You are on page 1of 10

‫يركز علماء النفس يف دراستهم على السلوك اإلنساين ابعتباره سلوكا يصدر عن اإلنسان كوحدة‬

‫بيولوجية متكاملة تستجيب لبيئتها اخلارجية بوسائل متنوعة‪ ،‬إال أنه ابلرغم من تلك النظرة الكلية للسلوك تربز‬
‫احلاجة دائما إىل معرفة كيف تعمل األجزاء اخلاصة يف جسم اإلنسان أثناء قيامه أبي شكل من أشكال‬
‫السلوك‪ :‬جسميا أو عقليا أو انفعاليا أو حركيا‪.‬‬

‫ويعد علم النفس الفسيولوجي أحد فروع علم النفس الذي يتناول ابلدراسة والتحليل األسس اجلسمية‬
‫والعصبية اليت تسهم يف تشكيل السلوك اإلنساين‪ ،‬ويشكل اجلهاز العصيب لإلنسان‪ :‬تركيبه ووظيفته‪ ،‬الوحدات‬
‫العصبية‪ ،‬مراكز الوظائف العقلية واجلسمية يف املخ احملور األساسي يف هذا التخصص من ختصصات العلوم‬
‫اإلنسانية‪.1‬‬

‫وهناك رابطة وثيقة بني اجلانب السيكولوجي عند اإلنسان والنواحي الفسيولوجية‪ ،‬فجسم اإلنسان يعمل‬
‫داخليا على االحتفاظ حبالة مستمرة من االتزان هو االتزان احليوي )‪ ،(l’homéostasie‬فاحلرارة والتغذية‬
‫واألوكسجني مثال تنظم بطريقة أوتوماتيكية لكي حتافظ على بقاء الفرد وحياته‪ .‬واإلنسان من احملتم عليه أن‬
‫يشبع حاجات بيولوجية وفسيولوجية كاحلاجة إىل النوم‪ ،‬واحلاجة إىل الطعام واملاء‪ ..‬واإلفراط والتفريط قد يؤدي‬
‫حبياته‪.‬‬

‫ويساعد على التوازن احليوي يف جسم اإلنسان الغدد الصماء واجلهاز العصيب‪.2‬‬

‫‪ -4-1‬ما هو النفس الفسيولوجي؟‬


‫يعكس علم النفس الفسيولوجي آخر املراحل يف تطور علم النفس املعاصر‪ ،‬وهو فرع من فروع علم النفس‬
‫يقع على احلدود الفاصلة بني علم النفس وعلم وظائف األعضاء (الفسيولوجيا)‪ ،‬حيث يهتم علم وظائف‬
‫األعضاء بدراسة وظائف الكائن احلي سواء كان إنسان أم حيوان أم نبات‪ ،‬أي كيف تقوم خالاي اجلسم‬
‫وأعضائه وأجهزته بوظيفتها‪.‬‬

‫‪ - 1‬جمدي أمحد حممد عبد هللا‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬علم النفس الفسيولوجي‪ :‬دراسة لألسس اجلسمية والعصبية للسلوك‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪:‬‬
‫ص‪.17‬‬
‫‪ - 2‬عباس حممود عوض‪ ،)1999( ،‬علم النفس الفسيولوجي‪( ،‬د‪ .‬ط)‪( ،‬د‪ .‬ب)‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ :‬ص‪.19‬‬
‫‪3‬‬
‫حيث يقدم علم النفس الفسيولوجي لعلم النفس األساس الفسيولوجي ألنواع السلوك املختلفة حبيث يكتمل‬
‫فهمها‪ ،‬ويقدم لعلم وظائف األعضاء تفسريه أنواع السلوك اليت ال تفهم إال يف ضوء املعىن العام للسلوك‬
‫اإلنساين‪.1‬‬

‫ويعرف علم النفس الفسيولوجي كما يلي‪:‬‬

‫" منهج علمي لدراسة سلوك الكائن احلي وعالقته ابجلهاز العصيب"‪.2‬‬

‫"هو فرع من فروع علم النفس يهتم بدراسة األسس الفسيولوجية للسلوك الصادر عن اإلنسان"‪.‬‬

‫"هو العلم الذي يدرس العالقة االرتباطية بني األجهزة التنظيمية (كاجلهاز العصيب وجهاز الغدد) من جهة‪،‬‬
‫والسلوك (العمليات العقلية‪ ،‬مسات الشخصية) من جهة أخرى‪ ،‬والتأثري املتبادل بينهما"‪.3‬‬

