You are on page 1of 957

‫تفسير القرآن البن العربي‬

‫سورة الفاتحة (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)1‬‬

‫الرِحيـ ِم‬ ‫ِبس ِم هللاِ َّ‬


‫الر ْح ٰم ِن َّ‬

‫تدل بخصائصها وهوياتها على صفات هللا‬ ‫اسم الشيء ما يعرف به‪ ،‬فأسماء هللا تعالى هي الصور النوعية التي ّ‬
‫وذاته‪ ،‬وبوجودها على وجهه‪ ،‬وبتعينها على وحدته‪ ،‬إذ هي ظواهره التي بها يعرف‪ .‬و {هللا} اسم للذات اإللهية من‬
‫حيث هي هي على اإلطالق‪ ،‬ال باعتبار اتصافها بالصفات‪ ،‬وال باعتبار ال اتصافها‪.‬‬

‫و {الرحمن} هو المفيض للوجود والكمال على الكل بحسب ما تقتضي الحكمة وتحتمل القوابل على وجه البداية‪ .‬و‬
‫المعنوي المخصوص بالنوع اإلنساني بحسب النهاية‪ ،‬ولهذا قيل‪" :‬يا رحمن الدنيا‬
‫ّ‬ ‫{الرحيم} هو المفيض للكمال‬
‫العامة والخاصة‪ ،‬التي هي مظهر الذات‬ ‫واآلخرة"‪ ،‬ورحيم اآلخرة‪ .‬فمعناه بالصورة اإلنسانية الكاملة الجامعة الرحمة ّ‬
‫اإللهي والحق األعظمي مع جميع الصفات ابدأ واقرأ‪ ،‬وهي االسم األعظم وإلى هذا المعنى أشار النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم بقوله‪" :‬أوتيت جوامع الكلم‪ ،‬وبعثت ألتمم مكارم األخالق"‪ ،‬إذ الكلمات حقائق الموجودات وأعيانها‪ .‬كما سمي‬
‫عيسى عليه السالم كلمة من هللا‪ ،‬ومكارم األخالق حاالتها وخواصها التي هي مصادر أفعالها جميعها محصورة في‬
‫الكون الجامع اإلنساني‪ .‬وههنا لطيفة وهي أن األنبياء عليهم السالم وضعوا حروف التهجي بإزاء مراتب الموجودات‪.‬‬
‫وقد وجدت في كالم عيسى عليه الصالة والسالم وأمير المؤمنين علي عليه السالم وبعض الصحابة ما يشير إلى‬
‫ذلك‪ .‬ولهذا قيل‪ :‬ظهرت الموجودات من باء بسم هللا إذ هي الحرف الذي يلي األلف الموضوعة بإزاء ذات هللا‪ .‬فهي‬
‫إشارة إلى العقل األول الذي هو أول ما خلق هللا المخاطب بقوله تعالى‪" :‬ما خلقت خلقاً أحب إلي وال أكرم علي منك‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بك أعطي‪ ،‬وبك آخذ‪ ،‬وبك أثيب‪ ،‬وبك أعاقب‪ "...‬الحديث‪.‬‬

‫والحروف الملفوظة لهذه الكلمة ثمانية عشر‪ ،‬والمكتوبة تسعة عشر‪ .‬وإذا انفصلت الكلمات انفصلت الحروف إلى‬
‫اثنين وعشرين‪ ،‬فالثمانية عشر إشارة إلى العوالم المعبر عنها بثمانية عشر ألف عالم‪ ،‬إذ األلف هو العدد التام‬
‫أمهات العوالم التي هي عالم‬‫المشتمل على باقي مراتب األعداد فهو ّأم المراتب الذي ال عدد فوقه‪ ،‬فعبر بها عن ّ‬
‫الجبروت‪ ،‬وعالم الملكوت‪ ،‬والعرش‪ ،‬والكرسي‪ ،‬والسموات السبع‪ ،‬والعناصر األربعة‪ ،‬والمواليد الثالثة التي ينفصل كل‬
‫واحد منها إلى جزئياته‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫والتسعة عشر إشارة إليها مع العالم اإلنساني‪ ،‬فإنه وإن كان داخالً في عالم الحيوان إال أنه باعتبار شرفه وجامعيته‬
‫الئ َكِت ِه‬
‫للكل وحصره للوجود عالم آخر له شأن وجنس برأسه له برهان‪ ،‬كجبريل من بين المالئكة في قوله تعالى‪{ :‬وم ِ‬
‫ََ‬
‫َوُرُسلِ ِه} [البقرة‪ ،‬اآلية‪.]98 :‬‬

‫الحق‪ ،‬باعتبار‬
‫ّ‬ ‫واأللفات الثالثة المحتجبة التي هي تتمة االثنين والعشرين عند االنفصال إشارة إلى العالم اإللهي‬
‫ّ‬
‫الذات‪ ،‬والصفات‪ ،‬واألفعال‪ .‬فهي ثالثة عوالم عند التفصيل‪ ،‬وعالم واحد عند التحقيق‪ ،‬والثالثة المكتوبة إشارة إلى‬
‫ظهور تلك العوالم على المظهر األعظمي اإلنساني والحتجاب العالم اإللهي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫حين سئل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن ألف الباء من أين ذهبت؟ قال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬سرقها الشيطان""‪.‬‬
‫وأمر بتطويل باء بسم هللا تعويضاً عن ألفها إشارة إلى احتجاب ألوهية اإللهية في صورة الرحمة االنتشارية وظهورها‬
‫في الصورة اإلنسانية بحيث ال يعرفها إال أهلها‪ ،‬ولهذا نكرت في الوضع‪.‬‬

‫وقد ورد في الحديث‪" :‬إن هللا تعالى خلق آدم على صورته"‪ ،‬فالذات محجوبة بالصفات‪ ،‬والصفات باألفعال‪ ،‬واألفعال‬
‫باألكوان واآلثار‪ .‬فمن تجّلت عليه األفعال بارتفاع حجب األكوان توكل‪ ،‬ومن تجّلت عليه الصفات بارتفاع حجب‬
‫األفعال رضي وسّلم‪ .‬ومن تجّلت عليه الذات بانكشاف حجب الصفات فني في الوحدة فصار موحداً مطلقاً فاعالً ما‬
‫مقدم على توحيد الصفات وهو على توحيد الذات وإلى‬
‫فعل وقارئاً ما ق أر بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬فتوحيد األفعال ّ‬
‫الثالثة أشار صلوات هللا عليه في سجوده بقوله‪" :‬أعوذ بعفوك من عقابك‪ ،‬وأعوذ برضاك من سخطك‪ ،‬وأعوذ بك منك‬

‫‪".‬‬

‫سورة الفاتحة (من اآلية ‪ 2‬الى اآلية ‪)5‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِ‬ ‫الرِحي ِم * مـٰلِ ِك يو ِم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫َّاك َن ْس َتع ُ‬ ‫ين *ِإي َ‬
‫َّاك َن ْعُب ُد َوِإي َ‬ ‫الد ِ‬
‫َ َْ ّ‬ ‫الر ْحمـ ِٰن َّ‬ ‫اْل َح ْم ُد ََّّلل َر ِّب اْل َعاَلم َ‬
‫ين * َّ‬

‫رب العالمين} إلى آخر السورة‪ ،‬الحمد بالفعل ولسان الحال هو ظهور الكماالت وحصول الغايات من‬‫{الحمد هلل ّ‬
‫األشياء إذ هي أثنية فاتحة ومدح رائعة لموليها بما يستحقه‪ .‬فالموجودات كلها بخصوصياتها وخواصها‪ ،‬وتوجهها إلى‬
‫{وِإن ِّمن َشي ٍء ِإالَّ ُي َسِّب ُح ِب َح ْم َدِه}‬
‫القوة إلى الفعل‪ ،‬مسبحة‪ ،‬حامدة‪ ،‬كما قال تعالى‪َ :‬‬
‫غاياتها‪ ،‬وإخراج كماالتها من حيز ّ‬
‫ْ‬
‫[اإلسراء‪ ،‬اآلية‪ ،]44 :‬فتسبيحها إياه تنزيهه عن الشريك وصفات النقص والعجز باستنادها إليه وحده‪ ،‬وداللتها على‬
‫وحدانيته وقدرته‪ ،‬وتحميدها إظهار كماالتها المترتبة‪ ،‬ومظهريتها لتلك الصفات الجاللية والجمالية‪.‬‬

‫لكل ما هو علم هلل‬


‫وخص بذاته بحسب مبدئيته للكل‪ ،‬وحافظيته ومدبريته له التي هي معنى الربوبية للعالمين‪ ،‬أي ّ‬‫ّ‬
‫يعلم به كالخاتم لما يختم به‪ ،‬والقالب لما يقلب فيه‪ ،‬وجمع جمع السالمة الشتماله على معنى العلم أو للتغليب‪ ،‬وبإزاء‬
‫العام والخاص‪ ،‬اي النعمة الظاهرة كالصحة والرزق‪ .‬والباطنة كالمعرفة والعلم‪ .‬وباعتبار منتهائيته التي‬
‫إفاضة الخير ّ‬
‫هي معنى مالكية األشياء في يوم الدين إذ ال يجزي في الحقيقة إال المعبود الذي ينتهي إليه الملك وقت الجزاء بإثابة‬
‫التجرد عنها بالزهد وتجليات األفعال عند انسالخ العبد عن أفعاله‪ ،‬وتعويض صفاته‬ ‫ّ‬ ‫النعمة الباقية عن الفانية عند‬
‫عند المحو عن صفاته وإبقائه بذاته‪ ،‬وهبته له الوجود الحقاني عند فنائه فله تعالى مطلق الحمد وماهيته أزالً وأبداً‬
‫على حسب استحقاقه إياه بذاته باعتبار البداية والنهاية وما بينهما في مقام الجمع على ألسنة التفاصيل‪ ،‬فهو الحامد‬
‫والمحمود تفصيالً وجمعاً‪ ،‬والعابد والمعبود مبدأ ومنتهى‪.‬‬

‫ولما تجلى في كالمه لعباده بصفاته شاهدوه بعظمته وبهائه‪ ،‬وكمال قدرته وجالله‪ ،‬فخاطبوه قوالً وفعالً بتخصيص‬
‫العبادة به‪ ،‬وطلب المعونة منه‪ ،‬إذ ما أروا معبوداً غيره‪ ،‬وال حول وال ّقوة ألحد إالّ به‪ .‬فلو حضروا لكانت حركاتهم‬
‫وسكناتهم كلها عبادة له وبه‪ ،‬فكانوا على صالتهم دائمين داعين بلسان المحبة لمشاهدتهم جماله من كل وجه على‬
‫كل وجه‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الفاتحة (من اآلية ‪ 6‬الى اآلية ‪)7‬‬

‫وب عَلي ِهم والَ َّ ِ‬


‫ض ِ‬ ‫ص ار َ َّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اه ِدنا ِ‬
‫ين‬
‫الضآّل َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ين أ َْن َع ْم َت َعَل ْي ِه ْم َغ ْي ِر اْل َم ْغ ُ‬
‫ط الذ َ‬ ‫يم * َ‬
‫ط اْل ُم ْستَق َ‬
‫الص َار َ‬
‫ْ َ ّ‬

‫{اهدنا الصراط المستقيم} أي‪ :‬ثبتنا على الهداية وم ّكنا باالستقامة في طريق الوحدة التي هي طريق المنعم عليهم‬
‫الصديقين واألولياء‪،‬‬
‫بالنعمة الخاصة الرحيمية التي هي المعرفة والمحبة والهداية الحقانية الذاتية من النبيين والشهداء و ّ‬
‫الذين شاهدوه ّأوالً وآخ اًر وظاه اًر وباطناً‪ ،‬فغابوا في شهودهم طلعة وجهه الباقي عن وجود الظل الفاني‪.‬‬

‫{غير المغضوب عليهم} الذين وقفوا مع الظواهر‪ ،‬واحتجبوا بالنعمة الرحمانية‪ ،‬والنعيم الجسماني‪ ،‬والذوق الحسي عن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحقائق الروحانية‪ ،‬والنعيم القلبي‪ ،‬والذوق العقلي كاليهود إذ كانت دعوتهم إلى الظواهر والجنان والحور والقصور‪،‬‬
‫ّ‬
‫فغضب عليهم ألن الغضب يستلزم الطرد والبعد والوقوف مع الظواهر التي هي الحجب الظلمانية غاية البعد‪{ .‬وال‬
‫الضالين} الذين وقفوا مع البواطن التي هي الحجب النورانية واحتجبوا بالنعمة الرحيمية عن الرحمانية‪ ،‬وغفلوا عن‬
‫الكل كالنصارى إذ كانت دعوتهم إلى‬ ‫الحق‪ ،‬وضّلوا عن سواء السبيل‪ ،‬فحرموا شهود جمال المحبوب في ّ‬ ‫ّ‬ ‫ظاهرية‬
‫الكل‪ ،‬والجمع بين محبة جمال الذات‪ ،‬وحسن الصفات‪،‬‬ ‫القدوس ودعوة المحمديين الموحدين إلى ّ‬ ‫البواطن وأنوار عالم ّ‬
‫آمُنوْا ِب َرُسولِ ِه‬
‫َّللا و ِ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫{و َس ِارُعوْا ِإَل ٰى َم ْغِف َرٍة ِّمن َّرّب ُ‬
‫ِك ْم َو َجَّنة} [آل عمران‪ ،‬اآلية‪{ ،]133 :‬اتُقوْا َّ َ َ‬ ‫كما ورد في القرآن الكريم‪َ :‬‬
‫َّللاَ َوالَ تُ ْش ِرُكوْا ِب ِه َش ْيئاً} [النساء‪،‬‬
‫اعُب ُدوْا َّ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُي ْؤت ُك ْم كْفَل ْي ِن من َّر ْح َمته َوَي ْج َعل ل ُك ْم ُنو اًر تَ ْم ُشو َن به} [الحديد‪ ،‬اآلية‪َ ،]28 :‬‬
‫{و ْ‬
‫{وَي ْر ُجو َن َر ْح َمتَ ُه َوَي َخاُفو َن َع َذ َاب ُه} [اإلسراء‪ ،‬اآلية‪،]57 :‬‬
‫اآلية‪ ،]36 :‬فأجابوا الدعوات الثالث‪ .‬كما جاء في حقهم‪َ :‬‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫اموْا} [فصلت‪ ،‬اآلية‪ .]30 :‬فأثيبوا‬ ‫استََق ُ‬
‫َّللاُ ثُ َّم ْ‬ ‫ورَنا} [التحريم‪ ،‬اآلية‪ِ{ ،]8 :‬إ َّن الذ َ‬
‫ين َقاُلوْا َربَُّنا َّ‬ ‫{يُقوُلو َن َربََّنآ أ َْتم ْم َلَنا ُن َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ورُه ْم}‬ ‫ات َع ْد ٍن تَ ْج ِرى} [البينة‪ ،‬اآلية‪َ{ ،]8 :‬ل ُه ْم أ ْ‬
‫َج ُرُه ْم َوُن ُ‬ ‫آؤ ُه ْم ع َند َرّب ِِه ْم َجَّن ُ‬
‫{ج َز ُ‬
‫بالجميع على ما أخبر هللا تعالى‪َ :‬‬
‫َح َسُنوْا اْل ُح ْسَن ٰى َوِزَي َادةٌ} [يونس‪ ،‬اآلية‪.]26 :‬‬ ‫َِّ ِ‬ ‫[الحديد‪ ،‬اآلية‪َ { ،]19 :‬فأَينما توُّلوْا َفثَ َّم وجه َّ ِ‬
‫ين أ ْ‬ ‫َّللا} [البقرة‪ّ{ ،]115 :‬للذ َ‬ ‫َُْ‬ ‫ْ َ َ َُ‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)1‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الـم‬

‫كل ألن (أ) إشارة إلى ذات الذي هو‬


‫كل الوجود من حيث هو ّ‬
‫{الم * ذلك الكتاب} أشار بهذه الحروف الثالثة إلى ّ‬
‫المسمى جبريل‪ ،‬وهو أوسط الوجود الذي يستفيض من المبدأ‬
‫ّ‬ ‫الفعال‬
‫مر‪ .‬و (ل) إلى العقل ّ‬‫ّأول الوجود على ما ّ‬
‫"إن‬
‫بأولها‪ ،‬ولهذا ختم وقال‪ّ :‬‬
‫تتم به دائرته وتتصل ّ‬
‫ويفيض إلى المنتهى‪ .‬و (م) إلى محمد الذي هو آخر الوجود ّ‬
‫الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق هللا السموات واألرض"‪ .‬وعن بعض السلف أن (ل) ركبت من ألفين‪ ،‬أي‪ :‬وضعت‬
‫بإزاء الذات مع صفة الع لم اللذين هما عالمان من العوالم الثالثة اإللهية التي أشرنا إليها‪ ،‬فهو اسم من أسماء هللا‬
‫أما (م) فهي إشارة إلى الذات مع جميع الصفات واألفعال التي‬
‫تعالى‪ ،‬إذ كل اسم هو عبارة عن الذات مع صفة ما‪ .‬و ّ‬
‫احتجبت بها في الصورة المحمدية التي هي اسم هللا األعظم‪ ,‬بحيث ال يعرفها إال من يعرفها‪ .‬أال تدري أن (م) التي‬
‫السر في وضع حروف التهجي هو أن ال‬ ‫هي صورة الذات كيف احتجب فيها‪ ،‬فإن الميم فيها الياء‪ ،‬وفي الياء ألف‪ .‬و ّ‬
‫ّ‬
‫حرف إال وفيه ألف‪ ،‬ويقرب من هذا قول من قال‪ :‬معناه القسم باهلل العليم الحكيم‪ ،‬إذ جبريل مظهر العلم‪ ،‬فهو اسمه‬
‫كل اسم من أسمائه تعالى‬
‫العليم‪ .‬ومحمد مظهر الحكمة‪ ،‬فهو اسمه الحكيم‪ .‬ومن هذا ظهر معنى قول من قال‪ :‬تحت ّ‬
‫يتم وال يكمل إال إذا قرن بالفعل في عالم الحكمة الذي هو عالم األسباب والمسببات‪،‬‬
‫أسماء بغير نهاية‪ .‬والعلم ال ّ‬
‫ِن‪ :‬بمحمد رسول هللا‪.‬‬
‫بمجرد قول‪ :‬ال إله إال هللا‪ ،‬إال إذا ُقرَ‬
‫ّ‬ ‫فيصير حكمة‪ .‬ومن ثم ال يحصل اإلسالم‬

‫الكل المومى إليها بكتاب الجفر والجامعة المشتملة على كل‬


‫فمعنى اآلية {الم * ذلك الكتاب} الموعود‪ ،‬أي‪ :‬صورة ّ‬
‫شيء‪ ،‬الموعود بأنه يكون مع المهدي في آخر الزمان ال يقرأه كما هو بالحقيقة إال هو‪ ،‬والجفر لوح القضاء الذي هو‬
‫كل ما كان‬
‫الكل‪ ،‬فمعنى كتاب الجفر والجامعة‪ :‬المحتويان على ّ‬
‫الكل والجامعة لوح القدر الذي هو نفس ّ‬ ‫عقل ّ‬
‫ويكون‪ ،‬كقولك سورة (البقرة) وسورة (النمل)‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 2‬الى اآلية ‪)2‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اب الَ َرْي َب فيه ُه ًدى ّلْل ُمتَّق َ‬
‫ين‬ ‫َذل َك اْلكتَ ُ‬

‫كل ألنه مبين‬


‫الكل من حيث هو ّ‬ ‫{ال رْي َب فيه} عند التحقيق بأنه الحق‪ ،‬وعلى تقدير القول معناه بالحق الذي هو ّ‬
‫لذلك الكتاب الموعود على ألسنة األنبياء وفي كتبهم بأنه سيأتي كما قال عيسى عليه السالم‪" :‬نحن نأتيكم بالتنزيل‪،‬‬
‫المهدي في آخر الزمان"‪ .‬وحذف جواب القسم لداللة ذلك الكتاب عليه‪ ،‬كما حذف في غير‬ ‫ّ‬ ‫وأما التأويل فسيأتي به‬
‫موضع من القرآن مثل (والشمس) (والنازعات) وغير ذلك‪ .‬أي ّإنا منزلون لذلك الكتاب الموعود في التوراة واإلنجيل‬
‫بأن يكون مع محمد حذف لداللة قوله‪{ :‬ذلك الكتاب} عليه أي‪ :‬ذلك الكتاب المعلوم في العلم السابق‪ ،‬الموعود في‬
‫تقين} أي هدى في نفسه للذين يتقون الرذائل والحجب‬
‫للم َ‬‫{ه ًدى ُ‬
‫التوراة واإلنجيل حق بحيث ال مجال للريب فيه‪ُ .‬‬
‫المانعة لقبول الحق فيه‪.‬‬

‫إما أشقياء‪ .‬قال هللا تعالى‪َ{ :‬ف ِم ْن ُه ْم َشِق ٌّي َو َس ِعيٌد}‬


‫إما سعداء‪ ،‬و ّ‬
‫واعلم أن الناس بحسب العاقبة سبعة أصناف ألنهم‪ّ :‬‬
‫المقربون‪ .‬قال هللا‬ ‫إما السابقون ّ‬ ‫إما أصحاب اليمين‪ ،‬و ّ‬ ‫[هود‪ ،‬اآلية‪ ،]105 :‬واألشقياء أصحاب الشمال‪ ،‬والسعداء ّ‬
‫حق عليهم القول وهم‬ ‫إما المطرودون الذين ّ‬ ‫{وُكنتُ ْم أ َْزَواجاً ثَالَثَ ًة} [الواقعة‪ ،‬اآلية‪ ]7 :‬اآلية‪ .‬وأصحاب الشمال ّ‬
‫تعالى‪َ :‬‬
‫أهل الظلمة والحجاب الكلي المختوم على قلوبهم أزالً‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬وَلَق ْد َذ َأرَْنا لِ َجهَّنم َكِثي اًر ِم َن اْل ِج ِّن و ِ‬
‫اإل ْنس}‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫[األعراف‪ ،‬اآلية‪ ]179 :‬إلى آخر اآلية‪ .‬وفي الحديث الرباني‪" :‬هؤالء خلقتهم للنار وال أبالي"‪ .‬وأما المنافقون الذين‬
‫ّ‬
‫مستعدين في األصل‪ ،‬قابلين للتنّور بحسب الفطرة والنشأة‪ ،‬ولكن احتجبت قلوبهم بالرين المستفاد من اكتساب‬ ‫ّ‬ ‫كانوا‬
‫الرذائل وارتكاب المعاصي‪ ،‬ومباشرة األعمال البهيمية‪ ،‬والسبعية‪ ،‬ومزاولة المكايد الشيطانية‪ ،‬حتى رسخت الهيئات‬
‫الفاسقة والملكات المظلمة في نفوسهم‪ ،‬وارتكمت على أفئدتهم فبقوا شاكين حيارى تائهين‪ ،‬قد حبطت أعمالهم‪،‬‬
‫أشد عذاباً وأسوأ حاالً من الفريق األول لمنافاة مسكة استعدادهم لحالهم‪ .‬والفريقان هم أهل الدنيا‬
‫وانتكست رؤوسهم فهم ّ‬
‫وأصحاب اليمين‪.‬‬

‫أما أهل الفضل والثواب‪ ،‬الذين آمنوا وعملوا الصالحات للجنة راجين لها‪ ،‬راضين بها‪ ،‬فوجدوا ما عملوا حاض اًر على‬
‫ولكل درجات مما عملوا‪ .‬ومنهم أهل الرحمة الباقون على سالمة نفوسهم‪ ،‬وصفاء قلوبهم‪ ،‬المتبوئون‬
‫تفاوت درجاتهم‪ّ ،‬‬
‫درجات الجنة على حسب استعداداتهم من فضل ربهم‪ ،‬ال على حسب كماالتهم من ميراث عملهم‪.‬‬

‫المعفو عنهم رأساً لقوة اعتقادهم‪ ،‬وعدم رسوخ‬


‫ّ‬ ‫وأما أهل العفو الذين خلطوا عمالً صالحاً وآخر سيئاً‪ ،‬وهم قسمان‪:‬‬
‫يبدل هللا سيئاتهم حسنات‪ ،‬والمعذبون حيناً بحسب ما رسخ‬
‫سيئاتهم لقّلة مزاولتهم إياها‪ ،‬أو لمكان توبتهم عنها‪ .‬فأولئك ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫فيهم من المعاصي حتى خلصوا عن درن ما كسبوا‪ ،‬فنجوا وهم أهل العدل والعقاب‪ ،‬والذين ظلموا من هؤالء سيصيبهم‬
‫سيئات ما كسبوا‪ .‬لكن الرحمة تتداركهم وثالثتهم أهل اآلخرة‪.‬‬

‫حق إنابته‪ ،‬فهداهم‬ ‫إما محبوبون‪ ،‬فالمحبون هم الذين جاهدوا في هللا ّ‬


‫حق جهاده‪ ،‬وأنابوا إليه ّ‬ ‫إما محبون و ّ‬
‫والسابقون ّ‬
‫سبله‪ .‬والمحبوبون هم أهل العناية األزلية الذين اجتباهم وهداهم إلى صراط مستقيم‪ .‬والصنفان هما أهل هللا‪ ،‬فالقرآن‬
‫هدى للفريق األول من األشقياء المتناع قبولهم للهداية لعدم استعدادهم‪ ،‬وال للثاني لزوال استعدادهم ومسخهم‬‫ليس ً‬
‫وطمسهم بالكلية بفساد اعتقادهم‪ ،‬فهم أهل الخلود في النار إال ما شاء هللا‪ .‬فبقي هدى للخمسة األخيرة الذين يشملهم‬
‫{ك َذلِ َك لُِنثَِّب َت‬
‫المتقون‪ ،‬والمحبوب يحتاج إلى هداية الكتاب بعد الجذب والوصول لسلوكه في هللا لقوله تعالى لحبيبه‪َ :‬‬
‫الرُس ِل َما ُنثَِّب ُت ِب ِه ُف َؤ َادك} [هود‪ ،‬اآلية‪.]120 :‬‬
‫ص َعَل ْي َك ِم ْن أ َْنَب ِاء ُّ‬
‫{وُكـالًّ َّنُق ُّ‬ ‫ِ‬
‫ِبه ُف َؤ َاد َ‬
‫ك} [الفرقان‪ ،‬اآلية‪ ،]32 :‬وقوله‪َ :‬‬
‫المحب يحتاج إليه قبل الوصول والجذب وبعده لسلوكه إلى هللا وفي هللا‪.‬‬
‫و ّ‬

‫المستعدون الذين بقوا على فطرتهم األصلية‪ ،‬واجتنبوا رين الشرك والشك‬
‫ّ‬ ‫فعلى هذا‪ ،‬المتقون في هذا الموضع هم‬

‫لصفاء قلوبهم وزكاء نفوسهم‪ ،‬وبقاء نورهم الفطري‪ ،‬فلم ينقضوا عهد هللا‪ .‬وهذه التقوى ّ‬
‫مقدمة على اإليمان‪ ،‬ولها مراتب‬
‫أخرى متأخرة عنه كما سيأتي إن شاء هللا ‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 3‬الى اآلية ‪)5‬‬

‫ين ُي ْؤ ِمُنو َن ِب َمآ أُْن ِزَل ِإَل ْي َك َو َمآ أ ُْن ِزَل ِمن َقْبلِ َك‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّال ِذين يؤ ِمنون ِباْلغي ِب ويِقيمون َّ ٰ‬
‫اه ْم ُي ْنفُقو َن * والذ َ‬ ‫مما َرَزْقَن ُ‬ ‫وة َو َّ‬
‫الصل َ‬ ‫َ ُْ ُ َ َْ َ ُ ُ َ‬
‫ِاآلخ َرِة ُه ْم ُيوِقُنو َن * أ ُْوَلـِٰئ َك َعَل ٰى ُه ًدى ِّمن َّرِّب ِه ْم َوأ ُْوَلـِٰئ َك ُهم اْل ُمْفلِ ُحو َن‬
‫وب ِ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫فإن اإليمان‬
‫العلمي‪ّ ،‬‬ ‫التقليدي‪ ،‬أو التحقيقي‬ ‫الصالة} أي‪ :‬بما غاب عنهم اإليمان‬
‫َ‬ ‫ويقيمو َن‬ ‫بالغ ِ‬
‫يب‬ ‫{الذين ُيؤمنو َن َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫حد العلم والغيب‪ ،‬وإما غير‬
‫إما واقف على ّ‬‫وكشفي‪ ،‬وكالهما ّ‬ ‫تقليدي وتحقيقي‪ .‬والتحقيقي قسمان‪ :‬استداللي‬‫ّ‬ ‫قسمان‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إما عيني‪ ،‬وهو المشاهدة المسمى عين اليقين‪ ،‬وإما حقي‪،‬‬ ‫المسمى علم اليقين‪ .‬والثاني‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫واقف‪ .‬واألول هو اإليقان‬
‫ّ‬
‫المسمى حق اليقين‪ .‬والقسمان األخيران ال يدخالن تحت اإليمان بالغيب‪ ،‬واإليمان بالغيب يستلزم‬ ‫ّ‬ ‫وهو الشهود الذاتي‬
‫األعمال القلبية التي هي التزكية‪ ،‬وهي تطهير القلب عن الميل إلى السعادات البدنية الخارجية‪ ،‬الشاغلة عن إحراز‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫السعادة الباقية‪ .‬فإن السعادات ثالث‪ :‬قلبية‪ ،‬وبدنية‪ ،‬وما حول البدن‪ .‬فالقلبية هي المعارف‪ ،‬والحكم‪ ،‬والكماالت العلمية‬
‫القوة والّلذات الجسمانية والشهوات الطبيعية‪ .‬وما حول البدن هي األموال‬
‫والعملية الخلقية‪ .‬والبدنية هي الصحة و ّ‬
‫إن من النعم سعة المال‪ ،‬وأفضل من سعة المال صحة الجسد‪،‬‬ ‫واألسباب‪ ،‬كما قال أمير المؤمنين عليه السالم‪" :‬أال و ّ‬
‫وتقوى القلب"‪ .‬ويجب االحتراز عن األوليين إلحراز األخيرة المطلوبة بالزهد والعبادة‪.‬‬

‫فإقامة الصالة ترك الراحات البدنية وإتعاب اآلالت الجسدية‪ ،‬وهي ّأم العبادات التي إذا وجدت لم يتأخر عنها البواقي‬
‫الصالَ َة تَْن َه ٰى َع ِن اْلَف ْح َش ِآء َواْل ُم ْن َكر} [العنكبوت‪ ،‬اآلية‪ ]45 :‬إذ هي تحامل على البدن والنفس‪ ،‬ومشقة فادحة‬
‫{ِإ َّن َّ‬
‫المسمى بالزهد‪ ،‬فإن اإلنفاق ربما كان‬
‫ّ‬ ‫عليهما‪ ،‬وإنفاق المال هو اإلعراض عن السعادة الخارجية المحبوبة إلى النفس‬
‫الشح إياها‪ ،‬ولم يكتف بالقدر الواجب فقال ‪:‬‬
‫أشد عليها من بذل الروح للزوم ّ‬
‫ّ‬

‫المروات‪ ،‬والهبات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫{ومما رزقناهم ينفقون} ليعتاد القلب ترك الفضول المالية بالجود والسخاء وبذل المال‪ ،‬في وجوه‬
‫شح نفسه‪ ،‬وخصص اإلنفاق بالبعض بإيراد من التبعيضية لئال يقع في رذيلة التبذير‬ ‫والصدقات الغير الواجبة‪ ،‬فيوقي ّ‬
‫ببذل القدر الضروري فيحرم فضيلة الجود الذي هو من باب التخلق بأخالق هللا‪.‬‬

‫{والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} أي‪ :‬اإليمان التحقيقي الشامل لألقسام الثالثة المستلزم لألعمال‬
‫ّ‬
‫المنزلة في الكتب اإللهية والعلوم المتعلقة بأحوال المعاد‪،‬‬
‫تفرس القلب بالحكم والمعارف ّ‬‫القلبية التي هي التحلية‪ ،‬وهي ّ‬
‫وأمور اآلخرة‪ ،‬وحقائق علم القدس‪ .‬ولهذا قال‪{ :‬وباآلخرة هم يوقنون} وأهل اآلخرة الذين ما جاوزوا ّ‬
‫حد التزكية‪ ،‬ولم‬
‫ورثه هللا علم ما لم يعلم"‪ .‬وأهل هللا‬
‫يصلوا إلى التحلية التي هي ميراثها‪ ،‬لقوله عليه السالم‪" :‬من عمل بما علم ّ‬
‫إما إليه وإما إلى داره‪ ،‬دار السالمة والفضل والثواب واللطف‪ ،‬وهم‬‫الموقنون الجامعون لها كلهم على هدى من ربهم ّ‬
‫أهل الفالح ال غير إما من العقاب وإما من الحجاب ولهذا قال ‪:‬‬

‫{أولئك} أي‪ :‬الموصوفون بهذه الصفات المذكورة من التزكية والتحلية‪{ .‬على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون}‬
‫ألجلها‪ ،‬فعلى هذا الذين يؤمنون مبتدأ‪ ،‬والذين يؤمنون الثاني معطوف عليه‪ ،‬وأولئك خبره‪ ،‬ولو جعل صفة للمتقين‬
‫لكان المراد بهم الكاملين في التقوى بعد الهداية‪ .‬وكان مجا اًز من باب تسمية الشيء بما سيؤول إليه ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِِ‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 6‬الى اآلية ‪)9‬‬

‫ص ِرِه ْم‬ ‫ِِ‬


‫َس ْمعه ْم َو َعَل ٰى أ َْب َٰ‬ ‫ِهم َو َعَل ٰى‬ ‫الَ ُي ْؤ ِمُنو َن * َختَ َم َّ‬
‫َّللاُ َعَل ٰى ُقُلوب ْ‬ ‫آء َعَل ْي ِه ْم َءأَن َذ ْرتَ ُه ْم أ َْم َل ْم تُْن ِذ ْرُه ْم‬
‫ين َكَف ُروْا َس َو ٌ‬
‫َّ ِ‬
‫ِإ َّن الذ َ‬
‫* يخ ِادعون َّ َّ ِ‬ ‫اَّللِ وبِاْليو ِم ِ‬
‫اآلخ ِر َو َما ُهم ِب ُم ْؤ ِمِني َن‬ ‫ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫يم * َو ِم َن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫َّللاَ َوالذ َ‬ ‫َُ ُ َ‬ ‫آمَّنا ب َّ َ َ ْ‬‫َ‬ ‫ول‬
‫اس َمن َيُق ُ‬ ‫اب عظ ٌ‬ ‫غ َش َاوةٌ َوَل ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫آمُنوا َو َما َي ْخ َد ُعو َن ِإالَّ أ َْنُف َس ُهم َو َما َي ْش ُع ُرو َن‬
‫َ‬

‫{إن الذين كفروا} ‪ -‬إلى قوله ‪{ -‬عظيم} هم الفريق األول من األشقياء الذين هم أهل القهر اإللهي ال ينجح فيهم‬
‫اإلنذار وال سبيل إلى خالصهم من النار‪ ،‬أولئك حّقت عليهم كلمة رّبك أنهم ال يؤمنون‪ ،‬وكذلك حّقت كلمة ربك على‬
‫سدت عليهم الطرق‪ ،‬وأغلقت عليهم األبواب‪ ،‬إذ القلب هو المشعر اإللهي الذي هو‬ ‫الذين كفروا أنهم أصحاب النار‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫محل اإللهام‪ ،‬فحجبوا عنه بختمه‪ .‬والسمع والبصر هما المشعران األنسيان‪ ،‬أي الظاهران اللذان هما بابا الفهم‬
‫ّ‬
‫واالعتبار‪ ،‬فحرموا عن جدواهما المتناع نفوذ المعنى فيهما إلى القلب‪ ،‬فال سبيل لهم في الباطن إلى العلم الذوقي‬
‫ّ‬
‫الكشفي وال في الظاهر إلى العلم التعلمي والكسبي‪ ،‬فحبسوا في سجون الظلمات‪ ،‬فما أعظم عذابهم ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫ألن‬ ‫ِ‬
‫{ومن الناس من يقول آمنا} هم الفريق الثاني من األشقياء‪ُ ،‬سل َب عنهم اإليمان مع ّادعائهم له بقولهم{آمنا باهلل} ّ‬
‫ان ِفي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫آمَّنا ُقل ل ْم تُ ْؤمُنوْا َوَلـٰكن ُقوُلوْا أ َْسَل ْمَنا َوَل َّما َي ْد ُخل اإل َ‬
‫يم ُ‬ ‫اب َ‬
‫َع َر ُ‬
‫محل اإليمان هو القلب ال اللسان‪َ { .‬قاَلت األ ْ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫اآلخر} ّادعاء على التوحيد والمعاد اللذين هما أصل‬ ‫ِك ْم} [الحجرات‪ ،‬اآلية‪ .]14 :‬ومعنى قولهم‪{ :‬آمنا باهلل وباليوم‬
‫ُقُلوب ُ‬
‫الدين‪ -‬وأساسه أي لسنا من المشركين المحجوبين عن الحق وال من أهل الكتاب المحجوزين عن الدين والمعاد‪ ،‬ألن‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اعتقاد أهل الكتاب في باب المعاد ليس مطابقاً للحق‪ .‬واعلم أن الكفر هو االحتجاب‪ ،‬والحجاب إما عن الحق كما‬
‫إما عن الدين كما ألهل الكتاب‪ ،‬والمحجوب عن الحق محجوب عن الدين الذي هو طريق الوصول إليه‬ ‫للمشركين و ّ‬
‫ضرورة‪ ،‬وأما المحجوب عن الدين فقد ال يحجب عن الحق‪ ،‬فهؤالء ّادعوا رفع الحجابين معاً فكذبوا بسلب اإليمان عن‬
‫ذواتهم‪ ،‬أي ليسوا بمؤمنين ما داموا إياهم يخادعون‪ .‬والمخادعة استعمال الخدع من الجانبين‪ ،‬وهو إظهار الخير‬
‫َّللاَ} [النساء‪،‬‬
‫اع َّ‬ ‫ول َفَق ْد أَ َ‬
‫ط َ‬ ‫{م ْن ُي ِط ِع َّ‬
‫الرُس َ‬ ‫الشر‪ .‬ومخادعة هللا مخادعة رسوله صلى هللا عليه وسلم لقوله‪َّ :‬‬ ‫واستبطان ّ‬
‫َّللاَ َرَم ٰى} [األنفال‪ ،‬اآلية‪ ]17 :‬وألنه حبيبه‪.‬‬‫{و َما َرَم ْي َت ِإ ْذ َرَم ْي َت َوَلـ ِٰك َّن َّ‬
‫اآلية‪ ،]80 :‬وقوله تعالى‪َ :‬‬

‫يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه‪ ،‬فإذا أحببته كنت سمعه الذي به يسمع‪ ،‬وبصره‬
‫وقد ورد في الحديث‪" :‬ال يزال العبد ّ‬
‫ّ‬
‫الذي به يبصر‪ ،‬ولسانه الذي به يتكلم‪ ،‬ويده التي بها يبطش‪ ،‬ورجله التي بها يمشي" فخداعهم هلل وللمؤمنين إظهار‬
‫اإليمان والمحبة‪ ،‬واستبطان الكفر والعداوة‪ ،‬وخداع هللا والمؤمنين إياهم مسالمتهم وإجراء أحكام اإلسالم عليهم بحقن‬
‫الدماء وحصن األموال وغير ذلك‪ ،‬و ّادخار العذاب األليم والمآل الوخيم‪ ،‬وسوء المغبة لهم وخزيهم في الدنيا‬
‫أن خداعهم ال ينجح إال في أنفسهم بإهالكها‬ ‫الفتضاحهم بإخباره تعالى وبالوحي عن حالهم لكن الفرق بين الخداعين ّ‬
‫وتحسيرها وإيراثها الوبال والنكال بازدياد الظلمة والكفر والنفاق واجتماع أسباب الهلكة والبعد والشقاء عليها‪ ،‬وخداع هللا‬
‫ِ‬
‫َّللاُ َخ ْي ُر اْل َماك ِر َ‬
‫ين} [آل عمران‪ ،‬اآلية‪]54 :‬‬ ‫َّللاُ َو َّ‬
‫{و َم َك ُروْا َو َم َك َر َّ‬
‫أشد إيباق‪ ،‬كقوله تعالى‪َ :‬‬
‫يؤثر فيهم أبلغ تأثير ويوبقهم ّ‬
‫وهم من غاية تعمقهم في جهلهم ال يحسون بذلك األمر الظاهر‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 10‬الى اآلية ‪)11‬‬

‫يل َل ُهم الَ تُْف ِس ُدوْا ِفي األ َْر ِ‬


‫ض َقاُلوْا ِإَّن َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب أَلِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ب َما َك ُانوا َي ْكذُبو َن * َوِإ َذا ق َ ْ‬
‫َّللاُ َم َرضاً َوَل ُهم َع َذ ٌ ٌ‬ ‫في ُقُلوبِ ِهم َّم َر ٌ‬
‫ض َف َزَاد ُه ُم َّ‬
‫صلِ ُحو َن‬ ‫َن ْح ُن ُم ْ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫مرض} أي شك ونفاق تنكير المرض‪ .‬وإيراد الجملة الظرفية إشارة إلى عروض المرض واستق ارره ورسوخه‬ ‫{في قلوِب ِهم ٌ‬
‫فيها كما أشرنا إليه في التقسيم‪ ،‬وإال لقال قلوبهم مرضى أو موتى‪{ .‬فزادهم هللا مرضاً} أي‪ :‬آخر حقداً وحسداً وغالً‬
‫بإعالء كلمة الدين‪ ،‬ونصرة الرسول والمؤمنين‪ ،‬والرذائل كلها أمراض القلوب ألنها أسباب ضعفها وآفتها في أفعالها‬
‫الخاصة‪ ،‬وهالكها في العاقبة‪ .‬وفرق بين العذابين باأللم للمنافقين‪ ،‬والعظم للكافرين‪ ،‬ألن عذاب المطرودين في األزل‬

‫أعظم فال يجدون ّ‬


‫شدة ألمه لعدم صفاء إدراك قلوبهم‪ ،‬كحال العضو الميت‪ ،‬أو المفلوج والخدل بالنسبة إلى ما يجري‬

‫الكي وغير ذلك من اآلالم‪ .‬وأما المنافقون فلثبوت استعدادهم في األصل وبقاء إدراكهم يجدون ّ‬
‫شدة‬
‫ّ‬
‫عليه من القطع و‬
‫األلم فال جرم كان عذابهم مؤلماً مسبباً عن المرض العارض المزمن الذي هو الكذب ولواحقه‪.‬‬

‫وإذا نهوا عن اإلفساد في األرض‪ ،‬أي في الجهة السفلية التي هي النفوس وما يتعلق بها من المصالح بتكدير النفوس‪،‬‬
‫وتهييج الفتن والحروب‪ ،‬والعداوة والبغضاء بين الناس‪ ،‬أنكروا وبالغوا في إثبات اإلصالح ألنفسهم‪ ،‬إذ يرون الصالح‬
‫في تحصيل المعاش وتيسير أسبابه‪ ،‬وتنظيم أمور الدنيا ألنفسهم خاصة‪ ،‬لتوغلهم في محبة الدنيا وانهماكهم في‬
‫الكلية‪ ،‬واللذات العقلية‪ ،‬وبذلك يتيسر‬
‫الحسية عن المصالح العامة ّ‬
‫ّ‬ ‫اللذات البدنية‪ ،‬واحتجابهم بالمنافع الجزئية‪ ،‬والمالذ‬
‫مرادهم‪ ،‬ويتسهل مطلوبهم وهم ال يحسون بإفسادهم المدرك بالحس‪.‬‬

‫المجردين‪ ،‬سفهوهم لمكان تركهم لحطام الدنيا‬


‫ّ‬ ‫وإذا دعوا إلى اإليمان الحقيقي‪ ،‬كإيمان فقراء المسلمين والصعاليك‬
‫وإعراضهم عن متاعها ولذاتها وطيباتها‪ ،‬لزهدهم الحقيقي‪ .‬إذ قصارى همومهم‪ ،‬وقصوى مقاصد عقولهم األسيرة في قيد‬
‫المؤدية لهم إلى الردى هي تلك اللذات يعلمون ظاه اًر من الحياة الدنيا وهم عن اآلخرة هم‬
‫ّ‬ ‫الهوى المشوبة بالوهم‪،‬‬
‫غافلون‪ ،‬وال يعلمون أن غاية السفه هو اختيار الفاني األخس على الباقي األشرف‪ .‬وفرق بين الفاصلتين بالشعور‬
‫ألن تأثير خداعهم في أنفسهم وإفسادهم في األرض أمر ِّبين كالمحسوس‪ .‬وأما ترجيح نعيم اآلخرة على نعيم‬
‫والعلم‪ّ ،‬‬
‫الدنيا المستلزم للفرق بين السفه والحكمة فأمر استداللي عقلي صرف‪.‬‬
‫ّ‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 12‬الى اآلية ‪)14‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫آء أَال ِإَّن ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫آم َن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السَف َه ُ‬
‫آم َن ُّ‬ ‫اس َقاُلوْا أَُن ْؤم ُن َك َمآ َ‬ ‫الن ُ‬ ‫أَال إَّن ُه ْم ُه ُم اْل ُمْفس ُدو َن َوَلـٰكن ال َي ْش ُع ُرو َن * َوِإ َذا ق َ‬
‫يل َل ُه ْم آمُنوْا َك َمآ َ‬
‫السَفهآء وَلـ ِٰكن الَّ يعَلمون * وإِ َذا َلُقوْا َّال ِذين آمنوْا َقاُلوا آمَّنا وإِ َذا خَلوْا ِإَلى َشي ِ‬
‫اط ِين ِه ْم َقاُلوْا ِإَّنا َم َع ُك ْم ِإَّن َما َن ْح ُن‬ ‫َ َ َْ ٰ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ َ‬ ‫ُه ُم ُّ َ ُ َ‬
‫ُم ْستَ ْه ِزءو َن‬
‫ُ‬

‫آمنوا} حكاية لنفاقهم الالزم لحصول استعدادين فيهم الفطرّي النورّي‪ ،‬الضعيف المغلوب‪ ،‬القريب من‬ ‫الذين ُ‬
‫{وإذا لُقوا َ‬
‫القوي الغالب الذي تألفوا به الكفار‪ ،‬إذ لو لم يكن فيهم أدنى‬
‫ّ‬ ‫االنطفاء‪ ،‬الذي ناسبوا به المؤمنين‪ ،‬والكسبي الظلماني‬
‫ّ‬
‫نور لم يقدروا على مخالطة المؤمنين ومصاحبتهم أصالً كغيرهم من الكفار لتنافي الضروري بين النور والظلمة من‬
‫جميع الوجوه‪.‬‬

‫والشيطان فيعال من الشطون‪ ،‬الذي هو البعد‪ ،‬وشياطينهم المتعمقون في البعد وهم المطرودون‪ ،‬ورؤساؤهم البالغون‬
‫وقوة جهة الظلمة فيهم‪ ،‬إذ المستخف بالشيء هو الذي‬ ‫يدل على ضعف جهة النور ّ‬ ‫في النفاق واستهزاؤهم بالمؤمنين ّ‬
‫يجد ذلك الشيء في نفسه خفيفاً‪ ،‬قليل الوزن والقدر‪ .‬فهم يستخفون النورانيين لخفة النور عندهم‪ ،‬إذ بالنور يعرف قدر‬
‫النور‪ ،‬وبرجحان الظلمة فيهم أووا إلى الكفار وألفوهم‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 15‬الى اآلية ‪)16‬‬

‫ِح ْت ِتّ َج َارتُ ُه ْم َو َما َك ُانوْا‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫َّللا يستَهزِئ ِب ِهم ويمُّدهم ِفي ُ ِ‬
‫الضَلـَٰل َة ِباْل ُه َد ٰى َف َما َرب َ‬
‫اشتَ َرُوْا َّ‬ ‫ط ْغَيان ِه ْم َي ْع َم ُهو َن * أ ُْوَلـٰئ َك الذ َ‬
‫ين ْ‬ ‫َّ ُ َ ْ ْ ُ ْ َ َ ُ ُ ْ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫ُم ْهتَد َ‬

‫ِئ ِب ِهم} أي‪ :‬يستخفهم‪ ،‬ألن الجهة التي هم بها ناسبوا الحضرة اإللهية فيهم خفيفة‪ ،‬ضعيفة‪ .‬فبقدر ما فنيت‬‫{هللا يستهز ُ‬
‫أن المؤمنين بقدر ما فنيت فيهم أينيتهم النفسانية وجدوا عند هللا شتان بين‬
‫فيهم الجهة اإللهية ثبتوا عند أنفسهم‪ ،‬كما ّ‬
‫{ويمدهم} في ظلماتهم البهيمية والسبعية التي هي الصفات الشيطانية والنفسانية بتهيئة مو ّادها وأسبابها التي‬
‫ُ‬ ‫المرتبتين‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫هي مشتهياتهم ومستلذاتهم وأموالهم ومعايشهم من الدنيا التي اختاروها بهواهم في حالة كونهم متحيرين‪{ .‬في طغيانهم‬
‫الحد هو‬
‫حدهم الذي كان ينبغي أن يكونوا عليه‪ ،‬وذلك ّ‬‫التعدي عن ّ‬‫يعم ُهو َن} والعمه‪ :‬عمى القلب‪ .‬وطغيانهم‪ّ :‬‬
‫َ‬
‫المصدر‪ ،‬أي وجه القلب الذي يلي النفس كما أن الفؤاد وجهه الذي يلي الروح‪ ،‬فإنه متوسط بينهما ذو وجهين إليهما‪.‬‬
‫فتتنور به‬
‫للتنور ليستنير ذلك الوجه ّ‬ ‫الحد هو التعبد بأوامر هللا تعالى ونواهيه‪ ،‬مع التوجه إليه طلباً ّ‬
‫والوقوف على ذلك ّ‬
‫الحد اآلخر هو تلقي المعارف والعلوم والحقائق و ِ‬
‫الح َكم والشرائع اإللهية ليتنقش بها‬ ‫أن الوقوف على ّ‬‫النفس‪ .‬كما ّ‬
‫الصدر‪ ،‬فتتزين به النفس‪ .‬فالطغيان هو االنهماك في الصفات النفسانية البهيمية والسبعية والشيطانية واستيالؤها على‬
‫فتتكدر الروح‪.‬‬
‫ليسود ويعمى‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫القلب‬

‫فإن‬
‫بالهدى} أي‪ :‬الظلمة‪ ،‬واالحتجاب عن طريق الحق الذي هو الدين‪ ،‬أو عن الحق‪ّ .‬‬ ‫اشتَروا الضالل َة ُ‬‫{أولئك الذين ْ‬
‫َ‬
‫االستعدادي األصلي‪{ .‬فما ربِحت تجارتُ ُهم} إذ كان رأس مالهم من عالم النور‬
‫ّ‬ ‫الضاللة تنقسم بإزاء الهداية بالنور‬
‫ّ‬
‫والبقاء ليكتسبوا به ما يجانسه من النور الفيضي الكمالي‪ ،‬بالعلوم واألعمال والحكم والمعارف واألخالق والملكات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفاضلة‪ ،‬فيصيرون أغنياء في الحقيقة‪ ،‬مستحقين للقرب والكرامة والتعظيم والوجاهة عند هللا‪ ،‬فما ربحوا بكسبها‬
‫وضاعت الهداية األصلية التي كانت بضاعتهم ورأس مالهم بإزالة استعدادهم وتكدير قلوبهم بالرين الموجب للحجاب‬
‫السرمدي‪ ،‬أعاذنا هللا من ذلك‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األبدي‪ ،‬فخسروا بالخسران‬
‫ّ‬ ‫والحرمان‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 17‬الى اآلية ‪)18‬‬

‫ورِهم وتَرَكهم ِفي ُ ٍ َّ ِ‬ ‫َضآء ْت ما َحوَل ُه َذ َه َب َّ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬


‫ٌ‬ ‫ظُل َٰمت ال ُي ْبص ُرو َن * ُ‬
‫ص ٌّم ُب ْك ٌم ُع ْمي‬ ‫َّللاُ بُن ِ ْ َ َ ُ ْ‬ ‫استَ ْوَق َد َنا اًر َفَل َّمآ أ َ َ َ ْ‬
‫َمَثُل ُه ْم َك َمَثل الذي ْ‬
‫َف ُه ْم الَ َي ْرِج ُعو َن‬

‫{مَثُل ُهم} أي‪ :‬صفتهم في النفاق كصفة المستوقد لإلضاءة الذي إذا أضاءت ما حوله من األشياء القريبة منه خمدت‬
‫َ‬
‫متحي اًر‪ ،‬ألن نور استعدادهم بمنزلة النار الموقدة‪ ،‬وإضاءتها لما حولهم هي اهتداؤهم إلى مصالح معاشهم‬
‫ناره وبقي ّ‬
‫القريبة منهم دون مصالح المعاد البعيدة بالنسبة إليهم وصحبة المؤمنين وموافقتهم في الظاهر وخمودها سريعاً انطفاء‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫االستعدادي بإمدادهم في‬
‫ّ‬ ‫االستعدادي وسرعة زوال ما تمتّعوا به من دنياهم ووشك انقضائه‪{ .‬ذهب هللا ُبن ِ‬
‫ورهم}‬ ‫ّ‬ ‫نورهم‬
‫الطغيان‪ ،‬وخالهم محجوبين عن التوفيق في ظلمات صفات النفس {ال يبصرون} ببصر القلب‪ ،‬ووجه المخرج وال ما‬
‫ينفعهم من المعارف كمن تنطفئ ناره وهو في تيه بين أشغال وأسباب‪.‬‬

‫بكم ُعمي} بالحقيقة الحتجاب قلوبهم عن نور العقل الذي به تسمع الحق وتنطق به‪ ،‬وتراه في الظاهر لعدم‬
‫{صم ٌ‬
‫ٌّ‬
‫ٌ‬
‫فوائدها‪ ،‬النسداد الطرق من تلك المشاعر إلى القلب لمكان الحجاب‪ ،‬فلم يصل إليها نور القلب ليحتفظوا بفوائدها ولم‬

‫ترد مدركاتها على القلب ليفهموا ويعتبروا‪{ .‬فهم ال يرجعون} إلى هللا لوجود ّ‬
‫السدين المضروبين على قلوبهم المذكورين‬
‫{و َج َعْلَنا ِمن َب ْي ِن أ َْي ِدي ِه ْم َسّداً و ِم ْن َخْلِف ِه ْم َسّداً} [يس‪ ،‬اآلية‪ .]9 :‬وفائدة التشبيه تصوير المعقول بصورة‬
‫في قوله‪َ :‬‬
‫المحسوس‪ ،‬ليتمثل في نفوس العامة‪ .‬ثم شبههم ثانياً بقوم أصابهم مطر فيه ظلمات ورعد وبرق‪ ،‬فالمطر هو نزول‬
‫الوحي اإللهي ووصول إمداد الرحمة إليهم ببركة صحبة المؤمنين‪ ،‬وبقية استعدادهم مما يفيد قلوبهم أدنى لين‪،‬‬
‫وحصول ِ‬
‫الن َعم الظاهرة لهم بموافقتهم في الظاهر ‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 19‬الى اآلية ‪)20‬‬

‫ٰع ِق َح َذ َر اْل َم ْو ِت َّ‬


‫وَّللاُ ُم ِحي ٌ‬
‫ط‬ ‫الصو ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫أِٰ‬ ‫ٰت َوَر ْعٌد َوَب ْر ٌق َي ْج َعُلو َن‬ ‫السم ِآء ِف ِ‬ ‫أَو َك ِ ٍ ِ‬
‫َصب َع ُه ْم في آ َذانهم ّم َن َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ظُل َم ٌ‬
‫يه ُ‬ ‫صّيب ّم َن َّ َ‬ ‫ْ َ‬
‫ِ‬
‫َّللاُ َل َذ َه َب ِب َس ْمع ِه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِٰ‬
‫آء َّ‬ ‫َّم َش ْوْا فيه َوإِ َذآ أَ ْ‬
‫ظَل َم َعَل ْيه ْم َقا ُموْا َوَل ْو َش َ‬ ‫آء َل ُه ْم‬
‫َض َ‬ ‫ص َرُه ْم ُكل َما أ َ‬ ‫ف أ َْب َٰ‬‫طُ‬ ‫ِباْل َكف ِر َ‬
‫ين * َي َك ُاد اْلَب ْر ُق َي ْخ َ‬
‫َّللاَ َعَل ٰى ُك ِّل َشي ٍء َق ِد ٌير‬
‫ص ِرِه ْم ِإ َّن َّ‬
‫َوأ َْب َٰ‬
‫ْ‬
‫والظلمات هي الصفات النفسانية‪ ،‬والشكوك الخيالية والوهمية‪ ،‬والوساوس الشيطانية مما تحيرهم وتوحشهم‪ .‬والرعد هو‬

‫اإللهي والوعيد القهرّي الوارد في القرآن واآليات واآلثار المسموعة والمشاهدة مما ّ‬
‫يخوفهم فيفيد أدنى انكسار‬
‫ّ‬
‫التهديد‬
‫لقلوبهم الطاغية وانهزام لنفوسهم اآلبية‪ .‬والبرق هو اللوامع النورية والتنبهات الروحية عند سماع الوعد وتذكير اآلالء‬
‫والنعماء مما يطمعهم ويرجيهم‪ ،‬فيفيدهم أدنى شوق وميل إلى اإلجابة‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ومعنى {يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق َح َذر الموت} يتشاغلون عن الفهم بالمالهي والمالعب عن سماع‬
‫الحسية هو‬
‫ّ‬ ‫بهم اآلخرة‪ ،‬إذ االنقطاع عن اللذات‬
‫آيات الوعيد‪ ،‬ولكي ال ينجع فيهم فيقطعهم عن اللذات الطبيعية ّ‬
‫موتهم‪ ،‬وهللا قادر عليهم‪ ،‬قاطع إياهم عن تلك اللذات المألوفة بالموت الطبيعي‪ ،‬قدرة المحيط بالشيء الذي ال يفوته‬
‫منه‪ ،‬فال فائدة لحذرهم‪.‬‬

‫أبصارُهم} أي‪ :‬عقولهم المحجوبة بالنعاس عن نور الهداية والكشف‪ ،‬إذ‬


‫َ‬ ‫ف‬ ‫{يكاد البر ُق} أي‪ :‬الالمع النورّي {يخ َ‬
‫طُ‬ ‫ُ‬
‫العقل بصر القلب {كلما أضاء لهم مشوا فيه} أي‪ :‬ترقوا وقربوا من قبول الحق والهدى‪{ ،‬وإذا أظلم عليهم قاموا} أي‪:‬‬
‫ثبتوا على حيرتهم في ظلمتهم {ولو شاء هللا لذهب بسمعهم وأبصارهم} لطمس أفهامهم وعقولهم‪ ،‬ومحا نور استعدادهم‪،‬‬
‫كل شيء قدير} الشيء الموجود الخارجي الواجب‬
‫كما للفريق األول فلم يتأثروا بسماع الوحي أصالً {إن هللا على ّ‬
‫ّ‬
‫والممكن‪ ،‬والموجود الذهني الممكن والممتنع إذ الالشيء هو المعدوم الصرف الذي ليس في الذهن وال في الخارج‪،‬‬
‫لكن تعلق القدرة به خصصه بالممكن وأخرج عنه الواجب والممتنع بدليل العقل‪.‬‬

‫األول‬
‫هذا آخر الكالم في األصناف السبعة على سبيل اإلجمال‪ ،‬وفصل بين فريقي األشقياء وأوجز ذكر الفريق ّ‬
‫وذمهم‪ ،‬وتعييرهم‪ ،‬وتقبيح صورة حالهم‪،‬‬
‫وأعرض عنهم‪ ،‬إذ الكالم فيهم ال يجدي‪ .‬وبالغ في ذكر الفريق الثاني‪ّ ،‬‬
‫وتهديدهم‪ ،‬وإبعادهم‪ ،‬وتهجين سيرهم‪ ،‬وعاداتهم إلمكان قبولهم للهداية وزوال مرضهم العارض‪ ،‬واشتعال نور قرائحهم‬
‫وتتنور قلوبهم‬
‫اإللهي عسى التقريع يكسر أعواد شكائمهم‪ ،‬والتوبيخ يقلع أصول رذائلهم‪ ،‬فتتزكى بواطنهم ّ‬ ‫بمدد التوفيق‬
‫ّ‬
‫بنور اإلرادة‪ ،‬فيسلكوا طريق الحق‪ .‬ولعل موادعة المؤمنين ومالطفتهم إياهم ومدجالستهم معهم‪ ،‬تستميل طباعهم فتهيج‬
‫فيهم محبة ّما‪ ،‬وشوقاً تلين به قلوبهم إلى ذكر هللا‪ ،‬وتنقاد به نفوسهم ألمر هللا‪ ،‬فيتوبوا ويصلحوا كما قال هللا تعالى‪:‬‬
‫صوْا ِد َين ُه ْم‬ ‫صي اًر ِإالَّ َّال ِذين تابوْا وأَصَلحوْا واعتصموْا ِب َّ ِ‬
‫الن ِار وَلن تَ ِجد َلهم ن ِ‬ ‫الدرِك األ ِ ِ‬ ‫{ِإ َّن اْلمَن ِافِق ِ‬
‫َخَل ُ‬
‫اَّلل َوأ ْ‬ ‫َ َ ُ َ ْ ُ َ َْ َ ُ‬ ‫َ ُْ َ‬ ‫َسَفل م َن َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ين في َّ ْ‬ ‫ُ َ‬
‫َج اًر َع ِظيماً} [النساء‪ ،‬اآليات‪.]146-145 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ف ُي ْؤ ِت َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّللاُ اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين أ ْ‬ ‫ََّّلل َفأ ُْوَلـٰئ َك َم َع اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين َو َس ْو َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 21‬الى اآلية ‪)22‬‬

‫آء‬ ‫السم ِ‬ ‫* َّال ِذي َج َع َل َل ُكم األ َْر َ ِ ٰ‬ ‫ين ِمن َقْبلِ ُك ْم َل َعَّل ُك ْم تَتَُّقو َن‬ ‫َّ ِ‬ ‫الناس اعبدوْا رب ُ َّ ِ‬
‫َٰيـأَي َ‬
‫ُّها َّ ُ ْ ُ ُ َ‬
‫اء بَن ً‬
‫ض ف َرشاً َو َّ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َّك ُم الذي َخَلَق ُك ْم َوالذ َ‬
‫َنداداً َوأ َْنتُ ْم تَ ْعَل ُمو َن‬ ‫السم ِآء مآء َفأَخرج ِب ِه ِمن الثَّم ٰر ِت ِرزقاً َّل ُكم َفالَ تجعُلوْا ََّّللِ‬ ‫وأ َ ِ‬
‫أَ‬ ‫ََْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ََ‬ ‫َنزَل م َن َّ َ َ ً ْ َ َ‬ ‫َ‬

‫الناس} ثم لما فرغ من ذكر السعداء واألشقياء‪ ،‬دعاهم إلى التوحيد‪ .‬و ّأول مراتب التوحيد‪ :‬توحيد األفعال‪،‬‬
‫{يا أيها ُ‬
‫فلهذا عّلق العبودية بالربوبية ليستأنسوا برؤية النعمة‪ ،‬فيحبوه‪ ،‬كما قال‪" :‬خلقت الخلق وتحببت إليهم ِ‬
‫بالن َعم"‪ .‬فيشكروه‬
‫بإزائها‪ ،‬إذ العبادة شكر فال تكون إال في مقابلة النعمة‪ ،‬وخصص ربوبيته بهم ليخصوا عبادتهم به‪ ،‬وقصد رفع‬
‫الحجاب األول من الحجب الثالثة التي هي حجب األفعال والصفات والذات‪ ،‬ببيان تجلي األفعال ألن الخلق في‬
‫الثالثة كلهم محجوبون عن الحق بالكون مطلقاً‪ ،‬فنسب إنشاءهم وإنشاء ما توقف عليه وجودهم من المبادئ واألسباب‬

‫والشرائط كمن قبلهم من اآلباء واألمهات‪ ،‬وجعل األرض فراشاً لهم لتكون ّ‬
‫مقرهم ومسكنهم‪ ،‬وجعل السماء بناء لتظلهم‪،‬‬
‫وأنزل الماء من السماء وأخرج النبات به من األرض ليكون رزقاً لهم إلى نفسه لعلهم يتقون نسبة الفعل إلى غيره‪،‬‬

‫فيتنزهون عن الشرك في األفعال عند مشاهدة جميعها من هللا‪ ،‬ولهذا ذكر نتيجة هذه ّ‬
‫المقدمات بالفاء فقال‪{ :‬فال‬
‫تجعلوا هلل أنداداً وأنتم تعلمون}‪ ،‬ما ذكرنا من المقدمات كأنه قال‪ :‬هو الذي فعل هذه األفعال‪ ،‬فال تحق العبادة إال له‪،‬‬
‫وال تنبغي أن تجعل لغيره‪ ،‬فال تجعلوا له ّنداً بنسبة الفعل إليه‪ ،‬فيستحق أن يعبد عندكم فتعبدوه مع علمكم بهذا‪.‬‬
‫فعبادتهم إنما هي للصانع‪ ،‬وربهم هو المتجّلي في صورة الصنع‪ ،‬إذ كل عابد ال يعبد إال ما يعرفه‪ ،‬وال يعرف هللا إال‬
‫الجنة‬
‫بقدر ما وجد من األلوهية في نفسه‪ ،‬وهم ما وجدوا إال الفاعل المختار فعبدوه‪ .‬وغاية هذه العبادة الوصول إلى ّ‬
‫التي هي كمال عالم األفعال‪ ،‬فاهلل مهد لهم أراضي نفوسهم‪ ،‬وبنى عليها سموات أرواحهم‪ ،‬وأنزل من تلك السموات ماء‬
‫علم توحيد األفعال‪ ،‬فأخرج به من تلك األرض نبات االستسالم واألعمال والطاعات واألخالق الحسنة ليرزق قلوبهم‬
‫منها ثمرات اإليقان واألحوال والمقامات‪ ،‬كالصبر والشكر والتوكل‪.‬‬

‫مجرد التوحيد هو‬


‫النبوة ليصح بهما اإلسالم‪ ،‬فإنه ال يصح إال بشهادتين ألن ّ‬
‫ولما أثبت التوحيد‪ ،‬استدل على إثبات ّ‬
‫ومجرد إسناد الفعل والقول إلى‬
‫ّ‬ ‫المؤدي إلى الزندقة واإلباحة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫االحتجاب بالجمع عن التفصيل وهو محض الجبر‬
‫المؤدي إلى المجوسية والثنوية‪ ،‬واإلسالم طريق بينهما‬
‫ّ‬ ‫الرسول‪ ،‬احتجاب بالتفصيل عن الجمع الذي هو صرف القدر‬
‫بالجمع بين قولنا‪ :‬ال إله إال هللا‪ ،‬وبين قولنا‪ :‬محمد رسول هللا‪ ،‬واعتقاد مظهريته ألفعاله تعالى‪ .‬فإن أفعال الخلق‬
‫بالنسبة إلى أفعال الحق كالجسد بالنسبة إلى الروح‪ ،‬فكما أن مصدر الفعل هو الروح وال يتم إال بالجسد‪ ،‬فكذلك مبدئ‬
‫الفعل هو الحق وال يظهر إال بالخلق‪ .‬وال ّبد من الرسالة ألن الخلق بسبب احتجابهم وبعدهم عن الحق ال يمكنهم تلقي‬
‫المعارف من ربهم‪ ،‬فيجب وجود واسطة يجانس بروحه الشاهدة للحق الحضرة اإللهية‪ ،‬وبنفسه المخالطة للخلق الرتبة‬
‫البشرية‪ ،‬ليتلقى قلبه من روحه الكلمات الربانية‪ ،‬ويلقي إلى نفسه القدسية‪ ،‬ويقبل منه الخلق برابطة الجنسية فقال‪:.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 23‬الى اآلية ‪)23‬‬

‫َّللاِ ِإن ُك ْنتُم ٰ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وإِن ُكنتم ِفي ري ٍب ِم َّما نَّ ْزلنا عَلى عب ِدنا َفأْتوْا ِبس ٍ ِ ِ ِ ِ‬
‫ين‬
‫ص دق َ‬ ‫آء ُكم ّمن ُدون َّ ْ ْ َ‬ ‫ورة ّمن ّم ْثله َو ْاد ُعوْا ُش َه َد َ‬
‫َْ ّ َ َ َ ٰ َْ َ ُ ُ َ‬ ‫ْ ُْ‬ ‫َ‬

‫نبوته‪ ،‬فروزوا قواكم البشرية‪ ،‬وأحرزوا‬


‫{وإن كنتم في ريب مما نزلنا} أي‪ :‬في تنزيلنا على محمد فتشكوا في حقية ّ‬
‫عقولكم المحتنكة بالقياس‪ ،‬المحجوبة عن نور الهداية‪ ،‬وأفكاركم الدرّية بتركيب الكالم ونظم المعاني‪ ،‬وأنتم ومن‬
‫حضركم من أبناء جنسكم‪ ،‬هل تقدرون على اإلتيان بسورة أي‪ :‬طائفة من الكالم مثله {إن كنتم صادقين} في نسبته‬
‫إلى محمد‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 24‬الى اآلية ‪)24‬‬

‫ِ ِ ِٰ‬ ‫ِ‬ ‫َفِإن َّلم تَْفعُلوْا وَلن تَْفعُلوْا َفاتَُّقوْا َّ َِّ‬


‫اس َواْلح َج َارةُ أُعَّد ْت لْل َكف ِر َ‬
‫ين‬ ‫ود َها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫الن َار التي َوُق ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬

‫{فإن لم تفعلوا} فاذعنوا وأسلموا وآمنوا‪ ،‬واتركوا العناد المفضي بكم إلى النار‪ .‬فحذف الملزوم الذي هو اإليمان أو‬
‫أدل على أن اإلنكار موجب لدخول النار وحصول العذاب لهم‪.‬‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وأقام الزمه الذي هو اتقاء النار مقامه ليكون ّ‬
‫وقوله‪{ :‬ولن تفعلوا} اعتراض على طريق اإلخبار بالغيب للعلم بامتناع عقول المحجوبين عن مثله‪ .‬والمراد بالنار‬
‫احتراقهم بثورة نفوسهم‪ ،‬وشرر طباعهم المصروفة عن الروح القدسي الروحاني‪ ،‬والنسيم الذوقي الرحماني‪ ،‬المحرومة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫البدنية الممنوعة‪ ،‬بما ضربت به وألفته‬
‫ّ‬ ‫اللذات‬
‫و‬ ‫ة‪،‬‬ ‫الحسي‬
‫ّ‬ ‫عن ل ّذة برد اليقين‪ ،‬وسالمة دار القرار المقطوعة بالمألوفات‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫السفلية‪ ،‬ومحبة األجساد األرضية فيها التي هي سبب‬ ‫ّ‬ ‫مع بقاء حنينها إليه وولهها‪ ،‬ورسوخ هيئات التعّلق باألمور‬
‫الناس والحجارةُ} أي‪ :‬األمور الجاسية‪ ،‬السفلية‪ ،‬الصامتة‪ ،‬التي تعلقوا بها بالمحبة‬
‫ودها ُ‬ ‫استيقاد نيرانها‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬وُق ُ‬
‫فرسخت صورتها في أنفسهم‪ ،‬وسجنت نفوسهم بميلهم إليها‪ ،‬كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم "المرء يحشر مع‬
‫أحب أحدكم حج اًر حشر معه"‪ ،‬وكيف ال‪ ،‬وقد ركزت صورته في نفسه بالمحبة بحيث صار صورة‬
‫أحب حتى لو ّ‬
‫من ّ‬
‫قلبه صورته‪.‬‬

‫واعلم أن ح اررة النار تابعة لصورتها النوعية التي هي روحانيتها وملكوتها‪ ،‬وإال ساوت سائر األجسام في خواصها‪،‬‬
‫وتلك الروحانية شرر من نار‪ ،‬قهر هللا المعنوية بعد تنزلها في مراتب كثيرة كتنزلها في مرتبة النفس بثورة الغضب‪ ،‬إذ‬
‫ربما تؤثر ثورة الغضب في إحراق األخالق ما ال تؤثر النار في الحطب‪ .‬ومن هذا يعلم أن كل مسخن ال يجب أن‬
‫أشد وأدوم من إيالم هذه النار‪ ،‬كيف‬
‫أن إيالمها ّ‬ ‫يكون ّاً‬
‫حار‪ .‬وإذا كانت النار الجسمانية أث اًر للنار الروحانية‪ ،‬فال جرم ّ‬
‫وكل ّقوة جسمانية متناهية دون القوى الروحانية؟‪ ،‬ولهذا المعنى يقال‪ :‬إن نار جهنم غسلت بالماء سبعين ّ‬
‫مرة‪ ،‬ثم‬
‫ين} المحجوبين عن الدين النقطاعهم دون مرادهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أنزلت إلى الدنيا ليمكن االنتفاع بها {أُعدت للكافر َ‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 25‬الى اآلية ‪)26‬‬

‫َن َل ُه ْم َج َّٰن ٍت تَ ْجرِي ِمن تَ ْحِت َها األ َْن َٰه ُر ُكَّل َما ُرِزُقوْا ِم ْن َها ِمن ثَ َم َرٍة ِّرْزقاً َقاُلوْا َهـٰ َذا َّال ِذي‬
‫الصـٰلِ َٰح ِت‬
‫آمُنوْا َو َع ِمُلوْا َّ‬
‫أ َّ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫َوَب ّش ِر الذين َ‬
‫ض ِر َب َمثَالً َّما َب ُع َ‬
‫وض ًة‬ ‫َّللاَ الَ َي ْستَ ْحى أَن َي ْ‬‫يها َٰخلِ ُدو َن* ِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ُرِزْقَنا ِمن َقْب ُل َوأُتُوْا ِب ِه ُمتَ َٰشِبهاً َوَل ُه ْم‬
‫يهآ أ َْزَٰوٌج ُّم َ‬
‫ط َّه َرةٌ َو ُه ْم ف َ‬ ‫فَ‬
‫ِ‬

‫ض ُّل ِب ِه َكِثي اًر‬


‫َّللا ِبهـٰ َذا مثَالً ي ِ‬
‫ين َكَف ُروْا َفَيُقوُلو َن َما َذآ أ ََرَاد َّ ُ َ َ ُ‬
‫َما َّال ِذين آمنوْا َفيعَلمون أََّنه اْلح ُّق ِمن َّرِب ِهم وأ َّ َّ ِ‬
‫َما الذ َ‬ ‫ّ ْ َ‬ ‫َ َُ َْ ُ َ ُ َ‬ ‫َف َما َف ْوَق َها َفأ َّ‬
‫ِ ِ َّ ٰ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ين‬‫َوَي ْهدي ِبه َكثي اًر َو َما ُيض ُّل ِبه ِإال اْلَفسق َ‬

‫آمنوا} بالصانع وعملوا ما يصلحهم للجنة بمقتضى عملهم بتوحيد األفعال أن لهم مراداتهم ومشتهياتهم‬ ‫الذين ُ‬
‫{وبشر َ‬
‫تصوروا وتمنوا‪ ،‬التنكير الجنات‪ ،‬والجنات الجارية من تحتها األنهار أبهى وأطيب ما يكون من مقام‪ ،‬وأل ّذ‬
‫فوق ما ّ‬
‫وأحلى ما يكون من مرام ألهل الدنيا‪ ،‬فهي لنفوسهم من جنس جنات الدنيا‪ ،‬وأصفى منها بحسب المعاد الجسماني‪،‬‬
‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫فإنه حق كما ستعلم‪{ .‬كلما ُرِزُقوا منها من ثمرٍة ِرْزقاً قالوا هذا الذي ُرِزْقَنا من قبل} في الدنيا‪ ،‬فإنها مألوفة {وأُتُوا}‬
‫{متَشابهاً} ولقلوبهم هي مقاماتهم‪ ،‬كالتوكل مثالً‪ ،‬وروضات عالم القدوس التي تنشأ من كل مرتبة منها أنهار‬ ‫ق‬
‫بالرز ُ‬
‫علوم تنفع السالكين‪ ،‬وتنفع عّلة المتعطشين المشتاقين‪ .‬والثمرات هي الحكم والمعارف‪ ،‬وقولهم‪{ :‬هذا الذي ُرِزقنا من‬
‫التجرد‪ ،‬فاحتجبت عنها بالتوغل في األمور الطبيعية عند‬
‫ّ‬ ‫قبل} إشارة إلى أن تلك العلوم والحكم كانت ثابتة للقلب حالة‬
‫ُ‬
‫تجردت عن مالبسها لقوله عليه الصالة والسالم‪" :‬الحكمة ضالة المؤمن"‪ .‬واألزواج‬‫التعلق فنسيتها‪ ،‬ثم تذكرت حين ّ‬
‫المطهرة عن دنس الطبائع وكدر‬
‫ّ‬ ‫القدسية‬
‫ّ‬ ‫المطهرة عن الطمث والفواحش‪ ،‬ولقلوبهم النفوس‬
‫ّ‬ ‫لنفوسهم الحور العين‬
‫العناصر‪ ،‬وال جنة ألرواحهم الحتجابهم عن المشاهدة ‪.‬‬

‫{إن هللا ال َي ْستَ ِحي} ال يمتنع امتناع المستحيي {أن يضرب مثالً ّما بعوضة فما فوقها} إذ الكافر عنده أحقر من‬
‫الحق من ربهم} لمناسبة الممثل به الممثل له {وما يضل به‬
‫ّ‬ ‫بعوضة‪ ،‬والدنيا من جناحها‪ ،‬كما نطق به الحديث‪{ .‬أنه‬
‫ين} الذين خرجوا من مقام القلب إلى مقام النفس‪ ،‬ومن طاعة الرحمن إلى طاعة الرحمن الشيطان‪ .‬وهم‬ ‫ِ‬
‫إال الفاسق َ‬
‫الفريق الثاني من األشقياء ال الفريق األول‪ ،‬فإنهم ضالون في نفس األمر على ّ‬
‫أي حال كان ال به وال بسبب آخر‪.‬‬
‫بالعلية وهي زيادة عنادهم وإنكارهم‬
‫ّ‬ ‫مسبب عن فسقهم في الحقيقة‪ ،‬إذ ترتيب الحكم على الوصف يشعر‬ ‫وإضاللهم به ّ‬
‫وحقدهم وغلبة صفات نفوسهم على قلوبهم بورود القرآن فيزيدهم بعداً وظلمة على ظلمة‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 27‬الى اآلية ‪)27‬‬

‫ُ‬
‫َّللاُ ِب ِه أَن ُيوص َل وُيْف ِس ُدو َن ِفي األ ْر ِ‬
‫ض أُوَل ِـئ َك ُهم اْل َٰخ ِس ُرو َن‬ ‫َ َ‬ ‫َم َر َّ‬ ‫َّللاِ ِمن َب ْع ِد ِمي ٰثَِق ِه َوَيْق َ‬
‫ط ُعو َن َمآ أ َ‬ ‫ضو َن َع ْه َد َّ‬
‫ين َينُق ُ‬
‫َّ ِ‬
‫الذ َ‬

‫ورِه ْم ُذِّريَّتَ ُه ْم‬ ‫ُّك ِمن َبِني َآد َم ِمن ُ‬


‫ظ ُه ِ‬ ‫ِِ‬
‫َخ َذ َرب َ‬ ‫ضو َن عهد هللا من بعد ميثاقه} هو الذي أشار إليه في قوله‪َ :‬‬
‫{وإِ ْذ أ َ‬ ‫{الذين َينُق ُ‬
‫ِك ْم َقاُلوْا َبَل ٰى} [األعراف‪ ،‬اآلية‪ .]172 :‬وقد ورد في الحديث‪" :‬أن هللا تعالى مسح ظهر‬ ‫َنف ِس ِه ْم أََل ْس ُت ِب َرّب ُ‬
‫َش َه َد ُه ْم َعَل ٰى أ ُ‬
‫َوأ ْ‬
‫الذر"‪ ...‬الحديث‪ .‬فيد هللا هو العقل األقدس‪ ،‬والروح األول الذي هو روح العالم‬
‫آدم بيده وأخرج ذرّيته منه كهيئة ّ‬
‫المسمى يمين الرحمن‪ ،‬وآدم هو النفس الناطقة الكلية التي هي قلب العالم‪ .‬ومسحه ظهره تأثير العقل فيها وتنويره‬
‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫بالقوة‪ ،‬وإخراجها‬
‫إياها بنوره باالتصال الروحاني‪ ،‬وإخراج ذرّيته منه إيجاد النفوس الشخصية الجزئية التي كانت فيها ّ‬
‫إلى الفعل‪ .‬وعهد هللا إليهم بقوله‪{ :‬أََل ْس ُت ِب َرّب ُ‬
‫ِك ْم} إيداع علم التوحيد في ذواتهم وميثاق ذلك العهد ركز أدلة التوحيد في‬
‫تجردوا عن الصفات النفسانية والغواشي‬
‫عقولهم وإلزام ذلك العلم إياهم وجعله من اللوازم الذاتية لهم‪ ،‬بحيث إذا ّ‬
‫الجسمانية تبين لهم ذلك‪ ،‬وانكشف عليهم أظهر شيء وأبينه وهو إشهادهم على أنفسهم لكون ذلك العلم ضرورياً‬
‫حينئذ‪ ،‬وإجابتهم لذلك بقولهم‪{َ :‬بَل ٰى} قبولهم الذاتي له‪ ،‬ونقض ذلك العهد انهماكهم في اللذات البدنية والغواشي‬
‫ّ‬
‫الطبيعية وتعبدهم لهواهم وشهواتهم‪ ،‬بحيث احتجبوا بها عن وحدة هللا وتعبده‪ ،‬وقطعهم ما أمر هللا بوصله إعراضهم‬
‫عن اتصال روح القدس والمبادئ العالية واألرواح السماوية التي هي المأل األعلى‪ ،‬وسكان الحضرة اإللهية من أهل‬
‫الجبروت والملكوت الذين يجانسونهم بذواتهم وصفاتهم‪ ،‬وهم أهل قرابتهم الحقيقية‪ ،‬ورحمهم الظاهر المأمور بوصله‬
‫حقيقة بتوجههم إلى العالم السفلي ومحبتهم للجواهر الفاسقة المظلمة‪ ،‬وعشقهم وشغفهم باألمور الخسيسة الفانية‪ .‬ولهذا‬
‫ّ‬
‫أخس‬
‫ّ‬ ‫النفس‬ ‫مطلوب‬ ‫كان‬ ‫كلما‬ ‫إذ‬ ‫سفاسفها"‪،‬‬ ‫ويبغض‬ ‫افها‪،‬‬
‫ر‬ ‫أش‬
‫و‬ ‫األمور‬ ‫معالي‬ ‫يحب‬ ‫هللا‬ ‫قال عليه الصالة والسالم‪" :‬إن‬
‫كانت عن العالم الشريف أبعد‪.‬‬

‫فأغدرهم أشقهم جيوبا‬ ‫ضروب الناس عشاق ضروبا‬

‫مر تفسير اإلفساد في األرض‪ ،‬والخسران الذي هو تضييع الجوهر النورّي الباقي ألجل الظلماني الفاني‪.‬‬
‫وقد ّ‬
‫ّ‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 28‬الى اآلية ‪)29‬‬

‫يكم ثُ َّم ِإَل ْي ِه تُ ْر َج ُعو َن * ُهو َّال ِذي َخَل َق َل ُكم َّما ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّللِ وُك ْنتُم أ َْم ٰوتاً َفأ ْ ٰ‬ ‫ِ‬
‫ض‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َحَي ُك ْم ثُ َّم ُيميتُ ُك ْم ثُ َّم ُي ْحي ُ ْ‬ ‫ف تَ ْكُف ُرو َن ب َّ َ ْ َ‬ ‫َك ْي َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ج ِميعاً ثُ َّم اس َتو ٰى ِإَلى َّ ِ ٰ‬
‫الس َمآء َف َسَّو ُه َّن َس ْب َع َس َٰم َٰوت َو ُه َو ب ُك ّل َش ْيء َعل ٌ‬
‫يم‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬

‫{فأحياكم}‬
‫ُ‬ ‫أي حال تحجبون عنه {و} الحال أنكم {كنتم أمواتاً} نطفاً في أصالب آبائكم‬ ‫{كيف تكفرون باهلل} أي‪ :‬على ّ‬
‫األول معلوم بالمشاهدة‪،‬‬
‫يكم} بالبعث‪ ،‬إذ ّ‬ ‫أي‪ :‬لم ال تستدلون بالخلق على الخالق {ثم ُي ِميتُ ُكم} بالموت الطبيعي {ثم ُي ْحِي ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫األول {ثم إليه تُ ْر َج ُعو َن} للمجازاة‪ ،‬أو ثم يميتكم عن أنفسكم بالموت اإلر ّ‬
‫ادي الذي هو‬ ‫والثاني باالستدالل عليه باإلنشاء ّ‬
‫الفناء في الوحدة ثم يحييكم بالحياة الحقيقية التي هي البقاء بعد الفناء بالوجود الموهوب الحقاني‪ .‬ثم إليه ترجعون‬
‫ّ‬
‫للمشاهدة إن كانت الوحدة وحدة الصفات‪ ،‬أو الشهود إن كانت وحدة الذات‪.‬‬

‫السفلية التي هي العالم العنصرّي جميعاً لكونها مبادئ خلقكم‬


‫ّ‬ ‫ِ‬
‫األرض جميعاً} أي‪ :‬الجهة‬ ‫{هو الذي خلق لكم ما في‬
‫ومو ّاد وجودكم وبقائكم {ثم استوى} أي‪ :‬قصد قصداً مستوياً إلى الجهة العلوية‪ ،‬وثم للتفاوت بين الجهتين واإليجادين‬
‫تقدم خلق األرض على السماء‪.‬‬
‫اإلبداعي والتكويني ال للتراخي بين الزمانين ليلزم ّ‬
‫ّ‬

‫أن الجهة‬‫الكرسي والعرش الظاهران‪ .‬والحقيقة ّ‬ ‫لهن سبع سموات بحسب ما تراه العامة‪ ،‬إذ الثمن والتاسع هو‬
‫فعد ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫لدنو رتبته بالنسبة إلى العالم الروحاني الذي هو الجهة العلوية المعبر‬
‫الجسماني كالبدن وأعضائه ّ‬ ‫السفلية هي العالم‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اهن سبع سموات إشارة إلى مراتب عالم الروحانيات‪ ،‬فاألول‪ :‬هو‬ ‫عنها بالسماء‪ .‬وثم للتفاوت بين الخلق واألمر‪ .‬وسو ّ‬
‫عالم الملكوت األرضية والقوى النفسانية و ّ‬
‫الجن‪ .‬والثاني‪ :‬عالم النفس‪ .‬والثالث‪ :‬عالم القلب‪ .‬والرابع‪ :‬عالم العقل‪.‬‬
‫السر القلبي‪ .‬وإلى‬
‫الروحي غير ّ‬ ‫السر‬
‫السر‪ .‬والسادس‪ :‬عالم الروح‪ .‬والسابع‪ :‬عالم الخفاء الذي هو ّ‬‫والخامس‪ :‬عالم ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هذا أشار أمير المؤمنين عليه السالم بقوله‪" :‬سلوني عن طرق السماء‪ ،‬فإني أعلم بها من طرق األرض"‪ ،‬وطرقها‪:‬‬
‫األحوال والمقامات كالزهد‪ ،‬والتوكل‪ ،‬والرضا‪ ،‬وأمثالها‪.‬‬

‫التصوف‪ ،‬والذي سميناه ههنا بالعقل على اصطالح‬


‫ّ‬ ‫أن العقل باصطالح الحكمة هو الروح باصطالح أهل‬ ‫واعلم ّ‬
‫المتصوفة‪ :‬العقل هو موضع صقيل من‬
‫ّ‬ ‫القوة العاقلة التي للنفس الناطقة عند الحكماء‪ .‬ولهذا قالت‬
‫المتصوفة هو ّ‬
‫ّ‬
‫يتشوش الفهم باختالف االصطالح‪.‬‬
‫متنور بنور الروح‪ .‬والقلب هو النفس الناطقة‪ ،‬فاحفظه لئال ّ‬
‫القلب‪ّ ،‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 30‬الى اآلية ‪)30‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِ‬ ‫ض خلِ َيف ًة َقاُلوْا أَتَجعل ِفيها من يْف ِسد ِفيها ويسِفك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِٰ ِ ِ‬
‫آء َوَن ْح ُن ُن َسِّب ُح ِب َح ْمد َ‬
‫ك‬ ‫الد َم َ‬
‫ْ َ ُ َ َ ُ ُ َ ََ ْ ُ ّ‬ ‫ُّك لِْل َمَلئ َكة ِإّني َجاع ٌل ِفي األ َْر ِ َ‬
‫ال َرب َ‬
‫َوِإ ْذ َق َ‬
‫َعَلم َما الَ تَ ْعَل ُمو َن‬ ‫ونَق ِدس َلك َق ِِ‬
‫ال إّني أ ْ ُ‬
‫َُ ّ ُ َ َ‬
‫ِ‬
‫للمالئكة} إذ‪ :‬إشارة إلى السرمد الذي هو من األزل إلى األبد‪ ،‬والقول هو إلقاء معنى تعلق مشيئة هللا‬ ‫بك‬
‫قال ر َ‬
‫{وإ ْذ َ‬
‫المجردة والملكوتية التي هي‬
‫ّ‬ ‫المقربون واألرواح‬
‫تعالى بإيجاد آدم في الذوات القدسية الجبروتية التي هي المالئكة ّ‬
‫النفوس السماوية إذ كل ما يحدث في عالم الكون له صورة قبل التكوين في عالم الروح الذي هو عالم القضاء‬
‫المسمى باللوح المحفوظ‪ ،‬ثم في عالم النفس أي‪ :‬نفس العالم الذي هو‬ ‫ّ‬ ‫السابق‪ ،‬ثم في عالم القلب الذي هو قلب العالم‬
‫{وإِن ِّمن َشي ٍء ِإالَّ ِع َندَنا َخ َزِائُن ُه َو َما ُنَنِّزُل ُه‬
‫لوح المحو واإلثبات المعبر عنه بالسماء الدنيا في التنزيل كما قال تعالى‪َ :‬‬
‫ْ‬
‫األرض خليف ٌة} واعتبر بحالك في‬ ‫ِ‬ ‫جاعل في‬
‫ٌ‬ ‫ِإالَّ ِبَق َد ٍر َّم ْعُلومٍ} [الحجر‪ ،‬اآلية‪ ،]21 :‬فذلك قوله تعالى للمالئكة‪{ :‬إني‬
‫فإن كل ما يظهر على جوارحك التي هي عالم كونك وشهادتك من القول والفعل‪ ،‬له وجود في روحك التي هي‬
‫نفسك‪ّ ،‬‬
‫ما وراء غيب غيبك‪ ،‬ثم في غيب غيبك‪ ،‬ثم في نفسك التي هي غيبك األدنى وسماؤك الدنيا‪ ،‬ثم يظهر على جوارحك‪.‬‬
‫والجعل أعم من اإلبداع والتكوين‪ ،‬فلم يقل (خالق) ألن اإلنسان مركب من العالمين‪ :‬خليفة يتخلق بأخالقي‪ ،‬ويتصف‬
‫بأوصافي‪ ،‬وينفذ أمري‪ ،‬ويسوس خلقي‪ ،‬ويدبر أمرهم‪ ،‬ويظبط نظامهم‪ ،‬ويدعوهم إلى طاعتي‪.‬‬

‫وإنكار المالئكة بقولهم‪:‬‬

‫ونقدس لك}‬
‫الدماء} وتعريضهم بأولويتهم لذلك بقولهم‪{ :‬ونحن نسبح بحمدك ّ‬ ‫{قالوا أتجعل فيها من يْف ِسد فيها وي ِ‬
‫سف ُك‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫هو احتجابهم عن ظهور معنى اإللهية واألوصاف الربانية فيه التي هي من خواص الهيئة االجتماعية والتركيب‬
‫الجامع للعالمين الحاصر لما في الكونين‪ .‬وعلمهم بصدور األفعال البهيمية التي هي اإلفساد في األرض‪ ،‬والسبعية‬
‫المعبر عنها بسفك الدماء اللتين هما من خواص ّقوة الشهوة والغضب الضروري وجودهما في تعلق الروح بالبدن‪،‬‬
‫المقدسة تطلع على ما تحتها وما في أنفسها وال‬
‫وتقدس نفوسهم عن ذلك‪ ،‬إذ كل طبقة من المالئكة ّ‬ ‫وبنزاهة ذواتهم ّ‬
‫تطلع على ما فوقها‪ ،‬فهي تعلم أنه ال ّبد في تعلق الروح العلوي النوراني بالبدن السفلي الظلماني من واسطة تناسب‬

‫الروح من وجه‪ ،‬وتناسب الجسم من وجه‪ ،‬هي النفس‪ ،‬وهي مأوى كل ّ‬


‫شر‪ ،‬ومنبع كل فساد‪ .‬وال تعلم أن الجمعية‬
‫سر {إني أعلم ما ال تعلمون} والفرق بين التسبيح والتقديس‪ ،‬أن التسبيح‪ :‬هو‬
‫اإللهي الذي هو ّ‬ ‫اإلنسانية جالبة للنور‬
‫ّ‬
‫التعدد‬
‫التنزيه عن الشريك والعجز والنقص‪ .‬والتقديس‪ :‬هو التنزيه عن التعلق بالمحل وقبول االنفعال وشوائب اإلمكان و ّ‬
‫كل مسبح مقدساً‪،‬‬
‫مقدس مسبح وليس ّ‬ ‫في ذاته وصفاته وكون شيء من كماالته بالقوة‪ .‬فالتقديس أخص‪ ،‬إذ كل ّ‬
‫بتجردهم وعدم احتجابهم عن نور ربهم وقهرهم ما تحتهم بإضافة النور‬
‫المجردة ّ‬
‫ّ‬ ‫المقربون الذين هم األرواح‬
‫فالمالئكة ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫مسبحون‬
‫مقدسون وغيرهم من المالئكة السماوية واألرضية ّ‬
‫عليهم‪ ،‬وتأثيرهم في غيرهم‪ ،‬وكون جميع كماالتهم بالفعل ّ‬
‫ببساطة ذواتهم وخواص أفعالهم وكماالتهم ‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 31‬الى اآلية ‪)33‬‬

‫ين * َقاُلوْا ُس ْب َٰحَن َك الَ ِعْل َم‬ ‫وعَّلم ءادم األَسمآء ُكَّلها ثُ َّم عرضهم عَلى اْلم َٰلِئ َك ِة َفَقال أ َْنِبُئوِني ِبأَسم ِآء هـٰؤ ِ‬
‫الء ِإن ُك ْنتُم ٰ ِ ِ‬
‫ص دق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ُ ْ َ‬ ‫َ َ َ َ ََ ْ َ َ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫َهم ِبأ ِ ِ‬ ‫َلَنآ ِإالَّ ما َعَّلمتََنآ ِإَّن َك أ َْن َت اْل َعلِيم اْل َح ِكيم * َقال َيآء َادم أَنِب ْئهم ِبأ ِ ِ‬
‫ال أََل ْم أَُق ْل ل ُك ْم ِإني أ ْ‬
‫َعَل ُم‬ ‫َس َمآئه ْم َفَل َّمآ أَْنَبأ ُ ْ ْ‬
‫َس َمآئه ْم َق َ‬ ‫َ َ ُ ُْ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫َعَلم َما تُْب ُدو َن َو َما ُك ْنتُ ْم تَ ْكتُ ُمو َن‬ ‫ِ‬ ‫َغيب َّ ِ‬
‫الس َٰم َٰوت َواأل َْرض َوأ ْ ُ‬ ‫َْ‬

‫ض ُهم}‬
‫ومضارها {ثم َع َر ُ‬
‫ّ‬ ‫{وعلم آدم األسماء كلها} أي‪ :‬ألقى في قلبه خواص األشياء التي تعرف بها هي ومنافعها‬
‫ِ‬
‫المالئكة} بشهودهم البنية اإلنسانية ومرافقتهم آلدم في التنزيل‪ .‬ومعنى قوله‪{ :‬فقال أنبئوني‬ ‫أي‪ :‬عرض مسمياتها {على‬
‫الء إن كنتم صادقين} إرادته النتعاشهم ببعض معلومات اإلنسان باقتضاء التركيب اإلنساني‪َّ ،‬‬
‫وتأذي‬ ‫بأسماء هؤ ِ‬
‫ِ‬
‫ْ‬
‫محسوساته ومعلوماته المتنوعة منها والحادثة فيه بخاصية التركيب والهيئة االجتماعية إلى ذواتهم بعد ما لم تكن‪ ،‬إذ‬
‫علومهم تابعة لعلمه وهو معنى إفحامهم وتعلق إرادته بذلك أمر آدم باإلنباء إذ جميع القوى اإلنسانية والمالئكة التي‬
‫بحضرته تنتعش بما ال تنتعش هي في غير ذلك المحل‪ ،‬وهو معنى إنباء آدم إياهم‪.‬‬

‫الحكيم} شهادة وجوداتهم بالداللة وألسنة الحال‬


‫ُ‬ ‫العليم‬
‫ُ‬ ‫ومعنى قوله‪{ :‬قالوا سبحانك ال ِعْل َم لنا إال ما علمتََنا إنك أنت‬
‫على قصورهم عن الكماالت اإلنسانية وتخلفهم عن شأوها‪ ،‬وبتنزيه هللا عن فعل ما فيه مفسدة باإلجمال‪ ،‬وعلمهم‬
‫بامتناع ترقيهم إلى مراتبهم بكسب العلوم‪ ،‬إذ كماالتهم مقارنة لوجوداتهم‪ ،‬وبأن علمه تعالى فوق علمهم فهو العليم‬
‫المطلق‪ ،‬والحكيم الذي ال يفعل إال ما ينبغي‪ .‬ولهذا قال‪:‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ألن العلم المكتسب الموجب للترقي هو من خاصية الجمعية اإلنسانية فال يقبل كل‬ ‫ئهم} ولم يقل علمهم‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫{يا َآد ُم أ َْنب ُ‬
‫منها إال ما في طباعه من جنس مدركاته ال غير‪ ،‬وكما أن البصر مثالً من كثرة مبصراته ال يزيد علماً ورتبة وال يقبل‬
‫إال ما هو من جنس المبصرات فقط‪ ،‬وإن تكثرت عنده فكذلك حال كل قوة باطنة‪ .‬ومعنى‪{ :‬ألم أُق ْل} تقريره في طباع‬
‫سر المعرفة والمحبة المودع في اإلنسان‬ ‫المالئكة أنه تعالى يعلم ما ال يعلمون من غيب السموات واألرض الذي هو ّ‬
‫الذي استأثر هللا بعلمه {وأعلم ما تُْب ُدو َن} من علمكم بمفاسد اإلنسان {وما ُك ْنتم تَكتُمو َن} من ترجيحكم ذواتكم عليه‬
‫وتقدسها‪.‬‬
‫لنزاهتها ّ‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 34‬الى اآلية ‪)34‬‬

‫ِٰ‬ ‫وإِ ْذ ُقْلنا لِْلم َٰلِئ َك ِة اسجدوْا ألَدم َفسجدوْا ِإالَّ ِإبلِيس أَبى واستَ ْكبر وَك ِ‬
‫ان م َن اْل َكف ِر َ‬
‫ين‬ ‫ْ َ َ ٰ َ ْ ََ َ َ‬ ‫ْ ُُ َ َ َ َُ‬ ‫َ َ َ‬

‫آلد َم} سجودهم آلدم انقيادهم وتذللهم له ومطاوعتهم وتسخرهم له {فسجدوا إال إبليس َأبى‬ ‫ِ‬
‫اسج ُدوا َ‬
‫{وإ ْذ قلنا للمالئكة ُ‬
‫استَ ْكَب َر} وإبليس هو القوة الوهمية ألنها ليست من المالئكة األرضية الصرفة المحجوبة عن إدراك المعاني بإدراك‬‫وْ‬
‫الصور‪ ،‬فيذعن بالقهر مطاوعة ألمر هللا‪ ،‬وال من السماوية العقلية فتدرك شرف آدم وتوافق عقله فيذعن بالمحبة طالباً‬
‫جنياً‪ :‬أي من جملة الملكوت السفلية والقوى األرضية‪ ،‬نشأ وتربى بين ظهور المالئكة السماوية‬
‫لرضا هللا‪ .‬وكان ّ‬
‫إلدراكه المعاني الجزئية وترقيه إلى األفق العقلي ولهذا كان في الحيوانات العجم بمنزلة العقل في اإلنسان وإباؤه عدم‬
‫ّ‬
‫تفوقه على الخلقة الطينية والمالئكة السماوية واألرضية بعدم وقوفه‬
‫انقياده للعقل‪ ،‬وامتناعه لقبول حكمه‪ ،‬واستكباره ّ‬
‫وتعديه عن طوره بخوضه في المعاني العقلية واألحكام‬‫حده من إدراك المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوسات ّ‬‫على ّ‬
‫ين} المحجوبين في األزل عن األنوار العقلية والزوجية فضالً عن نور الوحدة‪.‬‬ ‫الكلية‪{ .‬وكان ِمن َ ِ‬
‫الكافر َ‬ ‫َ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 35‬الى اآلية ‪)35‬‬

‫ين‬ ‫َّٰ ِ ِ‬ ‫وُقْلنا يآءادم اس ُكن أ َْنت وَزوجك اْلجَّن َة وُكالَ ِم ْنها رَغداً حي ُث ِش ْئتُما والَ تَْقربا هـ ِٰذِه ال َّشجرة َفتَ ُك ِ‬
‫ونا م َن اْلظلم َ‬
‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ َ ََ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ َ َُ ْ ْ َ َ ْ ُ َ َ َ‬

‫وزوج َك الجنة} زوجته‪ :‬هي النفس‪ ،‬وسميت حواء لمالزمتها الجسم الظلماني إذ الحياة هي‬
‫ُ‬ ‫أنت‬
‫اس ُك ْن َ‬
‫{وقلنا يا آدم ْ‬
‫اللون الذي يغلب عليه السواد كما أن القلب سمي آدم لتعلقه بالجسم دون المالزمة باالنطباع إذ األدمة هي السمرة‬
‫أي‪ :‬اللون الذي يضرب إلى السواد ولوال تعلقه لما سمي آدم‪ .‬والجنة المأمور بمالزمتهما إياها هي سماء عالم الروح‬
‫التي هي روضة القدس أي ِ‬
‫ألزَما سماء الروح‪.‬‬

‫توسعا وتفسحا في تلقي معانيها ومعارفها وحكمها التي هي األقوات القلبية والفواكه‬ ‫{وكال منها رَغداً ُ ِ‬
‫حيث شئتُما} أي‪ّ :‬‬ ‫َ‬
‫الروحية توسعاً بالغاً على أي وجه ومن أي مرتبة وحال ومقام شئتما إذ هي دائمة غير منقطعة وال محجورة {فتكونا‬
‫من الظالمين} الواضعين النور في محل الظلمة الذي ليس موضعه والناقصين من نور استعدادكما وحظكما من عالم‬
‫النور‪ ،‬فإن الظلم في العرف هو وضع الشيء في غير موضعه وفي اللغة نقص الحق والحظ الواجب‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 36‬الى اآلية ‪)37‬‬

‫ض ُم ْستََقٌّر َو َم ٰتَ ٌع ِإَل ٰى‬


‫ض َع ُدٌّو وَل ُكم ِفي األ َْر ِ‬
‫َ ْ‬
‫ض ُكم لَِب ْع ٍ‬
‫طوْا َب ْع ُ ْ‬ ‫اهِب ُ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َخ َر َج ُه َما م َّما َك َانا فيه َوُقْلَنا ْ‬ ‫الش ْي َٰ‬
‫ط ُن َع ْن َها َفأ ْ‬ ‫َفأ ََزَّلهما َّ‬
‫َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِح ٍ‬
‫يم‬
‫الرح ُ‬
‫اب َّ‬‫اب َعَل ْيه ِإَّن ُه ُه َو التََّّو ُ‬
‫ين * َفَتَلق ٰى َء َاد ُم من َّرّبِه َكل َٰمت َفتَ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الشيطان عنها} أي‪ :‬حملهما على الزلة من مقامهما إ لى مهوى الطبيعة عن الجنة بتسويل المالذ الجسمانية‬
‫ُ‬ ‫لهما‬
‫{فأز ُ‬
‫َ‬
‫يتفرجان في الجنة إذ راعهما‬
‫ودوامها عليهما {فأخرجهما مما كانا فيه} من النعيم والروح الدائم‪ .‬وقيل‪ :‬بينما هما ّ‬
‫طاووس تجّلى لهما على سور الجنة‪ ،‬فدنت حواء منه وتبعها آدم فوسوس لهما الشيطان من وراء الجدار‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫األول إشارة إلى توسله من قبل الشهوة خارج الجنة‪ .‬والثاني‪ :‬إلى‬
‫تتسور الجنة فأخذ بذنبها وصعد الجنة‪ .‬و ّ‬
‫بحية ّ‬‫توسل ّ‬
‫وتسوره جدار الجنة‪ :‬إشارة إلى أن الغضب أقرب إلى األفق الروحاني والحيز القلبي من الشهوة‪.‬‬
‫توسله بالغضب‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫{وقلنا اهبطوا} أي‪ :‬ألزمناهم الهبوط إلى الجهة السفلية التي هي العالم الجسماني {بعضكم لبعض عدو} حال من‬
‫ّ‬
‫الهبوط مقيد له إذ الهبوط إلى الدنيا التي هي الجهة السفلية يستلزم كون مطالبها جزئية في ضيق المادة محصورة ال‬
‫تحتمل الشركة‪ .‬وكلما حظي بها أحد حرم منها غيره فمنعه‪ ،‬فيقع بينهما العداوة والبغضاء بخالف المطالب الكلية‬
‫{م ْستَقر}‬
‫وجمع الخطاب ألن خطابهما خطاب النوع إذ األصل يتناول الفرع {ولكم في األرض} أي‪ :‬في هذه الجهة ُ‬
‫تجردهما بالموت اإلرادي وانقطاع حظوظهما بالموت الطبيعي وقيام أحد‬
‫حين} أي‪ :‬حين ّ‬‫استقرار {ومتاعٌ} تمتع {إلى ٍ‬
‫القيامتين الكبرى أو الصغرى‪.‬‬

‫ٍ‬
‫كلمات} أي‪ :‬استقبل من جهة رّبه أنوا اًر وأطوا اًر‪ ،‬أي‪ :‬مراتب من الملكوت والجبروت وأرواحاً‬ ‫{فتلقى آدم من ر ِ‬
‫به‬
‫اب‬
‫مجردة‪ ،‬إذ كل مجرد كلمة ألنه من عالم األمر كما سمي عيسى كلمة أو تلقن منه معارف وعلوماً وحقائق‪َ{ .‬فتَ َ‬ ‫ّ‬
‫بالتجرد عن المالبس الطبيعية واالنخراط في سلك األنوار الملكوتية‪ ،‬واالتصاف بالكماالت‬
‫ّ‬ ‫تقبل رجوعه إليه‬‫عليه} ّ‬
‫القدسية‪ ،‬والتجّلي بالعلوم الحقيقية‪ .‬وأصل تاب عليه‪ :‬ألقى الرجوع عليه وجعله راجعاً‪ .‬ولعمري إنها هي التوبة المقبولة‬
‫اب} الكثير القبول لتوبة عباده {الرحيم} الذي سبقت رحمته غضبه‪ ،‬فيرحم‬
‫ال الرجوع الناشئ من قبله‪{ .‬إنه هو التو ُ‬
‫ليتقرب منه ‪.‬‬
‫عبده في حين غضبه‪ ،‬كما جعل غضبه على آدم سبب كماله ورجوعه إليه وبعده ّ‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 38‬الى اآلية ‪)40‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ين َكَفروْا َوَك َّذُبوْا‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُقْلنا اهِب ُ ِ‬
‫*والذ َ‬ ‫ف َعَل ْيه ْم َوالَ ُه ْم َي ْح َزُنو َن َ‬ ‫طوْا م ْن َها َجميعاً َفإ َّما َيأْتَيَّن ُكم ّمّني ُه ًدى َف َمن تَب َع ُه َد َ‬
‫اي َفالَ َخ ْو ٌ‬ ‫َ ْ‬
‫*يبِني ِإسرِائيل ا ْذ ُكروْا ِنعمِتي َّالِتي أ َْنعمت عَلي ُكم وأَوُفوْا ِبعه ِدي أ ِ‬ ‫الن ِار هم ِف ٰ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُوف‬ ‫َْ‬ ‫َْ ُ َ ْ ْ َ ْ‬ ‫َْ َ ُ َْ َ‬ ‫يها َخل ُدو َن َٰ َ‬‫َص َٰح ُب َّ ُ ْ َ‬ ‫ب َٰآيتَنآ أُوَلـٰئ َك أ ْ‬
‫ِب َع ْه ِد ُك ْم َوِإ َّٰيي َف ْارَهُبو ِن‬
‫َ‬
‫اهِبطوا منها جميعاً} كرر ذلك األمر بالهبوط ليفيد أنه هو الذي أراد ذلك ولوال إرادته لما قدر إبليس على‬
‫{قلنا ْ‬
‫إغوائهم‪ ،‬لهذا أسند اإلهباط إلى نفسه مجرداً عن التعليق بالسبب بعد إسناد إخراجهما إلى الشيطان‪ ،‬فهو قريب مما‬
‫سر قضائه وقدره وبين وجه حكمة‬ ‫{و َما َرَم ْي َت ِإ ْذ َرَم ْي َت َوَلـ ِٰك َّن َّ‬
‫َّللاَ َرَم ٰى} [األنفال‪ ،‬اآلية‪ ]17 :‬فتفطن منه ّ‬ ‫قال لنبيه‪َ :‬‬
‫حزُنو َن} وإيراده بالفاء إذ لوال‬
‫خوف عليهم وال هم َي َ‬
‫ٌ‬ ‫اإلهباط بتعقيبه بقوله‪{ :‬فإما يأتينكم مني ُهدى فمن تبع هداي فال‬
‫الهبوط لما أمكنهم من متابعة الهدى‪ ،‬ولما تميز السعيد والشقي‪ ،‬وال حصل استحقاق الثواب والعقاب‪ ،‬ولبطل دار‬
‫ّ‬
‫الجزاء من الجنة والنار‪ ،‬بل ما وجدت‪ .‬والهدى هو الشرع فمن تبعه أمن سوء العاقبة فلم يخف مما يأتي من العقاب‬
‫والفناء‪ ،‬وتسلى عن الشهوات واللذات‪ ،‬فلم يحزن على ما فاته من حطام الدنيا ونعيمها الكتحال بصيرته بنور المتابعة‬
‫واهتدائه إلى ما ال يقاس بلذات الدنيا من األذواق الروحانية‪ ،‬والفتوحات السرّية‪ ،‬والمشاهدات القلبية‪ ،‬والعلوم العقلية‪،‬‬
‫والمواجيد النفسية‪.‬‬

‫ِ‬
‫َصحاب ِ‬
‫النار}‬ ‫ُ‬ ‫{وكذبوا ِبآياتنا أ َ‬
‫ُولئك أ‬ ‫{والذي َن َكَفروا} أي‪ :‬حجبوا عن الدين لكونه في مقابلة اتباع الهدى‪ .‬وإردافه بقوله‪َ :‬‬
‫اذكروا ِنعمتي التي أنعمت عليكم وأوُفوا ِبعهدي أ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُوف بعهدكم‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أي‪ :‬نار الحرمان {هم فيها خالدون * يا َبني إسر َ‬
‫ائيل ُ‬
‫إياي فارهبون} بنو إس ارئيل هم أهل اللطف اإللهي‪ ،‬وأرباب نعمة الهداية والنبوة‪ ،‬دعاهم باللطف وتذكير النعمة‬
‫و َ‬
‫ّ‬
‫السابقة‪ ،‬والعهد السالف المأخوذ منهم في التوراة بتوحيد األفعال بعد العهد األزلي كما هو عادة األحباب عند الجفاء‪.‬‬
‫ّ‬

‫المودة واإلخاء‬
‫ّ‬ ‫وكان بنا‬ ‫ألم يك بيننا رحم ووصل‬

‫وهذه الدعوة مخصوصة بتوحيد الصفات الذي هو رفع الحجاب الثاني‪ ،‬فهي أخص من الدعوة األولى العامة لتذكير‬
‫أخص من الخوف‪،‬‬‫الولي‪ ،‬والتهديد على عدم إجابتها بالرهبة التي هي ّ‬
‫النعمة الدينية والعهد والتجّلي بصفة المنعم و‬
‫ّ‬
‫فإن الخوف إنما يكون من العقاب‪ ،‬والرهبة من السخط والقهر‪ ،‬واإلعراض واالحتجاب والخشية أخص منها لكونها‬
‫ِ‬
‫الحس ِ‬ ‫ن‬
‫اب} [الرعد‪ ،‬اآلية‪ .]21 :‬وكذا الهيبة‬ ‫وء َ‬ ‫{وَي ْخ َش ْو َن َرب ُ‬
‫َّه ْم َوَي َخا ُفو َ ُس َ‬ ‫مخصوصة باحتجاب الذات‪ .‬قال هللا تعالى‪َ :‬‬
‫ألنها قرنت بعظمة الذات‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 41‬الى اآلية ‪)43‬‬

‫َوالَ تَ ْشتَ ُروْا ِب َٰآيِتي ثَ َمناً َقلِيالً َوِإ َّٰيي َفاتَُّقو ِن * َوالَ َتْلِب ُسوْا اْل َح َّق‬ ‫ونوْا أََّو َل َك ِاف ٍر ِب ِه‬
‫َوالَ تَ ُك ُ‬ ‫صِّدقاً ّلِ َما َم َع ُك ْم‬ ‫َنزل ُت ُم َ‬
‫وِ‬
‫آمُنوْا ِب َمآ أ َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫الزَٰكوة وارَكعوْا مع َّٰ ِ ِ‬ ‫*وأ َِقيموْا َّ ٰ‬ ‫ِ‬
‫ِباْل َٰبط ِل َوتَ ْكتُ ُموْا اْل َح َّق َوأ َْنتُ ْم َت ْعَل ُمو َن‬
‫ين‬‫الركع َ‬ ‫َّ َ َ ْ ُ َ َ‬ ‫وة َوآتُوْا‬ ‫الصل َ‬ ‫َ ُ‬

‫لت} من القرآن على حبيبي من توحيد الصفات {مصدقاً لما معكم} في التوراة من توحيد األفعال {وال‬ ‫آمنوا ِبما ْأنز ُ‬
‫{و ُ‬
‫ِ‬
‫{بآياتي} الدالة على‬ ‫تكونوا أول ِ‬
‫كاف ِر ِبه} أي‪ :‬أول محجوب عنه الحتجابكم باعتقادكم {وال تشتروا} أي‪ :‬ال تستبدلوا‬ ‫ّ‬
‫تجليات ذاتي وصفاتي كسورة (اإلخالص) وآية (الكرسي) وأمثالهما‪{ ،‬ثمناً قليالً} أي‪ :‬جنتكم النفسية لتألفكم بالمالذ‬ ‫ّ‬
‫الحسية وثواب األعمال بتوحيد األفعال‪ .‬وإن اتقيتم عن الشرك فاتقوا سطوة قهري وجاللي وحجابي بابتغاء رضاي فال‬
‫ّ‬
‫تثبتوا صفة لغيري‪.‬‬

‫ِ‬
‫بالباطل} أي‪ :‬وال تخلطوا صفاته تعالى الثابتة كعلمه وقدرته وإرادته بالباطل الذي هو صفات نفوسكم‬ ‫{وال تلبسوا الحق‬
‫بظهورها بصفاتها وعدم تمييزكم بين دواعيها وخواطرها ودواعي الحق وخواطره‪ ،‬وال تكتموها بحجاب صفات النفس‬

‫وسترها إياها عند ظهورها {وأنتم تعلمون} من علم توحيد األفعال ّ‬


‫أن مصدر الفعل هو الصفة‪ ،‬فكما لم تسندوا الفعل‬
‫إلى غيره ال تثبتوا صفة لغيره‪.‬‬

‫{وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة} طلباً لمرضاتي ال رجاء لثوابي‪ ،‬ومصداقه قوله‪{ :‬واركعوا مع الراكعين} إذ الركوع هو‬
‫الخضوع واإلذعان لما يفعل به فهو عالمة الرضا الذي هو ميراث تجّلي الصفات وغايته‪ ،‬أي‪ :‬ارضوا بقضائي عند‬
‫مطالعة صفاتي والتوجه عند القيام بالفعل عالمة طلب الثواب واألجر الستقالل النفس بصورتها‪ ،‬والسجود الذي هو‬
‫غاية الخضوع عالمة الفناء في الوحدة عند تجلي الذات‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 44‬الى اآلية ‪)48‬‬

‫الص َٰلوِة َوِإَّن َها َل َكِب َيرةٌ ِإالَّ َعَلى‬ ‫استَ ِعيُنوْا ِب َّ‬
‫الص ْب ِر َو َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫الن َ ِ ِ‬
‫اس باْلبِّر َوتَْن َس ْو َن أ َْنُف َس ُك ْم َوأ َْنتُ ْم تَْتُلو َن اْلكتَ َب أََفالَ تَ ْعقُلو َن َ‬
‫*و ْ‬ ‫ْم ُرو َن َّ‬
‫أَتَأ ُ‬
‫يل ا ْذ ُك ُروْا ِن ْع َمِتي َّالِتي أ َْن َع ْم ُت َعَل ْي ُك ْم َوأَِّني‬ ‫ظُّنون أََّنهم ُّمَلـُٰقوْا رِب ِهم وأََّنهم ِإَلي ِه ٰرِجعون ٰ ِ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِٰ ِ‬
‫*يَبني إ ْس َرائ َ‬
‫َّ ْ َ ُ ْ ْ َ ُ َ َ‬ ‫ين َي ُ َ ُ‬ ‫ين* الذ َ‬ ‫اْل َخشع َ‬
‫س َش ْيئاً َوالَ ُيْقَب ُل ِم ْن َها َش َٰف َع ٌة َوالَ ُي ْؤ َخ ُذ ِم ْن َها َع ْد ٌل َوالَ ُه ْم‬
‫ين* واتَُّقوْا َي ْوماً الَّ تَ ْجزِي َنْف ٌس َعن َّنْف ٍ‬ ‫ٰ ِ‬
‫ضْلتُ ُك ْم َعَلى اْل َعَلم َ َ‬‫َف َّ‬
‫ص ُرو َن‬ ‫ُي ْن َ‬
‫نسو َن‬ ‫{أتأمرو َن َ ِ‬
‫بالتنور {وتَ َ‬
‫الناس بالبر} الذي هو الفعل الجميل الموجب لصفاء القلب‪ ،‬وزكاء النفس الزائد منها ّ‬
‫أنفسكم} أفال تفعلون ما ترتقون به من مقام تجّلي األفعال إلى تجّلي الصفات {وأنتُم تَْتُلو َن} كتاب فطرتكم الذي يأمركم‬
‫باتباع محمد في دينه السالك بكم سبيل التوحيد {أفال ِ‬
‫تعقلو َن} تعيير بالغ‪ ،‬وتهييج لحميتهم‪.‬‬

‫{بالصب ِر} على ما تكرهون مما يفعل بكم‬


‫ْ‬ ‫استَعينوا} واطلبوا العون والمدد ممن له القدرة‪ ،‬إذ ال قدرة لكم على أفعالكم‬
‫{و ْ‬
‫إن‬
‫تجليات الصفات {وإنها} و ّ‬
‫وتكلفكم ونيتكم به لكي تصلوا إلى مقام الرضا {والصالة} التي هي حضور القلب لتلقي ّ‬
‫اشعين} المنكسرة‪ ،‬اللينة قلوبهم لقبول أنوار التجليات‬
‫َ‬ ‫الخ‬
‫القلبي {لكبيرةٌ} لشاقة ثقيلة {إال على َ‬ ‫المراقبة أي الحضور‬
‫ّ‬
‫اللطيفة واستيالء سطوات التجليات القهرية‪ ،‬الذين يتيقنون أنهم بحضرة ربهم‪ ،‬أي‪ :‬حضرة الصفات لداللة ّ‬
‫الرب عليها‬
‫في حال لقائه‪{ ،‬وأنهم ِ‬
‫إليه ار ِجعو َن} بفناء صفاتهم ومحوها في صفاته‪.‬‬

‫أن الذي هداهم أوالً ولطف بهم وفضلهم على عالمي زمانهم المحجوبين بالهداية إلى رفع الحجاب‬ ‫كرر الخطاب ليفيد ّ‬
‫ّ‬
‫شر في الهداية األولى فكذلك في الثانية ال يريد بهم إال خي اًر‪.‬‬
‫األول هو الذي يهديهم ثانياً‪ ،‬فكما لم يرد بهم ّاً‬

‫عن َن ٍ‬
‫فس َش ْيئاً} من اإلغناء لعدم القدرة ألحد‬ ‫فس ْ‬
‫{ن ٌ‬
‫جزي} أي‪ :‬حال تجلي صفة القهر حين ال تغني َ‬ ‫{واتقوا يوماً ال تَ ِ‬
‫بل منها شفاع ٌة} لعدم الشفاعة والمدد إذ كلهم مسلوبو الصفات واألفعال‪ ،‬كقوله ‪:‬‬ ‫{وال ُيْق ُ‬

‫وال ترى الضب بها ينجحر‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫صرو َن} المتناع ّ‬
‫القوة والنصرة لغيره تعالى ‪.‬‬ ‫عدل} أي‪ :‬فدية لعدم الملك ألحد {وال هم ُي ْن َ‬
‫{وال يؤخ ُذ منها ٌ‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 49‬الى اآلية ‪)50‬‬

‫اب ي َذِبحون أَبنآء ُكم ويستَحيون ِنسآء ُكم وِفي َٰذلِ ُكم بالء ِمن َّرب ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ ِ ِ ِ‬
‫يم‬
‫ِك ْم َعظ ٌ‬
‫ْ َ ٌ ّ ّ‬ ‫وء اْل َع َذ ُ ّ ُ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ ْ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫ون ُك ْم ُس َ‬
‫وم َ‬‫َوإِ ْذ َن َّج ْيَن ُكم ّم ْن آل ف ْرَع ْو َن َي ُس ُ‬
‫آل ِف ْرَع ْو َن َوأ َْنتُ ْم تَن ُ‬
‫ظ ُرو َن‬ ‫َنج ْي َٰن ُك ْم َوأ ْ‬
‫َغ َرْقَنا َ‬ ‫* َوإِ ْذ َف َرْقَنا ِب ُك ُم اْلَب ْح َر َفأ َ‬

‫آل ِفرعو َن} ظاهره وتفسيره على ما يفهم من تذكير النعمة لتهييج المحبة وباطنه وتأويله {وإذ‬
‫{وإذ َنجيناكم من ِ‬
‫نجيناكم من آل فرعون} النفس األمارة المحجوبة بأنانيتها المستعلية على ملك الوجود ومصر مدينة البدن التي‬
‫استعبدت هي وقواها التي هي الوهم والخيال والتخلية والغضب والشهوة والقوى الروحانية التي هي أبناء صفوة هللا‬
‫يعقوب الروح والقوى الطبيعية البدنية من الحواس الظاهرة والقوى النباتية‪.‬‬

‫الكد واألعمال الشاّقة في جمع المال و ّادخاره بالحرص واألمل‬ ‫ومونكم سوء الع َذ ِ‬
‫اب} يكلفونكم المتاعب الصعبة و ّ‬ ‫{ي ُس َ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫الحراص من أبناء الدنيا ويستعبدونكم في التفكر فيها واالهتمام بها‬
‫وترتيب األقوات والمالبس وغيرها مما يكدح فيه ّ‬
‫أبناء ُكم} التي هي تلك القوى الروحانية‬ ‫وضبطها وتحصيل لذاتهم التي هي عذاب لمنعها إياكم عن لذاتكم‪{ .‬يذبحو َن‬
‫َ‬
‫عن العاقلة النظرية‪ ،‬والعاقلة العملية اللتين هما عينا القلب النظرية اليمنى والعملية اليسرى‪ ،‬والفهم الذي هو سمع‬
‫ساءكم} القوى الطبيعية المذكورة بمنع الطائفة األولى‬ ‫نِ‬
‫السر الذي هو قلب القلب‪ ،‬والفكر والذكر {ويستحيو َ ن َ‬
‫القلب‪ ،‬و ّ‬
‫عن أفعالها الخاصة بالقهر واالستيالء وحجبها عن حياة نور الروح ومددها وإقدار الطائفة الثانية عن أفعالها‬
‫وتمكينها‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{وفي ذلِ ُكم} اإلنجاء نعمة عظيمة {من ربكم} هي نعمة مطالعة صفات جالله وجماله‪ ،‬أو في ذلكم التعذيب نقمة‬
‫عظيم ة من ربكم هي نقمة االحتجاب والحرمان والبعد‪ ،‬إذ البالء الذي هو االمتحان يحصل بهما‪ .‬قال هللا تعالى‪:‬‬
‫السِيَئ ِ‬ ‫ِ‬
‫ات} [األعراف‪.]168 :‬‬ ‫اه ْم ِباْل َح َسَنات َو َّ ّ‬
‫{وَبَل ْوَن ُ‬
‫َ‬

‫حر} أي البحر األسود الزعاق الذي هو المادة الجسمانية النفالقها بوجودكم انفالق األرض‬ ‫{الب َ‬
‫{وإ ْذ فر َقنا} بوجودكم َ‬
‫آل ِف ْرعون} أي‪ :‬القوى النفسانية فيها بمالزمتها إياها وهالكها بفسادها‪،‬‬
‫أغ َرقنا َ‬
‫بالتجرد منها {و ْ‬
‫ّ‬ ‫يناكم}‬
‫{فأن َج ُ‬
‫من النبات ْ‬
‫{و ْأنتم} تشاهدون ذلك‪ .‬وعلى هذا يمكن أن يؤول بنو إسرائيل في أول الخطاب بتلك القوى الروحانية و ِ‬
‫الن ْعمة التي أنعم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بها عليهم هي التهدي إلى قبول األنوار الفائضة عليها من عالم الروح وتلقي المعارف والحكم‪ ،‬وإيفاؤهم بالعهد‪،‬‬
‫وإبرازهم ما ركز فيها بحسب االستعداد األول من األدلة التوحيدية والمعاني الكلية الكامنة فيها بالتصفية ومزاولة ما‬
‫يختص بها من األفعال‪ ،‬وإيفاؤه بعهدهم إفاضة النور الكمالي عليها عند قيامها بحق النور االستعدادي بالتصفية‬
‫ّ‬
‫واستعمال ما عندهم من المعاني‪ .‬وإن كنتم رهبتم شيئاً فارهبوا احتجاب أنواري بزوال استعدادكم‪ ،‬وآمنوا أي‪ :‬واقبلوا ما‬
‫مصدقاً لما في استعدادكم من النور الفطرّي‪ ،‬وال تكوونوا في ّأول‬
‫ّ‬ ‫أفيض عليكم من اإلشراقات النورية والسوانح الغيبية‬
‫رتبة المحتجبين عن قبولها بالتوجه إلى الجهة السفلية وال تستبدلوا بها لذات النفس ومقاصدها‪ ،‬وال تخلطوا حق‬
‫المعارف الروحية واألنوار القدسية بباطل المطالب الحسية والصفات النفسية‪ ،‬وتكتموا تلك األنوار والمعارف بظهور‬
‫هذه عليكم‪ .‬وأقيموا وأديموا التوجه إلى حضرة الروح وامتثال أمره‪ ،‬وآتوا زكاة معلوماتكم التي هي أموالكم بتصفحها‬
‫وتركيبها لتحرزوا بها ثواب النتائج واللوازم‪ ،‬وأنفقوها على فقرائكم الذين بحضرتكم من القوى البدنية الطبيعية ليعيشوا‬
‫بها‪ ،‬ويكتسبوا بها األخالق الفاضلة والملكات الجميلة‪ ،‬وعلموها أبناء جنسكم ليكملوا بها‪ ،‬واركعوا واخضعوا لقبول‬
‫بالبر وتنسون أنفسكم؟ أتسوسون ما تحتكم من القوى‬
‫األوامر العقلية واألنوار الروحية واألعمال القلبية‪ .‬أتأمرون الناس ّ‬
‫بالعبادات الجميلة واآلداب الحسنة والترقي إلى مقامكم والتأدب بآدابكم وتنسون أنفسكم في ّ‬
‫التأدب بين يدي هللا بآداب‬

‫التمرن في المراقبة‪ ،‬و ّ‬


‫التنور بأنوار الروح في مقام المشاهدة والترقي إلى مقامه عند الفناء في الوحدة‪ ،‬وأنتم‬ ‫الروحانيين و ّ‬
‫المجرد عن شوب‬
‫ّ‬ ‫رب الروح بواسطة ملك العقل إلى نبي القلب‪ .‬أفال تعقلون بالعقل‬ ‫تتلون كتاب المعقوالت النازلة من ّ‬
‫ّ‬
‫الهوى والوهم؟ واستعينوا بالصبر على ما يظهر عليكم ويرد من سلطنة أنوار سلطان الروح وأحكامه وقهر تجليات‬
‫العظموت والحضور مع الحق‪ ،‬وأن هذه االستعانة لشاّقة إال على الخاشعين‪ ،‬المرتاضين‪ ،‬المذعنين النقياد أمر القلب‬
‫والروح‪ ،‬المتيقنين بأنهم بحضرته وفي لقائه‪ ،‬وأنهم يرجعون إليه في قبول أنواره‪ .‬وتفضيلهم على العالمين هو شرفهم‬
‫على جميع ما في اإلنسان من القوى ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 51‬الى اآلية ‪)54‬‬

‫نكم ِّمن َب ْع ِد َذلِ َك َل َعَّل ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن‬ ‫ظلِ ُمو َن * ثُ َّم َعَف ْوَنا َع ُ‬ ‫ين َلْيَل ًة ثُ َّم اتَّ َخ ْذتُ ُم اْل ِع ْج َل ِمن َب ْع ِدِه َوأ َْنتُ ْم َٰ‬ ‫ِ‬
‫وس ٰى أ َْرَبع َ‬ ‫ٰع ْدَنا ُم َ‬ ‫َوِإ ْذ َو َ‬
‫وس ٰى لَِق ْو ِم ِه َٰيَق ْو ِم ِإَّن ُك ْم َ‬
‫ظَل ْمتُ ْم أ َْنُف َس ُك ْم ِب ِاتّ َخ ِاذ ُك ُم اْل ِع ْج َل‬ ‫ال ُم َ‬
‫َّ‬
‫ان َل َعل ُك ْم تَ ْهتَ ُدو َن * َوإِ ْذ َق َ‬ ‫اب َواْلُف ْرَق َ‬
‫ِ‬
‫وسى اْلكتَ َ‬ ‫* َوإِ ْذ آتَْيَنا ُم َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِٰ‬
‫يم‬
‫اب ا َّلرح ُ‬ ‫اب َعَل ْي ُك ْم ِإَّن ُه ُهَو التََّّو ُ‬ ‫َنف َس ُك ْم َذل ُك ْم َخ ْيٌر ل ُك ْم ع ْن َد َب ِارِئ ُك ْم َفتَ َ‬ ‫وبوْا ِإَل ٰى َب ِارِئ ُك ْم َفا ْقُتُلوْا أ ُ‬
‫َفتُ ُ‬

‫اعدنا ُموسى} بعد فراغه من مقاومة آل فرعون وإهالكهم {أر َ‬


‫بعين ليل ًة} يخلص لنا فيها لترفع بها الغشاوات‬ ‫{وإذ َو َ‬
‫تكونه جنيناً واحتجابه بالنشأة عن‬
‫الطبيعية التي حجبت قلبه عن معدن النور في األربعين التي خلق فيها بدنه عند ّ‬
‫الفطرة كما ورد في الحديث "خمر طينة آدم بيده أربعين صباحاً"‪ .‬وعن وجه قلبه‪ ،‬وتظهر حكمة التوراة من قلبه على‬
‫ظالِ ُمون} واضعون العبادة‬
‫لسانه {ثم اتخذتم} عجل النفس الحيوانية الناقصة إلهاً من بعد اعتزاله وغيبته عنكم {وأنتم َ‬
‫في غير موضعها‪.‬‬

‫{ثم عَفونا عنكم من ِ‬


‫بعد ذلك} الفعل الشنيع‪ ،‬والظلم القبيح‪ ،‬بتوبتكم عند رجوع موسى إليكم لكي تشكروا نعمة عفوي‬ ‫َ‬
‫فتستعدوا لقبول تجّلي صفة المنعم‪ .‬وعلى التأويل الثاني‪{ :‬واعدنا موسى} القلب عند‬
‫ّ‬ ‫بتصور تلك النعمة عن المنعم‬
‫ّ‬
‫تعلقه بالبدن واحتجابه عن قومه القوى الروحانية األربعين التي خلقت فيها بنية بدنه ثم ّ‬
‫تعبدتم عجل النفس الحيوانية‬
‫الطفل من بعد غيبته واحتجابه في حال الصبا {ثم عفونا عنكم من بعد ذلك} التعبد بالبلوغ الحقيقي‪ ،‬وظهور نور‬
‫ّ‬
‫التجرد وتهيئتي ألسباب كمالكم بسلوك سبيل صفاتي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫جردكم لكي تشكروا نعمة توفيقي إياكم لذلك‬
‫القلب بت ّ‬

‫{وإذ آتينا موسى} القلب كتاب المعقوالت والحكم والمعارف والتمييز الفارق بين الحق والباطل‪ ،‬لكي تهتدوا بنور هداه‪.‬‬
‫وبوا}‬
‫أنفسكم} نقصتم حقوقها وحظوظها من الثواب والتجليات المذكورة {فتُ ُ‬
‫غني عن التأويل‪{ .‬ظلمتم ُ‬ ‫وعلى الوجه األول‬
‫ّ‬
‫إلى خالقكم برفع الحجاب األول لداللة ذكر البارئ عليه {فاقتلوا ْأنُفسكم} بسيف الرياضة ومنعها عن حظوظها وأفعالها‬
‫الخاصة بها على سبيل االستقالل وقمع هواها التي هي روحها التي تحيا هي بها‪ ،‬وعلى الثاني ألهم القلب قواه أنكم‬
‫نقصتم حقوقكم بتعبد النفس فارجعوا إلى بارئكم بنور هداه فامنعوا أنفسكم بالرياضة عما ضربتم فاقتلوها عن حياتها‬
‫العارضة لها بغلبة الهوى لتحيوا بحياتكم األصلية فتقبل توبتكم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 55‬الى اآلية ‪)57‬‬

‫ظ ُرو َن * ثُ َّم َب َع ْث َٰن ُكم ِّمن َب ْع ِد َم ْوِت ُك ْم َل َعَّل ُك ْم‬ ‫الص ِعَق ُة َوأ َْنتُ ْم تَن ُ‬
‫َخ َذ ْت ُك ُم َّٰ‬ ‫وس ٰى َلن ُّن ْؤ ِم َن َل َك َحتَّ ٰى َن َرى َّ‬
‫َّللاَ َج ْه َرًة َفأ َ‬ ‫ٰ‬
‫َي ُم َ‬ ‫َوإِ ْذ ُقْلتُ ْم‬
‫ونا َوَلـ ِٰكن َك ُانوْا أ َْنُف َس ُه ْم‬ ‫ظَل ُم َ‬
‫اك ْم َو َما َ‬ ‫طِّي َٰب ِت َما َرَزْقَن ُ‬
‫السْل َو ٰى ُكُلوْا ِمن َ‬ ‫ظَّلْلَنا َعَل ْي ُك ُم اْل َغ َم َام َوأ َ ْ‬
‫َنزلَنا َعَل ْي ُك ُم اْل َم َّن َو َّ‬ ‫*و َ‬
‫َ‬ ‫تَ ْش ُك ُرو َن‬
‫ظلِ ُمو َن‬
‫َي ْ‬

‫لن ُنؤ ِم َن} ألجل هدايتك اإليمان الحقيقي حتى تصل إلى مقام المشاهدة والعيان َ‬
‫{فأخ َذتكم}‬ ‫{وإ ْذ قلتم يا موسى ْ‬
‫صاعقة الموت الذي هو الفناء في التجلي الذاتي {و ْأنتُم} تراقبون أو تشاهدون‪{ .‬ثم بعثناكم} بالحياة الحقيقية والبقاء‬
‫عليكم} غمام تجلي الصفات لكونها حجب‬
‫ُ‬ ‫للنا‬
‫ظ َ‬ ‫بعد الفناء لكي تشكروا نعمة التوحيد والوصول بالسلوك في هللا {و َ‬
‫شمس الذات المحرقة بالكلية‪{ ،‬وأنز َلنا عليكم} من األحوال والمقامات الذوقية الجامعة بين الحالوة وإسهال رذائل‬
‫أخالق النفس كالتوكل والرضا‪ ،‬وسلوى الحكم‪ ،‬والمعارف والعلوم الحقيقية التي تحشرها عليكم رياح الرحمة‪ ،‬والنفحات‬
‫اإللهية في تيه الصفات عند سلوككم فيها‪{ .‬كلوا} أي‪ :‬تناولوا وتلقوا هذه الطيبات {وما ظلمونا} ما نقصوا حقوقنا‬
‫{ولكن كانوا} ناقصين حقوق أنفسهم بحرمانها وخسرانها‪ .‬هذا على التأويلين‪،‬‬
‫ْ‬ ‫وصفاتنا باحتجابهم بصفات نفوسهم‬
‫والخطجاب وإن كان عاماً لكنه مخصوص بالسبعين المختارين‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 58‬الى اآلية ‪)58‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫طةٌ َّن ْغِف ْر َل ُك ْم َخ َٰ‬
‫ط َٰي ُك ْم َو َسَن ِز ُيد‬ ‫وإِ ْذ ُقْلنا ْادخُلوْا هـ ِٰذِه اْلَقري َة َف ُكُلوْا ِم ْنها حي ُث ِش ْئتُم رَغداً و ْادخُلوْا اْلباب س َّجداً وُقوُلوْا ِح َّ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ْ َ َ ُ‬ ‫َ َْ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ ُ َ‬
‫ين‬ ‫ِِ‬
‫اْل ُم ْحسن َ‬

‫الباب} الذي هو الرضا كما‬


‫{وإ ْذ ُقلنا ادخلوا هذه القرية} أي‪ :‬روضة الروح المقدسة التي هي مقام المشاهدة {وادخلوا َ‬
‫ورد في الحديث‪" :‬الرضا بالقضاء باب هللا األعظم"‪{ ،‬سجداً} منحنين‪ ،‬خاضعين‪ ،‬لما يرد عليكم من التجليات الوصفية‬
‫والفعلية والحملية‪ .‬وقوله‪{ :‬وقولوا ِحط ٌة} أي‪ :‬اطلبوا أن يحط هللا عنكم ذنوب صفاتكم وأخالقكم وأفعالكم {نغفر لكم‬

‫{وسن ِز ُيد ُ‬
‫الم ْحسنين} أي‪ :‬المشاهدين لقوله عليه الصالة والسالم‪" :‬اإلحسان أن تعبد‬ ‫َ‬ ‫خطاياكم} تلويناتكم وذنوب أحوالكم‬
‫هللا كأنك تراه"‪ .‬ثواب إحسانهم الذي هو كشف الذات أو إحسانهم بالسلوك في هللا‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 59‬الى اآلية ‪)59‬‬

‫الس َم ِآء ِب َما َك ُانوْا َيْف ُسُقو َن‬


‫ظَل ُموْا ِر ْج اًز ِّم َن َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َ‬
‫َنزلَنا َعَلى الذ َ‬
‫يل َل ُه ْم َفأ َ ْ‬
‫ظَل ُموْا َق ْوالً َغ ْي َر الذي ق َ‬ ‫َفَبَّد َل الذ َ‬
‫ين َ‬

‫يل لهم} أي‪ :‬طلبوا االتصاف بصفات النفس ابتغاء حظوظها سوى طلب‬ ‫ِ‬
‫ظَل ُموا قوالً غير الذي ق َ‬
‫{فبدل الذين َ‬
‫َ‬
‫االتصاف بصفات هللا ابتغاء الحظوظ الروحية‪ .‬كما روي عنهم حنطاً سمقاثاً أي‪ :‬نطلب غذاء النفس‪{ .‬فأنز َلنا} على‬
‫الظالمين خاصة ِ‬
‫{ر ْج اًز} عذاباً وضنكاً وضيقاً وظلمة في حبس النفس وأس اًر في وثاق التمني واحتجاباً في قيد الهوى‪،‬‬
‫وحرماناً وذالً بمحبة المادة السفلية وتغيرها وزوالها من جهة قهر سماء الروح‪ ،‬ومنع اللطف والروح عنهم بسبب فسقهم‬
‫أي خروجهم عن طاعة القلب إلى طاعة النفس‪ ،‬وتركنا التأويل الثاني لقربه منه جداً‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 60‬الى اآلية ‪)60‬‬

‫انف َج َر ْت ِم ْن ُه ا ْثَنتَا َع ْش َرَة َع ْيناً َق ْد َعلِم ُك ُّل أَُن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اس َّم ْش َرَب ُه ْم ُكُلوْا‬ ‫َ‬ ‫اك اْل َح َج َر َف َ‬
‫ص َ‬ ‫ِ‬ ‫وس ٰى لَِق ْو ِمه َفُقْلَنا ْ‬
‫اض ِرب ّب َع َ‬ ‫استَ ْسَق ٰى ُم َ‬
‫َوإِذ ْ‬
‫َّللاِ والَ تَعثَوْا ِفي األَر ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫ض ُمْفسد َ‬ ‫ْ‬ ‫اش َرُبوْا من ِّرْزق َّ َ ْ ْ‬ ‫َو ْ‬

‫{وإ ْذ استسقى موسى} طلب نزول أمطار العلوم والحكم والمعاني من سماء الروح‪ ،‬فأمرناه بضرب عصا النفس التي‬
‫{فانفجرت ِمنه اثنتَا‬
‫ْ‬ ‫يتوكأ عليها في تعلقه بالبدن وثباته على أرضه بالفكر على حجر الدماغ الذي هو منشأ العقل‬
‫عشرَة عيناً} من مياه العلوم على عدد المشاعر اإلنسانية التي هي الحواس الخمس الظاهرة‪ ،‬والخمس الباطنة‪ ،‬والعاقلة‬
‫النظرية والعملية‪ .‬ولهذا قال عليه الصالة والسالم‪" :‬من ُفِق َد حساً َفَق ْد َفَق َد علماً"‪{ .‬قد علم كل أ ٍ‬
‫ُناس مشربهم} أي‪ :‬أهل‬ ‫ّ‬
‫كل علم مشربهم من ذلك العلم‪ ،‬كأهل الصناعات‪ ،‬والعلماء العاملين من مشرب العقل العملي‪ ،‬والحكماء والعارفين من‬
‫ّ‬
‫النظرّي والصباغين من علم األلوان المبصرة‪ ،‬وأهل صناعة الموسيسقى من علم األصوات وغير ذلك‪ .‬وعلى التأويل‬
‫الثاني‪ :‬أمرنا موسى القلب‪ ،‬بضرب عصا النفس على حجر الدماغ‪{ ،‬فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً} هي المشاعر‬
‫بقوة من القوى االثنتي عشرة المذكورة التي هي أسباط يعقوب الروح‪ ،‬قد علم كل‬ ‫كل واحدة منها ّ‬ ‫المذكورة التي تختص ّ‬
‫{كُلوا واشرُبوا من ِرز ِق هللا} أي‪ :‬انتفعوا بما رزقكم هللا من العلم والعمل واألحوال والمقامات‪{ .‬وال تعثوا في‬
‫منها مشربه ُ‬
‫ِ‬
‫األرض ُمْفسدين} وال تبالغوا في الفساد بالجهل‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 61‬الى اآلية ‪)61‬‬

‫ض ِمن َبْقلِ َها َوِقثَّ ِآئ َها َوُفو ِم َها‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬
‫َّك ُي ْخ ِرْج َلَنا م َّما تُْنِب ُت األ َْر ُ‬ ‫صِب َر َعَل ٰى َ‬
‫ط َعا ٍم َواحد َف ْادعُ َلَنا َرب َ‬ ‫وس ٰى َلن َّن ْ‬ ‫ٰ‬
‫َوإِ ْذ ُقْلتُ ْم َي ُم َ‬
‫ض ِرَب ْت َعَل ْي ِه ُم ال ِّذَّل ُة‬ ‫ص اًر َفِإ َّن َل ُك ْم َّما َسأَْلتُ ْم َو ُ‬
‫وعد ِسها وبصلِها َقال أَتَستَب ِدُلو َن َّال ِذي هو أ َْدنى ِب َّال ِذي هو خير اهِب ُ ِ‬
‫طوْا م ْ‬ ‫َُ َ ٌْ ْ‬ ‫َُ َ ٰ‬ ‫َ ََ َ َ َ َ َ َ ْ ْ‬
‫ِٰ ِ‬ ‫النِبِّي َ ِ‬ ‫َّللاِ َوَيْقُتُلو َن َّ‬ ‫َّللاِ َذلِك ِبأََّنهم َكانوْا ي ْكُفرون ِبآي ِ‬ ‫واْلمس َكن ُة وبآءو ِب َغ ٍ ِ‬
‫صوْا َّوَك ُانوْا‬ ‫ين ب َغ ْي ِر اْل َح ِّق ذل َك ب َما َع َ‬ ‫ات َّ‬ ‫ضب ّم َن َّ َ ُ ْ ُ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ ََ ُ‬
‫َي ْعتَ ُدو َن‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{لن نصِبر على طعا ٍم و ٍ‬
‫احد} أي‪ :‬الغذاء الروحاني من العلم والمعرفة والحكمة {َفادعُ لنا ربك} أي‪ :‬اسأل لنا رّبك‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫يوسع علينا‪ ،‬ويرخص لنا فيما تنبته أرض نفوسنا من الشهوات الخبيثة واللذات الخسيسة والتفكهات الباردة وكل ما فيه‬
‫وض ِرَب ْت عليهم الذلة} الالزمة التباع‬ ‫ِ‬
‫{فإن لكم} فيها {ما سألتُم ُ‬
‫ص اًر} أي‪ :‬مدينة البدن ّ‬
‫حظ النفس وعذابها‪{ .‬اهبطوا م ْ‬
‫اؤوا} واستحقوا‬
‫{وَب ُ‬
‫المسكن ُة} أي‪ :‬دوام االحتياج ودوام سكنى الجهة السفلية َ‬
‫الشهوات والحرص في المقتنيات {و َ‬
‫ِ‬
‫ض ٍب} البعد والطرد {من هللا َ‬
‫ذلك} باحتجابهم عن آيات هللا وتجلياته‪ ،‬والباقي ظاهر‪ .‬وعلى الوجه الثاني‪ :‬وبقتلهم‬ ‫{بغ َ‬
‫َ‬
‫أنبياء القلوب بغير أمر ثابت لهم عليهم يتوجه به ذلك بل بصرف باطلهم ذلك بعصيانهم أوامر القلوب والعقول‬
‫واعتدائهم عن ظهورهم‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 62‬الى اآلية ‪)62‬‬

‫صالِحاً َفَل ُه ْم أَ ْج ُرُه ْم ِع َند َرّب ِِه ْم َوالَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصاِبِئين من آمن ِب َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اَّلل َواْلَي ْو ِم اآلخ ِر َو َعم َل َ‬ ‫ص َار ٰى َو َّ َ َ ْ َ َ‬ ‫ين َه ُادوْا َو َّ‬
‫الن َ‬ ‫آمُنوْا َوالذ َ‬‫ين َ‬ ‫ِإ َّن الذ َ‬
‫ف َعَل ْي ِه ْم َوالَ ُه ْم َي ْح َزُنو َن‬ ‫َخ ْو ٌ‬

‫التقليدي‪ ،‬والظاهريين والباطنيين والذين تعبدوا مالئكة العقول‪ ،‬الحتجابهم بالمعقوالت‬


‫ّ‬ ‫آمنوا} اإليمان‬
‫الذين ُ‬
‫{إن َ‬
‫آمن} منهم اإليمان الحقيقي {باهلل} والمعاد وأيقنوا علم‬ ‫وكواكب القوى النفسانية الحتجابهم بالوهميات والخياليات َ‬
‫{من َ‬
‫التوحيد والقيامة‪ ،‬وعملوا ما يصلحهم للقاء هللا ونيل السعادة في المعاد‪ ،‬فلهم الثواب الباقي الروحاني عند ربهم من‬
‫ّ‬
‫خوف علي ِهم} من عقوبة أفعالهم {وال هم يحزنون} بفوات ّ‬
‫تجليات الصفات‪ .‬والجملة‬ ‫ٌ‬ ‫جنات األفعال والصفات {وال‬ ‫ّ‬
‫اعتراض بين خطاب بني إسرائيل‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 63‬الى اآلية ‪)64‬‬

‫الطور خ ُذوْا مآ ءاتي ٰن ُكم ِبُقَّوٍة وا ْذ ُكروْا ما ِف ِ‬


‫يه َل َعَّل ُك ْم تَتَُّقو َن * ثُ َّم تََوَّل ْيتُ ْم ِّمن َب ْع ِد ٰذلِ َك َفَل ْوالَ‬ ‫وإِ ْذ أَخ ْذنا ِميثَا َق ُكم ورَفعنا َفوَق ُكم ُّ‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ ُ َ َ َْ َ‬ ‫ْ ََ َْ ْ ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َفضل َّ ِ‬
‫ين‬‫َّللا َعَل ْي ُك ْم َوَر ْح َمتُ ُه َل ُك ْنتُم ّم َن اْل َخاس ِر َ‬ ‫ْ ُ‬

‫أخ ْذنا ميثَا َق ُكم} أي‪ :‬عهدكم السابق أو الالحق المأخوذ منهم في التوراة أو بدالئل العقل بتوحيد األفعال والصفات‬
‫{وإ ْذ َ‬
‫{ورَفعنا فوقكم} طور الدماغ لتمكن من فهم المعاني وقبولها‪ .‬وقلنا {خذوا} أي‪ :‬اقبلوا {ما آتيناكم} من التوراة أو كتاب‬
‫َ‬
‫بجد {وا ْذ ُكروا} وعوا ما فيه من الحكم والمعارف والعلوم والشرائع‪ ،‬لكي تتقوا الشرك والجهل والفسق {ثم}‬
‫العقل الفرقاني ّ‬
‫عليكم} بهدايته العقل {ورحمته} بنور البصيرة‬
‫فضل هللا ُ‬ ‫أعرضتم {من ِ‬
‫بعد ذلك} بإقبالكم إلى الجهة السفلية {َفلوال‬
‫ُ‬
‫الخاسرين}‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والشرع {لكنتُم من َ‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 65‬الى اآلية ‪)66‬‬

‫اها َن َكاالً ِّل َما َب ْي َن َي َد ْي َها َو َما َخْلَف َها‬ ‫ِِ‬ ‫السب ِت َفُقْلَنا َلهم ُك ُ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ين * َف َج َعْلَن َ‬
‫ونوْا ق َرَد ًة َخاسئ َ‬ ‫ُْ‬ ‫اعتَ َدوْا م ْن ُك ْم في َّ ْ‬
‫ين ْ‬
‫َوَلَق ْد َعل ْمتُ ُم الذ َ‬
‫ومو ِع َ ِ ِ‬
‫ظ ًة ّلْل ُمتَّق َ‬
‫ين‬ ‫َ َْ‬

‫{ولقد علِ ْمتم الذين اعتدوا} اعلم‪ :‬أن الناس لو أهملوا وتركوا وخّلي بينهم وبين طباعهم لتوغلوا وانهمكوا في اللذات‬ ‫َ‬
‫الجسمانية‪ ،‬والغواشي الظلمانية لضراوتهم بها واعتيادهم من الطفولية والصبا حتى زالت استعداداتهم وانحطوا عن رتبة‬
‫ض َب َعَل ْي ِه َو َج َع َل ِم ْن ُه ُم اْلِق َرَد َة َواْل َخَن ِاز َير} [المائدة‪ ،]60 :‬وإن‬
‫َّللا و َغ ِ‬ ‫َّ‬
‫{من ل َعَن ُه َّ ُ َ‬
‫اإلنسانية‪ ،‬فمسخوا كما قال تعالى‪َ :‬‬
‫وتنوروا‪ ،‬كما قال‬
‫وروعوا بالسياسات الشرعية والعقلية والحكم واآلداب والمواعظ الوعدية والوعيدية ترقوا ّ‬ ‫حفظوا ّ‬
‫الشاعر‪:‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وإن تبتعث نحو الفضائل تبهج‬ ‫هي النفس إن تهمل تالزم خساسة‬

‫فلهذا وضعت العبادات‪ ،‬وفرض عليهم تكرارها في األوقات المعينة لتزول عنهم بها درن الطباع المتراكم في أوقات‬
‫فتتنور بواطنهم بنور الحضور‪ ،‬وتنتعش‬
‫الغفالت وظلمة الشواغل العارضة في أزمنة اتخاذ اللذات‪ ،‬وارتكاب الشهوات‪ّ .‬‬
‫وحب الوحدة عن وحشة الهوى‪،‬‬
‫قلوبهم بالتوجه إلى الحق عن السقوط في هاوية النفس والعثور‪ ،‬وتستريح بروح الروح‪ّ ،‬‬
‫وتعلق الكثرة‪ ،‬كما قال عليه السالم‪" :‬الصالة بعد الصالة كفارة ما بينهما من الصغائر إذا اجتنبت الكبائر"‪ .‬أال ترى‬
‫كيف أمرهم عند الحدث األكبر ومباشرة الشهوة بتطهير الغسل‪ ،‬وعند األصغر بالوضوء‪ ،‬وعند االشتغال باألشغال‬
‫الدنيوية في ساعات اليوم والليل بالصلوات الخمس المزيلة لكدورات الحواس الخمس الحاصلة في النفس بسببها‪ ،‬كل‬
‫بما يناسبه‪ ،‬فلذلك وضعوا بإزاء وحشة تفرقة األسبوع وظلمة انفرادهم بدؤوب األشغال والمكاسب‪ ،‬والمالبس البدنية‪،‬‬
‫والمالذ النفسانية‪ ،‬اجتماع يوم واحد على العبادة والتوجه لتزول وحشة التفرقة بأنس االجتماع وتحصل بينهم المحبة‬
‫التنور فوضع‬
‫واألنس وتزول ظلمة االشتغال باألمور الدنيوية واإلعراض عن الحق بنور العبادة والتوجه‪ ،‬ويحصل لهم ّ‬
‫لليهود أول أيام األسابيع لكونهم أهل المبدأ والظاهر‪ ،‬وللنصارى بعده ألنهم أهل المعاد والروحاني والباطن المتأخرين‬
‫النبوة الخاتمة‬
‫عن المبدأ والظاهر بالنسبة إلينا‪ ،‬وللمسلمين آخرها الذي هو يوم الجمعة لكونهم في آخر الزمان أهل ّ‬
‫الحق تعالى ألن‬
‫ّ‬ ‫وأهل الوحدة الجامعة للكل‪ ،‬وإن جعل السبت آخر األيام ‪ -‬على ما نقل أنه السابع ‪ -‬فبالنسبة إلى‬
‫الحس الذي إليه دعوة اليهود هو آخر العوالم‪ ،‬وعالم العقل الذي إليه دعوة النصارى ّأولها‪ ،‬والجمعة هي يوم‬
‫عالم ّ‬
‫الجمع والختم‪ ،‬فمن لم يراع هذه األوضاع والمراقبات أصالً زال نور استعداده‪ ،‬فمسخ كما مسخت أصحاب السبت‪.‬‬
‫نهوا عن الصيد‪ ،‬أي‪ :‬إحراز الحظوظ النفسانية واقتنائها في يوم السبت‪ ،‬فاحتالوا فيه فاتخذوا حياضاً على ساحل‬
‫البحر ليحبسوا فيها الحيتان ويصطادوها يوم األحد‪ .‬أي‪ :‬ادخروا في سائر أيام األسبوع من ماء بحر الهيولى الجرمية‬
‫والجرمانيات المادية في حياض بيوتهم فجمعوا بها أنواع المطاعم والمشارب والمالذ والمالهي‪ ،‬فاجتمع لهم كل‬
‫الحظوظ النفسانية في يوم السبت ما اكتفوا به سائر أيام األسبوع ليفرغوا فيها إلى االشتغال بالمكاسب والصناعات‬
‫والمهن‪ ،‬كحما هو عادة اليهود اليوم وشطار المسلمين في الجماعات فإن أكثر فسقهم فيها‪ ،‬فذلك اعتيادهم في السبت‬
‫أن جميع أوقات حضورهم مصروفة في هموم الدنيا وطلب حظوظ النفس والهوى‪ .‬كما ترى اليوم واحداً‬ ‫وهو يدل على ّ‬
‫من المسلمين قالبه في المسجد في الصالة وقلبه في السوق في المعاملة‪ ،‬حتى قال أحدهم‪ :‬جريدة حسابي هي‬
‫الصالة‪ .‬أي‪ :‬إذا فرغت من أشغال الدنيا إلى الصالة أخذ قلبي في تصفح تجاراتي وما لي على الناس وما للناس‬
‫العلوي اإلنساني إلى األفق السفلي الحيواني‪ .‬وهو معنى قوله ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫علي‪ ،‬وذلك موجب لالنحطاط عن العالم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫ئين} بعيدين‪ ،‬طريدين‪ .‬والمسخ بالحقيقة حق‬ ‫{فقلنا لهم كونوا قردة} أي‪ :‬مشابهين الناس في الصورة وليسوا بهم ِ‬
‫{خاس َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫{و َج َع َل ِم ْن ُه ُم اْلِق َرَدةَ َواْل َخَن ِاز َير} [المائدة‪،‬‬
‫غير منكر في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ووردت به اآليات واألحاديث كقوله تعالى‪َ :‬‬
‫اآلية‪ ،]60 :‬وقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬يحشر بعض الناس على صور يحسن عندها القردة والخنازير"‪.‬‬
‫وبين أعمالهم ومعاصيهم وموجبات مسخهم‪.‬‬ ‫وقد روي عنه عليه الصالة والسالم‪" :‬المسوخ ثالثة عشر"‪ ،‬ثم ّ‬
‫عدهم ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أن من غلب عليه وصف من أوصاف الحيوانات ورسخ فيه بحيث أزال استعداده وتمكن في طباعه وصار‬ ‫والحاصل ّ‬
‫صورة ذاتية له كالماء الذي منبعه معدن الكبريت مثالً صار طباعه طباع ذلك الحيوان ونفسه نفسه‪ ،‬فاتصلت روحه‬
‫عند المفارقة ببدن يناسب صفته فصارت صفته صورته وهللا أعلم بذلك‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 67‬الى اآلية ‪)71‬‬

‫ِِ‬ ‫اَّللِ أَن أ ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وس ٰى لَِق ْو ِم ِه ِإ َّن َّ‬


‫ين * َقاُلوْا‬ ‫َكو َن م َن اْل َجاهل َ‬ ‫ال أَ ُعوُذ ِب َّ ْ‬ ‫َن تَ ْذَب ُحوْا َبَق َرًة َقاُلوْا أَتَتَّخ ُذَنا ُه ُزواً َق َ‬
‫ْم ُرُك ْم أ ْ‬
‫َّللاَ َيأ ُ‬ ‫ال ُم َ‬‫َوإِ ْذ َق َ‬
‫ٰ‬
‫ان َب ْي َن ذلِ َك َفا ْف َعُلوْا َما تُ ْؤ َمرو َن * َقاُلوْا ْادعُ‬
‫ض َوالَ ِب ْكٌر َع َو ٌ‬
‫َّ‬
‫ول ِإَّن َها َبَق َرةٌ ال َف ِار ٌ‬ ‫َّك ُيَبِّين َّلَنا ما ِهي َق ِ‬
‫ال إَّن ُه َيُق ُ‬
‫َ َ َ‬ ‫ْادعُ َلَنا َرب َ‬
‫َّك ُيَبِّين َّلَنا َما ِهي‬
‫ين * َقاُلوْا ْادعُ َلَنا َرب َ‬
‫َلنا ربَّك يبِين َّلنا ما َلونها َقال ِإَّنه يُقول ِإَّنها بَقرة صْفرآء َف ِاقـع َّلونها تَسُّر َّ ِ‬
‫الناظ ِر َ‬ ‫َ َ َ َُّ َ َ ْ ُ َ َ ُ َ ُ َ َ َ ٌ َ َ ُ ٌ ْ ُ َ ُ‬
‫َ‬
‫ض َوالَ تَ ْسِقي اْل َح ْر َث‬ ‫َّللا َلمهتَدون * َقال ِإَّنه يُقول ِإَّنها بَقرةٌ الَّ َذُل ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ول تُث ُير األَْر َ‬‫ٌ‬ ‫َ َُ ُ َ ََ‬ ‫آء َّ ُ ُ ْ ُ َ‬ ‫البَق َر تَ َش َاب َه َعَل ْيَنا َوإِنآ إن َش َ‬‫ِإ َّن َ‬
‫َّ َّ ِ ِ‬
‫وها َو َما َك ُادوْا َيْف َعُلو َن‬‫اآلن ِج ْئ َت ِباْل َح ِّق َف َذَب ُح َ‬ ‫يها َقاُلوْا َ‬ ‫ُم َسل َم ٌة ال شَي َة ف َ‬

‫{وإ ْذ قال موسى لِقو ِمه إن هللا َيأمركم ْ‬


‫أن تذبحوا َبقرةً} هي النفس الحيوانية‪ ،‬وذبحها قمع هواها الذي هو حياتها ومنعها‬
‫مهزواً بنا‪ ،‬وتستخفنا لنطيعك ونتسخر لك كما جاء في‬
‫ّ‬ ‫عن أفعالها الخاصة بها بشفرة سكين الرياضة {قالوا أتتخذنا}‬
‫أن أكو َن ِمن الجاهلين} االستخفاف واالستهزاء وطلب الترؤس‬
‫حق فرعون‪ :‬فاستخف قومه فأطاعوه‪{ .‬قال أعوُذ باهلل ْ‬
‫هو فعل الجهال‪.‬‬

‫مسنة لزوال استعدادها‬ ‫{إنها بقرةٌ ال ِ‬ ‫ِ‬


‫ض} أي‪ :‬غير ّ‬ ‫فار ٌ‬ ‫{قالوا ْادعُ َلنا ربك ُيبين لنا ما ه َي} أي‪ :‬سل لنا رّبك ما هي َ‬
‫الصوفي بعد األربعين بارد‪{ .‬وال ِب ْكٌر} أي‪ّ :‬‬
‫فتية‪ ،‬لقصور استعدادها عما‬
‫ّ‬
‫ورسوخ اعتقادها وضراوتها بعاداتها كما قيل‪:‬‬
‫ان} نصفة {بين} ما ذكر {صفراء} ألن لون‬ ‫للرياضة لغلبة القوى الطبيعية وقوتها فيها َ‬
‫{ع َو ٌ‬ ‫يراد منها وعسر احتمالها ّ‬
‫الجسم أسود لعدم النورية فيه أصالً‪ ،‬ولون النفس النباتية أخضر لظهور النورية فيها‪ ،‬وغلبة السواد عليها لعدم‬
‫وقوة إدراكه‪ ،‬وكمال نوريته‪ .‬فلزم أن يكون لون النفس الحيوانية في‬ ‫إدراكها‪ ،‬ولون القلب أبيض ّ‬
‫لتجرده عن الجسم‪ّ ،‬‬
‫الحيوانات العجم أحمر لتركب نورية إدراكها وسواد تعلقها بالجسم‪ ،‬إذ الحمرة لون بين البياض والسواد ومركب منهما‪،‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{فاقع‬
‫ٌ‬ ‫لكن السواد فيه أكثر‪ .‬وفي اإلنسان أصفر لغلبة نورية إدراكها بمجاورة القلب‪ ،‬إذ الصفرة حمرة عليها البياض‬
‫ين} لقوة نور استعدادها وتشعشعها والناظرون‬
‫لونها} لصفاء استعدادها وشعشعان شعاع نور القلب عليها {تسر الناظر َ‬
‫{إن البَق َر تشابه‬
‫للمستعدين المستبصرين وذوقهم بحضورهم‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫هم الكاملون المطلعون على االستعدادات لوجوب محبتهم‬
‫ستعد طالباً‪ .‬كما قيل‪ :‬ما ك ّل طبع‬
‫المستعدين وما كل م ّ‬
‫ّ‬ ‫علينا} لكثرة البقر الموصوف بهذه الصفة‪ ،‬أي‪ :‬كثرة أصناف‬
‫إن شاء هللا لمهتدون} إلى ذبح هذه البقرة‪.‬‬
‫كل صابر واجداً‪{ .‬و ّإنا ْ‬
‫كل طالب صاب اًر‪ ،‬وال ّ‬
‫قابالً وال كل قابل طالباً‪ ،‬وال ّ‬
‫ميسرة بتوفيقه‪ .‬ولهذا قال رسول هللا‬
‫وقولهم‪ :‬إن شاء هللا‪ ،‬دليل على استعدادهم لعلمهم بأن األمور متعلقة بمشيئة هللا‪ّ ،‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪" :‬لو لم يستثنوا لما ظفروا بها أبد الدهر‬

‫‪".‬‬

‫{تثير} أرض االستعداد باألعمال الصالحة والعبادات {وال تسقي} حرث‬ ‫لول} غير مذللة‪ ،‬منقادة ألمر الشرع ُ‬
‫{ال َذ ٌ‬
‫بالقوة باستقاء ماء العلوم الكسبية واألفكار الثاقبة‪ ،‬لعدم احتياج مثل هذه البقرة إلى الذبح‬
‫المعارف والحكم التي فيها ّ‬
‫{مسلم ٌة} سلمها أهلها لترعى‪ ،‬غير مسوسة برسوم وعادات وشرائع وآداب {ال ِشي َة فيها} أي‪ :‬لم يرسخ فيها اعتقاد‬
‫ُ‬
‫ومذهب لعدم صالحيتها للذبح‪.‬‬

‫بالحق} الثابت في بيان المستعد المشتاق‪ ،‬الطالب للكمال {فذبحوها وما كادوا َيفعلون} لكثرة سؤاالتهم‬
‫ِ‬ ‫{ ِج َ‬
‫ئت‬
‫تدل على عدم انقياد النفس‬
‫ومبالغاتهم وتعمقهم في البحث والتفتيش عن حالها‪ ،‬وفضول كالمهم في بيانها التي ّ‬
‫بالسرعة‪ ،‬وإبائها للرياضة‪ ،‬وغلبة الفضول عليها‪ ،‬وتعذر مطلوبهم‪ ،‬وتأخرهم عنه بسبب ذلك‪ .‬ولهذا قال رسول هللا‬
‫فشدد هللا عليهم"‪ ،‬أي‪ :‬لو لم يكن منهم كثرة‬
‫شددوا ّ‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪" :‬لو اعترضوا أدنى بقرة فذبحوها لكفتهم‪ ،‬ولكن ّ‬
‫لقوة قبولهم وإرادتهم‪ ،‬فكان سلس القياد‪ ،‬سهل االنقياد‪ .‬ونهى صلى هللا‬ ‫عز عليهم مطلوبهم ّ‬‫فضول البحث والسؤال لما ّ‬
‫آء ِإن‬
‫َشَي َ‬
‫عليه وسلم عن كثرة السؤال‪ ،‬وقال‪" :‬إنما هلك من كان قبلكم بكثرة السؤال"‪ .‬قال هللا تعالى‪{ :‬الَ تَ ْسأَلُوْا َع ْن أ ْ‬
‫تُْب َد َل ُك ْم تَ ُس ْؤُك ْم} [المائدة‪ ،‬اآلية‪.]101 :‬‬

‫إن شيخاً من بني إسرائيل نتجت له عجلة على هذه الصفة‪ ،‬وكان له ابن طفل‪ ،‬فجاء بها إلى‬ ‫وقيل في قصتها‪ّ :‬‬
‫عجوز وقال‪ :‬إنها لهذا الطفل‪ ،‬سلميها في مرعاها عساها تنفعه إذا بلغ‪ .‬فلما وقعت هذه الواقعة وسعى بنو إسرائيل في‬
‫طلب البقرة أربعين سنة سمعت العجوز بها‪ ،‬فأخبرت ابنها بما فعل أبوه وقد ترعرع‪ ،‬فجاء إلى المرعى فوجدها‪ ،‬فأتى‬
‫بها فساوموه في شرائها ومنعته العجوز عن بيعها حتى اشتروها بملء مسكها ذهباً‪ .‬فالشيخ هو الروح‪ ،‬والعجوز‬
‫الشاب المقتول هو القلب‪.‬‬
‫الطبيعة الجسمانية‪ ،‬وابنه الطفل هو العقل الذي هو نتيجة الروح‪ ،‬و ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سّلم شيخ الروح عجل النفس إلى عجوز الطبع ليرعى في مرعى اللذت الطبيعية حتى يكبر عسى طفل العقل أن ينتفع‬
‫بها وقت البلوغ في انتزاع المعقوالت من محسوساتها واستعمال الفكر الذي هو من قواها في اكتساب العلوم العقلية‪.‬‬
‫وهو الذي جاء بها من المرعى وسعي بني إسرائيل أربعين سنة إشارة إلى السير إلى هللا باألعمال واآلداب والتخلق‬
‫ِ‬
‫َشَّدهُ َوَبَل َغ أ َْرَبع َ‬
‫ين َسَن ًة} [األحقاف‪ ،‬اآلية‪:‬‬ ‫وتجرد القلب‪ ،‬كما قال هللا تعالى‪{َ :‬بَل َغ أ ُ‬
‫باألخالق‪ ،‬إلى أوان البلوغ الحقيقي‪ّ ،‬‬
‫المنورة بنور الهداية الشرعية واإلرادة‪ ،‬وانتزاعها‬ ‫‪ .]15‬ومساومتهم إياها في شرائها إشارة غلى طلب القوى الروحانية ّ‬
‫من العقل المشوب بالوهم‪ ،‬واستعباد العقل إياها بالمعقوالت القياسية‪ ،‬وتسخيرها بالفكريات‪ ،‬وحجبها عن نور الهداية‬
‫لتشددهم في السؤال وتأخرهم وتباطئهم في‬
‫الشرعية بالقياسات العقلية‪ ،‬وعدم تحليتها بالشرعيات‪ .‬وهذا هو الموجب ّ‬
‫االمتثال‪ .‬ومنع العجوز إياه هو ممانعة الطبع في االنقياد للشرع‪ ،‬وموافقة العقل إياه في ذلك لرعاية العقل جانب‬
‫الطبع في مصالح المعاش وترفيهه إياه‪ ،‬وترخيصه والتوسيع عليه أكثر من الشرع‪ .‬وبيعها بملء مسكها ذهباً إشارة‬
‫إلى تحليها بعد الذبح والسلخ بالعلوم النافعة الشرعية والعقلية الخلقية واألحكام الفرعية الدينية‪ ،‬واشتمال صورتها عليها‬
‫التي توافق العقل والطبع وتنفعهما باستعمالهما إياها في تحصيل مصالح المعاش والمباغي الطبيعية والمطالب العقلية‬
‫التصرف المباح وأنواع الرخص في جميع التمتعات بعد حصول الكمال وتمام‬
‫العملية بإذن الشرع من الوجه الحالل و ّ‬
‫السلوك‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 72‬الى اآلية ‪)72‬‬

‫َّللاُ ُم ْخ ِرٌج َّما ُك ْنتُ ْم تَ ْكتُ ُمو َن‬


‫يها َو َّ‬ ‫وِإ ْذ َقَتْلتُم َنْفساً َف َّاد أ ِ‬
‫ارْتُ ْم ف َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫فادارْء ِْتُم فيها} إشارة إلى بيان سبب األمر بذبح البقرة‪ ،‬وهو أنه كان شيخ موسر من بني إسرائيل وله‬
‫{وإذ قتلتم نفساً ّ‬
‫ابن شاب فقتله ابنا عمه‪ ،‬أو بنو عمه‪ ،‬طمعاً في ميراث أبيه وطرحوه بين أسباط بني إسرائيل على الطريق‪ ،‬فتدافعوا‬
‫فالشاب هو القلب الذي هو ابن الروح الموسر‬
‫ّ‬ ‫في قتله‪ ،‬فورد األمر بذبح البقرة وضربه ببعضها ليحيا فيخبر بالقاتل‪.‬‬
‫بأموال المعارف والحكم‪ ،‬وقتله منعه عن حياته الحقيقية وإزالة العشق الحقيقي الذي هو حياته عنه باستيالء ّقوتي‬
‫الشهوة والغضب اللذين هما ابنا عمه النفس الحيوانية أو جميع قواها عليه‪ ،‬إذ الروح والنفس أخوان باعتبار فيضانهما‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫المسمى {روح القدس} على قياس ما ورد في الحديث‪" :‬أكرموا عمتكم النخلة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ووالدتهما من أب هو العقل الفعال‬
‫عمة النفس اإلنسانية‪ ،‬كانت النفس الحيوانية‬
‫فإنها خلقت من بقية طين آدم"‪ .‬فإن النفس النباتية الكاملة التي إذا كانت ّ‬
‫عمتها‪ .‬قتاله طمعاً في استعمال المعاني العقلية والحكم التي هي ميراث أبيه في تحصيل مطالبهما وكماالتهما‬
‫ّ‬
‫ولذاتهما بأنواع الحيل والمكر وصناعة الفكر‪ .‬وطرحاه على طرق القوى الروحانية والطبيعية بين محالها وتدافعهم في‬
‫كل قوة منها الفساد واإلثم إلى األخرى‪ ،‬والصالح والبراءة إلى نفسها لتنازعها وتجاذبها في أفعالها‬
‫قتله هو إحالة ّ‬
‫كل منها بما يالئمها عما يالئم األخرى ورؤيتها الصالح فيه والفساد في ّ‬
‫ضده‪{ .‬وهللا ُم ْخرٌج ما كنتم‬ ‫ولذاتها واحتجاب ّ‬
‫تكتُ ُمو َن} من نور القلب وحياته‪ ،‬باالستيالء عليه‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 73‬الى اآلية ‪)73‬‬

‫يك ْم َآي ِات ِه َل َعَّل ُك ْم تَ ْعِقُلو َن‬ ‫َفُقْلنا اض ِربوه ِببع ِ‬


‫ض َها َك َذلِ َك ُي ْحِيي َّ‬
‫َّللاُ اْل َم ْوتَ ٰى َوُي ِر ُ‬ ‫َ ْ ُ ُ َْ‬

‫{فقلنا اضربوه ببعضها} بذنبها أو لسانها‪ ،‬على ما ورد في القصة‪ ،‬ليحيا‪ ،‬فيخبركم بالقاتل‪ .‬وضرب الذنب إشارة إلى‬
‫كالحس اللمسي مثالً وسائر‬
‫ّ‬ ‫إماتة النفس وتبقية أضعف قواها وآخرها‪ ،‬وجهتها التي تلي النفس النباتية ورابطتها بها‬
‫ّ‬
‫الحواس الظاهرة فإنها ذنبها‪ .‬وضرب اللسان إشارة غلى تعديل أخالقها وقواها وتبقية فكرها الذي هو لسانها‪ ،‬وهما‬
‫التصوف وهو بالنفوس القوية الجانية المستولية‬
‫ّ‬ ‫طريقان‪ :‬طريق الرياضة وإماتة الغضب والشهوة‪ ،‬كما هو طريق‬
‫الطاغية أولى‪ ،‬وطريق التحصيل وتعديل األخالق كما هو سبيل العلماء والحكماء‪ ،‬وهو بالنفوس الضعيفة والصافية‬
‫المنقادة اللينة أولى‪ .‬فضربوه‪ ،‬فقام وأوداجه تشخب دماً‪ ،‬وأخبر بقاتليه‪ ،‬أي‪ :‬صار حياً قائماً بالحياة الحقيقية وعليه أثر‬
‫وتلوثه بمطالبه بحسب الضرورة‪ ،‬وعرف حال القوى البدنية في منعها إياه عن إدراكه وحجبها له‬ ‫القتل لتعلقه بالبدن ّ‬
‫الموتى} أي‪ :‬مثل ذلك اإلحياء العظيم‪ ،‬يحيي هللا موتى الجهل بالحياة الحقيقية العملية‬
‫{كذلك ُي ْحيي هللا َ‬
‫َ‬ ‫عن نوره‪.‬‬
‫{وي ِريكم} دالئله وآيات صفاته لكي تعقلون‪.‬‬
‫ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 74‬الى اآلية ‪)74‬‬

‫وب ُك ْم ِّمن َب ْع ِد ٰذلِ َك َف ِه َي َكاْل ِح َج َارِة أ َْو أ َ‬


‫َشُّد َق ْس َوًة َوإِ َّن ِم َن اْل ِح َج َارِة َل َما َيتََف َّج ُر ِم ْن ُه األ َْن َه ُار َوإِ َّن ِم ْن َها َل َما َي َّشَّق ُق‬ ‫ثُ َّم َق َس ْت ُقُل ُ‬
‫َّللاِ َو َما َّ‬
‫َّللاُ ِب َغ ِاف ٍل َع َّما تَ ْع َمُلو َن‬ ‫ط ِم ْن َخ ْشَي ِة َّ‬ ‫آء َوإِ َّن ِم ْن َها َل َما َي ْهِب ُ‬ ‫ِ‬
‫َفَي ْخ ُرُج م ْن ُه اْل َم ُ‬
‫مدة الفترة‪ ،‬وتتابع التلوينات‪ ،‬وتوالي النزغات‪ ،‬قست قلوبكم بكثرة‬
‫لوبكم} أي‪ :‬بعد تطاول األمد‪ ،‬وتراخي ّ‬
‫قس ْت ُق ُ‬
‫{ثم َ‬
‫مباشرة األمور واللذات البدنية‪ ،‬ومالبسة الصفات النفسانية {فهي كالحجارِة} من عدم تأثرها بالنقش العلمي {أو} شيء‬
‫ّ‬
‫بأن حالها منحصر في الوجوه الثالثة المذكورة‪ ،‬فأفاد أن‬
‫أن الحجارة ألين منها ّ‬
‫قسوة} منها‪ ،‬كالحديد مثالً‪ .‬ثم بين ّ‬
‫{أشد ً‬
‫تنور بالنور اإللهي منطمساً فيه‪ ،‬واستغرق في البحر العلمي منغمساً فيه‪ ،‬فانفجرت منه أنهار‬ ‫القلوب أربعة‪ :‬قلب ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫من الحجارِة َل َما ّ‬
‫يتفج ُر‬ ‫إن َ‬
‫العلم‪ ،‬فمن شرب منها يحيا أبداً كقلوب أهل هللا السابقين وهو المشار إليه بقوله تعالى‪{ :‬و ّ‬
‫نهار} وقلب ارتوى من العلم‪ ،‬فحفظ ووعى‪ ،‬فانتفع به الناس‪ ،‬كقلوب العلماء الراسخين وهو المشار إليه بقوله‪:‬‬
‫منه األ ُ‬
‫اء} وقلب خشع وانقاد واستسلم وأطاع‪ ،‬كقلوب العباد والزّهاد من المسلمين‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬
‫الم ُ‬
‫فيخرُج منه َ‬
‫شقق ُ‬
‫لما َي ُ‬
‫{وإن منها َ‬
‫شية هللا} وأدنى أحوال حاله هو الهبوط من خشية هللا‪ ،‬أي‪ :‬االنقياد لما‬ ‫ط من خ ِ‬ ‫لما َيهب ُ‬
‫َ‬ ‫إن منها َ‬
‫المشار إليه بقوله‪{ :‬و ّ‬
‫ط بالعلم ولم يتلين بالخوف آبياً للهدى‪ ،‬متكب اًر‪ ،‬ممتلئاً‬
‫أمر هللا من الميل إلى المركز بالسالسة‪ .‬وبقي قلب لم يتأثر ق ّ‬
‫متمرداً‪ ،‬فال يوجد من الجواهر ما يشبهه لقبول جميعها ما أمر هللا به‪ ،‬فكيف بالحديد الذي يلين لما يراد منه؟‬
‫بالهوى‪ّ ،‬‬
‫قال النبي عليه السالم‪" :‬مثل ما بعثني هللا به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير‪ ،‬أصاب أرضاً فكانت طائفة منها‬
‫طيبة قبلت الماء وأنبتت الكأل والعشب الكثير‪ ،‬وكانت منها طائفة أخاذات أمسكت الماء‪ ،‬فنفع هللا بها الناس فشربوا‬
‫وسقوا وزرعوا‪ ،‬وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان ال تمسك ماء وال تنبت كأل‪ .‬فذلك مثل من فقه في الدين‬
‫فعلم وعّلم‪ ،‬ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى هللا الذي أرسلت به"‪ .‬فبين عليه السالم القلوب الثالثة األخيرة‪،‬‬
‫واألول من األربعة هو القلب المحمدي‪{ .‬وما هللا ِ‬
‫بغاف ٍل عما تَ ْع َملو َن} تهديد للقاسية قلوبهم‪ ،‬أي‪ :‬هللا مطلع فيحجبهم‬ ‫ّ‬
‫عن نوره ويتركهم في ظلماتهم‪ ،‬واآليات التي تتلوها ظاهرة‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 75‬الى اآلية ‪)78‬‬

‫ون ُه ِمن َب ْع ِد َما َعَقُلوهُ َو ُه ْم َي ْعَل ُمو َن * َوإِ َذا َلُقوْا‬ ‫طمعون أَن يؤ ِمنوْا َل ُكم وَقد َكان َف ِريق ِمنهم يسمعون َكالَم َّ ِ‬
‫َّللا ثُ َّم ُي َحِّرُف َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ ّْ ُ ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ْ َ ْ َ‬ ‫ُْ ُ‬ ‫أََفتَ ْ َ ُ َ‬
‫وكم ِب ِه ِع ْن َد َرّب ُ‬
‫ِك ْم أََفالَ‬ ‫َّللاُ َعَل ْي ُك ْم لُِي َح ُّ‬
‫آج ُ‬ ‫ون ُهم ِب َما َفتَ َح َّ‬ ‫ِ‬ ‫ض ُهم ِإَل ٰى َب ْع ٍ‬
‫ض َقاُلوْا أَتُ َحّدثُ َ‬ ‫آمَّنا َوِإ َذا َخالَ َب ْع ُ ْ‬
‫آمُنوْا َقاُلوْا َ‬‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫الذ َ‬
‫َّللا يعَلم ما ي ِسُّرو َن وما يعلِنو َن * و ِم ْنهم أ ُِميُّو َن الَ يعَلمو َن اْل ِكتَاب ِإالَّ أَم ِان َّي وإِن هم ِإالَّ‬ ‫تَ ْعِقُلو َن * أ ََوالَ َي ْعَل ُمو َن أ َّ‬
‫َ َ ْ ُْ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ ُْ ّ‬ ‫َ َ ُْ ُ‬ ‫َن َّ َ َ ْ ُ َ ُ‬
‫ظُّنو َن‬
‫َي ُ‬

‫وتأويل األولى‪:‬‬

‫يق منهم} يقبلون صفات هللا ثم ّ‬


‫يحرفونها بنسبتها‬ ‫{أفتطمعو َن} أن يوحدوا بتوحيد الصفات ألجل هدايتكم {وقد كان فر ٌ‬
‫ُ‬
‫إلى أنفسهم {من بعد ما َعَقُلوهُ} أي‪ :‬علموا توحيد الصفات وما وجدوه بالعيان {وهم يعلمو َن} أن تلك الصفات هلل‪ ،‬لكن‬
‫نفوسهم ينتحلونها باإلشراك حالة ذهول العقل عن استيالئها على القلب لعدم كون توحيدهم ملكة وحاالً‪ ،‬بل علماً ‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 79‬الى اآلية ‪)79‬‬

‫َّللاِ لَِي ْشتَ ُروْا ِب ِه ثَمناً َقلِيالً َفوْي ٌل َّلهم ِم َّما َك َتَب ْت أ َْي ِد ِ‬
‫يه ْم ثُ َّم َيُقوُلو َن َهـٰ َذا ِم ْن ِع ْن ِد َّ‬
‫اب ِبأ َْي ِد ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ ِ‬
‫يه ْم َوَوْي ٌل‬ ‫ُْ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ين َي ْكتُُبو َن اْلكتَ َ‬
‫َف َوْي ٌل ّللذ َ‬
‫َّل ُه ْم ِّم َّما َي ْك ِسُبو َن‬

‫{فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم}‪ ،‬أي‪ :‬ويل لمن بقيت منه بقايا صفات النفس وهو ال يشعر بها أو يشعر فيحتال‬
‫ويدعي أنه من عند هللا ليكتسب به حظاً من حظوظ النفس‪ ،‬بل عين‬
‫أو ال يحتفل بها فيفعل ويقول بنفسه وصفاتها‪ّ ،‬‬
‫تام لها وذنب ال ذنب أقوى منه‪ .‬ويمكن أن ّ‬
‫تؤول اآليات الثالث األول على‬ ‫ذلك القول والفعل ونسبته إلى هللا حظ ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الوجه الثاني المبني على التطبيق فيقال‪ :‬أفتطمعون‪ ،‬أيتها القوى الروحانية‪ ،‬أن تؤمن هذه القوى النفسانية ألجل‬
‫هدايتكم منقادة‪ .‬وقد كان فريق منهم كالوهم والخيال يسمعون كالم هللا‪ ،‬أي‪ :‬يتلقفون المعاني الواردة من عند هللا على‬
‫ثحرفونه بالمحاكاة وكثرة االنتقاالت وجعلها جزئية‪ ،‬وإعطائها أحكام الجزئيات كما في المنامات والواقعات‪.‬‬
‫القلب ثم ّ‬
‫من بعد ما عقلوه‪ ،‬أي‪ :‬أدركوه على حاله وهم يعلمون تحريفها وانتقاالتها إلى اللوازم واألشباه واألضداد‪.‬‬

‫وصدقوا‪{ .‬وإذا خال‬


‫ّ‬ ‫وإذا لقوكم بالتوجه نحوكم‪ ،‬وتلقن مدركاتكم عند حضوركم‪ ،‬ومشابعتها إياكم‪ ،‬وعروجها‪ ،‬إذعنوا‬
‫بعضهم إلى بعض} في أوقات الغفالت‪ ،‬منع بعضهم بعضاً عن إلقاء ما فتح هللا عليهم من مدركاتهم المحسوسة‬
‫والمخيلة والموهومة ليركبوا منها الحجج ويحاجوهم بها في الحضرة الروحانية عند ربهم ‪.‬‬

‫{أو ال َي ْعَلمو َن أن هللا َي ْعَلم ما ُي ِسّرون} عنكم من مدركاتهم {وما ُي ْعلِنون} فيطلعكم عليها وينصركم عليهم {ومنهم} أي‪:‬‬
‫القوى الطبيعية الغير المدركة والحواس الظاهرة {ال يعلمون} كتاب المعاني المعقولة {إال ِ‬
‫أماني} لذاتهم وشهواتهم وما‬
‫ومضرتها في طريق الكمال‪ ،‬بل يظنون نفعها وخيريتها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يتيقنون خاتمة عاقبتها‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 80‬الى اآلية ‪)82‬‬

‫َّللاِ َما الَ تَ ْعَل ُمو َن‬


‫َّللاُ َع ْه َدهُ أ َْم تَُقوُلو َن َعَلى َّ‬
‫ف َّ‬ ‫ِ‬ ‫النار ِإالَّ أَيَّاماً َّمعدودة ُقل أَتَّخ ْذتم ِعند َّ ِ‬
‫َّللا َع ْهداً َفَل ْن ُي ْخل َ‬ ‫ْ ُ َ ً ْ َ ُْ َ‬ ‫َوَقاُلوْا َلن تَ َم َّسَنا َّ ُ‬
‫الص ِالح ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫* بَلى من َكسب سِيَئ ًة وأَحا َ ِ ِ ِ‬
‫ات‬ ‫آمُنوْا َو َعمُلوْا َّ َ‬ ‫ين َ‬‫يها َخال ُدو َن * َوالذ َ‬ ‫الن ِار ُه ْم ف َ‬‫اب َّ‬ ‫ص َح ُ‬ ‫ط ْت به َخطي َـئتُ ُه َفأ ُْوَلـئ َك أَ ْ‬ ‫َ ٰ َ َ َ َّ َ َ‬
‫يها َخالِ ُدو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب اْل َجَّنة ُه ْم ف َ‬
‫َص َح ُ‬‫أُوَلـٰئ َك أ ْ‬

‫النار} إلى آخر اآلية‪ .‬اعتقدوا أن زمان العقاب يساوي زمان مباشرة الذنب‪ ،‬ولم يعلموا ّ‬
‫أن الذنب إذا‬ ‫{وقالوا لن تمسنا ُ‬
‫كان معتقداً فاسداً‪ ،‬ثابتاً في النفس‪ ،‬وهيئة راسخة فيها‪ ،‬وصار ملكة كصورة ذاتية لها‪ ،‬كان سبباً لتخليد العذاب‪ .‬وهو‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫طت به ِ‬
‫خط َيئتُه} أي‪ :‬استولت عليه واستوعبت كالسواد المستوعب للثوب‪ .‬ولو لم يكن كذلك‬ ‫معنى قوله تعالى‪{ :‬وأحا َ ْ‬
‫لما كانت الطاعة أيضاً سبب خلود الثواب‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 83‬الى اآلية ‪)83‬‬

‫ين وُقوُلوْا ِل َّلن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫يل الَ تَ ْعُب ُدو َن ِإالَّ َّ‬ ‫وإِ ْذ أَخ ْذنا ِميثَ ِ ِ ِ‬
‫اس ُح ْسناً‬ ‫ام ٰى َواْل َم َساك ِ َ‬
‫َّللاَ َوبِاْل َوال َد ْي ِن إ ْح َساناً َوذي اْلُق ْرَب ٰى َواْلَيتَ َ‬ ‫اق َبني إ ْس َرائ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫َّ ِ ِ‬ ‫َّ‬ ‫وأ َِقيموْا َّ ٰ‬
‫ضو َن‬ ‫اة ثُ َّم تََول ْيتُ ْم ِإال َقليالً ّم ْن ُك ْم َوأ َْنتُ ْم ُّم ْع ِر ُ‬ ‫وة وآتُوْا َّ‬
‫الزَك َ‬ ‫الصل َ َ‬ ‫َ ُ‬

‫يل} عاهدناهم بالتوحيد‪ .‬ومقتضى التوحيد مالحظة الحضرة الربوبية ومشاهدة تجلياتها في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إسرائ َ‬
‫َخ ْذنا ميثَاق َبني َ‬
‫{وإ ْذ أ َ‬
‫مظاهرها‪ ،‬والقيام بحقها على حسب ظهور أوصافها‪ .‬وأول من يظهر عليه صفات الربوبية وآثارها في الظاهر وعالم‬
‫الرب الرحيم فيهما له‪ .‬فاإلحسان إليهما‬
‫الشهادة هما األبوان لمكان النسبة والتربية والعطوفية‪ ،‬التي هي آثار الموجد ّ‬
‫يجب أن يلي عبادة هللا بحسب ظهوره في مظهريهما‪ ،‬ثم ذوي القربى لظهور المواصلة والمرحمة اإللهية فيهم بالنسبة‬
‫إليه‪ ،‬ثم اليتامى الختصاص واليته وحفظه تعالى بهم فوق من عداهم إذ هو ولي من ال ولي له‪ ،‬ثم المساكين لتوليته‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ظل الرحمانية‪ .‬فاإلحسان‬
‫العامة بينهم التي هي ّ‬
‫رعايتهم ورزقهم بنفسه بال واسطة غيره‪ ،‬ثم سائر الناس للرحمة ّ‬
‫المأمور به في اآلية على درجاته وتفاضله في مراتبه هو تخصيص العبادة باهلل مع مشاهدة صفاته في مظاهرها‬
‫ورعاية حقوق تجلياتها وأحكامها‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 84‬الى اآلية ‪)84‬‬

‫َخ ْذَنا ِميثَا َق ُك ْم الَ تَ ْسِف ُكو َن ِد َمآء ُك ْم َوالَ تُ ْخ ِر ُجو َن أ َْنُف َس ُك ْم ِّمن ِدَي ِارُك ْم ثُ َّم أَ ْق َرْرتُ ْم َوأ َْنتُ ْم تَ ْش َه ُدو َن‬
‫َوإِ ْذ أ َ‬
‫َ‬

‫مقار النفس وصفاتها وميلكم إلى هواها وطباعها‪ ،‬ومتاركتكم‬ ‫ِ نِ‬


‫ماء ُكم} بهواكم إلى ّ‬
‫{وإذ أخذنا ميثا َقكم ال تسف ُكو د َ‬
‫حياتكم الحقيقية‪ ،‬وخواص أفعالكم ألجل تحصيل مآربها ولذاتها {وال تُ ْخ ِرجون ُ‬
‫أنف َس ُكم} أي‪ :‬ذواتكم‪ .‬إذ يعبر بالنفس عن‬
‫ِ‬
‫الذات {من دَي ِارُكم} أي‪ّ :‬‬
‫مقاركم الروحانية والروضات القدسية {ثم أ ْق َرْرتم} بقبولكم لذلك {وأنتُم تَ ْشهدون} عليه‬
‫األولية وعقولكم الفطرية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫باستعداداتكم‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 85‬الى اآلية ‪)86‬‬

‫ُس َار ٰى‬


‫وك ْم أ َ‬
‫ان َوإِن َيأتُ ُ‬ ‫اه ُرو َن َعَل ْي ِهم ِب ِ‬
‫اإل ْث ِم َواْل ُع ْدَو ِ‬ ‫ْ‬ ‫ظ َ‬‫الء تَْقُتُلو َن أ َْنُف َس ُك ْم َوتُ ْخ ِر ُجو َن َف ِريقاً ِّم ْن ُك ْم ِّمن ِدَي ِارِه ْم تَ َ‬
‫ثُ َّم أ َْنتُم هـٰؤ ِ‬
‫ْ َُ‬
‫ض َف َما َج َزآ ُء َمن َيْف َع ُل ٰذلِ َك ِم ُ‬
‫نك ْم ِإالَّ ِخ ْزٌي‬ ‫اب وتَ ْكُف ُرو َن ِبَب ْع ٍ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اج ُه ْم أََفتُ ْؤمُنو َن بَب ْعض اْلكتَ َ‬ ‫وه ْم َو ُه َو ُم َحَّرٌم َعَل ْي ُك ْم ِإ ْخ َر ُ‬
‫تَُف ُاد ُ‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫اب وما َّ ِ‬ ‫الدنيا ويوم اْلِقيام ِة يرُّدون ِإَلى أ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اة ُّ‬
‫الد ْنَيا‬ ‫اشتََرُوْا اْل َحَي َ‬ ‫َّللاُ ِب َغاف ٍل َع َّما تَ ْع َمُلو َن * أُوَلـٰئ َك الذ َ‬
‫ين ْ‬ ‫ِ‬
‫َشّد اّل َع َذ َ َ‬ ‫في اْل َحَياة ُّ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ُ َ َ ٰ‬
‫ِ‬
‫نص ُرو َن‬ ‫اب َوالَ ُه ْم ُي َ‬ ‫ِباآلخ َرِة َفالَ ُي َخَّف ُ‬
‫ف َع ْن ُه ُم اْل َع َذ ُ‬

‫الء} الساقطون عن الفطرة‪ ،‬المحتجبون عن نور االستعداد األصلي {تَْقتلون ْأنُف َسكم} بغوايتكم ومتابعتكم‬ ‫{ثم أنتُم هؤ ِ‬
‫ّ‬
‫منكم من ِدَيارهم} أوطانهم القديمة األصلية‪ ،‬بإغوائهم وإضاللهم وتحريضهم على ارتكاب‬ ‫للهوى {وتُ ْخرجون َف ِريقاً ُ‬
‫ظاهرون عليهم} تتعاونون عليهم {باإل ْثمِ} بارتكاب الفواحش والمعاصي ليروكم فيتبعوكم فيها‬
‫المعاصي واتباع الهوى {تَ َ‬
‫القوتين البهيمية والسبعية وتحريضكم لهم‬
‫ليتعدى إليهم ظلمكم‪ ،‬وإلزامكم إياهم رذائل ّ‬
‫ان} واالستطالة على الناس ّ‬ ‫{والعدو ِ‬
‫أسارى} في‬
‫المدعين للتوحيد‪{ .‬وإن يأتُوكم َ‬
‫عليها‪ ،‬وتزيينكم لهم إياها كما هو عادة مالحدة المسلمين من أهل اإلباحة ّ‬
‫قيد تبعات ارتكبوها وشين أفعالهم القبيحة‪ ،‬أخذتكم الندامة وعيرتهم عقولهم وعقول أبناء جنسهم بما لحقهم من العار‬
‫أن اللذات المستعلية هي‪ :‬العقلية والروحية وعاقبة‬
‫فادوهم} بكلمات الحكمة والموعظة والنصيحة الدالة على ّ‬
‫والشنار {تُ ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اتباع الهوى والنفس والشيطان وخيمة‪ ،‬ومشاركة البهائم والهو ّام في أفعالها مذمومة رديئة‪ ،‬فيتيقظوا بها ويتخلصوا من‬
‫مدعي التوحيد والمعرفة والحكمة وأتباعهم في زماننا هذا‪.‬‬ ‫قيد الهوى سويعة كما نشاهد من حال علوج ّ‬

‫أن اتباع الهوى والنفس‬ ‫{أََفتُؤمنون ِببعض ِ‬


‫الكتاب} أي‪ :‬كتاب العقل والشرع قوالً وإق ار اًر‪ ،‬فتقرون به‬
‫وتصدقونه وهو ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫مذموم‪ ،‬موجب للوبال والهالك والخسران {وتَ ْكفرون ِببعض} فعالً وعمالً فال تنتهون عما نهاكم عنه‪ ،‬وهو إباحتهم‬
‫للمحرمات والمنهيات {فما َجزاء من َيفعل ذلك ِمنكم إال ِخ ْزٌي} افتضاح وذلة {في الحياة الدنيا ويوم‬
‫ّ‬ ‫واستحاللهم‬
‫ِ‬ ‫{ي َردون إلى أشد‬
‫العذاب} الذي هو تعذيبهم بالهيئات المظلمة‬ ‫القيامة} أي‪ :‬حال المفارقة التي هي القيامة الصغرى ُ‬
‫البلية {وما هللا ِب َغافل} عن أعمالكم‪،‬‬
‫الراسخة في نفوسهم واختراقهم بنيرانها أو مسخهم عن صورهم بالكلية‪ ،‬وتضاعف ّ‬
‫ِ‬ ‫أحصاها وضبطها في أنفسكم وكتبها عليكم‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬يوم يبعثُهم َّ ِ‬
‫َّللاُ‬
‫صاهُ َّ‬ ‫َّللاُ َجميعاً َفُيَنِّبُئ ُه ْم ِب َما َعمُلوْا أ ْ‬
‫َح َ‬ ‫َْ َ َْ َ ُ ُ‬
‫وه} [المجادلة‪ ،‬اآلية‪.]6 :‬‬
‫َوَن ُس ُ‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 87‬الى اآلية ‪)101‬‬

‫الرُس ِل َوآتَْيَنا‬ ‫اب َوَقَّف ْيَنا ِمن َب ْع ِدِه ِب ُّ‬ ‫ِ‬


‫وس ٰى اْلكتَ َ‬ ‫ِ‬ ‫أَوُكَّلما عاهدوْا عهداً َّنب َذه َف ِر ِ‬
‫يق ّم ْن ُهم َب ْل أَ ْكثَ ُرُه ْم الَ ُي ْؤمُنو َن * َوَلَق ْد آتَْيَنا ُم َ‬
‫َ َ َ َُ َ ْ َ ُ ٌ‬
‫استَ ْكَب ْرتُ ْم َفَف ِريقاً َك َّذ ْبتُ ْم َوَف ِريقاً‬ ‫س أََف ُكَّلما َجآء ُكم َرس ٌ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ات وأَي َّْدَناهُ ِب ُرو ِح اْلُق ُد ِ‬ ‫ِ‬
‫ول ب َما الَ تَ ْهَو ٰى أ َْنُف ُس ُك ْم ْ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫يسى ْاب َن َم ْرَي َم اْلَبّيَن َ‬
‫عَ‬
‫صِّد ٌق ّلِ َما‬ ‫َّللا ِبكْف ِرِهم َفَقلِيالً َّما يؤ ِمنون * وَل َّما جآءهم ِكتاب ِمن ِع ِند َّ ِ‬ ‫َّ‬
‫َّللا ُم َ‬ ‫َ َ ُْ َ ٌ ّ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُْ ُ َ‬ ‫ف َبل ل َعَن ُه ُم َّ ُ ُ ْ‬ ‫تَْقُتُلو َن * َوَقاُلوْا ُقُل ُ‬
‫وبَنا ُغْل ٌ‬
‫ين * ِب ْئ َس َما‬ ‫ِ‬ ‫َّال ِذين َكَفروْا َفَل َّما جآءهم َّما عرُفوْا َكَفروْا ِب ِه َفَلعن ُة َّ ِ‬ ‫َم َع ُه ْم َوَك ُانوْا ِمن َقْب ُل َي ْستَْفِت ُحو َن َعَلى‬
‫َّللا َعَلى اْل َكاف ِر َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ ُْ‬ ‫َ ُ‬
‫ض ٍب َعَل ٰى‬ ‫َّللا ِمن َفضلِ ِه عَلى من ي َش ِ ِ ِ ِ‬ ‫اشتَ َرْوْا ِب ِه أ َْنُف َس ُه ْم أَن َي ْكُف ُروْا ِب َمآ أَن َزَل‬
‫آءو ِب َغ َ‬
‫آء م ْن عَباده َفَب ُ‬ ‫ْ َ ٰ َ َ ُ‬ ‫َّللاُ َب ْغياً أَن ُيَنِّزُل َّ ُ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬
‫آءهُ َو ُهَو‬ ‫نِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َغض ٍب ولِْل َك ِاف ِرين ع َذاب ُّم ِهين * وإِ َذا ِقيل َلهم ِ‬
‫آمُنوْا ِب َما أ َْن َزَل َّ‬
‫َّللاُ َقاُلوْا ُن ْؤم ُن ب َمآ أ ُْنزَل َعَل ْيَنا َوَي ْكُفرو َ ب َما َوَر َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ َ ٌ‬ ‫َ َ‬
‫َّللاِ ِمن َقبل ِإن ُك ْنتُم ُّمؤ ِمِنين * وَلَق ْد جآء ُكم ُّموسى ِباْلبِين ِ‬
‫ات ثُ َّم اتَّ َخ ْذتُ ُم‬ ‫آء َّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ِ‬ ‫اْلح ُّق م ِ ِ‬
‫َ َ َ ْ َ ٰ َّ َ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫ُْ‬ ‫صّدقاً ّل َما َم َع ُه ْم ُق ْل َفل َم تَْقُتُلو َ أ َْنبَي َ‬ ‫َ َُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اْل ِع ْج َل ِمن َب ْعده َوأ َْنتُ ْم َ‬
‫اس َم ُعوْا َقاُلوْا َسم ْعَنا‬‫ور ُخ ُذوْا َمآ َءاتَْيَن ُكم بُقَّوة َو ْ‬ ‫َخ ْذَنا ميثَا َق ُك ْم َوَرَف ْعَنا َف ْوَق ُك ُم الط َ‬‫ظال ُمو َن * َوإِ ْذ أ َ‬
‫ين * ُق ْل ِإن َك َان ْت َل ُكم َّ‬ ‫ِ‬
‫يم ُان ُك ْم ِإ ْن ُك ْنتُ ْم ُّم ْؤ ِمن َ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الد ُار‬ ‫ُ‬ ‫ْم ُرُك ْم به إ َ‬ ‫ُش ِرُبوْا في ُقُلوبِه ُم اْلع ْج َل ب ُكْف ِره ْم ُق ْل ب ْئ َس َما َيأ ُ‬ ‫ص ْيَنا َوأ ْ‬
‫َو َع َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اس َفتَمَّنوْا اْلمو َت ِإن ُك ْنتُم ص ِاد ِقين * وَل ْن يتَمَّنوه أَبداً ِبما َقَّدم ْت أَي ِدي ِهم و َّ ِ‬ ‫ص ًة ِّمن ُدو ِن َّ‬ ‫اآلخرةُ ِع َند َّ ِ ِ‬
‫ِ‬
‫يم‬
‫َّللاُ َعل ٌ‬ ‫َ َ َ ُْ َ َ َ ْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫الن ِ َ ُ َ ْ‬ ‫َّللا َخال َ‬ ‫َ‬
‫ف َسَن ٍة َو َما ُه َو ِب ُم َز ْح ِزِح ِه‬ ‫َش َرُكوْا َي َوُّد أ َ‬
‫َح ُد ُه ْم َل ْو ُي َع َّم ُر أَْل َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ٍ‬
‫اس َعَل ٰى َحَياة َو ِم َن الذ َ‬
‫ين أ ْ‬ ‫الن ِ‬
‫ص َّ‬ ‫مين * َوَلتَ ِج َدَّن ُه ْم أ ْ‬
‫َح َر َ‬
‫َّ ِ‬
‫ِبالظال َ‬
‫صِّدقاً ّلِ َما‬ ‫صير ِبما يعمُلون * ُقل من َكان عدواً ّلِ ِجب ِريل َفِإَّنه نَّزَله عَلى َقْلِبك ِبِإ ْذ ِن َّ ِ‬
‫َّللا ُم َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُّ ْ َ ُ َ ُ َ ٰ‬ ‫ْ َ‬ ‫َّللاُ َب ِ ٌ َ َ ْ َ َ‬ ‫ِم َن اْلع َذ ِ‬
‫اب أَن ُي َع َّم َر َو َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬
‫يك َل َفِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * َوَلَق ْد‬ ‫َّللاَ َع ُدٌّو ّلْل َكاف ِر َ‬ ‫يل َو ِم َ‬
‫ان َع ُدّواً ََّّلل َو َمالئ َكته َوُرُسله َوج ْب ِر َ‬
‫ين * َمن َك َ‬ ‫َب ْي َن َي َد ْيه َو ُه ًدى َوُب ْش َر ٰى لْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫يق ِّم َن‬ ‫َّللاِ م ِ ِ‬ ‫اسُقون * وَل َّمآ جآءهم رس ِ ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أ َْن َ ْزلَنآ ِإَل ْي َك َآيات َبِّيَنات َو َما َي ْكُف ُر ِب َهآ ِإالَّ اْلَف ِ َ‬
‫صّد ٌق ّل َما َم َع ُه ْم َنَب َذ َف ِر ٌ‬ ‫ول ّم ْن عند َّ ُ َ‬ ‫َ َ ُْ َ ُ ٌ‬ ‫َ‬
‫ورِه ْم َكأََّن ُه ْم الَ َي ْعَل ُمو َن‬
‫ظ ُه ِ‬
‫آء ُ‬ ‫َّال ِذين أُوتوْا اْل ِك ٰتب ِك ٰتب َّ ِ‬
‫َّللا َوَر َ‬ ‫ََ ََ‬ ‫َ ُ‬

‫ِ‬
‫مر‪ .‬والظاهر أن جبرائيل هو العقل الفعال‪.‬‬‫{ولقد آتينا ُموسى الكتاب} إلى قوله‪{ :‬ال يعلمون} ظاهر ومعلوم مما ّ‬
‫وميكائيل هو روح الفلك السادس‪ ،‬وعقله المفيض للنفس النباتية الكلية الموكلة بأرزاق العباد‪ .‬وإسرافيل هو روح الفلك‬
‫الرابع‪ ،‬وعقله المفيض للنفس الحيوانية الكلية‪ ،‬الموكلة بالحيوانات‪ .‬وعزرائيل هو روح الفلك السابع الموكل الألرواح‬
‫اإلنسانية كلها‪ ،‬يقبضها بنفسه أو بالوسايط التي هي أعوانه ويسلمها إلى هللا تعالى ‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 102‬الى اآلية ‪)102‬‬

‫ِ‬
‫الس ْح َر َو َمآ أ ُْن ِزَل‬ ‫ين َكَف ُروْا ُي َعِّلمو َن َّ‬ ‫ٰطين عَلى مْل ِك سَليمـٰن وما َكَفر سَليمـٰن وَلـ ِٰك َّن َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ‬
‫اس ّ‬ ‫الن َ‬ ‫ُ‬ ‫الشَيـٰط َ‬ ‫َواتَب ُعوْا َما تَْتُلوْا الشَيـ ُ َ ٰ ُ ُ ْ َ َ َ َ َ ُ ْ َ ُ َ‬
‫َح ٍد َحتَّ ٰى َيُقوالَ ِإَّن َما َن ْح ُن ِف ْتَن ٌة َفالَ تَ ْكُف ْر َفَيتَ َعَّل ُمو َن ِم ْن ُه َما َما ُيَفِّرُقو َن‬ ‫عَلى اْلمَل َكي ِن ِبباِبل هـٰروت ومـٰروت وما يعّلِم ِ ِ‬
‫ان م ْن أ َ‬ ‫َ ْ َ َ َ ُ َ َ َ ُ َ َ َ َُ َ‬ ‫َ‬
‫ضُّرُه ْم َوالَ َي َنف ُع ُه ْم َوَلَق ْد َعلِ ُموْا َل َم ِن ْ‬ ‫َّ‬ ‫ِب ِه بين اْلمرِء وزو ِج ِه وما هم ِبض ِآرين ِب ِه ِمن أَح ٍد ِإالَّ ِبِإ ْذ ِن َّ ِ‬
‫اشتََراهُ َما‬ ‫َّللا َوَيتَ َعل ُمو َن َما َي ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ َ َ ْ َ َ ْ َ َ ُ َ ّ َ‬
‫اآلخ َرِة ِم ْن َخ َٰل ٍ‬
‫ـق َوَلِب ْئ َس َما َش َرْوْا ِب ِه أ َْنُف َس ُه ْم َل ْو َك ُانوْا َي ْعَل ُمو َن‬ ‫َله ِفي ِ‬
‫ُ‬

‫المتمردة العصاة األشرار‪ ،‬األقوياء‪،‬‬


‫ّ‬ ‫{واتبعوا} أي‪ :‬اتبع اليهود والقوى الروحانية {ما تتلوا} شياطين اإلنس الذين هم‬
‫المتمردة عن‬
‫ّ‬ ‫الجن وهم األوهام والخياالت والمتخيالت المحجوبة عن نور الروح‪ ،‬العاصية ألمر العقل‬ ‫وشياطين ّ‬
‫طاعة القلب {على} عهد {ملك سليمان} النبي أو سليمان الروح من كتب السحر وعلومه‪ ،‬يزعمون أنه علم سليمان‬
‫ّ‬
‫الجن واإلنس والطير وعلم الحيل والشعبذة والموهومات والمتخيالت‬
‫سخر من ّ‬‫وسخر ما ّ‬
‫وبه استولى على الملك ّ‬
‫والسفسطة‪{ .‬وما كفر سليمان} بإسناد التأثير إلى غير هللا‪ ،‬إذ السحر كفر واحتجاب عن مؤثرية هللا‪ ،‬بإسناد التأثير‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{ولكن الشياطين كفروا} احتجبوا ولم يعلموا أن ال مؤثر إال هللا {يعلمون الناس السحر وما أنزل على‬
‫ّ‬ ‫إلى غيره‬
‫الملكين} أي‪ :‬العقل النظري والعملي المائلين إلى النفس المنكوسين من بئر الطبيعة لتوجههما إليها باستجذاب النفس‬
‫ّ‬
‫المود وأدخنة نيران الشهوات من العلوم واألعمال من‬
‫ّ‬ ‫إياهما إليها {ببابل} الصدر المعذبين بضيق المكان بين أبخرة‬
‫باب الحيل والنيرنجات والطلسمات على التأويلين {وما يعلمان من أحد حتى يقوال إنما نحن فتنة} امتحان وبالء من‬
‫لقوة النورية وبقية الملكوتية فيهما‪ ،‬فينبهان على حالهما بالنور العقلي {فال تكفر} باستعمال هذا العلم في المفاسد‬
‫هللا ّ‬
‫ّ‬
‫يفرقون به بين} القلب والنفس‪ ،‬وبين الروح والنفس‪ ،‬وتكدير القلب‬‫والمناهي وإسناد التأثير إليه {فيتعلمون منهما ما ّ‬
‫يضره عند ذلك الفعل‪ ،‬فيفعل ما يريد ويكون زيادة‬
‫بضارين به من أحد إال بإذن هللا} أي‪ :‬إال إذا أراد هللا أن ّ‬
‫ّ‬ ‫{وما هم‬

‫ابتالء للساحر وإمهاالً له في كفره واحتجابه لرؤيته ذلك من تأثير سحره‪{ .‬ويتعلمون ما ّ‬
‫يضرهم} بزيادة االحتجاب‬

‫وشدة الميل والهوى {وال ينفعهم} في رفع الحجاب برؤيتهم ذلك ابتالء من هللا واستعاذاتهم باهلل ليقيهم من ّ‬
‫شره‪{ .‬ولقد‬ ‫ّ‬
‫علموا لمن اشتراه ما له في اآلخرة من خالق} أي‪ :‬نصيب‪ ،‬إلقباله على النفس والهوى بالكلية واستعمال ذلك في‬
‫اكتساب حطام الدنيا وتمتعاتها ‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 103‬الى اآلية ‪)105‬‬

‫َّللاِ خير َّلو َكانوْا يعَلمون * ٰيأَيُّها َّال ِذين آمنوْا الَ تَُقوُلوْا ر ِ‬ ‫ِِ‬
‫ظ ْرَنا‬
‫اعَنا َوُقوُلوْا ْان ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ َ‬ ‫وب ٌة ِّم ْن عند َّ َ ْ ٌ ْ ُ َ ْ ُ َ‬ ‫آمُنوْا واتََّق ْوا َل َمثُ َ‬
‫َوَل ْو أََّن ُه ْم َ‬
‫لك ِاف ِرين ع َذ ِ‬
‫يم‬ ‫اس َم ُعوْا َولِ َ َ َ ٌ‬
‫اب أَل ٌ‬ ‫َو ْ‬

‫َّللا يخت ُّ ِ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬


‫آء‬
‫ص ب َر ْح َمته َمن َي َش ُ‬ ‫ين أَن ُيَنَّزَل َعَل ْي ُك ْم ِّم ْن َخ ْي ٍر ِّمن َّرّب ُ‬
‫ِك ْم َو َّ ُ َ ْ َ‬ ‫َه ِل اْل ِكتَ ِ‬
‫اب َوالَ اْل ُم ْش ِرِك َ‬
‫ِ‬
‫ين َكَف ُروْا م ْن أ ْ‬ ‫* َّما َي َوُّد الذ َ‬
‫ض ِل اْل َع ِظي ِم‬‫َّللاُ ُذو اْلَف ْ‬
‫َو َّ‬

‫{ولو أنهم آمنوا} برؤية األفعال من هللا {واتقوا} الشرك بنسبة التأثير إلى غيره {لمثوبة} دائمة كائنة {من عند هللا} من‬
‫األنوار الروحية‪ ،‬والمواهب الفتوحية‪ ،‬واألحوال القلبية‪ ،‬والمعارف اإللهية {خير لو كانوا يعلمون}‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 106‬الى اآلية ‪)107‬‬

‫َّللاَ َل ُه ُمْل ُك‬ ‫َّللاَ َعَل ٰى ُك ِّل َشي ٍء َق ِد ٌير * أََل ْم تَ ْعَل ْم أ َّ‬
‫َن َّ‬ ‫َن َّ‬ ‫نسها نأ ِ‬
‫ْت ِب َخ ْي ٍر ِّم ْن َها أ َْو ِم ْثِل َها أََل ْم تَ ْعَل ْم أ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫نس ْخ م ْن َآية أ َْو ُن َ َ‬ ‫َما َن َ‬
‫ير‬‫صٍ‬ ‫َّللاِ ِمن ولِ ٍي والَ ن ِ‬ ‫ض َو َما َل ُك ْم ِّمن ُدو ِن َّ‬‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬
‫َ ّ َ َ‬ ‫َّ َ َ َ‬

‫{ما ننسخ من آية} بإبطال حكمها وإبقاء لفظها ومعناها‪ ،‬أو لفظها دون معناها‪ ،‬كآية الرجم {نأت بخير منها} أي‪:‬‬
‫بما هو أصلح في بابه منها في بابها أو يساويها في الخير والصالح‪ .‬واعلم أن األحكام المثبتة في اللوح المحفوظ إما‬
‫مخصوصة وإما عامة‪ ،‬والمخصوصة إما أن تختص بحسب األشخاص وإما أن تختص بحسب األزمنة‪ ،‬فإذا نزلت‬
‫بقلب الرسول فالتي تختص باألشخاص تبقى بقاء األشخاص‪ ،‬والتي تختص باألزمنة تنسخ وتزال بانقراض تلك‬
‫األزمنة‪ ،‬قصيرة كانت كمنسوخات القرآن‪ ،‬أو طويلة كأحكام الشرائع المتقدمة‪ .‬وال ينافي ذلك ثبوتها في اللوح إذ كانت‬
‫فيه كذلك‪ ،‬والعامة تبقى ما بقي الدهر كتكلم اإلنسان واستواء قامته مثالً‪.‬‬

‫{ألم تعلم أن هللا له ملك السموات واألرض} أي‪ :‬له ملك سموات عالم األرواح وأرض األجساد وهو المتصرف فيهما‬
‫بيد قدرته بل كله ظاهره وباطنه فلم يبق شيء غيره ينصركم ويليكم ‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 108‬الى اآلية ‪)112‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يل * َوَّد َكِث ٌير‬ ‫السِب ِ‬
‫آء َّ‬ ‫ض َّل َسَو َ‬ ‫ان َفَق ْد َ‬ ‫يم ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس ٰى من َقْب ُل َو َمن َيتََبَّدل اْل ُكْف َر باإل َ‬
‫ِ‬
‫أ َْم تُ ِر ُيدو َن أَن تَ ْسأَُلوْا َرُسوَل ُك ْم َك َما ُسئ َل ُم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ ِ‬ ‫اب َلو يرُّدون ُكم ِمن بع ِد ِإ ِ‬ ‫ِ‬
‫اصَف ُحوْا‬ ‫اعُفوْا َو ْ‬ ‫يمان ُك ْم ُكَّفا اًر َح َسداً ّم ْن ع ْند أ َْنُفس ِه ْم ّمن َب ْعد َما تََبي َ‬
‫َّن َل ُه ُم اْل َح ُّق َف ْ‬ ‫ْ َْ َ‬ ‫َه ِل اْل ِكتَ ِ ْ َ ُ َ‬ ‫ّم ْن أ ْ‬
‫وة َو َما تَُقِّد ُموْا أل َْنُف ِس ُكم ِّم ْن َخ ْي ٍر تَ ِج ُدوهُ ِع َند‬ ‫الص َٰلوة وآتُوْا َّ ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َحتَّ ٰى َيأِْتي َّ‬
‫َّللاُ ِبأ َْم ِِره ِإ َّن َّ‬
‫الزَك َ‬ ‫يموْا َّ َ َ‬ ‫َّللاَ َعَل ٰى ُك ّل َش ْيء َقد ٌير * َوأَق ُ‬ ‫َ‬
‫ُّه ْم ُق ْل َهاتُوْا ُب ْرَه َان ُك ْم ِإن‬ ‫صير * وَقاُلوْا َلن ي ْدخل اْلجَّن َة ِإالَّ من َكان هوداً أَو نصار ٰى ِتْلك أَم ِ‬ ‫َّللا ِبما تَعمُلو َن ب ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫ي‬
‫َ َ ُ‬‫ان‬ ‫ْ ََ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َّللا إ َّن َّ َ َ ْ َ‬
‫ف َعَل ْي ِه ْم َوالَ ُه ْم َي ْح َزُنو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُك ْنتُم ِ ِ‬
‫َج ُرهُ ع َند َرّبِه َوالَ َخ ْو ٌ‬
‫ين * َبَل ٰى َم ْن أ َْسَل َم َو ْج َه ُه ََّّلل َو ُه َو ُم ْحس ٌن َفَل ُه أ ْ‬ ‫صادق َ‬ ‫ْ َ‬

‫الحسية والشهوات الخسيسة النفسية {كما سئل موسى من قبل‬


‫ّ‬ ‫{أم تريدون أن تسألوا رسولكم} من قبل اللذات الدينية‬
‫ضل} الطريق المستقيم‪.‬‬‫ومن يتبدل} الظلمة ب النور {فقد ّ‬

‫{وقالوا لن يدخل الجنة إال من كان هوداً أو نصارى} أي‪ :‬قالت اليهود‪ :‬لن يدخل الجنة المعهودة عندهم‪ ،‬أي‪ :‬جنة‬
‫الظاهر وعالم الملك التي هي جنة األفعال وجنة النفس إال من كان هوداً‪ .‬وقالت النصارى‪ :‬لن يدخل الجنة المعهودة‬
‫عندهم‪ ،‬أي‪ :‬جنة الباطن وعالم الملكوت التي هي جنة الصفات‪ ،‬وجنة القلب إال من كان نصرانياً‪ .‬ولهذا قال عيسى‬
‫مرتين"‪ ،‬وكانت دعوته إلى السماء‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫عليه السالم في دعوتهم إلى جنتهم‪" :‬لن يلج ملكوت السموات من لم يولد ّ‬
‫حدها واحتجبوا بها عما فوقها {قل هاتوا برهانكم}‬
‫السماء الروحانية {تلك أمانيهم} أي‪ :‬غاية مطالبهم التي وقفوا على ّ‬
‫دل على نقيض مدعاكم‪.‬‬
‫جنتكم {إن كنتم صادقين} في دعواكم‪ ،‬بل الدليل ّ‬
‫أي‪ :‬دليلكم الدال على نفي دخول غيركم ّ‬

‫فإن {من أسلم وجهه} أي‪ :‬ذاته الموجودة مع جميع لوازمها وعوارضها {هلل} بالتوحيد الذاتي عند المحو الكلي والفناء‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫في ذات هللا {وهو محسن} أي‪ :‬مستقيم في أحواله بالبقاء بعد الفناء‪ ،‬مشاهد رّبه في أعماله‪ ،‬راجع من الشهود الذاتي‬
‫ّ‬
‫إلى مقام اإلحسان الصفاتي الذي هو المشاهدة بالوجود الحقاني لمكان االستقامة والعبادة‪ ،‬ال بالوجود النفساني {فله‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أجره عند رّبه} أي‪ :‬ما ذكرتم من الجنة وأصفى وأل ّذ الختصاصها بمقام العندية أي المشاهدة التي احتجبتهم عنها {وال‬
‫خوف عليهم وال هم يحزنون} أي‪ :‬وزيادة على ما لكم من الجنة وهو عدم خوفهم من احتجاب الذات وبقاء النفس‬
‫جنة األفعال والصفات والتل ّذذ بها واالستراحة‬
‫الالزم لوجود بقيتهم وعدم حزنهم على ما فتهم بسبب الوقوف بحجاب ّ‬
‫فيها واالستدامة إليها من شهود جمال الذات‪ .‬فإنهم وإن تركوها بالشوق إلى تجّلي الذات فإنها حاصلة لهم وأدنى‬
‫مقامهم تحت جنة الذات ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 113‬الى اآلية ‪)114‬‬

‫النصار ٰى َليس ِت اْليهود عَلى َشي ٍء وهم ي ْتُلون اْل ِكتَاب َك َذلِك َق َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص َار ٰى َعَل ٰى َشي ٍء‬ ‫ود َل ْي َس ِت َّ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫ال الذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َُ ُ َ ٰ ْ َ ُْ َ َ‬ ‫َوَقاَلت َّ َ َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫الن َ‬ ‫َوَقاَلت اْلَي ُه ُ‬
‫َّللاِ أَن ُي ْذ َك َر‬
‫ظَل ُم ِم َّم ْن َّمَن َع َم َسا ِج َد َّ‬ ‫اْلِقيام ِة ِفيما َكانوْا ِف ِ‬
‫يه َي ْخَتلُِفو َن * َو َم ْن أَ ْ‬ ‫ََ َ ُ‬ ‫الَ َي ْعَل ُمو َن ِم ْث َل َق ْولِ ِه ْم َف َّ‬
‫اَّللُ َي ْح ُك ُم َب ْيَن ُه ْم َي ْوَم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِفيها اسمه وسع ٰى ِفي َخ ارِبهآ أُوَلـِٰئك ما َكان َلهم أَن ي ْد ُخُلوهآ ِإالَّ َخ ِآئِفين َّلهم ِفي ُّ ِ‬
‫الد ْنَيا خ ْزٌي َوَل ُه ْم في اآلخ َرِة َع َذ ٌ‬
‫اب‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ ُْ َ‬ ‫َ ْ ُُ َ ََ‬
‫يم‬ ‫ِ‬
‫َعظ ٌ‬

‫{وقالت اليهود ليست النصارى على شيء} الحتجابهم بدينهم عن دينهم‪ ،‬وكذا قالت النصارى الحتجابهم بالباطن عن‬
‫الظاهر كما احتجب اليهود بالظاهر عن الباطن على ما هو حال أهل المذاهب اليوم في اإلسالم‪.‬‬

‫{وهم يتلون الكتاب} وفيه ما يرشدهم إلى رفع الحجاب‪ ،‬ورؤية حق كل دين ومذهب‪ ،‬وليس أهل ذلك الدين والمذهب‬
‫لتقيدهم بمعتقدهم‪ ،‬فما الفرق بينهم وبين الذين ال علم لهم وال كتاب‪ ،‬كالمشركين‪ ،‬فإنهم يقولون مثل قولهم‬
‫حقهم بباطل ّ‬
‫بل هم أعذر‪ ،‬إذ ليس عليهم إال حجة العقل وهم بحجة العقل والشرع {فاهلل يحكم بينهم} بالحق في اختالفاتهم {يوم}‬
‫"إن هللا يتجلى‬
‫المهدي عليه السالم‪ .‬وفي الحديث ما معناه‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫قيام {القيامة} الكبرى وظهور الوحدة الذاتية عند خروج‬
‫يتحول عن صورته إلى صورة أخرى فينكرونه"‪ ،‬وحينئذ يكونون كلهم ضاّلين‬
‫لعباده في صورة معتقداتهم فيعرفونه‪ ،‬ثم ّ‬
‫محجوبين إال ما شاء هللا وهو الموحد الذي لم يتقيد بصورة معتقده‪.‬‬

‫{ومن أظلم} أي‪ :‬أنقص حقاً وأبخس حظاً {ممن منع مساجد هللا} أي‪ :‬مواضع سجود هللا التي هي القلوب التي يعرف‬
‫فيها فيسجد بالفناء الذاتي {أن يذكر فيها اسمه} الخاص الذي هو االسم األعظم‪ ،‬إذ ال يتجلى بهذا االسم إال في‬
‫ّ‬
‫القلب‪ ،‬وهو ا لتجلي بالذات مع جميع الصفات أو اسمه المخصوص بكل واحد منها‪ ،‬أي الكمال الالئق باستعداده‬
‫المستعدين‬
‫ّ‬ ‫المقتضي له‪{ .‬وسعى في خرابها} بتكديرها بالتعصبات الباردة وغلبة واستيالء التمنيات عليها‪ ،‬ومنع أهلها‬
‫عنها بالهرج والمرج وتهييج الفتن الالزمة لتجاذب قوى النفس ودواعي الشيطان والوهم {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها‬
‫إال خائفين} ويصلوا إليها‪ ،‬أي‪ :‬منكسرين لظهور تجّلي الحق فيها {لهم في الدنيا خزي} أي‪ :‬افتضاح وذّلة بظهور‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫بطالن دينهم ومعتقدهم‪ ،‬وفسخه بدين الحق وانقهارهم وتحسرهم ومغلوبيتهم‪{ .‬ولهم في اآلخرة عذاب عظيم} هو‬
‫االحتجاب عن الحق بدينهم‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 115‬الى اآلية ‪)115‬‬

‫يم‬‫ِ‬ ‫َّللاِ ِإ َّن َّ ِ‬


‫ِق َواْل َم ْغ ِر ُب َفأ َْيَن َما تَُوُّلوْا َفثَ َّم َو ْج ُه َّ‬ ‫ِ‬
‫َّللاَ َواس ٌع َعل ٌ‬ ‫َوََّّلل اْل َم ْشر ُ‬

‫الم ْشرق} أي‪ :‬عالم النور والظهور الذي هو ّ‬


‫جنة النصارى وقبلتهم بالحقيقة هو باطنه {والمغرب} أي‪ :‬عالم‬ ‫{وهلل َ‬
‫الظلمة واالختفاء الذي هو جنة اليهود وقبلتهم بالحقيقة هو ظاهره {فأينما تولوا} أي‪ :‬أي جهة تتوجهوا من الظاهر‬
‫{فثم وجه هللا} أي‪ :‬ذات هللا المتجلية بجميع صفاته‪ ،‬أو وهلل اإلشراق على قلوبكم بالظهور فيها والتجلي لها‬
‫والباطن ّ‬
‫بصفة جماله حالة شهودكم وفنائكم‪ ،‬والغروب فيها بتستره واحتجابه بصورها وذواتها‪ ،‬واختفائه بصفة جالله حالة‬
‫فثم وجهه لم يكن شيء إال ّإياه وحده {إن هللا واسع} جميع الوجود شامل‬
‫فأي جهة تتوجهوا حينئذ ّ‬‫بقائكم بعد الفناء‪ّ .‬‬
‫لجميع الجهات والوجودات {عليم} بكل العلوم والمعلومات‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 116‬الى اآلية ‪)117‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫لس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫السمـ ٰٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َوَقاُلوْا اتَّ َخ َذ َّ‬
‫ض ٰى أ َْم اًر‬
‫ض َوإِ َذا َق َ‬ ‫يع ا َّ َ َ َ‬ ‫ض ُك ٌّل ل ُه َقانتُو َن * َبد ُ‬ ‫َّللاُ َوَلداً ُس ْب َحـَٰن ُه َبل ل ُه َما في َّ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫ول َل ُه ُك ْن َفَي ُكو ُن‬‫َفإَّن َما َيُق ُ‬

‫ننزهه عن أن يكون غيره شيء‬


‫{وقالوا اتخذ هللا ولداً} أي‪ :‬أوجد موجوداً مستقالً بذاته مخصوصاً دونه {سبحانه} ّ‬
‫فضالً عما يجانسه {بل له ما في السموات واألرض} أي‪ :‬له عالم األرواح واألجساد وهي باطنه وظاهره‪ ،‬كما تقول‪:‬‬
‫كل له قانتون} موجودون بوجوده‪ ،‬فاعلون بفعله‪ ،‬معدومون بذواتهم‪ ،‬وهو‬
‫له الذات والوجه والصفات وأمثال ذلك‪ّ { .‬‬
‫غاية الطاعة والقيام بحقه إذ هو الوجود المطلق‪ ،‬فال يوجد بدونه شيء‪ .‬والوجودات المعينة صفاته وأسماؤه المتيازها‬
‫بتعيناتها التي هي أمور إمكانية عدمية ليست عينه باالعتبار العقلي يقسمها إلى الوجود والماهية التي هي بدون‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الوجود ليست شيئاً في الخارج‪ ،‬لكن في العقل‪ .‬والعقليات باطنه‪ ،‬فهي في الحقيقة ليست غيره فال يكون غيره موجوداً‬
‫حتى يكون ولداً‪ ،‬أي‪ :‬معلوالً أو مخلوقاً أو ما شئت فسمه‪.‬‬

‫بمادة ومدة‪ ،‬بل هي ظالل ذاته ومنشأ عالميته منورة‬


‫{بديع السموات واألرض} أي‪ :‬مبدع سمواته وأرضه غير مسبوقة ّ‬
‫باسمه النوراني‪ ،‬موجودة بوجوده الخارجي ولو لم يكن جهات اإلمكان واعتبارات العقل بحسب اليقينيات لما اعتبرت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وجوداتها أصالً إذ هي بال هو غير شيء فال تكون معه موجودة بالمقارنة بل بالتحقيق بوجوده‪ ،‬وال تكون غيره‬
‫بالمفارقة بل باالعتبار العقلي‪ .‬فهي باعتبار تعيناتها خلق‪ ،‬وباعتبار حقيقتها حق‪{ .‬وإذا قضى أم اًر} أي حكم به {فإنما‬
‫يقول له كن فيكون} أي‪ :‬فال يكون إال تعلق إرادته به فيوجد بال تخلل زمان وال توسط شيء‪ ،‬بل معاً‪ .‬وذلك التعلق‬
‫ثم قول وال صوت ‪.‬‬
‫هو قوله وإال لم يكن ّ‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 118‬الى اآلية ‪)124‬‬

‫َّللا أَو تَأِْتينآ آي ٌة َك َذلِك َقال َّال ِذين ِمن َقبلِ ِهم ِم ْثل َقولِ ِهم تَ َشابه ْت ُقُلوبهم َق ْد بيََّّنا اآلي ِ‬ ‫ِ‬ ‫وَق َّ ِ‬
‫ات‬ ‫َ‬ ‫ُُ ْ َ‬ ‫ْ ْ ّ َ ْ ْ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫الَ َي ْعَل ُمو َن َل ْوالَ ُي َكّل ُمَنا َّ ُ ْ‬ ‫ين‬
‫ال الذ َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫اك ِباْلح ِّق ب ِشي اًر وَن ِذي اًر والَ تُسأَل َع ْن أَصح ِ‬ ‫لَِق ْو ٍم ُيوِقُنو َن‬
‫ود َوالَ‬‫نك اْلَي ُه ُ‬
‫ض ٰى َع َ‬ ‫اب اْل َجحي ِم * َوَل ْن تَ ْر َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫* ِإَّنا أ َْرَسْلَن َ َ َ‬
‫َّللاِ‬
‫ك ِم َن اْل ِعْل ِم َما َل َك ِم َن َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫النصار ٰى حتَّى تتَِّبع ِمَّلتهم ُقل ِإ َّن هدى َّ ِ‬
‫آء َ‬
‫آء ُه ْم َب ْع َد الذي َج َ‬ ‫َّللا ُه َو اْل ُه َد ٰى َوَلئ ِن اتََّب ْع َت أ ْ‬
‫َه َو َ‬ ‫َُ‬ ‫َّ َ َ َ ٰ َ َ َ ُ ْ ْ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ون ُه َح َّق ِتالََوِت ِه أ ُْوَلـِٰئ َك ُي ْؤ ِمُنو َن ِب ِه َومن َي ْكُف ْر ِب ِه َفأ ُْوَلـِٰئ َك‬
‫ُه ُم اْل َٰخ ِس ُرو َن *‬ ‫ٰب َي ْتُل َ‬ ‫ِ‬
‫اه ُم اْلكتَـ َ‬
‫ين آتَْيَن ُ‬
‫َّ ِ‬
‫ير *الذ َ‬ ‫صٍ‬ ‫ِمن ولِ ٍي والَ ن ِ‬
‫َ ّ َ َ‬
‫َنْف ٌس َعن َّنْف ٍ‬
‫س‬ ‫ين * َواتَُّقوْا َي ْوماً الَّ تَ ْجزِي‬ ‫ِ‬
‫ضْلتُ ُك ْم َعَلى اْل َعاَلم َ‬ ‫يل ا ْذ ُك ُروْا ِن ْع َمِتي َّالِتي أ َْن َع ْم ُت َعَل ْي ُك ْم َوأَِّني َف َّ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َي َابني إ ْس َرائ َ‬
‫َ‬
‫ات َفأَتَ َّمه َّن َقال ِإِّني ج ِ‬ ‫اهيم رُّبه ِب َكلِم ٍ‬‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اعُل َك‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫نص ُرو َن * َوإِذ ْابَتَل ٰى إ ْب َر َ َ ُ َ‬ ‫اع ٌة َوالَ ُه ْم ُي َ‬ ‫َش ْيئاً َوالَ ُيْقَب ُل م ْن َها َع ْد ٌل َوالَ تَ َنف ُع َها َشَف َ‬
‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لِ َّلن ِ ِ‬
‫ين‬
‫ال َع ْهدي الظالم َ‬ ‫ال الَ َيَن ُ‬ ‫ال َو ِمن ُذِّريَّتي َق َ‬ ‫اس إ َماماً َق َ‬

‫{وقال الذين ال يعلمون} علم التوحيد من المشركين {لوال يكلمنا هللا أو تأتينا آية} إلى قوله‪{ :‬تشابهت قلوبهم} في‬
‫الجهل بعلم التوحيد وبكالم هللا وآياته‪ ،‬إذ العلم بهما فرع علم التوحيد {قد ّبينا} دالئل التوحيد وكيفية المكالمة ألهل‬
‫اإليقان {وال تسئل عن أصحاب الجحيم} أي‪ :‬وال تؤخذ باحتجابهم وما عليك أن تنتقذهم من ظلمات حجبهم‪ ،‬إنما عليك‬
‫إن هدى هللا هو الهدى} أي‪ :‬طريق الوحدة المخصوصة بالحق هو الطريق ال غير‪.‬‬ ‫أن تدعوهم بالبشارة واإلنذار‪{ .‬قل ّ‬
‫الجادة"‪{ .‬ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي‬
‫ّ‬ ‫كما قال علي عليه السالم‪" :‬اليمين والشمال مضّلة‪ ،‬والطريق الوسطى هي‬
‫ّ‬
‫جاءك من العلم} أي‪ :‬من علم التوحيد والمعرفة {ما لك من هللا من ولي وال نصير} المتناع وجود غيره‪.‬‬
‫ّ‬

‫السر والروح والخفاء والوحدة واألحوال والمقامات‪،‬‬ ‫ٍ‬


‫{وإذ ابتلى إبراهيم رّبه بكلمات} أي‪ :‬بمراتب الروحانيات‪ ،‬كالقلب و ّ‬
‫{فأتمهن} بالسلوك إلى هللا وفي هللا حتى الفناء {قال‬
‫ّ‬ ‫التي يعبر بها على تلك المراتب كالتسليم والتوكل والرضا وعلومها‬
‫تؤمهم وتهديهم سلوك سبيلي ويقتدون بك‬
‫إني جاعلك للناس إماماً} بالبقاء بعد الفناء‪ ،‬والرجوع إلى الخلق من الحق ّ‬
‫ذريتي أيضاً إماماً {قال} قد يكون منهم ظالمون {وال ينال عهدي}‬
‫ذريتي} أي‪ :‬واجعل بعض ّ‬ ‫فيهتدون‪{ .‬قال ومن ّ‬
‫إياهم‪ ،‬أي‪ :‬ال يكونون خلفائي وال أعهد إلى الظالمين باإلمامة‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 125‬الى اآلية ‪)125‬‬

‫ط ِّه َار َب ْيِتي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫اهيم م ًّ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫يل أَن َ‬
‫يم َوِإ ْس َماع َ‬
‫صلى َو َعه ْدَنآ إَل ٰى إ ْب َراه َ‬‫َوِإ ْذ َج َعْلَنا اْلَب ْي َت َمثَ َاب ًة ّل َّلناس َوأ َْمناً َواتخ ُذوْا من َّمَقا ِم إ ْب َر َ ُ َ‬
‫الس ُجوِد‬‫الرَّك ِع ُّ‬
‫ين َو ُّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ َّ ِ ِ‬
‫ين َواْل َعاكف َ‬ ‫للطائف َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ومبوأً {للناس وأمناً} ومحل أمن أو سبب أمن وسالمة لهم يأمنون‬
‫{وإذ جعلنا البيت} القلب {مثابة} أي‪ :‬مرجعاً ّ‬
‫شر غوائل صفات النفس وفتك فتاك القوى الطبيعية وإفسادها‪ ،‬وتخييل شياطين الوهم‬‫بالوصول إليه والسكون فيه ّ‬
‫والخيال‪ ،‬وإغوائهم ومكائدهم {واتخذوا من مقام إبراهيم} الذي هو مقام الروح ومقام الخلة {مصلى} موطناً للصالة‬
‫الحقيقية التي هي المشاهدة والمواصلة اإللهية والخلة الذوقية {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل} أمرناهما بتطهير بيت‬
‫القلب من قاذورات أحاديث النفس‪ ،‬ونجاسات وساوس الشيطان‪ ،‬وأرجاس دواعي الهوى‪ ،‬وأدناس صفات القوى‬
‫{للطائفين} أي‪ :‬للسالكين المشتاقين الذين يدورون حول القلب في سيرهم {والعاكفين} الواصلين إلى مقام القلب بالتوكل‬
‫الذي هو توحيد األفعال المقيمين فيه بال تلوينات النفس وإزعاجها منه {والركع} أي‪ :‬الخاضعين الذين بلغوا إلى مقام‬
‫تجلي الصفات‪ ،‬وكمال مرتبة الرضا والسجود الفانين في الوحدة‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 126‬الى اآلية ‪)126‬‬

‫ُمِتّ ُع ُه‬ ‫ِ‬ ‫ات من آمن ِمنهم ِب َّ ِ‬


‫آمناً وارُز ْق أ ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫اهيم ر ِب اجعل هـٰ َذا بَلداً ِ‬
‫اَّلل َواْلَي ْو ِم اآلخ ِر َق َ‬
‫ال َو َمن َكَف َر َفأ َ‬ ‫َهَل ُه م َن الث َم َر َ ْ َ َ ْ ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫ال ِإ ْب َر ُ َ ّ ْ َ ْ َ َ‬ ‫َوإِ ْذ َق َ‬
‫الن ِار وبِ ْئس اْلم ِ‬
‫ص ُير‬ ‫ِ‬
‫طُّرهُ إَل ٰى َع َذاب َّ َ َ َ‬
‫َض َ ِ‬‫َقلِيالً ثُ َّم أ ْ‬

‫العدو‬
‫اجعل هذا} الصدر الذي هو حرم القلب {بلداً آمناً} من استيالء صفات النفس واغتيال ّ‬ ‫رب‬
‫{وإذ قال إبراهيم ّ‬
‫القوى البدنية أهله {وارزق أهله} من ثمرات معارف الروح أو حكمه وأنواره {من آمن منهم باهلل‬ ‫جن‬
‫اللعين‪ ،‬وتخطف ّ‬
‫واليوم اآلخر} من وحد هللا منهم وعلم المعاد {قال ومن كفر} أي‪ :‬ومن احتجب أيضاً من الذين سكنوا الصدر وال‬

‫يجاوزون ّ‬
‫حده بالترقي إلى مقام العين الحتجابهم بالعلم الذي وعاؤه الصدر {فأمتعه} تمتيعاً {قليالً} من المعاني‬
‫أضطره إلى عذاب} نار الحرمان‬
‫ّ‬ ‫العقلية‪ ،‬والمعلومات الكلية النازلة إليهم من عالم الروح على قدر ما تعيشوا به {ثم‬
‫والحجاب {وبئس المصير} مصيرهم‪ ،‬لتعذبهم بنقصانهم وتألمهم بحرمانهم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 127‬الى اآلية ‪)133‬‬

‫اج َعْلَنا ُم ْسلِ َم ْي ِن َل َك َو ِمن‬ ‫ِ‬ ‫اعد ِمن اْلبي ِت وإِس ٰم ِعيل ربَّنا تََقبَّل ِمَّنآ ِإَّنك أَنت َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِٰ‬
‫يم * َربََّنا َو ْ‬ ‫يع اْل َعل ُ‬
‫السم ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫يم اْلَق َو َ َ َ ْ َ ْ َ ُ َ َ‬ ‫َوإِ ْذ َي ْرَف ُع إ ْب َره ُ‬
‫يم * َربََّنا َو ْاب َع ْث ِفي ِه ْم َرُسوالً ِّم ْن ُه ْم َي ْتُلوْا َعَل ْي ِه ْم‬ ‫َنت التََّّواب َّ ِ‬
‫الرح ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ُذِّريَِّتَنآ أ َّ‬
‫ُم ًة ُّم ْسلِ َم ًة ل َك َوأ َِرَنا َمَناس َكَنا َوتُ ْب َعَل ْيَنآ ِإَّن َك أ َ‬
‫َسِف َه َنْف َس ُه َوَلَق ِد‬ ‫يم ِإالَّ َمن‬ ‫ِ َّ ِ ِ ِ‬ ‫ٰآيِتك ويعِّلمهم اْل ِك ٰتَب واْل ِح ْكم َة وي َزِّكي ِهم ِإَّنك أَنت الع ِز ُيز ِ‬
‫* َو َمن َي ْرَغ ُب َعن ّملة إ ْب َراه َ‬ ‫يم‬
‫الحك ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ ْ َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ َُ ُ ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َله رب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طَف ْيَناهُ ِفي ُّ‬
‫ص ٰى ِب َهآ‬ ‫* َوَو َّ‬ ‫ال أ َْسَل ْم ُت ل َر ِّب اْل َعاَلم َ‬
‫ين‬ ‫ُّه أ َْسل ْم َق َ‬
‫َُ ُ‬‫ال‬ ‫ِ‬
‫ين * إ ْذ َق َ‬ ‫الصالح َ‬ ‫الد ْنَيا َوإَِّن ُه في اآلخ َرِة َلم َن َّ‬ ‫اص َ‬ ‫ْ‬
‫ِ ن‬ ‫ِ َّ‬ ‫طَفى َل ُكم ِ‬ ‫وب َي َابِن َّي ِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫اه ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وب‬
‫ض َر َي ْعُق َ‬ ‫آء ِإ ْذ َح َ‬
‫ين َفالَ تَ ُموتُ َّن إال َوأ َْنتُم ُّم ْسل ُمو َ * أ َْم ُكنتُ ْم ُش َه َد َ‬ ‫الد َ‬
‫اص َ ٰ ُ ّ‬ ‫َّللاَ ْ‬ ‫يم َبنيه َوَي ْعُق ُ‬‫إ ْب َر ُ‬
‫اعيل وإِسحاق ِإَلـٰهاً و ِ‬
‫احداً َوَن ْح ُن َل ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫اْلموت ِإ ْذ َق ِ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫يم َوإِ ْس َم َ َ ْ َ َ‬ ‫ال لَبنيه َما تَ ْعُب ُدو َ من َب ْعدي َقاُلوْا َن ْعُب ُد إَلـ َٰه َك َوإَِلـ َٰه َآبائ َك إ ْب َراه َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ‬
‫ُم ْسلِ ُمو َن‬

‫إن الكعبة أنزلت من السماء في زمان آدم ولها بابان إلى المشرق والمغرب‪،‬‬
‫{وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} قيل‪ّ :‬‬
‫فحج آدم عليه السالم من أرض الهند واستقبله المالئكة أربعين فرسخاً فطاف بالبيت ودخله‪ .‬ثم رفعت في زمان‬ ‫ّ‬
‫طوفان نوح عليه السالم‪ ،‬ثم أنزلت مرة أخرى في زمان إبراهيم صلوات هللا عليه‪ ،‬فزارها ورفع قواعدها وجعل بابيها‬
‫باباً واحداً‪ .‬وقيل‪ :‬ثم تمخض أبو قبيس فانشق عن الحجر األسود وكان ياقوتة بيضاء من يواقيت الجنة نزل بها‬
‫اسود بمالمسة النساء‬
‫جبرائيل فخبئت فيه في زمان الطوفان إلى زمن إبراهيم عليه السالم‪ ،‬فوضعه إبراهيم مكانه‪ ،‬ثم ّ‬
‫الحيض‪.‬‬

‫فنزولها في زمان آدم إشارة إلى ظهور القلب في زمانه بوجوده عليه‪ .‬وكونه ذا بابين شرقي وغربي إشارة إلى ظهور‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫علم المبدأ والمعاد‪ ،‬ومعرفة عالم النور‪ ،‬وعالم الظلمة في زمانه دون علم التوحيد‪ .‬وقصده زيارتها من أرض الهند‬
‫إشارة إلى توجهه بالتكوين واالعتدال من عالم الطبيعية الجسمانية المظلمة إلى مقام القلب‪ ،‬واستقبال المالئكة إشارة‬

‫إلى تعلق القوى الحيوانية والنباتية بالبدن وظهور آثارها فيه قبل آثار القلب في األربعين التي ّ‬
‫تكونت فيها بنيته‬
‫وتخمرت طينته أو توجهه بالسير والسلوك من عالم النفس الظلماني إلى مقام القلب‪ .‬واستقبال المالئكة تلقي القوى‬
‫التمرن فيها والتنقل في المقامات قبل‬
‫النفسانية والبدنية إياه بقبول اإلذعان واألخالق الجميلة والملكات الفاضلة و ّ‬
‫وصوله إلى مقام القلب‪ .‬وطوافه بالبيت إشارة إلى وصوله إلى مقام القلب وسلوكه فيه مع التلوين‪ ،‬ودخوله إشارة إلى‬
‫تمكنه واستقامته فيه‪ .‬ورفعه في زمان الطوفان إلى السماء إشارة إلى احتجاب الناس بغلبة الهوى وطوفان الجهل في‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫زمان نوح عليه السالم عن مقام القلب‪ .‬وبقاؤه في السماء الرابعة‪ ،‬أي‪ :‬البيت المعمور الذي هو قلب العالم ونزوله مرة‬
‫أخرى في زمان إبراهيم عليه السالم إشارة إلى اهتداء الناس في زمانه إلى مقام القلب بهدايته‪ .‬ورفع إبراهيم قواعده‬
‫وجعله ذا باب واحد إشارة إلى تلقي القلب بسلوكه عليه السالم من مقامه إلى مقام الروح الذي هو السر وارتفاع مراتبه‬
‫ووصوله إلى مقام التوحيد‪ ،‬إذ هو ّأول من ظهر عليه التوحيد الذاتي كما قال عليه السالم‪ِ{ :‬إِّني َو َّج ْه ُت َو ْج ِهي لَِّل ِذي‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين} [األنعام‪ ،‬اآلية‪ .]79 :‬والحجر األسود إشارة إلى الروح‪ .‬وتمخض‬ ‫ض َحنيفاً َو َمآ أََن ْا م َن اْل ُم ْش ِرِك َ‬
‫الس َم َاوات َواأل َْر َ‬
‫ط َر َّ‬
‫َف َ‬
‫وتحرك آالت البدن باستعمالها بالتفكر والتبعد في طلب ظهوره‪،‬‬
‫أبي قبيس وانشقاقه عنه إشارة إلى ظهوره بالرياضة ّ‬
‫وتكدره بغلبة القوى‬
‫ولهذا قيل‪ :‬خبئت فيه‪ ،‬يعني‪ :‬احتجبت بالبدن‪ .‬واسوداده بمالمسة النساء الحيض إشارة إلى اختفائه ّ‬
‫النفسانية على القلب واستيالئها عليه وتسويدها الوجه النوراني الذي يلي الروح منه‪ .‬وكذا إسماعيل أيضاً كان من‬
‫ّ‬
‫الموحدين لعطفه عليه في رفع قواعد البيت‪.‬‬

‫{ربنا واجعلنا مسلمين لك} أي‪ :‬ال تكلنا إلى أنفسنا فنسلم بأنفسنا بل بك وبجعلك {ربنا وابعث فيهم رسوالً} هو محمد‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ولهذا قال عليه السالم‪" :‬أنا دعوة أبي إبراهيم‪ ،‬وبشرى عيسى‪ ،‬ورؤيا أمي" وقد رأت في المنام‬
‫أن نو اًر خرج منها فأضاءت لها قصور الشام‪.‬‬

‫{ومن يرغب عن مّلة إبراهيم} أي‪ :‬مّلة التوحيد {إال من سفه نفسه} إال من احتجب عن نور العقل بالكلية وبقي في‬
‫مقام ظلمة نفسه‪ .‬أي‪ :‬سفه نفساً على التمييز أو في نفسه على انتزاع الخافض {ولقد اصطفيناه} أي‪ :‬من كان من‬
‫المحبوبين المرادين بالسابقة األزلية فاخترناه حالة الفناء في التوحيد {وهو في اآلخرة} أي‪ :‬حالة البقاء بعد الفناء من‬
‫أهل االستقامة الصالحين لتدبير النظام وتكميل النوع {إذ قال له ربه أسلم} أي‪ :‬وحد وأسلم ذاتك إلى هللا‪ ،‬يعني‪ :‬جعله‬
‫لرب العالمين‪ ،‬فانياً فيه {ووصى بها} أي‪ :‬بكلمة التوحيد {إبراهيم‬
‫في األزل من أهل الصف األول مسلماً موحداً مذعناً ّ‬
‫بنيه ويعقوب} بنيه تأسياً {يا بني إن هللا اصطفى لكم الدين} أي‪ :‬دينه الذي يدين به الموحد‪ ،‬ال دين له غيره‪ ،‬وال‬
‫ّ‬
‫تموتن بالموت الطبيعي موت الجهل‪ ،‬بل‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫أي‪:‬‬ ‫الدين‪،‬‬ ‫هذا‬ ‫على‬ ‫إال‬ ‫}‬‫تموتن‬
‫ّ‬ ‫{فال‬ ‫هللا‬ ‫ذات‪ ،‬فدينه دين هللا وذاته ذات‬
‫كونوا ميتين بأنفسكم‪ ،‬أحياء باهلل أبداً‪ ،‬فيدرككم موت البدن على هذه الحالة‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 134‬الى اآلية ‪)134‬‬

‫ِتْل َك أ َّ‬
‫ُم ٌة َق ْد َخَل ْت َل َها َما َك َسَب ْت َوَل ُك ْم َّما َك َس ْبتُ ْم َوالَ تُ ْسأَُلو َن َع َّما َك ُانوا َي ْع َمُلو َن‬

‫{تلك أمة قد خلت} أي‪ :‬ال تكونوا مقلدين وال تكتفوا بالتقليد الصرف في الدين إذ ال اعتماد على النقل‪ ،‬فليس ألحد إال‬
‫ما كسب من العلم والعمل واالعتقاد والسيرة‪ ،‬ال يجازى أحد بمعتقد غيره وال بعمله‪ ،‬فكونوا على بصائركم واطلبوا اليقين‬
‫واعملوا عليه‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 135‬الى اآلية ‪)141‬‬

‫اَّللِ َو َمآ أ ُْن ِزَل ِإَل ْيَنا‬


‫آمَّنا ِب َّ‬
‫ين * ُقوُلوْا‬
‫َ‬
‫اهيم حِنيفاً وما َك ِ‬
‫ان م َن اْل ُم ْش ِرِك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫ص َار ٰى تَ ْهتَ ُدوْا ُق ْل َب ْل مل َة ِإ ْب َر َ َ َ َ َ‬ ‫ونوْا ُهوداً أ َْو َن َ‬ ‫َوَقاُلوْا ُك ُ‬
‫النِبيُّو َن ِمن َّرّب ِِه ْم الَ‬
‫يس ٰى َو َما أُوِتي‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اعيل وإِسحاق ويعُقوب واأل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫وس ٰى َوع َ‬ ‫َسَباط َو َمآ أُوت َي ُم َ‬ ‫يم َوإِ ْس َم َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ ْ‬ ‫َو َمآ أُنزَل إَل ٰى إ ْب َراه َ‬
‫اهتََدوْا َّوإِن تَوَّل ْوْا َفِإَّنما ُهم ِفي ِشَق ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِق بين أ ٍ ِ‬
‫اق‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫آم ْنتُ ْم ِبه َفَقد ْ‬
‫آمُنوْا بم ْثل َمآ َ‬
‫ِ‬
‫َحد ّم ْن ُه ْم َوَن ْح ُن َل ُه ُم ْسل ُمو َن * َفإ ْن َ‬ ‫ُنَفّر ُ َ ْ َ َ‬
‫َّللاِ‬ ‫َّللاِ ِ‬
‫َح َس ُن ِم َن َّ‬ ‫صبغ َة َّ ِ‬
‫ونَنا ِفي َّ‬
‫آج َ‬ ‫ص ْب َغ ًة َوَن ْح ُن َل ُه َعاِبدو َن * ُق ْل أَتُ َح ُّ‬ ‫َّللا َو َم ْن أ ْ‬ ‫يم * ِ ْ َ‬ ‫ِ‬
‫يع اْل َعل ُ‬
‫َّللا وهو َّ ِ‬
‫السم ُ‬ ‫َف َسَي ْكِف َ‬
‫يك ُه ُم َّ ُ َ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫نِ ِ ِ‬ ‫َع َماُل ُك ْم َوَن ْح ُن َل ُه ُم ْخلِ ُ ن‬
‫وب‬
‫ـاق َوَي ْعُق َ‬
‫يل َوإِ ْس َح َ‬
‫يم َوإِ ْس َماع َ‬‫صو َ * أ َْم تَُقوُلو َ إ َّن إ ْب َراه َ‬ ‫َع َماُلَنا َوَل ُك ْم أ ْ‬
‫ُّك ْم َوَلَنآ أ ْ‬
‫َو ُه َو َربَُّنا َوَرب ُ‬
‫َّللاِ َو َما َّ‬
‫َّللاُ ِب َغ ِاف ٍل َع َّما‬ ‫ظَل ُم ِم َّم ْن َكتَ َم َش َه َاد ًة ِع َندهُ ِم َن َّ‬
‫َّللاُ َو َم ْن أَ ْ‬ ‫ص َار ٰى ُق ْل أَأ َْنتُ ْم أ ْ‬
‫َعَل ُم أَ ِم َّ‬ ‫ط َك ُانوْا ُهوداً أ َْو َن َ‬
‫َسَبا َ‬
‫َواأل ْ‬
‫ُم ٌة َق ْد َخَل ْت َل َها َما َك َسَب ْت َوَل ُك ْم َّما َك َس ْبتُ ْم َوالَ تُ ْسأَُلو َن َع َّما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن‬ ‫تَ ْع َمُلو َن * ِتْل َك أ َّ‬

‫فإن الهدى المطلق‬


‫أن الحق دينه ال غير {قل بل مّلة إبراهيم} ّ‬ ‫كل محجوب بدينه يزعم ّ‬
‫{وقالوا كونوا هوداً أو نصارى} ّ‬
‫نفرق بين‬
‫كل دين‪ ،‬ويرفع كل حجاب كما ذكر بعده في قوله {قولوا آمنا باهلل} إلى آخره {ال ّ‬
‫هو التوحيد الذي يشمل ّ‬
‫أحد منهم} بنفي دين البعض وإبطال مّلته وإثبات اآلخر وحقيته‪ ،‬بل نقول باجتماعهم على الحق واتفاقهم على‬
‫التوحيد‪ ،‬ونقبل جميع أديانهم بالتوحيد الشامل لكلها {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به} من التوحيد الجامع من كل دين‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وشق من الهداية‬
‫ومذهب {فقد اهتدوا} االهتداء المطلق‪ ،‬أي‪ :‬كل االهتداء {وإن تولوا فإنما هم} في طرف من الدين ّ‬
‫يشاقونكم فيه‪.‬‬

‫{صبغة هللا} أي‪ :‬آمنا باهلل وصبغنا هللا صبغة‪ ،‬فإن كل ذي اعتقاد ومذهب باطنه مصبوغ بصبغ اعتقاده ودينه‬
‫المتفرقة مصبوغون بصبغ نيتهم‪ ،‬والمتمذهبون بصبغ إمامهم وقائدهم‪ ،‬والحكماء بصبغ‬
‫ّ‬ ‫ومذهبه‪ .‬فالمتعبدون بالملل‬
‫المتفرقة بصبغ أهوائهم ونفوسهم‪ ،‬والموحدون بصبغة هللا خاصة التي ال صبغ أحسن‬
‫ّ‬ ‫عقولهم‪ ،‬وأهل األهواء والبدع‬
‫رش عليهم من‬
‫منها وال صبغ بعدها‪ .‬كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬إن هللا تعالى خلق الخلق في ظلمة ثم ّ‬
‫ضل"‪ ،‬فذلك النور هو صبغته‪.‬‬
‫نوره‪ ،‬فمن أصاب من ذلك النور اهتدى‪ ،‬ومن أخطأ ّ‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 142‬الى اآلية ‪)142‬‬

‫صر ٍ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ َِّ‬ ‫َّٰ‬ ‫السَف َه ِ َّ ِ‬


‫اط‬ ‫آء ِإَل ٰى َ‬ ‫ِ‬ ‫ِق‬
‫آء م َن الناس َما َول ُه ْم َعن قْبَلته ُم التي َك ُانوْا َعَل ْي َها ُقل ََّّلل اْل َم ْشر ُ َواْل َم ْغر ُب َي ْهدي َمن َي َش ُ‬
‫ول ُّ ُ‬
‫َسَيُق ُ‬
‫ُّم ْستَِقي ٍم‬

‫سماهم سفهاء خفاف العقول‪ ،‬لعدم وفاء عقولهم بإدراك حقيقة دين اإلسالم وقضائها‬
‫السف َهاء من الناس} ّ‬
‫{سيقول َ‬
‫على ما عرفت بحق مذهبها ووقوفها به‪ ،‬ولذلك كانت محاجتهم في هللا مع اتفاقهم في التوحيد واختصاص المسلمين‬
‫باإلخالص‪ ،‬إذ لو أدركوا الحق ألدركوا إخالصهم فلم تبق محاجتهم معهم‪ .‬ولو كانت عقولهم رزينة الستدلت باآليات‬
‫وفرقت بين ذلك الدين الحق الذي هو كالروح لذلك‪ ،‬وبين باطل أهله الذي اختلط‬
‫وأدركت في كل دين ومذهب حقه‪ّ ،‬‬
‫به ولبسه خاصة دين اإلسالم‪ ،‬فإن كله حق‪ ،‬بل هو حق الحقوق ولذلك جعلوا ّ‬
‫أمة وسطاً أي‪ :‬عدالً بين األمم‪،‬‬
‫فضالء شهداء عليهم‪{ .‬ما والّ ُهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} ألنهم كانوا مقيدين بالجهة فلم يقبلوا إال مقيداً ولم يعرفوا‬
‫التوحيد الوافي بالجهات كلها {قل هلل المشرق والمغرب} على ما مر من التأويلين {يهدي من يشاء إلى صر ٍ‬
‫اط مستقيمٍ}‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أي‪ :‬طريق الوحدة التي تتساوى الجهات بالنسبة إليها لكون الحق المتوجه إليه ال في جهة‪ ،‬وكون الجهات كلها فيه‬
‫َّللاِ} [البقرة‪ ،‬اآلية‪.]115 :‬‬
‫وبه وله‪ ،‬كما قال تعالى‪َ { :‬فأ َْيَن َما تَُوُّلوْا َفثَ َّم َو ْج ُه َّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 143‬الى اآلية ‪)143‬‬

‫ِ َِّ‬
‫ول َعَل ْي ُك ْم َش ِهيداً َو َما َج َعْلَنا اْلقْبَل َة التي ُك َ‬
‫نت َعَل ْي َهآ‬ ‫الن ِ‬
‫اس َوَي ُكو َن َّ‬
‫الرُس ُ‬ ‫ونوْا ُش َه َدآء َعَلى َّ‬
‫َ‬ ‫ُم ًة َو َسطاً ّلِتَ ُك ُ‬ ‫َوَك َذلِ َك َج َعْلَن ُ‬
‫اك ْم أ َّ‬
‫ض ِ‬ ‫َّللا وما َكان َّ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرس ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫يم َان ُك ْم‬
‫يع إ َ‬ ‫َّللاُ لُي َ‬ ‫ين َه َدى َّ ُ َ َ َ‬ ‫ول م َّمن َينَقل ُب َعَل ٰى َعقَب ْيه َوإِن َك َان ْت َل َكِب َيرًة ِإال َعَلى الذ َ‬ ‫ِ‬
‫إال لَن ْعَل َم َمن َيتَّب ُع َّ ُ َ‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫َّللاَ ِب َّ‬
‫الن ِ‬ ‫ِإ َّن َّ‬
‫وف َّرح ٌ‬
‫اس َل َرُء ٌ‬

‫ومعنى شهادتهم على الناس وشهادة الرسول عليهم‪ ،‬واطالعهم بنور التوحيد على حقوق األديان ومعرفتهم بحق أهل‬
‫كل دين وحق‪ ،‬كل ذي دين من دينه وباطلهم الذي ليس حقهم الذي هو مخترعات نفوسهم وتمنياتهم وأكاذيب أخبارهم‬

‫حد دينهم‪ ،‬وإبطالهم لما عداه من األديان‪ ،‬واحتجابهم وتقيدهم بظاهره دون ّ‬
‫التعمق إلى باطنه‬ ‫وملفقاتهم‪ ،‬ووقوفهم على ّ‬
‫حقية دين اإلسالم ألن طريق الحق واحد فال يستخفون بحق سائر األديان وخاصة دين اإلسالم‬
‫وأصله وإال عرفوا ّ‬
‫الذي هو الحق األعظم األظهر‪ ،‬والرسول مطلع على رتبة كل متدين بدينه في دينه‪ ،‬وحقيقته التي هو عليها من دينه‪،‬‬
‫وحجابه الذي هو به محجوب عن كمال دينه‪ ،‬فهو يعرف ذنوبهم وحدود إيمانهم وأعمالهم وحسناتهم وسيئاتهم‬
‫أمته يعرفون ذلك من سائر األمم بنوره‪.‬‬
‫وإخالصهم ونفاقهم وغير ذلك بنور الحق‪ ،‬و ّ‬

‫{وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إال لنعلم} بالعلم التفصيلي التابع لوقوع المعلوم ال العلم السابق في عين جميع ّأول‬
‫ّ‬
‫الوجود فإنه معلوم له بذلك العلم قبل وجوده‪ ،‬ألن العلم كله له ال علم ألحد غيره‪ .‬فعلومنا التي نعلم بها األشياء تظهر‬
‫على مظاهرنا من علمه وذلك علمه التفصيلي أي‪ :‬علمه في تفاصيل الموجودات‪ .‬فهو يعلم بذلك العلم التفصيلي‬
‫ّ‬
‫الظاهر في مظاهرنا األشياء بعد وجودها‪ ،‬كما يعلمها بالعلم األول الذي هو في عين الجمع قبل وجودها‪.‬‬

‫كانت لكبيرة} أي‪ :‬أنه كانت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫إن َ‬
‫{من يتّبع الرسول} في توحيده {ممن َينقلب على عقبيه} الحتجابه بالتقييد بالدين {و ْ‬
‫ليضيع‬
‫َ‬ ‫كان هللا‬
‫التحويلة لكبيرة لشاقة ثقيلة {إال على الذين} هداهم هللا إلى التوحيد ونجاهم عن االحتجاب بالتقييد {وما َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫إيمانكم} أي‪ :‬صالتكم إلى بيت المقدس لكونها هلل‪ ،‬وإذا كانت له فحيثما توجهتم قبلها‪ .‬ولعمري إنها إنما شقت على‬
‫فإن األولى عرفت أن التحويلة األولى التي‬
‫طائفتين‪ :‬المحجوبين بالحق عن الخلق‪ ،‬والمحجوبين بالخلق عن الحق‪ّ .‬‬
‫السر‪ ،‬أي‪ :‬المكاشفة والمكالمة إلى مقام الروح‬
‫كانت من الكعبة إلى بيت المقدس هي صورة العروج من مقام القلب و ّ‬
‫والخفاء‪ ،‬أي‪ :‬المشاهدة والمعاينة فحسبوا التحويلة الثانية التي كانت صورة الرجوع إلى مقام القلب حالة االستقامة‬
‫النبوة ومشاهدة الجمع في عين التفصيل‪ ،‬والتفصيل في عين الجمع‪ ،‬حيث ال احتجاب عن الخلق‬ ‫للدعوة و ّ‬
‫والتمكين ّ‬
‫بالحق‪ ،‬وال عن الحق بالخلق‪ ،‬هو النزول بعد العروج‪ ،‬والبعد بعد القرب‪ .‬وظنوا ضياع السعي إلى المقام األشرف‬
‫فشق عليهم ذلك‪ .‬وأما الطائفة الثانية فتقيدوا بصورة نسكهم‬
‫وحصول الهجر بعد الوصول‪ ،‬والسقوط عن الرتبة‪ّ ،‬‬
‫فشق عليهم ضياعها وبطالنها الذي‬ ‫وعملهم وما عرفوا حكمة التحويلة‪ ،‬فظنوا صحة العبادة الثانية دون األولى‪ّ ،‬‬
‫توهموه فهدينا إلى خالف ما توهموه بما فهم من اآلية‪{ .‬إن هللا بالناس لرؤوف} يرؤف بهم بشرح الصدر‪ ،‬ورفع‬
‫{رِحيم} يرحمهم‬
‫الحجاب حال البقاء بعد الفناء لألولى‪ ،‬وبقبول ما عملت الثانية بصدقهم‪ ،‬وإن لم يعلموا ما يفعلون َ‬
‫بالوجود الحقاني لألولى وثواب األعمال والهداية إلى الحقيقة للثانية‪ ،‬وتوفيقهم للترقي من حالهم ومقامهم إلى مقام‬
‫ّ‬
‫اليقين‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 144‬الى اآلية ‪)144‬‬

‫ط َر اْل َم ْس ِج ِد اْل َح َار ِم َو َح ْي ُث َما ُك ْنتُ ْم َفَوُّلوْا ُو ُج ِو َه ُك ْم‬


‫اها َف َو ِّل َو ْج َه َك َش ْ‬ ‫ض َ‬
‫ِ ِ‬ ‫َق ْد نر ٰى تََقُّلب وج ِهك ِفي َّ ِ‬
‫الس َمآء َفَلُن َوّلَيَّن َك قْبَل ًة تَ ْر َ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫ََ‬
‫اب َلَي ْعَل ُمو َن أََّن ُه اْل َح ُّق ِمن َّرِّب ِه ْم َو َما َّ‬
‫َّللاُ ِب َغ ِاف ٍل َع َّما َي ْع َمُلو َن‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ط َرهُ َوِإ َّن الذ َ‬
‫ين أُوتُوْا اْلكتَ َ‬ ‫َش ْ‬

‫{قد نرى تقلب وجهك} في جهة سماء الروح في مقام الجمع عند االستغراق في الوحدة واالحتجاب بالحق عن الخلق‬
‫النبوة ومقام الدعوة‪ ،‬لعدم التفاتك إلى الكثرة‪ ،‬ويعسر عليك الرجوع إلى الحق في ّأول حال البقاء بعد الفناء‬
‫يؤدك وزر ّ‬
‫فلنجعلن وجهك يلي قبلة القلب بانشراح الصدر‪ ،‬كما قال‬
‫ّ‬ ‫قبل التمكن لقوة توجهك إلى الحق {فلنولينك ِقبل ًة ترضاها}‬
‫ك} [الشرح‪ ،‬اآليات‪ ]3-1 :‬فإنها قبلة ترضاها‬
‫ظ ْه َر َ‬
‫ض َ‬ ‫ك َّال ِذي أ َ‬
‫َنق َ‬ ‫نك ِوْزَر َ‬
‫ض ْعَنا َع َ‬
‫ك َوَو َ‬ ‫تعالى‪{ :‬أََل ْم َن ْش َرْح َل َك َ‬
‫ص ْد َر َ‬
‫لوجود الجمع هناك في صورة التفصيل وعدم احتجاب الوحدة بالكثرة‪ ،‬فترضى تلك القبلة بدعوة الخلق إلى الحق مع‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫المحرم من وصول صفات النفس‪،‬‬ ‫ِ‬
‫المسجد الح ارمِ} جانب الصدر المشروح‬ ‫شطر‬
‫ّ‬ ‫وجهك َ‬
‫َ‬ ‫{فول‬
‫بقاء شهود الوحدة َ‬
‫{وحيث ما كنتم} أيها المؤمنون والمحققون‪ ،‬سواء كنتم في جهة مشرق الروح ومغرب النفس‬
‫ُ‬ ‫ودواعي الهوى والشيطان‬
‫{فولوا وجوهكم} جانبه ليتيسر عليكم األمر بالمعروف والنهي عن المنكر في األولى‪ ،‬أي‪ :‬الجهة الشرقية‪ .‬والترقي عن‬

‫حالكم ومقامكم‪ ،‬والتوقي عن احتجابكم بدواعي الهوى والشيطان في الثانية‪{ .‬و ّ‬


‫إن الذين أوتوا الكتاب} أي‪ :‬التوراة‬
‫واإلنجيل وكتاب العقل الفرقاني‪ ،‬أي‪ :‬العقل المستفاد {ليعلمون أنه الحق من رّبهم} الهتدائهم بما في الكتاب من توحيد‬
‫المنور بالنور الشرعي ال المحجوب‬
‫الذاتي إليه‪ ،‬أو بنور العقل ّ‬ ‫المحمدي‬
‫ّ‬ ‫األفعال‪ ،‬والصفات‪ ،‬والداللة على التوحيد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بالقياس الفكرّي‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 145‬الى اآلية ‪)145‬‬

‫ض َوَلِئ ِن اتََّب ْع َت‬


‫ض ُهم ِبتَاِب ٍع ِقْبَل َة َب ْع ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب ِب ُك ِّل َآية َّما تَِب ُعوْا قْبَلتَ َك َو َمآ أ َ‬
‫َنت ِبتَاِب ٍع قْبَلتَ ُه ْم َو َما َب ْع ُ‬ ‫ين أُوتُوْا اْلكتَ َ‬
‫َوَلئ ْن أَتَْي َت الذ َ‬
‫َّ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫أَهواءهم ِمن بع ِد ما جآء ِ ِ‬
‫ك م َن اْلعْل ِم ِإَّن َك ِإ َذاً لم َن الظالم َ‬
‫ين‬ ‫َْ َ ُ ّ َ ْ َ َ َ َ‬

‫نبوتك وحقية قبلتك ولو من كتابهم‪ ،‬أو ما كانت عقلية‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أتيت الذين أُوتُوا الكتاب بكل آية} دالة على صحة ّ‬
‫{ولئ ْن َ‬
‫بلتك} الحتجابهم بدينهم ومعقولهم وتقيدهم به {وما أنت ِبتَابع قبلتهم} لعلوك عن رتبة دينهم وترقيك‬ ‫ِ‬
‫قطعية {ما تِبعوا ق َ‬
‫التضاد المركوز في‬
‫ّ‬ ‫وتضاد وجههم الناشئ من‬
‫ّ‬ ‫كل بدينه‬ ‫ٍ‬
‫بعض} الحتجاب ّ‬ ‫عن مقامهم {وما بعضهم بتابع قبل َة‬
‫المتفرقة {من بعد ما جاءك من} علم التوحيد الجامع ّإياك {إنك إذاً لمن} الناقصين‬ ‫طباعهم ِ‬
‫{ولئن اتّبعت أهواءهم}‬
‫ّ‬
‫وحق مقامك ‪.‬‬
‫حقك ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 146‬الى اآلية ‪)148‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬


‫ِك َفالَ‬ ‫اء ُه ْم َوإِ َّن َف ِريقاً ّم ْن ُه ْم َلَي ْكتُ ُمو َن اْل َح َّق َو ُه ْم َي ْعَل ُمو َن * اْل َح ُّق من َّرّب َ‬ ‫ِ ن‬ ‫اب َي ْع ِرُف َ‬
‫ون ُه َك َما َي ْعرُفو َ أ َْبَن َ‬ ‫اه ُم اْلكتَ َ‬
‫ين آتَْيَن ُ‬‫الذ َ‬
‫َّللاُ َج ِميعاً ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َعَل ٰى ُك ِّل‬ ‫ات أَين ما تَ ُكونوْا يأ ِ‬
‫ْت ِب ُك ُم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ون َّن ِم َن اْلممتَ ِري َن * ولِ ُك ٍّل ِو ْجه ٌة ُهو موِّليها َف ِ‬
‫ُ َ‬ ‫استَبُقوْا اْل َخ ْي َر ْ َ َ‬ ‫َ َ َُ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫تَ ُك َ‬
‫َشي ٍء َق ِد ٌير‬
‫ْ‬
‫{الذين آتيناهم الكتاب} إيتاء فهم ودراية {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} أي‪ :‬كالمحسوس المشاهد‪ ،‬القريب الدائم‬
‫ولكل أحد منكم غاية‬
‫{ولكل وجهة هو ُمَوليها} أي‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫اإلحساس لقربهم منه بالحقيقة‪ ،‬وتوسمهم ّإياه بالدالئل الواضحة‬
‫وكمال بحسب استعداده األول‪ ،‬هللا موجه وجهه إليها أو هو نفسه موجه نفسه إليها ويتوجه نحوها بمقتضى هويته‬
‫المقربة إياكم من كمالكم وغايتكم التي خلقتم ألجلها وندبتم إليها {أينما‬
‫واستعداده بإذن هللا {فاستبقوا الخيرات} األمور ّ‬
‫تكونوا} من مقام وحال دونها أو تخالفها لكونها في مقابلها {يأت بكم هللا جميعاً} إلى تلك الغاية قريباً أو بعيداً بحسب‬
‫{إن هللا على كل شيء قدير}‪.‬‬
‫المقربات واستباقها ّ‬
‫اقتضاء ّ‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 149‬الى اآلية ‪)150‬‬

‫َّللاُ ِب َغ ِاف ٍل َع َّما تَ ْع َمُلو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو ِم ْن َح ْي ُث َخ َر ْج َت َف َو ِّل َو ْج َه َك َش ْ‬


‫* َو ِم ْن َح ْي ُث‬ ‫ِك َو َما َّ‬‫ط َر اْل َم ْس ِجد اْل َح َار ِم َوإَِّن ُه َلْل َح ُّق من َّرّب َ‬
‫َّ َّ ِ‬ ‫ط َرهُ لَِئالَّ َي ُكو َن لِ َّلن ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫َخ َر ْج َت َف َو ِّل َو ْج َه َك َش ْ‬
‫ُح َّج ٌة ِإال الذ َ‬
‫ين‬ ‫اس َعَل ْي ُك ْم‬ ‫وه ُك ْم َش ْ‬‫ط َر اْل َم ْس ِجد اْل َح َار ِم َو َح ْي ُث َما ُك ْنتُ ْم َف َولوْا ُو ُج َ‬
‫اخ َش ْوِني َوألُِت َّم ِن ْع َمِتي َعَل ْي ُك ْم َوَل َعَّل ُك ْم تَ ْهتَ ُدو َن‬
‫ظَل ُموْا ِم ْن ُه ْم َفالَ تَ ْخ َش ْو ُه ْم َو ْ‬
‫َ‬

‫{ومن حيث خرجت} من طرق حواسك وميلك إلى حظوظك واالهتمام بمصالحك ومصالح المؤمنين {فول وجهك‬
‫شطر المسجد الحرام} أي‪ :‬فكن حاض اًر للحق في قلبك‪ ،‬مواجهاً صدرك‪ ،‬تشاهد مشاهد فيه‪ ،‬مراعياً جانبه لتكون في‬
‫{فولوا وجوهكم} جانب الصدر‪ ،‬تشاهدون مشاهدكم فيه‪ ،‬مراعين‬
‫األشياء باهلل ال بالنفس {وحيث ما كنتم} أيها المؤمنون َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫له غير معرضين عنه في حال {لئال يكون للناس عليكم حج ٌة} سلطنة بوقوعهم في أعينكم واعتباركم إياهم عند غيبتكم‬
‫عن الحق‪ ،‬وترّفعهم عليكم‪ ،‬أو غلبة بالقول أو الفعل في مقاصدكم ومطالبكم لكونكم بالحق فيها حينئذ‪ ،‬بل يخضعون‬
‫الحق‬
‫ّ‬ ‫فإن حزب هللا هم الغالبون {إال الذين ظلموا منهم} أي‪ :‬الكفار المردودين الذين احتجبوا عن‬
‫وينقادون لكم‪ّ ،‬‬
‫مطلقاً‪ ،‬فإنهم يرتفعون عليكم وال يخضعون‪ ،‬وال ينقادون لعدم انفعالهم عن الحق مطلقاً‪ّ .‬‬
‫وسمى شبهتهم التي يسوقونها‬
‫مساق الحجة‪ ،‬واعتراضهم على المسلمين قوالً وفعالً‪ ،‬وترفهم عليهم في أنفسهم حجة مجا اًز‪ .‬وقرئ إال للتنبيه‬
‫يضرونكم {واخشوني} كونوا على هيبة من تجلي عظمتي‬ ‫واستوؤنف الذين ظلموا {فال تخشوهم} ألنهم ال يغلبونكم وال ّ‬
‫لئال يقعوا في قلوبكم وأعينكم وال يميلوا صدوركم فتميلوا إلى موافقتهم إجالالً لهم وتعظيماً لكونكم في الغيبة وبالنفس‪،‬‬
‫كما قال أمير المؤمنين عليه السالم‪" :‬عظم الخالق عندك يصغر المخلوق في عينك"‪ .‬وإلتمامي نعمة الكمال عليكم‬
‫وإلرادتي اهتداءكم أمرتكم بدوام الحضور والمراقبة ‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 151‬الى اآلية ‪)154‬‬

‫اب َواْل ِح ْك َم َة َوُي َعِّل ُم ُكم َّما َل ْم تَ ُك ُ‬


‫ونوْا تَ ْعَل ُمو َن *‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يك ْم َرُسوالً ِّم ْن ُك ْم َي ْتُلوْا َعَل ْي ُك ْم َآي ِاتَنا َوُي َزِّك ُ‬
‫يك ْم َوُي َعّل ُم ُك ُم اْلكتَ َ‬ ‫َك َمآ أ َْرَسْلَنا ِف ُ‬
‫صٰلوِة ِإ َّن َّ‬ ‫استَ ِع ُينوْا ِب َّ‬ ‫اش ُكروْا لِي والَ تَ ْكُفرو ِن * يآأَي َّ ِ‬
‫الصاِب ِر َ‬
‫ين‬ ‫َّللاَ َم َع َّ‬ ‫الص ْب ِر َوال َّ‬ ‫آمُنوْا ْ‬‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َفا ْذ ُك ُروِني أَ ْذ ُك ْرُك ْم َو ْ ُ‬

‫اء َوَل ِكن الَّ تَ ْش ُع ُرو َن‬ ‫بيل َّ ِ‬


‫*والَ تَُقوُلوْا لِم ْن يْقَتل ِفي س ِ‬
‫َحَي ٌ‬
‫ات َب ْل أ ْ‬
‫َّللا أ َْم َو ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َ‬

‫{كما أرسلنا} أي‪ :‬كما ذكرتم بإرسال رسول {فيكم} من جنسكم ليمكنكم التلقي والتعلم‪ ،‬وقبول الهداية منه لجنسية‬
‫ّ‬
‫النفس ورابطة البشرية {فاذكروني} باإلجابة والطاعة واإلرادة {أذكركم} بالمزيد والتوالي للسلوك وإفاضة نور اليقين‬
‫{واشكروا لي} على نعمة اإلرسال والهداية بسلوك صراطي على قدم المحبة أزدكم عرفاني ومحبتي {وال تكفرون}‬
‫بالفترة واالحتجاب بنعمة الدين عن المنعم‪ ،‬فإنه كفران بل كفر‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫تجليات عظمتي وكبريائي {والصالة} أي‪:‬‬
‫العياني {استعينوا بالصبر} معي عند سطوات ّ‬ ‫{يا أيها الذين آمنوا} اإليمان‬
‫ّ‬
‫{إن هللا مع الصابرين} المطيقين لتجليات أنواره ‪.‬‬
‫الشهود الحقيقي بي ّ‬

‫{وال تقولوا لمن يقتل في سبيل هللا} أي‪ :‬يجعل فانياً مقتولة نفسه في سلوك سبيل التوحيد ميتاً عن هواه‪ ،‬كما قال رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬موتوا قبل أن تموتوا"‪ .‬هم {أموات} أي‪ :‬عجزة مساكين {بل} هم {أحياء} عند ربهم بالحياة‬
‫الحقيقية‪ ،‬وحياة هللا الدائمة السرمدية‪ ،‬شهداء هللا بالحضور الذاتي‪ ،‬قادرون به {ولكن ال تشعرون} لعمى بصيرتكم‬
‫ّ‬
‫القدوس وحقائق األرواح‪.‬‬
‫وحرمانكم عن النور الذي تبصر به القلوب أعيان عالم ّ‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 155‬الى اآلية ‪)155‬‬

‫س والثَّمر ِ‬
‫ات َوَب ِّش ِر َّ‬ ‫ص ِم َن األَمو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫الصاِب ِر َ‬
‫ين‬ ‫َنف ِ َ َ َ‬
‫ال َواأل ُ‬ ‫ََ‬ ‫ّ‬
‫ف واْل ُجوِع وَنْق ٍ‬
‫َ‬ ‫َوَلَنْبُل َوَّن ُك ْم ب َش ْيء ّم َن اْل َخ ْو َ‬

‫{ولنبلونكم بشيء من الخوف} أي‪ :‬خوفي الموجب النكسار النفس وانهزامها {والجوع} الموجب لنهك البدن‪ ،‬وضعف‬
‫المقوية للنفس‬
‫وسد طريق الشيطان إلى القلب {ونقص من األموال} التي هي مو ّاد الشهوات ّ‬ ‫قواه‪ ،‬ورفع حجاب الهوى‪ّ ،‬‬
‫الزائدة في طغيانها {واألنفس} المستولية على القلب بصفاتها‪ ،‬والمستغنية بذاتها‪ ،‬ليزيد بنقصها القلب ويقوى‪ ،‬أو أنفس‬
‫األقرباء واألصدقاء الذين تأوون إليهم وتستظهرون بهم لتنقطعوا إلي وتبتلوا {والثمرات} أي‪ :‬المالذ والمتمتعات‬
‫ّ‬
‫النفسانية لتلتذوا بالمكاشفات والمعارف القلبية‪ ،‬والمشاهدات الروحية عند صفاء بواطنكم باالنقطاع منها وخلوص‬
‫غش صفات نفوسكم‪.‬‬
‫بصائر قلوبكم بنار الرياضة والبالء والعزلة من ّ‬

‫وقوة إرادتي ‪.‬‬


‫{وبشر الصابرين} يعني‪ :‬الصابرين عن مألوفاتهم بل ّذة محبتي ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 156‬الى اآلية ‪)158‬‬

‫َوأُوَلـِٰئ َك ُه ُم‬ ‫صَل َوا ٌت ِّمن َّرِّب ِه ْم َوَر ْح َم ٌة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّال ِذ َ ِ‬
‫َص َاب ْت ُهم ُّمص َيب ٌة َقاُلوْا إَّنا ََّّلل َوإَِّنـآ إَل ْيه َارج ُعو َن * أُوَلـٰئ َك َعَل ْيه ْم َ‬
‫ين إ َذآ أ َ‬
‫ِب ِه َما َو َمن تَ َ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫الصَفا واْلمروة ِمن شع ِآئ ِر َّ ِ‬
‫طَّوعَ‬ ‫ف‬ ‫اح َعَل ْيه أَن َيطَّو َ‬ ‫َّللا َف َم ْن َح َّج اْلَب ْي َت أ َِو ْ‬
‫اعتَ َم َر َفالَ ُجَن َ‬ ‫ََ‬ ‫اْل ُم ْهتَ ُدو َن * ِإ َّن َّ َ َ ْ َ َ‬
‫يم‬ ‫َخي اًر َفِإ َّن َّ ِ ِ‬
‫َّللاَ َشاكٌر َعل ٌ‬ ‫ْ‬

‫تصرفاتي فيهم دائماً شاهدوا آثار قدرتي‪ ،‬بل أنوار تجليات صفتي و {قالوا ّإنا هلل}‬
‫{الذين إذا أصابتهم مصيبة} من ّ‬
‫أتصرف فيه {و ّإنا إليه راجعون} أي‪ :‬تفانوا في‪ ،‬وشاهدوا تهلكهم في بي {أولئك عليهم‬
‫ّ‬ ‫أي‪ :‬سلموا وأيقنوا أنهم ملكي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المنور بأنواري {ورحمة} ونور وهداية يهدون‬
‫صلوت من رّبهم} بالوجود الموهوب لهم بعد الفناء الموصوف بصفاتي ّ‬
‫بها الخلق إلي {وأولئك هم المهتدون} بهداي كما ورد في الدعاء‪" :‬واجعلنا هادين مهديين غير ضالين وال مضلين‪".‬‬
‫ّ‬

‫إن صفاء وجود القلب ومروة وجود النفس {من شعائر هللا} من أعالم دينه ومناسكه القلبية‬ ‫{إن الصفا والمروة} أي‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫حج البيت} أي‪ :‬بلغ‬‫كاليقين‪ ،‬والرضا‪ ،‬واإلخالص‪ ،‬والتوكل‪ ،‬والقالبية‪ ،‬كالصالة والصيام وسائر العبادات البدنية {فمن ّ‬
‫اعتَمر} نار الحضرة بتوحيد الصفات والفناء في‬‫الكلي {أو ْ‬ ‫مقام الوحدة الذاتية ودخل الحضرة اإللهية بالفناء الذاتي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويتردد بينهما‪ ،‬ال‬
‫ّ‬ ‫مقامهما‪،‬‬ ‫إلى‬ ‫جع‬‫ير‬ ‫أي‪:‬‬ ‫بهما}‬ ‫ف‬ ‫يطو‬
‫ّ‬ ‫{أن‬ ‫في‬ ‫أنوار تجليات الجمال والجالل {فال جناح عليه} حينئذ‬
‫فإن في هذا‬
‫بوجودهما التكويني‪ ،‬فإنه جناح وذنب‪ ،‬بل بالوجود الموهوب بعد الفناء عند التمكين ولهذا نفي الحرج‪ّ ،‬‬
‫تبرع خي اًر من باب التعاليم وشفقة الخلق والنصيحة ومحبة أهل‬
‫تطوع خي اًر} أي‪ :‬ومن ّ‬
‫األول {ومن ّ‬
‫الوجود سعة بخالف ّ‬
‫الخير والصالح بوجود القلب‪ ،‬ومن باب األخالق‪ ،‬وطرق البر والتقوى‪ ،‬ومعاونة الضعفاء والمساكين‪ ،‬وتحصيل الرفق‬
‫لهم ولعياله بوجود النفس بعد كمال السلوك والبقاء بعد الفناء {فإن هللا شاكر} يشكر عمله بثواب المزيد {عليم} بأنه‬
‫التصرف في األشياء باهلل ال من باب التكوين واالبتالء والفترة ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫من باب‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 159‬الى اآلية ‪)160‬‬

‫َّللاُ َوَيْل َعُن ُهم الالَّ ِعُنو َن‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ات واْلهد ٰى ِمن بع ِد ما بيََّّناه لِ َّلن ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِإ َّن َّال ِذين ي ْكتُمو َن مآ أ َ ْ ِ‬
‫ُ‬ ‫اس في اْلكتَاب أُوَلـٰئ َك َي َ‬
‫لعُن ُه ُم َّ‬ ‫َْ َ َ ُ‬ ‫َنزلَنا م َن اْلَبِّيَن َ ُ َ‬ ‫َ َ ُ َ‬
‫يم‬ ‫* ِإالَّ َّال ِذين تَابوْا وأَصَلحوْا وبيَُّنوْا َفأُوَل ِـئك أَتُوب عَلي ِهم وأََنا التََّّواب َّ ِ‬
‫الرح ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َْ ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ُ َ ْ ُ ََ‬

‫البينات والهدى} أي‪ :‬يكتمون ما أفضنا عليهم من بينات أنوار المعارف وعلوم‬‫{إن الذين يكتمون ما أنزلنا من ّ‬
‫فإن العياني ال‬
‫الذاتي بطريق علم اليقين‪ّ ،‬‬ ‫تجليات األفعال والصفات‪ ،‬وهدى األحوال والمقامات أو الهداية إلى التوحيد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ينكتم بالتلوينات النفسية أو القلبية الحاجبة للمكاشفات القلبية والمسامرات السرّية والمشاهدات الروحية {من بعد ما‬
‫المنورة بنور المتابعة المدركة آلثار أنوار القلوب واألرواح ببركة الصحبة {أولئك‬
‫ّبيناه للناس} في كتاب عقولهم ّ‬
‫يردهم ويطردهم {ويلعنهم الالعنون} من المأل األعلى لخذالنهم وترك إمدادهم من عالم األبد والنور‪ ،‬ومن‬
‫يلعنهم هللا} ّ‬
‫بقوة صدقهم‪ ،‬واستراحوا إلى صحبتهم‬
‫المستعدين المشتاقين الذين كانوا قد استأنسوا بنور قلوبهم واستفاضوا منهم النور ّ‬
‫ّ‬
‫يتبركون بهم وبأنفاسهم عند استشراق لمعان أحوالهم بالهجران واالنقطاع عن صحبتهم و ّ‬
‫الصد واإلعراض‬ ‫ومالزمتهم ّ‬
‫بتكدر صفائهم {إال الذين تَ ُابوا} أي‪ :‬رجعوا عن ذنوب أحوالهم وعلموا أن ذلك كان‬
‫عنهم لفقدانهم ذلك واستشعارهم ّ‬
‫{وبيُنوا} أي‪ :‬كشفوا وأظهروا بصدق المعاملة مع هللا واإلخالص ما‬
‫أصَلحوا} أحوالهم باإلنابة والرياضة ّ‬
‫ابتالء من هللا {و ْ‬
‫التواب الرحيم}‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احتجب عنهم {فأولئك} أتقبل توبتهم وألقي التوبة عليهم {وأنا ّ‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 161‬الى اآلية ‪)161‬‬

‫ين‬ ‫اس أ ِ‬ ‫الئ َك ِة َو َّ‬


‫الن ِ ْ‬
‫َج َمع َ‬
‫َّللاِ واْلم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫ِإن الذ َ‬
‫ين َكَف ُروا َو َماتُوا َو ُه ْم ُكف ٌار أُوَلئ َك َعَل ْيه ْم َل ْعَن ُة َّ َ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{إن الذين َكَف ُروا} حجبوا عن الدين أو الحق {وماتُوا وهم كّفار} أي‪ :‬بقوا على احتجابهم حتى زال استعدادهم وانطفأ‬
‫ّ‬
‫لعنة هللا والمالئكة‬
‫نور فطرتهم بدين الحجاب‪ ،‬وانقطعوا عن األسباب التي يمكن بها رفع حجاب الموت {أولئك عليهم َ‬
‫أج َم ِعين} أي‪ :‬استحقوا البعد والحرمان والطرد الكلي عن الحق وعن عالم الملكوت وعن الفطرة اإلنسانية‬
‫والناس ْ‬
‫ّ‬
‫المعبر عنه بالطمس‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 162‬الى اآلية ‪)164‬‬

‫يم * ِإ َّن ِفي‬ ‫الرحمـٰن َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫َخالِ ِد ِ‬


‫الرح ُ‬ ‫ظ ُرو َن * َوإَِلـ ُٰه ُك ْم ِإَلـ ٌٰه َواحٌد ال ِإَلـ َٰه ِإال ُهَو َّ ْ َ ُ‬
‫اب َوالَ ُه ْم ُي ْن َ‬ ‫يها الَ ُي َخَّف ُ‬
‫ف َع ْن ُه ُم اْل َع َذ ُ‬ ‫ين ف َ‬ ‫َ‬
‫السم ِ‬ ‫َنزل َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َِّ‬ ‫ف َّ‬
‫اللْي ِل َو َّ‬ ‫اخِتالَ ِ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬
‫آء‬ ‫َّللاُ م َن َّ َ‬ ‫اس َو َمآ أ َ َ‬ ‫الن َه ِار َواْلُفْلك التي تَ ْجرِي في اْلَب ْح ِر ِب َما َي َنف ُع الَّن َ‬ ‫ض َو ْ‬ ‫َخْل ِق َّ َ َ َ‬
‫السم ِآء واأل َْر ِ‬ ‫الريا ِح و َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن َّم ٍآء َفأَحيا ِب ِه األَرض بعد موِتها وب َّث ِف ِ ِ ٍ‬
‫ض‬ ‫الس َحاب اْل ُم َس َّخ ِر َب ْي َن َّ َ َ‬ ‫ص ِريف ِّ َ َ‬ ‫يها من ُك ّل َدآبَّة َوتَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ََْ َْ َ َ َ‬ ‫َْ‬
‫آلي ٍ‬
‫ات ِّلَق ْو ٍم َي ْعِقُلو َن‬ ‫َ‬

‫الع َذاب} لرسوخ هيئاتهم المع ّذبة في جواهر‬ ‫ِِ‬


‫ين فيها} لطموس استعدادهم وانطفاء نور فطرتهم {ال ُي َخفف عنهم َ‬ ‫{خالد َ‬
‫احد} ومعبودكم الذي خصصتموه بالعبادة أيها‬ ‫نفوسهم {وال هم ينظرون} للزوم تلك الهيئات المظلمة إياهم {وإلهكم إله و ِ‬
‫الموحدون معبود واحد بالذات‪ ،‬واحد مطلق ال شيء في الوجود غيره‪ ،‬وال موجود سواه فيعبد‪ ،‬فكيف يمكنكم الشرك به‬
‫يخص رحمة هدايته‬
‫لكل موجود {الرحيم} الذي ّ‬
‫وغيره العدم البحت فال شرك إال للجهل به‪{ .‬الرحمن} الشامل الرحمة ّ‬
‫فإن‬
‫بالمؤمنين الموحدين وهي ّأول آية نزلت في التوحيد بحسب الرتبة‪ ،‬أي‪ :‬أقدم توحيد من جهة الحق ال من جهتنا‪ّ .‬‬
‫أول التوحيد من طرفنا توحيد األفعال وهذا هو توحيد الذات ولما بعد هذا التوحيد عن مبالغ أفهام الناس تنزل إلى مقام‬
‫ليستدل به عليه فقال‪:‬‬
‫ّ‬ ‫توحيد األفعال‬

‫أن في إيجاد سموات األرواح والقلوب والعقول وأرض النفوس‬ ‫ِ‬ ‫{إن في خلق السمو ِ‬
‫األرض} إلى آخره‪ ،‬أي‪ّ :‬‬ ‫ات و‬ ‫ّ‬
‫اخِتالف} النور والظلمة بينهما وفلك البدن التي تجري في بحر الجسم المطلق {بما َي ْنفع الناس} في كسب كماالتهم‬
‫{و ْ‬
‫{وبث فيها من كل‬
‫{وما ْأن َزل هللا من السماء} أي‪ :‬الروح من ماء العلم {فأحيا به} أرض النفس بعد موتها بالجهل ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫صريف} عصوف زيادة األفعال الحقانية‪ ،‬وسحاب تجلي الصفات الربانية‬ ‫دابة} القوى الحيوانية الحية بحياة القلب {وتَ ْ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫المجرد عن‬
‫ّ‬ ‫المسخر المهيأ بين سماء الروح وأرض النفس {آليات} لدالئل {لَقوم َي ْعقلون} بالعقل ّ‬
‫المنور بنور الشرع‪،‬‬
‫شوب الوهم‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 165‬الى اآلية ‪)165‬‬

‫ظَل ُموْا ِإ ْذ َي َرْو َن‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ أَنداداً ي ِحبُّونهم َكح ِب َّ ِ َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َشُّد ُحّباً ََّّلل َوَل ْو َي َرى الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫آمُنوْا أ َ‬
‫ين َ‬
‫َّللا َوالذ َ‬ ‫اس َمن َيتَّخ ُذ من ُدو ِن َّ َ ُ َ ُ ْ ُ ّ‬ ‫الن ِ‬
‫َو ِم َن َّ‬
‫اب‬‫َّللا َش ِد ُيد اْلع َذ ِ‬
‫َ‬ ‫َن اْلُقَّوَة ََّّللِ َج ِميعاً َوأ َّ‬
‫َن َّ َ‬ ‫اب أ َّ‬
‫اْل َع َذ َ‬

‫إما أناسي من جنسهم‬


‫ّ‬ ‫كحب هللا} أي‪ :‬من يعبد من دون هللا أشياء ّ‬
‫{ومن الناس من َيتَخذ من دون هللا أنداداً يحبونهم ّ‬
‫إما غير أناسي كالحيوانات‪،‬‬ ‫كاألزواج‪ ،‬واألوالد‪ ،‬واآلباء‪ ،‬واألجداد‪ ،‬واإلخوان‪ ،‬واألحباب‪ ،‬والرؤساء‪ ،‬والملوك‪ ،‬وغيرهم‪ .‬و ّ‬
‫ّ‬
‫والجمادات‪ ،‬وسائر أموالهم‪ ،‬باإلقبال عليهم والتوجه نحوهم‪ ،‬ومراعاتهم‪ ،‬وحفظهم‪ ،‬واالهتمام بهم وبحالهم‪ ،‬والتف ّكر في‬
‫بابهم‪ ،‬يحبونهم كحب هللا‪ ،‬أي‪ :‬كما يجب أن يحب هللا‪ ،‬فتكون تلك األشياء عندهم مساوية في المحبة مع هللا فتكون‬
‫أنداداً أو شركاء هلل بالنسبة إليهم‪ ،‬أو تكون هي محبوباتهم ومعبوداتهم ال غير‪ ،‬فهي آلهتهم كما أن هللا إله الخلق فهم‬
‫جعلوا ألنفسهم آلهة أنداداً إلله سائر الخلق‪ ،‬إله العالمين‪.‬‬

‫أشد حباً هلل} من غيره ألنهم ال يحبون إال هللا‪ ،‬ال يختلط حبهم له بحب غيره وال يتغير‪ ،‬ويحبون األشياء‬
‫آمُنوا ّ‬
‫{والذين َ‬
‫بمحبة هللا وهلل‪ ،‬وبقدر ما يجدون فيها من الجهة اإللهية كما قال بعضهم‪" :‬الحق حبيبنا‪ ،‬والخلق حبيبنا وإذا اختلفا‬
‫أشد حباً من محبتهم آللهتهم‬
‫أحب إلينا" أي‪ :‬إذا لم تبق جهة اإللهية فيهم بمخالفتهم إياه لم تبق محبتنا لهم‪ ،‬أو ّ‬
‫فالحق ّ‬
‫ألنهم يحبون األشياء بأنفسهم ألنفسهم‪ ،‬فال جرم تتغير محبتهم بتغيير إعراض النفوس أنفسهم عند خوف الهالك‬
‫ومضرة النفس عليهم والمؤمنون يحبون هللا بأرواحهم وقلوبهم‪ ،‬بل باهلل هلل‪ ،‬ال تتغير محبتهم لكونها ال لغرض‪ ،‬ويبذلون‬
‫ّ‬
‫أرواحهم وأنفسهم لوجهه ورضاه‪ ،‬ويتركون جميع مراداتهم لمراده ويحبون أفعاله وإن كانت بخالف هواهم‪ ،‬كما قال‬
‫أحدهم ‪:‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫فأترك ما أريد لما يريد‬ ‫أريد وصاله ويريد هجري‬

‫القوة هلل} أي‪ :‬القدرة‬


‫ظَلموا} أي‪ :‬أشركوا بمحبة اإلنذار في وقت رؤيتهم عذاب االحتجاب بآلهتهم {أن ّ‬ ‫{ولو يرى َ‬
‫الذين َ‬
‫وشدة عذاب هللا بقرنهم بآلهتهم في نار الحرمان بالسالسل النارية المستفاد من‬
‫كلها هلل ليس آللهتهم شيء منها‪ّ ،‬‬
‫محبتهم إياها‪ ،‬لكان ما ال يدخل تحت الوصف ولهذا المعنى حذف جواب لو ‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 166‬الى اآلية ‪)168‬‬

‫طعت ِب ِهم األَسباب * وَق َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬


‫ين اتََّب ُعوْا َل ْو أ َّ‬
‫َن َلَنا َكَّرًة َفَنتََبَّأَر‬ ‫ال الذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫اب َوتََق َ ْ ُ ْ َ ُ‬ ‫ين اتُِّب ُعوْا م َن الذ َ‬
‫ين اتََّب ُعوْا َوَأرَُوْا اْل َع َذ َ‬ ‫ِإ ْذ تََبَّأَر الذ َ‬
‫اس ُكُلوْا ِم َّما ِفي‬ ‫ين ِم َن َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِم ْن ُه ْم َك َما تََبَّرُءوْا ِمَّنا َك َذلِ َك ُي ِري ِه ُم َّ‬
‫الن ِار * ٰيأَُّي َها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫َّللاُ أَ ْع َماَل ُه ْم َح َس َرات َعَل ْي ِه ْم َو َما ُهم ِب َخ ِارِج َ‬
‫طو ِ‬
‫ان ِإَّن ُه َل ُك ْم َع ُدٌّو ُّمِب ٌ‬
‫ين‬ ‫طِ‬ ‫ات َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫َِّ‬
‫طّيباً َوالَ تَتب ُعوْا ُخ ُ َ‬
‫ض َحالَالً َ ِ‬ ‫األ َْر ِ‬

‫تبرئ المتبوعين من التابعين مع لزوم ّ‬


‫كل‬ ‫{إذ تبرأ} بدل من‪ :‬إذ يرون العذاب‪ ،‬أي‪ :‬وقت رؤيتهم العذاب هو وقت ّ‬
‫كل منهم باآلخر وتقيده واحتجابه به عن كماالته ولذاته وانقطاع‬
‫منهم اآلخر بمقتضى المحبة التي كانت بينهم لتعذب ّ‬
‫األسباب والوصل الموجبة للفوائد والتمتعات التي كانت بينهم في الدنيا من القرابة‪ ،‬والرحم‪ ،‬واإللفة‪ ،‬والعهد‪ ،‬وسائر‬
‫المواصالت الدنيوية الجالبة للنفع واللذة‪ ،‬فإنها تنقطع كلها بانقطاع لوازمها وموجباتها دون المواصالت الخيرية‬
‫المحبات اإللهية المبنية على المناسبة الروحية والتعارف األزلي‪ ،‬فإنها تبقى ببقاء الروح أبداً وتزيد في اآلخرة بعد رفع‬
‫و ّ‬
‫ّ‬
‫الحجب البدنية القتضائها محبة هللا المفيدة في اآلخرة‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬وجبت محبتي للمتحابين في"‪ .‬والواو في {و أروا‬
‫ّ‬
‫شر المقارنة‬
‫تبرؤوا عنهم في حال رؤيتهم العذاب وتقطع الوصل بينهم‪ ،‬يعني‪ :‬حال ظهور ّ‬ ‫العذاب} واو الحال‪ ،‬أي‪ّ :‬‬
‫كرة {كذلك‬
‫كرة} أي‪ :‬ليت لنا ّ‬
‫أن لنا ّ‬
‫وتبعتها‪ ،‬ونفاد خيرها وفائدتها‪ ،‬كحال سفاح الكالب مثالً {وقال الذين اتبعوا لو ّ‬
‫ُي ِريهم هللا أعمالهم َح َسرات عليهم} أي‪ :‬تنقلب محباتهم وما يبنى عليها من األعمال حسرات عليهم‪ ،‬وكذا يكون حال‬
‫المسخرة إياها في تحصيل لذاتها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫القوى الروحانية المصادقة للقوى النفسانية التابعة لها‪،‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{يا أيها الناس ُكُلوا مما في األرض} أي‪ :‬تناولوا من الل ّذات والتمتعات التي في الجهة السفلية من عالم النفس والبدن‬
‫يحل ويطيب‪ ،‬أي‪ :‬على قانون العدالة بإذن الشرع واستصواب العقل بقدر االحتياج والضرورة‪ ،‬وال تخطوا‬ ‫على وجه ّ‬
‫ِ‬
‫حد االعتدال الذي به تطيب وتنفع إلى حدود اإلسراف‪ ،‬فإنها خطوات الشيطان‪ .‬ولهذا قال تعالى‪ِ{ :‬إ َّن اْل ُمَب ّذ ِر َ‬
‫ين َك ُانوْا‬ ‫ّ‬
‫الشي ِ‬
‫عدو لكم‪ّ .‬بين العداوة يريد أن يهلككم ويبغضكم إلى ربكم بارتكاب‬ ‫اط ِ‬
‫ين} [اإلسراء‪ ،‬اآلية‪ ]27 :‬فإنه ٌ‬ ‫ان َّ َ‬
‫ِإ ْخَو َ‬
‫ظل اإللفة في عالم القلب‪،‬‬
‫اإلسرافات المذمومة فإنه ال يحب المسرفين‪ .‬واعلم أن العداوة في عالم النفس هي ّ‬
‫الظل‬
‫ظل الوحدة الحقيقية‪ .‬فاالعتدال هو ّ‬
‫ظل المحبة في عالم الروح وهي ّ‬ ‫واالعتدال ظلها في عالم البدن‪ ،‬واإللفة ّ‬
‫ظل الحق وال يطيقه فيخطو أبداً في مجال تلك الظالل إلى جوانب اإلسرافات وحيث‬
‫يفر من ّ‬ ‫الرابع للوحدة والشيطان ّ‬
‫يعجز فإلى جوانب التفريطات كما في المحبة واإللفة‪ ،‬ولهذا قال أمير المؤمنين علي عليه السالم‪" :‬ال ترى الجاهل إال‬
‫ّ‬
‫مفرطاً"‪ ،‬فإن الجاهل سخرة الشيطان‪.‬‬
‫مفرطاً أو ّ‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 169‬الى اآلية ‪)172‬‬

‫َّللاُ َقاُلوْا َب ْل َنتَِّب ُع َمآ‬ ‫ِ‬ ‫وء واْلَفحش ِآء وأَن تُقوُلوْا عَلى َّ ِ‬
‫يل َل ُه ُم اتَِّب ُعوا َمآ أ َ‬
‫َنزَل َّ‬ ‫َّللا َما الَ تَ ْعَل ُمو َن * َوإِ َذا ق َ‬ ‫َ‬ ‫الس ِ َ ْ َ َ َ‬ ‫ْم ُرُك ْم ِب ُّ‬ ‫ِ‬
‫إَّن َما َيأ ُ‬
‫أَْلَفينا عَلي ِه آبآءنآ أَوَلو َكان آباؤهم الَ يعِقُلو َن َشيئاً والَ يهتَدو َن * ومَثل َّال ِذين َكَفروْا َكمَث ِل َّال ِذي ي ْن ِعق ِبما الَ يسمع ِإالَّ‬
‫َْ َ ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫ْ َ َْ ُ‬ ‫َْ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ ْ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫طِيب ِ‬ ‫ِ‬ ‫دعآء وِندآء ص ٌّم ب ْكم عمي َفهم الَ يعِقُلون * ٰيأَي َّ ِ‬
‫اش ُك ُروْا ََّّلل إن ُك ْنتُ ْم إيَّاهُ‬
‫اك ْم َو ْ‬
‫ات َما َرَزْقَن ُ‬ ‫آمُنوْا ُكُلوْا من َ ّ َ‬
‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬
‫َ‬ ‫ُ َ ً َ َ ً ُ ُ ٌ ُ ْ ٌ ُْ َْ َ‬
‫تَ ْعُب ُدو َن‬

‫القوة‬
‫الف ْحشاء} أي‪ :‬القبائح التي هي إفراط ّ‬
‫أمركم بالسوء} اإلضرار واألذى الذي هو إفراط القوة الغضبية {و َ‬
‫{إنما ي ُ‬
‫الشهوانية {وأن تقولوا على هللا ما ال تعلمون} الذي هو إفراط ّ‬
‫القوة النطقية لشوب العقل بالوهم الذي هو الشيطان‬
‫كل شيء على الوجه المأمور به في‬ ‫حد االعتدال والعدالة في ّ‬‫المسخر له {وإذا قيل لهم اتِبعوا ما أ َْن َزل هللا} من مراعاة ّ‬
‫الشرع {قالوا بل نتّبع ما َو َج ْدنا عليه آباءنا} من اإلسرافات المذمومة في الجاهلية تقليداً لهم أتتبعونهم {ولو كان آباؤهم‬
‫ال يعقلون شيئاً} من الدين و ِ‬
‫العلم {وال َي ْهتَدون} إلى الصواب في العمل لجهلهم‪.‬‬ ‫َْ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{ومثل الذين َكَفروا} أي‪ :‬مثل داعي الكفار المردودين {كمثل} الناعق بالبهائم فإنها ال تسمع إال صوتاً وال تفهم ما‬
‫معناه فكذا حالهم {يا أيها الذين آمنوا} إن كنتم موحدين تخصون العبادة باهلل فال تتناولوا إال من طيبات ما رزقناكم‪،‬‬
‫أي‪ :‬ما ينبغي في ال عدالة أن يستعمل من المرزوقات {واشكروا هلل} باستعمالها فيما يجب أن تستعمل على الوجه الذي‬
‫فإن التوحيد يقتضي مراعاة االعتدال والعدالة في كل شيء اقتضاء الذات ظلها‬‫ينبغي أن تستعمل بالقدر الذي ينبغي‪ّ ،‬‬
‫والزمها "عن النبي صلى هللا عليه وسلم عن هللا تعالى‪" :‬إني والج ّن واإلنس في نبأ عظيم‪ ،‬أخلق ويعبد غيري‪ ،‬وأرزق‬
‫ويشكر غيري"‬
‫ُ‬

‫‪".‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 173‬الى اآلية ‪)177‬‬

‫طَّر َغ ْي َر َبا ٍغ َوالَ َع ٍاد َفال ِإ ْث َم َعَل ْي ِه ِإ َّن َّ‬


‫َّللاَ‬ ‫اض ُ‬ ‫ير ومآ أ ُِه َّل ِب ِه لِغي ِر َّ ِ‬
‫َّللا َف َم ِن ْ‬ ‫َْ‬ ‫نز ِ َ َ‬ ‫الدم َوَل ْحم اْل ِخ ِ‬
‫َ‬
‫َّ‬ ‫ِ َّ‬
‫إن َما َحَّرَم َعَل ْي ُك ُم اْل َم ْيتَ َة َو َ‬
‫طوِن ِه ْم ِإالَّ َّ‬
‫الن َار‬ ‫ْكُلو َن ِفي ُب ُ‬ ‫اب َوَي ْشتَ ُرو َن ِب ِه ثَ َمناً َقلِيالً أُوَلـِٰئ َك َما َيأ ُ‬
‫َّللا ِم َن اْل ِكتَ ِ‬
‫َنزَل َّ ُ‬
‫َّ ِ‬
‫يم * ِإ َّن الذ َ‬
‫ين َي ْكتُ ُمو َن َمآ أ َ‬ ‫ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬‫َغُف ٌ‬
‫اب ِباْل َم ْغِف َرِة َف َمآ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫يهم وَلهم ع َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا يوم اْل ِقي ِ‬ ‫ِ‬
‫الضالََل َة ِباْل ُه َد ٰى َواْل َع َذ َ‬
‫اشتََرُوْا َّ‬ ‫ين ْ‬ ‫يم * أُوَلـٰئ َك الذ َ‬ ‫اب أَل ٌ‬‫امة َوالَ ُي َزّك ِ ْ َ ُ ْ َ ٌ‬ ‫َوالَ ُي َكّل ُم ُه ُم َّ ُ َ ْ َ َ َ‬
‫اق َب ِع ٍيد * َّل ْي َس اْلِبَّر أَن‬ ‫اب َلِفي ِشَق ٍ‬ ‫اخَتَلُفوْا ِفي اْل ِكتَ ِ‬
‫ين ْ‬
‫َّ ِ‬
‫اب ِباْل َح ِّق َوإِ َّن الذ َ‬
‫ِ‬
‫َّللاَ َنَّزَل اْلكتَ َ‬
‫َن َّ‬ ‫الن ِار * َذلِ َك ِبأ َّ‬ ‫َصَب َرُه ْم َعَلى َّ‬ ‫أْ‬
‫النِبِّي َ‬
‫اب َو َّ‬‫الئ َك ِة واْل ِكتَ ِ‬
‫اآلخ ِر واْلم ِ‬‫اَّللِ واْليو ِم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِق‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫ال َعَل ٰى‬ ‫ين َوآتَى اْل َم َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫آم َن ب َّ َ َ ْ‬ ‫وه ُك ْم قَب َل اْل َم ْشر َواْل َم ْغ ِرب َوَلـٰك َّن اْلبَّر َم ْن َ‬ ‫تَُولوْا ُو ُج َ‬
‫اة َواْل ُموُفو َن ِب َع ْه ِد ِه ْم ِإ َذا‬ ‫وة وآتَى َّ‬ ‫اب وأََقام َّ ٰ‬ ‫ين وِفي ِّ ِ‬ ‫يل و َّ ِ ِ‬ ‫ين واب َن َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫الزَك َ‬ ‫الصل َ َ‬ ‫الرَق َ َ‬ ‫السآئل َ َ‬ ‫السب َ‬ ‫ام ٰى َواْل َم َساك َ َ ْ‬ ‫ُحّبه َذوي اْلُق ْرَب ٰى َواْلَيتَ َ‬
‫ص َد ُقوْا َوأُوَلـِٰئ َك ُهم اْل ُمتَُّقو َن‬ ‫آء و ِحين اْلبأ ِ ِ َّ ِ‬‫الصاِب ِرين ِفي اْلبأْس ِآء و َّ ِ‬
‫ُ‬ ‫ين َ‬
‫ْس أُوَلـٰئ َك الذ َ‬ ‫الضَّر َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫اه ُدوْا َو َّ‬
‫َع َ‬
‫{إنما حرم عَليكم ِ‬
‫الميتة} لجمود الدم فيها‪ ،‬وبعدها عن االعتدال بانحراف المزاج {والدم} الختالطه بالفضالت النجسة‬ ‫ّ َ‬
‫ِ‬
‫{ولحم الخ ْنزير} لغلبة السبعية‬
‫البعيدة عن قبول الحياة والعدالة والنورية وعدم صالحيته لذلك بعد لقصور النضج ْ‬
‫والشره ومباشرة القاذورات والدياثة على طبعه فيولد في أكله مثل ذلك {وما أ ُِه ّل به لِ َغير هللا} أي‪ :‬رفع الصوت بذبحه‬
‫لغير هللا يعني ما قصد بذبحه وأكله الشرك لمنافاته التوحيد سفي اًر عن الشرك‪ .‬ويفهم منه ما يقوي آكله به على الكالم‬
‫اضطر} أي‪ :‬من الجماعة {غير‬
‫ّ‬ ‫محرم على آكله ِ‬
‫{فمن‬ ‫ورفع الصوت لغير هللا أي‪ :‬كل ما يؤكل ال على التوحيد فهو ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫طونهم} أي‪ :‬ملء بطونهم إال‬‫ْكلون في ُب ُ‬
‫إثم عليه}‪{ .‬ما َيأ ُ‬ ‫ٍ‬
‫سد الرمق {فال َ‬
‫مضطر آخر باستئثاره {وال َعاد} ّ‬
‫ّ‬ ‫َبا ٍغ} على‬
‫ما هو وقود نار الحرمان وسبب اشتعال نيران الطبيعة الحاجبة عن نور الحق المعذبة بهيئات السوء المظلمة الموقعة‬
‫شدة غضبه عليهم وبعدهم عنه‪.‬‬
‫صاحبها في جحيم الهيولى الجسمانية {وال يكلمهم هللا وال ينظر إليهم} عبارة عن ّ‬

‫البر أن تولوا وجوهكم} مشرق عالم األرواح ومغرب عالم األجساد‪ ،‬فإنه تقيد واحتجاب {ولكن ّ‬
‫البر} ّبر الموحدين‬ ‫{ليس ّ‬
‫األبدي الذي هو المعاد الحقيقي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الذين آمنوا باهلل والمعاد في مقام الجمع‪ ،‬إذ التوحيد في مقام الجمع يلزمه البقاء‬
‫وشاهدوا الجمع في تفاصيل الكثرة ولم يحتجبوا بالجمع عن التفصيل الذي هو باطن عالم المالئكة وظاهر عالم‬
‫النبيين‪{ .‬و ِ‬
‫الكتَاب} الذي جمع ببين الظاهر باألحكام والمعارف‪ ،‬وأفاد علم االستقامة ثم استقاموا بعد تمام التوحيد جمعاً‬

‫وتفصيالً باألعمال المذكورة‪ ،‬فإن االستقامة عبارة عن وقوف جميع القوى على حدودها باألمر اإللهي ّ‬
‫لتنورها بنور‬

‫الروح عند تحقق صاحبها باهلل في مقام البقاء بعد الفناء وذلك مقام العدالة‪ ،‬فتكون هي في ّ‬
‫ظل الحق منخرطة في‬
‫الشح به‪ ،‬كما قال ابن مسعود‪ :‬أن تؤتيه وأنت صحيح‬ ‫سلك الوحدة بكليتها‪{ .‬على حبه} أي‪ :‬في حال االحتياج إليه و ّ‬
‫شحيح‪ ،‬تأمل العيش‪ ،‬وتخشى الفقر‪ ،‬وال تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم‪ ،‬قلت لفالن‪ :‬كذا‪ ،‬ولفالن‪ :‬كذا‪ .‬قال هللا تعالى‪:‬‬
‫َنف ِس ِهم وَلو َك َ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اص ٌة} [الحشر‪ ،‬اآلية‪ ]9 :‬أو على حب هللا لئال يشغل قلبه عنه وألنه تعالى‬
‫ص َ‬‫ان به ْم َخ َ‬ ‫{وُي ْؤث ُرو َن َعَل ٰى أ ُ ْ َ ْ‬
‫َ‬
‫حب اإليتاء‪ ،‬يعني‪ :‬بطيب النفس‪ ،‬فإن الكريم هو الفرح وطيب النفس باإلعطاء‪ .‬ومن قوله‪:‬‬ ‫يرضى بإيتائه أو على ّ‬
‫حدها فيما يتعلق‬
‫{وآتى المال} إلى قوله‪{ :‬وآتى الزكاة} من باب العفة التي هي كمال القوة الشهوانية ووقوفها على ّ‬
‫القوة النطقية فإنها ما لم‬
‫اهدوا} من باب العدالة المستلزمة للحكمة التي هي كمال ّ‬ ‫بها‪ ،‬وقوله‪{ :‬والموفون َ‬
‫بع ْهدهم إذا َع َ‬
‫الشدة‬
‫تعلم تبعة الغدر والخيانة وفائدة الفضيلة المقابلة لهما‪ ،‬لم تف بالعهد‪ .‬وقوله‪{ :‬والصابرين في البأساء} أي‪ّ :‬‬
‫القوة الغضبية‬
‫الضراء} أي‪ :‬المرض والزمانة {وحين البأس} أي‪ :‬الحرب من باب الشجاعة التي هي كمال ّ‬ ‫والفقر {و ّ‬
‫{أولئك} الموصوفون بهذه الفضائل كلها‪ ،‬الثابتون في مقام االستقامة {الذين صدقوا} هللا في مواطن التجريد بأفعالهم‬
‫المجردون عن غواشي النشأة والطبيعة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫البر كله {وأولئك هم المتقون} عن محبة غير هللا حتى النفس‪،‬‬
‫التي هي ّ‬

‫يؤول المال بالعلم الذي هو مال القلب‪ ،‬ألنه يقوى به ويستغنى‪ ،‬أي‪ :‬أعطي العلم مع كونه محبوباً ذوي‬‫ويمكن أن ّ‬
‫قربى القوى الروحانية لقربها منه‪ ،‬ويتامى القوى النفسانية النقطاعها عن نور الروح الذي هو األب الحقيقي ومساكين‬
‫ّ‬
‫القوى الطبيعية لكونها دائمة السكون لثواب البدن وعلمها علم األخالق والسياسات الفاضلة‪ .‬ثم إذا ارتوى من العلم‪،‬‬
‫علم المعارف واألخالق واآلداب والمعايش جملة وتفصيالً وفرغ من نفسه‪ ،‬أفاض على أبناء السبيل‪ ،‬أي‪ :‬السالكين‬
‫فك رقاب عبدة الدنيا والشهوات من أسرهم بالوعظ والخطابة وأقام صالة الحضور‪،‬‬
‫والسائلين‪ ،‬أي‪ :‬طلبة العلم وفي ّ‬
‫أي‪ :‬أدامها بالمشاهدة‪ ،‬وآتى ما يزكي نفسه عن النظر إلى الغير‪ ،‬والتفاتات الخواطر بالنفي‪ ،‬ومحو الصفات‪،‬‬
‫وضراء كسر‬
‫ّ‬ ‫والموفون بعهد األزل بمالزمة التوحيد وإفناء الذات واآلتية‪ ،‬والصابرين في بأساء االفتقار إلى هللا دائماً‪،‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫النفس وقمع الهوى‪،‬وحين بأس محاربة الشيطان‪ ،‬أولئك الذين صدقوا هللا فى الوفاء بعهده وعزيمة السلوك وعقده‪،‬‬
‫المنزهون عن البقية‪.‬‬
‫وأولئك هم المتقون عن الشرك‪ّ ،‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 178‬الى اآلية ‪)184‬‬

‫َخ ِ‬
‫يه‬ ‫ٰيأَيُّها َّال ِذين آمُنوْا ُكِتب عَلي ُكم اْلِقصاص ِفي اْلَق ْتَلى اْلحُّر ِباْلح ِر واْلعب ُد ِباْلعب ِد واألُنثَ ٰى ِباأل ُْنثَ ٰى َفم ْن عِفي َله ِم ْن أ ِ‬
‫َ ُ َ ُ‬ ‫ُّ َ َْ َْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َْ ُ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم * َوَل ُك ْم‬ ‫اب أَل ٌ‬ ‫ِك ْم َوَر ْح َم ٌة َف َم ِن ْ‬
‫اعتََد ٰى َب ْع َد ذل َك َفَل ُه َع َذ ٌ‬ ‫يف ّمن َّرّب ُ‬
‫ان ذل َك تَ ْخف ٌ‬ ‫آء إَل ْيه بإ ْح َس ٍ‬‫َش ْي ٌء َفاتَّباعٌ باْل َم ْع ُروف َوأ ََد ٌ‬
‫صَّي ُة لِْلَوالَِد ْي ِن‬‫اب َلعَّل ُكم تَتَُّقو َن * ُكِتب عَلي ُكم ِإ َذا حضر أَحد ُكم اْلموت ِإن تَرك خي اًر اْلو ِ‬ ‫اص ح ٰيوةٌ ٰيأُولِي األَْلب ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ َ َْ َ‬ ‫َ َ َ ََ ُ َْ ُ‬ ‫َ َْ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ص ِ ََ‬ ‫في اْلق َ‬
‫يم *‬ ‫ِ‬ ‫وف حّقاً عَلى اْلمتَِّقين * َفمن بَّدَله بعد ما س ِمعه َفِإَّنما ِإ ْثمه عَلى َّال ِذين يبِّدُلونه ِإ َّن َّ ِ‬ ‫واألَْقربِين ِباْلمعر ِ‬
‫يع َعل ٌ‬ ‫َّللاَ َسم ٌ‬ ‫َ َُ َ ُ‬ ‫َ َ ُ ََْ َ َ َ ُ َ ُ ُ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ َ ُْ‬
‫آمُنوْا ُكِت َب َعَل ْي ُك ُم‬ ‫َّللا غُفور َّرِحيم * ٰيأَي َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اف ِمن ُّم ٍ‬
‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َصَل َح َب ْيَن ُه ْم َفالَ ِإ ْث َم َعَل ْيه ِإ َّن َّ َ َ ٌ‬ ‫ِ‬
‫وص َجَنفاً أ َْو إ ْثماً َفأ ْ‬ ‫َف َم ْن َخ َ‬
‫نكم َّم ِريضاً أ َْو َعَل ٰى َسَف ٍر َف ِعَّدةٌ ِّم ْن‬ ‫ان ِم ُ‬ ‫الصيام َكما ُكِتب عَلى َّال ِذين ِمن َقبلِ ُكم َلعَّل ُكم تَتَُّقون * أَيَّاماً َّمعد ٍ‬ ‫ِ‬
‫ودات َف َمن َك َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َُّ َ‬
‫وموْا َخ ْيٌر َّل ُك ْم ِإن ُك ْنتُ ْم‬ ‫َّ‬ ‫ط َعام ِم ْس ِك ٍ‬ ‫ُخر وعَلى َّال ِذين ي ِطيُق َ ِ‬
‫ص ُ‬‫طَّوعَ َخ ْي اًر َف ُه َو َخ ْيٌر ل ُه َوأَن تَ ُ‬
‫ين َف َمن تَ َ‬ ‫ون ُه ف ْدَي ٌة َ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫أَيَّا ٍم أ َ َ َ َ‬
‫تَ ْعَل ُمو َن‬

‫ظل من ظالل عدله تعالى فإنه إذا‬ ‫القوة السبعية‪ ،‬وهو ّ‬‫القصاص قانون من قوانين العدالة‪ُ ،‬ف ِرض إلزالة عدوان ّ‬
‫حر روحه روحاً موهوماً خي اًر منه‪ ،‬وعن عبد قلبه قلباً موهوباً‪ ،‬وعن أنثى‬
‫عوضه عن ّ‬ ‫تصرف في عبده بإفنائه فيه ّ‬
‫ّ‬
‫مقاصة هللا إياكم بما ذكر {حياة} عظيمة‪ ،‬أي‪ :‬حياة ال يوصف كنهها {يا أولي‬
‫ّ‬ ‫نفسه نفساً موهوبة كاملة‪{ .‬ولكم} في‬
‫األلباب} أي‪ :‬العقول الخالصة عن قشر األوهام وغواشي العينيات واألجرام‪ .‬فكذا في هذا القصاص ‪ -‬لكي تتقوا تركه‬
‫القوة النطقية وقصورها‬
‫القوة الملكية‪ ،‬أي‪ّ :‬‬
‫ض إلزالة نقصان ّ‬ ‫وتحافظوا عليه ‪ -‬الوصية والمحافظة عليها قانون آخر ُف ِر َ‬
‫القوتين األخريين بنور الحق وحكم الشرع‪ ،‬ومنعها عن‬
‫التصرف في األموال‪ ،‬والسلطنة على ّ‬ ‫ّ‬ ‫عما يقتضي الحكمة من‬
‫عدوانها أيضاً بتبديل الوصية الذي هو نوع من الجريمة والخيانة‪ ،‬وتحريضها على التحقيق والتدقيق في باب الحكمة‬
‫التي هي كمالها باإلصالح بين الموصى لهم على مقتضى الحكمة‪ ،‬إذا توقع وعلم من الموصي إض ار اًر بالسهو والعمد‬
‫أن قصاص أهل الحقيقة ما ذكر‪،‬‬
‫القوة البهيمية وتسلطها ‪ -‬واعلم ّ‬ ‫‪ -‬الصيام قانون آخر مما ُف ِر َ‬
‫ض إلزالة عدوان ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وب}‬ ‫اه ِ ِ‬ ‫ووصيتهم هي بالمحافظة على عهد األزل بترك ما سوى الحق‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬وو َّ ِ ِ ِ‬
‫يم َبنيه َوَي ْعُق ُ‬
‫ص ٰى ب َهآ إ ْب َر ُ‬ ‫ََ‬
‫كل قول وفعل وحركة وسكون ليس بالحق للحق ‪.‬‬
‫[البقرة‪ .]132 :‬وصيامهم هو اإلمساك عن ّ‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 185‬الى اآلية ‪)187‬‬

‫ان َفمن َش ِه َد ِم ُ َّ‬ ‫ِ ِ ِ ٍ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َشهر رمض َّ ِ‬


‫ان‬
‫ص ْم ُه َو َمن َك َ‬ ‫نك ُم الش ْه َر َفْلَي ُ‬ ‫آن ُه ًدى ّل َّلناس َوَبّيَنات ّم َن اْل ُه َد ٰى َواْلُف ْرَق ِ َ‬ ‫ان الذي أ ُْن ِزَل فيه اْلُق ْر ُ‬ ‫ُْ َ َ َ َ‬
‫َّللاُ ِب ُك ُم اْلُي ْس َر َوالَ ُي ِر ُيد ِب ُك ُم اْل ُع ْس َر َولِتُ ْك ِمُلوْا اْل ِعَّد َة َولِتُ َكِّب ُروْا َّ‬
‫َّللاَ َعَل ٰى َما‬ ‫ُخ َر ُي ِر ُيد َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫َم ِريضاً أ َْو َعَل ٰى َسَف ٍر َفعَّدةٌ ّم ْن أَيَّا ٍم أ َ‬
‫الدا ِع ِإ َذا َد َعا ِن َفْلَي ْستَ ِج ُيبوْا لِي َوْلُي ْؤ ِمُنوْا ِبي‬
‫يب َد ْع َوَة َّ‬ ‫* وإِ َذا سأََل َك ِعب ِادي َعِّني َفِإِّني َق ِر ٌ ِ‬ ‫اك ْم َوَل َعَّل ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن‬
‫يب أُج ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َه َد ُ‬
‫اس َّل ُه َّن َعلِ َم َّ‬ ‫ِ‬ ‫الرَف ُث ِإَلى ِنس ِآئ ُكم ه َّن لِب َّ‬ ‫َل ُكم َليَل َة ِ‬ ‫َلعَّلهم يرُش ُدو َن * أ ِ‬
‫َّللاُ أََّن ُك ْم ُكنتُ ْم تَ ْخ ُ‬
‫تانو َن‬ ‫اس ل ُك ْم َوأ َْنتُ ْم لَب ٌ‬
‫ٰ َ ْ ُ َ ٌ‬ ‫الصَيا ِم َّ‬
‫ّ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُح َّل‬ ‫َ ُ ْ َْ‬
‫ض ِم َن‬ ‫ط األ َْبَي ُ‬ ‫اش َرُبوْا َحتَّ ٰى َيتََبي َ‬
‫َّن َل ُك ُم اْل َخ ْي ُ‬ ‫َّللاُ َل ُك ْم َوُكُلوْا َو ْ‬ ‫ِ‬
‫اآلن َٰبش ُر ُ‬
‫وه َّن َو ْابتَ ُغوْا َما َك َت َب َّ‬ ‫اب َعَل ْي ُك ْم َو َعَفا َع ْن ُك ْم َف َ‬
‫أ َْنُف َس ُك ْم َفتَ َ‬
‫وها‬ ‫الصيام ِإَلى َّاللي ِل والَ ت ٰب ِشروه َّن وأَنتم ٰع ِكُفون ِفي اْلم ٰس ِج ِد ِتْلك حدود َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اْلخي ِط األ ِ ِ‬
‫َّللا َفالَ تَْق َرُب َ‬ ‫َ ُُ ُ‬ ‫ََ‬ ‫ْ َ َُ ُ ُ َ ْ ُ ْ َ َ‬ ‫َس َود م َن اْلَف ْجر ثُ َّم أَت ُّموْا ّ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫َّللاُ ء َٰايِت ِه لِ َّلن ِ‬
‫اس َل َعَّل ُه ْم َيتَُّقو َن‬ ‫ِٰ ِ‬
‫َكذل َك ُيَبّي ُن َّ َ‬
‫{شهر رمضان} أي‪ :‬احتراق النفس بنور الحق {الذي أنزل فيه} في ذلك الوقت {القرآن} أي‪ :‬العلم الجامع اإلجمالي‪،‬‬
‫الهدى}‬
‫آني الموصل إلى مقام الجمع ‪ -‬هداية للناس إلى الوحدة باعتبار الجمع {وبينات من ُ‬ ‫المسمى بالعقل القر‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫المسمى بالعقل الفرقاني ‪ -‬فمن حضر منكم في ذلك الوقت‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ق‬
‫ودالئل متصلة من الجمع والفر ‪ ،‬أي‪ :‬العلم التفصيلي‬
‫أي‪ :‬بلغ مقام شهود الذات {فليصمه} أي‪ :‬فليمسك عن قول وفعل وحركة ليس بالحق فيه {ومن كان مريضاً} أي‪:‬‬
‫مبتلى بأمراض قلبه من الحجب النفسانية المانعة من ذلك الشهود {أو على سفر} أي‪ :‬في سلوك بعد ولم يصل إلى‬
‫الشهود الذاتي‪ ،‬فعليه مراتب أُخر يقطعها حتى يصل إلى ذلك المقام {يريد هللا بكم اليسر} بالوصول إلى مقام التوحيد‬
‫ّ‬
‫العدة} ولتتمموا تلك‬
‫واالمتداد بقدرة هللا {وال يريد بكم العسر} أي‪ :‬تكلف األفعال بالنفس الضعيفة العاجزة {ولتكملوا ّ‬
‫المراتب واألحوال والمقامات الموصلة‪ .‬ولتعظموا هللا وتعرفوا عظمته وكبرياءه على هدايته إياكم إلى مقام الجمع‬
‫{ولعلكم تشكرون} باالستقامة أمركم بذلك‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{وإذا سألك عبادي} السالكون الطالبون المتوجهون إلي‪ ،‬عن معرفتي {فإني قريب} ظاهر {أجيب دعوة} من يدعوني‬
‫ّ‬
‫بلسان الحال واالستعداد بإعطائه ما اقتضى حاله واستعداده {فليستجيبوا لي} بتصفية االستعداد بالزهد والعبادة‪ ،‬فإني‬
‫أدعوهم إلى نفسي وأعلمهم كيفية السلوك إلي‪ ،‬وليشاهدوني عند التصفية‪ ،‬فإني أتجّلى عليهم في مرائي قلوبهم لكي‬
‫ّ‬
‫يرشدوا باالستقامة‪ ،‬أي‪ :‬لكي يستقيموا ويصلحوا‪.‬‬

‫{أحل لكم} أي‪ :‬أبيح لكم {ليلة الصيام} أي‪ :‬في وقت الغفلة الذي يتخلل ذلك اإلمساك المذكور في زمان حضوركم‬‫ّ‬
‫{الرفث إلى ِن َسائكم} ّ‬
‫التنزل إلى مقارفة نفوسكم بحظوظها إذ ال مصابرة لكم عنها لكونها تالبسكم وكونكم تالبسونها‬
‫بالتعلق الضروري {علم هللا أنكم كنتم تختانون أنفسكم} باستراق الحظوظ في أزمنة تلك السلوك والرياضة والحضور‬
‫{باشروهن} في أوقات‬
‫ّ‬ ‫{فتاب عليكم وعفا عنكم} {فاآلن} أي‪ :‬في وقت االستقامة والتمكين حال البقاء بعد الفناء‬
‫الغفالت {وابتغوا ما كتب هللا لكم} من التقوى والتمكن بتلك الحظوظ على توفير حقوق االستقامة والقيام بما أمر هللا به‬
‫من العبودية والدعوة إليه {وكلوا واشربوا} أي‪ :‬كونوا مع رفقها {حتى يتبين لكم الخيط األبيض من الخيط األسود من‬
‫الفجر} حتى تظهر عليكم بوادي الحضور ولوامعه وتغلب آثاره وأنواره على سواد الغفلة وظلمتها‪ ،‬ثم كونوا على‬
‫اإلمساك المذكور بالحضور مع الحق حتى يأتي زمان الغفلة‪ ،‬لوال ذلك لما أمكنه القيام بمصالح معاشه ومهماته‪ .‬وال‬
‫لتشوش وقتكم بظهورها ‪.‬‬
‫تقاربوهن في حال كونكم معتكفين مقيمين حاضرين في مساجد قلوبكم وإال ّ‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 188‬الى اآلية ‪)189‬‬

‫اس ِب ِ‬ ‫ْكُلوْا َف ِريقاً ِّم ْن أ َْمَوا ِل َّ‬


‫الن ِ‬ ‫ْكُلوْا أَمواَل ُكم بين ُكم ِباْلب ِ‬
‫اط ِل َوتُ ْدُلوْا ِب َها ِإَلى اْل ُح َّكا ِم لِتَأ ُ‬
‫اإل ْث ِم َوأ َْنتُ ْم تَ ْعَل ُمو َن * َي ْسأَُل َ‬
‫ون َك‬ ‫َوالَ تَأ ُ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ‬
‫وت ِم ْن‬ ‫ِ‬ ‫وت ِمن ُ‬ ‫يت لِ َّلن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ورَها َوَلـٰك َّن اْلِبَّر َم ِن اتََّق ٰى َوأْتُوْا اْلُبُي َ‬
‫ظ ُه ِ‬ ‫اس َواْل َح ِّج َوَل ْي َس اْلِبُّر ِبأَن تَأْتُوْا اْلُبُي َ‬ ‫َع ِن األَهلة ُق ْل ه َي َم َواق ُ‬
‫َّللاَ َل َعَّل ُك ْم تُْفلِ ُحو َن‬
‫أ َْب َواِب َها َواتَُّقوْا َّ‬

‫{وال تأكلوا أموالكم} معارفكم ومعلوماتكم {بينكم} بباطل شهوات النفس ولذاتها بتحصيل مآربها واكتساب مقاصدها‬
‫األمارة بالسوء {لتأكلوا فريقاً من أموال} القوى‬
‫الحسية والخيالية باستعمالها {وتدلوا بها} وترسلوا إلى ح ّكام النفوس ّ‬
‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الروحانية {باإلثم} أي‪ :‬بالظلم لصرفكم إياها في مالذ القوى النفسانية {وأنتم تعلمون} ّ‬
‫أن ذلك إثم ووضع للشيء في‬
‫غير موضعه‪.‬‬

‫{يسئلونك عن األ ِ‬
‫َهلة} أي‪ :‬عن الطوالع القلبية عند إشراق نور الروح عليها {قل هي مواقيت للناس} أي‪ :‬أوقات وجوب‬
‫البر بأن تأتوا} بيوت‬
‫المعاملة في سبيل هللا وعزيمة السلوك‪ ،‬وطواف بيت القلب‪ ،‬والوقوف في مقام المعرفة {وليس ّ‬
‫قلوبكم {من ظهورها} من طرق حواسكم ومعلوماتكم المأخوذة من المشاعر البدنية ّ‬
‫فإن ظهر القلب هو الجهة التي تلي‬
‫البر} ّبر {من اتقى} شواغل الحواس وهواجس الخيال ووساوس النفس {وأتوا البيوت من أبوابها} الباطنة‬
‫{ولكن ّ‬
‫ّ‬ ‫البدن‬
‫فإن باب القلب هو الطريق الذي انفتح منه إلى الحق {واتّقوا هللا} في االشتغال بما يشغلكم‬
‫التي تلي الروح والحق‪ّ ،‬‬
‫عنه {لعلكم تفلحون} ‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 190‬الى اآلية ‪)194‬‬

‫وه ْم ِّم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون ُك ْم َوالَ تَ ْعتَ ُدوْا ِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫يل َّ ِ َّ ِ‬ ‫وَق ِاتُلوْا ِفي سِب ِ‬
‫َخ ِرُج ُ‬
‫وهم َوأ ْ‬ ‫وه ْم َح ْي ُث ثَقْفتُ ُم ُ‬
‫ين * َوا ْقُتُل ُ‬ ‫َّللاَ الَ ُيح ُّب اْل ُم ْعتَد َ‬ ‫ين ُيَقاتُل َ‬
‫َّللا الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وه ْم َك َذلِ َك‬
‫وك ْم َفا ْقُتُل ُ‬ ‫وه ْم ِع ْن َد اْل َم ْس ِجد اْل َح َار ِم َحتَّ ٰى ُيَق ِاتُل ُ‬
‫وك ْم ِفيه َفِإن َق َاتُل ُ‬ ‫ِ‬ ‫وكم واْلِف ْتن ُة أ َ ِ‬
‫َشُّد م َن اْلَق ْت ِل َوالَ تَُقاتُل ُ‬ ‫َخ َر ُج ُ ْ َ َ‬ ‫َح ْي ُث أ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ََّّلل َفِإ ِن ْانتَ َهوْا َفالَ ُع ْدَو َ‬
‫ان‬ ‫وه ْم َحتَّ ٰى الَ تَ ُكو َن ف ْتَن ٌة َوَي ُكو َن ال ّد ُ‬
‫يم * َوَقاتُل ُ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫ين * َفِإ ِن انتَ َه ْوْا َفِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َغُف ٌ‬ ‫آء اْل َكاف ِر َ‬‫َج َز ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫الشه ِر اْلح ار ِم واْلحرم ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫َّ‬
‫اعتََد ٰى‬‫اعتَُدوْا َعَل ْيه ِبم ْث ِل َما ْ‬ ‫اص َف َم ِن ْ‬
‫اعتََد ٰى َعَل ْي ُك ْم َف ْ‬ ‫ص ٌ‬ ‫ات ق َ‬‫ََ َ ُُ َ ُ‬ ‫الش ْه ُر اْل َح َر ُام ِب َّ ْ‬ ‫ين * َّ‬ ‫ِإال َعَلى الظالم َ‬
‫ِ‬
‫َّللاَ َم َع اْل ُمتَّق َ‬
‫ين‬ ‫َن َّ‬ ‫اعَل ُموْا أ َّ‬ ‫َعَل ْي ُك ْم َواتَُّقوْا َّ‬
‫َّللاَ َو ْ‬

‫{وقاتلوا في سبيل هللا الذين يقاتلونكم} من الشيطان وقوى النفس ّ‬


‫األمارة {وال تَ ْعتدوا} في قتالها بأن تميتوها عن قيامها‬
‫{إن هللا ال يحب المعتدين} لكونهم خارجين عن‬ ‫بحقوقها والوقوف على حدودها حتى تقع في التفريط والقصور والفتور ّ‬
‫ظل المحبة والوحدة الذي هو العدالة‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{واقتلوهم حيث} وجدتموهم أزيلوا حياتهم وامنعوهم عن أفعالها بقمع هواها الذي هو روحها حيث كانوا {وأخرجوهم} من‬
‫مقر القلب‪ .‬وفتنتهم‬
‫مكة الصدر عند استيالئها عليها كما أخرجوكم عنها باستنزالكم إلى بقعة النفس وإخراجكم عن ّ‬
‫أشد‬
‫التي هي عبادة هواها وأصنام ل ّذاتها أشد من قمع هواها وإماتتها الكلية‪ ،‬أو محنتكم وابتالؤكم بها عند استيالئها ّ‬
‫عليكم من القتل ا لذي هو طمس غرائزكم ومحو استعدادكم بالكلية لزيادة األلم هناك {وال تقاتلوهم عند المسجد الحرام}‬
‫الذي هو مقام القلب‪ ،‬أي‪ :‬عند الحضور القلبي إذا وافقوكم في توجهكم فإنها أعوانكم على السلوك حينئذ {حتى‬
‫ّ‬
‫ويجروكم عن جناب القلب ودين الحق إلى مقام النفس ودينهم الذي هو عبادة‬ ‫يقاتلوكم فيه} وينازعوكم في مطالبهم ّ‬
‫العجل {وقاتلوهم حتى ال تكون فتنة} من تنازعهم ودواعيهم وتعبدهم {ويكون الدين هلل} بتوجيه جميعها إلى جناب‬
‫للسر في التوجه إلى الحق‪ ،‬ليس للشيطان والهوى فيه نصيب {فإن انتهوا فال عدوان} عليهم إال‬
‫القدس ومشايعتها ّ‬
‫العادين المجاوزين عن حدودهم‪.‬‬

‫{الشهر الحرام بالشهر الحرام} أي‪ :‬وقت منعها إياكم عن مقصدكم ودينكم وهو بعينها وقت منعكم إياها عن عقوقها‬
‫حتى ترضى بالوقوف على حدودها‪ ،‬وشهرها الحرام هو وقت قيامها بحقوقها‪ ،‬وشهركم الحرام هو وقت الحضور‬
‫والمراقبة ‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 195‬الى اآلية ‪)196‬‬

‫ين * َوأَِت ُّموْا اْل َح َّج َواْل ُع ْم َرَة ََّّللِ َفِإ ْن‬ ‫ِِ‬ ‫يكم ِإَلى التَّهُل َك ِة وأَح ِسُنوْا ِإ َّن َّ ِ‬
‫َّللاَ ُيح ُّب اْل ُم ْحسن َ‬ ‫ْ َ ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫يل َّ ِ‬
‫َّللا َوالَ ُتْلُقوْا بأ َْيد ُ ْ‬
‫وأ َْنِفُقوْا ِفي سِب ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫نكم َّم ِريضاً أَو ِب ِه أَ ًذى ِمن َّأر ِْسهِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ان م ُ‬ ‫استَْي َس َر م َن اْل َه ْد ِي َوالَ تَ ْحلُقوْا ُرُؤ َ‬
‫وس ُك ْم َحت ٰى َيْبُل َغ اْل َه ْد ُي َمحل ُه َف َمن َك َ‬ ‫ُحص ْرتُ ْم َف َما ْ‬ ‫أْ‬
‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ٍ ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫استَْي َس َر م َن اْل َه ْد ِي َف َمن ل ْم َيج ْد َفصَي ُ‬
‫ام‬ ‫ص َد َقة أ َْو ُن ُسك َفإ َذآ أَمنتُ ْم َف َمن تَ َمت َع باْل ُع ْم َرة إَلى اْل َح ِّج َف َما ْ‬ ‫َفف ْدَي ٌة ّمن صَيا ٍم أ َْو َ‬
‫اعَل ُموْا‬ ‫اض ِري اْل َم ْس ِج ِد اْل َح َار ِم َواتَُّقوْا َّ‬ ‫امَل ٌة ٰذِلك ِلمن َّلم ي ُكن أَهُله ح ِ‬ ‫ثَالثَ ِة أَيَّا ٍم ِفي اْلح ِج وسبع ٍة ِإ َذا رجعتُم ِتْلك ع َشرةٌ َك ِ‬
‫َّللاَ َو ْ‬ ‫َ َ ْ َ ْ ْ ُ َ‬ ‫َ َْ ْ َ َ َ‬ ‫َ ّ َ َ َْ‬
‫اب‬‫َّللا َش ِد ُيد اْل ِعَق ِ‬ ‫أ َّ‬
‫َن َّ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أضر من‬
‫{وأنفقوا في سبيل هللا} ما معكم من العلوم بالعمل بها وال ّتدخروها لوقت آخر عسى ال تدركونه فال شيء ّ‬
‫التسويف {وال تلقوا بأيديكم إلى} تهلكة التفريط وتأخير العمل بالعلم وإنفاقه في مصالح النفس فإنه موجب للحرمان‬
‫الم ْحسنين} المشاهدين في أعمالهم رّبهم‪ ،‬مخلصين له فيها‪.‬‬
‫يحب ُ‬
‫{إن هللا ّ‬
‫{وأحسنوا} أي‪ :‬وكونوا في عملكم مشاهدين ّ‬

‫حج توحيد الذات وعمرة توحيد الصفات بإتمام جميع المقامات واألحوال‪ ،‬بالسلوك إلى هللا وفي هللا‪{ ،‬فإن‬
‫أتموا} ّ‬
‫{و ُ‬
‫استيسر من الهدي} فجاهدوا في هللا بسوق هدي النفس وذبحها‬ ‫َ‬ ‫األمارة إياكم عنهما {فما‬
‫أحصرتم} بمنع كفار النفس ّ‬
‫أن النفوس مختلفة في استعداداتها‬
‫بفناء كعبة القلب أو عرصة ما تمنى منها القلب من المقام‪ .‬وما استيسر إشارة إلى ّ‬
‫ولكل ما تيسر أو بعضها‬
‫وصفاتها‪ ،‬فبعضها موصوف بصفات حيوان ضعيف‪ ،‬وبعضها بصفات حيوان قوي‪ّ .‬‬
‫بصفات حيوان ذلول سهل االنقياد‪ ،‬وبعضها بصفات حيوان صعب عسر االنقياد‪ ،‬وربما كان لبعضها صفة لم يتيسر‬
‫قمعها وإن تيسر قمع سائر صفاتها‪ .‬ومثل هذا الحاج محصر أبداً‪.‬‬

‫{وال تحلقوا رؤوسكم} وال تزيلوا آثار الطبيعة وتخاروا طيب القلب وفراغ الخاطر من الهموم والتعلقات كلها‪ ،‬والعادات‬
‫والعبادات وتقتصروا على صفاء الوقت كما هو مذهب القلندرية {حتى يبلغ} هدي النفس {محله} أي‪ :‬مكانه‪ ،‬وهو‬

‫مذبحه أو منحره الذي يقتضي أن تكون أفعالها التي كانت ّ‬


‫محرمة عند حياتها بهواها تصير حالً عند قتلها لكونها‬
‫وتكدر صفاؤكم بظهورها ونشاطها بالدعوى عند بسط القلب كما هو‬
‫لتشوش وقتكم ّ‬ ‫بالقلب فتأمنوا من بقاياها‪ ،‬وإال ّ‬
‫حال أكثر القلندرية اليوم‪.‬‬

‫{فمن كان منكم مريضاً} أي‪ :‬ضعيف االستعداد مملوء القلب بعوارض الزمة في جبلتها أو مكتسبة من العادات {أو‬
‫به أذى من رأسه} أو ممنوعاً مبتلى بهموم وتعّلقات ورذائل وهيئات‪ ،‬ولم يتيسر له السلوك والمجاهدة على ما ينبغي‬
‫وأراد أن يقتصر على طيب القلب وصفاء الوقت ليبقى على الفطرة وال ينتكس وينحط عن درجته وإن لم يترق‪ .‬فعليه‬
‫فدية من إمساك عن بعض لذاته وشواغله النفسانية‪ .‬أو فعل ّبر أو رياضة ومجاهدة تقمع بعض القوى المزاحمة‪،‬‬
‫العدو المحصر {فمن تمتع} بذوق تجلي‬
‫فليحفظ وقته وليراع صفاءه بزهد ما أو عبادة أو مخالفة نفس {فإذا أمنتم} من ّ‬
‫الصفات متوسالً به إلى حج تجلي الذات {فما استيسر من الهدي} بحسب حاله {فمن لم يجد} لضعف نفسه وخمودها‬
‫وانقهارها {فصيام ثالثة أيام} فعليه اإلمساك عن أفعال القوى التي هي األصول القوية في وقت التجلي واالستغراق في‬
‫وتجر إلى حضيض النفس والصدر‪ ،‬وهي العقل والوهم والمتخيلة‬
‫الجمع والفناء في الوحدة فإنها ال ّبد من أن تحجب ّ‬
‫{وسبعة إذا رجعتم} إلى مقام التفصيل والكثرة وهي الحواس الخمس الظاهرة والغضب والشهوة ليكون عند االستقامة‬
‫في األشياء باهلل {تلك عشرة كاملة} فذلكة‪ ،‬أي‪ :‬تلك اإلمساكات المذكورة عن أفعال هذه القوى والمشاعر جميع‬
‫التفاصيل الكاملة الموجبة ألفاعيل قوى وجوده الموهوب بالحق عند حصول الكمال‪ ،‬كما قال‪" :‬كنت سمعه الذي‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يسمع به‪ ،‬وبصره الذي يبصر به" إلى آخر الحديث‪{ .‬ذلك} الحكم {لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} من‬
‫المحبوبين الكاملين الحاضري مقام القلب في الوحدة‪ ،‬فإنه ال هدى له وال مجاهدة وال رياضة في وصوله وسلوكه إلى‬
‫هللا‪ ،‬بل هو للمحبين‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 197‬الى اآلية ‪)199‬‬

‫ال ِفي اْل َح ِّج َو َما تَْف َعُلوْا ِم ْن َخ ْي ٍر َي ْعَل ْم ُه َّ‬


‫َّللاُ‬
‫ِ‬ ‫ات َفمن َف َر َ ِ ِ‬
‫ض فيه َّن اْل َح َّج َفالَ َرَف َث َوالَ ُف ُسو َق َوالَ ج َد َ‬ ‫وم ٌ َ‬ ‫َش ُهٌر َّم ْعُل َ‬
‫اْل َح ُّج أ ْ‬
‫ضتُم ِّم ْن‬ ‫ضالً ِّمن َّرّب ُ‬
‫ِك ْم َفِإ َذآ أََف ْ‬ ‫اح أَن تَْبتَ ُغوْا َف ْ‬
‫اب * َل ْي َس َعَل ْي ُك ْم ُجَن ٌ‬ ‫الزِاد التَّْقو ٰى واتَُّقو ِن ٰيأُولِي األَْلب ِ‬
‫وتَ َزَّوُدوْا َفِإ َّن َخ ْي َر َّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫يضوْا ِم ْن َح ْي ُث‬ ‫ِ‬ ‫َّللا ِع َند اْلم ْشع ِر اْلح ار ِم وا ْذ ُكروه َكما ه َٰد ُكم وِإن ُك ْنتُم ِمن َقبلِ ِه َل ِمن َّ ِ‬ ‫ٍٰ‬
‫ين * ثُ َّم أَف ُ‬
‫الضآّل َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ّ ْ‬ ‫ََ َ ُ ُ َ َ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َع َرَفت َفا ْذ ُك ُروْا َّ َ‬
‫يم‬ ‫ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫َّللاَ َغُف ٌ‬ ‫استَ ْغِف ُروْا َّ‬
‫َّللاَ ِإ َّن َّ‬ ‫اس َو ْ‬‫الن ُ‬ ‫اض َّ‬ ‫أََف َ‬

‫معلومات} أي‪ :‬وقت الحج أزمنة معلومة‪ ،‬وهو من وقت بلوغ الحلم إلى األربعين‪ ،‬كما قال تعالى في‬ ‫ٌ‬ ‫{الحج أشهر‬
‫ِٰ‬ ‫َّ‬
‫فيهن الحج} على نفسه بالعزيمة‬ ‫ض َوالَ ِب ْكٌر َع َو ٌ‬
‫ان َب ْي َن ذل َك} [البقرة‪ ،‬اآلية‪{ ،]68 :‬فمن فرض ّ‬ ‫وصف البقرة‪{ :‬ال َف ِار ٌ‬
‫والتزم {فال َرْفث} أي‪ :‬فاحشة ظهور القوة الشهوانية {وال ُف ُسوق} أي ألسباب يعني خروج ّ‬
‫القوة الغضبية عن طاعة‬
‫الحج} أي‪ :‬في قصد بيت القلب {وما تفعلوا من خير} من‬ ‫تعدي القوة النطقية بالشيطنة {في ّ‬
‫القلب {وال جدال} أي‪ّ :‬‬
‫فضيلة من أفعال هذه القوى الثالث بأمر الشرع والعقل دون رذائلها {يعلمه هللا} ويثبكم عليه {وتزودوا} من فضائلها‬
‫ِ‬
‫خير الزاد التقوى} منها {واتقو ِن} في أعمالكم ونياتكم {يا أُولي َ‬
‫األلباب} فإن‬ ‫{فإن َ‬
‫التي يلزمها االجتناب عن رذائلها ّ‬
‫اللب أي‪ :‬العقل الخالص من شوب الوهم وقشر المادة اتقائي‪.‬‬‫قضية ّ‬

‫جناح أن تَْبتغوا فضالً من رّبكم} أي‪ :‬ال حرج عليكم عند الرجوع إلى الكثرة في أن تطلبوا رفقاً ألنفسكم‬
‫ٌ‬ ‫{ليس عليكم‬
‫فإن حظها حينئذ يقويها على موافقة القلب في مقاصده وألنها‬‫وتمتعوها بحظوظها على مقتضى الشرع بإذن الحق‪ّ ،‬‬
‫لتنورها بنور الحق {فإذا أفضتم} أي‪ :‬دفعتم أنفسكم من مقام المعرفة التامة الذي هو نهاية مناسك الحج‬
‫غير طاغية ّ‬
‫المشعر الحرام} أي‪ :‬شاهدوا جمال هللا عند‬
‫"الحج عرفة"‪{ .‬فاذكروا هللا عند ْ‬
‫ّ‬ ‫أمها كما قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫وّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫المحرم من‬
‫ّ‬ ‫المشعر هو محل الشعور بالجمال‬ ‫فإن الذكر في هذا المقام هو المشاهدة‪ ،‬و ْ‬ ‫بالخفي‪ّ ،‬‬ ‫المسمى‬
‫ّ‬ ‫السر الروحي‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن يصل إليه الغير {واذكروه كما َه َداكم} إلى ذكره في المراتب فإنه تعالى هدى أوالً إلى الذكر باللسان وهو ذكر‬
‫السر وهو معاينة األفعال‬
‫النفس ثم إلى الذكر بالقلب وهو ذكر األفعال الذي تصدر نعماء هللا وآالؤه منه‪ .‬ثم ذكر ّ‬
‫ومكاشفة علوم تجليات الصفات‪ .‬ثم ذكر الروح وهو مشاهدة أنوار تجليات الصفات مع مالحظة نور الذات‪ .‬ثم ذكر‬
‫الخفي وهو مشاهدة جمال الذ ات مع بقاء اإلثنينية‪ .‬ثم ذكر الذات وهو الشهود الذاتي بارتفاع البقية {وإن كنتم من‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫َقْبله} أي‪ :‬من قبل الوصول إلى عرفات المعرفة والوقوف بها {لمن الضالين} عن هذه األذكار‪.‬‬

‫أفاض الناس} ثم أفيضوا إلى ظواهر العبادات والطاعات وسائر وظائف الشرعيات والمعامالت‬ ‫أفيضوا من حيث َ‬‫{ثم ُ‬
‫من حيث‪ ،‬أي‪ :‬من مقام إفاضة سائر الناس فيها‪ ،‬وكونوا كأحدهم‪ .‬قيل لجنيد رحمة هللا عليه‪ :‬ما النهاية؟ قال‪ :‬الرجوع‬
‫استَغفروا هللا} من ظهور النفس وتبرمها بالحال وطغيانها‪ .‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬إنه ليغان‬
‫إلى البداية‪{ .‬و ْ‬
‫على قلبي‪ ،‬وإني ألستغف ر هللا في اليوم سبعين مرة"‪ .‬وقال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬اللهم ثبتني على دينك"‪ ،‬فقيل له في‬
‫إن مثل القلب كمثل ريشة في فالة‪ ،‬تقّلبها الرياح كيف شاءت"‪ .‬ولما‬
‫ذلك فقال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬أو ما يؤمنني‪ّ ،‬‬
‫تورمت قدماه فقالت له عائشة رضي هللا عنها‪ :‬أما غفر لك هللا ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال صلى هللا عليه‬
‫ّ‬
‫وسلم‪" :‬أفال أكون عبداً شكو اًر""‪ .‬وقال أمير المؤمنين عليه السالم‪" :‬أعوذ باهلل من الضالل بعد الهدى ‪".‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 200‬الى اآلية ‪)205‬‬

‫ول َربََّنآ ِآتَنا ِفي ُّ‬


‫الد ْنَيا َو َما َل ُه ِفي‬ ‫اس َمن َيُق ُ‬ ‫َشَّد ِذ ْك اًر َف ِم َن َّ‬
‫الن ِ‬ ‫آء ُك ْم أ َْو أ َ‬ ‫اس َك ُك ْم َفا ْذ ُك ُروْا َّ ِ ِ‬
‫َفِإ َذا َقضيتُم َّمن ِ‬
‫َّللاَ َكذ ْكرُك ْم َآب َ‬ ‫َْْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫الن ِار * أُوَلـٰئ َك َل ُه ْم‬ ‫الد ْنَيا َح َسَن ًة َوِفي اآلخ َرة َح َسَن ًة َوِقَنا َع َذ َ‬
‫اب َّ‬ ‫ول َربََّنآ آتَنا في ُّ‬ ‫اآلخ َرة م ْن َخالَ ٍق * ِو ِم ْن ُه ْم َّمن َيُق ُ‬
‫ات َف َمن تَ َع َّج َل ِفي َي ْو َم ْي ِن َفالَ ِإ ْثم َعَل ْي ِه َو َمن تَأ َّ‬
‫َخ َر‬ ‫َّللا ِفي أَيَّا ٍم َّمعدود ٍ‬
‫ُْ َ‬ ‫َّللا س ِر ِ ِ‬
‫يع اْلح َساب * َوا ْذ ُك ُروْا َّ َ‬ ‫يب ّم َّما َك َسُبوْا َو َّ ُ َ ُ‬
‫ص ِ‬
‫َن ٌ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫اس َمن ُي ْع ِجُب َك َق ْوُل ُه ِفي اْل َح َٰيوِة ُّ‬
‫الد ْنَيا َوُي ْش ِه ُد َّ‬
‫َّللاَ‬ ‫اعَل ُموآ أََّن ُك ْم ِإَل ْي ِه تُ ْح َش ُرو َن * َو ِم َن َّ‬
‫الن ِ‬ ‫َفال ِإ ْث َم َعَل ْي ِه لِ َم ِن اتََّق ٰى َواتَُّقوْا َّ‬
‫َّللاَ َو ْ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َّللاُ الَ ُي ِح ُّب‬
‫الن ْس َل َو َّ‬ ‫َعَل ٰى ما ِفي َقْلِب ِه و ُهو أََلُّد اْل ِخصا ِم * وإِ َذا تَوَّل ٰى س َع ٰى ِفي األ َْر ِ‬
‫ض لُِيْف ِس َد ِفِي َها َوُي ْهلِ َك اْل َح ْر َث َو َّ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫الف َس َاد‬
‫َ‬

‫أشد ذك اًر} أي‪ :‬فال تكونوا كأهل العادة‬


‫الحج {فاذكروا هللا كذكركم آباءكم أو ّ‬
‫{فإذا قضيتم مناسككم} وفرغتم من ّ‬
‫يكدر وقتكم ويقسي قلوبكم بل كونوا مشتغلين بأنواع‬
‫فإن ذلك ّ‬‫مشغولين بذكر األنساب والمفاخرات وسائر أحوال الدنيا‪ّ ،‬‬
‫الذكر والمذاكرة مع اإلخوان مثل ما كنتم تذكرون أحوال األنساب وسائر أحوال الدنيا قبل السلوك أو كما يذكر الناس‬
‫هذه األحوال بالعادة وأبلغ أو أقوى وأكثر ذك اًر منها ليبقى صفاؤكم ويهتدي بكم الناس {فمن الناس من يقول ربنا} أي‪:‬‬
‫فإن توجهه إلى‬
‫ال يطلب إال متاع الدنيا وال يشتغل إال بذكرها وال يعبد هللا إال ألجلها {وما له في اآلخرة من خالق} ّ‬
‫همته إليه واكتساب الظلمة المنافية للنور‪.‬‬‫األخس يمنعه عن قبول األشرف لعدم نهوض ّ‬

‫{ومنهم من يقول ربنا ِآتنا} أي‪ :‬يطلب خير كل من الدارين ويحترز عن االحتجاب بالظلمة والتعذب بنيران الطبيعة‬
‫نصيب مما َكسبوا} من حظوظ اآلخرة وأنوار دار القرار واللذات الباقية‬
‫ٌ‬ ‫{أولئك لهم‬
‫َ‬ ‫والحرمان عن أنوار الرحمة‬
‫باألعمال الصالحة بعد المحاسبة وحط بعض الحسنات بالسيئات والتعذيب بحسبها أو العفو‪.‬‬

‫الحج‪ ،‬وهو مرتبة الروح والقلب والنفس‪ ،‬ألن‬ ‫ٍ‬


‫اذكروا هللا في أيام معدودات} أي‪ :‬مراتب معدودة بعد الفراغ من ّ‬
‫{و ُ‬
‫الواصل إذا رجع‪ ،‬رجع إلى هذه المراتب وعليه في المراتب الثالث أن يكون باهلل فذلك ذكره {فمن ّ‬
‫تعجل في يومين فال‬
‫تعجل إلى حظوظه في مرتبة الروح والقلب فال إثم عليه إذ الروح والقلب وحظوظهما ال يحجبان‬
‫إثم عليه} أي‪ :‬فمن ّ‬
‫وال يضران‪ .‬ومعنى التعجل هو أن الحركة إذا كانت باهلل كانت أسرع وال يكون معها لبث وال وقوف ريثما يظهر القلب‬
‫أو الروح ويصير حجاباً نورياً كما يكون ألصحاب التلوين {ومن تأخر} إلى الثالث الذي هو مرتبة النفس {فال إثم‬

‫عليه لمن اتقى} أي‪ :‬ذلك الحكم لمن اتقى أن يكون مع حظوظ النفس بالنفس‪ّ ،‬‬
‫فإن النفس ألزم لحظها من صاحبيها‬
‫وحظها أغلظ وأبعد من النور من حظوظهما وسريعاً ما تظهر للزوم الطيش والحركة إياها بخالف صاحبيها وحظها‬
‫أيضاً كثي اًر ما يحجب‪ ،‬وإذا حجب كان حجابه غليظاً ظلمانياً فاالحتراز هناك واالحتياط واجب وأولى من الباقيين‬
‫ألنهما إن ظه ار ر ّق حجابهما وسهل زواله‪ ،‬أو ذلك التخيير لمن اتقى في المراتب الثالث‪{ .‬واتقوا هللا} في المواطن‬
‫الثالثة من ظهور األنانية واآلنية حتى تكونوا في الحظوظ به ال بالنفس وال بالقلب وال بالروح {واعلموا أنكم إليه‬
‫تُ ْحشرون} أي‪ :‬أنكم محشورون معه تحشرون من اسم إلى اسم حاضرون بحضرته فأنتم على خطر عظيم بخالف‬
‫سائر الناس كما ورد في الحديث‪" :‬المخلصون على خطر عظيم"‪ .‬وعن النبي صلى هللا عليه وسلم عن هللا تعالى‪:‬‬
‫الصديقين بأني غفور‬
‫ّ‬ ‫"بشر المذنبين بأني غفور وأنذر‬

‫‪".‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ألد الخصام لكونه في مقام النفس زنديقاً‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬قوله في الحياة‬
‫{ومن الناس من يعجبك} أي‪ّ :‬يدعي المحبة وهو ّ‬
‫الدنيا} إذ ليس له قول في اآلخرة بالقلب {وإذا تولى سعى في األرض} إلباحته وتزندقه كما ترى عليه أكثر مّدعي‬
‫يحب‬
‫المحب ال يفعل إال ما ّ‬
‫ويدعي محبة هللا‪ .‬وكيف تتأتى له و ّ‬‫يحب الفساد} أي‪ :‬هو مفسد ّ‬
‫المحبة والتوحيد {وهللا ال ّ‬
‫يحب ما يفعله فال يكون صادقاً في دعواه‪ ،‬كما قال الشاعر ‪:‬‬
‫محبوبه‪ ،‬وهللا ال ّ‬

‫هذا قبيح بالفعال بديع‬ ‫تعصي اإلله وأنت تظهر حبه‬

‫يحب مطيع‬
‫المحب لمن ّ‬
‫ّ‬ ‫إن‬
‫ّ‬ ‫لو كان حبك صادقاً ألطعته‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 206‬الى اآلية ‪)212‬‬

‫َخ َذ ْت ُه اْل ِعَّزةُ ِب ِ‬ ‫يل َل ُه اتَّ ِق َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا رؤ ِ ِ ِ‬ ‫ات َّ ِ‬ ‫اس من ي ْشرِي نْفسه ابِت َغآء مرض ِ‬
‫اإل ْث ِم َف َح ْسُب ُه‬ ‫َّللاَ أ َ‬ ‫وف باْلعَباد * َوإِ َذا ق َ‬ ‫َّللا َو َّ ُ َ ُ ٌ‬ ‫َ َ ُ ْ َ َْ َ‬ ‫الن ِ َ َ‬ ‫َو ِم َن َّ‬
‫ين * َفِإن‬ ‫طوا ِت َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫جهَّنم وَلِب ْئس اْل ِمهاد * ٰيأَي َّ ِ‬
‫ان ِإَّن ُه َل ُك ْم َع ُدٌّو ُّمِب ٌ‬
‫طِ‬ ‫الش ْي َ‬ ‫َِّ‬
‫السْل ِم َكآف ًة َوالَ تَتب ُعوْا ُخ ُ َ‬
‫آمُنوْا ْاد ُخُلوْا في ّ‬ ‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ََ ُ َ َ‬
‫ظَل ٍل ِّم َن اْل َغ َما ِم‬ ‫َّللاُ ِفي ُ‬ ‫ظ ُرو َن ِإالَّ أَن َيأِْتَي ُه ُم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم * َه ْل َين ُ‬ ‫َّللاَ َع ِز ٌيز َحك ٌ‬
‫َن َّ‬‫اعَل ُموْا أ َّ‬ ‫آء ْت ُك ُم اْلَبِّيَن ُ‬
‫ات َف ْ‬ ‫َزَلْلتُ ْم ّمن َب ْعد َما َج َ‬
‫َّللاِ ِمن‬‫اهم ِّم ْن َآي ٍة َبِّيَن ٍة َو َمن ُيَبِّد ْل ِن ْع َم َة َّ‬
‫يل َك ْم آتَْيَن ُ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ور * َس ْل َبني إ ْس َرائ َ‬
‫ضي األَمر وإَِلى َّ ِ‬
‫َّللا تُ ْر َج ُع األ ُُم ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َواْل َمالئ َك ُة َوُق َ ْ ُ َ‬
‫ين اتََّقوْا َف ْوَق ُه ْم َي ْوَم‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫اب * زي َِّ ِ‬ ‫َّللا َش ِد ُيد اْل ِعَق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آمُنوْا َوالذ َ‬ ‫ين َ‬ ‫الد ْنَيا َوَي ْس َخ ُرو َن م َن الذ َ‬
‫ين َكَف ُروْا اْل َحَياةُ ُّ‬
‫ِن للذ َ‬ ‫ُّ َ‬ ‫آء ْت ُه َفإ َّن َّ َ‬
‫َب ْعد َما َج َ‬
‫َّللا ي ْرُز ُق من ي َشآء ِب َغ ْي ِر ِحس ٍ‬
‫اب‬ ‫اْلِقي ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫امة َو َّ ُ َ‬‫ََ‬

‫العزة باإلثم} أي‪ :‬حملته الحمية النفسانية حمية الجاهلية على اإلثم لجاجاً وأش اًر لظهور‬
‫{وإذا قيل له اتق هللا أخذته ّ‬
‫نفسه حينئذ وزعمه أنه أعلم بما يفعل من ناصحه { َف َحسبه جهنم} أي‪ :‬غايته عمق حضيض رتبته التي هو فيها‬
‫فإن جهنم معناه‪ :‬مهوى بعيد العمق مظلمة {يشري نفسه ْابِتغاء مرضاة هللا} يبذل نفسه في سلوك سبيل هللا‬ ‫وظلمتها‪ّ ،‬‬
‫طلباً لرضاه {ادخلوا في السلم} أي‪ :‬في االستسالم وتسليم الوجوه هلل‪ ،‬إذ معاداة القوى بعضها بعضاً‪ ،‬وعدم موافقتها في‬
‫التسليم ألمر هللا دلي ل تتبع الشيطان‪ ،‬وهو يريد أن تستحقوا قهر هللا بارتكاب اإلسرافات المذمومة لعداوته الغريزية لكم‬
‫الختالف جبلته وجبلتكم‪ ،‬وقصوره عن نور فطرتكم‪ ،‬لكونه نارّي الخلقة ال يطلب منكم إال أن تكونوا ناريين مثله ال‬
‫المحب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عدو في الحقيقة في صورة‬
‫نورانيين‪ .‬فهو ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{فإن زللتم} عن مقام التسليم ألمر هللا {من بعد ما جاءتكم} دالئل تجليات األفعال والصفات {فاعلموا أن هللا عز ٌيز}‬
‫{حكيم} ال يقهر إال على مقتضى الحكمة‪ ،‬والحكمة تقتضي قهر المخالف المنازع‪ ،‬ليعتبر المطيع‬
‫ٌ‬ ‫غالب يقهركم‬
‫الموافق ويزيد في الطاعة‪{ .‬هل َي ْنظرون} أي‪ :‬هل ينتظرون {إال أن يأتيهم} يتجلى {هللا في ظلل} صفات الهوية من‬
‫تجليات الصفات وصور مالئكة القوى السماوية‪ .‬وقضى في اللوح أمر إهالكهم {وإلى هللا تَرجع األُمور} فيقابل‬ ‫جملة ّ‬
‫كل امرئ بجزائه أو تزهق إليه بالفناء‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 213‬الى اآلية ‪)215‬‬

‫اس ِفيما اختَلُفوْا ِف ِ‬ ‫َنزَل َم َع ُهم اْل ِك ٰتَ َب ِباْل َح ِّق لَِي ْح ُكم َب ْي َن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُم ًة َٰو ِح َد ًة َفَب َع َث َّ‬
‫يه‬ ‫الن ِ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ين َوأ َ‬ ‫ين َو ُمنذ ِر َ‬ ‫النِبِّي َ‬
‫ين ُمَب ّش ِر َ‬ ‫َّللاُ َّ‬ ‫اس أ َّ‬‫الن ُ‬‫ان َّ‬ ‫َك َ‬
‫َّللا َّال ِذين آمنوْا لِما اختَلُفوْا ِف ِ‬
‫يه ِم َن اْل َح ِّق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وما اخَتَل ِ ِ َّ َّ ِ‬
‫آء ْت ُه ُم اْلَبِّي َٰن ُت َب ْغياً َب ْيَن ُه ْم َف َه َدى َّ ُ َ َ ُ َ ْ َ‬ ‫ين أُوتُوهُ من َب ْعد َما َج َ‬ ‫ف فيه ِإال الذ َ‬ ‫ََ ْ َ‬
‫ين َخَل ْوْا ِمن َقْبلِ ُكم‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِبِإ ْذِن ِه و َّ ِ‬
‫آء ِإَل ٰى ص َٰرط ُّم ْستَقي ٍم * أ َْم َحس ْبتُ ْم أَن تَ ْد ُخُلوْا اْل َجَّن َة َوَل َّما َيأْت ُكم َّمَث ُل الذ َ‬ ‫َّللاُ َي ْهدي َمن َي َش ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ون َك‬
‫يب * َي ْسأَُل َ‬ ‫َّللا َق ِر ٌ‬‫ص َر َّ‬ ‫َّللا أَال إ َّن َن ْ‬‫ص ُر َّ‬ ‫آمُنوْا َم َع ُه َمتَ ٰى َن ْ‬‫ين َ‬ ‫ول َوالذ َ‬ ‫الرُس ُ‬
‫ول َّ‬ ‫آء َوُزْل ِزُلوْا َحتَّ ٰى َيُق َ‬ ‫آء َو َّ‬
‫الضَّر ُ‬ ‫ْس ُ‬‫َّم َّس ْت ُه ُم اْلَبأ َ‬
‫َّللاَ ِب ِه‬
‫يل َو َما تَْف َعُلوْا ِم ْن َخ ْي ٍر َفِإ َّن َّ‬‫السِب ِ‬ ‫ين َو ْاب ِن َّ‬ ‫اك ِ‬‫ما َذا ي ْنِفُقو َن ُقل مآ أ َْنَفْقتُم ِمن َخي ٍر َفِلْلو ِالدي ِن واألَْقربِين واْليتَامى واْلمس ِ‬
‫َ َْ َ َ َ َ َ َ ٰ َ َ َ‬ ‫ْ ّْ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ُ‬
‫يم‬ ‫ِ‬
‫َعل ٌ‬

‫"كل مولود يولد على الفطرة"‪،‬‬


‫أمة واحدة} أي‪ :‬على الفطرة ودين الحق‪ ،‬كما قال صلى هللا عليه وسلم‪ّ :‬‬ ‫{كان الناس ّ‬
‫أمة واحدة}‬
‫وهو في عهد الفطرة األولى على الحقيقة‪ ،‬أو في زمن الطفولة‪ ،‬أو في عهد آدم عليه السالم {كان الناس ّ‬
‫تضاد أصول بنيتهم ومراكز‬
‫ّ‬ ‫وتفرق أهوائهم‪ .‬فإن‬
‫ثم اختلفوا في النشأة بحسب اختالف طبائعهم وغلبة صفات نفوسهم‪ّ ،‬‬
‫الضر الخاص‬‫ّ‬ ‫أبدانهم باختالف البقاع واألهوية‪ ،‬اقتضى ذلك وكذا ما في طباعهم من جذب النفع الخاص ودفع‬
‫{فبعث هللا‬
‫َ‬ ‫الحتجاب كل بمادة بدنه واقتضاء الحكمة اإللهية ذلك لمصلحة النشوء والنماء يقتضي التعادي والتخالف‬
‫فتفرقوا وتحزبوا عليهم‬
‫النبيين} ليدعوهم من الخالف إلى الوفاق‪ ،‬ومن الكثرة إلى الوحدة‪ ،‬ومن العداوة إلى المحبة‪ّ ،‬‬
‫فأما السفليون الذين رسخت في طباعهم محبة الباطل وغلب على قلوبهم الرين وطبع عليها وعميت وزال‬ ‫وتميزوا‪ّ ،‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫استعدادهم بغلبة هواهم‪ ،‬فازدادوا خالفاً وعناداً‪ ،‬فكأنهم ما اختلفوا إال عند بعثهم وإتيانهم بالكتاب الذي هو سبب ظهور‬
‫أما العلويون الذين بقوا على الصفاء‬
‫الحق والوفاق حسداً بينهم‪ ،‬ناشئاً من عند أنفسهم‪ ،‬وغلبة هواهم واحتجابهم‪ .‬و ّ‬
‫األصلي واالستعداد األول فهداهم هللا إلى الحق الذي اختلفوا فيه وزال خالفهم وسلكوا الصراط المستقيم‪.‬‬
‫ّ‬

‫{أم َح ِس ْبتم أن تَ ْدخلوا} ّ‬


‫جنة تجّلي الجمال {ولما َيأْتكم} حال {الذين} مضوا {من َقْبلكم مستهم} بأساء الترك والتجريد‬

‫وضراء المجاهدة والرياضة وكسر النفس بالعبادة {وزلزلوا} بدواعي الشوق والمحبة عن ّ‬
‫مقار نفوسهم‬ ‫ّ‬ ‫والفقر واالفتقار‪،‬‬
‫صر هللا} أي‪ :‬حتى تضجروا من طول‬ ‫بالقوة {حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى َن ْ‬
‫ليظهروا ما في استعدادهم ّ‬
‫مدة الحجاب‪ ،‬وكثرة الجهاد من الفراق‪ ،‬وعيل صبرهم عن مشاهدة الجمال‪ ،‬وذوق الوصال‪ ،‬وطلبوا نصر هللا بالتجلي‬‫ّ‬
‫على قمع صفات النفوس مع قوة مصابرتهم‪ ،‬وحسن تحملهم‪ ،‬لما يفعل المحبوب ويريد بهم من ابتالئهم بالهجران‪،‬‬
‫وإذاقتهم طعم الفرقة الشتداد قوة المحبة‪ ،‬فكيف بغيرهم؟ فأجيبوا إذا بلغ جهدهم ونفدت طاقتهم وقيل لهم {أال إ ّن نصر‬
‫هللا قريب} أي‪ :‬رفع الحجاب وظهرت آثار الجمال‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 216‬الى اآلية ‪)216‬‬

‫ال َو ُه َو ُك ْرهٌ َّل ُك ْم َو َع َس ٰى أَن تَ ْك َرُهوْا َش ْيئاً َو ُه َو َخ ْيٌر َّل ُك ْم َو َع َس ٰى أَن تُ ِحُّبوْا َش ْيئاً َو ُهَو َشٌّر َّل ُك ْم َو َّ‬
‫َّللاُ َي ْعَل ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُكت َب َعَل ْي ُك ُم اْلقتَ ُ‬
‫َوأ َْنتُ ْم الَ َت ْعَل ُمو َن‬

‫أشد من ضغم الضيغم {وعسى أن تكرهوا‬ ‫أمر من طعم العلقم‪ ،‬و ّ‬


‫عليكم} قتال النفس والشيطان وهو مكروه لكم ّ‬
‫ُ‬ ‫{كِتب‬
‫ُ‬
‫خير لكم} الحتجابكم بهوى النفس وحب الل ّذة العاجلة عما في ضمنه من الخير الكثير‪ ،‬والل ّذة العظيمة‬
‫شيئاً وهو ٌ‬
‫الشدة السريعة‪ ،‬االنقضاء بالقياس إلى ذلك الخير الباقي‪ ،‬والل ّذة السرمدية وكذا عكسه‬
‫الروحانية التي تستحقر تلك ّ‬
‫الشر {وأنتم ال تَ ْعلمون} ذلك الحتجابكم بالعاجل عن اآلجل‪ ،‬وبالظاهر عن‬
‫{وهللا يعلم} ما في األمور من الخير و ّ‬
‫الباطن‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 217‬الى اآلية ‪)245‬‬

‫َهلِ ِه ِم ْن ُه‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫يل َّ ِ‬


‫َّللا َوُكْفٌر ِبه َواْل َم ْسجد اْل َح َار ِم َوإِ ْخ َر ُ‬
‫اج أ ْ‬ ‫وصٌّد َعن سِب ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫يه َكِب ٌير‬‫يه ُقل ِقتال ِف ِ‬ ‫ِ ٍ ِِ‬
‫الش ْه ِر اْل َح َار ِم قتَال ف ْ َ ٌ‬ ‫ون َك َع ِن َّ‬ ‫َي ْسأَُل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أَ ْكبر ِعند َّ ِ‬
‫اعوْا َو َمن َي ْرتَد ْد م ْن ُك ْم َعن‬ ‫ط ُ‬ ‫استَ َ‬ ‫ِ‬
‫وك ْم َعن دين ُك ْم إن ْ‬ ‫َحتَّ ٰى َي ُرُّد ُ‬ ‫َّللا َواْلِف ْتَن ُة أَ ْكَب ُر م َن اْلَق ْت ِل َوالَ َي َازُلو َن ُيَقاتُل َ‬
‫ون ُك ْم‬ ‫َُ َ‬
‫ين‬ ‫َّ ِ‬
‫* ِإ َّن الذ َ‬ ‫يها َخالِ ُدو َن‬ ‫ِ‬
‫النا ِر ُه ْم ف َ‬‫اب َّ‬ ‫َص َح ُ‬
‫ِِ ِ‬
‫الد ْنَيا َواآلخ َرة َوأ ُْولـٰئ َك أ ْ‬ ‫َع َماُل ُه ْم ِفي ُّ‬ ‫ط ْت أ ْ‬ ‫ِد ِين ِه َفَي ُم ْت َو ُه َو َك ِافٌر َفأ ُْولـِٰئ َك َحِب َ‬
‫اْل َخ ْم ِر َواْل َم ْي ِس ِر‬ ‫ون َك َع ِن‬ ‫يم * َي ْسأَُل َ‬ ‫ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫َّللاُ َغُف ٌ‬ ‫َّللاِ َو َّ‬
‫َّللاِ أ ُْولـِٰئ َك َي ْر ُجو َن َر ْح َم َت َّ‬‫يل َّ‬ ‫ين َهاجروْا و ٰجه ُدوْا ِفي سِب ِ‬
‫َ‬ ‫امُنوْا َوالذ َ َ ُ َ َ َ‬
‫َّ ِ‬
‫َء َ‬
‫األي ِت‬
‫َّللاُ َل ُك ُم َٰ‬‫ون َك َما َذا ُي ِنفُقو َن ُق ِل اْل َعْف َو َك ٰذلِ َك ُي ِّبي ُن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس َوإِ ْث ُم ُه َمآ أَ ْكَب ُر من َّنْفع ِه َما َوَي ْسأَُل َ‬ ‫ُق ْل ِفي ِهمآ ِإ ْثم َكِب ٌير وم َٰنِف ُع لِ َّلن ِ‬
‫ََ‬ ‫َ ٌ‬
‫وه ْم َفِإ ْخ َو ُان ُك ْم َو َّ‬
‫َّللاُ َي ْعَل ُم‬ ‫ط ُ‬ ‫صالَ ٌح َّل ُه ْم َخ ْيٌر َوِإ ْن تُ َخالِ ُ‬ ‫ِ‬
‫ام ٰى ُق ْل إ ْ‬ ‫ون َك َع ِن اْلَيتَ َ‬
‫الد ْنيا و ِ‬
‫اآلخ َرِة َوَي ْسأَُل َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َل َعل ُك ْم تَتََفك ُرو َن * في ُّ َ َ‬
‫َّ‬
‫َّللا ع ِز ٌيز ح ِكيم * والَ تَْن ِكحوْا اْلم ْش ِرَك ِ‬ ‫اْلمْف ِس َد ِمن اْلم ِ‬
‫ات َحتَّ ٰى ُي ْؤ ِم َّن َوأل ََم ٌة ُّم ْؤ ِمَن ٌة َخ ْيٌر‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َعَنتَ ُك ْم ِإ َّن َّ َ َ‬ ‫َّللاُ أل ْ‬‫آء َّ‬‫صل ِح َوَل ْو َش َ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫َع َجَب ُك ْم أ ُْوَلـٰئ َك َي ْد ُعو َن ِإَلى‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ين َحتَّ ٰى ُي ْؤ ِمُنوْا َوَل َع ْبٌد ُّم ْؤ ِم ٌن َخ ْيٌر ّمن ُّم ْش ِرك َوَل ْو أ ْ‬ ‫َع َجَب ْت ُك ْم َوالَ تُْنك ُحوْا اْل ُم ْش ِرِك َ‬‫ّمن ُّم ْش ِرَكة َوَل ْو أ ْ‬
‫يض ُق ْل ُهَو أَ ًذى‬ ‫ون َك َع ِن اْلم ِح ِ‬ ‫اس َل َعَّل ُه ْم َيتَ َذ َّك ُرو َن * َوَي ْسأَُل َ‬ ‫َّللاُ َي ْد ُعوْا ِإَلى اْل َجَّن ِة واْلم ْغِف َرِة ِبِإ ْذِن ِه وُيَبِّي ُن َآي ِات ِه لِ َّلن ِ‬
‫الن ِار َو َّ‬
‫َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َّللا ِإ َّن َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫النسآء ِفي اْلم ِح ِ‬ ‫َف ِ ِ‬
‫َّللاَ ُيح ُّب التََّّواِب َ‬
‫ين‬ ‫وه َّن م ْن َح ْي ُث أ َ‬
‫َم َرُك ُم َّ ُ‬ ‫ط َّه ْرَن َفأْتُ ُ‬ ‫ط ُه ْرَن َفِإ َذا تَ َ‬ ‫وه َّن َحتَّ ٰى َي ْ‬ ‫يض َوالَ تَْق َرُب ُ‬ ‫َ‬ ‫اعتَزُلوْا ّ َ َ‬ ‫ْ‬
‫اعَل ُموْا أََّن ُك ْم ُّمالَُقوهُ َوَب ِّش ِر‬ ‫آؤُك ْم َح ْر ٌث َّل ُك ْم َفأْتُوْا َح ْرثَ ُك ْم أََّن ٰى ِش ْئتُ ْم َوَقِّد ُموْا أل َْنُف ِس ُك ْم َواتَُّقوْا َّ‬
‫َّللاَ َو ْ‬
‫ِ‬
‫ين * ن َس ُ‬ ‫َوُي ِح ُّب اْل ُمتَ َ‬
‫ط ِّه ِر َ‬
‫َّللا س ِميع علِيم * الَّ يؤ ِ‬ ‫صلِ ُحوْا َب ْي َن َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ‬
‫اخ ُذ ُك ُم َّ‬ ‫َُ‬ ‫الناس َو َّ ُ َ ٌ َ ٌ‬ ‫ض ًة أل َْي َمان ُك ْم أَن تََبُّروْا َوتَتُقوْا َوتُ ْ‬ ‫َّللاَ ُع ْر َ‬
‫ين * َوالَ تَ ْج َعُلوْا َّ‬ ‫اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫َش ُه ٍر‬‫ُّص أ َْرَب َع ِة أ ْ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ين ُي ْؤُلو َن من ّن َسآئ ِه ْم تََرب ُ‬
‫َِّ ِ‬
‫يم * ّللذ َ‬
‫ِ‬
‫ور َحل ٌ‬ ‫َّللاُ َغُف ٌ‬
‫وب ُك ْم َو َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لغ ِو في أ َْي َمان ُك ْم َوَلـٰكن ُي َؤاخ ُذ ُكم ِب َما َك َسَب ْت ُقُل ُ‬
‫ِب َّال ْ ِ‬
‫َّص َن ِبأ َْنُف ِس ِه َّن ثَالَثَ َة ُق ُر ٍ‬ ‫َّللا س ِميع علِيم * واْلم ََّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫آءو َفِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬
‫وء‬ ‫ات َيتَ َرب ْ‬ ‫طلَق ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫يم * َوِإ ْن َع َزُموْا الطالَ َق َفإ َّن َّ َ َ ٌ َ ٌ‬ ‫ور َّرح ٌ‬‫َّللاَ َغُف ٌ‬ ‫َفإ ْن َف ُ‬
‫َح ُّق ِب َرِّد ِه َّن ِفي َذلِ َك ِإ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ام ِه َّن ِإن ُك َّن يؤ ِم َّن ِب َّ ِ‬
‫َّللا ِفي أَرح ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َواْلَي ْو ِم اآلخ ِر َوُب ُعوَلتُ ُه َّن أ َ‬ ‫ُْ‬ ‫َْ‬ ‫َوالَ َيح ُّل َل ُه َّن أَن َي ْكتُ ْم َن َما َخَل َق َّ ُ‬
‫ان َفِإ ْم َس ٌ‬
‫اك‬ ‫الط َٰل ُق َمَّرتَ ِ‬‫َّللا ع ِز ٌيز ح ِكيم * َّ‬
‫َ ٌ‬ ‫ال َعَل ْي ِه َّن َد َر َج ٌة َو َّ ُ َ‬
‫ِ‬
‫وف ولِ ِلرج ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫صالَحاً َوَل ُه َّن م ْث ُل الذي َعَل ْي ِه َّن ِباْل َم ْع ُر َ ّ َ‬ ‫ِ‬
‫أ ََرُادوْا إ ْ‬
‫َّللاِ َفِإن ِخْفتُم أَالَّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ْ‬ ‫ود َّ ْ‬ ‫وه َّن َش ْيئاً إال أَن َي َخاَفآ أَال ُيق َ‬
‫يما ُح ُد َ‬ ‫يح ِبِإ ْح َٰس ٍن َوالَ َي ِح ُّل َل ُك ْم أَن تَأ ُ‬
‫ْخ ُذوْا م َّمآ آتَْيتُ ُم ُ‬ ‫ِب َم ْع ُروف أ َْو تَ ْس ِر ٌ‬
‫َّللاِ َفأُوَلـِٰئك هم َّٰ‬
‫الظلِ ُمو َن *‬ ‫َّللاِ َفالَ جناح عَلي ِهما ِفيما ا ْفتدت ِب ِه ِتْلك حدود َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ود َّ ْ َ ُ ُ‬ ‫وها َو َمن َيتَ َعَّد ُح ُد َ‬
‫َّللا َفالَ تَ ْعتَ ُد َ‬ ‫َ ُُ ُ‬ ‫ُ َ َ َ ْ َ َ ََ ْ‬ ‫ود َّ‬ ‫يما ُح ُد َ‬
‫ُيق َ‬
‫ِ‬ ‫اج َعآ ِإن َ‬ ‫طَّلَقها َفالَ تَ ِح ُّل َله ِمن بعد حتَّى تَْن ِكح َزوجاً َغيره َفِإن ََّ‬
‫اح َعَل ْي ِه َمآ أَن َيتََر َ‬ ‫ِ‬
‫ود‬
‫يما ُح ُد َ‬ ‫ظَّنآ أَن ُيق َ‬ ‫طلَق َها َفالَ ُجَن َ‬ ‫َُْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َُْ َ ٰ‬ ‫ُ‬ ‫َفإ ْن َ َ‬
‫وف أَو س ِرحوه َّن ِبمعر ٍ‬ ‫ِ‬
‫النسآء َفبَل ْغن أَجَله َّن َفأَم ِس ُكوه َّن ِبمعر ٍ‬ ‫َّللاِ يبِيُنها لَِقو ٍم يعَلمو َن * وإِ َذا ََّ‬ ‫َّ ِ‬
‫وف‬ ‫ْ َ ّ ُ ُ َ ُْ‬ ‫ُ َ ُْ‬ ‫ْ‬ ‫طلْقتُ ُم ّ َ َ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ود َّ ُ َّ َ ْ َ ْ ُ‬ ‫َّللا َوِتْل َك ُح ُد ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َّللاِ هزواً وا ْذ ُكروْا ِنعمت َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫والَ تُم ِس ُكوه َّن ِ‬
‫َنزَل‬‫َّللا َعَل ْي ُك ْم َو َمآ أ َ‬ ‫ظَل َم َنْف َس ُه َوالَ تَتَّ ِخ ُذوْا َآيات َّ ُ ُ َ ُ ْ َ َ‬ ‫ض َار اًر ّلِتَ ْعتَ ُدوْا َو َمن َيْف َع ْل َذلِ َك َفَق ْد َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫َجَل ُه َّن َفالَ‬
‫آء َفَبَل ْغ َن أ َ‬ ‫طَّلْقتُ ُم ِّ‬
‫الن َس َ‬ ‫َّللاَ ِب ُك ِّل َش ْي ٍء َعلِي ٌم * َوِإ َذا َ‬ ‫اعَل ُموْا أ َّ‬
‫َن َّ‬ ‫ظ ُك ْم ِب ِه َواتَُّقوْا َّ‬
‫َّللاَ َو ْ‬ ‫اب َواْل ِح ْك َم ِة َي ِع ُ‬
‫َعَل ْي ُكم ِم َن اْل ِكتَ ِ‬
‫ْ ّ‬
‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َواْلَي ْو ِم اآلخ ِر ذل ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نك ْم ُي ْؤم ُن ب َّ‬
‫ان م ُ‬ ‫ظ به َمن َك َ‬ ‫وع ُ‬
‫اض ْوْا َب ْيَن ُه ْم باْل َم ْع ُروف ذل َك ُي َ‬ ‫اج ُه َّن إ َذا تَ َر َ‬
‫وه َّن أَن َينك ْح َن أ َْزَو َ‬ ‫ضُل ُ‬ ‫تَ ْع ُ‬
‫اع َة‬
‫ض َ‬ ‫الر َ‬‫امَل ْي ِن لِ َم ْن أ ََرَاد أَن ُيِت َّم َّ‬
‫ضعن أَوالَده َّن حوَلي ِن َك ِ‬
‫ات ُي ْر ْ َ ْ َ ُ َ ْ ْ‬
‫ِ‬
‫َّللاُ َي ْعَل ُم َوأ َْنتُ ْم الَ تَ ْعَل ُمو َن * َواْل َوالِ َد ُ‬ ‫أ َْزَك ٰى َل ُك ْم َوأَ ْ‬
‫ط َه ُر َو َّ‬
‫ود َّل ُه ِب َوَل ِدِه َو َعَلى‬ ‫ِ‬
‫ض َّآر َوالِ َدةٌ ِبَوَلد َها َوالَ َم ْوُل ٌ‬ ‫َّ‬
‫ف َنْف ٌس ِإال ُو ْس َع َها الَ تُ َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫َوعَلى اْل َم ْوُلوِد َل ُه ِرْزُق ُه َّن َو ِك ْس َوتُ ُه َّن ِباْل َم ْع ُروف الَ تُ َكل ُ‬
‫اض ِم ْنهما وتَ َشاوٍر َفالَ جناح عَلي ِهما وإِن أَردتُّم أَن تَستَر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِٰ ِ‬
‫ض ُعوْا أ َْوالَ َد ُك ْم َفالَ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َُ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ‬ ‫صاالً َعن تَ َر ّ ُ َ َ ُ‬ ‫اْل َو ِارث م ْث ُل ذل َك َفإ ْن أ ََرَادا ف َ‬
‫ين ُيتََوَّف ْو َن ِم ُ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫جناح عَلي ُكم ِإ َذا سَّلمتُم َّمآ آتَيتُم ِباْلمعر ِ‬
‫نك ْم َوَي َذ ُرو َن‬ ‫َّللاَ ِب َما تَ ْع َمُلو َن َبص ٌير * َوالذ َ‬ ‫اعَل ُموْا أ َّ‬
‫َن َّ‬ ‫وف َواتَُّقوْا َّ‬
‫َّللاَ َو ْ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َُ َ َ ْ ْ‬
‫َشه ٍر وع ْش اًر َفِإ َذا بَل ْغن أَجَله َّن َفالَ جناح عَلي ُكم ِفيما َفعْلن ِفي أ َْنُف ِس ِه َّن ِباْلمعر ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ‬
‫وف َو َّ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َُ َ َ ْ ْ َ َ َ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫َّص َن ِبأ َْنُفس ِه َّن أ َْرَب َع َة أ ْ ُ َ َ‬
‫أ َْزَواجاً َيتَ َرب ْ‬
‫ِبما تعمُلون خِبير * والَ جناح عَلي ُكم ِفيما عَّرضتم ِب ِه ِمن ِخ ْ ِ‬
‫ون ُه َّن‬ ‫طَبة ِّ‬
‫الن َس ِآء أ َْو أَ ْكَننتُ ْم ِفي أَْنُف ِس ُك ْم َعلِ َم َّ‬
‫َّللاُ أََّن ُك ْم َستَ ْذ ُك ُر َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ َ َ َ ْ ْ َ َ ْ ُْ‬ ‫َ َْ َ َ َ ٌ‬
‫وه َّن ِسّاًر ِإالَّ أَن تَُقوُلوْا َق ْوالً َّم ْع ُروفاً َوالَ تَ ْع ِزُموْا ُعْق َد َة ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫َّللاَ َي ْعَل ُم َما‬
‫َن َّ‬ ‫اعَل ُموْا أ َّ‬‫َجَل ُه َو ْ‬
‫اب أ َ‬ ‫الن َكا ِح َحتَّ ٰى َيْبُل َغ اْلكتَ ُ‬ ‫َوَلـٰكن ال تَُواع ُد ُ‬
‫ضوْا َل ُه َّن‬ ‫وه َّن أ َْو تَْف ِر ُ‬
‫آء َما َل ْم تَ َم ُّس ُ‬
‫الن َس َ‬‫طَّلْقتُ ُم ِّ‬
‫اح َعَل ْي ُك ْم ِإن َ‬ ‫َّ‬
‫يم * ال ُجَن َ‬
‫ِ‬
‫ور َحل ٌ‬ ‫َّللاَ َغُف ٌ‬‫َن َّ‬‫اعَل ُموْا أ َّ‬ ‫اح َذ ُروهُ َو ْ‬
‫ِ‬
‫في أ َْنُفس ُك ْم َف ْ‬
‫ِ‬

‫وه َّن ِمن َقْب ِل‬ ‫وف حّقاً عَلى اْلمح ِسِنين * وإِن ََّ‬ ‫وس ِع َقدره وعَلى اْلمْقِت ِر َقدره متَاعاً ِباْلمعر ِ‬ ‫ِ‬
‫طلْقتُ ُم ُ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ ُُ َ‬ ‫ُ‬ ‫وه َّن َعَلى اْل ُم ِ َ ُ ُ َ َ‬ ‫يض ًة َو َمتّ ُع ُ‬ ‫َف ِر َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ضتُ ْم ِإالَّ أَن َي ْعُفو َن أ َْو َي ْعُف َوْا َّالذي ِبَيده ُعْق َدةُ ِّ‬ ‫ِ‬
‫الن َكا ِح َوأَن تَ ْعُفوْا أَ ْق َر ُب‬ ‫ف َما َف َر ْ‬ ‫صُ‬ ‫يض ًة َفن ْ‬ ‫ضتُ ْم َل ُه َّن َف ِر َ‬ ‫وه َّن َوَق ْد َف َر ْ‬
‫أَن تَ َم ُّس ُ‬
‫ين‬ ‫ِ ٰ ِِ‬
‫وموْا ََّّلل َقنت َ‬ ‫ط ٰى َوُق ُ‬ ‫الص َٰلوِة اْلُو ْس َ‬
‫الصَل َٰو ِت و َّ‬ ‫ظوْا َعَلى َّ‬ ‫*ح ِاف ُ‬ ‫ِ‬
‫َّللاَ ِب َما تَ ْع َمُلو َن َبص ٌير َ‬ ‫ض َل َب ْيَن ُك ْم ِإ َّن َّ‬ ‫ِ َّ‬
‫للتْق َو ٰى َوالَ تَ َ‬
‫نس ُوْا اْلَف ْ‬
‫ين ُيتََوَّف ْو َن ِم ُ‬ ‫َّ ِ‬ ‫إن ِخْفتُ ْم َف ِر َجاالً أ َْو ُرْكَباناً َفِإ َذآ أ َِمنتُ ْم َفا ْذ ُك ُروْا َّ‬
‫نك ْم َوَي َذ ُرو َن‬ ‫ونوْا تَ ْعَل ُمو َن * َوالذ َ‬ ‫َّللاَ َك َما َعَّل َم ُكم َّما َل ْم تَ ُك ُ‬ ‫* َف ْ‬
‫اح َعَل ْي ُك ْم ِفي َما َف َعْل َن ِفي أ َْنُف ِس ِه َّن ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أ َْزَواجاً َوصَّي ًة أل َْزَواج ِه ْم َّمتَاعاً ِإَلى اْل َح ْول َغ ْي َر ِإ ْخ َار ٍج َفِإ ْن َخ َر ْج َن َفالَ ُجَن َ‬
‫َّللاُ َل ُك ْم َآي ِات ِه َل َعَّل ُك ْم تَ ْعِقُلو َن‬
‫ين * َك َذلِ َك ُيَبِّي ُن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طلَقات َمتَاعٌ ِباْل َم ْع ُروف َحّقاً َعَلى اْل ُمتَّق َ‬
‫َّللا ع ِز ٌيز ح ِكيم * ولِْلم ََّ ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ ٌ‬
‫ٍ‬
‫َّم ْع ُروف َو َّ ُ َ‬
‫ض ٍل َعَلى َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الن ِ‬
‫اس‬ ‫َّللاَ َل ُذو َف ْ‬ ‫َح َٰي ُه ْم ِإ َّن َّ‬
‫َّللاُ ُموتُوْا ثُ َّم أ ْ‬
‫ال َل ُه ُم َّ‬
‫وف َح َذ َر اْل َم ْوت َفَق َ‬ ‫ين َخ َر ُجوْا من د َٰي ِرِه ْم َو ُه ْم أُُل ٌ‬ ‫* أََل ْم تَ َر ِإَلى الذ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َن َّ ِ‬ ‫يل َّ ِ‬ ‫اس الَ ي ْش ُكرو َن * وَٰقِتُلوْا ِفي سِب ِ‬ ‫َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثَ َر َّ‬
‫َّللاَ َق ْرضاً‬ ‫ض َّ‬ ‫يم * َّمن َذا الذي ُيْق ِر ُ‬ ‫يع َعل ٌ‬ ‫َّللاَ َسم ٌ‬ ‫اعَل ُموْا أ َّ‬
‫َّللا َو ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الن ِ َ ُ‬
‫ط َوإَِل ْي ِه تُ ْر َج ُعو َن‬ ‫َض َعافاً َكِث َيرًة َو َّ‬
‫َّللاُ َيْقِب ُ‬
‫ض َوَي ْب ُس ُ‬ ‫حسناً َفي ٰ ِ‬
‫ضعَف ُه َل ُه أ ْ‬‫ََ ُ َ‬

‫الح َرام ِقتال فيه} يسألونك عن جهاد النفس وأعوانها‪ ،‬والشيطان وجنوده في وقت التوجه والسلوك‬
‫ونك عن الشهر َ‬
‫{يسئُل َ‬
‫السر {ُق ْل} الجهاد في ذلك الوقت أمر عظيم شاق‪ ،‬وصرف وجوهكم عن‬‫إلى الحق وجمعية الباطن الحرام فيه حركة ّ‬
‫سبيل هللا‪ ،‬ومقام السر‪ ،‬ومحل الحضور احتجاب عن الحق‪ ،‬وإخراج أهل القلب الذين هم القوى الروحانية عن ّ‬
‫مقارهم‬
‫أشد من قتلكم إياهم بسيف الرياضة‪ .‬وال تزال تلك القوى‬
‫أعظم وأكبر عند هللا‪ ،‬وفتنة الشرك والكفر وبالؤهما عليكم ّ‬
‫النفسانية واألهواء الشيطانية يقاتلونكم بذبكم عن دينكم ومقصدكم‪ ،‬ودعوتكم إلى دين الهوى والشيطان {حتى ّ‬
‫يردوكم‬
‫عن دينكم إن استطاعوا ومن ير ِتد ْد منكم عن دينه} باتباعهم {فأولئك َحبطت أعمالهم} التي عملوها في االستسالم‬
‫اب} نار الحجاب والتعذيب {هم فيها خالِ ُدون}‪.‬‬ ‫أصح ُ‬
‫َ‬ ‫واالنقياد {وأولئك‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫األمارة‬ ‫ِ‬ ‫{وهاج ُروا} أوطان النفس ومألوفات الهوى‬
‫{وجاه ُدوا في سبيل هللا} وجنود الشيطان والنفس ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫آمنوا} يقيناً‬
‫{إن الذين َ‬
‫{يسئلونك عن} خمر الهوى ّ‬
‫وحب الدنيا وميسر احتيال‬ ‫َ‬ ‫{أولئك َي ْرجون رحمة هللا} تجليات الصفات وأنوار المشاهدة‪.‬‬
‫{ومنافع للناس} في باب المعاش وتحصيل الل ّذة النفسانية‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫النفس في جدب الحظ {قل فيهما إ ْث ٌم} الحجاب والبعد‬
‫المكدرة‪{ .‬الم تَ َر إلى الذين خرُجوا من ِدَيارهم} أي‪ :‬أوطانهم‬
‫ّ‬ ‫المشوشة والهموم‬
‫ّ‬ ‫والفرح بالذهول عن الهيئات الرديئة‬
‫ومقار نفوسهم المعهودة ومقاماتهم ومراتبهم من الدنيا وما ركنوا إليها بدواعي الهوى‪ ،‬وهم قوم كثير {حذر‬
‫ّ‬ ‫المألوفة‬
‫الموت} الجهل واالنقطاع عن الحياة الحقيقية والوقوع في المهاوي الطبيعية {فقال لهم هللا ُموتوا} أي‪ :‬أمرهم بالموت‬
‫اإلرادي‪ ،‬أو أماتهم عن ذواتهم بالتجلي الذاتي‪ ،‬حتى فنوا في الوحدة {ثم أحياهم} بالحياة الحقيقية العلمية‪ ،‬أو به‬
‫بالوجود الموهوب الحقاني‪ ،‬والبقاء بعد الفناء‪ .‬وال يبعد أن يريد به ما أراد من قصة عزير‪ ،‬أي‪ :‬خرجوا هاربين من‬
‫الموت الطبيعي فأماتهم هللا {ثم أحياهم} بتعلق أرواحهم بأبدان من جنس أبدانهم ليحصلوا بها كمالهم‪.‬‬

‫ِ‬
‫{وقاتُلوا في ِ‬
‫سبيل هللا} النفس والشيطان على األول والثاني‪ .‬وعلى الثالث ال تخافوا من الموت في مقاتلة األعداء‪ ،‬فإن‬
‫الهرب منه ال ينفع كما لم ينفع أولئك‪ .‬وهللا يحييكم كما أحياهم {قرضاً حسناً} هو بذل النفس بالجهاد‪ ،‬أو بذل المال‬
‫باإليثار {وهللا يقبض ويبسط} أي‪ :‬هو مع معاملتكم في القبض والبسط‪ ،‬فإنكم بأوصافكم تستنزلون أوصافه‪ .‬إن تبخلوا‬
‫يضيق عليكم ويقتر‪ ،‬وإن تجودوا يوسع عليكم بحسب جودكم كما ورد في الحديث‪" :‬تنزل المعونة على‬
‫بما في أيديكم ّ‬
‫قدر المؤونة‬

‫‪".‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 246‬الى اآلية ‪)248‬‬

‫ال َه ْل َع َس ْيتُ ْم‬ ‫يل َّ ِ‬ ‫إل ِمن بِني ِإسرِائيل ِمن بع ِد موسى ِإ ْذ َقاُلوْا لَِنِب ٍي َّلهم ابع ْث َلَنا ملِكاً ُّنَق ِاتل ِفي سِب ِ‬ ‫أََلم تَ َر ِإَلى اْلم ِ‬
‫َّللا َق َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ ُُ َْ‬ ‫َْ ُ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ُخ ِر ْجَنا ِمن ِدَي ِارَنا َوأ َْبَن ِآئَنا َفَل َّما ُكِت َب َعَل ْي ِه ُم‬ ‫يل َّ ِ‬ ‫ِإن ُكِتب َعَلي ُكم اْلِقتَال أَالَّ تَُق ِاتُلوْا َقاُلوْا وما َلَنآ أَالَّ ُنَق ِاتل ِفي سِب ِ‬
‫َّللا َوَق ْد أ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ُّه ْم ِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ال تََوَّل ْوْا ِإالَّ َقليالً ّم ْن ُه ْم َو َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وت َملكاً َقاُلوْا أََّن ٰى َي ُكو ُن َل ُه‬ ‫طاُل َ‬ ‫َّللاَ َق ْد َب َع َث َل ُك ْم َ‬ ‫ال َل ُه ْم َنبي ُ‬
‫ين * َوَق َ‬‫يم ِبالظالم َ‬ ‫َّللاُ َعل ٌ‬ ‫اْلقتَ ُ‬
‫ط ًة ِفي اْل ِعْل ِم َواْل ِج ْس ِم‬
‫طَفاهُ َعَل ْي ُك ْم َوَزَادهُ َب ْس َ‬
‫اص َ‬ ‫ال ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اْلمْلك عَلينا ونحن أ ِ ِ ِ‬
‫َح ُّق باْل ُمْلك م ْن ُه َوَل ْم ُي ْؤ َت َس َع ًة ّم َن اْل َمال َق َ‬
‫ُ ُ َ َْ َ َ ْ ُ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َّللا و ِاسع علِيم * وَقال َلهم ِنِبيُّهم ِإ َّن آي َة مْل ِك ِه أَن يأِْتي ُكم التَّابوت ِف ِ‬
‫يه َس ِك َين ٌة ِّمن َّرّب ُ‬
‫ِك ْم َوَبِقَّي ٌة‬ ‫َ َ ُ ُ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ ُْ ُْ‬ ‫آء َو َّ ُ َ ٌ َ ٌ‬
‫و َّ ِ‬
‫َّللاُ ُي ْؤتي ُمْل َك ُه َمن َي َش ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آلي ًة ل ُك ْم ِإن ُك ْنتُم ُّم ْؤ ِمن َ‬
‫ين‬ ‫آل َه ُارو َن تَ ْحمُل ُه اْل َمالئ َك ُة ِإ َّن في َذل َك َ‬
‫وس ٰى َو ُ‬
‫آل ُم َ‬ ‫ك ُ‬
‫ّم َّما تَ َر َ‬

‫الملك والرياسة عند العامة إنما هو‬


‫للملك‪ .‬ألن استحقاق ُ‬
‫طاُلوت} كان رجالً فقي اًر‪ ،‬ال نسب له‪ ،‬وال مال‪ ،‬فما قبلوه ُ‬
‫{َ‬
‫فنبه نبيهم على أن االستحقاق إنما يكون بالسعادتين األخريين‪ :‬الروحانية‬
‫بالسعادة الخارجية التي هي المال والنسب‪ّ ،‬‬
‫طة في العلم والجسم} وهللا أعلم‬ ‫التي هي العلم‪ .‬والبدنية‪ :‬التي هي زيادة القوى ّ‬
‫وشدة البنية والبسطة‪ ،‬بقوله‪{ :‬وزاده بس َ‬
‫ليم} بمن له االستحقاق‬
‫{ع ٌ‬
‫الملك َ‬
‫اسع} كثير العطاء‪ ،‬يؤتي المال كما يؤتي ُ‬‫الملك فيؤتيه {من يشاء وهللا و ٌ‬
‫بمن يستحق ُ‬
‫الملك له عالمة أخرى وهي‪ :‬إذعان الخلق‬ ‫وما يحتاج إليه من المال الذي يعتضد به‪ ،‬فيعطيه‪ .‬ثم ّبين أن استحقاق ُ‬
‫له‪ ،‬ووقوع هيبته ووقاره في القلوب‪ ،‬وسكون قلوبهم إليه‪ ،‬ومحبتهم له‪ ،‬وقبولهم ألمره على الطاعة واالنقياد‪ .‬وهو الذي‬
‫كان يسميه األعاجم من قدماء الفرس "خوره"‪ .‬وما يختص بالملوك كيان خوره‪ ،‬ثم من بعدهم سموه "فر" فقالوا‪ :‬كان فر‬

‫للملك في أفريدون‪ ،‬وذهب عن كي كاؤوس فر الملك‪ ،‬فطلبوا من له الفر‪ ،‬فوجدوا للملك المبارك كيخسرو ّ‬
‫وسماه‬
‫ألن التابوت فعلوت من التوب‪ ،‬أي‪ :‬يأتيكم من جهته ما يرجع في ثبوت‬ ‫"التابوت" أي‪ :‬ما يرجع إليه من األمور‪ّ .‬‬
‫ملكه من اإلذعان والطاعة واالنقياد والمحبة له بإلقاء هللا له ذلك في قلوبكم‪ ،‬كما قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫"نصرت بالرعب مسيرة شهر"‪ .‬أو ما يرجع إليه من الحالة النفسانية‪ ،‬والهيئة الشاهدة له على صحة ملكه {فيه سكينة‬
‫المسمى "فر" وهو‬
‫ّ‬ ‫من رّبكم} أي‪ :‬ما تسكن قلوبكم إليه {وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون} في أوالدهم من المعنى‬
‫نور ملكوتي تستضيء به النفس باتصالها بالملكوت السماوية‪ ،‬واستفاضتها ذلك من عالم القدرة مستلزم لحصول علم‬
‫ّ‬
‫السياسة وتدبير الملك والحكمة المزينة لها {تَ ْحمله المالئكة} أي‪ :‬ينزل إليكم بتوسط المالئكة السماوية‪ .‬ويمكن أنه كان‬
‫صندوقاً فيه طلسم من باب نصرة الجيش وغيره من الطلسمات التي تذكر أنها للملك على ما يرى من أنه كان فيه‬
‫الهر‪ ،‬وذنب كذنبه كالذي كان في عهد أفريدون المسمى "درفش كاويان‪".‬‬
‫صورة لها رأس كرأس اآلدمي و ّ‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 249‬الى اآلية ‪)254‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ط َع ْم ُه َفِإَّن ُه ِمِّني ِإالَّ َم ِن‬‫يك ْم ِبَن َه ٍر َف َمن َش ِر َب ِم ْن ُه َفَل ْي َس ِمِّني َو َمن َّل ْم َي ْ‬ ‫َّللاَ ُم ْبَتلِ ُ‬
‫ال ِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫طاُل ُ ِ‬
‫وت باْل ُجُنود َق َ‬ ‫ص َل َ‬ ‫َفَل َّما َف َ‬
‫نودِه‬
‫وت وج ِ‬
‫طاَق َة َلَنا اْلَي ْوَم ِب َجاُل َ َ ُ‬ ‫آمُنوْا َم َع ُه َقاُلوْا الَ َ‬‫ين َ‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ف ُغ ْرَف ًة ِبَيده َف َش ِرُبوْا م ْن ُه ِإال َقليالً ّم ْن ُه ْم َفَل َّما َج َاوَزهُ ُه َو َوالذ َ‬ ‫اغتَ َر َ‬
‫ْ‬
‫ين * َوَل َّما َب َرُزوْا لِ َجاُل َ‬
‫وت‬ ‫الصاِب ِر َ‬‫َّللاُ َم َع َّ‬‫َّللاِ َو َّ‬
‫َّللاِ َكم ِّمن ِفَئ ٍة َقلِيَل ٍة َغَلَب ْت ِفَئ ًة َكِث َيرًة ِبِإ ْذ ِن َّ‬ ‫ظُّنو َن أََّن ُه ْم ُمالَُقوْا َّ‬ ‫ين َي ُ‬ ‫َق َّ ِ‬
‫ال الذ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫وه ْم ِبِإ ْذ ِن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو ُجُنوِده َقاُلوْا َربََّنآ أَ ْف ِر ْ‬
‫وت‬
‫َّللا َوَقَت َل َد ُاوُد َجاُل َ‬ ‫ين * َف َه َزُم ُ‬ ‫ص ْرَنا َعَلى اْلَق ْو ِم اْل َكاف ِر َ‬ ‫ص ْب اًر َوثَّب ْت أَ ْق َد َ‬
‫امَنا َو ْان ُ‬ ‫غ َعَل ْيَنا َ‬
‫ض ٍل َعَلى‬ ‫ض َوَلـ ِٰك َّن َّ‬
‫َّللاَ ُذو َف ْ‬
‫ِ‬
‫ض َلَف َس َدت األ َْر ُ‬ ‫ض ُهم ِبَب ْع ٍ‬
‫اس َب ْع َ ْ‬ ‫الن َ‬‫َّللاِ َّ‬
‫آء َوَل ْوالَ َد ْف ُع َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ اْل ُمْل َك َواْلح ْك َم َة َو َعل َم ُه م َّما َي َش ُ‬ ‫َوآتَاهُ َّ‬
‫ض ِّم ْن ُه ْم َّمن‬ ‫ين * ِتْل َك ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اْلعاَل ِمين * ِتْلك آيات َّ ِ‬
‫ض ُهم َعَل ٰى َب ْع ٍ‬
‫ضْلَنا َب ْع َ ْ‬ ‫الرُس ُل َف َّ‬ ‫وها َعَل ْي َك ِباْل َح ِّق َوإَِّن َك َلم َن اْل ُم ْرَسل َ‬ ‫َّللا َن ْتُل َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ِمن َب ْعدهم‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضهم َد َر َجات وآتَْيَنا عيسى ْاب َن م ْرَيم اْلَبِّيَنات وأَي َّْدَن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َكَّل َم َّ‬
‫َّللاُ َما ا ْقتََت َل الذ َ‬
‫آء َّ‬ ‫اه ب ُرو ِح اْلُق ُدس َوَل ْو َش َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّللاُ َوَرَف َع َب ْع َ ُ ْ‬
‫َّللاُ َما ا ْقتََتُلوْا َوَلـ ِٰك َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاَ َيْف َع ُل َما ُي ِر ُيد‬ ‫آء َّ‬ ‫ِ‬
‫آم َن َوم ْن ُه ْم َّمن َكَف َر َوَل ْو َش َ‬ ‫ات َوَلـ ِٰك ِن ْ‬
‫اخَتَلُفوْا َفم ْن ُه ْم َّم ْن َ‬ ‫آء ْت ُه ُم اْلَبِّيَن ُ‬
‫ّمن َب ْعد َما َج َ‬
‫يه والَ خَّل ٌة والَ َشَفاع ٌة واْل َٰكِفرو َن هم َّٰ‬
‫الظلِ ُمو َن‬ ‫ِِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫* ٰيأَي َّ ِ‬
‫ُُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫آمُنوْا أ َْنفُقوْا م َّما َرَزْقَن ُكم ّمن َقْبل أَن َيأْت َي َي ْوٌم ال َب ْي ٌع ف َ ُ َ‬ ‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬
‫َ‬

‫بنهر} هو منهل الطبيعة الجسمانية {فمن َش ِرب منه فليس مني} أي‪ :‬من كرع فيه مفرطاً في الرّي‬
‫{إن هللا ُم ْبَتليكم ٍ‬
‫عدو‬
‫األمارة‪ ،‬وال بجالوت ّ‬
‫أذل وأعجز خلق هللا‪ ،‬ال ّقوة لهم بقتال جالوت النفس ّ‬
‫ألن أهل الطبيعة وعبدة الشهوات ّ‬ ‫منه‪ّ .‬‬
‫اغتَرف َغ ْرفة بيده} أي‪ :‬إال من اقتنع منه بقدر الضرورة واالحتياج من غير‬ ‫تشدد {إال من ْ‬
‫الدين‪ ،‬إذ ال حمية لهم وال ّ‬
‫{فشرُبوا منه} أي‪ :‬كرعوا فيه وانهمكوا {إال قليالً منهم} إذ المتنزهون عن األقذار الطبيعية‪،‬‬
‫حرص وانهماك فيه َ‬
‫يل َّما ُه ْم} [ص‪،‬‬‫المتقدسون عن مالبسها‪ ،‬المتجردون عن غواشيها قليلون بالنسبة إلى من عداهم‪ .‬قال هللا تعالى‪ِ :‬‬
‫{وَقل ٌ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ور} [سبأ‪ ،‬اآلية‪ ]13 :‬وهم الذين آمنوا معه من أهل اليقين الذين كانوا يعلمون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يل م ْن عَبادي َّ‬‫اآلية‪ِ ،]24 :‬‬
‫الش ُك ُ‬ ‫َ‬ ‫{وَقل ٌ ّ‬
‫َ‬
‫بقوة يقينهم‪ ،‬فظفروا‪.‬‬
‫بنور يقينهم أن الغلبة ليست بالكثرة‪ ،‬بل بالنصرة اإللهية‪ ،‬فصبروا على ما عاينوا ّ‬

‫واستصحب الصبر إال فاز بالظفر‬ ‫جد في أمر يطالبه‬


‫وقل من ّ‬
‫ّ‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 255‬الى اآلية ‪)255‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ض من َذا َّال ِذي ي ْشَفع ِع ْنده ِإالَّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا الَ ِإَلـٰه ِإالَّ هو اْلح ُّي اْلَقيُّوم الَ تَأْخ ُذه ِسن ٌة والَ نوم َّله ما ِفي َّ ِ‬
‫َ ُ َُ‬ ‫الس َٰم َٰوت َو َما في األ َْر َ‬ ‫ُ ُ َ َ َْ ٌ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ‬
‫طون ِب َشي ٍء ِمن ِعْل ِم ِه ِإالَّ ِبما َشآء وِسع ُكرِسيُّه َّ ِ‬ ‫ِبِإ ْذِن ِه َي ْعَلم ما َب ْي َن أ َْي ِد ِ‬
‫ودهُ‬
‫ض َوالَ َي ُؤ ُ‬ ‫الس َٰم َٰوت َواأل َْر َ‬ ‫َ َ َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ّْ‬ ‫يه ْم َو َما َخْلَف ُه ْم َوالَ ُي ِحي ُ َ‬ ‫ُ َ‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِحْف ُ‬
‫ظ ُه َما َو ُه َو اْل َعل ُّي اْل َعظ ُ‬
‫فكل ما عبد دونه لم تقع العبادة إال له‪ ،‬علِ َم أو لم يعلم‪ ،‬إذ ال معبود وال موجود سواه‬
‫{هللا ال إله إال هو} في الوجود‪ّ ،‬‬
‫كل ما يقوم به‪.‬‬
‫حي لم يحيى إال بحياته {القيوم} الذي يقوم بنفسه ويقوم ّ‬ ‫وكل ما هو‬
‫{الحي} الذي حياته عين ذاته‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فإن ذلك ال يكون‬‫أخذه} غفوة ونعاس‪ ،‬كما يعتري األحياء من غير قصدهم‪ّ .‬‬ ‫فلوال قيامه ما قام شيء في الوجود {ال تَ ُ‬
‫فأما من حياته‬
‫إال لمن حياته عارضة‪ ،‬فتغلبه الطبيعة بالحالة الذاتية طلباً للهدوء والراحة واإلبدال عن تحليل اليقظة‪ّ .‬‬
‫فإن النوم ينافي كون الحياة ذاتية‪ ،‬ألنه‬
‫عين ذاته‪ ،‬فال يمكن له ذلك‪ .‬وبين كون حياته غير عارضة بقوله {وال َن ْوم} ّ‬
‫أشبه شيء بالموت‪ .‬ولهذا قيل‪ :‬النوم أخو الموت‪ .‬ومن ال نوم له لذاته‪ ،‬لمنافاته كون الحياة غير ذاته‪ ،‬فال سنة له‪،‬‬
‫مقدماته وآثاره كما تقول‪ :‬ليس له ضحك وال تعجب‪ ،‬وقوله‪{ :‬ال تأخذه سنة وال نوم} بيان لقيوميته {له ما‬‫إذ السنة من ّ‬
‫يشَفع عنده إالّ بإ ْذِنه} إذ كلهم له وبه‬
‫في السموات وما في األرض} نواصيهم بيده‪ ،‬يفعل بهم ما يشاء‪{ .‬من ذا الذي ْ‬
‫{ي ْعَلم} ما قبلهم وما بعدهم‪ ،‬فكيف بهم وبحالهم‪ .‬أي‪ :‬علمه‬
‫يتكلم من يتكلم به وبكالمه‪ ،‬فكيف يتكلم بغير إذنه وإرادته َ‬
‫بشيء من ِعْلمه‬
‫ٍ‬ ‫شامل لألزمنة واألشخاص واألحوال كلها‪ ،‬فيعلم المستحق للشفاعة‪ ،‬وغير المستحق لها {وال ُي ِحيطو َن‬
‫كل ذي علم شيء من علمه ظهر على ذلك المظهر‪ ،‬كما‬
‫إالّ بما َشاء} أي‪ :‬بما اقتضت مشيئته أن يعلمهم‪ ،‬فعلم ّ‬
‫قالت المالئكة‪{ :‬الَ ِعْل َم َلَنآ ِإالَّ َما َعَّل ْمتََنا} [البقرة‪ ،‬اآلية‪.]32 :‬‬

‫{وسع ُكرسيه السموات واألرض} أي‪ :‬علمه‪ ،‬إذ الكرسي مكان العلم الذي هو القلب‪ .‬كما قال أبو يزيد البسطامي‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫أحس به لغاية سعته‪ .‬ولهذا‬
‫مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما ّ‬‫رحمة هللا عليه‪ :‬لو وقع العالم وما فيه ألف ألف ّ‬
‫قال الحسن‪ :‬كرسيه‪ :‬عرشه‪ ،‬مأخوذ من قوله عليه السالم‪" :‬قلب المؤمن من عرش هللا"‪ .‬والكرسي في اللغة‪ :‬عرش‬
‫صغير ال يفضل عن مقعد القاعد‪ُ ،‬شبه القلب به تصوي اًر وتخييالً لعظمته وسعته‪ .‬وأما العرش المجيد األكبر فهو‬
‫فيهن {وال يؤده} أي‪:‬‬
‫الروح األول وصورتهما ومثالهما في الشاهد الفلك األعظم‪ ،‬والثامن المحيط بالسموات السبع وما ّ‬
‫وال يثقله ِ‬
‫{حفظهما} ألنهما غير موجودين بدونه ليثقله حملهما‪ ،‬بل العالم المعنوي كله باطنه والصورّي ظاهره‪ ،‬فال‬
‫{العظيم}‬
‫العلي} الشأن الذي ال يعلوه شيء وهو يعلو كل شيء‪ ،‬ويقهره بالفناء َ‬ ‫وجود لهما إال به وليسا غيره‪{ .‬وهو‬
‫ّ‬
‫يتصور كنه عظمته‪ ،‬وكل عظمة تتصور لشيء فهي رشحة من عظمته‪ ،‬وكل عظيم فبنصيب من عظمته‬ ‫ّ‬ ‫الذي ال‬
‫وحصة منها عظيمة‪ .‬فالعظمة مطلقاً له دون غيره‪ ،‬بل كلها له‪ ،‬ليس لغيره فيها نصيب‪ .‬وهي أعظم آية في القرآن‬
‫لعظم مدلولها ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 256‬الى اآلية ‪)258‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وت ويؤ ِمن ِب َّ ِ ِ‬ ‫الط ُ ِ‬‫الرْشد ِمن اْل َغ ِي َفمن ي ْكُفر ِب َّ‬ ‫الَ ِإ ْكراه ِفي ِ‬
‫ص َام‬
‫استَ ْم َس َك باْل ُع ْرَوة اْلُوْثَق ٰى الَ انف َ‬
‫اَّلل َفَقد ْ‬ ‫اغ َ ْ ْ‬ ‫ّ َْ َ ْ‬ ‫َّن ُّ ُ َ‬ ‫ين َقد تََّبي َ‬
‫الد ِ‬
‫ّ‬ ‫ََ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫آمُنوْا ُي ْخ ِر ُج ُه ْم ّم َن الظُل َمات ِإَلى ُّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وت‬
‫اغ ُ‬‫آؤ ُه ُم الط ُ‬ ‫ين َكَف ُروْا أ َْولَِي ُ‬ ‫الن ِ‬
‫ور َوالذ َ‬ ‫َّللاُ َولِ ُّي الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫يم * َّ‬ ‫يع َعل ٌ‬
‫َّللاُ َسم ٌ‬
‫َل َها َو َّ‬
‫ِ‬ ‫اه ِ‬ ‫الن ِار هم ِفيها خالِدون * أََلم تَر ِإَلى اَّل ِذي ح َّ ِ ِ‬ ‫ُّ ِ ِ‬ ‫الن ِ ِ‬‫ون ُه ْم ِّم َن ُّ‬
‫َن‬
‫يم في َرّبِه أ ْ‬‫آج إ ْب َر َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫اب َّ ُ ْ َ َ ُ َ‬ ‫َص َح ُ‬ ‫ور إَلى الظُل َمات أ ُْوَلـٰئ َك أ ْ‬ ‫ُي ْخ ِر ُج َ‬
‫س ِم َن‬ ‫َّللا َيأِْتي ِب َّ‬
‫الش ْم ِ‬ ‫اه ِ‬ ‫اهيم ربِي َّال ِذي يحِيـي وي ِميت َقال أَنا أُحِيـي وأ ُِميت َق ِ ِ‬ ‫َّللا الملك ِإذ قال ِإبر ِ‬
‫يم َفإ َّن َّ َ‬
‫ال إ ْب َر ُ‬
‫ُ ْ َُ ُ َ َ ْ َ ُ َ‬ ‫َ ُ ُ ْ ُْ َ ْ َ َ َْ ُ َ ّ َ‬
‫آتاه َّ‬
‫ين‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْت ِب َها ِم َن اْل َم ْغ ِر ِب َفُب ِه َت َّال ِذي َكَف َر َو َّ‬
‫ِق َفأ ِ‬‫اْلم ْشر ِ‬
‫َّللاُ الَ َي ْهدي اْلَق ْوَم الظالم َ‬ ‫َ‬

‫{ال إ ْك َراه في الدين} ألن الدين في الحقيقة هو الهدى المستفاد من النور القلبي‪ ،‬الالزم للفطرة اإلنسانية‪ ،‬المستلزم‬
‫َّللاِ َذلِ َك‬
‫يل لِ َخْل ِق َّ‬ ‫ِ‬
‫اس َعَل ْي َها الَ تَْبد َ‬ ‫َّللاِ َّالِتي َف َ‬
‫ط َر َّ‬
‫الن َ‬ ‫ط َر َت َّ‬ ‫لإليمان اليقيني‪ .‬كما قال تعالى‪َ { :‬فأ َِق ْم َو ْج َه َك لِ ِّلد ِ‬
‫ين َحِنيفاً ِف ْ‬
‫ين اْلَقِّيم} [الروم‪ ،‬اآلية‪ ،]30 :‬واإلسالم الذي هو ظاهر الدين مبتن عليه وهو أمر ال مدخل لإلكراه فيه‪ .‬والدليل‬ ‫ِ‬
‫الد ُ‬
‫ّ‬
‫أن باطن الدين وحقيقته اإليمان كما أن ظاهره وصورته اإلسالم ما بعده {قد تبين} أي تميز {الرشد من الغي}‬ ‫على ّ‬
‫ّ‬
‫بالدالئل الواضحة لمن له بصيرة وعقل‪ ،‬كما قيل‪ :‬قد أضاء الصبح لذي عينين‪.‬‬

‫بالع ْرَوة‬ ‫{فمن َي ْكفر بالطاغوت} أي‪ :‬ما سوى هللا وينفي وجوده وتأثيره {ويؤ ِمن باهلل} إيماناً شهودياً حقيقياً {فقد ْ‬
‫استَ ْمسك ُ‬
‫كل وثيق بها موثوق‪ ،‬بل‬ ‫الوثقى} أي‪ :‬تمسك بالوحدة الذاتية التي وثوقها واحكامها بنفسها‪ ،‬فال شيء أوثق منها‪ ،‬إذ ّ‬
‫كل وجود بها موجود وبنفسه معدوم‪ ،‬فإذا اعتبر وجوده فله انفصام في نفسه ألن الممكن وثاقته ووجوده بالواجب‪ ،‬فإذا‬
‫قطع النظر عنه فقد انقطع وجود ذلك الممكن ولم يكن في نفسه شيئاً‪ .‬وال يمكن انفصامه عن وجود عين ذاته‪ ،‬إذ‬
‫ليس فيه تجزؤ وإثنينية‪ ،‬وفي االنفصام لطيفة وهو أنه انكسار بال انفصال‪ .‬ولما لم ينفصل شيء من الممكنات من‬
‫ذاته تعالى‪ ،‬ولم يخرج منه‪ ،‬ألنه إما فعله وإما صفته‪ ،‬فال انفصال قطعاً‪ ،‬بل إذا اعتبره العقل بانفراده كان منفصماً‪،‬‬
‫{عليم} بنياتهم وإيمانهم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أي‪ :‬منقطع الوجود متعلقاً وجوده بوجوده تعالى {وهللا َس ِميع} يسمع قول كل ذوي دين‬

