذ ن كل منهما وجرهما قريبا منه:
ـ أيوة ..أيوة..
ـ إذ ن ما بنفع!
وهرول تعلى إسماتعيل الكضاب ..ولما حضر ومعه سيد شطة ،شرح لهم الموقف بدقة ..طلب منهم إحضار جو فوراا،
وتمثيل مسرحية )بيت زميلهم إياهـا(.
"طيب يا أستاذ لو الحاجة قالت تعايزة تمشي تزور )خالتنا أم سيد( نعمل شنو ما إنت تعارف يا أستاذ أهلنا القرويين ديل
بتاتعين واجبات وحاجات زي دي؟؟"
"أنا أقول ليهم ناس أمي سافروا ،وتعشا ن كدة رجعنا كلنا الداخلية ..وبكدة نتخلص من المشكلة!"
أمن الجميع تعلى القتراح .دقائق وقفز ثلثتهم من السور الغربي للمدرسة فناداهم تعم محمود:
ولكنهم فروا بعيدا باتجاه )حي فوق( .ولما استمع أستاذ تعساكر إلى الشكوى ،أبلغ تعم محمود أنه هو الذي أرسلهم،
ولكن تعليه أ ن يذكره لحقاا ،ويحضر معه السوط لمعاقبتهم تعلى )قفزهم من سور المدرسة(! ثمانية وثلثين ودقيقة فقط
هذه المرة .وكانوا قد انجزوا المهمة :اختطفوا جو وذهبوا به رأسا إلى الداخلية ،شطفوه ،وألبسوه الزي المدرسي
وسرحوا له شعره ثم جاءوا به إلى مكتب المدير.
لم تترك بت النور الفرصة لشيء آخر ،وهجمت تعلى إبنها وأوسعته بكاءا لم تنفع معه أوامر تعثما ن سنين:
واستغلت بت النور لحظة المسلمات تلك وفكت صرة في طرف ثوبها ،وأخرجت الرمل الذي جلبته من )قبة الشيخ أبو
مفاريك( ،ولما لم تجد ما اء بللته بلعابها وبدأت تمسح جبين إبنها غير آبهة بمكتب المدير!! وفي نهاية مشهد ـ
)ال نزوارة( في مكتب المدير ـ الذي لن ينسى ولن يتكرر ،تدخل سيد شطة وألقى بالكذبة المتفق تعليها:
ـ وال يا جيمة لو ما ناس أمي سافروا الليلة الصباح ،كا ن سقناكم البيت ..وال بس جيتكم صادفت وفاة جدنا..
ـ الفاتحة.
قال تعثما ن سنين ،وجقرئت الفاتجة تعلى روح جد سيد شطة الوهمي! فأكمل شطة:
ـ وال ناس أمي سافروا كوستي الصباح دة ..وهسي أنا ذاتي رحلت وجيت أقعد في الداخلية! فتدخل تعثما ن سنين:
ـ تشكروا يا إبني ،أنحنا راجعين ،لكين لزم نرد ليكم الواجب ونجي نزوركم تعشا ن العملتوه مع أخوك دة .ثم سأل السيد
المدير وفي رأسه اقتراحات بت النور:
فتذكر أستاذ تعباس ما توصلوا إليه في المجادلت التي قادت تعلى خطة التصرف:
ـ ل ،تعليك ال يا أستاز المدير ..بس أديه إذ ن تلتة يوم بس وبعدين يرجع .تعليك ال يا أستاذ المدير..
كا ن إصرار بت النور ،تعلى اصطحاب إبنها مبنيا تعلى ترتيبات معدة سلفاا .فهي منذ أ ن سمعت بخبر الحادثة ،ذهبت إلى
الفكي إساخا )إسحق( ودفعت له )البياض( ليكتب )محاية مركزة( لولدها ،وأقرنت ذلك بـ)الزوارة( من تراب قبة الشيخ
أبو مفاريك ،ثم بخور )أم الصبيا ن( لتحمي ولدها من شر )العوارض المتباريات(.
كانت بت النور تؤمن إيمانا قاطع ا بأ ن )الجلبة( تعندهم )فكي كبير( .وأنهم يتزوجو ن بالجنيات اللتي يقبعن في المنازل
)ول يخدمن كما تخدم النساء( لينجبن البنات الساحرات اللتي يسخرهن آباؤهن لخطف )أولد الناس( .وقد تأكد لها ذلك
بالتجربة قبل سنين طويلة في مشكلة شقيقها تعبد الرحمن النور ،الذي أطلق السم تعلى ولدها.
وقد كا ن تعبد الرحمن النور هذا ،تلميذا نابهاا .كا ن دائم ا يأتي في مقدمة أقرانه في المدرسة ،إلى أ ن دخل الجامعة.
وهناك أصبح زتعيما للطلبة ،وسافر إلى بلدا ن تعديدة ،بل وكا ن الناس يموتو ن من العجب ،وهم يستمعو ن إلى صوته
وهو يتحدث في الرادي )الراديو( ،تعبر أول جهاز يدخل أم شقايق ،ذلك الذي إشتراه حاج النور خصيصا لجيسمع الناس
صوت إبنه الذي أصبح مكا ن فخر ،بعد أ ن كا ن حاج النور يتوجس من المدراس تعموماا! تلك التي كانت تعني تعنده
)صش صرك النصارى( .وبعد أ ن تغير موقفه ذاك :كا ن يضحك ضحته المجلجة وهو يحكي في المجمع الكبير أمام بيته مرارا
قصة إبنه الكبر مع المدرسة! الذي كانت أمه )أم الحيرا ن( ـ ال يرحمها ـ تأخذه ليقضيا النهار في الخلء مزودا ن
بـ)جبجخصسة( مليئة بالروب هروبا من المفتش النجليزي الذي كا ن يمر تعلى القرى ،باحثا تعن الصبيا ن لخذهم إلى
المدرسة! وقد كا ن والده هو ـ الحاج تعثما ن النصاري ـ ال يرحمه ،قد أقنعه بما كا ن يروجه الجلبة تعن أ ن النجليز
يأخذو ن الصبيا ن إلى المدرسة ليحولوهم إلى نساء لهم!!
لكن تعبد الرحمن النور بدد لهم كل ذلك الشك ،إل في شيء واحد؛ هو أنه لما اختاروا له بنت تعمه )خدوج( ـ أسمح
بنات القرية ـ ليتزوجها ،ضحك ،ورفض المر ،وحاول إقناتعهم بأ ن الزواج مسألة )شخصية(! ولم يفهم حاج النور
معنى )شخصية( هذه إلى أ ن رحمه ال هو الخر .وقد فأجاهم تعبد الرحمن النور يوماا ،بصرامة ،أنه نوى أ ن يتزوج
بإحدى زميلته في الجامعة وأخرج صورتها ووضعهم أمام المر الواقع! وقد كا ن ذلك مصدر رتعب وسط قريباته ـ
وخاصة بت النور ـ اللئي روجن لحكاية الجنيات تلك وصدقنها .بل وذهبن إلى أخطر )فكي( في المنطقة كلها،
ولـ)كوجا( الجمجع صراقي ،ودسسن لعبد الرحمن ما استطعن من السحر في الطعام والشراب .ولكن ذلك كله لم ينفع! فايقجن
بأ ن فكي الجلبة )فكي كبير( .وازداد المر يقينا لما قلت زيارات تعبد الرحمن النور إلى القرية بعد زواجه ،إلى أ ن
جاءهم خبر موته في )حادث حركة( ـ هكذا يقولو ن .وحكت بت النور بعد تعودتها من العزاء في الخرطوم ،أنها وجدت
زوجته )ممسحة( )ومسرحة( .وأ ن أطفاله ـ ماجد وسهى ـ كانا يهربا ن منها ويسخرا ن من لهجتها القروية!!
لكل ذلك ،فقد جأخضع جو لتدابير طقسية صارمة خلل اليام الثلثة التي قضاها في البيت.
*****
تعقب المذاكرة الجبارية ـ وقد تعادت بعض المياه إلى مجاريها ـ أخرج أستاذ تعساكر كرسيه وجلس أمام المسرح .نادى
شلة أولد قرف ليتفاكر معهم حول الستعداد لبرنامج احتفالت تعيد التعليم.
وكما نعرف ،فإ ن أستاذ تعساكر هو المشرف تعلى ما كا ن يعرف بـ)الجمعيات الدبية( والنشاطات .وقد قام بدور المخرج
لمسرحية )الشماشة( التي فازت بها المدرسة في مسابقة المدارس العام الفائت .تلك المسرحية التي يرجع الفضل في
تأليفها لـ)جو( الذي استقاها من الواقع ،مطبق ا إتعجابه بما قرأه في الكتب )المدسوسة( في بيتهم القروي ،ومستغ ا
ل
ا
)تجربته( في المشاركة في التمثيل في تمثيليات المدرسة الولية ـ التي صارت )البتدائية( فوق رأسه .والفضل أيض ـ
يرجع لولد قرف ،الذين أجادوا التمثيل .أما فضل أستاذ تعساكر ،فكا ن في أمرين :الول ،هو كفاحه المرير لقناع السيد
المدير بالمسرحية ،فهذا كا ن يرى فيها خروج ا تعلى )أصول التربية( و)الذوق العام(!! وقد كا ن مصرا ـ ومعه أستاذ تعبد
الجليل ـ تعلى المشاركة بمسرحية )صلح الدين اليوبي( التي مل الناس من تكرارها ،المر الذي أضطر أستاذ تعساكر
أ ن يضحي ـ في سبيل الشماسة ـ بنقاط مهمة لكنها ساقت إلى الفضل الثاني :فعقب إسقاط بعض اللفاظ ،تولى مهمة
الخراج ،وابتدع وسائل حركية كانت أبلغ دللة من الكلم!
فأستاذ تعساكر لم يك ،في الواقع ،أكثر من )جربندي( موهوب .فمعرفته بالخراج ،والمسرح تعموماا ،ما كانت تتعدى
المقدمات النظرية التي درسها في )بخت الرضا( .وما التقطه من المداومة تعلى حضور مسرح )جماتعة الطليعة( ـ
تعندما كانت هناك طليعة .وقد تحسر أنه ما كا ن مهتم ا بالموضوع في أيام )التأهيل( ليكتشف )ميوله واتجاهاته( مؤخراا!
لذلك ،فهو حريص تعلى تجنيب طلبه ـ خاصة هؤلء الشقياء ـ غلطة تعمره .وها هم سيغادرو ن المدرسة بعد شهور
قلئل ،ليصعدوا )السلم التعليمي( الذي قد يفضي بهم إلى الهاوية! ويبقى هو ـ ربما ـ هنا ،وفي نفس المكا ن ،يجتر
ذكراهم التي قدل تتكرر.
بل مقدمات ،أخبرهم بأنه وردت إليه طلبات مهولة ـ من الميرية خاصة ـ تطالب بإتعادة المسرحية هذا العام.
أشار شربات لعلي إسماتعيل إشارة النصر )ومازال الزحف مستمرا ( ..
بعد أ ن أكملوا تلعليقاتهم الجانبية ،طلب منهم أستاذ تعساكر أ ن يفكروا في الموضوع ولكن اليوم سيكو ن للمسامرة .ثم
ألقى بالسؤال لجو ـ ذلك السؤال الذي فات تعليه أ ن يسأله العام الماضي:
وقف جو ـ كعادة الطلبة ـ ليجيب ،فطلب منه أستاذ تعساكر الجلوس قائ ا
ل:
قال جو:
ـ كنت في يوم قدام السينما ،وشفت الشماشة بمثلوا فيلم أمبارح .وكا ن أبو طويلة لما يمثل )ديجانقو( يبقى ديجانقو،
ولما يمثل )شامي كابور( يبقى شامي كابور .وبعد داك بقيت أمشي كل يوم أتعاين ..لمن جا يوم كنت إتاخرت في
الداخلية ،وحصلت قصة رينقو ..وبعد داك صاحبته وبقى يحكي لي.
ـ أيوة ..بس أنا كنت شايف رينقو دة ود ذكي جداا ،ولو دخل المدرسة ممكن يبقى حاجة ،فعملنا حكاية الستاذ البلقيهو
ويدخلو المدرسة ..يعني تعشا ن الناس يعرفوا أنو الشماشة ديل زي بقية الناس .وممكن يكونوا أحسن!
وأضاف:
"يا إبني أي زول ممكن يبقى مدرس زينا كدة ،وممكن يبقى مهندس أو دكتور أو ضابط أو حتى رئيس جمهورية .لكن
ما أي زول ممكن يبقى فنا ن".
ـ ل يا أبو خمسين .كلمة فنا ن دي ما لزم تعني ال جغنا؛ الرسام فنا ن ،العازف فنا ن ،الممثل فنا ن ،والمسرح دة إسمو أبو
الفنو ن.
ـ هسي يا أستاذ ،أبو خمسين دة يعني كا ن فنا ن لمن كا ن بمثل دور البوليس )إر الجمرضجر(!؟
ـ أيوة ...طبعاا ..مش كل الناس اقتنعوا بيهو لمن في ناس صدقوا إنو بوليس جد جد؟
ـ أيوة ..
ضحك أستاذ تعساكر بعد أ ن تعرف بهذه الحكاية لول مرة ثم قال:
ـ ما هو ذاتو صدق إنو شماشي جد جد وقعد يشاغل في البنات جد جد .أنا تعارفه وال يا أستاذ.
ـ ما ممكن الجماتعة يرقصوا ويهججوا وأنا داخل لي في تعمة وجلبية ..وبعدين يا أستاذ الحكاية المجرة دي حتبقى
جسخنة..
ـ أنا يا أستاذ.
وتدخل جو مقترحا إضافة مشهد أخير يرقصو ن فيه جميعا "لن ننسى أياما مضت" مثل ما فعل طلب الجامعة في الحفل
الختامي لرحلتهم تعلى مسرح المدينة.
ـ الشماشة يبقوا أولد جامعة!! برافو ..برافو .دي فكرة مجنونة! دة حيكو ن مشهد!! دة حيكو ن أجمل حاجة!!
وفي زحام البهجات والمسرات ،لحت الفرصة فقام شربات وألقى بطرف خيط )المؤامرة(:
ـ أنا يا أستاذ شايف يعني ،بقول يعني ،بدل ما نمجثل بنات ،ما يجو البنات نفسهم يمثلوا؟؟
لكن أستاذ تعساكر أدرك ما وراء المسألة .وبالرغم من إتعجابه بالفكرة ،إل إنه أحبط المؤامرة فورا قائ ا
ل:
"إنتو يا جماتعة نسيتو حاجة مهمة جدا جداا .إنو بعد الحصل ،مستحيل الجماتعة بتاتعين الميرية يوافقوا ويسمحوا
للبنات .دة طبعا بالضافة للجماتعة الهنا في المدرسة".
تعلى أي حال ،فقد فاتت هذه النقطة المنطقية تعلى مدبري المؤامرة في تيار الرغبة والحماس .والواقع ،أ ن زهرة وتعزة
قد ترجمتا ـ لستاذ تعساكر شخصي ا ـ رغبة زميلتهن الصادقة في إتعادة المسرحية .وتعبر الرسائل أبدين رغبتهن في
المشاركة في التمثيل .وطالبن باختراع أدوار جديدة ،وقدمن اقتراحات )فنانة( في هذا الشأ ن ،بل وتعملن بروفات ـ
بالرغم من أ ن جمعية المسرح في مدرستهن معطلة من سنين! ل ن كل المسرحيات والتمثيليات المسموح بها "مقرفة"
كما قلن .لذلك كله تحمس أولد قرف للقتراحات وقطعوا وتعد ا بأ ن يستغلوا أول فرصة) ،ويدردقوا( أستاذ تعساكر
باتجاه المسألة .ولكن ها هو )المنطق( يتدخل ويهزم القضية في مهدها ،ولم يبق إل مشاهدة )العلمة( :وهي قلب كبير
يخترقه سهم ذو رأسين في أحد أطرافه حرف ) (Nوفي الطرف اللخر ) .(Jوقطرات ورد نازلة من القلب تحولت قبل
أ ن تسقط إلى )نج () ...نج() ...نج(!!
تلك العلمة التي امتلت بها حيطا ن المدينة ،صارت مصطلحا بين الشباب.
تكتب ) (NJوتقرأ )نج( .ويقال أ ن فلن ا تعمل نج وفلنة أرسلت رسالة )للنج بتاتعها( .وضاتعت أمجاد كيوبيد كما
ضاتعت أحلم شلة قرف في أ ن تعمل مسرحيتهم نج.
****
جملة مكتوبة تعلى حائط المخز ن ،قبالة بوابة الداخلية الرئيسية ،تحت العلمة ،بالفحم ،ومظلة بالطباشير البيض ـ مع
أ ن العكس كا ن يجب أ ن يحدث! كانت الكلمات كبيرة ،والجملة كلها مسورة بإطار طباشيري تعلى شاكلة أشباه دوائر.
ويبدو أ ن شخصاا آخر ـ غير كاتبها ـ تدخل ووضع هذا الطار .ثم جاء آخر وكتب فوق كلمة تمثيلية )نيو(! ثم جاء آخر
وتعمل )×( تعلى كلمة )نيو( وكتب) . (NJوتعلق آخر )حرام تعليكم(.
كا ن أستاذ تعبد الجليل ،بالرغم من تزمته في أشياء كثيرة ،إل أنه كا ن حريصا تعلى التواصل مع طلبه .كا ن يأتي مرة
بعد مرة ويجالسهم في أوقات الفراغ ،ويؤمهم ـ أحيانا ـ في الصلة ،وقد حاول مرارا سحب البساط من أستاذ تعساكر ـ
الذي كا ن )صديقاا( للطلب ،المر الذي فشل فيه أستاذ تعبد الجليل بسبب حواجز )الدب( المفترضة التي تقوم تعليها
نظريته )التربوية(.
ولما تقدم الستاذ تعساكر باقتراح برنامج مشاركة المدرسة في احتفالت أتعياد التعليم ،اتعترض أستاذ تعبد الجليل مرة
أخرى تعلى مسرحية الشماشة! بالرغم من العرف السائد بأحقية المسرحية الفائزة في العرض مرة أخرى .وليكو ن
)منطقياا( فقد بني اتعتراضه تعلى أساس أ ن لدية مسرحية جديدة .والواقع أنه ظل يخطط لهذا المر منذ بداية العام ،وذلك
لعمل خبطة مسرحية تكو ن مضادة لتجاهات أستاذ تعساكر ومقربية! وقد أفنى ليالي طوال ساهرا لتأليف مسرحيته
الجديدة .وطالع من الكتب ما طالع .وأخيرا اهتدي إلي تجهيز نص سماه )أرضنا السليبة( ،تعن قضية فلسطين .وقام
باستقراب تعدد من الطلبه المثاليين ليمثلوا المسرحية .ولما لم يجد المدرسو ن غير الحل الوسط لفض النزاع ،قرر
المجلس أ ن تعرض المسرحيات تعلى مسرح المدرسة وتعتبر البروفة النهائية منافسة .والتي ستنال التعجاب ،ستتبناها
المدرسة .ولذلك جقسمت أيام البروفات تعلى الطرفين ،بالتساوي .ولكن أستاذ تعساكر وجماتعته رأوا ترك المسرح لستاذ
تعبد الجليل وجماتعته ،ليقيموا بروفاتهم في الساحة.
وقد انهمك أستاذ تعبد الجليل بحماس كبير مع المجموتعة التي اختارها .ولنه هو الخر ليس سوى )جربندياا( فضل تعن
أنه يفتقر إلى الموهبة ،فقد ووجه بصعوبات جمة؛ أولها مشكلة الملبس ،ل ن منافسيه لم يتقدموا بطلب في هذا
الخصوص! لذلك اضطر أ ن ينفق من حر ماله في سبيلها من بداية أيام البروفات!! ثم أنه تورط في مشاكل أخرى
متعلقة بالحركة تعلى المسرح وكيفية تمثيل المسافات الطويلة التي يزخر بها نصه!! ولكن أهم مافي المر أنه أضطر
للتنازل تعن )أجمل( فكرة لديه وهي )الحصا ن(! لنه ل يستطيع إدخاله إلى خشبة المسرح .والمشكلة التي لم يعتبرها
هو مشكلة ،كانت قضية المهات اللئي أراد أ ن يعبر تعن مآسيهن ،وذلك بسبب اتعتراضه المبدئي تعلى )الختلط( من
جهة ،وتعلى أ ن يمثل الرجال دور النساء من جهة أخرى! فصارت المسرحية:
وطبع ا بالفصحى .فكانت المسرحية معسكر جيش من جهة ،وحصة )تعربي( من جهة أخرى! ولم تكن )أرضاا( بأي حال
من الحوال .ولكن )رابعة الثافي( كانت مشكلة الطلب الذين اختارهم! فقد كا ن ججلهم يفتقر إلى موهبة التمثيل.
وببساطة فقد ظن أستاذ تعبد الجليل ـ في البداية ـ أ ن المسألة )سهلة( ،ول تحتاج إلى )درس تعصر( ،ليجد نفسه أمام
أخشاب ناطقة!
ولما جاء يوم البروفة النهائية ،التي هي العرض التنافسي ،لم تك هناك منافسة في الواقع ،فقد جسحقت مسرحية أستاذ
تعبد الجليل سحقاا .وكا ن لذلك أثر خطير في مقبل اليام! أما فلسطين المسكينة ،فقد تضررت أيما ضرر ،لكنها كظمت
غيظها ولم ترفع دتعوى تعويض تعن الضرار ،لنه ل توجد ـ في البلد ـ قوانين تعاقب الذين يسببو ن الضرار
للمساكين!
وبالرغم من أ ن )أدب الحيطا ن( المناوئ .كا ن بدوافع تعفوية ،إل أ ن أستاذ تعبد الجليل ظل مقتنعا إلى يوم القيامة أ ن ذلك
من تدبير أستاذ تعساكر
ها هي المدينة نظيفة ،كل الشوارع ،حتى غير المسلفتة ،أيض ا نظيفة! الشجار سيقانها مطلية بالجير البيض .كل شيء
متأنق .فقد قيل أ ن السيد المحافظ )سيشرف( إحتفالت المدينة بعيد التعليم هذا العام.
في الداخلية ،كانت )مكوة( التاج ود الصول قد تعبت من الكي ،في يوم النظافة العالمي .أما كرجار ورفاقه )بتاتعين
الورنيش( ،فخرجوا بحصيلة ل بأس بها من النقود )الكاش( والخرى المؤجلة من قبل بعض )المستنكحين( .وقد رحم
ال الديدسات المزيفة بغسلت ،وتنفست الشرابات الصعداء.
قبل السابعة صباحاا ،كا ن كل شيء جاهزا .الرسائل الغرامية تنام داخل الشرابات .فاليوم ل كتب ول كراريس.
ـ وإنت مالك ومال الميامين ديل؟ أهو كلم وخلص .مش كل ما واحد يجي يكتبوا ليهو الكلم دة؟؟؟
ثم أضاف:
....
تغير الموضوع وتحرك الموكب إلى )ميدا ن الكراكة( ،من حيث ستنطلق )المسيرة الكبرى( إلى )ميدا ن الحرية( .وجأخرج
النشيد:
لل لل
لل لل
..
وهناك في ميدا ن الكراكة ،بدأت المبارزة بالحناجر ،خاصة بعد ظهور موكب )الميرية( .ثم اختلط الحابل بالنابل مما
كلف المدرسين والمنظمين جهدا كبيرا لتعادة النظام .بدأ التحرك بتقديم مدارس البنات منعا للتسيب .وذلك بعد مجادلت
أخلقية وتعرفية طويلة حول مسألة التقديم والتأخير هذه! ولكن برزت فائدة هذا الترتيب )الحكيم( تعمليا في المحافظة
النسبية تعلى النظام ،إلى أ ن انفرط أخير ا بجوارالسوق .فلما وصلت اللفتات إلى ميدا ن الحرية ،لم تكن تعبر في الواقع
إل تعن حامليها ـ وكاتبيها افتراضاا.
لحظات من التحاشد ثم جاء موكب السيد المحافظ .هرع المدرسو ن والمنظمو ن لستقباله وصحبه الميامين .فذهبت كل
ذات ظلف إلى مراحها وماتت من الحسرة من ل مراح لها .وما أ ن صعد سيادته إلى المنبر وألقى بالجمل المعهودة
"مواطني الكرام .. " "..أهلي وتعشيرتي" ،حتى فكت اليادي الناتعمة والخشنة الوريقات الملفوفة بعناية! المتعوسة
منها الخارجة من الشرابات ،والخرى المحظوظة الخارجة من فتحات الصدور .وصار كل في شغله ،ل يخرج تعنه إل
مع صيحات أمثال ود العمدة" :يعيش ..يعيش ..يعيش"..
هذا بالضافة لبؤرة جو التي أذهبت وجاهة المحافظ مع أدراج الريح .ومع انفضاض الكرنفال )الكيتة( .انتشر الناس في
المدينة .وهبر كل وراء غزاله .وجد جو نفسه بجوار أبو خمسين ،وقد مرت تعلى هيئته نظرات كثيرة ل قبل للمحافظ
بها .وضع كل يده تعلي كتف الخر وقال "ياجل"..
في الطريق ،أتعاد جو فيلم الكرنفال بضوء النجم الذي سهد في مدارات اليام " ...ياه! كا ن سيكو ن واقفا هناك ..بجوار
زهرة وتعزة .لن يقرأ وريقتي لنه سيدخرها للمساء حتى تنتبه الكواكب .كا ن الهواء سيلعب بخصلة الشعر تلك
المتمردة ..كا ن سينظر إلى الرض ليراني! ها أنت تمشي مستندا تعلى كتف رفيق ،ربما ل يكو ن أبوخمسين لو لم تكن
لعبة القدر تلك ،ولو كانت لعبة أخرى ،ربما يكو ن المر أكثر إفراحاا؟؟..هل لهذا الميدا ن معنى؟؟ ما معنى المحافظ؟
المدير؟ المدرسة؟ الناس؟ المدينة؟ الكرنفال؟ لماذا يتأملك الناس هكذا؟؟ وأنت تتأمل ماذا؟؟ وغداا؟ ألست ستكو ن مثل
هؤلء الميامين؟؟ وهذا الشارع الذي مر تعليه اللف ذات يوم ،ومشت تعليه نو ن ذات يوم ،أيذكر هذا الشارع مشيتها؟؟
وها أنت تمشي ،هل سينتهي بك كما قالت زوبا؟ أم كما قال الكتاب؟؟ لكن الكيد الكيد أ ن ما مضى لن يعود! هذه
واحدة ..
****
كا ن أهم ما يثير شغف الكثيرين في انتظار ذلك المساء ـ في برنامج الحفل ـ مسرحية الشماشة ،والفاصل الغنائي الذي
ستقدمه الطالبة ندى تعبد الواحد من مدرسة الشروق الثانوية .وندى هذه كانت واحدة من أساطير )المدينة( .جميلة لحد
النثيال .لطيفة وذوق في نفس الوقت .أما صوتها ،فـ)ل تدانية نبرات العنادل( ـ هكذا يقولو ن ـ دو ن أ ن يعرفوا ما هي
هذه )العنادل(! كا ن شباب المدينة ـ وخاصة طلب الثانوية ـ يعشقونها تعن بكرة أبيهم .بل وجميعهم )يحقدو ن( تعلى
سيف حسن تعازف النورمال جيتار في فرقة )إفريقيا الجديدة( الذي سرت إشاتعات بأ ن له )تعلقة( بها .فهو الذي يدوز ن
أصوات اللت الموسيقية لمجاورة صوتها في بروفات الغنيات التي تؤديها .وقد تأكدت الشاتعة تعندما شوهدا معا
يعبرا ن جسر المدينة ذات مساء .وقيل فيما قيل أنه )تهرنى بها(! إل أ ن أحدا لم يتخل تعن )طمعه( فيها .وقد احتشد
جمهور كبير في المعرض الذي أقامته مدرسة الشروق .وبالذات في القسم الذي تقف فيه ندى وتشرح لزوار المعرض
اللوحات التي رسمها أستاذ الفنو ن؛ تلك التي تسمى )سوريالية(! والواقع أنهم كانوا معنيين بلوحة واحدة هي )هي(!
لكن تعصر ذلك اليوم شهد موجات متصاتعدة من القلق بسبب غباء أحد طلب الثانوية! فقد كا ن صاحبنا ممطتيا صهوة
دراجته مارا بحي النقل ،والتقى صدفة بـ)تعواطف( زميلة ندى في المدرسة .وبدال من اهتبال الفرصة وارتجال الغزل أو
التزام الصمت ـ الذي هو من ذهب ـ فقد فججر حقدها سائ ال إياها تعن أخبار ندى! فردت بحسرة مفتعلة أنه للسف لن
تستطيع ندى أ ن تغني في المساء لنها أصيبت بنزلة مفاجئة! والواقع أ ن ذلك كا ن حلمها هي فقط! إل أ ن صديقنا اكتفى
بالتصديق .ولما التقى بالسر وجمال ،أخبرهما بما سمع .وهما بدورهما نقل جبهة الموجة إلى أفق الحدث .وخلل
ساتعة واحدة .كا ن الجميع تعلى تعلم بالكارثة .وبالرغم من أ ن طارق دو ن جوا ن ،الذي يسكن في نفس الحي الذي تسكنه
ندى قد أكد أنه التقى بها قبل ساتعة فقط ،وأنها في تمام الصحة وأ ن حكاية مرضها مجرد إشاتعة ،إل أ ن أحدا لم يصدقه
ظناا أنها إحدى أكاذيبه التي يعمل بها أهميات لنفسه ل غير .وهكذا اختلطت الشياء؛ القلق بالمل .والنتظار باليأس.
ولكن أحد ا لم يفرط في هندامه حتى حل المساء وبدأت تتقاطر الجموع التي لم يكن من بينها من هو متأكد من مشاركة
ندى من تعدمها.
صار الليل يؤكد نفسه في المكا ن .وصار ضوء اللمبات الكهربائية أكثر إشعاتعاا .تتهادى المغارب وطلب الثانوية قد
جلسوا تعلى الفسحة أمام المسرح مباشرة ،وتعلى الرض تاركين آلف الكراسي الشاغرة وراءهم يريدو ن قرباا .ولكن
ذلك لم يدم طوي ال؛ فقد ظهر )منظمو الحفل( وطلبوا منهم إخلء المكا ن بالرجوع إلي الكراسي ،مبرريين ذلك بأ ن السيد
المحافظ سيحضر الحفل .وليس من المعقول أ ن يجلسوا أمامه!!
ولكن هذا )المنطق( لم يقنع أحداا ،وثار الهرج والمرج ،وجلعنت أم المحافظ تعلى مسمع من الجميع .وأخيرا ـ لما لم تنفع
"التي هي أحسن" ـ أضطر المنظمو ن للستعانة بالشرطة وأستاذ )الذرة( ـ الذي كا ن يخشاه الطلبة ـ لرجاتعهم إلى
الخلف .وقد حكم تعليهم أستاذ الذرة بأ ن يبقوا )خلف( الكراسي تعقابا لهم تعلى سوء تصرفهم..
لل لل
لل لل
...
احتل الموكب ثلث الكراسي تعلى اليمين .ثم بدأت تمتلئ البقية .بشتى صنوف الناس حتى أحتشد المكا ن.
صييييييج ...
..... .....
تعالت الصيحات مرة أخرى لما أزيحت الستارة بمقدار الباب .وأطل مقدم الحفل أنيقا ليلقي كلمة الفتتاح بعد )اليات(.
ولكنه هو الخر ،مكر بالقوم ولم يذع التفاصيل الكاملة لبرنامج الحفل! بل اكتفى بأ ن "حفلنا اليوم زاخر بالمفاجآت"!
وقد كانت كلمة المفاجآت هذه مصدر تأويلت شتى؛ فالمتشائمو ن فسروها بأنها تأكيد لغياب )النجمة( .ولكن المتفائلين
رأوا أ ن تلك ليست سوى حذلقة من مقدم برنامج الحفل ،وبالتالي تأكيد تعلى مشاركتها .وبذلك ازداد أوار النتظار
اشتعا ال .وبعد التباري في إلقاء الكلمات المشحونة بالترحيبات المبالغ فيها ،أخيرا هجم المحافظ تعلى الناس مرة أخرى،
وألقى خطبة طويلة بعثت السأم في النفوس .ولما أنهاها وترجل ،قوبل بتصفيق حاد ظنه إتعجابا به بينما كا ن العكس هو
الحقيقة!
أزيحت الستارة ،فأطل )سرب العصافير( أنيقاا :زهرة ،تعزة ،فاطمة ،أنهار ،جليلة ،سمية ،تعائشة ،جميلة ..بزيهن
الموحد وتسريحاتهن المختلفة ،وغنين النشيد كما لم يطاله غناء.
وال ن سيداتي سادتي ،مع تعندليب )المدينة( ،الصوت الملئكي الذي خضر القلوب وأزهر الدنيا ،مع درة الشروق ندى
تعبد الواحد..