‫‪ -4-2‬الفرق بني علم النفس الفسيولوجي وعلم الفسيولوجيا (علم وظائف األعضاء)‪:‬‬
‫إن اهلدف النهائي لعلم وظائف األعضاء هو معرفة كيفية عمل أجهزة اجلسم ليس فقط من الناحية‬
‫الكيميائية‪ ،‬ولكن أيضا من الناحية التشرحيية والناحية الفيزايئية‪.‬‬

‫أما علم النفس الفسيولوجي فهو ال يهتم بعمل أعضاء اجلسم وأجهزته املختلفة يف ح ّد ذاهتا‪ ،‬وإمنا يستخدم‬
‫بعض املعلومات املستقاة من علم وظائف األعضاء وعلم التشريح وعلم الكيمياء احليوية وفروع أخرى‪،‬‬
‫ابإلضافة إىل اجلوانب النفسية هبدف فهم سلوك األشخاص والتنبؤ به‪.4‬‬

‫فعلم النفس الفسيولوجي يهتم بعمل أعضاء اجلسم وأنسجته املختلفة‪ ،‬إال لكي يضعها يف إطار أمشل لفهم‬
‫السلوك‪ ،‬فهو مثال‪ :‬يدرس بعض مفاهيم الوراثة لكي يستخدمها يف فهم الفروق الفردية‪ ،‬ويدرس اجلهاز‬
‫العصيب لكي يقف على اخلصائص العصبية اليت تساعد الفرد يف التعلم مثال‪.‬‬

‫‪ - 1‬علي حممود كاظم اجلبوري‪ ،)2011( ،‬علم النفس الفسيولوجي‪( ،‬ط‪ ،)01‬عمان‪ ،‬دار صفاء‪ :‬ص ‪.23‬‬
‫‪ -‬رمضان حممد القذايف‪ ،)1999( ،‬علم النفس الفسيولوجي‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬إسكندرية‪ ،‬املكتب اجلامعي احلديث‪ :‬ص‪.20‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ - 3‬حممد حممود بين يونس‪ ،)2008( ،‬األسس الفيزيولوجية للسلوك‪ ،‬عمان‪ ،‬دار الشروق‪ :‬ص‪.41‬‬
‫‪ - 4‬السيد أبو شعيشع‪ ،)1998( ،‬أسس علم النفس الفسيولوجي‪( ،‬ط‪ ،)02‬القاهرة‪ ،‬مكتبة النهضة املصرية‪ :‬ص أ‪ -‬ج‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫وكخالصة‪ :‬فإن علم النفس الفسيولوجي يهتم بعلم وظائف األعضاء وما يتعلق به من علوم‪ ،‬بقدر ما‬
‫يساعده ذلك يف فهم السلوك اإلنساين والتنبؤ به‪.‬‬

‫‪ -4-3‬تطور علم النفس الفسيولوجي‪:‬‬

‫أول من أدخل هذا املفهوم إىل الرتاث السيكولوجي يف هناية القرن الـ ‪ ،19‬هو مؤسس علم النفس احلديث‬
‫وأول خمترب جترييب يف علم النفس‪ ،‬الفيلسوف والطبيب والسيكولوجي والفيسيولوجي األملاين ويليام فونت‬
‫)‪.1 (Wundt, 1832- 1920‬‬

‫فالبداية احلديثة لعلم النفس الفسيولوجي‪ ،‬بوصفه دراسة عالقة السلوك املتكامل ابلوظائف البدنية‬
‫املتنوعة إىل العامل النفسي الشهري فوندت‪ ،‬فهو الذي أطلق هذا االسم على ذلك الفرع من الدراسة‪ ،‬عندما‬
‫أسس معمله السيكولوجي يف ليبزج عام ‪ .1879‬وقد ازدادت معرفتنا برتكيب ووظيفة اجلهاز العصيب إىل‬
‫الثلث األول من القرن التاسع عشر بفضل جهود وعبقرية عدد من العلماء‪ ،‬أبرزهم سري تشارلز بل‪،‬‬
‫وماجندي‪ ،‬وفلورنز‪ ،‬وروالندو‪ ،‬ومارشال هول‪ ..‬هؤالء الذين كشفوا عن التمييز بني األعصاب احلسية‬
‫واحلركية‪ ،‬وبينوا نوعية الدفعات العصبية‪ ،‬وحقائق اإلحساس (بل) ومراكز املخ (فلورنز) والتمييز بني األفعال‬
‫اإلرادية واملنعكسة (هول)‪.‬‬

