Professional Documents
Culture Documents
نحو إطار تشريعي فعال يكرس مبدأ التعاون الدولي في مكافحة الفساد
نحو إطار تشريعي فعال يكرس مبدأ التعاون الدولي في مكافحة الفساد
ملخص :
تعتبر اتفاقية األمم املتحدة ملكافحة الفساد ثورة قانونية حقيقية في مجال مكافحة
جرائم الفساد ،فهي سابقة لم يشهدها املجتمع الدولي املعاصركونها تعد أول صك دولي يختص
بظاهرة الفساد ينال اإلجماع بين الدول ،نظرا ملا تضمنته االتفاقية من آليات جادة مبنية على
أساس التعاون الدولي على غرار تبادل املعلومات وغالبا ما تكون عن طريق إرسال الخطابات و
الرسائل واملطبوعات التي تحتوي على بعض املعلومات املتعلق باملشاكل املشتركة جراء ظاهرة
الفساد واآلراء املقترحة ملكافحها ،كما نجد أيضا تنظيم وتبادل الزيارات التي يمكن أن تتم بشكل
رسمي أو شبه رسمي أو غير رسمية معلنة أو سرية ،وتبادل اآلراء و الخبرات و تنظيم حلقات
املناقشة التي غالبا ما تتم على هامش املؤتمرات الدولية العاملية أو اإلقليمية كما يمكن أن تتم
بين السفارات أو املكاتب اإلقليمية للمنظمات الدولية الحكومية أو غير الحكومية ،واالهم من
ذلك تتبع عائدات الفساد والعمل على إعادتها للدول املطالبة بها ،انطالقا من ذلك يمكن القول
أن اتفاقية األمم املتحدة ملكافحة الفساد تمثل في حد ذاتها إستراتيجية تشريعية فعالة ملكافحة
ظاهرة الفساد .
الكلمات املفتاحية :مبدأ التعاون الدولي ،مكافحة الفساد ،املعاهدات الدولية .
Abstract:
The United Nations Convention against Corruption is a genuine legal
revolution in the field of combating corruption crimes. It is a precedent that has not
been witnessed by the international community today as it is the first international
instrument to deal with the phenomenon of corruption that obtains consensus
among countries, given the serious mechanisms of the Convention based on
international cooperation, Information and often by sending letters, letters and
publications that contain some information on common problems due to the
phenomenon of corruption and the views proposed to combat them. We also find
the organization and exchange of visits that can be carried out formally, semi-
formal or informal The exchange of views and experiences and the organization of
panel discussions, which are often held on the margins of international or regional
international conferences, and may take place between embassies or regional offices
of intergovernmental or non-governmental organizations, and more importantly,
tracking the proceeds of corruption and returning them to the requesting States ,
It can be said that the United Nations Convention against Corruption is in itself an
effective legislative strategy to combat the phenomenon of corruption.
Keywords: principle of international cooperation, combating corruption,
international treaties.
مقدمـة :
تعتبر ظاهرة الفساد واحدة من اخطر ظواهر السلوك اإلنساني ومن أهم التهديدات التي
تواجه امن وسالمة ومصالح األفراد والجماعات واملجتمعات املختلفة ،لذا فقد اهتمت اغلب
الدول بالتصدي لهذه الظاهرة بكافة الطرق والوسائل املتاحة ،من خالل وضع السياسات
واالستراتيجيات القائمة على تكافل جميع القطاعات الرسمية منها وغيرالرسمية.
فمشكلة الفساد ال تقتصر على وجوده و مدى انتهاكه لحقوق اإلنسان بحد ذاته ،بل
تتفاقم وتتعاظم مع زيادة قدر هذا الفساد و نعني بذلك الفساد الذي ال ينال من أموال وموارد
الدولة فحسب ،بل وحتى من ديمقراطيتها و استقرارها أيضا.
من هنا أصبح موضوع مكافحة الفساد و القضاء عليه من أهم التحديات التي توجه
املجتمع الدولي في محاولة للوصول إلى نظام عالمي أكثر ديمقراطية و استقرارا ،لذا كان من
الضروري في الوقت الراهن أن تنصب جميع الجهود الدولية في مكافحة ظاهرة الفساد بدرجة
أولى على تعزيزدور املجتمع الدولي في إعادة بناء قدراته وتوظيفها أحسن توظيف وفق سياسات
وقواعد ممنهجة تضمن لنا تحقيق الهدف املنشود الذي ال يتأتى إال من خالل العمل على وضع
إطارمؤس�سي فعال يضمن مكافحة الفساد على كافة املستويات الدولية واإلقليمية والوطنية،
يعمل هذا النظام على خلق التزام دولي تضامني من شانه أن يمهد الطريق إلى إرادة سياسية
جادة على املستوى العالي تعمل بدورها على احترام و تعزيز وتنفيذ املعاهدات واالتفاقيات
الدولية ذات الصلة بمكافحة الفساد .