كا ن الزتعيق والصغير قد بدأ منذ كلمة )تعندليب( .ووسط هذا الزتعيق أضاف مقدم الحفل:
بمصاحبة تعازفي فرقة أفريقيا الجديدة :تعلي رقردام ،سيف حسن ،رسلري ،طارق الباشا ،كموش ،و ...و...
فأخجلها هذا الستقبال الحار ،والتفتت إلى الوراء ومشت خطوات لتصلح طرحتها ،فانكب جمهور العشاق وراء المسرح
لرؤية وجهها وإثنائها من قرار لم تتخذه!
وكادت تحدث كارثة لول تدخل مدير التأهيل وبعض العقلء لقناع المنظمين بأ ن سيمحوا لـ)الثوار( بالجلوس في
الفسحة المامية شريطة أ ن يلتزموا )النظام( .وهكذا تحول )الثوار( إلى حمل ن وديعة! وجلسوا في إنتظام .فاستؤنف
الحفل بعد توقف دام تعشرين دقيقة..
فلق الصبح
قول لي
رخللي
كا ن صوت ندى والغنية .كمطر يهطل تعلى المدائن فيغسلها ليبدو كل شيء جميال كما )الخليل( ،ومنفع اال بالحياة كما
شجر التبلدي في الرشاش..
ولما بالغ في استفزازهم )المنحنى العاشر( في جمال صوتها ،خففوا وطأته بأصواتهم وغنوا معها:
خلي
وكما قيل" ،أحيانا يستشف حدس الفنا ن العالم ،ويقرأ المدينة من نظرة".
"المرة دي إخترنا ليكم إغنية نتمنى تعجبكم وتعبر تعنكم .وهي إغنية جديدة للفنا ن )زيدا ن إبراهيم(".
موسيقى ..موسيقى
ثم:
وتمهل في وداتعي
قف تامل!
...
...
تبعث السلوى
صمت ..صمت...
لم يهلل أحد ،لم يهتف ،لم يصفر! حتى الريح التي كانت تعبث بفروع الشجار هجعت!! وبقي:
الدنيا
الموسيقى
صوت ندى
*****
كا ن أستاذ تعساكر ،رغم جربنديته مخرجا موهوباا ،فعقب التدريبات والبروفات الولية التي لم تكلفه طويل وقت بسبب
مواهب ممثليه العالية ،قام بإدخال الكثير من المشاهد الستعراضية .واستشف أهمية ضبط المسرحية من خلل أرضية
إقاتعية مصاحبة ـ كما في الموسيقى التصويرية في الفلم .فجمع مجموتعة من السطوانات واستعا ن بفرقة أفريقيا
الجديدة لعمل الضافات الضرورية والكولجات المطلوبة .وبذلك تم إدخال فرقة أفريقيا كلها في المسرحية.
إنتهى أستاذ تعساكر من كل تلك التجهيزات التي لم يكن يعرف رأي تعلم المسرح ـ الدراماتولوجيا كما يقول المثقفو ن ـ
فيها .ولكنه كا ن مستند ا تعلى أساس "أ ن الفن هو في المقام الول (حدس الفنا ن)" .وقبيل إحدى البروفات كا ن يفكر،
فخطرت بباله مشكلة متعلقة بمود moodالجمهور .هذا السؤال لم يخطر بذهنه من قبل ،ولكنه ـ كمدرس ـ يعرف أ ن
الناس أحياناا ل ينفعلو ن بالشياء ل لسبب إل لعدم إستعدادهم النفسي لحظتها .وقد ساقه هذا التفكير إلى اختراع مشهد
استعراضي تمهيدي يجعل المسرحية )مستقلة( تعن تأثير أي ظرف خارجي غير موات محتمل ،وبالتالي أ ن تصنع
موودها بنفسها؛ المر الذي دتعاه للستعانة بعدد آخر من الممثلين الثانويين .وقد كلفه ذلك أيام أخرى من التدريبات
والبروفات.
لم يعد الكثيرو ن من )حضرة الندى( ،وحالة التماهي والدوار الذي صنعه صوت ندى الشروق ،واسجتدرجت الذكريات من
منابعها الولى ـ مأساة الوداع ـ واستدارت حالة الشغف إلى ما كانت تخطو في دروبه ذكريات الماضي القريب الليمة.
المتواطئة مع الغنية والصوت واللحظة.
...
وال ن سيداتي سادتي ،مع الفقرة التي انتظرتموها طوي ال؛ مع المدرسة الشرقية ومسرحية الشماشة.
أطفئت كل أنوار المكا ن ـ ولم يحدث ما كا ن يقلق مدير الميرية .وقد ساد الهدوء والصمت المكا ن والزما ن .صوت
النورمال جيتار يوقع تقاسيم "تعزة في هواك" .طويت الستارة .ودخلت تعيو ن المشاهدين إلى خشبة المسرح وصافحت
ألوا ن تعلم الوطن تعلى ضوء البطاريات من أتعلى سقف المسرح .أنفردت الشرائط الملونة مع تقاسيم "تعزة في هواك"
وتطور المشهد إلى بانوراما البلد:
مزارتعو ن بعراريقهم ،يحرثو ن بأدواتهم أرض الحقول ويغنو ن .تعمال يكسرو ن الصخر ينشدو ن ..
باتعة متجولو ن
طوابيرتعسكرية
تجار ومسئولو ن
ولكن أكثر ما شد انتباه المشاهدين ،هو الشخص الذي يمثل دور الحمار وينهق كمثله تماماا! وتعلى ظهره الرجل
)أبوتعميمة( الف ررح كأنما هو سائق لعربة من نوع العربات التي بدأت تظهر في البلد في تلك اليام..
صهيل .صهيل!
إنزاحت الستارة ،وظهر في طرف الخشبة رجل ذو تعمامة كبيرة بصحبة جماتعة من الناس الذين شاهدهم الجمهور في
المشهد السابق .الشرطي بسوطه والبندقية يغذ بهم السير .ظهر في آخر الطابور الرجل أبو تعميمة وقد ثقل تعليه حمله
بعد أ ن فقد حماره! فتعثر وسقط .ولما ضربه الشرطي أضطر لترك جزء من حمله تعلى قارتعة الطريق) .تعزة ف هواك(
تعلو ..وتعلو ثم تحرك تحت القماش الملقى شئ!! ظهر أنه صبي ،وبدأ يزحف! تركزت تعليه الضواء مع تقاسيم )تعزة
ل قليال ،ثم انطفات ثم تعادت تدريجيا كناية تعن تعاقب
في هواك( .وبالقرب جزع الشجرة )الكرتو ن( خفتت الضواء قلي ا
الليل والنهار! كا ن المارة يمرو ن ،يتبادلو ن التحايا والشاتعات ،بعضهم متوحد يكلم نفسه! ثم مر تعدد من )الشماشة(
يتقافزو ن وهم يعيدو ن سيرة فيلم أمبارح ،فيلم )أمبارح( بتاع )جاكي شا ن( .تاح ..تراح ..ولما كانوا يتجولو ن )بل
أهداف معلنة( ـ كما يقال ـ في تلك الساتعة من اليوم ،فقد حاولوا تسلق الشجرة كجزء من العبث ..لكنهم انتبهوا إلى
وجود الرفيق الجديد! ركلوه بأرجلهم فلم يتحرك! أخرجوا )الصمنج منج( وضربوه ،فتحرك قليال ثم غفا!!
جرى رينقو وأخبر أبوطويلة )زتعيم الشماشة( بحكاية الرفيق الجديد .جاء أبوطويلة ماشيا بطريقة أبطال السينما،
وصاح فيهم:
ـ في شنو يا )خولت(!؟
ولم يكن ذلك سؤاال ،وإنما أمرا بإفساح الطريق كما فهموا جميعاا.
جلس أبوطويلة تعاكفا رجله اليسرى ،وجسه ،فلحظ أ ن رجليه رقيقتا ن أكثر من الطبيعي! قال:
ـ دة )صكجرصجروجيل(!
يقصد انه كسيح ،مشبهاا إياه بالجحش ذو الرجل الملتوية! ومنذ تلك اللحظة صار اسم الرفيق الجديد )كرجويل( ،ولم
جيعرف بعد ذلك اسمه الحقيقي! فهنا ل يسأل أحد تعن مثل هذه الشياء!
أصلح أبوطويلة جلسته تعلى رجله الخرى ،ووضع سبابته تعلى صدغة كما يفعل البطال في السينما تعندما يكونو ن في
حالة تفكير.
ومن داخل حلبة الصمت تلك اقترح تعليه هجباش أ ن )يعملوا فررتك( ـ أي أ ن يهربوأ ويتركوه ـ ولكن أبوطويلة زجره
قائ ا
ل:
ولما توصل أبوطويلة إلى النتيجة النظرية ،ووضع تعلى أساسها خطة في رأسه ،أمر رينقو والزنجي قائ ا
ل:
ـ "تعرضة صجربجد" .ي جل ،تلقونا هناك في )القرقف( ..ما أكتر من دقائق يل لوايطة .دة جعا ن يل قجبال يموت.
شمر رينقو والزنجي أكمامهم المهترئة ،وأداروا تعربات خرافية في رؤوسهم وطاروا..
ستارة
المشهد التالي في السوق .التاجر تعبدالفراج .بعمامته الكبيرة جالسا تعلى كرسية يتحدث:
وفي تلك اللحظة كا ن صاحب مطعم )الكواكب( يطارد رينقو والزنجي قائ ا
ل:
ـ يل من هنا يا أولد الكلب ..الليلة ما فيش )كرتة( ...طفشتوا لينا الزبائن! وال الواحد إل يأجر ليهو بوليس تعشا ن
يوديكم في داهية.
فأ جشر رينقو للزنجي إشارة النصر ،ففهمها )تعلى الطائر( وقال:
ستارة
كا ن يمكن أ ن يكو ن هذا المشهد تعاديا كبقية المشاهد ،لكنه هذه المرة كا ن محفوفا بالبهار! فرغم جماليات العرض إل أ ن
انتظارا خفياا كا ن لهذا المشهد بالذات ،الذي فيه بؤرة التركيز لسيرة أولد قرف في المدينة .وخاصة )أم المدائن(؛
الميرية .وقد أبدع أستاذ تعساكر )المخرج( في استغلل وتوظيف الظرف .ولما كا ن هذا المشهد مرتجال في المرة
السابقة .فقد اتعتنى به المخرج ،وأضاف إليه شيئ ا من التشويق :وقد رأي أ ن يظهر الممثل هذه المرة بحجمه الحقيقي
تعلى خشبة المسرح .بدأ المشهد والستارة مغلقة بالحوار التالي بين زوجة التاجر وإبنها خالد:
ـ خلص تعال وإنت راجع المدرسة ،خد الفطور دة ولصله معاك لبوك في السوق..
ـ هشام دة الليلة شال فطورو معاهو ..قال تعندهم حصة بساتين في وكت الفطور!
ـ أووف .خلص.
ومع وقع اقدام خالد تعبد الفراج تزاح الستارة ويظهر حامال )تعمود( الفطور.
ويمشي من طرف المسرح نظيفا أنيقاا ..فهاج الجمهور .وخلطت الكثيرات بين الذي في رؤسهن والممثل .كا ن يدند ن
بأغنية لم يستبنها أحد.
إيقاع الكشكوش يصاحب وقع أقدام رينقو والزنجي وهما يتربصا ن به .وبعد أ ن تبادل إشارة الهجوم ،انطلقا .وفي وسط
المسرح اصطدم به رينقو وقام الزنجي بخطف العمود وأطلقا ساقيهما للريح! وتركاه ساقطا من مفاجأة الهجمة .هناك
وراء الجمهور ،كا ن الشماشة )الحقيقيين( يزتعقو ن لبهجة النتصار ـ بد أ ن تعادوا تعقب أ ن قام البوليس بطردهم من
مكا ن الحتفال بحجة أنهم )بتاتعين جبد(؛ نشالين ،ورغم محاولت جو لقناتعه بحقهم في الحضور وأنه هو الذي دتعاهم
لمشاهدة المسرحية التي تخصهم ،إل أ ن البوليس أصر!!
وفي المقابل لبهجة الشماشة الحقيقيين بالمشهد .كانت اللعنات قد جص جبت تعليهم من قبل تعاشقات خالد تعبد الفراج .وقد
أسرت إحداهن لجارتها ،أ ن لديها رغبة في أ ن تمسح تعنه الغبار بطرحتها .وأصرت هي الخرى أنه كا ن من المفروض
في المسرحية أ ن تظهر)النج بتاتعتو( في تلك اللحظة كما يحصل في الفلم الهندية..
وكانت تلك هي بالضبط فكرة أولد قرف في المؤامرة التي أحبطها المنطق السائد!!
ستارة
المشهدالتالي ،تعبارة تعن مشهدين متزامنين :لبيت التاجر ،وتحت الكبري المعروف بـ)القرقف(.
تعلى الجانب اليمن من المسرح .في بيت التاجر ،حيث رجع خالد تعبد الفراج لستبدال ملبسه ،وإخبار والدته بما
حدث:
ـ الشماشة يا موما!
ـ ووب تعلى الليلة ووب!! ديل تعوقوك!! ال يقطعن حتة حتة .دة إنت قدر ن!!؟
ـ برضو ولو تعال ..تعال ..وهم خطفوا العمود وجروا تعلى وين؟
ـ إنشاء ال يس جممن يا رب .لكن ل ..أنا ما حأسكت ..أنا لزم أبلغ البوليس ،ديل لزم يوروهن الماشوفوهو قجبال كدة.
أكل أسويهو أنا بإيدي ديل ياكلوه الشماشة أولد الحرام!؟
وفي الجانب الخر من المسرح كا ن الشماشة قد تهنجوا بوجبة دسمة تعيار ) (...وقد خصص أبو طويلة قدرا ل باس به
للرفيق كرجويل .الذي بدأت تعيناه تبرقا ن والحياة تدب في تعروقه ،بعد أ ن مل )أم درما ن بتاتعتو( كما تعلق كبوج .ثم
أمر أبوطويلة رينقو ـ رجل المهمات الصعبة ـ بأ ن يذهب ،و)يجبد( قميص ،فنيلة ..أي حاجة" ،تعشا ن يعيد بيها" الرفيق
كرجويل ـ كما قال أبو طويلة .وحذره:
ورينقو ل يجادل .ويفكر في المهمة وهو في الطريق إليها .وهذا سر إتعجاب أبوطويلة به ـ كما فسره للبقية ـ وبدأ
يشرح لهم خطته ،فهو يفكر كبطل وكرئيس )خيانة( في نفس الوقت:
ـ أسمعوا يا شكاشيك ،إنتو تعارفين إنو حكاية الجبد دي ما مضمونة ..ومراسيل ناس )الموقف( والورنيش دة كله ما
جايب راس تمنو ..لكين الحل جانا.
ـ متذكرين كرجويل الفي الفيلم ،الكا ن بشحد جنب )الجامع بتاع الهنود( داك؟
ـ أيوة!!
ـ أيوة!!
ـ أيوة ..أيوة!!
ـ خلص ..أنحنا كرجويل دة نشيلو نختو جنب الجامع بتاع سوق )أم دفسو( ..وكل يوم تعصر نجي ناخدو ومعاهو
الخمجة ..فهمتو يا شكاشيك؟؟
...
ـ خالتي )أم خالد( ،تعم تعبد الفراج قال ليك تديني الفطور.
ـ وإنت منو؟
ـ أمشي قول لعمك تعبد الفراج الفطور خطفوه الشماشة .خليهم يفطروا من السوق.
تعاد رينقو ظافر ا مرة أخرى ،ومعه قميص جديد فسأله أبو طويلة:
ـ ل .أنا ما جبدتو..
ـ وال أنا مشيت قلت أجبد لي قميص من داخلية الولد ..أي حاجة كا ن صاح لنو الطلبة كلهم كانوا في الحصص .بس
ل جمن دخلت أتاري كا ن في واحد لسه ما مرق!! بس وقع البطل في الكمين! لكين الزول طلع ما من )الخيانة( .وقام قال
لي تحكي لي الحكاية وأنا أحلها .وقمت حكيت ليهو ،قام أجداني القميص دة ،وقال لي هاك الخمسين قرش دي أنا تعازمكم
كلكم سينما..
ولكن رينقو أخذ صفعة حتى سقط ورأى )نجوم القايلة(! ولما استعدل جلسته تعرف غلطته حين سأله أبوطويلة:
تأكد رينقو من غلطته في إفشاء أسرار )أمن الدولة( ،فسأله أبو طويلة:
ـ جومو
ستارة
في هذا المشهد تجلت ـ مرة أخرى ـ تعبقرية المخرج الذي استعمل الستارة نفسها كجزء من العرض .حيث ظهر صف
السينما الطويل لمشاهدة فيلم )إر المضر( المعلن تعلى اللفتة .أججتخذت نقطة تلقي طرفي الستار شباكا للتذاكر .والصف
ل قليال ،ظهر أبوطويلة حام ال كرجويل تعلى كتفه ووراءه المليشيا ـ فهو الذي يتكفل بقطع التذاكر ،ويوزتعها
يزحف قلي ا
تعليهم ،ويتكفل بما ينجم من شاجرات كما يعرف الناس جميعاا.
بعد الدخول ،تزاح الستارة .وتبدأ )المناظر( بخيال الظل .تعزف الموسيقى ،ويرقص رينقو أما الضوء الصادر من ورائه
رقصة )جكجك جك( .تظهر رقصته تعلى حائط المسرح )الشاشة( .ثم تضاء النوار في إنتظار الفيلم.
يقف الشماشة أمام مشاهدي الفيلم ،ومع موسيقى )الجالوه( يقدمو ن تعرضا راقصا أثمل جمهور المشاهدين .ثم تطفأ
النوار ليبدأ الفيلم؛ حيث يجتاح البوليس بقيادة )إر المضر( السينما بعد أ ن )كردنها( تعقب بلغ زوجة التاجر .وتم
القبض تعلى الشماشة جميعاا.
جربطت أيادي أبو طويلة إلى ظهره وما يزال كرجويل تعلى أكتافه كما كا ن لحظة القبض تعليه وهو يحاول الفرار به.
ـ يا حرامية ..
شو ...شو
وتعالت موسيقى وغناء )تعزة في هواك( .ومع إثارة المشهد ،تهاطل الطوب تعلى خشبة المسرح! فلم فلم يصدق
الشماشة )الحقيقيين( أ ن المسألة تمثيل في تمثيل ،فرجموا المسرح بالطوب مدافعين تعن )أنفسهم( ..مما أضطر السيد
المحافظ إلى مغادرة الحفل .وتوقفت المسرحية لحين استعادة النظام .ومع صفارة هروب المحافظ ،هرب الشماشة
)الحقيقيين( ولم يجد البوليس لهم أثراا!
أخذ المخرج راحته ،وأخرج الفنتازيا في المشهد التالي :كا ن أستاذ أحمد صابر ،وكأنه وسط الطابور يذيع للجمهور،
ويقدم السيرة الذاتيه للتلميذ حماد إسماتعيل رينقو.
ـ يرجع الفضل إلى الستاذ المربي الكبير تعبد اللطيف الشريف ،الذي تبناه بعد أ ن وجده تائها في الشوراع ضمن
الشماشة.
ـ أحزز أفضل نتيجة شهدتها المدرسة في السنة الولى ،فنقل إلى الصف الثالث.
ـ أحرز أفضل نتيجة شهدتها المدرسة للسنة الثالثة ،وكذلك في السنة الرابعة.
ـ نقل للصف السادس .وها هو يحرز أفضل نتيجة شهدها المركز في تاريخه..
تصفيق هستيري
ستارة
طاولة وسط خشبة المسرح ،حولها كراسي ،وتعليها مجموتعة من العمائم والقبعات العسكرية ..تعلى تقاسيم )تعزة في
هواك( يدخل الستاذ تعبد اللطيف الشريف ـ شخص حقيقي يمثل نفسه ـ يسوق أمامه جميع الشماشة..
يجلسو ن تعلى الكراسي حول الطاولة ،ويكنسونها مما تعليها وينشدو ن:
ستارة
وال ن سيداتي سادتي مع كورال الكلية ،يؤديه الطلب والطالبات التية أسمائهم:
ليزا أبوإدريس
..صفير ..صفير
كانت السماء مقنعة جد ا بالنسبة للجمهور .ولكن لم تظهر الطالبات المذكورات في الكورال!!
بدأ العزف تعلى فارق زمن تدريجي تعن )تعزة في هواك( ودخل مجرى نشيد الوداع الذي هو الكورال:
...
كا ن الكورال مخت ال بسبب غياب )السوبرانو( .فلم تحتمل ندى تعبد الواحد هذا الختلل ،فصعدت إلى المسرح ودخلت
مباشرة في النشيد..
صفق لها الجمهور طوي ال بعد أ ن أدرك أهمية )السوبرانو( وصفق مرة أخرى بعد )التواز ن النسبي للكورال( .وفي تلك
اللحظة العارمة برزت الجسارة النثوية؛ ومن وسط الكراسي قفزت زهرة وتعزة ،وتبعتهما أنهار وجليلة وأنضممن إلى
الكورال وسط دهشة مدرسيهن وزميلتهن .وغنين بجرأة غريبة ،وبانسجام غريب كأنهن كن يتدربن تعلى ذلك منذ
زما ن بعيد!! وقد أصبح الكورال كوراال بالفعل:
وال ن سيداتي سادتي ،يجدر بنا أ ن نذكر أ ن هذا العمل الرائع ،كا ن نتاج جهد رجال )فنانو ن( ـ قالها هكذا ـ وهم:
وبدأ يقرأ اللستة ،كل من يسمع إسمه يصعد إلى خشبة المسرح وينضم إلى الكورال ثم:
وضع الموسيقى المصاحبة الستاذ إبراهيم الطيب تعساكر بالشتراك من العازف الفنا ن سيف حسن.
وألف المسرحية الطالب جومو تعثما ن سينين بالشتراك مع بقية أولد قرف.
....
وأخذت الحماسة الجمهور ووجد الكثير ن أنفسهم تعلى خشبة المسرح يشاركو ن في أداء الكورال حتى امتل المسرح
كله!
وتعلى طرف الخشبة ،ظهر أبوطويلة الحقيقي حامال كرجويل الحقيقي تعلى كتفه ..كا ن يبدو وقورا وكأنه يقول لكرجويل
"آهـ ..ستكبر يوم ا يا صديقي وتعرف كيف تغني هكذا "..وهكذا وقف بجانبه بقية الشماشة )الحقيقيين( ينشدو ن مع
المنشدين كيفما اتفق.
****
وال ن ،آخر التعياد م جر .المتحانات تعلى البواب .موسم المضاربات تعلى أسعار المحاصيل ولى .والصيف أطل برأسه
)الكبير(.
واستعدت بكرات فيلم الشاتعات ـ في الذها ن ـ لتدور ،مشحونة بما سجلته من حكايا وحكايا .لم يدر بخلد أحد ما كا ن
مختبئاا في سر أناشيد الوداع في تلك الليلة .ويا لها من ليلة! هكذا نام الخلق .ولما صادف أ ن كا ن الصباح التالي ،هو
الجمعة الخيرة من أمشير ،والكثيرو ن يمطو ن نومتهم ،أدار المعاشيو ن مؤشرات الراديو لسماع أخبار الصباح،
ففوجئوا بالمارشات! طار ما تبقى من نوم النائمة ،وخرج الناس إلى الشوراع حاملين راديوهاتهم وتكهناتهم!!
دقت )البق بن( ،ولكن لند ن لم تشف غلي ال فقد أتعلنت وقوع إنقلب تعسكري في الخرطوم! ولم تزد في تعليقها الطويل
العريض تعن "ما زال الوضع غامضا في الخرطوم"..
بعد ثلث الساتعة انقطع الرسال ،مما زاد الوضع إثارة .وبدأت التخريجات و)التخارجات( .بعض قادة التحاد الشتراكي
وقادة المنظمات الفئوية بدأوا يتسللو ن إلى خارج المدينة.
"الوضع ما زال غامضاا في الخرطوم" آخر جملة ختم بها راديو لند ن بثه الصباحي "تعلى أ ن نلتقي بكم في الواحدة إل
الربع بعد الظهر بتوقيت قرينتش !"..
في العاشرة والنصف إل خمس دقائق ،تعاود راديو أم درما ن بثه .وبعد مارشيين تعسكريين ،جاء صوت مذيع لم يكن
معروفا ليقول "بعد )غليل( سيذيع تعليكم )الرئيس الغائد( بيانا هاما )فترغبوه("!
مجموتعة من المارشات العسكرية ،ثم جاء صوت المذيع )حديث الولدة( ليقول" :وال ن نقدم لكم بيا ن السيد الرئيس
الغائد )فترغبوه("! كا ن بقية أتعضاء التحاد الشتراكي في المدينة متوجسين ،ولم يبدوا أي موقف ظاهر بالرغم من
سماتعهم لـ)شبه جملة( )الرئيس القائد( ،التي فلقوا الناس بها ،وظلوا في غاية القلق ليتأكدوا من أ ن الرئيس الغائد هو
)الرئيس القائد(.
لم ينتظروا البقية ،وخرجوا مرددين الهتافات الصاخبة منادين بحياة )الثورة( ،مطالبين بضرب )الخونة والمأجورين(.
ووجدوا كرما ليس هين ا من السابلة وساقوهم معهم في طواف محموم في شوراع المدينة .وقد شوهد الزبد يسور فم ود
العمدة وهو يقود الهتافات" :يعيش ...يعيش ..يعيش"!
بعد ذلك تتالت البيانات .وجأتعلن أنه تم القبض تعلى الخونة والمأجورين ،وقيل أنهم سيقدمو ن إلى محاكمات تعاجلة.
وظلت البيانات تحذر )اليادي الجنبية( التي تقف وراء "المحاولة الفاشلة الجبانة".
بذلك أصبح يوم السبت إجازة تلقائياا ،يتل جقى فيه الناس أخبار المحاكمات والتعدامات ـ أيد من أيد ،وتحفظ من تحفظ.
ولما كانت )المدينة( كبقية مد ن )القاليم( مجرد كومبارس أو كورس للسيدة الخرطوم ،فلم يتعود ناسها تعلى القتراب
من الشياء الغريبة التي تحل بالموطنين في مثل تلك الظروف في )بطن السيدة(.
كا ن يوم الحد شبه تعادي ،وشمسه كبقية الشموس بالنسبه للكثيرين من الناس .ولما ذهب طلب الشرقية إلى طابور
الصباح ـ كما يحدث كل يوم ،جاء أستاذ تعباس بنفسه لخذ التمام! ولم يكن أحد من الطلب يعرف الحقيقة إلى أ ن جاء
تعم محمود يحمل لستة ونادى ألولد قرف بالدور:
وقد ظنوا أنه يريد أ ن يكافئهم ـ أو تعلى القل يشكرهم ـ تعلى ما جلبوه للمدرسة من سمعة حسنة في الحتفال .بيد أنهم
فوجئوا بالسئلة الغريبة:
وباستثناء تعلى إسماتعيل الكضاب ،فقد كانت هذه الكلمة غريبة تعلى مسامعهم .إلى أ ن تردد في المدينة أ ن تعربتين
إحدهما )دبل كابين( يمتطيهما رجال بزي مدني ،مسلحين بالرشاشات! قد جاءوا واقتحموا ميز المدرسين وأخذوا أستاذ
تعساكر!!
كانت تلك الليلة ،هي الوحيدة ،بعد ليالي طوال من التفكير والتعديل وإتعادة التفكير ـ في أمر المسرحية ،التي راق فيها
بال أستاذ تعساكر .كا ن يستمع إلى أخبار التاسعة مستلقيا تعلى سريره وبه بعض المتعاض من الطرائق التي تسير بها
الشياء )العامة( .ومع نفسه ،كا ن متعاطفا مع النقلبيين ،ليس حبا فيهم ،ولكن رفضا لما هو قائم ومتجه .هذا
بالضافة لعادة السودانيين في التعاطف مع الموتى ،مهما كا ن .ولنه لم ينضم ـ في حياته ـ إلى أي تنظيم سياسي بسبب
رؤيته )الخاصة( للشياء ،فقد قال لنفسه "كله من بعضه" وربما هذا المعنى هو الذي أوحى إليه مشهد الطاولة
فاتعتمده ولم يفكر كثير ا في المر باتعتباره جزء من )منطق( العمل الفني.
ولما انتهت أخبار التاسعة ،أتعتبر أ ن المسألة انتهت .وآخر الفكار التي جالت بخاطره قبل النوم كانت متعلقة بمصائر
تلميذه الفذاذ.
استيقظ أستاذ تعساكر إثر ضربة قوية تعلى الباب! ولما جر الغطاء تعن وجهه ،كا ن ضوء البطارية الساطع في تعينية!
ظان ا أ ن أستاذ ازهري ،رفيق الحجرة ،قد تعتبر وهو تعائد من الخارج .ولكنه سمع صوتا يقول:
قفز أحدهم وتعصب تعينيه بقماش .وربط يديه إلى الخلف .كا ن أستاذ تعساكر ينادي مندهشاا:
ـ أزهري ..أزهري
وهكذا سيق حافيا بفنلته الداخلية وسرواله الثير )أبو تكة( فقط!
كانت العربة تسير لساتعات طويلة إلى أ ن جأدخل أخيرا في مكا ن جتسمع فيه أصوات العربات بعيداا ،وأصوات الطيور
تشقشق .فخمن أنه إما الصباح وإما المغرب .ولما جفك القماش الذي كا ن به معصوباا ،لم تك تعيناه قادرتا ن تعلى النظر،
وزيد الطين بلة بأ ن قابله ضوء كشافة تعلى المنضدة التي يجلس تعليها أحدهم ليسأله تعن تعلقته بـ)المؤامرة(! بعد
سين وجيم المعروفة:
ـ أحسن ليك تعترف .دة طبعا نحن حنعتبرو تعاو ن منك ويساتعدك كتير ..آها ورينا إنت تعلقتك بالجماتعة ديل شنو؟
ـ ياتو جماتعة؟!
وتدخل آخر:
ـ إبراهيم ..
ـ إبراهيم منو؟
فج نروه تعبر ممر ضيق إلي حجرة فارغة ،ليس بها غير نافذة صغيرة تفتح باتجاه مكا ن أخر تأتي منه الصراخات
)آيي ..آآخ ..وآآآع ع ع(!
ـ كنت في المدرسة.
ـ مشيت كوستي..
ـ شوف نحن حنخليك تحدد .احسن تمشي كويس زي ما كنت ماشي معانا.
ذكر لهم بعض السماء مثل )الجوغا ن( و)محمد تعثما ن( فدونوها ثم قالوا له:
ـ أيوه.
ـ وطبعا هو الـ)جندكم(؟
ـ جندنا وين؟
ـ إبراهيم .
ـ تاني إبراهيم؟؟
ـ أيوة
ـ كويس جدا جد ا يعني إنت كنت متستر ورا الولد القلت للناس إنو اللف المسرحية ..آآ؟؟
ـ ما .
قاطعه:
ثم أضاف" :طيب إنت قلت لي إنو إنت اللفت المسرحية .كنت تقصد شنو بحكاية العمم والطواقي الفي التربيزة دي؟؟"
ـ شوف يا أستاذ تعساكر ،الحقيقة واضحة زي الشمش :إنتو تعملوا مسرحيات وحاجات زي دي )يعني تحرك مدني(.
والجماتعة بتاتعنكم ديل يعملوا التحرك العسكري .وبكدة )تضربوا تعصفورين بحجر واحد (..ول أنا كضاب؟؟
ـ بكدة المسالة ) ،( finishوسكاتك دة معناهو إنو كلمي صاح .إنت تروق كدة ونحكي لينا الحكاية من اللف إلى
الياء ..وأنا اضمن سلمتك.
ـ آآ ...آسفين يا أستاذ اليومين ديل ما تعندنا بن ول شاي ..إنت تعارف الظروف ..وال كا ن تعزمناك .إنت أستاذ برضو.
هئ ...هئ هئ ضحك سيادته.
جاء شمسو ن أصلع قصير ،يرتدي فنلة) . (CUTمد له الساندويتش ووقف بجوراه حامال كوب الماء.
ما كانت لدى أستاذ تعساكر رغبة في أي شيء ،فظل ممسكا بالساندويتش وهو ينظر إلى مكا ن غير محدد ل داخل ذهنه
ل خارجه!
ـ طبع ا يا أستاذ إنت راجل صادق ،ودة وضح من إجاباتك .طبع ا أستاذ محمد تعابدين دة راجل خالنا وكدة .أنا أصلو من
تعطبرة ..بالمناسبة ..تعرف خليل صديق بتاع السينما؟
ـ أقول ليك سر؟ تعرف خالنا دة هسي )رهن التعتقال( لكين مش مكن أنا أخليهو تحصل ليهو حاجة ..مهما كا ن يعني دة
خالنا.
وبعدين يا خي إنت راجل تلميذه ..وإحنا تعندنا )تعليمات( إنو الزول البتعاو ن معانا ده حيصدر تعنو تعفو قريباا .يعني
نحنا كل هدفنا تأمن البلد من )الخطار الخارجية( ..طبعا إنت سمعت إنو في أيادي خارجية داخلة في المسألة ونحن
طبع ا الناس المدنيين ديل تعارفين إنهم ناس )وطنيين( مهما اختلفت وجهات النظر يعني ..