‫ويف الفرتة ما بني ‪ 1833‬حىت إنشاء معمل علم النفس التجرييب يف ليبزج‪ ..‬وضعت دعائم علم النفس‬
‫الفسيولوجي على أيدي موللر وهلمهولتز وفيرب وفخنر‪ ،‬فقد زادت املعرفة التفصيلية برتكيب ووظيفة كل‬
‫وحدة عصبية مبفردها‪.‬‬

‫ونشأت بعد ذلك املدرسة السلوكية ومن روادها ووليب وآيزنك وقد إسهامات قيمة أيضا يف جمال علم‬
‫النفس الفسيولوجي‪.2‬‬

‫وعلى الرغم من أن علم النفس الفسيولوجي يعترب من العلوم احلديثة اليت ظهرت يف بداية القرن التاسع‬
‫عشر‪ ،‬إال أنه مل حيظ بذلك االهتمام الكبري ومل يربز بشكل واضح إال يف بداية القرن العشرين بسبب‬

‫‪ - 1‬حممد حممود بين يونس‪ ،2008 ،‬األسس الفيزيولوجية للسلوك‪ ،‬عمان‪ ،‬دار الشروق‪ :‬ص‪ 45 -42‬حممد حممود بين يونس‪،2008 ،‬‬
‫األسس الفيزيولوجية للسلوك‪ ،‬عمان‪ ،‬دار الشروق‪ :‬ص‪.45 -42‬‬
‫‪ - 2‬أمحد عكاشة‪ ،‬طارق عكاشة‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬علم النفس الفسيولوجي‪( ،‬ط‪ ،)12‬القاهرة‪ ،‬مكتبة األجنلومصرية‪ :‬ص ‪.21 -20‬‬
‫‪5‬‬
‫االكتشافات العلمية والتقنيات اهلائلة احلديثة‪ ،‬وأساليب إجراء التجارب اليت سامهت يف إرساء قواعد هذا‬
‫العلم وحتديد إطاره بشكل جيد‪.‬‬

‫ومتتد جذور هذا العلم إىل عصر أرسطو‪ ،‬الذي اعتقد خطأ أبن املخ يعمل كمضخة لتربيد الدم‪ ،‬وأن‬
‫عمليات التفكري كانت حتدث يف القلب‪ .‬وقد جاء بعده جالينوس ليصحح هذا اخلطأ فوقع يف خطأ علمي‬
‫هو اآلخر‪ ،‬إذ تصور أبن األعصاب ما هي إال أانبيب جموفة مملوءة ابلعديد من السوائل‪ ،‬وأنه عند حترك‬
‫هذه السوائل ابجتاه العضالت فإن األخرية تنتفخ وتقصر مما يؤدي إىل انقباضها‪ .‬وقد استمرت هذه النظرة‬
‫شائعة وسائدة إىل هناية القرن الثامن عشر‪ ،‬حيث بدأ العلماء يتكهنون ابلدور الذي ميكن أن تلعبه‬
‫الكهرابء يف وظائف اجلسم‪.‬‬

‫وقد ازداد االهتمام من انحية أخرى بدراسة الكهرابء كظاهرة فيزايئية وكيميائية حيوية‪ .‬ومع ذلك ورغم‬
‫التطور احلاصل إال أن معلوماتنا بقيت انقصة لعدم توفر التقنيات واألدوات الالزمة لتشريح الدماغ والتعرف‬
‫على مكوانته وأجزاء املخ وخصائصه ووظائفه‪.‬‬

‫وبعد اكتشاف امليكروسكوب (اجملهر) والكهرابء‪ ،‬فقد أصبح من السهل على الباحثني التجرؤ على‬
‫اقتحام اجلمجمة املغلقة والتعرف على أسرارها‪ ،‬وعلى كيفية تركيب الدماغ وعمل املخ وأتثريه على السلوك‬
‫اإلنساين‪.‬‬