‫{ي ْخرجهم} من ظلمات صفات النفس وشبه الخيال والوهم‪ ،‬إلى نور‬ ‫ولي الذين آمنوا} متولي أمورهم ومحبتهم ُ‬ ‫{هللا‬
‫ّ‬
‫فروا أولياؤهم} ما يعبدون من دون هللا {يخرجونهم} من نور االستعداد‬
‫اليقين والهدى وفضاء عالم الروح {والذين َك ُ‬
‫والهداية الفطرية إلى ظلمات صفات النفس والشكوك والشبهات‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 259‬الى اآلية ‪)259‬‬

‫ال‬ ‫َّللا بعد موِتها َفأَماتَه َّ ِ‬


‫َّللاُ مَئ َة َعا ٍم ثُ َّم َب َعثَ ُه َق َ‬
‫ِِ‬
‫ال أََّن ٰى ُي ْحِيـي َهـٰذه َّ ُ َ ْ َ َ ْ َ َ ُ‬ ‫وش َها َق َ‬‫أ َْو َك َّال ِذي مَّر َعَل ٰى َق ْرَي ٍة وِهي َخ ِاوَي ٌة َعَل ٰى ُع ُر ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ظ ْر ِإَل ٰى ح َم ِار َ‬
‫ك‬ ‫ط َعام َك َو َش َارِب َك َل ْم َيتَ َسَّن ْه َو ْان ُ‬
‫ظ ْر ِإَل ٰى َ‬
‫ال َبل لِب ْث َت مَئ َة َعا ٍم َف ْان ُ‬
‫ض َي ْو ٍم َق َ‬ ‫ال َلِب ْث ُت َي ْوماً أ َْو َب ْع َ‬ ‫ِ‬
‫َك ْم َلب ْث َت َق َ‬
‫َّللاَ َعَل ٰى ُك ِّل َشي ٍء‬ ‫َعَل ُم أ َّ‬
‫َن َّ‬ ‫ال أ ْ‬
‫َّن َل ُه َق َ‬
‫وها َل ْحماً َفَل َّما تََبي َ‬
‫ِ‬
‫ف ُن ْنش ُزَها ثُ َّم َن ْك ُس َ‬
‫ظا ِم َك ْي َ‬
‫ظر ِإَلى ِ‬
‫الع َ‬ ‫ولَِن ْج َعَل َك َآي ًة لِ َّلن ِ‬
‫اس َو ْان ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫َقد ٌير‬

‫وخرت جدرانها عليها‪،‬‬


‫مر على قرية باد أهلها‪ ،‬وسقطت سقوفها‪ّ ،‬‬ ‫مر على قرية} أي‪ :‬أرأيت مثل الذي ّ‬ ‫{أو كالذي ّ‬
‫فتعجب من إحيائها لكونه طالباً سالكاً لم يصل إلى مقام اليقين بعد‪ ،‬ولم يستعد لقبول نور تجّلي اسم المحيي ‪-‬‬
‫َمتََّنا ا ْثَنتَْين} [غافر‪ ،‬اآلية‪]11 :‬‬
‫{فأماتَه هللا} أي‪ :‬فأبقاه على موت الجهل‪ .‬كما قال‪{ :‬أ َ‬ ‫والمشهور أنه كان ُع َزْير ‪َ -‬‬
‫اك ْم} [البقرة‪ ،‬اآلية‪{ .]28 :‬مائ َة َعام} يمكن أن يكون العام في عهدهم كان‬ ‫َحَي ُ‬
‫على قول‪ ،‬وقال تعالى‪َ { :‬وُك ْنتُ ْم أ َْم َواتاً َفأ ْ‬
‫مبنياً على دور القمر‪ ،‬فيكون ثمانية أعوام وأربعة أشهر‪ ،‬وأن يكون مبنياً على فصول السنة فيكون خمسة وعشرين‬

‫سنة‪ ،‬وأن تكون أعمارهم في ذلك الزمان كانت طويلة {ثم َب َعثه} بالحياة الحقيقية وطلب منه الوقوف على ّ‬
‫مدة اللبث‬
‫استصغار لمدة اللبث في موت الجهل المنقضية بالنسبة إلى الحياة األبدية ولعدم‬
‫ًا‬ ‫فما ظنها إال يوماً أو بعض يوم‪،‬‬
‫شعوره بمرور المدة كالنائم الغافل عن الزمان ومروره‪ .‬ثم لما تف ّكر ّنبهه هللا تعالى على طول مدة الجهل وموت‬
‫ادي في إحدى المدد المذكورة‪ ،‬فتكون المدة زمان رياضته وسلوكه‬ ‫الغفلة‪ ،‬بأنه مائة عام‪ ،‬أو أماته بالموت اإلر ّ‬
‫ومجاهدته في سبيل هللا‪ ،‬أو أماته حتف أنفه بالموت الطبيعي فتعلق روحه ببدن آخر من جنسه الكتساب الكمال إما‬
‫مر عليه إحدى المدد الثالث المذكورة‪ ،‬وهو ال يطلع على حاله فيها‪ ،‬ولم يشعر بمبدئه‬
‫بعد زمان وإما في الحال حتى ّ‬
‫ثم بالحياة الحقيقية فاطلع بنور العلم على حاله وعرف مبدأه ومعاده‪.‬‬
‫ومعاده وكان ميتاً ّ‬

‫الن َهار} [يونس‪ ،‬اآلية‪:‬‬ ‫اع ًة ِّم َن َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬


‫{وَي ْوَم َي ْح ُش ُرُه ْم َكأَن ل ْم َيْلَبثُوْا ِإال َس َ‬
‫وقوله‪{ :‬لب ْثت يوماً أو َبعض َيوم} كقوله تعالى‪َ :‬‬
‫َّ ِ‬
‫وم‬
‫{وَي ْوَم تَُق ُ‬
‫اها} [النازعات‪ ،‬اآلية‪ ،]46 :‬وقوله‪َ :‬‬ ‫{كأََّن ُه ْم َي ْوَم َي َرْوَن َها َل ْم َيْلَبثُوْا ِإال َعشَّي ًة أ َْو ُ‬
‫ض َح َ‬ ‫‪ ،]45‬وقوله تعالى‪َ :‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِ‬
‫اع ُة ُيْقس ُم اْل ُم ْج ِرُمو َن َما َلِبثُوْا َغ ْي َر َس َ‬
‫اعة} [الروم‪ ،‬اآلية‪ ]55 :‬كل ذلك لغفلتهم عن مرور الزمان وكذا مفارق أخاً أو‬ ‫الس َ‬
‫َّ‬
‫مصاحباً أو شيئاً آخر إذا أدرك الوصال بعد طول مدة الفراق كأن تلك المدة حينئذ لم تكن‪ ،‬إذ ال يحس بها بعد‬
‫وش َرابك لم َيتَسنه} قيل‪ :‬طعامه التين والعنب‪ ،‬وشرابه الخمر‬
‫ط َعامك َ‬
‫مضيها وإن قاساها قبل الوصال {وانظر إلى َ‬
‫واللبن‪ .‬فالتين إشارة إلى المدركات الكلية لكونه لباً كله‪ ،‬وكون الجزئيات فيها بالقوة‪ ،‬كالحبات التي في التين‪ ،‬والعنب‬
‫المادية معها في اإلدراك كالثجير والعجم‪ .‬واللبن إشارة إلى العلم النافع كالشرائع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إشارة إلى الجزئيات لبقاء اللواحق‬
‫والخمر إشارة إلى العشق واإلرادة وعلوم المعارف والحقائق‪ .‬لم يتسنه أي‪ :‬لم يتغير عما كان في األزل بحسب الفطرة‬
‫مودعاً فيك‪ ،‬فإن العلوم مخزونة في كل نفس بحسب استعدادها‪ ،‬كما قال عليه السالم‪" :‬الناس معادن كمعادن الذهب‬
‫مدة بالتقّلب في البرازخ وظلماتها‪ ،‬لم تبطل ولم تتغير عن حالها‪ .‬حتى إذا ُرِف َع‬
‫والفضة"‪ .‬فإن حجبت بالمو ّاد وخفيت ّ‬
‫الحجاب بصفاء القلب ظهرت كما كانت‪ ،‬ولهذا قال عليه السالم‪" :‬الحكمة ضاّلة المؤمن‬

‫‪".‬‬

‫ظر إلى ِح َمارك} أي‪ :‬بدنك بحاله على الوجه األول والثاني‪ ،‬وكيف نخرت عظامه وبليت على الوجه الثالث‬ ‫{و ْان ُ‬
‫{ثم‬ ‫ظر إلى ِ‬
‫كيف ننشزها} أي‪ :‬نرفعها ّ‬‫ظام َ‬ ‫الع َ‬ ‫{ولنجعلك آية للناس} أي‪ :‬ولنجعلك دليالً للناس على البعث‪ ،‬بعثناك {و ْان ُ‬
‫وتجرده عن البدن على تركيب بدنه برفع العظام‬ ‫َن ْكسوها َل ْحماً} على كال الوجهين ظاهر‪ ،‬فإنه إذا بعث وعلم حاله ّ‬
‫كل شيء َق ِدير}‪.‬‬
‫أن هللا على ّ‬‫وجمعها وكسوتها لحماً {فلما تََبين له} ذلك البعث والنشور {قال أعلم ّ‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 260‬الى اآلية ‪)260‬‬

‫طمِئ َّن َقْلِبي َقال َفخ ْذ أَربع ًة ِمن ال َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اهيم َر ِّب أ َِرِني َك ْي َ ِ‬ ‫وإِ ْذ َق ِ ِ‬
‫ط ْي ِر‬ ‫َ ُ ََْ ّ َ‬ ‫ال َبَل ٰى َوَلـكن ّلَي ْ َ‬‫ال أ ََوَل ْم تُ ْؤ ِمن َق َ‬ ‫ف تُ ْحيـي اْل َم ْوتَ ٰى َق َ‬ ‫ال إ ْب َر ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاَ َع ِز ٌيز َحك ٌ‬
‫يم‬ ‫اج َع ْل َعَل ٰى ُك ِّل َجَب ٍل ّم ْن ُه َّن ُج ْزًءا ثُ َّم ْاد ُع ُه َّن َيأْت َين َك َس ْعياً َو ْ‬
‫اعَل ْم أ َّ‬
‫َن َّ‬ ‫ص ْرُه َّن ِإَل ْي َك ثُ َّم ْ‬
‫َف ُ‬

‫الم ْوتى} أي‪ :‬بلغني إلى مقام العيان من مقام العلم اإليقاني‪ .‬ولهذا قرر إيمانه‬ ‫إبراهيم رب ِأرني َ‬
‫كيف تُ ْحيي َ‬ ‫{وإذ َقال َ‬
‫بهمزة االستفهام التقريرية‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫فـ {قال َأو َل ْم تُ ْؤ ِمن} أي‪ :‬أو لم تعلم ذلك يقيناً؟‪ ،‬وأجاب إبراهيم عليه السالم بقوله‪{َ :‬بلى ولكن ليطمئن قلبي} أي‪:‬‬
‫الطير} أي‪:‬‬
‫من ْ‬ ‫بعة َ‬
‫فإن عين اليقين إنما يوجب الطمأنينة ال علمه {قال َف ُخذ أر َ‬
‫ليسكن وتحصل طمأنينته بالمعاينة‪ّ ،‬‬
‫القوى األربعة التي تمنعه عن مقام العيان وشهود الحياة الحقيقية‪ .‬وقيل‪ :‬كانت طاووساً وديكاً وغراباً وحمامة‪ .‬وفي‬
‫حب الدنيا لتألفها وكرها وبرجها‪.‬‬
‫طة‪ ،‬فالطاووس هو العجب‪ ،‬والديك الشهوة‪ ،‬والغراب الحرص‪ ،‬والحمامة ّ‬ ‫رواية ب ّ‬
‫ممهن إليك بضبطها ومنعها عن‬‫أملهن واض ّ‬
‫ّ‬ ‫إليك} أي‪:‬‬
‫هن َ‬ ‫والظاهر أنها بطة فتكون إشارة إلى الغالب عليها {فصر ّ‬
‫الخروج إلى طلب لذاتها والنزوع إلى مألوفاتها‪ .‬وقيل‪ :‬أمر بأن يذبحها وينتف ريشها ويخلط لحومها ودماءها بالدق‬
‫ويحفظ رؤوسها عنده‪ ،‬أي‪ :‬يمنعها عن أفعالها ويزيل هيئاتها عن النفس‪ ،‬ويقمع دواعيها وطبائعها وعاداتها بالرياضة‪،‬‬
‫ويبقي أصولها فيه‪.‬‬

‫منهن جزءاً} أي‪ :‬من الجبال التي بحضرتك‪ ،‬وهي العناصر األربعة التي هي أركان بدنه‪،‬‬
‫كل َجَبل ّ‬ ‫اج َعل على ّ‬‫{ثم ْ‬
‫المعدة في طبائع العناصر التي فيك‪ .‬كانت‬
‫ّ‬ ‫أي‪ :‬اقمعها وأمتها حتى ال يبقى إال أصولها المركوزة في وجودك ومو ّادها‬
‫عهن} أي‪ :‬أنها إذا أنت حييت‬
‫الجبال سبعة‪ ،‬فعلى هذا يشير بها إلى األعضاء السبعة التي هي أجزاء البدن {ثم ْاد ّ‬
‫بحياتها كانت غير طيعة مستولية عليك‪ ،‬وحشية ممتنعة عن قبول أمرك‪ ،‬فإذا قتلتها كنت حياً بالحياة الحقيقية‬
‫حية بحياتك ال بحياتها‪ ،‬حياة النفس مطيعة لك منقادة ألمرك فإذا دعوتها‬
‫الموهوبة بعد الفناء والمحو‪ .‬فتصير هي ّ‬
‫{حكيم} ال يقهرها إال بحكمة‪ .‬ويمكن حمله على حشر‬
‫ٌ‬ ‫اعَلم أن هللا ِ‬
‫عز ٌيز} غالب على قهر النفوس‬ ‫{يأتينك َس ْعياً} {و ْ‬
‫الوحوش والطيور‪ ،‬وعلى هذا فيكون جعل أجزائها على الجبال تغذية الجسم بها ودعاؤه وإتيانه إليه ساعية توجهها‬
‫إلى اإلنسان بعد النشور ‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 261‬الى اآلية ‪)262‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اع ِ‬ ‫َّللا ي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يل َّ ِ ِ ٍ‬ ‫ين ي ْنِفُقو َن أَمواَلهم ِفي سِب ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫آء‬
‫ف ل َمن َي َش ُ‬ ‫ض ُ‬ ‫َنبتَ ْت َس ْب َع َسَناِب َل في ُك ِّل ُس ُنبَلة ّمَئ ُة َحبَّة َو َّ ُ ُ َ‬ ‫َّللا َك َمَثل َحبَّة أ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ ْ‬ ‫َّمَث ُل الذ َ ُ‬
‫َّللاِ ثُ َّم الَ ُي ْتِب ُعو َن َمآ أ َْنَفُقواُ َمّناً َوالَ أَ ًذى َّل ُه ْم أَ ْج ُرُه ْم ِع ْن َد َرِّب ِه ْم َوالَ‬
‫يل َّ‬‫ين ي ْنِفُقو َن أَمواَلهم ِفي سِب ِ‬
‫َ‬ ‫َْ ُ ْ‬
‫َّ ِ‬
‫يم * الذ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫و َّ ِ‬
‫َّللاُ َواس ٌع َعل ٌ‬ ‫َ‬
‫ف َعَل ْي ِه ْم َوالَ ُه ْم َي ْح َزُنو َن‬
‫َخ ْو ٌ‬

‫أموالهم في َسِبيل هللا} ذكر سبحانه ثالث إنفاقات وفاضل بينها في الجزاء‪ ،‬أولها‪ :‬اإلنفاق في‬ ‫ِ‬
‫{مثل الذين ُي ْنفقون َ‬
‫سبيل هللا وهو إنفاق في عالم الملك عن تجلي األفعال يعطيه صاحبه ليثيبه هللا تعالى‪ ،‬فأثابه سبعمائة أضعاف ما‬
‫ألن يده تعالى أبسط وأطول من يده بما ال يتناهى‪.‬‬
‫أعطى ثم زاد في األضعاف إلى ما ال يتناهى بحسب المشيئة ّ‬
‫بنيات المعطين واعتقاداتهم أنه من فضل هللا تعالى‪،‬‬
‫{عليم} ّ‬
‫ٌ‬ ‫يتقدر بأعطيتنا عطاؤه‬
‫اسع} كثير العطاء‪ ،‬ال ّ‬
‫{وهللا و ٌ‬
‫فيثيبهم على حسب ذلك‪ .‬وثانيها‪ :‬اإلنفاق عن مقام مشاهدة الصفات على ما سيأتي‪ ،‬وهو اإلنفاق لطلب رضاء هللا‬
‫كما أن األولى هو اإلنفاق لطلب عطاء هللا‪ .‬وثالثها‪ :‬اإلنفاق باهلل‪ ،‬وهو عن مقام شهود الذات {ثم ال يتبعون ما أنفقوا‬
‫المن واألذى‪ ،‬ألن اإلنفاق إنما يكون محموداً لثالثة أوجه‪ :‬كونه موافقاً لألمر‬
‫مناً وال أذى} ّنبه على أن اإلنفاق يبطله ّ‬
‫بالنسبة إلى هللا تعالى‪ ،‬وكونه مزيالً لرذيلة البخل بالنسبة إلى نفس المنفق‪ ،‬وكونه نافعاً مريحاً بالنسبة إلى المستحق‪.‬‬
‫من صاحبه فقد خالف أمر هللا ألنه منهي وظهرت نفسه باالستطالة واالعتداد بالنعمة والعجب واالحتجاب بفعلها‬ ‫فإذا ّ‬
‫ّ‬
‫ورؤية النعمة منها ال من هللا‪ ،‬وكلها رذائل أردأ من البخل‪ ،‬الزمة له‪ ،‬ولو لم يكن له إال رؤية نفسه بالفضيلة لكفاه‬
‫مبطالً‪ .‬وأما الوجه الثالث الذي هو بالنسبة إلى المستحق‪ ،‬فيبطله األذى المنافي للراحة والنفع والمن أيضاً مبطل له‬
‫القتضائه الترفع وإظهار االصطناع وإثبات حق عليه ‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 263‬الى اآلية ‪)265‬‬

‫ص َد َٰقِت ُكم ِباْل َم ِّن‬ ‫ِ‬


‫آمُنوْا الَ تُْبطُلوْا َ‬
‫ين َ‬
‫َّللا غِن ٌّي حلِيم * ٰيأَي َّ ِ‬
‫ُّها الذ َ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ص َد َقة َي ْتَب ُع َهآ أَ ًذى َو َّ ُ َ َ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وف َو َم ْغف َرةٌ َخ ْيٌر ّمن َ‬ ‫َق ْو ٌل َّم ْع ُر ٌ‬
‫َص َاب ُه َواِب ٌل َفتََرَك ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اس والَ يؤ ِمن ِب َّ ِ‬ ‫َواألَ َذ ٰى َك َّال ِذي ُي ْنِف ُق َماَل ُه ِرَئآء َّ‬
‫اب َفأ َ‬ ‫صْف َو ٍ‬
‫ان َعَل ْيه تَُر ٌ‬ ‫اَّلل َواْلَي ْو ِم اآلخ ِر َف َمَثُل ُه َك َمَثل َ‬ ‫الن ِ َ ُ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫َّللاِ‬ ‫َّللا الَ يه ِدي اْلَقوم اْل َك ِاف ِرين * ومَثل َّال ِذين ي ْنِفُقون أَم ٰوَلهم ابِت َغآء مرض ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ات َّ‬ ‫َ ُ َ ْ ُُ ْ َ َْ َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫صْلداً ال َيْقد ُرو َن َعَل ٰى َش ْيء ّم َّما َك َسُبوْا َو َّ ُ َ ْ‬
‫َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َّللاُ ِب َما تَ ْع َمُلو َن‬ ‫ضعَفي ِن َفِإن َّلم ي ِ‬
‫ص ْب َها َواِب ٌل َف َ‬ ‫ِ‬ ‫َص َاب َها َواِب ٌل َفآتَ ْت أ ُ‬ ‫ِ ٍِ ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ط ٌّل َو َّ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ُكَل َها ْ ْ‬ ‫َوتَ ْثبيتاً ّم ْن أ َْنُفسه ْم َك َمَثل َجَّنة ب َرْب َوة أ َ‬
‫ص ٌير‬ ‫بِ‬
‫َ‬

‫ويروح روحه‪،‬‬ ‫صد َقة َي ْتبعها أَ َذ ًى} إذ القول الجميل‪ ،‬وإن كان ّ‬
‫بالرد‪ ،‬يفرح قلبه‪ّ ،‬‬ ‫خير من َ‬
‫وم ْغفرة ٌ‬
‫ثم قال‪{ :‬قول َم ْعروف َ‬
‫وتصور النفع‪ ،‬فإذا قارن ما ينفع الجسد ما يؤذي الروح ّ‬
‫تكدر‬ ‫ّ‬ ‫تفرح القلب إال بالتبعية‬
‫والصدقة إنما تنفع جسده وال ّ‬
‫النفع وتنغص‪ ،‬ولم يقع في مقابلة الفرح الحاصل من القول الجميل‪ ،‬ولو لم يكن مع التنغيص أيضاً ألن الروحانيات‬
‫أشرف وأحسن وأوقع في النفوس {وهللا غني} عن الصدقة المقرونة باألذى‪ ،‬فيعطي المستحق من خزائن غيبه {حليم}‬
‫ّ‬
‫ال يعاجل بالعقوبة‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فضله على األول بتشبيهه بالجنة‪،‬‬ ‫{مثل الذين ُي ْنفقون َ‬
‫أموالهم ْابتغاء مرضاة هللا} هذا هو القسم الثاني من اإلنفاق‪ّ .‬‬
‫فإن الجنة مع إيتاء أكلها تبقى بحالها بخالف الحبة‪ ،‬فأشار بها أنه ملك لهم كأنه صفة ذاتية ولهذا قال‪{ :‬وتثبيتاً من‬
‫أنفسهم} أي‪ :‬توطيناً لها على الجود الذي هو صفة ربانية‪ ،‬وقوله‪ِ{ :‬ب َرْب َوٍة} إشارة إلى ارتفاع رتبة هذا اإلنفاق وارتقائه‬
‫عن درجة األول {أصابها وابل} اي‪ :‬حظ كثير من صفة الرحمة الرحمانية ومدد وافر من فيض جوده ألنها ملكة‬
‫االتصال باهلل تعالى بمناسبة الوصف واستعداد قبوله واالتصاف به {فإن لم يصبها وابل} أي‪ :‬حظ كثير‪ ،‬فحظ قليل‬

‫{وهللا بما تعملون بصير} بأعمالكم يرى أنها من ّ‬


‫أي القبيل‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 266‬الى اآلية ‪)268‬‬

‫َص َاب ُه اْل ِكَب ُر َوَل ُه‬ ‫َّ ِ‬ ‫يها ِمن ُك ِّل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يل وأ ْ ٍ‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫الث َم َرات َوأ َ‬ ‫َعَناب تَ ْجرِي من تَ ْحت َها األ َْن َه ُار َل ُه ف َ‬ ‫َح ُد ُك ْم أَن تَ ُكو َن َل ُه َجَّن ٌة ّمن َّنخ َ‬
‫أََي َوُّد أ َ‬
‫آمُنوْا أ َْنِفُقوْا‬ ‫* ٰيأَي َّ ِ‬ ‫األي ِت َل َعَّل ُك ْم تَتََف َّك ُرو َن‬ ‫احتَ َرَق ْت َك َذلِ َك ُيَبِّي ُن َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬
‫َ‬ ‫َّللاُ َل ُك ُم َٰ‬ ‫ص ٌار فيه َن ٌار َف ْ‬
‫َص َاب َهآ إ ْع َ‬
‫آء َفأ َ‬
‫ض َعَف ُ‬ ‫ُذِّرَّي ٌة ُ‬
‫يه ِإالَّ أَن تغ ِمضوْا ِف ِ‬
‫يه‬ ‫آخ ِذ ِ‬
‫ِب ِ‬ ‫يث ِم ْن ُه تُْنِفُقو َن َوَل ْستُ ْم‬ ‫َخ َر ْجَنا َل ُكم ِم َن األ َْر ِ‬
‫ض َوالَ تََي َّم ُموْا اْل َخِب َ‬ ‫َك َس ْبتُ ْم َو ِم َّمآ‬ ‫طِيب ِ‬ ‫ِ‬
‫ُْ ُ‬ ‫ّ‬ ‫أْ‬ ‫ات َما‬ ‫من َ ّ َ‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫ِم ْنه وَفضالً و َّ ِ‬
‫َّللاُ َواس ٌع َعل ٌ‬ ‫ّ َُ ْ َ‬ ‫َّللاُ َي ِع ُد ُكم َّم ْغِف َرًة‬
‫ْم ُرُكم ِباْلَف ْح َش ِآء َو َّ‬ ‫ط ِ‬
‫ان َيع ُد ُك ُم اْلَفْق َر َوَيأ ُ‬
‫* َّ‬
‫الش ْي َ ُ‬ ‫َغِن ٌّي َح ِم ٌيد‬ ‫َّللاَ‬ ‫اعَل ُموْا أ َّ‬
‫َن َّ‬ ‫َو ْ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫متقرباً به إلى هللا مبتغياً رضاه‪ ،‬كما في هذا القسم من‬
‫{أيود أحدكم} تمثيل لحال من عمل صالحاً إنفاقاً كان أو غيره ّ‬
‫ّ‬
‫المضادة لداعية‬
‫ّ‬ ‫وتحركت‪ ،‬فكانت حركاتها المتخالفة بحركة الروح ودواعيها المتفاوتة‬‫اإلنفاق‪ ،‬ثم ظهرت نفسه فيه‪ّ ،‬‬
‫القلب إعصا اًر‪ ،‬فافترض الشيطان حركتها واتخذها مجاالً له بالوسوسة‪ ،‬فنفث فيها رؤية عملها أو رياء فكان ذلك‬
‫تقربت به‬
‫علي عليه السالم‪{ :‬اللهم اغفر لي ما ّ‬ ‫النفث نا اًر أحرقت عملها أحوج ما يكون إليه‪ ،‬كما قال أمير المؤمنين‬
‫ّ‬
‫إليك ثم خالفه قلبي‪".‬‬

‫سبتم} أمر بالقسم الثالث من اإلنفاق من طيبات ما كسبتم‪ ،‬إذ المختار باهلل يختار األشرف من‬ ‫ِْ‬
‫{أنفُقوا من طيبات ما َك ْ‬
‫يحب الجمال" ومن كان في إنفاقه بالنفس‬
‫علي عليه السالم‪" :‬إن هللا جميل ّ‬ ‫كل شيء للمناسبة كما قال أمير المؤمنين‬
‫ّ‬
‫لضن النفس ومحبتها إياه‪ ،‬واستئثارها به عن تخصيصه باهلل‪ ،‬فما كان بالنفس ليس ببر‬
‫ال يقدر على إنفاق األشرف ّ‬
‫ِ‬
‫أصالً لقوله تعالى‪َ{ :‬لن تََناُلوْا اْلِبَّر َحتَّ ٰى تُْنِفُقوْا م َّما تُ ِحبُّون} [آل عمران‪ ،‬اآلية‪{ ،]92 :‬وال تََيمموا َ‬
‫الخبيث منه تنفقون}‬
‫تخصونه باإلنفاق كعادة المنفقين بالنفس والطبيعة {ولستم بآخذيه إال أن تغمضوا فيه} لمحبتكم األطيب من المال‬
‫ألنفسكم الختصاص محبتكم بالذات إياها‪ ،‬ولهذا ال تؤثرون هللا بالمال عليها فتنفقوا أطيبه له {واعلموا أن هللا غني}‬
‫ّ‬
‫{حميد} ال يفعل إال الفعل المحمود‪ ،‬فاقتدوا به‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫فاتصفوا بغناه فتستفيضوا به عن المال ومحبته‬

‫فتعوذوا منه باهلل‪ ،‬فإنه {يعدكم مغفرة‬


‫{الشيطان َيعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} أي‪ :‬الخصلة القبيحة التي هي البخل‪ّ ،‬‬
‫منه} أي‪ :‬ست اًر لصفات نفوسكم بنوره {وفضالً} وموهبة من مواهب صفاته لكم وتجلياتها كالغنى المطلق فال يبقى فيكم‬
‫{عليم} بمواقع‬
‫ٌ‬ ‫خوف الفقر {وهللا واسع} يسع ذواتكم وصفاتكم وعطاؤكم ال يضيق وعاء جوده بالعطاء وال ينفد عطاياه‬
‫تجلياته واستعدادها واستحقاقها ‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 269‬الى اآلية ‪)272‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َنفْقتُ ْم ِّمن َّنَفَق ٍة أ َْو‬
‫اب * َو َمآ أ َ‬ ‫ي ْؤِتي اْل ِح ْكم َة من ي َشآء ومن ي ْؤ َت اْل ِح ْكم َة َفَق ْد أُوِتي َخ ْي اًر َكِثي اًر وما ي َّذ َّكر ِإالَّ أُوُلوْا األَْلب ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ ََ ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫لظالِ ِمين ِمن أَنص ٍار * ِإن تُبدوْا َّ ِ ِ ِ ِ‬ ‫َّللا يعَلمه وما لِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آء‬
‫وها اْلُفَق َر َ‬
‫وها َوتُ ْؤتُ َ‬
‫الص َد َقات َفنع َّما ه َي َوِإن تُ ْخُف َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ ْ َْ‬ ‫َن َذ ْرتُ ْم ّمن َّن ْذ ٍر َفإ َّن َّ َ َ ْ ُ ُ َ َ‬
‫َّللا ِبما تَعمُلون خِبير * َّليس عَليك هداهم وَلـ ِٰك َّن َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َفهو خير َّل ُكم وي َكِّفر ع ُ ِ‬
‫آء َو َما‬ ‫َّللاَ َي ْهدي َمن َي َش ُ‬ ‫ْ َ َ ْ َ َُ ُ ْ َ‬ ‫نكم ّمن َسِّيَئات ُك ْم َو َّ ُ َ ْ َ َ َ ٌ‬ ‫ُ َ َ ٌْ ْ َ ُ ُ َ‬
‫َّللاِ َو َما تُْنِفُقوْا ِم ْن َخ ْي ٍر ُيَو َّ‬
‫ف ِإَل ْي ُك ْم َوأ َْنتُ ْم الَ تُ ْ‬
‫ظَل ُمو َن‬ ‫آء َو ْج ِه َّ‬ ‫ِ ن ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫تُْنفُقوْا م ْن َخ ْير َفأل َْنُفس ُك ْم َو َما تُْنفُقو َ إال ْابت َغ َ‬
‫{يؤتي الحكمة من يشاء} إلخال صه في اإلنفاق وكونه فيه باهلل‪ ،‬فيعطيه حكمة اإلنفاق لينفق من الحكمة اإللهية‬
‫أن الحكمة أشرف‬
‫أخص صفات هللا {وما َيذكر} ّ‬
‫لكونه متصفاً بصفاته {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خي اًر كثي اًر} ألنها ّ‬
‫األلباب} الذين ّنور هللا عقولهم بنور الهداية فصفاها عن شوائب الوهم وقشور‬
‫أخص الصفات {إال اولو َ‬
‫األشياء و ّ‬
‫الجنة الصفاتية المثمرة لإلضعاف‪،‬‬
‫الرسوم والعادات وهو النفس‪ .‬فجزاء اإلنفاق األول هو اإلضعاف‪ ،‬وجزاء الثاني هو ّ‬
‫وجزاء الثالث هو الحكمة الالزمة للوجود والموهوب‪ .‬فانظر كم بينها من التفاوت ‪.‬‬

‫أي القبول هو‪ ،‬فيجازيكم بحسبه {وما للظالمين} أي‪:‬‬


‫إن هللا يعلمه} من ّ‬
‫{وما أنفقتم من نفقة أو َنذرتم من نذر ف ّ‬
‫المن واألذى‬
‫المنفقين رئاء الناس‪ ،‬الواضعين اإلنفاق في غير موضعه‪ ،‬أو الناقصين حقوقهم برؤية إنفاقهم أو ضم ّ‬
‫لكم} لبعدها عن الرياء وكونها أقرب إلى‬
‫{فهو َخير ُ‬
‫أنصار} يحفظوا لهم من بأس هللا ُ‬
‫إليه أو باإلنفاق من الخبيث {من َ‬
‫المن واألذى والرياء ورؤية اإلنفاق وكونه من‬
‫المبرأة عن ّ‬
‫عليك ُه َداهم} إلى اإلنفاقات الثالثة المذكورة ّ‬
‫َ‬ ‫{ليس‬
‫اإلخالص َ‬
‫يه ِدي من َي َشاء وما ْتنِفقوا من خير‬
‫{ولكن هللا ْ‬
‫ّ‬ ‫الخبيث أي‪ :‬ال يجب عليك أن تجعلهم مهديين إنما عليك تبليغ الهداية‬
‫فألنفسكم} فلم تمنون به على الناس وتؤذونهم {وما تنفقون إال ابتغاء وجه هللا} فما لكم تستطيلون به على الناس؟‬
‫وكيف تراؤون فيه؟ {وما تنفقوا من خير يوف إليكم} ليس لغيركم فيه نصيب‪ ،‬فال تنفقوا إال على أنفسكم في الحقيقة‪،‬‬
‫ال على غيركم فال ينقص به شيء منكم‪ ،‬فما لكم تقصدون الخبيث باإلنفاق منه فثالثتها مصروفة إلى األقسام الثالثة‬
‫المذكورة من اإلنفاق للتحذير عن آفاتها بتصوير غاياتها ‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 273‬الى اآلية ‪)275‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َغِنيآء ِمن التَّعُّف ِ‬ ‫ض يحسبهم اْلج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يل َّ ِ‬ ‫ُحصروْا ِفي سِب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬
‫ف َت ْع ِرُف ُهم‬ ‫أْ َ َ َ َ‬ ‫اه ُل‬ ‫ض ْرباً في األَْر ِ َ ْ َ ُ ُ ُ َ‬ ‫يعو َن َ‬ ‫َّللا الَ َي ْستَط ُ‬ ‫َ‬ ‫ين أ ُ‬ ‫لْلُفَق َرآء الذ َ‬
‫الن َه ِار ِسّاًر‬ ‫أَمواَلهم ِب َّ‬
‫اللْي ِل َو َّ‬ ‫ين ُي ْنِفُقو َن‬ ‫َّ ِ‬ ‫الناس ِإْلحافاً وما تُ ِنفُقوْا ِم ْن َخي ٍر َفِإ َّن َّ ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫َْ ُ ْ‬ ‫يم * الذ َ‬ ‫َّللاَ به َعل ٌ‬ ‫ْ‬ ‫اه ْم الَ َي ْسأَُلو َن َّ َ َ َ َ‬ ‫يم ُ‬ ‫بس َ‬
‫وم َّال ِذي‬ ‫الرٰبوْا الَ يُق ن ِ َّ‬
‫ومو َ إال َك َما َيُق ُ‬
‫َ ُ‬ ‫ْكُلو َن ِّ َ‬ ‫ين َيأ ُ‬ ‫َّ ِ‬
‫ف َعَل ْي ِه ْم َوالَ ُه ْم َي ْح َزُنو َن * الذ َ‬
‫ِ‬
‫َج ُرُه ْم ع َند َرِّب ِه ْم َوالَ َخ ْو ٌ‬
‫ِ‬
‫َو َعالَنَي ًة َفَل ُه ْم أ ْ‬
‫ظ ٌة ِمن َّرب ِ‬ ‫س َذلِ َك ِبأََّن ُه ْم َقاُلوْا ِإَّن َما اْلَب ْي ُع ِم ْث ُل ِّ‬‫ان ِم َن اْلم ِّ‬ ‫ط ُه َّ‬
‫ِه‬‫آءهُ َم ْو ِع َ ّ ْ ّ‬ ‫َّللاُ اْلَب ْي َع و َح َّرم ِّ ٰ‬
‫الرَبوْا َف َمن َج َ‬ ‫َ َ‬ ‫الرَٰبوْا َوأ َ‬
‫َح َّل َّ‬ ‫َ‬ ‫طُ‬ ‫الش ْي َ‬ ‫َيتَ َخَّب ُ‬
‫يها َخالِ ُدو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َفانتهى َفَله ما سَلف وأَمره ِإَلى َّ ِ‬
‫الن ِار ُه ْم ف َ‬‫اب َّ‬ ‫َص َح ُ‬ ‫َّللا َو َم ْن َع َاد َفأ ُْوَلـٰئ َك أ ْ‬ ‫ََْ ٰ ُ َ َ َ َ ْ ُُ‬

‫{للفقراء} أي‪ :‬اقصدوا بصدقاتكم الفقراء {الذين} أحصرهم المجاهدة {في سبيل هللا} {ال يستطيعون ضرباً في األرض}‬
‫للتجارة والكسب الشتغالهم باهلل واستغراقهم في األحوال وصرف أوقاتهم في العبادات‪{ .‬يحسبهم الجاهل أغنياء من‬
‫التعفف} عن السؤال واالستغناء عن الناس {تعرفهم بسيماهم} من صفرة وجوههم‪ ،‬ونور جباههم‪ ،‬وهيئة سحناتهم‪ ،‬أنهم‬

‫عرفاء فقراء‪ ،‬أهل هللا‪ ،‬ال يعرفهم إال هللا ومن هو منهم {ال يسألون الناس َ‬
‫إلحافاً} أي‪ :‬إلحاحاً‪ .‬والمراد نفي مسئلة‬
‫الناس بالكلية كقوله ‪:‬‬

‫على ِ‬
‫الح ٍب ال ُي ْهتدى بمناره‬

‫أي من‬ ‫والمراد نفي المنار واالهتداء جميعاً‪ ،‬أو نفي اإللحاف وإثبات التعطف في المسألة‪{ .‬وما تنفقوا من ٍ‬
‫خير} على ّ‬
‫{فإن هللا به عليم} أي‪ :‬بأن ذلك اإلنفاق له أو لغيره‪ ،‬فيجازي بحسبه‪.‬‬
‫أنفقتم‪ ،‬غنياً كان أو فقي اًر ّ‬

‫{الذين ُينفقو َن} عمم اإلنفاق أوالً وثانياً بحسب األوقات واألحوال ليعلم أنه ال يتفاوت بها‪ ،‬بل بالقصد و ّ‬
‫النية {الذين‬ ‫َ‬
‫فإن كل مكتسب له توكل ما في‬‫يأكلون الربا ال يقومون} إلى آخره‪ ،‬آكل الربا أسوأ حاالً من جميع مرتكبي الكبائر‪ّ ،‬‬
‫كسبه قليالً كان أو كثي اًر‪ ،‬كالتاجر والزارع والمحترف‪ ،‬إذ لم يعينوا أرزاقهم بعقولهم ولم تتعين لهم قبل االكتساب فهم‬
‫على غير معلوم في الحقيقة‪ ،‬كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬أبى هللا أن يرزق المؤمن إال من حيث ال‬
‫يعلم"‪ .‬وأما آكل الربا فقد عين على آخذه مكسبه ورزقه سواء ربح اآلخذ أو خسر‪ ،‬فهو محجوب عن ربه بنفسه وعن‬
‫الجن‬
‫رزقه بتعيينه‪ ،‬ال توكل له أصالً‪ ،‬فوكّله هللا تعالى إلى نفسه وعقله‪ ،‬وأخرجه من حفظه وكالءته‪ ،‬فاختطفه ّ‬
‫وخبلته‪ ،‬فيقوم يوم القيامة وال رابطة بينه وبين هللا كسائر الناس المرتبطين به بالتوكل‪ ،‬فيكون كالمصروع الذي ّ‬
‫مسه‬
‫بأن ُهم قالوا} أي‪ :‬ذلك بسبب احتجابهم بقياسهم وأول من قاس إبليس‬
‫الشيطان فتخبطه ال يهتدي إلى مقصد {ذلك َ‬
‫فيكونون من أصحابه مطرودين مثله ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 276‬الى اآلية ‪)283‬‬

‫الصلِ ٰح ِت وأَقاموْا َّ ٰ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الص َد َٰق ِت َو َّ‬
‫وة َوآتَُوْا‬ ‫الصَل َ‬ ‫آمُنوْا َو َعمُلوْا َّ َ َ َ ُ‬ ‫ين َ‬ ‫َّللاُ الَ ُيح ُّب ُك َّل َكَّف ٍار أَثي ٍم * ِإ َّن الذ َ‬ ‫الرَٰبوْا َوُي ْربِي َّ‬
‫َّللاُ ِّ‬
‫َي ْم َح ُق َّ‬
‫الرَٰبوْا ِإن‬‫َّللاَ َوَذ ُروْا َما َبِقي ِم َن ِّ‬ ‫آمُنوْا اتَُّقوْا َّ‬ ‫الزَٰكوة َلهم أَجرهم ِعند رِب ِهم والَ خوف عَلي ِهم والَ هم يحزنون * ٰيأَي َّ ِ‬
‫َ‬ ‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ُ ْ ْ ُ ُ ْ َ َ ّ ْ َ َ ْ ٌ َ ْ ْ َ ُ ْ َ ْ َ ُ َ‬
‫ظلِ ُمو َن َوالَ تُ ْ‬
‫وس أ َْم َٰولِ ُك ْم الَ تَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُكنتم ُّمؤ ِمِنين * َفِإن َّلم تْفعُلوْا َف ْأ َذنوْا ِبحر ٍب ِمن َّ ِ‬
‫ظَل ُمو َن *‬ ‫َّللا َوَرُسولِه َوإِ ْن تُْبتُ ْم َفَل ُك ْم ُرُؤ ُ‬ ‫ُ َْ ّ َ‬ ‫ْ ََ‬ ‫ْ ُْ ْ َ‬
‫َّللاِ ثُ َّم تَُوَّف ٰى‬
‫يه ِإَلى َّ‬ ‫وإِن َكان ُذو عسرٍة َفن ِظرة ِإَلى ميسرٍة وأَن تصَّد ُقوْا خير َّل ُكم ِإن ُكنتم تعَلمون * واتَُّقوْا يوماً ترجعون ِف ِ‬
‫َ ْ ُْ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُْ َ ْ ُ َ‬ ‫َ ٌْ ْ‬ ‫ُ ْ َ َ ٌَ ٰ َ ْ َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َج ٍل ُّم َس ًّمى َفا ْكتُُبوهُ َوْلَي ْكتُب ب َّْيَن ُك ْم َك ِات ٌب‬ ‫ظَلمون * ٰيأَي َّ ِ‬
‫آمُنوْا ِإ َذا تَ َد َاينتُم ِب َد ْي ٍن ِإَل ٰى أ َ‬
‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬ ‫َ‬ ‫س َّما َك َسَب ْت َو ُه ْم الَ ُي ْ ُ َ‬ ‫ُك ُّل َنْف ٍ‬
‫َّه َوالَ َي ْب َخ ْس ِم ْن ُه َش ْيئاً َفإن‬ ‫َّللاُ َفْلَي ْكتُ ْب َوْلُي ْملِ ِل َّال ِذي َعَل ْي ِه اْل َح ُّق َوْلَيتَّ ِق َّ‬
‫َّللاَ َرب ُ‬ ‫َن َي ْكتُ َب َك َما َعَّل َم ُه َّ‬ ‫ِ‬
‫ْب َكات ٌب أ ْ‬ ‫ِ‬
‫ِباْل َع ْدل َوالَ َيأ َ‬
‫استَ ْش ِه ُدوْا َش ِه َيد ْي ِن ِّمن ِّرَجالِ ُك ْم‬ ‫ض ِعيفاً أَو الَ يستَ ِطيع أَن ي ِم َّل ُهو َفْليملِل ولِي ُ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َك َّ ِ‬
‫ُّه باْل َع ْدل َو ْ‬ ‫َ ُْ ْ َ‬ ‫ْ َْ ُ ُ‬ ‫ان الذي َعَل ْيه اْل َح ُّق َسفيهاً أ َْو َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ان ِم َّمن تَرضو َن ِمن ُّ ِ‬
‫ْب‬‫ُخ َر ٰى َوالَ َيأ َ‬ ‫اه َما األ ْ‬ ‫اه َما َفتُ َذ ّك َر ِإ ْح َد ُ‬
‫الش َه َدآء أَن تَض َّل ِإ ْح َد ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫ام َأرَتَ ِ‬ ‫َفِإن َّل ْم َي ُك َ‬
‫ونا َرُجَل ْي ِن َف َر ُج ٌل َو ْ‬
‫لش َٰه َد ِة َوأ َْدَن ٰى أَالَّ تَ ْرتَ ُابوْا‬‫َّللاِ وأَ ْقوم لِ َّ‬ ‫الشهدآء ِإ َذا ما دعوْا والَ تَسأَموْا أَن تَ ْكتُبوه ص ِغي اًر أَو َكِبي اًر ِإَلى أَجلِ ِه َذلِ ُكم أَ ْقس ُ ِ‬ ‫ُّ‬
‫ط ع َند َّ َ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ٰ َ‬ ‫ُُ َ‬ ‫َ ُُ َ ْ ُ‬ ‫ََ ُ‬
‫ض َّآر َك ِات ٌب َوالَ َش ِه ٌيد‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َش ِه ُدوْا ِإ َذا تََب َاي ْعتُ ْم َوالَ ُي َ‬
‫وها َوأ ْ‬
‫اح أَال تَ ْكتُُب َ‬ ‫ِإال أَن تَ ُكو َن ت َٰج َرًة َحاض َرًة تُد ُير َ‬
‫ون َها َب ْيَن ُك ْم َفَل ْي َس َعَل ْي ُك ْم ُجَن ٌ‬
‫يم * َوإِن ُكنتُ ْم َعَل ٰى َسَف ٍر َوَل ْم تَ ِج ُدوْا َك ِاتباً َف ِرَٰه ٌن‬ ‫ٍ ِ‬ ‫َّللا و َّ ِ ِ‬
‫َّللاُ ب ُك ّل َش ْيء َعل ٌ‬
‫ِ‬ ‫َوإِن تَْف َعُلوْا َفِإَّن ُه ُف ُسو ٌق ِب ُك ْم َواتَُّقوْا َّ‬
‫َّللاَ َوُي َعّل ُم ُك ُم َّ ُ َ‬
‫الش َٰه َد َة َو َمن َي ْكتُ ْم َها َفِإَّن ُه ِآث ٌم َقْلُب ُه‬
‫َّه والَ تَ ْكتُموْا َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َم َانتَ ُه َوْلَيتَّ ِق َّ‬
‫َّللاَ َرب ُ َ‬ ‫ض ُكم َب ْعضاً َفْلُي َؤّد الذي ْاؤتُم َن أ َ‬ ‫وض ٌة َفِإ ْن أَم َن َب ْع ُ‬ ‫َّمْقُب َ‬
‫ِ‬ ‫و َّ ِ‬
‫َّللاُ ب َما تَ ْع َمُلو َن َعل ٌ‬
‫يم‬ ‫َ‬

‫ألن الزيادة والنقصان‬


‫{يم َحق هللا الربا} وإن كان زيادة في الظاهر {ويربي الصدقات} وإن كان نقصاناً في الشاهد‪ّ ،‬‬
‫ْ‬
‫إنما يكونان باعتبار العاقبة والنفع في الدارين‪ .‬والمال الحاصل من الربا ال بركة له‪ ،‬ألنه حصل من مخالفة الحق‬

‫فتكون عاقبته وخيمة وصاحبه يرتكب سائر المعاصي إذ ّ‬


‫كل طعام يولد في أكله دواعي وأفعاالً من جنسه‪ ،‬فإن كان‬
‫حراماً يدعوه إلى أفعال محرمة‪ ،‬وإن كان مكروهاً فإلى أفعال مكروهة‪ ،‬وإن كان مباحاً فإلى مباحة‪ ،‬وإن كان من طعام‬
‫متبرعاً متفضالً‪ ،‬وإن كان بقدر الواجب من الحقوق فأفعاله تكون واجبة‬ ‫الفضل فإلى مندوبات‪ ،‬وكان في أفعاله ّ‬
‫المحرمة المتولدة من أكله‬
‫ّ‬ ‫ضرورية‪ ،‬وإن كان من الفضول والحظوظ فأفعاله تكون كذلك‪ ،‬فعليه إثم الربا وآثار أفعاله‬
‫على ما ورد في الحديث‪" :‬الذنب بعد الذنب عقوبة للذنب األول"‪ ،‬فتزداد عقوباته وآثامه أبداً‪ ،‬ويتلف هللا ماله في الدنيا‬
‫المتصدق‪ ،‬فلكون ماله‬
‫ّ‬ ‫فال ينتفع به أعقابه وأوالده فيكون ممن خسر الدنيا واآلخرة‪ ،‬وذلك هو المحق الكلي‪ .‬وأما‬
‫ّ‬
‫مزّكى‪ ،‬يبارك هللا في تثميره مع حفظ األصل وآكله ال يكون إال مطيعاً في أفعاله‪ ،‬ويبقى ماله في أعقابه وأوالده منتفعاً‬
‫أي زيادة أفضل مما‬
‫به وذلك هو الزيادة في الحقيقة‪ ،‬ولو لم تكن زيادته إال ما صرف في طاعة هللا لكفى به زيادة‪ ،‬و ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أي نقصان أفحش‬ ‫تبّقى عند هللا‪ ،‬ولو لم يكن نقصان الربا إال حصوله من مخالفة هللا وارتكاب نهيه لكفى به نقصاً‪ ،‬و ّ‬
‫مما يكون سبب حجاب صاحبه وعذابه ونقصان حظه عند هللا‪{ .‬وهللا ال يحب كل كّفار أثيم} أي‪ :‬آكل الربا كفار أثيم‬
‫يحب من كان كذلك‪.‬‬
‫بفعله وهللا ال ّ‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 284‬الى اآلية ‪)284‬‬

‫آء َوُي َع ِّذ ُب َمن‬ ‫ِ ِ‬ ‫اس ْب ُك ْم ِب ِه َّ‬


‫َّللاُ َفَي ْغف ُر ل َمن َي َش ُ‬
‫ض وإِن تُبدوْا ما ِفي أ َْنُف ِس ُكم أَو تُ ْخُفوه يح ِ‬
‫ُ َُ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َٰم ٰوت َو َما في األ َْر َ ْ ُ َ‬
‫ََّّللِ ما ِفي َّ ِ‬

‫َّللاُ َعَل ٰى ُك ِّل َشي ٍء َق ِد ٌير‬


‫آء َو َّ‬
‫َي َش ُ‬
‫ْ‬
‫{هلل ما في السموات} أي‪ :‬في العالم الروحاني كله‪ ،‬بواطنه وصفاته وأستار غيوبه ودفائن وجوده {وما في األرض}‬
‫أي‪ :‬في العالم الجسماني كله ظواهره وأسماؤه وأفعاله‪ ،‬تشهد العالمين‪ ،‬وهو على كل شيء شهيد {وإن تُبدوا ما في‬
‫ّ‬
‫أنفسكم} يشهده بأسمائه وظواهره‪ ،‬فيعلمه ويحاسبكم به‪ ،‬وإن تخفوه يشهده بصفاته وبواطنه فيعلمه ويحاسبكم به {فيغفر‬
‫مبنية على حكمته {ويعذب من‬ ‫فإن مشيئته ّ‬
‫وقوة يقينه‪ ،‬وعروض سيئاته‪ ،‬وعدم رسوخها في ذاته‪ّ ،‬‬‫لمن يشاء} لتوحيده ّ‬
‫كل شيء قدير} فيقدر على المغفرة والتعذيب‬
‫يشاء} لفساد اعتقاده‪ ،‬ووجود ش ّكه‪ ،‬أو رسوخ سيئاته في نفسه {وهللا على ّ‬
‫جميع ًا‪.‬‬

‫سورة البقرة (من اآلية ‪ 285‬الى اآلية ‪)286‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َح ٍد ِّمن ُّرُسِل ِه َوَقاُلوْا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫اَّلل َو َمالئ َكته َوُكتُِبه َوُرُسلِه الَ ُنَفّر ُ‬
‫ِق َب ْي َن أ َ‬
‫ِه واْلمؤ ِمنون ُك ٌّل آمن ِب َّ ِ‬
‫ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول ِب َمآ أ ُْن ِزَل ِإَل ْيه ِمن َّرّب َ ُ ْ ُ َ‬ ‫الرُس ُ‬‫ام َن َّ‬ ‫َء َ‬
‫َّللاُ َنْفساً ِإالَّ ُو ْس َع َها َل َها َما َك َسَب ْت َو َعَل ْي َها َما ا ْكتَ َسَب ْت َربََّنا الَ‬
‫ف َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ط ْعَنا ُغْف َرَان َك َربََّنا َوإَِل ْي َك اْل َمص ُير * الَ ُي َكّل ُ‬ ‫َس ِم ْعَنا َوأَ َ‬
‫طاَق َة َلَنا ِب ِه‬ ‫ين ِمن َقْبلَِنا َربََّنا َوالَ تُ َح ِّمْلَنا َما الَ َ‬ ‫َّ ِ‬
‫ص اًر َك َما َح َمْلتَ ُه َعَلى الذ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طأَْنا َربََّنا َوالَ تَ ْحم ْل َعَل ْيَنآ إ ْ‬‫َخ َ‬ ‫اخ ْذَنا ِإن َّن ِس َينآ أ َْو أ ْ‬
‫تُؤ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫واعف عَّنا و ْ ِ‬
‫ص ْرَنا َعَلى اْلَق ْو ِم اْل َكاف ِر َ‬
‫ين‬ ‫اغف ْر َلَنا َو ْار َح ْمَنآ أَ َ‬
‫نت َم ْوَل َـنا َف ْان ُ‬ ‫َ ْ ُ َ َ‬

‫{آم َن الرسول بما أ ُْن ِزل إليه من ربه} صدقه بقبوله والتخلق به‪ ،‬كما قالت عائشة‪" :‬كان خلقه القرآن والترقي بمعانيه‬
‫َ‬
‫والتحقق"‪{ .‬والمؤمنون كل آمن باهلل} وحده جميعاً {ومالئكته وكتبه ورسله} أي‪ :‬وحده تفصيالً عند االستقامة مشاهداً‬
‫نفرق} أي‪ :‬يقولون‪ :‬ال‬
‫تجل من تجلياته في مظهر من مظاهره وحكمه {ال ّ‬ ‫لوحدته في صورة تلك الكثرة معطياً لكل ّ‬
‫برد بعض وقبول بعض‪ ،‬وال نشك في كونهم على الحق وبالحق لشهود التوحيد ومشاهدة الحق فيهم بالحق‬ ‫نفرق بينهم ّ‬‫ّ‬
‫{وقالوا سمعنا} أي‪ :‬أجبنا رّبنا في كتبه ورسله ونزول مالئكته واستقمنا في سيرنا {غفرانك رّبنا} أي‪ :‬اغفر لنا وجوداتنا‬
‫وصفاتنا وامحها بوجودك ووجود صفاتك {وإليك المصير} بالفناء فيك‪.‬‬

‫كل‬
‫{ال يكلف هللا نفساً إالّ ُوسعها} ال يحملها إالّ ما يسعها‪ ،‬وال يضيق به طوقها واستعدادها من التجليات‪ ،‬فإن حظ ّ‬
‫أحد من الكشوف والتجليات ما يطيق به وعاء استعداده الموهوب له في األزل من الفيض األقدس‪ ،‬وال يضيق عليه‬
‫أي وجد‪ ،‬سواء كانت بقصدها أو ال بقصدها‪ ،‬فإنها من‬
‫{لها ما َك َسبت} من الخيرات والعلوم والكماالت والكشوف على ّ‬
‫عالم النور فالخيرات كلها ذاتية لها‪ ،‬ترجع فائدتها إليها دون الشرور من الجهاالت والرذائل والمعاصي والنقائص‪،‬‬
‫تضرها وال تلحق تبعتها بها إال إذا كانت منجذبة إليها متوجهة بالقصد‬
‫فإنها أمور ظلمانية غريبة عن جوهرها فال ّ‬
‫واالعتمال لتكسبها ولهذا ورد في الحديث‪" :‬إن صاحب اليمين يكتب كل حسنة تصدر عن صاحبها في الحال‪،‬‬
‫أصر‬
‫وصاحب الشمال ال يكتب حتى تمضي عليه ست ساعات‪ ،‬فإن استغفر فيها وتاب أو ندم‪ ،‬فلم يكتب‪ ،‬وإن ّ‬
‫كتب"‪ .‬والمراد بالنفس ها هنا الذات وإال لكان األمر بالعكس‪ ،‬فيكون حينئذ معناه ال يكلفها إال ما يسعها ويتيسر لها‬
‫من األعمال دون مدى الجهد والطاقة وذكر الكسب في موضع الخير لكونها غير معتنية به معتملة له‪ ،‬واالكتساب‬

‫الشر لكونها منجذبة إليه‪ ،‬معتملة له بالقصد‪ ،‬لكونها مأوى ّ‬


‫الشر‪.‬‬ ‫في موضع ّ‬

‫فإنا غرباء‪،‬‬
‫{رّبنا ال تؤاخذنا إن نسينا} عهدك {أو أخطأنا} في العمل لما سواك‪ ،‬والقران على فراقك محتجبين عنك‪ّ ،‬‬
‫ُب َع َداء‪ ،‬طال العهد بنا مسافرين عنك‪ ،‬ممتحنين في الظلمات بأنواع البالء‪ ،‬وال قدر وال مقدار لنا في حضرتك‪ ،‬حتى‬
‫إص اًر} في ذاتنا وصفاتنا وأفعالنا‪ ،‬فتأصرنا وتحبسنا في مكاننا مهجورين عنك‪،‬‬ ‫تؤاخذنا بذنوبنا {ربنا وال ِ‬
‫تحم ْل علينا ْ‬
‫ْ‬
‫فإنه ال ثقل أثقل منها {كما حملته على الذين من َقْبلِنا} من المحتجبين بظواهر األفعال أو بواطن الصفات {ربنا وال‬
‫اعف عنا}‬‫تُ َحملنا ما ال طاقة لنا به} من ثقل الهجران والحرمان عن وصالك‪ ،‬ومشاهدة جمالك‪ ،‬بحجب جاللك {و ْ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سيئات أفعالنا وصفاتنا فإنها كلها سيئات حجبتنا عنك‪ ،‬وحرمتنا برد عفوك ولذة رضوانك {واغفر لنا} ذنوب وجوداتنا‬
‫فإنها أكبر الكبائر كما قيل‪.‬‬

‫وجودك ذنب ال يقاس به ذنب‬ ‫إذا قلت ما أذنبت قالت مجيبة‬

‫فإن من حق الولي أن ينصر‬


‫{فانصرنا} ّ‬
‫{و ْار َحمنا} بالوجود الموهوب بعد الفناء {أنت َم ْوالنا} ناصرنا ومتولي أمورنا ْ‬
‫ّ‬
‫من يتوالّه‪ ،‬أو سيدنا‪ ،‬ومن حق السيد أن ينصر عبيده {على الَقوم َ ِ‬
‫ين} من قوى نفوسنا ّ‬
‫األمارة وصفاتها‪ ،‬وجنود‬ ‫الكافر َ‬ ‫ّ‬
‫شياطين أوهامنا وخياالتنا‪ ،‬المحجوبين عنك‪ ،‬الحاجبين ّإيانا بكفرها وظلمتها ‪.‬‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)6‬‬

‫يل * ِمن‬ ‫ِ‬ ‫َّللا ال ِإَلـٰه ِإالَّ هو اْلح ُّي اْلَقيُّوم * نَّزل عَليك اْل ِك ٰتَب ِباْلح ِق م ِ‬
‫ِ ِ‬
‫التَّ ْوَراةَ َواإل ْنج َ‬ ‫صّدقاً ّلِ َما َب ْي َن َي َد ْيه َوأ َ‬
‫َنزَل‬ ‫َ َّ َُ‬ ‫َ َ ََْ‬ ‫ُ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ‬ ‫الم * َّ ُ‬
‫* ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ الَ َي ْخَف ٰى‬ ‫اب َش ِد ٌيد َو َّ‬
‫َّللاُ َع ِز ٌيز ُذو ْانِتَقا ٍم‬ ‫ات َّ ِ‬‫َنزل اْلُفرَقان ِإ َّن َّال ِذين َكَفروْا ِبآي ِ‬ ‫َقْب ُل ُه ًدى ّلِ َّلن ِ‬
‫َّللا َل ُه ْم َع َذ ٌ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫اس َوأ َ َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ض والَ ِفي َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‬ ‫ِ‬
‫آء الَ إَلـ َٰه إال ُهَو اْل َعز ُيز اْل َحك ُ‬ ‫صِّوُرُك ْم في األ َْر َحا ِم َك ْي َ‬
‫ف َي َش ُ‬ ‫الس َمآء * ُه َو الذي ُي َ‬
‫ِ‬
‫َعَل ْيه َش ْي ٌء في األ َْر َ‬

‫مر تأويله {نزل عليك الكتاب بالحق} أي‪ :‬رّقاك رتبة فرتبة‪ ،‬ودرجة فدرجة‪،‬‬
‫الحي القيوم} ّ‬ ‫{الم * هللا ال إله إال هو‬
‫ّ‬
‫{مصدقاً لما بين‬
‫ّ‬ ‫المسمى بالعقل القرآني‬
‫ّ‬ ‫بتنزيل الكتاب عليك منجماً إلى العلم التوحيدي الذي هو الحق باعتبار الجمع‬
‫يديه} من التوحيد األزلي السابق المعلوم في العهد األول المخزون في غيب االستعداد {وأنزل التوراة واإلنجيل من قبل}‬
‫ّ‬
‫المسمى بالعقل الفرقاني‪ ،‬وهو منشأ‬
‫ّ‬ ‫هكذا ثم {أنزل الفرقان} أي‪ :‬التوحيد التفصيلي الذي هو الحق باعتبار الفرق‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫{إن الذين كفروا} أي‪ :‬احتجبوا عن هذين التوحيدين بالمظاهر واألكوان التي هي آيات التوحيد‬ ‫االستقامة ومبدأ الدعوة ّ‬
‫في الحقيقة {لهم عذاب شديد} في البعد والحرمان {وهللا عزيز} أي‪ :‬قاهر {ذو انتقام} ال يقدر وصفه وال يبلغ كنهه وال‬
‫يقدر على مثله‪ ،‬منتقم {ال يخفى عليه شيء} في العالمين‪ ،‬فيعلم مواقع االنتقام {منه آيات محكمات}‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 7‬الى اآلية ‪)12‬‬

‫اب وأُخر متَ َشاِبهات َفأ َّ َّ ِ‬ ‫ِ‬


‫ين في ُقُلوبِ ِه ْم َزْي ٌغ َفَيتَِّب ُعو َن َما‬‫َما الذ َ‬ ‫ات ُه َّن أُ ُّم اْل ِكتَ ِ َ َ ُ ُ َ ٌ‬ ‫ات ُّم ْح َك َم ٌ‬ ‫اب ِم ْن ُه َآي ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ُه َو َّالذي أ َ‬
‫َنزَل َعَل ْي َك اْلكتَ َ‬
‫آمَّنا ِب ِه ُك ٌّل ِّم ْن ِع ِند َرّبَِنا َو َما‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّللا و َّ ِ‬
‫الراس ُخو َن في اْلعْل ِم َيُقوُلو َن َ‬
‫ِ ِ َّ‬ ‫ِ ِِ‬
‫اء تَأْويله َو َما َي ْعَل ُم تَأْويَل ُه إال َّ ُ َ‬
‫تَ َشابه ِم ْنه ابِت َغ ِ ِ ِ‬
‫اء اْلف ْتَنة َو ْابت َغ َ‬
‫ََ ُ ْ َ‬
‫َّاب * َربََّنآ ِإَّن َك‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ي َّذ َّكر ِإالَّ أُوُلوْا األَْلب ِ‬
‫وبَنا َب ْع َد إ ْذ َه َد ْيتََنا َو َه ْب َلَنا من ل ُد ْن َك َر ْح َم ًة إَّن َك أ َْن َت اْلَوه ُ‬ ‫اب * َربََّنا الَ تُ ِز ْ‬
‫غ ُقُل َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫َّللاِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫جِ‬
‫يع َاد * ِإ َّن الذ َ‬
‫ين َكَف ُروْا َلن تُ ْغني َع ْن ُه ْم أ َْم َواُل ُه ْم َوالَ أ َْوالَ ُد ُهم ّم َن َّ‬
‫َ‬ ‫ف اْلم َ‬ ‫اس لَي ْو ٍم ال َرْي َب فيه ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ الَ ُي ْخل ُ‬ ‫الن ِ‬ ‫ام ُع َّ‬ ‫َ‬
‫اب‬‫َّللا َش ِد ُيد اْل ِعَق ِ‬ ‫َخ َذ ُهم َّ ِ ِ‬ ‫آل ِفرعون و َّال ِذ ِ ِ ِ َّ ِ ِ‬
‫ْب ِ ْ َ ْ َ َ َ‬ ‫الن ِار * َك َدأ ِ‬ ‫ود َّ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ ب ُذُنوبِه ْم َو َّ ُ‬ ‫ين من َقْبله ْم َكذُبوْا بآَياتَنا َفأ َ ُ‬ ‫َش ْيئاً َوأُوَلـٰئ َك ُه ْم َوُق ُ‬
‫ين َكَف ُروْا َستُ ْغَلُبو َن َوتُ ْح َش ُرو َن ِإَل ٰى َج َهَّن َم َوبِ ْئ َس اْل ِم َه ُاد‬ ‫َِّ ِ‬
‫* ُق ْل ّللذ َ‬

‫ُخر‬ ‫سمت من أن يتطرق إليها االحتمال واالشتباه ال يحتمل إال معنى واحداً ّ‬
‫{هن ّأم} أي‪ :‬أصل {الكتاب وأ َ‬
‫أن الحق تعالى له وجه هو الوجه المطلق الباقي‬
‫ُمتَشابهات} تحتمل معنيين فصاعداً ويشتبه فيها الحق والباطل‪ ،‬وذلك ّ‬
‫متعددة بحسب مرائي المظاهر‪ .‬وهي ما يظهر‬
‫التعدد‪ ،‬وله وجوه متكثرة إضافية ّ‬
‫بعد فناء الخلق ال يحتمل التكثر و ّ‬
‫بحسب استعداد كل مظهر فيه من ذلك الوجه الواحد‪ ،‬يلتبس فيها الحق بالباطل‪ ،‬فورد التنزيل كذلك لتنصرف‬
‫فأما العارفون المحققون الذين‬
‫المتشابهات إلى وجوه االستعدادات فيتعلق كل بما يناسبه‪ ،‬ويظهر االبتالء واالمتحان‪ّ .‬‬
‫يعرفون الوجه الباقي في أية صورة وأي شكل كان‪ ،‬فيعرفون الوجه الحق من الوجوه التي تحتملها المتشابهات فيردونها‬
‫إلى المحكمات متمثلين بمثل قول الشاعر ‪:‬‬

‫تعددا‬
‫إذا أنت أعددت المزايا ّ‬ ‫وما الوجه إال واحد غير أنه‬

‫أما المحجوبون {الذين في ُقُلوبهم َزيغ} عن الحق {فيتبعون ما تَ َشابه} الحتجابهم بالكثرة عن الوحدة‪ .‬كما أن المحققين‬‫وّ‬
‫يتبعون المحكم‪ ،‬ويتبعونه المتشابه‪ ،‬فيختارون من الوجوه المحتملة ما يناسب دينهم ومذهبهم {ابِتغاء ِ‬
‫الف ْتنة} أي‪ :‬طلب‬ ‫ْ‬
‫الضالل واإلضالل الذي هم بسبيله {و ْابِت َغاء تَأْويله} بما يناسب حالهم وطريقتهم‪.‬‬

‫فعوج قرابه‬
‫إذا اعوج سكين ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫فهم كما ال يعرفون الوجه الباقي في الوجوه‪ ،‬لزم أن ال يعرفوا المعنى الحق من المعاني‪ ،‬فيزداد حجابهم ويغلظ‬
‫ليستحقوا به العذاب {وما َيعلم تَأويله إال هللا والر ِاسخو َن في العلمِ} العالمون‪ ،‬يعلمون بعلمه‪ ،‬أي‪ :‬إنما يعلمه هللا جميعاً‬
‫ِ‬
‫الكل عندهم‬
‫{كل من عند ربنا} ألن ّ‬ ‫يصدقون علم هللا به‪ ،‬فهم يعلمون بالنور اإليماني ّ‬ ‫وتفصيالً {يقولون آمنا به} ّ‬
‫معنى واحد غير مختلف {وما َيذكر} بذلك العلم الواحد المفصل في التفاصيل المتشابهة المتكثرة إال الذين صفت‬
‫وجردت عن قشر الهوى والعادة‪.‬‬
‫عقولهم بنور الهداية ّ‬

‫بحب الدنيا وغلبة‬


‫غ قلوبنا} عن التوجه إلى جنابك‪ ،‬والسعي في طلب لقائك‪ ،‬والوقوف ببابك‪ ،‬باالفتتان ّ‬ ‫{ربنا ال تُز ْ‬
‫الهوى‪ ،‬والميل إلى النفس وصفاتها‪ ،‬والوقوف مع حظوظها ولذاتها {بعد إ ْذ َه َديتنا} بنورك إلى صراطك المستقيم‪،‬‬
‫{وه ْب لنا من ُلدنك رحم ًة} رحيمية تمحو صفاتنا بصفاتك وظلماتنا‬
‫والدين القويم‪ ،‬وبسبحات وجهك إلى جمالك الكريم َ‬
‫بأنوارك {إنك أنت الوهاب} {ربنا إنك َجامع الناس لَِيوم ال َرْي َب فيه} أي‪ :‬يجمعهم ليوم الجمع الذي هو الوصول إلى‬
‫أمَوالهم‬
‫مقام الوحدة الجامعة للخالئق أجمعين األولين واآلخرين‪ ،‬فال يبقى لهم شك في مشهدهم ذلك {لن تُ ْغني عنهم ْ‬
‫لشدة تعلقهم بهم ومحبتهم إياهم ‪.‬‬
‫وبعدهم من هللا وتعذيبهم بعذابه ّ‬
‫وال ْأوالدهم من هللا َشيئاً} بل هي سب حجابهم ُ‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 13‬الى اآلية ‪)14‬‬

‫ص ِِره َمن‬ ‫ِ‬ ‫ْي اْل َع ْي ِن َو َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يل َّ ِ‬


‫ان َل ُكم آي ٌة ِفي ِفَئتَي ِن اْلتََقتَا ِفَئ ٌة تَُق ِاتل ِفي سِب ِ‬
‫َّللاُ ُي َؤّي ُِد بَن ْ‬ ‫ُخ َر ٰى َكاف َرةٌ َي َرْوَن ُه ْم ّم ْثَل ْيه ْم َأر َ‬
‫َّللا َوأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َق ْد َك َ ْ َ‬
‫طرِة ِمن َّ‬
‫الذ َه ِب‬ ‫النس ِاء واْلبِنين واْلَقن ِ‬ ‫اس ح ُّب َّ ِ ِ ِ‬ ‫ي َشآء ِإ َّن ِفي ٰذلِك َل ِعبرًة ألُولِي األَبص ِار * ُزي ِ‬
‫ير اْل ُمَق ْن َ َ َ‬ ‫اط ِ‬ ‫الش َه َوات م َن ّ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ِن ل َّلن ِ ُ‬‫َّ‬ ‫َْ‬ ‫َ َْ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫َّللا ع ْن َده حس ُن اْلم ِ‬
‫آب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضة َواْل َخْي ِل اْل ُم َسَّو َمة َواأل َْن َعا ِم َواْل َح ْرث ذل َك َمتَاعُ اْل َحَياة ُّ‬‫َواْلِف َّ‬
‫َ‬ ‫الد ْنَيا َو َّ ُ ُ ُ ْ‬

‫{قد كان لكم آية} يا معشر السالكين دالة على كمالكم وبلوغكم إلى التوحيد {في فئتين التقتا فئة} القوى الروحانية‬
‫الحق‪ .‬ترى‬
‫ّ‬ ‫الذين هم أهل هللا وجنوده {تقاتل في سبيل هللا وأخرى} هي جنود النفس وأعوان الشياطين محجوبة عن‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الفئة األولى‪ ،‬مع قّلة عددهم‪ ،‬مثليهم عند التقائهما في معركة البدن لتأييد الفئة األولى بنور هللا وتوفيقه وخذالن الفئة‬
‫الثانية وذلهم وعجزهم وضعفهم وانقطاعهم عن عالم األيد والقدرة‪ .‬فغلبت األولى الثانية وقهروهم بتأييد هللا ونصره‪،‬‬
‫وصرفوا أموالهم التي هي مدركاتهم ومعلوماتهم في سبيل معرفة هللا وتوحيده {وهللا يؤيد بنصره من يشاء} من أهل‬
‫{إن في ذلك َل ِعبرة} أي‪ :‬اعتبا اًر أو أم اًر ُي ْعتبر به في الوصول إلى الحقيقة للمستبصرين الذين‬
‫المستعدين للقائه ّ‬
‫ّ‬ ‫عنايته‬
‫انفتحت أعين بصائرهم واكتحلت بنور اإليقان العلمي من أهل الطريقة يعتبرون به أحوالهم في النهاية ‪.‬‬
‫ّ‬

‫العلوي والسفلي‪ ،‬ومن نشأته ووالدته تحجبت فطرته وخمدت‬‫ّ‬ ‫حب الشهوات} ألن اإلنسان مركب من العالم‬
‫{زين للناس ّ‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫الحسية‪ ،‬والرياح‬
‫ّ‬ ‫نار غريزته وانطفأ نور بصيرته بالغشاوات الطبيعية والغواشي البدنية‪ ،‬والماء األجاج من ال ّذات‬
‫مبلواً بأنواع‬
‫العواصف من الشهوات الحيوانية‪ ،‬فبقي مهجو اًر من الحق في أوطان الغربة وديار الظلمة يسار به‪ّ ،‬‬
‫النصب والتعب‪ ،‬فإذا هو بشعشعة نور من التميز ولمعان برق من عالم العقل‪ٍ ،‬‬
‫وداع ينادينه من الهوى والشيطان‪،‬‬
‫فتبعه فصادف منزالً نزهاً‪ ،‬وروضة أنيقة‪ ،‬فيها ما تشتهي األنفس وتل ّذ األعين‪ ،‬فاستوطنه وشكر سعيه ورضيه مسكناً‬
‫وقال ‪:‬‬

‫والداعي قد هيئ له القرى‬ ‫عند الصباح َي ْحمد القوم السري‬

‫حب الشهوات‪ ،‬أي‪ :‬المشتهيات المذكورة وتزيينها له وهو تمتيع له بحسب ما فيه من العالم السفلي‪ ،‬وكمال‬
‫فذلك ّ‬
‫ّ‬
‫لحياته حجب به من تمتيع الحياة األخرى وكمالها‪ ،‬بحسب ما فيه من العالم العلوي‪ ،‬ولم يتنبه على أنها أبهى وأل ّذ‬
‫وأصفى مع ذلك وأبقى‪ ،‬وهو معنى قوله‪{ :‬وهللا عنده ُح ْسن المآب} ‪.‬‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 15‬الى اآلية ‪)15‬‬

‫ات تَجرِي ِمن تَحِتها األ َْنهار َخ ِال ِد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٰ ِ َِّ ِ‬


‫ان‬ ‫ط َّه َرةٌ َوِر ْ‬
‫ضَو ٌ‬ ‫اج ُّم َ‬
‫يها َوأ َْزَو ٌ‬
‫ين ف َ‬
‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ين اتََّق ْوا ع َند َرِّب ِه ْم َجَّن ٌ ْ‬
‫ُق ْل أ َُؤَنِّبُئ ُك ْم ِب َخ ْي ٍر ّمن ذل ُك ْم للذ َ‬
‫ص ٌير ِباْل ِعَب ِاد‬
‫َّللا ب ِ‬ ‫ِمن َّ ِ‬
‫َّللا َو َّ ُ َ‬ ‫َّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫بخير من ذلكم} انبعث من‬ ‫اإللهي والتنبيه السرّي‪ ،‬وقارنه اإلنباء النبوي كما قال‪{ :‬قل أؤنبئكم َ‬
‫ّ‬
‫فإن أدركه التوفيق‬
‫العلوي إلى مركزه‪ ،‬واشتعلت ناره التي قد خمدت‪ ،‬وتتتابع عليه لوامع األنوار اإللهية وطوالع‬
‫ّ‬ ‫باطنه شوق وعشق لحركة‬
‫المقر والمأوى‪،‬‬
‫اإلشراقات القدسية‪ ،‬فاستنار نور بصيرته الذي قد انطفأ‪ ،‬ورّقت الحجب التي منعت فطرته عن طلب ّ‬
‫فتكدر ما هو عليه‪ ،‬واستظلم ما كان قد استصفاه من الحياة الدنيا وسكنت في نفسه سورة‬
‫وتنغص عيشه الذي هو فيه ّ‬
‫الهوى بغلبة الجزء الروحاني على الجسماني‪ ،‬وذاق طعم ماء فرات الحياة الحقيقية فلم يصبر على الملح األجاج‬
‫ّ‬
‫وباشر قلبه خطرات اليقين بجريعات شربها من الماء المعين‪ ،‬فعلم أنه كان أكمن في سرب من األرض‪ ،‬فاستلمع‬
‫ضوء الكواكب ليالً وظنه نها اًر‪ ،‬فخرج فإذا هو ببرّية فيها ماء زعاق وأنواع من الحشائش كالخمخم والجرجير ونحوها‪،‬‬
‫فظنها رياحين وثما اًر‪ ،‬فجلس بما وجد عن ضياء الشمس وألوان الطيب والفواكه‪ ،‬فعزم على رحيل األوبة وغشيته‬
‫وحشة الغربة‪ ،‬فانتقى ما استطاب واستحلى‪ .‬ثم سار وخلى حتى إذا أضاء نور صبح عين اليقين‪ ،‬وحان وقت طلوع‬
‫تحير فيها بصره ودهش في وصفها عقله‪ ،‬وكان ما كان مما ال عين رأت‪ ،‬وال أذن سمعت‪،‬‬ ‫شمس الوحدة‪ ،‬رأى جنة ّ‬
‫وال خطر على قلب بشر‪ .‬فإذا أفاق وقد طلعت الشمس‪ ،‬وجد فيها أالفاً وأحباباً وعرف أنه كان له مثوى ومآباً‪ ،‬ورجع‬
‫وحل بقلبه‬
‫إليه األنس‪ ،‬ونزل محلة القدس‪ ،‬بدار القرار في جوار الملك الغّفار‪ ،‬وأشرقت عليه سبحات وجهه الكريم‪ّ ،‬‬
‫جنات تجري من تحتها األنهار} إلى قوله‪{ :‬وهللا بصير‬
‫روح الرضا العميم‪ ،‬وذلك معنى قوله‪{ :‬للذين اتقوا عند ربهم ّ‬
‫جنات الصفات‪.‬‬
‫جنات األفعال‪ ،‬واألزواج أصناف روحانيات عالم القدس‪ ،‬والرضوان ّ‬
‫فالجنات ّ‬
‫ّ‬ ‫بالعباد}‪،‬‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 16‬الى اآلية ‪)25‬‬

‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫الصاِب ِرين و َّ ِ ِ‬ ‫َّال ِذين يُقوُلو َن ربََّنآ ِإَّنَنآ آمَّنا َف ْ ِ‬
‫َواْل ُم ْستَ ْغف ِر َ‬
‫ين‬ ‫ين‬‫ين َواْل ُم ْنفق َ‬ ‫ين َواْلَقانت َ‬ ‫الصادق َ‬ ‫َ َ‬ ‫الن ِار * َّ‬ ‫اب َّ‬ ‫وبَنا َوِقَنا َع َذ َ‬‫اغف ْر َلَنا ُذُن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ين‬ ‫* ِإ َّن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َس َح ِار * َش ِه َد َّ َّ‬ ‫ِ‬
‫الد َ‬
‫ّ‬ ‫يم‬
‫َّللاُ أَن ُه الَ إَلـ َٰه إال ُه َو َواْل َمالَئ َك ُة َوأ ُْوُلوْا اْلعْل ِم َقآئ َماً باْلق ْسط الَ إَلـ َٰه إال ُهَو اْل َعز ُيز اْل َحك ُ‬ ‫باأل ْ‬
‫َّللاِ َفِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ‬ ‫ات َّ‬ ‫اخَتَلف َّال ِذين أُوتُوْا اْل ِكتَاب ِإالَّ ِمن بع ِد ما جآءهم اْل ِعْلم ب ْغياً بينهم ومن ي ْكُفر ِبآي ِ‬
‫َ ْ َ َ َ ُ ُ ُ َ ََْ ُ ْ َ َ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اإل ْسالَ ُم َو َما ْ َ‬ ‫َّللاِ ِ‬
‫ِع َند َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫َِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫س ِريع اْل ِحس ِ‬
‫َسَل ُموْا‬‫ين أَأ َْسَل ْمتُ ْم َفإ ْن أ ْ‬‫ين أُوتُوْا اْلكتَ َب َواأل ُّمِّي َ‬
‫وك َفُق ْل أ َْسَل ْم ُت َو ْج ِه َي ََّّلل َو َم ِن اتََّب َع ِن َوُق ْل ّللذ َ‬ ‫آج َ‬‫إن َح ُّ‬ ‫اب * َف ْ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ين ِب َغ ْي ِر َح ٍّق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬
‫َفَق ِد اهتَدوْا َّوإِن تَوَّلوْا َفِإَّنما عَليك اْلبَلغ و َّ ِ‬
‫النِبِّي َ‬
‫َّللا َوَيْقُتُلو َن َّ‬‫ين َي ْكُف ُرو َن ِب َآيات َّ‬‫َّللاُ َبص ٌير ِباْلعَباد * ِإ َّن الذ َ‬ ‫َْ َ ََْ َ ُ َ‬ ‫َْ‬
‫الد ْنيا و ِ‬
‫اآلخ َرِة َو َما َل ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ين َحِب َ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫اس َفب ِّشرهم ِبع َذ ٍ ِ‬ ‫ْم ُرو َن ِباْلِق ْس ِط ِم َن َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫َع َماُل ُه ْم في ُّ َ َ‬ ‫ط ْت أ ْ‬ ‫اب أَلي ٍم * أُوَلـٰئ َك الذ َ‬ ‫الن ِ َ ْ ُ َ‬ ‫ين َيأ ُ‬ ‫َوَيْقُتُلو َن الذ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يق ِّم ْن ُه ْم َو ُه ْم‬ ‫َّ‬ ‫اب َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫اب ي ْد َعو َن ِإَل ٰى ِكتَ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا لَي ْح ُك َم َب ْيَن ُه ْم ثُ َّم َيتََول ٰى َف ِر ٌ‬ ‫ين أُوتُوْا َنصيباً ّم َن اْلكتَ ُ ْ‬ ‫ين * أََل ْم تَ َر ِإَلى الذ َ‬ ‫ّمن َّناص ِر َ‬
‫ف ِإ َذا‬ ‫ِ ِِ‬ ‫النار ِإالَّ أَيَّاماً َّمعد ٍ‬ ‫ِٰ‬
‫ودات َو َغَّرُه ْم في دين ِه ْم َّما َك ُانوْا َيْفتَُرو َن * َف َك ْي َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ضو َن * ذل َك ِبأََّن ُه ْم َقاُلوْا َلن تَ َم َّسَنا َّ ُ‬ ‫ُّم ْع ِر ُ‬
‫ظَل ُمو َن‬
‫س َّما َك َسَب ْت َو ُه ْم الَ ُي ْ‬ ‫ِِ‬
‫يه ووِّفَي ْت ُك ُّل َنْف ٍ‬ ‫َّ‬ ‫جمعَن ِ‬
‫اه ْم لَي ْو ٍم ال َرْي َب ف َ ُ‬
‫ََْ ُ‬

‫{الذين يقولون ربنا إننا آمنا} بأنوار أفعالك وصفاتك {فاغفر لنا ذنوبنا} أي‪ :‬ذنوب وجوداتنا بذاتك {وِقَنا َع َذاب ّ‬
‫النار}‬
‫أي‪ :‬نار الهجران ووجود البقية {الصابرين} على غصص المجاهدة والرياضة {والصادقين} في المحبة واإلرادة‬
‫الم ِنفقين} ما عداه من أموالهم وأفعالهم وصفاتهم ونفوسهم وذواتهم {والمستغفرين}‬
‫{والقانتين} في السلوك إليه وفيه {و ُ‬
‫عن ذنوب تلويناتهم وبقياتهم في أسحار أيام التجليات النورية عند طلوع طوالع األنوار‪ ،‬وظهور تباشير صبح يوم‬
‫القيامة الكبرى باألفق األعلى‪ ،‬فأجابهم وقت طلوع شمس الذات من مغرب وجودهم‪ ،‬فلم يبق مغرباً بقوله {شهد هللا ّأنه‬
‫ال إله إالّ هو} طلع الوجه الباقي‪ ،‬فشهد بذاته في مقام الجمع على وحدانيته‪ ،‬إذ لم يبق شاهد وال مشهود غيره‪ .‬ثم‬
‫رجع إلى مقام التفصيل فشهد بنفسه مع غيره على وحدانيته في ذلك المشهد فقال‪{ :‬والمالئكة وأولو العلم قائماً‬
‫كل ذي‬ ‫ِ‬
‫ظل الوحدة في غير الجمع بإعطاء ّ‬ ‫بالق ْسط} أي‪ :‬مقيماً للعدل في تفاصيل مظاهره‪ ،‬وصور كثرتها الذي هو ّ‬
‫حق بحسب استعداده واستحقاقه حّقه من جوده وكماله وتجليه فيه على قدر سعة وعائه {ال إله إال هو} في المشهدين‬ ‫ّ‬
‫{العزيز} القاهر الذي يقهر كل شيء باعتبار الجمع فال يصل إليه أحد {الحكيم} الذي يدبر بحكمته كل شيء‪،‬‬
‫فيعطيه ما يليق به باعتبار التفصيل‪.‬‬

‫فإن دينه دين إسالم الوجوه كما قال إبراهيم صلى هللا عليه‬
‫قرره بنفسه‪ّ .‬‬
‫{إن الدين عند هللا} هو هذا التوحيد الذي ّ‬
‫ّ‬
‫وسلم‪" :‬أسلمت وجهي هلل" أي‪ :‬نفسي وجملتي‪ ،‬وانخلعت عن أنانيتي‪ ،‬ففنيت فيه‪ .‬وأمر هللا تعالى حبيبه عليه الصالة‬
‫والسالم فيما بعد بقوله‪{ :‬فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي هلل ومن اتّبعن}‪.‬‬

‫ِ‬
‫حق} لكونهم محجوبين بدينهم ال‬ ‫{إن الذين َي ْكفرون بآيات هللا} أي‪ :‬المحجوبين عن الدين {ويقتلون النبيين بغير ّ‬
‫ّ‬
‫{ويْقتلون الذين‬
‫يقبلون إال ما هم عليه من التقيد والتقليد‪ ،‬واألنبياء دعوهم إلى التوحيد ومنعوهم عن التقيد فقتلوهم َ‬
‫ِ‬
‫َيأْمرون بالق ْسط من الناس} من أتباعهم‪ ،‬إذ العدل ّ‬
‫ظل التوحيد‪ ،‬فمن لم يكمل له ال يمكنه العدل‪ ،‬وهم قد حجبوا‬
‫بتقييدهم بدينهم‪ ،‬فقد حجبوا بظلمهم عن العدل فخالفوهم وقتلوهم‪.‬‬

‫أعمالهم} التي عملوها على دين نبيهم‪ ،‬ألنهم كانوا بتقليد نبيهم ناجين بالمتابعة‪ ،‬وأنبياؤهم كانوا‬
‫الذين َحبطت َ‬
‫{أولئك َ‬
‫نبيهم ألن‬
‫شفعاءهم بتوسطهم بينهم وبين هللا في وصول الفيض إليهم‪ ،‬فإذا أنكروا النبيين وأتباعهم العادلين فقد خالفوا ّ‬
‫الحق فمن خالف‬
‫ّ‬ ‫نفرق بين أحد منهم في كونهم على‬
‫األنبياء كلهم على مّلة واحدة في الحقيقة هي مّلة التوحيد‪ ،‬ال ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الكل‪ ،‬وكذا من خالف أهل العدل من أتباع النبيين فقد ظلم‪ ،‬ومن ظلم فقد خرج بظلمه عن المتابعة‬
‫واحداً فقد خالف ّ‬
‫نبيهم لم يبق بينهم وبينه‬
‫الظل منكر الذات خارج عن نورها‪ .‬وإذا خالفوا ّ‬
‫وأيضاً فمنكر االتباع منكر المتبوعين‪ ،‬ومنكر ّ‬
‫منورة بنوره ألجل المتابعة‪ ،‬ال‬
‫من الوصلة والمناسبة ما تمكن به االستفاضة من نوره‪ ،‬فحجبوا عن نوره وكانت أعمالهم ّ‬
‫نور ذاتي لها‪ ،‬إذ لم تكن صادرة عن يقين‪ ،‬فإذا زال نورها العارضي باحتجابهم عن نبيهم فقد أظلمت وصارت كسائر‬
‫ّ‬
‫األمارة أنبياء القلوب واآلمرين‬
‫ّ‬ ‫النفس‬ ‫قوي‬ ‫كفار‬ ‫قتل‬ ‫من‬ ‫ة‬
‫مر‬‫ّ‬ ‫غير‬ ‫سمعت‬ ‫ما‬ ‫وفيه‬ ‫ة‪،‬‬
‫ر‬ ‫ا‬ ‫األم‬
‫ّ‬ ‫النفس‬ ‫صفات‬ ‫من‬ ‫السيئات‬
‫بالقسط من القوى الروحانية ‪.‬‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 26‬الى اآلية ‪)26‬‬

‫ك اْل َخ ْي ُر ِإَّن َك‬ ‫نزع اْلمْلك ِم َّمن تَ َشآء وتُ ِعُّز من تَ َشآء وتُِذ ُّل من تَ َش ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫آء ِبَيد َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫آء َوتَ ِ ُ ُ َ ْ‬ ‫ُقل الل ُه َّم َمال َك اْل ُمْلك تُ ْؤتي اْل ُمْل َك َمن تَ َش ُ‬
‫َعَل ٰى ُك ِّل َشي ٍء َق ِد ٌير‬
‫ْ‬
‫متصرف وال مؤثر فيه غيرك {تؤتي‬ ‫تتصرف فيه ال مالك وال‬ ‫المْلك} تملك ُملك عالم األجسام مطلقاً‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اللهم َمالك ُ‬
‫{قل ّ‬
‫التصرف في يد غيره وال غير ثمة بل‬
‫ّ‬ ‫المْلك ِم َم ْن تشاء} بجعل‬
‫متصرفاً في بعضه {وتَنزع ُ‬
‫ّ‬ ‫المْلك َمن تشاء} تجعله‬
‫ُ‬
‫المتصرف فيه على كل حال بحسب اختالف المظاهر {وتعز من تَشاء} بإلقاء نور من‬
‫ّ‬ ‫تقّلبه من يد إلى يد‪ ،‬فأنت‬
‫{وتذل من تَشاء} بسلب لباس عزتّك عنه فيبقى ذليالً ِ‬
‫{بيدك الخير} كله‪ ،‬وأنت‬ ‫العزة هلل جميعاً ِ‬
‫ّ‬ ‫فإن ّ‬
‫أنوار عزتّك عليه ّ‬
‫القادر مطلقاً‪ ،‬تعطي على حسب مشيئتك‪ ،‬تتجلى تارة على بعض المظاهر بصفة العز والكبرياء‪ ،‬فتكسوه لباس العز‬
‫المذل‬
‫ّ‬ ‫والبهاء‪ ،‬وتارة بصفة القهر واإلذالل فتكسوه لباس الهوان والصغار‪ ،‬وتارة بصفة المعز فتكون مذالً‪ ،‬وتارة بصفة‬
‫فتكون مع اًز‪ ،‬وتارة بصفة الغني فتعطي المال‪ ،‬وتارة بصفة المغني فتفقره‪ ،‬أي‪ :‬تجعله مستغنياً عن المال‪ ،‬فقي اًر ال‬
‫يحتاج إلى شيء‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 27‬الى اآلية ‪)29‬‬

‫َّللاِ ِفي َشي ٍء ِإالَّ أَن تَتَُّقوْا ِم ْن ُه ْم تَُقـٰ ًة‬ ‫ين َو َمن َيْف َع ْل ٰذلِ َك َفَل ْي َس ِم َن َّ‬ ‫ِ‬ ‫الَّ يتَّ ِخ ِذ اْلمؤ ِمنو َن اْل َك ِاف ِرين أَولِي ِ‬
‫آء من ُدو ِن اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫َ ََْ‬ ‫ُْ ُ‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫الن َه َار ِفي اْلَّلْي ِل َوتُ ْخ ِرُج اْل َح َّي ِم َن اْل َمِّي ِت َوتُ ْخ ِرُج‬ ‫اللْي َل ِفي اْلَّن َه ِار َوتُولِ ُج َّ‬
‫صير * تُولِج َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َوُي َح ِّذ ُرُك ُم َّ‬
‫ُ‬ ‫َّللا اْل َم ُ‬
‫َّللاُ َنْف َس ُه َوإَِل ٰى َّ‬
‫َّللاُ َوَي ْعَل ُم َما ِفي‬ ‫ص ُد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫اَلمِّي َت ِم َن اْلح ِي وتَ ْرُز ُق من تَ َش ِ‬
‫ورُك ْم أ َْو تُْب ُدوهُ َي ْعَل ْم ُه َّ‬ ‫آء ب َغ ْي ِر ح َساب * ُق ْل إن تُ ْخُفوْا َما في ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ َعَل ٰى ُك ّل َشيء َقد ٌير‬
‫ض َو َّ‬ ‫ِ‬
‫الس ٰم ٰوت وما في األ َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َّ َ َ َ َ‬

‫{تُولِج الليل في النهار وتُولج النهار في الليل} تدخل ظلمة النفس في نور القلب فيظلم‪ ،‬وتدخل نور القلب في ظلمة‬
‫النفس فتستنير بخلطهما معاً مع بعد المناسبة بينهما {وتُخرج الحي} أي‪ :‬حي القلب {من الميت} أي‪ :‬من ميت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النفس‪ ،‬وميت النفس من حي القلب‪ ،‬بل تخرج حي العلم والمعرفة من ميت الجهل‪ ،‬وتخرج ميت الجهل من حي العلم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫{وترزق من تَشاء} من النعمة الظاهرة والباطنة جميعاً‪ ،‬أو من إحداهما {ِب َغير‬
‫ْ‬ ‫ر‬
‫ا‬ ‫باعو‬ ‫بن‬ ‫بلعم‬ ‫تحجبه عن النور‪ ،‬كحال‬
‫الم ْؤمنين} إذ ال مناسبة بينهم في الحقيقة‪ ،‬والوالية ال تكون إالّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ح َساب} {ال يتخذ المؤمنون الكافرين ْأولياء من دون ُ‬
‫بالجنسية والمناسبة‪ ،‬فحينئذ ال يمكن أن تكون المحبة بينهم ّ‬
‫ذاتية‪ ،‬بل مجعولة مصنوعة بالتصنع والرياء والنفاق وهي‬
‫خصال مبعدة عن الحق إذ كلها حجب ظلمانية ولو لم يكن فيهم ظلمة تناسب حال الكفرة ما قدروا على مخالطتهم‬
‫معتد به‪ ،‬إذ ليس فيهم نورية‬
‫ومصاحبتهم {ومن يفعل ذلك فليس من هللا في شيء} أي‪ :‬من والية هللا في شيء‪ّ ،‬‬
‫صافية يناسبون بها الحضرة اإللهية {إال أن تتقوا منهم تقاة} أي‪ :‬إال أن تخافوا من جهتهم أم اًر يجب أن يتقى‪،‬‬
‫محبتهم‪ ،‬وذلك أيضاً ال يكون إال لضعف اليقين‪ .‬إذ لو باشر قلوبهم اليقين‬ ‫فتوالوهم ظاه اًر ليس في قلوبكم شيء من ّ‬
‫ك ِب َخ ْي ٍر َفالَ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ف َل ُه ِإال ُه َو َوإِن ُي ِرْد َ‬ ‫َّللاُ ِب ُ‬
‫ضٍّر َفالَ َكاش َ‬ ‫{وإِن َي ْم َس ْس َك َّ‬
‫لما خافوا إال هللا تعالى وشاهدوا معنى قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ضلِه} [يونس‪ ،‬اآلية‪ ]107 :‬فما خافوا غيره ولم يرجوا غيره‪ ،‬ولذلك عقبه بقوله‪{ :‬ويحذركم هللا َنفسه} أي‪ :‬يدعوكم‬ ‫َر َّآد لَِف ْ‬
‫إلى التوحيد العياني كي ال يكون حذركم من غيره بل من نفسه {وإلى هللا المصير} فال تحذروا إال ّإياه فإنه المطلع‬
‫سر أو جه اًر‪.‬‬
‫على أسراركم وعالنياتكم‪ ،‬القادر على مجازاتكم إن توالوا أعداءه أو تخافوهم ّاً‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 30‬الى اآلية ‪)30‬‬

‫َم َداً َب ِعيداً َوُي َح ِّذ ُرُك ُم َّ‬


‫َّللاُ َنْف َس ُه‬ ‫ض اًر وما َع ِمَل ْت ِمن س ٍ‬
‫وء تََوُّد َل ْو أ َّ‬
‫َن َب ْيَن َها َوَب ْيَن ُه أ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َي ْوَم تَج ُد ُك ُّل َنْفس َّما َعمَل ْت م ْن َخ ْي ٍر ُّم ْح َ َ َ‬
‫وف ِباْل ِعَب ِاد‬
‫َّللاُ َرُؤ ٌ‬
‫َو َّ‬

‫{يوم تَجد كل َنفس} اآلية‪ ،‬كل ما يعمله اإلنسان أو يقوله يحصل منه أثر في نفسه وتنتقش نفسه به وإذا تكرر صار‬
‫النقش ملكة راسخة‪ ،‬وكذا ينتقش في صحائف النفوس السماوية‪ ،‬لكنه مشغول عن هيئات نفسه ونقوشها بالشواغل‬
‫الحسية واإلدراكات الوهمية والخيالية‪ ،‬ال يفرغ إليها‪ ،‬فإذا فارقت نفسه جسدها ولم يبق ما يشغلها عن هيئاتها ونقوشها‬
‫ّ‬
‫شر تتمنى بعد ما بينها وبين ذلك اليوم أو ذلك العمل لتعذيبها‬
‫شر محض اًر‪ ،‬فإذا كان ّاً‬
‫وجدت ما عملت من خير أو ّ‬
‫وتكرر {ويحذركم هللا نفسه}‬
‫به‪ ،‬فتصير تلك الهيئات والنقوش صورتها إن كانت راسخة وإال وجدت جزاءها بحسبها ّ‬
‫تأكيداً لئال يعملوا ما يستحقون به عقابه {وهللا رؤوف بالعباد} فلذا يحذرهم عن السيئات تحذير الوالد المشفق لولده ّ‬
‫عما‬
‫يوبقه‪.‬‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 31‬الى اآلية ‪)31‬‬

‫يم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُق ْل ِإن ُكنتُ ْم تُ ِحبُّو َن َّ‬


‫َّللاَ َفاتَِّب ُعوِني ُي ْحِب ْب ُك ُم َّ‬
‫ور َّرح ٌ‬
‫َّللاُ َغُف ٌ‬
‫وب ُك ْم َو َّ‬
‫َّللاُ َوَي ْغف ْر َل ُك ْم ُذُن َ‬

‫{ُقل إن كنتم تحبون هللا فاتّبعوني يحببكم هللا} لما كان عليه الصالة و السالم حبيبه فكل من ّيدعي المحبة لزمه‬
‫النبي‪ ،‬ومحبته إنما تكون بمتابعته وسلوك سبيله قوالً وعمالً وخلقاً‬
‫ّ‬
‫اتباعه ألن محبوب المحبوب محبوب‪ ،‬فتجب محبة‬
‫حاالً وسيرة وعقيدة‪ ،‬وال تمشي دعوى المحبة إال بهذا فإنه قطب المحبة ومظهره وطريقته طلسم المحبة‪ ،‬فمن لم يكن‬
‫وسره وقلبه ونفسه باطن‬
‫له من طريقته نصيب لم يكن له من المحبة نصيب‪ ،‬وإذا تابعه حق المتابعة ناسب باطنه ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وسره وقلبه ونفسه وهو مظهر المحبة‪ .‬فلزم بهذه المناسبة أن يكون لهذا المتابع قسط من‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم ّ‬
‫ّ‬
‫محبة هللا تعالى بقدر نصيبه من المتابعة‪ ،‬فيلقي هللا تعالى محبته عليه ويسري من باطن روح النبي صلى هللا عليه‬
‫ّ‬
‫محباً له‪ ،‬ولو لم يتابعه لخالف باطنه باطن النبي صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وسلم نور تلك المحبة إليه‪ ،‬فيكون محبوباً هلل‪ّ ،‬‬
‫محباً له {ويغفر‬
‫يحبه هللا تعالى لم يكن ّ‬ ‫َفب ُع َد عن وصف المحبوبية وزالت المحبية عن قلبه أسرع ما يكون‪ ،‬إذ لو لم ّ‬
‫المتقدم‬
‫ّ‬ ‫َّللاُ َما تََقَّدم ِمن َذنِب َك َو َما تَأ َّ‬
‫َخر} [الفتح‪ ،‬اآلية‪ ]2 :‬وذنبه‬ ‫لكم ذنوبكم} كما غفر لحبيبه‪ .‬قال تعالى‪ِّ{ :‬لَي ْغِف َر َل َك َّ‬
‫َ‬
‫يتقرب إلي‪ "...‬إلى آخر الحديث‪{ .‬وهللا‬ ‫ذاته‪ ،‬والمتأخر صفاته‪ ،‬فكذا ذنوب المتابعين كما قال تعالى‪" :‬ال يزال العبد ّ‬
‫ّ‬
‫حقانية خي اًر منها‪ .‬ثم نزل عن هذا المقام ألنه‬ ‫ّ‬ ‫{رحيم} يهب لكم وجوداً وصفات‬ ‫ٌ‬ ‫غفور} يمحو ذنوب صفاتكم وذواتكم‬
‫أعز من الكبريت األحمر‪.‬‬
‫ّ‬

‫أعم من مقام المحبة‪ ،‬وهو مقام اإلرادة ‪.‬‬


‫ودعاهم إلى ما هو ّ‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 32‬الى اآلية ‪)34‬‬

‫اهيم و ِ‬‫طَفى ءادم ونوحاً و ِ ِ‬ ‫ين * ِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول فِإن تََوَّل ْوْا َفِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬
‫ان‬
‫آل ع ْم َر َ‬
‫آل إ ْب َر َ َ َ‬
‫اص َ ٰ َ َ َ َ ُ َ َ‬
‫َّللاَ ْ‬ ‫َّللاَ الَ ُيح ُّب اْل َكاف ِر َ‬ ‫الرُس َ‬ ‫َّللاَ َو َّ‬
‫يعوْا َّ‬
‫ُق ْل أَط ُ‬
‫ِ‬ ‫ض و َّ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‬
‫يع َعل ٌ‬ ‫َّللاُ َسم ٌ‬ ‫ض َها من َب ْع َ‬ ‫ين * ُذِّرَّي ًة َب ْع ُ‬ ‫َعَلى اْل َعاَلم َ‬

‫أطيعوا هللا والرسول} أي‪ :‬إن لم تكونوا محبين ولم تستطيعوا متابعة حبيبي فال أقل من أن تكونوا مريدين‪،‬‬
‫فقال‪{ :‬قل ُ‬
‫الكافرين} أي‪ :‬إن‬
‫يحب َ‬
‫فإن هللا ال ّ‬
‫مطيعين لما أمرتم به‪ ،‬فإن المريد يلزمه متابعة األمر وامتثال المأمور به {فإن تولوا ّ‬
‫أعرضوا عن ذلك أيضاً‪ ،‬فهم كّفار منكرون محجوبون‪ ،‬وهللا ال يحب من كان كاف اًر‪ .‬فبترك الطاعة يلزم الكفر‪ ،‬وبترك‬
‫ألن تارك المتابعة يمكن أن يكون مطيعاً بمتابعة األمر‪ .‬ومعنى {أطيعوا هللا والرسول}‪ :‬أطيعوا رسول‬ ‫المتابعة ال يلزم‪ّ ،‬‬
‫َّللاَ} [النساء‪.]80 :‬‬
‫اع َّ‬ ‫ول َفَق ْد أَ َ‬
‫ط َ‬ ‫{م ْن ُي ِط ِع َّ‬
‫الرُس َ‬ ‫هللا صلى هللا عليه وسلم لقوله تعالى‪َّ :‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أعم من المحبة الخلة‪ ،‬فيشمل األنبياء كلهم ألنهم خيرة هللا وصفوته‪،‬‬ ‫ونوحاً} االصطفاء ّ‬ ‫آدم ُ‬
‫{إن هللا اصطفى َ‬‫ّ‬
‫ض ُه ْم َعَل ٰى َب ْعض} [البقرة‪ ،‬اآلية‪ ،]253 :‬فأخص المراتب‬ ‫الرُس ُل َف َّ‬ ‫وتتفاضل فيه مراتبهم‪ ،‬كما قال تعالى‪ِ :‬‬
‫ضْلَنا َب ْع َ‬ ‫{تْل َك ُّ‬
‫ض ُه ْم َد َر َجات} [البقرة‪ ،‬اآلية‪ ]253 :‬فلذلك كان أفضلهم حبيب هللا محمداً‬
‫{وَرَف َع َب ْع َ‬
‫هو المحبة‪ ،‬وأشار إليه بقوله تعالى‪َ :‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم ثم الخّلة التي هي صفة إبراهيم عليه السالم‪ ،‬وأعمها االصطفاء‪ ،‬أي‪ :‬صفة آدم عليه السالم‬
‫نبي ًا آخر في التوحيد‬
‫نبي يتبع ّ‬ ‫{ذرّية بعضها من َبعض} في الدين والحقيقة‪ ،‬إذ الوالية قسمان‪ :‬صورية ومعنوية‪ ،‬وكل‬
‫ّ‬
‫والمعرفة‪ ،‬وما يتعلق بالباطن من أصول الدين فهو ولده كأوالد المشايخ في زماننا هذا‪ .‬وكما قيل‪ :‬اآلباء ثالثة‪ :‬أب‬
‫أمه من نطفة أبيه‪ ،‬فكذلك‬‫ولدك‪ ،‬وأب رباك‪ ،‬وأب علمك‪ .‬فكما أن وجود البدن في الوالدة الصورية يتولد في رحم ّ‬
‫وجود القلب في الوالدة الحقيقية يظهر في رحم استعداد النفس من نفحة الشيخ والمعلم‪ .‬وإلى هذه الوالدة أشار عيسى‬
‫عليه السالم بقوله‪" :‬لن يلج ملكوت السموات من لم ُيوَلد مرتين‪".‬‬

‫أن الوالدة المعنوية أكثرها يتبع الصورية في التناسل‪ ،‬ولذلك كان األنبياء في الظاهر أيضاً نسالً‪ ،‬ثم ثمر شجرة‬
‫واعلم ّ‬
‫واحدة‪ ،‬فإن عمران بن يصهر أبا موسى وهارون كان من أسباط الوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم‪ ،‬وعمران بن‬
‫ماثان أبا مريم أم عيسى عليه السالم كان من أسباط يهود بن يعقوب‪ ،‬وكون محمد عليه الصالة والسالم من أسباط‬

‫إسماعيل بن إبراهيم مشهور وكذا كون إبراهيم من نوح عليه السالم‪ .‬وسببه ّ‬
‫أن الروح في الصفاء والكدورة يناسب‬
‫ويخصه‪ ،‬إذ الفيض يصل بحسب المناسبة وتفاوت‬‫ّ‬ ‫التكون‪ّ ،‬‬
‫فلكل مزاج يناسبه‬ ‫المزاج في االعتدال وعدمه وقت ّ‬
‫البعد‪ ،‬فتتفاوت األمزجة بحسبها في األبد لتتصل بها‪ .‬واألبدان‬
‫األرواح في األزل بحسب صنوفها ومراتبها في القرب و ُ‬
‫اللهم إال ألمور عارضة اتفاقية‪ ،‬فكذلك األرواح‬
‫المتناسلة بعضها من بعض متشابهة في األمزجة على األكثر‪ّ ،‬‬
‫المهدي عليه السالم من نسل محمد صلى‬
‫ّ‬ ‫المتصلة بها متقاربة في الرتبة‪ ،‬متناسبة في الصفة‪ .‬وهذا مما يقوي أن‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 35‬الى اآلية ‪)37‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِ‬ ‫طِني محَّر اًر َفتََقبَّل ِمِّني ِإَّنك أَنت َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ ْذ َقاَل ِت ام أرَت ِعمر ِ ِ‬
‫ض َع ْت َها‬ ‫يم * َفَل َّما َو َ‬ ‫يع اْل َعل ُ‬‫السم ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ان َر ّب ِإّني َن َذ ْر ُت َل َك َما في َب ْ ُ َ‬ ‫َْ ُ َْ َ‬
‫الذ َكر َكاأل ُْنثَى وِإِّني س َّميتُها مريم ِوِإِّني أ ِ‬ ‫َّللا أَعَلم ِبما وضع ْت وَليس َّ‬ ‫ِ‬
‫ُعي ُذ َها ِب َك َوُذِّريَّتَ َها‬ ‫َ ْ َ َ ْ ََ‬ ‫ٰ َ‬ ‫ُ‬ ‫ض ْعتُ َهآ أ ُْنثَ ٰى َو َّ ُ ْ ُ َ َ َ َ َ ْ َ‬ ‫َقاَل ْت َر ِّب ِإّني َو َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ان َّ ِ‬ ‫ِم َن َّ‬
‫اب َو َج َد‬ ‫ُّها ِبَقُبول َح َس ٍن َوأ َ‬
‫َنبتَ َها َنَباتاً َح َسناً َوَكفَل َها َزَك ِرَّيا ُكل َما َد َخ َل َعَل ْي َها َزَك ِريَّا اْلم ْح َر َ‬ ‫الرجي ِم * َفتََقَّبَل َها َرب َ‬ ‫طِ‬ ‫الش ْي َ‬
‫َّللا ي ْرُز ُق من ي َشآء ِب َغ ْي ِر ِحس ٍ‬ ‫ِعندها ِرزقاً َقال يٰمريم أََّنى َل ِك هـٰ َذا َقاَلت هو ِمن ِع ِند َّ ِ‬
‫اب‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َّللا ِإ َّن ًّ َ َ‬ ‫ْ َُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َُ ٰ‬ ‫ََ ْ‬

‫السميع‬
‫أنت َ‬
‫{عليم} بنيتها كما شهدت بقولها {إنك َ‬
‫ٌ‬ ‫ميع} حين قالت امرأة عمران‪{ :‬رب إني َن َذرت} إلى قولها‪:‬‬
‫{وهللا َس ٌ‬
‫النيات وهيئات النفس مؤثرة في نفس الولد‪ ،‬كما أن األغذية مؤثرة في بدنه‪ .‬فمن كان غذاؤه حالالً‬ ‫العليم}‪ .‬واعلم أن ّ‬
‫نبياً‪ .‬ومن كان غذاؤه حراماً‬
‫ولياً أو ّ‬
‫حقانية‪ ،‬جاء ولده مؤمناً صديقاً أو ّ‬‫ّ‬ ‫ونياته صادقة‬
‫طيباً وهيئات نفسه نورية ّ‬
‫يتكون الولد منها متولدة‬
‫وهيئات نفسه ظلمانية خبيثة ونياته فاسدة رديئة جاء ولده فاسقاً أو كاف اًر خبيثاً‪ .‬إذ النطفة التي ّ‬
‫سر أبيه"‪ ،‬فكان صدق‬
‫من ذلك الغذاء‪ ،‬مرّباة بتلك النفس‪ ،‬فتناسبها‪ .‬ولهذا قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬الولد ّ‬
‫{وجد عندها ِرزقاً} يجوز أن يراد به الرزق الروحاني من المعارف‬
‫َ‬ ‫مريم وبنوة عيسى عليهما السالم بركة صدق أبيها‬
‫اللدنية‪.‬‬ ‫يدل على كونها من األرزاق‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫والحقائق والعلوم والح َكم الفائضة عليها من عند هللا‪ ،‬إذ االختصاص بالعندية ّ‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 38‬الى اآلية ‪)41‬‬

‫صّلِي ِفي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َع ِآء * َفَنا َد ْت ُه‬ ‫ِ‬ ‫َّه َقال َر ِّب َه ْب لِي ِمن َّل ُد ْن َك ُذِّرَّي ًة َ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اْل َمالئ َك ُة َو ُه َو َقائ ٌم ُي َ‬ ‫طّيَب ًة إَّن َك َسم ُ‬
‫يع ُّ‬ ‫ُهَنال َك َد َعا َزَك ِريَّا َرب ُ َ‬
‫ال َر ِّب أََّن ٰى َي ُكو ُن لِي‬ ‫َّللاِ وسِيداً وحصو اًر وَنِبياً ِمن َّ ِ ِ‬ ‫ِ ٍ ِ‬ ‫َّللا يب ِّشرك ِبيحيـى م ِ‬ ‫اْل ِم ْحر ِ‬
‫* َق َ‬ ‫ين‬
‫الصالح َ‬ ‫صّدقاً ِب َكل َمة ّم َن َّ َ َ ّ َ َ ُ َ ّ ّ َ‬ ‫َن َّ َ ُ َ ُ َ َ ْ َ ٰ ُ َ‬ ‫اب أ َّ‬ ‫َ‬
‫ال َآيتُ َك أَالَّ تُ َكِّلم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ال َك َذلِ َك َّ‬ ‫ِ‬ ‫وَق ْد بَل َغِني اْل ِكبر و ِ‬
‫اس‬
‫الن َ‬ ‫َ‬ ‫ال َر ِّب ْ‬
‫اج َع ْل ّلي َآي ًة َق َ‬ ‫آء * َق َ‬
‫َّللاُ َيْف َع ُل َما َي َش ُ‬ ‫ام َأرَتي َعاقٌر َق َ‬ ‫َُ َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُغالَ ٌم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّك َكثي اًر َو َسّب ْح باْل َعش ِي َواإل ْب َك ِار‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫أَيَّا ٍم إال َرْم اًز َوا ْذ ُكر َّرب َ‬ ‫ثَالَثَ َة‬

‫مقدماً للناس‪ ،‬إماماً‪ ،‬طلب من رّبه ولداً حقيقي ًا يقوم مقامه في‬
‫{هنالك دعا زكريا رّبه} كان زكريا شيخاً هرماً‪ ،‬وكان ّ‬
‫تربية الناس وهدايتهم كما أشار إليه في سورة (كهيعص) فوهب له يحيى من صلبه بالقدرة‪ ،‬بعدما أمر باعتكاف ثالثة‬
‫أن الطبيعة الجسمانية‪ ،‬أي‪ :‬القوة البدنية‪.‬‬
‫أيام ولك التأويل بالتطبيق على أحوالك وتفاصيل وجودك كما علمت‪ ،‬وهو ّ‬
‫امرأة عمران الروح نذرت ما في ّقوتها من النفس المطمئنة هلل تعالى بانقيادها ألمر الحق ومطاوعتها له‪ ،‬فوضعت‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫قدسية‪ ،‬فكلما دخل عليها زكريا الفكر محراب الدماغ‬
‫زكية‪ّ ،‬‬
‫أنثى النفس فكفلها هللا‪ ،‬زكريا الفكر‪ ،‬بعدما تقبلها لكونها ّ‬
‫الحدسية التي انكشفت عليها بصفائها من غير امتياز الفكر ّإياها‪ .‬فهنالك دعا زكريا‬
‫ّ‬ ‫وجد عندها رزقاً من المعاني‬
‫مقدساً عن لوث الطبيعية‪ ،‬فسمع هللا دعاءه‪ ،‬أي‪ :‬أجاب‪ ،‬فنادته‬
‫الفكر‪ ،‬تركيب تلك المعاني واستوهب من هللا ولداً طيباً ّ‬
‫مالئكة القوى الروحانية وهو قائم بأمره في تركيب المعلومات‪ ،‬يناجي رّبه باستنزال األنوار‪ّ ،‬‬
‫ويتقرب إليه بالتوجه إلى‬
‫عالم القدس في محراب الدماغ‪.‬‬

‫لتقدسه عن عالم األجرام‬


‫{مصدقاً} بعيسى القلب‪ ،‬مؤمناً به‪ ،‬وهو كلمة من هللا ّ‬
‫ّ‬ ‫{إن هللا يبشرك بيحيى} العقل بالفعل‬‫ّ‬
‫والتوّلد عن المو ّاد {وسيداً} لجميع أصناف القوى {وحصو اًر} مانعاً نفسه عن مباشرة الطبيعة الجسمانية ومالبسة طبائع‬

‫القوى البدنية ّ‬
‫{ونبياً} باإلخبار عن المعارف والحقائق الكلية‪ ،‬وتعليم األخالق الجميلة‪ ،‬والتدابير السديدة بأمر الحق‬

‫المجردات التي تصلح بأفعالها أن تكون من ّ‬


‫مقربي حضرة هللا تعالى بعد أن‬ ‫{من الصالحين}‪ .‬ومن جملة المفارقات و ّ‬
‫بلغ الفكر كبر منتهى طوره ولم يكن منتهياً إلى إدراك الحقائق القدسية‪ ،‬والمعارف الكلية‪ .‬وكانت امرأته التي هي‬
‫المجرد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تصرف الفكر عاق اًر بالنور‬
‫طبيعة الروح النفسانية ألنها محل ّ‬

‫الزكية‪ ،‬إمساكه عن مكالمة القوى البدنية في‬


‫المجرد وظهوره من النفس ّ‬ ‫ّ‬ ‫وعالمة ذلك‪ ،‬أي‪ :‬عالمة حصول النور‬
‫تام من أطوار عمره عشر‬‫كل يوم عقد ّ‬
‫تحصيل مطالبهم ومآربهم ومخالطتهم في فضول ل ّذاتهم وشهواتهم ثالثة أيام‪ّ ،‬‬
‫خفية‪ ،‬ويأمرهم بتسبيحهم المخصوص بكل واحد منهم من غير أن يدنو منهم في‬ ‫سنين‪ ،‬إال أن يرمز إليهم بإشارة ّ‬
‫مقاصدهم‪ ،‬وأن يشتغل في األيام الثالثة التي مداها ثالثون سنة من ابتداء ّ‬
‫سن التمييز‪ ،‬الذي هو العشر األول‪ ،‬بذكر‬
‫رّبه في محراب الدماغ والتسبيح المخصوص به دائماً‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 42‬الى اآلية ‪)46‬‬

‫اس ُج ِدي‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ين * ٰي َم ْرَي ُم ا ْقُنتي ل َرّبِك َو ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ط َّهرِك واص َ ِ‬
‫طَفـٰك َعَل ٰى ن َسآء اْل َعـَٰلم َ‬ ‫طَفـٰك َو َ َ َ ْ‬
‫َّللا اص َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ٰم ْرَي ُم إ َّن َّ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوإِ ْذ َقاَلت اْل َمالَئ َك ُة ي َ‬
‫يك وما ُك َ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِٰ ِ‬ ‫وارَك ِعي مع َّ ِ ِ‬
‫نت َل َد ْيه ْم إ ْذ ُيْلُقون أَْقالَ َم ُه ْم أَي ُ‬
‫ُّه ْم َي ْكُف ُل َم ْرَي َم َو َما ُك ْن َت‬ ‫ين * ذل َك م ْن أََنَبآء اْل َغ ْيب ُنوحيه إَل َ َ َ‬ ‫الراكع َ‬ ‫ََ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰم ْرَي ُم ِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يسى ْاب ُن َم ْرَي َم َوجيهاً في‬ ‫يح ع َ‬ ‫اس ُم ُه اْل َمس ُ‬
‫َّللاَ ُيَب ّش ُرك ب َكل َمة ّم ْن ُه ْ‬ ‫َل َد ْيه ْم إ ْذ َي ْختَص ُمو َن * إ ْذ َقاَلت اْل َمالئ َك ُة ي َ‬
‫الناس ِفي اْلمه ِد وَكهالً و ِمن َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬‫الصالح َ‬ ‫َْ َ ْ َ َ‬ ‫ِين * َوُي َكّل ُم َّ َ‬ ‫الد ْنَيا َواآلخ َرِة َو ِم َن اْل ُمَقَّرب َ‬
‫ُّ‬

‫لتنزهك عن الشهوات {وطهرك} عن‬ ‫وكذا قالت مالئكة القوى الروحانية لمريم النفس الزكية الطاهرة {إن هللا اص ِ‬
‫طفاك} ّ‬ ‫ْ‬
‫نساء} نفوس الشهوانية الملونة باألفعال الذميمة والملكات الرديئة‬ ‫ِ‬
‫رذائل األخالق والصفات المذمومة {واصطفاك على َ‬
‫الذل واالفتقار والعجز واالستغفار‬
‫اسجدي} في مقام االنكسار و ّ‬ ‫{يا َم ْريم} أطيعي لربك بوظائف الطاعات والعبادات {و ْ‬
‫اركعي} في مقام الخضوع والخشوع مع الخاضعين‪.‬‬
‫{و َ‬

‫وحيه ِ‬
‫إليك} يا نبي الروح {وما كنت َلديهم} لدى القوى الروحانية‬ ‫{ن ِ‬
‫ّ‬ ‫الغيب} أي‪ :‬أحوال غيب وجودك ُ‬ ‫أنباء َ‬
‫{ذلك من َ‬
‫َ‬
‫والنفسانية‪ ،‬أي‪ :‬في رتبتهم ومقامهم {إ ْذ يلقون أقالمهم أيهم َيكفل مريم} أي‪ :‬يتسابقون في سهامهم ويتبادرون في‬
‫حظوظهم أيهم يدبر مريم النفس ويكفلها بحسب رأيه ومقتضى طبعه يترأس عليها ويأمرها بما يراه من مصلحة أمره‬
‫{وما كنت َلديهم} في مقام الصدور الذي هو محل نزاع القوى الروحانية والنفسانية ومحل نزاعهم الذي هو الصدر {إ ْذ‬
‫صمون} يتنازعون ويتجاذبون في طلب الرياسة عند ظهوره قبل الرياضة وفي حالها‪ ،‬إذ غلبت مالئكة القوى‬ ‫ي ْختَ ِ‬
‫َ‬
‫الم ِسيح}‬
‫اسمه َ‬
‫{إن هللا ّ ِ‬
‫يبشرك ب َكلمة} القلب موهوباً {منه ُ‬ ‫الروحانية بتوفيق الحق بعد الرياضة‪ .‬وقالت لمريم النفس‪ّ :‬‬
‫ألنه يمسحك بالنور {وجيهاً في الدنيا} إلدراكه الجزئيات وتدبير مصالح المعاش أجود وأصفى وأصوب ما يكون‪،‬‬
‫ِ‬
‫وجن القوى الباطنة {و} في {اآلخ َرة} إلدراكه المعاني ّ‬
‫الكلية‬ ‫فيطيعه ويذعن له‪ ،‬ويحتشمه ويعظمه‪ ،‬أنس القوى الظاهرة ّ‬
‫القدسية وقيامه بتدبير المعاد والهداية إلى الحق‪ ،‬فنعطيه ملكوت سماء الروح‪ ،‬ونكرمه‪ .‬ومن جملة مقربي‬
‫ّ‬ ‫والمعارف‬
‫حضرة الحق قابالً لتجلياته ومكاشفاته {ويكلم الناس} في مهد البدن {وكهالً} بالغاً إلى قرب طور شيخ الروح‪ ،‬غالباً‬
‫عليه بياض نوره {ومن الصالحين} لمقام المعرفة‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 47‬الى اآلية ‪)51‬‬

‫ِ‬ ‫ال َك َذلِ َك َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ول َل ُه ُك ْن َفَي ُكو ُن‬ ‫ض ٰى أَ ْم اًر َفإَّن َما َيُق ُ‬ ‫آء ِإ َذا َق َ‬ ‫َّللاُ َي ْخلُ ُق َما َي َش ُ‬ ‫َقاَل ْت َر ّب أََّن ٰى َي ُكو ُن لي َوَلٌد َوَل ْم َي ْم َس ْسني َب َشٌر َق َ‬
‫ِك ْم أَِني أ ْ‬
‫َخُل ُق َل ُك ْم ِّم َن‬ ‫يل أَِّني َق ْد ِج ْئتُ ُك ْم ِب َآي ٍة ِّمن َّرّب ُ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫يل * َوَرُسوالً إَل ٰى َبني إ ْس َرائ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫ِ‬
‫* َوُي َعّل ُم ُه اْلكتَ َب َواْلح ْك َم َة َوالتَّ ْوَرَاة َواإل ْنج َ‬
‫َّللاِ َوأَُنِّبُئ ُك ْم ِب َما تَأ ُ‬ ‫ط ْي اًر ِبِإ ْذ ِن َّ ِ ِ‬
‫ُح ِي اْل َم ْوتَ ٰى ِبِإ ْذ ِن َّ‬ ‫َنفخ ِف ِ‬ ‫ين َكهيَئ ِة َّ‬ ‫ال ِّ‬
‫ْكُلو َن‬ ‫ص َوأ ْ‬ ‫ىء األَ ْك َم َه واأل َْب َر َ‬
‫َّللا َوأ ُْبر ُ‬ ‫يه َفَي ُكو ُن َ‬ ‫الط ْي ِر َفأ ُ ُ‬ ‫ط ِ َْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وما تََّد ِخرو َن ِفي بيوِت ُكم ِإ َّن ِفي ٰذلِك آلي ًة َّل ُكم ِإن ُكنتُم ُّمؤ ِمِنين * وم ِ ِ‬
‫صّدقاً ّل َما َب ْي َن َي َد َّي م َن التَّ ْوَراة َوألُح َّل َل ُكم َب ْع َ‬
‫ض‬ ‫َُ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ُُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫يم‬ ‫ِ‬
‫ط ُّم ْستَق ٌ‬
‫ِ‬
‫اعُب ُدوهُ َهـٰ َذا ص َار ٌ‬ ‫َّللاَ َرّبِي َوَرُّب ُك ْم َف ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ن‬
‫يعو * إ َّن َّ‬
‫َّللاَ َوأَط ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّال ِذي ُحّرَم َعَل ْي ُك ْم َوج ْئتُ ُك ْم ب َآية ّمن َّرّب ُ‬
‫ِك ْم َفاتُقوْا َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫رب أنى يكون لي ولد} تعجب النفس من حملها ووالدتها من غير أن يمسها بشر‪ ،‬أي من غير تربية شيخ‬ ‫{قالت ّ‬
‫وتعليم معلم بشري‪ ،‬وهو معنى بكارتها {قال كذلك هللا َيخلق ما َيشاء} أي‪ :‬يصطفي من شاء بالجذب والكشف ويهب‬
‫له مقام القلب من غير تربية وتعليم كما هو حال المحبوبين وبعض المحبين‪.‬‬

‫{ويعّلمه} بالتعليم الرباني‪ ،‬كتاب العلوم المعقولة‪ ،‬وحكم الشرائع‪ ،‬ومعارف الكتب اإللهية من التوراة واإلنجيل‪ ،‬أي‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫المستعدين الروحانيين من أسباط يعقوب الروح {أني قد ج ْئتكم بآية من رّبكم}‬ ‫{ورُسوالً} إلى‬
‫ّ‬ ‫معارف الظاهر والباطن َ‬
‫المستعدين الناقصين‬
‫ّ‬ ‫تدل على أني آتيكم من عنده {أني أخلق لكم} بالتربية والتزكية والحكمة العملية من طين نفوس‬‫ّ‬
‫شدة الشوق {فأنفخ فيه} من نفث العلم اإللهي ونفس الحياة الحقيقية‬ ‫{كهيئة الطير} الطائر إلى جناب القدس من ّ‬
‫ّ‬
‫الحق {وأ ُْب ِر ُ‬
‫ئ األكمه}‬ ‫ّ‬ ‫حية طائرة بجناح الشوق والهمة إلى جناب‬ ‫بتأثير الصحبة والتربية {فيكون َ‬
‫طي اًر} أي‪ :‬نفساً ّ‬
‫المحجوب عن نور الحق الذي لم تنفتح عين بصيرته قط ولم تبصر شمس وجه الحق وال نوره ولم يعرف أهل بكحل‬
‫ومحبة الدنيا ولوث الشهوات بطب النفوس‬‫ّ‬ ‫نور الهداية {واأل َْب َرص} المعيوب نفسه بمرض الرذائل والعقائد الفاسدة‬
‫ِ‬
‫{بإذن هللا وأُنبئكم بما تأكلون} تتناولون من مباشرة الشهوات والل ّذات {وما ّتدخرون‬ ‫ُحيي} موتى الجهل بحياة العلم‬
‫{وأ ْ‬
‫ومصدقاً لما بين يدي‬
‫ّ‬ ‫{إن في ذلك آلية لكم إن كنتم مؤمنين‬
‫النيات ّ‬
‫في ُبُيوتكم} أي‪ :‬في بيوت غيوبكم من الدواعي و ّ‬
‫{وجئتكم بآية} بدليل {من‬
‫ُ‬ ‫حرم عليكم} من أنوار الباطن‬
‫من التوراة} أي‪ :‬من توراة علم الظاهر {وألحل لكم بعض الذي َ‬
‫رّبكم} هو التوحيد الذي لم يخالفني فيه نبي قط {فاتّقوا هللا} في مخالفتي‪ ،‬فإني على الحق {وأطيعو ِن} في دعوتكم إلى‬
‫ّ‬
‫التوحيد ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 52‬الى اآلية ‪)55‬‬

‫اش َه ْد ِبأََّنا ُم ْسلِ ُمو َن‬ ‫اَّللِ َو ْ‬


‫آمَّنا ِب َّ‬ ‫َّللاِ َقال اْلحو ِاريُّون نحن أَنصار َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫َنصارِي ِإَلى َّ َ َ َ َ َ ْ ُ ْ َ ُ‬ ‫ال َم ْن أ َ‬
‫ِ‬
‫يس ٰى م ْن ُه ُم اْل ُكْف َر َق َ‬
‫ِ‬
‫َح َّس ع َ‬ ‫َفَل َّمآ أ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرسول َفا ْكتُبنا مع َّٰ ِ‬
‫َّللاُ‬
‫ال َّ‬‫ين * إ ْذ َق َ‬ ‫َّللاُ َخ ْي ُر اْل َماك ِر َ‬
‫َّللاُ َو َّ‬ ‫الش ِهد َ‬
‫ين * َو َم َك ُروْا َو َم َك َر َّ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َنزَل َت َواتََّب ْعَنا َّ ُ َ‬ ‫آمَّنا ِب َمآ أ َ‬
‫* َربََّنآ َ‬
‫ام ِة ثُ َّم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َكَف ُروْا إَل ٰى َي ْو ِم اْلقَي َ‬
‫َّ ِ‬
‫وك َف ْو َق الذ َ‬ ‫ين اتََّب ُع َ‬
‫ِ َّ ِ‬
‫ين َكَف ُروْا َو َجاع ُل الذ َ‬
‫ط ِهر ِ َّ ِ‬
‫ك م َن الذ َ‬
‫ِ‬
‫يك َوَراف ُع َك ِإَل َّي َو ُم َ ّ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يس ٰى ِإّني ُمتَ َوّف َ‬ ‫يٰع َ‬
‫ِ‬
‫ِإَلي مرِجع ُكم َفأَح ُكم بين ُكم ِفيما ُكنتم ِف ِ‬
‫يه تَ ْخَتلُِفو َن‬ ‫َّ َ ْ ُ ْ ْ ُ َ ْ َ ْ َ ُ ْ‬

‫{الكفر} االحتجاب واإلنكار والمخالفة {قال َم ْن أنصاري إلى هللا} أي‪:‬‬


‫أحس عيسى} القلب من القوى النفسانية ُ‬
‫{فلما ّ‬
‫القوة الروحانية نصرته عليهم في التوجه إلى هللا {قال الحواريون} أي‪ :‬صفوته وخالصته من الروحانيات‬
‫اقتضى من ّ‬
‫بأنا ُم ْسلِمون} مذعنون منقادون {ربنا آمنا‬
‫وبالتنور بنور الروح {وأشهد ّ‬
‫ّ‬ ‫{نحن أنصار هللا آمنا باهلل} باالستدالل‬
‫ُ‬ ‫المذكورة‬
‫اهدين} الحاضرين لك‪ ،‬المراقبين ألمرك‪ ،‬أو‬ ‫بما أنزلت} من علم التوحيد وفيض النور {واتبعنا الرسول فاكتُبنا مع الش ِ‬
‫َْ‬ ‫َْ‬
‫من الشاهدين على وحدانيتك‪.‬‬

‫{ومكر هللا} بتغليب الحجج العقلية‪،‬‬


‫{وم َكروا} أي‪ :‬األوهام والخياالت في اغتيال القلب وإهالكه بأنواع التسويالت َ‬
‫َ‬
‫والبراهين القاطعة عن تخيالتها وتشكيكاتها ورفع عيسى القلب إلى سماء الروح‪ ،‬وألقى شبهه على النفس ليقع اغتيالهم‬
‫{ورافعك إلي} أي‪ :‬إلى‬
‫إلي من بينهم َ‬ ‫{وهللا خير الماكرين} إذا غلب مكره‪ .‬وقال لعيسى‪{ :‬إني ُمتَوفيك} أي‪ :‬قابضك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سماء الروح في جواري {ومطهرك من} رجز جوار {الذين كفروا} من القوى الخبيثة ومكرهم وخبث صحبتهم {وجاعل‬
‫اتبعوك} من الروحانيين {فوق الذين كفروا} من النفسانيات إلى يوم القيامة الكبرى والوصول إلى مقام الوحدة‬
‫الذين ُ‬
‫{ثم} يومئذ {إلي مرجعكم فأحكم بينكم} بالحق {فيما كنتم فيه تختلفون} قبل الوحدة من التجاذب والتنازع الواقع من‬
‫ّ‬
‫مقره هناك وأعطيه ما يليق به من عندي فيرتفع التخالف والتنازع‪.‬‬
‫فأقر كالً في ّ‬
‫القوى‪ّ .‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 56‬الى اآلية ‪)58‬‬

‫الصالِح ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُع ِّذُب ُه ْم َع َذاباً َش ِديداً ِفي ُّ‬ ‫َفأ َّ َّ ِ‬
‫ات‬ ‫آمُنوا َو َعمُلوْا َّ َ‬ ‫ين * َوأَ َّما الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫الد ْنَيا َواآلخ َرِة َو َما َل ُه ْم ّمن َّناص ِر َ‬ ‫ين َكَف ُروْا َفأ َ‬
‫َما الذ َ‬
‫ات َوال ِّذ ْك ِر اْل َح ِكي ِم‬
‫الظالِ ِمين * ٰذلِك ن ْتُلوه عَليك ِمن اآلي ِ‬
‫َ َ ُ ََْ َ َ‬ ‫َ‬
‫َّللا الَ ي ِح ُّب َّ‬
‫ورُه ْم َو َّ ُ ُ‬ ‫ُج َ‬ ‫َفُيوِّف ِ‬
‫يه ْم أ ُ‬ ‫َ‬

‫{فأما الذين كفروا فأعذبهم عذاباً شديداً} بالحرمان عن مقام القلب‪ ،‬واالحتجاب بهيئات أعمالهم {وأما الذين آمنوا} من‬
‫ّ‬
‫الروحانيات {وعملوا الصالحات} من أنواع التزكية والتحلية والتصفية في إعانة القلب على النفس ومتابعته في التوجه‬
‫إلى الحق {فيوفيهم أجورهم} من األنوار القدسية واإلشراقات الروحية عليهم {وهللا ال يحب} الذين ينقصون األجور من‬
‫الحقوق‪.‬‬

‫فشبه لهم صورة جسدانية هي مظهر‬ ‫وأما التأويل بغير التطبيق‪ ،‬فهو أنهم مكروا ببعث من يغتال عيسى عليه السالم‪ّ ،‬‬
‫عيسى روح هللا عليه السالم بصورة حقيقة عيسى‪ ،‬فظنوها عيسى فقتلوها وصلبوها‪ ،‬وهللا رفع عيسى عليه السالم إلى‬

‫السماء الرابعة لكون روحه عليه السالم فائضاً من روحانية الشمس‪ ،‬ولم يعلموا لجهالتهم ّ‬
‫أن روح هللا ال يمكن قتله‪.‬‬
‫السماوي"‪ ،‬أي‪ :‬أتطهر من عالم الرجس‪ ،‬وأتصل‬
‫ّ‬ ‫ولما تيقن حاله قبل الرفع قال ألصحابه‪" :‬إني ذاهب إلى أبي وأبيكم‬
‫فأمدكم من فيضه‪ .‬وكان‬
‫بروح القدس الواهب الصور‪ ،‬المفيض لألرواح والكماالت‪ ،‬المربي للناس بالنفث في الروح‪ّ ،‬‬
‫بالتفرق بعده في البالد والدعوة إلى الحق‪ ،‬فقالوا‪ :‬كيف ذاك إذا‬
‫ّ‬ ‫إذ ذاك ال تقبل دعوته وال يتبع مثله‪ ،‬فأمر الحواريين‬
‫لم تكن معنا؟ واآلن أنت بين أظهرنا وال تجاب دعوتنا؟ قال‪" :‬عالمة إمدادي ّإياكم قبول الخلق دعوتكم بعدي"‪ .‬فلما‬
‫ُرِف َع لم يدع أصحابه أحداً إال أجابهم‪ ،‬وظهر لهم القبول في الخلق‪ ،‬وعلت كلمتهم‪ ،‬وانتشر دينهم في أقطار األرض‪.‬‬
‫عرج بمحمد صلى هللا عليه وسلم إليها‪ ،‬المعبر عنها بـ "سدرة المنتهى" أعني‪:‬‬
‫ولما لم يصل إلى السماء السابعة التي ّ‬
‫مقام النهاية في الكمال‪ ،‬ولم ينل درجة المحبة‪ ،‬لم يكن له بد من النزول مرة أخرى في صورة جسمانية‪ ،‬يتبع المّلة‬
‫المحمدية لنيل درجتها‪ ،‬وهللا أعلم بحقائق األمور‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 59‬الى اآلية ‪)60‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َل ُه ُكن َفَي ُكو ُن * اْل َح ُّق من َّرِّب َك َفالَ تَ ُك ْن ّمن اْل ُم ْمتَ ِر َ‬
‫ين‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ َّن مَثل ِعيس ٰى ِع َند َّ ِ ِ‬
‫َّللا َك َمَثل َء َاد َم َخَلَق ُه من تَُراب ثُ َّم َق َ‬ ‫َ َ َ‬

‫إن صفته عند هللا في إنشائه بالقدرة من غير أب {كمثل آدم} في إنشائه من غير أبوين‪ .‬واعلم‬
‫{إن مثل عيسى} أي‪ّ :‬‬
‫لتكون اإلنسان من غير األبوين نظي اًر من عالم الحكمة‪ ،‬فإن كثي اًر‬
‫أن عجائب القدرة ال تنقضي وال قياس ثمة على أن ّ‬
‫ّ‬
‫من الحيوانات الناقصة الغريبة الخلقة تتولد خلقاً في ساعة‪ ،‬ثم تتناسل وتتوالد‪ ،‬فكذا اإلنسان‪ ،‬يمكن حدوثه بالتولد في‬
‫أحر كثي اًر من مني المرأة‪ ،‬وفيه القوة العاقدة‬ ‫مني الرجل ّ‬ ‫التكون من غير أب‪ ،‬فإن‬‫دور من األدوار‪ ،‬ثم بالتولد‪ ،‬وكذا ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫مني المرأة أقوى‪ ،‬كما في اللبن فإذا اجتمعا ّ‬
‫تم العقد وانعقد‪،‬‬
‫ّ‬
‫أقوى كما في األنفحة بالنسبة إلى الجبن‪ ،‬والمنعقدة في‬
‫ويتكون الجنين‪ .‬فيمكن وجود مزاج إناثي قوي يناسب المزاج الذكوري كما يشاهد في كثير من النسوان‪ ،‬فيكون المتولد‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫قوي الح اررة‪ ،‬والمتولد في‬ ‫ِ‬
‫مني الذكر لفرط ح اررته بمجاورة الكبد ل َمن مزاج كبدها صحيح ّ‬ ‫ّ‬
‫في كليتها اليمنى بمثابة‬
‫كليتها اليسرى بمثابة مني األنثى فإذا احتملت المرأة الستيالء صورة ذكورية على خيالها في النوم واليقظة بسبب‬
‫ّ‬
‫اتصال روحها بروح القدس وبملك آخر‪ ،‬ومحاكاة الخيال‪ ،‬ذلك كما قال تعالى‪َ{ :‬فتَ َمَّث َل َل َها َب َش اًر َس ِوّيا} [مريم‪ ،‬اآلية‪:‬‬
‫المنيان من الجانبين إلى الرحم فتكون في المنصب من الجانب األيمن ّقوة العقد أقوى‪ ،‬وفي المنصب من‬ ‫‪ ]17‬سبق ّ‬
‫{ك ْن َفَيكون} إشارة إلى نفخ الروح وكونه من‬
‫فيتكون الجنين ويتعلق به الروح‪ .‬وقوله‪ُ :‬‬
‫الجانب األيسر ّقوة االنعقاد‪ّ ،‬‬
‫عالم األمر ليس مسبوقاً بمادة ومدة‪ ،‬كخلق الجسد‪ ،‬فيتناسب آدم وعيسى بما ذكر في اشتراكهما في خرق العادة‬
‫وبكون جسديهما مخلوقين من تراب العناصر‪ ،‬مسبوقين بمادة ومدة وكون روحهما مبدعاً من عالم األمر ليس مسبوقاً‬
‫بمادة ومدة ‪.‬‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 61‬الى اآلية ‪)63‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وأ َْنُف َس ُك ْم ثُ َّم‬ ‫آء ُك ْم َوأ َْنُف َسَنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يه ِمن بع ِد ما جآء ِ ِ‬ ‫آجك ِف ِ‬
‫آءَنا َون َس َ‬‫آء ُك ْم َون َس َ‬ ‫آءَنا َوأ َْبَن َ‬
‫ك م َن اْلعْل ِم َفُق ْل تَ َعاَل ْوْا َن ْدعُ أ َْبَن َ‬‫َْ َ َ َ َ‬ ‫َف َم ْن َح َّ َ‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اْل َعز ُيز اْل َحك ُ‬ ‫ص اْل َح ُّق َو َما ِم ْن ِإَلـ ٍٰه ِإالَّ َّ‬
‫َّللاُ َوِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َل ُهَو‬ ‫ص ُ‬ ‫ِ‬
‫ين * إ َّن َهـٰ َذا َل ُه َو اْلَق َ‬
‫ِ‬ ‫نبت ِهل َفنجعل َّلعنت َّ ِ‬
‫َّللا َعَلى اْل َكاذِب َ‬ ‫َْ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ‬
‫ِِ‬ ‫* َفِإن تَوَّلوْا َفِإ َّن َّ ِ‬
‫يم ِباْل ُمْفسد َ‬
‫ين‬ ‫َّللاَ َعل ٌ‬ ‫َْ‬

‫حاجك ِفيه} أي‪ :‬في عيسى‪ ،‬اآلية‪ .‬إن لمباهلة األنبياء تأثي اًر عظيماً سببه اتصال نفوسهم بروح القدس وتأييد‬
‫َ‬ ‫{فمن‬
‫هللا إياهم به‪ ،‬وهو المؤثر بإذن هللا في العالم العنصري فيكون انفعال العالم العنصري منه كانفعال بدننا من روحنا‬
‫تحرك األعضاء عند حدوث‬ ‫بالهيئات الواردة عليه كالغضب والحزن والفكر في أحوال المعشوق وغير ذلك من ّ‬
‫اإلرادات والعزائم وانفعال النفوس البشرية منه كانفعال حواسنا وسائر قوانا من هيئات أرواحنا‪ .‬فإذا اتصل نفس قدسي‬
‫ّ‬
‫به أو ببعض أرواح أجرام السماوية والنفوس الملكوتية كان تأثيرها في العالم عند التوجه االتصالي تأثير ما يتصل به‬
‫فتنفعل أجرام العناصر والنفوس الناقصة اإلنسانية منه بما أراد‪ .‬ألم تر كيف انفعلت نفوس النصارى من نفسه عليه‬
‫السالم بالخوف وأحجمت عن المباهلة وطلبت الموادعة بقبول الجزية‪{ .‬وما من إله إالّ هللا} أي‪ :‬ليس عيسى من‬
‫تجرد ذاته‪ ،‬فإن عالم الملكوت والجبروت كله كذلك ‪.‬‬
‫اإللهية في شيء‪ ،‬فال يستحق العبادة بمجرد ّ‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 64‬الى اآلية ‪)80‬‬

‫ضَنا َب ْعضاً أ َْرَباباً ِّمن‬ ‫ِ‬ ‫َّللا والَ ن ْش ِر ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫َهل اْل ِكتَ ِ‬
‫ك ِبه َش ْيئاً َوالَ َيتَّخ َذ َب ْع ُ‬ ‫اب تَ َعاَل ْوْا ِإَل ٰى َكل َمة َس َوآء َب ْيَنَنا َوَب ْيَن ُك ْم أَال َن ْعُب َد ِإال َّ َ َ ُ َ‬ ‫ُق ْل ٰيأ ْ َ‬
‫اإلن ِجيل ِإالَّ‬
‫وراةُ َو ْ ُ‬
‫اهيم ومآ أ ِ ِ‬
‫ُنزَلت التَّ َ‬
‫اب لِم تُح ُّ ِ ِ ِ‬
‫آجو َن في إ ْب َر َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫َهل اْل ِكتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ َفِإن تََوَّل ْوْا َفُقوُلوْا ْ‬
‫اش َه ُدوْا بأََّنا ُم ْسل ُمو َن * ٰيأ ْ َ‬ ‫ُدو ِن َّ‬
‫يما َل ْي َس َل ُك ْم ِب ِه ِعْل ٌم َو َّ‬
‫َّللاُ َي ْعَل ُم َوأ َْنتُ ْم الَ‬ ‫الء حاججتُم ِفيما َل ُكم ِب ِه ِعلم َفلِم تُح ُّ ِ‬
‫آجو َن ف َ‬ ‫ٌ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من َب ْعده أََفالَ تَ ْعقُلو َن * ٰهأ َْنتُ ْم َه ُؤ َ َ ْ ْ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫الن ِ‬ ‫ين * ِإ َّن أ َْوَلى َّ‬ ‫ودياً والَ نصرِانياً وَل ِكن َكان حِنيفاً ُّمسلِماً وما َك ِ‬ ‫ِ‬ ‫تَعَلمون * ما َك ِ ِ‬
‫اس‬ ‫ان م َن اْل ُم ْش ِرِك َ‬ ‫ْ ََ َ‬ ‫َ َ‬ ‫يم َي ُه ّ َ َ ْ َ ّ َ‬ ‫ان إ ْب َراه ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ُ َ‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َه ِل اْلكتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ون ُك ْم َو َما‬
‫اب َل ْو ُيضل َ‬ ‫ين * َوَّدت طآئَف ٌة ّم ْن أ ْ‬ ‫َّللاُ َولِ ُّي اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫آمُنوْا َو َّ‬
‫ين َ‬ ‫النِب ُّي َوالذ َ‬
‫ين اتََّب ُعوهُ َو َهـٰ َذا َّ‬
‫يم َللذ َ‬ ‫بإ ْب َراه َ‬
‫اب لِ َم َتْلِب ُسو َن اْل َح َّق‬‫َهل اْل ِكتَ ِ‬ ‫ات َّ ِ‬
‫اب لِم تَ ْكُفرون ِبآي ِ‬ ‫َهل اْل ِكتَ ِ‬ ‫ِ ُّ ِ َّ‬
‫َّللا َوأ َْنتُ ْم تَ ْش َه ُدو َن * ٰيأ ْ َ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫ُيضلو َن إال أ َْنُف َس ُه ْم َو َما َي ْش ُع ُرو َن * ٰيأ ْ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ط ِآئَف ٌة ِمن أَه ِل اْل ِكتَ ِ ِ‬ ‫اط ِل وتَ ْكتُمو َن اْلح َّق وأ َْنتُم تَعَلمو َن * وَقاَل ْت َّ‬ ‫ِباْلب ِ‬
‫الن َه ِار‬
‫آمُنوْا َو ْج َه َّ‬
‫ين َ‬ ‫اب آمُنوْا ِبالذي أُْن ِزَل َعَلى الذ َ‬ ‫ّْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ ْ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫َحٌد ِّم ْث َل َمآ أُوِتيتُ ْم أ َْو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آخ َرهُ َل َعَّل ُه ْم َي ْرِج ُعو َن * َوالَ تُ ْؤ ِمُنوْا ِإالَّ لِ َمن تَِب َع د َين ُك ْم ُق ْل ِإ َّن اْل ُه َد ٰى ُه َدى َّ‬
‫وا ْكُفروْا ِ‬
‫َّللا أَن ُي ْؤتَى أ َ‬ ‫َ ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َّللاُ ُذو‬
‫آء َو َّ‬ ‫َّللا و ِاسع علِيم * يخت ُّ ِ ِ ِ‬ ‫ِكم ُقل ِإ َّن اْلَفضل ِبي ِد َّ ِ ِ ِ‬ ‫آج ُ ِ‬
‫ص ب َر ْح َمته َمن َي َش ُ‬ ‫َ َْ‬ ‫َّللا ُي ْؤتيه َمن َي َشآ ُء َو َّ ُ َ ٌ َ ٌ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫وك ْم ع َند َرّب ُ ْ ْ‬ ‫ُي َح ُّ‬
‫ط ٍار ُي َؤِّدِه ِإَل ْي َك َو ِم ْن ُه ْم َّم ْن ِإن تَ ْأ َم ْن ُه ِب ِد َين ٍار الَّ ُي َؤِّدِه ِإَل ْي َك ِإالَّ َما‬ ‫َه ِل اْل ِك ٰتَ ِب َم ْن ِإن تَأ َْم ْن ُه ِبِق ْن َ‬ ‫ِ‬
‫ض ِل اْل َعظي ِم * َو ِم ْن أ ْ‬ ‫اْلَف ْ‬
‫َّللاِ اْل َك ِذ َب َو ُه ْم َي ْعَل ُمو َن * َبَل ٰى َم ْن أ َْوَف ٰى‬ ‫يل َوَيُقوُلو َن َعَلى َّ‬ ‫ين َسِب ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِٰ‬
‫ُد ْم َت َعَل ْيه َقآئماً ذل َك ِبأََّن ُه ْم َقاُلوْا َل ْي َس َعَل ْيَنا في األ ُّمِّي َ‬
‫َّللاِ وأَيم ِان ِهم َثمناً َقلِيالً أُوَلـِٰئك الَ َخالَق َلهم ِفي ِ‬
‫اآلخ َرِة َوالَ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِبعه ِدِه واتََّقى َفِإ َّن َّ ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ين َي ْشتَ ُرو َن ب َع ْهد َّ َ ْ َ ْ َ‬ ‫ين * ِإ َّن الذ َ‬ ‫َّللاَ ُيح ُّب اْل ُمتَّق َ‬ ‫َْ َ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يهم وَلهم ع َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ظر ِإَلي ِهم يوم اْلِقي ِ‬ ‫ُي َكِّل ُم ُه ُم َّ‬
‫يم * َوِإ َّن م ْن ُه ْم َلَف ِريقاً َيْلُوو َن أَْلسَنتَ ُه ْم باْلكتَاب لتَ ْح َسُبوهُ‬ ‫اب أَل ٌ‬ ‫امة َوالَ ُي َزّك ِ ْ َ ُ ْ َ ٌ‬ ‫َّللاُ َوالَ َين ُ ُ ْ ْ َ ْ َ َ َ‬
‫َّللاِ اْل َك ِذ َب َو ُه ْم َي ْعَل ُمو َن *‬ ‫َّللاِ َوَيُقوُلو َن َعَلى َّ‬ ‫َّللاِ َو َما ُه َو ِم ْن ِع ِند َّ‬ ‫اب َوَيُقوُلو َن ُه َو ِم ْن ِع ِند َّ‬ ‫اب وما ُهو ِم َن اْل ِكتَ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫م َن اْلكتَ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫اس ُكونوْا ِعباداً ِّلي ِمن دو ِن َّ ِ‬ ‫ما َكان لِب َش ٍر أَن يؤِتيه َّ ِ ٰ‬
‫ين ِب َما‬ ‫َّللا َوَلـٰ ِكن ُك ُ‬
‫ونوْا َرَّبـٰنِّي َ‬ ‫ُ‬ ‫ول ل َّلن ِ ُ َ‬
‫النبَّوَة ثُ َّم يُق ِ‬
‫َ َ‬ ‫َّللاُ اْلكتَ َب َواْل ُح ْك َم َو ُّ ُ‬ ‫ُْ ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫ْم ُرُكم ِباْل ُكْف ِر َب ْع َد ِإ ْذ أ َْنتُ ْم‬ ‫ُكنتُم تُ َعّلِمو َن اْل ِك ٰتَ َب وبِما ُك ْنتُم تَ ْد ُرسو َن * والَ َيأْم َرُكم أَن تَتَّ ِخ ُذوْا اْلمالَِئ َك َة و َِّ ِ‬
‫النبّي ْي َن أ َْرَباباً أََيأ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ُ‬
‫ُّم ْسلِ ُمو َن‬

‫وبينكم} أي‪ :‬لم يختلف في كلمة التوحيد نبي وال كتاب قط {وما كان لبشر أن ُي ْؤتيه هللا} اآلية‪ .‬االستنباء‬
‫بيننا َ‬
‫{سواء َ‬
‫ال يكون إال بعد مرتبة الوالية والفناء في التوحيد‪ .‬ما ينبغي لبشر محا هللا بشريته بإفنائه عن نفسه وأثابه وجوداً نورانياً‬
‫حّقانياً قابالً للكتاب والحكمة اإللهية‪ ،‬ثم يدعو الخلق إلى نفسه‪ ،‬إذ الداعي إلى نفسه يكون محجوباً بالنفس كفرعون‬
‫وأضرابه من الذين علموا التوحيد وما وجدوه حاالً وذوقاً‪ ،‬ولم يصلوا إلى العيان ونفوسهم باقية ما ذاقت طعم الفناء‪،‬‬
‫"شر الناس من قامت‬
‫فاحتجبوا بها‪ ،‬فدعوا الخلق إلى نفوسهم وهم ممن قال فيهم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ّ :‬‬
‫الرب الستيالء الربوبية عليهم وطمس البشرية‬
‫حي"‪{ .‬ولكن} يقول {كونوا ربانيين} منسوبين إلى ّ‬ ‫القيامة عليه وهو‬
‫ّ‬
‫بسبب كونهم عالمين عاملين معلمين تالين لكتب هللا‪ ،‬أي‪ :‬كونوا عابدين مرتاضين بالعلم والعمل والمواظبة على‬
‫الطاعات حتى تصيروا ربانيين بغلبة النور على الظلمة {وال يأمركم} بتعبد معين والتقيد بصورة‪ ،‬فإنه حجاب وكفر وال‬
‫يأمر النبي صلى هللا عليه وسلم باالحتجاب بعد إسالمكم الوجود هلل‪.‬‬
‫ّ‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 81‬الى اآلية ‪)81‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِ ِِ‬ ‫اب و ِح ْكم ٍة ثُ َّم جآء ُكم رسول ُّم ِ ِ‬‫ِ ِ ٍ‬ ‫اق َِّ ِ‬ ‫وإِ ْذ أَخ َذ َّ ِ‬
‫نص ُرَّن ُه َق َ‬
‫ال‬ ‫صّد ٌق ّل َما َم َع ُك ْم َلتُ ْؤمُن َّن به َوَلتَ ُ‬‫َ َ ْ َُ ٌ َ‬ ‫النبّي ْي َن َل َمآ آتَْيتُ ُكم ّمن كتَ َ َ‬ ‫َّللاُ ميثَ َ‬ ‫َ َ‬
‫اشهدوْا وأَن ْا مع ُكم ِمن َّ ِ ِ‬ ‫ِٰ ِ‬
‫ين‬
‫الشاهد َ‬ ‫ال َف ْ َ ُ َ َ َ َ ْ ّ َ‬ ‫صرِي َقاُلوْا أَ ْق َرْرَنا َق َ‬ ‫أَأَ ْق َرْرتُ ْم َوأ َ‬
‫َخ ْذتُ ْم َعَل ٰى ذل ُك ْم إ ْ‬

‫ميثاق النبيين} إلى آخره‪ ،‬إن بين النبيين تعارفاً أز ّلياً بسبب كونهم أهل الصف األول‪ ،‬عرفاء هللا‪ ،‬وكل‬
‫َ‬ ‫أخذ هللا‬
‫{وإذ َ‬
‫عام لبني آدم‪ ،‬كما ذكر‪ ،‬وعهد النبيين خاص بهم‬
‫عارف يعرف مقام سائر العرفاء ومتعهدهم من هللا بعهد التوحيد ّ‬
‫ُّك ِمن َبِني َآدم}‬ ‫َخ َذ َرب َ‬ ‫{وِإ ْذ أ َ‬
‫وبمن يعرفهم بحق المتابعة‪ ،‬فقد أخذ هللا من النبيين عهدين أحدهما ما ذكر في قوله‪َ :‬‬
‫النِبِّي ْي َن ِميثَاَق ُه ْم َو ِم ْن َك َو ِمن ُّنو ٍح‬
‫َخ ْذَنا ِم َن َّ‬
‫{وإِ ْذ أ َ‬
‫[األعراف‪ ،‬اآلية‪ ]172 :‬إلى آخره‪ .‬وثانيهما ما ذكر في قوله تعالى‪َ :‬‬
‫َخ ْذَنا ِم ْن ُه ْم ِّميثَاقاً َغلِيظا} [األحزاب‪ ]7 :‬وهو عهد التعارف بينهم‪ ،‬وإقامة الدين‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يسى ْاب ِن َم ْرَي َم َوأ َ‬
‫وس ٰى َوع َ‬
‫يم َو ُم َ‬
‫َوإِ ْب َراه َ‬
‫التفرق به بتصديق بعضهم بعضاً ودعوة الحق إلى التوحيد‪ ،‬وتخصيص العبادة باهلل تعالى‪ ،‬وطاعة النبي صلى‬ ‫وعدم ّ‬
‫هللا عليه وسلم‪ ،‬وتعريف بعضهم بعضاً إلى أممهم وخصوصه بسبب أن معرفة هللا تعالى في صورة التفاصيل‪ ،‬وحجب‬
‫الصفات‪ ،‬وتكثر المظاهر أدق وأخفى من معرفته في عين الجمع وهم من رزق حق المتابعة عارفون بذلك وبأحكام‬
‫تجليات الصفات التي هي الشرائع خاصة دون من عداهم‪.‬‬
‫ّ‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 82‬الى اآلية ‪)84‬‬

‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين َّ ِ‬


‫اسُقو َن * أََف َغ ْي َر ِد ِ‬ ‫َفمن تَوَّلى بعد ٰذلِك َفأُوَلـِٰئك هم اْلَف ِ‬
‫ط ْوعاً َوَك ْرهاً‬
‫ض َ‬ ‫َّللا َي ْب ُغو َن َوَل ُه أ َْسَل َم َمن في َّ َ َ َ‬ ‫َ ْ َ ٰ َ ْ َ َ ْ َ ُُ‬
‫اط َو َما أُوِتي‬‫اعيل وإِسحاق ويعُقوب واألَسب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وإَِلي ِه يرجعون * ُقل آمَّنا ِب َّ ِ‬
‫َ‬ ‫يم َوإِ ْس َم َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ ْ َ‬ ‫اَّلل َو َمآ أُنزَل َعَل ْيَنا َو َمآ أُنزَل َعَل ٰى إ ْب َراه َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ ُْ َ ُ َ‬
‫َح ٍد ِّم ْن ُه ْم َوَن ْح ُن َل ُه ُم ْسلِ ُمو َن‬ ‫النِبيُّو َن ِمن َّرّب ِِه ْم الَ ُنَفّر ُ‬
‫ِق َب ْي َن أ َ‬ ‫يس ٰى َو َّ‬ ‫ِ‬
‫وس ٰى َوع َ‬
‫ُم َ‬

‫{فمن تولى بعد ذلك} أي‪ :‬بعدما علم عهد هللا مع النبيين وتبليغ األنبياء إليه ما عهد هللا إليهم {فأولئك هم الفاسقون}‬

‫الخارجون عن دين هللا وال دين غيره معتد به في الحقيقة إال توهماً {أفغير دين هللا َي ْبغون} ّ‬
‫وكل من في السموات‬
‫ط ْوعاً} كما عدا اإلنسان والشيطان {وكرهاً} كاإلنسان والشيطان إذ الكفر ال يسع موجوداً سواهما‪،‬‬‫واألرض يدين بدينه { َ‬
‫فكلهم ممتثلون لما أمرهم هللا‪ ،‬طائعون‪ .‬واإلنسان الحتجابه بإرادته ونسيانه عهد هللا وقبوله لدعوة الشيطان لمناسبته‬
‫اللهم إال من عصمه هللا واجتباه‪ ،‬والشيطان الحتجابه بعجبه وأنيته‬
‫إياه بالظلمة النفسانية ال يؤمن وال ينقاد إال كرهاً‪ّ ،‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫في قوله‪{ :‬أََن ْا َخ ْيٌر ِّم ْنه} [األعراف‪ ،‬اآلية‪ ]12 :‬وإبائه‪ ،‬واستكباره كفر‪ ،‬وهو مع ذلك يعلم عصيانه ويؤمن كرهاً‪،‬‬
‫ال‬ ‫نس ِ‬ ‫ان ِإ ْذ َق ِ ِ‬ ‫طِ‬ ‫{كمَث ِل َّ‬
‫ان ا ْكُف ْر َفَل َّما َكَف َر َق َ‬ ‫ال لإل َ‬
‫َ‬ ‫الش ْي َ‬ ‫ويتحقق أن كفره بإرادته تعالى وذلك عين اإليمان‪ ،‬كما قال تعالى‪َ َ :‬‬
‫َّن َلهم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِإِّني ب ِريء ِم ِ‬
‫ال‬
‫َع َماَل ُه ْم َوَق َ‬
‫ان أ ْ‬‫طُ‬ ‫الش ْي َ‬ ‫{وإِ ْذ َزي َ ُ ُ‬
‫َّللاَ َر َّب اْل َعاَلمين} [الحشر‪ ،‬اآلية‪ ،]16 :‬وقال تعالى‪َ :‬‬
‫اف َّ‬ ‫نك ِإّني أ َ‬
‫َخ ُ‬ ‫َ ٌ ّ َ‬
‫يء ِّم ْن ُك ْم ِإَّني أ ََر ٰى َما الَ‬ ‫ان ن َكص عَلى عِقبي ِه وَق ِِ‬ ‫اس وإِِّني جار َّل ُكم َفَل َّما تَر ِ ِ‬ ‫الَ َغالِ َب َل ُكم اْلَي ْوم ِم َن َّ ِ‬
‫ال إّني َب ِر ٌ‬ ‫آءت اْلفَئتَ ِ َ َ َ ٰ َ َ ْ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ٌَ ْ‬ ‫الن َ‬ ‫ُ َ‬
‫ضي األ َْم ُر ِإ َّن‬ ‫طان َل َّما ُق ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ي‬‫الش‬
‫ََ َ ْ َ ُ‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫{و‬ ‫آخر‪:‬‬ ‫موضع‬ ‫وفي‬ ‫]‪،‬‬ ‫‪48‬‬ ‫اآلية‪:‬‬ ‫[األنفال‪،‬‬ ‫اب}‬ ‫ق‬‫اف َّ َ َ َّ ُ َ ُ ْ َ‬
‫ع‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫يد‬ ‫د‬ ‫ش‬ ‫َّللا‬‫و‬ ‫َّللا‬ ‫َخ ُ‬ ‫تَ َرْو َن ِإَّني أ َ‬
‫وموِني‬ ‫ِ‬ ‫ط ٍ ِ َّ‬‫ان لِ َي َعَل ْي ُك ْم ِّمن ُسْل َ‬ ‫َّللاَ َو َع َد ُك ْم َو ْع َد اْل َح ِّق َوَو َعدتُّ ُك ْم َفأ ْ‬
‫استَ َج ْبتُ ْم لي َفالَ َتُل ُ‬‫ان إال أَن َد َع ْوتُ ُك ْم َف ْ‬ ‫َخَلْفتُ ُك ْم َو َما َك َ‬ ‫َّ‬
‫َش َرْكتُ ُمو ِن ِمن َقْبل} [إبراهيم‪ ،‬اآلية‪ ،]22 :‬فهذه‬ ‫ص ِرِخ َّي ِإِّني َكَف ْر ُت ِب َمآ أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َنفس ُكم َّمآ أََن ْا ِبم ِ‬
‫ص ِرخ ُك ْم َو َمآ أَنتُ ْم ب ُم ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫وموْا أ ُ َ ْ‬ ‫َوُل ُ‬
‫الكل عند‬ ‫اآليات دالة على إيمانه ولكن حين ال ينفعه {وإليه ترجعون} في العاقبة‪ ،‬فال يبقى دين غير دين هللا بل ّ‬
‫الرجوع يدين بدينه‪.‬‬

‫وليس دين لغير الحق مشروع‬ ‫كل يدين بدين الحق لو فطنوا‬
‫ّ‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 85‬الى اآلية ‪)90‬‬

‫يم ِان ِه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ف َي ْه ِدي َّ‬


‫َّللاُ َق ْوماً َكَف ُروْا َب ْع َد إ َ‬ ‫ين * َك ْي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإل ْسالَ ِم ديناً َفَل ْن ُيْقَب َل م ْن ُه َو ُه َو في اآلخ َرِة م َن اْل َخاس ِر َ‬ ‫ومن َي ْبتَ ِغ َغ ْي َر ِ‬
‫ََ‬
‫الئ َكةِ‬
‫َّللاِ واْلم ِ‬ ‫ِ‬ ‫آؤ ُه ْم أ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َشه ُدوْا أ َّ‬
‫َن َعَل ْيه ْم َل ْعَن َة َّ َ َ‬ ‫ين * أ ُْوَلـٰئ َك َج َز ُ‬ ‫َّللاُ الَ َي ْهدي اْلَق ْوَم الظالم َ‬ ‫ات َو َّ‬‫آء ُه ُم اْلَبّيَن ُ‬
‫ول َح ٌّق َو َج َ‬
‫الرُس َ‬
‫َن َّ‬
‫ِ ِٰ‬ ‫ِ‬ ‫َّ َّ ِ‬ ‫اس أَجم ِعين * َخالِ ِد ِ‬
‫َصَل ُحوْا َفِإ َّن‬‫ين تَ ُابوْا من َب ْعد ذل َك َوأ ْ‬ ‫ظ ُرو َن * ِإال الذ َ‬ ‫اب َوالَ ُه ْم ُين َ‬
‫ف َع ْن ُه ُم اْل َع َذ ُ‬ ‫يها الَ ُي َخَّف ُ‬‫ين ف َ‬ ‫َ‬ ‫الن ِ ْ َ َ‬ ‫َو َّ‬
‫يم ِان ِه ْم ثُ َّم ْازَد ُادوْا ُكْف اًر َّلن تُْقَب َل تَ ْوَبتُ ُه ْم َوأ ُْوَلـِٰئ َك ُه ُم َّ‬
‫الض ُّآلو َن‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم * ِإ َّن الذ َ‬
‫ين َكَف ُروْا َب ْع َد إ َ‬ ‫ور َّرح ٌ‬
‫هللا َغُف ٌ‬

‫{ومن يبتغ غير اإلسالم ديناً} المراد من اإلسالم ههنا‪ :‬التوحيد الذي هو دين هللا في قوله‪{ :‬أ َْسَل ْم ُت َو ْج ِهي هلل} وهو‬
‫المذكور في اآلية التي قبلها‪ ،‬وما وصف شموله لجميع األديان ويلزمه االنقياد التام الطوعي المذكور في فاصلة اآلية‬
‫{وَن ْح ُن َل ُه ُم ْسلِ ُمون} [البقرة‪{ ،]133 :‬فلن ُيقبل منه} لعدم وصول دينه إلى الحق تعالى لمكان الحجاب {وهو‬
‫بقوله‪َ :‬‬
‫في اآلخرة من الخاسرين} الذين خسروا باشترائهم أنفسهم وما حجبوا به بالحق‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{كيف َي ْهدي هللا َقوماً} إلى آخره‪ ،‬أنكر هدايته تعالى لقوم قد هداهم أوالً بالنور االستعدادي إلى اإليمان‪ ،‬ثم بالنور‬
‫َ‬
‫انضم إليه االستدالل العقلي‬
‫حقية الرسول صلى هللا عليه وسلم وأيقنوا بحيث لم يبق لهم شك‪ ،‬و ّ‬ ‫اإليماني إلى أن عاينوا ّ‬
‫ّ‬
‫بالبينات ثم ظهرت نفوسهم بعد هذه الشواهد كلها بالعناد واللجاج وحجبت أنوار قلوبهم وعقولهم وأرواحهم الشاهدة‬
‫األمارة عليهم الذي هو غاية الظلم‪ ،‬فقال‪{ :‬وهللا ال يهدي القوم‬
‫وقوة استيالء نفوسهم ّ‬
‫ثالثتها بالحق للحق لشؤم ظلمهم ّ‬
‫الظالمين} لغلظ حجابهم وتعمقهم في البعد عن الحق‪ ،‬وقبول النور وهم قسمان‪ :‬قسم رسخت هيئة استيالء النفوس‬
‫األمارة على قلوبهم فيهم وتمكنت وتناهوا في الغي واالستشراء‪ ،‬وتمادوا في البعد والعناد‪ ،‬حتى صار ذلك ملكة ال‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫تزول‪ ،‬وقسم لم يرسخ ذلك فيهم بعد ولم يصر على قلوبهم ريناً‪ ،‬ويبقى من وراء حجاب النفس مسكة من نور‬
‫استعدادهم عسى أن تتداركهم رحمة من هللا وتوفيق‪ ،‬فيندموا ويستحيوا بحكم غريزة العقول‪ .‬فأشار إلى القسم األول‬
‫أصَلحوا} بالمواظبة‬
‫بقوله‪{ :‬إن الذين كفروا بعد إيمانهم} إلى آخره‪ .‬وإلى الثاني بقوله‪{ :‬إالّ الذين تابوا من بعد ذلك و ْ‬
‫على األعمال والرياضات ما أفسدوا‪.‬‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 96‬الى اآلية ‪)97‬‬

‫آمناً وََّّللِ‬
‫ٰت َّمَقام ِإب ٰرِهيم ومن دخَله َكان ِ‬ ‫* ِف ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ضع لِ َّلن ِ َّ ِ‬‫ٍ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َْ َ َ َ َ َ ُ َ‬ ‫َبِّيَنـ ٌ‬ ‫يه َء َٰاي ٌت‬ ‫اس َللذي ِبَب َّك َة ُمَب َاركاً َو ُه ًدى ّلْل َعاَلم َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫إ َّن أََّو َل َب ْيت ُو َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫اْل َٰعَلم َ‬ ‫هللا َغِن ٌّي َع ِن‬ ‫طاعَ ِإَل ْي ِه َسِبيالً َو َمن َكَف َر َفِإ َّن‬ ‫ِ‬ ‫الن ِ ِ‬
‫اس ح ُّج اْلَب ْيت َم ِن ْ‬
‫استَ َ‬ ‫َعَلى َّ‬

‫ض َع للناس} قيل‪ :‬هو ّأول بيت ظهر على وجه الماء عند خلق السماء واألرض‪ ،‬خلقه قبل األرض‬ ‫{إن أول بيت و ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫يت األرض تحته‪ .‬فالبيت إشارة إلى القلب الحقيقي‪ ،‬وظهوره على‬
‫ّ‬ ‫فد ِح َ‬
‫بألفي عام‪ ،‬وكان زبدة بيضاء على وجه الماء‪ُ ،‬‬
‫ّ‬
‫وجه الماء تعلقه بالنطفة عند سماء الروح الحيواني‪ ،‬وأرض البدن وخلقه قبل األرض إشارة إلى قدمه‪ ،‬وحدوث البدن‬
‫ّ‬
‫تقدماً بالرتبة‪ ،‬إذ األلف رتبة تامة‬
‫تقدمه على البدن بطورين‪ :‬طور النفس‪ ،‬وطور القلب‪ّ .‬‬
‫بألفي عام إشارة إلى ّ‬ ‫وتعيينه‬
‫ّ‬
‫تكون البدن من‬
‫كما سبقت اإلشارة إليه‪ ،‬وكونه زبدة بيضاء إشارة إلى صفاء جوهره‪ ،‬ودحو األرض تحته إشارة إلى ّ‬
‫تأثير‪ ،‬وكون أشكاله وتخطيطاته وصور أعضائه تابعة لهيئاته فهذا تأويل الحكاية‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يتكون من‬
‫واعلم أن محل تعلق الروح بالبدن‪ ،‬واتصال القلب الحقيقي به أوالً هو القلب الصوري‪ ،‬وهو أول ما ّ‬
‫األعضاء‪ ،‬وأول عضو يتحرك وآخر عضو يسكن فيكون أول بيت وضع للناس {للذي ِبَب ّكة} الصدر صورة أو ّأول‬
‫المعنوي‪ ،‬وذلك الصدر أشرف مقام من النفس وموضع‬‫ّ‬ ‫متعبد ومسجد وضع للناس للقلب الحقيقي الذي ببكة الصدر‬
‫فإن جميع‬
‫القوة والحياة‪ّ ،‬‬
‫{مَباركاً} ذا بركة إلهية من الفيض المتصل منه بجميع الوجود و ّ‬‫ازدحامات القوى المتوجهة إليه ُ‬
‫للعاَلمين} سبب هداية ونور يهتدى به إلى هللا {فيه آيات بينات}‬
‫دى َ‬ ‫القوى التي في األعضاء تسري منه أوالً إليها ُ‬
‫{وه ً‬
‫محل اتصال‬ ‫ِ‬
‫من العلوم والمعارف والح َكم والحقائق {مَقام إبراهيم} أي‪ :‬العقل الذي هو موضع قدم إبراهيم الروح‪ ،‬يعني ّ‬
‫نوره من القلب {ومن َد َخله} من السالكين والمتحيرين في بيداء الجهاالت {كان آمناً} من إغواء سعالى المتحيلة‪،‬‬
‫وجن الخياالت‪ ،‬واغتيال سباع القوى النفسانية وصفاتها‪.‬‬
‫وعفاريت أحاديث النفس‪ ،‬واختطاف شياطين الوهم‪ّ ،‬‬

‫المستعدين الصادقين في‬ ‫طاع ِ‬


‫إليه َسبيالً} من السالكين‪،‬‬
‫ّ‬ ‫{البيت} والطواف به {من استَ َ َ‬
‫حج} هذا َ‬
‫{وهلل على الناس ّ‬
‫اإلرادة‪ ،‬القادرين على زاد التقوى‪ ،‬وراحلة ّقوة العزم دون من عداهم من الضعاف في االستعداد‪ ،‬القاعدين من الضعف‬
‫والمرض وسائر الموانع الخلقية أو العارضة النفسانية أو البدنية {ومن َكَف َر} أي‪ :‬حجب استعداده مع القدرة وأعرض‬
‫العالمين} كلهم‪ ،‬أي‪ :‬ال يلتفت إليه لبعده وكونه غير قابل لرحمته في‬ ‫غني} عنه و ِ‬
‫{عن َ‬ ‫عنه بهوى النفس ّ‬
‫{فإن هللا ٌّ‬
‫ذل الحجاب‪ ،‬وهو أن الحرمان مخذوالً مردوداً ‪.‬‬
‫ّ‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 98‬الى اآلية ‪)102‬‬

‫َّللاِ َم ْن‬
‫يل َّ‬ ‫اب لِم تَصُّدو َن َعن سِب ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫َهل اْل ِكتَ ِ‬
‫َّللاُ َشه ٌيد َعَلى َما تَ ْع َمُلو َن * ُق ْل ٰيأ ْ َ‬
‫َّللاِ و َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َه َل اْلكتَاب ل َم تَ ْكُف ُرو َن ب َآيات َّ َ‬ ‫ُق ْل ٰيأ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا ِبغ ِاف ٍل ع َّما تَعمُلون * ٰيأَي َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب‬
‫ين أُوتُوْا اْلكتَ َ‬ ‫آمُنوْا ِإن تُط ُ‬
‫يعوْا َف ِريقاً ّم َن الذ َ‬ ‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫آء َو َما َّ ُ َ‬ ‫ون َها ع َوجاً َوأ َْنتُ ْم ُش َه َد ُ‬
‫آم َن تَْب ُغ َ‬
‫َ‬
‫اَّللِ َفَق ْد ُه ِد َي ِإَل ٰى‬ ‫يكم رسوُله ومن يعتَ ِ‬
‫صم ِب َّ‬ ‫َّللا َوِف ُ ْ َ ُ ُ َ َ َ ْ‬
‫وكم بعد ِإيم ِان ُكم َك ِاف ِرين * وَكيف ت ْكُفرون وأَنتم ت ْتَلى عَلي ُكم آيات َّ ِ‬
‫َ ْ َ َ ُ َ َ ْ ُْ ُ ٰ َ ْ ْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َي ُرُّد ُ َ ْ َ َ ْ‬
‫َّللاَ َح َّق تَُق ِات ِه َوالَ تَ ُموتُ َّن ِإالَّ َوأ َْنتُ ْم ُّم ْسلِ ُمو َن‬
‫آمُنوْا اتَُّقوْا َّ‬
‫ين َ‬
‫اط ُّمستَِقي ٍم * ٰيأَي َّ ِ‬
‫ُّها الذ َ‬ ‫َ‬ ‫ص َر ْ‬
‫ِ ٍ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫صر ٍ‬
‫اط ُم ْستقيم} إذ الصراط‬ ‫ِ‬ ‫{ومن َي ْعتصم ِباهلل} باالنقطاع عما سواه‪ ،‬والتمسك بالتوحيد‬
‫الحقيقي {فقد ُهدي إلى َ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫صر ٍ‬
‫اط ُّم ْستَِقيم} [هود‪ ،‬اآلية‪ ،]56 :‬فمن انقطع إليه بالفناء‬ ‫ِ‬
‫المستقيم هو طريق الحق تعالى‪ ،‬كما قال‪ِ{ :‬إ َّن َرّبِي َعَل ٰى َ‬
‫حق اتقائه هو أن يتقى كما يجب‪،‬‬
‫حق تُقاته} في بقايا وجودكم‪ ،‬فإن ّ‬
‫في الوحدة كان صراطه صراط هللا {اتقوا هللا ّ‬
‫كل ما فات‬
‫ويحق وهو الفناء فيه‪ ،‬أي‪ :‬اجعلوه وقاية لكم في الحذر عن بقايا ذواتكم وصفاتكم‪ ،‬فإن في هللا خلفاً عن ّ‬
‫وتن} إال على حال إسالم الوجوه له‪ ،‬أي‪ :‬ليكن موتكم هو الفناء في التوحيد ‪.‬‬
‫{وال تَ ُم ّ‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 103‬الى اآلية ‪)105‬‬

‫َصَب ْحتُ ْم ِبِن ْع َمِت ِه ِإ ْخَواناً‬‫َب ْي َن ُقُلوبِ ُك ْم َفأ ْ‬ ‫ف‬ ‫َّللاِ عَلي ُكم ِإ ْذ ُك ْنتُم أَعد َّ‬
‫آء َفأَل َ‬ ‫ْ َْ ً‬
‫ِ‬
‫َّللا َجميعاً َوالَ َتَفَّرُقوْا َوا ْذ ُك ُروْا ن ْع َم َت َّ َ ْ ْ‬
‫ِبحب ِل َّ ِ ِ‬
‫َْ‬
‫واعتَ ِ‬
‫ص ُموْا‬ ‫َ ْ‬
‫ُم ٌة َي ْد ُعو َن ِإَلى‬ ‫* َوْلتَ ُكن ِّم ْن ُك ْم أ َّ‬ ‫َّللاُ َل ُك ْم َآي ِات ِه َل َعَّل ُك ْم تَ ْهتَ ُدو َن‬
‫الن ِار َفأَنَق َذ ُك ْم ِّم ْن َها َك ٰذلِ َك ُيَبِّي ُن َّ‬
‫َشَفا ُحْف َرٍة ِّم َن َّ‬
‫َوُك ْنتُ ْم َعَل ٰى‬
‫اخَتَلُفوْا ِمن َب ْع ِد َما‬
‫ين تََفَّرُقوْا َو ْ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْم ُرو َن ِباْل َم ْع ُروف َوَي ْن َه ْو َن َع ِن اْل ُم ْن َك ِر َوأ ُْوَلـٰئ َك ُه ُم اْل ُمْفلِ ُحو َن * َوالَ تَ ُك ُ‬
‫ونوْا َكالذ َ‬ ‫اْل َخ ْي ِر َوَيأ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‬
‫اب َعظ ٌ‬ ‫آء ُه ُم اْلَبِّيَن ُ‬
‫ات َوأ ُْوَلـٰئ َك َل ُه ْم َع َذ ٌ‬ ‫َج َ‬
‫ِكم} [األعراف‪ ،‬اآلية‪ ]172 :‬مجتمعين على التوحيد {وال‬‫بحْبل هللا َجميعاً} أي‪ :‬بعهده في قوله‪{ :‬أََل ْس ُت ِب َرّب ُ‬
‫صموا َ‬
‫اعتَ ُ‬
‫{و ْ‬
‫التفرق عن الحق إنما يكون باختالف الطبائع واتباع الهوى وتجاذب القوى‪ ،‬والموحد‬ ‫تُفرقوا} باختالف األهواء‪ ،‬فإن ّ‬
‫تنور قلبه بنور الحق واستنارت نفسه من فيض القلب فتسالمت القوى وتصادقت‪{ .‬وا ْذكروا ِن ْع َم َة هللا‬ ‫عنها بمعزل‪ ،‬إذ ّ‬
‫أع َداء} الحتجابكم بالحجب النفسانية والغواشي‬
‫َعليكم} بالهداية إلى التوحيد المفيد للمحبة في القلوب {إذ ُك ْنتم ْ‬
‫الطبيعية‪ُ ،‬ب َع َداء عن النور والمقاصد الكلية التي تقبل الشركة وتزال باالتفاق في مهوى الظلمة {فأّلف َ‬
‫بين ُقُلوبكم}‬
‫لتتنور بنوره {فأصبحتُم ِبِن ْعمته إخواناً} في الدين‪ ،‬أصدقاء في هللا {وكنتم على َشَفا ُحْفرة من النار} هي‬
‫بالتحاب في هللا ّ‬
‫ّ‬
‫{فأنقذكم منها} بالتواصل الحقيقي بينكم إلى سدرة مقام الروح‪ ،‬وروح‬
‫ُ‬ ‫مهوى الطبيعة الفاسقة ومحل الحرمان والتعذيب‬
‫ّ‬
‫يبين هللا لكم آياته} بتجليات الصفات اللطيفة واإلشراقات النورية {لعلكم تَ ْهتدون} إلى جماله وتجلي‬
‫جنة الذات {كذلك ّ‬
‫ذاته‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{ولتكن منكم أمة َي ْدعون إلى ال َخ ْير} أي‪ :‬ليكن من جملتكم جماعة عالمون‪ ،‬عاملون‪ ،‬عارفون‪ ،‬أولو استقامة في الدين‬

‫كشيوخ الطريقة {يدعو َن إلى َ‬


‫الخير} فإن من لم يعرف هللا لم يعرف الخير‪ ،‬إذ الخير المطلق هو الكمال المطلق الذي‬
‫يمكن لإلنسان بحسب النوع من معرفة الحق تعالى‪ ،‬والوصول إليه‪ ،‬واإلضافي ما يتوصل به إلى المطلق أو الكمال‬
‫المدعو إليه‪ ،‬إما الحق تعالى‪ ،‬وإما طريق‬
‫ّ‬ ‫بكل أحد على حسب اقتضاء استعداده الخاص‪ .‬فالخير‬
‫المخصوص ّ‬
‫الوصول‪.‬‬

‫محرم أو مكروه يبعد عن هللا‬


‫كل ّ‬ ‫يتقرب به إلى هللا تعالى‪ ،‬والمنكر ّ‬
‫والمعروف كل أمر واجب أو مندوب في الدين‪ّ ،‬‬
‫تعالى ويجعل فاعله عاصياً أو مقص اًر مذموماً‪ .‬فمن لم يكن له التوحيد واالستقامة‪ ،‬لم يكن له مقام الدعوة وال مقام‬
‫األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬ألن غير الموحد ربما يدعو إلى طاعة غير هللا وغير المستقيم فى الدين وإن‬
‫كان موحداً ربما أمر بما هو معروف عنده‪ ،‬منكر في نفس األمر وربما نهى عما هو منكر عنده‪ ،‬معروف في نفس‬
‫التصرف في‬
‫محرماً كبعض المسكرات و ّ‬ ‫يستحل ّ‬
‫ّ‬ ‫األمر‪ ،‬كمن بلغ مقام الجمع واحتجب بالحق عن الخلق‪ ،‬فكثي اًر ما‬
‫ويحرم حالالً بل مندوباً كتواضع الخلق ومكافأة اإلحسان وأمثال ذلك {وأولئك ُهم} األخصاء بالفالح‪،‬‬
‫أموال الناس‪ّ ،‬‬
‫الذين لم يبق لهم حجاب وهم خلفاء هللا في أرضه ‪.‬‬

‫{وال تكونوا} ناشئين بمقتضى طباعكم غير متابعين إلمام وال متفقين على كلمة واحدة باتباع مقدم يجمعكم على طريقة‬
‫اءهم} الحجج العقلية والشرعية الموجبة التحاد‬
‫واحدة {كالذين تفرقوا} واتبعوا األهواء والبدع {واختلفوا من بعد ما َج َ‬
‫متفرقة‪ ،‬وعادات وسي اًر متفاوتة‪ ،‬مستفادة من أمزجتهم‬
‫الوجهة‪ ،‬واتفاق الكلمة‪ .‬فإن للناس طبائع وغرائز مختلفة وأهواء ّ‬
‫وأهويتهم‪ ،‬ويترتب على ذلك فهوم متباينة‪ ،‬وأخالق متعادية‪ ،‬فإن لم يكن لهم مقتدى وإمام تتحد عقائدهم وسيرهم‬
‫متفرقين فرائس للشيطان كشريدة‬
‫وآراؤهم بمتابعته‪ ،‬وتتفق كلماتهم وعاداتهم وأهواؤهم بمحبته وطاعته كانوا مهملين ّ‬
‫الغنم تكون للذئب‪ ،‬ولهذا قال أمير المؤمنين علي عليه السالم‪" :‬ال ّبد للناس من إمام ّبر أو فاجر"‪ .‬ولم يرسل نبي هللا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صلى هللا عليه وسلم رجلين فصاعداً لشأن إال وأمر أحدهما على اآلخر وأمر اآلخر بطاعته ومتابعته ليتحد األمر‬
‫اختل نظام المعاش والمعاد ‪.‬‬
‫وينتظم‪ ،‬وإال وقع الهرج والمرج‪ ،‬واضطراب أمر الدين والدنيا‪ ،‬و ّ‬

‫قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬من فارق الجماعة قيد شبر لم ير بحبوحة ّ‬
‫الجنة"‪ .‬وقال صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫"هللا مع الجماعة"‪ .‬أال ترى أن الجمعية اإلنسانية إذا لم تنضبط برياسة القلب وطاعة العقل كيف اختل نظامها وآلت‬
‫صر ِ‬
‫اطي ُم ْستَِقيم ًا َفاتَِّب ُعوهُ َوالَ تَتَِّب ُعوْا‬ ‫ِ‬ ‫{وأ َّ‬ ‫إلى الفساد و ّ ق‬
‫َن َهـٰ َذا َ‬ ‫التفر الموجب لخسارة الدنيا واآلخرة‪ ،‬ولما نزل قوله تعالى‪َ :‬‬
‫طاً فقال‪" :‬هذا سبيل‬ ‫ط رسول هللا صلى هللا عليه وسلم خ ّ‬ ‫السُب َل َفتََفَّر َق ِب ُك ْم َعن َسِبيلِه} [األنعام‪ ،‬اآلية‪ .]153 :‬خ ّ‬
‫ُّ‬
‫كل سبيل شيطان يدعوه إليه"‬
‫ط عن يمينه وشماله خطوطاً فقال‪" :‬هذه سبل ّ‬
‫الرشد"‪ ،‬ثم خ ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫‪".‬‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 106‬الى اآلية ‪)109‬‬

‫اب ِب َما ُك ْنتُ ْم تَ ْكُف ُرو َن * َوأ َّ‬


‫َما‬ ‫َما َّال ِذين اسوَّد ْت وجوههم أَ ْكَفرتُم بعد ِإ ِ‬ ‫ض ُو ُجوهٌ َوتَ ْس َوُّد ُو ُجوهٌ َفأ َّ‬
‫يمان ُك ْم َف ُذوُقوْا اْل َع َذ َ‬
‫ُ ُ ُُ ْ ْ ْ ََْ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َي ْوَم تَْبَي ُّ‬
‫َّللا ي ِريد ُ ِ ِ‬ ‫َّللاِ هم ِفيها خالِدون * ِتْلك آيات َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين‬
‫ظْلماً ّلْل َعاَلم َ‬ ‫وها َعَل ْي َك ِباْل َح ِّق َو َما َّ ُ ُ ُ‬ ‫َّللا َن ْتُل َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫وه ُه ْم َفِفي َر ْح َمة َّ ُ ْ َ َ ُ َ‬ ‫ض ْت ُو ُج ُ‬ ‫ين ْابَي َّ‬‫الذ َ‬
‫ض وإَِلى َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫* وََّّللِ ما ِفي َّ ِ‬
‫ور‬
‫َّللا تُ ْر َج ُع األ ُُم ُ‬ ‫الس َٰم َٰوت َو َما في األ َْر ِ َ ٰ‬ ‫َ َ‬

‫تنور وجه القلب بنور الحق للتوجه إليه واإلعراض عن‬


‫وجوه} ابيضاض الوجه عبارة عن ّ‬ ‫وجوه وتَسود ُ‬
‫{يوم تبيض ُ‬
‫بتنور النفس أيضاً بنور القلب‪ .‬فتكون‬
‫الجهة السفلية النفسانية المظلمة‪ ،‬وذاك ال يكون إال بالتوحيد واالستقامة فيه ّ‬
‫متنورة بنور هللا واسوداده ظلمة وجه القلب باإلقبال على النفس الطالبة حظوظها واإلعراض عن الجهة النورّية‬
‫الجملة ّ‬
‫{فأما‬
‫المتفرقة الشيطانية‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫الحقية لمصادقة النفس ومتابعة الهوى في تحصيل لذاتها‪ ،‬وذلك إنما يكون باتباع السبل‬
‫ّ‬
‫{أكَف ْرتم بعد إيمانكم} أي‪ :‬احتجبتم عن نور الحق بصفات النفس الظلمانية‪ ،‬وسكنتم‬
‫اسودت وجوههم} فيقال لهم‪َ :‬‬
‫الذين ّ‬
‫وتنوركم بنور االستعداد‪ ،‬وصفاء الفطرة وهداية العقل {فذوقوا} عذاب الحرمان باحتجابكم عن‬
‫في ظلماتها بعد هدايتكم ّ‬
‫ابيض ْت وجوههم ففي رحمة هللا} التي هي روح الوصال ونور القدس وشهود الجمال {هم فيها‬
‫الحق {وأما الذين ّ‬
‫خالدون}‪.‬‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 110‬الى اآلية ‪)111‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اَّللِ وَلو آم َن أَ ْهل اْل ِكتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُكنتم خير أ َّ ٍ‬
‫ان َخ ْي اًر‬
‫اب َل َك َ‬ ‫ُ‬ ‫ْم ُرو َن باْل َم ْع ُروف َوتَْن َه ْو َن َع ِن اْل ُم ْن َك ِر َوتُ ْؤمُنو َن ب َّ َ ْ َ‬
‫ُخ ِر َج ْت ل َّلناس تَأ ُ‬ ‫ُمة أ ْ‬ ‫ْ ُْ َ َْ‬
‫نص ُرو َن‬
‫وك ُم األَْدَب َار ثُ َّم الَ ُي َ‬ ‫وك ْم ِإالَّ أَ ًذى َوإِن ُيَق ِاتُل ُ‬
‫وك ْم ُيَوُّل ُ‬ ‫ضُّر ُ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ل ُه ْم ّم ْن ُه ُم اْل ُم ْؤ ِمُنو َن َوأَ ْكثَ ُرُه ُم اْلَفاسُقو َن * َلن َي ُ‬

‫الم ْنكر} إذ ال يقدر‬ ‫بالم ْعروف وتَْن َهون عن ُ‬ ‫{تأمرون َ‬‫أمة} لكونكم موحدين‪ ،‬قائمين بالعدل الذي هو ظله ُ‬ ‫خير ّ‬
‫{ك ْنتم َ‬
‫ُ‬
‫طا} [البقرة‪،‬‬
‫ُم ًة َو َس ً‬ ‫مر في تأويل قوله‪َ { :‬وَك َذلِ َك َج َعْلَن ُ‬
‫اك ْم أ َّ‬ ‫على ذلك إال الموحد العادل لعلمه بالمعروف والمنكر‪ ،‬كما ّ‬
‫اآلية‪ .] 143 :‬قال أمير المؤمنين عليه السالم‪" :‬نحن النمرقة الوسطى‪ ،‬بنا يلحق التأويل‪ ،‬وإلينا يرجع الغالي"‪.‬‬
‫فيأمرون المقصر بالمعروف الذي يوصله إلى مقام التوحيد‪ ،‬وينهون الغالي المحجوب بالجمع عن التفصيل وبالوحدة‬

‫عن الكثرة‪{ .‬وتُ ْؤمنون باهلل} أي‪ :‬تثبتون في مقام التوحيد الذي هو الوسط‪ ،‬وكذا في ّ‬
‫كل تفريط وإفراط واعتدال في باب‬
‫األخالق {ولو آمن أهل الكتاب} لكانوا مثلكم‪.‬‬

‫يضروكم إال أذى} لكونهم منقطعين عن أصل القوى والقدر‪ ،‬كائنين في األشياء بالنفس التي هي محل العجز‬ ‫{لن ّ‬
‫الشر‪ ،‬وأنتم معتصمون باهلل‪ ،‬معتضدون به‪ ،‬كائنون في األشياء بالحق الذي هو منبع القهر‪ .‬فقدرتهم ال تبلغ إال ّ‬
‫حد‬ ‫و ّ‬
‫حد قدرة النفس ونهايتها‪ ،‬وقدرتكم تفوق ّ‬
‫كل قدرة بالقهر واالستئصال‬ ‫الطعن باللسان والخبث واإليذاء الذي هو ّ‬
‫التصافكم بصفات هللا تعالى‪ ،‬فال جرم ينهزمون منكم عند المقاتلة وال ينصرون‪.‬‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 112‬الى اآلية ‪)112‬‬

‫ض ِرَب ْت َعَل ْي ِه ُم اْل َم ْس َكَن ُة‬ ‫اس وبآءوا ِبغض ٍب ِمن َّ ِ‬ ‫َّللاِ َو َحْب ٍل ِّم َن َّ‬
‫ض ِرَب ْت َعَل ْي ِه ُم ال ِّذَّل ُة أ َْي َن َما ثُِقُفوْا ِإالَّ ِب َحْب ٍل ِّم َن َّ‬
‫َّللا َو ُ‬ ‫الن ِ َ َ ُ َ َ ّ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬
‫َّللا وَيْقُتُلو َن األ َْنِبَي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِٰ ِ‬
‫آء ب َغ ْي ِر َح ٍّق ذل َك ب َما َع َ‬
‫ص ْوْا َّوَك ُانوْا َي ْعتَُدو َن‬
‫َ‬ ‫ذل َك بأََّن ُه ْم َك ُانوْا َي ْكُف ُرو َن ب َآيات َّ َ‬
‫ِ‬
‫العزة هلل جميعاً‪ ،‬فال نصيب فيها ألحد إال لمن تخّلق بصفاته بمحو صفات البشرية‪،‬‬ ‫{ض ِرَب ْت عليهم الذلة} ّ‬
‫ألن ّ‬ ‫ُ‬
‫{وََِّّللِ اْل ِعَّزةُ َولِ َرُسولِ ِه َولِْل ُم ْؤ ِمِنين} [المنافقون‪ ،‬اآلية‪،]8 :‬‬
‫عزته‪ ،‬كما قال هللا تعالى‪َ :‬‬
‫كالرسول والمؤمنين الذين هم مظاهر ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫العزة‪ ،‬مباين لألعزاء‪ ،‬فتلزمه الذّلة وتشمله على أي حال يكون‪ ،‬إال برابطة ما بينه وبين‬
‫مضاد لصفة ّ‬
‫ّ‬ ‫فمن خالفهم فهو‬
‫ذمة وعهد‪ ،‬وذلك يكون أم اًر عارضياً ال أصل له مرتبطاً‬
‫أهل الع ّزة كقوله‪{ :‬إال بحبل من هللا وحبل من الناس} أي‪ّ :‬‬
‫برابطة مجعولة فال تقابل صفتهم الذاتية الالزمة لهم التي هي الذّلة الناشئة من أصل نفوسهم‪ .‬واستحقوا غضباً شديداً‬
‫من عند هللا لبعدهم وإعراضهم عن الحق‪ ،‬ولزمتهم المسكنة النقطاعهم عن هللا إلى نفوسهم فوكلهم إلى أنفسهم ‪.‬‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 113‬الى اآلية ‪)117‬‬

‫اللي ِل وهم يسجدون * يؤ ِمنون ِب َّ ِ‬ ‫ات َّ ِ‬


‫ُم ٌة َق ِآئم ٌة ي ْتُلون آي ِ‬ ‫َليسوْا سو ِ‬
‫ْم ُرو َن‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َواْلَي ْو ِم اآلخ ِر َوَيأ ُ‬ ‫ُْ ُ َ‬ ‫آء َّْ َ ُ ْ َ ْ ُ ُ َ‬
‫َّللا َآن َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫َه ِل اْل ِكتَ ِ‬
‫اب أ َّ‬ ‫آء ّم ْن أ ْ‬ ‫ُْ ََ ً‬
‫ين * َو َما َيْف َعُلوْا ِم ْن َخ ْي ٍر َفَل ْن ُي ْكَفروهُ َو َّ‬ ‫ات وأُوَلـِٰئك ِمن َّ ِ ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ‬ ‫الصالح َ‬ ‫ِباْل َم ْع ُروف َوَي ْن َه ْو َن َع ِن اْل ُم ْن َك ِر َوُي َس ِارُعو َن في اْل َخ ْي َر َ ْ َ َ‬
‫ِ‬
‫اب الَّن ِار ُه ْم ف َ‬
‫يها‬ ‫َص َح ُ‬ ‫أْ‬ ‫َّللاِ َش ْيئاً َوأ ُْوَلـِٰئ َك‬
‫ين َكَف ُروْا َل ْن تُ ْغِني َع ْن ُه ْم أ َْم َواُل ُه ْم َوالَ أ َْوالَ ُد ُه ْم ِّم َن َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين * ِإ َّن الذ َ‬
‫ِ‬
‫يم ِباْل ُمتَّق َ‬
‫ِ‬
‫َعل ٌ‬
‫َ‬
‫َهَل َك ْت ُه َو َما‬
‫ظَل ُموْا أ َْنُف َس ُه ْم َفأ ْ‬
‫َ‬ ‫َص َاب ْت َح ْر َث َق ْو ٍم‬ ‫ِ‬
‫يها صٌّر أ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الد ْنَيا َك َمَثل ِري ٍح ف َ‬ ‫َخالِ ُدو َن * َمَث ُل َما ُي ْنِفُقو َن ِفي َهـ ِٰذِه اْل َحَي ِاة ُّ‬
‫َّللاُ َوَلـ ِٰك ْن أ َْنُف َس ُه ْم َي ْ‬
‫ظلِ ُمو َن‬ ‫ظَل َم ُه ُم َّ‬
‫َ‬

‫{ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة ِ‬


‫قائمة} أي‪ :‬باهلل‪ ،‬ثم وصفهم بأحوال أهل االستقامة‪ ،‬أي منهم أهل التوحيد‬ ‫ّ‬
‫واالستقامة {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه} أي‪ :‬كل ما يصدر منكم مما يقربكم عند هللا يتصل به جزاؤه ومنه لن‬
‫تقربت إليه َباعاً‪ ،‬ومن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إلي ذ َراعاً ّ‬
‫ّ‬
‫تقرب‬
‫ومن ّ‬
‫تقربت إليه ذ َراعاً‪َ ،‬‬
‫إلي شب اًر ّ‬
‫ّ‬
‫تحرموا شيئاً منه‪ .‬قال هللا تعالى‪" :‬من تقرب‬
‫أطاعني"‬
‫َ‬ ‫وم ِطيع من‬ ‫ِ‬
‫أتاني مشياً أتيته َه ْرَولة"‪ ...‬الحديث‪ .‬وقال تعالى‪" :‬أنا َجليس من َذ َكرني‪ ،‬وأنيس من َش َكرني‪ُ ،‬‬
‫أي‪ :‬كما أطعتموه بتصفية االستعداد والتوجه نحوه‪ ،‬أطاعكم بإفاضة الفيض على حسبه واإلقبال إليكم {وهللا َعلِيم}‬
‫بالذين اتّقوا ما يحجبهم عنه فيتجلى لهم بقدر زوال الحجاب‪.‬‬

‫{مَثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا} الفانية ولذاتها السريعة الزوال‪ ،‬طلباً للشهوات أو رياء وسمعة في المفاخر‪،‬‬

‫محم َدة الناس‪ ،‬ال يطلبون به وجه هللا‪ ،‬وما تهلكه وتفنيه با ّ‬
‫لكلية من ريح هوى النفس التي فيها برد دنياتكم‬ ‫وطلب َ‬
‫صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم} بالشرك والكفر‬ ‫الفاسدة وأغراضكم الباطلة كالرياء ونحوه {كمثل ريح فيها ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{فأهلكته} عقوبة من هللا لظلمهم {وما ظلمهم هللا} بإهالك حرثهم {ولكن} كانوا أنفسهم يظلمون ألنه مسبب عن‬
‫ظلمهم‪ ،‬كما قيل‪ :‬مهالً فيداك‪ ،‬وكتا وفوك نفخ ‪.‬‬

‫َِ‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 118‬الى اآلية ‪)118‬‬

‫طان ًة ِمن دوِن ُكم الَ ي ْأُلون ُكم خباالً وُّدوْا ما عِنتُّم َقد بد ِت اْلب ْغضآء ِمن أَ ْفو ِ‬
‫اه ِه ْم َو َما تُ ْخِفي‬ ‫ٰيأَي َّ ِ‬
‫َ َ ُ ْ َ‬ ‫آمُنوْا الَ تَتَّ ِخ ُذوْا ِب َ َ ّ ُ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ ْ َ َ‬ ‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآليات ِإ ْن ُك ْنتُ ْم تَ ْعقُلو َن‬
‫ورُه ْم أَ ْكَب ُر َق ْد َبيََّّنا َل ُك ُم َ‬
‫ص ُد ُ‬
‫ُ‬

‫{ال تتخذوا بطانة من دونكم} بطانة الرجل صفيه وخليصه الذي يبطنه ويطلع عليه أس ارره‪ ،‬وال يمكن وجود مثل هذا‬
‫الصديق إال إذا اتحدا في المقصد واتفقا في الدين والصفة‪ ،‬متحابين في هللا ال لغرض كما قيل في األصدقاء‪ :‬نفس‬
‫متفرقة‪ ،‬فإذا كان من غير أهل اإليمان فبأن يكون كاشحاً أحرى‪ .‬ثم ّبين نفاقه واستبطانه العداوة‬
‫واحدة في أبدان ّ‬
‫بقوله‪{ :‬ال يألونكم خباالً} إلى آخره‪ ،‬إذ المحبة الحقيقية الخالصة ال تكون إال بين الموحدين‪ ،‬لكونها ّ‬
‫ظل الوحدة فال‬
‫التضاد والظلمة‪ .‬فأين الصفاء والوفاق في عالمهم؟ بل ربما تتآلفهم الجنسية‬
‫ّ‬ ‫تكون بين المحجوبين لكونهم في عالم‬
‫العامة اإلنسانية الشتراكهم في النوع والمنافع والمالذ واحتياجهم إلى التعاون فيها‪ ،‬فإذا لم تتحصل أغراضهم من النفع‬
‫والل ّذة تهارشوا وتباغضوا وبطلت اإللفة التي كانت بينهم‪ ،‬لكونها مسببة عن أمر قد تغير إذ النفس منشأ التغير‬
‫والمنافع الدنيوية ال تبقى بحالها‪ ،‬واللذات النفسانية سريعة االنقضاء فال تدوم المحبة عليها بخالف المحبة األولى‪،‬‬
‫فإنها مستندة إلى أمر ال تغير فيه أصالً‪ ،‬هذا إذا كانت فيما بينهم‪ ،‬فكيف إذا كانت بينهم وبين من يخالفهم في‬
‫األصل والوصف؟ و ّأنى يتجانس النور والظلمة؟ ومن أين يتوافق العلو والسفل؟ فبينهما عداوة حقيقية وتخالف ذاتي ال‬
‫تخفى آثاره كما ّبين هللا تعالى بقوله‪{ :‬قد بدت البغضاء من أفواههم} المتناع اختفاء الوصف الذاتي‪ .‬قال النبي صلى‬
‫ّ‬
‫هللا عليه وسلم‪" :‬ما أضمر أحد شيئاً إال وأظهره هللا في فلتات لسانه وصفحات وجهه"‪{ .‬وما تخفي صدورهم أكبر}‬
‫ألنه نار وهذا شرار‪ ،‬ذاك أصل‪ ،‬وهذا فرعه {قد ّبينا لكم اآليات} دالئل المحبة والعداوة وأسبابهما {إن كنتم تعقلون}‬
‫أي‪ :‬تفهمون من فحوى الكالم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 119‬الى اآلية ‪)119‬‬

‫ام َل ِم َن اْل َغ ْي ِظ‬


‫ضوْا عَلي ُكم األَن ِ‬
‫آمَّنا َوإِ َذا َخَل ْوْا َع ُّ َ ْ ُ َ‬ ‫اب ُكّلِ ِه َوإِ َذا َلُق ُ‬
‫وك ْم َقاُلوْا َ‬
‫ُّون ُكم وتُ ْؤ ِمُنو َن ِباْل ِكتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َهآأ َْنتُ ْم أ ُْوالء تُ ِحب َ‬
‫ُّون ُه ْم َوالَ ُيحب َ ْ َ‬
‫الص ُد ِ‬ ‫َّللا علِيم ِب َذ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ور‬ ‫ات ُّ‬ ‫ُق ْل ُموتُوْا ب َغ ْيظ ُك ْم إ َّن َّ َ َ ٌ‬

‫{ها أنتم أوالء تحبونهم} بمقتضى التوحيد‪ ،‬إذ الموحد يحب الناس كلهم بالحق للحق‪ ،‬ويراهم متصلين بنفسه اتصال‬
‫األحماء واألقرباء بل اتصال األجزاء‪ ،‬فينظر إليهم بنظر الرحمة اإللهية والرأفة الربانية‪ ،‬ويعطف عليهم مترحماً إذ‬
‫وتضاد الطبع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يراهم أهل الرحمة شغلوا بالباطل‪ ،‬وابتلوا بالقدر وال يحبونكم بمقتضى الحجاب والبقاء في ظلمة النفس‬

‫{وتُؤ ِمنون بالكتاب} أي بجنس الكتاب {كله} لشمول علمكم التوحيدي‪ ،‬وال يؤمنون للتقيد بدينهم واالحتجاب بما هم‬
‫عليه {وإذا لقوكم قالوا آمنا} لنفاقهم المستجلب ألغراضهم العاجلة {وإذا خلوا عضوا عليكم األنامل من الغيظ} لحقدهم‬
‫الذاتي وبغضهم الكامن والباقي ظاهر‪.‬‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 120‬الى اآلية ‪)125‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َّللاَ ِب َما َي ْع َمُلو َن‬
‫ضُّرُك ْم َك ْي ُد ُه ْم َش ْيئاً ِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬
‫صِب ُروْا َوتَتَُّقوْا الَ َي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إن تَ ْم َس ْس ُك ْم َح َسَن ٌة تَ ُس ْؤ ُه ْم َوإِن تُص ْب ُك ْم َسّيَئ ٌة َيْف َر ُحوْا ب َها َوإِن تَ ْ‬
‫ِ‬

‫نك ْم أَن تَْف َشالَ‬ ‫ان ِم ُ‬ ‫ط ِآئَفتَ ِ‬


‫َّللا س ِميع علِيم * ِإ ْذ ه َّم ْت َّ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫ين َمَقاع َد لْلقتَال َو َّ ُ َ ٌ َ ٌ‬
‫ِ‬
‫ىء اْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫ط * وِإ ْذ َغ َد ْو َت ِم ْن أ ْ ِ ِ‬ ‫ُم ِحي ٌ‬
‫َ‬ ‫َهل َك تَُبّو ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫َّللا ِبب ْد ٍر وأ َْنتُم أ َِذَّل ٌة َفاتَُّقوْا َّ َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّللا ولِيُّهما وعَلى َّ ِ‬
‫َّللاَ َل َعل ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن * إ ْذ تَُق ُ‬
‫ول‬ ‫ص َرُك ُم َّ ُ َ َ ْ‬ ‫َّللا َفْلَيتََوكل اْل ُم ْؤمُنو َن * َوَلَق ْد َن َ‬ ‫َو َّ ُ َ ُ َ َ َ‬
‫وك ْم ِّمن َف ْوِرِه ْم‬
‫صِب ُروْا َوتَتَُّقوْا َوَيأْتُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ٍٰ ِ‬ ‫يك ْم أَن ُي ِمَّد ُك ْم َرب ُ‬
‫ين أََل ْن َي ْكِف ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين * َبَلى إن تَ ْ‬ ‫ُّك ْم ِبثَالَثَة َءاَلف ّم َن اْل َمالئ َكة ُم َنزلِ َ‬ ‫لْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ٍٰ ِ‬ ‫َهـٰ َذا ُي ْم ِد ْد ُك ْم َرب ُ‬
‫ُّك ْم ِب َخ ْم َسة َءاَلف ّم َن اْل َمالئ َكة ُم َسِّوم َ‬
‫ين‬

‫تصِبروا} على ما يبتليكم هللا به من الشدائد والمحن والمصائب‪ ،‬وتثبتوا على مقتضى التوحيد والطاعة {وتتقوا}‬
‫{وإن ْ‬
‫يضركم كيدهم شيئاً} ألن المتوكل على هللا‪ ،‬الصابر على بالئه‪،‬‬
‫االستعانة بهم في أموركم وااللتجاء إلى واليتهم {ال ّ‬
‫المستعين به ال بغيره‪ ،‬ظافر في طلبته‪ ،‬غالب على خصمه‪ ،‬محفوظ بحسن كالءة ربه‪ ،‬والمستعين بغيره مخذول‬
‫موكول إلى نفسه‪ ،‬محروم عن نصرة ربه‪ .‬كما قال الشاعر ‪:‬‬

‫فإن ناصره عجز وخذالن‬ ‫من استعان بغير هللا في طلب‬

‫{إن هللا بما يعملون} من المكايد {محيط} فيبطلها ويهلكها‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إذا أردت أن تكبت من يحسدك فازدد فضالً في‬

‫نفسك‪ .‬فالصبر والتقوى من أجمل الفضائل إن لزمتموهما تظفروا على ّ‬


‫عدوكم‪.‬‬

‫{بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم} اآلية‪ ...‬الصبر على مضض الجهاد وبذل النفس في طاعة هللا‪ ،‬وتحمل المكروه طلباً‬

‫لرضا هللا ال يكون إال عند التقوى بتأييد الحق ّ‬


‫وتنوره بنور اليقين‪ ،‬وثباته بنزول السكينة والطمأنينة عليه‪ ،‬والتقوى في‬
‫مخالفة أمر الحق والميل إلى النفع والغنيمة‪ ،‬وخوف تلف النفس ال تكون إال عند انكسار النفس تحت قهر سلطان‬
‫القلب والروح‪ ،‬إذ الثبات والوقار صفة الروح والطيش‪ ،‬واالضطراب صفة النفس‪ ،‬فإذا استولى سلطان الروح على القلب‬
‫وأخذ مملكته عصمه من استيالء صفات النفس وجنودها عليه‪ ،‬فيعشقه القلب ويسكن إليه لنورانيته المحبوبة لذاتها‬
‫ويتقوى به على النفس وقواها فيهزمها ويكسرها ويدفع غلبتها وظلمتها عن نفسه‪ ،‬ويجعلها ذلوالً مطيعة مطمئنة إليه‬
‫ّ‬
‫وتتنور بنوره وعند ذلك تنزل الرحمة‪ ،‬ويناسب القلب ملكوت السماء في نورانيتها وقهرها لما‬
‫فيزول عنها االضطراب ّ‬
‫تحتها‪ ،‬ومحبتها وشوقها لما فوقها‪ .‬وبذلك التناسب يصل بها ويستنزل قواها وأوصافها في أفعاله خصوصاً عند‬
‫اهتياجه وانقالعه عن الجهة السفلية‪ ،‬وانقطاعه بقوة اليقين والتوكل إلى الجهة العلوية‪ .‬ويستمد من قوى قهرها على من‬
‫يغضب عليه فذلك نزول المالئكة‪ ،‬وإذا جزع وهلع وتغير وخاف أو مال إلى الدنيا غلبته النفس وقهرته واستولت عليه‬
‫وحجبته بظلمة صفاتها عن النور‪ ،‬فلم تبق تلك المناسبة‪ ،‬فانقطع المدد ولم تنزل المالئكة‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 126‬الى اآلية ‪)132‬‬

‫ين‬ ‫طع َ ِ َّ ِ‬
‫ط َرفاً ّم َن الذ َ‬
‫ِ‬
‫يز اْل َحكي ِم * لَيْق َ َ‬
‫ِ‬ ‫َّللاِ اْل َع ِز ِ‬
‫ص ُر ِإالَّ ِم ْن ِع ِند َّ‬ ‫وب ُك ْم ِب ِه َو َما َّ‬
‫الن ْ‬
‫َّللا ِإالَّ ب ْشر ٰى َل ُكم ولِتَ ْ ِ‬
‫ط َمئ َّن ُقُل ُ‬ ‫َو َما َج َعَل ُه َّ ُ ُ َ‬
‫ْ َ‬
‫ظالِ ُمو َن * َوََّّللِ َما ِفي‬ ‫وب َعَل ْي ِه ْم أ َْو ُي َع ِّذَب ُه ْم َفِإَّن ُه ْم َ‬ ‫ِ‬
‫ين * َل ْي َس َل َك م َن األ َْم ِر َش ْي ٌء أ َْو َيتُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َكَف ُروْا أ َْو َي ْكِبتَ ُه ْم َفَينَقلُبوْا َخآئِب َ‬
‫َّللا غُفور َّرِحيم * ٰيأَي َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الرَٰبوْا أ ْ‬
‫َض َٰعفاً‬ ‫ْكُلوْا ِّ‬ ‫آمُنوْا الَ تَأ ُ‬ ‫ين َ‬‫ُّها الذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫آء َو َّ ُ َ ٌ‬ ‫آء َوُي َع ّذ ُب َمن َي َش ُ‬ ‫الس َٰم َٰوت َو َما في األ َْرض َي ْغف ُر ل َمن َي َش ُ‬
‫ول َل َعَّل ُك ْم تُ ْرَح ُمو َن‬ ‫ِ‬ ‫َّللا َلعَّل ُكم تُْفلِحو َن * واتَُّقوْا َّ َِّ ِ ِ ِ‬
‫الرُس َ‬ ‫َّللاَ َو َّ‬
‫يعوْا َّ‬ ‫ين * َوأَط ُ‬ ‫الن َار التي أُعَّد ْت لْل َكاف ِر َ‬ ‫َ‬ ‫ض َعَف ًة َواتَُّقوْا َّ َ َ ْ ُ‬ ‫ُّم َٰ‬

‫{وما جعله هللا إال ُبشرى لكم} أي‪ :‬ما جعل اإلمداد بالمالئكة إال لتستبشروا به فتزداد قوة قلوبكم وشجاعتكم ونجدتكم‬
‫ونشاطكم في التوجه إلى الحق والتجريد للسلوك {ولتطمئن به قلوبكم} فتتحقق الفيض بقدر التصفية والخلف بقدر‬
‫الترك‪.‬‬

‫{وما النصر إالّ من عند هللا} ال من المالئكة وال من غيرهم‪ ،‬فال تحتجبوا بالكثرة عن الوحدة‪ ،‬وال بالخلق عن الحق‪،‬‬
‫فإنها مظاهر ال حقيقة لها وال تأثير‪{ ،‬العزيز} القوي الغالب بقهره {الحكيم} الذي ستر قهره ونصرته بصور المالئكة‬
‫بحكمته‪.‬‬

‫{ليقطع طرفاً من الذين كفروا} يقتل بعضهم تقوية للمؤمنين {أو يكبتهم} يخزيهم ويذلهم بالهزيمة إع از اًز للمؤمنين {أو‬
‫يتوب عليهم} باإلسالم تكثي اًر لسواد المؤمنين {أو يعذبهم} بسبب ظلمهم وإصرارهم على الكفر تفريحاً للمؤمنين‪ .‬وأوقع‬
‫بين المعطوف والمعطوف عليه في أثناء الكالم قوله‪{ :‬ليس لك من األمر في شيء} اعتراضاً لئال يغفل رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم فيرى لنفسه تأثي اًر في بعض هذه األمور‪ ،‬فيحتجب عن التوحيد وال يزول‪ ،‬وتتغير شهوده في‬
‫األقسام كلها‪ ،‬أي‪ :‬ليس لك من أمرهم شيء كيفما كان‪ ،‬ما أنت إالّ بشر مأمور باإلنذار‪ ،‬إن عليك إالّ البالغ‪ ،‬إنما‬
‫أمرهم إلى هللا‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الربا} أي‪ :‬توكلوا على هللا في طلب الرزق فال تكسبوه بالربا‪ ،‬فإنه واجب عليكم كما يجب‬
‫آمنوا ال تأكلوا ِ‬
‫{يا أيها الذين ُ‬
‫العدو لئال تجبنوا بكالءة هللا وحفظه‪ .‬واعلموا أن جزاء المرابي هو جزاء‬
‫عليكم التوكل عليه في طلب الفتح وجهاد ّ‬
‫الكافر‪ ،‬فاحذروه لكونه محجوباً عن أفعاله تعالى كما أن الكافر محجوب عن صفاته وذاته‪ ،‬والمحجوب غير قابل‬
‫للرحمة وإن اتسعت‪ ،‬فارفعوا الحجاب بالطاعة وترك المخالفة كي تدرككم رحمة هللا‪.‬‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 133‬الى اآلية ‪)134‬‬

‫الضَّر ِ‬ ‫السَّر ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ٍ‬


‫آء‬ ‫آء َو َّ‬ ‫ين ُي ِنفُقو َن ِفي َّ‬ ‫ض أُعَّد ْت لْل ُمتَّق َ‬
‫ين * الذ َ‬ ‫الس َٰم َٰو ُت َواأل َْر ُ‬
‫ض َها َّ‬ ‫َو َس ِارُعوْا ِإَل ٰى َم ْغِف َرٍة ِّمن َّرّب ُ‬
‫ِك ْم َو َجَّنة َع ْر ُ‬
‫َّللاُ ُي ِح ُّب اْل ُم ْح ِسِني َن‬
‫اس َو َّ‬‫الن ِ‬
‫ين َع ِن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ظ َواْل َعاف َ‬ ‫ين اْل َغ ْي َ‬
‫َواْل َكاظم َ‬

‫ِ‬
‫{وسارُعوا إلى} ستر أفعالكم التي هي حجابكم عن مشاهدة أفعال الحق بأفعاله تعالى‪ ،‬فإنما حرمتم عن التوكل وجنة‬
‫وجنة األفعال من الطاعات‬
‫المْلك التي هي تجلي األفعال برؤية أفعالكم‪ ،‬أي‪ :‬إلى ما يوجب ستر أفعالكم بأفعاله‪ّ ،‬‬
‫عالم ُ‬
‫بالجنة هنا جنة األفعال‪ ،‬وصف عرضها بمساواة عرض السموات‬
‫ّ‬ ‫بعد كما ورد‪" :‬أعوذ بعفوك من عقابك"‪ .‬وألن المراد‬
‫قدر طولها ألن األفعال باعتبار السلسلة العرضية‪ ،‬وهي توقف‬
‫واألرض‪ ،‬إذ توحيد األفعال هو توحيد عالم الملك وإنما ّ‬
‫يقدرها‪ ،‬إذ‬
‫يتقدره الناس‪ .‬وأما باعتبار الطول فال تنحصر فيه وال ّ‬
‫الملك الذي ّ‬
‫كل فعل على فعل آخر تنحصر في عالم ُ‬
‫حد‪ .‬فالمحجوبون عن الذات والصفات ال يرون إال‬‫الفعل مظهر الوصف‪ ،‬والوصف مظهر الذات‪ ،‬فال نهاية له وال ّ‬
‫الجنة‪ ،‬وأما البارزون هلل الواحد القهار فعرض جنتهم عين طولها وال ّ‬
‫حد لطولها فال يقدر قدرها طوالً وال‬ ‫عرض هذه ّ‬
‫عرضاً‪.‬‬

‫الضراء} ال‬ ‫{الذين ينفقون في ّ‬


‫السراء و ّ‬ ‫َ‬ ‫{أعدت للمتقين} الذين يتقون حجب أفعالهم وشرك نسبة األفعال إلى غير الحق‪.‬‬
‫ّ‬
‫المضادة عن اإلنفاق لصحة توكلهم على هللا برؤية جميع األفعال منه {والكاظمين الغيظ} لذلك أيضاً‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تمنعهم األحوال‬
‫إذ يرون الجناية عليهم فعل هللا فال يعترضون‪ ،‬ولو لم يغيظوا كانوا في مقام الرضا وجنة الصفات {والعافين عن‬
‫يحب المحسنين} الذين يشاهدون تجليات أفعاله تعالى‪.‬‬
‫الناس} لما ذكرنا‪ ،‬ولتعوذهم بعفوه تعالى عن عقابه {وهللا ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 135‬الى اآلية ‪)136‬‬

‫َّللا وَلم ي ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫و َّال ِذين ِإ َذا َفعُلوْا َف ِ‬


‫صُّروْا َعَل ٰى َما‬ ‫وب ِإال َّ ُ َ ْ ُ‬ ‫استَ ْغَف ُروْا ل ُذُنوبِ ِه ْم َو َمن َي ْغف ُر الذُن َ‬
‫َّللاَ َف ْ‬
‫ظَل ُمواْ أ َْنُف َس ُه ْم َذ َك ُروْا َّ‬‫اح َش ًة أَ ْو َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬ ‫يها َوِن ْع َم أ ْ‬
‫َج ُر اْل َعامل َ‬ ‫ات تَ ْجرِي من تَ ْحت َها األ َْن َه ُار َخالد َ‬
‫ين ف َ‬ ‫آؤ ُه ْم َّم ْغف َرةٌ ّمن َّرِّب ِه ْم َو َجَّن ٌ‬‫َف َعُلوْا َو ُه ْم َي ْعَل ُمو َن * أ ُْوَلـٰئ َك َج َز ُ‬

‫{والذين إذا َف َعلوا فاحشة} كبيرة من الكبائر‪ ،‬برؤية أفعالهم صادرة عن قدرتهم {أو ظلموا أنفسهم} نقصوا حقوقها‬
‫وتبر عنها إليه لرؤيتهم‬
‫بارتكاب الصغائر وظهور أنفسهم فيها {ذكروا هللا} في صدور أفعالهم برؤيتها واقعة بقدرة هللا أ‬

‫بالتبري عن الحول و ّ‬
‫القوة إليه {ومن يغفر‬ ‫ّ‬ ‫ابتالءه إياهم بها {فاستغفروا} طلبوا ستر أفعالهم التي هي ذنوبهم بأفعاله‬
‫يصروا على ما َف َعلوا} في غفلتهم وحالة‬
‫الذنوب} أي وجودات األفعال {إال هللا} أي علموا أن ال غافر إال هو {ولم ّ‬
‫لمون} أن ال فعل إال هللا {وِن ْع َم أجر العاملين} بمقتضى توحيد‬
‫ظهور أنفسهم‪ ،‬بل تابوا ورجعوا إليه في أفعالهم {وهم َي ْع ُ‬
‫األفعال‪.‬‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 137‬الى اآلية ‪)142‬‬

‫ان ّلِ َّلن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َق ْد َخَل ْت ِمن َقْبلِ ُكم سَن ٌن َف ِس ُيروْا ِفي األ َْر ِ‬
‫اس َو ُه ًدى َو َم ْو ِع َ‬
‫ظ ٌة‬ ‫ين * َهـٰ َذا َبَي ٌ‬ ‫ان َعاقَب ُة اْل ُم َك ّذِب َ‬
‫ف َك َ‬ ‫ظ ُروْا َك ْي َ‬ ‫ض َف ْان ُ‬ ‫ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّام‬ ‫ِ‬
‫ين * إن َي ْم َس ْس ُك ْم َق ْرٌح َفَق ْد َم َّس اْلَق ْوَم َق ْرٌح ّم ْثُل ُه َوتْل َك األَي ُ‬ ‫َعَل ْو َن ِإ ْن ُك ْنتُ ْم ُّم ْؤ ِمن َ‬
‫ين * َوالَ تَ ِهُنوا َوالَ تَ ْح َزُنوا َوأ َْنتُ ُم األ ْ‬
‫ّلْل ُمتَّق َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫آمُنوْا‬ ‫الظالِ ِمين * ولِيم ِحص َّ َّ ِ‬ ‫َّللا الَ ي ِح ُّب َّ‬ ‫آمُنوْا َوَيتَّ ِخ َذ ِم ُ‬ ‫اس ولِيعَلم َّ َّ ِ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َ‬
‫َّللاُ الذ َ‬ ‫َ َُ ّ َ‬ ‫َ‬ ‫آء َو َّ ُ ُ‬‫نك ْم ُش َه َد َ‬ ‫ين َ‬
‫َّللاُ الذ َ‬ ‫ُن َداوُل َها َب ْي َن الن َ َ ْ َ‬
‫اه ُدوْا ِم ُ‬ ‫ويمحق اْل َك ِاف ِرين * أَم ح ِسبتُم أَن تَدخُلوْا اْلجَّن َة وَل َّما يعَل ِم َّ َّ ِ‬
‫الصاِب ِر َ‬
‫ين‬ ‫نك ْم َوَي ْعَل َم َّ‬ ‫ين َج َ‬
‫َّللاُ الذ َ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫ُْ‬ ‫ْ َ ْْ‬ ‫َ‬ ‫ََْ َ َ‬

‫{قد خَل ْت من َقْبلِكم} بطشات ووقائع مما ّ‬


‫سنه هللا في أفعاله بالذين كذبوا باألنبياء في توحيد األفعال {فسيروا في‬
‫فانظروا} في آثارها فتعلموا كيف كان عاقبتهم {هذا} الذي ذكر {بيان للناس} من علم توحيد األفعال وتفصيل‬ ‫األرض ْ‬
‫المتقين الذين هم أهل التمكين في ذلك‪ ،‬والتائبين الذين هم أهل التلوين‪ ،‬والمصرين المحجوبين عنه المكذبين به‪،‬‬
‫وزيادة هدى وكشف عيان وتثبت واتعاظ للذين اتّقوا رؤية أفعالهم أو هدى لهم إلى توحيد الصفات والذات‪{ .‬وال تَهنوا}‬
‫األعَلون}‬
‫في الجهاد عند استيالء الكفار {وال تَحزنوا} على ما فاتكم من الفتح وما جرح واستشهد من إخوانكم {وأنتُم ْ‬
‫ألن الموحد يرى ما يجري عليه من البالء‬
‫في الرتبة لقربكم من هللا وعلو درجتكم بكونكم أهل هللا {إن كنتم} موحدين‪ّ ،‬‬
‫يتقوى به فال يحظن وال يهن {األيام} الوقائع وكل ما يحدث من األمور‬
‫فأقل درجاته الصبر إن لم يكن رضا ّ‬ ‫من هللا ّ‬
‫مر تفسير {وليعلم هللا} من‬ ‫العظيمة يسمى يوماً وأياماً‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬وَذ ِّكرهم ِبأَيَّا ِم َّ ِ‬
‫َّللا} [إبراهيم‪ ،‬اآلية‪ ]5 :‬وقد ّ‬ ‫َ ْ ُْ‬
‫ظهور العلم التفصيلي التابع لوقوع المعلوم‪.‬‬

‫{ويتخذ ِمنكم ُشهداء} الذين يشهدون للحق فيذهلون عن أنفسهم‪ ،‬أي‪ :‬نداول الوقائع بين الناس ألمور شتى ِ‬
‫وح َكم‬
‫وقوة اليقين‪ ،‬وقّلة المباالة بالنفس‪،‬‬
‫كثيرة‪ ،‬غير مذكورة‪ ،‬من خروج ما في استعدادهم إلى الفعل من الصبر والجلد ّ‬
‫واستيالء القلب عليها‪ ،‬وقمعها وغير ذلك‪ .‬ولهذين العلتين المذكورتين ولتخليص المؤمنين من الذنوب والغواشي التي‬
‫البلية إذا كانت عليهم‪ ،‬ومحق الكافرين وقهرهم وتدميرهم إذا كانت لهم‪ .‬وقد اعترض بين‬
‫تبعدهم من هللا بالعقوبة و ّ‬
‫وقوة الثبات‬
‫أن من ليس على صفة اإليمان والشهادة وتمحيص الذنوب ّ‬ ‫الظالمين} ليعلم ّ‬
‫َ‬ ‫العلل قوله‪{ :‬وهللا ال يحب‬
‫لكمال اليقين‪ ،‬بل حضر القتال لطلب الغنيمة أو لغرض آخر فهو ظالم وهللا ال يحبه‪.‬‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 143‬الى اآلية ‪)144‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ول َق ْد َخَل ْت ِمن َقْبلِ ِه ُّ‬
‫الرُس ُل‬ ‫َّ‬
‫ظ ُرو َن * َو َما ُم َح َّمٌد ِإال َرُس ٌ‬ ‫َوَلَق ْد ُك ْنتُ ْم تَ َمَّن ْو َن اْل َم ْو َت ِمن َقْب ِل أَن َتْلَق ْوهُ َفَق ْد َأرَْيتُ ُموهُ َوأ َْنتُ ْم تَن ُ‬
‫َّللا َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشاك ِر َ‬
‫ين‬ ‫َّللاَ َش ْيئاً َو َسَي ْجزِي َّ ُ‬ ‫َعَقاِب ُك ْم َو َمن َينَقل ْب َعَل ٰى َعقَب ْيه َفَلن َي ُ‬
‫ضَّر َّ‬ ‫ات أ َْو ُقت َل ْانَقَل ْبتُ ْم َعَل ٰى أ ْ‬‫أَفِإ ْن َّم َ‬

‫{ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه} اآلية‪ ،‬كل موقن إذا لم يكن يقينه ملكة بل كان خطرات‪ ،‬فهو في بعض‬
‫أحواله يتمنى أمو اًر ويدعي أحواالً بحسب نفسه دائماً‪ ،‬وكذلك حال غير اليقين وعند إقبال القلب هو صادق ما دام‬
‫موصوفاً بحاله‪ .‬أما في غير تلك الحالة‪ ،‬وعند اإلدبار‪ ،‬فال يبقى من ذلك أثر وكذا كل من لم يشاهد حاالً ولم‬
‫تضرره به حال التصور‪ .‬أما في حال وقوعه وابتالئه فال يطيق تحمل‬‫لتصوره في نفسه وعدم ّ‬‫ّ‬ ‫يمارسه‪ ،‬ربما يتمناه‬
‫المحب رحمه هللا لما قال في أبياته ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫شدائده كما حكي عن سمنون‬

‫فكيفما شئت فاختبرني‬

‫ردد في الطرق ويرضخ إلى الصبيان ما يلعبون به كالجوز‪ ،‬ويقول‪ :‬ادعوا على‬
‫فابتلي باألسر‪ ،‬فلم يطق‪ ،‬فكان يت ّ‬
‫عمكم الكذاب‪ .‬وفي هذا المعنى قال الشاعر ‪:‬‬

‫طلب الطعن وحده والنزاال‬ ‫وإذا ما خال الجبان بأرض‬

‫فال يلتفت بحال إال إذا صار مقاماً‪ ،‬وال يعتبر مقاماً إال إذا امتحن في مواطنه‪ ،‬فإذا خلص من االمتحان فقد صح‬
‫ويتقوى يقينهم ويتوفر صبرهم ويتحقق مقامهم بالمشاهدة كما قال‪:‬‬
‫ليتمرنوا بالموت ّ‬
‫وهذا أحد فوائد مداولة األيام بينهم ّ‬
‫{فقد رأيتموه} من قتل إخوانكم بين أيديكم {وأنتم} تشاهدون ذلك‪ .‬وفيه توبيخ لهم على ّ‬
‫أن يقينهم كان حاالً ال مقاماً‪،‬‬
‫ففشلوا في الموطن‪.‬‬

‫{وما محمد إال رسول} أي‪ :‬إنه رسول بشر‪ ،‬سيموت أو يقتل كحال األنبياء قبله‪ ،‬فمن كان على يقين من دينه فبصيرة‬
‫من رّبه ال يرتد بموت الرسول وقتله‪ ،‬وال يفتر عما كان عليه‪ ،‬ألنه يجاهد لرّبه ال للرسول كأصحاب األنبياء السالفين‪.‬‬
‫وكما قال أنس عم أنس بن مالك يوم أُحد حين أُرجف بقتل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وشاع الخبر‪ ،‬وانهزم‬
‫نبياً ما ُقِت َل!‪ ،‬يا‬
‫المسلمون‪ ،‬وبلغ إليه تقاول بعضهم‪ :‬ليت فالناً يأخذ لنا أماناً من أبي سفيان‪ .‬وقول المنافقين‪ :‬لو كان ّ‬
‫رب محمد حي ال يموت!‪ ،‬وما تصنعون بالحياة بعد رسول هللا؟ فقاتلوا على ما قاتل‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫فإن ّ‬
‫قوم‪ ،‬إن كان محمد قد ُقتل ّ‬
‫شد‬
‫اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤالء‪ ،‬وأب أر إليك مما جاء به هؤالء‪ .‬ثم ّ‬‫عليه‪ ،‬وموتوا على ما مات عليه‪ .‬ثم قال‪ّ :‬‬
‫ضر نفسه بنفاقه وضعف يقينه {وسيجزي هللا‬ ‫ِ‬
‫يضر هللا شيئاً} إنما ّ‬
‫بسيفه وقاتل حتى ُقتل‪{ .‬ومن َي ْنقلب على َعقبيه فلن ّ‬
‫الشاكرين} لنعمة اإلسالم‪ ،‬كأنس بن النضر وأضرابه من الموقنين‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 145‬الى اآلية ‪)151‬‬

‫اآلخ َرِة ُن ْؤِت ِه ِم ْن َها‬


‫الد ْنيا ُنؤِت ِه ِم ْنها ومن ي ِرْد ثَواب ِ‬
‫َ ََ ُ َ َ‬ ‫اب ُّ َ ْ‬ ‫ثََو َ‬ ‫وت ِإالَّ ِبِإ ْذ ِن هللاِ ِك ٰتَباً ُّم َؤ َّجالً َو َمن ُي ِرْد‬‫َن تَ ُم َ‬ ‫س أْ‬ ‫ان لَِنْف ٍ‬‫َو َما َك َ‬
‫يل َّ ِ‬
‫َفما و َهُنوْا لِمآ أَصابهم ِفي سِب ِ‬ ‫ين * َوَكأَِّين ِّمن َّنِب ٍي َق َات َل َم َع ُه ِرّبِيُّو َن َكِث ٌير‬ ‫وسَنجزِي َّٰ ِ‬
‫ض ُعُفوْا َو َما‬ ‫َّللا َو َما َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َُ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫الشك ِر َ‬ ‫ََ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصاِب ِرين * وما َكان َقوَلهم ِإالَّ أَن َقاُلوْا ربََّنا ْ ِ‬ ‫َّللاُ ُي ِح ُّب َّ‬
‫وبَنا َوإِ ْس َارَفَنا في أ َْم ِرَنا َوثَّب ْت أَ ْق َد َ‬
‫امَنا‬ ‫اغف ْر َلَنا ُذُن َ‬ ‫َ َ َ ْ ُْ‬ ‫َ‬ ‫استَ َك ُانوْا َو َّ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آمُنوْا‬
‫ين َ‬‫ُّها الذ َ‬ ‫ين * َيا أَي َ‬ ‫َّللاُ ُيح ُّب اْل ُم ْحسن َ‬ ‫الد ْنَيا َو ُح ْس َن ثََواب اآلخ َرة َو َّ‬ ‫اب ُّ‬ ‫َّللاُ ثََو َ‬
‫اه ُم َّ‬ ‫ين * َفآتَ ُ‬ ‫ص ْرَنا َعَلى اْلَق ْو ِم اْل َكاف ِر َ‬ ‫و ْان ُ‬
‫ين * َسُنْلِقي ِفي‬ ‫َّللا موالَ ُكم وهو خير َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫الناص ِر َ‬ ‫ين * َبل َّ ُ َ ْ ْ َ ُ َ َ ْ ُ‬ ‫َعَقاِب ُك ْم َفتَنَقلُبوْا َخاس ِر َ‬ ‫وك ْم َعَل ٰى أ ْ‬ ‫ين َكَف ُروْا َي ُرُّد ُ‬‫يعوْا الذ َ‬ ‫ِإن تُط ُ‬
‫الظالِ ِمي َن‬
‫النار وبِ ْئس م ْثو ٰى َّ‬
‫اه ُم َّ ُ َ َ َ َ‬ ‫اَّللِ َما َل ْم ُيَنِّز ْل ِب ِه ُسْل َ‬
‫طاناً َو َمأ َْو ُ‬ ‫َش َرُكوْا ِب َّ‬
‫ين َكَف ُروْا ا ُّلر ْع َب ِب َمآ أ ْ‬ ‫ُقُل ِ َّ ِ‬
‫وب الذ َ‬

‫{وما كان لنفس أن تموت إال بإذن هللا كتاباً مؤجالً} فمن كان موقناً شاهد هذا المعنى‪ ،‬فكان من أشجع الناس كما‬
‫األصم ع ن نفسه أنه شهد مع الشقيق البلخي رحمهما هللا‪ ،‬بعض غزوات خراسان‪ .‬قال‪ :‬فلقيني شقيق‬
‫ّ‬ ‫حكى حاتم بن‬
‫وقد حمى الحرب‪ ،‬فقال‪ :‬كيف تجد قلبك يا حاتم؟ قلت‪ :‬كما كان ليلة الزفاف‪ ،‬بين الحالين‪ .‬فوضع سالحه وقال‪ :‬أما‬
‫أنا فهكذا‪ .‬ووضع رأسه على ترسه ونام بين المعركة حتى سمعت غطيطه‪ .‬وهذا غاية في سكون القلب إلى هللا ووثوقه‬
‫به لقوة اليقين {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب} اآلية‪ ،‬جعل إلقاء الرعب في قلوب الكفار مسبب ًا عن شركهم‪ ،‬ألن‬
‫المنور بنور‬
‫تنورها بنور القلب ّ‬‫الشجاعة وسائر الفضائل اعتداالت في قوى النفس من وقوع ظل الوحدة عليها عند ّ‬
‫الوحدة‪ ،‬فال تكون تامة حقيقة إال للموحد الموقن في توحيده‪ .‬وأما المشرك فألنه محجوب عن منبع القوة والقدرة بما‬
‫أشرك باهلل من الموجود المشوب بالعدم إلمكانه الخفي الوجود‪ ،‬الضعيف‪ ،‬الذي لم يكن له بحسب نفسه قوة وال وجود‬
‫ّ‬
‫وال ذات في الحقيقة‪ ،‬ولم ينزل هللا بوجوده حجة لوجوده أصالً لتحقق عدمه بحسب ذاته‪ ،‬فليس له إال العجز والجبن‬
‫وجميع الرذائل‪ ،‬إذ ال يكون أقوى من معبوده وإن اتفقت له دولة أو صولة أو شوكة فشيء ال أصل له وال ثبات وال‬
‫بقاء كنار العرفج مثلما كانت دولة المشركين‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 152‬الى اآلية ‪)153‬‬

‫اك ْم َّما تُ ِحبُّو َن ِم ُ‬‫ص ْيتُ ْم ِّمن َب ْع ِد َمآ أ ََر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ ِ َّ ِ ِ‬
‫نكم‬ ‫ون ُه ْم بإ ْذنه َحت ٰى إ َذا َفشْلتُ ْم َوتََن َاز ْعتُ ْم في األ َْم ِر َو َع َ‬ ‫َّللاُ َو ْع َدهُ ِإ ْذ تَ ُح ُّس َ‬
‫ص َد َق ُك ُم َّ‬
‫َوَلَق ْد َ‬
‫ِ‬ ‫ص َرَف ُك ْم َع ْن ُه ْم لَِي ْبَتلَِي ُك ْم َوَلَق ْد َعَفا َع ْن ُك ْم َو َّ‬ ‫ِ‬
‫ين *ِإ ْذ‬ ‫ض ٍل َعَلى اْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫َّللاُ ُذو َف ْ‬ ‫نكم َّمن ُي ِر ُيد اآلخ َرَة ثُ َّم َ‬ ‫الد ْنَيا َو ِم ُ‬
‫َّمن ُي ِر ُيد ُّ‬
‫َصـَٰب ُك ْم‬ ‫ِ ِ‬ ‫وكم ِفي أ ْ ٰ‬
‫ُخ َرُك ْم َفأَثَـَٰب ُك ْم َغ ّماً ب َغ ٍّم ّل َك ْيالَ تَ ْح َزُنوْا َعَل ٰى َما َفاتَ ُك ْم َوالَ َمآ أ َ‬ ‫ول َي ْد ُع ُ ْ‬
‫الرُس ُ‬ ‫أح ٍد َو َّ‬
‫صع ُدو َن َوالَ َتْل ُوو َن َعَل ٰى َ‬
‫تُ ِ‬
‫ْ‬
‫َّللاُ َخِب ٌير ِب َما تَ ْع َمُلو َن‬
‫َو َّ‬

‫{ولقد صدقكم هللا وعده} أي‪ :‬وعدكم النصر إن تصبروا وتتقوا‪ ،‬فما دمتم على حالكم من قوة الصبر على الجهاد‬
‫وتيقن النصر والثبات على اليقين واتفاق الكلمة بالتوجه إلى الحق واالتقاء عن مخالفة الرسول وميل النفوس إلى‬
‫زخرف الدنيا واإلعراض عن الحق‪ ،‬مجاهدين هلل ال للدنيا‪ ،‬كان هللا معكم بالنصر‪ ،‬وإنجاز الوعد‪ ،‬وكنتم تقطعونهم‬
‫بإذنه وتهزمونهم {حتى إذا َفشْلتُم} أي‪ :‬جبنتم بدخول الضعف في يقينكم وفساد اعتقادكم في حق نفسه بتجويز غلوله‬
‫نازعتم} في أمر الحرب بعد االتفاق وما صبرتم عن حظ الدنيا‪ ،‬وعصيتم الرسول بترك ما أمركم به من‬ ‫في الغنيمة {وتَ َ‬
‫ِ‬
‫مالزمة المركز‪ ،‬وملتم إلى زخرف الدنيا {من بعد ما َأراكم ما تحبون} من الفتح والغنيمة وحان زمان شكركم هلل‪ّ ،‬‬
‫وشدة‬
‫إقبالكم عليه‪ ،‬فذهلتم عنه‪ ،‬فكان أشرفكم يريد اآلخرة والباقون يريدون الدنيا‪ ،‬ولم يبق فيكم من يريد هللا منعكم نصره {ثم‬
‫صرفكم عنهم َلي ْبَتليكم} بما فعلتم فكان االبتالء لطفاً بكم وفضالً {وهللا ذو فضل على المؤمنين} في األحوال كلها‪ ،‬إما‬
‫بالنصرة وإما باالبتالء‪ ،‬فإن االبتالء فضل ولطف خفي ليعلموا أن أحوال العباد جالبة لظهور أوصاف الحق عليهم‬
‫ّ‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫أعدوا له نفوسهم موهوب لهم من عند هللا كما مر في قوله‪" :‬مطيع من أطاعني"‪ .‬كما يكونو مع هللا يكو هللا‬
‫فما ّ‬
‫وليتمرنوا بالصبر على الشدائد‪ ،‬والثبات في المواطن‪ ،‬ويتمكنوا في‬
‫ّ‬ ‫معهم‪ ،‬ولئال يناموا إلى األحوال دون المسلكات‪،‬‬
‫اليقين‪ ،‬ويجعلوه ملكاً لهم‪ ،‬ومقام ًا‪ ،‬ويتحققوا أن هللا ال يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم‪ ،‬وال يميلوا إلى الدنيا‬
‫وزخرفها‪ ،‬وال يذهلوا عن الحق‪ ،‬وال يبيعوه بالدنيا واآلخرة‪ ،‬وليكون عقوبة عاجلة للبعض فيتمحصوا عن ذنوبهم وينالوا‬
‫{وَلَق ْد َعَفا َع ْن ُك ْم}‬
‫درجة الشهادة برفع الحجب‪ ،‬خصوصاً حجاب محبة النفس‪ ،‬فيلقوا هللا طاهرين‪ .‬ولهذا قال تعالى‪َ :‬‬
‫[آل عمران‪ ،]152 :‬إذ االبتالء كان سبب العفو‪.‬‬

‫غم لحق رسول هللا من جهتكم‪ ،‬بعصيانكم ّإياه‪ ،‬وفشلكم‬ ‫بغم} أي‪ :‬صرفكم عنهم فجازاكم غماً بسبب ّ‬
‫غماً ّ‬
‫{فأثابكم ّ‬
‫وتتعودوا رؤية الغلبة والظفر‬
‫ّ‬ ‫لتتمرنوا بالصبر على الشدائد والثبات فيها‪،‬‬
‫غماً مضاعفاً ّ‬
‫بغم أي‪ّ :‬‬
‫غماً بعد ّ‬
‫وتنازعكم‪ ،‬أو ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أصابكم} من‬
‫والغنيمة وجميع األشياء من هللا ال من أنفسكم فال {تحزنوا على ما َفاتَكم} من الحظوظ والمنافع {وال ما َ‬
‫المضار‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الغموم و‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 154‬الى اآلية ‪)154‬‬

‫اَّللِ َغ ْي َر اْل َح ِّق َ‬


‫ظ َّن‬ ‫ظُّنو َن ِب َّ‬
‫َه َّم ْت ُه ْم أ َْنُف ُس ُه ْم َي ُ‬ ‫ط ِآئَف ًة ِم ْن ُكم و َ ِ‬
‫طآئَف ٌة َق ْد أ َ‬ ‫ّ ْ َ‬ ‫َمَن ًة ُّن َعاساً َي ْغ َش ٰى َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َنزَل َعَل ْي ُك ْم ّمن َب ْعد اْل َغ ِّم أ َ‬
‫ثُ َّم أ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬
‫اْل َٰج ِهليَّة َيُقوُلو َن َهل لَنا م َن األ َْم ِر من َش ْيء ُق ْل ِإ َّن األ َْم َر ُكل ُه ََّّلل ُي ْخُفو َن في أ َْنُفس ِهم َّما الَ ُي ْب ُدو َن َل َك َيُقوُلو َن َل ْو َك َ‬
‫ان َلَنا‬
‫اج ِع ِه ْم َولَِي ْبَتلِي َّ‬
‫َّللاُ َما ِفي‬ ‫ض ِ‬ ‫ِمن األَم ِر َشيء َّما ُقِتْلنا ٰههنا ُقل َّلو ُكنتُم ِفي بيوِت ُكم َلبرَز َّال ِذ ِ‬
‫َ‬ ‫ين ُكت َب َعَل ْي ِه ُم اْلَق ْت ُل ِإَل ٰى َم َ‬ ‫َ‬ ‫ُُ ْ َ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫ٌْ‬ ‫َ ْ‬
‫َّللا عِليم ِب َذ ِ‬ ‫ص َما ِفي ُقُلوب ُ‬ ‫ِ‬
‫الص ُد ِ‬
‫ور‬ ‫ات ُّ‬ ‫ِك ْم َو َّ ُ َ ٌ‬ ‫ورُك ْم َولُِي َم ّح َ‬
‫ص ُد ِ‬ ‫ُ‬

‫الغم باألمن وإلقاء النعاس على الطائفة الصادقين دون المنافقين الذين {أهمتهم ْأنفسهم} ال نفس‬ ‫{ثم} خّلى عنكم ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫اب من‬ ‫ِ‬
‫َص َ‬‫{مآ أ َ‬
‫{لبرز الذين ُكتب عليهم الَقتل إلى مضاجعهم} لقوله تعالى‪َ :‬‬ ‫َ‬ ‫الرسول وال الذين وافقوا عالمة للعفو‬
‫َنف ِس ُكم ِإالَّ ِفي ِكتَ ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫اب ّمن َقْب ِل أَن َّن ْب َأر َ‬
‫َهآ} [الحديد‪ ،‬اآلية‪.]22 :‬‬ ‫ِ‬
‫ُّمص َيبة في األ َْرض َوالَ في أ ُ ْ‬

‫التجرد‬
‫ص ُدوركم} أي‪ :‬وليمتحن ما في استعدادكم من الصدق واإلخالص واليقين والصبر والتوكل و ّ‬
‫{ولي ْبَتلي هللا ما في ُ‬
‫َ‬
‫القوة إلى الفعل {وليمحص ما في قلوبكم} أي‪ :‬وليخلص ما برز منها من‬
‫وجميع األخالق والمقامات‪ ،‬ويخرجها من ّ‬
‫مكمن الصدر إلى مخزون القلب من عثرات وساوس الشيطان ودناءة األحوال وخواطر النفس‪ ،‬فعل ذلك فإن البالء‬
‫سوط من سياط هللا يسوق به عباده إليه بتصفيتهم عن صفات نفوسهم وإظهار ما فيهم من الكماالت‪ ،‬وانقطاعهم عنده‬
‫من الخلق ومن النفس إلى الحق‪ .‬ولهذا كان متوكالً باألنبياء ثم األولياء ثم األمثل‪ .‬وقال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم بياناً لفضله‪" :‬ما أوذي نبي مثل ما أُوذيت"‪ ،‬كأنه قال‪ :‬ما صفى نبي مثل ما صفيت‪ .‬ولقد أحسن من قال‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫صدأ اللئام وصيقل األحرار‬ ‫در النائبات فإنها‬


‫هلل ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫إذ ال يظهر على كل منهم إال ما في مكمن استعداده كما قيل‪ :‬عند االمتحان ُي ْكرم الرجل أو ُي َهان‪.‬‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 155‬الى اآلية ‪)155‬‬

‫َّللاُ َع ْن ُه ْم ِإ َّن َّ‬ ‫ان ِبَب ْع ِ‬ ‫ان ِإَّنما استَ َزَّلهم َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ور‬
‫َّللاَ َغُف ٌ‬ ‫ض َما َك َسُبوْا َوَلَق ْد َعَفا َّ‬ ‫طُ‬ ‫الش ْي َ‬ ‫َ ْ ُُ‬
‫نك ْم َي ْوم اْلتََقى اْل َج ْم َع ِ‬ ‫ِإ َّن الذ َ‬
‫ين تََول ْوْا م ُ َ‬
‫يم‬‫ِ‬
‫َحل ٌ‬

‫فإن الشيطان إنما‬


‫{استَ َزلهم} أي‪ :‬طلب منهم الزّلة ودعاهم إليها‪ ،‬وهي زّلة التولي {ببعض ما كسبوا} من الذنوب‪ّ .‬‬
‫ْ‬
‫يقدر على وسوسة الناس وإنفاذ أمره إذا كان له مجال بسبب أدنى ظلمة في القلب‪ ،‬حادثة من ذنب‪ ،‬وحركة من النفس‬
‫كما قيل‪ :‬الذنب بعد الذنب عقوبة للذنب األول‪{ .‬ولقد عفا هللا عنهم} باالعتذار والندم‪.‬‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 156‬الى اآلية ‪)160‬‬

‫ض أ َْو َك ُانوْا ُغًّزى َّل ْو َك ُانوْا ِع ْن َدَنا َما َماتُوْا‬


‫ض َرُبوْا ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ٰيأَي َّ ِ‬
‫ين َكَف ُروْا َوَقاُلوْا ِإل ْخ َوان ِه ْم ِإ َذا َ‬
‫ونوْا َكالذ َ‬
‫آمُنوْا الَ تَ ُك ُ‬
‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ ب َما تَ ْع َمُلو َن َبص ٌير * َوَلئ ْن ُقتْلتُ ْم في َسبيل َّ‬
‫َّللا أ َْو‬ ‫يت َو َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬
‫َّللاُ ذل َك َح ْس َرًة في ُقُلوبِه ْم َو َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ ُي ْحيـي َوُيم ُ‬ ‫َو َما ُقتُلوْا لَي ْج َع َل َّ‬
‫َّللاِ ورحم ٌة خير ِم َّما يجمعون * وَلِئن ُّمتُّم أَو ُقِتْلتم ِإلَلى هللا تحشرون * َفِبما رحم ٍة ِمن َّ ِ‬
‫نت َل ُه ْم‬ ‫َّللا لِ َ‬ ‫َ َ َْ َّ‬ ‫ُْ َُ َ‬ ‫َ ْ ْ ْ ُْ‬ ‫ُمتُّ ْم َل َم ْغِف َرةٌ ِّم َن َّ َ َ ْ َ َ ْ ٌ ّ َ ْ َ ُ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫استَ ْغِف ْر َل ُه ْم َو َش ِاوْرُه ْم ِفي األَ ْم ِر َفِإ َذا َع َزْم َت َفتََوَّك ْل َعَلى‬ ‫ظ اْلَقْل ِب الَْنَف ُّ ِ‬
‫ظاً َغلِي َ‬
‫ف َع ْن ُه ْم َو ْ‬ ‫ضوْا م ْن َح ْولِ َك َف ْ‬
‫اع ُ‬ ‫َوَل ْو ُك ْن َت َف ّ‬
‫َّللاِ‬
‫نص ُرُكم ِّم ْن َب ْع ِدِه َو َعَلى َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َّللاِ ِإ َّن َّ ِ‬
‫َّللاُ َفالَ َغال َب َل ُك ْم َوِإن َي ْخ ُذْل ُك ْم َف َمن َذا الذي َي ُ‬ ‫نص ْرُك ُم َّ‬
‫ين * إن َي ُ‬ ‫َّللاَ ُيح ُّب اْل ُمتََوّكل َ‬ ‫َّ‬
‫َفْلَيتََوَّك ِل اْل ُم ْؤ ِمُنو َن‬

‫وغماً في قلوبهم لرؤيتهم القتل‬ ‫ِ‬


‫{ليجعل هللا ذلك حسرة في قلوبهم} أي‪ :‬يجعل ذلك القول واالعتقاد ضيقاً وضنكاً ّ‬
‫والموت مسبباً عن فعل‪ ،‬ولو كانوا موقنين موحدين ل أروا أنه من هللا‪ ،‬فكانوا منشرحي الصدور {وهللا ُي ْحِيي} من يشاء‬

‫{وي ِميت} من يشاء في الحضر وغيره {لمغفرة من هللا ورحمة} أي‪ :‬لنعيمكم األخروي من ّ‬
‫جنة‬ ‫في السفر والجهاد وغيره ُ‬
‫وجنة الصفات خير لكم من الدنيوي لكونكم عاملين لآلخرة و {إللى هللا تُ ْح َشرون} لمكان توحيدكم‪ ،‬فحالكم فيما‬
‫األفعال ّ‬
‫بعد الموت أحسن من حالكم قبله ‪.‬‬

‫تامة‪ ،‬كاملة‪ ،‬وافرة‪ ،‬هي صفة من جملة صفات هللا‪،‬‬


‫{فبما رحمة من هللا} أي فباتصافك برحمة رحيمية‪ ،‬أي‪ :‬رحمة ّ‬
‫تابعة لوجودك الموهوب اإللهي ال الوجود البشرّي {لِ ْن َت لهم ولو كنت َفظاً} موصوفاً بصفات النفس التي منها الفظاظة‬
‫ّ‬
‫ألن الرحمة اإللهية الموجبة لمحبتهم إياك تجمعهم {فاعف عنهم} فيما يتعلق بك من‬ ‫{النَفضوا من َحولك} ّ‬
‫والغلظة ْ‬
‫وعلو مقامك من التأذي بفعل البشر‪ ،‬والتغيظ من أفعالهم‪ ،‬وتشفي الغيظ‬
‫جنايتهم لرؤيتك إياه من هللا بنظر التوحيد ّ‬
‫استغِفر لهم} فيما يتعلق بحق هللا لمكان غفلتهم وندامتهم واعتذارهم َ‬
‫{وشاورهم} في أمر الحرب وغيره‬ ‫باالنتقام منهم {و ْ‬
‫ففوض األمر إلى هللا بالتوكل عليه ورؤية جميع األفعال والفتح والنصر والعلم‬ ‫مراعاة لهم واحتراماً‪ ،‬ولكن إذا عزمت ّ‬
‫ممن تشاوره‪ .‬ثم حّقق معنى التوكل والتوحيد في األفعال بقوله‪{ :‬إن َي ْنصركم هللا}‬
‫باألصلح واألرشد منه‪ ،‬ال منك‪ ،‬وال ّ‬
‫إلى آخره‪.‬‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 161‬الى اآلية ‪)169‬‬

‫ظَل ُمو َن * أََف َم ِن اتََّب َع‬ ‫ْت ِبما َغ َّل َي ْوم اْلِقَيام ِة ثُ َّم تُوَّف ٰى ُك ُّل َنْف ٍ‬
‫س َّما َك َسَب ْت َو ُه ْم الَ ُي ْ‬ ‫ِ‬
‫ان لَِنِب ٍّي أ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َن َي ُغ َّل َو َمن َي ْغُل ْل َيأ َ‬ ‫َو َما َك َ‬
‫ص ٌير ِب َما َي ْع َمُلو َن * َلَق ْد‬ ‫وَّللا ب ِ‬ ‫صير * هم درجـٰت ِعند َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ َكمن بآء ِبسخ ٍط ِمن َّ ِ‬
‫َّللا َّ ُ َ‬ ‫ُْ َ َ َ ٌ َ‬ ‫َّللا َو َمأ َْواهُ َج َهَّن ُم َوبِ ْئ َس اْل َم ُ‬ ‫ان َّ َ َ َ َ َ ّ َ‬ ‫ض َو َ‬‫ِر ْ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اب َواْل ِح ْك َم َة َوإِن َك ُانوْا ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين ِإ ْذ َب َع َث ِف ِ‬ ‫ِ‬
‫يه ْم َرُسوالً ّم ْن أ َْنُفس ِه ْم َي ْتُلوْا َعَل ْي ِه ْم َآياته َوُي َزّكي ِه ْم َوُي َعّل ُم ُه ُم اْلكتَ َ‬ ‫َّللاُ َعَلى اْل ُمؤ ِمن َ‬ ‫َم َّن َّ‬
‫َّللاَ َعَل ٰى ُك ِّل‬ ‫َص ْبتُ ْم ِّم ْثَل ْي َها ُقْلتُ ْم أََّن ٰى َهـٰ َذا ُق ْل ُهَو ِم ْن ِعن ِد أ َْنُف ِس ُك ْم ِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬
‫َصـَٰب ْت ُك ْم ُّمص َيب ٌة َق ْد أ َ‬ ‫ين * أ ََوَل َّمآ أ َ‬
‫ض ٍ‬
‫الل ُّمِب ٍ‬ ‫ِ‬
‫َقْب ُل َلفي َ‬
‫يل َل ُه ْم تَ َعاَل ْوْا َق ِاتُلوْا‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ان َفِبِإ ْذ ِن َّ ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ين َناَفُقوْا َوِق َ‬ ‫ين * َولَِي ْعَل َم الذ َ‬ ‫َّللا َولَِي ْعَل َم اْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫َص َاب ُك ْم َي ْوم اْلتََقى اْل َج ْم َع ِ‬
‫َ‬ ‫َش ْيء َقد ٌير * َو َمآ أ َ‬
‫اه ِهم َّما َل ْي َس ِفي‬ ‫ان يُقوُلون ِبأَ ْفو ِ‬
‫يم ِ َ َ َ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬
‫اك ْم ُه ْم لْل ُكْف ِر َي ْو َمئذ أَ ْق َر ُب م ْن ُه ْم لإل َ‬ ‫َّللاِ أ َِو ْاد َف ُعوْا َقاُلوْا َل ْو َن ْعَل ُم ِقتَاالً الَّتََّب ْعَن ُ‬
‫يل َّ‬ ‫ِفي سِب ِ‬
‫َ‬
‫ونا َما ُقِتُلوا ُق ْل َف ْاد َرُءوا َع ْن أ َْنُف ِس ُك ُم اْل َم ْو َت ِإن‬ ‫ين َقاُلوْا ِإل ْخ َوِان ِه ْم َوَق َع ُدوْا َل ْو أَ َ‬ ‫َّ ِ‬
‫اع َ‬
‫ط ُ‬ ‫َعَل ُم ِب َما َي ْكتُ ُمو َن * الذ َ‬ ‫ُقُلوبِ ِه ْم َو َّ‬
‫َّللاُ أ ْ‬
‫اء ِع َند َرّب ِِه ْم ُي ْرَزُقو َن‬ ‫يل َّ ِ‬ ‫ين ُقِتُلوْا ِفي سِب ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ُك ْنتُم ِ ِ‬
‫َحَي ٌ‬ ‫َّللا أ َْم َواتاً َب ْل أ ْ‬ ‫َ‬ ‫ين * َوالَ تَ ْح َسَب َّن الذ َ‬ ‫صادق َ‬ ‫ْ َ‬

‫النبوة وعصمة األنبياء عن جميع الرذائل‪ ،‬وامتناع صدور ذلك منهم مع كونهم‬
‫يغل} لبعد مقام ّ‬
‫لنبي أن ّ‬ ‫{وما كان‬
‫ّ‬
‫منسلخين عن صفات البشرية‪ ،‬معصومين عن تأثير دواعي النفس والشيطان فيهم‪ ،‬قائمين باهلل متّصفين بصفاته‬
‫غل بعينه‪.‬‬
‫غل} أي‪ :‬يظهر على صورة غلوله بما ّ‬
‫{يأت بما ّ‬

‫الغال في مقام‬
‫النبي في مقام الرضوان التي هي جنة الصفات‪ ،‬التصافه بصفات هللا‪ ،‬و ّ‬ ‫{أ َف َمن اتّبع رضوان هللا} أي‪:‬‬
‫ّ‬
‫السخط الحتجابه بصفات نفسه {ومأواه} أسفل حضيض النفس المظلمة‪ ،‬فهل يتشابهان؟ {هم درجات} أي‪ :‬كل من‬
‫أهل الرضا وأهل السخط ذوو درجات متفاوتات أو هم مختلفون اختالف الدرجات {قل هو من عند أنفسكم} ال ينافي‬
‫ألن السبب الفاعلي في الجميع هو الحق تعالى‪ ،‬والسبب‬ ‫قوله تعالى‪ُ{ :‬قل ُك ٌّل ِمن ِع ِند َّ ِ‬
‫َّللا} [النساء‪ ،‬اآلية‪ّ ]78 :‬‬ ‫ّْ‬ ‫ْ‬
‫القابلي أنفسهم‪ ،‬وال يفيض من الفاعل إال ما يليق باالستعداد ويقتضيه‪ ،‬وباعتبار الفاعل يكون من عند هللا‪ ،‬وباعتبار‬
‫ّ‬
‫القابل يكو من عند أنفسهم‪ .‬واستعداد األنفس إما أصلي وإما عارضي‪ ،‬واألصلي من فيضه األقدس على مقتضى‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مشيئته‪ ،‬والعارضي من اقتضاء قدره‪ .‬فهذا الجانب أيضاً ينتهي إليه‪ ،‬ومن وجه آخر ما يكون من أنفسهم أيضاً يكون‬
‫من هللا نظ اًر إلى التوحيد‪ ،‬إذ ال غير ثمة {وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا} أي‪ :‬وليتميز المؤمنون والمنافقون في‬
‫العلم التفصيلي‪.‬‬
‫ّ‬

‫{وال تحسبن الذين ُقِتلوا في سبيل هللا} سواء كان قتلهم بالجهاد األصغر‪ ،‬وبذل النفس طلباً لرضا هللا‪ ،‬أو بالجهاد‬

‫األكبر‪ ،‬وكسر النفس‪ ،‬وقمع الهوى بالرياضة {أمواتاً بل أحياء عند رّبهم} بالحياة الحقيقية ّ‬
‫مجردين عن دنس الطبائع‪،‬‬

‫{ي ْرَزقون} من األرزاق المعنوية‪ ،‬أي المعارف والحقائق واستشراق األنوار‪ ،‬ويرزقون في ّ‬
‫الجنة‬ ‫مقربين في حضرة القدس ُ‬
‫ّ‬
‫الصورية كما ُي ْرزق سائر األحياء‪ّ .‬‬
‫فإن للجنان مراتب بعضها معنوية وبعضها صورية‪ ،‬ولكل من المعنوية والصورية‬
‫جنة الذات وجنة الصفات وتفاضل درجاتها على حسب تفاضل درجات أهل‬ ‫درجات على حسب األعمال‪ ،‬فالمعنوية ّ‬
‫الملك من السموات‬
‫جنة األفعال وتفاوت درجاتها على حسب تفاوت درجات عالم ُ‬ ‫الجبروت والملكوت‪ ،‬والصدورية ّ‬
‫يب إخوانكم بأُحد‪َ ،‬ج َعل هللا أرواحهم في أجواف طير‬ ‫ِ‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬لما أُص َ‬
‫ّ‬
‫العلى‪ ،‬وجنات الدنيا وعن‬

‫خضر‪ ،‬تدور في أنهار الجنة‪ ،‬وتأكل من ثمارها‪ ،‬وتأوي إلى قناديل من ذهب‪ ،‬معلقة في ّ‬
‫ظل العرش"‪ .‬فالطير‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الخضر‪ :‬إشارة إلى األجرام السماوية‪ ،‬والقناديل هي الكواكب‪ ،‬أي تعلقت بالنيرات من األجرام السماوية لنزاهتها‪ ،‬وأنهار‬
‫الجنة منابع العلوم ومشارعها‪ ،‬وثمارها األحوال والمعارف واألنهار‪ ،‬والثمار الصورية على حسب جنتهم المعنوية أو‬
‫فإن كل ما وجد في الدنيا من المطاعم والمشارب والمناكح والمالبس وسائر المالذ والمشتهيات‪ ،‬موجود في‬‫الصورية‪ّ .‬‬
‫اآلخرة وفي طبقات السماء أل ّذ وأصفى مما في الدنيا ‪.‬‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 170‬الى اآلية ‪)172‬‬

‫ف َعَل ْي ِه ْم َوالَ ُه ْم َي ْح َزُنو َن *‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا ِمن َف ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َل ْم َيْل َحُقوْا ِب ِهم ّم ْن َخْلف ِه ْم أَال َخ ْو ٌ‬
‫ضله َوَي ْستَْبش ُرو َن ِبالذ َ‬ ‫ْ‬ ‫ين ِب َمآ آتَ ُ‬
‫اه ُم َّ ُ‬ ‫َف ِرح َ‬
‫َص َاب ُه ُم‬ ‫ِ‬ ‫ضيع أَجر اْلمؤ ِمِنين * َّال ِذين استَجابوْا ََّّللِ و َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض ٍل َوأ َّ‬ ‫يستب ِشرون ِبِنعم ٍة ِمن َّ ِ‬
‫الرُسول من َب ْعد َمآ أ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َُ‬ ‫َّللاَ الَ ُي ُ ْ َ ُ ْ َ‬ ‫َن َّ‬ ‫َّللا َوَف ْ‬ ‫َ ْ َْ ُ َ ْ َ ّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ ِ‬
‫يم‬
‫َجٌر َعظ ٌ‬ ‫َح َسُنوْا م ْن ُه ْم َواتََّقوْا أ ْ‬
‫ين أ ْ‬
‫اْلَق ْرُح للذ َ‬

‫{فرحين بما آتاهم هللا من فضله} من الكرامة والنعمة والقرب عند هللا {ويستبشرون} بحال إخوانهم {الذين لم يلحقوا‬
‫بهم من من خلفهم} ولم ينالوا درجاتهم بعد من خلفهم الستسعادهم عن قريب بمثل حالهم ولحوقهم بهم {أال َخ ْؤف‬
‫عليهم وال هم َي ْحزنون} بدل اشتمال من الذين‪ ،‬أي‪ :‬يستبشرون بأنهم آمنوا‪ ،‬ال خوف عليهم وال هم يحزنون {يستبشرون‬
‫بنعمة} أي‪ :‬أمنهم بنعمة عظيمة ال يعلم كنهها‪ ،‬هي جنة الصفات بحصول مقام الرضوان المذكورة بعده لهم‬
‫فإن هللا ال‬
‫الكلي من بقية الوجود وذلك كمال كونهم شهداء هلل‪ ،‬ومع ذلك ّ‬ ‫{وفضل} وزيادة عليها هي جنة الذات واألمن‬
‫ّ‬
‫ُيضيع أجر إيمانهم الذي هو جنة األفعال وثواب األعمال‪{ .‬الذين استجابوا هلل} بالفناء في الوحدة الذاتية {والرسول}‬
‫بالمقام بحق االستقامة {من بعد ما أصابهم القرح} أي‪ :‬كسر النفس {للذين أحسنوا منهم} أي‪ :‬ثبتوا في مقام المشاهدة‬
‫{واتقوا} بقاياهم {أجر عظيم} وراء اإليمان هو روح المشاهدة‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 173‬الى اآلية ‪)178‬‬

‫يل * َف ْانَقَلُبوْا ِبِن ْع َم ٍة‬


‫َّللاُ َوِن ْع َم اْلَو ِك ُ‬
‫يماناً َوَقاُلوْا َح ْسُبَنا َّ‬ ‫ِ‬
‫اخ َش ْو ُه ْم َف َزَاد ُه ْم إ َ‬
‫اس َق ْد َج َم ُعوْا َل ُك ْم َف ْ‬ ‫اس ِإ َّن َّ‬
‫الن َ‬ ‫ال َل ُهم َّ‬
‫الن ُ‬ ‫ين َق َ ُ‬
‫َّ ِ‬
‫الذ َ‬
‫اءهُ َفالَ‬ ‫طـ ُٰن ُي َخِّو ُ ِ‬
‫ف أ َْولَي َ‬
‫ض ٍل َع ِظي ٍم * ِإَّنما ٰذلِ ُكم َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّللاُ ُذو َف ْ‬ ‫َّللاِ َو َّ‬
‫ان َّ‬‫ض َو َ‬ ‫وء َواتََّب ُعوْا ِر ْ‬
‫َّللاِ وَف ٍ َّ‬
‫ضل ل ْم َي ْم َس ْس ُه ْم ُس ٌ‬ ‫ّم َن َّ َ ْ‬
‫ِ‬

‫َّللاُ أَالَّ َي ْج َع َل‬ ‫ِ‬ ‫تَخا ُفوهم وخا ُفو ِن ِإن ُكنتُم ُّمؤ ِمِنين * والَ يحز َّ ِ‬
‫َّللاَ َش ْيئاً ُي ِر ُيد َّ‬ ‫ين ُي َس ِارُعو َن في اْل ُكْف ِر ِإَّن ُه ْم َلن َي ُ‬
‫ضُّروْا َّ‬ ‫نك الذ َ‬ ‫َ َ ُْ َ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫َ ُْ َ َ‬
‫َّللا َشيئاً ولهم ع َذ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َلهم ح ّ ِ‬
‫يم * َوالَ‬ ‫اب أَل ٌ‬ ‫ضُّروْا َّ َ ْ َ ُ ْ َ ٌ‬ ‫ان َلن َي ُ‬ ‫يم ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اشتَ َرُوْا اْل ُكْف َر باإل َ‬ ‫يم * ِإ َّن الذ َ‬
‫ين ْ‬ ‫ظاً في اآلخ َرِة َوَل ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫اب َعظ ٌ‬ ‫ُْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اب ُّم ِه ٌ‬
‫ين‬ ‫ين َكَف ُروْا أََّن َما ُن ْملي َل ُه ْم َخ ْيٌر أل َْنُفس ِه ْم ِإَّن َما ُن ْملي َل ُه ْم لَي ْزَد ُادوْا ِإ ْث َماً َوَل ْه ُم َع َذ ٌ‬
‫َي ْح َسَب َّن الذ َ‬

‫اعتدوا‬
‫{الذين قال لهم الناس} قبل الوصول إلى المشاهدة {إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم} أي‪ :‬اعتبروا لوجودكم و ّ‬
‫بكم فاعتدوا بهم {فزادهم} ذلك القول {إيماناً} أي‪ :‬يقيناً وتوحيداً بنفي الغير وعدم المباالة به‪ ،‬وتوصلوا بنفي ما سوى‬
‫هللا إلى إثباته بقولهم {حسبنا هللا} فشاهدوه ثم رجعوا إلى تفاصيل الصفات باالستقامة فقالوا‪{ :‬وِن ْع َم الوكيل} وهي الكلمة‬
‫ُلقي في النار فصارت برداً وسالماً عليه {فانقلبوا بنعمة من هللا وفضل} أي‪:‬‬ ‫التي قالها إبراهيم عليه السالم حين أ ِ‬
‫َ‬
‫مر آنفاً {لم يمسسهم سوء} البقية ورؤية الغير ‪.‬‬ ‫الحقاني في جنة الصفات والذات كما ّ‬ ‫رجعوا بالوجود‬
‫ّ‬

‫قرة أعين وهي‬


‫{و} هم {اتّبعوا رضوان هللا} الذي هو جنة الصفات في حال سلوكهم حين لم يعلموا ما أُخفي لهم من ّ‬
‫جنة الذات المشار إليها بقوله‪{ :‬وهللا ذو فضل عظيم} فإن الفضل هو المزيد على الرضوان {يخوف أولياءه}‬
‫يخوفكم أولياءه {فال تخافوهم} وال تعتدوا بوجودهم {وخافو ِن إن كنتم} موحدين‪،‬‬
‫المحجوبين بأنفسهم مثله من الناس أو ّ‬
‫أي ال تخافوا غيري لعدم عينه وأثره {وال يحزنك الذين يسارعون في الكفر} لحجابهم األصلي وظلمتهم الذاتية خوف أن‬
‫لشدة عذابهم وغاية هوانهم وصغارهم الزديادهم‬
‫يضروا هللا شيئاً} إمالء الكفار وطول حياتهم سبب ّ‬
‫يضروك {إنهم لن ّ‬
‫العزة ازدادوا هواناً‪.‬‬
‫بطول عمرهم حجاباً على حجاب‪ ،‬وبعداً على بعد‪ .‬وكلما ازدادوا بعداً عن الحق الذي هو منيع ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 179‬الى اآلية ‪)180‬‬

‫طلِ َع ُك ْم َعَلى اْل َغ ْي ِب َوَل ِك َّن‬


‫َّللاُ لُِي ْ‬ ‫َّ‬ ‫َّللا لِي َذر اْلمؤ ِمِنين عَلى مآ أ َْنتُم عَلي ِه حتَّى ي ِم َيز اْلخِب َ ِ‬
‫ان َّ‬ ‫يث م َن الطِّي ِب َو َما َك َ‬ ‫َ‬ ‫ان َّ ُ َ َ ُ ْ َ َ ٰ َ ْ َ ْ َ ٰ َ‬ ‫َّما َك َ‬
‫ين َي ْب َخُلو َن ِب َمآ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫آمنوْا ِب َّ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يم * َوالَ َي ْح َسَب َّن الذ َ‬ ‫َجٌر َعظ ٌ‬ ‫اَّلل َوُرُسله َوِإن تُ ْؤ ِمُنوْا َوتَتَُّقوْا َفَل ُك ْم أ ْ‬ ‫آء َف ُ‬ ‫َّللاَ َي ْجتَبي من ُّرُسله َمن َي َش ُ‬ ‫َّ‬

‫َّللاُ‬
‫ض َو َّ‬ ‫السم ٰٰو ِت واأل َْر ِ‬
‫اث َّ َ َ َ‬ ‫ام ِة َوََّّللِ ِم َير ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫طَّوُقو َن َما َبخلُوْا به َي ْوَم اْلقَي َ‬ ‫ضلِ ِه ُه َو َخ ْي اًر َّل ُه ْم َب ْل ُه َو َشٌّر َّل ُه ْم َسُي َ‬ ‫آتَاهم َّ ِ‬
‫َّللاُ من َف ْ‬ ‫ُُ‬
‫ِب َما تَ ْع َمُلو َن َخِب ٌير‬

‫{ما كان هللا ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه} من ظاهر اإلسالم وتصديق اللسان {حتى يميز الخبيث} من صفات‬
‫النفس وشكوك الوهم وحظوظ الشيطان‪ ،‬ودواعي الهوى من طيبات صفات القلب كاإلخالص واليقين والمكاشفة‬
‫السر ومسامراته‪ ،‬وتخلص المعرفة والمحبة هلل باالبتالء ووقوع الفتن والمصائب بينكم‪.‬‬
‫ومشاهدات الروح ومناغيات ّ‬

‫{وما كان هللا ليطلعكم على} غيب وجودكم من الحقائق واألحوال الكامنة فيكم بال واسطة الرسول لبعد ما بينكم وبينه‬
‫وعدم المناسبة وانتفاء استعداد التلقي منه {ولكن هللا يجتبي من رسله من يشاء} فيطلعه على أس ارره وحقائقه بالكشف‬
‫ليهديكم إلى ما غاب عنكم من كنوز وجودكم وأس ارره للجنسية النفسانية التي بينه وبينكم‪ ،‬الموجبة إلمكان اهتدائكم به‬
‫{فآمنوا باهلل ورسله} بالتصديق القلبي واإلرادة والتمسك بالشريعة ليمكنكم التلقي والقبول منهم {وإن تؤمنوا} بعد ذلك‬
‫ّ‬
‫اإليمان بالتحقيق والسلوك إلى اليقين والمتابعة في الطريقة {وتتقوا} الحجب النفسانية وموانع السلوك {فلكم أجر عظيم}‬
‫من كشف الحقيقة {بما أتاهم هللا من فضله} من المال والعلم والقدرة والنفس وال ينفقونه في سبيل هللا على المستحقين‬

‫الذب عنهم أو الفناء في هللا {سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة} أي‪ :‬يجعل ّ‬
‫غل‬ ‫الصديقين في ّ‬
‫المستعدين واألنبياء و ّ‬
‫ّ‬ ‫و‬
‫أعناقهم وسبب تقييدهم وحرمانهم عن روح هللا ورحمته وموجب هوانهم وحجابهم عن نور جماله لمحبتهم له وتعلقهم به‬
‫{وهلل ميراث السموات واألرض} من النفوس وصفاتها كالقوى والقدر والعلوم واألموال وكل ما ينطبق عليه اسم الوجود‬
‫فما لهم يبخلون بماله عنه‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 181‬الى اآلية ‪)187‬‬

‫َغِنَيآء سَن ْكتُ ُب ما َقاُلوْا وَق ْتَلهم األَنِبَي ِ‬ ‫َّللا َقول َّال ِذين َقاُلوْا ِإ َّن َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫اب‬ ‫ول ُذوُقوْا َع َذ َ‬ ‫اء ب َغ ْي ِر َح ٍّق َوَنُق ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُُ‬ ‫َ‬ ‫َّللاَ َفق ٌير َوَن ْح ُن أ ْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫لَق ْد َسم َع َّ ُ ْ َ‬
‫َّللا َع ِه َد ِإَليَنا أَالَّ ُن ْؤ ِم َن لِرس ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّللا َليس ِب َ َّ ِ ِ‬ ‫يق * ٰذلِ َك ِب َما َقَّد َم ْت أ َْي ِد ُ‬
‫ول َحتَّ ٰى‬ ‫َُ‬ ‫ْ‬ ‫ظال ٍم ّلْل َعِبيد * الذ َ‬
‫ين َقاُلوْا إ َّن َّ َ‬ ‫َن َّ َ ْ َ‬ ‫يك ْم َوأ َّ‬ ‫اْل َح ِر ِ‬
‫ين * َفِإن‬ ‫ِال ِذي ُقْلتُم َفلِم َقَتْلتُموهم ِإن ُكنتُم ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ات وب َّ‬ ‫ان تَأ ُ َّ‬ ‫َيأِْتَيَنا ِبُق ْرَب ٍ‬
‫صادق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ ُ ُْ‬ ‫آء ُك ْم ُرُس ٌل ّمن َقْبلي باْلَبّيَن َ‬
‫ْكُل ُه الن ُار ُق ْل َق ْد َج َ‬
‫ورُك ْم‬
‫ُج َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ير * ُك ُّل نْف ٍ ِ‬
‫س َذآئَق ُة اْل َم ْوت َوإَِّن َما تَُوف ْو َن أ ُ‬ ‫اب اْل ُمِن ِ‬ ‫وك َفَق ْد ُك ِّذ َب ُرس ٌل ِّمن َقْبلِ َك َج ِ ِ ِ ُّ‬
‫الزب ِر واْل ِكتَ ِ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫آءوا باْلَبّيَنات َو ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َكذُب َ‬
‫ور * َلتُْبَلُو َّن ِفي أ َْمَوالِ ُك ْم َوأ َْنُف ِس ُك ْم‬
‫الد ْنَيا ِإالَّ َمتَاعُ اْل ُغ ُر ِ‬ ‫ام ِة َف َمن ُز ْح ِزَح َع ِن َّ‬
‫النا ِر َوأ ُْد ِخ َل اْل َجَّن َة َفَق ْد َف َاز َوما اْل َحَياةُ ُّ‬ ‫ِ‬
‫َي ْوَم اْلقَي َ‬
‫صِب ُروْا َوتَتَُّقوْا َفِإ َّن ٰذلِ َك ِم ْن َع ْزِم األ ُُم ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫وَلتَسمع َّن ِمن َّال ِذين أُوتُوْا اْل ِكتَ ِ ِ‬
‫ور‬ ‫َش َرُكوْا أَ ًذى َكثي اًر َوإِن تَ ْ‬ ‫اب من َقْبل ُك ْم َو ِم َن الذ َ‬
‫ين أ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َُ َ‬
‫اشتَ َرْوْا ِب ِه ثَ َمناً َقلِيالً َفِب ْئ َس َما‬
‫ورِه ْم َو ْ‬
‫ظ ُه ِ‬
‫آء ُ‬
‫ون ُه َفَنَب ُذوهُ َوَر َ‬
‫اب َلتَُبِّيُنَّن ُه لِ َّلن ِ‬
‫اس َوالَ تَ ْكتُ ُم َ‬ ‫ِ‬
‫ين أُوتُوْا اْلكتَ َ‬
‫َّللا ِميثَ َّ ِ‬
‫اق الذ َ‬
‫َ‬ ‫َخ َذ َّ ُ‬
‫* َوإِ ْذ أ َ‬
‫َي ْشتَ ُرو َن‬

‫أن أنبياء بني إسرائيل كانت معجزتهم أن يأتوا بقربان فيدعوا هللا‬‫{لقد سمع هللا} إلى قوله {إن كنتم صادقين} روي ّ‬
‫يتقربون بها إلى هللا ويدعون هللا بالزهد والعبادة‪ ،‬فتأتي نار‬
‫فتأتي نار من السماء تأكله‪ .‬وتأويله‪ :‬أن يأتوا بنفوسهم ّ‬
‫نبوتهم وظهرت فسمع به عوام بني إسرائيل فاعتقدوا‬
‫العشق من سماء الروح تأكله وتفنيه في الوحدة‪ ،‬فبعد ذلك صحت ّ‬
‫ظاهره‪ ،‬وإن كان ممكناً من عالم القدرة فاقترحوا على كل نبي تلك اآلية كما توهموا من إقراض هللا الذي هو بذل المال‬
‫في سبيل هللا باإلنفاق الستيفاء الثواب وبذل األفعال والصفات بالمحو في السلوك الستبدال صفات الحق وأفعاله‬
‫وتحصيل مقام اإلبدال‪ ،‬فقر الحق وغناهم‪ ،‬أو كابروا األنبياء في الموضعين بعدما فهموا‪.‬‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 188‬الى اآلية ‪)191‬‬

‫اب وَلهم ع َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين َيْف َر ُحو َن ِب َمآ أَتَ ْوْا َّوُي ِحبُّو َن أَن ُي ْح َم ُدوْا‬ ‫َّ ِ‬
‫يم *‬ ‫ِب َما َل ْم َيْف َعُلوْا َفالَ تَ ْح َسَبَّن ُه ْم ِب َمَف َازٍة ّم َن اْل َع َذ ِ َ ُ ْ َ ٌ‬
‫اب أَل ٌ‬ ‫الَ تَ ْح َسَب َّن الذ َ‬
‫النه ِار آلي ٍ‬ ‫ض و ْ ِ ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫* ِإ َّن ِفي خْل ِق َّ ِ‬ ‫َّللاُ َعَل ٰى ُك ِّل َشي ٍء َق ِد ٌير‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫َ‬ ‫اختالَف اليل َو َّ َ‬ ‫الس َٰم َٰوت َواأل َْر َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ض َو َّ‬ ‫َوََّّلل ُمْل ُك َّ َ َ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َّللاَ ِقَياماً وُق ُعوداً و َعَل ٰى ُجُنوبِ ِهم وَي َتَف َّك ُرو َن ِفي َخْل ِق ال َّس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬
‫ض َربََّنآ َما َخَلْق َت‬ ‫ين َي ْذ ُك ُرو َن َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ألُولِي األَْلب ِ‬
‫ََ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اب * الذ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫الن ِار‬
‫اب َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َهذا َباطالً ُس ْب َح َان َك َفقَنا َع َذ َ‬

‫وكل حسنة من الحسنات‪ ،‬ويحجبون‬ ‫تحسبن الذين يفرحون بما أتوا} أي‪ :‬يعجبوا بما فعلوا من طاعة وإيثار‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫{ال‬
‫برؤيته {ويحبون أن يحمدوا} أي‪ :‬يحمدهم الناس‪ ،‬فهم محجوبون بعرض الحمد والثناء من الناس‪ ،‬أو أن يكونوا‬
‫َّللاُ َخَلَق ُك ْم َو َما تَ ْع َمُلو َن}‬
‫{و َّ‬
‫محمودين في نفس األمر عند هللا {بما لم يفعلوا} بل فعله هللا على أيديهم إذ ال فعل إال هلل‪َ ،‬‬
‫[الصافات‪ ،‬اآلية‪ ]96 :‬فائزين من عذاب الحرمان {ولهم عذاب أليم} لمكان استعدادهم واحتجابهم عما فيه‪ ،‬وكان من‬
‫وقوتهم إليه وال يحتجبوا برؤية الفعل من أنفسهم‪،‬‬
‫ويتبروا عن حولهم ّ‬
‫حقهم أن ينسبوا الفضيلة والفعل الجميل إلى هللا ّأ‬
‫وال يتوقعوا به المدح والثناء‪.‬‬

‫كل شيء قدير} ال‬ ‫ِ‬


‫{وهلل مْلك السموات واألرض} ليس ألحد فيها شيء حتى يعطي غيره فيعجب بعطائه {وهللا على ّ‬
‫يقدر غيره على فعل ّما‪ ،‬حتى يعجب برؤيته‪ ،‬فيفرح به فرح إعجاب‪.‬‬

‫{الذين يذكرون هللا} في جميع األحوال وعلى جميع الهيئات {قياماً} في مقام الروح بالمشاهدة {وقعوداً} في ّ‬
‫محل القلب‬
‫بالمكاشفة {وعلى جنوبهم} أي‪ :‬تقلباتهم في مكان النفس بالمجاهدة {ويتفكرون} بألبابهم أي‪ :‬عقولهم الخالصة عن‬
‫شوب الوهم {في خلق} عالم األرواح واألجساد‪ .‬يقولون عند الشهود {ربنا ما خلقت هذا} الخلق {باطالً} أي‪ :‬شيئاً‬
‫فإن غير الحق هو الباطل‪ ،‬بل جعلته أسماءك ومظاهر صفاتك {سبحانك} ننزهك أن يوجد غيرك‪ ،‬أي‪ :‬يقارن‬ ‫غيرك‪ّ ،‬‬
‫شيء فردانيتك أو يثني وحدانيتك {فقنا عذاب} نار االحتجاب باألكوان عن أفعالك‪ ،‬وباألفعال عن صفاتك‪ ،‬وبالصفات‬
‫عن ذاتك وقاية مطلقة تامة كافية‪.‬‬

‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 192‬الى اآلية ‪)195‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ان أَن ِ‬
‫آمُنوْا ِب َرّب ُ‬ ‫يم ِ ْ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لظالِ ِم ِ‬ ‫َخ َزيتَه وما لِ َّ‬ ‫َربََّنآ ِإَّن َك َمن تُ ْد ِخ ِل َّ‬
‫ِك ْم‬ ‫ص ٍار * َّربََّنآ إَّنَنآ َسم ْعَنا ُمَنادياً ُيَنادي لإل َ‬ ‫ين م ْن أ َْن َ‬ ‫َ‬ ‫الن َار َفَق ْد أ ْ ْ ُ َ َ‬
‫ام ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وبَنا َوَكّف ْر َعَّنا َسّيَئاتَنا َوتََوفَنا َم َع األ َْب َر ِار * َربََّنا َوآتَنا َما َو َعدتَنا َعَل ٰى ُرُسل َك َوالَ تُ ْخ ِزَنا َي ْوَم اْلقَي َ‬
‫َفآمَّنا ربََّنا َف ْ ِ‬
‫اغف ْر َلَنا ُذُن َ‬ ‫َ َ‬
‫ض ُكم ِمن َب ْعضٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يع َع َم َل َعامل ّم ْن ُك ْم ّمن َذ َك ٍر أ َْو أ ُْنثَ ٰى َب ْع ُ ّ‬ ‫ُّه ْم أَّني الَ أُض ُ‬ ‫اب َل ُه ْم َرب ُ‬
‫استَ َج َ‬
‫يع َاد * َف ْ‬ ‫ف اْلم َ‬ ‫ِإَّن َك الَ تُ ْخل ُ‬
‫ٰت تَ ْجرِي ِمن‬ ‫ُكِّفرَّن ع ْنهم سِيَئ ِات ِهم وأل ُْد ِخَلَّنهم جَّنـ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ُْ َ‬ ‫ُخ ِر ُجوْا من دَيـ ِٰره ْم َوأُوُذوْا في َسبيلي َوَقـَٰتُلوْا َوُقتُلوْا أل َ َ َ ُ ْ َ ّ ْ َ‬ ‫اج ُروْا َوأ ْ‬
‫ين َه َ‬ ‫َفالذ َ‬
‫َّللا ِع َنده حس ُن الثَّو ِ‬
‫اب‬ ‫تحِتها األَنهـٰر َثواباً ِمن ِع ِند َّ ِ‬
‫َ‬ ‫َّللا َو َّ ُ ُ ُ ْ‬ ‫َ ْ َ َْ ُ َ ّ‬

‫ذل وعار وشنار {وما للظالمين} الذين‬ ‫ِ‬


‫{ربنا إنك َم ْن تُ ْدخل النار} بالحرمان {فقد أخزيته} بوجود البقية التي كلها ّ‬
‫أشركوا برؤية الغير مطلقاً أو البقية {من أنصار} {ربنا إننا سمعنا} بأسماع قلوبنا {منادياً} من أس اررنا التي هي شاطئ‬
‫وادي الروح األيمن {ينادي} إلى اإليمان العياني {أن آمنوا بربكم} أي‪ :‬شاهدوا ربكم‪ ،‬فشاهدنا {ربنا فاغفر لنا} ذنوب‬
‫ّ‬
‫عنا} سيئات أفعالنا برؤية أفعالك {وتوفنا} عن ذواتنا في صحبة األبرار من األبدال الذين‬‫صفاتنا بصفاتك {وكفر ّ‬
‫تتوفاهم بذاتك عن ذواتهم‪ ،‬ال األبرار الباقين على حالهم في مقام محو الصفات غير المتوفين بالكلية {ربنا و ِآتنا ما‬
‫وعدتنا على} اتباع {رسلك} أو محموالً على رسلك من البقاء بعد الفناء‪ ،‬واالستقامة بالوجود الموهوب بعد التوحيد {وال‬
‫تخزنا يوم القيامة} الكبرى ووقت بروز الخلق هلل الواحد القهار باالحتجاب بالوحدة عن الكثرة‪ ،‬وبالجمع عن التفصيل‬
‫{إنك ال تُ ْخلِف الميعاد} فتبقى مقاماً وراءنا لم نصل إليه‪.‬‬

‫{فاستجاب لهم رّبهم أني ال أُضيع عمل عامل منكم من َذ َكر} القلب من األعمال القلبية كاإلخالص واليقين والكشف‬
‫{أو أنثى} النفس من األعمال القالبية‪ ،‬كالطاعات والمجاهدات والرياضات {بعضكم من بعض} يجمعكم أصل واحد‬
‫وحقيقة واحدة هي الروح اإلنسانية‪ ،‬أي‪ :‬بعضكم منشأ من بعض‪ ،‬فال أثيب بعضكم وأحرم بعضاً {فالذين هاجروا} عن‬
‫أوطان مألوفات النفس {وأخرجوا من} ديار صفاتها أو هاجروا من أحوالهم التي الت ّذوا بها‪ ،‬وأخرجوا من مقاماتهم التي‬

‫يسكنون إليها {وأوذوا في سبيلي} أي‪ :‬ابتلوا في سبيل سلوك أفعالي بالباليا والمحن والشدائد والفتن ّ‬
‫ليتمرنوا بالصبر‪،‬‬
‫تجليات الجالل والعظمة والكبرياء ليصلوا إلى الرضا {وقاتلوا} البقية‬
‫ويفوزوا بالتوكل في سبيل سلوك صفاتي بسطوات ّ‬
‫بالجهاد في {وقتلوا} وأفنوا في بالكلية {ألكفرّن عنهم سيئاتهم} كلها من الصغائر والكبائر‪ ،‬أي‪ :‬سيئات بقاياهم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫{وألدخلنهم} الجنات الثالثة المذكورة {ثواباً} أي‪ :‬عوضاً لما أخذت منهم من الموجودات الثالثة {وهللا عنده ُح ْسن‬
‫الثواب} أي‪ :‬ال يكون عند غيره الثواب المطلق الذي ال يبقى منه شيء‪ ،‬ولهذا قال‪ :‬وهللا‪ ،‬ألنه االسم الجامع لجميع‬
‫الصفات‪ ،‬فلم يحسن أن يقول‪ :‬والرحمن‪ ،‬في هذه الموضع أو اسم آخر غير اسم الذات ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 196‬الى اآلية ‪)200‬‬

‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ َّ ِ‬


‫ات‬ ‫ين اتََّق ْوْا َرب ُ‬
‫َّه ْم َل ُه ْم َجَّن ٌ‬ ‫اه ْم َج َهَّن ُم َوِب ْئ َس اْلم َه ُاد * َلك ِن الذ َ‬ ‫ين َكَف ُروْا في اْلِبالَد * َمتَاعٌ َقل ٌ‬
‫يل ثُ َّم َم ْأَو ُ‬ ‫الَ َي ُغَّرَّن َك َتَقل ُب الذ َ‬
‫اَّللِ‬
‫َه ِل اْل ِك ٰتَ ِب َل َمن ُي ْؤ ِم ُن ِب َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ وما ِعند َّ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫تَجرِي ِمن تَحِتها األ َْنهار َخالِ ِد ِ‬
‫َّللا َخ ْيٌر ّلأل َْب َر ِار َ‬
‫*وإِ َّن م ْن أ ْ‬ ‫يها ُن ُزالً ّم ْن عند َّ َ َ َ‬ ‫ين ف َ‬
‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫َج ُرُه ْم ع َند َرّب ِِه ْم ِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ََّّلل الَ َي ْشتَ ُرو َن ِب َآيـٰت َّ‬ ‫ِٰ ِ‬
‫َّللاَ َس ِر ُ‬
‫يع‬ ‫َّللا ثَ َمناً َقليالً أ ُْولـٰئ َك َل ُه ْم أ ْ‬ ‫ُنزَل ِإَل ْي ِه ْم َخشع َ‬
‫ُنزَل ِإَل ْي ُك ْم َو َمآ أ ِ‬
‫َو َمآ أ ِ‬
‫َّللاَ َل َعَّل ُك ْم تُْفلِ ُحو َن‬ ‫صاِب ُروْا َوَارِب ُ‬
‫طوْا َواتَُّقوْا َّ‬ ‫ين آمُنوْا ِ‬ ‫اب * يا أَي َّ ِ‬
‫اْل ِحس ِ‬
‫اصب ُروْا َو َ‬
‫ْ‬ ‫ُّها الذ َ َ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬

‫يغرنك تقّلب الذين كفروا} أي‪ :‬حجبوا عن التوحيد الذي هو دين الحق في المقامات واألحوال‪.‬‬
‫{ال ّ‬

‫{متاع قليل} أي‪ :‬هو يعني االحتجاب بالمقامات والتقّلب فيها تمتع قليل {ثم مأواهم جهنم} الحرمان {وبئس المهاد}‬
‫معداً {من عند‬
‫تجردوا عن الوجودات الثالثة‪ ،‬لهم الجنات الثالث‪{ ،‬نزالً} ّ‬
‫{لكن الذين اتّقوا رّبهم} من المؤمنين‪ ،‬أي‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫إن من أهل الكتاب} أي‪ :‬المحجوبين عن التوحيد‪ ،‬والمذكورين بصفة التقّلب في األحوال والمقامات {لمن يؤمن‬ ‫هللا} {و ّ‬
‫باهلل} أي‪ :‬يتحقق بالتوحيد الذاتي {وما أُنزل إليكم} من علم التوحيد واالستقامة {وما أ ُْن ِزل إليهم} من علم المبدأ والمعاد‬
‫{خاشعين هلل} قابلين لتجلي الذات‪.‬‬

‫{ال يشترون بآيات هللا} التي هي تجليات صفاته ثمن البقية الموصوف بالقّلة {أولئك لهم أجرهم عند رّبهم} من الجنان‬
‫{إن هللا سريع الحساب} يحاسبهم ويجازيهم فيعاقب على بقايا من بقي منهم شيء‪ ،‬أو يثيب بنفي البقايا على‬ ‫المذكورة ّ‬
‫حسب درجاتهم في المواطن الثالثة‪.‬‬

‫{ورِبطوا} باهلل‪ ،‬أي‪ :‬اصبروا في مقام النفس بالمجاهدة‪ ،‬وصابروا‬


‫{وصاِبروا} مع هللا َا‬
‫{يا أيها الذين آمنوا اصبروا} هلل َ‬
‫في مقام القلب مع سطوات تجليات صفات الجالل بالمكاشفة‪ ،‬ورابطوا في مقام الروح ذواتكم بالمشاهدة حتى ال‬
‫يغلبكم فترة أو غفلة أو غيبة بالتلوينات {واتقوا هللا} في مقام الصبر عن المخالفة والرياء‪ ،‬وفي المصابرة عن‬
‫السرمدي الذي ال فالح وراءه‪ ،‬إن‬
‫ّ‬ ‫االعتراض واالمتالء وفي المرابطة عن البقية والجفاء لكي تفلحوا الفالح الحقيقي‬
‫شاء هللا ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة آل عمران (من اآلية ‪ 91‬الى اآلية ‪)95‬‬

‫ض َذهباً وَل ِو ا ْفتََد ٰى ِب ِه أُوَلـِٰئك َلهم ع َذ ِ‬ ‫َح ِد ِهم ِم ْلء األ َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫يم َو َما َل ُه ْم‬
‫اب أَل ٌ‬
‫ْ َ ُْ َ ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ِإ َّن الذ َ‬
‫ين َكَف ُروْا َو َماتُوْا َو ُه ْم ُكف ٌار َفَلن ُيْقَب َل م ْن أ َ‬
‫الطعا ِم َكان ِحـالًّ‬
‫َّ‬ ‫اص ِرين * َلن تََناُلوْا اْلِبَّر حتَّ ٰى تُْنِفُقوْا ِم َّما تُ ِحبُّو َن وما تُْنِفُقوْا ِمن َشي ٍء َفِإ َّن َّ ِ ِ ِ‬ ‫ِمن َّن ِ‬
‫َ‬ ‫يم * ُك ُّل َ‬ ‫َّللاَ به َعل ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ين * َف َم ِن‬ ‫ِ‬
‫ِّلبِني ِإسرِائيل ِإالَّ ما حَّرم ِإسرِائيل عَلى َنْف ِسه ِمن َقب ِل أَن تَُنَّزل التَّوراة ُقل َفأْتُوْا ِبالتَّورِاة َف ْاتُلوها ِإن ُكنتُم ِ ِ‬
‫صادق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َْ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َْ ُ َ ٰ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬
‫ان ِم َن‬ ‫اه ِ‬ ‫الظالِمون * ُقل صدق َّ َِّ ِ َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا ْفتَر ٰى عَلى َّ ِ ِ‬
‫يم َحنيفاً َو َما َك َ‬
‫َّللاُ َفاتب ُعوْا مل َة إ ْب َر َ‬ ‫ْ َََ‬ ‫َّللا اْل َكذ َب ِمن َب ْعد َذلِ َك َفأ ُْوَلـٰئ َك ُه ُم َّ ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫اْل ُم ْش ِرِك َ‬
‫ين‬

‫{فلن يقبل من أحدهم ملء األرض ذهباً} إذ ال تقبل هناك إال األمور النورانية الباقية ألن اآلخرة هي عالم النور‬
‫محبة هذه الفواسق‬
‫والبقاء‪ ،‬فال وقع وال خطر لألمور الظلمانية فيها الفانية‪ .‬وهل كان سبب كفرهم واحتجابهم إال ّ‬
‫الفانية؟‪ ،‬فكيف تكون سبب نجاتهم وقربهم وقبولهم وندبتهم وهي بعينها سبب هالكهم وبعدهم وخسرانهم وحرمانهم‪.‬‬

‫بالتبري عما سواه‪ ،‬فمن أحب شيئاً‬ ‫ّ‬ ‫التقرب إليه إال‬
‫يقرب صاحبه من هللا فهو ّبر‪ ،‬وال يمكن ّ‬ ‫كل فعل ّ‬ ‫البر} ّ‬ ‫{لن تََنالوا ّ‬
‫اس َمن َيتَّ ِخ ُذ ِمن ُدو ِن‬
‫الن ِ‬
‫{و ِم َن َّ‬
‫خفياً لتعلق محبته بغير هللا‪ ،‬كما قال تعالى‪َ :‬‬
‫فقد حجب عن هللا تعالى به وأشرك شركاً ّ‬
‫َّ ِ‬
‫بع َد من هللا بثالثة أوجه وهي‪ :‬محبة‬ ‫َّللا} [البقرة‪ ،‬اآلية‪ ]165 :‬وآثر نفسه به على هللا‪ ،‬فقد ُ‬ ‫َنداداً ُي ِحب َ‬
‫ُّون ُه ْم َك ُح ِّب َّ‬ ‫َّللا أ َ‬
‫وتصدق به وأخرجه من يده‪ ،‬فقد زال البعد‬
‫ّ‬ ‫غير الحق‪ ،‬والشرك‪ ،‬وإيثار النفس على الحق‪ .‬فإن آثر هللا به على نفسه‬
‫بر لعلمه تعالى بما ينفق وباحتجابه بغيره‪.‬‬
‫وحصل القرب‪ ،‬وإال بقي محجوباً وإن أنفق من غيره أضعافه فما نال ّاً‬

‫إس َرِائيل} أي‪ :‬العقالء بحكم األصل‪ ،‬إذ العقل يحكم بأن األشياء خلقت لمنافع العباد مطلقاً‬ ‫ًّ ِ‬
‫{كل الطعام كان حال َلبني ْ‬
‫ّ‬
‫فما يكون من جملة المطعومات خلقت لتناولها {إالّ ما ّ‬
‫حرم إسرائيل} الروح {على َنْفسه} بالنظر العقلي عند التجربة‬
‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يضر أو‬
‫والقياس ومعرفة مضارها ومنافعها على التفصيل بعد الحكم اإلجمالي بحلها‪ ،‬فإن العقل يحكم بحرمة ما ّ‬
‫يهلك‪.‬‬

‫تنزل التوراة} أي‪ :‬من قبل نزول الحكم الشرعي بالتوراة وسائر الكتب اإللهية وذلك أن الناس اختلفوا بعدما‬
‫{من قبل أن ّ‬
‫وردهم إلى‬
‫أمة واحدة على دين الحق‪ ،‬كما ذكر‪ ،‬فبعث هللا النبيين لهدايتهم وإصالح أحوال معاشهم ومعادهم‪ّ ،‬‬
‫كانوا ّ‬
‫المخرفة ونفوسهم المريضة‪ ،‬حرمته‬
‫ّ‬ ‫الحق واالتفاق‪ ،‬فما اقتضت الحكمة اإللهية بحسب أحوالهم المختلة وطباع قلوبهم‬
‫من المألوفات واألشياء الصارفة عن الحق الحاجبة بينهم وبين هللا‪ ،‬والمهيجة للهوى والشهوات وسائر المفاسد والفتن‬
‫حرم عليهم‪.‬‬
‫المانعة إياهم عن كمالهم واهتدائهم ّ‬

‫سورة النساء (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)1‬‬

‫َّللاَ َّال ِذي‬


‫آء َواتَُّقوْا َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ٍ ِ ٍ‬
‫َّك ُم الذي َخَلَق ُك ْم ّمن نْفس َواح َدة َو َخَل َق م ْن َها َزْو َج َها َوَبث م ْن ُه َما ر َجاالً َكثي اًر َون َس ً‬
‫الناس اتَُّقوْا رب ُ َّ ِ‬
‫َ‬ ‫ُّها َّ ُ‬‫ٰيأَي َ‬
‫ان َعَل ْي ُك ْم َرِقيباً‬ ‫آءُلو َن ِب ِه َواأل َْر َح َام ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َك َ‬ ‫تَ َس َ‬

‫{يا أيها الناس اتّقوا رّبكم} احذروه في انتحال صفته عند صدور الخيرات منكم‪ ،‬واتخذوا الصفة وقاية لكم في صدور‬
‫ما صدر منكم من الخير‪ ،‬وقولوا صدر عن القادر المطلق {الذي خلقكم من نفس واحدة} هي النفس الناطقة الكلية‪،‬‬
‫التي هي قلب العالم‪ ،‬وهو آدم الحقيقي {وجعل منها زوجها} أي‪ :‬النفس الحيوانية الناشئة منها‪ .‬وقيل‪ :‬إنها خلقت من‬
‫ّ‬
‫ضلعه األيسر من الجهة التي تلي عالم الكون‪ ،‬فإنها أضعف من الجهة التي تلي الحق‪ ،‬ولوال زوجها لما أهبط إلى‬
‫أن التعلق البدني ال يتهيأ إال‬
‫سول لها أوالً فتوسل بإغوائها إلى إغواء آدم وال شك في ّ‬
‫أن إبليس ّ‬ ‫الدنيا‪ .‬كما اشتهر ّ‬
‫ّ‬
‫كثي اًر} أي‪ :‬أصحاب قلوب ينزعون إلى أبيهم {ونساء} أصحاب نفوس وطبائع ينزعون إلى‬ ‫{وبث منهما ِرجاالً ِ‬
‫بواسطتها ّ‬
‫أمهم {واتّقوا هللا} في ذاته عن إثبات وجودكم‪ ،‬واجعلوه وقاية لكم عند ظهور البقية منكم في الفناء في التوحيد حتى ال‬
‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫تساءُلو َن به} ال بكم {و ْ‬
‫األر َحام} أي‪ :‬احذروا األرحام الحقيقية‪ ،‬أي أقربة المبادئ العالية من‬ ‫تحتجبوا برؤية الفناء {الذي َ‬
‫فإن‬
‫المفارقات وأرواح األنبياء واألولياء في قطعها بعدم المحبة‪ ،‬واجعلوها وقاية لكم في حصول سعاداتكم وكماالتكم‪ّ ،‬‬
‫قطع الرحم بفقد المحبة‪ ،‬توجه عن االتصال والوحدة إلى االنفصال والكثرة‪ ،‬وهو المقت الحقيقي والبعد الكلي عن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن‬
‫جناب الحق تعالى‪ ،‬ولهذا قال عليه الصالة والسالم‪" :‬صلة الرحم تزيد في العمر"‪ ،‬أي‪ :‬توجب دوام البقاء‪ .‬واعلم ّ‬
‫الرحم من الظاهر صورة االتصال الحقيقي في الباطن‪ ،‬وحكم الظاهر في التوحيد كحكم الباطن‪ ،‬فمن ال يقدر على‬
‫عليكم َرِقيباً} يراقبكم لئال تحتجبوا عنه بظهور‬
‫كان ُ‬‫مراعاة الظاهر فهو أحرى بأن ال يقدر على مراعاة الباطن {إن هللا َ‬
‫صفة من صفاتكم‪ ،‬أو بقية من بقاياكم فتتعذبوا ‪.‬‬

‫سورة النساء (من اآلية ‪ 2‬الى اآلية ‪)30‬‬

‫ْكُلوْا أَمواَلهم ِإَلى أَموالِ ُكم ِإَّنه َكان حوباً َكِبي اًر *وإِن ِخْفتُم أَالَّ‬ ‫َّ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫يث ِبالطِّيب َوالَ تَأ ُ ْ َ ُ ْ ٰ ْ َ ْ ُ َ ُ‬ ‫ام ٰى أ َْم َواَل ُه ْم َوالَ تَتََبَّدُلوْا اْل َخِب َ‬
‫َوآتُوْا اْلَيتَ َ‬
‫الن َس ِآء َم ْثَن ٰى َوُث َٰل َث َوُرَٰب َع َفِإ ْن ِخْفتُ ْم أَالَّ تَ ْع ِدُلوْا َف َٰو ِح َدةً أ َْو َما َمَل َك ْت أ َْي َٰمُن ُك ْم‬
‫اب َل ُك ْم ِّم َن ِّ‬
‫ط َ‬ ‫انك ُحوْا َما َ‬ ‫طوْا ِفي اْليتَامى َف ِ‬
‫َ َٰ‬ ‫تُْق ِس ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِٰ ِ ِ‬
‫ٍ ِ‬
‫ص ُد َقته َّن ن ْحَل ًة َفإن ط ْب َن َل ُك ْم َعن َش ْيء ّم ْن ُه َنْفساً َف ُكُلوهُ َهنيئاً َّم ِريئاً َ‬
‫*والَ تُ ْؤتُوْا‬ ‫آء َ‬ ‫الن َس َ‬‫*وَءاتُوْا ِّ‬ ‫َّ‬
‫ذل َك أ َْدَن ٰى أَال تَ ُعوُلوْا َ‬
‫ِٰ‬

‫ام ٰى َحتَّ ٰى ِإ َذا َبَل ُغوْا‬ ‫َّللا َل ُكم ِق ٰيماً وارُزُق ِ‬ ‫َِّ‬
‫*و ْابَتُلوْا اْلَيتَ َ‬
‫وه ْم َوُقوُلوْا َل ُه ْم َق ْوالً َّم ْع ُروفاً َ‬
‫يها َوا ْك ُس ُ‬‫وه ْم ف َ‬ ‫آء أ َْم َواَل ُك ُم التي َج َع َل َّ ُ ْ َ َ ْ ُ‬ ‫السَف َه َ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اح َفِإ ْن َآن ْستُ ْم ِّم ْن ُه ْم ُرْشداً َف ْاد َف ُعوْا ِإَل ْي ِه ْم أ َْم َواَل ُه ْم َوالَ تَأ ُ‬ ‫ِ‬
‫ف َو َمن‬ ‫ان َغنّياً َفْلَي ْستَ ْعف ْ‬ ‫وهآ ِإ ْس َرافاً َوب َِدا اًر أَن َي ْكَب ُروْا َو َمن َك َ‬
‫ْكُل َ‬ ‫الن َك َ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ال َنصِي ٌب ّم َّما تََر َ‬ ‫اَّللِ ح ِسيباً * ّلِ ِلرج ِ‬ ‫ْكل ِباْلمعر ِ‬ ‫َك ِ‬
‫ك‬ ‫َّ‬ ‫َش ِه ُدوْا َعَل ْي ِه ْم َوَكَف ٰى ِب َّ َ‬ ‫وف َفِإ َذا َد َف ْعتُ ْم ِإَل ْي ِه ْم أ َْم َواَل ُه ْم َفأ ْ‬ ‫ان َفقي اًر َفْلَيأ ُ ْ َ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك اْل َوالِ َد ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫اْل َوالِ َد ِ‬
‫ض َر‬ ‫ان َواألَْق َرُبو َن م َّما َق َّل م ْن ُه أ َْو َكثَُر َنصيباً َّمْف ُروضاً َ‬
‫*وِإ َذا َح َ‬ ‫يب ّم َّما تَ َر َ‬ ‫ان َواألَْق َرُبو َن َولِ ّلن َسآء َن ٌ‬
‫ين َل ْو تََرُكوْا ِم ْن َخْلِف ِه ْم ُذِّرَّي ًة‬ ‫اكين َفارزُقوهم ِمنه وُقوُلوْا َلهم َقوالً َّمعروفاً *وْليخ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ش الذ َ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫ُْ ْ ُْ‬ ‫ام ٰى َواْل َم َس ُ ْ ُ ُ ْ ّ ْ ُ َ‬ ‫اْلق ْس َم َة أ ُْوُلوْا اْلُق ْرَب ٰى َواْلَيتَ َ‬
‫طوِن ِه ْم َنا اًر‬‫ْكُلو َن ِفي ُب ُ‬ ‫ال اْلَي ٰتَ َم ٰى ُ‬
‫ظْلماً ِإَّن َما َيأ ُ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْكُلو َن أ َْم َو َ‬ ‫َّللاَ َوْلَيُقوُلوْا َق ْوالً َسديداً *ِإ َّن الذ َ‬
‫ين َيأ ُ‬ ‫ض َعافاً َخا ُفوْا َعَل ْي ِه ْم َفْلَيتَُّقوْا َّ‬
‫ك َوِإن‬ ‫آء َف ْو َق ا ْثَنتَْي ِن َفَل ُه َّن ُثُلثَا َما تَ َر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ظ األ ُْنثََي ْين َفإن ُك َّن ن َس ً‬ ‫َّللاُ ِفي أ َْوَٰل ِد ُك ْم لِ َّلذ َك ِر ِم ْث ُل َح ِّ‬
‫يك ُم َّ‬
‫وص ُ‬ ‫وسيصَلو َن س ِعي اًر *ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ََ ْ ْ َ‬
‫السدس ِم َّما ترك ِإن َكان َله وَلد َفِإن َّلم ي ُكن َّله وَلد ووِرثَه أَبواه َفأل ُِمهِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َك َان ْت و ِ‬
‫ْ َ ْ ُ َ ٌ َ َ ُ ََ ُ ّ‬ ‫َ ٌَُ‬ ‫ََ َ‬ ‫ف َوألََب َوْيه ل ُك ّل َواحد ّم ْن ُه َما ُّ ُ ُ‬ ‫صُ‬ ‫الن ْ‬
‫اح َد ًة َفَل َها ّ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُم ِه ُّ‬
‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫َبناؤُك ْم الَ تَ ْد ُرو َن أَي ُ‬
‫ُّه ْم أَ ْق َر ُب َل ُك ْم َنْفعاً‬ ‫آؤُك ْم َوأ ُ‬ ‫الس ُد ُس من َب ْعد َوصيَّة ُيوصي ِب َهآ أ َْو َد ْي ٍن َآب ُ‬ ‫الثُل ُث َفِإن َك َ ِ‬
‫ان َل ُه إ ْخ َوةٌ َفأل ّ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ك أ َْزَٰو ُج ُك ْم ِإ ْن ل ْم َي ُك ْن ل ُه َّن َوَلٌد َفِإن َك َ‬
‫ان َل ُه َّن َوَلٌد َفَل ُك ُم‬ ‫ف َما تَ َر َ‬
‫صُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان َعليماً َحكيماً * َوَل ُك ْم ن ْ‬ ‫َّللاِ ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َك َ‬ ‫يض ًة ِّم َن َّ‬
‫َف ِر َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وصين ِبهآ أَو دي ٍن وَله َّن ُّ ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫َّة ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ ِ‬
‫الرُب ُع م َّما تَ َرْكتُ ْم ِإن ل ْم َي ُك ْن ل ُك ْم َوَلٌد َفِإن َك َ‬
‫ان َل ُك ْم َوَلٌد َفَل ُه َّن‬ ‫َ َ ْ َْ َ ُ‬ ‫الرُب ُع م َّما تَ َرْك َن من َب ْعد َوصي ُ‬
‫اح ٍد‬
‫ُخ ٌت َفلِ ُك ِل و ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ ِ‬
‫ّ َ‬ ‫َخ أ َْو أ ْ‬
‫ام َأرَةٌ َوَل ُه أ ٌ‬
‫ور ُث َكَلَل ًة أَو ْ‬‫ان َر ُج ٌل ُي َ‬ ‫وصو َن ِب َهآ أ َْو َد ْي ٍن َوِإن َك َ‬
‫الث ُم ُن م َّما تَ َرْكتُم ّمن َب ْعد َوصيَّة تُ ُ‬
‫صَّي ًة ِّم َن‬ ‫َّة يوصى ِبهآ أَو دي ٍن َغير مض ٍآر و ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫السدس َفِإن َكانوْا أَ ْكثَر ِمن ٰذلِك َفهم ُشرَك ِ ُّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫آء في الثُلث من َب ْعد َوصي ُ َ ٰ َ ْ َ ْ ْ َ ُ َ ّ َ‬ ‫َ ُْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّم ْن ُه َما ُّ ُ ُ‬
‫يها َو ٰذلِ َك‬ ‫ات تَجرِي ِمن تَحِتها األ َْنهار َخالِ ِد ِ‬ ‫َّللا ورسوَله ي ْد ِخْله جَّن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫حلِيم * ِتْلك حدود َّ ِ‬ ‫َّللاِ و َّ ِ‬
‫ين ف َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّللا َو َمن ُيط ِع َّ َ َ َ ُ ُ ُ ُ َ‬ ‫َ ُُ ُ‬ ‫َ ٌ‬ ‫يم‬
‫َّللاُ َعل ٌ‬ ‫َّ َ‬
‫ين اْل َٰف ِح َش َة‬ ‫َِّ ِ‬
‫ين * َوالالتي َيأْت َ‬ ‫يها َوَل ُه َع َذا ٌب ُّم ِه ٌ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاَ َوَرُسوَل ُه َوَيتَ َعَّد ُح ُد َ‬
‫ودهُ ُي ْدخْل ُه َنا اًر َخالداً ف َ‬ ‫ص َّ‬‫* ومن َي ْع ِ‬
‫ََ‬ ‫يم‬ ‫ِ‬
‫اْلَف ْوُز اْل َعظ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َّللاُ َل ُه َّن‬
‫اه َّن اْل َم ْو ُت أ َْو َي ْج َع َل َّ‬‫وه َّن في اْلُبُيوت َحتَّ ٰى َيتََوَّف ُ‬ ‫استَ ْش ِه ُدوْا َعَل ْي ِه َّن أ َْرَبع ًة ّم ْن ُك ْم َفِإن َش ِه ُدوْا َفأ َْمس ُك ُ‬
‫من ّن َسآئ ُك ْم َف ْ‬
‫ان تََّواباً َّرِحيماً *ِإَّن َما التَّ ْوَب ُة َعَلى‬ ‫ضوْا َع ْن ُه َمآ ِإ َّن َّ‬ ‫نكم َفآ ُذ ُ ِ‬ ‫الل َذ ِ ِ ِ ِ‬ ‫سِبيالً * و َّ‬
‫َّللاَ َك َ‬ ‫َع ِر ُ‬
‫َصَل َحا َفأ ْ‬ ‫وه َما َفإن تَ َابا َوأ ْ‬ ‫ان َيأْتَيان َها م ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫*وَل ْي َست الت ْوَب ُة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ َعليماً َحكيماً َ‬ ‫َّللاُ َعَل ْيه ْم َوَكا َن َّ‬ ‫وب َّ‬‫وبو َ من َقريب َفأ ُْوَلـٰئ َك َيتُ ُ‬ ‫وء ب َج َهاَلة ثُ َّم َيتُ ُ‬ ‫الس َ‬
‫ين َي ْع َمُلو َ ُّ‬ ‫َّللا للذ َ‬‫َّ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ات حتَّى ِإ َذا حضر أَحدهم اْلموت َق ِ‬ ‫لَِّل ِذين يعمُلون َّ ِ‬
‫َعتَ ْدَنا َل ُه ْم‬ ‫ين َي ُموتُو َن َو ُه ْم ُكَّف ٌار أ ُْوَلـٰئ َك أ ْ‬ ‫ال ِإّني تُْب ُت َ‬
‫اآلن َوالَ الذ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ُُ َ ْ ُ َ‬ ‫السِّيَئ َ ٰ‬ ‫َ َْ َ َ‬
‫*يأَي َّ ِ‬
‫وه َّن ِإالَّ أَن‬ ‫ض َمآ َءاتَْيتُ ُم ُ‬ ‫وه َّن لِتَ ْذ َهُبوْا ِبَب ْع ِ‬ ‫ضُل ُ‬ ‫آء َك ْرهاً َوالَ تَ ْع ُ‬ ‫الن َس َ‬ ‫امُنوْا الَ َي ِح ُّل َل ُك ْم أَن تَ ِرثُوْا ِّ‬ ‫ين َء َ‬ ‫ُّها الذ َ‬ ‫َع َذاباً أَليماً َٰ َ‬
‫ِ‬

‫يه َخ ْي اًر َكِثي اًر * َوإِ ْن‬ ‫َّللا ِف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يأِْت ٰ ِ ٍ‬
‫وه َّن َف َع َس ٰى أَن تَ ْك َرُهوْا َش ْيئاً َوَي ْج َع َل َّ ُ‬ ‫وه َّن ِباْل َم ْع ُروف َفِإن َك ِرْهتُ ُم ُ‬ ‫ين ِبَفح َشة ُّمَبِّيَنة َو َعاش ُر ُ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون ُه‬ ‫ْخ ُذ َ‬ ‫ف تَأ ُ‬ ‫ْخ ُذوَن ُه ُب ْهتَاناً َوإِ ْثماً ُّمِبيناً * َوَك ْي َ‬ ‫ْخ ُذوْا م ْن ُه َش ْيئاً أَتَأ ُ‬ ‫طا اًر َفالَ تَأ ُ‬ ‫اه َّن ق ْن َ‬ ‫ان َزْو ٍج َو َآت ْيتُ ْم ِإ ْح َد ُ‬ ‫ال َزْو ٍج َّم َك َ‬ ‫است ْب َد َ‬ ‫ُّ‬
‫أ ََرْدت ُم ْ‬
‫ف ِإَّن ُه‬ ‫نكحوْا ما ن َكح ءابآؤُكم ِمن ِّ ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫َخ ْذن ِم ُ ِ ٰ ِ‬
‫الن َسآء ِإال َما َق ْد َسَل َ‬ ‫نكم ّميثَقاً َغليظاً * َوالَ تَ ُ َ َ َ َ َ ُ ْ ّ َ‬ ‫ض َوأ َ َ‬ ‫ض ُكم ِإَل ٰى َب ْع ٍ‬
‫ض ٰى َب ْع ُ ْ‬ ‫َوَق ْد أَ ْف َ‬
‫ُخ ِت‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬
‫ات األ ْ‬ ‫َخ َوَبَن ُ‬ ‫ات األ ِ‬‫َخ َٰوتُ ُك ْم َو َع َّٰمتُ ُك ْم َو َخاَلتُ ُك ْم َوَبَن ُ‬
‫ُم َٰهتُ ُك ْم َوَب َٰنتُ ُك ْم َوأ َ‬
‫آء َسِبيالً * ُحِّرَم ْت َعَل ْي ُك ْم أ َّ‬ ‫ان َفاح َش ًة َو َمْقتاً َو َس َ‬ ‫َك َ‬
‫ٰ‬ ‫ُم َٰه ُت ِن َس ِآئ ُك ْم َوَرَب ِائُب ُكم َّٰالِتي ِفي ُح ُج ِ‬ ‫َِّٰ‬
‫ورُك ْم ِّمن ِّن َس ِآئ ُك ُم َّالِتي َد َخْلتُ ْم ِب ِه َّن‬ ‫ُ‬ ‫ض َع ِة َوأ َّ‬ ‫َخ َٰوتُ ُكم ِّم َن َّ‬
‫الر َٰ‬ ‫ض ْعَن ُك ْم َوأ َ‬ ‫ُم َٰهتُ ُك ُم التي أ َْر َ‬ ‫َوأ َّ‬
‫ف ِإ َّن‬ ‫َّ‬ ‫فِإن َّلم تكونوْا دخْلتم ِب ِه َّن فالَ جناح عَليكم وح َٰلِئل أَبن ِائكم َّال ِذين ِمن أ ٰ‬
‫ُختَْي ِن ِإال َما َق ْد َسَل َ‬ ‫َصَلِب ُك ْم َوأَن تَ ْج َم ُعوْا َب ْي َن األ ْ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫َ ُ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ ُ َْ ُ ُ‬ ‫َ ْ َ ُ ُ َ َ ُْ‬
‫اء َٰذلِ ُك ْم أَن تَْبتَ ُغوْا‬ ‫ِ‬
‫َّللا َعَل ْي ُك ْم َوأُح َّل َل ُك ْم َّما َوَر َ‬
‫النس ِآء ِإالَّ ما مَل ْكت أَي ٰمن ُكم ِك ٰتب َّ ِ‬
‫َ َ َ ْ َُ ْ َ َ‬
‫َّللا َكان َغُفو اًر َّرِحيماً * واْلمح ٰ ِ ِ‬
‫صَن ُت م َن ّ َ‬ ‫َ ُْ َ‬ ‫َّ َ َ‬
‫ض ْيتُ ْم ِب ِه ِمن‬ ‫يما تَ َٰر َ‬
‫ِ‬
‫اح َعَل ْي ُك ْم ف َ‬ ‫يض ًة َوالَ ُجَن َ‬ ‫ورُه َّن َف ِر َ‬ ‫ُج َ‬ ‫وه َّن أ ُ‬
‫ِ ِ‬
‫استَ ْمتَ ْعتُ ْم ِبه م ْن ُه َّن َفآتُ ُ‬ ‫ين َف َما ْ‬
‫ِِ‬
‫ين َغ ْي َر ُم َٰسفح َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ِبأ َْم َٰول ُك ْم ُّم ْحصن َ‬
‫ص َٰن ِت اْل ُم ْؤ ِم َٰن ِت َف ِم ْن َّما َمَل َك ْت‬ ‫ِ‬
‫ط ْوالً أَن َينك َح اْل ُم ْح َ‬ ‫ان َعلِيماً َح ِكيماً * َو َمن َّل ْم َي ْستَ ِط ْع ِم ُ‬
‫نك ْم َ‬ ‫َّللاَ َك َ‬ ‫يض ِة ِإ َّن َّ‬ ‫َب ْعد اْلَف ِر َ‬
‫ِ‬
‫انكحوه َّن ِبِإ ْذ ِن أَهلِ ِه َّن وآتُوه َّن أُجوره َّن ِباْلمعر ِ‬ ‫يمِن ُكم بعض ُكم ِمن بع ٍ ِ‬ ‫أ َْي َٰمُن ُكم ِّمن َفتَ َٰيِت ُك ُم اْل ُم ْؤ ِم َٰن ِت َو َّ‬
‫وف‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ ُ ُ َُ‬ ‫ْ‬ ‫ض َف ُ ُ‬ ‫َعَل ُم ِبِإ َٰ ْ َ ْ ُ ْ ّ َ ْ‬ ‫َّللاُ أ ْ‬
‫ف ما َعَلى اْلم ْحص َٰن ِت ِم َن اْلع َذ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِٰ ِ ٍ‬ ‫ٰ‬
‫اب‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫صُ َ‬ ‫ُحص َّن َفإ ْن أَتَْي َن بَفح َشة َف َعَل ْيه َّن ن ْ‬
‫ان َفِإ َذآ أ ْ ِ ِ‬ ‫َخ َد ٍ‬ ‫ص َٰن ٍت َغ ْي َر ُم َٰسِف َٰح ٍت َوالَ ُمتَّ ِخ َذ ِت أ ْ‬ ‫ُم ْح َ‬
‫ين ِمن‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا َغُفور َّرِحيم * ي ِر ُيد َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّللاُ لُيَبِّي َن َل ُك ْم َوَي ْهدَي ُك ْم ُسَن َن الذ َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫صِب ُروْا َخ ْيٌر ل ُك ْم َو َّ ُ ٌ‬ ‫َذل َك ل َم ْن َخش َي اْل َعَن َت م ْن ُك ْم َوأَن تَ ْ‬
‫ات أَن تَ ِميُلوْا َم ْيالً َع ِظيماً‬ ‫الشهو ِ‬ ‫َّ‬
‫ين َيتب ُعو َن َ َ‬
‫وب َعَل ْي ُكم وُي ِر ُيد َّال ِذ َ َِّ‬
‫ْ َ‬ ‫َّللاُ ُي ِر ُيد أَن َيتُ َ‬ ‫يم * َو َّ‬ ‫ِ‬
‫يم َحك ٌ‬
‫َقبلِ ُكم ويتُوب عَلي ُكم و َّ ِ‬
‫َّللاُ َعل ٌ‬ ‫ْ ْ ََ َ َ ْ ْ َ‬
‫ْكُلوْا أ َْم َٰوَل ُك ْم َب ْيَن ُك ْم ِباْل َٰب ِط ِل ِإالَّ أَن تَ ُكو َن ِت َٰج َرًة‬ ‫آمُنوْا الَ تَأ ُ‬ ‫ين َ‬
‫اإلنسان ض ِعيفاً * ٰيأَي َّ ِ‬
‫ُّها الذ َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫ف َع ْن ُك ْم َو ُخل َق ِ َ ُ َ‬
‫ِ‬
‫َّللاُ أَن ُي َخّف َ‬ ‫* ُي ِر ُيد َّ‬
‫ان‬ ‫ظْلماً َفسوف ن ِ ِ‬ ‫ان ِب ُك ْم َرِحيماً * َو َمن َيْف َع ْل ٰذلِ َك ُع ْد َواناً َو ُ‬ ‫اض ِّم ْن ُك ْم َوالَ تَْقُتُلوْا أ َْنُف َس ُك ْم ِإ َّن َّ‬ ‫َعن تَ َر ٍ‬
‫صليه َنا اًر َوَك َ‬ ‫َْ َ ُ ْ‬ ‫َّللاَ َك َ‬
‫َّللاِ َي ِسي اًر‬‫ٰذلِ َك َعَلى َّ‬

‫{وآتوا اليتامى} يتامى قواكم الروحانية‪ ،‬المنقطعين عن تربية الروح القدسي الذي هو أبوهم {أموالهم} أي‪ :‬معلوماتهم‬
‫ّ‬
‫تتبدلوا الخبيث} من المحسوسات والخياليات والوساوس ودواعي الوهم وسائر قوى النفس‬‫وكماالتهم‪ ،‬وربوهم بها {وال ّ‬
‫أم َوالهم إلى أموالكم} أي‪ :‬ال تخلطوها بها‪ ،‬فيشتبه الحق بالباطل‬
‫التي هي أموالها {بالطيب} من أموالهم {وال تأكلوا ْ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الحسية وكماالتكم النفسية‪ ،‬فتنتفعوا بها في مطالبكم الخسيسة الدنيوية وتجعلوها غذاء‬
‫ّ‬ ‫وتستعملوها في تحصيل لذاتكم‬
‫نفوسكم {إنه كان ُحوباً كبي اًر} حجبة وحرماناً‪.‬‬

‫سورة النساء (من اآلية ‪ 31‬الى اآلية ‪)36‬‬

‫ضل َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ض ُك ْم َعَل ٰى‬ ‫َّللاُ ِبه َب ْع َ‬ ‫إن تَ ْجتَنُبوْا َكَبآئ َر َما تُْن َه ْو َن َع ْن ُه ُن َكّف ْر َع ْن ُك ْم َسّيَئـٰت ُك ْم َوُن ْدخْل ُك ْم ُّم ْد َخالً َك ِريماً * َوالَ تَتَ َمَّن ْوْا َما َف َّ َ‬
‫ِ‬
‫ان ِب ُك ِّل َشي ٍء َعلِيماً *‬ ‫َّللاَ َك َ‬‫ضلِ ِه ِإ َّن َّ‬ ‫َّللاَ من َف ْ‬
‫صيب ِم َّما ا ْكتَسبن واسأَُلوْا َّ ِ‬
‫ََْ َ ْ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫يب ّم َّما ا ْكتَ َسُبوْا َولِ ّلن َسآء َن ٌ ّ‬
‫ص ِ‬ ‫بع ٍ ِ ِ ِ‬
‫ض ّل ِّلر َجال َن ٌ‬ ‫َْ‬
‫ْ‬
‫ٍ‬
‫ان َعَل ٰى ُك ِّل َش ْيء َش ِهيداً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاَ َك َ‬ ‫وه ْم َنصيَب ُه ْم ِإ َّن َّ‬ ‫ين َعَق َد ْت أ َْي َٰمُن ُك ْم َفآتُ ُ‬‫ان َواألَْق َرُبو َن َوالذ َ‬ ‫َولِ ُك ٍّل َج َعْلَنا َم َٰول َي م َّما تَ َر َ‬
‫ك اْل َٰول َد ِ‬
‫ظ ٌت ِّلْل َغ ْي ِب‬‫الصِل َٰح ُت َٰقِن ٰتَ ٌت َٰحِف َٰ‬ ‫ِمآ أ َْنَفُقوْا ِم ْن أ َْم َٰولِ ِه ْم َف َّٰ‬ ‫ٍ‬
‫ض ُه ْم َعَل ٰى َب ْعض َوب َ‬ ‫َّللاُ َب ْع َ‬
‫ض َل َّ‬ ‫ال َق َّٰو ُمو َن َعَلى ِّ‬
‫الن َس ِآء ِب َما َف َّ‬ ‫* ِّ‬
‫الر َج ُ‬
‫ٰ‬
‫ط ْعَن ُك ْم َفالَ تَْب ُغوْا َعَل ْي ِه َّن َسِبيالً‬ ‫وه َّن َفِإ ْن أَ َ‬‫اض ِرُب ُ‬ ‫اج ِع َو ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ِ‬
‫وه َّن في اْل َم َ‬ ‫وه َّن َو ْ‬
‫اه ُج ُر ُ‬ ‫ظ ُ‬ ‫َّللاُ َو َّالِتي تَ َخا ُفو َن ُن ُش َ‬
‫وزُه َّن َف ِع ُ‬ ‫ظ َّ‬ ‫ِب َما َحِف َ‬
‫ص َٰلحاً ُيَوِّف ِق َّ‬
‫َّللاُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َهله َو َح َكماً ّم ْن أَ ْهل َهآ إن ُي ِر َيدآ إ ْ‬
‫َّللا َكان علِياً َكِبي اًر * وإِن ِخْفتم ِشَقاق بيِن ِهما َفابعثُوْا ح َكماً ِمن أ ِ ِ‬
‫ّْ ْ‬ ‫َ َْ َ ْ َ َ‬ ‫َ ْ ُْ‬ ‫ِإ َّن َّ َ َ َ ّ‬
‫َّللاَ َوالَ تُ ْش ِرُكوْا ِب ِه َش ْيئاً َوبِاْل َٰولِ َد ْي ِن ِإ ْح َساناً َوب ِِذي اْلُق ْرَب ٰى َواْلَي ٰتَ َم ٰى َواْل َم َٰس ِك ِ‬
‫ين‬ ‫ان َعليماً َخِبي اًر * َو ْ‬
‫اعُب ُدوْا َّ‬ ‫ِ‬ ‫َب ْيَن ُه َمآ ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َك َ‬
‫ِ‬ ‫يل َو َما َمَل َك ْت أ َْي َٰمُن ُك ْم ِإ َّن َّ‬‫السِب ِ‬ ‫الج ْن ِب َو ْاب ِن َّ‬ ‫واْلج ِار ِذي اْلُق ْرب ٰى واْلج ِار اْلجُن ِب و َّ ِ ِ‬
‫ان ُم ْختَاالً‬ ‫َّللاَ الَ ُيح ُّب َمن َك َ‬ ‫الصاحب ِب َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫َف ُخو اًر‬

‫كبائر ما تُْن َهون عنه} من إثبات الغير في الوجود الذي هو الشرك ذاتاً وصفة وفعالً‪ ،‬فإن أكبر الكبائر‬
‫{إن تَ ْجتنبوا َ‬
‫ْ‬
‫إثبات وجود غير وجوده تعالى كما قيل‪:‬‬

‫وجودك ذنب ال ُيقاس به ذنب‬

‫ثم إثبات اإلثنينية في الذات بإثبات زيادة الصفات عليها‪ ،‬كما قال أمير المؤمنين عليه السالم‪ .‬وكما قال‪" :‬اإلخالص‬
‫له نفي الصفات عنه‪".‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{ون ْد ِخلكم‬
‫{نكفر عنكم سيئاتكم} بظهور النفس والقلب بصفة من صفاتها أحياناً‪ ،‬فإنها بعد ظهور نور التوحيد ال تثبت ُ‬
‫بعضكم على َبعض} من الكماالت‬
‫ُ‬ ‫مدخالً َك ِريماً} أي‪ :‬حضرة عين الجمع ال كرم إال فيها {وال تتمنوا ما ّ‬
‫فضل هللا به‬ ‫ْ‬
‫المرتبة بحسب االستعدادات األولية‪ ،‬فإن كل استعداد يقتضي بهويته في األزل كماالً وسعادة تناسبه‪ ،‬وحصول ذلك‬
‫{للرجال}‬
‫الخاص لغيره محال‪ .‬ولذلك ذكر بلفظ التمني الذي هو طلب ما يمتنع حصوله للطالب المتناع سببه ّ‬ ‫ّ‬ ‫الكمال‬
‫{نصيب مما ا ْكتسبوا} بنور استعدادهم األصلي {وللنساء} أي‪ :‬الناقصين القاصرين عن الوصول‬ ‫ٌ‬ ‫أي‪ :‬األفراد الواصلين‬
‫ّ‬
‫ضله} أي‪ :‬اطلبوا منه إفاضة كمال يقتضيه استعدادكم‬ ‫اسألوا هللا من َف ْ‬
‫استعدادهن {و ْ‬
‫ّ‬ ‫{نصيب مما ا ْكتَسبن} بقدر‬
‫ٌ‬
‫شيء} مما يخفى‬‫ٍ‬ ‫{إن هللا كان بكل‬ ‫بالتزكية والتصفية حتى ال يحول بينكم وبينه فتحتجبوا وتتعذبوا بنيران الحرمان منه ّ‬
‫اكم ِّمن ُك ِّل َما َسأَْلتُ ُموهُ} [إبراهيم‪ ،‬اآلية‪:‬‬
‫{وآتَ ُ‬ ‫عليكم‪ ،‬كامناً في استعدادكم بالقوة ِ‬
‫{عليماً} فيجيبكم بما يليق بكم كما قال‪َ :‬‬‫ّ َ‬
‫َستَ ِج ْب َل ُك ْم} [غافر‪ ،‬اآلية‪.]60 :‬‬ ‫‪ ]34‬أي‪ :‬بلسان االستعداد الذي ما دعاه أحد به إالّ أجاب‪ ،‬كما قال‪ِ ْ :‬‬
‫{اد ُعوني أ ْ‬

‫اعبدوا هللا} خصصوه بالتوجه إليه‪ ،‬والفناء فيه‪ ،‬الذي هو غاية التذّلل {وال تُ ْش ِركوا به َش ْيئاً} بإثبات وجوده {وبالو ِ‬
‫الدين‬ ‫{و ْ‬
‫حق‬
‫إحساناً} وأحسنوا بالروح والنفس اللذين تولد القلب منهما وهو حقيقتكم‪ ،‬لستم إالّ ّإياه‪ ،‬ووفوا حقوقهما وراعوهما ّ‬ ‫َ‬
‫المراعاة باالستفاضة من األول‪ ،‬والتوجه إليه بالتسليم والتعظيم وتزكية الثانية‪ ،‬وحفظها من أدناس محبة الدنيا‪ ،‬والتذّلل‬
‫شر الشيطان وعداوته إياها وأعينوها بالرأفة والحمية بتوفير حقوقها عليها‪ ،‬ومنع‬
‫بالحرص والشره وأمثالهما‪ ،‬ومن ّ‬
‫الحظوظ عنها {وب ِِذي الُق ْربى} الذي يناسبكم في الحقيقة بحسب القرب في االستعداد األصلي والمشاكلة الروحانية‬
‫ّ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫القدسي الذي هو األب الحقيقي‪ ،‬باالحتجاب عنه {والمساك ْ‬ ‫ّ‬
‫المستعدين المنقطعين عن نور الروح‬
‫ّ‬ ‫{والَيتامى}‬
‫العاملين الذين ال مال لهم‪ ،‬أي‪ :‬ال حظ من العلوم والمعارف والحقائق‪ ،‬فسكنوا ولم يقدروا على المسير وهم السعداء‬
‫الصالحون الذين مآلهم إلى جنة األفعال‪.‬‬

‫ِ‬
‫الجنب} الذي هو في مقامه‬ ‫{والجار ِذي القربى} الذي هو في مقام من مقامات السلوك‪ ،‬قريب من مقامك {والجار‬
‫ِ‬
‫الصاحب بالجنب} والرفيق الذي هو في عين مقامكم ويرافقكم في سيركم {و ْابن السبيل} أي‪:‬‬
‫بعيد من مقامك‪{ ،‬و‬

‫الحق‪ ،‬الداخل في الغربة عن مأوى النفس الذي لم يصل إلى مقام من مقامات أهل هللا {وما َم َ‬
‫لكت‬ ‫ّ‬ ‫السالك في طريق‬
‫أيمانكم} من أهل إرادتكم ومحبتكم‪ ،‬الذين هم عبيدكم ُكالًّ بما يناسبه ويليق به من أنواع اإلحسان‪ ،‬وإن شئت ّأولت ذي‬
‫َ‬
‫مر‪ .‬والمساكين بالقوى النفسانية‬
‫المجردات واليتامى بالقوى الروحانية كما ّ‬
‫ّ‬ ‫القربى بما يتصل به من الملكوت العالية من‬
‫ِ‬
‫الجنب بالوهم‪ ،‬والصاحب بالجنب بالشوق واإلرادة‪،‬‬ ‫من الحواس الظاهرة وغيرها‪ .‬والجار ذي القربى بالعقل‪ ،‬والجار‬
‫وابن السبيل بالفكر‪ ،‬والمماليك بالملكات المكتسبة التي هي مصادر األفعال الجميلة‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يحب من كان ُم ْختاالً} يسعى في السلوك بنفسه ال باهلل‪ ،‬معجباً بأعماله {َف ُخو اًر} مبتهجاً بأحواله ومقاماته‬
‫{إن هللا ال ّ‬
‫وكماالته‪ ،‬محتجباً برؤيتها ورؤية اتصافه بها ‪.‬‬

‫سورة النساء (من اآلية ‪ 37‬الى اآلية ‪)41‬‬

‫ين ُي ْنِفُقو َن‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّللا ِمن َف ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬


‫ين َع َذاباً ُّم ِهيناً * َوالذ َ‬ ‫ضله َوأَ ْعتَ ْدَنا لْل َكاف ِر َ‬‫ْ‬ ‫اس ِباْلُب ْخ ِل َوَي ْكتُ ُمو َن َمآ آتَ ُ‬
‫اه ُم َّ ُ‬ ‫ين َي ْب َخُلو َن وَيأْم ُرو َن َّ‬
‫الن َ‬ ‫َ ُ‬ ‫الذ َ‬
‫ِ‬ ‫طان َله َق ِريناً َفس ِ‬ ‫اَّللِ والَ ِباْليو ِم ِ‬
‫اآلخ ِر ومن َي ُك ِن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أ َْمواَل ُهم ِرَئـآء َّ ِ‬
‫آء ق ِريناً * َو َما َذا َعَل ْيه ْم َل ْو َ‬
‫آمُنوْا‬ ‫َ َ‬ ‫الش ْي َ ُ ُ‬ ‫ََ‬ ‫َْ‬ ‫الناس َوالَ ُي ْؤمُنو َن ب َّ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ض ِعْف َها َوُي ْؤ ِت‬ ‫َّللا الَ ي ْ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّللِ واْليو ِم ِ‬
‫اآلخ ِر َوأ َْنَفُقوْا ِم َّما َرَزَق ُه ُم َّ‬
‫ال َذَّرٍة َوإِن تَ ُك َح َسَن ًة ُي َٰ‬
‫ظل ُم م ْثَق َ‬ ‫َّللاُ ِب ِهم َعليماً * ِإ َّن َّ َ َ‬ ‫ان َّ‬‫َّللاُ َوَك َ‬ ‫ب َّ َ َ ْ‬
‫ِ‬

‫الء َش ِهيداً‬‫ِمن َّلد ْنه أَج اًر ع ِظيماً * َف َكيف ِإ َذا ِج ْئنا ِمن ُك ِل أُ َّم ٍة ِب َش ِه ٍيد و ِج ْئنا ِبك عَلى هـٰؤ ِ‬
‫َ َ َ َ ٰ َُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ ُ ْ َ‬

‫{الذين َي ْبخلون} أوالً بإمساك كماالتهم وعلومهم في مكامن قرائحهم ومطامير غرائزهم‪ ،‬ال يظهرونها بالعمل بها في‬
‫وقتها ثم باالمتناع عن توفير حقوق ذوي الحقوق عليهم‪ ،‬ال يبذلون صفاتهم وذواتهم بالفناء في هللا لمحبتهم لها‪ ،‬وال‬
‫ْمرو َن الناس ِبالبخل} يحملونهم على مثل‬ ‫ينفقون أموال علومهم وأخالقهم وكماالتهم على ما ذكرنا من المستحقين‪َ .‬‬
‫{ويأ ُ‬
‫ضله} من التوحيد والمعارف واألخالق والحقائق في كتم االستعداد وظلمة القوة‬
‫من َف ْ‬ ‫{وي ْكتمو َن ما ُ‬
‫آتاهم هللا ْ‬ ‫حالهم َ‬
‫ذل وجوههم وشين صفاتهم‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫مهيناً} في ّ‬
‫{عذاباً َ‬
‫أعتَدنا لْلكافرين} المحجوبين عن الحق َ‬
‫كأنها معدومة {و ْ‬

‫ينفُقون أموالهم رَئاء الناس} أي‪ :‬يبرزون كماالتهم من كتم العدم‪ ،‬ويخرجونها إلى الفعل‪ ،‬محجوبين برؤيتها‬ ‫{والذين ِ‬
‫َ‬
‫ألنفسهم‪ ،‬يراؤون الناس بأنها لهم {وال ُي ْؤ ِمنون باهلل} اإليمان الحقيقي‪ ،‬فيعلمون أن الكمال المطلق ليس إال له‪ ،‬ومن‬
‫أين لغيره وجود حتى يكون له؟ فيتخلصون عن حجاب رؤية الكمال ألنفسهم‪ ،‬وينجون عن إثم العجب‪{ .‬وال باليو ِم‬
‫القهار‪ ،‬فيتبرؤون من ذنب الشرك‪ ،‬وذلك لمقارنة شيطان الوهم إياهم {ومن‬ ‫ِ‬
‫اآلخر} أي‪ :‬الفناء في هللا والبروز للواحد ّ‬
‫الحق {وماذا عليهم لو آمنوا باهلل} أي‪ :‬لو‬
‫ّ‬ ‫َيكن الشيطان له َقريناً َف َساء َقريناً} ألنه يضّله عن الهدى‪ ،‬ويحجبه عن‬
‫صدقوا هللا بالتوحيد والفناء فيه‪ ،‬ومحو كماالتهم التي رزقهم هللا بإضافتها إلى هللا؟ {وكان هللا بهم عليماً} يجازيهم‬
‫ّ‬
‫بالبقاء بعد الفناء‪ ،‬وكونهم مع تلك الصفات والكماالت باهلل ال بأنفسهم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫حسَنة‬ ‫ِ‬
‫تك َ‬
‫الحقاني {وإن ُ‬
‫ّ‬
‫ذرة} بل يضاعفها بالتأييد‬
‫ظلم} أي‪ :‬ال ينقص من تلك الكماالت بالفناء فيه {م ْثقال ّ‬
‫{إن هللا ال َي ْ‬
‫ّ‬
‫قرة أعين‪ ،‬أي‪ :‬الشهود‬
‫نه أج اًر عظيماً} هو ما أخفي له من ّ‬ ‫{وي ْؤت من ُلد ُ‬ ‫ضاعفها} وال تكون َ‬
‫حسنة إال إذا كانت له ُ‬ ‫ُي َ‬
‫الذاتي الذي ال حجبة معه عن تفاصيل الصفات‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫أمة ِب َش ِهيد} إلى آخره‪ ،‬الشهيد والشاهد‪ :‬ما يحضر ّ‬
‫كل أحد مما بلغه من الدرجة في العرفان‪،‬‬ ‫{فكيف إذا ج ْئَنا من كل ّ‬
‫وهو الغالب عليه‪ ،‬فهو يكشف عن حاله وعمله وسعيه ومبلغ جهده مقاماً كان أو صفة من صفات الحق أو ذاتاً‪،‬‬
‫وعرفه لهم وما دعاهم إال إلى ما وصل إليه من مقامه في المعرفة‪ ،‬وال‬
‫أمة شهيد بحسب ما دعاهم إليه نبيهم ّ‬‫فلكل ّ‬
‫أمته فهم يعرفون هللا بنور استعدادهم في صورة كمال ّ‬
‫نبيهم‪ .‬ولهذا ورد في الحديث‪ :‬إن‬ ‫نبي إال بحسب استعداد ّ‬
‫ّ‬
‫يبعث‬
‫يتحول عن تلك الصورة‪ ،‬فيبرز في‬
‫كل واحد من الملل والمذاهب‪ ،‬ثم ّ‬ ‫هللا يتجلى لعباده في صورة معتقدهم‪ ،‬فيعرفه ّ‬
‫أمة شهيداً‪ ،‬فكذلك لكل‬ ‫صورة أخرى فال يعرفه إالّ الموحدون الداخلون في حضرة األحدية من كل باب‪ .‬وكما ّ‬
‫أن لكل ّ‬
‫المحمديون فشهيدهم هللا المحبوب الموصوف‬
‫ّ‬ ‫اهل مذهب شهيد‪ ،‬ولكل واحد شهيد يكشف عن حال مشهوده‪ ،‬وأما‬
‫بجميع الصفات لمكان كمال نبيهم وكونه حبيباً مؤتى جوامع الكلم‪ ،‬متمماً لمكارم األخالق‪ ،‬فال جرم يعرفونه عند‬
‫التحول في جميع الصور إذا تابعوا نبيهم حق المتابعة‪ ،‬وكانوا أوحديين محبوبين كنبيهم ‪.‬‬
‫ّ‬

‫سورة النساء (من اآلية ‪ 42‬الى اآلية ‪)43‬‬

‫َّللا ح ِديثاً * يا أَي َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ٍِ‬


‫آمُنوْا الَ تَْق َرُبوْا‬
‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ض َوالَ َي ْكتُ ُمو َن َّ َ َ‬ ‫ول َل ْو تُ َسَّو ٰى ِب ِه ُم األ َْر ُ‬
‫الرُس َ‬‫ص ُوْا َّ‬ ‫ين َكَف ُروْا َو َع َ‬‫َي ْو َمئذ َي َوُّد الذ َ‬
‫ِ‬ ‫وة وأ َْنتُم س َٰكر ٰى حتَّ ٰى تَعَلموْا ما تَُقوُلو َن والَ جُنباً ِإالَّ َعاِبرِي سِب ٍ‬ ‫َّ ٰ‬
‫ض ٰى أ َْو َعَل ٰى َسَف ٍر أ َْو‬ ‫يل َحتَّ ٰى تَ ْغتَسُلوْا َوإِ ْن ُك ْنتُ ْم َّم ْر َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫الصَل َ َ ْ ُ َ َ‬
‫ِ ٰ‬
‫ان‬
‫َّللاَ َك َ‬ ‫طِّيباً َفا ْم َس ُحوْا ِبُو ُجوِه ُك ْم َوأ َْي ِد ُ‬
‫يك ْم ِإ َّن َّ‬ ‫ص ِعيداً َ‬ ‫آء َفتََي َّم ُموْا َ‬
‫ِ‬
‫آء َفَل ْم تَج ُدوْا َم ً‬ ‫َحٌد ِّم ْن ُك ْم ِّمن اْل َغ ِآئط أ َْو َل َم ْستُ ُم ِّ‬
‫الن َس َ‬ ‫آء أ َ‬‫َج َ‬
‫َعُفّواً َغُفو اًر‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سوى بهم} أرض‬ ‫ٍ‬
‫{وعصوا الرسول} باالحتجاب عن الدين {لو تُ ّ‬ ‫ُ‬ ‫{يومئذ َيود الذين َكَفروا} باالحتجاب عن الحق‬
‫االستعداد‪ ،‬فتنطمس نفوسهم أو تصير ساذجة ال نقش فيها من العقائد الفاسدة والرذائل الموبقة {وال َي ْكتمون هللا َح ِديثاً}‬
‫أي‪ :‬ال يقدرون على كتم حديث من تلك النقوش حتى ال يتعذبون بعقابه‪.‬‬

‫آمنوا} باإليمان العلمي‪ ،‬فإن المؤمن باإليمان العيني ال يكون في صالته غافالً {ال تَْق َربوا الصالة} أي‪:‬‬
‫الذين ُ‬
‫{يا أيها َ‬
‫ّ‬
‫{س َكارى} من نوم الغفلة‪ ،‬أو من خمور الهوى ومحبة الدنيا‬ ‫ال تقربوا مقام الحضور والمناجاة مع هللا في حال كونكم ُ‬
‫{حتى تعلموا ما تقولون} في مناجاتكم وال تشتغل قلوبكم بأشغال الدنيا ووساوسها فتذهلوا عنه‪ ،‬وال في حال كونكم‬
‫بشدة الميل إلى النفس ومباشرة لذاتها وشهواتها وحظوظها والركون إليها {إالّ عابري سبيل} أي‪:‬‬
‫بعداء عن الحق ّ‬
‫مارين عليها‪ ،‬سالكي طريق من طرق تمتعاتها بقدر الضرورة والمصلحة كعبور طريق االغتذاء بالمطعم والمشرب ّ‬
‫لسد‬ ‫ّ‬
‫بمجرد‬
‫ّ‬ ‫الحر والبرد وستر العورة‪ ،‬والمباشرة لحفظ النسل ال منجذبين إليها بالكلية‬
‫الرمق وحفظ القوة‪ ،‬واالكتساء لدفع ّ‬
‫الهوى فتنطبع فيكم فال يمكن زوالها أو يتعذر {حتى تغتسلوا} أي‪ :‬تتطهروا عن تلك الهيئة الحاصلة من االنجذاب إلى‬
‫الجهة السفلية بماء التوبة واالستغفار وعيون التنصل واالعتذار {وإن كنتم مرضى} القلوب‪ ،‬فاقدي سالمتها بأمراض‬
‫العقائد الفاسدة والرذائل المهلكة {أو على سفر} في تَْيه الجهل والحيرة لطلب ل ّذة النفس ومادة الرجس بالحرص {أو‬
‫ملوثاً بهيئة محبته وميله راسخة فيه تلك الهيئة {أو المستم‬
‫جاء أحد منكم} من االشتغال بلوث المال وكسب الحطام ّ‬
‫النساء} الزمتم النفوس وباشرتموها في لذاتها وشهواتها {فلم تجدوا ماء} علماً يهديكم إلى التفصي منها ويهذبكم‬
‫بالتطهر عنها {فتيمموا صعيداً طيباً} فتوجهوا صعيد استعدادكم الطيب‪ ،‬واقصدوه وارجعوا إلى أصل االستعداد الفطرّي‬
‫ّ‬
‫التصرف‬
‫أيديكم} أي‪ :‬ذواتكم الموجودة وصفاتكم بالنزول ومحو هيئات العلق بها‪ ،‬و ّ‬
‫وجوهكم و ُ‬ ‫{فام َسحوا} من نوره {ِب ُ‬
‫ْ‬
‫عفواً} يعفو عن تلك الهيئات المظلمة ورسوخ‬ ‫{إن هللا كان ّ‬
‫فيها‪ ،‬فإن ذلك التراب يمحو آثارها ويذرها صافية كما كانت ّ‬
‫{غُفو اًر}‬
‫وتستعدوا للقائه ومناجاته َ‬
‫ّ‬ ‫تلك الملكات الحاجبة بتركها واإلعراض عنها‪ ،‬فيزيلها بالكلية فيصفو استعدادكم‬
‫يستر صفاتكم وذواتكم بصفاته وذاته ‪.‬‬

‫سورة النساء (من اآلية ‪ 44‬الى اآلية ‪)46‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اَّللِ‬
‫َع َد ِائ ُك ْم َوَكَف ٰى ِب َّ‬ ‫ضُّلوْا َّ ِ‬‫الض َٰلَل َة وي ِريدو َن أَن تَ ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َعَل ُم ِبأ ْ‬
‫َّللاُ أ ْ‬
‫* َو َّ‬ ‫يل‬
‫السب َ‬ ‫ين أُوتُوْا َنصيباً ّم َن اْلكتَ ِب َي ْشتَ ُرو َن َّ َ ُ ُ‬
‫أََل ْم تَ َر ِإَلى الذ َ‬
‫اس َم ْع َغ ْي َر ُم ْس َم ٍع‬‫ص ْيَنا َو ْ‬ ‫َو َع َ‬ ‫اض ِع ِه َوَيُقوُلو َن َس ِم ْعَنا‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ ُ ُ َّ‬ ‫َّ‬
‫اَّللِ ن ِ‬
‫صي اًر * ِمن َّال ِذين هادوْا يح ِرُفو َن اْل َكلِم عن َّمو ِ‬
‫َولِّياً َوَكَف ٰى ِب َّ َ‬
‫ان َخ ْي اًر َّل ُه ْم َوأَ ْقَوَم َوَل ِكن َّل َعَن ُه ُم َّ‬ ‫ين َوَل ْو أََّن ُه ْم َقاُلوْا َس ِم ْعَنا َوأَ َ‬ ‫طعناً ِفي ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ‬ ‫ظ ْرَنا َل َك َ‬
‫اس َم ْع َو ْان ُ‬
‫ط ْعَنا َو ْ‬ ‫الد ِ‬
‫ّ‬ ‫َوَٰرعَنا َلّياً ِبأَْلسَنت ِه ْم َو َ ْ‬
‫ِب ُكْف ِرِه ْم َفالَ ُي ْؤ ِمُنو َن ِإالَّ َقلِيالً‬

‫{ي ْشترو َن‬ ‫ِ‬


‫من الكتاب} أي‪ :‬بعضاً هو اعترافهم بالحق مع احتجابهم عن الدين َ‬
‫{أَل ْم تر إلى الذين أُوتُوا َنصيباً َ‬
‫الضالَلة} يستبدلون االحتجاب عن الدين الذي هو طريق الحق بنور هداية استعدادهم ويريدون بكم ذلك أيضاً وهم‬
‫ولياً} يلي أمركم بالتوفيق لطريق التوحيد‪ ،‬ونصي اًر ينصركم على‬ ‫ِ‬
‫أعداؤكم‪َ ،‬عل َم هللا عداوتهم إياكم إذاً {وكفى باهلل ّ‬
‫أعدائكم بالقمع‪.‬‬

‫سورة النساء (من اآلية ‪ 47‬الى اآلية ‪)47‬‬

‫صِّدقاً ّلِ َما َم َع ُك ْم ِّمن َقْب ِل أَن َّن ْ‬


‫ط ِم َس ُو ُجوهاً َفَن ُرَّد َها َعَل ٰى أ َْدَب ِارَهآ أ َْو َنْل َعَن ُه ْم‬ ‫ِ ِ َّ‬ ‫ِٰ‬
‫ين أُوتُوْا اْلكتَ َب َءامُنوْا ب َما َن ْزلَنا ُم َ‬
‫يا أَي َّ ِ‬
‫ُّهآ الذ َ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬
‫َّللا َمْف ُعوالً‬
‫ان أ َْم ُر َّ‬ ‫َكما َلعَّنآ أَص ٰحب َّ ِ‬
‫الس ْبت َوَك َ‬ ‫َ َ ْ ََ‬

‫{آمنوا} إيماناً حقيقياً عيانياً بإخراج ما في كتاب استعدادكم إلى الفعل من‬
‫{يا أيها الذين أوتُوا الكتاب} كتاب االستعداد ُ‬
‫وجوهاً} بإزالة استعدادها ومحوه {فنردها على أدبارها} التي هي أسفل سافلي عالم‬‫أن نطمس ُ‬ ‫توحيد الذات {من َقبل ْ‬
‫ِ‬
‫السبت} {وكان أمر هللا مفعوالً} أي‪:‬‬ ‫الجسم الذي هو خلف كل عالم {أو َنْل َعنهم} نعذبهم بالمسخ كما مسخنا {أصحاب‬
‫يغيره أحد وال ينقضه‪.‬‬ ‫مقضياً إلى األبد‪ ،‬ال ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة النساء (من اآلية ‪ 48‬الى اآلية ‪)55‬‬

‫اَّللِ َفَق ِد ا ْفتََر ٰى ِإ ْثماً َع ِظيماً * أََل ْم تََر ِإَلى‬‫آء َو َمن ُي ْش ِر ْك ِب َّ‬ ‫ن ِ ِ‬ ‫َّللا الَ ي ْغِفر أَن ي ْشر ِ ِ ِ‬
‫ك به َوَي ْغف ُر َما ُدو َ َذل َك ل َمن َي َش ُ‬ ‫ُ ََ‬ ‫ِإ َّن َّ َ َ ُ‬
‫الك ِذ َب َوَكَف ٰى ِب ِه ِإ ْثماً ُّمِبيناً‬
‫َّللاِ َ‬ ‫يف َيْفتَُرو َن َعَلى َّ‬ ‫ظ ْر َك َ‬ ‫ظَل ُمو َن َفِتيالً *ان ُ‬‫آء َوالَ ُي ْ‬ ‫َّال ِذين ي َزُّكو َن أ َْنُفسهم ب ِل َّ ِ‬
‫َّللاُ ُي َزّكي َمن َي َش ُ‬ ‫َ ُْ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِٰ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫آمُنوْا‬
‫ين َ‬ ‫َه َد ٰى م َن الذ َ‬ ‫ين َكَف ُروْا َٰه ُؤالء أ ْ‬ ‫ين أُوتُوْا َنصيباً ّم َن اْلكتَ ِب ُي ْؤ ِمُنو َن ِباْل ِج ْبت َوالط ُغوت َوَيُقوُلو َن للذ َ‬ ‫* أََل ْم تَ َر ِإَلى الذ َ‬
‫يب ِّم َن اْل ُمْل ِك َفِإذاً الَّ ُي ْؤتُو َن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫اس‬‫الن َ‬ ‫َّللاُ َفَلن تَ ِج َد َل ُه َنصي اًر * أ َْم َل ُه ْم َنص ٌ‬
‫َّللاُ َو َمن َيْل َع ِن َّ‬ ‫َسِبيالً * أ ُْوَلـٰئ َك الذ َ‬
‫ين َل َعَن ُه ُم َّ‬
‫اه ْم ُّمْلكاً َع ِظيماً*‬ ‫ِ‬ ‫َّللا ِمن َفضلِ ِه َفَق ْد آتَينآ آل ِإب ٰرِه ِ ٰ‬ ‫ٰ‬ ‫َنِقي اًر * أ َْم َي ْح ُس ُدو َن َّ‬
‫يم اْلكتَ َب َواْلح ْك َم َة َو َآت ْيَن ُ‬‫َْ َ ْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫اس َعَل ٰى َمآ آتَ ُه ُم َّ ُ‬ ‫الن َ‬
‫صَّد َع ْن ُه َوَكَف ٰى ِب َج َهَّن َم َس ِعي اًر‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫آم َن به َوم ْن ُه ْم َّمن َ‬
‫َفم ْن ُه ْم َّم ْن َ‬

‫أن الشقاوة العلمية االعتقادية مخّلدة ال تتدارك أبداً دون العملية‪ ،‬أي‪ :‬ال‬
‫{إن هللا ال يغفر أن ُي ْشرك به} إشارة إلى ّ‬
‫ّ‬
‫يستر بوجوده وال يفني بذاته من يثبت غيره في الوجود وكيف وأنه يناوبه بوجوده‪{ .‬ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم}‬
‫أي‪ :‬يزيلون صفات نفوسهم بنفوسهم‪ ،‬وذلك غير ممكن كما ال يمكن ألحدنا حمل نفسه إذ هي لوازم النفس باقية الزمة‬
‫{و َمن ُيو َق ُش َّح َنْف ِس ِه} [الحشر‪ ،‬اآلية‪ ،]9 :‬إذ الرذائل معجونة فيها‪ ،‬باقية ببقائها‪ .‬وقال عليه‬
‫لها‪ ،‬ولهذا قال تعالى‪َ :‬‬
‫"شر الناس من قامت عليه القيامة وهو حي" أي‪ :‬يقف على علم التوحيد ونفسه لم تمت بالفناء حتى‬ ‫الصالة والسالم‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫تحيى باهلل‪ ،‬فإنه حينئذ زنديق قائل باإلباحة في األشياء‪{ .‬بل هللا ُيزكي من َيشاء} بمحو صفاته وإزالتها بصفاته تعالى‬

‫{وال يظلمون فتيالً} أي‪ :‬ال ينقصون شيئاً حقي اًر من صفاتهم وحقوقها ّ‬
‫فإن هللا ال يأخذ شيئاً منها مع ضعفها وسرعة‬

‫ظر كيف َيْفتَرون على هللا َ‬


‫الكذب} بادعاء تزكية نفوسهم‬ ‫{ان ُ‬
‫انقضائها حتى يعطي بدله من صفاته مع قوتها ودوامها ْ‬
‫تزكت‪ ،‬أو بانتحال صفات هللا إلى أنفسهم لوجود نفوسهم‪.‬‬
‫من صفاتها وما ّ‬

‫{ألم تَ َر} إلى آخره‪{ ،‬يؤمنون بالجبت والطاغوت} إلثباتهم وجود الغير‪ ،‬وذلك إضاللهم عن الدين الذي هو طريق‬
‫{سِبيالً} لموافقتهم في الشرك دون‬
‫التوحيد {ويقولون} ألجل الذين حجبوا عن الحق {هؤالء أهدى} من الموحدين َ‬
‫المؤمنين‪ ،‬فإنهم يخالفونهم في الطريق والمقصد‪ ،‬إذ المعترفون بالتوحيد لما ضّلوا السبيل لم يصلوا إلى المقصد الذي‬
‫وصوبوهم وزعموا‬
‫ّ‬ ‫جلياً فناسبوهم‬
‫خفي قريب من حال المحجوبين عن الحق الذين أشركوا شركاً ّ‬ ‫اعترفوا به فلزمهم شرك‬
‫ّ‬
‫الذين َل َعَنهم هللا} بمسخ االستعداد‪،‬‬ ‫أنهم أهدى الموحدين على ما نرى عليه بعض الظاهريين من اإلسالميين ِ‬
‫{أولئ َك‬
‫َ‬
‫ومن طرده هللا فال يمكن ألحد نصرته بالهداية والتقريب واإلنجاء ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة النساء (من اآلية ‪ 56‬الى اآلية ‪)58‬‬

‫اب ِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ف ُنصلِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬


‫ان َع ِزي اًز‬‫َّللاَ َك َ‬ ‫ود ُه ْم َبَّدْلَن ُه ْم ُجُلوداً َغ ْي َرَها لَي ُذوُقوْا اْل َع َذ َ‬
‫يه ْم َنا اًر ُكل َما َنض َج ْت ُجُل ُ‬ ‫ِإ َّن الذ َ‬
‫ين َكَف ُروْا ب َٰآيتَنا َس ْو َ ْ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ح ِكيماً * و َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ‬
‫اج‬
‫يهآ أ َْزَو ٌ‬ ‫الصال َحات َسُن ْدخُل ُه ْم َجَّنات تَ ْجرِي من تَ ْحت َها األ َْن َه ُار َخالدي َن ف َ‬
‫يهآ أََبداً ل ُه ْم ف َ‬ ‫َ َ َُ َ َ‬ ‫َ‬
‫اس أَن تَ ْح ُك ُموْا ِباْل َع ْد ِل‬ ‫َهلِ َها َوإِ َذا َح َك ْمتُ ْم َب ْي َن َّ‬
‫الن ِ‬ ‫ِ‬
‫ؤدوْا األ ََم َانات ِإَلى أ ْ‬
‫ْم ُرُك ْم أَن تُ ُّ‬
‫َّللاَ َيأ ُ‬ ‫ط َّه َرةٌ َوُن ْد ِخُل ُه ْم ِظـالًّ َ‬
‫ظلِيالً * ِإ َّن َّ‬ ‫ُّم َ‬
‫َّللا َكان س ِميعاً ب ِ‬ ‫َّللا ِن ِع َّما َي ِع ُ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ير‬
‫ص اً‬ ‫َ‬ ‫ظ ُك ْم به إ َّن َّ َ َ َ‬ ‫إ َّن َّ َ‬

‫المْلك‬ ‫{إن الذين َكفروا ِ‬


‫بآياتنا} أي‪ :‬حجبوا عن تجليات صفاتنا وأفعالنا‪ .‬إذ مطلع اآلية كونه متجلياً بالعلم والحكمة و ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫{سوف نصليهم} نار شوق الكمال القتضاء غرائزهم وطبائعهم بحسب استعدادهم ذلك مع رسوخ‬ ‫َ‬ ‫في آل إبراهيم‬
‫وحدة شوقها وطلبها لما‬
‫تجليات صفات قهره تناسب أحوالهم‪ ،‬أو نار َش ْره نفوسهم ّ‬
‫الحجاب ولزومه‪ ،‬أو نار قهر من ّ‬
‫ضريت بها من كماالت صفاتها وشهواتها مع حرمانها عنها {كلما َنضجت ُجُلودهم} رفعت حجبهم الجسمانية‬
‫{إن هللا كان عزي اًز} قوياً يقهرهم ويذلهم‬
‫بانسالخهم عنها {بدلناهم} حجباً غيرها جديدة {ليذوقوا العذاب} نيران الحرمان ّ‬
‫{حكيماً} يجازيهم بما يناسبهم من العذاب‬ ‫بذل صفات نفوسهم‪ ،‬ويحرقهم بنيران توقانها إلى كماالتهم مع حرمانهم أبداً ِ‬

‫الذي اختاروه ألنفسهم بدواعيهم الغضبية والشهوية وغيرها‪ ،‬وميولهم إلى المالذ الجسمانية فلذلك بدلوا حجباً ظلمانية‬
‫بعد حجب‪.‬‬

‫جنات} االتصاف بها ومقاماتها {تجري‬


‫{سندخلهم ّ‬
‫{وعمُلوا} ما يصلحهم لقبول تجلياتها َ‬
‫آمنوا} بتوحيد الصفات َ‬
‫ذين ُ‬‫{وال َ‬
‫المقدسة التي هي مظاهر‬
‫من تحتها األنهار} أي‪ :‬أنهار علوم تجلياتها من علوم القلب‪ .‬واألزواج ههنا األرواح ّ‬
‫ظل الصفات اإللهية الدائم روحها بمحو‬
‫الصفات اإللهية المطهرة بالهيئات البدنية {وندخلهم ظالً ظليالً} أي‪ّ :‬‬
‫الصفات البشرية‪.‬‬

‫كل ذي حق إليه بتوفية حق االستعداد أوالً‪ ،‬ثم بتوفية حقوق‬


‫تؤدوا األمانات إلى أهلها} أي‪ :‬حق ّ‬ ‫{إن هللا يأمركم أن ّ‬
‫ّ‬
‫القوى كلها من كماالتها التي تقتضيها‪ ،‬ثم بتوفية حق هللا تعالى من أداء الصفات إليه‪ ،‬ثم أداء الوجود فتكونوا فانين‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫في التوحيد‪ .‬فإذا رجعتم إلى البقاء بعد الفناء‪ ،‬وحكمتم بين الناس‪ ،‬كنتم قائمين في األشياء باهلل‪ّ ،‬قوامين بالقسط‪،‬‬
‫أقل الدرجات في العدل هو المحو في الصفات‪ ،‬إذ القائم‬ ‫متصفين بعدل هللا بحيث ال يمكن صدور الجور منكم‪ .‬و ّ‬
‫بالنفس ال يقدر على العدل أبداً {إن هللا كان ِ‬
‫سميعاً} بأقوالكم فيما بين الناس من المحاكمات‪ ،‬هل هي صائبة بالحق‬ ‫ّ‬
‫صي اًر} بأعمالكم‪ ،‬هل تصدر من صفات نفوسكم أو من صفات الحق؟ ‪.‬‬ ‫أم فاسدة بالنفس؟ {ب ِ‬
‫َ‬

‫سورة النساء (من اآلية ‪ 59‬الى اآلية ‪)63‬‬

‫ول ِإن ُك ْنتُ ْم‬ ‫الرس ِ‬ ‫الرسول وأُولِي األَم ِر ِمن ُكم َفِإن تنازعتم ِفي شي ٍء َفرُّدوه ِإَلى َّ ِ‬ ‫َطيعوْا َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يا أَي َّ ِ‬
‫َّللا َو َّ ُ‬ ‫َ ْ ُ ُ‬ ‫ََ َ ْ ُ ْ‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫يعوْا َّ ُ َ َ ْ‬ ‫َّللاَ َوأَط ُ‬ ‫آمُنوْا أ ُ‬ ‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬ ‫َ َ‬
‫امُنوْا ِب َمآ أ ُْن ِزَل ِإَل ْي َك َو َمآ أ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِٰ‬ ‫تؤ ِمنون ِب َّ ِ‬
‫ُنزَل‬ ‫َح َس ُن تَ ْأ ِويالً * أََل ْم تَ َر ِإَلى الذ َ‬
‫ين َي ْزُع ُمو َن أََّن ُه ْم َء َ‬ ‫اَّلل َواْلَي ْو ِم اآلخ ِر ذل َك َخ ْيٌر َوأ ْ‬ ‫ُْ ُ َ‬
‫ضالَالً َب ِعيداً * َوإِ َذا‬ ‫ِ َّ‬ ‫وت وَق ْد أ ُِم ُروْا أَن َي ْكُف ُروْا ِب ِه وُي ِر ُيد َّ‬
‫الط ُ ِ‬
‫اكموْا ِإَلى َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫ان أَن ُيضل ُه ْم َ‬ ‫طُ‬ ‫الش ْي َ‬ ‫َ‬ ‫اغ َ‬ ‫من َقْبل َك ُي ِر ُيدو َن أَن َيتَ َح َ ُ‬
‫َصب ْتهم ُّم ِ‬
‫ص َيب ٌة ِب َما‬ ‫نك ص ُدوداً * َف َك ْي َ ِ‬ ‫ٰ ِِ‬ ‫الرس ِ‬ ‫يل َل ُه ْم تَ َعاَل ْوْا ِإَل ٰى َمآ أ َ‬ ‫ِ‬
‫ف إ َذآ أ َٰ َ ُ ْ‬ ‫صُّدو َن َع َ ُ‬ ‫ين َي ُ‬ ‫ول َأرَْي َت اْل ُمَنفق َ‬ ‫َّللاُ َوإَِلى َّ ُ‬
‫َنزَل َّ‬ ‫ق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫َقَّدمت أَي ِدي ِهم ثُ َّم جآءوك يحلُِفون ِب َّ ِ‬
‫ض َع ْن ُه ْم‬ ‫َّللاُ َما في ُقُلوب ِِه ْم َفأ ْ‬
‫َع ِر ْ‬ ‫اَّلل ِإ ْن أ ََرْدَنآ ِإال ِإ ْح َٰسناً َوتَ ْوِفيقاً * أُوَلـٰئ َك الذ َ‬
‫ين َي ْعَل ُم َّ‬ ‫َ ُ َ َْ َ‬ ‫َْ ْ ْ‬
‫ظ ُه ْم َوُقل َّل ُه ْم ِفي أ َْنُف ِس ِه ْم َق ْوالً َبلِيغاً‬
‫َو ِع ْ‬

‫يعوا هللا} بتوحيد الذات والفناء في الجمع {وأطيعوا الرسول} بمراعاة حقوق‬ ‫ِ‬
‫{يا أيها الذين آمنوا} بتوحيد الصفات {أط ُ‬
‫التفصيل في عين الجمع ومالحظة ترتيب الصفات بعد الفناء في الذات {وأُولي األمر ِم ْنكم} ممن استحق الوالية‬

‫والرياسة كما مر في حكاية طالوت‪{ .‬ألم َتر} أي‪ :‬تعجب من {الذين َي ْزَعمون أنهم آمنوا بما َ‬
‫أنزل إليك} من علم‬
‫التوحيد {وما أنزل من قبلك} من علم المبدأ والمعاد {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت} وهو ينافي ما ّادعوه إذ لو‬
‫كان إيمانهم صحيحاً لما أثبتوا غي اًر حتى يكون له حكم‪ ،‬فإنهم بحكم اإليمان الحقيقي مأمورون بالكفر بغيره‪ ،‬ومن لم‬
‫ينسلخ عن صفاته وأفعاله ولم تنطمس ذاته في هللا تعالى فهو غيره‪ ،‬ومن توجه إلى الغير فقد أطاع الشيطان وال يريد‬
‫الشيطان بهم إال الضالل البعيد الذي هو االنحراف عن الحق بالشرك‪ ،‬إذ الزيغ عن الدين هو الضالل المبين‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة النساء (من اآلية ‪ 64‬الى اآلية ‪)65‬‬

‫َّ ِ َّ‬ ‫طاع ِبِإ ْذ ِن َّ ِ‬ ‫ومآ أَرسْلنا ِمن َّرس ٍ َّ‬


‫ول َلَو َج ُدوْا‬
‫الرُس ُ‬‫استَ ْغَف َر َل ُه ُم َّ‬
‫َّللاَ َو ْ‬
‫استَ ْغَف ُروْا َّ‬
‫وك َف ْ‬
‫آء َ‬‫َّللا َوَل ْو أَن ُه ْم إذ ظَل ُموْا أ َْنُف َس ُه ْم َج ُ‬ ‫ول ِإال لُِي َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ َْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا تََّواباً َّرِحيماً * َفالَ وربِك الَ يؤ ِمُنو َن حتَّى يح ِّكم ِ‬
‫يما َش َج َر َب ْيَن ُه ْم ثُ َّم الَ َي ِج ُدوْا في أ َْنُفس ِه ْم َح َرج ًا ّم َّما َق َ‬
‫ض ْي َت‬ ‫وك ف َ‬
‫َ ٰ َُ ُ َ‬ ‫َ َّ َ ُْ‬ ‫َّ َ‬
‫َوُي َسّلِ ُموْا تَ ْسلِيماً‬

‫{وما أرسلنا من رسول إال ليطاع بإذن هللا} اآلية‪ ،‬الفرق بين الرسول والنبي هو‪ :‬أن الرسالة‪ ،‬باعتبار تبليغ األحكام‪:‬‬
‫النبوة باعتبار اإلخبار عن المعارف والحقائق التي تتعلق بتفاصيل الصفات‬ ‫الرس ِ‬
‫ول َبّل ْغ} [المائدة‪ ،‬اآلية‪ ]67 :‬و ّ‬
‫ُّها َّ ُ ُ‬
‫{يـأَي َ‬
‫َ‬
‫النبوة ظاهر الوالية التي هي االستغراق في عين الجمع والفناء في الذات‪ ،‬فعلمها علم توحيد الذات‬
‫فإن ّ‬ ‫واألفعال‪ّ .‬‬
‫كل نبي مرسالً‪ ،‬وإن كانت رتبة‬
‫ولي نبياً‪ ،‬وال ّ‬ ‫ومحو األفعال والصفات‪ .‬فكل رسول نبي‪ ،‬وكل نبي ولي‪ ،‬وليس كل‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫النبوة من الرسالة كما قيل ‪:‬‬
‫النبوة‪ ،‬و ّ‬
‫الوالية أشرف من ّ‬

‫دوين الولي وفوق الرسول‬ ‫النبوة في برزخ‬


‫مقام ّ‬
‫ّ‬
‫فال يرسل الرسول إال للطاعة‪ ،‬إذ حكمه حكم هللا باعتبار التبليغ فيجب أن ُيطاع‪ ،‬وال ُيطاع إال بإذنه‪ ،‬فإن من حجب‬
‫عنه بقصور االستعداد كالكافر األصلي والشقي الحقيقي‪ ،‬أو بالرين ومحو االستعداد كالمنافق ليس بمأذون له في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ظَلموا أنفسهم} بمنعها عن حقوقها التي هي كماالتها الثابتة فيها بالقوة‪ ،‬وتكدير‬
‫الطاعة في الحقيقة‪{ .‬ولو أنهم إذ َ‬
‫{جاؤوك} باإلرادة التي هي مقتضى استعدادهم‬‫الحسية واألغراض الفانية َ‬
‫ّ‬ ‫االستعداد بالتوجه إلى طلب الل ّذات‬
‫{فاستغفروا هللا} طلبوا من هللا ستر صفات نفوسهم التي هي مصادر تلك األفعال الحاجبة لما في استعدادهم بنور‬
‫ْ‬
‫استغفر لهم الرسول} بإمدادهم بنور صفاته التي هي صفات هللا عز وجل لرابطة الجنسية التي بينهم وبين‬ ‫َ‬ ‫صفاته {و‬
‫نفسه‪ ،‬ومكان اإلرادة والمحبة التي تستلزم قربهم منه وامتزاجهم به {لوجدوا هللا ّتواباً} مطه اًر‪ ،‬مصفياً الستعدادهم بنوره‪،‬‬
‫إذ قبول التوبة هو إلقاء نور الصفات عليهم‪ ،‬وتنوير بواطنهم بهيئة نورية تعصمهم من الخطأ في األفعال لبعد النور‬
‫عن الظلمة {رحيماً} يفيض عليهم رحمة الكمال الالئق بهم من اإليقان العلمي أو العيني أو الحقي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{فال وربك ال يؤمنون} اإليمان الحقيقي التوحيدي {حتى يحكموك} لكون حكمك حكم هللا‪ ،‬وإنما حجبت الذات‬
‫بالصفات‪ ،‬والصفات باألفعال‪ ،‬فإذا تشاجروا وقفوا مع صفاتهم محجوبين عن صفات الحق أو مع أفعالهم محجوبين‬
‫عن أفعال الحق‪ ،‬فلم يؤمنوا حقيقة‪ .‬فإذا حكموك انسلخوا عن أفعالهم‪ ،‬وإذا لم يجدوا في أنفسهم حرجاً من قضائك‬
‫انسلخوا عن إرادتهم فصاروا إلى مقام الرضا‪ ،‬وعن علمهم وقدرتهم فصاروا إلى مقام التسليم فلم يبق لهم حجاب من‬
‫صفاتهم واتصفوا بصفات الحق فانكشف لهم في صورة الصفات فعلموا أنك هو قائم به‪ ،‬ال بنفسك‪ ،‬عادل بالحقيقة‬
‫بعدله‪ ،‬فتحقق إيمانهم باهلل‪.‬‬

‫سورة النساء (من اآلية ‪ 66‬الى اآلية ‪)96‬‬

‫ِ‬ ‫اخرجوْا ِمن ِدي ِارُكم َّما َفعُلوه ِإالَّ َقلِ ِ‬


‫ظو َن ِبه َل َك َ‬
‫ان‬ ‫وع ُ‬‫يل ّم ْن ُه ْم َوَل ْو أََّن ُه ْم َف َعُلوْا َما ُي َ‬
‫ٌ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َوَل ْو أََّنا َكتَْبَنا َعَل ْي ِه ْم أ ِ‬
‫َن ا ْقُتُلوْا أ َْنُف َس ُك ْم أ َِو ْ ُ ُ‬
‫ول‬
‫الرُس َ‬ ‫ص َراطاً ُّم ْستَِقيماً * َو َمن ُي ِط ِع َّ‬
‫َّللاَ َو َّ‬ ‫َشَّد تَ ْثِبيتاً * وإِذاً ألَتَي ٰنهم ِمن َّلدَّنـآ أَج اًر ع ِظيماً * وَلهديناهم ِ‬
‫َ َ َ َْ ُ ْ‬ ‫َْ ُ ّ ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َخ ْي اًر َّل ُه ْم َوأ َ‬
‫ض ُل ِم َن‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ ِ‬ ‫النِبِيين و ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َو َح ُس َن أُوَلـٰئ َك َرِفيقاً * ذلِ َك اْلَف ْ‬ ‫آء و َّ ِ ِ‬
‫الصالح َ‬ ‫ين َوالش َه َد َ‬ ‫َّللاُ َعَل ْيهم ّم َن َّ ّ َ َ ّ‬
‫الصّديق َ‬ ‫ين أ َْن َع َم َّ‬‫َفأ ُْوَلـٰئ َك َم َع الذ َ‬
‫ات أ َِو ْانِف ُروْا َج ِميعاً* َوإِ َّن ِم ْن ُك ْم َل َمن َّلُيَب ِّ‬
‫طَئ َّن َفِإ ْن‬ ‫انفروْا ثُب ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫*يأَي َّ ِ‬ ‫َّللاِ وَكَف ٰى ِب َّ ِ ِ‬
‫ءامُنوْا ُخ ُذوْا ح ْذ َرُك ْم َف ُ َ‬
‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬ ‫اَّلل َعليماً َٰ َ‬ ‫َّ َ‬
‫ض ٌل ِم َن هللا َلَيُقوَل َّن َكأَن َّل ْم تَ ُك ْن َب ْيَن ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاُ َعَل َّي ِإ ْذ َل ْم أ ُ‬ ‫ِ‬
‫َصَب ُك ْم َف ْ‬‫َك ْن َّم َع ُه ْم َشهيداً * َوَلئ ْن أ َٰ‬ ‫ال َق ْد أ َْن َع َم َّ‬ ‫أ َٰ‬
‫َصَب ْت ُك ْم ُّمص َيب ٌة َق َ‬
‫اآلخ َرِة َو َمن ُيَق ِات ْل‬ ‫الد ْنيا ِب ِ‬ ‫يل َّ ِ َّ ِ‬‫وز َفو اًز َع ِظيماً * َفْليَق ِاتل ِفي سِب ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َي ْش ُرو َن اْل َحَياةَ ُّ َ‬‫َّللا الذ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫نت َم َع ُه ْم َفأَُف َ ْ‬ ‫َوَب ْيَن ُه َم َوَّدةٌ ٰيَليتَني ُك ُ‬
‫الرج ِ‬ ‫َّللاِ واْلمستَضعِف ِ‬ ‫يه أَج اًر َع ِظيماً * وما َل ُكم الَ تَُٰقِتُلو َن ِفي سِب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يل َّ ِ‬
‫ِفي سِب ِ‬
‫ال‬ ‫ين م َن ِّ َ‬ ‫يل َّ َ ُ ْ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫ف ُن ْؤِت ْ‬ ‫َّللا َفُيْقَت ْل أَو َي ْغل ْب َف َس ْو َ‬ ‫َ‬
‫اج َع ْل َّلَنا ِمن َّل ُد ْن َك‬ ‫َّ ِ َّ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫و ِّ ِ‬
‫اج َع ْل لَنا من ل ُد ْن َك َوِلّياً َو ْ‬ ‫َخ ِر ْجَنا م ْن َهـٰذه اْلَق ْرَية الظال ِم أ ْ‬
‫َهُل َها َو ْ‬ ‫ين َيُقوُلو َن َربََّنآ أ ْ‬ ‫الن َسآء َواْل ِوْل َٰد ِن الذ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ط ِن إ َّن َك ْي َد‬
‫اء الش ْي َ‬ ‫ن‬
‫ين َكَف ُروْا ُيَقتُلو َ في َسبيل الط ُغوت َفَقتُلوْا أ َْولَي َ‬ ‫َّللا َوالذ َ‬‫آمُنوْا ُيَقتُلو َن في َسبيل َّ‬ ‫ين َ‬ ‫َنصي اًر * الذ َ‬
‫ال ِإ َذا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وة َفَل َّما ُكت َب َعَل ْيه ُم اْلقتَ ُ‬
‫الص َٰلوة وآتُوْا َّ ٰ‬
‫الزَك َ‬ ‫يموْا َّ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ُّ ِ‬
‫يل َل ُه ْم ُكفوْا أ َْيدَي ُك ْم َوأَق ُ‬
‫ط ِن َكان ض ِعيفاً * أََلم تَر ِإَلى َّال ِذ ِ‬
‫ين ق َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫الش ْي َٰ‬
‫َّ‬
‫َخ ْرتََنا ِإَل ٰى أَج ٍل َق ِر ٍ‬‫ال َل ْوال أ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الناس َكخ ْشي ِة َّ ِ‬ ‫َف ِر ِ‬
‫يب ُق ْل‬ ‫َ‬ ‫َشَّد َخ ْشَي ًة َوَقاُلوْا َربََّنا ل َم َكتَْب َت َعَل ْيَنا اْلقتَ َ‬‫َّللا أ َْو أ َ‬ ‫يق ّم ْن ُه ْم َي ْخ َش ْو َن َّ َ َ َ‬ ‫ٌ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫ونوْا ُي ْد ِركك ُم اْل َم ْو ُت َوَل ْو ُكنتُ ْم في ُب ُرو ٍج ُّم َشي ََّدة َوإِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يل َواآلخ َرةُ َخ ْيٌر ّل َم ِن اتََّق ٰى َوالَ تُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ظَل ُمو َن َفتيالً * أ َْيَن َما َت ُك ُ‬ ‫الد ْنَيا َقل ٌ‬‫َمتَاعُ ُّ‬
‫ال هـٰؤ ِ‬ ‫صبهم سِيَئ ٌة يُقوُلوْا هـ ِٰذِه ِمن ِع ِندك ُقل ُك ٌّل ِمن ِع ِند َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫صبهم حسن ٌة يُقوُلوْا هـ ِٰذِه ِمن ِع ِند َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫الء اْلَق ْو ِم الَ‬ ‫َّللا َف َم ِ َ ُ‬ ‫ّْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّللا َوإِن تُ ْ ُ ْ َ ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫تُ ْ ُ ْ َ َ َ َ‬
‫اك لِ َّلن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي َكادون يْفَقهون ح ِديثاً * َّمآ أَصابك ِمن حسن ٍة َف ِمن َّ ِ‬
‫اس َرُسوالً َوَكَف ٰى‬ ‫َص َاب َك من َسِّيَئة َفمن َّنْفس َك َوأ َْرَسْلَن َ‬ ‫َّللا َو َمآ أ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ْ َ ََ‬ ‫َ ُ َ َ ُ َ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اع ٌة َفِإ َذا َب َرُزوْا ِم ْن‬
‫ط َ‬‫اك َعَل ْي ِه ْم َحِفيظاً * َوَيُقوُلو َن َ‬ ‫َّ‬
‫َّللاَ َو َمن تََول ٰى َف َمآ أ َْرَسْلَن َ‬
‫اع َّ‬ ‫ول َفَق ْد أَ َ‬
‫ط َ‬ ‫اَّللِ َش ِهيداً * َّم ْن ُي ِط ِع َّ‬
‫الرُس َ‬ ‫ِب َّ‬
‫اَّللِ َو ِكيالً * أََفالَ‬ ‫َّللاِ َوَكَف ٰى ِب َّ‬
‫ض َع ْن ُه ْم َوتََوَّك ْل َعَلى َّ‬ ‫َّللاُ َي ْكتُ ُب َما ُيَبِّيتُو َن َفأ ْ‬
‫َع ِر ْ‬ ‫ول َو َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِع ِندك بيَّت َ ِ ِ‬
‫طآئَف ٌة ّم ْن ُه ْم َغ ْي َر الذي تَُق ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫اعوْا ِب ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آء ُه ْم أ َْمٌر ّم َن األ َْم ِن أ َِو اْل َخ ْوف أَ َذ ُ‬
‫ِ‬
‫اختالَفاً َكثي اًر * َوإِ َذا َج َ‬
‫يه ْ ِ‬ ‫َّللاِ َلوجدوْا ِف ِ‬ ‫يتَدبَّرون اْلُقرآن وَلو َك ِ ِ ِ‬
‫ان م ْن عند َغ ْي ِر َّ َ َ ُ‬ ‫ََُ َ ْ َ َْ َ‬
‫َّللاِ َعَل ْي ُك ْم َوَر ْح َمتُ ُه الَتََّب ْعتُ ُم‬
‫ض ُل َّ‬ ‫ط ِ‬
‫ين َي ْستَْنِب ُ َ‬
‫ون ُه م ْن ُه ْم َوَل ْوالَ َف ْ‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرس ِ‬
‫ول َوإَِل ٰى أ ُْولِي األ َْم ِر م ْن ُه ْم َل َعل َم ُه الذ َ‬ ‫ِ‬
‫َوَل ْو َرُّدوهُ إَلى َّ ُ‬
‫ف بأ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف ِإالَّ َنْفس َك و َحِّر ِ‬ ‫َّ‬ ‫يل َّ ِ‬
‫ان ِإالَّ َقلِيالً * َفَق ِاتل ِفي سِب ِ‬ ‫َّ‬
‫ين َكَف ُروْا‬ ‫ْس الذ َ‬ ‫َّللاُ أَن َي ُك َّ َ َ‬ ‫ين َع َسى َّ‬ ‫ض اْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّللا الَ تُ َكل ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫طَ‬ ‫الش ْي َ‬
‫يب ِّم ْن َها َو َمن َي ْشَف ْع َش َٰف َع ًة َسِّيَئ ًة َي ُك ْن َّل ُه ِكْف ٌل ِّم ْن َها‬ ‫َّ ِ‬ ‫ٰ‬
‫َشُّد تَنكيالً * َّمن َي ْشَف ْع َشَف َع ًة َح َسَن ًة َي ُك ْن ل ُه َنص ٌ‬
‫َشُّد بأْساً وأ َ ِ‬
‫َّللاُ أ َ َ َ‬ ‫َو َّ‬
‫ان َعَل ٰى ُك ِّل َشي ٍء َح ِسيباً *‬ ‫وهآ ِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َّللاَ َك َ‬ ‫َح َس َن م ْن َهآ أ َْو ُرُّد َ‬ ‫َّللاُ َعَل ٰى ُك ّل َش ْيء ُّمقيتاً * َوإِ َذا ُحِّييتُم ِبتَحيَّة َف َحُّيوْا ِبأ ْ‬ ‫ان َّ‬ ‫َوَك َ‬
‫ين ِفَئتَْي ِن َو َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫يه ومن أَصدق ِمن َّ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َّللا ال ِإَلـٰه ِإالَّ هو َليجمعَّن ُكم ِإَلى يو ِم اْلِقي ِ‬
‫َّللاُ‬ ‫َّللا َحديثاً * َف َما َل ُك ْم في اْل ُمَنافق َ‬ ‫امة الَ َرْي َب ف َ َ ْ ْ َ ُ َ‬ ‫ََ‬ ‫َُ َ ْ َ َ ْ ٰ َْ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ‬
‫َّللاُ َفَلن تَ ِج َد َل ُه َسِبيالً * َوُّدوْا َل ْو تَ ْكُف ُرو َن َك َما َكَف ُروْا‬ ‫ضلِ ِل َّ‬ ‫َّللاُ َو َمن ُي ْ‬ ‫َض َّل َّ‬ ‫أ َْرَك َس ُه ْم ِب َما َك َسُبوْا أَتُ ِر ُيدو َن أَن تَ ْه ُدوْا َم ْن أ َ‬
‫وه ْم َوالَ تَتَّ ِخ ُذوْا‬ ‫َّ‬ ‫يل َّ ِ‬‫ونو َن سوآء َفالَ َتتَّ ِخ ُذوْا ِم ْنهم أَولِيآء حتَّ ٰى يها ِجروْا ِفي سِب ِ‬
‫وه ْم َح ْي ُث َو َجدتُّ ُم ُ‬ ‫َّللا َفِإ ْن تََول ْوْا َف ُخ ُذ ُ‬
‫وه ْم َوا ْقُتُل ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ ْ َ َ َ َُ ُ‬ ‫َفتَ ُك ُ َ َ ً‬
‫ِ ٰ‬
‫ورُه ْم أَن ُي َٰقِتُل ُ‬
‫وك ْم أ َْو‬ ‫ص ُد ُ‬
‫ِ‬
‫وك ْم َحص َر ْت ُ‬ ‫آء ُ‬ ‫صي اًر * ِإالَّ َّال ِذ َ ِ ن ِ‬
‫ين َيصُلو َ إَل ٰى َق ْو ٍم َب ْيَن ُك ْم َوَب ْيَن ُه ْم ّميثَ ٌق أ َْو َج ُ‬
‫ِم ْنهم ولِياً والَ ن ِ‬
‫ُْ َ ّ َ َ‬
‫َّللاُ َل ُك ْم َعَل ْي ِه ْم‬
‫السَل َم َف َما َج َع َل َّ‬ ‫وك ْم َفَل ْم ُي َٰقِتُلوُك ْم َوأَْلَق ْوْا ِإَل ْي ُك ُم َّ‬ ‫وك ْم َفِإ ِن ْ‬
‫اعتَ َزُل ُ‬ ‫ط ُه ْم َعَل ْي ُك ْم َفَل َٰقَتُل ُ‬
‫َّللاُ َل َسَّل َ‬
‫آء َّ‬ ‫ِٰ‬
‫ُيَقتُلوْا َق ْو َم ُه ْم َوَل ْو َش َ‬
‫وك ْم َوُيْلُقوْا‬ ‫وك ْم َوَيأ َْمُنوْا َق ْو َم ُه ْم ُك َّل َما ُرُّدوْا ِإَلى اْلِف ْتِن ِة أ ُْرِك ُسوْا ِفِي َها َفِإن َّل ْم َي ْعتَ ِزُل ُ‬ ‫ين ُي ِر ُيدو َن أَن َيأ َْمُن ُ‬ ‫آخ ِر َ‬ ‫َسِبيالً * َستَ ِج ُدو َن َ‬
‫ان لِ ُم ْؤ ِم ٍن أَن‬ ‫وه ْم َوأ ُْوَلـِٰئ ُك ْم َج َعْلَنا َل ُك ْم َعَل ْي ِه ْم ُسْل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طاناً ُّمِبيناً * َو َما َك َ‬ ‫وه ْم َح ْي ُث ثَقْفتُ ُم ُ‬ ‫وه ْم َوا ْقُتُل ُ‬‫السَل َم َوَي ُكُّفوْا أ َْيدَي ُه ْم َف ُخ ُذ ُ‬
‫ِإَل ْي ُك ُم َّ‬
‫ان ِمن َق ْو ٍم‬ ‫صَّدُقوْا َفِإن َك َ‬ ‫طئاً َفتَ ْح ِر ُير َرَقَب ٍة ُّم ْؤ ِمَن ٍة َوِدَي ٌة ُّم َسَّل َم ٌة ِإَل ٰى أَ ْهلِ ِه ِإالَّ أَن َي َّ‬ ‫طئاً َو َمن َقَت َل ُم ْؤ ِمناً َخ َ‬ ‫َيْقُت َل ُم ْؤ ِمناً ِإالَّ َخ َ‬
‫َهلِ ِه َوتَ ْح ِر ُير َرَقَب ٍة ُّم ْؤ ِمَن ٍة‬ ‫َّ‬ ‫ِ ٰ ِ‬ ‫عد ٍو َّل ُكم وهو مؤ ِمن َفتَح ِرير رَقب ٍة ُّمؤ ِمن ٍة وإِن َك ِ‬
‫ان من َق ْو ٍم َب ْيَن ُك ْم َوَب ْيَن ُه ْم ّميثَ ٌق َفدَي ٌة ُّم َسل َم ٌة ِإَلى أ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ّ ْ َ َُ ُ ْ ٌ ْ ُ َ َ ْ َ َ‬
‫آؤهُ َج َهَّن ُم َٰخلِداً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ وَكان َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫َّللاُ َعليماً َحكيماً * َو َمن َيْقُت ْل ُم ْؤ ِمناً ُّم َت َع ّمداً َف َج َز ُ‬ ‫ام َش ْه َرْي ِن ُمتَتَاِب َع ْي ِن تَ ْوَب ًة ّم َن َّ َ َ‬ ‫َف َمن ل ْم َيج ْد َفصَي ُ‬
‫َّللاِ َفتََبيَُّنوْا َوالَ تَُقوُلوْا لِ َم ْن‬ ‫ضربتُم ِفي سِب ِ‬
‫يل َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫آمُنوْا إ َذا َ َ ْ ْ‬ ‫ين َ‬
‫َّللا عَلي ِه وَلعنه وأَعَّد َله ع َذاباً ع ِظيماً * ٰيأَي َّ ِ‬
‫ُّها الذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫يها َو َغض َب َّ ُ َ ْ َ َ َ ُ َ َ ُ َ‬
‫ِ‬
‫فَ‬
‫ِ‬

‫َّللاِ َم َغ ِان ُم َكِث َيرةٌ َك ٰذلِ َك ُك ْنتُ ْم ِّمن َقْب ُل َف َم َّن َّ‬
‫َّللاُ َعَل ْي ُك ْم‬ ‫الد ْنَيا َف ِع ْن َد َّ‬
‫ض اْل َح َٰيوِة ُّ‬ ‫أَْلَقى ِإَل ْي ُك ُم َّ‬
‫السالَ َم َل ْس َت ُم ْؤ ِمناً تَْبتَ ُغو َن َع َر َ‬
‫َّللاِ‬ ‫الضرِر واْلم ٰج ِه ُدو َن ِفي سِب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫َّ‬
‫يل َّ‬ ‫َ‬ ‫ين َغ ْي ُر أ ُْولِي َّ َ َ ُ َ‬ ‫ان ِب َما تَ ْع َمُلو َن َخِبي اًر *ال َي ْستَ ِوي اْلَقع ُدو َن م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫َفتََبيَُّنوْا ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َك َ‬
‫ِ‬ ‫ين َد َر َج ًة َوُكـالًّ َو َع َد َّ‬ ‫ٰ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِبأ َْم َٰولِ ِه ْم َوأ َْنُف ِس ِه ْم َف َّ‬
‫َّللاُ اْل ُم َٰج ِهد َ‬
‫ين‬ ‫َّللاُ اْل ُح ْسَن ٰى َوَف َّ‬
‫ض َل َّ‬ ‫ين ِبأ َْم َٰول ِه ْم َوأ َْنُفس ِه ْم َعَلى اْلَقعد َ‬ ‫َّللاُ اْل ُم َٰج ِهد َ‬
‫ض َل َّ‬
‫َّللاُ َغُفو اًر َّرِحيماً‬
‫ان َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ ِِ‬
‫َج اًر َعظيماً * َد َر َجات ّم ْن ُه َو َم ْغف َرًة َوَر ْح َم ًة َوَك َ‬ ‫ين أ ْ‬ ‫َعَلى اْلَقعد َ‬

‫{ولو ّأنا كتبنا} أي‪ :‬فرضنا {عليهم أن ا ْقتلوا أ َْنُفسكم} بقمع الهوى الذي هو حياتها وإفناء صفاتها {أو اخرجوا من‬
‫ِدَياركم} مقاماتكم التي هي الصبر والتوكل والرضا وأمثالها‪ ،‬لكونها حاجبة عن التوحيد كما قال الحسين بن منصور‬
‫قدس هللا روحه إلبراهيم بن أدهم رحمه هللا‪ ،‬لما سأله عن حاله‪ ،‬وأجابه بقوله‪ :‬أدور في الصحاري‪ ،‬وأطوف في‬‫ّ‬
‫البراري‪ ،‬حيث ال ماء وال شجر وال روض وال مطر‪ ،‬هل يصح حالي في التوكل أم ال؟‪ ،‬فقال‪ :‬إذا أفنيت عمرك في‬
‫عمران بطنك فأين الفناء في التوحيد؟‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يل َّما ُه ْم}‬‫المستعدون للقائه‪ ،‬األكثرون قدر األقلون عدداً كما قال تعالى‪ِ :‬‬ ‫قليل منهم} وهم‪ :‬المحبون‬
‫{وَقل ٌ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫{ما َف َعلوه إال ٌ‬
‫[ص‪ ،‬اآلية‪{ ،]24 :‬لكان خي اًر لهم} بحسب كمالهم الحاصل لهم عند رفع حجب صفات النفس باالتصاف بصفات‬
‫أشد تثبيتاً} باالستقامة في الدين عند البقاء بعد الفناء {وإذاً آلتَْيَناهم من ُلدنا أج اًر‬
‫الحق أو بالوصول إلى عين الجمع {و ّ‬
‫صراطاً ُمستقيماً} عند الخروج عن الديار‪ ،‬أي‪ :‬منازل النفس‬ ‫عظيماً} من تجليات الصفات عند قتل النفس {ولهديناهم ِ‬

‫والمقامات‪ ،‬وهو طريق الوحدة واالستقامة في التوحيد {ومن ُي ِطع هللا} بسلوك طرق التوحيد والجمع {والرسول} بمراعاة‬
‫النبيين والصديقين} الذين صدقوا بنسبة األفعال والصفات إلى‬
‫الذين أنعم هللا عليهم} بالهداية {من ّ‬
‫{فأولئك مع َ‬
‫َ‬ ‫التفصيل‬
‫هللا‪ ،‬باالنخالع عن صفاتهم واالتصاف بصفاته ولو ظهروا بصفات نفوسهم لكانوا كاذبين {والشهداء} اي‪ :‬أهل‬
‫الحضور {والصالحين} أي‪ :‬أهل االستقامة في الدين‪.‬‬

‫الفضل} أي‪ :‬التوفيق لتحصيل الكمال الذي ناسبوا به النبيين ومن معهم فرافقوهم‪{ .‬عليماً} يعلم ما في استعدادهم‬
‫{ذلك َ‬
‫من الكمال فيظهره عليهم {خذوا حذركم} أي‪ :‬ما تحذرون من إلقاء الشيطان ووساوسه وإهالكه إياكم باإلغواء‪ ،‬ومن‬
‫كل فرقة‬
‫{فانفروا ثبات} اسلكوا في سبيل هللا جماعات‪ّ ،‬‬
‫عدوكم ْ‬‫ظهور صفات نفوسكم واستيالئها عليكم‪ ،‬فإنها أعدى ّ‬
‫إن تصبهم حسنة‬‫النبي {و ْ‬ ‫على طريقة شيخ كامل عالم {أو ْانفروا جميعاً} في طريق التوحيد واإلسالم على متابعة‬
‫ّ‬
‫يقولوا هذه من عند هللا} إلى آخره‪ ،‬ثبت أنهم قدريون يضيفون الخيرات إلى هللا والشرور إلى الناس‪ ،‬يتشبهون بالمجوس‬
‫ومحرضهم‬
‫ّ‬ ‫في الثبات‪ ،‬مؤثرين مستقلين في الوجود‪ ،‬وإضافتهم الشرور إلى الرسول ال إلى أنفسهم كانت ألنه باعثهم‬
‫الشر عندهم‪ .‬فأمر الرسول صلى هللا عليه وسلم بدعوتهم إلى توحيد األفعال ونفي التأثير عن‬ ‫على ما يلقون بسببه ّ‬
‫يك ُادون َيْفقهون َحديثاً}‬ ‫األغيار واإلقرار بكونه فاعل الخير والشر بقوله‪{ :‬قل كل من عند هللا َف ِ‬
‫مال هؤالء الَقوم ال َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن هلل فضالً وعدالً‪،‬‬
‫الحتجابهم بصفات النفوس وارتجاج آذان قلوبهم التي هي أوعية السماع والوعي‪ .‬ثم ّبين ّ‬
‫فالخيرات وا لكماالت كلها من فضله‪ ،‬والشرور من عدله‪ ،‬أي‪ :‬يقدرها علينا ويفعلها بنا الستعداد واستحقاق فينا يقتضي‬
‫ذلك‪ .‬وذلك االستحقاق إنما يحدث من ظهور النفس بصفاتها وارتكابها المعاصي والذنوب الموجبة للعقاب ال بفعل‬
‫الشر إلى الرسول‪ ،‬ألن االستحقاق مرتب على االستعداد‪ ،‬وال يعرض ما يقتضيه‬ ‫آخر كما نسبوا ما أصابهم من ّ‬
‫طأهم في قدريتهم‬ ‫{والَ تَ ِزُر َو ِازَرةٌ ِوْزَر أ ْ‬
‫ُخ َر ٰى} [األنعام‪ ،‬اآلية‪ ،]164 :‬فك ّذبهم وخ ّ‬ ‫استعداد أحد لغيره‪ ،‬كما قال تعالى‪َ :‬‬
‫الشر ليس إال هلل وحده بمقتضى فضله وعدله‪ .‬وأما السبب القابلي فهو وإن كان‬
‫الفاعلي للخير و ّ‬ ‫أن‪ :‬السبب‬
‫بإثبات ّ‬
‫ّ‬
‫أيضاً منه في الحقيقة إال أن قابلية الخير هو من االستعداد األصلي الذي هو من الفيض األقدس الذي ال مدخل‬
‫الشر من االستعداد الحادث بسبب ظهور النفس بالصفات واألفعال الحاجبة للقلب‪،‬‬ ‫لفعلنا واختيارنا فيه‪ ،‬وقابلية ّ‬
‫المكدرة لجوهره‪ ،‬حتى احتاج إلى الصقل بالرزايا والمصائب والباليا والنوائب ال من ِقَبل الرسول أو غيره ‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة النساء (من اآلية ‪ 97‬الى اآلية ‪)99‬‬

‫َّللاِ َو ِاس َع ًة‬


‫ض َّ‬ ‫ض َقاْلوْا أََل ْم تَ ُك ْن أ َْر ُ‬‫ين ِفي األَْر ِ‬ ‫ُكنتُم َقاُلوْا ُكَّنا مستَ ِ‬
‫ض َعف َ‬
‫ُْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫يم‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ظالمي أ َْنُفسه ْم َقاُلوْا ف َ‬
‫ِإ َّن َّال ِذين تَوَّفاهم اْلم ِ‬
‫الئ َك ُة َ ِ ِ‬
‫َ َ ُُ َ‬
‫ِ‬ ‫ال َوا ِّلن َس ِآء َواْل ِوْل َد ِ‬
‫الرج ِ‬ ‫* ِإالَّ اْلمستَضعِف ِ‬ ‫اجروْا ِفيها َفأُوَلـِٰئك مأْواهم جهَّنم وسآء ْت م ِ‬ ‫ِ‬
‫يعو َن‬ ‫ان الَ َي ْستَط ُ‬ ‫ين م َن ِّ َ‬
‫ُْ ْ َ َ‬ ‫صي اًر‬ ‫َ ْ َ َ َ ُْ َ َ ُ َ َ َ َ‬ ‫َفتُ َه ُ‬
‫َّللاُ َعُفّواً َغُفو اًر‬
‫ان َّ‬ ‫ِحيَل ًة َوالَ َي ْهتَ ُدو َن َسِبيالً * َفأ ُْوَلـِٰئ َك َع َسى َّ‬
‫َّللاُ أَن َي ْعُف َو َع ْن ُه ْم َوَك َ‬

‫{إن الذين توفاهم المالئكة} إلى آخره‪ ،‬التوفي هو‪ :‬استيفاء الروح من البدن بقبضها عنه‪ ،‬وهو على ثالثة أوجه‪:‬‬
‫توفي المالئكة‪ ،‬وتوفي ملك الموت‪ ،‬وتوفي هللا‪ .‬أما توفي المالئكة فهو ألصحاب النفوس وهم إما سعداء أهل الخير‬
‫{ال ِذين تَتَوَّفاهم اْلم ِ‬
‫والصفات الحميدة واألخالق الحسنة من الصالحين المتّقين َّ‬
‫الم َعَل ْي ُك ُم ْاد ُخُلوْا‬ ‫طِّيِب َ‬
‫ين َيُقوُلو َن َس ٌ‬ ‫الئ َك ُة َ‬ ‫َ َ ُُ َ‬
‫الشر والصفات الرديئة‬ ‫اْل َجَّن َة ِب َما ُك ْنتُ ْم تَ ْع َمُلو َن} [النحل‪ ،‬اآلية‪ ]32 :‬فمعادهم إلى جنة األفعال‪ .‬وإما أشقياء أهل ّ‬
‫واألخالق السيئة فال يقبض أرواحهم إال القوى الملكوتية التي هي للعالم بمثابة قواهم التي هم في مقامها‪ ،‬محتجبون‬
‫اه ُم اْل َمالِئ َك ُة َ‬
‫ظالِ ِمي أ َْنُف ِس ِهم}‬ ‫َّ ِ‬
‫ين تَتََوَّف ُ‬
‫بصفات النفس ول ّذات القوى الخيالية والوهمية والسبعية والبهيمية من الكافرين‪{ :‬الذ َ‬
‫[النحل‪ ،‬اآلية‪ ]28 :‬فمعادهم إلى النار‪ .‬وأما توفي ملك الموت فهو ألرباب القلوب الذين برزوا عن حجاب النفس إلى‬
‫فتنوروا بنورها‪ ،‬فتْقبض أرواحهم النفس الناطقة الكلية التي هي قلب العالم باتصالهم‬
‫مقام القلب‪ ،‬ورجعوا إلى الفطرة‪ّ ،‬‬
‫بها‪ ،‬هذا إذا قبض أرواحهم ملك الموت بنفسه‪ ،‬أما إذا قبض بأعوانه وقواهم فهم الفريق األول‪ .‬وقد يقبض بنفسه‬
‫ويذرهم في ملكوت العذاب حتى يحاسبوا ويعاقبوا بحسب رذائلهم ويتخلصوا‪ ،‬وذلك للكمال العلمي والنقصان العلمي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كما خلص من الجهل والشرك وتحّلى بالعلم والتوحيد‪ ،‬ولكن تراكمت على قلبه الهيئات المظلمة والملكات الرديئة‬
‫بسبب األعمال السيئة واألخالق الذميمة‪ .‬وللعلم بالتوحيد والجهل بالمعاد كالموحد المنكر للجزاء‪ ،‬فينهمك في‬
‫اكم َّمَل ُك اْل َم ْو ِت َّال ِذي ُوِّك َل ِب ُكم} [السجدة‪ ،‬اآلية‪ .]11 :‬وأما توفي هللا تعالى‪ ،‬فهو‬
‫المعاصي كما قال تعالى‪ُ{ :‬ق ْل َيتََوَّف ُ‬
‫للموحدين الذين عرجوا عن مقام القلب إلى محل الشهود فلم يبق بينهم وبين رّبهم حجاب‪ ،‬فهو يتولى قبض أرواحهم‬
‫{َّللاُ َيتََوَّفى‬ ‫ين ِإَلى َّ‬ ‫ِ‬
‫الر ْح َمـ ِٰن َوْفداً} [مريم‪ ،‬اآلية‪ ،]85 :‬كما قال تعالى‪َّ :‬‬ ‫{ي ْوَم َن ْح ُش ُر اْل ُمتَّق َ‬
‫بنفسه ويحشرهم إلى نفسه َ‬
‫موِت َـها} [الزمر‪. ]42 :‬‬ ‫األ ُ ِ‬
‫ين ْ‬
‫َنف َس ح َ‬

‫يم ُك ْنتم} حيث قصرتم في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫{ظالمي ْأنفسهم} بمنعها عن حقوقها التي اقتضتها استعداداتهم من الكماالت المودعة فيها {ف َ‬
‫ض َعِفين} في‬
‫وفرطتم في جنب هللا‪ ،‬وقصرتم عن بلوغ كمالكم الذي هيئ لكم وندبتم إليه {قالوا كنا ُم ْستَ ْ‬
‫السعي لما قدرتم ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫األمارة وغلبة سلطان الهوى بشيطان الوهم‪ ،‬أسرونا في قيودهم‪،‬‬
‫أرض االستعداد الذي جبلنا عليه باستيالء قوى النفس ّ‬
‫وجبرونا على دينهم‪ ،‬وأكرهونا على كفرهم‪{ .‬قالوا ألم تكن أرض هللا واسعة} ألم تكن سعة استعدادكم بحيث تهاجروا‬
‫فيها من مبدأ فطرتكم خطوات يسيرة‪ ،‬بحيث إذا ارتفعت عنكم بعض الحجب انطلقتم عن أسر القوى وتخلصتم عن‬
‫وتقويتم بإمداد أعوانكم القوى الروحانية‪ ،‬ونصرتم بأنوار القلب‪ ،‬فخرجتم عن القرية‪ ،‬الظالم أهلها‪ ،‬التي هي‬‫قيود الهوى‪ّ ،‬‬
‫اهم جهنم} نفوسهم الشديدة التوقان مع‬ ‫ِ‬
‫مدينة النفس إلى بلد القلب الطيبة‪ ،‬فتداركتكم رحمة ربكم الغفور {فأولئ َك م َأو ُ‬
‫الم ْستضعفين من الر َجال} أي‪ :‬أقوياء االستعداد الذين قويت قواهم الشهوية‬ ‫ِ‬
‫حصول الحرمان {وساءت مصي اًر إال ُ‬
‫والغضبية مع ّقوة استعدادهم فلم يقدروا على قمعها في سلوك طريق الحق ولم يذهبوا لقواهم الوهمية والخيالية‪ ،‬فيبطلوا‬
‫تنور استعدادهم بنور العلم وعجزهم عن السلوك برفع‬
‫استعداداتهم بالعقائد الفاسدة فبقوا في أسر قواهم البدنية مع ّ‬
‫القيود {والنساء} أي‪ :‬القاصرين االستعداد عن درك الكمال العلمي‪ ،‬وسلوك طريق التحقيق‪ ،‬الضعفاء القوى واألحالم‪،‬‬
‫الذين قال في حقهم‪" :‬أكثر أهل الجنة البله"‪{ .‬و ِ‬
‫الوْلدان} أي‪ :‬الناقصين القاصرين عن بلوغ درجة الكمال لغيرة تلحقهم‬
‫من قبل صفات النفس {ال يستطيعون حيلة} لعدم قدرتهم وعجزهم عن كسر صفات النفس وقمع الهوى بالرياضة {وال‬
‫ِ‬
‫َي ْهتَدون سبيالً} لعدم علمهم بكيفية السلوك وحرمانهم عن نور الهداية الشرعية {فأولئ َك عسى هللا ْ‬
‫أن َي ْعفو َعنهم} بمحو‬
‫عفواً} العفو عن الذنوب ما دامت الفطرة لم تتغير‬ ‫تلك الهيئات المظلمة لعدم رسوخها وسالمة عقائدهم {وكان هللا ّ‬
‫{غُفو اًر} يستر بنور صفاته صفات نفوسهم‪.‬‬
‫َ‬

‫سورة النساء (من اآلية ‪ 100‬الى اآلية ‪)100‬‬

‫َّللاِ َوَرُسوِل ِه ثُ َّم ُي ْد ِرْك ُه‬ ‫ض م ٰرَغماً َكِثي اًر وسع ًة ومن ي ْخرْج ِمن ب ْيِت ِه مه ِ‬
‫اج اًر ِإَلى َّ‬ ‫َ َُ‬ ‫َََ ََ َ ُ‬
‫يل َّ ِ ِ ِ‬
‫َّللا َيج ْد في األ َْر ِ ُ َ‬
‫ومن يها ِجر ِفي سِب ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َُ ْ‬
‫ِ‬
‫َّللاُ َغُفو اًر َّرحيم ًا‬
‫ان َّ‬ ‫ِ‬
‫َّللا َوَك َ‬
‫َج ُرهُ َعلى َّ‬
‫َ‬ ‫اْل َم ْو ُت َفَق ْد َوَق َع أ ْ‬

‫{يجد} في أرض استعداده مهاجر ومساكن‬ ‫مقار النفس المألوفة في سبيل طريق الحق بالعزيمة َ‬ ‫{ومن ُي َها ِجر} أي ّ‬
‫{وسعة} وانشراحاً في الصدر عند‬
‫َ‬ ‫ومنازل كثيرة فيها رغم أنوف قوى نفسه الوهمية والخيالية والبهيمية والسبعية وإذاللها‬

‫الخالص من ضيق صفات النفس وأسر الهوى {ومن َي ْخرج} من المقام الذي هو فيه سواء كان ّ‬
‫مقر استعداده الذي‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫جبل عليه أو منزالً من منازل النفس أو مقاماً من مقامات القلب {مهاج اًر إلى هللا} بالتوجه إلى توحيد الذات {ورسوله}‬
‫بالتوجه إلى طلب االستقامة في توحيد الصفات {ثم يدركه} االنقطاع قبل الوصول {فقد وقع أجره على هللا} بحسب ما‬
‫توجه إليه‪ ،‬فإ ن المتوجه إلى السلوك له أجر المنزل الذي وصل إليه‪ ،‬أي‪ :‬المرتبة من الكمال الذي حصل له إن كان‪،‬‬
‫فإن ذلك الكمال وإن لم يحصل له بحسب الملك والقدم لكنه اشتاق إليه‬ ‫وأجر المقام الذي وقع نظره عليه وقصده‪ّ .‬‬
‫بحسب القصد والنظر‪ ،‬فعسى أن يؤيده التوفيق بعد ارتفاع الحجب بالوصول إليه {وكان هللا غفو اًر} يغفر له ما يمنعه‬
‫عن قصده من الموانع ِ‬
‫{رحيماً} يرحمه‪ ،‬بأن يهب له الكمال الذي توجه إليه ووقع نظره عليه ‪.‬‬

‫سورة النساء (من اآلية ‪ 101‬الى اآلية ‪)104‬‬

‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض فَليس عَليكم جناح أَن تقصروْا ِمن َّ ٰ‬ ‫ِ‬
‫ين َك ُانوْا‬ ‫ين َكَف ُروْا ِإ َّن اْل َكاف ِر َ‬ ‫الصَلوِة ِإ ْن خْفتُ ْم أَن َيْفتَن ُك ُم الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ ُ‬ ‫ض َرْبتُ ْم في األ َْر ِ َ ْ َ َ ْ ُ ْ ُ َ ٌ‬ ‫َوإِ َذا َ‬
‫ونوْا ِمن‬ ‫الص َٰلوة َفْلتَُقم َ ِ ِ‬ ‫َل ُكم َع ُدواً ُّمِبيناً * وإِ َذا ُك َ ِ ِ‬
‫ْخ ُذوْا أَ ْسلِ َحتَ ُه ْم َفِإ َذا َس َج ُدوْا َفْلَي ُك ُ‬
‫طآئَف ٌة ّم ْن ُه ْم َّم َع َك َوْلَيأ ُ‬ ‫نت فيه ْم َفأََق ْم َت َل ُه ُم َّ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ّ‬
‫َسلِ َحِت ُك ْم‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُخر ٰى َلم يصُّلوْا َفْليصُّلوْا معك وْليأ ُ ِ‬ ‫ْت َ ِ‬‫ورِآئ ُكم وْلتَأ ِ‬
‫ين َكَف ُروْا َل ْو تَ ْغُفلُو َن َع ْن أ ْ‬ ‫ْخ ُذوْا ح ْذ َرُه ْم َوأ َْسل َحتَ ُه ْم َوَّد الذ َ‬ ‫ُ َ ََ َ َ َ‬ ‫طآئَف ٌة أ ْ َ ْ ُ َ‬ ‫ََ ْ َ‬
‫َسلِ َحتَ ُك ْم‬ ‫ان ِب ُك ْم أَ ًذى ِّمن َّم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ض ُعوْا أ ْ‬ ‫ضى أَن تَ َ‬ ‫ط ٍر أ َْو ُكنتُ ْم َّم ْر َ‬ ‫اح َعَل ْي ُك ْم ِإن َك َ‬
‫َوأ َْمت َعت ُك ْم َفَيميُلو َن َعَل ْي ُك ْم َّمْيَل ًة َواح َد ًة َوالَ ُجَن َ‬
‫َّللا أَعَّد لِْلك ِاف ِرين ع َذاباً ُّم ِهيناً * فِإ َذا قضيتم َّ ٰ‬
‫َّللاَ ِقَياماً َوُق ُعوداً َو َعَل ٰى ُجُنوب ُ‬
‫ِك ْم َفِإ َذا‬ ‫وة َفا ْذ ُك ُروْا َّ‬
‫الصَل َ‬ ‫َ َ َ ْ ُُ‬ ‫َو ُخ ُذوْا ح ْذ َرُك ْم ِإ َّن َّ َ َ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫الص َٰلوة َكان ْت عَلى اْلمؤ ِمِن ِ ٰ‬ ‫طمأْننتم فأ َِقيموْا َّ ٰ‬
‫ونوْا تَ ْأَل ُمو َن‬ ‫ين كتَباً َّم ْوُقوتاً * َوالَ تَ ِهُنوْا في ْابت َغآء اْلَق ْو ِم ِإن تَ ُك ُ‬ ‫ُْ َ‬ ‫الصَلوةَ ِإ َّن َّ َ َ َ‬ ‫ا ْ َ َ ُْ َ ُ‬
‫َّللاُ َعلِيماً َح ِكيماً‬ ‫َفِإَّنهم ي ْأَلمون كما ت ْأَلمون وترجون ِمن َّ ِ‬
‫ان َّ‬ ‫َّللا َما الَ َي ْر ُجو َن َوَك َ‬ ‫ُ ْ َ ُ َ َ َ َ َ َ َْ ُ َ َ‬

‫وإذا سافرتم في أرض االستعداد بالطريق العلمي لطلب اليقين {فليس عليكم ُجناح أن تقصروا} أي‪ :‬تنقصوا من‬
‫ّ‬
‫األعمال البدنية وأداء حقوق العبودية من الشكر والحضور‪ ،‬لقوله عليه الصالة والسالم‪" :‬من أوتي حظه من اليقين‬
‫فال يبالي بما انتقص من صالته وصومه‬

‫‪".‬‬

‫{الذين َكَفروا} أي‪ :‬حجبوا من قوى الوهم والتخيل وشياطين اإلنس الضالين‬
‫َ‬ ‫تنك ْم} أي‪ :‬يغويكم ويضلكم‬
‫{إن خفتم أن َيْف ُ‬
‫أشد على الشيطان من ألف عابد‬‫المضلين لما علم من قوله صلى هللا عليه وسلم‪َ" :‬لَفقيه واحد ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫‪".‬‬

‫سورة النساء (من اآلية ‪ 105‬الى اآلية ‪)108‬‬

‫استَ ْغِف ِر َّ‬


‫َّللاَ ِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫اب ِباْل َح ِّق لِتَ ْح ُكم َب ْي َن َّ‬ ‫ِ‬
‫ان‬
‫َّللاَ َك َ‬ ‫ين َخصيماً * َو ْ‬ ‫َّللاُ َوالَ تَ ُك ْن ّلْل َخآئن َ‬ ‫اس ِب َمآ أ ََر َ‬
‫اك َّ‬ ‫الن ِ‬
‫َ‬ ‫ِإَّنآ أ َْن َ ْزلَنا ِإَل ْي َك اْلكتَ َ‬
‫الن ِ‬‫ان َخَّواناً أَِثيماً * َي ْستَ ْخُفو َن ِم َن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ين َي ْختَ ُانو َن أ َْنُف َس ُه ْم ِإ َّن َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس َوالَ‬ ‫َّللاَ الَ ُيح ُّب َمن َك َ‬ ‫َغُفو اًر َّرحيماً * َوالَ تُ َجاد ْل َع ِن الذ َ‬
‫َّللاُ ِب َما َي ْع َمُلو َن ُم ِحيط ًا‬ ‫ِ‬ ‫يستخُفون ِمن َّ ِ‬
‫ض ٰى م َن اْلَق ْو ِل َوَك َ‬
‫ان َّ‬ ‫َّللا َو ُه َو َم َع ُه ْم ِإ ْذ ُيَبِّيتُو َن َما الَ َي ْر َ‬ ‫ََْْ َ َ‬

‫{إنا أنزلنا عليك الكتاب} أي‪ :‬علم تفاصيل الصفات وأحكام تجلياتها بالحق ملتبساً بالعدل والصدق أو قائماً بالحق ال‬
‫ّ‬
‫يؤدون أمانة هللا التي أودعها‬
‫بنفسك لتكون حاكماً بين الخلق {بما أراك هللا} من عدله {وال تكن للخائنين} الذين ال ّ‬
‫عندهم في األزل بما ركز في استعدادهم من إمكان كمال معرفته وخانوا أنفسهم وغيرهم بنهب حقوقهم وصرفها في‬
‫غير وجهها {خصيماً} يدفع عنهم العذاب وتسليط هللا الخلق عليهم باإليذاء ويحتج عنهم على غيرهم أو على هللا‬
‫باالعتراض بأنه لم خذلهم وقهرهم فإنهم الظالمون ال حجة لهم بل الحجة عليهم {واستغفر هللا} لنفسك بترك االعتراض‬
‫واالحتجاج عنهم لنغفر تلوينك الذي ظهر عليك بوجود قلبك وبصفاته {وال تجادل} ظهر تأويله من هذا {يستخفون من‬
‫الناس} بكتمان رذائلهم وصفات نفوسهم التي هي معايبهم عنهم {وال يستخفون من هللا} بإزالتها وقلعها وهو شاهدهم‬
‫يقدرون في عالم ظلمة النفس والطبيعة {ما ال يرضى من القول} من الوهميات‬‫يعلم بواطنهم {إذ يبيتون} أي‪ّ :‬‬
‫والتخيالت الفاسدة التي يلفقونها في تحصيل أغراضهم من حطام الدنيا ولذاتها {وكان هللا بما يعملون محيطاً} يجازيهم‬
‫بحسب صفاتهم وأعمالهم ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة النساء (من اآلية ‪ 109‬الى اآلية ‪)112‬‬

‫َّللاَ َع ْن ُه ْم َي ْوَم اْلِق َٰي َم ِة أ َْم َّمن َي ُكو ُن َعَل ْي ِه ْم َو ِكيالً * َو َمن َي ْع َم ْل‬
‫الد ْنَيا َف َمن ُي َٰج ِد ُل َّ‬
‫الء َٰج َدْلتُ ْم َع ْن ُه ْم ِفي اْل َح َٰيوِة ُّ‬ ‫ٰهأ َْنتُم هـٰؤ ِ‬
‫َ ْ َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاَ َي ِجد َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ َعليماً‬‫ان َّ‬‫َّللاَ َغُفو اًر َّرحيماً * َو َمن َي ْكس ْب ِإ ْثماً َفِإَّن َما َي ْكسُب ُه َعَل ٰى َنْفسه َوَك َ‬ ‫ظل ْم َنْف َس ُه ثُ َّم َي ْستَ ْغف ِر َّ‬‫ُسوءاً أ َْو َي ْ‬
‫احتَ َم َل ُب ْهتَاناً َوِإ ْثماً ُّمِبين ًا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َحكيماً * َو َمن َي ْكس ْب َخط َيئ ًة أ َْو ِإ ْثماً ثُ َّم َي ْرِم ِبه َب ِريئاً َفَقد ْ‬

‫مر {ومن يعمل سوءاً} بظهور صفة من صفات نفسه {أو يظلم نفسه} بنقص شيء من‬ ‫{ها أنتم هؤالء} ظاهر مما ّ‬
‫كماالته التي هي مقتضى استعداده بتقصير فيه وارتكاب عمل ينافيه ثم يطلب من هللا ستر تلك الصفة والهيئة الساترة‬
‫لكماله بالتوجه إليه والتنصل عن الذنب {يجد هللا غفو اًر} يستر ذلك السوء والهيئة المظلمة بنور صفته {رحيماً} يهب ما‬
‫يقتضيه استعداده‪{ .‬ومن يكسب خطيئة} بظهور نفسه {أو إثماً} يمحو ما في استعداده وكسب هيئة منافية لكماله {ثم‬
‫يرم به بريئاً} بأن قال‪ :‬حملني على ذلك فالن‪ ،‬ومنعني عن طلب الحق فالن‪ ،‬وهذا جريمة فالن‪ ،‬كما هو عادة‬
‫يضاد كماله ومناسبة لمن‬ ‫ّ‬ ‫احتمل بهتاناً} بنسبة فعله إلى الغير إذ لو لم يكن في نفسه ميل لما‬ ‫المتعللين باألعذار {فقد ْ‬
‫وافقه وأطاعه لما قبل ذلك منه‪ ،‬فما كان إال من قبل نفسه كما قال لهم الشيطان‪ِ{ :‬إ َّن َّ‬
‫َّللاَ َو َع َد ُك ْم َو ْع َد اْل َح ِّق َوَو َعدتُّ ُك ْم‬
‫َنف َس ُك ْم} [إبراهيم‪ ،‬اآلية‪]22 :‬‬
‫وموْا أ ُ‬ ‫ان ِإالَّ أَن َد َعوتُ ُكم َفاستَ َج ْبتُم ِلي َفالَ َتُل ِ‬
‫طٍ‬ ‫ان لِ َي َعَل ْي ُك ْم ِّمن ُسْل َ‬
‫وموني َوُل ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫َخَلْفتُ ُك ْم َو َما َك َ‬
‫َفأ ْ‬
‫إذ لو لم يكن في نفوسهم ظلمة بكسبها وظهور صفاتهم لم يكن فيهم محل لوسوسته وقابلية لدعوته {وإثماً مبيناً}‬
‫ظاه اًر متضاعفاً لتركبه من هيئة الخطيئة واالمتناع من االعتراف‪ ،‬ونسبة التقصير إلى أنفسهم لتنكسر فتضعف عن‬
‫االستيالء على القلب وحجبه عن الكمال‪.‬‬

‫سورة النساء (من اآلية ‪ 113‬الى اآلية ‪)116‬‬

‫َّ ِ ِ‬ ‫وَلوالَ َفضل َّ ِ‬


‫َّللاُ‬
‫َنزَل َّ‬ ‫ون َك ِمن َش ْي ٍء َوأ َ‬ ‫ضُّر َ‬
‫َّ‬ ‫ِ ُّ‬
‫وك َو َما ُيضلو َن ِإال أ َْنُف َس ُه ْم َو َما َي ُ‬
‫ِ ُّ‬
‫َّللا َعَل ْي َك َوَر ْح َمتُ ُه َل َه َّم ْت طآئَف ٌة ّم ْن ُه ْم أَن ُيضل َ‬ ‫َْ ْ ُ‬
‫اه ْم ِإالَّ َم ْن‬ ‫َّللاِ عَليك ع ِظيماً * الَّ خير ِفي َكِث ٍ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ير ّمن َّن ْج َو ُ‬ ‫َ َْ‬ ‫ض ُل َّ َ ْ َ َ‬ ‫ان َف ْ‬
‫اب َواْلح ْك َم َة َو َعل َم َك َما َل ْم تَ ُك ْن تَ ْعَل ُم َوَك َ‬
‫َعَل ْي َك اْلكتَ َ‬
‫َج اًر َع ِظيماً * َو َمن‬ ‫ِ‬ ‫ات َّ ِ‬ ‫اس ومن يْفعل ٰذلِك ابِت َغآء مرض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أ ِ‬
‫ف ُن ْؤِتيه أ ْ‬
‫َّللا َف َس ْو َ‬ ‫الن ِ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ‬ ‫صالَ ٍح َب ْي َن َّ‬ ‫ص َد َقة أ َْو َم ْع ُروف أ َْو إ ْ‬ ‫َم َر ب َ‬ ‫َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يل اْلمؤ ِمِنين نوّلِ ِه ما تَوَّلى ونصلِ ِه جهَّنم وسآء ْت م ِ‬
‫صي اًر * ِإ َّن‬ ‫َّن َل ُه اْله َد ٰى ويتَِّبع َغير سِب ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرس ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ ْ َ َُ َ َ ٰ َ ُ ْ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ُ َ َ ْ َْ َ‬ ‫ُي َشاق ِق َّ ُ َ‬
‫ول من َب ْعد َما تََبي َ‬
‫ضالَالً َب ِعيداً‬ ‫َّللا الَ يغِفر أَن ي ْشرك ِب ِه ويغِفر ما دون ٰذلِك لِمن يشآء ومن ي ْش ِرك ِب َّ ِ‬
‫ض َّل َ‬
‫اَّلل َفَق ْد َ‬ ‫ُ َ َ ََْ ُ َ ُ َ َ َ ََ ُ َ َ ُ ْ‬ ‫َّ َ َ ْ ُ‬