لم يكن أستاذ تعساكر لديه فكرة تعن هؤلء .فكا ن يستمع صامتاا .وبعد فترة .دخل الرجل الخر ،ثم قال:
ـ سعادتك الرجل البهنا دة إتعترف بكل شيء ..وما أظن الستاذ دة يفيدنا بحاجة إضافية...
ـ الجماتعة منو؟؟
جر )أساسي( رجله تعلى البلط ،ففهم شمسو ن ،ووقف بجوار الباب نادى:
ـ خلص يا قريبي ،الظاهر في شغل مستعجل ،المهم إذا احتجت لي حاجة تطلبني.
خرج وأخبرهم بأ ن هذا الرجل إما أ ن يكو ن فعال )ما تعنده تعلقة( أو يكو ن )راجل خطير جداا(.
ـ ل سعادتك .دة أكيد راجل خطير جداا ،وبعد إذ ن سعادتك نبدا معاهو المرحلة الثانية:
****
تعقب تدخل أحد أقرباء الستاذ تعبد اللطيف الشريف وإنقاذه من كماشات )المرحلة الثانية( ،بقيت تدور الشاتعات في
سيرة أستاذ تعساكر ،وقد أقتنع الكثيرو ن من البسطاء وغير البسطاء ـ ومن مصادر مشبوهة ـ بثبوت انتمائه للجماتعة
من خلل تخريجات مدتعمة بتحليلت لمضامين المسرحية التي شاهدها الجميع .ولكن الغالبية كانوا متعاطفين معه .ولما
لم يكن باليد حيلة ،في أيام )اللغام( تلك ،لم يبق إل تداول نتف الخبار المصنوتعة محلياا ،المدتعومة بدتعوات سرية له
بالسلمة والنجاة ،إلى أ ن داست )لواري البحر( فراملها تعلى موقف )المدينة( ..وأشاتعت ما حدث في كوستي؛ حيث
خرجت مظاهرات تعارمة احتجاج ا تعلى مقتل إبن المدينة )البار( أستاذ تعساكر!!
جاء رجال أثناء اليوم الدراسي .دخلوا تعلى أستاذ تعباس في مكتبه .وسمعهم تعم محمود قبل خروجهم يأمرو ن:
لم يكن تعم محمود يعرف شيئ ا وهو ذاهب إلى )مكتبة البدري( ليحضر أوراق البوستر ،ففاجأه ود فاضل العجلتي:
ـ البركة فيكم يا تعم محمود ..وال أستاذ تعساكر كا ن راجل طيب ـ ال يرحمه .
تش جهد تعم محمود ،وقرأ الفاتحة تعلى روح الفقيد الذي كا ن ـ بالنسبة له ـ إنسا ن ل ينسى .وقال "جايز الموت" ثم سأل
ود فاضل "الكلم دة حصل متين؟" فتلفت ود فاضل حوله ثم أجاب:
ـ إنت كنت وين يا تعم محمود ما الجماتعة ال########ين ديل كتلوه ..وقالوا هسي كوستي مولعة نار ..تصدق!!
تلتمية ول أربعمية من الطلبة إنضربوا رصاص!!
إشترى تعم محمود أوراق البوستر ،وتعلى طول الطريق لم تفارقه الحوقلة.
بعد ثلث ساتعة من إحضار الوراق ،نودي وجأمر أ ن يعلق البوسترات .حملها تعم محمود كما يؤدي تعمله كل يوم .وتعلى
البورد أفرد الروقة الولى وألصقها.
مؤسس فرتعية المنظمات الفئوية بمديرية النيل البيض ،وتعضو التحاد الشتراكي الذي غدر به الخونة وأتعداء
الوطن .
ويهيب التحاد الشتراكي بالجماهير للخروج غد ا في مسيرة الثورة الظافرة للتنديد بأيادي الغدر التي أمتدت لتقتل
الستاذ تعساكر
وتعلى جذع الشجرة الكبيرة ،تعلق تعم محمود الورقة الثانية ـ وهو ما يزال يهز رأسه ويتحوقل:
تعقب انتهاء الحصة الثالثة ،وهو خارج سأل أستاذ أزهري تعم محمود:
ـ ل ..ل...ما ممكن؟
وكانت هذه أول مرة يقول فيها أستاذ أزهري )ل( ..
إلتف حوله الطلب الذين كانوا متحلقين حول زير الماء .ولما أبصروا الوراق إياها صاحوا:
ـ ل ..ل..
وخرج بقية الطلب من الفصول تعبر البواب والنوافذ .كا ن أستاذ أزهري قد دخل تعلى أستاذ تعباس وتجاسر لول مرة
وزأر في وجهه:
"دة كذب! وإنت يا أستاذ ما تختشي؟! حتى الموت ما تعندكم ليهو اتعتبار!؟ ليه يا أستاذ؟ ليه يا سيادة المدير؟! إنت
جبا ن ..جبا ن".
"والمكتوب دة كذب"...
ولم يستمع الطلب إلى بقية الخطبة .انفجر الغضب وقاموا بتمزيق الوراق ثم وانداحوا في شوراع المدينة هتفوا
ونددوا ،ورجموا بالحجارة كل المؤسسات الحكومية .وقفز بعضهم فوق سور مدرسة البنات وأخرجوهن .وانضم إليهم
طلب الثانوية ،والتأهيلي ،ومدارس الشروق واتجهوا إلى مكاتب التحاد الشتراكي.
وكانت الشرطة قد استعانت بحامية الجيش ،وتحركت إلى وسط المدينة .وهناك كا ن المتظاهرو ن قد هجموا تعلى
)المكاتب( وإحرقوها .وفي غمرة الحدث ،أطلق الجنود الرصاص .وجحمل سبعة تعشر شخصا إلى المستشفى ،وتم القبض
تعلى الكثيرين وسيقوا إلى )معسكر التدريب( وهناك ضربوا "ضرب غرائب البل".
وفي تعصر ذلك اليوم ،تسرب الخبر :أ ن ستة أشخاص ماتوا ،تأكد موت ثلثة طلب ـ ذكرت أسماؤهم ـ وثلثة أخرو ن
مجهولو )الهوية(!
ولم تشاهد المدينة بعد ذلك المدتعو رينقو أبدا ول رفيقيه هباش والزنجي!
أمشير ومارس
والمدارس
ألف فارس.
وامتلت الحيطا ن بتلك القصيدة ،التي وصلت إلى )المدينة( من كوستي تعبر )خط الكفاح المشترك( .قيل أنه كتبها شاتعر
)ثوري( إلتقط تاريخ الحدث من شوراع وأزقة وإندايات كوستي .وقد أتعجبت القصيدة تلميذا صغيرا اسمه )تعثما ن
البشرى( ـ صار بعد ذلك شاتعرا كبيرا من شعراء البلد .كا ن تعثما ن البشرى هذا قد حفظ القصيدة تعن ظهر قلب ،وقام
بنسخها لجاره ،وشريكه في الدرج والكتب ،تعلى غلف كراسته .فقام جاره هذا بنسخها بالخطأ تعلى غلف دفتر
حسابات والده سائق اللوري .فتكفل اللوري بقطع المسافة بين كوستي و)المدينة( ،فقام سائق اللوري ،المي ،بنزع
الغلف المشخبت وإلقائه للريح! فأخذته الريح إلى جوار الحائط! أغرى الحائط فريني ليتبول تعليه! فتواطأ بول فريني
وطال! فجرجر طوله تعيني فريني للتأمل! فاصطدم التأمل بالغلف المنزوع! فطارت القصيدة وركت في تعيو ن فريني!
قرأتها وأدخلتها إلى قلبه! فأحبها قلبه وقرر أ ن يتزوجها ..فأخذها إلى أبيه الرأس ليطلب له يدها من أهلها! فوافق أبيه
تعلى الفور وأرسل للمعازيم :أمر اليد بأ ن تنسخها تعلى جدار ن الداخلية ،واللسا ن أ ن يقرأها بأتعلى صوت! فأتعجب
صوته المدينة فصارت تغنيها كفاحا يوميا ضد النسيا ن!!
لما استيقظت تعزة ،بعد أيام الهول إلى فضاء الجرح الجريح ،وجدت صديقاتها قد نسخنها لها تعلى دفاترها المدرسية
أسوة بدفاترهن .فلبست نظارة سوداء وقراتها ..ولم يسألها أحد تعن متى ستنزتعها.
زهرة ،وأنهار ،وجليلة ـ ثلثة أرباع ما تبقى من سرب العاصفير ـ قلبن كل صفحات كتاب البكاء والمرارات ،وتعضضن
تعلى شفاههن بحرقة ،ونظر ن إلى المدى الطويل ،فأقسمن أ ن ينجبن تعساكر وهباش ورينقو وزنجي..
قام سيف حسن بدوزنة القصيدة تعلى ميقات النورمال جيتار .وندى تعبد الواحد قررت أ ن تغني كل يوم بأسماء الطيور
المجندلة ،وأ ن تدفع الثمن بأ ن يذهب )تعبد الواحد( إلى المعاش الختياري تاركا وظفته لـ)الشروق ( ..وما يزال الناس
يفتشو ن تعن سر الحز ن الجليل كلما ر ن تعلى أذ ن سامع نشيد ضارب في البرية التي كانت يوما )المدينة(.
هناك ،في )القرقف( ،كا ن أبو طويلة يتلقى التعازي ويسأل نفسه "أصحيح لن يعود رينقو؟ أصحيح ؟".
****
تحول لهيب الذكرى إلى جمر في القلوب .كل التذكارات لفتات ليام ستأتي مع مدارات الدنيا .ومن تحولت تعنده الذكرى
إلى رماد ،لم يكن يوما من سللة قرف.
من وراء خط المصير الذي رسمه القدر ،ولعبت به أيدي العواصف .نادى المنادي" :من كد وجد ..ومن طلب العل سهر
الليالي" ..ولكن شتا ن بين سهر وسهر .كا ن الكثيرو ن يقلبو ن صفحات الكتب المدرسية والدفاتر .وبين الفينة والفينة
يترنمو ن بأغنية أمشير ومارس ،ثم يجندل النوم الجفو ن.
كا ن جو يقلب ما صار لحقا )أخبار اليام( ويدلو ن رسائل من ورد ورصاص:
"ال ن أتعبر الليل .والليل بحر أحزا ن ..أق جبل أقدام الريح أ ن تاتيك بسر الذي ل سر فيه .ال ن أحلم أ ن أحكي لك سيرة
الضوء الشارد ..ال ن تقفز السؤلت الجارحة .ماذا بعد؟ ماذا سنصير؟ أمثل من كسروا أجنحة الطير وأحرقوا
الفراشات؟؟؟"
الغياب
والغياب
وما بين غياب وغياب ،ترفل كل الوصايا ،ولكنها تبقى في نهاية النفق شيئا واحدا )القسر/الموت(.
يدد بالنهار تهشم تعنفوا ن خصلة أديرت ليراها القلب ،فأدير بها الوجه إلى الصليب..
يد في الليل تهدم أحلم المسادير .ويد بالنهار ـ أيض ا ـ تزرع الرحيل البدي في بعض حلم يافع ،ويتبادل الليل والنهار
وردياتهما.
ونحن ؟!
وكل هؤلء؟!
الطحين؟؟!!
ـ وكلماتهم هم؟ أليست باقية؟؟ أنها ليست كلمات ،إنها نفس اليدي التي صنعت الصليب..
ـ والمدينة!؟
ـ ونو ن؟
ـ مدينة.
ـ مدينة.
ـ ومن أنت؟
ـ الطريق.
ـ !!!
وبسط الولد الجالس تعلى مقربة من الحائط ذكرياته تعلى نهر الزما ن .وهناك من النهر خرجت نو ن في مكتمل الفضيحة.
حلق أستاذ تعساكر ورينقو ورفاقه كما النحلت وغابوا في العاصفة .مد جو يده بالتلويح .سجلت الكواكب إبتسامة نو ن
تعلى حدب الرحيل .لم يعد بينه وبينها إل قيد لمسة ..ها هو الخد اليسر وتعليه حبة الشباب ،العينا ن الجميلتا ن ،الخصلة
المتمردة ،الخجل الثير ..وفي لحظة التجاسر تعلى الفاتعيل القديمة ،دخلت اليد التنينية في المشهد .وجذبة واحدة فإذا
هما ساقطا ن في )هاوية الزما ن(!
ـ جو ...جو
ـ نو ...نو
ـ جو...
ـ نو...
"أحبابي..
حين تشرق شمس الغد سأكو ن قد قطعت مسافة يوم كامل في الطريق تعلى مد ن بعيدة.
لعثما ن سنين وبت النور كتبي وسيكو ن تعزاءهما أنتم ،وأنتم ملح الرض.
جو
جدرا ن الكعبة
****
اللعبة الكبيرة
سيرة السراب
فالسيد زين العابدين محمد الحسن ـ أي السيد المدير ـ كا ن مدرسا لم تك أحلمه تتعدى أحلم المدرسين المخلصين.
ولنه كا ن في يوم ما شخصاا ،يمكن أ ن يقال تعليه) ،طيباا( كبقية خلق ال .ول تعلقة له بما يعرف بالمسائل )العامة(؛
فقد كانت كلماته وإكليشيهاته ـ المجد والسؤدد وتعماد المستقبل ـ التي كا ن يرددها تعلى مسامع طلبه تعلى مر السنين
ليست سوى كلمات وجمل ذات دللت شاتعرية .وقد كا ن كل ما يتخيله من سعادة في مستقبله ،هو أنه ،بعد أ ن ينزل
المعاش ،يعود إلى كسل ـ مسقط رأسه .وأ ن يساتعده أبناؤها في بناء بيت له في أي حي شعبي ـ شريطة أ ن يحمل اسم
الميرغنية! حتى إذا جاء يوم الحشر ،وكانت )القوائم( بالمربعات ،أو بالحياء ،جحشر في زمرة الولياء الصالحين .وتعلى
أ ن يكو ن البيت بجوار الزاوية ،إ ن تعذر المسجد؛ ليصلي فيها الفجر حاضراا ،ثم يعود إلى البيت لتعد له الست الشاي
والقهوة البجاوية ليعدل كيفه الصباحي ،وينتظر حتى تعد له الفطور .وبعد الفطور ،يطوي تعمامته ،ويتعطر بالكلونيا أو
المسك .ويضع تعلى كتفه شاله الذي أهدته إليه إحدى بناته بمناسبة زواجها .ويحمل تعكازته ضاربا باتجاه السوق.
يغشى أو ال كشك الجرائد ،ثم يدلف إلى رفيق الصبا ،وصهره المحجوب ،الذي يجلس أمام دكانه الكبير ،فيأتي له
المحجوب بقهوة الضحى ـ البجاوية أيضاا .فيرشف منها ويطالع الجرائد .ثم يتبادل مع المحجوب الحكام تعلى )الشياء(
و)الزما ن( ،ثم يعيد إليه قراءة المقال أو الخبر الذي ورد فيه اسمه مصحوب ا بـ)أستاذنا الجليل( أو )المربي القدير( .أو
يجد اسم الدكتور فل ن ،أو المهندس تعل ن ،فيعلق بسعادة" :تصور! أنا درست الود دة في مدرسة كذا ،في مدينة كذا!".
ويبالغ قلي ال "وال أنا كنت متأكد إنو حيكو ن كدة ."..ويرمي بضحكته إلى الفضاء ،ثم يستغفر ال بعدها.
وفي آخر النهار ،بعد أ ن يصلي الظهر في المسجد الكبير ،يعود إلى البيت ببعض الفواكه ـ الموز غالباا .وبعد الغداء ،إ ن
لم تكن تعليه زيارة مريض ما أو )فاتحة( في تعزاء ما ،يحمل كرسيه ويجلس في )ضل العصر(؛ ليعيد قراءة المقال أو
الخبر ـ أياا كا ن ـ تعلى جيرانه ممن هم في تعمره ويلقي بالتهديدات إلي الصبية بأ ن يأخذوا الكرة ويلعبوا بعيدا وإل فإنه
سيقوم بمصادرتها وجلدهم ـ دو ن أ ن ينفذ التهديد .ثم يواظب تعلى أداء صلة المغرب في الزاوية وما تيسر من تعشاء.
لكن تغيرات خطيرة حدثت في شخصية )أستاذ زين( بعد ذلك )اليوم(! اليوم الذي جكللف فيه ،بصفته أستاذ العربي ،أ ن
يلقي كلمة الترحيب بـ)المسؤول( .فاستحفز أستاذ زين كل خبراته في تقعيرات اللغة والفصاحة التي صقلتها وتعثاء
تعشرين تعاماا من إزالة العجمات تعن ألسنة طلبه ،ومعاناته مع حروف الظاء ،الذال ،والضاد ،وأحيانا القاف والغين.
فكا ن أ ن أتعجب به )المسؤول( أيما إتعجاب! بالرغم من أ ن ما قاله )أستاذ زين( من إطراءات وتقريظات ـ التي ظنها
المسؤول معبرة تعن حقيقته ـ ليست ،في الواقع ،سوى مهارات بلغية لم يفكر قائلها أبدا في مقاصدها!
وبعد شهور ،لما ظهرت كشوفات الترقيات ،كا ن تعلى رأسها )أستاذ زين( قافزا فوق بعض تعقبات اللوائح بجرة قلم
)الستثنائية( ،ليتم نقله إلى )المدينة( مديرا للمدرسة الشرقية .وخلل السنوات الخيرة ،انتقلت البلغة من دهاليز
المدرسة إلى دوائر )المنظمات الفئوية( .ومع مرور اليام ،بدأت تتبدل شخصية )أستاذ زين( الذي أصبح )السيد
المدير( .وبدأ مسلسل )النفتاح الحلمي(! فصار لما كا ن يسمى بالمستقبل ملمح أكثر تحديداا .أما المجد والسؤدد ـ
هذا ن الرفيقا ن القديما ن ـ فقد تخليا تعن هلميتهما السابقة.
بدأ تعم زين العزيز ،وهو جالس تعلى طاولة )المنظمات الفئوية( ،يرى وجوها أخرى غير التي كا ن يتصورها تعن
)المسؤولين(! فمن قال أ ن هؤلء المسؤلين هم أشخاص أكثر منه تأهيال؟؟ ثم صار يلقي ـ وهو تعائد من )هناك( ـ نظرة
تعلى التميز الظاهر لبيت المدير ،الجير تعلى القل ،ويقارب المسألة في ذهنه مع بيوت بقية المدرسين من تحت وبيوت
المسؤولين من فوق! ثم أ ن تعربة المدرسة التي بات يتم استغللها لتفسيح الست والبنات هناك ـ حيث يعبر الخرو ن
راجلين ـ هي مجرد لندروفر .ثم أ ن تعماد ،البن الصغر ،يتشاجر مع صلح ،البن الكبر ،حول هذه العربة الوحيدة.
بدأت تتحول صور الجرائد المستقبلية إلى لفتات مثل التي بدأت تنتشر تلك اليام في المد ن الكبيرة ـ الخرطوم خاصة،
)الدكتور :تعماد الدين زين العابدين ..زمالة الية كدة الملكية(! )شركة الية كدة :مهندس /صلح الدين زين
العابدين !(..في مقابل هذه النزتعة النفتاحية ،كا ن ظلها في التجاه المعاكس؛ فسلمى يجب أ ن تصبح زوجة الدكتور
)فل ن( .ونازك زوجة المهندس )فل ن(؛ لذلك ل بد أ ن تكدا في المذاكرة )لتتأهل( لهذا المر الجل .وأهم شئ أ ن تبتعدا
تعن البصل ،وخاصة )المعفن( منه .وقد زاد الطين بلة ظهور أستاذ تعبد الجليل الذي أكسب كل شئ )مشروتعيته(.
لكن أخطر تحولين حدثا في شخصية أستاذ زي هو أنه أوال قد نمت لدية نزتعة الـ inspectionالمدفوتعة بالـ
suspicionـ أي الشك المنهجي! فصار يستقصي كل ما يقال بحث ا تعما يمكن أ ن يسربه أتعداء )الثورة( .الذين
صاروا أتعداؤه الحقيقيو ن ،الذين يهددو ن مشاريعه وأحلمه الجديدة .وهذا هو السبب الذي ساقه للمرور تعلى حيطا ن
المدرسة وأدبخانات الطلبة ،ل ستكشاف ألتعيب البصل المعفن .وما يمكن أ ن يسربه التعداء من هناك! إذ يقتضي الحرز
تأمين كافة الجوانب كما تعجلم في طاولة )المنظمة الفئوية( ليوقع نفسه في مهزلة أولد قرف تلك.
ولكن ما لم يكن يتصوره أبد ا هو أ ن )البصل العفن( ،الذي يطارده في حيطا ن المراحيض ،قد تسلل إلى تعقر داره!!
برزت الخصلة الثانية التي اكتسبها الذي كا ن )أستاذ زين( :فأول ما فعله بعد وصوله إلى موقعه الجديد في كسل كأمين
للمنظمات الفئوية هو )تأمين الجبهة الداخلية( .وفي يومي الرتياح من وتعثاء السفر ،كا ن يبحث تعن )الخطة
الجهنمية(.
تم )التعتقال التحفظي( للمنقولت الخاصة بالبنات ،ومنع خروج أي شئ منها إل بأيدي الست وأمام ناظريه ،إل
)الشياء( التي يجب أل يراها .فيدير وجهه باتجاه الحائط! وبعد أ ن اكتملت تعناصر التخطيط .بدأت مراحل التنفيذ .فنادى
الست وسألها:
قام السيد أمين المنظمات الفئوية بإخراج مجهره للبحث تعن )الجراثيم( بدأ أوال بحقيبة سلمى ،فأحصي ورتب التالي:
ماجدلوين
روميو وجلوييت
) (++فيروسات أخرى بهيئة رسائل ورسومات ،وكروت بوستال مكتوب تعليها أسماء فتيات من بينهن حسنى بنت
أستاذ تعباس .قال لنفسه" :وما أدراك أ ن حسنى هي حسنى؟! فقد تكو ن هذه توقيعات مزورة"!
قلب الحقيبة وهزها جيدا بعد أ ن استكشف كل جيوبها ،ثم قذف بها بعيداا ،استدار باتجاه ما اسماه )الكرنتينة(! أي حقيبة
نازك ،ليجد فيها ما يصعق العقل:
ثلث وسبعو ن رسالة ،لم يخف إتعجابه ببلغتها والخط الذي كتبت به .وفعل بها ما فعله بأختها .لملم المعروضات
أمامه ،وفتح الباب ثم نادى الست وأمرها أ ن تأخذ )حطام الذكريات( إلى أصحابه.
في الليل ،وهو مستلضق تعلى سريره ،قرأ )تعلم الجراثيم( ،فاقتنع إقتناتعا تاما أ ن هذا الولد مجنو ن .فما أتى به لم تأت به
اجلصوجل.
كانت هناك جفو ن ساهرة في صحاري اليأس بعد أ ن تعب الخوف وجفت ينابيع الدموع.
أما نو ن ،فلزمت الصمت ،وحقدت تعلى الكوكب التي لم تتدخل ..وقد كانت تفتش في طريقه توصلها إلى ضفاف المانج
"هل ينفع القاش بدي ال؟" وإذا نفع فهو ال ن مصوح بل ماء ..شهور أخرى ستمر حتى يصبح القاش )مانجاا( ..وكل
الطرائق الخرى ليست قدر الرجاء!
لمت نفسها تعلى أنها لم تقفز ـ في تلك اللحظة ـ من العربة .فـ"بالتاكيد كا ن الكوكب ستتدخل ،فهو كا ن يسبح وأنا
تخاذلت ..أنا أستاهل" قالت لنفسها.
ـ أيوة )بدو ن يا بابا التي بدأت تنتشر في تلك اليام بدال تعن "يابا"(!
ـ شوفوا يا بناتي ،إنتو لسة في بداية طريق )المستقبل( وأنا تعايزكم تبقوا فوق ..ول تعندك راي غير كدة يا نازك؟
ـ ل يا بابا ..
ـ أنا )متأكد( من كدة ،وتعشا ن كدة ،انا قلت إنتو براكم تبقوا بنات كويسات.
أخذ من تعلى حجره ظرفين ومد لكل صاحبة ظرف ظرفها قائ ا
ل:
كادت سلمى أ ن تفرح ،ولكنها كتمت إحساسها ولم تفعل نازك شيئاا.
ـ ل يا بابا
ـ ديل حقين نازك ...أنا قريتم لكين لما شنطتا ما شالت ختيتهم ليها في شنطتي.
فأجابت نازك
ـ أيوة يا بابا.
نفذت سلمى المر ،ثم بدأت محاضرة المجد والسؤدد ..وكيفية بلوغهما بتجاوز الصغائر ليصل إلى هدفه :فآخر ما
تفتقت تعنه تعبقرية الذي كا ن )أستاذ زين( ،الذي لم يكن يتجاوز تعلم الحساب والعقاب تعنده كلمة )يا لوح( أو السوط،
هو تلفيق مشاتعر الناس!
ـ وإنتي بكدة أكيد قررتي تخلصي من الحاجات دي ..هاكي الكبريتة دي أحرقيهم ،وبكدة تكو ن الحكاية خلصت )!( أنا
سعيد لنك بنت واتعية.
أرادت سلمى أ ن تقول )ل( ولكنها لم تستطع .أما نازك فلم تنظر إلى ما في )ظروفها( ،فهي كانت مشغولة بالتفكير في
موسم فيضا ن القاش ،وقد حددت قرارها الذي ل رجعة فيه.
أخذت الكبريت ووضعت الظروف :الجراثيم في السلة أمام الشهود ،وأضرمت النار ،وفي داخل الغرفة! ومع كل ذكرى
تقللب المحروقات حتى )ينجض( القلب الذي تخاذل يومذاك!
ومع آخر ومضة في )المحرقة( أختلطت دموع الدخا ن الذي لوث الغرفة بدموع وداع )الشياء الجميلة العزيزة(.
وراء القضبا ن الحديدية ـ هذه المرة بد ال من النملية ـ فتحت نازك زجاج النافذة تستعيد ذاكرة )شباك النبي( .وما زالت
في الجو رائحة دخا ن المحرقة .نظرت إلى الشارع الخلفي .كا ن يبدو مثل سراب المسافات الطويلة التي قطعوها في
اليام الفائتة .استعادت أصداء اللم والفرح القديم .جاءت سلمى وإلتصقت بها من لخلف وتشممت ضفيرتها الخلفية
قائلة:
ـ نازك ..أنا حزينة أكثر منك ..أهو إنتي تعلى القل تعندك حاجة قاتعدة جواكي ،يمكن بكرة تلقيها ..بس أمسكيها وأصلو
ما تفرطي فيها لخر يوم في حياتك..
ـ تفتكري يا سلمى؟
ـ أيوة ..بس أنا ما كنت قايلة الدنيا دي قاسية كدة! أهو إنتي الكنتي بتعزيني بالكتاب وببكرة ،بقيت أنا أتعزيك؟!!؟
ـ لكين تفتكري يا سلمى حتى لو جات الحاجات دي تاني حتكو ن زي الحاجات الهسي إحنا فاقدنها؟
ـ يل خلص يا ستي ..أراح نصلح كتبنا ..تعشا ن إنتي تعارفه بكرة حتبدا القوانين الجديدة..
أحضا ن وقبل .واختلطت دموع فرح حقيقي ظل ليام تحت وطأة الخوف والياس والخذل ن .فها هما تتفرسا ن )الكتاب(
والصورة بداخله!
وكا ن السيد الـ ، inspectorالمفتش ،قد فتش جميع الكتب والدفاتر المدرسية ورقة ورقة بحثا تعن جرثومة )كدة
ول كدة( ،ولكنه )فرط( كتاب الدين إذ ل يعقل أ ن تكو ن فيه )جراثيم(!!
وهكذا صارت تتم مطالعة الكتاب في الزيارات السبوتعية لقبة )سيدي الحسن( .وتعلى مرأى من الست الوالدة المية
تعلى أساس أنه كتاب أدتعية! وهي لم تشك بعد أ ن لحظت انتظامهما في الصلة وبرنامج المذاكرة اليومي .هذا بالضافة
لتعاطفها مع نصف الحكاية.
ومن داخل تلك الفسحة الصغيرة ،كانت دوافع الجتهاد في المذاكرة تتحفز مع ترديدات سلمى:
ـ إنتي لزم تجتهدي يا نازك .تتذكري قافلة الطلبة بتاتعين الجامعة في )المدينة(؟
ـ شفتي البنات بقعدوا مع الولد كيف؟ ويتونسوا كيف؟ يا سلآآم ،سنة واحدة بس وأمرق من السجن دة.
ـ ما تخافي يا ستي ..أنا لمن أمشي الجامعة أكيد في الجازة خآخدك معاي ونتفسح ونزور صاحباتي وأصاحبي ..و
ـ تعرفي يا سلمى أنا بتمنى شنو؟ بس أنا وزهرة وأنهار وكل صاحباتي ،وجو وكل أصحابو ننجح ونكو ن في جامعة
واحدة )ولم تك نو ن تعرف أ ن مثل هذه الفانتازيا هي التي أودت بأستاذ تعساكر وآخرين إلى الخرة(.
وفي تلك الساتعة من نهار أبريل الحارق ،كا ن )قطار الميجا( يمخر تعباب بحر السراب ،متهاديا باتجاه الخرطوم ،وحام ا
ل
تعلى )سطحه( أكبر البصلت المعفنة!
ــ أسمأ يا أخونا ..هاكي رهردم دي ختي في راسك ..ول جلهي في قتر دي ناس كتير بدمموا وبموتوا! هر دة وللهي بجيبي
أبو فرار.
ـ شكرا يا أخ ..
ـ الخرطوم..
ـ وال ما تعارف.
ـ وتشتخل شنو؟
ـ ليه شنو؟
ـ وال بس مشاكل.
ـ إتي بكو ن ماشي جيش .وللهي أنا زاتو قلت نمشي نقجأد ما ناس آدماي فـ)إشش( ونبيأ مآهم ترمس .وبأدين كن لقينا
تريقة ندخلو جيش.
وفي لب الحكي ،تعرف جو بحكاية الصديق الجديد تعبد ال إسحاق .وأحلمه في العودة من )الصبصحجر( ليتزوج )فطين(...
"أمسكي شنتة بتائك كويس ..جماءة هنا ديل سجراقين .قتر خلس روجسصلت كوستي .هو بقأد هنا زمن تويل".
...
شخبتة تعلى حائط البول .بائعات الطعمية ،تجار السمك ،البسكويت ،نوافير المياه ،سيقا ن الجميلت المسافرات وهن
يتشطفن ،وهاهو النيل! أو ما يسمى بالنيل ،تعادي ول تعلقة له بأساطير الكتب المدرسية! إنه مثل خور المدينة في أيام
الخريف! ول شيء آخر! رائحة الشواء تقطع المصارين.
أشطفك ..أشطفك .وكا ن جو مع كل شفطة يتلصص إلى يد الشاب الجالس تعلى الحجر بجوارهم .وتطل من النفس
دناءاتها" :يا رب يرمي السيجارة ..يا رب يجدتعها" .لحظ أبدللهي إساخا قلق صديقه فسأله:
ـ أيوة!!
ـ أنا تعايز أقول يعني زي ما الناس تعندكم بشربوا مريسة ،أنا بشرب سجاير!
وأخير ا فتح ال تعلى جو ،وجاء بائع السجائر ،فقام أبدللهي إساخا بارتكاب ثاني الحرامات واشترى تعلبة سجائر كاملة
وأتعطاها لجو..
وبعد أ ن شفط )كم نفس كدة( استيقظت نو ن التي كانت نائمة تحت وطأة الجوع والخرم .ثم ظهر وراءها طابور الوجوه
الليفة والحنين! ظهر أستاذ تعساكر في ملمح المدينة وناسها.
قام جو بعد السيجارة الثانية وساح هيام ا في طرقات كوستي .صارت كل ذرة تقول "أستاذ تعساكر؟ لقد مر من هنا
يوماا" وبيوت المرابيع التي تشبه نوافذها )شباك النبي( هل وقفت وراءها نو ن أخرى ذات يوم تناجي أستاذ تعساكر؟
ولما صفر قطار الميجا وتحرك ،وجد أبدللهي إساخا نفسه وحيد ا بين حقيبتين ،بداخل إحداهما أكبر )كرنينة( للوبائيات،
قال إساخا لنفسه "ربما تسلق تعربة أخرى!" .وفي ربك ،ما زال المل قائما ومع جبل موية وجبل تعشطا ن ،تقاصر
المل .وفي )سنار التقاطع( اختفى .وبكل أمانة القروي ووفاء )الغررابة( الذي يفوق وفاء الكلب لصحابها ،قام
أبدللهي إساخا بالحتفاظ بالحقيبة إلى أ ن التقيا بعد زما ن طويل.