‫وميكن النظر إىل اكتشاف القوى احلسية اليت تتميز هبا احلواس‪ ،‬بواسطة جوهانس مولر سنة ‪1930‬‬
‫على أهنا البداية الفعلية لعلم النفس الفسيولوجي احلديث‪ .‬وتشري وجهة نظر مولر إىل أن طبيعة األحاسيس‬
‫تعتمد أساسا على الصفات املميزة للعصب الذي تتم استثارته‪ .‬ويعين ذلك أن هناك أعصااب ذات مهام‬
‫متخصصة‪ ،‬وأن وظيفة كل عصب منها هي االستجابة ملثري (منبه) معني‪ .‬وقد جاء بعد مولر هلمولتز الذي‬
‫أشار بوجود نظام عصيب الستقبال األحاسيس‪ ،‬وحاول الربط بني األنسجة العصبية وجممل األحاسيس‬
‫على اختالف أنواعها ومستوايهتا‪ .‬وقد حدث هذا التقدم يف الوقت الذي مل يكن األطباء قد توصلوا فيه‬
‫بعد إىل حتديد مناطق ومراكز األحاسيس يف املخ‪.‬‬

‫وقد قام علماء كثريون بعد ذلك ابحلديث عن حتول املثريات احلسية إىل طاقة مثل املوجات الصوتية‬
‫والسمعية واملوجات الضوئية البصرية وغريها‪ ،‬مما ساعد يف الكشف والتعرف على طريقة انتقال األحاسيس‬
‫‪6‬‬
‫وعمل األعصاب‪ ، ،‬كما ساهم يف التأكيد على أن عملية اإلحساس ال تنتهي يف خالاي االستقبال ابملخ‪،‬‬
‫وإمنا تكمن العمليات اهلامة لألحاسيس وعمل األعصاب مبنطقة اللحاء املخي على وجه اخلصوص‪.‬‬

‫كذلك ساهم يف مساندة العلم اجلديد وإرساء قواعده وتدعيمها على أسس علمية تعتمد على الدراسات‬
‫التجريبية ونتائج البحوث املعملية عدد من العلماء الذين أثروا جماله وطوروا مناهجه وعددوا من أوجه‬
‫نشاطاته‪ .‬وقد اهتم هؤالء العلماء بوجه خاص بدراسة اجلهاز العصيب ومكوانته ووظائفه‪ ،‬وعالقة عمل‬
‫أجزاء املخ ابلسلوك العقلي والنشاط العام للكائن احلي‪ ،‬وبدراسة أثر تلف بعض أجزاء املخ على الوظائف‬
‫العقلية والنفسية‪ ،‬وأتثري الغدد على استثارة السلوك وكفه‪.1‬‬

‫‪ -4-4‬إسهامات علماء املسلمني يف الفسيولوجيا‪:‬‬

‫يف القرن الثامن والتاسع ميالدي ازدهرت احلياة يف الدولة اإلسالمية ونشطت العلوم املختلفة‪ ،‬ويشهد‬
‫الرتاث العلمي والطيب اإلسالمي على إسهامات علماء املسلمني يف العالج والطب النفسي‪ ،‬واألمراض‬
‫النفسية والسيكوسوماتية والفسيولوجيا‪ ،‬وهلم إسهامات كثرية يف جمال اجلراحة وعلومها‪ ،‬وعلم التشريح‪،‬‬
‫وفيما يلي تلخيص لبعض إسهامات العلماء املسلمني‪:‬‬

‫يعد الطبيب املسلم "أبو بكر الرازي" هو أول من وصف "يف كتابه احلاوي" الفرع احلنجري الراجع‬
‫للعصب الصاعد‪ ،‬واألعصاب املغذية ألصابع اليد بدقة‪.‬‬

‫أما "ابن رشد" فقد وصف يف كتاب "الكليات" تشريح العني وصفا دقيقا‪ ،‬وذكر أن العني مرتبطة‬
‫ابلدماغ وأغشيته‪ ،‬وقد نبه الطبيب عند قيامه ابلتشخيص أن يركز على مساءلة املريض عن كل ما ميكن أن‬
‫يتولد عنه علته من داخل من خارج‪ ،‬وعدم إغفاله للرجوع إىل التاريخ املرضي وهذا يعد من أهم وسائله‪.‬‬

‫و"احلسن بن اهليثم" رائد علم البصرايت شرح فسيولوجيا اإلبصار وعدل الفهم اخلاطئ املنقول عن‬
‫"جالينوس" حول كيفية حدوث اإلبصار‪.‬‬

‫أما "الزهراوي" فقد احتوى كتابه املسمى "التصريف" خالصة اخلربات واملعلومات والتطبيقات املتعلقة‬
‫بعلم اجلراحة الطبية‪ ،‬كاملعلومات عن جراحة العيون وجراحة األنف‪ ..‬إخل‪.‬‬