‫{ولوال فضل هللا عليك} أي‪ :‬توفيقه وإمداده لسلوك طريقه بما يخرج كمالك إلى الفعل ويبرز ما فيك كامناً من العلم‬
‫{ورحمته} هبته لذلك الكمال المطلق الذي أودعه فيك في األزل وهي الرحمة التي ليس وراءها رحمة {وما يضلون إال‬
‫أنفسهم} لكون الضالل ناشئاً من أصل استعدادهم لكونهم مجبولين على الشقاوة أزالً فكيف يرجع ذلك الضالل‬
‫المعجون فيهم إلى غيرهم‪.‬‬

‫{وأنزل هللا عليك الكتاب} أي‪ :‬العلم التفصيلي التام بعد الوجود الموهوب {و ِ‬
‫الح ْك َمة} وعلم أحكام التفاصيل وتجليات‬ ‫ّ‬
‫الصفات مع العمل به {وعّلمك ما لم تَ ُكن تَ ْعلم} ألنه علم هللا ال يعلمه إال هو‪ ،‬فلما كشف لك عن ذاته بفنائك فيه ثم‬
‫أبقاك بالوجود الحقاني فصار قلبك وحجبك بحجاب ذلك القلب علمك علمه‪ ،‬إذ الصفة تابعة للذات {وكان فضل هللا}‬
‫ّ‬
‫خير في ٍ‬
‫كثير من نجواهم}‬ ‫في إظهار هذا الكمال عليك بالتوفيق للعمل الذي أوصلك إلى ما أوصلك {عظيماً} {ال َ‬
‫فإنها فضول‪ ،‬والفضول يجب تركها على السالك كما قال عليه الصالة السالم‪" :‬من ُح ْس ِن إسالم المرء تركه ما ال‬
‫يعنيه‬

‫‪".‬‬

‫{إال من أمر} أي‪ :‬إال نجوى من أمر {بصدقة} أي‪ :‬بفضيلة السخاء التي هي من باب العفة {أو معروف} قولي‬
‫ّ‬
‫كتعليم علم وحكمة من باب فضيلة الحكمة‪ ،‬أو فعلي كإغاثة ملهوف وإعانة مظلوم من باب الشجاعة {أو إصالح بين‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫مرضات هللا} ال لطلب المحمدة أو‬ ‫ِ‬
‫{ابتغاء َ‬
‫الناس} من باب العدالة {ومن يفعل ذلك} أي‪ :‬يجمع بين الكماالت المذكورة ْ‬
‫أج اًر َع ِظيماً} من جنات الصفات‪.‬‬
‫الرياء والسمعة‪ ،‬فتصير به الفضيلة رذيلة {فسوف ُنؤتيه ْ‬

‫سورة النساء (من اآلية ‪ 117‬الى اآلية ‪)133‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫صيباً َّمْف ُروضاً *‬ ‫َّللا وَقال ألَتَّ ِخ َذ َّن ِمن ِعب ِادك ن ِ‬
‫ْ َ َ َ‬ ‫َّ‬
‫طناً َّم ِريداً * ل َعَن ُه َّ ُ َ َ‬ ‫ِإن َي ْد ُعو َن ِمن ُدوِن ِه ِإالَّ ِإ َٰنثاً َوإِن َي ْد ُعو َن ِإالَّ َش ْي َٰ‬
‫َّللاِ َفَق ْد‬ ‫الش ْي َٰ‬
‫ط َن َولِّياً ِّمن ُدو ِن َّ‬ ‫َّللاِ ومن َيتَّ ِخ ِذ َّ‬ ‫ِ َّن‬ ‫ٰ‬
‫ان األ َْن َع ِم َوأل َُم َرَّن ُه ْم َفَلُي َغّي ُر َخْل َق َّ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫َوألُضلَّن ُه ْم َوأل َُمّنَيَّن ُه ْم َوأل َُم َرَّن ُه ْم َفَلُيَب ّت ُك َّن َءا َذ َ‬
‫اه ْم َج َهَّن ُم َوالَ َي ِج ُدو َن َع ْن َها َم ِحيصاً‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َخ ِس َر ُخس َراناً ُّمِبيناً * َي ِع ُد ُهم وُيمِّني ِهم وما َي ِع ُد ُهم َّ‬
‫ان ِإال ُغ ُرو اًر * أ ُْوَلـٰئ َك َمأَْو ُ‬
‫طُ‬ ‫الش ْي َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ َ ْ ََ‬ ‫ْ‬
‫ات تجرِي ِمن تحِتها األَنهار خالِ ِدين ِفيهآ أَبداً وعد َّ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫* و َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ‬
‫َص َد ُق‬ ‫َّللا َحّقاً َو َم ْن أ ْ‬ ‫َ ْ َ َْ ُ َ َ َ َ َ َْ‬ ‫الصال َحات َسُن ْدخُل ُه ْم َجَّن َ ْ‬ ‫َ َ َُ َ َ‬
‫َّللاِ ولِياً والَ ن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ ِقيالً * َّل ْيس ِبأَمـِٰنِّي ُكم وال أَم ِان ِي أ ْ ِ ِ ِ‬ ‫ِم َن َّ‬
‫صي اًر *‬ ‫وءا ُي ْج َز ِبه َوالَ َي ِج ْد َل ُه من ُدو ِن َّ َ ّ َ َ‬ ‫َهل اْلكتَاب َمن َي ْع َم ْل ُس ً‬ ‫َ َ ْ َ َ ّ‬
‫َح َس ُن ِديناً ِم َّم ْن‬ ‫ِ‬ ‫الصلِ َٰح ِت ِمن َذ َك ٍر أ َْو أ ُْنثَ ٰى َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن َفأ ُْوَلـِٰئ َك َي ْد ُخُلو َن اْل َجَّن َة َوالَ ُي ْ‬
‫ظَل ُمو َن َنقي اًر * َو َم ْن أ ْ‬ ‫َو َمن َي ْع َم ْل ِم َن َّٰ‬
‫ان‬ ‫الس ٰم ٰو ِت وما ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اه ِ‬ ‫أَسَلم وجهه هلل وهو مح ِسن واتَّبع ِمَّل َة ِإب ٰرِهيم حِنيفاً واتَّخ َذ َّ ِ ِ‬
‫ض َوَك َ‬ ‫يم َخليالً * َوََّّلل َما في َّ َ َ َ َ‬ ‫َّللاُ إ ْب َر َ‬ ‫َْ َ َ َ َ‬ ‫ْ َ َ ْ َ ُ َ َُ ُ ْ ٌ َ َ‬
‫ِ ِ َِّٰ‬ ‫النس ِآء ُق ِل َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الن َسآء التي الَ‬ ‫يه َّن َو َما ُي ْتَل ٰى َعَل ْي ُك ْم ِفي اْل ِك ٰتَ ِب ِفي َي ٰتَ َمى ّ‬ ‫يكم ِف ِ‬
‫َّللاُ ُيْفت ُ ْ‬ ‫ون َك في ّ َ‬
‫ٍ‬
‫َّللاُ ِب ُك ِّل َش ْيء ُّم ِحيطاً * َوَي ْستَْفتُ َ‬
‫َّ‬
‫وموْا لِْلَي ٰتَ َم ٰى ِباْلِق ْس ِط َو َما تَْف َعُلوْا ِم ْن َخ ْي ٍر‬ ‫ضعِف َ ِ ِ ٰ‬
‫ين م َن اْلوْل َد ِن َوأَن تَُق ُ‬ ‫وه َّن َواْل ُم ْستَ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون ُه َّن َما ُكت َب َل ُه َّن َوتَ ْرَغُبو َن أَن تَنك ُح ُ‬
‫تُ ْؤتُ َ‬
‫َّللا َكان ِب ِه عِليماً * وإِ ِن ام أرَةٌ َخا َف ْت ِمن بعِلها ُن ُشو اًز أَو ِإعراضاً َفالَ جَن ْاح عَلي ِهمآ أَن ي ِ‬
‫صْلحاً‬ ‫صل َحا َب ْيَن ُه َما ُ‬‫ُْ‬ ‫ُ َ َْ َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َفِإ َّن َّ َ َ‬
‫يعوْا أَن تَ ْع ِدُلوْا‬ ‫ِ‬
‫ان ِب َما تَ ْع َمُلو َن َخِبي اًر * َوَلن تَ ْستَط ُ‬ ‫الش َّح َوإِن تُ ْح ِسُنوْا َوتَتَُّقوْا َفِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َك َ‬ ‫األنُف ُس ُّ‬ ‫ض َر ِت ْ‬ ‫الصْلح خير وأُح ِ‬
‫َو ُّ ُ َ ْ ٌ َ ْ‬
‫ان َغُفو اًر َّرِحيماً * َوإِن‬ ‫صلِ ُحوْا َوتَتَُّقوْا َفِإ َّن َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫بين ِّ ِ‬
‫َّللاَ َك َ‬ ‫صتُ ْم َفالَ تَميُلوْا ُك َّل اْل َمْي ِل َفتَ َذ ُر َ‬
‫وها َكاْل ُم َعلَقة َوإِن تُ ْ‬ ‫الن َسآء َوَل ْو َح َر ْ‬ ‫َْ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت وما ِفي األَْر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا ُكالًّ ِمن سعِت ِه وَكان َّ ِ‬
‫ين أُوتُوْا‬
‫ص ْيَنا الذ َ‬
‫ض َوَلَق ْد َو َّ‬ ‫َّللاُ َواسعاً َحكيماً * َوََّّلل َما في َّ َ َ َ َ‬ ‫ّ ََ َ َ‬ ‫َيتََفَّرَقا ُي ْغ ِن َّ ُ‬
‫َّللا غِنياً ح ِميداً * وََّّللِ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت وما ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ان َّ ُ َ ّ َ‬ ‫ض َوَك َ‬ ‫َّللاَ َوإِن تَ ْكُف ُروْا َفإ َّن ََّّلل َما في َّ َ َ َ َ‬ ‫َن اتَُّقوْا َّ‬ ‫اب ِمن َقْبلِ ُك ْم َوإِي ُ‬
‫َّاك ْم أ ِ‬ ‫ِ‬
‫اْلكتَ َ‬
‫َّللاُ َعَل ٰى ٰذِل َك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض وَكَفى ِب َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ما ِفي َّ ِ‬
‫ان َّ‬ ‫اس َوَيأْت ِبآ َخ ِر َ‬
‫ين َوَك َ‬ ‫ُّها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َو ِكيالً * إن َي َش ْأ ُي ْذه ْب ُك ْم أَي َ‬ ‫الس َٰم َٰوت َو َما في األ َْر ِ َ ٰ‬ ‫َ‬
‫َق ِدي اًر‬

‫{إن يدعون من دونه إال إناثاً} أي‪ :‬نفوساً‪ ،‬إذ كل من يشرك باهلل فهو عابد لنفسه بطاعة هواها‪ ،‬وعابد لشيطان الوهم‬
‫ْ‬
‫بقبول إغوائه وطاعته‪ ،‬أو كل ما يعبد من دون هللا ألنه ممكن وكل ممكن فهو متأثر عن الغير قابل لتأثيره محتاج‬
‫نهم} بالعادات‬
‫إليه وهي صفة اإلناث {نصيباً مفروضاً} أي‪ :‬غير المخلصين الذين أخلصوا دينهم بالتوحيد {وآلمر ُ‬
‫الفاسدة واألهواء المردية واألفعال الشنيعة المخالفة للعقل والشرع {والذين آمنوا} اإليمان الحقيقي التوحيد‪ ،‬ألنهم في‬
‫ّ‬
‫مقابلة المشركين {وعملوا} ما يصلح لهم في الوصول إلى الجمع أو يصلح للناس أجمعين باالستقامة في هللا وباهلل بعد‬
‫الفناء وحصول البقاء {سندخلهم} الجنات الثالثة المذكورة {ليس} حصول الموعود {بأمانيكم وال أماني أهل الكتاب}‬
‫ّ‬
‫مجرد ٍ‬
‫تمن والتمني طلب ما يمتنع وجوده في العادة ‪.‬‬ ‫أي‪ :‬ما بقيتم مع نفوسكم وصفاتها وأفعالها‪ ،‬فإرادتكم ّ‬

‫{ومن أحسن ديناً} أي طريقاً {ممن أسلم وجهه} أي‪ :‬وجوده {هلل} وأخلص ذاته من شوب اآلنية واإلثنينية بالفناء‬
‫المحض {وهو محسن} مشاهد للجمع في عين التفصيل‪ ،‬م ار ٍع لحقوق تجليات الصفات وأحكامها‪ ،‬سالك طريق‬
‫كل شرك في ذاته وصفاته وأفعاله‪،‬‬ ‫اإلحسان باالستقامة في األعمال {واتبع ِمّلة إبراهيم} في التوحيد ِ‬
‫{حنيفاً} مائالً عن ّ‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫ؤدي إلى إثبات فعل لغيره أو صفة أو ذات‪ ،‬إذ دينه دين الحق‪ ،‬أعني‪ :‬سيره حينئذ‬ ‫كل دين باطل‪ ،‬أي‪ :‬طريق ي ّ‬‫وعن ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سير إلى هللا ال سير في هللا بسلوك طريق الصفات‪ ،‬وال إلى هللا بقطع صفات النفس ومناهل صفات القلب‪ ،‬فال دين‬
‫أحسن من دينه‪.‬‬

‫يسد خلله ويقوم بدل‬


‫{واتّخ َذ هللا إبراهيم خليالً} يخاله‪ ،‬أي‪ :‬يداخله في خالل ذاته وصفاته بحيث ال يذر منها بقية‪ ،‬أو ّ‬
‫ما يفنى منه عند تكميله وفقره إليه‪ .‬فالخليل وإن كان أعلى مرتبة من الصفي‪ ،‬لكنه أدون من الحبيب‪ ،‬ألن الخليل‬
‫يتصور فيه ذلك‪ .‬ولهذا ألقي في نار العشق دونه ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫محب يوشك أن يتوهم فيه بقية غيرية‪ ،‬والحبيب محبوب ال‬
‫ّ‬

‫سورة النساء (من اآلية ‪ 134‬الى اآلية ‪)143‬‬

‫ِٰ‬ ‫صي اًر * ٰيأَي َّ ِ‬ ‫َّللا س ِميعاً ب ِ‬ ‫ِ‬ ‫الدنيا َف ِعند َّ ِ‬


‫ين‬
‫ونوْا َقَّوم َ‬ ‫آمُنوْا ُك ُ‬ ‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ان َّ ُ َ‬ ‫الد ْنَيا َواآلخ َرِة َوَك َ‬
‫اب ُّ‬ ‫َّللا ثََو ُ‬ ‫َ‬ ‫اب ُّ ْ َ‬ ‫ان ُي ِر ُيد ثََو َ‬
‫َّمن َك َ‬
‫ِين ِإن َي ُك ْن َغِنّياً أ َْو َفِقي اًر َف َّ‬
‫اَّللُ أ َْوَل ٰى ِب ِه َما َفالَ تَتَِّب ُعوْا اْل َهَو ٰى أَن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِباْلِقس ِط شهد ِ‬
‫آء ََّّلل َوَل ْو َعَلى أ َْنُفس ُك ْم أ َِو اْل َٰول َد ْي ِن َواألَْق َرب َ‬
‫ْ ُ ََ َ‬
‫اَّللِ َوَرُسولِ ِه َواْل ِك ٰتَ ِب َّال ِذي َنَّزَل‬ ‫َّللا َكان ِبما تَعمُلو َن خِبي اًر * ٰيأَُّيها َّال ِذين ءامنوْا ء ِ‬
‫امُنوْا ِب َّ‬ ‫َ َ َُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ضوْا َفإ َّن َّ َ َ َ ْ َ‬
‫تَ ْع ِدُلوْا وإِن َتْلووْا أَو تُ ْع ِر ُ ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضالَالً َبعيداً *‬ ‫ض َّل َ‬ ‫اَّلل َو َمآلئ َكته َوُكتُِبه َوُرُسله َواْلَي ْو ِم اآلخ ِر َفَق ْد َ‬ ‫َعَل ٰى َرُسولِه َواْلكتَ ِب الذي أ َ‬
‫َنزَل من َقْب ُل َو َمن َي ْكُف ْر ِب َّ‬
‫ين ِبأ َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِإ َّن َّال ِذين آمُنوْا ثُ َّم َكَفروْا ثُ َّم آمُنوْا ثُ َّم َكَفروْا ثُ َّم ْازدادوْا ُكْف اًر َّلم ي ُك ِن َّ ِ ِ‬
‫َن‬ ‫َّللاُ لَي ْغف َر َل ُه ْم َوالَ لَي ْهدَي ُه ْم َسِبيالً * َب ّش ِر اْل ُمَنافق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫العَّزةَ ََّّللِ َج ِميعاً * َوَق ْد‬
‫َلهم ع َذاباً أَلِيماً * َّال ِذين يتَّ ِخ ُذو َن اْل َك ِاف ِرين أَولِيآء ِمن دو ِن اْلمؤ ِمِنين أَيبتَ ُغو َن ِعندهم اْل ِعَّزة َفِإ َّن ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُُ‬ ‫ُ ْ َ َْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ََْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُْ َ‬
‫يث َغ ْي ِِره‬‫َّللاِ ي ْكَفر ِبها ويستَه َأُز ِبها َفالَ تَْقعدوْا معهم حتَّى يخوضوْا ِفي ح ِد ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َنَّزل َعَل ْي ُكم ِفي اْل ِك ٰتَ ِب أ ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ُُ َ َ ُ ْ َ ٰ َ ُ ُ‬ ‫َن إ َذا َسم ْعتُ ْم َآيات َّ ُ ُ َ َ ُ ْ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َّللاِ َقاُلوْا‬‫ان َل ُك ْم َف ْت ٌح ِّم َن َّ‬
‫صو َن ِب ُك ْم َفِإن َك َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫امع اْلم َٰنِفِقين واْل َٰكِف ِر ِ‬
‫ين في َج َهَّن َم َجميعاً * الذ َ‬
‫ين َيتََرَّب ُ‬ ‫َ‬ ‫َّللاَ َج ُ ُ َ َ‬
‫ِإَّن ُكم ِإذاً ِم ْثُلهم ِإ َّن َّ ِ‬
‫ّ ُْ‬ ‫ْ‬
‫ام ِة َوَلن‬ ‫ِ‬
‫اَّللُ َي ْح ُك ُم َب ْيَن ُك ْم َي ْوَم اْلقَي َ‬
‫ين َف َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يب َقاُلوْا أََل ْم َن ْستَ ْح ِو ْذ َعَل ْي ُك ْم َوَن ْمَن ْع ُك ْم ّم َن اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫أََلم ن ُكن َّمع ُكم وإِن َكان لِْل َك ِاف ِر ِ‬
‫ين َنص ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ َ ْ َ‬
‫ٰ‬
‫َّللا و ُهو َخاد ُعهم وإِ َذا َقاموْا ِإَلى َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يجعل َّ ِ ِ‬
‫اموْا‬‫الصلوة َق ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ين ُي َخاد ُعو َن َّ َ َ َ‬ ‫ين َسِبيالً * ِإ َّن اْل ُمَنافق َ‬ ‫ين َعَلى اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫َّللاُ لْل َكاف ِر َ‬ ‫َ َْ َ‬
‫ضلِ ِل َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫الناس والَ ي ْذ ُكرو َن َّ َّ ِ‬
‫َّللاُ َفَلن‬ ‫ين َب ْي َن ذلِ َك الَ ِإَل ٰى َهـ ُٰؤالء َوالَ ِإَلى َهـ ُٰؤالء َو َمن ُي ْ‬ ‫َّللاَ ِإال َقليالً * ُّم َذ ْب َذِب َ‬ ‫آءو َن َّ َ َ َ ُ‬ ‫ُك َساَل ٰى ُي َر ُ‬
‫تَ ِج َد َل ُه َسِبيالً‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{من كان يريد ثَواب الدنيا} بالوقوف مع هوى النفس فما له يطلب ّ‬
‫أخس األشياء ويقف في أدنى المراتب {فعند هللا‬
‫بالكل فال يفوته شيء {وكان هللا سميعاً} بأحاديث نفوسكم‬
‫ّ‬ ‫ثواب} الدارين جميعاً‪ ،‬بالفناء فيه ألنه الوجود المحيط‬
‫{كونوا} ثابتين في مقام‬
‫العلمي وإرادة ثواب الدارين ُ‬ ‫آمنوا} بالتوحيد‬
‫{بصي اًر} بنياتكم وإرادتكم بأعمالكم {يا أيها الذين ُ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫العدالة التي هي أشرف الفضائل {قوامين} بحقوقها بحيث تكون ملكة راسخة فيكم ال يمكن معها صدور جور وميل‬
‫آمنوا} باإليمان‬
‫مضرة‪{ .‬يا أيها الذين ُ‬
‫ّ‬ ‫منكم في شيء‪ ،‬وال ظهور صفة نفس التباع هوى في جذب نفع دنيوي أو دفع‬
‫التقليدي ِ‬
‫{آمُنوا} باإليمان التحقيقي أو آمنوا باإليمان العلمي‪ ،‬أو آمنوا باإليمان العيني‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫لشدة النفاق وغلبة نور‬


‫وترددوا بين جهتي الربوبية العلوية والسفلية ّ‬
‫كف ُروا} إلى آخره‪ ،‬أي‪ :‬تحيروا ّ‬
‫آمنوا ثم َ‬
‫{إن الذين ُ‬
‫الفطرة تارة واستيالء ظلمة النفس والهوى أخرى‪ ،‬الستواء الحالتين فيهم حتى استحكمت الهيئات المظلمة وازدادت‬
‫الحجب ورسخت العقائد الفاسدة والملكات الكاسدة باستيالء صفات النفس واستعالئها مطلقاً فرانت على قلوبهم {ما‬
‫كان هللا َلي ْغفر َلهم} لمكان الرين الحاجب وفساد جوهر القلب وزوال االستعداد {وال ليهديهم َسبيالً} إلى الحق وال إلى‬
‫الكمال وال إلى الفطرة األصلية لعدم قبولهم الهداية وصرف عذابهم باإليالم لمكان استعدادهم في األصل‪.‬‬

‫{أيبتَغون} التعزز‬ ‫{الذين يتخذون الكافرين أولياء} لمناسبتهم إياهم في االحتجاب {من دون ُ‬
‫الم ْؤمنين} لعدم الجنسية َ‬
‫التقوي بمالهم وجاههم فال سبيل إلى ذلك‪ ،‬وهم قد أخطأوا ألن العزة كلها صفة من صفات هللا تعالى‬
‫بهم في الدنيا و ّ‬
‫منيع القوى والقدر‪ ،‬له قوة القهر والغلبة للكل فبقدر القرب منه وقبول نوره ّ‬
‫وقوته واالتصاف بصفاته تحصل العزة فهي‬
‫بأهل اإليمان أولى وأهل الحجاب والكفر بالزلة أولى {قاموا كسالى} لعدم شوقهم إلى الحضور ونفورهم عنه لظلمة‬
‫استعدادهم باستيالء الهوى ‪.‬‬

‫سورة النساء (من اآلية ‪ 144‬الى اآلية ‪)151‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫آء ِمن‬ ‫ُّها َّال ِذي َن آمُنوْا الَ تَتَّ ِخ ُذوْا اْل َك ِاف ِر َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وء َفِإ َّن َّ‬‫ِإن تُْب ُدوْا َخ ْي اًر أ َْو تُ ْخُفوهُ أ َْو تَ ْعُفوْا َعن س ٍ‬
‫ين أ َْولَي َ‬ ‫َ‬ ‫ان َعُفّواً َقدي اًر * َيا أَي َ‬ ‫َّللاَ َك َ‬ ‫ُ‬
‫الن ِار َوَلن تَ ِج َد َل ُه ْم‬‫َسَف ِل ِم َن َّ‬ ‫طاناً ُّمِبيناً * ِإ َّن اْلمَن ِافِقين ِفي َّ ِ‬
‫الد ْرك األ ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ين أَتُ ِر ُيدو َن أَن تَ ْج َعُلوْا ََّّللِ َعَل ْي ُك ْم ُسْل َ‬ ‫ِ‬
‫ُدو ِن اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ِ‬ ‫ف ُي ْؤ ِت َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫صي اًر * ِإالَّ َّال ِذين تابوْا وأَصَلحوْا واعتصموْا ِب َّ ِ‬ ‫نِ‬
‫َّللاُ اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين‬ ‫ين َو َس ْو َ‬ ‫صوْا د َين ُه ْم ََّّلل َفأ ُْوَلـٰئ َك َم َع اْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫َخَل ُ‬
‫اَّلل َوأ ْ‬ ‫َ َ ُ َ ْ ُ َ َْ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وء م َن اْلَق ْو ِل‬ ‫الس ِ‬‫َّللاُ اْل َج ْه َر ِب ُّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ َشاك اًر َعليماً * ال ُيح ُّب َّ‬ ‫ِ‬ ‫ان َّ‬ ‫َج اًر َعظيماً * َّما َيْف َعل َّ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫آم ْنتُ ْم َوَك َ‬
‫َّللاُ ب َع َذاب ُك ْم إن َش َك ْرتُ ْم َو َ‬ ‫ُ‬ ‫أْ‬
‫َّللاِ َوُرُسلِ ِه َويُقوُلو َن ُن ْؤ ِم ُن‬‫اَّللِ َوُرُسلِ ِه َوُي ِر ُيدو َن أَن ُيَفِّرُقوْا َب ْي َن َّ‬ ‫ين َي ْكُف ُرو َن ِب َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ َسميعاً َعليماً * ِإ َّن الذ َ‬
‫ظلِم وَكان َّ ِ‬
‫ِإال َمن ُ َ َ َ‬
‫َّ‬

‫ين َع َذاباً ُّم ِهيناً‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫ِ‬


‫ض َوُي ِر ُيدو َن أَن َيتَّخ ُذوْا َب ْي َن ذل َك َسِبيالً * أ ُْوَلـٰئ َك ُه ُم اْل َكاف ُرو َن َحّقاً َوأ ْ‬
‫َعتَ ْدَنا لْل َكاف ِر َ‬ ‫ض وَن ْكُف ُر ِبَب ْع ٍ‬ ‫ِ ٍ‬
‫بَب ْع َ‬

‫يتعدى إليكم كفرهم واحتجابهم بالصحبة والمخالطة فإنه ال شيء أقوى تأثي اًر من‬
‫أولياء} لئال ّ‬ ‫ِ‬
‫{ال تتخذوا الكافرين َ‬
‫الصحبة والميل إلى واليتهم ال يخلو عن جنسية بينهم لوجود هوى كامن فيهم وضراوة بعادة رديئة تشملهم ال يؤمن‬
‫عليهم الوقوع في الكفر بغلبة الهوى والنفس‪.‬‬

‫{سلطاناً ُمبيناً} حجة ظاهرة في عقابكم برسوخ الهيئة التي بها تميلون إلى واليتهم بصحبتهم ومجالستهم {في َ‬
‫الدرك‬ ‫ُ‬
‫وشدة إيالمه وإحراقه ال باعتبار كونه أدون مرتبة‪ ،‬إذ تأثير النار في المنافق أ ّ‬
‫شد وأكثر‬ ‫األسفل} باعتبار زيادة عذابه ّ‬
‫أما الكافر األصلي البهيم فلعدم استعداده ال يتألم بعذابه كما يتألم المنافق وإن كان أسوأ‬
‫إيالماً لبقية استعداد فيه‪ .‬و ّ‬
‫محبتهم مع أهل هللا {إال الذين‬ ‫ِ‬
‫حاالً منه وأعظم عذاباً وهواناً {نصي اًر} ينصرهم من عذاب هللا النقطاع وصلتهم وارتفاع ّ‬
‫أصَلحوا} ما أفسدوا من استعدادهم بقمع الهوى وكسر‬
‫تَابوا} رجعوا إلى هللا ببقية نور االستعداد وقبول مدد التوفيق {و ْ‬
‫صموا باهلل} بالتمسك بحبل اإلرادة وقوة العزيمة في التوجه إليه‬ ‫صفات النفس ورفع حجب القوى بالزهد والرياضة {و ْ‬
‫اعتَ َ‬
‫أخَلصوا ِدينهم هلل} بإفناء موانع السلوك من صفات النفس وإزالة خفاء الشرك وقطع النظر عن الغير في السير‬ ‫{و ْ‬
‫{أج اًر عظيماً} من مشاهدة تجليات الصفات وجنة األفعال‪.‬‬
‫{فأولئك مع المؤمنين} الموقنين ْ‬
‫َ‬

‫{إن الذين يكفرون} يحتجبون عن الحق والدين وعن الجمع والتفصيل {ويريدون أن ّ‬
‫يفرقوا بين هللا ورسله} باالحتجاب‬ ‫ّ‬
‫عن الدين دون الحق والتفصيل دون الجمع‪ ،‬فينكرون الرسل لتوهمهم وحدة منافية للكثرة وجمعاً مبايناً للتفصيل‪ ،‬وذلك‬
‫هو إيمانهم بالبعض وكفرهم بالبعض‪.‬‬

‫{أولئك هم الكافرون} المحجوبون {حقاً}‬


‫َ‬ ‫بالكل طريقاً‬
‫ّ‬ ‫بالكل جمعاً وتفصيالً والكفر‬
‫ّ‬ ‫{ويريدون أن يتخذوا} بين اإليمان‬
‫بذواتهم وصفاتهم فإن معرفتهم وهم وغلط وتوحيدهم زندقة ليسوا من الدين وال من الحق في شيء {مهيناً} يهينهم‬
‫بوجود الحجاب وذل النفس وصفاتها‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة النساء (من اآلية ‪ 152‬الى اآلية ‪)159‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َح ٍد ِّم ْن ُه ْم‬ ‫و َّال ِذين آمنوْا ِب َّ ِ ِ ِ‬


‫َه ُل‬
‫َّللاُ َغُفو اًر َّرحيماً * َي ْسأَُل َك أ ْ‬ ‫ان َّ‬ ‫ورُه ْم َوَك َ‬‫ُج َ‬ ‫ف ُي ْؤِتي ِه ْم أ ُ‬
‫أ ُْوَلـٰئ َك َس ْو َ‬ ‫اَّلل َوُرُسله َوَل ْم ُيَفِّرُقوْا َب ْي َن أ َ‬ ‫َ َ َُ‬
‫ظْل ِم ِه ْم‬ ‫الص ِ‬
‫اعَق ُة ِب ُ‬ ‫َخ َذ ْت ُه ُم َّ‬ ‫وس ٰى أَ ْكَب َر ِمن ٰذلِ َك َفَقاُلوْا أ َِرَنا َّ‬ ‫الس َم ِآء َفَق ْد َسأَُلوْا‬ ‫اب أَن تَُنِّزَل َعَل ْي ِه ْم ِكتَاباً ِّم َن َّ‬
‫اْل ِكتَ ِ‬
‫َّللاَ َج ْه َرةً َفأ َ‬ ‫ُم َ‬
‫ُّ‬ ‫ِٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طاناً ُّمِبيناً * َوَرَف ْعَنا َف ْوَق ُه ُم الط َ‬
‫ور‬ ‫وس ٰى ُسْل َ‬ ‫ات َف َعَف ْوَنا َعن ذل َك َوآتَْيَنا ُم َ‬ ‫آء ْت ُه ُم اْلَبِّيَن ُ‬
‫ثُ َّم ات َخ ُذوْا اْلع ْج َل من َب ْعد َما َج َ‬
‫َّ‬
‫ض ِهم ِّميثَاَق ُه ْم‬ ‫السب ِت وأَخ ْذنا ِم ْنهم ِميثَاقاً َغلِيظاً * َفِبما نْق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫اب ُس َّجداً َوُقْلَنا َل ُه ْم الَ تَ ْع ُدوْا في َّ ْ َ َ َ ُ ْ ّ‬ ‫ِبميثَاق ِه ْم َوُقْلَنا َل ُه ُم ْاد ُخُلوْا اْلَب َ‬
‫َّللاُ َعَل ْي َها ِب ُكْف ِرِه ْم َفالَ ُي ْؤ ِمُنو َن ِإالَّ َقلِيالً *‬
‫طَب َع َّ‬
‫ف َب ْل َ‬ ‫آء ِب َغ ْي ِر َح ٍّق َوَق ْولِ ِه ْم ُقُل ُ‬
‫وبَنا ُغْل ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ات َّ ِ ِ ِ‬ ‫وُكْف ِرِهم بآي ِ‬
‫َّللا َوَق ْتله ُم األ َْنبَي َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صَلُبوهُ‬‫َّللا َو َما َقَتُلوهُ َو َما َ‬‫ول َّ‬
‫يسى ْاب َن َم ْرَي َم َرُس َ‬ ‫يح ع َ‬‫ِكْف ِرِه ْم َوَق ْولِ ِه ْم َعَل ٰى َم ْرَي َم ُب ْهتَاناً َعظيماً * َوَق ْولِ ِه ْم ِإَّنا َقَتْلَنا اْل َمس َ‬ ‫َوب ُ‬
‫لظ ِّن َو َما َقَتُلوهُ َيِقين ًا * َبل َّرَف َع ُه َّ‬ ‫يه َلِفي َش ٍك ِم ْنه ما َلهم ِب ِه ِمن ِعْل ٍم ِإالَّ ِاتّباع ا َّ‬ ‫وَلـ ِٰكن شِبه َلهم وِإ َّن َّال ِذين اختَلُفوْا ِف ِ‬
‫َّللاُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ ّ ُ َ ُْ‬ ‫َ َْ‬ ‫َُّ ُْ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫امة َي ُكو ُن َعَل ْيه ْم َشهيداً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َهل اْلكتَاب إال َلُي ْؤمَن َّن به َقْب َل َم ْوته َوَي ْوَم اْلقَي َ‬ ‫َّللاُ َع ِزي اًز َحكيماً * َوإِن ّم ْن أ ْ‬ ‫ان َّ‬ ‫ِإَل ْيه َوَك َ‬

‫ُجورهم} من الجنات الثالثة {وكان هللا غفو اًر} يستر عنهم ذواتهم وصفاتهم‬
‫{والذين آمنوا باهلل ورسله} جمعاً وتفصيالً {أ ُ‬
‫التي هي ذنوبهم وحجبهم بذاته وصفاته {رحيماً} يرحمهم بتمتيعهم بالجنات الثالثة وبالوجود الموهوب الحقاني والبقاء‬
‫ّ‬
‫{كتاباً من السماء} علماً يقينياً بالمكاشفة من سماء الروح {أكبر من ذلك} ألن المشاهدة أكبر وأعلى من‬ ‫السرمدي ِ‬

‫المكاشفة {بظلمهم} بطلبهم المشاهدة مع بقاء ذواتهم إذ وجود البقية عند المشاهدة وضع الشيء في غير موضعه‬
‫{سلطاناً} تسلطاً‬
‫وطلب المشاهدة مع البقية طغيان من النفس ينشأ من رؤيتها كماالت الصفات لنفسها وذلك ظلم ُ‬
‫بالحجة عليهم بعد اإلفاقة {بل رفعه هللا إليه} إلى قوله {ليؤمنن به} رفع عيسى عليه السالم اتصال روحه عند المفارقة‬
‫عن العالم السفلي بالعالم العلوي‪ .‬وكونه في السماء الرابعة إشارة إلى أن مصدر فيضان روحه روحانية تلك الشمس‬
‫ّ‬
‫يحرك ذلك الفلك بمعشوقيته وإشراق أشعته على نفسه‬
‫الذي هو بمثابة قلب العالم ومرجعه إليه وتلك الروحانية نور ّ‬
‫مقره األصلي ولم يصل إلى الكمال الحقيقي وجب نزوله في آخر الزمان‪،‬‬ ‫المباشرة لتحريكه ولما كان مرجعه غلى ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بتعّلقه ببدن آخر وحينئذ يعرفه كل أحد فيؤمن به أهل الكتاب‪ ،‬أي‪ :‬أهل العلم العارفين بالمبدأ والمعاد كلهم عن آخرهم‬
‫قبل موت عيسى بالفناء في هللا‪ ،‬وإذ آمنوا به يكون يوم القيامة أي يوم بروزهم عن الحجب الجسمانية وقيامهم عن‬
‫{شهيداً} شاهدهم يتجلى عليهم الحق في صورته كما أشير إليه ‪.‬‬
‫حال غفلتهم ونومهم الذي هم عليه اآلن َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة النساء (من اآلية ‪ 160‬الى اآلية ‪)165‬‬

‫َخ ِذ ِهم ِّ‬


‫الرَبا َوَق ْد ُن ُهوْا َع ْن ُه‬ ‫* َوأ ْ ُ‬ ‫َّللاِ َكِثي اًر‬
‫يل َّ‬‫ُحَّل ْت َلهم وبِصِّد ِهم َعن سِب ِ‬
‫َ‬ ‫ُْ َ َ ْ‬
‫ات أ ِ‬ ‫طِيب ٍ‬
‫ين َه ُادوْا َحَّرْمَنا َعَل ْي ِه ْم َ ّ َ‬
‫َفِب ُ ِ َّ ِ‬
‫ظْل ٍم ّم َن الذ َ‬
‫اْل ِعْل ِم ِم ْن ُه ْم َواْل ُم ْؤ ِمُنو َن ُي ْؤ ِمُنو َن ِب َمآ‬
‫الر ِاس ُخو َن ِفي‬ ‫ين ِم ْن ُه ْم َع َذاباً أَلِيماً * َّلـ ِٰك ِن َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َعتَ ْدَنا لْل َكاف ِر َ‬‫اس ِباْلَباط ِل َوأ ْ‬‫الن ِ‬ ‫ال َّ‬ ‫َوأَ ْكله ْم أ َْم َو َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الزَكاة واْلمؤ ِمنون ِب َّ ِ‬ ‫يمين َّ ٰ‬ ‫ِِ‬ ‫ُنزل ِإَليك ومآ أ ِ ِ ِ‬
‫اَّلل َواْلَي ْو ِم اآلخ ِر أ ُْوَلـٰئ َك َسُن ْؤِتي ِه ْم أ ْ‬
‫َج اًر‬ ‫وة َواْل ُم ْؤتُو َن َّ َ َ ُ ْ ُ َ‬ ‫الصل َ‬ ‫ُنزَل من َقْبل َك َواْل ُمق َ‬ ‫أ َ َ ََ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫النِبِي ِ‬ ‫ِ‬
‫وب‬
‫اق َوَي ْعُق َ‬ ‫إس َح َ‬
‫يل َو ْ‬ ‫يم َوإِ ْس َماع َ‬ ‫َعظيماً * ِإَّنآ أ َْو َح ْيَنآ ِإَل ْي َك َك َمآ أ َْو َح ْيَنآ ِإَل ٰى ُنو ٍح َو َّ ّ َ‬
‫ين من َب ْعده َوأ َْو َح ْيَنآ إَل ٰى إ ْب َاره َ‬
‫اه ْم َعَل ْي َك ِمن َقْب ُل َوُرُسالً َّل ْم‬‫صَن ُ‬ ‫ون َس َو َه ُارو َن َو ُسَل ْي َم َ‬ ‫واأل ِ ِ‬
‫صْ‬ ‫ود َزُبو اًر * َوُرُسالً َق ْد َق َ‬‫ان َوآتَْيَنا َد ُاو َ‬ ‫ُّوب َوُي ُ‬
‫يس ٰى َوأَي َ‬‫َسَباط َوع َ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الرُس ِل َوَك َ‬
‫ان‬ ‫َّللا ُح َّج ٌة َب ْع َد ُّ‬
‫اس َعَلى َّ‬‫ين لَئال َي ُكو َن ل َّلن ِ‬
‫ين َو ُمنذ ِر َ‬‫وس ٰى تَ ْكليماً * ُّرُسالً ُّمَب ّش ِر َ‬ ‫َّللاُ ُم َ‬
‫ص ُه ْم َعَل ْي َك َوَكل َم َّ‬
‫صْ‬ ‫َنْق ُ‬
‫َّللاُ َع ِزي اًز َح ِكيماً‬
‫َّ‬

‫{فبظلم} عظيم {من الذين َهادوا} أي‪ :‬بعباداتهم عجل النفس واتخاذه إلهاً وامتناعهم عن دخول القرية التي هي حضرة‬
‫الروح واعتدائهم في السبت بمخالفة الشرع واالحتجاب عن كشف توحيد األفعال ونقضهم ميثاق هللا واحتجابهم عن‬
‫تجليات الصفات الذي هو كفرهم بآيات هللا واالنغماس في الرذائل كلها‪ ،‬كقتل األنبياء واالفتراء على هللا بكون قلوبهم‬
‫غلفاً أي‪ :‬مغشاة بحجب خلقية ال سبيل إلى رفعها وبهتانهم على مريم‪ ،‬وادعائهم قتل عيسى عليه السالم من‬
‫حرمنا عليهم طيبات} جنات النعيم من تجليات األفعال والصفات وشهود‬‫الخصال التي اجتماعها ظلم ال يعرف كنهه { ّ‬
‫الذات التي هي طيبات ال يعرف كنهها {أ ِ‬
‫ُحلت لهم} بحسب قابلية استعدادهم لوال هذه الموانع {وبصدهم} الناس‬
‫بصد قواهم الروحانية {عن سبيل هللا وأخذهم} ربا فضول العلوم‬
‫بصحبتهم ومرافقتهم ودعوتهم إلى الضالل أو ّ‬
‫كالخالف والجدل واللذات البدنية والحظوظ التي نهوا عنها {وأ ْكلهم أموال الناس بالباطل} برذيل الحرص والطبع كأخذ‬
‫الرشا وأجر التزويرات والتلبيسات أو استعمال علوم القوى الروحانية بين الفكر والعقل النظرّي والعلمي في تحصيل‬
‫ّ‬
‫الحسية والمآرب السبعية والبهيمية عذاباً مؤلماً لوجود‬
‫ّ‬ ‫المآكل والمشارب وكسب الحطام‪ ،‬وتحصيل اللذات والشهوات‬
‫استعدادهم ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{لكن الر ِاسخون في ِ‬
‫العلم} أي‪ :‬المحققون {منهم والمؤمنون} باإليمان التقليدي المطابق الثابت {يؤمنون بما أنزل إليك}‬
‫المؤ ِمنون} الموحدون بالتوحيد العياني {واليوم اآلخر} المعاينون ألحوال‬
‫إلى آخره‪ ،‬أي‪ :‬يتّصفون بالتزكية والتحلية {و ُ‬
‫ّ‬
‫المعاد على ما هو عليه {أج اًر َع ِظيماً} من حظوظ تجليات الصفات وجناتها‪.‬‬

‫{ومنذرين} بتجليات صفات القهر {لئال يكون للناس على هللا حجة} ظهور‬ ‫{رُسالً مبشرين} بتجليات صفات اللطف ُ‬ ‫ُ‬
‫{وكان هللا عزي اًز} قوياً يقهرهم بمحو صفاتهم وإفناء ذواتهم‬
‫َ‬ ‫وسلطنة بوجود صفة ما بعد رفعها ومحوها بإمداد الرسل‬
‫{حكيماً} ال يفعل ذلك إال بحكمة اتصافهم بصفاته أو بقائهم بذاته ‪.‬‬

‫سورة النساء (من اآلية ‪ 166‬الى اآلية ‪)170‬‬

‫َّللاِ‬ ‫ين َكَفروْا وصُّدوْا َعن سِب ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫الئ َك ُة َي ْشه ُدو َن وَكَف ٰى ِب َّ ِ ِ‬ ‫َنزَله ِب ِعْل ِم ِه واْلم ِ‬ ‫َّلـ ِٰك ِن َّ‬
‫يل َّ‬ ‫َ‬ ‫اَّلل َشهيداً * إ َّن الذ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َنزَل ِإَل ْي َك أ َ ُ‬
‫َّللاُ َي ْش َه ُد ِب َمآ أ َ‬
‫ِِ‬ ‫َّللاُ لَِي ْغِف َر َل ُه ْم َوالَ لَِي ْه ِدَي ُه ْم َ‬
‫ط ِريقاً * ِإالَّ َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َق ْد ضُّلوْا ٰ ِ‬
‫يق َج َهَّن َم َخالد َ‬
‫ين‬ ‫ط ِر َ‬ ‫ظَل ُموْا َل ْم َي ُك ِن َّ‬ ‫ضَلالً َبعيداً * ِإ َّن الذ َ‬
‫ين َكَف ُروْا َو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِكم َف ِ‬
‫آمُنوْا َخ ْي اًر َّل ُك ْم َوإِن تَ ْكُف ُروْا َفِإ َّن‬ ‫ِ‬ ‫الرس ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِفيهآ أَبداً وَكان ٰذلِك عَلى َّ ِ ِ‬
‫ول باْل َح ِّق من َّرّب ُ ْ‬
‫آء ُك ُم َّ ُ ُ‬
‫اس َق ْد َج َ‬ ‫الن ُ‬ ‫ُّها‬
‫َّللا َيسي اًر * ٰيأَي َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ‬
‫َح ِكيم ًا‬ ‫َّللاُ َعلِيماً‬
‫ان َّ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ض َوَك َ‬ ‫ََّّلل َما في َّ َ َ َ‬

‫{أنزله ِب ِعلمه} ملتبساً‬


‫يقرون به بل هو يشهد َ‬‫{لكن هللا يشهد بما أنزل إليك} لكونك في مقام الجمع وهم محجوبون ال ّ‬
‫بعلمه‪ ،‬أي‪ :‬في حالة كونه عالماً به بحيث إنه علمه الخاص ال علمك وال علم غيرك من غيره‪.‬‬

‫{و ِ‬
‫المالئ َكة َي ْشهدون} لكونك مراعياً للتفصيل في غير الجمع فهو الشاهد بذاته وبأسمائه وصفاته {وكفى باهلل شهيداً}‬

‫أي‪ :‬الذات مع الصفات تكفي في الشهادة إذ ال موجود غيره {كفروا} حجبوا عن الحق لكون ضاللهم بعيداً ّ‬
‫{إن الذين‬
‫ظلموا} منعوا استعداداتهم عن حقوقها من الكمال بارتكاب الرذائل وتسليط صفات النفس‬
‫كفروا} حجبوا عن الدين {و َ‬
‫َ‬
‫يكن هللا لي ِ‬
‫غفر لهم} لرسوخ هيئات الرذائل فيهم وبطالن االستعداد {وال ليهديهم طريقاً} لجهلهم المركب‬ ‫على قلوبهم {لم ُ‬
‫َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫واعتقادهم الفاسد وعدم علمهم بطريق ما من طرق الكمال {إال طريق جهنم} نيران أشواق نفوسهم إلى مالذها مع‬
‫حرمانهم عنها {وكان ذلك} سهالً على هللا النجذابهم إليها بالطبيعة ‪.‬‬

‫سورة النساء (من اآلية ‪ 171‬الى اآلية ‪)173‬‬

‫اها ِإَل ٰى‬ ‫رسول َّ ِ ِ‬ ‫َّللاِ ِإالَّ اْلح َّق ِإَّنما اْلم ِس ِ‬ ‫اب الَ تَ ْغُلوْا ِفي ِد ِين ُك ْم َوالَ تَُقوُلوْا َعَلى َّ‬‫َهل اْل ِكتَ ِ‬
‫َّللا َوَكل َمتُ ُه أَْلَق َ‬ ‫َُ ُ‬ ‫يسى ْاب ُن َم ْرَي َم‬‫يح ع َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ٰيأ ْ َ‬
‫أَن َي ُكو َن َل ُه َوَلٌد َّل ُه َما ِفي‬ ‫َّللا ِإَلـٰه و ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫آمنوْا ِب َّ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احٌد ُس ْب َح َان ُه‬ ‫اَّلل َوُرُسله َوالَ تَُقوُلوْا ثَالَثَ ٌة انتَ ُهوْا َخ ْي اًر ل ُك ْم إَّن َما َّ ُ ٌ َ‬ ‫َم ْرَي َم َوُروٌح ّم ْن ُه َف ُ‬
‫نكف اْلم ِسيح أَن ي ُكون عبداً ََّّللِ والَ اْلم ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ض وَكَفى ِب َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الئ َك ُة اْل ُمَقَّرُبو َن َو َمن‬ ‫َ َ‬ ‫اَّلل َو ِكيالً * لن َي ْستَ َ َ ُ َ َ َ ْ‬ ‫الس َٰم َٰوت َو َما في األ َْر ِ َ ٰ‬
‫َما َّال ِذين آمُنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ ِ‬ ‫يه َج ِميعاً * َفأ َّ‬‫يستن ِكف عن ِعبادِت ِه ويست ْكِبر َفسيحشرهم ِإَل ِ‬
‫ورُه ْم َوَيز ُيد ُه ْم‬ ‫الصال َحات َفُيَوّفي ِه ْم أ ُ‬
‫ُج َ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َ ْ َْ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ُ ُ ْ‬
‫َّللاِ ولِياً والَ ن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن َفضلِ ِه وأ َّ َّ ِ‬
‫صي اًر‬ ‫استَ ْكَب ُروْا َفُي َع ّذُب ُه ْم َع َذاباً أَلِيماً َوالَ َي ِج ُدو َن َل ُه ْم ّمن ُدو ِن َّ َ ّ َ َ‬
‫نكُفوْا َو ْ‬
‫استَ َ‬
‫ين ْ‬
‫َما الذ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ّ‬

‫النبوة ومقام‬ ‫ِ‬


‫{يا أهل الكتاب ال تَغلوا في دينكم} أما اليهود فبالتعمق في الظاهر ونفي البواطن وحط عيسى عن درجة ّ‬
‫االتصاف بصفات الربوبية‪ .‬وأما النصارى فبالتعمق في البواطن ونفي الظواهر ورفع عيسى إلى مقام األلوهية {وال‬
‫المحمدي‪ ،‬والقول‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الحق} بالجمع بين الظواهر والبواطن والجمع والتفصيل كما هو عليه التوحيد‬
‫ّ‬ ‫تقولوا على هللا إال‬

‫بكون عيسى مظهر الصفات اإللهية‪ ،‬حيا بحياته داعياً إلى مقام توحيد األوصاف و {كلمته} نفساً ّ‬
‫مجردة هي كلمة‬
‫ورسله} بالجمع والتفصيل {وال تُقولوا‬
‫من كلمات هللا‪ ،‬أي‪ :‬حقيقة من حقائقه الروحانية وروحاً من أرواح {فآمنوا باهلل ُ‬
‫ثالثة} بزيادة الحياة والعلم على الذات‪ ،‬فيكون اإلله ثالثة اشياء ويكون عيسى جزء من حياته بالنفخ أو بالتفرقة بين‬
‫كل فيكون العلم‬
‫ذات الحق وعالم النور وعالم الظلمة‪ ،‬فيكون عيسى متولداً من نوره‪ .‬بل قولوا بالكل من حيث هو ّ‬
‫والحياة عين الذات وكذا عالم النور والظلمة‪ .‬ويكون عيسى فانياً فيه موجوداً بوجوده‪ّ ،‬‬
‫حياً بحياته‪ ،‬عالماً بعلمه‪ ،‬وذلك‬
‫احد ُس ْبحانه} ّنزهه عن أن يكون موجود غيره‪ ،‬فيتوّلد منه وينفصل‬
‫له و ٌ‬
‫وحدته الذاتية المعبر عنها بقوله {إنما هللا إ ٌ‬
‫ويجانسه بأنه موجود مثله‪ ،‬بل هو الموجود من حيث هو وجود‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{له ما في السموات} األرواح {واألرض} األجساد بكونها أسماءه وظاهره وباطنه {و ِكيالً} يقوم مقام الخلق في أفعالهم‬
‫وصفاتهم وذواتهم عند فنائهم في التوحيد‪ ،‬كما قال أمير المؤمنين علي عليه السالم‪" :‬ال إله إالّ هللا بعد فناء الخلق‪".‬‬
‫ّ‬

‫يستَنكف المسيح أن يكون عبداً هلل} في مقام التفصيل‪ ،‬إذ باعتبار الجمع ال وجود للمسيح وال لغيره فال ممكن‬
‫{لن ْ‬
‫فكل ما ظهر بتعين فهو ممكن‪ ،‬والممكن ال وجود له بنفسه فضالً عن شيء غيره فيكون‬ ‫أصالً‪ .‬وأما باعتبار التفصيل ّ‬
‫التقدس‬
‫بالتجرد المحض و ّ‬
‫ّ‬ ‫غنياً عن تعلق األجسام‬
‫عبداً محتاجاً ذليالً مفتق اًر غير مستنكف عن ذّلة العبودية وإن كان ّ‬
‫المجردة واألنوار المحضة {ومن َي ْستَْنكف عن عبادته} بظهور‬
‫ّ‬ ‫المقربين الذين هم األرواح‬
‫عن دنس الطبائع كالمالئكة ّ‬
‫أنيته {ويستكبر} بطغيانه في الظهور بصفاته {فسيحشرهم إليه جميعاً} بظهور نور وجهه وتجليه بصفة قاهريته حتى‬
‫يفنوا بالكلية في عين الجمع‪ ،‬كما قال تعالى‪ّ{ :‬لِم ِن اْلمْلك اْليوم ََِّّللِ اْلو ِ‬
‫اح ِد اْلَق َّه ِار} [غافر‪ ،‬اآلية‪ ،]16 :‬وقال النبي‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ َْ َ‬
‫"إن هلل تعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة‪ ،‬لو كشفها ألحرقت سبحات وجهه ما انتهى‬ ‫صلى هللا عليه وسلم‪ّ :‬‬
‫إليه بصره من خلقه‬

‫‪".‬‬

‫{فأما الذين آمنوا} بالفناء في عين الجمع بمحو الصفات وطمس الذات {وعملوا الصالحات} باالستقامة في األعمال‬
‫ضله} بالوجود‬
‫ُجورهم} وصفاتهم من جنات صفاته {ويزيدهم من َف ْ‬ ‫{فيوِفيهم أ ُ‬
‫ومراعاة تفاصيل الصفات وتجلياتها ُ‬
‫وتنورهم‬
‫استَ ْكَبروا} طغوا عند تجليات الصفات ّ‬
‫استَْنكفوا} بظهور أنيتهم {و ْ‬
‫الموهوب بعد الفناء في الذات {وأما الذين ْ‬
‫بنورها‪ ،‬فظهروا بها ونسبوها إلى أنفسهم كمن قال‪ :‬أنا رّبكم األعلى ‪.‬‬

‫{فيعذبهم َعذاباً أليماً} باحتجابهم ببقايا ذواتهم وصفاتهم وحرمانهم عن مقام الجمع {وال يجدون} غير هللا ّ‬
‫{ولياً} يواليهم‬ ‫ُ‬
‫صي اًر} ينصرهم في رفع حجاب الصفات البرهاني وهو التوحيد الذاتي والنور المبين وهو‬‫برفع حجاب الذات {وال ن ِ‬
‫َ‬
‫التفصيل في عين الجمع‪ ،‬أي‪ :‬القرآن الذي هو علم الجمع والفرقان الذي هو علم التفصيل ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة النساء (من اآلية ‪ 174‬الى اآلية ‪)176‬‬

‫ص ُموْا ِب ِه َف َسُي ْد ِخُل ُه ْم ِفي‬


‫اعتَ َ‬
‫َما َّال ِذين آمنوْا ِب َّ ِ‬
‫اَّلل َو ْ‬ ‫َ َُ‬ ‫ان ِّمن َّرّب ُ‬
‫ِك ْم َوأ َْن َ ْزلَنآ ِإَل ْي ُك ْم ُنو اًر ُّمِبيناً * َفأ َّ‬ ‫آء ُك ْم ُب ْرَه ٌ‬
‫اس َق ْد َج َ‬
‫ُّها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫َيا أَي َ‬
‫ِِ‬ ‫َّللا يْفِت ُ ِ‬ ‫صراطاً ُّمستَِقيماً * يستَْفتُ َ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫رحم ٍة ِم ْن ُه وَف ْ ٍ‬
‫ام ُرٌؤ َهَل َك َل ْي َس َل ُه َوَلٌد َوَل ُه‬‫يك ْم في اْل َكالََلة إن ْ‬ ‫ون َك ُقل َّ ُ ُ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫ضل َوَي ْهدي ِه ْم ِإَل ْيه َ‬ ‫ََْ ّ َ‬
‫ك َوِإن َك ُانوْا ِإ ْخ َوًة ِّرَجاالً‬ ‫ُخ ٌت َفَلها ِنصف ما تَرك وهو ي ِرثُهآ ِإن َّلم ي ُك ْن َّلهآ وَلٌد َفِإن َك َانتَا ا ْثَنتَي ِن َفَلهما ُّ‬
‫الثُلثَ ِ ِ‬
‫ان م َّما تََر َ‬ ‫ْ َُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ ُ َ َ َ َ َُ َ َ‬ ‫أْ‬
‫يم‬‫ٍ ِ‬ ‫ضُّلوْا و َّ ِ ِ‬
‫َّللاُ ب ُك ّل َش ْيء َعل ٌ‬ ‫َ‬
‫َّللا َل ُكم أَن تَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫آء َفلِ َّلذ َك ِر ِم ْث ُل َح ِّ‬
‫ظ األُنثََي ْي ِن ُيَبّي ُن َّ ُ ْ‬
‫ِ‬
‫َون َس ً‬
‫وتفرقها وراعوا الجمع في التفاصيل {َف َسيدخلهم‬ ‫آمنوا} بالتوحيد الذاتي واعتصموا به أي‪ :‬في كثرة الصفات ّ‬
‫{فأما الذين ُ‬
‫ّ‬
‫في رحمة} من جنات الصفات التي ال يعرف كنهها {وَفضل} من جنات الذات {ويهديهم إليه ِ‬
‫ص َراطاً ُم ْستقيماً}‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫باالستقامة إلى الوحدة في تفاصيل الكثرة أو رحمة من جنات األفعال وفضل من جنات الصفات‪{ ،‬ويهديهم إليه‬
‫صراطاً مستقيماً} من تفاصيل الصفات إلى الفناء في الذات‪ ،‬واألول أولى بهذا المقام‪ ،‬ولك التطبيق على تفاصيل‬
‫مرت في سورة {آل عمران} وهللا تعالى‬
‫وجودك وأحوالك في نفسك حيث أمكن من هذه السورة على القاعدة التي ّ‬
‫أعلم ‪.‬‬

‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)2‬‬

‫الص ْي ِد َوأ َْنتُ ْم ُح ُرٌم ِإ َّن َّ‬


‫َّللاَ َي ْح ُك ُم َما‬ ‫َّ‬ ‫يم ُة األ َْن َعا ِم ِإالَّ َما ُي ْتَل ٰى َعَل ْي ُك ْم َغ ْي َر ُم ِحّلِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َّ‬ ‫ِ‬
‫آمُنوْا أ َْوُفوْا باْل ُعُقود أُحل ْت َل ُك ْم َبه َ‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫الذ َ‬ ‫ُّها‬
‫ٰيأَي َ‬
‫ين اْلَب ْي َت اْل َح َرام َي ْبتَ ُغو َن‬ ‫ِ‬ ‫الشهر اْلحرام والَ اْله ْدي والَ اْلَق ِ‬ ‫َّ‬ ‫* يا أَيُّها َّال ِذين آمنوْا الَ ت ِحُّلوْا شع ِآئر َّ ِ‬ ‫ُي ِر ُيد‬
‫َ‬ ‫آم َ‬‫َوال ّ‬ ‫الئ َد‬ ‫َّللا َوالَ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ َ‬
‫وك ْم َع ِن اْل َم ْس ِج ِد اْل َح َار ِم أَن تَ ْعتَُدوْا‬
‫صُّد ُ‬ ‫آن َق ْو ٍم أَن َ‬ ‫ط ُادوْا َوالَ َي ْج ِرَمَّن ُك ْم َشَن ُ‬
‫اص َ‬
‫ض َواناً َوإِ َذا َحَلْلتُ ْم َف ْ‬
‫ِ‬
‫ضالً ّمن َّرِّب ِه ْم َوِر ْ‬
‫َف ْ‬
‫َّللا َش ِد ُيد اْل ِعَق ِ‬ ‫ان واتَُّقوْا َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وتَ َعاوُنوْا َعَلى اْل ِّ َّ‬
‫اب‬ ‫َّللاَ إ َّن َّ َ‬ ‫بر َوالتْق َو ٰى َوالَ تَ َع َاوُنوْا َعَلى اإل ْث ِم َواْل ُع ْد َو ِ َ‬ ‫َ َ‬

‫بالعُقود} أي‪ :‬العزائم التي أحكمتموها في السلوك‪ .‬والفرق بين العهد والعقد‬
‫آمنوا} باإليمان العلمي {أوفوا ُ‬
‫{يا أيها الذين ُ‬
‫ليتأدى بهم إلى‬
‫مر‪ ،‬والعقد هو إحكام عزائم التكليف عليهم ّ‬ ‫أن العهد هو إيداع التوحيد فيهم في األزل كما ّ‬
‫ههنا‪ّ :‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اإليفاء بما عاهدوا عليه‪ .‬فالعهد سابق والعقد الحق‪ ،‬فكل عزيمة على أمر يوجب إخراج ما في االستعداد بالقوة إلى‬
‫الفعل عقد بينه وبين هللا يجب الوفاء به واالمتناع عن نقضه بفتور أو تقصير {أحّلت لكم} جميع أنواع التمتعات‬
‫والحظوظ بالنفوس السليمة التي ال تغلب عليها السبعية والشره‪ ،‬كالنفوس التي هي على طباع األنعام الثالثة {إالّ ما‬
‫ُي ْتلى عليكم} من التمتعات المنافية للفضيلة والعدالة فإنها منهي عنها لحجبها عن الكمال الشخصي والنوعي {غير‬
‫ّ‬
‫ُم ِحلي الصيد وأنتم ُح ُرٌم} أي‪ :‬ال متمتعين بالحظوظ في تجريدكم للسلوك وشروعكم في الرياضة عند السير إلى هللا‬
‫لطلب الوصول فإنه يجب حينئذ االقتصار على الحقوق‪ ،‬إذ اإلحرام في الظاهر صورة اإلحرام الحقيقي للسالكين في‬
‫يحكم ما ُيريد} على‬
‫{إن هللا ُ‬
‫اإللهي وسرادقات صفات الجالل والكمال ّ‬ ‫طريق كعبة الوصال‪ ،‬والقاصدين لدخول الحرم‬
‫ّ‬
‫من يريده من أوليائه‪.‬‬

‫{ال تُ ِحلوا َش َع ِائ َر هللا} من المقامات واألحوال التي يعلم بها حال السالك في سلوكه كالصبر والشكر والتوكل والرضا‬
‫وأمثالها‪ ،‬أي‪ :‬ال ترتكبوا ذنوب األحوال وال تخرجوا عن حكم المقامات فإنها شعائر دين هللا الخالص‪ .‬وكما أن‬
‫الحج شعائر‬
‫المواضع المعلومة المعلمة بما يفعل فيها كالمطاف والمسعى والمنحر وغيرها واألفعال المعلومة في ّ‬
‫يشعر بها الحاج‪ .‬فهذه المقامات والمراتب واألحوال شعائر يشعر بها حال السالك وكما أنه ال يجوز في ظاهر الشرع‬
‫تغييرها عن موضعها والخروج عن حكمها فكذلك هذه في شرع المحبين كما يحكى عن أحدهم أنه كان يتكلم في‬
‫فدب عقرب على ساقه وأخذت تضربه وهو على حاله ال ينحيها فسئل عنه فقال‪ :‬أستحي من أن أتكلم في‬ ‫الصبر ّ‬
‫مقام وأنا أفعل ما ينافيه {وال الشهر الحرام} أي‪ :‬وقت اإلحرام بالحج الحقيقي وهو وقت السلوك والوصول بالخروج عن‬
‫المستعدة المعدة للقربان عند‬
‫ّ‬ ‫حكمه واالشتغال بما ينافيه ويصده عن وجهته ويثبطه في سيره {وال الهدي} وال النفس‬
‫الوصول إلى فناء الحضرة اإللهية على ما أُشير إليه باستعمالها في شغل يصرفها عن طريقها أو يضعفها أو حمل‬
‫فوق طاقتها من الرياضة‪ ،‬فينقطع دون البلوغ إلى المحل {وال الَق ِ‬
‫الئد} وال ما قلدته النفس من شعار أهل السلوك‬
‫المجدين في السلوك‬
‫ّ‬ ‫الب ْيت الحرام} وال القاصدين‬
‫ين َ‬‫آم َ‬
‫والسنن واألعمال الظاهرة بتركها وتغييرها عن وضعها {وال ّ‬
‫المجتهدين بتغيرهم ومنعهم عن الرياضة وإيهان عزائمهم بالمخالطة وتقليل السعي وإيهامهم أنه ال حاجة بهم إليه‬
‫{ورضَواناً} بتجليات الصفات‪.‬‬
‫ْ‬ ‫{ي ْبتَغون َف ْ‬
‫ضالً من ربهم} بتجّليات األفعال‬ ‫يصدهم أو يكسلهم َ‬
‫وشغلهم بما ّ‬

‫{وإذا حللتُم} بالرجوع إلى البقاء بعد الفناء واالستقامة {فاصطادوا} أي‪ :‬فال حرج عليكم في الحظوظ بل ربما كان تمتيع‬
‫وشدة صفائها {وال يجرمنكم شنآن قوم} إلى آخره‪،‬‬
‫النفس بالحظوظ إعانة لها في مشاهداتها ومكاشفاتها لشرفها وذكائها ّ‬
‫أي‪ :‬ال يكسبنكم بعض القوى النفسانية المانعة عن سلوككم أن تقهروها بالكلية بمنعها عن الحقوق التي تقوم بها‬
‫فإن وبال ذلك عائد إليكم‪ .‬أو عداوة‬
‫صدها إياكم‪ّ ،‬‬
‫فتبطلوها أو تضعفوها عن منافعها وما يحتاج إليه من أفعالها بسبب ّ‬
‫قوم من أهليكم وأقاربكم وأصدقائكم بسبب منعهم إياكم عن التجريد والرياضة في السلوك {أن تعتدوا} عليهم بإضرارهم‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫البر والتقوى} بتدبير تلك القوى‬
‫أضر بكم في السلوك من منعهم إياكم {وتعاونوا على ّ‬
‫الشر بهم فإنه ّ‬
‫ومقتهم وإرادة ّ‬
‫وسياستها باإلحسان إليها بحقوقها ومنعها من حظوظها أو بمراعاة األهلين واألقارب واألصدقاء بمواساتهم واإلحسان‬
‫إليهم‪ ،‬والمعروف في حّقهم مع مخالفتهم إلى ما يمنعكم عنه واالجتناب عن ذلك‪ ،‬كما قال تعالى‪َ{ :‬فالَ تُ ِط ْع ُه َما‬
‫اح ْب ُه َما ِفي ُّ‬
‫الد ْنَيا َم ْع ُروفاً} [لقمان‪ ،‬اآلية‪{ ،]15 :‬واتقوا هللا} واجعلوه وقاية لكم في هذه األمور واحذروه في خالفها‬ ‫وص ِ‬
‫َ َ‬
‫بالصد والحرمان ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫{إن هللا شديد العقاب} يعاقبكم‬ ‫ّ‬

‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 3‬الى اآلية ‪)3‬‬

‫السُب ُع‬
‫َك َل َّ‬ ‫يح ُة َو َمآ أ َ‬ ‫َّللاِ ِب ِه واْلمنخِنَق ُة واْلموُقوَذة واْلمتَرِدي ُة و َّ ِ‬‫ير َو َمآ أ ُِه َّل لِ َغ ْي ِر َّ‬
‫َواْلَّدم َوَل ْحم اْل ِخ ْن ِز ِ‬
‫ُحِّرَم ْت َعَل ْي ُك ُم اْل َم ْيتَ ُة‬
‫النط َ‬ ‫َ ُْ َ َ َ ْ ُ َ ُ َّ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َكَف ُروْا من دين ُك ْم َفالَ تَ ْخ َش ْو ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإالَّ َما َذ َّك ْيتُ ْم َو َما ُذِب َح‬
‫ِ‬ ‫َعَلى ُّ‬
‫َن تَ ْستَْقس ُموْا باأل َْزالَ ِم ذل ُك ْم ف ْس ٌق اْلَي ْوَم َيئ َس الذ َ‬ ‫صب َوأ ْ‬ ‫الن ُ‬
‫ص ٍة َغ ْي َر‬ ‫اإلسٰلم ِديناً َفم ِن اض ُ ِ‬
‫طَّر في َم ْخ َم َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اخ َش ْو ِن اْلَي ْوَم أَ ْك َمْل ُت َل ُك ْم د َين ُك ْم َوأ َْت َم ْم ُت َعَل ْي ُك ْم ن ْع َمتي َوَرض ُ‬
‫يت َل ُك ُم ْ َ‬ ‫َو ْ‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫ف ِإل ْث ٍم َفِإ َّن َّ‬ ‫متَج ِان ٍ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫َّللاَ َغُف ٌ‬ ‫ُ َ‬

‫رمت عليكم الميتة} هذه هي األمور المستثناة من أنواع التمتعات المحّللة‪ ،‬وهي الميتة أي‪ :‬خمود الشهوة التي هي‬
‫{ح َ‬
‫ُ‬
‫رذيلة التفريط المنافية للعفة كالخنوثة والعجز عن اإلقدام على القدر الضروري من التمتعات والتمتع بفقدان اعتدال‬
‫القوة الشهوانية على ما يفعله الخناثى وبعض المغزلين والمتقشفين والمتزهدين بالطبع‪ ،‬القاصرين عن السلوك لنقصان‬
‫الخنزير}‬ ‫ِ‬ ‫االستعدادات {والدم} أي‪ :‬التمتع بهوى النفس في األعمال فإن مزج الهوى وشوبه يفسد األعمال كلها ْ‬
‫{ولح ُم‬
‫أسدها لطرق الكمال والنجاة {وما أ ُِهل لِ َغ ْي ِر‬
‫ووجوه التمتعات الحاصلة بالحرص والشره‪ ،‬فإن ّقوة الحرص أخبث القوى و ّ‬
‫هللا ِبه} أي‪ :‬الرياضات واألعمال بالرياء وكل ما يفعل لغير هللا‪ .‬فإن كسر النفس وقمعها ومخالفتها ال يكون فعالً‬
‫الم ْن َخِنَقة}‬
‫فأما إذا كان لغير هللا فهو شرك والشرك أكبر الكبائر {و ُ‬
‫جميالً وفضيلة ومعيناً في السلوك إال إذا كان هلل‪ّ ،‬‬
‫أي‪ :‬حبس النفس عن الرذائل ومنعها عن القبائح بحصول صور الفضائل وصدور األفعال الحسنة صورة مع كمون‬
‫فإن األفعال النفسية إنما تحسن بقمعها وقهرها هلل وخروج الهوى الذي هو ّقوتها وحياتها عنها وقيامها‬
‫الهوى فيها‪ّ .‬‬
‫بإرادة القلب كخروج الدم الذي هو ّقوة الحيوان وحياته منه بذبحه هلل {والموقوذة} أي‪ :‬صدور الفضائل في الظاهر عن‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫المتردية} التي تتعلق بالتفريط والنقصان والميل إلى الجهة السفلية وانحطاط النفس‬
‫النفس مع كره منها وإجبار عليها {و ّ‬
‫عن الهمم العلية والدرجة القوية {والنطيحة} التي تصدر عن خوف وقهر من مثله كالعفاف الحاصل بواسطة زجر‬
‫القوة الغضبية من األنفة والحمية‬
‫المحتسب وخوف الفضيحة {وما أكل السبع} كفضائل العفة التي تحصل لشدة ّ‬
‫الشدة عن فعلها أو لقهر من قهار كالملك واألمير {إال ما ذكيتم} إال‬
‫فإن الغضب إذا استولى منع ّ‬
‫واستيالء الغضب‪ّ ،‬‬
‫ما قرنت واعتادت وانقادت لكم بعد قهر من غير‪ ،‬فكانت تصدر عنها الفضائل بإرادة قلبية من غير مزج الهوى‪.‬‬

‫{وما ُذِبح على النصب} ما يفعل بناء على العادات التي يجب رفعها إال لغرض عقلي أو شرعي {وأن تستقسموا‬
‫الجد في‬
‫وقدر وتتركوا السعي و ّ‬
‫باألزالم} وأن تطلبوا السعادات والكماالت بالرسوم والطوالع اتكاالً على ما قضى هللا ّ‬
‫مجرد‬
‫الطلب‪ ،‬وتجعلوا ذلك عّلة للتقصير بأن تقولوا‪ :‬ليس لنا نصيب فيها‪ ،‬ولو كان لنا نصيب لحصل‪ .‬فإنه ربما كان ّ‬
‫الحق‬
‫ّ‬ ‫تعليل وقد علق في القدر كماله بسعيه‪ ،‬فإنه لم يطلع على ذلك {ذلِ ُكم ِف ْسق} خروج عن الدين الذي هو طريق‬
‫{يِئ َس الذين َكَفروا} أي‪ :‬حجبوا من قوى‬
‫بتمرن النفس بالفضائل‪ ،‬وتثبتها في العزائم َ‬
‫{اليوم} أي‪ :‬وقت حصول الكمال ّ‬
‫نفوسكم أو من أبناء جنسكم وأهل ِجْل َدتكم من الطبيعيين والمتزندقين {من دينكم} أي‪ :‬من أن ّ‬
‫يصدوكم عن طريق‬

‫الحق {فال تَ ْخشوهم} فإنهم يستولون عليكم بعد ذلك {و ْ‬


‫اخشوني} بأن ال تقفوا عند تجلي صفة من صفاتي وتَ َهّيبوا‬
‫عظمة ذاتي حتى تصلوا إلى مقام الفناء‪.‬‬

‫{اليوم أكملت لكم دينكم} ببيان الشعائر وكيفية السلوك {وأتممت عليكم ِنعمتي} بالهداية إلي {ور ِ‬
‫ضيت لكم} االستسالم‬ ‫ّ َ‬ ‫َْ‬ ‫ُْ‬
‫طر} إلى أمر‬ ‫ِ‬
‫اض ّ‬
‫واالنقياد باالنمحاء عند تجليات األفعال والصفات أو إسالم الوجه للفناء عند تجلي الذات {ديناً فمن ْ‬
‫المحرمة التي عددناها {في َم ْخمصة} في هيجان شديد من النفس وغلبة لظهور صفة من صفاتها‬
‫ّ‬ ‫من هذه األمور‬
‫{فإن هللا َغُفور} يستر ذلك‬
‫{غير متجانف إلثم} غير منحرف عن الدين والوجهة إلى رذيلة مانعة لقصد منه وعزيمة ّ‬
‫عنه بنور صفة من صفاته تقابلها {رِحيم} يرحم ِبمداد التوفيق إلظهار الكمال ورفع موانعه‪.‬‬

‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 4‬الى اآلية ‪)5‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َّللاُ َف ُكُلوْا ِم َّمآ‬
‫ون ُه َّن ِم َّما َعَّل َم ُك ُم َّ‬
‫تُ َعِّل ُم َ‬ ‫ين‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ات َو َما َعل ْمتُ ْم ّم َن اْل َج َو ِارِح ُم َكّلِب َ‬
‫َّ‬ ‫ُح َّل َلهم ُقل أ ِ‬
‫ُح َّل َل ُك ُم الطِّيَب ُ‬ ‫ُْ ْ‬
‫ونك ما َذآ أ ِ‬
‫َي ْسأَُل َ َ َ‬
‫طع َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫أِ‬ ‫َّللا س ِريع اْل ِحس ِ‬ ‫َّللاِ َعَل ْي ِه واتَُّقوْا َّ ِ‬
‫ين أُوتُوْا‬ ‫ام الذ َ‬ ‫ٰت َو َ َ ُ‬ ‫ُح َّل َل ُك ُم الطّيَبـ ُ‬ ‫اب * اْلَي ْوَم‬ ‫َّللاَ إ َّن َّ َ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫اس َم َّ‬
‫أ َْم َس ْك َن َعَل ْي ُك ْم َوا ْذ ُك ُروْا ْ‬
‫ٰب ِمن َقْبلِ ُك ْم ِإ َذا‬ ‫ِ‬ ‫ٰت واْلمحصنـ ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫طعام ُكم ِح ٌّل َّلهم واْلمحصنـ ِ‬ ‫اْل ِكتَـ ِ َّ‬
‫ين أُوتُوْا اْلكتَـ َ‬
‫ٰت م َن الذ َ‬ ‫ٰت م َن اْل ُم ْؤ ِمَنـ َ ُ ْ َ َ ُ‬ ‫ُْ َ ُ ْ َ َ ُ‬ ‫ٰب ح ٌّل ل ُك ْم َو َ َ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫اآلخ َرِة ِم َن‬
‫ط عمُله وهو ِفي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫ِ‬
‫يم ِن َفَق ْد َحب َ َ َ ُ َ ُ َ‬
‫ِ ِ‬
‫ان َو َمن َي ْكُف ْر باإل َٰ‬ ‫ين َوالَ ُمتَّ ِخذي أ ْ‬
‫َخ َد ٍ‬ ‫ين َغ ْي َر ُم َٰسفح َ‬
‫ورُه َّن ُم ْحصن َ‬ ‫وه َّن أ ُ‬
‫ُج َ‬ ‫ءاتَْيتُ ُم ُ‬
‫ِٰ‬
‫اْل َخس ِر َ‬
‫ين‬

‫الحقية والفضائل العلمية التي تحصل لكم بعقولكم وقلوبكم وأرواحكم‬ ‫الطيبات} من الحقائق والمعارف‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫{ُق ْل أُحل لكم ّ‬
‫{وما علمتم} من جوارح حواسكم الظاهرة والباطنة وسائر قواكم وآالتكم البدنية في اكتساب الفضائل واآلداب‪،‬‬
‫{تعلمونهن مما عّلمكم هللا} من علوم األخالق والشرائع التي تبين طريق االحتظاء من الحظوظ على وجه‬
‫ّ‬ ‫محرضين‬
‫ّ‬
‫بنية وإرادة قلبية وغرض صحيح يؤدي إلى‬
‫العدالة {فكلوا مما أمسكن عليكم} مما حصلن لكم بتعليمكم على ما ينبغي ّ‬
‫هن {واذكروا ا ْس َم هللا عليه}‬
‫لذتهن وشهوت ّ‬
‫ّ‬ ‫وحرصهن لطلب‬
‫ّ‬ ‫بميلهن‬
‫ّ‬ ‫كمال الشخص أو النوع ال يهجن ويثبن وينزّن عليه‬
‫واحضروا بقلوبكم أنها للصورة اإلنسانية الكاملة تُْقصد وتُراد‪ ،‬ال لغرض آخر‪ .‬واجعلوا هللا وقاية لكم في فعلها حتى‬
‫تكون حسنة {إن هللا سريع ِ‬
‫الحساب} يحاسبكم بها في آن ال في أزمنة‪ ،‬كحصول هيآتها في أنفسكم عند ارتكابها‪.‬‬

‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 6‬الى اآلية ‪)11‬‬

‫وس ُك ْم َوأ َْر ُجَل ُك ْم ِإَلى اْل َك ْعَب ِ‬


‫ين‬ ‫وه ُكم وأ َْي ِدَي ُكم ِإَلى اْلم َرِاف ِق وا ْمس ُحوْا ِب ُرُؤ ِ‬ ‫الصٰلوِة ْ ِ‬ ‫آمُنوْا ِإ َذا ُق ْمتُ ْم ِإَلى َّ‬ ‫يا أَي َّ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫فاغسُلوْا ُو ُج َ ْ َ‬ ‫ين َ‬‫ُّها الذ َ‬ ‫َ َ‬
‫آء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫آء َفَل ْم تَج ُدوْا َم ً‬ ‫الن َس َ‬
‫َحٌد ّم ْن ُك ْم ّم َن اْل َغائط أ َْو الَ َم ْستُ ُم ّ‬ ‫آء أ َ‬ ‫ضى أ َْو َعَل ٰى َسَفر أ َْو َج َ‬ ‫َوإِن ُكنتُ ْم ُجُنباً َفاط َّه ُروْا َوِإن ُكنتُم َّم ْر َ‬
‫ط ِّه َرُك ْم َولُِيِت َّم ِن ْع َمتَ ُه‬
‫َّللاُ لَِي ْج َع َل َعَل ْي ُكم ِّم ْن َح َرٍج َوَلـ ِٰكن ُي ِر ُيد لُِي َ‬ ‫ام َس ُحوْا ِب ُو ُجوِه ُك ْم َوأ َْي ِد ُ‬
‫يك ْم ِّم ْن ُه َما ُي ِر ُيد َّ‬ ‫َفتََي َّمموْا ص ِعيداً َ ِ‬
‫طّيباً َف ْ‬ ‫ُ َ‬
‫يم‬ ‫َّللا ِإ َّن َّ ِ‬
‫َّللاَ َعل ٌ‬ ‫َّللاِ َعَل ْي ُك ْم َو ِميثَا َق ُه َّال ِذي َواثََق ُكم ِب ِه ِإ ْذ ُقْلتُ ْم َس ِم ْعَنا َوأَ َ‬
‫ط ْعَنا َواتَُّقوْا َّ َ‬ ‫َعَل ْي ُك ْم َل َعَّل ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن * َوا ْذ ُك ُروْا ِن ْع َم َة َّ‬
‫اع ِدُلوْا ُهَو‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ور * يا أَي َّ ِ‬ ‫ِب َذ ِ‬
‫آن َق ْو ٍم َعَلى أَال تَ ْعدُلوْا ْ‬ ‫آء ِباْلق ْسط َوالَ َي ْج ِرَمَّن ُك ْم َشَن ُ‬ ‫ين ََّّلل ُش َه َد َ‬ ‫ونوْا َقَّوام َ‬ ‫آمُنوْا ُك ُ‬ ‫ين َ‬ ‫ُّهآ الذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫الص ُد ِ‬ ‫ات ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ‬ ‫أَ ْق َر ُب لِلتَّْق َو ٰى َواتَُّقوْا َّ‬
‫يم *‬
‫َجٌر َعظ ٌ‬
‫الصال َحات َل ُهم َّم ْغف َرةٌ َوأ ْ‬ ‫َّللاَ َخِب ٌير ِب َما تَ ْع َمُلو َن * َو َع َد َّ ُ َ َ ُ َ َ‬
‫َّللاَ ِإ َّن َّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َّللاِ َعَل ْي ُك ْم ِإ ْذ َه َّم َق ْوٌم أَن َي ْب ُس ُ‬
‫طوْا‬ ‫آمُنوْا ا ْذ ُك ُروْا ِن ْع َم َت َّ‬
‫ين َ‬
‫و َّال ِذين َكَفروْا وَك َّذبوْا ِبآي ِاتنآ أُوَل ِـئك أَصحاب اْلج ِحي ِم * يا أَي َّ ِ‬
‫ُّهآ الذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ُ َ ُ َ َ ْ َ ْ َ ُ َ‬
‫َّللاِ َفْلَيتََوَّك ِل اْل ُم ْؤ ِمُنو َن‬ ‫ف أ َْي ِدَي ُه ْم َع ُ‬
‫نك ْم َواتَُّقوْا َّ‬
‫َّللاَ َو َعَلى َّ‬ ‫ِإَل ْي ُك ْم أ َْي ِدَي ُه ْم َف َك َّ‬

‫آمنوا} اإليمان العلمي {إذا ُق ْمتُم إلى الصالة} انبعثتم عن نوم الغفلة وقصدتم إلى صالة الحضور‬
‫{يا أيها الذين ُ‬
‫طهر من‬
‫الم َ‬ ‫والمناجاة الحقيقية والتوجه إلى الحق ْ ِ‬
‫وجوهكم} أي‪ :‬طهروا وجود قلوبكم بماء العلم النافع الطاهر ُ‬
‫{فاغسلوا ُ‬ ‫ّ‬
‫علم الشرائع واألخالق والمعامالت التي تتعلق بإزالة الموانع عن لوث صفات النفس {وأيديكم} أي‪ :‬وقدركم عن دنس‬
‫ِ‬
‫الم َرافق} إلى قدر الحقوق والمنافع {و ْ‬
‫ام َسحوا برؤوسكم} بجهات‬ ‫تناول الشهوات والتصرفات في مو ّاد الرجس {إلى َ‬
‫فإن الروح ال يتكدر‬
‫أرواحكم عن قتام كدورة القلب وغبار تغيره بالتوجه إلى العالم السفلي ومحبة الدنيا بنور الهدى‪ّ .‬‬
‫فيسود القلب ويظلم ويكفي في انتشار نوره صقل الوجه العالي من القلب الذي‬
‫ّ‬ ‫بالتعلق‪ ،‬بل يحتجب نوره عن القلب‬
‫إليه‪ ،‬فإن القلب ذو وجهين أحدهما‪ :‬إلى الروح والرأس ههنا إشارة إليه‪ .‬والثاني‪ :‬إلى النفس وقواها‪ ،‬فأحرى بالرجل أن‬
‫تكون إشارة إليه {وأرجلكم} وجهات قواكم الطبيعية البدنية بنفض غبار االنهماك في الشهوات واإلفراط في الل ّذات {إلى‬
‫حد االعتدال الذي يقوم به البدن‪ .‬فعلى هذا من انهمك في الشهوات وأفرط في الل ّذات احتاج إلى غسلها‬
‫الك ْعبين} إلى ّ‬
‫َ‬
‫يستعد به القلب للحضور والمناجاة‪ ،‬ومن َق ُرب‬
‫ّ‬ ‫بماء علم األخالق وعلم الرياضات حتى ترجع إلى الصفاء الذي‬
‫حوضه فيها من االعتدال كفاه المسح ولهذا مسح من مسح وغسل من غسل {وإن كنتم ُجنباً} ُب َع َداء عن الحق‬
‫باالنجذاب إلى الجهة السفلية واإلعراض عن الجهة العلوية والميل الكلي إلى النفس {فاطهروا} بكليتكم عن تلك الهيئة‬
‫للبعد واالحتجاب‪.‬‬
‫المظلمة والصفة الخبيثة الموجبة ُ‬

‫{وإن كنتم مرضى} إلى آخره مكرر‪{ ،‬ما يريد هللا ليجعل عليكم من حرج} من ضيق ومشّقة بكثرة المجاهدات‬
‫{وليتم نعمته عليكم} بالتكميل {ولعلكم‬
‫ّ‬ ‫والمكابدات {ولكن يريد} أن يطهركم من الهيآت المظلمة والصفات الخبيثة‬
‫تَ ْش ُكرون} نعمة الكمال باالستقامة والقيام بحق العدالة عند البقاء بعد الفناء ِ{نعمة هللا عليكم} بالهداية إلى طريق‬
‫النبوة بصفاء الفطرة {هو أقرب للتقوى} أي‪ :‬العقل‬
‫الوصول {وميثاقه} أي‪ :‬عقود عزائمه المذكورة إذ قبلتموها من معدن ّ‬
‫للتجرد عن مالبس صفات النفس واتخاذ صفات هللا تعالى وقاية ألنه أشرف الفضائل الذي إذا حصل تبعه‬‫ّ‬ ‫أقرب‬
‫{إن هللا خبير‬
‫الجميع {واتّقوا هللا} واجعلوه وقاية لكم في صدور العدل منكم فإن منبع الكماالت والفضائل ذاته تعالى ّ‬
‫بما تعملون} أنه من صفات نفوسكم أو منه‪.‬‬

‫{وع ِملوا الصالحات} التي توصلهم إلى التوحيد العيني ّ‬


‫وتعدهم لذلك {لهم‬ ‫{وع َد هللا الذين آمنوا} منكم بالتوحيد العلمي َ‬
‫َ‬
‫هم قوم} من قوى نفوسكم المحجوبة وصفاتها {أن‬
‫مغفرة} من صفاتهم {وأجر عظيم} من تجليات صفاته تعالى‪{ .‬إذ ّ‬
‫يبسطوا إليكم أيديهم} باالستيالء والقهر واالستعالء لتحصيل مآربها ومالذها فمنعها عنكم بما أراكم من طريق التطهير‬
‫والتنزيه {و ّاتقوا هللا} واجعلوه وقاية في قهرها ومنعها {وعلى هللا فليتوكل المؤمنون} برؤية األفعال كلها منه ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 12‬الى اآلية ‪)13‬‬

‫آمنتُ ْم‬ ‫َّ‬ ‫َّللا ِإِني مع ُكم َلِئن أََقمتُم َّ ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا ِميثَ ِ ِ ِ‬
‫الصلوةَ َوآتَْيتُ ُم الزَكاةَ َو َ‬ ‫ال َّ ُ ّ َ َ ْ ْ ْ ُ‬ ‫نه ُم ا ْثَن ْي َع َش َر َنقيباً َوَق َ‬
‫يل َوَب َع ْثَنا م ُ‬
‫اق َبني إ ْس َرآئ َ‬ ‫َ‬ ‫َخ َذ َّ ُ‬ ‫َوَلَق ْد أ َ‬
‫ات تَ ْجرِي ِمن تَ ْحِت َها األ َْن َه ُار َف َمن َكَف َر‬
‫ُكِّفرَّن ع ْن ُكم سِيَئ ِات ُكم وأل ُْد ِخَلَّن ُكم جَّن ٍ‬
‫ْ َ‬ ‫َّللاَ َق ْرضاً َح َسناً أل َ َ َ ْ َ ّ ْ َ‬ ‫ضتُ ُم َّ‬‫وه ْم َوأَ ْق َر ْ‬ ‫ِ‬
‫ِب ُرُسلي َو َعَّزْرتُ ُم ُ‬
‫اض ِع ِه‬
‫اسي ًة يح ِرُفو َن اْل َكلِم عن َّمو ِ‬
‫َ َ َ‬
‫ِ‬
‫وب ُه ْم َق َ ُ َ ّ‬
‫اه ْم َو َج َعْلَنا ُقُل َ‬ ‫ض ِهم ِّميثَا َق ُه ْم َل َّ‬
‫عن ُ‬
‫يل * َفِبما نْق ِ‬
‫َ َ‬ ‫السِب ِ‬
‫آء َّ‬
‫ض َّل َس َو َ‬
‫ِٰ ِ‬
‫َب ْع َد ذل َك م ْن ُك ْم َفَق ْد َ‬
‫ين‬ ‫ِِ‬ ‫طلِع عَل ٰى َخ ِآئَن ٍة ِم ْنهم ِإالَّ َقلِيالً ِم ْنهم َفاعف ع ْنهم واصَفح ِإ َّن َّ ِ‬ ‫ظا ِم َّما ُذ ِكروْا ِب ِه والَ تَ َز َّ‬ ‫ًّ‬
‫َّللاَ ُيح ُّب اْل ُم ْحسن َ‬ ‫ّ ُُ ْ ُ َ ُْ َ ْ ْ‬ ‫ّ ُْ‬ ‫ال تَ ُ َ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َوَن ُسوْا َح ّ‬

‫القوة‬
‫{ميثاق بني إسرائيل} هو العهد المذكور والنقباء اإلثنا عشر هم الحواس الخمس الظاهرة والخمس الباطنة و ّ‬
‫العاقلة النظرية والعاقلة العلمية {وقال هللا إني معكم} أي‪ :‬في العقد الالحق أوفقكم وأعينكم لئن قمتم بحقوق التزكية‬
‫والتخلية من اإلعراض عن السعادات البدنية بالعبادة وترك السعادات الخارجية بالزهد‪ ،‬وإيثار الثالثة التي هي اإليمان‬
‫برسل العقل واإللهامات واألفكار الصائبة والخواطر الصادقة من الروح والقلب‪ ،‬وإمداد الملكوت وتعزيرهم أي‪:‬‬
‫تعظيمهم بتسليطهم على شياطين الوهم وتقويتهم ومنعهم وساوسها وإلقاء الوهميات والخياليات والخواطر النفسانية‬
‫{وأقرضتم هللا قرضاً حسناً} بالبراءة من الحول والقوة والعلم والقدرة إلى هللا بالجملة من األفعال والصفات كلها ثم من‬
‫الذات بالمحو والفناء وإسالمها إلى هللا {ألكفرّن عنكم سيئاتكم} أي‪ :‬وجودات هذه الثالث التي هي حجبكم وموانعكم‬
‫جنات} من أفعالي وصفاتي وذاتي {تجري من تحتها األنهار} علوم التوكل والرضا والتسليم والتوحيد‪.‬‬
‫عنكم {وألدخلنكم ّ‬
‫ضل} السبيل‬
‫وبالجملة علوم تجليات األفعال والصفات والذات‪ ،‬فمن احتجب بعد ذلك العهد وبعث النقباء منكم {فقد ّ‬
‫المستقيم بالحقيقة‪.‬‬

‫{قاسية} قست باستيالء صفات النفس عليها وميلها إلى األمور األرضية الجاسية الصلبية فحجبت عن أنوار الملكوت‬
‫والجبروت التي هي كلمات هللا واستبدلوا قوى نفوسهم بها‪ ،‬واستعملوا وهمياتهم وخيالياتهم بدل معارفها وحقائقها من‬
‫المعاني المعقولية أو خلطوها بها‪ ،‬وذلك هو تحريف الكلم عن مواضعه‪{ .‬ونسوا حظاً} أي‪ :‬نصيباً واف اًر مما أوتوه في‬
‫العهد السابق من الكماالت الكامنة في استعدادهم بالقوة‪ ،‬فذكروا به في العهد الالحق {وال تزال تطلع على خائنة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫منهم} أي‪ :‬على نقض عهد ومنع أمانة الستيالء صفات النفس والشيطان عليهم وقساوة قلوبهم {المحسنين} الذين‬
‫يشاهدون ابتالء هللا إياهم فال يقابلونهم بالعقاب فيستعملون معهم الصفح والعفو ‪.‬‬

‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 14‬الى اآلية ‪)22‬‬

‫ام ِة‬ ‫ِ‬ ‫ض ِ‬


‫آء إَل ٰى َي ْو ِم اْلقَي َ‬
‫َغ َرْيَنا َب ْيَن ُه ُم اْل َع َد َاوَة َواْلَب ْغ َ َ‬
‫ِ‬
‫ظاً ِّم َّما ُذ ِك ُروْا ِبه َفأ ْ‬
‫َخ ْذَنا ِميثَا َق ُه ْم َفَن ُسوْا َح ّ‬
‫ص َار ٰى أ َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َو ِم َن الذ َ‬
‫ين َقاُلوْا إَّنا َن َ‬
‫اب َق ْد جآء ُكم رسوُلَنا يبِّي ُن َل ُكم َكِثي اًر ِم َّما ُك ْنتُم تُ ْخُفو َن ِم َن اْل ِكتَ ِ‬ ‫َهل اْل ِكتَ ِ‬ ‫ف ُيَنِّبُئهم َّ ِ‬
‫اب‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ ْ َُ‬ ‫صَن ُعو َن * َيا أ ْ َ‬ ‫َّللاُ ب َما َك ُانوْا َي ْ‬ ‫ُُ‬ ‫َو َس ْو َ‬
‫السالَ ِم َوُي ْخ ِرُج ُه ْم ِّم ِن‬
‫ضَو َان ُه ُسُب َل َّ‬ ‫ين * َي ْه ِدي ِب ِه َّ‬
‫َّللاُ َم ِن اتََّب َع ِر ْ‬ ‫اب ُّمِب ٌ‬‫ور َو ِكتَ ٌ‬
‫ير َقد جآء ُكم ِمن َّ ِ‬
‫َّللا ُن ٌ‬
‫ِ‬
‫َوَي ْعُفوْا َعن َكث ٍ ْ َ َ ْ ّ َ‬
‫ِ‬ ‫ين َقآُلوْا ِإ َّن َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫الن ِ ِ ِ ِ‬ ‫الظُلم ِ‬
‫ُّ‬
‫يح ْاب ُن َم ْرَي َم ُق ْل َف َمن‬ ‫َّللاَ ُه َو اْل َمس ُ‬ ‫ور ِبِإ ْذنه َوَي ْهدي ِه ْم ِإَل ٰى ص َراط ُّم ْستَقي ٍم * لَق ْد َكَف َر الذ َ‬ ‫ات ِإَلى ُّ‬ ‫َ‬
‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يملِك ِمن َّ ِ‬
‫ض َو َما‬ ‫ُم ُه َو َمن في األ َْرض َجميعاً َوََّّلل ُمْل ُك َّ َ َ َ‬ ‫َّللا َش ْيئاً ِإ ْن أ ََرَاد أَن ُي ْهل َك اْل َمس َ‬
‫يح ْاب َن َم ْرَي َم َوأ َّ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َحَّب ُؤهُ ُق ْل َفلِ َم ُي َع ّذُب ُكم ِب ُذُنوب ُ‬
‫ِكم‬ ‫َّللا وأ ِ‬ ‫ٰ‬
‫ص َر ٰى َن ْح ُن أ َْبَن ُؤْا َّ َ‬ ‫ود َو َّ‬
‫الن َٰ‬ ‫َّللاُ َعَل ٰى ُك ِّل َش ْيء َقد ٌير * َوَقاَلت اْلَي ُه ُ‬ ‫آء َو َّ‬
‫َب ْيَن ُه َما َي ْخُل ُق َما َي َش ُ‬
‫ض وما بينهما وإَِلي ِه اْلم ِ‬ ‫ِ‬ ‫بل أَنتُم ب َشر ِم َّمن خَلق ي ْغ ِفر لِمن ي َشآء ويع ِّذب من ي َشآء وََّّللِ مْلك َّ ِ‬
‫ص ُير * َيا‬ ‫الس َٰم َٰوت َواأل َْر َ َ َ ْ َ ُ َ َ ْ َ‬ ‫ْ َ َ َ ُ َ َ ُ ََُ ُ َ َ ُ َ ُ ُ‬ ‫َْ ْ َ ٌ‬
‫ِ‬
‫اء ُك ْم َبش ٌير‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آء ُك ْم َرُسوُلَنا ُيَبِّي ُن َل ُك ْم َعَل ٰى َف ْت َرٍة ّم َن ُّ‬ ‫أْ ِ ِ‬
‫آءَنا من َبشير َوالَ َنذير َفَق ْد َج َ‬ ‫الرُسل أَن تَُقوُلوْا َما َج َ‬ ‫َه َل اْلكتَاب َق ْد َج َ‬
‫آء َو َج َعَل ُك ْم‬ ‫َّللاِ َعَل ْي ُكم ِإ ْذ َج َعل ِف ُ ِ‬ ‫وس ٰى لَِق ْو ِم ِه َيا َق ْو ِم ا ْذ ُك ُروْا ِن ْع َم َة َّ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َوَن ِذ ٌير َو َّ‬
‫يك ْم أ َْنبَي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ال ُم َ‬
‫َّللاُ َعَل ٰى ُك ّل َش ْيء َقد ٌير * َوإِ ْذ َق َ‬
‫المَقَّد َس َة َّالِتي َكتَ َب َّ‬
‫َّللاُ َل ُك ْم َوالَ تَ ْرتَُّدوا َعَل ٰى أ َْدَب ِارُك ْم‬ ‫ض ُ‬ ‫ين * َٰيَق ْو ِم ْاد ُخُلوا األ َْر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َحداً ّمن اْل َعاَلم َ‬
‫ِ‬
‫اك ْم َّما َل ْم ُي ْؤت أ َ‬
‫ُّمُلوكاً َوآتَ ُ‬
‫ين َوإَِّنا َلن َّن ْد ُخَل َها َحتَّ ٰى َي ْخ ُرُجوْا ِم ْن َها َفِإن َي ْخ ُرُجوْا ِم ْن َها َفِإَّنا‬ ‫يها َق ْوماً َجب ِ‬
‫َّار َ‬
‫ِ ِ‬
‫وس ٰى إ َّن ف َ‬
‫ام َ‬
‫ِ ِٰ‬
‫َفتَْنَقلُبوا َخس ِر َ‬
‫ين * َقاُلوا َي ُ‬
‫َد ِ‬
‫اخُلو َن‬

‫{فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء} أي‪ :‬الزمناهم ذلك لتخالف دواعي قواهم السبعية والبهيمية والشيطانية وميلهم إلى‬
‫الجهة السفلية الموجب للتضاد والتعاند الحتجابهم عن نور التوحيد وبعدهم عن العالم القدسي الذي فيه المقاصد كلية‬
‫ال تقتضي التجاذب والتعاند إلى وقت قيامهم بظهور نور الروح والقيامة الكبرى بظهور نور التوحيد {ينبئهم هللا} بعقاب‬
‫ما صنعوا عند الموت وظهور الحرمان والخسران بظهور الهيآت القبيحة المؤذية الراسخة فيهم ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫إن هللا هو المسيح} بأن حصروا األلوهية فيه وقيدوا اإلله بتعينه {أن يهلك المسيح ابن مريم} إلى‬ ‫{لقد كفر الذين قالوا ّ‬
‫{ك ُّل َشي ٍء َهالِ ٌك ِإالَّ َو ْج َه ُه} [القصص‪ ،‬اآلية‪:‬‬
‫قوله {جميعاً} باإلفناء في التوحيد والطمس في غير الجمع كما قال‪ُ :‬‬
‫ْ‬
‫‪.]88‬‬

‫{وهلل ُمْلك السموات} أي‪ :‬عالم األرواح {واألرض} عالم األجساد {وما بينهما} من الصور واألعراض كلها ظاهرة‬
‫المقدسة} أي‪ :‬حضرة القلب التي هي مقام تجلي الصفات‪ ،‬فإنه‬
‫وباطنة وأسماؤه وصفاته وأفعاله {ادخلوا األرض ّ‬
‫بالنسبة إلى سماء الروح أرض {كتب هللا لكم} عين لكم في القضاء السابق وأودع في استعدادكم الوصول إليها‬
‫والمقام بها {وال تر ّتدوا على أدباركم} في الميل إلى مدينة البدن واإلقبال عليه بتحصيل مآربه ولذاته وطلب موافقته‬
‫وتزيين هيآته فإنه مقام خلف مقامكم وأدنى وأسفل من رتبتكم {فتنقلبوا خاسرين} باستبدال ظلمات البدن بأنوار القلب‬
‫جبارين} من سلطان الوهم وأمراء الهوى والغضب والشهوة وسائر صفات النفس‬ ‫{إن فيها قوماً ّ‬‫وخبائثه بطيباته ّ‬
‫الفرعونية أخذوها عنوة وقه اًر واستولوا عليها مستعلين يجبرون كالً على هواهم ما لنا بهم يدان وال نقدر على مقاومتهم‪،‬‬
‫قالوا ذلك العتيادهم بالذات الطبيعية والشهوات الجسمانية وغلبة الهوى عليهم‪ ،‬فلم يقدروا على الرياضة وقمع الهوى‬
‫وكسر صفات النفس بالمجاهدة {و ّإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها} أي‪ :‬يصرفهم هللا عنها بال رياضة منا ومجاهدة أو‬
‫ينصرفوا بالطبع مع إحالته أو يضعفوا عن االستيالء كما في الشيخوخة مع امتناع دخولهم فيها حينئذ ‪.‬‬

‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 23‬الى اآلية ‪)26‬‬

‫َّللاِ َفتََوَّكُلوْا ِإن‬


‫اب َفِإ َذا َد َخْلتُ ُموهُ َفِإَّن ُك ْم َغالُِبو َن َو َعَلى َّ‬
‫َّللاُ َعَل ْي ِه َما ْاد ُخُلوْا َعَل ْي ِه ُم اْلَب َ‬
‫ِ َّ ِ‬
‫ال َر ُجالَ ِن م َن الذ َ‬
‫ين َي َخا ُفو َن أ َْن َع َم َّ‬ ‫َق َ‬
‫ال َر ِّب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُكنتُم ُّمؤ ِمِنين * َقاُلوْا ياموسى ِإَّنا َلن َّن ْد ُخَلهآ أَبداً َّما د ِ‬
‫اهَنا َقاع ُدو َن * َق َ‬ ‫ُّك َفَقاتال ِإَّنا َه ُ‬ ‫َنت َوَرب َ‬ ‫يها َفا ْذ َه ْب أ َ‬‫اموْا ف َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َُ َ‬ ‫ْ َ‬
‫يهو َن ِفي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َفِإَّن َها ُم َحَّرَم ٌة َعَل ْي ِه ْم أ َْرَبع َ‬
‫ين َسَن ًة َيت ُ‬ ‫ِإّني ال أ َْمل ُك ِإال َنْفسي َوأَخي َفا ْف ُر ْق َب ْيَنَنا َوَب ْي َن اْلَق ْو ِم اْلَفاسق َ‬
‫ين * َق َ‬
‫ين‬ ‫ِِ‬ ‫األ َْر ِ‬
‫ْس َعَلى اْلَق ْو ِم اْلَفاسق َ‬
‫ض َفالَ تَأ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{قال رجالن من الذين يخافون} كانا من النقباء اإلثني عشر وهم‪ :‬العقل النظري والعقل العلمي يخافون سوء عاقبة‬
‫{ادخلوا‬
‫{أنع َم هللا عليهم ْا} بالهداية إلى الطريق المسقيم والدين القويم ْ‬
‫مالزمة الجسم ووبال العقوبة بهيآته المظلمة َ‬
‫أن باب قرية الروح هو الرضا {فإذا} دخلتم مقام التوكل‬‫عليهم الباب} باب قرية القلب وهو التوكل بتجلي األفعال كما ّ‬
‫الذي هو باب القرية {فإنكم َغالِبون} بخروجكم عن أفعالكم وعن أحوالكم وبكونكم فاعلين باهلل‪ ،‬وإذا كان الحول والقوة‬

‫باهلل يهرب شيطان الوهم والتخيل والهوى والغضب منكم فغلبتم عليهم‪ّ .‬‬
‫ويدل على أن الباب هو التوكل قوله‪{ :‬وعلى‬
‫هللا فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} بالحقيقة‪ ،‬إذ اإليمان بالغيبة عن المؤمن به أقل درجات حضور تجلي األفعال {قالوا يا‬
‫نبياً فادفعهم عنا بقوة نفسك‪،‬‬
‫بك} أي‪ :‬إن كنت ّ‬‫أنت ور َ‬
‫موسى} أي‪ :‬أصروا على إبائهم وامتناعهم عن الدخول {فا ْذ َهب َ‬
‫طار والوغود عند موعظتك‬ ‫واقمع الهوى‪ ،‬وتلك القوى فينا بال رياضة ومجاهدة منا‪ ،‬وسل رّبك يدفعها عنا كما يقول الش ّ‬
‫{إنا ها هنا قاعدون}‬
‫جداً واعتقاداً ّ‬
‫إما استهزاء وعناداً وإما ّ‬‫إياهم‪ ،‬وزجرك وتهديدك لهم‪ .‬ادفع بهمتك عنا هذه الشقاوة ّ‬
‫مالزمون مكاننا في مقام النفس‪ ،‬معتكفون على هوى نفوسنا ولذات أبداننا كما قالوا‪ :‬حطاً سمقاث ًا‪.‬‬

‫محرمة عليهم أربعين سنة ِيتيهون في األرض} هي مدة بقائهم في مقام النفس‪ ،‬أي‪ :‬بقوا في تيع الطبيعة‬
‫{قال فإنها ّ‬
‫يتحيرون أربعين سنة إلى قرية القلب‪ّ ،‬‬
‫فإن دخول مقام القلب مع استيالء جبابرة صفات النفس عليه حرام ممتنع‪ ،‬ولهذا‬
‫ِ‬
‫َشَّدهُ َوَبَل َغ أ َْرَبع َ‬
‫ين َسَن ًة} [األحقاف‪ ،‬اآلية‪ ،]15 :‬فإنه وقت البلوغ الحقيقي‪ .‬وقيل في قصة التيه‪ :‬إنهم‬ ‫قال تعالى‪{َ :‬بَل َغ أ ُ‬
‫جادين طول النهار في ستة فراسخ‪ ،‬فإذا أمسوا كانوا على المقام الذي ارتحلوا عنه‪ ،‬أي‪ :‬كان سعيهم في‬ ‫كانوا يسيرون ّ‬
‫تحصيل المناجح الجسمانية والمباغي البدنية المحصورة في الجهات الست ولم يخرجوا عن الجهات بالتجرد‪ ،‬فكانوا‬
‫التنزه عن الهيآت البدنية والصفات النفسانية‪ .‬وكان‬
‫على المقام األول لعدم توجههم إلى سمت القلب بطلب التجرد و ّ‬
‫ينزل من السماء بالليل عمود من نار يسيرون وينتفعون بضوئه‪ ،‬أي‪ :‬ينزل عليهم نور عقل المعاش من سماء الروح‬
‫فيهتدون به إلى مصالحهم‪ .‬وقيل‪ :‬من نار ألنه عقل مشوب بالوهم ليس عقالً صرفاً‪ ،‬وإال الهتدوا به إلى طريق‬

‫المن والسلوى فقد ّ‬


‫مر ذكرها وتأويلها وقيل‪ :‬كان على كل مولود ولد في التيه قميص بقدر قامته‬ ‫القلب‪ .‬وأما الغمام و ّ‬
‫يزيد بزيادته‪ ،‬يعنون به‪ :‬لباس البدن وهللا أعلم‪ .‬وإن شئت أن تطبق القصة على حالك ّأولت موسى بالقلب وهارون‬
‫ِِ ِ‬
‫بالقوة‬ ‫{ه َو أَ ْف َ‬
‫ص ُح مّني ل َساناً} [القصص‪ ،‬اآلية‪ ]34 :‬وبني إسرائيل ّ‬ ‫بالروح‪ ،‬فإنه كان أخاه األكبر‪ ،‬ولهذا قال‪ُ :‬‬
‫المقدسة بالنفس المطمئنة‪ ،‬ثم أجريت القصة بحالها إلى آخرها‪{ .‬فال تَأْس} أي‪ :‬ال تهتهم‬‫الروحانية‪ ،‬واألرض ّ‬
‫تغتم على عقوبتهم‪ ،‬فإنهم فسقوا وخرجوا عن طريق القلب بهواهم وطغيانهم‪.‬‬
‫بهدايتهم‪ ،‬وال ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 27‬الى اآلية ‪)27‬‬

‫اآلخ ِر َقال ألَْقُتَلَّن َك َق ِ‬ ‫و ْاتل عَلي ِهم نبأَ ابني ءادم ِباْلح ِق ِإ ْذ َقَّربا ُقرباناً َفتُُقِبل ِمن أَح ِد ِهما وَلم يتََقب ِ‬
‫َّللاُ‬ ‫ال إَّن َما َيتََقب ُ‬
‫َّل َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّل م َن َ‬
‫َ َ َ ْ ُ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ ُ َ ْ ْ ََ ْ َ ْ َ َ َ َ ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م َن اْل ُمتَّق َ‬
‫ين‬

‫{واتل عليهم َنَبأ ابني َآدم} القلب للذين هما هابيل القلب وقابيل الوهم‪ ،‬إذ كان لكل منهما توأمة‪ .‬أما توأمة العقل‬
‫فالعاقلة العلمية المدبرة ألمور المعاش والمعاد باآلراء الصالحية المقتضية لألعمال الصالحة واألخالق الفاضلة‬
‫المتصرفة في المحسوسات والمعاني‬
‫ّ‬ ‫فالقوة المتخيلة‬
‫المستنبطة ألنواع الصناعات والسياسات‪ .‬وأما توأمة الوهم‪ّ :‬‬
‫الجزئية لتحصيل اآلراء الشيطانية‪ ،‬فأمر آدم القلب بتزويج الوهم بتوأمة العقل التي هي العاقلة العلمية لتتسلط عليه‬
‫وتسخره للعقل فيطيع أب القلب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وتدربه بالرياضات اإلذعانية والسياسات الروحانية‪،‬‬
‫بالقياسات العقلية البرهانية ّ‬
‫ويبره بأنواع الرجاء الصادقة ويعينه في األعمال الصالحة ويمتنع من عقوقه بالتسويالت والتزينات‬
‫ويحسن إليه‪ّ ،‬‬
‫الشيطانية الفاسدة‪ ،‬وإغراء النفس عليها بالهيئات الفاسقة واألفعال السيئة‪ ،‬وتزويج العقل توأمة الوهم ليجعلها صالحة‬
‫ويمنعها عن شهوات التخيالت الفاسدة وتهيج أحاديث النفس الكاذبة فيستريح أبوها منها ويستعملها في المعقوالت‬
‫والمحسوسات والمعاني الكلية والجزئية‪ ،‬فتصير مفكرة عاملة في تحصيل العلوم فينتفع أبوها‪ .‬فحسد قابيل الوهم هابيل‬
‫العقل لكون توأمته أجمل عنده وأحب لمناسبتها إياه‪ ،‬فأمر أبوهما القلب بأن يقرب كل واحد منهما قرباناً أي‪ :‬نسكاً‬
‫يتقرب به إلى هللا بإفاضة النتيجة وإفناء صورة القياس وقبول الصورة المعقولة الكلية المطابقة لما في نفس األمر التي‬
‫ّ‬
‫يتقرب بها إلى هللا منه‪ ،‬وعدم قبول قربان الوهم الذي هو صورة المغالطة أو الصورة الموهومة‬
‫هي نسيكته التي ّ‬
‫الجزئية امتناع اتصال العقل به بإفاضة النتيجة إذ ال نتيجة لها أو امتناع قبول الصورة الوهمية إذ ال تطابق ما في‬
‫نفس األمر فزاد حسده عليه ‪.‬‬

‫لنك} أي‪ :‬لما زاد قرب العقل من هللا وبعده عن رتبة الوهم في مدركاته وتصرفاته كان الوهم أحرص على‬
‫{قال أل ْقُت َ‬
‫إبطال عمله ومنعه عن فعله كما ترى في التشكيكات الوهمية ومعارضاته العقل في تحصيل المطالب النظرية العميقة‬
‫الغور وقتله عبارة عن منعه عن فعله وقطع مدد الروح ونور الهداية الذي به حياة العقل عنه {من المتّقين} الذين‬
‫يتخذون هللا وقاية في صدور الخيرات منهم أو يحذرون آثام الهيئات المظلمة البدنية واألكاذيب الباطلة واألضاليل‬
‫المغوية واألهواء المردية والتسويالت المهلكة ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 28‬الى اآلية ‪)31‬‬

‫وء ِبِإ ْث ِمي‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ين * إّني أُر ُيد أَن تَُب َ‬ ‫َّللاَ َر َّب اْل َعاَلم َ‬
‫اف َّ‬ ‫َخ ُ‬ ‫ك لِتَْقُتَلني َمآ أََن ْا ِبَباسط َيد َي ِإَل ْي َك ألَْقُتَل َك ِإّني أ َ‬
‫طت ِإَل َّي َي َد َ‬
‫َلئن َب َس َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الن ِار وَذلِك ج َز َّ ِ ِ‬ ‫وإِ ْث ِم َك َف َت ُكو َن ِم ْن أَصح ِ‬
‫ين *‬ ‫َصَب َح م َن اْل َخاس ِر َ‬ ‫طَّو َع ْت َل ُه َنْف ُس ُه َق ْت َل أَخيه َفَقَتَل ُه َفأ ْ‬
‫ين * َف َ‬ ‫آء الظالم َ‬ ‫َ َ َ ُ‬
‫اب َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َكو َ م ْث َل َهـٰ َذا اْل ُغ َراب َفأَُوار َ‬ ‫َن أ ُ‬ ‫َع َج ْز ُت أ ْ‬ ‫ف ُي َوارِي َس ْوَءةَ أَخيه َق َ‬
‫ال َي َاوْيَلتَا أ َ‬ ‫َّللاُ ُغ َراباً َي ْب َح ُث في األ َْرض لُيرَي ُه َك ْي َ‬
‫َفَب َع َث َّ‬
‫ين‬ ‫َخي َفأَصبح ِمن َّ ِ ِ‬
‫سوء َة أ ِ‬
‫النادم َ‬ ‫ْ ََ َ‬ ‫ََْ‬
‫إليك ألقتلك} ألني ال أبطل‬
‫{ما أنا بباسط يدي َ‬

‫أعمالك التي هي شديدة في مواضعها من‬

‫المحسوسات وال أقطع عنك حياتك التي هي مدد‬

‫النفس والهوى وال أمنعك عن فعلك الخاص بك‬

‫أن المصالح الجزئية وأحكام‬


‫إذ العقل يعلم ّ‬

‫المحسوسات والمعاني الجزئية المعلقة بها‬

‫وترتيب أسباب المعاش كلها ال تحصل وال تتيسر‬

‫إال بالوهم ولوال الرجاء وحصول األماني واآلمال‬

‫الصادرة عن الوهم لم يتيسر ألحد ما يتمعش به‬

‫اء} [فاطر‪ ،‬اآلية‪ ]28 :‬واعلم بأنه‬ ‫{إني أخاف هللا رب العالمين} ألني أعرفه‪ ،‬وقال‪ِ{ :‬إَّنما يخ َشى َّ ِ ِ ِ ِ‬
‫َّللاَ م ْن عَباده اْل ُعَل َم ُ‬ ‫َ َْ‬ ‫ّ‬
‫أتعرض له في ذلك {إني أريد أن تبوء} بإثم قتلي وإثم قتلك من اآلراء الباطلة‬ ‫إنما خلقك لشأن وأوجدك لحكمة‪ ،‬فال ّ‬
‫التصورات الفاسدة التي لم يتقبل قربانك ألجلها {فتكون من أصحاب} نار الحجبة والحرمان {وذلك جزاء الظالمين}‬
‫و ّ‬
‫الحسية في المعقوالت‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الواضعين األشياء في غير موضعها كوضعك األحكام‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وسولت {له َنْفسه َق ْتل أخيه َفَقَتله} بمنعه عن أفعاله الخاصة وحجبه عن نور الهداية {فأصبح من‬
‫{فطوعت} فسهلت ّ‬‫ّ‬
‫ِ‬
‫فإن الوهم إذا انقطع عن‬
‫ين} لتضرره باستيالئه على العقل واستبدال ضاللته وخطئه بهداية العقل وصوابه‪ّ ،‬‬ ‫الخاس ِر َ‬
‫َ‬
‫يتضرر به النفس والبدن جميعاً‪ ،‬كاإلسرافات‬
‫ّ‬ ‫معاضدة العقل حمل النفس بأنواع التسويالت والتزيينات على إقدام أمور‬
‫شدة الحرص في طلب المال والجاه واإلفراط فيضعف الوهم أيضاً أو‬ ‫المذمومة من باب اللذات البهيمية‪ ،‬والسبعية مثل ّ‬
‫يبطل {فبعث هللا} غراب الحرص {يبحث في} أرض النفس {لِي ِريه كيف يوارِي سوأة ِ‬
‫أخيه} أي‪ :‬الوهم‪ ،‬إذ بقطع العقل‬ ‫َْ‬ ‫َ َُ‬ ‫ُ‬
‫عن نور الهداية وحجبها عن السير في العالم العلوي لتحصيل الكمال وطلب سعادة المآل تحير في أمره‪ ،‬فانبعث‬
‫الحرص فهداه في تيه الضاللة وأراه كيف يواري ويدفع عورته أي‪ :‬جثته المقتولة التي حملها الوهم على ظهره حتى‬
‫أنتنت فصار عقل المعاش في تراب األرض وهو صورة العقل المنقطع عن حياة الروح المشوب بالوهم والهوى‬
‫المحجوب عن عالمه في ظلمات أرض النفس المدفون فيها تأكله ديدان القوى الطبيعية باستعمالها في تحصيل لذاتها‬
‫ومطالبها {أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب} الذي دفن فرخه أي‪ :‬داعيته أو كماله في أرض النفس بإفناء ما يحصل‬
‫له وكتمانه فيها {فأواري َس ْوأة أخي} بإخفائها في ظلمة النفس فأنتفع بها {فأصبح من النادمين} عند الخسران وحصول‬
‫الحرمان ‪.‬‬

‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 32‬الى اآلية ‪)49‬‬

‫اس َج ِميعاً َو َم ْن‬ ‫ض َف َكأََّن َما َقَت َل َّ‬


‫الن َ‬ ‫س أ َْو َفس ٍاد ِفي األ َْر ِ‬ ‫يل أََّن ُه من َقَت َل َنْفساً ِب َغ ْي ِر َنْف ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِم ْن أ ِ ٰ ِ‬
‫َجل ذل َك َكتَْبَنا َعَل ٰى َبني إ ْس َرائ َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اس َج ِميعاً وَلَق ْد َجآء ْت ُهم ُرسُلَنا ِباّلَبِّي َٰن ِت ثُ َّم ِإ َّن َكِثي اًر ِم ْن ُهم َب ْع َد ٰذلِ َك ِفي األ َْر ِ‬
‫ض َل ُم ْس ِرُفو َن * ِإَّن َما‬ ‫الن َ‬‫َحَيا َّ‬‫اها َف َكأََّن َما أ ْ‬
‫َحَي َ‬
‫أْ‬
‫ّ ْ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫طع أَي ِدي ِهم وأَرجُلهم ِمن ِخ ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ض َفساداً أَن يَقَّتُلوْا أَو ي َّ‬ ‫َّللاَ وَرسوَل ُه وَي ْس َع ْو َن ِفي األ َْر ِ‬ ‫جز َّ ِ‬
‫الف أ َْو‬ ‫صلُبوْا أ َْو تَُق َ ْ ْ َ ْ ُ ُ ّ ْ‬ ‫ْ َُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ين ُي َح ِارُبو َن َّ َ ُ َ‬ ‫آء الذ َ‬ ‫ََ ُ‬
‫ين تَ ُابوْا ِمن َقْب ِل أَن تَْق ِد ُروْا َعَل ْي ِه ْم‬ ‫َّ َّ ِ‬
‫يم * ِإال الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الد ْنَيا َوَل ُه ْم في اآلخ َرِة َع َذ ٌ‬
‫اب َعظ ٌ‬ ‫ض ٰذلِ َك َل ُه ْم ِخ ْزٌي ِفي ُّ‬
‫ُي َنف ْوْا ِم َن األ َْر ِ‬
‫اه ُدوْا ِفي َسِبيلِ ِه َل َعَّل ُك ْم تُْفلِ ُحو َن * ِإ َّن‬ ‫ََ‬
‫ِ ِ‬
‫يه اْلوِسيَل َة وج ِ‬ ‫آمُنوْا اتَُّقوْا َّ‬
‫َّللاَ َو ْابتَ ُغوْا إَل َ‬
‫َّللا غُفور َّرِحيم * يا أَي َّ ِ‬
‫ُّها الذي َن َ‬
‫َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َن َّ َ َ ٌ‬ ‫اعَل ُموْا أ َّ‬
‫َف ْ‬
‫اب يو ِم اْلِقيام ِة ما تُُقِبل ِم ْنهم وَلهم ع َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َن َلهم َّما ِفي األَر ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫يم‬
‫اب أَل ٌ‬ ‫َ َ َ َّ ُْ َ ُْ َ ٌ‬ ‫ض َجميعاً َو ِم ْثَل ُه َم َع ُه لَيْفتَ ُدوْا به م ْن َع َذ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ين َكَف ُروْا َل ْو أ َّ ُ ْ‬
‫الذ َ‬
‫آء ِب َما‬ ‫ِ‬ ‫ِق َو َّ‬
‫الس ِارَق ُة َفا ْق َ‬ ‫ِ‬ ‫الن ِار وما هم ِبخ ِارِج ِ‬ ‫ِ‬
‫ط ُعوْا أ َْيدَي ُه َما َج َز ً‬ ‫السار ُ‬‫يم * َو َّ‬ ‫اب ُّمق ٌ‬ ‫ين م ْن َها َوَل ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫َ‬ ‫* ُي ِر ُيدو َن أَن َي ْخ ُر ُجوْا م َن َّ َ َ ُ َ‬
‫يم * أََل ْم‬ ‫ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫وب َعَل ْي ِه ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َغُف ٌ‬ ‫َصَل َح َفِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َيتُ ُ‬
‫َّللا ع ِزيز ح ِكيم * َفمن تاب ِمن بع ِد ُ ِ ِ‬
‫ظْلمه َوأ ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ َ‬
‫َكسبا ن َكاالً ِمن َّ ِ‬
‫َّللا َو َّ ُ َ ٌ َ ٌ‬ ‫َّ‬ ‫ََ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّللا َله مْلك َّ ِ‬
‫ول الَ‬ ‫الرُس ُ‬ ‫ُّها َّ‬‫َّللاُ َعَل ٰى ُك ّل َش ْيء َقد ٌير * ٰيأَي َ‬ ‫آء َو َّ‬ ‫آء َوَي ْغف ُر ل َمن َي َش ُ‬ ‫الس َٰم َٰوت َواأل َْرض ُي َع ّذ ُب َمن َي َش ُ‬ ‫َن َّ َ ُ ُ ُ‬ ‫تَ ْعَل ْم أ َّ‬
‫اعو َن لِْل َك ِذ ِب‬ ‫ين َه ُادوْا َس َّم ُ‬
‫َّ ِ‬
‫وب ُه ْم َو ِم َن الذ َ‬
‫ِ‬
‫آمَّنا ِبأَ ْف َواه ِه ْم َوَل ْم تُ ْؤ ِمن ُقُل ُ‬
‫ين َقاُلوْا َ‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ُي َس ِارُعو َن في اْل ُكْف ِر م َن الذ َ‬
‫يحز َّ ِ‬
‫نك الذ َ‬ ‫َ ُْ َ‬
‫َّ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اح َذ ُروْا َو َمن‬ ‫وك ُي َحِّرُفو َن اْل َكل َم من َب ْعد َم َواضعه َيُقوُلو َن ِإ ْن أُوِتيتُ ْم َهـٰ َذا َف ُخ ُذوهُ َوإِن ل ْم تُ ْؤتَ ْوهُ َف ْ‬ ‫ين َل ْم َيأْتُ َ‬ ‫اعو َن لَق ْو ٍم آ َخ ِر َ‬ ‫َس َّم ُ‬
‫الد ْنيا ِخ ْزي وَلهم ِفي ِ‬
‫اآلخ َرِة‬ ‫ِ‬ ‫ين َل ْم ُي ِرِد َّ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫َّللا ِف ْتنته َفَلن تملِك َله ِمن َّ ِ‬
‫ٌ َ ُْ‬ ‫وب ُه ْم َل ُه ْم في ُّ َ‬ ‫ط ِّه َر ُقُل َ‬ ‫َّللاُ أَن ُي َ‬ ‫َّللا َش ْيئاً أ ُْوَلـٰئ َك الذ َ‬ ‫َْ َ ُ َ‬ ‫ُي ِرِد َّ ُ َ َ ُ‬
‫ض َع ْن ُه ْم َفَلن‬ ‫ض َع ْن ُه ْم َوِإن تُ ْع ِر ْ‬ ‫َع ِر ْ‬
‫اح ُك ْم َب ْيَن ُه ْم أ َْو أ ْ‬
‫وك َف ْ‬
‫آء َ‬ ‫َكاُلو َن لِ ُّ ِ ِ‬ ‫اعو َن لِْل َك ِذ ِب أ َّ‬ ‫ِ‬
‫لس ْحت َفإن َج ُ‬ ‫يم * َس َّم ُ‬ ‫اب َعظ ٌ‬ ‫َع َذ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫يضُّروك َشيئاً وإِ ْن ح َكم َت َفاح ُكم بيَنهم ِباْلِقس ِط ِإ َّن َّ ِ‬
‫يها ُح ْك ُم‬ ‫ون َك َو ِع ْن َد ُه ُم التَّ ْوَراةُ ف َ‬ ‫ف ُي َح ِّك ُم َ‬ ‫ين * َوَك ْي َ‬ ‫َّللاَ ُيح ُّب اْل ُمْقسط َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ َْ ُ ْ‬ ‫َُ َ ْ َ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ٰ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين أ َْسَل ُموْا‬ ‫النِبيُّو َن الذ َ‬ ‫ور َي ْح ُكم ِب َها َّ‬
‫ُ‬ ‫يها ُه ًدى َوُن ٌ‬ ‫ين * ِإَّنآ أ َ ْ‬
‫َنزلَنا التَّ ْوَراةَ ف َ‬ ‫َّللا ثُ َّم َيتََول ْو َن من َب ْعد ذل َك َو َمآ أ ُْوَلـٰئ َك ِباْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫اخ َش ْو ِن َوالَ تَ ْشتَ ُروْا‬ ‫اس َو ْ‬ ‫الن َ‬‫َّللاِ َوَك ُانوْا َعَل ْي ِه ُش َه َدآء َفالَ تَ ْخ َشُوْا َّ‬ ‫اب َّ‬ ‫ظوْا ِمن ِكتَ ِ‬ ‫استُ ْحِف ُ‬ ‫َّانيُّو َن واأل ْ ِ‬
‫َحَب ُار ب َما ْ‬
‫الرب ِ‬
‫ين َه ُادوْا َو َّ‬ ‫للذ َ‬
‫َِّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫س َواْل َع ْي َن ِباْل َع ْي ِن‬ ‫النْف َس ِب َّ‬
‫النْف ِ‬ ‫َن َّ‬ ‫يهآ أ َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ َفأ ُْوَلـٰئ َك ُه ُم اْل َكاف ُرو َن * َوَكتَْبَنا َعَل ْيه ْم ف َ‬ ‫َنزَل َّ‬ ‫ِب َآي ِاتي ثَ َمناً َقلِيالً َو َمن َّل ْم َي ْح ُكم ِب َمآ أ َ‬
‫ِ‬ ‫ف واألُ ُذن ِباألُ ُذ ِن و ِ ِ ِ‬
‫َّللاُ‬
‫أنزَل َّ‬ ‫صَّد َق ِبه َف ُهَو َكَّف َارةٌ َّل ُه َو َمن َّل ْم َي ْح ُكم ِب َمآ َ‬ ‫اص َف َمن تَ َ‬ ‫ص ٌ‬
‫ِ‬
‫الس ِّن َواْل ُج ُرو َح ق َ‬ ‫الس َّن ب ّ‬ ‫َ ّ‬ ‫ف ِباأل َْن َ َ‬
‫ِ‬
‫َواأل َْن َ‬
‫يه ُه ًدى‬ ‫نجيل ِف ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الظالِمو َن * وَقَّفيَنا عَل ٰى آثَ ِارِهم ِبعيسى اب ِن مريم م ِ ِ‬ ‫َفأُوَلـِٰئك هم َّ‬
‫صّدقاً ّل َما َب ْي َن َي َد ْيه م َن التَ ْوَراة َوآتَْيَناهُ اإل َ‬ ‫َ َ ْ َ ْ ََ ُ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ُُ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإل ْن ِج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ فيه َو َمن ل ْم َي ْح ُكم‬ ‫َنزَل َّ‬ ‫يل ِب َمآ أ َ‬ ‫َهل ِ‬
‫ين * َوْلَي ْح ُك ْم أ ْ ُ‬ ‫ظ ًة ّلْل ُمتَّق َ‬‫صّدقاً ّل َما َب ْي َن َي َد ْيه م َن التَّ ْوَراة َو ُه ًدى َو َم ْو ِع َ‬ ‫ور َو ُم َ‬ ‫َوُن ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َنزلَنآ ِإَل ْي َك اْل ِكتَاب ِباْلح ِّق مصِّدقاً ِّلما ب ْي َن ي َد ْي ِه ِم َن اْل ِكتَ ِ‬ ‫َّللا َفأُوَلـِٰئك هم اْلَف ِ‬
‫اح ُكم‬
‫اب َو ُم َه ْيمناً َعَل ْيه َف ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫اسُقو َن * َوأ َ ْ‬ ‫َنزَل َّ ُ ْ َ ُ ُ‬ ‫ِب َمآ أ َ‬
‫ُم ًة‬
‫َّللاُ َل َج َعَل ُك ْم أ َّ‬
‫آء َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا والَ تَتَِّبع أَهوآءهم ع َّما جآءك ِمن اْلح ِق لِ ُك ٍل جعْلنا ِم ُ ِ‬ ‫َب ْيَن ُهم ِب َمآ أ َ‬
‫نك ْم ش ْرَع ًة َوم ْن َهاجاً َوَل ْو َش َ‬ ‫ْ َْ َ ُ ْ َ َ َ َ َ َ ّ ّ َ َ َ‬ ‫َنزَل َّ ُ َ‬
‫اح ُكم‬ ‫* َوأ ِ‬ ‫يه تَ ْخَتلُِفو َن‬‫ات ِإَلى هللا مرِجع ُكم ج ِميعاً َفينِبُئ ُكم ِبما ُكنتم ِف ِ‬ ‫اكم َفاستَِبُقوا الخير ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َن ْ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َُ ّ‬ ‫َْ ُ ْ َ‬ ‫ٰ‬ ‫َ َْ‬ ‫َواح َد ًة َوَلـٰكن ّلَيْبُل َوُك ْم في َمآ آتَ ُ ْ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ُي ِر ُيد َّ‬
‫َّللاُ أَن‬ ‫َّللاُ ِإَل ْي َك َفِإن تََول ْوْا َف ْ‬
‫اعَل ْم أََّن َما‬ ‫َنزَل َّ‬ ‫وك َعن َب ْع ِ‬
‫ض َمآ أ َ‬ ‫اح َذ ْرُه ْم أَن َيْفتُن َ‬
‫آء ُه ْم َو ْ‬ ‫َّللاُ َوالَ تَتَِّب ْع أ ْ‬
‫َه َو َ‬ ‫َب ْيَن ُه ْم ِب َمآ أ َ‬
‫َنزَل َّ‬
‫اس َلَف ِ‬
‫اسُقو َن‬ ‫ض ُذُنوِب ِه ْم َوإِ َّن َكِثي اًر ِّم َن َّ‬
‫الن ِ‬ ‫يِ‬
‫ص َيب ُهم ِبَب ْع ِ‬ ‫ُ‬

‫{فكأنما َقَت َل الناس جميعاً} ألن كل شخص يشتمل على ما يشتمل عليه جميع أفراد النوع وقيام النوع بالواحد كقيامه‬
‫بتعدد األفراد وال ينقص بانحصاره في شخص‪.‬‬ ‫فإن النوع ال يزيد بحسب الحقيقة ّ‬
‫بالجميع في الخارج وال اعتبار بالعدد ّ‬

‫{يا أيها الذين آمنوا اتُقوا هللا} بالتزكية {وابتغوا ِ‬


‫إليه ِ‬
‫الوسيَلة} بالتحلية {وجاهدوا في َسبيله} بمحو الصفات والفناء بالذات‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫{لعلكم تفلحون} من ظهور بقايا الصفات والذات {ما في األرض} أي‪ :‬ما في الجهة السفلية ألنها أسباب زيادة‬
‫الحجاب والبعد وال ينجع ثمة إال في الجهة العلوية من المعارف والحقائق النورية ‪.‬‬

‫مصدقاً لما بين يديه من الكتاب} أي‪ :‬علم‬‫ّ‬ ‫إليك الكتاب} علم الفرقان الذي هو ظهور تفاصيل كمالك {بالحق‬‫{و ْأن َ ْزلنا َ‬
‫القرآن وهو العلم اإلجمالي الثابت في استعدادك وحافظاً عليه باإلظهار أو لما بين يديه العلوم النازلة على األنبياء‬
‫فإن الغالب على موسى عند الرجوع إلى البقاء عند الفناء بالوجود الموهوب ّقوة النفس وسلطانها‪ ،‬ولهذا‬ ‫السابقين زماناً ّ‬
‫يه َي ُجُّرهُ ِإَل ْي ِه} [األعراف‪ ،‬اآلية‪ ،]150 :‬وقال عند طلب التجلي‪{ :‬أ ِِ‬
‫َرني‬ ‫َخ ِ‬
‫ْس أ ِ‬
‫َخ َذ ِب َأر ِ‬
‫{وأ َ‬
‫بطش بأخيه كما قال تعالى‪َ :‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ظ ْر ِإَل ْي َك} [األعراف‪ ،‬اآلية‪ ]143 :‬فكان أكثر التوراة علم األحكام الذي يتعلق بأحوال النفس وتهذيبها ودعوته إلى‬
‫أَن ُ‬
‫الظاهر والغالب على عيسى ّقوة القلب ونوره‪ ،‬ولهذا تجرد عن مالبس الدنيا وأمر بالترهب‪ .‬وقال لبعض أصحابه‪ :‬إذا‬
‫ط َمك‪ .‬وكان أكثر اإلنجيل علم تجليات الصفات واألخالق والمواعظ والنصائح‬ ‫ُل ِطمت في خدك ِ‬
‫فأدر الخد اآلخر لمن َل َ‬ ‫ْ‬
‫التي تتعلق بأحوال القلب وتصفيته وتنويره ودعوته إلى الباطن والغالب على محمد عليه الصالة والسالم سلطان الروح‬
‫ونوره‪ ،‬فكان جامعاً لمكارم األخالق متمماً لها‪ ،‬عادالً في األحكام‪ ،‬متوسطاً فيها‪ .‬وكان القرآن شامالً لما في الكتابين‬
‫مصدقاً له‪ ،‬حافظاً عليه‪ ،‬مع زيادات في التوحيد والمحبة ودعوته إلى التوحيد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫من العلوم واألحكام والمعارف‬

‫أنزَل هللا} من العدل الذي هو ظل المحبة التي هي ظل الوحدة التي انكشفت عليك {وال تَتّبع‬
‫بما َ‬
‫{فاح ُكم َب ْيَنهم َ‬
‫ْ‬
‫فإن‬
‫جاءك من الحق} من التوحيد واملحبة والعدل‪ّ ،‬‬‫َ‬ ‫أهواءهم} في تغليب أحد الجانبين‪ ،‬إما الظاهر وإما الباطن {عما‬
‫ٍ‬
‫{لكل‬
‫التوحيد يقتضي المحبة‪ ،‬والمحبة العدل‪ ،‬ويقع ظله من سماء الروح على القلب بالمحبة‪ ،‬وعلى النفس بالعدالة ّ‬
‫َج َعْلَنا منكم شرعة ومنهاجاً} مورداً كمورد النفس ومورد القلب ومورد الروح‪ ،‬وطريقاً كعلم األحكام والمعامالت التي‬
‫جنة الصفات‪ ،‬وعلم التوحيد والمشاهدة الذي يتعلق بالروح وسلوك‬
‫تتعلق بالقلب وسلوك طريق الباطن الموصل إلى ّ‬
‫أمة واحدة} موحدين على الفطرة األولى‪ ،‬متفقين على‬
‫طريق الفناء الذي يوصل إلى جنة الذات {ولو شاء هللا لجعلكم ّ‬
‫{فاستَبقوا‬
‫فتتنوع الكماالت ْ‬
‫دين واحد {ولكن} ليظهر عليكم ما آتاكم بحسب استعداداتكم على قدر قبول كل واحد منكم ّ‬
‫قدر لكم بحسب استعدادكم المقربة إياكم إليه بإخراجه إلى الفعل {إلى‬
‫الخيرات} أي‪ :‬األمور الموصلة إلى كمالكم الذي ّ‬
‫هللا َم ْرِجعكم جميعاً} في عين جمع الوجود على حسب المراتب ال عين جمع الذات {فُي ُ‬
‫نبئكم بما كنتم فيه تختلفون}‬
‫أي‪ :‬يظهر عليكم ما اختلفتم فيه بحسب اختالف استعداداتكم من طلب إحدى الجنان الثالث‪ ،‬والوصول إليها‪،‬‬
‫والحرمان بموانعها التي احتجبتم بها عما في استعدادكم من الكمال {ببعض ذنوبهم} ذنوب اليهود حجب األفعال‬
‫وذنوب النصارى حجب الصفات ففسق اليهود هو الخروج عن حكم تجليات األفعال اإللهية برؤية النفس أفعالها‬
‫أن فسق‬
‫الحقانية برؤية النفس صفاتها واحتجابها بها كما ّ‬
‫ّ‬ ‫وفسق النصارى خروجهم عن حكم ّ‬
‫تجليات الصفات‬
‫المحمديين هو االلتفات إلى ذواتهم والخروج عن حكم الوحدة الذاتية‪.‬‬

‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 50‬الى اآلية ‪)54‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َّللاِ ح ْكماً ِّلَقو ٍم يوِقنون * يـٰأَي َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ِ‬
‫ص َار ٰى أ َْولَي َ‬
‫آء‬ ‫الن َ‬ ‫آمُنوْا الَ َتتَّ ِخ ُذوْا اْلَي ُه َ‬
‫ود َو َّ‬ ‫ين َ‬
‫ُّها الذ َ‬
‫َ َ‬ ‫ْ ُ ُ َ‬ ‫َح َس ُن م َن َّ ُ‬ ‫أََف ُح ْك َم اْل َجاهليَّة َي ْب ُغو َن َو َم ْن أ ْ‬
‫الظالِ ِمين * َفتَرى َّال ِذ ِ‬ ‫َّللا الَ يه ِدي اْلَقوم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ض َو َمن َيتَ َوَّل ُه ْم ِّم ُ‬
‫ض‬ ‫ين في ُقُلوب ِِهم َّم َر ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫نك ْم َفِإَّن ُه م ْن ُه ْم ِإ َّن َّ َ َ ْ‬ ‫ض ُهم أ َْولَِيآء َب ْع ٍ‬
‫ُ‬ ‫َب ْع ُ ْ‬
‫َسُّروْا ِفي‬ ‫َّللا أَن َيأِْتي ِباْلَف ْت ِح أَو أَم ٍر ِم ْن ِع ِندِه َفُي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫صب ُحوْا َعَل ٰى َمآ أ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ ّ‬ ‫َ‬ ‫ُي َس ِارُعو َن فيه ْم َيُقوُلو َن َن ْخ َش ٰى أَن تُص َيبَنا َدآئ َرةٌ َف َع َسى َّ ُ‬
‫َصَب ُحوْا‬
‫َع َماُل ُه ْم َفأ ْ‬ ‫اَّللِ َج ْه َد أ َْي َم ِان ِه ْم ِإَّن ُه ْم َل َم َع ُك ْم َحِب َ‬
‫ط ْت أ ْ‬ ‫ين أَ ْق َس ُموْا ِب َّ‬ ‫أَنُف ِس ِهم ن ِاد ِمين * ويُقول َّال ِذين آمنوْا أ ِ َّ ِ‬
‫َه ُـؤالء الذ َ‬‫َ َُ ُ‬ ‫ََ ُ‬ ‫ْ ْ َ َ‬
‫َّللا ِبَقو ٍم ي ِحبُّهم وي ِحبُّونه أ َِذَّل ٍة عَلى اْلمؤ ِمِنين أ ِ‬
‫َعَّزٍة‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫آمُنوْا َمن َي ْرتََّد ِم ُ‬ ‫اس ِرين * ٰيأَي َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُْ َ‬ ‫َ‬ ‫ف َيأْتي َّ ُ ْ ُ ُ ْ َ ُ َ ُ‬ ‫نك ْم َعن دينه َف َس ْو َ‬ ‫ين َ‬
‫ُّها الذ َ‬‫َ‬ ‫َخ َ‬
‫ِ‬ ‫َّللاِ يؤِتي ِه من ي َشآء و َّ ِ‬ ‫ِ ٰ‬ ‫يل َّ ِ‬‫اه ُدو َن ِفي سِب ِ‬‫عَلى اْل َك ِاف ِرين يج ِ‬
‫يم‬
‫َّللاُ َواس ٌع َعل ٌ‬ ‫ض ُل َّ ُ ْ َ َ ُ َ‬ ‫َّللا َوالَ َي َخا ُفو َن َل ْو َم َة الئ ٍم ذلِ َك َف ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬

‫{أفحكم الجاهلية يبغون} أي‪ :‬ما يطلبون بجهلهم إال حكماً صاد اًر عن مقام النفس بالجهل ال صاد اًر عن علم إلهي‬
‫أي حجاب كان وخرج عنه فهو من المردودين‬ ‫{من ير ّتد} من يرجع عن طريق الحق إلى االحتجاب ببعض الحجب‪ّ ،‬‬
‫ال من أهل ا لمحبة وال ينثلم وال ينتقض دين الحق بارتداده‪ ،‬فإن هللا سوف يأتي بقوم يحبهم بحسب العناية األولى ال‬
‫لعلة بل لذواتهم‪ ،‬ويحبون ذاته ال لصفة من صفاته ككونه لطيفاً أو رحيماً أو منعماً فإن محبة الصفات تتغير‬
‫باختالف تجلياتها ومن يحب اللطيف لم تبق محبته إذا تجلى بصفة القهر‪ ،‬ومن يحب المنعم انمحت محبته إذا تجلى‬
‫بصفة المنتقم‪ .‬وأما محبة الذات فهي باقية ببقائها ال تتغير باختالف التجليات فيحب محبها القهار عند القهر كما‬
‫يحب اللطيف عند اللطف‪ ،‬ويحب المنتقم حالة االنتقام كما يحب المنعم حالة اإلنعام فال تفاوت في الرضا وعدمه‪ ،‬وال‬
‫تختلف محبته في أحواله ويشكر عند البالء كما يشكر عند النعماء‪ .‬وأما من يحب المنعم فال يشكر عند البالء بل‬
‫يصبر ومثل هذه المحبة يلزم المحبة األولى التي هي هلل وألوليائه فيحبونه بحبه إياهم‪ ،‬وإال فمن أين لهم المحبة هلل‪،‬‬
‫ورب األرباب‪.‬‬
‫ما للتراب ّ‬

‫ِ‬
‫{أذلة على المؤمنين} لينين حانين عليهم‪ ،‬عطوفين في تواضعهم لهم لمكان الجنسية الذاتية ورابطة المحبة األزلية‬
‫أشداء غالظ {على} المحجوبين ألضداد ما ذكر {يجاهدون في سبيل هللا} بمحو‬ ‫ِ‬
‫والمناسبة الفطرية بينهم {أعزًة} ّ‬
‫صفاتهم وإفناء ذواتهم التي هي حجب مشاهداتهم {وال يخافون لومة الئم} من نسبتهم إلى اإلباحة والزندقة والكفر‪،‬‬
‫وعذلهم بترك الدنيا ولذاتها‪ ،‬بل بترك اآلخرة ونعيمها كما قال أمير المؤمنين عليه السالم‪" :‬اعبدوا هللا ال لرغبة وال‬
‫لرهبة"‪ ،‬فهم من الفتيان الذين قيل فيهم‪:‬‬

‫العذال‬
‫هانت عليه مالمة ُ‬ ‫وإذا الفتى عرف الرشاد لنفسه‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 55‬الى اآلية ‪)64‬‬

‫ين‬ ‫َّ ِ‬ ‫اك ُعو َن * َو َمن َيتََو َّل َّ‬‫رِ‬ ‫وة وُي ْؤتُو َن َّ‬ ‫و َّال ِذين آمنوْا َّال ِذين يِقيمون َّ ٰ‬ ‫َولِي ُ‬ ‫ِإَّن َما‬
‫َّللاَ َوَرُسوَل ُه َوالذ َ‬ ‫َ‬ ‫اة َو ُه ْم‬
‫الزَك َ‬ ‫الصل َ َ‬ ‫َ ُ ُ َ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫َّللاُ َوَرُسوُل ُه‬
‫ُّك ُم َّ‬
‫اب‬ ‫ِ‬
‫ين أُوتُوْا اْلكتَ َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫د َين ُك ْم ُه ُزواً َوَلعباً ّم َن الذ َ‬ ‫ين اتَّ َخ ُذوْا‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫آمُنوْا الَ تَتَّخ ُذوْا الذ َ‬
‫ين َ‬
‫اْلغالِبون * يـٰأَي َّ ِ‬
‫ُّها الذ َ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َّللاِ ُه ُم‬
‫َفِإ َّن ِح ْز َب َّ‬
‫آمُنوْا‬
‫َ‬
‫الصٰلوِة اتَّخ ُذوها ه ُزواً وَل ِعباً ٰذلِك ِبأََّنهم َقوم الَّ‬
‫* َوإِ َذا َن َاد ْيتُ ْم ِإَلى َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ ُْ ٌْ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫َّللاَ ِإن ُكنتُم ُّم ْؤ ِمن َ‬
‫ين‬ ‫آء َواتَُّقوْا َّ‬ ‫ِ‬
‫من َقْبل ُك ْم َواْل ُكف َار أ َْولَي َ‬
‫َن أَ ْكثَرُكم َف ِ‬ ‫ُنزل ِإَلينا ومآ أ ِ ِ‬ ‫آمَّنا ِب َّ ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫َهل اْل ِكتَ ِ‬ ‫ِ‬
‫اسُقو َن *‬ ‫ُنزَل من َقْب ُل َوأ َّ َ ْ‬ ‫اَّلل َو َمآ أ ِ َ ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫اب َه ْل تَنق ُمو َن مَّنآ ِإال أ ْ‬
‫َن‬ ‫َي ْعقُلو َن * ُق ْل َيـٰأ ْ َ‬
‫ضب عَلي ِه وجعل ِم ْنهم اْلِقردة واْلخن ِازير وعبد َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ َمن َّل َعَن ُه َّ‬
‫وب ًة ِع َند َّ‬ ‫ِ ِٰ‬
‫وت‬‫اغ َ‬ ‫الط ُ‬ ‫َّللاُ َو َغ َ َ ْ َ َ َ َ ُ ُ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ُق ْل َه ْل أَُنِّبُئ ُك ْم ِب َشٍّر ّمن ذل َك َمثُ َ‬
‫َعَل ُم ِب َما‬ ‫آمَّنا َوَق ْد َّد َخُلوْا ِباْل ُكْف ِر َو ُه ْم َق ْد َخ َرُجوْا ِب ِه َو َّ‬
‫َّللاُ أ ْ‬ ‫وك ْم َقاُلوْا َ‬
‫آء ُ‬
‫*وإِ َذا َج ُ‬‫السبيل َ‬
‫آء َّ ِ ِ‬ ‫أُوَلـِٰئك َشٌّر َّم َكاناً وأَض ُّل عن سو ِ‬
‫َ َ َ ََ‬ ‫ْ َ‬
‫ان َوأَ ْكلِ ِه ُم ُّ‬
‫الس ْح َت َلِب ْئ َس َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * َل ْوالَ َي ْن َه ُ‬
‫اه ُم‬ ‫َك ُانوْا َي ْكتُمو َن * وتَ َر ٰى َكِثي اًر ِم ْنهم ُيس ِارُعو َن ِفي ِ‬
‫اإل ْث ِم َواْل ُع ْد َو ِ‬ ‫ّ ُْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫َّللا م ْغُلوَل ٌة ُغل ْت أ َْيد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإل ْث َم َوأَ ْكل ِه ُم ُّ‬
‫َحَب ُار َعن َقولِ ِهم ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫يه ْم‬ ‫ود َي ُد َّ َ‬ ‫صَن ُعو َن * َوَقاَلت اْلَي ُه ُ‬ ‫الس ْح َت َلب ْئ َس َما َك ُانوْا َي ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫الربَّانيُّو َن َواأل ْ‬
‫ط ْغَيان ًا َوُكْف اًر َوأَْلَق ْيَنا َب ْيَن ُه ُم‬
‫ِك ُ‬ ‫ِ‬ ‫ف َي َشآء َوَلَي ِز َيد َّن َكِثي اًر ِّم ْن ُهم َّمآ أ ِ‬
‫ُنزَل ِإَل ْي َك من َّرّب َ‬
‫طتَ ِ ِ‬
‫ان ُينف ُق َك ْي َ‬ ‫َوُل ِعُنوْا ِب َما َقاُلوْا َب ْل َي َداهُ َم ْب ُسو َ‬
‫ُ‬
‫َّللاُ الَ ُي ِح ُّب‬
‫ض َف َساداً َو َّ‬ ‫َّللاُ وَي ْس َع ْو َن ِفي األ َْر ِ‬
‫َها َّ َ‬ ‫ام ِة ُكَّل َمآ أ َْوَق ُدوْا َنا اًر ّلِْل َح ْر ِب أَ ْ‬
‫طَفأ َ‬
‫ِ‬ ‫ض ِ‬
‫آء إَل ٰى َي ْو ِم اْلقَي َ‬
‫اْل َع َد َاوَة َواْلَب ْغ َ َ‬
‫ين‬ ‫ِِ‬
‫اْل ُمْفسد َ‬

‫ورُسوله} والمؤمنون ال هم للتنافي الحقيقي بينكم وبينهم‪ ،‬أي‪ :‬يتولى هللا ورسوله والمؤمنون إياكم أو ال‬
‫وليكم هللا َ‬
‫{إنما ُ‬
‫للتضاد الحقيقي بينهم‪ ،‬إنما تتولون هللا ورسوله والذين آمنوا أنتم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يتولى هللا وأولياءه من الرسول والمؤمنين المحجوبون‬
‫جمع أوالً في إثبات واليتهم هلل مطلقاً ثم فصلها بحسب الظاهر‪ ،‬فقال‪{ :‬ورسوله والذين آمنوا}‪ ،‬كما فعل في الشهادة‬
‫َّللاُ أََّن ُه الَ ِإَلـ َٰه ِإالَّ ُه َو} [آل عمران‪ ،‬اآلية‪.]18 :‬‬
‫{ش ِه َد َّ‬
‫في قوله تعالى‪َ :‬‬

‫{ويؤتو َن} زكاة البقايا {وهم َراكعون} خاضعون في البقاء باهلل‬


‫{الذين} آمنوا {يقيمو َن} صالة الشهود والحضور الذاتي ُ‬
‫بنسبة كماالتهم وصفاتهم إلى هللا كأمير المؤمنين عليه السالم النازل في حقه هذا القائل‪ :‬ال إله إال هللا بعد فناء‬

‫الخلق‪ ،‬ال منتصبون في مقام الطغيان بنسبتها إلى أنفسهم‪{ .‬ومن ّ‬


‫يتول هللا ورسوله والذين آمنوا} فهو من أهل هللا‪ ،‬وإن‬
‫الغالِبون} باهلل ‪.‬‬
‫أهل هللا {هم َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{وترى كثي اًر منهم ُي َسارعون} أي‪ :‬يقدمون على جميع الرذائل بالسرعة العتيادهم بها وتدربهم فيها وكونها ملكات‬
‫القوة الشهوية‪.‬‬
‫لنفوسهم فاإلثم رذيلة القوة النطقية ألنه الكذب‪ ،‬والعدوان رذيلة ّ‬

‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 65‬الى اآلية ‪)71‬‬

‫ِ ِ‬ ‫َن أَهل اْل ِك ٰتَ ِب ءامنوْا واتََّقوْا َل َكَّفرنا ع ْنهم سِيَئ ِات ِهم وأل َْدخْل ٰنهم ج َّٰن ِت َّ ِ‬
‫اموْا التَّ ْوَرَاة َواإل ْنج َ‬
‫يل َو َمآ‬ ‫النعي ِم * َوَل ْو أََّن ُه ْم أََق ُ‬ ‫َْ َ ُ ْ َ ّ ْ َ َ َُ ْ َ‬ ‫َ َُ َ ْ‬ ‫َوَل ْو أ َّ ْ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َكُلوْا ِمن َف ْوِق ِه ْم َو ِمن تَ ْح ِت أ َْرُجلِ ِهم ِّم ْن ُه ْم أ َّ‬
‫ُنزَل ِإَلي ِه ْم ِّمن َّرّب ِِه ْم أل َ‬
‫أِ‬
‫آء َما َي ْع َمُلو َن * َيـٰأَي َ‬
‫ُّها‬ ‫ُم ٌة ُّمْقتَص َدةٌ َوَكث ٌير ّم ْن ُه ْم َس َ‬
‫َّللاَ الَ َي ْه ِدي اْلَق ْوَم‬
‫اس ِإ َّن َّ‬
‫الن ِ‬ ‫ص ُم َك ِم َن َّ‬ ‫َّللا يع ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ِك َوإِن ل ْم تَْف َع ْل َف َما َبل ْغ َت ِرَساَلتَ ُه َو َّ ُ َ ْ‬
‫ِ‬
‫ُنزَل ِإَل ْي َك من َّرّب َ‬‫ول َبّلِ ْغ َمآ أ ِ‬
‫الرُس ُ‬ ‫َّ‬
‫ِك ْم َوَلَي ِز َيد َّن َكِثي اًر ِّم ْن ُه ْم‬
‫ُنزَل ِإَل ْي ُك ْم ِّمن َّرّب ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫يموْا التَّ ْوَرَاة َواإل ْنج َ‬
‫يل َو َمآ أ ِ‬ ‫ٍ َّ ِ‬ ‫ين * ُق ْل يـٰأ ْ ِ ِ‬
‫َه َل اْلكتَاب َل ْستُ ْم َعَل ٰى َش ْيء َحت ٰى تُق ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اْل َكاف ِر َ‬
‫الصاِبُئو َن َو َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َار ٰى‬ ‫الن َ‬ ‫ين َه ُادوْا َو َّ‬ ‫آمُنوْا َوالذ َ‬ ‫ين َ‬ ‫ين * ِإ َّن الذ َ‬ ‫ْس َعَلى اْلَق ْو ِم اْل َكاف ِر َ‬ ‫ط ْغَياناً َوُكْف اًر َفالَ تَأ َ‬
‫ِك ُ‬‫َّمآ أ ُْن ِزَل ِإَل ْي َك من َّرّب َ‬
‫يل َوأ َْرَسْلَنآ‬ ‫اآلخ ِر وع ِمل صالِحاً َفالَ خوف عَلي ِهم والَ هم يح َزنون * َلَق ْد أَخ ْذنا ِميثَ ِ ِ ِ‬ ‫اَّللِ واْليو ِم ِ‬ ‫ِ‬
‫اق َبني إ ْس َرائ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ ٌ َ ْ ْ َ ُْ َ ْ ُ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫آم َن ب َّ َ َ ْ‬ ‫َم ْن َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِإَل ْي ِهم ُرسالً ُكَّلما َجآء ُهم َرس ٌ ِ‬
‫ول ب َما الَ تَ ْه َو ٰى أ َْنُف ُس ُه ْم َف ِريقاً َكذُبوْا َوَف ِريقاً َيْقُتُلو َن * َو َحسُبوْا أَال تَ ُكو َن ف ْتَن ٌة َف َع ُموْا َو َ‬
‫ص ُّموْا ثُ َّم‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬
‫ِ‬
‫َّللاُ َبص ٌير ِب َما َي ْع َمُلو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ُّموْا َكث ٌير ّم ْن ُه ْم َو َّ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ َعَل ْيه ْم ثُ َّم َع ُموْا َو َ‬
‫اب َّ‬
‫تَ َ‬

‫أن أهل الكتاب آمنوا} آمنوا اإليمان التوحيدي الحقيقي {واتّقوا} واجتنبوا عن شرك أفعالهم وصفاتهم وذواتهم‬
‫{ولو ّ‬
‫{لكفرنا عنهم سيئاتهم} من بقاياهم {وألدخلناهم} الجنات الثالث {ولو أنهم أقاموا التوراة} بتحقق علوم الظاهر والقيام‬
‫بحقوق تجليات األفعال والمحافظة على أحكامها في المعامالت {واإلنجيل} بتحقق عنوان الباطن‪ ،‬والقيام بحقوق‬
‫تجليات الصفات‪ ،‬والمحافظة على أحكامها {و} احكموا {ما أ ُْن ِزل إليهم} من علم المبدأ والمعاد وتوحيد الملك والملكوت‬
‫العلوي الروحاني العلوم اإللهية‬
‫ّ‬ ‫من عالم الربوبية الذي هو عالم األسماء {ألكلوا من فوقهم} أي‪ :‬لرزقوا من العالم‬
‫الحقانية التي بها اهتدوا إلى معرفة هللا ومعرفة الملكوت والجبروت {ومن تحت‬
‫ّ‬ ‫والحقائق العقلية اليقينية‪ ،‬والمعارف‬
‫الحسية التى اهتدوا بها إلى معرفة عالم الملك‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أرجلهم} أي‪ :‬من العالم السفلي الجسماني العلوم الطبيعية والمدركات‬
‫ّ‬
‫أمة‬
‫فعرفوا هللا باسمه الظاهر والباطن‪ ،‬بل بجميع األسماء والصفات ووصلوا إلى مقام التوحيدين المذكورين {منهم ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ُمْقتصدة} عادلة واصلة إلى توحيد األسماء والصفات {وكثير منهم} لم يصلوا إلى توحيد األفعال بعد فضالً عن توحيد‬
‫الصفات‪ ،‬فساء عملهم ألنه من صفات نفوسهم فهو حجابهم األكثف‪.‬‬

‫{وأرسلنا إليهم رسالً} على حسب مراتبهم فلما كانوا محجوبين من جميع الوجوه أرسلنا موسى لرفع حجاب األفعال‬
‫والدعوة إلى توحيد الملك‪ ،‬فما هوته أنفسهم ألن دعوته كانت مخالفة لهواها لضراوتها بأفعالها وبتجمعها بها وبلذاتها‬
‫وشهواتها فكذبوه وعبدوا عجل النفس واعتدوا في السبت وفعلوا ما فعلوا حتى إذا آمن به من آمن وبرز من حجاب‬
‫األفعال حسب أنه الكمال المطلق‪ ،‬فأرسلنا عيسى برفع حجاب الصفات والدعوة إلى الباطن‪ ،‬وتوحيد الملكوت فما‬
‫هوته أنفسهم لمخالفة دعوته هواها من حسبان الكمال‪ ،‬فك ّذبوه وفعلوا ما فعلوا حتى إذا آمن به من آمن وبرز عن‬
‫حجاب الصفات بقي على حاله‪ ،‬حاسباً لنفسه الكمال المطلق فأرسلنا محمداً برفع حجاب الصفات والدعوة إلى توحيد‬
‫الذات فما هوته أنفسهم فكذبوه‪.‬‬

‫{وحسبوا أن ال تكون فتنة} شرك عند توحيد األفعال وظهور الدعوة العيسوية ُ‬
‫{فعموا} عن تجليات رؤية الصفات‬
‫وصموا}‬
‫ُ‬ ‫عموا‬
‫{وصموا} عن سماع علمها {ثم تاب هللا عليهم} بفتح أسماع قلوبهم وأبصارها‪ ،‬فتابوا‪ ،‬فَقبل توبتهم {ثم ُ‬
‫ُ‬
‫عند الدعوة المحمدية عن مشاهدة الوجه الباقي وسماع علم توحيد الجمع المطلق {وهللا بصير} بعملهم في المقامات‬
‫ورد الدعوات وإنكار األنبياء فيجازيهم على حسب حالهم‪.‬‬
‫الثالث ّ‬

‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 72‬الى اآلية ‪)72‬‬

‫اَّللِ‬
‫َّك ْم ِإَّن ُه َمن ُي ْش ِر ْك ِب َّ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين َقاُلوْا ِإ َّن َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّللاَ َرّبِي َوَرب ُ‬
‫اعُب ُدوْا َّ‬
‫يل ْ‬
‫يح َي َابني إ ْس َرائ َ‬
‫ال اْل َمس ُ‬
‫يح ْاب ُن َم ْرَي َم َوَق َ‬
‫َّللاَ ُه َو اْل َمس ُ‬ ‫َلَق ْد َكَف َر الذ َ‬
‫َنص ٍار‬ ‫لظالِ ِم ِ‬ ‫النار وما لِ َّ‬ ‫ِ‬
‫ين م ْن أ َ‬‫َ‬ ‫َّللاُ َعَليه اْل َجَّن َة َو َمأ َْواهُ َّ ُ َ َ‬
‫َفَق ْد َحَّرَم َّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{اعبدوا هللا ربي وربكم} أي‪ :‬خصصوا عبادتكم بالذات الموصوفة بجميع الصفات واألسماء التي هي الوجود المطلق‪،‬‬
‫فإن نسبة ربوبيته إلى الكل سواء ومن حصر ألوهيته في صورة وخصصها باسم معين وكلمة‬
‫وال تعينوه باسم وصفة‪ّ ،‬‬
‫معينة وصفة معينة‪ ،‬فقد أثبت غيره ضرورة وجود ما سواه من األسماء والصور والصفات‪ .‬ومن أثبت غيره فقد أشرك‬
‫به ومن أشرك به {فقد ح ّرم هللا عليه} جنة شهوده بذاته وصفاته وأفعاله أي‪ :‬الجنة المطلقة الشاملة‪ ،‬يعني‪ :‬فقد حجبه‬
‫مطلقاً {ومأواه} نار الحرمان لظلمه بالشرك {وما للظالمين من أنصار} ينصرونهم فينقذونهم من العذاب ‪.‬‬

‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 73‬الى اآلية ‪)81‬‬

‫اب ُه ْم َخالِ ُدو َن * َّلَق ْد‬ ‫َّللا َعَل ْي ِهم وِفي اْلع َذ ِ‬ ‫َنف ُس ُه ْم أَن َس ِخ َ‬‫ين َكَف ُروْا َلِب ْئ َس َما َقَّد َم ْت َل ُه ْم أ ُ‬ ‫َّ َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ط َّ ُ‬ ‫تَ َر ٰى َكثي اًر ّم ْن ُه ْم َيتََول ْو َن الذ َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َكَفر َّال ِذين َقاُلوْا ِإ َّن َّ ِ‬
‫اب‬ ‫َّللاَ ثَال ُث ثَالَثَة َو َما م ْن ِإَلـٰه ِإال ِإَلـ ٌٰه َواحٌد َوإِن ل ْم َي َنت ُهوْا َع َّما َيُقوُلو َن َلَي َم َّس َّن الذ َ‬
‫ين َكَف ُروْا م ْن ُه ْم َع َذ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ول َق ْد َخَل ْت ِمن َقْبلِ ِه ُّ‬
‫الرُس ُل‬ ‫َّ‬
‫يح ْاب ُن َم ْرَي َم ِإال َرُس ٌ‬
‫ِ‬
‫يم * َّما اْل َمس ُ‬
‫ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬
‫َّللاُ َغُف ٌ‬
‫ون ُه َو َّ‬ ‫* أََفالَ يتوبون ِإَلى َّ ِ‬
‫َّللا َوَي ْستَ ْغِف ُر َ‬ ‫َُ ُ َ ٰ‬ ‫يم‬
‫أَل ٌ‬
‫ِ‬

‫َّللاِ َما الَ‬


‫ظ ْر أََّن ٰى ُي ْؤَف ُكو َن * ُق ْل أَتَ ْعُب ُدو َن ِمن ُدو ِن َّ‬ ‫ظر َكيف نبِين َلهم اآلي ِ‬
‫ات ثُ َّم ْان ُ‬ ‫ْكالَ ِن الط َع َام ْان ُ ْ ْ َ ُ َ ّ ُ ُ ُ َ‬
‫َّ‬ ‫صِّديَق ٌة َك َانا َيأ ُ‬
‫ِ‬ ‫ُم ُه‬
‫َوأ ُّ‬
‫ِ ِِ‬ ‫َهل اْل ِكتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا هو َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫آء َق ْو ٍم‬ ‫اب الَ تَ ْغُلوْا في دين ُك ْم َغ ْي َر اْل َح ِّق َوالَ تَتَِّب ُعوْا أ ْ‬
‫َهَو َ‬ ‫يم * ُق ْل َيـٰأ ْ َ‬
‫يع اْل َعل ُ‬
‫السم ُ‬ ‫ضّاًر َوالَ َنْفعاً َو َّ ُ ُ َ‬
‫َي ْمل ُك َل ُك ْم َ‬
‫ان َداو َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫السِب ِ‬ ‫َق ْد ضُّلوْا ِمن َقبل وأَضُّلوْا َكِثي اًر وضُّلوْا عن سو ِ‬
‫يسى‬
‫ود َوع َ‬ ‫يل َعَل ٰى ل َس ِ ُ‬ ‫ين َكَف ُروْا من َبني إ ْس َرائ َ‬ ‫يل * ُلع َن الذ َ‬ ‫آء َّ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ َ‬ ‫ُْ َ َ‬ ‫َ‬
‫نك ٍر َف َعُلوهُ َلِب ْئ َس َما َك ُانوْا َيْف َعُلو َن * َوَل ْو َك ُانوا‬ ‫ِٰ ِ‬
‫اه ْو َن َعن ُّم َ‬ ‫ْاب ِن َم ْرَي َم ذل َك ب َما َع َ‬
‫ص ْوا َّوَك ُانوْا َي ْعتَ ُدو َن * َك ُانوْا الَ َيتََن َ‬
‫النِب ِي وما أ ُْن ِزل ِإَلي ِه ما اتَّخ ُذوهم أَولِيآء وَلـ ِٰك َّن َكِثي اًر ِم ْنهم َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اسُقو َن‬ ‫ّ ُْ‬ ‫َ ْ َ َ ُْ ْ َ َ َ‬ ‫ُي ْؤمُنو َن باهلل و َّ ّ َ َ‬

‫إن هللا ثالث ثالثة} واحد من جملة ثالثة أشياء‪ :‬الفعل الذي هو ظاهر عالم الملك‪،‬‬
‫{لقد كفر} حجب {الذين قالوا ّ‬
‫والصفة التي هي باطن عالم الملكوت‪ ،‬والذات التي تقوم بها الصفة ويصدر عنها الفعل‪ ،‬إذ ليس هو ذلك الواحد الذي‬
‫توهموه بل الفعل والصفة في الحقيقة عين الذات‪ ،‬وال فرق إال باالعتبار‪ ،‬وما هللا إالّ الواحد المطلق‪ ،‬وإال لكان بحسب‬
‫علواً كبي اًر {وإن لم ينتهوا عما يقولون}‬
‫فتعدد اآللهة سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون ّ‬
‫كل اسم من أسمائه إله آخر‪ّ ،‬‬
‫مستعدين {أفال‬
‫ّ‬ ‫{ليمسن} المحجوبين {عذاب} مؤلم لقصورهم في العرفان مع كونهم‬‫ّ‬ ‫من كون الصفة والفعل غير الذات‬

‫يتوبون إلى هللا} بالرجوع عن إثبات ّ‬


‫التعدد في هللا إلى عين الجمع المطلق‪ ،‬ويستغفرونه عن ذنب رؤية وجودهم ووجود‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ضر وال نفعاً} إذ ال فعل له‬
‫غيرهم {وهللا غفور} يسترهم بذاته {رحيم} يرحمهم بكمال العرفان والتوحيد {ما ال يملك لكم ّاً‬
‫فيضر أو ينفع‪ ،‬بل ال وجود فضالً عن الفعل‪ .‬وقال‪ :‬ما ال يملك دون من‪ ،‬وإن كان المراد عيسى للتنبيه على أنه‬ ‫ّ‬
‫شيء يعتبر اعتبا اًر من حيث تعينه وال وجود له حقيقة {قد ضّلوا من َقبل} باالحتجاب عن أنوار الصفات {وأضّلوا‬
‫كثي اًر وضّلوا} اآلن {عن سواء السبيل} طريق الوحدة الذاتية التي هي االستقامة إلى هللا ‪.‬‬

‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 82‬الى اآلية ‪)86‬‬

‫ص َار ٰى ٰذلِ َك‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اس عداوة ّلَِّل ِذين آمنوْا اْليه َّ ِ‬ ‫َلتَ ِج َد َّن أ َ‬
‫ين َقالُوْا إَّنا َن َ‬
‫آمُنوْا الذ َ‬ ‫َش َرُكوْا َوَلتَج َد َّن أَ ْق َرَب ُه ْم َّمَوَّد ًة ّللذي َن َ‬
‫ين أ ْ‬ ‫الن ِ َ َ َ ً َ َ ُ َ ُ َ‬
‫ود َوالذ َ‬ ‫َشَّد َّ‬
‫الد ْم ِع ِم َّما‬
‫ض ِم َن َّ‬ ‫ِ‬
‫ول تَ َرى أ ْ‬
‫َعُيَن ُه ْم تَفي ُ‬ ‫الرس ِ‬
‫ُنزَل إَلى َّ ُ‬
‫ين وُرْهَباناً وأََّنهم الَ َيستَ ْكِب ُرو َن * وِإ َذا س ِم ُعوْا مآ أ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُْ‬
‫ِبأ َّ ِ ِ ِ ِ‬
‫َن م ْن ُه ْم ق ّسيس َ َ‬
‫ط َم ُع أَن ُي ْد ِخَلَنا‬‫آءَنا ِم َن اْل َح ِّق َوَن ْ‬ ‫اه ِدين * وما َلنا الَ نؤ ِمن ِب َّ ِ‬ ‫عرُفوْا ِمن اْلح ِق يُقوُلون ربَّنآ آمَّنا َفا ْكتُبنا مع َّ ِ‬
‫اَّلل َو َما َج َ‬ ‫َ َ َ ُْ ُ‬ ‫الش َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َ َّ َ َ ََ َ‬ ‫ََ‬
‫ين *‬ ‫ِِ‬ ‫ِٰ‬ ‫ات تَجرِي ِمن تَحِتها األ َْنهار َخالِ ِد ِ‬
‫َّللا ِبما َقاُلوْا جَّن ٍ‬ ‫ربَُّنا مع اْلَقو ِم َّ ِ ِ‬
‫آء اْل ُم ْحسن َ‬
‫يها َوذل َك َج َز ُ‬
‫ين ف َ‬
‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ين * َفأَثَ َاب ُه ُم َّ ُ َ‬‫الصالح َ‬ ‫َ ََ ْ‬
‫َص َٰح ُب اْل َج ِحي ِم‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َكَف ُروْا َوَكذُبوْا ب َٰآيتَنآ أ ُْوَلـئ َك أ ْ‬
‫َوالذ َ‬

‫دل على رابطة‬


‫{لتجدن} إلى آخره‪ ،‬المواالة والمعاداة إنما يكونان بحسب المناسبة والمخالفة‪ ،‬فكل من والى أحداً ّ‬
‫ّ‬
‫ومضادة بينهما‪ .‬ولما كان اليهود محجوبين عن الذات والصفات ولم‬
‫ّ‬ ‫دل على مباينة‬‫جنسية بينهما‪ ،‬وكل من عاداه ّ‬
‫يكن لهم إال توحيد األفعال كانت مناسبتهم مع المحجوبين المشركين مطلقاً أقوى من مناسبتهم مع المؤمنين الموحدين‬
‫مطلقاً‪ .‬ولما كان النصارى برزوا من حجاب الصفات ولم يتولهم إال حجاب الذات كانت مناسبتهم مع المؤمنين أقوى‪،‬‬
‫لقوة حجابهم‪ ،‬أما ترى كيف علل قربهم في‬ ‫مودة لهم من غيرهم‪ .‬والمشركون واليهود ّ‬
‫أشد عداوة ّ‬ ‫فلذلك كانوا أقرب ّ‬
‫لتجردهم فيها عن أفعال نفوسهم‬
‫المودة بعلمهم وعبادتهم وعدم استكبارهم؟‪ ،‬فإن العبادة توصل إلى جنة األفعال ّ‬
‫لتنزههم به عن جنة النفوس والوصول إلى مقام القلب الذي هو‬
‫فاعلين ما أمر هللا‪ ،‬والعلم يوصل إلى جنة الصفات ّ‬
‫محل المكاشفة وقبول العلم اإللهي‪ ،‬وعدم االستكبار يدل على أنهم ما أروا نفوسهم موصوفة بصفات العبادة والعلم وال‬
‫نسبوا فعلهم وعلمهم إليها بل إلى هللا وإال استكبروا وأظهروا العجب‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{ترى أعينهم تفيض من الدمع} شوقاً إلى ما عرفوا من توحيد الذات ألنهم كانوا أهل رياضة وذوق فهاجت نفوسهم‬
‫بسماع الوحي وذكروا الوحدة {مما عرفوا من الحق} بصفاته أو سمعوا من الحق كالمه‪ ،‬فبكوا اشتياقاً كما قال‪:‬‬

‫ويبكي إن دنوا خوف الفراق‬ ‫ويبكي إن نأوا شوقاً إليهم‬

‫{آمنا} بالتوحيد الذاتي إيماناً عيني ًا فاجعلنا من {الشاهدين} الحاضرين الذين مقامهم الشهود الذاتي واليقين الحقي‪،‬‬
‫ّ‬
‫وإيماناً علمياً يقينياً فاجعلنا مع المعاينين {وما لنا ال نؤمن} إيماناً حقيقياً بذاته وما جاءنا من كالمه أو ال نؤمن باهلل‬
‫جمعاً {وما جاءنا من الحق} تفصيالً {مع القوم الصالحين} الذي استقاموا بالبقاء بعد {جنات تجري من تحتها األنهار}‬
‫من التجليات الثالث مع علومها {وذلك جزاء المحسنين} المشاهدين للوحدة في عين الكثرة باالستقامة في هللا‪.‬‬

‫{والذين} حجبوا عن الذات {وك ّذبوا} بآيات الصفات {أولئك أصحاب} الحرمان الكلي في جحيم صفات النفوس‪.‬‬
‫ّ‬

‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 87‬الى اآلية ‪)93‬‬

‫ين * َوُكُلوْا ِم َّما َرَزَق ُك ُم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاُ َل ُك ْم َوالَ تَ ْعتَ ُدوْا ِإ َّن َّ‬ ‫ٰيأَيُّها َّال ِذين آمنوْا الَ تُح ِرموْا َ ِ‬
‫َّللاُ َحَلـٰالً‬ ‫َّللاَ الَ ُيح ُّب اْل ُم ْعتَد َ‬ ‫طِّيَبات َمآ أ َ‬
‫َح َّل َّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اخ ُذ ُكم َّ َّ ِ‬
‫َّللاُ ِبالل ْغ ِو في أ َْي َمان ُك ْم َوَلـٰكن ُي َؤاخ ُذ ُكم ِب َما َعَّقدتُّ ُم األ َْي َم َ‬
‫ان َف َكَّف َارتُ ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ ن‬ ‫طِيباً واتَُّقوْا َّ َّ ِ‬
‫َّللاَ الذي أَنتُم به ُم ْؤمُنو َ * الَ ُي َؤ ُ‬ ‫َّ َ‬
‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اكين ِمن أَوس ِط ما تُ ْ ِ‬
‫ِ‬
‫ام ثَالَثَة أَيَّا ٍم ذلِ َك َكَّف َارةُ‬ ‫ِ‬
‫يك ْم أ َْو ك ْس َوتُ ُه ْم أ َْو َت ْحر ُير َرَقَبة َف َمن ل ْم َيج ْد َفصَي ُ‬ ‫َهلِ ُ‬‫طع ُمو َن أ ْ‬ ‫ِ‬
‫ام َع َش َرة َم َس َ ْ ْ َ َ‬ ‫ِإ ْ‬
‫ط َع ُ‬
‫آمُنوْا ِإَّن َما اْل َخ ْم ُر َواْل َم ْي ِس ُر‬ ‫َّللا َل ُكم آي ِات ِه َلعَّل ُكم تَ ْش ُكرون * ٰيأَي َّ ِ‬ ‫ِٰ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َ‬‫ُّها الذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ظوْا أ َْي َم َان ُك ْم َكذل َك ُيَبّي ُن َّ ُ ْ َ َ ْ‬ ‫احَف ُ‬ ‫أ َْي َمان ُك ْم ِإ َذا َحَلْفتُ ْم َو ْ‬
‫ان أَن ُيوِق َع َب ْيَن ُك ُم اْل َع َد َاوَة‬‫طُ‬ ‫اجتَِنُبوه َل َعَّل ُكم تُْفلِ ُحو َن * ِإَّنما ُي ِر ُيد َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫طِ‬ ‫اب واأل َْزالَم ِر ْج ٌس ِم ْن َعم ِل َّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ان َف ْ ُ‬ ‫الش ْي َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َنص ُ َ‬ ‫َواأل َ‬
‫َطيعوْا َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ و َع ِن َّ ٰ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واْلب ْغض ِ‬
‫ول‬
‫الرُس َ‬ ‫يعوْا َّ‬ ‫َّللاَ َوأَط ُ‬ ‫الصلوة َف َه ْل أ َْنتُ ْم ُّمنتَ ُهو َن * َوأ ُ‬ ‫صَّد ُك ْم َعن ذ ْك ِر َّ َ‬ ‫آء في اْل َخ ْم ِر َواْل َم ْيس ِر َوَي ُ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫يما‬ ‫ات جَن ِ‬ ‫واح َذروْا َفِإن تَوَّليتُم َفاعَلموْا أََّنما عَلى رسولِنا اْلبالَغُ اْلمِبين * َليس عَلى َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ‬
‫اح ف َ‬ ‫الصال َح ُ ٌ‬ ‫َ َُ َ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ ْ ْ ْ ُ َ َ ٰ َُ َ َ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِ ِ‬
‫ين‬
‫َّللاُ ُيح ُّب اْل ُم ْحسن َ‬ ‫آمُنوْا ثُ َّم اتََّقوْا َّوأ ْ‬
‫َح َسُنوْا َو َّ‬ ‫َّ‬
‫الصال َحات ثُ َّم اتَقوْا َو َ‬‫آمُنوْا َو َعمُلوْا َّ‬ ‫َّ‬
‫طع ُموْا إ َذا َما اتَقوْا َو َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أحل هللا لكم} من مكاشفات األحوال وتجليات الصفات‬‫تحرموا طيبات ما ّ‬
‫{يا أيها الذين آمنوا} إيماناً عملياً {ال ّ‬
‫بتقصيركم في السلوك {وال تعتدوا} بطغيان النفس وظهورها بصفاتها واجعلوا ما رزقكم هللا من علوم التجليات ومواهب‬
‫األحوال والمقامات غذاء قلوبكم سائغاً طيباً واجعلوا هللا وقاية لكم في حصول تلك الكماالت بأن تروها منه وله ال‬
‫منكم ولكم فتطغوا {إن كنتم} موحدين‪.‬‬

‫{وأطيعوا هللا} بالفناء فيه فتنقادوا فيما يستعملكم فيه كالميت {وأطيعوا الرسول} بالبقاء بعد الفناء‪ ،‬فتستقيموا فيه مراعين‬
‫للتفصيل‪ ،‬أحياء بحياته {واحذروا} ظهور البقاء حالة االستقامة {فإن توليتم فاعلموا} أن التقصير منكم وما على‬
‫الرسول إال البالغ ال اإللزام‪.‬‬

‫{ليس على الذين آمنوا} اإليمان الغيبي بتوحيد األفعال {وعملوا} بمقتضى إيمانهم أعماالً تخرجهم عن حجب األفعال‬
‫وتصلحهم لرؤية أفعال الحق‪ ،‬حرج وضيق فيما تمتعوا به من أنواع الحظوظ إذا ما اجتنبوا بقايا أفعالهم واتّخذوا هللا‬
‫وقاية في صدور األفعال منهم {وآمنوا} بتوحيد الصفات {وعملوا} ما يخرجهم عن حجب الصفات ويصلحهم لمشاهدة‬
‫التجليات اإللهية بالمحو فيها {ثم اتّقوا} بقايا صفاتهم واتخذوا هللا وقاية في صدور صفته عليهم {وآمنوا} بتوحيد الذات‬
‫{ثم اتّقوا} بقية ذواتهم واتخذوا هللا وقاية في وجودهم بالفناء المحض واالستهالك في عين الذات وأحسنوا بشهود‬
‫يحب المحسنين} المشاهدين للوحدة في عين الكثرة‪،‬‬
‫التفصيل في عين الجمع واالستقامة في البقاء بعد الفناء {وهللا ّ‬
‫المراعين لحقوق التفاصيل في عين الجمع بالوجود الحقاني‪.‬‬

‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 94‬الى اآلية ‪)94‬‬

‫اعتََد ٰى َب ْع َد ٰذِل َك‬ ‫اح ُك ْم لَِي ْعَل َم َّ‬


‫َّللاُ َمن َي َخاُف ُه ِباْل َغ ْي ِب َف َم ِن ْ‬ ‫الص ْي ِد تََناُل ُه أ َْي ِد ُ‬
‫يك ْم َوِرَم ُ‬ ‫َّللاُ ِب َش ْي ٍء ِّم َن َّ‬
‫ين آ َمُنوْا َلَيْبُل َوَّن ُك ُم َّ‬ ‫يـٰأَي َّ ِ‬
‫ُّها الذ َ‬
‫َ َ‬
‫يم‬ ‫ِ‬
‫اب أَل ٌ‬
‫َفَل ُه َع َذ ٌ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{ليبلونكم هللا} حال سلوككم وإحرامكم لزيادة كعبة الوصول {بشيء} من الحظوظ يتيسر‬
‫ّ‬ ‫{يا أيها الذين آمنوا} بالغيب‬
‫لكم ويتهيأ ما يتوصل به إليها {ليعلم هللا} العلم التفصيلي التابع للوقوع الذي يترتب عليه جزاء {من يخافه} في حالة‬
‫الغيبة فإن الخوف ال يكون إالّ للمؤمنين بالغيب لتعلقه بالخطاب الذي هو من باب األفعال‪ .‬وأما في حالة الحضور‬
‫فأما الخشية فبتجلي الربوبية والعظمة‪ ،‬وأما الهيبة فبتجلي الذات‪ .‬فالخوف من صفات النفس‪ ،‬والخشية من صفات‬
‫القلب‪ ،‬والهيبة من صفات الروح {فمن اعتدى بعد ذلك} بارتكاب الحظوظ بعد االبتالء {فله عذاب} مؤلم لالحتجاب‬
‫بفعله عن الشوق‪.‬‬

‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 95‬الى اآلية ‪)96‬‬

‫الن َع ِم َي ْح ُك ُم ِب ِه َذ َوا َع ْد ٍل‬


‫آء ِّم ْث ُل َما َقَت َل ِم َن َّ‬ ‫ِ‬ ‫الص ْي َد َوأ َْنتُ ْم ُح ُرٌم َو َمن َقَتَل ُه ِم ُ‬
‫نكم ُّمتَ َع ّمداً َف َج َز ٌ‬ ‫آمُنوْا الَ تَْقُتُلوْا َّ‬ ‫ين َ‬
‫يـٰأَي َّ ِ‬
‫ُّها الذ َ‬ ‫َ َ‬
‫َّللاُ َع َّما َسَلف َو َم ْن َع َاد َفَي ْنتَِق ُم‬ ‫ال أ َْم ِِره َعَفا َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّم ْن ُك ْم َه ْدياً َبالِ َغ اْل َك ْعَبة أ َْو َكَّف َارةٌ َ‬
‫ين أَو َع ْد ُل ذل َك صَياماً ّلَي ُذو َق َوَب َ‬ ‫ام َم َساك َ‬ ‫ط َع ُ‬
‫لسي ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاُ ِم ْن ُه َو َّ‬
‫ص ْي ُد اْلَبِّر َما ُد ْمتُ ْم‬ ‫ام ُه َمتَاعاً ل ُك ْم َولِ َّ َ‬
‫َّارة َو ُحِّرَم َعَل ْي ُك ْم َ‬ ‫ص ْي ُد اْلَب ْح ِر َو َ‬
‫ط َع ُ‬ ‫َّللاُ َع ِز ٌيز ُذو ْانتَقا ٍم * أُح َّل َل ُك ْم َ‬ ‫َّ‬
‫َّللاَ َّال ِذي ِإَل ْي ِه تُ ْح َش ُرو َن‬
‫ُح ُرماً َواتَُّقوْا َّ‬

‫ونية بميل قوى من‬ ‫{ال تقتلوا الصيد} ال ترتكبوا الحظوظ النفسانية في حالة اإلحرام الحقيقي‪ ،‬ومن ارتكبه قصداً منه ّ‬
‫النفس وانجذاب إليه ال ألمر اتفاقي أو رعاية خاطر ضيف أو صاحب {جزاء} أي‪ :‬فحكمه جزاء قهره تلك القوة التي‬
‫ارتكب بها الحظ النفساني من قوى النفس البهيمية بأمر يوازي ذلك الحظ {يحكم به ذوا عدل} من العاقلتين النظرية‬
‫والعملية {منكم} أي‪ :‬من أنفسكم أو من شيوخكم أو من أصحابكم المقدمين السابقين يعينان كيفيته وكميته {هدياً بالغ‬
‫الكعبة} الحقيقية‪ ،‬أي‪ :‬في حال كون تلك القوة البهيمية هدياً بإفنائها في هللا إن كان صاحبها من األقوياء ملبياً قاد اًر‬
‫{أو كفارة} أي‪ :‬ستر بصدقة أو صيام يزيل ذلك الميل ويستر تلك الهيئة عن نفسه أو بإيتاء حق تلك القوة واالقتصار‬
‫أم ِره‬
‫ال ْ‬ ‫عليه دون الحظ فإنها مسكينة أو إمساك عن أفعال تلك القوة بقدر ذلك الحظ كيما يزول عنها الميل {ليذوق َ‬
‫وب َ‬
‫عزه مع كدورات صفات النفس‬ ‫ومن عاد فينتقم هللا منه} بالحجب والحرمان {وهللا عزيز} ال يمكن الوصول إلى جنات ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫"أن ِذر‬
‫لنبيه محمد عليه الصالة والسالم‪ْ :‬‬ ‫ِ‬
‫{ذو ْانتقام} يحجب بهيئة مظلمة وظهور صفة ووجود بقية‪ ،‬كما "قال تعالى ّ‬
‫الصديقين بأني غيور"‬

‫‪".‬‬

‫{أ ِ‬
‫ُحل لكم صيد} بحر العالم الروحاني من المعارف والمعقوالت والحظوظ العلمية في إحرام الحضرة اإللهية {وطعامه}‬
‫من العلم النافع الذي هو حق واجب تعلمه في المعامالت والخالق تمتيعاً {لكم} أيها السالكون لطريق الحق‬
‫ص ْيد} بر العالم الجسماني من‬
‫{وحرم عليكم َ‬
‫{وللسيارة} المسافرين لسفر اآلخرة‪ ،‬المحرزين ألرباح النعيم الباقي ّ‬
‫المحسوسات والحظوظ النفسانية‪ .‬واجعلوا هللا وقاية لكم في سيركم لتسيروا به واجعلوا نفوسكم وقاية هللا في صدور‬
‫الشرور المانعة منها وتيقنوا أنكم {إليه تُ ْح َشرو َن} بالفناء في الذات‪ ،‬فاجتهدوا في السلوك وال تقفوا مع الموانع وراء‬
‫الحجاب ‪.‬‬

‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 97‬الى اآلية ‪)99‬‬

‫الس َٰم َٰو ِت َو َما‬


‫َّللاَ َي ْعَل ُم َما ِفي َّ‬ ‫الش ْه َر اْل َح َر َام َواْل َه ْد َي َواْلَقالَِئ َد ٰذلِ َك لِتَ ْعَل ُموْا أ َّ‬
‫َن َّ‬ ‫اس و َّ‬ ‫ِٰ ِ ِ‬
‫َّللاُ اْل َك ْعَب َة اْلَب ْي َت اْل َح َر َام قَيماً ّل َّلن َ‬
‫َج َع َل َّ‬
‫ول ِإالَّ اْلَبالَغُ‬ ‫الرس ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب َوأ َّ‬ ‫َّللا َش ِد ُيد اْل ِعَق ِ‬ ‫اعَل ُموْا أ َّ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫َن َّ ِ ِ‬ ‫ض َوأ َّ‬ ‫ِفي األ َْر ِ‬
‫يم * َّما َعَلى َّ ُ‬ ‫ور َّرح ٌ‬ ‫َّللاَ َغُف ٌ‬‫َن َّ‬ ‫َن َّ َ‬ ‫يم * ْ‬ ‫َّللاَ ب ُك ّل َش ْيء َعل ٌ‬
‫َّللاُ َي ْعَلم َما تُْب ُدو َن َو َما تَ ْكتُ ُمو َن‬
‫َو َّ ُ‬

‫جل جناب الحق من أن يكون شريعة‬ ‫المحرم من دخول الغير فيه كما قيل‪ّ :‬‬‫ّ‬ ‫{جعل هللا} كعبة حضرة الجمع {البيت}‬
‫لكل وارد‪{ .‬قياماً للناس} من موتهم الحقيقي وانتعاشاً لهم به وبحياته وقدرته وسائر صفاته {والشهر الحرام} أي‪ :‬زمان‬
‫الهدي} أي‪ :‬النفس المذبوحة بفناء تلك‬
‫الوصول‪ ،‬وهو زمان الحج الحقيقي الذي يحرم ظهور صفات النفس فيه {و َ‬
‫التقرب بها أفضل وشأنها عند البقاء والقيام‬ ‫ِ‬
‫فإن ّ‬ ‫الكعبة {والقالئد} وخصوصاً النفس القوية‪ ،‬الشريفة‪ ،‬المطيعة‪ ،‬المنقادة‪ّ ،‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{إن هللا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالوجود الثاني والحياة الحقيقية أرفع {ذل َك} أي‪ :‬جعل تلك الحضرة قياماً لكم {لتَ ْعَلموا} بعلمه عند القيام به ّ‬
‫َي ْعَلم} حقائق األشياء في عالم الغيب والشهادة وعلمه محيط بكل شيء‪ ،‬إذ ال يمكن إحاطة علمكم بعلمه ‪.‬‬

‫العقاب} بالحجب لمن ظهر بصفة أو بقية حال الوصول أو ضرب بخطأ واشتغل بغير حال‬ ‫{اعَلموا أن هللا شديد ِ‬
‫ْ ُ ّ‬
‫السلوك وانتهك حرمة من حرماته {غفور} للتلوينات والفترات {رحيم} بهيئة الكماالت والسعادات التي ال يعلم قدرها إال‬
‫هو ‪.‬‬

‫سركم وعالنيتكم {ما تُْبدون} من األعمال واألخالق {وما تَ ْكتمون}‬


‫{ما على الرسول إالّ} التبليغ ال اإليصال {وهللا َي ْعلم} ّ‬
‫تستعدون بها للقائه أم ال؟ ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫للتقرب بها إليه؟ وهل‬‫النيات والعلوم واألحوال‪ ،‬هل تصلح ّ‬ ‫من ّ‬

‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 100‬الى اآلية ‪)108‬‬

‫اب َلعَّل ُكم تُْفلِحون * ٰيأَي َّ ِ‬ ‫الطِيب وَلو أَعجبك َك ْثرة اْلخِب ِ‬ ‫َّ‬ ‫ُقل الَّ َي ْستَ ِوي اْل َخِب ُ‬
‫آمُنوْا الَ‬‫ين َ‬
‫ُّها الذ َ‬
‫َ‬ ‫َّللاَ ٰيأ ُْولِي األَْلَب ِ َ ْ ُ َ‬ ‫يث َفاتَُّقوْا َّ‬ ‫يث َو ّ ُ َ ْ ْ َ َ َ َ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم * َق ْد‬
‫ور َحل ٌ‬
‫َّللاُ َغُف ٌ‬
‫َّللاُ َع ْن َها َو َّ‬ ‫ين ُيَنَّزُل اْلُق ْر ُ‬
‫آن تُْب َد َل ُك ْم َعَفا َّ‬ ‫آء ِإن تُْب َد َل ُك ْم تَ ُس ْؤُك ْم َوإِن تَ ْسأَُلوْا َع ْن َها ح َ‬‫َشَي َ‬
‫تَ ْسأَُلوْا َع ْن أ ْ‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ٍِ‬ ‫* ما جعل َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين َكَف ُروْا‬ ‫َّللاُ من َبح َيرٍة َوالَ َسآئَبة َوالَ َوصيَلة َوالَ َحا ٍم َوَلـٰك َّن الذ َ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫ِب َها َكاف ِر َ‬
‫ين‬ ‫َصَب ُحوْا‬ ‫َسأََل َها َق ْوٌم ّمن َقْبل ُك ْم ثُ َّم أ ْ‬
‫الرس ِ‬
‫ول َقاُلواْ َح ْسُبَنا َما َو َج ْدَنا‬ ‫َّللاُ َوإَِلى َّ ُ‬ ‫يل َل ُه ْم تَ َعاَل ْوْا ِإَل ٰى َمآ أ َ‬
‫َنزَل َّ‬ ‫ِ‬
‫* َوإِ َذا ق َ‬ ‫َّللاِ اْل َك ِذ َب َوأَ ْكثَ ُرُه ْم‬
‫الَ َي ْعِقُلو َن‬ ‫َيْفتَ ُرو َن َعَل ٰى َّ‬
‫ض َّل ِإ َذا‬ ‫عَلي ِه آباءنآ أَوَلو َكان آباؤهم الَ يعَلمون َشيئاً والَ يهتَدون * ٰيأَي َّ ِ‬
‫ضُّرُك ْم َّمن َ‬ ‫آمُنوْا َعَل ْي ُك ْم أ َْنُف َس ُك ْم الَ َي ُ‬
‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ََ َ ْ َ َ ُ ُْ َْ ُ َ ْ َ َ ْ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫َّللاِ مرِجع ُكم ج ِميعاً َفينِبُئ ُكم ِبما ُكنتُم تَعمُلون * يِآ أَي َّ ِ‬
‫َح َد ُك ُم اْل َم ْو ُت‬ ‫آمُنوْا َش َه َادةُ َب ْين ُك ْم ِإ َذا َح َ‬
‫ض َر أ َ‬ ‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َُّ ْ َ ْ ْ ْ َ َ‬ ‫اهتَ َد ْيتُ ْم ِإَلى َّ َ ْ ُ ْ َ‬ ‫ْ‬
‫صيب ُة اْلموتِ‬ ‫ض َفأَصاب ْت ُكم ُّم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َْ‬ ‫ض َرْبتُ ْم في األ َْر ِ َ َ‬ ‫ان م ْن َغ ْي ِرُك ْم ِإ ْن أَنتُ ْم َ‬ ‫ان َذ َوا َع ْد ٍل ّم ْن ُك ْم أ َْو َ‬
‫آخ َر ِ‬ ‫ين اْل َوصيَّة ا ْثَن ِ‬‫حَ‬
‫َّللاِ ِإَّنآ ِإ َذاً َّل ِم َن‬ ‫ِ‬ ‫ان ِب َّ ِ‬
‫اَّلل ِإ ِن ْارتَْبتُ ْم الَ َن ْشتَرِي ِبه ثَ َمناً َوَل ْو َك َ‬
‫ان َذا ُق ْرَب ٰى َوالَ َن ْكتُ ُم َش َه َاد َة َّ‬ ‫ون ُه َما ِمن َب ْع ِد َّ‬
‫الصٰلوِة َفُيْق ِس َم ِ‬ ‫تَ ْحِب ُس َ‬
‫اَّللِ‬ ‫ان َفُيْق ِس َم ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ان ِب َّ‬ ‫استَ َح َّق َعَل ْي ِهم األ َْوَلَي ِ‬
‫ُ‬ ‫ين ْ‬ ‫ام ُه َما م َن الذ َ‬ ‫وم ِ‬
‫ان َمَق َ‬ ‫ان َيُق َ‬ ‫استَ َحَّقآ ِإ ْثماً َف َ‬
‫آخ َر ِ‬ ‫ين * َفإ ْن ُعث َر َعَل ٰى أََّن ُه َما ْ‬ ‫اآلَثم َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الش َه َاد ِة َعَل ٰى َو ْج ِه َهآ أ َْو َي َخا ُفوْا أَن‬
‫ين * ٰذلِ َك أ َْدَن ٰى أَن َيأْتُوْا ِب َّ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اعتَ َد ْيَنآ ِإَّنا ِإذاً لم َن الظالم َ‬
‫ِ‬
‫َح ُّق من َش َه َادت ِه َما َو َما ْ‬
‫ِ‬
‫َل َش َه َادتَُنا أ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ان َب ْع َد أ َْي َم ِان ِه ْم َواتَُّقوا َّ‬
‫ين‬
‫َّللاُ الَ َي ْهدي اْلَق ْوَم اْلَفاسق َ‬
‫اس َم ُعوْا َو َّ‬
‫َّللاَ َو ْ‬ ‫تَُرَّد أ َْي َم ٌ‬

‫الخِبيث} من النفوس واألعمال واألخالق واألموال {والطيب} منها عند هللا تعالى‪ّ ،‬‬
‫فإن الطيب مقبول‬ ‫{ُق ْل ال َي ْستَوي َ‬
‫موجب للقرب والوصول والخبيث منها مردود موجب للبعد والطرد والحرمان {ولو أعجبك} الخبيث بكثرته ووفوره‬
‫لب‬
‫لمناسبته للنفس ولمالءمته لصفاتها‪ ،‬فاجعلوا هللا وقاية لكم في االجتناب عن الخبيث واختيار الطيب‪ .‬يأكل من له ّ‬
‫أي‪ :‬عقل خالص عن شوب الوهم ومزج هوى النفس {لعلكم تفلحون} بالخالص عن نفوسكم وصفاتها وخبائثها‬
‫والوصول إلى هللا بالفناء فيه ‪.‬‬

‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 109‬الى اآلية ‪)111‬‬

‫وب * ِإ ْذ َقال َّ ِ‬ ‫اْل ُغي ِ‬ ‫َنت َعالَّ ُم‬ ‫ِ‬


‫يسى ْاب َن َم ْرَي َم ا ْذ ُك ْر‬ ‫َّللاُ يٰع َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ول َما َذآ أُ ِج ْبتُ ْم َقاُلوْا الَ عْل َم َلَنآ ِإَّن َك أ َ‬ ‫الرُس َل َفَيُق ُ‬
‫َّللاُ ُّ‬
‫َي ْوَم َي ْج َم ُع َّ‬

‫اب َواْل ِح ْك َم َة َوالتَّ ْوَراةَ‬


‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َوَك ْهالً َوإِ ْذ َعل ْمتُ َك اْلكتَ َ‬ ‫اس ِفي اْل َم ْه ِد‬
‫الن َ‬‫س تُ َكّلِم َّ‬
‫ُ‬
‫ِن ْعمِتي َعَل ْي َك و َعَل ٰى والِ َدِت َك ِإ ْذ أَيَّدتُّ َك ِب ُرو ِح اْلُق ُد ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ص ِبِإ ْذِني َوإِ ْذ‬ ‫ِ‬ ‫الطي ِر ِبِإ ْذِني َفتَ ُنف ُخ ِفيها َفتَ ُكون َ ِِ ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫طِ‬‫يل َوإِ ْذ تَ ْخُل ُق ِم َن ال ِّ‬ ‫ِ ِ‬
‫ىء األَ ْك َم َه َواأل َْب َر َ‬
‫ط ْي اًر بإ ْذني َوتُْبر ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ين َك َه ْيَئة ْ‬ ‫َواإل ْنج َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات َفَق َّ ِ‬ ‫تُ ْخ ِرج اْلموتَى ِبِإ ْذِن ِي وإِ ْذ َكَفْفت بِني ِإسرِائيل عنك ِإ ْذ ِج ْئتَهم ِباْلبِين ِ‬
‫ين *‬ ‫ين َكَف ُروْا م ْن ُه ْم ِإ ْن َهـٰ َذا ِإال س ْحٌر ُّمِب ٌ‬
‫ال الذ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َّ َ‬ ‫َْ َ َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ٰ‬
‫اش َه ْد ِبأََّنَنا ُم ْسلِ ُمو َن‬
‫آمَّنا َو ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِين أ ْ ِ ِ‬ ‫َوإِ ْذ أ َْو َح ْي ُت ِإَلى اْل َح َو ِارّي َ‬
‫َن آمُنوْا بي َوب َِرُسولي َقاُلوْا َ‬

‫{يوم يجمع هللا الرسل} في عين الجمع المطلق أو عين جمع الذات {فيقول ماذا} أجابكم األمم حين دعوتموهم إلي؟‬
‫ّ‬
‫أي‪ :‬هل تطلعون على مراتبهم في كماالتهم التي توجهوا إليها في متابعتكم {قالوا ال ِعْلم لنا} أي‪ :‬العالم كله لك جمع ًا‬
‫وتفصيالً ليس لغيرك علم لفناء صفاتنا في صفاتك {إنك أنت عالّم الغيوب} فغيوب بواطننا وبواطنهم كلها علمك‬
‫النبوة والوالية {وعلى والدتك} بالتطهير والتزكية واالصطفاء {تكلم الناس} في‬
‫{نعمتي عليك} بالهداية الخاصة ومقام ّ‬
‫بالتجرد عن البدن ومالبسه {وإذ علمتك} كتاب الحقائق والمعارف‬
‫ّ‬ ‫مهد البدن {وكهالً} بالغاً إلى نور شيب الكمال‬
‫الثابتة في اللوح المحفوظ بتأييد روح القدس وحكمة السلوك في هللا بتحصيل األخالق واألحوال والمقامات والتجريد‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫والتفريد‪ ،‬وتوراة العلوم الظاهرة واألحكام المتعلقة باألفعال وأحوال النفس وصفاتها‪ ،‬وإنجيل العلوم الباطنة من علوم‬
‫تجليات الصفات وأحكامها وأحكام أحوال القلب وصفاته وأعماله‪.‬‬

‫{وإذ تخلق} من طين العقل الهيوالني الذي هو االستعداد المحض بيد التربية والحكمة العملية {كهيئة} طير القلوب‬
‫لتجردها عن عالمها وكمالها {بإذني} أي‪ :‬بعلمي وقدرتي وتيسيري عند تجّلي صفات حياتي‬ ‫الطائرة إلى حضرة القدس ّ‬
‫وعلمي وقدرتي لك وإنصافك واستنبائي إياك {فتنفخ فيها} من روح الكمال‪ ،‬حياة العلم الحقيقي بالتكميل واإلضافة‬

‫{فتكون طي اًر} نفساً ّ‬


‫مجردة كاملة تطير إلى جناب القدس بجناح العشق {وتُْبرئ األكمه} المحجوب عن نور الحق‪.‬‬
‫األب َرص} المعيب بمرض محبة الدنيا وغلبة الهوى {وإذ تخرج} موتى الجهل من قبور البدن وأرض النفس {بإذني}‬
‫{و ْ‬
‫المضادين لك لجهلهم بحالك ومقامك {عنك‬ ‫ّ‬ ‫{وإذ كففت بني إسرائيل} المحجوبين عن نور تجليات الصفات الجاهلين‬
‫إذ جئتهم بالبينات} بالحجج والدالئل الواضحة {فقال الذين} حجبوا {منهم} عن دين الحق {إن هذا إال ِس ْحٌر ُمِبين}‬
‫لحيرتهم فيه‪.‬‬

‫{وإ ْذ ْأو َحيت إلى الحواريين} أي‪ :‬ألهمت في قلوبهم النورانيين الذين طهروا نفوسهم بماء المنافع واألعمال المزكية حتى‬
‫قبلوا دعوتك لصفاء نفوسهم وأحبوك باإلرادة التامة لمناسبتهم إياك بنور الفطرة وصفاء االستعداد {أن آمنوا بي} إيماناً‬
‫حقيقياً بتوحيد الصفات والمحو {وب َِرُسولي} برعاية حقوق تجلياتها على التفصيل‪{ .‬قالوا آمنا واشهد} يا إلهنا بعلمك‬
‫الشامل المحيط بالكل أننا منقادون لك مسلمين وجودات صفاتنا إليك ‪.‬‬

‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 112‬الى اآلية ‪)115‬‬

‫ِ‬ ‫ِإ ْذ َقال اْلحو ِاريُّو َن ي ِٰعيسى ابن مريم هل يستَ ِطيع ربُّك أَن ينِّزل عَلينا م ِآئدة ِمن َّ ِ‬
‫ين *‬ ‫َّللاَ ِإن ُك ْنتُم ُّم ْؤ ِمن َ‬
‫ال اتَُّقوْا َّ‬
‫الس َمآء َق َ‬ ‫َُ َ َ ْ َ َ َ ً ّ َ‬ ‫َ ْ َ َ ْ ََ َ ْ َ ْ ُ َ َ‬ ‫َ ََ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وبَنا وَن ْعَلم أَن َق ْد ص َد ْقتََنا وَن ُكو َن َعَل ْيها م َن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َقاُلوْا ُن ِر ُيد أَن َّنأ ُ‬
‫يسى ْاب ُن َم ْرَي َم الل ُه َّم‬ ‫ال ع َ‬ ‫ين * َق َ‬ ‫الشاهد َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ط َمئ َّن ُقُل ُ َ َ‬
‫ْك َل م ْن َها َوتَ ْ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َّللاُ ِإِّني‬
‫ال َّ‬ ‫الر ِازِق َ‬
‫ين * َق َ‬ ‫نت َخ ْي ُر َّ‬ ‫ِ‬ ‫السم ِآء تَ ُكو ُن َلَنا ِعيداً ألََّولَِنا و ِ‬
‫آخ ِرَنا َو َآي ًة ّم ْن َك َو ْارُزْقَنا َوأَ َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫َربََّنآ أ ِ‬
‫َنز ْل َعَل ْيَنا َمآئ َد ًة ّم َن َّ َ‬
‫َحداً ِّم َن اْل َعاَل ِمي َن‬ ‫نكم َفِإِني أُع ِّذبه ع َذاباً الَّ أ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُع ّذُب ُه أ َ‬
‫َ‬ ‫ُمَنِّزُل َها َعَل ْي ُك ْم َف َمن َي ْكُف ْر َب ْع ُد م ُ ْ ّ َ ُ ُ َ‬

‫قال الحواريون} إذ اقترح عليك أصحابك فقالوا {هل يستطيع رّبك} أي‪ :‬شاهدك من عالم الربوبية‪ّ ،‬‬
‫فإن ر ّب كل‬ ‫{إذ َ‬
‫واحد هو االسم الذي يرّبه ويكمله وال يعبد أحد إال ما عرفه من عالم الربوبية وال عرف إال ما بلغ إليه من المرتبة في‬
‫ويستمد منه المدد الروحاني‪ ،‬ولهذا قالوا مع إقرارهم وإسالمهم‪:‬‬
‫ّ‬ ‫األلوهية فيستفيض منه العلوم ويستنزل منه البركات‬
‫رّبك‪ ،‬ولم يقولوا‪ :‬ربنا‪ ،‬ألن ربهم ال يستطيع {أن ينزل علينا مائدة من السماء} شريعة من سماء عالم الروح تشتمل‬
‫على أنواع العلوم والحكم والمعارف واألحكام فيها غذاء القلوب وقوت النفوس وحياتها وذوقها {قال اتّقوا هللا} احذروه‬
‫في ظهور صفات نفوسكم واجعلوه وقاية لكم فيما يصدر عنكم من األخالق واألفعال تنجوا من تبعاتها وتفوزوا وتفلحوا‬
‫إن تحقق إيمانكم فال حاجة بكم إلى شريعة جديدة‪.‬‬

‫فإن العلم غذاء القلب وقوته {ونعلم} صدقك في‬ ‫{قالوا نريد أن} نستفيد {منها} ونعمل بها ونتقوى بها {وتَ ْ ِ‬
‫ط َمئن ُقُلوبنا} ّ‬ ‫ّ‬
‫ونبوتك وواليتك بها وفيها {ونكون عليها من الشاهدين} الحاضرين أهل العلم نخبر بها من عدانا من‬‫اإلخبار عن ربك ّ‬
‫الغائبين ونعلمهم وندعوهم بها إلى هللا {تكون لنا عيداً ّ‬
‫ألولنا وآخرنا} أم اًر أي‪ :‬شرعاً وديناً يعود إليه من في زماننا من‬
‫أهل ديننا ومن بعدنا ممن سيوجد من النصارى {وآية منك} عالمة وعلماً منك تعرف بها وتعبد {و ْارزْقَنا} ذلك الشرع‬
‫والعلم النافع والهداية {وأنت خير الر ِازقين} ال ترزق إال ما ينفعنا ويكون صالحنا فيه {فمن َي ْكفر} يحتجب عن ذلك‬
‫الدين بعد إنزاله ووضوحه {فإني أعذبه عذاباً ال أعذبه أحداً من العالمين} لبيان الطريق ووضوح الدين والحجة مع‬
‫أشد من العذاب مع الجهل‪ ،‬إذ الشعور بالمحجوب عنه‬
‫وجود استعدادهم فال ينكرونه إال معاندين والعذاب مع العلم ّ‬
‫شدة اإليالم‪.‬‬
‫يوجب ّ‬

‫سورة المائدة (من اآلية ‪ 116‬الى اآلية ‪)120‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اس اتَّ ِخ ُذوِني وأ ُِمي ِإَلـٰهي ِن ِمن دو ِن َّ ِ‬ ‫وإِ ْذ َقال َّ ِ‬
‫َن أَُق َ‬
‫ول‬ ‫ال ُس ْب َح َان َك َما َي ُكو ُن لِي أ ْ‬ ‫َّللا َق َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ َ َْ‬ ‫لت لِ َّلن ِ‬ ‫َنت ُق َ‬ ‫يسى ْاب َن َم ْرَي َم أَأ َ‬ ‫َّللاُ يٰع َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وب * َما ُقْل ُت‬ ‫نت َعالَّم اْل ُغي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َعَل ُم َما في َنْفس َك ِإَّن َك أَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نت ُقْلتُ ُه َفَق ْد َعل ْمتَ ُه تَ ْعَل ُم َما في َنْفسي َوالَ أ ْ‬ ‫َما َل ْي َس لِي ِب َح ٍّق ِإن ُك ُ‬
‫ُ ُ‬
‫يب َعَل ْي ِه ْم‬ ‫الرِق َ‬ ‫َنت َّ‬ ‫نت أ َ‬
‫ِ‬
‫يه ْم َفَل َّما تََوَّف ْيتَني ُك َ‬‫نت َعَل ْي ِهم َش ِهيداً َّما ُدم ُت ِف ِ‬ ‫َّك ْم َوُك ُ‬‫َّللاَ َرّبِي َوَرب ُ‬ ‫اعُب ُدوْا َّ‬
‫َن ْ‬ ‫َم ْرتَِني ِب ِه أ ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َل ُه ْم إال َمآ أ َ‬
‫ِ‬ ‫ك َوإِن تَ ْغِف ْر َل ُه ْم َفِإَّن َك أ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َّللاُ َهـٰ َذا َي ْوُم‬
‫ال َّ‬‫يم * َق َ‬ ‫َنت اْل َعز ُيز اْل َحك ُ‬ ‫َنت َعَل ٰى ُك ِّل َش ْيء َش ِه ٌيد * ِإن تُ َع ّذ ْب ُه ْم َفِإَّن ُه ْم عَب ُاد َ‬ ‫َوأ َ‬
‫ضوْا َع ْن ُه ٰذلِ َك اْلَف ْوُز‬ ‫ات تَجرِي ِمن تَحِتها األ َْنهار خالِ ِدين ِفيهآ أَبداً َّر ِ‬ ‫الص ِاد ِق ِ‬
‫َّللاُ َع ْن ُه ْم َوَر ُ‬
‫ضي َّ‬
‫َ‬ ‫َُ َ َ َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ين ص ْد ُق ُه ْم َل ُه ْم َجَّن ٌ ْ‬ ‫َ‬ ‫َي َنف ُع َّ‬
‫ض َو َما ِفي ِه َّن َو ُه َو َعَل ٰى ُك ِّل َشي ٍء َق ِد ٌير‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫يم * ََّّلل ُمْل ُك َّ َ َ َ‬ ‫اْل َعظ ُ‬

‫فإن من بقي فيه وجود األنائية وبقية النفس والهوى‪،‬‬


‫أمك أو إلى مقام قلبك ونفسك ّ‬ ‫{أأنت} دعوت الناس إلى نفسك و ّ‬
‫أو كان فيه تلوين بوجود القلب وظهوره بصفته يدعو الخلق إما إلى مقام نفسه وإما إلى مقام قلبه ال إلى الحق {قال‬
‫ُس ْبحانك} تنزيه هلل عن الشريك وتبرئة له عن وجود البقية {ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق} فإني ال وجود لي‬
‫بالحقيقة فال ينبغي وال يصح أن أقول قوالً ليس لي ذلك القول بالحقيقة‪ ،‬فإن القول والفعل والصفة والوجود كلها لك‬
‫{إن كنت قلته فقد علمته} أي‪ :‬إن كان صدر مني قول فعن علمك وال وجود لما ال تعلم وما وجد بعلمك وجد {تعلم ما‬
‫بالكل {ما قلت لهم}‬
‫ّ‬ ‫بالكل‪ ،‬فعلمي بعض علمك {وال أعلم ما في نفسك} أي‪ :‬ذاتك ألني ال أحيط‬‫ّ‬ ‫في نفسي} إلحاطتك‬
‫اعبدوا هللا ربي وربكم} أي‪ :‬ما دعوتهم إال إلى الجمع في صورة‬
‫وما أمرتهم إال ما كلفتني قوله وألزمتني إياه {أن ْ‬
‫التفصيل وهو الذي نسبة ربوبيته إلى الكل سواء فغلطوا فما رأوه إال في بعض التفاصيل لضيق وعائهم {وكنت عليهم‬
‫شهيداً} رقيباً حاض اًر أراعيهم وأعلمهم {ما ُد ْمت فيهم} أي‪ :‬ما بقي مني وجود بقية {فلما توفيتني} أفنيتني بالكلية بك‬
‫{كنت أنت الرقيب عليهم} لفنائي فيك {وأنت على كل شيء شهيد} حاضر‪ ،‬يوجد بك‪ ،‬وإال لم يكن ذلك الشيء‪.‬‬

‫{إن تعذبهم} بإدامة الحجاب {فإنهم ِعَبادك} أحقاء بالحجب والحرمان وأنت أولى بهم تفعل بهم ما تشاء {وإن تغفر‬
‫لهم} برفع الحجاب {فإنك أنت العزيز} القوي القادر على ذلك ال تزول عزتك بتقريبهم ورفع حجابهم {الحكيم} تفعل ما‬
‫تفعله من التعذيب بالحجب والحرمان والتقريب باللطف والغفران بحكمتك البالغة {هذا يوم} نفع صدقك إياك‪ ،‬وصدق‬
‫فإن الرضا ال يكون إال‬
‫كل صادق لكونه خميرة الكماالت وخاصية الملكوت {لهم جنات} الصفات بدليل ثمرة الرضوان ّ‬
‫قدم رضوان هللا عنهم على رضوانهم عنه‪،‬‬
‫بفناء اإلرادة وال تفنى إرادتهم إال إذا غلبت إرادة هللا عليهم فأفنتها‪ ،‬ولهذا ّ‬
‫أي‪ :‬لما أرادهم هللا تعالى في األزل بمظهرية إرادته ومحل رضوانه ورضي بهم محالً وأهالً لذلك سلب عنهم إرادتهم‬
‫الع ِظيم} أي‪ :‬الفالح العظيم الشأن ولو كان فناء‬ ‫ِ‬
‫بأن جعل إرادته مكانها وأبدلهم بها فرضي عنهم وأرضاهم {ذل َك الفوز َ‬
‫فيهن} أسماؤه وصفاته‬
‫السفلي باطنه وظاهره {وما ّ‬ ‫العلوي و‬
‫ّ‬ ‫الذات لكان الفوز األكبر والفالح األعظم‪ .‬له ما في العالم‬
‫ّ‬
‫وأفعاله {وهو على كل شيء قدير} إن شاء أفنى بظهور ذاته‪ ،‬وإن شاء أوجد بتستره بأسمائه وصفاته ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)8‬‬

‫َخَلَق ُك ْم ِّمن‬ ‫ين َكَف ُروْا ِب َرِّب ِه ْم َي ْع ِدُلو َن * ُهَو َّال ِذي‬ ‫َّ ِ‬ ‫َو ُّ‬ ‫الظُل َٰم ِت‬
‫الس ٰم ٰو ِت واألَرض وجعل ُّ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ور ْث َّم الذ َ‬
‫الن َ‬ ‫اْل َح ْم ُد ََّّلل الذي َخَل َق َّ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ‬
‫َو َج ْه َرُك ْم َوَي ْعَل ُم‬ ‫الس ٰم ٰو ِت وِفي األ َْر ِ‬
‫ض َي ْعَل ُم ِسَّرُك ْم‬ ‫* وهو َّ ِ‬ ‫َج ٌل ُّم َس ًّمى ِع َندهُ ثُ َّم أَنتُ ْم تَ ْمتَ ُرو َن‬ ‫ِط ٍ‬
‫َّللاُ في َّ َ َ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َجالً َوأ َ‬
‫ضى أ َ‬ ‫ين ثُ َّم َق َ‬
‫ف َيأِْت ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يه ْم‬ ‫آء ُه ْم َف َس ْو َ‬ ‫ين * َفَق ْد َكذُبوْا باْل َح ّق َل َّما َج َ‬ ‫َما تَ ْكسُبو َن * َو َما تَأْتي ِهم ّم ْن َآية ّم ْن َٰآيت َرّبِ ِه ْم ِإال َك ُانوْا َع ْن َها ُم ْع ِرض َ‬
‫آء‬ ‫َهَل ْكَنا ِمن َقْبلِ ِهم ِمن َق ْرٍن َّم َّك َّٰن ُهم ِفي األ َْر ِ‬
‫ض َما َل ْم ُن َم ِّكن َّل ُك ْم َوأ َْرَسْلَنا َّ‬ ‫ِ‬
‫اء َما َك ُانوْا ِبه َي ْستَ ْه ِزُءو َن * أََل ْم َي َرْوْا َك ْم أ ْ‬
‫الس َم َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫أ َْنَب ُ‬
‫آخ ِري َن * َوَل ْو َنَّ ْزلَنا َعَل ْي َك ِك ٰتَباً‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َهَل ْك َٰن ُه ْم ِب ُذُنوبِ ِه ْم َوأ َْن َشأَْنا من َب ْعده ْم َق ْرناً َ‬
‫َعَل ْي ِهم ّم ْد َار اًر َو َج َعْلَنا األ َْن َه َار تَ ْجرِي من تَ ْحت ِه ْم َفأ ْ‬
‫نزَل َعَل ْي ِه َمَل ٌك َوَل ْو أ َ ْ‬
‫َنزلَنا َمَلكاً‬ ‫ين * َوَقاُلوْا َل ْوال أُ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َكَف ُروْا ِإ ْن َهـٰ َذآ ِإال س ْحٌر ُّمِب ٌ‬
‫اس َفَلمسوه ِبأَي ِدي ِهم َلَق َّ ِ‬
‫ال الذ َ‬ ‫ط ٍ َُ ُ ْ ْ َ‬ ‫ِفي ِق ْر َ‬
‫ظ ُرو َن‬ ‫َّلُق ِ‬
‫ض َي األ َْم ُر ثُ َّم الَ ُين َ‬

‫{الح ْم ُد هلل الذي َخَل َق السموات واألرض} ظهور الكماالت‪ ،‬وصفات الجمال والجالل على مظاهر تفاصيل‬
‫َ‬
‫الموجودات بأسرها الذي هو كمال الكل‪ .‬والحمد المطلق مخصوص بالذات اإللهية الجامعة لجميع صفاتها وأسمائها‬
‫باعتبار البداية الذي أوجد سموات عالم األرواح وأرض عالم الجسم وأنشأ في عالم الجسم ظلمات مراتبه التي هي‬
‫كف ُروا} حجبوا مطلقاً‬
‫حجب ظلمانية لذاته وفي عالم األرواح نور العلم واإلدراك {ثم} أي‪ :‬بعد ظهور هذه اآليات {الذين َ‬
‫{برّبهم يعدلون} غيره يثبتون موجوداً يساويه في الوجود {هو الذي خلقكم من طين} المادة الهيوالنية {ثم قضى أجالً}‬
‫منزهة عن الزمان‪ ،‬متعالية عن‬
‫مطلقاً غير معين بوقت وهيئة‪ ،‬ألن أحكام القضاء الثابت الذي هو ّأم الكتاب كلية ّ‬
‫المقدس عن التعلق بالمحل‪ ،‬فهو األجل الذي يقتضيه االستعداد طبعاً بحسب‬
‫المشخصات إذ محلها الروح األولى ّ‬
‫المسمى أجالً طبيعياً بالنظر إلى نفس ذلك المزاج الخاص والتركيب المخصوص بال اعتبار عارض من‬
‫ّ‬ ‫هويته‬
‫المقدر الزماني الذي يجب وقوعه عند اجتماع الشرائط‬
‫مسمى} معين {عنده} هو األجل ّ‬
‫العوارض الزمانية {وأجل ّ‬
‫وارتفاع الموانع المثبت في كتاب النفس الفلكية التي هي لوح القدر المقارن لوقت معين مالزماً له‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫اع ًة َوالَ َي ْستَْق ِد ُمو َن} [األعراف‪ ،‬اآلية‪{ .]34 :‬ثم أنتم} بعدما علمتم قدرته على إبدائكم‬ ‫ِ‬
‫َجُل ُه ْم الَ َي ْستَأْخ ُرو َن َس َ‬
‫آء أ َ‬ ‫ِ‬
‫{ َفإ َذا َج َ‬
‫وإفنائكم وإحاطة علمه بكم تشكون فيه وفي قدرته‪ ،‬فتتبتلون لغيره تأثي اًر وقدرة ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سركم} في عالم األرواح الذي هو‬ ‫السفلي {يعلم ّ‬‫العلوي و‬
‫ّ‬ ‫{وهو هللا} في صورة الكل سواء ألوهيته بالنسبة إلى العالم‬
‫ّ‬
‫عالم الغيب {وجهركم} في عالم األجسام الذي هو عالم الشهادة {ويعلم ما تكسبون} فيهما من العلوم والعقائد واألحوال‬
‫وشرها‪ ،‬فيجازيكم بحسبها‪.‬‬
‫والحركات والسكنات واألعمال صحيحها وفاسدها‪ ،‬صوابها وخطئها‪ ،‬خيرها ّ‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 9‬الى اآلية ‪)17‬‬

‫َس ِخ ُروْا ِم ْن ُه ْم‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ىء ِب ُرُس ٍل ِّمن‬ ‫َوَل ْو َج َعْل َٰن ُه َمَلكاً َّل َج َعْل َٰن ُه َر ُجالً َوَلَلَب ْسَنا َعَل ْي ِهم َّما َيْلِب ُسو َن * َوَلَق ِد ْ ِ‬
‫ِبالذ َ‬
‫ين‬ ‫اق‬
‫َقْبل َك َف َح َ‬ ‫استُ ْهز َ‬
‫الس َٰم َٰو ِت‬
‫َّ‬ ‫َّما ِفي‬ ‫* ُقل ّلِ َمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان َٰعقَب ُة اْل ُم َك ّذِب َ‬
‫ين‬ ‫ف َك َ‬
‫ظ ُروْا َك ْي َ‬ ‫َّما َك ُانوْا ِب ِه َي ْس َت ْه ِزءو َن * ُق ْل ِس ُيروْا ِفي األ َْر ِ‬
‫ض ثُ َّم ْان ُ‬ ‫ُ‬
‫ين َخ ِس ُروْا‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ض ُقل ََّّللِ َكتَ َب َعَل ٰى َنْف ِس ِه َّ‬
‫أ َْنُف َس ُه ْم َف ُه ْم الَ ُي ْؤ ِمُنو َن *‬ ‫الر ْح َم َة َلَي ْج َم َعَّن ُك ْم ِإَل ٰى َي ْو ِم اْلق َٰي َمة الَ َرْي َب فيه الذ َ‬ ‫واأل َْر ِ‬
‫َ‬
‫ط ِع ُم َوالَ‬ ‫لس ٰم ٰوتِ‬
‫واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫َّللا أَتخ ُذ َولّياً َفاط ِر ا َّ َ َ‬ ‫الن َه ِار َو ُه َو َّ‬
‫ض َو ُه َو ُي ْ‬ ‫َغ ْي َر َّ‬‫يم * ُق ْل أ َ‬ ‫َوَل ُه َما َس َك َن في اْللْيل َو َّ‬
‫َ‬ ‫يع اْل َعل ُ‬‫السم ُ‬
‫َخ ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اب َي ْو ٍم‬
‫ص ْي ُت َرّبِي َع َذ َ‬
‫اف إ ْن َع َ‬ ‫ين * ُق ْل ِإّني أ َ‬ ‫ون َّن م َن اْل ُم ْش ِرَك َ‬
‫َكو َن أََّو َل َم ْن أ َْسَل َم َوالَ تَ ُك َ‬ ‫َن أ ُ‬‫ط َع ُم ُق ْل ِإّني أُم ْر ُت أ ْ‬
‫ُي ْ‬
‫ف َل ُه ِإالَّ ُهَو َوإِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬
‫ضٍّر َفالَ َكاش َ‬ ‫َّللاُ ِب ُ‬
‫ين * َوإِن َي ْم َس ْس َك َّ‬ ‫ف َع ْن ُه َي ْو َمئذ َفَق ْد َرح َم ُه َوَذل َك اْلَف ْوُز اْل ُمِب ُ‬ ‫ص َر ْ‬‫َعظي ٍم * َّمن ُي ْ‬
‫َي ْم َس ْس َك ِب َخ ْي ٍر َف ُه َو َعَل ٰى ُك ِّل َشي ٍء َق ُد ٌير‬
‫ْ‬
‫{ولو جعلناه} الرسول {ملكاً لجعلناه رجالً} أي‪ :‬لجسدناه ألن الملك نور غير مرئي بالبصر وهم ظاهريون ال يدركون‬
‫ّ‬
‫إال ما كان محسوساً وكل محسوس فهو جسم أو جسماني وال صورة تناسب الملك الذي ينطبق بالحق حتى يتجسد‬
‫فيها إال الصورة اإلنسانية‪ ،‬إما لكونه نفساً ناطقة تقتضي هذه الصورة وإما لوجوب وجود الجنسية التي لو لم تكن لما‬
‫أمكنهم السماع منه وأخذ القول {كتَ َب على نفسه الرحمة} أي‪ :‬ألزم ذاته من حيث هي إفاضة الخير والكمال بحسب‬
‫استعداد القوابل فما من مستحق لرحمة وجود أو كمال إال أعطاه عند حصول استحقاقه لها‪.‬‬

‫{ليجمعنكم إلى يوم القيامة} الصغرى واإلعادة أو الكبرى في عين الجمع المطلق {ال َرْيب فيه} في كل واحد من‬
‫الجمعين في نفس األمر عند التحقيق‪ ،‬وإن لم يشعر به المحجوبون وهم {الذين خسروا أنفسهم} بإهالكها في الشهوات‬
‫محب لشيء فهو محشور فيه‪ .‬فهؤالء لمحبتهم إياها‬
‫والل ّذات الفانية ومحبة ما يفنى سريعاً من حطام الدنيا‪ ،‬وكل ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫واحتجابهم بها عموا عن الحقائق الباقية النورانية واستبدلوا بها المحسوسات الفانية الظلمانية {فهم ال يؤمنون} {قل إني‬
‫يم َحِنيفاً} [النحل‪ ،‬اآلية‪،]123 :‬‬ ‫ِ َِّ ِ َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬
‫أمرت أن أكو ّأول من أسلم} قال ذلك مع قوله‪{ :‬ثُ َّم أ َْو َح ْيَنآ إَل ْي َك أَن اتب ْع مل َة إ ْب َراه َ‬
‫ِ‬
‫ألن مراتب األرواح مختلفة في‬ ‫ين} [األعراف‪ ،‬اآلية‪ّ ]143 :‬‬ ‫{س ْب َح َان َك تُْب ُت ِإَل ْي َك َوأََن ْا أََّو ُل اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫وكذلك قال موسى‪ُ :‬‬
‫تقدمه في الرتبة‪ ،‬وأهل الوحدة كلهم في المرتبة‬ ‫البعد من الهوية اإللهية‪ .‬وكل من كان أبعد فإيمانه بواسطة من ّ‬ ‫الُقرب و ُ‬
‫اإللهية أهل الصف األول فكان إيمانهم بال واسطة وإيمان غيرهم بواسطتهم األقدم فاألقدم‪ ،‬وكل من كان إيمانه بال‬
‫واسطة فهو أول من آمن وإن كان متأخر الوجود بحسب الزمان كما قال النبي عليه الصالة والسالم‪" :‬نحن اآلخرون‬
‫السابقون"‪ .‬فال يقدح اتباعه لمّلة إبراهيم في سابقيته ألن معنى االتباع هو السير في طريق التوحيد مثل سيره في‬
‫الزمان األول‪ .‬ومعنى أوليته كونه في الصف األول مع السابقين‪.‬‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 18‬الى اآلية ‪)21‬‬

‫َّللا ش ِهيد ِبيِني وبينكم وأ ِ‬


‫ُوحي ِإَل َّي َهـٰ َذا‬ ‫يم اْل َخِب ُير * قل أَي شي ٍء أَكبر ش ٰهدة ق ِل َّ‬ ‫ِ‬ ‫ق ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ُ ْ ُّ َ ْ ْ َ ُ َ َ ً ُ ُ َ ٌ ْ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ‬ ‫َو ُه َو اْلَقاه ُر َف ْو َ عَباده َو ُه َو اْل َحك ُ‬
‫يء ِّم َّما‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُخ َر ٰى ُقل الَّ أ ْ‬ ‫َن مع َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َش َه ُد ُق ْل إَّن َما ُه َو إَلـ ٌٰه َواحٌد َوإَِّنني َب ِر ٌ‬ ‫َّللا َءالِ َه ًة أ ْ‬ ‫آن ألُنذ َرُك ْم به َو َمن َبَل َغ أَئَّن ُك ْم َلتَ ْش َه ُدو َن أ َّ َ َ‬
‫اْلُق ْر ُ‬
‫ظَل ُم ِم َّم ِن‬
‫ين َخ ِس ُروْا أ َْنُف َس ُه ْم َف ُه ْم الَ ُي ْؤ ِمُنو َن * َو َم ْن أَ ْ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ن‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫آء ُه ُم الذ َ‬ ‫اب َي ْع ِرُف َ‬
‫ون ُه َك َما َي ْعرُفو َ أ َْبَن َ‬ ‫اه ُم اْلكتَ َ‬ ‫تُ ْش ِرُكو َن * الذ َ‬
‫ين آتَْيَن ُ‬
‫َّللاِ َك ِذباً أَو َك َّذب ِب ٰآيِت ِه ِإَّنه الَ يْفلِح َّٰ‬
‫الظلِ ُمو َن‬ ‫ا ْفتَ َر ٰى َعَلى َّ‬
‫ُ ُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬

‫{وهو القاهر فوق عباده} فإفنائهم ذاتاً وصفة وفعالً بذاته وصفاته وأفعاله‪ ،‬فيكون قهره عين لطفه كما لطف بهم‬
‫بإيجادهم وتمكينهم وإقدارهم على أنواع التمتعات وهيأ لهم ما أرادوا من أنواع ِ‬
‫الن َعم والمشتهيات فحجبوا بها عنه وذلك‬
‫اشتدت نقمته على أعدائه في سعة رحمته {وهو‬ ‫عين قهره‪ .‬فسبحان الذي اتسعت رحمته ألوليائه في ش ّدة نقمته و ّ‬
‫الحكيم} يفعل ما يفعل من القهر الظاهر المتضمن للطف الواسع أو اللطف الظاهر المتضمن للقهر الكامل بالحكمة‬
‫{الخبير} الذي يطلع على خفايا أحوالهم واستحقاقها للطف والقهر {ومن أظلم ممن افترى على هللا كذباً} بإثبات وجود‬
‫غيره {أو ك ّذب} بصفاته بإظهار صفات نفسه‪ ،‬فأشرك به‪ .‬وغاية الظلم الشرك باهلل {إنه ال يفلح الظالمون} الحتجابهم‬
‫بما وضعوه في موضع ذات هللا وصفاته‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 22‬الى اآلية ‪)29‬‬

‫َّللاِ‬
‫ين ُكنتُ ْم تَ ْزُع ُمو َن * ثُ َّم َل ْم تَ ُك ْن ِف ْتَنتُ ُه ْم ِإالَّ أَن َقاُلوْا َو َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ويوم نح ُشرهم ج ِميعاً ثُ َّم نُق َِّ ِ‬
‫آؤُك ُم الذ َ‬
‫َش َرُكوْا أ َْي َن ُش َرَك ُ‬
‫ين أ ْ‬
‫ول للذ َ‬‫َ ُ‬ ‫َ َْ َ َ ْ ُ ُ ْ َ‬
‫ض َّل َع ْن ُه ْم َّما َك ُانوْا َيْفتَُرو َن * َو ِم ْن ُه ْم َّمن َي ْستَ ِم ُع ِإَل ْي َك َو َج َعْلَنا‬ ‫ظر َكيف َك َذبوْا عَلى أ ُ ِ‬
‫َنفس ِه ْم َو َ‬ ‫ين * ان ُ ْ ْ َ ُ َ ٰ‬ ‫َرّبَِنا َما ُكَّنا ُم ْش ِرِك َ‬
‫ين‬ ‫َكَّن ًة أَن يْفَقهوه وِفي ءا َذ ِان ِهم وْق اًر وإِن يروْا ُك َّل ءاي ٍة الَّ يؤ ِمنوْا ِبها حتَّى ِإ َذا جآءوك ي ٰج ِدُلونك يُق َّ ِ‬ ‫عَلى ُقُلوبِ ِهم أ ِ‬
‫ول الذ َ‬ ‫َ ُ َ َُ ََ َ ُ‬ ‫ُْ ُ َ َ ٰ‬ ‫ََ‬ ‫ْ َ َ ََ ْ‬ ‫َ ُ َُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ٰ‬
‫َو َما َي ْش ُع ُرو َن * َوَل ْو تََر ٰى ِإ ْذ‬ ‫ين * َو ُه ْم َي ْن َه ْو َن َع ْن ُه َوَي ْنأ َْو َن َع ْن ُه َوإِن ُي ْهلِ ُكو َن ِإالَّ أَ ُنف َس ُه ْم‬ ‫َكَفروْا ِإن هـٰ َذآ ِإالَّ أ ٰ ِ‬
‫َسط ُير األََّولِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َ‬
‫َّما َك ُانوْا ُي ْخُفو َن ِمن َقْب ُل َوَل ْو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * َب ْل َب َدا َل ُه ْم‬ ‫الن ِار َفَقاُلوْا ٰيَل ْيتََنا ُن َرُّد َوالَ ُن َك ّذ َب ِب َٰآيت َرّبَِنا َوَن ُكو َن م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ُوِقُفوْا َعَلى َّ‬
‫ُرُّدوْا َل َع ُادوْا لِ َما ُن ُهوْا َع ْن ُه َوِإَّن ُه ْم َل َك ِاذُبو َن * َوَقاُلوْا ِإ ْن ِهي ِإالَّ َحَياتَُنا ُّ‬
‫الد ْنَيا َو َما َن ْح ُن ِب َم ْب ُعوِث َ‬
‫ين‬
‫َ‬
‫{ويوم نحشرهم جميعاً} في عين جمع الذات {ثم نقول للذين أشركوا} بإثبات الغير {أين شركائي الذين كنتم تَ ْزعمون}‬
‫القهار نهاية شركهم وعاقبته {إال أن‬
‫لفناء الكل في التجلي الذاتي {ثم لم تكن} عند تجلية الحال وبروز الكل للملك ّ‬
‫قالوا وهللا ربنا ما كنا مشركين} المتناع وجود شيء نشركه باهلل‪.‬‬

‫{انظر كيف كذبوا على أنفسهم} بافتراء الوجود والصفات لها وضاع {عنهم ما كانوا يفترون} فلم يجدوه شيئاً بل وجدوه‬
‫ال شيء سوى المفتري أو كذبوا على أنفسهم بنفي الشرك عنها مع رسوخ ذلك االعتقاد فيها‪.‬‬

‫{ولو ترى إذ وقفوا على} نار الحرمان والتع ّذب بهيآت نفوسهم المظلمة واستيالء صور المفتريات عليهم في العذاب‬
‫نرد وال نكذب بآيات ربنا} من تجليات صفاته {ونكون من المؤمنين} الموحدين‪ ،‬لكان ما ال يدخل تحت‬ ‫{فقالوا يا ليتنا ّ‬
‫الوصف {بل َب َدا} ظهر {لهم ما كانوا يخفون} من العقائد الفاسدة والصفات المهلكة والهيآت المظلمة ببروزهم هلل‬
‫وانقالب باطنهم ظاه اًر‪ ،‬فتعذبوا به {ولو ردوا لعادوا لما ُنهوا عنه} لرسوخ تلك االعتقادات والملكات فيهم {وإنهم‬
‫لكاذبون} في الدنيا واآلخرة لكون الكذب ملكة راسخة فيهم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 30‬الى اآلية ‪)30‬‬

‫اب ِب َما ُكنتُ ْم تَ ْكُف ُرو َن‬


‫الع َذ َ‬
‫ال َف ُذوُقوْا َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوَل ْو تَ َر ٰى إ ْذ ُوِقُفوْا َعَل ٰى َرّبِه ْم َق َ‬
‫ال أََل ْي َس َهـٰ َذا باْل َح ِّق َقاُلوْا َبَل ٰى َوَرّبَِنا َق َ‬

‫{ولو ترى إذ وقفوا على ربهم} في القيامة الكبرى وهو تصوير لحالهم في االحتجاب والبعد وإال لم يكن ثم قول وال‬
‫جواب‪ ،‬لحرمانهم عن لحضور والشهود‪ ،‬وإن كانوا في عين الجمع المطلق‪.‬‬

‫واعلم أن الوقف على الشيء غير الوقوف معه‪ ،‬فإن الوقوف مع الشيء يكون طوعاً ورغبة‪ ،‬والوقف على الشيء ال‬
‫يكون إال كرهاً ونفرة‪ ،‬فمن وقف مع هللا بالتوحيد كمن قال‪:‬‬

‫متقدم‬
‫لي متأخر عنه وال ّ‬ ‫وقف الهوى من حيث أنت فليس‬

‫َّهم ِباْل َغ َد ِاة َواْل َع ِش ِي‬


‫ين َي ْد ُعو َن َرب ُ‬
‫َّ ِ‬
‫اصِب ْر َنْف َس َك َم َع الذ َ‬
‫{و ْ‬
‫ال يوقف للحساب‪ ،‬بل هو من أهل الفوز األكبر الذين قال فيهم‪َ :‬‬
‫ّ‬
‫{ما َعَل ْي َك ِم ْن ِح َساِب ِهم ِّمن َشي ٍء} [األنعام‪ ،‬اآلية‪ ]52 :‬ويثاب بأنواع النعيم في‬ ‫ُي ِر ُيدو َن َو ْج َه ُه} [الكهف‪ ،‬اآلية‪َ ،]28 :‬‬
‫ْ‬
‫الرب وعذب بجميع أنواع العذاب في مراتب النيران كلها‪ ،‬لكون‬ ‫الجنان كلها‪ .‬ومن وقف مع الغير بالشرك وقف على ّ‬
‫حجابه أغلظ وكفره أعظم‪ .‬ومن وقف مع الناسوت بمحبة الّلذات والشهوات‪ ،‬ولبث في حجاب اآلثار وقف على‬
‫الملكوت وع ّذب بنيران الحرمان عن المراد‪ ،‬وسّلط عليه زبانية الهيآت المظلمة‪ ،‬وقرن بشياطين األهواء المردية‪ .‬ومن‬
‫ورد إلى مقام الملكوت‪.‬‬
‫وقف مع األفعال وخرج عن حجاب اآلثار‪ ،‬وقف على الجبروت‪ ،‬وع ّذب بنار الطمع والرجاء‪ّ ،‬‬
‫ومن وقف مع الصفات وخرج عن حجاب األفعال‪ ،‬وقف على الذات‪ ،‬وع ّذب بنار الشوق في الهجران وإن كان من‬
‫الرب‪ ،‬فإن الموقوف على الذات يعرف رّبه الموصوف بصفات‬
‫أهل الرضا وهذا الموقف ليس هو الموقف على ّ‬
‫أن الواقف مع األفعال في‬ ‫اللطف كالرحيم‪ ،‬والرؤوف‪ ،‬والكريم‪ ،‬دون الموقوف على ّ‬
‫الرب فهو حجاب األنية كما ّ‬
‫حجاب أوصافه‪ ،‬والواقف مع الناسوت في حجاب أفعاله التي هي من جملة اآلثار‪ .‬فالمشرك موقوف في المواقف‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يها َوالَ تُ َكّلِ ُمو ِن} [المؤمنون‪ ،]108 :‬وقال‪َ{ :‬ف ُذوُقوْا‬ ‫ِ‬
‫{اخ َسُئوْا ف َ‬
‫الرب فيحجب بالبعد والطرد‪ ،‬كما قال‪ْ :‬‬
‫األربعة أوالً على ّ‬
‫{والَ ُي َكِّل ُم ُه ُم‬ ‫اْل َع َذ َ ِ‬
‫اب ب َما ُك ْنتُ ْم تَ ْكُف ُرو َن} [آل عمران‪ ،‬اآلية‪ ،]106 :‬ثم على الجبروت فيطرد بالسخط والقهر كما قال‪َ :‬‬
‫اب َج َهَّن َم}‬ ‫ظ ُر ِإَل ْي ِه ْم} [آل عمران‪ ،‬اآلية‪ ،]77 :‬ثم على الملكوت فيزجر بالغضب واللعن كما قيل‪ْ :‬‬
‫{اد ُخُلوْا أ َْب َو َ‬ ‫َّللاُ َوالَ َين ُ‬
‫َّ‬
‫اكثُو َن} [الزخرف‪،‬‬ ‫[الزمر‪ ،‬اآلية‪ ]72 :‬ثم على النار‪ ،‬فيعذب بأنواع النيران أبداً‪ ،‬كما قال على لسان مالك‪ِ{ :‬إَّن ُكم َّم ِ‬
‫ْ‬
‫الرب‪ ،‬معلوالً منه‪ ،‬كما قال‪{ :‬ثُ َّم ِإَل ْيَنا َم ْرِج ُع ُه ْم ثُ َّم ُن ِذيُق ُه ُم‬
‫اآلية‪ ،]77 :‬فيكون وقفه على النار متأخ اًر عن وقفه على ّ‬
‫الش ِد َيد ِب َما َك ُانوْا َي ْكُف ُرو َن} [يونس‪ ،‬اآلية‪ .]70 :‬وأما الواقف مع الناسوت فيقف للحساب على الملكوت ثم على‬ ‫اب َّ‬
‫اْل َع َذ َ‬
‫النار‪ ،‬وقد ينحى لعدم السخط وقد ال ينحى لوجوده‪ .‬والواقف مع األفعال ال يوقف على النار أصالً‪ ،‬بل يحاسب‬
‫ضوْا َع ْن ُه} [المائدة‪ ،‬اآلية‪ ]119 :‬وهللا أعلم‬ ‫{ر ِ‬
‫َّللاُ َع ْن ُه ْم َوَر ُ‬
‫ضي َّ‬
‫َ‬
‫ويدخل الجنة‪ .‬وأما الواقف مع الصفات فهو من الذين‪َّ :‬‬
‫بحقائق األمور ‪.‬‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 31‬الى اآلية ‪)33‬‬

‫يها َو ُه ْم َي ْح ِمُلو َن أ َْوَزَارُه ْم‬ ‫الساع ُة ب ْغتَ ًة َقاُلوْا يٰحسرتََنا عَلى ما َفَّر ْ ِ‬ ‫ين َك َّذُبوْا ِبلَِق ِآء َّ ِ َّ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫طَنا ف َ‬ ‫ََْ َ ٰ َ‬ ‫آء ْت ُه ُم َّ َ َ‬ ‫َّللا َحت ٰى إ َذا َج َ‬ ‫َق ْد َخس َر الذ َ‬
‫ين َيتَُّقو َن أََفالَ تَ ْعِقُلو َن * َق ْد‬ ‫َِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ورِه ْم أَالَ َسآء َما َي ِزُرو َن * َو َما اْل َح َٰيوةُ ُّ‬
‫الد ْنَيآ ِإال َلع ٌب َوَل ْهٌو َوَل َّلد ُار اآلخ َرةُ َخ ْيٌر ّللذ َ‬ ‫َ‬
‫ظ ُه ِ‬
‫َعَل ٰى ُ‬
‫َّللاِ َي ْج َح ُدو َن‬ ‫نعَلم ِإَّنه َليح ُزنك َّال ِذي يُقوُلو َن َفِإَّنهم الَ ي َك ِّذبونك وَلـ ِٰك َّن َّٰ‬
‫الظلِ ِمين ِبآي ِ‬
‫ات َّ‬ ‫َ َ‬ ‫ُْ ُ ُ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ ُ َ ْ ُ َ‬

‫{قد خسر الذين} المحجوبون المكذبون بلقاء الحق {حتى إذا جاءتهم} القيامة الصغرى ندموا على تفريطهم فيها {وهم‬
‫الحسيات {على‬
‫ّ‬ ‫يحملون أوزارهم} من أعباء التعلقات‪ ،‬وأفعال محبة الجسمانيات‪ ،‬ووبال السيئات‪ ،‬وآثام هيئات‬
‫ظهورهم} أي‪ :‬ارتكبتهم واستولت عليهم للرسوخ في نفوسهم فحجبتهم وع ّذبتهم وثبطتهم عما أرادوا {وما الحياة الدنيا}‬
‫الحسية‪ ،‬ألن المحسوس أدنى إلى الخلق من المعقول {إال لعب} أي‪ :‬إال شيء ال أصل له وال حقيقة سريع‬
‫ّ‬ ‫أي‪ :‬الحياة‬
‫يتجردون عن مالبس الصفات البشرية واللذات‬
‫الفناء واالنقضاء {وللدار اآلخرة} أي‪ :‬عالم الروحانيات {خير للذين} ّ‬
‫البدنية {أفال تعقلون} حتى تختاروا األشرف األطيب على األخس األدون الفاني‪{ .‬قد نعلم إنه ليحزنك} عتاب لرسول‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫هللا صلى هللا عليه وسلم بظهور نفسه بصفة الحزن {ال يكذبونك} إلى آخره‪ ،‬أي‪ :‬ليس إنكارهم تكذيبك ألنك لست في‬
‫هذه الدعوة قائماً بنفسك وال هذا الكالم صفة لك‪ ،‬بل تدعوهم باهلل وصفاته وهذه عادة قديمة‪.‬‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 34‬الى اآلية ‪)38‬‬

‫ك ِمن َّنَبِإ‬ ‫ات َّ ِ‬ ‫وَلَق ْد ُك ِّذب ْت رسل ِمن َقبلِك َفصبروْا عَلى ما ُك ِّذبوْا وأُوُذوْا حتَّى أَتَاهم نصرنا والَ مب ِدل لِ َكلِم ِ‬
‫آء َ‬
‫َّللا َوَل ْقد َج َ‬ ‫َ ٰ ُ ْ َ ْ ُ َ َ ُ َّ َ َ‬ ‫َ ُ ُ ٌ ّ ْ َ َ َُ َ ٰ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫السم ِآء َفتأِْتيهم ِبآيةٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ط ْع َت أَن تَْبتَغ َي َنَفقاً في األ َْرض أ َْو ُسلماً في َّ َ َ َ ُ ْ َ‬ ‫استَ َ‬ ‫اض ُه ْم َفإن ْ‬ ‫ان َكُب َر َعَل ْي َك إ ْع َر ُ‬
‫ين * َوإِن َك َ‬ ‫اْل ُم ْرَسل َ‬
‫َّللاُ ثُ َّم ِإَل ْي ِه‬
‫ين َي ْس َم ُعو َن َواْل َم ْوتَ ٰى َي ْب َعثُ ُه ُم َّ‬ ‫َّللا َلجمعهم عَلى اْلهد ٰى َفالَ تَ ُكون َّن ِمن اْل ٰج ِهلِين * ِإَّنما يستَ ِج َّ ِ‬
‫يب الذ َ‬‫َ َْ ُ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َُ‬ ‫آء َّ ُ َ َ َ ُ ْ َ‬‫َوَل ْو َش َ‬
‫َّللاَ َق ِادٌر َعَل ٰى أَن ُيَنِّزٍل َآي ًة َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثَ َرُه ْم الَ َي ْعَل ُمو َن * َو َما ِمن‬‫ِه ُق ْل ِإ َّن َّ‬ ‫يرجعون * وَقاُلوْا َلوالَ ن ِزل عَلي ِه آي ٌة ِمن َّرب ِ‬
‫ْ ُّ َ َ ْ َ ّ ّ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ ُ َ‬
‫الك ٰتَ ِب ِمن َشي ٍء ثُ َّم ِإَل ٰى َرّب ِِه ْم ُي ْح َش ُرو َن‬‫طَنا ِفي ِ‬‫ُم ٌم أ َْمثَاُل ُك ْم َّما َفَّر ْ‬ ‫ط ِائ ٍر ي ِطير ِبجن ِ ِ َّ‬ ‫دآب ٍ‬
‫َّة ِفي األ َْر ِ‬
‫ْ‬ ‫اح ْيه إال أ َ‬‫ض َوالَ َ َ ُ َ َ َ‬ ‫َ‬

‫{ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا} باهلل‪ ،‬سالّه باهلل بعدما عاتبه لئال يبقى في التلوين وال يتأسف بعد ذهابه عليه‬
‫مبدل لكلمات هللا} أي‪ :‬صفات هللا التي يتجلى بها لعباده وال‬
‫فيقع في القبض بل يطمئن قلبه‪ ،‬ولهذا عقبه بقوله‪{ :‬وال ّ‬
‫تتبدل بإنكار المنكرين وال يمكنهم تبديلها‪ .‬ونفى عنه القدرة وعجزه بقوله‪{ :‬وإن كان َكُب َر عليك إعراضهم فإن‬
‫تتغير وال ّ‬
‫تكونن من الجاهلين} الذين ال يطلعون على حكمة تفاوت‬ ‫ّ‬ ‫استطعت} إلى آخره‪ ،‬لئال تظهر نفسه بصفاتها {فال‬
‫االستعدادات‪ ،‬فتتأسف على احتجاب من احتجب‪ .‬فإن المشيئة اإللهية اقتضت هداية بعض وحرمان بعض لحكمة‬
‫ترتب النظام وظهور الكماالت الظاهرة والباطنة‪ ،‬فال يستجيب إال من فتح هللا سمع قلبه بالهداية األصلية ووهب له‬
‫الحياة الحقيقية بصفات االستعداد ونور الفطرة‪ ،‬ال موتى الجهل الذين ماتت غريزتهم بالجهل المركب أو بالحجب‬
‫الجبلية‪ ،‬أو لم يكن لهم استعداد بحسب الفطرة فإنهم ال يمكنهم السماع‪ ،‬بل‪{ :‬يبعثهم هللا} باإلعادة في النشأة الثانية‬
‫{ثم إليه يرجعون} في عين الجمع المطلق للجزاء أو المكافأة مع احتجابهم‪ .‬وقد يمكن رفع الحجب في اآلخرة للفريق‬
‫{ولكن أكثرهم ال يعلمون} نزول اآليات‪ ،‬فإن ظهور كل صفة من صفاته على كل مظهر من‬
‫ّ‬ ‫الثاني دون الباقين‬
‫مظاهر األكوان آية له يعرفه بها أهل العلم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{وما من دابة في األرض} إلى آخره‪ ،‬يمكن حمله على المسخ أي‪ :‬أمم أمثالكم في االحتجاب واالعتداء وارتكاب‬
‫فرطنا} ما قصرنا في كتابهم الذي فيه صور أعمالهم وهو‬ ‫الرذائل كأصحاب السبت الذين مسخوا قردة وخنازير {ما ّ‬
‫صحيفة النفس الفلكية أو صحيفة نيتهم التى ثبتت فيها صور أعمالهم {ثم إلى ربهم ُي ْح َشرون} للجزاء‪ ،‬محجوبين في‬
‫عين الجمع المطلق‪ .‬والظاهر أن المراد أنهم أمم أمثالكم مربوبون بما احتاجوا إليه من معايشهم‪ ،‬مكفيون مؤنتهم‬
‫بتقدير من هللا وحكمه‪ .‬ما قصرنا في كتاب اللوح المحفوظ من شيء يصلحهم بل أثبتنا فيه أرزاقهم وآجالهم وأعمالهم‬
‫وكل ما احتاجوا إليه‪{ ،‬ثم إلى رّبهم يحشرون} لجزاء أعمالهم كما هو مروي في الحديث من حشر الوحوش‪ ،‬وقصاص‬
‫األعمال بينهم‪ ،‬وكل واحدة منها آية لكم تعرف بها أحوالكم وأرزاقكم وآجالكم وأعمالكم‪ ،‬فاعتبروا بها وال تصرفوا هممكم‬
‫وتضروها وتشقوا بها في آخرتكم ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ومساعيكم في طلب الرزق وإصالح الحياة الدنيا فتخسروا أنفسكم‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 39‬الى اآلية ‪)50‬‬

‫اط ُّم ْستَِقي ٍم * ُق ْل أ ََرَء ْيتَ ُك ْم ِإ ْن‬ ‫صر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا ي ْ ِ‬ ‫ُّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ضلْل ُه َو َمن َي َش ْأ َي ْج َعْل ُه َعَل ٰى َ‬ ‫ص ٌّم َوُب ْك ٌم في الظُل َمات َمن َي َشِإ َّ ُ ُ‬ ‫ين َكذُبوْا ب َآياتَنا ُ‬ ‫َوالذ َ‬
‫آء‬ ‫نِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين * َب ْل ِإيَّاهُ تَ ْد ُعو َن َفَي ْكش ُ‬
‫َّللاِ تَ ْدعو َن ِإن ُكنتُم ِ ِ‬ ‫َّللاِ أ َْو أَتَ ْت ُك ُم َّ‬
‫ف َما تَ ْد ُعو َ إَل ْيه إ ْن َش َ‬ ‫صـٰدق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َغ ْي َر َّ ُ‬ ‫اع ُة أ َ‬ ‫الس َ‬ ‫اب َّ‬ ‫أَتَـ ُٰك ْم َع َذ ُ‬
‫آء ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫آء َل َعَّل ُه ْم َيتَ َ ن‬ ‫الضَّر ِ‬
‫ْس ِآء َو َّ‬ ‫وتَنسو َن ما تُ ْش ِرُكو َن * وَلَق ْد أ َْرس َلنآ ِإَل ٰى أُم ٍم ِمن َقْبلِ َك َفأ َ ٰ ِ‬
‫ضَّرُعو َ * َفَل ْوال إ ْذ َج َ‬ ‫َخ ْذَن ُه ْم باْلَبأ َ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َ‬
‫ان ما َك ُانواّ يعمُلو َن * َفَل َّما َنسوْا ما ُذ ِّكروْا ِب ِه َفتَحَنا َعَلي ِهم أَبواب ُكلِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ْ ْ َْ َ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫طُ َ‬ ‫َّن َل ُه ُم الش ْي َ‬‫وب ُه ْم َوَزي َ‬‫ضَّرُعوْا َوَلـٰكن َق َس ْت ُقُل ُ‬ ‫ْسَنا تَ َ‬ ‫َبأ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ظَل ُموْا َواْل َح ْم ُد ََّّلل َر ِّب اْل َعاَلم َ‬
‫ين‬ ‫ين َ‬ ‫اه ْم َب ْغتَ ًة َفِإ َذا ُه ْم ُّمْبل ُسو َن * َفُقط َع َداِب ُر اْلَق ْو ِم الذ َ‬ ‫َخ ْذَن ُ‬ ‫َش ْيء َحتَّ ٰى ِإ َذا َف ِر ُحوْا ِب َمآ أُوتُوْا أ َ‬
‫ظر َكيف نص ِرف اآلي ِ‬ ‫َّللاِ يأِْت ُ ِ‬
‫ات ثُ َّم‬ ‫يك ْم ِبه ْان ُ ْ ْ َ ُ َ ّ ُ َ‬ ‫ِك ْم َّم ْن ِإَلـ ٌٰه َغ ْي ُر َّ َ‬ ‫ص َارُك ْم َو َختَ َم َعَل ٰى ُقُلوب ُ‬ ‫َّللاُ َس ْم َع ُك ْم َوأ َْب َ‬
‫َخ َذ َّ‬‫َرَْيتُ ْم ِإ ْن أ َ‬
‫* ُق ْل أ َأ‬
‫الظلِمو َن * وما نرِسل اْلمرسلِين ِإالَّ‬ ‫َّللاِ ب ْغتَ ًة أَو جهرة هل يهَلك ِإالَّ اْلَقوم َّٰ‬ ‫هم ي ِ‬
‫َ َ ُْ ُ ُ ْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ‬ ‫ْ َ ْ ًَ َ ْ ُْ ُ‬ ‫اب َّ َ‬ ‫صد ُفو َن * ُق ْل أ ََرَء ْيتَ ُك ْم ِإ ْن أَتَـ ُٰك ْم َع َذ ُ‬ ‫ُْ َ ْ‬
‫اب ِب َما َك ُانوْا‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َكذُبوْا ِب َآياتَنا َي َم ُّس ُه ُم اْل َع َذ ُ‬‫ف َعَل ْي ِه ْم َوالَ ُه ْم َي ْح َزُنو َن * َوالذ َ‬ ‫َصَل َح َفالَ َخ ْو ٌ‬ ‫ام َن َوأ ْ‬ ‫ين َف َم ْن َء َ‬ ‫ين َو ُمنذ ِر َ‬ ‫ُمَب ّش ِر َ‬
‫وح ٰى ِإَل َّي ُق ْل َه ْل‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫يْفسُقون * ُقل الَّ أَُقول َل ُكم ِع ِندي خزِآئن َّ ِ‬
‫ول َل ُك ْم ِإّني َمَل ٌك ِإ ْن أَتَِّب ُع ِإال َما ُي َ‬
‫َعَل ُم اْل َغ ْي َب َوال أَُق ُ‬
‫َّللا َوال أ ْ‬ ‫ََ ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ ُ َ‬
‫يستَ ِوي األَعمى واْلب ِ‬
‫ص ُير أََفالَ تَتََف َّك ُرو َن‬ ‫َْ ٰ َ َ‬ ‫َْ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{صم} بآذان القلوب فال يسمعون كالم الحق‬
‫ّ‬ ‫{والذين ك ّذبوا} بتجليات صفاتنا الحتجابهم بغواشي صفات نفوسهم‬
‫{وب ْكم} بألسنتها التي هي العقول فال ينطقون بالحق في ظلمات صفات نفوسهم وجالبيب أبدانهم وغشاوات طبائعهم‬
‫ُ‬
‫يصدقونك وما هداهم هللا لذلك بالتوفيق {من يشأ هللا يضلله} بإسبال حجب جالله {ومن يشأ يجعله‬
‫كالدواب‪ ،‬فكيف ّ‬
‫على صراط مستقيم} بإشراق نور وجهه وسبحات جماله {قل أرأيتكم} إلى آخره‪ ،‬أي‪ :‬كل مشرك عند وقوعه في العذاب‬
‫أو عند حضور الموت إن فسرنا الساعة بالقيامة الصغرى أو رفع الحجاب بالهداية الحقانية إلى التوحيد الحقيقي‪ ،‬إن‬
‫فسرناها بالقيامة الكبرى ّأ‬
‫يتبر عن حول من أشركه باهلل وقوته ويتحقق أن ال حول وال قوة إال باهلل وال يدعو إال هللا‪،‬‬
‫وينسى كل من تمسك به وأشركه باهلل من الوسائل‪ ،‬ولهذا قيل‪ :‬البالء سوط من سياط هللا‪ ،‬يسوق عباده‪ .‬أما ترى كيف‬
‫الضراء بإرسال الرسل‪.‬‬
‫عقب كالمه بمقارنة األخذ بالبأساء و ّ‬

‫وشدة شكيمتها‪،‬‬
‫مقار نفوسهم ويكسر سورتها ّ‬ ‫لعل تضاعف أسباب اللطف‪ ،‬كقود األنبياء وسوق العذاب‪ ،‬يزعجهم عن ّ‬
‫تضرعوا لقساوة‬
‫متضرعين عند تجلي صفة القهر وتأثيرها فيهم‪ ،‬ثم ّبين أنهم ما ّ‬
‫ّ‬ ‫فيطيعوا ويبرزوا من الحجاب وينقادوا‬
‫غش الهوى وحب الدنيا وميل اللذات الجسمانية ‪.‬‬
‫قلوبهم بكثافة الحجاب وغلبة ّ‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 51‬الى اآلية ‪)53‬‬

‫َنذر ِب ِه َّال ِذين يخا ُفون أَن يح َشروْا ِإَلى رِب ِهم َليس َلهم ِمن دوِن ِه ولِ ٌّي والَ َشِفيع َّلعَّلهم يتَُّقون * والَ تَ ْ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ط ُرِد الذ َ‬
‫ين َي ْد ُعو َن‬ ‫َ‬ ‫ٌ َ ُْ َ َ‬ ‫ٰ َّ ْ ْ َ ُ ْ ّ ُ َ َ‬ ‫ُْ ُ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َوأ ْ‬
‫َّه ْم ِباْل َغ َد ِاة َواْل َع ِش ِّي ُي ِر ُيدو َن َو ْج َه ُه َما َعَل ْي َك ِم ْن ِح َساِب ِهم ِّمن َش ْي ٍء َو َما ِم ْن ِح َساِب َك َعَل ْي ِه ْم ِّمن َش ْي ٍء َفتَ ْ‬
‫ط ُرَد ُه ْم َفتَ ُكو َن‬ ‫َرب ُ‬
‫َّللا ِبأَعَلم ِب َّٰ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ض ّلِيُقولوْا أَهـٰؤ ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الشك ِر َ‬
‫ين‬ ‫َّللاُ َعَل ْيهم ّمن َب ْينَنآ أََل ْي َس َّ ُ ْ َ‬‫الء َم َّن َّ‬‫َُ‬ ‫ض ُه ْم ِبَب ْع ٍ َ‬ ‫ين * َوَكذل َك َفتََّنا َب ْع َ‬ ‫م َن الظالم َ‬

‫المستعدين الذين هم أهل الخوف والرجاء‪ ،‬وأعرض عن الذين‬ ‫ّ‬ ‫{وأنذر به الذين يخافون} أي‪ :‬أنذر بما أوحي إليك‬
‫ِ ِ‬
‫{ه ًدى ّلْل ُمتَّق َ‬
‫ين} [البقرة‪ ،‬اآلية‪{ .]2 :‬أن ُي ْح َشروا إلى رّبهم‬ ‫قست قلوبهم فإنه ال ينجع فيهم كما قال في ّأول الكتاب‪ُ :‬‬
‫ليس لهم من دونه ولي وال شفيع} أي‪ :‬يعلمون بصفاء استعدادهم أنه ال بد من الرجوع إلى هللا‪ ،‬فيخافون أن يحشروا‬
‫ّ‬
‫إليه في حال كونهم محجوبين عنه بحجب صفاتهم وأفعالهم ال ولي ينصرهم غير هللا فينقذهم من ذّلة البعد وعذاب‬
‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ويكرمهم لفناء الذوات والقدر كلها في هللا‪ ،‬وقهره إياهم‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬ ‫فيقربهم منه‪ّ ،‬‬ ‫الحرمان‪ ،‬وال شفيع يشفع لهم ّ‬
‫َّللاِ ِم ْنهم َشيء ِّلم ِن اْلمْلك اْليوم ََِّّللِ اْلو ِ‬
‫اح ِد اْلَق َّه ِار} [غافر‪ ،‬اآلية‪ ،]16 :‬فيتعظون‬ ‫ِ ن‬
‫َ‬ ‫{ي ْوَم ُهم َبارُزو َ الَ َي ْخَف ٰى َعَلى َّ ُ ْ ْ ٌ َ ُ ُ َ ْ َ‬‫َ‬
‫بالجد واالجتهاد {لعلهم يتّقون} لكي يحذروا حجب افعالهم‬
‫ّ‬ ‫بسماعهم له ويحدث فيهم الرجاء فيشمرون في السلوك‬
‫ويتجردوا عنها بالمحو والفناء في هللا‪ ،‬ويتجه أن يكون الولي القلب‪ ،‬والشفيع الروح‪ ،‬أي‪ :‬لم يصلوا‬
‫ّ‬ ‫وصفاتهم وذواتهم‪،‬‬
‫ّ‬
‫إلى مقام القلب الذي هو ولي النفس فينقذها من العذاب وينصرها من الحرمان‪ ،‬وال إلى مقام الروح فتشفع لهم بإمداد‬
‫ّ‬
‫مدد القرب لها واستمدادها من هللا وتتوسل بينهم وبين هللا‪.‬‬

‫طرد الذين يدعون} أي‪ :‬ال تزجرهم به‪ ،‬وهم أهل الوحدة الكاملون الواصلون‪ ،‬فإن اإلنذار كما ال ينجع في الذين‬
‫{وال تَ ْ‬
‫العشي} أي‪ :‬يخصونه بالعبادة دائماً‬
‫ّ‬
‫قست قلوبهم ال ينفع في الذين طاشت قلوبهم في هللا وتالشت {رّبهم بالغداة و‬
‫السر إليه‪ ،‬ال يريدون بالعبادة إال ذاته بالمحبة األزلية ال يجعلون عبادتهم معللة‬
‫بحضور القلب وشهود الروح وتوجه ّ‬
‫بغرض من توقع ثواب جنة أو خوف عقاب أو نقمة‪ ،‬وال يريدونه بمحبة الصفات فتتغير إرادتهم باختالف تجلياتها وال‬
‫يستحلون توسيط ذاته في مقصد أو مطلب بل شاهدوا فناء الوسائط والوسائل فيه ولم يبق في شهودهم شيء يقع‬
‫نظرهم عليه حتى ذواتهم {ما عليك من ِح َسابهم} فيما يعملون من شيء‪ ،‬أي‪ :‬ال واسطة بينهم وبين رّبهم من ملك أو‬
‫نبي فلست من دعوتهم إلى طاعة أو إلى جهاد أو إلى غير ذلك في شيء‪ ،‬فحسابهم على هللا إذ عملهم ليس إال باهلل‬
‫ّ‬
‫وفي هللا {وما من حسابك عليهم من شيء} أي‪ :‬ال يخوضون في أمور دعوتك بنصر وإعانة لإلسالم وال بدفع وقمع‬
‫صالَِت ِه ْم َد ِآئ ُمو َن} [المعارج‪ ،‬اآلية‪:‬‬ ‫َّ ِ‬
‫ين ُه ْم َعَل ٰى َ‬
‫للكفر الشتغالهم باهلل عما سواه ودوام حضورهم كما قال تعالى‪{ :‬الذ َ‬
‫ونبوتك {فتطردهم} عما هم عليه من دوام الحضور بإنهاضهم لشغل ديني أو مصلحة‬ ‫‪ ]23‬ال يعنيهم شأن من أمرك ّ‬
‫فتنا {بعضهم}‬ ‫تشوش وقتهم وجمعيتهم {فتكون من الظالمين} {وكذلك ّ‬
‫فتنا} أي‪ :‬مثل ذلك الفتن واالبتالء العظيم ّ‬ ‫أو ّ‬
‫وهم المحجوبون بالبعض‪ ،‬فإن المحجوبين لما لم يروا منهم إال صورتهم وسوء حالهم في الظاهر وفقرهم ومسكنتهم‪،‬‬
‫ولم يروا قدرهم ومرتبتهم وحسن حالهم في الباطن‪ ،‬استحقروهم وازدرتهم أعينهم بالنسبة إلى ما هم فيه من المال والجاه‬
‫والتنعم وخفض العيش فقالوا فيهم ‪:‬‬

‫من هللا عليهم من بيننا} بالهداية استخفافاً وهم وهللا األطيبون عيشاً‪ ،‬األرفعون حاالً ومنزالً‪ ،‬األعظمون قد اًر‬ ‫{أهؤالء ّ‬
‫َعُيُن ُك ْم َلن ُي ْؤِتَي ُه ُم َّ‬ ‫ورتبة عند هللا وعند من يعرفهم كما قال نوح عليه السالم‪{ :‬والَ أَُق َِّ ِ‬
‫َّللاُ َخ ْي اًر} [هود‪،‬‬ ‫ين تَ ْزَدرِي أ ْ‬
‫ول للذ َ‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫اآلية‪ ]31 :‬بل الخير كل الخير ما آتاهم هللا {أليس هللا بأعلم بالشاكرين} الذين يشكرونه بالحقيقة باستعمال نعمة‬
‫وجودهم وصفاتهم وجوارحهم وما يقوم به من أرزاقهم ومعايشهم في طاعة هللا فشكروه بإزاء النعمة الخارجية بالعبادة‬
‫وتصورها من المنعم وصرفها في مراضي هللا‪ ،‬وبإزاء نعمة الجوارح باستعمالها في عبادته وسلوك طريقه وتحصيل‬
‫ّ‬
‫معرفته ومعرفة صفاته‪ ،‬وبإزاء نعمة الصفات بمحوها في هللا واالعتراف بالعجز عن معرفته وشكره وعبادته‪ ،‬وبإزاء‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫نعمة الوجود بالفناء في عين الشهود حتى شكر هللا سعيهم بالوجود الموهوب الحقاني‪ ،‬وعلمهم أنه الشاكر المشكور‬
‫لنفسه بنفسه‪ ،‬ال يقدر على شكره أحد إال هو‪ ،‬فقالوا‪ :‬سبحانك ما عرفناك حق معرفتك‪ ،‬سبحانك ما عبدناك حق‬
‫عبادتك‪ ،‬وذلك هو علمه بشكرهم وجزاؤه منه ‪.‬‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 54‬الى اآلية ‪)58‬‬

‫ٍ‬ ‫ُّك ْم َعَل ٰى َنْف ِس ِه َّ‬ ‫ٰ‬ ‫وإِ َذا جآء َّ ِ‬


‫وءا ِب َج َٰهَلة ثُ َّم تَ َ‬
‫اب‬ ‫َع ِم َل ِم ُ‬
‫نك ْم ُس ً‬ ‫الر ْح َم َة أََّن ُه َمن‬ ‫ين ُي ْؤ ِمُنو َن ِب َآي ِاتَنا َفُق ْل َسَل ٌم َعَل ْي ُك ْم َكتَ َب َرب ُ‬
‫ك الذ َ‬ ‫َ َ ََ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫َعُب َد الذ َ‬‫َن أ ْ‬ ‫* ُق ْل ِإّني ُن ِه ُ‬
‫يت أ ْ‬ ‫يل اْل ُم ْج ِرِم َ‬
‫ين‬ ‫اآليات ولِتَستَِب َ ِ‬
‫ين َسب ُ‬ ‫ص ُل َ َ ْ‬ ‫يم * َوَك َذل َك َنف ّ‬ ‫ور َّرح ٌ‬ ‫َصَل َح َفأََّن ُه َغُف ٌ‬‫من َب ْعده َوأ ْ‬
‫* ُق ْل ِإِّني َعَل ٰى َبِّيَن ٍة ِّمن َّرّبِي َوَك َّذ ْبتُم ِب ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضَلْل ُت ِإذاً َو َمآ أََن ْا م َن اْل ُم ْهتَد َ‬
‫ين‬ ‫آء ُك ْم َق ْد َ‬ ‫َه َو َ‬
‫َّ‬
‫ال أَتَِّب ُع أ ْ‬ ‫َّللاِ ُق ْل‬
‫تَ ْد ُعو َن ِمن ُدو ِن َّ‬
‫* ُقل َّل ْو أَ َّن ِع ِندي َما تَ ْستَ ْع ِجُلو َن ِب ِه‬ ‫ين‬ ‫ٰ ِِ‬
‫ص اْل َح َّق َو ُه َو َخ ْي ُر اْلَفصل َ‬ ‫ِب ِه ِإ ِن اْل ُح ْك ُم ِإالَّ ََّّللِ َيُق ُّ‬ ‫َما ِع ِندي َما تَ ْستَ ْع ِجُلو َن‬
‫َّ ِ ِ‬
‫َعَل ُم ِبالظالم َ‬
‫ين‬ ‫ضي األ َْم ُر َب ْيِني َوَب ْيَن ُك ْم َو َّ‬
‫َّللاُ أ ْ‬
‫لق ِ‬
‫َُ َ‬
‫وتجردكم عن‬
‫سالم عليكم} لتنزهكم عن عيوب صفاتكم ّ‬ ‫{وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا} بمحو صفاتهم { َفُقل ٌ‬
‫مالبسها {كتب رّبكم على نفسه الرحمة} ألزم ذاته إبدال صفاتكم بصفاته رحمة لكم‪ ،‬ألن في هللا خلفاً عن كل ما فات‬
‫{أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة} أي‪ :‬ظهر عليه في تلوينه صفة من صفاته بغيبة وغفلة‪ ،‬ثم رجع عن تلوينه من‬
‫تضرع بين يديه والرياضة {فإنه غفور}‬
‫بعد ظهور تلك الصفة وفاء إلى الحضور فعرفها وقمعها باإلنابة إلى هللا وال ّ‬
‫يسترها عنه {رحيم} يرحمه بهبة التمكين ونعمة االستقامة‪{ .‬وكذلك نفصل اآليات} أي‪ :‬مثل ذلك التبيين الذي ّبينا‬
‫لهؤالء المؤمنين نبين لك صفاتنا {ولتستبين سبيل} المحجوبين بصفاتهم الذين يفعلون ما يفعلون بها وذلك إجرامهم‪.‬‬
‫أعُبد} ما سوى هللا من الذين تعبدون بهواكم من مال أو نفس أو شهوة أو لذة بدنية أو غير ذلك‪،‬‬
‫{قل إني نهيت أن ْ‬
‫فأضل إذاً باحتجابي بها فال أهتدي إلى التوحيد ومعنى الماضي أنه تحقق ضاللي على‬
‫ّ‬ ‫اء ُكم} بعبادتها‬
‫فال {أتبع أهو َ‬
‫هذا التقدير وما أنا من الهدى في شيء ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 59‬الى اآلية ‪)60‬‬

‫ظُل َٰم ِت‬ ‫ط ِمن ورَق ٍة ِإالَّ يعَلمها والَ حب ٍ‬


‫َّة ِفي ُ‬ ‫َو ِع َندهُ َمَف ِات ُح اْل َغ ْي ِب الَ َي ْعَل ُم َهآ ِإالَّ ُه َو َوَي ْعَل ُم َما ِفي اْلَبِّر َواْلَب ْح ِر َو َما تَ ْسُق ُ‬
‫َْ ُ َ َ َ‬ ‫ََ‬
‫النها ِر ثُ َّم يبعثُ ُكم ِف ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّٰ ِ َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫س ِإالَّ ِفي ِك ٰتَ ٍب ُّمِب ٍ‬ ‫ط ٍب والَ َياِب ٍ‬ ‫ِ‬
‫يه‬ ‫َْ َ ْ‬ ‫ين * َو ُه َو الذي َيتََوف ُكم باليل َوَي ْعَل ُم َما َج َر ْحتُم ب َّ َ‬ ‫األ َْرض َوالَ َر ْ َ‬
‫َج ٌل ُّم َس ًّمى ثُ َّم ِإَل ْي ِه َم ْرِج ُع ُك ْم ثُ َّم ُيَنِّبُئ ُكم ِب َما ُكنتُ ْم تَ ْع َمُلو َن‬
‫ض ٰى أ َ‬
‫ِ‬
‫لُيْق َ‬

‫المسمى بالعناية األولى‪ ،‬ثم‬


‫ّ‬ ‫{وعنده مفاتح الغيب} إلى آخره‪ ،‬اعلم أن الغيب مراتب ّأولها غيب الغيوب وهو علم هللا‬
‫غيب عالم األرواح وهو انتقاش صورة كل ما وجد وسيوجد من األزل واألبد في العالم األول العقلي الذي هو روح‬
‫بأم الكتاب على وجه كلي‪ ،‬وهو القضاء السابق‪ .‬ثم غيب عالم القلوب وهو ذلك االنتقاش بعينه مفصالً‬ ‫المسمى ّ‬
‫ّ‬ ‫العالم‬
‫تفصيالً علمياً كلياً وجزئياً في عالم النفس الكلية التي هي قلب العالم المسمى باللوح المحفوظ ثم غيب عالم الخيال‬
‫وهو انتقاش الكائنات بأسرها في النفوس الجزئية الفلكية المنطبعة في أجرامها معينة مشخصة مقارنة ألوقاتها على ما‬
‫يقع بعينه‪ ،‬وذلك العالم هو المعبر عنه في الشرع بالسماء الدنيا إذ هو أقرب مراتب الغيوب إلى عالم الشهادة ولوح‬
‫القدر اإللهي الذي هو تفصيل قضائه وعلم هللا‪ ،‬وهو العناية األولى عبارة عن إحاطته بالكل بحضور ذاته لكل هذه‬
‫العوالم التي هي عين ذاته فيعلمها مع جميع تلك الصور التي فيها بأعيانها ال بصورة زائدة فهي عين علمها وال يعزب‬
‫عنه مثقال ذرة في السموات وال في األرض فالمفاتح إن كان جمع مفتح بفتح الميم الذي هو المخزن فمعناه عنده هذه‬
‫الخزائن المشتملة على جميع الغيوب لحضور ذاته لها {ال يعلمها إال هو} وإن كان جمع مفتح بكسر الميم بمعنى‬
‫المفتاح‪ ،‬فمعناه إما ذلك المعنى بعينه يعني أبوابها مغلقة ومفاتيحها بيده ال يطلع على ما فيها أحد غيره‪ .‬وإما أن‬
‫وتصرفه محفوظة عنده ال‬
‫ّ‬ ‫أسباب إظهارها وإخراجها من مكانها إلى عالم الشهادة حتى يطلع عليه الخلق بيد قدرته‬
‫يقدر غيره على انتزاعها منه حتى يطلع على ما فها وهي أسماؤه تعالى‪ ،‬والكتاب المبين ال يقدر غيره على انتزاعها‬
‫منه حتى يطلع على ما فيها وهي أسماؤه تعالى‪ ،‬والكتاب المبين هو السماء الدنيا لتعين هذه الجزئيات فيها مع عددها‬
‫وتشخصها‪.‬‬

‫{ثم يبعثكم فيه} أي‪ :‬فيما جرحتم من صواب أعمالكم ومكاسبكم للجزاء {ليقضى أجل} عينه للبعث واإلحياء‪ .‬ثم إلى‬
‫ربكم ترجعون في عين الجمع المطلق فينبئكم بإظهار صور أعمالكم عليكم وجزائكم بها‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 61‬الى اآلية ‪)62‬‬

‫َح َد ُك ُم اْل َم ْو ُت تََوَّف ْت ُه ُرُسُلَنا َو ُه ْم الَ ُيَفِّر ُ‬


‫طو َن * ثُ َّم ُرُّدوْا ِإَل ٰى‬ ‫اه ُر َفو َق ِعَب ِادِه وُي ْرِسل َعَل ْي ُكم َحَف َ َّ ِ‬ ‫وهو اْلَق ِ‬
‫آء أ َ‬
‫ظ ًة َحت ٰى إ َذا َج َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َُ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َس َرعُ اْل َحاسِب َ‬
‫ين‬ ‫َّللا َم ْوالَ ُه ُم اْل َح ِّق أَالَ َل ُه اْل ُح ْك ُم َو ُه َو أ ْ‬

‫بتصرفه فيهم كما شاء وإفنائهم في عين الجمع المطلق إذ ال شيء إال وهو مقهور فيه‬
‫ّ‬ ‫{وهو القاهر فوق عباده}‬
‫{ويرسل عليكم حفظة} هي قواهم التي ينطبع فيها كل حال بحسب الرسوخ وعدمه‪ ،‬فيظهر عليهم عند انسالخهم عن‬
‫البدن فيتمثل بصور تناسبها إما روحانية لطيفة توصل إليها الروح والثواب‪ ،‬وإما جسمانية مظلمة توصل إليها العذاب‬
‫بل تظهر تلك الصور على جوارحها وأعضائها فتتشكل بهيآتها وتنطق عليهم بأعمالها بلسان الحال‪ .‬والقوى السماوية‬
‫التي أشرنا إليها وإلى انتقاش جميع الحوادث الجزئية فيها فتظهر عليهم بأسرها عند مفارقتها عن بدنها‪ ،‬ال تغادر‬
‫الرد أيضاً يكون في عين الجمع‬
‫صغيرة وال كبيرة إال أحصتها عليهم وهي بأعيانها الرسل التي توفتهم عند الموت‪ .‬و ّ‬
‫المطلق فإنه للجزاء {وهو أسرع الحاسبين} لوقوع حسابهم في آن وهو‪ :‬توفيهم ‪.‬‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 63‬الى اآلية ‪)65‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ين * ُق ِل َّ‬ ‫ون َّن ِمن َّ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ضُّرعاً َو ُخْفَي ًة َّلِئ ْن‬ ‫يكم ِمن ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ‬ ‫الشاك ِر َ‬ ‫َنج َانا م ْن َهـٰذه َلَن ُك َ َ‬ ‫أ َ‬ ‫ظُل َمات اْلَبِّر َواْلَب ْح ِر تَ ْد ُع َ‬
‫ون ُه تَ َ‬ ‫ُق ْل َمن ُيَن ّج ُ ْ ّ‬
‫يك ْم ِّم ْن َها َو ِمن ُك ِّل َك ْر ٍب ثُ َّم أَنتُ ْم تُ ْش ِرُكو َن * ُق ْل ُه َو اْلَق ِاد ُر َعَل ٰى‬
‫أَن َي ْب َع َث َعَل ْي ُك ْم َع َذاباً ِّمن َف ْوِق ُك ْم أ َْو ِمن تَ ْح ِت‬ ‫ُيَن ِّج ُ‬
‫ظر َكيف نص ِرف اآلي ِ‬
‫ات َل َعَّل ُه ْم َيْفَق ُهو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ْان ُ ْ ْ َ ُ َ ّ ُ َ‬ ‫ْس َب ْع ٍ‬ ‫ض ُك ْم َبأ َ‬ ‫يق َب ْع َ‬‫أ َْر ُجل ُك ْم أ َْو َيْلِب َس ُك ْم شَيعاً َوُيذ َ‬

‫البر} التي هي حجب الغواشي البدنية والصفات النفسانية {و} ظلمات {البحر} التي هي‬
‫{قل من ينجيكم من ظلمات ّ‬
‫{تضرعاً} في نفوسكم {وخفية} في أسراركم {لئن أنجيتنا من‬
‫ّ‬ ‫حجب صفات القلوب وفكر العقول {تدعونه} إلى كشفها‬
‫{لنكونن من} الذين شكروا نعمة اإلنجاء باالستقامة والتمكين {قل هللا ينجيكم منها} بكشف تلك الحجب‬
‫ّ‬ ‫هذه} الحجب‬
‫بأنوار ت جليات صفاته {ومن كل كرب} أي‪ :‬ما بقي في استعدادكم بالقوة من كماالتكم بإبرازها حتى لو كانت بقية من‬
‫بقايا وجودكم كرباً لكم الستعدادكم للفناء والخالص منها بالكلية لقوة االستعداد وكمال الشوق ألنجاكم منها {ثم أنتم}‬
‫بعد علمكم بهذا المقام الشريف وما ّادخر لكم {تشركون} به أنفسكم وأهواءكم فتعبدونها‪.‬‬

‫{قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم} باحتجابكم بالمعقوالت والحجب الروحانيات {أو من تحت‬
‫أرجلكم} باحتجابكم بالحجب الطبيعية {أو يلبسكم شيعاً} أو يخلطكم فرقاً متفرقة كل فرقة على دين قوة من قواكم هي‬
‫أمامهم تقابل الفرقة األخرى فيقع بينكم الهرج والمرج والقتال‪ ،‬أو فرقاً مختلفة العقائد كل فرقة على دين دجال أو‬
‫شيطان أنسي أو جني هو إمامهم‪ ،‬أو يجعل أنفسكم شيعاً باستيالء كل قوة من قواكم على القلب بطلب لذتها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المخصوصة بها‪ ،‬إحداها تجذبه إلى غضب واألخرى إلى شهوة أو طمع أو غير ذلك‪ ،‬فيغرق القلب عاج اًز فيما بينهم‪،‬‬
‫هم بتحصيل لذة هذه منعته األخرى‪ ،‬ويقع بينهم الهرج والمرج في وجودكم لعدم ارتياضهم‬ ‫أسي اًر في قبضتهم‪ ،‬كلما ّ‬
‫بسياسة رئيس واحد قاهر يقهرهم ويسوسهم بأمر وحداني يقيم كالًّ منهم في مقامها‪ ،‬مطيعة منقادة فتستقيم مملكة‬
‫ّ‬
‫ستقر الملك على رئيس القلب‪ .‬وعلى هذا التأويل يكون كل واحد منهم فرقة أو فرقاً متفرقة على أديان شتى‬
‫الوجود وي ّ‬
‫ال شخصاً واحداً‪.‬‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 66‬الى اآلية ‪)70‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وضو َن‬ ‫ين َي ُخ ُ‬
‫َّ ِ‬
‫يل * َوِإ َذا َأرَْي َت الذ َ‬ ‫ف تَعَلمو َن * وَك َّذب ِب ِه َقوم َك و ُهو اْلح ُّق ُقل َّلس ُت َعَلي ُكم ِبو ِك ٍ‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫ْ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُْ َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ّل ُك ّل َنَبإ ُّم ْستََقٌّر َو َس ْو َ ْ ُ‬
‫َّٰ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الش ْي َٰ‬
‫نسَيَّن َك َّ‬ ‫يث َغي ِِره وإِ َّما ي ِ‬‫ِفي ءاي ِاتنا َفأَع ِرض ع ْنهم حتَّى يخوضوْا ِفي ح ِد ٍ‬
‫ط ُن َفالَ تَْق ُع ْد َب ْع َد ال ّذ ْك َر ٰى َم َع اْلَق ْو ِم الظلم َ‬
‫ين‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ْ ْ َ ُْ َ ٰ َ ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َيتَُّقو َن م ْن ح َساِب ِهم ّمن َش ْيء َوَلـٰكن ذ ْك َر ٰى َل َعل ُه ْم َيتَُّقو َن * َوَذ ِر الذ َ‬
‫ين اتَّ َخ ُذوْا د َين ُه ْم َلعباً َوَل ْهواً َو َغَّرْت ُه ُم‬ ‫* َو َما َعَلى الذ َ‬
‫يع َوِإن تَ ْع ِد ْل ُك َّل َع ْد ٍل الَّ ُي ْؤ َخ ْذ ِم ْن َهآ‬ ‫ِ‬ ‫الدنيا وَذ ِّكر ِب ِه أَن تبسل نْفس ِبما َكسبت َليس َلها ِمن دو ِن َّ ِ‬
‫َّللا َولِ ٌّي َوالَ َشف ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ َ َ َ ٌ َ َ َ ْ ْ َ َ‬ ‫اْل َح َٰيوةُ ُّ ْ َ َ ْ‬
‫يم ِب َما َك ُانوْا َي ْكُف ُرو َن‬ ‫أُوَلـِٰئك َّال ِذين أُب ِسُلوْا ِبما َكسبوْا َلهم َشراب ِم ْن ح ِمي ٍم وع َذ ِ‬
‫اب أَل ٌ‬
‫َ َُ ُْ َ ٌ ّ َ َ َ ٌ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َ‬

‫{وك ّذب به} أي‪ :‬بهذا العذاب {قومك وهو الحق} الثابت النازل بهم {قل لست عليكم بوكيل} بموكل يحفظكم ويمنعكم‬
‫من هذا العذاب {لكل} ما ينبأ عنه محل وقوع واستقرار {وسوف تعلمون} حين يكشف عنكم أغطية أبدانكم فيظهر‬
‫عليكم ألم هذا العذاب بصور ما تقتضيه نفوسكم‪.‬‬

‫{وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} أي‪ :‬صفاتنا بإظهار صفات نفوسهم وإثبات العلم والقدرة ال {فأعرض عنهم}‬
‫فإنهم محجوبون مشركون {وإما ينسينك الشيطان} بتسويل بعض األباطيل والخرافات عليك‪ ،‬ووسوسة نفسك فتظهر‬
‫ببعض صفاتها وتجانسهم بذلك فتميل إلى صحبتهم {فال تقعد بعد} ما تذكرت بتذكيرنا إياك {مع القوم} الذين ظلموا‬
‫أنفسهم بوضع صفاتهم موضع صفاتي وحجبوها بصفاتهم فإن صحبتهم تؤثر فيوشك أن تقع في االحتجاب بشؤم‬
‫صحبتهم على سبيل التلوين‪.‬‬

‫يتجردون عن مالبس صفاتهم ويجتنبون هيآتها من حساب أولئك المحجوبين {من شيء}‬
‫{وما على} الموحدين الذين ّ‬
‫أي‪ :‬ال يحتجبون بواسطة مخالطتهم فيكونون معهم سواء ولكن ذكرناهم لعلهم يحترزون عن صحبتهم وما عسى‬
‫يقعون فيه من التلوين أو وبالهم وشأنهم وحسابهم حتى يصاحبونهم ولكن فليذكروهم أحياناً بأدنى مخالطة لعلهم‬
‫يحذرون شركهم وحجبهم فينجون ببركة صحبتهم أو وما عليهم مما يحاسب به من أعمالهم ووبالها من شيء ولكن‬
‫فليذكروهم بالزجر والنهي لعلهم يحترزون عنها ‪.‬‬

‫{وذر الذين اتخذوا} أي‪ :‬اترك الذين دينهم وعاداتهم الهوى واللهو ألنهم ال يرفعون بذلك رأساً لرسوخ ذلك االعتقاد فيهم‬
‫الحسية وأعرض عنهم وأنذر بالقرآن كراهة أن تحجب نفس بكسبها‪ ،‬أي‪ :‬ال يكون دينها وديدنها ذلك‬ ‫ّ‬ ‫واغترارهم بالحياة‬
‫ولم ترسخ تلك العقيدة فيها لكن ترتكب بالميل الطبيعي أفعاالً مثل أفعالهم فتحتجب بسببها فإنها تتأثر به وتتعظ‬
‫فتنتهي‪ ،‬فأنذرها حتى ال تصير مثلهم فتحبس بعملها عن الهداية وحينئذ ال يقبل منها فدية إذ حجبت بكسبها‪ .‬والشراب‬
‫شدة شوقها إلى الكمال لقوة استعدادها‪ .‬والعذاب األليم حرمانها عنه باحتجابها بأعمالها وهيآتها‪.‬‬
‫الحميم هو ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 71‬الى اآلية ‪)73‬‬

‫ين ِفي‬ ‫َّللا َك َّال ِذي استَهوْته َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضُّرَنا وُن َرُّد َعَل ٰى أ ْ ِ‬ ‫ُقل أَندعوْا ِمن دو ِن َّ ِ‬
‫الشَياط ُ‬ ‫ْ َْ ُ‬ ‫َعَقابَنا َب ْع َد إ ْذ َه َد َانا َّ ُ‬ ‫َّللا َما الَ َي َنف ُعَنا َوالَ َي ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ض حيران َله أَصحاب يدعونه ِإَلى اْلهدى ا ْئِتنا ُقل ِإ َّن هدى َّ ِ‬
‫َن‬
‫ين * َوأ ْ‬‫َّللا ُه َو اْل ُه َد ٰى َوأُم ْرَنا لُن ْسل َم ل َر ِّب اْل َعاَلم َ‬ ‫َُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َُ‬ ‫األ َْر ِ َ ْ َ َ ُ ْ َ ٌ َ ْ ُ َ ُ‬
‫ول ُكن َفَي ُكو ُن َق ْوُل ُه‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر َ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ ِ ِ‬ ‫الصٰل َ َّ‬ ‫ِ‬
‫ض باْل َح ِّق َوَي ْوَم َيُق ُ‬ ‫*و ُه َو الذي َخَل َق َّ َ َ َ‬ ‫وة َواتُقوهُ َو ُه َو الذي إَل ْيه تُ ْح َش ُرو َن َ‬ ‫يموْا َّ‬
‫أَق ُ‬
‫يم اْل َخِب ُير‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ٰ ِ‬ ‫اْلح ُّق وَله اْلمْلك يوم ي َنف ُخ ِفي ُّ ِ ٰ ِ‬
‫الصور َعل ُم اْل َغ ْيب َوالش َه َدة َو ُه َو اْل َحك ُ‬ ‫َ َ ُ ُ ُ َْ َ ُ‬

‫{ونرد} إلى الشرك {على أعقابنا بعد‬


‫ّ‬ ‫{قل أندعو من دون هللا} أي‪ :‬أنعبد ما ال قدرة وال وجود له حقيقة فينفع أو ّ‬
‫يضر‬
‫إذ هدانا هللا} الهداية الحقيقية إلى التوحيد {كالذي} ذهبت به شياطين الوهم والتخيل في مهمة أرض النفس {حيران} ال‬
‫يدري أين يمشي وما يصنع بال طريق وال مقصد {له أصحاب} رفقاء من الفكر والعاقلة العملية والنظرية {يدعونه إلى‬
‫الهدى} يقولون {ائتنا} فإن هذا هو الطريق وال يسمع الرتتاق سمع قلبه بالهوى {قل إن} هداية هللا التي هي طريق‬
‫لرب العالمين} لننقاد لصفة الربوبية بمحو صفاتنا في المتجلى بها وإسالمها‬
‫التوحيد {هو الهدى} ال غير {وأمرنا لنسلم ّ‬
‫إليه ونقسم صالة الحضور القلبي ونتقيه ونجعله وقاية لنا في الصفات ليكون هو الموصوف به‪ ،‬فنتخلص به عن‬
‫وجودنا فيكون هو المحشور إليه بذاته عند فنائنا فيه‪.‬‬

‫{وهو الذي خلق} سموات األرواح وأرض الجسم قائماً بالعدل الذي هو مقتضى ذاته {ويوم يقول كن فيكون} أي‪ :‬وقت‬
‫السرمدي الذي هو أزل آزال ظهور األشياء في أزلية ذاته التي هي أزلية األزل مطلقاً وهو حين تعلق إرادته القديمة‬
‫بالظهور في تعينات ذاته المعبر عنه بقوله‪ :‬كن‪ ،‬وهو بعد أزلية اآلزال باالعتبار العقلي ال أنها تتأخر عن تلك األزلية‬
‫بالزمان بل بالترتيب العقلي االعتباري في ذاته تعالى‪ ،‬فإن التعينات تتأخر عن مطلق الهوية المحضة عقالً وحقيقة‬
‫وظهورها باإلرادة المسماة بقوله‪{ :‬كن فيكو ُن} بال فصل وتأخير يعبر عنه بـ‪( :‬يكون)‪ ،‬ألنها لم تكن في األزل فكانت‬
‫سرمدي إرادته التي اقتضت وجود المبدعات على ما هي عليه ثابتة في حالها‬
‫ّ‬ ‫{قوله الحق} أي‪ :‬في ذلك الوقت سيما‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫غير متغيرة‪ ،‬اقتضت ما اقتضت وجود المبدعات على ما هي عليه ثابتة في حالها غير متغيرة‪ ،‬اقتضت ما اقتضت‬
‫على أحسن ما يكون من النظام والترتيب وأعدل ما يكون من الهيئة والتركيب‪.‬‬

‫المكونات بإفاضة أرواحها عليها ال ملك إال له فإنها‬


‫ّ‬ ‫{يوم ينفخ في الصور} وقت نفخه في الصور أي‪ :‬إحياء صور‬
‫بنفسها ميتة ال وجود لها وال حياة فضالً عن المالكية {عالم الغيب} أي‪ :‬حقائق عالم األرواح التي هي ملكوته‬
‫{والشهادة} أي‪ :‬صور عالم األجسام التي هي ملكه {وهو الحكيم} الذي أوجدها ورتبها بحكمته فأفاض على كل صورة‬
‫ما يليق بها من األرواح {الخبير} الذي علم أسرارها وعالنيتها وخواصها وأفعالها‪ ،‬تلخيصه‪ :‬هو مبدع األرواح والجسم‬
‫كون‬
‫المطلق بإرادته القديمة األزلية الثابتة التي ال تغير فيها أبداً إبداعاً على وجه العدل والحكمة الذي اقتضاه ذاته وم ّ‬
‫الكائنات بإنشائها في عالم الملك الذي هو مالكه ال غير‪ ،‬كيف شاء عالماً بما يجب أن يكون عليها حكيماً في اتقانها‬
‫ونظامها وترتيبها‪ ،‬خبي اًر بما يحدث فيها من األحوال الحادثة على حسب إرادته بذاته ال شريك له في ذلك كله‪.‬‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 74‬الى اآلية ‪)75‬‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اك َوَق ْو َم َك ِفي َ ٍ ِ ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫اه ِ ِ‬ ‫وإِ ْذ َق ِ ِ‬


‫وت‬ ‫ضالَل ُّمبين * َوَك َذل َك ُنرِي إ ْب َراه َ‬
‫يم َمَل ُك َ‬ ‫َصَناماً آل َه ًة ِإّني أ ََر َ‬
‫يم ألَبيه َآزَر أَتَتخ ُذ أ ْ‬‫ال إ ْب َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َٰم َٰوت َواأل َْرض َولَي ُكو َ م َن اْل ُموقن َ‬
‫ين‬ ‫َّ‬

‫قال إبراهيم ألبيه} أي‪ :‬اذكر وقت سلوك إبراهيم طريق التوحيد عند تبصيرنا وهدايتنا إياه واطالعه على شرك‬
‫{وإ ْذ َ‬
‫الملك عن حقائق عالم الملكوت وربوبيته تعالى لألشياء بأسمائه معتقدين لتأثير األجرام‬
‫قومه واحتجابهم بظهور عالم ُ‬
‫لمقدمهم وأكبرهم أبيه‪{ :‬أتتخذ أصناماً آلهة} وتعتقد تأثيرها {إني‬ ‫المكون ّ‬
‫فعيرهم بذلك وقال ّ‬ ‫ّ‬ ‫واألكوان‪ ،‬ذاهلين بها عن‬
‫بالحس‪ ،‬ومثل ذلك التبصير والتعريف العام الكامل نعرف إبراهيم ونريه‬
‫ّ‬ ‫أراك وقومك في ضالل مبين} ظاهر يعرف‬
‫فإن لكل شيء قوة ملكوتية‬‫{ملكوت السموات واألرض} أي‪ :‬القوى الروحانية التي يدبر هللا بها أمر السموات واألرض‪ّ ،‬‬
‫يدبر‬ ‫تحفظه وتدبر أمره بإذن هللا {وليكون من الموقنين} فعلنا ذلك أي‪ّ :‬‬
‫بصرناه ليعلم ويعرف أن ال تأثير إال هلل‪ّ ،‬‬
‫بأسمائه التي هي ذاته مع كل واحدة من الصفات‪ ،‬فتتكثر األفعال من رواء حجب األكوان‪ .‬فالمحجوب بالكون واقف‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫مع الحس يرى تلك األفعال من األكوان والمجاوز عنه الذي خرق حجاب الكون ووقف مع العقل محبوساً في قيده‬
‫يراها من الملكوت‪ ،‬والمهتدي بنور الهداية اإللهية المنفتحة عين بصيرته يرى أن الملكوت بالنسبة إلى ذات هللا تعالى‬

‫كالملك بالنسبة إلى الملكوت‪ ،‬فكما ال يرى التأثير من األكوان ال يراها من ملكوتها بل من مالكها و ّ‬
‫مكونها‪ ،‬فيقول‬
‫حقاً‪ :‬ال إله إال هللا‪.‬‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 76‬الى اآلية ‪)79‬‬

‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬


‫ال َهـٰ َذا َرّبِي َفَل َّمآ‬ ‫ين * َفَل َّمآ َأرَى اْلَق َم َر َب ِازغاً َق َ‬ ‫ال ال أُح ُّب اآلفل َ‬ ‫َق َ‬ ‫َفَل َّما َج َّن َعَل ْيه اْللْي ُل َأرَى َك ْوَكباً َق َ‬
‫ال َهـٰ َذا َرّبِي َفَل َّمآ أََف َل‬
‫ال َهـٰ َذا َرِّبي َهـٰ َذآ أَ ْكَب ُر َفَل َّمآ أََفَل ْت‬ ‫َّ‬ ‫ين‬‫َّ‬ ‫ون َّن ِمن اْلَقو ِم َّ ِ‬
‫* َفَلما َأرَى الش ْم َس َب ِازَغ ًة َق َ‬
‫الضاّل َ‬ ‫َك َ َ ْ‬ ‫ال َلِئن َّل ْم َي ْه ِدِني َرّبِي أل ُ‬‫أََف َل َق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طر َّ ِ‬ ‫َِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َقال ٰيَقو ِم ِإِّني ب ِر ِ‬
‫ض َحنيفاً َو َمآ أََن ْا م َن اْل ُم ْش ِرِك َ‬
‫ين‬ ‫الس َٰم َٰوت َواأل َْر َ‬ ‫يء ّم َّما تُ ْش ِرُكو َن * ِإّني َو َّج ْه ُت َو ْج ِه َي للذي َف َ َ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ ْ‬

‫جن عليه الليل} أي‪ :‬فلما أظلم عليه ليل عالم الطبيعة الجسمانية في صباه و ّأول شبابه {رأى} كوكب ملكوت‬
‫{فلما ّ‬
‫الهيكل اإلنساني التي هي النفس المسماة روحاً روحانية وجد فيضه وحياته وربوبيته منها إذ كان هللا تعالى يريه في‬
‫ذلك الحين باسمه المحيي‪ ،‬فقال بلسان الحال‪{ :‬هذا ربي فلما أفل} بعبوره عن مقام النفس وطلوع نور القلب وإشراقه‬
‫أحب اآلفلين} الغاربين في‬
‫عليه بآثار الرشد والتعقل ومعرفته إلمكان النفس ووجوب انطباعها في الجسم {قال ال ّ‬
‫مغرب الجسم‪ ،‬المحتجبين به‪ ،‬المتسترين بظلمة اإلمكان واالحتياج إلى الغير {فلما رأى} قمر القلب بازغاً بوصوله إلى‬
‫مقام القلب وطلوعه من أفق النفس بظهوره عليه ورأى فيضه بمكاشفات الحقائق وعلمه وربوبيته منه‪ ،‬إذ كان هللا‬
‫تعالى يريه حينئذ باسمه العالم والحكيم {قال هذا ربي فلما افل} باحتجابه عنه وعبوره عن طوره وشعوره بأن نوره‬
‫مستفاد من شمس الروح وإنه قد يتغيب في ظلمة النفس وصفاتها فيحتجب بها وال نور له أعرض عن مقامه سالكاً‬
‫الضالين} الذين يحتجبون بالبواطن‬
‫طريق تجلي الروح قائالً‪{ :‬لئن لم يهدني رّبي} إلى نور وجهه {ألكونن من القوم ّ‬
‫عنه كالنصارى الواقفين مع الحجب النورانية‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{فلما رأى الشمس} الروح ِ‬
‫{بازَغة} بتجليها عليه وظهور نورها وجد فيضه وشهوده وربوبيته منها إذ كان هللا تعالى يريه‬
‫وشدة نورانيته {فلما أفلت} باستيالء أنوار تجلي‬
‫حينئذ باسمه الشهيد والعلي العظيم {قال هذا ربي هذا أكبر} لعظمته ّ‬
‫الحق وطلوع سبحات الوجه الباقي‪ ،‬وانكشاف حجاب الذات بوصوله إلى مقام الوحدة رأى النظر إلى الروح وإلى‬
‫أي شيء كان إذ ال وجود لغيره {إني وجهت وجهي} أي‪:‬‬ ‫وجوده مشركاً فقال‪{ :‬يا قوم إني بريء مما تُ ْشركون} به أي‪ّ :‬‬
‫أسلمت ذاتي ووجودي {للذي} أوجد سموات األرواح وأرض النفس مائالً عن كل ما سواه حتى عن وجودي بالفناء فيه‬
‫الم ْشركين} أي‪ :‬لست من الشرك في شيء‪ ،‬كوجود البقية وظهورها وغير ذلك‪.‬‬
‫{وما أنا من ُ‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 80‬الى اآلية ‪)92‬‬

‫آء َرِّبي َش ْيئاً َوِس َع َرّبِي ُك َّل َشي ٍء‬ ‫ِ ن ِ ِ ِ َّ‬ ‫َّللاِ وَق ْد َه َد ِ‬ ‫آجه َقومه َقال أَتُ ٰح ُّج ِّ ِ‬
‫ْ‬ ‫اف َما تُ ْشرُكو َ به إال أَن َي َش َ‬ ‫َخ ُ‬ ‫ان َوالَ أ َ‬ ‫وني في َّ َ‬ ‫َو َح َّ ُ ْ ُ ُ َ َ‬
‫َي اْلَف ِريَق ْي ِن‬
‫طناً َفأ ُّ‬‫اَّللِ َما َل ْم ُيَنِّز ْل ِب ِه َعَل ْي ُك ْم ُسْل َٰ‬
‫َش َرْكتُم ِب َّ‬
‫َش َرْكتُ ْم َوالَ تَ َخا ُفو َن أََّن ُك ْم أ ْ‬
‫اف َمآ أ ْ‬ ‫َخ ُ‬ ‫ف أَ‬
‫ِ‬
‫عْلماً أََفالَ تَتَ َذ َّك ُرو َن * َوَك ْي َ‬
‫ظْل ٍم أ ُْوَلـِٰئ َك َل ُه ُم األ َْم ُن َو ُه ْم ُّم ْهتَُدو َن * َوِتْل َك ُح َّجتَُنآ‬ ‫يم َان ُه ْم ِب ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫آمُنوْا َوَل ْم َيْلب ُسوْا إ َ‬ ‫ين َ‬ ‫َح ُّق ِباأل َْم ِن ِإن ُكنتُ ْم تَ ْعَل ُمو َن * الذ َ‬ ‫أَ‬
‫وب ُكالًّ َه َد ْيَنا َوُنوحاً‬ ‫ءاتَي َٰنهآ ِإب ٰرِهيم عَل ٰى َقو ِم ِه َنرَفع َدر ٰج ٍت َّمن َّن َشآء ِإ َّن ربَّك ح ِك ِ‬
‫اق َوَي ْعُق َ‬ ‫يم * َوَو َه ْبَنا َل ُه ِإ ْس َح َ‬ ‫يم َعل ٌ‬ ‫ُ َ َ َ ٌ‬ ‫ْ ُ ََ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ َْ َ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫* َوَزَك ِريَّا َوَي ْحَي ٰى‬ ‫وس ٰى َو َه ُارو َن َوَك َذل َك َن ْجزِي اْل ُم ْحسن َ‬
‫ين‬ ‫ف َو ُم َ‬ ‫وس َ‬‫ُّوب َوُي ُ‬ ‫ان َوأَي َ‬ ‫ود َو ُسَل ْي َم َ‬‫َه َد ْيَنا من َقْب ُل َو ِمن ُذِّريَّته َد ُاو َ‬
‫* َو ِم ْن َآب ِائ ِه ْم‬ ‫ين‬ ‫ِ‬
‫ضْلَنا َعَلى اْل َعاَلم َ‬ ‫ون َس َوُلوطاً َوُكالًّ َف َّ‬ ‫يل َواْلَي َس َع َوُي ُ‬
‫ِ‬
‫ين * َوإِ ْس َماع َ‬
‫و ِعيس ٰى وإِْلياس ُك ٌّل ِمن ا َّ ِ ِ‬
‫لصالح َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫اه ْم ِإَل ٰى ص َراط ُّم ْستَقي ٍم * ذل َك ُه َدى َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َش َرُكوْا‬ ‫آء م ْن عَباده َوَل ْو أ ْ‬ ‫َّللا َي ْهدي به َمن َي َش ُ‬ ‫اه ْم َو َه َد ْيَن ُ‬ ‫َوُذِّريَّات ِه ْم َوإِ ْخ َوان ِه ْم َو ْ‬
‫اج َتَب ْيَن ُ‬
‫النبَّوة َفِإن ي ْكُفر ِبها هـٰؤ ِ‬
‫الء َفَق ْد َوَّكْلَنا ِب َها َق ْوماً‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫َل َحِب َ‬
‫َ ْ َ َُ‬ ‫اب َواْل ُح ْك َم َو ُّ ُ َ‬‫اه ُم اْلكتَ َ‬ ‫ين آتَْيَن ُ‬ ‫ط َع ْن ُه ْم َّما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * أ ُْوَلـٰئ َك الذ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ين * َو َما‬ ‫َج اًر ِإ ْن ُهَو ِإال ذ ْك َر ٰى لْل َعاَلم َ‬ ‫َسأَُل ُك ْم َعَل ْيه أ ْ‬
‫اه ُم ا ْقتَد ْه ُقل ال أ ْ‬ ‫َّللاُ َفِب ُه َد ُ‬
‫ين َه َدى َّ‬ ‫ين * أ ُْوَلـٰئ َك الذ َ‬ ‫ل ْي ُسوْا ِب َها ِب َكاف ِر َ‬
‫اس‬‫َنزَل اْل ِك ٰتَ َب َّال ِذي َجآء ِب ِه موس ٰى ُنو اًر و ُه ًدى ّلِ َّلن ِ‬ ‫َّللاُ َعَل ٰى َب َش ٍر ِّمن َش ْي ٍء ُق ْل َم ْن أ َ‬ ‫َنزَل َّ‬ ‫َّللاَ َح َّق َق ْد ِِره ِإ ْذ َقاُلوْا َمآ أ َ‬
‫َق َد ُروْا َّ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ض ِه ْم َيْل َعُبو َن *‬ ‫َّللا ثُ َّم َذرهم ِفي خو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون َها َوتُ ْخُفو َن َكِثي اًر َو ُعِّل ْمتُ ْم َّما َل ْم تَ ْعَل ُموْا أَنتُ ْم َو َ‬ ‫ِ‬
‫َْ‬ ‫ْ ُْ‬ ‫آؤُك ْم ُقل َّ ُ‬ ‫ال َء َاب ُ‬ ‫يس تُْب ُد َ‬‫ون ُه َق َراط َ‬ ‫تَ ْج َعُل َ‬
‫َخ َرِة ُي ْؤ ِمُنو َن ِب ِه َو ُه ْم‬
‫َنزل َٰنه مبارك ُّمصِّدق َّال ِذي بين ي َدي ِه وِلتُ ِنذر أ َُّم اْلُقر ٰى وم ْن حوَلها و َّال ِذين يؤ ِمُنو َن ِباأل ِ‬
‫َ َ َ َ ْ َ َ َ ُْ‬ ‫َْ َ َ ْ َ َ‬ ‫َو َهـٰ َذا كتَ ٌب أ َ ْ ُ ُ َ َ ٌ َ ُ‬
‫ِٰ‬
‫ظو َن‬ ‫صالَِت ِه ْم ُي َح ِاف ُ‬ ‫َعَل ٰى َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{وحاجه َق ْومه} في نفي التأثير عن األجرام واألكون وترك ّ‬
‫تعبد كل ما سوى هللا {قال أتحاجوني في هللا وقد هدان}‬
‫إلى توحيده {وال أخاف ما تشركون} وتقولون بتأثيره أبداً {إال} وقت {أن يشاء ربي شيئاً} من جهتها بي من مكروه أو‬
‫ضر يلحقني من جهتها وذلك منه وبعلمه ال منها‪{ .‬وسع ربي كل شيء ِعْلماً} يعلم حالي وما فيه صالحي‪ ،‬إن علم‬ ‫ّ‬
‫إضراري من جهتها أولى بي فعل {أفال تتذكرون} فتميزوا بين العاجز والقادر‪.‬‬

‫{الذين آمنوا} بالتوحيد الذاتي {ولم} يخلطوا {إيمانهم بظلم} من ظهور نفس القلب أو وجود بقية فإنها شرك خفي‬
‫ّ‬
‫لك حجتنا} أي‪ :‬حجة التوحيد‬‫األمن} الحقيقي الذي ال خوف معه {وهم ُم ْهتَدون} بالحقيقة إلى الحق {وِت َ‬
‫{أولئك لهم ْ‬
‫احتج بها إبراهيم على قومه {كل من الصالحين} الذين يقومون بصالح العالم وضبط نظامه وتدبيره الستقامتهم‬ ‫ّ‬ ‫التي‬
‫بالوجود الموهوب الحقاني بعد فناء الوجود البشري {وكالًّ فضلنا على} عالمي زمانهم‪.‬‬

‫{وما قدروا هللا حق قدره إذ قالوا ما أنزل هللا على َب َشر من شيء} أي‪ :‬ما عرفوه حق معرفته إذ بالغوا في تنزيهه حتى‬
‫جعلوه بعيداً من عباده بحيث ال يمكن أن يظهر من علمه وكالمه عليهم شيء ولو عرفوه حق معرفته لعلموا أن ال‬
‫وجود لعباده وال لشيء آخر إال به‪ .‬والكل موجود بوجوده ال وجود إال له جميع عالم الشهادة ظاهره وعالم الغيب‬
‫فأي حرج من ظهور بعض صفاته على مظهر بشري بل ال مظهر لكمال علمه الباطن‬ ‫باطنه‪ ،‬ولكل باطن ظاهر‪ّ ،‬‬
‫وحكمته إال اإلنسان الكامل‪ .‬فالنبي من حيث الصورة ظاهره‪ ،‬ومن حيث المعنى باطنه ينزل علمه على قلبه ويظهر‬
‫على لسانه ويدعو به عباده إلى ذاته وال إثنينية إال باعتبار تفاصيل صفاته‪ .‬وأما باعتبار الجمع فال أحد موجود إال‬
‫هو ال النبي وال غيره‪ ،‬فإذا اعتبرنا تفاصيل صفاته وأسمائه يظهر النبي تبعية الخاص في ذاته تعالى ببعض صفاته‬
‫ّ‬
‫نبوته يكون األعظم الذي ال تنفتح أبواب خزائن غيبه ووجوده وحكمته إال‬
‫ّ‬ ‫في‬ ‫ال‬
‫ً‬ ‫كام‬ ‫كان‬ ‫إذا‬
‫و‬ ‫أسمائه‪،‬‬ ‫من‬ ‫فيصير ً‬
‫ا‬ ‫اسم‬
‫به كما سمعت‪ .‬فال تنكر إن عجبت وحرمت من فهمه وبهت‪ ،‬فعسى أن يفتح هللا عين بصيرتك فترى ما ال عين رأت‬
‫ينور قلبك فتدرك ما ال خطر على قلب بشر‪.‬‬
‫أو سمع قلبك‪ ،‬فتسمع ما ال أذن سمعت أو ّ‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 93‬الى اآلية ‪)94‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َّللاُ َوَل ْو تََرى‬
‫زل َّ‬ ‫َّللاِ َك ِذباً أَو َقال أُو ِحي ِإَل َّي وَلم يوح ِإَلي ِه َشيء ومن َقال سأ ِ ِ‬ ‫ظَل ُم ِم َّم ِن ا ْفتَ َر ٰى َعَلى َّ‬
‫َو َم ْن أَ ْ‬
‫ُنزُل م ْث َل َمآ أََن َ‬ ‫َ َ‬ ‫ٌْ ََ‬ ‫َ ْ ُ َ ْ‬ ‫ْ َ ْ َ‬
‫اس ُ ِ‬ ‫ات اْلمو ِت واْلم ِ‬
‫الئ َك ُة ب ِ‬ ‫الظالِمون ِفي َغمر ِ‬ ‫ِ‬
‫اب اْل ُهو ِن ِب َما ُكنتُ ْم تَُقوُلو َن‬ ‫طوْا أ َْيدي ِه ْم أ ْ‬
‫َخ ِر ُجوْا أ َْنُف َس ُك ُم اْلَي ْوَم تُ ْج َزْو َن َع َذ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ِإذ َّ ُ َ‬
‫ٰ‬ ‫ٍ‬ ‫ٰ‬ ‫َّللاِ َغ ْي َر اْل َح ِّق وُك ْنتُم َع ْن َآي ِات ِه تَ ْستَ ْكِب ُرو َن * وَلَق ْد ِج ْئتُم َ ٰ‬
‫ونا ُف َرَد ٰى َك َما َخَلْقَن ُك ْم أََّو َل َمَّرة َوتََرْكتُ ْم َّما َخَّوْلَن ُك ْم َوَر َ‬
‫اء‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َعَلى َّ‬
‫َّ‬ ‫ين َزَع ْمتُ ْم أََّن ُه ْم ِف ُ‬ ‫َّ ِ‬
‫نكم َّما ُكنتُ ْم تَ ْزُع ُمو َن‬ ‫ض َّل َع ُ‬ ‫آء َلَقد تََّقط َع َب ْيَن ُك ْم َو َ‬
‫يك ْم ُش َرَك ُ‬
‫ُ ِ‬
‫ظ ُهورُك ْم َو َما َن َر ٰى َم َع ُك ْم ُشَف َع َ‬
‫آء ُك ُم الذ َ‬
‫ِ‬
‫بادعاء الكمال والوصول إلى التوحيد والخالص عن كثرة صفات النفس‬ ‫{ومن أظلم ممن افترى على هللا َكذباً} ّ‬
‫وازدحامها مع بقائها فيه فيكون في أقواله وأفعاله بالنفس وهو يدعي أنه باهلل {أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء}‬
‫ّ‬
‫أي‪ :‬حسب مفتريات وهمه وخياله ومخترعات عقله وفكره وحياً من عند هللا وفيضاً من الروح القدسي فتنبأ {ومن قال‬
‫سأنزل مثل ما أنزل هللا} أي‪ :‬تفرعن بوجود أنائيته وتوهم التوحيد العلمي عينياً‪ ،‬فادعى اإللهية {ولو ترى إذ الظالمون}‬
‫المدعين للكمال المحجوبين الذين يزعمون كون أفعالهم إلهية وهي نفسانية والمتنبئين‬
‫أي‪ :‬هؤالء الظلمة من ّ‬
‫والمتفرعنين {في غمرات الموت} أي‪ :‬شدائده وسكراته الفتقادهم في دعواهم وغلطهم في حسبانهم أنهم قد فنوا عن‬
‫شدة تعلقهم بها وقوة محبة الدنيا ورسوخ الهوى فيهم ألنهم ما ماتوا بالموت‬
‫وتجردوا عن مالبس أبدانهم مع ّ‬
‫أنفسهم ّ‬
‫التجرد عن الشهوات واللذات البدنية‪ ،‬وما فنوا عن صفات نفوسهم ودواعيها حتى يسهل عليهم الموت‬ ‫ادي و ّ‬
‫اإلر ّ‬
‫الطبيعي {والمالئكة} أي‪ :‬قوى العالم التي كانت ّ‬
‫تمد قواهم النفسانية من النفوس الكوكبية والفلكية وتأثيراتها التي كانت‬
‫بالتجرد كما أشرنا إليه {باسطو أيديهم} قوية التأثير فيهم‪ ،‬بالغة‬
‫ّ‬ ‫تستولي عليهم في حياتهم مع ظنهم أنهم تخلصوا منها‬
‫لشدة تعكفهم وكثرة تحسرهم وصعوبة مفارقة األبدان عليهم‬ ‫فيه كنه قواها وقدرها {أخرجوا أنفسكم} أي‪ :‬تعنفهم وتقهرهم ّ‬
‫{اليوم تُ ْجزون عذاب الهون} والصغار بوجود صفات نفوسكم وهيآتها المظلمة المؤذية وحجب أنائيتكم وتفرعنكم كما‬
‫ِ‬
‫{سَي ْج ِزيه ْم َو ْ‬
‫صَف ُه ْم} [األنعام‪ ،‬اآلية‪{ ]139 :‬بما كنتم تقولون على هللا غير الحق} أي‪ :‬بسبب افترائكم على هللا‪،‬‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫أعمالكم وأقوالكم الصادرة من صفات نفوسكم وأهوائها {وكنتم عن آياته تَ ْستَكبرون} وبسبب احتجابكم بأنائيتكم وتفرعنكم‬
‫معجبين بصفاتكم غير مذعنين بمحوها لصفاتنا محجوبين عنها بوجودها مستكبرين بها عنها‪.‬‬

‫مجردين عن الصفات والعالئق واألهل واألقارب والوجود باالستغراق في عين جمع الذات {كما‬ ‫{ولقد جئتمونا فرادى} ّ‬
‫خولناكم} من الوسائل والعلوم والفضائل‬
‫خلقناكم أول مرة} بإنشاء ذرات هوياتكم في األزل عند أخذ الميثاق {وتركتم ما ّ‬
‫{وراء ظهوركم وما نرى معكم} وسائلكم وأسبابكم وما آثرتموه بهواكم وتعلقتم بها من محبوباتكم ومعبوداتكم {الذين‬
‫التفرق بينكم‬
‫زعمتم أنهم فيكم شركاء} بمحبتكم إياها وتعبدكم لها ونسبتكم التأثير إليها واعتباركم واعتدادكم بها قد وقع ّ‬
‫{وضل عنكم ما كنتم تزعمون} شيئاً موجوداً بشهودكم ثناء الكل في هللا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وتبدل الصور واألشكال‬
‫بتغير األحوال ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 95‬الى اآلية ‪)98‬‬

‫اح‬
‫صَب ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫* َفال ُق اإل ْ‬ ‫ٰذلِ ُك ُم َّ‬
‫َّللاُ َفأََّن ٰى تُ ْؤَف ُكو َن‬ ‫الن َو ٰى ُي ْخ ِرُج اْل َح َّي ِم َن اْل َمِّي ِت َو ُم ْخ ِرُج اْل َمِّي ِت ِم َن اْل َح ِي‬
‫َّللاَ َفالِ ُق اْل َح ِّب َو َّ‬
‫ِإ َّن َّ‬
‫ّ‬
‫لِتَ ْهتَ ُدوْا ِب َها ِفي‬ ‫وم‬ ‫ُّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫يز اْل َعلِي ِم * َو ُه َو‬ ‫الش ْم َس َواْلَق َم َر ُح ْسَباناً ٰذلِ َك تَْق ِد ُير اْل َع ِز ِ‬
‫و َج َعل اْلَّلْيل س َكناً و َّ‬
‫الذي َج َع َل َل ُك ُم الن ُج َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫س َٰو ِح َد ٍة َف ُم ْستََقٌّر َو ُم ْستَ ْوَدعٌ َق ْد َف َّ‬
‫صْلَنا‬ ‫َّنْف ٍ‬ ‫َكم ِّمن‬ ‫اآلي ِت لَِق ْو ٍم َي ْعَل ُمو َن * َو ُه َو َّال ِذي أ َ‬
‫َنشأ ُ‬ ‫ظُل َٰم ِت اْلَبِّر َواْلَب ْح ِر َق ْد َف َّ‬
‫صْلَنا َٰ‬ ‫ُ‬
‫اآلي ِت لَِق ْو ٍم َيْفَق ُهو َن‬
‫َٰ‬

‫{إن هللا فالق} حبة القلب بنور الروح عن العلوم والمعارف ونوى النفس بنور القلب عن األخالق والمكارم ُ‬
‫{ي ْخرج}‬
‫{وم ْخرج} ميت النفس عن حي القلب أخرى بإقباله عليها‬
‫حي القلب عن ميت النفس تارة باستيالء نور الروح عليها ُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واستيالء الهوى وصفات النفس عليه‪{ .‬ذلكم هللا} القادر على تقليب أحوالكم وتغليبكم في أطواركم {فأنى} تصرفون منه‬
‫اإلصَباح} أي‪ :‬فالق ظلمة صفات النفس عن القلب بإصباح نور شمس الروح وإشراقه عليها {وجاعل}‬ ‫ِ‬
‫إلى غيره { َفالق ْ‬
‫وتستقر عن‬
‫ّ‬ ‫ظلمة النفس سكن القلب يسكن إليها لالرتفاق واالسترواح أحياناً أو سكناً تسكن فيه القوى البدنية‬
‫معتداً بهما‪ .‬أو علمي حسب‬
‫االضطراب وشمس الروح وقمر القلب محسوبين في عداد الموجودات الباقية الشريفة‪ّ ،‬‬
‫األحوال واألوقات تعتبر بهما {ذلك تقدير العزيز} القوي على ذلك {العليم} بأحوال البروز واالنكشاف والتستر‬
‫واالحتجاب بهما يعز تارة باحتجابه بهما وعنهما في ستور جالله‪ ،‬وتارة بتجليه وقهرهما وإفنائهما يعلم ما يفعل‬
‫بحكمته‪.‬‬

‫{وهو الذي جعل لكم} نجوم الحواس {لتهتدوا بها في ظلمات} ّبر األجساد إلى مصالح المعاش وبحر القلوب باكتساب‬
‫العلوم بها {قد فصلنا اآليات} أي‪ :‬الروح والقلب والحواس {لقوم يعلمون} ذلك {وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة} هي‬
‫{فمستقر} في أرض البدن حال الظهور {ومستودع} في عين جمع الذات حال الفناء‪{ .‬قد فصلنا} آيات‬
‫ّ‬ ‫النفس الكلية‬

‫ظهور النفس واستقرارها واستيداعها {لقوم يفقهون} ّ‬


‫بتنور قلوبهم وصفاء فهومهم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 99‬الى اآلية ‪)101‬‬

‫الن ْخ ِل ِمن‬ ‫ض اًر ُّن ْخ ِرج ِم ْنه حباً ُّمتَر ِ‬ ‫َخرجنا ِم ْنه خ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َنزل ِمن َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اكباً َو ِم َن َّ‬ ‫ُ ُ َّ َ‬ ‫ات ُك ِّل َش ْيء َفأ ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫َخ َر ْجَنا ِبه َنَب َ‬
‫آء َفأ ْ‬
‫الس َمآء َم ً‬ ‫َو ُه َو الذي أ َ َ َ‬
‫ظ ُروْا ِإلِ ٰى ثَ َم ِِره ِإ َذآ أَ ْث َم َر َوَي ْن ِع ِه ِإ َّن ِفي ٰذلِ ُك ْم‬‫ان ُم ْشتَِبهاً َو َغ ْي َر ُمتَ َٰشِب ٍه ْان ُ‬ ‫اب و َّ‬
‫الزْيتُو َن َو ُّ‬
‫الرَّم َ‬ ‫ان َد ِاني ٌة وج َّٰن ٍت ِم ْن أ ْ ٍ‬ ‫َِ ِ‬
‫َعَن َ‬ ‫طْلع َها ق ْن َو ٌ َ َ َ ّ‬
‫صُفو َن *‬ ‫أل َٰي ٍت ِّلَقو ٍم يؤ ِمنو َن * وجعُلوْا ََّّللِ ُشرَكآء اْل ِج َّن وخَلَقهم وخرُقوْا َله بِنين وب ٰن ٍت ِب َغي ِر ِعْل ٍم سب ٰحنه وتَ ٰعَلى ع َّما ي ِ‬
‫ُ ْ ََ ُ َ َ ٰ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ َ َ ََ‬ ‫َ َ ُْ َ ََ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ْ ُْ ُ‬ ‫َ‬
‫يم‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ض أََّن ٰى ي ُكو ُن َل ُه وَلٌد وَلم تَ ُك ْن َّل ُه ٰص ِحب ٌة و َخَلق ُك َّل َشي ٍء ُ ِ ِ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫وه َو ب ُك ّل َش ْيء َعل ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫يع َّ َ َ َ‬ ‫َبد ُ‬

‫{وهو الذي أنزل} من سماء الروح ماء العلم {فأخرجنا به نبات} كل صنف من األخالق والفضائل {فأخرجنا} من‬
‫النبات هيئة خضرة النفس وزينة حسنة جميلة وبهجة بالعلم والخلق {نخرج} من تلك الهيئة والنفس الطرية الغضة‬
‫يتقوى بها القلب‪ ،‬ومن نخل العقل من ظهور تعلقها معارف وحقائق قريبة‬
‫ونيات صادقة ّ‬
‫أعماالً مترتبة شريفة مرضية‪ّ ،‬‬
‫أعَناب} األحوال واألذواق وخصوصاً أنواع المحبة القلبية المسكر‬
‫{وجنات من ْ‬
‫التناول لظهورها بنور الروح كأنها بديهية ّ‬
‫عصيرها وسالفها‪ ،‬وزيتون التف ّكر‪ّ ،‬‬
‫ورمان التوهمات الصادقة التي هي الهمم الشريفة‪ ،‬والعزائم النفيسة {مشتبهاً}‬
‫النيات وكمحبة الذات ومحبة الصفات {وغير‬ ‫بعضها ببعض كالتعقالت والتفكرات والمعارف والحقائق واألعمال و ّ‬
‫متشابه} كأنواع المحبة مع األعمال مثالً‪ ،‬أو مشتبهاً في رتبتها وقوتها وضعفها وجالئها وخفائها وغير متشابه فيه‬
‫ظروا إلى ثمره إذا أثمر} وراعوه بالمراقبة عند السلوك وبدء الحال‪ ،‬وليكن نظركم من اللذات إلى هذه الثمرات‬
‫{ان ُ‬
‫{وينعه} وكماله عند الوصول بالحضور {إن في ذلكم آليات لقوم يؤمنون} باإليمان العلمي‪ ،‬ويوقنون هذه اآليات‬
‫ّ‬
‫عددناها‪.‬‬
‫واألحوال التي ّ‬

‫أن هللا خلقهم‬


‫جن الوهم والخيال شركاء هلل في طاعتهم لها وانقيادهم‪ .‬وقد علموا ّ‬
‫الجن} أي‪ :‬جعلوا ّ‬
‫{وجعلوا هلل شركاء ّ‬
‫فكيف يعبدون غيره {وخرقوا له} اختلقوا باالفتراء المحض {بنين} من العقول {وبنات} من النفوس يعتقدون أنها مؤثرات‬
‫تنزه عن أن يكون‬
‫ومجردات مثله توّلدت منه {بغير علم} منهم أنها أسماؤه وصفاته ال تؤثر إال به {سبحانه وتعالى} ّ‬
‫ّ‬
‫المجردة والنفوس‬
‫ّ‬ ‫وجوداً مجرداً مخصوصاً بتعين خاص واحداً من الموجودات المتعينة يصدر عنه وجودات العقول‬

‫{عما يصفون} به ّ‬
‫علواً كبي اًر ‪.‬‬ ‫وتعاظم ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِ‬
‫{بديع السموات واألرض} أي‪ :‬عديم النظير والمثل في سموات عالم األرواح وأرض عالم األجساد {أنى يكون له ولد}‬
‫أي‪ :‬كيف يماثله شيء {ولم تكن له صاحبة} ألن الصاحبة ال تكون إال متجانسة وهو ال يجانس شيئاً‪ ،‬وإذا لم يجانس‬
‫شيئاً لم يماثله فلم يكن له مثل يتولد منه {وخلق كل شيء} بتخصيصه يتعين في ذاته وإيجاده بوجوده ال بأنه موجود‬
‫مثله {وهو بكل شيء عليم} يحيط علمه بالعقول والنفوس وغيرها كما يحيط وجوده بها وهي محاطة ال تحيط بعلمه وال‬
‫تعلم إال بعلمه وال توجد إال بوجوده فال تماثله ألنها بأنفسها معدومة‪ ،‬وأنى يماثل المعدوم الموجود المطلق‪.‬‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 102‬الى اآلية ‪)108‬‬

‫ص ُر َو ُه َو ُي ْد ِر ُ‬
‫ك‬ ‫َّ‬
‫يل * ال تُ ْد ِرُك ُه األ َْب َٰ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اعُب ُدوهُ َو ُه َو َعَل ٰى ُك ّل َش ْيء َو ِك ٌ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ُّك ْم ال ِإَلـ َٰه ِإال ُه َو َٰخل ُق ُك ِّل َش ْيء َف ْ‬ ‫ٰذلِ ُك ُم َّ‬
‫َّللاُ َرب ُ‬
‫ِكم َفمن أَبصر َفلِنْف ِس ِه ومن ع ِمي َفعَليها ومآ أَن ْا عَلي ُكم ِبحِف ٍ‬
‫يظ‬ ‫الل ِطيف اْلخِبير * َق ْد جآء ُكم ب ِ ِ‬ ‫األَب ٰصر وهو َّ‬
‫َ َ ْ َ َ َ َْ َ َ َ َ ْ ْ َ‬ ‫صآئ ُر من َّرّب ُ ْ َ ْ ْ َ َ َ‬ ‫َ َ ْ ََ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫ْ َ َ َ َُ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِٰ‬
‫ض‬ ‫َع ِر ْ‬ ‫ِك ال ِإَلـ َٰه ِإال ُهَو َوأ ْ‬ ‫اآليات َولَِيُقوُلوْا َد َرْس َت َولُِنَبِّيَن ُه لَق ْو ٍم َي ْعَل ُمو َن * اتَِّب ْع َمآ أُوح َي ِإَل ْي َك من َّرّب َ‬ ‫ف َ‬ ‫صِّر ُ‬ ‫* َوَكذل َك ُن َ‬
‫َّ ِ‬ ‫َنت َعَلي ِهم ِبو ِك ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين َي ْد ُعو َن‬ ‫يل * َوالَ تَ ُسُّبوْا الذ َ‬ ‫اك َعَل ْيه ْم َحفيظاً َو َمآ أ َ ْ َ‬ ‫َش َرُكوْا َو َما َج َعْلَن َ‬ ‫َّللاُ َمآ أ ْ‬
‫آء َّ‬ ‫ين * َوَل ْو َش َ‬ ‫َع ِن اْل ُم ْش ِرِك َ‬
‫ُم ٍة َع َمَل ُه ْم ثُ َّم ِإَل ٰى َرِّب ِه ْم َّم ْرِج ُع ُه ْم َفُيَنِّبُئ ُه ْم ِب َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن‬ ‫َّللاِ َفَي ُسُّبوْا َّ‬
‫َّللاَ َع ْدواً ِب َغ ْي ِر ِعْل ٍم َك َذلِ َك َزيََّّنا لِ ُك ِّل أ َّ‬ ‫ِمن ُدو ِن َّ‬

‫{ذلكم} البديع العديم المثل الموصوف بجميع هذا الصفات {هللا رّبكم ال إله} في الوجود {إال هو} أي‪ :‬ال موجود إال‬
‫هو باعتبار الجمع {خالق كل شيء} باعتبار تفاصيل صفاته فخصوا العبادة به‪ ،‬أي‪ :‬بالوجود الموصوف بجميع‬
‫الصفات الذي هو هللا دون من سواه {وهو على كل شيء وكيل} أي‪ :‬ال يستحق العبادة إال المبدئ لكل شيء وهو مع‬
‫ذلك وكيل على الكل يحفظها ويدبرها ويوصل إليها األرزاق وما تحتاج إليه حتى تبلغ الكمال الالحق بها ‪.‬‬

‫{ال تدركه األبصار} أي‪ :‬ال تحيط به ألنه اللطيف الجليل عن إدراكها‪ ،‬وكيف تدركه وهي ال تدرك أنفسها التي هي‬
‫صار} إلحاطته بكل شيء ولطف إدراكه {قد جاءكم بصائر من رّبكم} أي‪ :‬آيات ّبينات هي‬ ‫نور منه؟! {وهو ُي ْد ِرك ْ‬
‫األب َ‬
‫أن البصر نور تبصر به‬ ‫صور تجليات صفاته التي هي أنوار بصائر القلوب‪ .‬والبصيرة نور يبصر به القلب‪ ،‬كما ّ‬
‫مضرة احتجابه ال‬
‫ّ‬ ‫صر} أي‪ :‬صار بصي اًر بها‪ ،‬فإنما فائدة إبصاره وهدايته لنفسه ومن حجب عنها فإنما‬
‫العين‪{ ،‬فمن ْأب َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫تتعدى إلى غيره بل إليه {وما أنا عليكم بحفيظ} رقيب يرقبكم ويحفظكم عن الضالل‪ ،‬بل هللا حفيظ يحفظكم ويحفظ‬
‫ّ‬
‫أعمالكم {ولو شاء هللا ما أشركوا} أي‪ :‬كل ما يقع فإنما يقع بمشيئة هللا وال شك أن استعداداتهم التي وقعوا بها في‬
‫الشرك وأسباب ذلك من تعليم اآلباء والعادات وغيرها أيضاً واقعة بإرادة من هللا وإال لم تقع‪ .‬فإن آمنوا بذلك فبهداية هللا‬
‫فهون على نفسك {وما جعلناك عليهم حفيظاً} تحفظهم عن الضالل {وما أنت} بموكل عليهم باإليمان‪ .‬وال ينافي‬ ‫وإال ّ‬
‫َش َرْكَنا} [األنعام‪ ،‬اآلية‪ ]148 :‬ألنهم‬
‫َّللاُ َمآ أ ْ‬
‫آء َّ‬ ‫هذا ما قال في تعييرهم فيما بعد بقوله‪{ :‬سيُق َّ ِ‬
‫َش َرُكوْا َل ْو َش َ‬
‫ين أ ْ‬
‫ول الذ َ‬
‫ََ ُ‬
‫قالوا ذلك عناداً ودفعاً لإليمان بذلك التعلل ال اعتقاداً‪ ،‬فقولهم ذلك وإن كان صدقاً في نفس األمر لكنهم كانوا به‬
‫أن توحيد المؤمنين أيضاً بإرادة هللا وكذا كل دين‪.‬‬
‫كاذبين‪ ،‬مكذبين للرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬إذ لو صدقوا لعلموا ّ‬
‫فلم يعاندوا ولم يعادوا أحداً‪ ،‬ولو علموا أن كل شيء ال يقع إالّ بإرادة هللا لما بقوا مشركين بل كانوا موحدين‪ ،‬لكنهم‬
‫عيرهم به ال ألنه ليس كذلك في نفس‬‫قالوه لغرض التكذيب والعناد وإثبات أنه ال يمكنهم االنتهاء عن شركهم فلذلك ّ‬
‫األمر‪ ،‬فإنهم لم يطلعوا على مشيئة هللا وأنه كما أراد شركهم في الزمان السابق لم يرد إيمانهم اآلن إذ ليس كل منهم‬
‫مستعدين لإليمان والتوحيد واحتجبوا‬
‫ّ‬ ‫مطبوع القلب بدليل إيمان من آمن منهم‪ .‬فلم ال يجوز أن يكون بعضهم كانوا‬
‫بالعادة وما وجدوا من آبائهم فأشركوا ثم إذا سمعوا اإلنذار وشاهدوا آيات التوحيد اشتاقوا إلى الحق وارتفع حجابهم‬
‫أن هللا أرادهم بذلك دائماً وأنذرهم بوعيد من كان قبلهم لعل‬
‫وبخهم على قولهم وطلب منهم الحجة على ّ‬
‫فوحدوا؟‪ ،‬فلذلك ّ‬
‫من كان فيه أدنى استعداد إذا انقطع عن حجته وسمع وعيد من قبله من المنكرين‪ ،‬ارتفع حجابه والن قلبه فآمن‪،‬‬
‫فإن عالم الحكمة يبتنى على األسباب‪ .‬وأما من كان من األشقياء المردودين‬‫ويكون ذلك توفيقاً له ولطفاً في شأنه‪ّ ،‬‬
‫المختوم على قلوبهم‪ ،‬فال يرفع لذلك رأساً وال يلقى إليه سمعاً‪.‬‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 109‬الى اآلية ‪)111‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اآليت ِعند َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫وأَ ْقسموْا ِب َّ ِ‬
‫الَ ُي ْؤ ِمُنو َن‬ ‫آء ْت‬ ‫َّللا َو َما ُي ْشع ُرُك ْم أَن َهآ إ َذا َج َ‬ ‫آء ْت ُه ْم َآي ٌة لُي ْؤ ِمُن َّن ِب َها ُق ْل ِإَّن َما َٰ ُ َ‬ ‫اَّلل َج ْه َد أ َْي َٰمنه ْم َلئن َج َ‬ ‫َ َُ‬
‫اْلم ِ‬
‫الئ َك َة‬ ‫َ‬ ‫ص َرُه ْم َك َما َل ْم ُي ْؤ ِمُنوْا ِب ِه أََّو َل َمَّرٍة َوَن َذ ُرُه ْم ِفي ُ‬
‫ط ْغَي ِان ِه ْم َي ْع َم ُهو َن * َوَل ْو أََّنَنا َنَّ ْزلَنآ ِإَل ْي ِه ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫* َوُنَقّل ُب أَ ْفئ َدتَ ُه ْم َوأ َْب َٰ‬
‫َّللاُ َوَلـٰ ِك َّن أَ ْكثََرُه ْم َي ْج َهُلو َن‬
‫آء َّ‬ ‫ِ ِ ِ َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َوَكل َم ُه ُم اْل َم ْوتَ ٰى َو َح َش ْرَنا َعَل ْيه ْم ُك َّل َش ْيء ُقُبالً َّما َك ُانوْا لُي ْؤمُنوْا إال أَن َي َش َ‬
‫{وأقسموا باهلل جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية} إلى آخره‪ ،‬طلبوا خوارق العادات وأعرضوا عن الحجج البينات‪ ،‬ألنهم‬
‫بالحس والمحسوس‪ ،‬فلم تنجع فيهم الدعوة بالحكمة واإلثبات بالحجة كما تنجع في العقالء‬
‫ّ‬ ‫كانوا محجوبين‬
‫المستعدين‪{ .‬قل إنما اآليات} أي‪ :‬خوارق العادات التي اقترحوها إنما هي من َعالم القدرة ليست إال عنده {وما‬
‫ّ‬ ‫و‬
‫يشعركم} أنهم ال يؤمنون عند مجيئها‪ ،‬أي‪ :‬أنا أعلم بهم منكم أنهم ال يؤمنون بها‪ ،‬أو وما يشعركم أنهم يؤمنون عند‬
‫مجيئها لعلها إذا جاءت ال يؤمنون بها‪ ،‬ومن لم يرد هللا منه اإليمان يقلب قلبه وبصره عند مجيء اآلية التي اقترحها‬
‫وزعم أنه يؤمن عند نزولها‪ ،‬فيقول‪ :‬هذا سحر‪ ،‬وال يؤمن به كما ال يؤمن قبل مجيء اآلية ويذره في ظهور نفسه‬
‫استعد لإليمان‬
‫ّ‬ ‫بصفاتها واحتجابه بها‪ ،‬ولهذا قال في آخر اآلية الثانية‪{ :‬ما كانوا ليؤمنوا إال أن يشاء هللا} يعني‪ :‬من‬
‫يستعد لذلك‬
‫ّ‬ ‫فهم المعقول وأدرك الحجة‪ ،‬وانفتحت عين بصيرته بأدنى نور من هداية هللا وآمن بأدنى سبب‪ ،‬ومن لم‬
‫ولم يخلق له لو رأى كل آية من خوارق العادات وغيرها ما آثر فيه {ولكن أكثرهم يجهلون} أن اإليمان بمشيئة هللا ال‬
‫بخوارق العادات‪ ،‬وفي الحقيقة ال اعتبار باإليمان المرتب على مشاهدة خوارق العادات‪ ،‬فإنه ربما كان مجرد إذعان‬
‫ألمر محسوس وإقرار باللسان وليس في القلب من معناه شيء كإيمان أصحاب السامري‪ .‬واإليمان ال يكون إال‬

‫ان ِفي ُقُلوب ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬


‫ِك ْم}‬ ‫آمَّنا ُقل ل ْم تُ ْؤمُنوْا َوَلـٰكن ُقوُلوْا أ َْسَل ْمَنا َوَل َّما َي ْد ُخل اإل َ‬
‫يم ُ‬ ‫اب َ‬
‫َع َر ُ‬
‫بالجنان‪ ،‬كما قال تعالى‪َ { :‬قاَلت األ ْ‬
‫[الحجرات‪ ،‬اآلية‪.]14 :‬‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 112‬الى اآلية ‪)114‬‬

‫ِ‬ ‫ض ُهم ِإَل ٰى َب ْع ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وَك َٰذلِ َك جعْلَنا لِ ُك ِل ِنِب ٍي َع ُدواً َش ٰي ِط َ ِ ِ ِ‬


‫ُّك َما‬ ‫َرب َ‬ ‫آء‬
‫ف اْلَق ْول ُغ ُرو اًر َوَل ْو َش َ‬ ‫ض ُز ْخ ُر َ‬ ‫ين اإل ْنس َواْلج ِّن ُيوحي َب ْع ُ ْ‬ ‫ّ ّ ّ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫* أََف َغ ْي َر‬ ‫ض ْوهُ َولَِيْقتَ ِرُفوْا َما ُهم ُّمْقتَ ِرُفو َن‬ ‫ين الَ ُي ْؤ ِمُنو َن ِباآلخ َرة َولَِي ْر َ‬
‫ص َغى ِإَل ْيه أَ ْفئ َدةُ الذ َ‬
‫َف َعُلوهُ َف َذ ْرُه ْم َو َما َيْفتَ ُرو َن * َولِتَ ْ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِك ِباْل َح ِّق َفالَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫اب َي ْعَل ُمو َن أََّن ُه ُمَنَّزٌل ّمن َّرّب َ‬
‫اه ُم اْلكتَ َ‬
‫ين آتَْيَن ُ‬
‫صالً َوالذ َ‬ ‫َّللا أ َْبتَغي َح َكماً َو ُه َو الذي أََن َزَل ِإَل ْي ُك ُم اْلكتَ َ‬
‫اب ُمَف َّ‬
‫ِ‬
‫ين‬‫ون َّن م َن اْل ُم ْمتَ ِر َ‬
‫تَ ُك َ‬

‫عدواً} إلى آخره‪ ،‬يلزم من ترتب مراتب األرواح أن مقابلة أصفى االستعدادات وأنورها بأكدرها‬‫نبي ّ‬ ‫{وكذلك جعلنا لكل‬
‫ّ‬
‫العدو في مقابلته له أن الكمال‬
‫نبي للتضاد الحقيقي بينهما‪ .‬وفائدة وجود ّ‬ ‫عدو لكل‬
‫وأظلمها وأبعدها ولزم منه وجود ّ‬
‫ّ‬
‫قدر له بحسب استعداده ال يظهر عليه إال بقوة المحبة لالستمداد‪ ،‬وأما القهر فالنكسار نفسه به وبإهانته‬
‫الذي ّ‬
‫بالعدو ذاهالً عنها لفرط‬
‫ّ‬ ‫واستخفافه له‪ ،‬وتثبته عند مقابلته في مقام القلب وتجلده معرضاً عن النفس ولذاتها الشتغاله‬
‫الحمية والحرص على الفضيلة التي يقهر بها العدو واالحتراز عن المالبس الحيوانية والشيطانية ليبعد بها عن مقامه‬
‫يتطرق له سبيل إلى طعنه وتحقيره وازدرائه بها‪ ،‬ولهذا قال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬ما أُوِذي نبي قط‬
‫ومناسبته ولئال ّ‬
‫ّ‬
‫مثل ما أُوذيت"‪ ،‬إذ ال كمال ألحد مثل كماله فيجب أن يكون سبب إخراجه إلى الفعل أقوى لغاية بعده عن صفات‬
‫النفس وعاداتها‪.‬‬

‫{ولتصغى إليه أفئدة الذين ال يؤمنون باآلخرة} ولتميل إليه المحجوبون لمناسبتهم {وليرضوه} لمحبتهم إياه‪ ،‬فتقوى‬

‫غوايتهم ويتظاهرون ويخرج ما فيهم من الشرور إلى الفعل‪ ،‬ويزدادوا طغياناً ّ‬


‫وتعدياً على النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫ّ‬
‫فتزداد قوى كماله وتهيج أيضاً بسببه دواعي المؤمنين‪ ،‬والذين في استعدادهم مناسبة للنبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويتقوى بهم النبي‬
‫فتنبعث حميتهم‪ ،‬وتزداد محبتهم للنبي صلى هللا عليه وسلم ونصرهم ّإياه‪ ،‬فتظهر عليهم كماالتهم ّ‬
‫صلى هللا عليه وسلم كما قيل‪ :‬إن شهرة المشايخ وكثرة مريديهم ال تكون إال بواسطة المنكرين إياهم‪.‬‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 115‬الى اآلية ‪)122‬‬

‫وك َعن‬ ‫* وإِن تُ ِطع أَ ْكثَر من ِفي األَر ِ ِ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ص ْدقاً وع ْدالً الَّ مبِّد ِل لِ َكلِم ِات ِه وهو َّ ِ‬‫وتَ َّم ْت َكلِمت ربِك ِ‬
‫ض ُيضل َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫يم‬
‫يع اْل َعل ُ‬
‫السم ُ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫َُ‬ ‫ََ‬ ‫َ ُ َّ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َعَل ُم َمن َيض ُّل َعن َسِبيله َو ُهَو أَ ْعَل ُم ِباْل ُم ْهتَد َ‬
‫ين *‬ ‫أْ‬ ‫صو َن * ِإ َّن َرب َ‬
‫َّك ُه َو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سِبيل َّ ِ َِّ‬
‫َّللا إن َيتب ُعو َن إال الظ َّن َوإِ ْن ُه ْم إال َي ْخ ُر ُ‬ ‫َ‬
‫َّللاِ َعَل ْي ِه َوَق ْد َف َّ‬
‫ص َل َل ُك ْم َّما َحَّرَم‬ ‫اس ُم َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ عَلي ِه ِإن ُكنتُم ِبآي ِات ِه مؤ ِمِنين * وما َل ُكم أَالَّ تَأ ُ ِ‬
‫ْكُلوْا م َّما ُذك َر ْ‬ ‫ََ ْ‬ ‫ْ َ ُْ َ‬ ‫اس ُم َّ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف ُكُلوْا م َّما ُذك َر ْ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ظ ِه َر ِ‬
‫اإل ْث ِم‬ ‫ين * َوَذ ُروْا َٰ‬ ‫ِ‬
‫َّك ُهَو أَ ْعَل ُم ِباْل ُم ْعتَد َ‬
‫ِ‬ ‫ضُّلون ِبأ ِ‬
‫َه َوائ ِهم ِب َغ ْي ِر عْل ٍم ِإ َّن َرب َ‬
‫َ ْ‬
‫ط ِررتُم ِإَلي ِه وإِ َّن َكِثي اًر َّلي ِ‬
‫ُ‬ ‫اض ُ ْ ْ ْ َ‬
‫َّ‬
‫َعَل ْي ُك ْم ِإال َما ْ‬
‫َّللاِ َعَل ْي ِه َوِإَّن ُه َلِف ْس ٌق َوِإ َّن‬
‫اس ُم َّ‬ ‫اإل ْثم سيج َزو َن ِبما َكانوْا يْقتَ ِرُفو َن * والَ تَأ ُ ِ‬
‫ْكُلوْا م َّما َل ْم ُي ْذ َك ِر ْ‬ ‫َ‬ ‫ين َي ْكسُبو َن ِ َ َ ُ ْ ْ َ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َوَباطَن ُه ِإ َّن الذ َ‬
‫َحَي ْي َٰن ُه َو َج َعْلَنا َل ُه ُنو اًر‬
‫ان َم ْيتاً َفأ ْ‬ ‫وه ْم ِإَّن ُك ْم َل ُم ْش ِرُكو َن * أ ََو َمن َك َ‬ ‫وحو َن ِإَلى أ َْولَِي ِآئ ِه ْم لُِي َٰج ِدُل ُ‬
‫وك ْم َوإِ ْن أَ َ‬
‫ط ْعتُ ُم ُ‬ ‫ين َلُي ُ‬
‫َّ ِ‬
‫الش َٰيط َ‬
‫ين َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن‬ ‫الظُل ٰم ِت َليس ِب َخ ِارٍج ِم ْنها َك َذِلك ُزي ِ ٰ ِ‬
‫ِن لْل َكف ِر َ‬
‫َ َّ‬ ‫ّ َ‬ ‫َ َْ‬
‫اس َكمن َّمَثُله ِفي ُّ‬
‫ُ‬ ‫الن ِ‬‫َي ْم ِشي ِب ِه ِفي َّ‬
‫َ‬

‫وقدر من إسالم من أسلم وكفر من كفر ومحبة‬‫{وتمت كلمة رّبك صدقاً وعدال} أي‪ :‬تم قضاؤه في األزل بما قضى ّ‬ ‫ّ‬
‫أحب أحداً‪ ،‬وعداوة من عادى قضاء مبرماً وحكماً صادقاً مطابقاً لما يقع عادالً بمناسبة كل قول وكل كمال‬
‫من ّ‬
‫مبدل} ألحكامه األزلية {وهو السميع} لما يظهرون من األقوال‬
‫وحال‪ ،‬الستعداد من يصدر عنه واقتضائه له {ال ّ‬
‫المقدرة {العليم} بما يخفون {أكثر من في األرض} أي‪ :‬من في الجهة السفلية بالركون إلى الدنيا وعالم النفس‬
‫واألفعال ّ‬
‫والطبيعة {يضلوك عن سبيل هللا} بتزيينهم زخارفهم عليك ودعوتهم إياك إلى ما هم فيه {إن يتّبعون إال ّ‬
‫الظن} لكونهم‬
‫محجوبين في مقام النفس باألوهام والخياالت عن اليقين {وإن هم إال} يخمنون المعاني بالصور واآلخرة بالدنيا‪،‬‬
‫المحرمات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ويقدرون أحوال المعاد وذات الحق وصفاته كأحوال المعاش وذواتهم وصفاتهم فيشركون ويحلون بعض‬
‫ّ‬

‫مر في (المائدة) ومسبب للنهي عن طاعة المضلين واتباعهم {ظاهر اإلثم} سيئات‬ ‫{فكلوا} إلى آخره‪ ،‬معلوم مما ّ‬
‫األعمال واألقوال الظاهرة على الجوارح {وباطنه} العقائد الفاسدة والعزائم الباطلة {أو من كان ميتاً} بالجهل‪ ،‬وهو‬
‫النفس وباحتجابه بصفاتها {فأحييناه} بالعلم ومحبة الحق أو بكشف حجب صفاته بتجليات صفاتنا {وجعلنا له نو اًر}‬
‫من هدايتنا وعلمنا أو نو اًر من صفاتنا أو نو اًر منا بقيوميتنا له بذاتنا على حسب مراتبه‪ ،‬كمن صفته هذا‪ ،‬أي‪ :‬هذا‬
‫القول وهو أنه في ظلمات من نفسه وصفاتها وأفعالها ليس بخارج منها {كذلك زّين} للمحجوبين عملهم فاحتجبوا به‪.‬‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 123‬الى اآلية ‪)125‬‬

‫آء ْت ُه ْم َآي ٌة َقاُلوْا‬ ‫ن‬ ‫ن ِ َّ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َكِبر مج ِرِم ِ‬ ‫ِ ِ ٍ ٰ‬ ‫ِٰ‬


‫يها َو َما َي ْم ُك ُرو َ إال بأ َْنُفسه ْم َو َما َي ْش ُع ُرو َ * َوإِ َذا َج َ‬
‫يها لَي ْم ُك ُروْا ف َ‬
‫َوَكذل َك َج َعْلَنا في ُك ّل َق ْرَية أ َ َ ُ ْ َ‬
‫صيب َّال ِذين أَجرموْا صغار ِعند َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ َّ‬
‫َلن ُّن ْؤ ِم َن َحتَّ ٰى ُن ْؤتَ ٰى ِم ْث َل َمآ أُوِتي ُرُس ُل َّ‬
‫اب‬
‫َّللا َو َع َذ ٌ‬ ‫َ َُْ َ َ ٌ َ‬ ‫َعَل ُم َح ْي ُث َي ْج َع ُل ِرَساَلتَ ُه َسُي ُ‬‫َّللاُ أ ْ‬ ‫َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِ َّ‬ ‫ِِ ٰ‬ ‫ِ‬ ‫َش ِد ٌيد ِب َما َك ُانوْا َي ْم ُك ُرو َن * َف َمن ُي ِرِد َّ‬
‫ضِّيقاً َح َرجاً‬ ‫ص ْد َرهُ لإل ْسَل ِم َو َمن ُي ِرْد أَن ُيضل ُه َي ْج َع ْل َ‬
‫ص ْد َرهُ َ‬ ‫َّللاُ أَن َي ْهدَي ُه َي ْش َرْح َ‬
‫ين الَ ُي ْؤ ِمُنو َن‬ ‫َّ ِ‬ ‫الس َم ِآء َك ٰذلِ َك َي ْج َع ُل َّ‬
‫َّللاُ ِّ‬ ‫ص َّع ُد ِفي َّ‬
‫َكأََّن َما َي َّ‬
‫الر ْج َس َعَلى الذ َ‬

‫{وكذلك جعلنا في كل قرية} للحكمة المذكورة في إعالء األنبياء وكذا في قرية وجود اإلنسان التي هي البدن‪ ،‬جعلنا‬
‫األمارة ليمكروا فيها بإضالل القلب وفتنته وإغوائه {وما يمكرون إال بأنفسهم} ألن عاقبة‬
‫أكابر مجرميها من قوى النفس ّ‬
‫مكرهم راجعة إليهم باحتراقهم بنيران فقدان اآلالت واألسباب في جحيم الهوى والحرمان عن اللذات والشهوات وحصول‬
‫اآلالت الجسمانية عند خراب البدن وعند المعاد والبعث في أقبح الصور على أسوأ األحوال‪.‬‬

‫{وإذا جاءتهم آية} من صفة قلبية وإشراق نوري من هيئة ملكية خلقية‪ ،‬أو علم وحكمة وفيض من روح ينكرونها‬
‫باإلعراض عنها‪ ،‬ويتمنون من قبل الوهم والخيال إدراكات مثل إدراكات العقل والفكر وتركيبات تخيلية ومغالطات‬
‫وهمية يعارضون بها البراهين الحقة حتى يؤمنوا بها ويذعنوا لها‪{ .‬هللا أعلم حيث يجعل رسالته} ال يضعها إال‬
‫المجردة من المواد الهيوالنية {سيصيب الذين أجرموا} باحتجابهم ومكرهم في إضاللهم‬
‫ّ‬ ‫مواضعها من القوى الروحانية‬
‫استعد للهدى أو اهتدى من القلوب الصافية {صغار عند هللا} بزوال قدرتهم وتمكنهم بخراب البدن {وعذاب شديد}‬
‫ّ‬ ‫من‬
‫بحرمانهم عما يالئمهم ووصول ما ينافيهم في المعاد الجسماني بسبب مكرهم‪.‬‬

‫{فمن يرد هللا أن يهديه} من هذه القوى لالنقياد للعقل {يشرح صدره} أي‪ :‬يسهل عليه ويجعل وجهه الذي يلي القلب ذا‬
‫نتوء وسعة لقبول نوره وممكناً من استسالمه له {ومن يرد أن يضّله يجعل صدره} يعسر عليه ويعجزه عن ذلك {حرجاً}‬
‫ذا ظلمة وقصور استعداد عن قبول النور كأنما يزاول أم اًر ممتنعاً في االستنارة بنور القلب وطلب الفيض منه‪ .‬على‬
‫هذا التأويل الذي ذكرناه وعلى المعنى الظاهر المراد من اآلية السابقة‪ .‬فمن يرد هللا أن يهديه للتوحيد يشرح صدره‬
‫بقبول نور الحق وإسالم الوجود إلى هللا بكشف حجب صفات نفسه عن وجه قلبه الذي يلي النفس‪ ،‬فيفسح لقبول نور‬
‫الحق‪ .‬ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً باستيالئها عليه وضغطها له {كأنما يصعد} في سماء روحه مع‬
‫تلك الهيآت البدنية وذلك أمر محال‪.‬‬

‫التلوث بلوث التعلقات المادية أو رجس التعذب بالهيآت البدنية {على الذين ال يؤمنون}‪.‬‬
‫{كذلك يجعل هللا} رجس ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 126‬الى اآلية ‪)128‬‬

‫ُّه ْم ِب َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن *‬ ‫ِ‬ ‫ات لَِقو ٍم ي َّذ َّكرون * َلهم دار َّ ٰ ِ‬ ‫صْلنا اآلي ِ‬ ‫ِ‬ ‫وهـٰ َذا ِ‬
‫السَل ِم ع َند َرِّبه ْم َو ُه َو َولِي ُ‬ ‫ُْ َ ُ‬ ‫ْ َ ُ َ‬ ‫ِك ُم ْستَقيماً َق ْد َف َّ َ َ‬ ‫ط َرّب َ‬‫ص َار ُ‬ ‫ََ‬
‫ضَنا ِبَب ْع ٍ‬ ‫آؤ ُهم ِم َن ِ‬
‫اإل ْن ِ‬ ‫وَيوم يِ ْح ُش ُرُهم َج ِميعاً َٰيم ْع َش َر اْل ِج ِّن َق ِد استَ ْكثَ ْرتُم ِم َن ِ‬
‫اإل ْن ِ‬
‫ض َوَبَل ْغَنآ‬ ‫استَ ْمتَ َع َب ْع ُ‬
‫س َربََّنا ْ‬ ‫ال أ َْولَِي ُ ّ‬ ‫س َوَق َ‬ ‫ْ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النار م ْث ٰوُكم ٰخلِدين ِف ِ َّ‬ ‫ِ‬
‫َجَلَنا َّالذي أ َّ‬
‫ليم‬
‫يم َع ٌ‬ ‫َّللاُ ِإ َّن َرب َ‬
‫َّك َحك ٌ‬ ‫آء َّ‬‫يهآ إال َما َش َ‬‫ال َّ ُ َ َ ْ َ َ َ‬ ‫َجْل َت َلَنا َق َ‬ ‫أَ‬

‫{وهذا} أي‪ :‬طريق التوحيد وإسالم الوجه إلى هللا {صراط ربك مستقيماً} ال اعوجاج فيه بوجه من الوجوه يميل إلى‬
‫جانب الصورة وإلى جانب المعنى أو إلى النظر إلى الغير والشرك به {قد فصلنا اآليات لقوم يذكرون} المعارف‬
‫والحقائق التي هي مركوزة في استعدادهم فيهتدوا بها {لهم دار السالم} السالمة من كل نقص وآفة وخوف ظهور صفة‬
‫ووجود بقية {عند رّبهم} في حضرة صفاته أو حضرة ذاته {وهو وليهم} يعطيهم محبته وكماله‪ ،‬ويدخلهم في ظل‬
‫صفاته وذاته‪ ،‬ويجعلهم في أمانه بالبقاء السرمدي بعد فناء حدثانهم بسبب أعمالهم القلبية والقالبية في سلوكهم ‪.‬‬

‫جن القوى النفسانية {قد ْ‬


‫استَ ْكثَرتم من اإلنس}‬ ‫{يوم يحشرهم} في يوم عين الجمع المطلق {جميعاً}‪ .‬قلنا {يا معشر} ّ‬
‫أي‪ :‬من الحواس واألعضاء الظاهرة أو من الصور اإلنسانية بأن جعلتموهم أتباعكم وأهل طاعتكم إياهم‪ ،‬وتسويلكم‬
‫وتزيينكم الحطام الدنيوية واللذات الجسمانية عليهم‪ ،‬ووسوستكم إياهم بالمعاصي {وقال أولياؤهم من اإلنس} الذين‬
‫لت لنا}‬
‫أج َ‬
‫تولوهم {ربنا استمتع بعضنا ببعض} بانتفاع كل منا في صورة الجمعية باآلخر {و} قد {بلغنا أجلنا الذي ّ‬
‫بالموت أو بالمعاد الجسماني على أقبح الصور وأسوأ العيش {قال النار} نار الحرمان عن اللذات ووجدان اآلالم‬
‫{مثواكم خالدين فيها إال} وقت {ما شاء هللا} أن تخّفف‪ ،‬أو ينجي منكم من ال يكون سبب تعذبه شركاً راسخاً في‬
‫{إن ربك حكيم} ال يعذبكم إال بهيآت نفوسكم التي كسبتم على ما تقتضيه الحكمة {عليم} بمن يتعذب باعتقاده‬
‫اعتقاده ّ‬
‫فيدوم عذابه أو بهيآت سيئات أعماله فيعذب على حسبها ثم ينجو منه ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 129‬الى اآلية ‪)150‬‬

‫صو َن َعَل ْي ُك ْم‬‫س أََل ْم َيأِْت ُك ْم ُرُس ٌل ِّم ْن ُك ْم َيُق ُّ‬ ‫ين َب ْعضاً ِبما َك ُانوْا َي ْك ِسُبو َن * َٰيم ْع َش َر اْل ِج ِّن و ِ‬
‫اإل ْن ِ‬ ‫َّٰ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِٰ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ض الظلم َ‬ ‫َوَكذل َك ُن َوّلي َب ْع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون ُك ْم لَِقآء َي ْو ِم ُك ْم َهـٰ َذا َقاُلوْا َش ِه ْدَنا َعَل ٰى أ َْنُف ِسَنا َو َغَّرْت ُهم اْل َحَياةُ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الد ْنَيا َو َش ِه ُدوْا َعَل ٰى أ َْنُفس ِه ْم أََّن ُه ْم َك ُانوْا َكاف ِر َ‬
‫ين‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َآياتي َوُينذ ُر َ‬
‫َهُل َها َٰغِفُلو َن * َولِ ُك ٍّل َد َر َٰج ٌت ِّم َّما َع ِمُلوْا َو َما َرُّب َك ِب َٰغِف ٍل َع َّما َي ْع َمُلو َن *‬ ‫ُّك ُم ْهلِ َك اْلُق َر ٰى ِب ُ‬ ‫َّ‬ ‫ِٰ‬
‫ظْل ٍم َوأ ْ‬ ‫* ذل َك أَن ل ْم َي ُك ْن َّرب َ‬
‫ين * ِإ َّن َما‬ ‫ِ‬ ‫َنشأ ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرحم ِة ِإن ي َش ْأ ي ْذ ِهب ُكم ويستَ ْخلِ ِ‬ ‫ِ‬
‫آخ ِر َ‬
‫َك ْم ّمن ُذِّريَّة َق ْو ٍم َ‬ ‫آء َك َمآ أ َ‬ ‫ف من َب ْعد ُك ْم َّما َي َش ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ْ ْ ََْ‬ ‫ُّك اْل َغن ُّي ُذو َّ ْ َ‬ ‫َوَرب َ‬
‫ف تَ ْعَل ُمو َن َمن تَ ُكو ُن َل ُه َٰعِقَب ُة َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫الد ِار‬ ‫اع َمُلوْا َعَل ٰى َم َك َانت ُك ْم ِإَّني َعام ٌل َف َس ْو َ‬ ‫ين * ُق ْل َٰيَق ْو ِم ْ‬ ‫وع ُدو َن آلت َو َمآ أَنتُم ِب ُم ْع ِج ِز َ‬ ‫تُ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٰ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِإَّن ُه الَ ُيْفل ُح الظل ُمو َن * َو َج َعُلوْا ََّّلل م َّما َذ َأَر م َن اْل َح ْرث َواأل َْن َٰع ِم َنصيباً َفَقاُلوْا َهـٰ َذا ََّّلل ِب َز ْعم ِه ْم َو َهـٰ َذا ل ُش َرَكآئَنا َف َما َك َ‬
‫ان‬
‫صل ِإَلى ُشرَك ِآئ ِهم سآء ما يح ُكمو َن * وَك ٰذلِك َزيَّن لِ َكِث ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صل ِإَلى َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ير ّم َن اْل ُم ْش ِرِك َ‬
‫ين‬ ‫َ َ َ‬ ‫ان ََّّلل َف ُه َو َي ُ ٰ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ‬ ‫َّللا َو َما َك َ‬ ‫لِ ُش َرَكآئ ِه ْم َفالَ َي ُ ٰ‬
‫َّللاُ َما َف َعُلوهُ َف َذ ْرُه ْم َو َما َيْفتَ ُرو َن * َوَقاُلواْ َهـ ِٰذِه أ َْن َٰع ٌم َو َح ْر ٌث‬
‫آء َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫آؤ ُهم لُِي ْرُد ُ ِ ِ‬ ‫ِٰ ِ‬
‫وه ْم َولَيْلب ُسوْا َعَل ْيه ْم د َين ُه ْم َوَل ْو َش َ‬ ‫َق ْت َل أ َْوَلده ْم ُش َرَك ُ ْ‬
‫يهم ِب َما‬‫َّللاِ َعَل ْيها ا ْفِت َرآء َعَل ْي ِه سَي ْج ِز ِ‬ ‫َّ‬ ‫آء ِب َز ْع ِم ِه ْم َوأَْن َٰع ٌم ُحِّرَم ْت ُ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِح ْجٌر الَّ َي ْ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ورَها َوأ َْن َٰع ٌم ال َي ْذ ُك ُرو َن ْ‬
‫اس َم َّ‬ ‫ظ ُه ُ‬ ‫َّ‬
‫ط َع ُم َهآ إال َمن ن َش ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫طو ِن َهـ ِٰذِه األ َْن َٰع ِم َخالِ َ ِ ِ‬ ‫َك ُانوْا َيْفتَ ُرو َن * َوَقاُلوْا َما ِفي ُب ُ‬
‫ص ٌة ّل ُذ ُكورَنا َو ُم َحَّرٌم َعَل ٰى أ َْزَٰوجَنا َوِإن َي ُكن َّم ْيتَ ًة َف ُه ْم فيه ُش َرَك ُ‬
‫آء‬
‫َّللاِ‬ ‫يهم وصَفهم ِإَّنه ِح ِكيم علِيم * َق ْد خ ِسر َّال ِذين َقَتُلوْا أَوَٰلدهم سَفهاً ِب َغي ِر ِعْل ٍم وح َّرموْا ما رَزَقهم َّ ِ‬
‫آء َعَلى َّ‬ ‫َّللاُ ا ْفت َر ً‬ ‫َ َ ُ َ َ ُُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ ُْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ٌ َ ٌ‬ ‫َسَي ْج ِز ِ ْ َ ْ ُ ْ ُ‬
‫ٰ‬
‫ُكُل ُه و َّ‬
‫الزْيتُو َن‬ ‫الزر َ ِ‬
‫ع ُم ْخَتلفاً أ ُ َ‬
‫وش ٍت َو َّ‬
‫الن ْخ َل َو َّ ْ‬ ‫وش ٍت َو َغ ْي َر َم ْع ُر َٰ‬ ‫ين * َو ُه َو َّال ِذي أ َ‬
‫َنشأَ َجَّن ٍت َّم ْع ُر َٰ‬ ‫ِ‬ ‫َق ْد ُّ‬
‫ضلوْا َو َما َك ُانوْا ُم ْهتَد َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫الرَّمان متَ َٰشِبهاً وغير متَ َٰشِب ٍه ُكُلوْا ِمن ثَم ِِره ِإ َذآ أَ ْثمر وآتُوْا حَّقه يوم ح ِ ِ‬
‫ين * َو ِم َن‬ ‫صاده َوالَ تُ ْس ِرُفوْا ِإَّن ُه الَ ُيح ُّب اْل ُم ْس ِرِف َ‬ ‫َ ُ َْ َ َ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َْ ُ‬ ‫َو ُّ َ ُ‬
‫ْن ا ْثَن ْي ِن‬‫الضأ ِ‬‫ين * ثَ َٰمِنَي َة أ َْزَٰو ٍج ِّم َن َّ‬ ‫الش ْي َٰ‬
‫ط ِن ِإَّن ُه َل ُك ْم َع ُدٌّو ُّمِب ٌ‬ ‫ط ٰو ِت َّ‬ ‫َِّ‬ ‫األ َْن َٰع ِم َح ُموَل ًة َوَف ْرشاً ُكُلوْا ِم َّما َرَزَق ُك ُم َّ‬
‫َّللاُ َوالَ تَتب ُعوْا ُخ ُ َ‬
‫ين * َو ِم َن‬ ‫اشتَمَل ْت عَلي ِه أَرحام األُنثَيي ِن َنِبُئوِني ِب ِعْل ٍم ِإن ُكنتُم ٰ ِ ِ‬ ‫و ِمن اْلمع ِز ا ْثَني ِن ُقل ء َّ‬
‫آلذ َك َرْي ِن َحَّرَم أَ ِم األُنثََي ْي ِن أ َّ‬
‫ص دق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ ّ‬ ‫َْ َْ ُ‬ ‫َما ْ َ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫َ َ َْ‬
‫آء ِإ ْذ َو َّٰ‬ ‫ِ‬ ‫اإلب ِل ا ْثَني ِن و ِمن اْلبَق ِر ا ْثَني ِن ُقل ء َّ‬
‫ص ُك ُم‬ ‫ِ‬
‫ام األ ُْنثََي ْين أ َْم ُكنتُ ْم ُش َه َد َ‬
‫اشتَ َمَل ْت َعَل ْيه أ َْر َح ُ‬‫َما ْ‬ ‫آلذ َك َرْي ِن َحَّرَم أَ ِم األ ُْنثََي ْي ِن أ َّ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫ِْ‬
‫ين * ُقل الَّ أَ ِج ُد ِفي‬ ‫َّٰ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اس ِب َغ ْي ِر ِعْل ٍم ِإ َّن َّ‬ ‫ض َّل َّ‬ ‫َّللاِ َك ِذباً لِي ِ‬
‫ظَل ُم ِم َّم ِن ا ْفتَ َر ٰى َعَلى َّ‬
‫َّللاُ ِب َهـٰ َذا َف َم ْن أَ ْ‬
‫َّللاَ الَ َي ْهدي اْلَق ْوَم الظلم َ‬ ‫الن َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ير َفِإَّن ُه ِر ْج ٌس أ َْو ِف ْسقاً أ ُِه َّل لِ َغ ْي ِر‬ ‫ط َع ُم ُه ِإالَّ أَن َي ُكو َن َم ْيتَ ًة أ َْو َدماً َّم ْسُفوحاً أ َْو َل ْحم ِخ ِ‬
‫نز ٍ‬
‫َ‬
‫ط ِ‬
‫اع ٍم َي ْ‬ ‫َمآ أ ُْو ِح َي ِإَل َّي ُم َحَّرماً َعَل ٰى َ‬
‫ين َه ُادوْا َحَّرْمَنا ُك َّل ِذي ُ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫ظُف ٍر َو ِم َن اْلَبَق ِر َواْل َغَن ِم‬ ‫يم * َو َعَلى الذ َ‬ ‫ور َّرح ٌ‬ ‫َّك َغُف ٌ‬ ‫طَّر َغ ْي َر َبا ٍغ َوالَ َعاد َفِإ َّن َرب َ‬ ‫اض ُ‬ ‫َّللا ِبه َف َم ِن ْ‬
‫ص ِدُقو َن * َفِإن‬ ‫ٰ ِ ِِ ِ‬ ‫ط ِبع ْ ٰ ِ‬
‫ظ ٍم ذل َك َج َزْيَن ُهم بَب ْغيه ْم وإَِّنا َل َٰ‬ ‫اخَتَل َ َ‬ ‫ورُه َما أ َِو اْل َح َو َايآ أ َْو َما ْ‬ ‫وم ُه َمآ ِإالَّ َما َح َمَل ْت ُ‬
‫ظ ُه ُ‬ ‫ِ‬
‫َحَّرْمَنا َعَل ْيه ْم ُش ُح َ‬
‫ول َّال ِذي َن أ ْ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬ ‫َّ‬
‫َش َرْكَنا َوالَ‬ ‫َّللاُ َمآ أ ْ‬
‫آء َّ‬ ‫َش َرُكوْا َل ْو َش َ‬ ‫ين * َسَيُق ُ‬ ‫ْس ُه َع ِن اْلَق ْو ِم اْل ُم ْج ِرِم َ‬ ‫ُّك ْم ُذو َر ْح َمة َواس َعة َوالَ ُي َرُّد َبأ ُ‬ ‫وك َفُق ْل َّرب ُ‬‫َكذُب َ‬
‫ْسَنا ُق ْل َه ْل ِع َند ُكم ِّم ْن ِعْل ٍم َفتُ ْخ ِرُجوهُ َلَنآ ِإن تَتَِّب ُعو َن‬ ‫اؤَنا والَ َحَّرمَنا ِمن َشي ٍء َك ٰذلِ َك َك َّذ َب َّال ِذ َ ِ ِ ِ َّ‬
‫ين من َقْبلهم َحت ٰى َذا ُقوْا َبأ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َآب ُ َ‬
‫ين‬ ‫َّ ِ‬ ‫اكم أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ ِ‬ ‫الظ َّن َوإِ ْن أَنتُ ْم إَالَّ تَ ْخ ُر ُ ن‬
‫ِإالَّ َّ‬
‫آء ُك ُم الذ َ‬ ‫ين * ُق ْل َهُل َّم ُش َه َد َ‬ ‫َج َمع َ‬ ‫آء َل َه َد ُ ْ ْ‬‫صو َ * ُق ْل َفلله اْل ُح َّج ُة اْلَبال َغ ُة َفَل ْو َش َ‬
‫َّللا حَّرم هـٰ َذا َفِإن َش ِه ُدوْا َفالَ تَ ْشه ْد معهم والَ تَتَِّبع أَهوآء َّال ِذين َك َّذبوْا ِبآي ِاتَنا و َّال ِذين الَ يؤ ِمُنو َن ِب ِ‬
‫اآلخ َرِة َو ُهم‬ ‫َي ْش َه ُدو َن أ َّ‬
‫َ ُ َ َ َ ُْ‬ ‫ْ َْ َ‬ ‫َ ََُْ َ‬ ‫َن َّ َ َ َ َ‬
‫ِب َرِّب ِه ْم َي ْع ِدُلو َن‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً} أي‪ :‬مثل ذلك الجعل العظيم الهائل نجعل بعضهم ولي بعض بتوافق مكاسبهم‬
‫كالجن واإلنس الذين ذكرناهم أو نجعل بعضهم والى بعض بتعذيبه‬
‫ّ‬ ‫وتناسبها‪ ،‬فيتوالون ويحشرون معاً في العذاب‬
‫بمكسوباته في النار {رسل منكم} من البشر الذين هم جنسكم وعلى التآويل المذكورة من عقولكم التي هي قوى من‬
‫جنسكم وهذه األسئلة واألجوبة والشهادات كلها بلسان الحال وإظهار األوصاف‪ ،‬كما قيل ‪:‬‬

‫تشقني؟‬
‫قال الجدار للوتد‪ :‬لم ّ‬

‫قال الوتد‪َ :‬س ْل من يدقني‬

‫وكشهادة األيدي واألرجل بصورها التي تناسب هيآت أفعالها وتعذبها بها {ذلك} إشارة إلى إرسال الرسل وتبيين‬
‫اآليات وإلزام الحجة باإلنذار والتهديد‪ ،‬أي‪ :‬األمر ذلك ألن رّبك لم يكن مهلك القرى على غفلتهم ظالماً ألنه ينافي‬
‫الحكمة‪.‬‬

‫{وي ْستَ ْخلف من َب ْعدكم} من‬ ‫ٍ‬


‫{ولكل َد َر َجات} في القرب والبعد من أعمالهم التي عملوها {إن يشأ ُي ْذهبكم} بفناء عينكم َ‬
‫أهل طاعته برحمته {ذلك} أي‪ :‬تحريم الطيبات عليهم جزاء {جازيناهم} بظلمهم {و ّإنا لصادقون} في إيعادهم بجزاء‬
‫الظلم {فإن كذبوك} بأن هللا واسع المغفرة فال يعذبنا بظلمنا {فقل} بلى {ربكم ذو رحمة واسعة} ولكنه ذو قهر شديد فال‬
‫ترد رحمته بأسه {عن القوم المجرمين} بل ربما أودع قهره في صورة لطفه ولطفه في صورة قهره {كذلك ك ّذب الذين‬ ‫ّ‬
‫من قبلهم} أي‪ :‬ك ّذب المنكرون الرسل من قبلهم بتعليق كفرهم بمشيئة هللا عناداً ّ‬
‫وعتواً فعذبوا بكفرهم‪.‬‬

‫{ُق ْل هل عندكم من ِعْل ٍم ِ‬


‫فتخر ُجوه لنا} أي‪ :‬إن كان لكم علم بذلك وحجة فبينوا‪ ،‬وإنما قال ذلك إشارة إلى قولهم‪{ :‬لو‬
‫شاء هللا ما أشركنا} ألنهم لو قالوا ذلك عن علم لعلموا أن إيمان الموحدين وكل شيء ال يقع إال بإرادة هللا فلم يعادوهم‬
‫ولم ينكروهم‪ ،‬بل والوهم‪ ،‬ولم يبق بينهم وبين المؤمنين خالف‪ .‬ولعمري إنهم لو قالوا ذلك عن علم لما كانوا مشركين‪،‬‬
‫بل كانوا موحدين ولكنهم اتّبعوا الظن في ذلك وبنوا على التقدير والتخمين لغرض التكذيب والعناد‪ ،‬وعلى ما سمعوا‬
‫من الرسل إلزاماً لهم وإثباتاً لعدم امتناعهم عن الرسل ألنهم محجوبون في مقام النفس‪ ،‬و ّأنى لهم اليقين؟ ومن أين لهم‬
‫االطالع على مشيئة هللا؟‪.‬‬

‫الحجة البالغة} أي‪ :‬إن كان ظنكم صدقاً في تعليق شرككم بمشيئة هللا فليس لكم حجة على المؤمنين وعلى‬
‫{قل فلله ّ‬
‫وتصدقوهم بل هلل الحجة عليكم في وجوب‬
‫ّ‬ ‫غيركم من أهل دين‪ ،‬لكون كل دين حينئذ بمشيئة هللا‪ ،‬فيجب أن توافقوهم‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫تصديقهم وإقراركم بأنكم أشركتم بمن ال يقع أمر إال بإرادته ما ال أثر إلرادته أصالً فأنتم أشقياء في األزل‪ ،‬مستحقون‬
‫للبعد والعقاب {فلو شاء لهداكم أجمعين} أي‪ :‬بلى صدقتم‪ ،‬ولكن كما شاء كفركم لو شاء لهداكم كلكم‪ ،‬فبأي شيء‬
‫علمتم أنه لم يشأ هدايتكم حتى أصررتم؟ وهذا تهييج لمن عسى أن يكون له استعداد منهم فيقمع ويهتدي فيرجع عن‬
‫الشرك ويؤمن‪.‬‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 151‬الى اآلية ‪)151‬‬

‫إمالَ ٍق َّن ْح ُن َن ْرُزُق ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ‬


‫ُّك ْم َعَل ْي ُك ْم أَال تُ ْش ِرُكوْا به َش ْيئاً َوبِاْل َوال َد ْي ِن إ ْح َساناً َوالَ تَْقُتُلوْا أ َْوالََد ُك ْم ّم ْن ْ‬
‫ُق ْل تَ َعاَل ْوْا أ َْت ُل َما َحَّرَم َرب ُ‬
‫اك ْم ِب ِه َل َعَّل ُك ْم‬
‫صُ‬ ‫َّللاُ ِإالَّ ِباْل َح ِّق ٰذلِ ُك ْم َو َّ‬
‫النْف َس َّالِتي َحَّرَم َّ‬
‫ط َن َوالَ تَْقُتُلوْا َّ‬ ‫ظ َه َر ِم ْن َها َو َما َب َ‬ ‫ش َما َ‬ ‫وِإيَّاهم والَ تَْقربوْا اْلَفو ِ‬
‫اح َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ َ َُ‬
‫تَ ْعِقُلو َن‬

‫حرم رّبكم عليكم} لما أثبت أن المشركين في التحريم والتحليل ّيتبعون أهواءهم‪ ،‬إذ الشرك في نفسه‬
‫أتل ما ّ‬
‫{قل تعالوا ُ‬
‫أمروا عليهم الهوى وعبدوه وأطاعوا‬
‫ليس إال عبادة الهوى والشيطان‪ .‬فلما احتجبوا بصفات النفس عن صفات الحق‪ ،‬و ّ‬
‫أوامره ونواهيه في التحريم والتحليل‪ّ ،‬بين أن التحريم والتحليل المتّبع فيهما أمر هللا تعالى ما هما‪ ،‬ولما كان الكالم‬
‫عدد المحرمات ليستدل بها على المحلالت فحصر جميع أنواع الفضائل بالنهي عن أجناس‬ ‫معهم في تحريم الطيبات ّ‬
‫الرذائل وابتدأ بالنهي عن رذيلة القوة النطقية التي هي أشرفها‪ .‬فإن رذيلتها أكبر الكبائر‪ ،‬مستلزمة لجميع الرذائل‪،‬‬
‫القوتين البهيمية والسبعية فقال‪{ :‬أال تشركوا به شيئاً} إذ الشرك من خطئها في النظر‬
‫بخالف رذيلة أخويها من ّ‬
‫وقصورها عن استعمال العقل ودرك البرهان وعّقبه بإحسان الوالدين‪ ،‬إذ معرفة حقوقهما تتلو معرفة هللا في اإليجاد‬
‫والربوبية ألنهما سببان قريبان في الوجود والتربية وواسطتان جعلهما هللا تعالى مظهرين لصفتي إيجاده وربوبيته‪ ،‬ولهذا‬
‫قال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬من أطاع الوالدين فقد أطاع هللا ورسوله"‪ .‬فعقوقهما يلي الشرك وال يقع الجهل بحقوقهما إال‬
‫عن الجهل بحقوق هللا تعالى ومعرفة صفاته‪ ،‬ثم بالنهي عن قتل األوالد خشية الفقر‪ ،‬فإن ارتكاب ذلك ال يكون إال‬
‫عن الجهل والعمى عن تسبيبه تعالى الرزق لكل مخلوق وأن أرزاق العباد بيده يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر‪.‬‬
‫مقدرة بإزاء األعمار كتقدير اآلجال‪ ،‬فأوالها ال تقع إال من خطئها في‬
‫سر القدر‪ ،‬فال يعلم أن األرزاق ّ‬
‫واالحتجاب عن ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫معرفة ذات هللا تعالى‪ ،‬والثانية من خطئها في معرفة صفاته‪ ،‬والثالثة من معرفة أفعاله فال يرتكب هذه الرذائل الثالث‬
‫إال منكوس‪ ،‬محجوب عن ذات هللا تعالى وصفاته وأفعاله وهذه الحجب أم الرذائل وأساسها‪ .‬ثم ّبين رذيلة القوة‬
‫البهيمية ألن رذيلتها أظهر وأقدم‪ ،‬فقال‪{ :‬وال تقربوا الفواحش} من األعمال القبيحة الشنيعة عند العقل {ما ظهر منها}‬
‫الهم بها وإخفائها‬
‫كالزنا في الحانات‪ ،‬وشرب الخمر وأكل الربا {وما َبطن} كقصد هذه الفواحش المذكورة ونيتها و ّ‬
‫كالسرقة وارتكاب المحظورات في الخفية‪.‬‬

‫حرم هللا إالّ بالحق} أي‪ :‬بالقصاص والكفر‪ ،‬وختم الكالم‬


‫القوة السبعية بقوله‪{ :‬وال تقتلوا النفس التي ّ‬
‫ثم أشار إلى رذيلة ّ‬
‫بقوله‪{ :‬ذلكم} اي‪ :‬االجتناب عن أجناس رذائل النفوس الثالث {وصاكم به لعلكم تعقلون} أي‪ :‬ال تجتنبها إال العقالء‬
‫ومن ارتكبها فال عقل له‪.‬‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 152‬الى اآلية ‪)153‬‬

‫ف َنْفساً ِإالَّ ُو ْس َع َها َوإِ َذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ َِّ ِ‬


‫ان ِباْلق ْسط الَ ُن َكّل ُ‬
‫َشَّدهُ َوأ َْوُفوْا اْل َكْي َل َواْلم َيز َ‬ ‫َح َس ُن َحتَّ ٰى َيْبُل َغ أ ُ‬ ‫ال اْلَيتي ِم ِإال ِبالتي ه َي أ ْ‬ ‫َوالَ تَْق َرُبوْا َم َ‬
‫اطي ُم ْستَِقيماً َفاتَِّب ُعوهُ َوالَ‬ ‫صر ِ‬ ‫ِ‬
‫َن َهـٰ َذا َ‬ ‫صـ ُٰك ْم ِب ِه َل َعَّل ُك ْم تَ َذ َّك ُرو َن * َوأ َّ‬‫َّللاِ أ َْوُفوْا ٰذلِ ُك ْم َو َّ‬
‫ِع ْه ِد َّ‬
‫ان َذا ُق ْرَب ٰى َوب َ‬
‫ُقْلتُم َف ِ‬
‫اعدُلوْا َوَل ْو َك َ‬‫ْ ْ‬
‫اك ْم ِب ِه َل َعَّل ُك ْم تَتَُّقو َن‬
‫صُ‬ ‫السُب َل َفتََفَّر َق ِب ُك ْم َعن َسِبيلِ ِه ٰذلِ ُك ْم َو َّ‬
‫تَتَِّب ُعوْا ُّ‬

‫أن فضائلها‬
‫ثم أراد أن يبين أن الرذائل الثالث مستلزمة باجتماعها رذيلة الجور التي هي أعظمها وجماعها كما ّ‬
‫تستلزم العدالة التي هي كمالها والشاملة لها فقال‪{ :‬وال تقربوا مال اليتيم} بوجه من الوجوه {إال بالتي هي أحسن} إال‬
‫أشده} فينتفع به‪ ،‬ال باألكل واإلنفاق في مآربكم واإلتالف فإنه‬
‫بالخصلة التي هي أحسن من حفظه وتثميره {حتى يبلغ ّ‬
‫أفحش‪ .‬ولما ّبين تحريم أجناس الرذائل األربع بأسرها على التفصيل أمر بإيجاب الفضائل األربع باإلجمال‪ ،‬إذ تفصيل‬
‫الرذائل يغني عن تفصيل مقابالتها وذلك أنها مندرجة بأسرها في العدالة فأمر بها في جميع الوجوه فعالً وقوالً وقال‪:‬‬
‫فاع ِدلوا} أي‪ :‬ال تقولوا‬
‫{وأوفوا الكيل والميزان بالقسط} أي‪ :‬حافظوا على العدل فيما بينكم وبين الخلق مطلقاً {وإذا قلتم ْ‬
‫ِعهد هللا ْأوُفوا} أي‪:‬‬
‫إال الحق {ولو كان} المقول فيه {ذا قربى} فال تميلوا في القول له أو عليه إلى زيادة أو نقصان {وب َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫بالتوحيد والطاعة وكل ما بينكم وبين هللا من لوازم العهد السابق بالعقد الالحق‪ .‬ولما كان سلوك طريقة الفضيلة التي‬
‫أحد من السيف‪ ،‬وخصوصاً في األفعال إذ‬ ‫أدق من الشعرة و ّ‬
‫هي طريقة الوحدة والتوجه إلى الحق صعباً‪ ،‬كما قيل‪ّ :‬‬
‫مراعاة الوسط فيها بال ميل ما إلى طرف اإلفراط والتفريط في غاية الصعوبة‪ .‬قال بعد قوله‪{ :‬وأوفوا الكيل والميزان‬
‫بالقسط ال نكلف نفساً إال وسعها} فبين أنه جمع في هذا المقام بين النهي عن جميع الرذائل واألمر بجميع الفضائل‬
‫كلها بحيث ال يخرج منها جزئي ما من جزئياتها‪ ،‬ولهذا قال ابن عباس رضي هللا عنه‪ :‬إن هذه آيات محكمات لم‬
‫الملل و ِ‬
‫الن َحل‪ .‬وقال كعب األحبار‪ :‬والذي نفس‬ ‫ينسخهن شيء من جميع الكتب‪ .‬واتفق على قوله أهل الكتابين وجميع ِ‬
‫ّ‬
‫كعب بيده إنها ألول شيء في التوراة‪{ .‬ذلكم} أي‪ :‬ما ذكر من وجوب االنتهاء عن جميع الرذائل واالتصاف بجميع‬
‫الرُسل {لعلكم تذكرون} عند سماعها ما وهب هللا لكم من‬
‫الفضائل {وصاكم به} في جميع الكتب على ألسنة جميع ُ‬
‫الكمال وأودع استعدادكم في األزل‪.‬‬

‫{وأن هذا} أي‪ :‬طريق الفضائل ألن منبع الفضيلة هي الوحدة‪ .‬أال ترى أنها أواسط واعتداالت بين طرفي إفراط وتفريط‬
‫ال يمكن سلوكها على التعيين بالحقيقة إال لمن استقام في دين هللا إليه وأيده هللا بالتوفيق لسلوك طريق الحق حتى‬
‫وصل إلى الفناء عن صفاته ثم عن ذاته‪ .‬ثم اتصف في حال البقاء بعد الفناء بصفاته تعالى حتى قام باهلل فاستقام‬
‫فيه وبه فحينئذ يكون صراطه صراط الحق وسيره سير هللا {صراطي مستقيماً} أي‪ :‬طريقي ال يسلكها إال من قام بي‬
‫مستوياً غير مائل إلى اليمين والشمال لغرض {فاتّبعوه وال تتّبعوا السبل} من المذاهب المتفرقة واألديان المختلفة فإنها‬
‫وعتواً وحيرة‪ .‬وروى ابن مسعود‬
‫أوضاع وضعها أهل االحتجاب بالعادات واألهواء‪ ،‬أي‪ :‬وضع لهم لئال يزدادوا ظلمة ّ‬
‫ط عن يمينه وشماله خطوطاً‬ ‫طاً فقال‪" :‬هذا سبيل الرشاد""‪ ،‬ثم خ ّ‬
‫طخّ‬
‫"عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬أنه خ ّ‬
‫{فتفرق بكم عن سبيله ذلكم} أي‪ :‬سلوك‬
‫فقال‪" :‬هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه" ثم تال هذه اآلية‪ّ :‬‬
‫{وصاكم به لعلكم تتقون} السبل المتفرقة باالجتناب عن مقتضيات األهواء ودواعي النفوس‬
‫طريق الوحدة والفضيلة ّ‬
‫وتجعلون هللا وقاية لكم في مالزمة الفضائل ومجانبة الرذائل ‪.‬‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 154‬الى اآلية ‪)157‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫صيالً ِّل ُك ِّل َشي ٍء َو ُه ًدى َوَر ْح َم ًة َّل َعَّل ُه ْم ِبلَِق ِآء َرّب ِِه ْم ُي ْؤ ِمُنو َن * َو َهـٰ َذا‬ ‫وتَْف ِ‬ ‫َح َس َن‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫اب َت َماماً َعَلى الذي أ ْ‬ ‫وسى اْلكتَ َ‬ ‫ثُ َّم آتَْيَنا ُم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طآئَفتَْي ِن من َقْبلَنا َوإِن ُكَّنا َعن‬ ‫ِ‬ ‫اب َعَل ٰى َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫* أَن تَُقوُلوْا إَّن َمآ أ ِ‬ ‫ك َفاتَِّب ُعوهُ َواتَُّقوْا َل َعَّل ُك ْم تُ ْر َح ُمو َن‬ ‫ِك ٰتَ ٌب أ َ ْ‬
‫ُنزَل اْلكتَ ُ‬ ‫َنزلَنـ ُٰه ُمَب َار ٌ‬
‫آء ُك ْم َبِّيَن ٌة ِّمن َّرّب ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِدر ِ‬
‫ِك ْم َو ُه ًدى َوَر ْح َم ٌة َف َم ْن‬ ‫اب َل ُكَّنآ أ ْ‬
‫َه َد ٰى م ْن ُه ْم َفَق ْد َج َ‬
‫* أ َْو تَُقوُلوْا َل ْو أََّنآ أ ِ‬
‫ُنزَل َعَل ْيَنا اْلكتَ ُ‬ ‫است ِه ْم َل َغافل َ‬
‫ين‬ ‫ََ‬
‫ص ِد ُفو َن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين َي ْ ِ ن‬ ‫َّ ِ‬ ‫ات َّ ِ‬ ‫ِبآي ِ‬ ‫ظَل ُم ِم َّمن َك َّذ َب‬
‫وء اْل َع َذاب ب َما َك ُانوْا َي ْ‬ ‫صد ُفو َ َع ْن َآياتَنا ُس َ‬ ‫ف َع ْن َها َسَن ْجزِي الذ َ‬ ‫ص َد َ‬ ‫َّللا َو َ‬ ‫َ‬ ‫أَ ْ‬

‫وسى اْل ِكتَا َب} [البقرة‪،‬‬


‫وصاكم بسلوك طريق الفضيلة في قديم الدهر {آتَْيَنا ُم َ‬ ‫{ثم آتينا موسى الكتاب} أي‪ :‬بعدما ّ‬
‫النبوة مزيداً على الذي أحسنه موسى من‬ ‫اآلية‪{ ]153 :‬تماماً على الذي أحسن} أي‪ :‬تتميماً لكرامة الوالية ونعمة ّ‬
‫سلوك طريق الكمال وبلوغه إلى ما بلغ من مقام المكالمة والقرب بالوجود الموهوب بعد الفناء في الوحدة‪ ،‬كما قال‬
‫ِ‬
‫ال ُس ْب َح َان َك تُْب ُت ِإَل ْي َك َوأََن ْا أََّو ُل اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين} [األعراف‪ ،‬اآلية‪ ]143 :‬بالتكميل ودعوة الخلق إلى الحق‬ ‫تعالى‪َ{ :‬فَل َّمآ أََف َ‬
‫اق َق َ‬
‫{وتفصيالً لكل شيء} يحتاج إليه الخلق في المعاد {وهدى} لهم إلى رّبهم في سلوك سبيله {ورحمة} عليهم بإفاضة‬
‫كماالته عليهم بواسطة موسى وكتابه {لعلهم بلقاء رّبهم يؤمنون} اإليمان العلمي أو العياني‪.‬‬

‫كتاب أنزلناه ُمَبارك} بزيادة الهداية إلى محض التوحيد واإلرشاد إلى سواء السبيل يهدي بأقرب الطرق إلى أرفع‬
‫{وهذا ٌ‬
‫الدرجات من الكمال {فاتّبعوه واتّقوا} كل ما سوى هللا حتى ذواتكم وصفاتكم {لعلكم ترحمون} رحمة االستقامة باهلل وفي‬

‫هللا بالوجود الموهوب‪{ .‬أو تقولوا لو ّأنا أ ُْن ِزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم} ّ‬
‫لقوة استعداداتنا وصفاء أذهاننا إن صدقتم‬
‫{فقد جاءتكم بينة من ربكم} بيان لكيفية سلوككم {وهدى} إلى مقصدكم {ورحمة} بتسهيل طريقكم وتيسيرها إلى أشرف‬
‫الكماالت‪.‬‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 158‬الى اآلية ‪)158‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫ِك الَ َي َنف ُع َنْفساً‬
‫ض َء َايات َرّب َ‬
‫ِك َي ْوَم َيأْتي َب ْع ُ‬
‫ض َء َايات َرّب َ‬ ‫ُّك أ َْو َيأْت َي َب ْع ُ‬ ‫ظ ُرو َن إال أَن تَأْت ُ‬
‫يه ُم اْل َمالئ َك ُة أ َْو َيأْت َي َرب َ‬ ‫َه ْل َين ُ‬
‫يمِن َها َخ ْي اًر ُق ِل انتَ ِظ ُروْا ِإَّنا ُمنتَ ِظ ُرو َن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫امَن ْت من َقْب ُل أ َْو َك َسَب ْت في إ َٰ‬
‫ِ‬
‫إ َٰ‬
‫يمُن َها َل ْم تَ ُك ْن َء َ‬

‫{هل ينظرون إال أن تأتيهم المالئكة} لتوفي روحهم {أو يأتي رّبك} بتجلية في جميع الصفات كما ّ‬
‫مرت اإلشارة إليه‬
‫تحول الصورة في القيامة‪ ،‬فال يعرفه إال الموحدون الكاملون‪ .‬وأما أهل المذاهب والملل المختلفة فال يعرفونه إال في‬
‫من ّ‬
‫صورة معتقدهم {أو يأتي بعض آيات رّبك} تجليه في بعض الصفات التي لم يعرفوه بها {يوم يأتي بعض آيات رّبك}‬
‫فإن الناس إما محجوبون‬
‫بعض تجلياته التي لم يأنسوا بها أو لم يعرفوها {ال ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من َقبل} ّ‬
‫مطلقاً أو ليسوا كذلك‪ ،‬وهم إما مؤمنون لعرفانهم ببعض الصفات أو بكلها‪ ،‬والمؤمنون به العارفون إياه بكلها إما‬
‫محبون للذات وإما محبون للصفات‪ ،‬فإذا تجلى الحق ببعض الصفات ال ينفع إيمان المحجوبين مطلقاً‪ ،‬وإيمان‬
‫المؤمنين الذين لم يعرفوه بهذه الصفة من قبل هذا التجلي‪ ،‬إذ اإليمان إنما ينفع إذا صار عقيدة ثابتة راسخة يتمثل بها‬
‫وتتنور بها النفس وتشاهد بها الروح‪ ،‬ال الذي يقع عند االضطرار دفعة {أو كسبت في إيمانها خي اًر} كإيمان‬
‫القلب ّ‬
‫المحبين للصفات‪ ،‬فإنهم وإن آمنوا به وعرفوا بتجليه بكل الصفات‪ .‬فلما لم يكتسبوا المحبة الذاتية‪ ،‬والكمال‬
‫ّ‬ ‫العارفين‪،‬‬
‫القهار أو المبلي لم‬
‫أحبوه ببعض الصفات‪ ،‬كالمنعم مثالً أو اللطيف أو الرحيم فإذا تجلى بصفة المنتقم أو ّ‬
‫المطلق‪ ،‬و ّ‬
‫يحبوا الذات فيلتذوا بشهوده في أي صفة‬
‫يتمرنوا بتجليه ولم ّ‬
‫ينفعهم اإليمان به‪ ،‬إذ لم يطيعوه من قبل بهذا الوصف ولم ّ‬
‫كانت ‪.‬‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 159‬الى اآلية ‪)160‬‬

‫آء‬ ‫ن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِإ َّن َّال ِذين َفَّرُقوْا ِدينهم وَكانوْا ِشيعاً َّلست ِمنهم ِفي شي ٍء ِإَّنمآ أَمرهم ِإَلى َّ ِ‬
‫َّللا ثُ َّم ُيَنّبُئ ُهم ب َما َك ُانوْا َيْف َعُلو َ * َمن َج َ‬ ‫َ ْ َ ُْ ُْ‬ ‫َُ ْ َ ُ َ ْ َ ُْ ْ‬ ‫َ‬
‫ظَل ُمو َن‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫السِّيَئة َفالَ ُي ْج َزى ِإال م ْثَل َها َو ُه ْم الَ ُي ْ‬
‫آء ِب َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باْل َح َسَنة َفَل ُه َع ْش ُر أ َْمثَال َها َو َمن َج َ‬
‫متفرقة‪ ،‬كالذين غلبت عليهم صفات النفس بجذبهم هذه إلى شيء وهذه‬ ‫فرقوا دينهم} أي‪ :‬جعلوا دينهم أهواء ّ‬‫{إن الذين ّ‬
‫إلى شيء فحدثت فيهم أهواء مختلفة‪ ،‬فبقوا حيارى ال جهة لهم وال مقصد {وكانوا شيعاً} فرقاً مختلفة بحسب غلبة تلك‬
‫األهواء يغلب على بعضهم الغضب وعلى بعضهم الشهوة وإن دانوا بدين جعلوا دينهم بحسب غلبة هواهم مادة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫التعصب ومدد استيالء تلك القوة الغالبة على القلب ولم يتعبدوا إال بعادات وبدع‪ ،‬ولم ينقادوا إال ألهواء وخدع‪ ،‬يعبد‬
‫التفرق على اآلخر كما نشاهد من أهل‬
‫مخيالً في خياله ويجعله سبب االستطالة و ّ‬
‫كل منهم إلهاً مجعوالً في وهمه‪ّ ،‬‬
‫المذاهب الظاهرة {لست منهم في شيء} أي‪ :‬لست من هدايتهم ودعوتهم إلى التوحيد في شيء إذ هم أهل التفرقة‬
‫تفرقهم ال إليك {ثم ينبئهم} عند‬
‫واالحتجاب بالكثرة ال يجتمع همهم وال يتحد قصدهم‪{ .‬إنما أمرهم إلى هللا} في جزاء ّ‬
‫المتفرقة عليهم بمفارقة األبدان {بما كانوا يفعلون} من السيئات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ظهور هيآت نفوسهم المختلفة واألهواء‬

‫أن الحسنة تصدر بظهور القلب‪ ،‬والسيئة بظهور‬ ‫أقل درجات الثواب وذلك ّ‬ ‫{من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} هذا ّ‬
‫فأقل درجات ثوابها أنه يصل إلى مقام القلب الذي يتلو مقام النفس في االرتقاء تلو مرتبة العشرات لآلحاد في‬
‫النفس‪ّ ،‬‬
‫األعداد‪{ .‬ومن جاء بالسيئة فال يجزى إال مثلها} ألنه ال مقام أدون من مقام النفس‪ ،‬فينحط إليه بالضرورة فيرى جزاءه‬
‫ويتنور استعداده ويزداد قبوله‬
‫في مقام النفس بالمثل‪ .‬ومن هذا يعلم أن الثواب من باب الفضل فإنه يزيد به صاحبه ّ‬
‫فيتقوى على إضعاف ما فعل ويكتسب به أجو اًر متضاعفة إلى غير نهاية بازدياد القبول عند فعل كل‬
‫لفيض الحق ّ‬
‫حسنة‪ ،‬وزيادة القدرة والشغف على الحسنة عند زيادة الفيض إلى ما ال يعلمه إال هللا‪ ،‬كما قال بعد ذكر أضعافها إلى‬
‫آء} [البقرة‪ ،‬اآلية‪ ]261 :‬وأن العقاب من باب العدل‪ ،‬إذ العدل يقتضي المساواة ومن‬ ‫اع ِ‬‫َّللا ي ِ‬
‫ف ل َمن َي َش ُ‬
‫ض ُ‬ ‫{و َّ ُ ُ َ‬
‫سبعمائة‪َ :‬‬
‫فعل بالنفس إذا لم يعف عنه يجازى بالنفس سواء وتذكر ما قيل في قوله تعالى‪َ{ :‬ل َها َما َك َسَب ْت َو َعَل ْي َها َما ا ْكتَ َسَب ْت}‬
‫[البقرة‪ ،‬اآلية‪ ]286 :‬فإن الفضيلة لإلنسان ذاتية موجبة لترقيه البتة‪ ،‬والرذيلة عارضة ظلمتها للفطرة‪ ،‬فمهما لم تكن‬
‫يصر عليها‪ ،‬عفي عنها ولم تحجب صاحبها‪ .‬وإن كانت وأصر عليها جوزي‬
‫ونية من صاحبها أو كانت ولم ّ‬ ‫بقصد ّ‬
‫فرب سيئة من شخص تعادل حسنة‬‫في مقام النفس بالمثل‪ .‬والحسنة والسيئة المذكورتان ههنا من قبيل األعمال وإال ّ‬
‫المقربين"‪ ،‬بوجود القلب عند الشهود‪ ،‬وسيئات األبرار بظهور‬
‫من غيره‪ ،‬كما قال عليه السالم‪" :‬حسنات األبرار سيئات ّ‬
‫ورب سيئة توجب حجاب األبد كاعتقاد الشرك مثالً‪.‬‬
‫النفس عند السلوك‪ ،‬وحسناتهم بظهور القلب‪ّ ،‬‬

‫سورة األنعام (من اآلية ‪ 161‬الى اآلية ‪)165‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫صالَِتي َوُن ُس ِكي‬ ‫ِ‬ ‫اهيم حِنيفاً وما َك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ َّ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * ُق ْل إ َّن َ‬ ‫ان م َن اْل ُم ْش ِرِك َ‬‫ُق ْل ِإَّنني َه َداني َرّبِي ِإَل ٰى ص َراط ُّم ْستَقي ٍم ديناً قَيماً ّمل َة ِإ ْب َر َ َ َ َ َ‬
‫َّللاِ أ َْب ِغي َرّباً َو ُهَو َر ُّب‬
‫َغ ْي َر َّ‬
‫ين * ُق ْل أ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِٰ ِ‬
‫ين * الَ َش ِر َ‬
‫يك َل ُه َوبِذل َك أُم ْر ُت َوأََن ْا أََّو ُل اْل ُم ْسلم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫اي َو َم َماتي ََّّلل َر ِّب اْل َعاَلم َ‬ ‫َو َم ْحَي َ‬
‫ِكم َّمرِجع ُكم َفينِبُئ ُكم ِبما ُكنتم ِف ِ‬
‫يه تَ ْخَتلُِفو َن‬ ‫ُخ َر ٰى ثُ َّم إَل ٰى َرّب ُ ْ ْ ُ ْ َُّ ْ َ ْ ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫س ِإالَّ َعَل ْي َها َوالَ تَ ِزُر َو ِازَرةٌ ِوْزَر أ ْ‬‫ُك ِّل َشي ٍء والَ تَ ْك ِس ُب ُك ُّل َنْف ٍ‬
‫ْ َ‬
‫ِ‬
‫َّك س ِريع اْلعَق ِ‬
‫اب َوإَِّن ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َد َر َجات ّلَيْبُلوُكم في مآ آتَ ُ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ض ُكم َف ْو َق َب ْع ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اك ْم إ َّن َرب َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ف األ َْرض َوَرَف َع َب ْع َ ْ‬ ‫* َو ُه َو الذي َج َعَل ُك ْم َخالَئ َ‬
‫يم‬ ‫ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬
‫َل َغُف ٌ‬
‫{قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم} إلى طريق التوحيد الذاتي {ديناً قيماً} ثابتاً أبداً ال تغيره الملل و ِ‬
‫النحل وال‬ ‫ّ‬
‫تنسخه الشرائع والكتب {مّلة إبراهيم} التي أعرض بها عن كل ما سواه بالترقي عن جميع المراتب مائالً عن كل دين‬
‫وطريق باطل فيه شرك ما‪ ،‬ولو بصفة من صفات هللا تعالى‪.‬‬

‫أتقرب به بالقلب {ومحياي}‬


‫تقربي أو كل ما ّ‬‫{قل إن صالتي} أي‪ :‬حضوري بالقلب وشهودي بالروح {ونسكي} أي‪ّ :‬‬
‫بالحق {ومماتي} بالنفس كلها {هلل} ال نصيب لي وال ألحد غيري فيها ألني قمت به له بالفناء فال وجود لي وال لغيري‬

‫حتى يكون لي حظ ونصيب ّ‬


‫{رب العالمين} أي‪ :‬له باعتبار الجمع في صورة تفاصيل الربوبية {ال شريك له} في ذلك‬
‫جمعاً وتفصيالً {وبذلك أُمرت} أي‪ :‬أُمرت أن ال أرى غيره في عين الجمع وال في صورة التفاصيل حتى أعمل له كما‬
‫ط َغ ٰى} [النجم‪ ،‬اآلية‪ ]17 :‬فهو اآلخر والمأمور‪ ،‬والرائي والمرئي {وأنا ّأول‬
‫ص ُر َو َما َ‬
‫{ما َازغَ اْلَب َ‬
‫وصفني تعالى بقوله‪َ :‬‬
‫المسلمين} المنقادين للفناء فيه بإسالم وجهي له باعتبار الرتبة في تفاصيل الذات وإال فال أول وال آخر وال مسلم وال‬
‫كافر‪.‬‬

‫{قل أغير هللا} الذي هذا شأنه {أبغي رّباً} فأطلب مستحيالً أو غير الذات الشامل لجميع الصفات الذي هو الكل من‬
‫رب كل شيء} وما سواه باعتبار تفاصيل صفاته مربوب {وال‬‫حيث هو كل أبغي متعينا فيكون مربوباً ال رّباً {وهو ّ‬
‫تكسب كل نفس} شيئاً {إالّ} هو وبال {عليها} إذ كسب النفس شرك في أفعاله تعالى‪ ،‬وكل من أشرك فوباله عليه‬

‫باحتجابه {وال تزر وازرة ِوْزر أخرى} لرسوخ هيئة وزرها فيها ولزومه إياها تحتجب هي به‪ ،‬فكيف ّ‬
‫يتعدى إلى غيرها‪.‬‬

‫{وهو الذي جعلكم خالئف} في أرضه بإظهار كماالته في مظاهركم ليمكنكم إنفاذ أمره {ورفع بعضكم فوق بعض‬
‫درجات} في مظهرية كماالته على تفاوت درجات االستعدادات‪{ ،‬ليبلوكم فيما آتاكم} من كماالته بحسب االستعدادات‬
‫من يقوم بحقوق ما ظهر منها عليه ومن ال يقوم‪ ،‬ومن يقوم بحقي في سلوك طريقها حتى يظهرها هللا بإخفاء صفات‬
‫مؤدياً ألمانات هللا ومن ال يقوم فيكون خائناً وتظهر عليكم أعمالكم بحسبها فيترتب عليها الجزاء معاً‪ ،‬إما‬
‫نفسه فيكون ّ‬
‫بمثوبة االحتجاب حالة التقصير فيكون رّبك سريع العقاب‪ ،‬وإما بمثوبة البروز واالنكشاف فيكون غفو اًر يستر أفعالكم‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وصفات نفوسكم الساترة الحاجبة لتلك الصفات اإللهية والكماالت الربانية‪ ،‬رحيماً يرحمكم بإظهارها عليكم‪ ،‬وهللا أعلم‬
‫بحقائق األمور ‪.‬‬

‫سورة األعراف (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)7‬‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ُنزَل ِإَل ْي ُك ْم ِّمن َّرّب ُ‬
‫ِك ْم‬ ‫ك َح َرٌج ّم ْن ُه لتُنذ َر ِبه َوِذ ْك َر ٰى لْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين * اتَِّب ُعوْا َمآ أ ِ‬ ‫ص ْد ِر َ‬
‫ِ‬ ‫اب أ ِ ِ‬
‫ُنزَل إَل ْي َك َفالَ َي ُك ْن في َ‬
‫ِ‬
‫المص * كتَ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫والَ تَتَِّبعوْا ِمن ُدوِن ِه أَولِي ِ‬
‫ان‬‫ْسَنا َبَياتاً أ َْو ُه ْم َقآئُلو َن * َف َما َك َ‬
‫آء َها َبأ ُ‬‫اها َف َج َ‬ ‫آء َقليالً َّما تَ َذ َّك ُرو َن * َوَكم ّمن َق ْرَية أ ْ‬
‫َهَل ْكَن َ‬ ‫ََْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ص َّن َعَل ْي ِهم‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫دعواهم ِإ ْذ جآءهم بأْسنآ ِإالَّ أَن َقالُوْا ِإَّنا ُكَّنا َ ِ ِ‬
‫ين أ ُْرِس َل ِإَل ْي ِه ْم َوَلَن ْسأََل َّن اْل ُم ْرَسل َ‬
‫ين * َفَلَنُق َّ‬ ‫ين * َفَلَن ْسأََل َّن الذ َ‬
‫ظالم َ‬ ‫َ َ ُْ َ ُ َ‬ ‫َ َْ ُْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِبعْل ٍم َو َما ُكَّنا َغآئِب َ‬
‫ين‬

‫إليك} ‪ -‬إلى قوله ‪{ -‬ذكرى للمؤمنين} (ا) إشارة إلى الذات األحدية‪ ،‬و (ل) إلى الذات مع صفة‬
‫{المص كتاب أُنزل َ‬
‫مر‪ ،‬و (م) إلى التميمة الجامعة التي هي معنى محمد‪ ،‬أي‪ :‬نفسه وحقيقته‪ ،‬و (ص) إلى الصورة المحمدية‬‫العلم كما ّ‬
‫التي هي جسده وظاهره‪.‬‬

‫وعن ابن عباس‪ ،‬أنه قال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬جبل بمكة كان عليه عرش الرحمن حين ال ليل وال نهار"‪ ،‬أشار‬
‫بالجبل إلى جسد محمد‪ ،‬وبعرش الرحمن إلى قلبه‪ .‬كما ورد في الحديث‪" :‬قلب المؤمن عرش هللا"‪ .‬وجاء‪" :‬ال يسعني‬
‫أرضي وال سمائي‪ ،‬ويسعني قلب عبدي المؤمن"‪ .‬وقوله‪" :‬حين ال ليل وال نهار" إشارة منه إلى الوحدة‪ ،‬ألن القلب إذا‬
‫وقع في ظل أرض النفس واحتجب بظلمة صفاتها كان في الليل‪ ،‬وإذا طلع عليه نور شمس الروح واستضاء بضوئه‬
‫كان في النهار‪ ،‬وإذا وصل إلى الوحدة الحقيقية بالمعرفة والشهود الذاتي واستوى عنده النور والظلمة كان وقته ال ليالً‬
‫وال نها اًر‪ ،‬وال يكون عرش الرحمن إال في هذا الوقت‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الكل من أوله إلى آخره {كتاب أ ُْن ِزل إليك} أي‪ :‬أنزل إليك علمه {فال يكن في صدرك حرج‬
‫إن وجود ّ‬
‫فمعنى اآلية‪ّ :‬‬
‫منه} أي‪ :‬ضيق من حمله‪ ،‬فال يسعه لعظمته فيتالشى بالفناء في الوحدة واالستغراق في عين الجمع والذهول عن‬
‫التفصيل‪ ،‬إذ كان عليه السالم في مقام الفناء محجوباً بالحق عن الخلق كلما رد عليه الوجود‪ ،‬وحجب عنه الشهود‬
‫الذاتي وظهر عليه بالتفصيل‪ ،‬ضاق عنه وعاؤه وارتكب عليه وزر وثقل‪ ،‬ولهذا خوطب بقوله تعالى‪{ :‬أََل ْم َن ْش َرْح َل َك‬
‫ك} [الشرح‪ ،‬اآليات‪ ]2-1:‬بالوجود الموهوب الحقاني‪ ،‬واالستقامة في البقاء بعد الفناء‬ ‫نك ِوْزَر َ‬
‫ض ْعَنا َع َ‬
‫ك َوَو َ‬
‫ص ْد َر َ‬
‫َ‬
‫بالتمكين ليسع صدرك الجمع والتفصيل والحق والخلق‪ ،‬فلم يبق عليك وزر في عين الجمع وال حجاب بأحدهما عن‬
‫اآلخر {لتُْنذر به} وتذكر تذكي اًر {للمؤمنين} باإليمان الغيبي‪ ،‬أي‪ :‬ال يضق صدرك منه ليمكنك اإلنذار والتذكير‪ ،‬إذ لو‬
‫ضاق لبقي في حال الفناء‪ ،‬ال يرى إال الحق في الوجود وينظر إلى الحق بنظر العدم المحض فكيف ينذر ويذكر‬
‫ويأمر وينهى‪ .‬على تقدير القسم‪ .‬فمعناه بالكل من ّأوله إلى آخره‪ ،‬أو باسم هللا األعظم إذ (ص) حامل العرش والعرش‬
‫يسع الذات والصفات والمجموع هو االسم األعظم‪ ،‬لهو كتاب أُنزل إليك علمه‪ ،‬أو‪ :‬لهذا القرآن كتاب أنزل إليك‪.‬‬

‫سورة األعراف (من اآلية ‪ 8‬الى اآلية ‪)9‬‬

‫ظلِ ُمو َن * َواْل َوْزُن َي ْو َمِئ ٍذ اْل َح ُّق َف َمن ثَُقَل ْت َمَو ِاز ُين ُه‬
‫ين َخ ِس ُروْا أ َْنُف َس ُهم ِب َما َك ُانوْا ِب َآي ِاتَنا ِي ْ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫َو َم ْن َخَّف ْت َم َو ِاز ُين ُه َفأ ُْوَلـئ َك الذ َ‬
‫َفأ ُْوَلـِٰئ َك ُهم اْل ُمْفلِ ُحو َن‬
‫ُ‬

‫{والوزن يومئذ الحق} الوزن هو االعتبار‪ ،‬أي‪ :‬اعتبار األعمال حين قامت القيامة الصغرى‪ .‬هو الحق‪ ،‬أي‪ :‬العدل أو‬
‫{فأولئك هم‬
‫َ‬ ‫الثابت أو الوزن العدل يومئذ‪{ .‬فمن ثُقلت موازينه} أي‪ :‬رجحت موزوناته بأن كانت باقيات صالحات‬
‫المْفلحون} الفائزون بصفات الفطرة‪ ،‬ونعيم جنة الصفات في مقام القلب {ومن خّفت موازينه} موزوناته بأن كانت من‬
‫ُ‬
‫المحسوسات الفانية {فأولئك الذين خسروا أنفسهم} ببيعها باللذات العاجلة السريعة الزوال وإفنائها في دار الفناء مع‬
‫كونها بضاعة البقاء‪ .‬واعلم أن لسان ميزان الحق هو صفة العدل وإحدى كّفتيه هو عالم الحس‪ ،‬والكّفة األخرى هو‬
‫عالم العقل فمن كانت مكاسبه من المعقوالت الباقية واألخالق الفاضلة واألعمال الخيرية المقرونة بالنيات الصادقة‪،‬‬
‫ثقلت أي‪ :‬كانت ذات قدر ووزن‪ ،‬إذ ال قدر أرجح من البقاء الدائم‪ .‬ومن كانت مقتنياته من المحسوسات الفانية‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫واللذات الزائلة والشهوات الفاسدة واألخالق الرديئة والشرور المردية‪ ،‬خفت أي‪ :‬ال قدر لها وال اعتداد بها‪ ،‬وال خفة‬
‫أخف من الفناء‪ ،‬فخسرانهم هو أنهم أضاعوا استعدادهم األصلي في طلب الحطام الدنيوي وتحصيل المآرب النفسانية‬
‫ّ‬
‫بسبب ظهورهم بصفات أنفسهم وظلمهم بصفات هللا تعالى بالتكذيب بها‪ ،‬أي‪ :‬بإخفائها بصفات أنفسهم‪.‬‬

‫سورة األعراف (من اآلية ‪ 10‬الى اآلية ‪)18‬‬

‫الئ َك ِة‬
‫اكم ثُ َّم ُقْلنا لِْلم ِ‬
‫َ َ‬ ‫صَّوْرَن ُ ْ‬ ‫ش َقلِيالً َّما تَ ْش ُك ُرو َن * َوَلَق ْد َخَلْقَن ُ‬
‫اك ْم ثُ َّم َ‬ ‫يها َم َعا ِي َ‬ ‫ِ‬
‫ض َو َج َعْلَنا َل ُك ْم ف َ‬ ‫اكم ِفي األ َْر ِ‬ ‫َّ‬
‫َوَلَق ْد َمكَّن ُ ْ‬
‫ال أََن ْا َخ ْيٌر ِّم ْن ُه َخَلْقتَِني‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫الس ِ ِ‬‫يس َل ْم َي ُك ْن ِّم َن َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫َم ْرتُ َك َق َ‬‫ال َما َمَن َع َك أَال تَ ْس ُج َد إ ْذ أ َ‬ ‫ين * َق َ‬ ‫اجد َ‬ ‫اس ُج ُدوْا أل ََد َم َف َس َج ُدوْا ِإال ِإْبل َ‬
‫ْ‬
‫َنظ ْ ِرني‬‫اغ ِرين * َقال أ ِ‬ ‫اخرج ِإَّنك ِمن ا َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين * َقال َفاهِب ْ ِ‬ ‫ِمن َّن ٍار و َخَلْقتَ ُه ِمن ِط ٍ‬
‫َ‬ ‫لص َ‬ ‫يها َف ْ ُ ْ َ َ‬ ‫ط م ْن َها َف َما َي ُكو ُن َل َك أَن تَتَ َكب ََّر ف َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم * ثُ َّم آلتَيَّن ُه ْم ّمن َب ْي ِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ط َك اْل ُم ْستَق َ‬‫َغ َوْيتَني ألَْق ُع َد َّن َل ُه ْم ص َار َ‬‫ال َفب َمآ أ ْ‬
‫ين * َق َ‬ ‫ظ ِر َ‬ ‫ال إَّن َك م َن ُ‬
‫المن َ‬ ‫إَلى َي ْو ِم ُي ْب َعثُو َن * َق َ‬
‫اخ ُرْج ِم ْن َها َم ْذ ُءوماً َّم ْد ُحو اًر َّل َمن تَِب َع َك‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ْ‬ ‫أ َْيدي ِه ْم َو ِم ْن َخْلف ِه ْم َو َع ْن أ َْي َمان ِه ْم َو َعن َش َمآئل ِه ْم َوالَ تَ ِج ُد أَ ْكثَ َرُه ْم َشاك ِر َ‬
‫ين * َق َ‬
‫نكم أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِم ْن ُه ْم أل َْمأل َّ‬
‫ين‬
‫َج َمع َ‬ ‫َن َج َهَّن َم م ُ ْ ْ‬

‫القوة الوهمية من ألطف أجزاء الروح الحيوانية التي تحدث في القلب من‬
‫{خلقتني من نار وخلقته من طين} خلقت ّ‬
‫سماها نا اًر‪ .‬والح اررة توجب‬
‫أحر ما في البدن فلذلك ّ‬
‫بخارية األخالط ولطافتها وترتقي إلى الدماغ‪ ،‬وتلك الروح هي ّ‬
‫مر أن كل قوة ملكوتية تطلع على خواص ما تحتها دون ما فوقها وعلى الكماالت البدنية‬ ‫الترفع‪ ،‬وقد ّ‬
‫الصعود و ّ‬
‫وخواصها وكماالت الروح الحيوانية وخواصها‪ ،‬واحتجابها عن الكماالت اإلنسانية الروحانية والقلبية هو صورة إنكارها‬
‫المجردات واالمتناع عن قبول حكم العقل‬
‫وعلة إبائها واستكبارها‪ ،‬وتعديها عن طورها بالحكم في المعاني المعقولة و ّ‬
‫هو صورة إبائها عن السجود‪.‬‬

‫{فما يكون لك أن تتكبر فيها} إذ التكبر‪ ،‬وهو التظاهر بما ليس فيه من الفضيلة من صفات النفس‪ ،‬فال يليق بالحضرة‬
‫الروحانية التي تزعم أنك من أهلها بالترفع على العقل‪{ ،‬فأخرج}‪ ،‬فلست من أهلها الذين هم األعزة {إنك من‬
‫الصاغرين} من القوى النفسانية المالزمة للجهة السفلية الدائمة الهوان بمالزمة األبدان {إلى يوم يبعثون} من قبور‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫األبدان وأجداث صفات النفس بعد الموت اإلرادي في القيامة الوسطى بحياة القلب وخالص الفطرة من حجب النشأة‪،‬‬
‫أو يبعثون بعد الفناء في الوحدة في القيامة الكبرى بالوجود الموهوب الحقاني والحياة الحقيقية‪ ،‬والمبعوث األول هو‬
‫المخلِص بكسر الالم‪ ،‬والثاني هو المخَلص بالفتح وال سبيل إلبليس إلى إغوائهما {فبما أغويتني} إقسام وإبليس‬

‫محجوب عن الذات األحدية دون الصفات واألفعال‪ ،‬فشهوده لألفعال وتعظيمه لها إقسام بها كما أقسم ّ‬
‫بعزته في قوله‪:‬‬
‫ُغ ِويَّنهم أ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين} [ص‪ ،‬اآلية‪.]82 :‬‬ ‫{ َفِبعَّزِت َك أل ْ َ ُ ْ ْ‬
‫َج َمع َ‬

‫أمنعنهم عن سلوكها بأن أشغلهم بما سواك‪،‬‬


‫أعترضن لهم في طريق التوحيد الذاتي و ّ‬
‫ّ‬ ‫{ألقعدن لهم صراطك} أي‪:‬‬
‫ّ‬
‫الحسية‬
‫ّ‬ ‫العدو في الشاهد ألن إتيانه من أسفل‪ ،‬أي‪ :‬من جهة األحكام‬
‫وآلتينهم من الجهات األربع التي يأتي منها ّ‬
‫والتدابير الجزئية من باب المصالح الدنيوية غير موجب للضاللة‪ ،‬بل قد ينتفع به في العلوم الطبيعية والرياضية وبه‬
‫َكُلوْا ِمن َف ْوِق ِه ْم َو ِمن تَ ْح ِت أ َْر ُجِل ِهم} [المائدة‪ ،‬اآلية‪ .]66 :‬وإتيانه من‬
‫مر في تأويل قوله‪{ :‬أل َ‬
‫يستعين العقل فيها كما ّ‬
‫فوق غير ممكن له إذ الجهة العلوية هي التي تلي الروح ويرد منها اإللهامات الحّقة واإللقاءات الملكية وتفيض‬
‫ويغره بأن‬
‫يؤمنه من مكر هللا ّ‬
‫المعارف والحقائق الروحية فبقيت الجهات األربع مواقع وساوسه‪ .‬أما من بين يديه فبأن ّ‬
‫يخوفه من الفقر وضيعة األوالد من خلفه‬
‫هللا غفور رحيم فال يخاف فيثبطه عن الطاعات‪ .‬وأما من خلفه فبأن ّ‬
‫فيحرضه على الجمع واالدخار لهم ولنفسه في المستقبل عند تأميله طول العمر‪ .‬وأما من جهة اليمين‪ ،‬فبأن ّيزين‬
‫عليه فضائله ويعجبه بفضله وعلمه وطاعته ويحجبه عن هللا برؤية تفضيله‪ .‬وأما عن شماله فبأن يحمله على‬
‫المعاصي والمقابح ويدعوه إلى الشهوات واللذات‪{ .‬وال تجد أكثرهم شاكرين} مستعملين لقواهم وجوارحهم وما أنعم هللا به‬
‫التقرب إلى هللا‪.‬‬
‫عليهم في طريق الطاعة و ّ‬

‫األبدي‬
‫ّ‬ ‫{لمن تبعك منهم ألمألن جهنم} الطبيعة التي هي أسفل مراتب الوجود {منكم أجمعين} محجوبين عن ل ّذة النعيم‬
‫وذوق البقاء السرمدي والكماالت الروحانية والكماالت الحقانية معذبين بنيران الحرمان عن المراد في انقالبات عالم‬
‫التضاد وتقلبات الكون والفساد‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األعراف (من اآلية ‪ 19‬الى اآلية ‪)23‬‬

‫َّ ِ ِ‬ ‫الشجرة َفتَ ُك ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ين * َفَو ْسَو َس َل ُه َما‬ ‫ونا م َن الظالم َ‬ ‫َ‬ ‫َنت َوَزْو ُج َك اْل َجَّن َة َف ُكالَ م ْن َح ْي ُث ش ْئتُ َما َوالَ تَْق َرَبا َهـٰذه َّ َ َ َ‬
‫اس ُك ْن أ َ‬ ‫آء َاد ُم ْ‬
‫وي َ‬‫َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ونا‬ ‫الش َج َرِة ِإال أَن تَ ُك َ‬
‫ونا َمَل َك ْي ِن أ َْو تَ ُك َ‬ ‫ُّكما َع ْن َهـٰذه َّ‬
‫اك َما َرب ُ َ‬
‫ال َما َن َه ُ‬ ‫ِ‬
‫ِي َع ْن ُه َما من َس ْوَءاته َما َوَق َ‬ ‫ان لُي ْبد َي َل ُه َما َما ُوور َ‬
‫طُ‬ ‫َّ‬
‫الش ْي َ‬
‫طِفَقا‬ ‫ور َفَل َّما َذا َقا َّ‬
‫الش َج َرَة َب َد ْت َل ُه َما َس ْوَءاتُ ُه َما َو َ‬ ‫ين * َف َدالَّ ُه َما ِب ُغ ُر ٍ‬ ‫ِمن اْل َخالِ ِدين * وَقاسمهمآ ِإِّني َل ُكما َل ِمن َّ ِ ِ‬
‫الناصح َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ََُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الش َج َرِة وأَُقل َّل ُكمآ ِإ َّن َّ‬ ‫اهما َربُّهمآ أََلم أ َْنه ُكما َعن ِتْل ُكما َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِق‬ ‫ِ ِ‬ ‫ي ْخ ِ‬
‫آن َل ُك َما َع ُدٌو ُّمِب ٌ‬
‫ين‬ ‫طَ‬ ‫الش ْي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ان َعَل ْيه َما من َوَر اْل َجَّنة َوَن َاد ُ َ ُ َ ْ َ َ‬ ‫صَف ِ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون َّن م َن اْل َخاس ِر َ‬
‫ين‬ ‫َنف َسَنا َوإِن َّل ْم تَ ْغِف ْر َلَنا َوتَ ْر َح ْمَنا َلَن ُك َ‬
‫ظَل ْمَنآ أ ُ‬
‫* َقاالَ َربََّنا َ‬

‫التجرد من‬
‫ّ‬ ‫{ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما} أي‪ :‬ليظهر عليهما بالميل إلى الطبيعة ما حجب عنهما عند‬
‫األمور الطبيعية واللذات البدنية والرذائل الخلقية واألفعال الحيوانية والصفات السبعية والبهيمية التي يستحيي اإلنسان‬
‫من إظهارها ويستهجن إفشاءها وتحمله المروءة على إخفائها لكونها عورات عند العقل يأنف منها ويستقبحها {وقال ما‬
‫نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إال أن تكونا ملكين} أي‪ :‬أوهمهما أن في االتصال بالطبيعة الجسمانية والمادة الهيوالنية‬
‫لذات ملكية وإدراكات وأفعاالً وخلوداً فيها أو ملكاً ورياسة على القوى وسائر الحيوانات دائماً بغير زوال إن قرئ ملكين‬
‫بكسر الالم كما قال‪{ :‬أ َُدُّل َك َعَل ٰى َش َج َرِة اْل ُخْل ِد َو ُمْل ٍك الَّ َيْبَل ٰى} [طه‪ ،‬اآلية‪ .]120 :‬وزّين لها من المصالح الجزئية‬
‫الحسية التي ال تنال إال باآلالت البدنية في صورة الناصح األمين ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫والزخارف‬

‫غرهما من التزيي بزي الناصحين وإفادة توهم دوام اللذات‬ ‫{فدالهما} أي‪ :‬فنزلهما إلى التعلق بها والسكون إليها بما ّ‬
‫صفان عليهما من ورق الجنة} أي‪:‬‬ ‫{وطفَقا ي ْخ ِ‬ ‫وسول لهما من المنافع البدنية والشهوات النفسية‬
‫َ َ‬ ‫البدنية والرياسة اإلنسية ّ‬
‫القوة العاقلة‬
‫يكتمان الغواشي الطبيعية باآلداب الحسنة والعادات الجميلة التي هي من تفاريع اآلراء العقلية ومستنبطات ّ‬
‫التجرد‬
‫ّ‬ ‫العملية ويخفيانها بالحيل العلمية {وناداهما رّبهما ألم ْأن َه ُكما} صورة النهي هو ما ركز في العقول من الميل إلى‬
‫عدو مبين} ما ألهم العقل من‬
‫وإدراك المعقوالت والتجافي عن المواد والمحسوسات وقوله لهما‪{ :‬إن الشيطان لكما ّ‬
‫ومضادة مدركاته والوقوف على مخالفاته ومكابراته إياه ونداؤه إياهما بذلك هو التنبيه على ذلك‬
‫ّ‬ ‫منافات أحكام الوهم‬
‫المعنى على سبيل الخاطر والتذكير له بعد التعلق واالنغمار في اللذات الطبيعية عند البلوغ وظهور أنواع العقل والفهم‬
‫عليهما‪.‬‬

‫وقولهما‪{ :‬ربنا ظلمنا أنفسنا} هو لتنبه النفس الناطقة على نقصانها من جهة الطبيعة وانطفاء نورها وانكسار قوتها‬
‫بالتجرد {وإن لم تغفر لنا} بإلباسنا األنوار الروحانية وإفاضتها مشرقة علينا‬
‫ّ‬ ‫وحصول الداعي فيها على طلب الكمال‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{لنكونن من} الذين أتلفوا االستعداد األصلي الذي هو مادة السعادة والبقاء‬
‫ّ‬ ‫{وترحمنا} بإفاضة المعارف الحقيقية‬
‫التجردي بمالزمة النقص الطبيعي‪.‬‬‫ّ‬ ‫بصرفها في دار الفناء‪ ،‬وحرموا عن الكمال‬

‫سورة األعراف (من اآلية ‪ 24‬الى اآلية ‪)28‬‬

‫يها تَ ْحَي ْو َن َوِفي َها تَ ُموتُو َن َو ِم ْن َها‬ ‫ين * َق ِ‬ ‫ض َع ُدٌّو وَل ُكم ِفي األ َْر ِ‬
‫ض ُم ْستََقٌّر َو َمتَاعٌ ِإَل ٰى ِح ٍ‬ ‫ض ُكم لَِب ْع ٍ‬ ‫اهِب ُ‬
‫ال ف َ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫طوْا َب ْع ُ ْ‬ ‫ال ْ‬
‫َق َ‬
‫َّللاِ َل َعَّل ُه ْم‬ ‫َنزلنا عَلي ُكم لِباساً يوارِي سوء ِات ُكم وِريشاً ولِباس التَّْقو ٰى ٰذلِك خير ٰذلِك ِمن آي ِ‬
‫ات َّ‬ ‫َ َ ٌْ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫ََْ ْ َ‬
‫ِٰ‬
‫تُ ْخ َر ُجو َن * َيَبني َء َاد َم َق ْد أ َ ْ َ َ ْ ْ َ ُ َ‬
‫اس ُه َما لُِي ِرَي ُه َما َس ْوَء ِات ِه َمآ ِإَّن ُه َي َر ُ‬
‫اك ْم‬ ‫ِ‬ ‫َخ َرَج أََب َوْي ُك ْم ِّم َن اْل َجَّن ِة َي ِ‬ ‫َي َّذ َّك ُرو َن * َي َابِني ء َادم الَ َيْفِتَنَّن ُكم َّ‬
‫نزعُ َع ْن ُه َما لَب َ‬ ‫ان َك َمآ أ ْ‬
‫طُ‬ ‫الش ْي َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫اح َش ًة َقاُلوْا َو َج ْدَنا َعَل ْي َهآ‬ ‫اطين أَولِيآء لَِّل ِذين الَ يؤ ِمُنو َن * وِإ َذا َفعُلوْا َف ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ُه َو َوَقبيُل ُه م ْن َح ْي ُث الَ تَ َرْوَن ُه ْم إنا َج َعْلَنا الشَي َ ْ َ َ‬
‫َّللاِ َما الَ تَ ْعَل ُمو َن‬‫ْم ُر ِباْلَف ْح َش ِآء أَتَُقوُلو َن َعَلى َّ‬ ‫َم َرَنا ِب َها ُق ْل ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ الَ َيأ ُ‬ ‫َّللاُ أ َ‬
‫اءَنا َو َّ‬
‫َآب َ‬

‫{لباساً يواري سوآتكم} أي‪ :‬شريعة تستر قبائح أوصافكم وفواحش أفعالكم {وريشاً} أي‪ :‬جماالً يبعدكم عن شبه األنعام‬
‫المهملة ويزينكم باألخالق الحسنة واألعمال الجميلة {ولباس التقوى} أي‪ :‬صفة الورع والحذر من صفة النفس {ذلك‬
‫خير} من جملة أركان الشرائع ألنه أصل الدين وأساسه كالحمية في العالج {ذلك من آيات هللا} أي‪ :‬من أنوار‬
‫صفاته‪ ،‬إذ االجتناب عن صفات النفس ال يحصل وال يتيسر إال بظهور تجليات صفات الحق‪ .‬وإلى هذا أشار القوم‬
‫ويعوضه أحسن منه من جنسه {لعلكم تذكرون} عند ظهور تجليات‬ ‫يتصرف في شيء من العبد إال ّ‬ ‫ّ‬ ‫بقولهم‪ :‬إن هللا ال‬
‫لباسكم النوري األصلي أو جوار الحق الذي كنتم تسكنون فيه بهداية أنوار الصفات {ال يفتنكم الشيطان} عن دخول‬
‫الجنة ومالزمتها بنزع لباس الشريعة والتقوى عنكم {كما أخرج أبويكم} منها بنزع اللباس الفطري النوري‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األعراف (من اآلية ‪ 29‬الى اآلية ‪)30‬‬

‫صين َله ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬


‫ودو َن * َف ِريقاً َه َد ٰى‬
‫ين َك َما َب َدأَ ُك ْم تَ ُع ُ‬ ‫وه ُك ْم ع َند ُك ِّل َم ْس ِجد َو ْاد ُعوهُ ُم ْخلِ ِ َ ُ ّ‬
‫الد َ‬ ‫يموْا ُو ُج َ‬‫َم َر َرّبِي باْلق ْسط َوأَق ُ‬ ‫ُق ْل أ َ‬
‫َّللاِ َوَي ْح َسُبو َن أََّن ُهم ُّم ْهتَُدو َن‬
‫ين أ َْولَِيآ َء ِمن ُدو ِن َّ‬ ‫الضالََل ُة ِإَّنهم اتَّخ ُذوا َّ ِ‬
‫الشَياط َ‬ ‫ُُ َ‬ ‫َوَف ِريقاً َح َّق َعَل ْي ِه ُم َّ‬

‫{قل أمر ربي بالقسط} أي‪ :‬العدالة واالستقامة {وأقيموا وجوهكم} ذواتكم الموجودة بمنعها عن الميل والزيغ إلى طرفي‬
‫اإلفراط والتفريط في العدالة‪ ،‬وعن التلوينات في االستقامة {عند كل مسجد} أي‪ :‬كل مقام سجود أو وقت سجود‪،‬‬
‫والسجود أربعة أقسام‪ :‬سجود االنقياد والطاعة وإقامة الوجه فيه باإلخالص‪ ،‬واالجتناب عن الرياء والنفاق في العمل‬
‫هلل‪ ،‬وااللتفات إلى الغير فيه‪ ،‬ومراعاة موافقة األمر مع صدق النية واالمتناع عن المخالفة في جميع األمور وهي‬
‫العدالة وسجود الفناء في األفعال وإقامة الوجه فيه بالقيام بحقه بحيث ال يرى هو مؤث اًر غير هللا وال يرى مؤث اًر من‬
‫نفسه وال من غيره‪ ،‬وسجود الفناء في الصفات‪ ،‬وإقامة الوجه عنده بالمحافظة على شرائطه بحيث ال يرى زينة ذاته‬
‫بها وال يريد وال يكره شيئاً من غير أن يميل إلى اإلفراط بترك األمر بالمعروف والنهي عن المنكر وال إلى التفريط‬
‫بالتسخط على المخالف وسجود الفناء في الذات‪ ،‬وإقامة الوجه عنده بالغيبة عن البقية‪ ،‬واالنطماس بالكلية واالمتناع‬
‫عن إثبات األنية واإلثنينية فال يطغى بحجاب األنائية وال يتزندق باإلباحة وترك الطاعة‪{ .‬و ْادعوه ُم ْخلِصين له الدين}‬
‫ف ي المقام األول بتخصيص العمل هلل به‪ ،‬وفي الثاني والثالث برؤية الدين والطاعة من هللا‪ ،‬وفي الرابع برؤيته باهلل‪،‬‬
‫فيكون هللا هو المتدين بدينه ليس لغيره فيه نصيب {كما بدأكم} بإظهاركم واختفائه {تعودون} بفنائكم فيه واختفائكم‬
‫ليظهر‪.‬‬

‫حق عليهم} كلمة {الضاللة} بسبب اتخاذهم شياطين القوى النفسانية الوهمية‬‫{فريقاً هدى} إليهم بهذا الطريق {وفريقاً ّ‬
‫والتخيلية {أولياء من دون هللا} لمناسبة ذواتهم في الظلمة والكدورة والبعد عن معدن النور إياهم‪ ،‬والجنسية التي بينهم‬

‫في الركون إلى الجهة السفلية‪ ،‬والميل إلى الزخارف الطبيعية {ويحسبون أنهم ُم ْهتَدون} ّ‬
‫ألن سلطان الوهم بالحسبان‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األعراف (من اآلية ‪ 31‬الى اآلية ‪)34‬‬

‫َّللاِ َّالِتي‬‫ين * ُق ْل َم ْن َحَّرَم ِز َين َة َّ‬ ‫ِ‬


‫اش َرُبوْا َوالَ تُ ْس ِرُفوْا ِإَّن ُه الَ ُيح ُّب اْل ُم ْس ِرِف َ‬
‫وكُلوْا َو ْ‬‫َي َابِني َء َاد َم ُخ ُذوْا ِز َينتَ ُك ْم ِع َند ُك ِّل َم ْس ِج ٍد ُ‬
‫ات لَِق ْو ٍم‬ ‫صل اآلي ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد ْنيا َخالِص ًة يوم اْلِقي ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َِّ ِ‬ ‫ات ِم َن ِّ‬ ‫طِيب ِ‬ ‫أ ْ ِ ِ ِ ِ َّ‬
‫امة َك َذل َك ُنَف ّ ُ َ‬ ‫َ َْ َ َ َ‬ ‫آمُنوْا في اْل َحَياة ُّ َ‬ ‫ين َ‬ ‫الرْز ِق ُق ْل هي للذ َ‬ ‫َخ َرَج لعَباده َواْل ّ َ‬
‫اَّللِ َما َل ْم ُيَنِّز ْل ِب ِه‬ ‫اإل ْث َم َواْلَب ْغي ِب َغ ْي ِر اْل َح ِّق َوأَن تُ ْش ِرُكوْا ِب َّ‬
‫ط َن و ِ‬ ‫ش ما َ ِ‬
‫ظ َه َر م ْن َها َو َما َب َ َ‬
‫ِ‬
‫ِي اْلَف َواح َ َ‬ ‫َي ْعَل ُمو َن * قل ِإَّنما حَّرم رب‬
‫َ‬ ‫ُ ْ َ َ َ َّ َ‬
‫اع ًة َوالَ َي ْستَْق ِد ُمو َن‬ ‫ِ‬
‫َجُل ُه ْم الَ َي ْستَ ْأخ ُرو َن َس َ‬ ‫ُم ٍة أ َ ِ‬ ‫َّللاِ َما الَ تَ ْعَل ُمو َن * َولِ ُك ِّل أ َّ‬
‫آء أ َ‬‫َج ٌل َفإ َذا َج َ‬ ‫طاناً َوأَن تَُقوُلوْا َعَلى َّ‬ ‫ُسْل َ‬

‫{خذوا زينتكم عند كل مسجد} أي‪ :‬الزموها وتمسكوا بها‪ ،‬فزينة المقام األول من السجود هي اإلخالص في العمل هلل‪،‬‬
‫وزينة المقام الثاني هي التوكل ومراعاة شرائطه‪ ،‬وزينة المقام الثالث هي القيام بحق الرضا‪ ،‬وزينة المقام الرابع هي‬
‫الحقية ومراعاة حقوق االستقامة وشرائطها {وكلوا و ْ‬
‫اش َربوا وال تسرفوا} بالمحافظة على‬ ‫ّ‬ ‫التمكين في التحقيق بالحقيقة‬
‫حرم زينة هللا التي أخرج لعباده} أي‪ :‬من منعهم من جنس هذه الزينة المذكورة المطلقة‬ ‫قانون العدالة فيها {قل من ّ‬
‫وقال إنه ال يمكنهم التزين بها واستحال ذلك منهم تمسكاً بأن هللا مانعهم‪{ .‬والطيبات} من رزق علوم اإلخالص وعلوم‬
‫مقام التوكل والرضا والتمكين {خالصة يوم القيامة} عن شوب التلوينات وظهور شيء من بقايا األفعال والصفات‬
‫والذات ‪.‬‬

‫القوة السبعية {وأن تشركوا} إلى آخره‪،‬‬


‫حرم ربي الفواحش} أي‪ :‬رذائل القوة البهيمية {واإلثم والبغي} أي‪ :‬رذائل ّ‬
‫{قل إنما ّ‬
‫القوة النطقية الملكية ألنها صفات نفسانية مانعة عن الزينة المذكورة التي هي الكماالت اإلنسانية مضادة‬
‫أي‪ :‬رذائل ّ‬
‫لها ‪.‬‬

‫سورة األعراف (من اآلية ‪ 35‬الى اآلية ‪)46‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َي َابِني َء َاد َم ِإ َّما َيأِْتَيَّن ُك ْم ُرُس ٌل ِّم ُ‬
‫ف َعَل ْي ِه ْم َوالَ ُه ْم َي ْح َزُنو َن * َوالذ َ‬
‫ين‬ ‫َصَل َح َفالَ َخ ْو ٌ‬ ‫َّ‬
‫صو َن َعَل ْي ُك ْم َآياتي َف َم ِن اتَق ٰى َوأ ْ‬ ‫نك ْم َيُق ُّ‬
‫َّللاِ َك ِذباً أ َْو َك َّذ َب ِب َآي ِات ِه‬
‫ظَل ُم ِم َّم ِن ا ْفتَ َر ٰى َعَلى َّ‬
‫يها َٰخلِ ُدو َن * َف َم ْن أَ ْ‬ ‫ِ‬
‫الن ِار ُه ْم ف َ‬ ‫َص َٰح ُب َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫َكذُبوْا ب َٰآيتَنا َو ْ‬
‫استَ ْكَب ُروْا َع ْن َهآ أ ُْوَلـٰئ َك أ ْ‬
‫ضُّلوْا َعَّنا‬ ‫اب حتَّى ِإ َذا جآء ْتهم رسُلنا يتوَّفونهم َقاُلوْا أَين ما ُكنتم تدعون ِمن دو ِن َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا َقاُلوْا َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ َ ُ ْ َْ ُ َ‬ ‫َ َ ُ ْ ُ ُ َ َ ََ ْ َ ُ ْ‬ ‫أ ُْوَلـٰئ َك َيَناُل ُه ْم َنص ُيب ُهم ّم َن اْلكتَ ِ َ ٰ‬
‫الن ِار ُكَّل َما‬
‫س ِفي َّ‬ ‫ين * َقال ْاد ُخُلوْا ِفي أُم ٍم َق ْد َخَل ْت ِمن َقْبلِ ُكم ِمن اْل ِج ِّن و ِ‬
‫اإل ْن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َش ِه ُدوْا َعَل ٰى أ َْنُفس ِه ْم أََّن ُه ْم َك ُانوْا َكاف ِر َ‬
‫َ‬ ‫ْ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض ْعفاً ِّم َن‬ ‫الء أَضُّلونا َف ِآت ِهم ع َذاباً ِ‬ ‫ُخراهم ألُوالَهم ربَّنا هـٰؤ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُم ٌة َّل َعَن ْت أ ْ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُْ َ َ َ ُ‬ ‫يها َجميعاً َقاَل ْت أ ْ َ ُ ْ‬ ‫ُختَ َها َحتَّ ٰى إ َذا َّاد َارُكوْا ف َ‬ ‫َد َخَل ْت أ َّ‬
‫اب ِب َما ُكنتُ ْم‬ ‫ان َل ُكم َعَليَنا ِمن َف ْ ٍ‬ ‫ف َوَلـ ِٰكن الَّ تَ ْعَل ُمو َن * َوَقاَل ْت أُوالَ ُه ْم أل ْ‬ ‫ِ‬
‫ال ل ُك ٍّل ض ْع ٌ‬
‫الن ِار َق ِ‬ ‫َّ‬
‫ضل َف ُذوُقوْا اْل َع َذ َ‬ ‫اه ْم َف َما َك َ ْ ْ‬ ‫ُخ َر ُ‬ ‫َ‬
‫الس َم ِآء َوالَ َي ْد ُخُلو َن اْل َجَّن َة َحتَّ ٰى َيلِ َج اْل َج َم ُل ِفي َس ِّم‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َع ْن َها الَ تَُفتَّ ُح َل ُه ْم أ َْب َو ُ‬
‫اب َّ‬ ‫ين َكذُبوْا ب َٰآيتَنا َو ْ‬
‫استَ ْكَب ُروْا‬ ‫تَ ْكسُبو َن * ِإ َّن الذ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫جهَّنم ِمه ٌاد و ِمن َفوِق ِهم َغو ٍ ٰ ِ‬ ‫ين * َل ُه ْم ِّمن‬ ‫ِ ِ ِٰ‬
‫آمُنوْا‬
‫ين َ‬ ‫ين * َوالذ َ‬ ‫اش َوَكذل َك َن ْجزِي الظالم َ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫ََ َ َ َ‬ ‫اْلخَياط َوَكذل َك َن ْجزِي اْل ُم ْج ِرِم َ‬
‫ورِهم ِّم ْن ِغ ٍّل‬ ‫ص ُد ِ‬ ‫ِ‬ ‫يها َخالِ ُدو َن * َوَن َز ْعَنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫وع ِمُلوْا َّ ِ ِ‬
‫َما في ُ‬ ‫اب اْل َجَّنة ُه ْم ف َ‬ ‫َص َح ُ‬ ‫ف َنْفساً إال ُو ْس َع َها أ ُْوَلـٰئ َك أ ْ‬ ‫الصال َحات الَ ُن َكّل ُ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آء ْت ُرُس ُل َرّبَِنا ِباْل َح ِّق‬
‫َج َ‬ ‫َّللاُ َلَق ْد‬ ‫تَ ْجرِي من تَ ْحت ِه ُم األ َْن َٰه ُر َوَقاُلوْا اْل َح ْم ُد ََّّلل الذي َه َد َانا لِ َهـٰ َذا َو َما ُكَّنا لَِن ْهتَد َي َل ْوال أ ْ‬
‫َن َه َد َانا َّ‬
‫النا ِر أَن َق ْد َو َج ْدَنا َما َو َع َدَنا َربَُّنا‬
‫اب َّ‬ ‫ِ‬ ‫ُورْثتُم َ ِ‬ ‫ِ‬
‫َص َح َ‬‫اب اْل َجَّنة أ ْ‬
‫َص َح ُ‬‫وها ب َما ُكنتُ ْم تَ ْع َمُلو َن * َوَن َادى أ ْ‬ ‫َّ ِ‬
‫ودوْا أَن تْل ُك ُم اْل َجن ُة أ ُ‬ ‫َوُن ُ‬
‫ين يصُّدو َن َعن سِب ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ُّكم حّقاً َقاُلوْا نعم َفأ ََّذن مؤِّذن بينهم أَن َّلعن ُة َّ ِ‬
‫يل‬ ‫َ‬ ‫َّللا َعَلى الظالمي َن * الذ َ َ ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ ْ َ ُ َ ٌ ََْ ُ ْ‬ ‫َحّقاً َف َه ْل َو َجدتُّم َّما َو َع َد َرب ُ ْ َ‬
‫ًّ ِ ِ‬ ‫اآلخرِة َك ِافرو َن * وبينهما ِحجاب وعَلى األ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اب‬
‫َص َح َ‬ ‫اه ْم َوَن َاد ْوْا أ ْ‬ ‫ال َي ْع ِرُفو َن ُكال بس َ‬
‫يم ُ‬ ‫َع َراف ِرَج ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ ََْ ُ َ َ ٌ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ون َها ع َوجاً َو ُه ْم ِب َ‬ ‫َّللا َوَي ْب ُغ َ‬
‫ِ‬
‫ط َم ُعو َن‬ ‫اْل َجَّنة أَن َسالَ ٌم َعَل ْي ُك ْم َل ْم َي ْد ُخُل َ‬
‫وها َو ُه ْم َي ْ‬

‫{فمن اتقى وأصلح} أي‪ :‬اتقى البقية في الفناء وأصلح باالستقامة عند البقاء {فال خوف عليهم وال هم يحزنون} لكونهم‬
‫في مقام الوالية‪.‬‬

‫{والذين ك ّذبوا بآياتنا} أي‪ :‬أخفوا صفاتنا بصفات أنفسهم {واستكبروا عنها} بالشيطنة {أولئك أصحاب} نار الحرمان‬
‫{وبينهما حجاب} أي‪ :‬بين أصحاب الجنة وبين أصحاب النار حجاب به كل منهم محجوب عن صاحبه‪ .‬والمراد‬
‫بأصحاب الجنة ههنا‪ :‬أهل ثواب األعمال من األبرار والزهاد والعباد الذين جنتهم جنة النفوس‪ ،‬وإال فأهل جنة القلوب‬
‫واألرواح ال يحجبون عن أصحاب النار {وعلى األعراف} أي‪ :‬على أعالي ذلك الحجاب الذي هو حجاب القلب الفارق‬
‫بين الفريقين هؤالء عن يمينه وهؤالء عن شماله {رجال} هم العرفاء أهل هللا وخاصته {يعرفون كالًّ} من الفريقين‬
‫{بسيماهم} يسلمون على أهل الجنة بإمداد أسباب التزكية والتحلية واألنوار القلبية وإفاضة الخيرات والبركات عليهم‪ ،‬لم‬
‫لتجردهم عن مالبس صفات النفوس وطيباتها وترقيهم عن طورهم فال يشغلهم عن الشهود الذاتي‬
‫يدخلوا الجنة ّ‬
‫ومطالعة التجلي الصفاتي نعيم {وهم} أي‪ :‬أصحاب الجنة {يطمعون} في دخولهم ليقتبسوا من نورهم ويستضيئوا بأشعة‬
‫وجوههم‪ ،‬ويستأنسوا بحضورهم ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األعراف (من اآلية ‪ 47‬الى اآلية ‪)53‬‬

‫اف ِرَجاالً‬ ‫الظالِ ِمين * وناد ٰى أَصحاب األَعر ِ‬


‫ََ َ‬
‫اْلَقو ِم َّ‬ ‫الن ِار َقاُلوْا َربََّنا الَ تَ ْج َعْلَنا َم َع‬ ‫اب َّ‬‫وإِ َذا ص ِرَف ْت أ َْبصارُهم ِتْلَقآء أَصح ِ‬
‫َْ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ْ َ ْ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ٍ‬
‫َّللاُ ِب َر ْح َمة ْاد ُخُلوْا‬ ‫ِ‬ ‫* أ ِ َّ‬ ‫نك ْم َج ْم ُع ُك ْم َو َما ُك ْنتُ ْم تَ ْستَ ْكِب ُرو َن‬ ‫ِِ‬
‫ين أَ ْق َس ْمتُ ْم الَ َيَناُل ُه ُم َّ‬
‫َه ُـؤالء الذ َ‬
‫َ‬ ‫َغَن ٰى َع ُ‬
‫اه ْم َقاُلوْا َمآ أ ْ‬
‫يم ُ‬ ‫َي ْع ِرُف َ‬
‫ون ُه ْم بس َ‬
‫يضوْا َعَل ْيَنا ِم َن اْل َم ِآء أ َْو ِم َّما‬ ‫الن ِار أَصحاب اْلجَّن ِة أ ِ‬ ‫اب َّ‬
‫َن أَف ُ‬ ‫ْ َ َ َ ْ‬ ‫َص َح ُ‬‫ف َعَل ْي ُك ْم َوالَ أَنتُ ْم تَ ْح َزُنو َن * َوَن َاد ٰى أ ْ‬‫اْل َجَّن َة الَ َخ ْو ٌ‬
‫نسـ ُٰه ْم َك َما‬ ‫ين اتَّ َخ ُذوْا ِد َين ُه ْم َل ْهواً َوَل ِعباً َو َغَّرْت ُهم اْل َح َٰيوةُ ُّ‬
‫الد ْنَيا َفاْلَي ْوَم َن َ‬
‫َّ ِ‬
‫ين * الذ َ‬
‫ِ‬ ‫َّللاُ َقاُلوْا ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َحَّرَم ُه َما َعَلى اْل َكاف ِر َ‬ ‫َرَزَق ُك ُم َّ‬
‫ُ‬
‫صْلَناهُ َعَل ٰى ِعْل ٍم ُه ًدى َوَر ْح َم ًة ِّلَق ْو ٍم ُي ْؤ ِمُنو َن * َه ْل‬
‫اب َف َّ‬‫اهم ِب ِكتَ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِٰ‬ ‫ِِ‬
‫آء َي ْومه ْم َهـٰ َذا َو َما َك ُانوْا ب َآيتَنا َي ْج َح ُدو َن* َوَلَق ْد ج ْئَن ُ ْ‬
‫ِ‬
‫َن ُسوْا لَق َ‬
‫آء َفَي ْشَف ُعوْا َلَنآ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ظرون ِإالَّ تَأ ِْويَله يوم يأِْتي تَأ ِْويُله يُق َّ ِ‬
‫آء ْت ُرُس ُل َرّبَِنا باْل َح ّق َف َهل لَنا من ُشَف َع َ‬ ‫ين َن ُسوهُ من َقْب ُل َق ْد َج َ‬ ‫ول الذ َ‬ ‫َُ ُ‬ ‫ُ َْ َ َ‬ ‫َين ُ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫أ َْو ُن َرُّد َفَن ْع َم َل َغ ْي َر الذي ُكَّنا َن ْع َم ُل َق ْد َخس ُروْا أ َْنُف َس ُه ْم َو َ‬
‫ض َّل َع ْن ُه ْم َّما َك ُانوْا َيْفتَ ُرو َن‬

‫{وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار} أي‪ :‬ال ينظرون إليهم طوعاً ورأفة ورحمة ورضا‪ ،‬بل كراهة واعتبا اًر كأن‬
‫صارفاً صرف أبصارهم إليهم {ربنا ال تجعلنا مع القوم الظالمين} أي‪ :‬ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا‪ ،‬كما قال أمير‬
‫المؤمنين علي عليه السالم‪" :‬أعوذ باهلل من الضاللة بعد الهدى"‪ .‬وقال النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬اللهم ثَبت قلبي‬
‫أن مثل‬
‫تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال صلى هللا عليه وسلم‪ :‬أو ما يؤمنني ّ‬
‫على دينك‪ ،‬فقيل له‪ :‬أما غفر هللا لك ما ّ‬
‫القلب كمثل ريشة في فالة‪ ،‬تقلبها الرياح كيف شاءت‪.".‬‬

‫{ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم} أي‪ :‬البدن اإلنساني المفصل غلى أعضاء وجوارح وآالت وحواس تصلح‬
‫لالستكمال على ما يقتضيه العلم اإللهي وتأويله ما يؤول إليه أمره في العاقبة من االنقالب إلى ما ال يصلح لذلك عند‬
‫ِ‬
‫{سَي ْج ِزيه ْم َو ْ‬
‫صَف ُه ْم} [األنعام‪،‬‬ ‫البعث من هيئات وصور وأشكال تناسب صفاتهم وعقائدهم على مقتضى قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ص ّماً} [اإلسراء‪. ]97 :‬‬ ‫ِِ‬ ‫اآلية‪ ،]139 :‬كما قال تعالى‪{ :‬ونحشرهم يوم اْلِقي ِ‬
‫امة َعَل ٰى ُو ُجوهه ْم ُع ْمياً َوُب ْكماً َو ُ‬
‫َ َ ْ ُ ُ ُ ْ َْ َ َ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األعراف (من اآلية ‪ 54‬الى اآلية ‪)72‬‬

‫طُلُب ُه َحِثيثاً و َّ‬


‫الش ْم َس‬ ‫يل َّ‬
‫الن َه َار َي ْ‬ ‫َّللا َّال ِذي َخَلق الس ٰم ٰو ِت واألَرض ِفي ِستَّ ِة أَيَّا ٍم ثُ َّم استَو ٰى عَلى اْلعر ِ ِ َّ‬ ‫ِإ َّن َرب ُ‬
‫َ‬ ‫ش ُي ْغشي ال َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ َ ََ َ ْ َ‬ ‫َّك ُم َّ ُ‬
‫ضُّرعاً َو ُخْفَي ًة ِإَّن ُه الَ ُي ِح ُّب‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َّك ْم تَ َ‬
‫ين * ْاد ُعوْا َرب ُ‬‫َّللاُ َر ُّب اْل َعاَلم َ‬
‫ك َّ‬‫وم ُم َس َّخ َرات ِبأ َْم ِِره أَالَ َل ُه اْل َخْل ُق َواأل َْم ُر تََب َار َ‬ ‫ُّ‬
‫َواْلَق َم َر َوالن ُج َ‬
‫ين * َو ُهَو‬ ‫ِِ‬ ‫َّللاِ َق ِر ِ‬ ‫صالَ ِح َها َو ْاد ُعوهُ َخ ْوفاً َو َ‬
‫ط َمعاً ِإ َّن َر ْح َم َت َّ‬ ‫ِ‬ ‫ين * والَ تُْف ِس ُدوْا ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫يب ّم َن اْل ُم ْحسن َ‬ ‫ٌ‬ ‫ض َب ْع َد إ ْ‬ ‫َ‬ ‫اْل ُم ْعتَد َ‬
‫َخ َر ْجَنا ِب ِه ِمن ُك ِّل‬ ‫آء َفأ ْ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ٍ ٍِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ َّ‬
‫اح ُب ْش اًر َب ْي َن َي َد ْي َر ْح َمته َحت ٰى إ َذآ أََقل ْت َس َحاباً ثَقاالً ُسْقَناهُ لَبَلد َّمّيت َفأ َْن َ ْزلَنا به اْل َم َ‬
‫َّال ِذي ُي ْرِس ُل ِّ‬
‫الرَي َ‬
‫ِه َو َّال ِذي َخُب َث الَ َي ْخ ُرُج ِإالَّ َن ِكداً َك ٰذلِ َك‬ ‫الطِيب يخرج نباته ِبِإ ْذ ِن رب ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ِ ٰ ِ‬
‫َّ‬ ‫موتَ ٰى َل َعل ُك ْم تَ َذ َّك ُرو َن * َواْلَبَل ُد ّ ُ َ ْ ُ ُ َ َ ُ ُ‬‫الث َم َرات َكذل َك ُن ْخ ِرُج اْل ْ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اف َعَل ْي ُك ْم‬ ‫َما َل ُك ْم ّم ْن ِإَلـٰه َغ ْي ُرهُ ِإّني أ َ‬
‫َخ ُ‬ ‫َّللاَ‬
‫اعُب ُدوْا َّ‬
‫ال َيا َق ْو ِم ْ‬ ‫ِ‬
‫اآليات لَق ْو ٍم َي ْش ُك ُرو َن * َلَق ْد أ َْرَسْلَنا ُنوحاً إَل ٰى َق ْو ِمه َفَق َ‬
‫ف َ‬ ‫صِّر ُ‬
‫ُن َ‬
‫ول ِّمن َّر ِّب‬ ‫ٰ ِِ‬ ‫ضالَ ٍل ُّمِب ٍ‬ ‫ع َذاب يو ٍم ع ِظي ٍم * َقال اْلمألُ ِمن َقو ِم ِه ِإَّنا َلَنر ِ‬
‫ضَلـَٰل ٌة َوَلكّني َرُس ٌ‬ ‫َل ْي َس ِبي َ‬ ‫ال َٰيَق ْو ِم‬
‫ين * َق َ‬ ‫اك في َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َْ َ‬
‫اْلعـَٰل ِمين * أُبّلِغ ُكم ِرساالَ ِت ربِي وأَنصح َل ُكم وأَعَلم ِمن َّ ِ‬
‫ِك ْم َعَل ٰى‬‫آء ُك ْم ِذ ْكٌر ِّمن َّرّب ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬
‫َّللا َما الَ تَ ْعَل ُمو َ * أََو َعج ْبتُ ْم أَن َج َ‬ ‫َّ َ َ ُ ْ َ ْ ُ َ‬ ‫َُ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫ين َك َّذُبوْا ِب َآي ِاتَنآ ِإَّن ُه ْم َك ُانوْا‬ ‫َّ ِ‬ ‫ين َم َع ُه ِفي اْلُفْل ِك َوأ ْ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ ِ ِ ِ‬
‫َغ َرْقَنا الذ َ‬ ‫َر ُجل ّم ْن ُك ْم لُينذ َرُك ْم َولِتَتَُّقوْا َوَل َعل ُك ْم تُ ْر َح ُمو َن * َف َكذُبوهُ َفأ َ‬
‫َنج ْيَناهُ َوالذ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ين َكَف ُروْا‬ ‫ال اْل َمألُ الذ َ‬ ‫َّللاَ َما َل ُك ْم ّم ْن إَلـٰه َغ ْي ُرهُ أََفالَ تَتَُّقو َن * َق َ‬
‫اعُب ُدوْا َّ‬
‫ال َيا َق ْو ِم ْ‬
‫اه ْم ُهوداً َق َ‬
‫َخ ُ‬ ‫ين * َوإَِل ٰى َعاد أ َ‬ ‫َق ْوماً َعم َ‬
‫ِ‬ ‫ظُّنك ِمن اْل َك ِاذِبين * َقال ٰيَقو ِم َليس ِبي سَفاه ٌة وَٰل ِكِّني رس ِ‬ ‫ِمن َقو ِم ِه ِإَّنا َلنراك ِفي سَف ٍ‬
‫ين *‬ ‫ول ّمن َّر ِّب اْل َٰعَلم َ‬ ‫َُ ٌ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َْ َْ‬ ‫َ‬ ‫اهة ِوإَِّنا َلَن ُ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫ْ‬
‫نك ْم لُِي ِنذ َرُك ْم َو ُ‬
‫اذك ُروْا ِإ ْذ‬ ‫ِك ْم َعَل ٰى َرُج ٍل ِّم ُ‬‫آء ُك ْم ِذ ْكٌر ِّمن َّرّب ُ‬ ‫ِ‬
‫ين * أ ََو َعج ْبتُ ْم أَن َج َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِٰ‬
‫أَُبّلِ ُغ ُك ْم ِر َٰسلت َرّبِي َوأََن ْا َل ُك ْم َناص ٌح أَم ٌ‬
‫َّللاِ َل َعَّل ُك ْم تُْفلِ ُحو َن * َقاُلوْا أَ ِج ْئتََنا لَِن ْعُب َد َّ‬
‫َّللاَ َو ْح َدهُ‬ ‫اآلء َّ‬
‫َء َ‬
‫ط ًة َفا ْذ ُك ُروْا‬
‫صَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آء من َب ْعد َق ْو ِم ُنو ٍح َوَزَاد ُك ْم في اْل َخْل ِق َب ْ‬
‫جعَل ُكم خَلَف ِ‬
‫ََ ْ ُ َ‬
‫ال َق ْد َوَق َع َعَل ْي ُك ْم ِّمن َّرّب ُ‬ ‫ِ‬
‫وَن َذر ما َكان يعبد آباؤَنا َفأِْتَنا ِبما تَ ِعدَنآ ِإن ُكنت ِمن َّ ِ‬
‫ض ٌب‬ ‫ِك ْم ِر ْج ٌس َو َغ َ‬ ‫ين‬‫* َق َ‬
‫الصادق َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ َ َ َ ْ ُُ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاُ ِب َها ِمن ُسْل َ‬ ‫أَتُ ٰج ِدُلونِني ِفي أ ٍ‬
‫َنج ْيَناهُ‬ ‫ان َف ْانتَظ ُروْا ِإّني َم َع ُك ْم ّم َن اْل ُم ْنتَظ ِر َ‬
‫ين * َفأ َ‬ ‫طٍ‬ ‫آؤك ُم َّما َنَّزَل َّ‬
‫وهآ أ َْنتُ ْم َو َآب ُ‬
‫َس َمآء َس َّم ْيتُ ُم َ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ين َكذُبوْا ِب َآياتَنا َو َما َك ُانوْا ُم ْؤ ِمن َ‬
‫َّ ِ‬
‫ط ْعَنا َداِب َر الذ َ‬ ‫ين َم َع ُه ِب َر ْح َم ٍة ِّمَّنا َوَق َ‬ ‫َّ ِ‬
‫َوالذ َ‬

‫{إن ربكم هللا الذي خلق السموات واألرض في ستة أيام} أي‪ :‬اختفى في صور سماء األرواح وأرض األجساد في‬
‫ف َسَن ٍة ِّم َّما تَ ُعُّدو َن} [الحج‪ ،‬اآلية‪ ]47 :‬أي‪ :‬من لدن خلق آدم‬
‫ستة آالف سنة لقوله تعالى‪{ :‬وإِ َّن يوماً ِعند ربِك َكأَْل ِ‬
‫َ َّ َ‬ ‫َ َْ‬
‫إلى زمان محمد عليهما الصالة والسالم ألن الخلق هو اختفاء الحق في المظاهر الخلقية وهذه المدة من ابتداء دور‬
‫"إن الزمان قد‬
‫النبوة وظهور الوالية‪ ،‬كما قال صلى هللا عليه وسلم‪ّ :‬‬
‫الخفاء إلى ابتداء الظهور الذي هو زمان ختم ّ‬
‫استدار كهيئته يوم خلق هللا فيه السموات واألرض"‪ ،‬ألن ابتداء الخفاء بالخلق هو انتهاء الظهور‪ ،‬فإذا انتهى الخفاء‬
‫مر‪ ،‬ويتم الظهور بخروج المهدي عليه السالم في تتمة سبعة أيام ولهذا قالوا‪:‬‬
‫إلى الظهور عاد إلى أول الخلق كما ّ‬
‫مدة الدنيا سبعة آالف سنة‪{ .‬ثم استوى على العرش} أي‪ :‬عرش القلب المحمدي بالتجلي التام فيه بجميع صفاته كما‬
‫{ي ْغشي} ليل البدن وظلمة الطبيعة نهار نور الروح {يطلبه} بتهيئته واستعداده لقبوله باعتدال‬
‫ذكر في معنى (ص) ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{مسخرات بأمره} الذي هو الشأن المذكور في قوله تعالى‪:‬‬
‫ّ‬ ‫مزاجه سريعاً‪ ،‬وشمس الروح وقمر القلب ونجوم الحواس‬
‫{ك َّل َي ْو ٍم ُه َو ِفي َشأ ٍ‬
‫ْن} [الرحمن‪ ،‬اآلية‪{ .]29 :‬أال َل ُه} اإليجاد بالقدرة والتصريف بالحكمة‪ ،‬أو أال له التكوين واإلبداع‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وإن حمل السموات واألرض على الظاهر فاأليام الستة هي الجهات الست‪ ،‬إذ يعبر عن الحوادث باأليام كقوله تعالى‪:‬‬
‫َّللاِ} [إبراهيم‪ ،‬اآلية‪ ]5 :‬أي‪ :‬خلق عالم األجسام في الجهات الست ثم استعلى متمكناً على العرش‬
‫{وَذ ِّك ْرُه ْم ِبأَيَّا ِم َّ‬
‫َ‬
‫بالتأثير فيه بإثبات صور الكائنات عليه‪ .‬وللعرش ظاهر وباطن‪ ،‬فظاهره هو السماء التاسعة التي تنتقش فيها صور‬
‫الكائنات عليه‪ .‬وللعرش ظاهر وباطن‪ ،‬فظاهره هو السماء التاسعة التي تنتقش فيها صور الكائنات بأسرها ويتبع‬
‫آء َوُي ْثِب ُت} [الرعد‪ ،‬اآلية‪:‬‬
‫َّللاُ َما َي َش ُ‬
‫{ي ْم ُحوْا َّ‬
‫وجودها وعدمها المحو واإلثبات فيها على ما سيأتي في تأويل قوله تعالى‪َ :‬‬
‫‪ ]39‬إن شاء هللا‪ .‬وباطنه هو العقل األول المرتسم بصور األشياء على وجه كلي‪ ،‬المعبر عنه ببطنان العرش كما‬
‫ّ‬
‫جاء‪" :‬نادى منادى من بطنان العرش"‪ ،‬وهو محل القضاء السابق‪ ،‬فاالستواء عليه قصد االستعالء عليه بالتأثير في‬
‫إيجاد األشياء بإثبات صورها عليه قصداً مستوياً من غير أن يلوي إلى شيء غيره ‪.‬‬

‫سورة األعراف (من اآلية ‪ 73‬الى اآلية ‪)103‬‬

‫َّللاِ َل ُك ْم َآي ًة‬


‫ِك ْم َهـ ِٰذِه َناَق ُة َّ‬
‫آء ْت ُك ْم َبِّيَن ٌة ِّمن َّرّب ُ‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫َّللاَ َما َل ُك ْم ّم ْن إَلـٰه َغ ْي ُرهُ َق ْد َج َ‬
‫اعُب ُدوْا َّ‬
‫ال َيا َق ْو ِم ْ‬
‫َخاهم ِ‬
‫صالحاً َق َ‬‫ود أ َ ُ ْ َ‬ ‫َوإَِل ٰى ثَ ُم َ‬
‫ض َّ ِ‬
‫َك ْم ِفي‬‫آء ِمن َب ْع ِد َع ٍاد َوَبَّوأ ُ‬ ‫ِ‬
‫يم * َوا ْذ ُك ُروْا إ ْذ َج َعَل ُك ْم ُخَلَف َ‬
‫ْخ َذ ُكم ع َذ ِ‬
‫اب أَل ٌ‬
‫وء َفَيأ ُ ْ َ ٌ‬ ‫وها ِبس ٍ‬
‫َّللا َوالَ تَ َم ُّس َ ُ‬
‫ْك ْل ِفي أ َْر ِ‬
‫وها تَأ ُ‬
‫َف َذ ُر َ‬
‫َّللاِ والَ تَعثَوا ِفي األَر ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ال اْل َمألُ‬ ‫ين * َق َ‬ ‫ض ُمْفسد َ‬ ‫ْ‬ ‫آآلء َّ َ ْ ْ‬‫ال ُبُيوتاً َفا ْذ ُك ُروْا َ‬ ‫صو اًر َوتَْنحتُو َن اْلجَب َ‬‫األ َْرض تَتخ ُذو َن من ُس ُهول َها ُق ُ‬
‫ِه َقاُلوْا ِإَّنا ِب َمآ أ ُْرِس َل ِب ِه‬
‫َن صالِحاً ُّمرسل ِمن َّرب ِ‬
‫َْ ٌ ّ ّ‬
‫ِ‬
‫آم َن م ْن ُه ْم أَتَ ْعَل ُمو َن أ َّ َ‬
‫َّال ِذين استَ ْكبروْا ِمن َقو ِم ِه لَِّل ِذين استُ ْ ِ ِ‬
‫ضعُفوْا ل َم ْن َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َُ‬
‫اصالِ ُح ا ْئِتَنا‬ ‫ِ‬ ‫آمنتُ ْم ِب ِه َك ِاف ُرو َن * َف َعَق ُروْا َّ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫مؤ ِمنون * َق َّ ِ‬
‫النا َق َة َو َعتَ ْوْا َع ْن أَ ْم ِر َرّبِه ْم َوَقالُوْا َي َ‬ ‫استَ ْكَب ُروْا إَّنا بالذي َ‬ ‫ين ْ‬ ‫ال الذ َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ ُ َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َٰيَق ْو ِم َلَق ْد أَْبَل ْغتُ ُك ْم‬
‫ين * َفتََول ٰى َع ْن ُه ْم َوَق َ‬ ‫َصَب ُحوْا في َد ِارِه ْم َجاثم َ‬ ‫الر ْجَف ُة َفأ ْ‬
‫َخ َذ ْت ُه ُم َّ‬
‫ين * َفأ َ‬ ‫نت م َن اْل ُم ْرَسل َ‬ ‫ِب َما تَع ُدَنآ ِإن ُك َ‬
‫َح ٍد ِّمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص ِحين * وُلوطاً ِإ ْذ َق ِ ِ‬
‫ال لَق ْو ِمه أَتَأْتُو َن اْلَفاح َش َة َما َسَبَق ُك ْم ِب َها م ْن أ َ‬ ‫ص ْح ُت َل ُك ْم َوَل ِكن الَّ تُ ِحبُّو َن َّٰ‬
‫الن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِرَساَل َة َرّبِي َوَن َ‬
‫اب َق ْو ِم ِه ِإالَّ أَن َقاُلوْا‬ ‫ان َجَو َ‬
‫الرجال َشهوة ِمن دو ِن ِّ ِ‬
‫الن َسآء َب ْل أ َْنتُ ْم َق ْوٌم ُّم ْس ِرُفو َن * َو َما َك َ‬ ‫ين * ِإَّن ُك ْم َلتَأْتُو َن ِّ َ َ ْ َ ً ّ ُ‬
‫ِ‬
‫اْل َعاَلم َ‬
‫ط ْرَنا َعَل ْي ِه ْم َّم َ‬ ‫ِ‬ ‫ط َّهرو َن * َفأَنجيناه وأ ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫َخ ِرج ِ‬
‫ط اًر‬ ‫ين * َوأ َْم َ‬ ‫ام َأرَتَ ُه َك َان ْت م َن اْل َغاِب ِر َ‬
‫َهَل ُه إال ْ‬ ‫َ َْ ُ َ ْ‬ ‫وه ْم ّمن َق ْرَيت ُك ْم ِإَّن ُه ْم أَُن ٌ‬
‫اس َي َت َ ُ‬ ‫أْ ُ ُ‬
‫آء ْت ُك ْم َبِّيَن ٌة‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫َّللاَ َما َل ُك ْم ّم ْن إَلـٰه َغ ْي ُرهُ َق ْد َج َ‬
‫اعُب ُدوْا َّ‬
‫ال َيا َق ْو ِم ْ‬
‫اه ْم ُش َع ْيباً َق َ‬
‫َخ ُ‬
‫ين * َوإَِل ٰى َم ْدَي َن أ َ‬ ‫ان َعاقَب ُة اْل ُم ْج ِرِم َ‬ ‫ف َك َ‬ ‫ظ ْر َك ْي َ‬
‫َف ْان ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫صالَ ِح َها ٰذلِ ُك ْم َخ ْيٌر َّل ُك ْم ِإن ُكنتُ ْم‬ ‫ِ‬
‫ض َب ْع َد إ ْ‬ ‫َشَياء ُهم والَ تُْف ِس ُدوْا ِفي األ َْر ِ‬
‫اس أ ْ َ ْ َ‬ ‫ان َوالَ تَْب َخ ُسوْا َّ‬
‫الن َ‬
‫ِ‬ ‫ِّمن َّرّب ُ‬
‫ِك ْم َفأ َْوُفوْا اْل َكْي َل َواْلم َيز َ‬
‫ون َها ِع َوجاً َوا ْذ ُك ُروْا ِإ ْذ ُك ْنتُ ْم َقلِيالً‬ ‫ِ‬ ‫يل َّ ِ‬ ‫وع ُدو َن وتَصُّدو َن َعن سِب ِ‬ ‫صر ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫آم َن ِبه َوتَْب ُغ َ‬ ‫َّللا َم ْن َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫اط تُ ِ‬ ‫ين * َوالَ تَْق ُع ُدوْا ِب ُك ّل َ‬ ‫ُّم ْؤ ِمن َ‬
‫اصِب ُروْا‬ ‫نكم آمُنوْا ِب َّال ِذي أُرِسْلت ِب ِه و َ ِ َّ‬ ‫ظروْا َكيف َكان ع ِاقب ُة اْلمْف ِس ِدين * وإِن َكان َ ِ ِ‬ ‫َّ‬
‫طآئَف ٌة ل ْم ْي ْؤ ِمُنوْا َف ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫طآئَف ٌة ّم ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َف َكث َرُك ْم َو ْان ُ ُ ْ َ َ َ َ ُ‬
‫آمُنوْا َم َع َك ِمن‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َ‬ ‫ٰش َع ْي ُب َوالذ َ‬ ‫استَ ْكَب ُروْا ِمن َق ْو ِمه َلُن ْخ ِرَجَّن َك ي ُ‬
‫ين ْ‬ ‫ال اْل َمألُ الذ َ‬
‫ين * َق َ‬
‫ِِ‬ ‫َحتَّ ٰى َي ْح ُك َم َّ‬
‫َّللاُ َب ْيَنَنا َو ُه َو َخ ْي ُر اْل َحاكم َ‬
‫َّللاُ ِم ْن َها‬‫َّللاِ َك ِذباً ِإ ْن ُع ْدَنا ِفي ِمَّلِت ُك ْم َب ْع َد ِإ ْذ َن َّج َانا َّ‬
‫ين * َق ِد ا ْفتَ َرْيَنا َعَلى َّ‬ ‫ال أ ََوَل ْو ُكَّنا َك ِارِه َ‬
‫ِ ِ َِّ‬
‫ود َّن في ملتَنا َق َ‬
‫ِ‬
‫َق ْرَيتَنآ أ َْو َلتَ ُع ُ‬
‫َّللاِ تََوَّكْلَنا َربََّنا ا ْفتَ ْح َب ْيَنَنا َوَب ْي َن َق ْو ِمَنا‬
‫َّللاُ َربَُّنا َوِس َع َربَُّنا ُك َّل َشي ٍء ِعْلماً َعَلى َّ‬‫آء َّ‬ ‫وما ي ُكو ُن َلنآ أَن َّنعود ِف ِ َّ‬
‫يهآ إال أَن َي َش َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َكَف ُروْا من َق ْو ِمه َلئ ِن اتََّب ْعتُ ْم ُش َع ْيباً ِإَّن ُك ْم ِإذاً َّل َخاس ُرو َن * َفأ َ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫َخ َذ ْت ُه ُم‬ ‫ال اْل َمألُ الذ َ‬ ‫ين * َوَق َ‬ ‫َنت َخ ْي ُر اْلَفاتح َ‬ ‫ِباْل َح ِّق َوأ َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫الرجَف ُة َفأَصبحوْا ِفي د ِارِهم ج ِاث ِمين * َّال ِذين َك َّذبوْا ُشعيباً َكأَن َّلم ي ْغنوْا ِف َّ ِ‬
‫ين *‬ ‫ين َكذُبوْا ُش َع ْيباً َك ُانوْا ُه ُم اْل َخاس ِر َ‬ ‫يها الذ َ‬‫ْ َ َْ َ‬ ‫َ ُ َْ‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫ْ َُ‬ ‫َّ ْ‬
‫ين * َو َمآ أ َْرَسْلَنا ِفي َق ْرَي ٍة ِّمن‬ ‫ِٰ‬
‫اس ٰى َعَل ٰى َق ْو ٍم َكف ِر َ‬
‫ف َء َ‬
‫ِ‬
‫ال ٰيَق ْو ِم َلَق ْد أَْبَل ْغتُ ُك ْم ِرَسـَٰلـٰت َرّبِي َوَن َ‬
‫ص ْح ُت َل ُك ْم َف َك ْي َ‬
‫َّ‬
‫َفتََول ٰى َع ْن ُه ْم َوَق َ‬
‫ضَّرعون * ثُ َّم بَّدْلنا م َكان َّ ِ ِ‬ ‫الضَّر ِ‬
‫ْس ِآء َو َّ‬ ‫َّ‬
‫اءَنا‬ ‫َّ‬
‫السّيَئة اْل َح َسَن َة َحت ٰى َعَف ْوْا َّوَقاُلوْا َق ْد َم َّس َآب َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫آء َل َعَّل ُه ْم َي َّ ُ َ‬ ‫َخ ْذَنا أ ْ ِ‬
‫َهَل َها باْلَبأ َ‬ ‫َّنِب ٍّي ِإال أ َ‬
‫السم ِ‬ ‫ٍٰ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫اه ْم َب ْغتَ ًة َو ُه ْم الَ َي ْش ُع ُرو َن * َوَل ْو أ َّ‬
‫آء‬ ‫امُنوْا َواتَقوْا َلَفتَ ْحَنا َعَل ْيه ْم َب َرَكت ّم َن َّ َ‬ ‫َه َل اْلُق َر ٰى َء َ‬
‫َن أ ْ‬ ‫َخ ْذَن ُ‬
‫آء َفأ َ‬‫السَّر ُ‬
‫آء َو َّ‬ ‫َّ‬
‫الضَّر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َه ُل‬ ‫ض َوَلـ ِٰكن َك َّذُبوْا َفأ َ‬
‫َخ ْذ َٰن ُه ْم ِب َما َك ُانوْا َي ْكسُبو َن * أََفأَم َن أ ْ‬
‫َه ُل اْلُق َر ٰى أَن َيأْتَي ُه ْم َب ْأ ُسَنا َب َٰيتاً َو ُه ْم َنآئ ُمو َن * أََو أَم َن أ ْ‬ ‫واأل َْر ِ‬
‫َ‬
‫ِ َِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ َفالَ يأْمن م ْكر َّ ِ َّ‬ ‫ض ًحى َو ُه ْم َيْل َعُبو َن * أََفأ َِمُنوْا َم ْك َر َّ‬ ‫ِ‬
‫َّللا ِإال اْلَق ْوُم اْل َخاس ُرو َن * أََوَل ْم َي ْهد للذ َ‬
‫ين‬ ‫َ َُ َ َ‬ ‫ْسَنا ُ‬ ‫اْلُق َر ٰى أَن َيأْتَي ُه ْم َبأ ُ‬
‫طَب ُع َعَل ٰى ُقُلوب ِِه ْم َف ُه ْم الَ َي ْس َم ُعو َن * ِتْل َك اْلُق َر ٰى َنُق ُّ‬
‫اه ْم ِب ُذُنوِب ِه ْم َوَن ْ‬ ‫َّ‬ ‫ي ِرثُو َن األَرض ِمن بع ِد أ ِ‬
‫ص‬ ‫آء أَ َ‬
‫ص ْبَن ُ‬ ‫َهل َهآ أَن ل ْو َن َش ُ‬ ‫َْ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ٰ‬
‫َّللا عَلى ُقُل ِ ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آء ْت ُه ْم ُرُسُل ُهم ِباْلَبِّي َٰنت َف َما َك ُانوْا لُِي ْؤ ِمُنوْا ِب َما َك َّذُبوْا من َقْب ُل َك َذلِ َك َي ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين*‬‫وب اْل َكف ِر َ‬ ‫طَب ُع َّ ُ َ ٰ‬ ‫َنبآئ َها َوَلَق ْد َج َ‬‫َعَل ْي َك م ْن أ َ‬
‫ظَل ُموْا‬‫إل ْي ِه َف َ‬
‫ين * ثُ َّم َب َع ْثَنا ِمن َب ْع ِد ِهم ُّموس ٰى ِب َٰآيِتَنآ ِإَل ٰى ِف ْرَعو َن وم ِ‬
‫ْ ََ‬ ‫َ‬
‫ِِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َو َما َو َج ْدَنا ألَ ْكثَ ِرِهم ّم ْن َع ْهد َوإِن َو َج ْدَنآ أَ ْكثَ َرُه ْم َلَفاسق َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ان َٰعقَب ُة اْل ُمْفسد َ‬
‫ين‬ ‫ف َك َ‬ ‫ظ ْر َك ْي َ‬ ‫ِب َها َف ْان ُ‬

‫لكم آية} الناقة لصالح عليه السالم كالعصا لموسى عليه السالم والحمار لعيسى والبراق لمحمد عليهما‬
‫{هذه َناقة هللا ُ‬
‫فإن لكل أحد من األنبياء وغيرهم مركباً هو نفسه الحيوانية الحاملة لحقيقته التي هي النفس اإلنسانية وتنتسب‬
‫السالم‪ّ ،‬‬
‫بالصفة الغالبة إلى ما يتّصف بتلك الصفة من الحيوانات فيطلق عليه اسمه‪ ،‬فمن كانت نفسه مطواعة منقادة من‬
‫غاية اللين حمولة قوية متذللة فمركبه ناقة ونسبتها إلى هللا لكونها مأمورة بأمره مختصة به في طاعته وقربه‪ .‬وما قيل‪:‬‬
‫أن مشربهم من القوة العاقلة العملية‪ ،‬ومشربها من‬
‫إن الماء قسم بينها وبينهم‪ ،‬لها شرب يوم ولهم شرب يوم‪ ،‬إشارة إلى ّ‬
‫ّ‬
‫العاقلة النظرية‪ .‬وما روي أنها يوم شربها كانت تتفحج فيحلب منها اللبن حتى ملؤوا أوانيهم‪ ،‬إشارة إلى ّ‬
‫أن نفسه‬
‫تستخرج بالفكر من علومه الكلية الفطرية العلوم النافعة للناقصين من علوم األخالق والشرائع واآلداب‪ .‬وخروجها من‬
‫الجبل‪ :‬ظهورها من بدن صالح عليه السالم‪ .‬هذا هو التأويل مع أن اإلقرار بظاهرها واجب‪ ،‬فإن ظهور المعجزات‬
‫وخوارق العادات حق ال ننكر شيئاً منها‪ .‬وما يؤيد التأويل تسوية النبي عليه الصالة والسالم عاقرها بقاتل علي عليه‬
‫ّ‬
‫السالم‪ ،‬حيث قال‪" :‬يا علي‪ ،‬أتدري من أشقى ّ‬
‫األولين؟ قال‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ .‬قال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬عاقر ناقة‬
‫صالح"‪ ،‬ثم قال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬أتدري من أشقى اآلخرين؟"‪ ،‬قال‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ .‬قال صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫ِ‬
‫"قاتلك""‪ .‬وروي أنه قال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬من َخ َ‬
‫ض َب هذا بهذا" وأشار بيده إلى لحيته ورأسه ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األعراف (من اآلية ‪ 104‬الى اآلية ‪)141‬‬

‫ول ِّمن َّر ِّب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اس واستَرهبوهم وج ِ ِ‬


‫ال ُمو َس ٰى يٰف ْرَع ْو ُن ِإّني َرُس ٌ‬ ‫آءوا بس ْح ٍر َعظي ٍم * َوَق َ‬ ‫َّ ِ‬
‫َعُي َن الن َ ْ ْ َ ُ ُ ْ َ َ ُ‬ ‫ال أَْلُق ْوْا َفَل َّمآ أَْلَق ْوْا َس َح ُروْا أ ْ‬
‫َق َ‬
‫ال ِإن‬ ‫يل * َق َ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ِك ْم َفأ َْرِس ْل َمع َي َبني إ ْس َرائ َ‬ ‫َّللاِ ِإالَّ اْل َح َّق َق ْد ِج ْئتُ ُك ْم ِبَبِّيَن ٍة ِّمن َّرّب ُ‬ ‫اْلعاَل ِمين * حِقيق عَلى أ َّ‬
‫َن ال أَُق َ‬
‫ول َعَلى َّ‬ ‫َ ٌ َ ٰ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْت ِبهآ ِإن ُكنت ِمن َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُك َ ِ ِ‬
‫آء‬
‫ضُ‬ ‫ع َي َدهُ َفِإ َذا ه َي َب ْي َ‬
‫ين * َوَن َز َ‬ ‫ان ُّمِب ٌ‬
‫صاهُ َفِإ َذا ه َي ثُ ْعَب ٌ‬ ‫ين * َفأَْلَق ٰى َع َ‬ ‫الصادق َ‬ ‫َ َ‬ ‫نت ج ْئ َت ب َآية َفأ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْم ُرو َن * َقاُلوْا‬ ‫يم * ُي ِر ُيد أَن ُي ْخ ِر َج ُك ْم ّم ْن أ َْرض ُك ْم َف َما َذا تَأ ُ‬ ‫ال اْل َمألُ من َق ْو ِم ف ْرَع ْو َن إ َّن َهـٰ َذا َل َساحٌر َعل ٌ‬ ‫ين * َق َ‬ ‫ل َّلناظ ِر َ‬
‫الس َح َرةُ ِف ْرَع ْو َن َقاْلوْا ِإ َّن َلَنا ألَ ْج اًر ِإن ُكَّنا‬ ‫اش ِرين * يأْتُ ِ ِ ِ ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آء َّ‬ ‫وك ب ُك ّل َساحر َعلي ٍم * َو َج َ‬ ‫َ َ‬ ‫َخاهُ َوأ َْرِس ْل في اْل َم َدآئ ِن َح َ‬ ‫أ َْرِج ْه َوأ َ‬
‫ين * َوأ َْو َح ْيَنآ ِإَل ٰى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس ٰى ِإ َّمآ أَن ُتْلق َي َوِإ َّمآ أَن َّن ُكو َن َن ْح ُن اْل ُمْلق َ‬ ‫ٰم َ‬ ‫ِين * َقاُلوْا ي ُ‬ ‫ال َن َع ْم َوِإَّن ُك ْم َلم َن اْل ُمَقَّرب َ‬
‫ين * َق َ‬ ‫َن ْح ُن اْل َغالِب َ‬
‫ط َل َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * َف ُغلُِبوْا ُهَنالِ َك َوانَقَلُبوْا‬ ‫ف َما َيأ ِْف ُكو َن * َف َوَق َع اْل َح ُّق َوَب َ‬ ‫ِ‬
‫اك َفِإ َذا ه َي َتْلَق ُ‬ ‫ص َ‬ ‫َن أَْل ِق َع َ‬ ‫وس ٰى أ ْ‬ ‫ُم َ‬
‫آمنتُ ْم ِب ِه َقْب َل‬ ‫ال ف ْرَع ْو ُن َ‬
‫السحرة سا ِج ِدين * َقاُلوْا آمَّنا ِبر ِب اْلعاَل ِمين * ر ِب موسى وهارو َن * َق ِ‬
‫َ‬ ‫َّ ُ َ ٰ ََُ‬ ‫َ َّ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ين * َوأُْلق َي َّ َ َ ُ َ‬
‫ِ‬
‫صاغ ِر َ‬ ‫َ‬
‫ط َع َّن أ َْي ِدَي ُك ْم َوأ َْرُجَل ُك ْم ِّم ْن‬
‫ف تَ ْعَل ُمو َن * ألَُق ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫أَن آ َذ َن َل ُك ْم ِإ َّن َهـٰ َذا َل َم ْكٌر َّم َك ْرتُ ُموهُ في اْل َمد َينة لتُ ْخ ِر ُجوْا م ْن َهآ أ ْ‬
‫َهَل َها َف َس ْو َ‬
‫آء ْتَنا َربََّنآ أَ ْف ِر ْ‬
‫غ‬ ‫ف ثُ َّم ألُصّلِبَّن ُكم أَجم ِعين * َقاُلوْا ِإَّنآ ِإَلى ربِنا منَقلِبون * وما تَ ِنقم ِمَّنآ ِإالَّ أَن َّ ِ ِ‬ ‫ِخالَ ٍ‬
‫آمنا ب َآيات َرّبَِنا َل َّما َج َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫ٰ َ َّ ُ ُ َ‬ ‫َ َ ْ َْ َ‬
‫ض وي َذر ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ال‬
‫ك َوآل َهتَ َك َق َ‬ ‫وس ٰى َوَق ْو َم ُه لُيْفس ُدوْا في األ َْر ِ َ َ َ َ‬ ‫ال اْل َمألُ من َق ْو ِم ف ْرَعو َن أَتَ َذ ُر ُم َ‬ ‫ين * َوَق َ‬ ‫ص ْب اًر َوتََوَّفَنا ُم ْسلم َ‬ ‫َعَل ْيَنا َ‬
‫ض ََِّّللِ ُي ِ‬
‫ورثُ َها‬ ‫اصِب ُروْا ِإ َّن األ َْر َ‬
‫اهرون * َقال موسى لَِقو ِم ِه است ِعينوا ِب َّ ِ‬
‫اَّلل َو ْ‬
‫ِ‬
‫آء ُه ْم َوإَِّنا َف ْوَق ُه ْم َق ُ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َْ ُ‬ ‫َ ُ َٰ ْ‬ ‫آء ُه ْم َوَن ْستَ ْحيـي ن َس َ‬ ‫َسُنَقتّ ُل أ َْبَن َ‬
‫ُّك ْم أَن ُي ْهلِ َك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫من ي َش ِ ِ ِ ِ‬
‫ال َع َس ٰى َرب ُ‬ ‫ين * َقاُلوْا أُوذ َينا من َقْبل أَن تَأْت َينا َو ِمن َب ْعد َما ج ْئتََنا َق َ‬ ‫آء م ْن عَباده َواْل َعاقَب ُة لْل ُمتَّق َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ص ِمن الثَّمر ِ‬
‫ات َل َعَّل ُه ْم‬ ‫ين وَنْق ٍ‬ ‫ظر َكيف تَعمُلون * وَلَق ْد أَخ ْذنآ آل ِفرعون ِب ِ ِ‬ ‫َع ُدَّوُكم وَي ْستَ ْخلَِف ُكم ِفي األ َْر ِ‬
‫ََ‬ ‫ّ‬ ‫السن َ َ‬ ‫َ َ َ َْ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ض َفَين ُ َ ْ َ ْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬
‫َّللاِ‬ ‫ِ‬
‫طائ ُرُه ْم ع َند َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس ٰى َو َمن َّم َع ُه أَال إَّن َما َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ َّ ن‬
‫آء ْت ُه ُم اْل َح َسَنةُ َقاُلوْا َلَنا َهـٰذه َوإِن تُص ْب ُه ْم َسّيَئ ٌة َيطَّي ُروْا ب ُم َ‬
‫َيذك ُرو َ * َفإ َذا َج َ‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * َفأ َْرَسْلَنا َعَل ْي ِه ُم الطوَف َ‬
‫ان‬ ‫َوَلـٰك َّن أَ ْكثَ َرُه ْم الَ َي ْعَل ُمو َن * َوَقاُلوْا َم ْه َما تَأْتَنا ِبه من َآية ّلتَ ْس َح َرَنا ِب َها َف َما َن ْح ُن َل َك ِب ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين * َوَل َّما َوَق َع َعَل ْي ِهم ِّ‬ ‫ات ُّمَف َّ ٍ‬ ‫الدم آي ٍ‬ ‫واْلجراد واْلُق َّمل و َّ ِ‬
‫وس ٰى‬
‫ٰم َ‬
‫الر ْج ُز َقاُلوْا ي ُ‬ ‫ُ‬ ‫استَ ْكَب ُروْا َوَك ُانوْا َق ْوماً ُّم ْج ِرِم َ‬
‫صالَت َف ْ‬ ‫ع َو َّ َ َ‬
‫الضَفاد َ‬ ‫َ ََ َ َ َ َ‬
‫الر ْج َز َلُن ْؤ ِمَن َّن َل َك َوَلُن ْرِسَل َّن َم َع َك َبِني ِإ ْس َرِآئي َل * َفَلماَّ َك َشْفَنا َع ْن ُهم ِّ‬
‫الر ْج َز‬ ‫ك َلِئن َك َشْف َت َعَّنا ِّ‬ ‫ِ‬
‫َّك ِب َما َع ِه َد ع َند َ‬ ‫ْادعُ َلَنا َرب َ‬
‫ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َغرْقَن ِ‬ ‫ِ‬ ‫َج ٍل ُهم َبالِ ُغوهُ ِإ َذا ُه ْم َي ُ‬
‫ين *‬ ‫اه ْم في اْلَي ِّم ِبأََّن ُه ْم َكذُبوْا ِب َآياتَنا َوَك ُانوْا َع ْن َها َغافل َ‬
‫نكثُو َن * َف ْانتََق ْمَنا م ْن ُه ْم َفأ ْ َ ُ‬ ‫ِإَل ٰى أ َ‬
‫ِك اْل ُح ْسَن ٰى َعَل ٰى َبِني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬ ‫ِق األ َْر ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ض َو َم َغ ِارَب َها التي َب َارْكَنا ف َ‬
‫يها َوتَ َّم ْت َكل َم ُة َرّب َ‬ ‫ض َعُفو َن َم َشار َ‬
‫ين َك ُانوْا ُي ْستَ ْ‬
‫َوأ َْوَرْثَنا اْلَق ْوَم الذ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإس َرِآئ ِ‬
‫صَن ُع ف ْرَع ْو ُن َوَق ْو ُم ُه َو َما َك ُانوْا َي ْع ِرُشو َن * َو َج َاوْزَنا بَبني إ ْس َرآئ َ‬
‫يل اْلَب ْح َر َفأَتَ ْوْا َعَل ٰى‬ ‫ان َي ْ‬
‫صَب ُروْا َوَد َّم ْرَنا َما َك َ‬
‫يل ب َما َ‬ ‫ْ َ‬
‫َقو ٍم يع ُكُفو َن عَلى أَصنا ٍم َّلهم َقاُلوْا يٰموسى اجعل َّلنآ ِإَلـٰهاً َكما َلهم آلِه ٌة َقال ِإَّن ُكم َقوم تَجهُلو َن * ِإ َّن هـٰؤ ِ‬
‫الء ُم َتبٌَّر َّما ُه ْم‬ ‫َُ‬ ‫َ ُْ َ َ ْ ٌْ ْ َ‬ ‫ُ َ ٰ َْ ْ َ‬ ‫َ ٰ ْ َ ُْ‬ ‫ْ َْ‬
‫آل ِف ْرَعو َن‬ ‫اكم ِم ْن ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ أ َْب ِغ ُ‬
‫يك ْم ِإَلـٰهاً َو ُه َو َف َّ‬
‫ضَل ُك ْم َعَلى اْل َعاَلمي َن * َوإِ ْذ أ َْن َج ْيَن ُ ْ ّ‬ ‫َغ ْي َر َّ‬ ‫ِِ ِ‬
‫فيه َوَباط ٌل َّما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * َق َ‬
‫ال أ َ‬
‫يم‬ ‫اب يَقِتُّلون أَبنآء ُكم ويستَحيون ِنسآء ُكم وِفي ٰذلِ ُكم بالء ِمن َّرب ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِك ْم َعظ ٌ‬‫ْ َ ٌ ّ ّ‬ ‫وء اْل َع َذ ُ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ ْ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫ون ُك ْم ُس َ‬
‫وم َ‬
‫َي ُس ُ‬

‫مروي‪ .‬والتأويل هو‪ :‬أن العصا إشارة إلى نفسه التي يتوكأ عليها أي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫{فألقى عصاه} ظاهره إعجاز موسى كما هو‬
‫القوة البهيمية السليمية‪ ،‬ورق اآلداب الجميلة‬
‫ويهش بها على غنم ّ‬
‫ّ‬ ‫يعتمد عليها في الحركات واألفعال الحيوانية‬
‫والملكات الفاضلة والعادات الحميدة من شجرة الفكر‪ ،‬وكانت نفسه من حسن سياسته إياها ورياضته لها‪ ،‬منقادة‬
‫لتصرفاته‪ ،‬مطواعة ألوامره‪ ،‬مرتدعة عن أفعالها الحيوانية إال بإذنه كالعصا‪ .‬وإذا أرسلها عند االحتجاج في مقابلة‬
‫ويزورون من حبال شبهاتهم التي بها تحكم دعاويهم‪،‬‬
‫الخصوم صارت كالثعبان يتلقف ما يأفكون من أكاذيبهم الباطلة ّ‬
‫وعصي مغالطاتهم ومزخرفاتهم التي تمسكوا بها عند الخصام في إثبات مقاصدهم فتغلبهم وتقهرهم‪{ .‬ونزع يده} أي‪:‬‬
‫حقية دعواه‪ ،‬والظاهر أنه كان الغالب على زمانه هو السحر‪ ،‬فخرج‬
‫أظهر قدرته الباهرة التي تبهرهم وتظهر نور ّ‬
‫بالسحر اإللهي كما أن الغالب على زمان محمد عليه الصالة والسالم كان هو الفصاحة‪ ،‬فكانت معجزة القرآن‪ .‬وعلى‬
‫ألن معجزة كل نبي يجب أن تكون من‬
‫زمان عيسى عليه السالم الطب‪ ،‬فجاء بالطب اإللهي ‪ -‬على ما روي ‪ّ -‬‬
‫ّ‬
‫جنس ما غلب على زمانه ليكون أدعى إلى إجابة دعواه‪.‬‬

‫سورة األعراف (من اآلية ‪ 142‬الى اآلية ‪)144‬‬

‫اخُلْفِني ِفي َق ْو ِمي‬ ‫ِه أَرب ِعين َليَل ًة وَقال موسى أل ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َخيه َه ُارو َن ْ‬ ‫ات َرّب ْ َ َ ْ َ َ ُ َ ٰ‬ ‫اها ِب َع ْش ٍر َفتَ َّم ميَق ُ‬
‫ين َلْيَل ًة َوأ َْت َم ْمَن َ‬
‫وس ٰى ثَالَث َ‬ ‫اع ْدَنا ُم َ‬ ‫َوَو َ‬
‫ال َلن تََرِاني َوَلـ ِٰك ِن‬ ‫َرني أَن ُ ِ‬‫ال َر ِّب أ ِِ‬ ‫َّ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وأ ِ‬
‫ظ ْر إَل ْي َك َق َ‬ ‫ُّه َق َ‬
‫وس ٰى لميَقاتَنا َوَكل َم ُه َرب ُ‬‫آء ُم َ‬ ‫ين * َوَل َّما َج َ‬ ‫يل اْل ُمْفسد َ‬ ‫َصل ْح َوالَ تَتَّب ْع َسب َ‬ ‫َ ْ‬
‫ظر ِإَلى اْلجب ِل َفِإ ِن استََقَّر م َكانه َفسوف تَرِاني َفَل َّما تَجَّلى ربُّه لِْلجب ِل جعَله د ّكاً وخَّر موسى ِ‬
‫ال‬ ‫صعقاً َفَل َّمآ أََف َ‬
‫اق َق َ‬ ‫َٰ َ‬ ‫َ ٰ َ ُ ََ َ َ ُ َ َ َ‬ ‫َ َُ َْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫ْان ُ ْ‬
‫اس ِب ِرَساالَِتي َوب َِكالَ ِمي َف ُخ ْذ َمآ آتَْيتُ َك‬
‫الن ِ‬ ‫طَف ْيتُ َك َعَلى َّ‬ ‫اص َ‬ ‫ِِ‬
‫وس ٰى إّني ْ‬ ‫ٰم َ‬‫ال ي ُ‬ ‫ين * َق َ‬
‫ِ‬
‫ُس ْب َح َان َك تُْب ُت ِإَل ْي َك َوأََن ْا أََّو ُل اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫وُكن ِمن َّ ِ‬
‫الشاك ِر َ‬
‫ين‬ ‫َ ْ َّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫فتسوك فعاتبه هللا على ذلك وأمره‬
‫أتم أنكر خلوف فمه‪ّ ،‬‬ ‫اع ْدنا موسى ثالثين ليلة} قيل‪ :‬أمره بصوم ثالثين فلما ّ‬
‫{وو َ‬
‫َ‬
‫تقرب به في الثالثين‪ ،‬وأنزل إليه التوراة في العشر األخير تتمة األربعين‪.‬‬
‫بزيادة عشر‪ ،‬وقيل‪ :‬أمره بأن يتقرب إليه بما ّ‬
‫فاألول‪ :‬إشارة إلى أنه خلص عن حجاب األفعال والصفات والذات في الثالثين لكن بقي منه بقية ما خلص عن‬
‫وجودها‪ .‬واستعمال السواك إشارة إلى ظهور تلك البقية عند قوله‪{ :‬رب ِأرني أنظر إليك}‪ .‬والثاني‪ :‬إشارة إلى أنه بلغ‬
‫وتم في العشر األخير سلوكه في‬
‫الشهود الذاتي التام في الثالثين بالسلوك إلى هللا ولم يبق منه بقية‪ ،‬بل فنى بالكلية‪ّ .‬‬
‫هللا حتى رزق البقاء باهلل بعد الفناء باإلفاقة‪ ،‬وعلى هذا ينبغي أن يكون قوله‪{ :‬رب أرني أنظر إليك} كان قد صدر‬
‫عنه في الثالثين‪ ،‬واإلفاقة بعدها في تتمة األربعين‪ .‬وكلمة ربه‪ ،‬التكليم في مقام تجلي الصفات‪ ،‬وقوله‪{ :‬رب أرني‬
‫أنظر إليك} بدر عن إفراط شوق منه إلى شهود الذات في مقام فناء الصفات مع وجود البقية‪ .‬و {لن تراني} إشارة إلى‬
‫استحالة اإلثنينية وبقاء األنية في مقام المشاهدة كقوله ‪:‬‬

‫غيبني‬
‫وإن بدا ّ‬ ‫تغيبت بدا‬
‫إذا ّ‬

‫استقر مكانه} أمكنت رؤيتك إياي‪ ،‬وذلك‬


‫ّ‬ ‫{فإن‬
‫وقوله‪ :‬رأيت ربي بعين رّبي {ولكن أنظر إلى الجبل} أي‪ :‬جبل وجودك ْ‬
‫{وخر موسى} عن درجة الوجود فانياً {فلما أفاق}‬
‫من باب التعليق بالمحال {جعله د ّكاً} أي‪ :‬متالشياً ال وجود له أصالً ّ‬
‫بالوجود الموهوب الحقاني عند البقاء بعد الفناء {قال سبحانك} أن تكون مرئياً لغيرك‪ ،‬مدركاً ألبصار الحدثان {تُْبت‬
‫إليك} عن ذنب البقية {وأنا ّأول المؤمنين} بحسب الرتبة ال بحسب الزمان‪ ،‬أي‪ :‬أنا في الصف األول من صفوف‬
‫طَفيتك على الناس‬
‫مراتب األرواح الذي هو مقام أهل الوحدة وذلك مقام االصطفاء المحض‪ .‬وقوله‪{ :‬إني اص َ‬
‫برساالتي} هو أول درجة االستنباء بعد الوالية {فخذ ما آتيتك} بالتمكين {وكن من الشاكرين} باالستقامة في القيام بحق‬
‫"أو ال أكون عبداً شكو اًر ‪".‬‬
‫العبودية‪ ،‬كما قال النبي عليه السالم‪َ :‬‬

‫سورة األعراف (من اآلية ‪ 145‬الى اآلية ‪)146‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َح َسِن َها َسأ ُْوِر ُ‬
‫يك ْم َد َار‬ ‫ْخ ُذوْا ِبأ ْ‬
‫ْم ْر َق ْو َم َك َيأ ُ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َوَكتَْبَنا َل ُه ِفي األَْل َوا ِح ِمن ُك ِّل َش ْي ٍء َّم ْو ِع َ‬
‫ظ ًة َوتَْفصيالً ّل ُك ّل َش ْيء َف ُخ ْذ َها بُقَّوة َوأ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ َّ‬ ‫ين َيتَ َكب َُّرو َن ِفي األ َْر ِ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ض ب َغ ْي ِر اْل َح ِّق َوِإن َي َرْوْا ُك َّل َآية ال ُي ْؤ ِمُنوْا ب َها َوِإن َي َرْوْا َسب َ‬
‫يل‬ ‫ف َع ْن َآياتي الذ َ‬ ‫َص ِر ُ‬ ‫ين * َسأ ْ‬ ‫اْلَفاسق َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ ِ‬
‫يل اْل َغ ِّي َيتَّخ ُذوهُ َسِبيالً ذل َك ِبأََّن ُه ْم َكذُبوْا ِب َآياتَنا َوَك ُانوْا َع ْن َها َغافل َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرْشد الَ َيتَّخ ُذوهُ َسبيالً َوإِن َي َرْوْا َسب َ‬

‫{في األلواح} أي‪ :‬األلواح تفاصيل وجود موسى من روحه وقلبه وعقله وفكره وخياله‪ .‬وإلقاؤها عند الغضب هو‬
‫التحمل لألذى‪ ،‬ثم ينسى عند سورة الغضب وال‬
‫الذهول عنها والتجافي عن حكم ما فيها كما يحكم أحدنا بحسن الحلم و ّ‬
‫بقوة} أي‪ :‬بعزيمة لتكون من أولي العزم {وأمر قومك‬
‫يتذكر شيئاً مما في عقله من علمه عند ظهور نفسه {فخذها ّ‬
‫يأخذوا بأحسنها} أي‪ :‬بالعزائم دون الرخص {سأريكم دار الفاسقين} أي‪ :‬عاقبة الذين ال يأخذون بها‪.‬‬

‫{سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في األرض بغير الحق} ألن التكبر من صفات النفس‪ ،‬فهم في مقام النفس‬
‫محجوبون عن آيات الصفات التي تكون في مقام القلب دون المتكبرين بالحق الذين اتّصفوا بصفة الكبرياء في مقام‬
‫تكبرهم‪ ،‬كما قال جعفر الصادق عليه السالم في جواب من قال له‪ :‬فيك كل‬ ‫المحو والفناء‪ ،‬فقام كبرياؤه تعالى مقام ّ‬
‫فضيلة إال أنك مت ّكبر! فقال‪" :‬لست ِب ُم َت ّكبر‪ ،‬ولكن كبرياء هللا تعالى قام مني مقام الت ّكبر ‪".‬‬

‫سورة األعراف (من اآلية ‪ 147‬الى اآلية ‪)158‬‬

‫َع َماُل ُه ْم َه ْل ُي ْج َزْو َن ِإالَّ َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * َواتَّ َخ َذ َق ْوُم ُمو َس ٰى ِمن َب ْع ِدِه ِم ْن‬
‫ط ْت أ ْ‬ ‫اآلخ َرِة َحِب َ‬‫و َّال ِذين َك َّذبوْا ِبآي ِاتَنا ولَِق ِآء ِ‬
‫َ َ ُ َ َ‬
‫ط ِفي أ َْي ِد ِ‬
‫يه ْم‬ ‫ين * َوَل َّما ُسِق َ‬ ‫ظالم َ‬
‫حلِِي ِهم ِعجالً جسداً َّله خوار أََلم يروْا أََّنه الَ ي َكِّلمهم والَ يه ِدي ِهم سِبيالً اتَّخ ُذوه وَكانوْا َ ِ ِ‬
‫َ َُ ُ‬ ‫ُ ّ ْ ْ َ َ ُ ُ َ ٌ ْ ََ ْ ُ ُ ُ ُ ْ َ َ ْ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس ٰى ِإَل ٰى َق ْو ِمه َغ ْ‬
‫ض َٰب َن‬ ‫ين * َوَل َّما َرَج َع ُم َ‬ ‫ون َّن م َن اْل َخاس ِر َ‬ ‫ضُّلوْا َقاُلوْا َلئن َّل ْم َي ْر َح ْمَنا َربَُّنا َوَي ْغِف ْر َلَنا َلَن ُك َ‬
‫َوَأرَْوْا أََّن ُه ْم َق ْد َ‬
‫ال ْاب َن أ َُّم ِإ َّن اْلَق ْوَم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِكم وأَْلَقى األَْلواح وأَخ َذ ِب أر ِ ِ ِ‬ ‫أ َِسفاً َقال ِب ْئسما َخَلْفتُموِني ِمن ب ْع ِدي أ َ ِ‬
‫ْس أَخيه َي ُجُّرهُ إَل ْيه َق َ‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫َعجْلتُ ْم أ َْم َر َرّب ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ََ‬
‫اغِفر لِي وأل ِ‬ ‫ٰ‬
‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫استَضعُفوِني وَكادوْا يْقُتُل ِ‬
‫َخي َوأ َْد ِخْلَنا‬ ‫َ‬ ‫ال َر ِّب ْ ْ‬ ‫ين * َق َ‬ ‫آء َوالَ تَ ْج َعْلني َم َع اْلَق ْو ِم الظلم َ‬ ‫ونني َفالَ تُ ْشم ْت ِب َي األ ْ‬
‫َع َد َ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫ْ ْ َ‬
‫الد ْنَيا َوَك َذلِ َك‬
‫ياة ُّ‬ ‫اح ِمين * ِإ َّن َّال ِذين اتَّخ ُذوْا اْل ِعجل سيناُلهم غضب ِمن َّرِب ِهم وِذَّل ٌة ِفي اْلح ِ‬ ‫َنت أَرحم َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ ََ ُ ْ َ َ ٌ ّ ّ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫الر َ‬ ‫في َر ْح َمت َك َوأ َ ْ َ ُ‬
‫ور َّرِحي ٌم * َوَل َّما َس َك َت َعن‬ ‫ِ‬ ‫ات ثُ َّم تَابوْا ِمن بع ِدها وآمنوْا ِإ َّن رب ِ‬ ‫السِيَئ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّك من َب ْعد َها َل َغُف ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ َ َ َُ‬ ‫ُ‬ ‫ين َعمُلوْا َّ ّ‬‫َن ْجزِي اْل ُمْفتَ ِري َن * َوالذ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِ‬ ‫َِّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َرُجالً‬ ‫وس ٰى َق ْو َم ُه َس ْبع َ‬‫اختَ َار ُم َ‬ ‫ين ُه ْم لِ َرِّب ِه ْم َي ْرَهُبو َن * َو ْ‬ ‫اح َوِفي ُن ْس َخت َها ُه ًدى َوَر ْح َم ٌة ّللذ َ‬ ‫َخ َذ األَْل َو َ‬
‫ض ُب أ َ‬ ‫وسى اْل َغ َ‬ ‫ُّم َ‬
‫آء ِمَّنآ ِإ ْن ِهي ِإالَّ ِف ْتَنتُ َك‬ ‫َّاي أَتُ ْهلِ ُكَنا ِب َما َف َع َل ُّ‬
‫السَف َه ُ‬
‫ِ‬
‫َهَل ْكتَ ُه ْم ّمن َقْب ُل َوِإي َ‬
‫ِ‬
‫ال َر ِّب َل ْو ش ْئ َت أ ْ‬ ‫الر ْجَف ُة َق َ‬
‫ِ ِ‬
‫ِّلميَقاتَنا َفَل َّما أ َ‬
‫َخ َذ ْت ُه ُم َّ‬
‫َ‬
‫ين * َوا ْكتُ ْب َلَنا ِفي َهـ ِٰذِه ُّ‬
‫الد ْنَيا‬ ‫ِ‬
‫َنت َخ ْي ُر اْل َغاف ِر َ‬ ‫اغف ْر َلَنا َو ْار َح ْمَنا َوأ َ‬
‫ض ُّل ِبها من تَ َشآء وتَه ِدي من تَ َشآء أَنت ولِيَُّنا َف ْ ِ‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫تُ ِ‬
‫َِّ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِِ‬
‫ين َيتَُّقو َن‬ ‫آء َوَر ْح َمتي َوِس َع ْت ُك َّل َش ْيء َف َسأَ ْكتُُب َها للذ َ‬ ‫َش ُ‬ ‫يب ِبه َم ْن أ َ‬ ‫ال َع َذاِبي أُص ُ‬ ‫ِ‬
‫َح َسَن ًة َوِفي اآلخ َرة إَّنا ُه ْدَنـآ إَل ْي َك َق َ‬
‫ون ُه َم ْكتُوباً ِع َند ُه ْم ِفي التَّ ْوَرِاة‬ ‫ِ ِ‬
‫النِب َّي األ ُّم َّي َّالذي َي ِج ُد َ‬‫ول َّ‬‫الرُس َ‬ ‫ين َيتَِّب ُعو َن َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين ُهم ِب َآياتَنا ُي ْؤ ِمُنو َن * الذ َ‬
‫ِ‬ ‫الزَك َّ ِ‬
‫ـاة َوالذ َ‬ ‫َوُي ْؤتُو َن َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ص َرُه ْم‬ ‫ض ُع َع ْن ُه ْم إ ْ‬ ‫اه ْم َع ِن اْل ُم ْن َك ِر َوُيح ُّل َل ُه ُم الطِّيَبات َوُي َحِّرُم َعَل ْي ِه ُم اْل َخَبآئ َث َوَي َ‬ ‫ْم ُرُهم ِباْل َم ْع ُروف َوَي ْن َه ُ‬ ‫َواإل ْنجيل َيأ ُ‬
‫ُنزَل َم َع ُه أ ُْوَلـِٰئ َك ُه ُم اْل ُمْفلِ ُحو َن * ُق ْل‬ ‫ور َّال ِذي أ ِ‬ ‫ص ُروهُ َواتََّب ُعوْا ُّ‬
‫الن َ‬ ‫ِ ِ َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َِّ‬
‫َغالَ َل التي َك َان ْت َعَل ْي ِه ْم َفالذ َ‬
‫آمُنوْا به َو َعزُروهُ َوَن َ‬ ‫ين َ‬ ‫َواأل ْ‬
‫اَّللِ َوَرُسولِ ِه‬ ‫ض ال ِإَلـٰه ِإالَّ هو يحِيـي وي ِميت َف ِ‬
‫آمُنوْا ِب َّ‬ ‫َُ ُ ْ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫َّللا إَل ْي ُك ْم َجميعاً الذي َل ُه ُمْل ُك َّ َ َ َ‬
‫اس ِإِّني َرسول َّ ِ ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫الن ُ‬‫ُّها َّ‬‫ٰيأَي َ‬
‫اَّللِ َوَكلِ َم ِات ِه َواتَِّب ُعوهُ َل َعَّل ُك ْم تَ ْهتَ ُدو َن‬
‫النِب ِي األ ُِّم ِي َّال ِذي ُي ْؤ ِم ُن ِب َّ‬‫َّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫{والذين ك ّذبوا بآياتنا ولقاء اآلخرة} أي‪ :‬ستروا بصفاتهم صفاتنا وبأفعالهم أفعالنا فوقفوا مع اآلثار وعموا عن لقاء‬
‫اآلخرة وجنة النفوس واألفعال {حبطت أعمالهم} ولو كان التكذيب بالصفات مجرداً عن التكذيب بلقاء اآلخرة لما‬
‫حبطت أعمالهم‪ ،‬وإن عذبوا حيناً بنوع من العذاب {سبعين رجالً} من أشرافهم ونجبائهم أهل االستعداد وصفاء النفس‬
‫الص ِ‬
‫اعَق ُة} [الذاريات‪ ،‬اآلية‪.]44 :‬‬ ‫واإلرادة والطلب والسلوك وهم المصعوقون في قوله تعالى‪َ { :‬فأ َ‬
‫َخ َذ ْت ُه ُم َّ‬

‫{فلما أخذتهم الرجفة} أي‪ :‬رجفة جبل البدن التي هي من مبادئ صعقة الفناء عند طيران بوارق األنوار وظهور طوالع‬
‫تجليات الصفات من اقشعرار الجسد وتأثره وارتعاده بها‪ ،‬ولهذا قال موسى عليه السالم عندها‪{ :‬رب لو شئت أهلكتهم‬
‫{رب لو‬
‫من قبل وإياي} إذ ال قول لموسى عليه السالم عند الصعقة وال لهم لفنائهم عندها‪ ،‬وقوله عليه السالم‪ّ :‬‬
‫شئت}‪ ،‬كلمة ضجر وفقدان صبر من غلبة الشوق عند ألم الفراق‪ ،‬كما قال محمد صلى هللا عليه وسلم في مثل هذه‬
‫وهم بإلقاء نفسه عن الجبل‪ .‬ولو هذه للتمني‪.‬‬
‫رب محمد لم يخلق محمداً"‪ّ ،‬‬ ‫الحالة‪" :‬ليت أمي لم َتلدني‪ ،‬وكذا ليت ّ‬
‫منا} من عبادة عجل هوى النفس واالحتجاب‬ ‫{أتُهلِكنا} بطول الحجاب وعذاب الحرمان وألم الفراق {بما فعل السفهاء ّ‬
‫بصفاتها أو بما صدر منا حالة السفه قبل التيقظ واالستبصار وإرادة السلوك وظهور نور البصيرة واالعتبار من‬
‫الوقوف مع النفس وصفاتها {إن هي إال فتنتك} أي‪ :‬ما هذا االبتالء بصفات النفس وعبادة الهوى إال ابتالؤك ال‬
‫{تضل من تشاء} من أهل الحجب والشقاوة والجهل والعمى {وتهدي من تشاء} من أهل السعادة‬ ‫ّ‬ ‫مدخل فيها لغيرك‬
‫والعناية والعلم والهدى‪ ،‬قالها في مقام تجلي األفعال‪{ .‬أنت} متولي أمورنا القائم بها {فاغفر لنا} ذنوب صفاتنا وذواتنا‬
‫كما غفرت لنا ذنوب أفعالنا {وارحمنا} بإفاضة أنوار شهودك ورفع حجاب األينية بوجودك {وأنت خير الغافرين}‬
‫بالمغفرة التامة‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫هدَنا}‬
‫{إنا ْ‬
‫{واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة} العدالة واالستقامة بالبقاء بعد الفناء {وفي اآلخرة حسنة} المشاهدة والزيادة ّ‬
‫رجعنا {إليك} عن ذنوب وجودنا {قال عذابي} أي‪ :‬عذاب الشوق المخصوص بي الحاصل من جهتي‪ ،‬وإن كان أليماً‬
‫صيب به من أشاء} من أهل العناية من عبادي الخاصة بي {ورحمتي‬ ‫لشدة ألم الفراق‪ ،‬لكنه أمر عزيز خطير {أُ ِ‬
‫ّ‬
‫وسعت كل شيء} ال تختص بأحد دون أحد غيره وشيء دون شيء‪ ،‬ففي هذا العذاب رحمة ال يبلغ كنهها وال يقدر‬
‫ِ‬ ‫قدرها من رحمة لذة الوصول التي قال فيها‪َ { :‬فالَ تَعَلم َنْفس َّمآ أ ْ ِ‬
‫ُخف َي َل ُهم ّمن ُقَّرِة أ ْ‬
‫َعُي ٍن} [السجدة‪ ،‬اآلية‪ ]17 :‬مع كونه‬ ‫ْ ُ ٌ‬
‫لذيذاً ال يقاس بل ّذته ل ّذة‪ ،‬كما قال أحدهم‪:‬‬

‫سوى ملذوذ وجدي بالعذاب‬ ‫وكل لذيذ قد نلت منه‬

‫أعز من الكبريت األحمر‪ .‬وأما الرحمة فال يخلو من حظ منها أحد {َف َسأكتُبها} تامة كاملة‬ ‫ولعمري ّ‬
‫إن هذا العذاب ّ‬
‫رحيمية كتبة خاصة {للذين يتّقون} الحجب كلها ويفيضون مما رزقوا من األموال واألخالق والعلوم واألحوال على‬
‫مستحقيها {والذين هم} بجميع صفاتنا يتصفون وهم {الذين يتبعون الرسول النبي األمي} في آخر الزمان‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫{و َما َرَم ْي َت ِإ ْذ َرَم ْي َت َوَلـٰك َّن َّ‬
‫َّللاَ َرَم ٰى} [األنفال‪ ،‬اآلية‪،]17 :‬‬ ‫المحمديون الذين اتّبعوا في التقوى وصفه بقوله تعالى له‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫ط َغ ٰى} [النجم‪ ،‬اآلية‪.]17 :‬‬
‫ص ُر َو َما َ‬
‫غ اْلَب َ‬ ‫{و َما َينط ُق َع ِن اْل َه َو ٰى} [النجم‪ ،‬اآلية‪ ،]3 :‬وقوله تعالى‪َ :‬‬
‫{ما َاز َ‬ ‫وبقوله تعالى‪َ :‬‬
‫ِك َف َحِّد ْث} [الضحى‪ ،‬اآليات‪ ،]11-10 :‬وفي‬ ‫الس ِآئل َفالَ تنهر وأ َّ ِ ِ‬
‫َما ِبن ْع َمة َرّب َ‬ ‫َْ َ ْ َ‬ ‫َما َّ َ‬
‫{وأ َّ‬
‫وفي إيتاء الزكاة قوله تعالى‪َ :‬‬
‫وب ِعثت ألتمم مكارم األخالق‬ ‫ِ‬
‫اإليمان باآليات قوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬أوتيت جوامع الكَلم‪ُ ،‬‬

‫‪".‬‬

‫سورة األعراف (من اآلية ‪ 159‬الى اآلية ‪)178‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫استَ ْسَقاهُ‬ ‫ُمماً َوأ َْو َح ْيَنآ إَل ٰى ُمو َس ٰى إذ ْ‬ ‫َسَباطاً أ َ‬ ‫ُم ٌة َي ْه ُدو َن ِباْل َح ِّق َوبِه َي ْعدُلو َن * َوَقط ْعَن ُ‬
‫اه ُم ا ْثَن َت ْي َع ْش َرَة أ ْ‬ ‫وس ٰى أ َّ‬‫َومن َق ْو ِم ُم َ‬
‫ِ‬
‫ظَّلْلَنا َعَل ْي ِه ُم اْل َغ َم َام َوأ َْن َ ْزلَنا‬ ‫انب َجس ْت ِم ْن ُه ا ْثَنتَا َع ْش َرَة َع ْيناً َق ْد َعلِم ُك ُّل أَُن ٍ‬ ‫ِ‬
‫اض ِرب ّب َع َ‬
‫اس َّم ْش َرَب ُه ْم َو َ‬ ‫َق ْو ُم ُه أ ِ‬
‫َ‬ ‫اك اْل َح َج َر َف َ َ‬ ‫ص َ‬ ‫َن ْ‬
‫اس ُكُنوْا َهـ ِٰذِه‬ ‫يل َل ُه ُم ْ‬
‫ِ‬
‫ظل ُمو َن * َوإِ ْذ ق َ‬
‫ونا وَلـ ِٰكن َك ُانوْا أ َْنُفسهم ي ْ ِ‬
‫َ ُْ َ‬ ‫ظَل ُم َ َ‬ ‫اك ْم َو َما َ‬
‫ات َما َرَزْقَن ُ‬ ‫طِيب ِ‬ ‫ِ‬
‫السْل َو ٰى ُكُلوْا من َ ّ َ‬‫َعَل ْي ِه ُم اْل َم َّن َو َّ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬‫ين * َفَبَّد َل الذ َ‬ ‫اب ُس َّجداً َّن ْغف ْر َل ُك ْم َخط َيئات ُك ْم َسَن ِز ُيد اْل ُم ْحسن َ‬ ‫اْلَق ْرَي َة َوُكُلوْا م ْن َها َح ْي ُث ش ْئتُ ْم َوُقوُلوْا حط ٌة َو ْاد ُخُلوْا اْلَب َ‬
‫ظلِ ُمو َن * َو ْسَئْل ُه ْم َع ِن اْلَق ْرَي ِة َّالِتي َك َان ْت‬ ‫الس َم ِآء ِب َما َك ُانوْا َي ْ‬ ‫يل َل ُه ْم َفأ َْرَسْلَنا َعَل ْي ِه ْم ِر ْج اًز ِّم َن َّ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ظَل ُموْا م ْن ُه ْم َق ْوالً َغ ْي َر الذي ق َ‬ ‫َ‬
‫وهم ِب َما َك ُانوا‬ ‫ِ‬
‫يه ْم َك َذل َك َنْبُل ُ‬ ‫الس ْب ِت ِإ ْذ تَأِْتي ِهم ِحيتَ ُانهم َيوم س ْبِت ِهم ُشَّرعاً وَيوم الَ َيسِبتُو َن الَ تَأِْت ِ‬ ‫اض َرَة اْلَب ْح ِر ِإ ْذ َي ْع ُدو َن ِفي َّ‬ ‫ح ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫ُْ ْ َ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِك ْم َوَل َعَّل ُه ْم َيتَُّقو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ ُم ْهلِ ُك ُه ْم أ َْو ُم َع ّذُب ُه ْم َع َذاباً َشديداً َقاُلوْا َم ْعذ َرًة ِإَل ٰى َرّب ُ‬ ‫ظو َن َق ْوماً َّ‬ ‫ُم ٌة ِّم ْن ُه ْم لِ َم تَ ِع ُ‬
‫َيْف ُسُقو َن * َوإِ ْذ َقاَل ْت أ َّ‬
‫يس ِبما َك ُانوْا يْفسُقو َن * َفَلماَّ‬ ‫اب َبِئ ٍ‬ ‫ظَلموْا ِبع َذ ٍ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ين َ ُ َ‬ ‫َخ ْذَنا الذ َ‬ ‫وء َوأ َ‬ ‫ين َي ْن َه ْو َن َع ِن الس ِ‬
‫ُ‬ ‫َنج ْيَنا الذ َ‬ ‫* َفَلما َن ُسوْا َما ُذ ّك ُروْا ِبه أ َ‬
‫وء‬ ‫اسِئين * وإِ ْذ تأ ََّذن ربُّك َليبعثَ َّن عَلي ِهم ِإَلى يو ِم اْلِقي ِ‬ ‫ِ‬ ‫عتَوْا عن َّما ُنهوْا ع ْنه ُقْلَنا َلهم ُك ُ ِ‬
‫وم ُه ْم ُس َ‬ ‫امة َمن َي ُس ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ َ َ َ َْ َ َ ْ ْ ٰ َْ‬ ‫ونوْا ق َرَد ًة َخ َ‬ ‫ُْ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫َْ َ‬
‫لص ِال ُحو َن َو ِم ْن ُه ْم ُدو َن ٰذِل َك‬ ‫ُمماً ِّم ْن ُه ُم ا َّ‬ ‫ِ‬
‫اه ْم في األ َْرض أ َ‬
‫طعَن ِ‬ ‫َّ‬
‫يم * َوَق ْ ُ‬
‫ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫اب َوإَِّن ُه َل َغُف ٌ‬ ‫َّك َلس ِريع اْل ِعَق ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اْل َع َذاب إ َّن َرب َ َ ُ‬
‫ٰ‬ ‫ِِ‬ ‫ات َلعَّلهم يرِجعو َن * َفخَل ِ‬ ‫السِيَئ ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َهـٰ َذا األ َْدَن ٰى‬ ‫ْخ ُذو َن َع َر َ‬ ‫ف َوِرثُوْا اْل ِكتَ َب َيأ ُ‬ ‫ف من َب ْعده ْم َخْل ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ ْ َْ ُ‬ ‫اه ْم ِباْل َح َسَنات َو َّ ّ‬ ‫َوَبَل ْوَن ُ‬
‫َّللاِ ِإالَّ اْل َح َّق َوَد َرُسوْا‬ ‫ْخ ُذوهُ أََل ْم ُي ْؤ َخ ْذ َعَل ْي ِه ْم ِّمي ٰثَ ُق اْل ِك َٰت ِب أَن الَّ يُِقوُلوْا َعَلى َّ‬ ‫ويُقوُلو َن سي ْغَفر َلنا وإِن يأِْت ِهم عر ِ‬
‫ض ّم ْثُل ُه َيأ ُ‬ ‫َ ُ ُ َ َ َ ْ ََ ٌ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬ ‫الصٰل َ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ما ِف ِ‬
‫َج َر‬
‫يع أ ْ‬ ‫وة إَّنا الَ ُنض ُ‬ ‫اموْا َّ‬ ‫ين ُي َم ّس ُكو َن باْلكتَاب َوأََق ُ‬ ‫ين َيتَُّقو َن أََفالَ تَ ْعقُلو َن * َوالذ َ‬ ‫الد ُار اآلخ َرةُ َخ ْيٌر ّللذ َ‬ ‫يه َو َّ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ظُّنوْا أََّن ُه َواق ٌع به ْم ُخ ُذوْا َمآ َءاتَْيَن ُكم بُقَّوة َوا ْذ ُك ُروْا َما فيه َل َعل ُك ْم تَتَُّقو َن *‬ ‫ِ‬ ‫ظل ٌة َو َ‬ ‫َّ‬ ‫ين * َوإِذ َنتَْقَنا اْل َجَب َل َف ْوَق ُه ْم َكأََّن ُه ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صلح َ‬ ‫اْل ُم ْ‬
‫ِك ْم َقاُلوْا َبَل ٰى َش ِه ْدَنآ أَن تَُقوُلوْا َي ْوَم‬ ‫َش َه َد ُه ْم َعَل ٰى أَ ُنف ِس ِه ْم أََل ْس ُت ِب َرّب ُ‬‫ورِه ْم ُذِّريَّتَ ُه ْم َوأ ْ‬
‫ظ ُه ِ‬ ‫ُّك ِمن َبِني َء َاد َم ِمن ُ‬ ‫َخ َذ َرب َ‬ ‫َوإِ ْذ أ َ‬
‫اؤَنا ِمن َقْب ُل َوُكَّنا ُذِّرَّي ًة ِّمن َب ْع ِد ِه ْم أََفتُ ْهلِ ُكَنا ِب َما َف َع َل اْل ُم ْب ِطُلو َن‬ ‫ين * أ َْو تَُقوُلوْا ِإَّن َمآ أ ْ‬ ‫ِِ‬ ‫اْلِقي ِ‬
‫ك َآب ُ‬ ‫َش َر َ‬ ‫امة ِإَّنا ُكَّنا َع ْن َهـٰ َذا َغافل َ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫اآليات َوَل َعل ُه ْم َي ْرج ُعو َن * َو ْات ُل َعَل ْي ِه ْم َنَبأَ الذي‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬
‫ص ُل َ‬ ‫* َوَكذل َك ُنَف ّ‬

‫ض َواتََّب َع‬ ‫ين * َوَل ْو ِش ْئَنا َل َرَف ْعَناهُ ِب َها َوَلـ ِٰكَّن ُه أ ْ‬
‫َخَل َد ِإَلى األ َْر ِ‬ ‫طان َف َك ِ‬
‫ان م َن اْل َغ ِاو َ‬
‫َ‬ ‫ءاتَْيَناه ء َاي ِاتَنا َف ْانسَل َخ ِم ْنها َفأ َْتَب َع ُه َّ‬
‫الش ْي َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ص‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َ‬‫صص اْلَق َ‬ ‫َه َواهُ َف َمَثُل ُه َك َمَثل اْل َكْلب إن تَ ْحم ْل َعَل ْيه َيْل َه ْث أ َْو تَ ْت ُرْك ُه َيْل َهث ذل َك َمَث ُل اْلَق ْو ِم الذي َن َكذُبوْا ب َآياتَنا َفا ْق ُ‬
‫ضلِ ْل‬ ‫ِ‬ ‫*من َي ْه ِد َّ‬ ‫َنفسهم َك ُانوْا ي ْ ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ن‬ ‫َّ‬
‫َّللاُ َف ُهَو اْل ُم ْه َتدي َو َمن ُي ْ‬ ‫ظل ُمو َن َ‬ ‫َ‬ ‫ين َكذُبوْا ب َآياتَنا َوأ ُ َ ُ ْ‬
‫آء َمثَالً اْلَق ْوُم الذ َ‬
‫َل َعل ُه ْم َيتََفك ُرو َ * َس َ‬
‫َفأُوَلـِٰئك هم اْلخ ِ‬
‫اس ُرو َن‬ ‫ْ َ ُُ َ‬

‫أمة من قوم موسى موحدون {يهدون}‬ ‫أمة} أي‪ :‬أولئك المتّبعون هم المفلحون بالرحمة التامة‪ ،‬و ّ‬
‫{ومن قوم موسى ّ‬
‫{بالحق} ال بأنفسهم {وبه يعدلون} بين الناس في حال االستقامة والتمكين {إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم ّ‬
‫شرعاً‬ ‫ّ‬ ‫الناس‬
‫ويوم ال يسبتون ال تأتيهم} ما كان إال كحال اإلسالميين من أهل زماننا في اجتماع أنواع الحظوظ النفسانية من‬
‫المطاعم و ِ‬
‫المشارب والمالهي والمناكح ظاهرة في األسواق والمواسم والشوارع والمحافل يوم الجمعات دون سائر األيام‪،‬‬
‫وما ذلك إال ابتالء من هللا بسبب الفسق‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األعراف (من اآلية ‪ 179‬الى اآلية ‪)194‬‬

‫ان الَّ َي ْس َم ُعو َن‬ ‫َّ ِ‬


‫ال ُي ْبص ُرو َن ِب َها َوَل ُه ْم آ َذ ٌ‬
‫َّ‬
‫وب ال َيْفَق ُهو َن ِب َها َوَل ُه ْم أ ْ‬
‫َعُي ٌن‬ ‫وَلَق ْد َذ َأرَْنا لِ َجهَّنم َكِثي اًر ِم َن اْل ِج ِّن و ِ‬
‫اإل ْن ِ‬
‫س َل ُه ْم ُقُل ٌ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ين ُيْل ِح ُدو َن ِفي‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف ْاد ُعوهُ ِب َها َوَذ ُروْا الذ َ‬ ‫آء اْل ُح ْسَن ٰى‬ ‫ِب َهآ أ ُْوَلـٰئ َك َكاأل َْن َعا ِم َب ْل ُه ْم أ َ‬
‫َض ُّل أ ُْوَلـٰئ َك ُه ُم اْل َغافُلو َن * َوََّّلل األ ْ‬
‫َس َم ُ‬
‫ين َك َّذُبوْا ِب َٰآيِتَنا َسَن ْستَ ْد ِرُج ُه ْم ِّم ْن‬ ‫َّ ِ‬ ‫ُم ٌة يهدون ِباْلح ِق وب ِ‬
‫ِه َي ْع ِدُلو َن‬ ‫ِ‬ ‫أ ِِ‬
‫* َوالذ َ‬ ‫َس َمآئه َسُي ْج َزْو َن َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * َوم َّم ْن َخَلْقَنآ أ َّ َ ْ ُ َ َ ّ َ‬ ‫ْ‬
‫َّ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * أََوَل ْم‬ ‫ِجَّنة ِإ ْن ُهَو ِإال َنذ ٌير ُّمِب ٌ‬ ‫صاحِب ِه ْم ّمن‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ين * أ ََوَل ْم َيتََفك ُروْا َما ب َ‬ ‫َح ْي ُث الَ َي ْعَل ُمو َن * َوأ ُْملي َل ُه ْم ِإ َّن َك ْيدي َمت ٌ‬
‫َّللا ِمن َشي ٍء وأَن عسى أَن ي ُكون َق ِد ا ْقتَرب أَجُلهم َفِبأ ِ ِ ٍ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي ْن ُ ِ‬
‫َي َحديث َب ْع َدهُ‬ ‫َ َ َ ُْ ّ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ ْ ََ‬ ‫ض َو َما َخَل َق َّ ُ‬ ‫ظ ُروْا في َمَل ُكوت َّ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫طغي ِان ِهم يعمهون * يسأَُلونك ع ِن َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّان ُم ْر َٰس َها ُق ْل ِإَّن َما‬
‫السا َعة أَي َ‬ ‫َْ َ َ َ‬ ‫َّللاُ َفالَ َهاد َي َل ُه َوَي َذ ُرُه ْم ِفي ُ ْ َ ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ضلِ ِل َّ‬ ‫ُي ْؤ ِمُنو َن * َمن ُي ْ‬
‫ون َك َكأََّن َك َحِف ٌّي َع ْن َها ُق ْل‬ ‫ض الَ تَأِْت ُ َّ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِعْلمها ِع ْند ربِي الَ يجّلِ ِ ِ ِ َّ‬
‫يك ْم ِإال َب ْغتَ ًة َي ْسأَُل َ‬ ‫يها ل َوْقت َهآ إال ُه َو ثَُقَل ْت في َّ َ َ َ‬ ‫َُ َ‬ ‫ُ َ َ َّ‬
‫َعَل ُم‬
‫نت أ ْ‬
‫َّللاُ َوَل ْو ُك ُ‬
‫آء َّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫َّ ِ ِ ِ‬ ‫اس الَ َي ْعَل ُمو َن‬ ‫الن ِ‬‫َّللاِ وَلـ ِٰك َّن أَ ْكثَ َر َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ض ّاًر إال َما َش َ‬
‫* ُقل ال أ َْمل ُك لَنْفسي َنْفعاً َوالَ َ‬ ‫إن َما عْل ُم َها ع َند َّ َ‬
‫اح َد ٍة‬
‫سوِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫أََن ْا إال َنذ ٌير َوَبش ٌير ّلَق ْو ٍم ُي ْؤمُنو َن * ُه َو الذي َخَلَق ُك ْم ّمن َّنْف َ‬ ‫وء ِإ ْن‬
‫الس ُ‬‫اْل َغ ْي َب الَ ْس َت ْكثَ ْر ُت ِم َن اْل َخ ْي ِر َو َما َم َّسِن َي ُّ‬
‫صالِحاً‬ ‫ِ‬
‫َّه َما َلئ ْن آتَْيتََنا َ‬ ‫اها َح َمَل ْت َح ْمالً َخِفيفاً َف َمَّر ْت ِب ِه َفَل َّمآ أَ ْثَقَل ْت َّد َعَوا َّ‬
‫َّللاَ َرب ُ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َج َع َل م ْن َها َزْو َج َها لَي ْس ُك َن ِإَل ْي َها َفَلما تَ َغ َّش َ‬
‫َّللاُ َع َّما ُي ْش ِرُكو َن * أَُي ْش ِرُكو َن َما الَ‬ ‫اه َما َفتَ َعاَلى َّ‬ ‫اك ِرين * َفَل َّمآ آتَاهما صالِحاً جعالَ َله ُشرَك ِ‬ ‫ون َّن ِمن َّ ِ‬ ‫َّ‬
‫يمآ آتَ ُ‬ ‫آء ف َ‬‫ََ ُ َ َ‬ ‫َُ َ‬ ‫الش َ‬ ‫لَن ُك َ َ‬
‫وه ْم ِإَلى اْل ُه َد ٰى الَ َيتَِّب ُع ُ‬ ‫ِ‬
‫آء‬
‫وك ْم َسَو ٌ‬ ‫نص ُرو َن * َوإِن تَ ْد ُع ُ‬ ‫يعو َن َل ُه ْم َن ْ‬
‫ص اًر َوآل أ َْنُف َس ُه ْم َي ُ‬ ‫َي ْخُل ُق َش ْيئاً َو ُه ْم ُي ْخَلُقو َن * َوالَ َي ْستَط ُ‬
‫وه ْم َفْلَي ْستَ ِج ُيبوْا َل ُك ْم ِإن ُكنتُ ْم‬ ‫عَلي ُكم أَدعوتُموهم أَم أ َْنتُم ٰص ِمتُون * ِإ َّن َّال ِذين تَ ْدعون ِمن دو ِن َّ ِ ِ‬
‫َّللا عَب ٌاد أ َْمثَاُل ُك ْم َف ْاد ُع ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ ْ ْ َ َْ ُ ُْ ْ ْ َ َ‬
‫ين‬ ‫ِِ‬
‫صادق َ‬ ‫َ‬

‫تقربهم من هللا بالقلوب وعدم االعتبار باألعين واإلذكار‬


‫{أولئك كاألنعام} لفقدان إدراك الحقائق والمعارف التي ّ‬
‫مر‬
‫أضل} لوجود الشيطنة فيهم الموجبة للبعد بفساد العقائد وكثرة المكايد {وهلل األسماء الحسنى} قد ّ‬
‫ّ‬ ‫باألسماع {بل هم‬
‫أن كل اسم هو الذات مع صفة‪ ،‬وهللا يدبر كل أمر باسم من أسمائه {فادعوه} عند االفتقار إلى ذلك االسم به إما‬
‫بلسان الحال كما أن الجاهل إذا طلب العلم يدعوه باسمه العليم‪ ،‬والمريض إذا طلب الشفاء يدعوه باسمه الشافي‪،‬‬
‫والفقير إذا طلب ِ‬
‫الغنى يدعوه باسمه المغني‪ ،‬كل بتحصيل االستعداد الذي استلزم قبوله لتأثير ذلك االسم وأثر تلك‬
‫الصفة‪ .‬وأما بلسان القال كما إذا قال األول‪ :‬يا رب‪ ،‬يريد به يا عليم‪ ،‬الختصاص ربوبيته بذلك االسم‪ .‬والثاني‪ :‬يريد‬
‫بيا رب يا شافي‪ .‬والثالث‪ :‬يا مغني‪ .‬وأما بلسان الفعل كما يدعوه الطالب السالك باتصافه بتلك الصفة فإذا فنى عن‬
‫علمه بعلمه دعاه باسمه العليم‪ ،‬وإذا وجد شفاء دائه منه وطلب منه أن يشفي غيره باتصافه بصفة الشفاء دعاه‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫باسمه‪ :‬الشافي‪ ،‬وإذا استغنى عن فقره به دعاه باسمه‪ :‬الغني‪ .‬وهذه هي الدعوة المأمور بها الموحدون من المؤمنين‬
‫فليمتثلوا‪{ .‬وذروا الذين يلحدون في أسمائه} يطلبون هذه الصفات من غيره ويضيفونها إليه فيشركون به‪.‬‬

‫المراد بالساعة‪ :‬وقت ظهور القيامة الكبرى‪ ،‬أي‪ :‬الوحدة الذاتية بوجود المهدي وال يعلم وقتها إال هللا كما قال النبي‬
‫ّ‬
‫عليه الصالة والسالم في وقت خروج المهدي‪" :‬كذب الوقاتون"‪ ،‬ولعمري ما يعلمها عند وقوعها أيضاً إال هللا كما هي‬
‫قبل وقوعها‪{ .‬ثقلت في السموات واألرض} إذ ال يسع أهلها علمها‪.‬‬

‫{إن الذين تدعون من دون هللا} كائنين من كانوا‪ ،‬ناساً كانوا أو غيرهم {عباد أمثالكم} في العجز وعدم التأثير‬‫ّ‬
‫{فاد ُعوهم} إلى أمر ال ييسره هللا لكم {فليستجيبوا لكم} إلى تيسيره {إن كنتم صادقين} في نسبة التأثير إلى الغير‪ ،‬كما‬
‫ْ‬
‫قال النبي عليه الصالة والسالم البن عباس‪" :‬يا غالم‪ ،‬احفظ هللا يحفظك‪ ،‬احفظ هللا تجده تجاهك‪ .‬وإذا سألت فاسأل‬
‫ّ‬
‫األمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إال بشيء قد كتبه هللا‬
‫أن ّ‬‫هللا‪ ،‬وإذا استعنت فاستعن باهلل‪ .‬واعلم ّ‬
‫لك‪ ،‬ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إال بشيء كتبه هللا عليك‪ُ ،‬رِف َعت األقالم وجفت الصحف"‬

‫‪".‬‬

‫سورة األعراف (من اآلية ‪ 195‬الى اآلية ‪)200‬‬

‫نِ ِ‬ ‫ِ نِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫آء ُك ْم‬
‫َعُي ٌن ُي ْبص ُرو َ ب َهآ أ َْم َل ُه ْم آ َذا ٌن َي ْس َم ُعو َ ب َها ُقل ْاد ُعوْا ُش َرَك َ‬ ‫أََل ُه ْم أ َْر ُج ٌل َي ْم ُشو َن ِب َهآ أ َْم َل ُه ْم أ َْيد َي ْبط ُشو َن ِب َهآ أ َْم َل ُه ْم أ ْ‬
‫ين تَ ْد ُعو َن ِمن ُدوِن ِه الَ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين * َوالذ َ‬
‫َّللا َّال ِذي َنَّزل اْل ِكتَاب وهو يتَوَّلى َّ ِ ِ‬
‫الصالح َ‬ ‫َ َ َُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ـي َّ ُ‬ ‫نظ ُرو ِن * ِإ َّن ولِِي‬
‫ََّ‬
‫ثُ َّم ِكيدو ِن َفالَ تُ ِ‬
‫ُ‬
‫ظرو َن ِإَليك وهم الَ يب ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ُرو َن‬ ‫ْ َ َ ُ ْ ُْ‬ ‫وه ْم ِإَلى اْل ُه َد ٰى الَ َي ْس َم ُعوْا َوتَ َٰرُه ْم َين ُ ُ‬
‫ص ُرو َن * َوإِن تَ ْد ُع ُ‬ ‫ص َرُك ْم َوال أ َْنُف َس ُه ْم َي ْن ُ‬ ‫يعو َن َن ْ‬ ‫َي ْستَط ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ط ِن نزغٌ َفاست ِع ْذ ِب َّ ِ‬ ‫اهلِين * وإِ َّما ينزغَّنك ِمن َّ ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‬
‫يع َعل ٌ‬ ‫اَّلل ِإَّن ُه َسم ٌ‬ ‫َْ‬ ‫الش ْي َ َ ْ‬ ‫َ َََ َ َ‬ ‫ض َع ِن اْل َج َ‬ ‫َع ِر ْ‬‫ْم ْر ِباْل ُع ْرف َوأ ْ‬ ‫* ُخذ اْل َعْف َو َوأ ُ‬

‫{أَل ُهم ْأر ُجل َي ْمشون بها} استفهام على سبيل اإلنكار‪ ،‬أي‪ :‬ألهم أرجل ولكن ال يمشون بها بل باهلل‪ ،‬إذ هو الذي‬

‫الجن واإلنس {ثم كيدون} إن استطعتم ّ‬


‫فإن متولي أمري‬ ‫يمشيهم بها وكذا سائر الجوارح {قل ادعوا شركاءكم} من ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وحافظي ومدبري هو {هللا الذي} يعلمني بتنزيل الكتاب {وهو يتولى} كل صالح‪ ،‬أي‪ :‬كل من قام به في حال‬
‫االستقامة‪ .‬وكلما ورد الصالح في وصف نبي من األنبياء أُريد به الباقي بالحق باالستقامة والتمكين بعد الفناء في‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫عين الجمع القائم بإصالح النوع بإذن الحق {وتراهم ينظرون إليك وهم ال ُي ْبصرون} أي‪ :‬إن تدع المطبوع على قلوبهم‬
‫من المشركين وغيرهم إلى الهدى ال يسمعوا وال يطيعوا وتراهم مع صحة البصر والنظر ال يبصرون الحق وال حقيقتك‬
‫ألنهم عمي القلوب في الحقيقة‪.‬‬

‫أم ْر بالعرف} أي‪ :‬بالوجه الجميل {وأعرض عن‬‫العفو} أي‪ :‬السهل الذي يتيسر لهم وال تكلفهم ما ال يتيسر لهم {و ُ‬
‫{خذ َ‬
‫ُ‬
‫الجاهلين} بعدم مكافأة جهلهم‪ .‬وعن اإلمام جعفر الصادق رضي هللا عنه‪" :‬أمر هللا نبيه بمكارم األخالق وليس في‬
‫القرآن آية أجمع لمكارم األخالق منها"‪ .‬قال ذلك لقوة داللتها على التوحيد‪ ،‬فإن من شاهد مالك النواصي وتصرفه في‬
‫عباده وكونهم فيما يأتون ويذرون به ال بأنفسهم‪ ،‬ال يشاقهم وال يداقهم في تكاليفهم وال يغضب في األمر بالمعروف‬
‫يتشدد عليهم ويحلم عنهم‪{ .‬وإما َي ْنزغنك من الشيطان َن ْزغ} أي‪ :‬نخس وداعية قوية تحملك‬
‫والنهي عن المنكر‪ ،‬وال ّ‬
‫على مناقشتهم برؤية الفعل منهم ونسبة الذنب إليهم {فاستعذ باهلل} بالشهود والحضور لفاعليته {إنه سميع} يسمع‬
‫بالنيات واألسرار‪.‬‬
‫أحاديث النفس ووساوس الشيطان في الصدر {عليم} ّ‬

‫سورة األعراف (من اآلية ‪ 201‬الى اآلية ‪)206‬‬

‫صرو َن * وِإ ْخوانهم يمُّدونهم ِفي اْل َغ ِي ثُ َّم الَ يْق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ط ِ َّ‬ ‫ف ِم َن َّ‬ ‫ِإ َّن َّال ِذين اتََّقوْا ِإ َذا م َّسهم َ ِ‬
‫ص ُرو َن‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ ُُ ْ َُ َُ ْ‬ ‫ان تَ َذك ُروْا َفِإ َذا ُهم ُّم ْب ُ‬ ‫الش ْي َ‬ ‫طائ ٌ ّ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫ص ِآئ ُر ِمن َّرّب ُ‬
‫ِك ْم َو ُه ًدى َوَر ْح َم ًة ّلَِق ْو ٍم‬ ‫ِ ِ‬
‫اجتََب ْيتَ َها ُق ْل ِإَّن َمآ أَتَِّب ُع َما ِي َ‬
‫وح ٰى إَل َّي من َّرّبِي َهـٰ َذا َب َ‬
‫ِ‬
‫* َوإِ َذا َل ْم تَأْت ِه ْم ِب َآية َقاُلوْا َل ْوالَ ْ‬
‫ضُّرعاً َو ِخ َيف ًة َوُدو َن اْل َج ْه ِر‬ ‫ِ‬ ‫َّك ِفي‬ ‫يؤ ِمنو َن * وإِ َذا ُق ِرىء اْلُقرآن َفاستَ ِمعوْا َله وأ ِ‬
‫َنصتُوْا َل َعَّل ُك ْم تُ ْرَح ُمو َن‬
‫َنْفس َك تَ َ‬ ‫* َوا ْذ ُكر َّرب َ‬ ‫َ ْ ُ ْ ُ َُ‬ ‫َ‬ ‫ُْ ُ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ين ِع َند‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِم َن اْلَقو ِل ِباْل ُغ ُد ِو واآلص ِ‬
‫َع ْن عَب َادته َوُي َسِّب ُح َ‬
‫ون ُه َوَل ُه‬ ‫ِك الَ َي ْس َت ْكِب ُرو َن‬
‫َرّب َ‬ ‫ين * ِإ َّن الذ َ‬ ‫ال َوالَ تَ ُك ْن ّم َن اْل َغافل َ‬ ‫ّ َ َ‬ ‫ْ‬
‫َي ْس ُج ُدو َن‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫مسهم طائف} لمسة {من الشيطان} بنسبة الفعل إلى الغير {تذكروا} مقام التوحيد‬
‫{إن الذين اتّقوا} الشرك {إذا ّ‬
‫ّ‬
‫ومشاهدة األفعال من هللا {فإذا هم مب ِ‬
‫صرون} فعالية هللا‪ ،‬فال يبقى شيطان وال فاعل غير هللا في نظرهم‪ .‬وإخوان‬ ‫ُْ‬
‫{يمدونهم} في نسبة الفعل إلى غيره فال يقصرون من العناد والمراء والجهل {لوال ْ‬
‫اجتََبيتها}‬ ‫الشياطين من المحجوبين ّ‬
‫أي‪ :‬هال اجتمعتها من تلقاء نفسك {قل إنما أتّبع ما ُيوحى إلي من رّبي} أي‪ :‬ال افتعل بنفسي‪ ،‬بل أبلغ عن هللا وال‬
‫ّ‬
‫أقول إال ما يوحى إلي منه به ألني قائم به ال بنفسي {فاستمعوا له} أي‪ :‬إلى هللا وال تستمعوا إال منه {وأنصتوا} عن‬
‫ّ‬
‫فإن المتكلم به هو هللا {لعّلكم تُ ْر َحمون} برحمة تجلي المتكلم في كالمه بصفاته وأفعاله {واذكر‬ ‫حديث النفس وغيره‪ّ ،‬‬
‫ضرعاً} في‬ ‫ول َّ ِ‬
‫ان َل ُكم ِفي رس ِ‬ ‫َّ‬
‫ُس َوةٌ َح َسَن ٌة} [األحزاب‪ ،‬اآلية‪{ .]21 :‬تَ َ‬
‫َّللا أ ْ‬ ‫َُ‬ ‫ربك} حاض اًر {في نفسك} كقوله تعالى‪{ :‬لَق ْد َك َ ْ‬
‫الج ْهر} أي‪ :‬دون أن‬ ‫ِ‬
‫مقام التفصيل للجمع {وخ َيفة} في السر من النفس أو خيفة أن يكون للنفس فيه نصيب {ودون َ‬
‫يظهر لك التضرع والذكر منك‪ ،‬بل تكون ذاك اًر به له في ّ‬
‫غدو ظهور نور الروح وإشراقه وغلبته‪ ،‬وآصال غلبات‬
‫صفات النفس وقواها {وال تكن} في حال من األحوال‪ ،‬وخصوصاً حال غلبات النفس وصفاتها {من الغافلين} عن‬
‫شهود الوحدة الذاتية‪.‬‬

‫عبادِته} بسبب احتجابهم باألنائية‬‫يستَ ْكبرون عن َ‬


‫{إن الذين عند رّبك} بالتوحيد والفناء فيه باقين به ذوي االستقامة {وال ْ‬
‫ّ‬
‫ينزهونه عن الشرك بنفي األنائية {وله َي ْسجدون} بالفناء‬
‫{ويسبحونه} ّ‬
‫ّ‬ ‫بل يشاهدون التفصيل في عين الجمع فيذعنون له‬
‫التام‪ ،‬وطمس البقية‪ ،‬وآثار األينة‪ ،‬وهللا الباقي بعد فناء الخلق ‪.‬‬

‫سورة األنفال (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)4‬‬

‫ِ‬
‫َّللاَ َوَرُسوَل ُه ِإن ُكنتُم ُّم ْؤ ِمن َ‬
‫َّللا وأَصلِحوْا َذات ِبيِن ُكم وأ ِ‬ ‫َنفال ََِّّللِ و َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين *‬ ‫َطي ُعوْا َّ‬ ‫َ ْ ْ َ‬ ‫الرُسول َفاتَُّقوْا َّ َ َ ْ ُ‬ ‫ون َك َع ِن األ َْنَفال ُقل األ َ ُ َ‬ ‫َي ْسأَُل َ‬
‫يمناً وعَلى رب ِِهم يتَوَّكُلو َن * َّال ِذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ين ِإ َذا ُذ ِكر َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫يمو َن‬
‫ين ُيق ُ‬
‫َ‬ ‫وب ُه ْم َوِإ َذا ُتلَي ْت َعَل ْيه ْم َء َايتُ ُه َزَاد ْت ُه ْم إ َٰ َ َ ٰ َ ّ ْ َ َ‬
‫َّللاُ َوجَل ْت ُقُل ُ‬ ‫َ‬ ‫ِإَّن َما اْل ُم ْؤ ِمُنو َن الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصٰلوة و ِم َّما رَزْقناهم ي ِنفُقون * أُولـِٰئك هم اْلمؤ ِمنون حّقاً َّلهم درج ٌ ِ‬
‫ات ع َند َرِّبه ْم َو َم ْغف َرةٌ َوِرْز ٌق َك ِر ٌ‬
‫يم‬ ‫ْ َ ُُ ُ ْ ُ َ َ ُ ْ َ َ َ‬ ‫َ َ ُْ ُ َ‬ ‫َّ َ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{يسألونك عن األنفال} احتجبوا بأفعالهم فاعترضوا على فعل هللا ورسوله‪ ،‬أي‪ :‬فعل هللا في مظهر الرسول‪ ،‬فأمروا‬
‫بتقوى األفعال‪ ،‬أي‪ :‬االجتناب عنها برؤية فعل هللا‪ ،‬وإصالح ذات البين بمحو صفات النفوس التي هي مصادر‬
‫أفعالهم الموجبة للتنازع والتخالف حتى يرجعوا إلى اإللفة والمحبة القلبية بظهور أنواع الصفات {وأطيعوا هللا ورسوله}‬
‫بفناء صفاتها ليتيسر لكم قبول األمر باإلرادة القلبية‪.‬‬

‫{إن كنتم مؤمنين} اإليمان الحقيقي {إنما المؤمنون} باإليمان الحقيقي {الذين إذا ُذ ِك َر هللا} ذكر الصفات الذي للقلب ال‬
‫بتصور العظمة والبهاء والقهر والكبرياء وإشراق أنوار تجليات تلك‬ ‫ّ‬ ‫ذكر األفعال الذي للنفس {و ِجَل ْت قلوبهم} تأثرت‬
‫الصفات عليها {وإذا ُتلَِيت عليهم آياته} أي‪ :‬جليت عليهم صفاته في المظاهر الكالمية {زادتهم إيماناً} حقيقياً بالترقي‬
‫عن مقام العلم إلى العين {وعلى رّبهم يتوكلون} أي‪ :‬يصححون مقام التوكل بفناء األفعال ويتممونه في مقام فناء‬
‫الصفات‪ .‬فإن تصحيح كل مقام إنما يتم بالترقي عنه والنظر إليه من مقام فوقه‪{ .‬الذين ُيِقيمون} صالة الحضور‬
‫القلبي بمشاهدة الصفات والترقي فيها بتجلياتها {ومما رزقناهم} من علوم التوكل في مقام فناء األفعال أو علوم تجليات‬
‫{ي ْنِفقون} بالعمل بها واإلفاضة على مستحقيها‪{ .‬أولئك هم المؤمنون حقاً} اإليمان الحقيقي‬
‫الصفات في السير فيها ُ‬
‫جنات القلب {ومغفرة} من ذنوب األفعال {ورزق كريم} من باب‬
‫{لهم درجات عند ربهم} من مراتب الصفات وروضات ّ‬
‫تجليات الصفات وعلومها ‪.‬‬

‫سورة األنفال (من اآلية ‪ 5‬الى اآلية ‪)6‬‬

‫َّن َكأََّن َما ُي َساُقو َن‬ ‫َخرجك ربُّك ِمن بيِتك ِباْلح ِق وإِ َّن َف ِريقاً ِمن اْلمؤ ِمِنين َل َك ِارهو َن * يج ِادُل َ ِ‬
‫ون َك في اْل َح ِّق َب ْع َد َما تََبي َ‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ َ ُْ َ‬ ‫َْ َ َ ّ َ‬ ‫َك َمآ أ ْ َ َ َ َ َ‬
‫ِإَلى اْل َم ْو ِت َو ُه ْم َين ُ‬
‫ظ ُرو َن‬

‫{كما أخرجك} أي‪ :‬هذه الحال ‪ -‬يعني حالهم في االعتراض عليك في باب التنقيل ‪ -‬كحالهم في االعتراض عليك‬
‫عند إخراج رّبك إياك ألنهم لما احتجبوا عن فعل هللا بأفعالهم أروا الفعلين منك فكرهوا خروجك كما كرهوا تنفيلك وما‬
‫فطنوا إلخراج رّبك إياك {من َب ْيتك بالحق} أي‪ :‬ملتبساً بالحق‪ ،‬خارجاً به ال بنفسك‪ ،‬فيكون بالحق حاالً من مفعول‪:‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫لون َك في الحق} الحتجابهم بأفعالهم وصفاتهم {بعدما‬ ‫ِ‬
‫أخرجك‪ ،‬أو خروجاً ملتبساً بالذي هو الصواب والحكمة {يجاد َ‬
‫تبين} عليك حاله بالتجلي أو تبين عليهم آثاره بالمعجزات من قبل‪ ،‬أو بإعالمك إياهم بأن النصرة لهم ‪.‬‬

‫سورة األنفال (من اآلية ‪ 7‬الى اآلية ‪)10‬‬

‫الح َّق ِب َكلِ َم ِات ِه‬ ‫ِ‬


‫َّللاُ أَن ُيح َّق َ‬‫الش ْوَك ِة تَ ُكو ُن َل ُك ْم َوُي ِر ُيد َّ‬
‫ات َّ‬‫َن َغير َذ ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫َوإِ ْذ َي ِع ُد ُك ُم َّ‬
‫َّللاُ ِإ ْح َدى الطآئَفت ْي ِن أََّن َها َل ُك ْم َوتََوُّدو َن أ َّ ْ َ‬
‫اب َل ُك ْم أَِّني‬ ‫طع داِبر اْل َك ِاف ِرين * لِي ِح َّق اْلح َّق ويب ِطل اْلب ِ‬
‫اط َل َوَل ْو َك ِرَه اْل ُم ْج ِرُمو َن * ِإ ْذ تَ ْستَ ِغيثُو َن َرب ُ‬
‫استَ َج َ‬
‫َّك ْم َف ْ‬ ‫َ َ ُْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َوَيْق َ َ َ َ‬
‫َّللاِ ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ‬ ‫ص ُر ِإالَّ ِم ْن ِع ِند َّ‬ ‫وب ُك ْم َو َما َّ‬
‫الن ْ‬
‫َّللا ِإالَّ ب ْشر ٰى ولِت ْ ِ ِ‬
‫ط َمئ َّن ِبه ُقُل ُ‬ ‫ين * َو َما َج َعَل ُه َّ ُ ُ َ َ َ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ُممُّد ُك ْم ِبأَْلف ّم َن اْل َمالئ َكة ُم ْرِدف َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َع ِز ٌيز َحك ٌ‬
‫يم‬

‫أمدهم بها‪.‬‬
‫{ويريد هللا أن يحق الحق بكلماته} أي‪ :‬يثبته بمالئكته السماوية التي ّ‬

‫{إذ تستغيثون ربكم} بالبراءة عن حولكم ّ‬


‫وقوتكم إليه واالنسالخ عن حجب أفعالكم بتيقن أن التأثير والقوة منه ال منكم‬
‫التجرد عن مالبس األفعال وصفات النفس بـ {أني ُم ِمدكم} من عالم‬
‫ّ‬ ‫{فاستَ َجاب} دعوتكم عند ذلك‬
‫عدوكم ْ‬
‫وال من ّ‬
‫ِ‬
‫{بألف من المالئكة} بعالم من ملكوت القهر‪ ،‬أي‪ :‬من القوى السماوية وروحانياتها‬ ‫الملكوت لجنسية قلوبكم إياها حينئذ‬
‫مرت اإلشارة إليه في (آل عمران) واختالف العدد في الموضعين إما ألن‬
‫التي تناسب قلوبكم في تلك الحالة كما ّ‬
‫يدل على اتباعهم بطائفة أخرى منهم وإمدادهم إما بأن‬
‫المراد الكثرة ال العدد المخصوص وإما ألن قوله‪{ :‬مردفين} هنا ّ‬
‫يتجسدوا ويتمثلوا لهم بصورة المقاتلة كما تتمثل الصور في المنام مثالً‪ ،‬فيتهيبوا منهم‪ ،‬وإما بأن يصل أثرهم وقهرهم‬
‫إليه فيهلكوا وينهزموا‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫التجرد عن مالبس النفس‬
‫ّ‬ ‫{وما} جعل {هللا} اإلمداد {إال} بشارة لكم بالنصر وطمأنينة لقلوبكم باالتصال بها عند‬
‫{إن هللا}‬
‫فإن النصر ليس {إالّ من عند هللا} لكن حكمته تقتضي تعليق األشياء بأسبابها ّ‬
‫وأحوالها‪ ،‬ال أن النصر منها ّ‬
‫قوي على النصر غالب {حكيم} يفعله على مقتضى الحكمة‪.‬‬

‫سورة األنفال (من اآلية ‪ 11‬الى اآلية ‪)23‬‬

‫ِ‬ ‫َّللا رمى ولِيبلِي اْلمؤ ِمِنين ِم ْنه بالء حسناً ِإ َّن َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وه ْم َوَلـ ِٰك َّن َّ‬
‫يم *‬ ‫يع َعل ٌ‬ ‫َّللاَ َسم ٌ‬ ‫َّللاَ َقَتَل ُه ْم َو َما َرَم ْي َت إ ْذ َرَم ْي َت َوَلـٰك َّن َّ َ َ َ ٰ َ ُْ َ ُ ْ َ ُ َ ً َ َ‬ ‫َفَل ْم تَْقُتُل ُ‬
‫ان َولَِي ْربِ َ‬
‫طِ‬ ‫نكم ِر ْج َز َّ‬ ‫السم ِآء مآء ّلِي َ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫النعاس أ ِ‬ ‫ِإ ْذ ُي َغ ِّش ُ‬
‫ِك ْم‬
‫ط َعَل ٰى ُقُلوب ُ‬ ‫الش ْي َ‬ ‫ط ّه َرُك ْم به َوُي ْذه َب َع ُ ْ‬ ‫َمَن ًة ّم ْن ُه َوُيَنِّزُل َعَل ْي ُكم ّمن َّ َ َ ً ُ‬
‫يك ُم ُّ َ َ َ‬
‫الر ْع َب‬
‫ين َكَف ُروْا ُّ‬ ‫الئ َك ِة أَِني مع ُكم َفثَِبتُوْا َّال ِذين آمنوْا سأُْلِقي ِفي ُقُل ِ َّ ِ‬
‫وحي ربُّك ِإَلى اْلم ِ‬ ‫ويثَِب َت ِب ِه األَْق َدام * ِإ ْذ ي ِ‬
‫وب الذ َ‬ ‫َ َُ َ‬ ‫ّ ََ ْ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َُ ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬
‫ان * ذل َك بأََّن ُه ْم َشآقواْ َّ‬ ‫ِ‬
‫اض ِرُبوْا م ْن ُه ْم ُك َّل َبَن ٍ‬ ‫َعَن ِ‬
‫َّللاَ َشد ُيد‬ ‫َّللاَ َوَرُسوَل ُه َو َمن ُي َشاق ِق َّ‬
‫َّللاَ َوَرُسوَل ُه َفإ َّن َّ‬ ‫اق َو ْ‬ ‫اض ِرُبوْا َف ْو َق األ ْ‬
‫َف ْ‬
‫ُّ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫الن ِار * ٰيأَي َّ ِ‬ ‫اب * ٰذلِ ُكم َف ُذوُقوه وأ َّ ِ ِ‬ ‫اْل ِعَق ِ‬
‫وه ُم األ َْدَب َار‬
‫ين َكَف ُروْا َز ْحفاً َفالَ تَُول ُ‬ ‫آمُنوْا ِإ َذا َلقيتُ ُم الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫اب َّ‬ ‫ين َع َذ َ‬ ‫َن لْل َكاف ِر َ‬ ‫َُ‬ ‫ْ‬
‫َّللاِ ومأْواه جهَّنم وِب ْئس اْلم ِ‬ ‫ال أَو متَحِي اًز ِإَلى ِفَئ ٍة َفَق ْد بآء ِب َغ ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ٍِ‬
‫ص ُير *‬ ‫ضب ّم َن َّ َ َ َ ُ َ َ ُ َ َ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫* َو َمن ُي َوّلِ ِه ْم َي ْو َمئذ ُدُب َرهُ ِإال ُمتَ َحِّرفاً ّلِقتَ ٍ ْ ُ َ ّ ٰ‬
‫ودوْا َن ُع ْد َوَلن تُ ْغِني‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٰذلِ ُك ْم َوأ َّ‬
‫َ‬ ‫آء ُك ُم اْلَف ْت ُح َوإِن تَنتَ ُهوْا َف ُهَو َخ ْيٌر ل ُك ْم َوإِن تَ ُع ُ‬
‫ين * إن تَ ْستَْفت ُحوْا َفَق ْد َج َ‬
‫ِ‬ ‫َّللاَ ُموِه ُن َك ْيد اْل َكاف ِر َ‬ ‫َن َّ‬
‫َّللاَ َوَرُسوَل ُه َوالَ تََوَّل ْوا َع ْن ُه َوأ َْنتُ ْم تَ ْس َم ُعو َن‬
‫يعوْا َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا مع اْلمؤ ِمِنين * ٰيأَي َّ ِ‬ ‫َع ْن ُك ْم ِفَئتُ ُك ْم َش ْيئاً َوَل ْو َكثَُر ْت َوأ َّ‬
‫آمُنوْا أَط ُ‬ ‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َن َّ َ َ َ ُ ْ َ‬
‫ين الَ َي ْعِقُلو َن * َوَل ْو َعلِ َم‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّللاِ ُّ‬
‫الص ُّم اْلُب ْك ُم الذ َ‬ ‫اب ِع َند َّ‬ ‫الدو ِّ‬ ‫ِ‬
‫ين َقاُلوا َسم ْعَنا َو ُه ْم الَ َي ْس َم ُعو َن * إ َّن َشَّر َّ َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ونوْا َكالذ َ‬ ‫* َوالَ تَ ُك ُ‬
‫َّ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫ضو َن‬ ‫َس َم َع ُه ْم َلتََولوْا َّو ُه ْم ُّم ْع ِر ُ‬‫َس َم َع ُه ْم َوَل ْو أ ْ‬
‫َّللاُ فيه ْم َخ ْي اًر أل ْ‬

‫هدو القوى البدنية والصفات النفسانية بنزول السكينة أمناً من عند هللا وطمأنينة {وينزل عليكم‬
‫{إذ يغشيكم} نعاس ّ‬
‫{وي ْذهب عنكم رجز}‬
‫من} سماء الروح {ماء} علم اليقين {ليطهركم به} من خبث أحاديث النفس وهواجس الوهم ُ‬
‫وسوسة {الشيطان} وتخويفه {وليربط على قلوبكم} أي‪ :‬ليقوي قلوبكم بقوة اليقين ويسكن جأشكم {ويثبت به األقدام} إذ‬
‫الشجاعة وثبات القدم في المخاوف والمهالك ال تكون إال بقوة اليقين‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يمد الملكوت بالجبروت فيعلموا من عالم الجبروت أن هللا ناصرهم {فثبتوا‬
‫{إذ يوحي ربك إلى المالئكة أني معكم} أي‪ّ :‬‬
‫الذين آمنوا} بالتأييد االتصالي {سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب} النقطاعهم عن اإلمداد السماوي والتأييد اإللهي‬

‫{فاضربوا فو َق ْ‬
‫األعَناق} أي‪ :‬ثبتوهم بتلقين هذا المعنى‪ ،‬وشجعوهم بإلقاء هذا القول‬ ‫وقوة الوهم عليهم ْ‬
‫واستيالء الشك ّ‬
‫عليهم أو بإراءتهم هذا الفعل منكم كما هو المروي‪.‬‬

‫{فلم تَْقتلوهم} ّأدبهم وهداهم إلى فناء األفعال بسلب األفعال عنهم وإثباتها هلل تعالى‪ .‬ولما كان النبي عليه الصالة‬
‫ْ‬
‫والسالم في مقام البقاء بالحق نسب الفعل إليه بقوله‪{ :‬إذ رميت} مع سلبه عنه بما رميت وإثباته هلل بقوله‪{ :‬ولكن هللا‬
‫رمى} ليفيد معنى التفصيل في عين الجمع‪ ،‬فيكون الرامي محمداً باهلل تعالى ال بنفسه‪ ،‬وما نسب إليهم من الفعل شيئاً‬
‫{إن هللا‬
‫إذ لو فعلوا لفعلوا بأنفسهم {وليبلي المؤمنين منه بالء حسناً} أي‪ :‬عطاء جميالً هو توحيد األفعال فعل ذلك ّ‬
‫سميع} بأحاديث نفوسكم‪ّ ،‬أنا قتلناهم {عليم} بأنه هو القاتل وإن أظهر الفعل على مظاهركم {وال تولوا عنه وأنتم‬

‫تَ ْس َمعون} اي‪ :‬ال تعرضوا عنه مع السماع ّ‬


‫ألن أثر السماع الفهم والتصديق‪ ،‬وأثر الفهم اإلرادة‪ ،‬وأثر اإلرادة الطاعة‪،‬‬
‫فال يصح دعوى السماع مع اإلعراض إذ هما ال يجتمعان‪ ،‬فالزموا الطاعة باإلرادة إن كنتم صادقين في دعوى‬
‫السماع {وال تكونوا كالذين} يدعون السماع وليسوا منه في شيء لكونهم محجوبين عن الفهم والقبول كالدواب‪ ،‬بل هم‬
‫مر‪.‬‬
‫شر الدواب عند هللا‪ ،‬لما ّ‬
‫ّ‬

‫{ولو علم هللا فيهم خي اًر} وصالحاً‪ ،‬أي‪ :‬استعداداً لقبول كمال سمعهم حتى فهموا وقبلوا وأطاعوا {ولو أسمعهم} مع‬
‫عدم الخير فيهم حتى فهموا لما كان لفهمهم أثر من اإلرادة والطاعة‪ ،‬بل ّتولوا سريعاً لكون ذلك الفهم فيهم أم اًر‬
‫عارضياً سريع الزوال ال ذاتياً {وهم معرضون} بالذات‪ ،‬فال يلبث فيهم الفهم واإلرادة كما قال أمير المؤمنين رضي هللا‬
‫فإن الحكمة لتتلجلج في صدر المنافق حتى تسكن إلى صواحبها في صدر‬
‫عنه‪" :‬خذ الحكمة ولو من أهل النفاق‪ّ ،‬‬
‫المؤمن"‪ ،‬أي‪ :‬ال تثبت في صدره لكونها عارضية هناك ال تناسب ذاته‪.‬‬

‫سورة األنفال (من اآلية ‪ 24‬الى اآلية ‪)25‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ول َب ْي َن اْل َم ْرِء َوَقْلِب ِه َوأََّن ُه ِإَل ْي ِه تُ ْح َش ُرو َن‬
‫َّللاَ َي ُح ُ‬
‫َن َّ‬‫اعَل ُموْا أ َّ‬ ‫اكم لِ َما ُي ْحِي ُ‬
‫يك ْم َو ْ‬ ‫ين آمُنوْا استَ ِجيبوْا ََِّّللِ ولِ َّلرس ِ‬
‫ول ِإ َذا َد َع ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ ُ‬
‫ٰيأَي َّ ِ‬
‫ُّها الذ َ َ‬ ‫َ‬
‫َّللا َش ِد ُيد اْل ِعَقابِ‬ ‫اعَل ُموْا أ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫* َواتُقوْا ف ْتَن ًة ال تُص َيب َّن الذ َ‬
‫َن َّ َ‬ ‫آص ًة َو ْ‬
‫نك ْم َخ َّ‬‫ظَل ُموْا م ُ‬
‫ين َ‬

‫{استَ ِجيبوا} بالتزكية والتصفية {إذا دعاكم لما} يحيي قلوبكم من العلم الحقيقي أو آمنوا‬
‫{يا أيها الذين آمنوا} بالغيب ْ‬
‫اإليمان التحقيقي‪ ،‬استجيبوا بالسلوك إلى هللا وفيه إذا دعاكم إليه إلحيائكم به‪ .‬هذا إذا كانت استجابة هللا والرسول‬
‫استجابة واحدة‪ ،‬أما إذا كانت متغايرة فمعناه‪ :‬استجيبوا هلل بالباطن واألعمال القلبية‪ ،‬وللرسول بالظاهر واألعمال‬
‫النفسية‪ ،‬أو استجيبوا هلل بالفناء في الجمع‪ ،‬وللرسول بمراعاة حقوق التفصيل إذا دعاكم إلى االستقامة لما يحييكم من‬
‫البقاء باهلل فيها‪ ،‬كل ذلك قبل زوال االستعداد فإن هللا يحول بين المرء وقلبه بزوال االستعداد وحصول الحجاب‬
‫بارتكاب الرين‪ ،‬فانتهزوا الفرصة وال تؤخروا االستجابة {وأنه إليه تُ ْحشرون} فيجازيكم من صفاته وذاته على حسب‬
‫محوكم وفنائكم‪.‬‬

‫تصيبن} تلك الفتنة {الذين ظلموا منكم} بإزالة االستعداد أو نقصه الستعماله في غير‬
‫ّ‬ ‫{واتّقوا فتنة} شركاً وحجاباً {ال‬
‫موضعه وصرفه فيما دون الحق {خاصة} النفرادهم بالظلم‪ .‬ومعنى ال تصيبن النهي‪ ،‬أي‪ :‬إن تصب تصبهم خاصة‪،‬‬
‫ُخ َر ٰى} [األنعام‪ ،‬اآلية‪ ،]164 :‬ويجوز أن يكون المعنى‪ :‬ال تصيبنهم خاصة‪ ،‬بل‬ ‫{والَ تَ ِزُر َو ِازَرةٌ ِوْزَر أ ْ‬
‫كقوله تعالى‪َ :‬‬
‫ظ َه َر اْلَف َس ُاد ِفي اْلَبِّر َواْلَب ْح ِر ِب َما‬
‫تشملهم وغيرهم بشؤم صحبتهم وتعدي رذيلتهم إلى من يخالطهم كقوله تعالى‪َ { :‬‬
‫أن هللا شديد العقاب} بتسليط الهيآت الظلمانية التي اكتسبتها القلوب‬
‫اس} [الروم‪ ،‬اآلية‪{ ،]41 :‬واعلموا ّ‬ ‫َك َسَب ْت أ َْي ِدي َّ‬
‫الن ِ‬
‫عليها وحجبها عنه وتعذيبها بها ‪.‬‬

‫سورة األنفال (من اآلية ‪ 26‬الى اآلية ‪)33‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الطِيب ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫نِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫ص ِِره َوَرَزَق ُك ْم ّم َن ّ َ‬ ‫ِ‬
‫اك ْم َوأَي ََّد ُكم بَن ْ‬
‫اس َف َآو ُ‬ ‫الن ُ‬‫طَف ُكم َّ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫ض َعُفو َ في األ َْرض تَ َخا ُفو َ أَن َيتَ َخ ُ‬ ‫َوا ْذ ُك ُروْا ِإ ْذ أَنتُ ْم َقل ٌ‬
‫يل ُّم ْستَ ْ‬
‫اعَل ُموْا أََّن َمآ أ َْم َواُل ُك ْم‬ ‫َّللا وا َّلرسول وتَخونوْا أ ِ‬ ‫َلعَّل ُكم تَ ْش ُكرون * ٰيأَي َّ ِ‬
‫َم َانات ُك ْم َوأ َْنتُ ْم تَ ْعَل ُمو َن * َو ْ‬‫ونوْا َّ َ َ ُ َ َ ُ ُ َ‬ ‫آمُنوْا الَ تَ ُخ ُ‬
‫ين َ‬
‫ُّها الذ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نك ْم َسّيَئات ُك ْم َوَي ْغف ْر‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َّللاَ َي ْج َعل ل ُك ْم ُف ْرَقاناً َوُي َكّف ْر َع ُ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫امُنوْا إن تَتُقوْا َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوأ َْوالَ ُد ُك ْم ف ْتَن ٌة َوأ َّ‬
‫ين َء َ‬ ‫ُّها الذ َ‬ ‫يم * ٰيأَي َ‬ ‫َجٌر َعظ ٌ‬‫َّللاَ ع َندهُ أ ْ‬
‫َن َّ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ‬
‫َّللاُ َو َّ‬‫وك َوَي ْم ُك ُرو َن َوَي ْم ُك ُر َّ‬ ‫وك أ َْو ُي ْخ ِرُج َ‬ ‫وك أ َْو َيْقُتُل َ‬ ‫ض ِل اْل َعظي ِم * َوإِ ْذ َي ْم ُك ُر ِب َك الذ َ‬
‫ين َكَف ُروْا لُي ْثِبتُ َ‬ ‫َّللاُ ُذو اْلَف ْ‬ ‫َل ُك ْم َو َّ‬
‫اك ِرين * وِإ َذا تُْتَلى عَلي ِهم آياتُنا َقاُلوْا َقد س ِمعنا َلو ن َشآء َلُقْلنا ِم ْثل هـٰ َذا ِإن هـٰ َذآ ِإالَّ أَس ِ‬ ‫ِ‬
‫* َوِإ ْذ َقاُلوْا‬ ‫ين‬‫األََّوِل َ‬ ‫اط ُير‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َْ ْ َ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫ٰ َْ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َخ ْي ُر اْل َم َ‬
‫لُِي َع ِّذَب ُه ْم‬ ‫َّللاُ‬
‫ان َّ‬‫َك َ‬ ‫اب أَلِي ٍم * َو َما‬ ‫السم ِآء أ َِو ا ْئِتَنا ِبع َذ ٍ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َفأ َْمط ْر َعَل ْيَنا ح َج َارًة ّم َن َّ َ‬
‫ِ ِِ‬
‫ان َهـٰ َذا ُه َو اْل َح َّق م ْن عند َ‬
‫َّ‬
‫الل ُه َّم ِإن َك َ‬
‫َّللاُ ُم َع ِّذَب ُه ْم َو ُه ْم َي ْستَ ْغِف ُرو َن‬
‫ان َّ‬ ‫وأ ِ‬
‫َنت في ِه ْم َو َما َك َ‬
‫َ َ‬

‫يتخطف ُكم‬
‫َ‬ ‫{م ْستَضعفون في} أرض النفس {تخافون أن‬
‫{واذكروا إذ أنتم قليل} القدر‪ ،‬لجهلكم وانقطاعكم عن نور العلم ُ‬
‫الحسية لضعف نفوسكم {فآواكم} إلى مدينة العلم {وأيدكم بنصره} في مقام توحيد األفعال‬
‫ّ‬ ‫الناس} أي‪ :‬ناس القوى‬
‫ونوا هللا}‬ ‫{ورزقكم من} طيبات علوم تجليات الصفات {لعلكم تشكرون} نعمة العلوم والتجليات بالسلوك فيه‪{ .‬ال ُ‬
‫تخ ُ‬
‫بنقض ميثاق التوحيد الفطري السابق {و} تخونوا {الرسول} بنقض العزيمة ونبذ العقد الالحق {وتخونوا أماناتكم} من‬
‫المعارف والحقائق التي استودع هللا فيكم بحسب االستعداد األول في األزل بإخفائها بصفات النفس {وأنتم تعلمون}‬
‫أمَوالكم وأوالدكم ِف ْتَنة} أي‪ :‬حجاب لكم‬
‫اعَلموا أنما ْ‬ ‫أنكم حاملوها‪ ،‬أو تعلمون ّ‬
‫أن الخيانة من أسوأ الرذائل وأقبحها‪{ .‬و ْ‬
‫بالتجرد عنها ومراعاة حق‬
‫ّ‬ ‫عظيم} فاطلبوه‬
‫ٌ‬ ‫أجر‬
‫أن هللا عنده ٌ‬ ‫كحب هللا {و ّ‬
‫الشتغالكم بها عن هللا‪ ،‬أو شرك لمحبتكم إياها ّ‬
‫هللا فيها‪.‬‬

‫{إن تتقوا هللا} باالجتناب عن نقض العهد وفسخ العزيمة وإخفاء األمانة ومحبة األموال واألوالد حتى تفنوا فيه {يجعل‬
‫لكم فرقاناً} نو اًر يفرق به بين الحق والباطل من طور العقل الفرقاني {ويكفر عنكم سيئاتكم} أي‪ :‬سيئات نفوسكم‬
‫{ويغفر لكم ذنوبكم} أي‪ :‬ذنوب ذواتكم {وهللا ذو الفضل العظيم} بإعطاء الوجود الموهوب الحقاني والعقل الفرقاني‪.‬‬

‫{وما كان هللا ليعذبهم وأنت فيهم} ألن العذاب صورة الغضب وأثره فال يكون إال من غضب النبي أو من غضب هللا‬
‫ِ ِ‬ ‫َّ‬
‫اك ِإال َر ْح َم ًة ّلْل َعاَلم َ‬
‫ين}‬ ‫{و َمآ أ َْرَسْلَن َ‬
‫المسبب من ذنوب األمة‪ ،‬والنبي عليه السالم كان صورة الرحمة لقوله تعالى‪َ :‬‬
‫[األنبياء‪ ]107 :‬ولهذا إذ كسروا رباعيته قال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬اللهم اهد قومي فإنهم ال يعلمون"‪ ،‬ولم يغضب‬
‫ِ‬ ‫{ر ِب الَ تَ َذر عَلى األَر ِ ِ‬
‫ض م َن اْل َكاف ِر َ‬
‫ين َديَّا اًر} [نوح‪ ،‬اآلية‪ ]26 :‬فوجوده فيهم مانع‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫كما غضب نوح عليه السالم‪ ،‬وقال‪ّ َّ :‬‬
‫فإن السبب األولي للعذاب لما كان وجود الذنب‪ ،‬واالستغفار مانع من تراكم‬ ‫من نزول العذاب‪ ،‬وكذا وجود االستغفار‪ّ .‬‬
‫الذنب وثباته بل يوجب زواله فال يتسبب لغضب هللا‪ ،‬فما دام االستغفار فيهم فهم ال يعذبون‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األنفال (من اآلية ‪ 34‬الى اآلية ‪)40‬‬

‫آؤهُ ِإالَّ اْل ُمتَُّقو َن َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثَ َرُه ْم الَ‬ ‫ِِ‬ ‫َو َما َل ُه ْم أَالَّ ُي َع ِّذَب ُه ُم َّ‬
‫آءهُ ِإ ْن أ َْولَِي ُ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاُ َو ُه ْم َي ُ ُّ ن ِ‬
‫صدو َ َعن اْل َم ْسجد اْل َح َار ِم َو َما َك ُانوْا أَ ْولَي َ‬
‫ين َكَف ُروْا ُي ِنفُقو َن‬ ‫َّ ِ‬ ‫يعَلمون * وما َكان صالَتُهم ِعند اْلبي ِت ِإالَّ م َكآء وتَ ِ‬
‫اب ِب َما ُكنتُ ْم تَ ْكُف ُرو َن * ِإ َّن الذ َ‬ ‫صدَي ًة َف ُذوُقوْا اْل َع َذ َ‬ ‫ُ ً َ ْ‬ ‫َ َ َ َ ُ ْ َ َْ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫ين َكَف ُروْا ِإَل ٰى َج َهَّن َم ُي ْح َش ُرو َن * لَِي ِم َيز‬ ‫َّ ِ‬ ‫يل َّ ِ‬
‫َّللا َف َسُي ِنفُق َ‬
‫ون َها ثُ َّم تَ ُكو ُن َعَل ْي ِه ْم َح ْس َرًة ثُ َّم ُي ْغَلُبو َن َوالذ َ‬ ‫أَمواَلهم لِيصُّدوْا َعن سِب ِ‬
‫َ‬ ‫َْ ُ ْ َ ُ‬
‫ض َفيرُكمه ج ِميعاً َفيجعَله ِفي جهَّنم أُوَلـِٰئك هم اْلخ ِ‬ ‫يث ِمن َّ‬
‫الطِّي ِب َوَي ْج َع َل اْل َخِب َ‬
‫اس ُرو َن * ُقل‬ ‫َ َ َ ْ َ ُُ َ‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫ض ُه َعَل ٰى َب ْع ٍ َ ْ َ ُ َ‬ ‫يث َب ْع َ‬ ‫َّللاُ اْل َخِب َ َ‬‫َّ‬
‫وه ْم َحتَّ ٰى الَ تَ ُكو َن ِف ْتَن ٌة‬ ‫ِ‬ ‫َِّ ِ‬
‫ين * َوَقاتُل ُ‬ ‫ض ْت ُسَّن ُت األََّولِ َ‬ ‫ودوْا َفَق ْد َم َ‬ ‫ف َوإِ ْن َي ُع ُ‬ ‫ين َكَف ُروْا ِإن َينتَ ُهوْا ُي َغَف ْر َل ُه ْم َّما َق ْد َسَل َ‬
‫للذ َ‬
‫َّللاَ َم ْوالَ ُك ْم ِن ْع َم اْل َم ْوَل ٰى َوِن ْع َم‬
‫َن َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ين ُكُّل ُه َِّللِ َفِإ ِن ْانتَ َه ْوْا َفِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ ِب َما َي ْع َمُلو َن َبص ٌير * َوإِن تََول ْوْا َف ْ‬
‫اعَل ُموْا أ َّ‬ ‫وي ُكون ِ‬
‫الد ُ‬
‫ََ َ ّ‬
‫الن ِ‬
‫ص ُير‬ ‫َّ‬

‫{وما لهم أال يعذبهم هللا} أي‪ :‬ليس عدم نزول العذاب لعدم استحقاقهم لذلك بحسب أنفسهم‪ ،‬بل إنهم مستحقون‬
‫وصدهم المستعدين عن مقام القلب وعدم بقاء الخيرية فيهم ولكن يمنعه وجودك ووجود المؤمنين‬
‫ّ‬ ‫بذواتهم لصدورهم‬
‫المستغفرين معك فيهم‪ .‬واعلم أن الوجود اإلمكاني يتبع الخير الغالب‪ ،‬ألن الوجود الواجبي هو الخير المحض‪ ،‬فما‬
‫الشر لم تبق المناسبة فلزم استئصاله وإعدامه‬
‫رجح خيره على شره فهو موجود بوجوده بالمناسبة الخيرية‪ ،‬وإذا غلب ّ‬
‫تفرقوا ما بقي‬
‫فهم ما داموا على الصورة االجتماعية كان الخير فيهم غالباً فلم يستحقوا الدمار بالعذاب‪ .‬وأما إذا ّ‬
‫{واتَُّقوْا‬
‫شرهم إال خالصاً فوجب تدميرهم كما وقع في وقعة بدر‪ .‬ومن هذا يظهر تحقيق المعنى الثاني في قوله تعالى‪َ :‬‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫الشر على المجموع حينئذ‪ ،‬ولهذا قال أمير‬
‫آص ًة} [األنفال‪ ،‬اآلية‪ ]25 :‬لغلبة ّ‬
‫نك ْم َخ َّ‬
‫ظَل ُموْا م ُ‬ ‫ف ْتَن ًة ال تُص َيب َّن الذ َ‬
‫ين َ‬
‫فرِف َع أحدهما وبقي اآلخر‪ .‬فأما الذي ُرِف َع فهو رسول هللا صلى هللا‬
‫المؤمنين عليه السالم‪" :‬كان في األرض أمانان‪ُ ،‬‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وأما الذي بقي فاالستغفار" وق أر هذه اآلية‪.‬‬

‫{يصدون عن المسجد الحرام} صورة لصدودهم وإعراضهم عن معناه الذي هو القلب بالركون إلى النفس وصفاتها‪،‬‬
‫ّ‬
‫المستعدين عنه بإغرائهم على األمور النفسانية والل ّذات الطبيعية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وصدهم‬
‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{وما كانوا أولياءه} لبعدهم عن الصفة وغلبة ظلمة النفس واستيالء صفاتها عليهم‪ ،‬واحتجابهم عنه بالكفر المستفاد من‬

‫الدين {إن أولياؤه إالّ المتقون} الذين اتّقوا صفات النفس وأفعالها {ولكن أكثرهم ال يعلمون} ّ‬
‫أن البيت صورة القلب الذي‬
‫هو بيت هللا بالحقيقة فال يستحق واليته إال أهل التقوى من الموحدين دون المشركين‪.‬‬

‫سورة األنفال (من اآلية ‪ 41‬الى اآلية ‪)42‬‬

‫اَّللِ‬
‫آم ْنتُ ْم ِب َّ‬ ‫ين و ْاب ِن َّ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫واعَلموا أََّنما غِنمتم ِمن شي ٍء َفأ َّ ِ ِ‬
‫السبيل إن ُكنتُ ْم َ‬ ‫ام ٰى َواْل َم َساك ِ َ‬ ‫َن ََّّلل ُخ ُم َس ُه َول َّلرُسول َولذي اْلُق ْرَب ٰى َواْلَيتَ َ‬ ‫َ ْ ُ َ َ ْ ُْ ّ َ ْ‬
‫َّللاُ َعَل ٰى ُك ِّل َشي ٍء َق ِد ٌير * ِإ ْذ أَنتُ ْم ِباْل ُع ْدَوِة ُّ‬
‫الد ْنَيا َو ُهم ِباْل ُع ْدَوِة‬ ‫َنزلَنا َعَل ٰى َع ْب ِدَنا َي ْوم اْلُف ْرَق ِ‬
‫ان َي ْوم اْلتََقى اْل َج ْم َع ِ‬
‫ان َو َّ‬ ‫َو َمآ أ َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ان َمْف ُعوالً ِّلَي ْهِل َك َم ْن َهَل َك َعن‬ ‫نكم وَلو تَواعدتُّم الَ ْخَتَلْفتُم ِفي ال ِميع ِاد ولـ ِٰكن ِليق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص َو ٰى َو َّ‬
‫َّللاُ أ َْم اًر َك َ‬
‫ضي َّ‬
‫ْ َ َ َ َّْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َسَف َل م ُ ْ َ ْ َ َ ْ‬ ‫الرْك ُب أ ْ‬ ‫اْلُق ْ‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫بِين ٍة ويحيى من ح َّي عن بِين ٍة وإِ َّن َّ ِ‬
‫يع َعل ٌ‬ ‫َّللاَ َل َسم ٌ‬ ‫َّ َ َ َ ْ َ ٰ َ ْ َ َ َّ َ َ‬

‫فأن هلل ُخ ْمسه} إلى قوله‪{ :‬وهللا شديد العقاب} ال يقبل التأويل بحسب ما ورد فيه من‬
‫{واعلموا أنما غنمتم من شيء ّ‬
‫(الواقعة) وإن شئت تطبيقه على تفاصيل وجودك أمكن أن نقول‪ :‬واعلموا أيها القوى الروحانية أنما َغنمتم من العلوم‬
‫النافعة والشائع المبني عليها اإلسالم في قوله‪ُ :‬بِني اإلسالم على خمس‪ ،‬فإن هلل خمسه‪ ،‬وهو شهادة أن ال إله إالّ هللا‬
‫ّ‬
‫الق ْربى} الذي هو السر‪ ،‬ويتامى العاقلة النظرية‬
‫ُ‬ ‫{ولذي‬ ‫القلب‬ ‫ولرسول‬ ‫الجمعي‬ ‫التوحيد‬ ‫باعتبار‬ ‫هللا‪،‬‬ ‫أن محمداً رسول‬
‫وّ‬
‫القوة الكفرية‪ ،‬ومساكين القوى النفسانية {و ْابن السبيل} الذي هو النفس السالكة الداخلة في الغربة الجائبة‬
‫والعملية‪ ،‬و ّ‬
‫منازل السلوك‪ ،‬النابية عن مقرها األصلي باعتبار التوحيد التفصيلي في العالم النبوي‪ .‬واألخماس األربعة الباقية تقسم‬
‫على الجوارح واألركان والقوى الطبيعية {إن كنتم آمنتم} اإليمان الحقيقي {باهلل} جمعاً‪{ ،‬وما أنزلنا على عبدنا يوم‬
‫الفرقان} وقت التفرقة بعد الجمع تفصيالً {يوم التقى الجمعان} من فريقي القوى الروحانية والنفسانية عند الرجوع إلى‬
‫مشاهدة التفصيل في الجمع‪.‬‬

‫{إذ أنتم بالعدوة الدنيا} من مدينة العلم ومحل العقل الفرقاني {وهم بالعدوة القصوى} أي‪ :‬الجهة السفلية البعيدة من‬
‫الحق ومحل العلم وركب القوى الطبيعية الممتازة للقوى النفسانية {أسفل منكم} أي‪ :‬من الفريقين {ولو تواعدتم} اللقاء‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫للمحاربة من طريق العقل والحكمة دون طريق الرياضة والوحدة {الختلفتم في الميعاد} لكون ذلك صعباً حينئذ‪ ،‬موجباً‬
‫مقد اًر‪ ،‬محققاً عنده‪ ،‬واجباً وقوعه فعل ذلك {ليهلك من هلك عن‬
‫للفشل والجبن {ولكن ليقضي هللا أم اًر كان مفعوالً} ّ‬
‫مجردة عنه متصلة‬
‫حي عن ّبينة} هي كونها ّ‬ ‫ّبينة} هي كونها مالزمة للبدن الواجب الفناء منطبعة فيه {ويحيا من‬
‫ّ‬
‫بعالم القدس الذي هو معدن الحياة الحقيقية الدائم البقاء‪.‬‬

‫سورة األنفال (من اآلية ‪ 43‬الى اآلية ‪)49‬‬

‫الص ُد ِ‬ ‫َّللا سَّلم ِإَّنه علِيم ِب َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫امك َقلِيالً وَلو أَر َ ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يكهم َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ور *‬ ‫ات ُّ‬ ‫اك ُه ْم َكثي اًر لَفشْلتُ ْم َوَلتََن َاز ْعتُ ْم في األ َْم ِر َوَلـٰك َّن َّ َ َ َ ُ َ ٌ‬ ‫َْ َ‬ ‫َّللاُ في َمَن َ‬ ‫إ ْذ ُير َ ُ ُ‬
‫َّللا أَم اًر َكان مْفعوالً وِإَلى َّ ِ‬ ‫يكموهم ِإ ِذ اْلتََقيتُم ِفي أَعيِن ُكم َقلِيالً ويَقِّلُل ُكم ِفي أ ِ ِ ِ ِ‬
‫ُّها‬
‫ور * ٰيأَي َ‬ ‫َّللا تُ ْر َج ُع األ ُُم ُ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫َعُينه ْم لَيْقض َي َّ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َُ ْ‬ ‫ُْ ْ‬ ‫ْْ‬ ‫َوِإ ْذ ُي ِر ُ ُ ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫َّال ِذين آمُنوْا ِإ َذا َلِقيتُم ِفَئ ًة َفا ْثبتُوْا وا ْذ ُكروْا َّ ِ َّ َّ‬
‫َّللاَ َوَرُسوَل ُه َوالَ تََن َازُعوْا َفتَْف َشُلوْا َوتَ ْذ َه َب‬ ‫َّللاَ َكثي اًر ل َعل ُك ْم تُْفَل ُحو َن * َوأَط ُ‬
‫يعوْا َّ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫َّللاِ‬ ‫اس ويصُّدو َن َعن سِب ِ‬ ‫ط اًر وِرَئ َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصاِب ِرين * والَ تَ ُك ُ َّ‬ ‫اصِب ُروْا ِإ َّن َّ‬
‫يل َّ‬ ‫َ‬ ‫آء الن َ َ ُ‬ ‫ين َخ َر ُجوْا من دَيارهم َب َ َ َ‬ ‫ونوْا َكالذ َ‬ ‫َ‬ ‫َّللاَ َم َع َّ َ‬ ‫ِر ُ‬
‫يح ُك ْم َو ْ‬
‫اس َوإِِّني َج ٌار َّل ُك ْم َفَل َّما‬ ‫ال الَ َغالِ َب َل ُكم اْلَي ْوم ِم َن َّ‬
‫الن ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َع َماَل ُه ْم َوَق َ‬
‫ان أ ْ‬‫طُ‬ ‫َّن َلهم َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫َّللاُ ِب َما َي ْع َمُلو َن ُم ِحي ٌ‬
‫ط * َوإِ ْذ َزي َ ُ ُ‬ ‫َو َّ‬
‫َّللا َش ِد ُيد اْل ِعَق ِ‬
‫اب * ِإ ْذ‬ ‫ان ن َكص عَلى عِقبي ِه وَقال ِإِّني ب ِر ِ‬ ‫تَر ِ ِ‬
‫َّللاَ َو َّ ُ‬
‫اف َّ‬
‫َخ ُ‬‫يء ّم ْن ُك ْم ِإَّني أ ََر ٰى َما الَ تَ َرْو َن ِإَّني أ َ‬
‫َ ٌ‬ ‫آءت اْلفَئتَ ِ َ َ َ ٰ َ َ ْ َ َ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الء د ُين ُه ْم َو َمن َيتََوَّك ْل َعَلى َّ‬
‫َّللا َفِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬
‫يُقول اْلمن ِافُقو َن و َّالذين ِفي ُقُلوبِ ِهم َّمرض َغَّر هـٰؤ ِ‬
‫َّللاَ َع ِز ٌيز َحك ٌ‬
‫يم‬ ‫َُ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ َُ‬

‫{إ ْذ ُي ِريكهم هللا} أيها القلب في منام تعطل الحواس الظاهرة ّ‬


‫وهدوا القوى البدنية قليلي القدر‪ ،‬ضعاف الحال {ولو‬
‫َأراكهم كثي اًر} في حال غلبة صفات النفس {لفشلتم ولتنازعتم} في أمر كسرها وقهرها النجذاب كل منكم إلى جهة‬

‫سلم} عن الفشل والتنازع بتأييده وعصمته {وال تكونوا} ككفرة القوى النفسانية الذين {خرجوا من} ديار ّ‬
‫مقارهم‬ ‫{ولكن هللا َ‬
‫ومحالهم وحدودهم {بط اًر ورئاء الناس} وإظها اًر للجالدة على الحواس‪.‬‬

‫{وإذ زّين لهم} شيطان الوهم {أعمالهم} في التغلب على مملكة القلب وقواه {وقال ال َغالِ َب لكم اليوم من الناس}‬
‫أمدكم‬
‫وأوهمهم تحقيق أمنيتهم بأن بصرهم أن ال غالب عليهم من ناس الحواس فكذا سائر القوى‪{ .‬وإني جار لكم} ّ‬
‫وأقويكم وأمنعكم من ناس القوى الروحانية {فلما تراء ْت ِ‬
‫الفَئتَان نكص على عقبيه} لشعوره بحال القوى الروحانية‬ ‫َ‬ ‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وغلبتها لمناسبته إياها بإدراك المعاني‪{ .‬وقال إني بريء منكم} ألني لست من جنسكم {إني أرى} من المعاني ووصول‬
‫المدد إليهم من سماء الروح وملكوت عالم القدس {ما ال ترون إني أخاف هللا} لشعوري ببعض أنواره وقهره {وهللا شديد‬
‫يدي"‪ .‬وهذا هو الدستور‬‫العقاب} وفيه إشارة إلى قول سيد المرسلين‪" :‬لكل أحد شيطان‪ ،‬ولكن شيطاني أسلم على ّ‬
‫واألنموذج في أمثال ذلك إن أراد مريد تطبيق القصص على أحواله‪ ،‬لكني قلما أعود إلى مثله بعد هذا لقلة الفائدة إال‬
‫في تصوير طريق السلوك وتخييل المبتدئ ما هو بصدده لتنشيطه في الترقي والعروج وهللا الهادي‪.‬‬

‫سورة األنفال (من اآلية ‪ 50‬الى اآلية ‪)52‬‬

‫يق * ٰذِل َك ِب َما َقَّد َم ْت أ َْي ِد ُ‬


‫يك ْم‬ ‫اب اْل َح ِر ِ‬ ‫ض ِرُبو َن ُو ُج َ‬
‫وه ُه ْم َوأ َْدَب َارُه ْم َوُذوُقوْا َع َذ َ‬
‫ِ‬
‫َكَف ُروْا اْل َمالئ َك ُة َي ْ‬ ‫ين‬ ‫َّ ِ‬
‫َوَل ْو تَ َر ٰى ِإ ْذ َيتََوَّفى الذ َ‬
‫ات َّ ِ‬ ‫ِ ٰ‬
‫َّللاَ َق ِو ٌّي َش ِد ُيد‬
‫َّللاُ ِب ُذُنوب ِِه ْم ِإ َّن َّ‬
‫َخ َذ ُه ُم َّ‬
‫َّللا َفأ َ‬
‫آل ِفرعون و َّال ِذين ِمن َقبلِ ِهم َكَفروْا ِبآي ِ‬
‫ْ ْ ُ َ‬ ‫ْب ِ ْ َ ْ َ َ َ‬ ‫* َك َدأ ِ‬ ‫ظَّل ٍم ّلِْل َعِب ِيد‬
‫َّللاَ َل ْي َس ب َ‬ ‫َوأ َّ‬
‫َن َّ‬
‫اْل ِعَق ِ‬
‫اب‬

‫مر توفي المالئكة وأنه ال يكون إال لمن هو في مقام النفس‪ ،‬فإن كان من‬
‫{ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا المالئكة} ّ‬
‫العصاة ومن غلب عليه صفات النفس من الغضب والحقد والشهوة والحرص وأمثال ذلك من رذائل األخالق توفتهم‬
‫مالئكة القهر والعذاب مما يناسب هيئات نفوسهم {يضربون وجوههم} الحتجابهم عن عالم األنوار وإعراضهم عنها‪،‬‬
‫وشدة انجذابهم إلى البدن و عالم الطبيعة ولهيئات الشهوة‬ ‫ولهيئات ِ‬
‫الكبر والعجب والنخوة فيها {و ْأدَبارهم} لميلهم ّ‬
‫وا لحرص والشره {وذوقوا عذاب الحريق} أي‪ :‬حريق الحرمان واستيالء نيران التعب والطلب مع الفقدان الكتسابهم تلك‬
‫الهيئات الموجبة لذلك وإن كان من أهل الطاعة ومن غلبت عليه أنوار صفات القلب من الرأفة والرحمة والسالمة‬
‫القوتين السبعية والبهيمية دون فضيلة القوة النطقية فإنه حينئذ يكون صاحب قلب‬ ‫والقناعة وأمثال ذلك من فضائل ّ‬
‫الم َعَل ْي ُك ُم ْاد ُخُلوْا اْل َجَّن َة ِب َما ُك ْنتُ ْم تَ ْع َمُلو َن} [النحل‪ ،‬اآلية‪:‬‬ ‫طِّيِب َ‬
‫ين َيُقوُلو َن َس ٌ‬ ‫ليس في مقام النفس توفتهم مالئكة الرحمة { َ‬
‫‪ ]32‬لمناسبة هيئات نفوسهم تلك الروحانيات من العالم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األنفال (من اآلية ‪ 53‬الى اآلية ‪)71‬‬

‫آل ِف ْرَع ْو َن‬


‫ْب ِ‬‫يع َعلِيم * َك َدأ ِ‬ ‫َن َّ ِ‬
‫َّللاَ َسم ٌ ٌ‬ ‫َّللاَ َل ْم َي ُك ُم َغِّي اًر ِّن ْع َم ًة أ َْن َع َم َها َعَل ٰى َق ْو ٍم َحتَّ ٰى ُي َغِّي ُروْا َما ِبأ َْنُف ِس ِه ْم َوأ َّ‬ ‫ٰذلِ َك ِبأ َّ‬
‫َن َّ‬
‫َّللاِ‬
‫اب ِع َند َّ‬ ‫الدو ِّ‬ ‫ِ‬ ‫َغرْقنآ آل ِفرعو َن وُك ٌّل َكانوْا َ ِ ِ‬ ‫َهَل ْكَن ُ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫و َّال ِذ ِ ِ‬
‫ين * إ َّن َشَّر َّ َ‬
‫ظالم َ‬ ‫ُ‬ ‫اه ْم ب ُذُنوبِه ْم َوأ ْ َ َ َ ْ َ َ‬ ‫بآيات َرِّب ِه ْم َفأ ْ‬ ‫ين من َقْبل ِه ْم َكذُبوْا َ‬ ‫َ َ‬
‫ضو َن َع ْه َد ُه ْم ِفي ُك ِّل َمَّرٍة َو ُه ْم الَ َيتَُّقو َن * َفِإ َّما تَ ْثَقَفَّن ُه ْم ِفي‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ين َكَف ُروْا َف ُه ْم الَ ُي ْؤ ِمُنو َن‬ ‫َّ ِ‬
‫اه ْد َّت م ْن ُه ْم ثُ َّم َينُق ُ‬
‫ين َع َ‬
‫* الذ َ‬ ‫الذ َ‬
‫َّللاَ الَ ُي ِح ُّب‬ ‫َلعَّلهم ي َّذ َّكرو َن * وإِ َّما تَخا َف َّن ِمن َقو ٍم ِخيان ًة َف ْانِب ْذ ِإَلي ِهم عَلى سو ٍ‬
‫آء ِإ َّن َّ‬ ‫اْل َح ْر ِب َف َشِّرْد ِب ِهم َّم ْن َخْلَف ُه ْم‬
‫ْ ْ َ ٰ ََ‬ ‫ْ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ َ ُ‬
‫اط اْل َخْي ِل‬‫طعتُم ِمن ُقَّوٍة و ِمن ِرب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬
‫َ َّ‬ ‫استَ َ ْ ْ ّ‬ ‫ين َكَف ُروْا َسَبُقوْا إَّن ُه ْم الَ ُي ْعج ُزو َن * َوأَعُّدوْا َل ُه ْم َّما ْ‬ ‫ين * َوالَ َي ْح َسَب َّن الذ َ‬ ‫الخائن َ‬ ‫َ‬
‫ف ِإَل ْي ُك ْم‬ ‫َّللاِ ُيَو َّ‬ ‫َّللا يعَلمهم وما تُ ِنفُقوْا ِمن َشي ٍء ِفي سِب ِ‬
‫يل َّ‬ ‫َ‬ ‫ين من ُدوِن ِه ْم الَ تَ ْعَل ُم َ‬
‫ون ُه ُم َّ ُ َ ْ ُ ُ ْ َ َ‬
‫َّللاِ وعدَّوُكم وآخ ِر ِ‬ ‫ِ‬
‫تُ ْرِهُبو َن ِبه َع ْدَّو َّ َ َ ُ ْ َ َ َ‬
‫ْ‬
‫وك َفِإ َّن‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ ِإَّنه هو َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ظَل ُمو َن * َوإِن َجَن ُحوْا لِ َّ‬
‫يم * َوإِن ُي ِر ُيدوْا أَن َي ْخ َد ُع َ‬ ‫يع اْل َعل ُ‬
‫السم ُ‬ ‫اجَن ْح َل َها َوتََوك ْل َعَلى َّ ُ ُ َ‬ ‫لسْل ِم َف ْ‬ ‫َوأ َْنتُ ْم الَ تُ ْ‬
‫ض َج ِميعاً َّمآ أََّلَف ْت َب ْي َن ُقُلوب ِِه ْم‬ ‫َنفْق َت ما ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ص ِِره َوبِاْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫َّللا ُهو َّال ِذي أَي ََّد َ ِ‬
‫ف َب ْي َن ُقُلوِبه ْم َل ْو أ َ َ‬ ‫ين * َوأَل َ‬ ‫ك بَن ْ‬ ‫َح ْسَب َك َّ ُ َ‬
‫النِب ُّي َحِّر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫النِب ُّي َح ْسُب َك َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وَلـ ِٰك َّن َّ َّ‬
‫ض‬ ‫ُّها َّ‬‫ين * ٰيأَي َ‬ ‫َّللاُ َو َم ِن اتََّب َع َك م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫ُّها َّ‬
‫يم * ٰيأَي َ‬‫ف َب ْيَن ُه ْم إَّن ُه َع ِز ٌيز َحك ٌ‬
‫َّللاَ أَل َ‬ ‫َ‬
‫ين َكَف ُروْا ِبأََّن ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صاِب ُرو َن َي ْغلُِبوْا مَئتَْي ِن َوإِن َي ُك ْن ّم ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ِإن َي ُكن ّم ُ‬ ‫ين َعَلى اْلِقتَ ِ‬ ‫ِ‬
‫نك ْم ّمَئ ٌة َي ْغلُبوْا أَْلفاً ّم َن الذ َ‬ ‫نك ْم ع ْش ُرو َن َ‬ ‫اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫نك ْم أَْل ٌ‬
‫ف‬ ‫صاِب َرةٌ َي ْغلُِبوْا ِمَئتَ ْي ِن َوإِن َي ُكن ِّم ُ‬ ‫يكم ضعفاً َفِإن ي ُكن ِم ُ ِ‬
‫نك ْم ّمَئ ٌة َ‬ ‫َ ْ ّ‬ ‫َن ف ُ ْ َ ْ‬
‫نكم وعلِم أ َّ ِ‬
‫َّللاُ َع ُ ْ َ َ َ‬
‫ف َّ‬ ‫اآلن َخَّف َ‬
‫َق ْوٌم ال َيْفَق ُهو َن * َ‬
‫َّ‬

‫ض‬ ‫ض تُ ِر ُيدو َن َع َر َ‬ ‫َس َر ٰى َحتَّ ٰى ُي ْث ِخ َن ِفي األ َْر ِ‬ ‫ين * ما َك َ ِ ِ‬


‫ان لَنب ٍّي أَن َي ُكو َن َل ُه أ ْ‬ ‫َ‬ ‫الصاِب ِر َ‬‫َّللاُ َم َع َّ‬ ‫َّللاِ َو َّ‬
‫َي ْغلُِبوْا أَْلَف ْي ِن ِبِإ ْذ ِن َّ‬
‫يم * َف ُكُلوْا ِم َّما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا ع ِزيز ح ِكيم * َّلوالَ ِكتاب ِمن َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب َعظ ٌ‬ ‫يمآ أَ َخ ْذتُ ْم َع َذ ٌ‬
‫َّللا َسَب َق َل َم َّس ُك ْم ف َ‬ ‫ْ َ ٌ َّ‬ ‫َّللاُ ُي ِر ُيد اآلخ َرَة َو َّ ُ َ ٌ َ ٌ‬ ‫الد ْنَيا َو َّ‬ ‫ُّ‬

‫َّللاُ ِفي ُقُلوب ُ‬


‫ِك ْم‬ ‫َس َر ٰى ِإن َي ْعَل ِم َّ‬ ‫النِب ُّي ُقل ّلِمن ِفي أَي ِد ُ ِ‬ ‫ُّها َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاَ ِإ َّن َّ‬ ‫َغِن ْمتُ ْم َحالَالً َ‬
‫طِّيباً َواتَُّقوْا َّ‬
‫يك ْم ّم َن األ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫يم * ٰيأَي َ‬ ‫ور َّرح ٌ‬ ‫َّللاَ َغُف ٌ‬
‫َّللاَ ِمن َقْب ُل َفأ َْم َك َن ِم ْن ُه ْم‬
‫يم * َوإِن ُي ِر ُيدوْا ِخَي َانتَ َك َفَق ْد َخاُنوْا َّ‬ ‫ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫َّللاُ َغُف ٌ‬ ‫ُخ َذ ِم ُ‬
‫نك ْم َوَي ْغِف ْر َل ُك ْم َو َّ‬ ‫َخي اًر يؤِت ُكم َخي اًر ِم َّمآ أ ِ‬
‫ْ ُْ ْ ْ ّ‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫و َّ ِ‬
‫يم َحك ٌ‬
‫َّللاُ َعل ٌ‬ ‫َ‬

‫مغي اًر نعمة أنعمها على قوم} إلى آخره‪ ،‬أي‪ :‬كل ما يصل إلى اإلنسان هو الذي يقتضيه‬‫{ذلك بأن هللا لم يك ّ‬
‫استعداده ويسأله بدعاء الحال وسؤال االستحقاق‪ ،‬فإذا أنعم على أحد النعمة الظاهرة أو الباطنة لسالمة االستعداد‬
‫وغير قبوله للصالح باالحتجاب وانقالب الخير الذي فيه بالقوة إلى‬
‫وبقاء الخيرية فيه لم يغيرها حتى أفسد استعداده ّ‬
‫الشر لحصول الرين وارتكام الظلمة فيه بحيث لم يبق له مناسبة للخير وال إمكان لصدوره منه‪ ،‬فيغيرها إلى النقمة‬
‫ّ‬
‫عدالً منه وجوداً وطلباً من ذلك االستعداد إياها بجاذبة الجنسية والمناسبة ال ظلماً وجو اًر‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫صره وبالمؤمنين وأّلف بين قلوبهم} التفاقها في الوجهة وخالصها عن قيود صفات النفس التي‬ ‫ِ‬
‫{هو الذي أيدك بَن ْ‬
‫تستلزم التخالف والتعاند لركونها إلى عالم التضاد واختالفها بالطباع‪ ،‬فإن القلب ما دام واقفاً مع النفس ومراداتها‬
‫واستولت عليه بصفاتها جذبته إلى الجهة السفلية وصيرت مطالبه جزئية مما يناسب مصالحها فيطلب ما يمنعه منه‬
‫اآلخر‪ ،‬وتقع العداوة والبغضاء‪ ،‬وتستولي القوة الغضبية الطالبة للجاه والكرامة والقهر والغلبة والرياسة والسلطنة‪ ،‬ويقع‬
‫االستكبار واإلباء واألنفة واالستنكاف‪ ،‬ويؤدي إلى التقاطع والتهاجر والتحارب والتشاجر‪ .‬وكلما َب ُع َد عن الجهة السفلية‬
‫التنور بأنوار الوحدة الصفاتية أو الذاتية‪ ،‬ارتفع عن مقام النفس واتصل بالروح وصارت‬
‫بالتوجه إلى الجهة العلوية و ّ‬
‫مطالبه كلية ال تتمانع وال يتنافس فيها إلمكان حصولها لهذا بدون حرمان اآلخر منه ومال إلى من يجانسه في‬
‫الصفاء بالمحبة الذاتية لشدة المناسبة‪ .‬وكلما كان أقرب إلى الوحدة كانت قوة المحبة فيه أقوى لشدة قربه لمن تدين‬
‫شدة األلفة بينهم‪.‬‬
‫بدينه كالخطوط اآلتية من محيط الدائرة إلى مركزها‪ ،‬فبحسب قوة اإليمان ّ‬

‫{لو أنفقت ما في األرض جميعاً ما أّلفت بين قلوبهم} ألن ما في الجهة السفلية تزيد في عداوتهم ومناوأتهم الشتداد‬
‫ظل‬
‫حرصهم وتكالبهم به {ولكن هللا أّلف بينهم} بنور الوحدة التي تورث المحبة الروحانية واأللفة القلبية فإن المحبة ّ‬
‫قوي على دفع الكفرة وقهرهم باجتماع المؤمنين واتفاقهم‬
‫الوحدة‪ ،‬واأللفة ظل المحبة‪ ،‬والعدالة ظل األلفة {إنه عزيز} ّ‬
‫{حكيم} يفعل ذلك بحكمة إليقاع اإللفة والمحبة بين هؤالء والتفرقة واختالف الكلمة بين أولئك ‪.‬‬

‫سورة األنفال (من اآلية ‪ 72‬الى اآلية ‪)75‬‬

‫ِ‬ ‫يل َّ ِ َّ ِ‬ ‫اه ُدواْ ِبأَموالِ ِهم وأ َْنُف ِس ِهم ِفي سِب ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ض‬‫ض ُهم أ َْولَِيآء َب ْع ٍ‬
‫ُ‬ ‫ص ُروْا أ ُْوَلـٰئ َك َب ْع ُ ْ‬ ‫ين َء َاووْا َّوَن َ‬‫َّللا َوالذ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ْ َ‬ ‫اج ُروْا َو َج َ‬
‫آمُنوْا َو َه َ‬
‫ين َ‬ ‫ِإ َّن الذ َ‬
‫ص ُر ِإالَّ َعَل ٰى‬ ‫ين َف َعَل ْي ُكم َّ‬
‫الد ِ‬‫وكم ِفي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ َّ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الن ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫نص ُر ُ ْ‬‫استَ َ‬ ‫آمُنوْا َوَل ْم ُي َهاج ُروْا َما َل ُك ْم ّمن َوالََيتهم ّمن َش ْيء َحت ٰى ُي َهاج ُروْا َوإِ ِن ْ‬ ‫ين َ‬ ‫َوالذ َ‬
‫ض‬‫ض ِإالَّ تَْف َعُلوهُ َت ُك ْن ِف ْتَن ٌة ِفي األ َْر ِ‬ ‫ض ُهم أ َْولَِيآء َب ْع ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ ِب َما َت ْع َمُلو َن َبص ٌير * َوال َ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ذين َكَف ُروْا َب ْع ُ ْ‬ ‫اق َو َّ‬
‫َق ْو ٍم َب ْيَن ُك ْم َوَب ْيَن ُه ْم ّميثَ ٌ‬
‫يل َّ ِ َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ص ُروْا أُوَلـِٰئ َك ُه ُم اْل ُم ْؤ ِمُنو َن َحّقاً َّل ُه ْم َّم ْغِف َرةٌ‬ ‫ين َء َاووْا َّوَن َ‬ ‫َّللا َوالذ َ‬ ‫ين ءامُنوْا و َهاجروْا و ٰجه ُدوْا ِفي سِب ِ‬
‫َ‬ ‫َوَف َس ٌاد َكب ٌير * َوالذ َ َ َ َ َ ُ َ َ َ‬
‫ِ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ض ِفي ِكتَ ِ‬
‫ض ُهم أ َْوَل ٰى ِبَب ْع ٍ‬ ‫اه ُدوْا َم َع ُك ْم َفأ ُْوَلـِٰئ َك ِم ُ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اب‬ ‫نك ْم َوأ ْْوُلوْا األ َْرَحا ِم َب ْع ُ ْ‬ ‫اج ُروْا َو َج َ‬
‫آمُنوْا من َب ْع ُد َو َه َ‬
‫ين َ‬‫يم * َوالذ َ‬ ‫َوِرْز ٌق َك ِر ٌ‬
‫يم‬ ‫ٍ ِ‬ ‫َّللاِ ِإ َّن َّ ِ ِ‬
‫َّللاَ ب ُك ّل َش ْيء َعل ٌ‬ ‫َّ‬

‫تدل على أن الفقير القائم بالخدمة في الخانقاه والبقعة ليس عليه‬ ‫{إن الذين آمنوا وهاجروا} إلى آخر اآلية‪ ،‬بالفحوى ّ‬
‫آمُنوْا َوَل ْم ُي َها ِج ُروْا َما َل ُك ْم ِّمن َوالََيِت ِهم ِّمن َشي ٍء} [األنفال‪ ،‬اآلية‪]72 :‬‬ ‫خدمة المقيم بل المسافر لقوله تعالى‪ِ َّ :‬‬
‫ْ‬ ‫ين َ‬
‫{والذ َ‬
‫َ‬
‫أي‪ :‬الذين آمنوا اإليمان العلمي وهاجروا المألوفات من األهل والولد واألموال واألسباب وأوطان النفس بقوة العزيمة‬
‫واختاروا السياحة في الغربة‪ ،‬وجاهدوا بقوة اليقين والتوكل بأموالهم بتركها وإنفاقها في مراضي هللا وأنفسهم بإتعابها‬
‫بنية السلوك في هللا‪ .‬والذين آووهم‬
‫بالرياضة ومحاربة الشيطان وتحمل وعثاء السفر في سبيل هللا وبذلها في الدين ّ‬
‫بالخدمة في المنزل‪ ،‬ونصروهم بتهيئة ما احتاجوا إليه من األهبة {أولئك بعضهم أولياء بعض} باأللفة والمحبة {والذين‬
‫آمنوا ولم يهاجروا} عن األوطان المألوفة ما لكم من واليتهم من شيء حتى يهاجروا ‪.‬‬

‫سورة التوبة (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)1‬‬

‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫برآءة ِمن َّ ِ‬


‫اه ْدتُ ْم ّم َن اْل ُم ْش ِرِك َ‬
‫ين‬ ‫َّللا َوَرُسولِه ِإَلى الذ َ‬
‫ين َع َ‬ ‫ََ َ ٌ ّ َ‬

‫ورسوله} اآلية‪ ،‬لما لم يتمكن الرسول في االستقامة لمكان تلوينه بظهور صفاته تارة وبوجود البقية تارة‬ ‫اءة من هللا َ‬
‫{ب َر َ‬
‫َ‬
‫{وَل ْوالَ أَن‬ ‫َّ‬
‫{عَب َس َوتََول ٰى} [عبس‪ ،‬اآلية‪ ،]1 :‬وقوله‪َ :‬‬
‫دل عليه القرآن في مواضع العتاب والتثبيت كقوله‪َ :‬‬
‫أخرى‪ ،‬على ما ّ‬
‫ِ‬ ‫اك َلَق ْد ِك َّ‬
‫نك لِ َم أَذ َ‬ ‫ِ‬
‫{ما‬
‫نت َل ُه ْم} [التوبة‪ ،‬اآلية‪َ ،]43 :‬‬ ‫َّللاُ َع َ‬ ‫دت تَ ْرَك ُن ِإَل ْي ِه ْم َش ْيئاً َقليالً} [اإلسراء‪ ،‬اآلية‪َ ،]74 :‬‬
‫{عَفا َّ‬ ‫ثَب َّْتَن َ‬
‫َك َ ِ ِ‬
‫َس َر ٰى} [األنفال‪ ،‬اآلية‪ ،]67 :‬فلم يصل أصحابه من المؤمنين إلى مقام الوحدة الذاتية‬ ‫ان لَنب ٍّي أَن َي ُكو َن َل ُه أ ْ‬
‫الحتجابهم تارة باألفعال وتارة بالصفات كان بينهم وبين المشركين مناسبة وقرابة جنسية وآل فبتلك الجنسية عاهدوهم‬
‫اب‬ ‫ِ‬ ‫لوجود االتصال بينهم‪ .‬ثم لما امتثل النبي عليه الصالة والسالم والمؤمنون قوله تعالى‪َ{ :‬ف ِ‬
‫استَق ْم َك َمآ أُم ْر َت َو َمن تَ َ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫َم َع َك} [هود‪ ،‬اآلية‪ ]112 :‬وبلغ غاية التمكين وارتفعت الحجب اإلفعالية والصفاتية و الذاتية عن وجه السالكين من‬
‫أصحابه حتى بلغوا مقام التوحيد الذاتي‪ .‬ارتفعت المناسبة بينهم وبين المشركين ولم تبق بينهم جنسية بوجه ما وتحققت‬
‫الم ْشركين} أي‪ :‬هذه الحالة‬
‫اهدتم من ُ‬
‫الضدية والمخالفة وحّقت الفرقة والعداوة فنزلت براءة من هللا ورسوله {إلى الذين َع َ‬
‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫التبري الحقيقي من هللا باعتبار الجمع ورسوله باعتبار التفصيل إليهم ّأ‬
‫فتبروا منهم‬ ‫حالة الفرقة والمباينة الكلية بيننا و ّ‬
‫ّ‬
‫ظاه اًر كما تب أروا منهم باطناً‪ ،‬ونبذوا عهدهم في الصورة كما نبذوا عهدهم في الحقيقة‪.‬‬

‫سورة التوبة (من اآلية ‪ 2‬الى اآلية ‪)19‬‬

‫َّللاِ َوَرُسولِ ِه ِإَلى‬ ‫ان ِّم َن َّ‬ ‫ين * َوأَ َذ ٌ‬


‫ِ‬
‫َّللاَ ُم ْخزِي اْل َكاف ِر َ‬‫َن َّ‬ ‫َّللاِ َوأ َّ‬
‫اعَل ُموْا أََّن ُك ْم َغ ْي ُر ُم ْع ِجزِي َّ‬
‫َش ُه ٍر َو ْ‬ ‫يحوْا ِفي األ َْر ِ‬
‫ض أ َْرَب َع َة أ ْ‬ ‫ِ‬
‫َفس ُ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّللا ب ِر ِ‬
‫ين َوَرُسوُل ُه َفِإن تُْبتُ ْم َف ُه َو َخ ْيٌر ل ُك ْم َوإِن تََول ْيتُ ْم َف ْ‬
‫اعَل ُموْا أََّن ُك ْم َغ ْي ُر‬ ‫يء ّم َن اْل ُم ْش ِرِك َ‬ ‫َن َّ َ َ ٌ‬
‫الن ِ‬
‫اس َي ْوَم اْل َح ِّج األَ ْكَب ِر أ َّ‬ ‫َّ‬
‫ظِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ َّ ِ‬ ‫َّللاِ وب ِّش ِر َّال ِذين َكَفروْا ِبع َذ ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫اه ُروْا َعَل ْي ُك ْم‬ ‫وك ْم َش ْيئاً َوَل ْم ُي َ‬ ‫ص ُ‬ ‫اهدتُّم ّم َن اْل ُم ْش ِرِك َ‬
‫ين ثُ َّم َل ْم َينُق ُ‬ ‫اب أَلي ٍم * ِإال الذ َ‬
‫ين َع َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُم ْعجزِي َّ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أَحداً َفأَِت ُّموْا ِإَلي ِهم عه َدهم ِإَل ٰى مَّدِت ِهم ِإ َّن َّ ِ‬
‫َش ُه ُر اْل ُح ُرُم َفا ْقُتُلوْا اْل ُم ْش ِرِك َ‬
‫ين َح ْي ُث‬ ‫انسَل َخ األ ْ‬
‫ين * َفإ َذا َ‬ ‫َّللاَ ُيح ُّب اْل ُمتَّق َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ ْ َ ْ ُْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫وة َف َخلوْا َسبيَل ُه ْم إ َّن َّ‬ ‫ٰ‬ ‫وة وءاتَوْا َّ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬
‫ور‬‫َّللاَ َغُف ٌ‬ ‫الزَك َ‬ ‫الصَل َ َ َ ُ‬ ‫اموْا َّ‬ ‫صد َفإن تَ ُابوْا َوأََق ُ‬ ‫وه ْم َوا ْق ُع ُدوْا َل ُه ْم ُك َّل َم ْر َ‬
‫ص ُر ُ‬
‫اح ُ‬‫وه ْم َو ْ‬
‫وه ْم َو ُخ ُذ ُ‬
‫َو َجدت ُم ُ‬
‫َّ‬ ‫ِٰ‬ ‫ِ‬ ‫َجره حتَّى يسمع َكالَم َّ ِ‬ ‫ين استَجار َ ِ‬ ‫َّرِحيم * وإِن أ ِ‬
‫َّللا ثُ َّم أَْبل ْغ ُه َمأ َْمَن ُه ذل َك ِبأََّن ُه ْم َق ْوٌم ال َي ْعَل ُمو َن * َك ْي َ‬
‫ف‬ ‫ك َفأ ْ ُ َ ٰ َ ْ َ َ َ‬ ‫َحٌد ّم َن اْل ُم ْش ِرِك َ ْ َ َ‬ ‫ٌ َ ْ َ‬
‫يموْا َل ُه ْم ِإ َّن َّ‬ ‫َّللاِ و ِعند رسولِ ِه ِإالَّ َّال ِذين عاه ْدتُم ِعند اْلمس ِج ِد اْلح ار ِم َفما استََقاموْا َل ُكم َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاَ‬ ‫استَق ُ‬‫ْ ْ‬ ‫ََ َ ْ ُ‬ ‫َ َ َ ْ َ َْ‬ ‫ين َع ْهٌد ع َند َّ َ َ َ ُ‬ ‫َي ُكو ُن لْل ُم ْش ِرِك َ‬
‫اه ِهم وتَأْبى ُقُلوبهم وأَ ْكثَرهم َف ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ظهروا عَلي ُكم الَ يرُقبوْا ِف ُ ًّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اسُقو َن‬ ‫ون ُكم بأَ ْفَو ْ َ َ ٰ ُ ُ ْ َ ُ ُ ْ‬ ‫ضَ‬ ‫يك ْم ِإال َوالَ ذ َّم ًة ُي ْر ُ‬ ‫ف َوإِن َي ْ َ ُ َ ْ ْ َ ْ ُ‬ ‫ين * َك ْي َ‬ ‫ُيح ُّب اْل ُمتَّق َ‬
‫آء َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * الَ َي ْرُقُبو َن ِفي ُم ْؤ ِم ٍن ِإالًّ َوالَ ِذ َّم ًة َوأ ُْوَلـِٰئ َك‬ ‫ِ ِ ِ ِ َّ‬ ‫َّللاِ ثَ َمناً َقلِيالً َف َ ُّ‬ ‫اشتَروْا ِبآي ِ‬
‫صدوْا َعن َسبيله إن ُه ْم َس َ‬ ‫ات َّ‬ ‫* ْ َْ َ‬
‫صل األيـ ِ‬
‫ٰت لَِق ْو ٍم َي ْعَل ُمو َن* َوإِن َّن َكثُوْا‬ ‫ِ‬ ‫الد ِ‬‫الزَٰكوة َفِإخ ٰون ُكم ِفي ِ‬ ‫الص َٰلوةَ وءاتَوْا َّ‬ ‫ِ‬
‫ين َوُنَف ّ ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ َُْ ْ‬ ‫اموْا َّ َ َ ُ‬ ‫ُه ُم اْل ُم ْعتَ ُدو َن * َفإن تَ ُابوْا َوأََق ُ‬
‫ان َل ُه ْم َل َعَّل ُه ْم َينتَ ُهو َن * أَالَ تَُق ِاتُلو َن َق ْوماً َّن َكثُوْا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫أ َْي َم َان ُهم ِّمن َب ْع ِد َع ْه ِد ِه ْم َو َ‬
‫ط َعُنوْا في دين ُك ْم َفَقاتُلوْا أَئ َّم َة اْل ُكْف ِر ِإَّن ُه ْم الَ أ َْي َم َ‬
‫وه ْم ُي َع ِّذ ْب ُه ُم‬ ‫ِ‬
‫ين * َقاتُل ُ‬
‫ِ‬
‫َح ُّق أَن تَ ْخ َش ْوهُ ِإن ُكنتُ ْم ُّم ُؤ ِمن َ‬ ‫وك ْم أََّو َل َمَّرٍة أَتَ ْخ َش ْوَن ُه ْم َف َّ‬
‫اَّللُ أ َ‬
‫الرس ِ‬
‫ول َو ُهم َب َد ُء ُ‬ ‫ِِ‬
‫أ َْي َم َان ُه ْم َو َه ُّموْا بإ ْخ َار ِج َّ ُ‬
‫َّللاُ‬
‫آء َو َّ‬ ‫َّللاُ َعَل ٰى َمن َي َش ُ‬ ‫وب َّ‬ ‫ظ ُقُلوب ِِه ْم َوَيتُ ُ‬‫ين * َوُي ْذ ِه ْب َغ ْي َ‬ ‫ِ‬
‫ور َق ْو ٍم ُّم ْؤ ِمن َ‬ ‫ص ُد َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ْرُك ْم َعَل ْيه ْم َوَي ْشف ُ‬
‫ِ‬ ‫َّللاُ ِبأ َْي ِد ُ‬
‫يك ْم َوُي ْخ ِزه ْم َوَي ْن ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نكم وَلم يتَّ ِخ ُذوْا ِمن دو ِن َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫علِيم ح ِكيم * أَم ح ِسبتُم أَن تُ ْترُكوْا وَل َّما يعَل ِم َّ َّ ِ‬
‫َّللا َوالَ َرُسولِه َوالَ اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين‬ ‫ُ‬ ‫اه ُدوْا م ُ ْ َ ْ َ‬ ‫ين َج َ‬ ‫َّللاُ الذ َ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫ْ َ ْْ‬ ‫َ ٌ َ ٌ‬
‫ين َعَل ٰى أ َْنُف ِس ِه ْم ِباْل ُكْف ِر أ ُْوَلِئ َك َحِب َ‬ ‫ِ ٰ ِ‬ ‫َّللا َخِبير ِبما تَعمُلو َن *ما َك ِ‬
‫ط ْت‬ ‫ين أَن َي ْع ُم ُروْا َم َٰس ِج َد هللا َش ِهد َ‬ ‫ان لْل ُم ْش ِرِك َ‬
‫َ َ‬ ‫يج ًة َو َّ ُ ٌ َ ْ َ‬ ‫َولِ َ‬
‫الص َٰلوة وءاتَى َّ ٰ‬ ‫اَّللِ واْليو ِم ِ‬ ‫َّللاِ م ْن ء ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫َع َٰمُل ُه ْم َوِفي َّ‬
‫ش‬
‫وة َوَل ْم َي ْخ َ‬ ‫الزَك َ‬ ‫اآلخ ِر َوأََق َام َّ َ َ َ ٰ‬ ‫ام َن ب َّ َ َ ْ‬ ‫الن ِار ُه ْم َخل ُدو َن *إَّن َما َي ْع ُم ُر َم َٰسج َد َّ َ َ َ‬ ‫أْ‬
‫اَّللِ َواْلَي ْو ِم‬
‫آم َن ِب َّ‬ ‫ِِ‬ ‫َج َعْلتُم ِسَق َاي َة اْل َح ِّ ِ‬
‫اج َوع َم َارَة اْل َم ْسجد اْل َح َار ِم َك َم ْن َ‬ ‫ين * أ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ونوْا م َن اْل ُم ْهتَد َ‬
‫ِ‬ ‫ِإالَّ َّ‬
‫َّللاَ َف َع َس ٰى أ ُْوَلـٰئ َك أَن َي ُك ُ‬
‫ين‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ الَ َي ْهدي اْلَق ْوَم الظالم َ‬ ‫َّللاِ َو َّ‬
‫َّللاِ الَ َي ْستَُوو َن ِع َند َّ‬
‫يل َّ‬ ‫اه َد ِفي سِب ِ‬
‫َ‬ ‫اآلخ ِر َو َج َ‬
‫ِ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{فسيحوا في األرض أربعة أشهر} على عدد مواقفهم في الدنيا واآلخرة تنبيهاً لهم فإنهم لما وقفوا في الدنيا مع الغير‬
‫بالشرك حجبوا عن الدين واألفعال والصفات والذات في برزخ الناسوت فلزمهم أن يوقفوا في اآلخرة على هللا ثم على‬
‫الجبروت ثم على الملكوت ثم على النار في جحيم اآلثار على ما مرت اإلشارة إليه في (األنعام) فيعذبوا بأنواع‬
‫اعَلموا أنكم غير ُم ْع ِجزي هللا} لوجوب حبسكم في هذه المواقف بسبب وقوفكم مع الغير بالشرك فكيف‬
‫العذاب‪{ .‬و ْ‬
‫تفوتونه {وأن هللا مخزي الكافرين} المحجوبين عن الحق بافتضاحهم عند ظهور رتبة ما يعبدون من دون هللا ووقوفه‬
‫معه على النار‪.‬‬

‫{وأذان} أي‪ :‬إعالم {من هللا ورسوله إلى الناس يوم الحج األكبر} أي‪ :‬وقت ظهور الجمع الذاتي في صورة التفصيل‬
‫الم ْشركين ورسوله} في الحقيقة فيوافق الظاهر الباطن ‪.‬‬
‫يء من ُ‬
‫كما مر {أن هللا بر ٌ‬

‫{إال الذين عاهدتم من المشركين ثم لم َي ْنقصوكم شيئاً} أي‪ :‬هذه براءة إليهم إال الذين بقيت فيهم مسكة االستعداد وأثر‬
‫سالمة الفطرة فلم يقدموا على نقض العهد لبقاء المروءة فيهم الدالة على سالمة الفطرة وبقائهم على عهد هللا السابق‬
‫المودة الفطرية بينكم‬
‫بوجود االستعداد وإمكان الرجوع إلى الوحدة‪{ .‬ولم يظاهروا عليكم أحداً} لبقاء الوصلة األصلية و ّ‬
‫وبينهم وعدم ظهور العداوة الكسبية {فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم} أي‪ :‬مدة تراكم الرين وتحقق الحجاب إن لم‬
‫يرجعوا أو يتوبوا {إن هللا يحب المتّقين} الذين اجتنبوا الرذائل خصوصاً نقض العهد الذي هو ّأم الرذائل ظاه اًر وباطناً‪.‬‬

‫سورة التوبة (من اآلية ‪ 20‬الى اآلية ‪)33‬‬

‫ُّهم‬ ‫ِ‬
‫* ُيَب ّش ُرُه ْم َرب ُ‬ ‫َّللاِ َوأ ُْوَلـِٰئ َك ُهم اْلَف ِائ ُزو َن‬
‫ظ ُم َد َر َج ًة ِع َند َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يل َّ ِ‬
‫َّللا ِبأ َْم َوال ِه ْم َوأ َْنُفس ِه ْم أ ْ‬
‫َع َ‬ ‫اه ُدوْا ِفي سِب ِ‬
‫َ‬ ‫اج ُروْا َو َج َ‬
‫آمُنوْا َو َه َ‬
‫ين َ‬ ‫الذ َ‬
‫َّ ِ‬
‫ُ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات َّلهم ِفيها ن ِعيم ُّمِقيم * خالِ ِدين ِفيهآ أَبداً ِإ َّن َّ ِ‬ ‫ان وجَّن ٍ‬ ‫ٍ ِ‬
‫آمُنوْا الَ‬‫ين َ‬ ‫الذ َ‬ ‫ُّها‬
‫يم * ٰيأَي َ‬ ‫َّللاَ ع َندهُ أَ ْجٌر َعظ ٌ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ُْ َ َ ٌ ٌ‬ ‫ض َو ٍ َ َ‬ ‫ِب َر ْح َمة ّم ْن ُه َوِر ْ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ان َو َمن َيتََوَّل ُه ْم ِّم ُ‬ ‫تَتَّ ِخ ُذوْا َآبآء ُكم وإِ ْخو َان ُكم أَولَِي ِ‬
‫نك ْم َفأ ُْوَلـٰئ َك ُه ُم الظال ُمو َن * ُق ْل ِإن َك َ‬
‫ان‬ ‫يم ِ‬ ‫ِ‬
‫آء إ ِن ْ‬
‫استَ َحُّبوْا اْل ُكْف َر َعَلى اإل َ‬ ‫َ ْ َ َ ْ ْ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َح َّب ِإَل ْي ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ْوَن َهآ أ َ‬ ‫وها َوِت َج َارةٌ تَ ْخ َش ْو َن َك َس َاد َها َو َم َساك ُن تَ ْر َ‬‫ال ا ْقتَ َرْفتُ ُم َ‬
‫اج ُك ْم َو َعش َيرتُ ُك ْم َوأ َْم َو ٌ‬ ‫آؤُك ْم َوإِ ْخ َو ُان ُك ْم َوأ َْزَو ُ‬
‫اؤُك ْم َوأ َْبَن ُ‬
‫َآب ُ‬
‫َّللاُ ِفي‬‫ص َرُك ُم َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َّصوْا َحتَّ ٰى َيأِْتي َّ‬
‫َّللاُ ِبأ َْم ِِره َو َّ‬ ‫ِِ ِ ٍ ِ ِ ِِ‬ ‫ِمن َّ ِ‬
‫ين * َلَق ْد َن َ‬ ‫َّللاُ الَ َي ْهدي اْلَق ْوَم اْلَفاسق َ‬ ‫َ‬ ‫َّللا َوَرُسوله َوج َهاد في َسبيله َفتَ َرب ُ‬ ‫َّ‬
‫َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين *‬ ‫ض ِب َما َرُحَب ْت ثُ َّم َول ْيتُم ُّم ْدِب ِر َ‬ ‫ضا َق ْت َعَل ْي ُك ُم األَْر ُ‬ ‫نك ْم َش ْيئاً َو َ‬ ‫َم َواط َن َكث َيرٍة َوَي ْوَم ُحَن ْي ٍن ِإ ْذ أ ْ‬
‫َع َجَب ْت ُك ْم َك ْث َرتُ ُك ْم َفَل ْم تُ ْغ ِن َع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫َّ َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثُ َّم أََنزل َّ ِ‬
‫ين * ثُ َّم‬ ‫آء اْل َكاف ِر َ‬‫ين َكَف ُروْا َوذل َك َج َز ُ‬ ‫َنزَل ُجُنوداً ل ْم تَ َرْو َها َوعذ َب الذ َ‬ ‫ين َوأ َ‬ ‫َّللاُ َسك َينتَ ُه َعَل ٰى َرُسولِه َو َعَلى اْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫َ‬
‫آمُنوْا ِإَّن َما اْل ُم ْش ِرُكو َن َن َج ٌس َفالَ َيْق َرُبوْا اْل َم ْس ِج َد‬ ‫َّللا غُفور َّرِحيم * ٰيأَي َّ ِ‬ ‫ِ ِٰ‬ ‫يتُوب َّ ِ‬
‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫آء َو َّ ُ َ ٌ‬ ‫َّللاُ من َب ْعد ذل َك َعَل ٰى َمن َي َش ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫آء ِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا من َف ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين الَ‬‫يم * َقاتُلوْا الذ َ‬ ‫يم َحك ٌ‬ ‫َّللاَ َعل ٌ‬ ‫ضله إن َش َ‬ ‫يك ُم َّ ُ‬‫ف ُي ْغن ُ‬ ‫اْل َح َر َام َب ْع َد َعام ِه ْم َهـٰ َذا َوإِ ْن خْفتُ ْم َعْيَل ًة َف َس ْو َ‬
‫اب َحتَّ ٰى ُي ْع ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اآلخ ِر َوالَ ُي َحِّرُمو َن َما َحَّرَم َّ‬ ‫اَّللِ والَ ِباْليو ِم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طوْا‬ ‫ين أُوتُوْا اْلكتَ َ‬ ‫ين اْل َح ِّق م َن الذ َ‬ ‫َّللاُ َوَرُسوُل ُه َوالَ َيد ُينو َن د َ‬ ‫َْ‬ ‫ُي ْؤمُنو َن ب َّ َ‬
‫َّللاِ ٰذلِك َقوُلهم ِبأَ ْفو ِ‬
‫اه ِه ْم‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ َوَقاَل ْت َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫يح ْاب ُن َّ َ ْ ُ‬ ‫ص َارى اْل َمس ُ‬
‫الن َ‬ ‫صاغ ُرو َن * َوَقاَلت اْلَي ُه ُ‬
‫ود ُع َزْيٌر ْاب ُن َّ‬ ‫اْلج ْزَي َة َعن َيد َو ُه ْم َ‬
‫َّللا أََّنى يؤَف ُكو َن * اتَّخ ُذوْا أَحبارهم ورهبانهم أَرباباً ِمن دو ِن َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ي ِ‬
‫يح ْاب َن‬ ‫َّللا َواْل َمس َ‬ ‫ْ َ َ ُ ْ َ ُ َْ َ ُ ْ ْ َ ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ين َكَف ُروْا من َقْب ُل َق َاتَل ُه ُم َّ ُ ٰ ُ ْ‬ ‫ضاهُئو َن َق ْو َل الذ َ‬ ‫َُ‬
‫ٰه ِه ْم َوَيأَْب ٰى‬ ‫ِ‬
‫َّللا ِبأَ ْفوِ‬ ‫احداً الَّ ِإَلـٰه ِإالَّ هو سبح َانه ع َّما ي ْش ِرُكو َن * ي ِريدو َن أَن ي ْ ِ‬‫مريم ومآ أ ُِمروْا ِإالَّ لِيعب ُدوْا ِإَلـٰهاً و ِ‬
‫ور َّ َ‬ ‫طفُئوْا ُن َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َُ ُ ْ َ ُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُْ‬ ‫َ ْ ََ َ َ ُ‬
‫ين ُكّلِ ِه َوَل ْو َك ِرَه‬ ‫ظ ِهره عَلى ِ‬
‫الد ِ‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ورهُ َوَل ْو َك ِرَه اْل َٰكِف ُرو َن * ُه َو َّال ِذي أ َْرَس َل َرُسوَل ُه ِباْل ُه َد ٰى َوِد ِ‬
‫ين اْل َح ِّق لُي ْ َ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫َّ َّ‬
‫َّللاُ ِإال أَن ُيت َّم ُن َ‬
‫اْل ُم ْش ِرُكو َن‬

‫{الذين آمنوا} علماً {وهاجروا} الرغائب الحسية والمواطن النفسية بالسلوك في سبيل هللا وجاهدوا بأموال معلوماتهم‬
‫َ‬
‫ظم َد َرجة} في التوحيد‬
‫أع َ‬
‫ومراداتهم ومقدوراتهم بمحو صفاتهم في صفات هللا {وأنفسهم} بإفنائها في ذات هللا {أولئك ْ‬
‫{عند هللا}‪.‬‬

‫{وجنات} من الجنان الثالثة {لهم فيها نعيم} شهود الذات‬ ‫ٍ‬


‫برحمة} ثواب األعمال ِ‬
‫{ورضوان} الصفات ّ‬ ‫{يبشرهم رّبهم‬
‫{مقيم} ثابت أبداً‪.‬‬
‫ٌ‬

‫آمن وا ال تتخذوا آباءكم} إلى آخره‪ ،‬أي‪ :‬ال يترجح فيكم جهة القرابة الصورية والوصلة الطبيعية على جهة‬
‫{يا أيها الذين ُ‬
‫القرابة المعنوية والوصلة الحقيقية فيكون بينكم وبين من آثر االحتجاب على الكشف من أقربائكم والية مسببة عن‬
‫االتصال الصوري مع فقد االتصال المعنوي واختالف الوجهة الموجب للقطيعة المعنوية والعداوة الحقيقية‪ ،‬فإن ذلك‬
‫َشُّد ُحّباً ََّّللِ} [البقرة‪،‬‬
‫آمُنوْا أ َ‬
‫ين َ‬
‫من ضعف اإليمان ووهن العزيمة‪ ،‬بل قضية اإليمان بخالف ذلك‪ .‬قال هللا تعالى‪ِ َّ :‬‬
‫{والذ َ‬
‫َ‬
‫أحب إلينا‪.‬‬
‫اآلية‪ .]165 :‬وقال بعض الحكماء‪ :‬الحق حبيبنا والخلق حبيبنا‪ ،‬فإذا اختلفا فالحق ّ‬

‫{قل إن} كانت هذه القرابات الصورية والمألوفات الحسية {أحب إليكم من هللا ورسوله} فقد ضعف إيمانكم ولم يظهر‬
‫أثره في نفوسكم وعلى جوارحكم لتنقاد بحكمه وذلك لوقوفكم مع اآلثار الناسوتية الموجب للعذاب والحجاب {فتربصوا‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫حتى يأتي هللا} بعذابه‪ .‬وكيف ال‪ ،‬وأنتم تسلكون طريق الطبيعة وتنقادون بحكمها مكان سلوك طريق الحق واالنقياد‬
‫ألمره؟ وذلك فسق منكم‪ ،‬والفاسق محجوب عن هللا ال يهديه إليه لعدم توجهه وإرادته بل إلعراضه وتوليه‪ ،‬فهو يستحق‬
‫العذاب والخذالن والحجاب والحرمان‪.‬‬

‫سورة التوبة (من اآلية ‪ 34‬الى اآلية ‪)60‬‬

‫ص ْب َك َح َسَن ٌة تَ ُس ْؤ ُه ْم َوإِن‬‫* ِإن تُ ِ‬ ‫ِ‬


‫ط ٌة ِباْل َكاف ِر َ‬
‫ين‬ ‫ول ا ْئ َذن ّلِي َوالَ تَْفِتِّني أَال ِفي اْلِف ْتَن ِة َسَق ُ‬
‫طوْا َوإِ َّن َج َهَّن َم َل ُم ِحي َ‬ ‫َو ِم ْن ُه ْم َّمن َيُق ُ‬
‫صيبنآ ِإالَّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ َلَنا ُهَو َم ْوالََنا َو َعَلى‬
‫َما َكتَ َب َّ‬ ‫َخ ْذَنا أ َْم َرَنا من َقْب ُل َوَيتََوَّلوْا َّو ُه ْم َف ِر ُحو َن * ُقل َّلن ُي َ َ‬ ‫تُص ْب َك ُمص َيب ٌة َيُقوُلوْا َق ْد أ َ‬
‫َّللاُ ِب َع َذا ٍب ِّم ْن ِع ِندِه‬
‫َّ‬ ‫َّللاِ َفْليتَوَّك ِل اْلمؤ ِمنو َن * ُقل هل تَربَّصو َن ِبنآ ِإالَّ ِإحدى اْلحسنيي ِن ونحن نتَربَّص ِب ُكم أَن ي ِ‬
‫ص َيب ُك ُم‬ ‫ْ ُ‬ ‫ُ ْ ََ ْ َ َ ْ ُ َ َ ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َْ َ ُ‬ ‫ُْ ُ‬ ‫َّ َ َ‬
‫ين * َو َما‬ ‫ِِ‬ ‫َّل ِمن ُك ْم ِإَّن ُك ْم ُكنتُ ْم َق ْوماً‬ ‫َّ‬ ‫أَو ِبأَي ِد َينا َفتَربَّصوْا ِإَّنا مع ُكم ُّمتَربِصو َن * ُقل أ ِ‬
‫َفاسق َ‬ ‫ط ْوعاً أ َْو َك ْرهاً لن ُيتََقب َ‬ ‫َنفُقوْا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ َّ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ ْ‬
‫َّ‬
‫وة ِإال َو ُه ْم ُك َساَل ٰى َوالَ ُي ِنفُقو َن ِإال َو ُه ْم َك ِارُهو َن‬ ‫َّ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َوب َِرُسولِه َوالَ َيأْتُو َن َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫َمَن َع ُه ْم أَن تُْقَب َل م ْن ُه ْم َنَفَقاتُ ُه ْم ِإال أََّن ُه ْم َكَف ُروْا ِب َّ‬
‫الصل َ‬
‫اَّللِ‬
‫َنف ُس ُه ْم َو ُه ْم َٰكِف ُرو َن * َوَي ْحلُِفو َن ِب َّ‬ ‫الد ْنَيا َوتَ ْزَه َق أ ُ‬ ‫َّللاُ لُِي َع ِّذَب ُه ْم ِب َها ِفي اْل َح َٰيوِة ُّ‬
‫* َفالَ تُ ْع ِج ْب َك أ َْم َٰوُل ُه ْم َوالَ أ َْوَلـ ُٰد ُه ْم ِإَّن َما ُي ِر ُيد َّ‬
‫ات أ َْو ُمَّد َخالً َّلَوَّل ْوْا ِإَل ْي ِه َو ُه ْم َي ْج َم ُحو َن *‬ ‫نكم وَلـ ِٰكَّنهم َقوم يْفرُقون * َلو ي ِجدون مْلجئاً أَو م َغار ٍ‬
‫ْ َ ُ َ َ َ ْ َ َ‬ ‫نك ْم َو َما ُهم ِّم ُ ْ َ ُ ْ ْ ٌ َ َ َ‬ ‫ِإَّن ُه ْم َل ِم ُ‬
‫نها ِإ َذا ُه ْم َي ْس َخ ُ‬ ‫طوْا ِم ْنها رضوْا وإِن َّلم يع َ ِ‬ ‫و ِم ْنهم َّمن يْل ِم ُزك ِفي َّ ِ‬
‫ض ْوْا َمآ‬ ‫طو َن * َوَل ْو أََّن ُه ْم َر ُ‬ ‫ط ْوْا م َ‬ ‫َ َ ُ َ ْ ُْ‬ ‫الص َد َقات َفِإ ْن أ ْ‬
‫ُع ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُْ‬
‫الصد َقات لِْلُفَقر ِ‬ ‫َّللا ِمن َفضلِ ِه ورسولُه ِإَّنآ ِإَلى َّ ِ ِ‬
‫آء‬ ‫َ‬ ‫َّللا َراغُبو َن * ِإَّن َما َّ َ ُ‬ ‫ْ ََ ُ ُ‬ ‫َّللاُ َسُي ْؤِت َينا َّ ُ‬‫َّللاُ َوَرُسوُل ُه َوَقاُلوْا َح ْسُبَنا َّ‬ ‫اه ُم َّ‬
‫آتَ ُ‬
‫َّللاِ َو َّ‬
‫َّللاُ َعلِي ٌم‬ ‫يض ًة ِّم َن َّ‬ ‫يل َف ِر َ‬ ‫َّللاِ َو ْاب ِن َّ‬
‫السِب ِ‬ ‫يل َّ‬ ‫ين وِفي سِب ِ‬ ‫ِ‬
‫الرَقاب َواْل َغ ِارم َ َ َ‬
‫ين َعَل ْيها واْلم َؤَّلَف ِة ُقُلوبهم وِفي ِّ ِ‬
‫ُُ ْ َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ِِ‬
‫ين َواْل َعامل َ‬ ‫اك ِ‬ ‫واْلمس ِ‬
‫َ ََ‬
‫يل َّ ِ َّ ِ‬ ‫اط ِل ويصُّدو َن َعن سِب ِ‬ ‫اس ِباْلب ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ح ِكيم * ٰيأَي َّ ِ‬
‫ين‬
‫َّللا َوالذ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫الن ِ َ‬ ‫ال َّ‬ ‫ْكُلو َن أ َْم َو َ‬ ‫الرْهَب ِ‬
‫ان َلَيأ ُ‬ ‫آمُنوْا ِإ َّن َكثي اًر ّم َن األ ْ‬
‫َحَب ِار َو ُّ‬ ‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬‫َ‬ ‫َ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا َفَب ّش ْرُه ْم ب َع َذاب أَلي ٍم * َي ْوَم ُي ْح َم ٰى َعَل ْي َها في َن ِار َج َهَّن َم َفتُ ْك َو ٰى ب َها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون َها في َسبيل َّ‬ ‫ِ‬ ‫َي ْكِن ُزو َن الذ َه َب َواْلف َّ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ض َة َوالَ ُينفُق َ‬
‫َّللاِ ا ْثَنا َع َش َر َش ْه اًر‬
‫ور ِع َند َّ‬ ‫ورُهم َهـٰ َذا ما َكَن ْزتُم أل َْنُف ِس ُكم َف ُذوُقوْا ما ُكنتُم َت ْكِن ُزو َن * ِإ َّن ِعَّد َة ُّ‬
‫الش ُه ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ظ ُه ُ ْ‬ ‫نوب ُه ْم َو ُ‬
‫اه ُه ْم َو ُج ُ‬‫ِجَب ُ‬
‫ِ‬ ‫ظلِموْا ِف ِ‬ ‫الد ُ ِ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واألَرض ِمنهآ أَربع ٌة حرم ٰذلِك ِ‬ ‫اب َّ ِ‬‫ِفي ِكتَ ِ‬
‫يه َّن أ َْنُف َس ُك ْم َوَقاتُلوْا اْل ُم ْش ِرِك َ‬
‫ين‬ ‫ين اْلَقّي ُم َفالَ تَ ْ ُ‬ ‫َّللا َي ْوَم َخَل َق َّ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ ُ ُ ٌ َ ّ‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ َّ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َكَف ُروْا ُي ِحُّل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون ُه َعاماً‬ ‫ض ُّل ِبه الذ َ‬ ‫يء ِزَي َادةٌ في اْل ُكْف ِر ُي َ‬
‫ين * إن َما النس ُ‬ ‫َّللاَ َم َع اْل ُمتَّق َ‬
‫َن َّ‬ ‫ون ُك ْم َك َّآف ًة َو ْ‬
‫اعَل ُموْا أ َّ‬ ‫َك َّآف ًة َك َما ُيَقاتُل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َع َمالِ ِه ْم َو َّ‬ ‫َّللاُ َفُي ِحُّلوْا َما َحَّرَم َّ‬ ‫ويح ِرمونه عاماً ِّليو ِ‬
‫اطُئوْا ِعَّد َة َما َحَّرَم‬
‫ُّها‬‫ين * ٰيأَي َ‬ ‫َّللاُ الَ َي ْهدي اْلَق ْوَم اْل َكاف ِر َ‬ ‫وء أ ْ‬
‫ِن َل ُه ْم ُس ُ‬
‫َّللاُ ُزّي َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ َ ّ ُ َ ُ َ َُ‬
‫اآلخ َرِة َف َما َمتَاعُ اْل َحَي ِاة‬
‫الد ْنيا ِمن ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ اثَّاَقْلتُم ِإَلى األَر ِ ِ‬ ‫ِفي سِب ِ‬ ‫َّال ِذين آمُنوْا ما َل ُكم ِإ َذا ِقيل َل ُكم ِ‬
‫ض أ ََرضيتُ ْم ِباْل َحَياة ُّ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫يل َّ‬ ‫َ‬ ‫انف ُروْا‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ َ ْ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َّللاُ َعَل ٰى ُك ِّل َشي ٍء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫ضُّروهُ َش ْيئاً َو َّ‬ ‫يل * ِإال تَنف ُروْا ُي َع ّذ ْب ُك ْم َع َذاباً أَليماً َوَي ْستَْبد ْل َق ْوماً َغ ْي َرُك ْم َوالَ تَ ُ‬ ‫ال ُّد ْنَيا في اآلخ َرِة ِإال َقل ٌ‬
‫احِب ِه الَ تَ ْح َزْن ِإ َّن‬‫َخرجه َّال ِذين َكَفروْا ثَ ِاني ا ْثَني ِن ِإ ْذ هما ِفي اْل َغ ِار ِإ ْذ يُقول لِص ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫َُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َّللاُ ِإ ْذ أ ْ َ َ ُ َ ُ‬ ‫ص َرهُ َّ‬‫نص ُروهُ َفَق ْد َن َ‬
‫ِ َّ‬
‫َقد ٌير * إال تَ ُ‬
‫ِ‬

‫َّللاِ ِهي اْل ُعْلَيا َو َّ‬


‫َّللاُ َع ِز ٌيز‬ ‫السْفَل ٰى َوَكلِ َم ُة َّ‬
‫ين َكَف ُروْا ُّ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َنزل َّ ِ‬
‫َّللاُ َسك َينتَ ُه َعَل ْيه َوأَي ََّدهُ ِب ُجُنوٍد ل ْم تَ َرْو َها َو َج َع َل َكل َم َة الذ َ‬ ‫َّللاَ َم َعَنا َفأ َ َ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫َّ‬ ‫يل َّ ِ ٰ ِ‬ ‫اه ُدوْا ِبأَموالِ ُكم وأ َْنُف ِس ُكم ِفي سِب ِ‬ ‫ح ِكيم * انِفروْا ِخَفافاً وِثَقاالً وج ِ‬
‫ان َع َرضاً‬ ‫َّللا ذل ُك ْم َخ ْيٌر ل ُك ْم ِإن ُكنتُ ْم تَ ْعَل ُمو َن * َل ْو َك َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ْ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ ٌ‬
‫الشَّق ُة وسيحلُِفون ِب َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫َق ِريباً وسَف اًر َق ِ‬
‫ط ْعَنا َل َخ َر ْجَنا َم َع ُك ْم ُي ْهِل ُكو َن أ َْنُف َس ُه ْم َو َّ‬
‫َّللاُ‬ ‫استَ َ‬‫اَّلل َل ِو ْ‬ ‫وك َوَلـ ِٰكن َب ُع َد ْت َعَل ْي ِه ُم ُّ َ َ َ ْ َ‬ ‫التََّب ُع َ‬ ‫اصداً‬ ‫ََ‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫ين * الَ َي ْستَأْذُن َك الذ َ‬ ‫ص َدُقوْا َوتَ ْعَل َم اْل َكاذِب َ‬
‫ين َ‬ ‫َّن َل َك الذ َ‬ ‫نك لِ َم أَذ َ‬
‫نت َل ُه ْم َحتَّ ٰى َيتََبي َ‬ ‫َّللاُ َع َ‬
‫* َعَفا َّ‬ ‫َي ْعَلم ِإَّن ُه ْم َل َكاذُبو َن‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ين الَ ُي ْؤ ِمُنو َن ِب َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلخ ِر أَن يجاه ُدوْا ِبأَموالِ ِهم وأ َْنُف ِس ِهم و َّ ِ‬ ‫اَّلل واْليو ِم ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َواْلَي ْو ِم‬ ‫ين * ِإَّن َما َي ْستَأْذُن َك الذ َ‬ ‫يم ِباْل ُمتَّق َ‬
‫َّللاُ َعل ٌ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ ْ َ‬ ‫َُ‬ ‫ِ‬
‫ُي ْؤ ِمُنو َن ب َّ َ َ ْ‬
‫ط ُه ْم َوِق َ‬
‫يل‬ ‫َعُّدوْا َل ُه ُعَّدةً َوَلـ ِٰكن َك ِرَه َّ‬
‫َّللاُ انِب َعاثَ ُه ْم َفثََّب َ‬ ‫ِ‬
‫وب ُه ْم َف ُه ْم في َرْيِب ِه ْم َيتَ َرَّد ُدو َن * َوَل ْو أ ََرُادوْا اْل ُخ ُرو َج أل َ‬
‫ِ‬
‫اآلخ ِر َو ْارتَ َاب ْت ُقُل ُ‬
‫ون ُك ُم اْلِف ْتَن َة َوِفي ُك ْم‬ ‫يكم َّما َزاد ُ َّ‬‫ين * َل ْو َخ َر ُجوْا ِف ُ‬ ‫ِِ‬
‫اعو َن َل ُه ْم َو َّ‬
‫َّللاُ‬ ‫َس َّم ُ‬ ‫ض ُعوْا ِخالََل ُك ْم َي ْب ُغ َ‬
‫وك ْم ِإال َخَباالً وأل َْو َ‬ ‫ُ‬ ‫ا ْق ُع ُدوْا َم َع اْلَقاعد َ‬
‫َك ِارُهو َن‬ ‫َّللاِ َو ُه ْم‬
‫ظ َه َر أ َْم ُر َّ‬ ‫آء اْل َح ُّق َو َ‬ ‫ين * َلَق ِد ْابتَ َغوْا اْلِف ْتَن َة ِمن َقْبل وَقَّلُبوْا َل َك األُم َ َّ‬
‫ور َحت ٰى َج َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫َّ ِ ِ‬
‫يم ِبالظالم َ‬
‫ِ‬
‫َعل ٌ‬

‫{والذين يكنزون الذهب والفضة} إلى آخره‪ ،‬جمع المال وكنزه مع عدم اإلنفاق ال يكون إال الستحكام رذيلة ّ‬
‫الشح‬
‫وحب المال وكل رذيلة يع ّذب بها صاحبها في اآلخرة ويخزى بها في الدنيا‪ .‬ولما كانت مادة رسوخ تلك الرذيلة‬
‫واستحكامها هي ذلك المال‪ ،‬كان هو الذي يحمى عليه في نار جحيم الطبيعة وهاوية الهوى فيكوى به‪ ،‬وإنما خصت‬
‫ألن الشح مركوز في النفس والنفس تغلب القلب من هذه الجهات ال من جهة العلو التي هي جهة‬ ‫هذه األعضاء ّ‬
‫استيالء الروح وممر الحقائق واألنوار وال من جهة السفل التي هي من جهة الطبيعة الجسمانية لعدم تمكن الطبيعة‬
‫من ذلك‪ ،‬فبقيت سائر الجهات فيؤذى بها من الجهات األربع ويعذب كما تراه يعاب بها في الدنيا ويخزى من هذه‬
‫يسار بها في جنبه أو يغتاب بها من وراء ظهره‪.‬‬
‫الجهات أيضاً إما بأن يواجه بها جه اًر فيفضح أو ّ‬

‫{ك ِرَه هللا ْانِب َعاثهم َفثََبطهم} أي‪ :‬كانوا أشقياء لم يبق في استعدادهم خير فيريده هللا منهم فلذلك كره انبعاثهم‪ ،‬أي‪ :‬كانوا‬
‫َ‬
‫مر ذكرهم غير مرة ‪.‬‬
‫من الفريق الثاني من األشقياء المردودين الذين ّ‬

‫سورة التوبة (من اآلية ‪ 61‬الى اآلية ‪)71‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َِّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫النِبي ويُِقوُلون هو أُ ُذن ُقل أُ ُذن خي ٍر َّل ُكم يؤ ِمن ِب َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫آمُنوْا ِم ُ‬
‫نك ْم‬ ‫ين َ‬
‫ين َوَر ْح َم ٌة ّللذ َ‬‫اَّلل َوُي ْؤ ِم ُن لْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫ْ ُْ ُ‬ ‫َ َُ ٌ ْ ُ َ ْ‬ ‫َو ِم ْن ُه ُم الذ َ‬
‫ين ُي ْؤُذو َن َّ َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ َلهم ع َذاب أَلِيم * يحلُِفون ِب َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ضوهُ ِإن َك ُانوْا ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين‬ ‫َح ُّق أَن ُي ْر ُ‬
‫َّللاُ َوَرُسوُل ُه أ َ‬ ‫وك ْم َو َّ‬‫ض ُ‬‫اَّلل َل ُك ْم لُي ْر ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫ول َّ ُ ْ َ ٌ ٌ‬ ‫ين ُي ْؤُذو َن َرُس َ‬
‫َوالذ َ‬
‫يم * َي ْح َذ ُر اْل ُمَن ِافُقو َن أَن تَُنَّزَل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َن َله َنار جهَّنم َخالِداً ِف ٰ ِ‬ ‫* أََل ْم َي ْعَل ُموْا أََّن ُه َمن ُي َح ِاد ِد َّ‬
‫يها ذل َك اْلخ ْز ُي اْل َعظ ُ‬
‫َ‬ ‫َّللاَ َوَرُسوَل ُه َفأ َّ ُ َ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫وض‬ ‫َّللاَ ُم ْخ ِرٌج َّما تَ ْح َذ ُرو َن * َوَلئن َسأَْلتَ ُه ْم َلَيُقوُل َّن ِإَّن َما ُكَّنا َن ُخ ُ‬
‫استَ ْه ِزُءوْا ِإ َّن َّ‬ ‫َعَل ْي ِه ْم ُس َ‬
‫ورةٌ تَُنّبُئ ُه ْم ب َما في ُقُلوبِهم ُقل ْ‬
‫ط ِآئَف ٍة ِّم ْن ُك ْم ُن َع ِّذ ْب‬
‫ف َعن َ‬ ‫اَّللِ وآي ِات ِه ورسوِل ِه ُكنتُم تَستَه ِزءون * الَ تَعتَِذروْا َق ْد َكَفرتُم بعد ِإ ِ‬
‫يمان ُك ْم ِإن َّن ْع ُ‬
‫ْ ْ ََْ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ ْ ْ ُ َ‬ ‫ِ‬
‫َوَنْل َع ُب ُق ْل أَب َّ َ َ َ َ ُ‬
‫نك ِر وي ْنهو َن ع ِن اْلمعر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِ‬
‫وف‬ ‫ْم ُرو َن ِباْل ُم َ َ َ َ ْ َ َ ْ ُ‬ ‫ٍ‬
‫ض ُه ْم ّمن َب ْعض َيأ ُ‬ ‫ين * اْل ُمَنافُقو َن َواْل ُمَنافَق ُ‬
‫ات َب ْع ُ‬ ‫طآئَف ًة ِبأََّن ُه ْم َك ُانوْا ُم ْج ِرِم َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ويْقِبضو َن أَي ِديهم نسوْا َّ ِ‬
‫ين َواْل ُمَنافَقات َواْل ُكَّف َار َن َار َج َهَّن َم َخالد َ‬
‫ين‬ ‫ين ُه ُم اْلَفاسُقو َن * َو َع َد هللاُ اْل ُمَنافق َ‬‫َّللاَ َفَنسَي ُه ْم ِإ َّن اْل ُمَنافق َ‬ ‫ْ َُ ْ َ ُ‬ ‫ََ ُ‬
‫ين ِمن َقْبلِ ُك ْم َك ُانوْا أَ َشَّد ِم ُ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يها ِهي َح ْسُب ُه ْم َوَل َعَن ُه ُم َّ‬‫ِف‬
‫نك ْم ُقَّوًة َوأَ ْكثََر أ َْمَواالً َوأ َْوالَداً َف ْ‬
‫استَ ْمتَ ُعوْا‬ ‫يم * َكالذ َ‬ ‫اب ُّمق ٌ‬
‫َّللاُ َوَل ُه ْم َع َذ ٌ‬ ‫َ َ‬
‫َع َماُل ُه ْم ِفي‬ ‫ضوْا أ ُْوَلـِٰئ َك َحِب َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الق ِهم َفاستَم َتعتُم ِبخالَِق ُكم َكما استَمتَع َّال ِذ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ط ْت أ ْ‬ ‫ضتُ ْم َكالذي َخا ُ‬ ‫ين من َقْبلِ ُك ْم ِب َخالَق ِه ْم َو ُخ ْ‬
‫َ‬ ‫ب َخ ْ ْ ْ ْ ْ َ ْ َ ْ ْ َ‬
‫ود وَقو ِم ِإ ْب ٰرِهيم وأَصحـ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اسرو َن * أََلم يأِْت ِهم َنبأُ َّال ِذ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ٰب َم ْدَي َن‬ ‫ين من َقْبل ِه ْم َق ْو ِم ُنو ٍح َو َعاد َوثَ ُم َ َ ْ َ َ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ َ‬ ‫الدنَيا َواآلخ َرة َوأ ُْوَلئ َك ُه ُم اْل َخ ُ‬ ‫ْ‬
‫ظلِ َم ُه ْم َوَلـ ِٰكن َك ُانوْا أ َْنُف َس ُه ْم َي ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ض ُه ْم‬
‫ات َب ْع ُ‬ ‫ظلِ ُمو َن * َواْل ُم ْؤ ِمُنو َن َواْل ُم ْؤ ِمَن ُ‬ ‫َّللاُ لَِي ْ‬ ‫َواْل ُم ْؤتَف َكـٰت أَتَ ْت ُه ْم ُرُسُل ُه ْم ِباْلَبِّيَنـٰت َف َما َك َ‬
‫ان َّ‬
‫َّللاَ َوَرُسوَل ُه أ ُْوَلـِٰئ َك‬
‫يعو َن َّ‬ ‫ِ‬ ‫وة وُي ْؤتُو َن َّ‬ ‫وف وي ْنهون ع ِن اْلم ْن َك ِر ويِقيمون َّ ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اة َوُيط ُ‬ ‫الزَك َ‬ ‫الصل َ َ‬ ‫َُ ُ َ‬ ‫ْم ُرو َن باْل َم ْع ُر َ َ َ ْ َ َ ُ‬ ‫آء َب ْعض َيأ ُ‬ ‫أ َْولَي ُ‬
‫ِ‬ ‫َّللاُ ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َع ِز ٌيز َحك ٌ‬
‫يم‬ ‫َسَي ْر َح ُم ُه ُم َّ‬

‫{ويقولون هو أذن} كانوا يؤذونه ويغتابونه بسالمة القلب وسرعة القبول والتصديق لما يسمع‪ّ ،‬‬
‫فصدقهم في ذلك وسلم‬
‫فإن النفس األبية والغليظة الجافية والكرة القاسية التي تتصلب في األمور‬
‫وقال‪ :‬هو كذلك‪ ،‬ولكن بالنسبة إلى الخير ّ‬
‫وال تتأثر غير مستعدة للكمال‪ ،‬إذ الكمال اإلنساني ال يكون إال بالقبول والتأثر واالنفعال‪ .‬فكلما كانت النفس ألين‬
‫أشد استعداداً له‪ ،‬وليس هذا اللين هو من باب الضعف والبالهة‬
‫عريكة وأسلم قلباً وأسهل قبوالً كانت أقبل للكمال و ّ‬
‫الذي يقتضي االنفعال من كل ما يسمع حتى المحال والتأثر من كل ما يرد عليه ويراه حتى الكذب والشرور والضالل‬
‫بل هو من باب اللطافة وسرعة القبول لما يناسبه من الخير والصدق‪ ،‬فلذلك قال‪{ :‬قل أذن خير} إذ صفاء االستعداد‬
‫فإن االستعداد الخيري ال يقبل‬
‫ولطف النفس يوجب قبول ما يناسبه من باب الخيرات ال ما ينافيه من باب الشرور‪ّ ،‬‬
‫الشر وال يتأثر به وال ينطبع فيه لمنافاته إياه وبعده عنه {لكم} أي‪ :‬يسمع ما ينفعكم وما فيه صالحكم دون غيره {يؤمن‬

‫باهلل} هو بيان لينه وقابليته ألن اإليمان ال يكون إال مع سالمة القلب ولطافة النفس ولينها {ويؤمن للمؤمنين} ّ‬
‫يصدق‬
‫قولهم في الخيرات ويسمع كالمهم فيها ويقبله {ورحمة للذين آمنوا منكم} يعطف عليهم ويرق لهم فينجيهم من العذاب‬
‫بالبر و الصلة وتعليم األخالق من الحلم والشفقة‪ ،‬واألمر بالمعروف‬
‫بالتزكية والتعليم‪ ،‬ويصلح أمر معاشهم ومعادهم ّ‬
‫البر بالقول والفعل إلى‬
‫باتباعهم إياه فيها‪ ،‬ووضع الشرائع الموجبة لنظام أمرهم في الدارين‪ ،‬والتحريض على أبواب ّ‬
‫غير ذلك ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة التوبة (من اآلية ‪ 72‬الى اآلية ‪)99‬‬

‫ان ِّم َن‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ات تَجرِي ِمن تَحِتها األ َْنهار َخ ِال ِدين ِفيها ومس ِ‬ ‫ات جَّن ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طِّيَب ًة في َجَّنات َع ْد ٍن َوِر ْ‬
‫ضَو ٌ‬ ‫اك َن‬ ‫َ َ َََ‬ ‫َُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ين َواْل ُم ْؤ ِمَن َ‬‫َّللاُ اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫َو َع َد َّ‬
‫ومأْواهم جهَّنم وبِ ْئس اْلم ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫َّ ِ‬
‫ص ُير *‬ ‫َ َ َ ُْ َ َ ُ َ َ َ‬ ‫ظ َعَل ْي ِه ْم‬
‫اغُل ْ‬ ‫النِب ُّي َجاهد اْل ُكَّف َار َواْل ُمَنافق َ‬
‫ين َو ْ‬ ‫ُّها َّ‬
‫يم * ٰيأَي َ‬ ‫َّللا أَ ْكَب ُر ذل َك ُه َو اْلَف ْوُز اْل َعظ ُ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫يحلُِفون ِب َّ ِ‬
‫َّللاُ َوَرُسولُ ُه‬
‫اه ُم َّ‬
‫َغَن ُ‬ ‫اَّلل َما َقاُلوْا َوَلَق ْد َقاُلوْا َكلِ َم َة اْل ُكْف ِر َوَكَف ُروْا َب ْع َد ِإ ْسالَم ِه ْم َو َه ُّموْا ِب َما َل ْم َيَناُلوْا َو َما َنَق ُموْا ِإال أ ْ‬
‫َن أ ْ‬ ‫َْ َ‬
‫ض ِمن َولِ ٍّي َوالَ‬ ‫الد ْنَيا واآل ِخ َرِة وما َل ُهم ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وبوْا َي ُك َخ ْي اًر َّل ُه ْم َوإِن َيتََوَّل ْوا ُي َع ِّذ ْب ُه ُم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن َف ْ ِ‬
‫ََ ْ‬ ‫َّللاُ َع َذاباً أَليماً في ُّ َ‬ ‫ضله َفِإن َيتُ ُ‬
‫ضلِ ِه َب ِخُلوْا ِب ِه‬ ‫الصالِ ِحين * َفَل َّمآ آتَ ِ‬
‫اه ْم ّمن َف ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ون َّن ِم َن َّ‬ ‫ضلِ ِه َلَن َّ‬
‫صَّد َق َّن َوَلَن ُك َ‬
‫ِ‬ ‫ير * و ِم ْنهم َّمن عاهد َّ ِ‬
‫َّللاَ َلئ ْن آتَ َانا من َف ْ‬ ‫َ ُ ْ ْ َ ََ‬ ‫صٍ‬ ‫نِ‬
‫َ‬
‫ِما َك ُانوْا َي ْك ِذُبو َن * أََل ْم‬
‫َّللاَ َما َو َع ُدوهُ َوب َ‬ ‫َعَقَب ُه ْم ِنَفاقاً ِفي ُقُلوبِ ِه ْم ِإَل ٰى َي ْو ِم َيْلَق ْوَن ُه ِب َمآ أ ْ‬
‫َخَلُفوْا َّ‬ ‫ضو َن * َفأ ْ‬
‫َّ‬
‫َوتََولوْا َّو ُه ْم ُّم ْع ِر ُ‬
‫ط ِو ِعين ِمن اْلمؤ ِمِنين ِفي َّ ِ َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّللا َعالَّم اْل ُغي ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫الص َدَقات َوالذ َ‬ ‫ين َيْلم ُزو َن اْل ُم ّ َ َ ُ ْ َ‬ ‫وب * الذ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫اه ْم َوأ َّ‬
‫َن َّ َ‬ ‫َّللاَ َي ْعَل ُم سَّرُه ْم َوَن ْج َو ُ‬
‫َن َّ‬ ‫َي ْعَل ُموْا أ َّ‬
‫استَ ْغِف ْر َل ُه ْم أَ ْو الَ تَ ْستَ ْغِف ْر َل ُه ْم ِإن تَ ْستَ ْغِف ْر َل ُه ْم‬ ‫َّللا ِم ْنهم وَلهم ع َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫يم * ْ‬ ‫اب أَل ٌ‬‫الَ َي ِج ُدو َن ِإال ُج ْه َد ُه ْم َفَي ْس َخ ُرو َن م ْن ُه ْم َسخ َر َّ ُ ُ ْ َ ُ ْ َ ٌ‬
‫ين * َف ِرَح اْل ُم َخَّلُفو َن ِب َمْق َع ِد ِه ْم‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ الَ َي ْهدي اْلَق ْوَم اْلَفاسق َ‬ ‫اَّللِ َوَرُسولِ ِه َو َّ‬‫َّللاُ َل ُه ْم ٰذلِ َك ِبأََّن ُه ْم َكَف ُروْا ِب َّ‬
‫ين َمَّرًة َفَلن َي ْغِف َر َّ‬ ‫ِ‬
‫َس ْبع َ‬
‫َشُّد َحّاًر َّل ْو‬ ‫يل َّ ِ‬‫اه ُدوْا ِبأَموالِ ِهم وأ َْنُف ِس ِهم ِفي سِب ِ‬ ‫َّللاِ وَك ِرهوْا أَن يج ِ‬
‫َّللا َوَقاُلوْا الَ تَ ِنف ُروْا ِفي اْل َحِّر ُق ْل َن ُار َج َهَّن َم أ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ْ َ‬ ‫َُ‬ ‫ول َّ َ ُ‬ ‫ف رس ِ‬
‫خالَ َ َ ُ‬
‫ِ‬
‫َّللا ِإَلى َ ِ ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وك‬‫استَ ْأ َذُن َ‬ ‫طآئَفة ّم ْن ُه ْم َف ْ‬ ‫آء ِب َما َك ُانوْا َي ْكسُبو َن * َفِإن َّر َج َع َك َّ ُ ٰ‬ ‫ض َح ُكوْا َقليالً َوْلَي ْب ُكوْا َكثي اًر َج َز ً‬ ‫َك ُانوا َيْفَق ُهو َن * َفْلَي ْ‬
‫ص ِّل‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ين * َوالَ تُ َ‬ ‫لْل ُخ ُرو ِج َفُق ْل لن تَ ْخ ُر ُجوْا َمع َي أََبداً َوَلن تَُقاتُلوْا َمع َي َع ُدّواً ِإَّن ُك ْم َرضيتُ ْم ِباْلُق ُعوِد أََّو َل َمَّرٍة َفا ْق ُع ُدوْا َم َع اْل َخالف َ‬
‫اسُقو َن * َوالَ تُ ْع ِج ْب َك أ َْم َٰوُل ُه ْم َوأ َْوَلـ ُٰد ُه ْم‬ ‫اَّللِ ورسولِ ِه وماتُوْا وهم َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫عَلى أ ٍ ِ‬
‫ات أََبداً َوالَ تَُق ْم َعَل ٰى َق ْب ِره إَّن ُه ْم َكَف ُروْا ب َّ َ َ ُ َ َ َ ُ ْ‬ ‫َحد ّم ْن ُهم َّم َ‬ ‫َ ٰ َ‬
‫اه ُدوْا َم َع َرُسولِ ِه‬ ‫اَّللِ وج ِ‬
‫َن آمُنوْا ِب َّ َ َ‬
‫ُنزَل ْت سورةٌ أ ِ‬
‫َنف ُس ُه ْم َو ُه ْم َكف ُرو َن * َوإِ َذآ أ ِ ُ َ ْ‬
‫ِٰ‬ ‫الد ْنَيا َوتَ ْزَه َق أ ُ‬ ‫َّللاُ أَن ُي َع ِّذَب ُه ْم ِب َها ِفي ُّ‬ ‫ِإَّن َما ُي ِر ُيد َّ‬
‫ونوْا مع اْل َخوالِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬
‫طِب َع َعَل ٰى ُقُلوبِ ِه ْم َف ُه ْم الَ‬ ‫ف َو ُ‬ ‫ضوْا بأَن َي ُك ُ َ َ َ‬
‫ين * َر ُ ِ‬ ‫استَ ْأ َذَن َك أ ُْوُلوْا الط ْو ِل م ْن ُه ْم َوَقاُلوْا َذ ْرَنا َن ُك ْن َّم َع اْلَقاعد َ‬ ‫ْ‬
‫َعَّد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫َيْفَق ُهو َن * َلـٰك ِن َّ‬
‫ات َوأ ُْوَلـٰئ َك ُه ُم اْل ُمْفل ُحو َن * أ َ‬ ‫اه ُدوْا بأ َْم َواله ْم َوأ َْنُفسه ْم َوأ ُْوَلـٰئ َك َل ُه ُم اْل َخ ْي َر ُ‬‫آمُنوْا َم َع ُه َج َ‬ ‫ين َ‬ ‫ول َوالذ َ‬ ‫الرُس ُ‬
‫اب لُِي ْؤَذ َن َل ُه ْم‬ ‫َعر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات تَجرِي ِمن تَحِتها األ َْنهار َخالِ ِدين ِف ٰ ِ‬ ‫َّللا َلهم جَّن ٍ‬
‫آء اْل ُم َع ّذ ُرو َن م َن األ ْ َ‬ ‫يم * َو َج َ‬ ‫يها ذل َك اْلَف ْوُز اْل َعظ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ُ ُ ْ َ‬
‫ض ٰى َوالَ َعَلى‬ ‫صيب َّال ِذين َكَفروْا ِم ْنهم ع َذاب أَلِيم * َّليس عَلى ُّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الض َعَفآء َوالَ َعَل ٰى اْل َم ْر َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُْ َ ٌ ٌ‬ ‫َ ُ‬ ‫َّللاَ َوَرُسوَل ُه َسُي ُ‬ ‫ين َك َذُبوْا َّ‬‫َوَق َع َد الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ين ِمن سِب ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫يم * َوالَ َعَلى‬ ‫ور َّرح ٌ‬ ‫َّللاُ َغُف ٌ‬
‫يل َو َّ‬ ‫َ‬ ‫ص ُحوْا ََّّلل َوَرُسولِه َما َعَلى اْل ُم ْحسن َ‬ ‫ين الَ َيج ُدو َن َما ُينفُقو َن َح َرٌج إ َذا َن َ‬ ‫الذ َ‬
‫الد ْم ِع َح َزناً أَالَّ َي ِج ُدوْا َما ُي ْنِفُقو َن *‬
‫يض ِم َن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫َّال ِذين ِإ َذا مآ أَتَوك لِتَح ِمَلهم ُقْلت الَ أَ ِجد مآ أ ِ‬
‫َعُيُن ُه ْم تَف ُ‬
‫َحمُل ُك ْم َعَل ْيه تََول ْوا َّوأ ْ‬
‫ُ َ ْ‬ ‫َ ْ َ ْ ُْ َ‬ ‫َ‬
‫َّللاُ َعَل ٰى ُقُلوبِ ِه ْم َف ُه ْم الَ َي ْعَل ُمو َن *‬
‫طَب َع َّ‬ ‫ونوْا مع اْل َخوالِ ِ‬
‫ف َو َ‬ ‫َغِنَيآء َر ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِإَّنما َّ ِ‬
‫ضوْا بأَن َي ُك ُ َ َ َ‬ ‫ون َك َو ُه ْم أ ْ ُ‬
‫ين َي ْستَأْذُن َ‬
‫يل َعَلى الذ َ‬ ‫السب ُ‬ ‫َ‬
‫َخَب ِارُك ْم َو َسَي َرى َّ‬
‫َّللاُ َع َمَل ُك ْم َوَرُسوُل ُه ثُ َّم‬ ‫َي ْعتَِذ ُرو َن ِإَل ْي ُك ْم ِإ َذا َر َج ْعتُ ْم ِإَل ْي ِه ْم ُقل الَّ تَ ْعتَِذ ُروْا َلن ُّن ْؤ ِم َن َل ُك ْم َق ْد َنَّبأََنا َّ‬
‫َّللاُ ِم ْن أ ْ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِ‬ ‫الشهاد ِة َفينِبُئ ُكم ِبما ُكنتم تعمُلون * سيحلُِفون ِب َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ضوْا َع ْن ُه ْم‬ ‫اَّلل َل ُك ْم ِإ َذا ا ْنَقَل ْبتُ ْم ِإَل ْي ِه ْم لتُ ْع ِر ُ‬ ‫ََ ْ َ‬ ‫َ ُْ َ ْ َ َ‬ ‫تَُرُّدو َن ِإَل ٰى َعال ِم اْل َغ ْي ِب َو َّ َ َ ُ َّ‬
‫ض ْوْا َع ْن ُه ْم َفِإ َّن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ْوْا َع ْن ُه ْم َفِإن تَ ْر َ‬ ‫آء ِب َما َك ُانوْا َي ْكسُبو َن * َي ْحلُفو َن َل ُك ْم لتَ ْر َ‬ ‫َّ‬ ‫ضوْا َع ْن ُه ْم ِإَّن ُه ْم ِر ْج ٌس َو َمأ َْو ُ‬
‫اه ْم َج َهن ُم َج َز ً‬ ‫َع ِر ُ‬
‫َفأ ْ‬
‫َّللاُ َعَل ٰى َرُسولِ ِه َو َّ‬
‫َّللاُ‬ ‫َنزَل َّ‬ ‫ود َمآ أ َ‬ ‫َّ‬
‫َشُّد ُكْف اًر َوِنَفاقاً َوأ ْ‬
‫َج َد ُر أَال َي ْعَل ُموْا ُح ُد َ‬ ‫اب أ َ‬‫َع َر ُ‬
‫ين * األ ْ‬
‫ِِ‬
‫ض ٰى َع ِن اْلَق ْو ِم اْلَفاسق َ‬ ‫َّللاَ الَ َي ْر َ‬
‫َّ‬
‫يم *‬ ‫ِ‬ ‫السوِء و َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اب من يتَّ ِخ ُذ ما ي ِنفق م ْغرماً ويتَربَّص ِب ُكم َّ ِ‬ ‫َعلِيم ح ِكيم * و ِم َن األ ْ ِ‬
‫يع َعل ٌ‬ ‫َّللاُ َسم ٌ‬ ‫الد َوائ َر َعَل ْيه ْم َدآئ َرةُ َّ ْ َ‬ ‫َ ُ ُ َ َ ََ َ ُ ُ‬ ‫َع َر َ َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ َ ٌ‬
‫ول أَال ِإَّن َها ُق ْرَب ٌة َّل ُه ْم َسُي ْد ِخُل ُه ُم‬ ‫الرس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات ِعند َّ ِ‬ ‫اآلخ ِر ويتَّ ِخ ُذ ما ي ِنفق ُقرب ٍ‬ ‫اَّللِ واْليو ِم ِ‬ ‫ِ‬ ‫و ِم َن األ ْ ِ‬
‫صَل َوات َّ ُ‬ ‫َّللا َو َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ َُ‬ ‫ََ‬ ‫َع َراب َمن ُي ْؤ ِم ُن ب َّ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ في َر ْح َمته ِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫َّللاَ َغُف ٌ‬ ‫َّ‬

‫المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها األنهار} وهي جنات النفوس {ومساكن طيبة} مقامات أرباب‬ ‫{وعد هللا ُ‬
‫َّللاِ أَ ْكَب ُر} [التوبة‪ ،‬اآلية‪ ،]72 :‬فإن الرضوان من جنات‬
‫ان ِّم َن َّ‬ ‫{وِر ْ‬
‫ض َو ٌ‬ ‫التوكل في جنات األفعال بدليل قوله تعالى‪َ :‬‬
‫وشدة قربهم منه‪.‬‬
‫الصفات {ذلك} أي الرضوان {هو الفوز العظيم} لكرامة أهله عند هللا ّ‬

‫سورة التوبة (من اآلية ‪ 100‬الى اآلية ‪)102‬‬

‫َّللا ع ْنهم ورضوْا ع ْنه وأَعَّد َلهم جَّن ٍ‬


‫ات‬ ‫الساِبُقو َن األََّوُلو َن ِمن اْلمها ِج ِرين واأل َْنص ِار و َّال ِذين اتَّبعوهم ِبِإحس ٍ ِ‬
‫ان َّرض َي َّ ُ َ ُ ْ َ َ ُ َ ُ َ َ ُ ْ َ‬ ‫َ َ َ َ َ َُ ُ ْ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َو َّ‬
‫َه ِل اْل َم ِد َين ِة َم َرُدوْا‬ ‫تَجرِي تَحتَها األ َْنهار َخالِ ِدين ِفيهآ أَبداً ٰذلِك اْلَفوُز اْلع ِظيم * و ِم َّمن حوَل ُكم ِمن األَعر ِ ِ‬
‫اب ُم َٰنفُقو َن َو ِم ْن أ ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ َْ ْ ّ َ‬ ‫َ ْ َ ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬
‫اق الَ تَعَلمهم نحن نعَلمهم سنع ِّذبهم َّمَّرتَي ِن ثُ َّم يرُّدون ِإَلى ع َذ ٍ ِ‬
‫طوْا‬‫اعتََرُفوْا ِب ُذُنوِب ِه ْم َخَل ُ‬
‫آخ ُرو َن ْ‬ ‫اب َعظي ٍم * َو َ‬ ‫َُ َ ٰ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ ُ ْ َ ْ ُ َْ ُ ُ ْ َ َُ ُُ‬ ‫َعَلى ِّ‬
‫النَف ِ‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫وب َعَل ْي ِه ْم ِإ َّن َّ‬ ‫صالِحاً َو َ‬
‫آخ َر َسِّيئاً َع َسى َّ‬
‫ور َّرح ٌ‬‫َّللاَ َغُف ٌ‬ ‫َّللاُ أَن َيتُ َ‬ ‫َع َمالً َ‬

‫األولون} أي‪ :‬الذين سبقوا إلى الوحدة من أهل الصف األول {من المهاجرين} الذين هاجروا مواطن النفس‬
‫{والسابقون ّ‬
‫{بإح َسان}‬
‫{واألنصار} الذين نصروا القلب بالعلوم الحقيقية على النفس {الذين اتبعوهم} في االتصاف بصفات الحق ْ‬
‫أي‪ :‬بمشاهدة من مشاهدات الجمال والجالل {رضي هللا عنهم} الشتراكهم في كشف الصفات والوصول إلى مقام‬
‫{تجرِي تحتها} أنهار علوم التوكل‬
‫أعد لهم جنات} من جنات األفعال والصفات ْ‬
‫الرضا الذي هو باب هللا األعظم {و ّ‬
‫والرضا وما يناسبهما وذلك ال ينافي وجود جنة أخرى للسابقين هي جنة الذات واختصاصهم بها الشتراك الكل في‬
‫هذه‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{وآخرون ْ‬
‫اعتَ َرفوا ب ُذُنوبهم} االعتراف بالذنب هو إبقاء نور االستعداد ولين الشكيمة وعدم رسوخ ملكة الذنب فيه ألنه‬
‫ملك الرجوع والتوبة ودليل رؤية قبح الذنب التي ال تكون إال بنور البصيرة وانفتاح عين القلب إذ لو ارتكمت الظلمة‬
‫ورسخت الرذيلة ما استقبحه ولم يره ذنباً بل رآه فعالً حسناً لمناسبته لحاله فإذا عرف أنه ذنب ففيه خير {خلطوا عمالً‬
‫وتنورها بنوره ملكة ولم يتذلل بعد‬
‫اللوامة التي لم يصر اتصالها بالقلب ّ‬
‫صالحاً وآخر سيئاً} أي‪ :‬كانوا في رتبة النفس ّ‬
‫وتتنور بنوره وتعمل أعماالً صالحة‪ ،‬وتارة تظهر بصفاتها‬
‫في طاعتها للقلب‪ ،‬فتارة يستولي عليها القلب فتتذلل وتنقاد ّ‬
‫الحاجبة لنور القلب عنها وتحتجب بظلمتها فتفعل أفعاالً سيئة‪ ،‬فإن ترجحت األنوار القلبية واألعمال الصالحة‬
‫وتعاقبت عليها الخواطر الملكية حتى صار اتصالها بالقلب وطاعتها إياه ملكة صلح أمرها ونجت وذلك معنى قوله‪:‬‬
‫{عسى هللا أن يتوب عليهم} وإن ارتكمت عليها الهيئات المظلمة المكتسبة من غلباتها وكثرة إقدامها على السيئات كان‬
‫األمر بالعكس فزال استعدادها بالكلية وحق عذابها أبداً وترجح أحد الجانبين على اآلخر ال يكون إال بالصحبة‬
‫ومجالسة أصحاب كل واحد من الصنفين ومخالطة األخيار واألشرار‪ ،‬فإن أدركه التوفيق ساقه القدر إلى صحبة‬
‫الصالحين ومتابعة أخالقهم وأعمالهم فيصير منهم‪ ،‬وإن لحقه الخذالن ساقه إلى صحبة المفسدين واختالطه بهم‬
‫فيصير من الخاسرين أعاذنا هللا من ذلك‪.‬‬

‫{رِحيم} يرحمهم بالتوفيق للصالحات وقبول التوبة‪.‬‬


‫{إن هللا غفور} يغفر لهم السيئات المظلمة ويسترها عنهم َ‬

‫سورة التوبة (من اآلية ‪ 103‬الى اآلية ‪)106‬‬

‫يم * أََل ْم َي ْعَل ُموْا أ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ط ِهرهم وتَُزِّكي ِهم ِبها وص ِل عَلي ِهم ِإ َّن ص َٰلوتَك س َكن َّلهم و َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاَ‬
‫َن َّ‬ ‫يع َعل ٌ‬ ‫َّللاُ َسم ٌ‬ ‫َ ٌ ُْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َ ّ َْ ْ‬ ‫ص َد َق ًة تُ َ ّ ُ ُ ْ َ‬
‫ُخ ْذ م ْن أ َْم َواله ْم َ‬
‫َّللا هو التََّّواب َّ ِ‬ ‫الصد َق ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫اع َمُلوْا َف َسَي َرى َّ‬
‫َّللاُ َع َمَل ُك ْم َوَرُسوُل ُه‬ ‫يم * َوُق ِل ْ‬
‫الرح ُ‬ ‫ُ‬ ‫َن َّ َ ُ َ‬ ‫ات َوأ َّ‬ ‫ُه َو َيْقَب ُل التَّ ْوَب َة َع ْن عَباده َوَيأ ُ‬
‫ْخ ُذ َّ َ‬
‫َّللاِ ِإ َّما ُي َع ِّذُب ُه ْم َوإِ َّما‬
‫آخ ُرو َن ُم ْرَج ْو َن أل َْم ِر َّ‬ ‫واْلمؤ ِمنون وستُرُّدون ِإَلى عالِ ِم اْلغي ِب و َّ ِ‬
‫الش َه َادة َفُيَنِّبُئ ُك ْم ِب َما ُكنتُ ْم تَ ْع َمُلو َن * َو َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ ُْ ُ َ َ َ َ َ ٰ َ‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫يتُوب عَلي ِهم و َّ ِ‬
‫يم َحك ٌ‬ ‫َّللاُ َعل ٌ‬ ‫َ ُ َْ ْ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ص َدقة} إذ المال هو‬
‫أمَوالهم َ‬
‫{خ ْذ من ْ‬
‫ولما وفقوا للقسم األول ببركة صحبة الرسول وتزكيته إياهم وتربيته لهم قال‪ُ :‬‬
‫سبب ظهور النفس وغلبة صفاتها ومدد قواها ومادة هواها كما قال عليه الصالة والسالم‪" :‬المال مادة الشهوات" فينبغي‬
‫التجرد عن األموال لتنكسر قوى النفس وتضعف أهواؤها وصفاتها‪ ،‬فتتزكى من الهيئات المظلمة‬
‫ّ‬ ‫أن يكون أول حالهم‬
‫وصل عليهم}‬
‫ّ‬ ‫التي فيها وتتطهر من خبث الذنوب ورجس دواعي الشيطان وذلك معنى قوله‪{ :‬تطهرهم وتزكيهم بها‬
‫بإمداد الهمة وإفاضة نور الصحبة عليهم {إن صالتك سكن لهم} أي‪ :‬إن نورك الذي تفيض عليهم بالتفات خاطرك‬
‫مستقر في القلب‬
‫ّ‬ ‫إليهم وقوة همتك وبركة صحبتك سبب نزول السكينة فيهم تسكن قلوبهم إليه وتطمئن‪ .‬والسكينة نور‬
‫ويتقوى اليقين ويتخلص عن الطيش بلمات الشيطان ووساوسه وأحاديث النفس‬ ‫يثبت معه في التوجه إلى الحق ّ‬
‫تضرعهم واعترافهم بذنوبهم {عليم} يعلم نياتهم وعزائمهم وما في‬
‫وهواجسها لعدم قبوله لها حينئذ {وهللا سميع} يسمع ّ‬
‫الغم‪.‬‬
‫ضمائرهم من الندم و ّ‬

‫سورة التوبة (من اآلية ‪ 107‬الى اآلية ‪)110‬‬

‫َّللا ورسوَله ِمن َقبل وَليحلُِف َّن ِإن أَرْدنا ِإالَّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫ُْ َ َْ‬ ‫صاداً ّل َم ْن َح َار َب َّ َ َ َ ُ ُ‬ ‫ين اتَّ َخ ُذوْا َم ْس ِجداً ض َار اًر َوُكْف اًر َوتَْف ِريقاً َب ْي َن اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين َوإِ ْر َ‬ ‫َوالذ َ‬
‫يه أَبداً َّلمس ِجد أ ُِسس عَلى التَّْقو ٰى ِمن أََّو ِل يو ٍم أَح ُّق أَن تُق ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫وم فيه فيه ِرَج ٌ‬
‫ال‬ ‫َ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّللاُ َي ْش َه ُد ِإَّن ُه ْم َل َكاذُبو َن * الَ تَُق ْم ف َ َ ْ ٌ ّ َ َ‬ ‫اْل ُح ْسَن ٰى َو َّ‬
‫َسس بنيانه عَلى تْقو ٰى ِمن َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ط َّهروْا و َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َس َس ُب ْنَي َان ُه‬‫ان َخ ْيٌر أَم َّم ْن أ َّ‬ ‫ضَو ٍ‬ ‫َّللا َوِر ْ‬ ‫َ‬ ‫ين * أََف َم ْن أ َّ َ ُ ْ َ َ ُ َ ٰ َ َ‬ ‫َّللاُ ُيح ُّب اْل ُمط ِّه ِر َ‬ ‫ُيحبُّو َن أَن َيتَ َ ُ َ‬
‫ال ُب ْنَي ُان ُه ُم َّال ِذي َبَن ْوْا ِر َيب ًة ِفي‬
‫ين * الَ َي َز ُ‬
‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ الَ َي ْهدي اْلَق ْوَم الظالم َ‬ ‫ف َه ٍار َف ْان َه َار ِب ِه ِفي َن ِار َج َهَّن َم َو َّ‬ ‫عَلى َشَفا جر ٍ‬
‫ُُ‬ ‫َ ٰ‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫طع ُقُلوبهم و َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِ َّ‬
‫يم َحك ٌ‬
‫َّللاُ َعل ٌ‬ ‫ُقُلوبِه ْم إال أَن تََق َ ُ ُ ْ َ‬

‫ُسس على التقوى} لما كان عالم الملك تحت قهر عالم الملكوت وتسخيره لزم أن يكون لنيات النفوس‬‫{لمسجد أ َ‬
‫وهي ئاتها تأثير فيما يباشرها من األعمال فكل ما فعل بنية صادقة هلل تعالى عن هيئة نورانية صحبته بركة ويمن‬
‫وجمعية وصفا‪ ،‬وكل ما فعل بنية فاسدة شيطانية عن هيئة مظلمة صحبته تفرقة وكدورة ومحق وشؤم‪ .‬أال ترى الكعبة‬
‫بنية صادقة ونفس شريفة صافية عن‬ ‫كيف شرفت وعظمت ِ‬
‫وجعَلت متبركة لكونها مبنية على يدي نب ّي من أنبياء هللا ّ‬
‫ُ‬
‫كمال إخالص هلل تعالى‪ .‬ونحن نشاهد أثر ذلك في أعمال الناس ونجد أثر الصفاء والجمعية في بعض المواضع‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫والبقاع‪ ،‬والكدورة والتفرقة في بعضها وما هو إال لذلك‪ ،‬فلهذا قال‪{ :‬لمسجد أُسس على التقوى}‪{ ،‬من أول يوم أحق أن‬
‫تق وم فيه} ألن الهيئات الجسمانية مؤثرة في النفوس كما أن الهيئات النفسانية مؤثرة في األجسام‪ ،‬فإذا كان موضع‬
‫القيام مبنياً على التقوى وصفاء النفس تأثرت النفس باجتماع الهم وصفاء الوقت وطيب الحال وذوق الوجدان‪ ،‬وإذا‬
‫كان مبنياً على الرياء والضرار تأثرت بالكدورة والتفرقة والقبض {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} أي‪ :‬أهل إرادة وسعي‬
‫في التطهر عن الذنوب ّنبه على أن صحبة الصالحين من أهل اإلرادة لها أثر عظيم يجب أن تختار وتؤثر على‬
‫غيرها‪ .‬كما أن المقام له أثر يجب أن يراعى ويتعاهد ولهذا ورد في اصطالح القوم‪ :‬يجب مراعاة الزمان والمكان‬
‫واإلخوان في حصول الجمعية وجعلوها شرطاً لها وفيه إشعار بأن زكاء نفس الباني وصدق نيته مؤثر في البناء وإن‬
‫تبرك المكان وكونه مبنياً على الخير يقتضي أن يكون فيه أهل الخير والصالح ممن يناسب حاله حال بانيه‪ ،‬وإن‬ ‫ّ‬
‫محبة هللا واجبة ألهل اإلرادة والطهارة لقوله‪{ :‬وهللا يحب المتطهرين} كيف ولوال محبة هللا إياهم لما أحبوا التطهر‪.‬‬

‫سورة التوبة (من اآلية ‪ 111‬الى اآلية ‪)111‬‬

‫َّللاِ َفَيْقُتُلو َن َوُيْقَتُلو َن َو ْعداً َعَل ْي ِه َحّقاً ِفي‬ ‫َن َلهم اْلجَّن َة يَق ِاتُلو َن ِفي سِب ِ‬
‫يل َّ‬ ‫َ‬ ‫ِبأ َّ ُ ُ َ ُ‬ ‫َنف َس ُه ْم َوأ َْم َواَل ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اشتَ َر ٰى م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين أ ُ‬ ‫ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ ْ‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫َّللاِ َف ِ ِ ِ َّ ِ‬ ‫آن َو َم ْن أ َْوَف ٰى ِب َع ْه ِدِه ِم َن‬ ‫يل َواْلُق ْر ِ‬ ‫التَّوَرِاة و ِ‬
‫اإل ْن ِج ِ‬
‫استَْبش ُروْا بَب ْيع ُك ُم الذي َب َاي ْعتُ ْم به َوَذل َك ُه َو اْلَف ْوُز اْل َعظ ُ‬
‫َّ ْ‬ ‫ْ َ‬

‫{إن هللا اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} لما هداهم إلى اإليمان العلمي وهم مفتونون بمحبة األموال واألنفس‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫استنزلهم لفرط عنايته بهم عن مقام محبة األموال واألنفس بالتجارة المربحة والمعاملة المرغوبة بأن جعل جنة النفس‬
‫ثمن أموالهم وأنفسهم ليكون الثمن من جنس المثمن الذي هو مألوفهم لكنه ألذ وأشهى وأرغب وأبقى‪ ،‬فرغبوا فيما عنده‬
‫وصدقوا لقوة اليقين وعده‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة التوبة (من اآلية ‪ 112‬الى اآلية ‪)114‬‬

‫ظو َن لِح ُد ِ‬
‫ود‬ ‫ُ‬ ‫اهو َن َع ِن اْل ُمن َك ِر َواْل َح ِاف ُ‬ ‫الن ُ‬‫وف َو َّ‬ ‫اآلمرو َن ِباْلمعر ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫ُ‬
‫اجدو َن ِ‬ ‫الس ِ‬
‫اك ُعو َن َّ‬ ‫الس ِائ ُحو َن َّ‬
‫الر ِ‬ ‫التَّ ِائبو َن اْلعاِبدو َن اْلح ِ‬
‫ام ُدو َن َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّن َل ُه ْم‬‫ين َوَل ْو َك ُانوْا أ ُْولِي ُق ْرَب ٰى من َب ْعد َما تََبي َ‬ ‫آمُنوْا أَن َي ْستَ ْغف ُروْا لْل ُم ْش ِرِك َ‬
‫ين َ‬ ‫ان ل َّلنِب ِّي َوالذ َ‬
‫ين * َما َك َ‬ ‫َّللا َوَب ّش ِر اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫َّن َل ُه أََّن ُه َع ُدٌّو ََِّّللِ تََبَّأَر ِم ْن ُه‬ ‫ٍ‬ ‫ِ َّ‬
‫يم ألَِبيه ِإال َعن َّم ْو ِع َدة َو َع َد َهآ ِإيَّاهُ َفَل َّما تََبي َ‬
‫ِ ِ‬ ‫أََّنهم أَصحاب اْلج ِحي ِم * وما َكان ِ‬
‫است ْغَف ُار إ ْب َراه َ‬
‫ََ َ ْ‬ ‫ُْ ْ َ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫يم‬
‫يم ألََّواهٌ َحل ٌ‬ ‫إ َّن إ ْب َراه َ‬

‫بالتجرد عنها لذة الترك وحالوة نور اليقين رجعوا عن مقام لذة النفس وتابوا عن هواها ومشتهياتها فلم يبق‬
‫ّ‬ ‫ثم لما ذاقوا‬
‫عندهم لجنة النفس قدر‪ ،‬فوصفهم بالتائبين بالحقيقة الراجعين عن طلب مالذ النفس وتوقع األجر إليه‪ ،‬العابدين الذين‬
‫إذا رجعوا عن محبة النفس والمال وطلب األجر والثواب‪ ،‬عبدوا هللا حق عبادته ال لرغبة وال لرهبة بل تشبهاً بملكوته‬
‫في القيام بحقه تعالى بالخضوع والخشوع والتذلل لعظمته وكبريائه تعظيماً وإجالالً ثم حمدوا هللا حق حمده بإظهار‬
‫الكماالت العملية الخلقية والعملية المكنونة في استعداداتهم بالقوة حمداً فعلياً حالياً ثم ساحوا إليه بالهجرة عن مقام‬
‫الفطرة ورؤية الكماالت الثابتة وتآلفهم واعتدادهم وابتهاجهم بها في مفاوز الصفات ومنازل السبحات ثم ركعوا في مقام‬
‫محو الصفات ثم سجدوا بفناء الذات‪ ،‬ثم قاموا باألمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمحافظة على حدود هللا في‬
‫مقام البقاء بعد الفناء {وبشر المؤمنين} باإليمان الحقيقي المقيمين في مقام االستقامة‪.‬‬

‫وقدر‪،‬‬
‫سر القدر ووقفوا على ما قضى هللا ّ‬‫{ما كان للنبي والذين آمنوا أن َي ْستَغفروا} إلى آخره‪ ،‬أي‪ :‬لما اطلعوا على ّ‬
‫دبر هللا من أمره وإن كان في‬
‫وعلموا بما ينتهي إليه عواقب األمور‪ ،‬لم يكن لهم أن يطلبوا خالف ذلك ورضوا بما ّ‬
‫طبيعتهم ما يقتضي خالفه ألنهم قد انسلخوا عن مقتضيات طباعهم فإن اقتضت القرابة الطبيعية واللحمة الصورية‬
‫فرط شفقة ورقة على بعض من يناسبهم ويواصلهم فيها وشاهدوا حكم هللا عليه بالقهر والتعذيب‪ ،‬حملتهم الحمية‬
‫الدينية على الصبر إن لم يكن لهم مقام الرضا بل غلبتهم المباعدة الدينية على القرابة الطبيعية فتبرؤوا منه ولم‬
‫يقترحوا على هللا خالف حكمته وأمره ولهذا قيل‪ :‬ال تؤثر همة العارف بعد كمال عرفانه أي إذا تيقن وقوع كل شيء‬
‫قدر هللا في األزل علم أن ما شاء هللا كان وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬وال تؤثر همته وال غيرها‬
‫بقدره وامتناع وقوع خالف ما ّ‬
‫سر القدر‪.‬‬
‫في شيء‪ ،‬فال يسلط همته على أمر بخالف المحجوب الذي ينسب التاثير إلى غير هللا وال يعلم ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة التوبة (من اآلية ‪ 115‬الى اآلية ‪)118‬‬

‫الس َٰم َٰو ِت‬ ‫يم * ِإ َّن َّ‬


‫َّللاَ َل ُه ُمْل ُك َّ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫اهم حتَّ ٰى يبِي َن َلهم َّما يتَُّقو َن ِإ َّن َّ ِ ِ‬
‫َّللاَ ب ُك ّل َش ْيء َعل ٌ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وما َكان َّ ِ ِ‬
‫َّللاُ لُيض َّل َق ْوماً َب ْع َد إ ْذ َه َد ُ ْ َ ُ َّ ُ‬ ‫ََ َ‬
‫النِب ِي واْلمه ِ‬ ‫َّللاِ ِمن ولِ ٍي والَ ن ِ‬ ‫يت َو َما َل ُك ْم ِّمن ُدو ِن َّ‬ ‫ِ‬
‫َنص ِار‬ ‫ين َواأل َ‬‫اج ِر َ‬ ‫اب هللاُ َعَل ٰى َّ ّ َ ُ َ‬ ‫ير * َلَق ْد تَ َ‬ ‫صٍ‬ ‫َ ّ َ َ‬ ‫ض ُي ْحِيـي َوُيم ُ‬‫واأل َْر ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫يم * َو َعَلى‬ ‫وف َّرح ٌ‬ ‫اب َعَل ْي ِه ْم ِإَّن ُه ِب ِه ْم َرُء ٌ‬ ‫وب َف ِر ٍ‬
‫يق ّم ْن ُه ْم ثُ َّم تَ َ‬ ‫اعة اْل ُع ْس َرِة من َب ْعد َما َك َاد َي ِز ُ‬
‫يغ ُقُل ُ‬ ‫ين اتََّب ُعوهُ في َس َ‬
‫الذ َ‬
‫َّللاِ ِإالَّ ِإَل ْي ِه‬
‫ظُّنوْا أَن الَّ َمْل َجأَ ِم َن َّ‬ ‫ضا َق ْت َعَل ْي ِه ْم أ ُ‬
‫َنف ُس ُه ْم َو َ‬ ‫ض ِب َما َر ُحَب ْت َو َ‬
‫ضا َق ْت َعَل ْي ِه ُم األ َْر ُ‬
‫ِ‬
‫ين ُخّلُفوْا َحتَّ ٰى ِإ َذا َ‬
‫ِ َّ ِ‬
‫الثَّالَثَة الذ َ‬
‫َّللا هو التََّّواب َّ ِ‬ ‫اب َعَل ْي ِهم لَِيتُ ُ ِ‬
‫يم‬‫الرح ُ‬ ‫ُ‬ ‫وبوْا إ َّن َّ َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ثُ َّم تَ َ‬

‫{وما كان هللا} ليضّلهم عن طريق التسليم واالنقياد ألمره والرضا بحكمه {بعد إذ هداهم} إلى التوحيد العلمي ورؤية‬
‫وقوع كل شيء بقضائه وقدره {حتى يبين لهم} كل ما يجب عليهم اتقاؤه في كل مقام من مقامات سلوكهم ومرتبة من‬
‫مراتب وصولهم‪ ،‬فإن أقدموا في بعض مقاماتهم على ما تبين لهم وجوب اتقائه فهو يضلهم لكونهم مقدمين على ما‬
‫{إن هللا بكل شيء عليم} يعلم دقائق ذنوب‬‫هو ذنب حالهم وهو فسق في دينهم والعياذ باهلل من الضالل بعد الهدى‪ّ .‬‬
‫أحوالهم وإن لم يتفطن لها أحد فيؤاخذ بها أهل الهداية من أوليائه كما ورد في الحديث الرباني‪" :‬وأنذر الصّديقين بأني‬
‫غيور‬

‫‪".‬‬

‫سورة التوبة (من اآلية ‪ 119‬الى اآلية ‪)127‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اب أَن َيتَ َخَّلُفوْا َعن‬ ‫َعر ِ‬ ‫ِ‬ ‫الص ِاد ِقين * ما َكان أل ِ ِ ِ‬ ‫آمُنوْا اتَُّقوْا َّ‬ ‫يـٰأي َّ ِ‬
‫َهل اْل َمد َينة َو َم ْن َح ْوَل ُه ْم ّم َن األ ْ َ‬
‫َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ونوْا َم َع َّ‬ ‫َّللاَ َوُك ُ‬ ‫ين َ‬‫ُّها الذ َ‬
‫َ َ‬
‫طأُو َن‬‫َّللاِ َوالَ َي َ‬ ‫ظمأٌ والَ َنصب والَ م ْخمص ٌة ِفي سِب ِ‬
‫يل َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِٰ ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َّللا َوالَ َي ْرَغُبوْا بأ َْنُفسه ْم َعن َّنْفسه ذل َك بأََّن ُه ْم الَ ُيص ُيب ُه ْم َ َ َ َ ٌ َ َ َ َ‬
‫ول َّ ِ‬
‫َّرس ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * َوالَ‬ ‫َج َر اْل ُم ْحسن َ‬‫يع أ ْ‬
‫َّللاَ الَ ُيض ُ‬ ‫صال ٌح إ َّن َّ‬ ‫ظ اْل ُكف َار َوالَ َيَناُلو َن م ْن َع ُدّو َّن ْيالً إال ُكت َب َل ُه ْم به َع َم ٌل َ‬
‫َم ْوطئاً َيغي ُ‬
‫ان اْل ُم ْؤ ِمُنو َن‬
‫* َو َما َك َ‬ ‫َح َس َن َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن‬ ‫ط ُعو َن َو ِادياً ِإالَّ ُكِت َب َل ُه ْم لَِي ْج ِزَي ُه ُم َّ‬
‫َّللاُ أ ْ‬ ‫ص ِغ َيرًة َوالَ َكِب َيرًة َوالَ َيْق َ‬
‫ُينفُقو َن َنَفَق ًة َ‬
‫ِ‬

‫َل َعَّل ُه ْم َي ْح َذ ُرو َن *‬ ‫ين َولُِي ِنذ ُروْا َق ْو َم ُه ْم ِإ َذا َرَج ُعوْا ِإَل ْي ِه ْم‬‫الد ِ‬‫ط ِآئَف ٌة ِّليتََفَّقهوْا ِفي ِ‬
‫ّ‬ ‫َ ُ‬ ‫لَِي ِنف ُروْا َك َّآف ًة َفَل ْوالَ َنَف َر ِمن ُك ِّل ِف ْرَق ٍة ِّم ْن ُه ْم َ‬
‫ِ‬ ‫يك ْم ِغْل َ‬‫ون ُك ْم ِّم َن اْل ُكَّف ِار َوْلَي ِج ُدوْا ِف ُ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ٰيأَي َّ ِ‬
‫ورةٌ‬ ‫ين * َوإِ َذا َمآ أ ِ‬
‫ُنزَل ْت ُس َ‬ ‫َّللاَ َم َع اْل ُمتَّق َ‬ ‫اعَل ُموْا أ َّ‬
‫َن َّ‬ ‫ظ ًة َو ْ‬ ‫ين َيُل َ‬‫آمُنوْا َقاتُلوْا الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫َما َّالذ ِ‬‫يماناً َو ُه ْم َي ْستَْب ِش ُرو َن * َوأ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّكم َزاد ْته هـٰذه ِإيماناً َفأ َّ َّ‬ ‫ِ‬
‫ض‬ ‫ين في ُقُلوبِ ِهم َّم َر ٌ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫آمُنوْا َف َزَاد ْت ُه ْم إ َ‬
‫ين َ‬ ‫َما الذ َ‬ ‫َ‬ ‫ول أَي ُ ْ َ ُ َ‬ ‫َفم ْن ُه ْم َّمن َيُق ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َكاف ُرو َن * أ ََوالَ َي َرْو َن أََّن ُه ْم ُيْفتَُنو َن في ُك ّل َعا ٍم َّمَّرةً أ َْو َمَّرتَْي ِن ثُ َّم الَ َيتُ ُ‬
‫وبو َن َوالَ ُه ْم‬ ‫َف َزَاد ْت ُه ْم ِر ْجساً ِإَل ٰى ِر ْج ِس ِه ْم َو َماتُوْا َو ُه ْم‬
‫َّللا ُقُلوبهم ِبأََّنهم َقوم الَّ‬ ‫اكم ِمن أ ٍ‬ ‫ض ُهم ِإَل ٰى َب ْع ٍ‬ ‫ورةٌ َّن َ‬ ‫َي َّذ َّك ُرو َن * َوإِ َذا َمآ أ ِ‬
‫ُْ ٌْ‬ ‫ف َّ ُ َ ُ‬ ‫ص َر َ‬ ‫انص َرُفوْا َ‬ ‫َحد ثُ َّم َ‬
‫ض َه ْل َي َر ُ ْ ّ ْ َ‬ ‫َب ْع ُ ْ‬ ‫ظ َر‬ ‫ُنزَل ْت ُس َ‬
‫َيْفَق ُهو َن‬

‫آمنوا اتّقوا هللا} في جميع الرذائل باالجتناب عنها خاصة رذيلة الكذب‪ ،‬وذلك معنى قوله‪{ :‬وكونوا مع‬
‫{يا أيها الذين ُ‬
‫الصادقين} فإن الكذب أسوأ الرذائل وأقبحها لكونه ينافي المروءة لقوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬ال مروءة لكذوب" إذ‬
‫المراد من الكالم الذي يتميز به اإلنسان عن سائر الحيوان إخبار الغير عما ال يعلم‪ ،‬فإذا كان الخبر غير مطابق لم‬
‫تحصل فائدة النطق وحصل منه اعتقاد غير مطابق وذلك من خواص الشيطنة‪ ،‬فالكاذب شيطان‪ .‬وكما أن الكذب‬
‫أقبح الرذائل‪ ،‬فالصدق أحسن الفضائل‪ .‬وأصل كل حسنة ومادة كل خصلة محمودة ومالك كل خير وسعادة به‬
‫يحصل كل كمال ويحصل كل حال وأصله الصدق في عهد هللا تعالى الذي هو نتيجة الوفاء بميثاق الفطرة أو نفسه‬
‫َّللاَ َعَل ْي ِه} [األحزاب‪ ،‬اآلية‪ ]23 :‬في عقد العزيمة ووعد الخليقة‪ ،‬كما قال‬
‫اه ُدوْا َّ‬
‫ص َد ُقوْا َما َع َ‬
‫ال َ‬ ‫كما قال تعالى‪ِ :‬‬
‫{ر َج ٌ‬
‫ص ِاد َق اْل َو ْع ِد} [مريم‪ ]54 ،‬وإذا روعي في المواطن كلها حتى الخاطر‬
‫ان َ‬ ‫تعالى في إسماعيل عليه السالم‪ِ{ :‬إَّن ُه َك َ‬
‫والفكر والنية والقول والعمل صدقت المنامات والواردات واألحوال والمقامات والمواهب والمشاهدات كأنه أصل شجرة‬
‫الكمال وبذر ثمرة األحوال‪.‬‬

‫{فلوال نفر من كل فرقة منهم طائفة} أي‪ :‬يجب على كل مستعد من جماعة سلوك طريق طلب العلم إذ ال يمكن‬
‫لجميعهم‪ ،‬أما ظاه اًر فلفوات المصالح‪ ،‬وأما باطناً فلعدم االستعداد‪ .‬والتفقه في الدين هو من علوم القلب ال من علوم‬
‫الكسب إذ ليس كل من يكتسب العلم يتفقه كما قال تعالى‪{ :‬وجعْلَنا عَلى ُقُلوب ِِهم أ ِ‬
‫َكَّن ًة أَن َيْفَق ُهوهُ} [األنعام‪ ،‬اآلية‪]25 :‬‬ ‫ْ‬ ‫َ ََ َ ٰ‬
‫واألكنة‪ :‬هي الغشاوات الطبيعية والحجب النفسانية فمن أراد التّفقه فلينفر في سبيل هللا وليسلك طريق التزكية والتصفية‬
‫حتى يظهر العلم من قلبه على لسانه كما نزل على بعض أنبياء بني إسرائيل‪" :‬يا بني إسرائيل‪ ،‬ال تقولوا العلم في‬
‫السماء من ينزل به‪ ،‬وال في تخوم األرض من يصعد به‪ ،‬وال من وراء البحر من يعبر ويأتي به‪ ،‬العلم مجعول في‬
‫يدي بآداب الروحانيين‪ ،‬وتخلقوا بأخالق الصديقين‪ ،‬أظهر العلم من قلوبكم حتى يغمركم ويغطيكم"‪.‬‬
‫تأدبوا بين ّ‬
‫قلوبكم ّ‬
‫فالمراد من التفقه علم راسخ في القلب‪ ،‬ضارب بعروقه في النفس‪ ،‬ظاهر أثره على الجوارح بحيث ال يمكن صاحبه‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ارتكاب ما يخالف ذلك العلم وإال لم يكن عالماً‪ .‬أال ترى كيف سلب هللا الفقه عمن لم تكن رهبة هللا أغلب عليه من‬
‫َّللاِ َذلِ َك ِبأََّن ُه ْم َق ْوٌم الَّ َيْفَق ُهو َن} [الحشر‪ ،‬اآلية‪ ]13 :‬لكون‬
‫ورِه ْم ِّم َن َّ‬
‫ص ُد ِ‬ ‫ِ‬
‫َشُّد َرْهَب ًة في ُ‬
‫رهبة الناس بقوله تعالى‪{ :‬ألَنتُ ْم أ َ‬
‫اء} [فاطر‪ ،‬اآلية‪ ]28 :‬وسلب العلم عمن لم‬ ‫رهبة هللا الزمة للعلم‪ ،‬كما قال تعالى‪ِ{ :‬إَّنما يخ َشى َّ ِ ِ ِ ِ‬
‫َّللاَ م ْن عَباده اْل ُعَل َم ُ‬ ‫َ َْ‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين الَ َي ْعَل ُمو َن} [الزمر‪ ،‬اآلية‪ .]9 :‬وإذا تفقهوا وظهر علمهم‬ ‫{ه ْل َي ْستَ ِوي الذ َ‬
‫ين َي ْعَل ُمو َن َوالذ َ‬ ‫يعمل به في قوله تعالى‪َ :‬‬
‫على جوارحهم أثر في غيرهم وتأثروا منه الرتوائهم به وترشحهم منه كما كان حال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫فلزم اإلنذار الذي هو غايته كما قال‪{ :‬ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} ومن الزم التفقه الجهاد األكبر‬
‫ثم األصغر فلذلك قال بعده‪{ :‬قاتلوا الذين يلونكم} من كفار قوى نفوسكم التي هي أعدى عدوكم {وليجدوا فيكم ِغل َ‬
‫ظة}‬
‫أي‪ :‬قه اًر وشدة حتى تبلغوا درجة التقوى فينزل عليكم النصر من عند هللا كما قال‪{ :‬واعلموا أن هللا مع المتقين}‪.‬‬

‫{أو ال يرون أنهم يفتنون} اآلية‪ ،‬البالء قائد من هللا تعالى يقود الناس إليه‪ .‬وقد ورد في الحديث‪" :‬البالء سوط من‬
‫سياط هللا تعالى‪ ،‬يسوق به عباده إليه"‪ .‬فإن كل مرض وفقر وسوء حال يحل بأحد يكسر ثورة نفسه وقواها ويقمع‬
‫صفاتها وهواها‪ ،‬فيلين القلب ويبرز من حجابها وينزعج من الركون إلى الدنيا ولذاتها وينقبض منها ويشمئز‪ ،‬فيتوجه‬
‫مفر منه إال إليه‪ ،‬ولم يجد مهرباً ومحيصاً من البالء سواه‪،‬‬ ‫أقل درجاته أنه إذا اطلع على أن ال ّ‬ ‫إلى هللا تعالى‪ .‬و ّ‬
‫صين َله ِ‬
‫َّللاَ ُم ْخلِ ِ َ ُ ّ‬
‫ين} [لقمان‪ ،‬اآلية‪:‬‬ ‫تضرع إليه وتذّلل بين يديه‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬وإِ َذا َغ ِشيهم َّموج َك ُّ‬
‫الظَل ِل َد َعُوْا َّ‬
‫الد َ‬ ‫َُ ْ ْ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الضُّر َد َع َانا لِ َجنِبه أ َْو َقاعداً أ َْو َقآئماً} [يونس‪ ،‬اآلية‪ ،]12 :‬وبالجملة يوجب رقة الحجاب أو‬‫ان ُّ‬ ‫ِ‬
‫نس َ‬
‫{وإِ َذا َم َّس اإل َ‬
‫‪َ ،]32‬‬
‫يستقر التيقظ والتذكر وتتسهل التوبة والحضور فال‬ ‫ّ‬ ‫ارتفاعه فليغتنم وقته وليتعوذ وليتخذ ملكة يعود إليها أبداً حتى‬

‫يتعود الغفلة عند الخالص وتتقوى النفس عند األمان فتغلب وينسبل الحجاب أغلظ مما كان كما قال‪َ{ :‬فَل َّما َن َّج ُ‬
‫اه ْم‬
‫َّ‬
‫ضَّرهُ َمَّر َكأَن ل ْم َي ْد ُعَنآ ِإَل ٰى ُ‬
‫ضٍّر َّم َّس ُه} [يونس‪،‬‬ ‫ِإَلى اْلَبِّر ِإ َذا ُه ْم ُي ْش ِرُكو َن} [العنكبوت‪ ،‬اآلية‪َ{ ،]65 :‬فَل َّما َك َشْفَنا َع ْن ُه ُ‬
‫اآلية‪.]12 :‬‬

‫سورة التوبة (من اآلية ‪ 128‬الى اآلية ‪)129‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يم * َفِإن تََوَّل ْوْا َفُق ْل َح ْسِبي َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َلَق ْد جآء ُكم رسول ِمن أ ُ ِ‬
‫َّللاُ‬ ‫َ‬ ‫وف َّرح ٌ‬ ‫يص َعَل ْي ُك ْم ِباْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين َرُء ٌ‬ ‫َنفس ُك ْم َع ِز ٌيز َعَل ْيه َما َعنتُّ ْم َح ِر ٌ‬ ‫َ َ ْ َُ ٌ ّْ‬
‫ال ِإَلـ َٰه ِإالَّ ُهو َعَل ْي ِه تَوَّكْل ُت و ُهو َر ُّب اْل َع ْر ِ‬
‫ش اْل َع ِظي ِم‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫{رسول من أنفسكم} ليكون بينكم وبينه جنسية نفسانية بها تقع األُلفة بينكم وبينه فتخالطونه بتلك الجنسية وتختلطون‬
‫ٌ‬
‫فتتنور بها وتنسلخ عنها ظلمة الجبلة والعادة {عز ٌيز عليه} شديد‬
‫به فتتأثر من نورانيتها المستفادة من نور قلبه أنفسكم ّ‬
‫شاق عليه‪ ،‬عنتكم مشقتكم ولقاؤكم المكروه لرأفته الالزمة للمحبة اإللهية التي له لعباده ورؤيته إياهم بمثابة أعضائه‬
‫وجوارحه لكونه ناظ اًر بنظر الوحدة‪ .‬فكما يشق على أحدنا تألم بعض أعضائه‪ ،‬يشق عليه تعذيب بعض أمته {حريص‬
‫أقل جزء‬
‫يشتد اهتمام أحدنا بكل واحد من أجزاء جسده وجوارحه ال يرضى بنقص ّ‬ ‫عليكم} لشدة اهتمامه بحفظكم كما ّ‬
‫أشد اهتماماً لدقة نظره {بالمؤمنين رؤوف} ينجيهم من العقاب بالتحذير عن الذنوب‬
‫منه وال بشقائه فكذلك هو‪ ،‬بل ّ‬
‫المقربة بالتعليم والترغيب عليها برحمته‪.‬‬
‫والمعاصي برأفته {رحيم} يفيض عليهم العلوم والمعارف والكماالت ّ‬

‫وتعرضوا للشقاوة األبدية {فقل حسبي هللا} ال‬


‫{فإن توّلوا} وأعرضوا عن قبول الرأفة والرحمة لعدم االستعداد أو زواله ّ‬
‫حاجة لي بكم وال باستعانتكم كما ال حاجة لإلنسان إلى العضو المألوم المتعفن الذي يجب قطعه عقالً‪ ،‬أي‪ :‬هللا‬
‫كافيني ليس في الوجود إال هو فال مؤثر غيره وال ناصر إال هو {عليه توكلت} ال أرى ألحد فعالً وال حول وال ّقوة إال‬
‫رب العرش العظيم} المحيط بكل شيء يأتي منه حكمه وأمره إلى الكل ‪.‬‬ ‫به {وهو ّ‬

‫سورة يونس (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)3‬‬

‫ِ َّ ِ‬ ‫اس عجباً أَن أَوحينآ ِإَلى رج ٍل ِمنهم أ ِ‬ ‫اب اْل َح ِكي ِم * أ َ‬ ‫ات اْل ِكتَ ِ‬ ‫ِ‬
‫َن َل ُه ْم‬ ‫آمُنوْا أ َّ‬ ‫ين َ‬‫اس َوَب ّش ِر الذ َ‬ ‫َن أَنذ ِر الَّن َ‬ ‫ان لِ َّلن ِ َ َ ْ ْ َ ْ َ ٰ َ ُ ّ ْ ُ ْ ْ‬ ‫َك َ‬ ‫الر تْل َك َآي ُ‬
‫ض ِفي ِستَّ ِة أَيَّا ٍم ثُ َّم‬ ‫َّللا َّال ِذي خَلق ا َّ ِ‬
‫لس َٰم َٰوت َواأل َْر َ‬ ‫َ َ‬ ‫ين * ِإ َّن َرب ُ‬
‫َّك ُم َّ ُ‬
‫ص ْد ٍق ِع َند رِب ِهم َقال اْل َك ِافرو َن ِإ َّن هـٰ َذا َلس ِ‬
‫احٌر ُّمِب ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ْ َ‬
‫َقدم ِ‬
‫ََ‬
‫اعُب ُدوهُ أََفالَ تَ َذ َّك ُرو َن‬
‫ُّك ْم َف ْ‬ ‫يع ِإالَّ ِمن َب ْع ِد ِإ ْذِن ِه ٰذلِ ُك ُم َّ‬
‫َّللاُ َرب ُ‬ ‫ش ُي َدِّب ُر األ َْم َر َما ِمن َشِف ٍ‬
‫استَو ٰى َعَلى اْل َع ْر ِ‬
‫ْ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِ ِ‬ ‫َّ‬
‫اك ِإال َر ْح َم ًة ّلْل َعاَلم َ‬
‫ين} [األنبياء‪ ،‬اآلية‪:‬‬ ‫{و َمآ أ َْرَسْلَن َ‬
‫{الر} إشارة إلى الرحمة التي هي الذات المحمدية لقوله تعالى‪َ :‬‬
‫مر ذكرهما {تلك} أي‪ :‬ما أُشير إليه بهذه الحروف أركان كتاب الكل ذي الحكمة أو المحكم المتقن‬ ‫‪ ،]107‬و (ا ل) ّ‬
‫تفاصيله أو أقسم باهلل باعتبار الهوية األحدية جمعاً وباعتبار الصفة الواحدية تفصيالً في باطن الجبروت وظاهر‬
‫الرحموت على ما ذكر أو على أن تلك اآليات المذكورة في السورة {آيات الكتاب} ذي الحكمة {أكان للناس عجباً} إلى‬
‫سنة هللا جارية أبداً على هذا األسلوب في اإليحاء على الرجال وإنما كان تعجبهم لبعدهم‬‫آخره‪ ،‬أنكر عجبهم لكون ّ‬
‫عن َد رّبهم} أي‪ :‬سابقة بحسب‬ ‫عن مقامه وعدم مناسبة حالهم لحاله ومنافاة ما جاء به لما اعتقدوه {أن لهم قدم ِ‬
‫ص ْدق ْ‬ ‫ّ‬
‫العناية األولى عظيمة أو مقاماً من قربه ليس ألحد مثله خصصهم هللا به في األزل بمحض االجتباء وإال لما آمنوا به‬

‫{قال الكافرون} الذين حجبوا عن هللا فلم يطلعوا على ظهور صفاته في النفس المحمدية ّ‬
‫{إن هذا} الذي جاء به‬
‫{لسحر مبين} أي‪ :‬شيء خارج عن قدرة البشر ليس إال من عمل الشياطين‪ .‬قالوا ذلك لغلبة الشيطنة عليهم واحتجابهم‬
‫ٌ‬
‫بها عن هللا وعبادتهم الشيطان بحيث لم يصلوا إلى طور من الروحانيات وراءه في القدرة‪ ،‬فلذلك نسبوا ما تجاوز عن‬
‫حد البشرية إليه بالطبع‪.‬‬
‫ّ‬

‫{يدبر} أمر السموات واألرضين على وفق حكمته بيد قدرته {ما من شفيع} يشفع ألحد بإفاضة كمال وإمداد نور يقربه‬‫ّ‬
‫إلى هللا وينجيه من ظلمات النفس ويطهره من رجز صفاتها {إال من بعد} أن يأذن بموهبة االستعداد ثم بتوفيق‬
‫األسباب {ذلكم} الموصوف بهذه الصفات {هللا رّبكم} الذي يربيكم ويدبر أمركم‪ ،‬فخصصوه بالعبادة واعرفوه بهذه‬
‫الصفات وال تعبدوا الشيطان وال تحتجبوا عنه ببعض صفاته‪ ،‬فتنسبوا قوله وفعله إلى الشيطان {أفال تذكرون} ما في‬
‫أنفسكم من آياته فتتفكروا فيها وتنزجروا عن الشرك به‪.‬‬

‫سورة يونس (من اآلية ‪ 4‬الى اآلية ‪)4‬‬

‫ات ِباْلِق ْس ِط َو َّال ِذي َن َكَف ُروْا‬


‫الصالِح ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ حّقاً ِإَّنه يبدؤْا اْلخْلق ثُ َّم ي ِعيده لِيجز َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫آمُنوْا َو َعمُلوْا َّ َ‬ ‫ِي الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫ُ َْ َ ُ َ َ ُ ُ ُ َ ْ َ‬ ‫ِإَل ْيه َم ْرج ُع ُك ْم َجميعاً َو ْع َد َّ َ‬
‫يم ِب َما َك ُانوْا َي ْكُف ُرو َن‬‫َلهم َشراب ِم ْن ح ِمي ٍم وع َذ ِ‬
‫اب أَل ٌ‬
‫ُْ َ ٌ ّ َ َ َ ٌ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{إليه مرجعكم جميعاً} بالعود إلى عين الجمع المطلق في القيامة الصغرى كما هو اآلن أو إلى عين جمع الذات‬
‫بالفناء فيه عند القيامة الكبرى‪.‬‬

‫{وعد هللا حقاً إنه َي ْبدأ الخلق} في النشأة األولى {ثم ُي ِعيده} في النشأة الثانية {ليجزي} المؤمن والكافر على حسب‬
‫إيمانهم وعملهم الصالح وكفرهم وعملهم الفاسد وهذا على التأويل األول‪ ،‬وعلى الثاني‪ :‬يبدأ الخلق باختفائه وإظهارهم‬
‫ثم يعيدهم بإفنائهم وظهوره ليجزي الذين آمنوا به وعملوا الصالحات ما يصلحهم للقائه من األعمال الرافعة لحجبهم‬
‫المقربة إياهم ِ‬
‫{بالق ْسط} بحسب ما بلغوا من المقامات بأعمالهم من مواهبه الحالية والذوقية التي يقتضيها مقامهم‬
‫وشوقهم‪ ،‬أو ليجزي الذين آمنوا اإليمان الحقيقي وعملوا باهلل األعمال التي تصلح العباد‪ ،‬أي جزاء بالتكميل بقسطهم‬
‫أي بسبب عدلهم في زمان االستقامة أو جزاء بحسب رتبتهم ومقامهم في االستقامة {والذين} حجبوا في أي مقام كان‬
‫{وعذاب أليم} من‬
‫ٌ‬ ‫اب من َح ِميم} لجهلهم بما فوقه وشكهم واضطرابهم إذ لو وصلوا إلى اليقين لذاقوا برده‬
‫{لهم شر ٌ‬
‫الحرمان والهجران وفقدان روح الوجدان بسبب احتجابهم‪.‬‬

‫سورة يونس (من اآلية ‪ 5‬الى اآلية ‪)10‬‬

‫َّللاُ ٰذلِ َك ِإالَّ ِباْل َح ِّق‬


‫اب َما َخَل َق َّ‬ ‫ِ‬ ‫ضيآء واْلَقمر نو اًر وَقَّدره من ِازل لِتَعَلموْا عدد ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َواْلح َس َ‬
‫السن َ‬
‫ُه َو الذي َج َع َل الش ْم َس َ ً َ َ َ ُ َ َ ُ َ َ َ ْ ُ َ َ َ ّ‬
‫ض آلي ٍ‬
‫ات ّلَِق ْو ٍم َيتَُّقو َن *‬ ‫َّللا ِفي َّ ِ‬ ‫اخِتالَ ِ‬
‫ف َّال ِ‬ ‫صل اآلي ِ‬
‫ات لَِق ْو ٍم َي ْعَل ُمو َن * ِإ َّن ِفي ْ‬ ‫ِ‬
‫الس َٰم َٰوت َواأل َْر ِ َ‬ ‫الن َه ِار َو َما َخَل َق َّ ُ‬
‫يل َو َّ‬ ‫ُيَف ّ ُ َ‬
‫الن ُار ِب َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ ن‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ضوْا ِباْل َحيٰوِة ُّ‬ ‫نِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اهم َّ‬ ‫ط َمأَُّنوْا ِب َها َوالذ َ‬
‫ين ُه ْم َع ْن َآياتَنا َغافُلو َ * أ ُْوَلـٰئ َك َمأَْو ُ ُ‬ ‫الد ْنَيا َوا ْ‬ ‫آءَنا َوَر ُ‬ ‫ِإ َّن الذ َ‬
‫ين الَ َي ْر ُجو َ لَق َ‬
‫الن ِعي ِم *‬
‫ات َّ‬ ‫ات يه ِدي ِهم ربُّهم ِبِإيم ِان ِهم تَجرِي ِمن تَحِت ِهم األ َْنهار ِفي جَّن ِ‬ ‫َكانوْا ي ْك ِسبون * ِإ َّن َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ُ َُ‬ ‫الصال َح َ ْ ْ َ ُ ْ َ ْ ْ‬ ‫َ َُ َ َ‬ ‫ُ َ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫دعو ِ‬
‫َن اْل َح ْم ُد ََّّلل َر ِّب اْل َعاَلم َ‬
‫ين‬ ‫اه ْم أ ِ‬
‫يها َسالَ ٌم َوآخ ُر َد ْع َو ُ‬
‫يها ُس ْب َح َان َك الل ُه َّم َوتَحيَّتُ ُه ْم ف َ‬
‫اه ْم ف َ‬
‫َ َْ ُ‬

‫جعل} شمس الروح ضياء الوجود وقمر القلب نوره وقدر مسيره في سلوكه {منازل} ومقامات {لتعلموا عدد}‬ ‫{هو الذي َ‬
‫سني مراتبكم وأطواركم في السير إلى هللا وفي هللا وحساب درجاتكم ومواقع أقدامكم في كل مقام ومرتبة ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اخِتالف} ليل غلبة ظلمة النفس على القلب ونهار إشراق ضوء الروح عليه وما خلق هللا في سموات األرواح‬ ‫{إن في ْ‬
‫وأرض األجساد {آليات لقوم يتقون} حجب صفات النفس األمارة وبلغوا إلى رتبة النفس اللوامة فتعرفوا تلك اآليات‪.‬‬

‫{س ْبحانك} أي‪:‬‬


‫{دعواهم فيها} أي‪ :‬دعاؤهم االستعدادي في الجنات الثالث التي يهديهم هللا إليها بحسب نور إيمانهم ُ‬
‫وقوتهم‪ ،‬وفي الثانية‪ :‬عن الشرك في الصفات باالنسالخ‬‫تنزيهه في األولى عن الشرك في األفعال بالبراءة عن حولهم ّ‬
‫عن صفاتهم‪ ،‬وفي الثالثة عن الشرك في الوجود بفنائهم {وتحيتهم فيها} أي‪ :‬تحية بعضهم لبعض في كل مرتبة منها‬
‫إفاضة أنوار التزكية وإمداد التصفية من بعضهم على بعض‪ ،‬أو تحية هللا لهم فيها إشراقات التجليات وإمداد التجريد‬
‫وإزالة اآلفات من الحق تعالى عليهم {و ِ‬
‫آخر َدعواهم} أي‪ :‬آخر ما يقتضي استعداداتهم وسؤال هللا تعالى بالطلب‬
‫واالستفاضة قيامهم باهلل في ظهور كماالته وصفات جالله وجماله عليهم الذي هو الحمد الحقيقي منه وله وتخصيص‬
‫ذلك الحمد به مجمالً ثم مفصالً أوالً باعتبار هويته المطلقة‪ ،‬ثم باعتبار ربوبيته للعالمين‪.‬‬

‫سورة يونس (من اآلية ‪ 11‬الى اآلية ‪)18‬‬

‫ط ْغَي ِان ِه ْم َي ْع َم ُهو َن *‬


‫آءَنا ِفي ُ‬ ‫نِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الشَّر ِ‬ ‫َّللاُ لِ َّلن ِ‬
‫َوَل ْو ُي َع ِّج ُل َّ‬
‫است ْع َجاَل ُه ْم ِباْل َخ ْي ِر َلُقض َي ِإَل ْي ِه ْم أ َ‬ ‫اس َّ‬
‫ين الَ َي ْرُجو َ لَق َ‬ ‫َجُل ُه ْم َفَن َذ ُر الذ َ‬ ‫ْ‬
‫ضٍّر َّم َّس ُه َك ٰذلِ َك‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ضَّرهُ َمَّر َكأَن ل ْم َي ْد ُعَنآ ِإَل ٰى ُ‬‫الضُّر َد َع َانا ل َجنِبه أ َْو َقاعداً أ َْو َقآئماً َفَل َّما َك َشْفَنا َع ْن ُه ُ‬
‫ان ُّ‬ ‫نس َ‬ ‫ِ‬
‫َوإِ َذا َم َّس اإل َ‬
‫ات َو َما َك ُانوْا لُِي ْؤ ِمُنوْا‬ ‫ظَلموْا وجآء ْتهم رسُلهم ِباْلبِين ِ‬ ‫ِ‬
‫َهَل ْكَنا اْلُق ُرو َن من َقْبلِ ُك ْم َل َّما َ ُ َ َ َ ُ ْ ُ ُ ُ َّ َ‬ ‫ين َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * َوَلَق ْد أ ْ‬
‫ُزي ِ‬
‫ِن لْل ُم ْس ِرِف َ‬
‫َّ‬
‫ف تَ ْع َمُلو َن * َوإِ َذا تُْتَل ٰى َعَل ْي ِه ْم‬ ‫ض ِمن َب ْع ِد ِهم لَِنن ُ‬
‫ظ َر َك ْي َ‬ ‫ف ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫اك ْم َخالَئ َ‬‫ين * ثَُّم َج َعْلَن ُ‬ ‫َكذل َك َن ْجزِي اْلَق ْوَم اْل ُم ْج ِرِم َ‬
‫ِٰ‬

‫َن أَُبِّدَل ُه ِمن ِتْلَق ِآء َنْف ِسي ِإ ْن أَتَِّب ُع‬ ‫ِ‬ ‫ين الَ َي ْر ُجو َن لَِقآءَنا ا ْئ ِت ِبُق ْر ٍ‬
‫آن َغ ْي ِر َهـٰ َذآ أ َْو َبّدْل ُه ُق ْل َما َي ُكو ُن لِي أ ْ‬ ‫َ‬
‫ات َق َّ ِ‬
‫ال الذ َ‬ ‫َ‬
‫آياتُنا بِين ٍ‬
‫َ َ ََّ‬
‫اك ْم ِب ِه َفَق ْد‬
‫َّللاُ َما َتَل ْوتُ ُه َعَل ْي ُك ْم َوالَ أ َْد َر ُ‬
‫آء َّ‬ ‫َّ‬
‫َعظي ٍم * ُقل ل ْو َش َ‬
‫ِ‬ ‫اب َي ْو ٍم‬
‫ص ْي ُت َرّبِي َع َذ َ‬‫اف إ ْن َع َ‬
‫َخ ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫وحى ِإَل َّي ِإّني أ َ‬
‫َّ‬
‫ِإال َما ُي َ‬
‫َّللاِ َك ِذباً أ َْو َك َّذ َب ِب َآيـِٰت ِه ِإَّن ُه الَ ُيْفلِ ُح اْل ُم ْج ِرُمو َن *‬
‫ا ْفتَ َر ٰى َعَلى َّ‬ ‫يك ْم ُع ُم اًر ِّمن َقْبلِ ِه أََفالَ تَ ْعِقُلو َن * َف َم ْن أَ ْ‬
‫ظَل ُم ِم َّم ِن‬ ‫َلِب ْث ُت ِف ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الس َٰم َٰو ِت‬ ‫َّللاِ ُق ْل أَتَُنِّبُئو َن َّ‬
‫َّللاَ ِب َما الَ َي ْعَل ُم ِفي َّ‬ ‫اؤَنا ِع َند َّ‬ ‫ِ‬
‫ضُّرُه ْم َوالَ َي َنف ُع ُه ْم َوَيُقوُلو َن َهـ ُٰؤالء ُشَف َع ُ‬
‫ويعبدون ِمن دو ِن َّ ِ‬
‫َّللا َما الَ َي ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ ُُ َ‬
‫والَ ِفي األ َْر ِ‬
‫ض ُس ْب َح َان ُه َوتَ َعاَل ٰى َع َّما ُي ْش ِرُكو َن‬ ‫َ‬
‫الشر} إلى آخره‪ ،‬لما كانت االستعدادات مفطورة على الخير اإلضافي الصوري أو المعنوي‬
‫{ولو يعجل هللا للناس ّ‬
‫بحسب درجاتها في األزل كان كل دعاء منها وطلب للخير بتهيئة قابليتها وتصفيتها وشوقها إليه يوجب حصول ذلك‬
‫اكم ِّمن ُك ِّل َما َسأَْلتُ ُموهُ}‬
‫{وآتَ ُ‬
‫له عاجالً وفيضانه عليه من المبدأ الفياض الذي هو منبع الخيرات والبركات كقوله تعالى‪َ :‬‬
‫[إبراهيم‪ ،‬اآلية‪ ]34 :‬وكلما فاض عليه خير باستحقاقه له لوجود تصفية وتزكية زاد استعداده بانضمام هذا الخير إليه‪،‬‬
‫فصار أقوى وأقبل من األول فيكون المبدأ تعالى أسرع إجابة له وأكثر إفاضة عليه وعلى هذا يزداد االستعداد فيزداد‬
‫آء ِباْل َح َسَن ِة َفَل ُه َخ ْيٌر ِّم ْن َها} [القصص‪،‬‬
‫{من َج َ‬
‫الفيض حتى يبلغ مداه وهو معنى تضاعف الحسنات‪ .‬ومعنى قوله‪َ :‬‬
‫اآلية‪ .]84 :‬وأما الشرور فليست إال حجب االستعداد وموانع القبول وحواجز الفيض‪ ،‬فلما حصلت ما وقع بسببها إال‬
‫عدم القبول للخي ارت فمنعت فيضانها وبقي االستعداد في حجاب ما حصل منها ليس إال‪ ،‬وإن اقتضى بحسب‬
‫الشر فليس في فيض المبدأ ما يجانسه فال يفيض عليه شيء من جنسه‪ ،‬وهذا معنى قوله تعالى‪:‬‬ ‫المناسبة فيضان ّ‬
‫{ومن جآء ِب َّ ِ‬
‫السِّيَئة َفالَ ُي ْج َزى ِإالَّ ِم ْثَل َها} [األنعام‪ ،‬اآلية‪ ]160 :‬اللهم إال إذا أفرط وتجاوز ّ‬
‫حد الرحمة وأزال االستعداد‬ ‫ََ َ َ‬
‫أُنِبُئ ُكم عَلى من تَنَّزل َّ ِ‬
‫اطين تََنَّزل عَلى ُك ِل أََّف ٍ‬
‫اك‬ ‫الشَي ُ ُ َ ٰ ّ‬ ‫َّ ْ َ ٰ َ َ ُ‬ ‫{ه ْل‬
‫استمد من عالمها‪ ،‬كما قال تعالى‪َ :‬‬
‫بالكلية فناسب الشيطنة و ّ‬
‫استعدادهم فانقطع مدد الحياة الحقيقية عنهم ومدد‬ ‫أَِثيمٍ} [الشعراء‪ ،‬اآليات‪{ ،]222-221 :‬لقضي إليهم} لقطع مدى‬
‫الشر‪ ،‬فلم يصل إليهم بعد ذلك خير صوري وال‬
‫الخير عن استعدادهم بالكلية وأُزيل إمكان التصفية منه القتضائه ّ‬
‫معنوي ولكن يمهلهم ما بقي فيهم أدنى مسكة من استعدادهم وإمكان قبول ألدنى خير‪.‬‬

‫{فنذر الذين ال يرجون لقاءنا} من جملتهم‪ ،‬أي‪ :‬ال يرفعون رأساً من انهماكهم في الشرور وال يتوقعون نو اًر من أنوارنا‬
‫ط ْغيانهم} وتماديهم في الشرور يتحيرون وينقطع مدد‬
‫وال يتنبهون قط من غفلتهم بالرجوع إلينا وطلب رحمتنا {في ُ‬
‫الخيرات الصورية التي يسألها استعدادهم بلسان حاله عنهم حتى يزول بانغماسهم وانهماكهم في الطبيعيات نور‬
‫استعدادهم بالكلية لحصول الرين ويحق الطمس‪ ،‬فنكسوا على رؤوسهم إلى أسفل سافلين‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة يونس (من اآلية ‪ 19‬الى اآلية ‪)20‬‬

‫ضي بينهم ِفيما ِف ِ‬


‫يه َي ْخَتلُِفو َن * َوَيُقوُلو َن َل ْوالَ أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُم ًة و ِ‬ ‫الن ِ َّ‬
‫ُنزَل‬ ‫ِك َلُق َ َ ْ َ ُ ْ َ‬
‫اخَتَلُفوْا َوَل ْوالَ َكل َم ٌة َسَبَق ْت من َّرّب َ‬ ‫اح َدةً َف ْ‬ ‫اس إال أ َّ َ‬ ‫ان َّ ُ‬‫َو َما َك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َعَل ْيه َآي ٌة ّمن َّرّبِه َفُق ْل ِإَّن َما اْل َغ ْي ُب ََّّلل َف ْانتَظ ُروْا ِإّني َم َع ُك ْم ّم َن اْل ُمنتَظ ِر َ‬
‫ين‬

‫متنورين بنور الهداية‬


‫أمة واحدة} على الفطرة التي فطر هللا الناس عليها‪ ،‬متوجهين إلى الوحدة‪ّ ،‬‬
‫{وما كان الناس إال ّ‬
‫{فاخَتلفوا} بمقتضيات النشأة واختالف األمزجة واألهوية والعادات والمخالطات‪{ .‬ولوال كلمة َسَبقت من رّبك}‬
‫األصلية ْ‬
‫أي‪ :‬قضاء سبق في األزل بتعيين اآلجال واألرزاق وتمادي كل واحد من الشقي والسعيد إلى حيث قدر له فيما يزاوله‬
‫{لقضي بينهم فيما فيه يختلفون} عاجالً ولميز السعيد من الشقي‪ ،‬والحق من الباطل من أديانهم ومللهم ولكن حكمة‬
‫هللا اقتضت أن يبلغ كل منهم وجهته التي ولى وجهه إليها بأعماله التي يزاولها هو وإظهار ما خفي في نفسه‪.‬‬

‫سورة يونس (من اآلية ‪ 21‬الى اآلية ‪)22‬‬

‫َس َرعُ َم ْك اًر ِإ َّن ُرُسَلَنا َي ْكتُُبو َن َما تَ ْم ُك ُرو َن‬ ‫آء َم َّس ْت ُه ْم ِإ َذا َل ُه ْم َّم ْكٌر ِفي َآي ِاتَنا ُق ِل َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َوإِ َذآ أَ َذ ْقَنا َّ‬
‫َّللاُ أ ْ‬ ‫ضَّر َ‬
‫اس َر ْح َم ًة ّمن َب ْعد َ‬
‫الن َ‬
‫ف‬ ‫ِ‬
‫يح َعاص ٌ‬ ‫آء ْت َها ِر ٌ‬ ‫* ُهو َّال ِذي ُيسِّي ُرُكم ِفي اْلَبِّر واْلَب ْح ِر َحتَّ ٰى ِإ َذا ُكنتُم ِفي اْلُفْل ِك و َج َرْي َن ِب ِهم ِب ِري ٍح َ ِ ٍ ِ ِ‬
‫طّيَبة َوَفرُحوْا ب َها َج َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َلئ ْن أَْن َج ْيتََنا م ْن َهـٰذه َلَن ُكوَن َّن م َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الد َ‬
‫ين َل ُه ّ‬ ‫َّللاَ ُم ْخلص َ‬‫ط به ْم َد َع ُوْا َّ‬ ‫ظنوْا أَن ُه ْم أُحي َ‬ ‫آء ُه ُم اْل َم ْو ُج من ُك ّل َم َكان َو َ‬
‫َو َج َ‬
‫َّ ِ‬
‫الشاك ِر َ‬
‫ين‬

‫شرة‬
‫مر أن أنواع البالء من الضراء والبأساء وصنوف الألواء تكسر ّ‬
‫{وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء} قد ّ‬
‫النفس‪ ،‬وتلطف القلب بكشف حجب صفات النفس وترقيق كثافات الطبع ورفع غشاوات الهوى‪ ،‬فلذا تنزع قلوبهم‬
‫بالطبع إلى مبدئها في تلك الحالة لرجوعها إلى مقتضى فطرتها حينئذ وعودها إلى نوريتها األصلية وقوتها الفطرية‬
‫وميلها إلى العروج الذي هو في سنخها لزوال المانع بل الميل إلى الجهة العلوية والمبادئ النورية مفطور في طباع‬
‫القوى الملكوتية كلها‪ .‬حتى النفس الحيوانية لو تزكت عن الهيئات البدنية الظلمانية فإن التسفل من العوارض‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الجسمانية حتى أن البهائم والوحوش إذا اشتدت الحال عليها في أوقات المحل وأيام الجدب اجتمعت رافعة رؤوسها‬
‫إلى السماء كأن ملكوتها يشعر بنزول الفيض من الجهة العلوية فتستمد منها فكذا إذا توافرت على الناس ِ‬
‫الن َعم‬ ‫ّ‬
‫الظاهرة وتكاملت عليهم األمداد الطبيعية والمرادات الجسمانية قويت النفس من مدد الجهة السفلية واستطالت قواها‬
‫بالترفع على القلب وتكاثف الحجاب وغلظ وتسلط الهوى وغلب‪ ،‬وصارت السلطنة للطبيعة الجسمانية‪ ،‬وارتكمت‬
‫الهيئات البدنية الظلمانية فتشكل القلب بهيئة النفس وقسا وغلظ وطغى‪ ،‬وأبطرته النعمة فكفر وعمى ومال إلى الجهة‬
‫السفلية لبعده عن الهيئة النورية حينئذ‪ .‬وبقدر استيالء النفس على القلب يستولي الوهم على العقل‪ ،‬فتستولي الشيطنة‬
‫لكون القوة العاقلة أسيرة في قيد الوهم مأمورة له يستعملها في مطالبه ويستسعيها في مآربه من تحصيل لذات النفس‬
‫وإمدادها من عالم الرجس وتقوية صفاتها بأهب عالم الطبع وعدد مواد الحظ بالفكر‪ ،‬فيحتجب القلب بالرين عن قبول‬
‫صفات الحق بالكلية‪ ،‬وذلك معنى قوله‪{ :‬إذا لهم مكر في آياتنا قل هللا أسرع مك اًر} بإخفاء القهر الحقيقي في هذا‬
‫اللطف الصوري وتعبية عذاب نيران الحرمان وحيات هيئات الرذائل والعقارب السود ولباس القطران في هذه الرحمة‬
‫الظاهرة ‪.‬‬

‫{إن ُرُسلنا َي ْكتبون ما تمكرون} قد علمت أن الملكوت السماوية تنتقش بكل حادثة تقع في هذا العالم فكل عمل حسن‬
‫أو قبيح يصدر عن أحد فقد كتب عليه في تلك األلواح وقد اتصل ملكوت كل بدن بتلك المبادئ الملكوتية فمتى‬
‫هممنا بحسنة أو سيئة ارتسمت صورته في ملكوت أبداننا على سبيل الخاطر أوالً ثم أخذنا في الفكر فيه‪ ،‬فإن استحكم‬
‫النقش وانبعثت منه العزيمة حتى امتثلنا الخاطر األول باإلرادة الجازمة انطبع بإقدامنا على الفعل إال أنه إن كان‬
‫المنور بنوره وكتبته القوة العاقلة العملية التي هي‬ ‫حسنة انطبع في الحال في جهة القلب التي تلي الروح ولوح الفؤاد ّ‬
‫ال َق ِع ٌيد} [ق‪ ،‬اآلية‪ ]17 :‬إذ‬ ‫ِ‬
‫الشم ِ‬ ‫{ع ِن اْلَي ِم ِ‬
‫ين َو َع ِن ّ َ‬ ‫صاحب اليمين من الملكين الموكلين المشار إليهما بقوله تعالى‪َ :‬‬
‫الفؤاد هو الجانب األقوى منه وإن كان سيئة ال ينطبع في الحال لبعد الهيئة الظلمانية من القلب وعدم مناسبته إياها‬
‫بالذات‪ ،‬فإن أدركه التوفيق وتألأل عليه نور من أنوار الهداية الروحانية ندم واستغفر فمحى عنه‪ ،‬وعفى له‪ ،‬وإن لم‬
‫فاستقر في لوح الصدر الذي هو وجه القلب الذي يلي النفس‬
‫ّ‬ ‫أمدته النفس بظلمة صفاتها‬
‫يتداركه بقي متلجلجاً حتى ّ‬
‫المظلم بظلمة النفس الغالبة عليه في صدور هذا الفعل منه وكتبته القوة المتخيلة التي هي صاحب الشمال إذ هذا‬
‫الجانب هو األضعف وهذا هو المراد من قولهم‪ :‬صاحب الشمال ال يكتب السيئة حتى تمضي ست ساعات فإن‬
‫أصر كتبته‪ .‬ويفهم من هذا التقرير إيتاء الكتاب بيمين المسلم وشمال الكافر‪ ،‬وأما‬
‫استغفر فيها صاحبها لم تكتب‪ ،‬وإن ّ‬
‫صورة اإليتاء وكيفيته فقد تجيء في موضعها إن شاء هللا تعالى ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة يونس (من اآلية ‪ 23‬الى اآلية ‪)25‬‬

‫اع اْل َحَي ِاة ُّ‬


‫الد ْنَيا ثُ َّم ِإَل َينا‬ ‫الناس ِإَّنما ب ْغي ُكم عَلى أ ُ ِ‬
‫َنفس ُك ْم َّمتَ َ‬ ‫ُّها َّ ُ َ َ ُ ْ َ ٰ‬ ‫اهم ِإ َذا ُهم َي ْب ُغو َن ِفي األ َْر ِ ِ‬
‫ض ب َغ ْي ِر اْل َح ِّق ٰيأَي َ‬ ‫ْ‬ ‫َنج ُ ْ‬ ‫َفَل َّمآ أ َ‬
‫السم ِآء َفاختَل َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ِم َّما َيأ ُ‬
‫ْك ُل‬ ‫ات األ َْر ِ‬ ‫ط ِبه َنَب ُ‬ ‫َْ‬ ‫الد ْنيا َكم ٍآء أ َ ْ ِ‬
‫َنزلَناهُ م َن َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َم ْرج ُع ُك ْم َفُنَنّبُئ ُك ْم ب َما ُكنتُ ْم َت ْع َمُلو َن * إَّن َما َمَث ُل اْل َحَياة ُّ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ض ُز ْخ ُرَف َها َو َّازيََّن ْت َو َ‬ ‫الناس واأل َْنعام حتَّى ِإ َذآ أ ِ‬
‫اها‬ ‫َهُل َهآ أََّن ُه ْم َقاد ُرو َن َعَل ْي َهآ أَتَ َ‬
‫اهآ أ َْم ُرَنا َل ْيالً أ َْو َن َها اًر َف َج َعْلَن َ‬ ‫ظ َّن أ ْ‬ ‫َخ َذت األ َْر ُ‬
‫َ‬ ‫َّ ُ َ َ ُ َ ٰ‬
‫آء ِإَل ٰى‬ ‫ِ‬ ‫ات لَِق ْو ٍم َيتََف َّك ُرو َن * َو َّ‬
‫َّللاُ َي ْد ُعوْا ِإَل ٰى َد ِار َّ‬ ‫صل اآلي ِ‬ ‫ِ‬ ‫صيداً َكأَن َّلم تَ ْغن ِباألَم ِ ٰ ِ‬
‫حِ‬
‫السالَ ِم َوَي ْهدي َمن َي َش ُ‬ ‫س َكذل َك ُنَف ّ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫صر ٍ‬
‫اط ُّم ْستَِقي ٍم‬ ‫ِ‬
‫َ‬

‫ضد العدل‪ ،‬فكما أن العدل فضيلة شاملة لجميع الفضائل وهيئة وجدانية‬‫بغيكم على أنفسكم} إلى آخره‪ ،‬البغي ّ‬
‫{إنما ْ‬
‫لها فائضة من نور الوحدة على النفس فالبغي ال يكون إال عن غاية االنهماك في الرذائل بحيث يستلزمها جميعاً‬
‫فصاحبها في غاية البعد عن الحق ونهاية الظلمة كما قال‪" :‬الظلم ظلمات يوم القيامة"‪ .‬فلهذا قال‪{ :‬على أنفسكم}‪ ،‬ال‬
‫على المظلوم ألن المظلوم سعد به وشقى الظالم غاية الشقاء وهو ليس إال متاع الحياة الدنيا إذ جميع اإلفراطات‬
‫الحسية التي مثلها في سرعة الزوال‬
‫ّ‬ ‫والتفريطات المقابلة للعدالة تمتعات طبيعية ولذات حيوانية تنقضي بانقضاء الحياة‬
‫وقّلة البقاء هذا المثل الذي مثل به من تزين األرض بزخرفها من ماء المطر ثم فسادها ببعض اآلفات سريعاً قبل‬
‫االنتفاع بنباتها ثم تتبعها الشقاوة األبدية والعذاب األليم الدائم‪ .‬وفي الحديث‪ :‬أسرع الخير ثواباً صلة الرحم‪ ،‬وأعجل‬
‫الشر عقاباً البغي واليمين الفاجرة‪ ،‬ألن صاحبه تتراكم عليه حقوق الناس فال تحتمل عقوبته المهل الطويل الذي‬
‫يحتمله حق هللا تعالى‪ .‬وقد سمعت بعض المشايخ يقول‪ :‬قلما يموت الظالم حتف أنفه وقلما يبلغ الفاسق أوان‬
‫الشيخوخة‪ ،‬وذلك لمبارزتهما هلل تعالى في هدم النظام المصروف عنايته تعالى إلى ضبطه ومخالفتهما إياه في حكمته‬
‫وعدله‪.‬‬

‫{وهللا يدعو إلى دار السالم} يدعو الكل إلى دار سالم العالم الروحاني الذي ال آفة فيه وال نقص وال فقر وال فناء بل‬
‫فيه السالمة عن كل عيب واألمان من كل خوف {ويهدي من يشاء} من جملتهم من أهل االستعداد {إلى صراط}‬
‫الوحدة ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة يونس (من اآلية ‪ 26‬الى اآلية ‪)27‬‬

‫طعاً ِّم َن اْلَّلْي ِل‬ ‫وه ُه ْم ِق َ‬ ‫اص ٍم َكأََّنما أ ْ ِ‬‫َّللاِ ِمن ع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ٍ ِِ‬ ‫و َّال ِذين َكسبوْا َّ ِ ِ‬
‫ُغشَي ْت ُو ُج ُ‬ ‫َ‬ ‫آء َسِّيَئة ِبم ْثل َها َوتَ ْرَهُق ُه ْم ذل ٌة َّما َل ُه ْم ّم َن َّ ْ َ‬‫السّيَئات َج َز ُ‬ ‫َ َ َُ‬
‫ِ‬
‫وه ُه ْم َق َتٌر َوالَ ذَّل ٌة أ ُْوَلـِٰئ َك‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫م ِْ‬
‫َح َسُنوْا اْل ُح ْسَن ٰى َوِزَي َادةٌ َوالَ َي ْرَه ُق ُو ُج َ‬ ‫يها َخال ُدو َن * ّللذ َ‬
‫ين أ ْ‬ ‫الن ِار ُه ْم ف َ‬ ‫اب َّ‬‫َص َح ُ‬
‫ظلماً أ ُْوَلـٰئ َك أ ْ‬ ‫ُ‬
‫يها َخالِ ُدو َن‬ ‫أَصحاب اْلجَّن ِة هم فِ‬
‫ْ َ ُ َ ُْ َ‬

‫{للذين أحسنوا} أي‪ :‬جاؤوا بما يحسن به حالهم من خير فعلي أو قولي أو علمي مما هو سبب كمالهم المثوبة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫{الحسنى} من الكمال الذي يفيض عليهم بسبب ذلك الخير {وزيادة} مرتبة مما كان قبله بالترقي أو زيادة في استعداد‬
‫قبول الخيرات والكماالت بانضمام هذا الكمال والنور الفائض عليهم إلى استعدادهم األول على ما ذكر {وال يرهق}‬
‫وجوه قلوبهم غبار من كدورات صفات النفس وقيام غلباتها {وال ذّلة} من ميل قلوبهم إلى الجهة السفلية‪.‬‬

‫أصحاب الجنة} التي يقتضيها حالهم وارتقاؤهم من الجنان المذكورة {هم فيها خالدون} {والذين َك َسبوا} أجناس‬
‫َ‬ ‫{أولئك‬
‫{جزاء َسيئة بمثلها} من الهيئة التي ارتكبت‬
‫{السيئات} من أعمال وأقوال وعقائد تحجب استعدادهم عن قبول الكمال َ‬
‫على قلوبهم من سيئاتهم فمنعتها الصفاء والنور {وترهقهم ذلة} الميل إلى الجهة السفلية {ما لهم من هللا من ِ‬
‫عاصم}‬
‫يعصمهم من تلك الذلة والخذالن لوجود الحجاب وعدم قبول هذه العصمة لثبوت الكدورة {كأنما أغشيت وجوههم قطعاً‬
‫{أولئك أصحاب النار} التي‬
‫َ‬ ‫الردية عليها‪.‬‬
‫من الليل} لفرط ارتكاب الهيئة المظلمة من الميول الطبيعية واألعمال ّ‬
‫يقتضيها حالهم في التسفل من نيران اآلثار واألفعال‪.‬‬

‫سورة يونس (من اآلية ‪ 28‬الى اآلية ‪)36‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ويوم نح ُشرهم ج ِميعاً ثُ َّم نُق َِّ ِ‬
‫آؤ ُه ْم َّما ُكنتُ ْم ِإي َ‬
‫َّانا تَ ْعُب ُدو َن *‬ ‫ال ُش َرَك ُ‬
‫آؤُك ْم َف َزَّيْلَنا َب ْيَن ُه ْم َوَق َ‬
‫َش َرُكوْا َم َك َان ُك ْم أَنتُ ْم َو ُش َرَك ُ‬
‫ين أ ْ‬
‫ول للذ َ‬‫َ ُ‬ ‫َ َْ َ َ ْ ُ ُ ْ َ‬
‫َّللاِ َم ْوالَ ُه ُم‬
‫س َّمآ أ َْسَلَف ْت َوُرُّدوْا ِإَلى َّ‬‫ين * ُهَنالِ َك تَْبُلوْا ُك ُّل َنْف ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َف َكَفى ِب َّ ِ‬
‫اَّلل َش ِهيداً َب ْيَنَنا َوَب ْيَن ُك ْم ِإن ُكَّنا َع ْن عَب َادت ُك ْم َل َغافل َ‬ ‫ٰ‬
‫صا َر َو َمن ُي ْخ ِرُج‬ ‫َمن َي ْملِ ُك َّ‬ ‫السم ِآء واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫الس ْم َع واأل َْب َ‬ ‫ض أ َّ‬ ‫ض َّل َع ْن ُه ْم َّما َك ُانوْا َيْفتَ ُرو َن * ُق ْل َمن َي ْرُزُق ُكم ّم َن َّ َ َ‬ ‫اْل َح ِّق َو َ‬
‫ُّك ُم اْل َح ُّق َف َما َذا‬ ‫َّللاُ َفُق ْل أََفالَ تَتَُّقو َن * َف َذلِ ُك ُم َّ‬
‫َّللاُ َرب ُ‬ ‫اْل َح َّي ِم َن اْل َمِّي ِت َوُي ْخ ِرُج اْل َمِّي َت ِم َن اْل َح ِي َو َمن ُي َدِّب ُر األ َْم َر َف َسَيُقوُلو َن َّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ين َف َسُقوْا أََّن ُه ْم الَ ُي ْؤ ِمُنو َن * ُق ْل َه ْل من‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َب ْع َد اْل َح ِّق ِإالَّ َّ‬
‫ِك َعَلى الذ َ‬ ‫ص َرُفو َن * َك َذل َك َحق ْت َكل َم ُت َرّب َ‬ ‫الضالَ ُل َفأََّن ٰى تُ ْ‬
‫َّللاُ َي ْب َد ُؤْا اْل َخْل َق ثُ َّم ُي ِع ُيدهُ َفأََّن ٰى تُ ْؤَف ُكو َن * ُق ْل َه ْل ِمن ُش َرَك ِآئ ُك ْم َّمن َي ْه ِدي ِإَلى‬
‫ُش َرَك ِآئ ُك ْم َّمن َي ْب َد ُؤْا اْل َخْل َق ثُ َّم ُي ِع ُيدهُ ُق ِل َّ‬
‫َّ‬ ‫َّللا يه ِدي لِْلح ِق أََفمن يه ِدي ِإَلى اْلح ِق أَح ُّق أَن يتَّبع أ َّ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ف تَ ْح ُك ُمو َن *‬ ‫َمن ال َي ِهّدي ِإال أَن ُي ْه َد ٰى َف َما َل ُك ْم َك ْي َ‬ ‫ََُ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ ّ َ َْ‬ ‫اْل َح ِّق ُقل َّ ُ َ ْ‬
‫يم ِب َما َيْف َعُلو َن‬ ‫الظ َّن الَ ُي ْغِني ِم َن اْل َح ِّق َش ْيئاً ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َعَل ٌ‬
‫ظّناً ِإ َّن َّ‬ ‫َو َما َيتَِّب ُع أَ ْكثَ ُرُه ْم ِإالَّ َ‬

‫{ويوم نحشرهم جميعاً} في المجمع األكبر عين جمع الوجود المطلق {ثم نقول للذين أشركوا} منهم أي‪ :‬المحجوبين‬
‫الواقفين مع الغير بالمحبة والطاعة {مكانكم} أي‪ :‬الزموا مكانكم {أنتم وشركاؤكم} ومعناه‪ :‬وقفوا مع ما وقفوا معه في‬
‫وتبرء المعبود من العابد النقطاع اآلالت البدنية‬
‫الموقف مع قطع الوصل واألسباب التي هي سبب محبتهم وعبادتهم ّ‬
‫واألغراض الطبيعية التي توجب تلك الوصل وهو معنى قوله‪{ :‬فزيلنا بينهم} أي‪ :‬مع كونهم في الموقف معاً فرقنا‬
‫ودنو رتبة العابد وتباين حاليهما إذا كان المعبود شريف ًا كالمالئكة‬ ‫علو رتبة المعبود ّ‬ ‫بينهم في الوجهة وذلك عند ّ‬
‫ين َسَبَق ْت َل ُه ْم ِّمَّنا اْل ُح ْسَن ٰى أ ُْوَلـِٰئ َك َع ْن َها‬ ‫َّ ِ‬
‫والمسيح وعزير وأمثالهم ممن له السابقة عند هللا كما قال تعالى‪ِ{ :‬إ َّن الذ َ‬
‫ُم ْب َع ُدو َن} [األنبياء‪ ،‬اآلية‪{ .]101 :‬وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون} بل تعبدون الشيطان بطاعتكم إياه وما‬
‫اخترعتموه في أوهامكم من أباطيل فاسدة وأماني كاذبة‪.‬‬

‫{فكفى باهلل شهيداً} إلى آخره‪ ،‬أي‪ :‬هللا يعلم ّأنا ما أمرناكم بذلك وما أردنا عبادتكم إيانا {هنالك} أي‪ :‬عند ذلك الموقف‬
‫{وردوا إلى هللا} في موقف الجزاء باالنقطاع عن اآللهة وانفرادهم عنها‬ ‫تختبر وتذوق {كل نفس ما ْ‬
‫أسَلَفت} في الدنيا ّ‬
‫{وضل عنهم ما كانوا يفترون} من اختراعاتهم وأصول دينهم ومذهبهم‬
‫ّ‬ ‫{موالهم الحق} المتولي جزاءهم بالعدل والقسط‬
‫وتوهماتهم الكاذبة وأمانيهم الباطلة ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة يونس (من اآلية ‪ 37‬الى اآلية ‪)42‬‬

‫يه ِمن َّر ِّب‬ ‫اب الَ ريب ِف ِ‬ ‫صيل اْل ِكتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ وَلـ ِٰكن تَص ِد َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َْ َ‬ ‫يق الذي َب ْي َن َي َد ْيه َوتَْف َ‬ ‫ْ َ‬ ‫آن أَن ُيْفتَ َر ٰى من ُدون َّ َ‬ ‫ان َهـٰ َذا اْلُق ْر ُ‬
‫َو َما َك َ‬
‫ين * َب ْل َك َّذُبوْا ِب َما‬ ‫َّللاِ ِإن ُكنتُم ِ ِ‬ ‫ط ْعتُ ْم ِّمن ُدو ِن َّ‬ ‫اْلعاَل ِمين * أَم يُقوُلون ا ْفتراه ُقل َفأْتوْا ِبس ٍ ِ ِ ِ‬
‫صادق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ورة ّم ْثله َو ْاد ُعوْا َم ِن ْ‬
‫استَ َ‬ ‫ْ َ َ ََ ُ ْ ُ ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين ِمن َقْبلِ ِه ْم َف ْان ُ‬ ‫ِ َّ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َلم ي ِحي ُ ِ ِ ِ‬
‫نه ْم َّمن ُي ْؤ ِم ُن‬ ‫ين * َو ِم ُ‬ ‫ان َعاقَب ُة الظالم َ‬ ‫ف َك َ‬ ‫ظ ْر َك ْي َ‬ ‫طوْا ِبعْلمه َوَل َّما َيأْت ِه ْم تَأ ِْويُل ُه َك َذل َك َكذ َب الذ َ‬ ‫ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫وك َفُقل ّلي َع َملي َوَل ُك ْم َع َمُل ُك ْم أَنتُ ْم َب ِر ُيئو َن م َّمآ أ ْ‬
‫َع َم ُل َوأََن ْا‬ ‫ين * َوإِن َكذُب َ‬ ‫َعَل ُم ِباْل ُمْفسد َ‬ ‫ِبه َو ِم ْن ُه ْم َّمن ال ُي ْؤ ِم ُن ِبه َوَرب َ‬
‫ُّك أ ْ‬
‫َنت تُ ْس ِم ُع ُّ‬
‫الص َّم َوَل ْو َك ُانوْا الَ َي ْعِقُلو َن‬ ‫ِ‬ ‫ب ِر ِ‬
‫يء ّم َّما تَ ْع َمُلو َن * َو ِم ْن ُه ْم َّمن َي ْستَم ُعو َن ِإَل ْي َك أََفأ َ‬
‫َ ٌ‬

‫{وما كان هذا القرآن} اختالقاً {من دون هللا ولكن تصديق الذي بين يديه} من اللوح المحفوظ {وتفصيل الكتاب} الذي‬
‫يم} [الزخرف‪ ،‬اآلية‪ ]4 :‬أي‪ :‬كيف يكون مختلقاً وقد أثبت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هو األم له كقوله تعالى‪{ :‬وإَِّن ُه ِفي أ ِ ِ ِ‬
‫ُم اْلكتَاب َل َد ْيَنا َل َعل ٌّي َحك ٌ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫قبله في كتابين من علم مفصالً كما هو في اللوح المحفوظ ومجمالً في ّأم الكتاب الذي هذا تفصيله‪.‬‬

‫{بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه} أي‪ :‬لما جهلوا كيفية ثبوته في علم هللا ونزوله على سيدنا محمد عليه الصالة و‬
‫السالم وقصر علمهم عن ذلك كذبوا به {ولما َيأِْت ِهم تَأ ِْويله} أي‪ :‬ظهور ما أشار إليه في مواعيده وأمثاله مما يؤول أمره‬
‫وعلمه إليه فال يمكنهم التكذيب ألنه إذا ظهرت حقائقه ال يمكن ألحد تكذيبه‪ ،‬مثل ذلك التكذيب العظيم {ك ّذب الذين‬
‫ان} عاقبتهم لما ظلموا بالتكذيب {ومنهم من يؤمن به} أي‪ :‬سيؤمن به لرقة حجابه {ومنهم من‬
‫كيف َك َ‬
‫ظر َ‬ ‫فان ُ‬
‫من َقْبلهم ْ‬
‫ال يؤمن به} أبداً لغلظ حجابه {ومنهم من يستمعون إليك} ولكن ال يفهمون إما لعدم االستعداد في األصل وإما لرسوخ‬
‫الهيئات المظلمة الحاجبة لنور االستعداد فيهم وإما الجتماع األمرين كاألصم الذي ال عقل له فال يسمع وال يتفطن‬
‫لإلشارة‪ ،‬فكيف يمكن إفهامه‪.‬‬

‫سورة يونس (من اآلية ‪ 43‬الى اآلية ‪)46‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اس َش ْيئاً َوَلـ ِٰك َّن َّ‬ ‫الَ ي ْ ِ‬ ‫ص ُرو َن * ِإ َّن َّ‬ ‫ظر ِإَليك أََفأ َْنت تَه ِدي اْلعمي وَلو َكانوْا الَ يب ِ‬
‫َنف َس ُه ْم‬
‫اس أ ُ‬‫الن َ‬ ‫ظل ُم ا َّلن َ‬ ‫َ‬ ‫َّللاَ‬ ‫ُْ‬ ‫ُْ َ َ ْ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫نه ْم َّمن َين ُ ُ ْ َ‬ ‫َو ِم ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫اع ًة ِّم َن َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ي ِْ‬
‫َّللا َو َما َك ُانوْا‬
‫ين َكذُبوْا بلَقآء َّ‬ ‫َق ْد َخس َر الذ َ‬ ‫الن َه ِار َيتَ َع َارُفو َن َب ْيَن ُه ْم‬ ‫ظل ُمو َن * َوَي ْوَم َي ْح ُش ُرُه ْم َكأَن ل ْم َيْلَبثُوْا ِإال َس َ‬ ‫َ‬
‫ض َّال ِذي َن ِع ُد ُه ْم أ َْو َنتََوَّفَيَّن َك َفِإَل ْيَنا َم ْرِج ُع ُه ْم ثُ َّم َّ‬
‫َّللاُ َش ِه ٌيد َعَل ٰى َما َيْف َعُلو َن‬ ‫ين * َوإِ َّما ُن ِرَيَّن َك َب ْع َ‬
‫ِ‬
‫ُم ْهتَد َ‬

‫انضم‬
‫ّ‬ ‫{ومنهم من ينظر إليك} ولكن ال يبصر الحق وال حقيقتك ألحد األمرين المذكورين أو كليهما كاألعمى الذي‬
‫إلى فقدان بصره فقدان البصيرة فال يبصر وال يستبصر فكيف تمكن هدايته‪.‬‬

‫{إن هللا ال يظلم الناس شيئاً} لما ذكر الصمم والعمى اللذين يدالن على عدم استعداد اإلدراك أشعر الكالم بوقوع الظلم‬
‫ّ‬
‫لوجود االستعداد لبعض وعدمه لبعض فسلب الظلم عن نفسه ألن عدم االستعداد في األصل ليس ظلماً لعدم إمكان‬
‫ما هو أجود منه بالنسبة إلى خصوصية ذلك وهويته فكان عينه مقتضياً له في رتبة من مراتب اإلمكان كما ال يمكن‬
‫للحمار مع حماريته استعداد اإلدراك اإلنساني وكان عينه مستدعياً لما هو عليه من االستعداد الحماري وال يطلب منه‬
‫وراء ما في استعداده فال ظلم هذا إذا لم يكن في األصل وأما إذا بطل برسوخ الهيئات المظلمة فال كالم فيه وكالهما‬
‫ظالم لنفسه‪ .‬أما األول فلقصوره في درجات اإلمكان ونقصانه باإلضافة إلى ما فوقه كقصور الحمار مثالً عن اإلنسان‬
‫حد نفسه ليس بقاصر وال ناقص‪ .‬وأما الثاني فظاهر وعلى هذا معنى‬ ‫ونقصانه باإلضافة إليه ال في نفسه فإنه في ّ‬
‫{أنفسهم يظلمون} ينقصون حظها‪ ،‬أو إن هللا ال يظلم الناس شيئاً بأن يطلب منهم ما ليس في استعدادهم فيعاقبهم‬
‫على ذلك ولكن الناس أنفسهم يظلمون فيستعملون استعداداتهم فيما لم تخلق ألجله‪.‬‬

‫{ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إال ساعة من النهار} لعدم إحساسهم بالحركة المستلزم لذهولهم عن الزمان إذ الذاهل عن‬
‫الحركة ذاهل عن الزمان‪ ،‬فسواء عندهم الساعة الواحدة والدهور المتطاولة {يتعارفون بينهم} بحكم سابقة الصحبة‬
‫وداعية الهوى الالزمة للجنسية األصلية بدالً التشاؤم‪ .‬ثم إن بقيت الجنسية األصلية والمناسبة الفطرية التحادهم في‬
‫الوجهة واتفاقهم في المقصد بقي التعارف بينهم‪ ،‬وإن لم يبق بسبب اختالف األهواء وتباين اآلراء وتفاوت الهيئات‬
‫المستفادة من لواحق النشأة وعوارض المادة انقلب إلى التناكر {قد خسر الذين كذبوا بلقاء هللا} لوقوعهم في وحشة‬
‫التناكر حينئذ واحتجابهم بحجب عاداتهم الفاسقة وهيئات اعتقاداتهم الفاسدة {وما كانوا مهتدين} وبطل نور استعدادهم‬
‫يؤون أليفاً‪.‬‬
‫فال يهتدون إلى هللا وال إلى التعارف فخسئوا مبغوضين مطرودين ال يألفون أنيساً وال ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة يونس (من اآلية ‪ 57‬الى اآلية ‪)64‬‬

‫َّللاِ َوب َِر ْح َمِت ِه‬


‫ض ِل َّ‬‫ين * ُق ْل ِبَف ْ‬
‫ِ ِ‬
‫ور َو ُه ًدى َوَر ْح َم ٌة ّلْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫الص ُد ِ‬ ‫آء ّلِ َما ِفي ُّ‬ ‫ظ ٌة ِمن َّرّب ُ ِ‬
‫ِك ْم َوشَف ٌ‬
‫ِ‬
‫آء ْت ُك ْم َّم ْوع َ ّ‬ ‫اس َق ْد َج َ‬ ‫الن ُ‬‫َّ‬ ‫ُّها‬
‫ٰيأَي َ‬
‫آَّللُ أ َِذ َن‬
‫َّللاُ َل ُك ْم ِّمن ِّرْز ٍق َف َج َعْلتُ ْم ِّم ْن ُه َح َراماً َو َحالَالً ُق ْل َء َّ‬
‫َنزَل َّ‬ ‫َفْلَيْف َر ُحوْا ُه َو َخ ْيٌر ِّم َّما َي ْج َم ُعو َن * ُق ْل أ َأ‬
‫َرَْيتُ ْم َّمآ أ َ‬ ‫َفِب َذِل َك‬
‫اس َوَلـ ِٰك َّن‬‫ض ٍل َعَلى الَّن ِ‬ ‫ام ِة ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َل ُذو َف ْ‬
‫ِ‬ ‫ظ ُّن َّال ِذين يْفتَرون عَلى َّ ِ ِ‬
‫َّللا اْل َكذ َب َي ْوَم اْلقَي َ‬ ‫َ َ ُ َ َ‬ ‫َّللاِ تَْفتَ ُرو َن * َو َما َ‬ ‫َل ُك ْم أ َْم َعَلى َّ‬
‫آن َوالَ تَ ْع َمُلو َن ِم ْن َع َم ٍل ِإالَّ ُكَّنا َعَل ْي ُك ْم ُش ُهوداً ِإ ْذ‬
‫ْن َو َما تَْتُلوْا ِم ْن ُه ِمن ُق ْر ٍ‬
‫أَ ْكثَ َرُه ْم الَ َي ْش ُك ُرو َن * َو َما تَ ُكو ُن ِفي َشأ ٍ‬
‫السم ِآء والَ أَص َغر ِمن ٰذلِ َك وال أَ ْكبر ِإالَّ ِفي ِكتَ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ال َذَّرٍة ِفي األَْر ِ‬ ‫ِك ِمن ِم ْثَق ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اب‬ ‫َ ََ‬ ‫ض َوالَ في َّ َ َ ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫يضو َن فيه َو َما َي ْع ُز ُب َعن َّرّب َ‬ ‫تُف ُ‬
‫ياة ُّ‬‫َّللاِ الَ خوف عَلي ِهم والَ هم يحزنون * َّال ِذين آمنوْا وَكانوْا يتَُّقون * َلهم اْلب ْشر ٰى ِفي اْلح ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫الد ْنَيا‬ ‫َ‬ ‫ُُ ُ َ‬ ‫َ َُ َ ُ َ َ‬ ‫َ ْ ٌ َ ْ ْ َ ُْ َ ْ َُ َ‬ ‫آء َّ‬ ‫ُّمبين * أَال إ َّن أ َْولَي َ‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫ات َّ ِ ٰ ِ‬ ‫اآلخرِة الَ تَب ِديل لِ َكلِم ِ‬‫وِفي ِ‬
‫َّللا ذل َك ُه َو اْلَف ْوُز اْل َعظ ُ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫{يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة} أي‪ :‬تزكية لنفوسكم بالوعد والوعيد واإلنذار والبشارة والزجر عن الذنوب المورطة‬
‫في العقاب والتحريض على األعمال الموجبة للثواب لتعملوا على الخوف والرجاء {وشفاء لما في الصدور} أي‪:‬‬
‫الغل والغش وأمثال ذلك بتعليم الحقائق والحكم الموجبة لليقين وتصفيتها لقبول‬
‫القلوب من أمراضها كالشك والنفاق و ّ‬
‫{وهدى} ألرواحكم إلى الشهود الذاتي {ورحمة} بإفاضة‬
‫ً‬ ‫التنور بنور التوحيد‪ ،‬والتهيئ لتجليات الصفات‬
‫المعارف و ّ‬
‫الكماالت الالئقة بكل مقام من المقامات الثالث بعد حصول االستعداد في مقام النفس بالموعظة ومقام القلب‬
‫بالتصفية ومقام الروح بالهداية {للمؤمنين} بالتصديق أوالً ثم باليقين ثانياً ثم بالعيان ثالث ًا‪.‬‬

‫ضل هللا} أي‪ :‬بتوفيقه للقبول في المقامات الثالثة {وبرحمته} بالمواهب الخلقية والعلمية والكشفية في المراتب‬ ‫{ُق ْل ِبَف ْ‬
‫الثالث فليعتنوا وإن كانوا يفرحون {فبذلك فليفرحوا} ال باألمور الفانية القليلة المقدار‪ ،‬الدنيئة القدر والوقع {هو ٌ‬
‫خير مما‬
‫يجمعون} من الخسائس الفاسدة والمحقرات الزائلة من جملة الحطام إن كانوا أصحاب دراية وفطنة وأرباب قدر وهمة‪.‬‬

‫{قل أرأيتم ما أنزل هللا} إلى آخره‪ ،‬أي‪ :‬أخبروني ما أنزل هللا من رزق معنوي كالحقائق والمعارف واألحوال والمواهب‬
‫وكاآلداب والشرائع والمواعظ والنصائح {فجعلتم} بعضه {حراماً} كالقسم األول {و} بعضه {حالالً} كالقسم الثاني {قل‬
‫ظن الذين يفترون على هللا الكذب يوم القيامة}‬
‫هللا أذن لكم} في الحكم بالتحريم والتحليل {أم على هللا تفترون وما ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫بتجرد القلب عن مالبس النفس وحصول اليقين أو يوم القيامة الكبرى بالتوحيد الذاتي وظهور العيان‪ ،‬أي‪ :‬ال‬
‫الوسطى ّ‬
‫يبقى ظنهم وليس شيئاً حينئذ أو يوم القيامة الصغرى بالموت وحصول الحرمان أي‪ :‬يكون ظنهم وباالً وعذاباً حينئذ‬
‫{إن هللا لذو فضل على الناس} بصنفي العلمين وإفاضتهما وتوفيق القبول لهما وتهيئة االستعداد لقبولهما {ولكن أكثرهم‬
‫ّ‬
‫ال يشكرون} نعمته فيستعملون ما وهب لهم من االستعداد والعلوم في تحصيل المنافع الجزئية والمطالب الحسية‬
‫ويكفرون نعمته فيمنعون عن الزيادة‪.‬‬

‫أولياء هللا} المستغرقين في عين الهوية األحدية بفناء األنية {ال خوف عليهم} إذ لم يبق منهم بقية خافوا بسببها‬
‫{أال إن َ‬
‫من حرمان وال غاية وراء ما بلغوا فيخافوا من حجبه {وال هم يحزنون} المتناع فوات شيء من الكماالت واللذات منهم‪،‬‬
‫فيحزنوا عليه‪ .‬وعن سعيد بن جبير رضي هللا عنه‪ :‬إن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ُسئل من هم؟ فقال‪" :‬هم الذين‬
‫يذكروا هللا برؤيتهم"‪ .‬وهذا رمز لطيف منه عليه السالم‪ .‬وعن عمر رضي هللا عنه‪ :‬سمعت رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم يقول‪":‬إن من عباد هللا عباداً ما هم بأنبياء وال شهداء يغبطهم األنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من هللا"‪،‬‬
‫تحابوا في هللا على غير أرحام بينهم وال‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬أخبرنا من هم وما أعمالهم؟ فلعلنا نحبهم‪ .‬قال‪" :‬هم قوم ّ‬
‫أموال يتعاطونها‪ ،‬فوهللا إن وجوههم لنور وإنهم لعلى منابر من نور‪ ،‬ال يخافون إذا خاف الناس وال يحزنون إذا حزن‬
‫الناس"ثم ق أر اآلية‪ .‬قوله‪ :‬وإنهم لعلى منابر من نور‪ ،‬يريد به اتصالهم بالمبادئ العالية الروحانية كالعقل األول وما‬
‫يليه‪.‬‬

‫{الذين آمنوا وكانوا ّيتقون} إن جعل صفة ألولياء هللا فمعناه الذين آمنوا باإليمان الحقي وكانوا يتقون بقاياهم وظهور‬
‫ّ‬
‫تلويناتهم‪.‬‬

‫الب ْشرى في الحياة الدنيا} بوجود االستقامة في األعمال واألخالق المبشرة بجنة النفوس {وفي اآلخرة} بظهور‬
‫{لهم ُ‬
‫أنوار الصفات والحقائق الروحانية والمعارف الحّقانية عليهم المبشرة بجنة القلوب وحصول الذوق بهما واللذة {ال تبديل‬
‫لكلمات هللا} لحقائقه الواردة عليهم وأسمائه المنكشفة لهم وأحكام تجلياته النازلة بهم‪ ،‬وإن جعل كالماً برأسه مبتدأ‬
‫فمعناه الذين آمنوا اإليمان اليقيني وكانوا يتقون حجب صفات النفس وموانع الكشف من التشكيكات الوهمية والوساوس‬
‫الشيطانية {لهم البشرى في الحياة الدنيا} بوجدان لذة برد اليقين في النفس واطمئنانها بنزول السكينة وفي اآلخرة‬
‫بوجدان ذوق تجليات الصفات وأثر أنوار المكاشفات ال تبديل لكلمات هللا من علومهم اللدنية وحكمهم اليقينية أو‬
‫فطرتهم التي فطرهم هللا عليها فإن كل نفس كلمة ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة يونس (من اآلية ‪ 47‬الى اآلية ‪)56‬‬

‫ين‬ ‫ظَلمو َن * ويُقوُلو َن متَى هـٰ َذا اْلوعد ِإن ُكنتُم ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ولِك ِل أُم ٍة َّرسول فِإذا جآء رسولهم ق ِ‬
‫صادق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ٰ َ َ ُْ‬ ‫ََ‬ ‫َب ْيَن ُه ْم باْلق ْسط َو ُه ْم الَ ُي ْ ُ‬ ‫ضي‬
‫َ ُ ّ َّ ُ ٌ َ َ َ َ َ ُ ُ ُ ْ ُ َ‬
‫اع ًة َوالَ َي ْستَْق ِد ُمو َن *‬ ‫ِ‬
‫َجُل ُه ْم َفالَ َي ْستَأْخ ُرو َن َس َ‬ ‫ُم ٍة أ َ ِ‬ ‫َّللاُ لِ ُك ِّل أ َّ‬ ‫ضّاًر َوالَ َنْفعاً ِإالَّ َما‬ ‫َّ ِ ِ ِ‬
‫آء أ َ‬
‫َج ٌل إ َذا َج َ‬ ‫آء َّ‬
‫َش َ‬ ‫* ُقل ال أ َْمل ُك لَنْفسي َ‬
‫اآلن َوَق ْد ُكنتُم ِب ِه‬ ‫ِ‬
‫آم ْنتُ ْم ِبه َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َرَْيتُ ْم ِإ ْن أَتَ ُ‬
‫اك ْم َع َذ ُاب ُه َبَياتاً أ َْو َن َها اًر َّما َذا َي ْستَ ْعج ُل م ْن ُه اْل ُم ْج ِرُمو َن * أَثُ َّم إ َذا َما َوَق َع َ‬ ‫ُق ْل أ َأ‬
‫َح ٌّق ُهَو ُق ْل ِإي‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫تَستَع ِجُلون * ثُ َّم ِق َِّ ِ‬
‫ون َك أ َ‬‫اب اْل ُخْلد َه ْل تُ ْج َزْو َن ِإال ِب َما ُكنتُ ْم تَ ْكسُبو َن * َوَي ْستَْنِبُئ َ‬ ‫ظَل ُموْا ُذوُقوْا َع َذ َ‬ ‫ين َ‬ ‫يل للذ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َن لِ ُك ِّل َنْف ٍ‬
‫اب‬
‫ام َة َل َّما َأرَُوْا اْل َع َذ َ‬ ‫َسُّروْا َّ‬
‫الن َد َ‬
‫ِ‬
‫ظَل َم ْت َما في األ َْرض الَ ْفتََد ْت به َوأ َ‬ ‫س َ‬ ‫ين * َوَل ْو أ َّ‬ ‫َوَرّبِي ِإَّن ُه َل َح ٌّق َو َمآ أَنتُ ْم ِب ُم ْع ِج ِز َ‬
‫َّللاِ َح ٌّق َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثََرُه ْم الَ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬
‫ض أَالَ ِإ َّن َو ْع َد َّ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ظَل ُمو َن * أَال إ َّن ََّّلل َما في َّ َ َ َ‬ ‫ض َي َب ْيَن ُه ْم ِباْلِق ْس ِط َو ُه ْم الَ ُي ْ‬
‫وُق ِ‬
‫َ‬
‫يت َوِإَل ْي ِه تُ ْر َج ُعو َن‬ ‫ِ‬
‫َي ْعَل ُمو َن * ُه َو ُي ْحِيـي َوُيم ُ‬

‫{ولكل أمة رسول} يجانسهم في األحوال النفسانية ليمكن بينهم األلفة الموجبة لالستفادة منه ويمكنه النزول إلى مبالغ‬
‫عقولهم ومراتب فهومهم فيزكيهم بما يصلح أحوالهم ويكشف حجبهم ويعلمهم بما يوجب ترقيهم عن مقاماتهم ويهديهم‬
‫ضل وسعادة من سعد وشقاوة من شقي‬ ‫إلى هللا‪{ ،‬فإذا جاء رسولهم قضي بينهم} بهداية من اهتدى منهم وضاللة من ّ‬
‫لظهور ذلك بوجوده وطاعة بعضهم إياه لقربه منه وإنكار بعضهم له لبعده عنه {بالقسط} أي‪ :‬بالعدل الذي هو الغالب‬
‫على حال النبي لكونه ظاهر توحيده وسيرته وطريقته {وهم ال يظلمون} بنسبة خالف ما هو حالهم إليهم ومجازاتهم به‬
‫ضل وتعذيبه لظهور أسباب ذلك بوجوده ‪.‬‬
‫أو قضى بينهم بإنجاء من اهتدى به وإثابته وإهالك من ّ‬

‫{ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} إنكار الحتجابهم عن القيامة وعدم وقوفهم على معناها إذ لو علموا كيفيته‬
‫درجهم إلى‬
‫صدقوهم في ذلك وما أنكروا‪{ .‬قل ال أملك لنفسي} إلى آخره‪ّ ،‬‬ ‫بارتفاع حجبهم بالتجرد عن مالبس النفس ّ‬
‫شهود األفعال بسلب الملك والتأثير عن نفسه ووجوب وقوع ذلك عنه بمشيئة هللا ليعرفوا آثار القيامة‪ ،‬ثم ّلوح إلى أن‬

‫القيامة الصغرى هي بانقضاء آجالهم ّ‬


‫المقدرة عند هللا بقوله‪{ :‬لكل أمة أجل} إلى آخره ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة يونس (من اآلية ‪ 65‬الى اآلية ‪)109‬‬

‫َّ ِ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت وم ْن ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫والَ يح ُزنك َقوُلهم ِإ َّن اْل ِعَّزة ََِّّللِ ج ِميعاً هو َّ ِ‬
‫ض َو َما َيتَِّب ُع الذ َ‬
‫ين‬ ‫يم * أَال إ َّن ََّّلل َمن في َّ َ َ َ َ‬ ‫يع اْل َعل ُ‬
‫السم ُ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ ْ ُْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صو َن * ُهَو َّالذي َج َع َل َل ُكم َّالي َل لِتَ ْس ُكُنوْا ِفيه َو َّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ َّ َّ‬ ‫َّللا ُش َرَك ِ َِّ‬ ‫ِ‬ ‫َي ْد ُعو َن ِمن ُدو ِن َّ‬
‫الن َه َار‬ ‫ُ‬ ‫آء إن َيتب ُعو َن إال الظ َّن َوإِ ْن ُه ْم إال َي ْخ ُر ُ‬ ‫َ‬
‫ض‬‫الس ٰم ٰوت وما ِفي األَْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص اًر ِإ َّن ِفي ٰذلِك آلي ٍ‬
‫ات ّلَِق ْو ٍم َي ْس َم ُعو َن * َقاُلوْا اتَّ َخ َذ َّ‬ ‫مب ِ‬
‫َّللاُ َوَلداً ُس ْب َح َان ُه ُه َو اْل َغن ُّي َل ُه َما في َّ َ َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا اْل َكذ َب الَ ُيْفل ُحو َن *‬ ‫ين َيْفتَ ُرو َن َعَلى َّ‬ ‫َّللا َما الَ تَ ْعَل ُمو َن * ُق ْل ِإ َّن الذ َ‬ ‫ان ِب َهـٰ َذآ أَتُقوُلو َن َعَلى َّ‬
‫طٍ‬ ‫ِإ ْن ع َند ُك ْم ّمن ُسْل َ‬
‫ال لَِق ْو ِم ِه ٰيَق ْو ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد ْنَيا ثُ َّم ِإَل ْيَنا م ْرِج ُعهم ثُ َّم ُن ِذيُقهم اْل َع َذ َ َّ ِ ِ‬
‫اب الشد َيد ب َما َك ُانوْا َي ْكُف ُرو َن * َو ْات ُل َعَل ْيه ْم َنَبأَ ُنو ٍح إ ْذ َق َ‬ ‫ُُ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َمتَاعٌ ِفي ُّ‬
‫آء ُك ْم ثُ َّم الَ َي ُك ْن أَ ْم ُرُك ْم َعَل ْي ُك ْم ُغ َّم ًة‬ ‫َّللاِ تَوَّكْلت َفأ ِ‬ ‫ات َّ ِ‬ ‫امي وتَ ْذ ِكيرِي ِبآي ِ‬ ‫ِإن َكان َكبر عَلي ُكم َّمَق ِ‬
‫َجم ُعوْا أ َْم َرُك ْم َو ُش َرَك َ‬
‫َّللا َف َعَلى َّ َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ َ ْ ْ‬
‫ين *‬ ‫ِِ‬ ‫أَن أ ُ ِ‬
‫َكو َن م َن اْل ُم ْسلم َ‬ ‫ْ‬ ‫َّللاِ َوأ ُِم ْر ُت‬
‫ِي ِإالَّ َعَلى َّ‬ ‫َجر َ‬ ‫َج ٍر ِإ ْن أ ْ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ضوْا ِإَل َّي َوالَ تُنظ ُرو َن * َفِإن تََول ْيتُ ْم َف َما َسأَْلتُ ُك ْم ّم ْن أ ْ‬ ‫ثُ َّم ا ْق ُ‬
‫ِ‬ ‫ين َك َّذُبوْا ِب َآي ِاتَنا َف ْان ُ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ين * ثُ َّم‬‫ان َعاقَب ُة اْل ُم ْن َذ ِر َ‬
‫َك َ‬ ‫ف‬ ‫ظ ْر َك ْي َ‬ ‫َغ َرْقَنا الذ َ‬‫ف َوأ ْ‬ ‫اه ْم َخالَئ َ‬
‫َف َكذُبوهُ َفَن َّج ْيَناهُ َو َمن َّم َع ُه في اْلُفْلك َو َج َعْلَن ُ‬
‫طبع َعَل ٰى ُق ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫ِ َّ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫بع ْثنا ِمن بع ِدِه رسالً ِإَلى َقو ِم ِهم َفجآء ِ ِ ٰ ِ‬
‫لوب‬ ‫وه ْم باْلَبّيَنت َف َما َك ُانوْا لُي ْؤ ِمُنوْا ب َما َكذُبوْا به من َقْب ُل َك َذل َك َن ْ َ ُ‬ ‫ٰ ْ ْ َ ُ ُ‬ ‫َْ ُ ُ‬ ‫ََ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * َفَل َّما‬ ‫اس َت ْكَب ُروْا َوَك ُانوْا َق ْوماً ُّم ْج ِرِم َ‬
‫وس ٰى َو َهـ ُٰرو َن إَل ٰى ف ْرَع ْو َن َو َمإل ْيه ب َآيـٰتَنا َف ْ‬ ‫ين * ثُ َّم َب َع ْثَنا من َب ْعده ْم ُّم َ‬‫اْل ُم ْعتَد َ‬
‫آء ُك ْم أ َِس ْحٌر َهـٰ َذا َوالَ ُيْفلِ ُح‬ ‫نِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫وس ٰى أَتُقوُلو َ لْل َح ّق َل َّما َج َ‬ ‫ال ُم َ‬ ‫ين * َق َ‬ ‫آء ُه ُم اْل َح ُّق م ْن عندَنا َقاُلوْا ِإ َّن َهـٰ َذا َلس ْحٌر ُّمِب ٌ‬ ‫َج َ‬
‫ين *‬ ‫ِ‬
‫ض َو َما َن ْح ُن َل ُك َما ِب ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫اح ُرو َن * َقاُلوْا أَ ِج ْئتََنا لَِتْلِفتََنا َع َّما و َج ْدَنا َعَل ْي ِه َآباءَنا وتَ ُكو َن َل ُكما اْل ِك ْب ِرَيآء ِفي األ َْر ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫وَق ِ ن ِ ِ ِ ِ ٍ ِ‬
‫وس ٰى‬
‫ال ُم َ‬ ‫وس ٰى أَْلُقوْا َمآ أَنتُ ْم ُّمْلُقو َن * َفَل َّمآ أَْلَقوْا َق َ‬ ‫ال َل ُه ْم ُّم َ‬ ‫الس َح َرةُ َق َ‬
‫آء َّ‬‫ال ف ْرَع ْو ُ ا ْئتُوني ب ُك ّل َساحر َعلي ٍم * َفَل َّما َج َ‬ ‫َ َ‬
‫َّللاُ اْل َح َّق ِب َكلِ َم ِات ِه َوَل ْو َك ِرَه اْل ُم ْج ِرُمو َن *‬
‫ين * َوُي ِح ُّق َّ‬ ‫ِِ‬
‫صل ُح َع َم َل اْل ُمْفسد َ‬
‫َّللا الَ ي ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّللاَ َسُي ْبطُل ُه إ َّن َّ َ ُ ْ‬ ‫الس ْح ُر ِإ َّن َّ‬‫ِ ِِ ِ‬
‫َما ج ْئتُ ْم به ّ‬
‫ض َوإَِّن ُه َل ِم َن‬
‫ال ِفي األ َْر ِ‬ ‫ف ِمن ِفرَعو َن ومَلِئ ِهم أَن يْفِتَنهم وإِ َّن ِفرَعو َن َلع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫وس ٰى ِإال ُذِّرَّي ٌة ّمن َق ْو ِمه َعَل ٰى َخ ْو ّ ْ ْ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ ْ َ‬ ‫آم َن ل ُم َ‬ ‫َف َمآ َ‬
‫َّللاِ تََوَّكْلَنا َربََّنا الَ‬
‫ين * َفَقاُلوْا َعَل ٰى َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫اْلمس ِرِفين * وَقال موسى ٰيَقو ِم ِإن ُكنتم آمنتم ِب َّ ِ‬
‫اَّلل َف َعَل ْيه تََوَّكُلوْا ِإن ُكنتُم ُّم ْسلم َ‬ ‫ُْ َ ُْ‬ ‫َ َ ُ َٰ ْ‬ ‫ُْ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وس ٰى َوأَخيه أَن تََبَّوَءا لَق ْو ِم ُك َما بم ْ‬
‫ص َر‬ ‫ِ‬ ‫ين * َوَن ِّجَنا ِب َر ْح َمت َك م َن اْلَق ْو ِم اْل َكاف ِر َ‬
‫ين * َوأ َْو َح ْيَنآ إَل ٰى ُم َ‬ ‫تَ ْج َعْلَنا ف ْتَن ًة ّلْلَق ْو ِم الظالم َ‬
‫وس ٰى َربََّنآ ِإَّن َك آتَْي َت ِف ْرَع ْو َن َو َمألَهُ ِز َين ًة َوأ َْمَواالً ِفي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بيوتاً واجعُلوْا بيوتَ ُكم ِقبَل ًة وأ َِقيموْا َّ ٰ‬
‫ال ُم َ‬‫ين * َوَق َ‬ ‫وة َوَب ّش ِر اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫الصل َ‬ ‫ُُ َ ْ َ ُُ ْ ْ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ط ِم ْس َعَل ٰى أ َْم َوالِ ِه ْم َو ْ‬ ‫ضُّلوْا َعن َسِبيلِ َك َربََّنا ا ْ‬ ‫الد ْنيا ربَّنا لِي ِ‬ ‫ِ‬
‫يم *‬
‫اب األَل َ‬ ‫اش ُد ْد َعَل ٰى ُقُلوب ِِه ْم َفالَ ُي ْؤ ِمُنوْا َحتَّ ٰى َي َرُوْا اْل َع َذ َ‬ ‫اْل َحَياة ُّ َ َ َ ُ‬
‫يل اْلَب ْح َر َفأ َْتَب َع ُه ْم ِف ْرَع ْو ُن‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫آن سِب َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َقال َق ْد أُ ِجيب ْت َّدعوتُ ُكما َف ِ‬
‫ين الَ َي ْعَل ُمو َن * َو َج َاوْزَنا بَبني إ ْس َرائ َ‬
‫يل الذ َ‬ ‫يما َوالَ تَتَّب َع ِّ َ َ‬ ‫استَق َ‬ ‫َْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ َّ َّ‬ ‫ِ‬
‫ين *‬ ‫يل َوأََن ْا م َن اْل ُم ْسلم َ‬ ‫نت أََّن ُه ال إلـ َٰه إال الذي َ‬
‫آمَن ْت به َبنوْا إ ْس َرائ َ‬ ‫آم ُ‬ ‫ودهُ َب ْغياً َو َع ْدواً َحتَّ ٰى إ َذآ أ َْد َرَك ُه اْل َغ َر ُق َق َ‬
‫ال َ‬ ‫َو ُجُن ُ‬
‫يك ِبَب َدِن َك لِتَ ُكو َن لِ َم ْن َخْلَف َك َآي ًة َوإِ َّن َكِثي اًر ِّم َن َّ‬ ‫ِِ‬ ‫وُك ِ‬
‫اس َع ْن‬‫الن ِ‬ ‫ين * َفاْلَي ْوَم ُنَن ِّج َ‬ ‫نت م َن اْل ُمْفسد َ‬
‫َ َ‬ ‫ص ْي َت َقْب ُل‬
‫آآلن َوَق ْد َع َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ص ْد ٍق ورَزْقن ِ‬ ‫بَّوأْنا بِني ِإسرِائيل مبَّوأَ ِ‬ ‫َآي ِاتَنا َل َغافُلو َن * َوَلَق ْد‬
‫ِ‬
‫آء ُه ُم اْلعْل ُم ِإ َّن َرب َ‬
‫َّك‬ ‫َّ‬
‫اه ْم ّم َن الطّيَبات َف َما ا ْخَتَلُفوْا َحت ٰى َج َ‬ ‫ََ َ ُ‬ ‫ْ َ َ َُ‬ ‫َ َ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اب ِمن‬ ‫ِ‬ ‫َنزلنآ ِإَليك َفاسأ ِ َّ ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫يه ي ْخَتلُِفو َن * َفِإن ُك ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ضي بيَنهم يوم اْلِقي ِ ِ‬ ‫يْق ِ‬
‫ين َيْق َرُءو َن اْلكتَ َ‬ ‫َل الذ َ‬ ‫نت في َش ّك ّم َّمآ أ َ ْ َ ْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫يما َك ُانوْا ف َ‬ ‫امة ف َ‬ ‫َْ ُ ْ َْ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات َّ ِ‬‫َقبلِك َلَق ْد جآءك اْلح ُّق ِمن َّربِك َفالَ تَ ُكون َّن ِمن اْلممتَ ِرين * والَ تَ ُكون َّن ِمن َّال ِذين َك َّذبوْا ِبآي ِ‬
‫َّللا َفتَ ُكو َن م َن اْل َخاس ِر َ‬
‫ين‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُْ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫يم * َفَل ْوالَ َك َان ْت َق ْرَي ٌة‬
‫اب األَل َ‬‫آء ْت ُه ْم ُك ُّل َآية َحتَّ ٰى َي َرُوْا اْل َع َذ َ‬ ‫ِ ن‬ ‫ين َحَّق ْت َعَل ْي ِه ْم َكل َم ُت َرّب َ‬
‫ِك الَ ُي ْؤمُنو َ * َوَل ْو َج َ‬ ‫* ِإ َّن الذ َ‬
‫ين * َوَل ْو‬ ‫اه ْم ِإَل ٰى ِح ٍ‬ ‫الخ ْزِي ِفي اْل َحَي ِاة ُّ‬
‫الد ْنَيا َو َمتَّ ْعَن ُ‬
‫ونس َل َّمآ آمُنوْا َك َشْفَنا ع ْنهم ع َذاب ِ‬
‫َ ُْ َ َ‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫يم ُان َها ِإال َق ْوَم ُي ُ َ‬ ‫ِ‬
‫آمَن ْت َفَنَف َع َهآ إ َ‬
‫َ‬
‫س أَن تُ ْؤ ِم َن ِإالَّ ِبِإ ْذ ِن‬
‫ان لَِنْف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َشآء ربُّك آلمن من ِفي األَر ِ ُّ‬
‫ين * َو َما َك َ‬ ‫اس َحتَّ ٰى َي ُك ُ‬
‫ونوْا ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫َنت تُ ْك ِرهُ َّ‬
‫الن َ‬ ‫ض ُكل ُه ْم َجميعاً أََفأ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ ََ َ‬
‫الن ُذر عن َقو ٍم الَّ‬
‫ات َو ُّ ُ َ ْ‬ ‫اآلي ُ‬
‫ِ‬
‫ض َو َما تُ ْغني َ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين الَ َي ْعِقُلو َن * ُق ِل ان ُ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّللاِ َوَي ْج َع ُل ِّ‬
‫ظ ُروْا َما َذا في َّ َ َ َ‬ ‫الر ْج َس َعَلى الذ َ‬ ‫َّ‬
‫* ثُ َّم ُنَن ِّجي ُرُسَلَنا‬ ‫ِمن َقْبلِ ِه ْم ُق ْل َف ْانتَ ِظ ُروْا ِإِّني َم َع ُك ْم ِّم َن اْل ُم ْنتَ ِظ ِري َن‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُي ْؤ ِمُنو َن * َف َه ْل َينتَظ ُرو َن ِإال م ْث َل أَيَّا ِم الذ َ‬
‫ين َخَل ْوْا‬
‫ين تَ ْعُب ُدو َن ِمن‬ ‫َّ ِ‬ ‫ٍ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الذ َ‬ ‫اس ِإن ُكنتُ ْم في َش ّك ّمن ديني َفالَ أ ْ‬
‫َعُب ُد‬ ‫ُّها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫ٰيأَي َ‬ ‫ين * ُق ْل‬ ‫آمُنوْا َك َذل َك َحّقاً َعَل ْيَنا ُنن ِج اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين َ‬
‫َوالذ َ‬
‫ون َّن ِم َن‬ ‫َكون ِمن اْلمؤ ِمِنين * وأَن أ َِقم وجهك لِ ِلد ِ ِ‬ ‫َّللا َّال ِذي يتَوَّف ُ ِ‬ ‫دو ِن َّ ِ ِ‬
‫ين َحنيفاً َوالَ تَ ُك َ‬ ‫َ ْ ْ َ َْ َ ّ‬ ‫َن أ ُ َ َ ُ ْ َ‬ ‫اك ْم َوأُم ْر ُت أ ْ‬ ‫ََ‬ ‫َعُب ُد َّ َ‬
‫َّللا َوَلـٰك ْن أ ْ‬ ‫ُ‬
‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين * َوالَ تَ ْدعُ ِمن ُدو ِن َّ‬
‫َّللاُ ِب ُ‬
‫ضٍّر‬ ‫ين * َوإِن َي ْم َس ْس َك َّ‬ ‫ك َفِإن َف َعْل َت َفِإَّن َك ِإذاً ّم َن الظالم َ‬
‫ضُّر َ‬
‫َّللا َما الَ َي َنف ُع َك َوالَ َي ُ‬ ‫اْل ُم ْش ِرِك َ‬
‫ضلِ ِه يصيب ِب ِه من ي َشآء ِم ْن ِعب ِادِه وهو اْل َغُفور َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ُّها‬
‫يم * ُق ْل ٰيأَي َ‬ ‫الرح ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ك ِب َخ ْي ٍر َفالَ َر َّآد لَف ْ ُ َ ُ‬ ‫ف َل ُه ِإال ُه َو َوإِن ُي ِرْد َ‬ ‫َفالَ َكاش َ‬
‫ِكم َفم ِن اهتَد ٰى َفِإَّنما يهتَِدي لِنْف ِس ِه ومن ض َّل َفِإَّنما ي ِ‬
‫ض ُّل َعَليها ومآ أََن ْا َعَلي ُكم ِبو ِك ٍ‬
‫يل *‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ْ ْ َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫آء ُك ُم اْل َح ُّق من َّرّب ُ ْ َ ْ َ‬ ‫اس َق ْد َج َ‬
‫الن ُ‬
‫ين‬ ‫ِِ‬ ‫اصِب ْر َحتَّ ٰى َي ْح ُك َم َّ‬ ‫واتَِّب ْع ما ُي َ ِ‬
‫َّللاُ َو ُه َو َخ ْي ُر اْل َحاكم َ‬ ‫وح ٰى إَل ْي َك َو ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫{وال يحزنك قولهم} أي‪ :‬ال تتأثر به فإنه مراء وشاهد عزة هللا وقهره لتنظر إليهم بنظر الفناء وترى أعمالهم وأقوالهم‬
‫ِ‬
‫وما يهددونك به كالهباء فمن شاهد قوة هللا وعزته يرى كل القوة والعزة ال قوة ألحد وال حول‪{ .‬هو السم ُ‬
‫يع} ألقوالهم‬
‫{العلِيم} لما ينبغي أن يفعل بهم ثم بين ضعفهم وعجزهم وامتناع غلبتهم عليه بقوله‪{ :‬أال إن هلل من في‬
‫فيك فيجازيهم َ‬
‫وتصرفه وقهره ال يقدرون على شيء بغير إذنه ومشيئته وإقداره إياهم‬
‫ّ‬ ‫السموات ومن في األرض} كلهم تحت ملكته‬
‫{وما يتبع الذين يدعون من دون هللا شركاء} وأي شيء يتبع الذين يدعون من دون هللا شركاء‪ ،‬أي‪ :‬إذا كان الكل‬
‫تحت قهره وملكته فما يتبعون من دون هللا ليس بشيء وال تأثير له وال قوة {إن يتّبعون إال} ما يتوهمونه في ظنهم‬
‫يقدرون وجود شيء ال وجود له في الحقيقة‪.‬‬
‫ويتخيلونه في خيالهم وما هم إالّ ّ‬

‫ِ‬
‫{هو الذي َج َعل لكم} ليل الجسم {لتَ ْسكنوا فيه} ونهار الروح لتبصروا به حقائق األشياء وما تهتدون به إليه ّ‬
‫{إن في‬
‫ذلك آليات لقوم يسمعون} كالم هللا به‪ ،‬فيفهمون بواطنه وحدوده ويطلعون به على صفاته وأسمائه فيشاهدونه موصوفاً‬
‫ومتسماً بها‪.‬‬

‫الغني} الذي وجوده بذاته وبه وجود‬ ‫{س ْبحانه} أنزهه عن مجانسة شيء {هو‬
‫{قالوا اتخذ هللا َوَلداً} أي‪ :‬معلوالً يجانسه ُ‬
‫َ ّ‬
‫كل شيء‪ ،‬فكيف يماثله شيء‪ ،‬ومن له الوجود كله فكيف يجانسه شيء‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{واتل عليهم نبأ نوح} في صحة توكله على هللا ونظره إلى قومه وإلى شركائهم بعين الفناء وعدم مباالته بهم‬
‫وبمكايدهم ليعتبروا به حالك‪ ،‬فإن األنبياء كلهم في ملة التوحيد والقيام باهلل وعدم االلتفات إلى الخلق سواء‪.‬‬

‫{وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم} أي‪ :‬إيماناً يقينياً {فعليه توكلوا} جعل التوكل من لوازم اإلسالم وهو إسالم الوجه هلل‬
‫تعالى‪ ،‬ولم يجعل اإلسالم من لوازم اإليمان أي‪ :‬إن كمل إيمانكم ويقينكم بحيث أثّر في نفوسكم وجعلها خالصة هلل‬
‫تم الفناء لزم التوكل الذي‬
‫فانية فيه لزم التوكل عليه فإن أول مرتبة الفناء هو فناء األفعال ثم الصفات ثم الوجود فإن ّ‬
‫هو فناء األفعال وإن أُريد اإلسالم بمعنى االنقياد كان شرطاً في التوكل ال ملزوماً له وحينئذ يكون معناه‪ :‬إن صح‬
‫إيمانكم يقيناً فعليه توكلوا بشرط أن ال يكون لكم فعل وال تروا ألنفسكم وال لغيركم قوة وتأثي اًر بل تكونوا منقادين كالميت‬
‫فإن شرط صحة التوكل فناء بقايا األفعال والقوى كما تقول‪ :‬إن كرهت هذا الشجر فاقلعه إن قدرت‪ ،‬والباقي إلى آخر‬
‫مر ‪.‬‬
‫السورة بعضه ال يقبل التأويل وبعضه معلوم مما ّ‬

‫سورة هود (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)6‬‬

‫َّللاَ ِإَّنِني َل ُك ْم ِّم ْن ُه َن ِذ ٌير َوَب ِش ٌير * َوأ ِ‬


‫َن‬ ‫ير * أَالَّ تَ ْعُب ُدوْا ِإالَّ َّ‬ ‫صَل ْت ِمن َّل ُد ْن َح ِكي ٍم َخِب ٍ‬ ‫الر ِكتَاب أُح ِكم ْت آياتُه ثُ َّم ُف ِ‬
‫ّ‬ ‫ٌ ْ َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اف‬
‫َخ ُ‬‫ضَل ُه َوإِن تََوَّل ْوْا َفِإّني أ َ‬
‫ض ٍل َف ْ‬ ‫َج ٍل ُّم َس ًّمى َوُي ْؤت ُك َّل ذي َف ْ‬ ‫وبوْا ِإَل ْيه ُي َمتّ ْع ُك ْم َّمتَاعاً َح َسناً ِإَل ٰى أ َ‬ ‫استَ ْغِف ُروْا َرب ُ‬
‫َّك ْم ثُ َّم تُ ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ير * ِإَلى َّ ِ‬ ‫اب َي ْو ٍم َكِب ٍ‬
‫ورُه ْم لَي ْستَ ْخُفوْا م ْن ُه أَال‬
‫ص ُد َ‬‫َّللا َم ْرج ُع ُك ْم َو ُه َو َعَل ٰى ُك ّل َش ْيء َقد ٌير * أَال إَّن ُه ْم َي ْثُنو َن ُ‬ ‫َعَل ْي ُك ْم َع َذ َ‬
‫َّللاِ‬
‫ض ِإالَّ َعَلى َّ‬ ‫ور * وما ِمن َدآَّب ٍة ِفي األ َْر ِ‬ ‫الص ُد ِ‬‫ات ُّ‬ ‫ِحين يستَ ْغ ُشون ِثيابهم يعَلم ما ي ِسُّرون وما يعلِنون ِإَّنه علِيم ِب َذ ِ‬
‫ََ‬ ‫َ َ َُ ْ َْ ُ َ ُ َ َ َ ُْ ُ َ ُ َ ٌ‬ ‫َ َْ‬
‫ين‬‫اب ُّمِب ٍ‬‫ِرْزُقها وي ْعَلم مستََقَّرَها ومستَوَد َعها ُك ٌّل ِفي ِكتَ ٍ‬
‫َُْ ْ َ‬ ‫َ ََ ُ ُ ْ‬

‫مر ذكره {أحكمت آياته} أي‪ :‬أعيانه وحقائقه في العالم الكلي بأن أثبتت دائمة على حالها ال تتبدل وال‬
‫{الر كتاب} ّ‬
‫تتغير وال تفسد محفوظة عن كل نقص وآفة {ثم فصلت} في العالم الجزئي وجعلت مبينة في الظاهر معينة بقدر‬
‫أشد أحكاماً‬
‫معلوم {من لدن حكيم} أي‪ :‬أحكامها وتفصيلها من لدن حكيم بناها على علم وحكمة ال يمكن أحسن منها و ّ‬
‫{خبير} بتفاصيلها على ما ينبغي في النظام الحكمي في تقديرها وتوقيتها وترتيبها‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{أال تعبدوا إال هللا} أي‪ :‬ينطق عليكم بلسان الحال والداللة أن ال تشركوا باهلل في عبادته وخصوصه بالعبادة {إنني لكم‬
‫منه نذير وبشير} كالم على لسان الرسول‪ ،‬أي‪ :‬إنني أنذركم من الحكيم الخبير عقاب الشرك وتبعته وأبشركم منه‬
‫بثواب التوحيد وفائدته‪.‬‬

‫استَ ْغِفروا ربكم} أي‪ :‬وحدوه واطلبوا منه أن يغفر هيئات النظر إلى الغير واالحتجاب بالكثرة والتقيد باألشياء‬
‫{وأن ْ‬
‫والوقوف معها حتى أفعالكم وصفاتكم {ثم توبوا إليه} ارجعوا إليه بالفناء فيه ذاتاً {يمتعكم} في الدنيا تمتيعاً {حسناً}‬
‫على وفق الشريعة والعدالة حالة البقاء بعد الفناء إلى وقت وفاتكم {ويؤت كل ذي فضل} في األخالق والعلوم‬
‫تجردكم إلى وقت فنائكم أو‬
‫والكماالت {فضله} في الثواب والدرجات أو يمتعكم بلذات تجليات األفعال والصفات عند ّ‬
‫{ويؤت كل ذي فضل} في االستعداد فضله في الكمال والمرتبة عند الترقي والتدلي {وإن توّلوا} أي‪ :‬تعرضوا عن‬
‫التوحيد والتجريد {فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير} شاق عليكم وهو يوم الرجوع إلى هللا القادر على كل شيء أي‪:‬‬
‫يوم ظهور عجزكم وعجز ما تعبدون بظهوره تعالى في صفة قادريته فيقهركم بالعذاب‪.‬‬

‫سورة هود (من اآلية ‪ 7‬الى اآلية ‪)8‬‬

‫َح َس ُن َع َمالً َوَلِئن ُقْل َت ِإَّن ُك ْم‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واألَر ِ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬


‫ان َع ْرُش ُه َعَلى اْل َم ِآء لَِيْبُلَوُك ْم أَي ُ‬
‫ُّك ْم أ ْ‬ ‫ض في ستَّة أَيَّا ٍم َوَك َ‬ ‫َو ُه َو الذي َخَلق َّ َ َ َ ْ َ‬
‫ود ٍة‬ ‫َخرنا عنهم اْلع َذاب ِإَلى أ َّ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُمة َّم ْع ُد َ‬ ‫ين * َوَلئ ْن أ َّ ْ َ َ ْ ُ ُ َ َ ٰ‬ ‫ين َكَف ُروْا ِإ ْن َهـٰ َذآ ِإال س ْحٌر ُّمِب ٌ‬
‫َّم ْب ُعوثُو َن من َب ْعد اْل َم ْوت َلَيُقوَل َّن الذ َ‬
‫اق ِب ِهم َّما َك ُانوْا ِب ِه َي ْستَ ْه ِزءو َن‬‫ص ُروفاً َع ْن ُه ْم َو َح َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫لَيُقوُل َّن َما َي ْحب ُس ُه أَالَ َي ْوَم َيأْتيه ْم َل ْي َس َم ْ‬
‫ُ‬

‫خلق السموات واألرض في ستة أيام} أي‪ :‬خلق العالم الجسماني في ست جهات {وكان عرشه على‬ ‫{وهو الذي َ‬
‫الماء} أي‪ :‬عرشه الذي هو العقل األول مبتنياً على العلم األول مستنداً إليه مقدماً بالوجود على عالم األجسام‪ ،‬وإن‬
‫ّأولنا األيام الستة بمدة الخفاء كما مر وخلق السموات واألرض باختفائه تعالى بتفاصيل الموجودات فمعنى كون عرشه‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫على الماء كونه قبل بداية االختفاء ظاه اًر معلوماً للناس كقولك‪ :‬فعلته على علم‪ ،‬أي‪ :‬في حال كونه معلوماً لي‪ ،‬أو‬
‫كوني عالماً به‪ ،‬أي‪ :‬على المعلومية كما قال حارثة حين سأله رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬كيف أصبحت يا‬
‫حارثة؟" قال‪ :‬أصبحت مؤمناً حقاً‪ .‬قال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬لكل حق حقيقة‪ ،‬فما حقيقة إيمانك؟" قال‪ :‬رأيت أهل‬

‫الجنة يتزاورون ورأيت أهل النار يتعاوون ورأيت عرش ربي بار اًز‪ .‬قال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬أصبت‪ ،‬فالزم"‪ .‬وقد ّ‬
‫عبر‬
‫في الشرع عن المادة الهيوالنية بالماء في مواضع كثيرة منها ما ورد في الحديث‪ :‬إن هللا خلق أول ما خلق جوهرة‪،‬‬
‫فنظر إليها بعين الجالل فذابت حياء نفسها ماء ونصفها نار‪ .‬فإن ّأولناه بها فمعناه‪ :‬وكان عرشه قبل السموات‬
‫واألرض بالذات ال بالزمان مستعلياً على المادة فوقها بالرتبة‪ ،‬وإن شئت التطبيق على تفاصيل وجودك فمعناه خلق‬
‫سموات القوى الروحانية وأرض الجسد في األشهر الستة التي هي أقل مدة الحمل وكان عرشه الذي هو قلب المؤمن‬
‫{ليبلوكم أيكم أحسن عمالً} جعل غاية خلق‬
‫ُ‬ ‫على ماء مادة الجسد مستولياً عليه متعلقاً به تعلق التصوير والتدبير‬
‫األشياء ظهور أعمال الناس أي‪ :‬خلقناهم لنعلم العلم التفصيلي التابع للوجود الذي يترتب عليه الجزاء أيكم أحسن‬
‫يتقدم وجود الشيء في اللوح‪ ،‬وقسم يتأخر وجوده في مظاهر الخلق والبالء الذي هو‬
‫عمالً فإن علم هللا قسمان‪ :‬قسم ّ‬
‫االختبار هو هذا القسم ‪.‬‬

‫سورة هود (من اآلية ‪ 9‬الى اآلية ‪)10‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإل ْنس ِ‬ ‫ِ‬


‫آء َم َّس ْت ُه َلَيُقوَل َّن َذ َه َب‬
‫ضَّر َ‬ ‫ور * َوَلئ ْن أَ َذ ْقَناهُ َن ْع َم َ‬
‫آء َب ْع َد َ‬ ‫ان مَّنا َر ْح َم ًة ثُ َّم َن َز ْعَنا َها م ْن ُه ِإَّن ُه َلَيُئ ٌ‬
‫وس َكُف ٌ‬ ‫َوَلئ ْن أَ َذ ْقَنا ِ َ َ‬
‫ِ‬
‫ور‬‫ات َعّني ِإَّن ُه َلَف ِرٌح َف ُخ ٌ‬
‫السِّيَئ ُ‬
‫َّ‬

‫{ولئن أذقنا اإلنسان منا رحمة} إلى آخره‪ ،‬ينبغي لإلنسان أن يكون في الفقر والغنى و ّ‬
‫الشدة والرخاء والمرض والصحة‬
‫بقوته وقدرته في الطلب وال‬
‫وتصرفه في الكسب وال ّ‬
‫ّ‬ ‫واثقاً باهلل متوكالً عليه ال يحتجب عنه بوجود نعمة وال بسعيه‬
‫بسائر األسباب والوسائط لئال يحصل اليأس عند فقدان تلك األسباب والكفران والبطر واألشر عند وجودها فيبعد بها‬
‫عن هللا تعالى وينساه فينساه هللا بل يرى اإلعطاء والمنع منه دون غيره‪ ،‬فإن أتاه رحمة من صحة أو نعمة شكره أوالً‬
‫برؤية ذلك منه وشهود المنعم في صورة النعمة‪ ،‬وذلك بالقلب ثم بالجوارح باستعمالها في مراضيه وطاعته والقيام‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫بحقوقه تعالى فيها ثم باللسان بالحمد والثناء متيقناً بأنه القادر على سلبها‪ ،‬محافظاً عليها بشكرها مستزيداً إياها‬
‫اعتماداً على قوله تعالى‪َ{ :‬لِئن َش َك ْرتُ ْم أل َِز َيدَّن ُك ْم} [إبراهيم‪ ،‬اآلية‪.]7 :‬‬

‫قال أمير المؤمنين عليه السالم‪" :‬إذا وصلت إليكم أطراف ِ‬


‫النعم فال تنفروا أقصاها بقّلة الشكر"‪ ،‬ثم إن نزعها منه‬

‫فليصبر وال يتأسف عليها عالماً بأنه هو الذي نزع دون غيره لمصلحة تعود إليه‪ّ .‬‬
‫فإن الرب تعالى كالوالد المشفق في‬
‫تربيته إياه‪ ،‬بل أرأف وأرحم‪ ،‬فإن الوالد محجوب عما يعلمه تعالى إذ ال يرى إال عاجل مصالحه وظاهرها وهو العالم‬
‫بالغيب والشهادة فيعلم ما فيه صالحه عاجالً وآجالً راضياً بفعله راجياً إعادة أحسن ما نزع منها إليه إذ القانط من‬
‫رحمته بعيد منه ال يستوسع رحمته لضيق وعائه محجوب عن ربوبيته ال يرى عموم فيض رحمته ودوامه ثم إذا أعادها‬
‫لم يفرح بوجودها كما لم يحزن بفقدانها وال يفخر بها على الناس‪ ،‬فإن ذلك من الجهل وظهور النفس وإال لعلم أن ذلك‬
‫ليس منه وله فبأي سبب يسوغ له فخر بما ليس له ومنه بل هلل ومن هللا ‪.‬‬

‫سورة هود (من اآلية ‪ 11‬الى اآلية ‪)15‬‬

‫ض ِآئ ٌق ِب ِه‬‫وح ٰى ِإَل ْي َك َو َ‬ ‫ض َما ُي َ‬ ‫ك َب ْع َ‬


‫َّ‬
‫َجٌر َكِب ٌير * َفَل َعل َك تَ ِار ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِإالَّ َّال ِذين صبروْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ ِ‬
‫الصال َحات أ ُْوَلـٰئ َك َل ُه ْم َّم ْغف َرةٌ َوأ ْ‬ ‫َ َ َُ َ َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َنت َن ِذ ٌير َو َّ‬ ‫ِ‬
‫يل * أ َْم َيُقوُلو َن ا ْفتََراهُ‬ ‫َّللاُ َعَل ٰى ُك ّل َش ْيء َو ِك ٌ‬ ‫آء َم َع ُه َمَل ٌك ِإَّن َمآ أ َ‬ ‫ِ‬
‫ك أَن َيُقوُلوْا َل ْوالَ أُنزَل َعَل ْيه َك ٌنز أ َْو َج َ‬ ‫ص ْد ُر َ‬‫َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اعَل ُموْا أََّن َمآ‬‫ين * َفِإل ْم َي ْستَ ِج ُيبوْا َل ُك ْم َف ْ‬ ‫صادق َ‬ ‫ط ْعتُم من ُدو ِن َّ ِ‬
‫َّللا إن ُكنتُ ْم َ‬ ‫استَ َ ْ ّ‬
‫ِ‬
‫ُق ْل َفأْتُوْا ب َع ْش ِر ُس َوٍر ّم ْثله ُمْفتَ َرَٰيت َو ْاد ُعوْا َم ِن ْ‬
‫ِ‬ ‫الد ْنيا وِزين َتها نو ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُنزل ِب ِعْل ِم َّ ِ‬
‫يها َو ُه ْم‬ ‫ف ِإَل ْي ِه ْم أ ْ‬
‫َع َماَل ُه ْم ف َ‬ ‫اة ُّ َ َ َ َ ُ َ ّ‬ ‫َّللا َوأَن ال ِإَلـ َٰه ِإال ُه َو َف َه ْل أَنتُ ْم ُّم ْسل ُمو َن * َمن َك َ‬
‫ان ُي ِر ُيد اْل َحَي َ‬ ‫أَِ‬
‫يها الَ ُي ْب َخ ُسو َن‬ ‫ِ‬
‫فَ‬

‫صَبروا} استثناء من اإلنسان أي هذا النوع يؤوس كفور فرح فخور في الحالين إال الذين صبروا مع هللا‬‫{إالّ الذين َ‬
‫واقفين معه في حالة الضراء والنعماء والشدة والرخاء كما قال عمر رضي هللا عنه‪ :‬الفقر و ِ‬
‫الغنى مطيتان ال أبالي‬
‫{وع ِملوا} في الحالين ما فيه صالحهم مما ذكر {أولئك لهم مغفرة} من ذنوب ظهور النفس باليأس‬
‫أيهما أمتطي‪َ ،‬‬
‫أجر كبير} من ثواب تجليات األفعال والصفات وجنانها {فلعلك تارك بعض ما‬
‫والكفران والفرح والفخر في الحالين {و ٌ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يوحى إليك} لما لم يقبلوا كالمه صلى هللا عليه وسلم باإلرادة وأنكروا قوله باالقتراحات الفاسدة وقابلوه بالعناد‬
‫واالستهزاء ضاق صدره ولم ينبسط للكالم إذ اإلرادة تجذب الكالم وقبول المستمع يزيد نشاط المتكلم ويوجب بسطه‬
‫وهيج قوته ونشاطه بقوله‪:‬‬‫فيه‪ ،‬وإذا لم يجد المتكلم محالً قابالً لم يتسهل له وبقي كرباً عنده فشجعه هللا تعالى بذلك‪ّ ،‬‬
‫{إنما أنت نذير} فال يخلو إنذارك من إحدى الفائدتين إما رفع الحجاب بأن ينجع فيمن وفقه هللا تعالى لذلك‪ ،‬وإما إلزام‬
‫الحجة لمن لم يوفق لذلك {وهللا على كل شيء وكيل} فكل الهداية إليه‪.‬‬

‫{من كان يريد الحياة الدنيا} أي‪ :‬كل من يعمل عمالً وإن كان من أعمال اآلخرة في الظاهر بنية الدنيا ال يريد به إال‬
‫فإن لكل أحد نصيباً من الدنيا‬‫حظاً من حظوظها يوفيه هللا تعالى أجره فيها وال يصل إليه من ثواب اآلخرة شيء‪ّ ،‬‬
‫بمقتضى نشأته التي هو عليها ونصيباً من اآلخرة بمقتضى فطرته التي فطر عليها‪ ،‬فإذا لم يرد بعمله إال الدنيا فقد‬
‫أقبل بوجهه إليها وأعرض عن اآلخرة وجعل النصيب الدنيوي بانجذابه وتوجهه إلى الجهة السفلية حجاب النصيب‬
‫األخروي حتى انتكست فطرته وتبعت النشأة واستخدمت نفسه القلب في طلب حظوظها فصار نصيبه من اآلخرة‬
‫منضماً إلى النصيب الدنيوي {وهم فيها} ال ينقصون أي‪ :‬ال ينقص من ثواب أعمالهم في الدنيا شيء ألنه لما تشكل‬
‫القلب بهيئة النفس تمثل حظه بصورة حظ النفس ‪.‬‬

‫سورة هود (من اآلية ‪ 16‬الى اآلية ‪)22‬‬

‫ان َعَل ٰى َبِّيَن ٍة ِّمن‬‫* أََف َمن َك َ‬


‫ط ما صنعوْا ِفيها وب ِ‬
‫اط ٌل َّما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن‬ ‫الن ُار َو َحِب َ َ َ َ ُ َ َ َ‬
‫أُوَلـِٰئك َّال ِذين َليس َلهم ِفي ِ‬
‫اآلخ َرِة ِإالَّ َّ‬ ‫َ ْ َ ُْ‬ ‫ْ َ‬
‫الن ُار َم ْو ِع ُدهُ‬
‫َح َز ِ‬
‫اب َف َّ‬ ‫ِ‬
‫م َن األ ْ‬ ‫وس ٰى ِإ َماماً َوَر ْح َم ًة أ ُْوَلـِٰئ َك ُي ْؤ ِمُنو َن ِب ِه َو َمن َي ْكُف ْر ِب ِه‬ ‫اب ُم َ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّرّبِه َوَي ْتُلوهُ َشاهٌد ّم ْن ُه َو ِمن َقْبله كتَ ُ‬
‫َّللاِ َك ِذباً أ ُْوَلـِٰئ َك‬
‫ظَل ُم ِم َّم ِن ا ْفتَ َر ٰى َعَلى َّ‬‫اس الَ ُي ْؤ ِمُنو َن * َو َم ْن أَ ْ‬ ‫الن ِ‬ ‫ِك َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثَ َر َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍ ِ‬
‫َفالَ تَ ُك في م ْرَية ّم ْن ُه ِإَّن ُه اْل َح ُّق من َّرّب َ‬
‫صُّدو َن َعن‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫الء َّال ِذين َك َذبوْا عَلى رب ِِهم أَالَ َلعن ُة َّ ِ‬ ‫َشهاد هـٰؤ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َي ُ‬ ‫ين * الذ َ‬ ‫َّللا َعَلى الظالم َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ُ َ ٰ َّ ْ‬ ‫ول األ ْ َ ُ َ ُ‬ ‫ضو َن َعَل ٰى َرّبِه ْم َوَيُق ُ‬ ‫ُي ْع َر ُ‬
‫َّللاِ‬
‫ان َل ُه ْم ِّمن ُدو ِن َّ‬ ‫ين ِفي األَْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ونها ِعوجاً وهم ِب ِ‬ ‫يل َّ ِ‬
‫ض َو َما َك َ‬ ‫اآلخ َرِة ُه ْم َك ِاف ُرو َن * أُوَلـٰئ َك َل ْم َي ُك ُ‬
‫ونوْا ُم ْع ِج ِز َ‬ ‫َّللا َوَي ْب ُغ َ َ َ َ ُ ْ‬
‫سِب ِ‬
‫َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َّل‬ ‫الس ْم َع َو َما َك ُانوْا ُي ْبص ُرو َن * أ ُْوَلـٰئ َك الذ َ‬
‫ين َخس ُروْا أ َْنُف َس ُه ْم َو َ‬ ‫يعو َن َّ‬ ‫اب َما َك ُانوْا َي ْس َتط ُ‬
‫ف َل ُه ُم اْل َع َذ ُ‬
‫اع ُ‬
‫ض َ‬‫آء ُي َ‬
‫م ْن أ َْولَي َ‬
‫ع ْنهم َّما َك ُانوْا يْفتَرو َن * الَ جرم أََّنهم ِفي ِ‬
‫اآلخ َرِة ُه ُم األ ْ‬
‫َخ َس ُرو َن‬ ‫َََ ُْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُْ‬

‫{أولئك الذين ليس لهم في اآلخرة إال النار} لتعذب قلوبهم بالحجب الدنيوية وحرمانها عن مقتضى استعدادها وتألمها‬
‫صَنعوا} من أعمال البر في اآلخرة لكونها بنية الدنيا لقوله صلى هللا عليه‬
‫{وحبط ما َ‬
‫بما ال يالئمها من مكسوباتها َ‬
‫بالنيات ولكل امرئ ما نوى" إلى آخر الحديث‪.‬‬
‫وسلم‪" :‬األعمال ّ‬

‫{أفمن كان على بينة من رّبه} أي‪ :‬أمن كان يريد الحياة الدنيا فمن كان على بينة من رّبه يعني بعد ما بينهما في‬
‫َ‬
‫المرتبة بعداً عظيماً من كان على بينة أي‪ :‬يقين برهاني عقلي أو وجداني كشفي ويتبع ذلك اليقين {شاهد} من رّبه‬
‫النبوة وأصول الدين‪ ،‬ومن قبل هذا القرآن {كتاب موسى} أي‪:‬‬‫المصدق للبرهان العقلي في التوحيد وصحة ّ‬
‫ّ‬ ‫أي‪ :‬القرآن‬
‫يتبع البرهان من قبل هذا الكتاب كتاب موسى في حال كونه {إماماً} يؤتّم به وقدوة يتمسك بها في تحقيق المطالب‬
‫وتزكيهم وتعلمهم ِ‬
‫الح َكم والشرائع {أولئك يؤ ِمُنون به} بالحقيقة دون الطالبين لحظوظ الدنيا‪.‬‬ ‫ورحمة رحيمية تهدي الناس ْ‬

‫{ومن أظلم ممن ا ْفتَرى على هللا َكذباً} بإثبات وجود غيره وإسناد صفته من الكالم ونحوه إلى الغير {أولئك يعرضون‬
‫على رّبهم} بالوقف في الموقف األول محجوبين مخذولين {ويقول األشهاد} الموحدون {هؤالء الذين كذبوا على رّبهم}‬
‫بالشرك ثم طردوا ولعنوا بسبب شركهم الذي هو أعظم الظلم {الذين يصدون} الناس عن سبيل التوحيد ويصفونها‬
‫باالعوجاج مع استقامتها وهم مع احتجابهم عن الحق محجوبون عن اآلخرة دون غيرهم من أهل األديان‪.‬‬

‫سورة هود (من اآلية ‪ 23‬الى اآلية ‪)28‬‬

‫اب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات وأ ْ ِ‬ ‫وَلَق ْد أَرسْلنا نوحاً ِإَلى َقو ِم ِه ِإَّني َل ُكم ن ِذير ُّمِبين * ِإ َّن َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ‬
‫َص َح ُ‬‫َخَبتُوْا إَل ٰى َرّبِه ْم أ ُْوَلـٰئ َك أ ْ‬ ‫الصال َح َ‬ ‫َ َُ َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ َ ٌ‬ ‫ٰ ْ‬ ‫َْ َ ُ‬ ‫َ‬
‫الس ِمي ِع هل يستَ ِويا ِن مثَالً أََفالَ َت َذ َّكرو َن * أَن الَّ‬ ‫ِ‬
‫َص ِّم َواْلَبص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َْ َْ َ َ‬ ‫ير َو َّ‬ ‫يها َخال ُدو َن * َمَث ُل اْلَف ِريَق ْي ِن َكاأل ْ‬
‫َع َم ٰى َواأل َ‬ ‫الجَّنة ُه ْم ف َ‬
‫َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اك‬ ‫ِ‬ ‫نر َّ‬
‫اك ِإال َب َش اًر ّم ْثَلَنا َو َما َن َر َ‬‫ََ َ‬ ‫ين َكَف ُروْا ِمن ِق ْو ِم ِه َما‬ ‫َّ ِ‬
‫ال اْل َمألُ الذ َ‬
‫* َفَق َ‬ ‫اب َي ْو ٍم أَلِي ٍم‬
‫اف َعَل ْي ُك ْم َع َذ َ‬
‫َخ ُ‬
‫تَعبدوْا ِإالَّ َّ ِ‬
‫َّللاَ ِإّني أ َ‬ ‫ْ ُُ‬
‫ِ‬ ‫ض ٍل َب ْل َن ُ‬ ‫ِ‬ ‫ين ُه ْم أ ََرِاذُلَنا َب ِاد َي َّأ‬ ‫َّ َّ ِ‬
‫نت َعَل ٰى‬‫َرَْيتُ ْم ِإن ُك ُ‬ ‫ال ٰيَق ْو ِم أ َأ‬
‫* َق َ‬ ‫ظُّن ُك ْم َكاذِب َ‬
‫ين‬ ‫َل ُك ْم َعَل ْيَنا من َف ْ‬ ‫ْي َو َما َن َر ٰى‬ ‫الر ِ‬ ‫اتََّب َع َك ِإال الذ َ‬
‫ِ ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫َبِّيَنة ّمن َّرّبِي َوآتَاني َر ْح َم ًة ّم ْن عنده َف ُع ّمَي ْت َعَل ْي ُك ْم أَُنْل ِزُم ُك ُم َ‬
‫وها َوأَنتُ ْم َل َها َك ِارُهو َن‬

‫وتقربهم إليه من التوبة والزهد‬


‫{إن الذين آمنوا} اإليمان اليقيني الغيبي {وعملوا} األعمال التي تصلحهم للقاء هللا ّ‬
‫الحقيقي واإلنابة والعبادة والصبر والشكر وما يناسبها من أعمال أهل السلوك ومقاماتهم {وأخبتوا إلى رّبهم} وتذللوا‬
‫واطمأنوا إليه بالشوق وانقطعوا إليه متفانين فيه {أولئك أصحاب} جنة القلوب {هم فيها خالدون}‪.‬‬

‫{فقال المأل الذين كفروا من قومه} أي‪ :‬اإلشراق المليئون بأمور الدنيا‪ ،‬القادرون عليها‪ ،‬الذين حجبوا بعقلهم ومعقولهم‬
‫عن الحق‪{ .‬ما نراك إالّ بش اًر مثلنا} لكونهم ظاهريين واقفين على حد العقل المشوب بالوهم المتحير بالهوى الذي هو‬
‫عقل المعاش ال يرون ألحد طو اًر وراء ما بلغوا إليه من العقل غير مطلعين على مراتب االستعدادات والكماالت طو اًر‬
‫النبوة ومعناها {وما نراك اتّبعك إالّ الذين هم‬ ‫بعد طور ورتبة فوق رتبة إلى ما ال يعلمه إال هللا‪ ،‬فلم يشعروا بمقام ّ‬
‫اه اًر ِّم َن اْل َحَي ِاة‬
‫ظِ‬ ‫{ي ْعَل ُمو َن َ‬
‫منا‪ ،‬إذ المرتبة والرفعة عندهم بالمال والجاه ليس إال كما قال تعالى‪َ :‬‬ ‫أراذلنا} فقراؤنا األدنون ّ‬
‫اآلخ َرِة ُه ْم َغ ِافُلو َن} [الروم‪ ،‬اآلية‪.]7 :‬‬
‫الد ْنيا وهم ع ِن ِ‬
‫ُّ َ َ ُ ْ َ‬

‫{بادي الرأي} أي‪ :‬بديهة الرأي وأوله ألنهم ضعاف العقول‪ ،‬عاجزون عن كسب المعاش‪ ،‬ونحن أصحاب فكر ونظر‬
‫تصرفه على كسب المعاش والوقوف‬
‫قالوا ذلك الحتجابهم بعقلهم القاصر عن إدراك الحقيقة والفضيلة المعنوية لقصر ّ‬
‫متصرفة في المعاش‬
‫ّ‬ ‫على حدة‪ .‬وأما أتباع نوح عليه السالم فإنهم أصحاب همم بعيدة وعقول حائمة حول القدس غير‬

‫وال ملتفتة إلى وجوه كسبه وتحصيله‪ ،‬فلذلك استنزلوا عقولهم واستحقروها {وما نرى لكم علينا فضل} ّ‬
‫وتقدم فيما نحن‬
‫التقدم بالغنى والمال والجاه {بل نظنكم كاذبين} لعدم إدراك ما تثبتون وفهم‬
‫بصدده لكون الفضل عندهم محصو اًر في ّ‬
‫ما تقولون مع وفور كياستنا {أرأيتم إن كنت على ّبينة من ربي} يجب عليكم من طريق العقل اإلذعان له {وآتاني‬
‫رحمة} أي‪ :‬هداية خاصة كشفية متعالية عن درجة البرهان {من عنده} أي‪ :‬فوق طور العقل من العلوم اللدنية ومقام‬
‫النبوة {فعميت عليكم} الحتجابكم بالظاهر عن الباطن وبالخليقة عن الحقيقة وال يمكن تلقيها إال باإلرادة ألهل‬
‫ّ‬
‫االستعداد فكيف نلزمكموها ونجبركم عليها {وأنتم لها كارهون} أي‪ :‬إن شئتم تلقيها فزكوا نفوسكم وصفوا استعدادكم إن‬
‫وهب لكم واتركوا إنكاركم حتى يظهر عليكم أثر نور اإلرادة فتقبلوها إن شاء هللا ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة هود (من اآلية ‪ 29‬الى اآلية ‪)37‬‬

‫ِه ْم َوَلـ ِٰكِّني أ ََر ُ‬


‫ين آمُنوْا ِإَّنهم ُّمالَُقوْا َرّب ِ‬ ‫َّللاِ ومآ أَن ْا ِب َ ِ َّ ِ‬ ‫وٰيَقو ِم ال أَسأَُل ُكم عَلي ِه ماالً ِإن أَجر َّ‬
‫اك ْم َق ْوماً‬ ‫ُْ‬ ‫ط ِارد الذ َ َ‬ ‫ِي ِإال َعَلى َّ َ َ َ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫ْ ْ َْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّللا ِإن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َعَل ُم اْل َغ ْي َب َوالَ‬ ‫َّللا َوالَ أ ْ‬
‫ول َل ُك ْم عندي َخ َزآئ ُن َّ‬ ‫ط َردتُّ ُه ْم أََفالَ تَ َذك ُرو َن * َوالَ أَُق ُ‬ ‫نص ُ ِرني م َن َّ‬ ‫تَ ْج َهُلو َن * َوٰيَق ْو ِم َمن َي ُ‬
‫َّٰ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫أَُقول ِإِني مَلك والَ أَُق َِّ ِ‬
‫ين * َقاُلوْا‬ ‫َعَل ُم ِب َما في أ َْنُفس ِه ْم ِإّني ِإذاً لم َن الظلم َ‬ ‫َّللاُ أ ْ‬ ‫َعُيُن ُك ْم َلن ُي ْؤِتَي ُه ُم َّ‬
‫َّللاُ َخ ْي اًر َّ‬ ‫ين تَ ْزَدرِي أ ْ‬‫ول للذ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ّ َ ٌ َ‬
‫يكم ِب ِه َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين * َق ِ‬ ‫يُٰنوح َق ْد جادْلتََنا َفأَ ْكثَرت ِجداَلَنا َفأِْتَنا ِبما تَ ِعدَنآ ِإن ُكنت ِمن َّ ِ ِ‬
‫آء َو َمآ أَنتُ ْم‬ ‫َّللاُ إن َش َ‬ ‫ال إَّن َما َي ْأت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫الصادق َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّك ْم َوإَِل ْيه تُ ْرَج ُعو َن * أ َْم‬ ‫َّللاُ ُي ِر ُيد أَن ُي ْغ ِوَي ُك ْم ُهَو َرب ُ‬
‫ان َّ‬ ‫َنص َح َل ُك ْم ِإن َك َ‬ ‫َن أ َ‬ ‫صحي ِإ ْن أَ َرْد ُّت أ ْ‬ ‫ين * َوالَ َي َنف ُع ُك ْم ُن ْ‬‫ِب ُم ْع ِج ِز َ‬
‫ُوحي ِإَل ٰى ُنو ٍح أََّن ُه َلن ُي ْؤ ِم َن ِمن َق ْو ِم َك ِإالَّ َمن َق ْد‬
‫امي وأََن ْا ب ِريء ِم َّما تُج ِرمو َن * وأ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫َيُقوُلو َن ا ْفتَ َراهُ ُق ْل إن ا ْفتَ َرْيتُ ُه َف َعَل َّي إ ْج َر َ َ ٌ ّ ْ ُ‬
‫َ َ‬
‫ظَل ُموْا ِإَّن ُه ْم ُّم ْغ َرُقو َن‬ ‫ِ ِ ِ َّ ِ‬ ‫آمن َفالَ تَبتَِئس ِبما َكانوْا يْفعُلون * واصن ِع اْلُفْلك ِبأ ِ‬
‫َعُينَنا َوَو ْحِيَنا َوالَ تُ َخاط ْبني في الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫ْ ْ َ ُ ََ َ‬ ‫ََ‬

‫{ال أسألكم عليه ماالً} أي‪ :‬الغرض عندكم من كل أمر محصور في حصول المعاش وأنا ال أطلب ذلك منكم فتنبهوا‬
‫عدو هللا‬
‫لغرضي وأنتم عقالء بزعمكم {وما أنا بطارد الذين آمنوا} ألنهم أهل القربة والمنزلة عند هللا فإن طردتهم كنت ّ‬
‫مناوياً ألوليائه لست بنبي حينئذ {ولكني أراكم قوماً تجهلون} ما يصلح به المرء للقاء هللا وال تعرفون هللا وال لقاءه‬
‫لذهاب عقولكم في الدنيا أو تسفهون تؤذون المؤمنين بسفهكم‪.‬‬

‫{ويا قوم من َي ْنصرني من هللا} الذي هو القاهر فوق عباده {إن طردتهم} واستوجبت قهره بطردهم {أفال تذكرون}‬
‫خزِائن هللا} أي‪ :‬أنا ّأدعي الفضل بالنبوة ال‬
‫مقتضيات الفطرة اإلنسانية فتنزجرون عما تقولون {وال أقول لكم عندي َ‬
‫بالغنى وكثرة المال وال باالطالع على الغيب وال بالملكية حتى تنكروا فضلي بفقدان ذلك {وال أقول} للفقراء المؤمنين‬
‫الذين تستحقرونهم وتنظرون إليهم بعين الحقارة {لن يؤتيهم هللا خي اًر} كما تقولون‪ ،‬إذ الخير عندي ما عند هللا ال المال‬
‫{هللا أعلم بما في أنفسهم} من الخير مني ومنكم وهو أعرف بقدرهم وخطرهم وما يعلم أحد قدر خيرهم لعظمه {إني إذاً}‬
‫أي‪ :‬إذ نفيت الخير عنهم أو طردتهم {لمن الظالمين}‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة هود (من اآلية ‪ 38‬الى اآلية ‪)40‬‬

‫ال ِإن تَ ْس َخ ُروْا ِمَّنا َفِإَّنا َن ْس َخ ُر ِم ُ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬


‫نك ْم َك َما َت ْس َخ ُرو َن * َف َس ْو َ‬
‫ف‬ ‫صَن ُع اْلُفْل َك َوُكل َما َمَّر َعَل ْيه َمألٌ ّمن َق ْو ِمه َسخ ُروْا م ْن ُه َق َ‬
‫َوَي ْ‬
‫يها ِمن ُك ٍّل‬ ‫يه وي ِح ُّل عَلي ِه ع َذاب ُّمِقيم * حتَّى ِإ َذا جآء أَمرَنا وَفار التَُّّنور ُقْلَنا ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫احم ْل ف َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُْ َ َ‬ ‫َ ٰ‬ ‫ٌ‬ ‫َْ َ ٌ‬ ‫اب ُي ْخ ِز َ َ‬
‫تَ ْعَل ُمو َن َمن َيأْتيه َع َذ ٌ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َزوجي ِن ا ْثني ِن وأ ِ َّ‬
‫آم َن َم َع ُه ِإال َقل ٌ‬
‫يل‬ ‫آم َن َو َمآ َ‬
‫َهَل َك إال َمن َسَب َق َعَل ْيه اْلَق ْو ُل َو َم ْن َ‬
‫ْ َ ْ َْ َ ْ‬

‫{ويصنع الفلك} إلى آخره‪ ،‬تفسيره على ما دل عليه الظاهر حق يجب اإليمان به وصدق ال ّبد من تصديقه كما جاء‬
‫يؤول الفلك بشريعة نوح التي نجا‬
‫في التواريخ من بيان قصة الطوفان وزمانه وكيفيته وكميته‪ .‬وأما التأويل فمحتمل بأن ّ‬
‫بها هو ومن آمن معه من قومه كما قال النبي عليه الصالة والسالم‪" :‬مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح‪ ،‬من ركب فيها‬

‫نجا ومن تخّلف عنها غرق"‪ .‬والطوفان باستيالء بحر الهيولى وإهالك من لم ّ‬
‫يتجرد عنها بمتابعة نبي وتزكية نفس كما‬
‫ّ‬
‫إن هذه الدنيا بحر مملوء ماء فإن اتخذت سفينة‬
‫النبي عليه السالم ومخاطباته لنفسه ما معناه‪ّ :‬‬ ‫جاء في كالم إدريس‬
‫ّ‬
‫تركبها عند خراب البدن نجوت منها إلى عالمك وإال غرقت فيها وهلكت‪ ،‬فعلى هذا يكون معنى ويصنع الفلك يتخذ‬
‫شريعة من ألواح األعمال الصالحة ودسر العلوم التي تنظم بها األعمال وتحكم‪.‬‬

‫طار وذوي الخالعة المشتهرين باإلباحة يستهزئون‬


‫مر عليه مأل من قومه سخروا منه} كما ترى من عادة الش ّ‬‫{وكلما ّ‬
‫{فإنا نسخر منكم} عند ظهور وخامة عاقبة كفركم‬
‫بالمتشرعين والمتقيدين بقيودها {قال إن تسخروا منا} بجهلكم ّ‬
‫ّ‬
‫عذاب يخزيه} في الدنيا من هالك وموت أو مرض‬ ‫ٌ‬ ‫واحتجابكم {كما تسخرون فسوف تعلمون} عند ذلك {من يأتيه‬
‫عذاب ُمِقيم} دائم في اآلخرة من استيالء‬
‫ٌ‬ ‫{ويحل عليه‬
‫ّ‬ ‫وضر أو شدة وفقر‪ ،‬كيف يضطرب ويتحسر على مايفوت منه‬ ‫ّ‬
‫نيران الحرمان وهيئات الرذائل المظلمة والخسران‪.‬‬

‫أمتك {وَفار} تنور البدن باستيالء األخالط الفاسدة والرطوبات الفضلية على الح اررة‬
‫{حتى إذا َجاء أمرنا} بإهالك ّ‬
‫الغريزية وقوة طبيعة ماء الهيولى على نار الروح الحيوانية أو أمرنا بإهالككم المعنوي وفار التنور باستيالء ماء هوى‬
‫اح ِمل فيها من كل زوجين اثنين} أي‪ :‬من كل صنفين‬
‫الطبيعة على القلب وإغراقه في بحر الهيولى الجسماني {قلنا ْ‬
‫من نوع اثنين هما صورتاهما النوعية والصنفية الباقيتان عند فناء األشخاص‪ .‬ومعنى حملهما فيها‪ :‬علمه ببقائهما مع‬
‫بقاء األرواح اإلنسية‪ ،‬فإن علمه جزء من سفينته الحاوية للكل لتركبها من العلم والعمل‪ ،‬فمعلوميتهما محموليتهما‬
‫وعالميته بهما حامليته إياهما فيها {وأهلك} ومن يتصل بك في دينك وسيرتك من أقاربك {إال من سبق عليه القول}‬
‫أمتك‪.‬‬
‫أي‪ :‬الحكم بإهالكه في األزل لكفره {ومن آمن} باهلل من ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة هود (من اآلية ‪ 41‬الى اآلية ‪)44‬‬

‫ْابَن ُه‬ ‫اها ِإ َّن ربِي َل َغُفور َّرِحيم * وِهي تَجرِي ِب ِهم ِفي مو ٍج َكاْل ِجب ِ‬
‫ال َوَن َاد ٰى ُنوٌح‬ ‫وَقال ارَكبوْا ِفيها ِبس ِم َّ ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫َّللا َم ْجري َٰها َو ُم ْرَس َ‬ ‫َ َ ْ ُ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وَك ِ‬
‫اْلَي ْوَم‬ ‫ال الَ َعاص َم‬ ‫ِ‬
‫ال َس ِآوي إَل ٰى َجَبل َي ْعص ُمني م َن اْل َمآء َق َ‬ ‫ان في َم ْع ِزٍل يُٰبَن َّي ْارَك َب َّم َعَنا َوالَ تَ ُكن َّم َع اْل َكاف ِر َ‬
‫ين * َق َ‬ ‫َ َ‬
‫َّللاِ ِإالَّ من َّرِحم وحال بينهما اْلموج َف َكان ِمن اْلم ْغرِقين * وِقيل ٰيأَرض ابَل ِعي مآء ِك ويٰسم ِ ِ‬ ‫ِم ْن أ َْم ِر َّ‬
‫آء أَْقلعي َو ِغ َ‬
‫يض‬ ‫َ َ َ ََ ُ‬ ‫َ َ ْ ُ ْ‬ ‫َ َ َ َ ََْ ُ َ َ ْ ُ َ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬ ‫استََو ْت َعَلى اْل ُجود ِّي َوِق َ‬
‫يل ُب ْعداً ّلْلَق ْو ِم الظالم َ‬ ‫آء َوُقض َي األ َْم ُر َو ْ‬ ‫اْل َم ُ‬
‫{وقال ْارَكبوا فيها ِب ْسم هللا مجريها ومرساها} أي‪ :‬باسم هللا األعظم الذي هو وجود كل عارف كامل من أفراد نوع‬
‫اإلنسان إنفاذها وإجراء أحكامها وترويجها في بحر العالم الجسماني وإقامتها وأحكامها وإثباتها كما ترى من إجراء كل‬
‫{إن ربي لغفور} يغفر هيئات‬
‫شريعة وإنفاذ أمرها وتثبيتها وأحكامها بوجود نبي أو إمام من أئمتها أو حبر من أحبارها ّ‬
‫نفوسكم البدنية المظلمة وذنوب مالبس الطبيعة المهلكة إياكم‪ ،‬المغرقة في بحرها بمتابعة الشريعة {رحيم} يرحم‬
‫بإفاضة المواهب العلمية والكشفية والهيئات النورانية التي ينجيكم بها لوال مغفرته ورحمته لغرقتم وهلكتم مثل إخوانكم ‪.‬‬

‫{وهي تجري بهم في موج} من فتن بحر الطبيعة الجسمانية واستيالء دواعيها على الناس وغلبة أهوائها باتفاقهم على‬
‫مقتضياتها كالجبال الحاجبة للنظر‪ ،‬المانعة للسير أو موج من انحرافات المزاج وغلبات األخالط المردية {ونادى ُنوح‬
‫ْابِنه} المحجوب بعقله المغلوب بالوهم الذي هو عقل المعاش عن دين أبيه وتوحيده {وكان في معزل} عن دينه‬
‫وشريعته {يا ُبني ْاركب معنا} أي‪ :‬أدخل في ديننا {وال تكن مع الكافرين} المحجوبين عن الحق‪ ،‬الهالكين بموج هوى‬
‫النفس‪ ،‬المغرقين في بحر الطبع {قال سآوي إلى جبل َي ْعصمني من الماء} يعني به الدماغ الذي هو محل العقل‪ ،‬أي‪:‬‬
‫سأستعصم بالعقل والمعقول ليعصمني من استيالء بحر الهيولى فال أغرق فيه {قال ال ِ‬
‫عاصم اليوم من أمر هللا إال}‬
‫{وحال بينهما} موج هوى النفس واستيالء ماء بحر الطبيعة‪ ،‬أي‪ :‬حجبه عن أبيه‬
‫َ‬ ‫{رِحم} بدين التوحيد والشرع‬
‫الذي َ‬
‫الم ْغ َرقين} في بحر الهيولى الجسمانية‪.‬‬
‫ودينه وتوحيده {فكان من ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{وقيل يا أرض ْابَلعي ماءك ويا سماء أْقَل ِعي} أي‪ :‬نودي من جهة الحق على لسان الشرع أرض الطبيعة الجسمانية‬
‫أي‪ :‬يا أرض انقصي بأمر الشريعة وامتثال أحكامها من غلبة هواك واستيالئه بفوران مو ّادك على القلب‪ ،‬وقفي على‬

‫حد االعتدال الذي به قوامه‪ ،‬ويا سماء العقل المحجوبة بالعادة والحس‪ ،‬المشوبة بالوهم‪ ،‬المغيمة بغيم الهوى التي ّ‬
‫تمد‬ ‫ّ‬
‫النفس والطبيعة بتهيئة موادها وأسبابها بالفكر {أقلعي} عن مددها {وغيض} ماء قوة الطبيعة الجسمانية ومدد الرطوبة‬
‫استَوت} أي‪:‬‬ ‫الحاجبة لنور الحق‪ ،‬المانعة للحياة الحقيقية {وقضى} أمر هللا بإنجاء من نجا وإهالك من هلك {و ْ‬
‫استقرت {وقيل ُب ْعداً} أي‪ :‬هالكاً {للقوم الظالمين} الذين ك ّذبوا بآيات هللا‬
‫استقامت شريعته {على} جودي وجود نوح و ّ‬
‫وعبدوا الهوى مكان الحق ووضعوا طريق الطبيعة مكان الشريعة‪.‬‬

‫سورة هود (من اآلية ‪ 45‬الى اآلية ‪)49‬‬

‫َهلِ َك ِإَّن ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫وَن َادى ُنوح َّربَّه َفَقال ر ِب ِإ َّن ابِني ِم ْن أ ِ‬
‫ال ٰيُنو ُح ِإَّن ُه َل ْي َس م ْن أ ْ‬
‫ين * َق َ‬ ‫َح َك ُم اْل َحاكم َ‬
‫َنت أ ْ‬ ‫َهلي َوإِ َّن َو ْع َد َ‬
‫ك اْل َح ُّق َوأ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ ُ َ َّ‬ ‫َ‬
‫َعوُذ ِب َك أ ْ‬
‫َن‬ ‫ِ‬
‫ال َر ِّب ِإّني أ ُ‬ ‫ين * َق َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ظ َك أَن تَ ُكو َن م َن اْل َجاهل َ‬ ‫صالِ ٍح َفالَ تَ ْسَئْل ِن َما َل ْي َس َل َك ِب ِه ِعْل ٌم ِإِّني أ َِع ُ‬
‫َع َم ٌل َغ ْي ُر َ‬
‫رك ٍ‬
‫ط ِب َسالَ ٍم ِّمَّنا َوَب َ‬
‫اهِب ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أَسأََلك ما َليس لِي ِب ِه ِعْلم وإِالَّ تَ ْغِفر لِي وتَرحمِني أ ُ ِ‬
‫ات َعَل ْي َك‬ ‫يل يُٰنو ُح ْ‬
‫ين * ق َ‬ ‫َكن ّم َن اْل َخاس ِر َ‬ ‫َ َْْ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ َ‬ ‫ْ َ َ َْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وعَل ٰى أُم ٍم ِم َّمن َّمعك وأُمم سُنمِّتعهم ثُ َّم يم ُّسهم ِمَّنا ع َذ ِ‬
‫َنت‬ ‫يهآ ِإَل ْي َك َما ُك َ‬
‫نت َت ْعَل ُم َهآ أ َ‬ ‫يم * تْل َك م ْن أ َْنَبآء اْل َغ ْيب ُنوح َ‬
‫اب أَل ٌ‬
‫َ َ َ ٌَ َ َ ُ ُ ْ ََ ُ ْ ّ َ ٌ‬ ‫َ ّ‬ ‫ََ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬‫اصِب ْر ِإ َّن اْل َعاقَب َة لْل ُمتَّق َ‬
‫َوالَ َق ْو ُم َك من َقْبل َهـٰ َذا َف ْ‬

‫لشدة تعلقه‬
‫رب إن ْابني من أهلي} حمله شفقة األبوة وتعطف الرحم والقرابة على طلب نجاته ّ‬
‫{ونادى نوح رّبه فقال ّ‬
‫الحق} ولم يقل ال تخلف وعدك‬
‫ّ‬ ‫وع َدك‬
‫به واهتمامه بأمره‪ ،‬وراعى مع ذلك أدب الحضرة وحسن السؤال فقال‪{ :‬وإن ْ‬
‫بإنجاء أهلي‪ ،‬وإنما قال ذلك لوجود تلوين وظهور بقية منه إذ فهم من األهل ذوي القرابة الصورية والرحم الطبيعية‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫وغفل لفرط التأسف على ابنه عن استثنائه تعالى بقوله‪ِ{ :‬إال َمن َسَب َق َعَل ْيه اْلَق ْو ُل} [هود‪ ،‬اآلية‪ ]40 :‬ولم يتحقق ّ‬
‫أن‬
‫وعرض بقوله‪{ :‬وأنت أحكم الحاكمين} إلى أن العالم‬ ‫ابنه هو الذي سبق عليه القول وال استعطف رّبه باالسترحام ّ‬
‫العادل والحكيم ال يخلف وعده‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫إن أهلك في الحقيقة هو الذي بينك وبينه القرابة الدينية واللحمة المعنوية‬ ‫{قال يا نوح إنه ليس من أهلك} أي‪ّ :‬‬
‫إن ولي محمد من أطاع هللا وإن َب ُع َد ْت‬ ‫واالتصال الحقيقي ال الصوري كما قال أمير المؤمنين عليه السالم‪" :‬أال و‬
‫ّ ّ‬
‫عدو محمد من عصى هللا وإن َق ُرَب ْت لحمته"‪{ ،‬إنه عمل غير صالح} بين انتفاء كونه من أهله بأنه‬ ‫لحمته‪ ،‬أال وإن ّ‬
‫أن أهله هم الصلحاء‪ ،‬أهل دينه وشريعته وأنه لتماديه في الفساد والغي كأن نفسه عمل غير‬
‫غير صالح تنبيهاً على ّ‬
‫ّ‬
‫ولوح إلى أنه‬
‫أن سبب النجاة ليس إال الصالة ال قرابته منك بحسب السورة‪ ،‬فمن ال صالح له ال نجاة له‪ّ .‬‬ ‫صالح‪ .‬و ّ‬
‫سر من أسرار أبيه على ما قال النبي عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫صورة من صور الخطايا صدرت منك كما قيل‪ :‬إنه ّ‬
‫سر أبيه" وذلك أنه لما بالغ في الدعوة وبلغ الجهد في المدة المتطاولة وما أجابه قومه غضب ودعا عليهم‬
‫"الولد ّ‬
‫ك والَ يلِ ُدواْ ِإالَّ َف ِ‬
‫اج اًر َكَّفا اًر}‬ ‫ِ ُّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫بقوله‪{ :‬وَقال نوح َّر ِب الَ تَ َذر عَلى األَر ِ ِ‬
‫ين َديَّا اًر ِإَّن َك ِإن تَ َذ ْرُه ْم ُيضلوْا عَب َاد َ َ َ‬
‫ض م َن اْل َكاف ِر َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ ُ ٌ ّ‬
‫{ي ْخ ِرُج اْل َح َّي ِم َن اْل َمِّي ِت َوُي ْخ ِرُج اْل َمِّي َت ِم َن اْل َح ِي}‬
‫[نوح‪ ،‬اآليات‪ ،]27-26 :‬فذهل عن شهود قدرة هللا وحكمته وأنه‪ُ :‬‬
‫ّ‬
‫الكّفار الذي زعم حال غضبه‬ ‫[يونس‪ ،‬اآلية‪ ]31 :‬فكانت دعوته تلك ذنب حاله في خطيئه مقامه ‪ ،‬فابتاله هللا بالفاجر َ‬
‫أنهم ال يلدون إال مثله وحكم على هللا بظنه فزّكاه عن خطيئته بتلك العقوبة‪ .‬وفي الحديث‪" :‬خلق الكافر من ذنب‬
‫المؤمن"‪{ .‬فال تسألني ما ليس لك به علم} من إنجاء من ليس بصالح وال من أهلك‪ ،‬واعلم أن الصالح هو سبب‬
‫النجاة دون غيره‪ ،‬وأن أهلك هو ذو القرابة المعنوية ال الصورية‪.‬‬

‫ِ‬
‫{إني أعظك أن تكون من الجاهلين} الواقفين مع ظواهر األمور‪ ،‬المحجوبين عن حقائقها‪ّ ،‬‬
‫فتنبه عليه السالم عند ذلك‬
‫{رب إني أعوذ بك أن أسالك ما ليس لي به علم وإال تغفر لي} تلويناتي‬
‫وتعوذ بقوله‪ّ :‬‬
‫التأديب اإللهي والعتاب الرباني ّ‬
‫وظهور بقاياي {وترحمني} باالستقامة والتمكين {أكن من الخاسرين} الذين خسروا أنفسهم باالحتجاب عن علمك‬
‫وحكمتك {قيل يا نوح اهبط} أي‪ :‬اهبط من محل الجمع وذروة مقام الوالية واالستغراق في التوحيد إلى مقام التفصيل‬
‫النبوة بالرجوع إلى الخلق ومشاهدة الكثرة في عين الوحدة ال مغضباً باالحتجاب بهم عن الحق وال راضياً‬
‫وتشريع ّ‬
‫بكفرهم باالحتجاب بالحق عنهم {بسالم} أي‪ :‬سالمة عن االحتجاب بالكثرة وظهور النفس بالغضب ووجود التلوين‬
‫{منا} أي صادر منا وبنا {وبركات} بتقنين قوانين الشرع وتأسيس‬
‫وحصول التعلق بعد التجرد والضالل بعد الهدى ّ‬
‫قواعد العدل الذي ينمو به كل شيء ويزيد {عليك وعلى أُمم} ناشئة {ممن معك} وعلى دينك وطريقتك إلى آخر‬
‫الزمان‪.‬‬

‫أليم}‬
‫عذاب ٌ‬
‫ٌ‬ ‫يمسهم منا‬
‫{سن َمتعهم} في الحياة الدنيا الحتجابهم بها ووقوفهم {ثم ّ‬
‫{وأمم} أي‪ :‬وينشأ ممن معك أمم ُ‬
‫بإهالكهم بكفرهم وإحراقهم بنار اآلثار‪ ،‬وتعذيبهم بالهيئات‪ ،‬وإن شئت التطبيق ّأولت نوحاً بروحك والفلك بكمالك العلمي‬
‫والعملي الذي به نجاتك عند طوفان بحر الهيولى حتى إذا فار تنور البدن باستيالء الرطوبة الغريبة واألخالط الفاسدة‬
‫وأذن بالخراب‪ ،‬ركب هو فيها وحمل معه من كل صنفين من وحوش القوى الحيوانية والطبيعية وطيور القوى الروحانية‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اثنين‪ ،‬أي‪ :‬أصليهما وبنيه الثالثة حام القلب‪ ،‬وسام العقل النظري‪ ،‬ويافث العقل العملي‪ ،‬وزوجه النفس المطمئنة‬
‫وأجراها باسم هللا األعظم فنجا بالبقاء السرمدي من الهالك األبدي بالطوفان وغرقت زوجه األخرى التي هي الطبيعة‬
‫الجسمانية وابنه منها الذي هو الوهم {آلوي إلى جبل} الدماغ‪ ،‬و ّأولت استواءها على الجودي وهبوطه بمثل نزول‬
‫عيسى عليه السالم في آخر الزمان‪.‬‬

‫سورة هود (من اآلية ‪ 50‬الى اآلية ‪)68‬‬

‫َج اًر ِإ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ٍ‬


‫َسأَلُ ُك ْم َعَل ْيه أ ْ‬ ‫َّللاَ َما َل ُك ْم ّم ْن إَلـٰه َغ ْي ُرهُ إ ْن أَنتُ ْم إال ُمْفتَُرو َن * ٰيَق ْو ِم ال أ ْ‬
‫اعُب ُدوْا َّ‬
‫ال ٰيَق ْو ِم ْ‬
‫اه ْم ُهوداً َق َ‬ ‫َخ ُ‬ ‫َوإَِل ٰى َعاد أ َ‬
‫آء َعَل ْي ُك ْم ِّم ْد َار اًر َوَي ِزْد ُك ْم ُقَّوًة‬ ‫َّكم ثُ َّم تُ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َجرِي ِإالَّ َعَلى َّال ِذي َف َ ِ‬
‫وبوْا إَل ْيه ُي ْرسل ال َّس َم َ‬
‫ُ‬ ‫ط َرني أََفالَ تَ ْعقُلو َن * َوٰيَق ْو ِم ْ‬
‫استَ ْغف ُروْا َرب ُ ْ‬ ‫أْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫ين *‬ ‫ود َما ِج ْئتََنا ِبَبِّيَنة َو َما َن ْح ُن ِبتَ ِارِكي آل َهتَنا َعن َق ْولِ َك َو َما َن ْح ُن َل َك ِب ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫ٰه ُ‬ ‫ين * َقاُلوْا ي ُ‬ ‫ِإَل ٰى ُقَّوِت ُك ْم َوالَ تَتََول ْوْا ُم ْج ِرِم َ‬
‫يء ِّم َّما تُ ْش ِرُكو َن * ِمن ُدوِن ِه َف ِك ُيدوِني َج ِميعاً‬ ‫ِ‬
‫اش َه ُدوْا أَّني َب ِر ٌ‬ ‫َّللاَ َو ْ‬ ‫ال ِإِّني أ ْ‬
‫ُش ِه ُد َّ‬ ‫وء َق َ‬ ‫ض آلِ َهِتَنا ِبس ٍ‬
‫ُ‬ ‫اك َب ْع ُ‬ ‫اعتَ َر َ‬
‫َّ‬
‫ول ِإال ْ‬ ‫إن َّنُق ُ‬
‫ِ‬
‫اط ُّم ْستَِقي ٍم *‬ ‫صر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ َرّبِي َوَرّب ُ‬
‫نظ ُرو ِن * ِإِّني تََوَّكْل ُت َعَلى َّ‬ ‫ثُ َّم الَ تُ ِ‬
‫ِك ْم َّما من َدآبَّة ِإال ُه َو آخ ٌذ ِبَناصَيت َهآ ِإ َّن َرّبِي َعَل ٰى َ‬
‫ون ُه َش ْيئاً ِإ َّن َرّبِي َعَل ٰى ُك ِّل َش ْي ٍء َحِفي ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ظ‬ ‫ضُّر َ‬ ‫ف َرّبِي َق ْوماً َغ ْي َرُك ْم َوالَ تَ ُ‬ ‫َفِإن تََول ْوْا َفَق ْد أَْبَل ْغتُ ُك ْم َّمآ أ ُْرِسْل ُت ِبه ِإَل ْي ُك ْم َوَي ْستَ ْخل ُ‬
‫ات َرِّب ِه ْم‬ ‫يظ * وِتْلك ع ٌاد جحدوْا ِبآي ِ‬ ‫اب غلِ ٍ‬
‫اه ْم ِّم ْن َع َذ ٍ َ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َ َ َ َ َُ َ‬ ‫آمُنوْا َم َع ُه ِب َر ْح َمة ّمَّنا َوَن َّج ْيَن ُ‬
‫ين َ‬ ‫آء أ َْم ُرَنا َن َّج ْيَنا ُهوداً َوالذ َ‬ ‫* َوَل َّما َج َ‬
‫الد ْنَيا َل ْعَن ًة وَيوم اْلِقَي ِ ِ‬ ‫َّار َعِن ٍيد * َوأ ُْتِب ُعوْا ِفي َهـ ِٰذِه ُّ‬ ‫ص ْوْا ُرُسَل ُه َواتََّب ُعوْا أ َْم َر ُك ِّل َجب ٍ‬
‫امة أَال إ َّن َعاداً َكَف ُروْا َرب ُ‬
‫َّه ْم أَالَ ُب ْعداً‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َو َع َ‬
‫َكم ِم َن األ َْر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫استَ ْع َم َرُك ْم‬
‫ض َو ْ‬ ‫َنشأ ُ ْ ّ‬ ‫َّللاَ َما َل ُك ْم ِّم ْن ِإَلـٰه َغ ْي ُرهُ ُهَو أ َ‬‫اعُب ُدوْا َّ‬ ‫ال ٰيَق ْو ِم ْ‬
‫َخاهم ِ‬
‫صالحاً َق َ‬ ‫ود أ َ ُ ْ َ‬ ‫ّلِ َعاد َق ْو ِم ُهوٍد * َوإَِل ٰى ثَ ُم َ‬
‫نت ِف َينا َم ْرُجّواً َقْب َل َهـٰ َذا أَتَْن َه َانآ أَن َّن ْعُب َد َما َي ْعُب ُد‬ ‫ِ‬ ‫ِفيها َف ِ‬
‫ٰص ِال ُح َق ْد ُك َ‬ ‫يب * َقاُلوْا ي َ‬ ‫يب ُّم ِج ٌ‬ ‫وبوْا ِإَل ْيه ِإ َّن َرّبِي َق ِر ٌ‬ ‫استَ ْغف ُروهُ ثُ َّم تُ ُ‬
‫َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫نت َعَل ٰى َبّيَن ًة ّمن َّرّبِي َوآتَاني م ْن ُه َر ْح َم ًة َف َمن‬ ‫َرَْيتُ ْم إن ُك ُ‬ ‫ونآ إَل ْيه ُم ِريب * َق َ‬
‫ال ٰيَق ْو ِم أ َأ‬ ‫اؤَنا َوإَِّنَنا َلفي َش ّك ّم َّما تَ ْد ُع َ‬ ‫َآب ُ‬
‫َّللاِ َوالَ‬
‫ض َّ‬ ‫ْك ْل ِفي أ َْر ِ‬
‫وها تَأ ُ‬ ‫ير * وٰيَقو ِم هـ ِٰذِه نا َق ُة َّ ِ‬
‫َّللا َل ُك ْم َآي ًة َف َذ ُر َ‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫ونِني َغ ْي َر تَ ْخ ِس ٍ‬ ‫ص ْيتُ ُه َف َما تَ ِز ُيد َ‬ ‫َينص ُ ِرني ِم َن َّ ِ ِ‬
‫َّللا إ ْن َع َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِٰ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫وها ِبس ٍ‬
‫آء‬
‫ال تَ َمت ُعوْا في َدارُك ْم ثَالَثَ َة أَيَّا ٍم ذل َك َو ْعٌد َغ ْي ُر َم ْك ُذوب * َفَل َّما َج َ‬ ‫وها َفَق َ‬ ‫يب * َف َعَق ُر َ‬ ‫اب َق ِر ٌ‬ ‫ْخ َذ ُك ْم َع َذ ٌ‬
‫وء َفَيأ ُ‬ ‫تَ َم ُّس َ ُ‬
‫ظَل ُموْا‬
‫ين َ‬ ‫أَمرنا ن َّجينا صالِحاً و َّال ِذين آمنوْا معه ِبرحم ٍة ِمَّنا و ِمن ِخ ْزِي يو ِمِئ ٍذ ِإ َّن ربَّك هو اْلَق ِو ُّي اْلع ِزيز * وأ َّ ِ‬
‫َخ َذ الذ َ‬‫َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ َُ َ َ ُ َ ْ َ ّ َ ْ‬ ‫ْ ُ َ َ َْ َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّه ْم أَالَ ُب ْعداً ِّلثَ ُم َ‬
‫ود‬ ‫فروْا َرب ُ‬‫ود َك ُ‬‫يهآ أَالَ ِإ َّن ثَ ُم َ‬
‫ين * َكأَن ل ْم َي ْغَن ْوْا ف َ‬ ‫َصَب ُحوْا في دَي ِارِه ْم َجاثم َ‬ ‫الص ْي َح ُة َفأ ْ‬
‫َّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫استَغفروا رّبكم} من ذنوب حجب صفات النفس والوقوف مع الهوى بالشرك {ثم توبوا إليه} بالتوجه إلى‬ ‫{ويا قوم ْ‬
‫التنور‪ .‬يرسل سماء الروح {عليكم ِم ْد َار اًر} بماء العلوم الحقيقية والمعارف اليقينية‬
‫بالتجرد و ّ‬
‫ّ‬ ‫التوحيد والسلوك في طريقه‬
‫{ويزدكم} ّقوة الكمال {إلى} قوة االستعداد وال تعرضوا عنه {مجرمين} بظهور صفات نفوسكم وتوجهكم إلى الجهة‬
‫السفلية بمحبة الدنيا ومتابعة الطبيعة‪.‬‬

‫ببينة} لقصور فهمهم وعمى بصيرتهم عن إد ارك البرهان لمكان الغشاوات الطبيعية وإذا لم‬‫{قالوا يا هود ما جئتنا ّ‬
‫دابة إالّ هو آخذ بناصيتها} بين وجوب التوكل على‬ ‫يدركوه أنكروه بالضرورة {إني توكلت على هللا ربي وربكم ما من ّ‬
‫يرب يدبر أمر المربوب ويحفظه فال حاجة له إلى‬
‫هللا وكونه حصناً حصيناً أوالً بأن ربوبيته شاملة لكل أحد‪ ،‬ومن ّ‬
‫ك الءة غيره وحفظه‪ .‬ثم بان كل ذي نفس تحت قهره وسلطانه أسير في يد تصرفه ومملكته وقدرته عاجز عن الفعل‬
‫صر ٍ‬
‫اط ُم ْستَقيم}‬ ‫ِ‬
‫والقوة والتأثير في غيره ال حراك به بنفسه كالميت فال حاجة إلى االحتراز منه والتحفظ ثم بأنه {على َ‬
‫أي‪ :‬على طريق العدل في عالم الكثرة الذي هو ظل وحدته فال يسلط أحداً على أحد إال عن استحقاق له لذلك بسبب‬
‫ذنب وجرم وال يعاقب أحداً من غير زّلة ولو صغيرة وقد يكون لتزكية ورفع درجة كالشهادة وفي ضمن ذلك كله نفي‬
‫الضر عنهم وعن آلهتهم‪.‬‬
‫القدرة على النفع و ّ‬

‫مر تأويل الناقة‪ ،‬وأما إنجاء صالح ومن معه على التأويل المذكور فكإنجاء عيسى عليه‬ ‫{ويا قوم هذه ناقة هللا} قد ّ‬
‫{و َما‬ ‫ِ ِ‬
‫وه َوَلـٰكن ُشّب َه َل ُه ْم} [النساء‪ ،]157 :‬وفي قوله‪َ :‬‬
‫صَلُب ُ‬
‫{و َما َقَتُلوهُ َو َما َ‬
‫الصْلب كما جاء في قوله تعالى‪َ :‬‬‫السالم من َ‬
‫َّللاُ ِإَل ْي ِه} [النساء‪ ،‬اآليات‪ .]158-157 :‬وكإنجاء مؤمن آل فرعون على ما أشار إليه بقوله تعالى‪:‬‬
‫َقَتُلوهُ َيِقيناً َبل َّرَف َع ُه َّ‬
‫ات َما َم َك ُـروْا} [غافر‪ ،‬اآلية‪.]45 :‬‬ ‫َّللا سِيَئ ِ‬
‫{ َفوَقاهُ َّ ُ َ ّ‬

‫سورة هود (من اآلية ‪ 69‬الى اآلية ‪)83‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اهيم ِباْلب ْـشر ٰى َقاُلوْا سالَماً َقال سالَم َفما َلِب َث أَن جآء ِب ِعج ٍل حِن ٍيذ * َفَل َّما أرَى أَي ِديهم الَ تَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ُل‬ ‫َ ْ َُ ْ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َ َ ٌ َ‬ ‫َ‬ ‫آء ْت ُرُسُلَنآ ِإ ْب َر َ ُ َ‬ ‫َوَلَق ْد َج َ‬
‫وط * وام أرَتُه َق ِآئم ٌة َف ِ‬ ‫ِإَلي ِه ن ِكرهم وأَوجس ِمنهم ِخ َيف ًة َقاُلوْا الَ تَخف ِإَّنا أُرِسْلنا ِإَلى َقو ِم ُل ٍ‬
‫اق َو ِمن‬ ‫اها ِبِإ ْس َح َ‬ ‫ضح َك ْت َفَب َّش ْرَن َ‬ ‫َ َْ ُ َ َ‬ ‫ْ َ ٰ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َ َ ُْ َ ْ َ َ ْ ُ ْ‬
‫ين ِم ْن‬ ‫يب * َقالُوْا أَتَ ْع َجِب َ‬
‫ِ‬ ‫وب * َقاَل ْت َٰي َوْيَلتَ ٰى َءأَلِ ُد َوأََن ْا َع ُج ٌ‬
‫وز َو َهـٰ َذا َب ْعلي َش ْيخاً ِإ َّن َهـٰ َذا َل َش ْي ٌء َع ِج ٌ‬ ‫اق َي ْعُق َ‬
‫ِ‬
‫َوَرآء ِإ ْس َح َ‬
‫آء ْت ُه اْلُب ْش َر ٰى ُي َج ِادُلَنا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫َّللاِ رحمت َّ ِ‬
‫الرْوعُ َو َج َ‬‫يم َّ‬‫َه َل اْلَب ْيت إن ُه َحم ٌيد َّمج ٌيد * َفَل َّما َذ َه َب َع ْن إ ْب َراه َ‬ ‫َّللا َوَب َرَكاتُ ُه َعَل ْي ُك ْم أ ْ‬ ‫أ َْم ِر َّ َ ْ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ٰ ِٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اب َغ ْي ُر‬ ‫ِك َوِإَّن ُه ْم آتي ِه ْم َع َذ ٌ‬‫آء أ َْم ُر َرّب َ‬ ‫ِ َّ‬
‫ض َع ْن َهـٰ َذآ إن ُه َق ْد َج َ‬ ‫َع ِر ْ‬
‫يم أ ْ‬‫يب * َيإ ِْب َره ُ‬ ‫يم أََّواهٌ ُّمن ٌ‬
‫يم َل َحل ٌ‬ ‫في َق ْو ِم ُلوط * إ َّن إ ْب َراه َ‬
‫آءهُ َق ْو ُم ُه ُي ْه َرُعو َن ِإَل ْي ِه‬‫يب * َو َج َ‬
‫ِ‬
‫ال َهـٰ َذا َي ْوٌم َعص ٌ‬ ‫ض َ ِِ‬
‫اق به ْم َذ ْرعاً َوَق َ‬ ‫يء ِب ِه ْم َو َ‬
‫ِ‬
‫آء ْت ُرُسُلَنا ُلوطاً س َ‬
‫ٍ‬
‫َم ْرُدود * َوَل َّما َج َ‬
‫ض ْيِفي أََل ْي َس ِم ْن ُك ْم َرُج ٌل‬ ‫ِ‬
‫َّللاَ َوالَ تُ ْخ ُزو ِن في َ‬ ‫الء َبَن ِاتي ُه َّن أَ ْ‬
‫ط َه ُر َل ُك ْم َفاتَُّقوْا ًّ‬ ‫ات َقال ٰيَقو ِم هـٰؤ ِ‬
‫َ ْ َُ‬
‫السِيَئ ِ‬
‫َو ِمن َقْب ُل َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن َّ ّ‬
‫آوي ِإَل ٰى ُرْك ٍن َش ِد ٍيد‬ ‫َن لِي ِب ُكم ُقَّوةً أ َْو ِ‬
‫ْ‬ ‫ال َل ْو أ َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّرِش ٌيد * َقاُلوْا َلَق ْد َعل ْم َت َما َلَنا في َبَنات َك م ْن َح ٍّق َوإَِّن َك َلتَ ْعَل ُم َما ُن ِر ُيد * َق َ‬
‫نكم أَحٌد ِإالَّ ام أرَتَك ِإَّنه م ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َهلِ َك ِبِق ْ ِ َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ص ُيب َها َمآ‬ ‫َْ َ ُ ُ‬ ‫ط ٍع ّم َن اْللْيل َوالَ َيْلتَف ْت م ُ ْ َ‬ ‫َس ِر ِبأ ْ‬
‫ِك َلن َيصُلوْا إَل ْي َك َفأ ْ‬ ‫ط ِإَّنا ُرُس ُل َرّب َ‬
‫* َقاُلوْا ٰيُلو ُ‬
‫ط ْرَنا َعَل ْي َها ِح َج َارًة ِّمن‬ ‫آء أ َْم ُرَنا َج َعْلَنا َعالَِي َها َس ِافَل َها َوأ َْم َ‬ ‫الص ْبح أََل ْيس ُّ ِ ِ ٍ‬
‫الص ْب ُح بَقريب * َفَل َّما َج َ‬
‫ِ‬
‫َص َاب ُه ْم إ َّن َم ْو ِع َد ُه ُم ُّ ُ َ‬ ‫أَ‬
‫ين ِبَب ِع ٍيد‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ِك َو َما ه َي م َن الظالم َ‬
‫ِ‬
‫ضوٍد * ُّم َسَّو َم ًة ع َند َرّب َ‬ ‫ِس ِج ٍ‬
‫يل َّم ْن ُ‬ ‫ّ‬

‫المجردة العالية‬
‫ّ‬ ‫بالب ْشرى} إلى آخره‪ ،‬إن للنفوس الشريفة اإلنسانية اتصاالت بالمبادئ‬
‫{ولقد جاءت رسلنا إبراهيم ُ‬
‫المقدسة الفلكية من األنوار القاهرة العقلية والنفوس المدبرة السماوية واختالطات بالمأل األعلى من أهل‬
‫واألرواح ّ‬
‫دبر يربها من‬ ‫الجبروت وانخراطات في سلك الملكوت‪ .‬ولكل نفس بحسب فطرتها مبدأ يناسبها من عالم الجبروت وم ّ‬
‫آء ْت ُك ُّل‬
‫{و َج َ‬
‫عالم الملكوت تستمد من األول فيض العلم والنور‪ ،‬ومن الثاني مدد القوة والعمل كما أشار إليه قوله‪َ :‬‬
‫َو َش ِه ٌيد} [ق‪ ،‬اآلية‪ّ ]21 :‬‬
‫ومقر أصلي تأوي إليه من جناب الالهوت إن ّ‬
‫تجردت‪ ،‬كما قال عليه‬ ‫س َّم َع َها َس ِآئ ٌق‬
‫َنْف ٍ‬
‫"أرواح الشهداء تأوي إلى قناديل من نور معلقة تحت العرش"‪ ،‬وكلما انجذبت إلى الجهة السفلية‬ ‫الصالة والسالم‪:‬‬
‫بالميل إلى اللذات الطبيعية احتجبت بغشاوتها عن ذلك الجناب وانقطع مددها من تلك الجهة من األنوار الجبروتية‬

‫والقوى الملكوتية‪ ،‬فضعفت في اإلدراكات الحتجابها عن قبول تلك اإلشراقات‪ .‬وفي ّ‬


‫المنة والقوة النقطاع مددها من‬
‫التقرب إلى هللا‬
‫التجرد عن المالبس المادية‪ ،‬و ّ‬
‫بالتنزه عن الهيئات البدنية‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬ ‫تلك القوة‪ .‬وكلما توجهت إلى الجهة العلوية‬
‫تعالى‪ ،‬مبدأ المبادئ‪ ،‬ونور األنوار بالزهد والعبادة‪.‬‬

‫أمده هللا تعالى لمناسبته سكان‬


‫الطوية ّ‬
‫ّ‬ ‫والتشبث في المبادئ بالنظافة والنزاهة مقروناً عمله بالصدق في النية وإخالص‬
‫حضرته من عالمهم إمداد النور والقوة‪ ،‬فتعلم ما ال يعلمه غيرها من أبناء جنسها وتقدر على ما ال يقدر عليه مثلها‬

‫من بني نوعها‪ ،‬ويكون لها أوقات تنخرط فيها في سلكها باالنخالع عن بدنها وأوقات تبعد فيها عنها بما هي ّ‬
‫ممنوة به‬
‫من تدبير جسدها‪ .‬ففي أوقات اتصالها بها وانخراطها في سلكها قد تتلقى الغيب منها‪ ،‬إما كما هو على سبيل الوحي‬
‫واإللهام واإللقاء في الروع واإلعالم بمطالعة صورة الغيب المنتقشة هي بها منها‪ ،‬وإما على طريق الهتاف واإلنهاء‪،‬‬
‫وإما على صورة كتابة في صحيفة تطالعه منها وذلك بحسب جهة قبول لوح حسها المشترك واختصاصه بنوع بعض‬
‫المحسوسات دون بعض لألحوال السابقة واالتفاقات العارضة‪ .‬وقد يتراءى لها صور منها تناسبها في الحسن واللطافة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫فيتجسد لها إما بقوة تخيلها وظهورها في حسها المشترك الستحكام االتصال واستق ارره ريثما تحاكيها المتخيلة‪ ،‬وإما‬
‫بتمثيلها في متخيلة الكل التي هي السماء الدنيا وانطباعها في متخيلتها باالنعكاس كما فيما بين المرايا المتقابلة‬
‫فتخاطبها بصورة الغيب شفاهاً على ما ُي َرى في المنامات الصادقة من غير فرق‪ ،‬فإن الرؤيا الصادقة والوحي كالهما‬
‫من واد واحد ال تباين بينهما إال بالنوم واليقظة‪ ،‬فإن صاحب الوحي يقدر على الغيبة من الحواس وإدراكاتها وعزلها‬
‫بالمجردات العلوية لقوة نفسه وحصول ملكة االتصال لها‪ ،‬وصاحب الرؤيا‬
‫ّ‬ ‫عن أفعالها وتعطيلها في استعمالها فيتصل‬
‫الصادقة يقع له ذلك بحكم الطبع وتلك الرؤيا هي التي ال تحتاج إلى تعبير كما أشار إليه من رؤيا رسول هللا صلى‬
‫ين‬ ‫ِِ‬ ‫الرؤيا ِباْلح ِق َلتَ ْدخُل َّن اْلمس ِجد اْلحرام ِإن َشآء َّ ِ ِ‬ ‫َّ‬
‫ين ُم َحّلق َ‬
‫َّللاُ آمن َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ََ َ‬ ‫َّللاُ َرُسوَل ُه ُّ ْ َ َ ّ ُ‬
‫ص َد َق َّ‬
‫هللا عليه وسلم في القرآن بقوله‪{ :‬لَق ْد َ‬
‫رءوس ُكم ومَق ِ‬
‫ين الَ تَ َخا ُفو َن} [الفتح‪ ،‬اآلية‪ ]27 :‬ولهذا جعل الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة‪،‬‬ ‫ص ِر َ‬
‫ُُ َ ْ َ ُ ّ‬
‫وكانت مقدمة وحيه المنامات الصادقة ستة أشهر ثم استحكمت وصارت إلى اليقظة‪ .‬وقد تنتقل المتخيلة في الحالتين‪،‬‬
‫أي‪ :‬النوم واليقظة‪ ،‬إلى اللوازم‪ ،‬فيقع االحتياج إلى التعبير والتأويل وقد يظهر على تلك النفس المتدربة بملكة االتصال‬
‫المتمرنة فيها من خوارق العادات وأنواع الكرامات والمعجزات لوصول المدد من عالم القدرة ما ينكره من ال يعلمه من‬
‫ّ‬
‫المحجوبين بالعادة وأصحاب قسوة القلوب والجفوة والمحجوبين بالعقول الناقصة المشوبة بالوهم القاصرة عن بلوغ الحد‬
‫تنور قلبه بنور الهداية وعصم عن الضاللة والغواية استبصا اًر وإيقاناً أو سلمت فطرته عن‬ ‫وإدراك الحق‪ ،‬ويقبله من ّ‬
‫الحجب المظلمة والغباوة وخلصت عن الجهالة والغشاوة تقليداً وإيماناً للين قلبه باإلرادة وقوة قبوله للصقالة‪ ،‬وذلك إما‬
‫بتأييد نفسه من عالم الملكوت وتقويها بمبدأ األيد والقوة كما قال علي عليه السالم عند قلعه باب خيبر‪" :‬وهللا ما قلعت‬
‫مضية"‪ .‬وإما بصدور ذلك عن تلك النفوس‬ ‫ّ‬ ‫باب خيبر بقوة جسدانية‪ ،‬ولكن قلعته بقوة ملكوتية ونفس بنور ربها‬
‫الملكوتية والمبادئ الجبروتية التي اتصل هو بها إلجابة دعوته بإطاعة الملكوت له بإذن هللا تعالى وأمره وتقديره‬
‫وحكمه وتسخيره‪ .‬وقد دلت اآلية على تمثل المالئكة لخليل هللا عليه الصالة والسالم وتجسدها على الحاالت الثالث‪:‬‬
‫مخاطبتها إياه بالغيب الذي هو البشرى بوجود الولد‪ ،‬وإهالك قوم لوط وإنجائه وتأييده بهم في خرق العادة من والدة‬
‫العجوز العقيم من الشيخ الفاني وتأثيرهم في إهالك قوم لوط وتدميرهم بدعائه وهللا أعلم بحقائق األمور‪.‬‬

‫سورة هود (من اآلية ‪ 84‬الى اآلية ‪)95‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اك ْم ِب َخ ْي ٍر َوإِِّني‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫ان ِإِّني أ ََر ُ‬ ‫ِ‬
‫ال َواْلم َيز َ‬
‫ِ‬
‫صوْا اْلم ْكَي َ‬ ‫َّللاَ َما َل ُك ْم ّم ْن إَلـٰه َغ ْي ُرهُ َوالَ تَنُق ُ‬
‫اعُب ُدوْا َّ‬ ‫ال ٰيَق ْو ِم ْ‬
‫اه ْم ُش َع ْيباً َق َ‬
‫َخ ُ‬‫َوإَِل ٰى َم ْدَي َن أ َ‬
‫َشَيآء ُهم والَ تَ ْع َث ْوْا ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ض‬ ‫اس أ ْ َ ْ َ‬ ‫ان ِباْلق ْسط َوالَ تَْب َخ ُسوْا الَّن َ‬ ‫ال َواْلم َيز َ‬
‫اب َي ْو ٍم ُّمحيط * َوٰيَق ْو ِم أ َْوُفوْا اْلم ْكَي َ‬ ‫اف َعَل ْي ُك ْم َع َذ َ‬
‫َخ ُ‬ ‫أَ‬
‫يظ * قاُلوْا يٰشعيب أ ٰ‬ ‫َّللاِ خير َّل ُكم ِإن ُكنتُم ُّمؤ ِمِنين ومآ أَن ْا عَلي ُكم ِبحِف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ك َما‬‫ك أَن َّن ْت ُر َ‬ ‫َصَلوتُ َك تَ ْأ ُم ُر َ‬
‫ُ َْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ََ َ َ ْ ْ َ‬ ‫َّت َّ َ ْ ٌ ْ‬ ‫ين * َبقي ُ‬ ‫ُمْفسد َ‬
‫نت َعَل ٰى َبِّيَن ٍة ِّمن َّرّبِي‬
‫َرَْيتُ ْم ِإن ُك ُ‬ ‫الرِش ُيد * َق َ‬
‫ال ٰيَق ْو ِم أ َأ‬ ‫يم َّ‬ ‫ِ‬
‫َنت اْل َحل ُ‬ ‫اء ِإَّن َك أل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫اؤَنآ أ َْو أَن نْف َع َل في أ َْم َوالَنا َما َن َش ُ‬ ‫ءاب ُ‬‫َي ْعُب ُد َ‬
‫اَّللِ‬
‫ط ْع ُت َو َما تَ ْوِف ِيقي ِإالَّ ِب َّ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫استَ َ‬‫صالَ َح َما ْ‬
‫ِ‬
‫اك ْم َع ْن ُه إ ْن أ ُِر ُيد إال اإل ْ‬‫ُخالَِف ُك ْم ِإَل ٰى َمآ أ َْن َه ُ‬
‫َن أ َ‬ ‫َوَرَزَقني م ْن ُه ِرْزقاً َح َسناً َو َمآ أ ُِر ُيد أ ْ‬
‫صالِ ٍح‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫اب َق ْوَم ُنو ٍح أ َْو َق ْوَم ُهود أ َْو َق ْوَم َ‬ ‫َص َ‬ ‫يب * َوٰيَق ْو ِم الَ َي ْج ِرَمَّن ُك ْم شَقاقي أَن ُيص َيب ُكم ّم ْث ُل َمآ أ َ‬ ‫َعَل ْيه تََوكْل ُت َوإَِل ْيه أُن ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّكم ثُ َّم تُ ُ ِ ِ ِ‬ ‫نكم ِبب ِع ٍيد * و ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ول‬
‫ٰش َع ْي ُب َما َنْفَق ُه َكثي اًر ّم َّما تَُق ُ‬
‫ود * َقاُلوْا ي ُ‬ ‫وبوْا إَل ْيه إ َّن َرّبِي َرح ٌ‬
‫يم َوُد ٌ‬ ‫استَ ْغف ُروْا َرب ُ ْ‬‫َ ْ‬ ‫َو َما َق ْوُم ُلوط ّم ُ َ‬
‫يز * َقال ٰيَقو ِم أَره ِطي أَعُّز عَلي ُكم ِمن َّ ِ‬ ‫َنت َعَل ْيَنا ِب َع ِز ٍ‬ ‫ض ِعيفاً َوَل ْوالَ َرْه ُ‬ ‫وإَِّنا َلَنر ِ‬
‫َّللا َواتَّ َخ ْذتُ ُموهُ‬ ‫َ َ ْ َّ‬ ‫َ ْ َْ‬ ‫اك َو َمآ أ َ‬ ‫ط َك َل َر َج ْمَن َ‬ ‫اك ف َينا َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫آء ُك ْم ِظ ْه ِرّياً ِإ َّن َرّبِي ِب َما تَ ْع َمُلو َن ُم ِحي ٌ‬
‫ف تَ ْعَل ُمو َن َمن َيأْتيه َع َذ ٌ‬
‫اب‬ ‫اع َمُلوْا َعَل ٰى َم َك َانت ُك ْم ِإّني َٰعم ٌل َس ْو َ‬ ‫ط * َوٰيَق ْو ِم ْ‬ ‫َوَر َ‬
‫َخ َذ ِت‬ ‫ٍ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫ِ‬
‫آمُنوْا َم َع ُه ِب َر ْح َمة ّمَّنا َوأ َ‬
‫ين َ‬ ‫آء أ َْم ُرَنا َن َّج ْيَنا ُش َع ْيباً َوالذ َ‬‫يب * َوَل َّما َج َ‬ ‫ُي ْخ ِزيه َو َم ْن ُه َو َكذ ٌب َو ْارتَقُبوْا ِإّني َم َع ُك ْم َرِق ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫يهآ أَالَ ُب ْعداً ّلِ َم ْدَي َن َك َما َبع َد ْت ثَ ُم ُ‬
‫ود‬ ‫ين * َكأَن ل ْم َي ْغَن ْوْا ف َ‬ ‫َصَب ُحوْا في دَي ِارِه ْم َجاثم َ‬ ‫الص ْي َح ُة َفأ ْ‬
‫ظَل ُموْا َّ‬ ‫ين َ‬ ‫الذ َ‬

‫اكم ِب َخير} لما رأى شعيب عليه السالم ضاللتهم بالشرك واحتجابهم عن الحق بالجبت‪ ،‬وتهالكهم على كسب‬
‫{إني َأر ُ‬
‫الحطام بأنواع الرذائل وتماديهم في الحرص على جمع المال بأسوأ الخصال منعهم عن ذلك وقال‪ :‬إني أراكم بخير في‬
‫استعدادكم من إمكان حصول كمال وقبول هداية فإني أخاف عليكم إحاطة خطيئاتكم بكم الحتجابكم عن الحق‬
‫ووقوفكم مع الغير وصرف أفكاركم بالكلية إلى طلب المعاش وإعراضكم عن المعاد‪ ،‬وقصور هممكم على إحراز‬
‫الفاسدات الفانيات عن تحصيل الباقيات الصالحات‪ ،‬وانجذابكم إلى الجهة السفلية عن الجهة العلوية‪ ،‬واشتغالكم‬
‫بالخواص البهيمي ة عن الكماالت األنسية‪ ،‬فالزموا التوحيد والعدالة واعتزلوا عن الشرك والظلم الذي هو جماع الرذائل‬
‫فإن الظلم هو الغاية في ذلك كما أن‬
‫و ّأم الغوائل {وال تعثوا} في إفسادكم أي‪ :‬وال تبالغوا وال تمادوا في غاية اإلفساد ّ‬
‫العدل هو الغاية في الصالح وجماع الفضائل‪.‬‬

‫مصدقين ببقاء شيء فما يبقى لكم عند هللا من الكماالت والسعادات‬
‫ّ‬ ‫خير لكم إن كنتم مؤمنين} أي‪ :‬إن كنتم‬‫{بقية هللا ٌ‬
‫األخروية والمقتنيات العقلية والمكاسب العلمية والعملية خير لكم من تلك المكاسب الفانية التي تشقون بها وتشقون‬
‫على أنفسكم في كسبها وتحصيلها ثم تتركونها بالموت وال يبقى منها معكم شيء إال وبال التبعات والعذاب الالزم لما‬
‫وتنزهه‬
‫وعتوهم في العصيان‪ ،‬واستهزاءهم بطاعته‪ ،‬وزهده وتوحيده ّ‬
‫في نفوسكم من رواسخ الهيئات‪ .‬ولما شاهد إنكارهم ّ‬
‫بقولهم‪{ :‬أصالتك} إلى آخره ‪.‬‬

‫َرَيتم} أي‪ :‬أخبروني {إن كنت على} برهان يقيني على التوحيد {من ربي ورزقني منه رزقاً حسناً} من‬
‫{قال يا قوم أ َأ‬
‫الحكمة العلمية والعملية والكمال والتكميل باالستقامة في التوحيد‪ ،‬هل يصح لي أن أترك النهي عن الشرك والظلم‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫واإلصالح بالتزكية والتحلية؟‪ .‬وحذف جواب‪ :‬أرأيتم‪ ،‬لما دل عليه في مثله كما مر في قصة نوح وصالح عليهما‬
‫أجر المنافع الدنيوية‬ ‫السالم وعلى خصوصيته ههنا من قوله‪{ :‬وما أ ُِريد أن أ َ‬
‫ُخالفكم} إلى آخره‪ ،‬أي‪ :‬أن أقصد إلى ّ‬
‫الفانية بارتكاب الظلم الذي أنهاكم عنه {إن أُريد إال} إصالح نفسي ونفوسكم بالتزكية والتهيئة لقبول الحكمة ما دمت‬
‫مستطيعاً وما كوني موفقاً لإلصالح {إال باهلل عليه توكلت وإليه أُنيب}‪.‬‬

‫{قالوا يا شعيب ما َنْفَقه} إنما لم يفقهوا لوجود الرين على قلوبهم بما كسبوا من اآلثام وإنما منعهم خوف رهطه من‬
‫َشُّد َرْهَب ًة ِفي‬
‫رجمه دون خوف هللا تعالى الحتجابهم بالخلق عن الحق المسبب عن عدم الفقه كقوله تعالى‪{ :‬ألَنتُ ْم أ َ‬
‫َّللاِ َذلِ َك ِبأََّن ُه ْم َق ْوٌم الَّ َيْفَق ُهو َن} [الحشر‪ ،‬اآلية‪. ]13 :‬‬
‫ورِه ْم ِّم َن َّ‬
‫ص ُد ِ‬
‫ُ‬

‫سورة هود (من اآلية ‪ 96‬الى اآلية ‪)111‬‬

‫ين * ِإَل ٰى ِف ْرَع ْو َن َو َمَلِئ ِه َفاتََّب ُعوْا أ َْم َر ِف ْرَع ْو َن َو َمآ أ َْم ُر ِف ْرَع ْو َن ِب َرِش ٍيد * َيْق ُد ُم َق ْو َم ُه‬ ‫ان ُّمِب ٍ‬ ‫طٍ‬ ‫وس ٰى ِب َآي ِاتَنا َو ُسْل َ‬
‫َوَلَق ْد أ َْرَسْلَنا ُم َ‬
‫ود * َذلِ َك ِم ْن‬ ‫ام ِة ِب ْئ َس ِّ‬
‫الرْف ُد اْل َم ْرُف ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ام ِة َفأ َْوَرَد ُهم َّ‬
‫الن َار َوبِ ْئ َس اْل ِوْرُد اْل َم ْوُر ُ‬
‫ِ‬
‫ود * َوأ ُْتب ُعوْا في َهـٰذه َل ْعَن ًة َوَي ْوَم اْلقَي َ‬ ‫ُ‬ ‫َي ْوَم اْلقَي َ‬
‫َنف َس ُه ْم َف َما أَ ْغَن ْت َع ْن ُه ْم آلِ َهتُ ُهم َّالِتي َي ْد ُعو َن‬
‫ظَل ُموْا أ ُ‬‫اه ْم َوَلـ ِٰكن َ‬
‫ظَل ْمَن ُ‬
‫ص ٌيد * َو َما َ‬ ‫صه عَليك ِم ْنها َق ِآئم وح ِ‬
‫أ َْنَبآء اْلُق َر ٰى َنُق ُّ ُ َ ْ َ َ ٌ َ َ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫ظالِ َم ٌة ِإ َّن‬‫َخ َذ اْلُق َر ٰى َوِه َي َ‬ ‫يب * َوَك ٰذلِ َك أ ْ‬ ‫وهم َغ ْير تَ ْتِب ٍ‬ ‫ٍ َّ‬ ‫ِمن دو ِن َّ ِ ِ‬
‫ِك ِإ َذا أ َ‬‫َخ ُذ َرّب َ‬ ‫ِك َو َما َزُاد ُ ْ َ‬ ‫آء أ َْم ُر َرّب َ‬
‫َّللا من َش ْيء ل َّما َج َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬
‫اب اآلخ َرِة ذل َك َي ْوٌم َّم ْج ُموعٌ ل ُه َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ود * َو َما‬ ‫اس َوَذل َك َي ْوٌم َّم ْش ُه ٌ‬ ‫الن ُ‬ ‫اف َع َذ َ‬
‫آلي ًة ّل َم ْن َخ َ‬‫يم َشد ٌيد * ِإ َّن في ذل َك َ‬ ‫َخ َذهُ أَل ٌ‬
‫أْ‬
‫ِ‬ ‫ين َشُقوْا َفِفي َّ‬ ‫ْت الَ تَ َكَّلم نْفس ِإالَّ ِبِإ ْذِن ِه َف ِمنهم َشِق ٌّي وس ِعيد * َفأ َّ َّ ِ‬ ‫ود * يوم يأ ِ‬ ‫ُن َؤ ِّخره ِإالَّ ألَج ٍل َّم ْع ُد ٍ‬
‫الن ِار َل ُه ْم ف َ‬
‫يها‬ ‫َما الذ َ‬ ‫ََ ٌ‬ ‫ُْْ‬ ‫ُ َ ٌ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ُسع ُدوْا‬ ‫ال ّل َما ُي ِر ُيد * َوأَ َّما الذ َ‬ ‫ُّك إ َّن َرب َ‬
‫َّك َف َّع ٌ‬ ‫آء َرب َ‬‫ض إال َما َش َ‬ ‫الس َٰم َٰو ُت َواأل َْر ُ‬
‫امت َّ‬ ‫يها َما َد َ‬ ‫ين ف َ‬‫يق * َخالد َ‬ ‫َزِف ٌير َو َشه ٌ‬
‫وذ * َفالَ تَ ُك ِفي ِم ْرَي ٍة ِّم َّما َي ْعُب ُد‬
‫طآء َغ ْير م ْج ُذ ٍ‬
‫ُّك َع َ ً َ َ‬ ‫آء َرب َ‬
‫الس ٰم ٰوت واألَر ِ َّ‬
‫ض إال َما َش َ‬ ‫امت َّ َ َ ُ َ ْ ُ‬
‫َفِفي اْلجَّن ِة خالِ ِدين ِفيها ما د ِ‬
‫َ َ َ َ َ َ َ‬
‫ف‬ ‫وص * وَلَق ْد آتَيَنا موس ٰى اْل ِكتَاب َف ْ ِ‬ ‫الء ما يعبدو َن ِإالَّ َكما يعبد آباؤهم ِمن َقبل وِإَّنا َلموُّفوهم ن ِ‬
‫ص َيب ُهم َغ ْي َر منُق ٍ‬ ‫ِ‬
‫اخُتل َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ ُُ َ ُ ُ ّ ْ ُ َ ُ َ ُ ْ َ‬ ‫َهـ ُٰؤ َ َ ْ ُ ُ‬
‫َع َماَل ُه ْم ِإَّن ُه ِب َما‬ ‫ِ‬ ‫ًّ َّ‬ ‫ضي ب ْيَنهم وإَِّنهم َلِفي َش ٍّك ِم ْن ُه م ِر ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫يب * َوإِ َّن ُكـال ل َّما َلُيَوّفَيَّن ُه ْم َرب َ‬
‫ُّك أ ْ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ِك َلُق َ َ ُ ْ َ ُ ْ‬‫فيه َوَل ْوالَ َكل َم ٌة َسَبَق ْت من َّرّب َ‬
‫َي ْع َمُلو َن َخِب ٌير‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وسعيد} لما أطلق الشقي والسعيد منكرين للتعظيم دل على الشقي والسعيد األزليين األبديين‪ ،‬ولما‬
‫ٌ‬ ‫{فمنهم شقي‬
‫اء ربك} ألن‬
‫وصفهم في التقسيم التفصيلي استثنى عن خلود الشقي في النار وخلود السعيد في الجنة بقوله‪{ :‬إال ما َش َ‬
‫المراد بالنار والجنة عذاب النفس بنار الحرمان عن المراد وآالم الهيئات واآلثار وثواب النفس بجنة حصول المرادات‬
‫أشد منه من نيران القلب في حجب الصفات‬‫الشقي منها إلى ما هو ّ‬ ‫واللذات وباالستثناء عن الخلود فيهما خروج‬
‫ّ‬
‫واألفعال بالسخط والطرد واإلذالل واإلهانة‪ ،‬ونيران الروح بالحجب واللعن والقهر وخروج السعيد منها إلى ما هو أل ّذ‬
‫وأطيب من جنان القلب في مقام تجليات الصفات بالرضوان واللطف واإلكرام واإلعزاز وجنان الروح في مقام الشهود‬
‫باللقاء وظهور سبحات الجالل‪ ،‬وما ال عين رأت‪ ،‬وال أُذن َس ِمعت‪ ،‬وال خطر على قلب بشر‪ ،‬لكون الشقي في مقابلة‬
‫ّ‬
‫طاء غير َم ْج ُذوذ} أي‪ :‬غير مقطوع‪ ،‬فكذا ما‬
‫{ع َ‬
‫دل عليه بقوله‪َ :‬‬
‫السعيد وخروج السعيد من الجنة إلى النار محال‪ ،‬وقد ّ‬
‫يقابله على أن قوله تعالى‪{ :‬فعال لما يريد} يشعر بذلك لكونه وعيداً شديداً‪ .‬هذا لسان األدب ومراعاة الظواهر في‬
‫تحقيق البواطن‪ ،‬وأما الحقيقة فتحكم بأن الشقي لما كان في المراتب المذكورة في النار لم يخرج منها بل انتقل من‬
‫طبقة منها إلى طبقة أخرى ومن دركة إلى دركة فكان في حكم الخلود فالمراد باالستثناء غيره وهو أنه من حيث‬
‫الرب آخذ بناصيته على صراط مستقيم يقوده ريح الدبور ‪ -‬التي هي هوى نفسه ‪ -‬يسوقه إلى جهنم‪،‬‬
‫األحدية مع رّبه و ّ‬
‫فهو هنالك في عين القرب مع هوى نفسه فيتلذذ بما يوافقه فتصير عين النعيم‪ ،‬فزال مسمى النار في حقه وصار جنة‬
‫لتلذذه به وإن كان بعيداً عن نعيم السعيد كما جاء في الحديث‪" :‬سينبت في قعر جهنم الجرجير"‪ .‬وفيه‪" :‬يأتي على‬
‫جهنم زمان يصفق أبوابها ليس فيها أحد"‪ .‬وكذا السعيد‪ ،‬فإن انتقاله في الجنان ودرجاتها والخروج بحكم االستثناء غير‬
‫ذلك فهو بفنائه في أحدية الذات واحتراقه بلوعة العشق في سبحات الجمال حيث كان الحق شاهداً ومشهوداً ال في‬
‫مقام المشاهدة بوجود الروح بل بالشهود الذاتي األحدي الذي لم يبق فيه لغيره عين وال أثر وال عين رأت وال أذن‬
‫سمعت وال خطر على قلب بشر‪ .‬وإن جعل التنكير في قوله‪{ :‬شقي وسعيد} للنوعية ال للتعظيم‪ ،‬جاز تأويل خروج‬
‫الشقي من الناء بالترقي إلى الجنة من مقامه بزكاء نفسه عن الهيئات المظلمة وتبعات المعاصي وحينئذ ال يكون‬
‫شقي األبد‪.‬‬
‫ّ‬

‫سورة هود (من اآلية ‪ 112‬الى اآلية ‪)113‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الن ُار َو َما‬ ‫ُ‬ ‫ص ٌير * َوالَ تَ ْرَكُنوْا ِإَلى َّال ِذي َن َ‬
‫ظَل ُموْا َفتَ َم َّس ُكم َّ‬ ‫ط َغوْا ِإَّنه ِبما تَعمُلو َن ب ِ‬
‫َ‬ ‫اب َم َع َك َوالَ تَ ْ ْ ُ َ ْ َ‬
‫ِ‬
‫َك َمآ أُم ْر َت َو َمن تَ َ‬ ‫استَِق ْم‬
‫َف ْ‬
‫نص ُرو َن‬ ‫ُدو ِن َّ ِ ِ ِ‬ ‫َل ُك ْم ِّمن‬
‫آء ثُ َّم الَ تُ َ‬
‫َّللا م ْن أ َْولَي َ‬
‫استَِقم كما أ ُِم ْرت} في القيام بحقوق هللا باهلل‪ ،‬فإنه عليه الصالة والسالم مأمور بمحافظة حقوق هللا والتعظيم ألمره‬
‫{ َف ْ‬
‫والتسديد لخلقه بضبط أحكام التجليات الصفاتية بعد الرجوع إلى الخلق مع شهود الوحدة الذاتية بحيث ال يتحرك وال‬
‫يسكن وال ينطق وال يتف ّكر إال به من غير ظهور تلوين من بقايا صفاته أو ذاته وال يخطر له خاطر بغيره من غير‬
‫إخالل بشرط ما من شرائط التعظيم كما قال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬أفال أكون عبداً شكو اًر؟" حين تورمت قدماه من‬
‫َّللاُ َما تََقَّدم ِمن َذنِب َك َو َما تَأ َّ‬
‫َخ َر} [الفتح‪ ،‬اآلية‪]2 :‬؟‪ ،‬وال بدقيقة من‬ ‫قيام الليل وقيل له‪ :‬أما بشرك هللا بقوله‪ِّ{ :‬لَي ْغِف َر َل َك َّ‬
‫َ‬
‫باب النهي عن المنكر واألمر بالمعروف واإلنذار والدعوة وذلك في غاية الصعوبة‪ .‬ولهذا قال‪" :‬شيبتني سورة هود"‪.‬‬
‫قيل‪ :‬رأى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بعض العرفاء في المنام‪ ،‬فسأله عن ذلك وقال‪ :‬لماذا يا رسول هللا؟ ألقصص‬
‫األنبياء وما نزل بأممهم الم ّكذبين من العذاب وما كانوا يقاسون من أممهم؟‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬بل لقوله تعالى‪{ :‬فاستقم كما‬
‫{معك} من الموحدين الواصلين إلى شهود الكثرة في عين الوحدة ومقام‬‫َ‬ ‫أُمرت}‪{.‬ومن تَاب} عن أنيته وذنب وجوده‬
‫طغوا} باالحتجاب بحجاب األنائية ونسبة الكماالت اإللهية المطلقة إلى أنائيتكم المشخصة‬‫البقاء بعد الفناء {وال تَ ْ‬
‫المقيدة برؤيتها لكم‪ ،‬الموجبة لالحتجاب بالتقيد عن اإلطالق‪ ،‬فإن الهوية اإللهية ال تتقيد بإشارة الهذية واألنائية {إنه‬
‫بما تعملون بصير} أتعملونه بي أم بأنفسكم؟‪.‬‬

‫ظلموا} أي‪ :‬أشركوا بهوى كامن‪ ،‬ناشئ عن وجود بقية خفية أو التفات خفي إلى إثبات غيره‪،‬‬ ‫{وال تَ ْركنوا إلى الذين َ‬
‫ّ‬
‫{فتمسكم} نار السخط‬ ‫ط َغ ٰى} [النجم‪ ،‬اآلية‪،]17 :‬‬
‫ص ُر َو َما َ‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫{ما َازغَ اْلَب َ‬
‫فإنه هو الزيغ المقار للطغيان في قوله‪َ :‬‬
‫والحرمان باالحتجاب والتعذيب بالفراق من نيران غيرة المحبوب‪ ،‬كما قال تعالى لحبيبه صلى هللا عليه وسلم‪" :‬بشر‬
‫المذنبين بأني غفور‪ ،‬وأنذر الصديقين بأني غيور" ولهذا المعنى قال‪" :‬والمخلصون على خطر عظيم"‪ .‬فإن دقائق‬
‫أدق من أن تُ ْدرك بالعقل وأشد عقاباً من أن تتوهم بالوهم {وما لكم} حينئذ {من دون هللا من أولياء‬
‫ذنوب أحوالهم ّ‬
‫صرون} من بأسه‪ ،‬وهذا تهديد ألوليائه فكيف بأعدائه‪.‬‬ ‫يتولونكم من عقابه ويدبرون أموركم ويربونكم {ثم ال تُْن َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة هود (من اآلية ‪ 114‬الى اآلية ‪)117‬‬

‫ِ َّ ِ‬ ‫ات ي ْذ ِهبن َّ ِ ٰ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫وأ َِق ِم َّ ٰ‬


‫اصِب ْر َفِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ الَ‬ ‫ين * َو ْ‬ ‫الس ِّـيَئات ذل َك ذ ْك َر ٰى للذاك ِر َ‬ ‫الن َه ِار َوُزَلفاً ّم َن الْي ِل ِإ َّن اْل َح َسَن ُ ْ َ‬ ‫ط َرَف ِي َّ‬
‫وة َ‬ ‫الصل َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ِإال َقليالً ّم َّم ْن أ َ‬
‫َنج ْيَنا‬ ‫ان م َن اْلُق ُرو ِن من َقْبل ُكم أُْوُلوْا َبقيَّة َي ْن َه ْو َن َع ِن اْلَفساد في األ َْر ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ين * َفَل ْوالَ َك َ‬ ‫َج َر اْل ُم ْحسن َ‬
‫يع أ ْ‬ ‫ُيض ُ‬
‫صلِ ُحو َن‬ ‫ُّك لُِي ْهلِ َك اْلُق َر ٰى ِب ُ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َهُل َها ُم ْ‬
‫ظْل ٍم َوأ ْ‬ ‫ان َرب َ‬
‫ين * َو َما َك َ‬ ‫ظَل ُموْا َمآ أ ُْت ِرُفوْا فيه َوَك ُانوْا ُم ْج ِرِم َ‬
‫ين َ‬‫م ْن ُه ْم َواتََّب َع الذ َ‬

‫{و ِأق ْم الصالة طرفي النهار} لما كانت الحواس الخمس شواغل تشغل القلب بما يرد عليه من الهيئات الجسمانية‪،‬‬
‫وتجذبه عن الحضرة الرحمانية‪ ،‬وتحجبه عن النور‪ ،‬والحضور باإلعراض عن جناب القدس والتوجه إلى معدن‬
‫ويسد أبواب‬
‫وتبدله الوحشة باألنس‪ ،‬والكدورة بالصفاء‪ ،‬فرضت خمس صلوات يتفرغ فيها العبد للحضور ّ‬
‫الرجس‪ّ ،‬‬
‫يرد على القلب شاغل يشغله ويفتح باب القلب إلى هللا تعالى بالتوجه والنية لوصول مدد النور ويجمع‬
‫الحواس لئال ّ‬
‫التفرق ويستأنس برّبه عن التوحش مع اتحاد الوجهة‪ ،‬وحصول الجمعية‪ ،‬فتكون تلك الصلوات خمسة أبواب‬ ‫همه عن ّ‬‫ّ‬
‫الرب يدخل بها عليه النور بإزاء تلك الخمسة المفتوحة إلى جناب الغرور ودار اللعين‬
‫مفتوحة للقلب على جناب ّ‬
‫{إن‬
‫الغرور التي تدخل بها الظلمة ليذهب النور الوارد آثار ظلماتها ويكسح غبار ُك ُدوراتها‪ ،‬وهذا معنى قوله‪ّ :‬‬
‫"إن الصالة إلى الصالة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر"‪ .‬وأمر‬
‫الحسنات يذهبن السيئات} وقد ورد في الحديث‪ّ :‬‬
‫بإقامتها في طرفي النهار لينسحب حكمها ببقاء الجمعية واستيالء الهيئة النورية في أوله إلى سائر األوقات‪ ،‬فعسى أن‬
‫صالَِت ِه ْم َد ِآئ ُمو َن} [المعارج‪ ،‬اآلية‪ ]23 :‬لدوام ذلك الحضور‪ ،‬وبقاء ذلك النور يكسح ويزيل‬ ‫َّ ِ‬
‫يكون من‪{ :‬الذ َ‬
‫ين ُه ْم َعَل ٰى َ‬
‫في آخره ما حصل في سائر األوقات من التفرقة والكدورة‪ .‬ولما كانت القوى الطبيعية ّ‬
‫المدبرة ألمر الغذاء سلطانها في‬
‫الليل وهي تجذب النفس إلى تدبير البدن بالنوم عن عالمها الروحاني وتحجزها عن شأنها الخاص بها الذي هو‬
‫مطالعة الغيب ومشاهدة عالم القدس يشغلها باستعمال آالت الغذاء لعمارة الجسد‪ ،‬فتسلبها اللطافة والطراوة وتكدرها‬
‫بالغشاوة‪ .‬واحتيج إلى تلطيفها وتصفيتها باليقظة وتنويرها وتطريتها بالصالة فقال‪{ :‬وزلفاً من الليل} ذلك الذي ذكر من‬
‫إقامة الصالة في األوقات المذكورة وإذهاب السيئات بالحسنات تذكير لمن يذكر حاله عند الحضور مع هللا في‬
‫اصِبر} باهلل في االستقامة ومع هللا في الحضور في الصالة وعدم الركون إلى‬ ‫الصفاء والجمعية واألنس والذوق {و ْ‬
‫الم ْحسنين} الذين يشاهدونه في حال القيام بحقوق االستقامة ومراعاة العدالة والقيام‬
‫أج َر ُ‬
‫{فإن هللا ال يضيع ْ‬
‫الغير ّ‬
‫بشرائط التعظيم في العبادة ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة هود (من اآلية ‪ 118‬الى اآلية ‪)119‬‬

‫ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِِ‬ ‫الناس أ َّ ِ‬


‫ِك أل َْمأل َّ‬
‫َن‬ ‫ين * ِإال َمن َّرح َم َرب َ‬
‫ُّك َولِذل َك َخَلَق ُه ْم َوتَ َّم ْت َكل َم ُة َرّب َ‬ ‫ُم ًة َواح َد ًة َوالَ َي َازُلو َن ُم ْخَتلف َ‬ ‫ُّك َل َج َع َل َّ َ‬
‫آء َرب َ‬‫َوَل ْو َش َ‬
‫ين‬ ‫اس أ ِ‬
‫الن ِ ْ‬
‫َج َمع َ‬ ‫َج َهَّنم ِم َن اْل ِجَّن ِة َو َّ‬
‫َ‬
‫أمة واحدة} متساوية في االستعداد متفقة على دين التوحيد ومقتضى الفطرة {وال يزالون‬‫{ولو شاء ربك لجعل الناس ّ‬
‫مختلفين} في الوجهة واالستعداد {إال من رحم رّبك} بهدايته إلى التوحيد وتوفيقه للكمال‪ ،‬فإنهم متفقون في المذهب‬
‫ليستعد كل‬
‫ّ‬ ‫والمقصد وموافقون في السيرة والطريقة‪ ،‬قبلتهم الحق‪ ،‬ودينهم التوحيد والمحبة {ولذلك} االختالف َ‬
‫{خَلقهم}‬
‫ويستتب بهم نظام العالم‪ ،‬ويستقيم أمر المعاش‪ ،‬فهم محامل ألمر هللا‬
‫ّ‬ ‫منهم لشأن وعمل‪ ،‬ويختار بطبعه أم اًر وصنعة‪،‬‬
‫حمل عليهم حمول األسباب واألرزاق وما يتعيش به الناس‪ ،‬ورتّب بهم قوام الحياة الدنيا كما أن الفئة المرحومة مظاهر‬
‫{وتمت كلمة رّبك} أي‪ :‬أحكمت وأبرمت‬
‫لكماله‪ ،‬أظهر هللا بهم صفاته وأفعاله وجعلهم مستودع حكمه ومعارفه وأس ارره‪ّ .‬‬
‫{ألمألن جهنم من ال ِجّنة والناس أجمعين} ّ‬
‫ألن جهنم رتبة من مراتب الوجود ال يجوز في الحكمة‬ ‫ّ‬ ‫وثبتت وهي هذه‬
‫تعطيلها وإبقاؤها في كتم العدم مع إمكانها‪.‬‬

‫سورة هود (من اآلية ‪ 120‬الى اآلية ‪)123‬‬

‫َِّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ك ِفي َهـ ِٰذِه اْل َح ُّق َو َم ْو ِع َ‬ ‫ِ‬ ‫ص َعَل ْي َك ِم ْن أ َْنَب ِاء ُّ‬
‫َوُكـالًّ َّنُق ُّ‬
‫ين‬‫ين * َوُقل ّللذ َ‬ ‫ظ ٌة َوِذ ْك َر ٰى لْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫آء َ‬ ‫الرُس ِل َما ُنثَِّب ُت ِبه ُف َؤ َاد َ‬
‫ك َو َج َ‬
‫ض َوإَِل ْي ِه ُي ْرَج ُع األ َْم ُر‬‫امُلو َن * و ْانتَ ِظ ُروْا ِإَّنا منتَ ِظ ُرو َن * وََِّّللِ َغ ْي ُب ال َّس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬
‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الَ يؤ ِمنو َن اعمُلوْا عَلى م َكانِت ُكم ِإَّنا ع ِ‬
‫َ‬ ‫َْ َ ٰ َ َ ْ‬ ‫ُْ ُ‬
‫ُّك ِب َغ ِاف ٍل َع َّما تَ ْع َمُلو َن‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫اعُب ْدهُ َوتََوَّك ْل َعَل ْيه َو َما َرب َ‬
‫ُكل ُه َف ْ‬

‫أمتهم مع ثباتهم‬ ‫ِ‬


‫عليك من ْأنَباء الرسل ما ُنثبت به فؤادك} أي‪ :‬لما أطلعناك على مقاساتهم الشدائد من ّ‬
‫َ‬ ‫{وكالًّ َنُقص‬
‫في مقام االستقامة وعدم مزلتهم عنه وعلى معاتباتهم عند تلويناتهم وظهور شيء من بقياتهم كما في قصة نوح عليه‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫السالم من سؤال إنجاء الولد‪ ،‬وعلى قوة ثباتهم وشجاعتهم في يقينهم وتوكلهم كما في قصة هود عليه السالم من قوله‪:‬‬
‫صر ٍ‬
‫اط ُّم ْستَِقيمٍ} [هود‪ ،‬اآلية‪،]56 :‬‬ ‫ِ‬ ‫اشهدوْا أَِّني ب ِر ِ‬ ‫{ِإِّني أ ْ‬
‫ُش ِه ُد َّ‬
‫يء ّم َّما تُ ْش ِرُكو َن} [هود‪ ،‬اآلية‪ ]54 :‬إلى قوله‪َ :‬‬
‫{عَل ٰى َ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َّللاَ َو ْ َ ُ‬
‫العتو كما في قصة لوط عليه السالم من تفدية البنات لحفظ األضياف من السوء‪،‬‬ ‫وعلى كمال كرمهم وفضيلتهم في ّ‬
‫ثبت قلبك في ذلك كله واستحكمت استقامتك وقوي تمكينك بذهاب آثار التلوين عنك وقوي توكلك ورضاك ويقينك‬
‫{وم ْوعظة} لهم‬
‫وك ُم َل خلقك وكرمك {وجاءك في هذه} السورة {الحق} أي‪ :‬ما يتحقق به اعتقاد المؤمنين َ‬ ‫وشجاعتك‪َ ،‬‬
‫يحترزون بها عما أهلك به األمم‪ ،‬وتذكير لما يجب أن يتدينوا به ويجعلوه طريقهم وسيرتهم وهللا أعلم ‪.‬‬

‫سورة يوسف (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)3‬‬

‫ص ِب َمآ أ َْو َح ْيَنآ‬


‫َحس َن اْلَقص ِ‬ ‫ين * ِإَّنآ أ َْن َ ْزلَناهُ ُق ْرآناً َع َربِّياً َّل َعَّل ُك ْم تَ ْعِقُلو َن * َن ْح ُن َنُق ُّ‬ ‫ات اْل ِكتَ ِ‬
‫اب اْلمِب ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ص َعَل ْي َك أ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫الر تْل َك َآي ُ‬
‫ين‬ ‫ِِ‬ ‫ِإَليك هـٰ َذا اْلُقرآن وإِن ُك ِ ِ ِ ِ‬
‫نت من َقْبله َلم َن اْل َغافل َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صص} لكون لفظه وتركيبه إعجا اًز‪ ،‬وظاهر معناه مطابقاً للواقع‬ ‫المِبين} ّ‬
‫مر ذكره {أحسن الق َ‬ ‫لك آيات الكتاب ُ‬
‫{الر ت َ‬
‫أشد طباقاً‪ ،‬وأحسن وفاقاً منها‪.‬‬
‫وباطنه داالً على صورة السلوك وبيان حال السالك كالقصص الموضوعة لذلك و ّ‬

‫سورة يوسف (من اآلية ‪ 4‬الى اآلية ‪)6‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ص‬
‫ص ْ‬
‫ال يُٰبَن َّي الَ تَْق ُ‬
‫ين * َق َ‬ ‫الش ْم َس َواْلَق َم َر َأرَْيتُ ُه ْم لي َسا ِجد َ‬
‫َح َد َع َش َر َكوَكباً و َّ‬
‫ْ َ‬ ‫ف ألَِبيه ٰيأَبت ِإّني َأرَْي ُت أ َ‬ ‫وس ُ‬‫ال ُي ُ‬
‫ِ‬
‫إ ْذ َق َ‬
‫ُّك ويعِّلم َك ِمن تَأ ِْو ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫ان لِ ِ‬ ‫اك َعَل ٰى ِإ ْخوِت َك َفَي ِك ُيدوْا َل َك َك ْيداً ِإ َّن َّ‬
‫يل‬ ‫ين * َوَكذل َك َي ْجتَِب َ‬
‫يك َرب َ َ ُ َ ُ‬ ‫ان َع ُدٌّو ُّمِب ٌ‬‫إل ْن َس ِ‬ ‫طَ‬ ‫الش ْي َ‬ ‫َ‬ ‫ُرْؤَي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهيم وإِسحاق ِإ َّن رب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األ ِ ِ ِ ِ‬
‫يم‬
‫يم َحك ٌ‬
‫َّك َعل ٌ‬
‫َ َ‬ ‫وب َك َمآ أَتَ َّم َهآ َعَل ٰى أََب َوْي َك من َقْب ُل ِإ ْب َر َ َ ْ َ َ‬
‫َحاديث َوُيت ُّم ن ْع َمتَ ُه َعَل ْي َك َو َعَل ٰى َءال َي ْعُق َ‬
‫َ‬

‫عشر كوكباً} إلى آخره‪ ،‬هذه من المنامات التي ذكرنا في سورة (هود) أنها تحتاج إلى تعبير‬
‫أحد َ‬
‫أيت َ‬
‫{يا أبت إني ر ُ‬
‫النتقال المتخيلة من النفوس الشريفة التي عرض على النفس من الغيب سجودها له إلى الكواكب والشمس والقمر وما‬
‫كانت في نفس األمر إال أبويه وإخوته {ال تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك َك ْيداً} هذا من اإللهامات المجملة‪،‬‬
‫فإنه قد يلوح صورة الغيب من المجردات الروحانية على الوجه الكلي العالي عن الزمان في الروح ويصل أثره إلى‬
‫القلب وال يتشخص في النفس مفصالً حتى يقع العلم به كما هو فيقع في النفس منه خوف واحتراز‪ ،‬إن كان مكروهاً‪،‬‬
‫وفرح وسرور إن كان مرغوباً‪ .‬ويسمى هذا النوع من اإللهام‪ :‬إنذارات وبشارات‪ ،‬فخاف عليه السالم من وقوع ما وقع‬
‫قبل وقوعه‪ ،‬فنهاه عن إخبارهم برؤياه احت ار اًز‪ .‬ويجوز أن يكون احت ارزه كان من جهة داللة الرؤيا على شرفه وكرامته‬
‫وزيادة قدره على إخوته‪ ،‬فخاف من حسدهم عليه عند شعورهم بذلك‪.‬‬

‫للنبوة إذ الرؤيا الصادقة‪،‬‬


‫{وكذلك َي ْجتَبيك رّبك} أي‪ :‬مثل ذلك االصطفاء بإراءة هذه الرؤيا العظيمة الشأن‪ ،‬يصطفيك ّ‬
‫{ويتم ِن ْعمته‬
‫ّ‬ ‫مقدمات النبوة‪ ،‬فعلم من رؤياه أنه من المحبوبين الذين يسبق كشوفهم سلوكهم‬
‫خصوصاً مثل هذه من ّ‬
‫المْلك ‪.‬‬
‫بالنبوة و ُ‬
‫عليك} ّ‬

‫سورة يوسف (من اآلية ‪ 7‬الى اآلية ‪)18‬‬

‫ف َوإِ ْخَوِت ِه‬‫وس َ‬


‫ونوْا ِمن بع ِدِه َقوماً صالِ ِحين * َّلَق ْد َك ِ‬
‫ان في ُي ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ْ َ‬ ‫ط َر ُحوهُ أ َْرضاً َي ْخ ُل َل ُك ْم َو ْج ُه أَِب ُ‬
‫يك ْم َوتَ ُك ُ‬ ‫ف أ َِو ا ْ‬‫وس َ‬‫ا ْقُتُلوْا ُي ُ‬
‫ال َق ِآئ ٌل ِّم ْن ُه ْم‬ ‫ين * َق َ‬ ‫ضالَ ٍل ُّمِب ٍ‬ ‫ِ‬
‫صَب ٌة ِإ َّن أََب َانا َلفي َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫َح ُّب إَل ٰى أَب َينا مَّنا َوَن ْح ُن ُع ْ‬ ‫َخوهُ أ َ‬ ‫ف َوأ ُ‬ ‫وس ُ‬ ‫ِ‬
‫ين * إ ْذ َقاُلوْا َلُي ُ‬
‫ات ِّل َّ ِ ِ‬
‫لسائل َ‬ ‫َآي ٌ‬
‫ِِ‬ ‫ف َوأَْلُقوهُ ِفي َغ َٰيَب ِت اْل ُج ِّب َيْلتَِق ْ‬
‫ف‬
‫وس َ‬ ‫ٰ‬ ‫َّارِة ِإن ُكنتُ ْم َفاعل َ‬
‫ين * َقاُلوْا َيأََب َانا َما َل َك الَ تَأ َْمَّنا َعَل ٰى ُي ُ‬ ‫السي َ‬‫ض َّ‬ ‫ط ُه َب ْع ُ‬ ‫وس َ‬
‫الَ تَْقُتُلوْا ُي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ظون * َق ِ‬ ‫وإَِّنا َله َلن ِ‬
‫اف أَن‬ ‫ال ِإّني َلَي ْح ُزُنني أَن تَ ْذ َهُبوْا ِبه َوأ َ‬
‫َخ ُ‬ ‫َ‬ ‫اص ُحو َن * أ َْرِسْل ُه َم َعَنا َغداً َي ْرتَ ْع َوَيْل َع ْب َوإَِّنا َل ُه َل َح ِاف ُ َ‬ ‫َ ُ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َج َم ُعوْا أَن‬ ‫َوأ ْ‬ ‫اس ُرو َن * َفَل َّما َذ َهُبوْا ِب ِه‬ ‫َكَله ال ِّذ ْئب ونحن عصب ٌة ِإَّنآ ِإ َذاً َّلخ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ََ ْ ُ ُ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يأ ُ ِ‬
‫ْكَل ُه ال ّذ ْئ ُب َوأ َْنتُ ْم َع ْن ُه َغافُلو َن * َقاُلوْا َلئ ْن أ َ ُ‬ ‫َ‬
‫* َقاُلوْا َٰيأََب َانآ‬ ‫اه ْم ِع َشآء َي ْب ُكو َن‬ ‫آءوا أََب ُ‬ ‫ن‬ ‫ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫َي ْج َعُلوهُ في َغَيَبت اْل ُج ّب َوأ َْو َح ْيَنآ إَل ْيه َلتَُنّبَئن ُه ْم بأ َْمره ْم َهـٰ َذا َو ُه ْم الَ َي ْش ُع ُرو َ * َو َج ُ‬
‫يص ِه‬
‫َكَله ال ِّذ ْئب ومآ أَنت ِبمؤ ِم ٍن َّلنا وَلو ُكَّنا ص ِاد ِقين * وجآءوا عَلى َق ِم ِ‬
‫ََ ُ َ ٰ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫ُ َ َ َ ُْ‬
‫ِ‬
‫ف ع َند َمتَاعَنا َفأ َ ُ‬
‫ِإَّنا َذهبنا نستَِبق وتَرْكنا يوس ِ‬
‫ََْ َ ْ ُ َ َ َ ُ ُ َ‬
‫ِ‬
‫ان َعَل ٰى َما تَصُفو َن‬ ‫َّللاُ اْل ُم ْستَ َع ُ‬
‫يل َو َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍِ‬
‫ص ْبٌر َجم ٌ‬
‫َنف ُس ُك ْم أ َْم اًر َف َ‬
‫ال َب ْل َسَّوَل ْت َل ُك ْم أ ُ‬
‫ب َد ٍم َكذب َق َ‬

‫{لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين} أي‪ :‬آيات معظمات لمن يسأل عن قصتهم ويعرفها تدلهم أوالً على أن‬
‫االصطفاء المحض أمر مخصوص بمشيئة هللا تعالى ال يتعلق بسعي ساع وال إرادة مريد‪ ،‬فيعلمون مراتب‬
‫أن من أراد هللا به خي اًر لم يكن ألحد دفعه ومن عصمه هللا لم يكن ألحد رميه‬
‫االستعدادات في األزل‪ .‬وثانياً‪ :‬على ّ‬
‫بشر‪ ،‬فيقوى يقينهم وتوكلهم ويشهدون تجليات أفعاله وصفاته‪ .‬وثالثاً‪ :‬على ّ‬
‫أن كيد الشيطان وإغواءه‬ ‫بسوء وال قصده ّ‬
‫أمر ال يأمن منه أحد حتى األنبياء‪ ،‬فيكونون منه على حذر‪ ،‬وأقوى من ذلك كله أنها تطلعهم من طريق الفهم الذي‬
‫هو االنتقال الذهني على أحوالهم في البداية والنهاية وما بينهما وكيفية سلوكهم إلى هللا فتثير شوقهم وإرادتهم وتشحذ‬
‫المستعد الذي هو في غاية الحسن‪ ،‬المحبوب‪ ،‬المرموق إلى‬
‫ّ‬ ‫وتقوي عزيمتهم وذلك أن مثل يوسف مثل القلب‬
‫بصيرتهم ّ‬
‫أبيه يعقوب العقل‪ ،‬المحسود من إخوته من العالت‪ ،‬أي‪ :‬الحواس الخمس الظاهرة والخمس الباطنة والغضب والشهوة‬
‫بنى النفس إال الذاكرة‪ ،‬فإنها ال تحسده وال تقصده بسوء‪ ،‬فبقيت إحدى عشرة على عددهم‪ .‬وأما حسدهم عليه وقصدهم‬
‫بالسوء فهو أنها تنجذب بطبائعها إلى لذاتها ومشتهياتها وتمنع استعمال العقل القوة الفكرية في تحصيل كماالت القلب‬
‫من العلوم واألخالق وتكره ذلك وال تريد إال استعماله إياها في تحصيل اللذات البدنية ومشتهيات تلك القوى الحيوانية‪.‬‬
‫أشد وأوفر‪ ،‬وذلك‬
‫وال شك أن الفكر نظره إلى القلب أكثر‪ ،‬وميله إلى تحصيل السعادات القلبية من العلوم والفضائل ّ‬
‫القوة العاقلة العملية من ّأم يوسف القلب التي هي راحيل‬
‫منا} وأخوه هو‪ّ :‬‬
‫أحب إلى أبينا ّ‬
‫معنى قولهم‪{ :‬ليوسف وأخوه ّ‬
‫األمارة‪ ،‬وإنما قالوا {ليوسف وأخوه} ألن العقل كما يقتضي‬
‫تزوجها يعقوب القلب بعد وفاة ليا النفس ّ‬
‫النفس اللوامة التي ّ‬
‫تكميل القلب بالعلوم والمعارف يقتضي تكميل هذه القوة باستنباط أنواع الفضائل من األخالق الجميلة واألعمال‬
‫الشريفة ونسبتهم إياه إلى الضالل الذي هو البعد عن الصواب بقولهم‪{ :‬إن أبانا لفي ضالل مبين} قصورها عن النظر‬
‫الجب استيالؤها على القلب وجذبها‬ ‫العقلي وبعد طريقه عن طريقتها في تحصيل المالذ البدنية وإلقاؤهم إياه في غيابة ّ‬
‫جب الطبيعة البدنية‪ ،‬إال أنه أُْلِب َس قميصاً‬
‫محبة البدن وموافقاته له حتى ألقي في قعر ّ‬
‫إياه إلى الجهة السفلية بحدوث ّ‬
‫من الجنة أتى به جبريل إبراهيم عليهما السالم يوم جرد وأ ِ‬
‫ُلقي في النار‪ ،‬فألبسه إياه وورثه إسحاق وورثه منه يعقوب‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫فعلقه في تميمة على عنقه‪ ،‬فأتاه جبريل عليه السالم في البئر فأخرجه وألبسه إياه‪ ،‬وإال لغمره الماء وظهرت عورته‪،‬‬
‫كما قيل‪ .‬وهو إشارة إلى صفة االستعداد األصلي والنور الفطرّي وذلك هو الذي منع إبراهيم عن النار وحماه بإذن هللا‬
‫حتى صارت عليه برداً وسالماً‪ .‬واستنزالها العقل إلى الفكر في باب المعاش وتحصيل أسبابه والتوجه نحوه هو معنى‬
‫قولهم‪:‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{يخل لكم وجه أِبيكم وتكونوا من بعده قوماً صالحين} أي‪ :‬في ترتيب المعاش وتهيئة أسبابه على حسب المراد‪.‬‬
‫ومراودتها للعقل عن القلب بالتسويالت الشيطانية والتعزيرات النفسانية مع كراهية العقل لذلك هو معنى قولهم عند‬
‫أن القوة الغضبية إذا ظهرت واستشاطت‬ ‫لعب} وافتراؤهم على الذئب هو ّ‬
‫وي ُ‬‫تع َ‬
‫مراودة يعقوب عنه‪{ :‬أرسله معنا غداً َي ْر ُ‬
‫حجبت القلب بالكلية عن أفعاله الخاصة به‪ .‬والظاهر من حالها أنها أقوى إض ار اًر به وإبطاالً لفعله وحجباً له الذي هو‬
‫أضر به في نفس األمر وأجذب له‬ ‫معنى األكل مع أن القوة الشهوانية والحواس وسائر القوى ّ‬
‫أشد نكاية في القلب و ّ‬
‫أشد إباء وامتناعاً من قبول السياسات العقلية وطاعة األوامر والنواهي الشرعية وإذعان القلب‬
‫إلى الجهة السفلية و ّ‬
‫بالموافقة في طلب الكماالت الروحية منها‪ ،‬وظهور ذلك األثر من القوة الغضبية مع كونه بخالف ذلك في الحقيقة هو‬
‫الدم الكاذب على قميصه وابيضاض عين يعقوب في فراقه عبارة عن كالل البصيرة وفقدان نور العقل عند كون‬
‫القوة الفكرية وشراؤه من عزيز‬
‫السيارة الذي أخرجه من البئر هو ّ‬
‫جب الطبيعة‪ ،‬وبعض ّ‬
‫يوسف القلب في غيابة ّ‬
‫مصر ‪.‬‬

‫ٍ‬
‫بخس دراهم معدودة} تسليمهم له إلى عزيز الروح الذي هو من مصر مدينة القدس بما يحصل للقوة الفكرية من‬ ‫{بثمن‬
‫المعاني والمعارف الفائضة عليها من الروح عند استنارتها بنوره وقربها منه‪ ،‬فإن القوة الفكرية لما كانت قوة جسمانية‪،‬‬
‫والقلب ليس بجسماني‪ ،‬لم تصل إلى مقامه إال عند كونه مغشى بغشاوات النفس في مقام الصدر أي‪ :‬الوجه الذي يلي‬
‫السر فتتركه عند عزيز الروح وتسلمه‬
‫تجرد في مقام الفؤاد أو وصل إلى مقام الروح الذي سموه ّ‬
‫النفس منه‪ .‬وأما إذا ّ‬
‫إليه وتفارقه على الدريهمات التي تحصل لها بقربه من المعاني المذكورة‪.‬‬

‫سورة يوسف (من اآلية ‪ 19‬الى اآلية ‪)21‬‬

‫* َو َش َرْوهُ ِبثَ َم ٍن‬ ‫يم ِب َما َي ْع َمُلو َن‬‫وجاء ْت سيَّارةٌ َفأَرسُلوْا و ِارَدهم َفأ َْدَل ٰى َدْلوه َقال يٰب ْشر ٰى هـٰ َذا ُغالَم وأَسُّروه ِبضاع ًة و َّ ِ‬
‫َّللاُ َعل ٌ‬ ‫ٌ َ َ ُ َ َ َ‬ ‫َُ َ ُ َ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ْ َ َ ُْ‬
‫أَن َي َنف َعَنآ أ َْو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َر ِال ْم َأرَته أَ ْك ِرِمي َم ْث َواهُ َع َس ٰى‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * َوَقا َل َّالذي ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ود ٍة وَك ُانوْا ِفيه ِم َن َّ‬ ‫ٍ ِ‬
‫اشتَ َراهُ من ّم ْ‬ ‫الزاهد َ‬ ‫َب ْخس َد َراه َم َم ْع ُد َ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َّللاُ َغالِ ٌب َعَل ٰى أ َْم ِِره َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثََر َّ‬
‫الن ِ‬
‫اس الَ‬ ‫يل األَح ِاد ِ‬
‫يث َو َّ‬ ‫ض ولُِنعّلِم ُه ِمن تَأ ِْو ِ‬
‫ِ‬ ‫َنتَّ ِخ َذه وَلداً وَك ٰذلِك م َّكَّنا لِيوس ِ‬
‫َ‬ ‫ف في األ َْر َ َ َ‬
‫َُ َ َ َ ُ ُ َ‬
‫َي ْعَل ُمو َن‬

‫وامرأة العزيز المسماة زليخاء التي أوصى إليها به بقوله‪{ :‬أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً} هي النفس‬
‫اللوامة التي استنارت بنور الروح ووصل أثره إليها ولم تتمكن في ذلك ولم تبلغ إلى درجة النفس المطمئنة وتمكين هللا‬
‫ّ‬
‫التنور بنور الروح على مقاومة النفس والقوى وتسليطه على أرض البدن باستعمال‬ ‫إياه في األرض إقداره بعد التزكية و ّ‬
‫آالته في تحصيل الكماالت وسياستها بالرياضات حتى يخرج ما في استعداده من الكمال إلى الفعل كما قال‪{ :‬ولنعلمه‬
‫غالب على أمره} بالتأييد والتوفيق‬
‫ٌ‬ ‫من تأويل األحاديث} أي‪ :‬ولنعلمه فعلنا ما فعلنا به من اإلنجاء والتمكين {وهللا‬
‫أشّده‬
‫أشده من مقامه الذي يقتضيه استعداده فيؤتيه العلم والحكمة كما قال‪{ :‬ولما َبَلغ ُ‬ ‫والنصر حتى يبلغ غاية كمال ّ‬
‫بالتجرد عن غواشي الخلقة الذي نسميه مقام الفتوة‬
‫ّ‬ ‫األشد هو نهاية الوصول إلى الفطرة األولى‬
‫آتيناه حكماً وعلماً} و ّ‬
‫{ولكن أكثر الناس ال يعلمون} أن األمر بيد هللا في ذلك‪ ،‬فيضيفون إلى السعي واالجتهاد والتربية‪ ،‬وال يعلمون ّ‬
‫أن‬
‫قدره ولذلك لم يعزلها‪.‬‬
‫السعي واالجتهاد والتربية والرياضة أيضاً من عند هللا جعلها هللا أسباباً ووسايط لما ّ‬

‫سورة يوسف (من اآلية ‪ 22‬الى اآلية ‪)29‬‬

‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫ين * َوَرَاوَد ْت ُه َّالِتي ُهَو ِفي َب ْيِت َها‬ ‫ِِ‬ ‫ِٰ‬


‫اب‬ ‫َعن َّنْفسه َو َغلَقت األ َْبَو َ‬ ‫َشَّدهُ آتَْيَناهُ ُح ْكماً َو ِعْلماً َوَكذل َك َن ْجزِي اْل ُم ْحسن َ‬‫َوَل َّما َبَل َغ أ ُ‬
‫ِ‬
‫الظالِ ُمو َن * َوَلَق ْد َه َّم ْت‬ ‫َّللاِ ِإَّنه ربِي أَحسن م ْثواي ِإَّنه الَ يْفلِح َّ‬
‫ِبه َو َه َّم ِب َها َل ْوال أَن َّأرَى ُب ْرَه َ‬
‫ان‬ ‫ال َم َعا َذ َّ ُ َ ّ ْ َ َ َ َ َ ُ ُ ُ‬ ‫َوَقاَل ْت َه ْي َت َل َك َق َ‬
‫يص ُه ِمن ُدُب ٍر َوأَْلَفَيا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اب َوَق َّد ْت َقم َ‬ ‫استََبَقا اْلَب َ‬
‫ين * َو ْ‬ ‫آء ِإَّن ُه م ْن عَبادَنا اْل ُم ْخَلص َ‬
‫وء َواْلَف ْح َش َ‬
‫الس َ‬
‫ف َع ْن ُه ُّ‬ ‫ص ِر َ‬‫َرّبِه َك َذل َك لَن ْ‬
‫ال ِهي َرَاوَد ْتِني َعن َّنْف ِسي‬ ‫يم * ق‬ ‫اب َقاَل ْت ما ج َزآء م ْن أَرَاد ِبأَهلِك سوءا ِإالَّ أَن يسجن أَو ع َذ ِ‬
‫اب أَل ٌ‬
‫سِّي َد َها َل َدى اْلب ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫ُْ َ َ ْ َ ٌ‬ ‫ْ َ ُ ً‬ ‫َ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يص ُه ُقَّد من ُدُب ٍر َف َك َذَب ْت‬
‫ان َقم ُ‬
‫ين * َوإِ ْن َك َ‬ ‫الكاذِب َ‬
‫ص َد َق ْت َو ُه َو م َن َ‬ ‫يص ُه ُقَّد من ُقُبل َف َ‬‫ان َقم ُ‬ ‫َهل َهآ ِإن َك َ‬‫َو َش ِه َد َشاهٌد ّم ْن أ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الص ِاد ِقين * َفَل َّما أرَى َق ِميصه ُقَّد ِمن دب ٍر َق ِ ِ‬
‫َو ُه َو ِمن َّ‬
‫َع ِر ْ‬
‫ض َع ْن َهـٰ َذا‬ ‫ف أْ‬
‫وس ُ‬ ‫ال إَّن ُه من َك ْيد ُك َّن إ َّن َك ْي َد ُك َّن َعظ ٌ‬
‫يم * ُي ُ‬ ‫َ‬ ‫ُُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِِ‬ ‫و ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫استَ ْغفرِي ل َذنِبك ِإَّنك ُكنت م َن اْل َخاطئ َ‬
‫ين‬ ‫َ ْ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وقال بعد قوله‪{ :‬آتيناه حكماً وعلماً}‪{ .‬وكذلك نجزي ُ‬
‫الم ْحسنين} في الطلب واإلرادة واالجتهاد والرياضة‪ ،‬ومراودة‬
‫فإن التلوين في مقام القلب يكون‬
‫اللوامة بصفتها‪ّ .‬‬
‫زليخاء إياه عن نفسه وتغليقها األبواب عليه إشارة إلى ظهور النفس ّ‬
‫بظهور النفس كما أن التلوين في مقام الروح يكون بوجود القلب وجذبها للقلب إلى نفسها بالتسويل واالستيالء عليه‬
‫وسدها طرق مخرجه إلى الروح بحجبها مسالك الفكر ومنافذ النور بصفاتها الحاجبة وهمه بها‬
‫وتزيين صفاتها ولذاتها‪ّ ،‬‬
‫ميل القلب إليها لعدم ا لتمكين واالستقامة ورؤيته لبرهان ربه إدراك ذلك التلوين بنور البصيرة ونظر العقل كما قيل في‬
‫صوت به‪ ،‬وقيل‪ :‬ضرب بكفه في نحره فخرجت شهوته من أنامله وذهبت‪ ،‬كل ذلك‬ ‫القصة‪ :‬تراءى له أبوه‪ ،‬فمنعه أو ّ‬
‫إشارة إلى منع العقل إياه عن مخالطة النفس بالبرهان ونور البصيرة والهداية وتأثيره فيه بالقدرة واأليد النورّي الموجب‬
‫وقد قميصه من دبر‬
‫لذهاب شهوتها وظلمتها النافذ فيها إلى أطرافها المزيل عنها بالهيئة النورية الهيئة الظلمانية‪ّ ،‬‬
‫إشارة إلى خرقها لباس الصفة النورية التي له من قبل األخالق الحسنة واألعمال الصالحة بتأثيرها في القلب بصفتها‪،‬‬
‫فإنها صفة يكسبها القلب بالجهة التي تلي النفس المسماة بالصدر وهو الدبر ال محالة‪.‬‬

‫وقوله‪{ :‬ألفيا سيدها لدى الباب} إشارة إلى ظهور نور الروح عند إقبال القلب إليه بواسطة تذكر البرهان العقلي وورود‬
‫الوارد القدسي عليه‪ ،‬واستتباعه للنفس وهي تنازعه بالجذب إلى جهتها واستيالئه على القلب ثم على النفس بواسطته‪.‬‬
‫تسول أغراضها في صور المصالح العقلية وتزينها بحيث‬ ‫سوء} تلويح إلى أن النفس ّ‬
‫وقولها‪{ :‬ما جزاء من أراد بأهلك ً‬
‫تشتبه مفاسدها بالمصالح العقلية التي يجب على العقل مراعاتها والقيام بها وموافقتها فيها ومخالفته إياها فيها إرادة‬
‫السوء بها ومقابحها بالمحاسن التي تتعلق بالمعاش كمماكرة النساء بالرجال وميل القلب إلى الجهة العلوية يكذب قولها‬
‫أن الفساد الواقع من جهة األخالق‬
‫عم لها‪ ،‬أي‪ :‬الفكر الذي يعلم ّ‬
‫ودعواها‪ ،‬والشاهد الذي شهد من أهلها قيل كان ابن ّ‬
‫واألعمال ال يكون غال من قبل النفس واستيالئها‪ ،‬إذ لو كان من جهة القلب وميله إلى النفس لوقع في االعتقاد‬
‫مجرد العمل‪ .‬وقيل كان ابن خالتها‪ ،‬أي‪ :‬الطبيعة الجسمانية التي تدل على الميل السفلي في النفس‬
‫والعزيمة ال في ّ‬
‫الجاذب للقلب من جهة الصدر المباشر للعمليات إلى أرض البدن وموافقاته واطالع الروح بنور الهداية‪ ،‬على أن‬
‫الخلل وقع في العمل ال في العقد والعزيمة وذلك ال يكون إال من قبل الداعية النفسانية‪ ،‬وهو معنى قوله ‪:‬‬

‫كيدكن عظيم‪}.‬‬
‫ّ‬ ‫إن‬
‫كيدكن ّ‬
‫ّ‬ ‫{فلما رأى َق ِميصه ُقد من ُدُبر قال إنه من‬

‫استغفري لِ َذنبك} إشارة إلى إشراق نور الروح على القلب وانجذابه إلى جانبه للنازل‬ ‫أع ِر ْ‬
‫ض عن هذا و ْ‬ ‫وقوله‪{ :‬يوسف ْ‬
‫النورّي والخاطر الروحي الذي يصرفه عن جهة النفس ويأمره باإلعراض عن عملها ويذكره لئال يحدث الميل مرة‬
‫تنورها بنور الروح المنعكس إليها من القلب‬
‫أخرى‪ .‬وتأثير ذلك الوارد والخاطر في النفس بالتنوير والتصفية فإن ّ‬
‫استغفارها عن الهيئة المظلمة التي غلبت بها على القلب‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة يوسف (من اآلية ‪ 30‬الى اآلية ‪)33‬‬

‫ين * َفَل َّما َس ِم َع ْت‬ ‫ضالَ ٍل ُّمِب ٍ‬ ‫يز تُرِاود َفتَاها عن َّنْف ِس ِه َق ْد َش َغَفها حباً ِإَّنا َلَنر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وَق ِ‬
‫اها في َ‬ ‫ََ‬ ‫َ ُّ‬ ‫ام َأرَةُ اْل َع ِز ِ َ ُ َ َ‬ ‫ال ن ْس َوةٌ في اْل َمد َينة ْ‬ ‫َ َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اخ ُرْج َعَل ْي ِه َّن َفَل َّما َأرَْيَن ُه أَ ْكَب ْرَن ُه َوَقط ْع َن‬ ‫ِب َم ْك ِرِه َّن أ َْرَسَل ْت ِإَل ْي ِه َّن َوأ ْ‬
‫َعتَ َد ْت َل ُه َّن ُمتَّ َكئاً َوآتَ ْت ُك َّل َواح َدة ّم ْن ُه َّن س ّكيناً َوَقاَلت ْ‬
‫يه َوَلَق ْد َرَاودتُّ ُه َعن َّنْف ِس ِه‬ ‫أَي ِديه َّن وُقْلن حاش ََِّّللِ ما هـٰ َذا بش اًر ِإن هـٰ َذآ ِإالَّ مَلك َك ِريم * َقاَلت َف ٰذلِ ُك َّن َّال ِذي ُلمتَّنِني ِف ِ‬
‫ُْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ٌ ٌ‬ ‫َ َ ََ ْ َ‬ ‫ْ َُ َ َ َ َ‬
‫السجن أَح ُّب ِإَل َّي ِم َّما ي ْدعونِني ِإَلي ِه وإِالَّ‬
‫ِ ِ‬ ‫َفاستَعصم وَلِئن َّلم يْفعل مآ آمره َليسجن َّن وَلي ُكوناً ِمن َّ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ال َر ّب ّ ْ ُ َ‬ ‫الصاغ ِر َ‬
‫ين * َق َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ َ َ ْ َ ُُُ ُ ْ َ َ َ َ‬ ‫َ ْ ََ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َص ُب ِإَل ْي ِه َّن َوأ ُ‬ ‫تَص ِر ِ‬
‫ين‬
‫َكن ّم َن اْل َجاهل َ‬ ‫ف َعّني َك ْي َد ُه َّن أ ْ‬
‫ْ ْ‬

‫وتنورت النفس بشعاع نور القلب وتصفت عن‬‫ولما بلغ القلب هذا المنزل من االتصال بالروح واالستشراق من نوره ّ‬
‫التقرب إليه‪ ،‬وإرادة الوصول إلى مقامه ال لجذبه إلى نفسه وقضاء‬
‫كدوراتها عشقته لالستنارة بنوره‪ ،‬والتش ّكل بهيئته‪ ،‬و ّ‬
‫وطرها منه باستخدامها إياه في تحصيل اللذات الطبيعية واستنزالها إياه عن مقامه ومرتبته إلى مرتبتها ليتشكل بهيئتها‬
‫أمارة فتتأثر قواها حينئذ حتى القوى الطبيعية بتأثرها‪ ،‬وذلك معنى‬
‫ويشاركها في أفعالها ولذاتها‪ ،‬كما كانت عند كونها ّ‬
‫قول نسوة المدينة‪:‬‬

‫الع ِزيز تَُرِاود َفتاها عن َنفسه قد َش َغَفها ّ‬


‫حباً} وكلما استولى القلب عليها بهيئته النورية وحسنه الذاتي الفطري‬ ‫{ام َرأةُ َ‬
‫ْ‬
‫والصفاتي الكسبي من الترقي إلى مجاورة الروح إياه‪ ،‬فشغلت عن أفعالها وتحيرت ووقفت عن تصرفاتها في الغذاء‬
‫ّ‬
‫وذهلت عن سكاكين آالتها التي كانت تدبر بها أمر التلذذ والتغذي والتفكه‪ ،‬وجرحت قدرتها التي تستعمل بها اآلالت‬
‫في تصرفاتها وبقيت مبهوتة في متكآتها التي هي محالها في أعضاء البدن التي هيأتها لها النفس في قراها وهو معنى‬
‫أيديهن وقلن حاشا هلل ما هذا بش اًر إن هذا إال ملك كريم} وقولها‪{ :‬أخرج عليهن}‬
‫ّ‬ ‫قوله‪{ :‬فلما رْأينه أ ْكَبرنه وقطعن‬
‫التنور لها‪ .‬ولما انخرطت النفس في سلك إرادة‬
‫استجالؤها لنوره باإلرادة واقتضاؤها طلوعه عليها بحصول استعداد ّ‬
‫لتجرد القلب‬
‫وتمرنت لمطاوعته حان وقت الرياضة بالدخول في الخلوة ّ‬ ‫القلب‪ ،‬وقّلت منازعتها إياه في عزيمة السلوك‪ّ ،‬‬
‫بتردد العزم بانجذابه إلى جهة النفس تارة وإلى جهة الروح‬
‫حينئذ عن عالئقه وموانعه وتجريده عزمه بانتفاء التردد إذ ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أخرى ال تمكن الرياضة وال السلوك وال تصح الخلوة لفقدان الجمعية التي هي من شرطها وهذه الرياضة ليست رياضة‬
‫النفس بالتطويع فإنها ال تحتاج إلى الخلوة بل إلى ترك ارتكاب المخالفات واإلقدام على كسرها وقهرها بالمقاومات من‬
‫بالتنزه عن صفاته وعلومه وكماالته وكشوفه في سلوك طريق الفناء وطلب‬
‫ّ‬ ‫أنواع الزهد والعبادة إنما هي رياضة القلب‬
‫فاستَ ْعصم} طلب العصمة‬
‫اودته عن َنفسه ْ‬ ‫الشهود واللقاء وذلك بعد العصمة من استيالء النفس عليه كما قالت‪{ :‬ولقد َر ْ‬
‫الحسية‬
‫ّ‬ ‫ليمنعن من اللذات البدنية وروح الهوى والمدركات‬
‫ّ‬ ‫من نفسه واستزادها {ولئن لم يفعل ما آمره} من إيفاء حظي‬
‫وعزته عندنا واختذالنا عنه واعتزاله عن رياسة األعوان‬
‫بالخلوة واالنقطاع عنها {وليكونا من الصاغرين} لفقدان كرامته ّ‬
‫والخدم في البدن‪ .‬ولما حببت إليه الخلوة كما حببت إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عند التحنث في حراء‪.‬‬

‫كيدهن‬
‫ّ‬ ‫أحب إلي مما يدعونني إليه} وإنما قال‪{ :‬مما يدعونني إليه}‪ ،‬ودعا رّبه أن يصرف عنه‬ ‫رب السجن‬ ‫{قال ّ‬
‫ّ ّ‬
‫ألن في طباعها الميل إلى الجهة السفلية وجذب‬
‫إليهن وأكن من الجاهلين} ّ‬
‫ّ‬ ‫كيدهن أصب‬
‫ّ‬ ‫صرف عني‬ ‫بقوله‪{ :‬وإال تَ ْ‬
‫يمدها في‬
‫وتنورها بنوره وطاعتها له أمر عارضي ال يدوم والقلب ّ‬
‫القلب إليها وداعية استنزاله إليها بحيث ال يزول أبداً‪ّ ،‬‬
‫أعمالها دائماً فإنه ذو طبيعتين وذو وجهين ينزع بإحداهما إلى الروح وباألخرى إلى النفس‪ ،‬ويقبل بوجه إلى هذه وبوجه‬
‫إلى هذه‪ ،‬فال شيء أقرب إلي ه من الصبوة إليها بجهالته لو لم يعصمه هللا بتغليب الجهة العليا وإمداده بأنوار المأل‬
‫""اللهم ّثبت قلبي على دينك"‪ ،‬قيل له‪ :‬أو تقول ذلك وأنت نبي يوحى إليك؟ قال‬
‫ّ‬ ‫األعلى كما قال النبي عليه السالم‪:‬‬
‫ّ‬
‫إن مثل القلب كمثل ريشة في فالة تقلبها الرياح كيف شاءت""‪ .‬وذلك الدعاء هو‬‫صلى هللا عليه وسلم‪" :‬وما يؤمنني ّ‬
‫صورة افتقار القلب الواجب عليه أبداً ‪.‬‬

‫سورة يوسف (من اآلية ‪ 34‬الى اآلية ‪)36‬‬

‫الس ِميع اْلعلِيم * ثُ َّم بدا َلهم ِمن بع ِد ما أَروْا اآلي ِ‬


‫ات َلَي ْس ُجُنَّن ُه َحتَّ ٰى ِح ٍ‬ ‫ِ َّ‬
‫ين‬ ‫ََ ُ ْ ّ َ ْ َ َ ُ َ‬ ‫ف َع ْن ُه َك ْي َد ُه َّن إن ُه ُه َو َّ ُ َ ُ‬
‫ص َر َ‬
‫ُّه َف َ‬
‫اب َل ُه َرب ُ‬
‫استَ َج َ‬
‫َف ْ‬
‫َح ِم ُل َف ْو َق َأر ِْسي ُخ ْب اًز تَأ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ان َقال أَحدهمآ ِإِّني أَرِاني أ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْك ُل‬ ‫اآلخ ُر ِإّني أ ََراني أ ْ‬
‫ال َ‬ ‫َعص ُر َخ ْم اًر َوَق َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الس ْج َن َفتََي ِ َ َ ُ ُ َ‬ ‫* َوَد َخ َل َم َع ُه ّ‬
‫ين‬ ‫ِِ‬ ‫الطير ِم ْنه نِب ْئنا ِبتَأ ِْويلِ ِه ِإَّنا نر ِ‬
‫َّ‬
‫اك م َن اْل ُم ْحسن َ‬
‫ََ َ‬ ‫ْ ُ ُ َّ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وقواه باإللقاء السبوحي فصرف وجهه عن جناب‬ ‫القدسي ّ‬ ‫كيدهن} أي‪ :‬أيده بالتأييد‬
‫ّ‬ ‫ص َرف عنه‬
‫{فاستَ َجاب له رّبه َف َ‬
‫ْ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫{العليم} بما ينبغي أن‬
‫ُ‬ ‫السر‬
‫السميع} لمناجاة القلب في مقام ّ‬
‫ُ‬ ‫كيدهن {إنه هو‬
‫ّ‬ ‫الرجس إلى جناب القدس‪ ،‬ودفع عنه بذلك‬
‫يفعل به عند افتقاره إليه‪.‬‬

‫{ثم بدا لهم من بعد ما أروا اآليات ليسجننه} أي‪ :‬ظهر لعزيز الروح ونسوة النفس والقوى وأعوان الروح من العقل‬
‫والفكر وغيرهما رأي متفق عليه من جميعها وهو ليسجننه‪ ،‬أي‪ :‬ليتركنه في الخلوة التي هي أحب إليه‪ .‬أما الروح‬
‫فلقهره إياه بنور الشهود ومنعه عن تصرفاته وصفاته‪ ،‬وأما النفس وسائر القوى فالمتناعها عن استجذابه إليها من‬
‫بعدما أروا آيات العصمة وصدق العزيمة وعدم الميل إليها وبهره عليها بنوره وإخالصه في االفتقار إلى هللا وإال لما‬
‫التعود بالحق‪ .‬وأما العقل‬
‫خلته وشأنه في الخلوة‪ ،‬وأما الوهم فالنهزامه عن نوره وف ارره من ظله عند التصلب في الدين و ّ‬
‫فلتنوره بنور الهداية‪ ،‬وأما الفكر فلحصول سلطانه في الخلوة‪ ،‬والفتيان اللذان دخال معه السجن أحدهما ّقوة المحبة‬
‫ّ‬
‫الروحية الالزمة له وهو شرابي الملك الذي يسقيه خمر العشق كما قيل في القصة‪ :‬إنه كان شرابيه‪ ،‬والثاني‪ :‬هوى‬
‫ّ‬
‫فإن الهوى حياة النفس الفائضة إليها منه الستبقائها وهو ّ‬
‫خباز الملك الذي يدبر‬ ‫النفس التي ال تفارقه أيضاً بحال‪ّ ،‬‬
‫األقوات في المدينة كما قيل وهما يالزمانه في الخلوة دون غيرهما‪ .‬ومنام الشرابي في قوله‪{ :‬إني أراني أعصر خم اًر}‬
‫ّ‬
‫الخباز في‬
‫اهتداء قوة المحبة إلى عصر خمر العشق من كرم معرفة القلب في نوم الغفلة عن الشهود الحقيقي ومنام ّ‬
‫قوله‪{ :‬إني أراني أحمل فوق رأسي خب اًز تأكل الطير منه} توجه الهوى بكليته إلى تحصيل لذات طير القوى النفسانية‬
‫وشبهت بالطير في جذب ما تجذبه من الحظوظ لسرعة حركتها نحوه‪.‬‬
‫وحظوظها وشهواتها‪ّ ،‬‬

‫سورة يوسف (من اآلية ‪ 37‬الى اآلية ‪)40‬‬

‫ام تُ ْرَزَق ِان ِه ِإالَّ َنَّبأْتُ ُك َما ِبتَأ ِْويلِ ِه َقْب َل أَن َيأِْت ُ‬
‫يك َما ٰذلِ ُك َما ِم َّما َعَّل َمِني َرّبِي ِإِّني تَ َرْك ُت ِمَّل َة َق ْو ٍم الَّ ُي ْؤ ِمُنو َن‬ ‫ط َع ٌ‬ ‫ال الَ َيأِْت ُ‬
‫يك َما َ‬ ‫َق َ‬
‫اَّللِ ِمن َشي ٍء ٰذلِ َك‬ ‫ك ِب َّ‬‫ان َلَنآ أَن ُّن ْش ِر َ‬ ‫وب َما َك َ‬‫اق َوَي ْعُق َ‬ ‫يم َوإِ ْس َح َ‬
‫ِ َّ ِ ِ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ ن‬ ‫ِ ِِ‬
‫اَّلل َو ُه ْم باآلخ َرة ُه ْم َكاف ُرو َ * َواتَب ْع ُت مل َة َآبآئـي إ ْب َراه َ‬
‫ِب َّ ِ‬
‫ْ‬
‫اب ُّمتََّفِّرُقو َن َخ ْيٌر أَ ِم َّ‬
‫َّللاُ‬
‫ِ‬
‫الس ْج ِن َءأ َْرَب ٌ‬
‫اس الَ ي ْش ُكرو َن * ي ِ‬
‫ٰصاحَب ِي ّ‬ ‫الن ِ َ ُ‬ ‫اس َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثَ َر َّ‬ ‫الن ِ‬‫َّللاِ َعَل ْيَنا َو َعَلى َّ‬
‫ض ِل َّ‬ ‫من َف ْ‬
‫ِ‬
‫َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ان ِإ ِن اْلح ْكم ِإالَّ ََّّللِ‬
‫طٍ‬ ‫َّللاُ ِب َها ِمن ُسْل َ‬ ‫ِ ِ ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫َنزَل َّ‬
‫آؤُك ْم َّمآ أ َ‬
‫وهآ أَنتُ ْم َو َآب ُ‬
‫آء َس َّم ْيتُ ُم َ‬ ‫اْل َواح ُد اْلَق َّه ُار * َما تَ ْعُب ُدو َن من ُدونه إال أ ْ‬
‫َس َم ً‬
‫الن ِ‬
‫اس الَ َي ْعَل ُمو َن‬ ‫ين اْلَقِّيم َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثَ َر َّ‬ ‫أَمر أَالَّ تَعبدوْا ِإالَّ ِإيَّاه ٰذلِك ِ‬
‫الد ُ ُ‬ ‫ُ َ ّ‬ ‫ْ ُُ‬ ‫ََ‬

‫وقوله‪{ :‬ال يأتيكما طعام ترزقانه} الخ‪ ،‬إشارة إلى منعه إياهما عن حظوظهما إال بعد تبيينه لهما ما يؤول إليه أمرهما‬
‫من شأنهما الذي يجب لهما القيام به بالسياسة والتسديد والتقويم واإلصالح وإظهار التوحيد لهما بقوله‪{ :‬إني تركت}‬
‫الهم‪،‬‬ ‫إلى آخره‪ ،‬بعثه إياهما على القيام باألمر اإللهي الضروري وترك الفضول واالمتناع عن ّ ق‬
‫تفر الوجهة وتشتت ّ‬ ‫ّ‬
‫فإن خاصية الهوى التفرقة والتوزع وتعبد الشهوات المختلفة للقوى المتنازعة‪ ،‬وخاصية المحبة في البداية وقبل الوصول‬ ‫ّ‬
‫إلى النهاية التعلق بحسن الصفات والتعبد لها دون جمال الذات‪ ،‬فدعاهما إلى التوحيد بقوله‪{ :‬إني تَ َركت مّلة قو ٍم ال‬
‫ِ‬
‫باآلخرِة} أي‪ :‬وهم عن‬ ‫يؤمنون باهلل} أي‪ :‬المشركين‪ ،‬العابدين ألوثان صفات النفس بل لوجود القلب وصفاته {وهم‬
‫البقاء في العالم الروحاني محجوبون‪ ،‬وبقوله‪{ :‬ما كان لنا أن نشرك باهلل من شيء}‪.‬‬

‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫آء‬ ‫وبقوله‪{ :‬أأرباب متفرقون ٌ‬
‫خير أم هللا الواحد القهار} أي‪ :‬إذا كان لكل منكما أرباب كثيرة كما قال تعالى‪{ :‬فيه ُش َرَك ُ‬
‫ِ‬
‫إما للمحبة فكالصفات‬‫ُمتَ َشاك ُسون} [الزمر‪ ،‬اآلية‪ ]29 :‬يأمره هذا بأمر وهذا بأمر متمانعون في ذلك‪ ،‬عاجزون ّ‬
‫واألسماء‪ ،‬وإما للهوى فكالقوى النفسانية كان خي اًر له أم رب واحد ال يأمره إال بأمر واحد‪ ،‬كما قال‪{ :‬ومآ أَمرنآ ِإالَّ‬
‫َ َ ْ َُ‬ ‫ّ‬
‫قوي‪ ،‬يقهر كل أحد‪ ،‬ال يمانعه في أمره شيء‪ ،‬وال يمتنع عليه‪ .‬وأجبرهما بالسياسة‬ ‫ِ‬
‫َواح َدة} [القمر‪ ،‬اآلية‪ ،]50 :‬قهار‪ّ ،‬‬
‫فإن القلب إذا غلبت عليه الوحدة امتنعت محبته عن حب الصفات وانصرفت إلى الذات‪ ،‬وإذا‬
‫على اتحاد الوجهة‪ّ ،‬‬
‫التفرق في تحصيل اللذات واقتصر على الحقوق‬
‫تمرن في التوحيد انقمع هواه عن تعبد الحظوظ والشهوات و ّ‬
‫ّ‬
‫والضرورات بأمر الحق ال بطاعة الشيطان‪.‬‬

‫سورة يوسف (من اآلية ‪ 41‬الى اآلية ‪)42‬‬

‫ضي األَمر َّال ِذي ِف ِ‬


‫َّ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس ْج ِن أ َّ‬ ‫ي ِ‬
‫يه‬ ‫ْك ُل الط ْي ُر من َّ ْأرسه ُق َ ْ ُ‬ ‫صَل ُب َفتَأ ُ‬
‫اآلخ ُر َفُي ْ‬
‫َما َ‬‫َّه َخ ْم اًر َوأ َّ‬
‫َح ُد ُك َما َفَي ْسقي َرب ُ‬‫َمآ أ َ‬ ‫ٰصاحَب ِي ّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال لَِّلذي َ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫ض َع سن َ‬ ‫الس ْج ِن ِب ْ‬
‫ان ذ ْك َر َرّبِه َفَلب َث في ّ‬
‫طُ‬ ‫ِك َفأ َْنساه َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫ظ َّن أََّن ُه َنا ٍج ّم ْن ُه َما ا ْذ ُك ْ ِرني ع َند َرّب َ َ ُ‬ ‫ان * َوَق َ‬ ‫تَ ْستَْفتَي ِ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{أما أحدكما فيسقي رّبه َخ ْم اًر} تعيين لشأن األول بعد السياسة بالمنع عن الشرك وهو تسليط حب اللذات على‬
‫وقوله‪ّ :‬‬
‫أكل الطير من رأسه} بيان لما يؤول إليه أمر الثاني‪ .‬وصلبه‪ :‬منعه عن أفعاله بنفسه‬‫صلب فتَ ُ‬‫اآلخر ُفي ْ‬
‫الروح {وأما َ‬
‫تصرف للمتخيلة فيه وال له فيها وال في‬
‫وقمعه عن مقتضاه وتثبيته وتقريره على جذع القوة الطبيعية النباتية بحيث ال ّ‬
‫سائر القوى الحيوانية وذلك هو إماتة الهوى‪ ،‬فتأكل بعد اإلماتة والصلب طير قوى النفس من رأسه بأمر الحق وهو‬
‫وتقربه‬ ‫ِ‬ ‫الوقوف مع الحقوق { ُق ِ‬
‫استقر أمركما على هذا وذلك وقت وصوله ّ‬ ‫األمر الذي فيه تَ ْستَْفتيان} أي‪ :‬ثبت و ّ‬
‫ُ‬ ‫ضي‬
‫القوتان فيما عينه لهما من األمر ثم تم أمره بالوصول إلى‬
‫من هللا وأوان ظهور مقام الوالية بالفناء في هللا‪ .‬وإذا تمكنت ّ‬
‫تم له الفناء استوى أمر‬
‫فإن طول مدة السجن هو امتداد سلوكه في هللا‪ ،‬فإذا ّ‬ ‫مقام الشهود الذاتي وانقضت خلوته‪ّ ،‬‬
‫القوتين لكونهما باهلل حينئذ ال بنفسهما وانتهى زمان الخلوة بابتداء زمان البقاء بالوجود الحقاني‪ ،‬ولكن لم يتم بعد‬
‫ّ‬
‫لوجود البقية المشار إليها بقوله‪:‬‬

‫فإن المحبة إذا أسكرت الروح بخمر‬ ‫ِ‬


‫{ا ْذ ُكرني عند رّبك} أي‪ :‬اطلب الوجود في مقام الروح بالمحبة واالستقرار فيه‪ّ ،‬‬
‫العشق ارتقى الروح إلى مقام الوحدة والقلب إلى مقام الروح‪ ،‬ويسمى الروح في ذلك المقام خفياً والقلب س اًر‪ ،‬وهو ليس‬
‫بالفناء لكونهما موجودين حينئذ مغمورين بنور الحق‪ .‬ومن الوقوف في هذا المقام ينشأ الطغيان واألنائية فلهذا قال‪:‬‬
‫{فأنساه الشيطان ِذ ْكر رّبه} أي‪ :‬أنسى شيطان الوهم يوسف القلب ذكر هللا تعالى بالفناء فيه لوجود البقية وطلبه مقام‬
‫الروح وإال ذهل عن ذكر نفسه ووجوده ولالحتجاب بهذا المقام وهذه البقية لبث {في السجن بضع ِسنين} وإليه اشار‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم بقوله‪" :‬رحم هللا أخي يوسف‪ ،‬لو لم يقل اذكرني عند رّبك لما بقي في السجن بضع سنين"‪،‬‬
‫أو أنسى شيطان الوهم المقهور الممنوع المحجوب عن جناب الحق رسول المحبة المقرب عند ارتفاع درجته واستيالئه‬
‫واستعالء سلطانه‪ ،‬والتحير في الجمال اإللهي‪ ،‬و ِ‬
‫الس ْكر الغالب ذكر يوسف القلب في حضرة الشهود ألن المحب‬ ‫ّ‬
‫المشاهد للجمال حيران ذاهل عن الخلق كله وتفاصيل وجوده بل نفسه مستغرق في عين الجمع حتى يتم فناؤه‬
‫وينقضي سكره ثم يرجع إلى الصحو فيذكر التفصيل ثم لما انتهى فناؤه باالنغماس في بحر الهوية واالنطماس في‬
‫الذات األحدية وانقضى زمان السجن أحياه هللا تعالى بحياته ووهب له وجوداً من ذاته وصفاته فأراه صورة التبديل في‬
‫مدة اعتزاله عنها بالخلوة والسلوك في هللا بصورة أكل البقرات العجاف السمان‪ ،‬وفي صفات الطبيعة‬
‫صفات النفس ّ‬
‫البدنية بصورة استيالء السنبالت اليابسة على الخضر‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة يوسف (من اآلية ‪ 43‬الى اآلية ‪)48‬‬

‫ُّها اْل َمألُ أَ ْفتُوِني‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وَقال اْلملِك ِإِّني أَر ٰى سبع بَقر ٍ‬
‫ات ِس َم ٍ‬
‫ض ٍر َوأ َ‬
‫ُخ َر َياب َسات ٰيأَي َ‬ ‫اف َو َس ْب َع ُس ْنُبالَت ُخ ْ‬ ‫ْكُل ُه َّن َس ْب ٌع ع َج ٌ‬
‫ان َيأ ُ‬ ‫َ ََْ َ َ‬ ‫َ َ َ ُ‬
‫ال اَّل ِذي َن َجا ِم ْن ُه َما‬
‫ين * َوَق َ‬
‫ِِ‬
‫َحالَ ِم ِب َعالم َ‬ ‫ِ‬
‫َحالَ ٍم َو َما َن ْح ُن ِبتَأ ِْويل األ ْ‬‫اث أ ْ‬ ‫اي ِإن ُكنتُ ْم لِ ُّلرْءَيا تَ ْعُب ُرو َن * َقاُلوْا أ ْ‬
‫َض َغ ُ‬ ‫في ُرْؤَي َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ات ِس َم ٍ‬‫الص ِديق أَ ْفِتنا ِفي سب ِع بَقر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِِ ِ ِ‬ ‫و َّاد َكر بعد أ َّ ٍ‬
‫اف‬ ‫ْكُل ُه َّن َس ْب ٌع ع َج ٌ‬
‫ان َيأ ُ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫ُّها ّ ّ ُ َ‬ ‫ف أَي َ‬ ‫ُمة أََن ْا أَُنّبُئ ُك ْم بتَأْويله َفأ َْرسُلون * ُي ُ‬
‫وس ُ‬ ‫َ َ ََْ‬
‫صدتُّ ْم‬ ‫ِِ‬ ‫الن ِ َّ‬ ‫ال ٍت خض ٍر وأُخر ياِبس ٍ‬
‫ات َّل َعِّلي أ َْرِج ُع ِإَلى َّ‬
‫ال تَ ْزَرُعو َن َس ْب ُع سن َ‬
‫ين َدأَباً َف َما َح َ‬ ‫اس َل َعل ُه ْم َي ْعَل ُمو َن * َق َ‬ ‫ُس ُنب َ ُ ْ َ َ َ َ َ‬ ‫َو َس ْب ِع‬
‫صُنو َن‬‫ْكْلن ما َقَّدمتُم َله َّن ِإالَّ َقلِيالً ِم َّما تُح ِ‬
‫ّ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِٰ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْكُلو َن * ثُ َّم َيأْتي من َب ْعد ذل َك َس ْب ٌع ش َد ٌاد َيأ ُ َ َ ْ ْ ُ‬ ‫ِفي ُس ُنبلِ ِه ِإالَّ َقلِيالً ِّم َّما تَأ ُ‬ ‫َف َذ ُروهُ‬

‫لمسمى‬
‫والملك الذي قال‪{ ،‬إني أرى} قيل‪ :‬هو ريان بن الوليد الذي َملك قطفير على مصر ووالّه عليها ال العزيز ا ّ‬
‫قطفير‪ ،‬وإن كان العزيز بلسان العرب هو الملك فعلى هذا يكون الملك إشارة إلى العقل الفعال ملك ملوك األرواح‬
‫النبوة إال بواسطة نفخه ووحيه‬
‫التام الذي هو بداية ّ‬‫المسمى روح القدس‪ ،‬فإن هللا تعالى ال يحيي أهل الوالية عند الفناء ّ‬
‫ّ‬
‫وباالتصال به تظهر التفاصيل في عين الجمع ولهذا قالوا لما دخل عليه كلمه بالعبرانية فأجابه بها وكان عارفاً‬
‫اث أحالمٍ} هي القوى الشريفة من العقل والفكر‬
‫{أضغ ُ‬
‫َ‬ ‫بسبعين لساناً فكلمه بها‪ ،‬فتكلم معه بكلها والمأل الذين قالوا‪:‬‬
‫يعدون‬
‫سر الرياضة والتبديل‪ ،‬كما ترى المحجوبين بها الواقفين معها ّ‬ ‫المحجوب بالوهم والوهم نفسه المحجوبة عن ّ‬
‫أحوال أهل الرياضات من الخرافات ورسول المحبة الذي ّادكر بعد أمة إنما يذكر بواسطة ظهور ملك روح القدس‬
‫وإيحائه وإراءته تفاصيل وجوده بالرجوع إلى الكثرة بعد الوحدة وإال لكان فيه حالة الفناء ذاهباً في عين الجمع ال يرى‬
‫فيها وجود القلب وال غيره‪ ،‬فكيف يذكره إنما ّيدكره بظهوره بنور الحق بعد عدمه‪.‬‬

‫سورة يوسف (من اآلية ‪ 49‬الى اآلية ‪)57‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ال ْارِج ْع ِإَل ٰى‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ثُ َّم يأِْتي ِمن بع ِد ٰذلِك عام ِف ِ‬
‫ول َق َ‬
‫الرُس ُ‬
‫آءهُ َّ‬ ‫اس َوِفيه َي ْعص ُرو َن * َوَق َ‬
‫ال اْل َمل ُك ا ْئتُوني به َفَل َّما َج َ‬ ‫الن ُ‬‫اث َّ‬ ‫يه ُي َغ ُ‬ ‫َ ٌَ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ف َعن َّنْف ِس ِه‬‫وس َ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫طُب ُك َّن إ ْذ َرَاودت َّن ُي ُ‬
‫ال َما َخ ْ‬
‫يم * َق َ‬
‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ربِك َفاسأَْله ما بال ِّ ِ َِّ‬
‫الن ْس َوة الالتي َقط ْع َن أ َْيدَي ُه َّن إ َّن َرّبِي ب َك ْيده َّن َعل ٌ‬ ‫َّ َ ْ ُ َ َ ُ‬
‫ص اْل َح ُّق أََن ْا َرَاوْدتُّ ُه َعن َّنْف ِس ِه َوإَِّن ُه َل ِم َن‬ ‫ص َح َ‬ ‫اآلن َح ْ‬‫يز َ‬ ‫َت اْل َع ِز ِ‬
‫ام َأر ُ‬
‫ُقْلن حاش ََِّّللِ ما علِمنا عَلي ِه ِمن س ٍ ِ‬
‫وء َقاَلت ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َْ َ ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َخ ْن ُه ِباْل َغ ْي ِب َوأ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫ىء َنْفسي ِإ َّن الَّنْف َس أل ََّم َارةٌ‬ ‫ِ‬
‫ين * َو َمآ أَُبّر ُ‬ ‫َّللاَ الَ َي ْهدي َك ْي َد اْل َخائن َ‬
‫َن َّ‬ ‫ين * ذل َك لَي ْعَل َم أَّني َل ْم أ ُ‬
‫الصادق َ‬
‫ال ِإَّن َك اْلَي ْوَم َل َد ْيَنا‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وء ِإالَّ ما رِحم ربِي ِإ َّن ربِي َغُفور َّرِحيم * وَقال اْلملِك ا ْئتُوِني ِب ِه أ ِ‬ ‫ِب ُّ‬
‫الس ِ‬
‫ص ُه لَنْفسي َفَل َّما َكل َم ُه َق َ‬ ‫َستَ ْخل ْ‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ َّ‬
‫ض َيتََبَّوأُ ِم ْن َها َح ْي ُث‬ ‫ف ِفي األ َْر ِ‬ ‫ٰ ِ َّ ِ‬ ‫ض ِإِّني حِفي ٌ ِ‬ ‫اج َعْلِني َعَل ٰى َخ َزِآئ ِن األَْر ِ‬ ‫م ِك ِ‬
‫يم * َوَكذل َك َمكَّنا لُي ُ‬
‫وس َ‬ ‫ظ َعل ٌ‬ ‫َ‬ ‫ال ْ‬
‫ين * َق َ‬
‫ين أَم ٌ‬
‫َ ٌ‬
‫َِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ص ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫آمُنوْا َوَك ُانوْا َيتَُّقو َن‬ ‫َج ُر اآلخ َرِة َخ ْيٌر ّللذ َ‬
‫ين َ‬ ‫ين * َوأل ْ‬
‫َج َر اْل ُم ْحسن َ‬
‫يع أ ْ‬
‫آء َوالَ ُنض ُ‬
‫يب ب َر ْح َمتَنا َمن َن َش ُ‬
‫آء ُن ُ‬
‫َي َش ُ‬

‫والعام الذي {فيه يغاث الناس وفيه يعصرون} هو وقت تمتيعه للنفس عند االطمئنان التام واألمن الكلي‪ .‬وقول نسوة‬
‫القوى {حاش هلل ما علمنا عليه من سوء}‪.‬‬

‫تنور النفس والقوى بنور الحق واتصافها بصفة اإلنصاف‬‫وقول امرأة العزيز‪{ :‬اآلن حصحص الحق} إشارة إلى ّ‬
‫والصدق وحصول ملكة العدالة بنور الوحدة وظهور المحبة حال الفرق بعد الجمع وكمال طمأنينة النفس إلقرارها‬
‫فإن من كمال اطمئنان النفس اعترافها بالذنب واستغفارها عما فرط منها حالة‬
‫بفضيلة القلب وصدقه وذنبها وبراءته ّ‬
‫كونها أمارة وتمسكها بالرحمة اإللهية والعصمة الربانية واستخالص الملك إياه لنفسه استخالفه للقلب على الملك بعد‬
‫وتوجه بتاجه وختمه بخاتمه وقّلده بسيفه وعزل قطفير ثم توفى‬
‫التام‪ ،‬كما جاء في القصة‪ :‬أجلسه على سريره ّ‬
‫الكمال ّ‬
‫المْلك وجعله في يده و تخّلى بعبادة ربه‪ .‬كل ذلك إشارة إلى مقام خالفة‬
‫وزوجه الملك امرأته زليخا واعتزل عن ُ‬
‫قطفير ّ‬
‫ض} [ص‪ ،‬اآلية‪ .]26 :‬وتوفي العزيز إشارة إلى وصول القلب إلى‬ ‫اك َخلِ َيف ًة ِفي األ َْر ِ‬
‫الحق كما قال لداود‪ِ{ :‬إَّنا َج َعْلَن َ‬
‫وتزوجه بامرأة العزيز إشارة إلى تمتيع القلب النفس بعد االطمئنان بالحظوظ‬
‫مقامه وذهاب الروح في شهوده للوحدة‪ّ .‬‬
‫المتنورة تقوى بالحظوظ على محافظة شرائط االستقامة وتقنين قوانين العدالة واستنباط أصول العلم‬
‫ّ‬ ‫فإن النفس الشريفة‬
‫والعمل وهما الولدان اللذان جاءا في القصة أنها ولدتهما منه افراثيم وميشا‪ .‬وروي أنه لما دخل عليها قال لها‪ :‬أليس‬
‫هذا خي اًر مما طلبت؟ فوجدها عذراء وهو إشارة إلى حسن حالها في االطمئنان مع التمتيع ومراعاة العدالة‪ ،‬وكونها‬
‫لتقدسه دائماً وامتناع مباشرته إياها‪ ،‬فإن مطالبه كلية ال تدرك جزئياتها‬
‫أن الروح ال يخالط النفس ّ‬
‫عذراء إشارة إلى ّ‬
‫بخالف القلب وإنما كانت امرأته لتسلطه عليها ووصول أثر أمره وسلطانه إليها بواسطة القلب ومحكوميتها له في‬
‫الحقيقة وسؤال التولية على خزائن األرض ووصف نفسه بالحفظ والعلم هو أن القلب يدرك الجزئيات المادية ويحفظها‬

‫دون الروح فيقتضي باستعداده قبول ذلك المعنى من الواهب الذي هو ملك روح القدس وتمكينه في األرض ّ‬
‫يتبوأ منها‬
‫حيث يشاء استخالفه بالبقاء بعد الفناء عند الوصول إلى مقام التمكين وهو أجر المحسن أي العابد لرّبه في مقام‬
‫الشهود لرجوعه إلى التفصيل من عين الجمع {وألجر اآلخرة} أي‪ :‬الحظ المعنوي بل ّذة شهود الجمال ومطالعة أنوار‬
‫آمنوا} اإليمان العيني {وكانوا يتقون} بقية األنائية ‪.‬‬
‫{خير للذين ُ‬
‫سبحات الوجه الباقي ٌ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة يوسف (من اآلية ‪ 58‬الى اآلية ‪)66‬‬

‫نك ُرو َن * َوَل َّما َج َّه َزُهم ِب َج َه ِازِه ْم َقا َل ا ْئتُوِني ِبأَ ٍخ َّل ُك ْم ِّم ْن أَِب ُ‬
‫يك ْم أَالَ‬ ‫وجآء ِإ ْخوة يوسف َفد َخُلوْا عَلي ِه َفعرَفهم وهم َله م ِ‬
‫َ ْ ََ ُ ْ َ ُْ ُ ُ‬ ‫َ َ َ َُ ُ ُ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬
‫ين * َفإن ل ْم تَأْتُوِني به َفالَ َكْي َل َل ُك ْم عندي َوالَ تَْق َرُبون * َقاُلوْا َسُن َرِاوُد َع ْن ُه أََباهُ‬ ‫تَ َرْو َن أَّني أُوِفي اْل َكْي َل َوأََن ْا َخ ْي ُر اْل ُم ْن ِزلِ َ‬
‫َهلِ ِه ْم َل َعَّل ُه ْم َي ْرِج ُعو َن * َفَل َّما‬ ‫اعُلون * وَق ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اعتَ ُه ْم ِفي ِر َحالِ ِه ْم َل َعَّل ُه ْم َي ْع ِرُف َ‬
‫ون َهآ ِإ َذا ْانَقَلُبوْا ِإَل ٰى أ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫اج َعُلوْا ِب َ‬ ‫ال لف ْتَيانه ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َوإَِّنا َلَف َ‬
‫آمُن ُك ْم َعَل ْي ِه ِإالَّ َك َمآ‬
‫ظو َن * َقا َل َه ْل َ‬ ‫َخ َانا َن ْكَت ْل َوإَِّنا َل ُه َل َح ِاف ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫َر َج ُعوا ِإَل ٰى أَِبي ِه ْم َقاُلوْا ٰيأََب َانا ُمن َع مَّنا اْل َكْي ُل َفأ َْرِس ْل َم َعَنآ أ َ‬
‫اعتَ ُه ْم ُرَّد ْت ِإَل ْي ِه ْم َقاُلوْا‬ ‫اَّلل خير ح ِافظاً وهو أَرحم َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َ‬‫اع ُه ْم َو َج ُدوْا ِب َ‬
‫ين * َوَل َّما َفتَ ُحوْا َمتَ َ‬
‫الراحم َ‬ ‫َ َُ ْ َ ُ‬ ‫أَمنتُ ُك ْم َعَل ٰى أَخيه من َقْب ُل َف َّ ُ َ ْ ٌ َ‬
‫ِ‬ ‫َخ َانا وَن ْزَد ُاد َكيل ب ِع ٍ ٰ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ال َل ْن أ ُْرِسَل ُه‬‫ير ذل َك َكْي ٌل َيس ٌير * َق َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ظ أَ َ‬ ‫اعتَُنا ُرَّد ْت ِإَل ْيَنا َوَنم ُير أ ْ‬
‫َهَلَنا َوَن ْحَف ُ‬ ‫ض َ‬‫ٰيأََب َانا َما َن ْبغي َهـٰذه ِب َ‬
‫َّللاِ َلتَ ْأتَُّنِني ِب ِه ِإالَّ أَن ُي َحا َ ِ‬
‫َم َع ُك ْم َحتَّ ٰى تُ ْؤتُو ِن َم ْوِثقاً ِّم َن َّ‬
‫ول َو ِك ٌ‬
‫يل‬ ‫َّللاُ َعَل ٰى َما َنُق ُ‬ ‫ط ب ُك ْم َفَل َّمآ آتَ ْوهُ َم ْوِثَق ُه ْم َق َ‬
‫ال َّ‬

‫ولما رجع إلى مقام التفصيل وجلس على سرير الملك للخالفة‪ .‬جاءه إخوته القوى الحيوانية بعد طول مفارقته إياهم‬
‫في سجن الرياضة والخلوة بمصر الحضرة القدسية واالستغراق في عين الجمع {فدخلوا عليه} متقربين إليه بوسيلة‬

‫وتنور تلك القوى بها ّ‬


‫وتدربها بهيئات الفضائل واألخالق ممتارين‬ ‫وتنورها ّ‬
‫التأدب بآداب الروحانيين الطمئنان النفس ّ‬‫ّ‬
‫ألقوات العلوم النافعة من األخالق والشرائع {فعرفهم} مع حسن حالهم وصالحهم بالذكاء والصفاء وفقرهم واحتياجهم‬
‫بالتجرد واتصافه بما ال يمكنهم إدراكه من‬
‫ّ‬ ‫إلى ما يطلبون منه من المعاني {وهم له منكرون} الرتقائه عن رتبتهم‬
‫القوة العاقلة العملية بقوله‪{ :‬ا ْئتوني بأ ٍخ لكم من أبيكم} إذ المعاني الكلية المتعلقة باألعمال‬
‫األوصاف ولهذا استحضر ّ‬
‫أن المحبوبين يسبق كشوفهم اجتهادهم فيعلمون قواهم الشرائع واألحكام ويسوسونها بعد‬
‫ال يدركها إال تلك القوة‪ .‬واعلم ّ‬
‫الوصول وإن اطمأنت نفوسهم قبله‪.‬‬

‫وأما جهازهم الذي جهزهم به فهو الكيل اليسير من الجزئيات التي يمكنهم إدراكها والعمل بها‪ ،‬وقال‪{ :‬فإن لم تأتوني‬
‫به فال كيل لكم} من المعاني الكلية الحاصلة {عندي وال تقربون} لبعد رتبتكم عن رتبتي إال بواسطته‪ .‬ولما كانت‬
‫الحسية وإلقاؤها المعاني‬
‫ّ‬ ‫العاقلة العملية إذا لم تفارق مقام العقل المحض إلى مقام الصدر لم يمكنها مرافقة القوى‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الجزئية الباعثة إياها على العمل وتحريك القوة النزوعية الشوقية نحو المصالح العقلية {قالوا سنراود عنه أباه} أي‪:‬‬
‫بتصفية االستعداد لقبول فيضه وقوله {لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم} إشارة إلى أمر القلب فتيانه القوى النباتية‬
‫عند تمتيع النفس حالة االطمئنان بإيراد مو ّاد قواهم التي يتقوون بها ويقتدرون على كسب كماالتهم إذ هي بضاعتهم‬
‫التي يمكنهم بها االمتياز‪ ،‬ورحالهم آالت إدراكاتهم ومكاسبهم {لعلهم} يعرفون قواهم وقدرهم على االكتساب {إذا انقلبوا‬
‫إلى أهلهم} من سائر القوى الحيوانية كالغضبية والشهوانية وأمثالهما {لعلهم يرجعون} إلى مقام االسترباح واالمتياز من‬
‫التمرن بهيئات الفضائل اقتضوه‬
‫قوت المعاني والعلوم النافعة بتلك البضاعة {فلما رجعوا إلى أبيهم} بتصفية االستعداد و ّ‬
‫استمدوا من فيضه {نكتل} أي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫إرسال القوة العاقلة العملية معهم إلمدادهم في فضائل األخالق بالمعاني دائماً‪ ،‬أي‪:‬‬
‫نستفد منه وإنا ال نستنزله إلى تحصيل مطالبنا فنهلكه كما فعلنا حالة الجاهلية بأخيه بل نحفظه بالتعهد له ومراعاته‬
‫في طريق الكمال‪ .‬وأخذ العهد منهم في إرساله معهم واستيثاقه عبارة عن تقديم االعتقاد الصحيح اإليماني على العمل‬
‫وإلزامهم ذلك العقد أوالً وإال لم يستقم حالهم في العمل ولم ينجح ‪.‬‬

‫سورة يوسف (من اآلية ‪ 67‬الى اآلية ‪)67‬‬

‫َّللاِ ِمن َشي ٍء ِإ ِن اْل ُح ْك ُم ِإالَّ ََّّللِ َعَل ْي ِه‬ ‫ُغِني َع ُ‬


‫نك ْم ِّم َن َّ‬ ‫ٍ‬ ‫اح ٍد و ْاد ُخُلوْا ِم ْن أ َْبو ٍ‬
‫اب ُّمتََفِّرَقة َو َمآ أ ْ‬ ‫َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال يَٰبن َّي الَ تَ ْد ُخُلوْا من َباب َو َ‬
‫ِ‬
‫َوَق َ‬
‫ْ‬
‫تََوَّكْل ُت َو َعَل ْي ِه َفْلَيتََوَّك ِل اْل ُمتََوِّكُلو َن‬

‫{ال تدخلوا من باب واحد} أي‪ :‬ال تسلكوا طريق فضيلة واحدة كالسخاوة مثالً دون الشجاعة أو ال تسيروا على‬
‫وصف واحد من أوصاف هللا تعالى فإن حضرة الوحدة هي منشأ جميع الفضائل والذات األحدية مبدأ جميع الصفات‪،‬‬
‫طرقوا إلى الحضرة الواحدية‪ ،‬وسيروا على جميع‬‫المتفرقة حتى تتصفوا بالعدالة فتت ّ‬
‫ّ‬ ‫فاسلكوا طرق جميع الفضائل‬
‫الصفات حتى يكشف لكم عن الذات‪ .‬وقد ورد في الحديث‪ :‬إن هللا تعالى يتجلى على أهل المذاهب يوم القيامة في‬
‫يتحول إلى صورة أخرى فينكرونه {وما أُغني عنكم من هللا من شيء} أي‪ :‬ال أدفع عنكم‬
‫صورة معتقدهم فيعرفونه ثم ّ‬
‫شيئاً إن منعكم توفيقه وحجبكم ببعض الحجب عن كماالتكم فإن العقل ليس إليه إال إفاضة العلم ال إجادة االستعداد‬
‫ورفع الحجاب‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة يوسف (من اآلية ‪ 68‬الى اآلية ‪)76‬‬

‫اج ًة ِفي َنْف ِ‬ ‫ٍ َّ‬ ‫وَل َّما دخُلوْا ِمن حي ُث أَمرهم أَبوهم َّما َكان ي ْغِني ع ْنهم ِمن َّ ِ ِ‬
‫اها َوإَِّن ُه َل ُذو‬
‫ض َ‬ ‫وب َق َ‬ ‫س َي ْعُق َ‬ ‫َّللا من َش ْيء ِإال َح َ‬ ‫َ ُْ ّ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ َْ ََ ُْ ُ ُ‬ ‫َ ََ‬
‫وك َفالَ تَْبتَِئ ْس‬ ‫اس الَ يعَلمون * وَل َّما دخُلوْا عَلى يوسف آوى ِإَلي ِه أَخاه َق ِ‬ ‫ِعْل ٍم ّلِ َما َعَّل ْمَناهُ َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثَ َر َّ‬
‫َخ َ‬ ‫ال ِإّني أََن ْا أ ُ‬
‫َ ََ َ ٰ ُ ُ َ َ ْ َ ُ َ‬ ‫الن ِ َ ْ ُ َ‬
‫َخ ِ‬
‫يه ثُ َّم أ ََّذ َن ُم َؤِّذ ٌن أَيَّتُ َها اْل ِع ُير ِإَّن ُك ْم َل َس ِارُقو َن * َقاُلوْا‬ ‫السَقاي َة ِفي رح ِل أ ِ‬‫ِ‬
‫َْ‬ ‫ِب َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * َفَل َّما َج َّه َزُه ْم ِب َج َه ِازِه ْم َج َع َل ّ َ‬
‫اَّللِ َلَق ْد َعلِ ْمتُ ْم َّما‬
‫يم * َقاُلوْا تَ َّ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ير َوأََن ْا به َزع ٌ‬ ‫اع اْل َملِ ِك َولِ َمن َجآء ِب ِه ِح ْم ُل َب ِع ٍ‬
‫َ‬ ‫ص َو َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوأَ ْقَبُلوْا َعَل ْيه ْم َّما َذا تَْفق ُدو َن * َقاُلوْا َنْفق ُد ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِج ْئَنا لُِنْف ِس َد ِفي األ َْر ِ‬
‫آؤهُ َمن ُوج َد في َر ْحله َف ُهَو َج َز ُاؤهُ‬ ‫ين * َقاُلوْا َج َز ُ‬ ‫آؤهُ ِإن ُكنتُ ْم َكاذِب َ‬
‫ين * َقاُلوْا َف َما َج َز ُ‬‫ض َو َما ُكَّنا َس ِارِق َ‬
‫ان لَِيأ ُ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ ِٰ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِٰ‬
‫ْخ َذ‬ ‫ف َما َك َ‬ ‫وس َ‬‫استَ ْخ َر َج َها من و َعآء أَخيه َكذل َك ك ْدَنا لُي ُ‬ ‫ين * َفَب َدأَ بأ َْوعَيته ْم َقْب َل ِو َعآء أَخيه ثُ َّم ْ‬ ‫َكذل َك َن ْجزِي الظالم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫أ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ‬
‫آء َوَف ْو َق ُك ّل ذي عْل ٍم َعل ٌ‬
‫يم‬ ‫َّللاُ َن ْرَف ُع َد َر َجات َّمن ن َش ُ‬
‫آء َّ‬
‫َخاهُ في دين اْل َملك إال أَن َي َش َ‬
‫َ‬

‫{ولما دخلوا} أي‪ :‬امتثلوا أمر العقل بسلوك طرق جميع الفضائل لم يغن عنهم من جهة هللا {من شيء} أي‪ :‬لم يدفع‬
‫عنهم االحتجاب بحجاب الجالل والحرمان عن لذة الوصال ألن العقل ال يهتدي إال إلى الفطرة وال يهدي إال إلى‬
‫التنور بنور الجمال‪ ،‬والتلذذ بلذة الشوق بطلب الوصال‪ ،‬وذوق العشق بكمال الجالل والجمال‪ ،‬بل جالل‬
‫المعرفة‪ .‬وأما ّ‬
‫الجمال وجمال الجالل فأمر ال يتيسر إال بنور الهداية الحقانية {إال حاجة في نفس يعقوب} هي تكميلهم بالفضيلة‬
‫{ولكن أكثر الناس ال يعلمون} ذلك فيحسبون الكمال ما عند العقل‬
‫ّ‬ ‫{وإنه لذو علم} لتعليم هللا إياه ال ذو عيان وشهود‬
‫التجرد {جعل السقاية في‬
‫ّ‬ ‫من العلم أو ناس الحواس ال يعلمون علم العقل الكلي {آوى إليه أخاه} للتناسب بينهما في‬
‫رحل أخيه} مشربته التي يكيل بها على الناس‪ ،‬أي‪ :‬قوة إدراكه للعلوم ليستفيد بها علوم الشرائع ويستنبط قوانين‬
‫التجرد عن مالبس الوهم والخيال كما تقوى النظرية وهي‬
‫ّ‬ ‫العدالة‪ ،‬فإن العاقلة العملية تقوى على إدراك المعقوالت عند‬
‫القوة المدبرة ألمر المعاش المشوبة بالوهم في أول الحال‪.‬‬

‫لتعوده بإدراك الجزئيات في محل الوهم من المعاني المتعلقة بالمواد وبعده عن إدراك الكليات‪ ،‬فلما‬‫ونسبته إلى السرقة ّ‬
‫بالتجرد فكأنه قد سرق ولم يسرق‪ .‬والمؤذن الذي نسبهم إلى‬
‫ّ‬ ‫تقوى عليها باآلوي إلى أخيه واستفادته منه تلك القوة‬
‫ّ‬
‫السرقة هو الوهم لوجدان الموهم تغير حال الجميع عما كانت عليه‪ ،‬وعدم مطاوعتها له وتوهمه لذلك نقصاً فيهم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫والحمل الموعود لمن يجيء بالصواع‪ ،‬هو التكليف الشرعي الذي يحصل بواسطة العقل العملي عند استفادته علم ذلك‬
‫من القلب‪ ،‬والصواع هو القوة االستعدادية التي يحصل بها علمه‪ .‬والفاقد لها المفتش لمتاعهم‪ ،‬المستخرج إياها من‬
‫رحل أخيه هو الفكر الذي بعثه القلب لهذا الشأن‪ .‬ولما كان دين روح القدس تحقق المعارف والحقائق النظرية مما ال‬
‫يتعلق بالعمل {ما كان ليأخذ أخاه} بالبعث على العمليات واالستعمال على الفضائل {في دين الملك} ألن دينه العلم‬
‫تنور النفس بنور القلب المستفاد منه وتفسح الصدر القابل للعمليات وذلك‬
‫وعلمه التعقل {إال أن يشاء هللا} أي‪ :‬وقت ّ‬
‫هو رفع الدرجات‪ ،‬ألن النفس حينئذ ترتفع إلى درجة القلب والقلب إلى درجة الروح في مقام الشهود {وفوق كل ذي‬
‫علم} كالقوى {عليم} كالعقل العملي وفوقه القلب وفوقه العقل النظري وفوقه الروح وفوقه روح القدس وهللا تعالى فوق‬
‫الكل‪ ،‬عالّم الغيوب كلها‪.‬‬

‫سورة يوسف (من اآلية ‪ 77‬الى اآلية ‪)83‬‬

‫َعَل ُم ِب َما‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َخ َّله ِمن َقبل َفأَسَّرها يوس ِ‬
‫َّللاُ أ ْ‬
‫ال أ َْنتُ ْم َشٌّر َّم َكاناً َو َّ‬ ‫ف في َنْفسه َوَل ْم ُي ْبد َها َل ُه ْم َق َ‬ ‫ُْ َ َ ُ ُ ُ‬ ‫ِق َفَق ْد َس َر َق أ ٌ ُ‬ ‫َقاُلوْا ِإن َي ْسر ْ‬
‫صُفون * َقاُلوْا ٰيأَيُّها اْلع ِزيز ِإ َّن َله أَباً شيخاً َكِبي اًر َفخ ْذ أَحدنا م َكانه ِإَّنا نراك ِمن اْلمح ِسِنين * َقال معا َذ َّ ِ‬
‫َّللا أَن َّنأ ُ‬
‫ْخ َذ‬ ‫َ ََ‬ ‫ُ َ َ َ َ َ ُ ََ َ َ ُ ْ َ‬ ‫ُ َْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫تَ ِ َ‬
‫ال َكِب ُيرُه ْم أََل ْم تَ ْعَل ُموْا أ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ظالِمو َن * َفَل َّما استَيأ ِ‬ ‫ِ ِ ِ َّ‬ ‫َّ‬
‫َخ َذ‬
‫اك ْم َق ْد أ َ‬
‫َن أََب ُ‬ ‫صوْا َنجّياً َق َ‬ ‫َسوْا م ْن ُه َخَل ُ‬
‫ْ ْ ُ‬ ‫ِإال َمن َو َج ْدَنا َمتَ َ‬
‫اعَنا ع َندهُ إَّنـآ إذاً ل َ ُ‬
‫َّللاُ لِي َو ُهَو َخ ْي ُر‬
‫ض َحتَّ ٰى َي ْأ َذ َن لِي أَِبي أ َْو َي ْح ُك َم َّ‬ ‫ف َفَل ْن أ َْب َرَح األ َْر َ‬
‫وس َ‬
‫ِ‬ ‫َعَل ْي ُكم َّم ْوِثقاً ِم َن َّ ِ ِ‬
‫َّللا َومن َقْب ُل َما َفَّرطتُ ْم في ُي ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ين * َو ْسَئ ِل‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِِ‬
‫يك ْم َفُقوُلوْا ٰيأََب َانا ِإ َّن ْابَن َك َس َر َق َو َما َش ِه ْدَنآ ِإال ِب َما َعل ْمَنا َو َما ُكَّنا لْل َغ ْي ِب َحافظ َ‬
‫ين * ْارِج ُعوْا ِإَل ٰى أَِب ُ‬
‫اْل َحاكم َ‬
‫ِ‬ ‫اْلَقري َة َّالِتي ُكَّنا ِفيها واْل ِعير َّالِتي أَْقبْلنا ِفيها وإَِّنا َل ِ‬
‫َّللاُ أَن‬
‫يل َع َسى َّ‬ ‫ص ْبٌر َجم ٌ‬ ‫َنف ُس ُك ْم أ َْم اًر َف َ‬ ‫صاد ُقو َن * َق َ‬
‫ال َب ْل َسَّوَل ْت َل ُك ْم أ ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫َْ‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ‬
‫يم اْل َحك ُ‬
‫َيأْتَيني به ْم َجميعاً إن ُه ُه َو اْل َعل ُ‬
‫استعد لهذا المعنى من قبل دون القوى‪ ،‬فبقوا منكرين‬
‫ّ‬ ‫ومعنى‪{ :‬قالوا إن يسرق فقد سرق ٌ‬
‫أخ له من قبل} أن القلب‬
‫لهما‪ ،‬متهمين إياهما عند أبيهما لتحصيل مطالبهما وطلب لذة وراء ما يطلبونها‪ .‬وقيل‪ :‬كان إلبراهيم صلوات هللا عليه‬

‫وسالمه منطقة يتوارثها أكابر أوالده‪ ،‬فورثها من إسحق عمة يوسف لكونها كبرى من أوالده‪ ،‬وقد حضنته بعد وفاة ّ‬
‫أمه‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫شب أراد يعقوب انتزاعه منها‪ ،‬فلم تصبر عنه‪ ،‬فحزمت المنطقة تحت ثيابه عليه السالم ثم قالت‪ :‬إني‬
‫راحيل‪ ،‬فلما ّ‬
‫الفتوة التي ورثها من‬
‫فقدت المنطقة‪ ،‬فلما وجدت عليه سّلم لها وتركه يعقوب عندها حتى ماتت‪ .‬وهي إشارة إلى مقام ّ‬
‫اللوامة‪.‬‬
‫إبراهيم الروح قبل مقام الوالية وقت شبابه‪ .‬وقد حزمتها عليه النفس المطمئنة التي حضنتها وقت وفاة راحيل ّ‬
‫وإرادة انتزاع يعقوب إياه منها إشارة إلى أن العقل يريد الترقي إلى كسب المعارف والحقائق‪ ،‬وإذا وجده موصوفاً‬
‫الفتوة رضي به‪ ،‬وتركه عند النفس المطمئنة سالكاً في طريق الفضائل حتى توفيت بالفناء في هللا‬
‫بالفضائل في مقام ّ‬
‫في مقام الوالية وهللا أعلم‪.‬‬

‫وإسرار يوسف في نفسه كلمته علمه بقصورهم عن إدراك مقامه ونقصانهم عن كماله‪ ،‬وهي قوله‪{ :‬أنتُم شر مكاناً}‬
‫والذي اقترح أن يأخذه يوسف القلب مكان أخيه العقل العملي هو الوهم لمداخلته في المعقوالت‪ ،‬وشوقه إلى الترقي إلى‬
‫أفق العقل‪ ،‬وحكمه فيها ال على ما ينبغي وميلهم إلى سياسته إياهم دون العقل العملي للتناسب الذي بينهم في التعلق‬
‫بالمادة ونزوعه إلى تحصيل مآربهم من اللذات البدنية‪ .‬ولما وجد القلب متاعه من إدراك المعاني المعقولة عند العقل‬
‫العملي دون الوهم {قال معاذ هللا أن نأخذ إال من وجدنا متاعنا عنده ّإنا} إن أخذنا الوهم مكانه وآويناه إلينا وألقينا إليه‬
‫ما ألقينا إلى أخينا كنا مرتكبين الظلم العظيم لوضعنا الشيء في غير محله‪ .‬ويأسهم منه شعورهم بعدم تكفيل الوهم‬
‫إياهم وتمتيعهم بدواعيه وحكمه ‪ -‬وكبيرهم الذي ذكرهم موثق أبيهم الذي هو االعتقاد اإليماني‪ ،‬وتفريطهم في يوسف‬
‫عند حكومة الوهم هو الفكر‪ ،‬ولهذا قال المفسرون‪ :‬هو الذي كان أحسنهم رأياً في يوسف ومنعهم عن قتله ‪.‬‬

‫وقوله‪{ :‬فلن أبرح األرض حتى يأذن لي أبي} أي‪ :‬ال أتحرك إال بحكم العقل دون الوهم إلى أن أموت‪ ،‬وأمرهم بالرجوع‬
‫إلى أبيهم سياسته إياهم بامتثال األوامر العقلية {وما شهدنا إال بما علمنا} أي‪ّ :‬إنا ال نعلم كون ذلك المتاع عند العاقلة‬
‫ألنا ال ندرك إال ما في‬
‫العملية إال نقصاً وسرقة لعدم شعورنا به وبكونه كماالً {وما كنا} حافظين للمعنى العقلي العيني ّ‬
‫عالم الشهادة‪ ،‬وكذا أهل قريتنا التي هي مدينة البدن من القوى النباتية {والعير التي أقبلنا فيها} من القوى الحيوانية‪،‬‬
‫فاسألهم ليخبروك بسرقة ابنك‪.‬‬

‫الحسية‬
‫ّ‬ ‫{قال بل سولت لكم أنفسكم أم اًر} أي‪ :‬زّينت طبائعكم الجسمانية لكم أمر التلذذ باللذات البدنية والشهوات‬
‫جميل} أي‪ :‬فأمركم صبر جميل في‬
‫ٌ‬ ‫{فص ْبٌر‬
‫فحسبتموها كماالً‪ ،‬وتتبع المعقوالت والتزام الشرائع والتآمر بالفضائل نقصاً َ‬
‫العمل بالشرائع والفضائل دائماً والوقوف مع حكم الشرع والعقل‪ ،‬أو صبر جميل على االستمتاع على وجه الشرع‬
‫أجمل بكم من اإلباحة واالسترسال بحكم الطبيعة‪ ،‬أو فأمري صبر جميل في بقاء يوسف القلب وإخوته على استشراق‬
‫األنوار القدسية واستنزال األحكام الشرعية واستخراج قواعدها التي ال مدخل لي فيها‪ ،‬فال ّبد لي من فراقهم إلى أوان‬
‫فإن العقل كما يقتضي طلب الكمال‬
‫فراغهم إلى رعاية مصالح الجانبين والوفاء بكال األمرين‪ ،‬أي‪ :‬المعاش والمعاد‪ّ ،‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وإصالح المعاد‪ ،‬يقتضي صالح البدن وترتيب المعاش وتعديل المزاج بالغذاء وتربية القوى باللذات‪ ،‬أو فأمري صبر‬
‫جميل على ذلك {عسى هللا أن يأتيني بهم جميعاً} من جهة األفق األعلى والترقي عن طوري إلى ما يقتضيه نظري‬
‫ورأيي من مراعاة الطرفين ومقامي ومرتبتي من اختيار التوسط بين المنزلتين {إنه هو العليم} بالحقائق {الحكيم} بتدبير‬
‫فيخرب مدينة البدن ويهلك أهلها‪ ،‬وذلك قبل‬
‫العوالم‪ ،‬فال يتركهم مراعين للجهة العلوية‪ ،‬ذاهلين عن الجهة السفلية‪ّ ،‬‬
‫التمتيع التام الذي أشرنا إليه إذ هو مقام االجتهاد بعد الكشف والسلوك في طريق االستقامة بعد التوحيد‪.‬‬

‫سورة يوسف (من اآلية ‪ 84‬الى اآلية ‪)92‬‬

‫ف َحتَّ ٰى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وتَوَّل ٰى َع ْن ُهم وَق َ ٰ‬


‫وس َ‬
‫يم * َقاُلوْا تَاهلل تَْفتَ ُؤْا تَ ْذ ُك ُر ُي ُ‬ ‫ض ْت َع ْيَناهُ م َن اْل ُح ْزن َف ُه َو َكظ ٌ‬ ‫ف َو ْابَي َّ‬
‫وس َ‬
‫َسَف ٰى َعَلى ُي ُ‬‫ال َيأ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫َّللا َما الَ تَ ْعَل ُمو َن * يَٰبن َّي ا ْذ َهُبوْا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال إَّن َمآ أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َعَل ُم م َن َّ‬
‫َّللا َوأ ْ‬
‫َش ُكو َبثّي َو ُح ْزني إَلى َّ‬ ‫ين * َق َ‬ ‫تَ ُكو َن َح َرضاً أ َْو تَ ُكو َن م َن اْل َهالك َ‬
‫َّللاِ ِإالَّ اْلَق ْوُم اْل َك ِاف ُرو َن * َفَل َّما َد َخُلوْا َعَل ْي ِه َقاُلوْا‬
‫َس ِمن َّرْو ِح َّ‬ ‫يه والَ تيأَسوْا ِمن َّرو ِح َّ ِ‬
‫َّللا ِإَّن ُه الَ َي ْيأ ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ ِ‬
‫ف َوأَخ َ َْ ُ‬ ‫وس َ‬
‫ِ‬
‫َفتَ َح َّس ُسوْا من ُي ُ‬
‫َّللا يجزِي اْلمتَ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الضُّر و ِج ْئنا ِبِبض ٍ‬
‫ال‬
‫ين * َق َ‬ ‫صّدق َ‬ ‫ُ َ‬ ‫صَّد ْق َعَل ْيَنآ ِإ َّن َّ َ َ ْ‬ ‫اعة ُّم ْز َجاة َفأ َْوف َلَنا اْل َكْي َل َوتَ َ‬ ‫َهَلَنا ُّ َ َ َ َ‬ ‫ُّها اْل َع ِز ُيز َم َّسَنا َوأ ْ‬
‫ٰيأَي َ‬
‫ف َو َهـٰ َذا أَ ِخي َق ْد َم َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هل علِمتم َّما َفعْلتم ِبيوسف وأ ِ ِ‬
‫َّللاُ‬ ‫وس ُ‬
‫ال أََن ْا ُي ُ‬ ‫ف َق َ‬ ‫وس ُ‬ ‫َنت ُي ُ‬ ‫َخيه ِإ ْذ أَنتُ ْم َجاهُلو َن * َقاُلوْا أَءَّن َك أل َ‬ ‫َُ ُ ُ َ َ‬ ‫َ ْ َ ْ ُْ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫صِب ْر َفِإ َّن َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ال‬ ‫َّللاُ َعَل ْيَنا َوإِن ُكَّنا َل َخاطئ َ‬
‫ين * َق َ‬ ‫ك َّ‬‫ين * َقاُلوْا تَا ََّّلل َلَق ْد آثَ َر َ‬
‫َج َر اْل ُم ْحسن َ‬
‫يع أ ْ‬
‫َّللاَ الَ ُيض ُ‬ ‫َعَل ْيَنآ إَّن ُه َمن َيت ِق َوَي ْ‬
‫َّللا َل ُكم وهو أَرحم َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫الراحم َ‬ ‫الَ تَ ْث ِر َ‬
‫يب َعَل ْي ُك ُم اْلَي ْوَم َي ْغف ُر َّ ُ ْ َ ُ َ ْ َ ُ‬

‫{وتولى عنهم} أي‪ :‬أعرض عن جانبهم وُذ ِه َل عن حالهم‪ ،‬لحنينه إلى يوسف القلب وانجذابه إلى جهته‪.‬‬

‫الجب وكالل قوة بصيرته لفرط التأسف على فراقه ثم بترقيه عن‬
‫ّ‬ ‫عيناه ِمن الحزن} أوالً بوقوعه في غياهب‬
‫يضت َ‬ ‫{و ْاب َّ‬
‫طوره وفنائه في التوحيد وتخلفه عنه وعدم إدراكه لمقامه وكماله‪ ،‬فبقي بصره حسي اًر غير بصير بحال يوسف {وهو‬
‫شدة حنينه ونزوعه وانجذابه إلى جهة القلب في تلك‬ ‫كظيم} مملوء من فراقه‪ .‬وقولهم‪{ :‬تفتؤ تذكر يوسف} إشارة إلى ّ‬
‫التجرد والميل إلى العالم العلوي‪ .‬وقوله‪{ :‬وأعلم من هللا ما ال تعلمون} إشارة إلى‬
‫ّ‬ ‫الحالة دونهم لشدة المناسبة بينهما في‬
‫علم العقل برجوع القلب إلى عالم الخلق ووقوفه مع العادة بعد الذهاب إلى الجهة الحقانية وانخالعه عن حكم العادة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫عن قريب‪ ،‬كما سئل أحدهم‪ :‬ما النهاية؟ قال‪ :‬الرجوع إلى البداية‪ .‬ولهذا العلم قال‪{ :‬يا بني ا ْذ َهبوا فتحسسوا من يوسف‬
‫وأخيه} وذلك عند فراغه عن السلوك بالكلية ووصول أثر ذلك الفراغ إلى العقل بقربه إلى رتبته في التنزل والتدلي فيأمر‬
‫القوى باستنزاله إلى مقامهم بطلب الحظوظ في صورة الجمعية البدنية وتدبير معاشهم ومصالحهم الجزئية‪ ،‬وذلك هو‬
‫الروح الذي نهاهم عن اليأس منه‪ ،‬إذ المؤمن يجد هذا الروح والرضوان في الحياة الثانية التي هي باهلل فيحيا به‬
‫جنات األفعال والصفات والذات بالنفس والقلب والروح دون الكافر كما قال‪:‬‬
‫ويتمتع بحضوره بجميع أنواع النعيم ولذات ّ‬
‫الضر} إشارة إلى عسرهم وسوء حالهم‪ ،‬وضيقهم‬‫ّ‬ ‫{إنه ال ييأس من روح هللا إال القوم الكافرون}‪ .‬وقولهم‪ّ :‬‬
‫{مسنا وأهلنا‬
‫في الوقوف مع الحقوق {وجئنا ببضاعة مزجاة} إلى ضعفهم لقّلة مواد قواهم وقصور غذائهم عن بلوغ مرادهم‪.‬‬

‫ف لنا الكيل} استعطافهم إياه بطلب الحظوظ‪ .‬وقوله‪{ :‬هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه} إشارة إلى تنزل‬ ‫وقولهم‪{ :‬فأو ِ‬
‫ْ‬
‫القلب إلى مقامهم في محل الصدر ليعرفوه فيتذكروا حالهم في البداية وما فعلوا به في زمان الجهل والغواية‪ .‬وقولهم‪:‬‬
‫{أئنك ألنت يوسف} تعجب منهم عن حاله بتلك الهيئة النورانية واألبهة السلطانية وبعدها عن حال بدايته‪ .‬وقوله‪{ :‬قد‬
‫من هللا علينا} إلى آخره‪ ،‬إشارة إلى عّلة ذلك وسبب كماله‪ .‬وقولهم‪{ :‬تاهلل لقد آثرك هللا علينا} إشارة تهدي القوي عند‬ ‫ّ‬
‫االستقامة إلى كماله ونقصها‪ .‬وقوله‪{ :‬ال تَ ْث ِر َ‬
‫يب عليكم اليوم} لكونها مجبولة على أفعالها الطبيعية‪ .‬وقوله‪{ :‬يغفر هللا‬
‫التنور بنور الفضيلة والتَأمر بأمره عند الكمال‪.‬‬
‫لكم} إشارة إلى براءتها من الذنب عند ّ‬

‫سورة يوسف (من اآلية ‪ 93‬الى اآلية ‪)98‬‬

‫وه ْم ِإِّني‬ ‫صي اًر وأْتُوِني ِبأَهلِ ُكم أَجم ِعين * وَل َّما َف ِ ِ‬ ‫ْت ب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ال أَُب ُ‬‫صَلت اْلع ُير َق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ا ْذ َهُبوْا ِبَقميصي َهـٰ َذا َفأَْلُقوهُ َعَل ٰى َو ْجه أَِبي َيأ َ‬
‫آء اْلَب ِش ُير أَْلَقاهُ َعَل ٰى َو ْج ِه ِه َف ْارتََّد‬ ‫ِ‬
‫ضالَل َك اْلَقدي ِم * َفَل َّمآ أَن َج َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ألَ ِجد ِريح يوسف َلوالَ أَن تَفِندو ِن * َقاُلوْا ت َّ ِ‬
‫اَّلل ِإَّن َك َلفي َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُّ‬ ‫ُ َ ُ ُ َ ْ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫صي اًر َقال أََلم أَُقل َّل ُكم ِإِني أَعَلم ِمن َّ ِ‬ ‫بِ‬
‫ف‬
‫ال َس ْو َ‬ ‫ين * َق َ‬ ‫وبَنآ ِإَّنا ُكَّنا َخاطئ َ‬ ‫َّللا َما الَ تَ ْعَل ُمو َن * َقاُلوْا ٰيأََب َانا ْ‬
‫استَ ْغف ْر َلَنا ُذُن َ‬ ‫َ ْ ْ ْ ّ ْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‬
‫الرح ُ‬ ‫َستَ ْغف ُر َل ُك ْم َرّبِي ِإَّن ُه ُه َو اْل َغُف ُ‬
‫ور َّ‬ ‫أْ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫والقميص هو الهيئة النورانية التي اتصف بها القلب عند الوصول إلى الوحدة في عين الجمع واالتصاف بصفات هللا‬
‫تعالى‪ .‬وقيل‪ :‬هو القميص اإلرثي الذي كان في تعويذه حين أُلقي في البئر‪ ،‬وهو إشارة إلى نور الفطرة األصلية‪ .‬كما‬
‫فإن العقل لما لم تكتحل‬
‫أن األول إشارة إلى نور الكمال الحاصل له بعد الوصول‪ ،‬واألول أولى بتبصير عين العقل ّ‬
‫بصيرته بنور الهداية الحقانية عمي عن إدراك الصفات اإللهية‪{ .‬وائتوني بأهلكم أجمعين} أي‪ :‬ارجعوا إلي عن آخركم‬
‫ّ‬
‫في مقام االعتدال ومراعاة التوسط في األفعال‪ ،‬فإن القلب متوسط بين جهتي العلو والسفالة‪ ،‬وانضموا إلي‪ ،‬وائتمروا‬
‫ّ‬
‫بأمري‪ ،‬واقربوا مني وال تبعدوا عن مقامي في طلب اللذت البدنية بمقتضى طباعكم‪ .‬وريحه الذي وجده من بعيد هو‬
‫وصول أثر رجوع القلب إلى عالم العقل والمعقول‪ ،‬وإقباله إليه من محض التوحيد بتجهيز القوى الحيوانية بجهاز‬
‫جهز العير بأجمل ما يكون‪ ،‬ووجهها إلى كنعان‪.‬‬
‫الحظوظ على حكم العدالة وقانون الشرع والعقل‪ ،‬فقد قيل‪ :‬إنه ّ‬
‫تعشقه بالقلب أزالً وذهوله عن جهتهم ‪.‬‬
‫وضالله القديم هو‪ّ :‬‬

‫وقوله‪{ :‬ألم أُق ْل لكم إني أعلم من هللا ما ال تعلمون} إشارة إلى سابق علمه برجوع القلب إلى مقام العقل‪ .‬واستغفاره‬
‫لهم‪ :‬تقريره إياهم على حكم الفضائل العقلية باالستقامة بعد صفائهم وذكائهم وقبولهم للهيئات النورانية بعد خلع‬
‫الظلمانية ‪.‬‬

‫سورة يوسف (من اآلية ‪ 99‬الى اآلية ‪)105‬‬

‫ش َو َخُّروْا َل ُه‬ ‫ين * وَرَف َع أََبوْي ِه َعَلى اْل َع ْر ِ‬ ‫وَقال ْادخُلوْا ِمصر ِإن َشآء َّ ِ ِ‬
‫َّللاُ آمن َ‬ ‫ف َآو ٰى ِإَل ْي ِه أََب َوْي ِه‬ ‫وس َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َفَل َّما َد َخُلوْا َعَل ٰى ُي ُ‬
‫آء ِب ُك ْم ِّم َن‬ ‫َخ َر َجِني ِم َن ِّ ِ‬ ‫َح َس َن َبي ِإ ْذ أ ْ‬ ‫اي ِمن‬ ‫ِ‬
‫ال ٰيأََبت َهـٰ َذا تَأ ِْو ُ‬
‫الس ْجن َو َج َ‬ ‫َقْب ُل َق ْد َج َعَل َها َرّبِي َحّقاً َوَق ْد أ ْ‬ ‫يل ُرْؤَي َ‬ ‫ُس َّجداً َوَق َ‬
‫يم * َر ِّب َق ْد آتَْيتَِني ِم َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يف ّلِ َما َي َش ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اْلَب ْد ِو ِمن َب ْع ِد أَن َّنز َ‬
‫يم اْل َحك ُ‬ ‫آء إن ُه ُهَو اْل َعل ُ‬‫ُ‬ ‫ان َب ْيني َوَب ْي َن ِإ ْخ َوِتي ِإ َّن َرّبِي َلط ٌ‬ ‫طُ‬ ‫غ ال َّش ْي َ‬
‫اآلخ َرِة تََوَّفِنى ُم ْسلِماً َوأَْل ِحْقِني‬
‫الدُنيا و ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫يل األ ِ ِ ِ‬ ‫اْلمْل ِك و َعَّلمتَِني ِمن تَأ ِْو ِ‬
‫َنت َولّيي في ُّ َ َ‬ ‫ضأ َ‬ ‫َحاديث َفاط َر َّ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِب َّ ِ ِ‬
‫الن ِ‬
‫اس َوَل ْو‬ ‫نت َل َد ْي ِه ْم ِإ ْذ أ ْ‬
‫َج َم ُعوْا أ َْم َرُه ْم َو ُه ْم َي ْم ُك ُرو َن * َو َمآ أَ ْكثَُر َّ‬ ‫ين * َذل َك م ْن أ َْنَبآء اْل َغ ْيب ُنوحيه ِإَل ْي َك َو َما ُك َ‬ ‫الصالح َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ض‬ ‫َج ٍر ِإ ْن ُه َو ِإال ذ ْكٌر ّلْل َعاَلم َ‬
‫ين * َوَكأَّين ّمن َآية في َّ َ َ َ‬ ‫* َو َما تَ ْسأَُل ُه ْم َعَل ْيه م ْن أ ْ‬ ‫ص َت ِب ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين‬ ‫َح َر ْ‬
‫ضو َن‬ ‫َع ْن َها ُم ْع ِر ُ‬ ‫َي ُمُّرو َن َعَل ْي َها َو ُه ْم‬

‫ودخولهم على يوسف هو وصولهم إلى مقام الصدر حال االستقامة‪ .‬ودخولهم مصر كون الكل في حضرة الجمعية‬
‫اإللهية الواحدية مع تفاضل مراتبهم في عين جمع الوحدة‪ .‬ورفع أبويه على العرش عبارة عن ارتفاع مرتبتي العقل‬

‫والنفس عن مراتب سائر القوى وزيادة قربهما إليه ّ‬


‫وقوة سلطنتهما عليها‪ .‬وخرورهم له سجداً عبارة عن انقياد الكل‬
‫وطاعتهم له باألمر الوحداني بال فعل حركة بأنفسهم بحيث ال يتحرك منها شعر وال ينبض لها عرق إال باهلل‪ .‬وتأويل‬
‫تقرر في استعداده األول من قبول هذا الكمال‪.‬‬
‫رؤياه صورة ما ّ‬

‫{قد جعلها ربي حقاً} أخرجها من القوة إلى الفعل {وقد أحسن بي} بالبقاء بعد الفناء {إذ أخرجني من} سجن الخلوة التي‬
‫كنت فيها محجوباً عن شهود الكثرة في عين الوحدة ومطالعة الجمال في صفات الجالل {وجاء بكم من} بدو خارج‬
‫مصر الحضرة اإللهية {من بعد أن نزغ} شيطان الوهم {بيني وبين إخوتي} بتحريضه إياهم على إلقائي في قعر بئر‬
‫{إن ربي لطيف} يلطف بأحبابه بتوفيقهم للكمال وتدبير أمورهم‬
‫الطبيعة‪ ،‬بانهماكهم وتهالكهم على اللذات البدنية ّ‬
‫بحسب مشيئته األزلية وعنايته القديمة {إنه هو العليم} بما في االستعدادات {الحكيم} بترتيب أسباب الكمال وتوفيق‬
‫المستعد للوصول إليه‪.‬‬
‫ّ‬

‫المْلك} أي‪ :‬من توحيد الملك الذي هو توحيد األفعال {وعّلمتني من تأويل األحاديث} أي‪ :‬معاني‬
‫{رب قد آتيتني من ُ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫المغيبات وما يرجع إليه صورة الغيب‪ ،‬وهو من باب توحيد الصفات‪{ .‬فاطر} سماوات الصفات في مقام القلب وأرض‬
‫المْلك وآخرة الملكوت {توفني مسلماً} أفنني عني في‬
‫{أنت وليي} بتوحيد الذات في دنيا ُ‬
‫توحيد األفعال في مقام النفس َ‬
‫حالة كوني منقاداً ألمرك ال طاغياً ببقاء األنية {و ِ‬
‫ألحْقني بالصالحين} الثابتين في مقام االستقامة بعد الفناء في‬
‫التوحيد‪.‬‬

‫سورة يوسف (من اآلية ‪ 106‬الى اآلية ‪)108‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اع ُة َب ْغتَ ًة َو ُه ْم الَ‬
‫الس َ‬‫َّللاِ أ َْو تَأِْتَي ُه ُم َّ‬ ‫اشي ٌة ِم ْن َع َذ ِ‬
‫اب َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تَأْتَي ُه ْم َغ َ ّ‬ ‫اَّللِ ِإالَّ َو ُه ْم ُّم ْش ِرُكو َن * أََفأ َِمُنوْا أَن‬
‫َو َما ُي ْؤ ِم ُن أَ ْكثَ ُرُه ْم ِب َّ‬
‫ِ‬ ‫أَن ْا وم ِن اتَّبعِني وسبحان َّ ِ‬ ‫َّللاِ عَلى ب ِ‬
‫صي َرٍة‬ ‫ِِ ِ‬
‫ين‬‫َّللا َو َمآ أََن ْا م َن اْل ُم ْش ِرِك َ‬ ‫َ َ َ ََ َ ُ ْ َ َ‬ ‫َي ْش ُع ُرو َن * ُق ْل َهـٰذه َسِبيلي أ َْد ُعوْا ِإَل ٰى َّ َ ٰ َ‬

‫{وما يؤمن أكثرهم باهلل} اإليمان العلمي {إال وهم ُم ْش ِركون} بإثبات موجود غيره أو اإليمان العيني إال وهم مشركون‬
‫باحتجابهم بأنائيتهم {غاشية من عذاب هللا} حجاب يحجب استعدادهم عن قبول الكمال من هيئة راسخة ظلمانية {أو‬
‫تأتيهم} القيامة الصغرى {بغت ًة وهم ال يشعرون} بنور الكشف والتوحيد‪ ،‬فال يرتفع حجابهم فيبقون في االحتجاب أبداً‪.‬‬

‫{ُق ْل هذه} السبيل التي أسلكها‪ ،‬وهي سبيل توحيد الذات {سبيلي} المخصوص بي‪ ،‬ليس عليه إال أنا وحدي {أدعو‬
‫إلى} الذات األحدية الموصوفة بكل الصفات في عين الجمع {أنا ومن اتّبعني} في هذه السبيل وكل من يدعو إلى هذه‬
‫السبيل فهو من أتباعي‪ ،‬إذ األنبياء قبلي كلهم كانوا داعين إلى المبدأ والمعاد وإلى الذات الواحدية الموصوفة ببعض‬
‫الصفات إال إبراهيم عليه السالم فإنه قطب التوحيد‪ ،‬ولهذا كان صلى هللا عليه وسلم من أتباعه باعتبار الجمع دون‬
‫التفصيل‪ ،‬إذ ال متمم لتفاصيل الصفات إال هو عليه الصالة والسالم وإال لكان غيره خاتماً السبيل الحق كما ختم ألن‬
‫كل أحد ال يمكنه الدعوة إال إلى المقام الذي بلغ إليه من الكمال {وسبحان هللا} أنزهه من أن يكون غيره على سبيله‪،‬‬
‫بل هو السالك سبيله والداعي إلى ذاته {وما أنا من المشركين} المثبتين للغير في مقام التوحيد الذاتي‪ ،‬المحتجبين عنه‬
‫باألنائية‪ ،‬بل أنا به‪ ،‬فإن عنى فهو الداعي إلى سبيله‪.‬‬

‫سورة يوسف (من اآلية ‪ 109‬الى اآلية ‪)111‬‬

‫ين ِمن‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫َه ِل اْلُق َر ٰى أََفَلم َي ِس ُيروْا ِفي األ َْر ِ‬ ‫وحي ِإَل ْي ِه ْم ِّم ْن‬
‫ومآ أَرسْلَنا ِمن َقبلِك ِإالَّ ِرجاالً ُّن ِ‬
‫ان َعاقَب ُة الذ َ‬ ‫ف َك َ‬ ‫ظ ُروْا َك ْي َ‬
‫ض َفَين ُ‬ ‫ْ‬ ‫أْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ََ َْ‬
‫ص ُرَنا َفُن ِّجي‬ ‫ِ‬ ‫ين اتََّقوْا أََفالَ تَ ْعِقُلو َن‬ ‫َِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫آء ُه ْم َن ْ‬ ‫الرُس ُل َو َ ُّ َّ‬
‫ظنوْا أَن ُه ْم َق ْد ُكذُبوْا َج َ‬ ‫َس ُّ‬ ‫استَْيأ َ‬ ‫َّ ِ‬
‫* َحت ٰى إ َذا ْ‬ ‫َقْبل ِه ْم َوَل َد ُار اآلخ َرِة َخ ْيٌر ّللذ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ان َح ِديثاً ُيْف َت َر ٰى َوَلـ ِٰكن‬ ‫ِ‬ ‫من َّن َشآء والَ يرُّد بأْسنا ع ِن اْلَقو ِم اْلمج ِرِمين * َلَق ْد َكان ِفي َق ِ‬
‫صص ِه ْم ع ْب َرةٌ أل ُْولِي األَْلَبا ِب َما َك َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُْ َ‬ ‫ُ َ َُ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫يل ُك ِّل َشي ٍء َو ُه ًدى َوَر ْح َم ًة ِّلَق ْو ٍم ُي ْؤ ِمُنو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تَص ِد َّ ِ‬
‫ْ‬ ‫يق الذي َب ْي َن َي َد ْيه َوتَْفص َ‬
‫ْ َ‬

‫بقية من الرجولية من أهل قرى الصفات والمقامات ال‬‫{وما أرسلنا من قبلك إال رجاالً ُن ْوحي إليهم} أي‪ :‬من كان فيه ّ‬
‫من مصر الذات‪ ،‬فإن البقاء الحاصل ألهل التمكين ال يكون إال بقدر الفناء‪ .‬والرجوع إلى الخلق ال يكون إال على‬
‫حسب العروج‪ .‬فالفناء التام والعروج الكامل ال يكون إال للقطب الذي هو صاحب االستعداد الكامل الذي ال رتبة إال‬

‫قد يبلغها ويلزم أن يكون الرجوع ّ‬


‫التام الشامل لجميع تفاصيل الصفات عند البقاء له وهو الخاتم ولهذا قال عليه‬
‫النبوة تم ورصف وبقي منه موضع لبنة واحدة‪ ،‬فكنت أنا تلك اللبنة"‪ .‬وإلى هذا المعنى‬
‫الصالة والسالم‪" :‬كان بنيان ّ‬
‫أشار بقوله صلى هللا عليه وسلم‪"ُ :‬ب ِع ْث ُت ألتمم مكارم األخالق‬

‫‪".‬‬

‫{أفلم يسيروا في األرض} أرض استعدادهم {فينظروا كيف كان} نهاية أمر {الذين من قبلهم} وغاية كمالهم‪ ،‬فيبلغوا‬
‫فإن لكل أحد خاصية واستعداده الخاص يقتضي سعادة خاصة‬
‫وي َحصلوا كماالتهم بحسب استعداداتهم‪ّ ،‬‬
‫منتهى إقدامهم ُ‬
‫هي عاقبته‪ ،‬ومن االطالع على خواص النفوس وغايات إقدامهم في السير يحصل للنفس هيئة اجتماعية من تلك‬
‫األمة المحمدية على حسب اختالف استعداداتهم وهي الدار اآلخرة التي هي خير للذين اتّقوا‬ ‫الكماالت هي كمال ّ‬
‫صفات نفوسهم التي هي حجب االستعدادات {أفال تَ ْعِقلون} أن هذا المقام خير مما أنتم عليه من الدار الفانية‬

‫وتمتعاتها‪ ،‬فإنها {َل ِه َي اْل َحَي َو ُ‬


‫ان َل ْو َك ُانوْا َي ْعَل ُمو َن} [العنكبوت‪ ،‬اآلية‪.]64 :‬‬

‫الرُسل} أي‪ :‬ساروا واتّقوا وتراخى فتحهم ونصرهم في الكشوف على كفرة قوى النفس حتى إذا‬ ‫استَيأس ُ‬
‫{حتى إذا ْ‬
‫الرُسل الذين هم أشراف القوم من بلوغ الكمال {وظنوا أنهم قد} ك ّذبتهم ظنونهم في استعدادهم للكمال أو‬
‫استيأس ُ‬
‫{فن ّجي من َن َشاء} من أهل العناية من‬
‫رجائهم {جاءهم َنصرنا} بالتأييد والتوفيق من إمداد أنوار الملكوت والجبروت ُ‬
‫يرد} قهرنا بالحجب والتعذيب {عن القوم المجرمين} بإظهار صفات نفوسهم على قلوبهم‬ ‫الرُسل وأتباعهم {وال ّ‬
‫ُ‬
‫فيكسبونها الهيئات الغاسقة الحاجبة المؤذية‪.‬‬

‫{لقد كان في قصصهم عبرة} أي‪ :‬ما يعبر بها عن ظاهرها إلى باطنها‪ ،‬كما عبرنا في قصة يوسف عليه السالم‬
‫الحسيات {ما كان} هذا القرآن {حديثاً ُيْفترى} من‬
‫ّ‬ ‫المجردة عن قشور الوهميات الخالصة عن غشاوات‬
‫ّ‬ ‫ألولي العقول‬
‫عند النفس {ولكن تصديق الذي} كان ثابتاً قبله في اللوح {وتفصيل كل شيء} أجمل في عالم القضاء وهداية إلى‬
‫التوحيد {ورحمة} بالتجليات الصفاتية من وراء أستار آياته {لَِقوم يؤمنون} بالغيب لصفاء االستعداد‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الرعد (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)2‬‬

‫َّللاُ َّال ِذي َرَف َع َّ‬


‫الس َٰم َٰو ِت ِب َغ ْي ِر‬ ‫اس الَ ُي ْؤ ِمُنو َن * َّ‬ ‫ِك اْل َح ُّق َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثَ َر َّ‬
‫الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب َو َّال ِذي أ ِ‬
‫ُنزَل ِإَل ْي َك من َّرّب َ‬ ‫ات اْل ِكتَ ِ‬ ‫ِ‬
‫المر تْل َك َآي ُ‬
‫صل اآلي ِ‬
‫ات َل َعَّل ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫الشمس واْلَقمر ُك ٌّل يجرِي أل ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َجل ُّم َس ًّمـى ُي َدِّب ُر األ َْم َر ُيَف ّ ُ َ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ش َو َس َّخ َر َّ ْ َ َ َ َ‬ ‫استَو ٰى َعَلى اْل َع ْر ِ‬
‫َع َمد تَ َرْوَن َها ثُ َّم ْ َ‬
‫ِبلَِق ِآء َرّب ُ‬
‫ِك ْم تُوِقُنو َن‬

‫{المر} أي‪ :‬الذات األحدية‪ ،‬واسمه العليم‪ ،‬واسمه األعظم‪ ،‬ومظهره الذي هو الرحمة التامة على ما أُشير إليه ِ‬
‫{تْل َك}‬ ‫ّ‬
‫معظمات عالمات كتاب الكل الذي هو الوجود المطلق وآياته الكبرى {و} المعنى {الذي أ ُْن ِزل إليك من رّبك} من العقل‬
‫{ولكن أكثر الناس ال يؤمنون}‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الفرقاني‪ ،‬وهذا الذي ُذ ِكر من درج المعاني في الحروف هو الحق‬

‫تحركها من النفوس‬
‫تقومها و ّ‬
‫{هللا الذي رفع السموات بغير عمد ترونها} أي‪ :‬بعمد غير مرئية هي ملكوتها التي ّ‬
‫اس َتوى} مستعلياً {على‬
‫مجردة قائمة بأنفسها {ثم ْ‬
‫السماوية أو سموات األرواح بال مادة تعمدها فتقوم هي بها‪ ،‬بل ّ‬
‫{وسخر} شمس الروح بإدراك المعارف الكلية واستشراق األنوار‬
‫ّ‬ ‫الع ْرش} بالتأثير والتقويم أو على عرش القلب بالتجلي‬
‫َ‬
‫العالية وقمر القلب بإدراك ما في العالمين جميعاً‪ ،‬واالستمداد من فوق ومن تحت ثم قبول تجليات الصفات بالكشف‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ألجل مسمى} أي‪ :‬غاية معينة هي كماله بحسب الفطرة األولى {يدبر األمر} في البداية بتهيئة االستعداد‬ ‫{كل يجري‬
‫صل اآليات} في النهاية بترتيب الكماالت والمقامات المترتبة في السلوك على حسب تجليات‬ ‫{يَف ّ‬
‫وترتيب المبادئ ُ‬
‫األفعال والصفات {لعّلكم بلقاء رّبكم} عند مشاهدات آيات التجليات {توقنون} عين اليقين‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الرعد (من اآلية ‪ 3‬الى اآلية ‪)4‬‬

‫الن َه َار ِإ َّن ِفي‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬


‫يل َّ‬ ‫يها َرَواس َى َوأ َْن َها اًر َو ِمن ُك ّل الث َم َارت َج َع َل ف َ‬
‫يها َزْو َج ْي ِن ا ْثَن ْي ِن ُي ْغشى ال َ‬ ‫َو ُه َو الذي َمَّد األ َْر َ‬
‫ض َو َج َع َل ف َ‬
‫ص ْنوان و َغير ِ‬ ‫اب وَزرعٌ ون ِخ ِ‬ ‫ات وجَّن ٌ ِ‬ ‫ض ِق َ‬ ‫ٰذلِك آلي ٍ‬
‫ات ّلَِق ْو ٍم َيتََف َّك ُرو َن * وِفي األ َْر ِ‬
‫ص ْنَو ٍ‬
‫ان ُي ْسَق ٰى‬ ‫يل َ ٌ َ ْ ُ‬ ‫َعَن ٍ َ ْ َ َ ٌ‬ ‫ات ّم ْن أ ْ‬ ‫ط ٌع ُّمتَ َج ِاوَر ٌ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ُك ِل ِإ َّن ِفي ٰذلِك آلي ٍ‬
‫ات ِّلَق ْو ٍم َي ْعِقُلو َن‬ ‫ض ِفي األ ُ‬ ‫اح ٍد ونَف ِ‬
‫ٍ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ض َها َعَل ٰى َب ْع ٍ‬ ‫ِب َمآء َو َ ُ ّ‬
‫ض ُل َب ْع َ‬

‫مد} أرض الجسد {وجعل فيها رواسي} العظام وأنهار العروق {ومن كل} ثمرات األخالق والمدركات‬
‫{وهو الذي ّ‬
‫{جعل فيها زوجين اثنين} أي‪ :‬صنفين متقابلين كالجود والبخل‪ ،‬والحياء والقحة‪ ،‬والفجور والعّفة‪ ،‬والجبن والشجاعة‪،‬‬
‫والظلم والعدالة وأمثالها‪ .‬وكالسواد والبياض‪ ،‬والحلو والحامض‪ ،‬والطيب والنتن‪ ،‬والح اررة والبرودة‪ ،‬والمالسة والخشونة‬

‫وأمثالها‪{ .‬يغشى} ليل ظلمة الجسمانيات على نهار الروحانيات كتغشية القوى الروحانية بآالتها والروح بالجسد ّ‬
‫{إن في‬
‫ذلك آليات لقوم يتفكرون} في صنع هللا وتطابق عالميه األصغر واألكبر‪.‬‬

‫{وجنات} من أشجار القوى الطبيعية‬


‫{وفي} أرض الجسد {قطع ُمتَجاورات} من العظم واللحم والشحم والعصب‪ّ ،‬‬
‫والحيوانية واإلنسانية من أعناب القوى الشهواتية التي يعصر منها خمر هوى النفس‪ ،‬والقوى العقلية التي يعصر منها‬
‫خمر المحبة‪ ،‬يعصر العشق وزرع القوى النباتية {ونخيل} سائر الحواس الظاهرة والباطنة {صنوان} كالعينين واألذنين‬
‫{ونفضل بعضها على‬
‫ّ‬ ‫والمنخرين {وغير صنوان} كاللسان وآلة الفكر والوهم والذكر {تُ ْسقى بماء واحد} هو‪ :‬ماء الحياة‬
‫الحس والبصر على اللمس وملكة الحكمة على‬‫بعض في} أكل اإلدراكات والملكات كتفضيل مدركات العقل على ّ‬
‫العفة وأمثالها {لقو ٍم يعقلون} عجائب صنعه ‪.‬‬

‫سورة الرعد (من اآلية ‪ 5‬الى اآلية ‪)7‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َعَن ِاق ِه ْم َوأ ُْوَلـِٰئ َك‬ ‫ِ‬ ‫ين َكَف ُروْا ِب َرِّب ِه ْم َوأ ُْوَلِئ َك األ ْ‬ ‫ِ ٍ ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َغالَ ُل في أ ْ‬ ‫َوإِن تَ ْع َج ْب َف َع َج ٌب َق ْوُل ُه ْم أَِإ َذا ُكَّنا تَُراباً أَِإَّنا َلفي َخْل ٍق َجديد أ ُْوَلـٰئ َك الذ َ‬
‫السِّيَئ ِة َقْب َل اْل َح َسَن ِة َوَق ْد َخَل ْت ِمن َقْبلِ ِه ُم اْل َمثُالَ ُت َوِإ َّن َرَّب َك َل ُذو َم ْغِف َرٍة‬ ‫يها َخالِدو َن * َوَي ْستَ ْع ِجُل َ‬
‫ون َك ِب َّ‬ ‫ِ‬
‫الن ِار ُه ْم ف َ‬
‫اب َّ‬ ‫َص َح ُ‬ ‫أْ‬
‫َنت ُم ِنذٌر َولِ ُك ِّل َق ْو ٍم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب * ويُق َّ ِ‬
‫َّك َل َش ِد ُيد اْل ِعَق ِ‬ ‫اس عَلى ُ ِ‬
‫ُنزَل َعَل ْيه َآي ٌة ّمن َّرّبِه ِإَّن َمآ أ َ‬
‫ين َكَف ُروْا َل ْوال أ ِ‬
‫ول الذ َ‬
‫ََ ُ‬ ‫ظْلم ِه ْم َوإِ َّن َرب َ‬ ‫ّلِ َّلن ِ َ ٰ‬
‫َه ٍاد‬

‫{وإن تعجب} عن قولهم فهو مكان التعجب ألن اإلنسان في كل ساعة خلق آخر جديد‪ ،‬بل العالم لحظة فلحظة خلق‬
‫بتبدل الهيئات واألحوال واألوضاع والصور‪ ،‬فكيف ينكر الخلق الجديد من نظر في عالم الكون والفساد بعين‬
‫جديد ّ‬
‫االعتبار؟ {أولئك الذين} حجبوا عن شهود أفعال الربوبية وتجلياتها‪ ،‬فكيف عن تجليات الصفات اإللهية؟ {وأولئك‬

‫أعَناقهم} فال يقدرون أن يرفعوا رؤوسهم المنتكسة إلى األرض القاصر نظرها إلى ما يدانيها من ّ‬
‫الحس‬ ‫األغالل في ْ‬
‫اب} نيران جهنم‬
‫أص َح ُ‬
‫أولئك ْ‬
‫الحس من المعقوالت {و َ‬
‫فيروا ملكوت األرواح ويشاهدوا عالم القدرة وما يبعد عن منازل ّ‬
‫األفعال في قعر هاوية الطبيعة {هم فيها خالدون}‪.‬‬

‫للشر الستيالء الهيئات المظلمة والرذائل عليها فينزعون إلى‬


‫{ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة} بمناسبة استعدادهم ّ‬
‫إن رّبك لذو مغفرة للناس} مع ظلمهم على أنفسهم‬ ‫الشر عليهم‪{ .‬وقد َخَل ْت من َقْبلهم} عقوبات أمثالهم {و ّ‬
‫الشر لغلبة ّ‬
‫ّ‬
‫إن رّبك‬
‫باكتساب تلك الهيئات الغاسقة الحاجبة عن النور لمن لم ترسخ فيه ولم تبطل استعداده فيزيلها بنور رحمته {و ّ‬
‫لشديد العقاب} لمن ترسخت فيه وصارت ريناً وأبطلت االستعداد ‪.‬‬

‫النبوة من اتصافه بصفات هللا‬


‫الذين َكَفروا لوال أنزل عليه آية من رّبه} حجبوا‪ ،‬فلم يروا اآليات الشاهدة على ّ‬
‫{ويقول َ‬
‫لعدم إدراكهم وعمى بصائرهم‪ ،‬فلذلك لم يعدوها آيات واقترحوها على حسب هواهم ما عليك إال إنذارهم ال هدايتهم‪ ،‬إذ‬
‫الهداية إلى هللا {ولكل قو ٍم ٍ‬
‫هاد} يناسبهم بحسب الجنسية الفطرية فيألفونه عند كماله وتلقيه النور اإللهي‪ ،‬ويقبلون‬
‫الهداية منه فيهديهم هللا على مظهره‪ ،‬فمن ناسبك بتلك الجنسية األصلية قبل الهداية منك ومن ال فال ‪.‬‬

‫سورة الرعد (من اآلية ‪ 8‬الى اآلية ‪)11‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اْل َكِب ُير‬ ‫الش َه َاد ِة‬
‫يض األ َْر َحام وما تَ ْزَد ُاد وُك ُّل َشي ٍء ِع َنده ِب ِمْق َد ٍار * َعالِم اْل َغ ْي ِب و َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ َي ْعَل ُم َما تَ ْحم ُل ُك ُّل أُنثَ ٰى َو َما تَغ ُ‬
‫َّ‬
‫ْ‬
‫ِّمن َب ْي ِن‬ ‫ات‬‫الن َه ِار * َل ُه ُم َعِّقَب ٌ‬ ‫ال * سوآء ِم ْن ُكم َّمن أَسَّر اْلَقول ومن جهر ِب ِه ومن هو مستَ ْخ ٍ‬
‫ف ِب َّال ِ‬
‫يل َو َس ِار ٌب ِب َّ‬ ‫اْلمتَع ِ‬
‫َ َ ْ َُ ُ ْ‬ ‫ْ َ َ َ ْ َ ََ‬ ‫ََ ٌ ّ ْ ْ َ‬ ‫ُ َ‬
‫وءا َفالَ َم َرَّد‬ ‫َّللا الَ ُي َغِّي ُر ما ِبَقو ٍم َحتَّ ٰى ُي َغِّي ُروْا ما ِبأ َْنُف ِس ِهم وإِ َذا أ ََرَاد َّ ِ‬ ‫ون ُه ِم ْن أَم ِر َّ ِ ِ‬ ‫َي َد ْي ِه َو ِم ْن َخْلِف ِه َي ْحَف ُ‬
‫َّللاُ بَق ْو ٍم ُس ً‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َّللا إ َّن َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ظَ‬
‫َل ُه وما َلهم ِمن ُدوِن ِه ِمن و ٍ‬
‫ال‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُْ ّ‬

‫تلك أسرار خفية ال يعلمها إال {هللا} الذي {يعلم ما تَ ْحمل كل أ ُْنثى} فيعلم ما تحمل أنثى النفس من ولد الكمال‪ ،‬أي ما‬
‫في قوة كل استعداد وما تزيد أرحام االستعداد بالتزكية والتصفية وبركة الصحبة من الكماالت وما تنقص منها‬
‫باالنهماك في الشهوات {وكل شيء} من الكماالت {عنده ِب ِمقدار} معين على حسب القابلية أو كل شيء من قوة قبول‬
‫مقدر عنده بمقدار في األزل من فيضه األقدس ال يزيد وال ينقص‪ ،‬أو لكل قوم هاد هو هللا تعالى كما‬ ‫في استعداد ّ‬
‫َّللاَ َي ْه ِدي َمن َي َشآء} [القصص‪ ،‬اآلية‪ ]56 :‬لعلمه بما في االستعدادات من قوة‬
‫َحَب ْب َت َوَلـ ِٰك َّن َّ‬ ‫ِ‬
‫قال‪ِ{ :‬إَّن َك الَ تَ ْهدي َم ْن أ ْ‬
‫فيقدر بحسبها كماالتهم‪.‬‬ ‫القبول وزيادتها ونقصانها ّ‬

‫{ع ِالم} غيب ما في االستعدادات من قوة القبول وشهادة الكماالت الحاضرة الخارجة إلى الفعل {الكبير} الشأن الذي‬
‫َ‬
‫{المتعال} عن أن ينقطع فيضه‬‫يجل عن إعطاء ما يقتضيه بعض االستعدادات بل يسع كلها فيعطيها مقتضياتها ُ‬
‫فيتأخر عن حصول االستعداد وينقص مما يقتضيه‪.‬‬

‫القوة إلى الفعل {ومن هو ُم ْستَخف}‬


‫جهر به} بإبراز العلم من ّ‬
‫أسر القول} في مكمن استعداده {ومن َ‬
‫{سواء منكم من ّ‬
‫بليل ظلمة نفسه {و} من هو ِ‬
‫{سار ٌب} بخروجه من مقام النفس وذهابه في نهار نور الروح‪.‬‬

‫جن القوى الخيالية والوهمية‬


‫{له معقبات} أمداد متعاقبة من الملكوت واصلة إليه من أمر هللا {يحفظونه من} خطفات ّ‬
‫وغلبات البهيمية والسبعية وإهالكها إياه {إن هللا ال ُيغير ما ِبَقومٍ} من نعمة وكمال ظاهر أو باطن {حتى يغيروا ما‬
‫{ي ْسَق ٰى‬
‫عام متصل كالماء الجاري‪ ،‬ألم تر إلى قوله تعالى‪ُ :‬‬
‫فإن الفيض اإللهي ٌ‬ ‫ِبأَنفسهم} من االستعداد وقوة القبول‪ّ ،‬‬
‫ض ِفي األ ُ‬ ‫اح ٍد ونَف ِ‬
‫ٍ ِ‬
‫تكدر‬
‫تكدر استعداده ّ‬ ‫فيتلون بلون االستعداد‪ ،‬فمن ّ‬
‫ُكل} [الرعد‪ ،‬اآلية‪ّ ]4 :‬‬
‫ض َها َعَل ٰى َب ْع ٍ‬ ‫ِب َمآء َو َ ُ ّ‬
‫ض ُل َب ْع َ‬
‫فيضه ف ازد في شره‪ ،‬ومن تصّفىاستعداده تصّفى فيضه فزاد في خيره‪ ،‬وكذا ِ‬
‫الن َعم الظاهرة ال ّبد في تغيرها إلى النقم من‬ ‫ّ‬
‫إن الدعاء الذي ال يتخلف عنه االستجابة المشار إليه بقوله تعالى‪:‬‬ ‫استحقاق جلي أو خفي‪ ،‬ولهذا قال المحققون‪ّ :‬‬
‫َستَ ِج ْب َل ُكم} [غافر‪ ،‬اآلية‪ ]60 :‬هو الذي يكون بلسان االستعداد‪ .‬وعن بعض السلف‪ :‬أن الفأرة مزقت‬ ‫ْ ِ‬
‫{اد ُعوني أ ْ‬
‫خفي‪ ،‬وما أعلم ذلك إال بذنب أحدثته وإال ما سلطها هللا علي‪ .‬وتمثل بقول الشاعر‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫لو كنت من مازن لم تستبح إبلي‬

‫سورة الرعد (من اآلية ‪ 12‬الى اآلية ‪)14‬‬

‫الر ْع ُد ِب َح ْم ِدِه َواْل َمالَِئ َك ُة ِم ْن ِخ َيفِت ِه َوُي ْرِس ُل‬


‫ال * َوُي َسِّب ُح َّ‬ ‫ِ‬
‫اب الثَّق َ‬
‫الس َح َ‬
‫ىء َّ‬ ‫ِ‬
‫ط َمعاً َوُي ْنش ُ‬ ‫ُه َو َّال ِذي ُي ِر ُ‬
‫يك ُم اْلَب ْر َق َخ ْوفاً َو َ‬
‫ين َي ْد ُعو َن ِمن ُدوِن ِه الَ‬ ‫َّ ِ‬
‫ال * َل ُه َد ْعَوةُ اْل َح ِّق َوالذ َ‬ ‫َّللاِ و ُهو َش ِد ُيد اْل ِمح ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِٰ‬
‫آء َو ُه ْم ُي َجدُلو َن في َّ َ َ‬
‫ص ُ ِ‬
‫يب ب َها َمن َي َش ُ‬
‫اعق َفي ِ‬‫َّ ِ‬
‫الص َو َ ُ‬
‫ضالَ ٍل‬ ‫اس ِط َكَّفي ِه ِإَلى اْلم ِآء لِيبُلغ َفاه وما هو ِببالِ ِغ ِه وما دعآء اْل َك ِاف ِر َّ ِ‬ ‫يستَ ِجيبو َن َلهم ِب َشي ٍء ِإالَّ َكب ِ‬
‫ين ِإال في َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ َ ُ‬ ‫َ َْ َ ُ َ َ ُ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َْ ُ‬

‫{هو الذي ُيريكم} برق لوامع األنوار القدسية والخطفة اإللهية {خوفاً} أي‪ :‬خائفين من سرعة انقضائه وبطء رجوعه‬
‫{وي ْنشئ} سحاب السكينة {الثَقال} بماء العلم اليقيني والمعرفة الحقة‪.‬‬
‫ط َمعاً} أي‪ :‬طامعين في ثباته وسرعة رجوعه ُ‬
‫{و َ‬

‫يتصور في العقل ممن ترد عليه تلك التجليات‬‫ّ‬ ‫يسبح هللا ويمجده عما‬
‫{ويسبح} رعد سطوة التجليات الجاللية أي ّ‬
‫لوجدانه ما ال يدركه العقل ويحمده حق حمده بالكمال المستفاد من ذلك التجلي حمداً فعلياً فيكون التسبيح للرعد‬
‫المنزه عن أن يدرك باإلدراك العقلي {والمالئكة} أي‪ :‬ملكوت القوى‬
‫الموجب لذلك أو السطوة تسبح بنفس التجلي ّ‬
‫الروحانية من هيبته وجالله {ويرسل} صواعق السبحات اإللهية بتجلي القهر الحقيقي المتضمن للطف الكلي فيسلب‬
‫"إن هلل سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو‬ ‫الوجود عن المتجلى عليه ويفنيه عن بقية نفسه‪ ،‬كما ورد في الحديث‪ّ :‬‬
‫يب بها من يشاء} من عباده المحبوبين والمحبين‬ ‫كشفها ألحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه"‪ِ .‬‬
‫{فيص ُ‬
‫ُ‬
‫العشاق المشتاقين {وهم ُي َج ِادلون في هللا} بالتفكر في صفاته والنظر العقلي في إثباته وما يجب له ويمتنع عليه من‬
‫المحال} القوي في رفع الحيل العقلية في اإلدراك وطمس نور بصيرته بالتجلي وإحراقه بنور‬
‫ُ‬ ‫شديد‬
‫الصفات {وهو ُ‬
‫العشق‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ين‬ ‫{له دعوة الحق} أي‪ :‬الدعوة الحقية التي ليست بالباطل له ال لغيره يدعو نفسه فيستجيب كما قال تعالى‪{ :‬أَالَ ََِّّللِ ِ‬
‫الد ُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن الدعوة الحّقة الحقيقية باإلجابة هي دعوة‬ ‫ِ‬
‫اْل َخالص} [الزمر‪ ،‬اآلية‪ ]3 :‬أي‪ :‬الدين الخالص ليس إال دينه ومعناه‪ّ :‬‬
‫الموحد الفاني عن نفسه‪ ،‬الباقي برّبه‪ ،‬وكذا الدين الخالص دينه‪ .‬والدعاة القائمون بأنفسهم ال يدعون إال من ّ‬
‫تصوروه‬
‫ونحتوه في خيالهم فال يستجاب لهم إال كاستجابة الجماد الذي يطلب منه الشيء‪ ،‬ولعمري إنه ال يدعو هللا إال الموحد‬
‫وغيره يدعو الغير الموهوم الذي ال قدرة له وال وجود فال استجابة‪ ،‬وهو الذي حجب استعداده بصفات نفسه فال يعلم ما‬
‫استحقه فضاع دعاؤه وال يكون مثل هذا الدعاء إال في ضياع أو دعوة الحق جل وعال‪ ،‬ال تكون إال له‪ ،‬أو دعوة‬
‫المدعو الذي هو الحق هي الدعوة المختصة بذاته ال يدعى بها غيره من أسمائه وصفاته والواصفيون الذين يدعون‬
‫ّ‬
‫أسماءه وصفاته من دون ذاته ال يستجيبهم المدعو إال استجابة كاستجابة داعي الماء باإلشارة لكونهم محجوبين {وما‬
‫ُد َعاء} المحجوبين {إال في} ضياع‪.‬‬

‫سورة الرعد (من اآلية ‪ 15‬الى اآلية ‪)17‬‬

‫ض ُق ِل َّ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َّللاُ‬ ‫اآلصال * ُق ْل َمن َّر ُّب َّ َ َ َ‬ ‫ط ْوعاً َوَك ْرهاً َوظالُل ُهم باْل ُغ ُدّو َو َ‬ ‫ض َ‬ ‫َوََّّلل َي ْس ُج ُد َمن في َّ َ َ َ‬
‫صير أَم هل تَستَ ِوي ُّ‬ ‫ِ‬
‫ضّاًر ُق ْل َه ْل َي ْستَ ِوي األ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آء الَ َي ْمل ُكو َن أل َْنُفس ِه ْم َنْفعاً َوالَ َ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الظُل َما ُت‬ ‫َع َم ٰى َواْلَب ُ ْ َ ْ ْ‬ ‫ُق ْل أََفات َخ ْذتُ ْم ّمن ُدونه أ َْولَي َ‬
‫اح ُد اْلَق َّه ُار * أََن َزَل ِم َن‬ ‫َّللا َخالِق ُك ِل َشي ٍء وهو اْلو ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َو ُّ‬
‫ُ ّ ْ َ َُ َ‬ ‫آء َخَلُقوْا َك َخْلقه َفتَ َش َاب َه اْل َخْل ُق َعَل ْيه ْم ُقل َّ ُ‬‫ور أ َْم َج َعُلوْا ََّّلل ُش َرَك َ‬ ‫الن ُ‬
‫آء ِحْلَي ٍة أ َْو َمتَ ٍ‬
‫اع َزَبٌد ِّم ْثُل ُه‬ ‫ِ ن ِ ِ َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫السْي ُل َزَبداً َّاربياً َوم َّما ُيوق ُدو َ َعَل ْيه في النار ْابت َغ َ‬ ‫آء َف َساَل ْت أ َْوِدَي ٌة ِبَق َد ِرَها َف ْ‬
‫احتَ َم َل َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫الس َمآء َم ً‬
‫الناس َفيم ُك ُث ِفي األَر ِ ٰ‬ ‫َّللا اْلح َّق واْلب ِ‬ ‫ٰ‬
‫َّللاُ‬ ‫ض َكذلِ َك َي ْ‬
‫ض ِر ُب َّ‬ ‫ْ‬ ‫َما َما َي َنف ُع َّ َ َ ْ‬
‫آء َوأ َّ‬ ‫اط َل َفأ َّ َّ‬
‫َما الزَب ُد َفَي ْذ َه ُب ُجَف ً‬ ‫ض ِر ُب َّ ُ َ َ َ‬ ‫َكذلِ َك َي ْ‬
‫ال‬
‫األ َْمثَ َ‬

‫{وهلل} ينقاد {من في السموات واألرض} من الحقائق الروحانيات كأعيان الجواهر وملكوت األشياء {وظاللهم} أي‪:‬‬
‫هياكلهم وأجسادهم التي هي أصنام تلك الروحانيات وظاللها‪ ،‬ولهذا ق أر النبي صلى هللا عليه وسلم في هذه السجدة‪:‬‬
‫"سجد لك وجهي‪ ،‬وسوادي‪ ،‬وخيالي" أي‪ :‬حقيقة ذاتي وسواد شخصي وخيال نفسي‪ ،‬أي‪ :‬وجودي وعيني وشخصي‬
‫{بالغدو واآلصال}‬
‫ّ‬ ‫{طوعاً وكرهاً} أي‪ :‬شاؤوا أو أبوا‪ ،‬والمعنى يلزمهم ذلك اضط ار اًر‪ ،‬ألن بعضهم طائع وبعضهم كاره‬
‫أي‪ :‬دائماً {قل أفاتَ َخ ْذتُم من ُدوِنه} أي‪ :‬من كل ما عداه كائناً من كان {أولياء ال يملكون ألنفسهم نفعاً وال ّاً‬
‫ضر} إذ‬
‫القادر المالك هو هللا ال غير‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{فاحتَمل} سيل العلم {زبداً} من خبث‬
‫{أنزل} من سماء روح القدس ماء العلم {فسالت أودية} القلوب بقدر استعداداتها ْ‬
‫صفات أرض النفس ورذائلها ودناياها {ومما يوقدون عليه} في نار العشق من المعارف والكشوف والحقائق والمعاني‬
‫{ابِت َغاء} زينة النفس وبهجتها بها لكونها كماالت لها {أو متاعٌ} من الفضائل الخلقية التي يحصل‬
‫التي تهيج العشق ْ‬
‫بسببها‪ ،‬فإنها مما يتمتع به النفس {زبد مثله} خبث كالنظر إليها ورؤيتها وتصور النفس كونها كاملة أو فاضلة متزينة‬
‫يعد من آفات النفس وذنوب األحوال {فأما الزبد فيذهب جفاء}‬ ‫بزينة تلك األوصاف وإعجابها واحتجابها وسائر ما ّ‬
‫الحقية‬
‫ّ‬ ‫مرمياً به منفياً بالعلم كما قال تعالى‪ِّ{ :‬لُي َ‬
‫ط ِّه َرُك ْم ِبه} [األنفال‪ ،‬اآلية‪{ ،]11 :‬وأما ما َي ْنفع الناس} من المعاني‬
‫والفضائل الخالصة {فيمكث} في أرض النفس‪.‬‬

‫سورة الرعد (من اآلية ‪ 18‬الى اآلية ‪)22‬‬

‫ض َج ِميعاً َو ِم ْثَل ُه َم َع ُه الَ ْفتََد ْوْا ِب ِه أ ُْوَلـِٰئ َك َل ُه ْم‬ ‫َن َل ُهم َّما ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َل ْم َي ْستَج ُيبوْا َل ُه َل ْو أ َّ ْ‬
‫َّ ِ‬
‫اْل ُح ْسَن ٰى َوالذ َ‬ ‫استَ َج ُابوْا لِ َرّبِ ِه ُم‬
‫ين ْ‬
‫َِّ ِ‬
‫للذ َ‬
‫ِك اْل َح ُّق َك َم ْن ُهَو أَ ْع َم ٰى ِإَّن َما َيتَ َذ َّك ُر أ ُْوُلوْا‬ ‫ِ‬ ‫َج َهَّنم َوبِ ْئ َس اْل ِم َه ُاد * أََف َمن َي ْعَلم أََّن َمآ أ ِ‬ ‫سوء اْل ِحس ِ‬
‫ُنزَل ِإَل ْي َك من َرّب َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫اه ْم‬
‫اب َو َمأ َْو ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫صُلون مآ أَمر َّ ِ ِ‬ ‫َّللاِ والَ ي ُنقضو َن اْل ِميثَاق * و َّال ِذين ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫األَْلب ِ‬
‫وص َل َوَي ْخ َش ْو َن َرب ُ‬
‫َّه ْم‬ ‫َّللاُ به أَن ُي َ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ين ُيوُفو َن ِب َع ْهد َّ َ َ ُ‬‫اب * الذ َ‬ ‫َ‬
‫اه ْم ِسّاًر َو َعالَِنَي ًة َوَي ْد َرءو َن‬ ‫ِ‬ ‫اب * و َّال ِذين صبروْا ابِتغاء وج ِه رب ِِهم وأََقاموْا َّ ٰ‬‫الحس ِ‬‫ِ‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫الصلوةَ َوأ َْنَفُقوْا م َّما َرَزْقَن ُ‬ ‫َ َ َ َُ ْ َ َ َ ْ َ ّ ْ َ ُ‬ ‫وء َ‬ ‫َوَي َخا ُفو َ ُس َ‬
‫ِباْل َح َسَن ِة َّ‬
‫السِّيَئ َة أ ُْوَلـِٰئ َك َل ُه ْم ُعْقَب ٰى َّ‬
‫الد ِار‬

‫{الح ْسنى} أي‪ :‬المثوبة الحسنى وهو الكمال‬ ‫استَ َجابوا لرّبهم} بتصفية االستعداد عن كدورات صفات النفس ُ‬ ‫{للذين ْ‬
‫ور َعَل ٰى ُنور} [النور‪ ،‬اآلية‪{ ،]35 :‬والذين لم َي ْستَجيبوا} لم‬ ‫الفائض عليهم عند الصفاء المعبر عنه بقوله تعالى‪ُّ :‬‬
‫{ن ٌ‬
‫يتزكوا عن الرذائل البشرية والكدورات الطبيعية ال يمكنهم االفتداء بكل ما في الجهة السفلية من األموال واألسباب التي‬
‫انجذبوا إليها بالمحبة فأهلكوا نفوسهم‪ ،‬ألن تلك سبب زيادة البعد والهالك‪ ،‬فكيف تكون سبباً لخالصهم عن تلك‬
‫الظلمات وتبرئهم عنها؟‪ ،‬ال ينفعهم عند رسوخ هيئات التعلق بها في أنفسهم {أولئك لهم سوء ِ‬
‫الحساب} لوقوفهم مع‬ ‫ُ‬
‫األفعال في مقام النفس الذي هو مقام العدل اإللهي‪ ،‬فال بد لهم من المناقشة في الحساب {ومأواهم جهنم} صفات‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{وي ْخشون رّبهم} عند تجلي الصفات في مقام القلب‪ ،‬فيشاهدون جالل صفة‬
‫النفس ونيران الحرمان وهيئات السوء َ‬
‫العظمة ويلزمهم الهيبة والخشية {ويخا ُفون ُسوء الحساب} عند تجلي األفعال في مقام النفس فينظرون إلى البطش‬
‫والعقاب فيلزمهم الخوف‪.‬‬

‫صَبروا} في سلوك سبيله عن المألوفات طلباً لرضاه واشتغلوا بالتزكية بالعبادات المالية والبدنية ويدفعون‬ ‫الذين َ‬
‫{و َ‬
‫ئك لهم ُعْقبى الدار} بالرجوع إلى الفطرة أو صبروا عن صفات نفوسهم {ابتغاء وجه رّبهم}‪،‬‬ ‫بالفضيلة رذيلة النفس {أوَل َ‬
‫أي‪ :‬لمحبة الذات ال لمحبة الصفات‪ ،‬وأقاموا صالة المشاهدة {وأنفقوا مما رزقناهم} من المقامات واألحوال والكشوف‬
‫{سر} بالتجريد عن هيئاتها وهيئات الركون إليها والمحبة إياها‪{ ،‬وعالنية} بتركها وعدم االلتفات إليها‪،‬‬
‫واألعمال ّاً‬
‫{ويدرؤون بالحسنة} الحاصلة من تجلي الصفة اإللهية {السيئة} التي هي صفة النفس {أولئك لهم عقبى الدار} أي‪:‬‬
‫البقاء بعد الفناء‪.‬‬

‫سورة الرعد (من اآلية ‪ 23‬الى اآلية ‪)32‬‬

‫َّات ِهم والمالَِئ َك ُة ي ْد ُخُلو َن َعَل ْي ِهم ِمن ُك ِل ب ٍ‬


‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اب * َسالَ ٌم َعَل ْي ُكم‬ ‫ْ ّ ّ َ‬ ‫َ‬ ‫صَل َح م ْن َآبائه ْم َوأ َْزَواجه ْم َوُذِّري ْ َ َ‬ ‫ات َع ْد ٍن َي ْد ُخُل َ‬
‫ون َها َو َم ْن َ‬ ‫َجَّن ُ‬
‫وص َل َوُيْف ِس ُدو َن‬ ‫طعون مآ أَمر َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫الد ِار * و َّال ِذين ي ُنقضو َن عهد َّ ِ ِ‬ ‫صَب ْرتُ ْم َفِن ْعم ُعْقَب ٰى َّ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ به أَن ُي َ‬ ‫َّللا من َب ْعد ميثَاقه َوَيْق َ ُ َ َ َ َ‬ ‫ََْ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ب َما َ‬
‫الرْز َق لِ َم ْن َي َشآء َوَيَق ِد ُر َوَف ِرُحوْا ِباْل َحَي ِاة ُّ‬
‫الد ْنَيا َو َما اْل َحَياةُ‬ ‫ط ِّ‬ ‫الد ِار * َّ‬
‫َّللاُ َي ْب ُس ُ‬ ‫الل ْعَن ُة َوَل ُه ْم ُسوء َّ‬ ‫ض أُوَلـِٰئك َلهم َّ‬
‫ِفي األ َْر ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ُُ‬
‫آء َوَي ْه ِدي ِإَل ْي ِه َم ْن‬ ‫ِه ُقل ِإ َّن َّ ِ‬
‫َّللاَ ُيض ُّل َمن َي َش ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُنزَل َعَل ْيه َآي ٌة ّمن َّرّب ْ‬ ‫ين َكَف ُروْا َل ْوالَ أ ِ‬ ‫اآلخرِة ِإالَّ متَاع * ويُق َّ ِ‬
‫ول الذ َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ‬
‫الد ْنيا ِفي ِ‬
‫ُّ َ‬
‫الصالِح ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّللاِ تَ ْ ِ‬
‫َّللاِ أَالَ ِب ِذ ْك ِر َّ‬
‫وب ُه ْم ِب ِذ ْك ِر َّ‬ ‫أَناب * َّال ِذين آمنوْا وتَ ْ ِ‬
‫وب ٰى‬
‫طَ‬ ‫ات ُ‬ ‫آمُنوْا َو َعمُلوْا َّ َ‬ ‫ين َ‬ ‫وب * الذ َ‬ ‫ط َمئ ُّن اْلُقُل ُ‬ ‫ط َمئ ُّن ُقُل ُ‬ ‫َ َُ َ‬ ‫َ َ‬
‫ُم ٌم ّلِتَْتُل َوْا َعَل ْي ِه ُم َّال ِذي أَ ْو َح ْيَنآ ِإَل ْي َك َو ُه ْم َي ْكُف ُرو َن ِب َّ‬
‫الر ْح َمـ ِٰن‬ ‫ِ ِ‬ ‫آب * َك َذلِك أَرسْلناك ِفي أ َّ ٍ‬ ‫َلهم وحس ُن م ٍ‬
‫ُمة َق ْد َخَل ْت من َقْبل َهآ أ َ‬ ‫َ َْ َ َ‬ ‫ُْ َ ُ ْ َ‬
‫ض أ َْو ُكِّل َم ِب ِه‬ ‫ِ‬
‫ط َع ْت ِبه األ َْر ُ‬ ‫ال أ َْو ُق ِّ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫َن ُق ْرآناً ُسّي َر ْت به اْلجَب ُ‬ ‫اب * َوَل ْو أ َّ‬ ‫ُق ْل ُهو رّبِي ال ِإَلـ َٰه ِإالَّ ُهو َعَل ْي ِه تَوَّكْل ُت وِإَل ْي ِه متَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫ال الذي َن َكَف ُروْا تُص ُيب ُهم ِب َما‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاُ َل َه َدى َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اْلم ْوتَ ٰى َبل ََّّلل األ َْم ُر َجميعاً أََفَلم َي ْيأ ِ‬
‫اس َجميعاً َوالَ َي َز ُ‬ ‫الن َ‬ ‫آء َّ‬‫آمُنوْا أَن ل ْو َي َش ُ‬
‫ين َ‬‫َس الذ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِئ ِب ُرُس ٍل ِّمن َقْبلِ َك‬
‫استُ ْهز َ‬
‫ِ‬
‫يع َاد * َوَلَقد ْ‬
‫ِ‬
‫ف اْلم َ‬
‫ِ‬ ‫َّللاِ ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ الَ ُي ْخل ُ‬ ‫صَن ُعوْا َق ِارَعةٌ أ َْو تَ ُح ُّل َق ِريباً ِّمن َد ِارِه ْم َحتَّ ٰى َيأِْتي َو ْع ُد َّ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ان ِعَق ِ‬
‫اب‬ ‫َِّ ِ‬
‫ف َك َ‬ ‫َخ ْذتُ ُه ْم َف َك ْي َ‬
‫ين َكَف ُروْا ثُ َّم أ َ‬
‫َفأ َْمَل ْي ُت للذ َ‬

‫وجنة األفعال‬ ‫عدن} أي‪ :‬ثالثتها‪ ،‬يدخلون جنة الذات مع من صلح من آباء األرواح‪ّ ،‬‬
‫وجنة الصفات بالقلوب‪ّ ،‬‬ ‫{جنات ٍ‬
‫ّ‬
‫بمن صلح من أزواج النفوس وذرّيات القوى {والمالئكة} من أهل الجبروت والملكوت {يدخلون عليهم من كل باب} من‬
‫أبواب الصفات مسلمين محيين إياهم بتحايا اإلشراقات النورية واإلمدادات القدسية كل ذلك بسبب صبرهم على اللذات‬
‫يضل من يشاء} أي‪ :‬ليس الهداية والضالل باآليات فإن في كل شيء آية‪ ،‬وكفى باآليات المنزلة‬ ‫ّ‬ ‫إن هللا‬
‫الحسية {قل ّ‬
‫ّ‬
‫{يضل من يشاء} لعدم االستعداد أو لحجبهم‬
‫ّ‬ ‫على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وإنما هما بالمشيئة اإللهية‪،‬‬
‫بالغواشي الظلمانية {ويهدي إليه من أناب} بتصفية االستعداد من المحبين‪ .‬وكما أن أهل الضالل فريقان‪ :‬عديم‬
‫ومحبون‬
‫ّ‬ ‫االستعداد وحاجبه بظلمة البشرية‪ ،‬فكذلك أهل الهداية قسمان‪ :‬محبوبون يهتدون بغير اإلنابة لقوة االستعداد‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫يب} [الشورى‪ ،‬اآلية‪.]13 :‬‬ ‫آء َوَي ْهدي ِإَل ْيه َمن ُين ُ‬
‫{ي ْجتَبي إَل ْيه َمن َي َش ُ‬
‫يهديهم هللا بعد اإلنابة‪ ،‬كما قال تعالى‪َ :‬‬

‫مئن قلوبهم ِبذ ِ‬


‫كر هللا} ذكر النفس باللسان والتف ّكر‬ ‫ط ّ‬ ‫{وت ْ‬
‫العلمي بالغيب َ‬ ‫{الذين آمنوا} أي‪ :‬المنيبون الذين آمنوا اإليمان‬
‫ّ‬
‫النعم‪ ،‬أو ذكر القلب بالتف ّكر في الملكوت ومطالعة صفات الجمال والجالل‪ ،‬فإن للذكر مراتب ذكر النفس باللسان‬ ‫في ِ‬

‫السر بالمناجاة‪ ،‬وذكر الروح بالمشاهدة‪ ،‬وذكر الخفاء‬ ‫ِ‬


‫والتفكر في الن َعم‪ ،‬وذكر القلب بمطالعة الصفات‪ ،‬وذكر ّ‬
‫فيتلون القلب بسببها‬
‫بالمناغاة في المعاشقة‪ ،‬وذكر هللا بالفناء فيه‪ .‬والنفس تضطرب بظهور صفاتها وأحاديثها وتطيش ّ‬
‫"إن الشيطان يضع‬
‫ويتغير بأحاديثها‪ ،‬فإذا ذكر هللا استقرت النفس وانتفت الوساوس كما قال عليه الصالة والسالم‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫خرطومه على قلب ابن آدم‪ ،‬فإذا ذكر هللا خنس فاطمأن القلب"‪ .‬وكذا ذكر القلب بالتفكر في الملكوت ومطالعة أنوار‬
‫الجبروت‪ ،‬وأما سائر اآلذكار فال تكون إال بعد االطمئنان‪ .‬والعمل الصالح ههنا‪ :‬التزكية والتحلية و {طوبى لهم}‬
‫جنة الصفات‪.‬‬
‫بالوصول إلى الفطرة وكمال الصفات {وحسن مآب} بالدخول في جنة القلب‪ّ ،‬‬

‫سورة الرعد (من اآلية ‪ 33‬الى اآلية ‪)40‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اه ٍر ِّم َن‬ ‫ظِ‬ ‫ض أَم ِب َ‬ ‫ون ُه ِبما الَ َي ْعَلم ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫وه ْم أ َْم تَُنّبُئ َ َ‬ ‫آء ُق ْل َس ُّم ُ‬ ‫أََف َم ْن ُه َو َقآئ ٌم َعَل ٰى ُك ّل َنْفس ب َما َك َسَب ْت َو َج َعُلوْا ََّّلل ُش َرَك َ‬
‫اب ِفي اْل َحَي ِاة ُّ‬
‫الد ْنَيا‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ َف َما َل ُه م ْن َهاد * ل ُه ْم َع َذ ٌ‬ ‫ضلِ ِل َّ‬ ‫يل َو َمن ُي ْ‬ ‫السِب ِ‬
‫صُّدوْا َع ِن َّ‬ ‫ين َكَف ُروْا َم ْك ُرُه ْم َو ُ‬
‫اْلَقو ِل بل زي َِّ ِ‬
‫ِن للذ َ‬ ‫ْ َ ْ ُّ َ‬
‫اق * َّمَث ُل اْل َجَّن ِة َّالِتي ُو ِع َد اْل ُمتَُّقو َن تَ ْجرِي ِمن تَ ْحِت َها األ َْن َه ُار أ ُ‬
‫ُكُل َها َد ِآئ ٌم‬ ‫َّللاِ ِمن و ٍ‬
‫َ‬ ‫َش ُّق َو َما َل ُهم ِّم َن َّ‬ ‫وَلع َذاب ِ‬
‫اآلخ َرِة أ َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫َح َز ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ُّ ِ‬
‫اب َمن‬ ‫ُنزَل ِإَل ْي َك َو ِم َن األ ْ‬‫اب َيْف َر ُحو َن ِب َمآ أ ِ‬
‫اه ُم اْلكتَ َ‬ ‫ين آتَْيَن ُ‬
‫الن ُار * َوالذ َ‬ ‫ين َّ‬ ‫ين اتََّقوْا َّو ُعْقَبى اْل َكاف ِر َ‬‫ِوظل َها تْل َك ُعْقَب ٰى الذ َ‬
‫َنزلَناهُ ُح ْكماً َع َربِّياً َوَلِئ ِن اتََّب ْع َت‬
‫آب * َوَك ٰذلِ َك أ َ ْ‬ ‫ك ِب ِه ِإَل ْي ِه أ َْد ُعوْا وِإَل ْي ِه م ِ‬
‫ُش ِر َ‬
‫َّللاَ َوال أ ْ‬
‫َعُب َد َّ‬
‫َن أ ْ‬
‫ِ‬
‫ض ُه ُق ْل ِإَّن َمآ أُم ْر ُت أ ْ‬
‫ِ‬
‫ُينك ُر َب ْع َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اق * َوَلَق ْد أ َْرَسْلَنا ُرُسالً ِّمن َقْبلِ َك َو َج َعْلَنا َل ُه ْم أ َْزَواجاً‬ ‫َّللاِ ِمن ولِ ٍي والَ و ٍ‬ ‫ك ِم َن اْل ِعْل ِم َما َل َك ِم َن َّ‬ ‫آء َ‬
‫َ ّ َ َ‬ ‫اء ُهم َب ْع َد َما َج َ‬ ‫َه َو َ‬
‫أْ‬
‫َّللا ما ي َشآء وي ْثِب ُت و ِع َنده أ ُُّم اْل ِكتَ ِ‬ ‫َّللاِ لِ ُك ِل أ ٍ ِ‬ ‫ٍ َّ‬ ‫ِ‬ ‫وُذ ِرَّي ًة وما َك َ ِ ٍ‬
‫اب *‬ ‫َ ُ‬ ‫اب * َي ْم ُحوْا َّ ُ َ َ ُ َ ُ‬ ‫َجل كتَ ٌ‬ ‫ان ل َرُسول أَن َيأْت َي ِب َآية ِإال ِبِإ ْذ ِن َّ ّ َ‬ ‫َ ّ ََ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫ض الذي َنع ُد ُه ْم أ َْو َنتََوفَيَّن َك َفِإَّن َما َعَل ْي َك اْلَبالَغُ َو َعَل ْيَنا اْلح َس ُ‬
‫اب‬ ‫َوإِن َّما ُن ِرَيَّن َك َب ْع َ‬

‫قائم على كل نفس بما َكسبت} أي‪ :‬يقوم عليها بإيجاد كل ما ينسب إليها من مكاسبها‪ ،‬قيوم لها‬ ‫{أفمن هو ٌ‬
‫وبمكس وباتها‪ ،‬وإنما سمي مكسوبها وإن كان بخلق هللا تعالى ألنه إنما أظهره عليها الستعداد فيها يناسبه به قبلته من‬
‫هللا تعالى‪ ،‬فمن جهة قبول المحل وصالحيته لمظهريته ومحليته ينسب إلى كسبها مع قيام الحق تعالى‪ :‬بإيجاده ألنها‬
‫اقتضته‪ ،‬أو قائم عليها بحسب كسبها وبمقتضاه أي كما يقتضي مكسوباتها من الصفات واألحوال التي تعرض‬
‫الستعدادها يفيض عليها من الجزاء الذي هو الهيئات الكمالية النورانية المثيبة إياها‪ ،‬أو الهيئات الكدرة الظلمانية‬
‫المع ّذبة إياها‪.‬‬

‫مقدر أو مفروض في ذلك الوقت على الخلق‪ ،‬فالشرائع معينة عند هللا بحسب‬ ‫{لكل ٍ‬
‫أجل كتاب} لكل وقت أمر مكتوب ّ‬
‫األوقات في كل وقت يأتي بما هو صالح ذلك الوقت رسول من عنده وكذا جميع الحوادث من اآليات وغيرها‪{ .‬وما‬
‫وتبدل‬
‫كان لرسول أن يأتي} بشيء منها إال بإذنه في وقته ألنها معينة بإزاء األوقات التي تحدث فيها من غير تغير ّ‬
‫وتقدم وتأخر {يمحو هللا ما ي شاء} عن األلواح الجزئية التي هي النفوس السماوية من النقوش الثابتة فيها فيعدم عن‬
‫ّ‬
‫{ويثبت} ما يشاء فيها فيوجد‪{ .‬وعنده ّأم الكتاب} أي‪ :‬لوح القضاء السابق الذي هو عقل الكل المنتقش‬ ‫المواد ويفنى ُ‬
‫المنزه عن المحو واإلثبات‪ ،‬فإن األلواح أربعة‪ :‬لوح القضاء السابق‬
‫الكلي ّ‬ ‫بكل ما كان ويكون أزالً وأبداً على الوجه‬
‫ّ‬
‫العالي عن المحو واإلثبات وهو لوح العقل األول‪ .‬ولوح القدر أي‪ :‬لوح النفس الناطقة الكلية التي يفصل فيها كليات‬
‫اللوح األول ويتعلق بأسبابها وهو المسمى بـ‪ :‬اللوح المحفوظ‪ .‬ولوح النفوس الجزئية السماوية التي ينتقش فيها كل ما‬
‫في هذا العالم بشكله وهيأته ومقداره وهو المسمى بالسماء الدنيا وهو بمثابة خيال العالم كما أن األول بمثابة روحه‬
‫والثاني بمثابة قلبه‪ .‬ثم لوح الهيولى القابل للصور في عالم الشهادة وهللا أعلم ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الرعد (من اآلية ‪ 41‬الى اآلية ‪)43‬‬

‫ين ِمن‬ ‫َّ ِ‬


‫اب * َوَق ْد َم َك َر الذ َ‬ ‫س ِريع اْل ِحس ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫َّللاُ َي ْح ُك ُم الَ ُم َعِّق َب لِ ُح ْك ِم ِه َو ُه َو‬ ‫ص َها ِم ْن أَ ْ‬
‫ط َرِاف َها َو َّ‬ ‫ض َننُق ُ‬
‫ِ‬
‫أ ََوَل ْم َي َرْوْا أََّنا َنأْتي األ َْر َ‬
‫ين َكَف ُروْا َل ْس َت ُم ْرَسالً‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ول الذ َ‬ ‫* َوَيُق ُ‬ ‫الد ِار‬‫س َو َسَي ْعَلم اْل ُكَّف ُار لِ َم ْن ُعْقَبى َّ‬ ‫َقْبلِ ِهم َفلَِّل ِه اْلم ْك ُر َج ِميعاً َي ْعَلم ما َت ْك ِس ُب ُك ُّل َنْف ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫اب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َش ِهيداً ب ْيني وب ْيَن ُكم وم ْن ع َنده عْلم اْل ِكتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُق ْل َكَف ٰى ِب َّ‬
‫ُ ُ‬ ‫َ ََ ْ َ َ‬

‫ط َرافها} بتواكل األعضاء وتخاذل‬


‫{أو لم َيروا أنا نأتي األرض} نقصد أرض الجسد وقت الشيخوخة {ننقصها من أ ْ‬
‫القوى وكاللة الحواس شيئاً فشيئاً حتى يموت {وهللا يحكم} على هذا الوجه {ال معقب لحكمه} ال رّاد وال ّ‬
‫مبدل لحكمه‪،‬‬
‫أو نأتي أرض النفس وقت السلوك ننقصها من أطرافها بإفناء أفعالها بأفعالنا أوالً كما قال تعالى‪" :‬بي يسمع وبي‬
‫يبصر"‪ ،‬ثم بإفناء صفاتها بصفاتنا ثانياً‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي ُي ْبصر"‪ .‬ثم بإفناء‬
‫{َّللِ اْلو ِ‬
‫اح ِد اْلَق َّهار}‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذاتها بذاتنا كما قال تعالى‪ّ{ :‬ل َم ِن اْل ُمْل ُك اْلَي ْوم} [غافر‪ ،‬اآلية‪ ]16 :‬وأجاب نفسه بقوله تعالى‪َ َّ :‬‬
‫[غافر‪ ،‬اآلية‪ ]16 :‬لفناء الخلق كله‪ ،‬وحينئذ ال حكم إال هلل‪ ،‬يحكم كما يشاء ال معقب لحكمه لعدم غيره ‪.‬‬

‫سورة إبراهيم (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)3‬‬

‫َّللاِ َّال ِذي َل ُه َما‬


‫يز اْل َح ِم ِيد * َّ‬ ‫صر ِ‬
‫اط اْل َع ِز ِ‬ ‫ِ‬
‫ور ِبِإ ْذ ِن َرِّب ِه ْم ِإَل ٰى َ‬ ‫ات ِإَلى ُّ‬
‫الن ِ‬ ‫الظُلم ِ‬
‫َ‬
‫الناس ِمن ُّ‬ ‫ِ‬
‫َنزلَناهُ ِإَل ْي َك لتُ ْخ ِرَج َّ َ َ‬ ‫اب أ َ ْ‬ ‫ِ‬
‫الر كتَ ٌ‬
‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ض وويل ّلِْل َك ِاف ِرين ِمن ع َذ ٍ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِفي َّ ِ‬
‫صُّدو َن‬‫الد ْنَيا َعَلى اآلخ َرة َوَي ُ‬‫اة ُّ‬ ‫ين َي ْستَ ِحبُّو َن اْل َحَي َ‬
‫اب َشديد * الذ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫الس َٰم َٰوت َو َما في األ َْر ِ َ َ ْ ٌ‬
‫ضالَ ٍل َب ِع ٍيد‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يل َّ ِ‬
‫َعن سِب ِ‬
‫ون َها ع َوجاً أ ُْوَلـٰئ َك في َ‬
‫َّللا َوَي ْب ُغ َ‬ ‫َ‬

‫{الر كتاب أنزلناه إليك لتُ ْخ ِرج الناس} من ظلمات الكثرة إلى نور الوحدة‪ ،‬أو من ظلمات صفات النشأة إلى نور‬
‫الفطرة‪ ،‬أو من ظلمات حجب األفعال والصفات إلى نور الذات {بإذن رّبهم} بتيسيره بإبداع ذلك النور فيهم بهيئة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫االستعداد من الفيض األقدس من عالم األلوهية وتوفيقه بتهيئة أسباب خروجه إلى الفعل من حضرة الربوبية‪ ،‬إذ اإلذن‬
‫منه هبة االستعداد وتهيئة األسباب وإال لم يكن ألحد إخراجهم {إلى صر ِ‬
‫اط العزيز} القوي الذي يقهر ظلمات الكثرة‬
‫بنور وحدته {الحميد} بكمال ذاته‪ .‬وعلى المعنى الثاني‪{ :‬صراط العزيز} الذي يقهر صفات النفس بنور القلب {الحميد}‬
‫الذي يهب ِن َعم الفضائل والعلوم عند صفاء الفطرة‪ .‬وعلى الثالث‪{ :‬العزيز} الذي يقهر بسبحات ذاته أنوار صفاته‬
‫ويفنى بحقيقة هويته جميع مخلوقاته الحميد الذي يهب الوجود الباقي الكامل بعد فناء الرذائل الناقص بوجود ذاته‬
‫ين} المحجوبين عن الوحدة أو الفطرة أو تجلي الذات وكشفه‪ .‬ويترتب على الوجوه الثالثة‬
‫{وويل للكافر َ‬
‫ٌ‬ ‫وجمال وجهه‪.‬‬
‫التضاد وإما عذاب هيئات الرذائل ونيران صفات النفس‬
‫ّ‬ ‫محبة األنداد في جحيم‬
‫مراتب العذاب‪ ،‬فهو إما عذاب ّ‬
‫ومقتضيات الطبائع أو عذاب حجب األفعال والصفات والحرمان عن نور الذات‪.‬‬

‫الحسية على العقلية والصورية على المعنوية لوصفه الضالل بالبعد وكون عالم ّ‬
‫الحس‬ ‫ّ‬ ‫{الذين} يؤثرون {الحياة الدنيا}‬
‫في أبعد المراتب عن هللا تعالى‪.‬‬

‫سورة إبراهيم (من اآلية ‪ 4‬الى اآلية ‪)9‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ان َقو ِم ِه لِيبِين َلهم َفي ِ‬ ‫ٍ َّ ِ‬ ‫ِ‬


‫يم * َوَلَق ْد‬ ‫ِ‬
‫آء َوَي ْهدي َمن َي َشآ ُء َو ُهَو اْل َعز ُيز اْل َحك ُ‬
‫َّللاُ َمن َي َش ُ‬
‫ض ُّل َّ‬ ‫َو َمآ أ َْرَسْلَنا من َّرُسول ِإال ِبل َس ِ ْ ُ َّ َ ُ ْ ُ‬
‫ٍ ِ ِ‬ ‫ور وَذ ِّكرهم ِبأَيَّا ِم َّ ِ ِ ِ ٰ ِ‬ ‫ات ِإَلى ُّ‬‫الظُلم ِ‬
‫َخ ِرج َقومك ِمن ُّ‬ ‫ِ‬
‫ور *‬ ‫َّار َش ُك ٍ‬
‫صب ٍ‬ ‫َّللا إ َّن في ذل َك آلَيات ّل ُك ّل َ‬ ‫الن ِ َ ْ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َن أ ْ ْ ْ َ َ َ‬ ‫وس ٰى ِب َآياتَنآ أ ْ‬
‫أ َْرَسْلَنا ُم َ‬
‫ِ ن‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ عَلي ُكم ِإ ْذ أَنج ُ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫آء ُك ْم‬
‫وء اْل َع َذاب َوُي َذّب ُحو َ أ َْبَن َ‬ ‫ون ُك ْم ُس َ‬ ‫وم َ‬ ‫اك ْم ّم ْن آل ف ْرَع ْو َن َي ُس ُ‬ ‫َ‬ ‫وس ٰى لَق ْومه ا ْذ ُك ُروْا ن ْع َم َة َّ َ ْ ْ‬ ‫ال ُم َ‬‫َوِإ ْذ َق َ‬
‫ُّك ْم َلِئن َش َك ْرتُ ْم أل َِز َيدَّن ُك ْم َوَلِئن َكَف ْرتُ ْم ِإ َّن َع َذاِبي َل َش ِد ٌيد‬
‫يم * َوإِ ْذ تَأ ََّذ َن َرب ُ‬ ‫ويستَحيون ِنسآء ُكم وِفي ٰذلِ ُكم بالء ِمن َّرب ُ ِ‬
‫َّك ْم َعظ ٌ‬ ‫ْ َ ٌ ّ‬ ‫ََ ْ ُْ َ َ َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َجميعاً َفِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬
‫ال موسى ِإن تَ ْكُف ُروْا أَنتُم ومن في األ َْر ِ‬
‫ين من َقْبل ُك ْم َق ْو ِم ُنو ٍح‬ ‫َّللاَ َل َغن ٌّي َحم ٌيد * أََل ْم َيأْت ُك ْم َنَبأُ الذ َ‬ ‫ْ ََ‬ ‫* َوَق َ ُ َ‬
‫ٰت َفرُّدوْا أَي ِديهم ِفي أَ ْفوِ‬
‫ٰه ِه ْم َوَقاُلوْا ِإَّنا َكَف ْرَنا ِب َمآ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ين ِمن َب ْع ِد ِه ْم الَ َي ْعَل ُم ُه ْم ِإالَّ َّ‬ ‫وع ٍاد وثَم َّ ِ‬
‫َ‬ ‫آء ْت ُه ْم ُرُسُل ُه ْم باْلَبّيَنـ َ ْ َ ُ ْ‬ ‫َّللاُ َج َ‬ ‫ود َوالذ َ‬ ‫ََ َ ُ َ‬
‫يب‬‫ونَنآ ِإَل ْي ِه م ِر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أ ُْرِسْلتُ ْم ِبه َوإَِّنا َلِفي َش ٍّك ّم َّما تَ ْد ُع َ‬
‫ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{وما أرسلنا من رسول إال ِبلِ َسان قومه} أي‪ :‬بكالم يناسب ما عليه حالهم بحسب استعدادهم وعلى قدر عقولهم وإال‬
‫لم يفهموا لبعد ذلك المعنى عن أفهامهم وعدم مناسبته لمقامهم‪ ،‬فلم يمكنه أن يبين لهم ما في استعدادهم األول بالقوة‬
‫{فيضل هللا من يشاء} لزوال استعداده بالهيئات الظلمانية‬
‫ّ‬ ‫من الكمال الالئق به وما تقتضيه هوياتهم بحسب الفطرة‬
‫ورسوخها واالعتقادات الباطلة واستقرارها {ويهدي من يشاء} ممن بقي على استعداده أو لم يترسخ فيه حواجب هيئاته‬
‫ويضل من يشاء ضاللته‬
‫ّ‬ ‫القوي الذي ال يغلب على مشيئته فيهدي من يشاء هدايته‬
‫وصور اعتقاداته {وهو العزيز} ّ‬
‫الضال بأصناف الخذالن على مقتضى الحكمة‬
‫ّ‬ ‫{الحكيم} الذي يدبر أمر هداية المهتدي بأنواع اللطف وأمر ضالل‬
‫البالغة‪.‬‬

‫شكور} أي‪ :‬لكل مؤمن باإليمان الغيبي إذ الصبر والشكر مقامان للسالك قبل الوصول‬‫ذلك آليات لكل صبار ُ‬ ‫{إن في َ‬ ‫ّ‬
‫حال العقد اإليماني والسير في األفعال لتحصيل رتبة التوكل‪ ،‬وحينئذ آياته التي يعتبر بها ويستمدها يتمسك بها‬
‫ويعتمدها في سلوكه هي األفعال‪ ،‬فكلما رأى نعمة أو سمع بها أو وصلت إليه من هداية وغيرها شكره باللسان وبالقلب‬
‫بتصوره من عند هللا‪ ،‬وبالجوارح بحسن التلقي والقبول والطاعة والعمل بمقتضاها على ما ينبغي‪ ،‬وكلما رأى أو سمع‬
‫بالء أو نزل به صبر بحفظ اللسان عن الجزع‪ .‬وقول‪ِ{ :‬إَّنا ََّّللِ َوِإَّنـآ ِإَل ْي ِه َار ِجعو َن} [البقرة‪ ،‬اآلية‪ ]156 :‬وربط القلب‬
‫وتصور أن له فيه خير أو مصلحة وإال لما ابتاله هللا به ومنع الجوارح عن االضطراب‪.‬‬ ‫ّ‬

‫سورة إبراهيم (من اآلية ‪ 10‬الى اآلية ‪)23‬‬

‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َقاَلت رسُلهم أ َِفي َّ ِ‬


‫وك ْم لَِي ْغِف َر َل ُك ْم ِّمن ُذُنوب ُ‬
‫ِك ْم َوُي َؤ ِّخ َرُك ْم ِإَلى أَ َج ٍل ُّم َس ًّـمـى َقاُلوْا ِإ ْن‬ ‫ض َي ْد ُع ُ‬ ‫َّللا َش ٌّك َفاط ِر َّ َ َ َ‬ ‫ْ ُُ ُْ‬
‫َّ‬
‫ين * َقاَل ْت َل ُه ْم ُرُسُل ُه ْم ِإن َّن ْح ُن ِإال َب َشٌر‬ ‫ان ُّمِب ٍ‬
‫طٍ‬ ‫ونا ِب ُسْل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫آؤَنا َفأْتُ َ‬ ‫ان َي ْعُب ُد َآب ُ‬
‫ونا َع َّما َك َ‬ ‫أَنتُ ْم إال َب َشٌر ّم ْثُلَنا تُ ِر ُيدو َن أَن تَ ُ‬
‫صُّد َ‬
‫َّللاِ َفْلَيتََوَّك ِل اْل ُم ْؤ ِمُنو َن‬
‫َّللاِ َوعَلى َّ‬
‫ان ِإالَّ ِبِإ ْذ ِن َّ‬
‫طٍ‬ ‫ان َلَنآ أَن َّنأِْتَي ُك ْم ِب ُسْل َ‬ ‫َّللا يم ُّن عَلى من ي َش ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آء م ْن عَباده َو َما َك َ‬ ‫ّم ْثُل ُك ْم َوَلـٰك َّن َّ َ َ ُ َ ٰ َ َ ُ‬
‫َّللاِ َفْليتَوَّك ِل اْلمتَوِّكُلون * وَق َّ ِ‬ ‫* وما َلنآ أَالَّ نتوَّكل عَلى َّ ِ‬
‫ين‬
‫ال الذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َُ َ‬ ‫ونا َو َعَلى َّ َ َ‬ ‫صِب َرَّن َعَل ٰى َمآ آ َذ ْيتُ ُم َ‬‫َّللا َوَق ْد َه َد َانا ُسُبَلَنا َوَلَن ْ‬ ‫َ ََ َ َ‬ ‫ََ َ‬
‫ض ِمن‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * َوَلُن ْسكَنَّن ُـك ُم األ َْر َ‬
‫ُّه ْم َلُن ْهل َك َّن الظالم َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َكَف ُروْا لِ ُرُسلِ ِه ْم َلُن ْخ ِر َجَّن ُـك ْم ّم ْن أ َْرضَنآ أ َْو َلتَ ُع ُ‬
‫ود َّن في ملتَنا َفأ َْو َح ٰى إَل ْيه ْم َرب ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َّار عِن ٍيد * ِمن ورِآئ ِه جهَّنم ويسَقى ِمن َّم ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِٰ ِ‬
‫آء‬ ‫ّ ََ َ َ ُ َُْ ٰ‬ ‫اب ُك ُّل َجب ٍ َ‬ ‫استَْفتَ ُحوْا َو َخ َ‬
‫اف َوعيد * َو ْ‬ ‫اف َمَقامي َو َخ َ‬ ‫َب ْعده ْم ذل َك ل َم ْن َخ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫اب َغلِي ٌ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ‬ ‫يه اْل َم ْو ُت ِمن ُك ِّل َم َك ٍ‬‫ص ِد ٍيد * يتجَّرعه والَ ي َكاد ي ِسيغه ويأِْت ِ‬
‫ين‬‫ظ * َّمَث ُل الذ َ‬ ‫ان َو َما ُه َو ِب َمِّيت َو ِمن َوَرآئه َع َذ ٌ‬ ‫ََ َ ُ ُ َ َ ُ ُ ُ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫يح في َي ْو ٍم َعاصف ال َيْقد ُرو َن م َّما َك َسُبوْا َعَل ٰى َشيء ذل َك ُه َو َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اشتََّد ْت به ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الضالَ ُل اْلَبع ُيد‬
‫ْ‬ ‫الر ُ‬ ‫َكَف ُروْا ب َرِّبه ْم أ ْ‬
‫َع َماُل ُه ْم َك َرَماد ْ‬
‫يز *‬ ‫َّللاِ ِب َع ِز ٍ‬
‫ْت ِب َخْل ٍق َج ِد ٍيد * َو َما ٰذلِ َك َعَلى َّ‬ ‫حق ِإن ي َش ْأ ي ْذ ِهب ُكم ويأ ِ‬
‫َ ُ ْ ْ ََ‬ ‫ض ِباْل ِّ‬
‫َّللا خَلق َّ ِ‬
‫الس َٰم َٰوت َواأل َْر َ‬ ‫َن َّ َ َ َ‬ ‫* أََل ْم تَ َر أ َّ‬
‫َّللاِ ِمن َشي ٍء َقاُلوْا َل ْو‬ ‫اب َّ‬ ‫ين استَ ْكبروْا ِإَّنا ُكَّنا َل ُكم تَبعا َفه ْل أَنتُم ُّم ْغُنو َن َعَّنا ِم ْن َع َذ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ ًَ َ‬ ‫اء للذ َ ْ َ ُ‬
‫الضعَف َِّ ِ‬
‫ال ُّ َ ُ‬
‫ِِ ِ‬
‫َوَب َرُزوْا ََّّلل َجميعاً َفَق َ‬
‫ْ‬
‫ضي األ َْم ُر ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َو َع َد ُك ْم‬ ‫الشيطان لما ق ِ‬ ‫يص * وقال َّ‬ ‫َج ِز ْعَنآ أَم صَب ْرَنا ما َلَنا ِمن َّم ِح ٍ‬
‫َ َ َ ْ َ ُ َ َّ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫آء َعَل ْيَنآ أ َ‬
‫اك ْم َس َو ٌ‬ ‫َّللاُ َل َه َد ْيَن ُ‬
‫َه َد َانا َّ‬
‫َنف َس ُك ْم‬
‫وموْا أ ُ‬ ‫ان ِإالَّ أَن َد َعوتُ ُكم َفاستَ َج ْبتُم لِي َفالَ َتُل ِ‬ ‫طٍ‬‫ان لِ َي َعَل ْي ُك ْم ِّمن ُسْل َ‬ ‫َو ْع َد اْل َح ِّق َوَو َعدتُّ ُك ْم َفأ ْ‬
‫وموني َوُل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫َخَلْفتُ ُك ْم َو َما َك َ‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫الظالِ ِمين َلهم ع َذ ِ‬ ‫َشرْكتُمو ِن ِمن َقبل ِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّمآ أَن ْا ِبمص ِرِخ ُكم ومآ أَنتُم ِبم ِ ِِ‬
‫ين‬‫يم * َوأ ُْدخ َل الذ َ‬ ‫اب أَل ٌ‬ ‫َ ُْ َ ٌ‬ ‫ُْ‬ ‫ص ِرخ َّي إّني َكَف ْر ُت ب َمآ أ ْ َ ُ‬ ‫ْ ََ ْ ُ ْ‬ ‫َ ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ين ِف ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ‬
‫يها َسالَ ٌم‬‫يها بإ ْذ ِن َرِّبه ْم تَحيَّتُ ُه ْم ف َ‬
‫الصال َحات َجَّنات تَ ْجرِي من تَ ْحت َها األ َْن َه ُار َخالد َ َ‬ ‫َُ َ َ‬

‫شك} مع وضوحه‪ ،‬أي‪ :‬كيف تشكون فميا ندعوكم إليه وهو الذي ال مجال للشك فيه لغاية ظهوره وإنما‬
‫{أفي هللا ّ‬
‫تشكون فيه عند جلية‬
‫{يد ُعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم} ليستر بنوره ظلمات حجب صفاتكم فال ّ‬
‫يوضح ما يوضح به‪ْ .‬‬
‫اليقين {ويؤخركم إلى} غاية يقتضيها استعدادكم من السعادة إذ كل شخص عين له بحسب استعداده األول كمال هو‬
‫أجله المعنوي كما أن لكل أحد بحسب مزاجه األول غاية من العمر هي أجله الطبيعي‪ ،‬وكما أن اآلجال االخترامية‬
‫المسماة بسبب من األسباب فكذلك اآلفات والموانع التي هي حجب االستعداد‬
‫ّ‬ ‫تقطع العمر دون الوصول إلى الغاية‬

‫تحول دون الوصول إلى الكمال المعين‪َ .‬‬


‫{وبرزوا هلل جميعاً} للخالئق ثالث برزات‪ ،‬برزة عند القيامة الصغرى بموت‬
‫الجسد وبروز كل أحد من حجاب جسده إلى عرصة الحساب والجزاء‪ ،‬وبرزة عند القيامة الوسطى بالموت اإلرادي عن‬
‫حجاب صفات النفس والبروز إلى عرصة القلب بالرجوع إلى الفطرة‪ ،‬وبرز عند القيامة الكبرى بالفناء المحض عن‬
‫حجاب األنية إلى فضاء الوحدة الحقيقية وهذا هو البروز المشار إليه بقوله تعالى‪{ :‬وبرُزوْا ََّّللِ اْلو ِ‬
‫اح ِد اْلَق َّه ِار} ا‬
‫[إبرهيم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬
‫اآلية‪ ،] 48 :‬ومن كان من أهل هذه القيامة يراهم بارزين ال يخفى على هللا منهم شيء‪ .‬وأما ظهور هذه القيامة للكل‬

‫المهدي القائم بالحق‪ ،‬الفارق بين أهل ّ‬


‫الجنة‬ ‫ّ‬ ‫وبروز الجميع هلل‪ ،‬وحدوث التقاول بين الضعفاء والمستكبرين‪ ،‬فهو بوجود‬
‫والنار عند قضاء األمر اإللهي بنجاة السعداء وهالك األشقياء‪.‬‬

‫وتنور بنوره‪ ،‬فأسلم وأطاع وصار محقاً عالماً بأن الحجة هلل‬
‫{وقال الشيطان} ظهر سلطان الحق على شيطان الوهم ّ‬
‫في دعوته للخلق إلى الحق ال له‪ ،‬ودعوته إلى الباطل بتسويل الحطام وتزيين الحياة الدنيا عليهم واهية فارغة عن‬
‫أقر بأن وعده تعالى بالبقاء بعد خراب البدن والثواب والعقاب عند البعث حق قد وفى به‪ .‬ووعدي بأن ليس‬
‫الحجة‪ ،‬و ّ‬
‫إال الحياة الدنيا باطل اختلقته‪ ،‬فاستحقاق اللوم ليس إال لمن قبل الدعوة الخالية عن الحجة فاستجاب لها وأعرض عن‬
‫ولو ُموا أنفسكم}‪.‬‬
‫الدعوة المقرونة بالبرهان فلم يستجب لها {فال تلوموني ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة إبراهيم (من اآلية ‪ 24‬الى اآلية ‪)27‬‬

‫طِيب ًة َكشجرٍة َ ِ ٍ‬
‫الس َم ِآء * تُ ْؤِتي أ ُ‬
‫ُكَل َها ُك َّل ِح ٍ‬
‫ين ِبِإ ْذ ِن‬ ‫َصُل َها ثَاِب ٌت َوَف ْرُع َها ِفي َّ‬‫طّيَبة أ ْ‬
‫ِ‬
‫َّللاُ َمثَالً َكل َم ًة َ ّ َ َ َ‬
‫ض َر َب َّ‬ ‫ف َ‬ ‫أََل ْم تَ َر َك ْي َ‬
‫ض َما َل َها ِمن‬ ‫اجتُثَّ ْت ِمن َف ْو ِق األ َْر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اس َلعَّلهم يت َذ َّكرون * وم ِ ٍ‬
‫ثل َكل َمة َخِبيثَة َك َش َج َرٍة َخِبيثَة ْ‬
‫ََ ُ‬ ‫ال لِ َّلن ِ َ ُ ْ َ َ ُ َ‬ ‫ض ِر ُب َّ‬
‫َّللاُ األ َْمثَ َ‬ ‫ِها َوَي ْ‬
‫َرّب َ‬
‫ض ُّل َّ َّ ِ ِ‬ ‫اآلخرِة وي ِ‬ ‫الد ْنيا وِفي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ ِ ِ‬ ‫َقر ٍار * يثَِبت َّ َّ ِ‬
‫آء‬
‫َّللاُ َما َي َش ُ‬
‫ين َوَيْف َع ُل َّ‬
‫َّللاُ الظالم َ‬ ‫َ َُ‬ ‫آمُنوْا باْلَق ْول الثابت في اْل َحَياة ُّ َ َ‬‫ين َ‬ ‫َّللاُ الذ َ‬ ‫ُُّ‬ ‫َ‬

‫(كلِ َم ًة)‪{ .‬كشجرة طيبة} كما شبهها بالزيتونة في‬


‫مر في تسمية عيسى عليه السالم َ‬
‫{كلمة طيبة} أي‪ :‬نفساً طيبة‪ ،‬كما ّ‬
‫القرآن وبالنخلة في الحديث {أصلها ثابت} باالطمئنان وثبات االعتقاد بالبرهان {وفرعها في} سماء الروح {تؤتي أُكلها}‬
‫من ثمرات المعارف و ِ‬
‫الح َكم والحقائق {كل} وقت {بإذن رّبها} بتسهيله وتيسيره بتوفيق األسباب وتهيئتها {ومثل} نفس‬
‫{خبيثة كشجرة خبيثة} مثل الحنظلة أو الشرجط {اجتثت من فوق األرض} استؤصلت للطيش الذي فيها وتشوش‬
‫سية‬
‫االعتقاد وعدم القرار على شيء‪{ .‬يثبت هللا الذين آمنوا} اإليمان اليقيني بالبرهان الحقيقي {في الحياة} الح ّ‬
‫الستقامتهم في الشريعة وسلوكهم في تحصيل المعاش طريق الفضيلة والعدالة {وفي اآلخرة} أي‪ :‬الحياة الروحانية‬
‫{ويضل هللا‬
‫ّ‬ ‫وبينة من رّبهم‬
‫الهتدائهم بنور الحق في الطريقة وكونهم في تحصيل المعارف على بصيرة من هللا ّ‬
‫الظالمين} في الحياتين لنقص استعداداتهم بحظوظ صفات النفس وبقائهم في الحيرة لالحتجاب عن نور الحق ‪.‬‬
‫َ‬

‫سورة إبراهيم (من اآلية ‪ 28‬الى اآلية ‪)31‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِِ‬ ‫َّللاِ ُكْف اًر وأ ُّ‬
‫ين َبَّدُلوْا ِن ْع َم َت َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫َحلوْا َق ْو َم ُه ْم َد َار اْلَب َو ِار * َج َهَّن َم َي ْ‬
‫صَل ْوَن َها َوبِ ْئ َس اْلَق َرُار * َو َج َعُلوْا ََّّلل أ َ‬
‫َنداداً‬ ‫َ َ‬ ‫أََل ْم تَ َر ِإَلى الذ َ‬
‫اه ْم ِسّاًر‬ ‫ِ ِ‬ ‫الن ِار * ُقل ِّل ِعب ِادي َّال ِذين آمنوْا يِقيموْا َّ ٰ‬ ‫ص َيرُك ْم ِإَلى َّ‬ ‫ضُّلوْا عن سِبيلِ ِه ُقل تَمتَّعوْا َفِإ َّن م ِ‬ ‫ِّلي ِ‬
‫وة َوُي ْنفُقوْا م َّما َرَزْقَن ُ‬
‫الصل َ‬ ‫َ َُ ُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َعالنَي ًة ّمن َقْبل أَن َيأْتي َي ْوٌم ال َب ْي ٌع فيه َوالَ خالَ ٌل‬ ‫ِ‬
‫َ‬

‫{بدلوا ِن ْع َمة هللا} التي أنعم بها عليهم في األزل من الهداية األصلية والنور االستعدادي الذي هو بضاعة النجاة ُ‬
‫{كْف اًر}‬ ‫ّ‬
‫ِح ْت ِتّ َج َارتُ ُه ْم َو َما َك ُانوْا ُم ْهتَِدين} [البقرة‪ ،‬اآلية‪:‬‬
‫الضالََل َة ِباْل ُه َد ٰى َف َما َرب َ‬
‫{اشتَ ُروْا َّ‬
‫أي‪ :‬احتجاباً وضاللة‪ ،‬كما قال تعالى‪ْ :‬‬
‫‪ ]16‬أضاعوا النور الباقي واستبدلوا به اللذة الحسية الفانية‪ ،‬فبقوا في الظلمة الدائمة {وأحلوا قومهم} من في قوى‬
‫نفوسهم أو من اقتدى بطريقتهم وتأسى بهم وتابعهم في ذلك {دار البوار}‪.‬‬

‫كحب هللا‪ ،‬إذ كل ما غلب حبه فهو معبود‪ .‬قال هللا‬


‫{وجعلوا هلل أنداداً} من متاع الدنيا وطيباتها ومشتهياتها يحبونها ّ‬
‫ين} [آل عمران‪ ،‬اآلية‪ ]14 :‬الخ‪{ ،‬ليضلوا عن َسِبيله} كل من نظر‬ ‫ات ِمن ِّ ِ ِ‬ ‫الشهو ِ‬
‫َّ‬ ‫{زّي َ ِ ِ‬
‫الن َساء َواْلَبن َ‬ ‫َ‬ ‫ِن ل َّلناس ُح ُّب َ َ‬ ‫تعالى‪ُ :‬‬
‫فإن تمتعكم قليل سريع الزوال‪،‬‬
‫المستعدين ومن دان بدينهم‪ُ{ .‬ق ْل تَمتعوا} أي‪ :‬اذهبوا فيه بأمر الوهم ّ‬
‫ّ‬ ‫إليهم من األحداث‬
‫وشيك الفناء‪ ،‬وعاقبته وخيمة بالمصير إلى النار‪.‬‬

‫سورة إبراهيم (من اآلية ‪ 32‬الى اآلية ‪)34‬‬

‫ِي ِفي‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫السمآ ِء مآء َفأ ْ ِ ِ ِ َّ ِ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واألَرض وأ َ ِ‬ ‫َّ َّ ِ‬
‫َخ َرَج به م َن الث َم َرات ِرْزقاً ل ُك ْم َو َس َّخ َر َل ُك ُم اْلُفْل َك لتَ ْجر َ‬ ‫َنزَل م َن َّ َ َ ً‬ ‫َّللاُ الذي َخَل َق َّ َ َ َ ْ َ َ‬
‫اكم ِّمن ُك ِّل َما‬ ‫يل َو َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫اْلَب ْح ِر ِبأَم ِِره وس َّخ َر َل ُكم األ َْنه َار * وس َّخر َل ُكم َّ‬
‫الن َه َار * َوآتَ ُ‬ ‫ين َو َس َّخ َر َل ُك ُم ال َ‬
‫الش ْم َس َواْلَق َم َر َدآئَب َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ ََ‬
‫وم َكَّف ٌار‬ ‫سأَْلتموه وإِن تعُّدوْا ِنعمت َّ ِ‬
‫ظُل ٌ‬
‫ان َل َ‬ ‫وها ِإ َّن ْ‬
‫اإلن َس َ‬ ‫ص َ‬‫َّللا الَ تُ ْح ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ ُُ ُ َ َُ‬

‫{فأخ َرج به} من أرض النفس‬


‫{هللا الذي َخَل َق} سموات األرواح وأرض الجسد {و ْأن َزَل من} سماء عالم القدس ماء العلم ْ‬
‫ثمرات الحكم والفضائل ِ‬
‫خر لكم} أنهار العلم باالستنتاج واالستنباط والتفريع والتفصيل‬ ‫{رْزقاً لكم} وتقوى القلب بها َ‬
‫{وس َ‬
‫{وسخر لكم} ليل ظلمة صفات النفس‬
‫ّ‬ ‫{د ِائِبين} في السير بالمكاشفة والمشاهدة‬
‫{وسخر لكم} شمس الروح وقمر القلب َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫فإن كل‬‫ونهار نور الروح لطلب المعاش والمعاد والراحة واالستنارة {وآتاكم من كل ما سألتموه} بألسنة استعداداتكم‪ّ ،‬‬
‫السماو ِ‬
‫ات‬ ‫ِ‬
‫{ي ْسأَُل ُه َمن في َّ َ َ‬
‫شيء يسأله بلسان استعداده كماالً يفيض عليه مع السؤال بال تخلف وتراخ كما قال تعالى‪َ :‬‬
‫ض ُك َّل َي ْو ٍم ُه َو ِفي َشأ ٍ‬
‫ْن} [الرحمن‪ ،‬اآلية‪.]29 :‬‬ ‫واأل َْر ِ‬
‫َ‬

‫تعدوا ِن ْعمة هللا} من األمور السابقة على وجودكم الفائضة من الحضرة اإللهية ومن الالحقة بكم من امداد التربية‬
‫{وإن ّ‬
‫{إن اإلنسان لظلوم} بوضع نور‬
‫تقرر في الحكمة ّ‬‫الواصلة عن الحضرة الربوبية {ال تحصوها} لعدم تناهيها كما ّ‬
‫حق هللا أو حق نفسه بإبطال االستعداد‬
‫االستعداد ومادة البقاء في ظلمة الطبيعة ومحل الفناء وصرفه فيها‪ ،‬أو بنقص ّ‬
‫{كّفار} بتلك ِ‬
‫الن َعم التي ال تحصى باستعمالها في غير ما ينبغي أن تستعمل وغفلته عن المنعم عليه بها واحتجابه بها‬
‫عنه‪.‬‬

‫سورة إبراهيم (من اآلية ‪ 35‬الى اآلية ‪)38‬‬

‫َضَلْل َن َكِثي اًر ِّم َن َّ‬ ‫ِ‬ ‫امناً و ِ‬ ‫ِ‬ ‫وإِ ْذ َق ِ ِ‬


‫اس َف َمن‬ ‫الن ِ‬ ‫َصَن َام * َر ِّب ِإَّن ُه َّن أ ْ‬ ‫اجُن ْبني َوَبن َّي أَن َّن ْعُب َد األ ْ‬
‫اج َع ْل َهـٰ َذا اْلَبَل َد َء َ ْ‬ ‫يم َر ِّب ْ‬‫ال إ ْب َراه ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫نت ِمن ُذِّريَِّتي ِب َواد َغ ْي ِر ذي َزْرٍع ِع َند َب ْيِت َك اْل ُم َحَّرِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تَِبعِني َفِإَّنه ِمِّني ومن ع ِ‬
‫يم * َّربََّنآ إَّني أ ْ‬
‫َس َك ُ‬ ‫صاني َفِإَّن َك َغُف ٌ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫ََْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اس تَه ِوى ِإَلي ِهم وارُزْقهم ِمن الثَّمر ِ‬
‫ات َل َعَّل ُه ْم َي ْش ُك ُرو َن * َربََّنآ ِإَّن َك تَ ْعَل ُم َما ُن ْخِفي‬ ‫اج َع ْل أَ ْفِئ َد ًة ِّم َن َّ‬ ‫ربَّنا لِيِقيموْا َّ ٰ‬
‫ْ ْ َ ْ ُ ْ ّ َ ََ‬ ‫الن ِ ْ‬ ‫وة َف ْ‬
‫الصل َ‬ ‫ََ ُ ُ‬
‫الس َم ِآء‬ ‫َّللاِ ِمن َشي ٍء َفي األ َْر ِ‬
‫ض َوالَ ِفي َّ‬ ‫َو َما ُن ْعلِ ُن َو َما َي ْخَف ٰى َعَلى َّ‬
‫ْ‬
‫اج َعل هذا البلد} أي‪ :‬بلد البدن {آمناً}‬
‫{رب ْ‬
‫{وإذ قال إبراهيم} الروح بلسان الحال عند التوجه إلى هللا في طلب الشهود ّ‬
‫اجِن ْبني وبني} القوى العاقلة النظرية والعملية والفكر والحدس‬
‫من غلبات صفات النفس وتنازع القوى وتجاذب األهواء {و ْ‬
‫ّ‬
‫والذكر وغيرها‪{ .‬أن َن ْعبد} أصنام الكثرة عن المشتهيات الحسية والمرغوبات البدنية والمألوفات الطبيعية بالمحبة‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫إنهن أضللن كثي اًر من الناس} بالتعلق بها‪ ،‬واالنجذاب إليها‪ ،‬واالحتجاب بها عن الوحدة {فمن تَبعني} في سلوك‬
‫{رب ّ‬‫ّ‬
‫طريق التوحيد {فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور} تستر عنه تلك الهيئة المظلمة بنورك {رحيم} ترحمه بإفاضة‬
‫الكمال عليه بعد المغفرة‪.‬‬

‫غير ِذي َزْرع} أي‪ :‬وادي الطبيعة الجسمانية الخالية عن زرع اإلدراك والعلم‬ ‫ٍ‬
‫أس َكنت من} ذرّية قواي {بواد َ‬
‫{ربنا إني ْ‬
‫{فاج َعل أ ْفِئدة} من ناس‬
‫المحرم} الذي هو القلب {ربنا ليقيموا} صالة المناجاة والمكاشفة ْ‬
‫ّ‬ ‫والمعرفة والفضيلة {عند بيتك‬

‫الحواس {تهوي إليهم} فتميزهم بأنواع اإلحساسات ّ‬


‫وتمدهم بإدراك الجزئيات وتميل إليهم بالمشايعة وترك المخالفة بالميل‬
‫إلى الجهة السفلية واللذة البدنية {و ْارزقهم} من ثمرات المعارف والحقائق من الكليات {لعلهم َي ْشكرون} نعمتك‬
‫ِ‬
‫فيستعملون تلك المدركات في طلب الكمال‪{ .‬ربنا إنك تعلم ما َن ْخفي} مما فينا ّ‬
‫بالقوة {وما ُن ْعلن} مما أخرجناه إلى‬
‫يخفى على هللا من شيء في} أرض االستعداد {وال} في سماء الروح‪.‬‬
‫الفعل من الكماالت {وما ْ‬

‫سورة إبراهيم (من اآلية ‪ 39‬الى اآلية ‪)47‬‬

‫الصالَ ِة َو ِمن‬ ‫ِ ِ‬ ‫اعيل وإِسحاق ِإ َّن ربِي َلس ِميع ُّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬
‫يم َّ‬ ‫اج َعْلني ُمق َ‬ ‫الد َعآء * َر ِّب ْ‬ ‫َّ َ ُ‬ ‫اْل َح ْم ُد ََّّلل الذي َو َه َب لي َعَلى اْلكَب ِر ِإ ْس َم َ َ ْ َ َ‬
‫َّللاَ َغ ِافالً َع َّما َي ْع َم ُل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُذ ِريِتي ربََّنا وتََقبَّل ُدع ِآء * ربََّنا ْ ِ ِ‬
‫اب * َوالَ تَ ْح َسَب َّن َّ‬ ‫وم اْلح َس ُ‬ ‫ين َي ْوَم َيُق ُ‬‫اغف ْر لي َولِ َوال َد َّي َولِْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫وس ِه ْم الَ َي ْرتَُّد ِإَل ْي ِه ْم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫آء *‬ ‫ط ْرُف ُه ْم َوأَ ْفئ َدتُ ُه ْم َهَو ٌ‬
‫ين مْقنعي ُرء ِ‬
‫ُ‬ ‫ص ُار * ُم ْهطع َ ُ‬ ‫ص فيه األ َْب َ‬ ‫الظال ُمو َن ِإَّن َما ُي َؤ ّخ ُرُه ْم لَي ْو ٍم تَ ْش َخ ُ‬
‫يب ُّن ِج ْب َد ْعَوتَ َك َوَنتَِّب ِع ُّ‬ ‫َخ ْرَنآ ِإَل ٰى أَج ٍل َق ِر ٍ‬ ‫ظَلموْا ربََّنآ أ ِّ‬ ‫الناس يوم يأِْتي ِهم اْلع َذاب َفيُق َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ونوْا‬ ‫الرُس َل أََوَل ْم تَ ُك ُ‬ ‫َ‬ ‫ين َ ُ َ‬ ‫ول الذ َ‬ ‫َوأَنذ ِر َّ َ َ ْ َ َ ُ َ ُ َ ُ‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫أَ ْقسمتُم ِمن َقبل ما َل ُكم ِمن َزو ٍ‬
‫ض َرْبَنا َل ُك ُم‬ ‫ف َف َعْلَنا ِب ِه ْم َو َ‬ ‫َّن َل ُك ْم َك ْي َ‬ ‫َنف َس ُه ْم َوتََبي َ‬
‫ظَل ُموْا أ ُ‬
‫ين َ‬ ‫ال * َو َس َكنتُ ْم في َم َسـٰك ِن الذ َ‬ ‫َْ ْ ّ ُْ َ ْ ّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف َو ْعده ُرُسَل ُه‬ ‫ِ‬ ‫ال * َفالَ تَ ْح َسَب َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال * َوَق ْد َم َك ُروْا َم ْك َرُه ْم َو ِع َند َّ‬
‫َّللاَ ُم ْخل َ‬ ‫ول م ْن ُه اْلجَب ُ‬ ‫ان َم ْك ُرُه ْم لتَ ُز َ‬‫َّللا َم ْك ُرُه ْم َوإِن َك َ‬ ‫األ َْمثَ َ‬
‫َّللاَ َع ِز ٌيز ُذو ْانِتَقا ٍم‬
‫ِإ َّن َّ‬

‫{إن رّبي لسميع الدعاء}‬


‫{الحمد هلل الذي وهب لي على} كبر الكمال {إسماعيل} العاقلة النظرية {وإسحاق} العلمية ّ‬
‫أي‪ :‬لسميع لدعاء االستعداد‪ ،‬كما قال‪ :‬حسبي من سؤالي علمه بحالي‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫التام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اج َعلني ُمقيم} صالة الشهود {ومن ذريتي} كالً منهم مقيم صالة تخصه {ربنا وتقبل ُد َعاء} أي‪ :‬طلبي للفناء ّ‬
‫{رب ْ‬
‫ّ‬
‫الدي} ولما يتسبب لوجودي من القوابل والفواعل‬
‫اغفر لي} بنور ذاتك ذنب وجودي فال أحتجب بالطغيان {ولو ّ‬ ‫فيك {ربنا ْ‬
‫ولمؤ ِمني القوى الروحانية {يوم َيُقوم} حساب الهيئات‬
‫فال أرى غيرك وال ألتفت إلى سواك فأبتلى بزيغ البصر‪ُ ،‬‬
‫الروحانية النورانية والنفسانية الظلمانية أيها أرجح‪.‬‬

‫سورة إبراهيم (من اآلية ‪ 48‬الى اآلية ‪)52‬‬

‫َصَف ِاد *‬ ‫الس ٰم ٰو ُت وبرُزوْا ََِّّللِ اْلو ِ‬


‫اح ِد اْلَق َّه ِار * وتَرى اْلمج ِرِمين يومِئ ٍذ ُّمَقَّ ِرن ِ‬ ‫ض َغ ْي َر األ َْر ِ‬
‫ين في األ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َ َْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ض َو َّ َ َ َ َ َ‬ ‫َي ْوَم تَُبَّد ُل األ َْر ُ‬
‫َّللا س ِريع اْل ِحس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وه ُهم َّ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫اب * َهـٰ َذا َبالَغٌ‬ ‫َّللاُ ُك َّل َنْفس َّما َك َسَب ْت إ َّن َّ َ َ ُ َ‬ ‫ِى َّ‬‫الن ُار * لَي ْجز َ‬ ‫َس َاربيُل ُهم ّمن َقط َران َوتَ ْغ َش ٰى ُو ُج َ ُ‬
‫احٌد ولِي َّذ َّكر أُوُلوْا األَْلب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِّل َّلن ِ‬
‫اب‬ ‫َ‬ ‫اس َولُِين َذ ُروْا به َولَِي ْعَل ُموْا أََّن َما ُه َو إَلـ ٌٰه َو َ َ َ ْ‬

‫تبدل أرض الطبيعة بأرض النفس عند الوصول إلى مقام القلب وسماء القلب بسماء‬
‫تبدل األرض غير األرض} ّ‬
‫{يوم ّ‬
‫يبدل ما فوقه وما‬
‫السر بسماء الروح‪ ،‬وكذا كل مقام يعبره السالك ّ‬
‫تبدل أرض النفس بأرض القلب وسماء ّ‬ ‫السر وكذا ّ‬
‫ّ‬
‫كتبدل سماء التوكل في توحيد األفعال بسماء الرضا في توحيد الصفات‪ ،‬ثم سماء الرضا بسماء التوحيد عند‬
‫تحته ّ‬
‫{القهار} الذي يفنى كل ما عداه بتجليه {وترى‬
‫كشف الذات ثم يطوى الكل {وبرزوا هلل الواحد} الذي ال موجود غيره ّ‬
‫{مقرنين} في أماكنهم من سجين الطبيعة وهاوية هوى النفس‬
‫الم ْجرمين} المحتجبين بصفات النفوس وهيئات الرذائل ّ‬
‫ُ‬
‫بقيود عالئق الطبيعيات وأرسان محبات السفليات {سرابيلهم من قطران} الستيالء سواد الهيئات المظلمة من تعلقات‬
‫سر آخر ال ينكشف إال‬
‫الجواهر الغاسقة عليها {وتغشى وجوههم} نار القهر واإلذالل واالحتجاب عن ل ّذة الكمال‪ ،‬وفيه ّ‬
‫ألهل القيامة ممن شاهد البعث والنشور‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الحجر (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)25‬‬

‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫آن ُّمِب ٍ‬ ‫ات اْل ِكتَ ِ‬


‫اب َوُق ْر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫طٍ ِ‬ ‫اها ِمن ُك ِّل َش ْي َ‬ ‫َو َحِف ْ‬
‫ين *‬ ‫ين َكَف ُروْا َل ْو َك ُانوْا ُم ْسلم َ‬ ‫ين * ُّرَب َما َيَوُّد الذ َ‬ ‫الر تْل َك َآي ُ‬ ‫ان َّرجي ٍم * َ‬ ‫ظَن َ‬
‫ُم ٍة‬
‫وم * َّما تَ ْسِب ُق ِم ْن أ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ َّ‬ ‫ِ‬
‫ف َي ْعَل ُمو َن * َو َمآ أَ ْهَل ْكَنا من َق ْرَية إال َوَل َها كتَا ٌب َّم ْعُل ٌ‬ ‫ْكُلوْا َوَيتَ َمتَّ ُعوْا َوُيْل ِه ِه ُم األ ََم ُل َف َس ْو َ‬
‫َذ ْرُه ْم َيأ ُ‬
‫نت ِم َن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ْخرون * وَقاُلوْا ٰيأَي َّ ِ‬
‫ُّها الذي ُنِّزَل َعَل ْيه ال ّذ ْك ُر ِإَّن َك َل َم ْجُنو ٌن * ل ْو َما تَأْت َينا ِباْل َمالئ َكة ِإن ُك َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َجَل َها َو َما َي ْستَأ ِ ُ َ‬ ‫أَ‬
‫ظو َن * َوَلَق ْد‬ ‫ين * ِإَّنا َن ْح ُن َنَّ ْزلَنا ال ِّذ ْك َر َوإَِّنا َل ُه َل َح ِاف ُ‬ ‫ظ ِر َ‬‫الح ِّق َو َما َك ُانوْا ِإذاً ُّمن َ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ين * َما ُنَنِّزُل اْل َمالئ َك َة ِإال ِب َ‬
‫ا َّ ِ ِ‬
‫لصادق َ‬
‫وب اْل ُم ْج ِرِم َ‬
‫ين‬ ‫ول ِإالَّ َك ُانوْا ِب ِه يستَ ْه ِزُئو َن * َك َذلِ َك َنسُل ُك ُه ِفي ُقُل ِ‬ ‫ين * وما يأِْتي ِهم ِمن َّرس ٍ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫أ َْرَسْلَنا من َقْبل َك في شَي ِع األََّولِ َ‬
‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ََ َ‬
‫ظُّلوْا ِفي ِه َي ْع ُرُجو َن * َلَقاُلوْا ِإَّن َما ُس ِّك َر ْت‬ ‫الس َم ِاء َف َ‬‫ين * َوَل ْو َفتَ ْحَنا َعَل ْي ِهم َباباً ِّم َن َّ‬ ‫ِ‬
‫* الَ ُي ْؤ ِمُنو َن ِبه َوَق ْد َخَل ْت ُسَّن ُة األََّولِ َ‬
‫استََر َق َّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫السم ِاء بروجاً وزيََّّن ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الس ْم َع َفأ َْتَب َع ُه‬ ‫ين * إال َم ِن ْ‬ ‫اها ل َّلناظ ِر َ‬ ‫ََ َ‬ ‫ورو َن * َوَلَق ْد َج َعْلَنا في َّ َ ُ ُ‬ ‫ص ُارَنا َب ْل َن ْح ُن َق ْوٌم َّم ْس ُح ُ‬ ‫أ َْب َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اها وأَْلَقيَنا ِفيها رو ِاسي وأ َْنب ْتَنا ِف ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ش‬‫يها َم َعا ِي َ‬ ‫ٍ‬
‫يها من ُك ّل َش ْيء َّم ْوُزون * َو َج َعْلَنا َل ُك ْم ف َ‬ ‫َ‬ ‫ض َم َد ْدَن َ َ ْ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ين * َواأل َْر َ‬ ‫اب ُّمِب ٌ‬ ‫ش َه ٌ‬
‫َنزلَنا ِم َن‬
‫اح َلَو ِاق َح َفأ َ ْ‬ ‫ين * َوإِن ِّمن َشي ٍء ِإالَّ ِع َندَنا َخ َزِائُن ُه َو َما ُنَنِّزُل ُه ِإالَّ ِبَق َد ٍر َّم ْعُلو ٍم * َوأ َْرَسْلَنا ِّ‬
‫الرَي َ‬
‫َّ‬
‫َو َمن ل ْستُ ْم َل ُه ِب َر ِازِق َ‬
‫ْ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫يت َوَن ْح ُن اْلَو ِارثُو َن * َوَلَق ْد َعل ْمَنا اْل ُم ْستَْقدم َ‬
‫ين‬ ‫ين * َو َّإنا َلَن ْح ُن ُن ْحِيي َوُنم ُ‬ ‫اكموهُ ومآ أ َْنتُم َل ُه ِب َخ ِِ‬
‫ازن َ‬ ‫َسَق ْيَن ُ ُ َ َ ْ‬ ‫اء َفأ ْ‬ ‫الس َمآء َم ً‬
‫يم‬ ‫ْخ ِرين * وإِ َّن ربَّك هو يح ُشرهم ِإَّنه ح ِك ِ‬
‫يم َعل ٌ‬ ‫َ َ َ َُ َ ْ ُ ُ ْ ُ َ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نك ْم َوَلَق ْد َعل ْمَنا اْل ُم ْستَأ َ‬ ‫ِم ُ‬

‫{وقرآن ُمبين} أي‪ :‬جامع لكل شيء‪ ،‬مظهر له {ولقد جعلنا} في سماء العقل {بروجاً} مقامات ومراتب من العقل‬
‫الهيوالني والعقل بالملكة والعقل بالفعل والعقل المستفاد {وزيناها} بالعلوم والمعارف {للناظرين} المتفكرين فيه‬

‫ّ‬ ‫استَ َرق السمع} ْ‬


‫فاختَطف الحكم العقلي باستراق السمع‬ ‫{وحفظناها من كل شيطان رجيم} من األوهام الباطلة {إال من ْ‬
‫ون ْب ِطل حكمه‪ .‬وأرض النفس {مددناها} بسطناها‬
‫لقربه من أفق العقل {فأتبعه شهاب ُمِبين} أي‪ :‬برهان واضح فنطرده ُ‬
‫بالنور القلبي {وألقينا فيها رواسي} الفضائل {وأنبتنا فيها من كل شيء} من الكماالت الخلقية واألفعال اإلرادية‬
‫ّ‬
‫مقدر بقدر عقلي عدلي غير مائل إلى طرفي اإلفراط والتفريط‬‫الحسية {موزون} معين ّ‬‫ّ‬ ‫والملكات الفاضلة والمدركات‬
‫لكل قوة بحسبها {وجعلنا لكم فيها معايش} بالتدابير الجزئية واألعمال البدنية {ومن لستُم له ِب َرازقين} ممن ينسب إليكم‬
‫ويتعلق بكم‪ ،‬أو جعلنا في سماء القلب بروجاً مقامات كالصبر والشكر والتوكل والرضا والمعرفة والمحبة‪ ،‬وزيناها‬
‫استَ َر َق َّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬
‫الس ْم َع َفأ َْتَب َع ُه‬ ‫بالمعارف والح َكم والحقائق {وحفظناها من كل شيطان رجيم} من األوهام والتخيالت {إال َم ِن ْ‬
‫ِ‬
‫اب ُّمِب ٌ‬
‫ين} [الحجر‪ ،‬اآلية‪ ]18 :‬أي‪ :‬إشراق نوري من طوالع أنوار الهداية‪.‬‬ ‫ش َه ٌ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫إن من شيء إالّ عندنا خزِائَنه} أي‪ :‬ما من شيء في الوجود إال له عندنا خزانة في عالم القضاء أوالً بارتسام‬
‫{و ّ‬
‫صورته في ّأم الكتاب الذي هو العقل الكلي على الوجه الكلي‪ ،‬ثم خزانة أخرى في عالم النفس الك ّلية وهو اللوح‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المعبر عنها‬
‫ّ‬ ‫المحفوظ بارتسام صورته فيه متعلقاً بأسبابه‪ ،‬ثم خزانة أخرى بل خزائن في النفوس الجزئية السماوية‬
‫مقدرة بمقدارها وشكلها ووضعها {وما ُننزله} في عالم الشهادة {إال‬
‫بسماء الدنيا ولوح القدر بارتسام صورته فيها جزئية ّ‬
‫در َم ْعلوم} من شكل وقدر ووضع ووقت ومحل معينة واستعداد مختص به في ذلك الوقت‪.‬‬ ‫بَق ٍ‬

‫{فأن َزلنا}‬
‫معدة لالستعدادات لقبول التجليات ْ‬
‫مصفية للقلوب‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫{وأرسلنا} رياح النفحات اإللهية {لواقح} بالحكم والمعارف‪،‬‬
‫ِ‬
‫{بخازنين} لخلوكم عنها‪.‬‬ ‫من سماء الروح ماء من العلوم الحقيقية {فأسقيناكموه} وأحييناكم به {وما أنتم} لذلك العلم‬
‫{ونحن‬
‫ُ‬ ‫{ون ِميت} باإلفناء في الوحدة‬
‫{و ّإنا لنحن ُن ْحيي} بالحياة الحقيقية بماء الحياة العلمية والقيام في مقام الفطرة ُ‬
‫الوارثون} للوجود‪ ،‬الباقون بعد فنائكم‪{ .‬ولقد علمنا المستقدمين منكم} أي‪ :‬المستبصرين‪ ،‬المشتاقين من المحبين‬
‫للتقدم {ولقد علمنا المستأخرين} المنجذبين إلى عالم الحس ومعدن الرجس باستيالء صفات النفس ومحبة‬
‫الطالبين ّ‬
‫إن رّبك هو يحشرهم} مع من يتولونه ويجمعهم إلى من يحبونه‬
‫البدن ولذاته‪ ،‬الطالبين للتأخر عن عالم القدس {و ّ‬
‫{عليم} بكل ما فيهم من خفايا‬
‫ٌ‬ ‫حكيم} يدبر أمرهم في الحشر على وفق الحكمة بحسب المناسبة‬
‫ٌ‬ ‫وينزعون إليه {إنه‬
‫الميل واالنجذاب والمحبة وما تقتضيه هيئاتهم وصفاتهم فسيجزيهم وصفهم‪.‬‬

‫سورة الحجر (من اآلية ‪ 26‬الى اآلية ‪)44‬‬

‫آلئ َك ِة‬
‫السمو ِم * وإِ ْذ َقال ربُّك لِْلم ِ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫َقْب ُل من َّن ِار َّ ُ‬ ‫آن َخَلْقَناهُ ِمن‬‫ال ِّم ْن َح َمٍإ َّم ْسُنو ٍن * َواْل َج َّ‬ ‫ان ِمن صْلص ٍ‬
‫َ َ‬ ‫نس َ‬ ‫ِ‬
‫َوَلَق ْد َخَلْقَنا اإل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ِمن حمٍإ َّمسنو ٍن * َفِإ َذا سَّويته ونَفخت ِف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫من ُّروحي َفَق ُعوْا َل ُه َسا ِجد َ‬
‫ين * َف َس َج َد‬ ‫يه‬ ‫َ ُْ ُ َ َ ْ ُ‬ ‫ص ٍ ّْ ََ ُْ‬ ‫صْل َ‬‫إّني َخال ٌق َب َش اًر ّمن َ‬
‫السا ِج ِدين * َقال ٰيإِبلِيس ما َلك أَالَّ تَ ُكون مع َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ُّ‬
‫ين *‬ ‫السا ِجد َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ ْ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫يس أََب ٰى أَن َي ُكو َن َم َع َّ‬ ‫َج َم ُعو َن * ِإال ِإْبل َ‬ ‫اْل َمالئ َك ُة ُكل ُه ْم أ ْ‬
‫اخرج ِم ْنها َفِإَّنك رِجيم * وإِ َّن عَليك َّ‬
‫الل ْعَن َة ِإَل ٰى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َكن ألَسجد لِب َش ٍر خَلْقتَه ِمن صْل ٍ ِ‬
‫َ ََْ‬ ‫َ َ ٌ‬ ‫صال ّم ْن َح َمإ َّم ْسُنون * َق َ‬
‫ال َف ْ ُ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ َُ َ‬ ‫ال َل ْم أ ُ‬
‫َق َ‬
‫ال َر ِّب ِب َمآ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال َفِإَّن َك ِم َن اْل ُمن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يو ِم ِ‬
‫ظ ِر َ‬
‫ين * إَل ٰى َي ْو ِم اْلَوْقت اْل َم ْعُلو ِم * َق َ‬ ‫ال َر ّب َفأَنظ ْ ِرني إَل ٰى َي ْو ِم ُي ْب َعثُو َن * َق َ‬
‫ين * َق َ‬ ‫الد ِ‬
‫َْ ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يم *‬ ‫ِ‬ ‫صين * َقال ه َذا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُغ ِويَّنهم أَجم ِعين * ِإالَّ ِعباد ِ‬ ‫َغوْيتَِني أل َُزّيَِن َّن َل ُهم ِفي األ َْر ِ‬
‫ط َعَل َّي ُم ْستَق ٌ‬ ‫ص َار ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫ك م ْن ُه ُم اْل ُم ْخَل َ‬ ‫ََ َ‬ ‫ض َوأل ْ َ ُ ْ ْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫أ َْ‬
‫اب لِ ُك ِّل‬‫ين * َلها س ْبع ُة أ َْبو ٍ‬
‫َ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫ين * َوإِ َّن َج َهَّن َم َل َم ْو ِع ُد ُه ْم أَ ْج َمع َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ان ِإال َم ِن اتََّب َع َك م َن اْل َغ ِاو َ‬
‫طٌ‬ ‫ِإ َّن ِعَب ِادي َل ْي َس َل َك َعَل ْي ِه ْم ُسْل َ‬
‫وم‬ ‫ٍ ِ‬
‫َباب ّم ْن ُه ْم ُج ْزٌء َّمْق ُس ٌ‬

‫{ولقد خلقنا اإلنسان من صلصال من حمأ مسنون} أي‪ :‬من العناصر األربعة الممتزجة إذ الحمأ هو الطين المتغير‬

‫والمسنون ما ّ‬
‫صب عليه الماء حتى خلص عن األجزاء الصلبة الخشنة الغير المعتدلة المنافية لقبول الصورة التي يراد‬
‫الجن وهو جوهر الروح‬
‫الجان} أي‪ :‬أصل ّ‬ ‫تصويرها منه‪ .‬والصلصال ما تخلخل منه بالهواء وتجّفف بالح اررة {و ّ‬
‫الحيواني الذي توّلد منه قوى الوهم والتخيل وغيرهما {خلقناه من قبل من نار السموم} أي‪ :‬من الح اررة الغريزية ومن‬
‫لتقدم تأثير الح اررة في التركيب بالتمزيج والتعديل وإثارة‬
‫بخارية األخالط ولطافتها المستحيلة بها‪ ،‬وإنما قال من قبل ّ‬
‫مر معنى انقياد‬ ‫ذلك البخار على صور األعضاء بل القوى الفعالة المؤثرة ّ‬
‫متقدمة على التركيب في األصل وقد ّ‬
‫المالئكة له وعدم انقياد إبليس‪.‬‬

‫إن‬
‫مجرد عن المادة {و ّ‬
‫جنة عالم القدس التي ترتقي إلى أفقه {فإنك} مرجوم‪ ،‬مطرود منها لكونك غير ّ‬‫{فاخرج} من ّ‬
‫وتجرد النفس عن البدن بقطع عالقتها أو الكبرى بالفناء في‬
‫عليك} لعنة البعد في الرتبة {إلى يوم} القيامة الصغرى ّ‬
‫َ‬
‫التوحيد {ألزينن لهم} الشهوات واللذات في الجهة السفلية {وألغوينهم أجمعين إال ِعَبادك} أي‪ :‬المخصوصين بك‪،‬‬
‫وجردتهم بالتوجه إليك من بقايا صفاتهم‬
‫وطهرتهم من دنس تعلق الطبيعة‪ّ ،‬‬
‫الذين أخلصتهم من شوائب صفات النفس ّ‬
‫ط علي} حق نهجه ومراعاته {مستقيم} ال‬‫وذواتهم‪ ،‬أو الذين أخلصوا أعمالهم لك من غير حظ لغيرك فيها {هذا ص ار‬
‫ٌ ّ‬
‫اعوجاج فيه‪ ،‬وهو أن ال سلطان لك على عبادي المخلصين إالّ الذين يناسبونك في الغواية والبعد عن صراطي‬
‫{لكل باب منهم جزء َمْقسوم} عضو خاص به‪ ،‬أو‬
‫فيتبعونك‪{ .‬لها َسبعة ْأب َواب} هي الحواس الخمس والشهوة والغضب ّ‬
‫بعض من الخلق يختصون بالدخول منه لغلبة ّقوة ذلك الباب عليهم‪.‬‬

‫سورة الحجر (من اآلية ‪ 45‬الى اآلية ‪)86‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ورِهم ِّم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِإ َّن اْلمتَِّق ِ‬
‫غ ٍّل ِإ ْخ َٰوناً َعَل ٰى ُس ُرٍر ُّمتََقـِٰبل َ‬
‫ين‬ ‫ص ُد ِ‬ ‫ين * َوَن َز ْعَنا َما في ُ‬ ‫وها ِب َسال ٍم آمن َ‬ ‫ين في َجَّنات َو ُعُيو ٍن * ْاد ُخُل َ‬ ‫ُ َ‬
‫* الَ يم ُّسهم ِفيها َنصب وما هم ِم ْنها ِبم ْخرِجين * َنِبىء ِعب ِادي أَِّني أََنا اْل َغُفور َّ ِ‬
‫اب‬ ‫َن َع َذاِبي ُهَو اْل َع َذ ُ‬ ‫* َوأ َّ‬ ‫يم‬
‫الرح ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ ْ َ‬ ‫َ َ ُ ْ َ َ ٌ َ َ ُْ ّ َ ُ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫ال ِإَّنا م ْن ُك ْم َو ِجُلو َن * َقاُلوْا الَ تَ ْو َج ْل ِإَّنا ُنَب ّش ُر َ‬ ‫يم * إ ْذ َد َخُلوْا َعَل ْيه َفَقاُلوْا َسالماً َق َ‬
‫ِ‬
‫ض ْيف إ ْب َراه َ‬ ‫يم * َوَنِّب ْئ ُه ْم َعن َ‬ ‫األَل ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين *‬ ‫اك ِباْل َح ِّق َفالَ تَ ُكن ّم َن اْلَقانط َ‬ ‫ال أََب َّش ْرتُ ُموِني َعَل ٰى أَن َّم َّسن َي اْلكَب ُر َفِب َم تَُب ّش ُرو َن * َقاُلوْا َب َّش ْرَن َ‬ ‫ب ُغال ٍم َعلي ٍم * َق َ‬
‫ِ‬
‫ِه ِإالَّ َّ ُّ‬ ‫ط ِمن َّرحم ِة رب ِ‬
‫ين *‬ ‫ُّها اْل ُم ْرَسُلو َن * َقاُلوْا ِإَّنآ أ ُْرِسْلَنآ ِإَل ٰى َق ْو ٍم ُّم ْج ِرِم َ‬ ‫طُب ُك ْم أَي َ‬ ‫الضآلو َن * َق َ‬
‫ال َف َما َخ ْ‬ ‫ْ َ َّ‬ ‫ال َو َمن َيْقَن ُ‬ ‫َق َ‬
‫ال ِإَّن ُك ْم‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫وط ِإَّنا َلمن ُّجوهم أ ِ‬ ‫ِإالَّ آل ُل ٍ‬
‫آء آ َل ُلوط اْل ُم ْرَسلُو َن * َق َ‬ ‫ين * َفَل َّما َج َ‬ ‫ام َأرَتَ ُه َقَّد ْرَنآ ِإَّن َها َلم َن اْل َغاِب ِر َ‬
‫ين * إال ْ‬ ‫َج َمع َ‬ ‫َُ ُ ْ ْ‬ ‫َ‬
‫ط ٍع ِم َن َّال ِ‬
‫يل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نكرو َن * َقاُلوْا بل ِج ْئَناك ِبما َك ُانوْا ِفيه يمتَرو َن * وآتَيَناك ِباْلح ِق وإَِّنا َلصادُقو َن * َفأَس ِر ِبأ ِ ِ ِ‬
‫َهل َك بق ْ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َّ َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َق ْوٌم ُّم َ ُ‬
‫صِبح َ‬
‫ين‬ ‫طوعٌ ُّم ِ‬
‫ْ‬ ‫َن َداِب َر َه ُؤآل ِء َمْق ُ‬ ‫ض ْيَنآ ِإَل ْي ِه َذلِ َك األ َْم َر أ َّ‬ ‫ضوْا َح ْي ُث تُ ْؤ َم ُرو َن * َوَق َ‬ ‫ام ُ‬
‫َحٌد َو ْ‬
‫نك ْم أ َ‬ ‫َواتَِّب ْع أ َْدَب َارُه ْم َوالَ َيْلتَِف ْت ِم ُ‬
‫َّللاَ َوالَ تُ ْخ ُزو ِن * َقاُلوْا أََو َل ْم َن ْن َه َك‬ ‫ض ُحو ِن * َواتَُّقوْا َّ‬ ‫آلء ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ض ْيفي َفالَ تَْف َ‬ ‫ال ِإ َّن َه ُؤ َ‬ ‫َه ُل اْل َمد َينة َي ْستَْبش ُرو َن * َق َ‬ ‫آء أ ْ‬‫* َو َج َ‬
‫ك ِإَّن ُه ْم َلِفي َس ْك َرِت ِه ْم َي ْع َم ُهو َن * َفأ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الص ْي َح ُة ُم ْش ِرِق َ‬
‫ين‬ ‫َخ َذ ْت ُه ُم َّ‬ ‫ين * َل َع ْم ُر َ‬‫ال َه ُؤآلء َبَناتي ِإن ُك ْنتُ ْم َفاعل َ‬ ‫ين * َق َ‬ ‫َع ِن اْل َعاَلم َ‬
‫يل ُّمِقي ٍم *‬ ‫ين * وإَِّنها َلِبسِب ٍ‬ ‫ٍ ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫* َف َج َعْلَنا َعالَِي َها َس ِافَل َها َوأ َْم َ‬
‫َ َ َ‬ ‫آليات لْل ُمتََو ّسم َ‬ ‫ط ْرَنا َعَل ْي ِه ْم ح َج َارًة ّمن س ّجيل * ِإ َّن في َذل َك َ‬
‫ين * َوَلَق ْد َك َّذ َب‬ ‫ين * َفانتََق ْمَنا ِم ْن ُه ْم َوإَِّن ُه َما َلِبِإ َما ٍم ُّمِب ٍ‬ ‫ِإ َّن ِفي َذلِك آلي ًة لِْلمؤ ِمِنين * وإِن َكان أَصحاب األَي َك ِة َل َ ِ ِ‬
‫ظالم َ‬ ‫َ ْ َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُْ َ‬
‫ِِ‬ ‫ين * وَك ُانوْا ي ْن ِحتُو َن ِم َن اْل ِجب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين *‬ ‫ال ُبُيوتاً آمن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اه ْم َآياتَنا َف َك ُانوْا َع ْن َها ُم ْع ِرض َ‬
‫ين * َوآتَْيَن ُ‬ ‫اب الح ْج ِر اْل ُم ْرَسل َ‬
‫َص َح ُ‬
‫أْ‬
‫ض َو َما َب ْيَن ُه َمآ ِإالَّ ِباْل َح ِّق‬ ‫َغنى ع ْنهم َّما َكانوْا ي ْك ِسبون * وما خَلْقنا َّ ِ‬ ‫الصيحةُ م ِ‬
‫الس َٰم َٰوت َواأل َْر َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫ُ َ ُ َ‬ ‫ين * َف َمآ أ ْ َ ٰ َ ُ ْ‬ ‫صِبح َ‬ ‫َخ َذ ْت ُه ُم َّ ْ َ ُ ْ‬
‫َفأ َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‬ ‫يل * ِإ َّن َرب َ‬
‫َّك ُه َو اْل َخال ُق اْل َعل ُ‬ ‫الصْف َح اْل َجم َ‬ ‫اصَف ِح َّ‬‫اع َة آلتَي ٌة َف ْ‬ ‫َوإِ َّن َّ‬
‫الس َ‬

‫جنات} من روضات عالم القدس‬‫وتجردوا عن الصفات البشرية {في ّ‬


‫قين} الذين تزكوا عن الغواشي الطبيعية ّ‬ ‫{إن المتّ َ‬
‫ّ‬
‫{وعُيون} من ماء حياة العلم مقوالً لهم {ادخلوها} بسالمة من الهيئات الجسدانية وأمراض القلوب المانعة عن الوصول‬
‫ُ‬
‫التضاد وعوارض الكون و الفساد‪ ،‬وتغيرات أحوال األزمنة والمو ّاد‪{ .‬ونزعنا ما‬
‫ّ‬ ‫إلى ذلك المقام {آمنين} من آفات عالم‬
‫غل} أي‪ :‬حقد راسخ وكل هيئة متصاعدة من النفس إلى وجه القلب الذي يليها بفيض النور واستيالء‬
‫في صدورهم من ّ‬
‫قوة الروح وتأييد القدس‪ ،‬وهم الذين غلبت أنوارهم على ظلماتهم من أهل العلم واليقين فاضمحلت وزالت عنهم الهيئات‬
‫التضاد‪ ،‬وأشرقت فيهم ّقوة المحبة الفطرية‬
‫ّ‬ ‫النفسانية الغاسقة وآثار العداوة الالزمة لهبوط النفس والميل إلى عالم‬
‫بتعاكس أشعة القدس وأنوار التوحيد واليقين من بعضهم إلى بعض‪ ،‬فصاروا إخواناً بحكم العقد اإليماني والتناسب‬
‫ّ‬
‫{متََقابلين} لتساوي درجاتهم وتقارب مراتبهم وكونهم غير محتجبين‪.‬‬ ‫الروحاني‪{ .‬على ٍ‬
‫سرر} مراتب عالية ُ‬

‫التضاد هناك {وما هم منها ِب ُم ْخرجين} لسرمدية مقامهم ّ‬


‫وتنزهه عن‬ ‫ّ‬ ‫يمسهم فيها نصب} المتناع أسباب المنافاة و‬‫{ال ّ‬
‫للمتجردين المنسلخين عن الهيئات‬
‫ّ‬ ‫الزمان وتغيراته‪ .‬وأما كيفية نزول المالئكة على النبيين وتجسد األرواح العالية‬
‫مرت اإلشارة إليها في سورة (هود)‪.‬‬
‫متقدسين‪ ،‬فقد ّ‬
‫البدنية ال ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الحجر (من اآلية ‪ 87‬الى اآلية ‪)99‬‬

‫يم * الَ تَ ُمَّد َّن َع ْيَن ْي َك ِإَل ٰى َما َمتَّ ْعَنا ِب ِه أَ ْزَواجاً ِّم ْن ُه ْم َوالَ َت ْح َزْن َعَل ْي ِه ْم‬ ‫ِ‬
‫آن اْل َعظ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اك َس ْبعاً ّم َن اْل َمثَاني َواْلُق ْر َ‬ ‫َوَلَق ْد آتَْيَن َ‬
‫الن ِذير اْلمِبين * َكمآ أ َْن َ ْزلنا عَلى اْلمْقتَ ِس ِمين * َّال ِذين جعُلوْا اْلُقر ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫و ِْ‬
‫ين‬
‫آن عض َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ين * َوُق ْل ِإّني أََنا َّ ُ ُ ُ‬ ‫اح َك لْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫ض َجَن َ‬ ‫اخف ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ين * ِإَّنا َكَف ْيَن َ‬
‫اك‬ ‫ض َع ِن اْل ُم ْش ِرِك َ‬ ‫َع ِر ْ‬ ‫ع ِب َما تُ ْؤ َم ُر َوأ ْ‬ ‫ين * َع َّما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * َف ْ‬
‫اص َد ْ‬ ‫َج َمع َ‬ ‫ِك َلَن ْسأََلَّن ُه ْم أ ْ‬
‫* َف َوَرّب َ‬
‫ك ِب َما َيُقوُلو َن * َف َسِّب ْح‬ ‫ِ‬ ‫اْلمسته ِزِئين * َّال ِذين يجعُلون مع َّ ِ‬
‫ص ْد ُر َ‬ ‫َّ‬
‫ف َي ْعَل ُمو َن * َوَلَق ْد َن ْعَل ُم أَن َك َيضي ُق َ‬ ‫َّللا ِإلـٰهاً َ‬
‫آخ َر َف َس ْو َ‬ ‫َ َ َْ َ َ َ‬ ‫ُ ْ َْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِبحم ِد ربِك وُكن ِمن َّ ِ‬
‫َّك َحتَّ ٰى َيأْتَي َك اْلَيق ُ‬
‫ين‬ ‫اعُب ْد َرب َ‬
‫ين * َو ْ‬ ‫السا ِجد َ‬ ‫َ ْ َّ َ َ ْ ّ َ‬

‫{ولقد آتيناك َس ْبعاً} أي‪ :‬الصفات السبع التي ثبتت هلل تعالى وهي‪ :‬الحياة والعلم والقدرة واإلرادة والسمع والبصر‬
‫كرر وثنى ثبوتها لك أوالً في مقام وجود القلب عند تخلقك بأخالقه‪ ،‬واتصافك بأوصافه‪،‬‬ ‫والتكّلم {من المثاني} التي ّ‬
‫فكانت لك‪ .‬وثانياً‪ :‬في مقام البقاء بالوجود الحقاني بعد الفناء في التوحيد {والقرآن العظيم} أي‪ :‬الذات الجامعة لجميع‬
‫الصفات وإنما كانت لمحمد عليه الصالة و السالم سبعاً‪ ،‬ولموسى تسعاً ألنه ما أوتي القرآن العظيم بل كان مقامه‬
‫التكليم‪ ،‬أي‪ :‬مقام كشف الصفات دون كشف الذات‪ ،‬فله هذه السبع مع القلب والروح‪.‬‬

‫{فسبح} بالتجريد عن عوارض الصفات المتعلقة بالمادة لتكون ّ‬


‫منزهاً هلل تعالى بلسان الحال‪ ،‬حامداً لرّبك باالتصاف‬
‫ِِ‬
‫بالصفات الكمالية لتكون حامداً لن َعم تجليات صفاته بأوصافك {وكن من الساجدين} بسجود الفناء في ذاته {و ْ‬
‫اعبد‬
‫رّبك} بالتسبيح والتحميد والسجود المذكورة {حتى يأتيك} حق {اليقين} فتنتهي عبادتك بانقضاء وجودك‪ ،‬فيكون هو‬
‫العابد والمعبود جميعاً ال غيره ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة النحل (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)2‬‬

‫آء ِم ْن ِعَب ِادِه‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ن‬ ‫ِ‬ ‫أَتى أَمر َّ ِ‬


‫َّللا َفالَ تَ ْستَ ْعجُلوهُ ُس ْب َح َان ُه َوتَ َعاَل ٰى َع َّما ُي ْشرُكو َ * ُيَنّزُل اْل َمالئ َك َة باْلُّرو ِح م ْن أ َْمره َعَل ٰى َمن َي َش ُ‬ ‫َ ٰ ُْ‬
‫َن أ َْن ِذ ُروْا أََّن ُه الَ ِإَلـ َٰه ِإالَّ أََن ْا َفاتَُّقو ِن‬
‫أْ‬

‫أمر هللا} لما كان صلى هللا عليه وسلم من أهل القيامة الكبرى يشاهدها ويشاهد أحوالها في عين الجمع‪ ،‬كما‬ ‫{أتى ُ‬
‫قال صلى هللا عليه وسلم‪"ُ :‬ب ِع ْث ُت أنا والساعة كهاتين"‪ .‬أخبر عن شهوده بقوله تعالى‪{ :‬أتى أمر هللا} ولما كان ظهورها‬
‫على التفصيل بحيث تظهر لكل أحد ال يكون إال بوجود المهدي عليه السالم قال‪{ :‬فال تستعجلوه} ألن هذا ليس وقت‬
‫عما ُي ْش ِركون} من إثبات وجود الغير‪.‬‬
‫ظهوره‪ ،‬ثم أكد شهوده لوجه هللا وفناء الخلق في القيامة بقوله‪{ :‬سبحانه وتعالى ّ‬
‫فصل ما شهد في عين الجمع لكونه في مقام الفرق بعد الجمع يشاهد كثرة الصفات في عين أحدية الذات بحيث ال‬ ‫ثم ّ‬
‫{ش ِه َد َّ‬
‫َّللاُ} [آل عمران‪ ،‬اآلية‪ ]18 :‬اآلية‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫يحتجب بالوحدة عن الكثرة وال بالعكس‪ ،‬كما ذكر في قوله تعالى‪َ :‬‬
‫العْلم الذي يحيي به القلوب‪ ،‬يعني‪ :‬القرآن {من} عالم {أمره} الذي انتقش فيه {على من‬ ‫{ينزل المالئكة بالروح} أي‪ِ :‬‬

‫يشاء من عباده} المخصوصين بمزيد عنايته‪ ،‬إن أخبروهم بالتوحيد والتقوى‪ ،‬فبين بعد بيان أحدية الذات عالم الصفات‬
‫الحقيقية بتنزيل الروح الذي هو العلم‪ ،‬وإثبات المشيئة التي هي اإلرادة‪ ،‬وعالم األسماء بإثبات المالئكة‪ ،‬وعالم األفعال‬
‫باإلنذار‪.‬‬

‫سورة النحل (من اآلية ‪ 3‬الى اآلية ‪)29‬‬

‫ضُّلونهم ِب َغي ِر ِعْل ٍم أَالَ سآء ما ي ِزرون * خَلق َّ ِ‬


‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫اْلِقي ِ‬ ‫لِيح ِمُلوْا أَوَزارهم َك ِ‬
‫ض‬ ‫الس َٰم َٰوت َواأل َْر َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ َ ُ َ‬ ‫ين ُي َ ُ ْ ْ‬ ‫امة َو ِم ْن أ َْوَز ِار الذ َ‬
‫ََ‬ ‫امَل ًة َي ْوَم‬ ‫ْ َ ُْ‬ ‫َْ‬
‫ف ٌء َو َمَن ِاف ُع‬ ‫صيم ُّمِبين * واألَنعام خَلَقها َل ُكم ِف ِ‬
‫ِ‬ ‫اإلنسان ِمن ُّن ْ ٍ‬
‫يها د ْ‬‫َ َْ َ َ َ ْ َ‬ ‫طَفة َفِإ َذا ُه َو َخ ٌ ٌ‬ ‫* َخَل َق ِ ْ َ َ‬ ‫ِباْل َح ِّق تَ َعاَل ٰى َع َّما ُي ْش ِرُكو َن‬
‫ْكُلون * وَل ُكم ِفيها جمال ِحين ت ِريحون و ِحين تسرحون * وتح ِمل أَ ْثَقاَل ُكم ِإَلى بَل ٍد َّلم ت ُكونوْا بالِ ِغ ِ‬
‫يه ِإالَّ ِب ِش ِّق‬ ‫ْ ٰ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ََ ْ ُ‬ ‫َ ْ َ َ َ ٌ َ ُ ُ َ َ َ َْ َ ُ َ‬ ‫َو ِم ْن َها تَأ ُ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َّكم َلرؤوف َّرِحيم * واْلخيل واْلِبغال واْلح ِمير لِترَكبوها وِزين ًة ويخُلق ما الَ تعَلمون * وعَلى َّ ِ‬
‫ص ُد‬
‫َّللا َق ْ‬ ‫ََ ٰ‬ ‫َْ ُ َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َْ ُ َ َ َ َ َ ْ ُ َ‬ ‫ٌ‬ ‫س ِإ َّن َرب ُ ْ َ ُ ٌ‬ ‫األَ ُنف ِ‬
‫يمو َن‬ ‫ِِ ِ‬ ‫السم ِاء مآء َّل ُكم ِم ْن ُه َش َر ٌ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫اكم أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ ِ‬
‫اب َوم ْن ُه َش َجٌر فيه تُس ُ‬ ‫ّ‬ ‫ين * ُه َو الذي أ َْن َزَل م َن َّ َ َ ً‬ ‫َج َمع َ‬
‫آء َل َه َد ُ ْ ْ‬
‫السبيل َوم ْن َها َجآئٌر َوَل ْو َش َ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫اب َو ِمن ُك ّل الث َم َرات ِإ َّن في َذل َك َ‬
‫آلي ًة ّلَق ْو ٍم َيتََفك ُرو َن * َو َس َّخ َر َل ُك ُم ال َ‬
‫يل‬ ‫َعَن َ‬
‫يل َواأل ْ‬
‫الزيتُو َن و َّ ِ‬
‫النخ َ‬ ‫ع َو َّ ْ‬ ‫* ُينِب ُت َل ُكم ِب ِه َّ‬
‫الزْر َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ض ُم ْخَتلِفاً‬ ‫ات ّلَِق ْو ٍم َي ْعِقُلو َن * وما َذ َأَر َل ُكم ِفي األ َْر ِ‬ ‫ات ِبأَم ِِره ِإ َّن ِفي َذلِك آلي ٍ‬ ‫َّ‬
‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬ ‫وم ُم َس َّخ َر ٌ ْ‬ ‫ُّ‬
‫َواْلن َه َار َوالش ْم َس َواْلَق َم َر َواْلن ُج ُ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ط ِرّياً َوتَ ْستَ ْخ ِرُجوْا م ْن ُه ِحْلَي ًة َتْلَب ُس َ‬
‫ون َها‬ ‫آلي ًة ِّلَق ْو ٍم َي َّذ َّك ُرو َن * َو ُه َو َّال ِذي َس َّخ َر اْلَب ْح َر لِتَأ ُ‬
‫ْكُلوْا ِم ْن ُه َل ْحماً َ‬ ‫ِ ِ‬
‫أَْل َو ُان ُه ِإ َّن في َذل َك َ‬
‫ضلِ ِه وَل َعَّل ُكم تَ ْش ُك ُرو َن * وأَْلَق ٰى ِفي األ َْر ِ‬
‫ض َرَو ِاس َي أَن تَ ِم َيد ِب ُك ْم َوأ َْن َها اًر َو ُسُبالً‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َ‬ ‫َوتَ َرى اْلُفْل َك َم َواخ َر فيه َولِتَْبتَ ُغوْا من َف ْ َ ْ‬
‫َّللاِ الَ‬
‫ِالن ْج ِم ُه ْم َي ْهتَ ُدو َن * أََف َمن َي ْخُل ُق َك َمن الَّ َي ْخُل ُق أََفال تَ َذ َّك ُرو َن * َوإِن تَ ُعُّدوْا ِن ْع َم َة َّ‬ ‫ات َوب َّ‬ ‫َّلعَّل ُكم تَهتَدون * وعالم ٍ‬
‫ََ َ‬ ‫َ ْ ُْ َ‬
‫َّللاِ الَ َي ْخُلُقو َن َش ْيئاً َو ُه ْم‬ ‫ين َي ْد ُعو َن ِمن ُدو ِن َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ َي ْعَل ُم َما تُس ُّرو َن َو َما تُ ْعلُنو َن * َوالذ َ‬ ‫يم * َو َّ‬ ‫ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫وهآ ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َل َغُف ٌ‬ ‫ص َ‬‫تُ ْح ُ‬
‫اآلخرِة ُقُلوبهم ُّم ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٰ ِ َّ ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ات َغير أ ٍ‬
‫نك َرةٌ َو ُهم‬ ‫ين الَ ُي ْؤ ِمُنو َن ب َ ُ ُ‬ ‫َّان ُي ْب َعثُو َن * ِإل ُه ُك ْم ِإل ٌه َواحٌد َفالذ َ‬‫َحَيآء َو َما َي ْش ُع ُرو َن أَي َ‬ ‫ُي ْخَلُقو َن * أ َْمو ٌ ْ ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّك ْم َقاُلوْا‬
‫يل َل ُه ْم َّما َذآ أ َْن َزَل َرب ُ‬
‫ين * َوإِ َذا ق َ‬ ‫َّللاَ َي ْعَل ُم َما ُيسُّرو َن َو َما ُي ْعلُنو َن ِإَّن ُه الَ ُيح ُّب اْل ُم ْستَ ْكِب ِر َ‬ ‫ُّم ْستَ ْكِب ُرو َن * الَ َج َرَم أ َّ‬
‫َن َّ‬
‫السْق ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ين ِم ْن َقْبلِ ِه ْم َفأَتَى َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫أ ِ‬
‫اب‬ ‫ف من َف ْوِق ِه ْم َوأَتَ ُ‬
‫اه ُم اْل َع َذ ُ‬ ‫َّللاُ ُب ْنَي َان ُه ْم ّم َن اْلَق َواعد َف َخَّر َعَل ْي ِه ُم َّ ُ‬ ‫ين * َق ْد َم َك َر الذ َ‬ ‫َساط ُير األََّولِ َ‬
‫َ‬
‫ين أُوتُوْا اْل ِعْل َم ِإ َّن‬ ‫يهم ويُقول أَين ُشرَك ِآئي َّال ِذين ُكنتُم تُ َش ُّاقون ِفي ِهم َق َّ ِ‬
‫ال الذ َ‬ ‫ِم ْن َح ْي ُث الَ َي ْش ُع ُرو َن * ثم يوم الِقيام ِة يخ ِز ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ ْْ‬ ‫ُ َّ َ ْ َ ْ َ َ ُ ْ ْ َ َ ُ ْ َ َ َ‬
‫وء َبَل ٰى ِإ َّن‬ ‫السَلم ما ُكَّنا َن ْعم ُل ِمن س ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫اْل ِخ ْزي اْليوم واْل ُّسوء عَلى اْل َك ِاف ِرين * َّال ِذين تَتَوَّفاهم اْلم ِ‬
‫الئ َك ُة َ ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ظالمي أ َْنُفسه ْم َفأَْلَق ُوْا َّ َ َ‬ ‫َ َ ُُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َ َ َ َ‬
‫َّللا علِيم ِبما ُك ْنتُم تَعمُلو َن * َف ْاد ُخُلوْا أَبواب جهَّنم َخالِ ِد ِ‬
‫يها َفَلِب ْئ َس َم ْث َوى اْل ُمتَ َكِّب ِر َ‬
‫ين‬ ‫ين ف َ‬
‫َ‬ ‫َْ َ َ َ َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َّ َ َ ٌ َ‬

‫الن َعم المتعددة كالنعم وغيرها‪ .‬ولما ظهر الحق والخلق ظهر طريق‬ ‫ثم عد الصفات اإلضافية كالخلق والرزق‪ ،‬وفصل ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحق والباطل‪ ،‬فقال‪{ :‬وعلى هللا قصد السبيل} أي‪ :‬عليه لزوم السبيل المستقيم والهداية إليها ألهله‪ ،‬كما قال‪ِ{ :‬إ َّن َرّبِي‬
‫صر ٍ‬
‫اط ُّم ْستَِقيمٍ} [هود‪ ،‬اآلية‪ ]56 :‬أي‪ :‬كل من كان على هذا الصراط الذي هو طريق التوحيد ال ّبد وأن يكون‬ ‫ِ‬
‫َعَل ٰى َ‬
‫من أهله تعالى ألنه طريقه الذي يلزمه‪ .‬ومن السبيل {جائر} يعني بعض السبل‪ ،‬وهي السبل المتفرقة مما عدا سبيل‬
‫التوحيد جائر عادل عن الحق‪ ،‬موصل إلى الباطل ال محالة‪ ،‬فهي سبيل الضاللة كيفما كانت‪ .‬ولم يشأ هداية الجميع‬
‫مر أن السابقين الموحدين‬
‫إلى السبيل المستقيم لكونها تنافي الحكمة‪{ .‬الذين تتوّفاهم المالئكة ظالمي أنفسهم} قد ّ‬
‫بالتجرد ووصل إلى مقام القلب‬
‫ّ‬ ‫يتوفاهم هللا تعالى بذاته‪ ،‬وأما األبرار والسعداء فقسمان‪ :‬فمن ترقى عن مقام النفس‬
‫المتشرعين الذين لم‬
‫بالعلوم والفضائل يتوّفاهم ملك الموت‪ ،‬ومن كان في مقام النفس من العباد والصلحاء والزّهاد و ّ‬
‫يتجردوا عن عالئق البدن بالتزكية والتحلية تتوفاهم مالئكة الرحمة بالبشرى بالجنة‪ ،‬أي‪ّ :‬‬
‫جنة النفس التي هي جنة‬ ‫ّ‬
‫األفعال واآلثار‪ .‬وأما األشرار األشقياء فكيفما كانوا تتوفاهم مالئكة العذاب‪ ،‬إذ القوى الملكوتية المتصلة بالنفوس‬
‫تتشكل بهيئات تلك النفوس‪ ،‬فإذا كانت محجوبة ظالمة كانت هيئاتهم غاسقة ظلمانية هائلة‪ ،‬فتتشكل القوى الملكوتية‬
‫القابضة لنفوسهم بتلك الهيئات لمناسبتها‪ ،‬ولهذا قيل‪ :‬إنما يظهر ملك الموت على صورة أخالق المحتضر‪ ،‬فإذا كانت‬
‫رديئة‪ ،‬ظلمانية‪ ،‬كانت صورته هائلة‪ ،‬موحشة‪ ،‬غلب على من يحضره الخوف والذعر‪ ،‬وتذّلل وتمسكن‪ ،‬ونزل عن‬
‫التمرد‬
‫استكباره‪ ،‬وأظهر العجز والمسكنة‪ ،‬وهذا معنى قوله‪{ :‬فألقوا السلم} أي‪ :‬سالموا‪ ،‬وهانوا‪ ،‬والنوا‪ ،‬وتركوا العناد و ّ‬
‫وقالوا‪{ :‬ما كنا نعمل من سوء} فأجيبوا بقولهم‪{ :‬بلى إن هللا عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم} األفعال‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة النحل (من اآلية ‪ 48‬الى اآلية ‪)55‬‬

‫اخ ُرو َن * َوََِّّللِ َي ْس ُج ُد َما ِفي‬


‫ين واْل َّشم ِآئ ِل س َّجداً ََِّّللِ وهم َد ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫َّؤْا ظالَُل ُه َع ِن اْلَيم ِ َ َ‬
‫َّللا ِمن َشي ٍء يتََفي ِ‬
‫ْ َ ُ‬ ‫ِ‬
‫أ ََوَل ْم َي َرْوْا إَل ٰى َما َخَل َق َّ ُ‬
‫َّه ْم ِّمن َف ْوِق ِه ْم َوَيْف َعُلو َن َما ُي ْؤ َم ُرو َن *‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت وما ِفي األَر ِ ِ‬
‫ض من َدآبَّة َواْل َمالئ َك ُة َو ُه ْم الَ َي ْس َت ْكب ُرو َن * َي َخا ُفو َن َرب ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ َ َ َ‬
‫الدين و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫اصباً‬ ‫َّاي َف ْارَهُبون * َوَل ُه َما في اْل َّس َٰم َٰوت َواأل َْرض َوَل ُه ّ ُ َ‬ ‫َّللاُ الَ تَتخ ُذوْا إلـ َٰه ْي ِن ا ْثَن ْي ِن إَّن َما ُه َو إلـ ٌٰه َواحٌد َفإي َ‬ ‫ال َّ‬
‫َوَق َ‬
‫الضَّر َع ْن ُك ْم ِإ َذا‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ ثُ َّم ِإ َذا َم َّس ُك ُم ُّ‬
‫َّللاِ تَتَُّقو َن * َو َما ِب ُكم ِّمن ِّن ْع َم ٍة َف ِم َن َّ‬
‫ف ُّ‬‫الضُّر َفِإَل ْيه تَ ْجأ َُرو َن * ثُ َّم ِإ َذا َك َش َ‬ ‫أََف َغ ْي َر َّ‬
‫ِ‬ ‫َف ِر ِ‬
‫ف تَ ْعَل ُمو َن‬ ‫يق ّم ْن ُكم ِب َرِّب ِه ْم ُي ْش ِرُكو َن * لَي ْكُف ُروْا ِب َمآ آتَْيَن ُ‬
‫اه ْم َفتَ َمتَّ ُعوْا َف َس ْو َ‬ ‫ٌ‬

‫{أو لم يروا إلى ما خلق هللا من شيء} أي‪ :‬ذات وحقيقة مخلوقة‪ ،‬أية ذات كانت من المخلوقات {يتفيأ ظالله} أي‪:‬‬
‫يتجسد ويتمثل هياكله وصوره‪ ،‬فإن لكل شيء حقيقة هي ملكوت ذلك الشيء وأصله الذي هو به‪ ،‬هو كما قال تعالى‪:‬‬
‫وت ُك ِّل َشي ٍء} [يس‪ ،‬اآلية‪ .]83 :‬وظالله هو‪ :‬صفته ومظهره‪ ،‬أي‪ :‬جسده الذي به يظهر ذلك الشيء‪{ .‬عن‬ ‫ِِ‬
‫ْ‬ ‫{ِبَيده َمَل ُك ُ‬
‫{س ّج َداً هلل} منقادة بأمره‪ ،‬مطواعة ال تمتنع عما يريد فيها‪ ،‬أي‪:‬‬
‫الشر ُ‬
‫اليمين و} عن {الشمائل} أي‪ :‬عن جهة الخير و ّ‬
‫الشرية بأمره {وهم داخرون} صاغرون‪ ،‬متذللون ألمره‪ ،‬مقهورون‪{ .‬وهلل‬
‫يتحرك هياكله إلى جهات األفعال الخيرية و ّ‬
‫المقدسة {وما في‬
‫المجردة ّ‬
‫ّ‬ ‫َي ْس ُجد} ينقاد {ما في السموات} في عالم األرواح من أهل الجبروت والملكوت واألرواح‬
‫األرض} في عالم األجساد من الدواب واألناسي واألشجار وجميع النفوس والقوى األرضية والسماوية {وهم ال‬
‫ّ‬
‫َي ْستَ ْكِبرون} ال يمتنعون عن االنقياد والتذّلل ألمره {يخافون رّبهم} أي‪ :‬ينكسرون ويتأثرون وينفعلون منه انفعال الخائف‬
‫وعلوه عليهم {ويفعلون ما يؤمرون} طوعاً وانقياداً بحيث ال يسعهم فعل غيره‪.‬‬
‫{من فوقهم} من قهره وتأثيره ّ‬

‫الضر إلى الغير وإحالة الذنب في ذلك‬ ‫ّ‬ ‫{إذا فريق منكم بربهم ُي ْش ِركون} بنسبة النعمة إلى غيره ورؤيته منه‪ ،‬وكذا بنسبة‬

‫وي ْعَبد غيري‪ ،‬و ْأرُزق ُ‬


‫وي ْشكر‬ ‫أخُل ْق ُ‬
‫الجن واإلنس في نبأ عظيم‪ْ ،‬‬
‫عليه‪ ،‬واالستعانة في رفعه به‪ .‬قال هللا تعالى‪" :‬أنا و ّ‬
‫غيري"‪ ،‬وذلك هو كفران النعمة والغفلة عن المنعم المشار إليهما بقوله‪{ :‬ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون}‬
‫وبال ذلك االعتقاد عليهم‪ ،‬أو فسوف تعلمون بظهور التوحيد أن ال تأثير لغير هللا في شيء‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة النحل (من اآلية ‪ 30‬الى اآلية ‪)47‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫َِّ ِ‬ ‫َِّ ِ‬


‫ين *‬ ‫َح َسُنوْا في هٰذه اْلُّد ْنَيا َح َسَن ٌة َوَل َد ُار اآلخ َرِة َخ ْيٌر َوَلن ْع َم َد ُار اْل ُمتَّق َ‬
‫ين أ ْ‬ ‫ين اتََّق ْوْا َما َذا أ َْن َزَل َرب ُ‬
‫ُّك ْم َقاُلوْا َخ ْي اًر ّللذ َ‬ ‫للذ َ‬ ‫َوِق َ‬
‫يل‬
‫َّللا اْلمتَِّقين * َّال ِذين تَتَوَّفاهم اْلم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الئ َك ُة‬ ‫َ َ ُُ َ‬ ‫يها َما َي َشآؤو َن َك َذل َك َي ْجزِي َّ ُ ُ َ‬ ‫ون َها تَ ْجرِي من َت ْحت َها األ َْن َه ُار َل ُه ْم ف َ‬ ‫َع ْد ٍن َي ْد ُخُل َ‬ ‫َجَّن ُ‬
‫ات‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ظ ُرو َن ِإال أَن تَأْتَي ُه ُم اْل َمالئ َك ُة أ َْو َيأْت َي أ َْم ُر َرّب َ‬
‫ِك‬ ‫الم َعَل ْي ُك ُم ْاد ُخُلوْا اْل َجَّن َة ِب َما ُك ْنتُ ْم تَ ْع َمُلو َن * َه ْل َي ْن ُ‬
‫ين َيُقوُلو َن َس ٌ‬‫طِّيِب َ‬
‫َ‬
‫اق ِب ِهم َّما‬ ‫ِ‬ ‫َّللا ولـ ِٰكن َك ُانوْا أ َْنُفسهم ي ْ ِ‬ ‫ين ِمن َقْبلِ ِه ْم َو َما َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ات َما َعمُلوْا َو َح َ‬ ‫َص َاب ُه ْم َسِّيَئ ُ‬
‫ظل ُمو َن * َفأ َ‬ ‫َ ُْ َ‬ ‫ظَل َم ُه ُم َّ ُ َ‬ ‫َك َذل َك َف َع َل الذ َ‬
‫اؤَنا َوالَ َحَّرْمَنا ِمن ُدوِن ِه‬ ‫ٍ‬
‫من َش ْيء َّن ْح ُن َوال َآب ُ‬
‫ِ‬ ‫َّللاُ َما َعَب ْدَنا ِمن ُدوِن ِه‬
‫آء َّ‬ ‫َش َرُكوْا َل ْو َش َ‬ ‫ين أ ْ‬ ‫َكانوْا ِب ِه يس َته ِزُئون * وَق َّ ِ‬
‫ال الذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫َّللاَ‬
‫اعُب ُدوْا َّ‬ ‫ُم ٍة َّرُسوالً أ ِ‬
‫َن ْ‬ ‫* َوَلَق ْد َب َع ْثَنا ِفي ُك ِّل أ َّ‬ ‫َّ‬
‫الرُس ِل ِإال اْلَبالغُ اْل ُمِب ُ‬
‫ين‬ ‫ين ِمن َقْبلِ ِه ْم َف َه ْل َعَلى ُّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ٍ ِٰ‬
‫من َش ْيء َكذل َك َف َع َل الذ َ‬
‫ِ‬

‫ان َع ِاقَب ُة‬ ‫ف َك َ‬ ‫ظ ُروْا َك ْي َ‬ ‫ض َفان ُ‬ ‫الضالَل ُة َف ِس ُيروْا ِفي األ َْر ِ‬‫َّللاُ َو ِم ْن ُه ْم َّم ْن َحَّق ْت َعَل ْي ِه َّ‬
‫وت َف ِم ْن ُهم َّم ْن َه َدى َّ‬ ‫اغ َ‬
‫ط ُ‬‫واجتَِنبوْا اْل َّ‬
‫َ ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * َوأَ ْق َس ُموْا ِبا ََّّلل َج ْه َد أ َْي َمان ِه ْم الَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اه ْم َفِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬
‫َّللاَ الَ َي ْهدي َمن ُيض ُّل َو َما َل ُه ْم ّمن َّناص ِر َ‬ ‫ص َعَل ٰى ُه َد ُ‬ ‫ين * ِإن تَ ْح ِر ْ‬ ‫اْل ُم َك ّذِب َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وت َبَل ٰى و ْعداً َعَل ْي ِه َحّقاً ولـ ِٰك َّن أَ ْكثَ َر اْلَّن ِ‬
‫ين‬‫اس الَ َي ْعَل ُمو َن * لُيَبِّي َن َل ُه ُم الذي َي ْخَتلُفو َن فيه َولَِي ْعَل َم الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّللاُ َمن َي ُم ُ‬
‫َي ْب َع ُث َّ‬
‫َّللاِ ِم ْن َب ْع ِد َما‬
‫اج ُروْا ِفي َّ‬ ‫ين َه َ‬
‫َّ ِ‬
‫ول َل ُه ُك ْن َفَي ُكو ُن * َوالذ َ‬ ‫ِ ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫* إَّن َما َق ْوُلَنا ل َش ْيء إ َذآ أ ََرْدَناهُ أَن َّنُق َ‬ ‫ين‬ ‫ِ‬
‫َكَف ُروْا أََّن ُه ْم َك ُانوْا َكاذِب َ‬
‫صَب ُروْا َو َعَل ٰى َرِّب ِه ْم َي َت َوَّكُلو َن * َو َمآ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ظلِ ُموْا َلُنَبِّوَئَّن ُه ْم ِفي ُّ‬
‫َج ُر اآلخ َرِة أَ ْكَب ُر َل ْو َك ُانوْا َي ْعَل ُمو َن * الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫َح َسَن ًة َوأل ْ‬ ‫الد ْنَيا‬ ‫ُ‬
‫الزُب ِر َوأ َْن َ ْزلَنا ِإَل ْي َك ال ِّذ ْك َر‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ات و ُّ‬ ‫وحي ِإَل ْي ِهم َفاسأَُلوْا أ ْ ِ ِ‬
‫َه َل ال ّذ ْك ِر إن ُك ْنتُم الَ تَ ْعَل ُمو َن * باْلَبّيَن َ‬ ‫ْ ْ‬
‫أَرسْلَنا ِمن َقبلِك ِإالَّ ِرجاالً ُّن ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫لِتَُبِّي َن ل َّلن ِ‬
‫ِ‬
‫اب‬
‫ض أ َْو َيأْتَي ُه ُم اْل َع َذ ُ‬ ‫َّللاُ ِب ِه ُم األ َْر َ‬
‫ف َّ‬‫السِّيَئات أَن َي ْخس َ‬ ‫اس َما ُنِّزَل ِإَل ْي ِه ْم َوَل َعل ُه ْم َيتََف َّك ُرو َن * أََفأَم َن الذ َ‬
‫ين َم َك ُروْا َّ‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫ِمن حي ُث الَ ي ْشعرو َن * أَو يأْخ َذهم ِفي تََقُّلِب ِهم َفما هم ِبمع ِج ِزين * أَو يأْخ َذهم عَلى تَخُّو ٍ‬
‫ف َفِإ َّن َرب ُ‬
‫وف َّرح ٌ‬
‫َّك ْم َل َرُؤ ٌ‬ ‫ْ َ ُ ُْ َ ٰ َ‬ ‫ْ َ ُ ُْ َ‬ ‫ْ َ ُ ُْ‬ ‫َ ُُ‬ ‫ْ َْ‬

‫وأما المتّقون عن المعاصي والمناهي‪ ،‬الواقفون مع أحكام الشريعة‪ ،‬المعترفون بالتوحيد و ّ‬


‫النبوة على التقليد ال التحقيق‪،‬‬
‫لتجردوا بعلم اليقين عن صفات النفس إلى مقام القلب‪ ،‬فتتوفاهم المالئكة طيبين على صورة أخالقهم وأعمالهم‬
‫وإال ّ‬
‫الطيبة الجميلة‪ ،‬فرحين مستبشرين {يقولون سالم عليكم ادخلوا ّ‬
‫الجنة} أي‪ :‬الجنة المعهودة عندهم‪ ،‬وهي جنة النفوس‬
‫من جنات األفعال {بما كنتم تعملون}‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{وقال الذين أشركوا لو شاء هللا ما عبدنا من دونه من شيء} إنما قالوا ذلك عناداً وتعنتاً عن فرط الجهل‪ ،‬وإلزاماً‬
‫للموحدين بناء على مذهبهم‪ ،‬إذ لو قالوا ذلك عن علم ويقين لكانوا موحدين ال مشركين بنسبة اإلرادة والتأثير إلى‬
‫الغير‪ ،‬ألن من علم أنه ال يمكن وقوع شيء بغير مشيئة من هللا‪َ ،‬علِم أنه لو شاء كل من في العالم شيئاً لم يشأ هللا‬
‫َّللاُ َمآ‬
‫آء َّ‬
‫{وَل ْو َش َ‬
‫ذلك لم يمكن وقوعه‪ ،‬فاعترف بنفي القدرة واإلرادة عما عدا هللا تعالى فلم يبق مشركاً‪ ،‬قال هللا تعالى‪َ :‬‬
‫َش َرُكوْا} [األنعام‪ ،‬اآلية‪{ .]107 :‬كذلك فعل الذين من قبلهم} في تكذيب الرسل بالعناد‪.‬‬
‫أْ‬

‫{إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} الفرق بين إرادة هللا تعالى وعلمه وقدرته ال يكون إال باالعتبار‪،‬‬
‫فإن هللا تعالى يعلم كل شيء ويعلم وقوعه في وقت معين بسبب معين على وجه معين‪ ،‬فإذا اعتبرنا علمه بذلك قلنا‬
‫بعالميته‪ ،‬وإذا اعتبرنا تخصيصه بالوقت المعين والوجه المعين قلنا بإرادته‪ ،‬وإذا اعتبرنا وجوب وجوده بوجود ما يتوقف‬
‫عليه وجوده في ذلك الوقت على ذلك الوجه المعلوم قلنا بقدرته‪ ،‬فمرجع الثالثة إلى العلم‪ .‬ولو اقتضى علمنا وجود‬
‫ترو وعزيمة غير كونه معلوماً وتحريك اآلالت لكان فينا أيضاً كذلك‪.‬‬
‫شيء ولم يتغير ولم يحتج إلى ّ‬

‫سورة النحل (من اآلية ‪ 56‬الى اآلية ‪)74‬‬

‫تَْفتَرون * ويجعُلون ََِّّللِ اْلبن ِ‬ ‫اَّللِ َلتُ ْسأَُل َّن َع َّما ُك ْنتُ ْم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ات ُس ْب َح َان ُه َوَل ُه ْم َّما‬ ‫ََ‬ ‫ََ ْ َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َوَي ْج َعُلو َن ل َما الَ َي ْعَل ُمو َن َنصيباً ّم ّما َرَزْقَن ُ‬
‫اه ْم تَ َّ‬
‫وء َما ُب ِّش َر ِب ِه أَُي ْم ِس ُك ُه‬
‫* َيتَو َار ٰى ِم َن اْلَق ْو ِم ِمن س ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يم‬ ‫ِ‬
‫ظ َّل َو ْج ُه ُه ُم ْس َوّداً َو ُه َو َكظ ٌ‬ ‫َح ُد ُه ْم ِباأل ُْنثَ ٰى َ‬ ‫ِ‬
‫َي ْشتَ ُهو َن * َوإِ َذا ُب ّش َر أ َ‬
‫اآلخرِة مَثل َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َِّ ِ‬ ‫ِ ُّ ِ‬ ‫ٍن‬
‫الس ْوِء َوََّّلل اْل َمَث ُل األ ْ‬
‫َعَل ٰى َو ُهَو‬ ‫ين الَ ُي ْؤ ِمُنو َن ب َ َ ُ‬
‫آء َما َي ْح ُك ُمو َن * للذ َ‬ ‫َعَل ٰى ُهو أ َْم َي ُد ُّس ُه في الت َراب أَالَ َس َ‬
‫ٍ‬
‫َّة وٰل ِكن ي َؤ ِّخرُهم إَل ٰى أ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الناس ِب ُ ِ‬ ‫اْلع ِز ُيز اْلح ِكيم * وَلو يؤ ِ‬
‫َجل ُّم َس ًّم ٰى َفِإ َذا َجآ َء أ َ‬
‫َجُل ُه ْم‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ْ‬ ‫ك َعَل ْي َها من َدآب َ‬ ‫ظْلم ِه ْم َّما تَ َر َ‬ ‫َّللاُ َّ َ‬
‫اخ ُذ َّ‬ ‫َ ْ َُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ف أَْل ِسَنتُ ُه ُم اْل َك ِذ َب أَ َّن َل ُه ُم اْل ُح ْسَن ٰى الَ َج َرَم أ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َن َل ُه ُم‬ ‫َوالَ َي ْستَْقد ُمو َن * َوَي ْج َعُلو َن ََّّلل َما َي ْك َرُهو َن َوتَص ُ‬ ‫الَ َي ْستَأْخ ُرو َن َس َ‬
‫اع ًة‬
‫يم‬ ‫طان أَعماَلهم َفهو ولِيُّهم اْليوم وَلهم ع َذ ِ‬ ‫َّن َلهم َّ‬ ‫اَّللِ َلَق ْد أَرسْلَنآ ِإَل ٰى أ ِ ِ‬ ‫طو َن‬‫اْلَّن َار َوأََّن ُه ْم ُّمْف َر ُ‬
‫اب أَل ٌ‬ ‫الش ْي َ ُ ْ َ ُ ْ ُ َ َ ُ ُ َ ْ َ َ ُ ْ َ ٌ‬ ‫ُم ٍم ّمن َقْبل َك َف َزي َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫* تَ َّ‬
‫آء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يه َو ُه ًدى َوَر ْح َم ًة ّلَِق ْو ٍم ُي ْؤ ِمُنو َن * َو َّ‬ ‫* ومآ أَن ْزلنا عَليك اْل ِكتاب ِإالَّ لِتبِين َلهم َّال ِذي اختَلُفوْا ِف ِ‬
‫َّللاُ أ َْن َزَل م َن اْل َّس َمآء َم ً‬ ‫َْ‬ ‫َُّ َ ُ ُ‬ ‫َ َ َْ َ َ ْ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫طوِنه ِمن َب ْي ِن‬‫يك ْم ِّم َّما ِفي ُب ُ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬
‫آلي ًة لَِق ْو ٍم َي ْس َم ُعو َن * َوإِ َّن َل ُك ْم ِفي األ َْن َعا ِم َل ِع ْب َرًة ُّن ْسِق ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫ض َب ْع َد َم ْوِت َهآ ِإ َّن في ذل َك َ‬
‫َحَيا ِبه األ َْر َ‬
‫َفأ ْ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِ ِٰ‬ ‫ِ‬ ‫يل واأل ِ ِ‬ ‫ات َّ ِ‬ ‫لش ِاربِين * و ِمن ثَمر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫َعَناب تَتَّخ ُذو َن م ْن ُه َس َك اًر َوِرْزقاً َح َسناً ِإ َّن في ذل َك َ‬
‫آلي ًة‬ ‫النخ ِ َ ْ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َف ْرث َوَد ٍم لَبناً َخالصاً َسآئغاً ل َّ َ‬
‫الش َج ِر َو ِم َّما َي ْع ِرُشو َن * ثَُّم ُكلِي ِمن ُك ِّل‬ ‫َن اتَّ ِخ ِذي ِم َن اْل ِجب ِ‬
‫ال ُبُيوت ًا و ِم َن َّ‬ ‫الن ْح ِل أ ِ‬
‫ُّك ِإَل ٰى َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّلَق ْو ٍم َي ْعقُلو َن * َوأ َْو َح ٰى َرب َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫آلي ًة ّلَِق ْو ٍم َيتََف َّك ُرو َن‬ ‫ِ ِٰ‬ ‫طوِنها شراب ُّمختلِف أَْلوانه ِف ِ‬
‫يه ِشَفآء لِ َّلن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات َف ِ‬ ‫الثَّمر ِ‬
‫اس ِإ َّن في ذل َك َ‬ ‫ٌ‬ ‫اسُلكي ُسُب َل َرّبِك ُذُلالً َي ْخ ُرُج من ُب ُ َ َ َ ٌ ْ َ ٌ َ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫َّللاَ َعلِي ٌم َق ِد ٌير * َو َّ‬
‫َّللاُ َف َّ‬
‫ض َل‬ ‫نكم َّمن ُي َرُّد ِإَل ٰى أ َْرَذ ِل اْل ُع ُم ِر لِ َكي الَ َي ْعَل َم َب ْع َد ِعْل ٍم َش ْيئاً ِإ َّن َّ‬ ‫َّللاُ َخَلَق ُك ْم ثُ َّم َيتََوَّف ُ‬
‫اك ْم َو ِم ُ‬ ‫* َو َّ‬
‫ْ‬
‫َّللاِ‬
‫آء أََفِبِن ْع َم ِة َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ض ِفي اْل ِرْز ِق َفما َّال ِذين ُف ِ ِ ِ‬ ‫ض ُكم َعَل ٰى َب ْع ٍ‬
‫ضُلوْا ب َر ّآدي ِرْزقه ْم َعَل ٰى َما َمَل َك ْت أ َْي َم ُان ُه ْم َف ُه ْم فيه َسَو ٌ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َب ْع َ ْ‬
‫ات أََفِباْلب ِ‬
‫اط ِل‬ ‫الطِيب ِ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّللاُ َج َع َل َل ُك ْم ّم ْن أ َْنُفس ُك ْم أ َْزَواجاً َو َج َع َل َل ُك ْم ّم ْن أ َْزَوا ِج ُكم َبن َ‬
‫ين َو َحَف َد ًة َوَرَزَق ُكم ّم َن ّ َ‬ ‫َي ْج َح ُدو َن * َو َّ‬
‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ هم ي ْكُفرون * ويعبدون ِمن دو ِن َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ض َش ْيئاً َوالَ‬ ‫َّللا َما الَ َي ْمل ُك َل ُه ْم ِرْزقاً ّم َن َّ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ ُُ َ‬ ‫ُي ْؤ ِمُنو َن َوبِن ْع َمت َّ ُ ْ َ ُ َ‬
‫َّللاَ َي ْعَلم َوأ َْنتُ ْم الَ تَ ْعَل ُمو َن‬ ‫ض ِرُبوْا ََِّّللِ األَمثَ ِ‬
‫يعو َن * َفالَ تَ ْ‬
‫ِ‬
‫ال إ َّن َّ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َي ْستَط ُ‬

‫{ويجعلون لما ال يعلمون} وجوده مما سواه {نصيباً مما رزقناهم} فيقولون‪ :‬هو أعطاني كذا‪ ،‬ولو لم يعطني لكان كذا‪،‬‬
‫وفالن رزقني وأعانني‪ ،‬فيجعلون لغيره تأثي اًر في وصول ذلك إليه‪ ،‬وإن لم يثبتوا له تأثي اًر في وجوده فقد جعلوا له نصيباً‬
‫مما رزقهم هللا‪.‬‬

‫سورة النحل (من اآلية ‪ 75‬الى اآلية ‪)76‬‬

‫َي ْستَُوو َن‬ ‫َّللاُ َمثَالً َع ْبداً َّم ْمُلوكاً الَّ َيْق ِد ُر َعَل ٰى َشي ٍء َو َمن َّرَزْقَناهُ ِمَّنا ِرْزقاً َح َسناً َف ُهَو ُي ْنِف ُق ِم ْن ُه ِسّاًر َو َج ْه اًر َه ْل‬‫ض َر َب َّ‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َم ْوالهُ أ َْيَن َما‬ ‫َح ُد ُه َمآ أ َْب َك ُم الَ َيْقد ُر َعَل ٰى َشيء َو ُهَو َك ٌّل َعَل ٰى‬
‫ْ‬ ‫َّللاُ َمثَالً َّر ُجَل ْي ِن أ َ‬
‫ض َر َب َّ‬ ‫اْل َح ْم ُد ََّّلل َب ْل أَ ْكثَ ُرُه ْم الَ َي ْعَل ُمو َن * َو َ‬
‫صر ٍ‬
‫اط ُّم ْستَِقي ٍم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُي َو ِّج ُّ‬
‫ْم ُر ِباْل َع ْدل َو ُه َو َعَل ٰى َ‬ ‫ِ‬
‫هه الَ َيأْت ب َخ ْي ٍر َه ْل َي ْس َتوي ُه َو َو َمن َيأ ُ‬

‫الم ْش ِرك والموحد {عبداً مملوكاً} ّ‬


‫محباً لغير هللا‪ ،‬مؤث اًر له بهواه‪ ،‬فإن المقيد بالشيء‬ ‫جرد والمقيد و ُ‬
‫{ضر َب هللا مثالً} للم ّ‬
‫َ‬
‫ويتصرف بأمره‪ ،‬فهو عبده إذ كل من أحب شيئاً أطاعه‪ ،‬وإذا أطاعه فقد عبده‪ .‬فمنهم‬ ‫ّ‬ ‫يدين بدينه ويصدر عن حكمه‪،‬‬
‫من يعبد الشيطان ومنهم من يعبد الشهوة ومنهم من يعبد الدنيا أو الدينار أو اللباس‪ ،‬كما قال عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫ِ"ت ْعس عبد الدينار‪ ،‬تعس عبد الدرهم‪ ،‬وتعس عبد الخميصة"‪ ،‬وقال هللا تعالى‪{ :‬أََف َأرَْي َت َم ِن اتَّ َخ َذ ِإَلـ َٰه ُه َهَواهُ} [الجاثية‪،‬‬
‫وقوة نفسه‬
‫اآلية‪ ]23 :‬وإذا عبده كان مملوكه ورقيقه‪{ .‬ال يقدر على شيء} ألن المحب والعابد ال يرتقي همته وتأثيره ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫من محبوبه ومعبوده وإال لما كان مقهو اًر له‪ ،‬أسي اًر في وثاقه‪ ،‬بل ينقض منه ومعبوده عاجز ال تأثير له‪ ،‬بل ال وجود‬
‫كالظل‪ ،‬إذا تبعته فاتك‬
‫ّ‬ ‫أذل‪ ،‬ولهذا قيل‪ :‬إن الدنيا‬
‫سواء كان جماداً أو حيواناً أو إنساناً أو ما شئت‪ ،‬فهو أعجز منه و ّ‬
‫أقل خط اًر‪ ،‬وال تأثير للدنيا فكيف به حتى يحصل له وبسببه‬
‫وإن تركته تبعك‪ ،‬فإن تابع الدنيا أحقر قد اًر من الدنيا و ّ‬
‫الظل للذات وال ذات له فال ملك له وال قدرة‪.‬‬
‫الظل‪ ،‬بل ّ‬
‫لظل ّ‬‫ظل ّ‬
‫ظل زائل‪ ،‬فهو ظل الظل وال ّ‬
‫إن الدنيا ّ‬
‫شيء؟ و ّ‬

‫وتجرد عما سوانا‪ ،‬وانقطع إلينا‪ ،‬أعطيناه األيد والقوة‪،‬‬


‫{ومن رزقناه منا رزقاً حسناً} ومن أحبنا وأقبل بقلبه علينا‪ّ ،‬‬
‫المْلك‪ ،‬منعم الكل‪ ،‬منيع القوى‬
‫المْلك والحكمة‪ ،‬وأسبغنا عليه النعمة الظاهرة والباطنة ألنه متوجه إلى مالك ُ‬
‫ورزقناه ُ‬
‫والقدر‪ ،‬فأكسب نفسه القوة و التأثير والقدرة منه‪ ،‬وتأثر منه األكوان واألجرام وأطاعه الملك والملكوت كما أوحى هللا‬
‫همته الشريفة عن األكوان‬
‫تعالى إلى داود عليه السالم‪" :‬يا دنيا اخدمي من خدمني‪ ،‬واتعبي من خدمك"‪ .‬ثم إذا ربت ّ‬
‫ولم تقف بمحبته مع غير هللا ولم يلتفت إلى ما سواه زدنا في رزقه فآتيناه صفاتنا ومحونا عنه صفاته‪ ،‬فعلمناه من لدنا‬
‫أحبه‪ ،‬فإذا أحببته كنت سمعه الذي‬
‫إلي بالنوافل حتى ّ‬ ‫يتقرب‬
‫علماً وأقدرناه بقدرتنا‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬ال يزال العبد ّ‬
‫ّ‬
‫سر‪ ،‬ومن الظاهرة جه اًر‪ ،‬أو‬ ‫يسمع به"‪ ،‬الحديث‪{ .‬فهو ُي ْنِفق منه ّاً‬
‫سر وجه اًر} ُي ْنفق من النعم الباطنة كالعلم والحكمة ّاً‬
‫سر كالذي يصل إلى الناس من غير تسببه لوصوله ظاه اًر وهو في الحقيقة منه وصل ألنه حينئذ‬
‫ينفق من كلتيهما ّاً‬
‫واسطة الوجود اإللهي ووكيل حضرته وجه اًر كالذي يتسبب هو بنفسه ظاه اًر لوصوله {هل يستوون} استفهام بطريق‬
‫استعد لإلدراك والعقل الذي هو‬
‫ّ‬ ‫اإلنكار وكذا المشرك كاألبكم الذي لم يكن له استعداد النطق في الخلقة ألنه ما‬
‫خاصية اإلنسان‪ ،‬فيدرك وجوب وجود الحق تعالى وكماله وإمكان الغير ونقصانه فيتب أر عن غيره ويلوذ به عن حول‬
‫وقوتهما‪.‬‬
‫نفسه وغيره ّ‬

‫كل على مواله} لعجزه بالطبع عن‬


‫{ال يقدر على شيء} لعدم استطاعته وقصور قوته للنقص الالزم الستعداده {وهو ّ‬
‫تحصيل حاجته‪ ،‬فهو عبد بالطبع محتاج‪ ،‬متذّلل للغير‪ ،‬ناقص عن رتبة كل شيء لكونه أقل من ال شيء‪ ،‬فإن‬
‫الممكن الذي يعبده ليس بشيء سواء كان ملكاً أو ملكاً أو فلكاً أو كوكباً أو عقالً أو غيرها {أينما يوجهه ال يأت‬
‫بخير} لعدم استعداده وش اررته بالطبع فال يناسب إال الش ّر الذي هو العدم فكيف يأتي بالخير {هل يستوي هو} والموحد‬
‫ظل الوحدة في‬
‫القائم باهلل‪ ،‬الفاني عن غيره حتى نفسه يقوم بالحق‪ ،‬ويعامل الخلق بالعدل‪ ،‬ويأمر بالعدل‪ ،‬ألن العدل ّ‬
‫عالم الكثرة فحيث قام بوحدة الذات وقع ظله على الكل‪ ،‬فلم يكن إال آم اًر بالعدل {وهو على صراط مستقيم} أي‪:‬‬
‫يمرون عليه كالبرق‬
‫صراط هللا الذي عليه خاصته من أهل البقاء بعد الفناء الممدود على نار الطبيعة ألهل الحقيقة ّ‬
‫الالمع‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة النحل (من اآلية ‪ 77‬الى اآلية ‪)83‬‬

‫َّللاَ َعَل ٰى ُك ِّل َشي ٍء َق ِد ٌير * َو َّ‬ ‫ص ِر أ َْو ُه َو أَ ْق َر ُب ِإ َّن َّ‬ ‫الس ِ ِ َّ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِِ‬
‫َّللاُ‬ ‫ْ‬ ‫اعة إال َكَل ْم ِح اْلَب َ‬
‫ض َو َمآ أ َْم ُر َّ َ‬ ‫َوََّّلل َغ ْي ُب َّ َ َ َ‬
‫ُمه ِات ُكم الَ َتعَلمو َن َشيئاً وجعل َل ُكم اْل َّسمع واألَبصار واألَْفِئدة َلعَّل ُكم تَ ْش ُكرو َن * أََلم يروْا ِإَلى َّ‬
‫الط ْي ِر‬ ‫َخ َر َج ُكم ِمن ُب ُ ِ‬
‫ْ ََ ْ ٰ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ََ َ ُ ْ َ َ ْ َ َ َ ََ َ ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫طون أ َّ َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫أْ‬
‫َّللاُ َج َع َل َل ُك ْم ِّمن ُبُيوِت ُك ْم َس َكناً َو َج َع َل‬ ‫َّللا ِإ َّن ِفي ٰذلِك ألَي ٍ‬
‫ٰت ّلَِق ْو ٍم ُي ْؤ ِمُنو َن * َو َّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫مس َّخ ٰر ٍت ِفي ج ِو َّ ِ‬
‫َ‬ ‫الس َمآء َما ُي ْمس ُك ُه َّن إال َّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َُ َ‬
‫ين‬ ‫َص َو ِاف َها َوأ َْوَب ِارَها َوأ ْ‬
‫َش َع ِارَهآ أَثَاثاً َو َمتَاعاً ِإَل ٰى ِح ٍ‬ ‫امِت ُك ْم‬
‫َو ِم ْن أ ْ‬
‫ِ‬ ‫ود األ َْنعا ِم بيوتاً تَستَ ِخُّفونها يوم َ ِ‬
‫ظ ْعن ُك ْم َوَي ْوَم إ َق َ‬ ‫َ َ َْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُُ‬ ‫َل ُكم ِمن جُل ِ‬
‫ْ ّ ُ‬
‫ْس ُك ْم‬ ‫يل تَِق ُ‬ ‫ِ‬ ‫يل تَِق ُ‬ ‫ِ‬ ‫ال أَ ْكَناناً‬‫َّللا جعل َل ُكم ِم َّما َخَلق ِظالَالً وجعل َل ُكم ِم َن اْل ِجب ِ‬
‫يكم َبأ َ‬ ‫يك ُم اْل َحَّر َو َس َارب َ‬ ‫َو َج َع َل َل ُك ْم َس َارب َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ َ ْ ّ‬ ‫َ‬ ‫* َو َّ ُ َ َ َ ْ ّ‬
‫َّللاِ ثُ َّم ي ِ‬
‫ين * َي ْع ِرُفو َن ِن ْع َم َت َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ون َها‬
‫نك ُر َ‬ ‫ُ‬ ‫َك َذل َك ُيت ُّم ن ْع َمتَ ُه َعَل ْي ُك ْم َل َعل ُك ْم تُ ْسل ُمو َن * َفِإن تََول ْوْا َفِإَّن َما َعَل ْي َك اْلَبالَغُ اْل ُمِب ُ‬
‫َوأَ ْكثَ ُرُهم اْل َك ِاف ُرو َن‬
‫ُ‬

‫غيب السموات واألرض} أي‪ :‬وهلل علم الذي خفي في السموات واألرض من أمر القيامة الكبرى‪ ،‬أو علم مراتب‬
‫{وهلل ُ‬
‫السر والروح والخفي وغيب الغيوب أو ما غاب من‬
‫الجن والنفس والقلب و ّ‬
‫الغيوب السبعة التي أشرنا إليه من غيب ّ‬
‫حقيقتهما أي‪ :‬ملكوت عالم األرواح وعالم األجساد {وما أمر} القيامة الكبرى بالقياس إلى األمور الزمانية {إالّ} كأقرب‬
‫زمان يعبر عنه مثل لمح البصر {أو هو أقرب} وهو بناء على التمثيل وإال فأمر الساعة ليس بزماني وما ليس بزماني‬
‫يدركه من يدركه ال في الزمان {إن هللا على كل شيء قدير} يقدر على اإلماتة واإلحياء والحساب ال في زمان كما‬
‫يشاهد أهله وخاصته‪.‬‬

‫التخيل {مسخرات في‬‫{ألم يروا إلى الطير} القوى الروحانية والنفسانية من الفكر والعقل النظري والعملي‪ ،‬بل الوهم و ّ‬
‫يمسكهن} من غير تعلق بمادة وال اعتماد على جسم ثقيل {إال هللا}‪.‬‬
‫ّ‬ ‫جو السماء} أي‪ :‬فضاء عالم األرواح {ما‬ ‫ّ‬

‫أمته‬
‫نبي يبعث على كمال يناسب استعدادات ّ‬
‫ّ‬ ‫{يعرفون نعمة هللا} أي‪ :‬هداية النبي أو وجوده لما ذكرنا ّ‬
‫أن كل‬
‫بقوة فطرتهم {ثم ينكرونها} لعنادهم وتعنتهم بسبب غلبة صفات نفوسهم من الكبر واألنفة‬
‫ويجانسهم بفطرته‪ ،‬فيعرفونه ّ‬
‫وحب الرياسة أو لكفرهم واحتجابهم عن نور الفطرة بالهيئات الغاسقة الظلمانية وتغير االستعداد األول {وأكثرهم‬
‫ّ‬
‫الكافرون} في إنكاره لشهادة فطرهم بحقيته ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة النحل (من اآلية ‪ 84‬الى اآلية ‪)90‬‬

‫َّ ِ‬ ‫َِّ ِ‬ ‫ويوم نبع ُث ِمن ُك ِل أ َّ ٍ‬


‫اب َفالَ ُي َخَّف ُ‬
‫ف‬ ‫ظَل ُموْا اْل َع َذ َ‬
‫ين َ‬‫ين َكَف ُروْا َوالَ ُه ْم ُي ْستَ ْعتَُبو َن * َوإِ َذا َرأى الذ َ‬ ‫ُمة َش ِهيداً ثُ َّم الَ ُي ْؤَذ ُن للذ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ َْ َ َْ َ‬
‫ين ُكَّنا َن ْد ُع ْوا ِمن ُدوِن َك َفأْلَق ْوا‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫آؤَنا الذ َ‬
‫آء ُه ْم َقاُلوْا َربََّنا َهـ ُٰؤآلء ُش َرَك ُ‬
‫َش َرُكوْا ُش َرَك َ‬ ‫ظ ُرو َن * َوإِ َذا َرأى الذ َ‬
‫ين أ ْ‬ ‫َع ْن ُه ْم َوالَ ُه ْم ُين َ‬
‫ين َكَفروْا وصُّدوْا َعن سِب ِ‬
‫يل‬ ‫َ‬
‫َّ ِ‬
‫ض َّل َع ْن ُهم َّما َك ُانوْا َيْفتَُرو َن * الذ َ ُ َ َ‬ ‫السَل َم َو َ‬‫َّللاِ َي ْو َمِئ ٍذ َّ‬
‫َّ‬ ‫ِإَل ْي ِه ُم اْلَق ْو َل ِإَّن ُك ْم َل َك ِاذُبو َن * َوأَْلَق ْوْا ِإَل ٰى‬
‫ُم ٍة َش ِهيداً َعَل ْي ِه ْم ِّم ْن أ َْنُف ِس ِه ْم َو ِج ْئَنا ِب َك َش ِهيداً‬
‫ُيْف ِس ُدو َن * َوَي ْوَم َن ْب َع ُث ِفي ُك ِّل أ َّ‬ ‫اب ِب َما َك ُانوْا‬ ‫اهم َع َذاباً َفو َق اْلع َذ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫َّ ِ‬
‫َّللا ِزْدَن ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫آلء ونَّ ْزلنا عَليك اْل ِكتَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‬ ‫ْم ُر ِباْل َع ْدل َو ْ‬
‫اإلح َس ِ‬ ‫َّللاَ َيأ ُ‬ ‫اب ت ْبَياناً ّل ُك ِّل َش ْيء َو ُه ًدى َوَر ْح َم ًة َوُب ْش َر ٰى لْل ُم ْسلم َ‬
‫ين * ِإ َّن َّ‬ ‫َ‬ ‫َعَل ٰى َهـ ُٰؤ َ َ َ َ ْ َ‬
‫َوِإيتَ ِآء ِذي اْلُق ْرَب ٰى َوَي ْن َه ٰى َع ِن اْلَف ْح َش ِاء َواْل ُم ْن َك ِر َواْلَب ْغ ِي َي ِع ُ‬
‫ظ ُك ْم َل َعَّل ُك ْم تَ َذ َّك ُرو َن‬

‫التقرب منه‬
‫{ويوم نبعث من كل أمة شهيداً} أي‪ :‬نبعث نبيهم على غاية الكمال الذي يمكن أل ّمته الوصول إليه أو ّ‬
‫والتوجه إليه إلمكان معرفتهم إياه فيعرفونه‪ ،‬ولهذا يكون لكل أمة شهيد غير شهيد األمة األخرى‪ ،‬ويعرف كل من‬
‫قصر وخالف نبيه باإلعراض عن الكمال الذي هو يدعو إليه‪ ،‬والوقوف في حضيض النقصان قصوره واحتجابه فال‬
‫متحي اًر متحس اًر‪ ،‬وهو معنى قوله‪{ :‬ثم ال يؤذن للذين كفروا} وال سبيل له إلى إدراك ما فاته‬
‫حجة له وال نطق‪ ،‬فيبقى ّ‬
‫لقوة استعداده الفطري الذي ُجِب َل عليه‪ ،‬وشوقه األصلي الغريزي إليه‪،‬‬
‫من كماله لعدم آلته‪ ،‬وال يمكن أن يرضى بحاله ّ‬
‫فهو مكظوم ال يستعتب وال يسترضي‪.‬‬

‫َّللاُ َج ِميعاً َفَي ْحلُِفو َن‬


‫{ي ْوَم َي ْب َعثُ ُه ُم َّ‬
‫{وألقوا إلى هللا يومئذ السلم} أي‪ :‬االستسالم واالنقياد‪ .‬وقد جاء إنكارهم كقوله تعالى‪َ :‬‬
‫َل ُه َك َما َي ْحلُِفو َن َل ُك ْم} [المجادلة‪ ،‬اآلية‪ ]18 :‬وذلك بحسب المواقف‪ ،‬فاإلنكار في الموقف األول وقت ّقوة هيئات الرذائل‬
‫وشدة شكيمة النفس في الشيطنة‪ ،‬وغاية البعد عن النور اإللهي لالحتجاب بالحجب الغليظة والغواشي المظلمة حتى‬
‫ّ‬
‫تكدر نور الفطرة حتى يمكنه إظهار خالف مقتضاه‪ .‬واالستسالم في الموقف‬
‫ال يعلم أنه كان يراه ويطلع عليه ونهاية ّ‬
‫الثاني بعد مرور أحقاب كثيرة من ساعات اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة حين زالت الهيئات‪ ،‬ورقت‬
‫وض ُعَفت شراشر النفس في رذائلها‪ ،‬وقرب من عالم النور لرقة الحجب ولمعان نور فطرته األولى‪ ،‬فيعترف وينقاد‪،‬‬
‫َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫هذا إذا كان االستسالم واإلنكار لنفوس بعينها‪ .‬وقد يكون االستسالم للبعض الذين لم ترسخ هيئات رذائلهم‪ ،‬ولم تغلظ‬
‫استقرت وكثف‬
‫حجبهم‪ ،‬ولم ينطفئ نور استعدادهم‪ .‬واإلنكار لمن ترسخت فيه الهيئات وقويت وغلبت عليه الشيطنة‪ ،‬و ّ‬
‫الحجاب‪ ،‬وبطل االستعداد وهللا أعلم‪.‬‬

‫{ونزلنا عليك الكتاب} أي‪ :‬العقل الفرقاني بعد الوجود الحقاني‬


‫مر في سورة (النساء)‪َ ،‬‬
‫{وجئنا بك شهيداً على هؤالء} قد ّ‬
‫{تبياناً لكل شيء} تبييناً وتحقيقاً لحّقية كل شيء‪ ،‬وهداية لمن استسلم وانقاد لسالمة فطرته إلى كماله {ورحمة} له‬
‫بتبليغه إلى ذلك الكمال بالتربية واإلمداد وبشارة له ببقائه على ذلك الكمال أبداً سرمداً في الجنان الثالث‪.‬‬

‫سورة النحل (من اآلية ‪ 91‬الى اآلية ‪)98‬‬

‫ِ ِ‬ ‫ان َب ْع َد تَ ْو ِك ِيد َها َوَق ْد َج َعْلتُ ُم َّ‬ ‫وأَوُفوْا ِبعه ِد َّ ِ‬


‫* َوالَ‬ ‫َّللاَ َي ْعَلم َما تَْف َعُلو َن‬
‫َّللاَ َعَل ْي ُك ْم َكفيالً إ َّن َّ ُ‬ ‫ضوْا األ َْي َم َ‬ ‫َّللا ِإ َذا َع َ‬
‫اهدتُّ ْم َوالَ تَنُق ُ‬ ‫َْ‬ ‫َْ‬
‫وك ُم‬
‫َيْبُل ُ‬‫ُم ٍة ِإَّن َما‬
‫ُم ٌة ِه َي أ َْرَب ٰى ِم ْن أ َّ‬ ‫ض ْت َغ ْزَل َها ِمن َب ْع ِد ُقَّوٍة أ َ‬
‫َنكاثاً تَتَّ ِخ ُذو َن أ َْي َم َان ُك ْم َد َخالً َب ْيَن ُك ْم أَن تَ ُكو َن أ َّ‬ ‫َِّ‬
‫ونوْا َكالتي َنَق َ‬‫تَ ُك ُ‬
‫آء َوَي ْه ِدي‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّللا َلجعَل ُكم أ َّ ِ‬ ‫ِِ ِ ن‬ ‫َّللا ِب ِه وَليبِين َّن َل ُكم يوم اْلِقي ِ‬
‫ُم ًة َواح َد ًة َولـٰكن ُيض ُّل َمن َي َش ُ‬ ‫آء َّ ُ َ َ ْ‬ ‫امة َما ُك ْنتُ ْم فيه تَ ْخَتلُفو َ * َوَل ْو َش َ‬ ‫ْ َْ َ َ َ‬ ‫َّ ُ َ ُ َّ َ‬
‫ص َددتُّ ْم‬ ‫من َي َشآء وَلتُسأَُل َّن َع َّما ُك ْنتُم تَ ْعمُلو َن * والَ تَتَّ ِخ ُذوْا أ َْيم َان ُكم َد َخالً َب ْيَن ُكم َفتَ ِزَّل َق َدم َب ْع َد ثُُبوِتها وتَ ُذوُقوْا اْل ُّس ِ‬
‫وء ب َما َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫َّللا ُهَو َخ ْيٌر ل ُك ْم إن ُك ْنتُ ْم تَ ْعَل ُمو َ * َما‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا ثَ َمناً َقليالً إن َما ع ْن َد َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم * َوالَ تَ ْشتَ ُروْا ب َع ْهد َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب َعظ ٌ‬ ‫َّللا َوَل ُك ْم َع َذ ٌ‬
‫َعن َسبيل َّ‬
‫صالِحاً ِّمن َذ َك ٍر أ َْو‬ ‫ِ‬
‫َج َرُه ْم ِبأ ْ‬
‫َّ ِ‬ ‫َّللاِ َب ٍ‬
‫ِع َند ُك ْم َي َنف ُد َو َما ِع َند َّ‬
‫َح َس ِن َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * َم ْن َعم َل َ‬ ‫صَب ُروْا أ ْ‬ ‫ين َ‬ ‫اق َوَلَن ْج ِزَي َّن الذ َ‬
‫اَّللِ ِم َن‬
‫استَ ِع ْذ ِب َّ‬
‫آن َف ْ‬ ‫َح َس ِن َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * َفِإ َذا َق َأر َ‬
‫ْت اْلُق ْر َ‬ ‫َج َرُهم ِبأ ْ‬
‫طِّيَب ًة َوَلَن ْج ِزَيَّن ُه ْم أ ْ‬ ‫أ ُْنثَ ٰى َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن َفَلُن ْحِيَيَّن ُه َحَي ً‬
‫اة َ‬
‫الرِجي ِم‬
‫ان َّ‬‫طِ‬ ‫َّ‬
‫الش ْي َ‬

‫{وأوفوا بعهد هللا} الذي هو تذكر العهد السابق وتجديده بالعقد الالحق بالبقاء على حكمه في اإلعراض عن الغير‬
‫التجرد عن العوائق والعالئق في التوجه إليه {إذا عاهدتم} أي‪ :‬تذكرتموه بإشراق نور النبي عليكم وتذكيره إياكم‪{ .‬من‬
‫و ّ‬
‫ّ‬
‫َع ِمل صالحاً من ذكر أو أنثى} أي‪ :‬عمالً يوصله إلى كماله الذي يقتضيه استعداده‪ ،‬إذ الصالح في الشخص توجهه‬
‫بالضد وفي العمل كونه وصلة وسيلة إليه من صاحب قلب بالغ إلى‬
‫ّ‬ ‫إلى كماله أو كونه على ذلك الكمال‪ ،‬والفساد‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫كمال الرجولية أو صاحب نفس قابلة لتأثير القلب مستفيضة منه {وهو مؤمن} أي‪ :‬معتقد للحق اعتقاداً جازماً‪ ،‬إذ‬
‫صالح العمل مشروط بصحة االعتقاد وإال لم يتصور كماله على ما هو عليه ولم يعتقده على الوجه الذي ينبغي فلم‬
‫يمكنه عمل يوصله إليه فال يكون ما يعمله صالحاً حينئذ في الحقيقة‪ .‬وإن كان في صورة الصالح {فلنحيينه حياة‬
‫بالتجرد عن المواد البدنية واالنخراط في سلك األنوار السرمدية‪ ،‬والتل ّذذ‬
‫ّ‬ ‫طيبة} أي‪ :‬حياة حقيقية ال موت بعدها‬
‫بكماالت الصفات في مشاهدات التجليات األفعالية والصفاتية {ولنجزينهم أجرهم} من جنان األفعال والصفات {بأحسن‬
‫ما كانوا يعملون} إذ عملهم يناسب صفاتهم التي هي مبادئ أفعالهم وأجرهم يناسب صفاتنا التي هي مصادر أفعالنا‪،‬‬
‫فاستَعذ باهلل} فادرج عن مقام النفس بالعروج إلى جناب‬
‫فانظر كم بينهما من التفاوت في الحسن‪{ .‬فإذا قرأت القرآن ْ‬
‫القدس‪ ،‬فإن النفس مأوى كل كدورة ومنبع كل رجس تناسب وساوس الشيطان‪ّ ،‬‬
‫وتجردها بأحاديثها‪ ،‬فإن ارتقيت من‬
‫مقرها لم يك ن للشيطان عليك سلطان ألنه ال يطيق نور حضور الحق وحضرة القلب مهبط أنواره وجناب صفاته‬ ‫ّ‬
‫المقدسة ومحل تجلياته النورية‪ ،‬فعذ إليها وعذ بنور هللا فيها تستحكم بنيان إيمانك باليقين‪.‬‬
‫ّ‬

‫سورة النحل (من اآلية ‪ 99‬الى اآلية ‪)105‬‬

‫ين ُهم ِب ِه ُم ْش ِرُكو َن‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ‬


‫ين َيتََول ْوَن ُه َوالذ َ‬
‫َّ ِ‬
‫ط ُان ُه َعَل ٰى الذ َ‬ ‫آمُنوْا َو َعَل ٰى َرِّب ِه ْم َيتََوَّكُلو َن * ِإَّن َما ُسْل َ‬ ‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫ان َعَل ٰى الذ َ‬ ‫طٌ‬ ‫ِإَّن ُه َل ْي َس َل ُه ُسْل َ‬
‫س ِمن‬ ‫َنت مْفتَ ٍر َب ْل أَ ْكثَ ُرُهم الَ َي ْعَلمو َن * ُق ْل َنَّزَل ُه ُرو ُح اْلُق ُد ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا أ ْ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َعَل ُم ب َما ُيَنِّزُل َقاُلوْا إَّن َمآ أ َ ُ‬ ‫* َوإِ َذا َبَّدْلَنآ َآي ًة َّم َك َ‬
‫ان َآية َو َّ ُ‬
‫ان َّال ِذي ُيْل ِح ُدو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * َوَلَق ْد َن ْعَل ُم أََّن ُه ْم َيُقوُلو َن ِإَّن َما ُي َعّل ُم ُه َب َشٌر ّل َس ُ‬
‫ِ ِِ‬
‫آمُنوْا َو ُه ًدى َوُب ْش َر ٰى لْل ُم ْسلم َ‬ ‫ين َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِك ِباْل َح ِّق لُيثَِّب َت الذ َ‬ ‫َّرّب َ‬
‫َّللا وَلهم ع َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات َّ ِ‬
‫ُّمِبين * ِإ َّن َّال ِذين الَ يؤ ِمنون ِبآي ِ‬ ‫ِإَلي ِه أ ِ‬
‫يم * ِإَّن َما َيْفتَرِي‬ ‫َّللا الَ َي ْهدي ِه ُم َّ ُ َ ُ ْ َ ٌ‬
‫اب أَل ٌ‬ ‫َ ُْ ُ َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ِي‬
‫َع َرب ٌّ‬ ‫َع َجم ٌّي َو َهـٰ َذا لِ َس ٌ‬
‫ان‬ ‫ْ ْ‬
‫َّللاِ َوأ ُْولـِٰئ َك ُهم اْل َك ِاذُبو َن‬
‫َّ‬ ‫ِبآي ِ‬
‫ات‬ ‫َ‬ ‫ين الَ ُي ْؤ ِمُنو َن‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫اْل َكذ َب الذ َ‬
‫ُ‬

‫فإن اإليمان الذي ال يبقى معه سلطان الشيطان كما قال تعالى‪{ :‬إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا} أقل درجاته‬
‫اليقين العلمي الذي محله القلب الصافي وال يكفي هذا اليقين في نفي سلطانه إال إذا كان مقروناً بشهود األفعال الذي‬
‫هو مقام التوكل كما قال تعالى‪{ :‬وعلى رّبهم يتوكلون} والفناء في األفعال ال يمكن مع بقاء صفات النفس‪ ،‬إذ بقاء‬
‫صفاتها يستدعي أفعالها‪ ،‬ولهذا قيل‪ :‬ال يمكن إيفاء حق مقام وتصحيحه وإحكامه إال بعد الترقي إلى ما فوقه‪ ،‬فبالترقي‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫إلى مقام الصفات يتم فناء األفعال فيصح التوكل‪{ .‬إنما سلطانه على الذين يتولونه} في مقام النفس بالمناسبة التي‬
‫بينهما في الظلمة والكدورة‪ ،‬إذ التولي مرتب على الجنسية {والذين هم به مشركون} بنسبة القوة والتأثير إليه‪ ،‬بل‬
‫بطاعته وانقياد أوامره للتولي المذكور‪.‬‬

‫سورة النحل (من اآلية ‪ 106‬الى اآلية ‪)111‬‬

‫َّللاِ‬
‫ض ٌب ِّم َن َّ‬ ‫اإليم ِ ِ‬ ‫اَّللِ ِمن َب ْع ِد إيم ِان ِه ِإالَّ م ْن أُ ْك ِره وَقْلُب ُه م ْ ِ ِ ِ‬
‫ص ْد اًر َف َعَل ْي ِه ْم َغ َ‬ ‫ِ‬
‫ان َوَلـٰكن َّمن َش َرَح باْل ُكْف ِر َ‬ ‫ط َمئ ٌّن ب َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َمن َكَف َر ِب َّ‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اة اْلُّد ْنيا عَل ٰى ِ‬
‫اآلخ َرِة َوأَ َّن َّ‬ ‫ِٰ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫ين * أُوَلـٰئ َك الذ َ‬ ‫َّللاَ الَ َي ْهدي اْلَق ْوَم اْل َكاف ِر َ‬ ‫استَ َحُّبوْا اْل َحَي َ َ َ‬ ‫يم * ذل َك بأََّن ُه ُم ْ‬ ‫اب َعظ ٌ‬ ‫َوَل ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫َّك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلخ َرِة ُه ُم اْل َخاسرو َن * ثُ َّم ِإ َّن َرب َ‬ ‫ص ِارِه ْم َوأُوَلـِٰئ َك ُه ُم اْل َغ ِافُلو َن * الَ َج َرَم أََّن ُه ْم ِفي‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ َعَل ٰى ُقُلوبِه ْم َو َس ْمعه ْم َوأ َْب َ‬
‫طَب َع َّ‬
‫َ‬
‫س تُ َج ِاد ُل َعن‬ ‫* َي ْوم تَأِْتي ُك ُّل َنْف ٍ‬
‫َ‬ ‫يم‬ ‫ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬
‫ِ‬ ‫لَِّل ِذين هاجروْا ِمن بع ِد ما ُفِتنوْا ثُ َّم جاهدوْا وصبروْا ِإ َّن رب ِ‬
‫َّك من َب ْعد َها َل َغُف ٌ‬
‫َ َ‬ ‫َ َُ َ َ َُ‬ ‫َْ َ ُ‬ ‫َ َ َُ‬
‫س َّما َع ِمَل ْت َو ُه ْم الَ ُي ْ‬
‫ظَل ُمو َن‬ ‫َّنْف ِس َها وتُوَّف ٰى ُك ُّل َنْف ٍ‬
‫َ َ‬

‫{من كفر باهلل من بعد إيمانه} لكون الظلمة له ذاتية بحسب استعداده األول والنور عارضياً‪ ،‬فهو في حجاب خلقي‬
‫عن نور اإليمان إن اعتراه شعاع قدسي من نفس الرسول أو من فيض القدس أو أثر فيه وعداً ووعيداً‪ ،‬أو كلمة حق‬
‫ّ‬
‫وعزة‬
‫ّ‬ ‫جاه‬ ‫أو‬ ‫ماليين‬ ‫ضر‬
‫ّ‬ ‫ودفع‬ ‫نفع‬ ‫حصول‬ ‫من‬ ‫نفسانية‬ ‫داعية‬ ‫ودعاه‬ ‫قلبه‬ ‫من‬ ‫في دعوته إلى الحق في حال إقبال‬
‫ومقره الكفر‪ ،‬فقد استحق غضب هللا ألنه محجوب بحسب االستعداد عن أول‬
‫بسبب اإلسالم‪ ،‬آمن ظاه اًر‪ ،‬ومقامه ّ‬
‫مراتب اإليمان الذي هو شهود األفعال باالستدالل من الصنع على الصانع فعقابه من باب األفعال والصفات ال الذي‬
‫{أكره} على الكفر باإلنذار والتخويف {وقلبه مطمئن} ثابت متمكن مملوء {باإليمان} لنورية فطرته في األصل وكون‬
‫النور ذاتياً له بحسب الفطرة‪ ،‬والكفر واالحتجاب إنما عرض بمقتضى النشأة‪ .‬وقد زال الحجاب العارضي‪{ .‬ولكن من‬
‫مستقره ومأواه األصلي {فعليهم غضب} عظيم‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫شرح بالكفر صد اًر} أي‪ :‬طاب به نفساً ورضي واطمأن لكونه‬
‫غضب {من هللا ولهم عذاب عظيم} الحتجابهم عن جميع مراتب األنوار من األفعال والصفات والذات‪ ،‬فما أغلظ‬
‫حجابهم وما أعظم عذابهم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{ذلك} أي‪ :‬انشراح الصدر بالكفر والرضا به {بـ} سبب {أنهم استحبوا الحياة الدنيا على اآلخرة} لكونها مبلغ علمهم‬
‫ونهايته‪ ،‬وما بلغ علمهم إلى اآلخرة النسداد بصائر قلوبهم ومناسبة استعدادهم لألمور الغاسقة السفلية من المو ّاد‬
‫وحب الدنيا رأس كل خطيئة الستلزامه الحجاب األغلظ الذي ال خطيئة إال‬
‫الجسمية‪ ،‬فأحبوا ما شعروا به والءم حالهم‪ّ .‬‬
‫طيه {وأن هللا ال يهدي القوم الكافرين} أي‪ :‬المحجوبين بأغلظ الحجب المتناع قبولهم للهداية‪.‬‬
‫تحته وفي ّ‬

‫طَبع هللا على قلوبهم} بقساوتها وكدورتها في األصل فلم ينفتح لهم طريق اإللهام والفهم والكشف‬
‫{أولئك الذين َ‬
‫َ‬
‫بسد طريق المعنى المراد من مسموعاتهم وطريق االعتبار من مبصراتهم إلى القلب‪ ،‬فلم يؤثر‬‫{وسمعهم وأبصارهم} ّ‬
‫فيهم شيء من أسباب الهداية من طريق الباطن من فيض الروح وإلقاء الملك وإشراق النور وال من طريق الظاهر‬
‫بطريق التعليم والتعلم واالعتبار من آثار الصنع {وأولئك هم الغافلون} بالحقيقة لعدم انتباههم بوجه من الوجوه وامتناع‬
‫تيقظهم من نوم الجهل بسبب من األسباب‪{ .‬ال جرم أنهم في اآلخرة هم الخاسرون} الذين ضاعت دنياهم التي‬
‫استنفدوا في تحصيلها وسعهم‪ ،‬وأتلفوا في طلبها أعمارهم‪ ،‬وليسوا من اآلخرة في شيء إال في عذاب هيئات التعلقات‬
‫ووبال التحسرات‪.‬‬

‫إن‬
‫إن رّبك عليهم بالغضب والقهر‪ ،‬وبين الذين‪ّ :‬‬ ‫إن رّبك للذين هاجروا} أي‪ :‬تباعد بين هؤالء المحجوبين الذين‪ّ :‬‬
‫{ثم ّ‬
‫رّبك لهم بالرضا والرحمة وهم الذين هاجروا عن مواطن النفس بترك المألوفات والمشتهيات {من بعد ما ُفِتنوا} وابتلوا‬
‫بحكم النشأة البشرية {ثم جاهدوا} في هللا بالرياضات وسلوك طريقه بالترقي في المقامات والتجريد عن الهيئات‬
‫{إن رّبك من} بعد هذه األحوال {لغفور} لهم بستر‬
‫والتعلقات {وصبروا} على ما تحب النفس وتكرهه بالثبات في السير ّ‬
‫غواشي الصفات النفسانية {رحيم} بإفاضة الكماالت وإبدال صفاتهم بالصفات اإللهية‪.‬‬

‫سورة النحل (من اآلية ‪ 112‬الى اآلية ‪)119‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َّللاِ َفأَ َذاَقها َّ ِ‬ ‫يها ِرْزُق َها َرَغداً ِّمن ُك ِّل َم َك ٍ‬
‫ان َف َكَف َر ْت ِبأ َْن ُع ِم َّ‬ ‫آمن ًة ُّم ْ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اس اْل ُجوِع‬ ‫َّللاُ لَب َ‬ ‫َ‬ ‫ط َمئَّن ًة َيأْت َ‬ ‫َّللاُ َمثَالً َق ْرَي ًة َك َان ْت َ‬
‫ض َر َب َّ‬ ‫َو َ‬
‫ظالِ ُمو َن * َف ُكُلوْا ِم َّما َرَزَق ُك ُم َّ‬
‫َّللاُ‬ ‫اب َو ُه ْم َ‬ ‫َخ َذ ُه ُم اْل َع َذ ُ‬
‫ف ِبما َكانوْا يصنعو َن * وَلَق ْد جآءهم رس ِ‬
‫ول ّم ْن ُه ْم َف َك َّذُبوهُ َفأ َ‬
‫َ َ َ ُْ َ ُ ٌ‬ ‫َواْل َخ ْو َ ُ َ ْ َ ُ‬
‫ِ‬

‫َّللاِ ِب ِه‬ ‫َّللاِ ِإن ُك ْنتُ ْم ِإيَّاهُ تَ ْعُب ُدو َن * ِإَّن َما َحَّرم َعَل ْي ُكم اْل َم ْيتَ َة َواْلَّدم َوَل ْحم اْل َخ ْن ِز ِ‬
‫ير َو َمآ أ ُِه َّل لِ َغ ْي ِر َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫اش ُك ُروْا ِن ْع َم َت َّ‬
‫طِّيباً َو ْ‬
‫َحَلـٰالً َ‬
‫ف أَْل ِسَنتُ ُك ُم اْل َك ِذ َب َهـٰ َذا َحالَ ٌل َو َهـٰ َذا َح َرٌام ّلِتَْفتَُروْا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم * َوالَ تَُقوُلوْا ل َما تَص ُ‬
‫ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫اغ َوالَ َع ٍاد َفِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َغُف ٌ‬ ‫طَّر َغ ْي َر َب ٍ‬
‫اض ُ‬ ‫َف َم ِن ْ‬
‫َّ ِ‬ ‫َّللاِ اْل َك ِذب الَ يْفلِحو َن * متَاعٌ َقلِيل وَلهم ع َذ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫عَلى َّ ِ ِ‬
‫ين َه ُادوْا‬
‫يم * َو َعَل ٰى الذ َ‬ ‫اب أَل ٌ‬‫ٌ َ ُْ َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َّللا اْل َكذ َب ِإ َّن الذ َ‬
‫ين َيْفتَ ُرو َن َعَل ٰى َّ‬ ‫َ ٰ‬
‫وء ِب َج َهاَل ٍة ثُ َّم‬ ‫ين َع ِمُلوْا ُّ‬
‫الس َ‬
‫ظلِمون * ثُ َّم ِإ َّن رب َِّ ِ‬
‫َّك للذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫اه ْم َوَلـ ِٰكن َك ُانوْا أ َْنُف َس ُه ْم َي ْ ُ َ‬ ‫صَنا َعَل ْي َك ِمن َقْب ُل َو َما َ‬
‫ظَل ْمَن ُ‬ ‫صْ‬ ‫َحَّرْمَنا َما َق َ‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تَابوْا ِمن بع ِد َذلِك وأَصَلحوْا ِإ َّن رب ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬
‫َّك من َب ْعد َها َل َغُف ٌ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ ْ ُ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬

‫المستعدة‪ ،‬القابلة الصافية عن الكدورات‪ ،‬المستفيدة من فيض القلب‪ ،‬الثابتة في طريق‬


‫ّ‬ ‫{وضرب هللا مثالً} للنفس‬
‫اكتساب الفضائل‪ ،‬اآلمنة من خوف فواتها وفنائها‪ ،‬المطمئنة باعتقادها {يأتيها رزقها رغداً} من العلوم النافعة‬
‫والفضائل الحميدة واألنوار الشريفة {من كل مكان} أي‪ :‬من جميع جهات الطرق البدنية كالحواس الممتارة إياها قوت‬
‫العلوم الجزئية‪ ،‬والجوارح‪ ،‬واآلالت التي تطاوعها في األعمال الجميلة‪ ،‬وتمرين الفضيلة إذا كانت منقادة للقلب مطواعة‬
‫له‪ ،‬قابلة لفيضه‪ ،‬باقية على معتقدها من الحق تقليداً‪ .‬ومن جهة القلب كإمداد األنوار‪ ،‬وهيئات الفضائل‪ ،‬فظهرت‬
‫بصفاتها بط اًر وإعجاباً بزينتها وكمالها‪ .‬ونظ اًر إلى ذاتها ببهجتها وبهائها فاحتجبت بصفاتها الظلمانية عن تلك األنوار‬
‫الحسية وانقطع إمداد القلب عنها‪ ،‬وانقلبت المعاني الواردة إليها‬
‫ّ‬ ‫ومالت إلى األمور السفلية من زخارف الدنيا واللذات‬
‫من طرق الحس هيئات غاسقة من صور المحسوسات التي انجذبت إليها {فأذاقها هللا لباس الجوع والخوف} بانقطاع‬
‫الحسية والمشتهيات‬
‫ّ‬ ‫مدد المعاني والفضائل واألنوار من القلب والخوف من زوال مقتنياتها من الشهوات والمألوفات‬
‫الحسية والزخارف الدنيوية ولظهورها بصفاتها‬
‫ّ‬ ‫{بما كانوا يصنعون} من كفران ِن َعم هللا باستعمالها في طلب اللذات‬
‫وإعجابها بكماالتها وركونها إلى الدنيا ولذاتها واستيالئها على القلب بهيئاتها وأفعالها وحجب صاحبها عن نوره ومدده‬
‫بطلب شهواتها‪ ،‬كما قال أمير المؤمنين عليه السالم‪" :‬نعوذ باهلل من الضالل بعد الهدى" بقرية صفتها ما ذكر‪.‬‬

‫رسول منهم} أي‪ :‬من جنسهم وهي القوة الفكرية التي هي من جملة قوى النفس بالمعاني المعقولة واآلراء‬ ‫ٌ‬ ‫{ولقد جاءهم‬
‫الصادقة {فكذبوه} بعدم التأثر بها واالنقياد ألوامرها ونواهيها العقلية والشرعية وترك العمل بمقتضاها وقّلة المباالة بها‪،‬‬
‫ولم يرفعوا بها رأساً عن االنهماك فيما هم عليه {فأخذهم} عذاب االحتجاب والحرمان عن لذة الكمال في حالة ظلمهم‬
‫وزيغهم عن طريق الفضيلة ونقصهم لحقوق صاحبهم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة النحل (من اآلية ‪ 120‬الى اآلية ‪)123‬‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهيم َكان أ َّ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫اجتََباهُ َو َه َداهُ إَل ٰى ص َراط ُّم ْستَقي ٍم * َوآتَْيَناهُ‬
‫ين * َشاك اًر أل َْن ُعمه ْ‬ ‫ُم ًة َقانتاً ََّّلل َحنيفاً َوَل ْم َي ُك م َن اْل ُم ْش ِرِك َ‬ ‫ِإ َّن ِإ ْب َر َ َ‬
‫اهيم حِنيفاً وما َك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫اآلخرِة َل ِمن َّ ِ ِ‬ ‫ِفي اْلُّد ْنيا حسَن ًة وإَِّنه ِفي ِ‬
‫ين‬ ‫َن اتَِّب ْع مل َة ِإ ْب َر َ َ َ َ َ‬
‫ان م َن اْل ُم ْش ِرِك َ‬ ‫ين * ثُ َّم أ َْو َح ْيَنآ ِإَل ْي َك أ ِ‬ ‫الصالح َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ََ َ ُ‬

‫مر أن كل نبي يبعث في قوم يكون كماله شامالً لجميع كماالت أمته وغاية ال يمكن ّ‬
‫ألمته‬ ‫أمة} قد ّ‬
‫{إن إبراهيم كان ّ‬
‫الوصول إلى رتبة إال وهى دونه‪ ،‬فهو مجموع كماالت قومه وال يصل إليهم الكمال في صفة من صفات الخير‬
‫والسعادة إال بواسطته بل وجوداتهم فائضة من وجوده فهو وحده أمة الجتماعهم بالحقيقة في ذاته‪ ،‬ولهذا قال عليه‬
‫الصالة والسالم‪" :‬لو وزنت بأمتي لرجحت بهم"‪{ .‬قانتاً} هلل مطيعاً له‪ ،‬منقاداً بحيث ال يتحرك منه شعرة إال بأمره‬
‫الستيالء سلطان التوحيد عليه ومحو صفاته بصفاته‪ ،‬واتحاده بذاته‪ ،‬ولهذا سمي خليل هللا لمخالة الحق إياه في‬
‫شهوده‪ .‬فخّلته عبارة عن مزج بقية من ذاته تؤذن باإلثنينية أما ترى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لما لم يبق منه‬
‫شيء من بقيته سمي حبيب هللا فمحو صفاته في صفات الحق بالكلية وبقاء أثر من ذاته دون العين قنوته هلل وإال‬
‫اَّللِ} [النحل‪ ،‬اآلية‪{ ]127 :‬حنيفاً} مائالً‬
‫ك ِإالَّ ِب َّ‬
‫ص ْب ُر َ‬
‫{و َما َ‬
‫كان قانتاً باهلل ال هلل‪ ،‬كما قال لمحمد عليه الصالة والسالم‪َ :‬‬
‫عن كل باطل حتى عن وجوده ووجود كل ما سواه تعالى معرضاً عن إثباته‪ .‬وما كان {من المشركين} بنسبة الوجود‬
‫والتأثير إلى الغير‪{ .‬شاك اًر ألنعمه} أي‪ :‬مستعمالً لها على الوجه الذي ينبغي لكونه متصرفاً فيها بصفات هللا فتكون‬
‫أفعاله إلهية مقصودة لذاتها ال لغرض فال يمكنه وال يسعه إال توجيه كل نعمة إلى ما هو كمالها على مقتضى الحكمة‬
‫اإللهية والعناية السرمدية {اجتباه} اختاره في العناية األولى بال توسط عمل منه وكذا لكونه من المحبوبين الذين سبقت‬
‫لهم منه الحسنى‪ ،‬فتتقدم كشوفهم على سلوكهم {وهداه إلى صراط مستقيم} أي‪ :‬بعد الكشف والتوحيد والوصول إلى‬
‫ورده من الوحدة إلى الكثرة وإلى الفرق بعد الجمع إلعطاء كل ذي‬
‫عين الجمع هداه إلى سلوك صراطه ليقتدي به‪ّ ،‬‬
‫للنبوة‪.‬‬
‫حق حقه من مراتب التفاصيل‪ ،‬وتبيين أحكام التجليات في مقام التمكين واالستقامة وإال لم يصلح ّ‬

‫{وآتيناه في الدنيا حسنة} من تمتيعه بالحظوظ لتتقوى نفسه على تقنين القوانين الشرعية والقيام بحقوق العبودية في‬
‫اه ْم ُّمْلكاً َع ِظيماً}‬ ‫{وآتَْيَن ُ‬
‫المْلك العظيم مع النبوة‪ ،‬كما قال‪َ :‬‬ ‫مقام االستقامة واإلطاقة بحمل أعباء الرسالة {وآتيناه} ُ‬
‫{و َج َعْلَنا َل ُه ْم لِ َسا َن‬
‫[النساء‪ ،‬اآلية‪ ]54 :‬ليتمكن من تقرير الشريعة ويضطلع بأحكام الدعوة والذكر الجميل كما قال‪َ :‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫يم}‬
‫ين َسالَ ٌم َعَل ٰى إ ْب َراه َ‬ ‫{وتَ َرْكَنا َعَل ْيه في اآلخ ِر َ‬
‫ص ْدق َعلّياً} [مريم‪ ،‬اآلية‪ ]50 :‬والصالة والسالم عليه كما قال‪َ :‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫[الصافات‪ ،‬اآليات‪{ ]109-108 :‬وإنه في اآلخرة} أي‪ :‬في عالم األرواح {لمن الصالحين} المتمكنين في مقام‬
‫االستقامة بإيفاء كل ذي حق حقه‪ ،‬وتبليغه إلى كماله وحفظه عليه ما أمكن‪.‬‬

‫شرفناه وكرمناه بأمرنا باتباعك إياه‬


‫ُِ{ثم أوحينا إليك} أي‪ :‬بعد هذه الكرامات والحسنات التي أعطيناه إياها في الدارين ّ‬
‫{أن اتّبع مّلة إبراهيم} في التوحيد وأصول الدين التي ال تتغير في الشرائع كأمر المبدأ والمعاد والحشر والجزاء‬
‫وأمثالها‪ ،‬ال في فروع الشريعة وأوضاعها وأحكامها‪ ،‬فإنها تتغير بحسب المصالح واختالف األزمنة والطبائع وما عليه‬
‫أحوال الناس من العادات والخالئق‪.‬‬

‫سورة النحل (من اآلية ‪ 124‬الى اآلية ‪)126‬‬

‫يه ي ْخَتلُِفو َن * ْادعُ ِإَل ٰى سِب ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ام ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِإَّن َما ُج ِع َل َّ‬
‫يل‬ ‫َ‬ ‫يما َك ُانوْا ف َ‬
‫فَ‬ ‫اخَتَلُفوْا فيه َوإِ َّن َرب َ‬
‫َّك َلَي ْح ُك ُم َب ْيَن ُه ْم َي ْوَم اْلقَي َ‬ ‫ين ْ‬
‫الس ْب ُت َعَل ٰى الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َِّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ربِك ِباْل ِح ْكم ِة واْلمو ِع َ ِ‬
‫َعَل ُم ِباْل ُم ْهتَد َ‬
‫ين‬ ‫ض َّل َعن َسِبيله َو ُه َو أ ْ‬‫ِب َمن َ‬ ‫َعَل ُم‬ ‫َح َس ُن ِإ َّن َرب َ‬
‫َّك ُه َو أ ْ‬ ‫ظة اْل َح َسَنة َو َٰجدْل ُهم ِبالتي ه َي أ ْ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬‫لصاِبر َ‬ ‫صَب ْرتُ ْم َل ُه َو َخ ْيٌر ّل َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫* َوإِ ْن َعا َق ْبتُ ْم َف َعاقُبوْا بم ْثل َما ُعوق ْبتُ ْم به َوَلئن َ‬

‫{إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه} أي‪ :‬ما ُف ِرض عليك إنما فرض عليهم فال يلزمك اتباع موسى في ذلك بل‬
‫{ادع إلى سبيل رّبك} الخ‪ ،‬أي‪ :‬لتكن دعوتك منحصرة في هذه الوجوه الثالثة ألن المدعو إما أن يكون‬
‫اتباع إبراهيم‪ْ .‬‬
‫خالياً عن اإلنكار أو ال‪ ،‬فإن كان خالياً لكونه في مقام الجهل البسيط غير معتقد لشيء‪ ،‬فإما أن يكون مستعداً غير‬
‫قاصر عن درك البرهان بل يكون برهاني الطباع أو ال‪ .‬فإن كان األول فادعه بالحكمة وكلمه بالبرهان والحجة واهده‬
‫إلى صراط التوحيد بالمعرفة‪ ،‬وإن كان قاصر االستعداد فادعه بالموعظة الحسنة والنصيحة البالغة من اإلنذار والبشارة‬
‫والوعد والوعيد والزجر والترهيب واللطف والترغيب‪ ،‬وإن كان منك اًر ذا جهل مركب واعتقاد باطل فجادله بالطريقة التي‬
‫هي أحسن من إبطال معتقده بما يلزم من مذهبه بالرفق والمداراة على وجه يلوح له أنك تثبت الحق وتبطل الباطل ال‬
‫ضل عن سبيله} في األزل لشقاوته األصلية فال ينجع فيه أحد هذه الطرق‬‫{إن ربك هو أعلم بمن ّ‬ ‫غرض لك سواه‪ّ .‬‬
‫المستعدين‪ ،‬القابلين للهداية لصفاء الفطرة ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الثالثة {وهو أعلم بالمهتدين}‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أقل درجات كمالكم‪ ،‬فإن كان لكم قدم في الفتوة‬
‫{وإن عاقبتم} الخ‪ ،‬أي‪ :‬الزموا سيرة العدالة والفضيلة ال تجاوزوها فإنها ّ‬
‫وعرق راسخ في الفضل والكرم والمروءة فاتركوا االنتصار واالنتقام ممن جنى عليكم وعارضوه بالعفو مع القدرة‬
‫واصبروا على الجناية فإنه {لهو خير للصابرين} أال تراه كيف أكده بالقسم والالم في جوابه وترك المضمر إلى المظهر‬
‫حيث ما قال‪ :‬لهو خير لكم‪ ،‬بل قال‪َ{ :‬ل ُه َو َخ ْيٌر ِّل َّ‬
‫لصاِبر َ‬
‫ين} [النحل‪ ،‬اآلية‪ ]126 :‬للتسجيل عليهم بالمدح والتعظيم‬
‫يتكدر بظهور صفة النفس‬
‫بصفة الصبر‪ ،‬فإن الصابر ترقى عن مقام النفس وقابل فعل نفس صاحبه بصفة القلب فلم ّ‬
‫وعارض ظلمة نفس صاحبه بنور قلبه‪ ،‬فكثي اًر ما يندم ويتجاوز عن مقام النفس‪ ،‬وتنكسر سورة غضبه فيصلح‪ ،‬وإن لم‬
‫يكن لكم هذا المقام الشريف فال تعاقبوا المسيء لسورة الغضب بأكثر مما جنى عليكم فتظلموا‪ ،‬أو تتورطوا بأقبح‬
‫الرذائل وأفحشها فيفسد حالكم ويزيد وبالكم على وبال الجاني‪.‬‬

‫سورة النحل (من اآلية ‪ 127‬الى اآلية ‪)128‬‬

‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ض ْي ٍق ِّم َّما َي ْم ُك ُرو َن * ِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫واصِبر وما صبرك ِإالَّ ِب َّ ِ‬
‫ين اتََّقوْا َّوالذ َ‬
‫ين ُهم‬ ‫َّللاَ َم َع الذ َ‬ ‫اَّلل َوالَ تَ ْح َزْن َعَل ْي ِه ْم َوالَ تَ ُك في َ‬ ‫َ ْ ْ َ َ َ ُْ َ‬
‫ُّم ْح ِسُنو َن‬

‫أن الصبر أقسام‪ :‬صبر هلل‪ ،‬وصبر في هللا‪ ،‬وصبر مع هللا‪ ،‬وصبر عن هللا‪،‬‬ ‫اصِبر وما صبرك إال باهلل} اعلم ّ‬
‫{و ْ‬
‫وصبر باهلل‪ .‬فالصبر هلل هو من لوازم اإليمان وأول درجات أهل اإلسالم‪ .‬قال النبي عليه الصالة والسالم‪" :‬اإليمان‬
‫نصفان‪ ،‬نصف صبر ونصف شكر"‪ ،‬وهو حبس النفس عن الجزع عند فوات مرغوب أو وقوع مكروه‪ ،‬وهو من‬
‫فضائل األخالق الموهوبة من فضل هللا ألهل دينه وطاعته المقتضى للثواب الجزيل‪ .‬والصبر في هللا هو الثبات في‬
‫وقوة العزيمة‬
‫البليات‪ّ ،‬‬
‫سلوك طريق الحق‪ ،‬وتوطين النفس على المجاهدة باالختيار‪ ،‬وترك المألوفات واللذات‪ ،‬وتحمل ّ‬
‫في التوجه إلى منبع الكماالت‪ ،‬وهو من مقامات السالكين‪ ،‬يهبه هللا لمن يشاء من فضله من أهل الطريقة‪ .‬والصبر‬
‫التعرض لتجليات الجمال والجالل‪،‬‬
‫جرد عن مالبس األفعال والصفات‪ ،‬و ّ‬ ‫مع هللا هو ألهل الحضور‪ ،‬والكشف عند الت ّ‬
‫وتوارد واردات األنس والهيبة‪ ،‬فهو بحضور القلب لمن كان له قلب‪ ،‬واالحتراس عن الغفلة والغيبة عند التلوينات‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أشق على النفس من الضرب على الهام‪ ،‬وإن كان لذيذاً جداً‪ .‬والصبر عن هللا هو ألهل الجفاء‬‫بظهور النفس وهو ّ‬
‫والحجاب‪ ،‬نورانياً كان أو ظلمانياً‪ ،‬وهو مذموم جداً‪ ،‬وصاحبه ملوم حقاً وكلما كان أصبر كان أسوأ حاالً وأبعد‪ ،‬وكلما‬
‫كان في ذلك أقوى كان ألوم وأجفى أو ألهل العيان والمشاهدة من العشاق والمشتاقين المتقلبين في أطوار التجلي‬
‫المتنورين بنور الالهوت ما بقي لهم قلب وال وصف كلما الح لهم نور من‬
‫ّ‬ ‫واالستتار‪ .‬والمنخلعين عن الناسوت‬
‫سبحات أنوار الجمال احترقوا وتفانوا‪ ،‬وكلما ضرب لهم حجاب ورد وجوههم تشويقاً وتعظيماً ذاقوا من ألم الشوق‬
‫وحرقة الفرقة ما عيل به صبرهم وتحقق موتهم وهو من أحوال المحبين وال شيء أشق من هذا الصبر وأشد تحمالً‬
‫وا ْقَتل‪ ،‬فإن أطاقه المحب كان خافياً وإن لم يطق كان فانياً فيه هالكاً‪ ،‬وفي هذا المقام قال الشبلي ‪:‬‬

‫ــر فصاح المحب بالصبر صب ار‬ ‫صابر الصبر فاستغاث به الصب ـ‬

‫أي‪ :‬صابر الحبيب الصبر‪ ،‬فاستغاث به الصبر عند إشرافه على النفاد فصاح المحب بالصبر صب اًر على النفاد‬
‫والهالك‪ ،‬فإن فيه النجاح والفالح‪ .‬والصبر باهلل هو ألهل التمكين في مقام االستقامة الذين أفناهم هللا بالكلية وما ترك‬
‫عليهم شيئاً من بقية األنية واإلثنينية ثم وهب لهم وجوداً من ذاته حتى قاموا به وفعلوا بصفاته وهو من أخالق هللا‬
‫تعالى ليس ألحد فيه نصيب ولهذا أمره به‪ .‬ثم ّبين أن ذلك الصبر الذي أمرت به ليس من سائر أقسام الصبر حتى‬
‫"شيبتني‬ ‫يكون بنفسك أو بقلبك بل هو صبري ال تباشره إال بي وال تطيقه إال ّ‬
‫بقوتي‪ ،‬ولعدم وفاء قوته بهذا الصبر قال‪ّ :‬‬
‫سورة هود‬

‫‪".‬‬

‫{وال تحزن عليهم} بالتلوين بظهور القلب بصفته ألن صاحب هذا الصبر يرى األشياء بعين الحق فكل ما يصدر‬
‫بصره بأنوع التجليات‬
‫عنهم يراه فعل هللا وكل صفة تظهر عليهم يراه تجلياً من تجلياته وينكر المنكر بحكمه ألن هللا ّ‬
‫وعرفه أحكامه وأمره بإنفاذ األحكام في مواقعها‪{ .‬وال تك في ضيق هما يمكرون}‬ ‫القهرية واللطفية والغضبية والرضوية ّ‬
‫النشراح صدرك بي‪ ،‬فكن معهم كما تراني معهم سائ اًر بسيري قائماً بي وبأمري‪.‬‬

‫{إن هللا مع الذين اتّقوا} بقاياهم وأنياتهم باالستهالك في الوحدة واالستغراق في عين الجمع {واللذين هم ُم ْح ِسنون}‬
‫ّ‬
‫بشهود الوحدة في عين الكثرة‪،‬والطاعة في عين المعصية‪ ،‬والقيام باألمر والنهي في مقام االستقامة‪ ،‬وإبقاء حقوق‬
‫التفاصيل في عين الجمع‪ ،‬فال يحجبهم الفرق عن الجمع وال الجمع عن الفرق‪ ،‬ويسعهم مراعاة الحق والخلق للرجوع‬
‫إلى الكثرة بوجود القلب الحقاني‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة اإلسراء (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)1‬‬

‫صا َّال ِذي َب َارْكَنا َح ْوَل ُه لُِن ِرَي ُه ِم ْن َآي ِاتَنآ ِإَّن ُه ُهَو‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َس َر ٰى ب َع ْبده َل ْيالً ّم َن اْل َم ْسجد اْل َح َار ِم إَل ٰى اْل َم ْسجد األَْق َ‬
‫سبح َّ ِ‬
‫ان الذى أ ْ‬ ‫ُْ َ َ‬
‫الس ِميع الب ِ‬
‫ص ُير‬ ‫َّ ُ َ‬

‫التجرد والكمال في مقام‬


‫ّ‬ ‫{سبحان الذي أسرى} أي‪ :‬أنزهه عن اللواحق المادية والنقائص التشبيهية بلسان حال‬
‫ألن العروج والترقي ال‬
‫العبودية الذي ال تصرف فيه أصالً {ليالً} أي‪ :‬في ظلمة الغواشي البدنية والتعلقات الطبيعية ّ‬
‫المحرم عن أن يطوف به مشرك القوى البدنية‬‫ّ‬ ‫يكون إال بواسطة البدن {من المسجد الحرام} أي‪ :‬من مقام القلب‬
‫ويحجه غوى القوى الحيوانية من البهيمية والسبعية المنكشفة سوأتا إفراطها وتفريطها‬
‫ّ‬ ‫ويرتكب فيه فواحشها وخطاياها‬
‫لعروها عن لباس الفضيلة {إلى المسجد األقصى} الذي هو مقام الروح األبعد من العالم الجسماني بشهود تجليات‬
‫الذات وسبحات الوجه‪ ،‬وتذكر ما ذكرنا أن تصحيح كل مقام ال يكون إال بعد الترقي إلى ما فوقه لتفهم من قوله‪.‬‬

‫{لنريه من آياتنا} مشاهدة الصفات‪ ،‬فإن مطالعة تجليات الصفات وإن كانت في مقام القلب لكن الذات الموصوفة بتلك‬
‫الصفات ال تشاهد على الكمال بصفة الجالل والجمال إال عند الترقي إلى مقام الروح‪ ،‬أي‪ :‬لنريه آيات صفاتنا من‬
‫جهة أنها منسوبة إلينا ونحن المشاهدون بها‪ ،‬البارزون بصورها {إنه هو السميع} لمناجاته في مقام السر لطلب الفناء‬
‫{البصير} بقوة استعداده وتوجهه إلى محل الشهود وانجذابه إليه بقوة المحبة وكمال الشوق‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة اإلسراء (من اآلية ‪ 2‬الى اآلية ‪)5‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وَقضيَنآ ِإَلى بِني ِإسرِائ ِ ِ ِ ِ ِ‬


‫اب َو َج َعْلَناهُ‬‫وسى اْلكتَ َ‬‫يل في اْلكتَاب َلتُْفس ُد َّن في األ َْرض َمَّرتَْي ِن َوَلتَ ْعُل َّن ُعُلّواً َكبي اًر * َوآتَْيَنآ ُم َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ َْ ٰ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫آء َو ْع ُد‬ ‫يل أَال تَتَّخ ُذوْا من ُدوِني َو ِكيالً * ُذِّرَّي َة َم ْن َح َمْلَنا َم َع ُنو ٍح ِإَّن ُه َك َ‬
‫ان َع ْبداً َش ُكو اًر * َفإ َذا َج َ‬ ‫ُه ًدى ّلَبني إ ْس َرائ َ‬
‫ْس َش ِد ٍيد َفجاسوْا ِخالَل ِ‬
‫الهما َب َع ْثَنا َعَل ْي ُكم ِعَباداً َّلَنآ أ ُْولِي َبأ ٍ‬
‫الدَي ِار َوَك َ‬
‫ان َو ْعداً َّمْف ُعوالً‬ ‫َ ّ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫أُو ُ َ‬

‫{وآتينا موسى} القلب كتاب العلم {وجعلناه هدى لبني إسرائيل} أي‪ :‬القوى التي هي أسباط إسرائيل الروح {أالّ تتخذوا‬
‫من دوني وكيالً} ال تستبدوا بأفعالكم وال تستقلوا بطلب كماالتكم وحظوظكم وال تكتسبوا بمقتضى دواعيكم وال تكلوا‬
‫فيسول لكم اللذات البدنية وال إلى عقل المعاش فيستعملكم في ترتيبه وإصالحه‪ ،‬بل كلوا‬
‫أمركم إلى شيطان الوهم ّ‬
‫أمركم إلي ألدبركم بأرزاق العلوم والمعارف وهيئات األخالق والفضائل‪ ،‬وأكملكم بإمداد األنوار من عالم القلب والروح‬
‫ّ‬
‫بتأييد القدس وأنزل عليكم من عوالم الملكوت والجبروت ما يغنيكم عن مكاسب الناسوت أعني {ذرية من حملنا مع‬
‫نوح} العقل في فلك الشريعة والحكمة العملية {إنه كان عبداً شكو اًر} لمعرفته ِبِنعم هللا واستعمالها على الوجه الذي‬
‫ينبغي‪.‬‬

‫{لتفسدن في األرض مرتين} مرة في مقام‬


‫ّ‬ ‫{وقضينا إلى بني إسرائيل} القوى في كتاب اللوح المحفوظ أي‪ :‬حكمنا فيه‬
‫علواً كبي اًر} باستيالئكم على القلب وغلبتكم‬
‫{ولتعلن ّ‬
‫ّ‬ ‫لتفسدن في طلب شهواتكم ولذاتكم‬
‫ّ‬ ‫أمارة‬
‫النفس حالة كونها ّ‬
‫واستعالئكم عليه ومنعكم إياه عن كماله واستخدام قوته المفكرة في تحصيل مطالبكم ومآربكم‪ ،‬ومرة في مقام القلب عند‬
‫لتفسدن بالظهور بكماالتكم واحتجاب القلب بفضائلكم‬
‫ّ‬ ‫وتنوركم بنور القلب وظهوركم ببهجة كماالتكم‬
‫تزينكم بالفضائل ّ‬
‫وتصورها كماالت يجب الوقوف‬
‫ّ‬ ‫عن شهود تجلي التوحيد والحجب النورية أقوى من الحجب الظلمانية لرقتها ولطافتها‬
‫معها‪ ،‬ولتعلن في مقام الفطرة بالسلطنة بالهيئات العقلية والكماالت األنسية‪.‬‬