في كوستي ،اكتشف جو حقيقة أ ن بعض الماكن يمكن أ ن يعيش فيها النسا ن قبل أ ن تطأها قدماه! فما كانت كوستي
غريبة تعليه بعد الحكايات الطويلة التي حكاها له تعلى إسماتعيل الكضاب .وفي المحطة لم يجد صعوبة في تحديد المنزل
الذي كا ن يسكنه تعلى إسماتعيل ذات يوم .كا ن يمر تعليه ويدخل في أحلم يقظة ..وأحيانا يرى نفسه داخال تعلى تعلى
إسماتعيل ،وهو في الواقع يدفن تعقاب سيجارة وهو راقد تعلى معقد المحطة الذي صار )المنزل(.
كا ن جو يذهب في الصباح إلى المينا ،وتعتلك تعتلك )حق السجائر( ،وأحيانا زيادة ،ثم إلى رواكيب السمك مستعينا
بحكمة رينقو" :لم نسمع أ ن أحدا مات لنه أكل ما خجلفه الخرو ن ،بل مات الذين لم يجدوا هذه المخلفات"! وتخلى جو
ل قلي ال تعن أنفة القرويين .كا ن يمر في المساء تعلى السينما تعله يلتقي بأبي طويلة صدفة ،أو أي واحد .لكن شماسة
قلي ا
كوستي كانوا أكثر تعنفاا .فلما رأوه غريباا ،ظنوا أنه من )ال########ين بتاتعين القبض( يحاول الندساس بينهم،
بعد أ ن اكتشفت المدينة في أيام الحداث أ ن أحد شماشتها لم يكن سوى مخبرا متخفيا يدبج التقارير تعنها! فأوسعوه
ضرباا ومزقوا قميصه ،إلى أ ن تعثر تعلى فنلة ل بأس بها في قمامة حي السوق ،كا ن جو قد تجول في كل الماكن
المشوبة بالذكريات المستعارة .المدرسة التي درس فيها تعلى إسماتعيل؛ كل المدارس التي درس أو دررس فيها أستاذ
تعساكر ،الماكن التي يشتبه في أنهما مرا بها .وكا ن قبل فسحة الفطور يذهب ويجلس تحت الشجرة المقابلة لباب
مدرسة البنات ،يتفرس وجوههن ويقار ن:
"ودي ..آآخ"..
ذات يوم ،جاء وجلس في نفس المكا ن ،ولم يمر أحد! قال في نفسه "الليلة إجازة ول شنو؟" لتأتيه الجابة بعد ساتعات،
أ ن المتحانات انتهت .وأغلقت المدارس أبوابها إلى بداية العام الدراسي الجديد .ولم يبق ما يسند البقاء طويال ،فعاد جو
إلى المحطة في انتظار أول قطار ميجا قادم.
****
لولولولو ..إششش..
صاري لي كدة مالك؟ هسة تلقاك )كربست( المتحانات ،وفي النشا ـ لق لق لق ـ بجيب قدر نمرك .ما حتقدر تفوتني.
قايل نفسك براك بتعرف إنشا؟؟
كا ن صلح زين العابدين قد تعاد قبل أيام من الجامعة .ولكن هذه المرة كا ن ملتحياا! لم تك لحيته هي المشكلة ،وإنما تلك
الوامر التي صر ن يتلقينها وهن خارجات أو داخلت:
ثم بعدها:
ولكن ال كا ن يستجيب لدتعواتهما ،فقد تعاد )دكتور( تعماد زين العابدين الذي يدرس الطب في مصر لقضاء إجازته ،هو
الخر ،فدخلت الفراح إلى البيت الجديد.
كن يسترقن السمع إلى المجادلت التي تدور في الديوا ن بعد الغداء بين صلح وتعماد؛
ـ أيوة .ربنا قال ،بس مش بالطريقة بتاتعتكم دي ..ثم تعال ياخي إنتو لحدى هسي ما تعندكم نظرية محددة تحلو بيها
المشاكل بتاتعة الخلق دي!؟
ـ القال ليك منو؟ أنت بس ما متفقه .ثم ياخي "ما فرطنا في الكتاب من شيء".
ـ أيوة .بس دة مامعناه إنو أنا أقرا الكتاب دة وأشيل السماتعة بتاتعتي وأمشي المستشفى أتعالج الناس!!
ـ ما ضروري ..
ـ ل ضروري
"خلص يا أولد!"
*****
هناك مع )ست الجبايب( تعرف تعماد زين جزء ا من الحكاية .وفي ظهر الخميس طرق باب )حجرة الحلم المسجونة(:
ـ كو كو كو ..
ـ كيف يا ستات؟
ـ كيف يا نانا؟ أهو إنتي بقيتي ما شاء ال ...وال لو ما حظنا الكعب كا ن الواحد بقى ود جيرانكم وراح حابيك طوالي..
ـ ال ال تعلى الكلم الجميل دة ..إنت الظاهر مصر دي تعلمتك حاجات كثيرة ..وبعدين إحنا ما بننفع ول شنو؟ قالت
سلمى.
ـ أنا بتكلم تعن الحب بس؟ لكين لمن تجي سيرة العرس ،البعد الحب ،حيجيكي الدور ..إنتي ما سمعتي المثل البقول
"ثنوي تعام حاجة تمام ..ثنوي تعالي تعرس طوالي"!؟
ـ وإنتي يا نانا ..مالك مكشرة كدة؟ الظاهر الكتمة مأثرة تعليك .ياخي السجن دة إنتو متحملنو كيف؟ لكين أنا تعندي ليكم
مفأجاة )إنما أيه(.
ـ شوفوا يا جماتعة ،القتراح كالتي :أنا أقنعت الست بلش حكاية الزيارة دي الليلة ..أنا آخدكم إنتو التنين وبس..
ـ وال .وال؟
ـ أسمعوا باقي الحكاية ..أنا حآخدكم ونمشي العصرية ،وقدلة كدة تعلى القاش ..ونشوف لحظة غروب الشمس..
ـ اللـــــه!! قالت ،وقفزت نازك واحتضنته ،آآخ يا تعمدة ،ال يخليك ..أنا نفسي في كدة من زما ن ...بس ..
ـ مافيش بس ول حاجة ..وبعدين لسة أصبري شوية ..أنا بعد المناظر الجميلة دي تعندي ليكم مفاجأة تانية )أنقروا تطلع
إيه(؟
وفي الليل الهادي ،في )منتزه المدينة( ،وحول منضدة طرفية ،جلس ثلثتهم .وبينهم )كبابي الشاي(.
ـ وإنتي يا نانا؟
ـ أووم...
ـ مش مهم من وين ،لكن يا نانا دة حال الدنيا كدة "يوم تفلرح ويوم تبلكي" .أنا معاك ومش معترض تعلى أي حاجة إنت
تعملتيها ..لني في يوم من اليام حصلت لي حكاية قريبة زي بتاتعتك دي ،تتذكروا هدى بت أستاذ منصور الكانوا معانا
في الدويم؟
ـ أيوة ..أيوة!!
ـ تتذكروا يوم نقلوهم؟ طبعا وكت داك إنتو ما بتكونو جايبين خبر .طبعا يا نانا أخوك كا ن حاجبي هدى )موت( .ولمن
نقلوهم ،وطبعا أخوك مشى البحر وكا ن تعايز ينتحر لكين ربك ستر .وأهو زي ما شايفين أنا قاتعد قدامكم.
ـ وهسي نسيتها؟
ـ طبعا ل ،دي حاجة تتنسي؟؟ ياخي لحلدي هسي لو شفت لي واحدة بتشبهها قلبي يوقع! لكين يا ها الظروف ..وطبعا
هي هسي احتمال تكو ن اتزوجت..
ـ أيوة ..طبعا
ـ شوفي يا نانا أنا الحاجة البعرفها ،الما بقروها في كتاب ،إنو الحب دة بجي كدة ،لكين بعد داك يحصل شنو .دي مافي
قانو ن يحددها ..المهم الواحد يكو ن صادق مع حاجاتو النجواهو ..
ـ شوفي يا ستي ..وأنا في أي مكا ن وال بفكر فيكم ،وبحلم أنكم تكونوا سعيدين.
ـ أيوة .ذكريتيني .أنا شايف صلح اليومين ديل بجرجر فيكم للجماتعة بتاتعتهم .تعلى أي حال إذا إنتو مقتنعين إنتو
أحرار ..بس في حاجات كثيرة أحسن تعرفوها .أنا غايتو ما تعندي كتب ول حاجة .لكين أهو السوق وصاحباتكم
وأصحاباكم لو في ،طبعا أنا ما تعندي إتعتراض يكو ن تعندكم أصحاب..
ـ ال ال .تعشا ن الكلمة الحلوة دي أنا حأتعمل ليكم مفاجأة كل خميس .أما حكاية )الحرس الجمهوري( دي خلوها تعلي..
ومن هسي أقول ليكم مفاجأة الخميس الجاي ..لني تعارفكم ما حتصبروا .شوفوا ،بعد ما ترجعوا من زيارة )سيدي
الحسن( ـ طبع ا ما فيش قاش ،يعني الحاجة كما ن نديها فسحة وما تكو ن أنانيين ـ وبعد داك أنا حآخدكم ونمشي
السينما..
ـ أقعدي يا نانا ..إحنا في مكا ن تعام ،ولمن نرجع )السجن( نططي زي ما إنتي تعايزة ..شفتي )السجن( بقى مهم كيف!؟
...وبعدين ما فيش داتعي للعربية ...أنا بقول يعني حكاية )العنظزة( بعربات الحكومة دي ما حلوة ..أنا بقترح نمشي
برجلينا لحدي السينما..
ـ ل هي حتكو ن شكلة )كلمية( ،لزوم تقاليد يعني ،ما هو إنتو لزم تمشوا في الشارع )ويشاغلوكم وكدة( تعشا ن تحسوا
إنكم بنات مش داواليب ..أنا آسف تعلى دواليب دي ..وال ما قصدي..
ـ ل يا ستي ..ل دواليب ول حاجة ..كل ما في المر إنو الحاج والحاجة ديل خايفين تعليكم بس بطريقتهم القديمة ..لكين
الزمن لزم يغير الحاجات..
ـ أها دي تبقى مشكلة بينكم وبين صلح ـ تحلوها بطريقتكم ..وتعلى رأي المثل" :أي زول بالفي راسو يعرف
خلصو."..
****
"لو كنت أتعرف الطريق ،لعدت إلى بيتي "..كانت تلك آخر جملة نطق بها البطل وهو يقود سيارته في طريق طويل
يتعرج بين المروج الخضراء في نهاية الفيلم .ظلت الجملة تتردد في خيال جو وهو )مندس( وسط الشحاذين
والمتشردين ،مستلقياا تعلى كرتونة جلبها من السور المجاور للسينما .وكا ن يمر في خاطره قطار اليام ،بعد أ ن هبط من
قطار الميجا ذات مساء ،والخرطوم تتلل أنجمها الكهربائية ،وتتطاول وتتعالى مبانيها فوق رؤوس المارة .لم يك يحمل
ـ يومذاك ـ من الدنيا إل ذكريات نو ن ،وأحلم أستاذ تعساكر ،وحماقات أولد قرف ووصايا رينقو ،بالضافة لخبرة ل تقل
تعن أسبوتعين بين المينا والسينما ،والتجول بين الطلل في كوستي ،ثم ها هو يأكل بقايا الخرطوميين القل كرماا.
ويشرب بقايا تعلب السايدر التي يرميها السكارى المترفين من نوافذ تعرباتهم في طريق )الكابانا( .كا ن يذهب في
الصباح إلى سوق الخضار ،فيناديه تجار الملجة" :ش ريالة" ،فيجري" .شيل القفة دي" فيشيلها .وقفة قفتين ،وتدخل
الوراق السحرية الجيب .أحيان ا يغسل العربات .وفي المساء يشتري سجائر وتسالي ،ويذهب إلى السينما ويحلم بلقاء
رينقو أو أبدل جلهي أساخا أو أي واحد .وهكذا إلى أ ن إلتقى ذات يوم بمندوكورو في السينما:
ـ كويس..
ـ تخربها في شنو!؟
ـ يا زول زح كدة!
ـ خول إنت..
"شوف ..أحسن تمشي تشتري شاش من الجزخانة البجاي دي وتربط ليهو راسو وخلص ،هسي تمشي المستشفى
يعملوا معاكم تحقيقات و)أورنيك تمانية( و)فانحي ما نجي("..
وبسبب هذه الحادثة ،صار لجو بيت في تعمارة البنك الجديدة )تحت التشطيب( ،وأهل إسمهم )مندكورو( .وفي صباح
اليوم التالي حدث مندوكورو المقاول:
ـ طلبة يعني؟
ـ إتشاكلنا مع واحد..
ـ ل دة زول كويس ..بس أنا قلت ليهو جيب لي معاك تذكرة في السسينما وحصل مشاكل..
ومن حي لحي ،ومن تعمارة لعمارة ،مرت اليام .إلى أ ن جاء يوم هطلت فيه أمطار سبتمبر غزيرة ،وتحولت الخرطوم
إلى بركة ماء! كانت الحافلة تقف بجوار مدخل الموقف والركاب يتزاحمو ن:
"ترمس ..ترمس"..
ـ أوو ....نور!! وين يا راجل؟ دي أمل تأملو؟ ياخي شنتة بتائك لسة قائد إندي ..أنا نكوسيك كل يوم!!
ـ يا خي شكرا ليك.
....
....
ـ وللهي زروف هنا كأب ..ولهدي هسة دي ما لمينا شخل واهد ..يا هو كجلو بقت تكمل في أكل وشراب .بس جنيه ول
مية وخمسين كدة نرسلو لجماءة في بلد لما يكو ن في قتر ماشي ..وإتي ساكن وين؟
ـ أها ..أها ..أها!! كيف ما نأرفو؟! أنينا نرلنفو واتا دة كلو ..مش مهل فيهو )كراكة( تويل دة؟
ومن يومها ،صار أبدللهي إساخا يستغل ساتعات تسيب سائقي البكاسي )للترطيب( في تعمارة البنك في ساتعات الذروة
ليسلك ترمسه هناك .وبالمرة يلتقي بالصديق جو ليقرأ له الرسائل.
فبعد شهور طويلة من الغياب ،هاهي الوراق التي لمستها النامل الرقيقة ..والحروف التي خطتها ـ خاصة حرف الكاف
ذو اللتواءة الصغيرة المميزة ـ والورود المرسومة باللو ن البنفسجي .وكل أنفاس نو ن تعود ومعها أشجا ن الحنين.
في نوفمبر .بدأ مسلسل )أوراق الشتاء( .يذكيه ما تم اكتسابه من التجربة وما تمت مطالعته في الكتب والمجلت.
في الحادي تعشر من ديسمبر ،كا ن جو كعادته يقلب الصفحة الثانية من جريدة اليام .ليطالع أسفلها حيث "أين تسهر
هذا المساء" .وبعد أ ن حدد فيلم اليوم )الهندي الجبار( ،مرر بصره تعلى بقية الجريدة تعلى سبيل تزجية الفراغ ،ليرى
الصورة والعنوا ن:
"أمين المنظمات الفئوية والجماهيرية بمديرية كسل يؤكد وقوف الجماهير مع الثورة"!!
ثم:
أثارت صورة الصهر النفعال فدق قلبه ولكن خطر له سؤال حول شكل الموقع الجديد لهذا الصهر! ثم تعلقته بكل الذي
يجري؟ ثم أنتبه لول مرة إلى المفارقة في الكليشيهات الجرائدية :فطالما كل رئيس هو قائد بالضرورة ،فلماذا الصرار
تعلى )القائد( هذه في حكاية )الرئيس القائد(؟! هذا تعوضا تعن أنه لم يسمع أ ن رئيسا آخر يقال له )الرئيس القائد(!!
في الليل ،تعاد الحلم القديم ..نو ن في مكتمل الفضيحة! ولكنها هذه المرة تعلى بوابة تعربة تسير تعبر الجسر ..وهو
يجري ..ويجري ..ويجري .وفجأة دخلت اليد التنينية في المشهد ،كورت الضفيرة الخلفية ،وأدارات الوجه وحشرته
داخل العربة!! كانت العربة كبيرة بحجم القطار!!
ـ جو ..جو..
ـ نو ..نو..
ـ جو..
ـ نو..
استيقظ وظلت أوتاره مشدودة إلى إ ن دق المؤذ ن المايك ..وانتظر أ ن يسمع صوت تعم تعبده ،ولكن هيهت!
في ما تل من أيام ،تكاثف الجهد في العمل ..وقد تحدث معلم أرارا مع المقاول وحاججه في أ ن جو صار )معلماا(،
وبالتالي ضرورة زيادة مرتبه )اليومية( .ولما رآه المقاول وهو في حال:
أنشرك ..أنشرك
أوزنك ..أوزنك
وسلمرك ..س جمرك ،اقتنع بإمكانياته في العمل .بيد أنه لم يزده إل خمسين قرشاا!! ولما تثيره )رحلت الكد( من توادد،
فقد تعرف معلم أرارا بالقصة من أولها إلى آخرها ..وحين أس رر له جو فكرة الذهاب إلى كسل ـ تحمس جداا ..وقرر أ ن
يعمل أوفرتايم .وصارا يقضيا ن النهار بطوله مع صداقة الخشب والمسامير دو ن كلل أو ملل .وفي نهاية السبوع قام
معلم أرارا بجمع المرتبين بأوفرتايمهما ووضعهما تعلى كف جو وأغمض له أصابعه تعليهما وقال" :ال معاك يا بطل".
****
ذلكم هو جيل توتيل شامخا وراء ضباب المسافات .تمنى جو أ ن يجد صورة كبيرة لـ)نو ن( ،تعلى شاكلة الدتعايات
المضيئة ،تعلى بوابة المدينة! ليستفتح بها القادمو ن ذكرياتهم مع كسل )بلد الجمال(.
هبط وكا ن يحمل معه كتاب )تعادة النوارس( وبكتة )أوراق الشتاء( ،وكل الحكايات منذ لحظة صحوه وهروبه من
المستشفى ـ بما فيها حكاية بيت زوبا!
قال" :اكيد نو ن حتكو ن في المدرسة الحكومية الثانوية" .ولما سأل المارة دلوه تعلى المدرسة.
حمل جراثيمه وذهب إلى هناك .جلس )أيضاا( متكئا تعلى جذع شجرة السيسبا ن العتيقة ،المقابلة لبوابة المدرسة في
الجانب الخر من الميدا ن .وظل منتظراا ..ومنتظراا .بدأت أسراب العصافير تفر ..وتفر..
مر أخر سرب ولم تظهر العصفورة! التي كانت قد وصلت إلى بيتهم في جوف العربة المدججة النوافذ ،التي وقفت أما
بوابة المدرسة لدقائق ثم غادرت قبيل هطول أول سرب تعلى )باب الرجاء(.
تعاد جو إلى إلى السوق .وتجول بل فكرة محددة .ومن أحاديث تعابرة بين مجموتعة من التجار ،تعرف أ ن السيد أمين
المنظمات الفئوية قد غادر صباح اليوم إلى الخرطوم قائد ا لوفد المديرية للمشاركة في احتفالت الخرطوم بالستقلل.
قال جو "برضو أحسن ،"..وجلس أما )بتاع الورنيش( .وفتح معه حوارا مستغال خبرته مع أمثال هؤلء إلى أ ن
استطاع أ ن يلقي بالسؤال:
ـ أيوة..
ـ أيوة.
ـ تلقى بيوت سمحة كدة ..أول واحد أبيض وشبابيكو زي تعندها حديد ظهري كدة
ـ أيوة..
ـ بس دة ياهو بيتو.
تعصر ذلك اليوم ،مر جو تعلى ذلك الشارع )كبائع رتعجدة لحوح( ،ولعشرات المرات ..تعلى أمل أ ن تمنحه الصدفة طلة
واحدة ..ولكن شيئا من ذلك لم يحدث .تعاد إلى السوق ،شرب شاي ا تعلى المقهى الطرفي ،ودخن ،ثم أتعاد الكرة مع حلول
الليل ..كانت النوافذ مغلقة تعلى الحجرات المضاءة .وكانت نازك تحكي لسلمى تعن الحساس الغريب الذي ساروها وهما
تعائدتا ن من المدرسة ـ بعد أ ن أطالت وجودها في الحمام وهي تمسح حلمة نهدها بصورة جو وتستعيد خيال الفاتعيل
القديمة .كا ن جو يدور ويدور .إلى أ ن خرج جمهور السينما .فحمل جراثيمه وذهب إلى المستشفى ،ونام هناك مع
مرافقي المرضى ،لتصبح المستشفى بيته في تلك اليام!
استيقظ مع شقشقات تعصافير الفجر ،وحمل اشياءه وذهب إلى جذع الشجرة السيسبانة العتيقة ،فأطلت سيدة القلب في
أحلم اليقظة .كانت تعلى مرمى الوضوح .أجمل وأشهى ،فتسربت شياطين التخذيل!
رأى جو نفسه أصغر من الذي في رأس نو ن أو رؤوس البنات! ودخل في منولوجه الشخصي؛ "تشوفك كدة؟ دي
حتتصدم ..ل ..ل خليك واثق .هي مش بتحبك؟ خلص ..ما أحتمال تكو ن حبت واحد تاني؟ ل ل حرام تعليك ..نو ن مش
ممكن تعمل كدة "! وتمنى جو أ ن يرى أولد قرف بجواره .وظل كذلك .ومر اليوم كما المس!
وفي المساء ،ترك التجول وجلس تعلى سور المستشفى يطالع )تعادة النوارس( ،ولسبب غير معروف ،أحس بأنه
مجروح ،وأ ن نو ن هي التي جرحته!! وكانت نو ن هناك تحكي لسلمى نفس الحساس الذي أصبح يساورها في طريق
العودة من المدرسة!
ولما ظل طوال الليل يعزي نفسه ،فقد استيقظ متاخرا فهرع إلى الشجرة وظل منتظراا .جاء أطفال وصاحوا :
أدرك جو خطورة المسألة ،وهو تعائد إلى المستشفى نظر إلى صورته في زجاج بترينة أحد الصياغ ،فاقتنع بأ ن الطفال
تعلى حق .تعاد وأصلح بعضاا مما أفسدته تلك اليام ونظر إلى تعينيه فأتعادتا إليه ثقته في نفسه .وفي تعصر ذلك اليوم
قرر معاودة الكرات والتجوال ـ تعسى ولعله .وهو خارج من الستشفى ،صادف أ ن كا ن البواب يفتح الباب لعربة مغلقة
النوافذ ،فانتحى جو جانباا ،فمرت العربة ،وذهب هو في سبيله للطواف حول الكعبة الجديدة .ومن وراء زجاج النافذة
لمحت سلمى )الشبح(! ولما نزلت من العربة لتتأكد ،لم تجد شيئاا ،فقد اختفى الشبح وراء المباني المجاورة .تعادت
وغطت تصرفها بكذبة صغيرة .وبعد أ ن أنتهت الزيارة لـ)حاجة تعرفة( زوجة المحجوب ،استدارت العربة إلى البيت .مع
مغرب الشمس توقفت أمام بوابة المنزل .كا ن جو يراقب الموقف .ولما نزلت سلمى ،تعزف قلبه سيمفونية )يوم المطر(.
تلتها الست ،فتلعق القلب بالكواكب .ثم ل شيء! أحتضن أوراقه وهو يفكر بغيظ في كل اللحظات التي كا ن تقف فيها هذه
العربة اللعينة أمام بوابة المدرسة صباحا ونهارا تصادر أحلمه وهو ل يدري!!
...
ارتبكت نو ن وهي تمسد حلمة نهدها بصورة جو الذي غيبته الليلي وهو حاضر في كل تفاصيل الحس!
ـ وفي المستشفى دة بكو ن تعيا ن يا سلمى ..إنت تعيا ن يا جو وأنا ما قادرة أتعمل أي حاجة..
وانتحبت نو ن..
ـ تعليك ال تعالي أحكي لي تاني يا سلمى ..دة أكيد هو ..لزم هو...
وبينما كا ن جو جالس ا في طرف السوق يزدرد )الفول المصلح( ،ويضع زيادة ملح بين الفينة والفينة ،ويقلب في ذهنة
تكتيكات الغد ،كانت نو ن قد رفضت ـ بإصرار ـ العشاء ولبن المساء ولم تذق شيئا وهي تفكر في شيء واحد هو هذا
)الجائع( )المريض( ،وإل "لماذا يذهب إلى المستشفى إذ ن؟؟".
كا ن الصباح حاسماا ،فما يليه إجازة ول خروج .ولما جاء تعم بشير السائق مبكرا كعادته ،لم يواجه بمحركة في ذلك
الصباح ،بل أ ن نازك هي التي فتحت له الباب!
ـ بس يا تعم بشير تعليك ال تغ لشينا المستشفى تعشا ن أشوف خالتي تعرفة .إنت تعارف أنا أمبارح ما مشيت ليها.
ـ أمرك يا ستي.
ـ إنتي ياسلمى متأكدة إنو كا ن واقف هنا؟ ووقفت في نفس المكا ن الذي حددته سلمى تتشرب روحه!
ولما تعبرت العربة الفسحة باتجاه بوابة المدرسة ،كا ن الشبح واقفا بجوار شجرة السيسبا ن العتيقة.
ـ ال يا سلمى!
ودخلت نو ن في نوبة بكاء وهي تؤشر باتجاه السيسبانة .فقرصتها سلمى منبهة لوجود تعم بشير.
ـ في شنو يا بنات؟؟
ـ مالك يا نازك؟
ولما لم تكن الجابة مقنعة تماماا ،أنزلهما ثم قاد العربة وهو ينظر من المرآة ،فرآهما تتمحركا ن أمام بوابة المدرسة،
فأوقف العربة وراء أول منعطف وبدأ يراقب الموقف:
كانت نازك قد توترت كل ذرة فيها .وبالرغم من رغبتها في معانقة جو تعلى مرأى من الكواكب إل أ ن الخوف تعاد مرة
آخرى وتدخل .فترجت سلمى أ ن تذهب إليه بدال تعنها ـ لنها لو ذهبت ستحدث أشياء خطيرة!
وقفت نو ن أمام بوابة المدرسة إلى أ ن نبهها البواب أ ن ذلك ممنوع ولما استدرك أنها بنت السيد زين العابدين ،تجاوز
اللوائح وفتح معها حوارات جانبية وطلب منها أ ن )تكلم( والدها ليساتعده في تعملية تصديقات الكشاك الجديدة!
ـ ل إنت تعارف الحكاية صعبة شوية تعليها وأنا ما قادرة أقل ليك نازك بتحبك قدر شنو.
ـ وال ما تعارفه .ول أقول ليك بكرة نحاول نقنع ماما نمشي قبة سيدي الحسن ونتلقى هناك.
ـ خلص هاك..
ـ ما بس ول حاجة ،هاك.
وفي ذلك المساء .كا ن احتفال رأس السنة ذو شنة ورنة .وتعادت إلى الليالي بعض مذاقاتها القديمة؛ نازك تبلل الوراق
بدموتعها وسلمى تحرس الباب تحسبا لي )طارق(!
وفي العام الجديد ،أمام باب الزيارة ،كا ن الزحام؛ الست غارقة في دتعاء ما قبل الدخول .وقف جو ـ الذي أحرقته
شموس العالم ولم يبق من وسامته إل بريق تعينيه الخطر ـ وهو )يمجثل( مع الداتعين .قامت سلمى بتغطية الموقف.
ووقفت وراء نو ن الواقفة وراء جو .بجست نو ن نهدها اليمن تعلى الضلع السادس من ظهره ،أحس جو بالدفء
والرجفة .وزادت الشهقتا ن المتزامنتا ن اللتصاق! مد جو يده ووجد يدها متدلية مرتجفة دافئة ،ضغط تعليها واستعاد
ذاكرة المطر!
دخل الداخلو ن إلى الزيارة ،ودخلت رسالة بين نهدي نو ن وأخرى في جيب جو!!
في السادس من كانو ن ثاني ،تعاد السيد زين العابدين من رحلته الظافرة بعد الظهر .وبدأ يخلع حمالة بنطاله التي
أصبحت من لوازمه الشخصية ،بعد أ ن نبتت له كرش ل تحتملها التفصيلت القديمة ،وقد صار له شدقين أملسين
يمسدهما دائما وهو يلقي بشكوكه إلى وجوه محدثيه! كانت الست )فاطمة بت البجاوية ،بت "بت الحبشية" التي
اختطفتها وجلبتها المليشيات المهدية( تساتعده في لملمة أطرفه في انتظار المشروبات التي ستقدم إليه بعد قليل.
"تعرفي يا ست؟ دي رحلة ناجحة مية المية .تتصوري! الواحد أخيرا قدر يختكم )تعلى تعتبة المجد والسؤدد( تعرفي!
أول كشف يطلع في أراضي الخرطوم الجديدة إحنا نمرة ثمانية طوالي! ووين؟ في حي الروضة الجديد ،درجة أولى
ممتازة مع كبار المسئولين؟؟!"
ـ طبعا كدة أول درجة من السلم إتختت ،بس باقي حبة إجتهاد كدة والطوابق تقوم.
فقاطعته الست:
ـ لكين دة ما داير ليهو صرف كتير؟ وإنت تعارف أنحنا ما تعندنا البسوي قدر دة؟!
ـ أنحنا هسع غير دهبي دة ما تعندنا حاجة لكين شيلو أمشي أصرفو وبعدين ربنا يفرجها ببركة سيدي الحسن.
ـ ل ..أنا بعرف بدبر .تصوري أحسن حاجة الواحد تعملها بعد )الكشف( دة إني لقيت )ود الدالبي( ،بعيد تعنك ،دة تاجر
كبير في الخرطوم .وتعملنا يعني إتفاقيات كدة تمشي المور "إ ن شاء ال".
الوقع أ ن السيد زين العابدين قد استطاع خلل تعام أ ن يضع أساسا متين ا للخطوات التي بدأها .ففي آخر زيارة قام به
)الرئيس القائد( ،وباسم الحتفالت والستقبالت كا ن ما تم )تجنيبه( ـ وما تثبت الوراق الرسمية تعدم وجوده ـ تعشرات
اللف من الجنيهات .هذا بالضافة لنصيبه من سكر )التومين( ـ الدتعم ـ بعد أ ن يقوم صهره المحجوب بتصريفه!
ثم أ ن هناك مشروتعات )الثورة( لبناء مدراس ،ومؤسسة الرتعاية الجتماتعية ومسجد .وكل ذلك تحت إشرافه الشخصي.
وقد كا ن متحمسا لحكاية المسجد هذه ،خاصة وأنه قد صار جيكثر من الصلة! فمنذ أ ن بدأت حكاية التجنيب هذه ،صار
)أستاذ زين( القديم يظهر مرة بعد مرة مثير ا بعض القلقل الداخلية اللسيد زين العابدين الفئوي .ولكن كمبيوتره
الشخصي الـ) ( personal computerالكائن في دماغة قد وجد له الحل! فصار يترجم الية "إ ن الصلة
تنهى تعن الفحشاء والمنكر" إلى "إ ن الصلة تمحو الفحشاء والمنكر"! ومع مرور اليام قام هذا الكمبيوتر بعمل أبحاث
)تعلمية( في مجال الفقه ،أثبت فيها إستثناء التجنيب من دائرة الفحشاء والمنكر!
ولكن تعم بشير ،قد أفسد تعلى السيد زين العابدين بهجة مسائه ،و هو يقدم إليه التقرير المفصل ليام الغياب مشفوتعا
بملحظات مثل:
في اليوم التالي ،وفي الجتماع التنويري الخاص برحلة الخرطوم ،وفي بند مواضيع أخرى؛ كا ن للسيد زين العابدين
الفئوي )شرف( إختراع وسائل الدفاع المبكر ،مردداا:
"أنا لي فترة كدة ملحظ إنو المتشردين بدأوا يكتروا في المدينة وأنا تعندي إقتراح نقوم بحملة كدة )لتفريغ المدينة من
المتبطلين( .القادرين منهم تعلى العمل طبعا تسوقهم الشرطة لمناطق النتاج ،والبقية نضيفهم لتعباء الرتعاية
الجتماتعية .وبكدة يكو ن تعندنا )أدلة مادية( نقدر نستقطب بيها الدتعم".
قال ذلك ثم ضحك!! فوافق المجتمعو ن تعلى اقتراحه بالجماع! قد كا ن اليوم الذي بعد تعسيرا تعلى السابلة .لما تعرضوا
له مما سمى بـ)حملة تفريغ المدينة من المتبطلين(!
ولكن السيد زين العابدين قد أصيب بالخيبة وهو يطالع كشف المقبوض تعليهم من )الدوريات( ،فجو كا ن قد غادر
المدينة مكتفيا ببركات سيدي الحسن )أب قباة لبنية( تعائد ا إلي الخرطوم ،بمشروع جديد بحجم الوتعد الذي تضمنته
رسالة نو ن باللقاء في الجامعة .تعلى إ ن يصله راتبه من الرسائل كامال غير منقوص.