‫‪ - 1‬رمضان حممد القذايف‪ ،)1999( ،‬علم النفس الفيسيولوجي‪ ،‬إسكندرية‪ ،‬املكتب اجلامعي احلديث‪ :‬ص ‪.25 -22‬‬
‫‪7‬‬
‫وكذلك الطبيب الفيلسوف "ابن سينا" وهو سابق عصره مبراحل عدة فإن كتابه املوسوعي الطيب‬
‫(القانون) يعد مرجعا يف الطب‪ ،‬وكان يدرس يف جامعات فيينا حىت القرن التاسع عشر امليالدي‪ ،‬وفيه‬
‫الكثري من التفاصيل الوافية عن العظام واملفاصل والعضالت وكثري من املعلومات الطبية األخرى‪.1‬‬

‫‪ -4-5‬موضوع علم النفس الفسيولوجي‪:‬‬

‫موضوع علم النفس الفسيولوجي هو دراسة العالقة بني اجلهاز العصيب والسلوك‪ ،‬وهو بشكل أعم‬
‫دراسة العالقة بني السلوك املتكامل الكلي وبني الوظائف البدنية املتنوعة‪.‬‬

‫وتسهم دراسة أعضاء احلس واألعصاب والغدد والعضالت من الوجهة التشرحيية والفسيولوجية يف فهم‬
‫اإلنسان ككل‪ ،‬وحيتاج املتخصص يف علم النفس إىل فهم أبنية اجلسم ووظائفها فهما اتما‪ ،‬قبل أن يشرع يف‬
‫دراسة عوامل السلوك‪.2‬‬

‫‪ -4-6‬وسائل البحث يف علم النفس الفسيولوجي‪:‬‬

‫يستخدم املتخصصون يف علم النفس الفسيولوجي طرقا كثرية لدراسة عمليات السلوك‪ ،‬فإذا كانت‬
‫املشكلة يف جوهرها حتديد مدى ما يسهم به جزء معني من اجلهاز العصيب العضلي من الوجهة الوظيفية‪،‬‬
‫كان من امليسور استعمال هذا اجلزء‪ ،‬مث مقارنة تغريات السلوك بعد االستئصال مبا كان من مظاهره قبله‪،‬‬
‫أو كان من اجلائز أيضا تنبيه هذا اجلزء كهرابئيا مع مالحظة تغريات السلوك املصاحبة‪ ،‬أو قد تكون‬
‫املشكلة أحياان الوصول إىل معرفة املراكز املعدلة الكربى املشرتكة يف نشاط ما‪ ،‬فهنا ميكن إاثرة هذا النشاط‬
‫بينما تفحص أجزاء الدماغ املتنوعة بقصد استكشاف العالقات الكهربية للنشاط املرتفع‪ ،‬هذه الطرق‬
‫الثالث تكاد تكون مقصورة على جمال التجريب على احليوان‪ .‬ولكن بدأ حديثا تطبيقها على اإلنسان‪،‬‬
‫وكثريا ما يكون الرتابط بني تغريات السلوك واإلصاابت املرضية ذا عون يف تشخيص األمراض‪ ،‬كما يشاهد‬
‫يف العالقة بني احلبسة واألفازاي (فقد أو صعوبة النطق) وموقع اإلصابة أبورام املخ‪ ،‬واهلالوس السمعية‬
‫وعالقتها ابلفص الصدغي‪ ،‬واهلالوس البصرية وعالقتها ابلفص القفوي‪ ،‬والعدوانية واالندفاع وعالقته‬
‫ابلفص اجلبهي والصدغي‪ ..‬إخل‪.‬‬