وتكمن أهمية دراسة موضوع التعاون الدولي ملكافحة ظاهرة الفساد في مدى وعي الدول
بضرورة تضافر الجهود العاملية من أجل تحقيق املصلحة املشتركة لإلنسانية ،إذ ال يمكن
ألي دولة االستغناء عن هذه العالقات التعاونية في زمن العوملة وما تفرضه من انتفاء الحدود
والسيادة النسبية ال املطلقة .
هذا ما سنحاول توضيحه من خالل دراسة األساس الذي يقوم عليه مبدأ التعاون الدولي
بصفة عامة ثم التركيزعلى ظاهرة الفساد والجهود املبذولة من قبل الدول للقضاء عليه و ذلك
وفق اإلشكالية التالية:
إلى أي مدى يمكن وضع إستراتجية عاملية فعالة من شانها القضاء على ظاهرة
الفساد؟
و ما مدى فاعلية آليات التعاون الدولي في مكافحة ظاهرة الفساد ؟
من أجل اإلجابة على اإلشكالية املطروحة وبقية التساؤالت التبعية حاولنا دراسة هذا
املوضوع عن طريق االعتماد في معالجتنا له بدراسة وتحليل اغلب االتفاقيات املتعلقة بهذا
الشأن من خالل العناصرالتالية:
املبحث األول :املقصود بمبدأ التعاون الدولي في مكافحة الفساد
املبحث الثاني :دور املعاهدات واالتفاقيات الدولية في إرساء قواعد التعاون الدولي ملكافحة
الفساد
املبحث الثالث :مستويات التعاون الدولي في مكافحة ظاهرة الفساد
يحدث عندما يقوم موظف بقبول رشوة أو ابتزاز لتسهيل عقد أو إجراء طرح ملناقصة عامة،
كما يتم عندما يقوم وكالء أو وسطاء لشركات أو أعمال خاصة بتقديم رشاوى لالستفادة من
سياسات أو إجراءات عامة للتغلب على منافسين و تحقيق أرباح خارج إطارالقوانين املرعية ».
أما اتفاقية األمم املتحدة ملكافحة الفساد لسنة 2003فإنها لم تتطرق إلى تعريف
الفساد ،ولكنها قامت بالنص على بعض األعمال التي يمكن اعتبارها فسادا مثل :غسيل األموال،
رشوة املوظف العام ،رشوة املوظف األجنبي ،اختالس املمتلكات أو تبديدها ،استغالل النفوذ،
إساءة استغالل الوظيفة ،اإلثراء غير املشروع ،الرشوة في القطاع الخاص ،اختالس ممتلكات
القطاع الخاص و إعاقة سيرالعدالة ،3فرغم توفيق االتفاقية في محاولة جمع أهم الصور التي
تنطوي تحت مفهوم الفساد إال أنها لم تضع تعريفا دقيقا يحدد لنا الجوانب القانونية املتعلقة
بالفساد باعتباره عمل مجرم يمكن له االرتقاء إلى درجة أخطر وهو اإلجرام املنظم الذي يتخذ
أشكاال متجددة وتتعدى آثاره ونتائجه إقليم الدولة الواحدة إلى بقية دول العالم ،وهو األمر
الذي يستدعي تضافرالجهود الدولية ملكافحته من خالل العمل بمقت�ضى مبدأ التعاون الدولي.
هذا وتجدر اإلشارة إلى أن املشرع الجزائري وهو بصدد إصدار القانون رقم 06/01
املؤرخ في 20فيفري 2006املتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته املعدل واملتمم 4حذا حذو
اتفاقية األمم املتحدة ملكافحة الفساد ،حيث لم يقم هو اآلخر بتعريف الفساد ولكنه اقتصر
فقط على تحديد بعض املفاهيم املتعلقة به 5والعقوبات املسلطة على كل من يتهم بالفساد.6
الفرع الثاني :مقتضيات التعاون الدولي ملكافحة الفساد
من املعروف لدى املهتمين بالشؤون الدولية أن مبدأ التعاون بين الدول بصفة عامة
هو احد األصول الرئيسية للنظام الدولي الراهن ،وذلك الرتباطه بجوهر التنظيم الدولي الذي
تلتزم الدول بموجبه بضرورة التعاون فيما بينها على كافة املستويات العامية منها و اإلقليمية و
الوطنية من اجل محاربة و مكافحة الفساد.