****
الصيف ...الصيف
الخرطوم تتأفف من رياح الطلسي التي قطعت الوهاد الطويلة لتنفث مطرا كاذباا .وما زال أبدللهي إساخا يتجول في
شوراتعها "ترمس ..ترمس ،"..ويمني النفس ـ في ذلك اليوم ـ بحصيلة جيدة من جيوب )الجماهير( التي تتقاطر صوب
الستاد لمشاهدة مشاجرة هلل مريخ .كا ن جو وقتها قد أكمل الستحمام تعلى ضفة النيل الزرق .وتسكع في شارع
النيل وهو يحلم أحلم اليقظة كلما رأي صورة زيدا ن إبراهيم ملصقة تعلى حائط تجرجر المارة لستعادة ذكريات العمر
الحلوة.
كا ن تعائدا من هناك .ولما تعبر شارع الجمهورية كاد يطير من الفرح وقد لمس أذنه صوت غازل فيه أهازيج الضحى
المدرسي:
ـ ما خجرمتوها إنتو.
ثم أضاف:
ـ لكين أنا المابصدق ،يا خي كيف؟ كدي أول حاجة طلمنا يا جرقاس أخبار العصافير شنو؟
وبعدين ما ياهو إنت سمين لسة ،وتعندك سكاكات تلحق قطر مش ل ندروفر!!
ـ يا خي إنت راجل )أي كلم(! جواب ما ترسلوا؟ وجل الطاقة كلها كملت مع جوابات النونات؟
ـ طبع ا قرف كلهم بقوا أولد ثانوي .إل صاحبك بطيخة! تصور أبو البطاطيخ تعمل ليهو تعمة وماجدي ليك كرشو ،وراح
قاتعد في دكا ن أبوه يقيس في القماش!!
ـ وأبو الشرابيت؟؟
ـ كيف؟!
ـ ال! معقول زهر تعمل كدة؟ أكيد إنت السبب ،بحركاتك تكو ن طفشتها؟!
ـ يا زول حركات شنو؟ تصور بعد المتحانات ما صدقنا أخدنا لينا )قدوم قدومين( كدة ،وقلنا يا خي نتلقى بعد النتائج.
أنقر النتائج طلعت إيه؟ جانا الخبر شايلو نكير وقال يا مؤمن وين صلتك؟ وضربة ساطور .تصور زهرة لرم فيها واحد
قريبها كدة مقطوع الطاري وراح مقصقص )البتلت(! تصور أخوك قرب ينتحر إل ربك ستر! لكين في النهاية نعمل
شنو؟ "يا هو حال الدنيا حالها" .لكين المغسة إنو السبب كله ال ########السمو ود العمدة! تصور! مشى إجتعرص
لهلها بحكاية يوم الحفلة ديك!! وإنت تعارف إنو أهلها ديل تعاملين فيها )شيوخ( ،قالوا "كما ن جابت ليها قلة أدب!؟"،
وراحوا معلرسنها لقريبها التافة ده..
ـ لكين وال دة خبر محز ن!! ليه؟ ليه كدة يا دنيا ليه!؟
ـ المحز ن في المر إنو الراجل دة راح موديها ليك )رحجلة( كدة في الخل إسمها إيه قال! تصور زهرة في حلة إسمها
)جريبانة(!! وكل الغنا داك راح في الكولة الفي قلبي أنا!
ـ وتعزة كيف؟
ـ تخيل تعزة دي أنا اتحيرت فيها! تصور من اليوم النت مشيت فيهو ،كل ما تلقينا تقعد تبكي إنت البت دي كنت
غالشيها من ورانا وجل شنو؟
ـ يا خي دي بت تعندها إحساس.
ـ المهم هي هسي في كلية المعلمات .أما صاحبك شطة طبعا بقى لتعب كبير ،سجلوه ناس فريق الرتعد .وكا ن هداف
الدوري في المدينة .وبالمناسبة دي إنت شكلك حتفوتنا هلل مريخ!
ـ ياخي خلينا في هلل مريخنا نحنا .آها بال كيف أبو خمسين؟
ـ ل حوله! ما قلت ليك!! ياخي الراجل دة لموا ليك فيهو جماتعة بتاتعين دقو ن كدة ،تخيل أبوخمسين بقى واتعظ!!
ـ أبو الشرابيت .أنقر دة هسي يكو ن وين؟ أكيد مشرور وقاتعد يتلفت زي قروي في المدينة .دة جاء العاصمة وكا ن
مفروض نتلقى قدام الستاد ونخش الكورة.
ـ ياخي سيبو دة هسي يكو ن زهج وهسي تلقاه في المسطبة الجنوبية ..طبعا إنت تعارف أخوك هللبي واي واحد فينا
سليط اللسا ن وتعشا ن ما في واحد فينا ياخد تعلقة طبعا كا ن كل زول يشوف مراحو وين في الستاد ..المهم هو هسي
قاتعد مع جماتعة قرايبو كدة في كوبر .نقوم بكرة نهبر تعليهو.
وبعد مطالعة أوراق الحلم .وقصص الرحلت المكوكية .ظهرت حكاية الوكر المهجور وأخبار )شرف الوطن( في )حي
فوق بتاع الخرطوم(:
فعقب تعودة جو من رحلته المكوكية ،كا ن يلتقي بأبدللهي إساخا في أواخر النهارات تعلى حافة أبو جنزير .يتكئا ن تعلى
الحائط المهشم ويحيكا ن تعن الحلم .ولم يفهم )مستر إساخا( ما يريده جو من الدنيا بالتحديد! فهو ل يعرف معاني
كلمات مثل )ملح االرض( و )المرافيء البعيدة( و)الوجود( ،فيعلق:
ولكن إساخا كا ن محدد ا في كل شيء وهو يملي رسائله إلى البلد ،فيكتبها له جو بأقل مما تقتضي المانة؛ فبدل من فتين
يكتب فطين .وتعبد ال إسحاق بد ال تعن أبدللهي إساخا!؟ ثم بعد ذلك يذهبا ن إلى قطار الميجا ويرسل ن الرسائل ومعها
ما تيسر من حصاد.
ولما يجيء رد الرسائل من كتم ،يجلسا ن ويقرآنها حرفا حرفاا .وأحيانا يذهبا ن إلى بيت أبدللهي إساخا الكائن )بزقولنا
بتاتعة الحاج يوسف( ،حيث أصبحت للخرطوم زتعانف تتمدد كل يوم بأمثال أبدللهي إساخا .وهناك يمتنع إساخا تعن
)الحرام( فيمضي جو لوحده إلى )معرض شرف الوطن( ويطفيء أحلم اليقظة التي يشعلها تعطر نو ن الذي كا ن هو هو
في يوم )النافذة( ويوم )الزيارة(! ولما يخرج ،يمسح تعرقه ويلقي بكلماته إلى السماء )آسف نو ن(! وذات يوم ذهب إلى
هناك قبل حلول المساء ،فوجد المعرض مزدحم ا كأنه سوق أم دفسو .تأفف من الزحام ،ثم استدرك قائال لنفسه" :ياخي
ل ."..وبينما هو يمر خارجا من )العكة( ،مؤج ال فكرته ،فإذا بماء طست القاذورات ينقذف تعلى بنطاله دة بيت أبوك؟ ي ج
من وكر تعلى حافة الزقاق!
ـ ديرنك!!
وتدخل المارة:
ـ خلص خلص يا أخوانا باركوها ياخي طول بالك ..إنت تعارف الجماتعة ديل!؟
وفي تلك اللحظة خرجت ،من الوكر المجاور ،جارة "السبابة" لتستطلع المر:
قالت ثم أضافت:
كا ن جو قد مات من الدهشة! وظن أ ن هناك مؤامرة كونية! فكأنما )غافل الشيطا ن الرب( وقام باستنساخ نو ن تعلى
تعجل كما يفعل مزورو العملة الذين ظهروا في تلك اليام! كانت حبة الشباب هذه المرة تعلى الخد اليمن المائل إلى
القمحي ..والصوت زنكوغرافيا! وذهب الغضب مع المنظر:
ضحكت ثم قالت:
ـ تعال.
أخذته ودخل:
ـ سوسو ..
ـ وإنت؟
ـ جو
ـ دة أسم ول لقب ؟
ـ النور تعثما ن
ـ خلص يا جو ..
ـ جو يا سيدي ..
ـ خلص يا ستي ،آسف ـ أستدرك خطأ السؤال ،ثم أدخل يده في جيبه وأخرج الجنية ومده إليها .أخذته وأدخلته بين
نهديها ثم بدأت فيما هو معروف.
ـ شوفي يا سوسو ،أوتعك تقولي الود دة كدة ول كدة ،أنا بس تعايز تسمحي لي أشوف وشك وألمس الحبة دي ..ولما
الزمن يخلص تقولي لي خلص .أقوم أمش.
ـ ل وال!
ـ ول وال.
ثم:
ودخلت تعلى أبدللهي إساخا حكايات جديدة ،ولكنه كا ن متسامحا معها باتعتبار أ ن الراجل يحق له )شرتعاا( أربع أما هو،
فيسكتفي بـ)فتين( ـ سؤاله البدي الوحيد! ومنذ ذلك اليوم صار جيدق إسفين العزاء إلى أ ن جاء أولد قرف مرة أخرى
وابتذلوا القضية الملتبسة وأتعادوا ذاكرة النجم كاملة" :أدخل تعلى الفرق وخلي الشبه لسيادو"! هكذا أوتعزوا له
وقفلوا إلى مدارسهم راجعين ،حاملين معهم وصايا إلى كل ما ومن هناك.
****
اطمأ ن السيد زين العابدين إلى خلو المكا ن من الجراثيم لما رأي البنت وقد بدت أكثر اجتهاداا .ومنذ بداية العام الدراسي.
ل معفنا لم يكونوا كذلك! فها هو إبنه صلح ولكن هذا الطمئنا ن له أصل آخر ،فقد ثبت له أ ن بعضا ممن كا ن يظهنم بص ا
وجماتعته قد تعادوا إلى الحظيرة يرفلو ن في أمن ووأما ن! ثم ها هو صلح ـ وبإشارة منه قد صار موظفا )كبيراا( في
الرتعاية الجتماتعية .ولنه قد زالت الشكوك حول تعفونة البصال التي ينتمي إليها صلح ،فقد صار منزل السيد زين
العابدين مكانا تعلنيا لجتماتعات تتجدع فيها النلحى وبعض العمائم من الباب إلى آخر النافذة!! لكن أهم ما في المسألة،
هو الخطوات العملقة التي خطاها السيد زين العابدين تجاه )المجد والسؤدد( ،فقد تورط ووقع في قبضة الشرطة بعض
ممن يسمو ن أنفسهم بتجار البن ـ الذين هم في الواقع مهربي كل شيء .وفي وقت متأخر من ليلة ما ،دق المحجوب
باب صهره ،الذي اضطر للذهاب إلى مكتبه لي ال! وفي اليوم التالي ،وجد السيد زين العابدين نفسه في وليمة أتعدها أحد
أصدقاء المحجوب في بيته )العامر( .بعد الفزتعة التي فزتعهم إياها .كانت تلك العزومة )الجتماع( بداية فعلية للدخول
في )الطريقة(! حيث أخبره البنك بعد أيام بأ ن رصيده زاد نقطة تعلى اليمين .ذلك تعندما ذهب يستقصي وتعود شيخ
الطريقة.
في العزومة الثانية ،قجدم له شيخ الطريقة اقتراحا منطقياا .وهو؛ بما أنهم بصدد تشييد مكاتب الرتعاية الجتماتعية ،فإنه
يقترح إنشاء دور للرتعاية )من فعل الخير( باتعتبار أ ن المكاتب بل دور أو مراكز خدمية أمر ل جدوى منه .وتعلى إثر
وجاهة القتراح وافق السيد زين العابدين تعلى الفور .فبارك الشيخ ضربة البداية .وتبرع بمبلغ تكهرب له شعر السيد
زين العابدين ،بل وقجبضه الشيك في الحال.
في اليام التالية ،وبعد أ ن أصدر توجيهاته ،بدأ سيد زين في إتعداد خطبه الرنانة ،التي سيلقيها في زيارة أول مسئول.
بل وطفحت في ذهنه فكرة دتعوة السيد الوزير المختص ،كجزء من الدتعاية للمشروع .وستكو ن زيارة الوزير دفعا
لمسيرة الرصيد الذي صار إسمه )البركة(! وخاض السيد زين العابدين في أفكار شتى ،حتى أنه رأى في أحلم اليقظة
منزله ذو الطوابق الربعة مشيد ا وأمامة نخلتين من نخيل الزينة ومجموتعة من أشجار المهوقني المسورة ،حماية لها
من )أغنام الخرطوم الضالة(!
ولما تأكد شيخ الطريقة ،بوسائله الخاصة ،من ابتلع الحوار للطعم ،جاءه بالقتراح )العديل(؛
ـ شوف سيادتك ،إنتو بدل ما تقعدوا تشحدوا من الناس البقت ما تعندها شفقة دي ..إنتو ما تستثمروا إمكانياتكم
ومقردراتكم؟!!
ـ إنت تعارف ياسيد ،إحنا المبالغ المصدقة دي زي ما قلت ليك لحدي هسع ما وصلت المبلغ النت إتبرتعت بيهو ..وفيك
الخير و)البركة(.
ـ ل إنت ما فهمتني! أنا ما بقصد المبالغ المصدقة .أنا بقصد حاجة تانية..
ـ حاجة تانية!!؟
ـ أيوة يا سيد زين يا زتعيم الفئويين ..خليك معاي ..إنتو مش تعندكم سكر الدتعم؟
****
"وال ما تعندنا غير العمارة الكنتو شغالين فيها مع معلم أرارا ديك .اليومين ديل فيها تشطيبات .ممكن تمشي تدتعك
السللم بالحجر لحدي ما الواطه تجف ،وبعدين تبدو في العمارة الجديدة"..
وبينما هو يصنفر السللم بالحجر وشرائط الصنفرة .جاء تعامر الديكوريست صاتعدا ونصحه باستعمال )الجوينتيات(
حتى ل يدمي يديه .صعد تعامر ثم نزل حامال الجوينتيات ورماها لجو قائ ا
ل:
قال جو في نفسه" :إذا كانت ستمشي تعليها نو ن ،فيلكن" .وكانت نو ن قد سربت إليه ،في رسائلها ،خبر تعمارتهم
الجديدة! ولكن تعليقات تعامر أتعادته إلى معترك السئلة الخطرة" :كيف يا ترى استطاع صهري العزيز أ ن يسير كل هذا
الطريق؟" .وفي آخر النهار ،قجدم إليه )تعامر ديكور( تعرضا بأ ن يترك هذا )الهباب( ـ كما قال ـ ويعمل معه مساتعداا.
فوافق جو تعلى الفور.
ومنذها ،نشأت بينهما صحبة ،تحولت إلى صداقة حميمة بعد أ ن اكتشف ديكور ما في هذا المساتعد من )حس جمالي(.
وكا ن تعامر هذا قد تخرج في كلية الفنو ن الجميلة من سنوات .ولما لم يجد أمامه مهنة غير)مدرس فنو ن( ـ التي ل
يكفي مدخولها الملبس والطعام ،صار يمارس أتعمال الديكور ثم استقر تعليها أخيراا .وبعد أيام من الرفقة والحكي،
أتعجب ديكور بجشرلة أولد قرف ،وقدم طلب ا للنضمام إليهم ،فقام جو بتعيين نفسه لجنة ،ونظر في الطلب ،وقبله! ودفع
ديكور رسوم النضمام برسم لوحة )يد التنين التي تقبض تعلى الضفيرة( تعلى خلفية شمس كبيرة مشرقة .ثم قام،
بمزاج ،بنسخ صورة نو ن تعلى لوحة كبيرة وزاد ابتسامتها وضوحا وألبسها إطارا ثم وضعها في غرفته في مواجهة
الباب! وبسبب هذه الصورة بالذات ،صارت أيام جو تنقسم بين وكر مندكورو وبيت تعامر ديكور .يوم هنا ويوم هناك.
إلى أ ن استقر أخير ا مع ديكور .فانتظم إيقاع حياته ،وأمسك بطرف الطريق الذي كا ن هلماا .يصحو في الصباح الباكر
كعادته ،يقبل ابتسامة نو ن ثم يجر )كرت اليوم( بالنيابة تعن ديكور .فإ ن وجد الكرت أقل من ) (7اضطر إلى جلب جك
ماء بارد وصبه تعلى رأس ديكور متحم ال كل اللفاظ النابية و)الدين المكعب(! فقد كانت لديكور هذا تعادة غريبة ،هي
أنه ل ينام إل وهو يضع )فردة كوتشينة( تحت وسادته! ول يفتح تعينيه إل بعد أ ن يجر كرتاا ،فإ ن وجده أقل من )(7
قال:
ويواصل نومته!!
أما إذا كا ن الكرت ) (7فما فوق قام مسرتع ا إلى الحمام وخرج ليقبض الحظ قبل أ ن )يطير(!! إلى أ ن جاء جو وحطم له
معاركة مع هذا الحظ!!
وصارا يخرجا ن كل يوم يججمل ن العالم .في البداية ،كا ن ديكور جينلظر لوحده .ولكن بعدها صار جو هو الخر ج
منظرا ـ بعد
أ ن سلك الطريقة الجديدة بسرتعة فائقة.
آخر النهار يغسل ن تعنهما وتعثاء العمل ويذهبا ن إلى وسط المدينة ليتلقيا بأبدللهي إساخا .يقرآ ن له الرسائل ،ويتبرع
هو لهما بكيسي ترمس .ثم يذهب جو إلى الكمبوني ،وأبدللهي إساخا إلى "ترمس ..ترمس "..ويبقى ديكور منتظرا
لساتعات يتامل وينجظر في )ديكور( المارة!
في المساء .يخرج جو ،فيذهبا ن إلى )سيدة الفرح( .هناك يسكرا ن بالبلدي .يمرحا ن ويتشاجرا ن .ثم في آخر الليل
يعبرا ن الطرقات يترنحا ن سكرا وينشدا ن:
ويقرأ ديكور أشعارا مجهولة المؤلف يشتبه جو في أنه هو مؤلها .في أيام أخرى يحمل ن )تعطرهما( إلى البيت :ديكور
يرسم .ويفتح جو كتابا ويقرأ:
الجحيم لسارتر
الغريب لكامو
و...و ...واستشعر تعامر ديكور رغبة جو القديمة ،فدله تعل خشبات مسرح شكسبير ،والمجنو ن صمويل بيكيت.
صارت الدنيا تتسع في تعيو ن جو أكثر فأكثر .و صار يقترب من )الفكرة( .وانشرحت له معاني فنتازياه المشتركة مع
أستاذ تعساكر ،وبدأت تثور مجادلت في السياسة! مدخلها ما أسماه جو بـ )الرزاق( التي هبطت تعلى صهره
المستقبلي .ولكن ديكور بدد له حكاية الرزاق هذه بالقلم والمسطرة .وتعادت إلى جو السئلة الخطرة مرة أخرى:
"ولكن لماذا؟"
"وما حقيقة هؤلء النسوة اللتي ل يمشين إل تعلى )البلط( والسللم المدتعوكة؟"
"ثم ما الذي يفعله بجلة وتعبد ال في السوق العربي حتى يكو ن لهم كل هذا؟ فها هو تعثما ن سنين وسللته يحفرو ن
الرض لقرو ن طويلة ،وليست لهم إل القطاطي؟!"
"ثم أ ن أستاذ تعساكر ،كا ن يكد ليل نهار ،ولم يسمع أحد أ ن له جزمة إحتياطي؟!"
بدأ جو يشك في المثل القائل "من كد وجد !"..فها هو يكد ،وديكور يكد ،وأبدللهي يكد ولكن ل شيء!! فصعدت
الشتراكية إلى الخشبة! غير أ ن جو ل يحب الشتراكية! فهي لم تنزل يوما تعن كبريائها لتجلس بجواره في مقعد
الدرس أو البص ،وهو لم يجرؤ تعلى تعزومتها )للعشاء( .فكل الذي حدث أنه يراها في الشوراع وقد فقدت تاءها
المربوطة .كبقية الفتيات اللئي فقد ن تعذريتهن .ولكنها تسير دائما بين )إثنين بودي قارد(! أمامها؛ واحد )تخين(،
مفتول العضلت ،و)كتال جكتلة( إسمه )التحاد( ،والخر؛ الذي يسير وراءها ،هو النحيف كبقية خلق ال واسمه
)السوداني( .لكن جو بالرغم من ذلك بدأ يستقصي تعن أصلها وفصلها .وفتح صفحة شجرة سللتها:
ماركس
أنجلز
لينين
ستالين وبنجامين.
فأتعاد الكرة" :شيليني ختيني في بيت ال المل ن غلة "..ووقع الختيار تعلى ماركس!! فتأمله جو ابتداءا من جزمته إلى
أ ن وصل إلى )الرأس الكبير( ،وكل ذلك بمساتعدات تعامر ديكور .وهنا تعرف جو لماذا يكره بجله وتعبدال هذا الماركس
بالذات! واقتنع با ن حكاية "أفيو ن الشعوب" هذه إشاتعة مغرضة .وقام بوضعه في لستة الصدقاء جنبا إلى جنب مع تعم
تعبده ورينقو وأستاذ تعساكر ونو ن وأولد قرف .صار يمشي في الطرقات وينظر بالنظارة التي أهداها إليه ماركس
بمناسبة صداقتهما ..فداهمه الحنين إلى زتعيم البلوتاريا تعثما ن سنين والمناضلة بت النور!
كا ن جو يتسكع يوما تعلى شارع النيل وهو يقشر الفول السوداني .قال:
"ساسافر"..
****
شاءت القدار أ ن تفتح كوة الضوء لليام وتبدد جز اء من العتمة .فبينما كانت نو ن في حمامها المسائي ،بعد أيام الوحدة
التي خلفتها سلمى ،بتحقيق حلمها والذهاب إلى الجامعة ،ولكن هناك وراء البحار ،وأنطفاء شموع البهجة التي أوقدها
تعمدة في إجازته السنوية ،بقيت لنو ن فقط ذكريات التعزي الطويلة.
ـ نازك ..
ظنت نو ن أنها هادية بنت الجيرا ن جاءت التأخذ كتاب )الممتاز( ..ولكن صوتا نديما تسرب إلى الحمام ..حتى أنها
لبست جونيلتها بالمقلوب ..وخرجت جارية.
وغاصت أنهار في البلل .وأصيب جو ،في تلك اللحظة ،بالقشعريرة وهو في الخرطوم!!
وبينما كانت الست مشغولة مع الخادمة في إتعداد شاي المساء ،والسيد زين العابدين منهمك في خطط التجنيب قصيرة
المد ،وصلح غارق في الخرى بعيدة المدى ،فقد ججنبت نو ن بعضا من غلواء الحصار .وتداتعت في ذلك المساء
ذكريات الفرح الجميل .استعاد الزما ن دورة من دوراته ..أطلت )المدينة( زهرة زهرة ،وطوبة طوبة ،وذرة ذرة..
ـ وال يا أنهار تتصوري ..وجرت إلى دولبها .رفعت الخشبة إياها ،تتصوري يا أنهار جاني هنا!! ألمسي يدي دي .ما
حاسة بيهو؟
ـ وال إنتي مجنونة .لكين برضو حظلك ..ما تتخيلي كل يوم أنا بتذكرك ..والبنات كلهم بتمنوا يكونو زيك ..أسكتي
ساي!! ما شفتي يوم الشؤم داك البنات تعملوا شنو!؟ تصدقي ما في واحدة ما بكت ..وال يا نازك بكينا وجقلبنا ليك
جنس جقلبة!!
ـ ال يا أنهار ..لكين ما مشكلة .يعني شوفي زي السجن دة هسي تعامل للواحدة شنو؟ أنا قلت أقرا بدالو ..وأحقق
معاهو كل أحلمو ..مش مهم إنشال نعيش في خيمة صغيرة .أكيد حنكو ن سعيدين..
ـ وال جينا لينا يومين كدة .طبع ا أبوي نقلوه هنا .وما تتصوري أنا فرحانة قدر شنو ..وأول ما وصلت سألت من بيتكم.
وأدخلت أنهار يدها في حقيبتها وأخرجت رزمة الرسائل .قامت نو ن وتأكدت من إغلق الباب ثم تعادت:
ـ وال سافرت ليها في حلتهم ،تخيلي بقت حنانة وأسي تعندها بت سمتها )نواندا( وقالت لو كا ن ولد ،كا ن حتسميهو
)جو(!
ـ وال كويس هو هسي في الثانوية ..وال كلهم مشتاقين ليك وبسلموا تعليك كدة؟
البوسة دي من زهرة ودي من جليلة ودي من تعزة أما كدة ) (...من تعلي إسماتعيل .ووضعت سبابتيها جوار بعضهما
ـ كيف ما بتذكرو؟؟
ـ وال يا أنهار دي حاجة حلوة .أنا سعيدة .تعرفي يا أنهار ،نحنا بعدين لزم نسكن جيرا ن ..ما خلص!!
وضحكتا طوي ا
ل.
ـ إتفضلي ..تعرفي يا أنهار بعدين أنا الحأتعمل ليهو شاي زي دة يإيدي دي ..تتصوري أكتر من سنة وأنا برسل ليهو
)كل يوم( جواب وطبعاا ما في طريقة هو يرسل لي .تتصوري العذاب النا فيهو .بس أقعد أقرا في جواباتو القديمة .لكين
شوفي بال حلوة كيف؟ شوفي )أوراق الشتا( ،تخيلي هو يقعد كل يوم ،بعد ما يشقى في النهار ،ويكتب لي!
ـ جو دة زول تعظيم ..لكن خلص هانت ..أنا أول رسالة لعثما ن أديهو العنوا ن ..وهو يديهو لجو أو أنت رسلي ليهو
تعنواني ،وتعالي شوفي يا ستي ،من البوستة لليد دي ..وضربتها تعلى يدها.
ـ ل ...دي.
وهما تعيدا ن تفاصيل اليام يوما بعد يوم ،كا ن جو قد وطأت قدماه أرض )المدينة( .ولكن هذه المرة ،كانت ذاكرة
النسيا ن قد دبت! لم يشر إليه أحد وهو يسير تعلى الطريق ـ كما كا ن يحدث في آخر أيامه فيها .وفي طرف السوق
الشمالي الشرقي .ها هو بطيخة )بجللة قدره( يجادل المشترين:
ـ ل ما تحلف
ـ ال زي ما شايف ..ياخي إمتحنا مرتين ودقينا الدلجة ..وقلنا نشوف شغلة تانية!
ـ كويس شنو؟ بال واحد زيك يخلي المدرسة!! يا خي دة إنت كا ن تعمل الذرة!
ـ ما تبالغ يا أبو البطاطيخ ..لكن بالمناسبة دي ،بال كيف أستاذ الذرة؟
ـ وال كويس ،ما كلمتك ،ما بقى مدير! لكين نقلوه )البيض( .وال ذكرتنا أيام زما ن ..تصور! شغلنا بتاع المسرحية
داك نفعنا ليك جنس نفع! يا خي أخوك بقى تعندو زبائن زي المطر!!
ـ ل خليها ساي ..ديل طبعا كلهم في المدرسة .وقاتعدين يمروا تعلينا بالمساء..
"دة أبشلخة"
ثم أمره:
"أسمع يا أبشلخة ،شيل العجلة دي أمشي المدرسة الثنوية قول لشربات يسوق الجماتعة ويجو بسرتعة"..
ـ تعرف! أبشخلة دة كا ن واحد من الشماشة .قمنا شجغلناهو معانا .يا خي دة ود ذكي ونشيط خلص يا خي بذكرني
برينقو )ال يرحمه(.
ولما أبلغ أبشلخة تعلى إسماتعيل الذي كا ن ينفض شراباته تعلى سور الداخلية ،قذفها ثم دخل إلي العنبر صائحاا:
ـ بال يا جماتعة جدتعوا الكتب والكراسات دي .أبو البطاطيخ الليلة تعندو )وليمة كاربة(..
وكانت تلك الوسيلة الوحيدة لهزيمة جحافل المحركة .فارتدوا بناطيلهم كيفما اتفق ثم هرتعوا إلى السوق.
...
فهجموا تعليه ،ولم ينقذه من )الغمت( إل مصطفى بطيخة بمتره الخشبي ..
وها هم أولد قرف يلتقو ن مرة أخرى ،ما تعدا سيد شطة الذي كا ن في معسكر الفريق لمباراتهم )الهامة( في الدوري ـ
التي تغيب بسببها حتى تعن المدرسة.
فتدخل فريني:
ـ أبو خمسين دة لموا فيهو الجماتعة وجابوا فينا قو ن .ما قدرنا نعادله!
ـ ياخي دة تعامل لينا فيها إمام جامع .قال شربات .فرد تعليه أبوخمسين:
ـ ال يهديك يا شربات..
ـ ال يهدينا ياخي ،بس تعليك ال بلطل تطلير لينا نومة الصباح تاني.
ـ خلص يا )شيخ( ،بس بعدين لما يسألوك يوم القيامة ،تقول نومة الصباح حلوة؟
وانهمر شلل الحكي .وجقللبت أوراق الزما ن وتفاصيل التفاصيل إلى أ ن تحركت أحشاء شربات فقال:
ـ ومال إنت تعايزنا نسمن من وين؟ ول إنت تعايز تكو ن سمين براك؟
تدخل فريني:
ـ تصور يا جو ،ديل مفلسننا! لكين أصبروا لي .تعلى الطلق تدفعوها تعلى داير المليم .لو ما هسي يوم القيامة .وال
ياخولت ما أخليها ليكم أصلو.
وضحك جو من تهديدات بطيخة الجوفاء ،ثم أستدرك بطيخة أ ن الوقت أصبح ملئما بعد أ ن أخذ أبشلخة الزيادات إلى
البيت .فأمر أبشلخة بحراسة الدكا ن" :جيب لي المفاتيج بعدين"
وتعقب الغداء الدسم ،خرج أولد قرف إلى زيارة الطلل والستمتاع بالذكريات .وأشع الفرح من جديد تعلى )المدينة(.
أضطر أبو خمسين أ ن يشايعهم في دخول الستاد في الشوط الثاني لمشاهدة ترقيصات سيد شطة الممتعة وأهدافه
الحاسمة..
قام سيد شطة بعمل ترقيصة وباص الكرة تعلى الجانب الشمالي الغربي من الملعب .ووقف ليلقي تعليهم التحية ،فحملوا
جو ولوحوا به .ففرك سيد شطة تعينية هو هذه المرة .ولما تأكد من هوية العلم المرفوع ،ترك الملعب وسط دهشة
الجمهور ،وفي مصارتعة تعنيفة ألقى بجو أرض ا وبدأ العناق الحميم! المر الذي استدتعى تدخل شرطة الملعب لفض
المشاجرة ،التي تكشف أنها لعب في لعب! ولكن النتيجة كانت أ ن أخذ سيد شطة كرتا أصفر من حكم المباراة!!
وفي الليل ،في ديوا ن بطيخة ،تعرف جو أ ن تعلى إسماتعيل قد أصبح مدرس الرياضيات البديل بعد أ ن فشلت المدرسة
في استجلب مدرس رياضيات!!
المر الذي ساق البقية أ ن يختاروا المساق )الدبي( .لكن تعلى إسماتعيل الكضاب أصر تعلى المضي لتحقيق حلمه في أ ن
يصبح مهندسا حقيقا بدال من هندسة ألتعيب وتكيتكات أولد قرف .وكا ن هذا دليال تعلى الفوضى التي باتت تنعم بها
المدرسة ،خاصة بعد ذهاب أستاذ الذرة .فأصبح ،بالتالي ،ل غضاضة من بقية الفوضات.
في صباح اليوم التالي ،ذهبوا إلى زيارة فتحية أخت جو ،ودخلوا المدرسة الميرية ـ هذه المرة ـ كفاتحين وليس
متلصصين من وراء السوار )بل حجج مقنعة( كما كا ن يحدث في أيام مضت.
وبعد فتحية ،قالوا يا دجاج بت النور جاء أجلك ،فامتطوا صهوة لوري حاج تعمر إلى أم شقايق ،محتقبين معهم )جوز
كوتشينة(.
وهناك أقاموا معسكر ا للهرج والمرج .وهرسوا تعظام دجاج القرية كلها وليس دجاج بت النور وحده .ورقصوا في
ساحات القرية ووقعوا في غرام القرويات بنات خالت تعلي إسماتعيل وجو.
وقد كانت المجادلت حول السعار سببا حقيقي ا لنشوء صداقة بين الحاج تعثما ن سنين وبطيخة )كبير التجار( .وقد كانت
بت النور سعيدة كأم تعريس ،إل أنه بقى )شيء( في نفس تعثما ن سنين؛ فهو كا ن يرجو أ ن يحقق جو أمله بأ ن يصبح
)ظابط( كبير مثل )المسؤلين( ،الذين تذهب القرية بدلليكها لستقبالهم في زياراتهم التي كانوا يقومو ن بها مرة بعد
مرة ،ليلقوا بالوتعود للناس .أو تعلى القل أ ن يصبح مثل خاله تعبد الرحمن النور .وبرزت سيرة )أولد خاله( ووالدتهم.