‫‪ - 1‬علي أمحد وادي‪ ،‬إخالص أمحد اجلنايب‪ ،)2005( ،‬أساسيات علم النفس الفسيولوجي‪( ،‬ط‪ ،)01‬عمان‪ ،‬دار جرير‪ :‬ص‪.27 -26‬‬
‫‪ - 2‬أمحد عكاشة‪ ،‬طارق عكاشة‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬علم النفس الفسيولوجي‪( ،‬ط‪ ،)12‬القاهرة‪ ،‬مكتبة األجنلومصرية‪ :‬ص ‪.24‬‬
‫‪8‬‬
‫وقد تعددت وسائل البحث يف السنوات األخرية‪ ،‬فبعد أن كانت الدراسات تعتمد على استئصال جزء‬
‫من املخ ومالحظة العواقب‪ ،‬أصبحت التجارب احلديثة على اإلنسان احلي من خالل رسم املخ الكهرابئي‬
‫العادي‪ ،‬ورسم املخ ابلكمبيوتر‪ ،‬واجلهد الكهريب املستدعى‪ ،‬وفحص املخ ابلكمبيوتر‪ ،‬وكذلك تصوير املخ‬
‫جبهاز البوزترون ابلكمبيوتر‪ ،‬والذي يبحث وظيفة اخللية العصبية‪ .‬كذلك قياس جمرى الدم يف الساعد يف‬
‫حاالت القلق‪ ،‬وتقييم اهلرموانت العصبية يف املخ والسائل النخاعي ويف الدم‪ .‬وقد ساعدت هذه الدراسات‬
‫يف فهم جزء من العمليات العقلية العليا‪ ،‬واليت مازال معظمها يف متاهات حياول العلم احلديث اكتشافها‬
‫وحل أسرارها‪.1‬‬

‫ومن وسائل التصوير اليت أصبح من املمكن دراسة الدماغ واستكشافه من خارجه ابستخدامها ‪ ،‬ما يلي‪:‬‬

‫أ‪ -‬التصوير ابألشعة املقطعية )‪:(CAT‬‬


‫هي طريقة تعتمد على استخدام احلاسب اآليل وأشعة إكس‪ ،‬ابلنظر إىل املخ على ‪ 03‬أبعاد‪ ،‬وهي تزودان‬
‫بسلسلة من صور من أشعة إكس ملقاطع عرضية من املخ البشري‪ ،‬حتافظ على بنائه ذي األبعاد الثالثة‪.‬‬
‫وتتم العديد من الصور عند مستوى عرض واحد ومكاملتها بواسطة احلاسب اآليل لتخرج بصورة ملقطع من‬
‫املخ كاملة‪.‬‬

‫‪ ‬التصوير ابجلهاز املصدر البوزيرتون)‪:(PET‬‬


‫هي طريقة حديثة يتم من خالهلا التعرف على بعض التفاعالت الكيميائية اليت حتدث من خالل املخ يف‬
‫مناطق بعينها‪ .‬وتقيس نشاط اخلالاي وتتعرف على التمثيل الغذائي هلا‪.‬‬

‫‪ ‬التصوير ابلرنني املغناطيسي )‪:(MRI‬‬


‫تسجل الصورة اليت أنخذها للمخ التموجات اليت تصدرها‪ ،‬ذرات اهليدروجني عندما تنشط بواسطة موجات‬
‫إشعاعية يف جمال مغناطيسي‪ ،‬ويعتمد وضوح الصورة هنا على حقيقة أن تركيز ذرات اهليدروجني يتباين‬
‫بوضوح يف البناءات العصبية املختلفة‪.‬‬

‫‪ ‬تصوير األوعية ابلرنني املغناطيسي )‪:(MRA‬‬

‫‪ - 1‬أمحد عكاشة‪ ،‬طارق عكاشة‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬علم النفس الفسيولوجي‪( ،‬ط‪ ،)12‬القاهرة‪ ،‬مكتبة األجنلو مصرية‪ :‬ص ‪.26 -25‬‬
‫‪9‬‬
‫هو تصوير ابلرنني املغناطيسي لألوعية الدموية‪.1‬‬

‫‪ -5‬اإلدراك احلسي‪:‬‬

‫يستقبل الكائن احلي املؤثرات اخلارجية من خالل اجلهاز العصيب مث ينقلها إىل املخ حيث تتم عملية‬
‫اإلدراك‪ ،‬وينتشر اجلهاز العصيب يف كافة أحناء اجلسم كي يقوم ابستقبال املؤثرات اليت تعرف أيضا ابسم‬
‫"اإلحساسات"‪.‬‬

‫ويعرف اإلحساس أبنه‪ :‬عملية فيزايئية أو عملية فسيولوجية يتم فيها ترميز (ترمجة) الطاقة الفيزايئية‬
‫املوجودة يف املثريات الداخلية واخلارجية إىل طاقة فسيولوجية على هيئة سياالت عصبية‪ ،‬أي حتويل الطاقة‬
‫الفيزايئية إىل طاقة بيوكهروكيميائية‪.‬‬