لكن تجدر اإلشارة هنا إلى صعوبة وضع تعريف دقيق جامع ومانع لهذا التعاون ،ولعل
السبب في ذلك يرجع إلى صعوبة حصر األنواع واألشكال التي من شأنها تحديد عناصر هذا
التعاون ،غير أنه يمكن لنا تحديد بعض مالمحه في إطار العالقات الخارجية للدول من خالل
تبادل العون واملساعدة بين طرفين أو أكثر من أجل تحقيق مصلحة إنسانية مشتركة في مجال
التصدي ملخاطر وتبعات الفساد وكل ما يرتبط بحسن سير القضاء والعدالة الجنائية وتعقب
مصادر التهديد ،مهما كان نوع هذه املساعدة سواء قضائية أو تشريعية أو شرطية أمنية أو
إجرائية.
من هنا يمكن لنا أن نستنتج بعض العناصراألساسية التي البد من توافرها في أية عالقة
تعاونية دولية في مجال مكافحة الفساد وهي كالتالي:
-ضرورة تمتع األشخاص املخاطبين بالتعاون سواء الدول أو املنظمات باالستقالل
الذاتي واملتعلق بحرية اإلرادة عن طريق االعتراف لها بهذه الصفة.
-ضرورة توافراإلرادة السياسية للدول في مكافحة الفساد ،من أجل الوصول إلى التزام
451 مجلة األستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية
نحو إطارتشريعي فعال يكرس مبدأ التعاون الدولي العدد التاسع
مارس 2018املجلد األول
في مكافحة الفساد
دولي تضامني.
-ضرورة أن يكون مجال املكافحة خاص بظاهرة الفساد دون غيرها من الجرائم،
ونقصد هنا مجال التخصص ال العمومية من اجل ربح الوقت و تفادي التداخل بين
الجرائم.
-ضرورة املشاركة الفعلية لجميع الدول في تحمل املسؤولية املترتبة عليهم.
أما فيما يتعلق بأشكال و صور التعاون الدولي في مكافحة الجريمة على العموم فنجد
أنها تختلف باختالف درجة تطور العالقات التعاونية بين الدول ،إذ اثبت لنا الواقع أن اغلب
هذه الروابط والعالقات تنشأ في بدايتها بسيطة ثم تتطور مع مرورالوقت حال نجاحها إلى صور
أكثرنضوجا وأشد قوة ،فكلما أبدا األطراف رغبتهم الجدية في تحقيق مصالحهم وأهدافهم كلما
تدعمت هذه العالقة وارتقت إلى درجت التعاون الوثيق الذي من بين صوره توحيد التشريعات
والقوانين الخاصة بمكافحة الفساد ،والتعاون القضائي واألمني فيما بين أجهزة الشرطة
واملخابرات ،ولعل أبرز صور التعاون البسيط نجد :تبادل الرسائل وغالبا ما تكون عن طريق
إرسال الخطابات و الرسائل واملطبوعات التي تحتوي على بعض املعلومات املتعلق باملشاكل
املشتركة جراء ظاهرة الفساد واآلراء املقترحة ملكافحها ،كما نجد أيضا تنظيم وتبادل الزيارات
التي يمكن أن تتم بشكل رسمي أو شبه رسمي أو غير رسمية معلنة أو سرية ،وتبادل اآلراء
والخبرات و تنظيم حلقات املناقشة التي غالبا ما تتم على هامش املؤتمرات الدولية العاملية أو
اإلقليمية كما يمكن أن تتم بين السفارات أو املكاتب اإلقليمية للمنظمات الدولية الحكومية أو
7
غيرالحكومية .