ولكن جو رد بأنه لم يلتق بهم .ولم يبحث تعنهم .فلمه حاج تعثما ن تعلى ذلك "فهم أهلك!" .ولكن بت النور رأت صحة
موقف إبنها باتعتبار أ ن هؤلء قد تخلوا تعنهم .فأكثر من تعشرين سنة مرت "ل المره ول أولدها" زاروهم بالرغم من
أنها تكبدت المشاق وزارتهم مرتين .إل أ ن جو اقتنع بخطأ موقفه .ووتعد بأ ن يبحث تعنهم تعقب تعودته بعد أ ن تعرف ـ
بصفة غير مؤكدة ـ أنهم يسكنو ن بحري القديمة.
بعد تعشرة أيام ،تعاد أولد قرف إلى المدينة ،قضى جو يومين أحلى ما فيهما لحظة التجول في المساء وتعبور الجسر،
وأحز ن ما فيهما اختفاء آثار قبور رينقو ورفاقه!!
وطبعاا تعرف جو بحكاية شربات مع أنهار .وصعق وهو يستمع إلى خبر إنتقال أنهار إلى ديار الحبيب!
وقبل أ ن تصل رسائل أنهار إلى شربات وأ ن يستلم جو الرسالة المفرحة ،وبتكتكة من أولد قرف ـ بعد أ ن استعادوا
بعض ا من تفاصيلهم الماضية ـ كا ن شخص يقف بجوار أشلك البوليس:
ل وسه ج
ل! ـ أيوة ..أه ا
ووصلت أنهار إلى بيتهم وهي تحمل معها باكتة أوراق الشتاءات وإيقاتعات المطر .ورسالة بحجم الكراس.
وواصلت حدائق العمر روانقها في المساءات الرحيبة .فبعد كل جولة تعبر صفحتين من من المذاكرة ،تتفتح أيام وأيام.
وتختم جولة المذاكرة برسائل ملؤها الرواح ونبضات القلوب .تتكفل أنهار بالبقية.
****
كانت الرحلة إلى الخرطوم في هذا الموسم/الستقلل ،رحلة تعمل بحق وحقيقة ،وجقع فيها السيد زين العابدين تعقدا مع
المقاول ،بعد أ ن سلمه مبالغا محترماا ،وشيكات مؤجلة ،والتقى بود الدالبي الذي قذف هو الخر بالمضرب الثاني:
ـ أيوة ياخي )الحمد ل( الخطوة الولى حتبدأ السبوع الجاي ـ قالها بفرح ـ وبعدين كبرنا ياخي ،والولد كبروا كما ن
ولزم الواحد يأمن مستقبلهم..
ـ أيوة صاح .لكن يا خي حكاية السكر دي أنا تعندي ليها فكرة ،فبدل ما تكلفوا أنفسكم ترحيل وكدة وإنت تعارف الترحيل
اليومين ديل بقى بالشيء الفلني ،أنا بقترح يعني تستفيدوا من حق الترحيل دة..
ـ كلمل اقتراحك.
ـ أنا بقول يعني إنتو تطجلعوا لينا الوراق .وإحنا بعد داك نتصرف فيها بطريقتنا .وإنت تعارف الباقي طبعاا..
ـ مفهوم ..مفهوم.
ـ ال يفتحها تعليك ..وبكدة كما ن مستقبل الولد يبقى )أكتر( من مضمو ن ..وضحك
ـ وال صدقت.
...
وبعد كم أسبوع ،إستلم ود الدالبي )الوراق( ،وتعبرها ،وبطريقته الخاصة )إياها( ،صار سكر)الشرق( بالضافة لسكر
)الجنوب( ،وسكر )الغرب( سكاكر )قومية(! "ل نفرق بين أحد !!"..وزادت أرقام التجنيب أصفارا أخرى!!
لكن شيخ الطريقة هناك رأي أ ن المر بدأ يفلت منه فحرك أياديه الخفية:
كا ن السيد زي العابدين ،في آخر النهار ،جالس ا في مكتبه يقلب صفحات المسقبل والرقام في خياله ،فدخل تعليه ضابط
المجلس:
ـ يعني سيادتك إحنا راجعنا الحسابات ..ولقينا المسألة يعني ،وإنت تعارف المحافظة تعلى النزاهة ومقردرات البلد واجبة..
وبعدين إنت تعارف أتعداء الثورة كايسين ليهم حاجة كدة ول كدة!
وفي اليوم التالي .أقام السيد زين العابدين )وليمة( في منزله .وقد فهم شيوخ الطريقة ،بالطبع ،دوافع الوليمة .وبعد أ ن
تجشأوا وهم يرشفو ن القهوة البجاوية ،دخل سيد زين العابدين في الموضوع مباشرة:
ـ شوف يا شيخ حصلت بعض المشاكل كدة ،وطبعا إنتو ملحظين إنو السكر اليومين ديل ما قاتعد يجي ..
ـ ملحظين ..ملحظين
ـ في الحقيقة أنا تعملت صفقات كدة مع ود الدالبي في الخرطوم ،للمصلحة العامة يعني ..
ـ خلص خلص يا أبو الفئويات ..وال إنت بقيت راجل خطر ـ هيئ هيئ هيئ ..ضحك شيخ الطريقة.
ـ يا جماتعة ما تآخذوني..
ـ ل .مفيش مؤاخذة ول حاجة ..إنت بس غلطا ن ياخي!! كنت تكلمنا ،لكين إتعتبر المشكلة محلولة.
ولما زاره الضابط فيما بعد ،أكد له أ ن "كلو تمام التمام" .وبمناسبة الحل هذه ،كانت العزومة هذه المرة في بيت الضابط
بعد أ ن تم التأكد من تبدد آخر ذرة كا ن يلوح بها )تاريخ أستاذ زين القديم(.
سافر شيخ الطريقة إلى الخرطوم وتعاد بالضربة القاضية .وكانت في مكتب السيد )أمين المنظمات الفئوية
والجماهيرية(:
ـ وال لسة ،بس إحنا بصد وضع حجر الساس ورسلنا للسيد الوزير تعشا ن )يشجرف( المناسبة وإنت تعارف ..يعني
)إتعلم( للمسألة ..و..
ـ وال كويس ..فكرتني بمناسبة التعلم دي ..أنا اليومين ديل ما شايف صلح ابنك؟
ـ ل نسيت أكلمك ..دة جماتعتو لقوا ليهو وظيفة في البنك بتاتعهم الجديد في الخرطوم.
ـ وال تعال العال ..أهي الحكاية بقت ماشة "تعلى قدم وساق" زي ما بقولوا!
ـ وال ربنا يا هو مزود تعلينا الخير و)البركة( ..قلنا كويس يمشي الخرطوم .وبالمرة يشرف تعلى البيت طبعا أنا كلمتك
إنو المقاول بدأ ..والحكاية مرقت من الرض ،وماشة لي فوق.
وبمناسبة المباني دي أنا جاييك لحاجة مهمة :لكين قبلها أقول ليك حكاية الرتعاية دي ما تخلو معاها الجامع والمدرسة
والجزخانة كما ن؟
ولما يجي الوزير بنضرب "تعصفورين بحجر واحد"؟ ول إنتو ناوين لمناسبات تانية براها؟ لزوم التجنيب وكدة؟ أها أها
أها ضحك.
ـ شوف يا سيد أبو الفئويات .إنت بعد دة خليك من حكاية الحفلت والزيارات والستقبالت دي ،دي خليها لناس
المجلس وأدخل في التقيل..
ـ ي جل ورينا إقتراحاتك النيرة ..أنا تعارف إنو تعندك إقتراح ـ قالها بمرح.
ـ أيوة .شوف يا سيدي ـ وأصلح تعمامته ـ أنا بعد ما لقيت ود الدالبي ،أخدت منو محاضرة مفيدة جدا جداا ،دة راجل
داهية!!
شوف يا سيدي إحنا بالضافة لحكاية السكر دي تعايزين )ندتعم( الحكاية بحاجات تانية ،مضمونة مية المية .وما فيها
أي كدة ول كدة .ل حسابات ل مراجعات ول يحزنو ن.
ـ شفقتنا يا أخي!
ـ شوف سيدي .الحكاية بسيطة وقدر دة ـ ولوح بقلمه ثم واصل وهو يرمي بضحكته المرتعبة:
ـ إحنا حنبدأ بالرتعاية الجتماتعية والجامع ..إنت طبعا تعارف هم بحتاجو يعني أسمنتي وسيخ وكدة؟
ـ أيوة ..
ـ أيوة ...أيوة!!
ـ أيوة!!
ـ خلص ،إنت مع السيد الظابط تجهزوا التصديقات وطلبات التعفاءات من الجمارك ،والباقي تعلينا ..وطبعا ود الدالبي
تعندو ناسو في )الميناء( و )المكاتب( ،وبكدة:
ـ "الجوة وين؟"
ـ نجوة!
ـ والبرة وين؟
ـ نجوة!
وهكذا ،ذهبت "البنسلين يا تمرجي" إلى سلة مهملت التاريخ ،بعد أ ن زينت حفلت التعراس لجيال وأجيال!!
*****
إلتفت ابدللهي إساخا ممنيا النفس بتسليك ما تبقى من ترمسه ليجد نفسه صائحاا:
ـ وال بسلموا تعليك ،وبت النور مرسلة ليك كيس فول ونبق وللوب كما ن.
ـ وللهي كا ن كنت آرف نلقيك جسدفة كا ن جبت جواب مآي ..إشا ن تقرا لي.
ـ برضو ماشي ..هسي تقلك داير تموت تعشا ن تعرف فيهو شنو؟
ومضت السيرة في الهل والقارب ..وأخير ا جاءت الجابة تعلى سؤال إساخا القديم ،فعرف ،بعد سنوات ،أ ن أهل جو
)المزتعومين( في الخرطوم ،يسكنو ن بحري القديمة!
وبعد أيام ،ح جفت لجو ،فذهب يبحث تعن أقربائه ..تجول في بحري القديمة ولفها شارتعا شارتعا إلى أ ن تعثر أخيرا تعلى
المنزل ،قال الواصف:
ـ أيوة.
فجاءته الجابة:
!!!
ظهرت الخادمة:
ـ أيوة؟!
ـ وبجي متين؟
ـ وال مرات دة بجي في نص السبوع ..بس هو قاتعد في الداخلية .لكين يوم الخميس دايما بجي.
ـ في )ستي( سهى.
دخلت الخادمة وتركته واقفا تعل الباب! ولكنه قجدر موقفها ،فهي تعرف كل أقرباء )أسيادها( .وسمع حوارها مع الست
سهى.
وخرجت من الحجرة وهي لم تكمل هندامها .بدت لها ملمحه غريبة ،لكنها ـ بالرغم من ذلك ـ ذكرتها بـ)شيء(!
ـ ال يسلمك .شكرا.
ـ إنت منو؟!
ل وسه ا
ل. ـ وال!! أه ا
ولما قامت لتنظر إلى صورة والدها المؤطرة ،المعلقة تعلى الجدرا ن ،قار ن هو بينها وبين فتحية ولكنه لم يجد مجاال
لذلك .تعاد من مقارنتها وتعادت هي من مقارنته:
ـ وال أنا طولت هنا ،لكين قبل فترة كدة كنت في البلد .والهل يسلموا تعليكم.
ـ وال قاتعد مع واحد صاحبنا في الديم ـ قال ،ثم أضاف ـ وماجد قالوا في الجامعة؟
ـ وال بتجي هسي ،بس تعن إذنك ..أنا كنت مارقة ،تعندي مشوار ..إنت إنتظر ،ماما بتجي هسي ،ونادت:
ـ أسمعي .الظاهر أنا جيت في وكت ما مناسب! أنا أمشي وأجي مرة تانية؟
وخرجت وتركته جالساا مثل الفأر .يتأمل وينظر في )ديكور( الديوا ن! ويقلب في ذهنه )نظرية الهل( ،فقال لنفسه "هذه
مسألة هلمية ،وبت النور تعندها حق .فهذه البنت فعال غريبة" وظل يطارد أفكارا يحاول أ ن يتصور فيها كيف يفكر
فيهم هؤلء الهل ..و ...و ...إلى أ ن جاءت الست منيرة وتكررت نفس السئلة .ومضى في النهاية بانطباتعه الول.
أما هناك ـ في كلية الصيدلة ـ فكانت المسألة مختلفة ،فقد كا ن ماجد تعبد الرحمن أكثر حميمية:
ـ يا إبن تعمتي.
ـ يا إبن خالي.
ـ وال أنا كنت مفكر أزوركم بمجرد ما أتخرج ..ما تتصور أنا مشتاق لـ)الريف ( كيف؟؟
وكا ن ماجد تعبد الرحمن منجذبا فع ال للحكايات التي كانت تحكي له تعن )الريف( وأهله )الطيبين( .والمسألة طبعا ذات
دوافع )سياحية( في الساس! وها هو يجد )الدليل السياحي( في إبطه!
وبعد لقاء لقاءين فتحت الصحبة نوافذ الحكي ،وصار لجو بيت )فاره( يعمل )خيانات( ويترك ديكور وحيدا ـ خاصة في
أيام الخميسات والجمعات .وكانت المجادلت أحيان ا تطول في الجامعة ،فيذهب جو مع ماجد إلى الداخلية ..وهناك في
)حسيب والرازي ( ظهرت السياسة مرة أخرى :ففي ليلة ،وبعد الواحدة والنصف صباحا لما خف إزتعاج الطلبة وقلت
الحركة بين الغرف؛
ومد ماجد تعبد الرحمن )بسرية تامة( برنامج الجبهة الشتراكية التقدمية لجو ،بعد أ ن لحظ ـ خلل المناقشات بينهما ـ
بعضاا من ميوله )الثورية( .بدأ جو يقرأ .وبعد كم جملة ،أتعجب بـ)القصة( ثم أكملها بحماس ل حماس بعده ..وأتعاد
قراءتها مرتين .وظل طوال الليل يفكر ،وتورط ـ بعد ذلك ـ ماجد تعبد الرحمن ورطته التاريخية!
"قال"
ـ لم يقل!
ويذهبا ن إلى ماركس فيؤكد ماركس أنه لم يقل ذلك! وفي طريق العودة ،يعود ماجد تعبد الرحمن إلى النقطة رقم واحد
مدفوتع ا بمزاتعم التفوق )الكاديمي( و)المستوى( و)الوضع(:
ـ وكيف تعرفت؟
"الجماهير طبعاا!"
ـ ولكن كيف؟؟
"التقدميين!"
ل إجابة )مادية(!
وخرج حزب ماجد تعبد الرحمن من المولد بدو ن حمص! ولكن جو خرج بـ"تمليك الحقيقة للجماهير" .وقام بتكوين
حزبه الشخصي إبتدااء من تعم تعبده ،مرور ا بأولد قرف ونو ن وأستاذ تعساكر ورينقو وهباش وزنجي ،إلى تعوضية
وديكور وأبدللهي إساخا وتعثما ن سينين وبت النور وآخرين وسماهم جزاف ا )التقدميين( .ولم يضع ماجد تعبد الرحمن
حتى في الحتياطي! لنه لحظ أ ن إبن خاله هذا لديه تبريرات غريبة! فهو يزوغ من مظاهرات الطلبة "اللحفاظ تعلى
الكيا ن التقدمي"! وأنه يحب الطعمة الشهية ،والسرة المخملية ثم يردد تعلى جو بدو ن مناسبة:
!!!
كا ن من تعادة جو ـ كما نعرف ـ الصحيا ن المبكر والنشاط .فهو الذي ينظف الحجرة ،ويغسل الطباق ويرتب الشياء
التي يبعثرها ديكور ،ويعد الشاي ،ويجلب الضروريات من الدكا ن أو السوق .وبتردده تعلى منزل )أهله( ،فقد نشأت بينه
وبين تعوضية )الخدامة( صحبة وإلفة جميلة .وكا ن تعندما يأتي إلى البيت يقوم بمساتعدتها في أمور كثيرة .وكانت قد
ظهرت في تلك اليام حكاية صف الرغيف! فصار جو يكفي تعوضية شر )المكابسات( الليلية .ويحمل الكيس ويذهب في
الفجر إلى صف الرغيف .وذات يوم ،وهو تعائد من هناك ،فاجأه ماجد تعبد الرحمن:
ـ أحرجتك مع منو؟
أندهش جو ثم رد:
"آ...أيوة"
"تفرق يا خي"
ـ تفرق في شنو؟
ـ إذا افترضنا إنو دة صاح في التعب؟ طيب تمن الحراج دة برضو محسوب في المرتب؟ وإذا كنت إنت نفسك يا ماجد ـ
خجليك من الرأسماليين ـ بجتحرج من شغل الخدامين دة تبقى حتجي من وين المساواة النت بتتكلم تعنها دي؟؟ وبعدين هو
في حاجة إسمها خدامين في الشتراكية؟؟
...
****
ظهرت نتائج المتحانات .ونجح الرفاق إل نو ن! الغريبة أنها رسبت في )اللغة العربية( ولكن "إذا تعرف السبب بطل
العجب"! والسبب هو ببساطة تز نمت مصححي )العربي( التقليديين ،الذين لم يسمعوا بـ)أشكال التعبير الجديدة( فظنوها
أخطاء الجهل بـ)العربي(! وكاد السيد زين العابدين يموت من الغيظ .وكا ن تعلى نو ن أ ن تعيد السنة )الكجرة( ليتولى هو
بنفسه مسألة العربي هذه!
إنتحبت نو ن كثيراا ،ولكن جو أرسل إليها رسائل أقل رومانسية ـ ولكنها أكثر حباا .وحكى لها تعن أشياء كثيرة لم
تبصرها هي من وراء الجدار ن .وفرد لها إتساع الدنيا .ودتعاها إلى أ ن تواصل اجتهادها )وتنحني للريح( مرة أخرى،
وطمأنها أ ن التأبيدة ستنتهي بالفراج قريباا ،وقال لها "إ ن الناس الذين يستحقو ن الحب أكثر بكثير مما نتصور وإ ن
اليام لبد أ ن تصير جميلة في نهاية المطاف فها هي قد حدثت المعجزة وحقق تعلى إسماتعيل حلمه ودخل كلية
الهندسة ..وهاهي أنهار ستكو ن بجانبه ،وشربات ستتحدد صرفته تعما قريب".
في بيت تعامر ديكور ،أقاموا إحتفاال كبير ا تعلى شرف النجاح حضره ماجد تعبد الرحمن ...ولما صعد العطر الرؤوس،
فاجأهم تعثما ن شربات:
ـ طبع ا صاري لينا وشك المكعوج دة ـ قال ديكور مازحاا ،فألقمه شربات حجراا:
ـ يا زول أتعمل حسابك .وال الكلم ده لو وصل لنهار ،خشمك حيتكسر بالعكب العالي!
تدخل جو:
ـ تعرفوا يا جماتعة إنو )البوكسن( بتاتعنا ما بدخلنا الجامعة ..وما تعايزين مدافرة تاني ..لكين يا كلبات "كل آفة وليها
آفة" أنا قررت أدخل كلية الشرطة.
ـ مضر ساكت؟ وال السويها فيكم النجار في الشجر ما سواها ..تعلي اليمين أقبضكم جنس قبض!! تمشوا مني وين؟
لكين أحسن ليكم الفوضى بتاتعتكم دي كملوها من هسع ...أنا بحذركم.
ـ أيوآآ .ـ صاح تعلى إسماتعيل ـ أكيد دي أنهار أقنعتك ..طبعا تعايزاك تبقى زي أبوها؟
ـ يازول أبوها بتاع شنو؟ دة راجل شاويش ساي!! طبعا أخوكم أول ما يجخت النجمة تعلى كتفه ،يمشي ويصدر أوامر:
"شاويش بشرى ..إلى المام مارش" مش زي ناس كدة.
ل ،فقد ك جو ن تعلى إسماتعيل وأنهار ومجموتعة من الطلب فرقة مسرح )جماتعة الرصيف( .أنضم إليهم كا ن ذلك العام جمي ا
جو ـ بطبيعة الحال .وبعد أول تعرض لمسرحية الشماشة ،ضربت شهرة فرقتهم الفاق .وصارت تتزين بها إحتفلت
الجامعة .فمع كل إتعل ن تعن حفل لرابطة ،أوجمعية ،أو حزب سياسي إل ويجد الناظرو ن "كورال ..شعر ...مسرح
الرصيف" .وانهمك جو في تلك اليام في كتابة مزدوجة :إلى نو ن وإلى العالم .وظهرت مسرحية )زوار الليل( المستقاة
من مأساة أستاذ تعساكر ،وصادفت هوى لدى الطلبة و)مجلكت الحقيقة لبعض الجماهير( .لكن أخطر ما كتبه جو في تلك
اليام ،كا ن مسرحية )البرينسيسة(؛ التي تبدأ بمشهد مثير :إذ تزاح الستارة فتدخل البرنسيسة بصحبة كلبها وتمشي
بكعبها العالي تعلى السللم المفروشة بأيادي الخدم والحشم! وفي وسط المسرح تجلس تعلى ظهور أخرين ،فيأتي لها
آخرو ن بسلة )الموز( ،تقشره ،تأكله ،وترمي بقشره ليتشاجر حوله الجميع!!
وثارت جدالت طويلة في الجامعة حول )هوية( هذه البرينسيسة! فقد أولها كل تعلى هواه؛ قال اليمنينو ن" :إنها
)الطاغوت("!! وقال الوسطيو ن" :إنها )السلطة("! أما اليساريو ن فاختلفوا فيما إذا كانت هي )الرأسمالية( أم
)البرجوازية(! أما الخبثاء فقالوا :إنها )شكش آخر زمن(!
بعد تلك )العلقة( النظرية ،فقد حدثت بعض التغيرات الطفيفة لماجد تعبد الرحمن ،وقد بدأ يحل جزئيا محل بطيخة! وفي
تعزومة غداء لـ)أصدقاء التقدميين( ،حسب وجهة نظره ،حضرها بالضافة لجو ،تعلى إسماتعيل وأنهار؛ جاءت تعوضية
ووضعت المطايب تعلى السفرة ..وهمت خارجة .فنادها جو:
ـ ل أنا إتغديت
ـ لكين معليش ،إتعتبريهم أصحابك .وأهي أنهار قاتعدة معانا .وتمنى جو أ ن تكو ن الست سهى موجودة.
ترددت تعوضية ..فقام جو بجرها من يدها ،ولز تعلى إسماتعيل جانبا ليفسح لها المكا ن.
وها هي تعوضية ،ولول مرة تتذوق الطعام يدا بيد مع ماجد وفي إناء واحد!!
ـ وما نجي ليه ـ أضاف تعلى إسماتعيل وهو )يجادل( تعظما ـ ولكز أنهار قائ ا
ل:
ـ طبعا يا تعوضية إحنا حنبيت تعندكم ..نعمل شنو؟ طبعا دي صحبة البنات ،مافي طريقة نرجع بالليل!
واحتجت أنهار تعلى الجملة الخيرة مؤكدة أ ن المشكلة سببها الرجال وليس النساء لنهم هم الذين يخافو ن تعليهن من
الحاجات الفي )روسينهم ( و ..و..
ـ وال تشرفونا.
وكذلك تورط ماجد تعبد الرحمن ورطته التالية في معترك الجماهير والبلوتاريا.
وهناك ،في )الكرتو ن( ،الجيتو السوداني ،لم تصدق تعوضية تعينيها ،وكانت في غاية الرتباك وهي تستقبل )السادة(
ضمن الوفد .ولكنها ججرت صديقتها إلى دكا ن اللفة لتحضرا )البيبسي( خوفا من أ ن( )يعاف( )السادة( )ماء زيرهم(
و)تعصيرهم( ـ هذا طبع ا بالضافة إلى كرمها الشخصي ،ولكنها تعادت ووجدت تعلى إسماتعيل قد )ضرب الصحبة( مع
أهل البيت ،وجعل البساط احمدياا .ولفرحتها بهذه المشاركة ،بالضافة للفرح الساسي ،رقصت تعوضية "في بنات
جيلها" كما لم ترقص من قبل .ولم يصدق ماجد تعبد الرحمن أ ن هذه الجميلة الرشيقة هي تعوضية )الخدامة(! التي لم
يكلف نفسه يوم ا بتفرس ملمحها! فصار يحكي بعد ذلك للرفاق )بهجة( ذلك اليوم طويال إلى أ ن جاءت الخاتمة العجيبة!
بعد شهور ،دخل جو تعلى ماجد "..حق اله بق ال" و"كيف الحال يا بن خالي" ،وكعادته ذهب لداء بقية الطقوس
السلمية ..والمناقرات مع تعوضية تعلى البساط الحمدي الذي امتد بينهما .ناظرا إلى قميصه ـ حتى يتسعد للطابور إ ن
كانت هناك زرارة )مشاترة( ،فبالتاكيد ستوقفه تعوضية طابور وتقول له "أحرجتنا ياخي!! زرارة خضرة في قميص
أبيض!" وتذهب ـ كعادتها ـ لتأتي بعلبة الزرائر والبرة والخيط وتنزع الزرارة المشاترة لتثبت مكانها أخرى )مناسبة(.
ولكنه فوجيء بالخدامة الجديدة! فسألها تعن تعوضية ،ل إجابة!! وقد ظن أنها مريضة ،وبدأ يفكر في مشاكل مواصلت
)الحاج يوسف( ،ولكنه لما سأل ماجد ،كانت الدهشة:
"ل"..
كا ن ماجد تعبد الرحمن مثل بقية من أسماهم بـ)البرجوازية الوطنية( ،ل تتعدى تجاربه مع البرجوازيات الوطنيات
)الجف صرش( ،التي تدمنها أولء البرجوازيات كجزء من "السطحية والنانية وتعبادة المظاهر والتضليل" .وبسبب الحكي
الذي كا ن يحكيه جو وبقية أولد قرف تعن )القاليم العميقة( .فقد داهمت ماجدا هذا الرغبة في الستكشاف وزيارة
)معرض شرف الوطن( .ولكنه كبرجوازي )أصيل( )تردد(!
فقفزت إليه صورة تعوضية ـ خاصة صدرها الفريقي العنيد!! الذي تعبر تعن نفسه جيدا في يوم الحفلة.
تخلف ماجد تعن الجامعة ،وكما هي العادة ،كا ن البيت خاليا في ساتعات النهار .نادها ،فجاءت كما كل يوم .أمرها:
ـ أقعدي.
ـ أقعدي.
ماطلت.
وبعد مصارتعة تعنيفة ،فشل في الحصول تعلى مبتغاه! وبقيت تعوضية تحرس البيت من الخارج حتى جاءت الست
منيرة:
ـ مالك يا تعوضية؟!
مضت الست وتحسست ذهبها ،فوجدته وحمدت ال تعلى سلمته .ولما كانت تعوضية هذه قد تربت معهم ،ولم ترتكب
شيئا كهذا ،إكتفت الست بتسريحها ،ولم تبحث تعن الحقيقة!!
ـ ياخي من حقها إنها ترفضك! ولنفترض إنو ما من حقها زي ما إنت متصور ،ياخي تصادر منها حق إنها تتمنع زي
البنات؟ ثم هل سألتها؟ يمكن تعندها )دورة( ويمكن كانت نايمة مع حبيبها ويمكن كانت شغالة أمبارح في )معرض
شرف الوطن( ،وتعبانة ـ ودة إنت قايلو ببلش؟ و جل تابع للمرتب البتدفعوه ليها؟ ويمكن ويمكن ويمكن ..إنت يا ماجد
راجل نذل ..حركاتك دي أتعلمها مع صاحباتك )البرجوازيات(..
ولول مرة يضطر جو للقاء محاضرة .ومنذها توترت تعلقته مع ماجد وصارت الجمعات تعند تعوضية!
****
سلكت قصة التصديقات .وارتفعت تعمارة السيد زين العابدين طابقا آخر ،وبدأ الذي يليه ،وترجقي صلح زين العابدين في
البنك مستند ا تعلى ترقيته في داخل جماتعته ،بعد أ ن بنى قاتعدة معرفية بـ)الوسائل( .وفي زيارته إلى كسل ،لم تعد
المسالة مسالة )قدم وساق( بل صارت لها )ساقين( .كانت الخطة جاهزة .شرحها صلح بتفاصيل خبير وطلب من والده
أ ن يخبر أصدقاءه إ ن أرادوا اللحاق بالركب! وكا ن )الركب( شركة يتكفل صلح بتسهيلتها البنكية ،وهو سيكو ن
الشريك غير المعلن!
بعد أشهر .زاد تعدد لفتات البلد لفتة أخرى )شركة البركات للتجارة والستيراد المحدودة( .و)جأختير( السيد زين
العابدين رئيساا لمجلس الدارة من تعلى البعد! ولكن تعلى رأي المثل "رب ضارة نافعة"! فبسبب تغلغل جماتعة صلح
ومزاحمتهم لجماتعة السيد زين العابدين ـ أصحاب )الشغلنة( الساسيين ،رأي الخيرو ن الستنجاد بكوادرهم الموثوقة
لتعزيز وضعهم المركزي ـ خاصة في مسائل الخطب والفصاحة التي ل تجارى فيها جماتعة صلح .فتم ترفيع السيد زين
العابدين إلى رتبة )أمين مركزي(!
طوابق المجد في البياض الخير؛ ومسألة النتقال إلى العاصمة؛ ونجاح نو ن في امتحا ن الشهادة .ولما كا ن في تلك
اليام قد تفشى بين الناس مرض )جنو ن الدكترة( ،فقد إمتعض السيد زين العابدين مرة أخرى ،ولكن هذه المرة من
خذل ن بوكسن نو ن ـ التي أهدرت وقتها وطاقتها مع "إ ن واخواتها"!! ولكن تعماد زين بذل مجهودا جبارا لقناتعه بأ ن
تذهب نو ن وتدرس )له( الطب في مصر ،بعد أبطل كل اتعتراضاته إستنادا تعلى سابقة ذهاب سلمى إلى الباكستا ن
لدراسة الطب هناك إثر )مجاهدات( صلح مع جماتعته.
وهكذا تحدد مصير نو ن وتم إنقاذها من إتعادة السنة أو الشياء الخرى التي قد تتسبب فيها نظرة من أحد )الدكاترة( أو
)المهندسين( الراغبين في الزواج!
وصلت الرسائل إلى جو حاملة الخبار السعيدة؛ النجاح ،وقرب الدار الذي هو "خير من البعد" .ولكن بسبب محركات
السيد زين العابدين ومساوماته ـ للحصول تعلى بيت حكومة تعلى النيل ،وفرش يليق بالمقام الجديد ـ تلكأت مسألة
النتقال إلى الخرطوم .وحل ميعاد السفر :كسل ـ الخرطوم )بيت صلح( ـ القاهرة.
وفي يوم السفر ،كا ن موكب الوداع قد رابط منذ أول الظهيرة .في الثالثة والنصف ،هبت تعاصفة ترابية غبرت الوجوه.
تعرف جو أنه تعماد زين ـ الذي طالما حكت تعنه نو ن الحكايا ،في رسائلها الطويلة التي كانت تكتب في حب دائم لغية
مود الفصول.
ترجل السيد زين العابدين .ولول مرة يراه جو في تعمامة كتلك التي يرتديها )الخطرو ن( .وتبعه صلح ،بلحيته إياها..
ركت العصفورة..
أنحنت وأصلحته.
ساتعدت والدتها في النزول من العربة .كا ن السائق يجرجرالحقائب ،وكانت نو ن قد زاد وزنها ،وفتح لونها ـ من أيام
الحبس الطويل ،وزيارات الحمام المتكررة التي ل يعرف سرها إل جو!
لم يكن السيد زين العابدين قد فكر في مسألة وجود جراثيم وأبصال معفنة في المطار .لم يشدد المراقبة .كا ن يلقي
بتشديداته لـ)الدكتور( تعماد للمحافظة تعلى )الدكتورة(.
ثم إلتقت تعيناها ،لول مرة بعد زما ن ،مع العينين المخيفتين..
****
فبعد أ ن استعدل السيد زين العابدين )أمين المانات الفئوية والجماهيرية( تعمامته ،التي أصبحت بدال لحمالت البنطال
بعد أ ن انتقل التك نرش إلى الذهن ،بدأ يبهل تعلى الدوائر العليا بعضا من إختراتعاته:
ففي يوم الثلثاء .الثالث تعشر من أكتوبر ،خرج أبدللهي إساخا كعادته يحمل جردل ترمسه ،ولم يبق تعليه من وتعد
)فتين( إل ثمن شبشب واحد لها ،ونظارة سوداء له ـ لزوم البكش ـ وإحتياطي من الجنيهات )للتنقيط( تعلى رؤوس
البنات الراقصات في أيام تعرسه الذي جحدد له شهر ديسمبر ،والذي يصادف أيام )الدرت( في كتم ،ويكو ن الهل
و)الحباب( أشد بأس ا في مواجهة )الظروف( والجسام )تريانة( بفيء الحصاد .كا ن إساخا يغني أغنية قديمة لها
سنوات ـ منذ أ ن امتطى صهوة قطار الميجا من أتعوام مضت ،ويتوقف كلما مر بسرب من السابلة "ترمس ..ترمس."..