‫{فإذا جاء وعد أوالهما} أي‪ :‬وعد وبال أوالهما {بعثنا عليكم عباداً لنا} من الصفات القلبية واألنوار الملكوتية واآلراء‬
‫العقلية {أولي ٍ‬
‫بأس شديد} ذوي سلطنة وقهر {فجاسوا خالل} ديار أماكنكم ومحالكم وقتلوا بعضكم بالقمع والقهر وسبوا‬
‫الحسية واللذات البهيمية والسبعية {وكان وعداً} على‬
‫ّ‬ ‫ذراري الهيئات البدنية والرذائل النفسانية ونهبوا أموال المدركات‬
‫هللا {مفعوالً} إليداعه قوة الكمال وطلبه في استعدادكم وتركيزه أدلة العقل في فطرتكم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة اإلسراء (من اآلية ‪ 6‬الى اآلية ‪)8‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اكم ِبأَمو ٍ ِ‬


‫َسأْتُ ْم َفَل َها‬ ‫أَ ْكثَ َر َنفي اًر * ِإ ْن أَ ْح َس ْنتُ ْم أ ْ‬
‫َح َس ْنتُ ْم أل َْنُفس ُك ْم َوإِ ْن أ َ‬ ‫اك ْم‬
‫ين َو َج َعْلَن ُ‬‫ال َوَبن َ‬ ‫ِ‬
‫ثُ َّم َرَد ْدَنا َل ُك ُم اْل َكَّرَة َعَل ْيه ْم َوأ َْم َد ْدَن ُ ْ َ‬
‫ُّك ْم أَن‬ ‫َد َخُلوهُ أََّو َل َمَّرٍة َولُِيتَِّب ُروْا َما َعَل ْوْا تَ ْتِبي اًر * َع َس ٰى َرب ُ‬ ‫وه ُك ْم َولَِي ْد ُخُلوْا اْل َم ْس ِج َد َك َما‬ ‫ِِِ‬ ‫ِ‬
‫وءوْا ُو ُج َ‬
‫آء َو ْع ُد اآلخ َرة لَي ُس ُ‬ ‫َفإ َذا َج َ‬
‫صي اًر‬‫يرحم ُكم وإِن عدتُّم ع ْدنا وجعْلنا جهَّنم لِْل َك ِاف ِرين ح ِ‬
‫َ َ‬ ‫َْ َ َ ْ َ ْ ُ ْ ُ َ َ َ َ َ َ َ َ‬
‫بتنوركم بنور القلب وإقبالكم على الصدر وانصرافكم إلى مقتضى نظر العقل ورأيه {وأمددناكم‬ ‫{ثم رددنا لكم} الدولة ّ‬
‫بأموال} العلوم النافعة و ِ‬
‫الح َكم العقلية والشرعية والمعارف القلبية {وبنين} من الفضائل الخلقية والهيئات النورانية‬
‫{وجعلناكم أكثر نفي اًر} بكثرة الفضائل والملكات الفاضلة واألخالق الحسنة ‪.‬‬

‫{إن أحسنتم} بتحصيل الكماالت الخلقية واآلراء العقلية {أحسنتم ألنفسكم وإن أسأتم} باكتساب الرذائل والهيئات البدنية‬
‫{فلها فإذا جاء وعد} المرة {اآلخرة} بالفناء في التوحيد بعثنا عليكم عباداً من األنوار القدسية والتجليات الجاللية‬
‫والسبحات القهرية من الصفات اإللهية وجنود سلطان العظمة والكبرياء {ليسوؤوا وجوهكم} أي‪ :‬وجوداتكم بالفناء في‬
‫التوحيد‪ ،‬فيغلب عليكم كآبة فقدان الكماالت بقهرها وسلبها {وليدخلوا} مسجد القلب {كما دخلوه أول مرة} ووصل أثرها‬
‫عليكم من العلوم والفضائل {وليتبروا ما علوا} بالظهور بكماله وفضيلته واإلعجاب برؤية زينته وبهجته {تتبي اًر} باإلفناء‬
‫بصفات هللا‪{ .‬عسى ربكم أن يرحمكم} بعد القهر بالفناء والمحو بتجليات الصفات باإلحياء ويبعثكم بالبقاء بعد الفناء‪،‬‬
‫ويثيبكم بما ال عين رأت وال أذن سمعت وال خطر على قلب بشر‪{ .‬وإن عدتم} بالتلوين في مقام الفناء بالظهور‬
‫دت تَرَكن ِإَلي ِهم َشيئاً َقلِيالً ِإذاً أل َذ ْقن ِ‬ ‫ِ‬
‫ف‬
‫اك ض ْع َ‬
‫َ َ‬ ‫اك َلَق ْد ك َّ ْ ُ ْ ْ ْ‬ ‫{وَل ْوالَ أَن ثَب َّْتَن َ‬
‫بأنائيتكم {عدنا} بالقهر واإلفناء كما قال تعالى‪َ :‬‬
‫صي اًر} [اإلسراء‪ ،‬اآليات‪{ ]75-74 :‬وجعلنا جهنم} الطبيعة {للكافرين}‬ ‫ات ثُ َّم الَ تَ ِجد َلك عَلينا ن ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ضعف اْلمم ِ‬
‫ُ َ َ َْ َ‬ ‫اْل َحَياة َو ْ َ َ َ‬
‫المحجوبين عن األنوار‪ ،‬الذين بقوا على فساد المرة األولى {حصي اًر} محبساً وسجناً يحصرهم في عذاب االحتجاب‬
‫والحرمان عن الثواب‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة اإلسراء (من اآلية ‪ 9‬الى اآلية ‪)12‬‬

‫َن َلهم أَج اًر َكِبي اًر * وأ َّ َّ ِ‬ ‫ِإ َّن هـٰ َذا اْلُقرآن يه ِدي لَِّلِتي ِهي أَ ْقوم ويب ِّشر اْلمؤ ِمِنين َّال ِذين يعمُلون َّ ِ ِ‬
‫ين الَ‬‫َن الذ َ‬ ‫الصال َحات أ َّ ُ ْ ْ‬ ‫َ َْ َ َ‬ ‫َ َ ُ َ َُ ُ ُ ْ َ‬ ‫ْ َ َْ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫َعتَ ْدَنا َلهم َع َذاباً أَلِيماً * وَي ْدعُ ِ‬ ‫ِ‬
‫يل‬
‫ان َع ُجوالً * َو َج َعْلَنا ال َ‬
‫ان ِ‬
‫اإل ْن َس ُ‬ ‫آءهُ ِباْل َخ ْي ِر َوَك َ‬ ‫اإل ْن َس ُ ِ َّ ِ‬
‫ان بالشّر ُد َع َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫ُي ْؤ ِمُنو َن ِباآلخ َرِة أ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِكم ولِتَعَلموْا عدد ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫النهار آيتَي ِن َفمحوَنآ آي َة َّال ِ‬
‫اب َوُك َّل‬‫ين َواْلح َس َ‬
‫السن َ‬
‫ضالً ّمن َّرّب ُ ْ َ ْ ُ َ َ َ ّ‬ ‫الن َه ِار ُم ْبص َرًة لِتَْبتَ ُغوْا َف ْ‬
‫يل َو َج َعْلَنآ َآي َة َّ‬ ‫َو َّ َ َ َ ْ َ َ ْ َ‬
‫صْلناه تَْف ِ‬
‫صيالً‬ ‫ٍ‬
‫َش ْيء َف َّ َ ُ‬

‫{إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} أي‪ :‬يبين أحوال الفرق الثالث من السابقين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال‬ ‫ّ‬
‫{ويبشر المؤمنين} من أصحاب اليمين الذين آمنوا تقليداً‬
‫ّ‬ ‫يهدي إلى طريقة التوحيد التي هي أقوم الطرق للسابقين‬
‫جازماً أو تحقيقاً علمياً وداوموا على أعمال التزكية والتحلية الصالحة ألن يتوصل بها إلى الكمال {أن لهم أج اًر كبي اًر}‬
‫أن الذين ال يؤمنون} من أصحاب الشمال‬ ‫من نعيم جنات األفعال والصفات في عوالم الملك والملكوت والجبروت‪{ .‬و ّ‬
‫{باآلخرة} لكونهم بدنيين محجوبين عن عالم النور‪ ،‬محبوسين في ظلمات الطبيعة {أعتدنا لهم عذاباً أليماً} في قعر‬
‫سجين الطبيعة‪ ،‬مقيدين بسالسل محبة السفليات وأغالل التعلقات ونيران الحرمان عن اللذات والشهوات‪ ،‬والتعذب‬
‫الحيات من غواسق الهيئات‪.‬‬
‫بالعقارب و ّ‬

‫{وجعلنا} ليل الكون وظلمة البدن ونهار اإلبداع ونور الروح يتوصل بهما وبمعرفتهما إلى معرفة الذات والصفات‬
‫{فمحونا آية الليل} بالفساد والفناء {وجعلنا آية النهار} بينة باقية أبداً‪ ،‬منيرة بكمالها‪ ،‬تبصر بنورها الحقائق {لتبتغوا‬
‫تستعدونه {ولتعلموا عدد} المراتب والمقامات أي‪ :‬لتحصوها من أول حال بدايتكم‬
‫ّ‬ ‫فضالً من رّبكم} أي‪ :‬كمالكم الذي‬
‫إلى كبر نهايتكم بالترقي فيها وحساب أعمالكم وأخالقكم وأحوالكم‪ ،‬فال تجدوا شيئاً من سيئات أعمالكم إال وتكفرونه‬
‫بحسنة مما يقابله من جنسه وال رذيلة من أخالقكم إال وتكفرونها بضدها من الفضيلة‪ ،‬وال ذنباً من ذنوب أحوالكم إال‬
‫وتكفرونه باإلنابة إلى جناب الحق {وكل شيء} من العلوم والحكم {فصلناه} بنور عقولكم عند الكمال ونزول العقل‬
‫الفرقاني {تفصيالً} أي‪ :‬علماً تفصيلياً مستحض اًر ال إجمالياً مغفوالً عنه كما في العقل القرآني عند البداية‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة اإلسراء (من اآلية ‪ 13‬الى اآلية ‪)17‬‬

‫ام ِة ِكتَاباً َيْلَقاهُ َم ْن ُشو اًر * ا ْق َ ْأر ِك ٰتََب َك َكَف ٰى ِبَنْف ِس َك اْلَي ْوَم َعَل ْي َك‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ان أَْل َزمَناه َ ِ ِ‬
‫طآئ َرهُ في ُعُنقه َوُن ْخ ِرُج َل ُه َي ْوَم اْلقَي َ‬
‫ِ‬
‫َوُك َّل إ ْن َس ٍ ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ح ِسيباً * َّم ِن اهتَد ٰى َفِإَّنما يهتَدي لِنْف ِس ِه ومن ض َّل َفِإَّنما ي ِ‬
‫ين َحتَّ ٰى‬ ‫ُخ َر ٰى َو َما ُكَّنا ُم َع ّذِب َ‬
‫ض ُّل َعَل ْي َها َوالَ تَ ِزُر َو ِازَرةٌ ِوْزَر أ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫َهَل ْكَنا ِم َن‬ ‫ِ‬
‫اها تَ ْدمي اًر * َوَك ْم أ ْ‬
‫يها َف َح َّق َعَل ْي َها اْلَق ْو ُل َف َد َّم ْرَن َ‬
‫ِ‬
‫َم ْرَنا ُم ْت َرِف َ‬
‫يها َفَف َسُقوْا ف َ‬
‫ِ‬
‫َن ْب َع َث َرُسوالً * َوإِ َذآ أ ََرْدَنآ أَن ُّن ْهل َك َق ْرَي ًة أ َ‬
‫ير ب ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صي اًر‬ ‫ِك ِب ُذُنوب عَباده َخِب َاً َ‬ ‫اْلُق ُرو ِن من َب ْعد ُنو ٍح َوَكَف ٰى ِب َرّب َ‬

‫{وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} أي‪ :‬جعلنا سعادته وشقاوته وسبب خيره وشره الزماً لذاته لزوم الطوق في‬
‫العنق‪ ،‬كما قال‪" :‬السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقى في بطن أمه"‪{ .‬ونخرج له َي ْوم القيامة} الصغرى عند‬
‫ّ‬
‫الخروج من قبر جسده {كتاباً} هيكالً مصو اًر بصور أعماله مقّلداً في عنقه {يلقاه} للزومه إياه {منشو اًر} لظهور تلك‬
‫الهيئات فيه بالفعل مفصلة ال مطوياً كما كان عند كونها فيه بالقوة‪ ،‬يقال له‪{ :‬اق أر كتابك} أي‪ :‬اقرأه قراءة المأمور‬
‫الممتثل ألمر آمر مطاع يأمره بالقراءة‪ ،‬أو تأمره القوى الملكوتية سواء كان قارئاً أو غير قارئ‪ ،‬ألن األعمال هناك‬
‫ممثلة بهيئاتها وصورها يعرفها كل أحد ال على سبيل الكتابة بالحروف فال يعرفها األمي {كفى بنفسك اليوم عليك‬
‫ّ‬
‫حسيباً} ألن نفسه تشاهد ما فعلته الزماً إياها نصب عينها مفصالً ال يمكنها اإلنكار‪ ،‬فبين لها غيرها {وال تزر وازرة‬
‫ِوْزَر أخرى} لرسوخ هيئة ما فعلته فيها وصيرورتها ملكة الزمة دون الذي فعل غيرها‪ ،‬ولم يعرض لها منه شيء‪ ،‬وإنما‬
‫يتعذب من يتعذب بالهيئات التي فيه ال من خارج‪.‬‬

‫{وما َّ‬
‫كنا ُم َعذبين حتى َن ْبعث رسوالً} رسول العقل بإلزام الحجة وتمييز الحق والباطل‪ .‬أال ترى أن الصبي والسفيه غير‬
‫الشر والسعادة والشقاوة بسببه ومقابلته باإلقرار‬
‫مكلفين؟‪ ،‬أو رسول الشرع لظهور ما في االستعداد من الخير و ّ‬
‫واإلنكار‪ ،‬فإن المستعد للكمال يتحرك ما فيه بالقوة عند سماع الدعوة فيشتاق ويطلب متلقياً لها باإلقرار والقبول لما‬
‫يدعوه إليه لمناسبته إياه وقربه وغير المستعد ينكر ويعاند لمنافاته لما يدعوه إليه ويعده‪.‬‬

‫إن لكل شيء من الدنيا زواالً وزواله بحصول استعداد يقتضي ذلك‪ .‬وكما أن زوال‬
‫{وإذا أردنا أن نهلك قرية} الخ‪ّ ،‬‬
‫البدن بزوال االعتدال وحصول انحراف يبعده عن ظل الوحدة التي هي سبب بقاء كل شيء وثباته فكذلك هالك‬
‫المدينة وزوالها بحدوث انحراف فيها عن الجادة المستقيمة التي هي صراط هللا وهي الشريعة الحافظة للنظام‪ ،‬فإذا جاء‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وقت إهالك قرية فال بد من استحقاقها لإلهالك‪ ،‬وذلك بالفسق والخروج عن طاعة هللا فلما تعلقت إرادته بإهالكها‬
‫تقدمه أوالً بالضرورة فسق مترفيها من أصحاب الترف و ِ‬
‫الن َعم بط اًر وأش اًر بنعمة هللا واستعماالً لها فيما ال ينبغي وذلك‬ ‫ّ‬
‫بأمر من هللا وقدر منه لشقاوة كانت تلزم استعداداتهم وحينئذ وجب إهالكهم‪.‬‬

‫سورة اإلسراء (من اآلية ‪ 18‬الى اآلية ‪)21‬‬

‫اجَل َة ع َّجْلَنا َله ِفيها ما َن َشآء لِمن ُّن ِر ُيد ثُ َّم جعْلَنا َله جهَّنم يصالها م ْذموماً َّم ْدحو اًر * وم ْن أَرَاد ِ‬
‫اآلخ َرَة‬ ‫ََ َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ ُ ََ َ َ ْ َ َ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ان ُي ِر ُيد اْل َع ِ َ‬ ‫َّمن َك َ‬
‫الء ِمن ع َ ِ‬ ‫الء وهـٰؤ ِ‬‫ِ‬ ‫ًّ ِ‬ ‫ِ‬
‫آء‬
‫طُ‬ ‫ان َع َ‬
‫ِك َو َما َك َ‬
‫طآء َرّب َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َو َس َع ٰى َل َها َس ْعَي َها َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن َفأُوَلئ َك َك َ‬
‫ان َس ْعُي ُهم َّم ْش ُكو اًر * ُكال ُّنمُّد َهـ ُٰؤ َ َ ُ‬
‫ات وأَ ْكبر َتْف ِ‬‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ض ُهم َعَل ٰى َب ْع ٍ‬ ‫ف َف َّ‬
‫ال‬
‫ضي ً‬ ‫ض َوَلآلخ َرةُ أَ ْكَب ُر َد َرَج َ َ ُ‬ ‫ضْلَنا َب ْع َ ْ‬ ‫ظ ْر َك ْي َ‬‫ظو اًر * ان ُ‬ ‫ِك َم ْح ُ‬ ‫َرّب َ‬

‫{عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد} أي‪ :‬ال نزيده بإرادته‬


‫{من كان يريد العاجلة} لكدورة استعداده وغلبة هواه وطبيعته َّ‬
‫زيادة على ماقدرنا له من النصيب في اللوح ولذلك قيده بالمشيئة ثم بقوله {لمن نريد} يعني‪ :‬لو لم نقدر له شيئاً مما‬
‫أراده لم نعجل له تخليصه‪ّ ،‬إنا ال نعطي إال ما أردنا {من أردنا ثم جعلنا له جهَّنم} أي‪ :‬قعر بئر الطبيعة الظلمانية‬
‫النجذابه بإرادته إلى الجهة السفلية وميله إليها {يصالها} بنيران الحرمان {مذموماً} عند أهل الدنيا واآلخرة {مدحو اًر}‬
‫من جناب الرحمة والرضوان في سخط هللا وقهره‪{ .‬ومن أراد اآلخرة} لصفاء استعداده وسالمة فطرته وقام بشرائط‬
‫إرادته من اإليمان والعمل الصالح شكر سعيه بحصول مراده كما قيل‪ :‬من طلب َّ‬
‫وجد َو َج َد‪ ،‬ألن الطلب الحقيقي‬
‫الدال على أن المطلوب حاصل له‬ ‫واإلرادة الصادقة ال يكونان إال عند حصول استعداد المطلوب‪ ،‬وإذا قارن االستعداد ّ‬
‫مقدر له في اللوح أسباب خروج المطلوب إلى الفعل وبروزه من الغيب إلى الشهادة وهو السعي الذي ينبغي له‬
‫بالقوة‪ّ ،‬‬
‫ومن حقه أن يسعى له على هذا الوجه المعني بقوله‪{ :‬وسعى لها سعيها} أي‪ :‬السعي الذي يحق لها بشرط اإليمان‬
‫ّ‬
‫الغيبي اليقيني وجب حصوله له {كالًّ ّ‬
‫نمد هؤالء وهؤالء} أي‪ :‬كلهم من طالبي الدنيا وطالبي اآلخرة نمد من عطائنا‬
‫قدرنا لهم من العطاء {وما كان عطاء‬
‫معرفات وعالمات لما ّ‬
‫ليس بمجرد إرادتهم وسعيهم شيء وإنما إرادتهم وسعيهم ّ‬
‫رّبك} ممنوعاً من أحد‪ ،‬ال من أهل الطاعة وال من أهل المعصية‪{ .‬انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض} في الدنيا‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫بمقتضى مشيئتنا وحكمتنا {ولآلخرة أكبر درجات} إذ بقدر رجحان الروح على البدن يكون رجحان درجات اآلخرة على‬
‫الدنيا وبقدر تفاضلهما يكون تفاضل درجاتهما‪.‬‬

‫سورة اإلسراء (من اآلية ‪ 22‬الى اآلية ‪)44‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّللاِ ِإَلـٰهاً آخر َفتَْقعد م ْذموماً َّم ْخ ُذوالً * وَقضى رب َّ‬ ‫الَّ تَ ْج َعل َم َع‬
‫ُّك أَال تَ ْعُب ُدوْا ِإال ِإيَّاهُ َوبِاْلَوال َد ْي ِن ِإ ْح َساناً ِإ َّما َيْبُل َغ َّن ع َند َ‬
‫ك‬ ‫َ َ ٰ َ َ‬ ‫ََ َُ َ ُ‬ ‫َّ‬
‫الر ْح َم ِة‬
‫الذ ِّل ِم َن َّ‬‫اخِفض َلهما جَناح ُّ‬ ‫َّ‬
‫ُف َوالَ تَْن َه ْرُه َما َوُقل ل ُه َما َق ْوالً َك ِريماً * َو ْ ْ ُ َ َ َ‬
‫أَو ِكالَهما َفالَ تَُقل َّلهمآ أ ٍ‬
‫َُ ّ‬ ‫َُ‬ ‫ْ‬ ‫َح ُد ُه َما‬ ‫ِ‬
‫اْلكَب َر أ َ‬
‫ونوْا صالِ ِحين َفِإَّنه َك ِ‬ ‫ُّكم أ ِ ِ‬ ‫وُقل َّر ِب ارحمهما َكما ربَّي ِاني ِ‬
‫ين َغُفو اًر *‬ ‫ان لألََّواِب َ‬‫َ ُ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫َعَل ُم ب َما في ُنُفوس ُك ْم إن تَ ُك ُ َ‬ ‫صغي اًر * َّرب ُ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ ْ ََُْ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫طان ِلرب ِ‬ ‫الشي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫السِب ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِه‬‫الش ْي َ ُ َ ّ‬ ‫ان َّ‬ ‫ين َوَك َ‬ ‫اط ِ‬ ‫ان َّ َ‬ ‫ين َك ُانوْا ِإ ْخ َو َ‬
‫يل َوالَ تَُب ّذ ْر تَْبذي اًر * ِإ َّن اْل ُمَب ّذ ِر َ‬ ‫َوآت َذا اْلُق ْرَب ٰى َحَّق ُه َواْلم ْسك َ‬
‫ين َو ْاب َن َّ‬
‫ك َم ْغُلوَل ًة ِإَل ٰى ُعُنِق َك‬ ‫َّ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫وها َفُقل ل ُه ْم َق ْوالً َّم ْي ُسو اًر * َوالَ تَ ْج َع ْل َي َد َ‬‫ِك تَ ْر ُج َ‬
‫آء َر ْح َمة ّمن َّرّب َ‬ ‫َكُفو اًر * َوإِ َّما تُ ْع ِر َ‬
‫ض َّن َع ْن ُه ُم ْابت َغ َ‬
‫الرْز َق لِمن ي َشآء ويْق ِدر ِإَّنه َكان ِب ِعب ِادِه خِبي اًر ب ِ‬ ‫ِ‬
‫صي اًر *‬ ‫َ َ ُ ََ ُ ُ َ َ َ َ‬ ‫ط ِّ‬ ‫َّك َي ْب ُس ُ‬‫ط َها ُك َّل اْلَب ْسط َفتَْق ُع َد َمُلوماً َّم ْح ُسو اًر * ِإ َّن َرب َ‬ ‫َوالَ تَْب ُس ْ‬
‫ِ‬ ‫ان ِخ ْ‬
‫آء‬
‫ان َفاح َش ًة َو َس َ‬ ‫الزَن ٰى ِإَّن ُه َك َ‬
‫طئاً َكِبي اًر * َوالَ تَْق َرُبوْا ِّ‬ ‫إن َق ْتَل ُه ْم َك َ‬‫اكم َّ‬ ‫الد ُكم َخ ْشَي َة ِإ ْم ٍ‬
‫الق َّن ْح ُن َن ْرُزُق ُه ْم َوإَِّي ُ‬ ‫َوالَ تَْقُتُلوْا أ َْو َ ْ‬
‫طاناً َفالَ ُي ْس ِرف ِّفي اْلَق ْت ِل ِإَّن ُه‬ ‫ظُلوماً َفَق ْد َج َعْلَنا لَِولِِّي ِه ُسْل َ‬
‫الح ِّق َو َمن ُقِت َل َم ْ‬ ‫النْفس َّالِتي حَّرم َّ َّ‬
‫َّللاُ ِإال ِب َ‬ ‫َ َ‬ ‫َسِبيالً * َوالَ تَْقُتُلوْا َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ َّ َِّ ِ‬
‫ان َم ْس ُؤوالً *‬ ‫َشَّدهُ َوأ َْوُفوْا ِباْل َع ْهد ِإ َّن اْل َع ْه َد َك َ‬
‫َح َس ُن َحتَّ ٰى َيْبُل َغ أ ُ‬ ‫ال اْلَيتي ِم ِإال ِبالتي ه َي أ ْ‬
‫صو اًر * َوالَ تَْق َرُبوْا َم َ‬ ‫ان َم ْن ُ‬‫َك َ‬
‫ف َما َل ْي َس َل َك ِب ِه ِعْل ٌم ِإ َّن َّ‬
‫الس ْم َع‬ ‫َح َس ُن تَأ ِْويالً * َوالَ تَْق ُ‬
‫ِ ِٰ‬ ‫ط ِ‬
‫اس اْل ُم ْستَقي ِم ذل َك َخ ْيٌر َوأ ْ‬ ‫َوأ َْوُفوا اْل َكْي َل ِإذا ِكْلتُ ْم َوِزُنوْا ِبال ِق ْس َ‬
‫ِ‬ ‫ش ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫طوالً‬
‫ال ُ‬‫ض َوَلن تَْبُل َغ اْلجَب َ‬ ‫ض َم َرحاً ِإَّن َك َلن تَ ْخر َ‬
‫ِق األَْر َ‬ ‫ان َع ْن ُه م ْس ُؤوالً * والَ تَ ْم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ص َر َواْلُف َؤ َاد ُك ُّل أُولـٰئ َك َك َ‬
‫َواْلَب َ‬
‫آخ َر َفُتْلَق ٰى ِفي‬ ‫* ُك ُّل ٰذلِك َكان سِيُئه ِعند ربِك م ْكروهاً * َذلِك ِم َّمآ أَوحى ِإَليك ربُّك ِمن اْل ِح ْكم ِة والَ تجعل مع َّ ِ‬
‫َّللا ِإَلـٰهاً َ‬ ‫َ َ ََْ ْ َ َ‬ ‫َْٰ َْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ّ ُ َْ َّ َ َ ُ‬
‫صَّرْفَنا ِفي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّكم ِباْلَبن َ‬
‫ين َوات َخ َذ م َن اْل َمالئ َكة إَناثاً إَّن ُك ْم َلتَُقوُلو َن َق ْوالً َعظيماً * َوَلَق ْد َ‬ ‫اك ْم َرب ُ‬
‫َصَف ُ‬‫َج َهَّن َم َمُلوماً َّم ْد ُحو اًر * أََفأ ْ‬
‫ش َسِبيالً *‬ ‫ان م َع ُه آلِ َه ٌة َكما َيُقوُلو َن ِإذاً الَّْبتَ َغ ْوْا ِإَل ٰى ِذي اْل َع ْر ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫َهـٰ َذا اْلُق ْر ِ ِ َّ َّ‬
‫َ‬ ‫آن لَيذك ُروْا َو َما َي ِز ُيد ُه ْم إال ُنُفو اًر * ُق ْل ل ْو َك َ َ‬
‫ض َو َمن ِفي ِه َّن َوِإن ِّمن َشي ٍء ِإالَّ ُي َسِّب ُح ِب َح ْم ِدِه‬ ‫ُس ْب َح َان ُه َوتَ َعاَل ٰى َع َّما َيُقوُلو َن ُعُلّواً َكِبي اًر * تُ َسِّب ُح َل ُه َّ‬
‫الس َٰم َٰو ُت َّ‬
‫الس ْب ُع َواأل َْر ُ‬
‫ْ‬
‫ان َحلِيماً َغُفو اًر‬ ‫ِ َّ‬
‫يح ُه ْم ِإَّن ُه َك َ‬
‫َوَلـٰكن ال تَْفَق ُهو َن تَ ْسِب َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{ال تجعل مع هللا إلهاً آخر} بتوقع العطاء منه وجعله سبباً لوصول شيء لم يقدر هللا لك إليك‪ ،‬فتصير {مذموماً}‬
‫نص ُرُكم ِّم ْن‬ ‫َّ ِ‬
‫{وِإن َي ْخ ُذْل ُك ْم َف َمن َذا الذي َي ُ‬
‫برذيلة الشرك والشك عند هللا وعند أهله {مخذوالً} من هللا يكلك إليه وال ينصرك َ‬
‫"إن األمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم‬ ‫ِِ‬
‫َب ْعده} [آل عمران‪ ،‬اآلية‪ .]160 :‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪ّ :‬‬
‫ينفعوك إال ما كتب هللا لك‪ ،‬ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إال ما كتب هللا عليك‪ُ ،‬رِف َعت األقالم‬
‫وجّفت الصحف‬ ‫ُ‬

‫‪".‬‬

‫قرن سبحانه وتعالى إحسان الوالدين بالتوحيد وتخصيصه بالعبادة ألنه من مقتضى التوحيد لكونهما مناسبين للحضرة‬
‫اإللهية في سببيتهما لوجودك وللحضرة الربوبية لتربيتهما إياك‪ ،‬عاج اًز‪ ،‬صغي اًر‪ ،‬ضعيفاً ال قدرة لك وال حراك بك‪ ،‬وهما‬
‫أول مظهر ظهر فيه آثار صفات هللا تعالى من اإليجاد والربوبية والرحمة والرأفة بالنسبة إليك ومع ذلك فإنهما‬
‫فأهم الواجبات بعد التوحيد إذن إحسانهما والقيام بحقوقهما ما‬
‫غني عن ذلك‪ّ ،‬‬ ‫محتاجان إلى قضاء حقوقهما وهللا‬
‫ّ‬
‫أمكن‪.‬‬

‫إن لكل شيء خاصية ليست لغيره‪ ،‬وكماالً يخصه دون ما عداه‪ ،‬يشتاقه ويطلبه‬ ‫{تسبح له السماوات السبع} إلى آخره‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ينزه هللا عن الشريك وإال لم يكن متوحداً فيها‪،‬‬
‫إذا لم يكن حاصالً له ويحفظه ويحبه إذا حصل فهو بإظهار خاصيته ّ‬
‫كملني‪،‬‬
‫فكأنه يقول بلسان الحال‪ :‬أوحده على ما وحدني‪ ،‬ويطلب كماله ينزهه عن صفات النقص كأنه يقول‪ :‬يا كامل ّ‬
‫أن اللبوة مثالً بإشفاقها على ولدها تقول‪ :‬أرأفني‬
‫المكمل‪ .‬وعلى هذا القياس‪ ،‬حتى ّ‬
‫وبإظهار كماله يقول‪ :‬كملني الكامل ُ‬
‫الرؤوف وأرحمني الرحيم‪ .‬وبطلب الرزق‪ :‬يا رزاق‪ ،‬فالسماوات السبع تسبحه بالديمومة والكمال و ّ‬
‫العلو والتأثير واإليجاد‬
‫والربوبية‪ ،‬وبأنه كل يوم هو في شأن‪ ،‬واألرض بالدوام والثبات والخالقية والرزاقية والتربية واإلشفاق والرحمة وقبول‬
‫بالتجرد عن المادة والوجوب‬
‫ّ‬ ‫المجردة منهم‬
‫ّ‬ ‫الطاعة والشكر عليها بالثواب‪ ،‬وأمثال ذلك‪ .‬والمالئكة بالعلم والقدرة والذوات‬
‫مقدسون له {ولكن ال تفقهون تسبيحهم} لقلة النظر والفكر في ملكوت‬ ‫أيضاً مع ذلك كله فهم مع كونهم مسبحين ّإياه‪ّ ،‬‬
‫الس ْم َع َو ُه َو َش ِه ٌيد} [ق‪ ،‬اآلية‪َّ .]37 :‬‬
‫{إنه كان حليماً} ال‬ ‫ان َل ُه َقْل ٌب أ َْو أَْلَقى َّ‬
‫{ك َ‬
‫األشياء وعدم اإلصغاء إليهم وإنما يفقه َ‬
‫يعاجلكم بترك التسبيح في طلب كماالتكم وإظهار خواصكم‪ ،‬فإن من خواصكم تفقه تسبيحهم وتوحيده كما وحدوه‬
‫{غفو اًر} يغفر لكم غفالتكم وإهماالتكم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة اإلسراء (من اآلية ‪ 45‬الى اآلية ‪)69‬‬

‫اآلخرِة ِحجاب ًا َّمستُو اًر * وجعْلَنا عَلى ُقُلوبِ ِهم أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َكَّن ًة أَن َيْفَق ُهوهُ َوِفي‬ ‫ْ‬ ‫َ ََ َ ٰ‬ ‫ْ‬ ‫ين الَ ُي ْؤ ِمُنو َن ِب َ َ‬ ‫آن َج َعْلَنا َب ْيَن َك َوَب ْي َن الذ َ‬
‫ْت اْلُقر َ‬ ‫َوإِ َذا َق َأر َ‬
‫ان َو ْح َدهُ َوَّل ْوْا َعَل ٰى أ َْد َٰب ِرِه ْم ُنُفو اًر * َّن ْح ُن أَ ْعَل ُم ِب َما َي ْستَ ِم ُعو َن ِب ِه ِإ ْذ َي ْستَ ِم ُعو َن ِإَل ْي َك‬
‫َّك ِفي اْلُق ْرء ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫َءا َذان ِه ْم َوْق اًر َوِإ َذا َذ َك ْر َت َرب َ‬
‫يعو َن‬ ‫ِ‬ ‫َف ُّ‬ ‫الظالِ ُمو َن ِإن تَتَِّب ُعو َن ِإالَّ َر ُجالً َّم ْس ُحو اًر * ْان ُ‬
‫نجو ٰى ِإ ْذ يُقول َّ‬
‫ضلوْا َفالَ َي ْستَط ْ‬ ‫َ‬ ‫ال‬
‫ض َرُبوْا َل َك األ َْمثَ َ‬
‫ف َ‬‫ظ ْر َك ْي َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َْ‬ ‫َوإِ ْذ ُه ْم‬
‫* أ َْو َخْلقاً ِّم َّما َي ْكُب ُر‬ ‫ِ‬
‫ونوْا ِح َج َارًة أَ ْو َحديداً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫* َوَقاُلوْا أ َِء َذا ُكَّنا ع َ‬ ‫َسِبيالً‬
‫ظاماً َوُرَفاتاً أَءَّنا َل َم ْب ُعوثُو َن َخْلقاً َجديداً * ُق ْل ُك ُ‬
‫وس ُه ْم َوَيُقوُلو َن َمتَ ٰى ُه َو ُق ْل َع َس ٰى أَن‬ ‫ط َرُكم أََّول مَّرٍة َفسُي ْن ِغ ُ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص ُد ِ‬ ‫ِ‬
‫ضو َن إَل ْي َك ُرُؤ َ‬ ‫ورُك ْم َف َسَيُقوُلو َن َمن ُيع ُيدَنا ُقل الذي َف َ ْ َ َ َ‬ ‫في ُ‬
‫َح َس ُن ِإ َّن‬ ‫َِّ ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫وك ْم َفتَ ْستَ ِج ُيبو َن ِب َح ْم ِدِه َوَت ُ‬
‫ظُّنو َن ِإن لِب ْثتُ ْم ِإال َقليالً * َوُقل ّلعَبادي َيُقوُلوْا التي ه َي أ ْ‬ ‫َي ُكو َن َق ِريباً * َي ْوَم َي ْد ُع ُ‬
‫َعَل ُم ِب ُك ْم ِإن َي َش ْأ َي ْرَح ْم ُك ْم أ َْو ِإن َي َش ْأ ُي َع ِّذ ْب ُك ْم َو َمآ‬ ‫ان َع ُدّواً ُّمِبيناً * َّرب ُ‬
‫ُّك ْم أ ْ‬ ‫إل ْن َس ِ‬‫ان ِل ِ‬‫ان َك َ‬ ‫طَ‬ ‫ان َي َنزغُ َب ْيَنهم ِإ َّن َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫ُْ‬ ‫طَ‬ ‫َّ‬
‫الش ْي َ‬
‫ود َزُبو اًر‬ ‫ض َوآتَْيَنا َد ُاو َ‬ ‫ين َعَل ٰى َب ْع ٍ‬ ‫النِبِّي َ‬
‫ض َّ‬ ‫ضْلَنا َب ْع َ‬‫ض َوَلَق ْد َف َّ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫أَرسْلَناك عَلي ِهم و ِكيالً * وربُّك أ ِ ِ‬
‫َعَل ُم ب َم ْن في َّ َ َ َ‬ ‫ََ َ ْ‬ ‫َْ َ َ ْ ْ َ‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َرّب ِِه ُم‬ ‫ين َي ْد ُعو َن َي ْبتَ ُغو َن ِإَل ٰى‬
‫الضِّر َع ْن ُك ْم َوالَ تَ ْح ِويالً * أُوَلـٰئ َك الذ َ‬
‫ف ُّ‬ ‫ين َزَع ْمتُم ّمن ُدوِنه َفالَ َي ْمل ُكو َن َك ْش َ‬ ‫* ُق ِل ْاد ُعوْا الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ َّ‬ ‫ِ‬
‫َقْب َل‬ ‫ان َم ْح ُذو اًر * َوِإن ّمن َق ْرَية ِإال َن ْح ُن ُم ْهل ُك َ‬
‫وها‬ ‫ِك َك َ‬ ‫اب َرّب َ‬ ‫ُّه ْم أَ ْق َر ُب َوَي ْر ُجو َن َر ْح َمتَ ُه َوَي َخا ُفو َن َع َذ َاب ُه ِإ َّن َع َذ َ‬
‫اْل َوِسيَل َة أَي ُ‬
‫طو اًر * وما منعنآ أَن ُّنرِسل ِباآلي ِ‬
‫ات ِإالَّ أَن َك َّذ َب ِب َها‬ ‫ان ٰذلِك ِفي اْل ِكتَ ِ‬
‫اب َم ْس ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يو ِم اْلِقي ِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ َ ََ ََ‬ ‫وها َع َذاباً َشديداً َك َ‬ ‫امة أ َْو ُم َع ّذُب َ‬
‫ََ‬ ‫َْ‬
‫ط ِب َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس َو َما‬ ‫الن ِ‬ ‫َحا َ‬
‫َّك أ َ‬‫اآليات ِإال تَ ْخ ِويفاً * َوإِ ْذ ُقْلَنا َل َك ِإ َّن َرب َ‬ ‫ظَل ُموْا ِب َها َو َما ُن ْرِس ُل ِب َ‬ ‫ود َّ‬
‫النا َق َة ُم ْبص َرًة َف َ‬ ‫األََّوُلو َن َوآتَْيَنا َث ُم َ‬
‫آن َوُن َخِّوُف ُه ْم َف َما َي ِز ُيد ُه ْم ِإالَّ ُ‬
‫ط ْغَياناً َكِبي اًر * َوإِ ْذ ُقْلَنا‬ ‫ون َة ِفي الُق ْر ِ‬ ‫الرءَيا َّالِتي أ ََرْيَن َ ِ َّ ِ ِ ِ‬
‫اس و َّ‬
‫الش َج َرةَ اْل َمْل ُع َ‬ ‫اك إال ف ْتَن ًة ّل َّلن َ‬ ‫َج َعْلَنا ُّ ْ‬
‫َرَْيتَ َك َهـٰ َذا َّال ِذي َكَّرْم َت َعَل َّي َلِئ ْن أ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َخ ْرتَ ِن‬ ‫ال أ َأ‬
‫َس ُج ُد ل َم ْن َخَلْق َت طيناً * َق َ‬ ‫ال أَأ ْ‬ ‫اس ُج ُدوْا أل ََد َم َف َس َج ُدوْا إَال ِإْبل َ‬
‫يس َق َ‬ ‫لْل َمالئ َكة ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِإَلى يو ِم اْلِقيام ِة أل ِ‬
‫استَْف ِزْز َم ِن‬ ‫اء َّم ْوُفو اًر * َو ْ‬ ‫ال ا ْذ َه ْب َف َمن تَِب َع َك م ْن ُه ْم َفِإ َّن َج َهَّن َم َج َز ُ‬
‫آؤُك ْم َج َز ً‬ ‫َحتَن َك َّن ُذِّريَّتَ ُه إال َقليالً * َق َ‬
‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫ٰ َْ‬
‫طان ِإالَّ‬ ‫الد و ِع ْد ُهم وما َي ِع ُد ُهم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫طع َت ِم ْنهم ِبصوِتك وأ ِ‬
‫الش ْي َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َجل ْب َعَل ْيهم ب َخْيل َك َوَرجل َك َو َش ِارْك ُه ْم في األَ ْم َوال َواأل َْو َ ْ َ َ‬ ‫ُْ َ ْ َ َ ْ‬ ‫استَ َ ْ‬
‫ْ‬
‫ُّك ُم َّال ِذي ُي ْزِجي َل ُك ُم اْلُفْل َك ِفي اْلَب ْح ِر لِتَْبتَ ُغوْا ِمن‬ ‫ان َوَكَف ٰى ِب َرّب َ‬
‫ِك َو ِكيالً * َّرب ُ‬ ‫طٌ‬ ‫ُغ ُرو اًر * ِإ َّن ِعَب ِادي َل ْي َس َل َك َعَل ْي ِه ْم ُسْل َ‬
‫ض َّل َمن تَ ْد ُعو َن ِإالَّ ِإيَّاهُ َفَل َّما َن َّج ُ‬ ‫َفضلِ ِه ِإَّنه َكان ِب ُكم رِحيماً * وِإ َذا م َّس ُكم اْل ُّ ِ‬
‫ان‬
‫ضتُ ْم َوَك َ‬ ‫َع َر ْ‬ ‫اك ْم ِإَلى اْلَبِّر أ ْ‬ ‫ضُّر في اْلَب ْح ِر َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ َ ْ َ‬ ‫ْ‬
‫اصباً ثُ َّم الَ تَ ِج ُدوْا َل ُك ْم َو ِكيالً * أ َْم أ َِم ْنتُ ْم أَن‬ ‫اإل ْنسان َكُفو اًر * أََفأ َِم ْنتُم أَن ي ْخ ِسف ِب ُكم ج ِانب اْلب ِر أَو يرِسل عَلي ُكم ح ِ‬
‫ْ َ َ ْ َ َ َّ ْ ُ ْ َ َ ْ ْ َ‬ ‫ِ َ ُ‬
‫الري ِح َفُي ْغ ِرَق ُكم ِب َما َكَف ْرتُ ْم ثُ َّم الَ تَ ِج ُدوْا َل ُك ْم َعَل ْيَنا ِب ِه تَِبيع ًا‬
‫اصفاً ِّم َن ِّ‬
‫ُخر ٰى َفيرِسل عَلي ُكم َق ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ُيع َيد ُك ْم فيه تَ َارًة أ ْ َ ُ ْ َ َ ْ ْ‬

‫{جعلنا بينك وبين الذين ال يؤمنون باآلخرة} لقصور نظرهم عن إدراك الروحانيات وقصر هممهم على الجسمانيات‬
‫{حجاباً مستو اًر} من الجهل وعمى القلب فال يرون حقيقة القارئ وال آمنوا وإنما ال يبصرونك ألنهم ال يحسبونك إال هذه‬
‫الصورة البشرية لكونهم بدنيين منغمسين في بحر الهيولى محجوبين بالغواشي الطبيعية ومالبس الصفات النفسانية‬
‫عن الحق وصفاته وأفعاله إذ لو عرفوا الحق لعرفوك ولو عرفوا صفاته لعرفوا كالمه‪ ،‬ولم يكن على قلوبهم أكنة من‬
‫الغشاوات الطبيعية والهيئات البدنية {أن يفقهوه} ولو عرفوا أفعاله لعلموا القراءة ولم يكن {في آذانهم} وقر لرسوخ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وتفرق هممهم في عبادة متعبداتهم من أصنام الجسمانيات‬
‫أوساخ التعلقات {ولوا على أدبارهم نفو اًر} لتشتت أهوائهم ّ‬
‫والشهوات‪ ،‬فال يناسب بواطنهم معنى الوحدة لتألفها بالكثرة واحتجابها بها‪.‬‬

‫{يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده} أي‪ :‬تتعلق إرادته ببعثكم فتنبعثون في أقرب من طرفة عين حامدين له بحياتكم‬
‫وعلمكم وقدرتكم وإرادتكم حمداً واصفين له بالكمال بإظهار هذه الكماالت {وتظنون إن لبثتم إال قليالً} أي‪ :‬في القبور‬
‫والمضاجع لذهولكم عن ذلك الزمان كما يجيء في قصة أصحاب (الكهف) أو في الحياة األولى الستقصاركم إياها‬
‫بالنسبة إلى الحياة اآلخرة فيتناول اللفظ القيامات الثالث‪ ،‬إال أن اآلية السابقة ترجح الصغرى‪.‬‬

‫استَفزز} إلى آخره‪ ،‬تمكن الشيطان من إغواء العباد على أقسام‪ ،‬ألن االستعدادات متفاوتة فمن كان ضعيف‬
‫{و ْ‬
‫قوي االستعداد فإن أخلص‬
‫االستعداد استفزه أي استخفه بصوته يكفيه وسوسة وهمس بل هاجسة ولمة‪ ،‬ومن كان ّ‬
‫استعداده عن شوائب الصفات النفسانية أو أخلصه هللا تعالى عن شوائب الغيرية فليس له إلى إغوائه سبيل كما قال‪:‬‬
‫الحسية غار اًز رأسه في األمور الدنيوية شاركه‬
‫ّ‬ ‫{إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} وإال فإن كان منغمساً في الشواغل‬
‫ويسول له التمتع بهم والتكاثر والتفاخر‬
‫في أمواله وأوالده بأن يحرضه على إشراكهم باهلل في المحبة بحبهم كحب هللا ّ‬
‫بوجودهم ويمنيه األماني الكاذبة ويزين عليه اآلمال الفارغة وإن لم ينغمس فإن كان عالماً بصي اًر بتسويالته أجلب‬
‫عليه بخيله ورجله‪ ،‬أي‪ :‬مكر به بأنواع الحيل وكاده بصنوف الفتن وأفتى له في تحصيل أنواع الحطام والمالذ بأنها‬
‫من جملة مصالح المعاش وغره بالعلم وحمله على اإلعجاب‪ ،‬وأمثال ذلك‪ ،‬حتى يصير ممن أضّله هللا على علم وإن‬
‫وغره بالطاعة والتزكية أيسر ما يكون {وكفى برّبك وكيالً} أي‪:‬‬
‫لم يكن عالماً بل عابداً متنسكاً أغواه بالوعد والتمنية ّ‬
‫عبادي الخاصة ال يكلون أمرهم إال إلى هللا وحده ال إلى الشيطان وال إلى غيره‪ ،‬وهو كافيهم بتدبير األمور وال يتوكلون‬
‫إال عليه بشهود أفعاله وصفاته ‪.‬‬

‫سورة اإلسراء (من اآلية ‪ 70‬الى اآلية ‪)74‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ير ِم َّمن خَلْقنا تَْف ِ‬ ‫ِ‬ ‫الطِيب ِ‬
‫َّ‬ ‫وَلَق ْد َكَّرمنا بِني ءادم وحمْلناهم ِفي اْلب ِر واْلبح ِر ورَزْقن ِ‬
‫ضيالً *‬ ‫َكث ٍ ّ ْ َ َ‬ ‫اه ْم َعَل ٰى‬‫ضْلَن ُ‬ ‫ات َوَف َّ‬ ‫اه ْم ّم َن ّ َ‬ ‫َّ َ َ ْ َ َ َ ُ‬ ‫َْ َ َ َ َ َ َ َ َ ُْ‬ ‫َ‬
‫ان ِفي َهـ ِٰذِه‬ ‫َفتيالً * َو َمن َك َ‬
‫ِ‬ ‫ظَل ُمو َن‬‫ام ِه ْم َف َم ْن أُوِت َي ِكتَ َاب ُه ِبَي ِم ِين ِه َفأ ُْوَلـِٰئ َك َيْق َرؤو َن ِكتَ َاب ُه ْم َوالَ ُي ْ‬
‫اس ِبِإم ِ‬
‫َ‬
‫َي ْوم َن ْد ُعوْا ُك َّل أَُن ٍ‬
‫َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِي َعَل ْيَنا َغ ْي َرهُ َوإِذاً التَّ َخ ُذ َ‬
‫وك‬ ‫لتْفتَر َ‬ ‫ون َك َع ِن الذي أ َْو َح ْيَنآ إَل ْي َك‬ ‫َض ُّل َسبيالً * َوإِن َك ُادوْا َلَيْفتُن َ‬ ‫َع َم ٰى َوأ َ‬ ‫َع َم ٰى َف ُه َو في اآلخ َرة أ ْ‬ ‫أْ‬
‫دت تَ ْرَك ُن ِإَل ْي ِه ْم َش ْيئاً َقلِيالً‬ ‫اك َلَق ْد ِك َّ‬ ‫َخليالً * َوَل ْوالَ أَن ثَب َّْتَن َ‬
‫ِ‬

‫البر والبحر} أي‪ :‬يسرنا لهم أسباب المعاش‬


‫كرمنا بني آدم} بالنطق والتمييز والعقل والمعرفة {وحملناهم في ّ‬
‫{ولقد ّ‬
‫والمعاد بالسير في طلبها فيهما وتحصيلها {ورزقناهم من الطيبات} أي‪ :‬المركبات التي لم ترزق غيرهم من المخلوقات‬
‫المقدسة من المأل األعلى‪ ،‬وأما أفضلية بعض الناس كاألنبياء‬
‫{وفضلناهم على كثير ممن خلقنا} أي‪ :‬ما عدا الذوات ّ‬
‫المقربين فليست من جهة كونهم بني آدم فإنهم من تلك الحيثية ال يتجاوزون مقام العقل بل من جهة‬
‫على المالئكة ّ‬
‫ِ‬
‫أعد لذلك البعض من‬ ‫السر المودع فيهم المشار إليه بقوله‪ِ{ :‬إّني أ ْ‬
‫َعَل ُم َما الَ تَ ْعَل ُمو َن} [البقرة‪ ،‬اآلية‪ ]30 :‬وهو ما ّ‬ ‫ّ‬
‫المعرفة اإللهية التامة بواسطة الجمعية التي فيه‪ ،‬أي‪ :‬مقام الوحدة‪ ،‬وحينئذ ليس هو بهذا االعتبار من بني آدم كما‬
‫قيل‪:‬‬

‫بأبوتي‬
‫فلي فيه معنى شاهد ّ‬ ‫وإني وإن كنت ابن آدم صورة‬

‫المكرم المعروف كما قيل ‪:‬‬


‫ّ‬ ‫بل هو عين‬

‫فقال من أنت قلت أنت‬ ‫رأيت ربي بعين ربي‬

‫كرمنا بني آدم} بالتقريب‬


‫ورب األرباب‪ ،‬أو {ولقد ّ‬
‫وقد فني ابن آدم في هذا المقام وما بقي منه شيء وإال فما للتراب ّ‬
‫ومعرفة التوحيد وحملناهم في بر عالم األجساد وبحر عالم األرواح بتسييره فيهما لتركيبه منهما وإرقائه عنهما في‬
‫طلب الكمال ورزقناهم من طيبات العلوم والمعارف‪{ ،‬وفضلناهم} على الجم الغفير {ممن خلقنا}‪ ،‬أي‪ :‬جميع‬
‫المخلوقات‪ ،‬على أن تكون من للبيان والمبالغة في تعظيمه بوصف المفضل عليهم بالكثرة وتنكير الوصف وتقديمه‬
‫على الموصوف أي كثير‪ ،‬وأي كثير وهو جميع مخلوقاتنا لداللة من على العموم {تفضيالً} تاماً ّبيناً‪.‬‬

‫{يوم ندعو} إلى آخره‪ ،‬أي‪ :‬نحضر {كل} طائفة من األمم مع شاهدهم الذي يحضرهم ويتوجهون إليه من الكمال‬
‫أم ٍة ِب َش ِه ٍيد} [النساء‪،‬‬
‫ف ِإ َذا ِج ْئَنا ِمن ُك ِّل َّ‬
‫نبي آمنوا به كما ذكر في تفسير قوله‪َ { :‬ف َك ْي َ‬ ‫ويعرفونه سواء كان في صورة‬
‫ّ‬
‫اآلية‪ ]41 :‬أو إمام اقتدوا به أو دين أو كتاب أو ما شئت على أن تكون الباء بمعنى مع أو ننسبهم إلى إمامهم‬
‫وندعوهم باسمه لكونه هو الغالب عليهم وعلى أمرهم المستعلي محبتهم إياه على سائر محباتهم {فمن أوتي كتابه‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫بيمينه} أي‪ :‬من جهة العقل الذي هو أقوى جانبيه وبعث في صورة السعداء {فأولئك يقرؤون كتابهم} دون غيرهم‬
‫الستعدادهم للقراءة والفهم ألن الذي أوتي كتابه بشماله‪ ،‬أي‪ :‬من جهة النفس التي هي أضعف جانبيه ال يقدر على‬
‫مقروؤا لذهاب عقله وفرط حيرته {وال يظلمون} أي‪ :‬ال ينقصون من صور أعمالهم وكماالتهم‬
‫ً‬ ‫قراءة كتابه وإن كان‬
‫وأخالقهم شيئاً قليالً‪.‬‬

‫أضل سبيالً} مما هنا ألن له في هذه‬


‫{ومن كان في هذه أعمى} عن االهتداء إلى الحق {فهو في اآلخرة} كذلك {و ّ‬
‫الحياة آالت وأدوات وأسباباً يمكنه االهتداء بها وهو في مقام الكسب باقي االستعداد إن كان ولم يبق هناك شيء من‬
‫ذلك‪.‬‬

‫{وإن كادوا ليفتنونك} الخ‪ ،‬هو من باب التلوينات التي تحدث ألرباب القلوب بظهور النفس وألرباب الشهود والفناء‬
‫بوجود القلب‪ ،‬فإنه عليه السالم لفرط شغفه وحرصه على إيمانهم بوجود القلب كاد يميل إليهم في بعض مقترحاتهم‬
‫ويرضى ببعض ما هو خالف شريعته‪ ،‬ويضيف إلى هللا ما ليس منه طلباً للمناسبة التي كان يتوقع أن تحدث بينه‬
‫وبينهم بذلك فيحبوه كما قال‪{ :‬وإذاً التّخذوك خليالً} عسى أن يقبلوا قوله ويهتدوا به‪ .‬واستمالة وتطييباً لقلوبهم عسى‬

‫فيرق حجابهم ّ‬
‫وتتنور قلوبهم‪ ،‬فشدد وأقيم من عند هللا‪ ،‬ولهذا قالت عائشة رضي هللا‬ ‫شدة إنكارهم ّ‬
‫أن يلينوا وينزلوا عن ّ‬
‫وهمت بما ليس بفضيلة ّنبه من عند هللا‬
‫عنها‪" :‬كان خلقه القرآن" تعني أنه عليه الصالة والسالم كلما ظهرت نفسه ّ‬
‫ان لَِنِب ٍي أَن‬ ‫وترده إلى االستقامة حتى بلغ مقام التمكين‪ ،‬وهذا وأمثاله من قوله تعالى‪{ :‬ما ك‬ ‫تقومه ّ‬ ‫وثبت بتنزيل آية ّ‬
‫َ َ َ ّ‬
‫ِ‬
‫اس‬ ‫{وتَ ْخ َشى َّ‬
‫الن َ‬ ‫نك لِ َم أَذ َ‬
‫نت َل ُه ْم} [التوبة‪ ،‬اآلية‪ ،]43 :‬وقوله‪َ :‬‬ ‫َّللاُ َع َ‬
‫{عَفا َّ‬ ‫َي ُكو َن َل ُه أ ْ‬
‫َس َر ٰى} [األنفال‪ ،‬اآلية‪ ،]67 :‬وقوله‪َ :‬‬
‫{عَب َس َوتََوَّل ٰى} [عبس‪ ،‬اآلية‪ ]1 :‬يدل على أنه كان أكثر سلوكه‬ ‫َح ُّق أَن تَ ْخ َشاهُ} [األحزاب‪ ،‬اآلية‪ ،]37 :‬وقوله‪َ :‬‬‫َّللاُ أ َ‬
‫َو َّ‬
‫في هللا بعد الوصول في زمان النبوة وزمان الوحي ‪.‬‬

‫سورة اإلسراء (من اآلية ‪ 75‬الى اآلية ‪)78‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِمن األَر ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِإذاً أل َذ ْقن ِ‬
‫ض لُي ْخ ِر َ‬
‫جوك‬ ‫َ ْ‬ ‫اْل َم َمات ثُ َّم الَ تَ ِج ُد َل َك َعَل ْيَنا َنصي اًر * َوإِن َك ُادوْا َلَي ْستَِفُّز َ‬
‫ون َك‬ ‫ف‬ ‫ف اْل َحَياة َوض ْع َ‬ ‫اك ض ْع َ‬ ‫َ َ‬
‫الصالَة لِدُل ِ‬
‫وك‬ ‫ِ‬
‫* أَق ِم َّ َ ُ‬ ‫* ُسَّن َة َمن َق ْد أ َْرَسْلَنا َقْبَل َك ِمن ُّرُسلَِنا َوالَ تَ ِج ُد لِ ُسَّنِتَنا تَ ْح ِويالً‬
‫ِم ْن َها َوِإذاً الَّ َيْلَبثُو َن ِخال َف َك ِإالَّ َقلِيالً‬
‫آن اْلَف ْج ِر ِإ َّن ُق ْر َ‬
‫آن اْلَف ْج ِر َك َ‬
‫ان َم ْش ُهوداً‬ ‫س ِإَل ٰى َغس ِق َّال ِ‬
‫يل َوُق ْر َ‬ ‫َّ‬
‫الش ْم ِ‬
‫َ‬

‫فإن‬
‫{إذاً ألذقناك} أي‪ :‬لو قاربت فتنتهم وكدت توافقهم ألذقناك عذاباً مضاعفاً في الحياة وعذاباً مضاعفاً في الممات‪ّ ،‬‬
‫علو المرتبة وقوة االستعداد إذ النقصان الموجب للعذاب يقابل الكمال الموجب للذة‪ .‬فكلما كان‬
‫شدة العذاب بحسب ّ‬ ‫ّ‬
‫أتم واإلدراك أقوى‪ ،‬كانت المرتبة في الكمال والسعادة واللذة أقوى فكذا ما يقابله من النقص والشقاوة أبعد‬
‫االستعداد ّ‬
‫أشد‪.‬‬
‫وأسفل واأللم ّ‬

‫أن الصالة على خمسة أقسام‪ :‬صالة المواصلة والمناغاة في مقام الخفاء‪ ،‬وصالة‬ ‫ِ‬
‫الصالة لدلوك الشمس} اعلم ّ‬
‫{أقم َّ‬
‫السر‪ ،‬وصالة الحضور في مقام القلب‪ ،‬وصالة المطاوعة واالنقياد‬
‫الشهود في مقام الروح‪ ،‬وصالة المناجاة في مقام ّ‬
‫في مقام النفس‪ .‬فدلوك الشمس هو عالمة زوال شمس الوحدة عن االستواء على وجود العبد بالفناء المحض‪ ،‬فإنه ال‬
‫صالة في حال االستواء إذ الصالة عمل يستدعي وجوداً‪ ،‬وفي هذه الحالة ال وجود للعبد حتى يصلي كما ذكر في‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّك َحتَّ ٰى َيأْتَي َك اْلَيق ُ‬
‫ين} [الحجر‪ ،‬اآلية‪ .]99 :‬أال ترى الشارع عليه السالم كيف نهى عن‬ ‫اعُب ْد َرب َ‬
‫{و ْ‬
‫تأويل قوله تعالى‪َ :‬‬
‫الصالة وقت االستواء‪ ،‬فأما عند الزوال‪ ،‬إذا حدث ظل وجود العبد سواء عند االحتجاب بالخلق حالة الفرق قبل الجمع‬
‫أو عند البقاء حالة الفرق بعد الجمع‪ ،‬فالصالة واجبة {إلى غسق} ليل النفس {وقرآن} فجر القلب‪ ،‬فأول الصلوات‬
‫وألطفها صالة المواصلة والمناغاة وأفضلها وأشرفها صالة الشهود للروح المشار إليها بصالة العصر كما فسرت‬
‫الصَلو ِ‬
‫ات} [البقرة‪ ،‬اآلية‪ ]238 :‬والصالة الوسطى بها‪،‬‬ ‫{ح ِاف ُ‬
‫ظوْا َعَلى َّ َ‬ ‫الصالة الوسطى‪ ،‬أي‪ :‬الفضلى في قوله تعالى‪َ :‬‬
‫السر بالمناجاة أول وقت االحتجاب بظهور القلب لسرعة انقضاء وقتها ولهذا استحب التخفف‬ ‫وأوحاها وأخفها صالة ّ‬
‫في صالة المغرب في القراءة وغيرها لكونها عالمة لها‪ ،‬وأزجر الصالة للشيطان‪ ،‬وأوفرها تنوي اًر لباطن اإلنسان صالة‬
‫الحضور للقلب المومئ إليها بقرآن الفجر‪ ،‬فإنها في وقت تجليات أنوار الصفات ونزول المكاشفات ولهذا استحب‬
‫التكثر في جماعة صالة الصبح وأكد استحباب الجماعة فيها خاصة‪ ،‬وتطويل القراءة‪ ،‬وقال تعالى‪{ :‬إن قرآن الفجر‬
‫كان مشهوداً} أي‪ :‬محضو اًر بحضور مالئكة الليل والنهار إشارة إلى نزول صفات القلب وأنوارها وذهاب صفات‬
‫سن فيما جعل آية لها من‬
‫أشدها تثبيتاً للنفس وتطويعاً لها صالة النفس للطمأنينة والثبات‪ ،‬ولهذا ّ‬
‫النفس وزوالها‪ ،‬و ّ‬
‫صالة العشاء السكوت بعدها حتى النوم إال بذكر هللا‪ ،‬وحيث أمكن للشيطان سبيل إلى الوسوسة استحب‪ ،‬فيما جعل‬
‫السر للزجر وال مدخل له في مقام الروح والخفاء فأمر باإلخفات‪.‬‬
‫عالمة لها الجهر كصالة النفس والقلب و ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة اإلسراء (من اآلية ‪ 79‬الى اآلية ‪)81‬‬

‫َخ ِر ْجِني ُم ْخ َرَج‬


‫ص ْد ٍق َوأ ْ‬‫و ِمن اْلَّلي ِل َفتَه َّج ْد ِب ِه ن ِافَل ًة َّلك عسى أَن يبعثَك ربُّك مَقاماً َّمحمودًا * وُقل َّر ِب أ َْد ِخْلِني م ْدخل ِ‬
‫ُ ََ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َْ َ َ َ َ َ‬ ‫َ ََ ٰ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص ْد ٍق واجعل ّلِي ِمن َّلد ْنك سْل َ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫آء اْل َح ُّق َوَزَه َق اْلَباط ُل ِإ َّن اْلَباط َل َك َ‬
‫ان َزُهوقاً‬ ‫طاناً نصي اًر * َوُق ْل َج َ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫َ َْ‬

‫خصص بعض الليل بالتهجد {نافلة لك} زيادة على ما فرض خاصة بك‪ ،‬لكونه عالمة‬ ‫{ومن الليل فتهجد به} أي‪ّ :‬‬
‫مقام النفس‪ ،‬فيجب تخصيصه بزيادة الطاعة لزيادة احتياج هذا المقام إلى الصالة بالنسبة إلى سائر المقامات فيقتدي‬
‫أمتك في تطويع نفوسهم ويقوى تمكنك في مقام االستقامة‪ ،‬كما قال‪" :‬أفال أكون عبداً شكو اًر"‪{ .‬عسى‬
‫بك السالكون من ّ‬
‫أن يبعثك رّبك مقاماً محموداً} أي‪ :‬في مقام يجب على الكل حمده وهو مقام ختم الوالية بظهور المهدي‪ ،‬فإن خاتم‬
‫النبوة في مقام محمود من وجه هو جهة كونه خاتم النبوة غير محمود من وجه هو جهة ختم الوالية‪ ،‬فهو من هذا‬
‫ّ‬
‫الوجه في مقام الحامدية فإذا تم ختم الوالية يكون في مقام محمود من كل وجه‪.‬‬

‫رب أدخلني} حضرة الوحدة في عين الجمع {مدخل صدق} مدخالً حسناً مرضياً به بال آفة زيغ البصر بااللتفات‬ ‫{وقل ّ‬
‫إلى الغير وال الطغيان بظهور األنائية وال شوب االثنينية {وأخرجني} إلى الكثرة عند الرجوع إلى التفصيل بالوجود‬
‫الموهوب الحقاني {مخرج صدق} مخرجاً حسناً مرضياً به من غير آفة التلوين بالميل إلى النفس وصفاته وال الضالل‬
‫اج َعل لي من لدنك‬
‫جادة االستقامة والزيغ عن سنن العدالة إلى الجور كالفتنة الداودية {و ْ‬
‫بعد الهدى باالنحراف عن ّ‬
‫سلطاناً نصي اًر} حجة ناصرة بالتثبيت والتمكين بأن أكون بك في األشياء في حال البقاء بعد الفناء ال بنفسي كما قال‬
‫عز وقوة قهرية بك‪ ،‬أقوي بها دينك وأظهره على األديان‬
‫عليه الصالة والسالم‪" :‬ال تكلني إلى نفسي طرفة عين"‪ ،‬أو ّاً‬
‫كلها‪.‬‬

‫يتبدل {وزهق الباطل} أي‪ :‬الوجود البشري‬


‫{وقل جاء الحق} أي‪ :‬الوجود الثابت الواجب الحقاني الذي ال يتغير وال ّ‬
‫{إن الباطل} أي‪ :‬الوجود الممكن {كان} فانياً في األصل ال شيئاً ثابتاً ط أر عليه‬
‫اإلمكاني القابل للفناء والتغير والزوال ّ‬
‫فان في األزل والباقي ٍ‬
‫باق لم يزل‪ ،‬وإنما احتجبنا بتوهم فاسد باطل فكشف‪.‬‬ ‫الفناء ففني‪ ،‬بل الفاني ٍ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة اإلسراء (من اآلية ‪ 82‬الى اآلية ‪)84‬‬

‫ين ِإالَّ َخ َسا اًر * َوإِ َذآ أ َْن َع ْمَنا َعَلى ْ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َوُنَنِّزُل ِم َن‬
‫ض َوَنأَى‬
‫َع َر َ‬ ‫اإلن َس ِ‬
‫ان أ ْ‬ ‫آء َوَر ْح َم ٌة ّلْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين َوالَ َي ِز ُيد الظالم َ‬ ‫اْلُق ْر ِ‬
‫آن َما ُه َو شَف ٌ‬
‫َعَل ُم ِب َم ْن ُه َو أَ ْه َد ٰى َسِبيالً‬ ‫اكَلِت ِه َف َرب ُ‬
‫ُّك ْم أ ْ‬
‫الشُّر َكان يُئوساً * ُقل ُك ٌّل يعمل عَلى َش ِ‬
‫َْ َ ُ َ ٰ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫م َّس ُه َّ‬
‫َ‬ ‫ِب َج ِانِب ِه َوإِ َذا‬

‫{وننزل من} العقل القرآني الجامع بالتدريج نجوم تفاصيل العقل الفرقاني نجماً فنجماً على الوجود الحقاني على حسب‬
‫ظهور الصفات أي‪ :‬نفصل ما في ذاتك مجمالً مكنوناً تفصيالً بار اًز ظاه اًر عليك ليكون شفاء ألمراض قلوب‬
‫الغل والحقد والحسد وأمثالها فنزكيهم‬
‫أمتك كالجهل والشك والنفاق وعمى القلب و ّ‬ ‫المستعدين المؤمنين بالغيب من ّ‬
‫ّ‬
‫ورحمة تفيدهم الكماالت والفضائل وتحليهم بالحكم والمعارف {وال يزيد الظالمين} الناقصين استعدادهم بالرذائل‬
‫والحجب الظلمانية الباخسين حظوظهم من الكمال بالهيئات البدنية والصفات النفسانية {إالَّ خسا اًر} بزيادة ظهور‬
‫أنفسهم بصفاتها كاإلنكار والعناد والمكابرة واللجاج والرياء والنفاق منضمة إلى ما لهم من الشك والجهل والعمى‬
‫والعمه ‪.‬‬

‫{وإذا أنعمنا على اإلنسان} بنعمة ظاهرة {أعرض} لوقوفه مع النفس والبدن وكون القوى البدنية متناهية ال تتدبر‬
‫وردها عند عدمها وسائر الغير وال يرى إال العاجل‪ ،‬وتكبر‬
‫األمور الغير المتناهية الممكنة الوقوع من سبب النعمة ّ‬
‫الستعالء نفسه على القلب وظهوره بأنائيته وتفرعنه فنأى‪ ،‬أي‪ :‬بعد عن الحق في جانب النفس وطوى جنبه معرضاً‬
‫مسه يئس الحتجابه عن القادر وقدرته ولو نظر بعين البصيرة شاهد قدرة هللا تعالى في كلتا‬
‫الشر إذا ّ‬
‫وكذا في جانب ّ‬
‫الحالتين وتيقن في الحالة األولى أن الشكر رباط النعم‪ ،‬وفي الثانية أن الصبر دّفاع النقم‪ ،‬فشكر وصبر وعلم أن‬
‫وضجر‬
‫اً‬ ‫المنعم قدر فلم يعرض عند النعمة بط اًر وأش اًر خائفاً زوالها‪ ،‬غير غافل عن المنعم‪ ،‬ولم ييأس عند النقمة جزعاً‬
‫راجياً كشفها‪ ،‬مراعياً لجانب المبلي‪.‬‬

‫{قل كل يعمل على شاكلته} أي‪ :‬خليقته وملكته الغالبة عليه من مقامه فمن كان مقامه النفس وشاكلته مقتضى‬
‫السجية الفاضلة عمل بمقتضاها الشكر‬
‫ّ‬ ‫طباعها عمل ما ذكرنا من اإلعراض واليأس ومن كان مقامه القلب وشاكلته‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الشر بمقتضى‬
‫سجية القلب وعامل ّ‬
‫والصبر {فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيالً} من العاملين عامل الخير بمقتضى ّ‬
‫طبيعة النفس فيجازيهما بحسب أعمالهما‪.‬‬

‫سورة اإلسراء (من اآلية ‪ 85‬الى اآلية ‪)87‬‬

‫الرو ُح ِم ْن أ َْم ِر َرّبِي َو َمآ أُوِتيتُم ِّم َن اْل ِعْل ِم ِإالَّ َقلِيالً * َوَلِئن ِش ْئَنا َلَن ْذ َهَب َّن ِب َّال ِذي أ َْو َح ْيَنا ِإَل ْي َك ثُ َّم‬
‫الرو ِح ُق ِل ُّ‬
‫َع ِن ُّ‬ ‫ون َك‬
‫َوَي ْسأَُل َ‬
‫ان َعَل ْي َك َكِبي اًر‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫الَ تَ ِج ُد َل َك‬
‫ضَل ُه َك َ‬ ‫ِك ِإ َّن َف ْ‬
‫ِبه َعَل ْيَنا َو ِكيالً * ِإال َر ْح َم ًة ّمن َّرّب َ‬

‫{ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} أي‪ :‬ليس من عالم الخلق حتى يمكن تعريفه للظاهرين البدنيين الذين‬
‫الحس والمحسوس بالتشبيه ببعض ما شعروا به من التوصيف بل من عالم األمر‪ ،‬أي‪ :‬اإلبداع‬‫ال يتجاوز إدراكهم عن ّ‬
‫المقدسة عن الشكل واللون والجهة واألين‪ ،‬فال يمكنكم إدراكه أيها‬
‫المجردة عن الهيولى والجواهر ّ‬
‫ّ‬ ‫الذي هو عالم الذوات‬
‫المحجوبون بالكون لقصور إدراككم وعلمكم عنه {وما أوتيتم من العلم إال قليالً} هو علم المحسوسات وذلك شيء نزر‬
‫حقير بالنسبة إلى علم هللا تعالى والراسخين في العلم‪.‬‬

‫َّ‬
‫لنذهبن بالذي أوحينا إليك} بالطمس في محل الفناء أو الحجب بعد الكشف بالتلوين {ثم ال تجد لك به‬ ‫{ولئن شئنا‬
‫مجرد رحمة عظيمة خاصة بك من فرط عنايتنا وهي أعلى مراتب الرحمة‬ ‫َّ‬
‫برده {إال} ّ‬‫علينا وكيالً} يتوكل علينا ّ‬
‫الرحيمية المتكفلة من عند هللا تعالى بإفاضة الكمال التام عليه‪ ،‬أي‪ :‬لو تجلينا بذاتنا لما وجدت الوحي وال ذاتك إال إذا‬
‫تجلينا بصفة الرحمة واسمنا الرحيم فتوجد وتجد الوحي‪ ،‬وكذا لو تجلينا بصفة الجالل الحتجبت عن الوحي والمعرفة‬
‫{إن فضله} باإليحاء والتعليم الرباني بعد موهبة الوجود الحقاني {كان عليك كبي اًر} في األزل ‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة اإلسراء (من اآلية ‪ 88‬الى اآلية ‪)99‬‬

‫ظ ِهي اًر * َوَلَق ْد‬ ‫ض ُهم لَِب ْع ٍ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫اجتَم َع ِت ِ‬


‫اإل ْن ُس َواْل ِج ُّن َعَل ٰى أَن َيأْتُوْا ِب ِم ْث ِل َهـٰ َذا اْلُق ْر ِ‬ ‫َِّ‬
‫ض َ‬ ‫ان َب ْع ُ ْ‬‫آن الَ َيأْتُو َن ِبم ْثله َوَل ْو َك َ‬ ‫ُقل لئ ِن ْ َ‬
‫اس ِإالَّ ُكُفو اًر * وَقاُلوْا َلن ُّن ْؤ ِم َن َل َك َحتَّ ٰى تَْف ُج َر َلَنا ِم َن األ َْر ِ‬
‫ض‬ ‫الن ِ‬‫آن ِمن ُك ِّل َمَث ٍل َفأََب ٰى أَ ْكثَ ُر َّ‬ ‫اس ِفي َهـٰ َذا اْلُق ْر ِ‬
‫صَّرْفَنا لِ َّلن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫آء َك َما َزَع ْم َت َعَل ْيَنا ِك َسفاً‬ ‫يل َو ِعَن ٍب َفتَُف ِّج َر األ َْن َه َار ِخالَل َها تَْف ِجي اًر * أ َْو تُ ْس ِق َ‬ ‫ي ْنبوعاً * أَو تَ ُكو َن َل َك جَّن ٌة ِمن َّن ِخ ٍ‬
‫الس َم َ‬
‫ط َّ‬ ‫َ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َُ‬
‫الس َم ِآء َوَلن ُّن ْؤ ِم َن لِ ُرِقِّي َك َحتَّى تَُنِّزَل َعَل ْيَنا‬ ‫الئ َك ِة َقِبيالً * أَو ي ُكو َن َلك بي ٌت ِمن ُز ْخر ٍ‬
‫ف أ َْو تَ ْرَق ٰى ِفي َّ‬ ‫اَّللِ واْلم ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َْ ّ‬ ‫ْ َ‬ ‫أ َْو تَأْت َي ب َّ َ َ‬
‫آء ُه ُم اْل ُه َد ٰى ِإالَّ أَن َقاُلوْا أََب َع َث‬ ‫ِ ِ‬
‫اس أَن ُي ْؤمُنوْا إ ْذ َج َ‬
‫الن َ‬‫نت ِإالَّ َب َش اًر َّرُسوالً * َو َما َمَن َع َّ‬ ‫ِ‬
‫كتَاباً َّنْق َرُؤهُ ُق ْل ُس ْب َح َ‬
‫ان َرّبِي َه ْل ُك ُ‬
‫اَّللِ‬
‫ين َلَنَّ ْزلَنا َعَل ْي ِهم ِّم َن ال َّس َم ِآء َمَلكاً َّرُسوالً * ُق ْل َكَف ٰى ِب َّ‬ ‫الئ َك ٌة يم ُشون م ْ ِ ِ‬ ‫ضم ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا ب َش اًر َّرسوالً * ُقل َلو َك ِ‬
‫ط َمئّن َ‬ ‫َْ َ ُ‬ ‫ان في األ َْر َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ُ َ‬
‫آء ِمن ُدوِن ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا َفهو اْلمهتَِد ومن ي ْ ِ‬
‫ضل ْل َفَلن تَج َد َل ُه ْم أ َْولَي َ‬
‫ِ‬
‫ان ِبعَباده َخِبي اًر َبصي اًر * َو َمن َي ْهد َّ ُ ُ َ ُ ْ َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫َش ِهيداً بيِني وبين ُكم ِإَّنه َك ِ ِ ِ‬
‫َْ َ ََْ ْ ُ َ‬
‫آؤ ُهم ِبأََّن ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ونحشرهم يوم اْلِقي ِ‬
‫اه ْم َسعي اًر * َذل َك َج َز ُ‬ ‫اه ْم َج َهَّن ُم ُكل َما َخَب ْت ِزْدَن ُ‬
‫ص ّماً َّمأ َْو ُ‬
‫امة َعَل ٰى ُو ُجوهه ْم ُع ْمياً َوُب ْكماً َو ُ‬
‫َ َ ْ ُ ُ ُ ْ َْ َ َ َ‬
‫َّللا َّال ِذي خَلق َّ ِ‬ ‫ظاماً َوُرَفاتاً أ َِءَّنا َل َم ْب ُعوثُو َن َخْلقاً َج ِديداً * أ ََوَل ْم َي َرْوْا أ َّ‬ ‫َكَف ُروْا ِب َآي ِاتَنا َوَقاُلوْا أ َِء َذا ُكَّنا ِع َ‬
‫الس َٰم َٰوت َواأل َْر َ‬
‫ض‬ ‫َ َ‬ ‫َن َّ َ‬
‫الظالِ ُمو َن ِإالَّ ُكُفو اًر‬
‫يه َفأَبى َّ‬‫ِِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َجالً ال َرْي َب ف َ ٰ‬ ‫َقادٌر َعَل ٰى أَن َي ْخُل َق م ْثَل ُه ْم َو َج َع َل َل ُه ْم أ َ‬

‫الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ال يأتون بمثله} لكون االستعداد الكامل الحامل له‬
‫{قل لئن اجتمعت اإلنس و ّ‬
‫مخصوصاً بك وأنت قطب العالم يرشح إليهم ما يطفح منك فال يمكنهم اإلتيان بمثله وال يطيقون حمله‪ ،‬ولهذا المعنى‬

‫أبى أكثرهم {إال كفو اًر} واقترحوا اآليات الجسمانية المناسبة الستعدادهم وإدراكهم كتفجير العيون من األرض ّ‬
‫وجنة‬
‫النخيل واألعناب وإسقاط السماء عليهم كسفاً والرقي فيها واإلتيان بالمالئكة وسائر الممتنعات المتخيلة وأجيبوا بقوله ‪:‬‬

‫مجردة على الهيئة‬ ‫{قل لو كان في األرض مالئكة يمشون مطمئنين} أي‪ :‬ما أمكن نزول المالئكة مع كونهم نفوساً ّ‬
‫{وَل ْو َج َعْلَناهُ َمَلكاً َّل َج َعْلَناهُ َرُجالً َوَلَلَب ْسَنا َعَل ْي ِهم َّما‬
‫الملكية في األرض‪ ،‬بل لو نزلت لم ينزلوا إال متجسدين‪ ،‬كما قال‪َ :‬‬
‫َيْلِب ُسو َن} [األنعام‪ ،‬اآلية‪ ]9 :‬وإال لم يمكنكم إدراكهم فبقيتم على إنكاركم‪ ،‬وإذا كانوا مجسدين ما ّ‬
‫صدقتم كونهم مالئكة‬
‫أي حال كان كإنكار الخفاش ضوء الشمس‪.‬‬
‫فشأنكم اإلنكار على الحالين بل على ّ‬

‫{ومن يهد هللا} بمقتضى العناية األزلية في الفطرة األولى بنوره {فهو المهتد} خاصة دون غيره {ومن يضلل} بمنع‬
‫ذلك النور عنه {فلن تجد لهم} أنصا اًر يهدونه {من دونه} أو يحفظونه من قهره {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم}‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أي‪ :‬ناكسي الرؤوس النجذابهم إلى الجهة السفلية أو على وجوداتهم وذواتهم التي كانوا عليها في الدنيا كقوله‪" :‬كما‬
‫تعيشون تموتون‪ ،‬وكما تموتون تبعثون" إذ الوجه يعبر به عن الذات الموجودة مع جميع عوارضها ولوازمها أي على‬
‫الحالة األولى من غير زيادة ونقصان {عمياً} عن الهدى‪ ،‬كما كانوا في الحياة األولى {وبكماً} عن قول الحق‪ ،‬لعدم‬
‫{وصم ًا} عن سماع‬
‫ّ‬ ‫إدراكهم المعنى المراد بالنطق إذ ليسوا ذوي قلوب يفهم بها ويفقه‪ ،‬فكيف التعبير عما لم يفهم‬
‫المعقول‪ ،‬لعدم الفهم أيضاً‪ ،‬فال يؤثر فيهم موجب الهداية ال من جهة الفهم من هللا تعالى باإللهام وال من طريق السمع‬
‫ِ‬ ‫من كالم الناس وال من طريق البصر باالعتبار {كلما خبت زدناهم سعي اًر} كقوله‪َُّ :‬‬
‫ود ُه ْم َبَّدْلَن ُ‬
‫اه ْم‬ ‫{كل َما َنض َج ْت ُجُل ُ‬
‫ُجُلوداً َغ ْي َرَها} [النساء‪ ،‬اآلية‪ ]56 :‬بل أبلغ منه ذلك بسبب احتجابهم عن صفاتنا خصوصاً قدرتنا على البعث وإنكارهم‬
‫له‪ .‬أنكروا ما استدلوا بخلق السموات واألرض على القدرة ‪.‬‬

‫سورة اإلسراء (من اآلية ‪ 100‬الى اآلية ‪)106‬‬

‫اإلنسان َقتُو اًر * وَلَق ْد آتَينا موسى ِتسع آي ٍ‬


‫ات‬ ‫َْ ُ َ ٰ ْ َ َ‬ ‫ان ْ َ ُ‬ ‫اق َوَك َ‬ ‫ُقل َّلو أ َْنتُم تَملِ ُكو َن َخ َزِآئ َن َر ْحم ِة َرّبِي ِإذاً ألمس ْكتُم َخ ْشَي َة ِ‬
‫اإل ْنَف ِ‬
‫َ‬ ‫َْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ ْ‬
‫الء ِإالَّ‬
‫َنزل هـٰؤ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َل ُه ف ْرَعو ُن ِإّني ألَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات َفسَئ ْل َبني ِإس َرائ ِ‬ ‫بِين ٍ‬
‫ال َلَق ْد َعل ْم َت َمآ أ َ َ َ ُ‬ ‫وس ٰى َم ْس ُحو اًر * َق َ‬ ‫ظُّن َك ي ُ‬
‫ٰم َ‬ ‫آء ُه ْم َفَق َ‬ ‫يل إ ْذ َج َ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ‬
‫َغ َرْقَناهُ َو َمن َّم َع ُه َج ِميعاً‬ ‫ض َفأ ْ‬ ‫ظُّن َك يِٰف ْرَعو ُن م ْثُبو اًر * َفأ ََرَاد أَن َي ْستَِفَّزُهم ِم َن األَْر ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ص ِآئ َر َوإِِّني ألَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ر ُّب َّ ِ‬
‫الس َٰم َٰوت َواأل َْرض َب َ‬ ‫َ‬
‫اه َوبِاْل َح ِّق َن َزَل َو َمآ‬ ‫ِِ ِ ِ ِ‬ ‫* وُقْلَنا ِمن َب ْع ِدِه لَِبِني ِإس َرِائيل اس ُكُنوْا األ َْر َ ِ‬
‫آء َو ْع ُد اآلخ َرة ج ْئَنا ب ُك ْم َلفيفاً * َوبِاْل َح ِّق أ َْن َ ْزلَن ُ‬ ‫ض َفإ َذا َج َ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫اس َعَل ٰى ُم ْكث َوَنَّ ْزلَناهُ تَْن ِزيالً‬ ‫الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫اك ِإال ُمَب ّش اًر َوَنذي اًر * َوُق ْرآناً َف َرْقَناهُ لتَْق َأرَهُ َعَلى َّ‬
‫أ َْرَسْلَن َ‬

‫{قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذاً ألمسكتم} لوقوفكم مع صفات نفوسكم التي من لوازمها الشح الجبلي لكون‬
‫بالحس من األمور المادية المحصورة واحتجابها عن البركات الغير المتناهية والرحمة‬
‫ّ‬ ‫إدراكها مقصو اًر على ما يدرك‬
‫الواسعة الغير المنقطعة التي ال تدرك إال عند اكتحال البصيرة بنور الهداية فتخشى نفادها وانقطاعها {تسع آيات‬
‫مرت اإلشارة إليها في سورة (الحجر)‪.‬‬
‫ّبينات} ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{وبالحق أنزلناه} أي‪ :‬ما أنزلنا القرآن إال بعد زوال بشرية النبي صلى هللا عليه وسلم بالكلية في مقام الفناء وانتفاء‬
‫الحدثان عن وجه القدم وانقشاع ظلمة اإلمكان عن سبحات الوجه الواجب الباقي بالفرق الثاني ليكون له محل وجودي‬
‫فما كان إنزاله إال ظهور أحكام التفاصيل من عين الجمع على المظهر التفصيلي فكان إنزاله بالحق من الحق على‬
‫الحق ونزوله بالحق على هذا التأويل هو كما يقال‪ :‬نزل بكذا إذا حل به‪ ،‬على أن تكون الباء الثانية للظرفية كقولك‪:‬‬
‫نزلت ببغداد والولى للحال أي‪ :‬ملتبساً بالحق على معنيين إما بالحق الذي هو نقيض الباطل أي‪ :‬بالحقيقة والحكمة‪،‬‬
‫وإما بالحق الذي هو هللا تعالى أي‪ :‬أنزل على صفته وهو الحق {وقرآناً فرقناه} على حسب ظهور استعدادات المظاهر‬
‫اك} [اإلسراء‪ ،‬اآلية‪.]74 :‬‬
‫{وَل ْوالَ أَن ثَب َّْتَن َ‬
‫المقتضية لقبوله بحسب األحوال والمصالح والصفات كما أشرنا إليه في قوله‪َ :‬‬

‫سورة اإلسراء (من اآلية ‪ 107‬الى اآلية ‪)110‬‬

‫ان ُس َّجداً * َوَيُقوُلو َن ُس ْب َح َ‬


‫ان َرّبَِنآ‬ ‫ين أُوتُوْا اْل ِعْلم ِمن َقْبِل ِه ِإ َذا ُي ْتَل ٰى َعَل ْي ِه ْم َي ِخُّرو َن لِألَ ْذَق ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُق ْل آمُنوْا ِبه أ َْو الَ تُ ْؤ ِمُنوْا ِإ َّن الذ َ‬
‫َ‬
‫ان َي ْب ُكو َن َوَي ِز ُيد ُه ْم ُخ ُشوعاً * ُق ِل ْاد ُعوْا َّ‬
‫َّللاَ أَ ِو ْاد ُعوْا َّ‬
‫الر ْح َمـ َٰن أَّياً َّما تَ ْد ُعوْا َفَل ُه‬ ‫*وَي ِخُّرو َن لِألَ ْذ َق ِ‬ ‫ِإن َك َ‬
‫ان َو ْع ُد َرّبَِنا َل َمْف ُعوالً َ‬
‫صالَِت َك َوالَ تُ َخ ِاف ْت ِب َها َو ْابتَ ِغ َب ْي َن ٰذلِ َك َسِبيالً‬ ‫ِ‬
‫آء اْل ُح ْسَن ٰى َوالَ تَ ْج َه ْر ب َ‬
‫َس َم َ‬
‫األ ْ‬

‫{قل آمنوا به أو ال تؤمنوا} أي‪ :‬أن وجوداتكم كالعدم عندنا‪ .‬ليس المراد منه هدايتكم لكونكم مطبوع ًا على قلوبكم ال‬
‫محل لكم عند هللا وال في الوجود لكونكم أحالس بقعة اإلمكان معدومي األعيان بالذات إنما االعتبار بالعلماء الذين‬
‫{يخرون}‬
‫المعتد بهم في األنباء‪ ،‬فانظر كيف تراهم عند تالوته عليهم وسماعهم إياه ّ‬‫ّ‬ ‫لهم وجود عند هللا في عالم البقاء‬
‫أي‪ :‬ينقادون له ويعترفون به ويعرفون حقيقته لعلمهم به ومعرفتهم إياه بنورية االستعداد ومناسبته له‪ ،‬وبنور كمالهم‬
‫لتجردهم وعلمهم بأنه كان كتاباً من عند هللا موعوداً ليس هو إال إياه لما وجدوه مطابقاً لما اعتقدوه يقيناً فإن االعتقاد‬
‫ّ‬
‫الحق ال يكون إال واحداً {ويزيدهم خشوعاً} باللين واالنقياد لحكمه لتأثرهم به وحسن تلقيهم لقبوله‪{ .‬قل ادعوا هللا}‬
‫{أياً ما} طلبت‬
‫بالفناء في الذات الجامعة لجميع الصفات {أو ادعوا الرحمن} بالفناء في الصفة التي هي ّأم الصفات ّ‬
‫من هذين المقامين لست هناك بموجود وال لك بقية وال اسم وال عين وال أثر إذ الرحمن ال يصلح اسماً لغير تلك الذات‬
‫وال يمكن ثبوت تلك الصفة أي‪ :‬الرحمة الرحمانية لغيرها فال يلزم وجود البقية بخالف سائر األسماء والصفات {فله‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫األسماء الحسنى} كلها في هذين المقامين ال لك {وال تجهر} في صالة الشهود بإظهار صفة الصالة عن نفسك فيؤذن‬
‫بالطغيان وظهو راألنائية {وال تخافت} غاية اإلخفات فيؤذن باالنطماس في محل الفناء دون الرجوع إلى مقام البقاء‪،‬‬
‫فال يمكن أحداً االقتداء بك‪{ ،‬و ْابتَغ بين ذلك سبيالً} يدل على االستقامة ولزوم سيرة العدالة في عالم الكثرة ومالزمة‬
‫الصراط المستقيم بالحق‪.‬‬

‫سورة اإلسراء (من اآلية ‪ 111‬الى اآلية ‪)111‬‬

‫وُق ِل اْلحم ُد ََِّّللِ َّال ِذي َلم يتَّ ِخ ْذ وَلداً وَلم ي ُك ْن َّله َش ِريك ِفي اْلمْل ِك وَلم ي ُك ْن َّله ولِ ٌّي ِمن ُّ‬
‫الذ ِّل َوَكِّب ْرهُ تَ ْكِبي اًر‬ ‫ُ َ َّ‬ ‫ُ َ ْ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ َ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬

‫{وقل الحمد هلل} أي‪ :‬أظهر الكماالت اإللهية والصفات الرحمانية التي ال تكون إال للذات األحدية {الذي لم يتخذ‬
‫ولداً} أي‪ :‬لم يكن علة لموجود من جنسه لضرورة كون المعلول محتاجاً إليه ممكناً بالذات معدوماً بالحقيقة فكيف‬
‫يكون من جنس الموجود حقاً الواجب بذاته من جميع الوجوه {ولم يكن له} من يساويه في قوة القهر والمملكة من‬
‫الشريك في الملك وإال لكانا مشتركين في وجوب الوجود والحقيقة‪ .‬فامتياز كل واحد منهما عن االخر ال بد وأن يكون‬
‫بأمر غير الحقيقة الواجبية فلزم تركبهما فكانا كالهما ممكنين ال واجبين وأيضاً فإن لم يستقال بالتأثير لم يكن أحدهما‬
‫استقل أحدهما دون اآلخر فذلك هو اإلله دونه فال شريك له وإن استقال جميعاً لزم اجتماع المؤثرين‬
‫ّ‬ ‫إلهاً‪ ،‬وإن‬
‫المستقلين على معلول واحد إن فعال معاً وإال لزم إلهية أحدهما دون اآلخر رضي بفعله أو لم يرض {ولم يكن له ولي‬
‫ّ‬
‫الذل} أي‪ :‬لم يكن له ناصر علة كان أو جزء علة تقويه وتنصره من ذّلة االنفال والعدم وإال لم يكن إلهاً واجباً بل‬
‫من ّ‬
‫{وكبره} من أن يتقيد بصفة دون أخرى أو صورة غير أخرى أو يلحقه شيء من‬ ‫ممكناً لتكون حبيباً قائماً به ال بنفسك ِّ‬
‫علواً كبي اًر {تكبي اًر} ال يقدر قدره وال يعرف كنهه‬
‫هذه النقائص فينحصر في وجود خاص تبارك وتعالى عن ذلك ّ‬
‫المتناع وجود شيء غيره يفضل عليه وينسب إليه بل كل ما يتصور ويعقل وال يكبر غيره بهذا التكبير وهللا الحق‬
‫الموفق ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الكهف (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)3‬‬

‫ين‬ ‫اْلحمد ََِّّللِ َّال ِذي أَنزل عَلى عب ِدِه اْل ِكتَاب وَلم يجعل َّله ِعوجا * َقِيماً ّلِين ِذر بأْساً َش ِديداً ِمن َّلدنه ويب ِّشر اْلمؤ ِمِن َّ ِ‬
‫ين الذ َ‬‫ّ ُ ْ ُ َ َُ َ ُ ْ َ‬ ‫ّ ُْ َ َ‬ ‫َ َ ْ َ َْ ُ َ َ‬ ‫َْ َ َ ٰ َ ْ‬ ‫َ ُْ‬
‫ِ‬
‫ين ِفيه أََبداً‬ ‫ِِ‬ ‫الصالِح ِ‬
‫َج اًر َح َسناً * َّماكث َ‬ ‫ات أ َّ‬
‫َن َل ُه ْم أ ْ‬ ‫َي ْع َمُلو َن َّ َ‬

‫{الحمد هلل الذي أنزل على عبده الكتاب} أثنى هللا تعالى بلسان التفصيل على نفسه باعتبار الجمع من حيث كونه‬
‫منعوتاً بإنزال الكتاب وهو إدراج معنى الجمع في صورة التفصيل فهو الحامد والمحمود تفصيالً وجمعاً‪ ،‬فالحمد‬
‫إظهار الكماالت اإللهية والصفات الجمالية والجاللية على الذات المحمدية باعتبار العروج بعد تخصيصه إياه بنفسه‬
‫في العناية األزلية المشار إليه باإلضافة في قوله‪ :‬عبده‪ ،‬وذلك جعل عينه في األزل قابلة للكمال المطلق من فيضه‬
‫وإيداع كتاب الجمع فيه بالقوة التي هي االستعداد الكامل وإنزال الكتاب عليه إبراز تلك الحقائق عن ممكن الجمع‬
‫الوحداني على ذلك المظهر اإلنساني فهما متعاكسان باعتبار النزول والعروج واإلنزال في الحقيقة حمد هللا تعالى لنبيه‬
‫إذ المعاني الكامنة في أغيب الغيب ما لم ينزل على قلبه فلم يمكنه حمد هللا حق حمده فما لم يحمده هللا لم يحمد هللا‬
‫بل حمده حمده كما قال‪ :‬ال أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك‪ ،‬حمد أوالً في عين الجمع نفسه باعتبار‬
‫التفصيل ثم عكس فقال‪ :‬الحمد هلل‪.‬‬

‫ط َغ ٰى} [النجم‪ ،‬اآلية‪]17 :‬‬


‫ص ُر َو َما َ‬
‫غ اْلَب َ‬
‫{ما َاز َ‬
‫{ولم يجعل له} أي‪ :‬لعبده {عوجاً} أي‪ :‬زيغاً وميالً إلى الغير كما قال‪َ :‬‬
‫أي‪ :‬لم ير الغير في شهوده‪.‬‬

‫استَِق ْم َك َمآ أ ُِم ْر َت} [هود‪ ،‬اآلية‪ ،]112 :‬والمعنى‪ :‬جعله موحداً‬‫{قيماً} أي‪ :‬جعله قيماً‪ ،‬يعني‪ :‬مستقيماً كما أمر بقوله‪َ { :‬ف ْ‬
‫فانياً فيه غير محتجب في شهوده بالغير وال بنفسه لكونها غير أيضاً ممكناً مستقيماً حال البقاء‪ ،‬كما قال‪ِ{ :‬إ َّن َّال ِذي َن‬
‫اموْا} [فصلت‪ ،‬اآلية‪ ،]30 :‬أو جعله قيماً بأمر العباد وهدايتهم إذ التكميل يترتب على الكمال ألنه‬ ‫استََق ُ‬
‫َّللاُ ثُ َّم ْ‬
‫َقاُلوْا َربَُّنا َّ‬
‫عليه الصالة والسالم لما فرغ من تقويم نفسه وتزكيتها أقيمت نفوس أمته مقام نفسه فأمر بتقويمها وتزكيتها ولهذا‬
‫المعنى سمى إبراهيم صلوات هللا عليه أمة‪ ،‬وهذه القيمية أي القيام بهداية الناس داخلة في االستقامة المأمور هو بها‬
‫في الحقيقة {لينذر} متعلق بعامل قيماً أي‪ :‬جعله قيماً بأمر العباد {لينذر بأساً شديداً} وحذف المفعول األول للتعميم‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وبشر المذنبين بأني‬
‫الصديقين بأني غيور‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ألن أحداً ال يخلو من بأس مؤمناً كان أو كاف اًر‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬أنذر‬
‫بالشدة وخصصه‬
‫ّ‬ ‫وعزته ووصفه‬
‫غفور"‪ .‬إذ البأس عبارة عن قهره ولذلك عظمه بالتنكير‪ ،‬أي‪ :‬بأساً يليق بعظمته ّ‬
‫بقوله‪{ :‬من لدنه} والقهر قسمان‪ :‬قهر محض ظاهره وباطنه قهر كالمختص بالمحجوبين بالشرك‪ ،‬وقسم ظاهره قهر‬
‫اشتدت نقمته على أعدائه في سعة‬
‫وباطنه لطف‪ ،‬وكذا اللطف كما قال أمير المؤمنين علي عليه السالم‪ :‬سبحان من ّ‬
‫شدة نقمته‪ .‬ومن القسم الثاني القهر المخصوص بالموحدين من أهل الفناء أطلق‬
‫نعمته‪ ،‬واتسعت رحمته ألوليائه في ّ‬
‫{ويبشر المؤمنين} أي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫اإلنذار للكل تنبيهاً ثم فصل اللطف والقهر مقيدين بحسب الصفات واالستحقاقات فقال‪:‬‬
‫الموحدين لكونهم في مقابلة المشركين الذين قلوا‪ :‬اتخذ هللا ولداً‪.‬‬

‫{الذين يعملون الصالحات} أي‪ :‬الباقيات من الخيرات والفضائل ألن األجر الحسن هو من جنة اآلثار واألفعال التي‬
‫تستحق باألعمال‪.‬‬

‫سورة الكهف (من اآلية ‪ 4‬الى اآلية ‪)6‬‬

‫َّللا وَلداً * َّما َلهم ِب ِه ِمن ِعْل ٍم والَ آلب ِائ ِهم َكبرت َكلِم ًة تَخرج ِمن أَ ْفو ِ‬
‫اه ِه ْم ِإن َيُقوُلو َن ِإالَّ َك ِذباً‬ ‫َّ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫َ َ ْ َُ ْ َ ْ ُ ُ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُْ‬ ‫ين َقاُلوْا ات َخ َذ َّ ُ َ‬
‫َوُي ْنذ َر الذ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫* َفَل َعل َك َباخ ٌع َّنْف َس َك َعَل ٰى آثَ ِاره ْم إن ل ْم ُي ْؤمُنوْا ب َهـٰ َذا اْل َحديث أ َ‬
‫َسفاً‬

‫واعلم أن اإلنذار والتبشير اللذين هما من باب التكميل الالزم لكونه ّقيماً عليهم كالهما أثر ونتيجة عن صفتي القهر‬
‫ستعد لقبولهما إال‬
‫فإن العبد ما ا ّ‬
‫واللطف اإللهيين اللذين محل استعداد قبولهما من نفس العبد الغضب والشهوة‪ّ ،‬‬
‫يستعد فلضيلتي الشجاعة والعفة إال بوجودهما‪ ،‬فلما انتفتا قامتا مقامهما ألن‬
‫ّ‬ ‫بصفتي الغضب والشهوة وفنائهما كما لم‬
‫كالًّ منهما ظل لواحدة من تينك يزول بحصولها فعند ارتواء القلب منهما وكمال التخلق بهما حدث عن القهر اإلنذار‬
‫عند استحقاقية المحل بالكفر والشرك وعن اللطف التبشير باستحقاقية اإليمان والعمل الصالح‪ ،‬إذ اإلفاضة ال تكون‬
‫إال عند استحقاق المحل‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{ما لهم به من علم وال آلبائهم} أي‪ :‬ما لهم بهذا القول من علم بل إنما يصدر عن جهل مفرط وتقليد لآلباء ال عن‬
‫علم ويقين ويؤيده قوله‪{ :‬كبرت كلمة} أي‪ :‬ما أكبرها كلمة {تخرج من أفواههم} ليس في قلوبهم من معناه شيء ألنه‬
‫أحدي الذات ال يماثله الوجود الممكن المعلول‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مستحيل ال معنى له إذ العلم اليقيني يشهد أن الوجود الواجبي العلي‬
‫والولد هو المماثل لوالده في النوع المكافئ له في القوة والشهود الذاتي يحكم بفناء الخلق في الحق والمعلول في‬
‫سواه شيء غيره فضالً عن الشبيه والولد كما قال أحدهم ‪:‬‬
‫المشهود‪ ،‬فلم يكن ثم ّ‬

‫هذا الوجود وإن تكثّر ظاه اًر وحياتكم ما فيه إال أنتم‬

‫الشهودي على إحالته‪{ .‬فلعلك باخع} أي‪ :‬مهلك {نفسك}‬


‫ّ‬ ‫{إن يقولون إالّ كذباً} لتطابق الدليل العقلي والوجدان الذوقي‬
‫شدة الوجد واألسف على توليهم وإعراضهم‪ ،‬وذلك ألن الشفقة على خلق هللا والرحمة عليهم من لوازم محبة هللا‬ ‫من ّ‬
‫ُّه ْم َوُي ِحب َ‬
‫ُّون ُه} [المائدة‪،‬‬ ‫ونتائجه ولما كان صلى هللا عليه وسلم حبيب هللا ومن لوازم محبوبيته محبته هلل لقوله‪ِ :‬‬
‫{يحب ُ‬
‫ُ‬
‫اآلية‪ ]54 :‬وكلما كانت محبته للحق أقوى كانت شفقته ورحمته على خلقه أكثر لكون الشفقة عليهم ّ‬
‫ظل محبته هلل‬
‫اشتد تعطفه عليهم‪ ،‬فإنهم كأوالده وأقاربه بل كأعضائه وجوارحه في الشهود الحقيقي‪ ،‬فلذلك بالغ في التأسف عليهم‬
‫ّ‬
‫تقوى بالمحبوب في استمرار الوصل ظهر قبوله في القلوب لمحبة هللا‬ ‫حتى كاد يهلك نفسه‪ .‬وأيضاً علم أن المحب إذا ّ‬
‫إياه‪.‬‬

‫سورة الكهف (من اآلية ‪ 7‬الى اآلية ‪)9‬‬

‫ص ِعيداً ُج ُر اًز * أ َْم َح ِس ْب َت‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِإَّنا َج َعْلَنا ما َعَلى األ َْر ِ‬
‫َح َس ُن َع َمالً * َوِإَّنا َل َجاعُلو َن َما َعَل ْي َها َ‬ ‫ض ِز َين ًة ل َها لَنْبُل َو ُه ْم أَي ُ‬
‫ُّهم أ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرِقي ِم َك ُانوْا م ْن َآياتَنا َع َجباً‬ ‫ِ‬
‫اب اْل َك ْهف َو َّ‬ ‫أ َّ‬
‫َص َح َ‬‫َن أ ْ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫فلما لم يؤمنوا بالقرآن استشعر ببقية من نفسه وتوجس بنقصان حاله فعاله الوجد وعزم على قهر النفس بالكلية طلباً‬
‫للغاية وكان ذلك من فرط شفقته عليهم وكمال أدبه مع هللا حيث أحال عدم إيمانهم على ضعف حاله ال على عدم‬
‫{إنا جعلنا} أي‪ :‬ال تحزن عليهم فإنه ال عليك أن يهلكوا جميعاً‪ّ ،‬إنا نخرج جميع‬
‫استعدادهم ولذلك سالّه بقوله‪ّ :‬‬
‫األسباب من العدم إلى الوجود لالبتالء ثم نفنيها وال حيف وال نقص‪ ،‬أو ّإنا جعلنا ما على أرض البدن من النفس‬
‫ولذاتها وشهواتها وقوى صفاتها وإدراكاتها ودواعيها {زينة} لها ليظهر أيهم أقهر لها وأعصى لهواها في رضاي وأقدر‬
‫على مخالفتها لموافقتي‪.‬‬

‫{و ّإنا لجاعلون} بتجلينا وتجلي صفاتنا {ما عليها} من صفاتها هامدة كأرض ملساء ال نبات فيها أي‪ :‬نفنيها وصفاتها‬
‫بالموت الحقيقي أو بالموت الطبيعي وال نبالي‪ ،‬بل {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً} أي‪:‬‬
‫إذا شاهدت هذا اإلنشاء واإلفناء فليس حال أصحاب الكهف آية عجيبة من آياتنا بل هذه أعجب‪ .‬واعلم أن أصحاب‬
‫الكهف هم السبعة الكمل القائمون بأمر الحق دائماً الذين يقوم بهم العالم وال يخلو عنهم الزمان على عدد الكواكب‬
‫الساِبَق ِ‬
‫ات َس ْبقاً‬ ‫السيارة وطبقها فكما سخرها هللا تعالى في تدبير نظام عالم الصورة كما أشار إليه بقوله‪َ{ :‬ف َّ‬
‫السبعة ّ‬
‫ات أ َْم اًر} [النازعات‪ ،‬اآليات‪ ]5-4 :‬على بعض التفاسير وكل نظام عالم المعنى وتكميل نظام الصورة إلى‬ ‫َفاْلمدِبر ِ‬
‫ُ َ َّ‬
‫سبعة أنفس من السابقين كل ينتسب بحسب الوجود الصوري إلى واحد منهم‪ ،‬والقطب هو المنتسب إلى الشمس‬
‫والكهف هو باطن البدن والرقيم ظاهره الذي انتقش بصور الحواس واألعضاء إن فسر باللوح الذي رقمت فيه أسماؤهم‬
‫والعالم الجسماني إن جعل اسم الوادي الذي فيه الجبل والكهف والنفس الحيوانية إن جعل اسم الكلب والعالم العلوي إن‬
‫جعل اسم قريتهم على اختالف األقوال في التفاسير ومنهم األنبياء السبعة المشهورون المبعوثون بحسب القرون‬
‫واألدوار‪ ،‬وإن كان كل نبي منهم على ذكر وهم‪ :‬آدم وإدريس ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصالة‬
‫ّ‬
‫والسالم ألنه السابع المخصوص بمعجزة انشقاق القمر‪ ،‬أي‪ :‬انفالقه عنه لظهوره في دورة ختم النبوة وكمل به الدين‬
‫ا إللهي كما أشار إليه بقوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق هللا السموات واألرض"‪ .‬إذ‬
‫الكل وكماالتهم كاإلنسان بالنسبة إلى سائر‬
‫الحسي هو الحائز لصفات ّ‬ ‫المتأخر بالزمان والظهور أي‪ :‬الوجود‬
‫ّ‬
‫تم وبقي منه موضع لبنة واحدة‪ ،‬فكنت أنا تلك‬
‫النبوة قد ّ‬
‫"كأن بنيان ّ‬
‫الحيوانات‪ ،‬ولهذا قال صلى هللا عليه وسلم‪ّ :‬‬
‫اللبنة"‪ .‬وقد اتفق الحكماء المتألهة من قدماء الفرس أن مراتب العقول واألرواح على مذهبهم في التنازل تتضاعف‬
‫إشراقاتها‪ ،‬فكل من تأخر في الرتبة كان حظه من إشراقات الحق وأنواره وسبحات أشعة وجهه وإشراقات أنوار الوسائط‬
‫أوفر وأزيد فكذا في الزمان فهو الجامع الحاصر لصفات الكل وكماالتهم الحاوي لخواصهم ومعانيهم مع كماله‬
‫الخاص به الالزم للهيئة االجتماعية‪ ،‬كما قال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬بعثت ألتمم مكارم األخالق" ومن هذا ظهر‬
‫تقدمه عليهم بالشرف والفضيلة ومن جهة أن إبراهيم عليه السالم كان مظهر التوحيد األعظمي الذاتي‪ ،‬وكان هو‬
‫ّ‬
‫الوسط في الترتيب الزماني بمنزلة الشمس في الرتبة كان قطب النبوة‪ ،‬ولزمهم كلهم اتباعه وإن لم يظهر في المتقدمين‬
‫عليه بالزمان كارتباط الكواكب الستة في سيرها بها‪ ،‬ولكن كالقمر‪ ،‬فمتبعه بالحقيقة محمد صلى هللا عليه وسلم‪ .‬واعلم‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أن األرواح في عالمها مراتب متعينة‪ ،‬وصفوف مترتبة واستعدادات متفاوتة متهيئة في األزل بمحض العناية األولى‬
‫المقربون المحبوبون المخصوصون بفضل عنايته وسابقة‬‫والفيض األقدس فأهل الصف األول هم السابقون المفردون ّ‬
‫كرامته المتعارفون بنوره المتحابون فيه‪ ،‬والباقون يتباينون في الدرجات وبحسب تقاربها وتباعدها‪ ،‬يتعارفون ويتناكرون‪،‬‬
‫فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف إلى آخر الصفوف‪ ،‬فلها مراكز ثابتة‪ ،‬وأصول راسخة في العالم العلوي‬
‫وعند التعلق باألبدان يتفاوت درجات كماالتها وغاية سعاداتها بحسب ما لها من االستعداد األول المخصوص بكل‬
‫منها من مباديها في األزل كما قال عليه الصالة والسالم‪" :‬الناس معادن كمعادن الذهب والفضة"‪ ،‬حتى انتهت‬
‫العلو إلى الفناء في التوحيد الذاتي‪ ،‬فبهذا االعتبار يكون محمد عليه السالم عين آدم بل عين السبعة‬
‫الدرجات في ّ‬
‫وكذا باعتبار كونه جامعاً لصفاتهم كما قيل إنه سأله أبو يزيد رحمة هللا عليه‪ :‬أنت من السبعة؟ فقال صلى هللا عليه‬
‫علو مرتبته ومكانته‪ ،‬وسبقه في القدم وارتفاع درجة كماله وفضيلته‪ ،‬كان أقدمهم وأولهم‬‫وسلم‪" :‬أنا السبعة"‪ .‬وباعتبار ّ‬
‫وأفضلهم كما قال‪" :‬أول ما خلق هللا نوري وكنت ّ‬
‫نبياً وآدم بين الماء والطين"‪ .‬فهو متقدم عليهم بالرتبة والعلية والشرف‬
‫والفضيلة‪ ،‬متأخر عنهم بالزمان وهو عينهم باعتبار السر والوحدة الذاتية‪ ،‬فالحاصل أن اختالفهم وتباينهم روحاً وقلباً‬
‫ونفساً ال ينافي اتحادهم في الحقيقة وكذا افتراقهم باألزمنة ال ينافي معيتهم في األزل واألبد وعين الجمع كما قال‪:‬‬
‫َح ٍد ِّم ْن ُه ْم} [البقرة‪ ،‬اآلية‪.]136 :‬‬
‫ِق َب ْي َن أ َ‬ ‫ض ُهم َعَل ٰى َب ْع ٍ‬
‫ض} [البقرة‪ ]253 :‬مع قوله‪{ :‬الَ ُنَفّر ُ‬ ‫الرُس ُل َف َّ‬
‫ضْلَنا َب ْع َ ْ‬
‫ِ‬
‫{تْل َك ُّ‬
‫ويجوز أن يكون المراد بأصحاب الكهف روحانيات اإلنسان التي تبقى بعد خراب البدن‪ .‬وقول من قال‪ :‬ثَالَثَة‪ ،‬إشارة‬
‫إلى الروح والعقل والقلب‪ .‬والكلب هي النفس المالزمة لباب الكهف‪ .‬ومن قال‪َ :‬خ ْم َسة إشارة إلى الروح والقلب والعقل‬
‫السر والخفاء‬
‫العملي والقوة القدسية لألنبياء التي هي الفكر لغيرهم‪ .‬ومن قال‪َ :‬س ْب َعة فتلك الخمسة مع ّ‬ ‫النظري والعقل‬
‫ّ‬
‫وهللا أعلم‪.‬‬

‫سورة الكهف (من اآلية ‪ 10‬الى اآلية ‪)12‬‬

‫َفَقاُلوْا ربََّنآ ِآتَنا ِمن َّلدنك رحم ًة وهِيىء َلَنا ِمن أَم ِرَنا رَشداً * َفضربَنا عَلى آ َذ ِان ِهم ِفي اْل َكه ِ‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫ِإ ْذ أَوى اْلِف ْتي ُة ِإَلى اْل َكه ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ َ ٰ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫ُ َ َ ْ َ َ َّ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫لَِنعَلم أ ُّ ِ‬ ‫ِِ‬
‫َمداً‬
‫ص ٰى ل َما َلبثُوْا أ َ‬ ‫َي الح ْزَب ْي ِن أ ْ‬
‫َح َ‬ ‫ْ َ‬ ‫اه ْم‬
‫ين َع َدداً * ثُ َّم َب َع ْثَن ُ‬‫سن َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{إذ أوى ْ‬
‫الفتَية إلى الكهف} أي‪ :‬كهف البدن بالتعلق به {فقالوا} بلسان الحال {ربنا آتنا من ُلدنك} أي‪ :‬من خزائن‬
‫رحمتك التي هي أسماؤك الحسنى {رحمة} كما ال يناسب استعدادنا ويقتضيه {وهيئ لنا من أمرنا} الذي نحن فيه من‬
‫مفارقة العالم العلوي والهبوط إلى العالم السفلي لالستكمال {رشداً} استقامة إليك في سلوك طريقك والتوجه إلى جنابك‪،‬‬
‫أي‪ :‬طلبوا باالتصاف البدني والتعلق بآالت الكمال وأسبابه الكمال العلمي والعملي ‪.‬‬

‫{فضربنا على آذانهم} أي‪ :‬أنمناهم نومة الغفلة عن عالمهم وكمالهم نومة ثقيلة ال ينبههم صفير الخفير وال دعوة‬
‫الداعي الخبير‪ .‬في كهف البدن {سنين} ذوات عدد‪ ،‬أي‪ :‬كثيرة أو معدودة أي‪ :‬قليلة هي مدة انغماسهم في تدبير البدن‬
‫وانغمارهم في بحر الطبيعة مشتغلين بها‪ ،‬غافلين عما وراءها من عالمهم إلى أوان بلوغ األشد الحقيقي‪ ،‬والموت‬
‫اإلرادي أوالطبيعي‪ ،‬كما قال‪" :‬الناس نيام‪ ،‬فإذا ماتوا انتبهوا‪".‬‬

‫المجردة {لنعلم} أي‪ :‬ليظهر‬


‫ّ‬ ‫{ثم بعثناهم} أي‪ :‬نبهناهم عن نوم الغفلة بقيامهم عن مرقد البدن ومعرفتهم باهلل وبنفوسهم‬
‫{أي الحزبين} المختلفين في مدة لبثهم وضبط غايته الذين‬ ‫علمنا في مظاهرهم أو مظاهر غيرهم من سائر الناس ّ‬
‫يعينون المدة أم يكلون علمه إلى هللا‪ ،‬فإن الناس مختلفون في زمان الغيبة‪ .‬يقول بعضهم‪ :‬يخرج أحدهم على رأس كل‬
‫ف َسَن ٍة ِّم َّما تَ ُعُّدو َن} [الحج‪ ،‬اآلية‪ .]47 :‬ويقول بعضهم‪:‬‬ ‫ألف سنة وهو يوم عند هللا‪ ،‬لقوله‪{ :‬وإِ َّن يوماً ِعند ربِك َكأَْل ِ‬
‫َ َّ َ‬ ‫َ َْ‬
‫على رأس كل سبعمائة عام أو على رأس كل مائة‪ ،‬وهو بعض يوم‪ ،‬كما قالوا‪َ{ :‬لِب ْثَنا َي ْوماً أ َْو َب ْع َ‬
‫ض َي ْومٍ} [الكهف‪،‬‬
‫َعَل ُم ِب َما َلِب ْثتُ ْم} [الكهف‪ ،‬اآلية‪:‬‬
‫ُّك ْم أ ْ‬ ‫اآلية‪ .]19 :‬والمحققون المصيبون هم الذين يكلون علمه إلى هللا كالذين قالوا‪َ :‬‬
‫{رب ُ‬
‫المهدي عليه السالم‪ ،‬وقال‪" :‬كذب الوّقاتون‬
‫ّ‬ ‫‪ ]19‬ولهذا لم يعين رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وقت ظهور‬

‫‪".‬‬

‫سورة الكهف (من اآلية ‪ 13‬الى اآلية ‪)15‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اموْا َفَقاُلوْا َربَُّنا َر ُّب‬ ‫طَنا َعَل ٰى ُقُلوبِه ْم إ ْذ َق ُ‬ ‫ُه ًدى * َوَرَب ْ‬ ‫آمُنوْا ِب َرِّب ِه ْم َوِزْدَن ُ‬
‫اه ْم‬ ‫ص َعَل ْي َك َنبأ ُ ِ‬
‫َهم باْل َح ِّق إَّن ُه ْم ف ْتَي ٌة َ‬ ‫َن ْح ُن َنُق ُّ‬
‫الء َق ْو ُمَنا اتَّ َخ ُذوْا ِمن ُدوِن ِه آلِ َه ًة َّل ْوالَ َيأْتُو َن َعَل ْي ِهم‬
‫* هـٰؤ ِ‬
‫َُ‬ ‫ططاً‬ ‫ض َلن َّن ْد ُع َوْا ِمن ُدوِن ِه ِإلـٰهاً َّلَق ْد ُقْلَنا ِإذاً َش َ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬
‫َّ َ َ َ‬
‫َّللاِ َك ِذباً‬
‫ظَل ُم ِم َّم ِن ا ْفتَ َر ٰى َعَلى َّ‬
‫ان َبِّي ٍن َف َم ْن أَ ْ‬‫طٍ‬ ‫ِب ُسْل َ‬

‫{إنهم فتية آمنوا برّبهم} إيماناً يقيناً علمياً على طريق االستدالل أو المكاشفة {وزدناهم هدى} أي‪ :‬هداية موصلة إلى‬
‫عين اليقين ومقام المشاهدة بالتوفيق‪{ .‬وربطنا على قلوبهم} قويناها بالصبر على المجاهدة‪ ،‬وشجعناهم على محاربة‬
‫الحسية‪ ،‬والقيام بكلمة التوحيد‪ ،‬ونفي إلهية الهوى‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الشيطان ومخالفة النفس‪ ،‬وهجر المألوفات الجسمانية‪ ،‬واللذات‬
‫األمارة من غير مباالة بها حين عاتبتهم على ترك عبادة إله الهوى‬ ‫جبار النفس ّ‬‫وترك عبادة صنم الجسم بين يدي ّ‬
‫وصنم البدن‪ ،‬وأوعدتهم بالفقر والهالك‪ ،‬إذ النفس داعية إلى عبادته وموافقته‪ ،‬وتهيئة أسباب حظوظه مخيفة للقلب من‬
‫جبار هو‬
‫الخوف والموت‪ ،‬أو جسرناهم على القيام بكلمة التوحيد‪ ،‬وإظهار الدين القويم والدعوة إلى الحق عند كل ّ‬
‫دقيانوس وقته كنمروذ وفرعون وأبي جهل وأضرابهم ممن دان بدينهم واستولى عليه النفس ّ‬
‫األمارة فعبد الهوى‪ ،‬أو‬
‫ّادعى لطغيانه‪ ،‬وتمرد أنائيته وعدوانه الربوبية من غير مباالة عند معاتبته إياهم على ترك عبادة الصنم المجعول كما‬
‫{ما َعلِ ْم ُت َل ُك ْم ِّم ْن ِإَلـ ٍٰه َغ ْي ِري} [القصص‪ ،‬اآلية‪ ]38 :‬و {أََن ْا‬
‫هو عادة بعضهم أو صنم نفسه‪ ،‬كما قال فرعون اللعين‪َ :‬‬
‫َعَل ٰى} [النازعات‪ ،‬اآلية‪{ .]24 :‬هؤالء قومنا} إشارة إلى النفس األمارة وقواها‪ ،‬ألن لكل قوم إلهاً تعبده وهو‬ ‫ُّك ُم األ ْ‬
‫َرب ُ‬
‫مطلوبها ومرادها‪ ،‬والنفس تعبد الهوى كقوله‪{ :‬أََف َأرَْي َت َم ِن اتَّ َخ َذ ِإَلـ َٰه ُه َه َواهُ} [الجاثية‪ ،‬اآلية‪ ،]23 :‬أو إلى أهل زمان كل‬
‫من خرج منهم داعياً إلى هللا‪ ،‬إذ كل من عكف على شيء يهواه فقد عبده‪{ .‬لوال يأتون عليهم} أي‪ :‬على عبادتهم‬
‫وإلهيتهم وتأثيرهم ووجودهم {بسلطان ّبين} أي‪ :‬حجة ّبينة دليل على فساد التقليد وتبكيت بأن إقامة الحجة على إلهية‬
‫طٍ‬
‫ان}‬ ‫َّللاُ ِب َها ِمن ُسْل َ‬
‫آؤُكم َّمآ أََن َزَل َّ‬ ‫ِ ِ ِ َّ‬
‫وهآ أَنتُ ْم َو َآب ُ‬
‫آء َس َّم ْيتُ ُم َ‬
‫َس َم ٌ‬
‫غير هللا وتأثيره ووجوده محال‪ ،‬كما قال‪{ :‬إ ْن ه َي إال أ ْ‬
‫[النجم‪ ،‬اآلية‪ ]23 :‬أي‪ :‬اسماء بال مسميات لكونها ليست بشيء‪.‬‬

‫سورة الكهف (من اآلية ‪ 16‬الى اآلية ‪)16‬‬

‫ئ َل ُك ْم ِّم ْن أ َْم ِرُك ْم ِّم ْرَفقاً‬ ‫ِِ‬ ‫ف ي ْن ُشر َل ُكم رب ُ ِ‬


‫ِ‬ ‫وه ْم َو َما َي ْعُب ُدو َن ِإالَّ َّ‬ ‫ِ‬
‫ُّكم ّمن َّر ْح َمته َوُي َهِّي ْ‬ ‫َّللاَ َفأ ُْووا ِإَلى اْل َك ْه َ ْ ْ َ‬ ‫اعتَ َ ْزلتُ ُم ُ‬
‫َوِإذ ْ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫بالتجرد {وما يعبدون إالَّ هللا} من مراداتها وأهوائها {فأووا إلى الكهف} إلى‬
‫ّ‬ ‫اعتَزلتموهم} أي‪ :‬فارقتم نفوسكم وقواها‬
‫{وإذ ْ‬
‫البدن الستعمال اآلالت البدنية في االستكمال بالعلوم واألعمال‪ ،‬وانخزلوا فيه منكسرين‪ ،‬مرتاضين‪ ،‬كأنهم ميتون بترك‬
‫الحركات النفسانية والنزوات البهيمية والسطوات السبعية‪ ،‬أي‪ :‬موتوا إرادياً {ينشر لكم ربكم من رحمته} حياة حقيقية‬
‫بالعلم والمعرفة {ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً} كما ال ينتفع به بظهور الفضائل وطلوع أنوار التجليات‪ ،‬فتلتذون‬
‫َحَي ْيَناهُ و َج َعْلَنا َل ُه ُنو اًر َي ْم ِشي ِب ِه ِفي ا َّلن ِ‬
‫اس}‬ ‫بالمشاهدات وتتمتعون بالكماالت كما قال تعالى‪{ :‬أ ََو َمن َك َ‬
‫ان َم ْيتاً َفأ ْ‬
‫َ‬
‫[األنعام‪ ،‬اآلية‪ ،]122 :‬وقال عليه السالم في أبي بكر رضي هللا عنه‪" :‬من أراد أن ينظر ميتاً يمشي على وجه‬
‫غير هللا من مطالبهم‬
‫األرض فلينظر أبا بكر"‪ ،‬أي‪ :‬ميتاً عن نفسه يمشي باهلل‪ .‬أو وإذ اعتزلتم قومكم ومعبوداتهم ّ‬
‫المختلفة‪ ،‬ومقاصدهم المتشتتة‪ ،‬وأهوائهم المتفننة‪ ،‬وأصنامهم المتخذة‪ ،‬فأووا إلى كهوف أبدانكم وامتنعوا عن فضول‬
‫ُّكم ِّمن َّر ْح َمِت ِه} [الكهف‪ ،‬اآلية‪ ]16 :‬زيادة‬
‫{ي ْن ُش ْر َل ُك ْم َرب ُ‬
‫الحركات والخروج في أثر الشهوات‪ ،‬واعكفوا على الرياضات‪َ ،‬‬
‫كمال وتقوية ونصرة باألمداد الملكوتية‪ ،‬والتأييدات القدسية‪ ،‬فيغلبكم عليهم ويهيئ لكم ديناً وطريقاً ينتفع به‪ ،‬وقبوالً‬
‫يهتدي بكم الخالئق ناجين‪ .‬وفي المأوى إلى الكهف عند مفارقتهم سر آخر يفهم من دخول المهدي في الغار إذ أُخرج‬

‫ونزل عيسى وهللا أعلم‪ .‬وفي نشر الرحمة وتهيئة المرفق من أمرهم عند األوي إلى الكهف إشارة إلى ّ‬
‫أن الرحمة الكامنة‬
‫في استعدادهم إنما تنتشر بالتعلق البدني والكمال بتهيئاته‪.‬‬

‫سورة الكهف (من اآلية ‪ 17‬الى اآلية ‪)17‬‬

‫ال َو ُه ْم ِفي َف ْج َوٍة ِّم ْن ُه ٰذِل َك ِم ْن‬ ‫ِ‬


‫الشم ِ‬
‫ات ّ َ‬ ‫ين َوِإ َذا َغ َرَبت تَّْق ِر ُ‬
‫ض ُه ْم َذ َ‬ ‫ات اْلَي ِم ِ‬ ‫ِ‬
‫طَل َعت تَّ َزَاوُر َعن َك ْهف ِه ْم َذ َ‬ ‫الش ْم َس ِإ َذا َ‬
‫وتَ َرى َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضل ْل َفَلن تَج َد َل ُه َولِّياً ُّم ْرشداً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ َف ُه َو اْل ُم ْهتَد َو َمن ُي ْ‬
‫َّللا َمن َي ْهد َّ‬
‫َآيات َّ‬

‫بالتجرد عن غواشي الجسم وظهرت من أفقه تميل بهم من‬


‫ّ‬ ‫{وترى الشمس} أي‪ :‬شمس الروح {إذا طلعت} أي‪ :‬ترقت‬
‫البر من الخيرات والفضائل‬
‫جهة البدن وميله ومحبته إلى جهة اليمين أي‪ :‬جانب عالم القدس وطريق أعمال ّ‬
‫والحسنات والطاعات‪ .‬وسيرة األبرار‪ ،‬فإن األبرار هم أصحاب اليمين‪{ .‬وإذا غربت} أي‪ :‬هوت في الجسم واحتجبت‬
‫به‪ ،‬واختفت في ظلماته وغواشيه‪ ،‬وخمد نورها‪ ،‬تقطعهم وتفارقهم كائنين في جهة الشمال‪ ،‬أي‪ :‬جانب النفس وطريق‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أعمال السوء فينهمكون في المعاصي والسيئات والشرور والرذائل‪ .‬وسيرة الفجار الذين هم أصحاب الشمال {وهم في‬
‫فجوة منه} أي‪ :‬في مجال متسع من بدنهم هو مقام النفس والطبيعة‪ ،‬فإن فيه متفسحاً ال يصيبهم فيه نور الروح‪ .‬واعلم‬
‫أن الوجه الذي يلي الروح من القلب موضع منور بنور الروح يسمى العقل وهو الباعث على الخير والمطرق إللهام‬
‫{ال ِذى‬
‫الملك والوجه الذي يلي النفس منه مظلم بظلمة صفاتها يسمى الصدر وهو محل وسوسة الشيطان كما قال‪َّ :‬‬
‫الن ِ‬
‫اس} [الناس‪ ،‬اآلية‪ ،]5 :‬فإذا تحرك الروح وأقبل القلب بوجهه إليه تنور وتقوى بالقوة العقلية‬ ‫ور َّ‬
‫ص ُد ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُي َو ْسو ُس في ُ‬
‫ا لباعثة المشوقة إلى الكمال ومال إلى الخير والطاعة‪ ،‬وإذا تحركت النفس وأقبل القلب بوجهه إليها تكدر واحتجب عن‬
‫نور الروح وأظلم العقل ومال إلى الشر والمعصية‪ .‬وفي هاتين الحالتين تطرق الملك لإللهام والشيطان للوسواس‬
‫وخلطوا عمالً صالحاً وآخر سيئاً‪ .‬وفي اآلية لطيفة هي‪ :‬أنه استعمل في الميل إلى الخير االزورار عن الكهف‪ ،‬وفي‬
‫الميل إلى الشر قرضهم اي‪ :‬قطعهم‪ ،‬وذلك أن الروح يوافق القلب في طريق الخبر ويأمره به ويوافقه معرضاً عن‬
‫جانب البدن وموافقاته وال يوافقه في طريق الشر بل يقطعه ويفارقه وهو منغمس في ظلمات النفس وصفاتها الحاجبة‬
‫إياه عن النور وهو إشارة إلى تلوينهم في السلوك‪ ،‬فإن السالك ما لم يصل إلى مقام التمكين وبقي في التلوين قد تظهر‬
‫عليه النفس وصفاته فيحتجب عن نور الروح ثم يرجع ذلك أي‪ :‬طلوع نور الروح واختفاؤه من آيات هللا التي يستدل‬
‫بها ويتوصل منها إليه وإلى هدايته‪{ .‬من يهد هللا} بإيصاله إلى مقام المشاهدة والتمكين فيها {فهو المهتد} بالحقيقة ال‬
‫غير {ومن يضلل} بحجبه عن نور وجهه فال هادي له وال مرشد‪ ,‬أو من يهد هللا إليهم وإلى حالهم بالحقيقة ومن‬
‫يضلله يحجبه عن حالهم‪.‬‬

‫سورة الكهف (من اآلية ‪ 18‬الى اآلية ‪)20‬‬

‫ص ِيد َل ِو ا َّ‬
‫طَل ْع َت َعَل ْي ِه ْم َلَوَّل ْي َت‬ ‫ط ِذراعي ِه ِبالو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات ِّ ِ‬ ‫الي ِم ِ‬
‫الش َمال َوَكْلُب ُه ْم َباس ٌ َ َ ْ َ‬ ‫ين َوَذ َ‬ ‫ات َ‬‫ود َوُنَقّلُِب ُه ْم َذ َ‬
‫َوتَ ْح َسُب ُه ْم أَ ْيَقاظاً َو ُه ْم ُرُق ٌ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِم ْنهم ِف ار اًر وَلملِ ْئ َت ِم ْنهم رعباً * وَك ٰذلِك بع ْثَن ِ‬
‫ض َي ْو ٍم‬ ‫ال َقائ ٌل ّم ْن ُه ْم َكم َلِب ْثتُ ْم َقاُلوْا َلِب ْثَنا َي ْوماً أ َْو َب ْع َ‬
‫آءُلوا َب ْيَن ُه ْم َق َ‬
‫اه ْم لَيتَ َس َ‬
‫َ َ ََ ُ‬ ‫ُْ ُ ْ‬ ‫ُْ َ َ ُ‬
‫ف َوالَ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ط َعاماً َفْلَيأْت ُك ْم ِب ِرْز ٍق ّم ْن ُه َوْلَيَتَلط ْ‬ ‫َح َد ُك ْم ِب َوِرِق ُك ْم َهـ ِٰذِه ِإَل ٰى اْل َم ِد َين ِة َفْلَي ْن ُ‬
‫ظ ْر أَُّي َهآ أ َْزَك ٰى َ‬ ‫َعَل ُم ِب َما َلِب ْثتُ ْم َف ْاب َعثُوْا أ َ‬
‫ُّك ْم أ ْ‬
‫َقاُلوْا َرب ُ‬
‫وك ْم ِفي ِمَّلِت ِه ْم َوَلن تُْفلِ ُحوْا ِإذاً أََبداً‬ ‫وك ْم أ َْو ُي ِع ُيد ُ‬ ‫ظ َه ُروْا َعَل ْي ُك ْم َي ْر ُج ُم ُ‬ ‫َحداً * ِإَّن ُه ْم ِإن َي ْ‬ ‫ِ‬
‫ُي ْشع َرَّن ِب ُك ْم أ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{وتحسبهم أيقاظاً} يا مخاطب النفتاح أعينهم وإحساساتهم وحركاتهم اإلرادية الحيوانية {وهم رقود} بالحقيقة في سنة‬
‫الغفلة تراهم ينظرون إليك وهم ال يبصرون {ونقّلبهم ذات اليمين وذات الشمال} أي‪ :‬نصرفهم إلى جهة الخير وطلب‬
‫الفضيلة تارة‪ ،‬وإلى جهة الشر ومقتضى الطبيعة أخرى {وكلبهم} أي‪ :‬نفسهم {باس ٌ‬
‫ط ذراعيه} أي‪ :‬ناشرة قوتيها الغضبية‬
‫وال شهوانية {بالوصيد} أي‪ :‬بفناء البدن‪ ،‬ولم يقل‪ :‬وكلبهم هاجع ألنها لم ترقد بل بسطت القوتين في فناء البدن مالزمة‬
‫له ال تبرح عنه‪ ،‬والذراع األيمن هو الغضب ألنه أقوى وأشرف وأقبل لدواعي القلب في تأديبه‪ ،‬واأليسر هو الشهوة‬
‫طلعت عليهم} أي‪ :‬على حقائقهم المجردة وأحوالهم السنية وما أودع هللا فيهم من النورية والسنا‪،‬‬
‫لضعفها وخستها {لو ا ّ‬
‫فار لعدم اعتقادك بالنفوس المجردة وأحوالها وعدم استعدادك لقبول‬
‫وما ألبسهم من العز و البهاء {لوليت منهم} ّاً‬
‫الحسية واألور الطبيعية {ولملئت منهم رعباً}‬
‫ّ‬ ‫كمالهم‪ ،‬أو لوليت منهم للفرار عنهم وعن معامالتهم لميلك إلى اللذات‬
‫من أحوالهم ورياضاتهم‪ ،‬أو لو اطلعت عليهم بعد الوصول إلى الكمال وعلى أسرارهم ومقاماتهم في الوحدة ألعرضت‬
‫عنهم وفررت من أحوالهم وملئت منهم رعباً لما ألبسهم هللا من عظمته وكبريائه‪ .‬وأين الحدث من القدم‪ ،‬وأنى يسع‬
‫الوجود العدم‪.‬‬

‫{وكذلك بعثناهم} أي‪ :‬مثل ذلك البعث الحقيقي واإلحياء المعنوي بعثناهم {ليتساءلوا بينهم} أي‪ :‬ليتباحثوا بينهم عن‬
‫المعاني المودعة في استعدادهم الحقائق المكنونة في ذواتهم فيكملوا بإبرازها وإخراجها إلى الفعل‪ ،‬وهو أول االنتباه‬
‫مر تأويله‪ ،‬والمحققون منهم هم الذين {قالوا رّبكم أعلم بما لبثتم‬
‫الذي تسميه المتصوفة اليقظة {قال قائل منهم كم لبثتم} ّ‬
‫فاب َعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة} هذا هو زمان استبصارهم واستفادتهم واستكمالهم‪ .‬والورق هو ما معهم من‬‫ْ‬
‫العلوم األولية التي ال تحتاج إلى كسب‪ ،‬إذ بها تستفاد الحقائق الذهنية من العلوم الحقيقية والمعارف اإللهية‪ .‬والمدينة‬
‫محل االجتماع‪ ،‬إذ ال بد من الصحبة والتربية أو مدينة العلم من قوله عليه السالم‪" :‬أنا مدينة العلم وعلي بابها"‪ .‬وإنما‬
‫ّ‬
‫بعثوا أحدهم ألن كمال الكل غير موقوف على التعليم والتعلم بل الكمال األشرف هو العلمي فيكفي تعلم البعض عن‬
‫ين َولُِي ِنذ ُروْا َق ْو َم ُه ْم ِإ َذا َرَج ُعوْا‬
‫الد ِ‬
‫ّ‬ ‫َ ُ‬ ‫كل فرقة وتنبيه الباقين كما قال تعالى‪َ{ :‬فَل ْوالَ َنَف َر ِمن ُك ِّل ِف ْرَق ٍة ِّم ْن ُه ْم َ‬
‫ط ِآئَف ٌة ّلِيتََفَّقهوْا ِفي ِ‬

‫ِإَل ْي ِه ْم} [التوبة‪ ،‬اآلية‪.]122 :‬‬

‫{فلينظر أيها أزكى طعاماً} أي‪ :‬أهلها أطيب وأفضل علماً وأنقى من الفضول واللغو والظواهر كعلم الخالف والجدل‬
‫والنحو وأمثالها التي ال تتقوى وال تكمل بها النفس كقوله‪{ :‬الَّ ُي ْس ِم ُن َوالَ ُي ْغِني ِمن ُجوٍع} [الغاشية‪ ،‬اآلية‪ ،]7 :‬إذ العلم‬
‫غذاء القلب كالطعام للبدن وهو الرزق الحقيقي اإللهي {وليتلطف} في اختيار الطعام ومن يشتري منه أي‪ :‬ليختر‬
‫المحقق الزكي النفس‪ ،‬الرشيد السمت‪ ،‬الفاضل السيرة‪ ،‬النقي السريرة‪ ،‬الكامل المكمل دون الفضولي الظاهري الخبيث‬
‫المتصدر‪ ،‬إلفادة ما ليس عنده ليستفيد بصحبته ويظهر كماله بمجالسته ويستبصر بعلمه فيفيدنا أو‬
‫ّ‬ ‫النفس‪ ،‬المتعالم‪،‬‬
‫ليتلطف في أمره حتى ال يشعر بحالكم ودينكم‪ ،‬جاهل من غير قصد له {وال يشعرّن بكم أحداً} من أهل الظاهر‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫المحجوبين وسكان عالم الطبيعة المنكرين‪ ،‬وإن أولنا أصحاب الكهف بالقوى الروحانية فالمبعوث هو الفكر‪ ،‬والمدينة‬
‫محل اجتماع القوى الروحانية والنفسانية والطبيعية والذي هو أزكى طعاماً العقل دون الوهم والخيال والحواس‪ ،‬ألن كل‬
‫مدرك له طعام والرزق هو العلم النظري على كال التقديرين‪ ،‬وال يشعرّن بكم أحداً من القوى النفسانية‪{ .‬إنهم إن‬
‫يظهروا} أي‪ :‬يغلبوا {عليكم يرجموكم} بحجارة األهواء والدواعي من الغضب والشهوة وطلب اللذة فيقتلوكم بمنعكم عن‬
‫كمالكم {أو يعيدوكم في مّلتهم} باستيالء الوهم وغلبة الشيطان واإلمالة إلى الهوى وعبادة األوثان وعلى التأويل األول‬
‫ظهور العوام‪ ،‬واستيالء المقلدة والحشوية المحجوبين‪ ،‬وأهل الباطل المطبوعين‪ ،‬ورجمهم أهل الحق‪ ،‬ودعوتهم إياهم‬
‫إلى مّلتهم ظاهر كما كان في زمان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫سورة الكهف (من اآلية ‪ 21‬الى اآلية ‪)22‬‬

‫يها ِإ ْذ َيتََن َازُعو َن َب ْيَن ُه ْم أَ ْم َرُه ْم َفَقاُلوْا ْابُنوْا َعَل ْي ِه ْم ُب ْنَياناً‬ ‫ِ‬
‫اع َة الَ َرْي َب ف َ‬
‫الس َ‬ ‫َّللاِ َح ٌّق َوأ َّ‬
‫َن َّ‬ ‫َن َو ْع َد َّ‬ ‫َعثَ ْرَنا َعَل ْي ِه ْم لَِي ْعَل ُموْا أ َّ‬ ‫ِٰ‬
‫َوَكذل َك أ ْ‬
‫ين َغَلُبوْا َعَل ٰى أ َْم ِرِه ْم َلَنتَّ ِخ َذ َّن َعَل ْي ِه ْم َّم ْس ِجداً * َسَيُقوُلو َن ثَالثَ ٌة َّارِب ُع ُه ْم َكْلُب ُه ْم َوَيُقوُلو َن َخ ْم َس ٌة‬ ‫َّربُّهم أَعَلم ِب ِهم َق َّ ِ‬
‫ال الذ َ‬ ‫ُْ ْ ُ ْ َ‬
‫امنهم َكْلبهم ُقل َّربِي أَعَلم ِب ِعَّدِت ِهم َّما يعَلمهم ِإالَّ َقلِيل َفالَ تُم ِار ِفي ِهم ِإالَّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َْ ُ ُ ْ‬ ‫ّ ْ ُ‬ ‫َساد ُس ُه ْم َكْلُب ُه ْم َر ْجماً باْل َغ ْيب َوَيُقوُلو َن َس ْب َع ٌة َوثَ ُ ُ ْ ُ ُ ْ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِمرآء َ ِ‬
‫ظاه اًر َوالَ تَ ْستَْفت في ِه ْم ّم ْن ُه ْم أ َ‬
‫َحداً‬ ‫ًَ‬
‫المستعدين القابلين لهديهم ومعرفة حقائقهم‬
‫ّ‬ ‫{وكذلك أعثرنا عليهم} أي‪ :‬مثل ذلك البعث واإلنامة أطلعنا على حالهم‬
‫أن الساعة ال ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم}‬
‫{أن وعد هللا} بالبعث والجزاء {حق و ّ‬
‫{ليعلموا} بصحبتهم وهدايتهم ّ‬
‫أي‪ :‬حين يتنازع المستعدون الطالبون بينهم أمرهم في المعاد‪ ،‬فمنهم من يقول‪ :‬إن البعث مخصوص باألرواح المجردة‬
‫دون األجساد‪ ،‬ومنهم من يقول‪ :‬إنه باألرواح واألجساد معاً‪ ،‬فعلموا باالطالع عليهم ومعرفتهم أنه باألرواح واألجساد‬
‫وأن المعاد الجسماني حق‪{ ،‬فقالوا ابنوا عليهم بنياناً} أي‪ :‬فلما توفوا قالوا ذلك كالخانقاهات والمشاهد والم ازرات المبنية‬
‫على الكمل‪ ،‬المقربين من األنبياء واألولياء كإبراهيم ومحمد وعلى سائر األنبياء واألولياء عليهم الصالة والسالم‪.‬‬
‫أجل وأعظم شأناً من أن يعرفهم غيرهم‪،‬‬
‫{رّبهم أعلم بهم} من كالم أتباعهم من أممهم والمقتدين بهم‪ ،‬أي‪ :‬هم ّ‬
‫الموحدون الهالكون في هللا‪ ،‬المتحققون به‪ ،‬فهو أعلم بهم كما قال تعالى‪" :‬أوليائي تحت قبائي‪ ،‬ال يعرفهم غيري"‪{ .‬قال‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{لنتخذن عليهم مسجداً} يصلى فيه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الذين غلبوا على أمرهم} من أصحابهم والذين يلون أمرهم تبركاً بهم وبمكانهم‬
‫{سيقولون} أي‪ :‬الظاهريون من أهل الكتاب والمسلمين الذين ال علم لهم بالحقائق‪ .‬وقوله‪{ :‬رجماً بالغيب} أي‪ :‬رمياً‬
‫ظناً خالياً عن اليقين بعد قولهم‪{ :‬ثالثة رابعهم كلبهم} و {خمسة سادسهم كلبهم} وتوسيط‬
‫بالذي غاب عنهم‪ ،‬يعني‪ّ :‬‬
‫الواو الدالة على أن الصفة مجامعة للموصوف وال تفارقه‪ ،‬وأنه ال عدد وراءه بين قوله‪{ :‬ويقولون سبعة} وبين‬
‫أن العدد هو سبعة ال غير‪ ،‬فالقليل هم المحققون‬‫{وثامنهم كلبهم}‪ .‬وقوله‪{ :‬ما يعلمهم إال قليل} بعده‪ ،‬يدل على ّ‬
‫القائلون به وإن ّأولناهم بالقوى الروحانية فهم العاقلتان‪ :‬النظرية والعملية‪ ،‬والفكر والوهم‪ ،‬والتخيل والذكر‪ ،‬و ّ‬
‫الحس‬
‫المشترك المسمى بنطاسيا‪ ،‬والكلب النفس والشمس والروح على كال التأويلين‪ .‬ولهذا روي عن أمير المؤمنين عليه‬
‫السالم أنه قال‪" :‬إنهم كانوا سبعة‪ ،‬ثالثة عن يمين الملك وثالثة عن يساره‪ ،‬والسابع هو الراعي صاحب الكلب"‪ ،‬فإن‬
‫األمارة‪ ،‬والثالثة الذين كانوا عن يمينه يستشيرهم هم العاقلتان والفكر‪،‬‬
‫صحت الرواية فالملك هو دقيانوس النفس ّ‬
‫والثالثة الذين كانوا عن يساره يستوزرهم هم التخيل والوهم والذكر‪ ،‬والراعي هو بنطاسيا صاحب أغنام الحواس‪ ،‬والذين‬
‫قالوا هم ثالثة ارادوا القلب والعاقلتين‪ ،‬والذين قالوا خمسة زادوا عليهم الفكر والوهم وتركوا المدرك للصور والذكر لعدم‬
‫تصرفهما وكون كل منهما كالخزانة‪ .‬وعلى هذا التأويل فاالطالع للفئة المحققين من الحضرة اإللهية على بقاء النفس‬
‫بعد خراب البدن‪ ،‬والتنازع‪ ،‬هو التجاذب والتغالب الواقع بين القوى في االستيالء على البدن الذي يبعثون فيه وهو‬
‫البنيان المأمور ببنائه واآلمرون هم الغالبون الذين قالوا‪َ{ :‬لَنتَّ ِخ َذ َّن َعَل ْي ِه ْم َّم ْس ِجداً} [الكهف‪ ،‬اآلية‪ ]21 :‬يسجد‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ينقاد فيه جميع القوى الحيوانية و الطبيعية والنفسانية والمأمورون هم المغلوبون الفاعلون في البدن المبعوث فيه وهللا‬
‫أعلم‪.‬‬

‫سورة الكهف (من اآلية ‪ 23‬الى اآلية ‪)24‬‬

‫يت َوُق ْل َع َس ٰى أَن َي ْه ِدَي ِن َرّبِي ألَْق َر َب ِم ْن‬ ‫ِ‬


‫َّك ِإ َذا َنس َ‬
‫َّللاُ َوا ْذ ُكر َّرب َ‬
‫ِ َّ‬ ‫ِ ِٰ‬ ‫ِ ٍ ِِ‬
‫َوالَ تَُقوَل َّن ل َش ْاىء إّني َفاع ٌل ذل َك َغداً * إال أَن َي َش َ‬
‫آء َّ‬
‫َهـٰ َذا َرَشداً‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫تقولن إال وقت أن‬
‫ّ‬ ‫تقولن لشيء إني فاعل ذلك} ّأدبه بالتأديب اإللهي بعدما نهاه عن المماراة والسؤال‪ ،‬فقال‪" :‬ال‬
‫ّ‬ ‫{وال‬
‫يشاء هللا" بأن يأذن لك في القول فتكون قائالً به وبمشيئته أو إال بمشيئته على أنه حال‪ ،‬أي‪ :‬ملتبساً بمشيئته‪ ،‬يعني‪:‬‬
‫تقولن لما عزمت عليه من فعل إني فاعل ذلك في الزمان المستقبل إال ملتبساً بمشيئة هللا‪ ،‬قائالً‪ :‬إن شاء هللا‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ال‬
‫ال تسند الفعل إلى إرادتك بل إلى إرادة هللا‪ ،‬فتكون فاعالً به وبمشيئته {وا ْذكر رّبك} بالرجوع إليه والحضور {إذا نسيت}‬
‫بالغفلة عند ظهور النفس والتلوين بظهور صفاتها {وقل عسى أن يهدين ربي ألقرب من هذا} أي‪ :‬من الذكر عند‬
‫التلوين وإسناد الفعل إلى صفاته بالتمكين والشهود الذاتي المخلص عن حجب الصفات {رشداً} استقامة‪ ،‬وهو التمكين‬
‫في الشهود الذاتي‪.‬‬

‫سورة الكهف (من اآلية ‪ 25‬الى اآلية ‪)29‬‬

‫َس ِم ْع‬ ‫لس ٰم ٰو ِت واألَر ِ ِ ِ ِ‬ ‫ين َو ْازَد ُادوْا ِت ْسعاً * ُق ِل َّ‬ ‫وَلِبثُوْا ِفي َكهِف ِهم ثَ َ ِ ٍ ِ ِ‬
‫ض أ َْبص ْر به َوأ ْ‬ ‫َعَل ُم ِب َما َلِبثُوْا َل ُه َغ ْي ُب ا َّ َ َ َ ْ‬ ‫َّللاُ أ ْ‬ ‫الث م ْاَئة سن َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬
‫ِك الَ ُمَبِّد َل لِ َكلِ َم ِات ِه َوَلن تَ ِج َد‬‫اب َرّب َ‬ ‫ك ِفي ح ْك ِم ِه أَحداً * و ْاتل مآ أُو ِحي ِإَل ْي َك ِمن ِكتَ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ ِ‬
‫َما َل ُهم ّمن ُدوِنه من َولِ ٍّي َوالَ ُي ْش ِر ُ‬
‫ِ‬
‫َ ُ َ ْ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َّهم ِباْل َغ َداة َواْل َعش ِّي ُي ِر ُيدو َن َو ْج َه ُه َوالَ تَ ْع ُد َع ْيَن َ‬
‫اك َع ْن ُه ْم تُ ِر ُيد ِز َين َة‬ ‫ين َي ْد ُعو َن َرب ُ‬‫اصِب ْر َنْف َس َك َم َع الذ َ‬ ‫من ُدونه ُمْلتَ َحداً * َو ْ‬
‫ان أ َْم ُرهُ ُف ُرطاً * َوُق ِل اْل َح ُّق ِمن َّرّب ُ‬ ‫ِ‬ ‫الد ْنَيا َوالَ تُ ِط ْع َم ْن أ ْ‬ ‫اْل َحَي ِاة ُّ‬
‫آء َفْلُي ْؤ ِمن‬
‫ِك ْم َف َمن َش َ‬ ‫َغَفْلَنا َقْلَب ُه َعن ذ ْك ِرَنا َواتََّب َع َه َواهُ َوَك َ‬
‫وه ِب ْئ َس‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ ِ‬
‫وج َ‬ ‫ط ِب ِه ْم ُس َراد ُق َها َوإِن َي ْستَغيثُوْا ُي َغاثُوْا ِب َمآء َكاْل ُم ْهل َي ْش ِوي اْل ُ‬ ‫َحا َ‬ ‫ين َنا اًر أ َ‬
‫َعتَ ْدَنا للظالم َ‬ ‫آء َفْلَي ْكُف ْر ِإَّنا أ ْ‬
‫َو َمن َش َ‬
‫آء ْت ُم ْرتََفقاً‬ ‫َّ‬
‫اب َو َس َ‬
‫الش َر ُ‬

‫{ولبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين} من التي تبتنى على دور القمر فتكون كل سنة شه اًر ومجموعها خمسة وعشرون‬
‫سنة‪ ،‬وذلك وقت انتباههم وتيقظهم {و ْازَد ُادوا ِت ْسعاً} هي مدة الحمل‪ .‬وروعيت في اآلية نكتة‪ ،‬هي أنه‪ :‬لم يقل ثلثمائة‬
‫سنة وتسعاً‪ ،‬أو ثلثمائة وتسع سنين‪ ،‬الستعمال السنة في العرف وقت نزول الوحي في دورة شمسية ال قمرية‪ ،‬فأجمل‬

‫العدد ثم ّبينه بقوله‪ :‬سنين‪ ،‬فاحتمل أن يكون المميز غيرها كالشهر مثالً‪ ،‬ثم بين ّ‬
‫أن المدة سنين مبهمة غير معينة‪ ،‬إذ‬
‫لو قيل‪ :‬ثلثمائة شهر سنين‪ ،‬فأبدل سنين من مجموع العدد‪ ،‬كانت العبارة صحيحة والمراد سنين كذا عدداً‪ ،‬أي‪ :‬خمسة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وعشرين‪ .‬ويؤيده قوله بعده‪{ :‬قل هللا أعلم بما لبثوا} وقال قتادة‪ :‬هو حكاية كالم أهل الكتاب من تتمة سيقولون‪ :‬وقوله‪:‬‬
‫رد عليهم‪ .‬وفي مصحف عبد هللا‪ :‬وقالوا‪{ :‬لبثوا}‪ ،‬وذلك أن اليقين غير محقق وال مطرد‪.‬‬
‫{قل هللا أعلم} ّ‬

‫{و ْاتل ما أوحي إليك من كتاب رّبك} يجوز أن تكون من البتداء الغاية‪ ،‬والكتاب هو اللوح األول المشتمل على كل‬
‫العلوم الذي منه أوحى إلى من أوحى إليه‪ ،‬وأن تكون بياناً لما أوحى‪ .‬والكتاب هو العقل الفرقاني وعلى التقديرين {ال‬
‫مبدل لكلماته} التي هي أصول الدين من التوحيد والعدل وأنواعهما {ولن تجد من دونه ملتحداً} تميل إليه المتناع‬
‫ّ‬
‫وجود ذلك‪.‬‬

‫{واصبر نفسك} أمر بالصبر مع هللا وأهله وعدم االلتفات إلى غيره وهذا الصبر هو من باب االستقامة والتمكين ال‬
‫المجردين الذين ال يطلبون‬
‫ّ‬ ‫يكون إال باهلل {مع الذين يدعون رّبهم بالغداة والعشي} أي‪ :‬دائماً هم الموحدون من الفقراء‬
‫ّ‬
‫غير هللا وال حاجة لهم في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وال وقوف مع األفعال والصفات {يريدون وجهه} أي‪ :‬ذاته فحسب‪ ،‬يدعونه‬
‫وال يحتجبون عنه بغيره وقت ظهورها غداة الفناء ووقت احتجابها بهم عند البقاء‪ ،‬فالصبر معهم هو الصبر مع هللا‪،‬‬
‫{إنا أعتدنا للظالمين} أي‪ :‬المشركين المحجوبين عن الحق‬
‫ومجاوزة العين عنهم المنهي عنها هو االلتفات إلى الغير‪ّ .‬‬
‫يم} [لقمان‪ ،‬اآلية‪{ ]13 :‬نا اًر}عظيمة {أحاط بهم سرادقها} من مراتب األكوان كالطباع‬ ‫ِ‬ ‫لقوله‪ِ{ :‬إ َّن ِّ‬
‫ظْل ٌم َعظ ٌ‬
‫ك َل ُ‬
‫الش ْر َ‬
‫العنصرية والصور النوعية المادية المحيطة باألشخاص الهيوالنية {بماء كالمهل} من جنس الغساق والغسلين‪ ،‬أي‪:‬‬
‫المياه المتعفنة التي تسيل من أبدان أهل النار مسودة فيها دسومات يغاثون بها أو غساالتهم القذرة أو من جنس‬
‫الغصص والهموم المحرقة‪.‬‬

‫سورة الكهف (من اآلية ‪ 30‬الى اآلية ‪)46‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ات َع ْد ٍن تَ ْج ِري ِمن تَ ْحِت ِه ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين آمُنوْا و َع ِمُلوْا َّ ِ ِ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫َح َس َن َع َمالً * أ ُْوَلـٰئ َك َل ُه ْم َجَّن ُ‬
‫َج َر َم ْن أ ْ‬ ‫يع أ ْ‬ ‫الصال َحات إَّنا الَ ُنض ُ‬ ‫إ َّن الذ َ َ َ‬
‫يها َعَلى األ ََرِآئ ِك ِن ْع َم‬ ‫س وِإستَبر ٍق ُّمتَّ ِكِئ ِ‬
‫ين ف َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ض اًر ّمن ُس ْن ُد ٍ َ ْ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َس ِاوَر من َذ َه ٍب َوَيْلَب ُسو َن ثَياباً ُخ ْ‬
‫األ َْنهار يحَّلو َن ِف ِ‬
‫يها م ْن أ َ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َُ ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫اه َما بَن ْخل َو َج َعْلَنا َب ْيَن ُه َما‬
‫َعَناب َو َحَفْفَن ُ‬ ‫َحده َما َجَّنتَْي ِن م ْن أ ْ‬‫له ْم َّمثَالً َّر ُجَل ْي ِن َج َعْلَنا أل َ‬
‫اض ِر ْب ُ‬
‫اب َو َح ُسَن ْت ُم ْرتََفقاً * َو ْ‬ ‫الث َو ُ‬
‫ظلِم ِمنه شيئاً وَف َّجرنا ِخالَلهما نه اًر * وَكان َله ثَمر َفَقال لِ ِ ِ ِ‬
‫صاحبه َو ُهَو ُي َح ِاوُرهُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ُ ٌَ‬ ‫ُ َ ََ‬ ‫َزْرعاً * ِكْلتَا اْل َجَّنتَْي ِن آتَ ْت أ ُ‬
‫ُكَل َها َوَل ْم تَ ْ ّ ْ ُ َ ْ َ ْ َ‬
‫اع َة َق ِائ َم ًة‬ ‫ظ ُّن َّ‬‫ظ ُّن أَن تَِب َيد َهـ ِٰذِه أََبداً * َو َمآ أَ ُ‬
‫ال َمآ أَ ُ‬ ‫أَنا أَ ْكثَر ِمنك ماالً وأَعُّز نَف اًر * ودخل جَّنته وهو َ ِ ِ ِ ِ‬
‫الس َ‬ ‫ظال ٌم ّلَنْفسه َق َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ ُ َ َُ‬ ‫َ ُ َ َ َ َ َ‬
‫اب ثُ َّم ِمن‬ ‫َكَف ْر َت ِب َّال ِذي َخَلَق َك ِمن تُر ٍ‬ ‫دت ِإَل ٰى ربِي ألَ ِج َد َّن َخي اًر ِم ْنها م ْنَقَلباً * َقال َله ص ِ‬
‫احُب ُه َو ُه َو ُي َح ِاوُرهُ أ َ‬ ‫َوَلِئن ُّرِد ُّ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ْ ّ َ ُ‬ ‫َّ‬
‫اَّللِ‬ ‫ٰ‬ ‫ُّن ْ ٍ‬
‫َّللاُ الَ ُقَّوَة ِإالَّ ِب َّ‬
‫آء َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫َحداً * َوَل ْوال إ ْذ َد َخْل َت َجنتَ َك ُقْل َت َما َش َ‬ ‫ك ِب َرّبِي أ َ‬
‫ُش ِر ُ‬ ‫ك َر ُجالً * َّل ِكَّن ْا ُه َو َّ‬
‫َّللاُ َرّبِي َوالَ أ ْ‬ ‫طَفة ثُ َّم َسَّوا َ‬
‫صِب َح‬ ‫ِإن تَرِن أَن ْا أََق َّل ِمنك ماالً ووَلداً * فعسى ربِي أَن يؤِتي ِن خي اًر ِمن جَّنِتك ويرِسل عَليها حسباناً ِمن َّ ِ‬
‫الس َمآء َفتُ ْ‬ ‫ُ ْ َ َ ْ ّ َ َ َ ُْ َ َ ْ َ ُ ْ َ ّ َ‬ ‫َ ٰ َّ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َ َ‬
‫يها َوِهي‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ُحي َ ِ ِ‬ ‫طَلباً * وأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َصَب َح ُيَقّل ُب َكف ْيه َعَلى َمآ أ َْنَف َق ف َ‬ ‫ط بثَ َم ِره َفأ ْ‬ ‫َ‬ ‫يع َل ُه َ‬ ‫صِب َح َم ُ‬
‫آؤ َها َغ ْو اًر َفَلن تَ ْستَط َ‬ ‫صعيداً َزَلقاً * أ َْو ُي ْ‬ ‫َ‬
‫َّللا وما َكان م ْنتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُش ِرك ِبربِي أَحداً * وَلم تَ ُكن َّله ِفَئ ٌة ينصر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َخ ِاوَي ٌة َعَل ٰى ُع ُر ِ‬
‫ص اًر *‬ ‫ون ُه من ُدون َّ َ َ َ ُ‬ ‫َ ُُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ول ٰيَل ْيتَني َل ْم أ ْ ْ َ ّ َ‬ ‫وش َها َوَيُق ُ‬
‫ط ِب ِه‬ ‫الس َم ِاء َف ْ‬
‫اخَتَل َ‬ ‫اض ِر ْب َل ُهم َّمَث َل اْل َحَي ِاة ُّ‬
‫الد ْنَيا َك َم ٍآء أ َْن َ ْزلَناهُ ِم َن َّ‬ ‫ِِ‬
‫ُهَنالِ َك اْل َوالََي ُة ََّّلل اْل َح ِّق ُه َو َخ ْيٌر ثََواباً َو َخ ْيٌر ُعْقباً * َو ْ‬
‫ات‬ ‫ِ‬ ‫ال َواْلَبُنو َن ِز َين ُة اْل َحَي ِاة ُّ‬
‫الد ْنَيا َواْلَباقَي ُ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ َعَل ٰى ُك ّل َش ْيء ُّمْقتَد اًر * اْل َم ُ‬ ‫ان َّ‬
‫ياح َوَك َ‬ ‫َصَب َح َه ِشيماً تَ ْذ ُروهُ ِّ‬
‫الر ُ‬ ‫ض َفأ ْ‬‫ات األ َْر ِ‬ ‫َنَب ُ‬
‫ِ‬
‫َمالً‬
‫ِك ثََواباً َو َخ ْيٌر أ َ‬
‫ات َخ ْيٌر ع َند َرّب َ‬ ‫الصالِ َح ُ‬ ‫َّ‬

‫{إن الذين آمنوا} بالتوحيد الذاتي لكونهم في مقابلة المشركين {وعملوا الصالحات} من األعمال المقصودة لذاتها في‬
‫ّ‬
‫نضيع} أجرهم‪ ،‬وضع الظاهر موضع المضمر للداللة على أن األجر إنما يستحق بالعمل دون‬ ‫{إنا ال ّ‬‫مقام االستقامة ّ‬
‫العلم‪ ،‬إذ به يستحق ارتفاع الدرجة والرتبة {جنات عدن} من الجنان الثالث {يحلون فيها من أساور من ذهب} أي‪:‬‬
‫يزينون فيها بأنواع الحلي هي من حقائق التوحيد الذاتي ومعاني التجليات العينية األحدية‪ ،‬إذ الذهبيات من الحلي هي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ض ٍة} [اإلنسان‪ ،‬اآلية‪{ .]21 :‬ويلبسون ثياب ًا‬
‫َس ِاوَر ِمن ِف َّ‬
‫أ‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫ُّ‬
‫ل‬
‫َُ ْ َ‬ ‫ح‬‫{و‬ ‫كقوله‪:‬‬ ‫انيات‬
‫ر‬ ‫النو‬ ‫الصفاتيات‬ ‫العينيات والفضيات هي‬
‫خض اًر} يتّصفون بصفات بهيجة‪ ،‬حسنة‪ ،‬نضرة‪ ،‬موجبة للسرور {من سندس} األحوال والمواهب لكونها ألطف‬
‫إستَْبرق} األخالق والمكاسب لكونها أكثف {متكئين فيها على} أرائك األسماء اإللهية التي هي مبادئ أفعاله‬
‫{و ْ‬
‫التصافهم بأوصافه وكون الصفة مع الذات هي االسم المستند هو عليه في جنة الصفات واألفعال ِ{نعم الثواب‬
‫آء ْت ُم ْرتََفقاً‬ ‫وحسنت مرتفقاً} في مقابلة‪ِ{ :‬ب ْئ َس َّ‬
‫اب َو َس َ‬
‫الش َر ُ‬

‫‪}.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الكهف (من اآلية ‪ 47‬الى اآلية ‪)59‬‬

‫ِ ِ‬
‫ونا َك َما‬ ‫صَّفاً َّلَق ْد ِج ْئتُ ُم َ‬
‫ِك َ‬ ‫َحداً * َو ُع ِر ُ‬
‫ضوْا َعَل ٰى َرّب َ‬ ‫ض َب ِارَزًة َو َح َش ْرَن ُ‬
‫اه ْم َفَل ْم ُن َغاد ْر م ْن ُه ْم أ َ‬ ‫ال َوتَ َرى األ َْر َ‬ ‫ِ ِ‬
‫َوَي ْوَم ُن َسّي ُر اْلجَب َ‬
‫ضع اْل ِكتاب َفترى اْلمج ِرِمين م ْشِفِقين ِم َّما ِف ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫يه َوَيُقوُلو َن يَٰوْيَلتََنا‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ ُ‬ ‫اك ْم أََّو َل َمَّرة َب ْل َزَع ْمتُ ْم أَلن َّن ْج َع َل َل ُك ْم َّم ْو ِعداً * َوُو َ َ ُ َ َ‬ ‫َخَلْقَن ُ‬
‫َحداً * َوِإ ْذ ُقْلَنا‬ ‫اض اًر والَ ي ْ ِ‬ ‫اب الَ ي َغ ِادر ص ِغيرة والَ َكِبيرة ِإالَّ أَحصاها ووجدوْا ما ع ِمُلوْا ح ِ‬ ‫ال َهـٰ َذا اْل ِكتَ ِ‬‫مِ‬
‫ُّك أ َ‬‫ظل ُم َرب َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ََ َُ َ َ‬ ‫ًَ‬ ‫ُ ُ َ ًَ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آء من ُدوِني َو ُه ْم َل ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان م َن اْلج ّن َفَف َس َق َع ْن أ َْمر َرّبِه أََفتَتخ ُذوَن ُه َوُذّريَّتَ ُه أ َْولَي َ‬ ‫يس َك َ‬ ‫اس ُج ُدوْا أل ََد َم َف َس َج ُدوْا ِإال ِإْبل َ‬
‫لْل َمالئ َكة ْ‬
‫ِِ‬ ‫ض والَ َخْلق أ َْنُف ِس ِهم وما ُك ُ ِ‬ ‫َشهدتُّهم خْلق َّ ِ‬ ‫ِ َّ ِ ِ‬
‫ضداً *‬ ‫ين َع ُ‬ ‫نت ُمتَّخ َذ اْل ُمضّل َ‬ ‫ْ ََ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الس َٰم َٰوت َواأل َْر َ‬ ‫ين َب َدالً * َّمآ أ ْ َ ُ ْ َ َ‬ ‫َع ُدٌّو ِب ْئ َس للظالم َ‬
‫ظُّنوْا أََّن ُه ْم‬
‫الن َار َف َ‬ ‫ين َزَع ْمتُ ْم َف َد َع ْو ُه ْم َفَل ْم َي ْستَ ِج ُيبوْا َل ُه ْم َو َج َعْلَنا َب ْيَن ُهم َّم ْوبِقاً * َوَأرَى اْل ُم ْج ِرُمو َن َّ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ول َن ُادوْا ُش َرَكآئ َي الذ َ‬ ‫َوَي ْوَم َيُق ُ‬
‫ان أَ ْكثَ َر َشي ٍء َج َدالً *‬ ‫ان ِ‬
‫اإل ْن َس ُ‬ ‫اس من ُك ِّل َمَث ٍل َوَك َ‬
‫آن لِ َّلن ِ ِ‬ ‫صَّرْفَنا ِفي َهـٰ َذا اْلُق ْر ِ‬ ‫ص ِرفاً * َوَلَق ْد َ‬
‫ِ‬
‫وها َوَل ْم َيج ُدوْا َع ْن َها َم ْ‬
‫ِ‬
‫ُّم َواق ُع َ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫اب ُقُبالً * َو َما‬ ‫َّه ْم ِإال أَن تَأْتَي ُه ْم ُسَّن ُة األََّوِل َ‬
‫ين أ َْو َيأْتَي ُه ُم اْل َع َذ ُ‬ ‫آء ُه ُم اْل ُه َد ٰى َوَي ْستَ ْغف ُروْا َرب ُ‬
‫ِ ِ‬
‫اس أَن ُي ْؤمُنوْا إ ْذ َج َ‬
‫َو َما َمَن َع َّ‬
‫الن َ‬
‫ضوْا ِب ِه اْل َح َّق َواتَّ َخ ُذوْا َء َٰايِتي َو َمآ أ ُْن ِذ ُروْا ُه ُزواً *‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ين َكَف ُروْا ِباْل َٰبط ِل لُي ْدح ُ‬
‫ِ َّ ِ‬
‫ين َوُي َٰجد ُل الذ َ‬
‫ِ‬
‫ين َو ُمنذ ِر َ‬
‫َّ ِ‬
‫ين ِإال ُمَب ّش ِر َ‬
‫ِ‬
‫ُن ْرِس ُل اْل ُم ْرَسل َ‬
‫َكَّن ًة أَن َيْفَق ُهوهُ َوِفي َءا َذ ِان ِه ْم‬ ‫ِه َفأَعرض ع ْنها وَن ِسي ما َقَّدم ْت يداه ِإَّنا جعْلَنا عَلى ُقُلوبِ ِهم أ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ومن أَ ْ ِ‬
‫ْ‬ ‫ََ َ ٰ‬ ‫ظَل ُم م َّمن ُذ ّك َر ب َٰآيت َرّب ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ‬ ‫ََْ‬
‫ِ‬ ‫وْق اًر وِإن تدعهم ِإَلى اْلهد ٰى َفَلن يهتدوْا ِإذاً أَبداً * وربُّك اْلغُفور ُذو َّ ِ‬
‫اب َبل‬ ‫الر ْح َمة َل ْو ُي َؤاخ ُذ ُهم ِب َما َك َسُبوْا َل َع َّج َل َل ُه ُم اْل َع َذ َ‬ ‫ََ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ َُ‬ ‫َ َ َْ ُ ُ ْ ٰ ُ َ‬
‫ظَل ُموْا َو َج َعْلَنا لِ َم ْهلِ ِك ِهم َّم ْو ِعداً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫اه ْم َل َّما َ‬ ‫ل ُهم َّم ْو ِعٌد لن َي ِج ُدوْا من ُدوِنه َم ْوِئالً * َوِتْل َك اْلُق َر ٰى أ ْ‬
‫َهَل ْكَن ُ‬

‫هباء منثو اًر {وترى} أرض البدن {بارزة} ظاهرة‬


‫نسير الجبال} أي‪ُ :‬ن ْذهب جبال األعضاء بالتفتيت فنجعلها ً‬
‫{ويوم ّ‬
‫مستوية‪ ،‬مسطحة بسيطة‪ ،‬كما كانت‪ ،‬ال صورة عليها وال تركيب‪ ،‬فيها تراباً خالصاً {وحشرناهم} الضمير إما للقوى‬
‫المذكورة وإما ألفراد الناس {فلم نغادر منهم أحداً} غير محشور‪{ .‬وعرضوا على رّبك} عند البعث {صّفاً} أي‪:‬‬
‫مصطفين مترتبين في المواقف ال يحجب بعضهم بعضاً‪ ،‬كل في رتبته {لقد جئتمونا} أي‪ :‬قلنا لهم ذلك اليوم‪ :‬لقد‬
‫مرة بل زعمتم} بإنكاركم البعث {أّلن نجعل لكم موعداً} وقتاً‬
‫جئتمونا حفاة عراة‪ ،‬غرالً فرادى‪ ،‬أي‪{ :‬كما خلقناكم أول ّ‬
‫إلنجاز ما وعدتم على ألسنة األنبياء من البعث والنشور‪{ .‬ووضع الكتاب} أي‪ :‬كتاب القالب المطابق لما في نفوسهم‬
‫من هيئات األعمال الراسخة فيهم {فترى المجرمين مشفقين مما فيه} لعثورهم به على ما نسوا {ويقولون يا ويلتنا}‬
‫يدعون الهلكة التي هلكوا بها من أثر العقيدة الفاسدة واألعمال السيئة {ما لهذا الكتاب ال يغادر صغيرة وال كبيرة إال‬
‫أحصاها} لكون آثار حركاتهم وأعمالهم كلها باقية في نفوسهم صغيرة كانت أو كبيرة‪ ،‬ثابتة في ألواح النفوس الفلكية‬
‫أيضاً‪ ،‬مضبوطة فيها‪ ،‬تظهر عليهم على التفصيل في نشأتهم الثانية ال محيص لهم عنها‪ ،‬وهذا معنى قوله‪{ :‬ووجدوا‬
‫الجن} كالم مستأنف‪،‬‬
‫مر معنى سجود المالئكة وإباء إبليس‪ .‬وقوله‪{ :‬وكان من ّ‬ ‫أحد} ّ‬
‫ما عملوا حاض اًر وال يظلم رّبك ً‬
‫الجن‪ ،‬أي‪ :‬من القوى البدنية المختفية بالمواد‪ ،‬فلذلك {فسق عن‬
‫كأن قائالً قال‪ :‬ما بال إبليس لم يسجد؟ قال‪ :‬كان من ّ‬
‫أمر رّبه} أي‪ :‬الحتجابه بالمادة ولواحقها‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الكهف (من اآلية ‪ 60‬الى اآلية ‪)63‬‬

‫ضي ُحُقباً * َفَل َّما َبَل َغا َم ْج َم َع َب ْيِن ِه َما َن ِسَيا ُحوتَ ُه َما َفاتَّ َخ َذ‬ ‫وإِذ قال موسى لِف ٰته ال أَبرح حتَّى أَبلغ مجمع البحري ِن أَو أَم ِ‬
‫َ ْ َ َ ُ َ ٰ َ َ ُ ْ َ ُ َ ٰ ُْ َ َ ْ َ َ َْ ْ َ ْ ْ ْ َ‬
‫َرَْي َت ِإ ْذ أ ََوْيَنآ ِإَلى‬ ‫ِ ِ‬ ‫سِبيَله ِفي اْلبح ِر سرباً * َفَل َّما جاوَاز َق ِ ٰ ِ‬
‫ال أ َأ‬
‫صباً * َق َ‬ ‫آءَنا َلَق ْد َلق َينا من َسَف ِرَنا َهـٰ َذا َن َ‬‫ال لَفتَ ُه آتَنا َغ َد َ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َْ ََ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َن أَ ْذ ُك َرهُ َواتَّ َخ َذ َسِبيَل ُه في اْلَب ْح ِر َع َجباً‬
‫ط ُن أ ْ‬ ‫يه ِإال َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫وت َو َمآ أ َْن َسان ُ‬ ‫الص ْخ َرِة َفِإّني َنس ُ‬
‫يت اْل ُح َ‬ ‫َّ‬

‫{وإذ قال موسى لفتاه} ظاهره على ما ذكر في القصص وال سبيل إلى إنكار المعجزات‪ .‬وأما باطنه فأن يقال‪ :‬وإذ قال‬
‫موسى القلب لفتى النفس وقت التعلق بالبدن‪{ :‬ال أبرح} أي‪ :‬ال أنفك عن السير والمسافرة‪ ،‬أو ال أزال أسير {حتى أبلغ‬
‫مجمع البحرين} أي‪ :‬ملتقى العالمين‪ :‬عالم الروح وعالم الجسم‪ ،‬وهما العذب واألجاج في صورة اإلنسانية ومقام القلب‬
‫{أو أمضي حقباً} أي‪ :‬أسير مدة طويلة‪.‬‬

‫{فلما بلغا مجمع بينهما} في الصورة الحاضرة الجامعة {نسيا حوتهما} وهو الحوت الذي ابتلع ذا النون عليه السالم‬
‫بالنوع ال بالشخص‪ ،‬ألن غداءهما كان قبل الوصول إلى هذه الصورة في الخارج من ذلك الحوت الذي أمر بتزوده في‬
‫حياً كما كان أوالً {سرباً} نقباً واسعاً كما قيل‪ :‬بقي طريقه في البحر‬
‫السفر وقت العزيمة {فاتّخذ سبيله} في بحر الجسد ّ‬
‫منفرجاً‪ ،‬لم ينضم عليه البحر‪.‬‬

‫{فلما جاوزا} مكان مفارقة الحوت وألقي على موسى النصب والجوع‪ ،‬ولم ينصب في السفر وال جاع قبل ذلك على ما‬
‫حكي‪ ،‬تذكر الحوت واالغتذاء منه وطلب الغداء من فتاه وإنما قال‪{ :‬آتنا غداءنا} ألن حاله ذلك نها اًر بالنسبة إلى ما‬
‫قبله في الرحم {لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً} هو نصب الوالدة ومشقتها‪.‬‬

‫{قال أرأيت} ما عراني {إذ أوينا إلى الصخرة} أي‪ :‬النحر لالرتضاع {فإني نسيت الحوت} الستغنائنا عنه {وما أنسانيه‬
‫إالّ الشيطان أن أذكره} أي‪ :‬وما أنساني أن أذكره إال الشيطان على إبدال أن أذكره من الضمير‪ ،‬وذلك ألن موسى‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫كان راقداً حين اتخذ الحوت سبيله في البحر على ما قيل‪ .‬وفتى النفس يقظان‪ ،‬فأنسى شيطان الوهم الذي زّين الشجرة‬
‫آلدم ذكر النفس الحوت لموسى لكون الحال حال ذهول والسبيل المتعجب منه هو السرب المذكور‪.‬‬

‫سورة الكهف (من اآلية ‪ 64‬الى اآلية ‪)73‬‬

‫صصاً * َف َو َج َدا َع ْبداً ِّم ْن ِعَب ِادَنآ آتَْيَناهُ َر ْح َم ًة ِّم ْن ِع ِندَنا َو َعَّل ْمَناهُ ِمن َّل ُدَّنا‬ ‫ِ‬ ‫َق ِ‬
‫ال َذل َك َما ُكَّنا َن ْب ِغ َف ْارتََّدا َعَل ٰى آثَ ِاره َما َق َ‬‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫ص ْب اًر * َوَك ْي َ‬ ‫ال إَّن َك َلن تَ ْستَطي َع َمع َي َ‬ ‫وس ٰى َه ْل أَتب ُع َك َعَل ٰى أَن تُ َعّل َم ِن م َّما ُعّل ْم َت ُرْشداً * َق َ‬ ‫ال َل ُه ُم َ‬ ‫عْلماً * َق َ‬
‫ال َفِإ ِن اتََّب ْع َتِني َفالَ‬ ‫َّللا صاِب اًر والَ أ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫تصِبر عَلى ما َلم ت ِح ْ ِ ِ‬
‫أم اًر * َق َ‬ ‫َعصي َل َك ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫آء َّ ُ َ‬ ‫ال َستَج ُدني إن َش َ‬ ‫ط به ُخ ْب اًر * َق َ‬ ‫َْ ُ َ ٰ َ ْ ُ‬
‫طَلَقا حتَّى ِإ َذا رِكبا ِفي َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫يء حتَّى أ ِ‬ ‫تَسأَْلني عن َش ٍ‬
‫َهَل َها َلَق ْد‬‫ِق أ ْ‬ ‫السِف َينة َخ َرَق َها َقا َل أ َ‬
‫َخ َرْقتَ َها ِلتُ ْغر َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُحد َث َل َك م ْن ُه ذ ْك اًر * َف ْان َ َ ٰ‬ ‫َ ٰ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يت َوالَ تُ ْرهْقني م ْن أ َْمرِي‬ ‫ال الَ تُ َؤاخ ْذني ب َما َنس ُ‬ ‫ص ْب اًر * َق َ‬ ‫يع َمع َي َ‬ ‫ال أََل ْم أَُق ْل إَّن َك َلن تَ ْستَط َ‬‫ج ْئ َت َش ْيئاً إ ْم اًر * َق َ‬
‫ُع ْس اًر‬

‫{قال ذلك} أي‪ :‬تملص الحوت واتخاذه سبيله الذي كان عليه في جبلته {ما كنا} نطلبه‪ ،‬ألن هناك مجمع البحرين‬
‫الذي وعد موسى عنده بوجود من هو أعلم منه‪ ،‬إذ الترقي إلى الكمال بمتابعة العقل القدسي ال يكون إال في هذا‬
‫يقصان {قصصاً} أي‪ :‬يتبعان آثارهما عند‬
‫المقام {فار ّتدا على آثارهما} في الترقي إلى مقام الفطرة األولى كما كانا أوالً ّ‬
‫الهب وط في الترقي إلى الكمال حتى وجد العقل القدسي‪ ،‬وهو عبد من عباد هللا مخصوص بمزية عناية ورحمة {آتيناه‬
‫التقدس عن الجهات‪ .‬والنورية المحضة التي هي آثار القرب‬ ‫بالتجرد عن المواد و ّ‬
‫ّ‬ ‫رحمة من عندنا} أي‪ :‬كماالً معنوياً‬
‫والعندية {وعلمناه من لدنا علماً} من المعارف القدسية والحقائق الكلية اللدنية بال واسطة تعليم بشرّي‪ .‬وقوله‪{ :‬هل‬
‫أتبعك} هو ظهور إرادة السلوك والترقي إلى الكمال {إنك لن تستطيع معي صب اًر} لكونك غير مطلع على األمور‬
‫تجردك واحتجابك بالبدن وغواشيه‪ ،‬فال تطيق مرافقتي‪ ،‬وهذا معنى قوله‪{ :‬وكيف تصبر‬‫الغيبية والحقائق المعنوية لعدم ّ‬
‫لقوة استعدادي وثباتي على الطلب {وال أعصي لك أم اًر}‬
‫على ما لم تحط به خب اًر قال ستجدني إن شاء هللا صاب اًر} ّ‬
‫لتوجهي نحوك وقبولي أمرك‪ ،‬لصفائي وصدق إرادتي‪ .‬والمقاوالت كلها بلسان الحال‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{فإن اتّبعتني} في سلوك طريق الكمال {فال تسألني عن شيء} أي‪ :‬عليك باالقتداء والمتابعة في السير باألعمال‬
‫والرياضات واألخالق والمجاهدات‪ ،‬وال تطلب الحقائق والمعاني {حتى} يأتي وقته‪ ،‬فـ {أحدث لك منه} أي‪ :‬من ذلك‬
‫تجردك بالمعامالت القالبية والقلبية {فانطلقا حتى إذا ركبا} في سفينة البدن‬
‫العلم {ذك اًر} وأخبرك بالحقائق الغيبية عند ّ‬
‫حد الرياضة الصالح للعبودية إلى العالم القدسي في بحر الهيولى للسير إلى هللا {خرقها} أي‪ :‬نقصها‬ ‫البالغ إلى ّ‬
‫بالرياضة وتقليل الطعام وأضعف احكامها وأوقع الخلل في نظامها وأوهنها {قال أخرقتها لتغرق أهلها} أي‪ :‬أكسرتها‬
‫لتغرق القوى الحيوانية والنباتية التي فيها في بحر الهيولى فتهلك {لقد جئت شيئاً إم اًر} وهذا اإلنكار عبارة عن ظهور‬
‫النفس بصفاتها وميل القلب إليها‪ ،‬والتضجر عن حرمان الحظوظ في الرياضة‪ ،‬وعدم القناعة بالحقوق‪{ .‬قال ألم أقل‬
‫إنك لن تستطيع معي صب اًر} تنبيه روحي وتحريض قدسي على أن العزيمة في السلوك يجب أن تكون أقوى من ذلك‬
‫اللوامة‪.‬‬
‫{قال ال تؤاخذني بما نسيت} إلى آخره‪ ،‬اعتذاره في مقام النفس ّ‬

‫سورة الكهف (من اآلية ‪ 74‬الى اآلية ‪)78‬‬

‫ال أََل ْم أَُق ْل َّل َك ِإَّن َك َلن‬ ‫طَلَقا حتَّ ٰى ِإ َذا َلِقيا ُغالَماً َفَقَتَل ُه َقال أََقَتْل َت َنْفساً َزِكَّي ًة ِب َغ ْي ِر َنْف ٍ َّ ِ‬
‫س لَق ْد ج ْئ َت َش ْيئاً ُّن ْك اًر * َق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َف ْان َ َ‬
‫ص ِح ْبِني َق ْد َبَل ْغ َت ِمن َّل ُدِّني ُع ْذ اًر * َفان َ‬
‫طَلَقا َحتَّ ٰى ِإ َذآ أَتََيآ‬ ‫ٍ‬ ‫تَستَ ِطيع م ِعي ص ْب اًر * َق ِ‬
‫ال إن َسأَْلتُ َك َعن َش ْيء َب ْع َد َها َفالَ تُ َٰ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يها ِج َدا اًر ُي ِر ُيد أَن َينَق َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َج اًر *‬ ‫ال َل ْو ش ْئ َت َلتَّ َخ ْذ َت َعَل ْيه أ ْ‬
‫ام ُه َق َ‬ ‫ض َفأََق َ‬ ‫ضِّيُف ُ‬
‫وه َما َف َو َج َدا ف َ‬ ‫َهَل َها َفأََب ْوْا أَن ُي َ‬
‫ط َع َمآ أ ْ‬
‫استَ ْ‬
‫َه َل َق ْرَية ْ‬
‫أْ‬
‫ص ْب اًر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َقال هـٰ َذا ِفر ِ‬
‫اق َب ْيني َوَب ْين َك َسأَُنّبُئ َك بتَأْويل َما َل ْم تَ ْستَطع َّعَل ْيه َ‬ ‫َ َ َ ُ‬

‫{فانطلقا حتى إذا لقيا غالماً} هو النفس التي تظهر بصفاتها فتحجب القلب فتكون ّ‬
‫أمارة بالسوء‪ .‬وقتله بإماتة الغضب‬
‫والشهوة وسائر الصفات {أقتلت نفساً زكية} اعتراض لتحنن القلب على النفس و {ألم أقل لك} تذكير وتعبير روحي و‬
‫{إن سألتك عن شيء} إلى آخره‪ ،‬اعتذار وإقرار بالذنب واعتراف‪ ،‬وكلها من التلوينات عند كون النفس ّلوامة‪.‬‬

‫طلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} هم القوى البدنية‪ ،‬واستطعامهما منهم هو طلب الغذاء الروحاني منهم‪ ،‬أي‪ :‬بواسطتهم‬
‫{فان َ‬
‫ْ‬
‫كانتزاع المعاني الكلية من مدركاتها الجزئية وإنما أبوا أن يضيفوهما وإن أطعموهما قبل ذلك ألن غذاءهما حينئذ كان‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫من فوقهم من األنوار القدسية والتجليات الجمالية والجاللية والمعارف اإللهية والمعاني الغيبية ال من تحت أرجلهم كما‬
‫كان قبل خرق السفينة‪ ،‬وقتل الغالم بالرياضة والقوى والحواس مانعة من ذلك ال ممدة‪ ،‬بل ال تتهيأ إال بعد نعاسهم‬
‫وهدوهم كما قال موسى ألهله‪ :‬امكثوا‪ .‬والجدار الذي {يريد أن ينقض} هو النفس المطمئنة وإنما عبر عنها بالجدار‬
‫ّ‬
‫األمارة وموتها بالرياضة‪ ،‬فصارت كالجماد غير متحركة بنفسها وإرادتها‪ ،‬ولشدة ضعفها‬
‫ألنها حدثت بعد قتل النفس ّ‬
‫كادت تهلك‪ ،‬فعبر عن حالها بإرادة االنقضاض‪ .‬وإقامته إياها تعديلها بالكماالت الخلقية و الفضائل الجميلة بنور القوة‬
‫النطقية حتى قامت الفضائل مقام صفاتها من الرذائل‪ .‬وقول موسى عليه السالم‪{ :‬لو شئت لتخذت عليه أج اًر} تلوين‬
‫قلبي ال نفسي‪ ،‬وهو طلب األجر والثواب باكتساب الفضائل واستعمال الرياضة‪ ،‬ولهذا أجابه بقوله ‪:‬‬

‫{هذا فراق بيني وبينك} أي‪ :‬هذا هو مفارقة مقامي ومقامك ومباينتهما والفرق بين حالي وحالك‪ ،‬فإن عمارة النفس‬
‫بالرياضة والتخلق باألخالق الحميدة ليست لتوقع الثواب واألجر وإال فليست فضائل وال كماالت ألن الفضيلة هي‬
‫التخلق باألخالق اإللهية بحيث تصدر عن صاحبها األفعال المقصودة لذاتها ال لغرض‪ .‬وما كان لغرض فهو حجاب‬
‫ورذيلة ال فضيلة والمقصود هو طرح الحجاب وانكشاف غطاء صفات النفس‪ ،‬والبروز إلى عالم النور لتلقي المعاني‬
‫الغيبية بل االتصاف بالصفات اإللهية بل التحقق باهلل بعد الفناء فيه ال الثواب كما زعمت {سأَُنِّبئك بتأويل ما لم‬
‫استقرت القوى أمكنك قبول المعاني وتلقي الغيب الذي نهيتك عن‬ ‫تستطع عليه صب اًر} أي‪ :‬لما اطمأنت النفس و ّ‬
‫السؤال عنه حتى أحدث لك منه ذك اًر فسأذكر لك وأنبئك بتأويل هذه األمور إذا استعددت لقبول المعاني والمعارف‪.‬‬

‫سورة الكهف (من اآلية ‪ 79‬الى اآلية ‪)81‬‬

‫ِ ٍ‬ ‫دت أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َما َّ ِ‬


‫َما‬
‫صباً * َوأ َّ‬ ‫ْخ ُذ ُك َّل َسف َينة َغ ْ‬ ‫آء ُهم َّملِ ٌك َيأ ُ‬ ‫ان َوَر َ‬
‫َن أَع َيب َها َوَك َ‬‫ين َي ْع َمُلو َن في اْلَب ْح ِر َفأَ َر ُّ ْ‬ ‫السف َين ُة َف َك َان ْت ل َم َساك َ‬ ‫أ َّ‬
‫ـاة َوأَ ْق َر َب ُر ْحم ًا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ان أََب َواهُ ُم ْؤ ِمَن ْي ِن َف َخ ِش َينآ أَن ُي ْرِهَق ُه َما ُ‬
‫ُّه َما َخ ْي اًر ّم ْن ُه َزَك ً‬
‫ط ْغَياناً َوُكْف اًر * َفأ ََرْدَنآ أَن ُي ْبدَل ُه َما َرب ُ‬ ‫اْل ُغالَ ُم َف َك َ‬

‫{أما السفينة فكانت لمساكين} في بحر الهيولى‪ ،‬أي‪ :‬القوى البدنية من الحواس الظاهرة والقوى الطبيعية النباتية‪ ،‬وإنما‬
‫سماها مساكين لدوام سكونها ومالزمتها لتراب البدن وضعفها عن ممانعة القلب في السلوك واالستيالء عليه كسائر‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫القوى الحيوانية‪ .‬وحكي أنهم كانوا عشرة إخوة خمسة منهم زمنى وخمسة يعملون في البحر‪ ،‬وذلك إشارة إلى الحواس‬
‫األمارة غصباً وهو الملك الذي كان وراءهم أي‪:‬‬‫الظاهرة والباطنة {فأردت أن أعيبها} بالرياضة لئال يأخذها ملك النفس ّ‬
‫قدامهم {يأخذ كل سفينة غصباً} باالستيالء عليها واستعمالها في أهوائه ومطالبه {وأما الغالم فكان أبواه} اللذان هما‬
‫ّ‬
‫الروح والطبيعة الجسمانية {مؤمنين} مقرين بالتوحيد النقيادهما في سلك طاعة هللا وامتثالهما ألمر هللا وإذعانهما لما‬
‫أراد هللا منهما {فخشينا أن يرهقهما} أي‪ :‬يغشيهما {طغياناً} عليهما بظهوره باألنائية عند شهود الروح {وكف اًر} لنعمتهما‬
‫بعقوقه وسوء صنيعه أو كف اًر بالحجاب فيفسد عليهما أمرهما ودينهما ويبطل عبوديتهما هلل {فأردنا أن يبدلهما ربهما‬
‫خي اًر منه زكاة} كما ّبدلهما بالنفس المطمئنة التي هي خير منه زكاة‪ ،‬أي‪ :‬طهارة ونقاء {وأقرب رحم ًا} تعطفاً ورحمة‬

‫لكونها أعطف على الروح والبدن وأنفع لهما‪ ،‬وأكثر شفقة‪ .‬ويجوز أن يكون المراد باألبوين ّ‬
‫الجد واألب‪ ،‬فكان كناية‬
‫أشد تعطفاً‪.‬‬
‫عن الروح والقلب‪ .‬وكونه أقرب رحماً أنسب لهما و ّ‬

‫سورة الكهف (من اآلية ‪ 82‬الى اآلية ‪)87‬‬

‫َشَّد ُه َما‬
‫ُّك أَن َيْبُل َغآ أ ُ‬ ‫َما اْل ِج َدار َف َكان لِ ُغالَمي ِن يِتيمي ِن ِفي اْلم ِد َين ِة وَكان تَحتَه َك ٌنز َّلهما وَكان أَبوهما ِ‬
‫صالحاً َفأ ََرَاد َرب َ‬
‫ُ َ َ َ ُ َُ َ‬ ‫َ َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َوأ َّ‬
‫ون َك َعن ِذي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ْب اًر * َوَي ْسأَُل َ‬ ‫يل َما َل ْم تَ ْسطـع َّعَل ْيه َ‬ ‫ِك َو َما َف َعْلتُ ُه َع ْن أ َْمرِي َذل َك تَأ ِْو ُ‬ ‫َوَي ْستَ ْخ ِر َجا َك َنزُه َما َر ْح َم ًة ّمن َّرّب َ‬
‫ض َوآتَْيَناهُ ِمن ُك ِّل َشي ٍء َسَبباً * َفأ َْتَب َع َسَبباً * َحتَّ ٰى ِإ َذا َبَل َغ‬ ‫اْلَق ْرَن ْي ِن ُق ْل سأ َْتُلوْا َعَل ْي ُكم ِم ْن ُه ِذ ْك اًر * ِإَّنا م َّكَّنا َل ُه ِفي األ َْر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س و َج َد َها تَ ْغ ُر ُب في َع ْي ٍن َحمَئة وو َج َد ع َند َها َقوماً ُقْلَنا ٰي َذا اْلَق ْرَن ْي ِن ِإ َّمآ أَن تُ َع ّذ َب وإِ َّمآ أَن تَتَّخ َذ ف ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫يه ْم ُح ْسناً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫َم ْغ ِر َب الش ْم َ‬
‫ظَلم َفسوف نع ِّذبه ثُ َّم يرُّد ِإَلى رب ِ‬
‫ِه َفُي َع ِّذُب ُه َع َذاباً ُّن ْك اًر‬‫َما َمن َ َ َ ْ َ ُ َ ُ ُ ُ َ ٰ َ ّ‬ ‫ال أ َّ‬‫* َق َ‬

‫{وأما الجدار فكان لغالمين يتيمين في المدينة} أي‪ :‬العاقلتين النظرية والعملية المنقطعتين عن أبيهما الذي هو روح‬
‫القدس الحتجابهما عنه بالغواشي البدنية أو القلب الذي مات أو قتل قبل الكمال باستيالء النفس في مدينة البدن‬
‫{وكان تحته كنز لهما} أي‪ :‬كنز المعرفة التي ال تحصل إال بهما في مقام القلب إلمكان اجتماع جميع الكليات‬
‫والجزئيات فيه بالفعل وقت الكمال وهو حال بلوغ األشد واستخراج ذلك الكنز‪ .‬وقال بعض أهل الظاهر من المفسرين‪:‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫كان الكنز صحفاً فيها علم {وكان أبوهما} على كال التأويلين {صالحاً} وقيل‪ :‬كان أباً أعلى لهما حفظهما هللا له‪ ،‬فعلى‬
‫هذا ال يكون إال روح القدس‪.‬‬

‫قصة ذي القرنين مشهورة وكان رومياً قريب العهد والتطبيق‪ ،‬إن ذا القرنين في هذا الوجود هو القلب الذي ملك قرنيه‪،‬‬
‫مكنا له} في أرض البدن باإلقدار والتمكين على جمع األموال من المعاني الكلية‬
‫{إنا ّ‬
‫أي‪ :‬خافقيه شرقها وغربها ّ‬
‫أي قطر شاء من المشرق والمغرب‪{ .‬وآتيناه من كل شيء} أراده من الكماالت {سبباً} أي‪ :‬طريقاً‬‫والجزئية والسير إلى ّ‬
‫يتوصل به إليه {فأتبع} طريقاً بالتعلق البدني والتوجه إلى العالم السفلي‪{ .‬حتى إذا بلغ مغرب الشمس} أي‪ :‬مكان‬
‫غروب شمس الروح {وجدها تغرب في عين حمئة} أي‪ :‬مختلطة بالحمأة‪ ،‬وهي المادة البدنية الممتزجة من األجسام‬
‫طَف ٍة أ َْم َشا ٍج} [اإلنسان‪ ،‬اآلية‪{ .]2 :‬ووجد عندها قوماً} هم القوى النفسانية البدنية والروحانية {قلنا‬ ‫الغاسقة كقوله‪ِ :‬‬
‫{من ُّن ْ‬
‫إما أن تُعذب} بالرياضة والقهر واإلماتة {وإما أن تتخذ فيهم حسناً} بالتعديل وإيفاء الحظ‪.‬‬
‫يا ذا القرنين ّ‬

‫أما من ظلم} باإلفراط وعدم االستسالم واالنقياد كالشهوة والغضب والوهم والتخيل {فسوف نع ّذبه} بالرياضة {ثم‬ ‫{قال ّ‬
‫أشد من عذابي‪ ،‬أو في‬ ‫يرد إلى رّبه} في القيامة الصغرى {فيع ّذبه} باإللقاء في نار الطبيعة {عذاباً نك اًر} أي‪ :‬منك اًر ّ‬
‫ّ‬
‫القيامة الكبرى فيعذبه عذاب القهر واإلفناء‪.‬‬

‫سورة الكهف (من اآلية ‪ 88‬الى اآلية ‪)94‬‬

‫ول َل ُه ِم ْن أ َْم ِرَنا ُي ْس اًر * ثُ َّم أ َْتَب َع َسَبباً * َحتَّ ٰى ِإ َذا َبَل َغ َم ْ‬
‫طلِ َع‬ ‫آء اْل ُح ْسَن ٰى َو َسَنُق ُ‬
‫َما م ْن آمن وع ِمل ِ‬
‫صالحاً َفَل ُه َج َز ً‬‫َوأ َّ َ َ َ َ َ َ َ‬
‫طَنا ِب َما َل َد ْي ِه ُخ ْب اًر * ثَُّم أ َْتَب َع َسَبباً *‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ‬
‫طُل ُع َعَل ٰى َق ْو ٍم ل ْم َن ْج َعل ل ُه ْم ّمن ُدوِن َها س ْت اًر * َك َذل َك َوَق ْد أ َ‬
‫َح ْ‬ ‫س َو َج َد َها تَ ْ‬ ‫َّ‬
‫الش ْم ِ‬
‫ْجو َج ُمْف ِس ُدو َن‬
‫ْجو َج َو َمأ ُ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫السَّد ْي ِن َو َج َد من ُدوِن ِه َما َق ْوماً ال َي َك ُادو َن َيْفَق ُهو َن َق ْوالً * َقاُلوْا ٰي َذا اْلَق ْرَن ْي ِن ِإ َّن َيأ ُ‬ ‫َحتَّ ٰى ِإ َذا َبَل َغ َب ْي َن َّ‬
‫ض َف َه ْل َن ْج َع ُل َل َك َخ ْرجاً َعَل ٰى أَن تَ ْج َع َل َب ْيَنَنا َوَب ْيَن ُه ْم َسّداً‬‫ِفي األ َْر ِ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{وع ِمل صالحاً} بالسعي في اكتساب الفضائل‬
‫{وأما من آمن} بالعلم والمعرفة كالعاقلتين و الفكر والحواس الظاهرة َ‬
‫واالنقياد والطاعة {فله جزاء} المثوبة {الحسنى} من جنة الصفات وتجليات أنوارها وأنهار علومها {وسنقول له من أمرنا‬
‫يس اًر} أي‪ :‬قوالً ذا يسر بحصول الملكات الفاضلة‪.‬‬

‫بالتجرد والتزكي {حتى إذا بلغ مطلع الشمس} أي‪ :‬مطلع شمس‬ ‫ّ‬ ‫{ثم أتبع} طريقاً هي طريق الترقي والسلوك إلى هللا‬
‫الروح {وجدها تطلع على قوم} هم العاقلتان والفكر والحدس و القوة القدسية {لم نجعل لهم من دونها ست اًر} أي‪ :‬حجاباً‬
‫لتنورهم بنورها وإدراكهم المعاني الكلية {كذلك} أي‪ :‬أمره كما وصفنا {وقد أحطنا بما لديه} من العلوم والمعارف‬
‫ّ‬
‫والكماالت والفضائل {خب اًر} أي‪ :‬علماً‪ ،‬ومعناه‪ :‬لم يحط به غيرنا لكونه الحضرة الجامعة للعالمين فليس في الوجود‬
‫من يقف على معلوماته إال هللا وألمر ما سمي عرش هللا ‪.‬‬

‫السدين} أي‪ :‬الكونين‪ ،‬وذلك مرتبته ومقامه األصلي بين صدفي‬ ‫{ثم أتبع} طريقاً بالسير في هللا {حتى إذا بلغ بين ّ‬
‫جبلي اإلله والسير في المشرق والمغرب سفرة تنزالً وترقياً {وجد من دونهما قوماً} هم القوى الطبيعية البدنية والحواس‬
‫الظاهرة {ال يكادون يفقهوه قوالً} لكونها غير مدركة للمعاني وال ناطقة بها‪.‬‬

‫{مْفسدون} في أرض‬‫{إن يأجوج} الدواعي والهواجس الوهمية {ومأجوج} الوساوس والنوازع الخيالية ُ‬
‫{قالوا} بلسان الحال ّ‬
‫البدن بالتحريض على الرذائل والشهوات المنافية للنظام والحث على األعمال الموجبة للخلل فيه وخراب القوانين‬
‫الخيرية والقواعد الحكمية وإحداث النوائب والفتن واألهواء والبدع المنافية للعدالة المقتضية لفساد الزرع والنسل {فهل‬
‫سداً} ال يتجاوزونه وحاج اًز ال يعلونه‪،‬‬
‫نجعل لك خرجاً} بإمدادك بكماالتنا وصور مدركاتنا {على أن تجعل بيننا وبينهم ّ‬
‫وذلك هو الحد الشرعي والحجاب القلبي من الحكمة العملية‪.‬‬

‫سورة الكهف (من اآلية ‪ 95‬الى اآلية ‪)99‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َج َع ْل َب ْيَن ُك ْم َوَب ْيَن ُه ْم َرْدماً * آتُوِني ُزَب َر اْل َح ِد ِيد َحتَّ ٰى ِإ َذا َس َاو ٰى َب ْي َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ال َما َم َّكّني فيه َرّبِي َخ ْيٌر َفأَع ُينوِني ِبُقَّوٍة أ ْ‬ ‫َق َ‬
‫اعوْا َل ُه َنْقباً‬
‫ط ُ‬ ‫استَ َ‬‫ظ َه ُروهُ َو َما ْ‬‫اعوْا أَن َي ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫اس َ‬ ‫غ َعَل ْي ِه ِق ْ‬
‫ط اًر * َف َما ْ‬ ‫ال آتُوِني أُْف ِر ْ‬ ‫ِ‬
‫انف ُخوْا َحتَّ ٰى إ َذا َج َعَل ُه َنا اًر َق َ‬ ‫الص َد َف ْي ِن َق َ‬
‫ال ُ‬ ‫َّ‬
‫ض ُهم َي ْومِئ ٍذ َيمو ُج ِفي َب ْع ٍ‬
‫ض‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان َو ْع ُد َرّبِي َحّقاً * َوتََرْكَنا َب ْع َ ْ َ ُ‬ ‫آء َوَك َ‬ ‫آء َو ْع ُد َرّبِي َج َعَل ُه َدك َ‬ ‫ال َهـٰ َذا َر ْح َم ٌة ّمن َّرّبِي َفإ َذا َج َ‬‫* َق َ‬
‫اه ْم َج ْمعاً‬
‫ور َف َج َم ْعَن ُ‬ ‫َوُنِف َخ ِفي ُّ‬
‫الص ِ‬

‫مكني فيه ربي} من المعاني الكلية والجزئية الحاصلة بالتجربة والسير في المشرق والمغرب {خير فأعينوني‬ ‫{قال ما ّ‬
‫بقوة} أي‪ :‬عمل وطاعة {أجعل بينكم وبينهم ردماً} هو الحكمة العملية والقانون الشرعي‪{ .‬آتوني ُزُب َر الحديد} من‬

‫الصور العملية وأوضاع األعمال {حتى إذا ساوى بين الصدفين} بالتعديل والتقدير {قال} للقوى الحيوانية ْ‬
‫{انفخوا} في‬
‫هذه الصور نفخ المعاني الجزئية والهيئات النفسانية من فضائل األخالق {حتى إذا جعله نا اًر} أي‪ :‬علماً برأسه من‬
‫جملة العلوم يحتوي على بيان كيفية األعمال {قال آتوني أفرغ عليه قط اًر} النية والقصد الذي يتوسط بين العلم والعمل‪،‬‬
‫سد‪ ،‬أي‪ :‬قاعدة وبنيان‬
‫فيتحد به روح العلم وجسد العمل كالروح الحيواني المتوسط بين الروح اإلنساني والبدن‪ ،‬فحصل ّ‬
‫طاعوا أن‬
‫اس َ‬
‫من زبر األعمال ونفخ العلوم واألخالق وقطر العزائم والنيات‪ ،‬واطمأنت به النفس وتدبرت فآمنت‪{ .‬فما ْ‬
‫استَطاعوا له‬
‫يظهروه} ويعلوه الرتفاع شأنه وكونه مشتمالً على علوم وحجج لم يمكنهم دفعها واالستيالء عليها {وما ْ‬
‫نقباً} الستحكامه بالملكات واألعمال واألذكار‪.‬‬

‫السد‪ ،‬أي‪ :‬القانون {رحمة من رّبي} على عباده‪ ،‬يوجب أمنهم وبقاءهم {فإذا جاء وعد رّبي} بالقيامة‬ ‫{قال هذا} ّ‬
‫الصغرى {جعله د ّكاً} باطالً‪ ،‬منهدماً‪ ،‬المتناع العمل به عند الموت وخراب اآلالت البدنية‪.‬‬

‫{وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض} باالضطراب واالختالط‪ ،‬أي‪ :‬تركناهم يختلطون الجتماعهم في الروح مع عدم‬
‫الحيلولة {ونفخ في الصور} للبعث في النشأة الثانية {فجمعناهم جمعاً} أو بالقيامة الكبرى حال الفناء وظهور الحق‪.‬‬
‫جعله د ّكاً الرتفاع العلم والحكمة هناك‪ ،‬وظهور معنى الحل واإلباحة بتجلي األفعال اإللهية وانتفاء الغير وفعله‪،‬‬
‫{وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض}‪ ،‬حيارى‪ ،‬مختلطين شيئاً واحداً ال حراك بهم‪{ .‬ونفخ في الصور} باإليجاد‬
‫بالوجود الحقاّني حال البقاء {فجمعناهم جمعاً} في التوحيد واالستقامة والتمكين وكونهم باهلل ال بأنفسهم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الكهف (من اآلية ‪ 100‬الى اآلية ‪)110‬‬

‫َّ ِ‬ ‫ٍِ ِ ِ‬ ‫ات اْلِف ْرَد ْو ِ‬ ‫ِ‬ ‫آمُنوْا َو َع ِمُلوْا َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين‬
‫ين َع ْرضاً * الذ َ‬ ‫ضَنا َج َهَّن َم َي ْو َمئذ ّلْل َكاف ِر َ‬ ‫ال * َو َع َر ْ‬ ‫س ُن ُز ً‬ ‫الصالِ َحات َك َان ْت َل ُه ْم َجَّن ُ‬ ‫ين َ‬ ‫ِإ َّن الذ َ‬
‫ين َكَف ُروْا أَن َيتَّ ِخ ُذوْا ِعَب ِادي ِمن ُدوِني‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫يعو َن َس ْمعاً * أََف َحس َب الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طآء َعن ذ ْكرِي َوَك ُانوْا الَ َي ْستَط ُ‬
‫َكان ْت أَعينهم ِفي ِغ َ ٍ‬
‫َ ْ ُُ ُ ْ‬
‫ِ‬
‫ض َّل َس ْعُي ُه ْم ِفي اْل َحَياة ُّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫الد ْنَيا َو ُه ْم‬ ‫ين َ‬ ‫َع َماالً * الذ َ‬ ‫ين أ ْ‬ ‫َخ َس ِر َ‬‫ين ُن ُزالً * ُق ْل َه ْل ُنَنِّبُئ ُكم ِباأل ْ‬ ‫آء ِإَّنآ أ ْ‬
‫َعتَ ْدَنا َج َهَّن َم لْل َكاف ِر َ‬ ‫ِ‬
‫أ َْولَي َ‬
‫ام ِة َوْزناً‬ ‫ِ‬
‫يم َل ُه ْم َي ْوَم اْلقَي َ‬
‫ِ‬
‫َع َماُل ُه ْم َفالَ ُنق ُ‬ ‫ط ْت أ ْ‬ ‫ات َرّبِ ِه ْم َولَِق ِائ ِه َف َحِب َ‬
‫يحسبون أََّنهم يح ِسنون ص ْنعاً * أُوَلـِٰئك َّال ِذين َكَفروْا ِبآي ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ َُ َ ُْ ُ ْ ُ َ ُ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫* َذلِك ج َزآؤهم جهَّنم ِبما َكَفروْا واتَّ َخ ُذوْا آي ِاتي ورسلِي ه ُزواً * َخالِ ِد ِ‬
‫ان اْلَب ْح ُر‬‫يها الَ َي ْب ُغو َن َع ْن َها حَوالً * ُقل ل ْو َك َ‬ ‫ين ف َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫َ َ ُ ُْ َ َ ُ َ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وح ٰى ِإَل َّي أََّن َمآ‬ ‫م َداداً ِّل َكلِ َمات َرّبِي َلَنف َد اْلَب ْح ُر َقْب َل أَن تَ َنف َد َكلِ َم ُ‬
‫ات َرّبِي َوَل ْو ج ْئَنا ِبم ْثله َم َدداً * ُق ْل ِإَّن َمآ أََن ْا َب َشٌر ّم ْثُل ُك ْم ُي َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِه َفْليعمل عمالً ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صالحاً َوالَ ُي ْش ِر ْك ِبعَب َادة َرّبِه أ َ‬
‫َح َداً‬ ‫آء َرّب َ ْ َ ْ َ َ َ‬ ‫ان َي ْر ُجوْا لَق َ‬ ‫ِإَلـ ُٰه ُك ْم ِإَلـ ٌٰه َواحٌد َف َمن َك َ‬

‫{وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين} أي‪ :‬يوم القيامة الصغرى يتعذب المحجوبون عن الحق بأنواع العذاب والنيران كما‬
‫ذكر في سورة (األنعام) أو في ذلك الشهود‪ ،‬أي‪ :‬ظهر لصاحب القيامة الكبرى تعذبهم في نار جهنم {كانت أعينهم‬
‫وتجليات صفاتي الموجبة لذكري {ال يبغون عنها حوالً} أي‪ :‬تحوالً‬
‫ّ‬ ‫في غطاء عن ذكري} أي‪ :‬محجوبة عن آياتي‬
‫لبلوغهم الكمال الذي يقتضيه استعدادهم‪ ،‬فال شوق لهم إلى ما وراءه وإن وجد كمال وراء ذلك لعدم إدراكهم له فال‬
‫جنات الفردوس يدالن على‬ ‫ذوق وال شوق‪ ،‬وكونهم في مقابلة المشركين المحجوبين عن الحق بالغير‪ .‬وكون ّ‬
‫جناتهم ّ‬
‫أن المراد بهم هم الموحدون الكاملون االستعداد الذين ال كمال فوق كمالهم‪ ،‬فال يبقى شيء وراء مرتبتهم‪ ،‬يريدون‬
‫التحول إليه‪.‬‬
‫ّ‬

‫الممدة لها في الظهور {مداداً لكلمات رّبي} من المعاني والحقائق‬


‫ّ‬ ‫{قل لو كان البحر} أي‪ :‬بحر الهيولى القابلة للصور‬
‫واألعيان واألرواح {لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات رّبي} لكونها غير متناهية وامتناع وفاء المتناهي بغير المتناهي‪،‬‬
‫وهللا أعلم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة مريم (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)3‬‬

‫آء َخِفّي ًا‬ ‫كهيعص * ِذ ْكر رحم ِت ربِك عبده َزَك ِريَّآ * ِإ ْذ ناد ٰى رب ِ‬
‫َّه ن َد ً‬
‫ََ َ ُ‬ ‫ُ َ ْ َ َّ َ َ َْ ُ‬

‫{كهيعص} قد تقدم فيما سلف أن كل طالب ينادي رّبه ويدعوه إنما يستحق اإلجابة إذا دعاه بلسان الحال وناداه‬
‫باسمه الذي هو مصدر مطلوبه بحسب اقتضاء استعداده في ذلك الحال‪ ،‬علم أو لم يعلم‪ ،‬إذ العطاء والفيض ال يكون‬
‫إال بحسب االستعداد‪ ،‬واالستعداد ال يطلب إال مقتضى ذلك االسم فيجيبه بتجلي ذلك االسم الذي يجبر نقصه ويقضي‬
‫رب‪ ،‬فمراده‪ :‬يا شافي‪ ،‬إذ الحق يبريه بذلك االسم عند إجابته‪ .‬وكذا‬
‫حاجته بإفادة مطلوبه كما أن المريض إذا قال‪ :‬يا ّ‬
‫الفقير إذا ناداه أجابه باسمه المغني إذ هو رّبه‪.‬‬

‫سورة مريم (من اآلية ‪ 4‬الى اآلية ‪)15‬‬

‫آءى‬ ‫ر ِب َشِقياً * وإِِّني ِخْفت اْلموالِي ِمن ور ِ‬ ‫َك ْن ِب ُد َع ِآئ َك‬


‫ْس َش ْيباً َوَل ْم أ ُ‬ ‫ظ ُم ِمِّني َو ْ‬
‫ال َر ِّب ِإَّني َو َه َن اْل َع ْ‬
‫ََ‬ ‫ُ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ّ‬ ‫الر ُ‬
‫اشتَ َع َل َّأ‬ ‫َق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اج َعْل ُه َر ِّب َرضّياً * ي َٰزَك ِريَّآ ِإَّنا ُنَب ّش ُر َ‬
‫ك‬ ‫وَك َان ِت ام أرَِتي َع ِاق اًر َفهب لِي ِمن َّل ُد ْن َك ولِياً * ي ِرثُِني وي ِر ُث ِم ْن ِ‬
‫وب َو ْ‬
‫َي ْعُق َ‬‫آل‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َْ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫َبَل ْغ ُت ِم َن اْل ِكَب ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ام َأرَتي َعاق اًر َوَق ْد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ال َر ّب أَن ٰى َي ُكو ُ لي ُغالَ ٌم َوَك َانت ْ‬ ‫اس ُم ُه َي ْحَي ٰى َل ْم َن ْج َعل ل ُه من َقْب ُل َسمّياً * َق َ‬ ‫ب ُغالَ ٍم ْ‬
‫َقال آيتُك أَالَّ‬ ‫ال َر ِّب ا ْج َعل لِي َآي ًة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫ِِ‬
‫َ َ َ‬ ‫ُّك ُه َو َعَل َّي َهّي ٌن َوَق ْد َخَلْقتُ َك من َقْب ُل َوَل ْم تَ ُك َش ْيئاً * َق َ‬
‫ال َرب َ‬
‫ال َكذل َك َق َ‬ ‫عتّياً * َق َ‬
‫َف َخرج َعَل ٰى َقو ِم ِه ِم َن اْل ِم ْحر ِ‬
‫اب َفأ َْو َح ٰى ِإَل ْي ِه ْم أَن َسِّب ُحوْا ُب ْك َرًة َو َع ِشّياً * يَٰي ْحَي ٰى ُخ ِذ‬ ‫ال َس ِوّياً *‬ ‫الناس ثَالَ َث َلي ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫تُ َكّل َم َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫صِبّياً‬ ‫اْل ِكتَ ِ ٍ‬
‫ان تَقّياً * َوَبّاًر بَوال َد ْيه َوَل ْم َي ُكن َجبَّا اًر َعصّياً * َو َسالَ ٌم‬ ‫* َو َحَناناً ّمن ل ُدَّنا َوَزَك ً‬
‫اة َوَك َ‬ ‫اب بُقَّوة َوآتَ ْيَناهُ اْل ُح ْك َم َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫َعَل ْيه َي ْوَم ُولِ َد َوَي ْوَم َي ُم ُ‬
‫وت َوَي ْوَم ُي ْب َع ُث َحي ًا‬

‫ولياً يقوم مقامه في أمر الدين‪ ،‬وتوسل إليه بأمرين‪ ،‬واعتذر إليه معتالً بأمرين‪،‬‬
‫فنادى زكريا عليه السالم رّبه ليهب له ّ‬
‫{وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً}‬ ‫توسل بالضعف والشيخوخة والوهن والعجز عن القيام بأمر الدين في قوله‪َ :‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫فأجابه باسمه الكافي فكفاه ضعفه وأعطاه القوة وأيده بالولد ثم بعنايته به قديماً بقوله‪{ :‬ولم أكن بدعائك ِّ‬
‫رب ش ّقياً}‬ ‫ّ‬
‫فأجابه باسمه الهادي وهداه إلى مطلوبه بالبشارة والوعد‪ ،‬ألن العناية المقتضية للسعادة المستلزمة لسلب الشقاوة‪ ،‬كما‬
‫أشار إليها‪ ،‬يالزمها عبارة عن علمه تعالى في األزل بعين في العدم وتقتضي باستعدادها سعادة تناسبها وهو عين‬
‫إرادته تعالى ذلك الكمال لها عند وجودها فال بد من هداية لها إليه‪ ،‬والهداية إنما تتم بالتوفيق‪ ،‬وهو ترتيب األسباب‬
‫المؤدية إليه‪ ،‬ولم يجدها موافقة ووجد خالفها فخاف واعتذر إليه بالخوف من الموالي لعدم‬
‫ّ‬ ‫الموافقة لذلك المطلوب‬
‫شرهم‪ ،‬وبامتناع وجود الولي من نسله لعدم األسباب بقوله‪{ :‬وكانت‬
‫صالحيتهم لذلك‪ ،‬فأجابه باسمه الواقي‪ ،‬فوقاه ّ‬
‫امرأتي عاق اًر} فأجابه باسمه العليم ألنه علم عدم األسباب الذي تعلل به محتجاً بها عن المسبب وعلم وجوده مع‬
‫يم}‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫{ك َذلِ ِك َق َ ِ ِ َّ‬
‫يم اْل َعل ُ‬
‫ال َربُّك إن ُه ُه َو اْل َحك ُ‬ ‫عدمها وما علمه ال ّبد من كونه‪ ،‬كما قالت المالئكة المرأة إبراهيم عليه السالم‪َ :‬‬
‫[الذاريات‪ ،‬اآلية‪.]30 :‬‬

‫ولما بشره بالولد‪ ،‬وهداه إلى مقتضى العلم‪ ،‬تعجب منه لضراوته في عالم األسباب بالحكمة وكرر التعلل بعدم األسباب‬
‫بقوله‪{ :‬أنى يكون لي غالم} الخ‪ ،‬ألنه كان يطلب ولداً حقيقياً يلي أمره ويحذو حذوه ويسلك طريقه في القيام بأمر‬
‫ا لدين وإن لم يكن من نسله لعدم أهلية مواليه لذلك‪ ،‬فكرر البشارة وهداه إلى سهولة ذلك في قدرته‪ ،‬فالتمس عالمة تدل‬
‫عليه‪ ،‬فهداه إليها وأنجز وعده باسمه الصادق فرحمه بهبة يحيى له‪ .‬فاقتضت األحوال األربعة مع حال الوعد والبشارة‬
‫إجابته بالرحمة عليه باألسماء الخمسة‪ .‬فعلى هذا يكون (كـ) إشارة إلى الكافي الذي اقتضاه حال ضعفه وشيخوخته‬
‫وعجزه و (هـ) إشارة إلى الهادي الذي اقتضاه عنايته به وإرادة مطلوبه له و (ي) إشارة إلى الواقي الذي اقتضاه حال‬
‫خوفه من الموالي و (ع) إشارة إلى العالم الذي اقتضاه إظهاره لعدم األسباب و (ص) إشارة إلى الصادق الذي اقتضاه‬
‫الوعد‪ .‬ومجموع األسماء الخمسة هو‪ :‬الرحيم بهبة الولد‪ ،‬وإفاضة مطلوبه في هذه األحوال‪ .‬فذكر هذه الحروف‬
‫وتعدادها إشارة إلى أن ظهور هذه الصفات التي حصل بها هذه األسماء هو ظهور رحمة عبده زكريا وقت ندائه‬
‫وذكرها ذكر تلك الرحمة التي هي وجود يحيى عليه السالم‪ .‬ولهذا قال ابن عباس رضي هللا عنهما‪( :‬كـ) عبارة عن‬
‫الكافي و (هـ) عن الهادي و (ي) عن الواقي و (ع) عن العالم و (ص) عن الصادق وهللا أعلم‪.‬‬

‫خفياً‪ ،‬واشتكى ضعفه‪ ،‬وتوسل بعنايته‪،‬‬


‫والتطبيق أن يقال‪ :‬نادى زكريا الروح في مقام استعداد العقل الهيوالني نداء ّ‬
‫ولياً يرثني ويرث من آل‬
‫{فهب لي من لدنك ّ‬ ‫ْ‬ ‫واشتكى خوف موالي القوى النفسانية وعقر امرأة النفس بولد القلب‬
‫{نَب ّشرك بغالم} القلب {اسمه يحيى} لحياته أبداً‬
‫رب رضياً} موصوفاً بالكماالت المرضية ُ‬ ‫الفعال {واجعله ّ‬
‫يعقوب} العقل ّ‬
‫الحسية والمخالطة باألمور الطبيعية‬
‫ّ‬ ‫{رب اجعل لي آية} أتوصل بها إليه {آيتك أال تُ َكلم} ناس الحواس بالشواغل‬
‫ّ‬
‫سبحوا} أي كونوا على عبادتكم المخصوصة بكل واحد منكم بالرياضة وترك الفضول دائماً‪.‬‬ ‫{فأوحى إليهم أن ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{صبياً} قريب العهد بالوالدة‬
‫ّ‬ ‫{يا يحيى} القلب {خذ} كتاب العلم‪ ،‬المسمى بالعقل الفرقاني {وآتيناه الحكم} أي‪ :‬الحكمة‬
‫تقياً} مجتنباً‬
‫بالتجرد {وكان ّ‬
‫ّ‬ ‫تقدساً وطهارة‬
‫المعنوية {وحناناً من لدنا} أي‪ :‬رحمة بكمال تجليات الصفات {وزكاة} أي‪ّ :‬‬
‫وتقدس عن مالبسة المواد {يوم ُولِ َد ويوم يموت}‬
‫تنزه ّ‬
‫{وبر بوالديه} الروح والنفس {وسالم عليه} أي‪ّ :‬‬ ‫صفات النفس ّاً‬
‫{حياً} باهلل‪.‬‬
‫بالفناء في الوحدة {ويوم ُي ْبعث} بالبقاء بعد الفناء ّ‬

‫سورة مريم (من اآلية ‪ 16‬الى اآلية ‪)21‬‬

‫وحَنا َفتَ َمَّث َل َل َها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب مريم ِإ ِذ انتَب َذ ْت ِم ْن أ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َهل َها َم َكاناً َش ْرِقياً * َفاتَّ َخ َذ ْت من ُدوِن ِهم ح َجاباً َفأ َْرَسْلَنآ ِإَل ْي َهآ ُر َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َوا ْذ ُك ْر في اْلكتَ َ ْ َ َ‬
‫ِك ألَ َه َب َل ِك ُغالَماً َزِكّياً * َقاَل ْت‬ ‫الرحمـ ِٰن ِمنك ِإن ُكنت تَِقياً * َقال ِإَّنمآ أََن ْا رسول رب ِ‬ ‫َب َش اًر س ِوّياً * َقاَل ْت ِإِّني أ ُ ِ‬
‫َ ُ ُ َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َعوُذ ب َّ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َربُّك ُهو َعَل َّي َهّي ٌن ولَِن ْج َعَل ُه َآي ًة ّلْلَّن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس َوَر ْح َم ًة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال َكذل َك َق َ‬
‫َك َبغّياً * َق َ‬ ‫أََّن ٰى َي ُكو ُن لي ُغالَ ٌم َوَل ْم َي ْم َس ْسني َب َشٌر َوَل ْم أ ُ‬
‫ِمَّنا وَكان أَم اًر َّمْق ِ‬
‫ضّياً‬ ‫ّ َ َ ْ‬

‫{واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شر ّقياً} المكان الشرقي هو مكان العالم القدسي التصالها بروح‬
‫ومقر النفس وأهلها القوى النفسانية والطبيعية‪ .‬والحجاب الذي اتخذته‬
‫تجردها وانتباذها عن ممكن الطبيعة ّ‬ ‫القدس عند ّ‬
‫من دونهم هو حظيرة القدس الممنوع من أهل عالم النفس بحجاب الصدر الذي هو غاية مبلغ علم القوى المادية‬
‫ومدى سيرها‪ ،‬وما لم تترق إلى العالم القدسي بالتجرد لم يمكن إرسال روح القدس إليها‪ ،‬كما أخبر عنه تعالى في‬
‫فتتحرك على‬
‫ّ‬ ‫سوي الخلق‪ ،‬حسن الصورة‪ ،‬لتتأثر نفسها به وتستأنس‬
‫قوله‪{ :‬فأرسلنا إليها روحنا} وإنما تمثل لها بش اًر ّ‬
‫مقتضى الجبلة ويسري األثر من الخيال في الطبيعة فتتحرك شهوتها‪ ،‬فتنزل كما يقع في المنام من االحتالم وتنقذف‬
‫مر أن الوحي قريب من المنامات الصادقة لهذه القوة البدنية وتعطلها عن‬
‫نطفتها في الرحم فيتخلق منه الولد‪ .‬وقد ّ‬
‫أفعالها عنده كما في النوم‪ ،‬فكل ما يرى في الخيال من األحوال الواردة على النفس الناطقة المسماة في اصطالحنا‪:‬‬
‫قلباً‪ ،‬واالتصاالت التي لها باألرواح القدسية يسري في النفس الحيوانية والطبيعية وينفعل منه البدن‪ .‬وإنما أمكن تولد‬
‫تكون الولد بمنزلة األنفحة في الجبن‪ ،‬ومني‬
‫مني الذكر في ّ‬ ‫الولد من نطفة واحدة ألنه ثبت في العلوم الطبيعية أن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن مني الذكر ينفرد بالقوة‬ ‫مني األنثى ال على معنى‬
‫مني الذكر‪ ،‬واالنعقاد من ّ‬ ‫األنثى بمنزلة اللبن أي‪ :‬العقد من‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أن القوة العاقدة في مني الذكر أقوى والمنعقدة في مني األنثى‬‫ومني األنثى بالقوة المنعقدة‪ .‬بل على معنى ّ‬ ‫العاقدة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أقوى وإال لم يمكن أن يتحدا شيئاً واحداً‪ .‬ولم ينعقد مني الذكر حتى يصير جزء من الولد‪ ،‬فعلى هذا إذا كان مزاج‬
‫ّ‬
‫األنثى قوياً ذكورياً كما تكون أمزجة النساء الشريفة النفس‪ ،‬القوية القوى‪ ،‬وكان مزاج كبدها ّاً‬
‫حار كان المني المنفصل‬
‫ّ‬
‫أحر كثي اًر من الذي ينفصل عن كليتها اليسرى‪ ،‬فإذا اجتمعا في الرحم وكان مزاج الرحم قوياً في‬
‫عن كليتها اليمنى ّ‬
‫شدة قوة العقد والمنفصل من الكلية اليسرى مقام مني‬
‫اإلمساك والجذب‪ .‬قام المنفصل من الكلية اليمنى مقام الذكر في ّ‬
‫ّ‬
‫األنثى في قوة االنعقاد فيتخلق الولد‪ ،‬هذا وخصوصاً إذا كانت النفس متأيدة بروح القدس‪ ،‬متقوية‪ ،‬يسري أثر اتصالها‬
‫ويمد جميع القوى في أفعالها بالمدد الروحاني فيصير أقدر على أفعالها بما ال‬
‫به إلى الطبيعة والبدن ويغير المزاج ّ‬
‫ينضبط بالقياس وهللا أعلم‪.‬‬

‫{ولنجعله آية للناس} دالة على البعث والنشور {ورحمة منا} عليهم بتكميلهم به بالشرائع والحكم والمعارف وهدايتهم‬
‫مقضياً} في اللوح‪ ،‬مقد اًر في األزل‪ .‬وعن ابن عباس‪:‬‬
‫ّ‬ ‫بسبب فعلنا ذلك فهو صورة الرحمة اإللهية المعنوية {وكان أم اًر‬
‫فاطمأنت إليه بقوله‪{ :‬إنما أنا رسول ربك ألهب لك غالماً زكياً} فدنا منها‪ ،‬فنفخ في جيب الدرع‪ ،‬أي‪ :‬البدن‪ ،‬وهو‬
‫سبب إنزالها على ما ذكرنا كالغلمة مثالً والمعانقة التي كثي اًر ما تصير سبباً لإلنزال‪ .‬وقيل‪ :‬إن الروح المتمثل لها هو‬
‫روح عيسى عليه السالم عند نزوله واتصاله بها وتعلقه بنطفتها‪ ،‬والحق إنه روح القدس ألنه كان السبب الفاعلي‬
‫لوجوده‪ ،‬كما قال‪{ :‬ألهب لك غالماً زكياً}‪.‬‬

‫سورة مريم (من اآلية ‪ 22‬الى اآلية ‪)26‬‬

‫الن ْخَل ِة َقاَل ْت ٰيَليتَِني ِم ُّت َقبل هـٰ َذا وُكنت نسياً َّم ِ‬ ‫اض ِإَل ٰى ِج ْذ ِع َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نسّياً‬ ‫ْ َ َ َ ُ َْ‬ ‫ْ‬ ‫آء َها اْل َم َخ ُ‬ ‫َف َح َمَل ْت ُه َف ْانتََب َذ ْت ِبه َم َكاناً َقصّياً * َفأ َ‬
‫َج َ‬
‫طباً َجِنّياً * َف ُكلِي‬ ‫الن ْخَل ِة تُ َس ِاق ْ‬
‫ط َعَل ْي ِك ُر َ‬ ‫* َفَناداها ِمن تَحِتهآ أَالَّ تَح َ ِزني َق ْد جعل رب ِ‬
‫ُّك تَ ْحتَ ِك َس ِرّياً * َو ُهّزِى ِإَل ْي ِك ِب ِج ْذ ِع َّ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫ِن ِمن الب َش ِر أَحداً َفُقولِي ِإِّني ن َذرت لِ َّلرحمـ ِٰن صوماً َفَلن أُ َكّلِم اْليوم ِإ ِ‬
‫نسّياً‬ ‫ْ َ َْ َ‬ ‫َْ َ ْ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ‬ ‫اش َربِي َوَقّرِي َع ْيناً َفِإ َّما تَ َري َّ َ َ‬
‫َو ْ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫واتصال روح عيسى بالنطفة إنما يكون بعد حصول النطفة في الرحم واستقرارها فيه ريثما تمتزج وتتحد وتقبل مزاجاً‬
‫قصياً} أي‪ :‬بعيداً من المكان األول الشرقي ألنها وقعت به في‬
‫صالحاً لقبول الروح {فانتبذت به} أي‪ :‬معه {مكاناً ّ‬
‫المكان الغربي الذي هو عالم الطبيعة واألفق الجسماني‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة} نخلة النفس‬
‫{فنادها من تحتها} أي‪ :‬ناداها جبريل من الجهة السفلية بالنسبة إلى مقامها من القلب‪ ،‬أي‪ :‬من عالم الطبيعة الذي‬
‫تشورها وافتضاحها {أالّ تحزني قد جعل رّبك تحتك سرياً} أي‪ :‬جدوالً‬
‫كان حزنها من جهته وهو الحمل الذي هو سبب ّ‬
‫من غرائب العلم الطبيعي وعلم توحيد األفعال الذي خصك هللا بها واصطفاك كما رأيت من تولد الجنين من نطفتك‬
‫وحدها‪.‬‬

‫اخضرت بالحياة الحقيقية بعد‬‫{وهزي إليك بجذع} نخلة نفسك التي بسقت في سماء الروح باتصالك بروح القدس‪ ،‬و ّ‬
‫يبسها بالرياضة وجفافها بالحرمان عن ماء الهوى وحياته‪ ،‬وأثمرت المعارف والمعاني‪ ،‬أي‪ :‬حركيها بالفكر {تُ َس ِاقط‬
‫عليك} من ثمرات المعارف والحقائق {رطباً جنياً فكلي} أي‪ :‬من فوقك رطب الحقائق والمعارف اإللهية وعلم تجليات‬
‫الصفات والمواهب واألحوال {واشربي} من تحتك ماء العلم الطبيعي وبدائع الصنع وغرائب األفعال اإللهية وعلم‬
‫َكُلوْا ِمن َف ْوِق ِه ْم َو ِمن تَ ْح ِت أ َْرُجِل ِهم}[المائدة‪ ،‬اآلية‪:‬‬
‫التوكل وتجليات األفعال واألخالق والمكاسب‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬أل َ‬
‫{فإما ترين من البشر أحداً} أي‪ :‬من أهل‬ ‫{وقري عيناً} بالكمال والولد المبارك الموجود بالقدرة‪ ،‬الموهوب بالعناية ّ‬ ‫‪ّ ]66‬‬
‫الظاهر المحجوبين عن الحقائق بظواهر األسباب وبالصنع والحكمة عن اإلبداع والقدرة التي ال يفهمون قولك وال‬
‫يصدقون بك وبحالك لوقوفهم مع العادة‪ ،‬واحتجابهم بالعقول المشوبة بالوهم المحجوبة عن نور الحق {فقولي إني‬
‫ّ‬
‫نذرت للرحمن صوماً} أي‪ :‬ال تكلميهم في أمرك شيئاً وال تماديهم فيما ال يمكنهم قبوله حتى ينطق هو بحاله‪.‬‬

‫سورة مريم (من اآلية ‪ 27‬الى اآلية ‪)40‬‬

‫ُم ِك َب ِغّياً *‬ ‫َكان أَب ِ‬


‫وك ا ْم َأَر َس ْوٍء َو َما َك َان ْت أ ُّ‬ ‫ُخ َت َه ُارو َن َما‬ ‫ٰم ْرَي ُم َلَق ْد ِج ْئ ِت َش ْيئاً َف ِرّياً‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َ ُ‬ ‫* ٰيأ ْ‬ ‫َفأَتَ ْت به َق ْو َم َها تَ ْحمُل ُه َقاُلوْا ي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب َو َج َعَلني َنِبّياً * َو َج َعَلني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ‬
‫ال ِإِّني َع ْب ُد َّ‬ ‫صِبّياً‬ ‫ِ‬ ‫َشار ْت ِإَلي ِه َقاُلوْا َكيف ُن َكِّلم من َك ِ‬
‫آتَان َي اْلكتَ َ‬ ‫* َق َ‬ ‫ان في اْل َم ْهد َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َفأ َ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫السالَ ُم َعَل َّي‬
‫* َو َّ‬ ‫الزَك ِاة َما ُد ْم ُت َحّياً * َوَبّاًر ِب َٰولِ َدِتي َوَل ْم َي ْج َعْلِني َجبَّا اًر َشِقّياً‬
‫الصالَ ِة و َّ‬
‫َ‬ ‫ص ِاني ِب َّ‬ ‫نت َوأ َْو َ‬
‫ُمَب َاركاً أ َْي َن َما ُك ُ‬
‫ان ََّّللِ أَن َيتَّ ِخ َذ‬‫يه َي ْمتُُرو َن * َما‬
‫َك َ‬
‫يوم ولِد ُّت ويوم أَموت ويوم أُبع ُث حياً * ٰذلِك ِعيسى ابن مريم َقول اْلح ِق َّال ِذي ِف ِ‬
‫َ َ ْ ُ َ ْ ََ ْ َ َ ّ‬ ‫َْ َ ُ ْ َ َْ َ ُ ُ َ َْ َ ْ َ َ ّ‬
‫ِ‬ ‫ُّكم َفاعبدوه هـٰ َذا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ف‬
‫اخَتَل َ‬
‫يم * َف ْ‬ ‫ط ُّم ْستَق ٌ‬ ‫ص َار ٌ‬ ‫َّللاَ َرّبِي َوَرب ُ ْ ْ ُ ُ ُ َ‬ ‫ول َل ُه ُكن َفَي ُكو ُن * َوإِ َّن َّ‬‫ض ٰى أ َْم اًر َفإَّن َما َيُق ُ‬‫من َوَلد ُس ْب َح َان ُه ِإ َذا َق َ‬
‫صر يوم يأْتُوننا َلـ ِٰك ِن َّ‬
‫الظالِ ُمو َن اْلَي ْوَم ِفي‬ ‫ِ‬ ‫األَح َزاب ِمن بيِن ِهم َفويل ّلَِّل ِذين َكَفروْا ِمن َّم ْشه ِد يو ٍم ع ِظي ٍم * أ ِ‬
‫َسم ْع ِب ِه ْم َوأ َْب ْ َ ْ َ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َْ ْ َ ْ ٌ‬ ‫ْ ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضالَ ٍل ُّمِب ٍ‬
‫ين * َوأ َْنذ ْرُه ْم َي ْوَم اْل َح ْس َرِة ِإ ْذ ُقض َي األ َْم ُر َو ُه ْم في َغْفَلة َو ُه ْم الَ ُي ْؤ ِمُنو َن * ِإَّنا َن ْح ُن َن ِر ُث األ َْر َ‬
‫ض َو َم ْن‬ ‫َ‬
‫َعَل ْي َها َوإَِل ْيَنا ُي ْر َج ُعو َن‬

‫علي} في المواطن الثالثة كما على يحيى لكون ذاتي مجردة ّ‬


‫مقدسة ال تحتجب بالمواد حتى في الطفولة‪ ،‬إذ‬
‫ّ‬
‫{والسالم‬
‫التنزه عن العيوب الالحقة بواسطة تعلق المادة {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق} أي‪ :‬كلمته التي هي‬
‫معنى السالم‪ّ :‬‬
‫مر غير مرة‪.‬‬
‫مجردة أزلية‪ ،‬كما ّ‬
‫عبارة عن ذات ّ‬

‫{ما كان هلل أن يتخذ من ولد} المتناع وجود شيء آخر معه {سبحانه} عن أن يوجد معه شيء {فإنما يقول له كن‬
‫{إنا نحن نرث األرض ومن عليها} في القيامة الكبرى بالفناء‬
‫بمجرد تعلق إرادته به من غير زمان‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫فيكون} أي‪ :‬يبدعه‬
‫المطلق والشهود الذاتي‪ .‬الصدق أصل كل فضيلة‪ ،‬ومالك كل كمال‪ ،‬وخميرة كل مقام‪ ،‬واستعداد كل موهبة‪.‬‬

‫سورة مريم (من اآلية ‪ 41‬الى اآلية ‪)55‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫اهيم ِإَّن ُه َك َ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫ال ألَِبيه ٰيأََبت ل َم تَ ْعُب ُد َما الَ َي ْس َم ُع َوالَ ُي ْبص ُر َوالَ ُي ْغني َع َ‬
‫نك‬ ‫ِ‬
‫ان صّديقاً َّنبّياً * إ ْذ َق َ‬ ‫َوا ْذ ُك ْر في اْلكتَاب إ ْب َر َ‬
‫ان‬
‫طَ‬ ‫ان ِإ َّن َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫طَ‬ ‫ص َراطاً َس ِوّياً * ٰيأََب ِت الَ تَ ْعُب ِد ال َّش ْي َ‬ ‫َشيئاً * ٰيأَب ِت ِإِّني َق ْد جآءِني ِمن اْل ِعْل ِم ما َلم يأِْتك َفاتَِّبعِني أَه ِدك ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ْحمـ ِٰن َفتَ ُكو َن ل َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َنت َع ْن‬‫ال أ ََراغ ٌب أ َ‬ ‫ان َولِّياً * َق َ‬ ‫طِ‬ ‫لش ْي َ‬ ‫اب ّم َن َّ َ‬
‫اف أَن َي َم َّس َك َع َذ ٌ‬
‫َخ ُ‬ ‫ان ل َّلر ْح َمـ ِٰن َعصّياً * ٰيأََبت ِإّني أ َ‬
‫َك َ‬
‫ان ِبي َحِفّياً‬ ‫اهيم َلِئن َّلم تَنتَ ِه ألَرجمَّنك واهج ِرني مِلياً * َقال سالَم عَليك سأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َعتَ ِزُل ُك ْم‬‫* َوأ ْ‬ ‫َستَ ْغف ُر َل َك َرّبِي ِإَّن ُه َك َ‬ ‫َ َ ٌ ََْ َ ْ‬ ‫ْ ُ َ َ َ ْ ُْ َ ّ‬ ‫ْ‬ ‫آل َهتي ٰيإ ِْب َر ُ‬
‫َّللاِ َو َه ْبَنا‬
‫َّ‬ ‫اعتََزَل ُه ْم َو َما َي ْعُب ُدو َن ِمن ُدو ِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ َوأ َْد ُعو َرّبِي َع َسى أَالَّ أ ُ‬
‫َكو َن ِب ُد َعآء َرّبِي َشقّياً * َفَل َّما ْ‬ ‫َو َما تَ ْد ُعو َن ِمن ُدو ِن َّ‬
‫َله ِإسحاق ويعُقوب وُكالًّ جعْلنا نِبياً * ووهبنا َلهم ِمن َّرحمِتنا وجعْلنا َلهم لِسان ِ‬
‫ص ْد ٍق َعلِّياً * وا ْذ ُك ْر ِفي اْل ِكتَ ِ‬
‫اب‬ ‫َ‬ ‫َ َ ََْ ْ ّ ْ َ َ َ َ َ َ ُ ْ َ َ‬ ‫ََ َ َ ّ‬ ‫ُ ْ َ َ ََْ َ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ور األ َْي َم ِن َوَقَّرْبَناهُ َن ِجّياً * َوَو َه ْبَنا َل ُه ِمن َّر ْح َمِتَنآ‬ ‫موسى ِإَّنه َكان م ْخلِصاً وَكان رسوالً َّنِبياً * وناديناه ِمن ج ِان ِب ُّ‬
‫الط ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َْ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫ُ َٰ ُ َ ُ‬
‫الصـالَ ِة‬‫َهَل ُه ِب َّ‬
‫ْم ُر أ ْ‬
‫ان َيأ ُ‬ ‫ان َرُسوالً َّنِبّياً * َوَك َ‬
‫ِ‬ ‫اعيل ِإَّنه َكان ِ‬
‫صاد َق اْل َو ْعد َوَك َ‬
‫ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َخاهُ َه ُارو َن َنبّياً * َوا ْذ ُك ْر في اْلكتَاب إ ْس َم َ ُ َ َ‬
‫أَ‬
‫ِه مر ِ‬
‫ضّياً‬ ‫ِ‬ ‫و َّ ِ‬
‫ـاة وَك ِ‬
‫ان ع َند َرّب َ ْ‬
‫الزَك َ َ‬ ‫َ‬

‫{لم تعبد ما ال يسمع وال يبصر} مما سوى هللا من األكوان التي تطلبها وتنسب التأثير إليها {وال يغني عنك شيئاً} في‬
‫جرد هللا ذاتك عن المواد التي‬
‫الحقيقة لعدم تأثيره‪{ .‬قد جاءني من العلم} أي‪ :‬التوحيد الذاتي {سالم عليك} أي‪ّ :‬‬
‫احتجبت بها {سأستغفر لك رّبي} سأطلب منه ستر ذاتك بنوره ومحو غشاوات صفاتك بصفاته‪ ،‬ودناءة هيئات نفسك‬
‫مجرداً ذاته وعلمه في السلوك لوجه هللا لم يلتفت إلى ما سواه من‬
‫بأفعاله إن أمكن {إنه كان مخلصاً} بالكسر‪ ،‬أي ّ‬
‫ظ ْر ِإَل ْي َك}[األعراف‪،‬‬
‫ط َغ ٰى} بقوله‪{ :‬أ َِرِني أَن ُ‬
‫ص ُر َو َما َ‬
‫{ما َازغَ اْلَب َ‬
‫وجهة حتى صفاته تعالى‪ ،‬بل نفاها عن ذاته‪ ،‬وهو َ‬
‫اآلية‪ .]143:‬ومخلصاً بالفتح‪ ،‬أي‪ :‬أخلصه هللا عن أنانيته وأفنى البقية منه فخلص من الطغيان المذكور بالتجلي‬
‫الذاتي التام‪ ،‬واستقام بتمكين هللا إياه كما قال‪َ{ :‬فَل َّما تَجَّلى ربُّه لِْلجب ِل جعَله د ّكاً وخَّر موسى ِ‬
‫ال‬ ‫صعقاً َفَل َّمآ أََف َ‬
‫اق َق َ‬ ‫َٰ َ‬ ‫َ ٰ َ ُ ََ َ َ ُ َ َ َ‬
‫نبياً} مقام الرسالة دون مقام ّ‬
‫النبوة‬ ‫ُس ْب َح َان َك تُْب ُت ِإَل ْي َك}[األعراف‪ ،‬اآلية‪ ]143:‬من ذنب ظهور األنانية {وكان رسوالً ّ‬
‫لكونها مبينة لألحكام كالحالل والحرام‪ ،‬منبه على األوضاع كالصالة والصيام فهي متعلقة ببيان أحكام المكلفين‪ .‬وأما‬
‫النبوة فهي عبارة عن اإلنباء عن المعاني الغيبية كأحوال المعاد والبعث والنشور والمعارف اإللهية كتعريف الصفات‬‫ّ‬
‫واألسماء وما يليق باهلل من التحميدات والتمجيدات والوالية فوقهما جميعاً لكونها عبارة عن الفناء في ذات هللا من غير‬
‫النبوة وال الرسالة لكونها‬
‫اعتبار الخلق فهي أشرف المقامات لكونها تتقدم عليهما ألنها ما لم تحصل أوالً لم تمكن ّ‬
‫مقومة إياهما ولهذا قدم كونه مخلصاً في القرآن بالفتح‪ ،‬وأخرت النبوة عن الرسالة لكونها أشرف وأدل على المدح‬
‫ّ‬
‫والتعظيم منها ولم يؤخر الوالية عنهام باعتبار الشرف ألنها وإن كانت أشرف لكنها باطنة ال يعرف شرفها وفضلها إال‬
‫األفراد من العرفاء المحققين المخصوصين بدقة النظر دون غيرهم فال يفيد المدح والتعظيم وال االقتصار عليها بقوله‬
‫مخلصاً وإن كانت أشرف ألنها قد توجد بدونهما بخالف العكس‪ ،‬فال يحسن وصفه إال على هذا الترتيب‪.‬‬

‫السر الذي هو محل المناجاة‪،‬‬‫وناديناه من جانب الطور األيمن} أي‪ :‬طور وجوده الذي هو نهاية طور القلب في مقام ّ‬
‫نجياً} وسمي كليم هللا‪ .‬وإنما وصفه باأليمن الذي هو األشرف واألقوى واألكثر بركة احت ار اًز عن‬
‫ولذا قال‪{ :‬وقربناه ّ‬
‫جانبه األيسر الذي هو الصدر‪ ،‬ألن الوحي إنما يأتي من عالم الروح الذي هو الوادي المقدس‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة مريم (من اآلية ‪ 56‬الى اآلية ‪)60‬‬

‫النِبِّي ْي َن ِمن‬
‫َّللاُ َعَل ْي ِهم ِّم َن َّ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب ِإد ِريس ِإَّنه َك ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان صّديقاً َّنِبَّياً * َوَرَف ْعَناهُ َم َكاناً َعلّياً * أُوَلـٰئ َك الذ َ‬
‫ين أ َْن َع َم َّ‬ ‫َوا ْذ ُك ْر في اْلكتَ ِ ْ َ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫الر ْح َمـ ِٰن َخُّروْا‬ ‫اجتََب ْيَنآ ِإ َذا تُْتَل ٰى َعَل ْي ِه ْم َآي ُ‬
‫ات َّ‬ ‫يل َو ِم َّم ْن َه َد ْيَنا َو ْ‬
‫يم َوِإ ْس َرائ َ‬ ‫ِ‬
‫ُذّريَّة َء َاد َم َوم َّم ْن َح َمْلَنا َم َع ُنو ٍح َومن ُذّريَّة إ ْب َراه َ‬
‫آم َن َو َع ِم َل‬ ‫َّ‬ ‫الص َٰلوة واتَّبعوْا َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫س َّجداً وب ِكياً * َفخَل ِ‬
‫اب َو َ‬ ‫ف َيْلَقو َن َغّياً * ِإال َمن تَ َ‬ ‫الش َه َٰوت َف َس ْو َ‬ ‫اعوْا َّ َ َ َ ُ‬ ‫َض ُ‬ ‫فأَ‬ ‫ف من َب ْعده ْم َخْل ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫َُ ّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫صالِحاً َفأ ُْوَلـٰئ َك َي ْد ُخُلو َن اْل َجَّن َة َوالَ ُي ْ‬
‫ظَل ُمو َن َش ْيئ ًا‬ ‫َ‬

‫علياً} إن كان بمعنى المكانة فهو قربه من هللا ورتبته في مقام الوالية من عين الجمع‪ ،‬وإن كان بمعنى‬
‫{ورفعناه مكاناً ّ‬
‫مقر عيسى عليه السالم لما ذكر من كونه مركز روحه في األصل والمبدأ األول‬ ‫المكان فهو الفلك الرابع الذي هو ّ‬
‫لفيضانه إذا فاض عن محرك فلك الشمس ومعشوقه {إذا تُْتلى عليهم آيات الرحمن} سمعوا بالنفس من كل آية‬
‫حدها‪ ،‬وصعدوا بالروح مطلعها‪ ،‬فشاهدوا المتكلم موصوفاً بالصفة التي تجلى‬
‫بالسر ّ‬
‫ّ‬ ‫ظاهرها‪ ،‬وبالقلب باطنها‪ ،‬وفهموا‬
‫خروا ُسجداً} فنوا في ذلك االسم الذي تجلى به عند ظهوره بتلك الصفة الكاشفة عنها تلك اآلية‪ ،‬وبكوا‬
‫بها في اآلية فـ{ ّ‬
‫اشتياقاً إلى مشاهدته بسائر الصفات المشتمل عليه الرحمن أو هللا وهو بكاء القلب إن لم يكن مستلزماً لبقاء النفس من‬
‫خوف البعد‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬

‫ويبكي إن دنوا خوف الفراق‬ ‫ويبكي إن نأوا شوقاً إليهم‬

‫أضاعوا صالة الحضور لكونهم في مقام النفس‪ ،‬والحضور إنما يكون بالقلب‪ ،‬وال صالة إال به‪ .‬ولذلك االحتجاب‬
‫شر وضالالً إذ كلما أمعنوا في اتباعها ازداد‬ ‫بصفات النفس عن مقام القلب لزم اتباع الشهوات {فسوف يلقون ّ‬
‫غياً} ّاً‬
‫تورطهم فيها‪ ،‬كما قال عليه الصالة والسالم‪" :‬الذنب بعد‬ ‫حجابهم فازداد ضاللهم وارتكبت الذنوب على الذنوب‪ ،‬فازداد ّ‬
‫الذنب عقوبة للذنب األول‬

‫‪".‬‬

‫{وع ِمل صالحاً} باكتساب الفضيلة {فأولئك‬


‫{إالّ من تاب} عن الذنب األول فرجع إلى مقام القلب {وآمن} باليقين َ‬
‫يدخلون الجنة} المطلقة بحسب استحقاقهم ودرجتهم في اإليمان والعمل {وال يظلمون} أي‪ :‬ال ينقصون مما اقتضاه‬
‫حالهم ومقامهم {شيئاً}‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة مريم (من اآلية ‪ 61‬الى اآلية ‪)65‬‬

‫ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫يها َل ْغواً إال َسالَماً َوَل ُه ْم ِرْزُق ُه ْم ف َ‬
‫يها‬ ‫ِ‬
‫* ال َي ْس َم ُعو َن ف َ‬
‫َّ‬ ‫ان َو ْع ُدهُ َمأِْتّياً‬ ‫ِ‬ ‫ات َع ْد ٍن َّالِتي َو َع َد َّ‬
‫الر ْح َمـ ُٰن عَب َادهُ ِباْل َغ ْي ِب ِإَّن ُه َك َ‬
‫جَّن ِ‬
‫َ‬
‫ِك َل ُه َما َب ْي َن أ َْي ِد َينا َو َما َخْلَفَنا‬ ‫َّ‬
‫َو َما َنتََنَّزُل ِإال ِبأ َْم ِر َرّب َ‬ ‫ان تَِقّياً *‬ ‫ِ‬ ‫ب ْكرة وع ِشياً * ِتْلك اْلجَّن ُة َّالِتي ن ِ ِ ِ‬
‫ور ُث م ْن عَبادَنا َمن َك َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ًَ َ َ ّ‬
‫طِب ْر لِ ِعَب َادِت ِه َه ْل تَ ْعَل ُم َل ُه َس ِمّياً‬
‫اص َ‬
‫اعُب ْدهُ َو ْ‬
‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬
‫ض َو َما َب ْيَن ُه َما َف ْ‬
‫وما بين ٰذلِك وما َكان رب ِ‬
‫ُّك َنسّياً * َّر ُّب َّ َ َ َ‬
‫َ َ َْ َ َ َ َ َ َ َ‬

‫{جنات عدن} مرتبة بحسب درجاتهم في مقام النفس والقلب والروح {التي وعد الرحمن} المفيض بجالئل النعم‬
‫وأصولها وعمومها {عباده بالغيب} في حالة كونهم غائبين عنها {إال سالماً} أي‪ :‬ما يسلمهم من النقائص ويجردهم‬
‫وعشيا} أي‪ :‬دائماً أو بكرة في جنة القلب وقت ظهور نور‬
‫ّ‬ ‫عن المواد من المعارف والحكم {ولهم رزقهم فيها بكرة‬
‫وعشياً في جنة النفس وقت غروبه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫شمس الروح‪،‬‬

‫تقياً} مطلقاً بحسب تقواه‪ ،‬فإن اتقى‬


‫{تلك الجنة} المطلقة التي تقع على واحدة منها {التي نورث من عبادنا من كان ّ‬
‫الرذائل والمعاصي نورثه جنة النفس أي جنة اآلثار‪ ،‬وإن اتقى أفعاله بالتوكل فله جنة القلب وحضور تجليات األفعال‪،‬‬
‫وإن اتقى صفاته في مقام القلب فله جنة الصفات‪ ،‬وإن اتقى ذاته ووجوده بالفناء في هللا فله جنة الذات‪.‬‬

‫تنزل المالئكة واتصال النفس بالمأل األعلى إنما يكون بأمرين‪ :‬استعداد أصلي وصفاء‬ ‫{وما نتنزل إال بأمر رّبك} ّ‬
‫فطري يناسب به جوهر الروح العالم األعلى‪ ،‬واستعداد حالي بالتصفية والتزكية وال يكفي مجرد حصولها فيه‪ ،‬بل‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫اموْا تَ َتَنَّزُل َعَل ْي ِه ُم اْل َمالَئ َك ُة}[فصلت‪ ،‬اآلية‪]30:‬‬ ‫َّ ِ‬
‫استََق ُ‬
‫َّللاُ ثُ َّم ْ‬ ‫المعتبر هو المالئكة‪ :‬أال ترى إلى قوله {ِإ َّن الذ َ‬
‫ين َقاُلوْا َربَُّنا َّ‬
‫تنزل الشياطين‪{ :‬تََنَّزُل َعَل ٰى ُك ِّل‬
‫كيف رتّب التنزل على االستقامة التي هي التمكين الدال على الملكة‪ .‬وإلى قوله في ّ‬
‫تنزلهم بناء المبالغة الدال على الملكة والدوام فكذا ال‬ ‫اك أَِثيمٍ}[الشعراء‪ ،‬اآلية‪ ]222 :‬كيف أورد في حصول استعداد ّ‬ ‫أََّف ٍ‬

‫الصديق الخير‪ .‬وهذا االستعداد الثاني إذا اجتمع مع األول كان عالمة إذن الحق وأمره‪ ،‬إذ‬
‫ّ‬ ‫تتنزل المالئكة إال على‬
‫وقل صبره نزلت‪ ،‬أي‪:‬‬
‫الفيض عام‪ ،‬تام‪ ،‬غير منقطع‪ ،‬فحيث تأخر إنما تأخر لعدم االستعداد‪ ،‬فلذا لما استبطأ الوحي ّ‬
‫نتنزل باختيارنا بل باختياره وأمره ليس إال‪.‬‬
‫وما ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وتتقدم أطوارنا التي وجوهنا إليها وال يحيط علمنا بها {وما خلفنا} من‬
‫{له ما بين أيدينا} من أطوار الجبروت التي فوقنا ّ‬
‫أطوار الملكوت األرضية التي دون أطوارنا {وما بين ذلك} من األطوار الملكوتية التي نحن فيها‪ ،‬كلهم في ملكة قهره‬
‫يستعد لكمال فال يفيض عليه أو تاركاً لمستحق‬
‫ّ‬ ‫نسيا} ينسى شيئاً‬
‫وتحت سلطنة أمره وإحاطة علمه {وما كان رّبك ّ‬
‫بدون حقه بل يحيط بكل االستعدادات علماً ويفيض الكمال عليها وينزل مقتضاها مع الحصول دفعة فإن تأخر الوحي‬
‫{رب السموات واألرض وما بينهما} يرب كالً منهما باسم يخصه ويدبره ويفيض‬
‫فإنما كان من جهتك ال من جهته هو ّ‬
‫تستعد لقبول الفيض‬
‫ّ‬ ‫ما يقتضيه حاله عليه فيرب الكل بجميع أسمائه {فاعبده} بعبادتك التي يقتضيها حالك حتى‬
‫ونزول الوحي وال يكفي وجود العبادة بتهيئة االستعداد بالتصفية مرة أو مرتين بل الدوام على ذلك معتبر‪ ،‬فدم على‬
‫سمياً} مثال‪ ،‬فتلتفت إليه وتقبل‬
‫ذلك الصفاء الموجب للقبول {واصطبر} لعبادته بالتوجه إليه على الدوام {هل تعلم له ّ‬
‫بوجهك نحوه فيفيض عليك مطلوبك‪.‬‬

‫سورة مريم (من اآلية ‪ 66‬الى اآلية ‪)75‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإلنس ِ‬


‫نس ُن أََّنا َخَلْقَناهُ من َقْب ُل َوَل ْم َي ُك َش ْيئاً * َفَوَرّب َ‬
‫ِك‬ ‫ُخ َرُج َحّياً * أ ََوالَ َي ْذ ُك ُر اإل َٰ‬ ‫ف أْ‬ ‫ان أَء َذا َما م ُّت َل َس ْو َ‬ ‫ول ِ َ ُ‬ ‫َوَيُق ُ‬
‫الر ْح َمـ ِٰن ِعِتّياً * ثُ َّم‬ ‫نزع َّن ِمن ُك ِل ِش ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َلنح ُشرَّنهم و َّ ِ‬
‫َشُّد َعَلى َّ‬ ‫يعة أَي ُ‬
‫ُّه ْم أ َ‬ ‫ّ َ‬ ‫ين ثُ َّم َلُن ْحض َرَّن ُه ْم َح ْو َل َج َهَّن َم ِجثّياً * ثُ َّم َلَن ِ َ‬
‫الشَياط َ‬ ‫َ ْ َ ُْ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫صلِياً * وإِن ِم ُ َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين اتََّقوْا‬ ‫ِك َح ْتماً َّمْقضّياً * ثُ َّم ُنَن ِّجي الذ َ‬ ‫ان َعَل ٰى َرّب َ‬ ‫نك ْم ِإال َو ِارُد َها َك َ‬ ‫َ ّ‬ ‫ين ُه ْم أ َْوَل ٰى ِب َها ّ‬ ‫َعَل ُم ِبالذ َ‬
‫َلَن ْح ُن أ ْ‬
‫َِّ ِ‬ ‫* وإِ َذا تُْتَلى عَلي ِهم آياتُنا بِي ٰن ٍت َق َّ ِ‬ ‫يها ِجِثّياً‬ ‫الظالِ ِم ِ‬ ‫َّون َذر َّ‬
‫َح َس ُن‬‫َي اْلَف ِريَق ْي ِن َخ ْيٌر َّمَقاماً َوأ ْ‬
‫آمُنوْا أ ُّ‬ ‫ين َ‬ ‫ين َكَف ُروْا للذ َ‬
‫ال الذ َ‬‫َ‬ ‫ٰ َ ْ ْ َ َ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ين ف َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫الضَلـَٰل ِة َفْلَي ْم ُد ْد َل ُه َّ‬
‫الر ْح َمـ ُٰن َمّداً َحتَّ ٰى ِإ َذا َأرَْوْا‬ ‫ان ِفي َّ‬ ‫ِ‬
‫ّمن َق ْرٍن ُه ْم أ ْ‬
‫َح َس ُن أَثَاثاً َوِرْءياً * ُق ْل َمن َك َ‬ ‫َهَل ْكَنا َقْبَل ُه ْم‬ ‫ِ‬
‫َندّياً * َوَك ْم أ ْ‬
‫ف ُجنداً‬ ‫اع َة َف َسَي ْعَل ُمو َن َم ْن ُه َو َشٌّر َّم َكاناً َوأ ْ‬
‫َض َع ُ‬ ‫الس َ‬
‫اب َوإِ َّما َّ‬ ‫وع ُدو َن ِإ َّما َ‬
‫الع َذ َ‬ ‫َما ُي َ‬

‫يعتد به‪ ،‬كما قال‪َ{ :‬ل ْم َي ُكن َش ْيئاً َّم ْذ ُكو اًر}[اإلنسان‪ ،‬اآلية‪ ]1 :‬ألن‬
‫{ولم يك شيئاً} في عالم الشهادة محسوساً أو شيئاً ّ‬
‫الوجود العيني في األزل قبل الخلق كال وجود النطماسه في عين الجمع {لنحشرنهم والشياطين} أي‪ :‬لنحشرّن‬
‫ألن نفوس المحجوبين تناسب في الكدورة‬
‫المحجوبين المنكرين للبعث مع الشياطين الذين أغووهم وأضلوهم عن الحق ّ‬
‫والبعد عن النور نفوس الشياطين‪ ،‬فبالضرورة يحشرون معهم خصوصاً إذا اتبعوهم في االعتقاد {ثم لنحضرنهم حول‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫جهنم} الطبيعة في العالم السفلي الحتجابهم بالغواشي الهيوالنية والغواسق الظلمانية في الهياكل السجنية مقرنين في‬
‫عن من كل‬ ‫األصفاد‪ ،‬سرابيلهم من قطران {جثياً} العوجاج هياكلهم بسبب عوج نفوسهم فال يستطيعون قياماً {ثم لننز ّ‬
‫أشد على ما علمنا من حاله‪ ،‬فنحن أعلم به‬ ‫أشد عتياً على الرحمن بعذاب ّ‬
‫لنخصن من كل فرقة من هو ّ‬ ‫َّ‬ ‫شيعة} أي‪:‬‬
‫منه‪ ،‬فنصليه بعذاب هو أولى به‪.‬‬

‫إن منكم إالّ واردها} أي‪ :‬ال ّبد لكل أحد عند البعث والنشور أن يرد عالم الطبيعة لكونها مجاز عالم القدس {كان‬
‫{و ّ‬
‫برد روحه إلى الجسد ال يمكنه الجواز على الصراط‬
‫على رّبك حتماً مقضيا} أي‪ :‬حكماً جزماً‪ ،‬مقطوعاً به‪ .‬ومن بعث ّ‬
‫إال بالجواز على جهنم‪ ،‬ألن المؤمن لما جاء أطفأ نوره لهبها فلم يشعر بها‪ .‬كما روي أنها تقول‪ :‬جز يا مؤمن فإن‬
‫نورك أطفأ لهبي‪ .‬ولو سألته بعد دخول الجنة‪ :‬كيف كان حالك في النار؟ لقال‪ :‬ما أحسست بها‪ .‬كما سئل الصادق‬
‫عليه السالم‪ :‬أتردونها أنتم أيضاً؟ فقال‪ :‬جزناها وهي خامدة‪ .‬وعن ابن عباس‪ :‬يردونها كأنها أهالة‪ .‬وعن جابر بن‬
‫عبد هللا أنه سأل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن ذلك فقال‪" :‬إذا دخل أهل الجنة الجنة قال بعضهم لبعض‪ :‬أليس‬
‫وعدنا ربنا أن نرد النار؟ فيقال لهم‪ :‬وردتموها وهي خامدة"‪ .‬وعنه رحمه هللا أنه سئل عن هذه اآلية فقال‪ :‬سمعت‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪ ":‬الورود الدخول ال يبقى ّبر وال فاجر إال دخلها فتكون على المؤمنين برداً‬
‫أن للنار ضجيجاً من بردها"‪ .‬وأما قوله‪{ :‬أ ُْوَلـِٰئ َك َع ْن َها‬
‫وسالماً كما كانت على إبراهيم عليه السالم حتى ّ‬
‫ُم ْب َع ُدو َن}[األنبياء‪ ،‬اآلية‪ ]101:‬فالمراد عن عذابها‪.‬‬

‫{ثم ننجي الذين اتّقوا} لتجردهم بالجواز على الصراط الذي هو سلوك طريق العدالة إلى التوحيد كالبرق {ونذر‬
‫الظالمين} الذين نقصوا نور استعدادهم في الظلمات أو وضعوه غير موضعه {فيها جثياً} ال حراك بهم لتوردهم في‬
‫ظُلمات يوم القيامة‬
‫المواد الظلمانية كما قال عليه السالم‪" :‬الظلم ُ‬

‫‪".‬‬

‫سورة مريم (من اآلية ‪ 76‬الى اآلية ‪)82‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وي ِزيد َّ َّ ِ‬
‫ِك ثََواباً َو َخ ْيٌر َّم َرّداً * أََف َأرَْي َت الذي َكَف َر ب َآياتَنا َوَق َ‬
‫ال‬ ‫الصالِ َح ُ‬
‫ات َخ ْيٌر ع َند َرّب َ‬ ‫ات َّ‬ ‫اهتَ َدوْا ُه ًدى َواْلَباقَي ُ‬
‫ين ْ‬ ‫َّللاُ الذ َ‬ ‫ََ ُ‬
‫الر ْحمـ ِٰن َع ْهداً * َكالَّ سَن ْكتُب ما يُقول وَنمُّد َل ُه ِم َن اْلع َذ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ‬
‫اب َمّداً *‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ ُ َ ُ‬ ‫ألُوتََي َّن َماالً َوَوَلداً * أَطَل َع اْل َغ ْي َب أَ ِم ات َخ َذ ع َند َّ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ون ِرثُه ما يُقول ويأِْتينا َفرداً * واتَّخ ُذوْا ِمن دو ِن َّ ِ‬
‫ونو َن َعَل ْي ِه ْم‬ ‫َّللا آلِ َه ًة ّلَِي ُك ُ‬
‫ونوْا َل ُه ْم عّاًز * َكال َسَي ْكُف ُرو َن ِبعَب َادت ِه ْم َوَي ُك ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ ُ َ َ ُ ََ َ ْ‬
‫ضّداً‬ ‫ِ‬

‫مداً يزداد فيه ضاللهم واحتجابهم‬


‫{ويزيد هللا الذين اهتدوا هدى} أي‪ :‬كما يمد أهل الضاللة في ضاللتهم بالخذالن ّ‬
‫كلما أمعنوا في جهلهم ورذائلهم كذلك يزيد هللا المهتدين بالتوفيق كلما عملوا بما علموا استعدوا لقبول علم آخر فورثوه‬
‫كما قال عليه ال سالم‪" :‬من عمل بما علم أورثه هللا علم ما لم يعلم"‪ .‬فيزيدهم عند العمل بمقتضى العلم اليقيني عين‬
‫اليقين‪ ،‬وعند العمل بمقتضاه حق اليقين {والباقيات الصالحات} من العلوم والفضائل {خير عند ربك ثواباً} ألدائها إلى‬
‫مرداً} بالرجوع إلى الذات األحدية‪.‬‬
‫التجليات الوصفية والجنات القلبية {وخير ّ‬

‫سورة مريم (من اآلية ‪ 83‬الى اآلية ‪)95‬‬

‫ين ِإَلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أََلم تَر أََّنآ أَرسْلنا َّ ِ‬


‫َز * َفالَ تَ ْع َج ْل َعَل ْي ِه ْم ِإَّن َما َن ُع ُّد َل ُه ْم َعّداً * َي ْوَم َن ْح ُش ُر اْل ُمتَّق َ‬ ‫ين تَ ُؤُّزُه ْم أّاً‬‫ين َعَلى اْل َكاف ِر َ‬ ‫الشَياط َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ َ‬
‫الر ْح َمـ ِٰن َع ْهداً * َوَقاُلوْا‬ ‫اع َة ِإالَّ َم ِن اتَّ َخ َذ ِعن َد َّ‬‫الشَف َ‬ ‫ين ِإَل ٰى َجهَّنم ِوْرداً * الَّ َيملِ ُكو َن َّ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫الر ْح َمـ ِٰن َوْفداً * َوَن ُسو ُق اْل ُم ْج ِرِم َ‬
‫َّ‬
‫ال َهّداً * أَن َد َع ْوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َوتَخُّر اْلجَب ُ‬ ‫نش ُّق األ َْر ُ‬ ‫ط ْرَن ِم ْن ُه َوتَ َ‬ ‫الس ٰم ٰوت يتََف َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫الر ْح َمـ ُٰن َوَلداً * لَق ْد ج ْئتُ ْم َش ْيئاً ِإّداً * تَ َك ُاد َّ َ َ ُ َ‬ ‫اتَّ َخ َذ َّ‬
‫الر ْح َمـ ِٰن َع ْبداً * َّلَق ْد‬‫ض ِإالَّ ِآتي َّ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ل َّلر ْح َمـ ِٰن َوَلداً * َو َما َي َنبغي ل َّلر ْح َمـ ِٰن أَن َيتخ َذ َوَلداً * إن ُك ُّل َمن في َّ َ َ َ‬
‫ِ‬

‫ام ِة َف ْرداً‬ ‫ِ‬ ‫ُّ ِ ِ‬


‫اه ْم َو َعَّد ُه ْم َعّداً * َوُكل ُه ْم آتيه َي ْوَم اْلقَي َ‬
‫ص ُ‬‫َح َ‬
‫أْ‬

‫الخيرة تستمد من‬


‫تنزل المالئكة أن النفس ّ‬‫مر في باب ّ‬ ‫{ألم تر ّأنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أ اًز} قد ّ‬
‫التجرد والنورية‪ ،‬والنفوس الشريرة تستمد من النفوس المظلمة‬
‫الملكوت والمالئكة السماوية التصالها بهم في الصفاء و ّ‬
‫شدة‬
‫األرضية لمناسبتها إياهم ومجانستها لهم في الظلمة والكدورة والخبث‪ ،‬فتعجب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من ّ‬
‫تحرضهم وتخذلهم بإلقاء‬
‫ظلمتهم وتماديهم في الغواية واالحتجاب‪ ،‬حيث ّتنزل عليهم الشياطين دائماً فتؤزهم أي‪ّ :‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫المقربة لهم إلى المصير إلى وبال‬
‫عداً} أي‪ :‬أنفاسهم ّ‬
‫نعد لهم ّ‬
‫الشر على التوالي {إنما ّ‬
‫الوساوس والهواجس من أنواع ّ‬
‫كفرهم وأعمالهم وعذاب هيئاتهم وعقائدهم‪ ،‬فإن لكل أجالً معيناً سيصير إليه عن قريب‪.‬‬

‫{يوم نحشر المتّقين إلى الرحمن وفداً} إنما ذكر اسم الرحمن لعموم رحمته بحسب مراتب تقواهم كما ذكر في قوله‪:‬‬
‫ان تَِقّياً}[مريم‪ ،‬اآلية‪ ،]63 :‬ولهذا لما سمعها بعض العارفين قال‪ :‬ومن كان مع الرحمن فإلى من يحشر؟ فأجابه‬
‫{من َك َ‬
‫َ‬
‫القهار إلى اسم اللطيف‪ .‬فإن المتّقي عن المعاصي والرذائل‬
‫بعضهم بقوله‪ :‬من اسم الرحمن إلى الرحمن ومن اسم ّ‬
‫وصفات النفس الذي هو في أول درجة التقوى قد يحشر إلى الرحمن في جنة األفعال ثم الصفات ثم بعد الوصول إلى‬
‫هللا في جنة الصفات له سير في هللا بحسب تجليات الصفات‪ ،‬وإذا انتهى السير إلى الذات يكون السير سير هللا‬
‫{وفداً} مكرمين‪.‬‬

‫{ونسوق المجرمين} ألعمالهم الخبيثة {إلى جهنم} الطبيعة {ورداً} كأنهم إبل عطاش فيوردهم النار {ال يملكون الشفاعة‬
‫إال من اتخذ عند الرحمن عهداً} هذا العهد هو ما عاهد هللا أهل اإليمان من الوفاء بالعهد السابق بالتوبة واإلنابة إليه‬
‫في الصفاء الثاني بعد الصفاء األول‪ ،‬وذلك االنسالخ عن حجب صفات النفس واالتصاف بصفات الرحمن واالتصال‬
‫بعالم القدس الذي هو حضرة الصفات ولهذا ذكر اسم الرحمن المعطي ألصول ِ‬
‫الن َعم وجالئلها المشتمل على سائر‬
‫استعد لقبول الرحمة‬
‫ّ‬ ‫الصفات اللطيفة‪ ،‬أي‪ :‬ال يملك أحد أن يشفع له باألمداد الملكوتية واألنوار القدسية إال من‬
‫الرحمانية واتصل بالجناب اإللهي بالعهد الحقيقي‪ .‬وعن ابن مسعود أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ألصحابه ذات‬
‫اللهم فاطر السموات واألرض‪ ،‬عالم الغيب والشهادة‪ ،‬أني أعهد‬
‫يوم‪" :‬أيعجز أحدكم أن يتخذ عند كل صباح ومساء ّ‬
‫تقربني‬
‫أن محمداً عبدك ورسولك‪ ،‬وأنك إن تكلني إلى نفسي ّ‬
‫إليك أني أشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬وحدك ال شريك لك‪ ،‬و ّ‬
‫الشر وتباعدني من الخير‪ ،‬وإني ال أثق إال برحمتك‪ ،‬فاجعل لي عهداً تؤتنيه يوم القيامة‪ ،‬إنك ال تخلف الميعاد‬
‫من ّ‬

‫‪".‬‬

‫{إن كل من في السموات واألرض إال آتي الرحمن عبداً} لكونهم في حيز اإلمكان ومكمن العدم ال وجود لهم وال كمال‬
‫إال به‪ ،‬أفاض باسم الرحمن وجوداتهم وكماالتهم‪ ،‬فهم أنفسهم ليسوا شيئاً‪ ،‬فلو لم يعبدوه حق عبادته باستعدادات‬
‫أعيانهم في العدم لما وجدوا‪ ،‬ولو لم يعبدوه بعد الوجوه بالقيام بحقوق نعمه التي أنعمها عليهم لما كملوا‪ ،‬فهم مربوبون‪،‬‬
‫مجبورون وفي طي قهره وملكته مقهورون‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫عداً} فماهياتهم‬
‫{وعدهم ّ‬
‫{لقد أحصاهم} في األزل بإفادة أعيانهم واستعداداتهم األزلية من فيضه األقدس وتعيينها بعلمه ّ‬
‫وحقائقهم إنما هي صور معلومات ظهرت في العدم بمحض عالميته وبرزت إلى الوجود بفيض رحمانيته‪ ،‬فكيف‬
‫تماثله وتناسبه‪.‬‬

‫{وكلهم آتيه يوم القيامة} الصغرى منفرداً مجرداً عن األسباب واألعوان كما كان في النشأة األولى ويوم القيامة‬
‫الوسطى {فرداً} من العالئق البدنية مجرداً عن الصفات النفسانية والقوى الطبيعية‪ .‬وأما في القيامة الكبرى فكل من‬
‫عليها فان‪ ،‬ويبقى وجه رّبك ذو الجالل واإلكرام‪.‬‬

‫سورة مريم (من اآلية ‪ 96‬الى اآلية ‪)98‬‬

‫ين َوتُْن ِذ َر ِب ِه َق ْوماً‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬


‫الر ْح َمـ ُٰن ُوّداً * َفِإَّن َما َي َّس ْرَناهُ ِبل َسان َك لتَُب ّش َر ِبه اْل ُمتَّق َ‬
‫الصالِح ِ‬
‫ات َسَي ْج َع ُل َل ُه ُم َّ‬ ‫ِ‬
‫آمُنوْا َو َعمُلوْا َّ َ‬ ‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫ِإ َّن الذ َ‬
‫َح ٍد أ َْو تَ ْس َم ُع َل ُه ْم ِرْك اًز‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َهَل ْكَنا َقْبَل ُه ْم ّمن َق ْرن َه ْل تُح ُّس م ْن ُه ْم ّم ْن أ َ‬
‫لّداً * َوَك ْم أ ْ‬
‫ُّ‬

‫المعدة لقبول‬
‫ّ‬ ‫{إن الذين آمنوا} اإليمان الحقيقي العلمي أو العيني { وعملوا الصالحات} من األعمال المزكية المصفية‬
‫ّ‬
‫يتقرب إلي بالنوافل‬
‫وداً} كما قال‪" :‬ال يزال العبد ّ‬
‫تجليات الصفات بالتجرد عن مالبس صفاتهم {سيجعل لهم الرحمن ّ‬
‫ّ‬
‫حتى أحبه‪ ،‬فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به‪ ،‬وبصره الذي يبصر به‪ ،‬ويده التي يبطش بها"‪ .‬وفي الحقيقة هذا‬

‫ُّه ْم َوُي ِحب َ‬


‫ُّون ُه}[المائدة‪ ،‬اآلية‪ ،]54:‬فإذا أحبه قبل الظهور في‬ ‫الود أثر ونتيجة العناية األولى المستفادة من قوله‪ِ :‬‬
‫{يحب ُ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫فتجدد ذلك العهد بالعقد‬
‫وحركه إلى الوفاء بالعهد السابق ّ‬ ‫حبه هللا عند البروز ّ‬ ‫مكمن الغيب بمحبة االجتباء ألزمه ّ‬
‫الالحق الذي هو العهد مع هللا بالوفاء بذلك في متابعة الحبيب المطلق كما قال‪ُ{ :‬ق ْل ِإن ُكنتُ ْم تُ ِحبُّو َن َّ‬
‫َّللاَ َفاتَِّب ُعوِني‬
‫يم}[آل عمران‪ ،‬اآلية‪ .]31 :‬وإن صحت المتابعة في األعمال واألحوال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُي ْحِب ْب ُك ُم َّ‬
‫ور َّرح ٌ‬
‫َّللاُ َغُف ٌ‬
‫وب ُك ْم َو َّ‬
‫َّللاُ َوَي ْغف ْر َل ُك ْم ُذُن َ‬
‫أحبه هللا بمحبة االصطفاء فوق المحبة التي هي ثمرة المحبة األولى لكون األولى عينية كامنة ولكونها كمالية وبارزة‬
‫وقعت محبته في قلوب الخلق وظهر له القبول عند أهل اإليمان الفطري‪ .‬وعن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬إذا‬
‫أحب هللا عبداً يقول هللا تعالى‪ :‬يا جبريل قد أحببت فالناً فأحبه‪ ،‬فيحبه جبريل‪ ،‬ثم ينادي في أهل السماء‪ :‬أن هللا‬
‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أحب فالناً فأحبوه‪ ،‬فيحبه أهل السماء‪ ،‬ثم يضع له المحبة في األرض"‪ .‬وعن قتادة‪ :‬ما أقبل عبد إلى هللا إال‬ ‫تعالى قد ّ‬
‫أقبل هللا بقلوب العباد إليه‪ .‬وهذا معنى قوله‪{ :‬سيجعل لهم الرحمن وداً} وهللا أعلم‪.‬‬

‫سورة طه (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)5‬‬

‫الس َٰم َٰو ِت اْل ُعَلى *‬


‫ض َو َّ‬ ‫طه * مآ أَن َ ْزلنا عَليك اْلُقرآن لِتَ ْشَقى * ِإالَّ تَ ْذ ِكرة ِّلمن ي ْخ َشى * تَ ِ ِ‬
‫نزيالً ّم َّم ْن َخَل َق األ َْر َ‬ ‫ًَ َ َ ٰ‬ ‫ٰ‬ ‫َ َ َ ََْ ْ َ‬
‫استََو ٰى‬ ‫الر ْحمـ ُٰن َعَلى اْل َع ْر ِ‬
‫ش ْ‬ ‫َّ َ‬

‫شدة حنوه وتعطفه على‬


‫{طه} الطاء إشارة إلى الطاهر‪ ،‬والهاء إلى الهادي‪ .‬وذلك أن النبي صلى هللا عليه وسلم من ّ‬
‫تأسف من عدم تأثير التنزيل في إيمانهم واستشعر البقية كما ذكر في قوله‪:‬‬
‫قومه لكونه صورة الرحمة ومظهر المحبة‪ّ ،‬‬
‫{َفَلعَّلك ب ِ‬
‫اخ ٌع َّنْف َس َك َعَل ٰى آثَ ِارِه ْم}[الكهف‪ ،‬اآلية‪ .]6:‬وزاد في الرياضة فكان يحيي الليالي بالتهجد وبالغ في القيام حتى‬ ‫َ َ َ‬
‫تورمت قدماه فأخبر أن عدم إيمانهم ليس من جهتك بل من جهتهم وغلظ حجابهم أعدم استعدادهم ال لبقاء صفات‬
‫ّ‬
‫نفسك أو بقية أنائيتك أو وجود نقصك وقصورك في الهداية كما استشعرت فال تتعب نفسك‪ .‬ونودي باسمين من‬
‫أسماء هللا تعالى دالين على نزاهته عن األمرين المذكورين وجود البقية أو القصور عن الهداية فقيل‪ :‬يا طاهر عن‬
‫ويستعد لقبوله بعد‬
‫ّ‬ ‫لوث البقية‪ ،‬يا هادي {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} وتتعب بالرياضة لكن لتذكير من يلين قلبه‬
‫صفائك وطهارتك وقد حصل األمران بحمد هللا وكنت كامالً مكمالً‪ .‬وما المقصود بالرياضة إال هذان األمران اللذان‬
‫ظه ار فيك تجلينا عليك باالسمين المذكورين فلم تتعب نفسك وإنما لم يحصل االهتداء بهدايتك لقسوة القلوب التي هي‬
‫ضد الخشية واللين الذي هو شرط في حصوله ال لقصورك‪ .‬ويجوز أن يكون قسماً ال نداء‪ ،‬أي‪ :‬أقسم باالسمين اللذين‬
‫ّ‬
‫يربه بهما ويتجلى بهما له إلفادة التزكية والتخلية إذ المقصود باإلنزال حصول أثرهما فيك ال التعب والمشقة وقد‬
‫حصل فال تفرط في الرياضة‪ ،‬ولهذا المعنى سمي آل محمداً‪ :‬آل طه‪ ،‬أي بحصول المعنيين لهم وظهور مسمى‬
‫االسمين فيهم {تنزيالً ممن خلق األرض} إلى قوله‪{ :‬له األسماء الحسنى} معناه‪ :‬أنزلناه تنزيالً ممن اتّصف بجميع‬
‫الصفات الجمالية والجاللية فكان لذاتك نصيب من جميعها وإال لما أمكنك قبوله وحمله إذ األثر الوارد ال بد وأن‬
‫يناسب المورد كما ناسب المصدر‪ ،‬فلما كان مصدره الذات الموصوفة بجميع األسماء الحسنى وجب أن يكون مورده‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الذي هو ذاتك كذلك موصوفة بها‪ ،‬فكما خلق السموات العال واألرض أي‪ :‬عالم األرواح وعالم األجسام الذي هو‬
‫الجسم المطلق وجعلها حجب جالله الساترة لجماله كذلك حجبك بسموات طبقات غيوبك من الحجب السبعة المذكورة‬
‫التي هي روحانيتك ومراتب كمالك وأرض شهادتك التي هي بدنك‪.‬‬

‫{الرحمن} أي‪ :‬رّبك الجليل‪ ،‬المحتجب بحجب المخلوقات لجالله‪ ،‬هو الجميل‪ ،‬المتجلي بجمال رحمته على الكل‪ ،‬إذ‬
‫اختص الرحمن به دون الرحيم المتناع عموم الفيض للكل إال‬
‫ّ‬ ‫ال يخلو شيء من الرحمة الرحمانية وإال لم يوجد‪ .‬ولهذا‬
‫منه‪ ،‬فكما استوى على عرش وجود الكل بظهور الصفة الرحمانية فيه وظهور أثرها أي‪ :‬الفيض العام منه إلى جميع‬
‫الموجودات فكذا استوى على عرش قلبك بظهور جميع صفاته فيه ووصول أثرها منه إلى جميع الخالئق‪ ،‬فصرت‬
‫نبوِتك عامة خاتمة‪ .‬فمعنى االستواء‪ :‬ظهوره فيه سوياً تاماً إذ ال يطابق كلها مظهر غيره فال‬
‫رحمة للعالمين وصارت ّ‬
‫يستوي وال يستقيم إال عليه‪ ،‬ولذلك لم يكن له عليه السالم ظل إذ لم يبق من ذاته مع صفاته بقية لم تتحقق بالحق‬
‫بالبقاء بعد الفناء التام‪.‬‬

‫سورة طه (من اآلية ‪ 6‬الى اآلية ‪)13‬‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َّ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت وما ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬


‫َّللاُ ال‬
‫َخَفى * َّ‬ ‫َب ْيَن ُه َما َو َما تَ ْح َت الث َر ٰى * َوإِن تَ ْج َه ْر باْلَق ْول َفإَّن ُه َي ْعَل ُم ّ‬
‫السَّر َوأ ْ‬ ‫ض َو َما‬ ‫َل ُه َما في َّ َ َ َ َ‬
‫ام ُكثُوْا ِإِّني َآن ْس ُت َنا اًر َّل َعّلِي‬ ‫يث موسى * ِإ ْذ أرَى نا اًر َفَقال أل ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َّ‬
‫َهله ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫اك َحد ُ ُ َ ٰ‬ ‫أَتَ َ‬ ‫آء اْل ُح ْسَن ٰى * َو َه ْل‬
‫َس َم ُ‬
‫إَلـ َٰه إال ُه َو َل ُه األ ْ‬
‫اخَل ْع َن ْعَل ْي َك ِإَّن َك ِباْلو ِاد اْلمَقَّد ِ‬ ‫ِ‬
‫وس ٰى * ِإّني أََن ْا َرب َ‬ ‫الن ِار ُه ًدى * َفَل َّمآ أَتَ َ ِ‬ ‫س أَو أ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِآت ُ‬
‫س‬ ‫َ ُ‬ ‫ُّك َف ْ‬ ‫ٰم َ‬
‫اها ُنود َي ي ُ‬ ‫َج ُد َعَلى َّ‬ ‫ّم ْن َها بَقَب ٍ ْ‬ ‫يك ْم‬
‫وحى‬ ‫اختَرتُك َف ِ ِ‬ ‫طًوى‬
‫استَم ْع ل َما ُي َ‬
‫* َوأََنا ْ ْ َ ْ‬ ‫ُ‬

‫{له ما في السموات} إلى قوله‪{ :‬وما تحت الثرى} بيان لشمول قهره وملكته للكل‪ ،‬أي‪ :‬كلها تحت ملكته وقهره‬
‫وسلطنته وتأثيره ال توجد وال تتحرك وال تسكن وال تتغير وال تثبت إال بأمره وكذلك فنيت بالكلية مقهورة بوحدانيته وفناء‬
‫قهاريته ال تسمع وال تبصر وال تبطش وال تمشي إال به وبأمره‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫السر وأخفى} بيان لكمال لطفه أي‪ :‬علمه نافذ في الكل يعلم ظواهرها وبواطنها والسر‬
‫{وإن تجهر بالقول فإنه يعلم ّ‬
‫وسر السر‪ ،‬فكذلك إن تجهر وإن تخفت فيعلمه بجهر وبخفت‪ .‬ولما كانت الصفات المذكورة هي األمهات التي ال‬
‫صفة إال تحت شمولها وال اسم إال كان مندرجاً في هذه األسماء المذكورة ولم تتكثر الذات بها‪ ،‬قال‪{ :‬هللا} أي‪ :‬ذلك‬
‫يتعدد‪ ،‬فهو هو‬
‫المنزل الموصوف بهذه الصفات هو هللا {ال إله إال هو} لم تتكثر ذاته األحدية وحقيقة هويته بها ولم ّ‬
‫في األبد كما كان في األزل ال هو إال هو وال موجود سواه باعتبار واحديته ومصدريته لما ذكر {له األسماء الحسنى}‬
‫التي هي ذاته مع اعتبار تعيينات الصفات {إذ رأى نا اًر} هي روح القدس التي ينقدح منها النور في النفوس اإلنسانية‬

‫رأها باكتحال عين بصيرته بنور الهداية {فقال ألهله} القوى النفسانية {امكثوا} اسكنوا وال ّ‬
‫تتحركوا إذ السير إنما يصير‬
‫إلى العالم القدسي ويتصل به عند هذه القوى البشرية من الحواس الظاهرة والباطنة الشاغلة لها {إني آنست نا اًر} أي‪:‬‬
‫فيتنور وتصير ذاته فضيلة {أو أجد على‬
‫رأيت نا اًر {لعلي آتيكم منها بقبس} أي‪ :‬هيئة نورية اتصالية ينتفع بها كلكم ّ‬
‫النار} من يهديني بالعلم والمعرفة الموجب للهداية إلى الحق أي‪ :‬اكتسب باالتصال بها الهيئة النورية أو الصور‬
‫العلمية {فلما أتاها} أي‪ :‬اتصل بها {نودي} من وراء الحجب النارية التي هي سرادقات العزة والجالل المحتجبة بها‬
‫الحضرة اإللهية {يا موسى إني أنا رّبك} محتجباً بالصورة النارية التي هي أحد أستار جاللي تجلياً فيها {فاخلع نعليك}‬
‫وسرك عن صفاتهما‬ ‫تجردت بروحك ّ‬ ‫تجرد عن الكونين أي‪ :‬كما ّ‬ ‫تجرد عنهما فقد ّ‬
‫أي‪ :‬نفسك وبدنك أو الكونين ألنه إذا ّ‬
‫وتجرد بقلبك وصدرك عنهما بقطع العالقة الكلية ومحو اآلثار والفناء عن‬
‫وهيئاتهما حتى اتصلت بروح القدس ّ‬
‫يتجرد عن مالبسهما لم يتصل بعالم القدس‬
‫الصفات واألفعال‪ .‬وإنما سماهما نعلين ولم يسمهما ثوبين ألنه لو لم ّ‬
‫{وتََبَّت ْل ِإَل ْي ِه تَْبِتيالً}[المزمل‪ ،‬اآلية‪ ]8:‬فكأنه بقيت‬
‫والحال حال االتصال‪ ،‬وإنما أمره باالنقطاع إليه بالكلية كما قال‪َ :‬‬
‫يسوخ قدمه التي هي الجهة السفلية من القلب المسماة بالصدر‪ ،‬فهما بعد التوجه الروحي‬ ‫عالقته معهما والتعلق بهما ّ‬
‫طوى}‬
‫المقدس ً‬ ‫والسري نحو القدس‪ ،‬فأمره بالقطع عنهما في مقام الروح‪ ،‬ولهذا علل وجوب الخلع بقوله‪{ :‬إنك بالواد ّ‬
‫المنزه عن آثار التعلق وهيئات اللواحق والعالئق المادية المسمى طوى‪ ،‬لطي أطوار الملكوت وأجرام‬
‫أي‪ :‬عالم الروح ّ‬
‫ّ‬
‫السموات واألرضين تحته‪ .‬ولقد صدق من قال‪ :‬أمر بخلعهما لكونهما من جلد حمار ميت غير مدبوغ‪ .‬وقيل‪ :‬لما‬
‫نودي وسوس إليه الشيطان‪ :‬إنك تنادى من شيطان! فقال‪ :‬أفرق به‪ ،‬إني أسمع من جميع الجهات الست بجميع‬
‫أعضائي وال يكون ذلك إال بنداء الرحمن‪.‬‬

‫{وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى} هذا وعد باالصطفاء الذي كان بعد التجلي التام الذاتي الذي جعل جبل وجوده د ّكاً‬
‫ال ُس ْب َح َان َك تُْب ُت ِإَل ْي َك َوأََن ْا‬ ‫بالفناء فيه باالندكاك وخروره صعقاً عند إفاقته بالوجود الحقاني كما قال تعالى‪َ{ :‬فَل َّمآ أََف َ‬
‫اق َق َ‬
‫اس ِب ِرَساالَِتي َوب َِكالَ ِمي}[األعراف‪ ،‬اآليات‪ ،]144 - 143:‬وهذا‬ ‫الن ِ‬
‫طَف ْيتُ َك َعَلى َّ‬
‫اص َ‬ ‫ِِ‬
‫وس ٰى إّني ْ‬
‫ٰم َ‬
‫ال ي ُ‬
‫ين َق َ‬
‫ِ‬
‫أََّو ُل اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫التجلي هو تجلي الصفات قبل تجلي الذات‪ ،‬ولهذا أرسله ولم يستنبئه بالوحي هنا‪ ،‬وأمره بالرياضة والحضور والمراقبة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ُّه‬ ‫ووعده وقوع القيامة الكبرى عن قريب‪ .‬فهذا االختيار قريب من االجتباء األصلي المشار إليه بقوله‪{ :‬ثُ َّم ْ‬
‫اجتََباهُ َرب ُ‬
‫اب َعَل ْي ِه َو َه َد ٰى}[طه‪ ،‬اآلية‪ ]122:‬متوسط بينه وبين االصطفاء‪.‬‬
‫َفتَ َ‬

‫سورة طه (من اآلية ‪ 14‬الى اآلية ‪)16‬‬

‫يها لِتُ ْج َز ٰى ُك ُّل َنْف ٍ‬


‫س ِب َما تَ ْس َع ٰى *‬ ‫َكاد أ ْ ِ‬
‫ُخف َ‬
‫ِ‬
‫اع َة آتَي ٌة أ َ ُ‬ ‫الصالَ َة لِ ِذ ْكرِي * ِإ َّن َّ‬
‫الس َ‬ ‫اعُب ْدِني َوأ َِق ِم َّ‬ ‫ِإَّنِني أََنا َّ‬
‫َّللاُ ال ِإَلـ َٰه ِإال أََن ْا َف ْ‬
‫صَّدَّن َك َع ْن َها َمن الَّ ُي ْؤ ِم ُن ِب َها َواتََّب َع َه َواهُ َفتَ ْرَد ٰى‬ ‫َفالَ َي ُ‬

‫الرب باهلل لئال يقف مع الصفات في الحضرة األسمائية فيحتجب عن الذات إذ‬ ‫وكرر {إنني أنا هللا} بالتأكيد‪ ،‬وتبديل ّ‬
‫الرب هو االسم الذي تجلى به له‪ ،‬إذ ال يريه عند طلب الهداية والقبس إال بذلك االسم العليم الهادي الذي هو جبريل‪،‬‬
‫وتعدد‬
‫أي‪ :‬إنني الواحد الموصوف بجميع الصفات {ال إله إال أنا} لم أتكثر ولم يتعدد أنائيتي وأحديتي بكثرة المظاهر ّ‬
‫خصص عبادتك بذاتي دون أسمائي وصفاتي بالعبادة الذاتية وتهيئة استعداد فناء األنية في‬
‫الصفات {فاعبدني} ّ‬
‫حقيقتي والتسبيح المطلق الذاتي {وأقم الصلوة} أي‪ :‬صالة الشهود الروحي لذكر ذاتي فوق صالة الحضور القلبي‬
‫لذكر صفاتي‪.‬‬

‫{إن الساعة} القيامة الكبرى بالفناء المحض في عين األحدية {آتية أكاد أخفيها} باحتجابي بالصفات لتنفصل المراتب‬
‫ّ‬
‫وتظهر النفوس واألعمال {لتجزى كل نفس} بحسب سعيها من الخير و ّ‬
‫الشر‪ ،‬ويتميز الكمال والنقصان والسعادة‬
‫والشقاوة فال أظهرها إال ألفراد خواصي واحداً بعد واحد ألني إن أظهرتها ظهر فناء الكل فال نفس وال عمل وال جزاء‬
‫ّ‬
‫وال غير ذلك‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يصدنك عنها} فتبقى في حجاب الصفات {من ال يؤمن بها} لقصور استعداده فيقف في بعض المراتب محجوباً‬
‫{فال ّ‬
‫إما بالصفات أو األفعال أو اآلثار أو األنداد‪ ،‬أي‪ :‬الشرك الخفي والجلي {واتّبع هواه} في مقام النفس أو القلب‪ ،‬فإن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الهوى باق ببقاء األنائية فتهلك أنت كما هلك من ّ‬
‫صدك‪.‬‬

‫سورة طه (من اآلية ‪ 17‬الى اآلية ‪)21‬‬

‫ال أَْلِق َها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وما ِتْلك ِبي ِم ِينك يٰموسى * َق ِ‬
‫ُخ َر ٰى * َق َ‬ ‫ش ب َها َعَل ٰى َغَنمي َولِ َي ف َ‬
‫يها َم ِآر ُب أ ْ‬ ‫اي أَتََوَّكأُ َعَل ْي َها َوأ ُ‬
‫َه ُّ ِ‬
‫ص َ‬ ‫ال ه َي َع َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ َ ُ َ ٰ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف َسُنع ُيد َها س َيرَت َها األُوَل ٰى‬ ‫ِ‬ ‫يٰموس ٰى * َفأَْلَق َ ِ‬
‫ال ُخ ْذ َها َوالَ تَ َخ ْ‬ ‫اها َفإ َذا ه َي َحَّي ٌة تَ ْس َع ٰى * َق َ‬ ‫ُ َ‬

‫{وما تلك بيمينك يا موسى} إشارة إلى نفسه‪ ،‬أي‪ :‬التي هي في يد عقله إذ العقل يمين يأخذ به اإلنسان العطاء من‬
‫هللا ويضبط به نفسه‪.‬‬

‫{قال هي عصاي أتوكأ عليها} أي‪ :‬أعتمد في عالم الشهادة وكسب الكمال والسير إلى هللا والتخلق بأخالقه عليها‪،‬‬
‫أهش بها على غنمي} أي‪ :‬أخبط أوراق العلوم النافعة و ِ‬
‫الح َكم العملية من شجرة‬ ‫أي‪ :‬ال يمكن هذه األمور إال بها {و ّ‬
‫الروح بحركة الفكر بها على غنم القوى الحيوانية {ولي فيها مآرب أخرى} من كسب المقامات وطلب األحوال‬
‫التجليات‪ .‬وإنما سأله تعالى إلزالة الهيبة الحاصلة له بتجلي العظمة عنه وتبديلها باألمن‪ ،‬وإنما زاد الجواب‬
‫والمواهب و ّ‬
‫لشدة شغفه بالمكالمة واستدامة ذوق االستئناس‪.‬‬
‫على السؤال ّ‬

‫{قال أ ِ‬
‫َلقها يا موسى} أي‪ :‬خلها عن ضبط العقل {فألقاها} أي‪ :‬خالها وشأنها مرسلة بعد احتظائها من أنوار تجليات‬
‫شدة الغضب‪ ،‬وكانت نفسه عليه السالم قوية‬‫يتحرك من ّ‬
‫حية تسعى} أي‪ :‬ثعبان ّ‬‫صفات القهر اإللهي {فإذا هي ّ‬
‫الحدة‪ ،‬فلما بلغ مقام تجليات الصفات كان من ضرورة االستعداد حظه من التجلي القهري أوفر كما‬
‫الغضب‪ ،‬شديدة ّ‬
‫ذكر في (الكهف)‪ ،‬فبدل غضبه عند فنائه في الصفات بالغضب اإللهي والقهر الرباني فصور ثعباناً يتلقف ما يجد‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{قال خذها} أي‪ :‬اضبطها بعقلك كما كانت {وال تخف} من استيالئها عليك وظهورها فيكون ذنب حالك بالتلوين‪ ،‬فإن‬
‫متحركاً بأمري وليس هو مستو اًر بنور القلب في مقام النفس حتى يظهر بعد خفائه {سنعيدها‬ ‫ّ‬ ‫غضبك قد فنى‪ ،‬فيكون‬
‫القوة النباتية التي ال شعور لها وال داعية‪ ،‬وإلماتته عليه السالم إياها‬
‫سيرتها األولى} أي‪ :‬ميتة‪ ،‬فانية‪ ،‬صائرة إلى رتبة ّ‬
‫في تربية شعيب صلوات هللا عليه وجعله إياها كالقوى النباتية سميت عصاً‪ ،‬ولهذا قيل‪ :‬وهبها له شعيب عليه السالم‪.‬‬

‫سورة طه (من اآلية ‪ 22‬الى اآلية ‪)24‬‬

‫ُخ َر ٰى * لُِن ِرَي َك ِم ْن َآي ِاتَنا اْل ُك ْب َر ٰى * ا ْذ َه ْب ِإَل ٰى ِف ْرَع ْو َن ِإَّن ُه‬ ‫ضآء ِم ْن َغ ْي ِر س ٍ‬
‫وء َآي ًة أ ْ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫اضمم َي َد َ ِ‬
‫ك إَل ٰى َجَناح َك تَ ْخ ُرْج َب ْي َ َ‬ ‫َو ْ ُ ْ‬
‫ط َغ ٰى‬
‫َ‬

‫لتتنور بنور الهداية الحقانية‪،‬‬


‫{واضمم يدك إلى جناحك} أي‪ :‬اضمم عقلك إلى جانب روحك الذي هو جناحك األيمن ّ‬
‫فإن العقل بموافقة النفس وانضمامه إليها وإلى جانبها الذي هو الجناح األيسر لتدبير المعاش يتكدر ويختلط بالوهم‬
‫يتنور وال يقبل المواهب الربانية والحقائق اإللهية‪ ،‬فأمر بضمه إلى جانب الروح ليتصفى ويقبل‬
‫فيصير كد اًر جاسياً ال ّ‬
‫نور القدس {تخرج بيضاء} منورة بنور الهداية الحقانية وشعاع النور القدسي {من غير سوء} أي‪ :‬آفة ونقص ومرض‬
‫من شوب الوهم والخيال {آية أخرى} صفة منضمة إلى الصفة األولى {لنريك} من آيات تجليات صفاتنا اآلية {الكبرى}‬
‫التي هي الفناء في الوحدة‪ ،‬أي‪ :‬لتكون ببصرك في مقام تجليات الصفات‪ ،‬فنريك من طريقها وجهتها ذاتنا عند التجلي‬
‫الذاتي‪ ،‬فتبصرنا بنا في القيامة الكبرى‪.‬‬

‫النبوة‬
‫حد العبودية‪ .‬وذلك يدل على أن ّ‬ ‫{اذهب إلى فرعون إنه طغى} بظهور األنائية‪ ،‬فاحتجب بها ّ‬
‫فتعدى عن ّ‬
‫والرسالة غير موقوفة على الفناء الذاتي ألن الدخول في األربعينية التي تجلى فيها له بالذات كان بعد هالك فرعون‪،‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وهذه الرسالة والدعوة إنما كانت في مقام تجلي الصفات‪ .‬ويقوي هذا ما قلنا م ار اًر‪ :‬إن أكثر سير النبي صلى هللا عليه‬
‫النبوة والوحي واالهتداء بالتنزيل‪.‬‬
‫وسلم كان بعد ّ‬

‫سورة طه (من اآلية ‪ 25‬الى اآلية ‪)35‬‬

‫اج َعل ِّلي َوِزي اًر ِّم ْن‬


‫َق ْولِي * َو ْ‬ ‫ص ْدرِي * َوَي ِّس ْر لِي أ َْمرِي * َوا ْحُل ْل ُعْق َد ًة ِّمن ِّل َس ِاني * َيْفَق ُهوْا‬ ‫َقال ر ِب ْ ِ‬
‫اش َرْح لي َ‬ ‫َ َّ‬
‫نت ِبَنا‬ ‫* ون ْذ ُكر ِ‬
‫ك َكثي اًر * ِإَّن َك ُك َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َش ِرْك ُه ِفي أ َْمرِي * َكي ُن َسِّب َح َك َكِثي اًر‬
‫ْ‬ ‫اش ُد ْد ِب ِه أ َْزرِي * َوأ ْ‬
‫َخي * ْ‬‫أَهلِي * هارو َن أ ِ‬
‫َُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫َبصي اًر‬

‫{رب اشرح لي صدري} بنور اليقين والتمكين في مقام تجلي الصفات لئال يضيق بإيذائهم‪ ،‬وال تتأذى وتتألم نفسي‬
‫ّ‬
‫بطعنهم وسفاهتهم‪ ،‬فكما أتكلم بكالمك معهم أسمع بسمعك كالمهم وأجده كالمك‪ ،‬وأرى ببصرك إيذاءهم وأجده فعلك‪،‬‬
‫فال أرى وال أسمع ما يقابلونني به إال منك‪ ،‬فأصبر على بالئك بك وال تظهر نفسي برؤيتها منهم‪ ،‬فتحتجب بصفاتها‬
‫وصفاتهم عن صفاتك {ويسر لي أمري} أي‪ :‬أمر الدعوة بتوفيقهم لقبول دينك وإمدادي على المعاندين من نصرك‬
‫وتأييد قدسك {واحلل عقدة} من عقد العقل والفكر المانعين عن إطالق لساني بكالمك والجراءة والشجاعة على تصريح‬
‫الكالم في تبليغ رسالتك وإعالء كلمتك وإظهار دينك على دينهم بالحجة والبينة في مقابلة جبروتهم وفرعنتهم رعاية‬
‫لمصحلة خوف السطوة {يفقهوا قولي} لتليينك قلوبهم والخشوع والخشية فيها وتأييد إياي من عالم القدس واأليد‪ .‬وباقي‬
‫القصة ال يقبل التأويل فإن أردت التطبيق فاعلم أن موسى القلب يسأل هللا تعالى بلسان الحال أن يجعل هارون العقل‬
‫يتقوى به ويستوزره في أموره ويعتضد برأيه مشاركاً معاوناً له في‬
‫الذي هو أخوه األكبر من أبيه روح القدس له وزي اًر ّ‬
‫نسبحك} أي‪ :‬بالتجريد عن صفات النفس وهيئاتها {ونذكرك} باكتساب‬ ‫اكتساب كماالته معلالً طلبه بقوله‪{ :‬كي ّ‬
‫المعارف والحقائق والحضور فى المكاشفات ومقام تجليات الصفات {كثي اًر إنك كنت بنا} أي‪ :‬باستعدادنا لقبول الكمال‬
‫وأهليتنا له {بصي اًر} فأعنا واجعلنا متعاونين على ما ترى منا وتريد‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة طه (من اآلية ‪ 36‬الى اآلية ‪)40‬‬

‫يه ِفي التَّاب ِ‬ ‫َن ا ْق ِذ ِف ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫وت‬ ‫ُ‬ ‫وح ٰى * أ ِ‬
‫ُم َك َما ُي َ‬‫ُخ َر ٰى * إ ْذ أ َْو َح ْيَنآ إَل ٰى أ ّ‬ ‫وس ٰى * َوَلَق ْد َمَنَّنا َعَل ْي َك َمَّرًة أ ْ‬‫ٰم َ‬ ‫يُ‬ ‫يت ُس ْؤَل َك‬ ‫ال َق ْد أُوِت َ‬
‫َق َ‬
‫صَن َع َعَل ٰى َع ْيِني * ِإ ْذ تَ ْم ِشي‬ ‫ِِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ْخ ْذهُ َع ُدٌّو ّلي َو َع ُدٌّو ل ُه َوأَْلَق ْي ُت َعَل ْي َك َم َحَّب ًة ّمّني َولِتُ ْ‬‫اح ِل َيأ ُ‬‫الس ِ‬
‫اْلَي ُّم ِب َّ‬ ‫يه ِفي اْلَي ِّم َفْلُيْلِق ِه‬‫َفا ْق ِذ ِف ِ‬
‫ُختُك َفتَُقول هل أَدُّل ُكم عَلى من ي ْكُفُله َفرجعناك ِإَلى أ ُِمك َكي تََقَّر عينها والَ تَح َزَن وَقَتْلت نْفساً َفن َّجين ِ‬
‫اك م َن اْل َغ ِّم َوَفتََّن َ‬
‫اك‬ ‫َ َْ َ‬ ‫َ ُْ َ ْ َ َ َ‬ ‫ُ َ ْ ُ ْ َ ٰ َ َ ُ َ َ َْ َ ٰ ّ َ ْ‬ ‫أْ َ‬
‫ِ‬ ‫ين ِفي أ ْ ِ‬ ‫ِِ‬
‫وس ٰى‬ ‫َهل َم ْدَي َن ثَُّم ج ْئ َت َعَل ٰى َق َد ٍر ي ُ‬
‫ٰم َ‬ ‫ُفتُوناً َفَلِب ْث َت سن َ‬

‫{قد أوتيت} أعطيت {سؤلك} ووفقت لتحصيل مطلوبك‪{ .‬ولقد مننا عليك مرة أخرى} قبل إرادتك وطلبك بمحض‬
‫أمك} النفس الحيوانية {ما يوحى} أي‪ :‬أشرنا إليها {أن أقذفيه} في تابوت البدن أو الطبيعة‬ ‫عنايتنا {إذ أوحينا إلى ّ‬
‫عدو}‬
‫اليم} عند ظهور نور التمييز والرشد بساحل النجاة {يأخذه ّ‬ ‫يم الطبيعة الهيوالنية {فليلقه ّ‬
‫الجسمانية {فاقذفيه} في ّ‬
‫محبة مني} أي‪ :‬أحببتك وجعلتك محبوباً إلى القلوب وإلى كل شيء‬
‫األمارة الجبارة الفرعونية {وألقيت عليك ّ‬
‫النفس ّ‬
‫األمارة والقوى‪ ،‬ومن أحببته يحبه كل شيء {ولتصنع} وتربى على كالءتي وحفظي فعلت ذلك‪.‬‬ ‫حتى النفس ّ‬

‫األمارة والقوى المنعطفة عليه {هل أدلكم}‬


‫{إذ تمشي أختك} العاقلة العملية عند ظهورها وحركتها {فتقول} للنفس ّ‬
‫قرة عينها {على من يكفله}‬
‫اللوامة وقواها الجزئية بفوات ّ‬
‫باآلداب الحسنة واألخالق الجميلة على أهل بيت من النفس ّ‬
‫لكم بالتربية بالفكر واإلرضاع بلبان الحكمة العملية والعلوم النافعة وهم له ناصحون معاونون على كسب الكمال‪،‬‬
‫معدون للترقي إلى المرتبة الرفيعة {فرجعناك إلى أمك} المشفقة عليك التي هي النفس‬
‫مرشدون إلى األعمال الصالحة‪ّ ،‬‬
‫قرة عينها ليحصل اطمئنانها بنور اليقين وتتهذب بالحكمة العملية وترضع منها اللبن‬‫اللوامة الالئمة لنفسها بتضييع ّ‬
‫ّ‬
‫تتنور‬
‫تقر عينها} أي‪ّ :‬‬
‫المذكور وتتربى في حجر تربيتها بالمدركات الجزئية واآلالت البدنية واألعمال الزكية {كي ّ‬
‫بنورك {وال تحزن} على فوات ّ‬
‫قرة عينها ونقصها‪.‬‬

‫األمارة وإهالكها‬
‫غم استيالء النفس ّ‬ ‫المسولة لك بالرياضة واإلماتة {فنجيناك} من ّ‬
‫ّ‬ ‫{وقتلت نفساً} أي‪ :‬الصورة الغضبية‬
‫إياك {وفتناك} ضروباً من الفتن بظهور النفس وصفاتها والرياضة والمجاهدة في دفعها وقمعها وإماتتها وتزكيتها‬
‫{فلبثت سنين في أهل مدين} العلم من القوى الروحانية عند شعيب العقل الفعال {ثم جئت على قدر} على حد من‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫قدرته لك‪ ،‬أي‪ :‬بعض ما قدر لك من الكمال التام الذي هو‬
‫المقدر بحسب استعدادك أو على شيء مما ّ‬
‫الكمال ّ‬
‫التجلي الذاتي الذي سيوهب لك بعد كمال الصفات‪.‬‬

‫سورة طه (من اآلية ‪ 41‬الى اآلية ‪)47‬‬

‫ط َغ ٰى * َفُقوالَ َل ُه َق ْوالً‬ ‫وك ِب َآي ِاتي َوالَ َتِنَيا ِفي ِذ ْكرِي * ا ْذ َهَبآ ِإَل ٰى ِف ْرَع ْو َن ِإَّن ُه َ‬ ‫َخ َ‬ ‫َنت َوأ ُ‬
‫ِ‬
‫طَن ْعتُ َك لَِنْفسي * ا ْذ َه ْب أ َ‬ ‫اص َ‬ ‫َو ْ‬
‫ِِ‬ ‫َّ َّ َّ‬
‫ال الَ تَ َخاَفآ إَّنني َم َع ُك َمآ أ ْ‬
‫َس َم ُع‬ ‫ط َغ ٰى * َق َ‬ ‫ط َعَل ْيَنآ أ َْو أَن َي ْ‬ ‫لِّيناً ل َعل ُه َيتَ َذ َّك ُر أ َْو َي ْخ َش ٰى * َقاالَ َربََّنآ ِإَّنَنا َن َخ ُ‬
‫اف أَن َيْف ُر َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫السالَ ُم َعَل ٰى َم ِن اتََّب َع‬‫ِك َو َّ‬‫ك ِب َآية ّمن َّرّب َ‬ ‫يل َوالَ تُ َع ّذ ْب ُه ْم َق ْد ِج ْئَنا َ‬
‫ِك َفأ َْرِس ْل َم َعَنا َبني إ ْس َرائ َ‬‫َوأ ََر ٰى * َفأْتَياهُ َفُقوال ِإَّنا َرُسوالَ َرّب َ‬
‫اْل ُه َد ٰى‬

‫{واصطنعتك لنفسي} أي‪ :‬استخلصتك لنفسي وجعلتك من جملة خواصي من بين أهل مدينة البدن‪ ،‬ولما فيك من‬
‫الخصال الشريفة واألهلية لخالفتي‪{ .‬اذهب أنت وأخوك} إلى آخر القصة‪ ،‬إن أريد تطبيقها قيل‪ :‬اذهب يا موسى‬

‫وبيناتي وال تفت ار {في ذكري} {إلى فرعون} النفس ّ‬


‫األمارة الطاغية المجاوزة‬ ‫القلب أنت وأخوك العقل {بآياتي} حججي ّ‬
‫حدها باالستعالء واالستيالء على جميع القوى الروحانية {فقوال له قوالً ليناً} بالرفق والمداراة في دعوتها إلى االستسالم‬
‫ّ‬
‫لتعودها باالستعالء‪ ،‬شجعهما‬
‫ألمر الحق واالنقياد لحكم الشرع‪ .‬لعلها تلين فتتعظ وتنقاد‪ .‬ولما خافا طغيانها وتفرعنها ّ‬
‫هللا بالتأييد واإلعانة والمحافظة والكالءة و ِ‬
‫اإلحاطة بما يقاسيانه ويكابدانه منها‪ ،‬وأمرهما بتبليغ الرسالة في تطويعها‬
‫وتسخيرها وإلزامها االمتناع عن استعباد القوى الحيوانية‪.‬‬

‫الكف عن تسخيرها‪ ،‬وأن يرسلها معهما في التوجه إلى الحضرة اإللهية واستفاضة األنوار الروحية القدسية والمعارف‬
‫و ّ‬
‫الحسية والزخارف الدنيوية {قد جئنات بآية} ببرهان دال على وجوب متابعتك‬
‫ّ‬ ‫الحقيقية وال يعذبها في تحصيل اللذات‬
‫إيانا‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{والسالم} أي‪ :‬السالمة من النقائص والنجاة من العالئق والفيض النوري من العالم الروحي {على من اتّبع} البرهان‬
‫وتمسك بالنور اإللهي‪.‬‬

‫سورة طه (من اآلية ‪ 48‬الى اآلية ‪)55‬‬

‫طى ُك َّل َش ٍ‬
‫يء‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِإَّنا َق ْد أ ِ‬
‫ُوحي ِإَل ْيَنآ أ َّ‬
‫َع َ ٰ‬‫ال َربَُّنا الذي أ ْ‬ ‫وس ٰى * َق َ‬ ‫ٰم َ‬ ‫ُّك َما ي ُ‬
‫ال َف َمن َّرب ُ‬ ‫اب َعَل ٰى َمن َكذ َب َوتََول ٰى * َق َ‬ ‫َن اْل َع َذ َ‬ ‫َ‬
‫نسى * َّال ِذي َج َع َل‬ ‫ِ ِ ٍ َّ ِ‬
‫ال عْل ُم َها ع َند َرّبِي في كتَاب ال َيض ُّل َرِّبي َوالَ َي َ‬
‫ِ‬ ‫خْلَقه ثُ َّم هد ٰى * َقال َفما بال اْلُقرو ِن األُوَلى * َق ِ‬
‫َ‬ ‫ٰ‬ ‫َ َ َ ُ ُ‬ ‫َ ُ ََ‬
‫ٍ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َنزل ِمن َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َخ َر ْجَنا به أ َْزَواجاً ّمن َّنَبات َشت ٰى * ُكُلوْا َو ْارَع ْوا أ َْن َع َ‬
‫ام ُك ْم‬ ‫آء َفأ ْ‬‫الس َمآء َم ً‬ ‫يها ُسُبالً َوأ َ َ َ‬ ‫ض َم ْهداً َو َسَل َك َل ُك ْم ف َ‬ ‫َل ُك ُم األ َْر َ‬
‫يها ُن ِع ُيد ُك ْم َو ِم ْن َها ُن ْخ ِرُج ُك ْم تَ َارًة أ ْ‬ ‫الن َه ٰى * ِم ْن َها َخَلْقَن ُ‬ ‫ِإ َّن ِفي ٰذلِك آلي ٍ‬
‫ُخ َر ٰى‬ ‫اك ْم َوِف َ‬ ‫ات أل ُْولِي ُّ‬ ‫َ َ‬

‫أن العذاب} في جحيم الطبيعة وهاوية الهيولى على من خالفه وأعرض عنه {فمن رّبكما} إشارة إلى‬‫{إنا قد أوحي إلينا ّ‬
‫ّ‬
‫الرب‪ ،‬وقوله‪{ :‬ربنا الذي أعطى} هداية لها بالدليل وتبصي اًر بالحجة‪ ،‬أي‪ :‬أعطاه خلقاً على‬
‫احتجاب النفس من جناب ّ‬
‫وفق مصالح ذاته وآالت تناسب خواصه ومنافعه ومقاصده وهداه إلى تحصيلها {فما بال القرون األولى} إشارة إلى‬
‫احتجابها عن المعاد واألحوال األخروية من السعادة والشقاوة وعن إحاطة علم هللا تعالى لها‪ .‬ولما كان الواجب األول‬
‫معرفة هللا تعالى بصفاته وكانت معرفة المعاد موقوفة عليها أجاب بإحاطة علمه بها وبأحوالها مع كثرتها وكون ذلك‬
‫العلم مثبتاً في اللوح المحفوظ باقياً أزالً وأبداً‪ ،‬ال يجوز عليه الخطأ والنسيان‪.‬‬

‫{الذي جعل لكم} أيها القوى البدنية أرض البدن {مهداً وسلك لكم فيها سبالً} من األعضاء والجوارح كالعين واألذن‬
‫واألنف وغيرها {وأنزل} من سماء الروح ماء اإلدراك والمدد الروحاني {فأخرجنا به} أصنافاً من اإلدراكات واألفاعيل‬
‫والخواص والهيئات والملكات المخصوصة بكل قوة منكم {كلوا} اغتذوا وتقووا بما يختص بكم من األحوال واألخالق‬
‫واألمداد والمواهب كالرضا والصبر وعلم األسماء والخواص واألعداد وسائر اإلدراكات واإلرادات والمقامات {وارعوا‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أنعامكم} القوى الحيوانية بما يختص بها من األخالق واآلداب {منها خلقناكم} أنشأناكم على حسب اختالف أمزجة‬
‫األعضاء التي هي مظاهرها {وفيها نعيدكم} بإماتة عند الرياضة حتى يالزم كل محله ويندس فيه ال حراك به وال‬
‫حده واالستيالء على غيره بمحو صفات النفس حتى الفناء {ومنها نخرجكم تارة أخرى} عند البقاء‬
‫يتطلب التجاوز عن ّ‬
‫بالحياة الموهوبة الحقيقية فتعتدل حركاتها وتفضل ملكاتها‪.‬‬

‫سورة طه (من اآلية ‪ 56‬الى اآلية ‪)63‬‬

‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰمو َس ٰى * َفَلَنأِْتَيَّن َك‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ َّ‬


‫ِبس ْح ٍر ّم ْثله َف ْ‬
‫اج َع ْل‬ ‫ك يُ‬ ‫ال أَ ِج ْئتََنا لتُ ْخ ِر َجَنا م ْن أ َْرضَنا ِبس ْح ِر َ‬
‫َوَلَق ْد أ ََرْيَناهُ َآياتَنا ُكل َها َف َكذ َب َوأََب ٰى * َق َ‬
‫ض ًحى * َفتََوَّل ٰى‬ ‫ُ‬ ‫اس‬‫الن ُ‬ ‫الز َين ِة َوأَن ُي ْح َش َر َّ‬
‫ال َم ْو ِع ُد ُك ْم َي ْوم ِّ‬
‫َنت َم َكاناً ُسًوى * َق َ‬
‫َّ‬
‫َب ْيَنَنا َوَب ْيَن َك َم ْو ِعداً ال ُن ْخلُِف ُه َن ْح ُن َوالَ أ َ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِفرعون َفجمع َكيده ثُ َّم أَتَى * َقال َلهم ُّموسى ويَل ُكم الَ تَْفتَروْا عَلى َّ ِ ِ‬
‫اب َم ِن ا ْفتََر ٰى *‬ ‫َّللا َكذباً َفُي ْسحتَ ُكم ِب َع َذاب َوَق ْد َخ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ُْ َ ٰ َْ ْ‬ ‫ٰ‬ ‫ْ َ ْ ُ َ َ َ َْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اك ْم ّم ْن أ َْرض ُك ْم ِبس ْح ِرِه َما َوَي ْذ َهَبا‬
‫ان أَن ُي ْخ ِر َج ُ‬
‫ان ُي ِر َيد ِ‬ ‫ان َلس ِ‬
‫اح َر ِ‬ ‫ِ‬
‫الن ْج َو ٰى * َقاُلوْا إ ْن َهـٰ َذ ِ َ‬
‫َسُّروْا َّ‬
‫َفتََن َازُعوْا أ َْم َرُه ْم َب ْيَن ُه ْم َوأ َ‬
‫ط ِريَقِت ُك ُم اْل ُم ْثَل ٰى‬
‫ِب َ‬

‫التجرد عن المواد ووجود األنوار {فكذب} لكونها مادة {وأبى} القبول‬


‫ّ‬ ‫{أريناه آياتنا} من الحجج والبينات الدالة على‬
‫للمجردات وأنكر إزعاجها عن وكرها البدني بقوله‪{ :‬أجئتنا لتخرجنا من أرضنا} ونسب البرهان إلى‬
‫ّ‬ ‫المتناع إدراكها‬
‫السحر لقصورها عن إدراكه وعجزها عن قبوله وأغرى القوى التخيلية والوهمية على المعارضة والمجادلة وقلما أذعنت‬

‫النفس للبرهان النير والحق البين بدون الرياضة واإلماتة‪ ،‬وكلما أورد عليها ّ‬
‫حرضت الوهم والتخيل على التشكيك‬
‫والقدح‪ .‬والموعد هو وقت تركيب الحجة وترتيب المقامات وذلك وقت زينة النفس الناطقة بالمدركات وحشر القوى‬
‫العقلية والروحانية الستحضار المعلومات والمخزونات {ضحى} إشراق نور شمس العقل الفعال إذ هناك تعرض النفس‬
‫ً‬
‫عن قبولها ويجمع كيدها من أنواع المغالطات والوهميات ويقمعها القلب باليقينيات وإظهار أكاذيبها المفتريات‪ .‬والتنازع‬
‫الواقع بين القوى النفسانية هو عدم مسالمتها في طاعة القلب وانجذاب كل منها إلى لذته متمانعة متخالفة‪ .‬وإسرارها‬
‫النجوى استبطان الكل الدواعي المخالفة للقلب مع تخالفها في أنفسها‪ .‬ونسبتها إلى السحر إشارة إلى عجزها عن إدراك‬
‫الحسية واالنهماك في‬
‫ّ‬ ‫معانيها وخفاء براهينها عليها‪ .‬والطريق المثلى‪ ،‬أي‪ :‬الفضلى عندها هي تحصيل اللذات‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫تقدم الوهميات والخياليات في الوجود اإلنساني على العقليات واليقينيات عند‬
‫الشهوات البدنية‪ .‬وإلقاؤها أوالً إشارة إلى ّ‬
‫السلوك وإال ما احتيج إلى البرهان القاطع والدليل الواضح وإلى أن الواجب على الداعي إلى الحق أوالً نقض الباطل‬
‫ودفع الشبهة بالحجة ليزول االعتقاد الفاسد ويتمكن استقرار الحق‪ .‬والحبال والعصي هي المغالطات والسفسطات من‬
‫ّ‬
‫ف ِإَّن َك‬‫الشبهة الجدلية التي تكاد تتمشى وتغلب على القلب لوال تأييد الحق بنور الروح والعقل وهو معنى قوله‪{ :‬الَ تَ َخ ْ‬
‫َعَل ٰى َوأَْل ِق َما ِفي َي ِم ِين َك}[طه‪ ،‬اآلية‪ ]69 - 68:‬العاقلة النظرية من البرهان المعتمد عليه يفن مصنوعاتهم‬
‫َنت األ ْ‬
‫أ َ‬
‫فتضمحل وتتالشى‪ .‬إنما صنعوا كيد تزوير ومكر ال حقيقة له ال ما صنعت كما زعموا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫المموهة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫المزخرفة وأباطيلهم‬
‫فألقي السحرة سجداً فانقادت حينئذ القوى الوهمية والخيالية والتخييلية والحسية عند ظهور عجزها والنفس األمارة ثابتة‬

‫وعتوها لعدم ارتياضها واعتيادها بمألوفاتها وترأسها على القوى وتجبرها‪ ،‬باقية على عنادها ّ‬
‫وشدة شكيمتها‪.‬‬ ‫في تفرعنها ّ‬
‫ألقطعن} إشارة إلى إبعادها وتخويفها للقوى عند إذعانها يمنع ّ‬
‫تصرفاتها في المعايش وترك سعيها في تحصيل المالذ‬ ‫ّ‬ ‫{و‬
‫والمشتهيات الجسمانية من جهة مخالفتها إياها بموافقة القلب‪ .‬وصلبها في جذوع النخل‪ :‬إيقافها باإلماتة عند الرياضة‬
‫التصرف في سائر‬
‫ّ‬ ‫مقارها ومبادىء نشأتها من أعالي مراتب القوى النباتية دون‬
‫حد القوى النباتية وإثباتها في ّ‬
‫في ّ‬
‫المراتب واالستعالء على المناصب واالستيالء في المكاسب‪ ،‬أو من األعضاء التي هي معادنها ومظاهرها‪ .‬وهذا‬
‫التخويف على هذا التأويل من قبيل أحاديث النفس وهواجسها بسبب اللمات الشيطانية المثبطة عن المجاهدة لقوله‬
‫اءهُ}[آل عمران‪ ،‬اآلية‪ ]175:‬ليفيد إعراضها عن مطاوعة القلب وقيامها بخدمتها‬ ‫ان ُي َخِّو ُ ِ‬ ‫تعالى‪ِ{ :‬إَّنما ٰذلِ ُكم َّ‬
‫ف أ َْولَي َ‬ ‫طُ‬ ‫الش ْي َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫{و َجادْل ُهم ِبالتي ه َي أ ْ‬
‫َح َس ُن}[النحل‪،‬‬ ‫وتسخرها لها ولو حمل على المباحثة الظاهرة المستفادة من قوله تعالى‪َ :‬‬
‫وك}[طه‪ ،‬اآلية‪ ]42:‬على‬ ‫َخ َ‬ ‫اآلية‪ ]125:‬بعد التصديق بالظاهر واإليمان باإلعجاز الباهر ألجرى قوله‪{ :‬ا ْذ َه ْب أ َ‬
‫َنت َوأ ُ‬
‫ظاهره إلى قوله‪َ { :‬فتََن َازُعوْا أ َْم َرُه ْم َب ْيَن ُه ْم}[طه‪ ،‬اآلية‪ ]62:‬أي‪ :‬تباحثوا فيما بينهم في السر‪ ،‬متنازعين فيما يعارضونه به‬
‫ان َلس ِ‬
‫اح َر ِ‬ ‫ِ‬
‫ان}[طه‪ ،‬اآلية‪ ]63:‬مفلقان في البيان والفصاحة واالحتجاج ال‬ ‫من ضروب الجدل‪ .‬وقيل في قوله‪{ :‬إ ْن َهـٰ َذ ِ َ‬
‫فيحجهما‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يكاد يعارضهما أحد‬

‫سورة طه (من اآلية ‪ 64‬الى اآلية ‪)71‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وس ٰى ِإ َّمآ أَن ُتْل ِقي َوإِ َّمآ أَن َّن ُكو َن أََّو َل َم ْن أَْلَق ٰى *‬ ‫َفأ ِ‬
‫َ‬ ‫ٰم َ‬ ‫صّفاً َوَق ْد أَْفَل َح اْلَي ْوَم َم ِن ْ‬
‫استَ ْعَل ٰى * َقاُلوْا ي ُ‬ ‫َجم ُعوْا َك ْي َد ُك ْم ثُ َّم ا ْئتُوْا َ‬‫ْ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫صيُّهم ُي َخي ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وس ٰى * ُقْلَنا الَ‬ ‫َّل إَل ْيه من س ْح ِره ْم أََّن َها تَ ْس َع ٰى * َفأ َْو َج َس في َنْفسه خ َيف ًة ُّم َ‬ ‫ُ‬ ‫ال َب ْل أَْلُقوْا َفإ َذا حَباُل ُه ْم َوع ُ ْ‬ ‫َق َ‬
‫الس ِ‬‫اح ٍر َوالَ ُيْفلِ ُح َّ‬ ‫َنت األَعَل ٰى * وأَْل ِق ما ِفي ي ِم ِينك َتْلَقف ما صَنعوْا ِإَّنما صَنعوْا َكي ُد س ِ‬
‫اح ُر َح ْي ُث أَتَ ٰى *‬ ‫َ َ ْ َ َ ُ َ َ ُ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ف ِإَّن َك أ َ‬ ‫تَ َخ ْ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َفأُْلِق َي َّ‬
‫َن َءا َذ َن َل ُك ْم إَّن ُه َل َكب ُيرُك ُم الذي َعل َم ُك ُم ّ‬
‫الس ْح َر‬ ‫آمنتُ ْم َل ُه َقْب َل أ ْ‬ ‫ال َ‬ ‫وس ٰى * َق َ‬‫آمَّنا ب َر ّب َه ُارو َن َو ُم َ‬ ‫الس َح َرةُ ُس َّجداً َقاُلوْا َ‬
‫ُصِّلَبَّن ُك ْم ِفي ُج ُذوِع َّ‬
‫الن ْخ ِل َوَلتَ ْعَل ُم َّن أَيَُّنآ أَ َشُّد َع َذاباً َوأ َْبَق ٰى‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َفألَُق ِّ‬
‫ط َع َّن أ َْيدَي ُك ْم َوأ َْر ُجَل ُك ْم ّم ْن خالَف َوأل َ‬

‫{فأجمعوا كيدكم} أي‪ :‬اتّفقوا فيما تبارزونهما به فتكونوا متفقي الكلمة متعاضدين {فإذا حبالهم وعصيهم} أي‪ :‬تخيالتهم‬
‫ووهمياتهم {يخيل إليه من سحرهم} في التركيب والبالغة وحسن التقرير وتمشية المغالطة والسفسطة وهيئة ترتيب‬
‫الجهال ودولة الضالل‪ ،‬كما قال أمير المؤمنين علي عليه‬
‫القياس الجدلي كأنها تسعى‪ ،‬أي‪ :‬تمشي {خيفة} عن غلبة ّ‬
‫ّ‬
‫الجهال ودولة الضالل‪".‬‬
‫السالم‪" :‬لم يوجس موسى خيفة على نفسه‪ ،‬إنما خاف من غلبة ّ‬

‫{قلنا ال تخف} شجعناه و ّأيدناه‪ ،‬بروح القدس {وألق ما في يمينك} أي‪ :‬ما في ضبط عقلك من النفس المؤتلفة بشعاع‬
‫وزوروا من الشبهات والتمويهات الباطلة واألباطيل المزخرفة‬
‫القدس المضيئة بنور الحق {تلقف ما صنعوا} ما زخرفوا ّ‬
‫بالحجج النيرة والبراهين الواضحة {إنما صنعوا} وتلقفوا {كيد ساحر} أي‪ :‬تمويه وتزوير {فألقي السحرة سجداً} منصفين‬
‫مذعنين مقرين بكونه على الحق لما عرفوا من صدق البينة وظهور المعجزة وقيام الحجة وجلية البرهان {قالوا آمنا}‬
‫الرب إليهما مع تعميم اإلضافة إلى العالمين‬
‫اإليمان اليقيني ألنهم كوشفوا بالحق فعرفوا ربوبيته للكل‪ ،‬وإنما أضافوا ّ‬
‫يرب كل شيء باسم يناسبه ويقتضيه استعداده ويربهما بأكبر‬
‫لزيادة اختصاصهما به وفضل ربوبيته إياهما‪ ،‬فإنه ّ‬
‫أسمائه الحسنى على حسب كمال استعدادهما ولظهوره فيهما بكماالت صفاته وتجليه عليهم فيهما بآياته‪ ،‬فعلموا أنهم‬
‫من شكوتهما عرفوا ما عرفوا‪ ،‬وبوسيلتهما وصلوا إلى ما وصلوا‪ ،‬وبتبعيتهما وجدوا ما وجدوا‪ ،‬ال على سبيل االستقالل‪.‬‬
‫واعلم أن الساحر أقرب الناس استعداداً من النبي ألن مبادىء خوارق العادات أمور ثالثة‪ :‬إما خواص التركيب‬
‫وتمزيجات المواد العنصرية والصور وجمع األخالط المختلفة المزاج والجوهر وهو من باب النيرنجات‪ .‬وإما جمع‬
‫القوى السماوية واألرضية بإعداد الصور السفلية والمواد العنصرية الستجالب فيض النفوس السماوية واتصالها بقوى‬
‫األجرام األرضية وهو من باب الطلسمات‪ ،‬وإما تأثير النفوس وهيئاتها المستفادة من العالم العلوي وهو من الكامل‬
‫للنبوة كرامة‪ .‬والفرق‬
‫للنبوة القائم بالدعوة إعجاز ومن الواصل المحق المترقي إلى ذروة الوالية غير المبعوث ّ‬
‫المبعوث ّ‬
‫للتحدي والمعارضة دون الكرامة ومن المقبل على الدنيا المعرض عن العالم األعلى سحر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بينهما أن اإلعجاز مقارن‬
‫فكانت نفس الساحر في بدء فطرتها قوية مخصوصة بهيئات مؤثرة في هذا العالم وأجرامه إال أنها أعرضت عن‬
‫مبدئها بالركون إلى العالم السفلي وانقطعت عن أصل القوى والقدر ومنبع التأثير والقهر بالميل إلى عالم الطبع‪ ،‬فال‬
‫يزال يضعف ما فيها من الهيئة النورية والشعاع القدسي كما ال يزال يزداد في نفس النبي والولي باإلقبال على الحق‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واالئتالف بنور القدس والتأييد بالقوة الملكوتية والتوجه إلى الحضرة اإللهية وال جرم ينكسر من النبي حين عارضه‬
‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اإلقرر به‬
‫ا‬ ‫وينقمع بنفسه إذا قابله‪ ،‬فهو أعرف الناس بالنبي عند عجزه وإنكاره وأقبل الخلق لدعوته وأنواره‪ ،‬وأسبقهم إلى‬
‫ّ‬
‫لكونه أقربهم في االستعداد إليه ما لم يبطل استعداده األول بالكلية ولم يغلب عليه دين الطبيعة السفلية‪.‬‬

‫سورة طه (من اآلية ‪ 72‬الى اآلية ‪)73‬‬

‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ات َو َّال ِذي َف َ‬


‫اْلبِين ِ‬ ‫آءَنا ِم َن‬
‫آمَّنا‬
‫الد ْنَيآ * إَّنآ َ‬ ‫اض ِإَّن َما تَْقضي َهـٰذه اْل َحَي َ‬
‫اة ُّ‬ ‫َنت َق ٍ‬
‫ض َمآ أ َ‬ ‫ط َرَنا َفا ْق ِ‬ ‫َّ َ‬ ‫ك َعَل ٰى َما َج َ‬ ‫َقاُلوْا َلن ُّن ْؤِث َر َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫الس ْح ِر َو َّ‬
‫َّللاُ َخ ْيٌر َوأ َْبَق ٰى‬ ‫ِب َرّبَِنا لَِي ْغِف َر َلَنا َخ َ‬
‫ط َاي َانا َو َمآ أَ ْك َرْهتََنا‬
‫َعَل ْيه م َن ّ‬

‫{لن نؤثرك} كالم صادر من عظم الهمة الحاصلة للنفس بقوة اليقين‪ ،‬إذ قوة اليقين في القلب تورث النفس عظم الهمة‬
‫الحسية في جنب السعادة األخروية‬
‫ّ‬ ‫وهو عدم مباالتها بالسعادة الدنيوية والشقاوة البدنية واللذات العاجلة الفانية واآلالم‬
‫واللذة الباقية العقلية‪ ،‬ولهذا استخفوا بها واستحقروها بقولهم‪{ :‬إنما تقضي هذه الحياة الدنيا}‪{ .‬ليغفر لنا خطايانا} أي‪:‬‬
‫يستر بنوره الهيئات المظلمة والصفات الرديئة التي عرضت لنفوسنا بسبب الميل إلى اللذات الطبيعية ومحبة الزخارف‬
‫الدنيوية {وما أكرهتنا عليه من السحر} أي‪ :‬معارضة موسى ألنهم لما عرفوه بنور استعدادهم وعلموا كونه على الحق‪،‬‬
‫فاستعفوا عن معارضته فأكرهم اللعين‪.‬‬

‫سورة طه (من اآلية ‪ 74‬الى اآلية ‪)79‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ات َفأ ُْوَلـِٰئ َك َل ُه ُم‬
‫الصالِح ِ‬
‫َّ َ‬ ‫يها َوالَ َي ْحَي ٰى * َو َمن َي ْأِت ِه ُم ْؤ ِمناً َق ْد َع ِم َل‬ ‫ِ‬
‫ْت ربَّه مج ِرماً َفِإ َّن َله جهَّنم الَ يم ِ‬
‫وت ف َ‬
‫ُ َ َ َ َُ ُ‬ ‫ِإَّن ُه َمن َيأ َ ُ ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫آء َمن تََزَّك ٰى‬ ‫ِٰ‬ ‫الدرجات اْلعَلى * جَّنات ع ْد ٍن تَجرِي ِمن تَحِتها األ َْنهار َخالِ ِد ِ‬
‫وس ٰى‬
‫* َوَلَق ْد أ َْو َح ْيَنآ إَل ٰى ُم َ‬ ‫يها َوذل َك َج َز ُ‬ ‫ين ف َ‬
‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َّ َ َ ُ ُ ٰ‬
‫ودِه َف َغ ِشَي ُه ْم ِّم َن‬
‫اف َدركاً والَ تَ ْخ َش ٰى * َفأ َْتَبعهم ِف ْرَعو ُن ِبجُن ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫َُْ‬
‫َّ‬ ‫أَن أَس ِر ِب ِعب ِادي َفاض ِرب َلهم َ ِ‬
‫ط ِريقاً في اْلَب ْح ِر َيَبساً ال تَ َخ ُ َ َ‬ ‫ْ ْ ُْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬
‫ِ‬
‫َض َّل ف ْرَع ْو ُن َق ْو َم ُه َو َما َه َد ٰى‬ ‫ِ‬
‫اْلَي ِّم َما َغشَي ُه ْم * َوأ َ‬

‫{من يأت رّبه} في القيامة الصغرى مجرماً م ّثقالً بالهيئات البدنية المميلة إلى األجرام الطبيعية {ال يموت فيها}‬
‫بالموت الطبيعي‪ ،‬فال يشعر باآلالم {وال يحيى} بالحياة الحقيقية فينجو من تبعات اآلثام‪.‬‬

‫{ومن يأته مؤمناً} باإليمان اليقيني {قد عمل الصالحات} من الفضائل النفسانية المزكية للنفوس {فأولئك لهم الدرجات‬
‫العلى} من جنات الصفات بحسب درجات ترقيهم في الكماالت‪.‬‬

‫{أن أسر بعبادي} في ظلمة صفات النفوس وليل الجسمانية {فاجعل لهم طريقاً} من التجريد في بحر عالم الهيولى‬
‫{يبساً} ال تصل إليه نداوة الهيئات الهيوالنية ورطوبة المواد الجسمانية {ال تخاف دركاً} لحوقاً من البدنيين المنغمسين‬
‫في غواشي الطبيعة الظلمانية {وال تخشى} غلبتهم عليكم واستيالءهم‪ ،‬فإنهم مقيدون محبوسون فيها‪ ،‬قاصرون عن‬
‫شأنكم {فأتبعهم} إلهالكهم دينهم باالنغماس في الطبيعيات فغشيهم من يم القطران ما غشيهم من الهالك السرمدي‬
‫مر غير مرة‪.‬‬
‫والعذاب األبدي‪ ،‬والتطبيق قد ّ‬

‫سورة طه (من اآلية ‪ 80‬الى اآلية ‪)82‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫طِيب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ور األ َْي َم َن َوَنَّ ْزلَنا َعَل ْي ُك ُم اْل َم َّن َو َّ‬ ‫اكم ج ِانب ُّ‬
‫الط ِ‬ ‫اك ْم ِّم ْن َع ُدِّوُك ْم‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ات‬ ‫السْلَو ٰى * ُكُلوْا من َ ّ َ‬ ‫اع ْدَن ُ ْ َ َ‬
‫َوَو َ‬ ‫َنج ْيَن ُ‬
‫يل َق ْد أ َ‬ ‫يَٰبني إ ْس َرائ َ‬
‫آم َن َو َع ِم َل‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طغوْا ِف ِ‬
‫يه َفَي ِح َّل َعَل ْي ُك ْم‬
‫ضِبي َفَق ْد َهَو ٰى * َوِإّني َل َغف ٌار ّل َمن تَ َ‬
‫اب َو َ‬ ‫ضِبي َو َمن َي ْحل ْل َعَل ْيه َغ َ‬‫َغ َ‬ ‫اك ْم َوالَ تَ ْ َ ْ‬
‫َما َرَزْقَن ُ‬
‫اهتَ َد ٰى‬ ‫ِ‬
‫صال َحاً ثُ َّم ْ‬
‫َ‬

‫{ونزلنا‬
‫{وواعدناكم جانب} طور القلب {األيمن} الذي يلي روح القدس وهو محل الوحي الذي يسمونه الروع والفؤاد ّ‬
‫عليكم} من األحوال والمذاهب من الذوقيات وسلوى العلوم والمعارف من اليقينيات {كلوا من طيبات ما رزقناكم} أي‪:‬‬
‫تغذوا تلك المعارف الطيبة وتقبلوها بقلوبكم فإنها سبب حياتها {وال تطغوا فيه} بظهور النفس وإعجابها بنفسها عند‬
‫{فيحل عليكم} غضب الحرمان وآفة الخذالن {فقد هوى} سقط عن مقام‬
‫َ‬ ‫استشراقها ورؤيتها بهجتها وكمالها وزينتها‬
‫القرب في جحيم النفس واحتجب عن نور تجلي صفات الجمال في ظلمات االستتار وأستار الجالل‪.‬‬

‫{وإني لغّفار} لستّار صفات النفس الطاغية الظاهرة بتزييناتها واستغنائها بأنوار صفاتي {لمن تاب} عن تظاهرها‬
‫ذل فاقتها وافتقارها {وآمن} بأنوار الصفات القلبية وتجليات األنوار‬
‫واستيالئها‪ ،‬واستغفر بانكسارها وانقماعها ولزومها ّ‬
‫اإللهية {وعمل صالحاً} في اكتساب المقامات كالتوكل والرضا والملكات المانعة من التلوينات بالحضور والصفاء {ثم‬
‫اهتدى} إلى نور الذات وحال الفناء‪.‬‬

‫سورة طه (من اآلية ‪ 83‬الى اآلية ‪)96‬‬

‫ال َفِإَّنا َق ْد َفتََّنا َق ْو َم َك ِمن‬


‫ض ٰى * َق َ‬
‫ِ‬
‫َر ِّب لتَ ْر َ‬
‫ومآ أَعجَلك عن َقو ِمك يٰموسى * َقال هم أُو ِ‬
‫الء َعَل ٰى أَثَرِي َو َع ِجْل ُت ِإَل ْي َك‬ ‫َ ُْ ْ‬ ‫َ ُ َٰ‬ ‫ََ َْ َ َ‬
‫أََل ْم َي ِع ْد ُك ْم َرُّب ُك ْم َو ْعداً َح َسناً أََف َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬
‫َضَّل ُه ُم َّ‬ ‫ِ‬
‫ال َعَل ْي ُك ُم‬
‫ط َ‬ ‫ض َٰب َن أَسفاً َق َ‬
‫ال ٰيَق ْو ِم‬ ‫وس ٰى ِإَل ٰى َق ْو ِمه َغ ْ‬
‫ِي * َف َر َج َع ُم َ‬
‫امرُّ‬ ‫ك َوأ َ‬
‫َب ْعد َ‬
‫ار ِّمن‬ ‫ك ِب َمْل ِكَنا َوَلـ ِٰكَّنا ُح ِّمْلَنآ أ َْوَز اً‬ ‫ِ‬ ‫ض ٌب ِّمن َّرّب ُ‬ ‫ِ‬
‫َخَلْفَنا َم ْو ِع َد َ‬
‫َخَلْفتُ ْم َّم ْو ِعدي * َقاُلوْا َمآ أ ْ‬ ‫ِك ْم َفأ ْ‬ ‫اْل َع ْه ُد أ َْم أ ََردتُّ ْم أَن َيح َّل َعَل ْي ُك ْم َغ َ‬
‫وس ٰى َفَن ِسي *‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬
‫اها َف َك َذلِ َك أَْلَقى َّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َخ َرَج َل ُه ْم ع ْجالً َج َسداً ل ُه ُخَو ٌار َفَقاُلوْا َهـٰ َذآ إَلـ ُٰه ُك ْم َوِإَلـ ُٰه ُم َ‬‫ِي * َفأ ْ‬ ‫امرُّ‬ ‫ِز َينة اْلَق ْو ِم َفَق َذ ْفَن َ‬
‫ال َل ُه ْم َه ُارو ُن ِمن َقْب ُل ٰيَق ْو ِم ِإَّن َما ُفِتنتُ ْم ِب ِه َوإِ َّن َرب ُ‬
‫َّك ُم‬ ‫ضّاًر َوالَ َنْفعاً * َوَلَق ْد َق َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫أََفالَ َي َرْو َن أَال َي ْرِج ُع ِإَل ْي ِه ْم َق ْوالً َوالَ َي ْمل ُك َل ُه ْم َ‬
‫ال ي َٰه ُرو ُن َما َمَن َع َك ِإ ْذ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين َحتَّ ٰى َي ْرج َع إَل ْيَنا ُمو َس ٰى * َق َ‬ ‫يعوْا أ َْمرِي * َقاُلوْا َلن َّن ْب َرَح َعَل ْيه َعاكف َ‬ ‫الر ْح َمـ ُٰن َفاتَِّب ُعوِني َوأَط ُ‬ ‫َّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ول َفَّرْق َت َب ْي َن َبِني‬
‫يت أَن تَُق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْخ ْذ ِبلِ ْحَيتي َوالَ ِب َأرْسي ِإّني َخش ُ‬ ‫ص ْي َت أ َْمرِي * َق َ‬
‫ال َي ْبَن ُؤَّم الَ تَأ ُ‬ ‫َّ َِّ‬
‫* أَال تَتب َع ِن أََف َع َ‬ ‫ضُّلوْا‬‫َأرَْيتَ ُه ْم َ‬
‫الرس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طبك يٰس ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ول‬ ‫ض ًة ّم ْن أَثَ ِر َّ ُ‬ ‫ض ُت َق ْب َ‬‫ص ُروْا ِبه َفَقَب ْ‬ ‫ِ‬
‫ص ْر ُت ب َما َل ْم َي ْب ُ‬ ‫ِي * َق َ‬
‫ال َب ُ‬ ‫امرُّ‬ ‫تَ ْرُق ْب َق ْولِي * َق َ‬
‫ال َف َما َخ ْ ُ َ َ‬ ‫يل َوَل ْم‬
‫إ ْس َرآء َ‬
‫َفَنَب ْذتُ َها َوَك ٰذلِ َك َسَّوَل ْت لِي َنْف ِسي‬

‫شرف بمقام‬
‫أن موسى عليه السالم لما ّ‬
‫{وما أعجلك عن قومك} ‪ -‬إلى قوله ‪{ -‬في اليم نسفاً} معناه على التحقيق‪ّ :‬‬
‫المكالمة وأوتي كشف الصفات وبعث إلنقاذ بني إسرائيل وإرشادهم إلى الحق ُوعد شريعة يسوس بها قومه‪ ،‬فاستخلف‬
‫هارون على قومه وتخلى للمراقبة قبل تثبتهم على اإليمان وتقريرهم على الحق باإليقان‪ ،‬فعوقب على تلك العجلة وإن‬

‫كانت من غاية الشوق إلى المشاهدة‪ .‬واقتضاء المقام عدم ّ‬


‫التفرغ إلى تكميل الغير ألن في تكميلهم بالمعرفة اليقينية‬
‫والكمال العلمي ثبات قدمه في الطاعة وامتثال األمر المستلزم للترقي في الحال‪ ،‬فاعتذر بكونهم على متابعته في‬
‫الدين وإن لم تبن معاملتهم على أساس اليقين والتعجيل‪ ،‬إنما بدر منه لطلب مقام الرضا الذي هو كمال الفناء في‬
‫المستعد القابل‬
‫ّ‬ ‫الصفات وهو استحكام مقام التجلي الصفاتي الذي منه المكالمة‪ ،‬وإنما ابتالهم هللا بالسامري ليتميز‬
‫يتنبه للمجرد المعقول‪.‬‬
‫للكمال بالتجريد من القاصر االستعداد المنغمس في المو ّاد الذي ال يدرك إال المحسوس وال ّ‬
‫ولهذا قالوا‪{ :‬ما أخلفنا موعدك بملكنا} أي‪ :‬بأن ملكنا أمرنا وخلينا ورأينا‪ ،‬فإنهم عبيد بالطبع ال رأي لهم وال ملكة‬
‫وليسوا مختارين بل مطبوعون مسوسون مقودون بدنيون ال طريق لهم إال التقليد والعمل‪ ،‬ال التحقيق والعلم‪ .‬وإنما‬
‫استعبدهم بالطلسم المفرع من الحلي لرسوخ محبة الذهب في طباعهم لكون نفوسهم سفلية منجذبة إلى الطبيعة‬
‫الذهبية‪ ،‬وتجلي تلك الصورة النوعية فيها للتناسب الطبيعي وكان ذلك من باب مزج القوى السماوية بالقوى األرضية‬
‫ولذلك قال‪{ :‬بصرت بما لم يبصروا به} من العلم الطبيعي والرياضي اللذين يبتنى عليهما علم الطلسمات والسيميات‪.‬‬

‫{فقبضت قبضة من أثر الرسول} وهي على ما قيل‪ :‬تراب موطىء حافر الحيزوم الذي هو فرس الحياة مركب‬
‫المسخرة للعقل الفعال‪ ،‬المتأثرة منه‪ ،‬الحاملة لصفاته‬
‫ّ‬ ‫جبرائيل‪ ،‬أي‪ :‬مما اتصل به أثر النفس الحيوانية الكلية السماوية‬
‫التي هي بمثابة مركبه الستعالئه عليها ووصول تأثيره إلى الطبائع العنصرية واألجرام السفلية بواسطتها من األوضاع‬
‫التي تفيض بسببها اآلثار على المواد‪ ،‬فتنفعل منها بحسب االستعداد وتقبل األحوال الغريبة التي هي بمثابة تراب‬
‫موطىء مركبه {فنبذتها} فطرحتها على الجرم المذاب عند اإلفراغ في صورة العجل وذلك من تسويل النفس الشيطانية‬
‫الشريرة‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة طه (من اآلية ‪ 97‬الى اآلية ‪)97‬‬

‫ظْلت عَلي ِه ع ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫اس َوإِ َّن َل َك َم ْو ِعداً َّلن تُ ْخَلَف ُه َوان ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اكفاً‬ ‫ظ ْر ِإَل ٰى ِإَلـٰ ِه َك الذي َ َ َ ْ َ‬ ‫ول الَ م َس َ‬ ‫ِ‬
‫ال َفا ْذ َه ْب َفإ َّن َل َك في اْل َحَياة أَن تَُق َ‬ ‫َق َ‬
‫َّلنح ِرَقَّنه ثُ َّم َلن ِ‬
‫نسَفَّن ُه ِفي اْلَي ِّم َن ْسفاً‬ ‫ُ َّ ُ َ‬

‫وقوله‪{ :‬فاذهب} صادر عن غضبه عليه السالم وطرده إياه‪ ،‬وإنما يجب حلول العذاب من غضب األنبياء واألولياء‬
‫وع ّذب بعذاب‬
‫ألنهم مظاهر صفات هللا تعالى‪ ،‬فكل من غضبوا عليه وقع في قهره تعالى وشقى في الدنيا واآلخرة‪ُ ،‬‬
‫التحرز عن المماسة نتيجة ُبعده عن الحق في الدعوة إلى الباطل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األبد‪ ،‬وذاق وبال العمل‪ ،‬وكانت صورة عذابه في‬
‫إن القلب إذا سبق له كشف وجذبه‬‫وأثر لعن موسى عليه السالم إياه عند إبطال كيده وإزالة مكره‪ .‬وعلى التطبيق‪ّ :‬‬
‫االجتهاد والسلوك وحصل عنده الكمال العلمي الكشفي دون العلمي الكسبي‪ ،‬يكون في معرض عتاب الحق عند‬
‫يرد إلى العمل والرياضة لسياسة القوى‬
‫التعجل إلى الشهود والحضور‪ ،‬ذاهالً عن أمر الشريعة والمجاهدة‪ ،‬ويجب أن ّ‬
‫واكتساب مقام االستقامة‪ ،‬إذ ال يقوى هارون العقل الذي هو خليفته على قومه القوى الروحانية والجسمانية على‬
‫تدبيرهم وتقويمهم وتسديدهم بدون الرياضة والمجاهدة والمواظبة على الطاعة والمعاملة‪ ،‬فينبعث سامرّي القوى‬
‫حب الشهوات‪ ،‬ويطرح عليها شيئاً من أمداد الطالع بحسب األوضاع‬ ‫النفسانية من الحواس ويوقد عليها نار ّ‬
‫المخصوصة‪ ،‬أي‪ :‬التي تأثرت من تأثير النفس الحيوانية التي هي فرس الحياة‪ ،‬فيمثل الطبيعة بصورة العجل المفرغ‬
‫في قالب المو ّاد الذي همه األكل والشرب ودأبه اللذة والشهوة دون العمل والسعي ِ‬
‫باإلثارة والتعب كما أشير إليه‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ويتقوى ويصيح ذا خوار‪ ،‬فيعبده جميع القوى ويتخذه إلهاً‪ ،‬وكلما نبهها العقل المؤيد بنور‬
‫وينتفخ فيه روح الهوى فيحيا ّ‬
‫المنور‬
‫القلب على ضاللها وفتنتها ودعاها إلى الحق ومتابعة الرأي العقلي وطاعته‪ ،‬خالفته حتى يرجع إليها القلب ّ‬
‫ويعيرها ويعنفها بلسان‬
‫وتفرقها في الدين‪ّ ،‬‬
‫بنور الحق‪ ،‬المؤيد بتأييد القدس‪ ،‬غضبان هلل تعالى أسفاً على ضاللها ّ‬
‫الرب بمقتضى الخلقة والنشأة والسقوط عن‬
‫اللوامة‪ ،‬ويأخذها بالوعد والوعيد‪ ،‬ويذكرها طول العهد من قرب ّ‬
‫النفس ّ‬
‫ويخوفها باستحقاق الغضب والسخطة عن نسيان العهد وإخالف الوعد حين اإلقرار بالربوبية عند ميثاق‬
‫الفطرة‪ّ ،‬‬
‫التخيل‪ ،‬مستسلمة للردى‪ ،‬وال طريق‬
‫الفطرة‪ ،‬فال ينجع فيها القول إذا صارت مأسورة في أسر الهوى‪ ،‬منقادة لسلطان ّ‬
‫إال خرق الطبيعة الجسدانية بمبرد المجاهدة وإحراقها بنار الرياضة ونسفها برياح نفحات الرحمة اإللهية التي إذا ّ‬
‫هبت‬
‫القوة العاقلة بعد متابعتها للقلب ومشايعتها للسر في‬
‫يم الهيولى الجرمية ال حياة بها وال حراك بعد تغير ّ‬ ‫بها الشت في ّ‬
‫التوجه‪ ،‬وبوجود موافقتها للقوى في الميل إلى الطبيعة واألخذ برأسها إلى جهتها العادية التي تلي الروح بتأثير النور‬
‫فيه حتى تنفعل وتتأثر بشعاع القدس ونور الهداية الحقانية ولحيتها التي هي الهيئة الذكورية وصورة التأثير فيما‬
‫تحت‪ ،‬أي‪ :‬جهتها السفلية التي تلي القوى النفسانية‪ .‬وجرها إليه‪ ،‬أي‪ :‬الجهة العلوية وجناب الحق وعالم القدس الذي‬
‫هو فيه‪ ،‬فيتقوى باأليد اإللهي والقدرة الربانية وجوالنها فتؤثر فيها وتطوعها بأمر الحق لها وللقلب‪ ،‬ويستخلصها من‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫المتنور بنور الهداية‪ ،‬المتأيد بأمر الشريعة‪ ،‬ال يقدر أن‬
‫ّ‬ ‫التخيل والوهم‪ .‬واعتذار هارون إشارة إلى أن العقل غير‬
‫قهر ّ‬
‫يحافظ القوى ويعاند ّ‬
‫التخيل والهوى‪ ،‬وال يزيدها إال التفرقة الموقعة في الردى‪ .‬وعند استيالء نور القلب والعقل وقهر‬
‫التخيل وينعزل وال يقدر أن يماس شيئاً من القوى بتخييله وال‬
‫الطبيعة بالكلية وحصول االستقامة في الطريقة‪ ،‬ينخزل ّ‬
‫حد ورتبة ال يجد خلفاً فيه‬
‫يقاربه ّقوة منها بقبول تسويله فيصير ملعوناً‪ ،‬مطروداً‪ ،‬فيقول‪ :‬ال مساس‪ .‬وله موعد‪ ،‬أي‪ّ :‬‬
‫ويروج أكاذيبه وغلطه بالمعقوالت‪ ،‬وينفقه في المرادات‪.‬‬
‫وال يتجاوز‪ ،‬فيترأس‪ ،‬ويستولي‪ّ ،‬‬

‫سورة طه (من اآلية ‪ 98‬الى اآلية ‪)104‬‬

‫اك ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ص َعَل ْي َك م ْن أ َْنَبآء َما َق ْد َسَب َق َوَق ْد آتَْيَن َ‬ ‫َّللاُ َّال ِذي ال ِإَلـ َٰه ِإالَّ ُه َو َوِس َع ُك َّل َش ْي ٍء ِعْلماً * َك ٰذلِ َك َنُق ُّ‬
‫ِإَّن َمآ ِإَلـ ُٰه ُك ُم َّ‬
‫ام ِة ِح ْمالً * َي ْوَم ُي َنف ُخ ِفي‬ ‫ِ‬
‫آء َل ُه ْم َي ْوَم اْلقَي َ‬
‫َّلدَّنا ِذ ْك اًر * َّمن أَعرض عنه َفِإَّنه يح ِمل يوم اْلِقيام ِة ِوز اًر * خالِ ِد ِ ِ‬
‫ين فيه َو َس َ‬‫َ َ‬ ‫ْ ْ َ َ َ ْ ُ ُ َ ْ ُ َْ َ َ َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َِّ ِ َّ‬ ‫ٍِ‬
‫ين َي ْو ِمئذ ُزْرقاً * َيتَ َخا َفتُو َن َب ْيَن ُه ْم إن لب ْثتُ ْم إال َع ْش اًر * َّن ْح ُن أَ ْعَل ُم ب َما َيُقوُلو َن إ ْذ َيُق ُ‬
‫ول أ َْمَثُل ُه ْم‬ ‫ور َوَن ْح ُش ُر اْل ُم ْج ِرِم َ‬ ‫الص ِ‬ ‫ُّ‬
‫ط ِريَق ًة ِإن َّلِب ْثتُ ْم ِإالَّ َي ْوماً‬‫َ‬

‫التجرد والتفريد إال‬


‫ّ‬ ‫وذلك مقام االستقامة إلى هللا والقيام بحقائق العبودية هلل‪ ،‬وال تتجلى ناصية التوحيد وال يحصل مقام‬
‫به‪ ،‬ولذلك عقبه بقوله‪:‬‬

‫{إنما إلهكم هللا الذي ال إله إال هو} إذ يكون السالك قبل ذلك مصلياً إلى قبلتين‪ّ ،‬‬
‫متردداً في العبادة بين جهتين‪ ،‬متخذ‬
‫{وس َع كل شيء علماً} أي‪ :‬يتحقق هناك التوحيد بالفعل‪ ،‬وتظهر إحاطة علمه بكل شيء وحدوده وغاياته‬ ‫اإللهين ِ‬
‫وقوتها‪ ،‬عابدة له بحسب وسعها‬
‫حدها في عبادته وطاعته عائذة به عن حولها ّ‬
‫فتقف كل ّقوة بنور الحق وقدرته على ّ‬
‫مقرة بربوبيته بقدر ما أعطاها من معرفته‪ :‬مثل ذلك القصص {نقص عليك من أنباء ما قد‬
‫وطاقتها‪ ،‬شاهدة إياه‪ّ ،‬‬
‫سبق} من أحوال السالكين الذي سبقوا‪ ،‬ومقاماتهم لتثبيت فؤادك وتمكينك في مقام االستقامة كما أُمرت {وقد آتيناك من‬
‫لدنا ِذ ْك َاًر} أي‪ِ :‬ذ ْك اًر ما أعظمه وهو‪ :‬ذكر الذات الذي يشمل مراتب التوحيد‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{من أعرض عنه} بالتوجه إلى جانب الرجس وحيز الطبع والنفس {فإنه يحمل يوم القيامة} الصغرى وزر الهيئات‬
‫المثقلة الجرمانية‪ ،‬وآثام تعلقات المواد الهيوالنية‪.‬‬

‫برد األرواح إلى األجساد {ونحشر المجرمين} المالزمين لألجرام {زرقاً}‬


‫{يوم ْينفخ} الحياة {في الصور} الجسمانية‪ّ ،‬‬
‫عمياً‪ ،‬بيض سواد العيون‪ ،‬أو شوهاً في غاية قبح المناظر‪ ،‬يحسن عندها القردة والخنازير‪ ،‬يسرون الكالم ّ‬
‫لشدة الخوف‬
‫أو عدم القدرة على النطق‪ ،‬ويستقصرون مدة اللبث في الحياة الدنيوية لسرعة انقضائها وكل من كان أرجح عقالً منهم‬
‫أشد استقصا اًر إياها‪.‬‬
‫كان ّ‬

‫سورة طه (من اآلية ‪ 105‬الى اآلية ‪)110‬‬

‫يها ِعَوجاً َوال أ َْمتاً * َي ْو َمِئ ٍذ َيتَِّب ُعو َن‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫صفاً * ال تَ َر ٰى ف َ‬ ‫صْف َ‬
‫ِ‬
‫اْلجَبال َفُق ْل َينسُف َها َرّبِي َن ْسفاً * َفَي َذ ُرَها َقاعاً َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ون َك َع ِن‬ ‫َوَي ْسأَُل َ‬
‫اع ُة ِإالَّ َم ْن أ َِذ َن َل ُه َّ‬
‫الر ْح َمـ ُٰن‬ ‫ات لِ َّلر ْحمـ ِٰن َفالَ تَسمع ِإالَّ َهمساً * َيومِئ ٍذ الَّ تَ َنفع َّ‬
‫الشَف َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫َُْ‬ ‫َ‬ ‫َص َو ُ‬
‫ِ‬
‫َل ُه َو َخ َش َعت األ ْ‬ ‫اعي الَ ِع َو َج‬ ‫الد ِ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫طو َن ِب ِه ِعْلماً‬
‫* َي ْعَل ُم َما َب ْي َن أ َْي ِدي ِه ْم َو َما َخْلَف ُه ْم َوالَ ُي ِحي ُ‬ ‫ض َي َل ُه َق ْوالً‬ ‫ور ِ‬
‫ََ‬

‫فيسويها‬
‫{ويسألونك عن الجبال} أي‪ :‬وجودات األبدان {فقل ينسفها ربي} برياح الحوادث رميماً ورفاتاً ثم هباء منثو اًر‪ّ ،‬‬
‫باألرض ال بقية منها وال أثر‪ .‬أو حوادث األشياء فقل‪ :‬ينسفها رّبي برياح النفحات اإللهية الناشئة عن معدن األحدية‬
‫{فيذرها} في القيامة الكبرى {قاعاً صفصفاً} وجوداً أحدياً صرفاً {ال ترى فيها} إثنينية وال غيرية‪ ،‬فتقدح في استوائها‪.‬‬

‫{يومئذ} يوم إذ قامت القيامة الكبرى {يتّبعون الداعي} الذي هو الحق‪ ،‬ال حراك بهم وال حياة لهم إال به {ال عوج له}‬
‫أي‪ :‬ال انحراف عنه وال زيغ عن سمته إذ هو آخذ بناصيتهم وهو على صراط مستقيم‪ ،‬فهم يسيرون بسيرة الحق على‬
‫خفياً‪ ،‬باعتبار‬
‫مقتضى إرادته {وخشعت األصوات} انخفضت كلها ألن الصوت صوته فحسب {فال تسمع إال همساً} ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اإلضافة إلى المظاهر‪ .‬أو يوم إذ قامت القيامة الصغرى {يتبعون الداعي} الذي هو إسرافيل ّ‬
‫مدبر الفلك الرابع‪،‬‬
‫مدعو إلى خالف ما اقتضته الحكمة اإللهية من التعلق به‪{ .‬وخشعت األصوات} في‬ ‫ّ‬ ‫المفيض للحياة‪ ،‬ال ينحرف عنه‬
‫الدعاء إلى غير ما دعا إليه الرحمن فال تسمع إال همس الهواجس والتمنيات الفاسدة و {ال تنفع الشفاعة} أي‪ :‬شفاعة‬
‫فإن فيض‬
‫أحبه في الحياة الدنيا ممن اقتدى به وتمسك بهدايته {إالّ َمن أذن له الرحمن} باستعداد قبولها‪ّ ،‬‬
‫من توالّه و ّ‬
‫النفوس الكاملة التي تتوجه إليها النفوس الناقصة باإلرادة والرغبة موقوفة على استعدادها لقبوله بالصفاء وذلك هو‬
‫اإلذن {ورضي له قوال} أي‪ :‬رضي له تأثي اًر يناسب المشفوع له‪ ،‬فتتوقف الشفاعة على أمرين‪ :‬قدرة الشفيع على‬
‫التأثير‪ ،‬وقوة المشفوع له للقبول والتأثر‪ .‬وهو {يعلم} الجهتين {ما بين أيديهم} من ّقوة القبول باالستعداد األصلي وتأثير‬
‫الشفيع بالتنوير {وما خلفهم} من الموانع العارضة من جهة البدن وقواه‪ ،‬والهيئات الفاسقة المزيلة للقبول األصلي أو‬
‫المعدات الحاصلة من جهتها بالتزكية على وفق العقل العملي‪.‬‬

‫سورة طه (من اآلية ‪ 111‬الى اآلية ‪)123‬‬

‫َنزلناه ُقرآناً عربِياً وصَّرْفنا ِف ِ‬


‫يه ِم َن اْل َو ِع ِيد َل َعَّل ُه ْم َيتَُّقو َن أ َْو ُي ْح ِد ُث َل ُه ْم ِذ ْك اًر * َو َعَن ِت اْلُو ُجوهُ لِْل َح ِي اْلَقيُّو ِم َوَق ْد‬ ‫ٰ‬
‫ّ‬ ‫َوَكذلِ َك أ َ ْ َ ُ ْ َ َ ّ َ َ َ‬
‫َّللاُ اْل َملِ ُك اْل َح ُّق‬ ‫ظْلماً * ومن يعمل ِمن َّ ِ ِ‬
‫ضماً * َفتَ َٰعَلى َّ‬ ‫ظْلماً َوالَ َه ْ‬ ‫اف ُ‬ ‫الصال َحات َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن َفالَ َي َخ ُ‬ ‫َ َ َْ َ ْ َ‬ ‫اب َم ْن َح َم َل ُ‬ ‫َخ َ‬
‫ض ٰى ِإَل ْي َك َو ْحُي ُه َوُقل َّر ِّب ِزْدِني ِعْلماً * َوَلَق ْد َع ِه ْدَنآ ِإَل ٰى َء َاد َم ِمن َقْب ُل َفَن ِسي َوَل ْم َن ِج ْد‬ ‫والَ تَعجل ِباْلُقر ِ ِ‬
‫ءان من َقْب ِل أَن ُيْق َ‬ ‫َ َْْ ْ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫يآء َاد ُم ِإ َّن َهـٰ َذا َع ُدٌّو ل َك َولِ َزْو ِج َك َفالَ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يس أََب ٰى * َفُقْلَنا َ‬ ‫اس ُج ُدوْا أل ََد َم َف َس َج ُدوْا ِإال ِإْبل َ‬ ‫َل ُه َع ْزماً * َوإِ ْذ ُقْلَنا لْل َمالَئ َكة ْ‬
‫ض َح ٰى * َفَو ْسَو َس ِإَل ْي ِه‬ ‫يها َوالَ تَ ْ‬
‫* ِإ َّن َلك أَالَّ تَجوع ِفيها والَ تَعر ٰى * وأََّنك الَ تَ ْ ِ‬
‫ظ َمأُ ف َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ َ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫ُي ْخ ِر َجَّن ُك َما ِم َن اْل َجَّن ِة َفتَ ْشَق ٰى‬
‫ان‬‫صَف ِ‬ ‫طِفَقا ي ْخ ِ‬ ‫عَلى َشجرِة اْلخْل ِد ومْل ٍك الَّ يبَلى * َفأ َ ِ‬ ‫ٰآد ُم َه ْل أ َُدُّل َك‬ ‫َّ‬
‫َكالَ م ْن َها َفَب َد ْت َل ُه َما َس ْوَءاتُ ُه َما َو َ َ‬ ‫َْ ٰ‬ ‫َ ٰ ََ ُ َ ُ‬ ‫ال ي َ‬‫ان َق َ‬‫طُ‬ ‫الش ْي َ‬
‫ض ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫عَلي ِهما ِمن ور ِق اْلجَّن ِة وعصى ءادم ربَّه َف َغو ٰى * ثُ َّم اجتَباه ربُّه َفتَاب عَلي ِه وهد ٰى * َقال اهِب َ ِ‬
‫طا م ْن َها َجميعاً َب ْع ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َ ُ َ ُ َ َ ْ َ ََ‬ ‫َ َ َ َ ٰ َ َُ َ ُ َ‬ ‫ََ‬ ‫َْ َ‬
‫ض عدٌّو َفِإ َّما يأِْتيَّن ُكم ِمِّني هدى َفم ِن اتَّبع هداي َفالَ ي ِ‬
‫ض ُّل َوالَ َي ْشَق ٰى‬ ‫َ‬ ‫َ َ ّ ًُ َ َ َ َُ َ‬ ‫لَِب ْع ٍ َ ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وذل قهره وقدرته‪ ،‬ال تحيا وال‬
‫{للحي القيوم} وكلها في أسر مملكته ّ‬ ‫{وعنت الوجوه} أي‪ :‬الذوات الموجودات بأسرها‬
‫ّ‬
‫تقوم إال به ال بأنفسها وال بشيء غيره‪{ .‬وقد خاب} عن نور رحمته وشفاعة الشافعين من ظلم نفسه بنقص استعداده‬
‫للتنور باسوداد وجهه وظلمته‪.‬‬
‫وتكدير صفاء فطرته‪ ،‬فزال قبوله ّ‬

‫{ومن يعمل من الصالحات} بالتزكية والتحلية {وهو مؤمن} باإليمان التحقيقي {فال يخاف} أن ينقص شيء من‬
‫كماالته الحاصلة وال أن يكسر من حقه الذي يقتضيه استعداده األصلي في المرتبة {لعلهم يتّقون} بالتزكية {أو يحدث‬
‫لهم ذك اًر} بالتحلية‪.‬‬

‫العلو والعظمة بحيث ال يقدر قدره وال يغدر أمره في ملكه الذي يعلو كل شيء ويصرفه‬
‫{فتعالى هللا} تناهى في ّ‬
‫بمقتضى إرادته وقدرته في عدله الذي يوفي كل أحد حقه بموجب حكمته {وال تعجل} عند هيجان الشوق لغاية الذوق‬
‫بتلقي العلم اللدني عن مكمن الجمع {من قبل} أن يحكم بوروده عليك ووصوله إليك‪ ،‬فإن نزول العلم والحكمة مترتب‬
‫بحسب ترتب مراتب ترقيك في القبول‪ .‬وال تفتر عن الطلب واالستفاضة فإنه غير متناه‪ ،‬واطلب الزيادة فيه بزيادة‬
‫التصفية والترقي والتحلية‪ ،‬إذ االستزادة إنما تكون بدعاء الحال ولسان االستعداد‪ ،‬ال بتعجيل الطلب والسؤال قبل إمكان‬
‫مرت غير مرة {أالّ تجوع فيها وال‬‫القبول‪ .‬وكلما علمت شيئاً زاد قبولك لما هو أعلى منه وأخفى‪ .‬وقصة آدم وتأويلها ّ‬
‫المؤدي إلى‬
‫ّ‬ ‫لتجرد عن مالبسة المو ّاد في العالم الروحاني ال يمكن تزاحم األضداد وال يكون التحليل‬
‫تعرى} إذ في ا ّ‬
‫الفساد بل تلتذ النفس بحصول المراد آمنة من الفناء والنفاد‪.‬‬

‫سورة طه (من اآلية ‪ 124‬الى اآلية ‪)130‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومن أَعرض عن ِذ ْكرِي َفِإ َّن َله م ِعيش ًة ضنكاً ونحشره يوم اْلِق ِ‬
‫نت‬ ‫ال َر ِّب ل َم َح َش ْرتَني أ ْ‬
‫َع َم ٰى َوَق ْد ُك ُ‬ ‫َع َم ٰى * َق َ‬ ‫يامة أ ْ‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ ُ ُُ َْ َ‬ ‫ُ َ َ َ‬ ‫َ َ ْ َْ َ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫ِٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫ِ‬
‫ف َوَل ْم ُي ْؤ ِمن ِب َآيات َرّبِه َوَل َع َذ ُ‬
‫اب‬ ‫ال َكذل َك أَتَ ْت َك َآياتَُنا َفَنس َيت َها َوَكذل َك اْلَي ْوَم تُْن َس ٰى * َوَكذل َك َن ْجزِي َم ْن أ ْ‬
‫َس َر َ‬ ‫َبصي اًر * َق َ‬
‫ات أل ُْولِي ُّ‬‫اكِن ِهم ِإ َّن ِفي َذلِك آلي ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلخ َرِة أ َ‬
‫الن َه ٰى *‬ ‫َ َ‬ ‫َهَل ْكَنا َقْبَل ُه ْم ّم َن اْلُق ُرون َي ْم ُشو َن في َم َس ْ‬
‫َشُّد َوأ َْبَق ٰى * أََفَل ْم َي ْهد َل ُه ْم َك ْم أ ْ‬
‫طُلوِع َّ‬ ‫ِ‬ ‫وَلوالَ َكلِم ٌة سبَق ْت ِمن َّربِك َل َك ِ‬
‫الش ْم ِ‬
‫س‬ ‫اصِب ْر َعَل ٰى َما َيُقوُلو َن َو َسِّب ْح ِب َح ْمد َرّب َ‬
‫ِك َقْب َل ُ‬ ‫َج ٌل ُّم َس ًّمى * َف ْ‬ ‫ان ل َزاماً َوأ َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َْ‬
‫ض ٰى‬ ‫َّ‬
‫الن َه ِار َل َعل َك تَ ْر َ‬
‫اف َّ‬ ‫ِها َو ِم ْن َآن ِآء اْلَّلْي ِل َف َسِّب ْح َوأَ ْ‬
‫ط َر َ‬ ‫َوَقْب َل ُغ ُروب َ‬

‫فإن‬ ‫ِ‬
‫وشدة بخله‪ّ ،‬‬
‫{ومن أعرض عن ذ ْكري} بالتوجه إلى العالم السفلي بالميل النفسي‪ ،‬ضاقت معيشته لغلبة شحه ّ‬
‫اشتد‬
‫المعرض عن جناب الحق ركدت نفسه وانجذبت إلى الزخارف الدنيوية والمقتنيات المادية لمناسبتها إياها‪ ،‬و ّ‬
‫فيشح‬
‫ّ‬ ‫لقوة محبته إياها للجنسية واالشتراك في الظلمة والميل إلى الجهة السفلية‪،‬‬
‫وكَلَبه عليها ونهمه وشغفه بها ّ‬
‫حرصه َ‬
‫وشحه بها وذلك هو الضنك في المعيشة‪ .‬ولهذا قال بعض‬ ‫بها عن نفسه وغيره‪ ،‬وكلما استكثر منها ازاد حرصه عليها ّ‬
‫المتوجه إليه فإنه ذو يقين‬
‫ّ‬ ‫وتشوش عليه رزقه‪ .‬بخالف الذاكر‬‫الصوفية‪ :‬ال يعرض أحد عن ذكر رّبه إال أظلم عليه ّ‬
‫منه وتوكل عليه في سعة من عيشه ورغد‪ ،‬ينفق ما يجد ويستغنى برّبه عما يفقد‪.‬‬

‫{ونحشره يوم القيامة} الصغرى على عماه من نور الحق كقوله‪{ :‬ومن َكان ِفي هـ ِٰذِه أَعم ٰى َفهو ِفي ِ‬
‫اآلخ َرِة‬ ‫َ ْ َ َُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫َع َم ٰى}[اإلسراء‪ ،‬اآلية‪ ]72:‬وإنكاره لعماه إنما يكون بلسان االستعداد األصلي والنور الفطري المنافي لعماه من رسوخ‬
‫أْ‬
‫الحب السفلي والعشق النفسي بالفسق الجرمي ونسيان اآليات البينات واألنوار المشرقات الموجب إلعراضه‬
‫ّ‬ ‫هيئة‬
‫أشد وأبقى} من ضنك العيش في الدنيا لكونه روحانياً دائماً‪.‬‬
‫تعالى عنه وتركه فيما هو فيه {ولعذاب اآلخرة ّ‬

‫األمة بالدمار والعذاب في الدنيا لكون نبيهم نبي الرحمة‪،‬‬


‫{ولوال كلمة سبقت} أي‪ :‬قضاء سابق أن ال يستأصل هذه ّ‬
‫ّ‬
‫َنت ِف ِ‬ ‫وقوله‪{ :‬وما َكان َّ ِ‬
‫يه ْم}[األنفال‪ ،‬اآلية‪ ]33:‬لكان اإلهالك الزماً لهم‪{ .‬فاصبر} باهلل‪.‬‬ ‫َّللاُ لُِي َع ّذَب ُه ْم َوأ َ‬ ‫ََ َ‬

‫{وسبح} أي‪ّ :‬نزه‬


‫ّ‬ ‫{على ما يقولون} فإنك تراهم جارين على ما قضى هللا عليهم‪ ،‬مأسورين في أسر قهره ومكره بهم‬
‫ذاتك بتجريدها عن صفاتها متلبساً بصفات رّبك‪ ،‬فإن ظهورها عليك هو الحمد الحقيقي {قبل طلوع} شمس الذات حال‬
‫الفناء {وقبل غروبها} باستتارها عند ظهور صفات النفس‪ ،‬أي‪ :‬في مقام القلب حال تجلي الصفات‪ ،‬فإن تسبيح هللا‬
‫{فسبح}‬
‫هناك محو صفات القلب {ومن آناء الليل} أي‪ :‬أوقات غلبات صفات النفس المظلمة والتلوينات الحاجبة ّ‬
‫بالتزكية {وأطراف} نهار إشراق الروح على القلب بالتصفية {لعلك} تصل إلى مقام الرضا الذي هو كمال مقام تجلي‬
‫الصفات وغايته‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة طه (من اآلية ‪ 131‬الى اآلية ‪)135‬‬

‫والَ تمَّد َّن عينيك ِإَلى ما متَّعنا ِب ِه أَزواجاً ِمنهم زهرة اْلحي ِاة ُّ ِ ِ ِ ِ‬
‫َهَل َك‬
‫ْم ْر أ ْ‬ ‫ِك َخ ْيٌر َوأ َْبَق ٰى * َوأ ُ‬ ‫الد ْنَيا لَنْفتَن ُه ْم فيه َوِرْز ُق َرّب َ‬ ‫ْ َ ّْ ُ ْ َ ََْ َ َ‬ ‫َ َْْ َ ٰ َ َ ْ َ‬ ‫َ َُ‬
‫طِبر عَليها الَ نسأَُلك ِرزقاً َّنحن نرزُقك واْلع ِاقب ُة لِلتَّْقو ٰى * وَقاُلوْا َلوالَ يأِْتينا ِبآي ٍة ِمن َّرب ِ‬
‫ِه أ ََوَل ْم تَأِْت ِه ْم َبِّيَن ُة َما‬ ‫ِب َّ ِ‬
‫ْ َ َ َ ّ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ْ ْ ُ َْ ُ َ َ َ َ‬ ‫اص َ ْ َ ْ َ‬ ‫الصالَة َو ْ‬
‫اب ِّمن َقْبلِ ِه َلَقاُلوْا َربََّنا َل ْوال أَ ْرَسْل َت ِإَل ْيَنا َرُسوالً َفَنتَِّب َع َآي ِات َك ِمن َقْب ِل أَن َّن ِذ َّل‬
‫اهم ِبع َذ ٍ‬ ‫ِفي ُّ ِ‬
‫الص ُحف األُوَل ٰى * َوَل ْو أََّنآ أ ْ‬
‫َهَل ْكَن ُ ْ َ‬
‫الصر ِ‬
‫ِ‬
‫الس ِوِّي َو َم ِن ْ‬
‫اهتَ َد ٰى‬ ‫اط َّ‬ ‫اب ّ َ‬ ‫َّصوْا َف َستَ ْعَل ُمو َن َم ْن أ ْ‬
‫َص َح ُ‬ ‫َوَن ْخ َز ٰى * ُق ْل ُك ٌّل ُّمتَ َرّب ٌ‬
‫ِص َفتَ َرب ُ‬

‫تمدن عينيك} في التلوينات النفسية وظهور النفس بالميل إلى الزخارف الدنيوية‪ ،‬فإنها صور ابتالء أهل الدنيا‬
‫{وال ّ‬
‫{ورزق رّبك} من الحقائق والمعارف األخروية واألنوار الروحانية {خير وأبقى} أفضل وأدوم {وأمر أهلك} القوى‬
‫الروحانية والنفسانية بصالة الحضور والمراقبة واالنقياد والمطاوعة {واصطبر} على تلك الحالة بالمجاهدة والمكاشفة‬
‫الحسية والمدركات النفسية {نحن نرزقك} من الجهة‬
‫ّ‬ ‫{ال نسألك} ال نطلب منك {رزقاً} من الجهة السفلية كالكماالت‬
‫للتجرد عن المالبس‬
‫ّ‬ ‫العلوية المعارف الروحانية والحقائق القدسية {والعاقبة} التي تعتبر وتستأهل أن تسمى عاقبة‬
‫البدنية والهيئات النفسانية {أو لم تأتهم بينة ما في الصحف األولى} من الحقائق و ِ‬
‫الح َكم والمعارف اليقينية الثابتة في‬
‫األلواح السماوية واألرواح العلوية‪ ،‬وهللا تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة األنبياء (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)18‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ٍ ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ا ْقتَرب لِ َّلن ِ ِ‬
‫ضو َن * َما َيأْتيه ْم ّمن ذ ْك ٍر ّمن َّرِّبه ْم ُّم ْح َدث إال ْ‬
‫استَ َم ُعوهُ َو ُه ْم َيْل َعُبو َن *‬ ‫اس ح َس ُاب ُه ْم َو ُه ْم في َغْفَلة ُّم ْع ِر ُ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َسُّروْا َّ‬ ‫ِ‬
‫الس ْح َر َوأَنتُ ْم تُْبص ُرو َن * َق َ‬
‫ال َرّبِي َي ْعَل ُم‬ ‫ظَل ُموْا َه ْل َهـٰ َذآ إال َب َشٌر ّم ْثُل ُك ْم أََفتَأْتُو َن ّ‬ ‫ين َ‬ ‫الن ْج َوى الذ َ‬ ‫وب ُه ْم َوأ َ‬
‫الَهَي ًة ُقُل ُ‬
‫اعٌر َفْلَيأِْتَنا ِب َآي ٍة َك َمآ أ ُْرِس َل‬
‫اث أَحالَ ٍم ب ِل ا ْفتَراه بل هو َش ِ‬
‫َ ُ َ ْ َُ‬ ‫َض َغ ُ ْ َ‬ ‫يم * َب ْل َقاُلوْا أ ْ‬ ‫ِ‬
‫يع اْل َعل ُ‬
‫ض وهو َّ ِ‬
‫السم ُ‬ ‫ِ‬ ‫اْلَقول ِفي َّ ِ‬
‫الس َمآء َواأل َْر َ ُ َ‬ ‫َْ‬
‫َه َل ال ِّذ ْك ِر‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اهآ أََف ُه ْم ُي ْؤ ِمُنو َن * َو َمآ أ َْرَسْلَنا َقْبَل َك إال ِر َجاالً ُّنوحي إَل ْيه ْم َف ْ‬
‫اسَئُلوْا أ ْ‬ ‫َهَل ْكَن َ‬ ‫األََّوُلو َن * َمآ َ‬
‫آمَن ْت َقْبَل ُه ْم ّمن َق ْرَية أ ْ‬
‫ِِ‬ ‫َّ‬ ‫اه ْم َج َسداً الَّ َيأ ُ‬
‫اه ْم َو َمن‬‫َنج ْيَن ُ‬
‫اه ُم اْلَو ْع َد َفأ َ‬
‫ص َد ْقَن ُ‬
‫ين * ثُ َّم َ‬ ‫ْكُلو َن الط َع َام َو َما َك ُانوْا َخالد َ‬ ‫ِإن ُكنتُ ْم الَ تَ ْعَل ُمو َن * َو َما َج َعْلَن ُ‬
‫َنشأَْنا‬ ‫ص ْمَنا ِمن َق ْرَي ٍة َك َان ْت َ‬
‫ظالِ َم ًة َوأ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ين * َلَق ْد أ َ ْ ِ‬
‫َنزلَنآ إَل ْي ُك ْم كتَاباً فيه ذ ْك ُرُك ْم أََفالَ تَ ْعقُلو َن * َوَك ْم َق َ‬ ‫َهَل ْكَنا اْل ُم ْسرِف َ‬
‫آء َوأ ْ‬
‫ن َش ُ‬
‫َّ‬
‫اكِن ُك ْم‬
‫يه ومس ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ضوْا َو ْارج ُعوْا إَل ٰى َمآ أ ُْت ِرْفتُ ْم ف َ َ َ‬ ‫ضو َن * الَ تَ ْرُك ُ‬ ‫ْسَنآ ِإ َذا ُه ْم ّم ْن َها َي ْرُك ُ‬
‫َح ُّسوْا َبأ َ‬
‫ين * َفَل َّمآ أ َ‬ ‫آخ ِر َ‬‫َب ْع َد َها َق ْوماً َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َلعَّل ُكم تُسأَُلو َن * َقاُلوْا يٰويَلنآ ِإَّنا ُكَّنا َ ِ ِ‬
‫ين * َو َما َخَلْقَنا‬ ‫اه ْم َحصيداً َخامد َ‬ ‫اه ْم َحتَّ ٰى َج َعْلَن ُ‬
‫ين * َف َما َازَلت تْل َك َد ْع َو ُ‬ ‫ظالم َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫ف ِباْل َح ِّق َعَلى‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * َل ْو أ ََرْدَنآ أَن َّنتَّخ َذ َل ْهواً التَّ َخ ْذَناهُ من ل ُدَّنآ ِإن ُكَّنا َفاعل َ‬
‫ين * َب ْل َنْقذ ُ‬ ‫ض َو َما َب ْيَن ُه َما َلـٰعِب َ‬‫آء َواأل َْر َ‬
‫الس َم َ‬
‫َّ‬
‫صُفو َن‬‫اهق وَل ُكم اْلويل ِم َّما تَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫اْلَباطل َفَي ْد َم ُغ ُه َفإ َذا ُه َو َز ٌ َ ُ َ ْ ُ‬

‫{ا ْقتَرب للناس حسابهم} في القيامة الصغرى‪ ،‬بل لو عرفوا القيامة لعاينوا حسابهم اآلن‪ .‬أي‪ :‬لو أردنا أن نتخذ‬
‫وت َوَن ْحَيا َو َما ُي ْهِل ُكَنآ ِإالَّ َّ‬
‫الد ْه ُر}[الجاثية‪ ،‬اآلية‪ ]24:‬ألملكننا من جهة القدرة لكنه‬ ‫{ن ُم ُ‬
‫موجودات تحدث وتفنى كما قيل‪َ :‬‬
‫ينافي الحكمة والحقيقة فال نتخذها {بل نقذف} باليقين البرهاني والكشفي على االعتقاد الباطل {فيدمغه} فيقمعه {فإذا‬
‫هو} زائل {ولكم} الهالك {مما تصفون} من عدم الحشر أو نقذف بالتجلي الذاتي في القيامة الكبرى الذي هو الحق‬

‫ص ِرف‪ ،‬فيظهر ّ‬
‫أن‬ ‫الثابت الغير المتغيرعلى باطل هذه الموجودات الفانية فيقهره ويجعله ال شيئاً محضاً‪ ،‬فإذا هو ٍ‬
‫فان َ‬
‫الص ِرف {مما تصفون} من إثبات وجود الغير واتصافه‬
‫الكل حق وأمره جد‪ ،‬ال باطل وال لهو‪ ،‬ولكم الهالك والفناء َ‬
‫بصفة وفعل وتأثير {لفسدتا} ألن الوحدة موجبة لبقاء األشياء‪ ،‬والكثرة موجبة لفسادها‪ .‬أال ترى أن كل شيء له خاصية‬
‫واحدة يمتاز بها عن غيره هو بها هو ولو لم تكن لم يوجد ذلك الشيء‪ ،‬وهي الشاهدة بوحدانيته تعالى كما قيل‪:‬‬

‫تدل على أنه الواحد‬ ‫ففي كل شيء له آية‬

‫سورة األنبياء (من اآلية ‪ 19‬الى اآلية ‪)32‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يل َو َّ‬
‫الن َه َار الَ َيْفتُُرو َن‬ ‫َّ‬
‫ال َ‬ ‫ض َو َم ْن ِع ْن َدهُ الَ َي ْستَ ْكِب ُرو َن َع ْن ِعَب َادِت ِه َوالَ َي ْستَ ْح ِس ُرو َن * ُي َسِّب ُحو َن‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫َوَل ُه َمن في َّ َ َ َ‬
‫صُفو َن‬ ‫ش ع َّما ي ِ‬
‫اْل َع ْر ِ َ َ‬ ‫َّللاِ َر ِّب‬
‫ان َّ‬ ‫ان ِفي ِه َمآ آلِ َه ٌة ِإالَّ َّ‬
‫َّللاُ َلَف َس َدتَا َف ُس ْب َح َ‬
‫ِ‬
‫ض ُه ْم ُينش ُرو َن * َل ْو َك َ‬ ‫* أَ ِم اتَّ َخ ُذوْا آلِ َه ًة ِم َن األ َْر ِ‬
‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َل َع َّما َيْف َع ُل َو ُه ْم ُي ْسأَُلو َن * أَ ِم اتَّ َخ ُذوْا من ُدوِنه آل َه ًة ُق ْل َهاتُوْا ُب ْرَه َان ُك ْم َهـٰ َذا ذ ْك ُر َمن َّمعي َوِذ ْك ُر َمن َقْبلي َب ْل‬
‫َ‬ ‫* الَ ُي ْسأ ُ‬
‫اعُب ُدو ِن *‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫أَ ْكثَرهم الَ يعَلمو َن اْلح َّق َفهم ُّمع ِرضو َن * ومآ أَرسْلَنا ِمن َقبلِك ِمن َّرس ٍ َّ ِ‬
‫ول ِإال ُنوحي ِإَل ْيه أََّن ُه ال ِإَلـ َٰه ِإال أََن ْا َف ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ََ َْ‬ ‫َ ُْ ْ ُ‬ ‫ُ ُْ َْ ُ‬
‫يه ْم َو َما‬ ‫ون ُه ِباْلَقو ِل و ُهم ِبأَم ِِره َي ْعمُلو َن * َي ْعَلم ما َب ْي َن أ َْي ِد ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ْح َمـ ُٰن َوَلداً ُس ْب َح َان ُه َب ْل عَب ٌاد ُّم ْك َرُمو َن * الَ َي ْسِبُق َ‬
‫َوَقاُلوْا اتَّ َخ َذ َّ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ ْ‬
‫يه َج َهَّن َم‬ ‫خْلَفهم والَ ي ْشَفعون ِإالَّ لِم ِن ارتضى وهم ِمن خ ْشيِت ِه م ْشِفُقون * ومن يُقل ِمنهم ِإِني ِإَلـٰه ِمن دوِن ِه َف ٰذلِك نج ِز ِ‬
‫َ َْ‬ ‫ٌ ّ ُ‬ ‫َ َ َ ْ ُْْ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ ٰ َ ُْ ّ ْ َ َ ُ‬ ‫َ ُْ َ َ ُ َ‬
‫اه َما َو َج َعْلَنا ِم َن اْل َم ِآء ُك َّل َشي ٍء‬ ‫َن َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ض َك َانتَا َرْتقاً َفَفتَْقَن ُ‬ ‫الس َٰم َٰوت َواأل َْر َ‬ ‫ين َكَف ُروْا أ َّ‬
‫ين * أ ََوَل ْم َي َر الذ َ‬ ‫َك َذل َك َن ْجزِي الظالم َ‬
‫آء‬ ‫يها ِف َجاجاً ُسُبالً َّل َعَّل ُه ْم َي ْهتَُدو َن * َو َج َعْلَنا َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ح ٍي أََفالَ يؤ ِمنو َن * وجعْلنا ِفي األَر ِ ِ‬
‫الس َم َ‬ ‫ض َرَواس َي أَن تَم َيد به ْم َو َج َعْلَنا ف َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫ُْ ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ضو َن‬ ‫َسْقفاً َّم ْحُفوظاً َو ُه ْم َع ْن َآيات َها ُم ْع ِر ُ‬

‫والعدل الذي قامت به السموات واألرض هو ظل الوحدة في عالم الكثرة‪ ،‬ولو لم يوجد هيئة وحدانية في المركبات‬
‫كاعتدال المزاج لما وجدت‪ ،‬ولو زالت تلك الهيئة لفسدت في الحال {فسبحان هللا} أي‪ّ :‬نزه للفيض على الكل بربوبيته‬
‫التعدد‪.‬‬
‫للعرش الذي ينزل منه الفيض على جميع الموجودات عما تصفونه من إمكان ّ‬

‫المجردة‬
‫ّ‬ ‫تقدمهم من العلم الكلي الثابت في ّأم الكتاب المشتمل على جميع علوم الذوات‬‫{يعلم ما بين أيديهم} أي‪ :‬ما ّ‬
‫ّ‬
‫من أهل الجبروت والملكوت {وما خلفهم} من علوم الكائنات والحوادث الجزئية الثابتة في السماء الدنيا‪ ،‬فكيف يخرج‬
‫عن علمهم إحاطة علمه ويسبق فعلهم أمره وقولهم قوله {وال يشفعون إال لمن} علمه أهالً للشفاعة بقبوله لصفاء‬
‫استعداده ومناسبة نفسه للنور الملكوتي {وهم} في الخشية من سبحات وجهه والخشوع واإلشفاق واالنقهار تحت أنوار‬
‫عظمته‪.‬‬

‫{أو لم ير} المحجوبون عن الحق ّ‬


‫{أن السموات واألرض كانتا} مرتوقتين من هيولى واحدة ومادة جسمانية {ففتقناهما}‬
‫بتباين الصور‪ ،‬أو أن سموات األرواح وأرض الجسد كانا مرتوقتين في صورة نطفة واحدة ففتقناهما بتباين األعضاء‬
‫واألرواح‪.‬‬

‫{وجعلنا} أي‪ :‬خلقنا من النطفة كل حيوان {وجعلنا} في أرض الجسد {رواسي} العظام كراهة أن تضطرب وتجيء‬
‫وتذهب وتختلف بهم فال تقوم بهم وتستقل {وجعلنا فيها فجاجاً} مجاري‪ ،‬طرقاً للحواس وجميع القوى {لعلهم يهتدون}‬
‫بتلك الحواس والطرق إلى آيات هللا فيعرفوه‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{وجعلنا} سماء العقل {سقفاً} مرتفعاً فوقهم {محفوظاً} من التغير والسهو والخطأ {وهم} عن حججها وبراهينها‬
‫{معرضون}‪.‬‬

‫سورة األنبياء (من اآلية ‪ 33‬الى اآلية ‪)46‬‬

‫الش ْم َس َواْلَق َم َر ُك ٌّل ِفي َفَل ٍك َي ْسَب ُحو َن * َو َما َج َعْلَنا لَِب َش ٍر ِّمن َقْبلِ َك اْل ُخْل َد أََفِإ ْن ِّم َّت َف ُه ُم‬‫النه َار و َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫َو ُه َو الذي َخَل َق اْللْي َل َو َّ َ َ‬
‫الش ِر واْلخي ِر ِف ْتن ًة وِإَلينا تُرجعو َن * وِإ َذا رآك َّال ِذين َكَفروْا ِإن يتَّ ِخ ُذونك ِإالَّ‬ ‫س َذ ِآئَق ُة اْل َم ْو ِت َوَنْبُل ُ‬ ‫اْل َخالِ ُدو َن * ُك ُّل َنْف ٍ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫وكم ِب َّ ّ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ ُ‬
‫يك ْم َآي ِاتي َفالَ تَ ْستَ ْع ِجُلو ِن‬ ‫اإلن َسا ُن ِم ْن َع َج ٍل َسأ ُْوِر ُ‬‫الر ْح َمـ ِٰن ُه ْم َك ِاف ُرو َن * ُخلِ َق ْ‬‫َهـٰ َذا َّال ِذي َي ْذ ُك ُر آلِ َهتَ ُك ْم َو ُه ْم ِب ِذ ْك ِر َّ‬
‫ُه ُزواً أ َ‬
‫الن َار َوالَ َعن‬ ‫ين الَ َي ُكُّفو َن َعن ُو ُجوِه ِهم َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫* ويُقوُلو َن متَى هـٰ َذا اْلوعد ِإن ُكنتُم ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫ين َكَف ُروْا ح َ‬
‫ين * َل ْو َي ْعَل ُم الذ َ‬‫صادق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ٰ َ َ ُْ‬ ‫ََ‬
‫ىء ِب ُرُس ٍل ِّمن‬ ‫ظ ُرو َن * َوَلَق ِد ْ ِ‬ ‫يعو َن َرَّد َها َوالَ ُه ْم ُين َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫* َب ْل تَأْتي ِهم َب ْغتَ ًة َفتَْب َهتُ ُه ْم َفالَ َي ْستَط ُ‬ ‫نص ُرو َن‬ ‫ظه ِ ِ‬
‫استُ ْهز َ‬ ‫وره ْم َوالَ ُه ْم ُي َ‬ ‫ُُ‬
‫الر ْح َمـ ِٰن َب ْل ُه ْم َعن ِذ ْك ِر‬ ‫ِم ْن ُه ْم َّما َك ُانوْا ِب ِه َي ْستَ ْه ِزُئو َن * ُق ْل َمن َي ْكَل ُؤُكم ِباْلَّلْي ِل َو َّ‬
‫الن َه ِار ِم َن َّ‬ ‫ين َس ِخ ُروْا‬ ‫َّ ِ‬
‫اق ِبالذ َ‬
‫ِ‬
‫َقْبل َك َف َح َ‬
‫رِب ِهم ُّمع ِرضو َن * أَم َلهم آلِه ٌة تَمنعهم ِمن دوِننا الَ يستَ ِطيعو َن نصر أ َْنُف ِس ِهم والَ هم ِمَّنا يصحبو َن * بل متَّعنا هـٰؤ ِ‬
‫الء‬‫َ ْ َ َْ َ ُ‬ ‫ْ َ ُْ ّ ُ ْ َُ‬ ‫ْ ُ ْ َ َُْ ُ ْ ّ ُ َ َ ْ ُ َ ْ َ‬ ‫َّ ْ ْ ُ‬
‫طرِافهآ أََفهم اْلغالِبون * ُقل ِإَّنمآ أ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُنذ ُرُكم‬ ‫ْ َ‬ ‫ص َها ِم ْن أَ ْ َ َ ُ ُ َ ُ َ‬ ‫ض َن ُنق ُ‬ ‫ال َعَل ْي ِه ُم اْل ُع ُم ُر أََفالَ َي َرْو َن أََّنا َنأْتي األ َْر َ‬
‫ط َ‬‫آء ُه ْم َحتَّ ٰى َ‬
‫َو َآب َ‬
‫اب ربِك َليُقوُل َّن يٰويَلنآ ِإَّنا ُكَّنا َ ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫ظالم َ‬ ‫َْ‬ ‫آء ِإ َذا َما ُين َذ ُرو َن * َوَلئن َّم َّس ْت ُه ْم َنْف َح ٌة ّم ْن َع َذ َ ّ َ َ‬ ‫ِباْل َو ْح ِي َوالَ َي ْس َم ُع ُّ ُّ‬
‫الص ُّم الد َع َ‬

‫مقر علوي ّ‬
‫وحد‬ ‫{وهو الذي خلق} ليل النفس ونهار العقل الذي هو نور شمس الروح وقمر القلب {كل في فلك} أي‪ّ :‬‬
‫ومرتبة من سموات الروحانيات يسيرون إلى هللا {خلق اإلنسان من عجل} إذ النفس التي هي أصل الخلقة دائمة‬
‫الطيش وا الضطراب ال تثبت على حال فهو مجبول على العجل ولو لم يكن كذلك لم يكن له السير والترقي من حال‬
‫إلى حال إذ الروح دائم الثبات وبتعلقه بالنفس يحصل وجود القلب ويعتدل بهما في السير‪ ،‬فما دام اإلنسان في مقام‬
‫النفس ولم يغلب عليه نور الروح والقلب المفيد للسكينة والطمأنينة يلزمه العجلة بمقتضى الجبلة‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫العام الفيض وعن المعاد الشامل للكل وقت إحاطة العذاب بهم جميع الجهات بأمر‬ ‫{لو يعلم} المحجوبون عن الرحمن ّ‬
‫الرحمن المحيط العلم الوحداني األمر فال يقدرون أن يمنعوه عما قدامهم من الجهة التي تلي الروح المعذبة بنار القهر‬
‫اإللهي وا لحرمان الكلي من األنوار الروحانية والكماالت اإلنسانية وال عما خلفهم من الجهة التي تلي الجسد المعذبة‬
‫الحيات السود النفسانية واألقذار الهيوالنية واآلالم الجسدانية {وال هم ينصرون} من‬
‫بنار الهيئات الجسمانية والعقارب و ّ‬
‫وشدة ارتيابهم لما استعجلوا‪.‬‬
‫األمدادات الرحمانية لكثافة حجابهم ّ‬

‫{أفال يرون} أتمادت غفلتهم فال يرون {أنا نأتي} أرض البدن بالشيخوخة {ننقصها من أطرافها} كالسمع والبصر وسائر‬
‫القوى أو أرض النفس المتيقظة المتوجهة إلى الحق‪ ،‬الذاكرة بأنوار الصفات ننقصها من صفاتها وقواها {أفهم الغالبون}‬
‫أم نحن‪.‬‬

‫الخفية كما قال أمير المؤمنين عليه‬


‫ّ‬ ‫مستهم نفحة} من النفحات الربانية في صورة العذاب أي‪ :‬من األلطاف‬
‫{ولئن ّ‬
‫شدة نقمته"‪ .‬فكشف عنهم‬‫اشتدت نقمته على أعدائه في سعة رحمته‪ ،‬واتسعت رحمته ألوليائه في ّ‬
‫السالم‪" :‬سبحان من ّ‬
‫ويتنبهن لظلمهم‬
‫ّ‬ ‫ليستيقظن‬
‫ّ‬ ‫حجاب الغفلة المتراكمة من طول التمتيع الذي هو النقمة في صورة الرحمة والقهر الخفي‬
‫ّ‬
‫في إعراضهم عن الحق وانهماكهم في الباطل‪.‬‬

‫سورة األنبياء (من اآلية ‪ 47‬الى اآلية ‪)50‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ظَلم نْفس َشيئاً وإِن َك ِ‬ ‫ط لِيو ِم اْلِقي ِ‬ ‫وَنضع اْلمو ِاز ِ‬
‫ال َحبَّة ّم ْن َخ ْرَد ٍل أَتَْيَنا ِب َها َوَكَف ٰى ِبَنا َحاسِب َ‬
‫ين *‬ ‫ان م ْثَق َ‬ ‫َ‬ ‫امة َفالَ تُ ْ ُ َ ٌ ْ َ‬ ‫ََ‬ ‫ين اْلق ْس َ َ ْ‬ ‫َ َ ُ ََ َ‬
‫اع ِة ُم ْشِفُقو َن *‬ ‫َّه ْم ِباْل َغ ْي ِب َو ُه ْم ِّم َن َّ‬
‫الس َ‬ ‫ين َي ْخ َش ْو َن َرب ُ‬
‫َّ ِ‬
‫ين * الذ َ‬
‫َّ ِ‬
‫آء َوِذ ْك اًر لْل ُمتَّق َ‬
‫ِ‬
‫وس ٰى َو َه ُارو َن اْلُف ْرَق َ‬
‫ان َوضَي ً‬ ‫َوَلَق ْد آتَْيَنا ُم َ‬
‫َنزلَناه أََفأ َْنتُم َله م ِ‬
‫نك ُرو َن‬ ‫ِ‬
‫ْ ُ ُ‬ ‫ك أ َْ ُ‬ ‫َو َهـٰ َذا ذ ْكٌر ُّمَب َار ٌ‬

‫ظل وحدته وصفته الالزمة لها‪ ،‬به قامت سموات‬


‫{ونضع الموازين القسط} ميزان هللا تعالى هو عدله الذي هو ّ‬
‫استقر أمر الوجود على النسق المحدود‪ .‬ولما شمل الكل أصاب كل‬
‫ّ‬ ‫األرواح وأرض األجساد واستقامت ولواله لما‬
‫وتعددت الموازين‬
‫موجود قسطه منه بحسب حاله وقدر احتماله فصار بالنسبة إلى كل أحد بل كل شيء ميزاناً خاصاً ّ‬
‫تعدد األشياء وهي جزئيات الميزان المطلق ولذلك أبدل القسط المطلق منها أو وصفها به‪ ،‬فإنها كلها هي‬
‫على حسب ّ‬
‫بتعدد المظاهر‪ .‬ووضعها عبارة عن ظهور مقتضاها وذلك إنما يكون يوم‬ ‫تعدد الحقيقة ّ‬
‫العدل المطلق الواحد وال ّ‬
‫القيامة الصغرى بالنسبة إلى المحجوب ويوم القيامة الكبرى بالنسبة إلى أهلها {فال تظلم نفس شيئاً} ألن كل ما عملت‬
‫من خير وجد حالة عمله في كّفة الحسنات التي هي جهة الروح من القلب وكل ما عملت من سوء وضع في كّفة‬
‫السيئات التي هي جهة النفس منه‪ .‬والقلب هو لسان الميزان ولهذا قيل‪ :‬يجعل في كّفة الحسنات جواهر بيض مشرقة‪،‬‬
‫العلو‪ ،‬والخفة توجب النزول‬
‫وفي كّفة السيئات جواهر سود مظلمة‪ ،‬إال أن الثقل هناك يوجب الصعود والميل إلى ّ‬
‫والميل إلى السفل بخالف الميزان الجسماني إذ الثقيل ثمة هو الراجح المعتبر الباقي عند هللا والخفيف هو المرجوح‬
‫الذي ال وزن له عند هللا وال اعتبار فال ينقص مما عملت نفس شيئاً {وإن كان مثقال حبة من خردل} ومن هذا يعلم ما‬
‫قيل‪ :‬إن هللا تعالى يحاسب الخالئق في أسرع من فواق شاة‪.‬‬

‫المسمى بالعقل الفرقاني‬


‫ّ‬ ‫{آتينا موسى} القلب {وهارون} العقل أو على ظاهرهما {الفرقان} أي‪ :‬العلم التفصيلي الكشفي‬
‫{وضياء} أي‪ :‬نو اًر تاماً من المشاهدات الروحانية {وذكرى} أي‪ :‬تذكي اًر وموعظة {للمتّقين الذين} تزكت نفوسهم من‬
‫الرذائل والصفات الحاجبة فأشرقت أنوار طيبات العظمة من قلوبهم على نفوسهم لصفائها وزكائها فأورثت الخشية في‬
‫حال الغيبة قبل الوصول إلى مقام الحضور القلبي {وهم من الساعة} أي‪ :‬القيامة الكبرى على إشفاق وتوقع لوقوعها‬
‫لقوة يقينهم إذ اإلشفاق إنما يكون عند التوقع لشيء مترقب الوقوع‪ .‬أي‪ :‬آتيناهما في مقام القلب‪ ،‬العلم الذي به يفرق‬
‫بين الحق والباطل من الحقائق والمعارف الكلية وفي مقام الروح ومرتبته النور المشاهد الباهر على كل نور‪ ،‬وفي‬
‫للمستعدين القابلين السالكين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مقام النفس ورتبة الصدر التذكير بالمواعظ والنصائح والشرائع من العلوم الجزئية النافقة‬

‫{وهذا ذكر} غزير الخير والبركة‪ ،‬شامل لألمور الثالثة‪ ،‬زائد عليها بالكشف الذاتي والشهود الحق في مقام الهوية‬
‫وعين جمع األحدية جامع لجوامع الكلم‪ ،‬حاف بجميع المشاهدات و ِ‬
‫الحكم إذ في البركة معنى النماء والزيادة‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األنبياء (من اآلية ‪ 51‬الى اآلية ‪)57‬‬

‫يه وَقو ِم ِه ما هـ ِٰذِه التَّم ِاثيل َّالِتي أَنتُم َلها ع ِ‬‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اكُفو َن * َقاُلوْا‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ال ألَِب َ ْ َ َ‬ ‫ِ‬
‫ين * إ ْذ َق َ‬ ‫يم ُرْش َدهُ من َقْب ُل َوُكَّنا ِبه َعالم َ‬ ‫َوَلَق ْد آتَْيَنآ إ ْب َراه َ‬
‫َّ ِ‬ ‫َج ْئتَنا ِباْلح ِق أَم أ ِ‬ ‫ضالَ ٍل ُّمِب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين *‬ ‫َنت م َن الالعِب َ‬ ‫ين * َقاُلوْا أ ِ َ َ ّ ْ َ‬ ‫آؤُك ْم في َ‬‫ال َلَق ْد ُكنتُ ْم أَنتُ ْم َو َآب ُ‬ ‫آءَنا َل َها َعاِبد َ‬
‫ين * َق َ‬ ‫َو َج ْدَنآ َآب َ‬
‫ام ُك ْم َب ْع َد أَن تَُوُّلوْا‬ ‫اه ِدين * وتَ َّ ِ ِ‬ ‫طره َّن وأَن ْا عَلى ٰذلِ ُكم ِمن َّ ِ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واألَر ِ َّ ِ‬
‫اَّلل ألَك َيد َّن أ ْ‬
‫َصَن َ‬ ‫َ‬ ‫الش َ‬ ‫ْ َّ‬ ‫ض الذي ف َ َ ُ َ َ َ ٰ‬ ‫ُّك ْم َر ُّب َّ َ َ َ ْ‬ ‫ال َبل َّرب ُ‬ ‫َق َ‬
‫ُم ْدِب ِر َ‬
‫ين‬

‫{ولقد آتينا إبراهيم} الروح {رشده} المخصوص به الذي يليق بمثله وهو االهتداء إلى التوحيد الذاتي ومقام المشاهدة‬
‫العز {وكنا به عالمين} أي‪ :‬ال يعلم بكماله‬
‫متقدماً عليهما في الشرف و ّ‬
‫والخلة {من قبل} أي‪ :‬قبل مرتبة القلب والعقل ّ‬
‫لعلو شأنه‪.‬‬
‫وفضيلته غيرنا ّ‬

‫{إذ قال ألبيه} النفس الكلية {وقومه} من النفوس الناطقة السماوية وغيرها {ما هذه التماثيل} أي‪ :‬الصور المعقولة من‬
‫وتصورها وذلك‬‫ّ‬ ‫حقائق العقول واألشياء وماهيات الموجودات المنتقشة فيها {التي أنتم لها عاكفون} مقيمون على تمثلها‬
‫المقدسة وبروزه عن الحجب النورية إلى فضاء التوحيد الذاتي‪ ،‬كما قال عليه السالم‪ِ{ :‬إِّني‬
‫عند عروجه من مقام الروح ّ‬
‫ض َحِنيفاً}[األنعام‪ ،‬اآليات‪ ،]79 - 78:‬ومن هذا‬ ‫ِ‬
‫الس َم َاوات َواأل َْر َ‬ ‫يء ِّم َّما تُ ْش ِرُكو َن ِإِّني َو َّج ْه ُت َو ْج ِه َي لَِّل ِذي َف َ‬
‫ط َر َّ‬ ‫َب ِر ٌ‬
‫المقام قوله لجبريل عليه السالم‪ :‬أما إليك فال‪.‬‬

‫{وجدنا آباءنا} عللنا من العوالم السابقة على النفوس كلها من أهل الجبروت {لها عابدين} باستحضارهم إياها في‬
‫ذواتهم ال يذهلون عنها {في ضالل مبين} في حجاب عن الحق نورّي‪ ،‬غير واصلين إلى عين الذات عاكفين في‬
‫برازخ الصفات ال تهتدون إلى حقيقة األحدية والغرق في بحر الهوية {أجئتنا بالحق} أي‪ :‬أحدث مجيئك إيانا من هذا‬
‫عز سلطانه أم استمر بنفسك كما كان فتكون أنت القائل فيكون قولك لعباً ال‬
‫الوجه بالحق فيكون القائل هو الحق ّ‬
‫وتفوقت علينا‪ ،‬وتخلفنا عنك‪ ،‬وإن كنت‬‫الجد ّ‬
‫حقيقة له‪ .‬فإن كنت قائماً بالحق‪ ،‬سائ اًر بسيره‪ ،‬قائالً به‪ ،‬صدقت وقولك ّ‬
‫رب‬
‫بنفسك فبالعكس {بل رّبكم} الجائي والقائل ربكم الذي يربكم باإليجاد والتقويم واإلحياء والتجريد واإلنباء والتعليم ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الكل الذي أوجده {وأنا على ذلكم} الحكم بأن القائل هو الحق الموصوف بربوبية الكل {من الشاهدين} وهذا الشهود هو‬
‫شهود الربوبية واإليجاد وإال لم يقل أنا وعلي إذ الشهود الذاتي هو الفناء المحض الذي ال أنائية فيه وال إثنينية‪ ،‬وتلك‬
‫{ألكيدن‬
‫ّ‬ ‫اإلثنينية بعد اإلفصاح بأن الجائي والقائل هو الحق الذي أوجد الكل مشعرة بمقام الكل المتخلف عن مقام‬
‫أصنامكم} ألمحو ّن صور األشياء وأعيان الموجودات التي عكفتم على إيجادها وحفظها وتدبيرها‪ ،‬وأقبلتم على إثباتها‬
‫بعد أن تعرضوا عن عين األحدية الذاتية باإلقبال إلى الكثرة الصفاتية بنور التوحيد‪.‬‬

‫سورة األنبياء (من اآلية ‪ 58‬الى اآلية ‪)67‬‬

‫ين * َقاُلوْا َس ِم ْعَنا َفتًى‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫َف َج َعَل ُه ْم ُج َذاذاً ِإال َكِبي اًر ل ُه ْم َل َعل ُه ْم ِإَل ْيه َي ْرِج ُعو َن * َقاُلوْا َمن َف َع َل َهـٰ َذا ِبآل َهتَنآ ِإَّن ُه َلم َن الظالم َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ن‬ ‫اهيم * َقاُلوْا َفأْتُوْا ِب ِه عَلى أ ِ َّ ِ َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫يم *‬ ‫َعُين الناس َل َعل ُه ْم َي ْش َه ُدو َ * َقاُلوْا أَأَْن َت َف َعْل َت َهـٰ َذا بآل َهتَنا ٰيإ ِْب َراه ُ‬
‫َ ٰ ْ‬ ‫ال َل ُه إ ْب َر ُ‬
‫َي ْذ ُك ُرُه ْم ُيَق ُ‬
‫َنف ِس ِهم َفَقاُلوْا ِإَّن ُكم أَنتُم َّ‬
‫الظالِ ُمو َن * ثُ َّم ُن ِك ُسوْا َعَل ٰى‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َقال َب ْل َف َعَل ُه َكِب ُيرُهم َهـٰ َذا َفاسأَُل ُ ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫وه ْم إن َك ُانوْا ي ْنطُقو َن * َف َر َج ُعوْا إَل ٰى أ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َّللاِ ما الَ ي َنفع ُكم َشيئاً والَ يضُّرُكم * أُ ٍ‬
‫ف َّل ُك ْم َولِ َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُرء ِ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ ُ ْ ْ َ َُ ْ‬ ‫ال أََفتَ ْعُب ُدو َن من ُدون َّ َ‬
‫وسه ْم َلَق ْد َعل ْم َت َما َهـ ُٰؤالء َينطُقو َن * َق َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تَ ْعُب ُدو َن من ُدو ِن َّ‬
‫َّللا أََفالَ تَ ْعقُلو َن‬

‫{فجعلهم} بفأس القهر الذاتي والشهود العيني {جذاذاً} قطعاً متالشية فانية {إال كبي اًر لهم} هو عينه الباقي على اليقين‬
‫األول الذي به سمى الخليل خليالً {لعلهم إليه يرجعون} يقبلون منه الفيض ويستفيضون منه النور والعلم كما استفاض‬
‫هو منه أوالً‪.‬‬

‫{قالوا} أي‪ :‬قالت النفوس العاشقة بالعقول {من فعل هذا} االستخفاف والتحقير {بآلهتنا} التي هي معشوقاتنا ومعبوداتنا‬
‫بقوة الظهر كالهباء‪ ،‬متعجبين منه‪ ،‬معظمين له‪ ،‬مستعظمين‬ ‫بنسبتها إلى االحتجاب والنظر إليها بعين الفناء وجعلها ّ‬
‫المجردة وجميع الموجودات من الوجودات والكماالت بنفيها عنهم‬
‫ّ‬ ‫ألمره {إنه لمن الظالمين} الناقصين حقوق المعبودات‬
‫الفتوة والشجاعة على قهر ما‬
‫وإثباتها للحق‪ ،‬أو الناقصين حق نفسهم بإفنائها وقهرها {قالوا سمعنا فتى} كامالً في ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سوى هللا من األغيار والسخاوة ببذل النفس والمال {يذكرهم} بنفي القدرة والكمال عنهم ونسبة العدم والفناء إليهم {فأتوا‬
‫به} أي‪ :‬استحضروه وأحضروه معايناً لجميع النفوس {لعلهم يشهدون} كماله وفضيلته فيستفيدون منه‪.‬‬

‫{أأنت فعلت هذا} صورة إنكار لما لم يعرفوا من كماله إذ كل ما يمكن للنفوس معرفته فهو دون كمال العقول التي هي‬
‫معشوقاتها وهي محجوبة عن كماله اإللهي الذي هو به أشرف منها {قال بل فعله كبيرهم} أي‪ :‬ما فعلته بأنائيتي التي‬
‫أنا بها أحسن منها‪ ،‬بل بحقيقتي وهويتي التي هي أشرف وأكبر منها {فاسألوهم إن كانوا ينطقون} باالستقالل‪ ،‬أي‪ :‬ال‬
‫نطق لهم وال علم وال وجود بأنفسهم بل باهلل الذي ال إله إال هو‪.‬‬

‫{فرجعوا إلى أنفسهم} باإلقرار واإلذعان معترفين بأن الممكن ال وجود له بنفسه فكيف كماله {فقالوا إنكم أنتم الظالمون}‬
‫بنسبة الوجود والكمال إلى الغير ال هو {ثم نكسوا على رؤوسهم} حياء من كماله ونقصهم وخضوعاً وانفعاالً منه {لقد‬
‫علمت} بالعلم اللدني الحقاني فناءهم فنفيت النطق عنهم‪ ،‬وأما نحن فال نعلم إال ما علمنا هللا فاعترفوا بنقصهم كما‬
‫اعترفوا به عند معرفتهم آلدم بعد اإلنكار‪ ،‬فقالوا‪{ :‬الَ ِعْل َم َلَنآ ِإالَّ َما َعَّل ْمتََنآ}[البقرة‪ ،‬اآلية‪.]32 :‬‬

‫{أفتعبدون من دون} وتعظمون غيره مما ال ينفع وال يضر‪ ،‬إذ هو النافع الضار ال غير ٍ‬
‫{أف لكم} أتضجر بوجودكم‬ ‫ّ‬
‫ووجود معبوداتكم ووجود كل ما سواء تعالى {أفال تعقلون} أن ال مؤثر وال معبود إال هللا‪.‬‬

‫سورة األنبياء (من اآلية ‪ 68‬الى اآلية ‪)73‬‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬


‫يم * َوأ ََرُادوْا ِبه َك ْيداً َف َج َعْلَن ُ‬
‫اه ُم‬ ‫ِ‬
‫ين * ُقْلَنا يَٰن ُار ُكوني َب ْرداً َو َسَلماً َعَل ٰى إ ْب َاره َ‬ ‫انص ُروْا آل َهتَ ُك ْم ِإن ُكنتُ ْم َفاعل َ‬
‫َقاُلوْا َحِّرُقوهُ َو ُ‬
‫وب َن ِافَل ًة َوُكالًّ َج َعْلَنا‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َخس ِرين * ون َّجيناه وُلوطاً ِإَلى األَر ِ َِّ‬
‫ين * َوَو َه ْبَنا َل ُه ِإ ْس َح َ‬
‫اق َوَي ْعُق َ‬ ‫ض التي َب َارْكَنا في َها لْل َعاَلم َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َْ ُ َ‬ ‫األ ْ َ َ‬
‫ِ‬ ‫الصالَة وإِيتَآء َّ ِ‬ ‫صالِ ِحين * وجعْلناهم أَِئ َّم ًة يهدون ِبأَم ِرنا وأَوحينآ ِإَلي ِهم ِفعل اْلخير ِ‬
‫ين‬‫الزَكـاة َوَك ُانوْا َلَنا َعاِبد َ‬ ‫َ َ‬ ‫ات َوإِ َق َام َّ‬ ‫َ ْ ُ َ ْ َ َ ْ َ َْ ْ ْ ْ َ َ ْ َ‬ ‫َ َ َ َ ُْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{حرقوه} أي‪ :‬اتركوه يحترق بنار العشق التي أنتم أوقدتموها أوالً بإلقاء الحقائق والمعارف إليه التي هي حطب تلك‬ ‫ّ‬
‫السماو ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫وت َّ َ َ‬ ‫{وَك َذل َك ُنرِي إ ْب َراه َ‬
‫يم َمَل ُك َ‬ ‫النار عند رؤيته ملكوت السموات واألرض بإراءة هللا إياه‪ ،‬كما قال‪َ :‬‬
‫ض}[األنعام‪ ،‬اآلية‪ ]75 :‬وإشراق األنوار الصفاتية واألسمائية عند تجليات الجمال والجالل عليه من وراء أستار‬ ‫واأل َْر ِ‬
‫َ‬
‫أعيانكم التي هي منشأة اتقاد تلك النار {وانصروا آلهتكم} أي‪ :‬معشوقاتكم ومعبوداتكم في اإلمداد بتلك األنوار وإيقاد‬
‫تلك النار {إن كنتم فاعلين} بأمر الحق‪.‬‬

‫{يا نار كوني برداً وسالماً} بالوصول حال الفناء‪ ،‬فإن ل ّذة الوصول تفيد الروح الكامل والسالمة عن نقص الحدثان‬
‫وآفة النقصان واإلمكان في عين نار العشق {وأرادوا به كيداً} بإفنائه وإحراقه {فجعلناهم األخسرين} األنقصين منه‬
‫كماالً ورتبة {ونجيناه} ولوط العقل بالبقاء بعد الفناء بالوجود الحقاني الموهوب إلى أرض الطبيعة البدنية {التي باركنا‬
‫المستعدين لقبول‬
‫ّ‬ ‫فيها} بالكماالت العملية المثمرة واآلداب الحسنة المفيدة والشرائع والملكات الفاضلة {للعالمين} أي‪:‬‬
‫فيضه وتربيته وهدايته‪.‬‬

‫للرد إلى مقامه بتكميل الخلق حال الرجوع عن الحق {ويعقوب} النفس المرتاضة الممتحنة‬
‫{ووهبنا له إسحاق} القلب ّ‬
‫متنورة بنور القلب متوّلدة منه {وكالً جعلنا صالحين} باالستقامة والتمكين‬
‫بالبالء‪ ،‬المطمئنة باليقين والصفاء {نافلة} ّ‬
‫في الهداية {وجعلناهم أئمة} لسائر القوى والنفوس الناقصة المستعدة {يهدون بأمرنا} أما الروح فباألحوال والمشاهدات‬
‫واألنوار‪ ،‬وأما القلب فبالمعارف والمكاشفات واألسرار‪ ،‬وأما النفس فباألخالق والمعامالت واآلداب‪ ،‬وهي المراد بقوله‪:‬‬
‫{وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصالة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين} بالتوحيد والعبودية الحّقة في مقام التجريد‬
‫والتفريد‪ ،‬وهذا هو تطبيق ظاهر إبراهيم على باطنه‪ .‬وقد يمكن أن يؤول بضرب آخر من التأويل مناسب لما قال النبي‬
‫وسبحته المالئكة بتسبيحنا وحمدته بتحميدنا‪،‬‬
‫وعلي نورين نسبح هللا تعالى ونحمده ونهّلله‪ّ ،‬‬ ‫عليه السالم‪" :‬كنت أنا‬
‫ّ‬
‫وهّللته بتهليلنا‪ .‬فلما خلق آدم عليه السالم انتقلنا إلى جبهته ومن جبهته إلى صلبه إلى شيث"‪ ..‬إلى آخر الحديث‪.‬‬
‫قدسه هللا تعالى‪ ،‬كان كامالً في أول مراتب صفوف األرواح مفيضاً على أطوار الملكوت‬
‫وهو‪ :‬أن الروح اإلبراهيمي‪ّ ،‬‬
‫المجردات بنور التوحيد‬
‫كماالتهم‪ ،‬جاب اًر لنقصهم‪ ،‬كاس اًر ألصنام أعيان الموجودات وآلهة الذوات الممكنات من المادية و ّ‬
‫طاوياً لمراتب الكماالت‪ ،‬ذاوياً للواقفين مع الصفات والمحجوبين بالغير عن الذات‪ ،‬فوضعه نمروذ النفس الطاغية‪،‬‬
‫القوة في نار ح اررة طبيعة الرحم‪ ،‬فجعلها هللا عليه برداً وسالماً‪،‬‬
‫العاصية‪ ،‬وقواها التي هي قومه‪ ،‬في منجنيق الذكر و ّ‬
‫درة وجوده التي هي مظهر روحه ونجيناه إلى أرض البدن التي باركنا فيها‬ ‫أي‪ :‬روحاً وبراءة من اآلفات‪ ،‬أي‪ :‬وضعوا ّ‬
‫للعالمين بهدايته إياهم وتكميله وتربيته لهم فيها بالعلوم واألعمال التي هي أرزاقهم الحقيقية وأوصافهم الكمالية‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األنبياء (من اآلية ‪ 74‬الى اآلية ‪)78‬‬

‫* َوأ َْد َخْلَناهُ ِفي‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َِّ‬ ‫وُلوطاً آتَيناه ح ْكماً و ِعْلماً ون َّجين ِ‬
‫اه م َن اْلَق ْرَية التي َك َانت تَّ ْع َم ُل اْل َخَبائ َث ِإَّن ُه ْم َك ُانوْا َق ْوَم َس ْوٍء َفاسق َ‬
‫ين‬ ‫َ َ َْ ُ‬ ‫َْ ُ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ص ْرَناهُ ِم َن‬ ‫ِ‬
‫َهَل ُه ِم َن اْل َك ْر ِب اْل َعظي ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رحمِتَنآ ِإَّنه ِمن َّ ِ ِ‬
‫* َوَن َ‬ ‫استَ َج ْبَنا َل ُه َفَن َّج ْيَناهُ َوأ ْ‬
‫ين * َوُنوحاً إ ْذ َن َاد ٰى من َقْب ُل َف ْ‬ ‫الصالح َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ََْ‬
‫اْل َح ْر ِث ِإ ْذ َنَف َش ْت‬ ‫ان ِفي‬‫ان ِإ ْذ َي ْح ُك َم ِ‬ ‫َغرْقناهم أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫ود َو ُسَل ْي َم َ‬
‫ين * َوَد ُاو َ‬ ‫َج َمع َ‬ ‫ين َكذُبوْا ِب َآياتَنا ِإَّن ُه ْم َك ُانوْا َق ْوَم َس ْوٍء َفأ ْ َ َ ُ ْ ْ‬
‫اْلَق ْو ِم الذ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫فيه َغَن ُم اْلَق ْو ِم َوُكَّنا ل ُح ْكم ِه ْم َشاهد َ‬
‫ين‬

‫واذكر لوط القلب {آتيناه} حكمة {وعلماً ونجيناه من} أهل قرية البدن {التي كانت تعمل} خبائث الشهوات الفاسدة‬
‫{فاسقين} بإتيانهم األمور ال من جهتنا المأمورين بها ومباشرتهم األعمال ال على ما ينبغي من وجه الشرع والعقل‬
‫{وأدخلناه في رحمتنا} الرحيمية ومقام تجلي الصفات {إنه من الصالحين} العاملين بالعلم الثابتين على االستقامة‪ .‬ونوح‬
‫العقل {إذ نادى} من جهة قدم القلب‪ ،‬واستدعى هللا الكمال الالحق {فاستجبنا له} بإفاضة كماله على مقتضى استعداده‬
‫وإب ارزه إلى الفعل {فنجيناه} فنجينا القوى القدسية والفكرية والحمدية وسائر القوى العقلية {من الكرب} الذي هو كون‬
‫كماالتها بالقوة‪ ،‬إذ كل ما هو كامن من الشيء بالقوة كرب له‪ ،‬يطلب التنفيس بالظهور والبروز إلى الفعل وكلما كان‬

‫االستعداد أقوى والكمال الممكن له‪ ،‬الكامن فيه‪ّ ،‬‬


‫أتم‪ ،‬كان الكرب أعظم‪.‬‬

‫{ونصرناه من القوم} أي‪ :‬القوى النفسانية والبدنية المكذبين بآيات المعقوالت و ّ‬


‫المحرمات {إنهم كانوا قوم سوء} يمنعونه‬
‫يم القطران الهيوالني والبحر العميق الجسماني‬
‫من الكمال والتجريد ويحجبونه عن األنوار بالتكذيب {فأغرقناهم} في ّ‬
‫{أجمعين}‪.‬‬

‫السر {وسليمان} العقل العلمي الذي هو في مقام الصدر {إذ يحكمان في‬‫{وداود} العقل النظري الذي هو في مقام ّ‬
‫الحرث} أي‪ :‬فيما في أرض االستعداد من الكماالت المودعة فيه‪ ،‬المخزونة في األزل‪ ،‬والمغروزة في الفطرة الناشئة‬
‫عند التوجه إلى الظهور والبروز {يحكمان} فيه بالعلم والعمل والفكر والرياضة في تثميرها وإيناعها وإدراكها‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{إذ نفشت فيه} انتشرت فيه باإلفساد في ظلمة ليل غلبة الطبيعة البدنية والصفات النفسانية {غنم القوم} أي‪ :‬القوى‬
‫البهيمية الشهوانية {وكنا لحكمهم} على مقتضى أحوالهم حاضرين‪ ،‬إذ كان الحكم بأمرنا وعلى أعيننا‪ ،‬ومقتضى إرادتنا‪،‬‬
‫سر على مقتضى الذوق بتسليم غنم القوى الحيوانية البهيمية إلى أصحاب الحرث من القوى الروحانية‬ ‫فحكم داود ال ّ‬
‫بالملكية ليذبحوها ويميتوها باالستيالء والقهر والغلبة‪ ،‬ويغتذوا بها‪ .‬وحكم سليمان العقل العلمي على مقتضى العلم‬
‫بتسليط القوى الروحانية عليها لينتفعوا بألبانها من العلوم النافعة واإلدراكات الجزئية واألخالق والملكات الفاضلة‬
‫المتحركة والمتخيلة‬
‫ويروضوها بالتهذيب والتأديب وإقامة أصحاب الغنم من النفس وقواها الحيوانية كالغضبية و ّ‬
‫والوهمية وأمثالها بعمارة الحرث وإصالح ما في أرض االستعداد بالطاعات والعبادات والرياضات من باب الشرائع‬
‫لترد الغنم إلى أصحابها‬
‫حد الكمال‪ّ ،‬‬
‫واألخالق واآلداب وسائر األعمال الصالحات حتى يعود الحرث ناض اًر بالغاً إلى ّ‬
‫ويرد الحرث إلى‬
‫عند حصول الكمال‪ ،‬فتصير محفوظة مرعية مسوسة مهذبة في األعمال البهيمية بفضيلة العّفة‪ّ ،‬‬
‫أربابه من الروح وقواه يانعاً مثم اًر بالعلوم وال ِح َكم‪ ،‬متزيناً بأزهار المعارف والحقائق وأنوار التجليات والمشاهدات‪.‬‬