أما فيما يتعلق بصور التعاون الدولي األكثرتطورا وجدية فنجد على سبيل املثال لجوء
األطراف إلى تنظيم الدورات التدريبية للعاملين في مجال العدالة و األجهزة األمنية واملعنيين
بمكافحة الفساد على املستوى الدولي ،وهو ما يؤدي إلى تطوير املهارات والخبرات واملعلومات
والقدرات في مجابهة الفساد ،باإلضافة إلى تنظيم االجتماعات وإجراء املفاوضات وتنظيم
املؤتمرات الدولية (العاملية أو اإلقليمية) وتوقيع اإلعالنات املشتركة ومذكرات التفاهم في حال
ما إذا تالقت وجهات النظر واتفقت على ضرورة تطوير سبل التعاون فيما بينها ،ثم ننتقل إلى
مرحلة توقيع االتفاقيات واملعاهدات الدولية وإنشاء كيانات تنظيمية مشتركة إلدارة التعاون
الدولي باإلضافة إلى تبادل املساعدة القضائية واألمنية وتسليم املجرمين أو املتهمين .8
املطلب الثاني :ضرورات التعاون الدولي ملكافحة الفساد
لقد تأصلت في أذهاننا في الوقت الحاضرفكرة انه ال يمكن ألي دولة من دول العالم أن
تواجه ظاهرة الفساد بمفردها مهما بلغت قوتها و درجة تطورها ،و يرجع سبب ذلك إلى صعوبة
حصر األشكال التي ينطوي عليها الفساد وامتداد آثاره خارج حدود و إقليم الدولة الواحدة ،
فقد أصبح الفساد ظاهرة منظمة عابرة للقارات يصعب فيها ضبط تحرك وتنقل عناصرها
،باإلضافة إلى إمكانية ارتكاب و ممارسة األنشطة اإلجرامية املتعلقة بالفساد عن بعد نتيجة
التطور التكنولوجي غيراملضبوط في العالم .
مجلة األستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية
452
العدد التاسع نحو إطارتشريعي فعال يكرس مبدأ التعاون الدولي
مارس 2018املجلد األول
في مكافحة الفساد
هذا ويمكن القول أن أغلب الجهود الدولية في هذا املجال دائما ما تصطدم بالعراقيل
املتعلقة بالحدود الوطنية للدول األخرى بحجة عدم املساس بالسيادة الوطنية و مبدأ إقليمية
القوانين واستقرار األمن القومي وإلى غير ذلك من املبادئ التي اثبت الواقع العملي نسبيتها أو
انتفائها.
انطالقا من هنا اقتنعت كافة الدول على ضرورة تنظيم و توحيد جهودها ذات املصلحة
املشتركة في إطار عالقات تعاونية دولية تهدف إلى تفعيل األدوار و القدرات ملكافحة ظاهرة
الفساد ،وهو األمر الذي أدى إلى تعدد أشكال التعاون الدولي بحيث توسعت مجاالت تطبيقه
ووسائل التعاون وأغراضه ومدى قوته ونطاقه الجغرافي ،فمن حيث عدد األطراف نجد التعاون
الدولي الثنائي و التعاون املتعدد األطراف ،ومن حيث نطاقه نجد التعاون العالمي الذي يضم
جميع األطراف الدولية املعترف بشخصيتها القانونية و التعاون اإلقليمي والشبه اإلقليمي ،أما
من حيث موضوع التعاون فنجد التعاون القانوني واالقتصادي واالجتماعي والقضائي والشرطي
واألمني. 9
فرغم كل ما سبق عرضه إال أن الحديث عن فكرة خلق إطار مؤس�سي فعال يضمن
التعاون الدولي الجاد في مكافحة الفساد ال يزال من الناحية النظرية فحسب ولكنها ليست
ببعيدة التحقق على أرض الواقع ،إذ والبد على األطراف الدولية الفاعلة في املجتمع الدولي
الحرص على دعم العمل املشترك على جميع املستويات العاملية منها واإلقليمية وحتى الداخلية
من خالل سن و صياغة القوانين و التشريعات املتعلقة بتحريم جميع صور الفساد وإقامة
األجهزة األمنية التي تسمح بمالحقة ومتابعة املتهمين بمثل هذه الجرائم ثم محاولة توسيعها
لتشمل جميع الدول املجاورة ومن ثم دول العالم ،ولعل أفضل مثال على ذلك املنظمة الدولية
للشرطة الجنائية ( االنتربول ) ومكاتبها املنتشرة عبرمعظم دول العالم ومن بينها الجزائر .
حيث تقوم هذه االتفاقيات بضبط وتقنين جميع الجوانب القانونية املتعلقة بجرائم
الفساد واملسؤولية الجنائية املترتبة عنها والسبل واآلليات الكفيلة بالقضاء عليها مع إبراز
التزامات كل الدول املشتركة وأوجه التعاون فيما بينها ،ويمكن توضيح أهم الجبهات التي تقوم
بموجبها االتفاقيات الدولية بمعالجة قضايا الفساد في النقاط التالية :
الفرع األول :العمل على تطبيق القانون
إذ تشكل سلطات التحقيق واملقاضاة والسلطات القضائية عناصر أساسية للكشف
عن الفساد العام متابعة مرتكبيه ،فهي تلزم الحكومات بإصدار قوانين جنائية فعالة ،ووضع
عقوبات ردعية ،وإنشاء أجهزة تطبيق القانون الكتشاف وردع الرشاوى وممارسات الفساد .