وهو يعبر شارع القصر باتجاه السوق العربي ،رأى الناس يفرو ن كأنما السد )إياه( قد أفلت من )جنينة الحيوانات(
وهجم تعلى السوق العربي! ولنه ولد )غرباوي( شجاع ،والجري )تعيب( ،فلم يهرول مع المهرولين وهو يسمع
"الكشة ..الكشة ."..قال لنفسه" :حتى لو كانت الكشة؟؟" ،ومضى ،فهو ليس معنيا بها باتعتباره تاجرا تعلى رجليه
وليس للبلدية تعنده )قيد جزمة(.
"ترمس ترمس"..
فاجأه جندي:
ـ أسمع ..البطاقة؟
ـ بطاقة العمل؟؟
صاح أخر:
ـ لي وين!؟؟
ـ ل ...ل!!..
وبقبضه من خلفية )العرراقي( ،وجد إساخا نفسه جالس ا تعلى أمشاطه ـ كما أمر الجندي ـ مع الجالسين ،الذين كانوا
جمهرة من الباتعة المتجولين ،زوار المرضى ،المتسعكين ،والذين ل يعرفو ن ما أتى بهم إلى هناك!!
لكزه جاره .فإساخا لم يظن أنه المقصود .وأ ن طاقيته التي ظلت تعلى رأسه لسنين ل يخلعها إل وهو نائم أو ذاهب
ليستحم ،لم يخطر بباله أ ن لها دخال ،هي الخرى ،بما يجري!!
في منتصف النهار ،وجد أبدللهي إساخا نفسه في أستاد الخرطوم ـ الذي طالما سلك فيه ترمسه ،خاصة في أيام )هلل
مريخ( .مجموتعة من الجنود ،الرسميين وغيرالرسميين ،كدل يلقي بأوامره حسب مزاجة .كا ن "صياما بل رمضا ن"! إلى
أ ن جاء المغرب ،ففتح ال تعلى )الصائمين( بفتح مواسير ري الستاد )للجماهير(.
قام أبدللهي إساخا وزاحم ،شرب ماء ثم حمد ال وشكره ،ثم توضأ .وأضطر هذا اليوم أ ن يصلي الظهر والعصر
والمغرب )جمع تأخير( .ودتعا أ ن تفرج كربته .فهو منذ ا ن حفظ سورة )الحمدو( في )الخلوة( ،لم يتأخر يوما في
صلواته .ولما جاء دوره أمام كشف المقبوض تعليهم ،أدلى بشهاته تعن نفسه بصدق .وبدال من أ ن يحدث ما توقعه بعد
أ ن رأي بعض الناس يطلق سراحهم ،وهو لم يرتكب جريمة ،كانت النتيجة "سوق دة"!
كانت )الكشة( ،أو ما أسمته الجرائد "حملة تفريغ العاصمة من المتبطلين إلى مناطق النتاج" هي من أخطر إبتاكارات
السيد زين العابدين الفئوي ،التي أخرجها بعد أ ن تحيرت )لجنة التعبئة السياسية( )!!( في تقرير التهديدات )المنية(
التي صار يشكلها من أسماءهم التقرير بـ)النازحين( ،مدرتعما بأخبار جرائم السطو تعلى الفلل والعمارات ليال بالسواطير!
)ولم يذكر التقرير طبعا حقيقة أ ن ذلك كله من آثار التجنيب(!
ويكتب رسالته إلى أرض مصر ،يحكي ما حدث لبدللهي إساخا ،الذي شوهد في )سنار التقاطع( جالسا بسرواله
الداخلي )فقط(! جيق جطع الرغيف لعمل )الفتة( للمكشوشين ،المحمولين في قطار الميجا العائد إلى )أقاليمهم(! ولكن هذه
المرة ليس تعلى )السطوح( ،وإنما داخل تعربات نقل البضاتعة! تحرسهم الشرطة المدججة بالسلح!!
ولما دخل قطار الميجا القادم إلى الخرطوم ،نظرت )النية بت أبكر( من نافذة تعربة الدرجة الثالثة فصاحت متعجبة:
"هدورمك وينو؟؟!!"
ردوا تعليها:
كا ن أبدللهي إساخا قد جلس ،ولم يستطع القيام .كا ن وضعه بالضبط كما تجلس نساء )الصغررجب( للقاء التحية! ولكنه كا ن
يسلم بظهره تعلى قريبته )النية( التي هالها المر فثارت:
"إتي خلس بقيتم )مرة( يا أبدللهي أخوي؟!! دي منو راجل بسوقيك زي خنمايتو؟! وال كا ن خنمايتو كا ن أخير"!!..
وحدثت مشاجرة بين الحارس المسلح والنية بت أبكر ،إنتهت بتدخل الشاويش )الغرباوي( الذي تعرف مصير إساخا بعد
أ ن يصل الخبر تعبر النية بت أبكر .صعب تعليه المر ،وفي ربك ،قام الشاويش بتسريب أبدللهي إساخا وأتعطاه تعراقيه
قائ ا
ل:
وأوصاه:
"الخرطوم دي أختاها"..
.....
وهناك في القضارف ،سمع أبدللهي إساخا الغاني التي غنتها بنات كتم تشهيرا به ،وكيف لم يتوا ن أهل )فتين( في
)ستر إبنتهم( في ذلك الدرت .أجاز أبدللهي إساخا كل الشياء التي كانت )حراماا( ،وبدال من السجائر ،صار يدخن
)البنقو(!
وأيضاا؛
إنتقل التجنيب من مرحلة الكرش إلى مرحلة التجنيب الذهني .فما باليد من تعمارات ظاهر .وما تم ابتلتعه في الكرش
أيضاا ،فما الحل؟
أستقصى السيد زين العابدين واستجار ،فأجاره )اليما ن( بالكتب الربعة .وإختار وصية المسيح "ل تكنزوا لكم كنوزا
في الرض حيث يفسد السوس ،وينقب اللصوص فيسرقو ن .بل إكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث ل سوس ول
لصوص" .قام الكمبيوتر الشخصي للسيد زين العابدين بترجمة كلمة )الرض( إلى ) (homelandوالسماء إلى )
!( overseasواستيقظ السوس واللصوص ذات صباح ،ولم يجدوا ما يسد رمقهم .فانفجرت الخرطوم .وكانت
المواجهات صعبة ومرتعبة أضطرت السيد زين العابدين أ ن يستلف )فقه الضرورة( من إبنه صلح ،ومعه كتب الفقه
والتفاسير للمذاهب الربعة" .وما فرطنا في الكتاب من شئ".
وبعد تمرير فقه )المصالح المرسلة( من قبل جماتعة صلح ،ونجاحهم في خلط البيض بالسود في )بوتقة النصهار(
وإنتاج الرماديات التي تبدأ بميم :مضاربة ،مرابحة ،مساومة ،مباغتة ..إلخ ،اقترب السيد زين العابدين من إبنه صلح
وجماتعته .وبعد قراءة متمعنة للفقه الجديد .خرج صائحا كما أرشمييدث يومذاك" :وجدتها ...وجدتها"! وقام ببرمجة
المسألة في كمبيوتره الشخصي ) ،( pcفما أ ن تفتح هذا الكمبيوتر وتطلب القاموس ،يأتيك مربع الحوار
((Dialogue Boxفتكتب )الحل( وتعمل إدخال ):(Enter
ول ن شريعة هذه كلمة فضفاضة .وحمالة أوجه ،فتقوم بطلب القاموس مرة أخرى ـ إذا كنت ذا تعقل ـ فيأتيك مرع
الحوار ) ،(Dialigue Boxوبحثا تعن معنى شريعة في هذا القاموس تكتب Shari aa :وتعمل )(Enter
فتقرأ التالي تعلى الشاشة:
Shari aa is to cover and imprison Naziks till they would be taken -3
.to their final prisons
وتعلى هذا الساس بدأ السيد زين العابدين يتحرك في الدوائر العليا مسنودا هذه المرة بسواتعده اليمنى؛ صلح
وجماتعته .كانت الجامعة مغلقة بسبب المشاكل )إياها( ،لذلك تعادت إلى بيت ديكور أيامه القديمة ..كا ن ديكور يرسم،
وجو يلملم أطراف الحلم وهو خارج لتوه من دهاليز )نيتشه( التي سار فيها تعلى مركبات أهازيج )زارادشت( .أرخي
أذنه لعامر ديكور الذي )إنسجم( وبدأ يدند ن مع الصوت القادم من )بيت العرس( المجاور:
ـ ال؟! الصوت دة أنا سمعتو وين؟! دة صوت )ندى(!! قال جو ،وهو يقذف بنيتشة وزرادشت .ثم قام واقتلع الفرشاة
من يد ديكور قائ ا
ل:
ـ أيوة .لكن دي يكو ن جابها هنا شنو ياخي؟! إنت يكو ن إتشابه تعليك )البقر( .وجل تكو ن سكرت؟!
استشاق ديكور وأخذ كل منهما ) ججغمة( ثم خرجا إلى بيت العرس .هناك كانت ندى الشروق وقد تحولت إلى )جشجهجبصرة
جلجهجبصرة( وقد زادها )الميك أب( تللؤاا!! كانت تغني ما كا ن يسمى بالغاني الهابطة!
ولكن جو كا ن يرى العكس في ذلك! ويجادل في أنها صاتعدة! تعلى أساس أ ن الذين يؤلفونها قد أجبروا تعلى أ ن يجدوا
أنفسهم في القاع ،وبالتالي فليس من الممكن أ ن )يهبطوا(! "وإل فإنهم سيهبطو ن إلى أين؟! إذ ن هم يصعدو ن! وإذا كا ن
في المر سوء فإنه في الماكن التي يصعدو ن إليها!!"
دخل جو وديكور في الزفة .وهججا تماماا ..وفي نهاية الحفل لم يستطيعا مقابلة )ندى( لوجود )البودي قاردات( العتاة،
الذين يحرسونها من السكارى ول يتفاهمو ن بأي وسيلة غير اللكم!
ول ن جو ل يشفي من مرض )الستقصاء( البدي ،فذهب مع ديكور إلى مركز الشباب للستفسارتعن ندى ..فوجدا لستة
طويلة من )الحجز( لصحاب الحفلت و)القعدات( .وأخير ا دلهم صبي البوفيه تعلى بيتها في )المتداد( .ولكنه أحبطهما
بالمجا ن:
وهناك استقبلهما )كاتب شونتها( وأكد لهما )بأمانة( ما قاله الصبي .إل إ ن جو ألح وكتب وريقة صغيرة.
ولكن الوريقة )شفعت( لهما فأدخل .وفي داخل البيت العامر ،وبعد إزاحة الستائر المخملية ،والشربات القازوز
المخلوطة بالعصائر المانجوية ،أتسعيدت الذكريات حسبما اقتضى )الظرف( ،وختمت ندى اللقاء وفي صوتها نبرة حز ن
تعميق قائلة:
وطبعاا جو ذهب وأكمل بقية البحث بطريقته ،وتعرف أ ن ندى ظلت تغني )أحلم بكرة( لزما ن ،ولم يعنها ذلك في لقمة
العيش ،إلى أ ن جاءت ليلة تعرس أحد الصدقاء ،واستجابت لرغبة الجمهور فغنت )أحلم هسي( لزوم الهجيج ،فتدفقت
ل قلي ال إلى أ ن وصلت إلى )مجد( قعدات الخرطوم ومفاخرات
تعليها الطلبات لحياء حفلت التعراس .وبدأت تزحف قلي ا
نساء )المجتمع الراقي( .وتعرف جو أ ن فرقة أفريقيا الجديدة قد تفرقت أيدي سبأ .وظل سيف حسن هناك مع نورمال
جيتاره وتعرمل ترزيا في )المدينة(!
****
بعد أ ن أكتمل تشييد )البيت البيض( ،قرر صلح زين أ ن يكو ن تعرسه في ذلك الصيف ،بعد تعودة تعماد زين )دكتوراا(
ونو ن )إجازة( .وتم حجز ندى الشروق للمناسبة تألسي ا بالمجتمع الراقي! ولكن قرر أ ن تكو ن هناك حفلتا ن بدال من حفلة
واحدة ،إحدهما بمواصفات )الجماتعة( درءا للحرج.
ووصلت رسائل العودة إلى جو الذي كف تعن الرد في إنتظار رقصة مع نو ن تعلى أنغام )ندى الشروق( ،رغم أنف
)المجتمع الراقي( ،وحتى لو تنتهي الحفلة بشكلة.
وبسبب مسائل متعلقة بشهادات تعماد زين ،تأخر القدوم إلى أواخر حزيرا ن الذي تبدد في النتظار .وفي أول أيام تموز،
وبينما كا ن جو وديكور يعبرا ن الجسر يترنحا ن سكر ا ونشدا ن النشيد كما كانا يفعل ن وللف المرات؛ فجأة صعدت لجو
فكرة تعناد قديم! فجلس في منتصف الجسر وقرر أ ن ينام هناك! حاول معه ديكور شتى السبل لقناتعه بالذهاب إلى
البيت ،ولكنه لم يتزحزح تعن موقفه! ولما تعب ديكور من محاولت إقناتعه ،سب له دينا مكعباا ،وقال:
ـ ل ماشفتها!!
ض سراب السكر تعن درورب الذاكرة .طارت السكرة .واكتشف جو أول ما اكتشف، وفجأة ،دخل النمل جحوره .وانف ر
الحقيقة الغريبة! وهي أ ن الجسر الذي ظل يعبرانه ونشدا ن تعليه الناشيد للف المرات ،لم يكن سوى قنطرة صغيرة
تعلى المجرى الفاصل بين مربعين في الحي!! وأنه بالرغم من تعبورهما له في لحظات )الصحو( وللف المرات أيضا لم
يلحظا هذه الحقيقة!!
قام جو ولم ينفض تعنه غبار الجلوس .ترك تعامر ديكور يترنح وراءه .وفي البيت دخل الحجرة مؤمنا بكل اللهة .أشعل
النور .نظر إلى إبتسامة نو ن العريضة ،بحث تعن الجريدة وقلبه يدق ،وأنفاسه تتعالى ..تتلحق ..أشعل سيجارة .أخذ
نفسا وألقى نظرة إلى الجريدة:
واحد
أثنين
ثلثة
...
"كانت نو ن ،بعد نهاية العام الدارسي ،قد قررت إنتظارتعماد .وبالرغم من توفر إمكانيات السفر بالطيرا ن ،إل أنها
أصرت أ ن يسافرا بالباخرة! فمنذ تلك اليام الغريرة .كانت النهار تعني لها الحب .وكا ن النيل بالنسبة لها )مقدساا( فيه
ذكرة المانج القديمة ،وأحلم الكواكب.
وأمام إلحاحها .رضخ )تعمدة( لرغبتها وهو تعارف بجزء من سر هذا العشق للنيل رمز الحب البدي.
حمل حقائبهما ونزل السد العالي .كانت نو ن تحمل في حقيبها الصغيرة ،صورة جو وآخر رسائله إليها.
الجبال البدية ،صامدة )هناك( " ..ترى من متى أنت شامخة هناك؟!" سألتها متعجبة.
قالت:
"ليتني طيدر"
إنتبهت للمفارقة:
"وليت جو طيجر"
ضحكت ،وهي تستعيد في خيالها خاطرة أنهما طائرا ن ،يحمل ن القش ويبنيا ن تعشاا.
أتعجبتها فكرة حضانة البيض ..وتعادت لتسقط الصورة تعلى واقع الناس.
"فعندما نتزوج ،ونحن لسنا طيراا ،ترى كيف يكو ن شكل الولد؟"
قسمت القسمة:
"البنات ،يشبهنني"
سألت نفسها:
و حسبت في يدها:
"تعماد ،تعلى ،تعثما ن ،وسيد ،وتعامر ،وتعبدال ومصطفى ..ل ل كدة انا حأموت من الولدة "..
ـ إنتي معاي ؟
ـل
وأخرجت الصورة ،نظرت إلى وجه جو ،إلى تعينيه المخيفتين .قلبت الصورة ثم أتعادت تأملها.
قليال من العشاء
قليال من الغفو..
قال تعمدة:
في سطح الباخرة أبتدرت صلة النهر بترتيل ذاكرة اليام .ابتدا اء من ذلك اليوم الذي أخذ جو يدها وتعبرا ماء المطر،
ـ وحسب تعلمها ـ
ستصل الباخرة في آخر الضحى إلى أرض )التراب( المحسوب جو ضمن كائناته.
فرحت أكثر.
بدأت تتلمع ـ هناك ـ أنوار أبي سمبل .وهي غارقة في الحلم الصاحي لسنين طويلة ..سمعت الصوات ،الصراخ ،الناس
يتدافعو ن!! لم تفهم شيئاا!! وفي اللحظة التي فكرت في البحث تعن تعماد ،وجدت نفسها في تعمق الماء والصراخ.
ـ نو ..
ـ جو ..
ـ نو ..
ـ جو..
ـ ن
ـج
ـ.
ـ.
وفي تلك اللحظة تدخلت الكواكب ،وأخذتها إلى حديقة السعادة البدية!"
لعبة الزمن
سيرة الحلم
)استيقظ( جو في السابع والعشرين من الشهر الرابع بعد الذكرى الولى لرحيل نو ن ،ولم يجد نفسه في بيت )سيدة
الفرح( ،ول أي بيت آخر! وإنما ضمن كومة من البشر وهدف لركلة الشرطي النوبتجي الصباحي! سيقوا إلى خيمة
مكتوب تعليها )محكمة الطوارئ( رقم ) !(..وبعد سين وجيم في البجديات سأله الرجل الجالس:
تدخل الشرطي:
تأمل جو الزجاجة .لم تكن غريبة تعليه ،ومازالت بها بقية أقل من النصف بقليل.
وصدر المر بجلده ،وحبسه ثلثة أشهر بسبب )حيازة الخمر( بالتعتراف!!
وفي السجن ،استعاد جو ذاكرة المدينة .وال ،والنهر ،والناس .واستعاد صور أستاذ تعساكر ورينقو ،وأبدللهي إساخا.
وأيام نو ن.
كانت بعض التفاصيل ل يعرفها أحد! بعضها يختلط ببعض! فنبتت في ذهن جو فكرة )أخبار اليام( .كا ن يجلس ويستمع
ـ في الليل ـ إلى أحزا ن رفاق السجن بكل تفاصيلها ويضيفها إلى أحزانه الخاصة .وتعندما يؤخذ إلى منزل ضابط السجن
ـ ليغسل الملبس والطباق وينظف الحمامات ـ كا ن يستلف من ابن ضابط السجن بعض الوراق والقلم ويدو ن تحت
تعنوا ن) :أخبار اليام( كل ما سمعه" .لبد أ ن يعرف الناس الحقائق" ،هكذا كا ن يقول لنفسه .وقد استغربت زوجة ضابط
السجن أ ن يكو ن مثل هذا الرجل في السجن! فصات تعامله بشيء من الود .وتم إتعفائه من الغسيل وأصبح مدرس
النجليزي لبنتها ..صارت تعطيه الطعام الجيد ،وتهديه الوراق والقلم ،وتحفظ له )أخبار اليام( في دولبها!! إلى أ ن
جاء السابع تعشر من يناير .فأطلق سراحه ـ لسبب لم يكن يعرفه ـ قبل تعشرة أيام من انتهاء المدة!
قامت زوجة الضابط بإتعطائه بنطا ال جديدا وقميصين وخمسة جنيهات وودتعته قائلة:
حمل جو كيسه وأخبار أيامه وذهب .تجول في المدينة .تعبر جسر )جب لري( إلى الخرطوم ،ثم جسر النيل الزرق إلى
بحري .ثم جسر شمبات إلى أمدرما ن .ثم جسر النيل البيض إلى الخرطوم مرة أخرى .كا ن ماشيا تعلى رجليه وكيسه
تعلى ظهره يقول مرة بعد مرة:
بجوار حديقة الحيوا ن ،وفي ذلك العصر ،جلس أمام الكشك ،أفطر ،ثم استلف الجريدة من صاحب الكشك..
سينمتا ن فقط! أخبره صاحب الكشك أنهما أهم مصادر الدخل لـ)واحد كبير في الحكومة(.
في كوبر" :التحفة الهندية الرائعة )شولي( ،بطولة دهر مندرا وأميتاب بيشا ن )أبوطويلة("!
قام ،وضع كيسه تعلى ظهره ثم تعاد إلى )كوبر(" .والجوة وين؟ جوووة ..والبرة وين؟؟ جووووة"!!!
ـ جيب ..جيب!!
ودخل جو السينما .وكا ن الفيلم )هنديا تماماا( .ولما انتهى ،نسي جو أنه يحمل أخطر الجرائم وصك إدانة الزما ن! )أخبار
اليام( .ولكنه كا ن ل يريد أ ن ينام هذه الليلة بالذات داخل أي جدرا ن! ذهب وتجول هنا وهناك ،ولم يأبه للطوارئ!
تع جشى في أكشاك السوق ،وحمد ال وشكره ،ثم قام ومشى .وبجوار نادي السجو ن ،لحظ زيادة تعدد الحراس! ولكنه
قجدر أنهم يعرفونه .وهو يستطيع أ ن يثبت لهم أنه قد تم إطلق سراحه ،وإ ن تعصلجوا ،سيستعين بزوجة الضابط!
توسد كيسه ونام بالقرب من سور النادي .كانت نومته تعميقة ،لم يكدرها أي كابوس! وفي الصباح ،استيقظ تعلى إثر
جلبة تعظيمة حول المكا ن!! كميات من البشر تتقاطر وهي تهتف "ال أكبر ..ال أكبر"!
ولول مرة يجد جو كافرا متعيناا! فكل ما كا ن يعرفه تعن )الكفار( أنهم )أبو جهل( و)أبو لهب( و)فرتعو ن(؛ وأنهم ـ تعلى
أي حال ـ مرتاحو ن في قبورهم! فقفزت إلى ذهنه صروتا ن متداخلتا ن؛ صورة ذلك )الكافر( الوقور التي تظهر مرات في
الجرائد ،وصورة أولئك الفتيات ذوات الثياب البيضاء اللتي اشترى منهن كتابا ذات يوم في ممرات السوق الفرنجي،
ذلك الكتاب الذي ذكره بعم تعبده!
تسلق جو الحائط مع المتسلقين ..ولكنه لم يهتف .قال لنفسه" :من لم يمت بالسيف مات بغيره" ،ثم تخيل أ ن هذا الرجل
سيسعد بعد قليل بلقاء نو ن وجميع الراحلين..
لم ير جو شيئا بعد ذلك إل وهو يعبر )كوبري بري( ماشياا ،وبعض الرجال واضعين تعماماتهم تعلى وجوههم يبكو ن بعد
أ ن كانوا يهتفو ن!!
في الديم ،وجد ديكور جالسا يرسم لوحة كبيرة للرجل .كا ن منهمكا لدرجة أنه لم يرد التحية لـ)جو( ـ رغم أيام الفراق
الطويلة بينهما.
)كا ن صلح زين قد ابتهج ثلث بهجات؛ الولى البيت البيض صار له وحده .والثانية أنه تزوج من بنت الوزير.
و)ثالثة الثافي( أ ن )الكافر( قد زهق.
أما السيد زين العابدين ،ففرح فرحتين :الولى أنه دخل معهدا للرشاقة واشترى بدال جديدة بعد أ ن صار اسمه يرد مع
كل لستة ترشيحات للوزارة ،والثانية أنه سلم المقاول خارطة الفيل الجديدة في )حي النيل( من فيء البركات فرع
ماوراء البحار ) (OVERSEASفرد جو:
ـ الفاضل ديل..
ولكن العالم لم يكتف بـ)مؤامراته التقليدية( كما يسميها تعامر ديكور ،كلما قرأ تعليه جو خبرا من أخبار اليام ،وإنما
تجاوز الجلد إلى العظم .تعرف جو بسوء الحال بعد أ ن تخاذل المطر للمرة الثانية ،و)كسر( الموسم .ولكن أشجى ما في
المر أ ن مصطفى بطيخة قد أضيفت إليه أتعباء جديدة بعد أ ن تخلص من تعبء أولد قرف .فصار يعول أسرة تعثما ن
سنين بالضافة لخرين كثر! وقد أخفى تعلى تعثما ن سنين حقيقة ما حدث لجو وحكاية سجنه وجعل له مرتبا ـ يكذب
تعليه بأ ن جو هو الذي أرسله!! لقد استشعر بطيخة بحنكة التاجر ،ما صار إليه حال الناس تعندما مر يوما تعلى طاحونة
جاره ووجد إمراة تكنس غبار الدقيق وتضعه في إنائها .ولما اتسفسر تعرف أنها تاخذه لتطبخه لطفالها الجائعين ..
فواصل المرتب.
أتعلن جو وديكور ـ هما الخرا ن ـ حالة الطوارئ ،لنقاذ بطيخة من الفلس .فتحا )خاناا( لبيع أدوات الزينة التي
يصنعانها في الليالي وهما يسكرا ن خفية ،ويستعيدا ن ذاكرة الجسر وينشدا ن نشيدهما خلف الجدرا ن:
..
كانت )أياماا( اتسعت فيها الرؤية حتى ضاقت العبارة .وكانت الفنتازيا هي الحكي تعن الذين ذهبوا وحملوا معهم وتعودا
بأيام قادمة ستأتي من رحم الليل الطويل.
كا ن شربات قد تخرج في كلية الشرطة .وأصبح ضابطاا .لكنه لم ينفذ من وتعيده وتهديده إل حينما سمع )حاضر
سعادتك( من الشاويش بشرى لتصبح أنهار بشرى أول غيمة في صحاري قرف.
وقد ظل شربات يلقى بأوامره اللطيفة )للبصل المعفن( والجراثيم وكل الممحوقين في الرض من الذين صادفهم:
"أسمعي ..يل أمشي شوفي ليك شغلة تانية ربي بيها تعيالك"..
" ...شوفي ليك أي شجرة أو حيطة ..وسوي شاي .ولو رجعتي للحاجات دي تاني أتعملي حسابك لحدي ما ربنا
يفرجها"..
وأحياناا يأمر بإيقاف تعربة الكشة تعند المنعطفات ،ولما يهرب المكشوشين ،يأمر جنوده بصرامة:
"خلوهم"..
كا ن يشارك جنوده في السراء والضراء .وكانوا يحبونه ويثقو ن به إلى أ ن جاء ذلك اليوم الذي جأمر فيه بالتحرك إلى
شارع الجمهورية وكانت الخرطوم في ظرف أكثر أيامها اشتعاال.
في تنوير ضباط العلميات ،جاء المر صريحا )تفريق المظاهرات بالقوة( ليس بالبمبا ن فحسب ،وإنما بالرصاص .رابط
الملزم تعثما ن شربات بجنوده تحت قيادة رائدهم منذ الصباح الباكر في المنطقة المحددة.
وبحنكته القديمة ،استطاع أ ن يقنع قائده بأ ن "الشرطة في خدمة الشعب" وليس العكس .ثم صارا معا يدل ن الناس تعلى
البتعاد تعن المناطق الملغومة؛ التي يقود العمليات فيها الضباط الموالو ن.
كانت الجرائد تحمل في صفحاتها أخبارا مزيفة تعن أتعداء )للوطن( مندسين لتهديد )أمنه وسلمته( .ولكن شموس تلك
اليام ،حملت في معيتها إيقاع زما ن جديد.
كتب جو رسائل حميمة إلى كل الذين فاتوا في رحلة العمر .وأتعاد لهم ديكور إبتساماتهم في اللوحات التي رسمها
لوجوههم السمحة.
صار منزل ديكور وجو غرفة العمليات .واستعادت فرقة مسرح الرصيف نشاطها .وانضم إليها أتعضاء جدد أهمهم
تعوضية ،التي أظهرت مواهب مدهشة في التمثيل وبراتعة في الستعراض ل تدانيها فيها الممثلت المحترفات .وإكبارا
لجو فقد )أمنها( أهلها له ،وحتى خطيبها العريف إسماتعي كججو ،فرح جدا لدرجة أنه فكر أ ن يترك الجيش ويعمل معهم
في الفرقة ليمثل أدوار البوليس والجنود التي يجيدها بطبيعة تعمله .وظهر المخرج الموهوب نجم تعبد الخير ،الذي أحب
أفاق جو ونجظم الرتجال وأزال شوائب الجربندية.
كونت جماتعة صلح حزب اللفتة وانضم إليهم السيد زين العابدين!
ملوا البلد باللفتات التي تشجب وتدين وتؤكد وتزتعم وتجدتعي .وتسب وتقرر ،وتجري وتقف وتتبرأ وتتجرأ.
وهلمجرا ..وإستغماية مع )هلمجرا(..
ما كا ن جو ورفاقه يحفلو ن بما يجري من شجار .كا ن جو يرمي حجرا تعلى بعد نصف قر ن ثم يبدأو ن في رصف الطريق
إليه .ويلقي نجم تعبد الخير بحكمته" :إذا رصفنا هذا الطريق ..فبالتأكيد سيصل أحبابنا القادمو ن وراءنا بأسرع مما نحن
فيه .هيا إلى البروفة".
صارت ليالي المد ن تستضئ بمسرحهم .كانت روابط الطلبة تستضيفهم ..سائقوا البصات ـ أحيانا ـ يأمرو ن كماسرتهم
بأ ن يردوا لهم ثمن التذاكر .ستات الشاي يرفضن أ ن يأخذ ن منهم ثمن الشاي والقهوة!!
في )المدينة( ،زار جو تعزة ،فرأى اللوحة القديمة ،وكتب مسرحية )تعودة النوارس( التي أسست لما صار يعرف
)بمسرح الجمال( .وصادف يوم تعرض مسرحية زوار الليل ،تعلى خشبة مسرح المدينة الكبير أ ن كا ن أستاذ تعبد الجليل
ـ الذي صار تعضو ا في حزب اللفتة ـ يتحدث في ندوة حزبه في ميدا ن الكراكة .وما أ ن أنتهت المسرحية حتى هجم
الجمهور تعلى الميدا ن ،ورجم جماتعة حزب اللفتة بالحجارة ..ولم ينقذهم إل تدخل جو ونجم تعبد الخير ،الذين استمتعا
لول مرة )بالساوند سيستم( شارحين للناس أنه في هذا الزما ن "يحق للحمار أ ن ينهق كما يحق للعصفور أ ن يغني،
دو ن أ ن يتدخل أحد في غناء أحد ،أو يتدخل أحد في نهيق أحد .وأنه ل يحق للعصفور أ ن يمنع الحمار تعن النهيق .كما
ل يحق للحمار أ ن يمنع العصفور تعن الغناء .كما إنه يحق ـ أيضا ـ للحمار أ ن يعتقد في أ ن نهيقه أجمل من غناء
العصفور ،مثلما يحق للعصفور أ ن يعتقد في أ ن غناءه أجمل من نهيق الحمار ،ومن أتعجبه هذا فيذهب إليه ،ومن
أتعجبه ذاك فيذهب إليه أيضاا"!!
وفي كسل ،صعد جو جبل توتيل في الليل وكتب مسرحية إحتفال النيازك.
لفوا المد ن ،جل المد ن ،الصغيرة منها والكبيرة ،وبدأ الزحف تعلى القرى .فكانوا كلما مروا بقرية .أصبح أطفالها
يستعيدو ن ذاكرة الرتائن .ويضيفو ن إلى ألعابهم البلدية ألعابا بلدية أخرى.
كا ن جو ل ينام إل بعد أ ن يكتب )أخبار اليام( .ويرسل رسائل تعبر جسر الغياب إلى كل الغائبين ،يختمها قائ ا
ل:
"أتعرف أنكم كنتم معنا ..وأتعرف أنكم تبتسمو ن ..وأتعرف أنكم تستعدو ن للمساءات القادمة لحتفال جديد ."..
وكذلك مرت اليام الجميلة كما البرق .وفي اليوم السابق للذكرى السابعة لرحيل نو ن ،قضى جو المساء يحكي للنيل
)أخبار اليام( .ومع نهاية كل قصة ،يلقي بحجر فتنداح دوائر ودوائر ..ودوائر ..
كانت المد ن غافية .والكهرباء في الخرطوم تقطع وتجيء .المتشاجرو ن يتشاجرو ن .وكتاب الصحف )المأجورين(
يلفقو ن الخبار .و)غير المأجورين( يصححو ن أخطائها اللغوية فحسب!
وضع جو خطة الحتفال بالذكرى السابعة لرحيل نو ن بأ ن يصحو مبكراا ،ومع طلوع الشمس ،يلقي بقبلة تعلى
ابتسامتها .ويضع كلت الزهار تعلى بورتوريهات الغائبين الحاضرين .ويحمل كلة أخرى ليضعها تعلى جيد النيل رغم
ما بينهما من ثأر.
في الصباح ،وبعد أ ن أكمل الطقس الول ،سمع الضجيج في الشارع .خجمن أنها مشاجرة بين نسوة الحي بسبب صبيين
أحمقين دلق كل منهما لبن صاحبه في طريق العودة من أمام )دكا ن الفوراوي(؛ حيث يقف )سيد البن( .ولكنه لما أدار
مؤشر الراديو ،إذا بالطامة الكبرى تتكور وتنفجر مع حماسة المراشات العسكرية!!