‫وتوجد عدة أنواع من اإلحساسات‪ :‬بعضها داخلي واآلخر خارجي‪.‬‬

‫(أ) اإلحساسات الداخلية‪ :‬مثل اإلحساس ابجلوع‪ ،‬أو اإلحساس ابحلركة واالجتاه‪ ،‬واإلحساس ابلتوازن‬
‫داخليا‪.‬‬
‫اإلحساسات اخلارجية‪ :‬احلواس اخلمس هي اليت تقوم ابستقباهلا‪ ،‬إما بواسطة التالمس مباشرة كما‬ ‫(ب)‬
‫يف حاسيت اللمس والذوق‪ ،‬وإما عن طريق غري مباشر كما يف حواس الشم والسمع والبصر‪.‬‬

‫وتتصل اإلحساسات بصلة قوية جدا بعملية اإلدراك فانعدام اإلحساس يؤدي إىل انعدام اإلدراك‪،‬‬
‫الذي يستمد مقوماته منها‪ ،‬إن اإلحساس هو أتثر اجلسم ابملؤثرات اخلارجية بواسطة احلواس اخلمس‪،‬‬
‫مث يقوم اجلهاز العصيب بعد ذلك عملية اإلدراك والتأويل الفعلي لتلك الرموز‪ .‬وحيث أتخذ معانيها‬
‫املختلفة اليت يتم التعامل بني الناس على أساسها‪.‬‬

‫ويعرف اإلدراك أبنه‪ ":‬االستجابة النفسية للطاقة أو اخلصائص الفيزايئية املوجودة يف املثريات املؤثرة‪.2‬‬

‫إذن بناء على ما سبق فعدد خطوات اإلدراك احلسي‪ ،‬هي ثالثة‪:‬‬

‫‪ - 1‬ريتشارد ريستاك‪ ،)2010( ،‬املخ اجلديد‪ :‬كيف يعيد العصر اجلديد صياغة العقل‪ ،‬ترمجة عزة هاشم‪ ،‬فيصل عبد القادر يونس‪ ،‬القاهرة‪ ،‬اهليئة‬
‫املصرية العامة للكتاب‪:‬ص‪.11‬‬
‫‪ - 2‬حممد حممود بين يونس‪ ،)2008( ،‬األسس الفيزيولوجية للسلوك‪ ،‬عمان‪ ،‬دار الشروق‪ :‬ص‪ 310‬حممد حممود بين يونس‪ ،)2008( ،‬األسس‬
‫الفيزيولوجية للسلوك‪ ،‬عمان‪ ،‬دار الشروق‪ :‬ص‪.310‬‬
‫‪10‬‬
‫أوال‪ :‬وجود مؤثر خارجي طبيعي‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬انطباقه وأتثريه على حواس اإلنسان اليت تنقله من خالل اجلهاز العصيب إىل املخ‪.‬‬

‫اثلثا‪ :‬قيام العقل إبعطاء هذه املؤثرات معىن معينا‪.‬‬

‫‪ -6‬مراحل اإلدراك احلسي‪:‬‬


‫(أ) املرحلة األوىل من العملية يطلق عليها اسم املستوى الطبيعي ألن ميداهنا هو العامل اخلارجي‪ ،‬الذي‬
‫يشمل املؤثرات اليت تستقبلها احلواس وهذه هلا شروط أمهها‪ ،‬ضرورة مالمسة املنبه احلسي للعضو احلاس‬
‫إما مباشرة كما يف حاسيت اللمس والذوق‪ ،‬وإما عن طريق غري مباشر كما يف حواس الشم والسمع‬
‫والبصر‪ .‬وهذا التالمس ضروري ألنه لو وجد حاجز هنا المتنع التأثري ويتم يف هذه املرحلة الطبيعية‬
‫تعيني كافة أنواع املؤثرات وتقسيمها على احلواس كل حسب ختصصه لتسهيل حدوث عملية اإلدراك‪.‬‬
‫(ب) املرحلة الثانية هي املرحلة الفسيولوجية أو العصبية واليت تبدأ منذ استقبال عضو احلس للمؤثر مث‬
‫نقله إىل مراكز اإلحساس يف املخ من خالل اجلهاز العصيب فكل حاسة ختصصت يف استقبال املؤثرات‬
‫اخلاصة هبا ال بد أن تنفعل حياهلا‪ .‬مث يلي االنفعال انتقال املؤثرات بواسطة األمواج العصبية من خالل‬
‫العصب املورد إىل املخ كل يف مركزه اخلاص به والذي وضحناه من قبل عند الكالم عن اجلهاز العصيب‪،‬‬
‫ومن مث ال حيدث اإلدراك احلقيقي ويتم إال من املراكز العصبية حبيث إذا فسدت تلك املراكز ملا أصبح‬
‫للمؤثرات اخلارجية أية قيمة‪.‬‬
‫(ت) وأخريا أتيت املرحلة النفسية اليت تتحول فيها األحاسيس السابقة ورموزها املختلفة إىل معان مينحها‬
‫إايها العقل‪ ،‬وحيدث هذا يف نفس الوقت الذي حتدث فيه املرحلة العصبية السابقة فتتحول املؤثرات‬
‫اخلارجية من إحساسات مادية إىل أفكار معنوية وتكون عملية اإلدراك قد وصلت ذروهتا وانتهت من‬
‫أداء وظيفتها‪.1‬‬
‫‪ -7‬املدخالت احلسية وأتثرياهتا‪:‬‬
‫‪ -‬بناء املعىن يف الدماغ‪:‬‬