الفرع الثاني :مكافحة الفساد في القطاع العام
فالعديد من االتفاقيات الدولية ملكافحة الفساد تلزم الحكومات على اتخاذ إجراءات
محددة مثل الحفاظ على معايير عالية من السلوك لدى املوظفين الرسميين ،وإقامة أنظمة
شفافة للمشتريات ولإلدارة املالية ،وتجنب تضارب املصالح ،واملطالبة بالكشف املالي عن
األصول الشخصية ،وحماية الشهود الذين يكشفون عن الفاسدين ،وإنشاء مؤسسات
وإجراءات محاسبية فعالة داخل الحكومة وخارجها إضافة إلى وتأمين الوصول إلى املعلومات
10
الحكومية.
الفرع الثالث :منع الفساد في القطاع الخاص
إن العديد من االتفاقيات الدولية الخاصة بالفساد تسلط أيضا األضواء على اإلجراءات
التي تؤثربصورة بناءة على سلوك القطاع الخاص وتلزم الحكومات باتخاذها مثل الحفاظ على
إطارعمل قانوني فعال ملنع إخفاء املدفوعات غيراملشروعة أو الرشاوى في حسابات الشركات،
واحتيال الشركات ،وحظراقتطاع مدفوعات الرشاوى من الضرائب.
الفرع الرابع :إقامة آليات املتابعة
وتتمثل في آليات التقييم التي من شأنها تسهيل التعاون الدولي وتوفير املساعدة الفنية
الستدراك ضعف التطبيق ،ففي الوقت الحاضر هناك أربع آليات فاعلة في مجال مكافحة
الفساد تعمل على رصد وتعزيز التطبيق لالتفاقيات إذ نجد :آلية املتابعة التابعة ملنظمة
الدول األميركية ،ومجموعة دول مجلس أوروبا ملكافحة الفساد للفساد ،ومجموعة العمل
حول الرشاوى التابعة ملنظمة التعاون والتنمية االقتصادية ،ومبادرة ميثاق االستقرارملكافحة
مجلة األستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية
454
العدد التاسع نحو إطارتشريعي فعال يكرس مبدأ التعاون الدولي
مارس 2018املجلد األول
في مكافحة الفساد
11
الفساد.
تعتبر هذه االتفاقية أو ما يعرف بميثاق األمم املتحدة ملكافحة الفساد أكثر االتفاقيات
شمولية وأجدرها للتطبيق عامليا ،كما أنها مرشحة الن تكون أول اتفاقية دولية حقيقية ملكافحة
الفساد تطبق عالمي ،فقد تم تطويرها تحت رعاية األمم املتحدة إذ شارك في املفاوضات الخاصة
بها أكثر من 130بلدا ملدة تزيد عن السنتين تولى فيها مكتب األمم املتحدة املعني باملخدرات
والجريمة مهام األمانة العامة للمفاوضات بحضور العديد من املنظمات غير الحكومية وعلى
رأسها منظمة الشفافية الدولية ،ومباشرة بعد انتهاء املفاوضات بشأنها تم تقديمها إلى الجمعية
العامة لتبنيها في 31أكتوبر ،2003ثم تم فتح أبواب املصادقة عليها من قبل الدول في املؤتمر
الدولي الذي انعقد باملناسبة بمدينة ميريدا املكسيكية في الفترة 11/10/9ديسمبر ،2003
ودخلت االتفاقية حيزالتنفيذ في 14ديسمبر.2005
الفرع األول :أهمية اتفاقية األمم املتحدة ملكافحة الفساد
وتتجلى لنا أهمية صدور هذا امليثاق أو االتفاقية في العناصرالتالية:
أوال :تعتبراالتفاقية تطورا بارزا في هيكلية االتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة الفساد
فهي تغطي جميع املواضيع التي قامت بتغطيتها املواثيق اإلقليمية والدولية السابقة ويجمعها في
مجموعة واحدة متكاملة من االلتزامات ،باإلضافة إلى أنها الصك العالمي الوحيد امللزم قانونا
في مجال مكافحة الفساد.
ثانيا :تعتبرأول أداة دولية قابلة للتطبيق عامليا ال تتعاطى بغيرموضوع الفساد.
ثالثا :تعتبرأول اتفاقية دولية تقوم بتحديد املفاهيم األساسية املتعلقة بظاهرة الفساد.