‫سورة األنبياء (من اآلية ‪ 79‬الى اآلية ‪)82‬‬

‫َّ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ‬ ‫ان وُكالًّ َآت ْيَنا ح ْكماً و ِعْلماً وس َّخ ْرَنا مع َداو َ ِ‬
‫ص ْن َع َة‬ ‫ال ُي َسِّب ْح َن َوالط ْي َر َوُكَّنا َفاعل َ‬
‫ين * َو َعل ْمَناهُ َ‬ ‫ود اْلجَب َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫ََ‬ ‫ُ َ‬ ‫اها ُسَل ْي َم َ َ‬‫َفَف َّه ْمَن َ‬
‫ِ‬ ‫اصَف ًة تَجرِي ِبأَم ِِره ِإَلى األَر ِ َِّ‬ ‫الريح ع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َلب ٍ َّ ِ ِ‬
‫يها‬
‫ض التي َب َارْكَنا ف َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ان ِّ َ َ‬ ‫وس ل ُك ْم لتُ ْحصَن ُك ْم ّمن َبأْس ُك ْم َف َه ْل أَنتُ ْم َشاك ُرو َن * َولِ ُسَل ْي َم َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ين‬‫وصو َن َل ُه َوَي ْع َمُلو َن َع َمالً ُدو َن ذل َك َوُكَّنا َل ُه ْم َحافظ َ‬ ‫الشَياط ِ‬
‫ين َمن َي ُغ ُ‬
‫ين * و ِم َن َّ‬
‫َ‬ ‫َوُكَّنا ِب ُك ِّل َش ْيء َعالم َ‬

‫فإن العمل بالتقوى والرياضة على وفق الشرع والحكمة العملية أبلغ في تحصيل الكمال‬‫ولهذا قال‪{ :‬ففهمناها سليمان} ّ‬
‫وإب ارزه إلى الفعل من العلم الكلي والفكر والنظر والذوق والكشف {وكالً آتينا حكماً وعلماً} إذ كل منهما على الصواب‬
‫في رأيه والحكمة النظرية والعملية والمكاشفة والمعاملة كلتاهما متعاضدتان في طلب الكمال‪ ،‬متوافقتان في تحصيل‬
‫كرم الخصال بهما‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{وسخرنا مع داود} الفؤاد‪ ،‬جبال األعضاء {يسبحن} بألسنة خواصها التي أمرن بها ويسرن معه بسيرتها المخصوصة‬
‫ّ‬
‫فتكل وتثقل وتأبى أمره‪ ،‬بل تسير معه مأمورة بأمره‪ ،‬منقادة مطواعة لتأدبها وارتياضها‬
‫بها فال تعصي وال تمتنع عليه‪ّ ،‬‬
‫يسبحن باألذكار واألفكار والطيران في فضاء‬
‫ّ‬ ‫وتمرنها في الطاعات والعبادات‪ ،‬وطير القوى الروحانية‬
‫وتعودها بأمره‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫أرواح األنوار {وكنا} قادرين على ذلك التسخير‪.‬‬

‫{وعلمناه صنعة لبوس لكم} من الورع والتقوى ونعم الدرع الحصين الورع {لتحصنكم من} بأس القوى الغضبية السبعية‬
‫واستيالء الحرص والدواعي الطبيعية والقوى الوهمية الشيطانية {فهل أنتم شاكرون} حق هذه النعمة بالتوجه إلى‬
‫الحضرة الربانية بالكلية‪.‬‬

‫سخرنا لسليمان العقل العملي المتمكن على عرش النفس في الصدر ريح الهوى {عاصفة} في هبوبها‬
‫{ولسليمان} أي‪ّ :‬‬
‫{تجري بأمره} مطيعة له إلى أرض البدن المتدرب بالطاعة واألدب {التي باركنا فيها} بتثمير األخالق والملكات‬
‫الفاضلة واألعمال الصالحة {وكنا بكل شيء} من أسباب الكمال {عالمين}‪.‬‬

‫التخيل {من يغوصون له} في بحر الهيولى الجسمانية يستخرجون درر المعاني الجزئية‬
‫{ومن} شياطين الوهم و ّ‬
‫{ويعملون عمالً دون ذلك} من التركيب والتفصيل والمصنوعات وبهيج الدواعي المكسوبات وأمثالها {وكنا لهم‬
‫حافظين} عن الزيغ والخطأ والتسويل الباطل والكذب‪.‬‬

‫سورة األنبياء (من اآلية ‪ 83‬الى اآلية ‪)88‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الضُّر وأَنت أَرحم َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصاِب ِرين * وأَيُّوب ِإ ْذ ناد ٰى رب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين *‬ ‫الراحم َ‬ ‫َّه أَّني َم َّسن َي ُّ َ َ ْ َ ُ‬ ‫َ َ ََ َ ُ‬ ‫يس َوَذا اْلكْف ِل ُك ٌّل ّم َن َّ َ‬ ‫يل َوإِ ْد ِر َ‬‫َوإِ ْس َماع َ‬
‫اه ْم ِفي َر ْح َمِتَنا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َهَل ُه َو ِم ْثَل ُه ْم َّم َع ُه ْم َر ْح َم ًة ّم ْن عندَنا َوِذ ْك َر ٰى لْل َعاِبدي َن * َوأ َْد َخْلَن ُ‬ ‫استَ َج ْبَنا َل ُه َف َك َشْفَنا َما ِبه من ُ‬
‫ضٍّر َوآتَْيَناهُ أ ْ‬ ‫َف ْ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫النو ِن ِإذ َّذهب م َغ ِ‬ ‫ِإَّنهم ِمن َّ ِ ِ‬
‫ظ َّن أَن لن َّنْقد َر َعَل ْيه َفَن َاد ٰى في الظُل َمات أَن ال ِإَلـ َٰه ِإال أ َ‬
‫َنت‬ ‫اضباً َف َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫ين * َوَذا ُّ‬‫الصالح َ‬ ‫ُْ ّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استَ َج ْبَنا َل ُه َوَن َّج ْيَناهُ م َن اْل َغ ِّم َوَكذل َك ُنن ِجـي اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين‬ ‫ين * َف ْ‬
‫نت م َن الظالم َ‬‫ُس ْب َح َان َك ِإّني ُك ُ‬

‫{وأيوب} النفس المطمئنة الممتحنة بأنواع البالء في الرياضة البالغة كمال الزكاء في المجاهدة {إذ نادى رّبه} عند‬
‫الضر} من الضعف واالنكسار والعجز {وأنت‬‫ّ‬ ‫مسني‬
‫الجد والجهد {أني ّ‬
‫الكد وبلوغ الطاقة والوسع في ّ‬ ‫شدة الكرب في ّ‬ ‫ّ‬
‫كد األعمال عند كمال الطمأنينة ونزول السكينة‬‫أرحم الراحمين} بالتوسعة والروح {فاستجبنا له} بروح األحوال عن ّ‬
‫ضر} الرياضة بنور الهداية ونفسنا عنه ظلمة الكرب بإشراق نور القلب {وآتيناه أهله} القوى‬
‫{وكشفنا ما به من ّ‬
‫النفسانية التي ملكناها وأمتناها بالرياضة بإحيائها بالحياة الحقيقية {ومثلهم معهم} من إمداد القوى الروحانية وأنوار‬
‫الصفات القلبية ووفرنا عليهم أسباب الفضائل الخلقية وأحوال العلوم النافعة الجزئية {رحمة من عندنا وذكرى‬
‫للعابدين}‪.‬‬

‫{وذا النون} أي‪ :‬الروح الغير الواصل إلى رتبة الكمال {إذ ذهب} بالمفارقة عن البدنية {مغاضباً} عن قومه‪ ،‬القوى‬
‫النفسانية الحتجابها وإصرارها على مخالفته وإبائها واستكبارها عن طاعته {فظن أن لن نقدر عليه} أي‪ :‬لن نستعمل‬
‫قدرتنا فيه باالبتالء بمثل ما ابتلي به‪ ،‬أو‪ :‬لن نضيق عليه‪ ،‬فالتقمه حوت الرحمة لوجوب تعّلقه بالبدن في حكمتنا‬
‫لالستعمال {فنادى} في ظلمات المراتب الثالث من الطبيعة الجسمانية والنفس النباتية والحيوانية بلسان االستعداد {أن‬
‫التجرد األول‬
‫ّ‬ ‫فأقر بالتوحيد الذاتي المركوز فيه عند العهد السابق وميثاق الفطرة والتنزيه المستفاد من‬
‫ال إله إال أنت} ّ‬
‫في األ زل بقوله‪{ :‬سبحانك} واعترف بنقصانه وعدم استعمال العدالة في قومه فقال‪{ :‬إني كنت من الظالمين فاستجبنا‬
‫غم النقصان واالحتجاب بنور التجلي ورفع‬
‫له} بالتوفيق بالسلوك والتصبير بنور الهداية إلى الوصول {ونجيناه} من ّ‬
‫الحجاب {وكذلك ننجي المؤمنين} باإليمان التحقيقي الموقنين‪.‬‬

‫سورة األنبياء (من اآلية ‪ 89‬الى اآلية ‪)91‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َصَل ْحَنا َل ُه َزْو َج ُه ِإَّن ُه ْم‬
‫استَ َج ْبَنا َل ُه َوَو َه ْبَنا َل ُه َي ْحَي ٰى َوأ ْ‬ ‫َّه َر ِّب الَ تَ َذ ْ ِرني َف ْرداً َوأ َ‬
‫َنت َخ ْي ُر اْل َو ِارِث َ‬
‫ين * َف ْ‬ ‫َوَزَك ِريَّآ ِإ ْذ َن َاد ٰى َرب ُ‬
‫وحَنا‬‫خاش ِعين * و َّالِتي أَحصَن ْت َفرجها َفَنَف ْخَنا ِفيها ِمن ُّر ِ‬ ‫ات وي ْدعوننا رَغباً ورهباً وَكانوْا َلنا ِ‬ ‫ِ‬
‫َك ُانوْا ُي َس ِارُعو َن ِفي اْل َخ ْي َر َ َ ُ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ‬
‫َ‬ ‫ْ ََ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ين‬ ‫ِ ِ‬
‫اها َو ْابَن َهآ َآي ًة ّلْل َعاَلم َ‬
‫َو َج َعْلَن َ‬

‫{وزكريا} الروح الساذج عن العلوم {إذ نادى رّبه} في استدعاء الكمال بلسان االستعداد‪ ،‬واستوهب يحيى القلب‬
‫لتنتعش فيه العلوم‪ ،‬وشكا انفراده عن معاضدة القلب في قبول العلم وحيازة ميراثه مع علمه بأن الفناء في هللا خير من‬
‫الكمال العملي حيث قال‪{ :‬وأنت خير الوارثين} من القلب وغيره {ووهبنا له يحيى} القلب بإصالح زوجه النفس العاقر‬
‫لسوء الخلق وغلبة ظلمة الطبع عليها بتحسين أخالقها وإزالة الظلمة الموجبة للعقر عنها {إنهم} إن أولئك الكمل من‬
‫األنبياء {كانوا يسارعون في الخيرات} أي‪ :‬يسابقون إلى المشاهدات التي هي الخيرات المحضة باألرواح {ويدعوننا}‬
‫لطلب المكاشفات بالقلوب {رغباً} إلى الكمال {ورهباً} من النقصان أو رغباً إلى اللطف والرحموت في مقام تجليات‬
‫الصفات ورهباً من القهر والعظموت {وكانوا لنا خاشعين} بالنفوس‪.‬‬

‫المستعدة العابدة التي أحصنت فرج استعدادها ومحل تأثير الروح من‬
‫ّ‬ ‫{والتي أحصنت} أي‪ :‬النفس الزكية الصافية‬
‫باطنها بحفظه من مسافحي القوى البدنية فيها {فنفخنا فيها} من تأثير روح القدس بنفخ الحياة الحقيقية فولدت عيسى‬
‫المستعدة المستبصرة‬
‫ّ‬ ‫القلب {وجعلناها} مع القلب عالمة ظاهرة وهداية واضحة {للعالمين} من القوى الروحانية والنفوس‬
‫يهديهم إلى الحق وإلى طريق مستقيم‪.‬‬

‫سورة األنبياء (من اآلية ‪ 92‬الى اآلية ‪)95‬‬

‫الصالِح ِ‬
‫ات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َب ْيَن ُه ْم ُك ٌّل ِإَل ْيَنا َراج ُعو َن * َف َمن َي ْع َم ْل م َن َّ َ‬
‫َفاعبدو ِن * وتََق َّ‬
‫ط ُعوْا أ َْم َرُه ْم‬ ‫َ‬ ‫ْ ُُ‬ ‫ُّك ْم‬ ‫ُم ًة و ِ‬
‫اح َد ًة َوأََن ْا َرب ُ‬ ‫ِإ َّن َهـ ِٰذِه أ َّ‬
‫ُمتُ ُك ْم أ َّ َ‬
‫اهآ أََّن ُه ْم الَ َي ْرِج ُعو َن‬
‫َهَل ْكَن َ‬
‫أْ‬ ‫َك ِاتُبو َن * َو َح َرٌام َعَل ٰى َق ْرَي ٍة‬ ‫ان لِ َس ْعِي ِه َوإَِّنا َل ُه‬
‫َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن َفالَ ُكْف َر َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{إن هذه} الطريقة الموصلة إلى الحقيقة وهي طريقة التوحيد المخصوصة باألنبياء المذكورين طريقتكم أيها المحققون‬
‫السالكون‪ ،‬طريقة {واحدة} ال اعوجاج وال زيغ وال انحراف عن الحق إلى الغير وال ميل {وأنا} وحدي {رّبكم}‬
‫فخصصوني بالعبادة والتوجه وال تلتفتوا إلى غيري {وتقطعوا} أي‪ :‬تفرق المحجوبون الغائبون عن الحق‪ ،‬الغافلون في‬
‫المتفرقة باألهواء المختلفة {كل إلينا راجعون}‬
‫ّ‬ ‫أمر الدين وجعلوا أمر دينهم قطعاً يتقسمونه {بينهم} ويختارون السبل‬
‫على أي مقصد وأية طريقة وأية وجهة كانوا فنجازيهم بحسب أعمالهم وطرائقهم‪.‬‬

‫{فمن} يتّصف بالكماالت العملية {وهو} عالم موقن فسعيه مشكور غير مكفور في القيامة الوسطى والوصول إلى مقام‬
‫الفطرة األولى {و ّإنا} لصورة ذلك السعي لكاتبون في صحيفة قلبه فيظهر عليه عند التجرد أنوار الصفات وممتنع {على‬
‫قرية} حكمنا بإهالكها وشقاوتها في األزل رجوعهم إلى الفطرة من االحتجاب بصفات النفس في النشأة‪.‬‬

‫سورة األنبياء (من اآلية ‪ 96‬الى اآلية ‪)103‬‬

‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫ين‬
‫ص ُار الذ َ‬ ‫ص ٌة أ َْب َ‬ ‫ْجو ُج َو ُه ْم ّمن ُك ّل َح َدب َينسُلو َن * َوا ْقتََر َب اْل َو ْع ُد اْل َح ُّق َفإ َذا ه َي َشاخ َ‬ ‫َحتَّ ٰى ِإ َذا ُفت َح ْت َيأ ُ‬
‫ْجو ُج َو َمأ ُ‬
‫ص ُب َج َهَّنم أَنتُ ْم َل َها َو ِارُدو َن‬ ‫ظالِ ِمين * ِإَّن ُكم وما تعبدون ِمن دو ِن َّ ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّللا َح َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ َ َ ْ ُُ َ‬ ‫َكَف ُروْا ي َٰوْيَلَنا َق ْد ُكَّنا في َغْفَلة ّم ْن َهـٰ َذا َب ْل ُكَّنا َ َ‬
‫ين َسَبَق ْت َل ُه ْم ِّمَّنا‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫* ِإ َّن الذ َ‬ ‫يها الَ َي ْس َم ُعو َن‬‫يها َزِف ٌير َو ُه ْم ف َ‬
‫يها َخال ُدو َن * َل ُه ْم ف َ‬
‫وها َوُك ٌّل ف َ‬
‫ان َهـ ُٰؤالء آل َه ًة َّما َوَرُد َ‬ ‫* َل ْو َك َ‬
‫َنف ُس ُه ْم َخالِ ُدو َن‬ ‫يس َها َو ُه ْم ِفي َما ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫* الَ َي ْح ُزُن ُه ُم اْلَف َزعُ األَ ْكَب ُر‬ ‫اشتَ َه ْت أ ُ‬ ‫اْل ُح ْسَن ٰى أ ُْوَلـٰئ َك َع ْن َها ُم ْب َع ُدو َن * الَ َي ْس َم ُعو َن َحس َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫وع ُدو َن‬ ‫َوتََتَلَّق ُ‬
‫اه ُم اْل َمالَئ َك ُة َهـٰ َذا َي ْو ُم ُك ُم الذي ُكنتُ ْم تُ َ‬

‫{حتى إذا فتحت يأجوج} القوى النفسانية {ومأجوج} القوى البدنية بانحراف المزاج وانحالل التركيب {وهم من كل‬
‫{ي ْن ِسلون} الذهاب والزوال {واقترب الوعد الحق} من وقوع القيامة‬
‫حدب} من أعضاء البدن التي هي محالها ومقارها َ‬
‫الصغرى بالموت‪ ،‬فحينئذ شخصت أبصار المحجوبين ّ‬
‫لشدة الهول والفزع‪ ،‬داعين بالويل والثبور‪ ،‬ومعترفين بالظلم‬
‫والقصور‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{إنكم وما تعبدون} أي‪ :‬كل عابد منكم لشيء سوى هللا محجوب به عن الحق‪ ،‬مرمي مع معبوده الذي وقف معه في‬
‫ّ‬
‫وشدة العذاب‬
‫طبقة من طبقات جهنم‪ ،‬البعد والحرمان على حسب مرتبة معبوده {لهم فيها زفير} من ألم االحتجاب ّ‬
‫واستيالء نيران األشواق وطول مدة الحرمان والفراق {وهم فيها ال يسمعون} كالم الحق والمالئكة لتكاثف الحجاب‬
‫لشدة انطباق الظلمة وعمى البصيرة‪.‬‬ ‫وشدة طرق مسامع القلب ّ‬
‫لقوة الجهل كما ال يبصرون األنوار ّ‬ ‫ّ‬

‫منا} السعادة {الحسنى} وحكمنا بسعادتهم في القضاء السابق {أولئك عنها مبعدون} ّ‬
‫لتجردهم عن‬ ‫{إن الذين سبقت لهم ّ‬‫ّ‬
‫المالبس النفسانية والغشاوات الطبيعية {ال يسمعون حسيسها} لبعدهم عنها في الرتبة {وهم في ما اشتهت} ذواتهم من‬
‫الجنات الثالث وخصوصاً المشاهدات في جنة الذات {خالدون} {ال يحزنهم الفزع األكبر} بالموت في القيامة الصغرى‬
‫وال بتجلي العظمة والجالل في القيامة الكبرى {وتتلقاهم المالئكة} عند الموت بالبشارة أو عند البعث النفساني‬
‫بالسالمة والنجاة‪ ،‬أو في القيامة الوسطى والبعث الحقيقي بالرضوان أو عند الرجوع إلى البقاء بعد الفناء حال‬
‫التامة‪.‬‬
‫االستقامة بالسعادة ّ‬

‫سورة األنبياء (من اآلية ‪ 104‬الى اآلية ‪)112‬‬

‫ين * وَلَق ْد َكتَْبَنا ِفي َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السمآء َك َ ِ‬


‫الزُب ِ‬
‫ور‬ ‫َ‬ ‫الس ِج ِّل لْل ُكتُ ِب َك َما َب َدأَْنآ أََّو َل َخْل ٍق ُّنع ُيدهُ َو ْعداً َعَل ْيَنآ ِإَّنا ُكَّنا َفاعل َ‬
‫ط ِّي ّ‬ ‫طوي َّ َ َ‬
‫َي ْوم َن ْ ِ‬
‫َ‬
‫اك ِإالَّ َر ْح َم ًة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َن األَرض ي ِرثُها ِعب ِادي َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * َو َمآ أ َْرَسْلَن َ‬ ‫الصال ُحو َن * ِإ َّن في َهـٰ َذا َلَبالَغاً ّلَق ْو ٍم َعاِبد َ‬ ‫من َب ْعد ال ّذ ْك ِر أ َّ ْ َ َ َ َ َ‬
‫آء َوإِ ْن أ َْدرِي‬‫احٌد َفهل أَنتُم ُّمسلِمو َن * َفِإن تَوَّلوْا َفُقل ءا َذنتُ ُكم عَلى سو ٍ‬ ‫ّلِْلعاَل ِمين * ُقل ِإَّنمآ يوح ٰى ِإَل َّي أََّنمآ ِإَلـٰه ُكم ِإَلـٰه و ِ‬
‫ْ َ ٰ ََ‬ ‫َْ ْ َ‬ ‫َْ ْ ْ ُ‬ ‫َ ُ ْ ٌَ‬ ‫ْ َ ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫وع ُدو َن * ِإَّن ُه َي ْعَلم اْل َج ْه َر ِم َن اْلَق ْو ِل َوَي ْعَلم َما تَ ْكتُ ُمو َن * َوإِ ْن أ َْدرِي َل َعَّل ُه ِف ْتَن ٌة َّل ُك ْم َو َمتَاعٌ ِإَل ٰى ِح ٍ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫يب أَم َبع ٌيد َّما تُ َ‬‫أََق ِر ٌ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫صُفو َن‬‫الرحمـٰن اْلمستَعان عَلى ما تَ ِ‬ ‫* َقال َر ِّب ْ ِ‬
‫اح ُكم باْل َح ِّق َوَربَُّنا َّ ْ َ ُ ُ ْ َ ُ َ ٰ َ‬ ‫َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{يوم نطوي السماء} أي‪ :‬ال يحزنهم يوم نطوي سماء النفس بما فيها من صور األعمال وهيئات األخالق في‬
‫الصغرى {كطي} الصحيفة للمكتوبات التي فيها‪ ،‬أي‪ :‬كما تطوى ليبقى ما فيها محفوظاً‪ ،‬أو سماء القلب بما فيها من‬
‫ّ‬
‫العلوم والصفات والمعارف والمعقوالت في الوسطى‪ ،‬أو سماء الروح بما فيها من العلوم من المشاهدات والتجليات في‬
‫الكبرى {كما بدأنا أول خلق نعيده} بالبعث في النشأة الثانية على األول أو بالرجوع إلى الفطرة األولى على الثاني أو‬
‫بالبقاء بعد الفناء على الثالث‪.‬‬

‫{ولقد كتبنا في} زبور القلب {من بعد الذكر} في اللوح أن أرض البدن يرثها القوى الصالحة ّ‬
‫المنورة بنور السكينة بعد‬
‫{أن األرض يرثها‬
‫إهالك الفواسق بالرياضة‪ .‬أو‪ :‬ولقد كتبنا في زبور اللوح المحفوظ من بعد الذكر في ّأم الكتاب ّ‬
‫عبادي الصالحون} من الروح و ّ‬
‫السر والقلب والعقل والنفس وسائر القوى باالستقامة بعد إهالك الصالحين بالفناء في‬
‫الوحدة {لبالغاً} لكفاية {لقوم} عبدوا هللا بالسلوك فيه {رحمة} عظيمة مشتملة على الرحيمية بهدايتهم إلى الكمال‬
‫المطلق والرحمانية بأمانهم من العذاب المستأصل في زمانه لغلبة رحمته على غضبه‪.‬‬

‫سورة الحج (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)17‬‬

‫ضع ٍة ع َّمآ أَرضع ْت وتَضع ُك ُّل َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬


‫ات‬ ‫يم * َي ْوَم تَ َرْوَن َها تَ ْذ َه ُل ُك ُّل ُم ْر َ َ ْ َ َ َ َ ُ‬ ‫اعة َش ْي ٌء َعظ ٌ‬ ‫َّك ْم ِإ َّن َ ْزل َزَل َة َّ َ‬
‫اس اتَُّقوْا َرب ُ‬ ‫ُّها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫ٰيأَي َ‬
‫َّللاِ ِب َغ ْي ِر ِعْل ٍم‬
‫اس َمن ُي َج ِاد ُل ِفي َّ‬ ‫الن ِ‬ ‫َّللاِ َش ِد ٌيد * َو ِم َن َّ‬ ‫اب َّ‬ ‫ِ‬
‫اس ُس َك َار ٰى َو َما ُهم ِب ُس َك َار ٰى َوَلـٰك َّن َع َذ َ‬ ‫َح ْم ٍل َح ْمَل َها َوتَ َرى َّ‬
‫الن َ‬
‫اس ِإن ُكنتُ ْم ِفي‬ ‫ُّها َّ‬ ‫لس ِع ِ‬ ‫ضُّله ويه ِد ِ‬
‫يه ِإَل ٰى َع َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طٍ ٍ‬ ‫َوَيتَِّب ُع ُك َّل َش ْي َ‬
‫الن ُ‬ ‫ير * ٰيأَي َ‬ ‫اب ا َّ‬ ‫ان َّم ِريد * ُكت َب َعَل ْيه أََّن ُه َمن تََوالهُ َفأََّن ُه ُي ُ َ َ ْ‬
‫ض َغ ٍة ُّم َخَّلَق ٍة َو َغ ْي ِر ُم َخَّلَق ٍة ّلُِنَبِّي َن َل ُك ْم َوُنِقُّر ِفي‬ ‫ٍ ِ‬ ‫اب ثُ َّم ِمن ُّن ْ ٍ ِ‬
‫طَفة ثُ َّم م ْن َعَلَقة ثُ َّم من ُّم ْ‬ ‫اكم ِمن تُر ٍ‬ ‫ِ‬
‫َرْيب ّم َن اْلَب ْعث َفِإَّنا َخَلْقَن ُ ْ ّ َ‬
‫ٍ ِ‬

‫نك ْم َّمن ُي َرُّد ِإَل ٰى أ َْرَذ ِل اْل ُع ُم ِر‬‫نك ْم َّمن ُيتََوَّف ٰى َو ِم ُ‬ ‫َج ٍل ُّم َس ًّمى ثُ َّم ُن ْخ ِر ُج ُك ْم ِطْفالً ثُ َّم لِتَْبُل ُغوْا أ ُ‬
‫َشَّد ُك ْم َو ِم ُ‬ ‫آء ِإَل ٰى أ َ‬
‫األ َْر َحا ِم َما َن َش ُ‬
‫َنب َت ْت ِمن ُك ِّل َزْو ٍج َب ِهي ٍج *‬ ‫لِ َكيالَ يعَلم ِمن بع ِد ِعْل ٍم َشيئاً وتَرى األَرض ه ِ‬
‫ام َد ًة َفِإ َذآ أ َ ْ‬
‫اهتََّز ْت َوَرَب ْت َوأ َ‬
‫آء ْ‬ ‫َنزلَنا َعَل ْي َها اْل َم َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ َْ َ‬
‫َّللاَ َي ْب َع ُث َمن‬ ‫يها َوأ َّ‬
‫َن َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َّللاَ ُه َو اْل َح ُّق َوأََّن ُه ُي ْحِيـي اْل َم ْوتَ ٰى َوأََّن ُه َعَل ٰى ُك ّل َشيء َقد ٌير * َوأ َّ‬ ‫ٰذلِ َك ِبأ َّ‬
‫اع َة آتَي ٌة ال َرْي َب ف َ‬ ‫الس َ‬
‫َن َّ‬ ‫ْ‬
‫َن َّ‬
‫َّللاِ‬ ‫ض َّل َعن سِب ِ‬
‫يل َّ‬ ‫طِف ِه لِي ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اب ُّمِن ٍ‬ ‫َّللاِ ِب َغ ْي ِر ِعْل ٍم والَ ُه ًدى والَ ِكتَ ٍ‬ ‫اس َمن ُي َج ِاد ُل ِفي َّ‬
‫الن ِ‬
‫ور * و ِم َن َّ‬ ‫ِفي اْلُقُب ِ‬
‫َ‬ ‫ير * ثَان َي ع ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫لعِب ِيد * َو ِم َن َّ‬ ‫َّللا َليس ِب َ َّٰ ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫الدنيا ِخزي ون ِذيُقه يوم اْلِقي ِ‬ ‫ِ‬
‫الن ِ‬
‫اس‬ ‫ظل ٍم ّل َ‬ ‫َن َّ َ ْ َ‬‫اك َوأ َّ‬‫يق * ذل َك ِب َما َقَّد َم ْت َي َد َ‬ ‫اب اْل َح ِر ِ‬‫امة َع َذ َ‬ ‫َل ُه في ُّ ْ َ ْ ٌ َ ُ ُ َ ْ َ َ َ‬
‫َخ َرَة ٰذلِ َك ُهَو‬ ‫الد ْنيا واأل ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫طمأ َّ ِ ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫َص َاب ْت ُه ف ْتَن ٌة ْانَقَل َب َعَل ٰى َو ْجهه َخس َر ُّ َ َ‬ ‫َن به َوِإ ْن أ َ‬ ‫َص َاب ُه َخ ْيٌر ا ْ َ‬
‫َّللاَ َعَل ٰى َح ْرف َفإ ْن أ َ‬ ‫َمن َي ْعُب ُد َّ‬
‫ضُّرهُ أَْق َر ُب ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ضُّرهُ َو َما الَ َي َنف ُع ُه ٰذلِ َك ُه َو َّ‬ ‫اْلخسران اْلمِبين * يدعوْا ِمن دو ِن َّ ِ‬
‫الضالَ ُل اْلَبع ُيد * َي ْد ُعو َل َم ْن َ‬ ‫َّللا َما الَ َي ُ‬ ‫ُ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َُْ ُ ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الصال َحات َجَنات تَ ْجرِي من تَ ْحت َها األ َْن َه ُار ِإ َّن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آمُنوْا َو َعمُلوْا َّ‬ ‫ين َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّنْف ِع ِه َلِب ْئ َس اْل َم ْوَل ٰى َوَلِب ْئ َس اْل َعش ُير * ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ ُي ْدخ ُل الذ َ‬
‫ِ‬

‫ظ ْر َه ْل‬ ‫الس َم ِآء ثُ َّم ْلَيْق َ‬


‫ط ْع َفْلَي ْن ُ‬ ‫الد ْنيا و ِ‬
‫اآلخ َرِة َفْلَي ْم ُد ْد ِب َسَب ٍب ِإَلى َّ‬ ‫ظ ُّن أَن َّلن ينصره َّ ِ‬
‫َّللاُ في ُّ َ َ‬ ‫َ ُ َُ‬ ‫ان َي ُ‬‫َّللاَ َيْف َع ُل َما ُي ِر ُيد * َمن َك َ‬ ‫َّ‬
‫َّللا يه ِدي من ي ِريد * ِإ َّن َّال ِذين آمنوْا و َّال ِذين هادوْا و َّ ِ‬ ‫ات بِين ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ُي ْذ ِهَب َّن َك ْي ُدهُ َما َي ِغي ُ‬
‫ظ * َوَك ٰذلِ َك أ َ ْ‬
‫الصاِبئ َ‬
‫ين‬ ‫َ َُ َ َ َ ُ َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ات َوأ َّ‬
‫َن َّ َ َ ْ‬ ‫َنزلَناهُ َآي َ ّ َ‬
‫يام ِة ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َعَل ٰى ُك ِّل َشي ٍء َش ِه ٌيد‬ ‫ِ‬ ‫َشرُكوْا ِإ َّن َّ ِ‬
‫َّللاَ َيْفص ُل َب ْيَن ُه ْم َي ْوَم اْلق َ‬ ‫ين أ ْ َ‬
‫َّ ِ‬
‫ص َار ٰى َواْل َم ُج َ‬
‫وس َوالذ َ‬ ‫َو َّ‬
‫الن َ‬
‫ْ‬
‫{إن} اضطراب أرض‬
‫بالتجرد عن الغواشي الهيوالنية والصفات النفسانية ّ‬
‫ّ‬ ‫{يا أيها الناس اتّقوا رّبكم} احذروا عقابه‬
‫ضعة} أي‪ :‬غاذية مرضعة‬‫البدن في القيامة الصغرى للمنقسمين فيها {شيء عظيم} {يوم ترونها تذهل كل مر ِ‬
‫ُْ‬
‫لألعضاء عن إرضاعها {وتضع كل ذات حمل} إرضاعها {وتضع كل ذات حمل} من القوى الحافظة لمدركاتها‬
‫كالخيال والوهم والذاكرة والعاقلة {حملها} من المدركات لسكرها وذهولها وحيرتها وبهتها‪ ،‬أو كل قوة حاملة لألعضاء‬
‫حملها وتحريكها واستقاللها بالضعف‪ ،‬أو كل عضو حامل لما فيه من القوة حملها بالتخلي عنها‪ ،‬أو كل ما يمكن فيها‬
‫من الكماالت بالقوة حملها بفسادها وإسقاطها‪ ،‬أو كل نفس حاملة لما فيها من الهيئات والصفات من الفضائل والرذائل‬
‫مغشياً عليهم {وما هم بسكارى} في الحقيقة من‬
‫ّ‬ ‫بإظهارها وإبرازها {وترى الناس سكارى} من سكرات الموت‪ ،‬ذاهلين‪،‬‬
‫شدة العذاب‪.‬‬
‫الشراب‪ ،‬ولكن من ّ‬

‫{وترى} أرض النفس {هامدة} ميتة بالجهل ال نبات فيها من الفضائل والكماالت‪{ .‬فإذا أنزلنا عليها} ماء العلم من‬
‫{اهتزت} بالحياة الحقيقية {وربت} بالترقي في المقامات والمراتب {وأنبتت من كل} صنف {بهيج} من‬
‫سماء الروح ّ‬
‫المغير الفاني {وأنه‬
‫ّ‬ ‫{أن هللا هو الحق} الثابت الباقي وما سواه هو‬
‫الكماالت والفضائل المزينة لها {ذلك بـ} سبب ّ‬
‫أن الساعة}‬‫يحيي} موتى الجهل بفيض العلم في القيامة الوسطى كما يحيي موتى الطبع في القيامة الصغرى {و ّ‬
‫أن هللا يبعث من في القبور} أي‪ :‬قبر البدن من موتى الجهل في الساعة الوسطى بالقيام في موضع‬ ‫بالمعنيين {آتية و ّ‬
‫القلب والعود إلى الفطرة وحياة العلم كما يبعث موتى الطبع في النشأة الثانية والقيامة الصغرى {بغير علم} أي‪:‬‬

‫استدالل {وال هدى} وال كشف ووجدان {وال كتاب} وال وحي وفرقان {يدعو} مما سوى هللا {ما ال ّ‬
‫يضره وما ال ينفعه}‬
‫ضره أقرب من نفعه ألن دعوته‬ ‫كائناً ما كان فإن االحتجاب الغيري {هو الضالل البعيد} عن الحق وإنما كان ّ‬
‫والوقوف معه يحجبه عن الحق‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الحج (من اآلية ‪ 18‬الى اآلية ‪)18‬‬

‫آب َوَكِث ٌير ِّم َن‬ ‫الن ُجوم واْل ِجَبال و َّ‬
‫الش َج ُر َو َّ‬
‫الدَو ُّ‬ ‫ُ َ‬
‫ِ َّ‬ ‫ِ‬
‫الس َٰم َٰوت َو َمن في األ َْرض َوالش ْم ُس َواْلَق َم ُر َو ُّ ُ َ‬
‫َّللا يسجد َله من ِفي َّ ِ‬
‫َن َّ َ َ ْ ُ ُ ُ َ‬ ‫أََل ْم تَ َر أ َّ‬
‫آء‬ ‫َّللاُ َف َما َل ُه ِمن ُّم ْك ِرٍم ِإ َّن َّ‬
‫اب َو َمن ُي ِه ِن َّ‬ ‫ِ‬ ‫الن ِ ِ‬ ‫َّ‬
‫َّللاَ َيْف َع ُل َما َي َش ُ‬ ‫اس َوَكث ٌير َح َّق َعَل ْيه اْل َع َذ ُ‬

‫عد ومما لم يعد من‬


‫{يسجد له من في السموات ومن في األرض} من الملكوت السماوية واألرضية وغيرهم مما ّ‬
‫األشياء باالنقياد والطاعة واالمتثال لما أراد هللا منها من األفعال والخواص وأجرى عليها شبه تسخيرها ألمره وامتناع‬
‫ع صيانها لمراده وانقهارها تحت قدرته بالسجود الذي هو غاية الخضوع‪ ،‬ولما لم يمكن لشيء منها إال لإلنسان التابع‬
‫حق عليهم العذاب وحكم بشقاوتهم في األزل‬
‫خص عموم كثير من الناس الذين ّ‬ ‫للشيطان في ظاهر أمره دون باطنه ّ‬
‫وهم الذين غلبت عليهم الشيطنة ولزمتهم الزّلة والشقوة {ومن يهن هللا} بأن يجعل أهله قهره وسخطه ومحل عقابه‬
‫وغضبه {فما له من مكرم إن هللا يفعل ما يشاء}‪.‬‬

‫سورة الحج (من اآلية ‪ 19‬الى اآلية ‪)24‬‬

‫ص َه ُر‬
‫يم * ُي ْ‬
‫ِ‬ ‫ِق ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ُّب من َف ْو ُرُءوسه ُم اْل َحم ُ‬ ‫َّن ٍار ُي َ‬ ‫اب ِّمن‬ ‫ِ‬ ‫ين َكَف ُروْا ُق ِّ‬
‫ط َع ْت َل ُه ْم ثَي ٌ‬
‫َّ ِ‬
‫ص ُموْا‬‫اختَ َ‬
‫ِ‬
‫في َرِّب ِه ْم َفالذ َ‬
‫ان ْ‬ ‫ص َم ِ‬ ‫ان َخ ْ‬‫َهـٰ َذ ِ‬
‫اب‬ ‫يها َوُذوُقوْا َع َذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َي ْخ ُرُجوْا م ْن َها م ْن َغ ٍّم أُع ُيدوْا ف َ‬ ‫ام ُع ِم ْن َح ِد ٍيد * ُكَّل َمآ أ ََرُادوْا أَن‬
‫* وَلهم َّمَق ِ‬
‫طوِن ِه ْم َواْل ُجُل ُ‬
‫ود‬‫َ ُْ‬ ‫ِب ِه َما ِفي ُب ُ‬
‫َس ِاوَر ِمن‬ ‫ات تَجرِي ِمن تَحِتها األ َْنهار يحَّلو َن ِف ِ‬ ‫ات جَّن ٍ‬ ‫َّللا ي ْد ِخل َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اْل َح ِر ِ‬
‫يها م ْن أ َ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َُ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫الصال َح َ‬ ‫َ َُ َ َ‬ ‫يق * إ َّن َّ َ ُ ُ‬
‫اط اْل َح ِمي ِد‬
‫صر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫يها َح ِر ٌير * َو ُه ُدوْا ِإَلى الطِّيب م َن اْلَق ْول َو ُه ُدوْا ِإَل ٰى َ‬
‫ِ‬
‫اس ُه ْم ف َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َذ َهب َوُل ْؤُلؤاً َولَب ُ‬

‫{ قطعت لهم ثياب من نار} جعلت لهم مالبس من نار غضب هللا وقهره‪ ،‬وهي هيئات وأجرام مطابقة لصفات نفوسهم‬
‫{يصب من فوق رؤوسهم} حميم الهوى‪ ،‬وحب الدنيا الغالب عليهم‪ ،‬أو حميم‬
‫ّ‬ ‫المنكوسة‪ ،‬معذبة لها غاية التعذيب‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الجهل المرّكب واالعتقاد الفاسد المستعلي على جبهتهم العلوية التي تلي الروح في صورة القهر اإللهي مع الحرمان‬
‫عن المراد المحبوب المعتقد فيه {يصهر به} أي‪ :‬يذاب به ويضمحل {ما في} بطون استعداداتهم من المعاني القوية‬
‫وما في ظاهرهم من الصفات اإلنسانية والهيئات البشرية‪ ،‬فتتبدل معانيهم وصورهم‪ ،‬وكلما نضجت جلودهم بدلوا جلوداً‬
‫غيرها‪.‬‬

‫{ولهم مقامع} أي‪ :‬سياط {من حديد} األثيرات الملكوتية بأيدي زبانية األجرام السماوية المؤثرة في النفوس المادية‪،‬‬
‫تقمعهم بها وتدورهم من جناب القدس إلى مهاوي الرجس {كلما أرادوا} بدواعي الفطرة اإلنسانيةوتقاضي االستعداد‬
‫غم} تلك الهيئات السود المظلمة وكرب تلك‬
‫األولي {أن يخرجوا} من تلك النيران إلى فضاء مراتب اإلنسان {من ّ‬
‫ّ‬
‫الدركات الموجبة‪ ،‬ضربوا بتلك المقامع المؤلمة وأعيدوا إلى أسافل الوهدات المهلكة {و} قيل لهم‪{ :‬ذوقوا عذاب‬
‫الحريق}‪.‬‬

‫{ي َحلون فيها من أساور} األخالق والفضائل المصوغة {من ذهب}‬ ‫{جنات} القلوب {تجري من} تحتهم أنهار العلوم ُ‬
‫العلوم العقلية والحكمة العملية {ولؤلؤاً} المعارف القلبية‪ ،‬والحقائق الكشفية {ولباسهم فيها حرير} شعاع أنواع الصفات‬
‫التجليات اللطيفة‪ ،‬وهداهم {إلى الطيب من} ذكر الصفات في مقام القلب {وإلى صراط} ذي الصفات‪ ،‬أي‪:‬‬
‫اإللهية و ّ‬
‫توحيد الذات الحميدة باتصافها بتلك الصفات‪ ،‬تلك بعينها صراط الذات وسّلم الوصول إليها بالفناء‪.‬‬

‫سورة الحج (من اآلية ‪ 25‬الى اآلية ‪)26‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اكف ِفي ِه واْلب ِاد ومن ي ِرد ِف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫يل َّ ِ‬ ‫ين َكَفروْا ويصُّدو َن َعن سِب ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫يه‬ ‫َ َ ََ ُ ْ‬ ‫آء اْل َع ُ‬ ‫َّللا َواْل َم ْسجد اْل َح َار ِم الذي َج َعْلَناهُ للناس َسَو ً‬ ‫َ‬ ‫إ َّن الذ َ ُ َ َ ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ ِ‬ ‫ان اْلَب ْي ِت أَن الَّ تُ ْش ِر ْك ِبي َش ْيئاً َو َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِبِإْلح ٍاد ِب ُ ُّ ِ ِ‬
‫ين‬ ‫ط ِّه ْر َب ْيت َي للطآئف َ‬
‫ين َواْلَقآئم َ‬ ‫يم َم َك َ‬
‫ظْل ٍم نذ ْق ُه م ْن َع َذاب أَلي ٍم * َوِإ ْذ َبَّوأَْنا إل ْب َراه َ‬ ‫َ‬
‫السجودِ‬ ‫َّ‬
‫الرك ِع ُّ ُ‬ ‫َو ُّ‬

‫{ويصدون عن سبيل هللا والمسجد الحرام} الذي هو صدر فناء كعبة القلب {الذي‬ ‫ّ‬ ‫{كفروا} حجبوا بالغواشي الطبيعية‬
‫جعلناه} لناس القوى اإلنسانية مطلقاً {سواء} المقيم فيه من القوى العقلية الروحانية وبادي القوى النفسانية إلمكان‬
‫السر‪.‬‬
‫وصولها إليه وطوافها فيه عند ترقي القلب إلى مقام ّ‬

‫{ومن يرد فيه} من الواصلين إليه مراداً {بإلحاد} ميل إلى الطبيعة والهوى {بظلم} وضع شيء من العلوم والعبادات‬
‫القلبية مكان النفسية كاستعمالها لألغراض الدنيوية وإظهارها لتحصيل الّلذات البدنية من طلب السمعة والمال والجاه‬
‫الحسية واللذات النفسية بتوهم كونها مصالح الدارين أو تغير عن وجهها كالرياء‬
‫ّ‬ ‫أو بالعكس‪ ،‬كمباشرة الشهوات‬
‫والنفاق‪ ،‬أو ملحداً ظالماً {من عذاب أليم} في جحيم الطبيعة‪.‬‬

‫{وإذ ّبوأنا} أي‪ :‬جعلنا {إلبراهيم} الروح مكان بيت القلب وهو المصدر مباءة يرجع إليها في األعمال واألخالق‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫أسه القديم‪ ،‬أي‪:‬‬
‫أعلم هللا إبراهيم مكانه بعدما رفع إلى السماء أيام الطوفان بريح أرسلها‪ ،‬فكشف ما حولها‪ ،‬فبناه على ّ‬
‫هداه إلى مكانه بعد رفعه إلى السماء‪ .‬وأيام طوفان الجهل وأمواج غلبات الطبع برياح نفحات الرحمة فكشفت ما حوله‬
‫أسه القديم من الفطرة اإلنسانية {أن ال تشرك}‬
‫من الهيئات النفسانية واأللواث الطبيعية والغبارات الهيوالنية فبناه على ّ‬
‫وجص األخالق‪ ،‬وقلنا‪ :‬ال تشرك‪ ،‬أي‪ :‬أمرناه‬‫ّ‬ ‫أي‪ :‬جعلناه مرجعاً في بناء البيت بأحجار األعمال وطين الحكم‬

‫بالتوحيد ثم بتطهير بيت القلب عن األلواث المذكورة {للطائفين} من القوى النفسانية التي تطوف حوله ّ‬
‫للتنور واكتساب‬
‫الفضائل الخلقية {والقائمين} من القوى الروحانية التي تقوم عليها بإلقاء المعارف والمعاني الحكمية {و ُّ‬
‫الركع السجود}‬
‫من القوى البدنية التي تستفيد منه صور العبادات واآلداب الشرعية والعقلية‪ ،‬أو لهداية الطالبين من المستبصرين‬
‫المتعلمين‪ ،‬والمجاهدين السالكين‪ ،‬والمتعبدين الخاضعين‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الحج (من اآلية ‪ 27‬الى اآلية ‪)30‬‬

‫َّللاِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ام ٍر يأِْت َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َوأَِّذن ِفي َّ‬


‫اس َم َّ‬ ‫ِ‬
‫ين من ُك ّل َف ٍّج َعمي ٍق * ّلَي ْش َه ُدوْا َمَناف َع َل ُه ْم َوَي ْذ ُك ُروْا ْ‬ ‫ض َ‬ ‫وك ِر َجاالً َو َعَل ٰى ُك ِّل َ‬‫اس ِباْل َح ِّج َيأْتُ َ‬‫الن ِ‬
‫ضوْا تََفثَ ُه ْم َوْلُيوُفوْا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات عَلى ما رَزَقهم ِمن ب ِهيم ِة األ َْنعا ِم َف ُكُلوْا ِم ْنها وأَ ْ ِ‬ ‫ِفي أَيَّا ٍم َّمعُل ٍ‬
‫طع ُموْا اْلَبآئ َس اْلَفق َير * ثُ َّم ْلَيْق ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫وم َ ٰ َ َ ُ ْ ّ َ َ‬ ‫ْ َ‬
‫َّ‬
‫ام ِإال َما ُي ْتَل ٰى‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طَّوُفوْا ِباْلَب ْيت اْل َعت ِ‬‫ن ُذورهم وْلي َّ‬
‫َّللا َف ُه َو َخ ْيٌر ل ُه ع َند َرّبِه َوأُحل ْت َل ُك ُم األ َْن َع ُ‬
‫ظ ْم ُح ُرَمات َّ‬ ‫يق * ذل َك َو َمن ُي َع ّ‬ ‫ُ َ ُْ َ َ‬
‫ور‬‫الز ِ‬ ‫ِ‬
‫اجتَنُبوْا َق ْو َل ُّ‬ ‫الر ْج َس ِم َن األ َْوثَ ِ‬ ‫ِ‬
‫اجتَنُبوْا ِّ‬
‫ان َو ْ‬ ‫َعَل ْي ُك ْم َف ْ‬

‫مجردين عن صفات النفوس {وعلى كل} نفس‬ ‫{وأ ّذن في الناس} بالدعوة إلى مقام القلب وزيارته {يأتوك رجاال} ّ‬
‫َ‬
‫ضامرة بطول الرياضة والمجاهدة {يأتين من كل} طريق بعيد العمق في قعر الطبيعة {ليشهدوا منافع لهم} من الفوائد‬
‫العلمية والعملية المستفادة من مقام القلب {ويذكروا اسم هللا} باالتّصاف بصفاته {في أيام معلومات} من أنوار التجليات‬
‫تقرباً إلى هللا تعالى بحراب المخالفات وسكاكين‬
‫والمكاشفات {على ما رزقهم من بهيمة} أنعام النفوس المذبوحة ّ‬
‫المقوية في السلوك {وأطعموا} أي‪ :‬أفيدوا {البائس}‬
‫المجاهدات {فكلوا} استفيدوا من لحوم أخالقها وملكاتها المعينة ّ‬
‫الطالب القوي النفس‪ ،‬الذي أصابه ّ‬
‫شدة من غلبة صفاتها واستيالء هيئاتها للتهذيب والتأديب‪ ،‬والفقير الضعيف النفس‪،‬‬
‫القديم العلم‪ ،‬الذي أضعفه عدم التعليم والتربية المحتاج إليها‪.‬‬

‫كقص شارب الحرص‪ ،‬وَقلم أظفار الغضب والحقد‪ .‬وفي الجملة‪:‬‬ ‫{ثم ليقضوا} وسخ الفضول وفضالت ألواث الهيئات ّ‬
‫بقايا تلوينات النفس {وليوفوا نذورهم} بالقيام بإبراز ما قبلوه في العهد األول من المعاني والكماالت المودعة فيهم إلى‬
‫{وليطوفوا} باالنخراط في سلك‬
‫ّ‬ ‫الفعل‪ ،‬فقضاء التفث التزكية وإزالة الموانع واإليفاء بالنذور والتحلية وتحصيل المعارف‬
‫الملكوت األعلى حول عرش هللا المجيد البيت القديم‪.‬‬

‫{ذلك} أي‪ :‬األمر ذلك {ومن يعظم حرمات هللا} وهي ماال يحل هتكه وتطهيره والقربان بالنفس وجميع ما ذكر من‬
‫التجليات‪ ،‬واالتصاف بالصفات‪ ،‬والترقي في‬
‫ّ‬ ‫التعرض لألنوار في‬
‫المناسك كالتحلي بالفضائل‪ ،‬واجتناب الرذائل‪ ،‬و ّ‬
‫المقامات {فهو خير له} في حضرة رّبه ومقعد قربه {وأحّلت لكم} أنعام النفوس السليمة باالنتفاع بأخالقها وأعمالها في‬
‫الطريقة والتمتع بالحقوق دون الحظوظ {إال ما ُي ْتلى عليكم} في صورة المائدة من الرذائل المشتبهة بالفضائل وهي‬
‫محرمة في سبيل هللا‬
‫التي صدرت من النفس ال على وجهها وال على ما ينبغي من أمرها بالرذائل المحضة‪ ،‬فإنها ّ‬
‫على السالكين {فاجتنبوا الرجس من} أوثان الشهوات المتعبدة؛ واألهواء المتبعة‪ ،‬كقوله تعالى‪{ :‬أََف َأرَْي َت َم ِن اتَّ َخ َذ ِإَلـ َٰه ُه‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َه َواهُ}[الجاثية‪ ،‬اآلية‪{ .]23 :‬واجتنبوا قول الزور} من العلوم المزخرفة والشبهات المموهة من التخيالت والموهومات‪،‬‬
‫المستعملة في الجدل والخالف والمغالطة‪.‬‬

‫سورة الحج (من اآلية ‪ 31‬الى اآلية ‪)33‬‬

‫ان َس ِح ٍ‬
‫يق‬ ‫يح ِفي َم َك ٍ‬ ‫الر ُ‬‫الط ْي ُر أَ ْو تَ ْه ِوي ِب ِه ِّ‬‫طُفه َّ‬ ‫اَّللِ َف َكأََّنما خَّر ِمن َّ ِ‬
‫الس َمآء َفتَ ْخ َ ُ‬ ‫ين ِب ِه َو َمن ُي ْش ِر ْك ِب َّ‬ ‫ِ‬
‫ََّّلل َغ ْي َر ُم ْش ِرِك َ‬ ‫آء‬
‫َ َ َ‬ ‫ُحَنَف َ‬
‫َج ٍل ُّم َس ًّمى ثُ َّم َم ِحُّل َهآ ِإَل ٰى اْلَب ْي ِت اْل َعِت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ظم َشع ِائر َّ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫* ٰذلِ َك‬
‫يق‬ ‫يها َمَناف ُع ِإَل ٰى أ َ‬
‫َّللا َفإَّن َها من تَْق َوى اْلُقُلوب * َل ُك ْم ف َ‬ ‫َو َمن ُي َع ّ ْ َ َ‬

‫{حنفاء هلل} مائلين عن الطرق الفاسدة‪ ،‬والعلوم الباطلة‪ ،‬معرضين عن كل ما يغيره من الكماالت واألعمال‪ ،‬ولو‬
‫لنفس ا لكمال والتزين به فإنه حجاب {غير مشركين به} بالنظر إلى ما سواه وااللتفات في طريقه إلى ما عداه‪{ .‬ومن‬

‫ُي ْش ِرك باهلل} بالوقوف مع شيء والميل إليه {فكأنما ّ‬


‫خر من} سماء الروح {فتخطفه} طير الدواعي النفسانية واألهواء‬
‫الشيطانية فتمزقه قطعاً جذاذاً {أو تهوي به} ريح هوى النفي في {مكان} بعيد من الحق ومهلكة عمياء متلفة {ومن‬
‫فإن تعظيمها‬
‫المستعدة المسوقة نسائق التوفيق في سبيل هللا ليهدي بها لوجه هللا‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ظم شعائر هللا} من النفوس‬
‫يع ّ‬
‫المجردة عن الصفات النفسانية والهيئات الظلمانية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بتحصيل كمالها من أفعال ذي القلوب المتقية‬

‫{لكم فيها منافع} من األعمال واألخالق والكماالت العلمية والعملية {إلى أجل مسمى} هو الفناء في هللا بالحقيقة {ثم‬
‫السر‪ ،‬وترقي النفس‬
‫حد سوقها وموضع وجوب نحرها بالوصول إلى حرم الصدر عند كعبة القلب إلى مقام ّ‬ ‫محلها} ّ‬
‫إلى مقامه‪ ،‬فانية عن حياتها وصفاتها‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الحج (من اآلية ‪ 34‬الى اآلية ‪)37‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫احٌد َفَله أ ِ‬ ‫َّللاِ عَل ٰى ما رَزَقهم ِمن ب ِهيم ِة األ َْنعا ِم َفِإَلـٰه ُكم ِإَلـٰه و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ولِ ُك ِل أ َّ ٍ‬
‫َسل ُموْا َوَب ّش ِر اْل ُم ْخِبت َ‬
‫ين‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُ ْ ٌَ‬ ‫َ‬ ‫اس َم َّ َ َ َ ُ ْ ّ َ َ‬ ‫نسكاً ّلَي ْذ ُك ُروْا ْ‬
‫ُمة َج َعْلَنا َم َ‬ ‫َ ّ‬
‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ٰ‬ ‫الصِب ِرين عَلى مآ أَصابهم واْلمِق ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ين ِإ َذا ُذ ِكر َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الصَلوِة َو ِم َّما َرَزْقَن ُه ْم ُينفُقو َن * َواْلُب ْد َن َج َعْلَن َ‬
‫اها‬ ‫يمي َّ‬ ‫وب ُه ْم َو َّ َ َ ٰ َ َ َ ُ ْ َ ُ‬ ‫َّللاُ َوجَل ْت ُقُل ُ‬ ‫َ‬ ‫* الذ َ‬
‫ط ِع ُموْا اْلَق ِان َع َواْل ُم ْعتََّر‬
‫وب َها َف ُكُلوْا ِم ْن َها َوأَ ْ‬ ‫َّللاِ َل ُكم ِفيها خير َفا ْذ ُكروْا اسم َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آف َفِإ َذا َو َجَب ْت ُجُن ُ‬‫ص َو َّ‬
‫َّللا َعَل ْي َها َ‬ ‫ُ َْ‬ ‫َل ُك ْم ّمن َش َعائ ِر َّ ْ َ َ ْ ٌ‬
‫نك ْم َك ٰذلِ َك َس َّخ َرَها َل ُك ْم لِتُ َكِّب ُروْا‬
‫آؤ َها َوَلـ ِٰكن َيَناُل ُه التَّْقَو ٰى ِم ُ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِٰ‬
‫وم َها َوالَ د َم ُ‬
‫َّللاَ ُل ُح ُ‬
‫ال َّ‬ ‫َكذل َك َس َّخ ْرَن َ‬
‫اها َل ُك ْم َل َعل ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن * َلن َيَن َ‬
‫ِِ‬ ‫َّللا عَلى ما هد ُ ِ‬
‫اك ْم َوَب ّش ِر اْل ُم ْحسن َ‬
‫ين‬ ‫َّ َ َ ٰ َ َ َ‬

‫أمة} من القوى {جعلنا} عبادة مخصوصة بها {ليذكروا اسم هللا} باالتصاف بصفاته التي هي مظاهرها في‬‫{ولكل ّ‬
‫التوجه إلى التوحيد {على ما رزقهم من} الكمال بواسطة {بهيمة} النفس التي هي من جملة {األنعام} أي‪ :‬النفوس‬
‫وخصصوه باالنقياد والطاعة وال تنقادوا إال‬
‫السليمة {فإلهكم إله واحد} فوحدوه بالتوجه نحوه من غير التفات إلى غيره‪ّ ،‬‬
‫{وبشر} المنكسرين المتذللين القابلين لفيضه‪.‬‬
‫له ّ‬

‫{وجلت قلوبهم} انفعلت لقبول فيضه {والصابرين} الثابتين {على ما أصابهم} من‬
‫ْ‬ ‫{الذين إذا ُذ ِك َر هللا} بالحضور‬
‫المخالفات والمجاهدات {والمقيمي} صالة المشاهدة {ومما رزقناهم} من الفضائل والكماالت {ينفقون} بالفناء في هللا‬
‫واإلفاضة على المستعدين‪.‬‬

‫{والبدن} أي‪ :‬النفوس الشريفة العظيمة القدر {جعلناها} من الهدايا المعلمة هلل {لكم فيها خير} سعادة وكمال {فاذكروا‬
‫اسم هللا عليها} باالتّصاف بصفاته وإفناء صفاتكم فيه‪ ،‬وذلك هو النحر في سبيل هللا {صواف} قائمات بما فرض هللا‬
‫عليها‪ ،‬مقيدات بقيود الشريعة‪ ،‬وآداب الطريقة‪ ،‬واقفات عن حركاتها واضطراباتها {فإذا} سقطت عن هواها الذي هو‬
‫المستعدين والطالبين‬
‫ّ‬ ‫وقوتها التي بها تستقل وتضطرب بقتلها في هللا {فكلوا} استفيدوا من فضائلها وأفيدوا‬
‫حياتها ّ‬
‫سخرناها لكم} بالرياضة {لعلكم تَ ْشكرون} نعمة االستعداد والتوفيق باستعمالها‬‫المتعرضين للطلب من المريدين {كذلك ّ‬
‫ّ‬
‫في سبيل هللا‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫التجرد {منكم} عنها وعن‬
‫ّ‬ ‫{لن ينال هللا} لحوم فضائلها وكماالتها وال إفناؤها بإزالة أهوائها التي هي دماؤها {ولكن يناله}‬
‫التجرد والفناء في هللا‪ ،‬ال حصول الفضائل مكان الرذائل‪ .‬مثل ذلك التسخير‬ ‫ّ‬ ‫صفاتها‪ .‬فإن سبب الوصول هو‬
‫لتكبروا هللا} بالفناء فيه عنها وعن كل شيء على النحو الذي هداكم إليه بالتجريد والتفريد‬
‫{سخرها لكم ّ‬
‫بالرياضة ّ‬
‫الم ْحسنين} الشاهدين في العبودية عن البقاء والفناء حال االستقامة والتمكين‪.‬‬ ‫والسلوك في الطريقة إلى الحقيقة ِّ‬
‫{وبشر ُ‬

‫سورة الحج (من اآلية ‪ 38‬الى اآلية ‪)41‬‬

‫ص ِرِه ْم‬ ‫ظلِ ُموْا َوإِ َّن َّ‬


‫ين ُيَق َاتُلو َن ِبأََّن ُه ْم ُ‬ ‫ِ َِّ ِ‬ ‫ان َكُف ٍ‬ ‫َّللاَ الَ ُي ِح ُّب ُك َّل َخَّو ٍ‬
‫آمُنوْا ِإ َّن َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِإ َّن َّ ِ‬
‫َّللاَ َعَل ٰى َن ْ‬ ‫ور * أُذ َن للذ َ‬ ‫ين َ‬‫َّللاَ ُي َداف ُع َع ِن الذ َ‬
‫ض َّلهِّدم ْت صو ِ‬
‫ام ُع‬ ‫ض ُهم ِبَب ْع ٍ‬
‫اس َب ْع َ ْ‬ ‫َّللاِ َّ‬
‫الن َ‬ ‫ُخ ِر ُجوْا ِمن ِدَي ِارِهم ِب َغ ْي ِر َح ٍّق ِإالَّ أَن َيُقوُلوْا َربَُّنا َّ‬
‫َّللاُ َوَل ْوالَ َد ْف ُع َّ‬ ‫ين أ ْ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َلَقد ٌير * الذ َ‬
‫ُ َ ََ‬
‫اه ْم ِفي‬
‫ين ِإ ْن َّم َّكَّن ُ‬
‫َّ ِ‬ ‫نص ُرهُ ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َلَق ِو ٌّي َع ِز ٌيز * الذ َ‬ ‫َّللاِ َكِثي اًر وَلَينص َرَّن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ َمن َي ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ‬ ‫اسم َّ‬
‫ُ‬ ‫يها‬
‫ات َو َم َساج ُد ُي ْذ َك ُر ف َ‬
‫صَل َو ٌ‬‫َوبَِي ٌع َو َ‬
‫َع ِن اْل ُم ْن َك ِر َوََِّّللِ َع ِاقَب ُة األ ُُم ِ‬ ‫ِ‬
‫َم ُروْا ِباْل َم ْع ُروف َوَن َه ْوْا‬ ‫الصالَ َة وآتَوْا َّ‬ ‫ِ‬
‫ور‬ ‫َوأ َ‬ ‫ـاة‬
‫الزَك َ‬ ‫َ ُ‬ ‫اموْا َّ‬‫األ َْرض أََق ُ‬

‫خوان} من‬
‫يحب كل ّ‬ ‫{إن هللا يدافع} ظلمة القوى النفسانية بالتوفيق {عن الذين آمنوا} من القوى الروحانية ّ‬
‫{إن هللا ال ّ‬
‫القوى التي لم ّ‬
‫تؤد أمانة هللا من كمالها المودع فيها بالطاعة فيها وخانت القلب بالغدر وعدم الوفاء بالعهد {كفور}‬
‫باستعمال نعمة هللا في معصيته‪.‬‬

‫ِ‬
‫{أذ َن للذين يقاتلون} الوهم والخيال وغيرها من القوى الروحانية المجاهدين مع القوى النفسانية {بـ} سبب {أنهم ظلموا}‬
‫مقارهم ومناصبهم باستخدامها‬
‫باستيالء صفات النفس واستعالئها {الذين} أي‪ :‬المظلومين الذين {أخرجوا} من ّ‬
‫واستعبادها في طلب الشهوات والل ّذات البدنية {بغير حق} لهم عليهم موجب لذلك إال للتوحيد الموجب للتعظيم‬
‫والتمكين والتوجه إلى الحق واإلعراض عن الباطل‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{ولوال دفع هللا} ناس القوى النفسانية {بعضهم ببعض} كدفع الشهوانية بالغضبية وبالعكس‪ ،‬أو ناس القوى مطلقاً كدفع‬
‫السر وخلواتهم‬
‫النفسانية بالروحانية ودفع الوهمية بالعقلية والنفسانية بعضها ببعض كما ذكر {لهدمت صوامع} رهبان ّ‬
‫{وبيع} نصارى القلب ومحال تجلياتهم {وصلوات} يهود الصدور ومتعبداتهم {ومساجد} مؤمني الروح ومقامات‬
‫مشاهداتهم وفنائهم في هللا {يذكر فيها اسم هللا} األعظم بالتخلق بأخالقه واالتّصاف بصفاته والتحقق بأس ارره والفناء‬
‫في ذاته {ولينصرّن هللا} يقهر بنوره من بارزه بوجوده وظهوره {عزيز} يغلب من ماثله باستعالئه وجبروته‪.‬‬

‫{الذين إن م ّكناهم في األرض} باالستقامة بالوجود الحقاني {أقاموا} صالة المراقبة والمشاهدة {وآتوا} زكاة العلوم‬
‫الحقيقية والمعارف اليقينية من نصاب المكاشفة مستحقيها من الطلبة {وأمروا} القوى النفسانية والنفوس الناقصة‬
‫{بالمعروف} من األعمال الشرعية واألخالق المرضية في مقام المشاهدة‪ ،‬ونهوهم {عن المنكر} من الشهوات البدنية‬
‫الحسية والرذائل المردية والمعاملة {وهلل عاقبة األمور} بالرجوع إليه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫واللذات‬

‫سورة الحج (من اآلية ‪ 42‬الى اآلية ‪)53‬‬

‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫وس ٰى‬ ‫اب َم ْدَي َن َوُك ّذ َب ُم َ‬ ‫َص َح ُ‬ ‫يم َوَق ْوُم ُلوط * َوأ ْ‬ ‫ود * َوَق ْوُم إ ْب َراه َ‬ ‫وك َفَق ْد َك َّذَب ْت َقْبَل ُه ْم َق ْوُم ُنو ٍح َو َعاٌد َوثَ ُم ُ‬ ‫َوإِن ُي َك ّذُب َ‬
‫ظالِم ٌة َف ِهي َخ ِاوَي ٌة َعَل ٰى ُع ُر ِ‬ ‫َهَل ْكَن َ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ان َن ِك ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وش َها َوبِ ْئ ٍر‬
‫َ‬ ‫اها َوه َي َ َ‬ ‫ير * َف َكأَِّين ّمن َق ْرَية أ ْ‬ ‫ف َك َ‬ ‫َخ ْذتُ ُه ْم َف َك ْي َ‬
‫ين ثُ َّم أ َ‬‫أمَل ْي ُت لْل َكاف ِر َ‬‫َف ْ‬
‫ان َي ْس َم ُعو َن ِب َها َفِإَّن َها الَ تَ ْع َمى‬ ‫ِ‬ ‫ص ٍر َّم ِش ٍيد * أََفَلم َي ِس ُيروْا ِفي األ َْر ِ‬ ‫َّ ٍ‬
‫وب َي ْعقُلو َن ِب َهآ أ َْو آ َذ ٌ‬ ‫ض َفتَ ُكو َن َل ُه ْم ُقُل ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ُّم َعطَلة َوَق ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون َك ِباْلع َذ ِ‬ ‫وب َّالِتي ِفي ُّ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ َو ْع َدهُ َوِإ َّن َي ْوماً ع َند َرّب َ‬
‫ِك‬ ‫ف َّ‬ ‫اب َوَلن ُي ْخل َ‬ ‫َ‬ ‫ور * َوَي ْستَ ْع ِجُل َ‬ ‫الص ُد ِ‬ ‫ص ُار َوَلـٰكن تَ ْع َم ٰى اْلُقُل ُ‬ ‫األ َْب َ‬
‫اس ِإَّن َمآ أََن ْا‬ ‫ُّها َّ‬
‫الن ُ‬
‫ِ‬
‫َخ ْذتُ َها َوإَِل َّي اْل َمص ُير * ُق ْل ٰيأَي َ‬ ‫ف َسَن ٍة ِّم َّما تَ ُعُّدو َن * َوَكأَِّين ِّمن َق ْرَي ٍة أ َْمَل ْي ُت َل َها َوِه َي َ‬
‫ظالِ َم ٌة ثَُّم أ َ‬ ‫َكأَْل ِ‬

‫ين أ ُْوَلـِٰئ َك‬ ‫ين سعوْا ِفي آي ِاتَنا مع ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َل ُكم ن ِذير ُّمِبين * َف َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ‬
‫اج ِز َ‬ ‫َ َُ‬ ‫يم * َوالذ َ َ َ ْ‬ ‫الصال َحات َل ُه ْم َّم ْغف َرةٌ َوِرْز ٌق َك ِر ٌ‬ ‫َ َُ َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ َ ٌ‬
‫َّللاُ َما ُيْلِقي‬ ‫نس ُخ َّ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ط ِ‬ ‫ول والَ َنِب ٍي ِإالَّ ِإ َذا تَمَّن ٰى أَْلَقى َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ان في أ ُْمنَّيته َفَي َ‬ ‫الش ْي َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫اب اْل َجحي ِم * َو َمآ أ َْرَسْلَنا من َقْبل َك من َّرُس َ‬ ‫َص َح ُ‬ ‫أْ‬
‫ِ ِ‬ ‫طان ِف ْتَن ًة ّلَِّل ِذ ِ‬ ‫َّللا َعلِيم َح ِكيم * ّلَِي ْج َعل ما ُيْلِقي َّ‬ ‫طان ثُ َّم يح ِكم َّ ِ ِ‬
‫وب ُه ْم‬
‫ض َواْلَقاسَية ُقُل ُ‬ ‫ين في ُقُلوب ِِهم َّم َر ٌ‬ ‫َ‬ ‫الش ْي َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َّللاُ َآياته َو َّ ُ ٌ‬ ‫الش ْي َ ُ ُ ْ ُ‬
‫َّ‬
‫اق َب ِع ٍيد‬‫ين َلِفي ِشَق ٍ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫َوإِ َّن الظالم َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الفرق بين النبي والرسول‪ ،‬أن النبي هو الواصل بالفناء في مقام الوالية‪ ،‬الراجع بالوجود الموهوب إلى مقام االستقامة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للدعوة إليه على شريعة المرسل‬ ‫ا‬
‫ً ّ‬ ‫مبعوث‬ ‫ه‪،‬‬
‫ر‬ ‫م‬‫بأ‬ ‫أحكامه‬ ‫و‬ ‫أفعاله‬
‫و‬ ‫وصفاته‬ ‫ذاته‬ ‫وعن‬ ‫عنه‬ ‫ا‬
‫ً‬ ‫متنبئ‬ ‫به‪،‬‬ ‫ا‬
‫ً‬ ‫ف‬
‫ر‬ ‫عا‬ ‫متحققاً بالحق‪،‬‬
‫مبش اًر للناس كأنبياء بني إسرائيل إذ‬
‫مشرع لشريعة وال واضع لحكم ومّلة‪ ،‬مظه اًر للمعجزات‪ ،‬منذ اًر أو ّ‬
‫تقدمه غير ّ‬
‫الذي ّ‬
‫كلهم كانوا داعين إلى دين موسى عليه السالم غير واضعين لمّلة وشريعة‪ ،‬ومن كان ذا كتاب كداود عليه السالم كان‬
‫كتابه حاوياً للمعارف والحقائق والمواعظ والنصائح دون األحكام والشرائع‪ .‬ولهذا قال عليه السالم‪" :‬علماء أمتي كأنبياء‬
‫بني إسرائيل"‪ ،‬وهم األولياء العارفون‪ ،‬المتمكنون‪ .‬والرسول هو الذي يكون له مع ذلك كله وضع شريعة وتقنين‪ ،‬فالنبي‬
‫ّ‬
‫متوسط بين الولي والرسول‪.‬‬
‫ّ‬

‫{ إذا تمنى} ظهرت نفسه بالتمني في مقام التلوين {ألقى الشيطان في} وعاء {أمنيته} ما يناسبها ألن ظهور النفس‬
‫يحدث ظلمة وسواداً في القلب يحتجب بها الشيطان ويتخذها محل وسوسته وقالب إلقائه بالتناسب {فينسخ هللا ما يلقي‬
‫الشيطان} بإشراق نور الروح على القلب بالتأييد القدسي وإزالة ظلمة ظهور النفس وقمعها ليظهر فساد ما يلقيه ويتميز‬
‫ّ‬
‫ويستقر الملكي {ثم يحكم هللا آياته} بالتمكين {وهللا عليم} يعلم اإللقاءات الشيطانية‬
‫ّ‬ ‫منه اإللقاء الملكي فيضمحل‬
‫وطريق نسخها من بين وحيه {حكيم} يحكم آياته بحكمته‪ ،‬ومن مقتضيات حكمته أنه يجعل اإللقاء الشيطاني فتنة‬
‫شكهم وحجابهم به‪ ،‬فإنهم بمناسبة‬
‫للشاكين المنافقين المحجوبين القاسية قلوبهم عن قبول الحق وابتالءهم الزدياد ّ‬
‫{ه ْل أَُنِّبُئ ُك ْم َعَل ٰى َمن تََنَّزُل‬
‫المسودة القاسية ال يقبلون إال ما يلقي الشيطان‪ ،‬كما قال تعالى‪َ :‬‬
‫ّ‬ ‫نفوسهم الظلمانية وقلوبهم‬
‫اك أَِثيمٍ}[الشعراء‪ ،‬اآليات‪ .]222 - 221:‬وإنهم لفي خالف بعيد عن الحق فكيف يقبلونه‪.‬‬ ‫َّ ِ‬
‫اطين تََنَّزل عَلى ُك ِل أََّف ٍ‬
‫الشَي ُ ُ َ ٰ ّ‬

‫سورة الحج (من اآلية ‪ 54‬الى اآلية ‪)60‬‬

‫اط ُّم ْستَِقي ٍم *‬ ‫صر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫آمُنوْا ِإَل ٰى َ‬ ‫ين َ‬ ‫َّللاَ َل َهاد الذ َ‬ ‫ِك َفُي ْؤ ِمُنوْا ِبه َفتُ ْخِب َت َل ُه ُقُل ُ‬
‫وب ُه ْم َوِإ َّن‬ ‫َولَِي ْعَل َم الذ َ‬
‫ين أُوتُوْا اْلعْل َم أََّن ُه اْل َح ُّق من َّرّب َ‬
‫َي ْو ٍم َعِقي ٍم * اْل ُمْل ُك َي ْو َمِئ ٍذ ََّّللِ َي ْح ُك ُم َب ْيَن ُه ْم‬ ‫اب‬ ‫ِ‬
‫اع ُة َب ْغتَ ًة أ َْو َيأْتَي ُه ْم َع َذ ُ‬ ‫ين َكَف ُروْا ِفي ِم ْرَي ٍة ِّم ْن ُه َحتَّ ٰى تَأِْتَي ُه ُم َّ‬
‫الس َ‬
‫والَ يز َّ ِ‬
‫ال الذ َ‬ ‫َ ََ ُ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ات ِفي جَّن ِ‬
‫ات َّ ِ‬ ‫الصالِح ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين‬ ‫اب ُّم ِه ٌ‬
‫ين * َوالذ َ‬ ‫ين َكَف ُروْا َوَكذُبوْا ِبآيٰتَنا َفأ ُْوَلـٰئ َك َل ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫النعي ِم * َوالذ َ‬ ‫َ‬ ‫آمُنوْا َو َعمُلوْا َّ َ‬
‫ين َ‬
‫َفالذ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ض ْوَن ُه‬ ‫ِ‬
‫الر ِازِقي َن * َلُي ْدخَلَّن ُه ْم ُّم ْد َخالً َي ْر َ‬ ‫َّللاَ َل ُه َو َخ ْي ُر َّ‬ ‫َّللاِ ثُ َّم ُقِتُلوْا أَ ْو َماتُوْا َلَي ْرُزَقَّن ُه ُم َّ‬
‫َّللاُ ِرْزقاً َح َسناً َوإِ َّن َّ‬ ‫يل َّ‬ ‫َهاجروْا ِفي سِب ِ‬
‫َ‬ ‫َُ‬
‫َّللاُ ِإ َّن َّ‬
‫نص َرَّن ُه َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫َّللا َلعلِ ِ‬
‫ور‬‫َّللاَ َل َعُفٌّو َغُف ٌ‬ ‫يم * ذل َك َو َم ْن َعا َق َب بم ْثل َما ُعوق َب به ثُ َّم ُبغ َي َعَل ْيه َلَي ُ‬ ‫َوِإ َّن َّ َ َ ٌ‬
‫يم َحل ٌ‬

‫{وليعلم الذين أوتوا العلم} من أهل اليقين والمحققين‪ :‬أن تم ّكن الشيطان من اإللقاء هو الحكمة والحق من رّبك على‬
‫قضية العدل والمناسبة {فيؤمنوا به} بأن يروا الكل من هللا فتطمئن {له قلوبهم} بنور السكينة واالستقامة الموجبة لتمييز‬
‫تزل أقدامهم بقبول ما يلقي‬
‫اإللقاء الشيطاني من الرحماني {وإن هللا} لهاديهم إلى طريق الحق واالستقامة فال ّ‬
‫وشدة نوريتها وضيائها‪.‬‬
‫الشيطان‪ ،‬وال تقبل قلوبهم إال ما يلقي الرحمن لصفائها ّ‬

‫{وال يزال} المحجوبون {في شك منه حتى} تقوم عليهم القيامة الصغرى {لو يأتيهم عذاب} وقت هائل ال يعلم كنهه وال‬
‫الشدة أو ال خير فيه‪.‬‬
‫الشدة أو وقت ال مثل له في ّ‬
‫يمكن وصفه من ّ‬

‫{الملك يومئذ} إذ وقع العذاب وقامت القيامة {هلل} ال يمنعهم منه أحد إذا ال قوة وال قدرة وال حكم لغيره يفصل {بينهم}‬
‫فالموقنون العاملون باالستقامة والعدالة {في جنات} الصفات يتنعمون والمحجوبون عن الذات والمكذبون بالصفات‬
‫ذل‬
‫عزة هللا وكبريائه وصيرورتهم في ّ‬
‫بنسبتها إلى الغير في عذاب مهين من صفات النفوس والهيئات الحتجابهم عن ّ‬
‫قهره‪.‬‬

‫{والذين هاجروا} عن مواطن النفوس ومقارها السفلية {في سبيل هللا ثم قتلوا} بسيف الرياضة والشوق {أو ماتوا} باإلرادة‬
‫التجليات {رزقاً حسناً} وليدخلنهم مقام الرضا {وإن هللا لعليم}‬
‫ّ‬ ‫والذوق {ليرزقنهم هللا} من علوم المكاشفات وفوائد‬
‫بدرجات استعداداتهم واستحقاقاتهم وما يجب أن يفيض عليهم من كماالتهم {حليم} ال يعاجلهم بالعقوبة في فرطاتهم‬
‫في التلوينات وتفريطاتهم في المجاهدات فيمنعهم مما تقتضيه أحوالهم ليمكنهم قبولهم ذلك‪ .‬من راعى طريق العدالة‬
‫في المكافأة بالعقوبة ثم مال إلى االنظالم ال إلى الظلم‪ ،‬لوجب في حكمة هللا تأييده باألمداد الملكوتية ونصرته باألنوار‬
‫الجبروتية‪ ،‬فإن االحتياط في باب العدالة هو الميل إلى االنظالم ال إلى الظلم‪ .‬قال النبي عليه السالم‪" :‬كن عبداً هلل‬
‫لعفو} يأمر بالعفو وترك المعاقبة {غفور} يغفر لمن ال يقدر على العفو‪.‬‬ ‫المظلوم وال تكن عبداً هلل الظالم"‪َّ .‬‬
‫{إن هللا ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الحج (من اآلية ‪ 61‬الى اآلية ‪)78‬‬

‫َن َما‬‫َّللاَ ُهَو اْل َح ُّق َوأ َّ‬


‫َن َّ‬‫ص ٌير * ٰذلِ َك ِبأ َّ‬ ‫َّللا س ِميع ب ِ‬
‫َن َّ َ َ ٌ َ‬
‫النهار ِفي َّ‬
‫اللْي ِل َوأ َّ‬ ‫الن َه ِار َوُيولِ ُج َّ َ َ‬ ‫اللْي َل ِفي َّ‬
‫َّللا يولِج َّ‬
‫َن َّ َ ُ ُ‬ ‫ٰذلِ َك ِبأ َّ‬
‫َنزل ِمن َّ ِ‬ ‫َّللاَ ُه َو اْل َعلِ ُّي اْل َكِب ُير * أََل ْم تَ َر أ َّ‬ ‫يدعون ِمن دوِن ِه هو اْلب ِ‬
‫ضَّرةً‬ ‫ض ُم ْخ َ‬ ‫صِب ُح األ َْر ُ‬ ‫آء َفتُ ْ‬
‫الس َمآء َم ً‬ ‫َّللاَ أ َ َ َ‬ ‫َن َّ‬ ‫اط ُل َوأ َّ‬
‫َن َّ‬ ‫َُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫َّللاَ َس َّخ َر َل ُكم َّما‬ ‫َّللاَ َل ُه َو اْل َغِن ُّي اْل َح ِم ُيد * أََل ْم تََر أ َّ‬
‫ض َوإِ َّن َّ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت وما ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّللا َل ِط ٌ ِ‬ ‫ِ‬
‫َن َّ‬ ‫يف َخب ٌير * ل ُه َما في َّ َ َ َ َ‬ ‫إ َّن َّ َ‬
‫يم *‬ ‫ِ‬
‫وف َّرح ٌ‬‫اس َل َرُء ٌ‬ ‫الن ِ‬ ‫ض ِإالَّ ِبِإ ْذِن ِه ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ ِب َّ‬ ‫السمآء أَن تََق َع َعَلى األ َْر ِ‬ ‫ِ ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫في األ َْرض َواْلُفْل َك تَ ْجرِي في اْلَب ْحر بأ َْمره َوُي ْمس ُك َّ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإل ْنسان َل َكُفور * ّلِ ُك ِل أ َُّم ٍة جعْلنا منسكاً هم ن ِ‬
‫اس ُكوهُ َفالَ ُيَن ِازُعَّن َك ِفي األ َْم ِر‬ ‫اك ْم ثُ َّم ُي ِميتُ ُك ْم ثُ َّم ُي ْحِي ُ‬ ‫َّ ِ‬
‫َ َ َ َ َ ُْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫يك ْم ِإ َّن ِ َ َ‬ ‫َحَي ُ‬
‫َو ُه َو الذي أ ْ‬
‫َّللا يح ُكم بين ُكم يوم اْلِقي ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وك َفُق ِل َّ‬ ‫ِك ِإَّن َك َل َعَل ٰى ُه ًدى ُّم ْستَِقي ٍم *‬
‫يما‬ ‫َّللاُ أ َْعَل ُم ب َما تَ ْع َمُلو َن * َّ ُ َ ْ ُ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ‬
‫امة ف َ‬ ‫َوإِن َج َادُل َ‬ ‫َو ْادعُ ِإَل ٰى َرّب َ‬
‫َّللاِ َي ِس ٌير *‬
‫اب ِإ َّن ٰذلِ َك َعَلى َّ‬
‫ض ِإ َّن ٰذلِ َك ِفي ِكتَ ٍ‬
‫السم ِآء واأل َْر ِ‬
‫َما في َّ َ َ‬
‫ِ‬ ‫َّللاَ َي ْعَل ُم‬ ‫ُكنتم ِف ِ‬
‫يه تَ ْخَتلُِفو َن * أََل ْم تَ ْعَل ْم أ َّ‬
‫َن َّ‬ ‫ُْ‬
‫ير * َوإِ َذا تُْتَل ٰى َعَل ْي ِه ْم َآياتَُنا‬
‫صٍ‬ ‫لظالِ ِمين ِمن َّن ِ‬ ‫طاناً وما َليس َلهم ِب ِه ِعْلم وما لِ َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ويعبدون ِمن دو ِن َّ ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ ََ‬ ‫َّللا َما َل ْم ُيَنِّز ْل به ُسْل َ َ َ ْ َ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ ُُ َ‬
‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ين َي ْتُلو َن َعَل ْي ِه ْم َٰآيتَنا ُق ْل أََفأَُنِّبُئ ُكم ِب َشٍّر ّمن ذل ُكم َّ‬
‫الن ُار‬ ‫ُ‬ ‫طو َن ِبالذ َ‬ ‫ف في ُو ُجوِه الذ َ‬
‫ين َكَف ُروْا اْل ُم ْن َك َر َي َك ُادو َن َي ْس ُ‬ ‫َبِّيَنات تَ ْع ِر ُ‬
‫َّللاِ َلن َي ْخُلُقوْا‬ ‫ين تَ ْد ُعو َن ِمن ُدو ِن َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫الناس ض ِرب مَثل َف ِ‬
‫استَم ُعوْا َل ُه ِإ َّن الذ َ‬
‫ُّها َّ ُ ُ َ َ ٌ ْ‬
‫ِ‬
‫ين َكَف ُروْا َوبِ ْئ َس اْل َمص ُير * ٰيأَي َ‬
‫وعدها َّ َّ ِ‬
‫َّللاُ الذ َ‬ ‫َ ََ َ‬
‫َّللاَ َح َّق َق ْد ِِره ِإ َّن‬ ‫الذباب َشيئاً الَّ يستَ ِنق ُذوه ِم ْنه ضعف َّ‬
‫الطالِ ُب َواْل َم ْ‬ ‫ُّ‬
‫وب * َما َق َد ُروْا َّ‬
‫طُل ُ‬ ‫ُ ُ َ ُ َ‬ ‫َْ‬ ‫اجتَ َم ُعوْا َل ُه َوإِن َي ْسُل ْب ُه ُم َ ُ ْ‬‫ُذَباباً َوَل ِو ْ‬
‫أ َْي ِدي ِه ْم َو َما َخْلَف ُه ْم‬ ‫ص ٌير * َي ْعَل ُم َما َب ْي َن‬ ‫َّللا س ِميع ب ِ‬
‫اس ِإ َّن َّ َ َ ٌ َ‬ ‫الن ِ‬‫طِفي ِم َن اْل َمالَِئ َك ِة ُرُسالً َو ِم َن َّ‬‫صَ‬ ‫َّللاَ َلَق ِو ٌّي َع ِز ٌيز * َّ‬
‫َّللاُ َي ْ‬ ‫َّ‬
‫َّللاِ‬
‫اه ُدوا ِفي َّ‬ ‫* وج ِ‬ ‫َّك ْم َوا ْف َعُلوْا اْل َخ ْي َر َل َعَّل ُك ْم تُْفلِ ُحو َن‬ ‫َّللاِ تُرجع األُمور * ٰيأَي َّ ِ‬
‫ََ‬ ‫اعُب ُدوْا َرب ُ‬
‫اس ُج ُدوْا َو ْ‬
‫آمُنوْا ْارَك ُعوْا َو ْ‬
‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬
‫َ‬ ‫َوإَِلى َّ ْ َ ُ ُ ُ‬
‫ين ِمن َقْب ُل َوِفي َهـٰ َذا‬ ‫ِِ‬ ‫ين ِمن حرٍج ِمَّل َة أَِب ُ ِ ِ‬ ‫اكم وما جعل عَلي ُكم ِفي ِ‬ ‫ِِ‬
‫اك ُم اْل ُم ْسلم َ‬
‫يم ُه َو َس َّم ُ‬
‫يك ْم إ ْب َراه َ‬ ‫الد ِ ْ َ َ ّ‬ ‫ّ‬ ‫اجتََب ُ ْ َ َ َ َ َ َ ْ ْ‬ ‫َح َّق ِج َهاده ُه َو ْ‬
‫اَّللِ ُهَو َم ْوالَ ُك ْم َفِن ْع َم‬ ‫الزَكـاة واعتَ ِ‬
‫ص ُموْا ِب َّ‬ ‫الصالَ َة َوآتُوْا َّ َ َ ْ‬ ‫يموْا َّ‬ ‫ونوْا ُشهدآء عَلى َّ ِ ِ‬
‫الناس َفأَق ُ‬ ‫ول َش ِهيداً َعَل ْي ُك ْم َوتَ ُك ُ َ َ َ َ‬
‫الرُس ُ‬‫لَِي ُكو َن َّ‬
‫ص ُير‬‫الن ِ‬
‫اْل َم ْوَل ٰى َوِن ْعم َّ‬
‫َ‬
‫الكرة الثانية‬
‫{ذلك} الغفران عند ظهور النفس في المعاقبة أو التأييد والنصر عند رعاية العدالة فيها مع االنظالم في ّ‬
‫{أن هللا يولج} ليل ظلمة النفس في نور نهار القلب بحركتها واستيالئها عليه‪ ،‬فينبعث إلى المعاقبة {ويولج}‬
‫{بـ} سبب ّ‬
‫لنياتهم {بصير} بأعمالهم‪،‬‬
‫أن هللا سميع} ّ‬
‫نور نهار القلب في ظلمة النفس فيعفو‪ ،‬وكل بتقديره وتصريفه قدرته {و ّ‬
‫يعاملهم على حسب أحوالهم‪.‬‬

‫حق قدره} أي‪ :‬ما عرفوه حق معرفته إذ نسبوا التأثير إلى غيره‪ ،‬وأثبتوا وجوداً لغيره‪ ،‬إذ كل عارف به ال‬
‫{ما قدروا هللا ّ‬
‫يعرف منه إال ما وجد في نفسه من صفاته ولو عرفوه حق معرفته لكانوا فانين فيه‪ ،‬شاهدين لذاته وصفاته‪ ،‬عالمين‬

‫لقوي} يقهر ما عداه ّ‬


‫بقوة قهره‬ ‫{إن هللا ّ‬
‫أن ما عداه ممكن موجود بوجوده‪ ،‬قادر بقدرته ال بنفسه‪ ،‬فكيف له وجود وتأثير ّ‬ ‫ّ‬
‫فيفنيه فال وجود وال ّقوة له {عزيز} يغلب كل شيء فال قدرة له‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{يا أيها الذين آمنوا} اإليمان اليقيني {اركعوا} بفناء الصفات {واسجدوا} بفناء الذات {واعبدوا رّبكم} في مقام االستقامة‬
‫حق عبادته إذ العبادة إنما تكون بقدر المعرفة {وافعلوا‬
‫فإن من بقي منه بقية لم يمكنه أن يعبد هللا ّ‬
‫بالوجود الموهوب‪ّ ،‬‬
‫حق جهاده} أي‪ :‬بالغوا في‬‫الخير} بالتكميل واإلرشاد {لعلكم تفلحون} بالنجاة من وجود البقية والتلوين {وجاهدوا في هللا ّ‬
‫المعبودية حتى ال تكون بأنفسكم وأنائيتكم وهو المبالغة في التحذير عن وجود التلوين ألن من نبض منه عرق األنائية‬
‫حق جهاده‪ ،‬إذ حق الجهاد فيه هو الفناء بالكلية بحيث ال عين له وال أثر‪ ،‬وذلك هو االجتهاد في‬
‫لم يجاهد في هللا ّ‬
‫ذاته‪.‬‬

‫{وهو اجتباكم} بالوجود الحقاني ال غيره‪ ،‬فال تلتفتوا إلى غيره بظهور أنائيتكم {وما جعل عليكم في} دينه {من حرج}‬
‫من كلفة ومشق ة في العبادة فإنه ما دامت النفس باقية أو يجد العابد من القلب والروح بقية ولم يستقر بنور التوحيد ولم‬
‫يستحكم مقام التفريد لم يكن في العبادة روح تام وذوق عام‪ ،‬وال يخلو من حرج وضيق وكلفة ومشقة‪ ،‬وإما إذا تمكن‬
‫في االستقامة‪ ،‬وتصفى في المحبة التامة وجد السعة والروح‪.‬‬

‫مقدماً في‬
‫أبوته‪ :‬كونه ّ‬
‫أخص مّلة {أبيكم} الحقيقي {إبراهيم} التي هي التوحيد المحض‪ .‬ومعنى ّ‬
‫{مّلة} أي‪ :‬أعني و ّ‬
‫{سماكم المسلمين} الذين أسلموا‬
‫التوحيد‪ ،‬مفيضاً على كل موحد‪ ،‬فكلهم من أوالده {هو} أي‪ :‬إبراهيم‪ ،‬أو هللا تعالى ّ‬
‫ذواتهم إلى هللا بالفناء فيه وجعلكم علماء في اإلسالم أوالً وآخ اًر وهو معنى قوله‪{ :‬من قبل وفي هذا ليكون الرسول‬
‫شهيداً عليكم} بالتوحيد‪ ،‬رقيباً يحفظكم في مقامه بالتأييد حتى ال تظهر منكم بقية {وتكونوا شهداء على الناس}‬
‫بتكميلهم‪ ،‬مطلعين على مقاماتهم ومراتبهم‪ ،‬تفيضون عليهم أنوار التوحيد إن قبلوا {فأقيموا} صالة الشهود الذاتي فإنكم‬
‫المستعدين وتربية الطالبين المستبصرين‬
‫ّ‬ ‫وعز مرامكم {وآتوا الزكاة} بإفاضة الفيض على‬
‫على خطر لشرف مقامكم ّ‬
‫فإنه شكر حالكم وعبادة مقامكم {واعتصموا} في ذلك اإلرشاد {باهلل} بأن ال تروه من نفسكم وتكونوا به متخلقين‬
‫بأخالقه {هو موالكم} في مقام االستقامة بالحقيقة وناصركم في اإلرشاد بدوام اإلمداد ِ‬
‫{فن ْعم المولى وِن ْعم النصير} وهو‬
‫الموفق‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة المؤمنون (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)11‬‬

‫ـاة َف ِ‬‫الل ْغ ِو ُّمع ِرضون * و َّال ِذين هم لِ َّلزَك ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اعُلو َن‬ ‫َ َ ُْ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫ين ُه ْم َع ِن‬ ‫صالَت ِه ْم َخاش ُعو َن * َق ْد أَْفَل َح اْل ُم ْؤ ِمُنو َن * َوالذ َ‬ ‫ين ُه ْم في َ‬ ‫الذ َ‬
‫آء ٰذِل َك‬ ‫ظو َن * ِإالَّ َعَل ٰى أ َْزو ِ‬
‫ين ُه ْم لُِف ُرو ِج ِه ْم َح ِاف ُ‬ ‫َّ ِ‬
‫ِ‬
‫ين * َف َمن ْابتَ َغ ٰى َوَر َ‬ ‫َفِإَّن ُه ْم َغ ْي ُر َمُلو ِم َ‬ ‫اج ِه ْم أ َْو َما َمَل َك ْت أ َْي َم ُان ُه ْم‬ ‫َ‬ ‫* َوالذ َ‬
‫ظو َن * أُْوَلـِٰئ َك ُه ُم‬ ‫صَلَو ِات ِه ْم ُي َح ِاف ُ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َعَل ٰى َ‬ ‫ين ُه ْم‬ ‫ين ُه ْم أل ََم َانات ِه ْم َو َع ْهده ْم َر ُ‬
‫اعو َن * َوالذ َ‬ ‫َفأ ُْوَلـٰئ َك ُه ُم اْل َع ُادو َن * َوالذ َ‬
‫يها َخالِ ُدو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َي ِرثُو َن اْلف ْرَد ْو َس ُه ْم ف َ‬
‫اْل َو ِارثُو َن * الذ َ‬

‫{قد أفلح} دخل في الفوز األعظم الموقنون {الذين هم} في صالة حضور القلب {خاشعون} باستيالء الخشية والهيبة‬
‫عليهم لتجلي نور العظمة لهم {والذين هم عن اللغو} أي‪ :‬الفضول {معرضون} الشتغالهم بالحق {والذين هم للزكاة‬
‫بالتجرد عن صفاتهم {والذين هم لفروجهم} وأسباب ل ّذاتهم وشهواتهم {حافظون} بترك الحظوظ واالقتصار‬
‫ّ‬ ‫فاعلون}‬
‫على الحقوق {فمن ابتغى وراء ذلك} بالميل إلى الحظوظ {فأولئك هم} المرتكبون العدوان على أنفسهم {والذين هم‬
‫سرهم {وعهدهم} الذي عاهدهم هللا عليه في بدء الفطرة {راعون}‬
‫ألماناتهم} من أس ارره التي أودعهم هللا إياها في ّ‬
‫باألداء إليه واإلحياء به {والذين هم على} صالة مشاهدة أرواحهم {يحافظون}{أولئك} الموصوفون بهذه الصفات {هم‬
‫الوارثون}{الذين يرثون} فردوس جنة الروح في حظيرة القدس‪.‬‬

‫سورة المؤمنون (من اآلية ‪ 12‬الى اآلية ‪)22‬‬

‫ين * ثُ َّم َخَلْقَنا ا ُّلن ْ‬


‫طَف َة َعَلَق ًة َف َخَلْقَنا اْل َعَلَق َة‬ ‫طَف ًة ِفي َق َر ٍار َّم ِك ٍ‬
‫ين * ثُ َّم َج َعْلَناهُ ُن ْ‬ ‫ان ِمن ُسالََل ٍة ِّمن ِط ٍ‬ ‫وَلَق ْد َخَلْقَنا ِ‬
‫اإل ْن َس َ‬ ‫َ‬
‫ين * ثُ َّم ِإَّن ُك ْم َب ْع َد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َح َس ُن اْل َخالق َ‬ ‫َّللاُ أ ْ‬
‫ك َّ‬ ‫آخ َر َفتََب َار َ‬
‫َنشأَْناهُ َخْلقاً َ‬‫ظ َام َل ْحماً ثُ َّم أ َ‬‫ظاماً َف َك َس ْوَنا اْلع َ‬
‫ض َغ َة ع َ‬‫ض َغ ًة َف َخَلْقَنا اْل ُم ْ‬
‫ُم ْ‬
‫َنزلَنا ِم َن‬ ‫ِِ‬ ‫ٰذلِك َلمِيتُون * ثُ َّم ِإَّن ُكم يوم اْلِقيام ِة تُبعثُون * وَلَق ْد خَلْقنا َفوَق ُكم سبع َ ِ‬
‫ين * َوأ َ ْ‬ ‫ط َرآئ َق َو َما ُكَّنا َع ِن اْل َخْل ِق َغافل َ‬ ‫َ َ َ ْ ْ ََْ‬ ‫ْ َْ َ َ َ ْ َ َ‬ ‫َ َّ َ‬
‫يل وأ ٍ َّ ِ‬ ‫ٍ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض وإَِّنا عَلى َذه ٍ ِ‬
‫اب ِبه َل َٰق ِد ُرو َن * َفأ َ‬ ‫السم ِآء مآء ِبَقد ٍر َفأ ٰ ِ‬
‫يها‬‫َعَناب ل ُك ْم ف َ‬ ‫َنشأَْنا َل ُك ْم ِبه َجَّنات ّمن َّنخ ٍ َ ْ‬ ‫َس َكَّن ُه في األ َْر ِ َ َ ٰ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ َ ً َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫آلكلِِي َن * َوإِ َّن َل ُك ْم ِفي األ َْن َعا ِم َل ِع ْب َرًة‬‫صب ٍغ ّلِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الد ْه ِن َو ْ‬‫ور َس ْيَنآء تَ ُنب ُت ِب ُّ‬
‫َ‬
‫ط ِ‬ ‫ْكُلو َن * َو َش َج َرًة تَ ْخ ُرُج ِمن ُ‬ ‫اك ُه َكِث َيرةٌ َو ِم ْن َها تَأ ُ‬
‫َفو ِ‬
‫َ‬
‫ْكُلو َن * َو َعَل ْي َها َو َعَلى اْلُفْل ِك تُ ْح َمُلو َن‬‫طوِن َها َوَل ُك ْم فِي َها َمَن ِاف ُع َكِث َيرةٌ َو ِم ْن َها تَأ ُ‬‫يك ْم ِّم َّما ِفي ُب ُ‬ ‫ُّن ْسِق ُ‬

‫{ثم أنشأناه خلقاً آخر} غير هذا المتقلب في أطوار الخلقة بنفخ روحنا فيه وتصويره بصورتنا‪ ،‬فهو في الحقيقة خلق‬
‫وليس بخلق {لميتون} بالطبيعة‪.‬‬

‫{ثم إنكم يوم القيامة} الصغرى {تُْب َعثون} في النشأة الثانية‪ ،‬أو ميتون باإلرادة‪ ،‬ويوم القيامة الوسطى تبعثون بالحقيقة‪،‬‬
‫أو ميتون بالفناء ويوم القيامة الكبرى تُْبعثون بالبقاء {فوقكم} أي‪ :‬فوق صوركم وأجسامكم {سبع طرائق} عن الغيوب‬
‫فإن الغيب لنا شهادة {وأنزلنا} من سماء الروح ماء العلم اليقيني‬
‫السبعة المذكورة {وما كنا} عن خلقها {غافلين} ّ‬
‫{فأسكناه} فجعلناه سكينة في النفس {و ّإنا على ذهاب به لقادرون} باالحتجاب واالستتار {فأنشأنا لكم به ّ‬
‫جنات} من‬
‫نخيل األحوال والمواهب وأعناب األخالق والمكاسب {لكم فيها فواكه كثيرة} من ثمرات لذات النفوس والقلوب واألرواح‬

‫{ومنها} تقوتون وبها تتقون {وشجرة} التف ّكر {تخرج من طور} الدماغ أو طور القلب الحقيقي ّ‬
‫بقوة العقل {تنبت} ما‬
‫الفعال {وصبغ} لون نورّي أو ذوق حالي‬ ‫تنبت من المطالب ملتبساً بدهن استعداد االشتعال بنور نار العقل ّ‬
‫ّ‬
‫إن لكم في} أنعام القوى الحيوانية {لعبرة} تعتبرون بها من الدنيا إلى‬
‫للمستبصرين المتعلمين المستطعمين للمعاني {و ّ‬
‫اآلخرة {نسقيكم مما في بطونها} من المدركات والعلوم النافعة {ولكم فيها منافع كثيرة} في السلوك {ومنها تأكلون}‬

‫تتقوتون باألخالق {وعليها وعلى} فلك الشريعة الحاملة إياكم في البحر الهيوالني {تحملون} إلى عالم القدس ّ‬
‫بقوة‬ ‫ّ‬
‫التوفيق‪.‬‬

‫سورة المؤمنون (من اآلية ‪ 23‬الى اآلية ‪)41‬‬

‫ين َكَف ُروْا ِمن َق ْو ِم ِه‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬


‫َّللاَ َما َل ُك ْم ّم ْن إَلـٰه َغ ْي ُرهُ أََفالَ تَتَُّقو َن * َفَق َ‬
‫ال اْل َمألُ الذ َ‬ ‫اعُب ُدوْا َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوَلَق ْد أ َْرَسْلَنا ُنوحاً إَل ٰى َق ْو ِمه َفَق َ‬
‫ال ٰيَق ْو ِم ْ‬
‫ين * ِإ ْن ُهَو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َما َهـٰ َذا ِإالَّ َب َشٌر ِّم ْثُل ُك ْم ُي ِر ُيد أَن َيتََف َّ‬
‫َنزَل َمالَئ َك ًة َّما َسم ْعَنا ِب َهـٰ َذا في َآبآئَنا األََّولِ َ‬
‫َّللاُ أل َ‬
‫آء َّ‬‫ض َل َعَل ْي ُك ْم َوَل ْو َش َ‬
‫َعُيِنَنا‬
‫اصَن ِع اْلُفْل َك ِبأ ْ‬ ‫انص ْ ِرني ِب َما َك َّذُبو ِن * َفأ َْو َح ْيَنآ ِإَل ْي ِه أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّصوْا ِب ِه َحتَّ ٰى ِح ٍ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫َن ْ‬ ‫ال َر ّب ُ‬
‫ين * َق َ‬ ‫إال َر ُج ٌل به جَّن ٌة َفتَ َرب ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اط ْبِني‬ ‫ووحِينا َفِإ َذا جآء أَمرنا وَفار التَُّّنور َفاسُلك ِفيها ِمن ُك ٍل زوجي ِن ا ْثني ِن وأَهَلك ِإالَّ من سبق عَلي ِه اْلَقول ِمنهم والَ تُخ ِ‬
‫َ َ َ َ َ ْ ْ ُ ُْْ َ َ‬ ‫ّ َ ْ َ ْ َْ َ ْ َ‬ ‫ُ ْ ْ َ‬ ‫َ َ ْ َُ َ َ‬ ‫ََ ْ َ‬
‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫َنت َو َمن َّم َع َك َعَلى اْلُفْلك َفُق ِل اْل َح ْم ُد ََّّلل الذي َن َّج َانا م َن اْلَق ْو ِم الظالم َ‬
‫ين‬ ‫استََوْي َت أ َ‬ ‫ِ‬ ‫ين َ ِ‬
‫ظَل ُموْا إَّن ُه ْم ُّم ْغ َرُقو َن * َفإ َذا ْ‬ ‫في الذ َ‬
‫َنشأَْنا ِمن َب ْع ِد ِه ْم َق ْرناً‬
‫ين * ثُ َّم أ َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫آليات َوإِن ُكَّنا َل ُم ْبَتل َ‬
‫ِ ِٰ‬
‫ين * ِإ َّن في ذل َك َ‬ ‫نزلِ َ‬‫َنت َخ ْي ُر اْل ُم ِ‬
‫َنزلني ُم َنزالً ُّمَب َاركاً َوأ َ‬
‫* وُقل َّر ِب أ ِ ْ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * َفأ َْرَسْلَنا في ِه ْم َرُسوالً ّم ْن ُه ْم أ ِ‬
‫ين َكَف ُروْا‬‫ال اْل َمألُ من َق ْو ِمه الذ َ‬ ‫َّللاَ َما َل ُك ْم ّم ْن إَلـٰه َغ ْي ُرهُ أََفالَ تَتَُّقو َن * َوَق َ‬
‫اعُب ُدوْا َّ‬
‫َن ْ‬ ‫آخ ِر َ‬
‫َ‬
‫ْكُلو َن ِم ْن ُه َوَي ْش َر ُب ِم َّما تَ ْش َرُبو َن *‬
‫ْك ُل ِم َّما تَأ ُ‬
‫الد ْنَيا َما َهـٰ َذا ِإالَّ َب َشٌر ِّم ْثُل ُك ْم َيأ ُ‬ ‫اآلخرِة وأ َْترْفناهم ِفي اْلحي ِ‬
‫ـاة ُّ‬ ‫وَك َّذبوْا ِبلَِق ِآء ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ ُْ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َوَلِئ ْن أَ َ‬
‫ط ْعتُ ْم َب َش اًر ّم ْثَل ُك ْم ِإَّن ُك ْم ِإذاً ل َخاس ُرو َن * أََيع ُد ُك ْم أََّن ُك ْم ِإ َذا متُّ ْم َوُكنتُ ْم تَُراباً َو ِعظاماً أََّن ُك ْم ُّم ْخ َرُجو َن * َه ْي َه َ‬
‫ات‬
‫َّللاِ‬
‫ين * ِإ ْن ُه َو ِإالَّ َرُج ٌل افتَ َر ٰى َعَل ٰى َّ‬ ‫وع ُدو َن * ِإ ْن ِهي ِإالَّ َحَياتَُنا ُّ‬ ‫هيه َ ِ‬
‫وت َوَن ْحَيا َو َما َن ْح ُن ِب َم ْب ُعوِث َ‬
‫الد ْنَيا َن ُم ُ‬ ‫َ‬ ‫ات ل َما تُ َ‬ ‫َْ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ٍ َّ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص ْي َح ُة‬
‫َخ َذ ْت ُه ُم َّ‬
‫ين * َفأ َ‬ ‫صِب ُح َّن َنادم َ‬
‫ال َع َّما َقليل لُي ْ‬ ‫ص ْرِني ب َما َكذُبون * َق َ‬ ‫ال َر ّب ْان ُ‬ ‫ين * َق َ‬ ‫َكذباً َو َما َن ْح ُن َل ُه ِب ُم ْؤ ِمن َ‬
‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬‫آء َفُب ْعداً ّلْلَق ْو ِم الظالم َ‬
‫اه ْم ُغثَ ً‬‫ِباْل َح ِّق َف َج َعْلَن ُ‬

‫{فأوحينا إليه أن اصنع} فلك الحكمة العملية والشريعة النبوية {بأعيننا} على محافظتنا إياك عن الزلل في العمل‬
‫{ووحينا} بالعلم واإللهام {فإذا جاء أمرنا} بإهالك القوى البدنية والنفوس المنغمسة المادية {وفار} تنور البدن باستيالء‬
‫المواد الفاسدة واألخالط الرديئة {فاسلك فيها من كل زوجين} أي‪ :‬من كل شيء صنفين من الصور الكلية والجزئية‬
‫المجردة‬
‫ّ‬ ‫أعني صورتين اثنتين إحداهما كلية نوعية واألخرى جزئية شخصية {وأهلك} من القوى الروحانية والنفوس‬
‫تشرع بشريعتك {إال من سبق عليه القول} بإهالكه من زوجتك النفس الحيوانية والطبيعة الجسمانية {وال‬ ‫اإلنسانية ممن ّ‬
‫تخاطبنى فى الذين ظلموا} من القوى النفسانية والنفوس المنغمسة الهيوالنية باالستيالء على القوى الروحانية والنفوس‬
‫المجردة اإلنسانية وغصب مناصبهم {إنهم مغرقون} في البحر الهيوالني‪.‬‬
‫ّ‬

‫{فإذا استويت} باالستقامة في السير إلى هللا‪ ،‬فاتّصف بصفات هللا التي هي الحمد القلبي على نعمة اإلنجاء من ظلمة‬
‫رب أنزلني منزالً مباركاً} هو مقام القلب الذي بارك هللا فيه بالجمع بين العالمين وإدراك‬
‫الجنود الشيطانية {وقل ّ‬
‫{إن في ذلك آليات} دالئل ومشاهدات ألولي‬ ‫المعاني الكلية والجزئية وأمنه من طوفان بحر الهيولى وطغيان مائه ّ‬
‫ببليات صفات النفوس والتجريد عنها بالرياضة‪ ،‬أو ممتحنين العقالء باالعتبار‬
‫األلباب {وإن كنا} ممتحنين إياهم ّ‬
‫بأحوالهم عند الكشف عن حاالتهم وحكاياتهم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة المؤمنون (من اآلية ‪ 42‬الى اآلية ‪)61‬‬

‫ُم ًة‬
‫آء أ َّ‬ ‫ِ ن‬ ‫ثُ َّم أَنشأْنا ِمن بع ِد ِهم ُقروناً آخ ِرين * ما تسِبق ِمن أ َّ ٍ‬
‫َجَل َها َو َما َي ْستَأْخ ُرو َ * ثُ َّم أ َْرَسْلَنا ُرُسَلَنا تَ ْت َار ُك َّل َما َج َ‬
‫ُمة أ َ‬ ‫َ َْ ُ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ ْ ُ‬ ‫َ َ‬
‫َخاهُ َه ُارو َن ِب َآي ِاتَنا‬
‫وس ٰى َوأ َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫يث َفُب ْعداً ّلَق ْو ٍم ال ُي ْؤمُنو َن * ثُ َّم أ َْرَسْلَنا ُم َ‬ ‫َح ِاد َ‬
‫اه ْم أ َ‬
‫ض ُه ْم َب ْعضاً َو َج َعْلَن ُ‬
‫َّ‬
‫َّرُسوُل َها َكذُبوهُ َفأ َْتَب ْعَنا َب ْع َ‬
‫ين * َفَقاُلوْا أَُن ْؤ ِم ُن لَِب َش َرْي ِن ِم ْثلَِنا َوَق ْو ُم ُه َما َلَنا َعاِب ُدو َن *‬‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ان ُّمِب ٍ‬
‫طٍ‬
‫ين * إَل ٰى ف ْرَع ْو َن َو َمَلئه َف ْ‬
‫استَ ْكَب ُروْا َوَك ُانوْا َق ْوماً َعال َ‬ ‫َو ُسْل َ‬
‫اه َمآ ِإَل ٰى‬ ‫اب َل َعَّل ُه ْم َي ْهتَ ُدو َن * َو َج َعْلَنا ْاب َن َم ْرَي َم َوأ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ُم ُه َآي ًة َو َآوْيَن ُ‬ ‫وس ٰى اْلكتَ َ‬
‫ين * َوَلَق ْد آتَْيَنا ُم َ‬ ‫وه َما َف َك ُانوْا م َن اْل ُم ْهَلك َ‬
‫َف َكذُب ُ‬
‫ُم ًة‬ ‫يم * َوإِ َّن َهـ ِٰذِه أ َّ‬
‫ُمتُ ُك ْم أ َّ‬ ‫ِ‬ ‫اعمُلوْا ِ ِِ ِ‬
‫صالحاً إّني ب َما تَ ْع َمُلو َن َعل ٌ‬
‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الرُس ُل ُكُلوْا م َن الطّيَبات َو ْ َ َ‬ ‫ُّها ُّ‬
‫ين * ٰيأَي َ‬
‫ربوٍة َذ ِ‬
‫ات َق َر ٍار َو َم ِع ٍ‬ ‫َ َْ‬
‫ين *‬ ‫ط ُعوْا أ َْم َرُه ْم َب ْيَن ُه ْم ُزُب اًر ُك ُّل ِح ْز ٍب ِب َما َل َد ْي ِه ْم َف ِرُحو َن * َف َذ ْرُه ْم ِفي َغ ْم َرِت ِه ْم َحتَّ ٰى ِح ٍ‬‫ُّكم َفاتَُّقو ِن * َفتََق َّ‬ ‫ِ‬
‫َواح َدةً َوأََن ْا َرب ُ ْ‬
‫ات بل الَّ ي ْشعرون * ِإ َّن َّال ِذين هم ِمن خ ْش ِ‬
‫ية َرّب ِِه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أَيحسبون أََّنما ن ِمُّدهم ِب ِه ِمن َّم ٍ ِ‬
‫َ ُ ّْ َ‬ ‫َ ُُ َ‬ ‫ين * ُن َس ِارعُ َل ُه ْم في اْل َخ ْي َر َ‬ ‫ال َوَبن َ‬ ‫َ ْ َ ُ َ َ ُ ُْ‬
‫وب ُه ْم َو ِجَل ٌة أََّن ُه ْم‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ُّم ْشِفُقون * و َّال ِذين هم ِبآي ِ‬
‫ين ُي ْؤتُو َن َمآ آتَوْا َّوُقُل ُ‬ ‫ين ُهم ِب َرّب ِِه ْم الَ ُي ْش ِرُكو َن * َوالذ َ‬ ‫َّه ْم ُي ْؤ ِمُنو َن * َوالذ َ‬ ‫ات َرب ِ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫اجعون * أُوَلـِٰئك يس ِارعون ِفي اْلخير ِ‬
‫ات َو ُه ْم َل َها َساِبُقو َن‬ ‫َ َْ‬ ‫ْ َ َُ ُ َ‬ ‫ِإَل ٰى َرّب ِِه ْم َر ِ ُ َ‬

‫أمه} النفس المطمئنة {آية} واحدة‬


‫{ثم أنشأنا من بعدهم قروناً آخرين} في النشأة الثانية {وجعلنا ابن مريم} القلب {و ّ‬
‫باتحادهما في التوجه والسير إلى هللا وحدوث القلب منها عند الترقي {وآويناهما إلى ربوة} مكان مرتفع بترقي القلب‬
‫يستقر فيها لخصبها {ومعين} وعلم يقين‬
‫ّ‬ ‫إلى مقام الروح وترقي النفس إلى مقام القلب {ذات} استقرار وثبات وتمكن‬
‫مكشوف ظاهر‪.‬‬

‫{أيحسبون أنما ّ‬
‫نمدهم به من مال وبنين} {نسارع لهم في الخيرات} أي‪ :‬ليس التمتيع باللذات الدنيوية واإلمداد‬
‫بالحظوظ الفانية هو مسارعتنا لهم في الخيرات كما حسبوا‪ ،‬إنما المسارعة فيها هو التوفيق لهذه الخيرات الباقية وهي‬
‫شدة الخشية عند تجلي العظمة واإليقان العيني بآيات تجلي الصفات الربانية والتوحيد‬
‫اإلشفاق باالنفعال والقبول من ّ‬
‫الذاتي بالفناء في الحق‪ ،‬والقيام بهداية الخلق وإعطاء كماالتهم في مقام البقاء مع الخشية من ظهور البقية في الرجوع‬
‫إلى عالم الربوبية من الذات األحدية وهو السبق في الخيرات وإليها ولها‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة المؤمنون (من اآلية ‪ 62‬الى اآلية ‪)95‬‬

‫ال ِّمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والَ ن َكّلِف نْفساً ِإالَّ وسعها وَلدينا ِكتَاب ي ِ‬
‫وب ُه ْم في َغ ْم َرٍة ّم ْن َهـٰ َذا َوَل ُه ْم أ ْ‬
‫َع َم ٌ‬ ‫ظَل ُمو َن * َب ْل ُقُل ُ‬ ‫نط ُق ِباْل َح ِّق َو ُه ْم الَ ُي ْ‬ ‫ٌ َ‬ ‫ُ ْ َ َ َ َ َْ‬ ‫َ ُ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ُدو ِن ذلِ َك ُه ْم َل َها َعامُلو َن * َحتَّ ٰى ِإ َذآ أ َ‬
‫َخ ْذَنا ُم ْت َرفيه ْم باْل َع َذاب إ َذا ُه ْم َي ْجأ َُرو َن * الَ تَ ْجأ َُروْا اْلَي ْوَم إَّن ُك ْم ّمَّنا الَ تُ َ‬
‫نص ُرو َن‬
‫اْلَق ْو َل أ َْم‬ ‫نكصو َن * مستَ ْكِب ِرين ِب ِه س ِ‬
‫ام اًر تَ ْه ُج ُرو َن * أََفَل ْم َيَّدب َُّروْا‬ ‫ِ‬ ‫* َق ْد َك َان ْت َآي ِاتي تُْتَل ٰى َعَل ْي ُكم َف ُكنتُم َعَل ٰى أ ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َعَقاب ُك ْم تَ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِباْل َح ِّق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ن ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آء ُه ْم‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫آء ُه ُم األََّولِ َ‬
‫ين * أ َْم َل ْم َي ْعرُفوْا َرُسوَل ُه ْم َف ُه ْم َل ُه ُمنك ُرو َ * أ َْم َيُقوُلو َ به جن ٌة َب ْل َج َ‬ ‫آء ُه ْم َّما َل ْم َيأْت َآب َ‬
‫َج َ‬
‫اه ْم ِب ِذ ْك ِرِه ْم َف ُه ْم َعن‬ ‫ض ومن ِف ِ‬
‫يه َّن َب ْل أَتَْيَن ُ‬ ‫آء ُه ْم َلَف َس َد ِت َّ‬
‫الس َٰم َٰو ُت َواأل َْر ُ َ َ‬
‫ِ‬
‫َوأَ ْكثَ ُرُه ْم لْل َح ِّق َك ِارُهو َن * َوَل ِو اتََّب َع اْل َح ُّق أ ْ‬
‫َه َو َ‬
‫اط ُّم ْستَِقي ٍم * َوإِ َّن‬ ‫صر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وه ْم ِإَل ٰى َ‬ ‫الر ِازِق َ‬
‫ين * َوإَِّن َك َلتَ ْد ُع ُ‬ ‫ِك َخ ْيٌر َو ُه َو َخ ْي ُر َّ‬ ‫ضو َن * أ َْم تَ ْسأَُل ُه ْم َخ ْرجاً َف َخ َر ُ‬
‫اج َرّب َ‬ ‫ذ ْك ِرِه ْم ُّم ْع ِر ُ‬
‫ط ْغَي ِان ِه ْم َي ْع َم ُهو َن *‬‫ضٍّر َّلَل ُّجوْا ِفي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اآلخرِة ع ِن ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اه ْم َوَك َشْفَنا َما ِب ِه ْم ّمن ُ‬ ‫الص َراط َلَناكُبو َن * َوَل ْو َرح ْمَن ُ‬ ‫ّ‬ ‫ين الَ ُي ْؤ ِمُنو َن ِب َ َ‬ ‫الذ َ‬
‫اب ش ِد ٍيد ِإ َذا هم ِف ِ‬ ‫ِ‬
‫يه‬ ‫ُْ‬ ‫ضَّرُعو َن * َحتَّ ٰى ِإ َذا َفتَ ْحَنا َعَل ْي ِه ْم َباباً َذا َع َذ ٍ َ‬ ‫استَ َك ُانوْا ل َرِّب ِه ْم َو َما َيتَ َ‬ ‫ِ‬ ‫َخ ْذَن ُ ِ‬
‫اه ْم باْل َع َذاب َف َما ْ‬ ‫َوَلَق ْد أ َ‬
‫ض َوإَِل ْي ِه‬‫َكم ِفي األ َْر ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ص َار َواألَْفئ َد َة َقليالً َّما تَ ْش ُك ُرو َن * َو ُهَو الذي َذ َأر ُ ْ‬ ‫ُمْبلِ ُسو َن * َو ُه َو َّال ِذي أ َْن َشأَ َل ُك ُم َّ‬
‫الس ْم َع َواأل َْب َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اخِتالَف َّ‬
‫اللْي ِل َو َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ال األََّوُلو َن * َقاُلوْا‬ ‫الن َه ِار أََفالَ تَ ْعقُلو َن * َب ْل َقاُلوْا م ْث َل َما َق َ‬ ‫يت َوَل ُه ْ ُ‬ ‫تُ ْح َش ُرو َن * َو ُه َو الذي ُي ْحِيي َوُيم ُ‬
‫ظاماً أَِإَّنا َلمبعوثُون * َلَقد و ِعدنا نحن وآبآؤنا هـٰ َذا ِمن َقبل ِإن هـٰ َذآ ِإالَّ أ ِ‬ ‫أَِإ َذا ِم ْتَنا َوُكَّنا تَُراباً َو ِع َ‬
‫ين * ُقل‬ ‫َساط ُير األََّولِ َ‬
‫َ‬ ‫ُْ ْ َ‬ ‫ْ ُ ْ َ َ ْ ُ َ َ َُ َ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫الس ْب ِع وَر ُّب اْل َع ْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ض ومن ِف ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ش‬ ‫يهآ إن ُكنتُ ْم تَ ْعَل ُمو َن * َسَيُقوُلو َن ََّّلل ُق ْل أََفالَ تَ َذك ُرو َن * ُق ْل َمن َّر ُّب ال َّس َٰم َٰوت َّ َ‬
‫َ‬ ‫ّل َمن األ َْر ُ َ َ‬
‫وت ُك ِّل َشي ٍء َو ُهَو ُي ْجِي ُر َوالَ ُي َج ُار َعَل ْي ِه ِإن ُكنتُ ْم تَ ْعَل ُمو َن *‬ ‫ِِ‬
‫َمن ِبَيده َمَل ُك ُ‬ ‫* ُق ْل‬ ‫اْل َع ِظي ِم * َسَيُقوُلو َن ََِّّللِ ُق ْل أََفالَ تَتَُّقو َن‬
‫ْ‬
‫ان َم َع ُه ِم ْن ِإَل ٍـه ِإذاً‬ ‫ٍ‬ ‫ِباْلح ِق وإَِّنهم َل َك ِاذبو َن * ما اتَّخ َذ َّ ِ‬
‫َّللاُ من َوَلد َو َما َك َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ َ ُْ‬ ‫اه ْم‬
‫أَتَْيَن ُ‬ ‫َسَيُقوُلو َن ََِّّللِ ُق ْل َفأََّن ٰى تُ ْس َح ُرو َن * َب ْل‬
‫الش َه َاد ِة َفتَ َعاَل ٰى َع َّما‬
‫صُفو َن * َعالِ ِم اْل َغ ْي ِب و َّ‬ ‫َّللاِ ع َّما ي ِ‬ ‫ض ُهم َعَل ٰى َب ْع ٍ‬ ‫ِ ٍ ِ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫ان َّ َ َ‬ ‫ض ُس ْب َح َ‬ ‫ل َذ َه َب ُك ُّل إَلـٰه ب َما َخَل َق َوَل َعالَ َب ْع ُ ْ‬
‫ين * َوإَِّنا َعَل ٰى أَن ُّن ِرَي َك َما َن ِع ُد ُه ْم‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وع ُدو َن * َر ِّب َفالَ تَ ْج َعْلني في اْلَق ْو ِم الظالم َ‬‫ُي ْش ِرُكو َن * ُقل َّر ِّب ِإ َّما تُ ِرَيّني َما ُي َ‬
‫َلَق ِاد ُرو َن‬

‫جل‬
‫{وال ُنكلف نفساً إالّ ُوسعها} أي‪ :‬ال نكلف كل أحد بمقامات السابقين فإنها مقامات ال يبلغها إال األفراد كما قيل‪ّ :‬‬
‫جناب الحق أن يكون شريعة لكل وارد‪ ،‬أو يطلع عليه إال واحد بعد واحد‪ ،‬بل كل مكلف بما يقتضيه استعداده بهويته‬
‫{ي ْنطق بمراتب استعداد كل‬
‫من كماله الالئق به‪ .‬وهو غاية وسعه‪{ .‬ولدينا كتاب} هو اللوح المحفوظ أو ّأم الكتاب َ‬
‫نفس وحدود كماالتها وغاياتها‪ ،‬وما هو حق كل منها {وهم ال يظلمون} بمنعهم عنه وحرمانهم إذا جاهدوا فيه وسعوا‬
‫في طلبه بالرياضة‪ ،‬بل يعطى كل ما أمكنه الوصول إليه وما يشتاقه في السلوك إليه‪.‬‬

‫{بل} قلوب المحجوبين {في غمرة} غشاوات الهيولى وغفلة غامرة {من هذا} السبق وطلب الحق {ولهم أعمال} على‬
‫التنور كشف‬
‫خالف ذلك موجبة للبعد عن هذا الباب تكاثف الحجاب‪ ،‬أي‪ :‬كما أن أعمال السابقين موجبة للترقي في ّ‬
‫التكدر وغلظ الحجاب والطرد عن باب الحق لكونها في طلب‬
‫الغطاء والوصول إلى الحق‪ ،‬فأعمالهم موجبة للتسفل و ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الدنيا وشهواتها وهوى النفس ولذاتها‪{ .‬هم لها عاملون} دائبون عليها مواظبون‪ .‬وكلما سمعوا ذكر اآليات والكماالت‬
‫عتواً وانهماكاً في الغي‪ ،‬واستكبا اًر وتعمقاً في الباطل‪ ،‬وهو النكوص على األعقاب إلى مهاوي جحيم الطبيعة‪.‬‬
‫ازدادوا ّ‬
‫ّ‬
‫ولما أبطلوا استعداداتهم وأطفؤوا أنوارها بالرين والطبع على مقتضى قوى النفس والطبع و ّ‬
‫اشتد احتجابهم بالغواشي‬
‫الهيوالنية والهيئات الظلمانية عن نور الهدى والعقل‪ ،‬لم يمكنهم تدبر القول ولم يفهموا حقائق التوحيد والعدل‪ ،‬فنسبوه‬
‫التضاد بين الباطل والحق وأنكروه وكرهوا الحق الذي جاء به‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إلى الجنة ولم يعرفوه للتقابل بين النور والظلمة و‬

‫المتفرقة في الباطل‪ ،‬الناشئة من‬


‫ّ‬ ‫أي الدعوة إلى الذات والصفات {أهواءهم}‬
‫{ولو اتّبع الحق} الذي هو التوحيد والعدل‪ّ ،‬‬
‫النفوس الظالمة‪ ،‬المظلمة‪ ،‬المحتجبة بالكثرة عن الوحدة لصار باطالً النعدام العدل الذي قامت به السموات واألرض‬
‫المجردة‪ ،‬إذ بالوحدة بقاء حقائق األشياء‪ ،‬وبظلها الذي هو العدل ونظام الكثرات قوام‬
‫ّ‬ ‫والتوحيد الذي قامت به الذوات‬
‫األرض والسماء فلزم فساد الكل‪.‬‬

‫الصراط المستقيم الذي يدعوهم إليه هو طريق التوحيد المستلزم لحصول العدالة في النفس ووجود المحبة في القلب‬
‫وشهود الوحدة في الروح‪ .‬والذين يحتجبون عن عالم النور بالظلمات وعن العقل بالحس وعن القدس بالرجس إنما هم‬

‫منهمكون في الظلم والبغضاء والعداوة والركون إلى الكثرة‪ ،‬فال جرم أنهم عن الصراط ناكبون منحرفون إلى ّ‬
‫ضده‪ ،‬فهو‬
‫في واد وهم في واد‪.‬‬

‫سورة المؤمنون (من اآلية ‪ 96‬الى اآلية ‪)118‬‬

‫السِّيَئ َة‬ ‫َِّ ِ‬ ‫اغِفر َلنا وارحمنا وأَنت خير َّ ِ ِ‬ ‫ِإَّنه َكان َف ِر ِ ِ ِ‬
‫َح َس ُن َّ‬ ‫ين * ا ْدَف ْع ِبالتي ه َي أ ْ‬ ‫الراحم َ‬ ‫آمَّنا َف ْ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ‬ ‫يق ّم ْن عَبادي َيُقوُلو َن َربََّنآ َ‬
‫ٌ‬ ‫ُ َ‬
‫ات ال َّش ِ‬ ‫صُفون * وُقل َّر ِب أَعوُذ ِبك ِمن هم َز ِ‬
‫آء‬ ‫َّ ِ‬
‫ض ُرو * َحت ٰى إ َذا َج َ‬
‫َعوُذ ِب َك َر ِّب أَن َي ْح ُ ِن‬ ‫ين * َوأ ُ‬ ‫ياط ِ‬ ‫َ ْ ََ‬ ‫َ ْ ّ ُ‬ ‫َعَل ُم ِب َما َي ِ َ‬
‫َن ْح ُن أ ْ‬
‫يما تَ َرْك ُت َكالَّ ِإَّن َها َكلِ َم ٌة ُهَو َق ِآئُل َها َو ِمن َوَرِآئ ِه ْم َب ْرَزٌخ ِإَل ٰى َي ْو ِم‬ ‫أَحدهم اْلموت َقال ر ِب ارِجعو ِن * َلعّلِي أَعمل ِ ِ‬
‫صالحاً ف َ‬ ‫َُْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُُ َْ ُ َ َ ّ ْ ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫آءُلو َن * َف َمن ثَُقَل ْت َم َو ِاز ُين ُه َفأ ُْوَلـِٰئ َك ُه ُم اْل ُمْفلِ ُحو َن *‬ ‫ٍِ‬ ‫الص ِ‬ ‫ُي ْب َعثُو َن * َفِإ َذا ُنِف َخ ِفي ُّ‬
‫اب َب ْيَن ُه ْم َي ْو َمئذ َوالَ َيتَ َس َ‬
‫َنس َ‬‫ور َفالَ أ َ‬
‫يها َكالِ ُحو َن * أََل ْم تَ ُك ْن‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ن‬ ‫ِ‬ ‫ين َخ ِس ُروْا أ ُ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫الن ُار َو ُه ْم ف َ‬ ‫وه ُهم َّ‬
‫َنف َس ُه ْم في َج َهن َم َخال ُدو َ * َتْلَف ُح ُو ُج َ ُ‬ ‫َو َم ْن َخَّف ْت َم َو ِاز ُين ُه فأ ُْوَلـٰئ َك الذ َ‬
‫َخ ِر ْجَنا ِم ْن َها َفِإ ْن ُع ْدَنا‬
‫ين * َربََّنآ أ ْ‬ ‫آي ِاتي تُْتَل ٰى عَلي ُكم َف ُك ْنتُم ِبها تُ َك ِّذبو َن * َقاُلوْا ربََّنا َغَلب ْت عَليَنا ِشْقوتَُنا وُكَّنا َقوماً ِ‬
‫ضآّل َ‬‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ ْ‬ ‫َ‬
‫ض َح ُكو َن * ِإِّني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫والَ تُ َكّلِمو ِن * َفاتَّخ ْذتُم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ظالِ ُمو َن‬ ‫َفِإَّنا َ‬
‫َنس ْوُك ْم ذ ْك ِري َوُك ْنتُ ْم ّم ْن ُه ْم َت ْ‬
‫وه ْم س ْخ ِرّي ًا َحت ٰى أ َ‬
‫َ ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يها‬‫اخ َسُئوْا ف َ‬ ‫ال ْ‬ ‫* َق َ‬
‫ِِ‬ ‫ال َكم َلِب ْثتُم ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * َقاُلوْا َلِب ْثَنا َي ْوم ًا أ َْو َب ْع َ‬
‫ض َي ْو ٍم‬ ‫ض َع َد َد سن َ‬ ‫اْلَفآئ ُزو َن * َق َ ْ ْ‬ ‫صَب ُروْا أََّن ُه ْم ُه ُم‬ ‫ِ‬
‫ب َما َ‬
‫َج َزْيتُ ُه ُم اْلَي ْوَم‬

‫ال ِإن َّلِب ْثتُ ْم ِإالَّ َقلِيالً َّل ْو أََّن ُك ْم ُكنتُ ْم تَ ْعَل ُمو َن * أََف َح ِس ْبتُ ْم أََّن َما َخَلْقَن ُ‬ ‫ِ‬
‫اك ْم َعَبثاً َوأََّن ُك ْم ِإَل ْيَنا الَ تُ ْر َج ُعو َن *‬ ‫َف ْسَئ ِل اْل َع ّآد َ‬
‫ين * َق َ‬
‫ان َل ُه ِب ِه َفِإَّن َما ِح َس ُاب ُه‬
‫آخ َر الَ ُب ْرَه َ‬
‫ش اْل َك ِري ِم * ومن يدع مع َّ ِ‬
‫َّللا ِإَل َـها َ‬ ‫َ َ َْ ُ َ َ‬ ‫َّللاُ اْلملِ ُك اْل َح ُّق الَ ِإَلـ َٰه ِإالَّ ُهو َر ُّب اْل َع ْر ِ‬
‫َ‬ ‫َفتَ َعاَلى َّ َ‬
‫اغِفر وارحم وأنت خير َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬‫الراحم َ‬ ‫ع َند َرّبِه ِإَّن ُه الَ ُيْفل ُح اْل َكاف ُرو َن * َوُقل َّر ّب ْ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ ُ‬

‫أي الحسنات أحسن في‬ ‫{ادفع بالتي هي أحسن السيئة} أي‪ :‬إذا قابلك أحد بسيئة فتثبت في مقام القلب وانظر ّ‬
‫مقابلتها لتنقمع بها نفس صاحبك وتنكسر فترجع عن السيئة وتندم وال تدع نفسك تظهر وتقابله بمثلها فتزداد حدة نفسه‬
‫وسورتها وتزيد في السيئة‪ ،‬فإنك إن قابلته بحسن الحسنات‪ ،‬ملكت نفسك‪ ،‬وغلبت شيطانك‪ ،‬وثبت قلبك‪ ،‬واستقمت على‬
‫ما أمرك هللا به‪ ،‬وحصلت على فضيلة الحلم‪ ،‬وتمكنت على مقتضى العلم‪ ،‬واستقررت في طاعة الرحمن ومعصية‬
‫وقومتها وشددتها‪ ،‬وتلك حسنة‬
‫الشيطان‪ ،‬وأضفت إلى حسنتك إصالح نفس صاحبك وملكتها إن كان فيه أدنى مسكة ّ‬
‫أخرى لك‪ ،‬فكنت حائ اًز للحسنيين وإن عكست كنت جامعاً للسوأيين {نحن أعلم بما يصفون} أي‪ :‬كل المسيء إلى علم‬
‫هللا‪ .‬واعلم أن هللا عالم به‪ ،‬فيجازيه عنك إن كان مستحقاً للعقوبة وهو أقدر منك عليه أو يعفو عنه إن أمكن رجوعه‬
‫وعلم صالحه بالعفو عنه‪ .‬واستعذ باهلل من سورة الغضب وظهور النفس بنخس الشيطان وهمزه إياها ومن حضوره‬
‫{رب أعوذ بك} منخرطاً في سلك التوجه إلى جنابه بالقلب واللسان‬‫وقربه‪ ،‬أي‪ :‬توجه إلى رّبك مستعيذاً به قائالً‪ّ :‬‬
‫واألركان الئذاً ببابه من تحريضات اللعين ودواعيه وحضوره‪ ،‬فيصير مقهو اًر مرجوماً مطروداً‪.‬‬

‫والموصوف بالسيئة الواصف لك بها‪ ،‬الذاكر لك بالسوء‪ ،‬إن بقي على حاله حتى إذا احتضر وشاهد أمارات العذاب‬
‫وعاين وحشة هيئات السيئات تمنى الرجوع وأظهر الندامة ونذر العمل الصالح في اإليمان الذي ترك ولم يحصل إال‬
‫على الحسرة والندامة والتلفظ بألفاظ التحسر والندم‪ ،‬والدعوة دون المنفعة والفائدة واإلجابة {ومن ورائهم} أي‪ :‬أمام‬
‫رجوعهم حائل من هيئات جرمانية ظلمانية مناسبة لهيئات سيئاتهم من الصور المعلقة‪ ،‬مانعة من الرجوع إلى الحق‬
‫المجردة واألجساد المركبة يتعذبون فيه بأشد أنواع‬
‫ّ‬ ‫وإلى الدنيا‪ ،‬وهو البرزخ بين بحري النور والظلمة وعالم األرواح‬
‫العذاب‪ ،‬وأفحش أصناف العقاب إلى وقت البعث في الصورة الكثيفة عند النفخ في الصور ووقوع القيامة وحشر‬
‫األجساد‪ ،‬وحينئذ {فال أنساب بينهم} الحتجاب بعضهم عن بعض بالهياكل المناسبة ألخالقهم وأعمالهم وهيئاتهم‬

‫الراسخة في نفوسهم المكتوبة عليهم‪ ،‬فال يتعارفون {وال يتساءلون} ّ‬


‫لشدة ما بهم من األهوال وذهولهم عما كان بينهم‬
‫لتفرقهم بأنواع العذاب وأسباب الحجاب‪ ،‬وتتغير صورهم‬
‫من األحوال‪ ،‬وتنقطع العالئق والوصل التي كانت بينهم ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وتتبدل أشكالهم ووجوههم على حسب اقتضاء معايبهم وصفات نفوسهم‪ ،‬وهو معنى قوله‪{ :‬تلفح وجوههم‬ ‫وجلودهم ّ‬
‫النار وهم فيها كالحون} وذلك غلبة الشقوة وسوء العاقبة الموجبة للخسء والطرد والبعد واللعن كخسء الكالب‪.‬‬

‫{لبثنا يوماً أو بعض يوم} قال ابن عباس‪ :‬أنساهم ما كانوا فيه من العذاب بين النفختين‪ :‬االحتجاب في البرزخ‬
‫صدقهم‬
‫مدة اللبث وإنما استقصروها النقضائها وكل منقض فهو ليس بشي‪ ،‬ولهذا ّ‬ ‫المذكور‪ ،‬فالصور المذكور أنساهم ّ‬
‫بقوله‪{ :‬إن لبثتم إال قليال} ومعنى‪{ :‬لو أنكم كنتم تعلمون} إنكم حسبتموها كثي اًر فاغتررتم بها وفتنتم بلذاتها وشهواتها‪،‬‬
‫{رب اغفر} هيئات المعلقات {وارحم} بإفاضة الكماالت {وأنت خير‬
‫وتجردتم عن تعلقاتها‪ّ .‬‬
‫ولو علمتموها قليالً لتزودتم ّ‬
‫الراحمين}‪.‬‬

‫سورة النور (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)34‬‬

‫اح ٍد ِّم ْن ُه َما ِمَئ َة َجْل َد ٍة َوالَ‬


‫الزِني َفاجلِ ُدوْا ُك َّل و ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الزِانَي ُة َو َّا‬ ‫ْ‬
‫ات بِين ٍ‬
‫ات َّل َعَّل ُكم تَ َذ َّك ُرو َن * َّ‬ ‫ٍ‬
‫يهآ َآي َ ّ َ‬ ‫َنزلَناها وَفرضَناها وأ َ ْ ِ‬
‫َنزلَنا ف َ‬ ‫ورةٌ أ َ ْ َ َ َ ْ َ َ‬ ‫ُس َ‬
‫الزِاني الَ‬ ‫ِ‬ ‫اآلخ ِر وْلي ْشه ْد ع َذابهما َ ِ ِ‬ ‫اَّللِ واْليو ِم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين َّ ِ ِ‬‫ْخ ْذ ُك ْم ِب ِه َما َ ْأرَف ٌة ِفي ِد ِ‬
‫ين * َّ‬ ‫طآئَف ٌة ّم َن اْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫َ َ َ َ َُ َ‬ ‫َّللا إن ُكنتُ ْم تُ ْؤ ِمُنو َن ب َّ َ َ ْ‬ ‫تَأ ُ‬
‫ان أَو م ْش ِرك وح ِرم ٰذلِك عَلى اْلمؤ ِمِنين * و َّال ِذين يرمون اْلمحصن ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫نكح ِإالَّ َزِاني ًة أَو م ْش ِرَك ًة و َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫َ َ َْ ُ َ ُ ْ َ َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫الزانَي ُة الَ َينك ُح َهآ ِإال َز ٍ ْ ُ ٌ َ ُ ّ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َي ُ‬
‫ين تَ ُابوْا ِمن‬ ‫َّ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثُ َّم َلم يأْتُوْا ِبأَربع ِة ُشه َدآء َف ِ‬
‫ين َجْل َد ًة َوالَ تَْقَبُلوْا َل ُه ْم َش َه َاد ًة أََبداً َوأُْوَلـٰئ َك ُه ُم اْلَفاسُقو َن * ِإال الذ َ‬
‫وه ْم ثَ َمان َ‬
‫اجل ُد ُ‬
‫ََْ َ َ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫َح ِد ِه ْم أ َْرَب ُع‬ ‫آء ِإالَّ أ ُ‬
‫َنف ُس ُه ْم َف َش َه َادةُ أ َ‬
‫َّ‬
‫ين َي ْرُمو َن أ َْزَو َ‬
‫اج ُه ْم َوَل ْم َي ُك ْن ل ُه ْم ُش َه َد ُ‬
‫َّ ِ‬
‫يم * َوالذ َ‬
‫ِ‬
‫َّرح ٌ‬ ‫ور‬ ‫َصَل ُحوْا َفِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َغُف ٌ‬
‫ِ ِٰ‬
‫َب ْعد ذل َك َوأ ْ‬
‫ِ‬ ‫َّللاِ عَلي ِه ِإن َك ِ‬ ‫* واْلخ ِ‬ ‫اَّللِ ِإَّنه َل ِمن َّ ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫اب أَن‬ ‫ان م َن اْل َكاذِبي َن * َوَي ْد َرُؤْا َع ْن َها اْل َع َذ َ‬ ‫َ‬ ‫َن َل ْعَن َت َّ َ ْ‬ ‫ام َس ُة أ َّ‬ ‫َ َ‬ ‫ين‬
‫الصادق َ‬ ‫َش َه َادات ِب َّ ُ َ‬
‫َّللاِ‬ ‫َّللاِ عَليهآ ِإن َكان ِمن َّ ِ ِ‬ ‫اَّللِ ِإَّنه َل ِمن اْل َك ِاذِبين * واْلخ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ض ُل َّ‬ ‫ين * َوَل ْوالَ َف ْ‬ ‫الصادق َ‬ ‫َ َ‬ ‫ض َب َّ َ ْ َ‬ ‫ام َس َة أ َّ‬
‫َن َغ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫تَ ْش َه َد أ َْرَب َع َش َه َادات ِب َّ ُ َ‬
‫صَب ٌة ِّم ْن ُك ْم الَ تَ ْح َسُبوهُ َشّاًر َّل ُك ْم َب ْل ُه َو َخ ْيٌر َّل ُك ْم لِ ُك ِّل‬ ‫َّللا تََّواب ح ِكيم * ِإ َّن َّال ِذين ج ِ ِ ِ‬ ‫َعَل ْي ُك ْم َوَر ْح َمتُ ُه َوأ َّ‬
‫آءوا باإل ْفك ُع ْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َن َّ َ ٌ َ ٌ‬
‫* َّل ْوال ِإ ْذ َس ِم ْعتُ ُموهُ َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ىء ِمنهم َّما ا ْكتَسب ِمن ِ َّ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ات‬‫ظ َّن اْل ُم ْؤ ِمُنو َن َواْل ُم ْؤ ِمَن ُ‬ ‫يم‬
‫اب َعظ ٌ‬ ‫اإل ْث ِم َوالذي تََول ٰى ك ْب َرهُ م ْن ُه ْم َل ُه َع َذ ٌ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ام ِر ّ ْ ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫َّللاِ ُهم اْل َك ِاذُبو َن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ُّ ِ‬ ‫آء َفِإ ْذ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ِبأ َْنُفس ِه ْم َخ ْي اًر َوَقاُلوْا َهـٰ َذآ ِإ ْف ٌك ُّمِب ٌ‬
‫َل ْم َي ْأتُوْا بالش َه َدآء َفأ ُْوَلـٰئ َك ع َند َّ ُ‬ ‫آءوا َعَل ْيه بأ َْرَب َعة ُش َه َد َ‬ ‫ين * ل ْوالَ َج ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يم * ِإ ْذ َتَلَّق ْوَن ُه ِبأَْل ِسَنِت ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫الد ْنيا و ِ‬ ‫ِ‬ ‫* وَلوالَ َفضل َّ ِ‬
‫اب َعظ ٌ‬ ‫ضتُ ْم فيه َع َذ ٌ‬ ‫اآلخ َرِة َل َم َّس ُك ْم في َمآ أََف ْ‬ ‫َّللا َعَل ْي ُك ْم َوَر ْح َمتُ ُه في ُّ َ َ‬ ‫َْ ْ ُ‬
‫يم * َوَل ْوال ِإ ْذ َس ِم ْعتُ ُموهُ ُقْلتُ ْم َّما َي ُكو ُن َلَنآ أَن‬ ‫اه ُكم َّما َّليس َل ُكم ِب ِه ِعْلم وتَحسبونه هِيناً وهو ِعند َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّللا َعظ ٌ‬ ‫ٌ َ ْ َ ُ َ ُ َّ َ َُ َ‬ ‫َْ ْ‬ ‫َوتَُقوُلو َن بأَ ْف َو ْ‬
‫َّللا َل ُكم اآلي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِِ‬ ‫يم * َي ِع ُ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ات‬ ‫ين * َوُيَبِّي ُن َّ ُ ُ َ‬ ‫ودوْا لم ْثله أََبداً ِإن ُكنتُ ْم ُّم ْؤ ِمن َ‬
‫َّللاُ أَن تَ ُع ُ‬‫ظ ُك ُم َّ‬ ‫ان َعظ ٌ‬ ‫َّنتَ َكل َم ِب َهـٰ َذا ُس ْب َح َان َك َهـٰ َذا ُب ْهتَ ٌ‬
‫الد ْنيا و ِ‬
‫اآلخ َرِة َو َّ‬ ‫اح َش ُة ِفي َّال ِذين آمُنوْا َلهم ع َذاب أَلِ ِ‬ ‫َّللا علِيم ح ِكيم * ِإ َّن َّال ِذين ي ِحبُّو َن أَن تَ ِشيع اْلَف ِ‬
‫َّللاُ َي ْعَل ُم َوأ َْنتُ ْم‬ ‫يم في ُّ َ َ‬ ‫َ َ ُْ َ ٌ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َو َّ ُ َ ٌ َ ٌ‬
‫ان َو َمن‬ ‫طِ‬ ‫ات َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫طو ِ‬ ‫َِّ‬
‫آمُنوْا الَ تَتب ُعوْا ُخ ُ َ‬
‫ين َ‬
‫َّللا رءوف َّرِحيم * ٰيأَي َّ ِ‬
‫ُّها الذ َ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َن َّ َ َ ُ ٌ‬ ‫َّللاِ َعَل ْي ُك ْم َوَر ْح َمتُ ُه َوأ َّ‬
‫ض ُل َّ‬ ‫الَ تَ ْعَل ُمو َن * َوَل ْوالَ َف ْ‬
‫َح ٍد أََبداً َوَلـ ِٰك َّن َّ‬ ‫َّللاِ عَلي ُكم ورحمتُه ما َزَكى ِم ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫طو ِ‬
‫َّللاَ‬ ‫نك ْم ّم ْن أ َ‬ ‫ٰ‬ ‫ض ُل َّ َ ْ ْ َ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ْم ُر ِباْلَف ْح َشآء َواْل ُم ْن َك ِر َوَل ْوالَ َف ْ‬ ‫طِ ِ‬
‫ان َفإَّن ُه َيأ ُ‬ ‫الش ْي َ‬‫ات َّ‬
‫َيتب ْع ُخ ُ َ‬
‫َِّ‬
‫ين واْلمه ِ‬ ‫ِ‬ ‫نكم و َّ ِ‬ ‫َّللا س ِميع علِيم * والَ يأَْت ِل أُوُلوْا اْلَف ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اج ِر َ‬
‫ين‬ ‫الس َعة أَن ُي ْؤتُوْا أ ُْولِي اْلُق ْرَب ٰى َواْل َم َساك َ َ ُ َ‬ ‫ضل م ُ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫آء َو َّ ُ َ ٌ َ ٌ‬ ‫ُي َزّكي َمن َي َش ُ‬
‫ات اْل َغ ِافالَ ِت‬‫َّللا َغُفور َّرِحيم * ِإ َّن َّال ِذين يرمون اْلمحصن ِ‬ ‫صَف ُحوْا أَالَ تُ ِحبُّو َن أَن َي ْغِف َر َّ‬ ‫يل َّ ِ‬
‫ِفي سِب ِ‬
‫َ َْ ُ َ ُ ْ َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َّللاُ َل ُك ْم َو َّ ُ ٌ‬ ‫َّللا َوْلَي ْعُفوْا َوْلَي ْ‬ ‫َ‬
‫يم * َي ْوَم تَ ْش َه ُد َعَل ْي ِه ْم أَْل ِسَنتُ ُه ْم َوأ َْي ِدي ِه ْم َوأ َْر ُجُل ُه ْم ِب َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن *‬ ‫ِ‬
‫اب َعظ ٌ‬
‫ِ‬ ‫نات ُل ِعُنوْا ِفي ُّ‬
‫الد ْنَيا َواآلخ َرِة َوَل ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫اْلمؤ ِم ِ‬
‫ُْ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ين َواْل َخِبيثُو َن لِْل َخِبيثَات َوالطِّيَب ُ‬
‫ات‬ ‫َّللا هو اْلح ُّق اْلمِبين * اْلخِبيثَ ِ ِ‬
‫ات لْل َخِبيث َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َن َّ َ ُ َ َ‬‫َّللاُ ِد َين ُه ُم اْل َح َّق َوَي ْعَل ُمو َن أ َّ‬
‫َي ْو َمِئ ٍذ ُي َوِّفي ِه ُم َّ‬
‫َك ِريم * ٰيأَي َّ ِ‬ ‫ات أ ُْوَلـِٰئ َك مَبَّرءو َن ِم َّما َيُقوُلو َن َل ُهم َّم ْغِف َرةٌ وِرْز ٌق‬ ‫طِيب ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ َّ‬
‫آمُنوْا الَ تَ ْد ُخُلوْا ُبُيوتاً َغ ْي َر‬
‫ين َ‬‫ُّها الذ َ‬‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ين َوالطِّيُبو َن لْل ّ َ‬ ‫للطِّيِب َ‬
‫وها َحتَّ ٰى‬
‫َحداً َفالَ تَ ْد ُخُل َ‬ ‫يهآ أ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫* َفإن ل ْم تَج ُدوْا ف َ‬ ‫َهلِ َها ٰذلِ ُك ْم َخ ْيٌر َّل ُك ْم َل َعَّل ُك ْم تَ َذ َّك ُرو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُبُيوِت ُك ْم َحتَّ ٰى تَ ْستَأْن ُسوْا َوتُ َسّل ُموْا َعَل ٰى أ ْ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ُي ْؤَذ َن َل ُكم وِإن ِقيل َل ُكم ْارِج ُعوْا َف ْارِج ُعوْا ُهو أ َْزَك ٰى َل ُكم و َّ ِ‬
‫اح أَن تَ ْد ُخُلوْا ُبُيوتاً َغ ْي َر‬ ‫يم * ل ْي َس َعَل ْي ُك ْم ُجَن ٌ‬ ‫َّللاُ ب َما تَ ْع َمُلو َن َعل ٌ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫مس ُك َ ٍ ِ‬
‫وج ُه ْم ذل َك‬ ‫ظوْا ُف ُر َ‬ ‫ص ِاره ْم َوَي ْحَف ُ‬ ‫ضوْا م ْن أ َْب َ‬ ‫ين َي ُغ ُّ‬ ‫َّللاُ َي ْعَل ُم َما تُْب ُدو َن َو َما تَ ْكتُ ُمو َن * ُق ْل ّلْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫يها َمتَاعٌ ل ُك ْم َو َّ‬ ‫ونة ف َ‬ ‫َْ‬
‫ظن ُفروجه َّن والَ يب ِدين ِزينتَه َّن ِإالَّ‬ ‫ض َن م ْن أ َْب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أ َْزَك ٰى َلهم ِإ َّن َّ ِ ِ‬
‫ص ِاره َّن َوَي ْحَف ْ َ ُ َ ُ َ ُ ْ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ضْ‬ ‫صَن ُعو َن * َوُقل ّلْل ُم ْؤ ِمَنات َي ْغ ُ‬ ‫َّللاَ َخب ٌير ب َما َي ْ‬ ‫ُْ‬
‫ين ِز َينتَ ُه َّن ِإالَّ لُِب ُعوَلِت ِه َّن أَ ْو َآب ِآئ ِه َّن أ َْو َآب ِآء ُب ُعوَلِت ِه َّن أ َْو أ َْبَن ِآئ ِه َّن أ َْو‬ ‫ِ‬ ‫ما َ ِ‬
‫ض ِرْب َن ِب ُخ ُم ِرِه َّن َعَل ٰى ُجُيوبِ ِه َّن َوالَ ُي ْبد َ‬ ‫ظ َه َر م ْن َها َوْلَي ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫أَبن ِآء بعوَلِت ِه َّن أَو ِإ ْخوِان ِه َّن أَو بِني ِإ ْخوِان ِه َّن أَو بِني أ ِ‬
‫ين َغ ْي ِر أ ُْولِي‬ ‫َخ َوات ِه َّن أ َْو ن َسآئ ِه َّن أ َْو َما َمَل َك ْت أ َْي َم ُان ُه َّن أ َِو التَّاِبع َ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ ُ ُ‬
‫ين ِمن ِز َينِت ِه َّن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ات ِّ ِ‬ ‫ظهروْا عَلى عور ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال أ َِو ال ّ َّ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ض ِرْب َن ِبأ َْرُجل ِه َّن لُي ْعَل َم َما ُي ْخف َ‬ ‫الن َسآء َوالَ َي ْ‬ ‫ين َل ْم َي ْ َ ُ َ ٰ َ ْ َ‬ ‫طْف ِل الذ َ‬ ‫الرج ِ‬
‫اإل ْرَبة م َن ِّ َ‬
‫ِ‬ ‫الصالِ ِح ِ ِ ِ‬ ‫ام ٰى ِم ْن ُك ْم َو َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫وتُوبوْا ِإَلى َّ ِ ِ‬
‫ين م ْن عَباد ُك ْم َوإِمائ ُك ْم ِإن َي ُك ُ‬
‫ونوْا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ُّه اْل ُم ْؤمُنو َن َل َعل ُك ْم تُْفل ُحو َن * َوأ َْنك ُحوْا األََي َ‬
‫َّللا َجميعاً أَي َ‬ ‫َ ُ‬
‫َّللا ِمن َف ِ ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا ِمن َفضلِ ِه و َّ ِ‬ ‫ُفَق َر ِ ِ‬
‫ين‬
‫ضله َوالذ َ‬ ‫ْ‬ ‫ين الَ َيج ُدو َن ن َكاحاً َحتَّ ٰى ُي ْغنَي ُه ُم َّ ُ‬ ‫يم * َوْلَي ْستَ ْعفف الذ َ‬ ‫َّللاُ َواس ٌع َعل ٌ‬ ‫ْ َ‬ ‫آء ُي ْغنه ُم َّ ُ‬
‫َ‬
‫َّللاِ َّال ِذي آتَ ُ‬
‫اك ْم َوالَ تُ ْك ِرُهوْا َفتََي ِات ُك ْم َعَلى‬ ‫ال َّ‬‫وهم ِمن َّم ِ‬ ‫اب ِم َّما مَل َك ْت أ َْيم ُان ُكم َف َك ِاتُب ُ ِ ِ ِ ِ‬
‫وه ْم إ ْن َعل ْمتُ ْم فيه ْم َخ ْي اًر َوآتُ ُ ْ ّ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫َي ْب َت ُغو َن اْلكتَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ومن ي ْك ِرهه َّن َفِإ َّن َّ ِ‬ ‫ض اْل َحَي ِاة ُّ‬ ‫اْلِب َغ ِآء ِإ ْن أَرْدن تَح ُّ ِ‬
‫َّللاَ من َب ْعد إ ْك َراهه َّن َغُفوٌر َّرح ٌ‬
‫يم * َوَلَق ْد أ َْن َ ْزلَنآ‬ ‫ََ ُ ُ‬ ‫الد ْنَيا‬ ‫صناً ّلتَْبتَ ُغوْا َع َر َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ومو ِع َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ظ ًة ّلْل ُمتَّق َ‬
‫ين‬ ‫َ َْ‬ ‫ين َخَل ْوْا من َقْبل ُك ْم‬‫ِإَل ْي ُك ْم َآيات ُّمَبِّيَنات َو َمثَالً ّم َن الذ َ‬

‫{إ ّن الذين جاؤوا باإلفك} إلى قوله‪{ :‬لهم مغفرة ورزق كريم} إنما عظم أمر اإلفك وغلظ في الوعيد عليه بما لم يغلظ‬
‫المحرمة ألن عظم الرذيلة‬
‫ّ‬ ‫في غيره من المعاصي‪ ،‬وبالغ في العقاب عليه بما لم يبالغ فيه في باب الزنا وقتل النفس‬
‫القوة التي هي مصدرها‪ .‬وتتفاوت حال الرذائل في حجب صاحبها عن الحضرة‬ ‫وكبر المعصية إنما يكون على حسب ّ‬
‫القدسية وتوريطه في المهالك الهيوالنية والمهاوي الظلمانية على حسب تفاوت مباديها‪ .‬فكلما كانت‬
‫ّ‬ ‫اإللهية واألنوار‬
‫القوة التي هي مصدرها ومبدؤها أشرف‪ ،‬كانت الرذيلة الصادرة منها أردأ وبالعكس‪ ،‬ألن الرذيلة ما تقابل الفضيلة‪ .‬فلما‬
‫القوة الناطقة التي هي أشرف القوى اإلنسانية‪،‬‬
‫أخس‪ ،‬واإلفك رذيلة ّ‬
‫كانت الفضيلة أشرف كان ما يقابلها من الرذيلة ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫القوة الشهوانية‪ ،‬والقتل رذيلة القوة الغضبية فبحسب شرف األولى على الباقيتين تزداد رداءة رذيلتها‪ ،‬وذلك‬
‫والزنا رذيلة ّ‬
‫أن اإلنسان إنما يكون باألولى إنساناً وترقيه إلى العالم العلوي‪ ،‬وتوجهه إلى الجناب اإللهي‪ ،‬وتحصيله للمعارف‬
‫والكماالت‪ ،‬واكتسابه للخيرات والسعادات‪ ،‬إنما يكون بها‪ ،‬فإذا فسدت بغلبة الشيطنة عليها واحتجب عن النور‬
‫ان َعَل ٰى‬ ‫باستيالء الظلمة‪ ،‬حصلت الشقاوة العظمى وحّقت العقوبة بالنار وهو الرين والحجاب الكلي لقوله‪َّ َ :‬‬
‫{كال َب ْل َر َ‬
‫ِ ٍ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫وبو َن}[المطففين‪ ،‬اآليات‪ ]15-14:‬ولهذا وجب خلود العقاب‬ ‫ُقُلوب ِِه ْم َّما َك ُانوْا َي ْكسُبو َن َكال ِإَّن ُه ْم َعن َّرِّب ِه ْم َي ْو َمئذ ل َم ْح ُج ُ‬
‫ن ِ ِ‬ ‫َّللا الَ ي ْغِفر أَن ي ْشر ِ ِ ِ‬
‫آء}[النساء‪،‬‬ ‫ك به َوَي ْغف ُر َما ُدو َ َذل َك ل َمن َي َش ُ‬
‫ُ ََ‬ ‫ودوام العذاب بفساد االعتقاد دون فساد األعمال {ِإ َّن َّ َ َ ُ‬
‫اآلية‪ .] 48:‬وأما الباقيتان فرذيلة كل منهما إنما تعود بظهورها على النطقية الملكية ثم ربما محيت بانقهارها وتسخرها‬

‫لها عند سكون هيجانها وفتور سلطانها باستيالء غلبة النور وتسّلطها عليها بالطبع‪ ،‬كحال النفس ّ‬
‫اللوامة عند التوبة‬
‫السر ومحل الحضور ومناجاة‬
‫والندامة‪ .‬وربما بقيت باإلصرار وترك االستغفار‪ ،‬وفي الحالين ال تبلغ رذيلتهما مقام ّ‬
‫حد الصدر‪ .‬وال تصير الفطرة بها محجوبة الحقيقة منكوسة بخالف تلك‪ ،‬أال ترى أن الشيطنة‬ ‫الرب‪ ،‬وال تتجاوز ّ‬
‫ّ‬
‫المغوي ة لآلدمي أبعد عن الحضرة اإللهية من السبعية والبهيمية وأبعد بما ال يقدر قدره؟ فاإلنسان برسوخ رذيلة النطقية‬
‫يصير شيطاناً‪ ،‬وبرسوخ الرذيلتين األخريين يصير حيواناً كالبهيمة أو السبع وكل حيوان أرجى صالحاً وأقرب فالحاً‬
‫اك أَِثيمٍ}[الشعراء‪ ،‬اآليات‪-221:‬‬ ‫من الشيطان ولهذا قال تعالى‪{ :‬هل أُنِبُئ ُكم عَلى من تَنَّزل َّ ِ‬
‫اطين تََنَّزل عَلى ُك ِل أََّف ٍ‬
‫الشَي ُ ُ َ ٰ ّ‬ ‫َ ْ َّ ْ َ ٰ َ َ ُ‬
‫فإن ارتكاب مثل هذه الفواحش ال يكون إال بمتابعته ومطاوعته‬ ‫‪ ،]222‬ونهى ها هنا عن اتباع خطوات الشيطان‪ّ ،‬‬
‫أذل‪ ،‬محروماً من فضل هللا الذي هو نور هدايته‪ ،‬محجوباً من‬
‫أخس منه و ّ‬‫وصاحبه يكون من جنوده وأتباعه‪ ،‬فيكون ّ‬
‫بتبدل‬
‫رحمته التي هي إفاضة كمال وسعادة‪ ،‬ملعوناً في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ممقوتاً من هللا والمالئكة‪ ،‬تشهد عليه جوارحه ّ‬
‫فإن مثل هذه الخبائث ال تصدر إال من الخبيثين‪،‬‬
‫متورطاً في الرجس‪ّ ،‬‬
‫وتشوه منظرها‪ ،‬خبيث الذات والنفس‪ّ ،‬‬ ‫صورها ّ‬
‫كما قال تعالى‪{ :‬الخبيثات للخبيثين} وأما الطيبون المتنزهون عن الرذائل‪ ،‬فإنما تصدر عنهم الطيبات والفضائل {لهم‬
‫مغفرة} بستر األنوار اإللهية صفات نفوسهم {ورزق كريم} من المعاني والمعارف الواردة على قلوبهم‪.‬‬

‫سورة النور (من اآلية ‪ 35‬الى اآلية ‪)35‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِي ُيوَق ُد ِمن‬
‫اج ُة َكأََّن َها َك ْوَك ٌب ُدّرٌّ‬ ‫اج ٍة ُّ‬
‫الز َج َ‬ ‫اح في ُزَج َ‬
‫وره َك ِم ْش َك ٍاة ِفيها ِمصباح اْل ِمصب ِ‬
‫َْ ُ‬ ‫َ َْ ٌ‬ ‫ض مَثل ُن ِِ‬ ‫َّللا نور َّ ِ‬
‫الس َٰم َٰوت َواأل َْر ِ َ ُ‬ ‫َّ ُ ُ ُ‬
‫ور َي ْه ِدي َّ ِ ِِ‬ ‫ٍ‬
‫َّة ي َكاد َزيتُها ي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َشجرٍة ُّمبارَك ٍة َزيتُ ٍ َّ‬
‫آء‬
‫َّللاُ لُنوره َمن َي َش ُ‬
‫ضيء َوَل ْو َل ْم تَ ْم َس ْس ُه َن ٌار ُّنوٌر َعَل ٰى ُن ٍ‬
‫ُ‬ ‫ونة ال َش ْرِقيَّة َوالَ َغ ْربِي َ ُ ْ َ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ََ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ل َّلناس َو َّ‬
‫َّللاُ ب ُك ّل َشيء َعَلي ٌم‬ ‫ض ِر ُب َّ‬
‫ْ‬ ‫َّللاُ األ َْمثَ َ‬ ‫َوَي ْ‬

‫{هللا نور السماوات واألرض} النور هو الذي يظهر بذاته وتظهر األشياء به‪ ،‬وهو مطلقاً اسم من أسماء هللا تعالى‬
‫شدة ظهوره وظهور األشياء به‪ ،‬كما قيل‪:‬‬
‫باعتبار ّ‬

‫إلدراكه أبصار بوم أخافش‬ ‫تعرضت‬


‫خفي إلفراط الظهور ّ‬
‫ّ‬
‫كشدة حظ للعيون العوامش‬
‫ّ‬ ‫وحفظ العيون الزرق من نور وجهه‬

‫ولما وجد بوجوده‪ ،‬وظهر بظهوره‪ ،‬كان نور السموات واألرض‪ ،‬أي‪ :‬مظهر سموات األرواح وأرض األجساد وهو‬
‫الوجود المطلق الذي وجد به ما وجد من الموجودات واإلضاءة {مثل نوره} صفة وجوده وظهوره في العالمين بظهورها‬
‫وتنوره بنور الروح الذي أشير إليه بالمصباح‬
‫به كمثل {مشكاة فيها مصباح} وهي إشارة إلى الجسد لظلمته في نفسه ّ‬
‫المتنور‬
‫ّ‬ ‫وتشبكه بشباك الحواس وتأللؤ النور من خاللها كحال المشكاة مع المصباح‪ .‬والزجاجة إشارة إلى القلب‬
‫وشبه الزجاجة بالكوكب الدرّي‬
‫المنور لما عداه باإلشراق عليه‪ ،‬تنور القنديل كله بالشعلة وتنويره لغيره‪ّ .‬‬
‫بالروح ّ‬
‫وعلو مكانها وكثر شعاعها كما هو الحال في القلب‪ .‬والشجرة التي توقد منها هذه الزجاجة هي‬
‫لبساطتها وفرط نوريتها ّ‬
‫شبهت بها لتشعب فروعها وتفنن قواها‪ ،‬نابتة من أرض الجسد ومتعالية أغصانها في‬‫النفس القدسية المزكاة‪ ،‬الصافية‪ّ ،‬‬
‫وشدة‬
‫قضاء القلب إلى سماء الروح‪ ،‬وصفت بالبركة لكثرة فوائدها ومنافعها من ثمرات األخالق واألعمال والمدركات ّ‬
‫نمائها بالترقي في الكماالت وحصول سعادة الدارين‪ ،‬وكمال العالمين بها‪ ،‬وتوقف ظهور األنوار واألسرار والمعارف‬
‫وخصت بالزيتونة لكون مدركاتها جزئية مقارنة لنوء اللواحق‬
‫والحقائق والمقامات والمكاسب واألحوال والمواهب عليها‪ّ ،‬‬
‫المادية كالزيتون‪ ،‬فإنه ليس كله ّلباً‪ ،‬ولوفور قّلة استعدادها لالشتعال واالستضاءة بنور نار العقل الفعال‪ ،‬الواصل إليها‬
‫بواسطة الروح والقلب كوفور الدهنية القابلة الشتعال الزيتون‪ .‬ومعنى كونها {ال شرقية وال غربية} إنها متوسطة بين‬
‫غرب عالم األجساد الذي هو موضع غروب النور وبروزه عن الحجاب النوراني لكونها ألطف وأنور من الجسد وأكثف‬
‫من الروح‪.‬‬

‫{يكاد} زيت استعدادها من النور القدسي الفطري الكامن فيها‪ ،‬يضيء بالخروج إلى الفعل والوصول إلى الكمال بنفسه‪،‬‬

‫فتشرق {ولو لم تمسسه نار} العقل الفعال‪ .‬ولم يتصل به نور روح القدس ّ‬
‫لقوة استعداده وفرط صفائه {نور على نور}‬
‫أي‪ :‬هذا المشرق باإلضاءة من الكمال الحاصل نور زائد على نور االستعداد الثابت المشرق في األصل كأنه نور‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫متضاعف {يهدي هللا لنوره} الظاهر بذاته المظهر لغيره‪ ،‬بالتوفيع والهداية {من يشاء} من أهل العناية ليفوز بالسعادة‬
‫{وهللا بكل شيء عليم} يعلم األمثال وتطبيقها‪ ،‬ويكشف ألوليائه تحقيقها‪.‬‬

‫سورة النور (من اآلية ‪ 36‬الى اآلية ‪)38‬‬

‫ال الَّ ُتْل ِهي ِه ْم ِت َج َارةٌ َوالَ َب ْي ٌع َعن‬ ‫ِ‬


‫اآلصال * ِرَج ٌ‬ ‫ِف َ ِ ِ‬
‫يها باْل ُغ ُدّو َو َ‬ ‫اس ُم ُه ُي َسِّب ُح َل ُه‬
‫يها ْ‬
‫ِ‬ ‫وت أ َِذ َن َّ‬
‫َّللاُ أَن تُ ْرَف َع َوُي ْذ َك َر ف َ‬
‫ِفي بي ٍ‬
‫ُُ‬
‫َح َس َن َما َع ِمُلوْا َوَي ِز َيد ُه ْم‬ ‫ص ُار * لَِي ْج ِزَي ُه ُم َّ‬ ‫ِِ‬ ‫الزَك ِ‬
‫ـاة َي َخا ُفو َن َي ْوماً تَتََقَّل ُب‬ ‫الصالَ ِة وإِيتَ ِآء َّ‬ ‫َّللاِ َوإِ َقا ِم َّ‬
‫ِذ ْك ِر َّ‬
‫َّللاُ أ ْ‬ ‫وب َواأل َْب َ‬
‫فيه اْلُقُل ُ‬ ‫َ‬
‫َّللا ي ْرُز ُق من ي َشآء ِب َغ ْي ِر ِحس ٍ‬
‫اب‬ ‫ِمن َف ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ضله َو َّ ُ َ‬‫ْ‬ ‫ّ‬

‫{في بيوت} أي‪ :‬يهدي هللا لنوره من يشاء في مقامات {إذن هللا} أن يرفع بناؤها وتعلى درجاتها {ويذكر فيها اسمه}‬
‫باللسان والمجاهدة والتخّلق باألخالق في مقام النفس والحضور والمراقبة‪ ،‬واالتّصاف باألوصاف في مقام القلب‬
‫التحير في األنوار في مقام الروح‬
‫السر والمناغاة بالمشاهدة‪ ،‬و ّ‬
‫والمناجاة والمكالمة‪ ،‬والتحقيق باألسرار في مقام ّ‬
‫واالستغراق واالنطماس والفناء في مقام الذات‪.‬‬

‫بغدو التجلي وآصال االستتار {رجال} أي‪ :‬رجال أفراد‬‫{يسبح له فيها} بالتزكية والتنزيه والتوحيد والتجريد والتفريد ّ‬
‫مجردون مفردون قائمون بالحق {ال تلهيهم تجارة} باستبدال متاع العقبى بالدنيا في زهدهم‪ ،‬وال بيع أنفسهم‬ ‫سابقون ّ‬
‫وأموالهم بأن لهم الجنة في جهادهم عن ذكر الذات {وإقام} صالة الشهود في الفناء {وإيتاء} زكاة اإلرشاد والتكميل‬
‫حال البقاء {يخافون يوماً تتقّلب فيه القلوب} إلى األسرار {واألبصار} إلى البصائر‪ ،‬بل تتقلب حقائقها بأن تفنى وتوجد‬
‫بالحق‪ ،‬كما قال‪" :‬كنت سمعه وبصره" من ظهور البقية وبقاء األنية {ليجزيهم هللا} بالوجود الحقاني {أحسن ما عملوا}‬
‫ّ‬
‫من جنات األفعال والنفوس واألعمال {ويزيدهم من فضله} من جنات القلوب والصفات {وهللا يرزق من يشاء} من‬
‫ويَقاس‪.‬‬
‫جنات األرواح والمشاهدات {بغير حساب} لكونه أكثر من أن يحصى ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة النور (من اآلية ‪ 39‬الى اآلية ‪)42‬‬

‫َّللاَ ِع َندهُ َف َوَّفـ ُٰه ِح َس َاب ُه َو َّ‬


‫آءهُ َل ْم َي ِج ْدهُ َش ْيئاً َوَو َج َد َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫اب ِبِق ٍ‬‫َعماُلهم َكسر ٍ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّللاُ‬ ‫آء َحت ٰى إ َذا َج َ‬
‫آن َم ً‬ ‫يعة َي ْح َسُب ُه الظ ْم ُ‬‫َ‬ ‫ين َكَف ُروْا أ ْ َ ُ ْ َ َ‬ ‫َوالذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫اب * أَو َك ُ ٍ ِ‬ ‫س ِريع اْل ِحس ِ‬
‫ض‬‫ض َها َف ْو َق َب ْع ٍ‬ ‫ات َب ْع ُ‬
‫ظُل َم ٌ‬‫اب ُ‬ ‫ظُل َمات في َب ْح ٍر ل ِّج ٍّي َي ْغ َشاهُ َم ْوٌج ّمن َف ْوِقه َم ْوٌج ّمن َف ْوِقه َس َح ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ َ‬
‫الس ٰم ٰوتِ‬ ‫ِ‬ ‫َن َّ ِ‬ ‫ور * أََل ْم تََر أ َّ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ َل ُه ُنو اًر َف َما َل ُه من ُن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِإ َذآ أ ْ‬
‫َّللاَ ُي َسّب ُح َل ُه َمن في َّ َ َ‬ ‫اها َو َمن ل ْم َي ْج َعل َّ‬
‫َخ َرَج َي َدهُ َل ْم َي َك ْد َي َر َ‬
‫َّللاِ‬ ‫ِ‬
‫ات واأل َْر ِ‬
‫ض َوإَِل ٰى َّ‬ ‫يم ِب َما َيْف َعُلو َن * َوََّّللِ ُمْل ُك َّ‬ ‫الطير ص َّآف ٍ‬
‫ات ُك ٌّل َق ْد علِم صالَتَه وتَسِبيحه و َّ ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫الس َم َاو َ‬ ‫َّللاُ َعل ٌ‬ ‫َ َ َ ُ َ ْ َُ َ‬ ‫َواأل َْرض َو ْ ُ َ‬
‫اْلم ِ‬
‫ص ُير‬ ‫َ‬

‫{والذين كفروا} حجبوا عن الدين {أعمالهم} التي يعملونها رجاء الثواب {كسراب بقيعة} لكونها صادرة عن هيئات‬
‫خالية قائمة بساهرة نفس حيوانية {يحسبه الظمآن ماء} أي‪ :‬يتوهمها صاحبها المؤمل لثوابها أمو اًر باقية لذيذة دائمة‬
‫مطابقة لما توهمه {حتى إذا جاءه} في القيامة الصغرى {لم يجده} شيئاً موجوداً‪ ،‬بل خالياً‪ ،‬فاسداً‪ ،‬وظناً كاذباً‪ ،‬كما‬
‫آء َّمنثُو اًر}[الفرقان‪ ،‬اآلية‪.]23:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫قال تعالى‪ِ ِ :‬‬
‫{وَقد ْمَنآ إَل ٰى َما َعمُلوْا م ْن َع َمل َف َج َعْلَناهُ َهَب ً‬
‫َ‬

‫{ووجد هللا عنده} أي‪ :‬وجد مالئكة هللا من زبانية القوى والنفوس السماوية واألرضية عند ذلك ّ‬
‫التخيل الموهوم يقودونه‬
‫إلى نيران الحرمان وخزي الخسران‪ ،‬ويوفونه ما يناسب اعتقاده الفاسد وعمله الباطل من حميم الجهل وغساق الظلمة‪.‬‬

‫{أو كظلمات} في بحر الهيولى اللجي العميق الغامر لجثة كل نفس جاهلة‪ ،‬محجوبة بهيئات بدنية‪ ،‬الغامس لكل ما‬
‫ّ‬
‫يتعلق به من القوى النفسانية {يغشاه موج} الطبيعة الجسمانية {من فوقه} موج النفس النباتية {من فوقه} سحاب النفس‬
‫الحيوانية وهيئاتها الظلمانية {ظلمات} متراكمة {بعضها فوق بعض إذا أخرج} المحجوب بها‪ ،‬المنغمسن المحبوس فيها‬
‫{يده} القوة العاقلة النظرية بالفكر {لم يكد يراها} لظلمتها وعمى بصيرة صاحبها وعدم اهتدائه إلى شيء‪ ،‬وكيف يرى‬
‫األعمى الشيء األسود في الليل البهيم؟‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أن هللا‬
‫القدسي والمدد العقلي {فما له من نور}‪{ ،‬ألم تر ّ‬ ‫{ومن لم يجعل هللا له نو اًر} بإشراق أنوار الروح عليه من التأييد‬
‫ّ‬
‫يسبح له من في} عالم سماوات األرواح بالتقديس وإظهار صفاته الجمالية {ومن في} عالم أراضي األجساد بالتحميد‬
‫والتعظيم وإظهار صفاته الجاللية‪ ،‬وطير القوى القلبية والسرية باألمرين {صافات} مترتبات في مراتبها من فضاء‬
‫ِ ِ َّ‬
‫وم}[الصافات‪ ،‬اآلية‪:‬‬ ‫{و َما مَّنآ إال َل ُه َمَق ٌ‬
‫ام َّم ْعُل ٌ‬ ‫حدها‪ ،‬كما قال‪َ :‬‬
‫السر‪ ،‬مستقيمات بنور السكينة‪ ،‬ال تتجاوز واحدة منها ّ‬
‫ّ‬
‫‪.]164‬‬

‫{كل قد علم صالته} طاعته المخصوصة به من انقهاره وتسخره تحت قهره‪ ،‬وسلطنته علمية كانت أو عملية‪ ،‬ومن‬
‫محافظته لتربيته وحضوره لوجهه تعالى فيما أمره به {وتسبيحه} إظهار خاصيته التي ينفرد بها‪ ،‬الشاهدة على وحدانيته‬
‫{وهللا عليم} بأفعالهم وطاعاتهم‪.‬‬

‫سورة النور (من اآلية ‪ 43‬الى اآلية ‪)44‬‬

‫السم ِآء ِمن ِجب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬


‫ال‬ ‫َ‬ ‫َّللاَ ُي ْزِجي َس َحاباً ثُ َّم ُي َؤّل ُ‬
‫ف َب ْيَن ُه ثُ َّم َي ْج َعُل ُه ُرَكاماً َفتَ َرى اْل َوْد َق َي ْخ ُرُج م ْن خالَله َوُيَنِّزُل م َن َّ َ‬ ‫أََل ْم تَ َر أ َّ‬
‫َن َّ‬
‫الن َه َار ِإ َّن‬ ‫َّللا َّ‬
‫اللْي َل َو َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫يب ِب ِه َمن َي َشآء َوَي ْ ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِف ِ‬
‫ص ِار * ُيَقّل ُب َّ ُ‬ ‫آء َي َك ُاد َسَنا َب ْرقه َي ْذ َه ُب باأل َْب َ‬
‫صرُف ُه َعن َّمن َي َش ُ‬ ‫ُ‬ ‫يها من َب َرد َفُيص ُ‬ ‫َ‬
‫ص ِار‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِٰ ِ‬
‫في ذل َك َلع ْب َرًة أل ُْولي األ َْب َ‬

‫{ألم تر أن هللا يزجي} برياح النفخات واإلرادات سحاب العقل فروعاً منتزعة من الصور الجزئية ثم يؤلف فيه على‬
‫ضروب المتألفات المنتجة {ثم يجعله ركاماً} حججاً وبراهين {فترى} ودق النتائج والعلوم اليقينية {يخرج من خالله‬
‫وينزل من} سماء الروح من جبال أنوار السكينة واليقين الموجبة للوقار والطمأنينة واالستقرار {فيها} أي في تلك الجبال‬
‫من برد الحقائق والمعارف الكشفية والمعاني الذوقية‪ ،‬أو من جبال في السماء وهي معادن العلوم والكشوف وأنواعها‪،‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫فإن لكل علم وصنعة معدناً في الروح ثابتاً فيه بحسب الفطرة‪ ،‬يفيض منه ذلك العلم‪ ،‬ولهذا يتأتى لبعضهم بعض‬
‫ّ‬
‫العلوم بالسهولة دون بعض‪ ،‬ويتأتى لبعضهم أكثرها وال يتأتى لبعضهم شيء منها‪ ،‬وكل ميسر لما خلق له‪ ،‬أي‪ :‬ينزل‬
‫من سماء الروح من الجبال التي فيها برد المعارف والحقائق {فيصيب به من يشاء} من القوى الروحانية {ويصرفه‬
‫عمن يشاء} من القوى النفسانية والنفوس المحجوبة‪.‬‬

‫تستقر بل تلمع‬
‫ّ‬ ‫يقدمه من األنوار الملتمعة التي ال تلبث وال‬ ‫{يكاد سنا برقه} أي‪ :‬ضوء بوارق ذلك البرد‪ ،‬وهو ما ّ‬
‫وتخفى إلى أن تصير متمكنة تذهب بأبصار البصائر حيرة ودهشاً‪ ،‬وكلما زاد ازدادت تحي اًر‪ ،‬ولهذا قال عليه السالم‪:‬‬
‫فينور القلب‬
‫تحي اًر" أي‪ :‬علماً ونو اًر {يقلب هللا} ليل ظلمة النفس ونهار نور الروح بأن يغلب تارة نور الروح ّ‬
‫"رب زدني ّ‬
‫ّ‬
‫{إن في ذلك لعبرة} يعتبر بها أولو‬
‫وتكدر القلب في التلوينات ّ‬ ‫والنفس ويعقبه أخرى ظلمة النفس بالظهور ّ‬
‫فتتكدر ّ‬
‫األبصار القلبية أو البصائر‪ ،‬فيلتجئون إلى هللا في التلوينات وظلم النفس‪ ،‬ويلوذون بجناب الحق ومعدن النور‪،‬‬
‫ويعبرون إلى مقام السر والروح‪ ،‬فينكشف عنهم الحجاب‪.‬‬

‫سورة النور (من اآلية ‪ 45‬الى اآلية ‪)64‬‬

‫نه ْم َّمن َي ْم ِشي َعَل ٰى ِر ْجَل ْي ِن َو ِم ْن ُه ْم َّمن َي ْم ِشي َعَل ٰى أ َْرَب ٍع‬ ‫َّة ِمن َّم ٍآء َف ِمنهم َّمن يم ِشي عَلى ب ْ ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫طنه َو ِم ُ‬ ‫َ ٰ َ‬ ‫َْ‬ ‫ُْْ‬ ‫َّللاُ َخَل َق ُك َّل َدآب ّ‬ ‫َو َّ‬
‫اط ُّم ْستَِقي ٍم‬‫صر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ات و َّ ِ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬ ‫َّللاَ َعَل ٰى ُك ِّل َش ْي ٍء َق ِد ٌير * َّلَق ْد أ َ ْ‬
‫آء ِإَل ٰى َ‬ ‫َّللاُ َي ْهدي َمن َي َش ُ‬ ‫َنزلَنآ َآيات ُّمَبّيَن َ‬ ‫آء ِإ َّن َّ‬ ‫َّللاُ َما َي َش ُ‬
‫َي ْخُل ُق َّ‬
‫َّللاِ‬
‫ين* َوِإ َذا ُد ُعوْا ِإَلى َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِٰ‬ ‫طعنا ثُ َّم يتَوَّلى َف ِر ِ ِ‬ ‫ِالرس ِ‬ ‫*ويُقوُلون آمَّنا ِب َّ ِ‬
‫يق ّم ْن ُه ْم ّمن َب ْعد ذل َك َو َمآ أ ُْوَلـٰئ َك ِباْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫ٌ‬ ‫ول َوأَ َ ْ َ َ َ ٰ‬ ‫اَّلل َوب َّ ُ‬ ‫ََ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫َّ‬ ‫ورسولِ ِه لِيح ُكم بينهم ِإ َذا َف ِر ِ‬
‫ض أَ ِم ْارتَ ُابوْا‬ ‫ين * أَفي ُقُلوب ِِه ْم َّم َر ٌ‬ ‫ضو َن * َوإِن َي ُك ْن ل ُه ُم اْل َح ُّق َيأْتُوْا ِإَل ْيه ُم ْذعن َ‬ ‫يق ّم ْن ُه ْم ُّم ْع ِر ُ‬‫ٌ‬ ‫َ ْ َ ََْ ُ ْ‬ ‫ََ ُ‬
‫َّللاِ ورسولِهِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان َقول اْلم ْؤ ِمن َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين إ َذا ُد ُعواْ إَلى َّ َ َ ُ‬ ‫َّللاُ َعَل ْيه ْم َوَرُسوُل ُه َب ْل أ ُْوَلـٰئ َك ُه ُم الظال ُمو َن * إَّن َما َك َ ْ َ ُ‬ ‫أ َْم َي َخا ُفو َن أَن َيح َ‬
‫يف َّ‬
‫َفأ ُْوَلـِٰئ َك ُه ُم‬ ‫َّللاَ َوَيتَّْق ِه‬
‫ش َّ‬ ‫ط ْعَنا َوأ ُْوَلـِٰئ َك ُه ُم اْل ُمْفلِ ُحو َن * َو َمن ُي ِط ِع َّ‬
‫َّللاَ َوَرُسوَل ُه َوَي ْخ َ‬ ‫لَِي ْح ُك َم َب ْيَن ُه ْم أَن َيُقوُلوْا َس ِم ْعَنا َوأَ َ‬
‫ِب َما تَ ْع َمُلو َن *‬ ‫َّللاَ َخِب ٌير‬ ‫اع ٌة َّم ْع ُروَف ٌة ِإ َّن َّ‬ ‫َم ْرتَ ُه ْم َلَي ْخ ُر ُج َّن ُقل الَّ تُْق ِس ُموْا َ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫اْلَف ِآئزون * وأَ ْقسموْا ِب َّ ِ‬
‫ط َ‬ ‫اَّلل َج ْه َد أ َْي َمانه ْم َلئ ْن أ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫ُ‬
‫ول ِإالَّ‬
‫الرس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َطيعوْا َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ول َفِإن تََول ْوْا َفِإَّن َما َعَل ْيه َما ُح ّم َل َو َعَل ْي ُك ْم َّما ُح ّمْلتُ ْم َوإِن تُط ُ‬
‫يعوهُ تَ ْهتَ ُدوْا َو َما َعَلى َّ ُ‬ ‫الرُس َ‬
‫يعوْا َّ‬
‫َّللاَ َوأَط ُ‬ ‫ُق ْل أ ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ين ِمن َقْبلِ ِه ْم‬ ‫ض َكما استَخَل َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا َّال ِذين آمنوْا ِم ْن ُكم وع ِمُلوْا َّ ِ ِ‬
‫ف الذ َ‬ ‫الصال َحات َلَي ْستَ ْخلَفَّن ُه ْم في األ َْر ِ َ ْ ْ َ‬ ‫ْ ََ‬ ‫ين * َو َع َد َّ ُ َ َ ُ‬ ‫اْلَبالَغُ اْل ُمِب ُ‬
‫ونِني الَ ُي ْش ِرُكو َن ِبي َش ْيئاً َو َمن َكَف َر َب ْع َد ٰذلِ َك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ٰى َل ُه ْم َوَلُيَبّدَلَّن ُه ْم ّمن َب ْعد َخ ْوِف ِه ْم أ َْمناً َي ْعُب ُد َ‬
‫َوَلُي َم ّكَن َّن َل ُه ْم د َين ُه ُم الذي ْارتَ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َكَف ُروْا ُم ْع ِج ِز َ‬
‫ين‬ ‫ول َل َعل ُك ْم تُ ْر َح ُمو َن * الَ تَ ْح َسَب َّن الذ َ‬ ‫الرُس َ‬
‫يعوْا َّ‬
‫ـاة َوأَط ُ‬
‫الزَك َ‬‫الصـالَ َة وآتُوْا َّ‬
‫َ‬ ‫يموْا َّ‬ ‫َفأ ُْوَلـٰئ َك ُه ُم اْلَفاسُقو َن * َوأَق ُ‬
‫َّ ِ‬ ‫صير * ٰيأَيُّها َّال ِذين ءامنوْا لِيستَأ ِْذ ُ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َل ْم َيْبُل ُغوْا اْل ُحُل َم‬ ‫ين َمَل َك ْت أ َْي َمـُٰن ُك ْم َوالذ َ‬ ‫نك ُم الذ َ‬ ‫َ َ َُ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫الن ُار َوَلِب ْئ َس اْل َم ُ‬‫ٰهم َّ‬ ‫ِ‬
‫في األ َْرض َو َمأ َْو ُ ُ‬
‫ال ُث عور ٍ‬
‫ات َّل ُك ْم‬ ‫الظ ِهيرِة و ِمن بع ِد ٰ ِ ِ ِ‬ ‫ات ِمن َقب ِل صـ َٰلوِة اْلَفج ِر و ِحين تَضعو َن ِثيـٰب ُكم ِمن َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِم ُ‬
‫صَلوة اْلع َشآء ثَ َ َ ْ َ‬ ‫َ َ َْ َ‬ ‫ََ ْ ّ َ‬ ‫ْ َ َ َ ُ‬ ‫ال َث َمَّر ّ ْ َ‬ ‫نك ْم ثَ َ‬
‫ِ‬ ‫ٰت و َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض َك َذلِ َك ُيَبِّي ُن َّ‬
‫يم *‬ ‫يم َحك ٌ‬ ‫َّللاُ َعل ٌ‬ ‫َّللاُ َل ُك ُم األََيـ َ‬
‫ض ُكم َعَل ٰى َب ْع ٍ‬
‫ط َٰوُفو َن َعَل ْي ُك ْم َب ْع ُ ْ‬ ‫َل ْي َس َعَل ْي ُك ْم َوالَ َعَل ْي ِه ْم ُجَن ٌ‬
‫اح َب ْع َد ُه َّن َ‬
‫يم *‬ ‫ِ‬ ‫َّللا َل ُكم آي ِات ِه و َّ ِ‬ ‫نكم اْل ُحُلم َفْلَيستَأ ِْذُنوْا َكما استَ ْأ َذ َن َّال ِذ َ ِ ِ ِ ٰ ِ ِ‬ ‫طَف ِ‬
‫َحك ٌ‬ ‫يم‬
‫َّللاُ َعل ٌ‬ ‫ين من َقْبله ْم َكذل َك ُيَبّي ُن َّ ُ ْ َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ال م ُ ُ‬
‫َوإِ َذا َبَل َغ األَ ْ ُ‬
‫َوأَن َي ْستَ ْعِفْف َن‬ ‫ات ِب ِز َين ٍة‬
‫النس ِآء َّالالَِتي الَ يرجون ِن َكاحاً َفَليس عَلي ِه َّن جناح أَن يضعن ِثيابه َّن َغير متَب ِرج ٍ‬
‫ُ َ ٌ َ َ ْ َ َ َ ُ ْ َ ُ َّ َ‬ ‫َْ َْ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫َواْلَق َواع ُد م َن ّ َ‬
‫َنف ِس ُك ْم‬ ‫َع َرِج َح َرٌج والَ َعَلى اْلم ِر ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّللا س ِم ِ ِ‬ ‫َّ‬
‫يض َح َرٌج َوالَ َعَل ٰى أ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َع َم ٰى َح َرٌج َوالَ َعَلى األ ْ‬ ‫يم * ل ْي َس َعَلى األ ْ‬ ‫يع عل ٌ‬ ‫َخ ْيٌر ل ُه َّن َو َّ ُ َ ٌ‬
‫وت أَع ٰم ِم ُكم أَو بي ِ‬ ‫وت أَخ ٰوِت ُكم أَو بي ِ‬ ‫وت ِإ ْخ ٰوِن ُكم أَو بي ِ‬ ‫ُم ٰهِت ُكم أَو بي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أَن تَأ ُ ِ‬
‫وت‬ ‫ْ َ ْ ْ ُُ‬ ‫َ َ ْ ْ ُُ‬ ‫َ ْ ْ ُُ‬ ‫ْكُلوْا من ُبُيوِت ُك ْم أ َْو ُبُيوت َء َابآئ ُك ْم أ َْو ُبُيوت أ َّ َ ْ ْ ُ ُ‬
‫َشتَاتاً‬ ‫ْكُلوْا َج ِميعاً أ َْو أ ْ‬‫اح أَن تَأ ُ‬ ‫وت َٰخ َٰلِت ُكم أَو ما مَل ْكتُم َّمَف ِاتحه أَو ِ ِ‬ ‫َخ ٰولِ ُكم أَو بي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِٰ‬
‫صديق ُك ْم َل ْي َس َعَل ْي ُك ْم ُجَن ٌ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ْ ْ َ َ ْ‬ ‫َع َّمت ُك ْم أ َْو ُبُيوت أ ْ َ ْ ْ ُ ُ‬
‫األي ِت َل َعَّل ُك ْم تَ ْعِقُلو َن * ِإَّن َما‬
‫َّللاُ َل ُك ُم َٰ‬‫طِّيَب ًة َك َٰذلِ َك ُيَبِّي ُن َّ‬
‫َّللاِ ُم َٰب َرَك ًة َ‬
‫َنف ِس ُك ْم تَ ِحَّي ًة ِّم ْن ِع ِند َّ‬
‫َفِإ َذا َد َخْلتُ ْم ُبُيوتاً َف َسّلِ ُموْا َعَل ٰى أ ُ‬
‫ون َك أ ُْوَلـِٰئ َك‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫اْلمؤ ِمنون َّال ِذين آمنوْا ِب َّ ِ‬
‫ين َي ْستَأْذُن َ‬‫اَّلل َوَرُسولِه َوِإ َذا َك ُانوْا َم َع ُه َعَل ٰى أ َْم ٍر َجام ٍع ل ْم َي ْذ َهُبوْا َحتَّ ٰى َي ْستَأْذُنوهُ ِإ َّن الذ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫ُْ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫استَ ْغِف ْر َل ُه ُم َّ‬
‫َّللاَ ِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وك لَِب ْع ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّال ِذين يؤ ِمنون ِب َّ ِ‬
‫يم *‬ ‫ور َّرح ٌ‬ ‫َّللاَ َغُف ٌ‬ ‫ض َش ْأنه ْم َف ْأ َذن ّل َمن ش ْئ َت م ْن ُه ْم َو ْ‬ ‫استَ ْأ َذُن َ‬ ‫اَّلل َوَرُسولِه َفإ َذا ْ‬ ‫َ ُْ ُ َ‬
‫ين ُي َخالُِفو َن َع ْن‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ‬ ‫بعضاً َقد يعَلم َّ َّ ِ‬ ‫ول بين ُكم َكدع ِآء بع ِ‬
‫الَّ تَجعُلوْا ُد َعآء َّ ِ‬
‫ين َيتَ َسلُلو َن من ُك ْم لَواذاً َفْلَي ْح َذ ِر الذ َ‬
‫َّللاُ الذ َ‬ ‫ْ َْ ُ‬ ‫َْ‬ ‫ض ُك ْم‬ ‫الرُس َ ْ َ ْ ُ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ض َق ْد َي ْعَلم َمآ أَنتُ ْم َعَل ْي ِه َوَي ْوم ُي ْرَج ُعو َن‬‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫* أَال إ َّن ََّّلل َما في َّ َ َ َ‬ ‫يم‬ ‫صيبهم ع َذ ِ‬
‫اب أَل ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أ َْم ِِره أَن تُص َيب ُه ْم ف ْتَن ٌة أ َْو ُي َ ُ ْ َ ٌ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫يم‬‫ٍ ِ‬ ‫ِإَلي ِه َفيَنِبُئهم ِبما َع ِمُلوْا و َّ ِ ِ‬
‫َّللاُ ب ُك ّل َش ْيء َعل ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ ّ ُْ َ‬

‫تدب في أراضي النفوس وتبعثها إلى األفعال {من ماء}‬


‫{وهللا خلق كل دابة} من أصناف دواب الدواعي التي ّ‬
‫مخصوص‪ ،‬أي‪ :‬علم مناسب لتلك الداعية المتولدة منه‪ .‬فإن منشأ كل داعية إدراك مخصوص‪.‬‬

‫{فمنهم من يمشي على بطنه} ويزحف في الطبيعة‪ ،‬ويحدث األعمال البدنية الطبيعية {ومنهم من يمشي على رجلين}‬
‫من الدواعي اإلنسانية فيحدث األعمال اإلنسانية والكماالت العملية {ومنهم من يمشي على أربع} من الدواعي الحيوانية‬
‫فيبعث على األعمال السبعية والبهيمية {يخلق هللا ما يشاء} من هذه الدواعي من منشأ قدرته الباهرة‪ ،‬الكاملة في إنشاء‬
‫األعمال ويهدي من يشاء باآليات السابقة المذكورة من الحكم والمعاني والمعارف والحقائق من منشأ حكمته البالغة‬
‫التامة في إظهار العلوم واألحوال إلى صراط التوحيد الموصوف باالستقامة إليه {ويقولون آمنا باهلل وبالرسول} أي‪:‬‬
‫ّيدعون التوحيد جمعاً وتفصيالً والعمل بمقتضاه {ثم يتولى فريق منهم} بترك العمل بمقتضى الجمع والتفصيل‪،‬‬
‫بارتكاب اإلباحة والتزندق {وما أولئك بالمؤمنين} اإليمان الذي عرفته و ّادعوه من العلم باهلل جمعاً وتفصيالً‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{ومن يطع هللا} باطناً بشهود الجمع {ورسوله} ظاه اًر بحكم التفصيل {ويخشى هللا} بالقلب بمراقبة تجليات الصفات {‬
‫ويتّقه} بالروح عن ظهور أنائيته في شهود الذات {فأولئك هم الفائزون} بالفوز العظيم‪.‬‬

‫{وعد هللا الذين آمنوا منكم} باليقين {وعملوا الصالحات} باكتساب الفضائل {ليستخلفنهم} وأقسم ليجعلنهم خلفاء في‬
‫أرض النفس إذ جاهدوا في هللا حق جهاده {كما استخلف الذين} سبقوهم إلى مقام الفناء في التوحيد من أوليائه‬
‫{وليمكنن لهم} بالبقاء بعد الفناء {دينهم} طريق االستقامة فيه المرضية {وليبدلنهم من بعد خوفهم} في مقام النفس‬
‫{أمناً} بالوصول واالستقامة {يعبدونني} أي‪ :‬يوحدونني من غير التفات إلى غيري وإثباته {ومن كفر بعد ذلك}‬
‫بالطغيان بظهور األنائية‪ ،‬وخرج عن االستقامة والتمكين والتلوين {فأولئك هم الفاسقون} الخارجون عن دين التوحيد‪.‬‬

‫سورة الفرقان (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)3‬‬

‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬


‫ض َوَل ْم َيتَّ ِخ ْذ َوَلداً َوَل ْم َي ُكن َّل ُه‬ ‫َّ ِ‬ ‫تَبارك َّال ِذي نَّزل اْلُفرَقان عَلى عب ِدِه لِي ُكون لِْلعاَل ِم ِ‬
‫ين َنذي اًر * الذي َل ُه ُمْل ُك َّ َ َ َ‬ ‫َ َ ْ َ َ ٰ َْ َ َ َ َ‬ ‫ََ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المْل ِك َو َخَل َق ُك َّل َشي ٍء َفَقَّد َرهُ تَْقدي اًر * َواتَّ َخ ُذوْا ِمن ُدوِنه آلِ َه ًة الَّ َي ْخُلُقو َن َش ْيئاً َو ُه ْم ُي ْخَلُقو َن َوالَ َي ْملِ ُكو َن‬ ‫َش ِر ِ‬
‫ْ‬ ‫يك في ُ‬ ‫ٌ‬
‫ضّاًر َوالَ َنْفعاً َوالَ َي ْملِ ُكو َن َم ْوتاً َوالَ َحَيـاةً َوالَ ُن ُشو اًر‬ ‫ِ‬
‫أل َْنُفس ِه ْم َ‬

‫{نزل الفرقان} وتزايد‪ ،‬ألن إنزال الفرقان هو إظهار العقل الفرقاني المخصوص‬
‫{تبارك الذي} أي‪ :‬تكاثر خير الذي ّ‬
‫بعبده المخصوص به بانفراده من جملة العالمين باالستعداد الكامل الذي لم يكن ألحد مثله‪ ،‬فيكون عقله الفرقاني هو‬
‫العقل المحيط المسمى عقل الكل‪ ،‬الجامع لكماالت جميع العقول‪ ،‬وذلك إنما يكون بظهوره تعالى في مظهره المحمدي‬
‫بجميع صفاته المفيض بها على جميع الخالئق على اختالف استعداداتهم‪ ،‬وذلك الظهور هو تكثر الخير وتزايده الذي‬
‫لم يمكن أزيد وال أكثر منه‪ ،‬ولذلك قال‪{ :‬ليكون للعالمين نذي اًر} أي‪ :‬على العموم‪ ،‬فإن كل نبي غيره كانت رسالته‬
‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫النبوة ومن هذا‬
‫مخصوصة بمن ناسب استعداده من الخالئق‪ ،‬ورسالته عليه السالم عامة للكل‪ ،‬وهو بعينه معنى ختم ّ‬
‫تبين كون أمتة خير األمم‪.‬‬

‫{الذي له ُمْلك السماوات واألرض} يقهرهما تحت ملكوته‪ ،‬أوجد كل شيء موسوماً‪ ،‬يتعين بسمة اإلمكان‪ ،‬ويشهد عليه‬
‫{فقدره تقدي اًر} على قدر قبول بعض صفاته ومظهرية بعض كماالته دون بعض‪ ،‬أي‪ :‬هيأ استعداداتهم لما شاء‬
‫بالعدم ّ‬
‫من كماالتهم التي هي صفاته‪.‬‬

‫سورة الفرقان (من اآلية ‪ 4‬الى اآلية ‪)20‬‬

‫َساط ُير األََّوِل َ‬


‫ين‬ ‫ظْلماً وزو اًر * وَقاُلوْا أ ِ‬
‫آءوا ُ َ ُ‬ ‫َع َان ُه َعَل ْي ِه َق ْوٌم َ ن‬ ‫َّ‬
‫ين َكَف ُروْا ِإ ْن َهـٰ َذا ِإال ِإ ْف ٌك ا ْفتَ َراهُ َوأ َ‬
‫وَق َّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫آخ ُرو َ َفَق ْد َج ُ‬ ‫ال الذ َ‬ ‫َ َ‬
‫ان َغُفو اًر َّرِحيماً *‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ِإَّن ُه َك َ‬
‫السماوات واألَْر ِ‬
‫السَّر في َّ َ َ َ‬ ‫ا ْكتَتََب َها َف ِه َي تُ ْمَل ٰى َعَل ْيه ُب ْك َرًة َوأَصيالً * ُق ْل أ َ‬
‫َنزَل ُه الذي َي ْعَل ُم ّ‬
‫ُنزَل ِإَل ْي ِه َمَل ٌك َفَي ُكو َن َم َع ُه َن ِذي اًر * أ َْو ُيْلَق ٰى ِإَل ْي ِه َك ْنٌز أ َْو‬ ‫الط َعام وَي ْم ِشي ِفي األَ ْسو ِ‬
‫اق َل ْوال أ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ْكل َّ‬ ‫ال َهـٰ َذا َّ ِ‬
‫الرُسول َيأ ُ ُ‬
‫وَقاُلوْا م ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ضلوْا َفالَ‬‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫ال الظال ُمو َن ِإن تَتَِّب ُعو َن ِإال َر ُجالً َّم ْس ُحو اًر * ان ُ‬‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫تَ ُكو ُن َل ُه َجَّن ٌة َيأ ُ‬
‫ال َف َ‬‫ض َرُبوْا َل َك األ َْمثَ َ‬‫ف َ‬ ‫ظ ْر َك ْي َ‬ ‫ْك ُل م ْن َها َوَق َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِٰ‬ ‫يعو َن سِبيالً * تََب َار َ َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫صو اًر‬ ‫آء َج َع َل َل َك َخ ْي اًر ّمن ذل َك َجَّنات تَ ْجرِي من تَ ْحت َها األ َْن َه ُار َوَي ْج َعل ل َك ُق ُ‬ ‫ك الذي إن َش َ‬ ‫َي ْستَط ُ َ‬
‫اع ِة َس ِعي اًر * ِإ َذا َأر َْت ُه ْم ِّمن َّم َك ٍ‬
‫ان َب ِع ٍيد َس ِم ُعوْا َل َها تَ َغيُّظاً َوَزِفي اًر * َوإَ َذآ‬ ‫َعتَ ْدَنا لِ َمن َك َّذ َب ِب َّ‬
‫الس َ‬
‫الس ِ‬
‫اعة َوأ ْ‬
‫َّ‬
‫* َب ْل َكذُبوْا ِب َّ َ‬
‫احداً َوا ْد ُعوْا ثُُبو اًر َكِثي اًر * ُق ْل أ َٰذلِ َك َخ ْيٌر أ َْم‬ ‫أُْلُقوْا ِم ْنها م َكاناً ضِيقاً ُّمَقَّ ِرنين َدعوْا هَنالِك ثُبو اًر * الَّ تَ ْدعوْا اْليوم ثُبو اًر و ِ‬
‫ُ َْ َ ُ َ‬ ‫َ َْ ُ َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬
‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ن‬ ‫ِ َِّ ِ‬ ‫َّ‬
‫ِك َو ْعداً َّم ْسُئوالً *‬ ‫ان َعَل ٰى َرّب َ‬
‫ين َك َ‬‫آءو َن َخالد َ‬ ‫يها َما َي َش ُ‬ ‫آء َو َمصي اًر * ل ُه ْم ف َ‬ ‫َجن ُة اْل ُخْلد التي ُوع َد اْل ُمتُقو َ َك َان ْت َل ُه ْم َج َز ً‬
‫ضُّلوا َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ويوم يحشرهم وما يعبدون ِمن دو ِن َّ ِ‬
‫ان‬
‫يل * َقاُلوْا ُس ْب َح َان َك َما َك َ‬ ‫السب َ‬ ‫َضَلْلتُ ْم عَبادي َه ُؤالَء أ َْم ُه ْم َ‬ ‫ول أَأَنتُ ْم أ ْ‬‫َّللا َفَيُق ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َْ َ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ َ َ ْ ُُ َ‬
‫آء ُه ْم َحتَّ ٰى َن ُسوْا ال ِّذ ْك َر َوَك ُانوْا َق ْوماً ُبو اًر * َفَق ْد َك َّذُب ُ‬
‫وك ْم ِب َما‬ ‫ِ َّ‬
‫آء َوَلـٰكن َّمت ْع َت ُه ْم َو َآب َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫َّ َّ ِ ِ‬
‫َي َنبغي َلَنآ أَن نتخ َذ من ُدون َك م ْن أ َْولَي َ‬
‫ِ‬

‫ين ِإالَّ ِإَّن ُه ْم‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ظلِم ِم ُ ِ‬ ‫ِ‬


‫نك ْم ُنذ ْق ُه َع َذاباً َكِبي اًر * َو َمآ أ َْرَسْلَنا َقْبَل َك م َن اْل ُم ْرَسل َ‬ ‫ص اًر َو َمن َي ْ ّ‬ ‫ص ْرفاً َوالَ َن ْ‬ ‫يعو َن َ‬
‫تَُقوُلو َن َف َما تَ ْستَط ُ‬
‫ض ِف ْتن ًة أَتَصِبرو َن وَكان ربُّك ب ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫صي اًر‬ ‫ْ ُ َ َ َ َ َ‬ ‫ض ُك ْم لَِب ْع ٍ َ‬ ‫َسو ِ‬
‫اق َو َج َعْلَنا َب ْع َ‬ ‫ْكُلو َن الط َع َام َوَي ْم ُشو َن في األ ْ َ‬‫َلَيأ ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{قل أنزله الذي يعلم} الغيب المخفي عن المجحوبين في العالمين {إنه كان غفو اًر} يستر صفات النفوس الحاجبة‬
‫للغيوب بأنوار صفاته {رحيماً} يفيض الكماالت على القلوب عند صفائها بحسب االستعدادات‪ .‬ومن غفرانه ورحمته‬
‫تشكون فيه أيها المحجوبون {بل ك ّذبوا} بالقيامة الكبرى‪ ،‬وذلك التكذيب إنما يكون لفرط االحتجاب أو‬
‫هذا اإلنزال الذي ّ‬
‫نقصان االستعداد‪ ،‬وكالهما يوجب التعذيب بالعذاب الستيالء نيران الطبيعة الجسمانية والهيئات الهيوالنية على‬
‫النفوس الظلمانية بالضرورة وتأثير زبانية النفوس السماوية واألرضية فيها التي إذا قابلتهم باستعداد قبول تأثيرها‬
‫وقهرها من بعيد لكونها تكون في الجهة السفلية ظهر لهم آثار قهرها وتسلط غضب تأثيرها‪.‬‬

‫مقدر بقدر‬
‫{وإذا ألقوا} من جملة أماكن نار الطبيعة الحرمانية {مكاناً ضيقاً} يحبسها في برزخ يناسب هيئاتها ّ‬
‫{مقرنين} بسالسل محبة السفالنيات وهوى الشهوات‪ ،‬تمنعها عن الحركة في تحصيل المرادات وأغالل‬
‫استعدادها ّ‬
‫ومقرنين بما يجانسهم من الشياطين‬
‫صور هيوالنية مانعة ألطرافها وآالتها عن مباشرة الحركات في طلب الشهوات‪ّ ،‬‬
‫المغوية إياهم عن سبيل الرشاد والداعية لهم إلى الضالل {دعوا هنالك ثبو اًر} بتمني الموت والتحسر على الفوت‪،‬‬
‫لكونهم من الشدة فيما يتمنى فيه الموت‪.‬‬

‫للمجردين عن مالبس األبدان وصفات النفوس {لهم فيها ما يشاؤون}‬


‫ّ‬ ‫جنة} عالم القدس الموعودة‬ ‫{قل أذلك خير أم ّ‬
‫عام لكل معبود سوى هللا‪ ،‬والقول إنما يكون بلسان الحال ألن كل شيء‬
‫من اللذات الروحانية أبداً سرمداً {وما يعبدون} ّ‬
‫سوى اإلنسان المحجوب شاهد بوجوده ووجده باهلل تعالى ووحدانيته‪ّ ،‬‬
‫مسبح له بإظهار خاصيته وكماله‪ ،‬مطيع له فيما‬
‫أراد هللا من أفعاله‪ ،‬وذلك معنى قوله‪{ :‬سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء} فحالهم ناطقة بنفي‬
‫الحسية واالشتغال‬
‫ّ‬ ‫الضالل عن نفسهم في إثبات الضالل للواقفين معهم‪ ،‬المحجوبين بهم بسبب االنهماك في الل ّذات‬
‫بالطيبات الدنيوية الموجبة للغفلة ونسيان الذكر والبور الهلكى‪.‬‬

‫سورة الفرقان (من اآلية ‪ 21‬الى اآلية ‪)26‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َنف ِس ِه ْم َو َعتَ ْوا ُعتُّواً َكِبي اًر * َي ْوَم‬ ‫استَ ْكَب ُروْا ِفي أ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نِ‬ ‫وَق َّ ِ‬
‫آءَنا َل ْوالَ أ ُْن ِزَل َعَل ْيَنا اْل َمالَئ َك ُة أ َْو َن َر ٰى َربََّنا َلَقد ْ‬
‫ين الَ َي ْر ُجو َ لَق َ‬ ‫ال الذ َ‬ ‫َ َ‬
‫آء َّمنثُو اًر‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ٍِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َي َرْو َن اْل َمالَئ َك َة الَ ُب ْش َر ٰى َي ْو َمئذ ّلْل ُم ْج ِرِم َ‬
‫ين َوَيُقوُلو َ ح ْج اًر َّم ْح ُجو اًر * َوَقد ْمَنآ إَل ٰى َما َعمُلوْا م ْن َع َمل َف َج َعْلَناهُ َهَب ً‬
‫نزيالً * اْل ُمْل ُك َي ْو َمِئ ٍذ‬ ‫الس َمآء ِباْل َغ َما ِم َوُنِّزَل اْل َمالَِئ َك ُة تَ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍِ‬
‫َح َس ُن َمقيالً * َوَي ْوَم تَ َشق ُق َّ ُ‬ ‫اب اْل َجَّنة َي ْو َمئذ َخ ْيٌر ُّم ْستََقّاًر َوأ ْ‬ ‫َص َح ُ‬ ‫*أْ‬
‫ين َع ِسي اًر‬ ‫ِ‬
‫ان َي ْوماً َعَلى اْل َكاف ِر َ‬
‫ِ‬
‫اْل َح ُّق ل َّلر ْح َمـ ِٰن َوَك َ‬

‫{يوم يرون المالئكة ال بشرى يومئذ للمجرمين} ألن ذلك اليوم هو وقت وقوع القيامة الصغرى وإخراب البدن الذي به‬
‫تؤثر فيهم الروحانيات السماوية واألرضية بالقهر والتعذيب وإلزام الهيئات البرزخية المنافية لطباع أرواحهم في‬
‫األصل‪ ،‬وإن كانت مناسبة لها في الحال {ويقولون حج اًر محجو اًر} يتمنون أن يدفع هللا عنهم ذلك ويمنعه‪ .‬وإنما جعلت‬
‫أعمالهم هباء لكونها غير مبنية على عقائد صحيحة‪ .‬واألصل في العمل اإليمان الالزم لسالمة الفطرة وإذا لم يكن‬
‫كان كل حسنة سيئة لمقارنتها النية الفاسدة والتوجه بها لغير وجه هللا‪.‬‬

‫{ويوم تشقق} سماء الروح الحيواني بغمام الروح اإلنساني بانفتاحها عنه‪ ،‬ولهذا قيل في التفاسير‪ :‬إنه غمام أبيض‬
‫شبه بالغمام الكتسابه الهيئة الجسدانية والصورة اللطيفة النفسانية من البدن واحتجابه بها وكونه منشأ العلم‬
‫دقيق‪ .‬وإنما ّ‬
‫{ونزل المالئكة} باتصالها به إما للثواب وإما‬
‫كالغمام للماء‪ ،‬وفي تلك الصورة الثواب والعقاب قبل البعث الجسداني ّ‬
‫للعقاب ألنها إما مظاهر اللطف وإما مظاهر القهر‪.‬‬

‫{الملك يومئذ الحق} أي‪ :‬الثابت الي ال يتغير {للرحمن} الموصوف بجميع صفات اللطف والقهر‪ ،‬المفيض على كل‬
‫ما يستحق لزوال كل ملك باطل وال قدرة حينئذ ألحد على إنجاء المعذبين منه وال يمكنهم االلتجاء بغيره لبطالن‬
‫وتنزل مالئكة‬
‫التعلقات واإلضافات وظهور ملك الرحمن على اإلطالق‪ .‬أو يوم تشقق سماء القلب بغمام نور السكينة ّ‬
‫القوى الروحانية باألمداد اإللهية واألنوار الصفاتية في القيامة الوسطى تكون تلك السلطنة على القلب للرحمن المستوي‬
‫على عرشه‪ ،‬المتجلى له بجميع صفاته {و} على كال التقديرين {كان يوماً على الكافرين عسي اًر} أما على األول‬
‫فلتعذبهم عند خراب البدن بالهيئات المظلمة وقهر القوى السماوية‪ ،‬وأما على الثاني فلظهور تع ّذبهم في شهود صاحب‬
‫هذه القيامة واطالعه‪ ،‬ولم يوجد موجوداً مستقالً في التأثير فيناسبه ولم يكن قاهر غيره فيشاركه على حالهم أو للبناء‬
‫على تأويلهم بالقوى النفسانية المقهورة هناك‪ ،‬المعذبة بالرياضة‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الفرقان (من اآلية ‪ 27‬الى اآلية ‪)32‬‬

‫ول َسِبيالً * َٰي َوْيَلتَ ٰى َل ْيتَِني َل ْم أَتَّ ِخ ْذ ُفالَناً َخِليالً * َّلَق ْد‬‫الرس ِ‬ ‫الظالِم َعَل ٰى َي َد ْي ِه َيُق ُ ِ َّ‬ ‫ض َّ‬
‫ول ٰيَل ْيتَني ات َخ ْذ ُت َم َع َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َوَي ْوَم َي َع ُّ‬
‫ان لِ ِ‬ ‫أَضَّلِني ع ِن ال ِّذ ْك ِر بعد ِإ ْذ ج ِ‬
‫ول ي َٰر ِّب ِإ َّن َق ْو ِمي اتَّ َخ ُذوْا َهـٰ َذا اْلُق ْر َ‬
‫آن‬ ‫الرُس ُ‬
‫ال َّ‬ ‫ان َخ ُذوالً * َوَق َ‬‫إل ْن َس ِ‬ ‫طُ‬ ‫الش ْي َ‬‫ان َّ‬
‫آءني َوَك َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صي اًر * وَقال َّال ِذين َكَفروْا َلوالَ ن ِزل عَليهِ‬ ‫ِ‬
‫مهجو اًر * وَك َذلِك جعْلنا لِ ُك ِل نِب ٍي عدواً ِمن اْلمج ِرِمين وَكَفى ِبربِك هادياً ون ِ‬
‫َ ُ ْ ُّ َ َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ّ َ ّ َُّ ّ َ ُ ْ َ َ ٰ َّ َ َ َ َ‬ ‫َْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫آن ُج ْمَل ًة َواح َدةً َك َذل َك لُنثَِّب َت ِبه ُف َؤ َاد َ‬
‫ك َوَرَّتْلَناهُ تَ ْرِتيالً‬ ‫اْلُق ْر ُ‬

‫رد في مقام البقاء بعد الفناء إلى حجاب القلب لهداية الخلق كان قد‬ ‫تثبيت فؤاده عليه السالم بالقرآن هو أنه لما ّ‬
‫{و َمآ أ َْرَسْلَنا ِمن َقْبِل َك ِمن‬
‫غب وقت على قلبه بصفاتها‪ ،‬ويحدث له التلوين بسببها كما ذكر في قوله‪َ :‬‬ ‫يظهر نفسه وقتاً ّ‬
‫{عَب َس َوتََوَّل ٰى}[عبس‪ ،‬اآلية‪]1:‬‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ط ِ‬ ‫ول والَ َنِب ٍي ِإالَّ ِإ َذا تَمَّن ٰى أَْلَقى َّ‬
‫ٍ‬
‫ان في أ ُْمنيَّته}[الحج‪ ،‬اآلية‪ ،]52:‬وفي قوله‪َ :‬‬
‫الش ْي َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َّرُس َ‬
‫ويؤدبه ويعاتبه فيرجع إليه في كل حال ويتوب‪ ،‬كما قال عليه السالم‪:‬‬ ‫فكان يتداركه هللا تعالى بإنزال الوحي والجذبة ّ‬
‫"أدبني رّبي فأحسن تأديبي"‪ .‬وقال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬إنه ليغان على قلبي وإني ألستغفر هللا في اليوم سبعين مرة"‬
‫ّ‬
‫حتى يتمكن ويستقيم‪ .‬وكان سبب ظهور ابتالء هللا تعالى إياه بالدعوة إليذاء الناس إياه وعداوتهم ومناصبتهم له‪،‬‬
‫والحكمة في االبتالء أمران‪ ،‬أحدهما‪ :‬راجع إليه‪ ،‬وهو أن يظهر نفسه بجميع صفاتها في مقابلة استيالء األعداء‬
‫فيؤدبه هللا بحكمة وجود كل صفة وفضيلة كل قوة‪ ،‬فيحصل له‬
‫المختلفين في النفوس وصفاتها واستعداداتها ومراتبها ّ‬
‫جميع مكارم األخالق وكماالت جميع األنبياء كما قال عليه السالم‪"ُ :‬ب ِعثت ألتمم مكارم األخالق‪ ،‬وأوتيت جوامع الكلم‬

‫‪".‬‬

‫فإن ظهوره بكل صفة هو ظرف قبوله لفضيلتها وحكمتها‪ ،‬إذ لوال الجهات المختلفة في القلب بواسطة صفات النفس‬
‫األمة‪ ،‬فإنه رسول إلى‬
‫استعد لقبول الحكم المتفننة والفضائل بتخصص توجهه لكل واحدة منها‪ .‬والثاني‪ :‬راجع إلى ّ‬
‫ّ‬ ‫لما‬
‫الكل واستعداداتهم متباينة‪ ،‬ونفوسهم في الصفات متفاوتة‪ .‬فيجب أن يكون فيه جوامع الحكم و ِ‬
‫الكَلم والفضائل واألخالق‬
‫ليهدي كالًّ منهم بما يناسبه من الحكمة‪ ،‬ويزكيه بما يليق به من الخلق‪ ،‬ويعّلمه ما ينتفع به من العلم على حسب‬
‫مفرقاً منجماً إنما يكون بحسب اختالف صفات‬
‫استعداداتهم وصفاتهم وإال لم يمكنه دعاء الكل‪ .‬فعلى هذا كون التنزيل ّ‬
‫نفسه في الظهور منها على أوقاته موجباً لتثبت قلبه في االستقامة في السلوك إلى هللا‪ ،‬وفي هللا عند االتصاف‬
‫بصفاته‪ ،‬ومن هللا في هداية الخلق‪ ،‬وتلك هي االستقامة التامة المطلقة‪ .‬فليقتدي به السالكون والواصلون والكاملون‬
‫المكملون في سلوكهم وكونهم مع الحق وتكميلهم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫والترتيل هو أن يتخلل بين كل نجم وآخر مدة يمكن فيها تزايله في قلبه ويترسخ ويصير ملكة ال حاالً‪.‬‬

‫سورة الفرقان (من اآلية ‪ 33‬الى اآلية ‪)46‬‬

‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬


‫اك ِباْل َح ِّق َوأ ْ‬
‫َح َس َن‬ ‫ون َك ِب َمَث ٍل ِإال ِج ْئَن َ‬
‫َض ُّل َسِبيالً * َوالَ َيأْتُ َ‬ ‫ُي ْح َش ُرو َن َعَل ٰى ُو ُجوِه ِه ْم ِإَل ٰى َج َهَّن َم أ ُْوَلـٰئ َك َشٌّر َّم َكاناً َوأ َ‬ ‫ين‬‫الذ َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫تَْف ِسي اًر‬
‫ين َكذُبوْا ِب َآياتَنا َف َد َّم ْرَن ُ‬
‫اه ْم‬ ‫َخاهُ َه ُارو َن َوِزي اًر * َفُقْلَنا ا ْذ َهَبآ ِإَلى اْلَق ْو ِم الذ َ‬‫اب َو َج َعْلَنا َم َع ُه أ َ‬ ‫وسى اْلكتَ َ‬ ‫* َوَلَق ْد آتَْيَنا ُم َ‬
‫ِ َّ ِ ِ‬ ‫تَ ْد ِمي اًر * َوَق ْوَم ُنو ٍح َّل َّما َك َّذُبوْا ُّ‬
‫ين َع َذاباً أَلِيماً * َو َعاداً َوثَ ُم َ‬
‫ود ْا‬ ‫َعتَ ْدَنا للظالم َ‬ ‫اهم لِ َّلن ِ‬
‫اس َآي ًة َوأ ْ‬ ‫اه ْم َو َج َعْلَن ُ ْ‬
‫َغ َرْقَن ُ‬
‫الرُس َل أ ْ‬
‫ال َوُكالًّ تَب َّْرَنا تَ ْتِبي اًر * َوَلَق ْد أَتَ ْوا َعَلى اْلَق ْرَي ِة َّالِتي‬ ‫ض َرْبَنا َل ُه األ َْمثَ َ‬
‫ًّ‬ ‫ِ ِ‬
‫س َوُق ُروناً َب ْي َن َذل َك َكثي اًر * َوُكال َ‬ ‫الر ِّ‬
‫اب َّ‬ ‫َص َح َ‬ ‫َوأ ْ‬
‫َهـٰ َذا َّال ِذي َب َع َث‬ ‫َّ‬
‫ون َك ِإال ُه ُزواً أ َ‬ ‫ك ِإن َيتَّ ِخ ُذ َ‬‫ونوْا َي َرْوَن َها َب ْل َك ُانوْا الَ َي ْر ُجو َن ُن ُشو اًر * َوِإ َذا َأرَْو َ‬ ‫الس ْوِء أََفَل ْم َي ُك ُ‬
‫ط َر َّ‬ ‫أ ُْم ِط َر ْت َم َ‬
‫َض ُّل َسِبيالً *‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ُّ‬ ‫ِ‬
‫اب َم ْن أ َ‬ ‫ين َي َرْو َن اْل َع َذ َ‬
‫ف َي ْعَل ُمو َن ح َ‬ ‫ص ْب َرَنا َعَل ْي َها َو َس ْو َ‬
‫َّللاُ َرُسوالً * إن َك َاد َلُيضلَنا َع ْن آل َهتَنا َل ْوالَ أَن َ‬ ‫َّ‬
‫َنت تَ ُكو ُن َعَل ْي ِه َو ِكيالً * أ َْم تَ ْح َس ُب أ َّ‬
‫َن أَ ْكثَ َرُه ْم َي ْس َم ُعو َن أ َْو َي ْعِقُلو َن ِإ ْن ُه ْم ِإالَّ َكاأل َْن َعا ِم َب ْل‬ ‫َرَْي َت َم ِن اتَّ َخ َذ ِإَلـ َٰه ُه َه َواهُ أََفأ َ‬
‫أ َأ‬
‫ِ‬ ‫ظ َّل وَلو َشآء َلجعَله س ِ‬ ‫ِ‬
‫ضَناهُ‬ ‫الش ْم َس َعَل ْيه َدلِيالً * ثُ َّم َقَب ْ‬ ‫اكناً ثُ َّم َج َعْلَنا َّ‬
‫ف َمَّد ال ّ َ ْ َ َ َ ُ َ‬ ‫َض ُّل َسِبيالً * أََل ْم تَ َر ِإَل ٰى َرّب َ‬
‫ِك َك ْي َ‬ ‫ُه ْم أ َ‬
‫ِإَل ْيَنا َق ْبضاً َي ِسي اًر‬

‫ومن هذا تبين معنى قوله‪{ :‬وال يأتونك بمثل} أي‪ :‬صفة عجيبة {إال جئناك بالحق} الذي يقمع باطل تلك الصفة كما‬
‫قال‪{ :‬بل نْق ِذف ِباْلح ِق عَلى اْلب ِ‬
‫اط ِل َفَي ْد َم ُغ ُه}[األنبياء‪ :‬اآلية‪ ]18:‬وهو الفضيلة المقابلة لتلك الرذيلة {وأحسن تفسي اًر}‬ ‫َ‬ ‫َْ َ ُ َ ّ َ‬
‫أي‪ :‬كشفاً بإظهار صفة إلهية تجلى بها لك تقوم مقامها فتكشفها‪ ،‬وبالحقيقة تلك الصفة اإللهية الكاشفة إياها هي‬
‫تنزلت في مراتب التنزالت‬
‫ظل ظلماني لصفة إلهية نورانية ّ‬ ‫تفسير الصفة الباطلة ومعاناتها فإن كل صفة نفسانية ّ‬
‫وتكدرت كالشهوة للمحبة والغضب للقهر وأمثالها‪.‬‬
‫واحتجبت وتضاءلت ّ‬

‫{الذين يحشرون على وجوههم} لشدة ميل نفوسهم لى الجهة السفلية فتنكست فطرتهم فبعثوا على صور وجوهها إلى‬
‫أضل سبيالً} من أن‬ ‫األرض يسحبون إلى نار الطبع {أولئك ّ‬
‫شر مكاناً} من أن يقبلوا الحق الدامغ لباطل صفاتهم {و ّ‬
‫يهتدوا إلى صفات هللا تعالى التي هي تفسير صفاتهم وكشفها‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫محب له‪ ،‬مجانس لذلك الشيء‪ ،‬فهو في الحقيقة عابد‬
‫{أرأيت من اتخذ إلهه هواه} كل محجوب بشيء واقف معه‪ ،‬فهو ّ‬
‫فمحب كل شيء غير هللا ال هلل وبغير‬
‫ّ‬ ‫لهواه بعبادته لذلك المحبوب‪ ،‬والباعث لهواه على محبة غير هللا هو الشيطان‪،‬‬

‫محبة هللا عابد له ولهواه وللشيطان متعدد المعبود متفرق الوجهة‪َ .‬‬
‫أبعد ذلك {تكون عليه وكيالً} بدعوته إلى التوحيد‬
‫بظل من ظالله‪.‬‬
‫وقد كان في غاية البعد محجوباً ّ‬

‫مد الظل} بالوجود اإلضافي‪ .‬اعلم أن ماهيات األشياء وحقائق األعيان هي ظل الحق وصفة‬
‫{ألم تر إلى رّبك كيف ّ‬
‫عالمية الوجود المطلق‪ ،‬فمدها إظهارها باسمه النور الذي هو الوجود الظاهر الخارجي الذي يظهر به كل شيء ويبرز‬
‫كتم العدم إلى فضاء الوجود أي اإلضافي {ولو شاء لجعله ساكناً} أي‪ :‬ثابتاً في العدم الذي هو خزانة وجوده‪ ،‬أي‪ّ :‬أم‬
‫الكتاب واللوح المحفوظ الثابث وجود كل شيء فيهما في الباطن وحقيقته ال العدم الصرف بمعنى الالشيء فإنه ال‬
‫يقبل الوجود أصالً‪ ،‬وما ليس له وجود في الباطن وخزانة علم الحق وغيبه لم يمكن وجوده أصالً في الظاهر‪ ،‬واإليجاد‬
‫واإلعدام ليس إال إظهار ما هو ثابت في الغيب وإخفاؤه فحسب وهو الظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم {ثم جعلنا}‬
‫شمس العقل {عليه} أي‪ :‬الظل {دليالً} يهدي إلى أن حقيقته غير وجوده وإال فال مغايرة بينهما في الخارج فال يوجد إال‬
‫يدل على كونه شيئاً غير الوجود إلى العقل {ثم قبضناه إلينا}‬
‫الوجود فحسب‪ ،‬إذ لو يمكن وجوده لما كان شيئاً فال ّ‬
‫بإفنائه {قبضاً يسي اًر} ألن كل ما يفنى من الموجودات في كل وقت فهو يسير بالقياس إلى ما سبق‪ ،‬وسيظهر كل‬
‫مقبوض عما قليل في مظهر آخر‪ .‬والقبض دليل على أن اإلفناء ليس إعداماً محضاً بل هو منع عن االنتشار في‬
‫قبضته التي هي العقل الحافظ لصورته وحقيقته أزالً وأبداً‪.‬‬

‫سورة الفرقان (من اآلية ‪ 47‬الى اآلية ‪)49‬‬

‫اح ُب ْش َاًر َب ْي َن َي َد ْي َر ْح َمِت ِه‬ ‫َّ ِ‬


‫الن َه َار ُن ُشو اًر * َو ُه َو الذي أ َْرَس َل الِّرَي َ‬
‫الن ْوم ُسَباتاً َو َج َع َل َّ‬
‫َّ‬ ‫وهو َّال ِذي جعل َل ُكم َّال ِ‬
‫يل لَباساً َو َ‬
‫ََ َ ُ َ‬ ‫َ َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طهو اًر * ِّلنحِيـي ِبه بْلدة َّميتاً ونسِقيه ِم َّما خَلْقنآ أ َْنعاماً وأَن ِ‬
‫اس َّي َكثي اًر‬ ‫َنزلنا ِمن َّ ِ‬
‫َ َ َ ََ‬ ‫ُ ْ َ َ ًَ ْ َُْ َُ‬ ‫آء َ ُ‬
‫الس َمآء َم ً‬ ‫َوأ َ ْ َ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{وهو الذي جعل لكم} ليل ظلمة النفس {لباساً} يغشاكم باالستيالء عن مشاهدة الحق وصفاته والذات وظاللها‬
‫فتحتجبون يوم الغفلة في الحياة الدنيا {سباتاً} تسبتون بها عن الحياة الحقيقية السرمدية كما قال عليه السالم‪" :‬الناس‬

‫نيام فإذا ماتوا انتبهوا"‪{ .‬وجعل} نهار نور الروح {نشو اًر} تحيا قلوبكم به فتنتشرون في فضاء القدس بعد نوم ّ‬
‫الحس‪.‬‬

‫{وهو ا لذي أرسل} رياح النفحات الربانية ناشرة محيية أو مبشرة بين يدي رحمة الكمال بتجلي الصفات {وأنزلنا} من‬
‫سماء الروح ماء العلم {طهو اًر} مطه اًر يطهركم عن لوث الرذائل ورجس الطبائع والعقائد الفاسدة والجهاالت المفسدة‬
‫{لنحيي به بلدة ميتاً} أي‪ :‬قلباً ميتاً بالجهل {ونسقيه مما خلقنا أنعاماً} من القوى النفسانية بالعلوم النافعة العملية‬
‫{وأناسي} من القوى الروحانية {كثي اًر} بالعلوم النظرية‪.‬‬
‫ّ‬

‫سورة الفرقان (من اآلية ‪ 50‬الى اآلية ‪)57‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الن ِ َّ‬ ‫صَّرْفَناهُ َب ْيَن ُه ْم لَِي َّذ َّك ُروْا َفأََب ٰى أَ ْكثَ ُر َّ‬
‫اس ِإال ُكُفو اًر * َوَل ْو ش ْئَنا َلَب َع ْثَنا في ُك ِّل َق ْرَية َّنذي اًر * َفالَ تُط ِع اْل َكاف ِر َ‬
‫ين‬ ‫َوَلَق ْد َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اج َو َج َع َل َب ْيَن ُه َما َب ْرَزخاً َو ِح ْج اًر‬
‫ُج ٌ‬ ‫َو َجاه ْد ُه ْم ِبه ِج َهاداً َكبي اًر * َو ُه َو َّالذي َم َرَج اْلَب ْح َرْي ِن َهـٰ َذا َع ْذ ٌب ُف َر ٌ‬
‫ات َو َهـٰ َذا مْل ٌح أ َ‬
‫َّللاِ َما الَ َي َنف ُع ُه ْم‬
‫ُّك َق ِدي اًر * َوَي ْعُب ُدو َن ِمن ُدو ِن َّ‬
‫ان َرب َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّم ْح ُجو اًر * َو ُه َو الذي َخَل َق م َن اْل َمآء َب َش اًر َف َج َعَل ُه َن َسباً َوص ْه اًر َوَك َ‬
‫آء‬ ‫ظ ِهي اًر * ومآ أَرسْلناك ِإالَّ مب ِّش اًر ون ِذي اًر * ُقل مآ أَسأَُل ُكم عَلي ِه ِمن أ ٍ ِ َّ‬ ‫والَ يضُّرهم وَكان اْل َك ِافر عَلى رب ِ‬
‫َجر إال َمن َش َ‬ ‫ْ َ ْ ْ َْ ْ ْ‬ ‫َُ َ َ‬ ‫ََ َْ َ َ‬ ‫ِه َ‬ ‫ُ َ ٰ َّ‬ ‫َ َ ُ ُْ َ َ‬
‫ِ‬
‫أَن َيتَّ ِخ َذ ِإَل ٰى َرّبِه َسِبيالً‬

‫المنزل على صور وأمثال مختلفة {ليذكروا} حقائقهم وأوطانهم الحقيقية وما نسوا من العهد‬
‫صرفناه} هذا العلم ّ‬
‫{ولقد ّ‬
‫والوصل وطيب األصل {فأبى أكثر الناس إال كفرواً} لنعمة الهداية الحقانية‪ ،‬وغمطاً للرحمة الرحيمية لالحتجاب‬
‫بصور الرحمة في ستور الجالل من الغواشي الهيوالنية‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذي اًر} أي‪ :‬فرقنا كمالك المطلق الذي تدعو به جميع الخلق إلى الحق على أشخاص و‬
‫{ولِ ُك ِّل َق ْو ٍم َه ٍاد}[الرعد‪ ،‬اآلية‪،]7:‬‬
‫وزعناه بحسب أصناف الناس على اختالف استعداداتهم على األنبياء‪ ،‬كما قال‪َ :‬‬
‫نبياً يناسبهم كما كان قبل بعثه محمد من اختصاص موسى ببني إسرائيل واختصاص شعيب‬ ‫فبعثنا في كل صنف ّ‬
‫بأهل مدين وأصحاب األيكة وغير ذلك‪ .‬وخففنا عنك الجهاد‪ ،‬إذ الجهاد إنما يكون بحسب الكمال وكلما كان الكمال‬
‫يرب كل طائفة باسم من أسمائه فإذا كان الكامل مظهر جميع صفاته متحققاً‬
‫أعظم كان الجهاد أكبر ألن هللا تعالى ّ‬
‫بجميع أسمائه وجب عليه الجهاد مع جميع طوائف األمم بجميع الصفات‪ ،‬ولكن ما فعلنا ذلك لعظم قدرك وكونك‬
‫ِ‬ ‫الكامل المطلق‪ ،‬والقطب األعظم‪ ،‬والخاتم على ما ذكر في تأويل قوله‪ِ ِ َ :‬‬
‫{ك َذل َك لُنثَِّب َت ِبه ُف َؤ َاد َ‬
‫ك}[الفرقان‪ :‬اآلية‪.]32 :‬‬

‫{فال تطع} المحجوبين بموافقتهم في الوقوف مع بعض الحجب ونقصان بعض الصفات {وجاهدهم} لكونك مبعوثاً إلى‬
‫الكل {جهاداً كبي اًر} هو أكبر الجهادات كما قال‪" :‬ما أوذي نبي مثل ما أوذيت"‪ ،‬أي‪ :‬ما كمل نبي مثل كمالي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫{وهو الذي مرج البحرين} أي‪ :‬خلط بحر الجسم والروح في اإليجاد {هذا} الذي هو بحر الروح {عذب فرات} أي‪:‬‬
‫متكدر غير لذيذ {وجعل بينهما برزخاً} هو النفس‬
‫صاف لذيذ‪ ،‬وهذا الذي هو بحر الجسم {ملح أجاج} أي‪ :‬متغير ّ‬
‫وتجرده {وحج اًر محجو اًر} عياذاً‬
‫الحيوانية الحائلة بينهما من االمتزاج وتكدر الروح بالجسم وتكثفه وتنور الجسم بالروح ّ‬
‫يتعوذ به كل منهما من بغي اآلخر ومانعاً يمنع ذلك‪.‬‬‫ّ‬

‫سورة الفرقان (من اآلية ‪ 58‬الى اآلية ‪)60‬‬

‫وب ِعب ِادِه خِبي اًر * َّال ِذي خَلق َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ض َو َما‬‫الس َم َٰٰوت َواأل َْر َ‬ ‫َ َ‬ ‫وت َو َسِّب ْح ِب َح ْمده َوَكَف ٰى ِبه ِب ُذُن ِ َ َ‬ ‫َوتََوَّك ْل َعَلى اْل َح ِّي الذي الَ َي ُم ُ‬
‫يل َل ُه ُم ا ْس ُج ُدوْا لِ َّلر ْح َمـ ِٰن َقاُلوْا َو َما َّ‬
‫الر ْح َمـ ُٰن‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫استَو ٰى َعَلى اْل َع ْر ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬
‫الر ْح َمـ ُٰن َف ْسَئ ْل به َخبي اًر * َوِإ َذا ق َ‬
‫ش َّ‬ ‫َب ْيَن ُه َما في ستة أَيَّا ٍم ثُ َّم ْ َ‬
‫ْم ُرَنا َوَزَاد ُه ْم ُنُفو اًر‬ ‫ِ‬
‫أََن ْس ُج ُد ل َما تَأ ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{وتوكل على الحي الذي ال يموت} أي‪ :‬شاهد موت الكل وعدم حراكهم بذواتهم‪ ،‬كما قال‪ِ{ :‬إَّن َك َمِّي ٌت َوإَِّن ُه ْم‬
‫ّ‬
‫َّمِّيتُو َن}[الزمر‪ ،‬اآلية‪ ]30:‬فإنهم ال يتحركون إال بدواع أوجدها هللا تعالى فيهم بفناء أفعالك وأفعال الكل في أفعال الحق‬
‫ورفع حجبها عن أفعاله إذ مقام التوكل هو الفناء في األفعال‪.‬‬

‫وت} إن منشأ التوكل شهود صفة حياته التي بها يحيا كل حي ألن من يموت ال‬ ‫َّ ِ‬
‫ّ‬ ‫{عَلى اْل َح ِّي الذي الَ َي ُم ُ‬
‫وبين بقوله‪َ :‬‬
‫ّ‬
‫حياً بالذات وبالترقي عن مقام فناء األفعال إلى الفناء في صفة الحياة يصح مقام التوكل كما قالت المتصوفة‪:‬‬ ‫يكون ّ‬
‫ال يمكن تصحيح كل مقام إال بالترقي إلى المقام الذي فوقه‪ ،‬وإذا كان كل حي يموت إنما يحيا بحي الذات الذي‬
‫ّ‬
‫يضروك بشيء لم يضروك إال بما‬ ‫حياته عين ذاته فبه يتحرك‪ ،‬فال تبال بأفعالهم فإنهم لو اجتمعوا بأسرهم على أن ّ‬
‫كتب هللا عليك‪ ،‬على ما ورد في الحديث‪.‬‬

‫بتجردك عن صفاتك ومحوها في صفاته عن أن تكون لغيره صفة مستقّلة تكون مصد اًر لفعله‬ ‫{وسبح بحمده} ونزهه ّ‬
‫ّ‬
‫ملتبساً بحمده‪ ،‬أي‪ :‬متّصفاً بصفا ته‪ ،‬فإن الحمد الحقيقي هو االتصاف بصفاته الكمالية التي هو بها حميد وذلك هو‬
‫تجردت عن صفاتك باالتصاف‬ ‫تصحيح مقام التوكل وتحقيقه بنفي الصفات التي هي مبادىء األفعال من الغير‪ ،‬وإذا ّ‬
‫بصفاته شاهدت إحاطة علمه بالكل‪ ،‬فاكتفيت به عن سؤاله في دفع جناياتهم عنك وجزاء إيذائهم لك‪ ،‬وشاهدت قدرته‬
‫على مجازاتهم‪ ،‬كما قال إبراهيم عليه السالم‪" :‬حسبي من سؤالي علمه بحالي"‪ .‬وذلك معنى قوله‪{ :‬وكفى به بذنوب‬
‫عباده خبي اًر الذي خلق السموات واألرض} أي‪ :‬احتجب بسموات األرواح وأرض األجسام {وما بينهما} من القوى في‬
‫األيام الستة التي هي اآلالف الست ة من ابتداء زمان آدم إلى محمد عليهما السالم‪ ،‬ألن الخلق ليس إال احتجاب الحق‬
‫ف َسَن ٍة‬
‫باألشياء واأليام هي أيام اآلخرة ال أيام الدنيا؛ إذ لم تكن الدنيا ثمة وال الشمس والنهار {وإِ َّن يوماً ِعند ربِك َكأَْل ِ‬
‫َ َّ َ‬ ‫َ َْ‬
‫ِّم َّما تَ ُعُّدو َن}[الحج‪ ،‬اآلية‪.]47:‬‬

‫{ثم استوى على} عرش القلب المحمدي في السابع الذي هو يوم الجمعة‪ ،‬أي‪ :‬يوم اجتماع جميع األوصاف واألسماء‬
‫التام والفيض العام الذي هو الرحمة الرحمانية ولهذا جعل فاعل‬
‫فيه‪ ،‬وذلك هو معنى االستواء في االستقامة بالظهور ّ‬
‫االستواء اسم الرحمن دون اسم آخر إذ ال يكون االستواء بمعنى الظهور التام إال به‪ ،‬ويمكن أن ّ‬
‫تؤول األيام بالشهور‬
‫يتم فيها خلق سموات أرواح الجنين وأرض جسده وما بينهما من القوى واالستواء بالظهور التام على عرش‬
‫الستة التي ّ‬
‫قلبه الذي كان على ماء النطفة قبل خلقه ما خلق في الشهر السابع الذي أنشأه فيه خلقاً آخر بحصوله إنساناً‪،‬‬
‫المعنوي والصورّي من قلبه إلى جميع أجزاء وجوده {فاسئل به خبي اًر} اسأل عارفاً به يخبرك‬
‫ّ‬ ‫والرحمانية بعموم فيضه‬
‫بحاله واسأله في حالة كونه عالماً بكل شيء‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{وإذا قيل لهم اسجدوا} أي‪ :‬إذا أمرتهم بالفناء في جميع صفاته وطاعته بها أنكروا ولم يمتثلوا أمرك لقصور استعدادهم‬
‫عن قبول هذا الفيض وعدم معرفتهم لهذا االسم لعدم احتظائهم من جميع الصفات أو وجود احتجابهم عنها‪.‬‬

‫سورة الفرقان (من اآلية ‪ 61‬الى اآلية ‪)66‬‬

‫الن َه َار ِخْلَف ًة ّلِ َم ْن أ ََرَاد أَن‬


‫يل َو َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫السم ِآء بروجاً وجعل ِف ِ‬ ‫ِ‬ ‫تَبار َّ ِ‬
‫يها س َراجاً َوَق َم اًر ُّمني اًر * َو ُه َو الذي َج َع َل ال َ‬ ‫َ ََ َ َ‬ ‫ك الذي َج َع َل في َّ َ ُ ُ‬ ‫ََ َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ين َي ْم ُشو َن َعَل ٰى األ َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َي َّذ َّك َر أ َْو أ ََرَاد ُش ُكو اًر * َو ِعَب ُاد َّ‬
‫ين‬‫لجاهُلو َن َقاُلوْا َسالَماً * َوالذ َ‬ ‫طَب ُه ُم ا َ‬
‫ض َه ْوناً َوإِ َذا َخا َ‬ ‫الر ْح َمـ ِٰن الذ َ‬
‫ِ َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫آء ْت ُم ْستََقّاًر‬
‫ان َغ َراماً * إن َها َس َ‬ ‫اب َج َهَّن َم ِإ َّن َع َذ َاب َها َك َ‬
‫ف َعَّنا َع َذ َ‬
‫اص ِر ْ‬
‫ين َيُقوُلو َن َربََّنا ْ‬‫ِيِبيتُو َن ل َرِّب ِه ْم ُس َّجداً َوِقَياماً * َوالذ َ‬
‫َو ُمَقاماً‬

‫{تبارك الذي جعل في} سماء النفس بروج الحواس {وجعل فيها} سراج شمس الروح وقمر القلب {مني اًر} بنور الروح‬
‫{وهو الذي جعل} ليل ظلمة النفس‪ ،‬ونهار نور القلب يعتقبان {لمن أراد أن يذكر} في نهار نور القلب العهد المنسي‬
‫وينظر في المعاني والمعارف ويعتبر {أو أراد} في ليل ظلمة النفس {شكو اًر} بأعمال الطاعات واكتساب األخالق‬
‫والملكات {وعباد الرحمن} أي‪ :‬المخصوصون بقبول فيض هذا االسم لسعة االستعداد {الذين يمشون على األرض‬
‫هوناً} أي‪ :‬الذين اطمأنت نفوسهم بنور السكينة وامتنعت عن الطيش بمقتضى الطبيعة فهم هينون في الحركات البدنية‬
‫لتمرن أعضائهم بهيئة الطمأنينة {وإذا خاطبهم} أهل السفاهة يسلمون مقالهم وال يعارضونهم المتالئهم بالرحمة وبعد‬
‫ّ‬
‫بالتقوي بنور القلب عن أن تتأثر باإليذاء وتضطرب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حالهم عن ظهور النفس بالسفاهة وكبر نفوسهم‬

‫{والذين يبيتون} أي‪ :‬الذين هم في مقام النفس ميتون باإلرادة {سجداً} فانين بالرياضة قائمين بصفات القلب أحياء‬
‫بحياته هلل قائلين بلسان الحال الذي ال تتخلف عن دعائه اإلجابة {ربنا اصرف}‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الفرقان (من اآلية ‪ 67‬الى اآلية ‪)73‬‬

‫َنفُقوْا َلم يس ِرُفوْا وَلم يْقتروْا وَكان بين َذلِك َقواماً * و َّال ِذين الَ يدعون مع َّ ِ‬ ‫و َّال ِذ َ ِ‬
‫َّللا ِإَلـ ًٰها َ‬
‫آخ َر َوالَ َيْقُتُلو َن َّ‬
‫النْف َس‬ ‫َ َ َْ ُ َ َ َ‬ ‫َ ْ َ ُُ َ َ َ ْ َ َ َ‬ ‫ين إ َذآ أ َ ْ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫يه مهاناً * ِإالَّ‬ ‫َّللا ِإالَّ ِباْلح ِق والَ يزنون ومن يْفعل ٰذلِك يْلق أَثَاماً * يضاعف َله اْلع َذاب يوم اْلِقيام ِة ويخُلد ِف ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َُ‬ ‫َ ََ ْ ْ‬ ‫ُ َ َ ْ ُ َ ُ َْ َ‬ ‫َ ّ َ َْ ُ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ‬ ‫التي َحَّرَم َّ ُ‬
‫َّللاُ َغُفو اًر َّرِحيماً * َو َمن تَا َب َو َع ِم َل‬
‫ان َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫صالِحاً َفأ ُْوَلـِٰئ َك ُيَبِّد ُل َّ‬
‫َّللاُ َسِّيَئات ِه ْم َح َسَنات َوَك َ‬
‫ِ‬
‫آم َن َو َعم َل َع َمالً َ‬ ‫اب َو َ‬ ‫َمن تَ َ‬
‫الل ْغ ِو مُّروا ِكراماً * و َّال ِذين ِإ َذا ُذ ِّكروْا ِبآي ِ‬
‫ات‬ ‫الزور وإِ َذا مُّروْا ِب َّ‬
‫ين الَ َي ْش َه ُدو َن ُّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫صالِحاً َفِإَّنه يتوب ِإَلى َّ ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َّللا َمتاباً * َوالذ َ‬ ‫ُ َُ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ّماً َو ُع ْمَياناً‬‫َرِّبه ْم َل ْم َيخُّروْا َعَل ْي َها ُ‬

‫ولما وصفهم بالتزكية التامة والفناء عن جميع صفات النفس من الرذائل المذيقة المورطة في عذاب جهنم الطبيعة‬
‫ومستقر السوء والعاقبة الوخيمة عقب وصفهم بالتحلية التامة من االتصاف بجميع أجناس الفضائل األربع‪ ،‬وذلك هو‬ ‫ّ‬
‫حياتهم بالقلب بعد موتهم عن النفس‪ ،‬كما قيل‪ :‬مت باإلرادة تحيا بالطبيعة‪ ،‬فالقوام بين اإلسراف واإلقتار في اإلنفاق‬
‫هو العدل والتوحيد المشار إليه بقوله‪:‬‬

‫{ال يدعون مع هللا إلهاً آخر} هو أساس فضيلة الحكمة الذي إذا حصل وقع ظله الذي هو العدل في النفس فاتصفت‬
‫المحرمة إشارة إلى فضيلة الشجاعة‪ ،‬واالمتناع عن الزنا فضيلة‬
‫ّ‬ ‫بجميع أنواع الفضائل‪ ،‬واالمتناع عن قتل النفس‬
‫العّفة‪ .‬ثم ذكر من في مقابلتهم من المحجوبين من فيض الرحمة الرحيمية التي في ضمن الرحمانية الذين ال يستعدون‬
‫لقبول عموم فيضه فال يختصون به وإن كانوا ال يخلون من فيضه الظاهر الشامل للكل فقال‪{ :‬ومن يفعل ذلك} أي‪:‬‬
‫يرتكب جميع أجناس الرذائل حتى الشرك باهلل {يلق} جزاء اإلثم الكبير المطلق‪ ،‬وهو مضاعفة العذاب الروحاني‬
‫والجسماني باالحتجاب الكلي وهيئات الهيكل السفلي {يوم القيامة} الصغرى والخلود فيه على غاية الهوان‪.‬‬

‫فبدل الشرك باإليمان واستبدل الرذائل بالفضائل {فأولئك يبدل هللا‬


‫{إال من تاب} رجع إلى هللا وتنصل عن المعاصي ّ‬
‫سيئاتهم حسنات} بمحو الهيئات عن نفوسهم وإثبات هذه {وكان هللا غفو اًر} يستر صفات نفوسهم بنوره {رحيماً} يفيض‬
‫عليهم الكماالت بوجوده‪ ،‬وهذه هي التوبة الحقيقية‪ .‬ثم ّبين بعد ذكر التوبة الحقيقية حال أهل السلوك فقال‪{ :‬والذين ال‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يشهدون الزور} أي‪ :‬ال يحضرون أهل الزور المشتغلين بمتاع الغرور‪ ،‬فإن أهل الدنيا أهل الزور يحسبون الفاني باقياً‬
‫الشر خي اًر‪ ،‬فهم الك ّذابون المبطلون‪ ،‬الخاطئون‪ ،‬أي‪ :‬يعتزلونهم بمالزمة‬
‫ويعدون المعدوم موجوداً‪ ،‬و ّ‬
‫والقبيح حسناً ّ‬
‫الخلوات وإيثار الطاعات وإقام الصالة‪.‬‬

‫{ومروا} بها مكرمين أنفسهم عن مباشرتها‪،‬‬‫مروا باللغو} أي‪ :‬الفضول غير الضرورية تركوها وأعرضوا عنها ّ‬ ‫{وإذا ّ‬
‫المجردون‪ .‬ثم لما ّبين الزهد الحقيقي والتجريد قرن به‬
‫ّ‬ ‫قانعين بالحقوق عن الحظوظ وهم الزاهدون بالحقيقة‪ ،‬التاركون‬
‫العبادة الحقيقية والتحقيق بقوله‪{ :‬والذين إذا ُذ ِّكروا بآيات رّبهم} أي‪ :‬كوشفوا المعارف والحقائق وتجليات الصفات‬
‫{صماً} بل تلقوها بآذان واعية هي آذان القلوب‬
‫ّ‬ ‫يخروا} على العلم بتلك اآليات من المعارف والحقائق‬ ‫والمشاهدات {لم ّ‬
‫ال النفوس‪ ،‬وعلى مشاهدتها {و} تجليها {عمياناً} بل أحدقوا نحوها ببصائر جديدة مكحلة بنور الهداية‪.‬‬

‫سورة الفرقان (من اآلية ‪ 74‬الى اآلية ‪)77‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اج َعْلَنا لِْلمتَِّق َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين يُقوُلو َن ربََّنا َه ْب َلَنا ِم ْن أ َْزو ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫صَب ُروْا‬‫ين إ َماماً * أ ُْوَلـٰئ َك ُي ْج َزْو َن اْل ُغ ْرَف َة ب َما َ‬ ‫ُ‬ ‫َعُي ٍن َو ْ‬
‫اجَنا َوُذِّريَّاتَنا ُقَّرَة أ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َوالذ َ َ‬
‫َّ‬ ‫ويَلَّقو َن ِفيها تَ ِحَّي ًة وسالَماً * َخالِِد ِ‬
‫ف‬ ‫يها َح ُسَن ْت ُم ْستََقّاًر َو ُمَقاماً * ُق ْل َما َي ْعَبأُ ِب ُك ْم َرّبِي َل ْوالَ ُد َع ُ‬
‫آؤُك ْم َفَق ْد َكذ ْبتُ ْم َف َس ْو َ‬ ‫ين ف َ‬‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َُ ْ‬
‫ِ‬
‫َي ُكو ُن ل َزاماً‬

‫ثم وصف طلبهم للترقي عن مقام القلب إلى مرتبة السابقين واالستعانة باهلل عن تلوين النفس وصفاتها لينخرطوا في‬

‫المقربين بقوله‪{ :‬والذين يقولون ربنا هب لنا من} أزواج نفوسنا وذرّيات قوانا ما ّ‬
‫تقر به أعيننا من طاعاتهم‬ ‫سلك ّ‬
‫وتنورهم بنور القلب مخبتين غير طالبين لالستعالء والترفع واالستكبار والتجبر {واجعلنا للمتقين}‬
‫وانقيادهم خاضعين‪ّ ،‬‬
‫المجردين {إماماً} بالوصول إلى مقام السابقين {أولئك يجزون} غرفة الفردوس وجنة الروح بصبرهم مع هللا وفي‬ ‫ّ‬ ‫أي‪:‬‬
‫هللا عن غيره {ويلقون فيها تحية} خلود حياة {وسالماً} سالمة وبراءة عن اآلفات‪ ،‬أي‪ :‬يحييهم هللا بإبقائهم سرمداً ببقائه‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يها َسالَ ٌم}[إبراهيم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ويسلمهم بإيتائهم كماله كما قيل‪{ :‬تَحيَّتُ ُه ْم َي ْوَم َيْلَق ْوَن ُه َسالَ ٌم}[األحزاب‪ ،‬اآلية‪ ،]44 :‬وقال‪{ :‬تَحيَّتُ ُه ْم ف َ‬
‫اآلية‪.]23 :‬‬

‫{ما يعبأ بكم رّبي لوال دعاؤكم} أي‪ :‬لو لم يكن طلبكم هلل وإرادتكم لكنتم شيئاً غير ملتفت إليه وال معبوء به كالحشرات‬
‫معتداً به إذا كان من أصحاب اإلرادة والطلب‪ ،‬وهللا تعالى أعلم‪.‬‬ ‫والهوام‪ ،‬فإن اإلنسان إنما يكون إنساناً وشيئاً ّ‬

‫سورة الشعراء (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)3‬‬

‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ين * َلعَّلك ب ِ‬ ‫ات اْل ِكتَ ِ‬


‫اب اْل ُمِب ِ‬ ‫ِ‬
‫ونوْا ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين‬ ‫اخ ٌع َّنْف َس َك أَال َي ُك ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫طسم * تْل َك َآي ُ‬

‫(ط) إشارة إلى الطاهر و(س) إلى السالم و(م) إلى المحيط باألشياء بالعلم‪ .‬و {الكتاب المبين} الذي هذه األسماء‬
‫والصفات آياته هو الموجود المحمدي الكامل ذو البيان والحكمة‪ ،‬كما قال أمير المؤمنين عليه السالم‪:‬‬

‫بأحرفه يظهر المضمر‬ ‫وفيك الكتاب المبين الذي‬

‫فيكون معناه على ما ذكره في (طه)‪ :‬إنه عليه السالم لما رأى عدم اهتدائهم بنوره وقبولهم لدعوته استشعر أنه من‬
‫جهته ال من جهتهم‪ ،‬فزاد في الرياضة والمجاهدة والفناء في المشاهدة‪ ،‬فأوحى إليه بأن هذه الصفات التي هي الطهارة‬
‫من لوث البقية المانع من التأثير في النفوس وسالمة االستعداد عن النقص في األمثال‪ ،‬والكمال الشامل لجميع‬
‫المراتب بالعلم هي صفات كتاب ذاتك‪ ،‬المبين لكل كمال ومرتبة باتصافها بجميع الصفات اإللهية واشتمالها على‬
‫بشدة الرياضة لعدم إيمانهم وامتناعه‪ ،‬فإنه من‬
‫معاني جميع أسمائه‪ ،‬فال تبخع نفسك‪ ،‬أي‪ :‬ال تهلكها على آثارهم ّ‬
‫بشدة الحجاب وإما لعدم االستعداد‪ ،‬فمعنى لعل في {لعلك باخع}‪ :‬اإلشفاق‪ ،‬أي‪ :‬أشفق على‬
‫جهتهم إما لوجود المانع ّ‬
‫نفسك أن تهلكها بالرياضة لعدم إيمانهم وفواته‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الشعراء (من اآلية ‪ 4‬الى اآلية ‪)12‬‬

‫ين * َو َما َيأِْتي ِهم ِّمن ِذ ْك ٍر ِّم َن َّ‬


‫الر ْح َمـ ِٰن ُم ْح َد ٍث ِإالَّ َك ُانوْا‬ ‫ِ ِ‬
‫َعَنا ُق ُه ْم َل َها َخاضع َ‬
‫ِإن َّن َش ْأ ُنَنِّزل عَلي ِهم ِمن ال َّسم ِآء آي ًة َف ََّ‬
‫ظل ْت أ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ ْ ْ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َنباء ما َك ُانوْا ِبه َي ْس َت ْه ِزُئو َن * أَوَلم َي َرْوْا ِإَلى األ َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫يها من ُك ّل َزْو ٍج‬ ‫َنب ْتَنا ف َ‬
‫ض َك ْم أ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َع ْن ُه ُم ْع ِرض َ‬
‫ين * َفَق ْد َكذُبوْا َف َسَيأْتيه ْم أ َ ُ َ‬
‫َن ا ْئ ِت‬‫وس ٰى أ ِ‬‫ُّك ُم َ‬‫يم * َوإِ ْذ َن َاد ٰى َرب َ‬
‫َك ِري ٍم * ِإ َّن ِفي َذلِك آلي ًة وما َكان أَ ْكثَرهم ُّمؤ ِمِنين * وإِ َّن ربَّك َلهو اْلع ِز ُيز َّ ِ‬
‫الرح ُ‬ ‫َ َ َ َُ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ُ ُْ ْ َ‬
‫اف أَن ُي َك ِّذُبو ِن‬ ‫ِ‬
‫ال َر ِّب ِإّني أ َ‬
‫َخ ُ‬
‫ِ‬
‫ين * َق ْوَم ف ْرَع ْو َن أَال َيتَُّقو َن * َق َ‬
‫َّ ِ ِ‬
‫اْلَق ْوَم الظالم َ‬

‫ننزل عليهم من السماء} من العالم العلوي بتأييدنا لك قه اًر فتخضع أعناقهم له‪ ،‬منقادين‪ ،‬مسلمين‪ ،‬مستسلمين‬
‫{إن نشأ ّ‬
‫ظاه اًر‪ ،‬وإن لم يدخل اإليمان في قلوبهم كما كان يوم الفتح أي‪ :‬امتنع إيمانهم ألنه أمر قلبي سيظهر إسالمهم بالقهر‬
‫واإللجاء واالضطرار‪.‬‬

‫المشوق بذكر األنوار القدسية‬


‫ّ‬ ‫{وإذ نادى رّبك موسى} القلب المهذب بالحكمة العملية‪ ،‬المدرب بالعلوم العقلية‪،‬‬
‫القوة الشهوانية بالسعي في طلب‬
‫والكماالت األنسية‪ ،‬ووصف المفارقات والمجردات إلى الحضرة اإللهية الغالب على ّ‬
‫األرزاق الروحانية من المعارف اليقينية والمعاني الحقيقية بعد قتل جبار الشهوة الذي كان يجبر لفرعون النفس ّ‬
‫األمارة‬
‫السر الذي‬
‫وف ارره من استيالئها إلى مدين مدينة العلم من األفق الروحاني ووصوله إلى خدمة شعيب الروح في مقام ّ‬
‫هو محل المكالمة والمناجاة بالسير العقلي بطريق الحكمة‪ ،‬واكتساب األخالق بالتعديل قبل السلوك في هللا بطريق‬
‫التوحيد والرياضة بالترك والتجريد مع بقاء النفس المتقوية بالعلم والمعرفة‪ ،‬المتزينة بالفضيلة والمتبجحة بزينتها‬
‫وكمالها‪ ،‬الطاغية بظهورها على أشرف أحوالها‪ ،‬المنازعة رّبها صفة العظمة والكبرياء‪ ،‬المعجبة بالبهجة والبهاء‬
‫"شر الناس من‬
‫شر الناس كما قال عليه الصالة والصالة‪ّ :‬‬ ‫الحتجابها بأنائيتها وانتحالها كمال الحق برؤيته لها‪ ،‬فكانت ّ‬
‫قامت القيامة عليه وهو حي ولو ماتت" ثم قامت القيامة عليها لكانت خير الناس‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{إن ائت القوم الظالمين} من القوى النفسانية الفرعونية العانية لفرعون النفس ّ‬
‫األمارة‪ ،‬المتخذة لها رّباً‪ ،‬الواضعة كمال‬
‫الحق موضع كمالها وهو أفحش الظلم {أال يتّقون} قهري وبأسي بتدميرهم وإفنائهم {أخاف أن يكذبون} في دعوتي إلى‬
‫التوحيد ولم يطيعوني في الرياضة والترك والتجريد‪.‬‬

‫سورة الشعراء (من اآلية ‪ 13‬الى اآلية ‪)19‬‬

‫ال َكالَّ َفا ْذ َهَبا ِب َآي ِاتَنآ‬ ‫ِ‬


‫اف أَن َيْقُتُلون * َق َ‬ ‫َخ ُ‬ ‫نب َفأ َ‬
‫ضيق ص ْدرِي والَ ين َ ِ ِ ِ‬
‫طل ُق ل َساني َفأ َْرِس ْل ِإَل ٰى َه ُارو َن * َوَل ُه ْم َعَل َّي َذ ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫َوَي ُ َ‬
‫ِ‬

‫ِك ِف َينا‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫ال أََل ْم ُن َرّب َ‬
‫يل * َق َ‬ ‫َن أ َْرِس ْل َم َعَنا َبني إ ْس َرائ َ‬
‫ين * أ ْ‬ ‫ول َر ِّب اْل َعاَلم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إَّنا َم َع ُك ْم ُّم ْس َتم ُعو َن * َفأْتَيا ف ْرَع ْو َن َفُقوال إَّنا َرُس ُ‬
‫ِ‬ ‫ولِيداً وَلِب ْثت ِفينا ِمن عم ِرك ِسِنين * وَفعْلت َفعَلتَك َّالِتي َفعْلت وأ ِ‬
‫ين‬‫َنت م َن اْل َكاف ِر َ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َ َ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ْ ُُ َ‬

‫{ويضيق صدري} لعدم اقتداري على قهرهم وعلمي بامتناعهم عن قبول األوامر الشرعية واألسرار الوحيية وما يكون‬
‫خارجاً عن طور الفكر والعقل لتدربهم بذلك وتفرعنهم باستبدادهم {وال ينطلق لساني} معهم في هذه المعاني لكونها‬
‫تعودوا به ونشؤوا عليه من الحكم العملية الداعية إلى مراعاة التعديل في األخالق دون الفناء باإلطالق‬
‫على خالف ما ّ‬
‫ليؤدبهم بالمعقول ويسوسهم بما يسهل قبولهم له من رعاية مصلحة الدارين واختيار سعادة‬ ‫{فأرسل إلى هارون} العقل ّ‬
‫المنزلين فتلين عريكتهم وتضعف شكيمتهم بمداراته ورفقه وموافقته لهم بعلمه وحلمه {ولهم علي ذنب} بقتلي جبار‬
‫ّ‬
‫ن‬ ‫ق‬
‫الشهوة {فأخاف} إن دعوتهم إلى التوحيد وأمرتهم بالتجريد وترك الحظوظ واالقتصار على الحقو {أن يقتلو }‬
‫باالستيالء والغلبة‪ ،‬وهذا صورة حال من احتجبت نفسه بالحكمة ولم يتألف بعد طريق الوحدة مع ّقوة استعداده وعدم‬
‫وقوفه مع ما نال من كمال‪ ،‬فقلما تقبل نفسه خالف ما يعتقد وتنقاد في متابعة الشريعة وتقلد إال من تداركه سبق‬
‫العناية وساعده التوفيق بالجذبة و {كال} ردع له عن الخوف بالتشجيع والتأييد {فاذهبا} أمر باستصحاب العقل‬
‫{إنا معكم مستمعون} وعد بالكالءة‬
‫للمناسبة والجنسية وتقرير التوحيد بطريق البرهان القامع للتفرعن والطغيان و ّ‬
‫والحفظ وتقوية اليقين‪ ،‬فإن من كان الحق معه ال يغلبه أحد {أن أرسل معنا بني إسرائيل} القوى الروحانية‬
‫المستضعفة‪ ،‬المستخدمة في تحصيل اللذات الجسمانية‪ .‬وتربيته إياه وليداً ولبثه فيهم سنين صورة حال الطفولية‬
‫فإن القلب في هذا الزمان في تربية النفس والوالية‬
‫أشده ببلوغ األربعين‪ّ ،‬‬
‫التجرد وطلب الكمال الذي ّ‬
‫ّ‬ ‫والصبوية إلى أوان‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫لها لحكمة عادية اآللة‪ .‬والفعلة هي الحركة المذمومة عند النفس من االستيالء على الشهوة والكفر الذي نسبه إليه هو‬
‫إضاعة حق التربية‪.‬‬

‫سورة الشعراء (من اآلية ‪ 20‬الى اآلية ‪)29‬‬

‫ين * َوِتْل َك ِن ْع َم ٌة‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين * َفَف َرْر ُت ِم ُ‬


‫نك ْم َل َّما خْفتُ ُك ْم َف َو َه َب لي َرّبِي ُح ْكماً َو َج َعَلني م َن اْل ُم ْرَسل َ‬
‫َقال َفعْلتُهآ ِإذاً وأََن ْا ِمن َّ ِ‬
‫الضاّل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ض َو َما َب ْيَن ُه َمآ ِإن ُكنتُ ْم‬‫الس ٰم ٰو ِت واألَْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّدت بِني ِإسرِائيل * َق ِ‬
‫ال ف ْرَع ْو ُن َو َما َر ُّب اْل َعاَلم َ‬ ‫َن َعب َّ َ‬ ‫تَ ُمُّن َها َعَل َّي أ ْ‬
‫ال َر ُّب َّ َ َ َ‬ ‫ين * َق َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬
‫ال ِإ َّن َرُسوَل ُكم َّال ِذي أ ُْرِس َل ِإَل ْي ُك ْم َل َم ْجُنو ٌن‬
‫ين * َق َ‬
‫ِ‬
‫ُّك ْم َوَر ُّب َآبآئ ُك ُم األََّولِ َ‬
‫ِ‬ ‫ُّموِقِنين * َق ِ‬
‫ال ل َم ْن َح ْوَل ُه أَالَ تَ ْستَم ُعو َن * َق َ‬
‫ال َرب ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِق واْلم ْغ ِر ِب وما بينهمآ ِإن ُكنتُم تَعِقُلون * َق ِ‬ ‫ِ‬
‫َج َعَلَّن َك م َن اْل َم ْس ُجوِن َ‬
‫ين‬ ‫ال َلئ ِن اتَّ َخ ْذ َت ِإَلـ َٰهاً َغ ْي ِري أل ْ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫َ َ ََْ ُ َ‬ ‫ال َر ُّب اْل َم ْشر َ َ‬
‫* َق َ‬

‫{وأنا من الضالين} أي‪ :‬لست من الكافرين لكون الصالح في ذلك بل من الذين ال يهتدون إلى طريق الوحدة‪{ .‬فوهب‬
‫الم ْرسلين} إليكم بها‪.‬‬
‫لي رّبي حكماً} أي‪ :‬حكمة متعالية عن طريق البرهان وراء طور الكسب والعقل {وجعلني من ُ‬
‫وأما تعبيد بني إسرائيل القوى التي هي قومي فليس ّ‬
‫بمنة تمنها علي‪ ،‬بل عدوان وطغيان إذ لو لم تعبدهم لما ألقتني‬
‫ّ‬
‫يم الهيولى في تابوت الجسد‪ ،‬ولقام بتربيتي أهلي وقومي من القوى الروحانية‪.‬‬
‫أمي الطبيعة البدنية في ّ‬

‫رب العالمين} قيل في القصة‪ :‬إن فرعون كان منطقياً مباحثاً سأل بما هو عن حقيقته تعالى‪ ،‬فلما‬
‫{قال فرعون وما ّ‬
‫بالحد لبساطتها‪ ،‬غير‬
‫ّ‬ ‫أن حقيقته ال تعرف‬
‫وبين ّ‬
‫أجابه موسى عليه السالم بقوله‪{ :‬رب السموات واألرض وما بينهما} ّ‬
‫وعرض به في تجهيله ونفي‬ ‫عرفها بالصفة اإلضافية والخاصة الالزمة‪ّ ،‬‬ ‫لشدة نوريتها ولطافتها‪ ،‬بأن ّ‬
‫معلومة للعقل ّ‬
‫اإليقان عنه بقوله‪{ :‬إن كنتم موقنين} أي‪ :‬لو كنتم من أهل اإليقان لعلمتم أن ال طريق للعقل إلى معرفته إال االستدالل‬
‫على وجوده بأفعاله الخاصة به‪ ،‬وأما حقيقته فال يعرفها إال هو وحده وما سألتم عنه بما مما ال يصل إليه نظر العقل‪.‬‬
‫ونبه قومه على خفة عقله وكون جوابه غير مطابق للسؤال تعجباً منه لقومه وتسفيهاً له‪ ،‬فلما ثنى قوله بمثل‬
‫استخفه ّ‬
‫ما قال أوالً من إيراد خاصة أخرى جننه‪ ،‬فثلث بقوله‪{ :‬إن كنتم تعقلون} أي‪ :‬إن جننت فأين عقلكم حتى يعرف طوره‬
‫حده‪ .‬وهذه المقالة إشارة إلى أن النفس المحجوبة بمعقولها ال تهتدي إلى معرفة الحق وحكمة الرسالة‬
‫ولم يتجاوز ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫والشرع‪ ،‬وال تذعن للمتابعة‪ ،‬وال تنقاد للمطاوعة بل تظهر باألنائية وطلب العلوم والربوبية والتغلب على الرسالة اإللهية‬
‫ألجعلنك من المسجونين}‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وهو معنى قوله‪{ :‬لئن اتخذت إلهاً غيري‬

‫سورة الشعراء (من اآلية ‪ 30‬الى اآلية ‪)40‬‬

‫ِ‬ ‫ْت ِب ِه ِإن ُكنت ِمن َّ ِ ِ‬ ‫ين * َقال َفأ ِ‬ ‫َقال أَوَلو ِج ْئتُك ِب َش ٍ‬
‫ع‬
‫ين * َوَن َز َ‬ ‫صاهُ َفِإ َذا ه َي ثُ ْعَبا ٌن ُّمِب ٌ‬ ‫ين * َفأَْلَق ٰى َع َ‬
‫الصادق َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫يء ُّمِب ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم * ُي ِر ُيد أَن ُي ْخ ِر َج ُك ْم ّم ْن أ َْرض ُك ْم بس ْح ِره َف َما َذا‬
‫ال لْل َمإل َح ْوَل ُه إ َّن َهـٰ َذا َل َساحٌر َعل ٌ‬
‫ين * َق َ‬‫آء ل َّلناظ ِر َ‬
‫ضُ‬ ‫َي َدهُ َفِإ َذا ه َي َب ْي َ‬
‫السحرة لِ ِميَق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات َي ْو ٍم‬ ‫وك ِب ُك ِّل َس َّح ٍار َعلِي ٍم * َف ُجم َع َّ َ َ ُ‬‫ين * َيأْتُ َ‬ ‫ْم ُرو َن * َقاُلوْا أ َْرِج ْه َوأ َ‬
‫َخاهُ َو ْاب َع ْث في اْل َم َدآئ ِن َحاش ِر َ‬ ‫تَأ ُ‬
‫اس َه ْل أَنتُ ْم ُّم ْجتَ ِم ُعو َن * َل َعَّلَنا َنتَِّب ُع َّ‬
‫الس َح َرَة ِإن َك ُانوْا ُه ُم اْل َغالِِبي َن‬ ‫يل لِ َّلن ِ‬
‫َّم ْعُلو ٍم * َوِق َ‬

‫والشيء المبين الذي يمنعه عن االستيالء ويردعه عن الغلبة واالستعالء هو النور البارق القدسي‪ ،‬والبرهان ّ‬
‫النير‬

‫العرشي الذي ائتلف به القلب في األفق الروحي المعجز للنفس والقوى الدالة على صدقه في الدعوى المفيد ّ‬
‫لقوتيه‬
‫العاقلتين النظرية والعلمية للهيئة النورية والقوة القهرية حتى صارت األولى قوة قدسية متأيدة بالحكمة البالغة يعتمد‬
‫العدو عند المجادلة ودفع الخصم عند المغالطة‪ .‬والثانية ّقوة ملكية متأيدة بالقدرة الكاملة يعجز بها من‬
‫عليها في قمع ّ‬
‫غالبه في القوة وعارضه بالقدرة‪ ،‬فإذا ألقى عصا القوة القدسية بالذكر القلبي صار ثعباناً ظاهر الثعبانية في الغلبة‬
‫حير الناظر ِ‬
‫باإلشراق والنورية‪.‬‬ ‫القوية‪ ،‬وإذا نزع يد الملكية من جيب الصدر ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الشعراء (من اآلية ‪ 41‬الى اآلية ‪)60‬‬

‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬


‫ال َل ُه ْم‬‫ِين * َق َ‬ ‫ال َن َع ْم َوإَِّن ُك ْم ِإذاً لم َن اْل ُمَقَّرب َ‬
‫ين * َق َ‬ ‫َج اًر ِإن ُكَّنا َن ْح ُن اْل َغالِب َ‬
‫الس َح َرةُ َقاُلوْا لف ْرَع ْو َن أَِإ َّن َلَنا أل ْ‬
‫آء َّ‬ ‫َفَل َّما َج َ‬
‫صاهُ َفِإ َذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس ٰى َع َ‬ ‫َّه ْم َوَقاُلوْا بعزة ف ْرَعو َن إَّنا َلَن ْح ُن اْل َغالُبو َن * َفأَْلَق ٰى ُم َ‬ ‫وس ٰى أَْلُقوْا َمآ أَنتُ ْم ُّمْلُقو َن * َفأَْلَق ْوْا حَباَل ُه ْم َو ِعصي ُ‬‫ُّم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف َما َي ْأ ِف ُكو َن * َفأُْلِق َي َّ‬ ‫ِ‬
‫ال آ َمنتُ ْم َل ُه‬ ‫وس ٰى َو َه ُارو َن * َق َ‬ ‫ين * َر ّب ُم َ‬ ‫آمَّنا ِب َر ِّب اْل َعاَلم َ‬
‫ين * َقاُلوْا َ‬ ‫الس َح َرةُ َسا ِجد َ‬ ‫ه َي َتْلَق ُ‬
‫ُصّلَِبَّن ُك ْم‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ف تَ ْعَل ُمو َن ألَُق ِّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ط َع َّن أ َْيدَي ُك ْم َوأ َْر ُجَل ُك ْم ّم ْن خالَف َوأل َ‬ ‫َن آ َذ َن َل ُك ْم إَّن ُه َل َكب ُيرُك ُم الذي َعل َم ُك ُم ّ‬
‫الس ْح َر َفَل َس ْو َ‬ ‫َقْب َل أ ْ‬
‫ِ‬ ‫ط َم ُع أَن َي ْغِف َر َلَنا َربَُّنا َخ َ‬ ‫ض ْي َر ِإَّنآ ِإَل ٰى َرّبَِنا ُمنَقِلُبو َن * ِإَّنا َن ْ‬ ‫أ ِ‬
‫ين * َوأ َْو َح ْيَنآ‬ ‫ط َاياَنآ أَن ُكَّنآ أََّو َل اْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫ين * َقاُلوْا الَ َ‬ ‫َج َمع َ‬‫ْ‬
‫الء َل ِش ْرِذ َم ٌة َقلِيُلو َن * َوإَِّن ُه ْم‬ ‫اش ِرين * ِإ َّن هـٰؤ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َُ‬ ‫َس ِر ِبعَبادي ِإَّن ُكم ّمتََّب ُعو َن * َفأ َْرَس َل ف ْرَعو ُن في اْل َم َدآئ ِن َح َ‬ ‫وس ٰى أَ ْن أ ْ‬
‫إَل ٰى ُم َ‬
‫ِ‬
‫اها َبِني‬ ‫ِ‬ ‫َخرجناهم ِمن جَّن ٍ‬
‫ات َو ُعُيو ٍن * َوُكُن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َلَنا َل َغ ِآئ ُ‬
‫وز َو َمَقا ٍم َك ِري ٍم * َك َذل َك َوأ َْوَرْثَن َ‬ ‫ظو َن * َوإَِّنا َل َجم ٌ‬
‫يع َحاذ ُرو َن * َفأ ْ َ ْ َ ُ ْ ّ َ‬
‫ِ ِ‬
‫وهم ُّم ْش ِرِق َ‬
‫ين‬ ‫يل * َفأ َْتَب ُع ُ‬
‫إ ْس َرائ َ‬

‫شر فسادها ورياستها فيها‪،‬‬


‫ولما تحيرت النفس الفرعونية وقواها وعجزت وخافت أن يخرجها من أرض البدن ويدفع ّ‬
‫ويمنع تسلطها واستيالءها بعثوا الدواعي الشيطانية‪ ،‬واستنهضوا البواعث النفسانية إلى مدائن محال القوى الوهمية‬
‫والتخيلية‪ ،‬وأحضروا سحرتها إللقاء الوساوس والهواجس بآالت المغالطات والتشكيكات وجمعوها لوقت الحضور‬
‫السر إلى حضرة القدس‪ ،‬فألقوا حبال التخييالت والوهميات‬‫وجمعية جميع القوى النفسانية والبدنية والروحانية في توجه ّ‬
‫وقوته‪ ،‬ورجاء التعظيم والمنزلة والتقريب في صدر‬ ‫بعزة فرعون النفس ّ‬
‫األمارة ّ‬ ‫وعصي الهواجس والوساوس لتوهم الغلبة ّ‬ ‫ّ‬
‫الرياسة والسلطنة فتلقفها ثعبان القوة القدسية بقوة التوحيد وابتلع مأفوكاتها بنور التحقيق‪ ،‬فانقادت سحرة الوهم والخيال‬
‫والتخيل إذ فقدت آالتها وآمنت بنور اليقين في متابعة موسى القلب وهارون العقل برّبهما‪ ،‬فبقيت مقطوعة األرجل‬
‫التصرف‬
‫واأليدي عن السعي في أرض البدن بأنواع الحيل والكيد والمكر وطلب المعاش وتحصيل اللذات والشهوات و ّ‬
‫في أمالك القوى البدنية بالرياسة والسلطنة من جهة مخالفة النفس وموافقة القلب مصلوبة على جذوع النفس النباتية‪،‬‬
‫السر عند التوجه إلى‬
‫ممنوعة عن حركاتها بالرياضة والقهر والسياسة‪ ،‬منقلبة إلى رّبهم في متابعة القلب ومشايعة ّ‬
‫الحق‪ ،‬مغفورة خطاياهم من التزويرات والمفتريات بنور القدس‪.‬‬

‫وأوحى إلى موسى القلب إسراء القوى الروحانية في ليل هدوء الحواس وسكون القوى النفسانية إلى الحضرة الوحدانية‬
‫والعبور من بحر المادة الهيوالنية‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الشعراء (من اآلية ‪ 61‬الى اآلية ‪)82‬‬

‫ِ ِ‬ ‫وأ َْزَلْفنا ثَ َّم اآلخ ِرين * وأَنجينا موسى ومن َّمعه أ ِ‬


‫ان أَ ْكثَُرُهم‬ ‫ين * ِإ َّن في َذل َك َ‬
‫آلي ًة َو َما َك َ‬ ‫اآلخ ِر َ‬
‫َغ َرْقَنا َ‬
‫ين * ثُ َّم أ ْ‬ ‫َج َمع َ‬ ‫َ َ َْ ُ َ ٰ َ َ َ ُ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫يه َوَق ْو ِم ِه َما تَ ْعُب ُدو َن * َقاُلوْا َن ْعُب ُد‬
‫اهيم * ِإ ْذ َقال ألَِب ِ‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم * َوا ْت ُل َعَل ْيه ْم َنَبأَ إ ْب َر َ‬
‫ُّمؤ ِمِنين * وإِ َّن ربَّك َلهو اْلع ِز ُيز َّ ِ‬
‫الرح ُ‬ ‫َ َ َ َُ َ‬ ‫ْ َ‬
‫آءَنا َك َذِل َك‬ ‫ِِ‬
‫َو َج ْدَنآ َآب َ‬ ‫ضُّرو َن * َقاُلوْا َب ْل‬ ‫ون ُك ْم ِإ ْذ تَ ْد ُعو َن * أ َْو َي َنف ُع َ‬
‫ون ُك ْم أ َْو َي ُ‬ ‫َي ْس َم ُع َ‬ ‫ال َه ْل‬ ‫ين * َق َ‬ ‫ظ ُّل َل َها َعاكف َ‬ ‫َفَن َ‬ ‫َصَناماً‬
‫أْ‬
‫* َّال ِذي َخَلَقِني‬ ‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫آؤُك ُم األَْق َد ُمو َن * َفِإَّن ُه ْم َع ُدٌّو لي ِإال َر َّب اْل َعاَلم َ‬
‫* أَنتُ ْم َو َآب ُ‬ ‫ال أََف َأرَْيتُ ْم َّما ُك ْنتُ ْم تَ ْعُب ُدو َن‬ ‫َيْف َعُلو َن‬
‫* َق َ‬
‫ين * َو َّال ِذي أَ ْ‬
‫ط َم ُع‬ ‫ين * َو َّال ِذي ُي ِميتُِني ثُ َّم ُي ْحِي ِ‬ ‫ض ُت َف ُه َو َي ْشِف ِ‬‫ين * َوإِ َذا َم ِر ْ‬ ‫ط ِع ُمِني َوَي ْسِق ِ‬
‫ُه َو ُي ْ‬ ‫ين * َو َّال ِذي‬
‫َف ُه َو َي ْه ِد ِ‬
‫ال َكالَّ ِإ َّن َم ِعي َرّبِي‬ ‫ِ‬ ‫يوم ِ‬ ‫أَن َي ْغِف َر لِي َخ ِط َيئِتي‬
‫َ‬ ‫وس ٰى إَّنا َل ُم ْد َرُكو َن * َق َ‬ ‫اب ُم َ‬‫َص َح ُ‬ ‫ال أ ْ‬ ‫ين * َفَل َّما تَ َراءى اْل َج ْم َع ِ‬
‫ان َق َ‬ ‫َ‬
‫الد ِ‬
‫َْ َ ّ‬
‫الط ْوِد اْل َع ِظي ِم‬
‫انفَلق َف َكان ُك ُّل ِفر ٍق َك َّ‬
‫ْ‬ ‫اك اْلَب ْح َر َف َ َ َ‬ ‫ص َ‬ ‫ِ‬
‫اض ِرب ّب َع َ‬‫َن ْ‬ ‫وس ٰى أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َسَي ْه ِد ِ‬
‫ين * َفأ َْو َح ْيَنآ إَل ٰى ُم َ‬

‫فلما أتبعهم فرعون النفس في التلوينات حاش اًر جنوده من مدائن طبائع األعضاء‪ ،‬حاذ اًر من ذهاب رياسته وملكه‪،‬‬
‫ممتلئاً من غيظ تسّلط القلب واتباعه واستيالئه على مملكته وأعوانه‪ ،‬فكادوا أن يظفروا بهم‪ ،‬ضرب موسى القلب بأمر‬
‫الحق عند تقابلهما وتعارضهما بعصا القوة القدسية البحر الهيوالني فانفلق إلى الحقوق والحظوظ ونجا موسى وقومه‬
‫بطريق التجريد وأخرج أعداءهم بالمنع عن الحظوظ واإلجبار على الحقوق من جنات اللذات النفسانية وعيون أذواقها‬
‫وأهوائها وكنوز مدخراتها وأسبابها ومقام الركون إلى مشتهياتها إلى أن خرج موسى وأهله من البحر بالمفارقة وغرق‬
‫فرعون النفس وقومه أجمعون‪.‬‬

‫{ما تعبدون} كل من عكف على شيء يهواه ّ‬


‫ويحبه ويتواله فهو عابد له‪ ،‬محجوب به عن رّبه‪ ،‬موقوف معه عن‬
‫عدو الموحد‪ ،‬إذ الغير ال يوجد عنده إال في التوهم‪ .‬فالباعث على عبادته الشيطان والغالب على عابده‬
‫كماله‪ ،‬وذلك ّ‬
‫يضر غير الحق في شهوده وال ينفع وال يبصر بنفسه وال يسمع ألنه يشهد الحق قائماً على كل‬
‫الظلم والعدوان‪ ،‬وال ّ‬
‫نفس بما تفعل وأيدي األفعال كلها في حضرة أسمائه منه تصدر‪ ،‬كما قال عليه السالم‪{ :‬الذي خلقني فهو يهدين}‬
‫الم ْم ِرض والشافي والمميت والمحيي‪،‬‬ ‫{والذي هو يطعمني ويسقين} إلى آخره‪ ،‬فهو الخالق والهادي والم ْ ِ‬
‫طعم والساقي و ُ‬ ‫ُ‬
‫َّللاِ هل ينصرون ُكم أَو ينتَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ُرو َن}[الشعراء‪ ،‬اآليات‪]93 - 92:‬‬ ‫ويقرر هذا المعنى قوله‪{ :‬أ َْي َن َما ُكنتُ ْم َت ْعُب ُدو َن من ُدو ِن َّ َ ْ َ ُ ُ َ ْ ْ َ‬
‫ّ‬
‫ص ِد ٍ‬
‫يق َح ِميمٍ}[الشعراء‪ ،‬اآليات‪ ،]101 - 100:‬ولما كان هذا المقام مقام الفناء‬ ‫ين َوالَ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫إلى قوله‪َ { :‬ف َما َلَنا من َشافع َ‬
‫وذنبه ال يكون إال بوجود البقية‪ ،‬خاف ذنب حاله‪ ،‬ورجا غفرانه منه بنور ذاته فقال‪{ :‬والذي أطمع أن يغفر في‬
‫خطيئتي يوم الدين} أي‪ :‬القيامة الكبرى وال يجازيني من ظهور البقية بالحرمان‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الشعراء (من اآلية ‪ 83‬الى اآلية ‪)149‬‬

‫الن ِعي ِم *‬ ‫اج َعْلِني ِمن َوَرثَ ِة َجَّن ِة َّ‬ ‫ين * َو ْ‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان ص ْد ٍق في اآلخ ِر َ‬
‫الصالِ ِحين * واجعل ّلِي لِس ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َر ِّب َه ْب لِي ُح ْكماً َوأَْل ِحْقِني ِب َّ‬
‫ال َوالَ َبُنو َن * ِإالَّ َم ْن أَتَى َّ‬
‫َّللاَ ِبَقْل ٍب‬ ‫ين * َوالَ تُ ْخ ِِزني َي ْوَم ُي ْب َعثُو َن * َي ْوَم الَ َي َنف ُع َم ٌ‬
‫اغِفر ألَِبي ِإَّنه َكان ِمن َّ ِ‬
‫الضآّل َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َو ْ ْ‬
‫َّللاِ َه ْل‬‫يل َل ُه ْم أ َْي َن َما ُكنتُ ْم تَ ْعُب ُدو َن * ِمن ُدو ِن َّ‬
‫ين * َوِق َ‬
‫سلِي ٍم * وأ ُْزلَِف ِت اْلجَّن ُة لِْلمتَِّقين * وب ِرَز ِت اْلج ِح ِ‬
‫يم لْل َغ ِاو َ‬
‫َ ُ‬ ‫َ ُّ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اَّللِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يها َي ْختَص ُمو َن * تَ َّ‬ ‫َج َم ُعو َن * َقاُلوْا َو ُه ْم ف َ‬
‫يس أ ْ‬ ‫ود ِإْبل َ‬‫يها ُه ْم َواْل َغ ُاوو َن * َو ُجُن ُ‬ ‫ون ُك ْم أ َْو َينتَص ُرو َن * َف ُك ْبكُبوْا ف َ‬
‫نص ُر َ‬
‫َي ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫يكم ِبر ِب اْلعاَل ِمين * ومآ أ َّ َّ‬ ‫ضالَ ٍل ُّمِب ٍ‬ ‫ِ‬
‫ين * َوالَ‬ ‫َضلَنآ ِإال اْل ُم ْج ِرُمو َن * َف َما َلَنا من َشافع َ‬ ‫ََ َ‬ ‫ين * ِإ ْذ ُن َسِّو ُ ْ َ ّ َ َ‬ ‫ِإن ُكَّنا َلفي َ‬
‫ين * َوإِ َّن َرب َ‬
‫َّك َل ُهَو‬ ‫ِ‬
‫ان أَ ْكثَُرُهم ُّم ْؤ ِمن َ‬
‫ِ ِ‬
‫ين * ِإ َّن في َذل َك َ‬
‫آلي ًة َو َما َك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َن َلَنا َكَّرًة َفَن ُكو َن م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫ص ِد ٍ‬
‫يق َح ِمي ٍم * َفَل ْو أ َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫اْلع ِز ُيز َّ ِ‬
‫ين * َفاتَُّقوْا َّ‬
‫َّللاَ‬ ‫وه ْم ُنوٌح أَالَ تَتَُّقو َن * ِإّني َل ُك ْم َرُس ٌ‬
‫ول أَم ٌ‬ ‫َخ ُ‬
‫ال َل ُه ْم أ ُ‬ ‫ِ‬
‫ين * إ ْذ َق َ‬ ‫يم * َكذَب ْت َق ْوُم ُنو ٍح اْل ُم ْرَسل َ‬ ‫الرح ُ‬ ‫َ‬
‫يعو ِن * َقاُلوْا أَُن ْؤ ِم ُن َل َك‬ ‫َطيعو ِن * ومآ أَسأَُل ُكم عَلي ِه ِمن أَج ٍر ِإن أَجرِي ِإالَّ عَلى ر ِب اْلعاَل ِمين * َفاتَُّقوْا َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاَ َوأَط ُ‬ ‫َ ٰ َّ َ َ‬ ‫ََ ْ ْ َ ْ ْ ْ ْ ْ َ‬ ‫َوأ ُ‬
‫ارِد‬
‫طِ‬ ‫ال َو َما ِعْل ِمي ِب َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * ِإ ْن ِح َس ُاب ُه ْم ِإالَّ َعَل ٰى َرّبِي َل ْو تَ ْش ُع ُرو َن * َو َمآ أََن ْا ِب َ‬ ‫َواتََّب َع َك األ َْرَذُلو َن * َق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َر ِّب ِإ َّن َق ْو ِمي َك َّذُبو ِن *‬ ‫ون َّن م َن اْل َم ْرُجو ِمي َن * َق َ‬ ‫ين * َقاُلوْا َلئ ْن َّل ْم تَْنتَه يُٰنو ُح َلتَ ُك َ‬
‫ين * ِإ ْن أََنا ِإال َنذ ٌير ُّمِب ٌ‬ ‫اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫َنج ْيَناهُ َو َمن َّم َع ُه ِفي اْلُفْل ِك اْل َم ْش ُحو ِن * ثُ َّم أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َغ َرْقَنا َب ْع ُد‬ ‫ين * َفأ َ‬ ‫َفا ْفتَ ْح َب ْيني َوَب ْيَن ُه ْم َف ْتحاً َوَن ِّجني َو َمن َّمعي م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين * ِإ ْذ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫اْلب ِاقين * ِإ َّن ِفي َذلِك آلي ًة وما َكان أَ ْكثَرهم ُّمؤ ِمِنين * وإِ َّن ربَّك َلهو اْلع ِز ُيز َّ ِ‬
‫يم * َكذَب ْت َع ٌاد اْل ُم ْرَسل َ‬ ‫الرح ُ‬ ‫َ َ َ َُ َ‬ ‫َ َ ََ َ ُُ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫َقال َلهم أَخوهم هود أَالَ تَتَُّقون * ِإِني َل ُكم رسول أ َِمين * َفاتَُّقوْا َّ ِ‬
‫ِي‬
‫َجر َ‬ ‫َج ٍر ِإ ْن أ ْ‬
‫يعو ِن * َو َمآ أَ ْسأَُل ُك ْم َعَل ْيه م ْن أ ْ‬ ‫َّللاَ َوأَط ُ‬ ‫ْ َُ ٌ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ْ ُ ُْ ُ ٌ‬
‫ط ْشتُ ْم‬ ‫ص ِان َع َل َعَّل ُك ْم‬
‫تَ ْخُل ُدو َن * َوإِ َذا َب َ‬
‫ط ْشتُ ْم َب َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين * أَتَْبُنو َن ب ُك ّل ِري ٍع َآي ًة تَ ْعَبثُو َن * َوتَتخ ُذو َن َم َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ِإال َعَل ٰى َر ِّب اْل َعاَلم َ‬
‫ات َو ُعُيو ٍن * ِإِّني‬ ‫وبِنين * وجَّن ٍ‬ ‫َمَّد ُك ْم ِبأ َْن َعا ٍم‬ ‫ِ‬ ‫َّ َّ ِ‬ ‫َط ُ ِ‬ ‫َّللا وأ ِ‬ ‫َّ‬ ‫َجب ِ‬
‫ََ‬ ‫ََ َ‬ ‫َمَّد ُك ْم ب َما تَ ْعَل ُمو َن * أ َ‬‫يعون * َواتُقوْا الذي أ َ‬ ‫ين * َفاتُقوْا َّ َ َ‬ ‫َّار َ‬
‫َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين *‬ ‫ين * ِإ ْن َهـٰ َذا ِإال ُخُل ُق األََّولِ َ‬
‫ظ َت أ َْم َل ْم تَ ُك ْن ّم َن اْلَواعظ َ‬ ‫آء َعَل ْيَنآ أ ََو َع ْ‬
‫اب َي ْو ٍم َعظي ٍم * َقاُلوْا َس َو ٌ‬‫اف َعَل ْي ُك ْم َع َذ َ‬‫َخ ُ‬‫أَ‬
‫يم *‬ ‫وما َنحن ِبمع َّذِبين * َف َك َّذبوه َفأَهَل ْكَناهم ِإ َّن ِفي َذلِك آلي ًة وما َكان أَ ْكثَرهم ُّمؤ ِمِنين * وإِ َّن ربَّك َلهو اْلع ِز ُيز َّ ِ‬
‫الرح ُ‬ ‫َ َ َ َُ َ‬ ‫َ َ ََ َ ُُ ْ َ‬ ‫ُ ُ ْ ُْ‬ ‫َ َ ْ ُ َُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َخوهم ِ‬ ‫ِ‬
‫يعو ِن * َو َمآ‬ ‫ين * َفاتَُّقوْا َّ‬
‫َّللاَ َوأَط ُ‬ ‫ول أَم ٌ‬ ‫صال ٌح أَال تَتَُّقو َن * ِإّني َل ُك ْم َرُس ٌ‬ ‫ال َل ُه ْم أ ُ ُ ْ َ‬
‫ِ‬
‫ين * إ ْذ َق َ‬ ‫َك َّذَب ْت ثَ ُم ُ‬
‫ود اْل ُم ْرَسل َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫أَسأَُل ُكم عَلي ِه ِمن أَج ٍر ِإن أَجرِي ِإالَّ عَلى ر ِب اْلعاَل ِمين * أَتُ ْترُكو َن ِفي ما هاهنآ ِ‬
‫آمِنين * ِفي جَّن ٍ‬
‫ات َو ُعُيو ٍن * َوُزُروٍع‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ ٰ َّ َ َ‬ ‫ْ ْ َْ ْ ْ ْ ْ َ‬
‫ضيم * وتَْن ِحتُو َن ِم َن اْل ِجب ِ‬
‫ال ُبُيوتاً َف ِارِه َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫َوَن ْخ ٍل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫طْل ُع َها َه ٌ‬

‫{رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين} أي‪ :‬حكمة وحكماً‬ ‫ثم سأل االستقامة في التحقق به في مقام البقاء بقوله‪ّ :‬‬
‫بالحق ألكون من الذين جعلتهم سبباً لصالح العالم وكمال الخلق واجعلني محبوباً لك فيحبني بحبك خلقك أبداً‬
‫فيحصل لي {لسان صدق في اآلخرين} إذ ال بد لمن يحب شيئاً من كثرة ذكره بالخير ذكر الالزم مكان الملزوم {إال‬
‫من أتى هللا بقلب سليم} أي‪ :‬إال حال من أتى هللا وسالمة القلب بأمرين‪ :‬براءته عن نقص االستعداد في الفطرة‪،‬‬
‫ونزاهته عن حجب صفات النفس في النشأة‪.‬‬

‫نبي مذكور فيها بالروح أو القلب وتكذيب قومه المرسلين بامتناع القوى النفسانية عن قبول ّ‬
‫التأدب‬
‫ّ‬
‫يؤول كل‬
‫يمكن أن ّ‬
‫بآداب الروحانيين والتخلق بأخالق الكاملين‪ .‬وقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪{ :‬أال تتقون} معناه‪ :‬تجتنبون الرذائل‬
‫{إني لكم رسول أمين} أؤدي إليكم ما تلقفت من الحق من الحكم والمعاني اليقينية غير مخلوطة بالوهميات والتخيالت‪.‬‬

‫سورة الشعراء (من اآلية ‪ 150‬الى اآلية ‪)212‬‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ين * ِإ َّن في َذل َك َ‬
‫آلي ًة َو َما‬ ‫ط ُر اْل ُمن َذ ِر َ‬
‫آء َم َ‬
‫ط اًر َف َس َ‬‫ط ْرَنا َعَل ْي ِهم َّم َ‬
‫ين * َوأ َْم َ‬ ‫اآلخ ِر َ‬
‫ين * ثُ َّم َد َّم ْرَنا َ‬‫ِإال َع ُجو اًز في اْل َغاِب ِر َ‬
‫ال َل ُه ْم ُش َع ْي ٌب أَالَ تَتَُّقو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َكان أَ ْكثَرهم ُّمؤ ِمِنين * وإِ َّن ربَّك َلهو اْلع ِز ُيز َّ ِ‬
‫ين * إ ْذ َق َ‬ ‫اب ْلَئ ْي َكة اْل ُم ْرَسل َ‬
‫ص َح ُ‬ ‫يم * َكذ َب أَ ْ‬ ‫الرح ُ‬ ‫َ َ َ َُ َ‬ ‫َ ُُ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫عَلي ِه ِمن أَج ٍر ِإن أَجر َّ‬ ‫َّللا وأ ِ‬ ‫* ِإِّني َل ُكم رس ِ‬
‫ين * أ َْوُفوْا‬ ‫ِي ِإال َعَل ٰى َر ِّب اْل َعاَلم َ‬‫َْ ْ ْ ْ ْ َ‬ ‫يعون * َو َمآ أ ْ‬
‫َسأَُل ُك ْم‬ ‫َط ُ ِ‬ ‫َّ‬
‫ين * َفاتُقوْا َّ َ َ‬ ‫ول أَم ٌ‬ ‫ْ َُ ٌ‬
‫َشَيآء ُهم والَ تَ ْعثَ ْوْا ِفي األ َْر ِ‬ ‫* َوالَ تَْب َخ ُسوْا َّ‬ ‫اس اْل ُم ْستَِقي ِم‬
‫ط ِ‬ ‫ين * َوِزُنوْا ِباْلِق ْس َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض‬ ‫اس أ ْ َ ْ َ‬ ‫الن َ‬ ‫ونوْا م َن اْل ُم ْخس ِر َ‬ ‫اْل َكْي َل َوالَ تَ ُك ُ‬
‫َنت ِإالَّ َب َشٌر ِّم ْثُلَنا َوإِن َّن ُ‬
‫ظُّن َك‬ ‫مْف ِس ِدين * واتَُّقوْا َّال ِذي خَلَق ُكم واْل ِجِبَّل َة األََّولِين * َقاُلوْا ِإَّنمآ أ ِ‬
‫ين * َو َمآ أ َ‬ ‫َنت م َن اْل ُم َس َّح ِر َ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫السم ِآء ِإن ُكنت ِمن َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َسِق ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َرّبِي أ َْعَل ُم ب َما تَ ْع َمُلو َن * َف َكذُبوهُ‬ ‫ين * َق َ‬ ‫الصادق َ‬ ‫َ َ‬ ‫ط َعَل ْيَنا ك َسفاً ّم َن َّ َ‬ ‫ين * َفأ ْ‬ ‫َلم َن اْل َكاذِب َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َُّّ ِ‬
‫ين * َوإِ َّن َرب َ‬
‫َّك َل ُهَو‬ ‫ان أَ ْكثَُرُهم ُّم ْؤ ِمن َ‬
‫آلي ًة َو َما َك َ‬ ‫اب َي ْو ٍم َعظي ٍم * ِإ َّن في َذل َك َ‬ ‫ان َع َذ َ‬‫اب َي ْو ِم الظلة ِإَّن ُه َك َ‬ ‫َخ َذ ُه ْم َع َذ ُ‬
‫َفأ َ‬
‫ين * ِبلِ َس ٍ‬
‫ان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * َعَل ٰى َقْلِب َك لتَ ُكو َن م َن اْل ُم ْنذ ِر َ‬
‫ِ‬
‫الرو ُح األَم ُ‬ ‫ين * َن َزَل ِب ِه ُّ‬ ‫ِ‬
‫يل َر ِّب اْل َعاَلم َ‬‫نز ُ‬‫الرِحيم * َوإَِّن ُه َلتَ ِ‬
‫اْل َعز ُيز َّ ُ‬
‫ِ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫* وَل ْو َنَّ ْزلَناهُ َعَل ٰى َب ْع ِ‬
‫ض‬ ‫يل‬ ‫ين * وإَِّنه َلِفي ُزب ِر األََّولِين * أَو َلم ي ُكن َّلهم آي ًة أَن يعَلمه عَلم ِ ِ ِ‬ ‫ِي ُّمِب ٍ‬
‫َ‬ ‫اء َبني إ ْس َرائ َ‬ ‫َْ َ ُ ُ َ ُ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫عرب‬
‫َ َ ٍّ‬
‫ُي ْؤ ِمُنو َن ِب ِه َحتَّ ٰى َي َرُوْا‬ ‫ين * الَ‬ ‫ين * َك َذلِ َك سَل ْكَناه ِفي ُقُل ِ‬
‫وب اْل ُم ْج ِرِم َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * َفَق َأَرهُ َعَل ْي ِهم َّما َك ُانوا ِبه ُم ْؤ ِمن َ‬
‫األ ِ‬
‫َع َجم َ‬ ‫ْ‬
‫ظ ُرو َن * أََفِب َع َذاِبَنا َي ْستَ ْع ِجُلو َن * أََف َأرَْي َت ِإن‬ ‫يم * َفَيأِْتَي ُهم َب ْغتَ ًة َو ُه ْم الَ َي ْش ُع ُرو َن * َفَيُقوُلوْا َه ْل َن ْح ُن ُمن َ‬ ‫ِ‬
‫اب األَل َ‬ ‫اْل َع َذ َ‬
‫َهَل ْكَنا ِمن َق ْرَي ٍة ِإالَّ َل َها‬
‫َغَن ٰى َع ْن ُه ْم َّما َك ُانوْا ُي َمتَّ ُعو َن * َو َمآ أ ْ‬
‫وع ُدو َن * َمآ أ ْ‬‫آء ُهم َّما َك ُانوْا ُي َ‬ ‫ين * ثُ َّم َج َ‬
‫َّمتَّعن ِ ِ‬
‫اه ْم سن َ‬ ‫َْ ُ‬
‫َع ِن َّ‬ ‫يعو َن * ِإَّن ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ظالِ ِمين * وما تَنَّزَلت ِب ِه َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس ْم ِع‬ ‫* َو َما َي َنبغي َل ُه ْم َو َما َي ْستَط ُ‬ ‫ين‬
‫الشَياط ُ‬ ‫ََ َ ْ‬ ‫ُمنذ ُرو َن * ذ ْك َر ٰى َو َما ُكَّنا َ َ‬
‫صلِ ُحو َن‬ ‫ين ُيْف ِس ُدو َن ِفي األَْر ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َلمعزوُلون * َفاتَُّقوْا َّ ِ‬
‫* َقاُلوْا‬ ‫ض َوالَ ُي ْ‬ ‫* الذ َ‬ ‫ين‬ ‫يعو ِن * َوالَ تُط ُ‬
‫يعوْا أ َْم َر اْل ُم ْس ِرِف َ‬ ‫َّللاَ َوأَط ُ‬ ‫َ ُْ َ‬
‫ال َهـ ِٰذِه َنا َق ٌة َّل َها ِش ْر ٌب َوَل ُك ْم‬ ‫ْت ِبآي ٍة ِإن ُكنت ِمن َّ ِ ِ‬ ‫ِإَّنمآ أَنت ِمن اْلمس َّح ِرين * مآ أَنت ِإالَّ ب َشر ِم ْثُلنا َفأ ِ‬
‫ين * َق َ‬ ‫الصادق َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ ّ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ َُ َ‬
‫اب ِإ َّن‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫وها ِبس ٍ‬ ‫ِ‬
‫َخ َذ ُه ُم اْل َع َذ ُ‬
‫ين * َفأ َ‬ ‫َصَب ُحوْا َنادم َ‬‫وها َفأ ْ‬
‫اب َي ْو ٍم َعظي ٍم * َف َعَق ُر َ‬‫ْخ َذ ُك ْم َع َذ ُ‬
‫وء َفَيأ ُ‬ ‫ش ْر ُب َي ْو ٍم َّم ْعُلو ٍم * َوالَ تَ َم ُّس َ ُ‬
‫ال َل ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ِفي َذلِك آلي ًة وما َكان أَ ْكثَرهم ُّمؤ ِمِنين * وإِ َّن ربَّك َلهو اْلع ِز ُيز َّ ِ‬
‫ين * إ ْذ َق َ‬ ‫يم * َكذَب ْت َق ْوُم ُلوط اْل ُم ْرَسل َ‬ ‫الرح ُ‬ ‫َ َ َ َُ َ‬ ‫َ َ ََ َ ُُ ْ َ‬
‫ِي ِإالَّ َعَل ٰى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ط أَال تَتَُّقون * ِإِني َل ُكم رسول أ َِمين * َفاتَُّقوْا َّ ِ‬
‫َج ٍر ِإ ْن أ ْ‬
‫َجر َ‬ ‫يعون * َو َمآ أ ْ‬
‫َسأَُل ُك ْم َعَل ْيه م ْن أ ْ‬ ‫َط ِ‬
‫َّللاَ َوأ ُ‬ ‫ْ َُ ٌ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫وه ْم ُلو ٌ‬ ‫َخ ُ‬‫أُ‬
‫ُّك ْم ِّم ْن أ َْزَوا ِج ُك ْم َب ْل أَنتُ ْم َق ْوٌم َع ُادو َن * َقاُلوْا‬
‫ين * َوتَ َذ ُرو َن َما َخَل َق َل ُك ْم َرب ُ‬ ‫ِ‬ ‫الذ ْكر ِ‬
‫ان م َن اْل َعاَلم َ‬‫ََ‬
‫ر ِب اْلعاَل ِمين * أَتَأْتُو َن ُّ‬
‫َّ َ َ‬
‫ِ‬
‫َهلي م َّما َي ْع َمُلو َن * َفَن َّج ْيَناهُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * َر ِّب َّن ِجني َوأ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ِإّني ل َع َمل ُك ْم ّم َن اْلَقال َ‬
‫ين * َق َ‬
‫ِ‬
‫ون َّن م َن اْل ُم ْخ َرِج َ‬ ‫َلِئن َّل ْم تَنتَ ِه ٰيُلو ُ‬
‫ط َلتَ ُك َ‬
‫ين‬ ‫وأَهَله أ ِ‬
‫َج َمع َ‬
‫َ ْ ُ ْ‬

‫التنور والتحلية {وما أسألكم عليه من أجر} مما عندكم من اللذات‬‫{فاتّقوا هللا} في التجريد والتزكية {وأطيعون} في ّ‬
‫والمدركات الجزئية فإني غني عنها {إن أجري إالّ على رب العالمين} بإلقاء المعاني و ِ‬
‫الح َكم الكلية وإشراق األنوار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اللذيذة القدسية‪.‬‬

‫تنزلهم ال يكون إال عند استعداد قبول النفوس لنزولها بالمناسبة في الخبث والكيد‬
‫تنزلت به الشياطين} ألن ّ‬
‫{وما ّ‬
‫تجرد عن صفات‬
‫فإن مدركات الشياطين من قبيل الوهميات والخياليات‪ ،‬فمن ّ‬
‫والمكر والغدر والخيانة وسائر الرذائل‪ّ ،‬‬
‫وتنورت نفس باألنوار الروحية ومصابيح الشهب السبوحية‪ ،‬وأشرق‬
‫النفس وترقى عن أفق الوهم إلى جناب القدس‪ّ ،‬‬
‫يتنزلوا‬
‫عقله باالتصال بالعقل الفعال‪ ،‬وتلقى المعارف والحقائق في العالم األعلى ما ينبغي وال يمكن للشياطين أن ّ‬
‫عليه وال أن يتلفقوا المعارف والحقائق والمعاني الكلية والشرائع‪ ،‬فإنهم معزولون عن جناب سماء الروح واستماع كالم‬
‫الملكوت األعلى‪ ،‬مرجومون بشهب األنوار القدسية والبراهين العقلية‪ ،‬ألن طور الوهم ال يترقى عن أفق القلب ومقام‬
‫َعَل ٰى ثُ َّم َدَنا َفتََدَّل ٰى}[النجم‪ ،‬اآليات‪]8 - 7 :‬؟‪.‬‬
‫حد من هو {ِباألُُف ِق األ ْ‬
‫السر‪ ،‬فكيف إلى ّ‬
‫الصدر وال يتجاوز إلى ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الشعراء (من اآلية ‪ 213‬الى اآلية ‪)219‬‬

‫اح َك لِ َم ِن اتََّب َع َك ِم َن‬ ‫َنذر ع ِشيرتَك األَْقربِين * و ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫مع َّ ِ‬
‫ض َجَن َ‬‫اخف ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ين * َوأ ْ َ َ َ‬ ‫آخ َر َفتَ ُكو َن م َن اْل ُم َعذِب َ‬
‫َّللا ِإَلـٰهاً َ‬ ‫ََ‬ ‫َفالَ تَ ْدعُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وم *‬ ‫ين تَُق ُ‬‫اك ح َ‬ ‫الرحي ِم * الذي َي َر َ‬ ‫يء ّم َّما تَ ْع َمُلو َن * َوتَوك ْل َعَلى اْل َع ِز ِ‬
‫يز َّ‬ ‫ك َفُق ْل إّني َب ِر ٌ‬ ‫ص ْو َ‬
‫* َفإ ْن َع َ‬ ‫اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين‬
‫وتََقُّلبك ِفي َّ ِ‬
‫السا ِجد َ‬
‫ين‬ ‫َ ََ‬

‫{فال تدع مع هللا إلهاً آخر} أي‪ :‬ال تلتفت إلى وجود الغير بظهور النفس وال تحتجب في الدعوة بالكثرة عن الوحدة‬
‫ان ِفي أ ُْمِنيَِّت ِه}[الحج‪،‬‬
‫طُ‬ ‫تنزلهم بالموافقة والمراقبة كقوله‪{ :‬أَْلَقى َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫{فتكون من المع ّذبين} بإلقاء الشياطين وإن امتنع ّ‬
‫تنزلهم ومصاحبتهم‬ ‫اآلية‪ ،]52:‬فإنه ال يأمن في اإلنذار والنزول إلى مبالغ عقول المنذرين ونفوسهم إلقاءهم وإن أمن ّ‬
‫وإغواءهم عند التلقي‪.‬‬

‫{وأنذر عشيرتك األقربين} من الذين يقارب استعدادهم استعدادك ويناسب حالهم بحسب الفطرة حالك‪ ،‬إذ القبول ال‬
‫يكون إال بجنسية ما في النفس وقرب في الروح‪.‬‬

‫{واخفض جناحك} بالنزول إلى مرتبة من {اتّبعك من المؤمنين} لتخاطبه بلسانه ليفهم‪ ،‬وترقيه عن مقامه فيصعد‪ ،‬وإال‬
‫وقوتك بالتوكل‬
‫وقوتهم وحولك ّ‬
‫لم يمكنهم متابعتك {فإن عصوك} الستحكام الرين وتكاثف الحجاب فتب أر عن حولهم ّ‬
‫والفناء في أفعاله تعالى فإنهم وإياك ال يقتدرون على ما لم يشأ هللا وال يكون إال ما يريد وشاهد في توكلك وفنائك عن‬
‫العزة التي يقهر بها من يشاء من العصاة فيحجبهم ويمنعهم من اإليمان والرحمة التي يرحم‬
‫أفعالك مصادر أفعاله من ّ‬
‫بها ويفيض النور على من يشاء من أهل الهداية فإنه يحجب المحجوبين بقهره وجالله ويهدي المهتدي بلطفه وجماله‪،‬‬
‫آء}[القصص‪ ،‬اآلية‪.]56:‬‬ ‫وليس لك من األمر شيء {ِإَّنك الَ تَه ِدي من أَحببت وَلـ ِٰك َّن َّ ِ‬
‫َّللاَ َي ْهدي َمن َي َش ُ‬ ‫َ ْ ْ َْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫{الذي يراك} ويحضرك ويحفظك {حين تقوم} في النشأة في القيامة الصغرى والفطرة في الوسطى بالوحدة حين‬
‫االستقامة في الكبرى {وتقلبك} انقالبك وانتقالك في أطوار الفانين في أفعاله تعالى وصفاته وذاته بالنفس والقلب والروح‬
‫في زمرتهم وقبل النشأة االولى في أصالب آبائك األنبياء الفانين في هللا عنها‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الشعراء (من اآلية ‪ 220‬الى اآلية ‪)227‬‬

‫اك أَِثي ٍم * ُيْلُقو َن َّ‬


‫الس ْم َع َوأَ ْكثَ ُرُه ْم‬ ‫اطين * تََنَّزل عَلى ُك ِل أََّف ٍ‬ ‫الس ِميع اْلعلِيم * هل أُنِبُئ ُكم عَلى من تَنَّزل َّ ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫ُ َ ٰ ّ‬ ‫الشَي ُ‬ ‫َ ْ َّ ْ َ ٰ َ َ ُ‬ ‫إن ُه ُه َو َّ ُ َ ُ‬
‫َّ َّ ِ‬ ‫َّ ِ ِ ٍ ِ‬ ‫َك ِاذُبو َن * و ُّ‬
‫يمو َن * َوأََّن ُه ْم َيُقوُلو َن َما الَ َيْف َعُلو َن * ِإال الذ َ‬
‫ين‬ ‫الش َع َر َِّ‬
‫آء َيتب ُع ُه ُم اْل َغ ُاوو َن * أََل ْم تَ َر أَن ُه ْم في ُك ّل َواد َيه ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫َي ُمنَقَل ٍب َينَقلُِبو َن‬
‫ظَل ُموْا أ َّ‬
‫ين َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّللا َكِثي اًر وانتَصروْا ِمن بع ِد ما ُ ِ‬ ‫آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ‬
‫ظل ُموْا َو َسَي ْعَل ْم الذ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫الصال َحات َوَذ َك ُروْا َّ َ‬ ‫َُ َ َ‬

‫{إنه هو السميع} لما تقوله {العليم} لما تعلمه فيعلم أنه ليس من كالم الشياطين وإلقائهم‪{ .‬هل أنبئكم} إلى آخره‪،‬‬
‫يعو َن}[الشعراء‪ ،‬اآلية‪ ]211:‬ألن اإلفك واإلثم من لوازم النفوس الكدرة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫{و َما َي َنبغي َل ُه ْم َو َما َي ْستَط ُ‬
‫تقريره لقوله تعالى‪َ :‬‬
‫وتنزلهم بحسب الجنسية ومن جملتهم‬ ‫الخبيثة المظلمة السفلية المستمدة من الشياطين بالمناسبة‪ ،‬المستدعية إللقائهم ّ‬
‫الشعراء الذين يركبون المخيالت والمزخرفات من القياسات الشعرية واألكاذيب الباطلة سواء كانت موزونة أم ال‪،‬‬
‫فيتبعهم الغاوون الضالون في ذلك ويأخذون منهم التزويرات والمفتريات دون الذي ينظمون المعارف والحقائق واآلداب‬
‫والمواعظ واألخالق والفضائل وما ينفع الناس ويفيد ويهيج أشواقهم في الطلب ويزيد‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫سورة النمل (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)3‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اة وهم ِب ِ‬
‫اآلخ َرِة‬ ‫الصالَ َة وُي ْؤتُو َن َّ‬ ‫ين * هدى وب ْشر ٰى لِْلمؤ ِمِنين * َّال ِذ ِ‬ ‫آن و ِكتَ ٍ‬
‫اب ُّمِب ٍ‬ ‫ِ‬
‫الزَك َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫يمو َن َّ‬
‫ين ُيق ُ‬
‫َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ًُ َ ُ َ‬ ‫ات اْلُق ْر ِ َ‬
‫طس تْل َك َآي ُ‬
‫ُه ْم ُيوِقُنو َن‬

‫{طس} أي‪{ :‬تلك} الصفات العظيمة المذكورة في طسم التي أصلها الطهارة من صفات النفس وسالمة االستعداد في‬
‫األصل عن النقص هي {آيات القرآن} أي‪ :‬العقل القرآني وهو االستعداد الحمدي الجامع لجميع الكماالت باطناً فإذا‬
‫{هدى وبشرى} قائم مقام (م) في طسم ألن الهداية‬
‫ً‬ ‫ظهرت وبرزت إلى الفعل في القيامة الكبرى كانت فرقاناً‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫إلى الحق والبشارة بالوصول ال يكونان إال بعد الكمال العلمي‪ ،‬إذ الهداية للغير التي هي التكميل ملزومة العلم الذي‬
‫هو الكمال‪ ،‬فيحصل االكتفاء بها عنه وهما حاالن معموالن لتلك المشار بها إلى الصفات المذكورة في {طسم} كما‬
‫ومبش اًر للمؤمنين‪ ،‬أي‪ :‬الموقنين بعلم التوحيد‪.‬‬
‫ذكر‪ ،‬أي‪ :‬هادياً ّ‬

‫{الذين يقيمون} صالة الحضور والمراقبة {ويؤتون الزكاة} عن صفات النفوس‪ ،‬أي‪ :‬يزكون بالتجريد والمجاهدة {وهم‬

‫باآلخرة} أي‪ :‬مقام المشاهدة {يوقنون} يعني في حال المكاشفة يوقنون بالمعاينة والرسول يهديهم إليها ّ‬
‫ويبشرهم بجنة‬
‫الذات والفوز األعظم‪.‬‬

‫سورة النمل (من اآلية ‪ 4‬الى اآلية ‪)8‬‬

‫اب وهم ِفي ِ‬


‫اآلخ َرِة ُه ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِإ َّن َّال ِذين الَ يؤ ِمُنو َن ِب ِ‬
‫اآلخ َرِة َزيََّّنا َل ُه ْم أَ ْع َماَل ُه ْم َف ُه ْم َي ْع َم ُهو َن‬
‫وء اْل َع َذ َ ُ ْ‬ ‫ين َل ُه ْم ُس ُ‬ ‫* أ ُْوَلـٰئ َك الذ َ‬ ‫َ ُْ‬
‫َهلِ ِه ِإِّني َآن ْس ُت َنا اًر َس ِآت ُ‬
‫يك ْم ِّم ْن َها ِب َخَب ٍر أ َْو‬ ‫وس ٰى أل ْ‬
‫ال ُم َ‬ ‫َق َ‬ ‫آن ِمن َّل ُد ْن َح ِكي ٍم َعلِي ٍم * ِإ ْذ‬ ‫َخ َس ُرو َن * َوِإَّن َك َلُتَلَّقى اْلُق ْر َ‬
‫األ ْ‬
‫َّللاِ َر ِّب‬
‫ان َّ‬ ‫ك َمن ِفي َّ‬
‫الن ِار َو َم ْن َح ْوَل َها َو ُس ْب َح َ‬ ‫طُلو َن * َفَل َّما جآء َها ُن ِ‬
‫ود َي أَن ُب ِ‬
‫ور َ‬ ‫َ َ‬ ‫صَ‬‫س ل َعل ُك ْم تَ ْ‬ ‫َ‬
‫يكم ِب ِشه ٍ‬
‫اب َقب ٍ َّ َّ‬
‫آت ُ ْ َ‬
‫ِ‬

‫ين‬ ‫ِ‬
‫اْل َعاَلم َ‬

‫{إن الذين ال يؤمنون باآلخرة} من المحجوبين بتزين نفوسهم بكماالتها وهيئات أعمالها {فهم يعمهون} يعمون بصائرهم‬
‫ّ‬
‫عن إدراك صفات الحق وتجليات أنوارها وإال لم يحجبوا بصفاتهم وأفعالهم بل فنوا عنها‪{ .‬أولئك الذين لهم سوء‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫العذاب} بنيران الحجاب والحرمان عن لذات تجليات الصفات {وهم في اآلخرة} ومقام كشف الذات في القيامة الكبرى‬
‫{هم األخسرون} لتكاثف حجابهم بصفاتهم وذواتهم فال خالق لهم من الجنتين ولذاتهما‪.‬‬

‫{وإنك لتلقى القرآن} أي‪ :‬العقل القرآني {من لدن} أي‪ :‬من عين جمع الوحدة في الصفات األول الذي ال حجاب بينه‬
‫وبين الحضرة األحدية بل هو نفسه الحجاب األقدس المفيض لكل االستعدادات من العقول الفرقانية على أربابها من‬
‫تامة وعلم محيط شامل‪.‬‬
‫األعيان الثابتة اإلنسانية {حكيم} ذي حكمة بالغة ّ‬

‫اذكر من جملة علوم الحق وحكمه وقت قول موسى القلب {ألهله} من النفس والحواس الظاهرة والباطنة {امكثوا}‬
‫تشوشوا وقتي بالحركات {إني آنست} بعين البصيرة {نا اًر} أي‪ :‬نار وما أعظمها هي نار العقل والفعال‬‫واثبتوا وال ّ‬
‫ضل الطريقة إلى هللا برعاية أغنام القوى البهيمية‬
‫{سآتيكم منها بخبر} أي‪ :‬علم بالطريقة إلى هللا‪ ،‬وكان حاله أنه ّ‬
‫وزوجه النفس الحيوانية {أو آتيكم بشهاب قبيس} أي‪ :‬بشعلة نورية تشرق عليكم حين اتصالي بالنار وتنوري بها {لعلكم‬
‫تصطلون} عن برد الركون إلى البدن والسكون إليه وهوى لذاته فتشتاقوا بحركة تلك النار إلى جناتي وتسيرون بمحبتي‬
‫إلى مقام الصدر‪.‬‬

‫بتجليات الصفات‬
‫ّ‬ ‫ك} أي‪ :‬كثر خير {من في النار} أي‪ :‬هو موسى القلب الواصل إلى النار‬ ‫{فلما جاءها نودي أن ُب ِ‬
‫ور َ‬
‫النبوة {ومن حولها} من القوى الروحانية والمالئكة السماوية‬
‫اإللهية ووجدان الكماالت الحقيقية ومقام المكالمة عن ّ‬
‫ونزه‬
‫رب العالمين} ّ‬ ‫ِ‬
‫بأنوار المكاشفة وأسرار العلوم والح َكم والتأييدات القدسية واألحوال السرّية والذوقية {وسبحان هللا ّ‬
‫بتجردك عن الصفات النفسانية والغواشي الجسدانية والنقائص والمعائب‪.‬‬ ‫ذات هللا ّ‬

‫سورة النمل (من اآلية ‪ 9‬الى اآلية ‪)14‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا اْلع ِز ُيز اْلح ِكيم * وأَْل ِق عصاك َفَل َّما رآها تَهتَُّز َكأََّنها ج ٌّ َّ‬
‫ف‬ ‫وس ٰى الَ تَ َخ ْ‬
‫ٰم َ‬
‫آن َول ٰى ُم ْدب اًر َوَل ْم ُي َعّق ْب ي ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫وس ٰى ِإَّن ُه أََنا َّ ُ َ‬
‫ٰم َ‬
‫يُ‬
‫ك ِفي َج ْيِب َك تَ ْخ ُرْج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ظَلم ثُ َّم بَّدل حسناً بعد س ٍ ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬
‫يم * َوأ َْدخ ْل َي َد َ‬ ‫ور َّرح ٌ‬ ‫وء َفِإّني َغُف ٌ‬ ‫اف َل َد َّي اْل ُم ْرَسُلو َن * إال َمن َ َ َ َ ُ ْ َ ْ َ ُ‬ ‫ِإّني الَ َي َخ ُ‬
‫اسِقين * َفَل َّما جآء ْتهم آياتُنا مب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بيضآء ِمن َغي ِر س ٍ ِ ِ‬
‫ص َرًة َقاُلوْا َهـٰ َذا‬ ‫َ َ ُ ْ َ َ ُْ‬ ‫وء في ت ْس ِع َآيات ِإَل ٰى ف ْرَع ْو َن َوَق ْو ِمه ِإَّن ُه ْم َك ُانوْا َق ْوماً َف َ‬ ‫َْ َ َ ْ ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫ان َعاقَب ُة اْل ُمْفسد َ‬
‫ف َك َ‬
‫ظ ْر َك ْي َ‬‫ظْلماً َو ُعُلّواً َف ْان ُ‬ ‫َنف ُس ُه ْم ُ‬
‫استَْيَقَن ْت َهآ أ ُ‬ ‫س ْحٌر ُّمِب ٌ‬
‫ين * َو َج َح ُدوْا ب َها َو ْ‬

‫{أنا هللا} القوي الذي قهر نفسك وكل شيء بالفناء فيه {الحكيم} الذي علمك الحكمة وهداك بها إلى مقام المكالمة‬
‫{وألق} عصا نفسك القدسية المؤتلفة بشعاع القدس‪ ،‬أي‪ :‬خلفاً عن الضبط بالرياضة وأرسلها وال تمنعها عن الحركة‬
‫{م ْدِب اًر} خوف ظهور‬
‫حية غالبة بالظهور {ولى} إلى جناب الحق ُ‬
‫وتتحرك {كأنها} ّ‬
‫ّ‬ ‫تنورت {فلما رآها} تضطرب‬
‫فإنها ّ‬
‫النفس {ولم يعقب} أي‪ :‬لم يرجع وبقي مشتغالً بتدارك البقية {ال تخف} من استيالء النفس وظهور الحجاب‪ ،‬فإن‬
‫النفس إذا حييت بعد موتها باإلرادة وفنائها بالرياضة إن استقلت بنفسها واستبدت بأمر كانت حجاباً وابتالء‪ ،‬وإذا‬
‫لدي المرسلون} الذين أرسلتهم‬ ‫تحركت بأمري ّ‬
‫حية بنور الروح والمحبة الحقانية ال بهواها لم تكن حجاباً {إني ال يخاف ّ‬ ‫ّ‬
‫بالبقاء بعد الفناء وأحييت نفوسهم بحياتي‪.‬‬

‫{إال من ظلم} بظهور النفس قبل وقت االستقامة واستحكام مقام البقاء‪ ،‬فإنه ذنب حاله تجب عنه التوبة باالستغفار‬
‫شرها {بعد سوء} أية صفة‬‫والخوف باالبتالء {ثم ّبدل حسناً} بالخوف والتدارك بقمعها وااللتجاء إلى جناب الحق من ّ‬
‫ظهرت بها من صفاتها {فإني غفور} أستر بنوري ظلمتها {رحيم} أرحم بعد الغفران بصفتي القائمة صفتها الظاهرة هي‬
‫بها‪.‬‬

‫{وأدخل يدك} العاقلة العلمية {في جيبك} تحت لباس النفس متصلة بالقلب في إبطك األيسر موضع الصدر {تخرج‬
‫بالتنور بالنور {في تسع آيات}‬
‫بيضاء} نورانية ذات قدرة {من غير سوء} أي‪ :‬التلوين والظهور بصفة من صفاتها بل ّ‬
‫المتنورة ثانيتهما بنوره‪ ،‬في‬
‫الحية إحداهما بحياة القلب‪ ،‬و ّ‬
‫أي‪ :‬اذهب بهاتين اآليتين بين النفس القدسية والعاقلة العلمية ّ‬
‫جملة تسع آيات هما ثنتان منها والباقية هي السبع المشار إليها في قول المتكلمين بالقدماء السبعة‪ :‬وهي الصفات‬
‫اإللهية التي تجلى بها الحق تعالى على القلب فقامت مقام صفاته‪ ،‬وهي الحياة والقدرة والعلم واإلرادة والسمع والبصر‬

‫والتكلم‪{ .‬إلى فرعون} النفس ّ‬


‫األمارة بالسوء المحجوبة باألنائية {وقومه} من قواها كلما ظهرت بتفرعنها على أية صفة‬
‫في أي مظهر ظهرت وأينما وجدت اذهب بهذه الصفات {إنهم كانوا قوماً فاسقين} خارجين عن دين الحق وطاعته‬
‫بدين الهوى‪ ،‬منكرين للتوحيد بظهورهم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وعلواً} وإن‬
‫تحيروا فيها {وجحدوا بها} بظهورهم بصفاتها ومخالفتها {ظلماً ّ‬
‫{فلما جاءتهم آياتنا مبصرة} منه نورانية ّ‬
‫وتعودها باالستعالء وعدم ملكية العدل {فانظر كيف كان} عاقبتهم‬
‫استيقنتها أنفسهم من طريق العلم والعقل لتفرعنها ّ‬
‫يم القطران إلفسادهم في أرض البدن بالطغيان‪.‬‬ ‫ق‬
‫من الغر في ّ‬

‫سورة النمل (من اآلية ‪ 15‬الى اآلية ‪)17‬‬

‫ِ‬ ‫ضَلنا عَلى َكِث ٍ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫وَلَق ْد آتَينا داوود وسَليم ِ‬


‫ود‬ ‫ين * َوَوِر َث ُسَل ْي َم ُ‬
‫ان َد ُاو َ‬ ‫ير ّم ْن عَباده اْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫ان عْلماً َوَقاالَ اْل َح ْم ُد ََّّلل الذي َف َّ َ َ ٰ‬ ‫َْ َ ُ َ َ ُ ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ودهُ ِم َن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ان ُجُن ُ‬ ‫ض ُل اْل ُمِبي ُن * َو ُحش َر ل ْسَل ْي َم َ‬ ‫اس ُعِّل ْمَنا َمنط َق الط ْي ِر َوأُوِت َينا من ُك ِّل َش ْيء ِإ َّن َهـٰ َذا َل ُه َو اْلَف ْ‬ ‫ُّها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫ال ٰيأَي َ‬
‫َوَق َ‬
‫اإل ْنس و َّ‬
‫الط ْي ِر َف ُه ْم ُي َ‬
‫وزُعو َن‬ ‫اْل ِج ِّن و ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫{ولقد آتينا داود} الروح {وسليمان} القلب {علماً} واتّصفا بالصفات الربانية العامة وذلك قولهما‪{ :‬الحمد هلل الذي‬
‫فضلنا على كثير من عباده المؤمنين}‪.‬‬

‫النبوة بالهداية {وقال يا أيها الناس} أي‪ :‬نادى القوى البدنية وقت‬
‫{وورث سليمان} القلب {داود} الروح الملك بالسياسة و ّ‬
‫الرياسة عليها‪ ،‬وقال‪{ :‬علمنا منطق الطير} القوى الروحانية {وأوتينا من كل شيء} من المدركات الكلية والجزئية‬
‫والكماالت الكسبية والعطائية {إن هذا لهو الفضل المبين} أي‪ :‬الكمال الظاهر الراجح صاحبه على غيره‪.‬‬

‫جن القوى الوهمية والخيالية ودواعيها‪ ،‬وإنس الحواس الظاهرة‪ ،‬وطير القوى الروحانية‬
‫{وحشر لسليمان جنوده} من ّ‬
‫بتسخيره ريح الهوى وتسليطه عليها بحكم العقل العملي‪ ،‬جالساً على كرسي الصدر‪ ،‬موضوعاً على رفوف المزاج‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يتقدم بعضهم باإلفراط وال‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫العقلي‬ ‫أي‬
‫ر‬ ‫ال‬ ‫مقتضى‬ ‫على‬ ‫ن‬‫ويوقفو‬ ‫المعتدل {فهم يوزعون} يحبس أّولهم على آخرهم‬
‫يتأخر البعض بالتفريط‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة النمل (من اآلية ‪ 18‬الى اآلية ‪)19‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حتَّ ٰى ِإ َذآ أَتَوا َعَل ٰى و ِاد َّ ِ‬


‫ودهُ َو ُه ْم الَ َي ْش ُع ُرو َن *‬
‫ان َو ُجُن ُ‬‫الن ْم ُل ْاد ُخُلوْا َم َساكَن ُك ْم الَ َي ْحط َمَّن ُك ْم ُسَل ْي َم ُ‬
‫ُّها َّ‬
‫الن ْمل َقاَل ْت َن ْمَل ٌة ٰيأَي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضاهُ‬
‫صالحاً تَ ْر َ‬ ‫َع َم َل َ‬ ‫َن أ ْ‬
‫َش ُك َر ن ْع َمتَ َك التي أ َْن َع ْم َت َعَل َّي َو َعَل ٰى َوال َد َّي َوأ ْ‬ ‫ال َر ِّب أ َْوِز ْعني أ ْ‬
‫َن أ ْ‬ ‫ضاحكاً ّمن َق ْولِ َها َوَق َ‬‫َفتََب َّس َم َ‬
‫ين‬ ‫وأ َْد ِخْلِني ِبرحمِتك ِفي ِعب ِادك َّ ِ ِ‬
‫الصالح َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََْ َ‬ ‫َ‬

‫{حتى إذا أتوا على وادي النمل} أي‪ :‬نمل الحرص في جمع المال واألسباب في السير على طريق الحكمة العملية‬
‫الردية {قالت نملة} هي ملكة الشره‪ ،‬ملكة دواعي الحرص‪ .‬وكانت على ما قيل‪ :‬عرجاء‪ ،‬لكسر العاقلة‬
‫وقطع الملكات ّ‬
‫رجلها ومنعها بمخالفة طبعها عن مقتضاه من سرعة سيرها {يا أيها النمل} أي‪ :‬الدواعي الحرصية الفائتة الحصر‬
‫قاركم ومحالكم ومباديكم ال يكسرنكم القلب والقوى‬
‫{ادخلوا مساكنكم ال يحطمنكم سليمان وجنوده} أي‪ :‬اختبئوا في م ّ‬
‫الروحانية باإلماتة واإلفناء‪ .‬وهذا هو السير الحكمي باكتساب الملكات الفاضلة وتعديل األخالق وإال لما بقيت للنملة‬
‫{فتبسم ضاحكاً من قولها} أي‪ :‬استبشروا بزوال الملكات‬
‫ّ‬ ‫الكبرى ولصغارها عين وال أثر في الفناء بتجليات الصفات‬
‫الرديئة وحصول الملكات الفاضلة ودعا رّبه بالتوفيق لشكر هذه النعمة التي أنعم بها عليه باالتصاف بصفاته وأفعاله‬
‫وتنوره وقبول الثانية وتأثرها بقوله‪:‬‬
‫والفناء عن أفعال نفسه وصفاتها‪ .‬وعلى والديه‪ ،‬أي‪ :‬الروح والنفس بكمال األول ّ‬
‫الدي وأن أعمل صالحاً ترضاه} باالستقامة في القيام بحقوق‬
‫علي وعلى و ّ‬ ‫{رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫تجليات صفاتك والعبادات القلبية لوجهك ونور ذاتك {وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين} أي‪ :‬بكمال ذاتك في‬
‫زمرة الكمل الذين هم سبب صالح العالم وكمال الخلق‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة النمل (من اآلية ‪ 20‬الى اآلية ‪)24‬‬

‫طٍ‬ ‫ذب َحَّن ُه أ َْو َلَيأِْتَيِّني ِب ُسْل َ‬ ‫ِ‬ ‫الطير َفَقال مالِي الَ أَرى اْلهدهد أَم َكان ِمن اْلغ ِآئِبين * أل ِ‬ ‫َّ َّ‬
‫ان‬ ‫ُع ّذَبَّن ُه َع َذاباً َشديداً أ َْو ألَاْ َ‬
‫َ‬ ‫َ ُ ْ َُ ْ َ َ َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َوتََفق َد ْ َ‬
‫ام َأرًَة تَ ْملِ ُك ُه ْم َوأُوِتَي ْت‬
‫دت ْ‬ ‫ين * ِإِّني َو َج ُّ‬ ‫ط ِب ِه َو ِج ْئتُ َك ِمن َسَبٍإ ِبَنَبٍإ َيِق ٍ‬
‫طت ِب َما َل ْم تُ ِح ْ‬
‫َح ُ‬
‫ال أ َ‬
‫ٍِ‬
‫ين * َف َم َك َث َغ ْي َر َبعيد َفَق َ‬ ‫ُّمِب ٍ‬
‫س ِمن دو ِن َّ ِ‬ ‫ش َع ِظيم * و َجدتُّها وَقومها َيس ُج ُدو َن لِ َّ‬
‫صَّد ُه ْم‬ ‫َع َماَل ُه ْم َف َ‬
‫ان أ ْ‬ ‫طُ‬ ‫َّن َلهم ا َّ‬
‫لش ْي َ‬ ‫َّللا َوَزي َ ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫لش ْم ِ‬ ‫َ َ َ ْ ََ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ِمن ُك ِّل َش ْي ٍء َوَل َها َع ْر ٌ‬
‫يل َف ُه ْم الَ َي ْهتَ ُدو َن‬‫السِب ِ‬
‫َع ِن َّ‬

‫{وتفقد} حال طير القوى الروحانية ففقد هدهد القوة المفكرة ألن القوة المفكرة إذا كانت في طاعة الوهم كانت متخيلة‬
‫والمفكرة غائبة بل معدومة‪ ،‬وال تكون مفكرة إال إذا كانت مطيعة للعقل {ألعذبنه عذاباً شديداً} بالرياضة القوية ومنعها‬
‫ألذبحنه} باإلماتة {أو ليأتين بسلطان مبين} أو تصير مطواعة للعقل لصفاء‬
‫ّ‬ ‫عن طاعة الوهمية وتطويعها للعاقلة {أو‬
‫جوهرها ونورية ذاتها فتأتي بالحجة البينة في حركتها‪.‬‬

‫{فمكث غير بعيد} أي‪ :‬لم يطل زمان رياضتها لقدسيتها وما احتاجت إلى اإلماتة لطهارتها حتى رجعت بسلطان‬
‫وتمرنت في تركيب الحجج على أصح المناهج {فقال أحطت بما لم تحط به} من أحوال مدينة البدن وإدراك‬ ‫مبين‪ّ ،‬‬
‫الجزئيات وتركيبها مع الكليات‪ ،‬فإن القلب ال يدرك بذاته إالّ بالكليات وال يضمها إلى الجزئيات في تركيب القياس‪،‬‬
‫واستنتاج واستنباط الرأي إال الفكر وبواسطته يحيط بأحوال العالمين ويجمع بين خيرات الدارين {وجئتك من سبأ} مدينة‬
‫بالحس‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الجسد {بنبأ يقين} عياني مشاهد‬
‫ّ‬

‫المسماة باصطالح القوم‪ :‬النفس {وأوتيت من كل شيء} من األسباب‬‫ّ‬ ‫{إني وجدت امرأة تملكهم} هي الروح الحيوانية‪،‬‬
‫التي يدبرها البدن ويتم بها تملك ه {ولها عرش عظيم} هو الطبيعة البدنية التي هي متكؤها بهيئة ارتفاعها من طبائع‬
‫تؤول مدينة سبأ بالعالم الجسماني‪ ،‬والعرش بالبدن‪.‬‬
‫البسائط العنصرية التي هي المزاج المعتدل‪ ،‬أو ّ‬

‫{وجدتها وقومها يسجدون} لشمس عقل المعاش المحجوب عن الحق بانقيادها له وإذعانها لحكمه دون االنقياد لحكم‬
‫الروح واالنخراط في سلك التوحيد‪ ،‬واإلذعان ألمر الحق وطاعته {وزين لهم} شيطان الوهم {أعمالهم} من تحصيل‬
‫{فصدهم عن} سبيل الحق وسلوك طريق الفضيلة بالعدل {فهم ال‬
‫ّ‬ ‫الشهوات واللذات البدنية والكماالت الجسمانية‬
‫يهتدون} إلى التوحيد والصراط المستقيم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة النمل (من اآلية ‪ 25‬الى اآلية ‪)27‬‬

‫َّللاُ الَ ِإَلـ َٰه ِإالَّ ُهو َر ُّب اْل َع ْر ِ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬
‫ض َوَي ْعَل ُم َما تُ ْخُفو َن َو َما تُ ْعلُِنو َن * َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫َّ‬
‫ش‬ ‫َ‬ ‫أَال َي ْس ُج ُدوْا ََّّلل الذي ُي ْخ ِرُج اْل َخ ْب َء في َّ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ظر أَصد ْقت أَم ُك ِ‬ ‫ِ‬
‫نت م َن اْل َكاذِب َ‬
‫ين‬ ‫ال َسَنن ُ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫اْل َعظي ِم * َق َ‬

‫فصدهم عن السبيل لئال ينقادوا ويذعنوا في إخراج كماالتهم إلى العقل {الذي يخرج الخبء}‬
‫{أال يسجدوا هلل} أي‪ّ :‬‬
‫أي‪ :‬المخبوء من الكماالت الممكنة في سموات األرواح وأرض الجسم {ويعلم ما يخفون} مما فيهم بالقوة من الكماالت‬
‫باألعمال الحاجبة والمانعة لخروج ما في االستعداد إلى العقل {وما يعلنون} من الهيئات المظلمة واألخالق المردية‪.‬‬

‫{رب العرش العظيم} المحيط بكل شيء‪ ،‬فما أصغر عرش بلقيس‬
‫التعبد واالنقياد إال له ّ‬
‫{هللا ال إله إال هو} فال يجوز ّ‬
‫النفس في جنب عظمته‪ ،‬فكيف ال تطيعه وتحتجب بمحبة عرشها عن طاعته {سننظر أصدقت} في تضليلهم‬
‫واإلحاطة بأحوالهم بالطريق العقلي {أم كنت من الكاذبين} بموافقة الوهم وتركيب التخيالت الفاسدة‪.‬‬

‫سورة النمل (من اآلية ‪ 28‬الى اآلية ‪)36‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ا ْذ َهب ِّب ِكتَاِبي َهـٰ َذا َفأَْلِق ْه ِإَل ْي ِه ْم ثُ َّم تََو َّل َع ْن ُه ْم َف ْان ُ‬
‫يم * ِإَّن ُه‬ ‫ظ ْر َما َذا َي ْرِج ُعو َن * َقاَل ْت ٰيأَُّي َها اْل َمألُ ِإّني أُْلق َي ِإَل َّي كتَ ٌ‬
‫اب َك ِر ٌ‬
‫ُّها اْل َمألُ أَ ْفتُوِني ِفي أ َْمرِي َما‬ ‫ِِ‬ ‫َّ‬ ‫الرحمـ ِٰن َّ ِ‬ ‫ِمن سَليمان وِإَّنه ِبس ِم َّ ِ‬
‫ين * َقاَل ْت ٰيأَي َ‬ ‫الرحي ِم * أَال تَ ْعُلوْا َعَل َّي َوأْتُوِني ُم ْسلم َ‬ ‫َّللا َّ ْ َ‬ ‫ُ َْ َ َ ُ ْ‬
‫ين * َقاَل ْت ِإ َّن‬ ‫ْس َش ِد ٍيد َواأل َْم ُر ِإَل ْي ِك َفان ُ‬
‫ظرِي َما َذا تَ ْأ ُم ِر َ‬ ‫اط َع ًة أ َْم اًر َحتَّ ٰى تَ ْش َه ُدو ِن * َقاُلوْا َن ْح ُن أ ُْوُلو ُقَّوٍة وأُوُلو َبأ ٍ‬
‫َ‬
‫ُكنت َق ِ‬
‫ُ‬
‫َّة َفن ِ‬
‫اظ َرةٌ ِب َم َي ْرِج ُع‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َهلِ َهآ أ َِذَّل ًة َوَك ٰذلِ َك َيْف َعُلو َن‬ ‫ِ‬
‫* َوإِّني ُم ْرِسَل ٌة ِإَل ْي ِه ْم ِب َهدي َ‬ ‫وها َو َج َعُلوْا أَعَّزَة أ ْ‬
‫َد َخُلوْا َق ْرَي ًة أَ ْف َس ُد َ‬ ‫وك ِإ َذا‬
‫اْل ُمُل َ‬
‫اك ْم َب ْل أَنتُ ْم ِب َه ِديَِّت ُك ْم تَْف َرُحو َن‬
‫ِّم َّمآ آتَ ُ‬ ‫ال َف َمآ آتَ ِاني َّ‬
‫َّللاُ َخ ْيٌر‬ ‫ون ِن ِبم ٍ‬
‫ال أَتُمُّد َ َ‬
‫ِ‬
‫ان َق َ‬ ‫آء ُسَل ْي َم َ‬ ‫اْل ُم ْرَسُلو َن‬
‫َ‬ ‫* َفَل َّما َج َ‬
‫تول عنهم فانظر ماذا يرجعون} أيقبلون‬
‫{اذهب بكتابي هذا} أي‪ :‬الحكمة العملية والشريعة اإللهية {فألقه إليهم ثم ّ‬
‫الطاعة واالنقياد أم يأبون {إنه من سليمان} أي‪ :‬باسم الذات الموصوفة بإفاضة االستعداد وما يخرج به ما فيه إلى‬
‫العقل من اآلالت وإفاضة الكمال المناسب له من األخالق والصفات‪.‬‬

‫{أالّ تعلو علي} أال تغلبوا وال تستعلوا {وائتوني} منقادين مستسلمين‪ .‬وقولها‪{ :‬يا أيها المأل أفتوني} إلى آخره‪ ،‬إشارة إلى‬
‫ّ‬
‫قابلية النفس ونجابة جوهرها ومخالفتها ألمر قواها في االستعالء والغرور بهيئة الشوكة واالستيالء‪ ،‬وإن لم يمكنها‬
‫أعزتها إشارة إلى منعها عن الحظوظ واللذات‪ ،‬وقمع ما يغلب‬
‫القبول إال بمظاهرتهم ومشاورتهم‪ .‬وإفساد القرية وإذالل ّ‬
‫ويستولي على القوى بالرياضات‪.‬‬

‫الحسية والشهوات النفسية‪ ،‬واللذات الوهمية والخيالية‪ ،‬وإمداد المواد‬


‫ّ‬ ‫{وإني مرسلة إليهم بهدية} من أموال المدركات‬
‫الهيوالنية بتزيينها عليهم وتسويلها لهم على أيدي الهواجس والدواعي والبواعث {فناظرة} هل يقبلها فيلين ويميل إلى‬
‫يردها فيتصلب في الميل إلى الحق {فما آتاني هللا} من المعارف اليقينية والحقائق القدسية واللذات العقلية‬
‫النفس أو ّ‬
‫الحسية والخيالية والوهمية {بل أنتم بهديتكم تفرحون} ال نحن‪،‬‬
‫ّ‬ ‫والمشاهدات النورية {خير مما آتاكم} من المزخرفات‬
‫وإنما فرحنا بما هو من عند هللا ال بما ذكر‪.‬‬

‫سورة النمل (من اآلية ‪ 37‬الى اآلية ‪)40‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ُّك ْم َيأِْت ِيني ِب َع ْرِش َها‬
‫ُّها اْل َمألُ أَي ُ‬ ‫ِ‬
‫صاغ ُرو َن * َق َ‬
‫ال ٰيأَي َ‬ ‫َ‬ ‫ْارِج ْع ِإَل ْي ِه ْم َفَلَنأِْتَيَّن ُهم ِب ُجُنوٍد الَّ ِقَب َل َل ُه ْم ِب َها َوَلُن ْخ ِر َجَّن ُهم ِّم ْن َهآ أ َِذَّل ًة َو ُه ْم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يك ِب ِه َقْب َل أَن‬ ‫ِ‬ ‫َقبل أَن يأْتُوِني مسلِ ِمين * َقال ِعْف ِر ٌ ِ‬
‫ال‬
‫ين * َق َ‬ ‫ِ‬
‫وم من َّمَقام َك َوإِّني َعَل ْيه َلَقو ٌّي أَم ٌ‬ ‫تَُق َ‬ ‫يت ّمن اْل ِج ِّن أََن ْا آت َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ض ِل َرّبِي لَِيْبُلَوِني‬ ‫ِ‬
‫ال َهـٰ َذا من َف ْ‬
‫ِ ِ‬
‫َفَل َّما َرآهُ ُم ْستَقّاًر ع َندهُ َق َ‬ ‫يك ِب ِه َقْب َل أَن َي ْرتََّد ِإَل ْي َك َ‬
‫ط ْرُف َك‬ ‫ِ‬
‫اب أََن ْا آت َ‬ ‫َّال ِذي ِع َنده ِعْلم ِم َن اْل ِكتَ ِ‬
‫ُ ٌ ّ‬
‫ِ‬
‫َغن ٌّي َك ِر ٌ‬
‫يم‬ ‫َش ُك ُر أ َْم أَ ْكُف ُر َو َمن َش َك َر َفِإَّن َما َي ْش ُك ُر لَِنْف ِس ِه َو َمن َكَف َر َفِإ َّن َرّبِي‬
‫أَأ ْ‬

‫{ارجع إليهم} خطاب للمتخيل المرسل العارض للهدايا عليهم بالتسويل {فلنأتينهم بجنود} من القوى الروحانية وأمداد‬
‫لدنو‬
‫األنوار اإللهية {ال} طاقة {لهم بها ولنخرجنهم منها} بالقهر واالستيالء والقمع {أذّلة وهم} أذالء بالطبع والرتبة ّ‬
‫مرتبتهم في األ صل والطينة وتنويرها باآلداب {قبل أن يأتوني مسلمين} أي‪ :‬قبل قرب النفس وقواها باألخالق والطاعة‪،‬‬
‫فإن تسخير القوى الطبيعية باألعمال واآلداب أسهل وأقرب من تسخير النفس الحيوانية وقواها باألخالق والملكات‪.‬‬
‫والعفريت هو الوهم ألنه يسخرها بالخوف والرجاء ويبعثها على األعمال بالدواعي الوهمية واألماني الموافقة‪.‬‬

‫فإن الوهم حينئذ ينعزل عن فعله‬


‫السر‪ّ ،‬‬
‫{قبل أن تقوم من مقامك} أي‪ :‬ما دمت في مقام الصدر قبل الترقي إلى مقام ّ‬
‫بالهداية والمشايعة‪{ :‬والذي عنده علم من الكتاب} هو العقل العملي الذي عنده بعض العلم وهو الحكمة العملية‬
‫ويقربها ويبعثها على الطاعات بتحبيب الكمال وحصول الشرف والذكر‬
‫والشريعة من كتاب اللوح المحفوظ يسخرها ّ‬
‫الجميل والكرامة إليها {قبل أن ير ّتد إليك طرفك} أي‪ :‬نظرك إلى ذاتك وما ينبغي لها من الترقي إلى عالمك في عالم‬
‫مقدم على الكمال الذوقي‬‫العملي ّ‬ ‫فإن الكمال‬
‫القدس إلدراك الحقائق والمعارف الكلية‪ ،‬والمشاهدات الحّقة العينية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫متمرناً في الطاعة غير متغير بالدواعي الشهوانية والنوازع‬
‫مستقر عنده} ثابتاً على حالة اتصاله به‪ّ ،‬‬
‫ّاً‬ ‫والكشفي {فلما رآه‬
‫ّ‬
‫الشيطانية {قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر} بالطاعة والعمل بالشريعة {أم أكفر} بالمعصية ومخالفة الشريعة‪،‬‬
‫أو أشكر عند التوفيق للطاعة بالسلوك في الطريقة واإلقبال على الحضرة‪ ،‬وتبديل الصفات‪ ،‬ومراقبة التجليات‪ ،‬أم أكفر‬
‫باالحتجاب برؤية األعمال‪ ،‬واإلدبار عن الحق بالغرور والعجب‪ ،‬والوقوف مع المعقول والعقل‪.‬‬

‫سورة النمل (من اآلية ‪ 41‬الى اآلية ‪)44‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َه َك َذا َع ْرُش ِك َقاَل ْت َكأََّن ُه ُهَو‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال َن ِّك ُروْا َل َها َع ْرَش َها َنن ُ‬
‫يل أ َ‬
‫آء ْت ق َ‬ ‫ظ ْر أَتَ ْهتَدي أ َْم تَ ُكو ُن م َن الذ َ‬
‫ين الَ َي ْهتَ ُدو َ * َفَل َّما َج َ‬ ‫َق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأُوِتينا اْل ِعْلم ِمن َقبلِها وُكَّنا مسلِ ِمين * وصَّدها ما َكانت تَّعبد ِمن دو ِن َّ ِ‬
‫يل َل َها‬
‫ين * ق َ‬ ‫َّللا ِإَّن َها َك َان ْت من َق ْو ٍم َكاف ِر َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ َ ْ ُُ‬ ‫ْ َ َ ُْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ْرٌح ُّم َمَّرٌد ّمن َقو ِاري َر َقاَل ْت َر ِّب ِإّني َ‬ ‫ِ‬ ‫ْاد ُخلِي َّ‬
‫الص ْرَح َفَل َّما َأر َْت ُه َحسَب ْت ُه لُ َّج ًة وَك َشَف ْت َعن سا َق ْيها َق ِ‬
‫ظَل ْم ُت َنْفسي‬ ‫ال إَّن ُه َ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫وأَسَلمت مع سَليم ِ ِ‬
‫ان ََّّلل َر ِّب اْل َعاَلم َ‬
‫ين‬ ‫َ ْ ْ ُ َ َ ُ َْ َ‬

‫{نكروا لها عرشها} بتغيير العادات وترك المذمومات‪ ،‬ونهك القوى الطبيعية بالرياضات‪ ،‬وتنكيسه بجعل ما كان أعلى‬
‫رتبة منه عندها وهي الهيئات البدنية وراحات البدن ولذاته‪ ،‬وما كان في جهة اإلفراط من األكل والشرب والنوم‬
‫وأمثالها‪ ،‬والقوى الطبيعية المستعلية أسفل‪ ،‬وما كان أسفل من أنواع التعب والرياضة والتقليل والسهر‪ ،‬وكل ما مال إلى‬
‫التفريط من األمور البدنية والقوى الروحانية المستضعفة أعلى {ننظر أتهتدي} إلى الفضائل وطرق الكماالت بالرياضة‬
‫لنجاة جوهرها وشرف أصلها وحسن استعدادها وقبولها {أم تكون من الذين ال يهتدون} إليها لعكس ما ذكر‪.‬‬

‫متنورة بأنواره‪ ،‬متخّلقة بأخالقه‪ ،‬منقادة مستسلمة بجنودها {قيل أهكذا عرشك} أي‪:‬‬
‫{فلما جاءت} مترقية إلى مقام القلب ّ‬
‫على هذه الصورة المغيرة عرشك أم على الصورة األولى؟ أي‪ :‬أهذا صورته المستوية التي ينبغي أن يكون عليها أم‬
‫كأن هذا بالنسبة إلى حالي هو بالنسبة إلى الحالة األولى‪ ،‬أي‪ :‬إذا‬
‫تلك‪ ،‬وتلك منكوسة أم هذه {قالت كأنه هو} أي‪ّ :‬‬
‫كنت متوجهة إلى جهة السفل كان عرشي على تلك الصورة مطابقاً لحالي {وأوتينا العلم} من قبل هذه الحالة‪ ،‬أي‪:‬‬
‫{وصدها ما كانت‬
‫ّ‬ ‫أوتيناه في األزل عند ميثاق الفطرة {وكنا} منقادين قبل هذه النشأة إال أننا نسينا فتذكرنا الساعة‬
‫تعبد} من شمس عقل المعاش بصرفها إلى التوحيد {إنها كانت من قوم} محجوبين عن الحق {قيل لها ادخلي الصرح}‬
‫بالتجرد عن المو ّاد من‬
‫ّ‬ ‫ممرد مملس عن تقابل األضداد وتخالف الطباع مستوياً‬
‫أي‪ :‬مقام الصدر الذي هو صرح ّ‬
‫التنور {فلما رأته حسبته لجة} بحر الوحدة لكونه غاية رتبتها‬
‫المشبه بالزجاجة في الصفاء و ّ‬
‫ّ‬ ‫قوارير أنوار القلب الصافي‬
‫التجرد والترقي ونهاية كمالها في التداني والتلقي‪ ،‬وال يتجاوز نظرها إلى أعلى منه وكل ما ال يمكن فوقه من‬
‫ّ‬ ‫في‬
‫الكمال لشيء فيه نهايته في التوحيد ومعظم ما يستغرق فيه من جمال المعبود والمطلوب {وكشفت عن ساقيها} يعني‪:‬‬
‫جردت جهتها السفلية التي تلي البدن وتسعى بها فيه المنقسمة إلى القوة الغضبية والشهوية عن الغواشي البدنية‬ ‫ّ‬
‫والمالبس الهيوالنية بقطع التعلقات لكن كان عليها شعر الهيئات الباقية من أعمالها واآلثار المسودة من كدو ارتها‪،‬‬
‫ومن هذا قيل‪ :‬يدخل سليمان الجنة بعد األنبياء بخمسمائة خريف ويحبو حبواً {ظلمت نفسي} باالحتجاب واتخاذ العقل‬
‫المشرب بالهوى‪ ،‬إلهاً ومعبوداً {وأسلمت} باالنقياد ألمر الحق واالنخراط في سلك التوحيد {مع سليمان‬
‫ّ‬ ‫المشوب بالوهم‪،‬‬
‫رب العالمين} وعلى تأويل العرش بالبدن يستقيم هذا أيضاً ويتجه وجه آخر وهو أن يراد أنها كانت محجوبة‬ ‫هلل ّ‬
‫بمعقولها ما بقي عرشها‪ ،‬وما انقادت لسليمان القلب إال في النشأة الثانية‪ ،‬فعلى هذا يكون {الذي عنده علم من‬
‫الفعال وإيتاؤه به قبل ارتداد الطرف إيجاد البدن الثاني في آن واحد‪ ،‬ومعنى‪{ :‬قبل أن يأتوني‬
‫الكتاب} هو العقل ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫تقدم مادة البدن على تعلق النفس به‪ .‬وقال ابن األعرابي رحمه هللا‪ :‬إن اإلتيان كان بإفنائه ثمة وإيجاده‬
‫مسلمين} ّ‬
‫بحضرة سليمان والتنكير تغيير الصورة‪ .‬ومعنى‪ :‬كأنه هو أنه يشابه صورته‪ ،‬والصرح هو مادة البدن الثاني‪ ،‬فيكون‬
‫مقدماً على تنكير الصورة‪ ،‬وكشف الساقين قطع تعلق البدن األول دون زوال الهيئات البدنية‬
‫دخول الصرح على هذا ّ‬
‫التي هي بمثابة الشعر‪ ،‬وهذا بناء على أن النفوس المحجوبة الناقصة ال بد لها من التعلق وهللا أعلم‪.‬‬

‫سورة النمل (من اآلية ‪ 45‬الى اآلية ‪)53‬‬

‫السِّيَئ ِة َقْب َل‬


‫ال ٰيَق ْو ِم لِ َم تَ ْستَ ْع ِجُلو َن ِب َّ‬ ‫ِ‬
‫ان َي ْختَص ُمو َن * َق َ‬‫َّللاَ َفِإ َذا ُه ْم َف ِريَق ِ‬
‫اعُب ُدوْا َّ‬ ‫صالِحاً أ ِ‬
‫َن ْ‬ ‫اه ْم َ‬ ‫َخ ُ‬ ‫َوَلَق ْد أ َْرَسْلَنآ ِإَل ٰى ثَ ُم َ‬
‫ود أ َ‬
‫َّللاِ َب ْل أَنتُ ْم َق ْوٌم تُْفتَُنو َن *‬‫طاِئ ُرُك ْم ِع َند َّ‬
‫ال َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫اْلحسَن ِة َلوالَ تَستَ ْغِفرو َن َّ َّ‬
‫َّللاَ َل َعل ُك ْم تُْر َح ُمو َن * َقاُلوْا اطي َّْرَنا ب َك َوب َ‬
‫ِمن َّم َع َك َق َ‬ ‫ََ ْ ْ ُ‬
‫َهَل ُه ثُ َّم َلَنُقوَل َّن لَِولِِّي ِه َما‬ ‫ض والَ يصلِحون * َقاُلوْا تَقاسموْا ِب َّ ِ‬
‫اَّلل َلُنَبِّيتََّن ُه َوأ ْ‬ ‫َ َُ‬
‫ٍ‬
‫ان ِفي اْل َمد َينة ت ْس َع ُة َرْهط ُيْف ِس ُدو َن ِفي األ َْر ِ َ ُ ْ ُ َ‬
‫ِ ِِ‬
‫َوَك َ‬
‫ان َع ِاقَب ُة َم ْك ِرِه ْم أََّنا‬ ‫ف َك َ‬ ‫ظ ْر َك ْي َ‬ ‫ص ِاد ُقو َن * َو َم َك ُروْا َم ْك اًر َو َم َك ْرَنا َم ْك اًر َو ُه ْم الَ َي ْش ُع ُرو َن * َفان ُ‬ ‫َش ِه ْدَنا م ْهلِ َك أ ْ ِ ِ َّ‬
‫َهله َوإِنا َل َ‬ ‫َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِٰ‬ ‫ين * َفِتْل َك ُبُيوتُ ُه ْم َخ ِاوَي ًة ِب َما َ‬ ‫د َّمرناهم وَقومهم أ ِ‬
‫آمُنوْا َوَك ُانوْا‬
‫ين َ‬
‫َنج ْيَنا الذ َ‬ ‫ظَل ُموْا ِإ َّن في ذل َك َ‬
‫آلي ًة ّلَق ْو ٍم َي ْعَل ُمو َن * َوأ َ‬ ‫َج َمع َ‬
‫َ َْ ُْ َ ْ َ ُ ْ ْ‬
‫َيتَُّقو َن‬

‫{ولقد أرسلنا إلى ثمود} أي‪ :‬أهل الماء القليل الذي هو المعاش صالح القلب بالدعوة إلى التوحيد {فإذا هم فريقان}‬
‫فريق القوى الروحانية وفريق القوى النفسانية {يختصمون}‪ .‬تقول األولى‪ :‬ما جاء به صالح حق‪ ،‬وتقول الثانية‪ :‬بل‬
‫باطل‪ ،‬وما نحن عليه حق {لم تستعجلون بالسيئة} أي‪ :‬االستيالء على القلب بالرذيلة {قبل} اإلتيان بالفضيلة {لوال‬
‫بالتنور بنور التوحيد‪ ،‬والتنصل عن الهيئات البدنية المظلمة {لعلكم ترحمون} بإفاضة الكمال‪.‬‬
‫تستغفرون هللا} ّ‬

‫وشركم من هللا‪ .‬والرهط المفسدون‬


‫{اطيرنا بك} لمنعك إيانا من الحظوظ والترفه {طائركم عند هللا} سبب خيركم ّ‬
‫الحواس‪ :‬الغضب والشهوة والوهم والتخيل‪ ،‬وتبييته‪ :‬إهالكه في ظلمة ليل النفس‪ ،‬والولي‪ :‬الروح‪ ،‬ومكر هللا بهم‪:‬‬
‫ّ‬
‫غار محلهم وتدمير قومهم بالصيحة التي هي النفخة األولى‪.‬‬‫بهد جبال األعضاء عليهم وتدميرهم في ّ‬ ‫إهالكهم ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة النمل (من اآلية ‪ 54‬الى اآلية ‪)59‬‬

‫ال َش ْهَوةً ِّمن ُدو ِن ِّ‬


‫الن َس ِآء َب ْل أَنتُ ْم َق ْوٌم تَ ْج َهُلو َن‬ ‫* أَِإَّن ُك ْم َلتَأْتُو َن ِّ‬ ‫وُلوطاً ِإ ْذ َقال لَِقو ِم ِه أَتَأْتُو َن اْلَف ِ‬
‫اح َش َة وأَنتُم تُب ِ‬
‫ص ُرو َن‬
‫الر َج َ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ط َّهرو َن * َفأَنجيناه وأ ِ َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫* َفما َكان جواب َقو ِم ِه ِإالَّ أَن َقالُوْا أَخ ِرجوْا آل ُلوطٍ‬
‫ام َأرَتَ ُه‬
‫َهَل ُه إال ْ‬‫َ َْ ُ َ ْ‬ ‫اس َيتَ َ ُ‬ ‫ّمن َق ْرَيت ُك ْم إَّن ْ‬
‫هم أَُن ٌ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫َ َ ََ َ ْ‬
‫ِ ِ ِ َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َقَّدرن ِ‬
‫طَف ٰى‬
‫اص َ‬ ‫ين * ُق ِل اْل َح ْم ُد ََّّلل َو َسالَ ٌم َعَل ٰى عَباده الذ َ‬
‫ين ْ‬ ‫ط ُر اْل ُمن َذ ِر َ‬
‫آء َم َ‬ ‫ط ْرَنا َعَل ْي ِهم َّم َ‬
‫ط اًر َف َس َ‬ ‫ين * َوأ َْم َ‬ ‫اها م َن اْل َغاِب ِر َ‬ ‫َْ َ‬
‫َما ُي ْش ِرُكو َن‬‫آَّللُ َخ ْيٌر أ َّ‬
‫َء َّ‬

‫وفاحشة قوم لوط في هذا التطبيق وهي إتيان الذكور‪ ،‬إتيان القوى النفسانية أدبار القوى الروحانية واستنزالهم عن رتبة‬
‫التأثير بتأثرهم عن تأثير هذه من الجهة السفلية واستيالؤها عليهم في تحصل اللذات والشهوات البدنية بهم‪.‬‬

‫{قل الحمد هلل} بظهور كماالته وتجليات صفاته على مظاهر مخلوقاته {وسالم على عباده الذين اصطفى} بصفاء‬
‫استعداداتهم وبراءتهم من النقص واآلفة‪ ،‬فالحمد مطلقاً مخصوص به لكون جميع الكماالت الظاهرة على مظاهر‬
‫األكوان صفاته الجمالية والجاللية ليس لغيره فيها نصيب‪ ،‬وصفاء ذوات المصطفين من عباده ونزاهة أعيانهم عن‬
‫النبوي بالفعل هو قوله ذلك مأمو اًر به من‬
‫ّ‬ ‫نقص االستعداد‪ ،‬وآفة الحجاب سالمه عليهم وحصول األمرين للمظهر التام‬
‫عين الجمع في مقام التفصيل‪ ،‬منتقالً من مقام التفصيل لعين الجمع‪ ،‬مبتدئاً منه وراجعاً إليه {آهلل} الذي له الحمد‬
‫المطلق والسالم المطلق‪ ،‬خير مطلق محض في ذاته {أما يشركون} من األكوان التي أثبتوا لها وجوداً وتأثي اًر إذ ال‬
‫يبقى بعد الكمال المطلق والقبول المطلق الذي هو اسم السالم المطلق باعتبار الفيض األقدس إال العدم البحت‪،‬‬
‫الشر الصرف المطلق الذي يقابل الخير المحض المطلق فكيف يكون خي اًر‪.‬‬
‫و ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة النمل (من اآلية ‪ 60‬الى اآلية ‪)86‬‬

‫ان َل ُك ْم أَن تُنِبتُوْا َش َج َرَها أَِإَلـ ٌٰه‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َنزل َل ُكم ِمن َّ ِ‬ ‫َمن خَلق َّ ِ‬
‫ات َب ْه َجة َّما َك َ‬ ‫َنب ْتَنا ِبه َح َدآئ َق َذ َ‬
‫آء َفأ َ‬
‫الس َمآء َم ً‬ ‫ض َوأ َ َ ْ ّ َ‬ ‫الس َٰم َٰوت َواأل َْر َ‬ ‫أ َّ ْ َ َ‬
‫ض َق َار اًر َو َج َع َل ِخالََل َهآ أ َْن َها اًر َو َج َع َل َل َها َرَو ِاسي َو َج َع َل َب ْي َن اْلَب ْح َرْي ِن َحا ِج اًز‬
‫َ‬ ‫َمن َج َع َل األ َْر َ‬ ‫َّللاِ َب ْل ُه ْم َق ْوٌم َي ْع ِدُلو َن * أ َّ‬
‫َّم َع َّ‬
‫َّللاِ‬
‫ض أَِإَلـ ٌٰه َّم َع َّ‬ ‫ِ‬ ‫أَِإَلـ ٌٰه َّمع هللا ب ْل أَ ْكثَرُهم الَ ي ْعَلمو َن * أ َّ ِ‬
‫السوء وَي ْج َعُل ُكم ُخَلَفآء األ َْر ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ف ُّ َ َ‬ ‫طَّر ِإ َذا َد َعاهُ َوَي ْكش ُ‬‫ضَ‬‫يب اْل ُم ْ‬
‫َمن ُيج ُ‬ ‫ُ ْ َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫َّللاِ تَ َعاَلى َّ‬
‫َّللاُ‬ ‫اح ُب ْش َاًر َب ْي َن َي َد ْي َر ْح َمِت ِه أَِإَلـ ٌٰه َّم َع َّ‬ ‫ات اْلَبِّر َواْلَب ْح ِر َو َمن ُي ْرِس ُل ِّ‬
‫الرَي َ‬
‫ظُلم ِ‬ ‫َمن يه ِد ُ ِ‬
‫يك ْم في ُ َ‬ ‫َقليالً َّما تَ َذ َّك ُرو َن * أ َّ َ ْ‬
‫ِ‬
‫َّللاِ ُق ْل َهاتُوْا ُب ْرَه َان ُك ْم ِإن ُكنتُ ْم‬
‫ض أَِإَلـ ٌٰه َّم َع َّ‬ ‫السم ِآء واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫عيدهُ َو َمن َي ْرُزُق ُكم ّم َن َّ َ‬ ‫َع َّما ُي ْش ِرُكو َن * أ َّ‬
‫َمن َي ْب َد ُؤْا اْل َخْل َق ثُ َّم ُي ُ‬
‫ِعْل ُم ُه ْم ِفي‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬
‫ض اْل َغ ْي َب ِإالَّ َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِِ‬
‫َّان ُي ْب َعثُو َن * َب ِل اَّد َار َ‬
‫ك‬ ‫َّللاُ َو َما َي ْش ُع ُرو َن أَي َ‬ ‫ين * ُقل ال َي ْعَل ُم َمن في َّ َ‬ ‫صادق َ‬ ‫َ‬
‫* َلَق ْد ُو ِع ْدَنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َكَف ُروْا أَإ َذا ُكَّنا تَُراباً َو َآبآ ُؤَنآ أَإَّنا َل ُم ْخ َرُجو َن‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال الذ َ‬ ‫اآلخ َرة َب ْل ُه ْم في َش ّك ّم ْن َها َب ْل ُهم ّم ْن َها َع ُمو َن * َوَق َ‬
‫ِ‬ ‫ين * ُق ْل ِس ُيرواْ ِفي األ َْر ِ‬ ‫وآبآؤنا ِمن َقبل ِإن هـٰ َذآ ِإالَّ أ ِ‬
‫ين *‬ ‫ان َٰعقَب ُة اْل ُم ْج ِرِم َ‬
‫ف َك َ‬‫ظ ُروْا َك ْي َ‬
‫ض َفان ُ‬ ‫َساط ُير األََّولِ َ‬
‫َ‬ ‫ُْ ْ َ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫َهـٰ َذا َن ْح ُن‬
‫ين * ُق ْل َع َس ٰى أَن َي ُكو َن‬ ‫عَلي ِهم والَ تَ ُكن ِفي ضي ٍق ِم َّما يم ُكرو َن * ويُقوُلو َن متَى هـٰ َذا اْلوعد ِإن ُكنتُم ِ ِ‬ ‫والَ تَ ْح َزْن‬
‫صادق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ٰ َ َ ُْ‬ ‫ََ‬ ‫َ ْ ّ َْ ُ‬ ‫َْ ْ َ‬ ‫َ‬
‫الن ِ ِ‬ ‫ض ٍل َعَلى َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫اس َوَلـٰك َّن أَ ْكثَ َرُه ْم الَ َي ْش ُك ُرو َن * َوإِ َّن َرب َ‬
‫َّك َلَي ْعَل ُم َما‬ ‫ض الذي تَ ْستَ ْع ِجُلو َن * َوإِ َّن َرب َ‬
‫َّك َل ُذو َف ْ‬ ‫ف َل ُكم َب ْع ُ‬‫َرِد َ‬
‫ص َعَل ٰى َبِني‬ ‫ض ِإالَّ ِفي ِكتَ ٍ‬ ‫السم ِآء واأل َْر ِ‬ ‫ٍِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آن َيُق ُّ‬‫ين * ِإ َّن َهـٰ َذا اْلُق ْر َ‬ ‫اب ُّمِب ٍ‬ ‫ورُه ْم َو َما ُي ْعلُنو َن * َو َما م ْن َغآئَبة في َّ َ َ‬ ‫ص ُد ُ‬ ‫تُك ُّن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يم‬ ‫ِ‬
‫َّك َيْقضي َب ْيَن ُهم ب ُح ْكمه َو ُه َو اْل َعز ُيز اْل َعل ُ‬ ‫ين * ِإن َرب َ‬ ‫يل أَ ْكثَ َر الذي ُه ْم فيه َي ْخَتلُفو َن * َوإَِّن ُه َل ُه ًدى َوَر ْح َم ٌة ّلْل ُمؤ ِمن َ‬ ‫إ ْس َرائ َ‬
‫ين * َو َمآ أَ َ‬
‫نت‬ ‫َّ‬
‫آء ِإ َذا َول ْوْا ُم ْدِب ِر َ‬ ‫ين * ِإَّن َك الَ تُ ْس ِم ُع اْل َم ْوتَ ٰى َوالَ تُ ْس ِم ُع ُّ ُّ‬ ‫َّللاِ ِإَّن َك َعَلى اْل َح ِّق اْل ُمِب ِ‬
‫* َفتََوَّك ْل َعَلى َّ‬
‫الص َّم الد َع َ‬
‫ِّم َن‬ ‫ضالَلِت ِه ْم ِإن تُ ْس ِم ُع ِإالَّ َمن ُي ْؤ ِم ُن ِب َآي ِاتَنا َف ُهم ُّم ْسلِ ُمو َن‬ ‫ِ‬
‫* َوإِ َذا َوَق َع اْلَق ْو ُل َعَل ْي ِهم أ ْ‬
‫َخ َر ْجَنا َل ُه ْم َد َّآب ًة‬ ‫ِب َهادي اْل ُع ْم ِي َعن َ‬
‫ِ‬ ‫أ َّ ٍ‬
‫*‬ ‫وزُعو َن‬ ‫ُمة َف ْوجاً ِّم َّمن ُي َك ّذ ُب ِب َآي ِاتَنا َف ُه ْم ُي َ‬ ‫اس َك ُانوا ِب َآي ِاتَنا الَ ُيوِقُنو َن * َوَي ْوَم َن ْح ُش ُر ِمن ُك ِّل‬ ‫ض تُ َكّلِ ُم ُه ْم أ َّ‬
‫َن َّ‬
‫الن َ‬ ‫األ َْر ِ‬
‫يهم ِب َما َ‬
‫ظَل ُموْا َف ُه ْم الَ‬ ‫* ووَقع اْلَقول َعَل ِ‬
‫ََ َ ْ ُ‬ ‫َما َذا ُكنتُ ْم تَ ْع َمُلو َن‬‫طوْا ِب َها ِعْلماً أ َّ‬
‫َك َّذ ْبتُم ِب َآي ِاتي َوَل ْم تُ ِحي ُ‬
‫ال أ َ‬
‫آءو َق َ‬
‫َّ ِ‬
‫َحت ٰى إ َذا َج ُ‬
‫آلي ٍ‬
‫ات ِّلَق ْو ٍم ُي ْؤ ِمُنو َن‬ ‫ص اًر ِإ َّن ِفي َذِل َك‬ ‫النهار مب ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َينطُقو َن * أََل ْم َي َرْوْا أََّنا َج َعْلَنا اْللْي َل لَي ْس ُكُنوْا فيه َو َّ َ َ ُ ْ‬

‫{أمن خلق السموات واألرض} أي‪ :‬المؤثر المطلق الموجد للكل من األعيان الممكنة وصفاتها خير في التأثير‬
‫واإليجاد‪ ،‬أم ما ال وجود له‪ ،‬فكيف بالتأثير واإليجاد‪{ .‬أإله مع هللا} في التأثير واإليجاد {بل هم قوم يعدلون} عن‬

‫الحق‪ ،‬فيثبتون الباطل بالتوهم‪{ .‬أمن يهديكم} إلى نور ذاته {في ظلمات ّ‬
‫البر} أي‪ :‬حجب األكوان واألفعال {والبحر}‬
‫أي‪ :‬حجب الصفات {ومن يرسل} رياح النفحات محيية للقلوب من يدي رحمة التجليات‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{أمن يبدأ الخلق} باختفائه بأعيانهم واحتجابه بذواتهم {ثم يعيده} بإفنائهم في عين الجمع وإهالكهم في ذاته بالطمس أو‬
‫بإظهارهم في النشأة وإعادتهم إلى الفطرة {ومن يرزقكم من السماء} الغذاء الروحاني {و} من {األرض} الجسماني إذ‬
‫من السماء المعارف والحقائق ومن األرض الحكم واألخالق‪.‬‬

‫{وإذا وقع القول عليهم} أي‪ :‬وإذا تحقق وقوع ما سبق في القضاء حكمنا به من الشقاوة األبدية عليهم {أخرجنا لهم‬
‫دابة} من صورة نفس كل شقي مختلفة الهيئات واألشكال هائلة‪ ،‬بعيدة النسبة بين أطرافها وجوارحها على ما ذكر من‬
‫ّ‬
‫قدام القيامة الصغرى التي هي من أشراطها {تكلمهم} بلسان‬‫ّ‬ ‫البدن‬ ‫أرض‬ ‫من‬ ‫وملكاتها‬ ‫قصتها بحسب تفاوت أخالقها‬
‫{أن الناس كانوا بآياتنا} قدرتنا على البعث {ال يوقنون}‪.‬‬
‫حياتها وصفاتها ّ‬

‫سورة النمل (من اآلية ‪ 87‬الى اآلية ‪)93‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ور َفَف ِزع من ِفي َّ ِ‬ ‫َوَي ْوَم ُي َنف ُخ ِفي ُّ‬
‫ين * َوتََرى اْلجَب َ‬
‫ال‬ ‫َّللاُ َوُك ٌّل أَتَ ْوهُ َداخ ِر َ‬ ‫الس َٰم َٰوت َو َمن في األ َْرض إال َمن َش َ‬
‫آء َّ‬ ‫َ َ‬ ‫الص ِ‬
‫آء ِباْل َح َسَن ِة َفَل ُه‬ ‫ن‬ ‫ٍ ِ َّ ِ ِ‬
‫َّللا الذي أ َْتَق َن ُك َّل َش ْيء إن ُه َخب ٌير ب َما تَْف َعُلو َ * َمن َج َ‬
‫اب صنع َّ ِ َّ ِ‬
‫ُ َْ‬
‫السح ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫تَ ْح َسُب َها َجام َد ًة َوه َي تَ ُمُّر َمَّر َّ َ‬
‫الن ِار َه ْل تُ ْج َزْو َن ِإالَّ َما ُكنتُ ْم َت ْع َمُلو َن *‬ ‫آمنون * ومن جآء ِب َّ ِ‬ ‫ٍِ‬
‫وه ُه ْم ِفي َّ‬ ‫السِّيَئة َف ُكب ْ‬
‫َّت ُو ُج ُ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َخ ْيٌر ِّم ْن َها َو ُه ْم ِّمن َف َزٍع َي ْو َمئذ ِ ُ َ‬
‫ِِ‬ ‫يء وأ ُِمرت أَن أ ُ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫آن َف َم ِن‬ ‫َن أ َْتُلَوْا اْلُق ْر َ‬
‫ين * َوأ ْ‬ ‫َكو َن م َن اْل ُم ْسلم َ‬ ‫َعُب َد َر َّب َهذه اْلَبْل َدة الذي َحَّرَم َها َوَل ُه ُك ُّل َش َ ْ ُ ْ‬ ‫َن أ ْ‬ ‫ِإَّن َمآ أُم ْر ُت أ ْ‬
‫اهتد ٰى َفِإَّنما يهت ِدي لِنْف ِس ِه ومن ض َّل َفُقل ِإَّنمآ أَن ْا ِمن اْلم ِنذ ِرين * وُق ِل اْلحمد ََّّللِ سي ِر ُ ِ ِ‬
‫ُّك‬ ‫يك ْم َآياته َفتَ ْع ِرُف َ‬
‫ون َها َو َما َرب َ‬ ‫َُ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َ ُ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََْ‬ ‫ْ ََ‬
‫ِب َغ ِاف ٍل َع َّما تَ ْع َمُلو َن‬

‫{ويوم ينفخ في الصور} النفخة األولى نفخة اإلماتة في القيامة الصغرى {ففزع َم ْن في السموات ومن في األرض}‬
‫المجردين والجهال والجهار البدنيين‪ ،‬أو من القوى الروحانية والجسمانية {إال من شاء هللا} من الموحدين‬
‫ّ‬ ‫من العقالء‬
‫الفانين في هللا‪ ،‬والشهداء القائمين باهلل {وكل أتوه} إلى المحشر للبعث‪ ،‬صاغرين‪ ،‬أذالء‪ ،‬ال قدرة لهم وال اختيار‪ ،‬أو‬
‫أتوه منقادين قابلين لحكمه بالموت‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫تمر} وتذهب وتتالشى بالتحليل كالسحاب لتجتمع‬ ‫{وترى} جبال األبدان {تحسبها جامدة} ثابتة في مكانها {وهي ّ‬
‫أجزاؤها عند البعث في اليوم الطويل {صنع هللا} أي‪ :‬صنع هذا النفخ واإلماتة واإلحياء لمجازاة العباد باألعمال صنعاً‬
‫متقناً يليق به {إنه خبير بما تفعلون} {من جاء بالحسنة} أي‪ :‬بمحو صفة من صفات نفسه بالتوبة إلى هللا عنها من‬
‫لشدة‬
‫قيام صفة إلهية مقامها‪{ .‬ومن جاء بالسيئة} باحتجابه بصفة من صفات نفسه {فكبت وجوههم} بتنكيس بنائهم ّ‬
‫ميلهم إلى الجهة السفلية في نار الطبيعة {هل تجزون} إال بصور أعمالكم وجعل هيئاتها صوركم‪.‬‬

‫حرمها} حماها عن استيالء‬ ‫ِ‬


‫رب هذه البلدة} أي‪ :‬القلب {الذي ّ‬
‫{إنما أُمرت أن} ال ألتفت إلى غير الحق و {أعبد ّ‬
‫ينكب وجهي في نار الطبيعة {وله كل شيء}‬
‫صفات النفس ومنعها من دخول أهل الرجس وآمنها وآمن من فيها لئال ّ‬
‫أي‪ :‬تحت ملكوته وربوبيته يعطي عابده ما شاء أن يعطيه ويمنعه ما شاء أن يمنعه ويدفع من غالبه {وأمرت أن أكون‬
‫من المسلمين} الذين أسلموا وجوههم بالفناء فيه {وأن أتلو القرآن} أفضل الكماالت المجموعة في إبرازها وإخراجها إلى‬
‫الفعل في مقام البقاء {وقل الحمد هلل} باالتّصاف بصفاته الحميدة {سيريكم} صفاته في مقام القلب {فتعرفونها} أو آيات‬
‫أفعاله وآثارها بالقهر في مقام النفس فتعرفونها عند التعذب بها أو {يوم ينفخ في الصور} بتجلي الذات في القيامة‬
‫الكبرى‪{ ،‬ففزع من في السماوات ومن في األرض} بصعقة الفناء والقهر الكلي إال من شاء هللا من أهل البقاء الذين‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ين}[النمل‪ ،‬اآلية‪ ]87 :‬ساقطين عن درجة الحياة والوجود‪،‬‬ ‫{وُك ٌّل أَتَ ْوهُ َداخ ِر َ‬
‫أحيوا لحياته وأفاقوا بعد صعقة الفناء به َ‬
‫مر السحاب في الحقيقة زائلة‪.‬‬ ‫مقهورين‪ .‬وترى جبال الوجودات تحسبها جامدة ثابتة على حالها ظاه اًر وهي ّ‬
‫تمر ّ‬

‫سورة القصص (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)6‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫* ِإ َّن ِف ْرَع ْو َن َعالَ ِفي‬ ‫وس ٰى َوِف ْرَع ْو َن ِباْل َح ِّق لَِق ْو ٍم ُي ْؤ ِمُنو َن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ات اْل ِكتَ ِ‬
‫اب اْل ُمِب ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * َن ْتُلوْا َعَل ْي َك من َّنَبإ ُم َ‬ ‫طسم * تْل َك آَي ُ‬
‫ِِ‬ ‫ان ِم َن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ض وجعل أَهَلها ِشيعاً يستَض ِعف َ ِ ِ‬
‫ين * َوُن ِر ُيد أَن‬
‫اْل ُمْفسد َ‬ ‫اء ُه ْم ِإَّن ُه َك َ‬ ‫آء ُه ْم َوَي ْستَ ْحيي ن َس َ‬
‫ِ‬
‫طآئَف ًة ّم ْن ُه ْم ُي َذّب ُح أ َْبَن َ‬ ‫األ َْر ِ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ ْ ُ‬
‫ِي ِف ْرَع ْو َن‬ ‫ين * وُنم ِّك َن َل ُهم ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض ِعُفوْا ِفي األ َْر ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ض َوُنر َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ض َوَن ْج َعَل ُه ْم أَئ َّم ًة َوَن ْج َعَل ُه ُم اْل َو ِارِث َ‬ ‫استُ ْ‬ ‫ين ْ‬ ‫َّن ُم َّن َعَلى الذ َ‬
‫ود ُه َما ِم ْن ُه ْم َّما َك ُانوْا َي ْح َذ ُرو َن‬
‫ان َو ُجُن َ‬
‫ام َ‬
‫َو َه َ‬

‫متعادية التباعهم السبل‬


‫ّ‬ ‫{إن فرعون} النفس ّ‬
‫األمارة استعلى وطغى في أرض البدن {وجعل أهلها} فرقاً مختلفة متخالفة‬ ‫ّ‬
‫المتفرقة وتجافيهم عن طريق العدل والتوحيد والصراط المستقيم {يستضعف طائفة منهم} هم أهل القوى الروحانية‬
‫ّ‬
‫{يذبح} من ناسب الروح في التأثير والتعلي من نتائجها بإماتته وعدم امتثال داعيته وقهره {ويستحيي} ما ناسب النفس‬
‫في التأثر والتسفل بتقويته وإطالقه في فعله‪.‬‬

‫نمن على الذين استضعفوا} باإلذالل واإلهانة واالستعمال في األعمال الطبيعية واالستخدام في تحصيل‬
‫{ونريد أن ّ‬
‫مقدمين {ونجعلهم}‬
‫اللذات البهيمية والسبعية وذبح األبناء واستحياء النساء‪ ،‬فننجيهم من العذاب {ونجعلهم} رؤساء ّ‬
‫وراث األرض وملوكها بإفناء فرعون وقومه {ونم ّكن لهم في األرض} بالتأييد {ونري فرعون} النفس ّ‬
‫األمارة {وهامان}‬ ‫ّ‬
‫المسمى عقل المعاش {وجنودهما} من القوى النفسانية {ما كانوا يحذرون} من ظهور موسى‬
‫ّ‬ ‫العقل المشوب بالوهم‬
‫القلب وزوال ملكهم ورياستهم على يده‪.‬‬

‫سورة القصص (من اآلية ‪ 7‬الى اآلية ‪)10‬‬

‫يه ِفي الي ِم والَ تَخ ِافي والَ تَح َزِني ِإَّنا ر ُّآدوه ِإَلي ِك وج ِ‬
‫اعُلوهُ ِم َن‬ ‫يه َفِإ َذا ِخْف ِت عَلي ِه َفأَْلِق ِ‬ ‫ض ِع ِ‬ ‫ُم موسى أَن أَر ِ‬
‫َ ُ ْ ََ‬ ‫َ ْ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َوأ َْو َح ْيَنآ ِإَل ٰى أ ِّ ُ َ ٰ ْ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫طه ِ‬ ‫ِ‬
‫ام َأرَةُ‬
‫ين * َوَقاَلت ْ‬ ‫ود ُه َما َك ُانوْا َخاطئ َ‬ ‫ان َو ُجُن َ‬ ‫آل ف ْرَع ْو َن لَي ُكو َن َل ُه ْم َع ُدّواً َو َح َزناً إ َّن ف ْرَع ْو َن َو َه َ‬
‫ام َ‬ ‫ين * َفاْلتََق َ ُ ُ‬
‫اْل ُم ْرَسل َ‬
‫ارغاً ِإن‬
‫وس ٰى َف ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف ْرَع ْو َن ُقَّر ُت َع ْي ٍن ّلي َوَل َك الَ تَْقُتُلوهُ َع َس ٰى أَن َي ْنَف َعَنا أ َْو َنتخ َذهُ َوَلداً َو ُه ْم الَ َي ْش ُع ُرو َن * َوأ ْ‬
‫َصَب َح ُف َؤ ُاد أ ُِّم ُم َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طَنا َعَل ٰى َقْلِب َها لتَ ُكو َن م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ‬‫َك َاد ْت َلتُْب ِدي ِب ِه َل ْوال أَن َّرَب ْ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اللوامة {أن أرضعيه} بلبان اإلدراكات‬
‫{وأوحينا إلى ّأم موسى} أي‪ :‬النفس الساذجة السليمة الباقية على فطرتها وهي ّ‬
‫يم العقل الهيوالني‬
‫األمارة وأعوانها {فألقيه} في ّ‬
‫الجزئية والعلوم النافعة األولية {فإذا خفت عليه} من استيالء النفس ّ‬
‫{إنا رّادوه إليك}‬
‫يم الطبيعة البدنية باإلخفاء {وال تخافي} من هالكه {وال تحزني} من فراقه ّ‬
‫األصلي أو في ّ‬ ‫واالستعداد‬
‫ّ‬
‫بعد ظهور التمييز ونور الرشد {وجاعلوه من المرسلين} إلى بني إسرائيل‪.‬‬

‫{فالتقطه آل فرعون} من القوى النفسانية الظاهرة عليه‪ ،‬الغالبة على أمره‪ ،‬فإنه ال يصل إلى التمييز والرشد وال يتوقى‬

‫إال بمعاونة التخيل والوهم وسائر المدركات الظاهرة والباطنة وإمدادها {ليكون لهم ّ‬
‫عدواً وحزناً} في العاقبة ويعلم أن‬
‫عدوه النفس التي بين جنبيه فيقهرها وأعوانها بالرياضة ويفنيها بالقمع والكسر واإلماتة‪.‬‬
‫أعدى ّ‬

‫{وقالت امرأة فرعون} أي‪ :‬النفس المطمئنة العارفة بنور اليقين والسكينة حالة المحبة لصفائها له التي تستولي عليها‬
‫{قرة عين لي} بالطبع للتناسب {ولك} بالتوسط ورابطة الزوجية والتواصل‪ .‬وقيل‪ ،‬قال‬
‫األمارة وتؤثر فيها بالتلوين ّ‬
‫ّ‬
‫فرعون‪ :‬لك ال لي‪ .‬وعالجوا التابوت فلم ينفتح‪ ،‬ففتحته آسية بعدما رأت نو اًر في جوفه ّ‬
‫فأحبته {عسى أن ينفعنا} في‬
‫تحصيل أسباب المعاش ورعاية المصالح وتدبير األمور بالرأي {أو نتخذه ولداً} بأن يناسب النفس دون الروح‪ ،‬ويتبع‬
‫الهوى‪ ،‬ويخدم البدن باإلصالح‪ ،‬فيقوينا {وهم ال يشعرون} على أن األمر على خالف ذلك‪.‬‬

‫اللوامة {فارغاً} عن العقل من استيالء فرعون عليها وخوفها منه‬


‫{وأصبح فؤاد ّأم موسى} أي‪ :‬النفس الساذجة ّ‬
‫األمارة باطناً وظاه اًر فال تخالفها بسرها وما أضمرته من‬
‫لمقهوريتها له {إن كادت لتبدي به} أي‪ :‬كادت تطيع النفس ّ‬
‫وقويناها بالتأييد الروحي‬
‫صبرناها ّ‬
‫بالقوة بعد {لوال أن ربطنا على قلبها} أي‪ّ :‬‬
‫نور االستعداد وحال موسى المخفي لكونه ّ‬
‫واإللهام الملكي {لتكون من المؤمنين} بالغيب لصفاء االستعداد‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة القصص (من اآلية ‪ 11‬الى اآلية ‪)14‬‬

‫اض َع ِمن َقْب ُل َفَقاَل ْت َه ْل أ َُدُّل ُك ْم َعَل ٰى‬ ‫يه َفبصر ْت ِب ِه عن جن ٍب وهم الَ ي ْشعرو َن * وحَّرمنا عَلي ِه اْلمر ِ‬ ‫وَقاَلت ألُخِت ِه ُق ِ ِ‬
‫َ َ َْ َ ْ ََ‬ ‫َ ُُ َ ُْ َ ُُ‬ ‫ص ََُ‬ ‫ّ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫َّللاِ َح ٌّق َوَلـ ِٰك َّن‬ ‫ُم ِه َكي تََقَّر َع ْيُن َها َوالَ تَ ْح َزَن َولِتَ ْعَل َم أ َّ‬
‫َن َو ْع َد َّ‬ ‫اصحو َن * فرددناه ِإلى أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َه ِل َب ْيت َي ْكُفُل َ‬
‫ون ُه َل ُك ْم َو ُه ْم َل ُه َن ُ‬ ‫أْ‬
‫ََ َ ْ َ ُ َ ٰ ّ ْ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬‫استََو ٰى آتَْيَناهُ ُح ْكماً َو ِعْلماً َوَك َذل َك َن ْجزِي اْل ُم ْحسن َ‬
‫َشَّدهُ َو ْ‬
‫أَ ْكثَ َرُه ْم الَ َي ْعَل ُمو َن * َوَل َّما َبَل َغ أ ُ‬

‫{قصيه} أي‪ :‬اتبعيه وتفقدي حاله بالحركة في تصفح معانيه المعقولة وكماالته العلمية‬
‫القوة المفكرة ّ‬
‫{وقالت ألخته} ّ‬
‫حده وال تطلع عن مكاشفته وأس ارره وما‬
‫والعملية {فبصرت به عن جنب} أدركت حاله عن بعد ألنها ال ترتقي إلى ّ‬
‫يحصل له من أنوار صفاته {وهم ال يشعرون} أي‪ :‬ال يطلعون على اطالع أخته عليه لقصور جميع القوى النفسانية‬
‫حد المفكرة وبلوغ شأوه‪.‬‬
‫عن ّ‬

‫{وحرمنا عليه المراضع} أي‪ :‬منعناه من التقوي والتغذي بلذات القوى النفسانية وشهواتها وقبول أهوائها وإعدادها {من‬
‫ّ‬
‫قبل} أي‪ :‬قبل استعمال الفكر بنور االستعداد وصفاء الفطرة {فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم} بالقيام‬
‫بتربيته باألخالق واآلداب ويرضعونه بلبان المبادىء من المشاهدات والوجدانيات والتجريبات‪ ،‬وما طريقة الحس‬
‫والحدس من العلوم {وهم له ناصحون} يشدونه بالحكم العملية واألعمال الصالحة‪ ،‬ويه ّذبونه وال يغوونه بالوهميات‬
‫والمغالطات‪ ،‬ويفسدونه بالرذائل والقبائح‪.‬‬

‫بالتنور بنوره {وال تحزن} بفوات ّ‬


‫قرة عينها‬ ‫ّ‬ ‫تقر عينها}‬
‫اللوامة بالميل نحوها واإلقبال {كي ّ‬
‫أمه} النفس ّ‬
‫{فرددناه إلى ّ‬
‫مستعد إلى كماله المودع فيه وإعادة كل‬
‫ّ‬ ‫{أن وعد هللا} بإيصال كل‬
‫وبهائها وتقويتها به {ولتعلم} بحصول اليقين بنوره ّ‬
‫حقيقة إلى أصلها {حق ولكن أكثر الناس ال يعلمون} ذلك فال يطلبون الكمال المودع فيهم لوجود الحجاب وطريان‬
‫الشك واالرتياب‪.‬‬

‫بتجرده عن النفس وصفاته {آتيناه‬


‫الفتوة وكمال الفطرة {واستوى} استقام بحصول كماله ثم ّ‬
‫أشده} أي‪ :‬مقام ّ‬
‫{ولما بلغ ّ‬
‫حكماً وعلماً} أي‪ :‬حكمة نظرية وعملية {وكذلك نجزي المحسنين} المتّصفين بالفضائل‪ ،‬السائرين في طريق العدالة‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة القصص (من اآلية ‪ 15‬الى اآلية ‪)19‬‬

‫استَ َغاثَ ُه َّال ِذي ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ين غْفَل ٍة ِمن أَهلِها َفوجد ِفيها رجَلي ِن يْقتِتالَ ِن هـٰ َذا ِمن ِش ِ ِ‬
‫ِ‬
‫يعته َو َهـٰ َذا م ْن َع ُدِّوه َف ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َوَد َخ َل اْل َم ِد َين َة َعَل ٰى ِح ِ َ ّ ْ ْ َ َ َ َ َ َ ُ ْ َ َ‬
‫ال َر ِّب‬ ‫ِ‬
‫ان ِإَّن ُه َع ُدٌّو ُّمض ٌّل ُّمِب ٌ‬
‫طِ‬ ‫ض ٰى َعَل ْي ِه َقال َهـٰ َذا ِم ْن َعم ِل َّ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِش ِ ِ‬
‫ين * َق َ‬ ‫الش ْي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وس ٰى َفَق َ‬ ‫يعته َعَلى الذي م ْن َع ُدّوه َف َوَك َزهُ ُم َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ظ ِهي اًر ّلْل ُم ْج ِرِم َ‬
‫ين‬ ‫َكو َن َ‬ ‫ال َر ِّب ِب َمآ أ َْن َع ْم َت َعَل َّي َفَل ْن أ ُ‬
‫يم * َق َ‬
‫ِ‬
‫الرح ُ‬
‫ور َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اغف ْر لي َف َغَف َر َل ُه ِإَّن ُه ُه َو اْل َغُف ُ‬
‫ِ‬ ‫ِإِّني َ‬
‫ظَل ْم ُت َنْفسي َف ْ‬
‫َّ ِ َّ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َن‬‫ين * َفَل َّمآ أ ْ‬ ‫وس ٰى ِإَّن َك َل َغ ِو ٌّي ُّمِب ٌ‬
‫ال َل ُه ُم َ‬‫ص ِر ُخ ُه َق َ‬ ‫استَْنص َرهُ ِباأل َْم ِ‬
‫س َي ْستَ ْ‬ ‫َصَب َح في اْل َمد َينة َخآئفاً َيتَ َرق ُب َفإ َذا الذي ْ َ‬
‫* َفأ ْ‬
‫س ِإن تُ ِر ُيد ِإالَّ أَن تَ ُكو َن َجبَّا اًر ِفي‬ ‫ال يٰموس ٰى أَتُ ِر ُيد أَن تَْقُتَلِني َكما َقَتْل َت َنْفساً ِباأل َْم ِ‬ ‫َّ‬ ‫أَراد أَن يب ِط ِ َّ ِ‬
‫َ‬ ‫ش بالذي ُه َو َع ُدٌّو ل ُه َما َق َ ُ َ‬ ‫َ َ َْ َ‬
‫ين‬ ‫ض وما تُ ِر ُيد أَن تَ ُكو َن ِمن اْلم ِ ِ‬
‫ِ‬
‫صلح َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫األ َْر َ َ‬

‫هدو القوى النفسانية وسكونها حذ اًر من استيالئها عليه‬


‫{ودخل} مدينة البدن {على حين غفلة من أهلها} أي‪ :‬في حال ّ‬
‫وعلوها {فوجد فيها رجلين يقتتالن} أي‪ :‬العقل والهوى {هذا} أي‪ :‬العقل {من شيعته وهذا} أي‪ :‬الهوى {من ّ‬
‫عدوه} من‬ ‫ّ‬
‫األمارة {فاستغاثه} العقل واستنصره على الهوى {فوكزه} ضربه بهيئة من‬ ‫جملة أتباع شيطان الوهم وفرعون النفس ّ‬
‫هيئات الحكمة العملية بقوة من التأييدات الملكية بيد العاقلة العملية فقتله {قال هذا} االستيالء واالقتتال {من عمل‬
‫عدو مضل مبين} أو هذا القتل من عمل الشيطان‪ ،‬ألن عالج‬ ‫الشيطان} الباعث للهوى على ّ‬
‫التعدي والعدوان {إنه ّ‬
‫االستيالء باإلفراط ال يكون بالفضيلة التي هي العدالة الفائضة من الرحمن بل إنما يكون بالرذيلة التي يقابلها من‬
‫جانب التفريط كعالج الشره بالخمود وعالج البخل بالتبذير واإلسراف بالتقتير كالهما من الشيطان {إني ظلمت نفسي}‬
‫باإلفراط والتفريط {فاغفر لي} استر لي رذيلة ظلمي بنور عدلك {فغفر له} صفات نفسه المائلة إلى اإلفراط والتفريط‬
‫بنوره‪ ،‬فحصلت له العدالة {إنه هو الغفور} الساتر هيئات النفس بنوره {الرحيم} بإفاضة الكمال عند زكاء النفس عن‬
‫الرذائل‪.‬‬

‫رب بما أنعمت علي} أي‪ :‬اعصمني بما أنعمت علي من العلم والعمل {فلن أكون ظهي اًر} معاوناً {للمجرمين}‬ ‫{قال ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المرتكبين الرذائل من القوى النفسانية {فأصبح} في مدينة البدن {خائفاً} من استيالء القوى النفسانية بإشارة الدواعي‬
‫والهواجس وإلقاء أحاديث النفس والوساوس في مقام المراقبة {يستصرخه} أي‪ :‬يستنصره العقل على أخرى من قوى‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫النفس وهي الوهم والتخيل ألنهما يفسدان في مقام الترقب‪ ،‬ويثيران الوساوس والهواجس ويبعثان النوازع والدواعي وال‬
‫ينكسران وال يفتران في حال ما من أحوال وجود القلب إال عند الفناء في هللا‪ ،‬أال ترى إلى معارضته ومماراته له في‬
‫قوله‪{ :‬إن تريد إال أن تكون جبا اًر في األرض وما تريد أن تكون من المصلحين} وإنما نسب صاحبه الذي هو العقل‬
‫لغوي‪ ،‬الفتتانه بالوهم وعجزه عن دفعه واحتياجه في معارضته إلى القلب‪ ،‬وإنما أراد أن يبطش ولما تيسر‬
‫بقوله‪ :‬إنك ّ‬
‫له البطش‪ ،‬ومانعه وأنكر فعله‪ ،‬بقوله‪ :‬أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً باألمس؟‪ ،‬ألن القلب ما لم يصل إلى مقام‬
‫الروح ولم يفن في مقام الوالية‪ ،‬ولم يتصف بالصفات اإللهية لم يذعن له شيطان الوهم ألنه من المنظرين إلى يوم‬
‫الفتوة متصفاً بكماالته في القيامة الوسطى يطمع هو في إغوائه وال ينقهر وال‬
‫القيامة الكبرى‪ ،‬فما دام القلب في مقام ّ‬
‫بمجرد الكمال العلمي والعملي عن استعالئه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يمتنع‬

‫سورة القصص (من اآلية ‪ 20‬الى اآلية ‪)25‬‬

‫اخرج ِإِّني َلك ِمن َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫ين *‬ ‫الناصح َ‬ ‫َ َ‬ ‫وك َف ْ ُ ْ‬ ‫وس ٰى ِإ َّن اْل َمألَ َيأْتَم ُرو َن ِب َك لَيْقُتُل َ‬
‫ٰم َ‬
‫ال ي ُ‬‫صا اْل َمد َينة َي ْس َع ٰى َق َ‬ ‫آء َر ُج ٌل ّم ْن أَ ْق َ‬
‫َو َج َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آء‬
‫ال َع َس ٰى َرّبِي أَن َي ْهدَيني َسَو َ‬ ‫آء َم ْدَي َن َق َ‬ ‫ال َر ِّب َن ِّجني م َن اْلَق ْو ِم الظالم َ‬
‫ين * َوَل َّما تََو َّج َه تْلَق َ‬ ‫َف َخ َرَج م ْن َها َخآئفاً َيتَ َرق ُب َق َ‬
‫طُب ُك َما َقاَلتَا‬
‫ال َما َخ ْ‬ ‫ود ِ‬
‫ان َق َ‬ ‫ام َأرَتَي ِن تَ ُذ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اس َي ْسُقو َن َوَو َج َد من ُدونه ُم ْ‬ ‫الن ِ‬ ‫آء َم ْدَي َن َو َج َد َعَل ْي ِه أ َّ‬
‫ُم ًة ِّم َن َّ‬
‫السبيل * َوَل َّما َوَرَد َم َ‬
‫َّ ِ ِ‬

‫ال َر ِّب ِإِّني لِ َمآ أ َ ْ‬


‫َنزل َت ِإَل َّي ِم ْن َخ ْي ٍر‬ ‫ونا َشي ٌخ َكِبير * َفسَق ٰى َلهما ثُ َّم تَوَّل ٰى ِإَلى ال ِّ ِ‬ ‫ص ِد َر ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ظ ّل َفَق َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫آء َوأَُب َ ْ‬ ‫الرَع ُ‬ ‫الَ َن ْسقي َحت ٰى ُي ْ‬
‫ص َعَل ْي ِه‬‫آءهُ َوَق َّ‬ ‫َفِقير * َفجآء ْته ِإح َداهما تَم ِشي عَلى اسِتحي ٍآء َقاَل ْت ِإ َّن أَِبي ي ْدع ِ‬
‫وك لَي ْج ِزَي َك أ ْ‬
‫َج َر َما َسَق ْي َت َلَنا َفَل َّما َج َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ْ َُ ْ‬ ‫ٌ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ف َن َج ْو َت م َن اْلَق ْو ِم الظالم َ‬
‫ال الَ تَ َخ ْ‬‫ص َق َ‬‫ص َ‬‫اْلَق َ‬

‫الحب الباعث على السلوك في هللا الذي يسمونه اإلرادة‪ ،‬وإتيانه من أقصى‬
‫ّ‬ ‫{وجاء رجل من أقصى المدينة} هو‬
‫المدينة‪ :‬انبعاثه من مكمن االستعداد عند قتل هوى النفس {يسعى} إذ ال حركة أسرع من حركته يحذره عن استيالئهم‬
‫عليه وينبهه على تشاورهم وتظاهرهم عند ظهور سلطان الوهم عليه ومقابلته ومماراته ومجادلته له على هالكه‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫باإلضالل {فاخرج} عن مدينتهم حدود سلطنتهم إلى مقام الروح {إني لك من الناصحين} {فخرج} باألخذ في المجاهدة‬
‫في هللا ودوام الحضور والمراقبة {خائفاً} من غلبتهم‪ ،‬متلجئاً إلى هللا في طلب النجاة من ظلمهم‪.‬‬

‫لقوة اإلرادة وطلب الهداية الحقانية باألنوار الروحية و‬


‫{ولما توجه تلقاء مدين} مقام الروح‪ ،‬غلب رجاؤه على الخوف ّ‬
‫التجليات الصفاتية إلى سواء سبيل التوحيد وطريقة السير في هللا‪.‬‬

‫أمة من الناس} من األولياء‬


‫السر والمكالمة {وجد عليه ّ‬
‫{ولما ورد ماء مدين} أي‪ :‬مورد علم المكاشفة ومنهل علم ّ‬
‫والسالكين في هللا والمتوسطين الذين مشربهم من منهل المكاشفة {يسقون} قواهم ومريديهم منه‪ ،‬أو العقول ّ‬
‫المقدسة‬
‫المجردة من أهل الجبروت فإنها في الحقيقة أهل ذلك المنهل‪ ،‬يسقون منه أغنام النفوس السماوية واإلنسية‬
‫ّ‬ ‫واألرواح‬
‫وملكوت السموات واألرض {ووجد من دونهم} من مرتبة أسفل من مرتبتهم {امرأتين} هما العاقلتان النظرية والعملية‬
‫{تذودان} أغنام القوى عنه لكون مشربها من العلوم العقلية والحكمة العملية قبل وصول موسى القلب إلى المناهل‬
‫الكشفية والموارد الذوقية وال نصيب لها من علوم المكاشفة {ال نسقي حت يصدر الرعاء} أي‪ :‬شربنا من فضلة رعاء‬
‫المقدسة عند صدورها عن المنهل متوجهة إلينا‪ ،‬مفيضة علينا فضلة الماء {وأبونا} الروح {شيخ كبير}‬
‫األرواح والعقول ّ‬
‫أكبر من أن يقوم بالسقي {فسقى لهما} من مشرب ذوقه ومنهل كشفه باإلفاضة على جميع القوى من فيضه‪ ،‬ألن‬

‫القلب إذا ورد منهالً ارتوى من فيضه في تلك الحالة جميع القوى ّ‬
‫وتنورت بنوره {ثم تولى} من مقامه {إلى الظل} أي‪:‬‬
‫مستمداً من فضل الحق ومقامه‬
‫ّ‬ ‫ظل النفس في مقام الصدر مستحق اًر لعلمه المعقول بالنسبة إلى العلوم الكشفية‬
‫القدسي والعلم اللدني الكشفي‪.‬‬

‫{فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} أي‪ :‬محتاج سائل لما أنزلت إلي من الخير العظيم الذي هو العلم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الكشفي وهو مقام الوجد والشوق‪ ،‬أي‪ :‬الحال السريع الزوال وطلبه حتى يصير ملكاً‪.‬‬

‫القوة القدسية {تمشي على استحياء} لتأثرها منه‬


‫المتنورة بنور القدس التي تسمى حينئذ ّ‬
‫ّ‬ ‫{فجاءته إحداهما} هي النظرية‬
‫القوة القدسية واللمة الملكية {ليجزيك أجر ما سقيت‬
‫{إن أبي يدعوك} أشار به إلى الجذبة الروحية بنور ّ‬
‫وانفعالها بنوره ّ‬
‫وتنورها بنورك فإنها إذا انفعلت بالبارق القدسي‪ ،‬وارتوت‬
‫لنا} أي‪ :‬ثواب ارتواء القوى الشاغلة الحاجبة من استفاضتك ّ‬
‫بالفيض السرّي‪ ،‬سهل الترقي إلى جناب القدس وقوي استعداد القلب لالتصال بالروح لزوال الحجب أو زوال ظلمتها‬
‫وكثافتها‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{فلما جاءه} واتصل به وترقى في مقامه‪ ،‬وأطلع الروح على حاله {قال ال تخف نجوت من القوم الظالمين} وهو صورة‬
‫حاله‪.‬‬

‫سورة القصص (من اآلية ‪ 26‬الى اآلية ‪)28‬‬

‫* َقال ِإِّني أ ُِريد أَن أُ ِ‬


‫نك َح َك ِإ ْح َدى ا ْبَنتَ َّي َهاتَْي ِن َعَل ٰى‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫استَْئ َج ْر َت اْلَق ِو ُّي األَم ُ‬
‫ين‬ ‫استَْئج ْرهُ إ َّن َخ ْي َر َم ِن ْ‬
‫اه َما ٰيأََبت ْ‬ ‫َقاَل ْت ِإ ْح َد ُ‬
‫َّللا ِمن َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين *‬ ‫الصالح َ‬ ‫اء َّ ُ َ‬ ‫َش َّق َعَل ْي َك َستَج ُدني إن َش َ‬‫أُ‬
‫َن‬ ‫ْج َ ِرني ثَ َمان َي ح َج ٍج َفِإ ْن أ َْت َم ْم َت َع ْش اًر َفم ْن عند َ‬
‫ك َو َمآ أ ُِر ُيد أ ْ‬ ‫أَن تَأ ُ‬
‫َق ِ ِ‬
‫ول َو ِك ٌ‬
‫يل‬ ‫َّللاُ َعَل ٰى َما َنُق ُ‬
‫ان َعَل َّي َو َّ‬ ‫َجَل ْي ِن َق َ‬
‫ض ْي ُت َفالَ ُع ْد َو َ‬ ‫َّما األ َ‬
‫ال َذل َك َب ْيني َوَب ْيَن َك أَي َ‬‫َ‬

‫{قالت إحداهما يا أبت استأجره} أي‪ :‬استعمله بالمجاهدة في هللا والمراقبة لحاله في رعاية أغنام القوى حتى ال تنتشر‬
‫وتشوش فرقتنا‪ ،‬وبالذكر القلبي في مقام تجليات الصفات والسير فيها بأجره ثواب التجليات وعلوم‬
‫فتفسد جمعيتنا ّ‬
‫{القوي} على كسب الكمال {األمين} الذي ال يخون عهد هللا بالوفاء‬
‫ّ‬ ‫المكاشفات {إن خير من استأجرت} لهذا العمل‬
‫بإبرازها في االستعداد من وديعته أو ال يخون الروح بالميل إلى بناته فيحتجب بالمعقول‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن الرعاة كانوا‬
‫يضعون على رأس البئر حج اًر ال يقله إال سبعة رجال‪ ،‬وقيل عشرة‪ ،‬فأقله وحده وذلك قوته‪ .‬وفيها إشارة إلى أن العلم‬
‫اللدني ال يحصل إال باالتّصاف بالصفات السبع اإللهية أو العشر‪.‬‬

‫{قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين} أي‪ :‬أجعلها تحتك‪ ،‬تحظى عندك بنور القدس وعلوم الكشف وتكون‬
‫ّ‬
‫بحكمك وأمرك ال تحتجب عنك بقولها {على أن تأجرني ثماني حجج} أي‪ :‬تعمل ألجلي بالمجاهدة حتى تأتي عليك‬
‫ثمانية أطوار هي أطوار الصفات السبعة اإللهية بالفناء عن صفاته في صفات هللا التي آخرها مقام المكالمة مع طور‬
‫ظ ْر ِإَل ْي َك}[األعراف‪ ،‬اآلية‪.]143:‬‬ ‫{ر ِّب أ ِِ‬
‫َرني أَن ُ‬ ‫المشاهدة التي يتم بها الوصول المطلوبة بقوله‪َ :‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{فإن أتممت عش اًر} بالترقي في طورين آخرين هما الفناء في الذات والبقاء بعده بالتحقق {فمن عندك} فمن كمال‬
‫فأتمهن فجعله‬
‫ّ‬ ‫وقوته وخصوصية عينك واقتضاء هويتك وهي الكماالت العشر التي ابتلى بها إبراهيم رّبه‬
‫استعدادك ّ‬
‫إماماً للناس في مقام التوحيد وهللا أعلم‪{ .‬وما أريد أن أشق عليك} أحمل عليك فوق طاقتك وما ال يفي به وسع‬
‫استعدادك {ستجدني إن شاء هللا من الصالحين} المربين بما يصلح للوصول من اإلفاضات والعلوم‪ ،‬الهادين إلى ما‬
‫في أصل االستعداد من الكمال المودع في عين الذات باألنوار‪ ،‬غير مكلفين ما لم يكن في وسعك‪.‬‬

‫بقوتنا واستعدادنا وسعينا‪ ،‬ال مدخل لغيرنا‬


‫{ذلك بيني وبينك} ذلك األمر الذي عاهدتني عليه قائم بيني وبينك‪ ،‬يتعلق ّ‬
‫فيه {أيما األجلين قضيت فال عدوان علي} أيما النهايتين بلغت فال إثم علي‪ ،‬إذ ال علي إال السعي‪ .‬وأما البلوغ فهو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تتقدر قوتي في السعي بحسب ذلك وهللا هو الذي وكل إليه أمرنا وفي‬ ‫ّ‬ ‫إنما‬
‫و‬ ‫األزل‬ ‫بحسب ما أوتيت من االستعداد في‬
‫المقدر لنا أمر تواله هللا بنفسه وعينه من فيضه األقدس ال يمكن ألحد‬
‫ذلك شاهد عليه‪ ،‬أي‪ :‬ما أوتينا من الكمال ّ‬
‫تغييره وال يطلع عليه أحد غيره‪ ،‬وال يعلم قبل الوصول قدر الكمال المودع في االستعداد وهو غيب الغيوب الذي‬
‫استأثر به هللا لذاته‪.‬‬

‫سورة القصص (من اآلية ‪ 29‬الى اآلية ‪)32‬‬

‫ور نا اًر َقال أل ِ ِ‬ ‫َفَل َّما َقضى موسى األَجل وسار ِبأ ِ‬
‫يك ْم ِّم ْن َها‬‫ام ُكثُوْا ِإِّني َآن ْس ُت َنا اًر َّل َعِّلي ِآت ُ‬ ‫َهله ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َهلِه َآن َس من َجان ِب الط ِ َ‬ ‫ََ ََ َ ْ‬ ‫َ ٰ ُ َ‬
‫ىء اْلَو ِادي األ َْي َم ِن ِفي اْلُبْق َع ِة اْل ُمَب َارَك ِة ِم َن‬ ‫اط ِ‬ ‫طُلون * َفَل َّمآ أَتَاها نوِدي ِمن َش ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫صَ َ‬ ‫َّ‬ ‫ِب َخَب ٍر أ َْو َج ْذ َوٍة ِّم َن َّ‬
‫الن ِار َل َعل ُك ْم تَ ْ‬
‫آن َوَّل ٰى ُم ْدِب اًر َوَل ْم ُي َعِّق ْب‬
‫آها تَ ْهتَُّز َكأََّن َها َج ٌّ‬
‫اك َفَل َّما َر َ‬
‫ص َ‬ ‫َن أَْل ِق َع َ‬ ‫ين * َوأ ْ‬
‫ِ‬ ‫وس ٰى ِإِّني أََنا َّ‬
‫َّللاُ َر ُّب اْل َعاَلم َ‬ ‫ٰم َ‬
‫َّ ِ‬
‫الش َج َرة أَن ي ُ‬
‫اح َك ِم َن‬ ‫ضآء ِم ْن َغ ْي ِر س ٍ‬ ‫اآلمِنين * اسُلك يد ِ‬ ‫يٰموسى أَ ْقِبل والَ تَخف ِإَّنك ِمن ِ‬
‫اض ُم ْم ِإَل ْي َك َجَن َ‬ ‫وء َو ْ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ك في َج ْيب َك تَ ْخ ُرْج َب ْي َ َ‬ ‫ْ ْ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َٰ ْ َ َ ْ َ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫الره ِب َف َذ ِانك برهان ِ ِ‬
‫ِك ِإَل ٰى ف ْرَع ْو َن َو َمَلئه ِإَّن ُه ْم َك ُانوْا َق ْوماً َفاسق َ‬
‫ين‬ ‫ان من َّرّب َ‬ ‫َ ُْ َ َ‬ ‫َّ ْ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫حد الكمال الذي هو أقصر األجلين {وسار بأهله} من القوى بأسرها إلى جانب‬
‫{فلما قضى موسى األجل} أي‪ :‬بلغ ّ‬
‫القدس مستصحباً للجميع بحيث لم يمانعه ولم يتخلف عنه واحدة منها‪ ،‬وحصل له ملكة االتصال للتدرب في المجاهدة‬
‫السر الذي هو كمال القلب في االرتقاء نار روح القدس وهو األفق‬
‫والمراقبة بال كلفة {آنس من جانب الطور} طور ّ‬
‫سر من‬
‫المبين الذي أوحى منه إلى من أوحى إليه من األنبياء {في البقعة المباركة} أي‪ :‬مقام كمال القلب المسمى ّاً‬
‫شجرة نفسه القدسية {أن يا موسى إنني أنا هللا} وهو مقام المكالمة والفناء في الصفات فيكون القائل والسامع هو هللا‪،‬‬
‫مر تأويله‬
‫كما قال‪" :‬كنت سمعه الذي به يسمع‪ ،‬ولسانه الذي به يتكلم"‪ .‬وإلقاء العصا واإلدبار وإظهار اليد البيضاء ّ‬
‫في سورة (النمل)‪.‬‬

‫{واضمم إليك جناحك من الرهب} أي‪ :‬ال تخف من االحتجاب والتلوين عند الرجوع من هللا واربط جأشك بتأييدي آمناً‬
‫قدس هللا روحه العزيز في شهود الوحدة ومقام الفناء‬
‫متحققاً باهلل‪ .‬وقد سمعت شيخنا المولى نور الدين عبد الصمد ّ‬
‫عن أبيه أنه كان بعض الفقراء في خدمة الشيخ الكبير شهاب الدين السهروردي في شهود الوحدة ومقام الفناء ذا ذوق‬
‫عظيم‪ ،‬فإذا هو في بعض األيام يبكي ويتأسف‪ ،‬فسأله الشيخ عن حاله‪ .‬فقال‪ :‬إني حجبت عن الوحدة بالكثرة‪،‬‬
‫فنبه الشيخ على أنه بداية مقام البقاء‪ ،‬وإن حاله أعلى وأرفع من الحال األولى وأمنه {فذانك‬
‫ورددت‪ ،‬فال أجد حالي‪ّ .‬‬
‫برهانان من رّبك} من التمتع المذكور‪.‬‬

‫سورة القصص (من اآلية ‪ 33‬الى اآلية ‪)43‬‬

‫صِّد ُقِني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬


‫ص ُح مّني ل َساناً َفأَ ْرسْل ُه َمع َي ِرْدءاً ُي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اف أَن َيْقُتُلون * َوأَخي َه ُارو ُن ُه َو أَ ْف َ‬ ‫َخ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َر ِّب ِإّني َقَتْل ُت م ْن ُه ْم َنْفساً َفأ َ‬
‫َق َ‬
‫صُلو َن ِإَل ْي ُك َما ِب َآي ِاتَنآ أَنتُ َما َو َم ِن اتََّب َع ُك َما‬‫طاناً َفالَ ي ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ِبأَخ َ‬ ‫ال َسَن ُشُّد َع ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِإّني أ َ‬
‫َ‬ ‫يك َوَن ْج َع ُل َل ُك َما ُسْل َ‬ ‫ض َد َ‬ ‫اف أَن ُي َك ّذُبون * َق َ‬ ‫َخ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ن‬
‫ال‬
‫ين * َوَق َ‬ ‫وس ٰى ِب َآياتَنا َبِّيَنات َقاُلوْا َما َهـٰ َذآ ِإال س ْحٌر ُّمْفتًَرى َو َما َسم ْعَنا ِب َهـٰ َذا في َآبآئَنا األََّولِ َ‬ ‫آء ُهم ُّم َ‬ ‫اْل َغالُبو َ * َفَل َّما َج َ‬
‫الظالِمو َن * وَق ِ‬
‫ال ف ْرَع ْو ُن ٰيأَي َ‬
‫ُّها‬ ‫َعَلم ِب َمن َجآء ِباْل ُه َد ٰى ِم ْن ِع ِندِه َو َمن تَ ُكو ُن َل ُه َع ِاقَبةُ َّ‬
‫الد ِار ِإَّنه الَ يْفلِح َّ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫وس ٰى َرّبِي أ ْ ُ‬
‫ُم َ‬
‫وس ٰى َوإِِّني‬ ‫َّ ِ َّ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫طِ‬ ‫ان َعَلى ال ِّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ص ْرحاً ل َعّلي أَطل ُع إَل ٰى إَلـٰه ُم َ‬
‫اج َعل ّلي َ‬ ‫ين َف ْ‬ ‫اْلمألُ َما َعل ْم ُت َل ُك ْم ّم ْن إَلـٰه َغ ْيرِي َفأ َْوق ْد لي ي َٰه َ‬
‫ام ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ودهُ ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ألَ ُ ِ‬
‫ودهُ‬ ‫ظُّنوْا أََّن ُه ْم ِإَل ْيَنا الَ ُي ْر َج ُعو َن * َفأ َ‬
‫َخ ْذَناهُ َو ُجُن َ‬ ‫ض ِب َغ ْي ِر اْل َح ِّق َو َ‬ ‫استَ ْكَب َر ُه َو َو ُجُن ُ‬
‫ين * َو ْ‬ ‫ظُّن ُه م َن اْل َكاذِب َ‬
‫نص ُرو َن *‬ ‫النا ِر ويوم اْلِق ِ‬ ‫اه ْم أَِئ َّم ًة َي ْد ُعو َن ِإَلى َّ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اه ْم ِفي اْلَي ِّم َفان ُ‬
‫يامة الَ ُي َ‬‫َ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫ين * َو َج َعْلَن ُ‬ ‫ان َعاقَب ُة الظالم َ‬ ‫ف َك َ‬ ‫ظ ْر َك ْي َ‬ ‫َفَنَب ْذَن ُ‬
‫َهَل ْكَنا اْلُق ُرو َن‬ ‫ِ‬ ‫وحين * وَلَق ْد آتَينا موسى اْل ِكتَ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القي ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهم ِفي َه ِذِه ُّ‬
‫اب من َب ْعد َمآ أ ْ‬
‫َ‬ ‫َْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫امة ُه ْم ّم َن اْل َمْقُب َ‬ ‫الد ْنَيا َل ْعَن ًة َوَي ْوَم َ َ‬ ‫َوأ َْتَب ْعَن ُ‬
‫األُوَل ٰى َبص ِآئ َر لِ َّلن ِ‬
‫اس َو ُه ًدى َوَر ْح َم ًة َّل َعَّل ُه ْم َيتَ َذ َّك ُرو َن‬ ‫َ‬

‫{وأخي هارون} العقل {هو أفصح مني لساناً} ألن العقل بمثابة لسان القلب ولواله لم يفهم أحوال القلب‪ ،‬إذ الذوقيات‬
‫ما لم تدرج في صورة المعقول وتتنزل في هيئة العلم والمعلوم‪ ،‬وتقرب بالتمثيل والتأويل إلى مبالغ فهوم العقول‬
‫يقرر معناي في صورة العلم بمصداق البرهان {إني أخاف أن يكذبون}‬
‫يصدقني} عوناً ّ‬
‫والنفوس لم يمكن فهمها {ردءاً ّ‬
‫لبعد حالي عن أفهامهم وبعدهم عن مقامي وحالي فال ّبد من متوسط‪.‬‬

‫بالقوة‬
‫{سنشد عضدك بأخيك} نقويك بمعاضدته {ونجعل لكما} غلبة بتأثيرك فيهم بالقدرة الملكوتية وتأييدك العقل ّ‬
‫ّ‬
‫الحجة القياسية {فأوقد لي يا هامان} نار الهوى على طين الحكمة‬
‫القدسية‪ ،‬وإظهار العقل كمالك في الصورة العملية و ّ‬
‫الممتزجة من ماء العلم وتراب الهيئات المادية {فاجعل لي} مرتبة عالية من الكمال‪ ،‬من صعد إليها كان عارفاً‪ .‬وهو‬
‫المادية لشوب الوهم‪ .‬أي‪ :‬حاولت النفس المحجوبة بأنائيته‬
‫تجرد عقله من الهيئات ّ‬ ‫إشارة إلى احتجابه بنفسه‪ ،‬وعدم ّ‬
‫من عقل المعاش المحجوب بمعقوله أن يبني بنياناً من العلم والعمل المشوبين بالوهميات‪ ،‬ومقاماً عالياً من الكمال‬
‫حد الكمال‪ ،‬كما ذكر في الشعراء‬
‫الحاصل بالدراسة والتعّلم ال بالوراثة والتلقي‪ ،‬من استعلى عليه توهم كونه عارفاً بالغاً ّ‬
‫النبوة‪ ،‬متدربين بالمنطق والحكمة‪ ،‬معتنين بهما‪ ،‬معتقدين الفلسفة‬
‫أنهم كانوا قوماً محجوبين بالمعقول عن الشريعة و ّ‬
‫ظنه من الكاذبين‬
‫غاية الكمال‪ ،‬منكرين للعرفان والسلوك والوصال {لعلي أطلع إلى إله موسى} بطريقة التفلسف‪ ،‬وإنما ّ‬
‫لقصوره عن درجة العرفان والتوحيد‪ ،‬واحتجابه بصفة األنائية والطغيان والتفرعن بغير الحق من غير أن يتّصفوا بصفة‬
‫الكبرياء عند الفناء‪ ،‬فيكون ت ّكبرهم بالحق ال بالباطل عن صفات نفوسهم‪.‬‬

‫سورة القصص (من اآلية ‪ 44‬الى اآلية ‪)54‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ط َاو َل َعَل ْي ِه ُم‬ ‫ين * َوَل ِكَّنآ أ َ‬
‫َنشأَْنا ُق ُروناً َفتَ َ‬ ‫ِي ِإ ْذ َقضينآ ِإَلى موسى األَمر وما كنت ِمن َّ ِ ِ‬ ‫نت ِب َج ِان ِب الغرب‬
‫الشاهد َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َ َْ ٰ ُ َ‬ ‫ْ َ ْ ِّ‬ ‫َو َما ُك َ‬
‫ور ِإ ْذ َن َاد ْيَنا َوَلـ ِٰكن‬ ‫اْلعمر وما ُكنت ثَ ِاوياً ِفي أَه ِل م ْدين تَْتُلوْا عَلي ِهم آي ِاتنا وَل ِكَّنا ُكَّنا مرِسلِين * وما ُك ْنت ِبج ِان ِب ُّ‬
‫الط ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َْ ْ َ َ َ‬ ‫ْ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُُ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ير ّمن َقْبل َك َل َعل ُه ْم َيتَ َذك ُرو َن * َوَل ْوال أَن تُص َيب ُهم ُّمص َيب ٌة ب َما َقَّد َم ْت أ َْيديه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهم ّمن َّنذ ٍ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِك لتُنذ َر َق ْوماً َّمآ أَتَ ُ‬ ‫َّر ْح َم ًة ّمن َّرّب َ‬
‫آء ُه ُم اْل َح ُّق ِم ْن ِع ِندَنا َقاُلوْا َل ْوال أُوِتي ِم ْث َل‬ ‫ين * َفَل َّما َج َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َفَيُقوُلوْا َربََّنا َل ْوال أ َْرَسْل َت ِإَل ْيَنا َرُسوالً َفَنتَِّب َع َآيات َك َوَن ُكو َن م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫َ‬
‫اب ِّم ْن‬ ‫اه ار وَقاُلوْا ِإَّنا ِب ُك ٍل َك ِافرو َن * ُق ْل َفأْتُوْا ِب ِكتَ ٍ‬
‫ّ ُ‬ ‫ظ ََ َ‬ ‫ان تَ َ‬ ‫وس ٰى ِمن َقْب ُل َقاُلوْا ِس ْح َر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس ٰى أ ََوَل ْم َي ْكُف ُروْا ب َمآ أُوت َي ُم َ‬
‫ِ‬
‫َمآ أُوت َي ُم َ‬
‫َض ُّل ِم َّم ِن‬ ‫َّ‬ ‫َّللاِ هو أَهد ٰى ِم ْنهمآ أَتَِّبعه ِإن ُكنتُم ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫آء ُه ْم َو َم ْن أ َ‬
‫َهَو َ‬ ‫ين * َفِإن ل ْم َي ْستَ ِج ُيبوْا َل َك َف ْ‬
‫اعَل ْم أََّن َما َيتَِّب ُعو َن أ ْ‬ ‫صادق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َُ ُْ‬ ‫عند َّ ُ َ ْ َ‬
‫اه ُم‬
‫ين آتَْيَن ُ‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ‬
‫صْلَنا َل ُه ُم اْلَق ْو َل َل َعل ُه ْم َيتَ َذ َّك ُرو َن * الذ َ‬ ‫ين * َوَلَق ْد َو َّ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاَ الَ َي ْهدي اْلَق ْوَم الظالم َ‬ ‫َّللاِ ِإ َّن َّ‬
‫اتََّب َع َه َواهُ ِب َغ ْي ِر ُه ًدى ِّم َن َّ‬
‫ين * أ ُْوَلـِٰئ َك‬ ‫ِ ِِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫اْل ِكت ِ ِ ِ‬
‫آمَّنا ِبه ِإَّن ُه اْل َح ُّق من َّرّبَِنآ َّإنا ُكَّنا من َقْبله ُم ْسلم َ‬ ‫ِ‬
‫اب من َقْبله ُهم به ُي ْؤمُنو َن * َوإِ َذا ُي ْتَل ٰى َعَل ْيه ْم َقاُلوْا َ‬ ‫َ َ‬
‫اه ْم ُي ِنفُقو َن‬ ‫صَب ُروْا َوَي ْد َرُؤ َن ِباْل َح َسَن ِة َّ‬
‫السِّيَئ َة َو ِم َّما َرَزْقَن ُ‬ ‫ِ‬
‫َج َرُهم َّمَّرتَْي ِن ب َما َ‬‫ُي ْؤتُو َن أ ْ‬