‫‪ - 1‬كامل حممد عويضة‪ ،)1996( ،‬سيكولوجية العقل البشري‪( ،‬ط‪ ،)01‬بريوت‪ ،‬دار الكتب‪ :‬ص‪.21 -17‬‬
‫‪11‬‬
‫إن املسئول عن بناء املعىن يف الدماغ هو الدماغ احلويف (أنظر الرسم التخطيطي رقم (‪ ،))1‬الذي ينظم‬
‫دخول املثريات واألفكار بعد أن يعاجلها إىل ساحة الوعي‪ ،‬فتشارك يف حتديد االستجابة‪ ،‬ابإلضافة إىل‬
‫املناطق اجلبهية من اللحاء ودور اللحاء هو تقدمي املعلومات واالستشارات اليت تطلب منه إن كان من قبل‬
‫الدماغ القدمي أو ملتابعة املعاجلة اجلارية على سبورة الوعي أو ساحة الشعور والذي يقرر تلبية أو عدم تلبية‬
‫متطلبات الدماغ القدمي‪ ،‬وهو نتيجة اجلدل أو التأثريات املتبادلة بني اللحاء‪ ،‬والدماغ احلويف مبا فيه النتوء‬
‫اللوزي ‪ Amygdale‬هو توازن واستقرار هذه التأثريات التفاعالت املتبادلة‪.‬‬

‫رسم ختطيطي رقم (‪ )1‬ميثل الدماغ احلويف‪:1‬‬

‫إننا نعترب أن الوعي واإلدراك مها أساس مفهوم العقل أو التفكري وهذا ما حجب عنا أساس مفهوم التفكري‪،‬‬
‫فاإلدراك والوعي والفهم هي املراحل املتقدمة جدا من املعاجلات الفكرية والتعرف يتضمن التمييز وللتمييز‬
‫البد من املقارنة لذا فالتعرف ليس عملية بسيطة وهو األساس الذي يبىن عليه كل تفكري‪ ،‬والتعرف ابلنسبة‬
‫للعقل البشري يتم ببناء اهلوايت أو املفاهيم اليت ترمز األشياء اليت مت التعرف عليها‪ ،‬وبناء على ذلك ميكن‬
‫أن نعترب كل بنية تقوم ابلتعرف هي بنية تستطيع أن تفكر إذا قامت مبعاجلة ما تعرفت عليه لكي حتقق‬
‫أوضاعا حمددة‪ ،‬وهذا التعريف للتفكري يسمح لنا بتصنيف الكثري من البنيات على أهنا تقوم ابلتفكري‪.2‬‬

‫‪ - 1‬الذهان والكحول‪ ،)2014/01/05( ،‬موقع صحة‪.http://www.sehha.com ،)2016/5/1( ،‬‬


‫‪ - 2‬امساعيلي ايمنة‪،‬قشوش صابر‪ ،)2014( ،‬الدماغ والعمليات العقلية‪ :‬االنتباه‪ ،‬اإلدراك‪ ،‬التفكري‪ ،‬التعلم‪ ،‬الذاكرة‪ ،‬الدماغ والعمليات العقلية‪ ،‬ديوان‬
‫املطبوعات اجلامعية‪ :‬ص ‪.68 -66‬‬
‫‪12‬‬

You might also like