رابعا :االتفاقية بحد ذاتها هي تكريس و تجسيد ملبدأ التعاون الدولي ملكافحة الفساد،
حيث قامت وألول مرة بوضع إطار عمل للتعاون في اتخاذ التدابير واإلجراءات الالزمة من أجل
استرجاع األموال واملساعدة الفنية.
أما األهداف التي تصبوا االتفاقية إلى تحقيقها فيمكن إجمالها في النقاط التي نصت
عليها املادة األولى على النحو التالي:
-ترويج ودعم التدابيرالهادفة ملنع ومكافحة الفساد بصورة أكفأ وأنجح.
-تروي وتيسير ودعم التعاون الدولي واملساعدة التقنية في مجال منع ومكافحة الفساد بما في
ذلك في مجال استرداد املوجودات.
455 مجلة األستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية
نحو إطارتشريعي فعال يكرس مبدأ التعاون الدولي العدد التاسع
مارس 2018املجلد األول
في مكافحة الفساد
بال شك تعتبر منظمة األمم املتحدة الفاعل الرئي�سي في جميع مجاالت الحياة التي تخص
الفرد في وقتنا الحاضر ومن أهمها موضوع الدراسة مكافحة الفساد ،وفي سبيل القيام بدورها
تعتمد على األجهزة الرئيسية التابعة لها وبالخصوص الجمعية العامة ومجلس األمن و املجلس
االقتصادي واالجتماعي باإلضافة إلى املنظمات الدولية غيرالحكومية ومنظمات املجتمع املدني
واملنظمة الدولية للشرطة الجنائية.
لقد نص امليثاق االممي في مادته األولى الفقرة 15 03على ضرورة تحقيق التعاون الدولي
في حل املسائل ذات الصبغة االقتصادية واالجتماعية والثقافية واإلنسانية وعلى تعزيزاحترام
حقوق اإلنسان ،إذ تعتبر األمم املتحدة املرجع األسا�سي للتوجيه والتنسيق لجميع أعمال دول
العالم فيما يتعلق بمكافحة اإلجرام بما فيها ظاهرة الفساد ،فهي منبر للتعاون الدولي في هذا
املجال ،وتعتمد في القيام بعملها على مجموعة من األجهزة التي نصت عليها املادة السابعة من
امليثاق ، 16إال أن أكثر هذه األجهزة فاعلية في مجال مكافحة الجريمة بصفة عامة ومكافحة
الفساد بالخصوص نجد كل من الجمعية العامة واملجلس االقتصادي واالجتماعي .
فقد ساهمت الجمعية العامة من خالل لجانها الست التابعة لها في إرساء و بناء ما يعرف
بالشرعة الدولية ملكافحة ظاهرة الفساد عن طريق تبني العديد من القرارات التي توجز أهم
املبادئ و اإلجراءات الواجب اتخاذها من طرف الدول األعضاء قصد استئصال هذه الظاهرة،
ولعل من ابرز هذه القرارات نجد:
-قرارالجمعية العامة املتضمن إعالن األمم املتحدة ملكافحة الفساد والرشوة في املعامالت
التجارية الدولي رقم 191 / 51املؤرخ في 16ديسمبر.1996
-قرار الجمعية العامة املتعلق بمنع املمارسات الفاسدة و تحويل األموال بشكل غير
مشروع.
أما املجلس االقتصادي واالجتماعي فقد ساهم هواألخربشكل كبيرفي اقامت نظام األمم
املتحدة ملنع الجريمة من خالل إنشائه للجنة منع الجريمة والعدالة الجنائية سنة 1992التي
457 مجلة األستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية
نحو إطارتشريعي فعال يكرس مبدأ التعاون الدولي العدد التاسع
مارس 2018املجلد األول
في مكافحة الفساد
حلت محلها لجنة مكافحة الجريمة والرقابة عليها التابعة للجمعية العامة ،وتتكون هذه اللجنة
من مندوبي 40دولة عضو تنعقد في دورات عادية كل سنة بمكتب األمم املتحدة بفيينا ،كما
تعد هذه اللجنة الجهاز املنظم آللية عمل نظام مكافحة الجريمة في األمم املتحدة ،إذ يمكن
إيجازأهم أهدافها فيما يلي:
-تشجيع التعاون الدولي ملكافحة الجريمة الوطنية وعبر الوطنية ومنها الجريمة املنظمة
والجريمة االقتصادية و جرائم األموال .