ولم تمض ليلتا ن كما مضت تعلى أستاذ تعساكر إل وجاءه زوار الليل! بدأوا أوال بتهشيم الصور! كا ن جو قد رأى هذا
المشهد قبل ثلثة قرو ن وهو ما كا ن سوى )فكرة( في خيال وأحلم جده الرابع تعشر في قرية الدناقر .تعندما طار وقتها
وحلق وتداخل مع أحلم وكوابيس )تعم كوني فارس الغابة( الذي سبقت أحلمه الزما ن ليرى ما حدث بعد ثلثة قرو ن
من لحظته تلك وكل ذلك من فرط حبه لقرية الدناقر وناسها!!
بعد إ ن هشموا اللوحات والصور ،أخذ زوار الليل الكتب و)الوراق( ومن بينها كل رسائل نو ن و)أخبار اليام( ،تلك التي
سببت له من العنت ما لم يصدقه .فقد استفادوا منها إيما استفادة في تعذيب المعتقلين! أدرك جو غلفته هو أيضا بعد أ ن
ظن أ ن المدينة وحدها هي الغافلة .وكا ن ذلك آخر الدروس الصعبة.
كا ن جو يحب الحرية .ولكن طالما أ ن رأسماله هو دماغة ،وهم ل سسبيل لهم إليه بسبب جدار حنكة سنين الفواجع
العظيمة ،فقد وضع أفعالهم معه مكا ن العادية .ولكن ما آلمه هو خبر موت تعثما ن سنين قبل إ ن يرى ثمار شجرة الحلم
التي بدأت تمد فروتعها في الفضاء وترك بت النور وحيدة .وهي قد تكبدت المشاق وأتت إلى )هنا( لتحمل مصاتعب
العيش مع )البرجوازية( )المحرجة( من هيئتها القروية .ثم بعد ذلك كله لم يسمحوا لها بمقابلته ،وهو يعرف مدى الغبن
الذي تعاشته وتعيشه.
وبالطبع لم يزره أحد ،ولكن رسائل منتظمة كانت تصله من ديكور وتعلى إسماتعيل تعبر وسائل شربات الخاصة .كانت
في البداية رسائل جميلة )مفعمة بالمل( .ثم بدأت تزحف باتجاه المرارات .إلى أ ن صارت حنظلية.
تعرف جو أ ن تعلى إسماتعيل قد أخطأ في كسر صغير في حسابات تكتيكات اللعبة ،ولم يقجدر أ ن )بجلة( الجنايني الذي
انتحل شخصية تعم تعبده ،كا ن يخفي )نظارة سوداء( تحت لحيته الصغيرة.
قال جو؛ "حتى صورتك إنت يا تعم تعبده!!؟" .وقد جقبض تعلى تعلي إسماتعيل ،وجضرب حتى كسرت رجله .ولما خرج
وجد نفسه )تعلى باب ال( .فكتب إلى جو رسالته الخيرة وهو يتسلل تعبر المطار بأسم غير إسمه بادئا إياها بقول
الشاتعر:
ثم رسالة أخرى من ديكور ،أتمت المرارات ،يأسف فيها تعلى رحيله إلى أرض الحبشة ،بعد أ ن انتظر لمدى تعامين
يصحو كل صباح ويجر كرتا فيجده إما دو) (2أو تريس).(3
وتعمل بالحكمة الدينية "وامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور "..ـ كما فعل أبو خسين الذي فر بدينه إلى
جوار النبي ـ وأوصى جو بأنه لو خرج حيا وليس )جدثاا( أ ن يذهب إلى ود تعبد الوهاب الذي كانا يؤجرا ن منه الخا ن في
أيام )التحف( "والمجاتعة الرحيمة" ليجد تعند ه بعض الشياء.
بعد تعامين من تلك الرسالة ،وجد جو نفسه في فسحة وراء ضواحي أم درما ن! بعد أ ن جألقي به كما تلقي النفايات! قال
له الحارس الذي فك العصبة تعن تعينيه:
أدخر جو لقاء شربات ليوم أخر سيجيء ـ وقد بنت ليالي التفكير الطويلة جبل الحتراس ـ قال ـ "سأذهب إلى ماجد تعبد
الرحمن ،فقد يكو ن أدرك )جوهر المسألة( .وحتى لو سئل ستكو ن الجابة:
ـ دة ود تعمتي..
وستنتهي الحكاية ،تعلى أي حال ـ بعد سين وجيم ـ بتف نحص الوراق إياها ومقارنتها بأقوال بت النور في إجابتها تعلى
أسئلة من شاكلة:
ولكن المفاجأة كانت قاسية رغم الخبرات الطويلة مع القساوة .دخل جو الصيدلية المضاءة بكثافة .بقى لدقائق يتأمل
رفوف الدوية .ن جظر في خياله في )ديكور( الصيدلية ليغتنم أول فرصة فراغ ليدخل منها.
وجاءت الفرصة:
ـ آآ ...أه ا
ل ..جو!!؟
ـ الليلة..
مرر جو بصره تعلى الرفف مرة أخرى ،وقارنها بالحكايات التي سمعها في المعتقل تعما صار يجري للناس بسبب
الدوية ،وقال:
وخرج.
وأثناء تجواله ،وفي الطريق الذي يمر أمام المستشفى .كا ن يخمن في ذهنه ما ستكو ن وصايا ديكور.
رأى أشياء كثيرة تغيرت .قامت مباني جديدة ،جطليت واجهات المباني بلو ن البوهية التي كا ن يحتكرها ويخزنها صلح
زين العابدين وصار تعدد اللفتات مهوال!
وفي يوم ،وهو يمر أمام حوادث المستشفى ،رأى شخصا كأهل الكهف ـ شعره كثيف ،لحيته غبراء ،تعاضر إل من سرواله
الداخلي! مكوما حوله جب ال من الوساخ؛ جوالت دقيق ،أكياس أسمنت ،جرائد ،هياكل راديوهات وتلفزيونات ،تعوادم
تعربات ،بقايا كوانين ستات الشاي وأشياء أخرى كثيرة! كا ن يجلس أمام تلك الكومة ويصبح:
وينادي المارة:
اقترب جو:
ـ أنا جو ..تتذكر زما ن لمن كنا نقعد نقرا الجوابات سوا ؟
ـ ؟؟؟!!
ـ ...
وفي المكا ن الذي كا ن مكتب المقاول ،الذي شهد أحلى النتظارات لرسائل نو ن تعلى مدى أتعوام ،قامت تعمارة كبيرة،
"بنك الـ ..الـ ."..ولفتة بحجم بوابة المدرسة "شركة البركات للتجارة والستيراد" ،حاف هكذا! بعد أ ن إختفت كلمة
)المحدودة( التي كانت ترافقها في أيام مضت!
أشياء كثيرة أخرى تبدلت :فكلمة )ال( مث ال ،صارت تعني )البنك(! وكلمة )المستشفى( ،صارت تعني )الدكا ن(!!
و)الجامعة( ،تعني )الروضة(!!! و ..و...
قال جو لنفسه:
تلك هي إستعارة للعبارة "ما رايك يا نجم؟" التي كا ن يقولها نجم تعبد الخير المخرج ـ لنفسه ـ بعد أ ن يفرغ من قراءة
نص جديد كتبه جو.
إلتقى جو بود تعبد الوهاب وكانت قد بانت تعلى وجهه غبشة وكهولة مصارحة .وكعادة الرجال الطيبين ،تأسف لما حدث
لجو وتأسف أنهم لم يستطيعوا أ ن يفعلوا له أي شيء .ولم يك خائفاا ،فأكرمه وحكى له الحكايات وأكد له أنه )بقى تعلى
الحديدة( وأ ن )البجرة زي الجوة(..
"يا خي ديل بخلو حاجة!؟ لكين الحمد ل إنت ود حلل ..جيتني في الوكت المناسب .أنا هسع مفكر أبيع الدكا ن .وكنت
بفكر أنقل الحاجات بتاتعتك دي البيت ،وحتى وال كلمت الولد يفجضوا الحجمام بتاتعي داك تعشا ن أتعمله مخز ن ـ ما
تآخذني يا خي .أنا ذاتي باقي حاجاتي تعايز أنقلها هناك".
وجد جو كل أدوات العمل القديمة .وبعض ما نجا من )مسرحية الثور في مستودع الخزف( .كا ن تعامر ديكور قد قام
بإتعادة رسم كل اللوحات التي جه لشمت .وبنفس البتسامات القديمة .وأضاف إليها صورته وهو يبتسم إبتسامته الساخرة
تلك ،واضع ا قبعته المعهودة تعلى طرف رأسه ،وبقايا اللوا ن تعلى أصابعه ،ممسكا بفرشاته يضع اللمسات الخيرة
للوحة داخل اللوحة يظهر فيها جو وهو حامال صخرة كبيرة كصخرة سيزيف ،وصاتعدا بأتجاه قمة الجبل وأمامه لفتة
في شكل سهم:
"الذكرى التاسعة لرحيل نو ن .وأنا أحتفل وحيد ا بالنيابة تعنك .لم أجرؤ تعلى شيء واحد لنه يخصك أنت وحدك.
تعزيزي جو:
ما زال في العالم متسع لي ولك وللذين نحبهم .تأكد دائما أ ن حذاءك مربوط جيدا وبحزم ،وقبل أ ن تلبسه تأكد أ ن ليس
فيه حصى .لو تأخر خروجك ،فلن تكفي الجنيهات التي سلمها لك ود تعبد الوهاب قبل قليل لشراء حذاء.
ولي الرحيل.
ديكور
****
تعقب الذكرى الحادية تعشر لرحيل نو ن ،س جرب جو اللوحات والدوات إلى )المدينة( .وذهب إلى أبدللهي إساخا وقال:
كا ن قطارالميجا قد خرج ذات يوم ولم يعد! لتحل محله بصات )المجد( التي تمتلكها شركة )البركات غيرالمحدودة( .لم
يجد جو مفرا من دتعم )الوطن( .وأشترى تذكرة مغادرا إلى )المدينة(.
وهناك ،كا ن أول من صادفه هو البصلة المعفنة الكبيرة مصطفى بطيخة ،الذي اضطر في السنين الخيرة أ ن يعمل
كومسنجيا متجوال بعد أ ن أفلس دكانه رمن كثرة صمن صار يعولهم رمن الناس .ولم تسعفه من تعاديات الزما ن إل أريحيته
وشهرته وتاريخه الشخصي النظيف .فكل من نقص تعنده ثمن الفرار ،تكفل مصطفى بطيخة بإقناع سائق اللوري
ليوصله ويختم )أوامره( التي ل ترد بـ"إتكل تعلى ال يا رجل!".
وأول ما صدع به بطيخة ـ كعادة الكومسنجية في إفشاء أسرار المدينة ـ هو أ ن أخبر جو بأ ن أستاذ تعبد الجليل قد جتعلين
محافظاا للمدينة وضواحيها! وأ ن أول تعمل قام به هو )هدم مسرح المدينة الكبير( وتحويله إلى )بورصة محاصيل(!!
جصعق جو من الخبر ،لنه كا ن يتوقع أ ن يتم تحويل المسرح إلى )مسجد( ـ الذي كا ن ،تعلى القل ،سيحل ضوائق السابلة
المساكين ،ويوفر لهم مظلة تقيهم غلواء الحر في أيام الحر ،وهوجاء المطر في أيام الخريف!
وبعد،
واصل جو تصفح بانوراما المدينة .وجد ساقيه قد ساقاه إلى الماكن الحميمة القديمة .كانت الغنام ترتعى في
)المدرسة( التي تحول إسمها إلى إسم أخر .ولم تعد الداخلية داخلية ،فقد تم تحويلها إلى ملكية منظمة الـ..
الـ..المشهورة!
كانت حيطانها قد تهدمت وأشجار للوبها جفت .وتحولت لفتتها إلى لفتة أخرى )معهد تعلوم الـ...الـ ،(..وأغلقت بقية
المدارس في إنتظار أ ن يفتحها ال!!
وفي المساء ،ذهب جو للتنزه تعبر الجسر .كانت الشجار قد أزيلت .وبقي الجسر تعاريا كأبدللهي إساخا! ولم يعد أحد
يتخذه متنزهاا! فبالضافة لتهشم منظره ،صارت الشرطة تتدخل وتسائل الناس كلما تعبروا في المسيات! كا ن ذلك ضمن
خطط أستاذ تعبد الجليل لمحو ذاكرة المدينة!
وفي الليل ،وقبل الخروج إلى )الكعبة( ،أسر جو لبطيخة بعض ا من أسرار الليالي القديمة مع )الكعبة( .فضحك بطيخة
ضحكة أتعادت أيام زما ن وقال:
ولكنه صرح لـ)جو( بعدم جدوى الذهاب إلى هناك .ل ن ذلك المكا ن كا ن قد أصبح في العام الفائت مأوى للجنود غير
النظاميين!! وأضاف بطيخة وهو يواصل ضحكته القدرية:
وفع ال ،لما وقف جو تعلى الطلل .كانت النافذة مهشمة .فقد أخذ الجنود أخشابها .ولم يعرف مصير )النملية(! بل حتى
الزنك وأخشاب السقف )ذهبت في خبر كا ن(!!
إلتقى جو بسيف حسن .وتعرف أنه تزوج جليلة .وأنجبا ملويزي و مابانا .وتعرف أ ن تعزة إنتقلت لتسكن بجوارهم .وقد
صارت )أبلة تعزة( التي يذهب ملويزي ومابانا مع رفاقهم كل صباح إلى بيتها الذي صار روضة تدجرس فيها الطفال
)أحلم الزما ن( .وفي أيام )الحنين( ،يبقى سيف حسن ويعزف لهم أغنيات )الزما ن الجاي( التي كانت يوما )أحلم بكرة(
تعلى النورمال جيتار فيغنو ن.
فرح جو،
ولما إلتقى بـ)أبله تعزة( ،وجدها ما تزال تضع أمام تعينيها نظارتها السوداء تلك! أحتضنته بإلفة بالغة .واستعادت
قدرتها القديمة تعلى البكاء المرير.
أستغل سيف حسن المناسبة واقترح تعلى جو أ ن يسكن معهم .ولكن المشكلة كانت في بعض تفاصيل جو ،التي تتضمن
تعودة نورس إسمه بت النور .لكن تعزة حلت المشكلة فوراا .أمرت جو أ ن يأتي ببت النور لتسكن معها في بيتها وترافق
والدتها .وتعلى القل ستجدا ن فرصة لتبادل )إشعاتهما القديمة( وتسعدا ن بصحبة بعضهما في آخر أيامهما .كا ن ذلك ح ا
ل
جيداا .فجأحضرت بت النور ،وجهدم الجدار الفاصل بين البيتين .وبعد أيام جأفتتح دكا ن بطيخة مرة أخرى .ولكن هذه المرة
خاناا للتحف وأتعمال النجارة .وملجأ لطالبي الديكور ،بالضافة لزبونات سيف حسن من الفتيات الراغبات في زيادة
أناقتهن وهن كثيرات ـ خاصة بعد تفشي ظاهرة )العزوف تعن الزواج(!
بدأت الدنيا تستعدل مشيتها قلي ال .كا ن جو وسيف حسن يعمل ن في النهار ،ما تعدا أيام الحد والربعاء .الذين
خصصاهما لروضة تعزة .حيث يعزف سيف حسن تعلى النورمال جيتار ،ويقوم جو بضبط اليقاع واختراع الجملة
الحركية للصغار لداء الناشيد وراء تعزة وجليلة.
وفي كل خميس ،بعد أ ن يمشط جو لمابانا الصغيرة شعرها ،يذهبو ن جميعا بصحبة الصغار للتنزه وتعبور الجسر
ويرزتعو ن الشجار القديمة في ذاكرة هؤلء الصغار.
في الليل يذهب جو إلى )سيدة الفرح( .ويأخذ مرتبه اليومي ،ثم يعود إلى الغرفة .يجد تعزة وجليلة تعدا ن العشاء.
وسيف يعزف تعلى النورمال جيتار لملويزي ويغني له:
فيجلس جو ،ويضع مابانا الصغيرة في حجره ،ويحكي لها حكايات )الثعلب في الغابة( وهو منهمك ـ في نفس الوقت ـ
في قصقصة الجلود والقمشة ..وأيا من لوازم الشغل .وأحيانا يخطط في كراسته تفاصيل المسرحية القادمة التي اكتملت
في ذهنه .وبعد أ ن تنام مابانا ،يحملها إلى سريرها ويعود ليتناول الرشيف ويكتب أخبار اليام ثم ينام.
مع شقشقات الصباح يصحو ،ويصلي صلة اليوم الواحدة! يقرأ سورة الفاتحة التي يحبها .وسورة البلد ،التي يؤمن
بها ،ويردد قول المسيح "أنتم ملح الرض ..فإذا فسد الملح فماذا....؟" .وأحيانا جزءا من نشيد النشاد!
كا ن جو ل يدتعو أي دتعاء! فهو مع الحكمة القائلة بأنه "ليس هناك داع للصياح وإزتعاج الرب طالما هو يعرف كل
شيء ..وإذا كنا قد ارتكبنا أشياء مخجلة ـ وهو يعلمها بالضرورة ـ فليس هناك معنى من محاولة خداتعه )بكلمات
حلوة( !"..وتعلى رأي المقدم تعثما ن شربات "أ ن هذه الكلمات الحلوة تنفع مع الفتيات فقط ،ولكنها ل تنفع مع الرب"!
ومن دواتعم هذا الموقف أنه في أيامه الولى في المدينة ،أستيقظ يوما مبكرا وداهمته الرغبة في أ ن يصلي الفجر مع
تعم تعبده ـ رغم تعلمه بانتقاله إلى الرفيق التعلى! فتوضأ ومضى باتجاه الزاوية .ولكنه لم يتصور أ ن الدكاكين التي نبتت
كالمسكيت تعلى سور الزاوية قد امتدت إلى داخلها أيضاا! فمنذ رحيل تعم تعبده إلى رحاب ال ،أستولى ود العمدة تعلى
المايكرفو ن الذي لم يهنا به تعم تعبده إل أيام قليلة .وبد ال من )أسبحنا وأسبح الملك ل( سمع جو حشرجة حنجرة
الحوت" :اللهم كفر تعنا سيئاتنا ..اللهم أهزم أتعداء الدين ..اللهم ...اللهم !"..فقار ن جو الصوت بصورة ود العمدة،
الذي صار )أمين اللجنة(! أستحضره لما كا ن يمر أمام المشغل ملقيا بتحيته:
وهو يحمل سبحته بيده اليمنى ،وأشداقه قد كبرت حتى أطاحت برقبته ،وقد امتدت مؤخرته وهو يرتدي تعراقيه
وسرواله الفضفاض ،ويضع طاقيته بطريقة )فكي شاف لحم(! فعاد جو أدراجه ،وظل يسمع صوت تعم تعبده بوضوح
كلما نظر في الفجر إلى الجلوحة التي رسمها ديكور!!
وفي تلك اليام ،كتب جو مسرحية )الطريق إلى المد ن المستحيلة( ،التي تحكي تعن قافلة من الناس ضربت أرضهم
المصائب ..فخرجوا باتجاه مد ن تعلى ضفاف أنهار سمعوا بها في أخبار الزما ن .وفي الليل الطويل ،وجدوا جب ا
ل تعظيما
سد تعليهم الطريق .فاختلفوا؛ بعضهم آثر الذل والمسكنة والبقاء تحت رحمة هوام الجبل .وآخرو ن من الشبا ن
المتهورين ،قرروا المضي جقجدماا ،وتسلق الجبل .كا ن هناك شيخ كبير ،يحمل حفيده تعلى كتفه قد قرر مواصلة الطريق.
وكلما ظهرت صخرة كأداء ،أنزل حفيده ،واتكأ تعلى تعصاه ،وحنى كتفه قائال للشبا ن:
ثم ينتظر حتى يمر نيزك فيحترق ويضيء .وفي لمح البصر يضع الجد تعلمة في المكا ن ،فيساله حفيده:
فيرد:
وفي أخر المشهد .تشرق الشمس .ويجدا ن نفسيهما في المنحدر الخر .فيتوقف الجد ليستنشق تعبير الشمس .ينطط
حفيده تعلى كتفه ويصيح:
"ياآآه يا جدي! أنا سأذهب إلى هناك والعب بالطين! أنا فرح يا جدي!
ولكن الجد في تلك اللحظة كا ن قد مات واقفا وهو متكئا تعلى تعصاه!!!
****
في الحادي والثلثين من ديسمبر ،وبعد مرور نصف تعام تعلى الذكرى السابعة تعشر لرحيل نو ن ،والزما ن تعلى وشك
أ ن يكمل دورته القديمة .استلم جو الرسالة التالية من تعلى إسماتعيل:
"جو العزيز:
أنا ال ن واقف تعلى أقصى بقعة في الرض تعلى ضفاف بحر الشمال .أمامي الفنار القديم ،مغطى بالثلوج التي كثلوج
روحي التي تحن إلى شمس إفريقيا!
صباح الجمال يا حبيبي العنيد ،وأنت ما تزال تمتهن السئلة بالقصي من الجابات.
أتعرف أنك ال ن جالس أمام الديار تكتب مسرحا جديد ا تعن بطولت الناس العاديين والناس القادمين .أتعرف أنك لم
تغسل وجهك جيدا هذا الصباح حتى ل تتبخر فكرة مجنونة تعن نشيد تؤديه الحبيبات تعلى أبواب الشمس.
وأتعرف أنك قبل قليل أرسلت ملويزي ليأتي لك ببعض السجائر .وأ ن ملويزي يماطل في الطريق ويلعب )سركج بركج( مع
سابيمبي..
أتعرف ،وأفرح جداا ،لنك أجلت بعض ا من تفاصيل المسرحية القادمة يوم أمس لتقنع مابانا الصغيرة بأ ن تمشط لها
شعرها اليوم .وهي ما زالت ل تثق إل في رؤاك الجمالية .وتعلن أنها لو كانت كبيرة لتزوجتك أنت ،ضاربة تعرض
الحائط بكل ما تقوله النسوة تعن قميصك الوحيد.
جو العزيز:
أنا ال ن كما تعرف أبصر العالم جيد ا بعيني تلك التي كنت تنظفها لي بنفخات من فمك تعندما كنا نلعب في التراب .وأتعلق
تعلى جدرا ن قلبي دائما صورة ذلك اليوم الذي مشيت فيه حافيا تعشرين ميال ،تعبرت الغابات والجبال ورضجعصت في تلك
المدينة التي كانت في مخيلتك المكا ن الزرق بحجم المنديل .ذلك المكا ن الذي أخذوني إليه ليرمموا لي تعيني التي
انجرحت بعصاك التي قذفتها لترمي لنا بعض الللوب .من المؤكد أنك ال ن اكتشفت أ ن المدينة مكا ن أزرق ،ولكنه بحجم
البحر ،الذي هو بحجم المنديل في آخر المطاف .أذكر أنهم قالوا أنني قبل أ ن أصحوا من البنج ،كنت قد سربت بعض
أسرارنا لليقاع بأصدقائنا في الجانب الخر من الحي في لعبة القمر القادمة.
ض باتجاه )المد ن المستحيلة(.ها أنا يا جو أتعرف العالم جيدا وأرى بعيني تلك كل الفنارات وكل الدروب .وأنا ال ن ما ض
أتذجكر يا جو تعندما كنا )جنصدلق جس( الستاذ ونتصفح كتاب )ألطريق إلى المد ن المستحيلة(؟؟ ونقرأ رواية )تعائد من الجحيم(
التي تمجد بطولت العناد؟ أتذ جكر تلك الكتب الممنوتعة في تلك المدرسة التي أنشأها الغزاة )المحليين( الذين يعملو ن ليل
نهار ليرلكبوا لنا جلودا غير جلودنا وقلوبا غير قلوبنا ويدججونا ببعض الفرائض؟!
جو يا حبيب،
مازالت مفاوضاتي جارية مع الـ)التاريخ( ،وأحاول أ ن أقنعه بأ ن بيوتنا أيضا كانت جميلة ،وكذلك غناءنا ونساءنا..
غد ا سيكو ن لمابانا الصغيرة تفاصيل أكثر اتساتعاا ،وتقوم المسرحية في ميعادها.
غدا سارسل لك قميصنا لتخرج وتتفسح قلي ال وترقص في تعرس حبيبتنا نواندا وتغازل بعض البنات ،ل ن ذلك يزيد
الفرح في العالم.
أنا تعائد إلى غرفتي لهندس تعالما وبلدا للصحو ،بملمح مد ن ومسارح أكثر أتساتعا لتحمل دراما الحضور التي تكتبها
أنت ،وما يسميه سيف حسن )هزائم المستحيل(.
كا ن جو يتأمل تفاصيل هندسة تعلى إسماتعيل .فدخلت تعليه مابانا الصغيرة ،وأخرجته خشخشة أقدامها النبية تعن لحظة
اليدي المتشابكة التي كانت ستشكل القوس الذي ستمر تعبره النوارس إلى البحر فناداها:
"تعالي يا السمحة ...هوب "..حملها وأجلسها تعلى حجره وأدخل يده في جيبه اليمن ..ثم اليسر ..لم يجد الحلوى!
حملها تعلى صدره وفتش الرفوف ..وقبض تعلى الحلوى المندسة ،وبدأ يزيل تعنها غطاءها:
ـ أيوة يا حلوة ..بس خلي ملويزي يجي يجيب لينا السجائر وبعدين نقعد نمشط شعرنا ..كويس؟
أمسكت مابانا شعره بيدها الصغيرة ،وتذكرت سيرته التي ظلت تلوكها النسوة اللتي كن في شغل الستعداد للذهاب إلى
تعرس نواندا ..قالت:
ـ أنا لما ألقى لي واحدة سمحة زيك كدة وذوق كدة ..أتعرسها طوالي؟
****
مع دورة الزما ن الجديدة ،وفي لياليه ،تحول الحلم القديم إلى الضفة الخرى ،التي لم تطلها يد التنين بعد.
فما أ ن يغمض جو تعينيه ويغفوا حتى يأتيه تعم تعبده "قوم يانايم و لحد الدائم" "أسبحنا وأسبح الملك ل" فيرتجل جو
قميصه كعادته ويدخل غرفة الرشيف ،التي جتكتب وجتحفظ فيها وثائق أخبار اليام.
صار تعم تعبده أمين الرشيف .وتحولت تعكازته الطويلة ـ التي كا ن يهش بها وهن الدنيا في أخر أيامه ـ إلى انبوبة )بف
باف( تعمل أوتوماتيكياا وتمنع دخول الكاذيب إلى الغرفة ،تبيد الزاحفة منها والطائرة ،المتسلقة والمتألقة ،ذات العيو ن
الزرقاء منها وذات العيو ن البلدية.
يفتح تعم تعبده الباب لطابور الشهود .فيدخل رينقو .وتتحول سريرة تعم تعبده إلى شاشة بيضاء يعرض تعليها رينقو
حكاية الفيلم الهندي من لحظة ميلد البطل ،إلى لحظة معانقته لحبيبته بعد النتقام من )الخيانة(.
فيسأله جو تعن أثر الفيلم تعلى )ناس الجلوج( .فيضحك رينقو من بساطة جو! ويشرح له أ ن السينما )هنا( ليس فيها لوج
أو درجة أولى! فاللوج هو الدرجة أولى ،والدرجة أولى هي شعب ،والشعب هو اللوج!! فيفرح جو .ولكن فرحته تزداد
حين يغمز له رينقو بإشارة يفهم منها أنه "تعمل نج" ،ولم يعد يذهب إلى السينما )تعزابي( .ثم يدس لجو شيئا ويخرج،
لياتي الذي بعده.
يدخل أبدللهي إساخا ممسك ا بيد فتين ويحكي كيف أنه مات في نفس اليوم الذي ماتت فيه فتين من تعثر الولدة .وكيف
جأخذت جثته إلى مشرحة كلية الطب ليتسلى بها )الحلب( و)أولد البرجوازية( .ويدخل يده في قلبه ويخرج وثيقة خطيرة
ويمدها لجو الذي يفردها فيجدها )بياناا( من )دكتور منقوشي( يتساءل فيه تعن لماذا ل يوجد حلب في المشرحة؟ ولماذا
يكو ن سكا ن الـ) (DRهم دائم ا من تعلى لو ن أبدللهي إساخا؟؟! ولكن أبدللهي إساخا يحمد ال أنه لم يكن ضمن شلة
)تيري فنجاس( و)كيري جقجاق( الذين جه لربت جثتهم تعبر المطار إلى دول البترودولر ،وقبض ) (...الثمن!
ثم يغلق دفتر الحزا ن لتفتح فتين دفتر الفراح .وتحكي تعن تفاصيل الحديقة التي كا ن يسكنها آدم وحواء ،فتتحول
دتعوات تعم تعبده إلى جرتق ،ويقوم جو بعقد قرانهما ،ويبشر فيهما .ويشاركهما رقصة )أم صلبونج( ،ثم يعدهما
بالزيارة في أقرب سانحة ...ثم يخرجا ن.
يدخل تعليه أستاذ تعساكر ،فيقف جو لستقباله ،ثم يجلسا ن ،فيتحول كرم تعم تعبده إلى واحد قهوة مظبوطة ،يرشف منها
أستاذ تعساكر ثم يبدأ نقده )الموضوتعي( لمسرحيات جو:
"وهذا الحوار طويل ،ويبدو كخطب المحافظ! ثم ل داتعي لتفخيم اللغة )هنا( مسايرة للنقاد!"
و" ..لقد ضللك لوتعيك )هنا( فواربت جزءا من الحقيقة إرضاءا لما يسمى بـ)الذوق العام( تعدو الحقائق"!
""...
ثم يكمل أستاذ تعساكر قهوته وملحظاته ويذهب ،فيأتي بعده ماركس .وتتحول سجادة تعم تعبده إلى بساط أحمدي .يضع
تعليه ماركس رزمة الصور التي التقطها بكمرته )البيض وأسود( للبرينسيسة منذ لحظة لحظة صحوها:
ها هي تفتح نافذتها وتتأفف من التلوث الذي خلفته مصانع مستلزماتها إياها.
ها هي تمارس الـ) ( ####### Oralمع كلبها المدربة جيدا ذات اللسنة الطويلة إياه.
وها هو تعم تعبده يخجل ،ويدتعو ماركس أ ن )يشيل حسنة في الولية( ويتزوجها ليضيف إلى ميزا ن حسناته.
فيمازحه ماركس" :إيه يا تعم تعبده ..يبدو أنك )كعكعت( ..وضعفت ذاكرتك! أنسيت أنه ل يجوز )شرتعاا( للرجل أ ن
يتزوج بالمرأة المتزوجة؟؟"
"وهب أنها غير محصنة ،أنسيت يا تعم بعده حديث )خضراء الدمن(؟!"
ويتذكر تعم تعبده ،فيضرب كف ا بكف ،ويخرج ماركس .ويستعدل جو جلسته ،فتدخل تعليه نو ن ،ببالطوها البيض
وسماتعاتها تعلى جيدها كعقد .وما تزال حبة الشباب تعلى خدها اليسر.
تقدم له كشف ا بأسماء أطفالهما تعلى طول البلد وتعرضها؛ بعد أ ن شخصت حالتهم وحددت نوع الدواء:
هؤلء طردوهم من المدرسة لنهم لم يدفعوا الرسوم وظهرت تعليهم أتعراض المية.
هؤلء مصابو ن بداء الكواشركور من سوء التغذية الذي يسببه طفيل )التجنيب(
وهؤلء ..
وهؤلء ..
وهؤلء مصابو ن بالملريا .وتحكي له قصة )مؤامرة( تجار الكلوروكوين مع تعمال البلدية ولجا ن مكافحة الملريا،
الذين قبضوا الرشاوي؛ فصار تعمال البلدية يتسيبو ن تعن ردم البرك ،وصب الزيت ،ولجا ن مكافحة الملريا تقوم
بتزييف التقارير! وتجرؤ تعلى نفي وجودها لتسعد المسؤولين! وتبكي نو ن تعلى كتفه لقلة حيلتها مع )هؤلء(...
فتتحول )رح لنية( تعم تعبده إلى )منديل أزرق( وتطير وترك في يد جو! فيأخذها ويمسح لنو ن دموتعها ،ويطبطب تعليها
قائ ا
ل:
"خلص يا حبيبتي ،لقد هانت ،فغداا ،تعندما يعرف الناس الحقيقة ،سيختفي تجار الكلوروكين".
ثم يضيف:
"بالمناسبة .لقد قرأت خبرا سيفرحك جداا ..فقد ظهر صديق جديد في أمريكا الجنوبية ،أكتشف دواء ناجعا للملريا..
وهو )يجاهد( ال ن ليصاله إلى الناس ..وغد ا سيظهر واحد آخر ..ثم آخر ،ويصيرو ن تعشرة ..ثم مائة ،ثم ألف ،ثم
تختفي الملريا وأخواتها إلى البد".
ـ آآ ..لقد ذكرتيني! فقد أهدانا رينقو تذكرتين لفيلم الغد الهندي الجبار.
وهكذا ......
http://rewayatbook.blogspot,com