-العمل على تطوير دور قواعد القانون الجنائي بما يتما�شى مع التطورات املعاصرة
للمجتمع الدولي .
و تعرف أيضا باسم منظمة شرطة الجرائم الدولية تم إنشائها في سنة 1923و مقرها
الحالي في ليون بفرنسا ،وتتشكل من مجموع أفراد الشرطة التابعين للدول األعضاء فيها الذين
بلغ عددهم 186دولة ،يباشرون عملهم على أساس التعاون ملكافحة الجريمة الدولية عن طريق
تبادل املعلومات الخاصة بهذه الجرائم و األشخاص املتهمين بالضلوع فيها ومتابعة تنقالتهم
بين الدول ،باإلضافة إلى تقديم االستشارات والقيام بتربصات التدريب ألفراد الشرطة للدول
األعضاء ،وتستند املنظمة في القيام بعملها على مجموعة من األجهزة التابعة لها كالجمعية
العامة واللجنة التنفيذية واألمانة العامة واملستشارون واللجنة الدائمة لتكنولوجيا املعلومات،
باإلضافة إلى املكاتب املركزية الوطنية املنتشرة عبر مختلف الدول ،هذا وتقوم املنظمة على
مجموعة من األهداف التي نصت عليها املادة الثانية ميثاقها وهي :
* تأكيد وتشجيع املعونة املتبادلة في أوسع نطاق ممكن من سلطات الشرطة الجنائية في
حدود القوانين القائمة في البالد املختلفة ،وبروح اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان.
* إقامة وتنمية النظم التي من شأنها أن تسهم على نحو فعال في منع ومكافحة جرائم
القانون العام .18وتقوم املنظمة بتنسيق الجهود التي تبذلها عناصرالشرطة في الدول األعضاء
في مجال مكافحة الجريمة والوقاية منها و التعاون األمني الدولي عن طريق التحقيق و تبادل
املعلومات:
* التحقيق :و يتمثل في التحقق من هوية األشخاص املشتبه فيهم بارتكاب جريمة دولية
من خالل البيانات واملعلومات املسجلة لدى دوائرالشرطة الوطنية .
ملنظمات وطنية مثل االتحادات العمالية ،املحافل الدائمة أو املؤقتة ملنظمات املجتمع املدني،
أدوات اإلعالم الدولية ،الحركات االجتماعية ،فكل هذه األجهزة بإمكانها القيام بدور فعال في
مواجهة ظاهرة الفساد.22
املطلب الثاني :اآلليات اإلقليمية للتعاون الدولي
إن التأكيد على أهمية الدور اإلقليمي في مجال مكافحة الفساد من شأنه إقامة عالقة
أكثرشموال وايجابية بين الدول ،عن طريق إقامة عالقة شراكة وتكامل يهتم أحد جوانبها بتوفير
الوسائل املناسبة لتعزيزالتشاور وتبادل املعلومات فيما بينهم ،فبإمكان املنظمات اإلقليمية أن
تلعب دورا حيويا في هذا املجال بفضل مجاورتها الجغرافية للقضية موضوع البحث حيث تقر
هذا الدور من منظور إقليمي مع مراعاتها الحساسيات املختلفة في اإلقليم نفسه ،ويمكن أن
نعدد أهم هذه الجهود فيما يلي:
الفرع األول :على املستوى األوروبي
لقد طور مجلس أوروبا ثالث أدوات أساسية إلرشاد األعضاء في مكافحة الفساد ،شكلت
اثنتان من هذه الوثائق ميثاقين :األول ميثاق القانون الجنائي ضد الفساد الصادر سنة 1997
عن مجلس أوروبا ،والثاني ميثاق القانون املدني ضد الفساد الصادر عن مجلس أوروبا ،أما
الثالثة فكانت عبارة عن مبادئ غير ملزمة و هي املبادئ العشرون اإلرشادية ملكافحة الفساد
الصادرة عن مجلس أوروبا ،كما طور املجلس أيضا آلية لرصد تطبيق تلك املبادئ واملواثيق،
وطور االتحاد األوروبي أيضا عدة وثائق إلرشاد األعضاء ،تشمل هذه الوثائق ميثاق االتحاد
األوروبي حول الكفاح ضد الفساد الصادرسنة ،1997والعمل املشترك لالتحاد األوروبي سنة
1998حول الفساد في القطاع الخاص ،وهناك أيضا إطار عمل االتحاد األوروبي لسنة 2002
حول مكافحة الفساد في القطاع الخاص و ميثاق االستقرار الذي طور سنة ،2000والذي
وقعته سبع دول أوروبية جنوبية ،مع آلية مراجعة النظراء الناتجة عنه لرصد التطبيق ،يعرف
بمبادرة ميثاق االستقرارملكافحة الفساد.
الفرع الثاني :على مستوى أمريكا الالتينية
تم التفاوض سنة 1996بشأن امليثاق بين الدول األميركية ضد الفساد برعاية منظمة
الدول األميركية التي أنشأت سنة 2001آلية مراجعة النظراء لرصد التطبيق .حاليا ،هناك 33
دولة ،من ضمنها الواليات املتحدة ،مشاركة في هذه االتفاقية.23
الفرع الثالث :على مستوى آسيا
تبنت 21دولة في منطقة آسيا مجموعة مبادئ غير ملزمة ضد الفساد تعرف هذه
املجموعة بخطة عمل البنك اآلسيوي للتنمية في إطار منظمة التعاون والتنمية االقتصادية
ملكافحة الفساد في آسيا واملحيط الهادئ ،ثم تم تطويرها برعاية البنك اآلسيوي للتنمية
ومنظمة التعاون والتنمية االقتصادية ،وفي سنة 2004وافق قادة منظمة التعاون االقتصادي
آلسيا واملحيط الهادئ على برنامج عمل ملكافحة الفساد وضعته املنظمة ،شمل التزاما قويا
الخـاتــمة:
من كل مما سبق عرضه تتضح لنا حقيقة أنه ال يمكن ألي دولة من دول العالم مهما كانت
درجة قوتها وتقدمها مواجهة ظاهرة الفساد بمعزل عن الدول األخرى ،لذا كان والبد من تنسيق
الجهود املشتركة لكل األطراف الدولية في إطار عالقات دولية تعاونية تشكل في مجملها مبدأ
التعاون الدولي ملكافحة الفساد ،من هنا كان من الضروري تفعيل هذا املبدأ في الوقت الراهن
نتيجة التطور في درجة تنظيم الجريمة الدولية من خالل االقتراحات التالية:
* ضرورة تضافر جهود املجتمع الدولي والسلطات الوطنية واإلقليمية ملكافحة الفساد
والقضاء عليه ألخطاره البالغة على التنمية واملجتمع.
* ضرورة وضع إطار مؤس�سي ملكافحة الفساد على كافة املستويات العاملية و الجهوية و
الوطنية ،والتركيز على دور التعليم ونشر الوعي العام وتعزيز عمليات التحقيق والتدقيق في
محاربة هذه الظاهرة الخطيرة .
* ضرورة توافراإلرادة السياسية على املستوى األعلى في مكافحة الفساد.
* العمل على تعزيز وتنفيذ املعاهدات واالتفاقيات الدولية ذات العالقة بمكافحة
الفساد .
الهوامش :
1سوزان روزأكرمان ،الفساد والحكم األسباب و العواقب و اإلصالح ،ترجمة :فؤاد سروجي،داراألهلية ،عمان 2003 ،ص.165 :
2أيمن عقيل ،مكافحة الفساد ،اإلطارالقانوني و التطبيق ،مركزدعم التنمية والتأهيل املؤس�سي ،DISCالقاهرة ص .11
3انظراتفاقية األمم املتحدة ملكافحة الفساد لسنة ، 2003وثيقة األمم املتحدة رقمA/RES/58/4. :
4املعدل واملتمم بكل من القانون رقم 05-10والقانون رقم . 15-11
5انظراملادة رقم 02من قانون 01/06املؤرخ في 2006/02/ 20املتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته ،الجريدة الرسمية العدد رقم
14بتاريخ 8مارس ،2006ص.4
6انظرالباب الرابع املتعلق بالتجريم و العقوبات من قانون ،01/06نفس املرجع السابق ،ص.8
7عالء الدين شحاتة ،التعاون الدولي ملكافحة الجريمة ،إتراك للنشرو التوزيع ،القاهرة ،2000 ،ص 84وما يليها.
8نفس املرجع السابق ،ص 90وما يليها.
9عالء الدين شحاتة ،املرجع السابق ،ص .95
10انظر :جون براندولينو ،ديفيد لونا ،معالجة الفساد عبراملعاهدات وااللتزامات الدولية ،املوقع االلكترونيwww.America.gov :
11جون براندولينو ،ديفيد لونا ،معالجة الفساد عبراملعاهدات وااللتزامات الدولية ،نفس املرجع السابق.
12انظرمضمون االتفاقية الدولية ملكافحة الفساد لسنة ،2003وثيقة األمم املتحدة رقم A/RES/58/4 .