‫{وما كنت بجانب الغربي} أي‪ :‬جانب غروب شمس الذات األحدية في عين موسى واحتجابها بعينه في مقام‬
‫ّ‬
‫المكالمة ألنه سمع النداء من شجرة نفسه‪ ،‬ولهذا كانت قبلته جهة المغرب ودعوته إلى الظاهر التي هي مغارب شمس‬
‫الحقيقة بخالف عيسى عليه السالم {إذ قضينا إلى موسى األمر} أوحينا إليه بطريق المكالمة {وما كنت من‬
‫الشاهدين} مقامه في مرتبة نقبائه وأولياء زمانه الذين شهدوا مقامه‪ ،‬ولكن بعد قرنك من قرنه بإنشاء قرون كثيرة بينهما‬
‫فنسوا فأطلعناك على مقامه وحاله في معراجك وطريق صراطك ليتذكروا {وما كنت ثاوياً} مقيماً {في أهل مدين} مقام‬
‫الروح {تتلو عليهم} علوم صفاتنا ومشاهداتنا‪ ،‬بل كنت في طريقك إذ ترقيت من األفق األعلى فدنوت من الحضرة‬
‫األحدية إلى مقام قاب قوسين أو أدنى‪ ،‬فأخبرتهم بذلك عند إرسالنا إياك بالرجوع إلى مقام القلب بعد الفناء في الحق‪.‬‬

‫تامة واسعة شاملة {من رّبك} تداركتك ورّقتك إلى مقام الفناء‬
‫السر واقفاً {ولكن رحمة} ّ‬
‫{وما كنت بجانب الطور} مقام ّ‬
‫تتدرج فيه مقامات جميع األنبياء وصارت وصفك وصورة ذاتك عند التحقق به في مقام البقاء‬
‫في الوحدة الذي ّ‬
‫حداً من الكمال ما بلغ استعدادات‬
‫النبوات و {لتنذر قوماً} بلغت استعدادتهم في القبول ّ‬
‫نبوتك بختم ّ‬ ‫واإلرسال لتعم ّ‬
‫أمته فـ‬
‫المتقدمين وتدعوهم إلى كمال مقام المحبوبين الذي لم يدع إليه أحد منهم ّ‬
‫ّ‬ ‫آبائهم الذين كانوا في زمن األنبياء‬
‫{ما أتاهم من نذير من قبلك} يدعوهم إلى ما دعوت إليه {لعلهم يتذكرون} بالوصول إلى كمال المحبة‪.‬‬

‫{الذين آتيناهم} العقل القرآني والفرقاني {من قبله هم به يؤمنون} لكمال استعدادهم دون غيرهم ّ‬
‫{إنا كنا من قبله‬
‫ُمسلِمين} وجوهنا هلل بالتوحيد‪ ،‬منقادين ألمره‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{أولئك يؤتون أجرهم ّ‬
‫مرتين} أوالً في القيامة الوسطى من جانب األفعال والصفات قبل الفناء في الذات‪ ،‬وثانياً في‬
‫الجنات الثالث {ويدرؤون بالحسنة} المطلقة من شهود أفعال الحق والصفات‬
‫القيامة الكبرى عند البقاء بعد الفناء من ّ‬
‫والذات {السيئة} المطلقة من أفعالهم وصفاتهم وذواتهم {ومما رزقناهم ُي ْنفقون} بالتكميل وإفاضة الكماالت على‬
‫المستعدين القابلين‪.‬‬
‫ّ‬

‫سورة القصص (من اآلية ‪ 55‬الى اآلية ‪)70‬‬

‫ين * ِإَّن َك الَ تَ ْه ِدي َم ْن‬ ‫ِِ‬


‫اْل َجاهل َ‬ ‫َع َماُل ُك ْم َسالٌَم َعَل ْي ُك ْم الَ َن ْبتَ ِغي‬ ‫َع َماُلَنا َوَل ُك ْم أ ْ‬
‫ضوْا َع ْن ُه َوَقاُلوْا َلَنآ أ ْ‬ ‫َع َر ُ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫َوإِ َذا َسم ُعوْا الل ْغ َو أ ْ‬
‫طف ِمن أَر ِ‬
‫ضَنآ أََوَل ْم ُن َم ِّكن‬ ‫َّ‬ ‫ين * َوَقاُلوْا ِإن َّنتَِّب ِع اْل ُه َد ٰى َم َع َك‬ ‫ِ‬ ‫أَحببت وَلـ ِٰك َّن َّ ِ‬
‫ُنتَ َخ ْ ْ ْ‬ ‫َعَل ُم ِباْل ُم ْهتَد َ‬
‫آء َو ُه َو أ ْ‬
‫َّللاَ َي ْهدي َمن َي َش ُ‬ ‫ْ َْ َ َ‬
‫َهَل ْكَنا ِمن َق ْرَي ٍة َب ِط َر ْت‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ٍ‬
‫ات ُك ِّل َش ْيء ِّرْزقاً ّمن ل ُدَّنا َوَلـٰك َّن أَ ْكثَ َرُه ْم الَ َي ْعَل ُمو َن * َوَك ْم أ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ل ُه ْم َح َرماً آمناً ُي ْجَب ٰى ِإَل ْيه ثَ َم َر ُ‬
‫َّ‬

‫ُّك ُم ْهلِ َك اْلُق َر ٰى َحتَّ ٰى َي ْب َع َث ِفي‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َم ِع َ‬


‫ان َرب َ‬‫ين * َو َما َك َ‬ ‫يشتَ َها َفتْل َك َم َساكُن ُه ْم َل ْم تُ ْس َكن ّمن َب ْعده ْم ِإال َقليالً َوُكَّنا َن ْح ُن اْل َو ِارِث َ‬
‫ظالِ ُمو َن * َو َمآ أُوِتيتُم ِّمن َشي ٍء َف َمتَاعُ اْل َحَي ِاة ُّ‬
‫الد ْنَيا‬ ‫َهُل َها َ‬ ‫َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ُم َها َرُسوالً َي ْتُلو َعَل ْي ِه ْم َآياتَنا َو َما ُكَّنا ُم ْهلكي اْلُق َر ٰى ِإال َوأ ْ‬
‫ِ‬
‫أّ‬
‫ْ‬
‫ع اْل َحَي ِاة ُّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫وِزينتها وما ِعند َّ ِ‬
‫الد ْنَيا ثُ َّم‬ ‫َّللا َخ ْيٌر َوأ َْبَق ٰى أََفالَ تَ ْعقُلو َن * أََف َمن َو َع ْدَناهُ َو ْعداً َح َسناً َف ُهَو الَقيه َك َمن َّمتَّ ْعَناهُ َمتَا َ‬ ‫َ ََُ َ َ َ‬
‫ين َح َّق َعَل ْي ِه ُم اْلَق ْو ُل‬ ‫ِ‬ ‫هو يوم اْلِقيام ِة ِمن اْلمحض ِرين * ويوم يَنادي ِهم َفيُقول أَين ُشرَك ِآئي َّالذين ُكنتُم تَ ْزعمو َن * َق َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُُ‬ ‫ْ َ ُ َْ َ َ‬ ‫َ َْ َ ُ‬ ‫َُ َْ َ َ َ َ ُ ْ َ َ‬
‫ِ َّ ِ‬
‫آء ُك ْم َف َد َع ْو ُه ْم َفَل ْم‬
‫يل ْاد ُعوْا ُش َرَك َ‬ ‫َّانا َي ْعُب ُدو َن * َوِق َ‬ ‫اه ْم َك َما َغ َوْيَنا تََبَّأرَْنآ ِإَل ْي َك َما َك ُانوْا ِإي َ‬
‫َغ َوْيَن ُ‬‫َغ َوْيَنآ أ ْ‬
‫ين أ ْ‬‫َربََّنا َهـ ُٰؤالء الذ َ‬
‫ِ‬
‫* َف َعمَي ْت َعَل ْي ِه ُم األ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـآء‬
‫َنب ُ‬ ‫ين‬
‫َج ْبتُ ُم اْل ُم ْرَسل َ‬ ‫اب َل ْو أََّن ُه ْم َك ُانوْا َي ْهتَ ُدو َن * َوَي ْوَم ُيَناديه ْم َفَيُق ُ‬
‫ول َما َذآ أ َ‬ ‫َي ْستَج ُيبوْا َل ُه ْم َوَأرَُوْا اْل َع َذ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َما من تَاب وآمن وع ِمل ِ‬ ‫ٍِ‬
‫آء‬
‫ُّك َي ْخُل ُق َما َي َش ُ‬ ‫* َوَرب َ‬ ‫صالحاً َف َع َس ٰى أَن َي ُكو َن م َن اْل ُمْفلح َ‬
‫ين‬ ‫َ َ ََ َ َ َ َ‬ ‫آءُلو َن * َفأ َّ َ‬ ‫َي ْو َمئذ َف ُه ْم الَ َيتَ َس َ‬
‫ورُه ْم َو َما ُي ْعلُِنو َن * َو ُهَو َّ‬ ‫ِ‬ ‫ويختار ما َكان َلهم اْل ِخيرة سبحان َّ ِ‬
‫َّللاُ ال‬ ‫ص ُد ُ‬ ‫َّللا َوتَ َعاَل ٰى َع َّما ُي ْش ِرُكو َن * َوَرب َ‬
‫ُّك َي ْعَل ُم َما تُك ُّن ُ‬ ‫َ َ ْ َ ُ َ َ ُ ُ ََ ُ ُ ْ َ َ‬
‫اآلخ َرِة َوَل ُه اْل ُح ْكم َوإَِل ْي ِه تُ ْر َج ُعو َن‬
‫ِإَلـٰه ِإالَّ هو َله اْلحم ُد ِفي األُوَل ٰى و ِ‬
‫َ‬ ‫َُ ُ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ُ‬

‫{وإذا سمعوا} لغواً لفضول المانع من القبول لم يلحوا وأعرضوا لكونهم أولياء موحدين ال أنبياء {سالم عليكم} سّلمكم‬
‫المركب‪ ،‬فإنهم ال‬
‫ّ‬ ‫هللا من اآلفات المانعة عن قبول الحق {ال نبتغي} صحبة {الجاهلين} المفقودين بالسفاهة والجهل‬
‫ينتفعون بصحبتنا وال يقبلون هدايتنا‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫بمجرد الجنسية النفسية أو للقرابة البدنية‬
‫ّ‬ ‫{إنك ال تهدي من أحببت} هدايته الهتمامك بحاله غير مطلع على استعداده‬
‫{ولكن هللا يهدي من يشاء} من أهل عنايته {وهو أعلم‬
‫ّ‬ ‫دون األصلية‪ ،‬أو الصحبة العارضية دون الحقيقة الروحية‬
‫بالمهتدين} القابلين للهداية الطالعه على استعدادهم وكونهم غير مطبوع على قلوبهم‪.‬‬

‫{فعميت عليهم األنباء يومئذ} أي‪ُ :‬خِفيت عليهم الحقائق والتبست في القيامة الصغرى لكونهم محجوبين‪ ،‬واقفين مع‬
‫األغيار كالعمي‪ ،‬وقد رسخ جهلهم الشامل أوقات النشأتين كقوله‪ { :‬ومن َكان ِفي هـ ِٰذِه أَعم ٰى َفهو ِفي ِ‬
‫اآلخ َرِة‬ ‫َ ْ َ َُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫َع َم ٰى}[اإلسراء‪ ،‬اآلية‪{ ،]72:‬فهم ال يتساءلون} لعجزهم عن النطلق وكونهم مختوماً على أفواههم‪.‬‬ ‫أْ‬

‫{فأما من تاب} تنصل عما غطى بصيرته وغشى قلبه واستعداده من صفات النفس‪ ،‬وآمن بالغيب بطريق العلم‬ ‫ّ‬
‫بالتجرد عن‬
‫ّ‬ ‫{وعمل} في التحلية واكتساب الخيرات والفضائل {عمالً صالحاً فعسى أن يكون من المفلحين} الفائزين‬
‫مقام النفس بمقام القلب والرجوع إلى الفطرة من حجاب النشأة‪.‬‬

‫{ورّبك يخلق ما يشاء} من المحجوبين والمكاشفين {ويختار} بمقتضى مشيئته وعنايته لهم ما يريد {ما كان لهم الخيرة}‬
‫في ذلك {سبحان هللا} ّنزهه عن أن يكون لغيره اختيار مع اختياره فيكون شريكه‪.‬‬

‫{ال إله إال هو} ال شريك له في الوجود {له الحمد} المطلق لثبوت جميع الكماالت الظاهرة على مظاهر األكوان‪،‬‬
‫قوياً عزي اًز‪،‬‬
‫غنياً ّ‬
‫وعزته جميالً ّ‬ ‫غني قوي عزيز في الدنيا بجماله وغناه ّ‬
‫وقوته ّ‬ ‫والباطنة فيها وعنها له‪ ،‬فيكون كل جميل‬
‫ّ‬
‫وكل كامل عالم عارف به في اآلخرة بكماله وعلمه ومعرفته كامالً عالماً عارفاً {وله الحكم} يقهر كل شيء على‬
‫مقتضى مشيئته ويحكم عليه بموجب إرادته‪ ،‬فيكون كل قبيح فقير ذليل ضعيف في الدنيا بحكمه‪ ،‬وتحت قهره‪ ،‬كذلك‬
‫وكل محجوب مخذول‪ ،‬أسير‪ ،‬مردود في اآلخرة في قهره وتحت حكمه مخذوالً محجوباً أسي اًر مردوداً {وإليه ترجعون}‬
‫بالفناء في وجوده أو أفعاله وصفاته أو ذاته‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة القصص (من اآلية ‪ 71‬الى اآلية ‪)75‬‬

‫ضَي ٍآء أََفالَ تَ ْس َم ُعو َن * ُق ْل أ َأ‬


‫َرَْيتُ ْم‬ ‫يكم ِب ِ‬ ‫َّللا عَلي ُكم اْلَّليل سرمداً ِإَلى يو ِم اْلِقيام ِة من ِإَلـٰه َغير َّ ِ ِ‬ ‫ُق ْل أ َأ ِ‬
‫َّللا َيأْت ُ ْ‬ ‫َ َ َ ْ ٌ ُْ‬ ‫ٰ َْ‬ ‫َرَْيتُ ْم إن َج َع َل َّ ُ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ‬
‫ص ُرو َن * َو ِمن‬ ‫يه أَفالَ تُب ِ‬ ‫يكم ِبَلي ٍل تس ُكنون ِف ِ‬ ‫النهار سرمداً ِإَلى يو ِم اْلِقيام ِة من ِإَلـٰه َغير َّ ِ ِ‬ ‫ِإن َج َع َل َّ‬
‫ْ‬ ‫َّللا َيأْت ُ ْ ْ َ ْ ُ َ‬ ‫َ َ َ ْ ٌ ُْ‬ ‫ٰ َْ‬ ‫َّللاُ َعَل ْي ُك ُم َّ َ َ َ ْ َ‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫يه ولِتَ َبت ُغوْا ِمن َف ِ ِ َّ‬ ‫ِِ‬ ‫َّرحمِت ِه جعل َل ُكم َّاليل و َّ ِ‬
‫ين‬
‫ول أ َْي َن ُش َرَكآئ َي الذ َ‬‫ضله َوَل َعل ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن * َوَي ْوَم ُيَناديه ْم َفَيُق ُ‬ ‫ْ‬ ‫الن َه َار لتَ ْس ُكُنوْا ف َ‬ ‫ْ َ ََ َ ُ َ َ‬
‫ض َّل َع ْن ُه ْم َّما َك ُانوْا َيْفتَ ُرو َن‬ ‫ِِ‬ ‫ُكنتُ ْم تَ ْزُع ُمو َن * َوَن َز ْعَنا ِمن ُك ِّل أ َُّم ٍة َش ِهيداً َفُقْلَنا َهاتُوْا ُب ْرَه َان ُك ْم َف َعلِ ُموْا أ َّ‬
‫َن اْل َح َّق ََّّلل َو َ‬

‫{إن جعل هللا عليكم} ليل ظلمة النفس {سرمداً إلى يوم القيامة} الصغرى {من إله غير هللا يأتيكم بضياء} من نور‬
‫الروح {أفال تسمعون} حال كونكم في الحجاب‪ ،‬فتفهمون المعاني و ِ‬
‫الح َكم فتؤمنون بالغيب {إن جعل هللا عليكم} نهار‬
‫نور الروح سرمداً بالتجلي الدائم دون االستتار {إلى يوم القيامة} الصغرى {من إله غير هللا يأتيكم بليل} من أوقات‬
‫الغفالت وغلبات صفات النفس وغشاوات الطبع {تسكنون فيه} إلى حقوق نفوسكم وراحات أبدانكم {أفال تبصرون}‬
‫تجليات الحق‪.‬‬
‫بنور روح ّ‬

‫{ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار} بالغفلة والحضور في مقام القلب واالستتار والتجلي في مقام الروح {لتسكنوا} في‬
‫وتجليات صفاته ومشاهداته {لعّلكم‬
‫ّ‬ ‫ظلمة النفس إلى نور البدن وترتيب المعاش {ولتبتغوا} من فضل مكاشفاته‬
‫تشكرون} نعمه الظاهرة والباطنة والجسمانية والروحانية في أوالكم وأخراكم باستعمالها لوجه هللا فيما وجب عليكم من‬
‫طاعته في كل مقام به وفيه وله‪.‬‬

‫أمة نبيهم هو أعرفهم بالحق {فقلنا} على‬


‫أمة شهيداً} أي‪ُ :‬ن ْخرج يوم القيامة عند خروج المهدي من كل ّ‬
‫{ونزعنا من كل ّ‬
‫لسان الشهيد الذي يشهد الحق بشهود الكل وال يحتجب بهم عنه {هاتوا برهانكم} على ما أنتم عليه أحق هو أم ال؟‬
‫{وضل عنهم} مفترياتهم من المذاهب‬
‫ّ‬ ‫فعجزوا عن آخرهم وظهر برهان النبي {فعلموا أن الحق هلل} أظهره مظهر الشهيد‬
‫ّ‬
‫الحق هلل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المتفرقة‪ .‬أو قلنا للشهداء‪{ .‬هاتوا برهانكم} بإظهار التوحيد‪ ،‬فأظهروا‪ ،‬فعلموا أن‬
‫ّ‬ ‫المختلقة والطرق المتشعبة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة القصص (من اآلية ‪ 76‬الى اآلية ‪)88‬‬

‫ِِ‬ ‫وز مآ ِإ َّن مَف ِاتحه َلتنوء ِباْلع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ َّن َقارو َن َك ِ‬
‫صَبة أ ُْولِي اْلُقَّوة إ ْذ َق َ‬
‫ال َل ُه َق ْو ُم ُه‬ ‫َ َ ُ َُ ُ ُ ْ‬ ‫وس ٰى َفَب َغ ٰى َعَل ْيه ْم َوآتَْيَناهُ م َن اْل ُكُن ِ َ‬
‫ان من َق ْو ِم ُم َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الد ْنيا وأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الَ تَْف َرْح ِإ َّن َّ‬
‫َّللاُ‬
‫َح َس َن َّ‬ ‫َحسن َك َمآ أ ْ‬ ‫نس َنص َيب َك م َن ُّ َ َ ْ‬ ‫َّللاُ َّ‬
‫الد َار اآلخ َرَة َوالَ تَ َ‬ ‫اك َّ‬
‫يمآ آتَ َ‬ ‫ين * َو ْابتَ ِغ ف َ‬ ‫َّللاَ الَ ُيح ُّب اْلَف ِرح َ‬
‫َهَل َك‬‫َّللاَ َق ْد أ ْ‬ ‫ال ِإَّن َمآ أُوِتيتُ ُه َعَل ٰى ِعْل ٍم ِع ِندي أََوَل ْم َي ْعَل ْم أ َّ‬
‫َن َّ‬ ‫ين * َق َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ض ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ الَ ُيح ُّب اْل ُمْفسد َ‬ ‫ِإَل ْي َك والَ تَْب ِغ اْلَفس َاد ِفي األ َْر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِمن َقبلِ ِه ِمن اْلُقرو ِن من هو أَشُّد ِمنه ُقَّوة وأَ ْكثَر جمعاً والَ يسأَل عن ُذنوبِ ِهم اْلمج ِرمون * َفخرج عَلى َقو ِم ِه ِفي ِزينِتهِ‬
‫َ‬ ‫ََ َ َ ٰ ْ‬ ‫َ ُ َ ْ َُ َ ْ ُ ً َ ُ َ ْ َ ُ ْ ُ َ ُ ُ ُ ْ ُ َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ظ ع ِظي ٍم * وَق َّ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َق َّ ِ‬
‫اب‬‫ال الذي َن أُوتُوْا اْلعْل َم َوْيَل ُك ْم ثََو ُ‬ ‫َ َ‬ ‫الد ْنَيا ٰيَل ْي َت َلَنا م ْث َل َمآ أُوِت َي َق ُارو ُن ِإَّن ُه َل ُذو َح ّ َ‬
‫اة ُّ‬‫ين ُي ِر ُيدو َن اْل َحَي َ‬‫ال الذ َ‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ون ُه‬
‫نص ُر َ‬‫ان َل ُه من فَئة َي ُ‬ ‫ض َف َما َك َ‬ ‫الصاب ُرو َن * َف َخ َسْفَنا به َوب َِد ِاره األ َْر َ‬ ‫اهآ إال َّ‬ ‫صالحاً َوالَ ُيَلق َ‬ ‫آم َن َو َعم َل َ‬ ‫َّللا َخ ْيٌر ّل َم ْن َ‬
‫ط ِ قِ‬ ‫ين تَمَّن ْوْا م َك َان ُه ِباأل َْم ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ وما َك ِ‬ ‫ِ‬
‫آء‬
‫الرْز َ ل َمن َي َش ُ‬ ‫َّللاَ َي ْب ُس ُ ّ‬ ‫س َيُقوُلو َن َوْي َكأَ َّن َّ‬ ‫َصَب َح الذ َ َ َ‬ ‫ين * َوأ ْ‬ ‫ان م َن اْل ُمنتَص ِر َ‬ ‫من ُدو ِن َّ َ َ َ‬
‫ين الَ ُي ِر ُيدو َن‬ ‫َِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف ِبَنا َوْي َكأََّن ُه الَ ُيْفلِ ُح اْل َك ِاف ُرو َن * ِتْل َك َّ‬ ‫ِم ْن ِعَب ِادِه َوَيْق ِد ُر َل ْوال أَن َّم َّن َّ‬
‫الد ُار اآلخ َرةُ َن ْج َعُل َها للذ َ‬ ‫َّللاُ َعَل ْيَنا َل َخ َس َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ض والَ َفساداً واْلع ِاقب ُة لِْلمتَِّقين * من جآء ِباْلحسن ِة َفَله خير ِمنها ومن جآء ِب َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫السِّيَئة َفالَ ُي ْج َزى الذ َ‬
‫ين‬ ‫َ َ َ َ َ َ ُ َ ٌْ ّ ْ َ َ َ َ َ‬ ‫ُعُلّواً في األ َْر ِ َ َ َ َ َ ُ َ‬
‫آء ِباْل ُه َد ٰى َو َم ْن‬ ‫ٍ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ات ِإالَّ َما‬ ‫السِيَئ ِ‬ ‫ِ‬
‫َعَل ُم َمن َج َ‬‫ك ِإَل ٰى َم َعاد ُقل َّرّبِي أ ْ‬‫آن َل َر ُّآد َ‬ ‫َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * ِإ َّن الذي َف َر َ‬
‫ض َعَل ْي َك اْلُق ْر َ‬ ‫َعمُلوْا َّ ّ‬
‫ظ اً ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ضالَ ٍل ُّمِب ٍ‬ ‫ِ‬
‫ين * َوالَ‬ ‫هير ّلْل َكاف ِر َ‬ ‫ون َّن َ‬ ‫اب ِإال َر ْح َم ًة ّمن َّرّب َ‬
‫ِك َفالَ تَ ُك َ‬ ‫نت تَ ْر ُجو أَن ُيْلَق ٰى ِإَل ْي َك اْلكتَ ُ‬
‫* َو َما ُك َ‬‫ين‬ ‫ُه َو في َ‬
‫آخ َر الَ ِإَلـ َٰه‬ ‫ُنزَلت ِإَليك وادع ِإَلى ربِك والَ ت ُكون َّن ِمن اْلم ْش ِرِكين * والَ تدع مع َّ ِ‬ ‫ات َّ ِ‬ ‫يصُّدَّنك عن آي ِ‬
‫َّللا ِإَلـٰهاً َ‬ ‫َ َْ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّللا َب ْع َد إ ْذ أ ِ ْ ْ َ َ ْ ُ ٰ َ ّ َ َ َ َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫َ ُ َ َْ َ‬
‫ِ‬
‫ِإالَّ ُه َو ُك ُّل َشي ٍء َه ِال ٌك ِإالَّ َو ْج َه ُه َل ُه اْل ُح ْكم َوإَِل ْيه تُ ْر َج ُعو َن‬
‫ُ‬ ‫ْ‬

‫{إن قارون كان من قوم موسى} عالماً كبلعم بن باعوراء {فبغى عليهم} الحتجابه بنفسه وعلمه ّ‬
‫بالتكبر واالستطالة‬ ‫ّ‬
‫ومحبة الدنيا ابتالء من هللا لغروره واحتجابه برؤيته زينة نفسه بكاملها‪ ،‬فمال هواه إلى‬
‫ّ‬ ‫عليهم‪ ،‬فغلب عليه الحرص‪.‬‬
‫الجهة السفلية‪ ،‬فخسف به فيها محجوباً ممقوت ًا‪.‬‬

‫{تلك الدار اآلخرة} من العالم القدسي الباقي {نجعلها للذين} ال يحتجبون بنفوسهم وصفاتها فتصير فيهم اإلرادة‬
‫ّ‬
‫علو في سماء الروح هوى نفسانية تطلب االستعالء واالستطالة والتكبر على الناس في‬‫الفطرية الطالبة للترقي وال ّ‬
‫األرض‪ ،‬ويصير صالحهم بطلب المعارف واكتساب الفضائل والمعالي فساداً يوجب جمع األسباب واألموال وأخذ‬
‫للمجردين الذين ّتزكت نفوسهم عن الرذائل المردية واألهواء المغوية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حقوق الخلق بالباطل {والعاقبة}‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{إن الذي فرض عليك القرآن} أوجب لك في األزل عند البداية واالستعداد الكامل الذي هو العقل القرآني الجامع‬
‫لجميع الكماالت وجوامع الكلم والحكم {لرّادك إلى معاد} ما أعظمه ال يبلغ كنهه وال يقدر قدره هو الفناء في هللا في‬
‫أحدية الذات والبقاء بالتحقق به بجميع الصفات {قل ربي أعلم من جاء بالهدى} أي‪ :‬ال يعلم حالي وكنه هدايتي وما‬
‫أوتيت من العلم اللدني المخصوص به إال ربي ال أنا وال غيري‪ ،‬لفنائي فيه عن نفسي واحتجاب غيري عن حالي‬
‫{ومن هو في ضالل مبين} من هو محجوب عن الحق لعدم االستعداد وكثافة الحجاب لكون غيري محجوباً عن حال‬
‫استعدادي فما علمته بل هو العالم به ال أنا‪ ،‬لفنائي فيه وتحققي به‪.‬‬

‫{وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب} كتاب العقل الفرقاني بتفصيل ما جمع فيك لكونك في حجب النشأة مغمو اًر‪،‬‬
‫وعما أودع فيك محجوباً {إال} أي‪ :‬لكن ألقى إليك لتجلي صفة الرحمة الرحيمية {من رّبك} وظهور فيضها فيك شيئاً‬
‫ّ‬
‫تكونن ظهي اًر للكافرين} المحجوبين باحتجابك بها عن الفناء في الذات‪ ،‬فتظهر أنائيتك‬
‫ّ‬ ‫فشيئاً حتى صارت وصفك {فال‬
‫يصدنك عن آيات هللا} وتجليات صفته فتقف مع أنائيتك كوقوفهم مع الغير فتكون من المشركين‬
‫برؤية كمالها {وال ّ‬
‫بالنظر إلى نفسك وإشراكها باهلل في الوجود {وادع إلى رّبك} به ال إلى نفسك بها‪ ،‬فإنك الحبيب‪ ،‬والحبيب ال يدعو إلى‬
‫نفسه وال يكون بنفسه بل إلى حبيبه بحبيبه {ال إله إالّ هو} فال تدع معه غي اًر ال نفسك وال غيرها‪ .‬فمن امتثال قوله‪:‬‬
‫ص ُر}[النجم‪ ،‬اآلية‪{ .]17:‬كل‬ ‫غ اْلَب َ‬
‫{ما َاز َ‬
‫ِك} حصل له وصف ما طغى ومن قوله‪{ :‬وال تدع مع هللا}‪َ ،‬‬ ‫{و ْادعُ ِإَل ٰى َرّب َ‬
‫َ‬
‫الح ْكم} بقهره كل ما سواه تحت صفاته {وإليه تُ ْر َجعون} بالفناء‬ ‫شيء هالك إالّ وجهه} أي‪ :‬ذاته‪ ،‬إذ ال موجود سواه {له ُ‬
‫في ذاته‪.‬‬

‫سورة العنكبوت (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)2‬‬

‫آمَّنا َو ُه ْم الَ ُيْفتَُنو َن‬ ‫َح ِس َب َّ‬


‫اس أَن ُي ْت َرُكوْا أَن َيُقوُلوْا َ‬
‫الن ُ‬ ‫الـم * أ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{الم} أي‪ :‬الذات اإللهية والصفات الحقيقية التي أصلها و ّأولها باعتبار النسبة إلى الغير العلم واإلضافية التي ّأولها‬
‫بمجرد أقوالهم المطابقة للحق وظواهر‬
‫ّ‬ ‫ومنشؤها المبدئية اقتضت أن ال يترك الناس على نقصانهم وغفلتهم واحتجابهم‬
‫البليات ويمتحنوا بالشدائد والرياضات حتى يظهر ما كمن في استعداداتهم وأودع في‬
‫أعمالهم‪ ،‬بل يفتنوا بأنواع ّ‬
‫أحبت أن تظهر كماالتها المخزونة في عين الجمع فأودعها معادن أعيان الناس‪ ،‬وأوجدها‬
‫فإن الذات اإللهية ّ‬
‫غرائزهم‪ّ .‬‬
‫بالنعم و ِ‬
‫النَقم ليعرفوه عند ظهور‬ ‫ِ‬
‫فتحبب إليهم باالبتالء َ‬
‫مخفياً" الحديث‪ّ .‬‬
‫في عالم الشهادة‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬كنت كن اًز ّ‬
‫فإن كونه منتهى من‬
‫صفاته عليهم فيصيروا مظاهر له في االنتهاء إليه‪ ،‬كما كانوا معادن وخزائن عند االبتداء منه‪ّ ،‬‬
‫لوازم كونه مبتدأ‪.‬‬

‫سورة العنكبوت (من اآلية ‪ 3‬الى اآلية ‪)24‬‬

‫َّللا َّال ِذين صد ُقوْا وَليعَلم َّن اْل َك ِاذِبين * أَم ح ِسب َّال ِذين يعمُلون َّ ِ‬ ‫وَلَق ْد َفتََّنا َّال ِذ َ ِ ِ ِ‬
‫السِّيَئات أَن َي ْسِبُق َ‬
‫ونا‬ ‫َ َْ َ َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ين من َقْبله ْم َفَلَي ْعَل َم َّن َّ ُ َ َ َ َ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫اه ُد لَِنْف ِس ِه ِإ َّن‬
‫الس ِميع اْلعلِيم * ومن جاهد َفِإَّنما يج ِ‬
‫َ َ َ ََ َ ُ َ‬
‫َّللاِ َفِإ َّن أَجل َّ ِ ٍ‬
‫َّللا آلت َو ُه َو َّ ُ َ ُ‬ ‫ََ‬ ‫آء َّ‬ ‫ِ‬
‫آء َما َي ْح ُك ُمو َن * َمن َك َ‬
‫ان َي ْر ُجوْا لَق َ‬ ‫َس َ‬
‫َح َس َن َّال ِذي َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن‬ ‫ِ‬ ‫َّللا َل َغِن ٌّي ع ِن اْلعاَل ِمين * و َّال ِذين آمُنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ ِ‬
‫الصال َحات َلُن َكّف َرَّن َع ْن ُه ْم َسِّيَئات ِه ْم َوَلَن ْج ِزَيَّن ُه ْم أ ْ‬ ‫َ َ َ ََ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َّ َ‬
‫ك ِبي َما َل ْي َس َل َك ِب ِه ِعْل ٌم َفالَ تُ ِط ْع ُه َمآ ِإَل َّي َم ْرِج ُع ُك ْم َفأَُنِّبُئ ُكم ِب َما ُكنتُ ْم‬ ‫اإل ْنسان ِبوالِ َدي ِه حسناً وإِن جاه َد ِ‬
‫ص ْيَنا ِ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ‬
‫اك لتُ ْش ِر َ‬ ‫* َوَو َّ‬
‫ُوذ َي ِفي‬ ‫اَّللِ َفِإ َذآ أ ِ‬
‫امَّنا ِب َّ‬ ‫ِ‬ ‫الن ِ‬‫ين * َو ِم َن َّ‬ ‫ات َلُن ْد ِخَلَّنهم ِفي َّ ِ ِ‬ ‫الصالِح ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫تَ ْع َمُلو َن * َوالذ َ‬
‫ول َء َ‬ ‫اس َمن يُق ُ‬ ‫الصالح َ‬ ‫ُْ‬ ‫آمُنوْا َو َعمُلوْا َّ َ‬ ‫ين َ‬
‫َّللا ِبأ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب َّ ِ ِ‬ ‫اس َكع َذ ِ‬ ‫َّللاِ َج َع َل ِف ْتَن َة َّ‬
‫ور‬‫ص ُد ِ‬ ‫َعَل َم ب َما في ُ‬ ‫ِك َلَيُقوُل َّن ِإَّنا ُكَّنا َم َع ُك ْم أََو َل ْي َس َّ ُ ْ‬ ‫صٌر ّمن َّرّب َ‬ ‫آء َن ْ‬
‫َّللا َوَلئ ْن َج َ‬ ‫الن ِ َ‬ ‫َّ‬
‫آمُنوْا اتَِّب ُعوْا َسِبيَلَنا َوْلَن ْح ِم ْل َخ َ‬ ‫َِّ ِ‬ ‫* وَق َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫اْلعاَل ِمين * وَليعَلم َّن َّ َّ ِ‬
‫اك ْم‬
‫ط َاي ُ‬ ‫ين َ‬ ‫ين َكَف ُروْا للذ َ‬ ‫ال الذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫آمُنوْا َوَلَي ْعَل َم َّن اْل ُمَنافق َ‬
‫ين‬ ‫ين َ‬ ‫َّللاُ الذ َ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اه ْم ِّمن َشي ٍء ِإَّن ُه ْم َل َك ِاذُبو َن‬ ‫ين ِم ْن َخ َ‬ ‫ِِ‬
‫امة َع َّما‬‫* َوَلَي ْحمُل َّن أَ ْثَقاَل ُه ْم َوأَ ْثَقاالً َّم َع أَ ْثَقاله ْم َوَلُي ْسأَُل َّن َي ْوَم اْلقَي َ‬ ‫ْ‬ ‫ط َاي ُ‬ ‫َو َما ُه ْم ِب َحامل َ‬
‫ظالِ ُمو َن *‬ ‫ُّ‬ ‫ٍ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان َو ُه ْم َ‬ ‫َخ َذ ُه ُم الطوَف ُ‬ ‫ين َعاماً َفأ َ‬ ‫ف َسَنة ِإال َخ ْمس َ‬ ‫َك ُانوْا َيْفتَ ُرو َن * َوَلَق ْد أ َْرَسْلَنا ُنوحاً ِإَل ٰى َق ْو ِمه َفَلِب َث في ِه ْم أَْل َ‬
‫َّللاَ َواتَُّقوهُ ٰذلِ ُك ْم َخ ْيٌر َّل ُك ْم ِإن ُكنتُ ْم‬ ‫اهيم ِإ ْذ َق ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫فأَنجيناه وأَصحاب َّ ِ ِ‬
‫ال لَق ْو ِمه ْ‬
‫اعُب ُدوْا َّ‬ ‫َ‬ ‫ين * َوِإ ْب َر َ‬ ‫اهآ َآي ًة ّلْل َعاَلم َ‬ ‫السف َينة َو َج َعْلَن َ‬ ‫ْ َْ ُ ْ َ َ‬
‫َّللاِ الَ َي ْملِ ُكو َن َل ُك ْم ِرْزقاً َف ْابتَ ُغوْا ِع َند‬
‫ين تَ ْعُب ُدو َن ِمن ُدو ِن َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫تعَلمون * ِإَّنما تعبدون ِمن دو ِن َّ ِ‬
‫َّللا أ َْوثَاناً َوتَ ْخُلُقو َن ِإ ْفكاً ِإ َّن الذ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ ُُ َ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫الرس ِ َّ‬ ‫ِ‬
‫اش ُكروْا َله ِإَليه تُرجعو َن * وإِن تُ َك ّذبوْا َفَق ْد َك َّذب أ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ ِّ‬
‫ول ِإال اْلَبالَغُ اْل ُمِب ُ‬
‫ين‬ ‫ُم ٌم ّمن َقْبل ُك ْم َو َما َعَلى َّ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫اعُب ُدوهُ َو ْ ُ ُ ْ ْ َ ُ‬ ‫الرْز َق َو ْ‬ ‫َّ‬
‫ف َب َدأَ اْل َخْل َق‬‫ظ ُروْا َك ْي َ‬
‫ض َفان ُ‬ ‫َّللاِ َي ِس ٌير * ُق ْل ِس ُيروْا ِفي األ َْر ِ‬ ‫َّللاُ اْل َخْل َق ثُ َّم ُي ِع ُيدهُ ِإ َّن ٰذلِ َك َعَلى َّ‬ ‫ئ َّ‬ ‫ِ‬
‫ف ُي ْبد ُ‬‫* أ ََوَل ْم َي َرْوْا َك ْي َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫آء َوإَِل ْي ِه تُْقَلُبو َن * َو َمآ أَنتُ ْم‬ ‫آء َوَي ْرَح ُم َمن َي َش ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاَ َعَل ٰى ُك ّل َش ْيء َقد ٌير * ُي َع ّذ ُب َمن َي َش ُ‬
‫الن ْشأ ََة ِ‬
‫اآلخ َرَة ِإ َّن َّ‬ ‫نشىء َّ‬ ‫ثُ َّم َّ ِ‬
‫َّللاُ ُي ُ‬
‫َّللاِ َولَِق ِآئ ِه أ ُْوَلـِٰئ َك‬
‫ات َّ‬ ‫ير * و َّال ِذين َكَفروْا ِبآي ِ‬
‫َ َ ُ َ‬ ‫صٍ‬ ‫َّللاِ ِمن ولِ ٍي والَ ن ِ‬
‫َ ّ َ َ‬ ‫الس َم ِآء َو َما َل ُك ْم ِّمن ُدو ِن َّ‬
‫ض َوالَ ِفي َّ‬ ‫ين ِفي األ َْر ِ‬
‫ِب ُم ْع ِج ِز َ‬
‫ار ِإ َّن‬ ‫َّللاُ ِم َن َّ‬
‫الن ِ‬ ‫اب َق ْو ِم ِه ِإالَّ أَن َقاُلوْا ا ْقُتُلوهُ أَ ْو َحِّرُقوهُ َفأ َْن َجاهُ َّ‬
‫ان َج َو َ‬
‫يم * َف َما َك َ‬
‫يِئسوْا ِمن َّرحمِتي وأُوَلـِٰئك َلهم ع َذ ِ‬
‫اب أَل ٌ‬ ‫ْ َ َ ْ َ ُْ َ ٌ‬ ‫َ ُ‬
‫ِفي ٰذلِك آلي ٍ‬
‫ات ّلَِق ْو ٍم ُي ْؤ ِمُنو َن‬ ‫َ َ‬

‫{ولقد فتّنا الذين من قبلهم} من أهل االستبصار واالستعداد بأنواع المصائب والمحن والرياضات والفتن‪ ،‬حتى يتميز‬
‫مهوس الضعيف االستعداد‪.‬‬
‫الصادق في الطلب‪ ،‬القابل للكمال بظهور كماله من الكاذب ال ّ‬

‫{من كان يرجو لقاء هللا} في أحد المواطن سواء كان موطن الثواب واآلثار أو موطن األفعال أو موطن األخالق أو‬
‫موطن الصفات أو موطن الذات {فإن أجل هللا} في إحدى المقامات الثالثة {آلت} أي‪ :‬فليتيقن وقوع اللقاء بحسب‬
‫حاله ورجائه عند األجل المعلوم‪ ،‬وليعمل الحسنات ليجد الكرامة في جنة النفس من باب اآلثار واألفعال عند الموت‬
‫الطبيعي‪ ،‬أو ليجتهد في المحو بالرياضات والمراقبات ليشاهد في جنة القلب من تجليات الصفات ومقامات األخالق‬
‫حق جهاده بالفناء فيه ليجد روح الشهود وذوق الجمال في‬
‫ويدعيه عند الموت اإلرادي‪ ،‬أو ليجاهد في هللا ّ‬
‫ما يشتهيه ّ‬
‫الطامة الكبرى‪.‬‬
‫جنة الروح عند الموت األكبر و ّ‬

‫ألي موطن أراد {فإنما يجاهد لنفسه}‪{ .‬والذين آمنوا} كل واحد من أنواع اإليمان‬
‫{ومن جاهد} في أي مقام كان ّ‬
‫المذكورة {وعملوا الصالحات} بحسب إيمانهم {لنكفرّن عنهم} سيئات أعمالهم وأخالقهم‪ ،‬أو صفاتهم أو ذواتهم بأنوار‬
‫ذاته {ولنجز ّينهم أحسن الذي كانوا يعملون} من أعمالنا الصادرة عن صفاتنا بدل أعمالهم‪.‬‬

‫{ووصينا اإلنسان} إلى آخره‪ ،‬جعل أول مكارم األخالق إحسان الوالدين إذ هم مظه ار صفتي اإليجاد والربوبية‪ ،‬فكان‬
‫وحد هللا لزمه العدل وأول العدل مراعاة‬ ‫حق هللا بقرن طاعتهما بطاعته ألن العدل ّ‬
‫ظل التوحيد‪ ،‬فمن ّ‬ ‫حّقهما يلي ّ‬
‫حقوقهما ألنهما أولى الناس‪ ،‬فوجب تقديم حقوقهما على حق كل أحد إال على حقه تعالى‪ ،‬ولهذا أوجبت طاعتهما في‬
‫كل شيء إال في الشرك باهلل‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة العنكبوت (من اآلية ‪ 25‬الى اآلية ‪)44‬‬

‫ض ُكم ِبَب ْع ٍ‬ ‫الدنيا ثُ َّم يوم اْلِقي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّللاِ أ َْوثَاناً َّم َوَّد َة‬
‫ال ِإَّن َما اتَّ َخ ْذتُ ْم ِّمن ُدو ِن َّ‬
‫ض ُك ْم‬
‫ض َوَيْل َع ُن َب ْع ُ‬ ‫َب ْين ُك ْم في اْل َحَياة ُّ ْ َ َ ْ َ َ َ‬
‫امة َي ْكُف ُر َب ْع ُ ْ‬ ‫َوَق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ط وَق ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم * َوَو َه ْبَنا‬ ‫ال إّني ُم َهاجٌر إَل ٰى َرّبِي إن ُه ُهَو اْل َعز ُيز اْل َحك ُ‬ ‫آم َن َل ُه ُلو ٌ َ َ‬
‫* َف َ‬ ‫ين‬‫الن ُار َو َما َل ُك ْم ّمن َّناص ِر َ‬ ‫اكم َّ‬
‫َب ْعضاً َو َمأ َْو ُ ُ‬
‫ين * َوُلوطاً ِإ ْذ‬ ‫اآلخرِة َل ِمن َّ ِ ِ‬ ‫الد ْنيا وإَِّنه ِفي ِ‬ ‫النبَّوة واْل ِكتَاب وآتَيَناه أ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫الصالح َ‬ ‫َ َ‬ ‫َج َرهُ في ُّ َ َ ُ‬ ‫َ َ ْ ُ ْ‬ ‫وب َو َج َعْلَنا في ُذِّريَّته ُّ ُ َ َ‬ ‫اق َوَي ْعُق َ‬ ‫َل ُه ِإ ْس َح َ‬
‫يل َوتَأْتُو َن‬ ‫ط ُعو َن َّ ِ‬ ‫ين * أَِئَّن ُك ْم َلتَ ْأتُو َن ِّ‬ ‫ِ‬ ‫اح َش َة ما سبَق ُكم ِبها ِمن أ ٍ ِ‬ ‫َقال لَِقو ِم ِه ِإَّن ُكم َلتَأْتُو َن اْلَف ِ‬
‫السب َ‬ ‫ال َوتَْق َ‬‫الرَج َ‬ ‫َحد ّم َن اْل َعاَلم َ‬ ‫َ ََ ْ َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫انص ْرِني َعَلى‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ ِإن ُكنت ِمن َّ ِ ِ‬ ‫ان جواب َقو ِم ِه ِإالَّ أَن َقاُلوْا ا ْئِتَنا ِبع َذ ِ‬ ‫ِفي َن ِاد ُ‬
‫ال َر ّب ُ‬ ‫ين * َق َ‬ ‫الصادق َ‬ ‫َ َ‬ ‫اب َّ‬ ‫َ‬ ‫يك ُم اْل ُم ْن َك َر َف َما َك َ َ َ َ ْ‬
‫ال ِإ َّن‬ ‫اهيم ِباْلب ْشر ٰى َقاُلوْا ِإَّنا مهلِ ُكو أَه ِل هـ ِٰذِه اْلَقري ِة ِإ َّن أَهَلها َكانوْا َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ين * َق َ‬ ‫ظالم َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُْ‬ ‫آء ْت ُرُسُلَنآ ِإ ْب َر َ ُ َ‬ ‫ين * َوَل َّما َج َ‬ ‫اْلَق ْو ِم اْل ُمْفسد َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِفيها ُلوطاً َقاُلوْا نحن أَعَلم ِبمن ِفيها َلنن ِجيَّنه وأ ِ َّ‬
‫يء‬
‫آء ْت ُرُسُلَنا ُلوطاً س َ‬ ‫ين * َوَل َّمآ أَن َج َ‬ ‫ام َأرَتَ ُه َك َان ْت م َن اْل َغاِب ِر َ‬ ‫َهَل ُه إال ْ‬ ‫َ َُ ّ َ ُ َ ْ‬ ‫َُْ ْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫َهلِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نزُلو َن َعَل ٰى أ ْ‬ ‫ين * إَّنا ُم ِ‬ ‫ام َأرَتَ َك َك َان ْت م َن اْل َغابر َ‬ ‫َهَل َك إال ْ‬ ‫وك َوأ ْ‬ ‫ن‬
‫ف َوالَ تَ ْح َزْ إَّنا ُمَن ُّج َ‬ ‫اق به ْم َذ ْرعاً َوَقاُلوْا الَ تَ َخ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ِب ِه ْم َو َ‬
‫ِ‬ ‫هـ ِٰذِه اْلَقري ِة ِرج اًز ِمن َّ ِ‬
‫اه ْم ُش َع ْيباً‬ ‫الس َمآء ِب َما َك ُانوْا َيْف ُسُقو َن * َوَلَقد تَّ َرْكَنا م ْن َهآ َآي ًة َبِّيَن ًة ّلَِق ْو ٍم َي ْعِقُلو َن * َوإَِل ٰى َم ْدَي َن أ َ‬
‫َخ ُ‬ ‫َْ ْ ّ َ‬ ‫َ‬
‫َصَب ُحوْا ِفي َد ِارِه ْم‬ ‫َخر والَ تَعثَوْا ِفي األَر ِ ِ ِ‬
‫الر ْجَف ُة َفأ ْ‬ ‫ين * َف َك َّذُبوهُ َفأ َ‬
‫َخ َذ ْت ُه ُم َّ‬ ‫ض ُمْفسد َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫َّللاَ َو ْار ُجوْا اْلَي ْوَم األ َ َ ْ ْ‬ ‫اعُب ُدوْا َّ‬
‫ال ٰيَق ْو ِم ْ‬
‫َفَق َ‬
‫ِ‬ ‫لسِب ِ‬
‫يل َوَك ُانوْا ُم ْس َت ْبص ِر َ‬
‫ين‬ ‫صَّد ُه ْم َع ِن ا َّ‬ ‫َّن َلهم َّ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ود ْا َوَقد تََّبي َ‬
‫ِِ‬
‫َع َماَل ُه ْم َف َ‬‫ان أ ْ‬
‫طُ‬ ‫الش ْي َ‬ ‫َّن َل ُكم ّمن َّم َساكنه ْم َوَزي َ ُ ُ‬ ‫ين * َو َعاداً َوثَ ُم َ‬ ‫َجاثم َ‬
‫َخ ْذَنا ِب َذنِب ِه‬ ‫ًّ‬
‫ين * َف ُكال أ َ‬ ‫ِ‬
‫ض َو َما َك ُانوْا َساِبق َ‬ ‫استَ ْكَب ُروْا ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫وس ٰى باْلَبّيَنات َف ْ‬ ‫آء ُه ْم ُّم َ‬
‫ان َوَلَق ْد َج َ‬ ‫ام َ‬ ‫ِ‬
‫* َوَق ُارو َن َوف ْرَع ْو َن َو َه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ‬
‫ان َّ‬ ‫َغ َرْقَنا َو َما َك َ‬ ‫الص ْي َح ُة َو ِم ْن ُه ْم َّم ْن َخ َسْفَنا ِبه األ َْر َ‬
‫ض َو ِم ْن ُه ْم َّم ْن أ ْ‬ ‫َفم ْن ُهم َّمن أ َْرَسْلَنا َعَل ْيه َحاصباً َو ِم ْن ُه ْم َّم ْن أ َ‬
‫َخ َذ ْت ُه َّ‬
‫نكب ِ‬
‫وت اتَّ َخ َذ ْت َب ْيتاً‬
‫َوإِ َّن أ َْو َه َن‬ ‫ِ‬
‫آء َك َمَثل اْل َع َ ُ‬ ‫ين اتَّ َخ ُذوْا ِمن ُدو ِن َّ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ظل ُمو َن * َمَث ُل الذ َ‬
‫َنفسهم ي ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫لِي ْ ِ‬
‫َّللا أ َْولَي َ‬ ‫ظل َم ُه ْم َوَلـٰكن َك ُانوْا أ ُ َ ُ ْ َ‬ ‫َ‬
‫* َوِتْل َك‬ ‫يم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬‫ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫نكب ِ‬
‫وت َل ْو َك ُانوْا َي ْعَل ُمو َن * ِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬
‫َّللاَ َي ْعَل ُم َما َي ْد ُعو َ من ُدونه من َش ْيء َو ُه َو اْل َعز ُيز اْل َحك ُ‬ ‫اْلُبُيوت َلَب ْي ُت اْل َع َ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِٰ‬ ‫َّللا َّ ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫ض ِرُب َها لِ َّلن ِ‬
‫ين‬ ‫ض ِباْل َح ِّق ِإ َّن في ذل َك َ‬
‫آلي ًة ّلْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫الس َٰم َٰوت َواأل َْر َ‬ ‫اس َو َما َي ْعقُل َهآ إال اْل َعال ُمو َن * َخَل َق َّ ُ‬ ‫ال َن ْ‬
‫األ َْمثَ ُ‬

‫{إنما اتّخذتم من دون هللا} شيئاً عبدتموه مودوداً فيما بينكم {في الحياة الدنيا} أو أن كل ما اتخذتم من دون هللا شيئاً‬
‫لمودة بينكم في هذه على‬
‫مودوداً فيما بينكم في الحياة الدنيا‪ ،‬أو أن كل ما اتخذتم أوثاناً مودوداً في هذه الحياة أو ّ‬
‫مودة دنيوية ومودة أخروية‪ ،‬والدنيوية منشؤها النفس من الجهة السفلية‪،‬‬
‫القراءتين‪ .‬والمعنى‪ :‬أن المودة قسمان‪ّ :‬‬
‫بالمودة‬
‫ّ‬ ‫ويود من دون هللا ال هلل وال بمحبة هللا فهو محبوب‬
‫واألخروية منشؤها الروح من الجهة العلوية‪ .‬فكل ما يحب ّ‬
‫النفسية‪ ،‬وهي هوى زائل كلما انقطعت الوصلة البدنية زالت ولم تصل إلى إحدى القيامات فإنها نشأت من تركيب‬
‫التضاد والتعاند بمقتضى الطبائع كقوله تعالى‪:‬‬
‫ّ‬ ‫انحل التركيب وانحرف المزاج تالشت وبقي‬
‫البدن واعتدال المزاج‪ ،‬فإذا ّ‬

‫{ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً} ولهذا شبهها ببيت العنكبوت في الوهن في قوله‪{ :‬مثل‬
‫الذين اتخذوا من دون هللا أولياء كمثل العنكبوت} إلى آخر اآلية‪ .‬وأما األخرية فمنشؤها الذات األحدية والمحبة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫المودة هي التي تكون بين األصفياء واألولياء لتناسب الصفات وتجانس الذوات ال تتصفى غاية الصفاء‬
‫ّ‬ ‫اإللهية‪ ،‬وتلك‬
‫تتجرد عن الغطاء إال عند زوال التركيب والبروز عن حجب النفس والبدن في مقام القلب الروح لقربها من منبعها‬
‫وال ّ‬
‫محبة صرفة صافية الهيئة بخالف تلك‪.‬‬
‫هناك فتصير يوم القيامة ّ‬

‫سورة العنكبوت (من اآلية ‪ 45‬الى اآلية ‪)46‬‬

‫َّللاِ أَ ْكَب ُر َو َّ‬


‫َّللاُ َي ْعَل ُم َما‬ ‫الصالَ َة تَْن َه ٰى َع ِن اْلَف ْح َش ِآء َواْل ُم ْن َك ِر َوَل ِذ ْك ُر َّ‬ ‫اب َوأ َِق ِم َّ‬
‫الصالَ َة ِإ َّن َّ‬ ‫ْاتل ما أُو ِحي ِإَل ْي َك ِم َن اْل ِكتَ ِ‬
‫ُ َ ْ َ‬
‫ُنزَل ِإَل ْي ُك ْم‬
‫ُنزَل ِإَل ْيَنا َوأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫آمَّنا ِبالذي أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫َهل اْلكتَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ظَل ُموْا م ْن ُه ْم َوُقوُلوْا َ‬ ‫ين َ‬ ‫َح َس ُن ِإال الذ َ‬ ‫اب ِإال ِبالتي ه َي أ ْ‬ ‫صَن ُعو َن * َوالَ تُ َجادُلوْا أ ْ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫احٌد َوَن ْح ُن َل ُه ُم ْسلِ ُمو َن‬
‫وِإَلـٰهَنا وِإَلـٰه ُكم و ِ‬
‫َ ُ َ ُ ْ َ‬

‫فصل ما أجمل فيك من كتاب العقل القرآني بسبب الوحي ونزول‬ ‫{اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصالة} أي‪ّ :‬‬
‫كتاب العلم الفرقاني‪ ،‬وأقم الصالة المطلقة على ترتيب تفاصيل التالوة والعلوم‪ .‬ومعناه‪ :‬اجمع بين الكمال العلمي‬
‫ّ‬
‫والعمل المطلق‪ ،‬فإن لك بحسب كل علم صالة وكما أن العلوم إما نافعة تتعلق باآلداب واألعمال وإصالح المعاش‬
‫وهي علوم القوى من غيب الملكوت األرضية‪ ،‬وإما شريفة تتعلق باألخالق والفضائل وإصالح المعاد وهي علوم النفس‬
‫من غيب الصدر والعقل العلمي‪ ،‬وإما كلية يقينية تتعلق بالصفات وهي على نوعين‪ :‬عقلية نظرية وكشفية سرّية‪،‬‬
‫السر‪ .‬وإما حقيقية تتعلق بالتجليات والمشاهدات‪ ،‬وهي من غيب الروح‪ ،‬وإما ذوقية لدنية‬
‫وكالهما من غيب القلب و ّ‬
‫حقية من غيب الغيوب‪ .‬وبحسب كل علم صالة‪ ،‬فاألولى‬ ‫تتعلق بالعشقيات والمواصالت وهي من غيب الخفاء‪ .‬وإما ّ‬
‫هي الصالة البدنية بإقامة األوضاع وأداء األركان‪ ،‬والثانية صالة النفس بالخضوع والخشوع واالنقياد والطمأنينة بين‬
‫السر بالمناجاة والمكالمة‪ ،‬والخامسة صالة‬
‫الخوف والرجاء‪ ،‬والثالثة صالة القلب بالحضور والمراقبة‪ ،‬والرابعة صالة ّ‬
‫الروح بالمشاهدة والمعاينة‪ ،‬والسادسة صالة الخفاء بالمناغاة والمالطفة‪ ،‬وال صالة في المقام السابع ألنه مقام الفناء‬
‫والمحبة الصرفة الفناء في عين الوحدة‪ .‬وكما كان نهاية الصالة الظاهرة وانقطاعها بظهور الموت الذي هو ظاهر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّك َحتَّ ٰى َيأْتَي َك اْلَيق ُ‬
‫ين}[الحجر‪ ،‬اآلية‪ ،]99:‬فكذلك انتهاء‬ ‫اعُب ْد َرب َ‬
‫{و ْ‬
‫اليقين وصورته كما قيل في تفسير قوله تعالى‪َ :‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫فيتجدد جميع الصلوات الست مع‬
‫ّ‬ ‫الصالة الحقيقية بالفناء المطلق الذي هو حق اليقين‪ .‬وأما في مقام البقاء بعد الفناء‬
‫سابعة وهي صالة الحق بالمحبة والتفريد‪.‬‬

‫الم ْنكر} فالصالة البدنية تنهى عن المعاصي والسيئات الشرعية‪ ،‬وصالة النفس تنهى‬
‫{إن الصالة تنهى عن الفحشاء و ُ‬
‫ّ‬
‫السر تنهى عن‬
‫عن الرذائل واألخالق الرديئة والهيئات المظلمة‪ ،‬وصالة القلب تنهى عن الفضول والغفلة‪ ،‬وصالة ّ‬
‫االلتفات إلى الغير والغيبة‪ ،‬كما قال عليه السالم‪" :‬لو علم المصلي من يناجي ما التفت"‪ .‬وصالة الروح عن الطغيان‬
‫بظهور القلب بالصفات كنهي صالة القلب عن ظهور النفس بها‪ ،‬وصالة الخفاء عن االثنينية وظهور األنائية‪،‬‬
‫وصالة الذات تنهى عن ظهور البقية بالتلوين وحصول المخالفة في التوحيد {ولذكر هللا أكبر} الذي هو ذكر الذات‬
‫في مقام الفناء المحض‪ ،‬وصالة الحق عند التمكين في مقام البقاء أكبر من جميع األذكار والصلوات {وهللا يعلم ما‬
‫تصنعون} في جميع المقامات واألحوال والصلوات‪.‬‬

‫{وال تجادلوا أهل الكتاب إالّ بالتي هي أحسن} إنما منع المجادلة مع أهل الكتاب إال بالطريقة التي هي أحسن ألنهم‬
‫ليسوا محجوبين عن الحق بل عن الدين‪ ،‬فهم أهل استعداد ولطف ال أهل خذالن وقهر‪ .‬وإنما ضّلوا عن مقصدهم‬
‫الذي هو الحق في الطريق لموانع وعادات وظواهر فوجب في الحكمة مرافقتهم في المقصد الذي هو التوحيد كما قال‪:‬‬
‫اعوج وانحرف عن المقصد‬
‫{وإلهنا وإلهكم واحد} ومرافقتهم في الطريق ما استقام منها ووافق طريق الحق‪ ،‬ال ما ّ‬
‫كاالنقياد واالستسالم للمعبود بالحق الواحد المطلق كما قال‪{ :‬ونحن له ُم ْسلِمون} ليتحقق عندهم أنهم على الحق‬
‫متوجهون إلى مقصدهم سالكون لسبيله‪ ،‬فتطمئن قلوبهم‪ .‬ومالطفتهم في بيان كيفية سلوك الطريق بتصويب ما هو‬
‫{آمنا بالذي أنزل إلينا وأُنزل إليكم وإلهنا‬
‫حق مما هو عليه وتبصير ما هو باطل الحتجابهم عنه بالعبادة‪ ،‬كقوله‪ّ :‬‬
‫وإلهكم واحد ونحن له مسلمون} لمناسبتهم ومشراكتهم إياهم في اللطف‪ ،‬فيستأنسوا بهم ويقبلوا قولهم ويهتدوا بهداهم إال‬
‫الذي ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون فبطل استعدادهم وحجبوا عن رّبهم‪ ،‬وهم الذين ظلموا منهم على أنفسهم بإبطال‬
‫استعداداتهم ونقص حقوقها من كماالتها بتكديرها وتسويدها‪ ،‬ومنعها عن القبول بكثرة ارتكاب الفضول فإنهم أهل القهر‬
‫للمضادة بين الوصفين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ال يؤثر فيهم إال القهر وال تنجع فيهم المالطفة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة العنكبوت (من اآلية ‪ 47‬الى اآلية ‪)69‬‬

‫الء َمن ُي ْؤ ِم ُن ِب ِه َو َما َي ْج َح ُد ِب َآي ِاتَنآ ِإالَّ اْل َك ِافرو َن *‬


‫َنزلنآ ِإَليك اْل ِكتَاب َف َّال ِذين آتَيناهم اْل ِكتَاب يؤ ِمنو َن ِب ِه و ِمن هـٰؤ ِ‬
‫َ ْ َُ‬ ‫َ ُْ ُ‬ ‫َ َْ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫َوَك َذل َك أ َ ْ َ ْ َ‬
‫ين أُوتُوْا‬ ‫طه ِبي ِم ِينك ِإذاً الَّرتَاب اْلمب ِطُلون * بل هو آيات بِينات ِفي صد ِ َّ ِ‬
‫ور الذ َ‬ ‫ُُ‬ ‫َ ْ ُ َ َ ٌ َّ َ ٌ‬ ‫ْ َ ُْ َ‬ ‫ُّ‬
‫اب َوالَ تَ ُخ ُ َ َ‬ ‫نت تَْتُلوْا ِمن َقْبلِ ِه ِمن ِكتَ ٍ‬‫َو َما ُك َ‬
‫ِ‬ ‫ِه ُقل ِإَّنما اآليات ِعند َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُنزل عَلي ِه آي ٌ ِ‬ ‫اْل ِعْلم وما يجحد ِبآي ِاتنآ ِإالَّ َّ‬
‫الظالِ ُمو َن‬
‫َّللا َوإَِّن َمآ أََن ْا َنذ ٌير ُّمِب ٌ‬
‫ين‬ ‫ات ّمن َّرّب ْ َ َ ُ َ‬ ‫* َوَقاُلوْا َل ْوالَ أ ِ َ َ ْ َ‬ ‫َ َ َ َ ْ َُ َ َ‬
‫اَّللِ َب ْيِني َوَب ْيَن ُك ْم‬
‫ُي ْتَل ٰى َعَل ْي ِه ْم ِإ َّن ِفي ٰذلِ َك َل َر ْح َم ًة َوِذ ْك َر ٰى لَِق ْو ٍم ُي ْؤ ِمُنو َن * ُق ْل َكَف ٰى ِب َّ‬
‫اب‬ ‫ِ‬ ‫* أ ََوَل ْم َي ْكِف ِه ْم أََّنآ أ َ ْ‬
‫َنزلَنا َعَل ْي َك اْلكتَ َ‬
‫ون َك ِباْلع َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اط ِل وَكَفروْا ِب َّ ِ ِ‬ ‫ض و َّال ِذين آمنوْا ِباْلب ِ‬ ‫َش ِهيداً يعَلم ما ِفي َّ ِ‬
‫اب‬ ‫َ‬ ‫اَّلل أ ُْوَلـٰئ َك ُه ُم اْل َخاس ُرو َن * َوَي ْستَ ْع ِجُل َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫الس َٰم َٰوت َواأل َْر ِ َ َ َ ُ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون َك ِباْلع َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ين‬ ‫ط ٌة ِباْل َكاف ِر َ‬‫اب َوإِ َّن َج َهَّن َم َل ُمحي َ‬ ‫َ‬ ‫اب َوَلَيأْتَيَّن ُه ْم َب ْغتَ ًة َو ُه ْم الَ َي ْش ُع ُرو َن * َي ْستَ ْع ِجُل َ‬‫آء ُه ُم اْل َع َذ ُ‬
‫َج ٌل ُّم َس ًّمى ل َج َ‬ ‫َوَل ْوالَ أ َ‬
‫ضي‬ ‫* يوم ي ْغ َشاهم اْلع َذاب ِمن َفوِق ِهم و ِمن تَح ِت أَرجِل ِهم ويُِقول ُذوُقوْا ما ُك ْنتُم تَعمُلو َن * ي ِٰعب ِادي َّال ِذين آمنوْا ِإ َّن أَر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُْ ْ َ ُ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫َْ َ َ ُ ُ َ ُ‬
‫ات َلُنَبِّوَئَّن ُه ْم ِّم َن اْل َجَّن ِة‬
‫الصالِح ِ‬ ‫ِ‬
‫آمُنوْا َو َعمُلوْا َّ َ‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫و ِاسع ٌة َفِإيَّاي َفاعبدو ِن * ُك ُّل نْف ٍ ِ‬
‫س َذآئَق ُة اْل َم ْوت ثُ َّم ِإَل ْيَنا تُ ْر َج ُعو َن * َوالذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُُ‬ ‫َ َ‬
‫املِين * َّال ِذين صبروْا وعَلى رِب ِهم يتوَّكُلون * وَكأَِين ِمن دآب ٍ‬
‫َّة‬ ‫ِ‬ ‫ُغرَفاً تَجرِي ِمن تَحِتها األ َْنهار خالِ ِدين ِف ِ‬
‫َ ّ ّ َ‬ ‫َ َ َ ُ َ َ ٰ َ ّ ْ َ ََ َ‬ ‫َج ُر اْل َع َ‬ ‫يها ن ْع َم أ ْ‬ ‫َُ َ َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ض وس َّخ َر َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّاكم وهو َّ ِ‬ ‫الَّ تَ ْح ِم ُل ِرْزَق َها َّ‬
‫الش ْم َس َواْلَق َم َر‬ ‫يم * َوَلئن َسأَْلتَ ُه ْم َّم ْن َخَل َق ال َّس َٰم َٰوت َواأل َْر َ َ َ‬ ‫يع اْل َعل ُ‬
‫السم ُ‬ ‫َّللاُ َي ْرُزُق َها َوِإي ُ ْ َ ُ َ‬
‫يم * َوَلِئن َسأَْلتَ ُه ْم َّمن‬ ‫ٍ ِ‬ ‫الرْز َق لِمن ي َشآء ِم ْن ِعب ِادِه ويْق ِدر َل ُه ِإ َّن َّ ِ ِ‬ ‫ط ِّ‬ ‫َّللاُ َفأََّن ٰى ُي ْؤَف ُكو َن * َّ‬
‫َلَيُقوُل َّن َّ‬
‫َّللاَ ب ُك ّل َش ْيء َعل ٌ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َّللاُ َي ْب ُس ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ض ِمن َب ْع ِد َم ْوِت َها َلَيُقوُل َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّنَّزل ِمن َّ ِ‬
‫َّللاُ ُق ِل اْل َح ْم ُد ََّّلل َب ْل أَ ْكثَُرُه ْم الَ َي ْعقُلو َن * َو َما َهـٰذه اْل َحَياةُ‬ ‫َحَيا ِبه األ َْر َ‬
‫آء َفأ ْ‬ ‫الس َمآء َم ً‬ ‫َ َ‬
‫اآلخرة َل ِهي اْلحيوان َلو َكانوْا يعَلمو َن * َفِإ َذا رِكبوْا ِفي اْلُفْل ِك دعوْا َّ ِ ِ‬ ‫الدار ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ين َل ُه‬‫َّللاَ ُم ْخلص َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ َ َ ََ ُ ْ ُ َ ْ ُ‬ ‫الد ْنَيآ ِإال َل ْهٌو َوَلع ٌب َوإِ َّن َّ َ‬‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف َيعَل ُمو َن * أََوَل ْم َي َرْوْا أََّنا َج َعْلَنا‬ ‫اه ْم ِإَلى اْلَبِّر ِإ َذا ُه ْم ُي ْش ِرُكو َن * لَي ْكُف ُروْا ِب َمآ آتَْيَن ُ‬
‫اه ْم َولَِيتَ َمتَّ ُعوْا َف َس ْو َ‬ ‫ين َفَل َّما َن َّج ُ‬
‫الد َ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫َّللا َكذباً أ َْو‬‫ِ‬ ‫ظَل ُم ِم َّم ْن ا ْفتََر ٰى َعَلى َّ‬ ‫َّللا َي ْكُف ُرو َن * َو َم ْن أَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس ِم ْن َح ْولِ ِه ْم أََفِباْلَباط ِل ُي ْؤ ِمُنو َن َوبِِن ْع َمة َّ‬ ‫ف َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫الن ُ‬ ‫َح َرماً آمناً َوُيتَ َخط ُ‬
‫ين‬ ‫ِِ‬
‫َّللاَ َل َم َع اْل ُم ْحسن َ‬ ‫اه ُدوْا ِف َينا َلَن ْه ِدَيَّن ُه ْم ُسُبَلَنا َوإِ َّن َّ‬
‫ين َج َ‬
‫َّ ِ‬
‫ين * َوالذ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫آءهُ أََل ْي َس في َج َهَّن َم َم ْثًوى ّلْل َكاف ِر َ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫َكذ َب باْل َح ّق َل َّما َج َ‬
‫{بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} أي‪ :‬القرآن علوم حقيقية ذوقية ّبينة‪ ،‬محلها صدور العلماء‬
‫المحققين‪ ،‬وهي المعاني النازلة من غيب الغيوب إلى الصدر ال األلفاظ والحروف الواقعة على اللسان والذكر‪ ،‬وما‬
‫يجحد بها إالّ الكافرون المحجوبون لعدم االستعداد‪ ،‬أو الظالمون الذين أبطلوا استعدادهم بالرذائل والوقوف مع‬
‫إن جهنم لمحيطة بالكافرين} المحجوبين عن الحق لكونهم مغمورين في الغواشي الطبيعية والحجب‬ ‫األضداد {و ّ‬
‫فيتروحوا فيها‪.‬‬
‫الهيوالنية بحيث لم يبق فيهم فرجة إلى عالم النور فيستبصروا ويستضيئوا بها ويتنفسوا منها ّ‬

‫{يوم يغشاهم العذاب من فوقهم} لحرمانهم عن الحق واحتجابهم عن النور واحتراقهم تحت القهر {ومن تحت أرجلهم}‬
‫لحرمانهم اللذات والشهوات واحتجابهم عنها بفقدان األسباب واآلالت‪ ،‬وتع ّذبهم بإيالم الهيئات ونيران اآلثام وهم بين‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫مبتلين شديدين ومشوقين قويين إلى الجهة العلوية بمقتضى الفطرة األصلية‪ ،‬وإلى السفلية باقتضاء رسوخ الهيئة‬
‫العارضية مع الحرمان عنهما واحتباسهم في برزخ بينهما نعوذ باهلل منه‪.‬‬

‫{والذين جاهدوا} من أهل الطريقة {فينا} بالسير في صفاتنا‪ ،‬وهو السير القلبي ألن المبتدىء الذي هو في مقام النفس‬
‫ّ‬
‫سيره بالجهاد إلى هللا‪ .‬والمجاهدة في هذا السير بالحضور والمراقبة واالستقامة إلى هللا في الثبات على حكم التجليات‬
‫{لنهدينهم} إلى طرق الوصول إلى الذات‪ ،‬وهي الصفات ألنها حجب الذات‪ ،‬فالسلوك فيها باالتصاف بها موصل إلى‬
‫حقيقة اال سم الثابت له تعالى بحسب الصفة الموصوف هو بها وهو عين الذات الواحدية وهي باب الحضرة األحدية‬
‫إن هللا لمع المحسنين} الذين يعبدون هللا على المشاهدة‪ ،‬كما قال عليه السالم‪" :‬اإلحسان أن تعبد هللا كأنك تراه"‪.‬‬
‫{و ّ‬
‫فالمحسنون السالكون في الصفات والمتّصفون بها ألنهم يعبدون بالمراقبة والمشاهدة‪ ،‬وإنما قال‪" :‬كأنك تراه" ألن الرؤية‬‫ُ‬
‫والشهود العيني ال يكون إال بالفناء في الذات بعد الصفات‪.‬‬

‫سورة الروم (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)7‬‬

‫ين ََِّّللِ األ َْم ُر ِمن َقْب ُل َو ِمن َب ْع ُد‬ ‫ِِ‬


‫ض ِع سن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الروم * ِفي أ َْدَنى األ َْر ِ‬
‫ض َو ُهم ّمن َب ْعد َغَلِب ِه ْم َسَي ْغلُِبو َن * في ِب ْ‬
‫ِ ِ‬
‫الـم * ُغلَبت ُّ ُ‬
‫َّللاُ َو ْع َدهُ َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثََر‬
‫ف َّ‬ ‫ِ‬ ‫الرِحيم * وعد َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويومِئ ٍذ يْفرح اْلمؤ ِمنون * ِبنص ِر َّ ِ‬
‫َّللا الَ ُي ْخل ُ‬ ‫َ َْ‬ ‫آء َو ُه َو اْل َعز ُيز َّ ُ‬ ‫نص ُر َمن َي َش ُ‬
‫َّللا َي ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ َْ َ َ َ ُ ُ ْ ُ َ‬
‫اآلخ َرِة ُه ْم َغ ِافُلو َن‬
‫الد ْنيا وهم ع ِن ِ‬ ‫ِ‬ ‫اس الَ يعَلمو َن * يعَلمو َن َ ِ ِ‬
‫الن ِ‬
‫َّ‬
‫ظاه اًر ّم َن اْل َحَياة ُّ َ َ ُ ْ َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َْ ُ‬

‫{الم غلبت الروم} الذات األحدية مع صفتي العلم والمبدئية كما ذكر‪ ،‬اقتضت أن روم القوى الروحانية تكون مغلوبة‬
‫في أقرب موضع من أرض النفس الذي هو الصدر‪ ،‬ألن فيض المبدأ يوجب إظهار الخلق واحتجاب الحق به‪ ،‬فكل‬
‫ما كان أقرب إلى الحق كان مغلوباً بالذي هو أقرب إلى الخلق وذلك حكم االسم المبدئ في مظهر النشأة وتجليه‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫تعالى به وباسمه الظاهر واسمه الخالق‪ ،‬وفي الجملة‪ :‬بما في حضرته المبدئية من األسماء {وهم من بعد} كونهم‬
‫مغلوبين {سيغلبون} على فارس القوى النفسانية األعجمية المحجوبة بالرجوع إلى هللا‪ ،‬وظهور الغلب‪.‬‬

‫{في بضع سنين} من األطوار التي يكون فيها الترقي إلى الكمال وأوقات الحضور والمقامات والتجليات‪.‬‬

‫{هلل األمر من قبل} بحكم اسمه المبدىء {ومن بعد} بحكم اسمه المعيد‪ ،‬يدبر األمر من السماء إلى األرض ثم يعرج‬
‫إليه {ويومئذ} أي‪ :‬يوم غلبة روم الروحانيات على النفسانيات {يفرح المؤمنون بنصر هللا} وتأييده من الملكوت‬
‫القوي الغالب على‬
‫ّ‬ ‫الع ِزيز}‬
‫المستعدين بها {وهو َ‬
‫ّ‬ ‫السماوية وإمدادهم باألمداد القدسية {ينصر من يشاء} من أهل عنايته‬
‫قهر الفارسيين المحجوبين {الرِحيم} بإضافة األمداد الكمالية واألنوار التأييدية القدسية على الروميين الغالبين‪.‬‬

‫ولكن أكثر الناس ال يعلمون} الحتجابهم يحسبون‬


‫المستعدين من أهل عنايته {ال يخلف هللا وعده ّ‬
‫ّ‬ ‫{وعد هللا} في تكميل‬
‫بقوتهم وكسبهم‪ ،‬وأنه قد يمكن أنه ال يبلغ المعنى به السعي إلى الكمال لعدم السعي وال يعرفون أن ذلك‬
‫أن هذه الغلبة ّ‬
‫المستعد أيضاً من توفيقه وعالمة عنايته تعالى به‪ ،‬وعدم السعي من خذالنه وآية كونه غير معني به‪ ،‬فإن أعمالنا‬
‫ّ‬
‫معرفات ال موجبات‪.‬‬
‫ّ‬

‫أن وجوه المكاسب منوطة بسعي العباد وتدبيرهم {وهم} عن الباطن وأحوال العالم‬ ‫{يعلمون ظاه اًر من الحياة الدنيا} و ّ‬
‫الدار ِ‬
‫اآلخ َرَة َل ِهي اْل َحَيَوا ُن‬
‫َ‬ ‫{وإِ َّن َّ َ‬
‫الروحاني {هم غافلون} ال يفطنون أن وراء هذه الحياة المنقطعة حياة سرمدية كما قال‪َ :‬‬
‫َل ْو َك ُانوْا َي ْعَل ُمو َن}[العنكبوت‪ ،‬اآلية‪ ،]64:‬و ّ‬
‫أن وراء تدبير العباد وسعيهم هلل تعالى تقدي اًر وحكماً‪.‬‬

‫سورة الروم (من اآلية ‪ 8‬الى اآلية ‪)10‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اس ِبلَِق ِ‬
‫آء‬ ‫الن ِ‬ ‫ض َو َما َب ْيَن ُه َمآ ِإالَّ ِباْل َح ِّق َوأَ َج ٍل ُّم َس ًّمى َوِإ َّن َكِثي اًر ِّم َن َّ‬ ‫َّللا َّ ِ‬
‫الس َٰم َٰوت َواأل َْر َ‬ ‫أَوَلم َيتََف َّك ُروْا ِفي أ ُ ِ ِ‬
‫َنفسه ْم َّما َخَل َق َّ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َشَّد م ْن ُه ْم ُقَّوًة َوأَثَ ُاروْا األ َْر َ‬
‫ض‬ ‫ين من َقْبله ْم َك ُانوْا أ َ‬‫ان َعاقَبةُ الذ َ‬ ‫ف َك َ‬ ‫ظ ُروْا َك ْي َ‬ ‫ِ‬
‫سيروْا في األ َْرض َفَين ُ‬ ‫َرِّب ِه ْم َل َكاف ُرو َن * أ ََوَل ْم َي ُ‬
‫َنفسهم ي ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا لِي ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ظل ُمو َن * ثُ َّم َك َ‬
‫ان‬ ‫ظل َم ُه ْم َوَلـٰكن َك ُانوْا أ ُ َ ُ ْ َ‬ ‫ان َّ ُ َ‬ ‫آء ْت ُه ْم ُرُسُل ُهم ِباْلَبِّيَنات َف َما َك َ‬ ‫وهآ أَ ْكثَ َر م َّما َع َم ُر َ‬
‫وها َو َج َ‬ ‫َو َع َم ُر َ‬
‫َّللاِ َوَك ُانوْا ِب َها َي ْستَ ْه ِزُئو َن‬ ‫َى أَن َك َّذبوْا ِبآي ِ‬
‫ات َّ‬ ‫السوأ ٰ‬
‫اءوْا ُّ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َس ُ‬‫ين أ َ‬ ‫َعاقَب َة الذ َ‬

‫{أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق هللا} سموات الغيوب السبعة وأرض البدن {وما بينهما} من القوى الطبيعية‬
‫والملكوت األرضية والروحانية‪ ،‬والملكوت السماوية والصفات واألخالق وغيرها إال بالحكمة والعدل وظهور الحق في‬
‫أجل ُمسمى} هو غاية كمال كل منهم وفنائه في هللا بمقتضى‬ ‫مظاهرهم بالصفات على حسب استعداد قبولها لتجّليه {و ٍ‬
‫إن كثي اًر من الناس بلقاء رّبهم‬
‫هوية استعداده األول حتى يشهدوا بقدر استعدادهم وإلقاء هللا فيهم بصفاته وذاته {و ّ‬
‫لكافرون} الحتجابهم عنه‪ ،‬فيتوهمون أنه ال يكون إال بالمقابلة الصورية في عالم آخر باندراج الهوية في الهوية‪.‬‬

‫سورة الروم (من اآلية ‪ 11‬الى اآلية ‪)21‬‬

‫اء‬ ‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ن‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫اع ُة ُيْبل ُس اْل ُم ْجرُمو َ * َوَل ْم َي ُكن ل ُه ْم ّمن ُش َرَكآئه ْم ُشَف َع ُ‬
‫الس َ‬
‫وم َّ‬‫َّللاُ َي ْب َد ُؤْا اْل َخْل َق ثُ َّم ُيع ُيدهُ ثُ َّم إَل ْيه تُ ْر َج ُعو َ * َوَي ْوَم تَُق ُ‬
‫َّ‬
‫ض ٍة‬ ‫ِ‬ ‫الساع ُة يومِئ ٍذ يتََفَّرُقون * َفأ ََّما َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ‬
‫الصال َحات َف ُه ْم في َرْو َ‬ ‫َ َُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫وم َّ َ َ ْ َ َ‬ ‫ين * َوَي ْوَم تَُق ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوَك ُانوْا ِب ُش َرَكآئ ِه ْم َكاف ِر َ‬
‫اب محضرو َن * َفسبحان َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫يحبرون * وأ َّ َّ ِ‬
‫ين تُ ْم ُسو َن‬
‫َّللا ح َ‬ ‫ُْ َ َ‬ ‫ين َكَف ُروْا َوَكذُبوْا ِب َآياتَنا َولَِقآء اآلخ َرة َفأ ُْوَلـٰئ َك في اْل َع َذ ُ ْ َ ُ‬ ‫َما الذ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َُ َ‬
‫ظ ِه ُرو َن * ُي ْخ ِرُج اْل َح َّي ِم َن اْل َمِّي ِت َوُي ْخ ِرُج اْل َمِّي َت‬
‫ين تُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واألَر ِ ِ‬
‫ض َو َعشّياً َوح َ‬
‫ِ‬
‫صِب ُحو َن * َوَل ُه اْل َح ْم ُد في َّ َ َ َ ْ‬ ‫ين تُ ْ‬
‫ِ‬
‫َوح َ‬
‫اب ثُ َّم ِإ َذآ أَنتُ ْم َب َشٌر تَنتَ ِش ُرو َن *‬ ‫َن َخَلَق ُكم ِمن تُر ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ْ ّ َ‬ ‫ض َب ْع َد َم ْوِت َها َوَك َذلِ َك تُ ْخ َر ُجو َن * َو ِم ْن َآياته أ ْ‬‫م َن اْل َح ِّي َوُي ْحي األ َْر َ‬
‫َنف ِس ُكم أ َْزواجاً ّلِتَس ُكنوْا ِإَليها وجعل بين ُكم َّموَّدة ورحم ًة ِإ َّن ِفي َذلِك آلي ٍ‬
‫ات ّلَِق ْو ٍم َيتََف َّك ُرو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ً ََ ْ َ‬ ‫ْ ُ ْ َ َ َ َ َ ََْ‬ ‫َن َخَل َق َل ُكم ّم ْن أ ُ ْ َ‬ ‫َو ِم ْن َآياته أ ْ‬

‫{هللا يبدأ الخلق} بإظهار الفرس على الروم {ثم ُي ِع َيده} بإظهار الروم على الفرس {ثم إليه ترجعون} بالفناء فيه‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الم ْجرمون} عن رحمة هللا ّ‬
‫وتحيرهم في العذاب‪ ،‬غير قابلين للرحمة‪،‬‬ ‫{ويوم تَُقوم الساعة} بوقوع القيامة الصغرى {يبلس ُ‬
‫يتفرق الناس بتميز المؤمن عن‬
‫المهدي وقهرهم تحت سطوته وحرمانهم من رحمته‪ ،‬وحينئذ ّ‬
‫ّ‬ ‫أو القيامة الكبرى بظهور‬
‫الكافر‪.‬‬

‫{فس ْبحان هللا} أن يكون غيره في الوجود والصفة والفعل والتأثير {حين تُ ْم ُسون} بغلبة ظلمة الفرس على نور الروم‬
‫ُ‬
‫الح ْمد} بظهور صفات كماله وتجليات جماله في سموات‬ ‫صِبحون} عند ظهور نورهم على ظلمة الفرس {وله َ‬ ‫{وحين تُ ْ‬
‫الغيوب السبعة وقت إصباح غلبة نور الروحانيات على ظلمات النفسانيات وقرب طلوع شمس الروح‪ ،‬وبظهور صفات‬
‫{وعشياً} وقت فنائهم وغيبة شمس‬
‫ّ‬ ‫جالله في أرض البدن عند إمساء غلبة ظلمة النفسانيات على نور الروحانيات‬
‫الروح في الذات {وحين تظهرون} في البقاء بعد الفناء عند االستقامة واالستواء‪.‬‬

‫{يخرج} حي القلب من ميت النفس باإلعادة وقت اإلصباح و {يخرج} ميت النفس من حي القلب في اإلبداء عند‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫{وي ْحيي} أرض البدن حينئذ {وكذلك تخرجون} في النشأة الثانية‪.‬‬
‫اإلمساء ُ‬

‫{أن َخَلق لكم من أنفسكم أزواجاً} أي‪:‬‬


‫{ومن آياته} أي‪ :‬من أفعاله وصفاته التي يتوصل بها إلى ذاته معرفة وسلوكاً ْ‬
‫بالمودة والتأثير والتأثر {وجعل بينكم} من‬
‫ّ‬ ‫خلق لكم من النفوس أزواجاً لألرواح {لتسكنوا إليها} وتركنوا وتميلوا نحوها‬
‫فتود النفس نور الروح وتأثيره بالقبول والتأثر‪ ،‬فتسكن عن الطيش وتتصفى فيرحمها هللا بولد‬
‫المودة والرحمة ّ‬
‫ّ‬ ‫الجانبين‬
‫وتود الروح النفس بالتأثير فيها وإفاضةالنور‬
‫بر بها‪ ،‬فتهتدي ببركته وتتخلق بأخالقه فتفلح‪ّ ،‬‬
‫القلب في مشيمة االستعداد ّاً‬
‫{إن في ذلك آليات} صفات وكماالت‬ ‫بر‪ ،‬عطوفاً‪ ،‬فيرتقي ببركته ويظهر به كماله ّ‬
‫عليها فيرحمه هللا بالولد المبارك ّاً‬
‫{لقوم يتفكرون} في أنفسهم وذواتهم وما ُجِبَلت عليها وأودعت فيها‪.‬‬

‫سورة الروم (من اآلية ‪ 22‬الى اآلية ‪)30‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ين *و ِم ْن آي ِات ِه مَنام ُكم ِب َّال ِ‬ ‫ٍ ِ ِِ‬ ‫ِ ِٰ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ض و ِْ‬ ‫و ِمن آي ِات ِه خْلق َّ ِ‬
‫يل‬ ‫َ َ ُ‬ ‫آليات ّلْل َعالم َ َ‬ ‫ف أَْلسَنت ُك ْم َوأَْل َوان ُك ْم ِإ َّن في ذل َك َ‬ ‫اختالَ ُ‬ ‫ِ‬
‫الس َٰم َٰوت َواأل َْر َ‬ ‫َ ْ َ َ ُ‬
‫السم ِ‬
‫آء‬ ‫ِ‬
‫ط َمعاً َوُيَنِّزُل م َن َّ َ‬ ‫ات ّلَِق ْو ٍم َي ْس َم ُعو َن * َو ِم ْن َآي ِات ِه ُي ِر ُ‬
‫يك ُم اْلَب ْر َق َخ ْوفاً َو َ‬ ‫النه ِار وابِت َغآؤُكم ِمن َفضلِ ِه ِإ َّن ِفي َذلِك آلي ٍ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َو َّ َ َ ْ ُ ْ ّ‬
‫ض ِبأ َْم ِِره ثُ َّم ِإ َذا‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ن‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫آء َواأل َْر ُ‬ ‫لس َم ُ‬
‫وم ا َّ‬ ‫ِ‬
‫آليات ّلَق ْو ٍم َي ْعقُلو َ * َوم ْن َآياته أَن تَُق َ‬ ‫ض َب ْع َد َم ْوِت َها ِإ َّن في َذل َك َ‬ ‫آء َفُي ْحِيي ِبه األ َْر َ‬‫َم ً‬
‫ض ُك ٌّل َّل ُه َق ِانتُو َن * َو ُه َو َّال ِذي َي ْب َد ُؤْا اْل َخْل َق‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اك ْم َد ْع َوًة ّم َن األ َْرض إ َذآ أَنتُ ْم تَ ْخ ُر ُجو َن * َوَل ُه َمن في َّ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫َد َع ُ‬
‫َنف ِس ُك ْم‬
‫ض َر َب َل ُك ْم َّمثَالً ِّم ْن أ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثُ َّم ي ِعيده وهو أَهون عَلي ِه وَله اْلمَثل األَعَلى ِفي َّ ِ‬
‫يم * َ‬ ‫الس َٰم َٰوت َواأل َْرض َو ُه َو اْل َعز ُيز اْل َحك ُ‬ ‫ُ ُ ُ َ َُ ْ َ ُ َ ْ َ ُ َ ُ ْ ٰ‬
‫صل اآلياتِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ِ‬
‫َنف َس ُك ْم َك َذل َك ُنَف ّ ُ َ‬ ‫ون ُه ْم َك ِخ َيفت ُك ْم أ ُ‬
‫آء تَ َخاُف َ‬ ‫آء ِفي َما َرَزْقَن ُ‬
‫اك ْم َفأَنتُ ْم فيه َس َو ٌ‬ ‫َه ْل ل ُك ْم ّمن َّما َمَل َك ْت أ َْي َم ُان ُك ْم ّمن ُش َرَك َ‬
‫ين * َفأ َِق ْم َو ْج َه َك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ َو َما َل ُه ْم ّمن َّناص ِر َ‬
‫َض َّل َّ‬ ‫آء ُه ْم ِب َغ ْي ِر عْل ٍم َف َمن َي ْهدي َم ْن أ َ‬
‫َه َو َ‬
‫ظَل ُموْا أ ْ‬
‫ين َ‬‫لَق ْو ٍم َي ْعقُلو َن * َب ِل اتََّب َع الذ َ‬
‫ين اْلَقِّيم َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثََر َّ‬ ‫َّللاِ َذلِك ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ َّالِتي َف َ‬ ‫لِ ِّلد ِ‬
‫ين َحِنيفاً ِف ْ‬
‫اس الَ َي ْعَل ُمو َن‬‫الن ِ‬
‫الد ُ ُ‬ ‫يل لِ َخْل ِق َّ َ ّ‬ ‫اس َعَل ْي َها الَ تَْبد َ‬ ‫ط َر َّ‬
‫الن َ‬ ‫ط َر َت َّ‬

‫السر والروح والخفاء بكل مقال في كل مقام‪ ،‬فإنه ال ينحصروجوه‬


‫{واختالف ألسنتكم} من لسان النفس والقلب و ّ‬
‫تلوناتكم للعلماء العارفين في مراتب علومهم {منامكم} غفلتكم في ليل النفس ونهار‬
‫اختالفات هذه األلسن {وألوانكم} ّ‬
‫القلب بظهور صفاتها {وابتغاؤكم من فضله} بالترقي‪ ،‬فيفهمون معناه بحسب مقاماتهم في األطوار‪.‬‬

‫{يريكم} برق اللوامع والطوالع في البدايات‪ ،‬خائفين من انقضاضها وخفوقها وبقائكم في الظلمة بفواتها‪ ،‬وطامعين في‬
‫وسحاب السكينة‪ ،‬فيحيي بها أراضي‬
‫بها‪،‬وينزل مياه الواردات والمكاشفات بعدها من سماء الروح َ‬
‫ّ‬ ‫رجوعها ومزيدكم‬
‫النفوس واالستعدادات الهامدة بعد موتها بالجهل {يعقلون} بمطاوعة نفوسهم للدواعي العقلية معاني الواردات وما‬
‫يصلحهم من الحكم والمعقوالت‪.‬‬

‫{وله المثل األعلى} أي‪ :‬الوصف األعلى بالفردانية في الوجود والوحدة الذاتية‪ ،‬وما أحسن قول مجاهد في معناه أنه‪:‬‬
‫ال إله إال هو‪.‬‬

‫ِ‬
‫{فأق ْم وجهك} لدين التوحيد وهو طريق الحق تعالى‪ ،‬ولذلك أطلق من غير إضافة أي‪ :‬هو الدين مطلقاً وما سواه ليس‬
‫بدين النقطاعه دون الوصول إلى المطلوب‪ ،‬والوجه هو الذت الموجودة مع جميع لوازمها وعوارضها‪ ،‬وإقامته للدين‬
‫تجريده عن كل ما سوى الحق قائماً بالتوحيد والوقوف مع الحق غير ملتفت إلى نفسه وال إلى غيره فيكون سيره حينئذ‬
‫سير هللا ودينه وطريقته اللذان هو عليهما دين هللا وطريقته إذ ال يرى غيره موجوداً {حنيفاً} مائالً منحرفاً عن األديان‬
‫الباطلة التي هي طرق األغيار واألنداد لمن أثبت غيره فأشركه باهلل {فطرة هللا} أي‪ :‬الزموا فطرة هللا‪ ،‬وهي الحالة التي‬
‫يتبدل عن‬
‫القيم أزالً وأبداً‪ ،‬ال يتغير وال ّ‬
‫التجرد في األزل وهي الدين ّ‬
‫فطرت الحقيقة اإلنسانية عليها من الصفاء و ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الصفاء األول‪ ،‬ومحض التوحيد الفطري‪ .‬وتلك الفطرة األولى ليست إال من الفيض األقدس الذي هو عين الذات‪ ،‬من‬
‫بقي عليها لم يمكن انحرافه عن التوحيد واحتاجبه عن الحق‪ ،‬إنما يقع االنحراف واالحتجاب من غواشي النشأة‬
‫وعوارض الطبيعة عند الخلقة أو التربية والعادة‪ .‬أما األول فلقوله عليه السالم في الحديث الرباني‪" :‬كل عبادي خلقت‬
‫حنفاء فاحتالتهم الشياطين عن دينهم وأمروهم أن يشركوا بي غيري"‪.‬وأما الثاني فلقوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬كل‬
‫يهودانه وينصرانه"‪ ،‬ال أن تتغير تلك الحقيقة في نفسها عن الحالة‬‫مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان ّ‬
‫ولكن أكثر الناس ال يعلمون} تلك الحقيقة‪.‬‬
‫الذاتية فإنه محال‪ ،‬وذلك معنى قوله‪{ :‬ال تبديل لخلق هللا ذلك الدين الَق ْيم ّ‬

‫سورة الروم (من اآلية ‪ 31‬الى اآلية ‪)60‬‬

‫ين َفَّرُقوْا ِد َين ُه ْم َوَك ُانوْا ِشَيعاً ُك ُّل ِح ْز ٍب ِب َما َل َد ْي ِه ْم‬ ‫ِ َّ ِ‬


‫ين * م َن الذ َ‬
‫ِ‬
‫ونوْا م َن اْل ُم ْش ِرِك َ‬‫الصالَ َة َوالَ تَ ُك ُ‬
‫يموْا َّ‬ ‫ِ‬ ‫مِنيِب َ ِ ِ َّ‬
‫ين إَل ْيه َواتُقوهُ َوأَق ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫يق ّم ْن ُه ْم ِب َرّب ِِه ْم ُي ْش ِرُكو َن *‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ِإَل ْيه ثُ َّم ِإ َذآ أَ َذا َق ُه ْم ّم ْن ُه َر ْح َم ًة ِإ َذا َف ِر ٌ‬
‫َّه ْم ُّمنيِب َ‬
‫ضٌّر َد َع ْوْا َرب ُ‬
‫اس ُ‬ ‫َف ِر ُحو َن * َوإِ َذا َم َّس َّ‬
‫الن َ‬
‫طاناً َف ُه َو َيتَ َكَّل ُم ِب َما َك ُانوْا ِب ِه ُي ْش ِرُكو َن * َوإِ َذآ أَ َذ ْقَنا‬ ‫َنزلَنا َعَل ْي ِه ْم ُسْل َ‬‫ف تَ ْعَل ُمو َن * أ َْم أ َ ْ‬ ‫ِ‬
‫لَي ْكُف ُروْا ِب َمآ آتَ ْيَن ُ‬
‫اه ْم َفتَ َمتَّ ُعوْا َف َس ْو َ‬
‫آء‬
‫الرْز َ ل َمن َي َش ُ‬
‫ط ِ قِ‬
‫َّللاَ َي ْب ُس ُ ّ‬ ‫طو َن * أََوَل ْم َي َرْوْا أ َّ‬
‫َن َّ‬ ‫ص ْب ُه ْم َسِّيَئ ٌة ِب َما َقَّد َم ْت أ َْي ِدي ِه ْم ِإ َذا ُه ْم َيْقَن ُ‬‫الناس رحم ًة َف ِرحوْا ِبها وإِن تُ ِ‬
‫ُ َ َ‬ ‫َّ َ َ ْ َ‬
‫َّللاِ‬ ‫َِّ ِ‬ ‫السِب ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ُي ِر ُيدو َن َو ْج َه َّ‬ ‫يل َذل َك َخ ْيٌر ّللذ َ‬ ‫ين َو ْاب َن َّ‬ ‫آليات ّلَق ْو ٍم ُي ْؤ ِمُنو َن * َفآت َذا اْلُق ْرَب ٰى َحَّق ُه َواْلم ْسك َ‬ ‫َوَيْقد ُر ِإ َّن في َذل َك َ‬
‫َّللاِ‬
‫َّللاِ َو َمآ آتَْيتُ ْم ِّمن َزَك ٍاة تُ ِر ُيدو َن َو ْج َه َّ‬ ‫اس َفالَ َي ْرُبوْا ِع َند َّ‬ ‫الن ِ‬‫ال َّ‬ ‫وأُوَلـِٰئ َك ُهم اْلمْفلِحو َن * ومآ آتَيتُم ِمن ِرباً ّلِيربوْا ِفي أَمو ِ‬
‫َْ‬ ‫َ َ ْ ْ ّ ّ َ ْ َُ‬ ‫ُ ُ ُ‬ ‫َْ‬
‫يكم هل ِمن ُشرَك ِآئ ُكم َّمن يْفعل ِمن َٰذلِ ُكم ِمن َشيءٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ ّ‬ ‫ََُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َّللاُ الذي َخَلَق ُك ْم ثُ َّم َرَزَق ُك ْم ثُ َّم ُيميتُ ُك ْم ثُ َّم ُي ْحِي ُ ْ َ ْ‬ ‫ضعُفو َن * َّ‬ ‫َفأ ُْوَلـٰئ َك ُه ُم اْل ُم ْ‬
‫ض َّال ِذي َع ِمُلوْا َل َعَّل ُه ْم‬ ‫النا ِ ِ ِ‬
‫س لُيذيَق ُه ْم َب ْع َ‬ ‫ظ َه َر اْلَف َس ُاد ِفي اْلَبِّر َواْلَب ْح ِر ِب َما َك َسَب ْت أ َْي ِدي َّ‬ ‫ُس ْب َح َان ُه َوتَ َعاَل ٰى َع َّما ُي ْش ِرُكو َن * َ‬
‫ين‬‫ين * َفأ َِق ْم َو ْج َه َك لِ ِّلد ِ‬ ‫ان أَ ْكثَ ُرُه ْم ُّم ْش ِرِك َ‬ ‫ين من َقْب ُل َك َ‬
‫ظروْا َكيف َكان ع ِاقب ُة َّال ِذ ِ‬
‫َ‬ ‫ض َف ْان ُ ُ ْ َ َ َ َ‬ ‫َي ْرِج ُعو َن * ُق ْل ِس ُيروْا ِفي األ َْر ِ‬
‫َنف ِس ِه ْم‬‫صالِحاً َفأل ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ َي ْو َمِئ ٍذ َي َّ‬
‫اْلِقِّي ِم ِمن َقْب ِل أَن َيأِْتي َي ْوٌم الَّ َم َرَّد َل ُه ِم َن َّ‬
‫صَّد ُعو َن * َمن َكَف َر َف َعَل ْيه ُكْف ُرهُ َو َم ْن َعم َل َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات ِمن َفضلِ ِه ِإَّنه الَ ي ِح ُّب اْل َك ِاف ِرين * و ِمن آي ِات ِ‬ ‫الصالِح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يمهدو َن * لِيجز َّ‬
‫اح‬ ‫ي‬
‫الر‬
‫ُْ َ ّ َ َ‬ ‫ل‬ ‫س‬‫ر‬ ‫ي‬ ‫َن‬‫أ‬ ‫ه‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِي َ َ ُ ْ َ َ ُ ْ َّ َ‬
‫ا‬‫و‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ع‬‫و‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫ن‬ ‫آم‬ ‫ين‬ ‫ذ‬ ‫ال‬ ‫َْ َ‬ ‫َْ َُ‬
‫ضلِ ِه َوَل َعَّل ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن * َوَلَق ْد أ َْرَسْلَنا ِمن َقْبلِ َك ُرُسالً ِإَل ٰى‬ ‫ِ‬
‫ِي اْلُفْل ُك ِبأ َْم ِِره َوِلتَْبتَ ُغوْا من َف ْ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫ُمَب ّش َرات َوِلُيذيَق ُك ْم ّمن َّر ْح َمته َوِلتَ ْجر َ‬
‫اح َفتُِث ُير‬ ‫َّللاُ َّال ِذي ُي ْرِس ُل ِّ‬
‫الرَي َ‬ ‫نين * َّ‬ ‫ص ُر اْل ُم ْؤ ِم َ‬ ‫ان َحّقاً َعَل ْيَنا َن ْ‬ ‫َج َرُموْا َوَك َ‬ ‫ين أ ْ‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫وهم ِباْلَبِّيَنات َفانتََق ْمَنا م َن الذ َ‬ ‫آء ُ‬ ‫ِِ‬
‫َق ْومه ْم َف َج ُ‬
‫آء ِم ْن ِعَب ِادِه‬ ‫السم ِآء َكيف يشآء ويجعُله ِكسفاً َفترى اْلودق يخرج ِمن ِخالَلِ ِه َفِإ َذآ أَص ِ ِ‬ ‫سحاباً َفيبس ُ ِ‬
‫اب به َمن َي َش ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ط ُه في َّ َ ْ َ َ َ ُ َ َ ْ َ ُ َ َ َ َ ْ َ َ ْ ُ ُ ْ‬ ‫َ َ َْ ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ظر ِإَلى آثَ ِار رحم ِت َّ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف ُي ْح ِي‬ ‫َّللا َك ْي َ‬ ‫ََْ‬ ‫ين * َفان ُ ْ ٰ‬ ‫ِإ َذا ُه ْم َي ْستَْبش ُرو َن * َوإِن َك ُانوْا من َقْب ِل أَن ُيَنَّزَل َعَل ْي ِه ْم ّمن َقْبله َل ُمْبلس َ‬
‫ظُّلوْا ِمن َب ْع ِدِه‬ ‫صَفّاًر َّل َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ض َب ْع َد َم ْوت َهآ إ َّن َذل َك َل ُم ْح ِي اْل َم ْوتَ ٰى َو ُه َو َعَل ٰى ُك ّل َش ْيء َقد ٌير * َوَلئ ْن أ َْرَسْلَنا ِريحاً َف َأرَْوهُ ُم ْ‬ ‫األ َْر َ‬
‫ضالََلِت ِه ْم ِإن‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َي ْكُف ُرو َن * َفِإَّن َك الَ تُ ْس ِم ُع اْل َم ْوتَ ٰى َوالَ تُ ْس ِم ُع ُّ ُّ‬
‫ين * َو َمآ أَن َت ِب َهاد اْل ُع ْم ِي َعن َ‬ ‫آء ِإ َذا َول ْوْا ُم ْدِب ِر َ‬
‫الص َّم الد َع َ‬
‫ف ُقَّوًة ثُ َّم َج َع َل ِمن َب ْع ِد‬ ‫ف ثُ َّم جعل ِمن بع ِد ضع ٍ‬
‫َْ َ ْ‬ ‫ََ َ‬
‫َّللا َّال ِذي َخَلَق ُكم ِمن ضع ٍ‬
‫ْ ّ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ َّ‬
‫تُ ْسم ُع إال َمن ُي ْؤ ِم ُن ب َآياتَنا َف ُه ْم ُّم ْسل ُمو َن * َّ ُ‬
‫اع ٍة َك َذلِ َك‬ ‫ِ‬
‫اع ُة ُيْقس ُم اْل ُم ْج ِرُمو َن َما َلِبثُوْا َغ ْي َر َس َ‬ ‫الس َ‬ ‫وم َّ‬ ‫ِ‬
‫يم اْلَقد ُير * َوَي ْوَم تَُق ُ‬
‫ِ‬
‫آء َو ُه َو اْل َعل ُ‬ ‫ُقَّوٍة َ‬
‫ض ْعفاً َو َش ْيَب ًة َي ْخُل ُق َما َي َش ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب َّ ِ ِ‬ ‫ان َلَق ْد َلِب ْثتُم ِفي ِكتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َكانوْا يؤَف ُكون * وَق َّ ِ‬
‫نتم الَ‬‫َّللا إَل ٰى َي ْو ِم اْلَب ْعث َف َهـٰ َذا َي ْوُم اْلَب ْعث َوَلـٰكَّن ُك ْم ُك ْ‬ ‫ْ‬ ‫يم َ‬‫ين أُوتُوْا اْلعْل َم َواإل َ‬ ‫ال الذ َ‬‫َ َ‬ ‫ُ ُْ َ‬
‫آن ِمن ُك ِّل َمَث ٍل‬ ‫اس ِفي َهـٰ َذا اْلُق ْر ِ‬ ‫ض َرْبَنا لِ َّلن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫تَعَلمو َن * َفيومئذ الَّ َ َّ‬
‫ظَل ُموْا َم ْعذ َرتُ ُه ْم َوالَ ُه ْم ُي ْستَ ْع َتُبو َن * َوَلَق ْد َ‬
‫ين َ‬ ‫ينف ُع الذ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ ُ‬
‫َّللا عَلى ُقُل ِ َّ ِ‬ ‫ين َكَف ُروْا ِإ ْن أَنتُ ْم ِإالَّ ُم ْب ِطُلو َن * َك َذلِ َك َي ْ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ٍ َّ‬ ‫ِ‬
‫اصِب ْر ِإ َّن‬
‫ين الَ َي ْعَل ُمو َن * َف ْ‬
‫وب الذ َ‬ ‫طَب ُع َّ ُ َ ٰ‬ ‫َوَلئن ِج ْئتَ ُه ْم ِب َآية لَيُقوَل َّن الذ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وعد َّ ِ‬
‫ين الَ ُيوِقُنو َن‬ ‫َّللا َح ٌّق َوالَ َي ْستَخَّفَّن َك الذ َ‬ ‫َ َْ‬

‫المقدر‪ ،‬أي‪ :‬الزموا تلك الفطرة المخصوصة باهلل منيبين إليه من‬
‫{منيبين إليه} حال من الضمير المتصل في‪ :‬إلزموا ّ‬
‫الباطلةبالتجرد عن الغواشي الجبلية والعوارض‬
‫ّ‬ ‫جميع األغيار المتوهم وجودها من قبل شياطين الوهم والخيال وأديانها‬
‫البدنية والهيئات الطبيعية والصفات النفسانية إلى الحق ودينه {واتّقوه} بعد اإلنابة إليه بتجريد الفطرة بالفناء فيه {وأقيموا‬
‫الصالة} الشهود الذاتي {وال تكونوا من المشركين} ببقية الفطرة وظهور األنائية في مقامها {من الذين} فارقوا دينهم‬
‫الحقيقي بسقوطهم عن الفطرة واحتجابهم بحجب النشأة والعادة {وكانوا ِشَيعاً} فرقاً مختلفة لوقوف كل أحد مع حجابه‬
‫واختالف حجبهم وتفريق الشيطان إياهم في أودية صفات النفس‪ ،‬فبعضهم على دين البهائم‪ ،‬وبعضهم على دين‬
‫السباع‪ ،‬وبعضهم على دين الهوى‪ ،‬وبعضهم على دين الشيطان خاصة‪ ،‬وأنواع الشياطين ال تنحصر فكذا األديان‪.‬‬

‫تكدرالفطرة‬
‫المتفرقين شيعاً مختلفة كل حزب عند ّ‬
‫ّ‬ ‫{كل حزب بما لديهم َف ِر ُحون} أي‪ :‬من المفارقين الدين الحقيقي‬
‫ّ‬
‫وتكاثف الحجاب يفرح بما يقتضيه استعدادهم من الحجاب لكونه مقتضى طبيعة حجابه‪ ،‬فيناسب حاله من االستعداد‬
‫الغالب والفرح إنما يكون باإلدراك المالئم من حيث هو مالئم وذلك مالئم في الحال بحسب االستعداد العارضي وإن‬
‫لم يالئم في الحقيقة بحسب االستعداد األصلي‪ ،‬ولهذا يجب به التعذيب عند زوال العارض‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة لقمان (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)28‬‬

‫اة وهم ِب ِ‬
‫اآلخ َرِة ُه ْم‬ ‫َّ‬ ‫اب اْلح ِكي ِم * هدى ورحم ًة ّلِْلمح ِسِنين * َّال ِذ ِ‬ ‫ات اْل ِكتَ ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالَ َة َوُي ْؤتُو َن الزَك َ َ ُ ْ‬ ‫يمو َن َّ‬ ‫ين ُيق ُ‬ ‫َ‬ ‫ًُ َ َ ْ َ ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫الـم * تْل َك َآي ُ‬
‫ض َّل َعن سِب ِ‬ ‫يث لِي ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫ُيوِقُنو َن * أ ُْوَلـِٰئ َك َعَل ٰى ُه ًدى ِّمن َّرِّب ِه ْم َوأ ُْوَلـِٰئ َك ُهم اْل ُمْفلِ ُحو َن * َو ِم َن َّ‬
‫يل‬ ‫َ‬ ‫اس َمن َي ْشتَرِي َل ْه َو اْل َحد ُ‬ ‫ُ‬
‫َن ِفي‬ ‫ين * َوِإ َذا تُْتَل ٰى َعَل ْي ِه َء َاياتَُنا َوَّل ٰى ُم ْستَ ْكِب اًر َكأَن َّل ْم َي ْس َم ْع َها َكأ َّ‬ ‫اب ُّم ِه ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّللا ِب َغ ْي ِر عْل ٍم َوَيتَّخ َذ َها ُه ُزواً أُْوَلـٰئ َك َل ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫َّللاِ َحّقاً َو ُهَو‬
‫يها َو ْع َد َّ‬ ‫الن ِعي ِم * َخالِ ِد ِ‬
‫ين ف َ‬ ‫َ‬ ‫ات َّ‬ ‫ِ‬
‫الصالِ َحات َل ُه ْم َجَّن ُ‬ ‫آمُنوْا َو َع ِمُلوْا َّ‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫اب أَلي ٍم * ِإ َّن الذ َ‬
‫أُ ُذَني ِه وْق اًر َفب ِّشره ِبع َذ ٍ ِ‬
‫ْ َ َ ُْ َ‬
‫َنزلَنا‬ ‫ض رو ِاسي أَن ت ِميد ِب ُكم وب َّث ِفيها ِمن ُك ِل دآب ٍ‬
‫َّة َوأ َ ْ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت ِب َغ ْي ِر َعم ٍد تَ َرْوَن َها وأَْلَق ٰى ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ ََ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يم * َخَل َق َّ َ َ‬
‫اْل َعز ُيز اْل َحك ُ‬
‫َّللاِ َفأَروِني ما َذا خَلق َّال ِذين ِمن دوِن ِه ب ِل َّ‬
‫الظالِ ُمو َن ِفي‬ ‫السم ِآء مآء َفأ َْنب ْتَنا ِف ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫يها من ُك ّل َزْو ٍج َك ِري ٍم * َهـٰ َذا َخْل ُق َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫م َن َّ َ َ ً َ‬
‫َّللاَ َغِن ٌّي َح ِم ٌيد *‬ ‫اش ُك ْر ََّّللِ َو َمن َي ْش ُك ْر َفِإَّن َما َي ْش ُك ُر لَِنْف ِس ِه َو َمن َكَف َر َفِإ َّن َّ‬
‫َن ْ‬ ‫ان اْل ِح ْك َم َة أ ِ‬‫ين * َوَلَق ْد آتَْيَنا ُلْق َم َ‬ ‫ضالَ ٍل ُّمِب ٍ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ان ِبَوالِ َد ْيه َح َمَل ْت ُه أ ُّ‬
‫ُم ُه َو ْهناً‬ ‫ص ْيَنا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل ِإ َّن ِّ‬
‫ظ ُه يُٰبَن َّي الَ تُ ْش ِر ْك ِب َّ‬ ‫ِ‬
‫البِنه َو ُه َو َي ِع ُ‬
‫اإل ْن َس َ‬ ‫يم * َوَو َّ‬ ‫ظْل ٌم َعظ ٌ‬‫ك َل ُ‬‫الش ْر َ‬ ‫ان ْ‬‫ال ُلْق َم ُ‬
‫َوإِ ْذ َق َ‬
‫ك ِبي َما َل ْي َس َل َك ِب ِه‬ ‫اك َعَل ٰى أَن تُ ْش ِر َ‬ ‫اه َد َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اش ُك ْر لي َولِ َوال َد ْي َك ِإَل َّي اْل َمص ُير * َوإِن َج َ‬
‫َن ْ ِ‬ ‫ام ْي ِن أ ِ‬ ‫ِ‬
‫صالُ ُه في َع َ‬
‫ِ‬
‫َعَل ٰى َو ْه ٍن َوف َ‬
‫اب ِإَل َّي ثُ َّم ِإَل َّي َم ْر ِج ُع ُك ْم َفأَُنِّبُئ ُك ْم ِب َما ُكنتُ ْم َت ْع َمُلو َن *‬ ‫ِ ِ‬ ‫اح ْب ُه َما ِفي ُّ‬ ‫ِعْلم َفالَ تُ ِطعهما وص ِ‬
‫الد ْنَيا َم ْع ُروفاً َواتَّب ْع َسب َ‬
‫يل َم ْن أََن َ‬ ‫َُْ َ َ‬ ‫ٌ‬
‫يف‬ ‫َّللا ِإ َّن َّ ِ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت أَو ِفي األ َْر ِ ِ ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يٰبني ِإَّنهآ ِإن تك ِم ْثَقال حب ٍ‬
‫َّة ِّم ْن‬
‫َّللاَ َلط ٌ‬ ‫ض َيأْت ب َها َّ ُ‬ ‫ص ْخ َرة أ َْو في َّ َ َ ْ‬ ‫َخ ْرَدل َفتَ ُك ْن في َ‬ ‫َ َ‬ ‫َُ‬ ‫ُ َ َّ َ‬
‫َص َاب َك ِإ َّن َذلِ َك ِم ْن َع ْزِم األ ُُموِر * َوالَ‬
‫اصب ْر َعَل ٰى َمآ أ َ‬
‫َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وف و ْان َه َع ِن اْلم ْن َك ِر و ِ‬ ‫ِ‬
‫باْل َم ْع ُر َ‬ ‫ْم ْر‬ ‫َخِب ٌير * يُٰبَن َّي أ َِق ِم َّ‬
‫الصالَ َة َوأ ُ‬
‫ض ِمن‬ ‫ض ْ‬ ‫اغ ُ‬
‫ور * وا ْق ِ‬
‫ص ْد ِفي َم ْشِي َك َو ْ‬ ‫َ‬
‫َّللا الَ ي ِح ُّب ُك َّل م ْختَ ٍ‬
‫ال َف ُخ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ض َم َرحاً ِإ َّن َّ َ ُ‬ ‫ش ِفي األ َْر ِ‬ ‫تُص ِّع ْر َخَّد َ ِ ِ‬
‫اس والَ تَ ْم ِ‬
‫ك ل َّلن َ‬ ‫َ‬
‫الس ٰم ٰو ِت وما ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص ْو ُت اْل َح ِم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص ْوِت َك ِإ َّن أ َ‬
‫َسَب َغ َعَل ْي ُك ْم‬
‫ض َوأ ْ‬ ‫َّللاَ َس َّخ َر َل ُك ْم َّما في َّ َ َ َ َ‬
‫َن َّ‬‫ير * أََل ْم تَ َرْوْا أ َّ‬ ‫َص َوات َل َ‬ ‫َنك َر األ ْ‬ ‫َ‬
‫يل َل ُه ُم اتَِّب ُعوْا َمآ أ َ‬
‫َنزَل‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ ِب َغ ْي ِر ِعْل ٍم والَ ُه ًدى والَ ِكتَ ٍ‬
‫اب ُّمِن ٍ‬ ‫اس َمن ُي َج ِاد ُل ِفي َّ‬ ‫الن ِ‬ ‫اطَن ًة َو ِم َن َّ‬ ‫اهرة وب ِ‬ ‫ِنعمه َ ِ‬
‫ير * َوإِ َذا ق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ظ ًَ َ َ‬ ‫ََُ‬
‫ِ‬ ‫ير * َو َمن ُي ْسلِ ْم َو ْج َه ُه ِإَلى َّ‬
‫َّللا َو ُهَو‬ ‫الس ِع ِ‬
‫اب َّ‬ ‫وهم ِإَل ٰى َع َذ ِ‬ ‫ان َّ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬
‫ان َي ْد ُع ُ ْ‬
‫طُ‬ ‫الش ْي َ‬ ‫آءَنا أ ََوَل ْو َك َ‬
‫َّللاُ َقاُلوْا َب ْل َنتب ُع َما َو َج ْدَنا َعَل ْيه َآب َ‬
‫َّ‬
‫نك ُكْف ُرهُ ِإَل ْيَنا َم ْرِج ُع ُه ْم َفُنَنِّبُئ ُهم ِب َما‬
‫ور * َو َمن َكَف َر َفالَ َي ْح ُز َ‬ ‫َّللاِ َع ِاقَبةُ األ َُم ِ‬
‫استَ ْم َس َك ِباْل ُع ْرَوِة اْل ُوْثَق ٰى َوإَِل ٰى َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُم ْحس ٌن َفَقد ْ‬
‫الس َٰم َٰو ِت‬
‫يظ * َوَلِئن َسأَْلتَ ُه ْم َّم ْن َخَل َق َّ‬ ‫اب غلِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا علِيم ِب َذ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫طُّرُه ْم ِإَل ٰى َع َذ ٍ َ‬ ‫ضَ‬ ‫ور * ُن َمتّ ُع ُه ْم َقليالً ثُ َّم َن ْ‬ ‫الص ُد ِ‬ ‫ات ُّ‬ ‫َعمُلوْا إ َّن َّ َ َ ٌ‬
‫َّللاَ ُه َو اْل َغِن ُّي اْل َح ِم ُيد *‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واألَْر ِ‬
‫ض ِإ َّن َّ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ض َليُقوُل َّن َّ ِ‬
‫َّللاُ ُقل اْل َح ْم ُد ََّّلل َب ْل أَ ْكثَ ُرُه ْم الَ َي ْعَل ُمو َن * ََّّلل َما في َّ َ َ َ‬ ‫َواأل َْر َ َ‬
‫يم * َّما‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َع ِز ٌيز َحك ٌ‬ ‫ض ِمن َش َج َرٍة أَ ْقالَ ٌم َواْلَب ْح ُر َي ُمُّدهُ ِمن َب ْع ِدِه َس ْب َع ُة أ َْب ُح ٍر َّما َنِف َد ْت َكلِ َما ُت َّ‬ ‫وَل ْو أََّنما ِفي األ َْر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َّللا س ِميع ب ِ‬ ‫خْلُق ُكم والَ بعثُ ُكم ِإالَّ َكنْف ٍ ِ ٍ‬
‫ص ٌير‬ ‫س َواح َدة ِإ َّن َّ َ َ ٌ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َْ ْ‬

‫{ومن يسلم وجهه إلى هللا} أي‪ :‬وجوده إلى هللا بالفناء في أفعاله أو صفاته أو ذاته {وهو محسن} عابد له على‬
‫مشاهدته بحسب مقامه يعمل في األول بأعمال التوكل على مشاهدة أفعاله تعالى‪ ،‬وفي الثاني بأعمال مقام الرضا‬
‫على مشاهدة صفاته‪ ،‬وفي الثالث باالستقامة في التحقق به على شهود ذاته {فقد استمسك} بدين التوحيد الذي هو‬
‫أوثق العرى {وإلى هللا عاقبة األمور} بالفناء فيه وإليه انتهاء الكل‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة لقمان (من اآلية ‪ 29‬الى اآلية ‪)34‬‬

‫َج ٍل‬ ‫النه َار ِفي اْلَّلْي ِل وس َّخ َر َّ‬ ‫َّللاَ ُيولِ ُج اْلَّلْي َل ِفي َّ‬
‫َّللاَ‬
‫َن َّ‬ ‫ُّم َس ًّمى َوأ َّ‬ ‫الش ْم َس َواْلَق َم َر ُك ٌّل َي ْجرِي ِإَل ٰى أ َ‬ ‫ََ‬ ‫الن َه ِار َوُيولِ ُج َّ َ‬ ‫أََل ْم تَ َر أ َّ‬
‫َن َّ‬
‫* أََل ْم تََر أ َّ‬ ‫َّللاَ ُهَو اْل َعلِ ُّي اْل َكِب ُير‬ ‫َن ما يدعون ِمن دوِن ِه اْلب ِ‬
‫اط ُل َوأ َّ‬ ‫ِب َما تَ ْع َمُلو َن َخِب ٌير * َذلِ َك ِبأ َّ‬
‫َن‬ ‫َن َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّللاَ ُه َو اْل َح ُّق َوأ َّ َ َ ْ ُ َ‬ ‫َن َّ‬
‫ور * وإِ َذا َغ ِشيهم َّموج َك ُّ‬
‫الظَل ِل‬ ‫ٍ ِ ِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اْلُفْلك تَجرِي ِفي اْلبح ِر ِبِنعم ِت َّ ِ ِ‬
‫َُ ْ ْ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َّار َش ُك ٍ‬
‫صب ٍ‬ ‫آليات ّل ُك ّل َ‬ ‫َّللا لُي ِرَي ُك ْم ّم ْن َآياته ِإ َّن في َذل َك َ‬ ‫َْ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ‬
‫اس‬ ‫ُّها َّ‬ ‫صٌد َو َما َي ْج َح ُد ِب َآي ِاتَنآ ِإالَّ ُك ُّل َختَّ ٍار َكُف ٍ‬ ‫الدين َفَل َّما ن َّجاهم ِإَلى اْلب ِر َف ِم ْنهم ُّمْقتَ ِ‬‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫الن ُ‬ ‫ور * ٰيأَي َ‬ ‫ُْ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ين َل ُه ّ َ‬ ‫َّللاَ ُم ْخلص َ‬ ‫َد َع ُوْا َّ‬
‫َّكم واخشوْا يوماً الَّ يجزِي والِد عن وَل ِدِه والَ موُلود هو ج ٍاز عن والِ ِدِه شيئاً ِإ َّن وعد َّ ِ‬ ‫َّ‬
‫َّللا َح ٌّق َفالَ تَ ُغَّرَّن ُك ُم اْل َحَياةُ‬ ‫َ َْ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ َ ٌ َ َ َ َ ْ ٌ َُ َ َ َ‬ ‫اتُقوْا َرب ُ ْ َ ْ َ ْ َ ْ‬
‫اع ِة َوُيَنِّزُل اْل َغ ْي َث َوَي ْعَل ُم َما ِفي األ َْرَحا ِم َو َما تَ ْدرِي َنْف ٌس َّما َذا‬ ‫َّللاَ ِع َندهُ ِعْل ُم َّ‬
‫الس َ‬ ‫ور * ِإ َّن َّ‬ ‫الدنيا والَ يغَّرَّن ُكم ِب َّ ِ‬
‫اَّلل اْل َغ ُر ُ‬ ‫ُّ ْ َ َ َ ُ‬
‫يم َخِب ٌير‬ ‫وت ِإ َّن َّ‬ ‫َي أ َْر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاَ َعَل ٌ‬ ‫ض تَ ُم ُ‬ ‫تَ ْكس ُب َغداً َو َما تَ ْدرِي َنْف ٌس بأ ِّ‬

‫{ألم تر} أن فلك البدن تجري في بحر الهيولى بإفاضة آثار صفاته من الحياة والقدرة واإلدراك عليه وإعداده باآلالت‬

‫{بنعمة هللا} أي‪ :‬لقبول الكماالت عليه {ليريكم} بهذا الجري واالستعداد من آيات تجليات أفعاله وصفاته ّ‬
‫{إن في ذلك‬
‫صبار} يصبر مع هللا في المجاهدة عن‬
‫آليات} من تجليات أفعاله وصفاته‪ ،‬إذ ال تظهر إال على هذا المظهر {لكل ّ‬
‫ظهور أفعال نفسه وصفاتها ألحكام مقام التوكل والرضا {شكور} يشكر ِن َعم التجليات بالقيام بحقها والعمل بأحكام مقام‬
‫التوكل في تجليات األفعال وأحكام مقام الرضا في تجليات الصفات ليكون على مزيد من جالله‪.‬‬

‫{وإذا غشيهم موج} من غلبات صفات النفس ومقتضيات الطبع {كالظلل} كالحجب الساترة ألنوار التجليات {دعوا هللا‬
‫مخلصين له ال دين} التجؤوا إلى هللا باإلخالص والقيام بحقه في مقامهم لتنكشف الحجب ببركة الثبات على العمل‬
‫باإلخالص‪ ،‬فإن السالك إذا حجب بالتلوين عن المقام األعلى وجب عليه التثبيت في المقام الذي دونه مما هو ملك‬
‫أبر مقام التوكل واألمن من الغرق في بحر‬
‫له كاإلخالص بالنسبة إلى التوكل {فلما نجاهم} بالتجلي الفعلي إلى ّ‬
‫الهيولى بغلبات النفس {فمنهم مقتصد} ثابت على العدل في القيام بحقوق التوكل والسير في أفعاله تعالى على‬

‫التمكين {وما يجحد بآياتنا} بإضافة حقوق مقامه في التجليات واحتجابه عنها في التلوينات {إال ّ‬
‫كل ختار} يغدر في‬
‫الوفاء بعقد العزيمة وعهد الفطرة مع هللا عند االبتالء بالفترة {كفور} ال يستعمل ِن َعم هللا في مراضيه وال يقضي حقوق‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫مقامه في التجليات‪ ،‬وال يعمل بأعمال أهل التوكل والرضا عند ظهور أنوار األفعال والصفات‪ ،‬أو تلك الشريعة تجري‬
‫وجنة اآلثار ليريكم من آيات تجليات األفعال‪.‬‬
‫مراكبها في هذا البحر إلى ساحل ّبر النجاة ّ‬

‫{اتّقوا رّبكم} احذروه في الظهور بأفعالكم وصفاتكم وذواتكم بالفناء فيه عنها {واخشوا يوماً ال يجزي والد عن ولده}‬
‫النقطاع الوصل عند بروزكم هلل المتجلى بالوحدة والقهر وال يبقى وجود للوالد والولد‪ ،‬فال يجزي بعضهم عن بعض‬
‫تغرنكم الحياة الدنيا} من الحياة القلبية التي هي أقرب إليكم بأنها حقيقة دائمة فإنه ال حياة ألحد حينئذ {وال‬
‫شيئاً {فال ّ‬
‫يغرنكم باهلل الغرور} فتظهروا باألنائية وتحتجبوا بوسوسته فتقعوا في الطغيان‪.‬‬‫ّ‬

‫{إن هللا عنده ِعْلم الساعة} الكبرى لفناء الكل فيه حينئذ فكيف بعلومهم {وينزل} غيث ذلك بحسب االستعدادات قبل‬
‫ّ‬
‫تامة أم ال؟ أو في أرحام النفوس من أوالد القلوب أهي رشيدة‬
‫الفناء {ويعلم ما في} أرحام االستعداد من الكماالت أهي ّ‬
‫كاملة أم ال؟‪{ ،‬وما تدري نفس ماذا تكسب} من العلوم والمقامات في الزمان المستقبل الحتجابها عما في استعدادها‬
‫بأي أرض} من أراضي المقامات {تموت} ويفنى استعدادها النقضاء ما فيها من الكماالت‪ ،‬ألن علم‬ ‫{وما تدري نفس ّ‬
‫االستعدادات وحدودها مما استأثر به هللا تعالى لذاته في غيب الغيب‪ ،‬وهللا تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة السجدة (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)4‬‬

‫اهم ِّمن‬ ‫ِمن َّرب ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫نزيل اْل ِكتَ ِ‬


‫ِك لتُنذ َر َق ْوماً َّمآ أَتَ ُ‬
‫َّ‬ ‫ين * أ َْم َيُقوُلو َن ا ْفتَ َراهُ َب ْل ُهَو اْل َح ُّق‬ ‫اب الَ َرْي َب فيه من َّر ِّب اْل َعاَلم َ‬ ‫الـم * تَ ِ ُ‬
‫ش َما‬‫استَو ٰى َعَلى اْل َع ْر ِ‬
‫أَيَّا ٍم ثُ َّم ْ َ‬ ‫ض َو َما َب ْيَن ُه َما ِفي ِستَّ ِة‬ ‫َّللا َّال ِذي خَلق َّ ِ‬
‫الس َٰم َٰوت َواأل َْر َ‬ ‫َ َ‬
‫َّن ِذ ٍ ِ ِ َّ‬
‫ير ّمن َقْبل َك َل َعل ُه ْم َي ْهتَ ُدو َن * َّ ُ‬
‫َل ُك ْم ِّمن ُدوِن ِه ِمن َولِ ٍّي َوالَ َشِف ٍ‬
‫يع أََفالَ تَتَ َذ َّك ُرو َن‬

‫األحدية والصفات والحضرات األسمائية هو {تنزيل} كتاب العقل الفرقاني المطلق على‬
‫ّ‬ ‫{الم} أي‪ :‬ظهور الذات‬
‫رب العالمين} بظهوره في مظهره بصورة الرحمة التامة {هللا الذي خلق السموات واألرض وما‬
‫الوجود المحمدي {من ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫بينهما} باحتجابه بها في األيام الستة اإللهية التي هي مدة دور الخفاء من لدن آدم عليه السالم إلى دور محمد عليه‬
‫الصالة والسالم {ثم استوى} على عرش القلب المحمدي للظهور في هذا اليوم األخير الذي هو جمعة تلك األيام‬
‫بالتجلي بجميع صفاته‪ ،‬فإن استواء الشمس هو كمال ظهورها في اإلشراق ونشر الشعاع‪ ،‬ولهذا قال عليه السالم‪:‬‬
‫ُ"ب ِع ْث ُت في َن َسم الساعة"‪ ،‬فإن وقت بعثته طلوع صبح الساعة ووسط نهار هذا اليوم وقت ظهور المهدي عليه السالم‪،‬‬
‫استحب قراءة هذه السورة في صبح يوم الجمعة‪{ .‬ما لكم من دونه} عند ظهوره {من ولي وال شفيع} لفناء‬
‫ّ‬ ‫وألمر ما‬
‫ّ‬
‫الكل فيه {أفال تتذكرون} العهد األول من ميثاق الفطرة عند ظهور الوحدة‪.‬‬

‫سورة السجدة (من اآلية ‪ 5‬الى اآلية ‪)12‬‬

‫ف َسَن ٍة ِّم َّما تَ ُعُّدو َن * ٰذلِ َك َعالِ ُم اْل َغ ْي ِب‬ ‫ض ثُ َّم يعرج ِإَلي ِه ِفي يو ٍم َك ِ‬
‫ان مْق َد ُارهُ أَْل َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫الس َمآء ِإَلى األ َْر ِ َ ْ ُ ُ ْ‬
‫يدِبر األَمر ِمن َّ ِ‬
‫َُ ُّ ْ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ين * ثُ َّم َج َع َل َن ْسَل ُه من ُسالََلة ّمن‬ ‫ِ‬
‫ان من ط ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اإل ْن َس ِ‬ ‫ٍ‬
‫َحس َن ُك َّل َشيء َخَلَق ُه وَب َدأَ َخْل َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫الشه َاد ِة اْلع ِز ُيز َّ ِ‬
‫َّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫يم * الذي أ ْ َ‬ ‫الرح ُ‬ ‫َ‬ ‫َو َ‬
‫ضَلْلَنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ص َار َواألَْفئ َدةَ َقليالً َّما تَ ْش ُك ُرو َن * َوَقاُلوْا أَء َذا َ‬ ‫وح ِه َو َج َع َل َل ُك ُم َّ‬
‫الس ْم َع َواأل َْب َ‬
‫ين * ثُ َّم سَّواه ونَفخ ِف ِ‬
‫يه ِمن ُّر ِ‬ ‫َ ُ ََ َ‬ ‫َّم ٍآء َّم ِه ٍ‬

‫اكم َّمَل ُك اْل َم ْو ِت َّال ِذي ُوِّك َل ِب ُك ْم ثُ َّم ِإَل ٰى َرّب ُ‬


‫ِك ْم‬ ‫ض أ َِءَّنا َلِفي َخْل ٍق َج ِد ٍيد َب ْل ُهم ِبَلَق ِآء َرّب ِِه ْم َك ِاف ُرو َن * ُق ْل َيتََوَّف ُ‬
‫ِفي األ َْر ِ‬
‫صالِحاً ِإَّنا ُموِقُنو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ص ْرَنا َو َسم ْعَنا َف ْارج ْعَنا َن ْع َم ْل َ‬ ‫تُ ْر َج ُعو َن * َوَل ْو تَ َر ٰى إذ اْل ُم ْج ِرُمو َن َناك ُسوْا ُرُءوسه ْم ع َند َرِّبه ْم َربََّنآ أَْب َ‬

‫{يدبر األمر} باإلخفاء والخالقية من سماء ظهور الوحدة إلى أرض خفائها وغروبها في األيام الستة {ثم يعرج إليه}‬

‫تعدون ذلك} ّ‬
‫المدبر {عالم الغيب} وحكمة الخفاء في‬ ‫بالظهور في هذا اليوم السابع الذي كان {مقداره ألف سنة مما ّ‬
‫الستة {والشهادة} أي‪ :‬الظهور في هذا اليوم {العزيز} المنيع بستور الجالل في االحتجاب {الرحيم} بكشفها وإظهار‬
‫مختص بالصفات واألكوان كلها مظاهر‬
‫ّ‬ ‫الجمال {الذي أحسن كل شيء خلقه} بأن جعله مظاهر صفاته‪ ،‬فإن الحسن‬
‫خصه بالتسوية أي‪ :‬التعديل بأعدل األمزجة وأحسن‬
‫مختص بجمال الذات ولهذا ّ‬
‫ّ‬ ‫صفاته إال اإلنسان الكامل فإنه‬
‫ليستعد بذلك لقبول الروح المخصوص به تعالى {ونفخ فيه من روحه} وبهذا النوع أنهى الخلق وظهر الحق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التقويم‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{ملك الموت} أي‪ :‬النفس اإلنسانية الكلية التي هي معاد النفوس الجزئية ما لم تسقط عن الفطرة بالكلية وإن احتجبت‬
‫حد الرين وانغالق باب المغفرة تتوفاها النفس التي هي‬
‫الهيئات الظلمانية والصفات النفسانية فإنها ما لم تبلغ إلى ّ‬
‫الرب‬
‫الحد وإن احتجبوا عن لقاء ّ‬
‫بمثابة القلب للعالم‪ ،‬وإن بلغت فرقتها مالئكة العذاب فحسب‪ ،‬ولما لم يبلغوا إلى هذا ّ‬
‫وصفهم مع ميلهم إلى الجهة السفلية المنكسة لرؤوسهم بسبب رسوخ هيئات األجرام بالبصر والسمع وتمنى الرجوع إذ‬
‫لو لم يبق فيهم نور الفطرة وطمسوا بالكلية لم يقولوا‪{ :‬ربنا أبصرنا وسمعنا} ولم يتمنوا الرجوع‪ ،‬وهؤالء هم الذين ال‬
‫يعدلون بحسب رسوخ الهيئات ثم يرجعون‪.‬‬
‫يتخلدون في النار بل ّ‬

‫سورة السجدة (من اآلية ‪ 13‬الى اآلية ‪)15‬‬

‫* َف ُذوُقوْا ِب َما َن ِسيتُ ْم‬ ‫ين‬ ‫اس أ ِ‬


‫الن ِ ْ‬
‫َج َمع َ‬ ‫َن َج َهَّنم ِم َن اْل ِجَّن ِة َو َّ‬‫اها َوَلـ ِٰك ْن َح َّق اْلَق ْو ُل ِمِّني أل َْمأل َّ‬
‫س ُه َد َ‬ ‫وَل ْو ِش ْئَنا آلتَْيَنا ُك َّل َنْف ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ُذ ِّك ُروْا ِب َها َخُّروْا ُس َّجداً‬ ‫ين ِإ َذا‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب اْل ُخْلد ِب َما ُكنتُ ْم تَ ْع َمُلو َن * ِإَّن َما ُي ْؤ ِم ُن ِب َآياتَنا الذ َ‬
‫اك ْم َوُذوُقـوْا َع َذ َ‬ ‫آء َي ْو ِم ُك ْم َهـٰ َذآ ِإَّنا َنس َين ُ‬
‫لَق َ‬
‫َّحوْا ِب َح ْم ِد َرِّب ِه ْم َو ُه ْم الَ َي ْستَ ْكِب ُرو َن‬
‫َو َسب ُ‬

‫{آلتينا كل نفس هداها} بالتوفيق للسلوك مع المساواة في االستعداد‪ ،‬ولكنه ينافي الحكمة لبقائهم حينئذ على طبيعة‬
‫وخلو أكثر مراتب هذا العالم عن أربابها‬
‫واحدة وبقاء سائر الطبقات الممكنة في حين اإلمكان مع عدم الظهور أبداً‪ّ ،‬‬
‫فال تمشي األمور الخسيسة والدنيئة المحتاج إليها في العالم التي تقوم بها أهل الحجاب والذّلة والقسوة والظلمة‪ ،‬البعداء‬
‫يتم صالح المهتدين أيضاً لوجوب االحتياج إلى سائر‬‫العزة‪ ،‬فال ينضبط نظام العالم وال ّ‬
‫عن المحبة والرحمة والنور و ّ‬
‫الختل بعدم النفوس الغالظ‬
‫ّ‬ ‫فإن النظام ينصلح بالمخافي وبالمظاهر فلو كانوا مظاهر كلهم أنبياء وسعداء‬
‫الطبقات‪ّ ،‬‬
‫وشياطين اإلنس القائمين بعمارة العالم‪ .‬أال ترى إلى قوله تعالى‪" :‬إني جعلت معصية آدم سبباً لعمارة العالم"‪ ،‬فوجب‬
‫في الحكمة الحّقة التفاوت في االستعداد بالقوة والضعف والصفاء والكدورة والحكم بوجود السعداء واألشقياء في القضاء‬
‫{ألمألن‬
‫ّ‬ ‫حق القول مني} أي‪ :‬في القضاء السابق‬ ‫ليتجلى بجميع الصفات في جميع المراتب‪ ،‬وهذا معنى قوله‪{ :‬ولكن ّ‬
‫الخفية عن البصر {والناس أجمعين} {فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم‬
‫ّ‬ ‫الجنة} أي‪ :‬النفوس األرضية‬
‫جهنم} الطبيعة {من ّ‬
‫{إنا نسيناكم} بالخذالن عن الرحمة لعدم قبولكم إياها وإدباركم‬
‫هذا} الحتجابكم بالغشاوات الطبيعية والمالبسة البدنية ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الخْلد} بسبب أعمالكم‪ ،‬فعلى هذا التأويل المذكور تكون الخلد مجا اًز وعبارة عن الزمان الطويل‪ ،‬أو‬
‫{وذوقوا عذاب ُ‬
‫الجنة والناس‪.‬‬
‫حق عليهم القول في القضاء السابق من ّ‬ ‫يكون الخطاب بذوقوا لمن ّ‬

‫خروا} لسرعة قبولهم لها بصفاء فطرتهم {سجداً} فانين‬ ‫ِ‬


‫{إنما يؤمن} على التحقيق بآيات صفاتنا {الذين إذا ُذكروا بها ّ‬
‫جردوا ذواتهم متّصفين بصفات رّبهم فذاك هو تسبيحهم وحمدهم له بالحقيقة {وهم ال‬ ‫{وسبحوا بحمد رّبهم} أي‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫فيها‬
‫يستكبرون} بظهور صفات النفس واألنائية‪.‬‬

‫سورة السجدة (من اآلية ‪ 16‬الى اآلية ‪)30‬‬

‫ُخِفي َل ُهم ِّمن ُقَّرِة‬ ‫اه ْم ُي ِنفُقو َن * فال تعلم نفس مآ أ‬ ‫ط َمعاً َو ِم َّما َرَزْقَن ُ‬ ‫تَتَجا َف ٰى جُنوبهم َع ِن اْلم َ ِ‬
‫ضاج ِع َي ْد ُعو َن َرب ُ‬
‫َّه ْم َخ ْوفاً َو َ‬
‫َ َ َ ْ َ ُ َْ ٌ َّ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُُ ْ‬ ‫َ‬
‫الصالِحاتِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫آمُنوْا َو َعمُلوْا َّ َ‬ ‫ين َ‬ ‫َما الذ َ‬‫ان َفاسقاً ال َي ْستَُوو َن * أ َّ‬ ‫ان ُم ْؤ ِمناً َك َمن َك َ‬‫آء ِب َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * أََف َمن َك َ‬ ‫أْ ٍ‬
‫َعُين َج َز ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َما َّال ِذين َفسُقوْا َفمأْواهم َّ َّ‬ ‫ات اْل َمأ َْو ٰى ُن ُزالً ِب َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * َوأ َّ‬
‫الن ُار ُكل َمآ أََرُادوْا أَن َي ْخ ُرُجواُ م ْن َهآ أُع ُيدوْا ف َ‬
‫يها‬ ‫َ َ ُُ‬ ‫َ َ‬ ‫َفَل ُه ْم َجَّن ُ‬
‫اب األَ ْكَب ِر َل َعَّل ُه ْم َي ْرِج ُعو َن‬ ‫الن ِار َّال ِذي ُكنتُم ِب ِه تُ َك ِّذبو َن * وَلُن ِذيَقَّنهم ِم َن اْلع َذ ِ‬
‫اب األ َْدَن ٰى ُدو َن اْلع َذ ِ‬
‫َ‬ ‫ُْ ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫اب َّ‬ ‫يل َل ُه ْم ُذوُقوْا َع َذ َ‬ ‫َوِق َ‬
‫تَ ُكن ِفي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫* ومن أَ ْ ِ‬
‫اب َفالَ‬ ‫وسى اْلكتَ َ‬ ‫ين ُمنتَق ُمو َن * َوَلَق ْد آتَْيَنا ُم َ‬ ‫ض َع ْن َهآ ِإَّنا م َن اْل ُم ْج ِرِم َ‬ ‫ظَل ُم م َّمن ُذ ّك َر ِب َآيات َرّبِه ثُ َّم أ ْ‬
‫َع َر َ‬ ‫ََْ‬
‫* ِإ َّن‬ ‫صَب ُروْا َوَك ُانوْا ِب َآي ِاتَنا ُيوِقُنو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِ ٍ ِ ِ ِِ‬
‫يل * َو َج َعْلَنا م ْن ُه ْم أَئ َّم ًة َي ْه ُدو َن بأ َْم ِرَنا َل َّما َ‬
‫م ْرَية ّمن ّلَقآئه َو َج َعْلَناهُ ُه ًدى ّلَبني إ ْس َرائ َ‬
‫َهَل ْكَنا ِمن َقْبلِ ِه ْم ِّم َن اْلُق ُرو ِن َي ْم ُشو َن ِفي‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫صل بيَنهم يوم اْلَقي ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يما َك ُانوْا فيه َي ْخَتلُفو َن * أ ََوَل ْم َي ْهد َل ُه ْم َك ْم أ ْ‬ ‫امة ف َ‬ ‫َّك ُه َو َيْف ُ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َ َ‬ ‫َرب َ‬
‫ْك ُل ِم ْن ُه‬ ‫ض اْل ُج ُرِز َفُن ْخ ِرُج ِب ِه َزْرعاً تَأ ُ‬ ‫ات أََفالَ َي ْسم ُعو َن * أَوَلم َي َرْوْا أََّنا َنسو ُق اْلمآء ِإَلى األ َْر ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫اكِن ِهم ِإ َّن ِفي َذلِك آلي ٍ‬
‫َ َ‬ ‫َم َس ْ‬
‫ِ‬
‫َّ ِ‬ ‫صرو َن * ويُقوُلو َن متَى هـٰ َذا اْلَف ْتح ِإن ُكنتُم ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َكَف ُروْا‬‫ين * ُق ْل َي ْوَم اْلَف ْت ِح الَ َي َنف ُع الذ َ‬ ‫صادق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ٰ َ‬ ‫ََ‬ ‫َنف ُس ُه ْم أََفالَ ُي ْب ُ‬
‫ام ُه ْم َوأ ُ‬
‫أ َْن َع ُ‬
‫ض َع ْن ُه ْم َوانتَ ِظ ْر ِإَّن ُه ْم ُّمنتَ ِظ ُرو َن‬ ‫َع ِر ْ‬
‫ظ ُرو َن * َفأ ْ‬ ‫ِإَي َم ُان ُه ْم َوالَ ُه ْم ُين َ‬

‫بالتجرد عن الغواشي الطبيعية والقيام {عن المضاجع} البدنية والخروج عن الجهات بمحو الهيئات‬
‫ّ‬ ‫{تتجافى جنوبهم}‬
‫{يدعون رّبهم} بالتوجه إلى التوحيد في مقام القلب خوفاً من االحتجاب بصفات النفس بالتلوين {وطمعاً} في لقاء الذات‬
‫{ومما رزقناهم} من المعارف والحقائق {ينفقون} على أهل االستعداد {فال تعلم نفس} شريفة منهم {ما أخفي لهم} من‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫تقر به أعينهم فيجدون من اللذة والسرور ما ال يبلغ كنهه وال يمكن وصفه {جزاء‬
‫جمال الذات ولقاء نور األنوار الذي ّ‬
‫بما كانوا يعملون} من التجريد والمحو في الصفاء والعمل بأحكام التجليات {مؤمناً} بالتوحيد على دين الفطرة‪.‬‬

‫{كمن كان فاسقاً} بخروجه عن ذلك الدين القيم بحكم دواعي النشأة {جنات المأوى} بحسب مقاماتهم من الجنان‬
‫الثالث {كلما أرادوا أن يخرجوا منها} بالميل الفطرّي {أعيدوا فيها} الستيالء الميل السفلي وقهر الملكوت األرضية‬
‫بسبب رسوخ الهيئات الطبيعية‪.‬‬

‫البليات والشدائد واألهوال‬


‫{ولنذيقنهم من العذاب األدنى} الذي هو عذاب اآلثار ونيران مخالفات النفوس والطباع في ّ‬
‫{دون العذاب األكبر} الذي هو االحتجاب بالظلمات عن أنوار الصفات والذات {لعلهم يرجعون} إلى هللا عند تصفية‬
‫بشدة العذاب األدنى قبل الرين بكثافة الحجاب‪.‬‬
‫فطرتهم ّ‬

‫{ولقد آتينا موسى} كتاب العقل الفرقاني {فال تكن في مرية} من لقاء موسى عند بلوغك إلى مرتبته في معراجك كما‬
‫السر الذي هو مقام المناجاة إلى مقام‬
‫ذكر في قصة المعراج أنه لقيه في السماء الخامسة وهو عند ترقيه عن مقام ّ‬
‫المقدس {يوم الفتح} المطلق يوم القيامة الكبرى بظهور المهدي ال ينفع إيمان المحجوبين حينئذ‬
‫الروح الذي هو الوادي ّ‬
‫ألنه ال يكون إال باللسان‪ ،‬وال يفنى عنهم العذاب‪ ،‬وهللا تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة األحزاب (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)6‬‬

‫ِك ِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين َواْل ُمَن ِافِقي َن ِإ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‬
‫َّللاَ َك َ‬ ‫وح ٰى ِإَل ْـي َك من َرّب َ‬
‫ان َعليماً َحكيماً * َواتَِّب ْع َما ُي َ‬ ‫َّللاَ َك َ‬ ‫النِب ُّي اتَّ ِق َّ‬
‫َّللاَ َوالَ تُط ِع اْل َكاف ِر َ‬ ‫َٰيأَي َ‬
‫ُّها َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّللِ و ِكيالً * َّما جعل َّ ِ ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِبما تعمُلون خِبي اًر * وتوَّكل عَلى َّ ِ‬
‫َّللاُ ل َرُجل ّمن َقْلَب ْي ِن في َج ْوِفه َو َما َج َع َل أ َْزَو َ‬
‫اج ُك ُم‬ ‫ََ َ‬ ‫َّللا َوَكَف ٰى ب َّ َ‬ ‫َ ََ ْ َ ٰ‬ ‫َ َْ َ َ َ‬
‫يل *‬ ‫َّللا َيُقول اْل َح َّق و ُهو َي ْه ِدي َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫ِ‬ ‫اهرون ِم ْنه َّن أ َّ ِ‬ ‫الالَِّئي تُ َ ِ‬
‫السب َ‬ ‫َ َ‬ ‫آء ُك ْم َذل ُك ْم َق ْوُل ُكم بأَ ْفَواه ُك ْم َو َّ ُ ُ‬
‫آء ُك ْم أ َْبَن َ‬
‫ُم َهات ُك ْم َو َما َج َع َل أ َْدعَي َ‬ ‫ظ ُ َ ُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫طأْتُ ْم ِب ِه‬
‫َخ َ‬‫يمآ أ ْ‬ ‫يكم وَليس عَلي ُكم جَن ِ‬
‫اح ف َ‬ ‫ين َو َمَوال ُ ْ َ ْ َ َ ْ ْ ُ ٌ‬
‫ِ‬ ‫الد ِ‬‫َّللاِ َفِإن َّلم تَعَلموْا آباءهم َفِإخوان ُكم ِفي ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ ْ ُ َ َ ُْ َ ُ ْ‬ ‫ط ِع َند َّ‬‫آلب ِآئ ِه ْم ُه َو أَ ْق َس ُ‬
‫وه ْم َ‬ ‫ْاد ُع ُ‬
‫ِ‬ ‫النِب ُّي أَوَلى ِباْلمؤ ِمِن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُم َهاتُ ُه ْم َوأ ُْوُلوْا األ َْرَحا ِم‬ ‫ين م ْن أَْنُفس ِه ْم َوأ َْزَو ُ‬
‫اج ُه أ َّ‬ ‫َّللاُ َغُفو اًر َّرحيماً * َّ ْ ٰ ُ ْ َ‬ ‫ان َّ‬‫وب ُك ْم َوَك َ‬
‫َوَلـٰكن َّما تَ َع َّم َد ْت ُقُل ُ‬
‫ان َذلِ َك ِفي اْل ِكتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ ِمن اْلمؤ ِمِنين واْلمها ِج ِر َّ‬ ‫ضهم أَوَل ٰى ِبب ْع ٍ ِ ِ ِ‬
‫اب‬ ‫ين ِإال أَن تَْف َعُلوْا ِإَل ٰى أ َْولَِيآئ ُك ْم َّم ْع ُروفاً َك َ‬
‫َ‬ ‫ض في كتَاب َّ َ ُ ْ َ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َب ْع ُ ُ ْ ْ‬
‫طو اًر‬
‫َم ْس ُ‬

‫اتق هللا} بالفناء عن ذاتك بالكلية دون بقاء البقية {وال تُ ِطع الكافرين} بموافقتهم في بعض الحجب‬
‫{يا أيها النبي ّ‬
‫لظهور األنائية {والمنافقين} بالنظر إلى الغير فتكون ذا وجهين وباالنتهاء بحكم هذا النهي وصف بقوله‪َ :‬‬
‫{ما َازغَ‬
‫ط َغ ٰى}[النجم‪ ،‬اآلية‪{ ،]17:‬إن هللا كان عليماً} يعلم ذنوب األحوال {حكيماً} في ابتالئك بالتلوينات فإنها‬
‫ص ُر َو َما َ‬
‫اْلَب َ‬
‫أمته فال يمكنه القيام بهدايتهم {واتّبع} في‬
‫تنفع في الدعوة وإصالح أمر األمة إذ لو لم يكن له تلوين لم يعرف ذلك من ّ‬
‫ظهور التلوينات {ما يوحى إليك من رّبك} من التأديبات وأنواع العتاب والتشديدات بحسب المقامات كما ذكر غير مرة‬
‫اك}[اإلسراء‪ ،‬اآلية‪ ]74:‬وأمثاله {إن هللا كان بما تعلمون خبي اًر} يعلم مصادر األعمال وأنها من‬
‫{وَل ْوالَ أَن ثَب َّْتَن َ‬
‫في قوله‪َ :‬‬
‫‪ -‬أي الصفات ‪ -‬تصدر من الصفات النفسانية أو الشيطانية أو الرحمانية فيهديك إليها ويزكيك منها ويعلمك سبيل‬
‫التزكية والحكمة في ذلك {وتوكل على هللا} في دفع تلك التلوينات ورفع تلك الحجب والغشاوات {وكفى باهلل وكيالً}‬
‫فإنها ال ترتفع وال تنكشف إال بيده ال بنفسك وعلمك وفعلك‪ ،‬أي‪ :‬ال تحتجب برؤية الفناء في الفناء فإنه ليس من فعلك‬
‫سواء كان في األفعال أو الصفات أو الذات أو إزالة التلوينات فإنها كلها بفعل هللا ال مدخل لك فيها وإال لما كنت‬
‫فانياً‪.‬‬

‫{النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} ألنه مبدأ وجوداتهم الحقيقية ومبدأ كماالتهم ومنشأ الفيضين األقدس االستعدادي‬
‫ّ‬
‫أمهاتهم في التحريم ومحافظة الحرمة مراعاة‬
‫ّ‬ ‫اجه‬
‫و‬ ‫أز‬ ‫كانت‬ ‫ولذلك‬ ‫لهم‬ ‫الحقيقي‬ ‫األب‬ ‫فهو‬ ‫‪،‬‬‫ً‬‫ا‬ ‫ثاني‬ ‫الكمالي‬ ‫المقدس‬
‫و‬ ‫أوالً‬
‫لجانب الحقيقة وهو الواسطة بينهم وبين الحق في مبدأ فطرتهم فهو المرجع في كماالتهم وال يصل إليهم فيض الحق‬
‫أحب إليهم من نفسهم لكانوا‬
‫بدونه ألنه الحجاب األقدس واليقين األول‪ ،‬كما قال‪" :‬أول ما خلق هللا نوري"‪ ،‬فلو لم يكن ّ‬
‫محجوبين بأنفسهم عنه‪ ،‬فلم يكونوا ناجين‪ ،‬إذ نجاتهم إنما هي بالفناء فيه ألنه المظهر األعظم‪.‬‬

‫{وأولوا األرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب هللا من المؤمنين والمهاجرين} بعضهم أولى ببعض من غيرهم لالتصال‬
‫الروحاني والجسماني واألخوة الدينية والقرابة الصورية وال تخلو القرابة من تناسب ما في الحقيقة التصال الفيض‬
‫الروحاني بحسب االستعداد المزاجي‪ ،‬فكما تتناسب أمزجة أولي األرحام وهياكلهم الصورية فكذلك أرواحهم وأحوالهم‬
‫المعنوية {إال إن تفعلوا إلى أوليائكم} المحبوبين في هللا للتناسب الروحي والتقارب الذات {معروفاً} إحساناً بمقتضى‬
‫المحبة واالشتراك في الفضيلة زائداً عما بين األقارب {كان ذلك في الكتاب} أي‪ :‬اللوح المحفوظ {مسطو اًر}‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األحزاب (من اآلية ‪ 7‬الى اآلية ‪)20‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ ِ ِ‬ ‫َخ ْذَنا ِم َن‬
‫َل‬
‫َخ ْذَنا م ْن ُه ْم ّميثَاقاً َغليظاً * ّلَي ْسأ َ‬ ‫يسى ْاب ِن َم ْرَي َم َوأ َ‬
‫وس ٰى َوع َ‬
‫يم َو ُم َ‬ ‫النبّي ْي َن ميثَا َق ُه ْم َوم ْن َك َومن نو ٍح َوإِ ْب َراه َ‬ ‫َوإِ ْذ أ َ‬
‫ود َفأ َْرَسْلَنا‬ ‫ِ‬ ‫صد ِق ِهم وأَعَّد لِْل َك ِاف ِرين ع َذاباً أَلِيماً * ٰيأَيُّها َّال ِذين آمنوْا ا ْذ ُكروْا ِنعم َة َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫آء ْت ُك ْم ُجُن ٌ‬
‫َّللا َعَل ْي ُك ْم إ ْذ َج َ‬ ‫ُ َْ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ْ َ َ‬ ‫ين َعن‬ ‫الصادق َ‬
‫نكم وإِ ْذ َز َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫صي اًر * ِإ ْذ جآء ُ ِ‬ ‫َّللا ِبما تَعمُلو َن ب ِ‬ ‫َّ‬
‫ص ُار‬
‫اغت األ َْب َ‬ ‫َسَف َل م ُ ْ َ‬ ‫وك ْم ّمن َف ْوِق ُك ْم َو ِم ْن أ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ان َّ ُ َ ْ َ‬ ‫َعَل ْي ِه ْم ِريحاً َو ُجُنوداً ل ْم تَ َرْو َها َوَك َ‬
‫ول اْل ُمَن ِافُقو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ظُّنو َن ِب َّ ِ ُّ‬ ‫وبَل َغ ِت اْلُقُلوب اْلحَن ِ‬
‫ون ْا * ُهَنال َك ْابُتل َي اْل ُم ْؤ ِمُنو َن َوُ ْزل ِزُلوْا ِ ْزل َازالً َشديداً * َوإِ ْذ َيُق ُ‬
‫اَّلل الظُن َ‬ ‫اج َر َوتَ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ََ‬
‫َه َل َي ْث ِر َب الَ ُمَق َام َل ُك ْم َف ْارِج ُعوْا‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫َّ‬ ‫و َّال ِذ ِ‬
‫َّللاُ َوَرُسوُل ُه ِإال ُغ ُرو اًر * َوإِ ْذ َقاَلت طآئَف ٌة ّم ْن ُه ْم ٰيأ ْ‬
‫ض َّما َو َع َدَنا َّ‬ ‫ين في ُقُلوبِ ِهم َّم َر ٌ‬‫َ َ‬
‫النِب َّي َيُقوُلو َن ِإ َّن ُبُيوتََنا َع ْوَرةٌ َو َما ِه َي ِب َع ْوَرٍة ِإن ُي ِر ُيدو َن ِإالَّ ِف َار اًر * َوَل ْو ُد ِخَل ْت َعَل ْي ِه ْم ِّم ْن أَ ْق َ‬
‫ط ِارَها‬ ‫يق ِّم ْن ُهم َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫َوَي ْستَْئذ ُن َف ِر ٌ‬
‫َّللاِ َم ْسُئوالً‬
‫ان َع ْه ُد َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ثُ َّم سِئُلوْا اْلِف ْتن َة آلتَوها وما َتَلَّبثُوْا ِبهآ ِإالَّ ي ِسي اًر * وَلَق ْد َكانوْا عاهدوْا َّ ِ‬
‫َّللاَ من َقْب ُل الَ ُي َولو َن األ َْدَب َار َوَك َ‬ ‫ُ َ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َّللاِ ِإ ْن‬
‫ص ُم ُك ْم ِّم َن َّ‬ ‫* ُقل َّلن ي َنفع ُكم اْلِفرار ِإن َفررتُم ِمن اْلمو ِت أ َِو اْلَق ْت ِل وإِذاً الَّ تُمتَّعو َن ِإالَّ َقلِيالً * ُقل من َذا َّال ِذي يع ِ‬
‫َْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ْ ّ َ َْ‬ ‫َ َ ُ َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أ ََرَاد ِب ُك ْم ُسوءاً أ َْو أ ََرَاد ِب ُك ْم َر ْح َم ًة َوالَ َي ِج ُدو َن َل ُه ْم ّمن ُدو ِن َّ‬
‫ين‬
‫نك ْم َواْلَقآئل َ‬‫ين م ُ‬ ‫َّللاُ اْل ُم َعِّوق َ‬
‫َّللا َولِّياً َوالَ َنصي اًر * َق ْد َي ْعَل ُم َّ‬
‫َعُيُن ُه ْم َك َّال ِذي‬
‫ور أ ْ‬‫ظ ُرو َن ِإَل ْي َك تَُد ُ‬ ‫ف َأرَْيتَ ُه ْم َين ُ‬‫آء اْل َخ ْو ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإل ْخوِان ِهم هُل َّم ِإَليَنا والَ يأْتُو َن اْلبأ ِ َّ ِ‬
‫ْس إال َقليالً * أَش َّح ًة َعَل ْي ُك ْم َفإ َذا َج َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ َ ْ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َع َماَل ُه ْم‬
‫َّللاُ أ ْ‬
‫ط َّ‬ ‫وك ْم ِبأَْلسَنة ح َداد أَش َّح ًة َعَلى اْل َخ ْي ِر ْأوَلـٰئ َك َل ْم ُي ْؤ ِمُنوْا َفأ ْ‬
‫َحَب َ‬ ‫ف َسَلُق ُ‬ ‫ُي ْغ َش ٰى َعَل ْيه م َن اْل َم ْوت َفِإ َذا َذ َه َب اْل َخ ْو ُ‬
‫َعر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وَكان َذِلك عَلى َّ ِ ِ‬
‫اب َي ْسأَُلو َن‬ ‫اب َيَوُّدوْا َل ْو أََّن ُه ْم َب ُادو َن في األ ْ َ‬ ‫َح َز ُ‬
‫اب َل ْم َي ْذ َهُبوْا َوإِن َيأْت األ ْ‬ ‫َّللا َيسي اًر * َي ْح َسُبو َن األ ْ‬
‫َح َز َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫َنب ِآئ ُك ْم َوَل ْو َك ُانوْا ِف ُ‬
‫يك ْم َّما َق َاتُلوْا ِإالَّ َقلِيالً‬ ‫َع ْن أ َ‬

‫{وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم} وخصوصاً الخمسة المذكورة الختصاصهم بمزيد المرتبة والفضيلة ميثاق التوحيد‬
‫والتكميل والهداية بالتبليغ عند الفطرة وهو الميثاق الغليظ المضاعف بالكمال والتكميل ولذلك أضافه إليهم بقوله‪:‬‬
‫لتقدمه‬
‫وقدم في االختصاص بالذكر نبينا عليه السالم بقوله منك‪ّ ،‬‬
‫ميثاقهم‪ ،‬أي‪ :‬الميثاق الذي ينبغي لهم ويختص بهم‪ّ ،‬‬
‫صدقوا العهد‬ ‫على الباقين في الرتبة والشرف {ليسأل} هللا بسبب عهدهم وميثاقهم وبواسطة هدايتهم {الصادقين} الذين ّ‬
‫ِك ْم َقاُلوْا َبَل ٰى }[األعراف‪ ،‬اآلية‪{ ،]172:‬عن صدقهم} بالوفاء والوصول إلى‬ ‫األول والميثاق الفطري في قوله‪{ :‬أََل ْس ُت ِب َرّب ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاَ‬
‫اه ُدوْا َّ‬
‫ص َدُقوْا َما َع َ‬
‫ال َ‬ ‫{م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين ِرَج ٌ‬ ‫الحق بإخراج ما في استعدادهم من الكمال بحضور األنبياء كما قال تعالى‪ّ :‬‬
‫َعَل ْي ِه}[األحزاب‪ ،‬اآلية‪ ]23 :‬فالسؤال إنما كان مسبباً عن ميثاق األنبياء ألنه يسألهم على ألسنتهم وهم الشاهدون لهم‬
‫آخ اًر كما كانوا شاهدين عليهم أوالً‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األحزاب (من اآلية ‪ 21‬الى اآلية ‪)22‬‬

‫َّللاَ َكِثي اًر * َوَل َّما َأرَى اْل ُم ْؤ ِمُنو َن‬ ‫َّللا واْليوم ِ‬
‫اآلخ َر َوَذ َك َر َّ‬ ‫ِ‬ ‫ول َّ ِ‬ ‫ان َل ُكم ِفي رس ِ‬ ‫َّ‬
‫ان َي ْر ُجوْا َّ َ َ َ ْ َ‬ ‫ُس َوةٌ َح َسَن ٌة ّل َمن َك َ‬
‫َّللا أ ْ‬ ‫َُ‬ ‫لَق ْد َك َ ْ‬
‫يماناً َوتَ ْسلِيماً‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫َّللاُ َوَرُسولُ ُه َو َما َزَاد ُه ْم إال إ َ‬
‫ص َد َق َّ‬
‫َّللاُ َوَرُسوُل ُه َو َ‬
‫اب َقاُلوْا َهـٰ َذا َما َو َع َدَنا َّ‬
‫َح َز َ‬
‫األ ْ‬

‫{لقد كان لكم في رسول هللا أسوة حسنة} وجب على كل مؤمن متابعة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم مطلقاً حتى‬
‫يتحقق رجاؤه ويتم عمله لكونه الواسطة في وصولهم والوسيلة في سلوكهم للرابطة وقرن به الذكر الكثير الذي هو‬
‫عمل ذلك المقام ليعلم أن من كان في بدايته يلزمه متابعته في األعمال واألخالق والمجاهدة والمواساة بالنفس والمال‪،‬‬
‫تجرد وتزكى عن صفات نفسه فليتابعه في موارد القلب‪ ،‬أي‪ :‬الصدق‬
‫إذ لو لم يحكم البداية لم يفلح بالنهاية‪ .‬ثم إذا ّ‬
‫وتجليات‬
‫ّ‬ ‫واإلخالص‪ ،‬والتسليم والتوكل‪ ،‬كما تابعه في منازل النفس ليحتظي ببركة متابعته بالمواهب واألحواب‬
‫السر والروح‬
‫وتجليات األفعال في مقام النفس‪ ،‬وكذا في مقام ّ‬
‫ّ‬ ‫الصفات في مقامه كما احتظى بالمكاسب والمقامات‬
‫حتى الفناء‪ .‬ومن صحة المتابعة تصديقه في كل ما أخبر به بحيث ال يعتروه الشك في شيء من أخباره وإال فترت‬
‫العزيمة وبطلت المتابعة‪ ،‬فإن األصل والعمدة في العمل االعتقاد الجازم‪ ،‬ولهذا مدحهم بقوله‪{ :‬ولما رأى المؤمنون‬
‫األحزاب قالوا هذا ما وعدنا هللا ورسوله وصدق هللا ورسوله} إذ وعدهم االبتالء والزلزال حتى ينخلعوا عن أبدانهم‬
‫آء َوُ ْزل ِزُلوْا‬ ‫آء َو َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫الضَّر ُ‬ ‫ْس ُ‬
‫ين َخَل ْوْا من َقْبل ُكم َّم َّس ْت ُه ُم اْلَبأ َ‬
‫{وَل َّما َيأْت ُكم َّمَث ُل الذ َ‬
‫ويتجردوا في التوجه إليه عن نفوسهم في قوله‪َ :‬‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َّللا}[البقرة‪ ،‬اآلية‪.]214:‬‬ ‫ص ُر َّ‬
‫آمُنوْا َم َع ُه َمتَ ٰى َن ْ‬
‫ين َ‬
‫ول َوالذ َ‬
‫الرُس ُ‬ ‫َحتَّ ٰى َيُق َ‬
‫ول َّ‬

‫لقوة اعتقادهم في البداية وصحة متابعتهم في التسليم ففازوا‬


‫{وما زادهم} أي‪ :‬وقوع البالء باألحزاب {إالّ إيماناً وتسليماً} ّ‬
‫بمقام الفتوة واالنخالع بالبالء وعن قيود النفس لسالمة الفطرة‪ ،‬فوصفهم بالوفاء الذي هو كمال مقام الفتوة‪ ،‬وسماهم‬
‫رجاالً على الحقيقة بقوله‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األحزاب (من اآلية ‪ 23‬الى اآلية ‪)35‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ض ٰى َن ْحَب ُه َو ِم ْن ُه ْم َّمن َينتَظ ُر َو َما َبَّدُلوْا َت ْبديالً * ّلَي ْجز َ‬
‫ِي‬ ‫َّللاَ َعَل ْيه َفم ْن ُه ْم َّمن َق َ‬
‫اه ُدوْا َّ‬
‫ص َد ُقوْا َما َع َ‬ ‫ال َ‬ ‫ين ِر َج ٌ‬‫ّم َن اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫َّللا َكان غُفو اًر َّرِحيماً * ورَّد َّ َّ ِ‬ ‫ص ْد ِق ِهم وُي َع ِّذ َب اْلمَن ِافِق َ ِ‬
‫الص ِاد ِقين ِب ِ‬
‫ين َكَف ُروْا‬
‫َّللاُ الذ َ‬ ‫ََ‬ ‫وب َعَل ْي ِه ْم ِإ َّن َّ َ َ َ‬ ‫آء أ َْو َيتُ َ‬ ‫ين إن َش َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َّللاُ َّ‬‫َّ‬
‫اب ِمن‬ ‫َه ِل اْل ِكتَ ِ‬ ‫ظاهر ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِب َغ ْي ِظ ِه ْم َل ْم َيَناُلوْا َخ ْي اًر َوَكَفى َّ‬
‫وهم ّم ْن أ ْ‬ ‫ين َ َ ُ ُ‬ ‫َنزَل الذ َ‬ ‫َّللاُ َق ِوّياً َع ِزي اًز * َوأ َ‬ ‫ان َّ‬‫ال َوَك َ‬ ‫ين اْلقتَ َ‬ ‫َّللاُ اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ض ُه ْم َوِدَي َارُه ْم َوأ َْمَواَل ُه ْم َوأ َْرضاً َّل ْم تَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ف ِفي ُقُلوبِ ِه ُم ُّ‬ ‫ِ‬
‫وها‬
‫طُئ َ‬ ‫الر ْع َب َف ِريقاً تَْقُتُلو َن َوتَأْس ُرو َن َف ِريقاً * َوأ َْوَرثَ ُك ْم أ َْر َ‬ ‫صَياصي ِه ْم َوَق َذ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الد ْنَيا َوِز َينتَ َها َفتَ َعاَل ْي َن أ َ‬ ‫النب ُّي ُقل أل َْزَواج َك إن ُكنتُ َّن تُ ِرْد َن اْل َحَي َ‬
‫ُمتّ ْع ُك َّن‬ ‫اة ُّ‬ ‫ُّها َّ‬‫َّللاُ َعَل ٰى ُك ّل َش ْيء َقدي اًر * ٰيأَي َ‬ ‫ان َّ‬‫َوَك َ‬
‫َج اًر َع ِظيماً *‬ ‫نك َّن أ ْ‬ ‫ات ِم ُ‬ ‫َّللا أَعَّد لِْلمح ِسن ِ‬
‫اآلخ َرَة َفِإ َّن َّ َ َ ُ ْ َ‬ ‫الدار ِ‬ ‫ُسِّر ْح ُك َّن َس َراحاً َج ِميالً * َوإِن ُكنتُ َّن تُ ِرْد َن َّ‬
‫َّللاَ َوَرُسوَل ُه َو َّ َ‬ ‫َوأ َ‬
‫َّللاِ َي ِسي اًر * َو َمن َيْقُن ْت ِم ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫النِب ِي من يأ ِ‬ ‫ِ‬
‫نك َّن‬ ‫ان َذِل َك َعَلى َّ‬ ‫اب ض ْعَف ْي ِن َوَك َ‬ ‫ف َل َها اْل َع َذ ُ‬‫اع ْ‬
‫ض َ‬ ‫نك َّن ِبَفاح َشة ُّمَبِّيَنة ُي َ‬ ‫ْت ِم ُ‬ ‫آء َّ ّ َ َ‬ ‫يٰن َس َ‬
‫الن َس ِآء ِإ ِن اتََّق ْيتُ َّن‬ ‫َحد ِّم َن ِّ‬
‫النِب ِي َلستُ َّن َكأ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ََّّللِ ورسولِ ِه وتَعمل ِ‬
‫َ‬ ‫آء َّ ّ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َعتَ ْدَنا َل َها رْزقاً َكريماً * يٰن َس َ‬ ‫َج َرَها َمَّرتَْي ِن َوأ ْ‬‫صالحاً ُن ْؤِت َهـآ أ ْ‬ ‫ََ ُ َ ْ َ ْ َ‬
‫اهلِيَّةِ‬
‫طمع َّال ِذي ِفي َقْلِب ِه مرض وُقْلن َقوالً َّمعروفاً * وَقرن ِفي بيوِت ُك َّن والَ تَبَّرجن تَبُّرج اْلج ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ َ َْ َ َ َ‬ ‫ُُ‬ ‫َ َْ‬ ‫ََ ٌ َ َ ْ ُْ‬ ‫ض ْع َن باْلَق ْول َفَي ْ َ َ‬ ‫َفالَ تَ ْخ َ‬
‫ط ِهيـ اًر‬ ‫ط ِّه َرُك ْم تَ ْ‬ ‫َه َل اْلَب ْي ِت َوُي َ‬ ‫نكـم ِّ‬ ‫َّللا ورسوَله ِإَّنما ي ِريد َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين َّ‬ ‫ِ‬ ‫األُوَل ٰى َوأ َِق ْم َن َّ‬
‫الر ْج َس أ ْ‬ ‫َّللاُ لُي ْذه َب َع ُ ُ‬ ‫الزَكـاةَ َوأَط ْع َن َّ َ َ َ ُ ُ َ ُ ُ‬ ‫الصالَةَ َوآت َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َّللا َك ِ‬ ‫ات َّ ِ ِ ِ‬ ‫* وا ْذ ُكـرَن ما ي ْتـَلى ِفي بيوِت ُك َّـن ِمن آي ِ‬
‫ين َواْل ُم ْسل َمات َواْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين‬ ‫ان َلطيفاً َخِبي اًر * ِإ َّن اْل ُم ْسلم َ‬ ‫َّللا َواْلح ْك َـمة ِإ َّن َّ َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُُ‬ ‫َ ْ َ ُ ٰ‬
‫ات واْلمتَ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫الصاِب ِرين و َّ ِ‬ ‫الص ِاد ِقين و َّ ِ ِ‬ ‫ات واْلَق ِانِتين واْلَق ِانتَ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين‬‫صّدق َ‬ ‫ين َواْل َخاش َع َ ُ َ‬ ‫الصاِب َرات َواْل َخاشع َ‬ ‫الصاد َقات َو َّ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ات َو َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َواْل ُم ْؤمَن َ‬
‫ِ‬ ‫َعَّد َّ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫اك ِـرين َّ ِ‬ ‫ات واْلح ِاف ِظين ُفروجهم واْلح ِافـ َ ِ َّ ِ‬
‫الص ِائ ِمين و َّ ِ ِ‬ ‫واْلمتَص ِد َق ِ‬
‫َّللاُ َل ُهم َّم ْغف َرةً‬ ‫َّللاَ َكثي اًر َوالذاك َرات أ َ‬ ‫ظات َوالذ َ‬ ‫َ ُ َُْ َ َ‬ ‫الصائ َم َ َ‬ ‫َ‬ ‫ات و َّ‬ ‫َ ُ َّ‬
‫َج اًر َع ِظيماً‬
‫َوأ ْ‬

‫أي رجال‪ ،‬ما أعظم قدرهم لكونهم صادقين في العهد‬


‫{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا هللا عليه} أي‪ :‬رجال ُّ‬
‫األول الذي عاهدوا هللا عليه في الفطرة األولى بقوة اليقين وعدم االضطراب عند ظهور األحزاب‪ ،‬فلم يتنحوا بكثرتهم‬
‫وقوتهم عن التوحيد وشهود تجلي األفعال فيقعوا في االرتياب ويخافوا سطوتهم وشوكتهم {فمنهم من قضى نحبه}‬ ‫ّ‬
‫بالوفاء بعهده والبلوغ إلى كمال فطرته {ومنهم من ينتظر} في سلوكه بقوة عزيمته والبدن ولذاتهما والميل إلى الجهة‬
‫السفلية وشهواتها فيكونوا كاذبين في العهد‪ ،‬غادرين {ليجزي هللا الصادقين بصدقهم} جنات الصفات {ويع ّذب المنافقين}‬
‫الذين واقفوا المؤمنين بنور الفطرة وأحبوهم بالميل الفطرّي إلى الوحدة‪ ،‬وأحبوا الكافرين بسبب غواشي النشأة واالنهماك‬
‫في الشهوة‪ ،‬فمنهم متذبذبون بين الجهتين ال إلى هؤالء وال إلى هؤالء‪ ،‬وبهيئات نفوسهم المظلمة {إن شاء} لرسوخها‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{أو يتوب عليهم} لعروضها وعدم رسوخها {إن هللا كان غفو اًر} يستر هيئات النفوس بنوره {رحيماً} يفيض الكمال عند‬
‫إمكان قبوله‪.‬‬

‫{يا أيها النبي قل ألزواجك} إلى آخره‪ ،‬اختبر النساء هو إحدى خصال التجريد وأقدام الفتوة التي يجب متابعته فيها‪،‬‬
‫بميلهن إلى الحياة الدنيا وزينتها‬
‫ّ‬ ‫شوشن وقته‬
‫إلي من دنياكم ثالث"‪ ،‬إذ ّ‬ ‫"حبب‬
‫إليهن لقوله‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫فإنه عليه السالم مع ميله‬
‫ّ‬
‫وحكمهن بين اختيار الدنيا ونفسه‪ ،‬فإن اخترنه لقوة إيمانهن بقين معه بال تفريق لجمعيته‬
‫ّ‬ ‫عنهن‬
‫ّ‬ ‫وجرد نفسه‬
‫هن ّ‬ ‫خير ّ‬
‫وتشويش لوقته بطلب الزينة والميل إليها‪ ،‬بل على التجرد والتوجه إلى الحق كقوى نفسهن وإن اخترن الدنيا وزينتها‬
‫عنهن بمثابة إماتة القوى المستولية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وفرغ قلبه‬
‫حهن ّ‬
‫وسر ّ‬
‫متعهن ّ‬
‫ّ‬

‫سورة األحزاب (من اآلية ‪ 36‬الى اآلية ‪)44‬‬

‫َّللاُ وَرسوُل ُه أ َْم اًر أَن َي ُكو َن َل ُهم اْل ِخَي َرةُ ِم ْن أ َْم ِرِهم ومن َي ْع ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وما َك ِ‬
‫ض َّل‬
‫َّللاَ َوَرُسوَل ُه َفَق ْد َ‬
‫ص َّ‬ ‫ْ ََ‬ ‫ُ‬ ‫ضى َّ َ ُ‬ ‫ان ل ُم ْؤ ِم ٍن َوالَ ُم ْؤ ِمَنة ِإ َذا َق َ‬
‫ََ َ‬
‫َّللاُ َعَل ْي ِه َوأ َْن َع ْم َت َعَل ْي ِه أ َْم ِس ْك َعَل ْي َك َزْو َج َك َواتَّ ِق َّ‬
‫َّللاَ َوتُ ْخِفي ِفي َنْف ِس َك َما َّ‬
‫َّللاُ‬ ‫َنع َم َّ‬ ‫ضالَالً ُّمِبيناً * وإِ ْذ تَُق َِّ ِ‬
‫ول للذي أ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ين َح َرٌج ِفي‬ ‫ِ‬ ‫ط اًر َزَّوجَن َ ِ‬ ‫ض ٰى َزْيٌد ِّم ْن َها َو َ‬ ‫مب ِد ِ‬
‫اك َها ل َك ْي الَ َي ُكو َن َعَلى اْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫ْ‬ ‫َح ُّق أَن تَ ْخ َشاهُ َفَل َّما َق َ‬ ‫َّللاُ أ َ‬‫اس َو َّ‬ ‫يه َوتَ ْخ َشى َّ‬
‫الن َ‬ ‫ُْ‬
‫َّللاِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ مْفعوالً * َّما َكان عَلى َِّ ِ‬ ‫ض ْوْا ِم ْن ُه َّن َو َ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّللاُ َل ُه ُسَّن َة َّ‬
‫ض َّ‬ ‫يما َف َر َ‬‫النب ِّي م ْن َح َرٍج ف َ‬ ‫َ َ‬ ‫ان أ َْم ُر َّ َ ُ‬ ‫ط اًر َوَك َ‬ ‫أ َْزَوا ِج أ َْدعَيآئ ِه ْم ِإ َذا َق َ‬
‫َحداً ِإالَّ َّ‬ ‫َّللاِ َقد اًر َّمْقدو اًر * َّال ِذين يبّلِغون ِرساالَ ِت َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫َّللاَ َوَكَف ٰى‬ ‫َّللا َوَي ْخ َش ْوَن ُه َوالَ َي ْخ َش ْو َن أ َ‬ ‫َ َُ ُ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ان أ َْم ُر َّ َ‬ ‫ين َخَل ْوْا من َقْب ُل َوَك َ‬ ‫في الذ َ‬
‫ُّها‬ ‫ٍ ِ‬
‫َّللاُ ب ُك ّل َش ْيء َعليماً * ٰيأَي َ‬
‫ان َّ ِ ِ‬ ‫ين َوَك َ‬ ‫َّللاِ َو َخاتَم َّ‬
‫النِبِّي َ‬ ‫ول َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َحد ّمن ِّر َجال ُك ْم َوَلـٰكن َّرُس َ‬
‫اَّللِ ح ِسيباً * َّما َكان مح َّمٌد أَبآ أ ٍ ِ‬
‫َ َُ َ َ‬ ‫ِب َّ َ‬
‫َ‬
‫ات‬‫الظُلم ِ‬ ‫َصيالً * هو َّال ِذي يصّلِي عَلي ُكم ومالَِئ َكتُه لِي ْخ ِرج ُكم ِمن ُّ‬ ‫َّللا ِذ ْك اًر َكِثي اًر * وسِبحوه ب ْكرة وأ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ َ ْ َّ‬ ‫َ ْ ْ ََ‬ ‫َُ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ ّ ُ ُ ُ ًَ َ‬ ‫آمُنوْا ا ْذ ُك ُروْا َّ َ‬
‫ين َ‬ ‫الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َج اًر َك ِريماً‬
‫َعَّد َل ُه ْم أ ْ‬
‫ين َرحيماً * تَحيَّتُ ُه ْم َي ْوَم َيْلَق ْوَن ُه َسالَ ٌم َوأ َ‬ ‫ان ِباْل ُم ْؤ ِمن َ‬‫ور َوَك َ‬ ‫ِإَلى ُّ‬
‫الن ِ‬

‫{وما كان لمؤمن وال مؤمنة} اآلية‪ ،‬من جملة الخصال التي تجب طاعته ومتابعته فيها وهو مقام الرضا والفناء في‬
‫اإلرادة لكونه عليه السالم إذا فنى بذاته وصفاته في ذات هللا وصفاته تعالى أعطي صفات الحق بدل صفاته عند‬
‫تحققه بالحق في مقام البقاء بالوجود الموهوب وكان حكمه وإرادته حكم هللا وإرادته تعالى كسائر صفاته‪ .‬أال ترى إلى‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َّ‬ ‫ِ‬
‫وح ٰى}[النجم‪ ،‬اآليات‪ ]4 - 3:‬فمن لوازم متابعته الفناء في إرادة‬‫{و َما َينط ُق َع ِن اْل َه َو ٰى ِإ ْن ُه َو ِإال َو ْح ٌي ُي َ‬
‫قوله تعالى‪َ :‬‬
‫الحق‪ ،‬فإرادته إرادتة الحق فيجب الفناء في إرادته وترك االختيار مع اختياره وإال لكان عصياناً و {ضالالً مبين ًا} لكونه‬
‫مخافة صريحة للحق‪.‬‬

‫{وإذ تقول للذي أنعم هللا عليه} إلى قوله‪{ :‬وتخشى الناس وهللا أحق أن تخشاه} أحد التأديبات اإللهية النازلة في تلوينه‬
‫عند ظهور نفسه للتثبيت وتلك التلوينات هي موارد التأديبات‪ ،‬ولهذا كان خلقه القرآن‪.‬‬

‫السر‪ ،‬والمشاهدة‬
‫{يا أيها الذين آمنوا اذكروا هللا} باللسان في مقام النفس‪ ،‬والحضور في مقام القلب‪ ،‬والمناجاة في مقام ّ‬
‫في مقام الروح‪ ،‬والمواصلة في مقام الخفاء‪ ،‬والفناء في مقام الذات‪{ ،‬وسبحوه} بالتجريد عن األفعال والصفات والذات‬
‫{بكرة} وقت طلوع فجر نور القلب وإدبار ظلمة النفس وليل غروب شمس الروح بالفناء في الذات‪ ،‬أي‪ :‬دائماً من ذلك‬
‫الوقت إلى الفناء السرمدي‪.‬‬

‫{هو الذي يصلي عليكم} بحسب تسبيحكم بتجليات األفعال والصفات دون الذات الحتراقهم هناك بالسبحات‪ ،‬كما قال‬
‫جبريل عليه السالم‪" :‬لو دنوت أنملة الحترقت‪".‬‬

‫تجليات أفعاله في مقام التوكل‪ ،‬ومن‬


‫األسمائي من ظلمة أفعال النفوس إلى نور ّ‬ ‫{ليخرجكم} باإلمداد الملكوتي والتجلي‬
‫ّ‬
‫ظلمة صفات النفوس إلى نور تجليات صفاته ومن ظلمة األنائية إلى نور الذات {وكان بالمؤمنين رحيماً} يرحمهم بما‬
‫يستدعيه حاله ويقتضيه استعدادهم من الكماالت‪.‬‬

‫{تحيتهم} أي‪ :‬تحية هللا إياهم وقت اللقاء بالفناء فيه تكميلهم وتسليمهم عن النقص بجبر كسرهم بأفعاله وصفاته وذاته‪،‬‬
‫أو تحيته لهم بإفاضة هذه الكماالت وقت لقائهم إياه بالمحو والفناء هي سالمتهم عن آفات صفاتهم وأفعالهم وذواتهم‬
‫أو بسالمتهم‪ ،‬ألن التحية بالتجليات والسالمة عن اآلفات تكونان معاً واألول يناسب إطالق اسم السالم على هللا‬
‫أعد لهم أج اًر كريماً} بإثابة هذه الجنات عن أعمالهم في التسبيحات والمذاكرات‪.‬‬
‫تعالى‪{ :‬و ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة األحزاب (من اآلية ‪ 45‬الى اآلية ‪)55‬‬

‫َّللاِ‬
‫َن َل ُه ْم ِّم َن َّ‬
‫ين ِبأ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اعياً ِإَلى َّ ِ ِ ِ‬ ‫النِب ُّي ِإَّنآ أَرسْل ٰنك َٰش ِهداً ومب ِّش اًر ون ِذي اًر * ود ِ‬
‫َّللا ِبِإ ْذنه َوِس َراجاً ُّمني اًر * َوَب ّش ِر اْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َُ َ َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫ُّها َّ‬
‫ٰيأَي َ‬
‫آمُنوْا ِإ َذا‬ ‫اَّللِ و ِكـيالً * ٰيأَي َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َفضالً َكِبي اًر * والَ ت ِط ِع اْل َك ِاف ِرين واْلمن ِافِقين ودع أَ َذاهم وتوَّكـل عَلى َّ ِ‬
‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َّللا َوَكَف ٰى ب َّ َ‬ ‫َ َ ُ َ َ َ َ ْ ُ ْ َ ََ ْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬
‫وه َّن َس َراحاً َج ِميالً‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ن َكحتُم اْلمؤ ِمن ِ‬
‫ات ثُ َّم ََّ‬
‫وه َّن َو َسِّرُح ُ‬ ‫ون َها َف َمتّ ُع ُ‬ ‫وه َّن من َقْب ِل أَن تَ َم ُّس ُ‬
‫وه َّن َف َما َل ُك ْم َعَل ْي ِه َّن م ْن عَّدة تَ ْعتَُّد َ‬ ‫طلْقتُ ُم ُ‬ ‫َ ْ ُ ُْ َ‬
‫ات ع ِمك وبن ِ‬ ‫َّللا عَليك وبن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬
‫ات‬ ‫َ ّ َ َ ََ‬ ‫آء َّ ُ َ ْ َ َ َ َ‬ ‫ورُه َّن َو َما َمَل َك ْت َيم ُين َك م َّمآ أََف َ‬ ‫ُج َ‬ ‫اج َك الالتي آتَْي َت أ ُ‬ ‫النِب ُّي ِإَّنآ أ ْ‬
‫َحَلْلَنا َل َك أ َْزَو َ‬ ‫ُّها َّ‬
‫* ٰيأَي َ‬
‫النِب ُّي أَن يستَ ِ‬‫ام َأرًَة ُّم ْؤ ِمَن ًة ِإن َو َهَب ْت َنْف َس َها لِ َّلنِب ِي ِإ ْن أ ََرَاد َّ‬ ‫َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫نك َح َها‬ ‫َْ‬ ‫ّ‬ ‫اج ْرَن َم َع َك َو ْ‬‫َع َّمات َك َوَبَنات َخال َك َوَبَنات َخاالَت َك الالتي َه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َق ْد َعلِ ْمَنا َما َف َر ْ‬ ‫ِ‬
‫ضَنا َعَل ْي ِه ْم في أ َْزَوا ِج ِه ْـم َو َما َمَل َك ْت أ َْي َم ُان ُه ْم ل َك ْيالَ َي ُكو َن َعَل ْي َك َح َرٌج َوَك َ‬
‫ان‬ ‫ص ًة ل َك من ُدو ِن اْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫َخال َ‬
‫اح َعَل ْي َك َذلِ َك أ َْدَن ٰى‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّللا َغُفو اًر َّرِحيماً * تُرِجي من تَ َش ِ‬
‫آء َو َم ِن ْابتَ َغ ْي َت م َّم ْن َع َ ْزل َت َفالَ ُجَن َ‬
‫آء م ْن ُه َّن َوتُ ْؤوي إَل ْي َك َمن تَ َش ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ُ‬
‫َّللاُ َعلِيماً َحلِيماً * الَّ َي ِح ُّل َل َك‬ ‫ان َّ‬
‫ِك ْم َوَك َ‬ ‫َّللاُ َي ْعَل ُم َما ِفي قُلوب ُ‬
‫ض ْي َن ِب َمآ آتَْيتَ ُه َّن ُكُّل ُه َّن َو َّ‬
‫َعُيُن ُه َّن َوالَ َي ْح َزَّن َوَي ْر َ‬
‫أَن تََقَّر أ ْ‬
‫َّللاُ َعَل ٰى ُك ِّل َشي ٍء َّرِقيباً *‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫النس ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫ان َّ‬ ‫َع َجَب َك ُح ْسُن ُه َّن ِإال َما َمَل َك ْت َيم ُين َك َوَك َ‬ ‫آء من َب ْع ُد َوالَ أَن تََبَّد َل ِب ِه َّن م ْن أ َْزَوا ٍج َوَل ْو أ ْ‬ ‫َّ ُ‬
‫ين ِإَناهُ َوَل ِـك ْن ِإ َذا ُد ِعيتُ ْم َف ْاد ُخُلوْا َفِإ َذا‬ ‫ِ‬ ‫النِب ِّي ِإالَّ أَن ُي ْؤَذ َن َل ُك ْم ِإَل ٰى َ‬ ‫ٰيأَي َّ ِ‬
‫ط َعا ٍم َغ ْي َر َناظ ِر َ‬ ‫وت َّ‬ ‫آمُنوْا الَ تَ ْد ُخُلوْا ُبُي َ‬
‫ين َ‬ ‫ُّها الذ َ‬‫َ‬
‫َّللاُ الَ َي ْستَ ْحِيي ِم َن اْل َح ِّق َوإِ َذا‬ ‫نك ْم َو َّ‬ ‫يث ِإ َّن َٰذلِ ُك ْم َكا َن ُي ْؤِذي َّ‬
‫النِب َّي َفَي ْستَ ْحِيي ِم ُ‬ ‫ط ِعمتُم َف ْانتَ ِشروْا والَ مستَأِْن ِسين لِح ِد ٍ‬
‫َ َ‬ ‫ُ َ ُْ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫َّللاِ والَ أَن تَ ِ‬ ‫اب ٰذلِ ُك ْم أَ ْ‬
‫ط َه ُر لُِقُلوب ُ‬ ‫آء ِحج ٍ‬ ‫سأَْلتُموه َّن متَاعاً َفاسأَُلوه َّن ِمن ور ِ‬
‫نك ُحوْا‬ ‫ول َّ َ‬ ‫تؤُذوْا َرُس َ‬ ‫ان َل ُك ْم أَن ْ‬ ‫ِك ْم َوُقلُوبِ ِه َّن َو َما َك َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ ُ ُ َ‬
‫َّللا َكان ِب ُك ِل َشي ٍء علِيماً * الَّ‬ ‫أ َْزواجه ِمن بع ِدِه أَبداً ِإ َّن ٰذلِ ُكم َكان ِعند َّ ِ ِ‬
‫َّللا َعظيماً * ِإن تُْب ُدوْا َش ْيئاً أ َْو تُ ْخُفوهُ َفِإ َّن َّ َ َ ّ ْ َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ َُ‬
‫َخَو ِات ِه َّن َوالَ ِن َس ِآئ ِه َّن َوالَ َما َمَل َك ْت أ َْي َم ُان ُه َّن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اح َعَل ْي ِه َّن ِفي َآبآئ ِه َّن َوالَ أ َْبَنآئ ِه َّن َوالَ ِإ ْخ َوان ِه َّن َوالَ أ َْبَنآء ِإ ْخ َوان ِه َّن َوالَ أ َْبَنآء أ َ‬
‫ُجَن َ‬
‫ان َعَل ٰى ُك ِّل َش ْي ٍء َش ِهيداً‬ ‫َّللاَ ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َك َ‬
‫ِ‬
‫َواتَّق َ‬
‫ين َّ‬

‫{إنا أرسلناك شاهداً} للحق في اإلرسال إلى الخلق غير محتجب بالكثرة عن الوحدة مطلقاً على أحوالهم وكماالتهم‬
‫ّ‬
‫مستعد بحسب‬
‫ّ‬ ‫للمستعدين السالمين فيه بالفوز بالوصول {ونذي اًر} للمحجوبين {وداعياً إلى هللا} كل‬
‫ّ‬ ‫{ومبش اًر}‬
‫ّ‬ ‫بنور الحق‬
‫حاله ومقامه {بإذنه} وما يسر هللا له بحسب استعداده {وسراجاً مني اًر} بنور الحق النفوس المظلمة بغشاوات الجهل‬
‫{بأن لهم} بحسب صفاء استعداداتهم {من هللا فضال}‬
‫{وبشر المؤمنين} المستبصرين بنور الفطرة ّ‬
‫وهيئات البدن والطبع ّ‬
‫بإفاضة الكماالت بعد هبة االستعدادات {كبي اًر} من جنات الصفات‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫فيتكدر نور سراجك {ودع أذاهم} بنفسك لتنجو‬
‫{وال تطع الكافرين والمنافقين} في التلوينات كما ذكر في أول السورة ّ‬
‫من آفة التلوين ورؤية فعل الغير فإنهم ال يفعلون ما يفعلون باالستقالل بأنفسهم {وتوكل على هللا} برؤية أفعالهم‬
‫وأفعالك منه {وكفى باهلل وكيالً} يفعل بك وبهم ما يشاء‪ ،‬فإن آذاهم على مظهرك فهو القادر على ذلك مع براءتك عن‬
‫ذنب التلوين كما فعل عند التمكين وإال فهو أعلم بشأنه‪.‬‬

‫سورة األحزاب (من اآلية ‪ 56‬الى اآلية ‪)71‬‬

‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫النِب ِي ٰيأَيُّها َّال ِذين آمُنوْا ُّ‬ ‫َّللا ومالَِئ َكـتَه ي ُّ‬
‫َّللاَ َوَرُسوَل ُه َل َعَن ُه ُم‬ ‫ين ُي ْؤُذو َن َّ‬ ‫صلوْا َعَل ْيه َو َسّل ُموْا تَ ْسليماً * ِإ َّن الذ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫صلو َن َعَلى َّ ّ َ‬ ‫َُُ‬ ‫إ َّن َّ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاُ ِفي ُّ‬
‫احتَ َمُلوْا ُب ْهتَاناً‬‫ين َواْل ُم ْؤ ِمَنات ِب َغ ْي ِر َما ا ْكتَ َسُبوْا َفَقد ْ‬ ‫ين ُي ْؤُذو َن اْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫الد ْنَيا َواآلخ َرِة َوأ َ‬
‫َعَّد َل ُه ْم َع َذاباً ُّم ِهيناً * َوالذ َ‬ ‫َّ‬
‫ين َعَل ْي ِه َّن ِمن َجالَِبيِب ِه َّن ٰذلِ َك أ َْدَن ٰى أَن ُي ْع َرْف َن َفالَ‬ ‫ِ‬
‫ين ُي ْدن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫النِب ُّي ُقل أل َْزو ِ‬
‫اج َك َوَبَنات َك َوِن َسآء اْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫َ‬ ‫ُّها َّ‬ ‫ِ‬
‫َوإِ ْثماً ُّمبيناً * ٰيأَي َ‬
‫ض َواْل ُم ْرِجُفو َن ِفي اْل َم ِد َين ِة َلُن ْغ ِرَيَّن َك ِب ِه ْم ثُ َّم‬‫ين في ُقُلوبِ ِه ْم َّم َر ٌ‬
‫َّللا َغُفو اًر َّرِحيماً * َّلِئن َّلم ينتَ ِه اْلمَن ِافُقو َن و َّال ِذ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ان َّ ُ‬
‫ُي ْؤَذ ْي َن َوَك َ‬
‫ين َخَل ْوْا ِمن َقْب ُل َوَلن تَ ِج َد‬ ‫ُخ ُذوْا وُقِتُّلوْا تَْقِتيالً * سَّن َة َّ ِ ِ َّ ِ‬‫ونك ِفيهآ ِإالَّ َقلِيالً * َّمْلعوِنين أَيَنما ثُِقُفوْا أ ِ‬
‫َّللا في الذ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ْ َ‬ ‫الَ ُي َج ِاوُر َ َ َ‬
‫اع َة تَ ُكو ُن َق ِريباً * ِإ َّن َّ‬ ‫الساع ِة ُقل ِإَّنما ِعْلمها ِعند َّ ِ‬ ‫َّللاِ تَ ْب ِديالً * َي ْسأَُل َك َّ‬
‫لِ ُسَّن ِة َّ‬
‫َّللاَ َل َع َن‬ ‫الس َ‬ ‫َّللا َو َما ُي ْد ِر َ‬
‫يك َل َع َّل َّ‬ ‫اس َع ِن َّ َ ْ َ ُ َ َ‬ ‫الن ُ‬
‫وه ُه ْم ِفي َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫اْل َك ِاف ِرين وأَعَّد َلهم س ِعي اًر * َخالِ ِد ِ‬
‫الن ِار َيُقوُلو َن ٰيَل ْيتََنآ‬ ‫يهآ أََبداً ال َي ِج ُدو َن َولِّياً َوالَ َنصي اًر * َي ْوَم تَُقل ُب ُو ُج ُ‬
‫ين ف َ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ُْ َ‬
‫ال * ربَّنآ ِآت ِهم ِ‬
‫ض ْعَف ْي ِن ِم َن اْلع َذ ِ‬ ‫السِبي ْ‬ ‫طعنا سادتَنا وُكبرآءنا َفأ ُّ‬
‫اب‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫ونا َّ‬ ‫َضل َ‬ ‫الرُسوالَ * َوَقاُلوْا َربََّنآ ِإَّنآ أَ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َّللاَ َوأَ َ‬
‫ط ْعَنا َّ‬ ‫أَ َ‬
‫ط ْعَنا َّ‬
‫ُّها‬ ‫ان ِع َند َّ ِ ِ‬ ‫برَه َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫واْلعنهم َلعناً َكِبي اًر * ٰيأَي َّ ِ‬
‫َّللا َوجيهاً * ٰيأَي َ‬ ‫َّللاُ م َّما َقاُلوْا َوَك َ‬ ‫وس ٰى َف َّأ ُ‬
‫ين آ َذ ْوْا ُم َ‬
‫ونوْا َكالذ َ‬
‫آمُنوْا الَ َت ُك ُ‬
‫ين َ‬
‫ُّها الذ َ‬
‫َ‬ ‫َ َُْ ْ ْ‬
‫وب ُك ْم َو َمن ُي ِط ِع َّ‬
‫َّللاَ َوَرُسوَل ُه َفَق ْد َف َاز َف ْو اًز‬ ‫ِ‬
‫َع َماَل ُك ْم َوَي ْغف ْر َل ُك ْم ُذُن َ‬
‫َّللا وُقوُلوْا َقوالً س ِديداً * ي ِ‬
‫صل ْح َل ُك ْم أ ْ‬
‫ُْ‬ ‫ْ َ‬
‫َّ‬
‫آمُنوْا اتُقوْا َّ َ َ‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫الذ َ‬
‫َع ِظيماً‬

‫{إن هللا ومالئكته يصلون على النبي} باإلمداد والتأييدات واإلفاضة للكماالت فالمصلي في الحقيقة هو هللا تعالى‬
‫ّ‬
‫جميعاً وتفصيالً بواسطة وغير واسطة‪ ،‬ومن ذلك تعلم صالة المؤمنين عليه وتسليمهم له فإنها من حيز التفصيل‬
‫وحقيقة صالتهم عليه قبولهم لهدايته وكماله ومحبتهم لذاته وصفاته فإنها إمداد له منهم وتكميل وتعميم للفيض إذ لو‬
‫لم يمكن قبولهم بالتأثير أو من تحت بالتأثر‪ ،‬وذلك كقبول المحبة‪ .‬والصفاء هو حقيقة الدعاء في صالتهم بقولهم‪:‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫صل على محمد‪ :‬وتسليمهم جعلهم إياه بريئاً من النقص واآلفة في تكميل نفوسهم والتأثير فيها وهو معنى‬ ‫اللهم ّ‬
‫ّ‬
‫دعائهم له بالتسليم {لعنهم هللا في الدنيا واآلخرة} ألن النبي في غاية القرب منه بحيث يتحقق به بفناء أنيته ولم تبق‬
‫أثنينية هناك لخلوص محبته‪ ،‬فالمؤذي له يكون مؤذياً هلل‪ ،‬والمؤذي هلل هو الظاهر يأتيه نفسه لعداوة هللا له فهو في‬
‫العزة فيكون في غاية الهوان في عذاب‬
‫غاية البعد الذي هو حقيقة اللعن في الدارين ظاه اًر وباطناً وهو مقابل لحضرة ّ‬
‫استعد لها {لعن الكافرين} لبعدهم عنه باالحتجاب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لعل الساعة تكون قريباً لمن‬
‫االحتجاب {وما يدريك ّ‬

‫{يوم تقلب وجوههم في النار} بتغيير صورهم في أنواع العذاب وبراز الحجاب‪ .‬والصواب‪ ،‬والصدق هو مادة كل سعادة‬
‫وأصل كل كمال ألنه من صفاء القلب وصفاؤه يستدعي قبول جميع الكماالت وأنوار التجليات‪ ،‬وهو وإن كان داخالً‬
‫في التقوى المأمور بها ألنه اجتناب من رذيلة الكذب مندرج تحت التزكية التي عبر عنها بالتقوى لكنه أفرد بالذكر‬
‫للفضيلة كأنه جنس برأسه كما خص جبريل وميكائل من المالئكة‪.‬‬

‫{يصلح لكم أعمالكم} بإفاضة الكماالت والفضائل‪ ،‬أي‪ :‬زّكوا أنفسكم لقبول التحلية من هللا بفيض الكماالت عليكم‬
‫{ويغفر لكم} ذنوب صفاتكم بتجليات صفاته {ومن يطع هللا ورسوله} في التزكية ومحو الصفات {فقد فاز} بالتحلية‬
‫واالتصاف بالصفات اإللهية وهو الفوز العظيم‪.‬‬

‫سورة األحزاب (من اآلية ‪ 72‬الى اآلية ‪)73‬‬

‫َشَفْق َن ِم ْنها و َحمَلها ِ‬ ‫ال َف َأب ْي َن أَن َي ْح ِمْلَن َها َوأ ْ‬


‫ض واْل ِجب ِ‬ ‫ِإَّنا عرضنا األَمان َة عَلى َّ ِ‬
‫ظُلوماً‬‫ان َ‬‫ان ِإَّن ُه َك َ‬
‫اإل ْن َس ُ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫الس َٰم َٰوت َواأل َْر ِ َ َ‬ ‫ََ ْ َ َ َ َ‬
‫َّللاُ َغُفو اًر‬ ‫ِ‬
‫ين َواْل ُم ْؤ ِمَنات َوَك َ‬
‫ان َّ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ َعَلى اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫وب َّ‬ ‫ِ‬
‫ين َواْل ُم ْش ِرَكات َوَيتُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َواْل ُمَنافَقات َواْل ُم ْش ِرِك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َج ُهوالً * ّلُِي َع ِّذ َب َّ‬
‫َّللاُ اْل ُمَنافق َ‬
‫َّرِحيم ًا‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{إنا عرضنا األمانة على السماوات األرض والجبال} بإيداع حقيقة الهوية عندها واحتجابها بالتعينات بها {فأبين أن‬
‫ّ‬
‫عليهن مع عظم إجرامها لعدم استعدادها لقبولها {وأشفقن منها} لعظمها عن أقدارها وضعفها عن‬ ‫ّ‬ ‫يحملنها} بأن تظهر‬
‫حملها وقبولها {وحملها اإلنسان} لقوة استعداده واقتداره على حملها فانتحلها لنفسه بإضافتها إليه {إنه كان ظلوماً}‬
‫بمنعه حق هللا حين ظهر بنفسه وانتحالها {جهوال} ال يعرفها الحتجابه بأنائيته عنها‪.‬‬

‫{لع ّذب هللا المنافقين والمنافقات} الذين ظلموا بمنع ظهور نور استعدادهم بظلمة الهيئات البدنية والصفات النفسانية‬
‫ووضعوه في غير موضعه فجهلوا حقه {والمشركين والمشركات} الذين جهلو الحتجابهم باألنائية والوقوف مع الغير‬
‫بغلبة الرين وكثافة الحجب الخلقية فعظم ظلمهم النطفاء نورهم بالكلية وامتناع وفائهم باألمانة اإللهية‪.‬‬

‫{ويتوب هللا على المؤمنين والمؤمنات} الذين تابوا عن الظلم باالجتناب عن الصفات النفسانية المانعة عن األداء‬
‫وعدلوا بإبراز ما أخفوه من حق هللا عند الوفاء وعن الجهل بحقه إذ عرفوه و ّأدوا أمانته إليه بالفناء {وكان هللا غفو اًر}‬
‫ستر ذنوب ظلمهم وجهلهم عن التزكية والتصفية والتجريد والمحو والطمس بأنوار تجلياته {رحيماً} رحمهم بالوجود‬
‫الحقاني عند البقاء بأفعاله وصفاته وذاته أو عرضنا األمانة اإللهية بالتجلي عليها وإيداع ما تطيق حملها فيها من‬
‫الصفات بجعلها مظاهر لها‪ .‬أو‪ :‬فأبين أن يحملنها بخيانتها وإمساكها عندها واالمتناع عن أدائها‪ ،‬وأشفقن من حملها‬
‫فأدينها بإظهار ما أودع فيها من الكماالت وحملها اإلنسان بإخفائها بالشيطنة وظهور األنائية واالمتناع عن‬
‫عندها ّ‬
‫أدائها بإظهار ما أودع فيه من الكمال وإمساكها بظهور النفس بالظلمة والمنع عن الترقي في مقام المعرفة‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫سورة سبأ (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)9‬‬

‫يم اْل َخِب ُير * َي ْعَل ُم َما َيِل ُج ِفي‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اْلحمد ََّّللِ َّال ِذي َله ما ِفي َّ ِ‬
‫الس َم َٰٰوت َو َما في األ َْرض َوَل ُه اْل َح ْم ُد في اآلخ َرة َو ُهَو اْل َحك ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ُْ‬
‫ين َكَف ُروْا الَ تَأِْت َينا َّ‬ ‫الرِحيم اْلغُفور * وَق َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫نزل ِمن َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫األ َْر ِ‬
‫اع ُة‬
‫الس َ‬ ‫ال الذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫يها َو ُه َو َّ ُ َ ُ‬ ‫الس َمآء َو َما َي ْع ُرُج ف َ‬ ‫ض َو َما َي ْخ ُرُج م ْن َها َو َما َي ِ ُ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ض والَ أَص َغر ِمن َذلِك والَ أَ ْكبر ِإالَّ‬ ‫ِ‬ ‫ُقل بَلى وربِي َلتَأِْتيَّن ُكم عالِ ِم اْل َغي ِب الَ يع ُزب ع ْنه ِم ْثَقال َذَّرٍة ِفي َّ ِ‬
‫َ َ َُ‬ ‫الس َٰم َٰوت َوالَ في األ َْر ِ َ ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َْ ُ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْ َ ٰ َ َّ‬
‫ين َس َع ْوا ِفي َآي ِاتَنا‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين * ِّليجزِي َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ ِ‬ ‫ِفي ِكتَ ٍ‬
‫اب ُّمِب ٍ‬
‫الصال َحات أ ُْوَلـٰئ َك َل ُه ْم َّم ْغف َرةٌ َوِرْز ٌق َك ِر ٌ‬
‫يم * َوالذ َ‬ ‫َ َُ َ َ‬ ‫َْ َ‬
‫ِك ُه َو اْل َح َّق َوَي ْه ِدي ِإَل ٰى‬ ‫ِ‬ ‫ين أُوتُوْا اْل ِعْلم َّال ِذي أ ِ‬
‫ُنزَل ِإَل ْي َك من َّرّب َ‬ ‫َ‬
‫َّ ِ‬
‫يم * َوَي َرى الذ َ‬
‫ِ‬ ‫اج ِزين أُوَلـِٰئك َلهم ع َذ ِ‬
‫ُم َع ِ َ ْ َ ُ ْ َ ٌ‬
‫اب ّمن ِّر ْج ٍز أَل ٌ‬
‫َّق ِإَّن ُك ْم َلِفي َخْل ٍق َج ِد ٍيد *‬
‫ين َكَفروْا َهل َن ُدُّل ُكم َعَل ٰى رج ٍل يَنِبُئ ُكم ِإ َذا مِّزْقتُم ُك َّل ممز ٍ‬
‫َُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َُ ُّ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ال الذ َ ُ‬
‫يز اْلح ِم ِيد * وَق َّ ِ‬
‫َ َ‬
‫ِ ِ‬
‫ص َراط اْل َع ِز ِ َ‬
‫الضالَ ِل اْلَب ِع ِيد * أََفَلم َي َروْا ِإَل ٰى ما َب ْي َن أ َْي ِد ِ‬ ‫اآلخرِة ِفي اْلع َذ ِ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫أَ ْفتَر ٰى عَلى َّ ِ ِ‬
‫يه ْم‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫اب َو َّ‬ ‫َ‬ ‫َّللا َكذباً أَم ِبه ِجَّن ٌة َب ِل الذ َ‬
‫ين الَ ُي ْؤ ِمُنو َن ِب َ‬ ‫َ َ‬
‫السم ِآء ِإ َّن ِفي َذلِ َك آلي ًة ّلِ ُكلِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض أَو ُنسق ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ِإن َّن َش ْأ َن ْخس ْ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫السمآء واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ّ‬ ‫ط َعَل ْيه ْم ك َسفاً ّم َن َّ َ‬ ‫ف به ُم األ َْر َ ْ ْ‬ ‫َو َما َخْلَف ُه ْم ّم َن َّ َ َ‬
‫َع ْب ٍد ُّمِن ٍ‬
‫يب‬

‫{الحمد هلل الذي له ما في السماوات وما في األرض} بجعله مظاهر لصفاته الظاهرة وكماالته الباهرة وظهوره فيها‬
‫بالحجب الجاللية {وله الحمد في اآلخرة} بتجليه على األرواح بالكماالت الباطنة والصفات الجمالية‪ ،‬أي‪ :‬له الحمد‬
‫بالصفات الرحمانية في الدنيا ظاه اًر‪ ،‬وله الحمد بالصفات الرحيمية في اآلخرة باطناً {وهو الحكيم} الذي أحكم ترتيب‬
‫عالم الشهادة بمقتضى حكمته {الخبير} الذي نفذ علمه في بواطن عالم الغيب للطافته‪.‬‬

‫{يعلم ما يلج في األرض} من الملكوت األرضية والقوى الطبيعية {وما يخرج منها} بالتجريد من النفوس اإلنسانية‬
‫والكماالت الخلقية {وما ينزل من السماء} من المعارف والحقائق الروحانية {وما يعرج فيها} من هيئات األعمال‬
‫الصالحة واألخالق الفاضلة {وهو الرحيم} بإفاضة الكماالت السماوية النورانية {الغفور} بستر الهيئات األرضية‬
‫الظلمانية‪.‬‬

‫{ويرى الذين أوتوا العلم} أي‪ :‬العلماء المحققون يرون ّ‬


‫حقية ما أنزل إليك عياناً ألن المحجوب ال يمكنه معرفة العارف‬
‫وكالمه‪ ،‬إذ كل عارف بشيء ال يعرفه إال بما فيه من معناه‪ ،‬فمن لم يكن له حظ من العلم ونصيب من المعرفة ال‬
‫لخلوه عما به يمكن معرفته {ويهدي إلى} طريق الوصول إلى هللا {العزيز} الذي يغلب‬
‫يعرف العالم العارف وعلمه ّ‬
‫المحجوبين ويمنعهم بالقهر والقمع {الحميد} الذين ينعم على المؤمنين بأنواع اللطف ولو لم يعتبر تطبيق الصفتين على‬
‫آمُنوْا}[سبأ‪ ،‬اآلية‪ ]4:‬إلى آخره‪ ،‬واعتبر التطبيق على قوله‪{ :‬ويرى الذين أُوتوا العلم} لكان معنى‬ ‫قوله‪ّ{ :‬لِيجز َّ ِ‬
‫ِي الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫َْ َ‬
‫{العزيز} القوي الذي يغلب الواصلين باإلفناء {الحميد} الذي ينعم عليهم بصفاته عند البقاء‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة سبأ (من اآلية ‪ 10‬الى اآلية ‪)12‬‬

‫ات َوَقِّد ْر ِفي َّ‬


‫الس ْرِد َو ْ‬
‫اع َمُلوْا‬ ‫َن اعمل ساِب َغ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ضالً ي ِ‬
‫ٰجَب ُ ِ‬
‫ال أَّوبِي َم َع ُه َوالط ْي َر َوأََلَّنا َل ُه اْل َحد َيد * أ ِ ْ َ ْ َ‬
‫وَلَق ْد آتَينا داو ِ‬
‫ود مَّنا َف ْ‬ ‫َْ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ط ِر َو ِم َن اْلج ِّن َمن‬
‫َسْلَنا َل ُه َع ْي َن اْلق ْ‬
‫اح َها َش ْهٌر َوأ َ‬
‫يح ُغ ُدُّو َها َش ْهٌر َوَرَو ُ‬
‫الر َ‬ ‫صالحاً ِإّني ِب َما تَ ْع َمُلو َن َبص ٌير * َولِ ُسَل ْي َم َ‬
‫ان ِّ‬ ‫َ‬
‫الس ِع ِ‬ ‫غ ِم ْنهم َع ْن أَم ِرَنا ُن ِذ ْق ُه ِم ْن َع َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ير‬ ‫اب َّ‬ ‫ْ‬ ‫َي ْع َم ُل َب ْي َن َي َد ْيه بإ ْذ ِن َرّبِه َو َمن َي ِز ْ ُ ْ‬

‫بعلو الرتبة وتسبيح المشاهدة والمناغاة في المحبة مع مزيد العبادة والتف ّكر‬
‫{منا فضالً} ّ‬
‫{ولقد آتينا داود} الروح ّ‬
‫والكماالت العلمية العملية‪ ،‬بأن قلنا‪{ :‬يا جبال} األعضاء {أوبي} أي‪ :‬سبحي {معه} بالتسبيحات المخصوصة بك من‬
‫االنقياد والتمرن في الطاعات بالحركات والسكنات واألفعال واالنفعاالت التي أمرناك بها وطير القوى الروحانية‬
‫المجردة والذوات‬
‫ّ‬ ‫بالتسبيحات القدسية من األذكار واإلدراكات والتعقالت واالستفاضات واالستشراقات من األرواح‬
‫َلنا له} حديد الطبيعة الجسمانية العنصرية {أن اعمل سابغات} من هيئات الورع والتقوى فإن‬
‫المفارقة كل بما أمر{وأ ّ‬
‫{وقدر}‬
‫الورع الحصين في الحقيقة هو لباس الورع الحافظ من صوارم دواعي أعادي النفوس وسهام نوازع الشياطين ّ‬
‫بالحكمة العملية والصنعة المتقنة العقلية والشرعية في ترغيب األعمال المزكية ووصول الهيئات المانعة من تأثير‬
‫الدواعي النفسية {واعملوا} أيها العاملون هلل بالجمعية في الجهة السفلية إلى الجهة العلوية عمالً صالحاً يصعدكم في‬
‫ويعدكم لقبول األنوار القدسية‪ .‬والخطاب لداود الروح وآله من القوى الروحانية والنفسانية‬
‫الترقي إلى الحضرة اإللهية ّ‬
‫واألعضاء البدنية‪.‬‬

‫{غدوها شهر} أي‪ :‬جريها غداة طلوع نور الروح وإشراق شعاع القلب وإقبال‬
‫ّ‬ ‫{ولسليمان} القلب ريح الهوى النفسانية‬
‫النهار سير طور في تحصيل األخالق والفضائل والطاعات والعابدات والصوالح التي تتعلق بسعادة المعاد {ورواحها}‬
‫أي‪ :‬جريها رواح غروب األنوار الروحية في الصفات النفسية وزوال تأللؤ أشعتها‪ ،‬وإدبار نهار النور سير طور آخر‬
‫في ترتيب مصالح المعاش من األقوات واألرزاق والمالبس والمناكح وما يتعلق بصالح النظام وقوام البدن‪{ .‬وأسلنا له‬
‫جن القوى الوهمية والخيالية {من يعمل‬
‫عين} قطر الطبيعة البدنية الجامدة بالتمرين في الطاعات والمعامالت {ومن} ّ‬
‫بين يديه} بحضوره في التقديرات المتعلقة بصالح العالم وعمارة البالد ورفاهية العباد والتركيبات والتفضيالت المتعلقة‬
‫بإصالح النفس واكتساب العلوم {بإذن رّبه} بتسخيره إياها له وتيسيره األمور على أيديها {ومن يزغ منهم عن أمرنا}‬
‫الجنية وينحرف عن الصواب والرأي العقلي بالميل إلى الزخارف النفسية واللذات البدنية {نذقه من‬
‫ّ‬ ‫بمقتضى طبيعته‬
‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫عذاب السعير} بالرياضة القوية وتسليط القوة الملكية عليها بضرب السياط النارية من الدواعي العقلية القهرية المخالفة‬
‫للطباع الشيطانية‪.‬‬

‫سورة سبأ (من اآلية ‪ 14‬الى اآلية ‪)15‬‬

‫نسأَتَ ُه َفَل َّما َخَّر تََبيََّن ِت اْل ِج ُّن أَن َّل ْو َك ُانوْا َي ْعَل ُمو َن‬ ‫ض تَأ ُ ِ‬ ‫ض ْيَنا َعَل ْي ِه اْلم ْو َت ما َدَّل ُهم َعَل ٰى م ْوِت ِه ِإالَّ َد َّاب ُة األ َْر ِ‬
‫ْك ُل م َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َفَل َّما َق َ‬
‫ال ُكُلوْا ِمن ِّرْز ِق َرّب ُ‬ ‫ين وِشم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ان لِ َسَبٍإ ِفي َم ْس َكِن ِه ْم َآي ٌة َجَّنتَ ِ‬ ‫اْل َغ ْيب ما َلِبثُوْا ِفي اْلع َذ ِ‬
‫اب اْل ُم ِه ِ‬
‫ِك ْم‬ ‫ان َعن َيم ٍ َ َ‬ ‫ين * َلَق ْد َك َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫طِّيَب ٌة َوَر ٌّب َغُف ٌ‬
‫ور‬ ‫اش ُك ُروْا َل ُه َبْل َدةٌ َ‬
‫َو ْ‬

‫السر {ما دلهم على موته إال دابة األرض} أي‪ :‬ما اهتدوا إلى فنائه في‬
‫في في مقام ّ‬ ‫{فلما قضينا عليه الموت} بالفناء‬
‫ّ‬
‫السر إال بحركة الطبيعة األرضية وقواها البدنية الضعيفة الغالبة على النفس‬
‫مقام الروح وتوجهه إلى الحق في حال ّ‬
‫السر وال وقوف على حال القلب فيه وال شعور‬‫الحيوانية التي هي منسأته إذ ال طريق لهم إلى الوصول إلى مقام ّ‬
‫بكونه في طور وراء أطوارهم إال برابطة اتصال الطبيعة البدنية المتصلة به‪ ،‬المقهورة بالقوى الطبيعية لضعفها‬
‫بالرياضة وانقطاع مدد القلب عنها حينئذ أي‪ :‬ال يطلعون إال على حال الدابة التي تأكل المنسأة باالستيالء عليها ألن‬

‫النفس الحيوانية عند عروج القلب ضعفت وسقطت قواها ولم يبق منها إال القوى الطبيعية الحاكمة عليها {فلما ّ‬
‫خر}‬
‫من صعقته الموسوية وذهل في الحضور واالشتغال بالحضرة اإللهية عن استعمالها في األعمال وإعمالها بالرياضات‬
‫مجردين {ما لبثوا في العذاب‬ ‫الجن أن لو كانوا يعلمون} غيب مقام ّ‬
‫السر باالطالع على المكاشفات لو كانوا ّ‬ ‫{تبينت ّ‬
‫المهين} من الرياضة الشاقة التي تمنعهم الحظوظ والمرادات ومقتضيات الطباع واألهواء بالمخالفات واإلجبارعلى‬
‫األعمال المتعبة في السلوك واالقتصار بها على الحقوق‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫مقارهم ومحالهم {آية} دالة لهم على صفات هللا وأفعاله {جنتان}‬
‫{لقد كان لسبأ} أهل مدينة البدن {في مساكنهم} في ّ‬
‫جنة الصفات والمشاهدات عن يمينهم من جهة القلب والبرزخ التي هي أقوى الجهتين وأشرفهما‪ّ ،‬‬
‫وجنة اآلثار واألفعال‬
‫أخسهما {كلوا من رزق رّبكم} من الجهتين كقوله‪:‬‬‫عن شمالهم من جهة الصدر والنفس التي هي أضعف الجهتين و ّ‬
‫َكُلوْا ِمن َف ْوِق ِه ْم َو ِمن تَ ْح ِت أ َْر ُجلِ ِهم}[المائدة‪ ،‬اآلية‪{ ،]66:‬واشكروا له} باستعمال ِن َعم ثمراتها في الطاعات والسلوك‬
‫{أل َ‬
‫{ورب غفور} يستر هيئات الرذائل وظلمات النفوس والطباع بنور‬‫ّ‬ ‫فيها بالقربات {بلدة طيبة} باعتدال المزاج والصحة‬
‫صفاته وأفعاله‪ ،‬فلكم التمكين من جهة االستعداد واألسباب واآلالت والتوفيق باإلمداد وإفاضات األنوار‪.‬‬

‫سورة سبأ (من اآلية ‪ 16‬الى اآلية ‪)19‬‬

‫يل * َٰذِل َك‬‫ُك ٍل َخم ٍط وأَْث ٍل و َشي ٍء ِمن ِس ْد ٍر َقلِ ٍ‬


‫ْ َ َ ْ ّ‬ ‫اه ْم ِب َجَّنتَْي ِه ْم َجَّنتَْي ِن َذ َواتَ ْي أ ُ‬
‫ضوْا َفأ َْرَسْلَنا َعَل ْي ِه ْم َسْي َل اْل َع ِرِم َوَبَّدْلَن ُ‬
‫َع َر ُ‬
‫َفأ ْ‬
‫ِ‬ ‫جزيناهم ِبما َكَفروْا وهل ن ٰجزِي ِإالَّ اْل َكُفور * وجعْلنا بينهم وبين اْلُقرى َّالِتي بارْكنا ِفيها ُقرى َ ِ‬
‫الس ْي َر‬
‫يها َّ‬ ‫ظاه َرةً َوَقَّد ْرَنا ف َ‬ ‫ََ َ َ ً‬ ‫َ َ َ َ ََْ ُ ْ َ َْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َْ ُ ْ َ ُ َ َ ْ ُ َ‬
‫اهم ُك َّل ممز ٍ‬
‫َّق ِإ َّن‬ ‫َح ِاد َ َّ‬ ‫َسَف ِارَنا َو َ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َُ‬ ‫يث َو َمزْقَن ُ ْ‬ ‫اه ْم أ َ‬
‫َنف َس ُه ْم َف َج َعْلَن ُ‬
‫ظَل ُموْا أ ُ‬ ‫ين * َفَقاُلوْا َربََّنا َباع ْد َب ْي َن أ ْ‬ ‫يها َلَيال َي َوأَيَّاماً آمن َ‬
‫س ُيروْا ف َ‬
‫َّار َش ُك ٍ‬
‫ور‬ ‫صب ٍ‬ ‫ٍ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫آليات ّل ُك ّل َ‬ ‫في َذل َك َ‬

‫{فأعرضوا} عن القيام بالشكر والتوسل بها إلى هللا بل عن األكل من ثمراتها التي هي العلوم النافعة والحقيقية‬
‫باالنهماك في اللذات والشهوات واالنغماس في ظلمات الطبائع والهيئات‪{ .‬فأرسلنا عليهم سيل} الطبيعة الهيوالنية بنقب‬
‫{وبدلناهم‬
‫سدته بلقيس النفس التي هي ملكتهم‪ .‬والعرم الجرذ ّ‬
‫جرذان سيول الطبائع العنصرية سكر المزاج الذي ّ‬
‫بجنتيهم جنتين} من شوك الهيئات المؤذية وأصل الصفات السيئة البهيمية والسبعية والشيطانية {ذواتي أكل خمط} أي‪:‬‬
‫الشي ِ‬
‫اط ِ‬
‫ين}[الصافات‪ ،‬اآلية‪.]65 :‬‬ ‫وس َّ َ‬
‫طْل ُع َها َكأََّن ُه ُرُء ُ‬
‫مرة بشعة كقوله‪َ { :‬‬
‫ثمرة ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{وشيء من سدر} بقاء الصفات اإلنسانية {قليل} {ذلك} العقاب {جزيناهم} بكفرانهم النعم {وهل نجازي} بذلك {إال‬
‫الكفور} الذي يستعمل نعمة الرحمن في طاعة الشيطان {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها} من الحضرة القلبية‬
‫والسرية والروحية واإللهية بالتجليات األفعالية والصفاتية واألسمائية الذاتية وأنوار المكاشفات والمشاهدات {قرى ظاهرة}‬
‫{وقدرنا فيها السير} إلى هللا وفي هللا مرتباً يرتحل‬
‫مقامات ومنازل مترائية متواصلة كالصبر والتوكل والرضا وأمثالها ّ‬
‫السالك في الترقي من مقام وينزل في مقام {سيروا} في منازل النفوس {ليالي} وفي مقامات القلوب ومواردها {وأياماً‬
‫آمنين} بين القواطع الشيطانية وغلبات الصفات النفسانية بقوة اليقين والنظر الصحيح على منهاج الشرع المبين‪.‬‬

‫{فقالوا} بلسان الحال والتوجه إلى الجهة السفلية المبعدة عن الحضرة القدسية والميل إلى المهاوي البدنية والسير في‬
‫المهامة الطبيعية والمهالك الشيطانية {ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم} باالحتجاب عن أنوار القرى المباركة‬
‫{ومزقناهم} بالغرق والتفريق‪.‬‬
‫لظلمات البرازخ المنحوسة {فجلعناهم أحاديث} وآثا اًر سائرة بين الناس في الهالك والتدمير ّ‬

‫سورة سبأ (من اآلية ‪ 20‬الى اآلية ‪)54‬‬

‫ان ِإالَّ لَِن ْعَل َم َمن ُي ْؤ ِم ُن‬ ‫ان َل ُه َعَل ْي ِه ْم ِّمن ُسْل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫طٍ‬ ‫ين * َو َما َك َ‬ ‫ظَّن ُه َفاتََّب ُعوهُ ِإال َف ِريقاً ّم َن اْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫يس َ‬ ‫صَّد َق َعَل ْي ِه ْم ِإْبل ُ‬ ‫َوَلَق ْد َ‬
‫ال َذَّرٍة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ظ * ُق ِل ادعوْا َّال ِذين زعمتم ِمن دو ِن َّ ِ‬ ‫ُّك َعَلى ُك ِّل َش ْي ٍء َحِفي ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّللا الَ َي ْمل ُكو َن م ْثَق َ‬ ‫َ َ َ ْ ُْ ّ ُ‬ ‫ُْ‬ ‫ِباآلخ َرِة م َّم ْن ُه َو م ْن َها في َش ّك َوَرب َ‬
‫اع ُة ِع َندهُ ِإالَّ لِ َم ْن أ َِذ َن َل ُه‬ ‫ير * والَ تَ َنفع َّ‬
‫الشَف َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ض َو َما َل ُه ْم ِفي ِه َما ِمن ِش ْرٍك َو َما َل ُه ِم ْن ُه ْم ِّمن َ‬
‫ظ ِه ٍ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت والَ ِفي األ َْر ِ‬
‫في َّ َ َ َ‬
‫ِ‬

‫ض ُق ِل‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َحتَّ ٰى ِإ َذا ُفِّز َ‬
‫ُّك ْم َقاُلوْا اْل َح َّق َو ُه َو اْل َعل ُّي اْل َكب ُير * ُق ْل َمن َي ْرُزُق ُك ْم ّم َن َّ َ َ َ‬ ‫ال َرب ُ‬‫ع َعن ُقُلوبِه ْم َقاُلوْا َما َذا َق َ‬
‫َل َع َّما تَ ْع َمُلو َن * ُق ْل َي ْج َم ُع‬ ‫َّ‬ ‫ضالَ ٍل ُّمِب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاُ َوإَِّنآ أ َْو ِإي ُ‬
‫ين * ُقل ال تُ ْسأَُلو َن َع َّمآ أ ْ‬
‫َج َرْمَنا َوالَ ُن ْسأ ُ‬ ‫َّاك ْم َل َعَل ٰى ُه ًدى أ َْو في َ‬ ‫َّ‬
‫يم *‬ ‫ِ‬ ‫اح اْل َعلِيم * ُق ْل أ َُروِني َّالذِي َن أَْل َحْقتُ ْم ِب ِه ُش َرَكآء َكالَّ َب ْل ُه َو َّ ِ‬ ‫َب ْيَنَنا َربَُّنا ثُ َّم َيْفتَ ُح َب ْيَنَنا ِباْل َح ِّق َو ُه َو اْلَفتَّ ُ‬
‫َّللاُ اْل َعز ُيز اْل ْحك ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ين‬ ‫اس الَ يعَلمو َن * ويُقوُلو َن متَى هـٰ َذا اْلوعد ِإن ُكنتُم ِ ِ‬ ‫الن ِ‬‫اس َب ِشي اًر َوَن ِذي اًر َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثَ َر َّ‬‫اك ِإالَّ َك َّآف ًة ّلِ َّلن ِ‬
‫صادق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ٰ َ َ ُْ‬ ‫ََ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َو َمآ أ َْرَسْلَن َ‬
‫آن َوالَ ِب َّال ِذي َب ْي َن‬
‫ين َكَف ُروْا َلن ُّن ْؤ ِم َن ِب َهـٰ َذا اْلُق ْر ِ‬ ‫ْخرون عنه ساع ًة والَ تَستَْق ِدمون * وَق َّ ِ‬
‫ال الذ َ‬
‫َ َ‬ ‫يع ُاد َي ْو ٍم الَّ تَ ْستَأ ِ ُ َ َ ْ ُ َ َ َ ْ ُ َ‬ ‫َّ ِ‬
‫* ُقل ل ُكم ّم َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ض اْلَقول يُقول َّال ِذين استُ ِ َِّ ِ‬ ‫يدي ِه وَلو تَر ٰى ِإ ِذ َّ‬
‫الظالِمو َن موُقوُفو َن ِع َند َرِّب ِهم َي ْرِجع َب ْع ُ ِ‬
‫استَ ْكَب ُروْا‬
‫ين ْ‬ ‫ضعُفوْا للذ َ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫ض ُه ْم إَل ٰى َب ْع ٍ ْ َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َْ‬ ‫ََ ْ َ ْ َ‬
‫آء ُك ْم َب ْل ُكنتُ ْم‬ ‫ِ‬ ‫دن ُ ِ‬ ‫َلوالَ أَنتُم َل ُكَّنا مؤ ِمِنين * َقال َّال ِذين استَ ْكبروْا لَِّل ِذين استُ ِ‬
‫اك ْم َعن اْل ُه َد ٰى َب ْع َد إ ْذ َج َ‬ ‫ص َد َ‬
‫ضعُفوْا أََن ْح ُن َ‬
‫َ ْ ْ‬ ‫َ ْ َُ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫النه ِار ِإ ْذ تأْمروننآ أَن َّن ْكُفر ِب َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ُّمج ِرِمين * وَقال َّال ِذين استُ ِ َِّ ِ‬
‫َنداداً‬
‫اَّلل َوَن ْج َع َل َل ُه أ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ ََ‬ ‫استَ ْكَب ُروْا َب ْل َم ْك ُر اليل َو َّ َ‬
‫ين ْ‬‫ضعُفوْا للذ َ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ‬
‫َّ‬
‫ين َكَف ُروْا َه ْل ُي ْج َزْو َن ِإال َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن * َو َمآ أ َْرَسْلَنا‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َعَن ِ‬ ‫ِ‬ ‫َسُّروْا َّ‬
‫اق الذ َ‬ ‫َغالَ َل في أ ْ‬ ‫اب َو َج َعْلَنا األ ْ‬
‫ام َة َل َّما َأرَُوْا اْل َع َذ َ‬
‫الن َد َ‬ ‫َوأ َ‬
‫َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِفي َقري ٍة ِمن َّن ِذ ٍ ِ َّ‬
‫ين *‬ ‫وهآ ِإَّنا ِب َمآ أ ُْرِسْلتُ ْم ِبه َكاف ُرو َن * َوَقاُلوْا َن ْح ُن أَ ْكثَ ُـر أ َْمَواالً َوأ َْوالَداً َو َما َن ْح ُن ِب ُم َعذِب َ‬
‫ال ُم ْت َرُف َ‬‫ير إال َق َ‬ ‫َْ ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫اس الَ َي ْعَل ُمو َن * َو َمآ أ َْمَواُل ُك ْم َوالَ أ َْوالَُد ُك ْم ِبالتي تَُقِّرُب ُك ْم ع َندَنا‬
‫الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرْز َق ل َمن َي َشآء َوَيْقد ُر َوَلـٰك َّن أَ ْكثَ َر َّ‬ ‫ط ِّ‬‫ُق ْل ِإ َّن َرّبِي َي ْب ُس ُ‬
‫ُ‬
‫ين َي ْس َع ْو َن ِفي‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ْزلَفى ِإالَّ من آمن وع ِمل صالِحاً َفأُوَلـِٰئك َلهم ج َزآء ِ ِ‬
‫الض ْعف ِب َما َعمُلوْا َو ُه ْم في اْل ُغ ُرَفات آمُنو َن * َوالذ َ‬ ‫ْ َ ُْ َ ُ ّ‬ ‫َْ ََ َ َ َ َ‬ ‫ٰ‬
‫َنفْقتُ ْم ِّمن‬
‫َو َمآ أ َ‬ ‫آء ِم ْن ِعَب ِادِه َوَيْق ِد ُر َل ُه‬ ‫ط ِ قِ‬
‫الرْز َ ل َمن َي َش ُ‬ ‫ض ُرو َن * ُق ْل ِإ َّن َرّبِي َي ْب ُس ُ ّ‬ ‫اب ُم ْح َ‬‫ين أُوَلـِٰئ َك ِفي اْلع َذ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َآياتَنا ُم َعاج ِز َ ْ‬
‫الر ِازِقين * ويوم يحشرهم ج ِميعاً ثُ َّم يُق ِ ِ ِ‬
‫* َقاُلوْا‬ ‫َهـ ُٰؤالَ ِء ِإي ُ‬
‫َّاك ْم َك ُانوْا َي ْعُب ُدو َن‬ ‫ول لْل َمالَئ َكة أ َ‬
‫َ ُ‬ ‫َ َْ َ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َش ْيء َف ُه َو ُي ْخلُف ُه َو ُه َو َخ ْي ُر َّ َ‬
‫ض َّنْفعاً َوالَ‬ ‫ض ُكم لَِب ْع ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َنت َوليَُّنا من ُدونه ْم َب ْل َك ُانوْا َي ْعُب ُدو َن اْلج َّن أَ ْكـثَ ُرُهم بهم ُّم ْؤمُنو َن * َفاْلَي ْوَم الَ َي ْمل ُك َب ْع ُ ْ‬ ‫ُس ْب َح َان َك أ َ‬
‫ات َقاُلوْا َما َهـٰ َذا ِإالَّ َرُج ٌل‬ ‫الن ِار َّالِتي ُكنتُم ِبها تُ َك ِّذبون * وإِ َذا تُْتَلى عَلي ِهم آياتُنا بِين ٍ‬ ‫اب َّ‬ ‫ض اًر ونُق َِّ ِ‬
‫ٰ َ ْ ْ َ َ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ظَل ُموْا ُذوُقوْا َع َذ َ‬
‫ين َ‬ ‫ول للذ َ‬‫َ ّ ََ ُ‬
‫ي ِريد أَن يصَّد ُكم ع َّما َكان يعبد آبآؤُكم وَقاُلوْا ما هـٰ َذآ ِإالَّ ِإ ْفك ُّمْفتَرى وَقال َّال ِذين َكَفروْا لِْلح ِق َل َّما جآءهم ِإن هـٰ َذآ ِإالَّ‬
‫َ َ ُْ ْ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ‬ ‫ٌ ً َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ْ ُُ َ ُ ْ َ‬ ‫ُ ُ َُ ْ َ‬
‫ين ِمن َقبلِ ِه ْم َو َما َبَل ُغوْا‬ ‫َّ َّ ِ‬ ‫ون َها َو َمآ أ َْرَسْلَنا ِإَل ْي ِه ْم َقْبَل َك ِّمن َّن ِذ ٍ‬ ‫ِسحر ُّمِبين * ومآ آتَين ِ‬
‫ير * َوَكذ َب الذ َ‬ ‫اه ْم ّم ْن ُكتُ ٍب َي ْد ُرُس َ‬
‫َ َ َْ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌْ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وموْا ََّّلل َم ْثَن ٰى َوُف َرَاد ٰى ثُ َّم تَتََفك ُروْا َما‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان َنكي ِر * ُق ْل إَّن َمآ أَع ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ظ ُك ْم ب َواح َدة أَن تَُق ُ‬ ‫ف َك َ‬ ‫اه ْم َف َكذُبوْا ُرُسلي َف َك ْي َ‬
‫م ْع َش َار َمآ َءاتَْيَن ُ‬
‫ِي ِإالَّ َعَلى‬ ‫ِ‬ ‫احِب ُكم ِمن ِجَّن ٍة ِإن هو ِإالَّ ن ِذير َّل ُكم بين يدي ع َذ ٍ ِ ٍ‬ ‫ِب ِ‬
‫َج ٍر َف ُهَو َل ُك ْم ِإ ْن أ ْ‬
‫َجر َ‬ ‫اب َشديد * ُق ْل َما َسأَْلتُ ُكم ّمن أ ْ‬ ‫َ ٌ ْ َْ َ ََ ْ َ‬ ‫ْ َُ‬ ‫ص ْ ّ‬ ‫َ‬
‫وب * ُقل جآء اْلح ُّق وما يب ِدىء اْلب ِ‬ ‫ف ِباْلح ِّق َعالَّم اْل ُغي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اط ُل َو َما‬ ‫ْ َ َ َ َ َ ُْ ُ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َّللا َو ُه َو َعَل ٰى ُك ّل َش ْيء َش ِه ٌيد * ُق ْل ِإ َّن َرّبِي َيْقذ ُ َ‬
‫يب * َوَل ْو تََر ٰى ِإ ْذ َف ِزُعوْا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يع َق ِر ٌ‬‫اهتَ َد ْي ُت َفِب َما ُيوحي ِإَل َّي َرّبِي ِإَّن ُه َسم ٌ‬ ‫ضَلْل ُت َفِإَّن َمآ أَض ُّل َعَل ٰى َنْفسي َوإِ ِن ْ‬ ‫ُيع ُيد * ُق ْل ِإن َ‬
‫ان َب ِع ٍيد * َوَق ْد َك َـف ُروْا ِب ِه ِمن َق ْـب ُل َوَيْق ِذ ُفو َن‬
‫ش ِمن َّم َك ٍ‬ ‫ِ‬
‫ِبه َوأََّن ٰى َل ُه ُم التََّن ُاو ُ‬ ‫آمَّنا‬
‫ان َق ِريب * َوَقاُلوْا َ‬
‫ٍ‬ ‫ُخ ُذوْا ِمن َّم َك ٍ‬
‫َفالَ َفو َت وأ ِ‬
‫ْ َ‬
‫اع ِهم ِمن َقْبل ِإَّنهم َك ُانوْا ِفي َش ٍّك ُّم ِر ٍ‬ ‫َشي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِباْلغي ِب ِمن َّم َك ٍ ِ ٍ‬
‫يب‬ ‫ُ ُْ‬ ‫ّ‬ ‫َي ْشتَ ُهو َن َك َما ُفع َل ِبأ ْ َ‬ ‫يل َب ْيَن ُه ْم َوَب ْي َن َما‬
‫ان َبعيد * َوح َ‬ ‫َْ‬

‫َّللاِ}[النساء‪،‬‬ ‫صدق عليهم} على الناس {إبليس ظنه} في قوله‪{ :‬وأل ِ‬


‫ُضَّلَّن ُه ْم‪َ ...‬وأل َُم َرَّن ُه ْم‪َ ...‬فَلُي َغِّي ُرَّن َخْل َق َّ‬ ‫َ‬ ‫{ولقد ّ‬
‫اآلية‪ ]119:‬وأمثال ذلك‪ .‬والفريق المستثنون هم المخلصون {وما كان له عليهم من سلطان} أي‪ :‬ما سلطناه عليهم إال‬
‫المستعد الموفق‬
‫ّ‬ ‫لظهور علمنا في مظاهر العلماء المحققين المخلصين وامتيازهم عن المحجوبين المرتابين‪ ،‬فإن‬
‫النيرة‬
‫الصافي القلب ينبع علمه من مكمن االستعداد ويتفجر من قلبه عند وسوسة الشيطان فيرجمه بمصابيح الحجج ّ‬
‫اسودت قلوبهم بصفات النفوس وناسبت‬
‫ويطرده بالعياذ باهلل عند ظهور مفسدته الغوية بخالف غيره من الذين ّ‬
‫بجهاالتهم مكايد الشيطان وأحوال القيامة الكبرى من الجمع والفصل والفتح بين المحق والمبطل ومقاالت الظالمين‬
‫كلها تظهر عند ظهور المهدي عليه السالم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة سبأ (من اآلية ‪ 13‬الى اآلية ‪)13‬‬

‫يل ِّم ْن ِعَب ِاد َي‬‫ِ‬


‫آل َد ُاووَد ُش ْك اًر َوَقل ٌ‬
‫اع َمُلوْا َ‬
‫اب وُقد ٍ ِ ٍ‬
‫ور َّراسَيات ْ‬ ‫ان َكاْل َج َو ِ َ ُ‬
‫يل َو ِجَف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫يعمُلو َن َله ما ي َش ِ‬
‫آء من َّم َح ِار َ‬
‫يب َوتَ َماث َ‬ ‫ُ َ َ ُ‬ ‫َْ َ‬
‫ور‬ ‫َّ‬
‫الش ُك ُ‬

‫{يعملون له ما يشاء من محاريب} المقامات الشريفة {وتماثيل} الصور الهندسية {وجفان كالجواب} من ظروف‬
‫الحسية وإيداع الحقائق في األمثلة الصورية وإدراج‬
‫ّ‬ ‫األرزاق المعنوية واألغذية الروحانية بمحاكاة المعاني بالصور‬
‫المدركات الكلية والواردات الغيبية في المالبس اللفظية والهيئات الجزئية واسعة كالحياض لكونها عرية عن المواد‬
‫الهيوالنية‪ ،‬وإن اكتفت باللواحق المادية والعوارض الجسمانية {وقدور راسيات} من تهيئة االستعدادات بتركيب القياسات‬
‫سخرنا لكم‬
‫المستقيمة وإعداد موارد العلوم والمعارف باآلراء الصائبة والعزائم القوية الثابتة {اعملوا آل داود} الروح بما ّ‬
‫ما سخرنا‪ ،‬وأفضنا عليكم من ِنعم الكماالت ما أفضنا {شك اًر} باستعمال هذه ِ‬
‫الن َعم في طريق السلوك والتوجه إلي وأداء‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫حقوق العبودية بالفناء في ال في تدبير المملكة الدنيويةوإصالح الكماالت البدنية {وقليل من عبادي الشكور} الذي‬
‫ّ‬
‫يعمل استعمال النعم في طاعة هللا العمل الخالص لوجه هللا‪.‬‬

‫سورة فاطر (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)9‬‬

‫آء ِإ َّن‬ ‫ِ‬ ‫رسالً أُولِي أ ِ ٍ‬ ‫اع ِل اْل َمالَِئ َك ِة‬


‫ضج ِ‬ ‫اط ِر َّ ِ‬ ‫اْلحمد ََّّللِ َف ِ‬
‫ِ‬
‫في اْل َخْلق َما َي َش ُ‬ ‫اع َي ِز ُيد‬
‫َجن َحة َّم ْثَن ٰى َوثُالَ َث َوُرَب َ‬
‫ْ‬ ‫ُُ ْ‬ ‫الس َٰم َٰوت َواأل َْر ِ َ‬ ‫َ ُْ‬
‫َل ُه ِمن َب ْع ِدِه َو ُهَو اْل َع ِز ُيز‬ ‫َّر ْح َم ٍة َفالَ ُم ْمس َك َل َها َو َما ُي ْمس ْك َفالَ ُم ْرِس َل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اس من‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ ل َّلن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َّللاَ َعَل ٰى ُك ِّل َشيء َقد ٌير * َّما َيْفتَ ِح َّ‬ ‫َّ‬
‫ْ‬
‫ض الَ ِإَلـ َٰه ِإالَّ ُهَو َفأََّن ٰى‬ ‫َّللاِ َي ْرُزُق ُكم ِم َن ال َّسم ِآء واأل َْر ِ‬
‫َّللاِ َعَل ْي ُك ْم َه ْل ِم ْن َخالِ ٍق َغ ْي ُر َّ‬
‫اس ا ْذ ُك ُروْا ِن ْع َم َت َّ‬ ‫ُّها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫يم * ٰيأَي َ‬
‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ ّ‬ ‫اْل َحك ُ‬
‫َّللاِ َح ٌّق َفالَ تَ ُغَّرَّن ُك ُم‬
‫اس ِإ َّن َو ْع َد َّ‬ ‫ُّها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫ور * ٰيأَي َ‬
‫تؤَف ُكون * وإِن ي َك ِّذبوك َفَقد ُك ِّذبت رسل ِمن َقبلِك وإَِلى َّ ِ‬
‫َّللا تُ ْر َج ُع األ ُُم ُ‬ ‫َ ُ ُ َ ْ َ ْ ُُ ٌ ّ ْ َ َ‬ ‫ُْ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ونوْا ِم ْن أَصح ِ‬ ‫الدنيا والَ يغَّرَّن ُكم ِب َّ ِ‬
‫اب‬ ‫ْ َ‬ ‫ان َل ُك ْم َع ُدٌّو َفاتَّ ِخ ُذوهُ َع ُدّواً ِإَّن َما َي ْد ُعوْا ِح ْزَب ُه لَِي ُك ُ‬
‫طَ‬ ‫ور * ِإ َّن َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫اَّلل اْل َغ ُر ُ‬ ‫اْل َحَياةُ ُّ ْ َ َ َ ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ير * َّال ِذين َكَفروْا َلهم ع َذاب َش ِد ٌيد و َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ‬ ‫الس ِع ِ‬
‫وء‬ ‫الصال َحات َل ُهم َّم ْغف َرةٌ َوأَ ْجٌر َكِب ٌير * أََف َمن ُزّي َ‬
‫ِن َل ُه ُس ُ‬ ‫َ َ َُ َ َ‬ ‫َ ُ ُْ َ ٌ‬ ‫َّ‬
‫صَن ُعو َن‬ ‫َّللا َعلِ ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عملِ ِه َفرآه حسناً َفِإ َّن َّ ِ‬
‫آء َفالَ تَ ْذ َه ْب َنْف ُس َك َعَل ْيه ْم َح َس َارت إ َّن َّ َ ٌ‬
‫يم ب َما َي ْ‬ ‫آء َوَي ْهدي َمن َي َش ُ‬ ‫َّللاَ ُيض ُّل َمن َي َش ُ‬ ‫ََ َ ُ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاُ َّال ِذي أ َْرَس َل ِّ‬
‫ور‬ ‫ض َب ْع َد َم ْوِت َها َك َذل َك ُّ‬
‫الن ُش ُ‬ ‫َحَي ْيَنا ِبه األ َْر َ‬
‫اح َفتُث ُير َس َحاباً َف ُسْقَناهُ ِإَل ٰى َبَلد َّمِّيت َفأ ْ‬
‫الرَي َ‬ ‫* َو َّ‬

‫{جاعل المالئكة رسالً أُولِي أجنحة} عن جهات التأثير الكائنة في الملكوت السماوية واألرضية باألجنحة‪ ،‬جعلها هللا‬
‫رسالً مرسلة إلى األنبياء بالوحي وإلى األولياء باإللهام وإلى غيرهم من األشخاص اإلنسانية وسائر األشياء بتصريف‬
‫إن العاقلتين العلمية‬
‫األمور وتدميرها‪ ،‬فما يصل بتأثيرهم إلى ما يتأثر منه فهو جناح‪ ،‬فكل جهة تأثير جناح مثالً‪ّ :‬‬
‫والنظرية جناحان للنفس اإلنسانية والمدركة والمحركة الباعثة والمحركة الفاعلة ثالثة أجنحة للنفس الحيوانية والغاذية‬
‫تنوعات‬
‫المصورة أربعة أجنحة للنفس النباتية‪ .‬وال تنحصر أجنحتهم في العدد بل لهم بحسب ّ‬
‫ّ‬ ‫والنامية والمولدة و‬
‫التأثيرات أجنحة‪ .‬ولهذا حكى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أنه رأى جبريل عليه السالم ليلة المعراج وله ستمائة‬
‫جناح‪ ،‬وأشار إلى كثرتها بقوله تعالى‪{ :‬يزيد في الخلق ما يشاء}‬

‫سورة فاطر (من اآلية ‪ 10‬الى اآلية ‪)28‬‬

‫الصالِح يرَفعه و َّال ِذين يم ُكرون َّ ِ‬ ‫من َكان ي ِريد اْل ِعَّزة َفلَِّل ِه اْل ِعَّزة ج ِميعاً ِإَلي ِه يصعد اْل َكلِم َّ‬
‫السِّيَئات َل ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫اب‬ ‫الطِّي ُب َواْل َع َم ُل َّ ُ َ ْ ُ ُ َ َ َ ْ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ْ َُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫طَف ٍة ثُ َّم جعَل ُكم أ َْزواجاً وما تَح ِمل ِمن أ ُْنثَى والَ تَضع ِإالَّ‬ ‫ِ‬
‫اب ثُ َّم من ُّن ْ‬ ‫ِ‬
‫َّللا َخَلَق ُكم من تُر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ََ ْ َ َ َ ْ ُ ْ ٰ َ َ ُ‬ ‫ْ ّ َ‬ ‫ور * َو َّ ُ‬ ‫َشد ٌيد َو َم ْك ُر أ ُْوَلئ َك ُه َو َيُب ُ‬
‫َّللاِ َي ِس ٌير * َو َما َي ْستَ ِوي اْلَب ْح َر ِ‬
‫ان َهـٰ َذا َع ْذ ٌب‬ ‫اب ِإ َّن َذلِ َك َعَلى َّ‬ ‫ِب ِعْل ِم ِه وما يع َّمر ِمن ُّمع َّم ٍر والَ ينَقص ِم ْن ُعم ِِره ِإالَّ ِفي ِكتَ ٍ‬
‫َ َ ُ ُ‬ ‫َ َ َُ ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُفر ٌ ِ‬
‫ون َها َوتََرى اْلُفْل َك فيه َمَواخ َر‬ ‫ط ِرّياً َوتَ ْستَ ْخ ِر ُجو َن حْلَي ًة َتْلَب ُس َ‬
‫ْكُلو َن َل ْحماً َ‬‫اج َومن ُك ّل تَأ ُ‬ ‫ُج ٌ‬
‫ات َسآئ ٌغ َش َرُاب ُه َو َهـٰ َذا مْل ٌح أ َ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النه َار في اْللْي ِل وس َّخ َر َّ‬
‫الش ْم َس َواْلَق َم َر ُك ٌّل َي ْجرِي‬ ‫ََ‬ ‫الن َه ِار َوُيولِ ُج َّ َ‬‫ضله َوَل َعل ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن * ُيولِ ُج اْللْي َل في َّ‬ ‫لِتَْبتَ ُغوْا من َف ْ‬
‫آء ُك ْم‬ ‫ير * ِإن تَ ْد ُع ُ‬
‫وه ْم الَ َي ْس َم ُعوْا ُد َع َ‬
‫ط ِم ٍ‬‫ين تَ ْد ُعو َن ِمن ُدوِن ِه َما َي ْملِ ُكو َن ِمن ِق ْ‬ ‫َّ ِ‬
‫ُّك ْم َل ُه اْل ُمْل ُك َوالذ َ‬ ‫َج ٍل ُّم َس ًّمى َذلِ ُك ُم َّ‬
‫َّللاُ َرب ُ‬ ‫أل َ‬
‫َّللاِ َو َّ‬
‫َّللاُ‬ ‫آء ِإَلى َّ‬ ‫اس أَنتُ ُم اْلُفَق َر ُ‬
‫ُّها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫ير * ٰيأَي َ‬ ‫ام ِة َي ْكُف ُرو َن ِب ِش ْرِك ُـك ْم َوالَ ُيَنِّبُئ َك ِم ْث ُل َخِب ٍ‬ ‫ِ‬
‫استَ َج ُابوْا َل ُك ْم َوَي ْوَم اْلقَي َ‬
‫ِ‬
‫َوَل ْو َسم ُعوْا َما ْ‬
‫ُخ َر ٰى َوإِن‬ ‫يز * َوالَ تَ ِزُر َو ِازَرةٌ ِوْزَر أ ْ‬ ‫َّللاِ ِب َع ِز ٍ‬
‫ْت ِب َخْل ٍق َج ِد ٍيد * َو َما َذلِ َك َعَلى َّ‬ ‫هو اْل َغِن ُّي اْلح ِميد * ِإن ي َش ْأ ي ْذ ِهب ُكـم ويأ ِ‬
‫َ ُ‬
‫َ ُ ْ ْ ََ‬ ‫َُ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ين ي ْخ َشو َن رب ِ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الصالَ َة َو َمن‬ ‫اموْا َّ‬ ‫َّه ْم باْل َغ ْيب َوأََق ُ‬ ‫ان َذا ُق ْرَب ٰى إَّن َما تُنذ ُر الذ َ َ ْ َ ُ‬ ‫تَ ْدعُ ُم ْثَقَل ٌة ِإَل ٰى ح ْمل َها الَ ُي ْح َم ْل م ْن ُه َش ْي ٌء َوَل ْو َك َ‬
‫ور * َوالَ ال ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫تَ َزَّكى َفِإَّنما ي َت َزَّكى لِنْف ِس ِه وِإَلى َّ ِ ِ‬
‫ظ ُّل َوالَ‬ ‫الن ُ‬‫ات َوالَ ُّ‬ ‫َع َم ٰى َواْلَبص ُير * َوالَ الظُل َم ُ‬ ‫َّللا اْل َمص ُير * َو َما َي ْستَ ِوي األ ْ‬ ‫َ‬ ‫ٰ َ َ ٰ َ‬
‫ور * ِإن أَنت ِإالَّ‬ ‫َنت ِب ُم ْس ِم ٍع َّمن ِفي اْلُقُب ِ‬ ‫اْلحرور * وما يستَ ِوي األَحيآء والَ األَموات ِإ َّن َّ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫آء َو َمآ أ َ‬ ‫َّللاَ ُي ْسم ُع َمن َي َش ُ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َْ ُ َ‬ ‫ََ َْ‬ ‫َُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين من َقْبل ِه ْم‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اك ِباْل َح ِّق َبشي اًر وَنذي اًر وإِن م ْن أ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫وك َفَق ْد َكذ َب الذ َ‬ ‫يها َنذ ٌير * َوإِن ُي َك ّذُب َ‬ ‫ُمة إال َخالَ ف َ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َنذ ٌير * ِإَّنآ أ َْرَسْلَن َ‬
‫أنزَل ِم َن‬ ‫ير * أََل ْم تََر أ َّ‬ ‫ان َن ِك ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫اب اْل ُمِن ِ‬
‫ِالزب ِر وبِاْل ِكتَ ِ‬
‫ُّ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َّللاَ َ‬‫َن َّ‬ ‫ف َك َ‬ ‫ين َكَف ُروْا َف َك ْي َ‬‫َخ ْذ ُت الذ َ‬‫ير * ثُ َّم أ َ‬ ‫آء ْت ُه ْم ُرُسُل ُهم باْلَبّيَنات َوب ُ َ‬ ‫َج َ‬
‫ِ‬ ‫ات ُّم ْخَتلِفاً أَْلو ُانها و ِم َن اْل ِجب ِ‬‫َخرجنا ِب ِه ثَمر ٍ‬ ‫َّ ِ‬
‫ود * َو ِم َن‬ ‫يب ُس ٌ‬ ‫ف أَْلَو ُان َها َو َغ َارِب ُ‬ ‫يض َو ُح ْمٌر ُّم ْخَتل ٌ‬ ‫ال ُج َدٌد ِب ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫آء َفأ ْ َ ْ َ‬
‫الس َمآء َم ً‬
‫آب واألَنعا ِم مخَتلِف أَْلوانه َك َذلِك ِإَّنما يخ َشى َّ ِ ِ ِ ِ‬
‫َّللاَ َع ِز ٌيز َغُف ٌ‬
‫ور‬ ‫اء ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ م ْن عَباده اْل ُعَل َم ُ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫الد َو ِّ َ ْ َ ُ ْ ٌ َ ُ ُ‬ ‫اس َو َّ‬ ‫الن ِ‬
‫َّ‬

‫العزة جميعاً} أي‪ :‬العزة صفة من صفات هللا مخصوصة به‪ ،‬من أرادها فعليه بالفناء في‬
‫{من كان يريد العزة فلّله ّ‬
‫صفات هللا تعالى عن صفاته‪ ،‬ثم عّلم طريق التجريد ومحو الصفات بقوله‪{ :‬إليه يصعد الكلم الطيب} أي‪ :‬النفوس‬
‫الصافية الطيبة عن خبائث الطبائع الباقية على نور فطرتها‪ ،‬الذاكرة لميثاق توحيدها {والعمل الصالح} بالتزكية‬

‫والتحلية {يرفعه} أي‪ :‬يرفع ذلك الجنس الطيب إلى حضرته دون غيره فيتّصف بصفة ّ‬
‫العزة وسائر الصفات‪ .‬أو إليه‬
‫يصعد العلم الحقيقي من التوحيد األصلي الفطري الطيب عن خبائث التوهمات والتخيالت والعمل الصالح بمقتضاه‬
‫يرفعه دون غيره كما قال أمير المؤمنين عليه السالم‪" :‬العلم مقرون بالعمل‪ ،‬والعلم يهتف بالعمل‪ ،‬فإن أجابه وإال‬
‫ارتحل"‪ ،‬أي‪ :‬سلم الصعود إلى الحضرة اإللهية هو العلم والعمل ال يمكن الترقي إال بهما وال يكفي التوحيد الذي هو‬
‫بعزته وسائر صفاته ألن الصفات مصادر األفعال فما لم يترك األفعال النفسية التي مصادرها‬
‫األصل في االتّصاف ّ‬
‫يتجرد عن هيئاتها بالعبادة والتبتل لم يحصل استعداد االتصاف بصفاته تعالى‪ ،‬فكان‬
‫صفات النفس بالزهد والتوكل ولم ّ‬
‫العلم الحقيقي الذي هو التوحيد بمثابة عضادتي السلم والعمل بمثابة الدرجات في الترقي‪.‬‬

‫{والذين يمكرون السيئات} بظهور صفات النفوس وإن كانوا عالمين {لهم عذاب} من هيئات األعمال القبيحة المؤذية‬
‫{شديد}‪.‬‬

‫ألن الخشية ليست هي خوف العقاب‬


‫{إنما يخشى هللا من عباده العلماء} أي‪ :‬ما يخشى هللا إال العلماء‪ ،‬العرفاء به‪ّ ،‬‬
‫يتصور عظمته لم يمكنه‬
‫ّ‬ ‫تصور وصف العظمة واستحضاره لها‪ ،‬فمن لم‬ ‫بل هيئة في القلب خشوعية انكسارية عند ّ‬
‫خشيه‪ ،‬ومن تجلى هللا له بعظمته خشيه حق خشيته‪ .‬وبين الحضور التصوري الحاصل للعالم الغير العارف وبين‬

‫التجلي الثابت للعالم العارف بون بعيد‪ ،‬ومراتب الخشية ال تحصى بحسب مراتب العلم والعرفان ّ‬
‫{إن هللا عزيز} غالب‬
‫عزته‪.‬‬
‫على كل شيء بعظمته {غفور} يستر صفة تعظم النفس وهيئة تكبرها بنور تجلي ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة فاطر (من اآلية ‪ 29‬الى اآلية ‪)33‬‬

‫ور * لُِي َوِّفَي ُه ْم‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َنفُقوْا ِم َّما رَزْقن ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ورُه ْم‬
‫ُج َ‬ ‫أُ‬ ‫اه ْم سّاًر َو َعالَنَي ًة َي ْر ُجو َن ت َج َارًة لن تَُب َ‬
‫َ َ ُ‬ ‫ين َي ْتُلو َن كتَ َ‬
‫اب‬ ‫الصالَ َة َوأ َ‬ ‫ِإ َّن الذ َ‬
‫اموْا َّ‬‫َّللا َوأََق ُ‬
‫ِب ِعَب ِادِه‬ ‫صِّدقاً ّلِ َما َب ْي َن َي َد ْي ِه ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضلِ ِه ِإَّن ُه‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َوَي ِز َيد ُهم ّمن َف ْ‬
‫ور * َوالذي أ َْو َح ْيَنآ إَل ْي َك م َن اْلكتَاب ُه َو اْل َح ُّق ُم َ‬ ‫ور َش ُك ٌ‬ ‫َغُف ٌ‬
‫صٌد و ِم ْنهم ساِبق ِباْلخير ِ‬ ‫ظالِم ّلِنْف ِس ِه و ِم ْنهم ُّمْقتَ ِ‬ ‫صير * ثُ َّم أَورْثنا اْل ِكتَاب َّال ِذين اص َ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫َ ُ ْ َ ٌ َ َْ‬ ‫َ ُْ‬ ‫طَف ْيَنا م ْن عَبادَنا َفم ْن ُه ْم َ ٌ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َل َخِب ٌير َب ٌ‬
‫يها َح ِر ٌير‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َّللاِ َذِلك هو اْلَفضل اْل َكِبير * جَّنات ع ْد ٍن ي ْدخُلونها يحَّلو َن ِفيها ِمن أ ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫اس ُه ْم ف َ‬
‫َساوَر من َذ َهب َوُل ْؤُلؤاً َولَب ُ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ ُ َ َ ُ ََ ُ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫بإ ُذ ِن َّ َ ُ َ‬

‫{إن الذين يتلون كتاب هللا} الذي أعطاهم في بدء الفطرة من العقل القرآني بإظهاره وإب ارزه ليصير فرقاناً {وأقاموا}‬
‫صالة الحضور القلبي عند ظهور العلم الفطري {وأنفقوا مما رزقناهم} من صفة العلم والعمل الموجب لظهوره عليهم‬
‫{سر} بالتجريد عن الصفات {وعالنية} بترك األفعال {يرجون} في مقام القلب بالترك والتجريد {تجارة لن تبور} من‬
‫ّاً‬
‫استبدال أفعال الحق وصفاته بأفعالهم وصفاتهم {ليوفيهم أجورهم} في جنات النفس والقلب من ثمرات التوكل والرضا‬
‫{ويزيدهم من فضله} في جنات الروح مشاهدات وجهه في التجليات {إنه غفور} يستر لهم ذنوب أفعالهم وصفاتهم‬
‫{شكور} يشكر سعيهم باإلبدال من أفعاله وصفاته‪.‬‬

‫{مصدقاً‬
‫ّ‬ ‫{والذي أوحينا إليك من الكتاب} الفرقاني المطلق {هو الحق} الثابت المطلق الذي ال مزيد عليه وال نقص فيه‬
‫{إن هللا بعباده لخبير} يعلم أحوال استعداداتهم {بصير}‬
‫لما بين يديه} لكونه مشتمالً عليها‪ ،‬حاوياً لما فيها بأسرها ّ‬
‫بأعمالهم‪ ،‬يعطيهم الكمال على حسب االستعداد بقدر االستحقاق باألعمال‪.‬‬

‫{ثم أورثنا} منك هذا {الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} المحمديين المخصوصين من عند هللا بمزيد العناية وكمال‬
‫االستعداد بالنسبة إلى سائر األمم ألنهم ال يرثون وال يصلون إليه إال منك وبواسطتك ألنك المعطي إياهم االستعداد‬
‫والكمال فنسبتهم إلى سائر األمم نسبتك إلى سائر األنبياء {فمنهم ظالم لنفسه} بنقص حق استعداده ومنعه عن‬
‫خروجه إلى الفعل وخيانته في األمانة المودعة عنده بحملها وإمساكها واالمتناع عن أدائها النهماكه في اللذات البدنية‬
‫والشهوات النفسانية {ومنهم مقتصد} يسلك طريق اليمين ويختار الصالحات من األعمال والحسنات‪ ،‬ويكتب الفضائل‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫والكماالت في مقام القلب {ومنهم سابق بالخيرات} التي هي تجليات الصفات إلى الفناء في الذات {بإذن هللا} بتيسيره‬
‫وتوفيقه‪{ ،‬ذلك هو الفضل الكبير}‪.‬‬

‫{جنات عدن} من الجنان الثالث {يدخلونها يحلون فيها من أساور} صور كماالت األخالق والفضائل واألحوال‬
‫والمواهب المصوغة باألعمال من ذهب العلوم الروحانية ولؤلؤ المعارف والحقائق الكشفية الذوقية فلباسهم فيها حرير‬
‫الصفات اإللهية‪.‬‬

‫سورة فاطر (من اآلية ‪ 34‬الى اآلية ‪)45‬‬

‫يها‬ ‫ِ‬ ‫وَقاُلوْا اْلحمد ََّّللِ َّال ِذي أَ ْذهب عَّنا اْلحزن ِإ َّن ربَّنا َلغُفور ش ُكور * َّال ِذي أَحَّلنا دار اْلمَقام ِة ِمن َف ِ ِ‬
‫ضله الَ َي َم ُّسَنا ف َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ ََ ُ َ‬ ‫ََ َ ٌ َ ٌ‬ ‫ََ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ف َع ْن ُه ْم ّم ْن َع َذاِب َها َك َذلِ َك‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ض ٰى َعَل ْي ِه ْم َفَي ُموتُوْا َوالَ ُي َخَّف ُ‬
‫ين َكَف ُروْا َل ُه ْم َن ُار َج َهَّن َم الَ ُيْق َ‬
‫وب * َوالذ َ‬
‫يها ُل ُغ ٌ‬ ‫ص ٌب َوالَ َي َم ُّسَنا ف َ‬
‫َن َ‬
‫يه َمن‬ ‫ط ِرخون ِفيها ربَّنآ أَخ ِرجنا نعمل صالِحاً غير َّال ِذي ُك َّـنا نعمل أَوَلم نع ِمرُكم َّما يت َذ َّكر ِف ِ‬ ‫َن ْجزِي ُك َّل َكُف ٍ‬
‫َ ْ َ ُ َ ْ ُ َ ّ ْ ْ ََ ُ‬ ‫َ َْ‬ ‫ص َ ُ َ َ َ َ ْ َْ َْ َ ْ َ‬ ‫ور * َو ُه ْم َي ْ‬
‫الص ُد ِ‬ ‫ض ِإَّنه علِيم ِب َذ ِ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ير * ِإ َّن َّ ِ‬ ‫صٍ‬ ‫لظالِ ِمين ِمن َّن ِ‬ ‫الن ِذير َف ُذوُقوْا َفما لِ َّ‬ ‫َّ‬
‫ور‬ ‫ات ُّ‬ ‫ُ َ ٌ‬ ‫َّللاَ َعال ُم َغ ْيب َّ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫آء ُك ُم َّ ُ‬ ‫تَ َذك َر َو َج َ‬
‫ين ُكْف ُرُه ْم ِع َند َرِّب ِه ْم ِإالَّ َمْقتاً َوالَ َي ِز ُيد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ض َف َمن َكَف َر َف َعَل ْيه ُكْف ُرهُ َوالَ َي ِز ُيد اْل َكاف ِر َ‬ ‫* ُه َو الذي َج َعَل ُك ْم َخالَئ َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬
‫ض أ َْم َل ُه ْم ش ْر ٌ‬ ‫َّللاِ أ َُروِني ما َذا َخَلُقوْا ِم َن األ َْر ِ‬ ‫ين تَ ْد ُعو َن ِمن ُدو ِن َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫آء ُك ُم الذ َ‬ ‫ين ُكْف ُرُه ْم ِإالَّ َخ َسا اًر * ُق ْل أ َأ‬ ‫ِ‬
‫اْل َكاف ِر َ‬
‫َ‬ ‫َرَْيتُ ْم ُش َرَك َ‬
‫َّللاَ ُي ْم ِس ُك‬
‫ض ُهم َب ْعضاً ِإالَّ ُغ ُرو اًر * ِإ َّن َّ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت أَم آتَيَن ِ‬ ‫ِ‬
‫اه ْم كتَاباً َف ُه ْم َعَل ٰى َبِّيَنة ّم ْن ُه َب ْل ِإن َيع ُد الظال ُمو َن َب ْع ُ‬ ‫في َّ َ َ ْ ْ ُ‬
‫اَّللِ َج ْه َد أ َْي َم ِان ِه ْم‬
‫ان َحِليماً َغُفو اًر * َوأَ ْق َس ُموْا ِب َّ‬ ‫ِِ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واألَرض أَن تَ ُزوالَ وَلِئن َازَلتَآ ِإن أَمس َكهما ِمن أ ٍ ِ‬
‫َحد ّمن َب ْعده ِإَّن ُه َك َ‬ ‫ْ َْ َُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ َ ْ َ‬
‫ض َو َم ْك َر‬ ‫َه َد ٰى ِم ْن ِإ ْح َدى األُم ِم َفَل َّما َجآء ُهم َن ِذ ٌير َّما َزَاد ُهم ِإالَّ ُنُفو اًر * ا ْسِت ْكَبا اًر ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫آء ُه ْم َنذ ٌير َّلَي ُك ُ‬
‫ون َّن أ ْ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َلئن َج َ‬
‫َّللاِ‬
‫َّللاِ تَْب ِديالً َوَلن تَ ِج َد لِ ُسَّن ِت َّ‬
‫ين َفَلن تَ ِج َد لِ ُسَّن ِت َّ‬ ‫َّ‬ ‫َهلِ ِه َف َه ْل َين ُ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫السِي ِ‬
‫ظ ُرو َن ِإال ُسَّن َت األََّولِ َ‬ ‫ىء ِإال ِبأ ْ‬ ‫يق اْلم ْك ُر َّ ِ‬
‫السّي ُ‬ ‫َوالَ َيح ُ َ‬ ‫ىء‬ ‫َّ ّ‬
‫ان َّ ِ ِ‬ ‫ظروْا َكيف َكان ع ِاقب ُة َّال ِذين ِمن َقبلِ ِهم وَكانوْا أ َ ِ‬ ‫* أَوَلم َي ِس ُيروْا ِفي األ َْر ِ‬
‫تَ ْح ِويالً‬
‫َّللاُ لُي ْعج َزهُ‬ ‫َشَّد م ْن ُه ْم ُقَّوًة َو َما َك َ‬ ‫ْ ْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ض َفَين ُ ُ ْ َ َ َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ظ ْه ِرَها ِمن‬ ‫ض ِإَّنه َكان علِيماً َق ِدي اًر * وَلو يؤ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن َشي ٍء ِفي َّ ِ‬
‫اس ِب َما َك َسُبوْا َما تََر َ‬
‫ك َعَل ٰى َ‬ ‫َّللاُ َّ‬
‫الن َ‬ ‫اخ ُذ َّ‬ ‫َ ْ َُ‬ ‫الس َٰم َٰوت َوالَ في األ َْر ِ ُ َ َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا َكان ِب ِعباده ب ِ‬ ‫ٍ‬
‫َّة وَلـ ِٰكن ي َؤ ِّخرُهم ِإَل ٰى أ ٍ‬
‫صي اًر‬ ‫َجُل ُه ْم َفِإ َّن َّ َ َ َ َ‬ ‫آء أ َ‬ ‫ِ‬
‫َجل ُّم َس ًّمى َفإ َذا َج َ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ ْ‬ ‫َدآب َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{وقالوا} بألسنة أحوالهم وأقوالهم عند اتّصافهم بجميع الصفات الحميدة حالة البقاء بعد الفناء {الحمد هلل الذي أذهب‬

‫عنا الحزن} الالزم لفوات الكماالت الممكنة بحسب االستعدادات بهبته لنا إياها في هذا الوجود الحقاني ّ‬
‫{إن ربنا لغفور‬
‫شكور} جزاؤنا منه أوفى وأبقى مما نستحقه بسعينا {الذين أحلنا دار} اإلقامة الدائمة التي ال انتقال منها بوجه في هذا‬
‫يمسنا فيها لغوب}‬
‫يمسنا فيها نصب} بالسعي واالنتقال {وال ّ‬
‫الوجود الموهوب من عطائه الصرف وفضله المحض {ال ّ‬
‫بالسير والترحال‪{ .‬والذين كفروا} المحجوبون منك باإلنكار‪ ،‬الذين ال يقبلون الكتاب وال يرثونه لبعدهم عنك في‬
‫الحقيقة‪ ،‬فال تقارب وال تواصل بينك وبينهم‪{ .‬لهم نار} جهنم الطبيعة يعذبون فيها بأنواع الحرمان واآلالم دائماً {ال‬
‫يقضي عليهم فيموتوا} ويستريحوا {وال يخّفف عنهم من عذابها} فيتنفسوا‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫سورة يس (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)6‬‬

‫الرِحي ِم * لِتُ ِنذر َقوماً َّمآ أ ِ‬ ‫صر ٍ‬


‫اط ُّم ْستَِقي ٍم * تَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُنذ َر‬ ‫َ ْ‬ ‫يل اْل َع ِز ِ‬
‫يز َّ‬ ‫نز َ‬ ‫آن اْل َحكي ِم * ِإَّن َك َلم َن اْل ُم ْرَسل َ‬
‫ين * َعَل ٰى َ‬ ‫يس * َواْلُق ْر ِ‬
‫آؤ ُه ْم َف ُه ْم َغ ِافُلو َن‬
‫َآب ُ‬

‫التام الالئق‬ ‫ِ‬


‫{يس} أقسم بالصنفين الدالين على كمال استعداده كما ذكر في (طه)‪{ .‬والقرآن الحكيم} الذي هو الكمال ّ‬
‫باستعداده على أنه بسبب هذه األمور من المرسلين على طريق التوحيد الموصوف باالستقامة وذلك أن (ي) إشارة‬
‫إلى اسمه الواقي و (س) إلى اسمه السالم الذي وقى سالمة فطرتك السالمة عن النقص في األزل عن آفات حجب‬
‫النشأة والعادة والسالم الذي هو عينها وأصلها‪{ ،‬والقرآن الحكيم} الذي هو صورة كمالها الجامع لجميع الكماالت‬
‫المشتمل على جميع الحكم‪.‬‬

‫الم ْرَسلين تَْنزيل العزيز الرحيم} أي‪ :‬القرآن الشامل للحكمة الذي هو صورة كمال‬ ‫ِ‬
‫{إنك} بسبب هذه الثالثة {لمن ُ‬
‫استعدادك تنزيل بإظهاره مفصالً من مكمن الجمع على مظهرك ليكون فرقاناً من العزيز الغالب الذي غلب على‬
‫بقوته لئال تظهر وتمنع ظهور القرآن المكنون في غيبك على مظهر قلبك وصيرورته‬
‫أنائيتك وصفات نشأتك وقهرها ّ‬
‫فرقاناً‪{ .‬الرحيم} الذي أظهره عليك بتجليات صفاته الكمالية بأسرها‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{لتنذر قوماً} بلغوا في كمال استعدادهم ما لم يبلغ آباؤهم فما أنذروا بما أنذرتهم به {فهم غافلون} عما أوتي إليهم من‬
‫طَف ْيَنا ِم ْن ِعَب ِادَنا}[فاطر‪ ،‬اآلية‪.]32:‬‬
‫اص َ‬
‫ين ْ‬
‫َّ ِ‬
‫حداً لم يبلغه استعداد أحد من األمم السابقة‪ ،‬كما قال‪{ :‬الذ َ‬
‫االستعداد البالغ ّ‬

‫سورة يس (من اآلية ‪ 7‬الى اآلية ‪)12‬‬

‫ان َف ُهم ُّمْق َم ُحو َن * َو َج َعْلَنا‬ ‫َغالَالً َف ِهى ِإَلى األَ ْذَق ِ‬ ‫َلَق ْد ح َّق اْلَقول عَلى أَ ْكثَ ِرِهم َفهم الَ يؤ ِمُنو َن * ِإَّنا جعْلَنا ِفي أَع ِ‬
‫ناق ِه ْم أ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫ْ ُْ ُ‬ ‫ُْ َ ٰ‬ ‫َ‬
‫آء َعَل ْي ِه ْم َءأَن َذ ْرتَ ُه ْم أ َْم َل ْم تُ ِنذ ْرُه ْم الَ ُيؤ ِمُنو َن *‬ ‫ِ ن‬
‫اه ْم َف ُه ْم الَ ُي ْبص ُرو َ * َو َس َو ُ‬ ‫أغ َش ْيَن ُ‬ ‫ِمن َب ْي ِن أ َْي ِد ِ‬
‫يه ْم َسّداً و ِم ْن َخْلِف ِه ْم َسّداً َف ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإَّنما ت ِنذر م ِن اتَّبع ال ِذكر و ِ‬
‫َج ٍر َك ِري ٍم * ِإَّنا َن ْح ُن ُن ْحِيي اْل َم ْوتَ ٰى َوَن ْكتُ ُب َما َقَّد ُموْا‬ ‫الر ْحمـ َٰن ِباْل َغ ْي ِب َفَب ّش ْرهُ ِب َم ْغف َرٍة َوأ ْ‬
‫خشي َّ‬
‫َ ُ ُ َ َ َ ّ َْ َ َ‬
‫ين‬‫ص ْيَناهُ ِفي ِإ َما ٍم ُّمِب ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َح َ‬
‫شيء أ ْ‬ ‫وآثارهم وكل‬
‫َ َ َ ُ ْ َ ُ َّ ْ‬
‫حق القول على أكثرهم} في القضاء السابق بأنهم أشقياء {فهم ال يؤمنون} ألنه إذا قويت االستعدادات عند‬
‫{لقد ّ‬
‫الشر كما قوي السعداء في الخير‪.‬‬
‫ظهورك قوي األشقياء في ّ‬

‫ومحبة األجرام السفلية {فهي إلى األذقان} تمنع رؤوسهم عن‬


‫ّ‬ ‫{إنا جعلنا في أعناقهم أغالالً} من قيود الطبيعة البدنية‬
‫ّ‬
‫تصرفات الرؤوس وأطبقت المفاصل حتى جاوزت أعاليها وبلغت‬ ‫التطأطؤ للقبول إذ عمت األعناق التي هي مفاصل ّ‬
‫فإن‬
‫تصرف بالقبول وال تأثر باالنفعال والميل إلى الركوع والسجود لالنقياد والفناء‪ّ ،‬‬
‫قدام فلم يبق لهم ّ‬
‫حد الرؤوس من ّ‬ ‫ّ‬
‫الكماالت اإلنسانية انفعالية ال تحصل إال بالت ّذلل واالنقهار {فهم مقمحون} ممنوعون عن قبولها بإمالة الرؤوس‪.‬‬

‫{سداً} من حجاب ظهور النفس والصفات المستولية على القلب منعهم من‬ ‫{وجعلنا من بين أيديهم} من الجهة اإللهية ّ‬
‫{سداً} من حجاب‬
‫الحق عند رؤية األنوار الجمالية {ومن خلفهم} من الجهة البدنية ّ‬
‫ّ‬ ‫النظر إلى فوق ليشتاقوا للقاء‬
‫يعدهم لقبول الخير‬
‫الطبيعة الجسمانية ولذاتها المانعة المتثالهم األوامر والنواهي فمنعهم من العمل الصالح الذي ّ‬
‫يتقدمون وال‬
‫فانسد لهم طريق العلم والعمل فهم واقفون مع أصنام األبدان حيارى يعبدونها ال ّ‬
‫ّ‬ ‫والصفات الجاللية‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫يتأخرون {فأغشيناهم} باالنغماس في الغواشي الهيوالنية واالنغمار في المالبس الجسمانية {فهم ال ُي ْبصرون} لكثافة‬
‫الحجب من جميع الجهات وإحاطتها بهم وإذا لم يبصروا ولم يتأثروا فاإلنذار وعدم اإلنذار بالنسبة إليهم سواء‪.‬‬

‫{إنما تنذر} أي‪ :‬يؤثر اإلنذار وينجع في {من اتّبع الذكر} لنورية استعداده وصفائه فيتأثر به ويقبل الهداية بما في‬
‫بتصور عظمته مع غيبته من التجلي فيتبعه‬
‫ّ‬ ‫استعداده من التوحيد الفطري والمعرفة األصلية‪ ،‬فيتذكر ويخشى الرحمن‬
‫بالسلوك ليحضر ما هو غائب عنه ويرى ما استضاء بنوره ّ‬
‫{فبشره بمغفرة} عظيمة من ستر ذنوب حجب أفعاله‬
‫وصفاته وذاته {و ٍ‬
‫أجر كريم} من جنات أفعال الحق وصفاته وذاته‪.‬‬

‫سورة يس (من اآلية ‪ 13‬الى اآلية ‪)19‬‬

‫وه َما َف َعَّزْزَنا ِبثَالِ ٍث َفَقاُلوْا ِإَّنآ ِإَل ْي ُك ْم‬ ‫َّ‬


‫آء َها اْل ُم ْرَسُلو َن * ِإ ْذ أ َْرَسْلَنآ ِإَل ْي ِه ُم ا ْثَن ْي ِن َف َكذُب ُ‬ ‫ِِ‬
‫اب الَق ْرَية إ ْذ َج َ‬ ‫َص َح َ‬ ‫اض ِر ْب َل ُه ْم َّمثَالً أ ْ‬ ‫َو ْ‬
‫الر ْح َمـ ُٰن ِمن َشي ٍء ِإ ْن أَنتُ ْم ِإالَّ تَ ْك ِذُبو َن * َقاُلوْا َرُّبَنا َي ْعَل ُم ِإَّنآ ِإَل ْي ُك ْم‬ ‫زل َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫ُّم ْرَسُلو َن * َقاُلوْا َمآ أَنتُ ْم إال َب َشٌر ّم ْثُلَنا َو َمآ أََن َ‬
‫ْ‬
‫طيَّرَنا ِب ُكم َلِئن َّلم تَنتَهوْا َلَنرجمَّن ُكم وَليم َّسَّن ُكم ِمَّنا ع َذ ِ‬ ‫َّ‬
‫يم *‬ ‫اب أَل ٌ‬ ‫ْ ُ ْ ُ َ ْ َ ََ ْ ّ َ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ين * َقاُلوْا ِإَّنا تَ َ ْ‬ ‫َل ُم ْرَسُلو َن * َو َما َعَل ْيَنآ ِإال اْلَبالَغُ اْل ُمِب ُ‬
‫ط ِائ ُرُكم َّم َع ُك ْم أَِئن ُذ ِّك ْرتُم َب ْل أَنتُ ْم َق ْوٌم ُّم ْس ِرُفو َن‬
‫َقاُلوْا َ‬

‫يؤول أصحاب القرية بأهل مدينة البدن والرسل الثالثة‬


‫{واضرب لهم مثالً أصحاب القرية} إلى آخر المثل‪ ،‬يمكن أن ّ‬
‫بالروح والقلب والعقل‪ ،‬إذ أرسل إليهم اثنان ّأوالً {فك ّذبوهما} لعدم التناسب بينهما وبينهم‪ ،‬ومخالفتهم إياهما في النور‬
‫فعززوا بالعقل الذي يوافق النفس في المصالح والمناجح ويدعوها وقومها إلى ما يدعو إليه القلب والروح‬
‫والظلمة‪ّ ،‬‬
‫فيؤثر فيهم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وتشاؤمهم بهم‪ :‬تنّفرهم عنهم لحملهم إياهم على الرياضة والمجاهدة ومنعهم عن اللذات والحظوظ‪ .‬ورجمهم إياهم‪:‬‬
‫رميهم بالدواعي الطبيعية والمطالب البدنية‪ .‬وتعذيبهم إياهم‪ :‬استيالؤهم عليهم واستعمالهم في تحصيل الشهوات‬
‫والبهيمية والسبعية‪.‬‬

‫سورة يس (من اآلية ‪ 20‬الى اآلية ‪)36‬‬

‫َج اًر َو ُه ْم ُّم ْهتَُدو َن * َو َما لِ َي الَ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وج ِ‬


‫ين * اتَِّب ُعوْا َمن ال َي ْسأَُل ُك ْم أ ْ‬ ‫اتَِّب ُعوْا اْل ُم ْرَسل َ‬ ‫ال ٰيَق ْو ِم‬ ‫آء م ْن أَ ْق َ‬
‫صا اْل َمد َينة َر ُج ٌل َي ْس َع ٰى َق َ‬ ‫ََ َ‬
‫اعتُ ُه ْم َش ْيئاً َوالَ ُي ِنق ُذو َن‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ضٍّر ال تُ ْغ ِن َعّني َشَف َ‬ ‫ُدوِن ِه آلِ َه ًة ِإن ُي ِرْد ِن َّ‬
‫الر ْح َمـ ُٰن ِب ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ط َ ِرني َوإَِل ْيه تُ ْر َج ُعو َن * أَأَتَّخ ُذ من‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َعُب ُد الذي َف َ‬ ‫أْ‬
‫ال ٰيَل ْي َت َق ْو ِمي َي ْعَل ُمو َن * ِب َما َغَف َر لِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫نت ِب َرّب ُ‬ ‫* ِإِّني ِإذاً َّلِفي ضالَ ٍل ُّمِب ٍ ِِ‬
‫يل ْاد ُخل اْل َجَّن َة َق َ‬ ‫اس َم ُعون * ق َ‬ ‫ِك ْم َف ْ‬ ‫آم ُ‬‫ين * إّني َ‬ ‫َ‬
‫نزلِين * ِإن َكان ْت ِإالَّ‬ ‫َنزلنا عَلى َقو ِم ِه ِمن بع ِدِه ِمن ج ٍند ِمن َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫الس َمآء َو َما ُكَّنا ُم ِ َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َْ‬ ‫ين * َو َمآ أ َ ْ َ َ ٰ ْ‬ ‫َرّبِي َو َج َعَلني م َن اْل ُم ْك َرِم َ‬
‫ِ‬ ‫امدو َن * يٰحسرة عَلى اْل ِعب ِاد ما يأِْتي ِهم ِمن َّرس ٍ َّ‬ ‫ِ‬ ‫صيح ًة و ِ‬
‫ول ِإال َك ُانوْا ِبه َي ْستَ ْه ِزُئو َن * أََل ْم َي َرْوْا َك ْم أ ْ‬
‫َهَل ْكَنا‬ ‫َ َ َ ْ ّ ُ‬ ‫َ ْ ًَ َ‬ ‫اح َد ًة َفِإ َذا ُه ْم َخ ُ‬ ‫َ َْ َ‬
‫َّ‬ ‫َقبَلهم ِمن اْلُقرو ِن أََّنهم ِإَلي ِهم الَ يرِجعو َن * وإِن ُك ٌّل َّل َّما ج ِم َّ‬
‫َحَي ْيَنا َها‬ ‫ض ُرو َن * َوآَي ٌة ل ُه ُم األ َْر ُ‬
‫ض اْل َم ْيتَ ُة أ ْ‬ ‫يع ل َد ْيَنا ُم ْح َ‬
‫َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ ْ ْ َْ ُ‬ ‫ْ ُْ ّ َ ُ‬
‫ْكُلوْا ِمن ثَ َم ِِره َو َما‬ ‫يها ِم َن اْل ُعُيو ِن * لَِيأ ُ‬ ‫ِ‬ ‫يل وأ ْ ٍ‬ ‫ٍ ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َخ َر ْجَنا ِم ْن َها َحّباً َف ِم ْن ُه َيأ ُ‬
‫َعَناب َوَف َّج ْرَنا ف َ‬ ‫يها َجَّنات ّمن َّنخ َ‬ ‫ْكُلو َن * َو َج َعْلَنا ف َ‬ ‫َوأ ْ‬
‫َنف ِس ِه ْم َو ِم َّما الَ َي ْعَل ُمو َن‬ ‫يهم أََفالَ ي ْش ُكرو َن * سبحان َّال ِذي خَلق األَْزو َّ ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اج ُكل َها م َّما تُنِب ُت األ َْر ُ‬
‫ض َو ِم ْن أ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َعمَل ْت ُه أ َْيد ْ‬

‫والرجل الذي جاء من أقصى المدينة‪ ،‬أي‪ :‬من أبعد مكان منها‪ ،‬هو العشق المنبعث من أعلى وأرفع موضع منها‬
‫بداللة شمعون العقل ونظره إلظهار دين التوحيد والدعوة إلى الحبيب األول وتصديق الرسل {يسعى} لسرعة حركته‬
‫ويدعو الكل بالقهر واإلجبار إلى متابعة الرسل في التوحيد‪ ،‬ويقول‪{ :‬وما لي ال أعبد الذي فطرني وإليه تُ ْرجعون} وكان‬
‫اسمه حبيباً وكان نجا اًر ينحت في بدايته أصنام مظاهر الصفات من الصور الحتجابه بحسنها عن جمال الذات وهو‬
‫المأمور بدخول جنة الذات‪ ،‬قائالً‪{ :‬يا ليت قومي} المحجوبين عن مقامي وحالي {يعلمون بما غفر لي رّبي} ذنب‬
‫"إن‬
‫عبادة أصنام مظاهر الصفات ونحتها {وجعلني من المكرمين} لغاية قربي في الحضرة األحدية‪ .‬وفي الحديث‪ّ :‬‬
‫لكل شيء قلباً‪ ،‬وقلب القرآن يس"‪ ،‬فلعل ذلك ألن حبيباً المشهور بصاحب يس آمن به قبل بعثته بستمائة سنة وفهم‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سر نبوته‪ ،‬وقال النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬سباق األمم ثالثة لم يكفروا باهلل طرفة عين‪ ،‬علي بن أبي طالب عليه‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫السالم وصاحب يس ومؤمن آل فرعون‬

‫‪".‬‬

‫سورة يس (من اآلية ‪ 37‬الى اآلية ‪)44‬‬

‫يز اْل َعلِي ِم * َواْلَق َم َر‬‫الش ْم ُس تَ ْجرِي لِ ُم ْستََقٍّر َّل َهـا َذلِ َك تَْق ِد ُير اْل َع ِز ِ‬
‫ظلِمو َن * و َّ‬ ‫ِ‬ ‫يل َن ْسَل ُخ ِم ْن ُه َّ‬ ‫َّ َّ‬
‫َ‬ ‫الن َه َار َفإ َذا ُهم ُّم ْ ُ‬ ‫َو َآي ٌة ل ُه ُم ال ُ‬
‫الن َه ِار َوُك ٌّل ِفي َفَل ٍك‬
‫يل َساِب ُق َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫رجو ِن اْلَق ِدي ِم * الَ َّ‬
‫ك الَق َم َر َوالَ ال ُ‬ ‫الش ْم ُس َي َنبغي َل َهآ أَن ْتد ِر َ‬ ‫الع ُ‬‫َقَّد ْرَناهُ َمَن ِازَل َحتَّ ٰى َع َاد َك ُ‬
‫َي ْسَب ُحو َن * َو َآي ٌة َّل ُه ْم أََّنا َح َمْلَنا ُذِّريَّتَ ُه ْم ِفي اْلُفْل ِك اْل َم ْش ُحو ِن * َو َخَلْقَنا َل ُه ْم ِّمن ِّم ْثلِ ِه َما َي ْرَكُبو َن * َوإِن َّن َش ْأ ُن ْغ ِرْق ُه ْم َفالَ‬
‫يخ َل ُه ْم َوالَ ُه ْم ُينَق ُذو َن * ِإالَّ َر ْح َم ًة ِّمَّنا َو َمتَاعاً ِإَل ٰى ِح ٍ‬
‫ين‬ ‫ص ِر َ‬ ‫َ‬

‫{وآية لهم الليل} أي‪ :‬ليل ظلمة النفس {نسلخ منه} نهار ونور شمس الروح والتلوين {فإذا هم مظلمون} وشمس الروح‬
‫لمستقر لها} وهو مقام الحق في نهاية سير الروح {ذلك تقدير العزيز} المتمنع من أن يصل إلى حضرة أحديته‬
‫ّ‬ ‫{تجري‬
‫{قدرناه} أي‪:‬‬
‫سيار وانتهاء سيره‪ ،‬وقمر القلب ّ‬
‫حد كمال كل ّ‬
‫شيء‪ ،‬الغالب على الكل بالقهر والفناء {العليم} الذي يعلم ّ‬
‫قدرنا مسيره في سيره {منازل} من الخوف والرجاء والصبر والشكر وسائر المقامات كالتوكل والرضا {حتى عاد} عند‬ ‫ّ‬
‫لسر {كالعرجون القديم} وهو بقرب استس ارره فيه وإضاءة وجهه الذي يلي الروح قبل تمام‬
‫فنائه في الروح في مقام ا ّ‬
‫فنائه فيه‪ ،‬واحتجابه لنوريته عن النفس والقوى‪ ،‬وكونه بد اًر إنما يكون في موضع الصدر في مقابلة مقام ّ‬
‫السر‪.‬‬

‫{ال الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر} في سيره فيكون له الكماالت الصدرية من اإلحاطة بأحوال العالمين والتجلي‬
‫باألخالق واألوصاف {وال الليل سابق النهار} بإدراك القمر الشمس وتحويل ظلمة النفس نهار نور القلب ألن القمر إذا‬
‫ارتقى إلى مقام الروح بلغ الروح حضرة الوحدة فال تدركه وتكون النفس حينئذ ّنيرة في مقام القلب ال ظلمة لها‪ ،‬فلم‬
‫تسبق ظل متها نوره بل زالت مع أن القلب ونوره في مقام الروح فلم تسبقه على تقدير بقائها {وكل في فلك} أي‪ :‬مدار‬

‫حديه المعينين {يسبحون} يسيرون إلى أن جمع هللا بينهما في ّ‬


‫حد‬ ‫معين في بدايته ونهايته ال يتجاوز ّ‬
‫ومحل لسيره ّ‬
‫وخسف القمر بها وأطلع الشمس من مغربها فتقوم القيامة‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ذريتهم في الفلك المشحون} وهو سفينة نوح فيه ّ‬
‫سر من أسرار البالغة حيث لم يذكر آباءهم الذين‬ ‫{وآية لهم ّأنا حملنا ّ‬
‫الذريات حينئذ {وخلقنا لهم من مثله} أي‪ :‬مثل سفينة‬
‫كانوا فيها بل ذرّياتهم الذين كانوا في أصالبهم‪ ،‬فال بد من وجود ّ‬
‫نوح وهي السفينة المحمدية {ما يركبون}‪.‬‬

‫سورة يس (من اآلية ‪ 45‬الى اآلية ‪)59‬‬

‫يكم وما خْلَف ُكم َلعَّل ُكم تُرحمون * وما تَأِْتي ِهم ِمن آي ٍة ِمن آي ِ‬
‫ات َرِّب ِه ْم ِإالَّ َك ُانوْا َع ْن َها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّْ َ ّْ َ‬ ‫ََ‬ ‫يل َل ُه ُم اتَُّقوْا َما َب ْي َن أ َْيد ُ ْ َ َ َ ْ َ ْ ْ َ ُ َ‬ ‫َوإِ َذا ق َ‬
‫طعمه ِإن أَنتُم ِإالَّ‬ ‫َّ‬ ‫َنفُقوْا ِم َّما رَزَق ُكم هللا َقال َّال ِذين َكَفروْا لَِّل ِذين آمنوْا أَن ْ ِ‬
‫ضين * وِإ َذا ِقيل َلهم أ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ أَ ْ َ َ ُ ْ ْ‬ ‫آء َّ‬ ‫طع ُم َمن ل ْو َي َش ُ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ‬ ‫ُم ْع ِر َ‬
‫ص ُمو َن‬ ‫احدة تَأْخ ُذهم وهم ي ِخ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ين * ويُقوُلو َن متَى ه َذا اْلوعد ِإن ُكنتُم ِ ِ‬ ‫ضالَ ٍل ُّمِب ٍ‬ ‫ِ‬
‫ص ْي َح ًة َو َ ً ُ ُ ْ َ ُ ْ َ ّ‬ ‫ظ ُرو َن إال َ‬ ‫ين * َما َين ُ‬ ‫صادق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ٰ َ َ ُْ‬ ‫ََ‬ ‫في َ‬
‫اث ِإَلى رِب ِهم ي ِ‬ ‫ور َفِإ َذا هم ِمن األَجد ِ‬ ‫َهلِ ِه ْم َي ْرِج ُعو َن * َوُنِف َخ ِفي ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نسُلو َن * َقاُلوْا‬ ‫ٰ َّ ْ َ‬ ‫ُ ّ َ َْ‬ ‫الص ِ‬ ‫يعو َن تَ ْوصَي ًة َوالَ ِإَل ٰى أ ْ‬
‫* َفالَ َي ْستَط ُ‬
‫اح َدةً َفِإ َذا ُه ْم َج ِمي ٌع َّل َد ْيَنا‬
‫الرحمـٰن وص َدق اْلمرسُلو َن * ِإن َك َان ْت ِإالَّ صيح ًة و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َْ َ‬ ‫ي َٰوْيَلَنا َمن َب َعثََنا من َّم ْرَقدَنا َه َذا َما َو َع َد َّ ْ ُ َ َ َ ُ ْ َ‬
‫اك ُهو َن‬ ‫ظَلم َنْفس َشيئاً والَ تُج َزو َن ِإالَّ ما ُك ْنتُم َتعمُلو َن * ِإ َّن أَصحاب اْلجَّن ِة اليوم ِفي ُش ُغ ٍل َف ِ‬
‫ْ َ َ َ َْ َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َ‬ ‫ض ُرو َن * َفاْلَي ْوَم الَ تُ ْ ُ ٌ ْ َ ْ ْ‬ ‫ُم ْح َ‬
‫* هم وأ َْزواجهم ِفي ِظالَ ٍل عَلى األَرِآئ ِك متَّ ِكُئو َن * َلهم ِفيها َف ِ‬
‫اك َه ٌة َوَل ُه ْم َّما َيَّد ُعو َن * َسالَ ٌم َق ْوالً ِّمن َّر ٍّب َّرِحي ٍم *‬ ‫ُْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ َ ُ ُ ْ‬
‫ُّها اْل ُم ْج ِرُمو َن‬
‫امتَ ُازوْا اْلَي ْوَم أَي َ‬
‫َو ْ‬

‫{اتّقوا ما بين أيديكم} من أحوال القيامة الكبرى {وما خلفكم} من أحوال القيامة الصغرى‪ ،‬فإن األولى تأتي من جهة‬
‫التجرد عن الهيئات البدنية في الثانية والنجاة منها‪.‬‬
‫الحق والثانية تأتي من جهة النفس بالفناء في هللا في األولى‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬
‫مقدماتها وانزعاج القوى كلها دفعة عن ّ‬
‫مقارها‪ ،‬وعن الثانية بوقوعها‬ ‫والصيحتان هما التنبه عن النفخة األولى بوقوع ّ‬
‫وانتباهتهم دفعة‪ ،‬وانتشار القوى في محالها‪ .‬واألجداث‪ :‬األبدان التي هي مراقدهم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{إن أصحاب الجنة اليوم في شغل} من أنوار التجليات ومشاهدات الصفات‪ ،‬متلذذون هم ونفوسهم الموافقة لهم في‬
‫التوجه {في ظالل} من أنوار الصفات {على األرائك} المقامات والدرجات {متكئون لهم فيها فاكهة} من أنواع المدركات‬
‫وأصناف الواردات والمكاشفات {ولهم} ما يتمنون من المشاهدات‪ ،‬وهي‪{ :‬سالم} أعني {قوالً} بإفاضة الكماالت‬
‫رب رحيم} يرحم بتلك المشتهيات‪.‬‬
‫وتبرئتهم بها من وجوه النقص التي تنبعث منها دواعي التمنيات صاد اًر {من ّ‬

‫سورة يس (من اآلية ‪ 60‬الى اآلية ‪)83‬‬

‫ِ‬ ‫َن اعبدوِني هـٰ َذا ِ‬


‫ين * َوأ ِ ْ ُ ُ‬ ‫ان ِإَّن ُه َل ُك ْم َع ُدٌّو ُّمِب ٌ‬ ‫َعه ْد ِإَل ْي ُكم يَٰبِني ء َادم أَن الَّ تَ ْعُب ُدوْا َّ‬
‫َض َّل‬ ‫يم * َوَلَق ْد أ َ‬ ‫ط ُّم ْستَق ٌ‬ ‫ص َار ٌ‬ ‫َ‬ ‫طَ‬ ‫الشي َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫أََل ْم أ ْ َ‬
‫اصَل ْو َها اْلَي ْوَم ِب َما ُكنتُ ْم تَ ْكُف ُرو َن * اْلَي ْوَم َن ْخِت ُم‬ ‫َِّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِم ْن ُكم ِجِبالًّ َكِثي اًر أََفَلم تَ ُك ُ ِ‬
‫وع ُدو َن * ْ‬ ‫ونوْا تَ ْعقُلو َن * َهـٰذه َج َهَّن ُم التي ُكنتُ ْم تُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ط َفأََّن ٰى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َار َ‬
‫َعُينه ْم َفا ْستََبُقوْا ّ‬
‫ط َم ْسَنا َعَل ٰى أ ْ‬ ‫َعَل ٰى أَْف َواهه ْم َوتُ َكّل ُمَنآ أ َْيديه ْم َوتَ ْش َه ُد أ َْرُجُل ُه ْم ب َما َك ُانوْا َي ْكسُبو َ * َوَل ْو َن َش ُ‬
‫آء َل َ‬
‫* َو َمن ُّن َع ِّم ْرهُ ُنَن ِّك ْـس ُه ِفي اْل َخْل ِق أََفالَ‬ ‫ضّياً َوالَ َي ْرِج ُعو َن‬‫طاعوْا م ِ‬ ‫اهم َعَل ٰى م َك َِ ِ‬ ‫ِ ن‬
‫استَ َ ُ ُ‬ ‫ـانته ْم َف َما ْ‬ ‫َ‬ ‫آء َل َم َس ْخَن ُ ْ‬
‫ُي ْبص ُرو َ * َوَل ْو َن َش ُ‬
‫ان َحّياً َوَي ِح َّق اْلَق ْو ُل َعَلى‬ ‫َمن َك َ‬ ‫ين * ّلُِي ِنذ َر‬ ‫آن ُّمِب ٌ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َي ْعِقُلو َن * َو َما َعَّل ْمَناهُ ِّ‬
‫الش ْع َر َو َما َي َنبغي َل ُه ِإ ْن ُه َو ِإال ذ ْكٌر َوُق ْر ٌ‬
‫وب ُه ْم َو ِم ْن َها‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * أ ََوَل ْم َي َرْوْا أََّنا َخَلْقَنا َل ُهم م َّما َعمَل ْت أ َْيد َينآ أ َْنعاماً َف ُه ْم َل َها َمال ُكو َن * َوَذلْلَن َ‬
‫اها َل ُه ْم َفم ْن َها َرُك ُ‬ ‫اْل َكاف ِر َ‬
‫يعو َن‬ ‫ِ‬ ‫ْكُلو َن * وَلهم ِفيها مَن ِافع وم َش ِارب أََفالَ ي ْش ُكرو َن * واتَّ َخ ُذوْا ِمن دو ِن َّ ِ ِ َّ َّ‬
‫نص ُرو َن * الَ َي ْستَط ُ‬ ‫َّللا آل َه ًة ل َعل ُه ْم ُي َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُْ َ َ ُ َ َ ُ‬ ‫َيأ ُ‬
‫ان أََّنا َخَلْقَناهُ‬
‫نس ُ‬ ‫ِ‬
‫اإل َ‬ ‫ض ُرو َن * َفالَ َي ْح ُزن َك َق ْوُل ُه ْم ِإَّنا َن ْعَل ُم َما ُي ِسُّرو َن َو َما ُي ْعلُِنو َن * أََوَل ْم َي َر‬ ‫ص َرُه ْم َو ُه ْم َل ُه ْم ُج ٌند ُّم ْح َ‬
‫َن ْ‬
‫يها َّال ِذي‬ ‫ِ‬ ‫ال من ُيحِيي اْل ِع َ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ُّمِب ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِمن ُّن ْ ٍ ِ‬
‫* ُق ْل ُي ْحي َ‬ ‫يم‬
‫ظ َام َوه َي َرم ٌ‬ ‫ض َر َب َلَنا َمثَالً َوَنس َي َخْلَق ُه َق َ َ‬ ‫ين * َو َ‬ ‫طَفة َفإ َذا ُه َو َخص ٌ‬
‫ض ِر َنا اًر َفِإ َذآ أَنتُم ِّم ْنه تُوِق ُدو َن * أََوَل ْـي َس اَل ِذي‬ ‫الش َج ِر األ ْ‬
‫َخ َ‬ ‫َهآ أََّول مَّرٍة و ُهو ِب ُك ِّل َخْل ٍق َعلِيم * َّال ِذي َج َعل َل ُكم ِم َن َّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َنشأ َ َ َ َ َ‬ ‫أَ‬
‫ول َل ُه ُكن‬
‫َرَد َش ْيئاً أَن َيُق َ‬ ‫يم * ِإَّن َمآ أ َْم ُرهُ ِإ َذآ أ َا‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ات َواأل َْر َ ِ ِ ٍ‬ ‫السماو ِ‬
‫ض بَقادر َعَل ٰى أَن َي ْخُل َق م ْثَل ُهم َبَل ٰى َو ُه َو اْل َخال ُق اْل َعل ُ‬ ‫َخَل َق َّ َ‬
‫وت ُك ِّل َشي ٍء َوإَِل ْي ِه تُ ْر َج ُعو َن‬ ‫ِِ‬
‫ان الذي ِبَيده َمَل ُك ُ‬
‫َفي ُكون * َفسبح َّ ِ‬
‫ُْ َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ْ‬
‫والعهد عهد األزل وميثاق الفطرة وعبادة الشيطان‪ ،‬هو االحتجاب بالكثرة المتثال دواعي الوهم والصراط المستقيم‬
‫طريق الوحدة‪ .‬وقال الضحاك في وصف جهنم‪" :‬إن لكل كافر بئ اًر من النار يكون فيه ال يرى وال يدري"‪ ،‬وذلك صورة‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫احتجابه‪ .‬ومعنى الختم على األفواه وتكليم األيدي وشهادة األرجل‪ :‬تغيير صورهم وحبس ألسنتهم عن النطق وتصوير‬
‫أيديهم وأرجلهم على صور تدل بهيئاتها وأشكالها على أعمالها وتنطق بألسنة أحوالها على ملكاتها من هيئات أفعالها‪.‬‬

‫{إنما أمره} عند تعلق إرادته بتكوين شيء ترتب كونه على تعلق اإلرادة به دفعة معاً بال تحلل زماني {فسبحان} أي‪:‬‬

‫ّنزه عن العجز والتّشبه باألجسام والجسمانيات في كونها وكون أفعالها زمانية {الذي} تحت قدرته وفي ّ‬
‫تصرف قبضته‬
‫{ملكوت كل شيء} من النفوس والقوى المدبرة له {وإليه ترجعون} بالفناء فيه واالنتهاء إليه‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫سورة الصافات (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)5‬‬

‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َِّٰ ٰ ِ ِ‬ ‫ات صَّفا * َف َّا ِ ِ‬


‫الص َّاف ِ‬
‫ض َو َما َب ْيَن ُه َما َوَر ُّب‬ ‫الزج َرات َز ْج اًر * َفالتلَيت ذ ْك اًر * إ َّن إَلـ َٰه ُك ْم َل َواحٌد* َّر ُّب َّ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َو َّ‬
‫اْلم َشار ِ‬
‫ِق‬
‫َ‬

‫الصافات صّفاً} أقسم بنفوس السالكين في سبيله طريق التوحيد‪ ،‬الصافات في مقامهم ومراتب تجلياتهم ومواقف‬
‫{و َّ‬
‫مشاهداتهم {صّفاً} واحداً في التوجه إليه {فالزاجرات} في دواعي الشياطين‪ ،‬وفوارغ التمنيات النفسانية في األحايين‬
‫السر أو‬
‫{زج اًر} باألنوار واألذكار والبراهين {فالتاليات} نوعاً من أنواع األذكار بحسب أحوالهم باللسان أو القلب أو ّ‬
‫الروح كما ذكر غير مرة على وحدانية معبودهم لتثبيتهم في التوجه عن الزيغ واالنحراف بااللتفات إلى الغير {ر ّب}‬
‫ورب} مشارق تجليات األنوار الصفاتية‪،‬‬
‫سموات الغيوب السبعة التي هم سائرون فيها‪ ،‬وأرض البدن {وما بينهما ّ‬
‫تعدد وتجليات‬
‫بتعدد األسماء ليتحفظوا عند ّ‬
‫التحوالت ّ‬
‫ّ‬ ‫وصفه بالوحدانية الذاتية في أطوار الربوبية الكاشفة عن وجوه‬
‫الصفات وترتب المقامات من االحتجاب بالكثرة‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الصافات (من اآلية ‪ 6‬الى اآلية ‪)40‬‬

‫َعَل ٰى َوُيْق َذُفو َن ِمن‬ ‫ان َّم ِارٍد * الَّ َي َّس َّم ُعو َن ِإَل ٰى اْلم ِ‬‫طٍ‬ ‫الد ْنيا ِب ِز َين ٍة اْل َكو ِ‬
‫اك ِب * َو ِحْفظاً ِّمن ُك ِّل َش ْي َ‬ ‫ِإَّنا َزيََّّنا َّ‬
‫إل األ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫آء ُّ َ‬ ‫الس َم َ‬
‫طَف َة َفأ َْتبعه ِشهاب ثَ ِاقب * َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َشُّد َخْلقاً أَم‬ ‫استَْفت ِه ْم أ ُ‬
‫َه ْم أ َ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ََ ُ َ ٌ‬ ‫ف اْل َخ ْ‬ ‫ذاب َواص ٌب * ِإال َم ْن َخط َ‬ ‫ُك ّل َجان ٍب * ُد ُحو اًر َوَل ُه ْم َع ٌ‬
‫ين الَّ ِز ٍب * َب ْل َع ِج ْب َت َوَي ْس َخ ُرو َن * َوإِ َذا ُذ ِّك ُروْا الَ َي ْذ ُك ُرو َن * َوإِ َذا َأرَْوْا َآي ًة َي ْستَ ْس ِخ ُرو َن‬ ‫اهم ِّمن ِط ٍ‬ ‫َّم ْن َخَلْقَنآ ِإَّنا َخَلْقَن ُ‬
‫* وَقاُلوْا ِإن هـٰ َذآ ِإالَّ ِسحر ُّمِبين * أ َِء َذا ِم ْتنا وُكَّنا تُراباً و ِع َ ِ‬
‫آؤَنا األََّوُلو َن * ُق ْل َن َع ْم َوأَنتُ ْم‬ ‫ظاماً أَءَّنا َل َم ْب ُعوثُو َن * أََو َآب ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ين * هـٰ َذا يوم اْلَفص ِل َّال ِذي ُكنتم ِبهِ‬ ‫ِ‬
‫الد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخ ُرو َن * َفِإَّن َما ه َي َز ْج َرةٌ َواح َدةٌ َفِإ َذا ُه ْم َين ُ‬ ‫َد ِ‬
‫ُْ‬ ‫َ َْ ُ ْ‬ ‫ظ ُرو َن * َوَقاُلوْا ي َٰوْيَلَنا َهـٰ َذا َي ْوُم ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ظَلموْا وأَزواجهم وما َكانوْا يعبدون * ِمن دو ِن َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫وه ْم ِإَل ٰى ص َراط اْل َجحي ِم * َوِقُف ُ‬
‫وه ْم‬ ‫اه ُد ُ‬
‫َّللا َف ْ‬ ‫ُ‬ ‫ين َ ُ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ ُ َ ْ ُ ُ َ‬ ‫اح ُش ُروْا الذ َ‬ ‫تُ َك ّذُبو َن * ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آءُلو َن * َقاُلوْا‬ ‫ض ُه ْم َعَل ٰى َب ْعض َيتَ َس َ‬ ‫اص ُرو َن * َب ْل ُه ُم اْلَي ْوَم ُم ْستَ ْسل ُمو َن * َوأَ ْقَب َل َب ْع ُ‬ ‫إَّن ُه ْم َّم ْسُئوُلو َن * َما َل ُك ْم الَ تََن َ‬
‫ان بل ُكنتُم َقوماً َ ِ‬ ‫ان َلَنا َعَل ْي ُك ْم ِّمن ُسْل َ‬ ‫ِ‬ ‫ونَنا َع ِن اْلَي ِم ِ‬
‫ين *‬ ‫طاغ َ‬ ‫ط ٍ َْ ْ ْ‬ ‫ين * َو َما َك َ‬ ‫ين * َقاُلوْا َب ْل َّل ْم تَ ُك ُ‬
‫ونوْا ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫ِإَّن ُك ْم ُكنتُ ْم تَأْتُ َ‬
‫اب ُم ْشتَ ِرُكو َن * ِإَّنا َك َذلِ َك َنْف َع ُل‬ ‫ين * َفِإَّنهم يومِئ ٍذ ِفي اْلع َذ ِ‬ ‫اك ْم ِإَّنا ُكَّنا َغ ِاو َ‬ ‫َف َح َّق َعَل ْيَنا َق ْو ُل َرّبَِنآ ِإَّنا َل َذ ِآئُقو َن * َفأ ْ‬
‫َغ َوْيَن ُ‬
‫َ‬ ‫ُ ْ َْ َ‬
‫َّللا يستَ ْكِبرون * ويُقوُلون أَِئَّنا َلتَ ِارُكوْا آلِهِتنا لِ َش ِ‬
‫اع ٍر َّم ْجُنو ٍن * َب ْل‬ ‫ََ‬ ‫ََ َ‬ ‫يل َل ُه ْم الَ ِإَلـ َٰه ِإالَّ َّ ُ َ ْ ُ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * إَّن ُه ْم َك ُانوْا إ َذا ق َ‬ ‫ِباْل ُم ْج ِرِم َ‬
‫َّللاِ‬
‫اب األَلِي ِم * َو َما تُ ْج َزْو َن ِإالَّ َما ُك ْنتُ ْم تَ ْع َمُلو َن * ِإالَّ ِعَب َاد َّ‬ ‫ين * ِإَّن ُكم َل َذ ِآئُقو اْلع َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َج ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫صَّد َق اْل ُم ْرَسل َ‬ ‫آء باْل َح ِّق َو َ‬ ‫َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫اْل ُم ْخَلص َ‬

‫{إنا زّينا السماء الدنيا} أي‪ :‬العقل الذي هو أقرب السموات الروحانية بالنسبة إلى القلب {بزينة} كواكب الحجج‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫اها ُر ُجوماً ِّل َّ‬
‫لشَياط ِ‬
‫ين}[الملك‪ ،‬اآلية‪.]5:‬‬ ‫صاِب َ‬
‫يح َو َج َعْلَن َ‬ ‫ِ‬
‫والبراهين‪ ،‬كقوله‪{ :‬ب َم َ‬

‫{وحفظاً} أي‪ :‬وحفظناها {من كل شيطان} من شياطين األوهام والقوى التخيلية عند الترقي إلى أفق العقل بتركيب‬
‫الموهومات والمخيالت في المغالطات والتشكيكات {مارد} خارج عن طاعة الحق والعقل‪.‬‬

‫{ال يسمعون إلى المأل األعلى} من الروحانيات والملكوت السماوية بتلك الحجج {من كل جانب} من جميع الجهات‬
‫السماوية‪ ،‬أي‪ :‬من أي وجه من وجوه المغالطة والتخييل يركبون القياس ويرتقون به‪ ،‬يقذفون بما يبطله من الدحور‬
‫والطرد‪ ،‬أو مدحورين مطرودين {ولهم عذاب واصب} دائم الرياضات وأنواع الزجر في المخالفات‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫جلية وأوهم الحق بصورة نورية استفادها من كلمة حقة ملكية‬
‫فموه كالمه بهيئة ّ‬
‫{إال من خطف الخطفة} في االستراق ّ‬
‫{فأتبعه شهاب ثاقب} من برهان ّنير عقلي‪ ،‬أو إشراق نور قدسي فأبطلها وطرد الجني بنفي الصورة الوهمية التي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أوهمها‪.‬‬

‫{إال عباد هللا المخلصين} استثناء منقطع‪ ،‬أي‪ :‬لكن عباد هللا المخصوصون به لفرط عنايتهم به‪ ،‬الذين أخلصهم هللا‬
‫عن شوب الغيرية واألنائية والبقية واستخلصهم لنفسه بفناء األنائية واإلثنينية‪.‬‬

‫سورة الصافات (من اآلية ‪ 41‬الى اآلية ‪)61‬‬

‫اف َعَل ْي ِهم ِب َكأ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ات َّ ِ‬ ‫اكه وهم ُّم ْكرمون * ِفي جَّن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْس‬ ‫ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫النعي ِم * َعَل ٰى ُس ُرٍر ُّمتََقاِبل َ‬
‫ين * ُي َ‬ ‫َ‬ ‫َُ َ‬ ‫وم * َف َو ُ َ ُ‬ ‫أ ُْوَلئ َك َل ُه ْم ِرْز ٌق َّم ْعُل ٌ‬
‫ين * َكأََّن ُه َّن‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يها َغ ْو ٌل َوالَ ُه ْم َع ْن َها ُي َنزُفو َن * َو ِع َند ُه ْم َقاص َار ُت الط ْرف ع ٌ‬
‫ِ‬ ‫ضآء َل َّذ ٍة ِّل َّ‬
‫لش ِارب َ‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫ِين * الَ ف َ‬ ‫ّمن َّمعين * َب ْي َ َ‬
‫ول أ َِءَّن َك َل ِم َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين * َيُق ُ‬ ‫ان لِي َق ِر ٌ‬ ‫ال َقآئ ٌل ّم ْن ُه ْم ِإّني َك َ‬‫آءُلو َن * َق َ‬ ‫ٍ‬ ‫ض َّم ْكُنو ٌن * َفأَ ْقَب َل َب ْع ُ‬
‫ض ُه ْم َعَل ٰى َب ْعض َيتَ َس َ‬ ‫َب ْي ٌ‬
‫آء اْل َج ِحي ِم *‬ ‫اطَلع َفرآه ِفي سو ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اْلمصِّد ِقين * أ َِء َذا ِم ْتنا وُكَّنا تُراباً و ِع َ ِ‬
‫ََ‬ ‫ال َه ْل أَنتُ ْم ُّمطل ُعو َن * َف َ َ ُ‬ ‫ظاماً أَءَّنا َل َمد ُينو َن * َق َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َُ َ‬
‫ين * ِإالَّ َم ْوتَتََنا األُوَل ٰى َو َما َن ْح ُن‬ ‫ِ‬
‫ين * أََف َما َن ْح ُن ِب َمِّيت َ‬ ‫ض ِر َ‬
‫ين * وَلوالَ ِنعم ُة ربِي َل ُك ِ‬
‫نت م َن اْل ُم ْح َ‬‫ُ‬ ‫َ ْ ْ َ َّ‬ ‫دت َلتُ ْرِد ِ‬‫اَّللِ ِإن ِك َّ‬
‫ال تَ َّ‬
‫َق َ‬
‫ِبمع َّذِبين * ِإ َّن هـٰ َذا َلهو اْلَفوُز اْلع ِظيم * لِ ِم ْث ِل هـٰ َذا َفْليعم ِل اْلع ِ‬
‫امُلو َن‬ ‫َ َْ َ َ‬ ‫َ َُ ْ َ ُ‬ ‫َُ َ‬

‫المغذية ألرواحهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫{أولئك لهم رزق معلوم} يعلمه هللا دون غيره وهو معلومات هللا ّ‬
‫المقوية لقلوبهم‬

‫{فواكه} ملذة غاية التلذيذ‪ ،‬إذ الفاكهة ما يتل ّذذ به‪ ،‬أي‪ :‬يتلذذون في مكاشفاتهم بما يحضرهم من معلوماته تعالى {وهم‬
‫ُمكرمون} في مقعد صدق عند مليك مقتدر في الجنات الثالث يتنعمون بقرب الحق في حضرته غاية اإلكرام والتنعم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{على سرر} مراتب ودرجات {متقابلين} في الصف األول‪ ،‬مترائين ال يحجب بعضهم عن بعض وال يتفاضلون في‬
‫دنه المعاينة فكيف ال يعاين‪.‬‬
‫المقاعد {يطاف عليهم بكأس من} خمر العشق {معين} مكشوف ألهل العيان إذا ّ‬

‫{بيضاء} نورية من عين األحدية الكافورية‪ ،‬ال شوب فيها وال مزج من التعينات {ل ّذة للشاربين ال فيها غول} يغتال‬
‫العقل ألنهم أهل صحوا أخلصهم هللا من الشوائب والحجاب فال ينكر لهم {وال هم عنها ينزفون} بذهاب العقول وإال لم‬
‫يكونوا أهل الجنات الثالث في مقام البقاء‪.‬‬

‫المجردة‪ ،‬الواقفات تحت مراتبهم في مقام تجليات‬


‫ّ‬ ‫{وعندهم قاصرات الطرف} من أهل الجبروت والملكوت والنفوس‬
‫الصفات وسرادقات الجالل‪ ،‬وفي مجالي مشاهداتهم تحت قباب الجمال في روضات القدس وحضرة األسماء {عين}‬
‫محبتهم وعشقهم لهم ألنهم هم المعشوقون‪.‬‬
‫ألن ذواتهم كلها عيون ال يمدون طرفاً عنهم لفرط ّ‬
‫ّ‬

‫{كأنهن بيض مكنون} في األداحي لغاية صفائها في خدور القدس ونقائها من مو ّاد الرجس {يتساءلون} يتحادثون‬
‫ّ‬
‫بأحاديث أهل الجنة والنار ومذاكرة أحوال السعداء واألشقياء‪ ،‬مطلعين على كال الفريقين وما هم فيه من الثواب‬
‫والعقاب‪ ،‬كما ذكر في وصف أهل (األعراف)‪.‬‬

‫سورة الصافات (من اآلية ‪ 62‬الى اآلية ‪)82‬‬

‫َص ِل اْل َج ِحي ِم * َ‬ ‫ِ‬ ‫لظلِ ِم َ ِ‬ ‫الزُّقو ِم *ِإَّنا جعْل ٰنها ِف ْتن ًة ّلِ َّٰ‬ ‫أَ َذلِ َك َخ ْيٌر ُّن ُزالً أَم َش َج َرةُ َّ‬
‫طْل ُع َها َكأََّن ُه ُرُء ُ‬
‫وس‬ ‫ين* إَّن َها َش َج َرةٌ تَ ْخ ُرُج في أ ْ‬ ‫َ َ ََ َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طو َن * ثُ َّم ِإ َّن َل ُه ْم َعَل ْي َها َل َش ْوباً م ْن َحمي ٍم * ثُ َّم ِإ َّن َم ْرِج َع ُه ْم ِإلَلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * َفِإَّن ُه ْم آلكُلو َن م ْن َها َف َمالُئو َن م ْن َها اْلُب ُ‬ ‫الشي ِ‬
‫اط ِ‬ ‫َّ َ‬
‫اْلج ِحي ِم * ِإَّنهم أَْلَفوْا آبآءهم ِ‬
‫ين * َوَلَق ْد أ َْرَسْلَنا‬ ‫ين * َف ُه ْم َعَل ٰى آثَ ِارِه ْم ُي ْه َرُعو َن * َوَلَق ْد َ‬
‫ض َّل َقْبَل ُه ْم أَ ْكثَُر األََّولِ َ‬ ‫ضآّل َ‬‫ُ ْ ْ َ َ ُْ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ين * ِإال عَب َاد َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * َوَلَق ْد َنا َد َانا ُنوٌح َفَلن ْع َم اْل ُمج ُيبو َن *‬ ‫َّللا اْل ُم ْخَلص َ‬ ‫ان َعاقَب ُة اْل ُمن َذ ِر َ‬‫ف َك َ‬ ‫ظ ْر َك ْي َ‬
‫ين * َفان ُ‬ ‫في ِه ْم ُّمنذ ِر َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ين * َسالَ ٌم َعَل ٰى ُنو ٍح ِفي‬ ‫ِ‬
‫اآلخ ِر َ‬ ‫ين * َوتَ َرْكَنا َعَل ْي ِه ِفي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون َّجيناه وأ ِ‬
‫َهَل ُه م َن اْل َك ْر ِب اْل َعظي ِم * َو َج َعْلَنا ُذِّريَّتَ ُه ُه ُم اْلَباق َ‬
‫َ َ َْ ُ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلخ ِر َ‬
‫ين‬ ‫َ‬ ‫َغ َرْقَنا‬
‫ين * ثُ َّم أ ْ‬ ‫ين * ِإَّن ُه م ْن عَبادَنا اْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫ين * ِإَّنا َك َذل َك َن ْجزِي اْل ُم ْحسن َ‬ ‫اْل َعاَلم َ‬

‫{إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم} وهي شجرة النفس الخبيثة المحجوبة النابتة في قعر جهنم الطبيعة‪ ،‬المتشعبة‬
‫التشوه والخبث بالتنفر‬
‫أغصانها في دركاتها القبيحة الهائلة‪ ،‬ثمراتها من الرذائل والخبائث كأنها من غاية القبح و ّ‬
‫{رؤوس الشياطين} أي‪ :‬تنشأ منها الدواعي المهلكة والنوازع المردية الباعثة على األفعال القبيحة واألعمال السيئة‪،‬‬
‫يستمدون منها‪ ،‬ويغتذون‬
‫ّ‬ ‫الشر والمفسدة‪ ،‬فكانت رؤوس الشياطين‪{ .‬فإنهم آلكلون منها}‬‫فتلك أصول الشيطنة ومبادئ ّ‬
‫ويتقوون‪ ،‬فإن األشرار غذاؤهم من الشرور وال يلتذون إال بها {فمالئون منها البطون} بالهيئات الفاسقة والصفات‬
‫ّ‬
‫المظلمة‪ ،‬كالممتلىء غضباً وحقداً وحسداً وقت هيجانها‪.‬‬

‫إن لهم عليها لشوباً من حميم} األهواء الطبيعية‪ ،‬والمنى السيئة الرديئة‪ ،‬ومحبات األمور السفلية‪ ،‬وقصور الشرور‬
‫{ثم ّ‬
‫الموبقة التي تكسر بعض غّلة األشرار‪{ .‬ثم إن مرجعهم إللى الجحيم} لغلبة الحرص‪ ،‬والشره بالشهوة‪ ،‬والحقد والبغض‬
‫والطمع وأمثالها‪ ،‬واستيالء دواعيها مع امتناع حصول مباغيها‪.‬‬

‫سورة الصافات (من اآلية ‪ 83‬الى اآلية ‪)101‬‬

‫َّللاِ تُ ِر ُيدو َن‬


‫يه َوَق ْو ِم ِه َما َذا تَ ْعُب ُدو َن * أَِإ ْفكاً آلِ َه ًة ُدو َن َّ‬
‫اهيم * ِإ ْذ جآء ربَّه ِبَقْل ٍب سلِي ٍم * ِإ ْذ َقال ألَِب ِ‬ ‫وإِ َّن ِمن ِش ِ ِ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫يعته إل ْب َر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫غ ِإَل ٰى آلِ َهِت ِه ْم‬
‫ين * َف َار َ‬ ‫َّ‬
‫يم * َفتََول ْوْا َع ْن ُه ُم ْدِب ِر َ‬
‫ِ‬
‫ال إّني َسق ٌ‬
‫النجو ِم * َفَق ِِ‬
‫َ‬
‫ظر َن ْ ِ‬
‫ظ َرًة في ُّ ُ‬ ‫ين * َفَن َ َ‬
‫ِ‬
‫ظُّن ُكم ِب َر ِّب اْل َعاَلم َ‬
‫* َف َما َ‬
‫ال أَتَ ْعُب ُدو َن َما تَْن ِحتُو َن‬ ‫ِ ِ ُّ‬ ‫ض ْرباً ِباْلَي ِم ِ‬ ‫ِ‬
‫ْكُلو َن * َما َل ُك ْم الَ تَنطُقو َن * َف َارغَ َعَل ْي ِه ْم َ‬
‫ين * َفأَْقَبُلوْا إَل ْيه َي ِزفو َن * َق َ‬ ‫ال أَال تَأ ُ‬
‫َفَق َ‬
‫ال ِإِّني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاُ َخَلَق ُك ْم َو َما تَ ْع َمُلو َن * َقالُوْا ْابُنوْا َل ُه ُب ْنَياناً َفأَْلُقوهُ ِفي اْل َج ِحي ِم‬
‫ين * َوَق َ‬ ‫* َفأ ََرُادوْا ِبه َك ْيداً َف َج َعْلَن ُ‬
‫اه ُم األ َْسَفل َ‬ ‫* َو َّ‬
‫ِب ُغالَ ٍم َحلِي ٍم‬ ‫َّ‬
‫ين * َفَبش ْرَناهُ‬
‫ين * ر ِب هب لِي ِمن َّ ِ ِ‬
‫الصالح َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َْ‬ ‫اه ٌب ِإَل ٰى َرّبِي َسَي ْه ِد ِ‬ ‫َذ ِ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ويمكن تطبيق قصة إبراهيم عليه الصالة والسالم على حال الروح الساذج من الكمال {إذ جاء رّبه} بسابقة معرفة‬
‫صاف {سليم} عن النقائص واآلفات محافظ‬‫ٍ‬ ‫األزل والوصلة الثابتة في العهد األول {بقلب} ٍ‬
‫باق على الفطرة واستعداد‬
‫على عهد التوحيد الفطري‪ ،‬منكر على المحتجبين بالكثرة عن الوحدة‪ ،‬ناظر في نجوم العلوم العقلية االستداللية‬
‫والحجج والبراهين النظرية‪ ،‬مدرك باالستبصار واالستدالل سقمه من جهة األعراض النفسانية والشواغل البدنية‬
‫الحاجبة‪ ،‬فأعرض عنه قومه البدنيون المدبرون عن مقصده ووجهته إلنكاره عليهم في تقيد األكوان وطاعة الشيطان‬
‫إلى عيدهم واجتماعهم على اللذات والشهوات التي يعودون إليها كل وقت {فراغ} أي‪ :‬فأقبل مخفياً حاله عنهم على‬
‫كسر آلهتهم بفأس التوحيد والذكر الحقيقي يضربهم {ضرباً} بيمين العقل فرجعوا {إليه} غالبين مستولين عند ضعفه‪،‬‬
‫ساعين في تخريب قالبه {فألقوه} في نار ح اررة الرحم‪ ،‬فجعلها هللا عليه برداً وسالماً‪ ،‬أي‪ :‬روحاً وسالمة من اآلفات‬
‫األمارة والقوى البدنية الملقية‬
‫لبقاء صفاء استعداده ونقاء فطرته‪ ،‬وبنى عليه بنيان الجسد وجعل هللا أعداءه من النفس ّ‬
‫إياه في النار من األسفلين لتكامل استعداده‪ ،‬فتوجه إلى رّبه بالسلوك {وقال إني ذاهب إلى رّبي سيهدين} ودعا رّبه‬
‫فبشره به ورزقه‪.‬‬
‫بلسان االستعداد الكامل األصلي أن يهب له ولد القلب الصالح‪ّ ،‬‬

‫سورة الصافات (من اآلية ‪ 102‬الى اآلية ‪)182‬‬

‫ؤم ُر َستَ ِج ُدِني ِإن‬ ‫ِ‬


‫ال ٰيأََبت ا ْف َع ْل َما تُ َ‬‫ظ ْر َما َذا تََر ٰى َق َ‬ ‫ال يُٰبَن َّي ِإِّني أ ََر ٰى ِفي اْل َمَنا ِم أَِّني أَ ْذَب ُح َك َفان ُ‬
‫الس ْع َي َق َ‬ ‫َفَل َّما َبَل َغ َم َع ُه َّ‬
‫الرْؤَيآ ِإَّنا َك َذلِ َك َن ْجزِي‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ ِ‬ ‫َّللاُ ِم َن َّ‬
‫صَّد ْق َت ُّ‬‫يم * َق ْد َ‬ ‫ين * َفَل َّما أ َْسَل َما َوَتل ُه لْل َجبين * َوَن َاد ْيَناهُ أَن ٰيإ ِْب َراه ُ‬ ‫الصاِب ِر َ‬ ‫آء َّ‬‫َش َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫يم *‬‫ين * َسالَ ٌم َعَل ٰى إ ْب َراه َ‬ ‫ين * َوَف َد ْيَناهُ ِبذ ْب ٍح َعظي ٍم * َوتَ َرْكَنا َعَل ْيه في اآلخ ِر َ‬ ‫ين * ِإ َّن َهـٰ َذا َل ُه َو اْلَبالَ ُء اْل ُمِب ُ‬ ‫اْل ُم ْحسن َ‬
‫ين * َوَب َارْكَنا َعَل ْي ِه َو َعَل ٰى‬ ‫َك َذلِك َنجزِي اْلمح ِسِنين * ِإَّنه ِم ْن ِعب ِادَنا اْلمؤ ِمِنين * وب َّشرَناه ِبِإسحاق َنِبياً ِمن َّ ِ ِ‬
‫الصالح َ‬ ‫ََ ْ ُ ْ َ َ ّ ّ َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫اه َما َوَق ْو َم ُه َما ِم َن اْل َك ْر ِب‬ ‫ِِ‬ ‫اق َو ِمن ُذِّريَِّت ِه َما ُم ْح ِس ٌن َو َ‬
‫وس ٰى َو َه ُارو َن * َوَن َّج ْيَن ُ‬
‫َعَل ٰى ُم َ‬ ‫ين * َوَلَق ْد َمَنَّنا‬ ‫ظالِ ٌم ّلَِنْفسه ُمِب ٌ‬ ‫ِإ ْس َح َ‬
‫ِ‬ ‫اْلمس َتِبين * وهديناهما ا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِٰ‬ ‫ِ‬
‫يم * َوتََرْكَنا‬ ‫ط اْل ُم ْستَق َ‬ ‫لص َار َ‬ ‫َ ََ َْ ُ َ ّ‬ ‫ُْ َ‬ ‫اب‬‫اه َما اْلكتَ َ‬ ‫ين * َوآتَْيَن ُ‬ ‫اه ْم َف َك ُانوْا ُه ُم اْل َغلِب َ‬
‫ص ْرَن ُ‬ ‫اْل َعظي ِم * َوَن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ين * ِإَّن ُه َما ِم ْن‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين *‬ ‫عَبادَنا اْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫وس ٰى َو َه ُارو َن * ِإَّنا َك َذل َك َن ْجزِي اْل ُم ْحسن َ‬ ‫ين * َسالٌَم َعَل ٰى ُم َ‬ ‫َعَل ْي ِه َما في اآلخ ِر َ‬
‫َّك ْم َوَر َّب َآب ِآئ ُك ُم‬ ‫َح َس َن اْل َخالِِقي َن‬ ‫وإِ َّن ِإْلياس َل ِمن اْلمرسِلين * ِإ ْذ َق ِ ِ‬
‫َّللاَ َرب ُ‬
‫* َّ‬ ‫ال لَق ْو ِمه أَالَ تَتَُّقو َن * أَتَ ْد ُعو َن َب ْعالً َوتَ َذ ُرو َن أ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫األََّولِين * َف َك َّذبوه َفِإَّنهم َلمحضرون * ِإالَّ ِعباد َّ ِ‬
‫ين * َسالَ ٌم َعَل ٰى ِإ ْل َياس َ‬
‫ين‬ ‫ين * َوتَ َرْكَنا َعَل ْيه في اآلخ ِر َ‬
‫َّللا اْل ُم ْخَلص َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ ُ ُْ ُ ْ َ ُ َ‬ ‫َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ين *‬ ‫* ِإَّنا َك َذلِك نجزِي اْلمح ِسِنين * ِإَّنه ِمن ِعب ِادنا اْلمؤ ِمِنين * وإِ َّن لُوطاً َّل ِمن اْلمرسلِين * ِإ ْذ ن َّجيناه وأَهَله أ ِ‬
‫َج َمع َ‬‫َ َْ ُ َ ْ ُ ْ‬ ‫َ ُْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َ َ ُْ َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َ َْ‬
‫َّ‬
‫يل أََفالَ تَ ْعِقُلو َن * َوِإ َّن ُي ُ‬ ‫اآلخ ِرين * وِإَّن ُكم َّلتَمُّرو َن عَلي ِهم ُّمصِب ِحين * وب َّ‬
‫ِال ِ‬ ‫ِ‬
‫ون َس‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ْ ْ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ِإال َع ُجو اًز في اْل َغاِب ِر َ‬
‫ين * ثُ َّم َد َّم ْرَنا َ َ‬
‫يم * َفَل ْوالَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫* َفساهم َف َك ِ‬ ‫ين * ِإ ْذ أََب َق ِإَلى اْلُفْل ِك اْل َم ْش ُحو ِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وت َو ُهَو ُمل ٌ‬
‫ين * َفاْلتََق َم ُه اْل ُح ُ‬‫ان م َن اْل ُم ْد َحض َ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َلم َن اْل ُم ْرَسل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طِن ِه ِإَل ٰى‬
‫ين * َلَلِب َث ِفي َب ْ‬ ‫ِ‬ ‫أََّنه َك ِ‬
‫َنب ْتَنا َعَل ْيه َش َج َرًة ّمن‬
‫يم * َوأ َ‬ ‫َي ْو ِم ُي ْب َعثُو َن * َفَنَب ْذَناهُ باْل َع َرآء َو ُهَو َسق ٌ‬ ‫ان م َن اْل ُم َسِّبح َ‬ ‫ُ َ‬
‫ين * َف ِ ِ‬ ‫اه ْم ِإَل ٰى ِح ٍ‬ ‫ِ ِ ِ ٍ‬ ‫َيْق ِط ٍ‬
‫ات َوَل ُه ُم اْلَبُنو َن * أ َْم‬ ‫استَْفت ِه ْم أَل َرّب َ‬
‫ِك اْلَبَن ُ‬ ‫ْ‬ ‫آمُنوْا َف َمتَّ ْعَن ُ‬
‫ين * َوأ َْرَسْلَناهُ إَل ٰى مَئة أَْلف أ َْو َي ِز ُيدو َن * َف َ‬
‫طَفى اْلبن ِ‬ ‫ِ‬ ‫اه ُدو َن * أَالَ ِإَّن ُهم ِّم ْن ِإ ْف ِك ِه ْم َلَيُقوُلو َن * َوَل َد َّ‬ ‫خَلْقنا اْلمالَِئ َك َة ِإناثاً وهم َش ِ‬
‫ات َعَل ٰى‬ ‫ََ‬ ‫َص َ‬ ‫َّللاُ َوإَِّن ُه ْم َل َكاذُبو َن * أ ْ‬ ‫َ َ ُْ‬ ‫َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫ف تَ ْح ُك ُمو َن * أََفالَ تَ َذ َّك ُرو َن * أ َْم َل ُك ْم ُسْل َ‬ ‫ِ‬
‫ين * َو َج َعُلوْا‬ ‫صادق َ‬ ‫ين * َفأْتُوْا بكتَاب ُك ْم إن ُكنتُ ْم َ‬ ‫ان ُّمِب ٌ‬
‫طٌ‬ ‫ين * َما َل ُك ْم َك ْي َ‬ ‫اْلَبن َ‬
‫ِ‬ ‫صُفون * ِإالَّ ِعباد َّ ِ‬ ‫بينه وبين اْل ِجَّن ِة نسباً وَلَقد علِم ِت ال ِجَّن ُة ِإَّنهم َلمحضرون * سبحان َّ ِ‬
‫ين *‬ ‫َّللا اْل ُم ْخَلص َ‬ ‫ََ‬ ‫َّللا َع َّما َي ِ َ‬ ‫ُْ َ َ‬ ‫ُْ ُ ْ َ ُ َ‬ ‫ََ َ ْ َ َ‬ ‫ََْ ُ َ َْ َ‬
‫ِ ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ ِِ‬
‫وم * َوإَِّنا َلَن ْح ُن‬ ‫صال اْل َجحي ِم * َو َما مَّنآ إال َل ُه َمَق ٌ‬
‫ام َّم ْعلُ ٌ‬ ‫ين * إال َم ْن ُه َو َ‬ ‫َفِإَّن ُك ْم َو َما تَ ْعُب ُدو َن * َمآ أَنتُ ْم َعَل ْيه ِبَفاتن َ‬
‫ِ‬ ‫َن ِعندنا ِذ ْك اًر ِمن األََّوِلين * َل ُكَّنا ِعباد َّ ِ‬ ‫الص ُّآفو َن‬
‫ين‬
‫َّللا اْل ُم ْخَلص َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫* َوإَِّنا َلَن ْح ُن اْل ُم َسِّب ُحو َن * َوإِن َك ُانوْا َلَيُقوُلو َن * َل ْو أ َّ َ َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ورو َن * َوإِ َّن ُج َندَنا َل ُه ُم‬ ‫ين * إَّن ُه ْم َل ُه ُم اْل َم ُ‬
‫نص ُ‬ ‫ف َي ْعَل ُمو َن * َوَلَق ْد َسَبَق ْت َكل َمتَُنا لعَبادَنا اْل ُم ْرَسل َ‬ ‫ِبه َف َس ْو َ‬
‫* َف َكَف ُروْا‬
‫آء‬ ‫ص ُرو َن * أََفِب َع َذاِبَنا َيستَ ْع ِجُلو َن * َفِإ َذا َن َزل ِبس َ ِ ِ‬ ‫صرهم َفسوف يب ِ‬ ‫ِ‬ ‫* َفتََو َّل َع ْن ُه ْم َحتَّ ٰى ِح ٍ‬
‫اْل َغالُِبو َن‬
‫احته ْم َف َس َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ين * َوأ َْب ْ ُ ْ َ ْ َ ُ ْ‬
‫صرو َن * سبحان ربِك ر ِب اْل ِعَّزِة ع َّما ي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين * َوتََو َّل َع ْن ُه ْم َحتَّ ٰى ِح ٍ‬
‫صُفو َن *‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ْ َ َ َّ َ َ ّ‬ ‫ف ُي ْب ُ‬
‫ين * َوأ َْبص ْر َف َس ْو َ‬ ‫اح اْل ُم ْن َذ ِر َ‬‫صَب ُ‬ ‫َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * َواْل َح ْم ُد ََّّلل َر ّب اْل َعاَلم َ‬ ‫َو َسالَ ٌم َعَل ٰى اْل ُم ْرَسل َ‬

‫{فلما بلغ معه السعي} بالسلوك في طريق الكماالت الخلقية والفضائل النفسانية‪ ،‬أوحى إليه أن يذبحه بالفناء في‬
‫التوحيد والتسليم لرّبه الحق بالتجريد من الصفات الكمالية‪ :‬فأخبره بذلك‪ ،‬فانقاد وأسلم وجهه بالفناء في ذاته عن‬
‫الفعال بذبح النفس الشريفة‪ ،‬السمينة العلوم‪ ،‬العظيمة األخالق وكماالت الفضائل‪،‬‬
‫صفاته‪ ،‬ففدى على يد جبريل العقل ّ‬
‫المفدى من جهة هللا‪ ،‬وترك هللا عليه السالم في‬
‫فذبحت بالفناء فيه‪ ،‬وأنجى إسماعيل القلب بالفناء الحقاني الموهوب ّ‬
‫العالمين المتخلفين عن مقامه الهتدائهم بنوره واقتدائهم بإيمانه وهديه‪.‬‬

‫الم ْرَسلين} إلى أهل النقصان‪ ،‬المحتجبين باألبدان‪ ،‬المتّبعين للشيطان‪ ،‬المتظاهرين بالطغيان‬ ‫ِ‬
‫إن يونس} القلب {َلمن ُ‬‫{و ّ‬
‫الحسية الجاري في بحر الهيولى {فساهم} أي‪ :‬فاقترع‬
‫ّ‬ ‫{إذ أبق} إلى فلك البدن {المشحون} بالقوى البدنية وكماالتها‬
‫معهم في الحظوظ البدنية واختيارها باألفكار العقلية {فكان من المدحضين} المحجوبين‪ ،‬المزلقين بالحجة البرهانية‬
‫المجرد من سكان الحضرة اإللهية‪ ،‬اآلبق من سيده إلى‬
‫ّ‬ ‫اليقينية ألنهم بدنيون أهل البحر والسفينة‪ ،‬وهو القدسي‬
‫ّ‬
‫السفينة‪ ،‬الملقي بيده إلى التهلكة‪ ،‬فألقي في البحر‪ ،‬فالتقمه حوت الرحم كلقطة النطفة {وهو مليم} مستحق للمالمة‬
‫البلية‪.‬‬
‫للتعلق بالمالبس البدنية الموجبة لوقوعه في تلك ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{فلوال أنه كان من المسبحين} المنزهين لرّبه بالتقديس حالة التجريد والتوحيد {للبث في بطنه} كسائر القوى الطبيعية‬
‫والنفسانية المنغمسة في بطون حيتان الصور النوعية الجسمانية من الطبائع الهيوالنية {إلى يوم يبعثون} أي‪ :‬يوم‬
‫المجردون عن مراقد أبدانهم مع بقائه في مرقده كسائر الغافلين‪ ،‬أو يوم يبعث رفقاؤه البدنيون في القيامة‬
‫ّ‬ ‫يبعث‬

‫الصغرى {فنبذناه بالعراء} أي‪ :‬بالفضاء من عرصة الدنيا بالوالدة {وهو سقيم} ضعيف ّ‬
‫ممنو باألعراض المادية‬
‫واللواحق الطبيعية {وأنبتنا عليه شجرة من يقطين} ال تقوم على ساق وتنسرح على وجه األرض تظلل عليه بأوارقها‬
‫من الغواشي البدنية‪ .‬وقد قيل في التفاسير الظاهرة‪ :‬إنه قد ضعف بدنه في بطن الحوت وصار كطفل ساعة يولد‬
‫{وأرسلناه} عند الكمال { إلى مائة ألف أو يزيدون} وهللا أعلم‪.‬‬

‫سورة ص (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)16‬‬

‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ين َكَف ُروْا ِفي ِعَّزٍة وِشَق ٍ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص واْلُقر ِ ِ‬
‫ين مَن ٍ‬
‫اص‬ ‫ٍن‬
‫َهَل ْكَنا من َقْبلهم ّمن َق ْر َفَن َادوْا َّوالَ َت ح َ َ‬ ‫اق * َك ْم أ ْ‬ ‫َ‬ ‫آن ذي ال ّذ ْك ِر * َب ِل الذ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب‬‫َج َع َل اآلل َه َة ِإَلـٰهاً َواحداً ِإ َّن َهـٰ َذا َل َش ْي ٌء ُع َج ٌ‬ ‫اب * أ َ‬ ‫ال اْل َكاف ُرو َن َهـٰ َذا َساحٌر َكذ ٌ‬
‫آء ُهم ٌّمنذٌر ّم ْن ُه ْم َوَق َ‬ ‫* َو َعجُبوْا أَن َج َ‬
‫َن ام ُشوْا وْاصِبروْا عَل ٰى آلِهِت ُكم ِإ َّن هـٰ َذا َل َشيء يرُاد * ما س ِمعَنا ِبهـٰ َذا ِفى اْل ِمَّل ِة ِ‬
‫اآلخ َرِة ِإ ْن َهـٰ َذا‬ ‫ِ‬
‫َ َ ْ َ‬ ‫ْ ٌ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫طَل َق اْل َمألُ م ْن ُه ْم أ ِ ْ َ ْ ُ َ‬ ‫* َوان َ‬
‫اب * أ َْم ِع َند ُه ْم َخ َزِآئ ُن َر ْح َم ِة‬ ‫نزل َعَل ْي ِه ال ِّذ ْكر ِمن ب ْيِنَنا ب ْل ُهم َفي َش ٍّك ِمن ِذ ْكرِي بل َّل َّما ي ُذوُقوْا َع َذ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َء ِ َ‬‫اختالَ ٌق * أ ُ‬
‫ِإالَّ ْ ِ‬

‫وم ِّمن‬ ‫ِ‬ ‫ض وما ب ْيَنهما َفْلي ْرتَُقوْا ِفى األ ِ‬ ‫َّاب * أَم َلهم ُّمْلك َّ ِ‬ ‫يز اْلوه ِ‬
‫َسَباب * ُج ٌند َّما ُهَنال َك َم ْه ُز ٌ‬ ‫ْ‬ ‫الس َٰم َٰوت َواأل َْر ِ َ َ َ ُ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ِك اْل َع ِز ِ َ‬‫َرّب َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اب * ِإن‬ ‫َح َز ُ‬‫اب ْلَئ ْي َكة أ ُْوَلـٰئ َك األ ْ‬
‫َص َح ُ‬ ‫ود َوَق ْوُم ُلوط َوأ ْ‬ ‫اب * َك َّذَب ْت َقْبَل ُه ْم َق ْوُم ُنو ٍح َو َع ٌاد وِف ْرَع ْو ُن ُذو األ َْوتَاد * َوثَ ُم ُ‬ ‫األَح َز ِ‬
‫َ‬
‫اق * وَقاُلوْا ربَّنا ع ِجل َّلنا ِق َّ‬
‫طَنا‬ ‫ََ َّ َ‬ ‫اح َد ًة َّما َل َها ِمن َفو ٍ‬
‫آلء ِإالَّ صيح ًة و ِ‬
‫ظر هـٰؤ ِ‬ ‫ُك ٌّل ِإالَّ َك َّذب ال ُّرسل َفح َّق ِعَق ِ‬
‫اب * َو َما َين ُ ُ َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ َُ َ‬
‫َقْبل يو ِم اْل ِحس ِ‬
‫اب‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬

‫أتم الكماالت‪ ،‬وهو العقل القرآني الجامع‬


‫التام المذكور بالشرف والشهرة‪ ،‬بأنه ّ‬
‫{ص} أقسم بالصورة المحمدية‪ ،‬والكمال ّ‬
‫التام المناسب لتلك الصورة الشريفة‪ ،‬كما روي عن ابن عباس‪(" :‬ص) جبل‬ ‫لجميع الحكم والحقائق من االستعداد ّ‬
‫دل عليه قوله‪{ :‬في عزة وشقاق} وحذف جواب القسم في مثل ذلك غير عزيز‪،‬‬
‫بمكة‪ ،‬كان عليه عرش الرحمن عاماً"‪ّ ،‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫وضادوه في استكبار‬
‫ّ‬ ‫وهو أنه لحق يجب أن يتّبع ويذعن له ويقبل بخضوع وذّلة {بل الذين} حجبوا عن الحق بأنائيتهم‬
‫ولج وخالف لظهور أنفسهم بباطلها في مقابلة الحق‪.‬‬
‫وعناد ّ‬

‫سورة ص (من اآلية ‪ 17‬الى اآلية ‪)20‬‬

‫* ِإَّنا س َّخ ْرَنا ال ِجَبال م َع ُه ُيسِّب ْح َن ِباْل َع ِش ِي و ِ‬ ‫ِ‬


‫اإل ْش َر ِ‬
‫اق *‬ ‫ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ود َذا األ َْيد ِإَّن ُه أََّو ٌ‬
‫اب‬ ‫اصِبر َعَل ٰى َما َيُقوُلو َن َوا ْذ ُك ْر َع ْب َدَنا َد ُاو َ‬ ‫ْ‬
‫طابِ‬ ‫ِ‬
‫ص َل اْلخ َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫َوَف ْ‬ ‫اب * َو َش َد ْدَنا ُمْل َك ُه َوآتَْيَناهُ اْلح ْك َم َة‬ ‫ورًة ُك ٌّل ل ُه أََّو ٌ‬
‫َوالط ْي َر َم ْح ُش َ‬

‫وقوله‪{ :‬اصبر على ما يقولون} معناه‪ :‬داوم استقامتك في التوحيد‪ ،‬وعارض أذاهم بالصبر في التمكين‪ ،‬وال تظهر‬
‫نفسك في مقابلة أذاهم بالتلوين‪ ،‬فإنك قائم باهلل متحقق بالحق فال تتحرك إال به {واذكر} حال أخيك {عبدنا}‬
‫زل عن مقام استقامته في‬
‫القوة والتمكين واالضطالع في الدين‪ ،‬كيف ّ‬‫المخصوص بعنايتنا القديمة {داود ذا األيد} أي‪ّ :‬‬
‫رجاع‬
‫التلوين فال يكن حالك في ظهور النفس حاله‪ .‬ثم وصف ّقوة حال داود عليه السالم وكماله بقوله‪{ :‬إنه ّأواب} ّ‬
‫إلى الحق عن صفاته وأفعاله بالفناء فيه‪.‬‬

‫التمرن في الطاعة أوقات العبادة وقت عشي االستتار واحتجاب‬


‫سخرنا} جبال األعضاء معه {يسبحن} باالنقياد و ّ‬
‫{إنا ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫نور شمس الروح بظهور النفس وإشراق التجلي وسلطان نور شمس الروح على النفس ال يتفاوت حاله في العبادة‬
‫بالفترة والعزيمة في الوقتين لكمال تمرين نفسه وبدنه في الطاعة‪ ،‬وطير القوى بأجمعها {محشورة} مجموعة‪ ،‬متسالمة‬
‫بهيئة العدالة واالنخراط في سلك الوحدة في تسبيحاتها المخصوصة بكل واحدة منها {كل له ّأواب} رّجاع لتسبيحه‬
‫بتسبيحه‪.‬‬

‫العزة والهيبة‪ ،‬وإعطاء العز والقدرة الئتالف نفسه بأنوار تجليات القهر والعظمة‬
‫{وشددنا ملكه} ّقويناه بالتأييد وإيتاء ّ‬
‫العزة واتصافه بصفاتنا الباهرة‪ ،‬فيهابه كل أحد ويجله ويذعن لسلطنته ويبجله {وآتيناه الحكمة} التصافه‬ ‫والكبرياء و ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫بعلمنا {وفصل الخطاب} والفصاحة المبينة لألحكام‪ ،‬أي‪ :‬الحكمة النظرية والعملية والمعرفة والشريعة‪ .‬وفصل‬
‫الخطاب‪ :‬هو المفصول‪ ،‬المبين من الكالم المتعلق باألحكام‪.‬‬

‫سورة ص (من اآلية ‪ 21‬الى اآلية ‪)26‬‬

‫ضَنا‬ ‫ص َم ِ‬ ‫وهل أَتَاك نبؤْا اْلخص ِم ِإ ْذ تَسَّوروْا اْل ِمحراب * ِإ ْذ دخُلوْا عَلى داوود َفَف ِز ِ‬
‫ان َب َغ ٰى َب ْع ُ‬ ‫ف َخ ْ‬ ‫ع م ْن ُه ْم َقاُلوْا الَ تَ َخ ْ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ٰ َُ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ ْ َ ََ ُ َ ْ‬
‫َخي َل ُه ِت ْس ٌع َوِت ْس ُعو َن َن ْع َج ًة َولِي َن ْع َج ٌة‬ ‫اط * ِإ َّن ه َذآ أ ِ‬ ‫الصر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫طو ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫اهدَنآ ِإَل ٰى َس َوآء ّ َ‬
‫اح ُك ْم َب ْيَنَنا ِباْل َح ِّق َوالَ تُ ْشط ْ َ ْ‬ ‫َعَل ٰى َب ْع ٍ‬
‫ض َف ْ‬
‫ال َن ْع َجِت َك ِإَل ٰى ِن َعا ِج ِه َوإِ َّن َكِثي اًر ِّم َن اْل ُخَل َ‬
‫ط ِآء َلَي ْب ِغي‬ ‫ظَلم َك ِبس َؤ ِ‬
‫ال َلَق ْد َ َ ُ‬
‫طاب * َق َ‬
‫اح َدةٌ َفَقال أَ ْكِفْلِنيها و َعَّ ِزني ِفي اْل ِخ َ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫وِ‬
‫َ‬
‫ظ َّن داوود أََّنما َفتََّناه َفاستَ ْغَفر ربَّه و َخَّر ر ِ‬
‫اكعاً‬ ‫ض ِإالَّ َّال ِذين آمُنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ ِ‬ ‫ض ُهم َعَل ٰى َب ْع ٍ‬
‫ُ ْ َ َ َُ َ‬ ‫يل َّما ُه ْم َو َ َ ُ ُ َ‬ ‫الصال َحات َوَقل ٌ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َب ْع ُ ْ‬
‫الن ِ‬
‫اس‬ ‫اح ُك ْم َب ْي َن َّ‬ ‫اك َخلِ َيف ًة ِفي األ َْر ِ‬
‫ض َف ْ‬ ‫ود ِإَّنا َج َعْلَن َ‬
‫ـآب * ي َٰد ُاو ُ‬ ‫وأََناب * َف َغَف ْرَنا َل ُه َذلِ َك وإِ َّن َل ُه ِع َندَنا َل ُ ْزلَف ٰى وحس َن م ٍ‬
‫َُْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫اب َش ِد ُيد ِبما َنسوْا يوم اْل ِحس ِ‬
‫اب‬ ‫يل َّ ِ‬ ‫َّللاِ ِإ َّن َّال ِذين ي ِ‬
‫ضُّلو َن َعن سِب ِ‬ ‫ِباْلح ِق والَ تَتَِّب ِع اْلهو ٰى َفي ِ‬
‫ضَّل َك َعن سِب ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َْ َ‬ ‫َّللا َل ُه ْم َع َذ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫يل َّ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َّ َ‬

‫ثم بين تلوينه وظهور نفسه في زلته‪ ،‬وتبيينه الحق بالعتاب على خطيئته وتأديبه إياه وتداركه بتوبته بقوله‪{ :‬وهل‬
‫{وظن} أي‪ :‬تيقن {داود أنما} ابتليناه بامرأة أوريا {فاستغفر رّبه} بالتنصل عن‬
‫ّ‬ ‫تسوروا المحراب}‬
‫أتاك نبأ الخصم إذ ّ‬
‫{وخر} بمحو صفات النفس {راكعاً} فانياً في‬
‫ذنبه باالفتقار وااللتجاء إليه في المجاهدة وكسر النفس وقمعها بالمخالفة ّ‬
‫إن له عندنا لزلفى}‬
‫صفات الحق {وأناب} إلى هللا بالفناء في ذاته {فغفرنا له ذلك} التلوين بستر صفاته بنور صفاتنا {و ّ‬
‫التصافه حينئذ بصفاتنا ال بأنائيته ليلتحق بنا ويحكم‬
‫الحقاني الموهوب حال البقاء بعد الفناء {وحسن مآب} ّ‬ ‫بالوجود‬
‫ّ‬
‫{الحق}‬
‫ّ‬ ‫بأحكامنا في محل الخالفة اإللهية‪ ،‬كما قال‪{ :‬يا داود ّإنا جعلناك خليفة في األرض فاحكم بين الناس} بالحكم‬
‫ال بنفسك ليكون عدالً ال جو اًر {وال تتّبع الهوى} بظهور النفس فتجور ضاالً عن سبيل الحق إلى سبيل الشيطان‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة ص (من اآلية ‪ 27‬الى اآلية ‪)33‬‬

‫َّ ِ‬ ‫ين َكَف ُروْا ِم َن َّ‬ ‫َِّ ِ‬ ‫اطالً َذلِك َ َّ ِ‬ ‫واألَرض وما بينهما ب ِ‬
‫آمُنوْا‬
‫ين َ‬ ‫الن ِار * أ َْم َن ْج َع ُل الذ َ‬ ‫ظ ُّن الذ َ‬
‫ين َكَف ُروْا َف َوْي ٌل ّللذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ َ ََْ ُ َ َ‬ ‫آء‬
‫الس َم َ‬
‫َو َما َخَلْقَنا َّ‬
‫ك ّلَِيَّدب َُّروْا َآي ِات ِه َولَِيتَ َذ َّك َر‬
‫َنزلَناهُ ِإَل ْي َك ُمَب َار ٌ‬
‫ِ‬
‫ين َكاْلُف َّج ِار * كتَ ٌ‬
‫اب أ َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ين ِفي األ َْر ِ‬
‫ض أ َْم َن ْج َع ُل اْل ُمتَّق َ‬
‫ِِ‬
‫َكاْل ُمْفسد َ‬
‫الصالِح ِ‬
‫ات‬ ‫ِ‬
‫َو َعمُلوْا َّ َ‬
‫ال ِإِّني‬ ‫الص ِافَن ُ ِ‬
‫ات اْلجَي ُاد * َفَق َ‬ ‫ِباْل َع ِش ِّي َّ‬ ‫ض َعَل ْي ِه‬ ‫اب * ِإ ْذ ُع ِر َ‬
‫اب * ووهبنا لِداوود سَليم ِ‬
‫ان ن ْع َم اْل َع ْب ُد ِإَّن ُه أََّو ٌ‬
‫َ َ ََْ َ ُ َ ُ ْ َ َ‬ ‫أُوُلوْا األَْلب ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫السو ِق َواأل ْ‬
‫َعَن ِ‬
‫اق‬ ‫َم ْسحاً ِب ُّ‬ ‫طِف َق‬ ‫اب * ُرُّد َ‬
‫وها َعَل َّي َف َ‬ ‫َحب ْب ُت ح َّب اْل َخ ْي ِر َعن ِذ ْك ِر رّبِي حتَّ ٰى تَوار ْت ِباْل ِحج ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫أ َْ‬

‫{وما خلقنا السماء واألرض وما بينهما} خلقاً {باطالً} ال حق فيها‪ ،‬بل حقاً محتجباً بصورها ال وجود لها بنفسها‬
‫فتكون باطالً محضاً‪.‬‬

‫ظن} المحجوبين عن الحق بمظاهر الكون {فويل} لهم من نار الحرمان واالحتجاب والتقّلب في نيران الطبيعة‬
‫{ذلك ّ‬
‫بأشد العذاب‪.‬‬
‫واألنائية ّ‬

‫بل لم نجعل {الذين آمنوا} بشهود جماله في مظاهر األكوان {وعملوا الصالحات} من األعمال المقصودة بذاتها‪،‬‬
‫المتعلقة بصالح العالم‪ ،‬الصادرة عن أسمائه {كالمفسدين} المحجوبين الفاعلين بأنفسهم وصفاتهم األفعال البهيمية‬
‫{كالفجار} المتلبسين بالغواشي‬
‫ّ‬ ‫المجردين عن صفاتهم‬
‫ّ‬ ‫والسبعية والشيطانية في أرض الطبيعة {أم نجعل المتّقين}‬
‫{ليدبروا آياته} بالنظر العقلي ما داموا في مقام النفس‪ ،‬فينخلعوا عن صفاتهم في‬
‫النفسانية والشيطانية في أعمالهم ّ‬
‫المجردة الصافية عن قشر‬
‫ّ‬ ‫التجرد {أولو} الحقائق‬
‫ّ‬ ‫متابعة صفاته {وليتذكر} حال العهد األول والتوحيد الفطري عند‬
‫الخلقة‪.‬‬

‫ثم ذكر تلوين سليمان وابتالءه تأكيداً لتثبيته‪ ،‬وتقوية له في استقامته وتمكينه ِ{ن ْعم العبد} لصالحية استعداده للكمال‬
‫النبوة {إنه ّأواب} رّجاع إلي بالتجريد‪.‬‬
‫النوعي اإلنساني وهو مقام ّ‬
‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{إذ عرض عليه بالعشي} وقت قرب غروب شمس الروح في األفق الجسماني بميل القلب إلى النفس وظهور ظلمتها‬
‫ّ‬
‫ات}[آل عمران‪،‬‬ ‫الشهو ِ‬
‫اس ُح ُّب َّ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫لن‬ ‫{زيِن لِ‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫هللا‬ ‫قال‬ ‫كما‬ ‫استحسانها‪،‬‬ ‫و‬ ‫الجسمانيات‬ ‫محبة‬ ‫ستيالء‬ ‫بالميل إلى المال وا‬
‫ََ‬ ‫ُّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحسية وهوى‬
‫ّ‬ ‫فإن الميل إلى الزخارف الدنيوية والمشتهيات‬ ‫{واْل َخْي ِل اْل ُم َسَّو َمة َواأل َْن َعا ِم َواْل َح ْرث}‪ّ .‬‬
‫اآلية‪ ]14 :‬إلى قوله‪َ :‬‬
‫اللذات الطبيعية واألجرام السفلية يوجب إعراض النفس عن الجهة العلوية‪ ،‬واحتجاب القلب عن الحضرة اإللهية‬
‫حب المال‬
‫{الصافنات الجياد} التي استعرضها وانجذب بهواها وأحبها {فقال إني أحببت حب الخير} أي‪ :‬أحببت منيباً ّ‬
‫محباً له‪ ،‬فاستبدلت محبة المال بذكر‬ ‫ِ‬
‫{عن ذ ْكر رّبي} مشتغالً به لمحبتي إياه كما يجب لمثلي أن يشتغل برّبه ذاك اًر ّ‬
‫{ردوها علي فطفق مسحاً بالسوق واألعناق} أي‪:‬‬ ‫رّبي ومحبته فذهلت عنه {حتى توارت} شمس الروح بحجب النفس ّ‬
‫ّ‬
‫يمسح السيف مسحاً بسوقها يعرقب بعضها وينحر بعضها‪ ،‬كس اًر ألصنام‪ :‬النفس التي تعبدها بهواها وقمعاً لسورتها‬
‫وقواها‪ ،‬ورفعاً للحجاب الحائل بينه وبين الحق واستغفا اًر وإنابة إليه بالتجريد والترك‪.‬‬

‫سورة ص (من اآلية ‪ 34‬الى اآلية ‪)35‬‬

‫َح ٍد ِّمن َب ْع ِدي ِإَّن َك‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وَلَق ْد َفتََّنا سَليمان وأَْلَقيَنا عَل ٰى ُكرِسِي ِه جسداً ثُ َّم أََناب * َقال ر ِب ْ ِ ِ‬
‫اغف ْر لي َو َه ْب لي ُمْلكاً ال َي َنبغي أل َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ ّ ََ‬ ‫ُ َْ َ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫َّاب‬
‫َنت اْل َوه ُ‬ ‫أ َ‬

‫{ولقد فتنا سليمان} ابتليناه مرة أخرى بما هو ّ‬


‫أشد من هذا التلوين وهو إلقاء الجسد على كرسيه‪ ،‬وقد اختلف في‬
‫يسخرهم كأبيه‪ ،‬فعلم بذلك فكان يغدوه‬
‫فهم الشياطين بقتله مخافة أن ّ‬
‫تفسيره على ثالثة أوجه‪ ،‬أحدها‪ :‬أنه ولد له ابن ّ‬
‫في السحابة فما راعه إال أن ألقي على كرسيه ميتاً فتنبه على خطئه في أن لم يتوكل فيه على رّبه‪ .‬والثاني‪ :‬أنه قال‬
‫عليهن‬
‫ّ‬ ‫ألطوفن على سبعين امرأة كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل هللا‪ ،‬ولم يقل‪ :‬إن شاء هللا‪ ،‬فطاف‬
‫ّ‬ ‫ذات يوم‪:‬‬
‫ولم تحمل إال امرأة واحدة جاءت بشق رجل‪ .‬فعلى هذين الوجهين يكون ابتالؤه بمحبة الولد‪ ،‬فظهور النفس بميله إليه‬
‫بشدة االهتمام بحفظه وتربيته وصونه عن شياطين األوهام والتخيالت في سحاب العقل العملي وتغذيته بالحكمة‬ ‫إما ّ‬
‫العقلية واعتماده في ذلك على العقل والمعقول واستحاكم أهله لكماله دون تفويض أمره فيه إلى هللا واتكاله في شأنه‬
‫شدة حبه للغير وغلبة أهله‪ ،‬وإما بظهور النفس في االقتراح والتمني‬
‫عليه‪ ،‬فابتاله هللا بموته‪ ،‬فتنبه على خطئه في ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫الظن واالحتجاب عن االستيهاب بالعادة والفعل وبالتدبير عن التقدير والذهول عن أمر الحق بغلبة‬
‫وغلبة الحسبان و ّ‬
‫وقدره‪ ،‬فأناب الرجوع إلى الحق عند التنبه‬
‫تصوره في نفسه ّ‬
‫صفات النفس‪ ،‬فابتاله هللا بالمعلول البعيد عن المراد الذي ّ‬
‫على ظهور النفس وتدارك التلوين باالستغفار واالعتذار في التقصير‪ .‬والوجه الثالث‪ :‬أنه غ از صيدون مدينة في‬
‫بعض جزائر البحر‪ ،‬فقتل ملكها وكان عظيم الشأن‪ ،‬وأصاب بنتاً له اسمها جرادة من أحسن الناس وجهاً‪ ،‬فاصطفاها‬
‫اشتد حزنها على أبيها فأمر الشياطين فمثلوا لها صورة أبيها فكستها مثل كسوته‬
‫لنفسه بعد أن أسلمت وأحبها وقد ّ‬
‫وكانت تغدو إليها وتروح مع والئدها يسجدن لها كعادتهن في ملكه‪ ،‬فأخبر آصف سليمان بذلك‪ ،‬فكسر الصورة‬
‫متضرعاً‪ .‬وكانت له ّأم ولد يقال‬
‫ّ‬ ‫وعاقب المرأة ثم خرج وحده إلى فالة وفرش لنفسه الرماد‪ ،‬فجلس عليه تائباً إلى هللا‬
‫لها‪ :‬أمينة‪ ،‬إذا دخل للطهارة أو إلصابة امرأة وضع خاتمه عندها‪ ،‬وكان ملكه في خاتمه‪ ،‬فوضعه عندها يوماً وأتاها‬
‫الشيطان صاحب البحر اسمه صخر على صورة سليمان فقال‪ :‬يا أمينة‪ ،‬خاتمي! فتختم به وجلس على كرسي سليمان‬
‫ّ‬
‫وغير سليمان على هيئته فأنكرته وطردته‪ ،‬فعرف أن الخطيئة قد أدركته فأخذ يدور على البيوت بتكفف‪ ،‬وإذا قال أنا‬
‫ّ‬
‫السماكين يخدمهم‪ ،‬فمكث على ذلك أربعين صباحاً ثم طار الشيطان‬
‫سليمان حثوا عليه التراب وسبوه‪ .‬ثم عمد إلى ّ‬
‫وخر‬
‫وقذف الخاتم في البحر‪ ،‬فابتلعته سمكة ووقعت السمكة في يد سليمان‪ ،‬فبقر بطنها فإذا هو بالخاتم‪ ،‬فتختم به ّ‬
‫ساجداً ورجع إليه ملكه وجاب صخرة لصخر فجعله فيها وقذفه في البحر‪.‬‬

‫اشتد تلوينه وابتلى بمثل ما ابتلي به ذو النون وآدم عليهما السالم‪،‬‬


‫فإن صحت الحكاية في مطابقتها للواقع كان قد ّ‬
‫والحكاية من موضوعات حكماء اليهود وعظمائهم كسائر ما وضعت الحكماء في تمثيالتهم من حكايات إيسال‬
‫أن سليمان قصد مدينة صيدون البدن‪ ،‬جزيرة في بحر‬ ‫وسالمان وأمثالها‪ ،‬وتأويلها وهللا أعلم بصحتها ووضعها‪ّ :‬‬
‫الهيولى‪ ،‬وقتل ملكها النفس األمارة العظيم الشأن ظاهر الطغيان بالمجاهدة في سبيل هللا‪ ،‬وأصاب بنتاً له اسمها جرادة‬

‫وهي القوى المتخيلة بالطيارة كالجرادة‪ّ ،‬‬


‫تجرد أشجار األجسام واألشياء كلها بنزع صورها عن مو ّادها مكتوفة بلواحقها‬
‫حزينة‪ ،‬وهي من أحسن الناس صورة في تزيينها وتسويلها نفسها وما تخيلته من مدركاتها‪ ،‬وأسلمت على يده‪ ،‬أي‪:‬‬
‫انقادت للعقل ورجعت عن دين الوهم‪ ،‬فصارت مفكرة‪ ،‬فاصطفاها لنفسه وأحبها لتوقف حصول كماله عليها‪ ،‬وحزنها‬
‫على أبيها‪ :‬ميلها إلى النفس بطبعها وتأسفها على فوات حظوظها‪ .‬وأمره للشيطان بتمثيل صورة أبيها وكسوتها مثل‬
‫كسوته هو إشارة إلى منشأ تلوينه وابتالئه بالميل إلى النفس واغت ارره بكماله واشتغاله بحظوظ النفس قبل أوانه‪ ،‬كما‬
‫قال أمير المؤمنين عليه السالم‪" :‬نعوذ باهلل من الضالل بعد الهدى‪".‬‬

‫لقوة الوهمية له في إعادة النفس إلى الهيئة األولى وإن لم تكن على ّقوتها األولى‪،‬‬
‫وطاعة الشيطان له‪ :‬تسخير ا ّ‬
‫كعادتهن في ملكه‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وحياتها من الهوى‪ :‬لكونه مصون ًا عن االحتجاب معنياً به في العناية‪ ،‬وسجود جرادة ووالئدها له‬
‫كعادتهن في الجاهلية‬
‫ّ‬ ‫تعبد الفكرية وسائر القوى البدنية للنفس باالنقياد والمراعاة والخدمة وإيصال الحظوظ إليها‬
‫ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫األولى‪ ،‬وإخبار آصف سليمان بذلك‪ :‬تنبيه العقل للقلب على تلوينه عند قرب موته‪ ،‬وكسر الصورة وعقاب المرأة‪:‬‬
‫تجرده عن البدن‬
‫متضرعاً إلى هللا وكسره للنفس بالرياضة وخروجه وحده إلى الفالة‪ّ :‬‬ ‫ّ‬ ‫ندامته وتوبته عن حاله‪ ،‬وتنصله‬
‫عند سقوط قواه‪ ،‬وفرش الرماد وجلوسه فيه‪ :‬تغير المزاج وترمد األخالط مع بقاء العالقة البدنية‪ ،‬و ّأم الولد المسماة‬
‫أمينة هي‪ :‬الطبيعة البدنية ّأم األوالد القوى النفسانية التي يضع هو خاتم بدنه عندها وقت االشتغال باألمور الطبيعية‬
‫والضروريات البدنية كالدخول في الخلوة وإصابة المرأة وأمثالها‪ ،‬وهي أمينة على حفظه‪ .‬وكون ملكه في خاتمه‪ :‬إشارة‬
‫إلى توقف كماله المعنوي والصوري على البدن‪ ،‬والشيطان الذي جاءها فأخذ منها الخاتم‪ :‬هو الطبيعة العنصرية‬
‫األرضية صاحب بحر الهيولى السفلية سمي صخ اًر لميله إلى السفل ومالزمته كالحجر للثقل‪ ،‬وتختمه به‪ :‬لبسه به‬
‫بانضمامه إلى نفسه‪ ،‬وجلوسه على كرسي سليمان‪ :‬هو إلقاء هللا تعالى بدنه ميتاً على موضعه وسرير سلطنته كما‬
‫وتغير سليمان عن هيئته بقاء الهيئات الجسمانية واآلثار الهيوالنية من بقايا‬
‫قال تعالى‪{ :‬وألقينا على كرسيه جسداً} ّ‬
‫الصفات النفسانية عليه بعد المفارق ة البدنية وتغيره عن النورانية الفطرية والهيئة األصلية‪ ،‬وإتيانه أمينة لطلب الخاتم‪:‬‬
‫ميله إلى البدن ومحبته له وشوقه إليه‪ ،‬وإنكارها إياه وطردها له‪ :‬عبارة عن عدم قبول الطبيعة البدنية الحياة لبطالن‬
‫المزاج‪ ،‬ودوره على البيوت متكفف ًا‪ :‬ميله إلى الحظوظ واللذات الجسمانية وانجذابه إليها بالشوق للهيئات النفسانية‪،‬‬
‫وسبهم إياه عبارة عن‪ :‬حرمانه من تلك الحظوظ واللذات وفقدان أسباب تلك الشهوات‪،‬‬ ‫وحثيهم التراب على وجهه ّ‬
‫السماكين وخدمته لهم‪ :‬إشارة إلى الميل إلى ق اررة األرحام المتعلق بالنطفة‪ ،‬ومكثه أربعين يوماً في خدمة‬
‫وقصده إلى ّ‬
‫لسماكين‪ :‬إشارة إلى قوله عليه الصالة والسالم في الحديث الرباني‪" :‬خمرت طينة آدم بيدي أربعين صباحاً"‪ ،‬وطيران‬
‫ا ّ‬
‫الشيطان‪ :‬سريان الطبيعة العنصرية في التركيب‪ ،‬وإلقاؤه الخاتم في البحر‪ :‬تالشي التركيب البدني في البحر‬
‫الهيوالني‪ ،‬وابتالع السمكة إياه‪ :‬جذب الرحم للمادة البدنية التي هي النطفة‪ ،‬ووقوع السمكة في يد سليمان‪ :‬تعلقه في‬
‫التصرف فيه‪ ،‬وبقر بطنها وأخذ الخاتم منه وتختمه به‪ :‬فتح الرحم‬
‫الرحم بها واستيالؤه على الرحم باالغتذاء منه و ّ‬
‫وإخراج البدن منه وتلبسه به وخروره ساجداً ورجوع ملكه‪ :‬حصول كماله به باالنقياد ألمر هللا والفناء فيه‪ ،‬وجعله‬
‫لصخر في صخرة وإلقاؤه إياه في البحر‪ :‬إبقاء الطبيعة األرضية على حالها منطبعة محبوسة في باطن الجرم مالزمة‬
‫للثقل‪ ،‬والميل إلى السفل في بحر الهيولى عند وجود الطبيعة البدنية وتركه إياه فيه غير قادر على استيالء أمينة وأخذ‬
‫الخاتم منها إلى حين‪{ :‬ثم أناب} بعد اللتيا والتي إلى هللا بالتجريد والتزكية‪.‬‬

‫المكدرة لصفائي بنورك {وهب لي ملكاً ال ينبغي‬


‫ّ‬ ‫رب اغفر لي} ذنوب تعلقاتي وهيئاتي الساترة لنوري المظلمة‬
‫{قال ّ‬
‫ألحد من بعدي} أي‪ :‬كماالً خالصاً باستعدادي يقتضيه هويتي ال ينبغي لغيري الختصاصه به وهو الغاية التي يمكنه‬
‫اكم ِّمن ُك ِّل َما‬
‫{وآتَ ُ‬
‫الوهاب} لجميع االستعدادات وكل ما سئلت من الكماالت كما قال تعالى‪َ :‬‬
‫بلوغها {إنك أنت َ‬
‫َسأَْلتُ ُموهُ}[إبراهيم‪ :‬اآلية‪.]34 :‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة ص (من اآلية ‪ 36‬الى اآلية ‪)40‬‬

‫َصَف ِاد *‬ ‫آخ ِرين مَقَّ ِرن ِ‬


‫ين في األ ْ‬
‫اص * َو َ َ ُ َ‬ ‫ين ُك َّل َبَّن ٍآء و َغَّو ٍ‬
‫َ‬
‫الريح تَجرِي ِبأَم ِِره رخآء حي ُث أَصاب * و َّ ِ‬
‫الشَياط َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ُ َ ً َْ‬ ‫َف َس َّخ ْرَنا َل ُه ِّ َ ْ‬
‫اب * وإِ َّن َل ُه ِع َندَنا َل ُ ْزلَف ٰى وحس َن م ٍ‬
‫آب‬ ‫آؤَنا َفامُن ْن أَو أَم ِس ْك ِب َغ ْي ِر ِحس ٍ‬
‫َُْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫طُ ْ ْ ْ‬ ‫َهـٰ َذا َع َ‬

‫{فسخرنا له} ريح الهوى {تجري بأمره رخاء} لينة طيعة منقادة ال تتزعزع باالستيالء واالستعصاء {حيث} قصد وأراد‬

‫{والشياطين} الجنية الباطنة من القوى النفسانية {كل بناء} ّ‬


‫مقدر بالهندسة عامل ألبنية الحكم العملية وقواعد القوانين‬
‫{وغواص} في بحور العوالم القدسية والهيوالنية‪ ،‬مخرج لدرر المعاني الكلية والجزئية والحكم العملية والنظرية‬
‫العدلية ّ‬
‫{مقرنين في} أصفاد القيود الشرعية وأغالل الرياضات العقلية واإلنسية الظاهرة‬‫{وآخرين} من القوى النفسانية والطبيعية ّ‬
‫المقرنين في األغالل‪.‬‬
‫من العمال المسخرين في األعمال‪ ،‬والفساق والعصاة ّ‬

‫{هذا عطاؤنا} المحض {فامنن أو أمسك} أي‪ :‬أطلق إرادتك واختيارك في الحل والعقد واإلعطاء والمنع عند الكمال‬
‫التام والعطاء الصرف‪ ،‬أي‪ :‬الوجود الموهوب حال البقاء بعد الفناء كما شئت {بغير حساب} عليك‪ ،‬فإنك قائم بنا‬
‫إن له عندنا لزلفى وحسن مآب}‪.‬‬
‫مختار باختيارنا متحقق بذاتنا وصفاتنا‪ ،‬وذلك معنى قوله‪{ :‬و ّ‬

‫سورة ص (من اآلية ‪ 41‬الى اآلية ‪)43‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِ‬
‫ض ِب ِر ْجل َك َهـٰ َذا ُم ْغتَ َس ٌل َب ِارٌد َو َش َر ٌ‬
‫اب *‬ ‫ان ِبُنص ٍب و َع َذ ٍ‬
‫اب * ْارُك ْ‬ ‫َّه أَِّني م َّسِني َّ‬ ‫ُّوب ِإ ْذ َن َاد ٰى َرب ُ‬
‫طُ ْ َ‬ ‫الش ْي َ‬ ‫َ َ‬ ‫َوا ْذ ُك ْر َع ْب َدَنآ أَي َ‬
‫َهَل ُه و ِم ْثَلهم َّمعهم ر ْحم ًة ِمَّنا وِذ ْكر ٰى ألُولِي األَْلب ِ‬
‫اب‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َوَو َه ْبَنا َل ُه أ ْ َ ُ ْ َ ُ ْ َ َ ّ َ َ‬

‫{واذكر عبدنا أيوب} في ابتالئنا إياه عند ظهور نفسه في التلوين بإعجابه بكثرة ماله أو مداهنته لكافر النفس في‬
‫ظهورها وترك تغذيته إياها بالرياضة والمجاهدة لكون ماشية قواه الطبيعية في ناحيته أو عدم إغاثته لمظلوم العقل‬
‫النظرّي والقوى القدسية عند استقامته على اختالف الروايات في التفاسير الظاهرة في سبب ابتالئه‪ ،‬ويمكن الجمع‬
‫بينها وابتالؤه بالمرض والزمانة‪ ،‬ووقوع ديدان القوى الطبيعية فيه‪ ،‬واستئكاله وسقوطه على فراش البدن حتى لم يبق‬
‫منه إال القلب واللسان‪ ،‬أي‪ :‬الفطرة واالستعداد األصليان دون ما اكتسب من الكماالت {إذ نادى رّبه} بلسان‬
‫مسني الشيطان بنصب وعذاب} أي‪ :‬استولى علي الوهم بالوسوسة‬ ‫االضطرار واالفتقار في مكمن االستعداد {أني ّ‬
‫ّ‬
‫فلقيت بسببه هذا المرض والعذاب من األخالق الرديئة واالحتجاب‪.‬‬

‫بقوتك التي تلي أرض البدن من العقل العملي المسمى صدر أرض بدنك تنبع عينان‬ ‫{اركض برجلك} أي‪ :‬اضرب ّ‬
‫من الحكمة العملية والنظرية {هذا مغتسل} أي‪ :‬العملية المزكية للنفوس‪ ،‬المطهرة من ألواث الطبائع‪ ،‬المبرئة من‬
‫أمراض الرذائل {بارد} ذو روح وسالمة {وشراب} من النظرية‪ ،‬أي‪ :‬العلم المفيد لليقين الدافع لمرض الجهل‪ ،‬والزمانة‬
‫عن السير‪ ،‬فتغتسل وتشرب منه تب أر بإذن هللا ظاهرك وباطنك وتصح وتقوى‪.‬‬

‫{ووهبنا له أهله} قيل‪ :‬كان له سبعة أبناء وسبع بنات‪ ،‬فانهدم عليهم البيت في االبتالء فهلكوا فأحياهم هللا عند كشف‬
‫الضر وإعادة أموال الكماالت عليه‪ ،‬وهي إشارة إلى الروحانية والنفسانية الهالكة في التلوين واستيالء الطبيعة البدنية‬
‫ّ‬
‫أو البالغة في التلوين األعظم وخراب البدن واستئكال الديدان إياه حتى لم يبق منه إال القلب ولسان االستعداد الفطري‪،‬‬
‫فأحياهم عند اإلنابة والرجوع إلى حال الصحة والقوة وكشف المرض والزمانة بالشرب والغسل من العينين المذكورتين‬
‫{ومثلهم معهم} باكتساب الملكات الفاضلة واألخالق الحميدة والصفات الجميلة حتى صارت القوى الطبيعية النفسانية‬

‫أيضاً روحانية في النشأة الثانية وحدوث القوى البدنية الفانية {رحمة ّ‬


‫منا} بإفاضة الكماالت التي سألها استعداده‬
‫المجردة عن قشور المواد الجسمانية الذين يفهمون بسمع القلب حتى يعتبروا أحوالهم‬
‫ّ‬ ‫{وذكرى} وتذكي اًر {ألولي} الحقائق‬
‫بحاله ويتذكروا ما في فطرتهم من العلوم‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة ص (من اآلية ‪ 44‬الى اآلية ‪)44‬‬

‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫وخ ْذ ِبي ِد ِ‬


‫صاِب اًر ّن ْع َم اْل َع ْب ُد ِإَّن ُه أََّو ٌ‬
‫اب‬ ‫ِ‬
‫اض ِرب ّبه َوالَ تَ ْحَن ْث إَّنا َو َج ْدَناهُ َ‬
‫ك ض ْغثاً َف ْ‬
‫َُ َ َ‬

‫{وخذ بيدك ضغثاً} قيل‪ :‬إنه حلف في مرضه ليضربن امرأته مائة إن برىء‪ ،‬واختلف في سبب حلفه فقيل‪ :‬أبطأت‬
‫ليرد أموالهم الذاهبة‪ ،‬وقيل‪ :‬باعت ذؤابتين لها برغيفين‬
‫ذاهبة في حاجة‪ ،‬وقيل‪ :‬أوهمها الشيطان أن تسجد له سجدة ّ‬
‫وكانتا متعلق أيوب عند قيامه‪ .‬وقيل‪ :‬أشارت إليه ليشرب الخمر‪ ،‬كلها إشارات إلى التلوين المذكور بظهور النفس‬
‫بإبطائها وتكاسلها في الطاعات أو طاعة شيطان الوهم وانقيادها له في تمني الحظوظ وترك ما يتعلق به القلب في‬
‫التجرد عن الهيئات المنشطة المشجعة من العلوم النافعة واألعمال الفضيلة‪ ،‬واستبدال الحظوظ‬
‫القيام عن مرقد البدن و ّ‬
‫القليلة المقدار‪ ،‬اليسيرة الوقع‪ ،‬والخطر بها‪ ،‬أو المراءاة بها‪ ،‬الستجالب حظ النفس أو شرب خمر الهوى والميل إلى ما‬
‫يخالف العقل‪ .‬وحلفه إشارة إلى نذره المخالفات والرياضات المتعبة والمجاهدات المؤلمة أو ما ركز في استعداده في‬
‫محبته التجريد والتزكية بالرياضة وعزيمة تأديب النفس باألخالق واآلداب بالمخالفات المؤلمة بمقتضى العهد األول‬
‫وحكم ميثاق الفطرة وأخذ الضغث‪ .‬والضرب به إشارة إلى الرخصة والطريقة السهلة السمحة من تعديل األخالق‬
‫باالقتصار على األوساط واالعتداالت من الرياضات والمخالفات لصفاء االستعداد وشرف النفس ونجابة جوهرها دون‬
‫اإلفراط فيها‪ ،‬واألخذ بالعزائم الصعبة كما قال عليه الصالة والسالم‪" :‬بعثت بالحنيفية السمحة السهلة‬

‫‪".‬‬

‫{وال تَ ْحنث} بترك التأديب بالكلية ونقص العزيمة في طلب الكمال‪ ،‬وترك الوفاء بالنذر الفطري ّ‬
‫{إنا وجدناه صاب اًر} في‬
‫بالتجرد والمحو والفناء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بليته وطلبه للكمال‪ ،‬فرحمناه‪ ،‬وليس كل طالب صاب اًر ِ{ن ْع َم العبد إنه} رّجاع إلى هللا‬

‫سورة ص (من اآلية ‪ 45‬الى اآلية ‪)54‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ص ٍة ِذ ْك َرى َّ‬
‫الد ِار * َوِإَّن ُه ْم ِع َندَنا‬ ‫َخَلصَن ِ ِ‬
‫ص ِار * ِإَّنآ أ ْ ْ ُ‬
‫اه ْم ب َخال َ‬
‫ِ‬ ‫اق وَي ْعُق َ ِ‬
‫وب أ ُْولي األ َْيدي َواأل َْب َ‬ ‫يم َوِإ ْس َح َ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َوا ْذ ُك ْر عَب َادَنآ إ ْب َراه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين َلحس َن م ٍ‬
‫آب‬ ‫ِ َِّ‬
‫َخَي ِار * َهـٰ َذا ذ ْكٌر َوإِ َّن لْل ُمتق َ ُ ْ َ‬ ‫يل َواْلَي َس َع َوَذا اْل ِكْف ِل َوُك ٌّل ِّم َن األ ْ‬ ‫َخَي ِار * َوا ْذ ُك ْر إ ْس َماع َ‬
‫طَف ْي َن األ ْ‬‫صَ‬ ‫ِ‬
‫َلم َن اْل ُم ْ‬
‫ف‬‫الطر ِ‬ ‫َّ‬
‫ات ْ‬
‫ِ‬
‫اب * َو ِع َند ُه ْم َقاص َر ُ‬ ‫اكه ٍة َكِثيرٍة و َشر ٍ‬ ‫ات ع ْد ٍن ُّمَفتَّح ًة َّلهم األَبواب * متَّ ِكِئين ِفيها ي ْدعو َن ِف ِ ِ‬ ‫* جَّن ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫يها بَف َ‬‫َ‬ ‫ُ َ َ َ ُ‬ ‫َ ُ ُ َْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اب * ِإ َّن َهـٰ َذا َل ِرْزُقَنا َما َل ُه ِمن َّنَف ٍاد‬ ‫وع ُدو َن لِيو ِم اْل ِحس ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫اب * َهـٰ َذا َما تُ َ‬ ‫أ َْت َر ٌ‬

‫{واذكر عبادنا} المخصوصين من أهل العناية {أولي األيدي واألبصار} أي‪ :‬العمل والعلم لنسبة األول إلى األيدي‬
‫والثاني إلى البصر والنظر‪ ،‬وهم أرباب الكماالت العملية والنظرية‪.‬‬

‫{إنا أخلصناهم} صفيناهم عن شوب صفات النفوس وكدورة األنائية وجعلناهم لنا خالصين بالمحبة الحقيقية ليس‬
‫ّ‬
‫لغيرنا فيهم نصيب‪ ،‬وال يميلون إلى الغير بالمحبة العارضية ال إلى أنفسهم وال إلى غيرهم بسبب خصلة خالصة غير‬
‫المقر األصلي‪ ،‬أي‪ :‬استخلصناهم لوجهنا بسبب تذكرهم لعالم القدس‬ ‫مشوبة بهم آخر هي {ذكرى الدار} الباقية و ّ‬
‫وإعراضهم عن معدن الرجس مستشرفين ألنوارنا ال التفات لهم إلى الدنيا وظلماتها أصالً‪.‬‬

‫{وإنهم عندنا} أي‪ :‬في الحضرة الواحدية {لمن} الذين اصطفيناهم لقربنا من بني نوعهم {األخيار} المنزهين عن شوائب‬
‫الشر واإلمكان والعدم والحدثان {هذا ذكر} أي‪ :‬هذا باب مخصوص بذكر السابقين من أهل هللا المخصوصين بالعناية‬‫ّ‬
‫المجردين من صفات نفوسهم دون الواصلين إلى بساط القرب والكرامة الناظرين إليه في جنة الروح‬
‫ّ‬ ‫إن للمتقين}‬
‫{و ّ‬
‫بالمشاهدة {لحسن مآب} في مقام القلب من جنة الصفات {جنات عدن} مخّلدة {مفتحة لهم} أبوابها بالتجليات‬
‫{يدخلونها} من طرق الفضائل الخلقية والكماالت {متكئين فيها} على آرائك المقامات {يدعون فيها بفاكهة كثيرة} من‬
‫المكاشفات اللذيذة {وشراب} المحبة الوصفية‪.‬‬

‫{وعندهم قاصرات الطرف} من األزواج القدسية وما في مراتبهم من النفوس الفلكية واإلنسية {أتراب} متساوية في‬
‫الرتب {ليوم الحساب} لوقت جزائكم من الصفات اإللهية على حساب فنائكم من الصفات البشرية {ما له من نفاد}‬
‫لكونه غير مادي فال ينقطع‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة ص (من اآلية ‪ 55‬الى اآلية ‪)64‬‬

‫آخ ُر ِمن َش ْكلِ ِه‬ ‫* َو َ‬ ‫اق‬


‫يم َو َغ َّس ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ين َل َشَّر َمآب * َج َهَّن َم َي ْ‬
‫صَل ْوَن َها َفب ْئ َس اْلم َه ُاد * َهـٰ َذا َفْلَي ُذوُقوهُ َحم ٌ‬
‫ِ َّ ِ‬
‫َهـٰ َذا َوِإ َّن للطاغ َ‬
‫أَنتُ ْم َقَّد ْمتُ ُموهُ َلَنا َفِب ْئ َس‬ ‫النا ِر * َقاُلوْا َب ْل أَنتُ ْم الَ َم ْرَحباً ِب ُك ْم‬
‫صاُلوْا َّ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اج * َهـٰ َذا َف ْوٌج ُّمْقتَح ٌم َّم َع ُك ْم الَ َم ْر َحباً به ْم إَّن ُه ْم َ‬
‫أ َْزَو ٌ‬
‫الن ِار * َوَقاُلوْا َما َلَنا الَ َن َر ٰى ِرَجاالً ُكَّنا َن ُعُّد ُه ْم ِّم َن األَ ْش َر ِار‬
‫ض ْعفاً ِفي َّ‬ ‫اْلَقرار * َقاُلوْا ربَّنا من َقَّدم َلنا هـٰ َذا َف ِزْده ع َذاباً ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َُ‬
‫َه ِل َّ‬
‫الن ِار‬ ‫ِ ِ‬
‫صار * إ َّن َذل َك َل َح ٌّق تَ َخ ُ‬
‫اص ُم أ ْ‬ ‫اه ْم ِس ْخ ِرّياً أ َْم َز َ‬
‫اغ ْت َع ْن ُه ُم األ َْب َ‬ ‫* أَتَّ َخ ْذَن ُ‬

‫علوه وكبرياءه‬
‫إن} للذين طغوا حدودهم بصفات النفس وظهورها فنازعوا الحق ّ‬ ‫{هذا} باب في وصف الجنة وأهلها {و ّ‬
‫باستعالئهم وتكبرهم {لشر مآب} إلى جهنم الطبيعة اآلثارية ونيران الظلمات الهيوالنية {يصلونها} بفقدان اللذات‬
‫{وغساق} الهيئات الظلمانية والكدورات الجسمانية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ووجدان اآلالم {هذا فليذقوه حميم} الهوى والجهل‬

‫{و} خزي وعذاب {آخر} من نوعه من مذوقات أخر من مثله‪ ،‬أصناف من العذاب في الهوان والحرمان {هذا فوج} من‬
‫أتباعكم وأشباهكم أهل طبائع السوء والرذائل المختلفة {مقتحم معكم} في مضايق المذلة ومداخل الهوان‪ .‬قال‬

‫الطاغون‪{ :‬ال مرحباً} بهم ّ‬


‫لشدة عذابهم وكونهم في الضيق والضنك واستيحاش بعضهم من بعض لقبح المناظر وسوء‬
‫قدمتموه لنا} بإضاللنا‬
‫المخابر {قالوا} أي‪ :‬األتباع {بل أنتم ال مرحباً بكم} لتضاعف عذابكم ورسوخ هيئاتكم {أنتم ّ‬
‫والتحريض على أعمالنا‪ ،‬وهذه المقوالت قد تكون بلسان القال وقد تكون بلسان الحال‪ ،‬والرجال الذين اتخذوهم سخرياً‬
‫هم الفقراء الموحودون والصعاليك المحققون عدوهم من األشرار في الدنيا لمخالفتهم إياهم في اإلغراء عما سوى هللا‬
‫والتوجه إلى خالف مقاصدهم وترك عاداتهم ومطالبهم بل {زاغت عنهم} أبصارهم لكونهم محجوبين بالغواشي البدنية‬
‫المقدسة كما حجبوا بالعادات العامية والطرائق الجاهلية عن طرائقهم‬
‫المجردة وذواتهم ّ‬
‫ّ‬ ‫واألمور الطبيعية عن حقائقهم‬
‫وسيرتهم على أن أم منقطعة‪ ،‬وإنما كان تخاصم أهل النار حقاً لكونهم في عالم التضاد ومحل العناد‪ ،‬أسراء في قيود‬
‫الطبائع المختلفة وأيدي القوى المتنازعة واألهواء الممانعة‪ ،‬والميول المتجاذبة‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة ص (من اآلية ‪ 65‬الى اآلية ‪)76‬‬

‫ض َو َما َب ْيَن ُه َما اْل َع ِز ُيز اْل َغَّف ُار * ُق ْل ُهَو َنَبأٌ‬‫السم ٰٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ اْل َواح ُد اْلَق َّه ُار * َر ُّب َّ َ َ َ‬ ‫ُق ْل ِإَّن َمآ أََن ْا ُم ِنذٌر َو َما ِم ْن ِإَلـ ٍٰه ِإالَّ َّ‬
‫وح ٰى ِإَل َّي ِإالَّ أََّن َمآ أََن ْا َن ِذ ٌير‬ ‫ِ‬
‫َعَل ٰى ِإ ْذ َي ْختَص ُمو َن * ِإن ُي َ‬ ‫إل األ ْ‬ ‫ان لِي ِم ْن ِعْل ٍم ِباْلم ِ‬ ‫ضو َن * ما ك‬ ‫يم * أَنتُ ْم َع ْن ُه ُم ْع ِر ُ‬
‫ِ‬
‫َعظ ٌ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ُّك لِْل َمالَِئ َك ِة ِإِّني َخالِ ٌق َب َش اًر ِّمن ِط ٍ‬
‫ين *‬ ‫ين * َفِإ َذا َسَّوْيتُ ُه َوَنَف ْخ ُت فيه من ُّروحي َفَق ُعوْا َل ُه َسا ِجد َ‬ ‫ال َرب َ‬ ‫ِ‬
‫ين * إ ْذ َق َ‬ ‫ُّمِب ٌ‬
‫يس َما َمَن َع َك أَن تَ ْس ُج َد لِ َما َخَلْق ُت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َفسجد اْلمالَِئ َك ُة ُك ُّـلهم أَجمعو َن * ِإالَّ ِإبلِيس استَ ْكبر وَك ِ‬
‫ال ٰيإِْبل ُ‬‫ين * َق َ‬ ‫ان م َن اْل َكاف ِر َ‬‫ْ َ ْ ََ َ َ‬ ‫ُْ ْ َُ‬ ‫َ ََ َ‬
‫ال أََن ْا َخ ْيٌر ِّم ْن ُه َخَلْقتَِني ِمن َّن ٍار َو َخَلْقتَ ُه ِمن ِط ٍ‬
‫ين‬ ‫ين * َق َ‬
‫ِ‬
‫نت م َن اْل َعال َ‬
‫ِبيد َّي أَستَ ْكبرت أَم ُك ِ‬
‫ََ ْ َْ َ ْ َ‬

‫ما أنا إال منذر ال أدعوكم إلى نفسي وال أقدر على هدايتكم ألني فان عن نفسي وعن قدري‪ ،‬قائم في اإلنذار باهلل‬
‫وصفاته‪.‬‬

‫{رب} الكل الذي‬


‫{القهار} الذي يقهر كل من سواه بإفنائه في وحدانيته ّ‬
‫{وما من إله} في الوجود {إال هللا الواحد} بذاته ّ‬
‫بقوته فيعذبه بما حجب به في‬
‫يرب كل شيء في حضرة واحديته باسم من أسمائه {العزيز} الذي يغلب المحجوب ّ‬ ‫ّ‬
‫القهار المنتقم وسطوات العذاب المحتجب {الغّفار} الذي يستر‬
‫سترات جالله الستحقاقه فيض الربوبية من حضرة ّ‬
‫ظلمات صفات النفس بأنوار تجليات جماله لمن بقي فيه نور فطرته فيقبل نور المغفرة لبقاء مسكة من نوريته {قل‬
‫نبوته‬
‫احتج على صحة ّ‬ ‫ّ‬ ‫هو} أي‪ :‬الذي أنذرتكم به من التوحيد الذاتي والصفاتي {نبأ عظيم أنتم عنه معرضون} ثم‬
‫وفرق بين اختصام المأل األعلى‬
‫باطالعه على اختصام المأل األعلى من غير تعلم إذ ال سبيل إليه إال الوحي‪ّ ،‬‬
‫واختصام أهل النار بقوله في تخاصم أهل النار‪ :‬إن ذلك لحق‪ ،‬وفي اختصام المأل األعلى {إذ يختصمون} ألن ذلك‬
‫حقيقي ال ينتهي إلى الوفاق أبداً‪ ،‬وهذا عارضي نشأ من عدم اطالعهم على كمال آدم عليه السالم الذي هو فوق‬
‫{س ْب َح َان َك الَ ِعْل َم َلَنآ ِإالَّ َما َعَّل ْمتََنآ}[البقرة‪ ،‬اآلية‪ ،]32 :‬وقوله تعالى‪{ :‬أََل ْم أَُق ْل‬
‫كماالتهم‪ .‬وانتهى إلى الوفاق عند قولهم‪ُ :‬‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ض}[البقرة‪ ،‬اآلية‪ ]33 :‬على ما ذكر في سورة (البقرة) عند تأويل هذه القصة‪.‬‬ ‫ات واأل َْر ِ‬
‫الس َم َاو َ‬ ‫ل ُك ْم ِإني أ ْ‬
‫َعَل ُم َغ ْي َب َّ‬
‫وسجودهم آلدم عليه السالم‪ :‬تعظيمهم له وانقيادهم وخضوعهم النكشاف كماله الذي هو فوق كماالتهم عليهم السالم‪،‬‬
‫وإباء إبليس واستكباره‪ :‬عدم انقياد شيطان الوهم وإذعانه الحتجابه عن حقيقته بانطباعه في المادة‪ ،‬ولهذا قال تعالى‪:‬‬
‫ِ‬ ‫{وَك ِ‬
‫ان م َن اْل َكاف ِر َ‬
‫ين}[ص‪ ،‬اآلية‪.]74 :‬‬ ‫َ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{لما خلقت بيدي} أي‪ :‬خلقته بصفتي الجمال والجالل والقهر واللطف وجميع أسمائي المتقابلة المندرجة تحت صفتي‬
‫فإن من خلق منهم‬‫القهر والمحبة لتحصل عند الجمعية اإللهية في الحضرة الواحدية بخالف حال المأل األعلى‪ّ ،‬‬
‫{أستَ ْكبرت} أي‪ :‬أعرض لك التكبر واالستنكاف {أم كنت} عالياً عليه‪ ،‬زائداً‬
‫بصفة القهر ال يقدر على اللطف وبالعكس ْ‬
‫المجردة واطالعه على‬
‫ّ‬ ‫في المرتبة؟ فأجاب المحجوب‪ :‬بأني عال خير منه في األصل لعدم اطالعه على حقيقته‬
‫بشريته‪ ،‬وال شك أن الروح الحيواني الناري الذي خلق منه اللعين أشرف من المادة الكثيفة البدنية ولكن االحتجاب عن‬
‫الجمعية اإللهية واللطيفة الروحانية بعث اللعين على اإلباء حتى تمسك بالقياس وعصى هللا في سجود الناس‪.‬‬

‫سورة ص (من اآلية ‪ 77‬الى اآلية ‪)85‬‬

‫ال َفِإَّن َك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َقال َفاخرج ِمنها َفِإَّنك رِجيم * وإِ َّن عَليك َلعنِتي ِإَلى يو ِم ِ‬
‫ال َر ّب َفأَنظ ْرِني إَل ٰى َي ْو ِم ُي ْب َعثُو َن * َق َ‬‫ين * َق َ‬ ‫الد ِ‬
‫ٰ َْ ّ‬ ‫َ َ ْ َ َْ‬ ‫َ َ ٌ‬ ‫َ ُْ ْ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِم َن اْل ُمن َ‬
‫ال‬
‫ين * َق َ‬ ‫ك م ْن ُه ُم اْل ُم ْخَلص َ‬‫ين * ِإال عَب َاد َ‬ ‫َج َمع َ‬ ‫ال َفِبعَّزِت َك أل ْ‬
‫ُغ ِوَيَّن ُه ْم أ ْ‬ ‫ِ‬
‫ين * إَل ٰى َي ْو ِم اْل َوْقت اْل َم ْعُلو ِم * َق َ‬‫ظ ِر َ‬
‫َن جهَّنم ِمنك و ِم َّمن تَِبعك ِم ْنهم أ ِ‬
‫ين‬
‫َج َمع َ‬
‫َ َ ُْ ْ‬ ‫ول * أل َْمأل َّ َ َ َ َ َ‬
‫َفاْل َح ُّق َواْل َح َّق أَُق ُ‬

‫المنزهة عن المواد الرجسية باالنغماس في الغواشي الطبيعية‬


‫والرجيم واللعين من َب ُع َد عن الحضرة القدسية ّ‬
‫تجرد‬
‫وحدد نهايته به‪ ،‬ألن وقت البعث والجزاء هو زمان ّ‬ ‫واالحتجاب بالكوائن الهيوالنية‪ ،‬ولهذا وّقت اللعن بيوم الدين ّ‬
‫الروح عن البدن ومواده‪ ،‬وحينئذ ال يبقى تسلطه على اإلنسان وينقاد ويذعن له في الوقت المعلوم الذي هو القيامة‬
‫الكبرى فال يكون ملعوناً كما قال عليه السالم‪" :‬إال أن شيطاني أسلم على يدي"‪ .‬واإلنظار لإلغواء واللعن ينتهيان إلى‬
‫ذلك الوقت‪ ،‬لكن الذين أخلصهم هللا لنفسه من أهل العناية عن شوب الكدورات النفسية وحجب البشرية واألنائية‪،‬‬
‫وصّفى فطرتهم عن خلط ظلمة النشأة ال يمكنه إغواؤهم البتة في البداية أيضاً‪ ،‬فكيف في النهاية؟‪ .‬واللعن إن ارتفع‬
‫بإسالمه وانقياده هناك لكن لزمه كونه جهنمياً لمالزمته الطبيعة الهيوالنية والمادة الجسمانية فال يتجرد أصالً وإن كان‬
‫قد يرتقي إلى سماء العقل واألفق الروحانية بالوسوسة واإللقاء ويتصل في جنة النفس بآدم عند اإلغواء وال يزال يطرد‬
‫عن ذلك الجناب {فاخرج منها فإنك رجيم}‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫تعززه بأستار الجالل وسرادقات الكبرياء‪ ،‬وتمنعه عن إدراك‬
‫مسبب عن ّ‬‫بعزته تعالى ألنه ّ‬ ‫وإنما أقسم على اإلغواء ّ‬
‫إبليس لفنائه بسحب األنوار‪ .‬وأقسم هللا تعالى في مقابلته بالحق الثابت الواجب الذي ال يتغير على إمالئه جهنم منه‬
‫المجرد بالذات‬
‫ّ‬ ‫تجرد‬
‫يتبدل‪ ،‬ألن ّ‬
‫ومن أتباعه لوجود ذلك التعزز ومالزمة هؤالء جهنم دائماً أبداً على حاله ال يتغير وال ّ‬
‫وتعّلق المتعلق بالطبع‪ ،‬أمر تقتضيه الذوات واألعيان والحقائق في األزل غير عارض فال يزال كذلك أبداً‪.‬‬

‫سورة ص (من اآلية ‪ 86‬الى اآلية ‪)88‬‬

‫ين * َوَلتَ ْعَل ُم َّن َنَبأَهُ َب ْع َد ِح ِ‬ ‫َّ ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫ين‬ ‫ين * ِإ ْن ُه َو ِإال ذ ْكٌر ّلْل َعاَلم َ‬
‫َج ٍر َو َمآ أََنآ م َن اْل ُمتَ َكّلف َ‬
‫َسأَُل ُك ْم َعَل ْيه م ْن أ ْ‬
‫ُق ْل َمآ أ ْ‬

‫{قل ما أسألكم عليه من أجر} وال غرض لي في ذلك‪ ،‬فإن أقوال الكامل المحقق بالحق مقصودة بالذات غير معّللة‬
‫بالغرض {وما أنا من المتكلفين} أي‪ :‬المتصنعين الذين ينتحلون الكماالت ويظهرون بأنفسهم وصفاتها‪ ،‬ويدعون‬
‫{ولتعلمن نبأه بعد حين} عند القيامة الصغرى‬
‫ّ‬ ‫كماالت هللا ألنفسهم‪ ،‬بل فنيت عن نفسي وصفاتها‪ ،‬فاهلل القائل بلساني‬
‫أو الكبرى لظهور تأويله حينئذ‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الزمر (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)4‬‬

‫* أَالَ ََِّّللِ ِ‬ ‫َّللا مخلِصاً َّله ِ‬ ‫َنزلنآ ِإَليك اْل ِكتَاب ِباْلح ِق َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ اْل َع ِز ِ‬
‫اب ِم َن َّ‬
‫نزيل اْل ِكتَ ِ‬
‫ين‬
‫الد ُ‬‫ّ‬ ‫ين‬
‫الد َ‬
‫ُ ّ‬ ‫اعُبد َّ َ ُ ْ‬ ‫َ َّ ْ‬ ‫يز اْل َحكي ِم * ِإَّنآ أ َ ْ َ ْ َ‬ ‫تَ ِ ُ‬
‫ِ‬ ‫ما هم ِف ِ‬ ‫َّللاِ ُ ْزلَفى ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َي ْح ُك ُم َب ْيَن ُه ْم ِفي‬ ‫َّ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص و َّال ِذ َ َّ‬
‫يه َي ْخَتلُفو َن‬ ‫َ ُْ‬ ‫آء َما َن ْعُب ُد ُه ْم ِإال لُِيَقِّرُب َ‬
‫ونآ ِإَلى َّ‬ ‫ين ات َخ ُذوْا من ُدونه أ َْولَي َ‬
‫ِ‬
‫اْل َخال ُ َ‬
‫َّللا اْلو ِ‬
‫اح ُد‬ ‫َّللا أَن يتَّ ِخ َذ وَلداً الَّص َ ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ َّن َّ‬
‫آء ُس ْب َح َان ُه ُهَو َّ ُ َ‬
‫طَف ٰى م َّما َي ْخُل ُق َما َي َش ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّللاَ الَ َي ْهدي َم ْن ُه َو َكاذ ٌب َكـف ٌار * ل ْو أ ََرَاد َّ ُ َ َ‬
‫اْلَق َّه ُار‬

‫هذا {تنزيل} كتاب العقل الفرقاني بظهوره عليك من غيب الغيوب {من هللا} وحضرته الواحدية {العزيز} المحتجب‬
‫ّ‬
‫بسترات الجالل في غيب غيبه {الحكيم} ذي الحكمة الكامنة هناك‪ ،‬البارزة في مراتب التنزيالت {بالحق} أي‪ :‬أنزلناه‬
‫فخصصه بالعبادة الذاتية حين تجلى لك بذاته ولم يبق أحداً من خلقه‬
‫بظهور الحق فيك بعد كمونه {فاعبد هللا} ّ‬
‫{مخلصاً} ممحضاً {له الدين} عن شوب الغيرية واالثنينية‪ ،‬أي‪ :‬اعبده بشهوده لذاته ومطالعة تجليات صفاته بعينه‬
‫وتالوة كالمه به‪ ،‬فيكون سيرك سير هللا ودينك دين هللا وفطرتك ذات هللا‪.‬‬

‫{أال هلل الدين الخالص} عن شوب الغيرية واألنائية ال لك لفنائك فيه بالكلية‪ ،‬فال ذات لك‪ ،‬وال صفة‪ ،‬وال فعل‪ ،‬وال‬

‫دين‪ ،‬وإال لما خلص الدين بالحقيقة فال يكون هلل {والذين} احتجبوا بالكثرة عن الوحدة واتخذوا الغير ّ‬
‫ولياً بالمحبة‬
‫{إن هللا يحكم بينهم} عند حشر مبعوداتهم معهم فيما اختلفوا فيه من صفاتهم وأقوالهم‬ ‫للتقرب والتوسل به إلى هللا ّ‬
‫ّ‬
‫وأفعالهم فيقرن كالًّ منهم مع من يتوالّه من عابد ومعبود‪ ،‬ويدخل المبطل النار مع المبطلين كما يدخل المحق الجنة‬
‫مع المحقين‪ ،‬ويجزى كالًّ بوصفه الغالب عليه وما وقف معه واحتجب به مع اختالفهم في األوصاف وما وقفوا معه‬
‫{إن هللا ال يهدي} إلى النجاة وعالم النور وتجليات الصفات والذوات {من هو كاذب كّفار} لبعده عنه واحتجابه بلظمة‬
‫الرذائل وصفات النفس عن النور وامتناعه عن قبوله {سبحانه} أي‪ّ :‬نزهه عن المماثلة والمجانسة واصطفاء الولد لكون‬
‫الوحدة الزمة لذاته وقهره بوحدانيته لغيره‪ ،‬فال تماثل في الوجود‪ ،‬فكيف في الوجوب؟‪.‬‬

‫سورة الزمر (من اآلية ‪ 5‬الى اآلية ‪)6‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫اللْي ِل وس َّخ َـر َّ‬ ‫النـهار عَلى َّ‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واألَرض ِباْلح ِق ي َك ِور َّ‬
‫الش ْم َس َواْلَق َم َر ُك ٌّـل َي ْجرِي‬ ‫ََ‬ ‫ـار َوُي َكِّوُر َّ َ َ َ‬ ‫الن َه ِ‬
‫الل ْي َـل َعَلى َّ‬ ‫َ ّ ُ ُّ‬ ‫َخَل َق َّ َ َ َ ْ َ‬
‫َنزَل َل ُك ْم ِّم َن األ َْن َعا ِم ثَ َم ِانَي َة أ َْزَو ٍ‬ ‫سوِ ٍ‬
‫اج‬ ‫اح َدة ثُ َّم َج َع َل ِم ْن َها َزْو َج َها َوأ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫أل ٍ‬
‫َجـل ُّم َس ًّـمى أَال ُه َو اْل َع ِز ُيز اْل َغف ُار * َخَلَق ُك ْم ّمن َّنْف َ‬
‫َ‬
‫َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طو ِن أ َّ‬ ‫ِ‬
‫ص َرُفو َن‬ ‫ُّك ْم َل ُه اْل ُمْل ُك ال إَلـ َٰه إال ُهَو َفأََّن ٰى تُ ْ‬ ‫َّللاُ َرب ُ‬
‫ظُل َمات ثَالَث َذل ُك ُم َّ‬ ‫ُم َهات ُك ْـم َخْلقاً ّمن َب ْعد َخْل ٍق في ُ‬ ‫َي ْخُلُق ُك ْم في ُب ُ‬

‫{وسخر الشمس‬
‫ّ‬ ‫{خلق السموات واألرض بالحق} بظهوره في مظاهرها واحتجابه بصورها مصرفاً للكل بقدرته وفعله‬
‫القوي الذي يقهر الكل‬
‫والقمر} بسلطانه وملكه فال ذات وال صفة وال فعل لغيره‪ ،‬وذلك دليل وحدانيته {أال هو العزيز} ّ‬
‫بسطوة قهره {الغّفار} الذي يسترهم بنور ذاته وصفاته فال يبقى معه غيره أو العزيز المتمنع باحتجابه عن خلقه بصور‬
‫مخلوقاته الغفار الذي يستر لمن يشاء ذنوب وجوده وصفاته فيظهر عليه ويتجلى له بصفاته وذاته‪.‬‬

‫{خلقكم من نفس واحدة} هي آدم الحقيقي‪ ،‬أي‪ :‬النفس الناطقة الكلية‪ ،‬التي تتشعب عنها النفوس الجزئية {ثم جعل‬
‫منها زوجها} النفس الحيوانية {وأنزل لكم} لكون صورها في اللوح المحفوظ ونزول كل ما وجد في عالم الشهادة من‬
‫عالم الغيب {خلقاً من بعد خلق} يخلقكم في أطوار الخلقة متقّلبين {في ظلمات ثالث} من الطبيعة الجسمانية والنفس‬
‫المسخر بملكوته وسلطانه‪ ،‬المنشىء للكثرة‬
‫ّ‬ ‫المكورة‪ ،‬أي‪ :‬المصرف بقدرته‬
‫ّ‬ ‫النباتية والحيوانية {ذلكم} الخالق لصوركم‪،‬‬
‫وقدر بأفعاله هو الذات الموصوفة بجميع صفاته يربكم بأسمائه {له‬
‫من وحدته بأسمائه وصفاته‪ ،‬المنزل لما قضى ّ‬
‫صرفون} عن عبادته إلى عبادة غيره مع عدمه‪.‬‬
‫يتصرف فيه بأفعاله {ال إله إال هو} في الوجود {فأنى تُ ْ‬
‫ّ‬ ‫المْلك}‬
‫ُ‬

‫سورة الزمر (من اآلية ‪ 7‬الى اآلية ‪)9‬‬

‫ُخ َر ٰى ثُ َّم ِإَل ٰى َرّب ُ‬ ‫ِِ ِِ‬ ‫َّللاَ َغِن ٌّي َع ُ‬


‫ِإن تَ ْكُف ُروْا َفِإ َّن َّ‬
‫ِك ْم‬ ‫ض ُه َل ُك ْم َوالَ تَ ِزُر َو ِازَرةٌ ِوْزَر أ ْ‬
‫ض ٰى لعَباده اْل ُكْف َر َوِإن تَ ْش ُك ُروْا َي ْر َ‬ ‫نك ْم َوالَ َي ْر َ‬
‫َّه ُمِنيباً ِإَل ْي ِه ثُ َّم ِإ َذا َخَّوَل ُه‬
‫ضٌّر َد َعا َرب ُ‬ ‫ان ُ‬ ‫نس َ‬ ‫ِ‬
‫ور * َوإِ َذا َم َّس اإل َ‬ ‫الص ُد ِ‬
‫ات ُّ‬ ‫َّمرِجع ُكـم َفينِبُئ ُكـم ِبما ُكنتُم َتعمُلون ِإَّنه علِيم ِب َذ ِ‬
‫ْ َْ َ ُ َ ٌ‬ ‫ْ ُ ْ َُّ ْ َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ك َقلِيالً ِإَّن َك ِم ْن أَصح ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب‬ ‫ْ َ‬ ‫َنداداً ّلُيض َّل َعن َسِبيله ُق ْل تَ َمتَّ ْع ِب ُكْف ِر َ‬ ‫ان َي ْد ُعو ِإَل ْيه من َقْب ُل َو َج َع َل ََّّلل أ َ‬
‫ن ْع َم ًة ّم ْن ُه َنس َي َما َك َ‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َم ْن ُهو َق ِان ٌت َآنآء َّال ِ‬
‫يل َسا ِجداً َوَقآئماً َي ْح َذ ُر اآلخ َرَة َوَي ْر ُجوْا َر ْح َم َة َرّبِه ُق ْل َه ْل َي ْستَ ِوي الذ َ‬
‫ين َي ْعَل ُمو َن َوالذ َ‬
‫ين الَ‬ ‫َ‬ ‫ار * أ َّ َ‬ ‫الن ِ‬
‫َّ‬
‫ي ْعَلمو َن ِإَّنما يتَ َذ َّكر أُوُلوْا األَْلب ِ‬
‫اب‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ْ‬ ‫َ ُ‬

‫{إن تكفروا} وتحتجبوا بصفاتكم وذواتكم فإن هللا ال يحتاج إلى ذواتكم وصفاتكم في ظهوره وكماله‪ ،‬لكونها فانية في‬
‫نفس األمر ليست شيئاً إال به‪ ،‬فضالً عن احتياجه إليها وهو الظاهر بذاته لذاته والباطن بحقيقته‪ ،‬المشاهد لكماله‬
‫بعينه {وال يرضى لعباده} االحتجاب لكونه سبب هالكهم ووقوعهم في أسر المالك والزبانية وال يتعلق بهم الرضا‪ ،‬وال‬
‫لتستعدوا لقبول فيضه يرضى الشكر لكم‬
‫ّ‬ ‫يقبلون نوره فيدخلوا ّ‬
‫الجنة {وإن تشكروا} برؤية نعمه واستعمالها في طاعته‬
‫بتجلي الصفات لتتصفوا بها فتبلغوا مقام الرضا وتدخلوا الجنة‪ ،‬فما تبعة الكفر إال عليكم وال ثمرة الشكر إال لكم‪ ،‬أهذا‬
‫الكافر المحجوب أفضل‪.‬‬

‫{أمن هو قانت} مطيع في مقام النفس وأوقات ظلمة صفاتها {ساجداً} بفناء األفعال والصفات‪ ،‬قائماً بالطاعة واالنقياد‪،‬‬
‫ّ‬
‫عند ظهور النفس بصفاتها وأفعالها {يحذر} عقاب اآلخرة ويرجوا الرحمة‪ ،‬إذ السالك في مقام النفس ال يخلو عن‬
‫أن المطيع في مقام النفس‬
‫الخوف والرجاء {قل هل يستوي} أي‪ :‬ال يستويان‪ ،‬وإنما ترك المضمر إلى الظاهر ليبين ّ‬
‫هو العالم والكافر هو الجاهل‪ .‬أما األول فإن العلم هو الذي رسخ في القلب وتأصل بعروقه في النفس بحيث ال يمكن‬
‫سيط باللحم والدم فظهر أثره في األعضاء ال ينفك شيء منها عن مقتضاه‪ ،‬وأما المرتسم في حيز‬
‫صاحبه مخالفته بل ّ‬
‫تصوري وتخيل عارضي ال يلبث‬‫العقل والتخيل بحيث يمكن ذهول النفس عنه وعن مقتضاه فليس بعلم إنما هو أمر ّ‬
‫بل يزول سريعاً‪ ،‬ال يغذو القلب وال يسمن وال يغني من جوع‪ .‬وأما الثاني فظاهر‪ ،‬إذ لو علم لم يحجب بالغير عن‬
‫التخيل والوهم لتحققها بالعلم الراسخ الذي يتأثر‬
‫الحق {إنما يت ّذكر} ويتعظ بهذا الذكر {أولو} العقول الصافية عن قشر ّ‬
‫به الظاهر‪ .‬وأما المشوبة بالوهم فال تتذكر وال تتحقق بهذا العلم وال تعيه‪ ،‬بل تتلجلج فيه فيذهب‪.‬‬

‫سورة الزمر (من اآلية ‪ 10‬الى اآلية ‪)16‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َج َرُه ْم ِب َغ ْي ِر‬ ‫َّللاِ َو ِاس َع ٌة ِإَّن َما ُيَوَّفى َّ‬
‫الصاِب ُرو َن أ ْ‬ ‫ض َّ‬ ‫َح َسُنوْا ِفي َهـ ِٰذِه ُّ‬
‫الد ْنَيا َح َسَنةٌ َوأ َْر ُ‬ ‫ين أ ْ‬
‫ُقل ي ِٰعب ِاد َّال ِذين آمنوْا اتَُّقوْا رب ُ َِّ ِ‬
‫َّك ْم للذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫ْ َ‬
‫اف ِإ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ين * َوأ ُِم ْر ُت أل َْن أ ُ‬ ‫َّللا مخلِصاً َّله ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِحس ٍ‬
‫َخ ُ‬ ‫ين * ُق ْل ِإّني أ َ‬ ‫َكو َن أََّو َل اْل ُم ْسلم َ‬ ‫الد َ‬‫ُ ّ‬ ‫َعُب َد َّ َ ُ ْ‬ ‫اب * ُق ْل ِإّني أُم ْر ُت أ ْ‬
‫َن أ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬ ‫ين الذ َ‬ ‫اعُب ُدوْا َما ش ْئتُ ْم ّمن ُدونه ُق ْل إ َّن اْل َخاس ِر َ‬ ‫َعُب ُد ُم ْخلصاً ل ُه ديني * َف ْ‬ ‫َّللاَ أ ْ‬
‫اب َي ْو ٍم َعظي ٍم * ُقل َّ‬ ‫ص ْي ُت َرّبِي َع َذ َ‬ ‫َع َ‬
‫الن ِار َو ِمن تَ ْحِت ِه ْم ُ‬
‫ظَل ٌل َذلِ َك‬ ‫ظَل ٌل ِّم َن َّ‬
‫ين * َل ُه ْم ِّمن َف ْوِق ِه ْم ُ‬ ‫ِ‬ ‫َنفسهم وأَهلِي ِهم يوم اْلِقي ِ‬ ‫ِ‬
‫ان اْل ُمِب ُ‬
‫امة أَالَ َذل َك ُه َو اْل ُخ ْس َر ُ‬
‫َخس ُروْا أ ُ َ ُ ْ َ ْ ْ َ ْ َ َ َ‬
‫َّللاُ ِب ِه ِعَب َادهُ ي ِٰعَب ِاد َفاتَُّقو ِن‬
‫ف َّ‬‫ُي َخِّو ُ‬

‫{قل يا عباد} المخصوصين في من أهل العناية {الذين آمنوا} اإليمان العملي {اتّقوا رّبكم} بمحو صفاتكم {للذين‬
‫ّ‬
‫أحسنوا} أي‪ :‬اتّصفوا بالصفات اإللهية فعبدوه على المشاهدة {في هذه الدنيا حسنة} ال يكتنه كنهها في اآلخرة وهي‬
‫شهود الوجه الباقي وجماله الكريم‪.‬‬

‫{وأرض هللا} أي‪ :‬النفس المطمئنة المخصوصة باهلل النقيادها له وقبولها لنوره واطمئنانها إليه‪ ،‬ذات سعة بيقينها ال‬
‫تتقيد بشيء وال تلبث في ضيق من عادة ومألوف وأمر غير الحق {إنما يوفى الصابرون} الذين صبروا مع هللا في‬
‫فناء صفاتهم وأفعالهم وسلوكهم فيه وسيرهم في منازل النفس الواسعة باليقين {أجرهم} من جنات الصفات {بغير‬
‫جنة النفوس‪ ،‬متناه لكونه من باب اآلثار‬
‫مقدر باألعمال في ّ‬
‫حساب} إذ األجر الموفى بحسب األعمال في مقام النفس ّ‬
‫محصو اًر في المو ّاد‪ .‬وأما الذي يوفى بحسب األخالق واألحوال فهو غير متناه لكونه من باب تجليات الصفات في‬
‫مجرداً عن المواد {مخلصاً له الدين} عن االلتفات إلى الغير والسير بالنفس {وأمرت ألن‬
‫جنة القلب وعالم القدس ّ‬
‫أكون} ّ‬
‫مقدم {المسلمين} الذين أسلموا وجوههم إلى هللا بالفناء فيه وسابقهم في الصف األول‪ ،‬سائ اًر باهلل‪ ،‬فانياً عن‬
‫النفس وصفاتها‪.‬‬

‫الب ْعد {قل‬


‫{أخاف إن عصيت رّبي} بترك اإلخالص والنظر إلى الغير {عذاب يوم عظيم} من االحتجاب والحرمان و ُ‬
‫إن الخاسرين} بالحقيقة‪ ،‬الكاملين في الخسران‪،‬‬
‫أخص بالعبادة {مخلصاً له ديني} عن شوب األنائية واالثنينية {قل ّ‬
‫هللا} ّ‬
‫هم الواقفون مع الغير‪ ،‬المحجوبون عن الحق {الذين خسروا أنفسهم وأهليهم} بإهالك األنفس وتضييع األهل من‬
‫المقدسة التي تجانسهم وتناسبهم في عالمها الروحاني الحتجابهم بالظلمات الهيوالنية عنهم {أال ذلك هو‬
‫الجواهر ّ‬
‫البين‪.‬‬
‫الخسران} الحقيقي الظاهر ّ‬

‫{لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل} النغمارهم في المواد الهيوالنية واستقرارهم في قعر بئر الطبيعة‬
‫الظلمانية‪ ،‬فوقهم مراتب من الطبائع وتحتهم مراتب أخرى وهم في غمرات منها‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الزمر (من اآلية ‪ 17‬الى اآلية ‪)21‬‬

‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫الطاغوت أَن يعبدوها وأَنابوْا ِإَلى َّ ِ‬ ‫و َّال ِذين اجتَنبوْا َّ‬
‫ين َي ْستَم ُعو َن اْلَق ْو َل َفَيـتَِّب ُعو َن أ ْ‬
‫َح َسَن ُه‬ ‫َّللا َل ُه ُم اْلُب ْش َر ٰى َفَب ّش ْر عَباد * الذ َ‬ ‫َ ْ ُُ َ َ َ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ ْ َُ‬
‫الن ِار * َلـ ِٰك ِن‬ ‫َنت تُ ِنق ُذ َمن ِفي َّ‬ ‫اب * أََفم ْن ح َّق َعَل ْي ِه َكلِم ُة اْلع َذ ِ‬
‫اب أََفأ َ‬ ‫َّللا وأُوَلـِٰئ َك ُهم أُوُلوْا األَْلب ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫اه ُم َّ ُ َ ْ‬
‫ين َه َد ُ‬
‫أ ُْوَلـٰئ َك الذ َ‬
‫َّللاِ الَ ي ْخلِف َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّال ِذين اتََّقوْا ربَّهم َلهم ُغر ِ‬
‫يع َاد * أََل ْم تََر أ َّ‬
‫َن‬ ‫َّللاُ اْلم َ‬ ‫ف َّم ْبنَّي ٌة تَ ْجرِي من تَ ْحت َها األ َْن َه ُار َو ْع َد َّ ُ ُ‬ ‫ف ّمن َف ْوِق َها ُغ َر ٌ‬ ‫َ ُْ ُْ َ ٌ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يع ِفي األ َْر ِ‬ ‫َنزل ِمن َّ ِ‬
‫ـر ثُ َّم َي ْج َعُل ُه‬
‫صَف ّاً‬ ‫ض ثُ َّم ُي ْخ ِرُج ِبه َزْرعاً ُّم ْخَتلفاً أَْلَو ُان ُه ثُ َّم َي ِه ُ‬
‫ـيج َفـتَ َراهُ ُم ْ‬
‫ِ‬
‫آء َف َسَل َك ُه َيَناب َ‬
‫الس َمآء َم ً‬ ‫َّللاَ أ َ َ َ‬ ‫َّ‬
‫طاماً ِإ َّن ِفي َذلِ َك َل ِذ ْكر ٰى ألُولِي األَْلب ِ‬
‫اب‬ ‫ُح َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫{فبشر عباد} المخصوصين‬


‫{والذين اجتنبوا} عبادة الغير {وأنابوا إلى هللا} بالتوحيد المحض {لهم البشرى} باللقاء ّ‬
‫بعنايتي‪.‬‬

‫{الذين يستمعون القول} كالعزائم والرخص والواجب والمندوب في قول الحق والغير {فيتبعون أحسنه} كالعزائم دون‬
‫الرخص والواجب دون المندوب والقول حق في الكل ال غير {أولئك الذين هداهم هللا} إليه بنور الهداية األصلية‬
‫المجردة فيتلقون المعاني المحققة دون غيرها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫{وأولئك هم أولو األلباب} المميزون بين األقوال بألبابهم‬

‫حق عليه كلمة العذاب} أي‪ :‬أأنت مالك أمرهم فمن سبق الحكم بشقاوته فأنت تنقذه‪ ،‬أي‪ :‬ال يمكن إنقاذه أصالً‬
‫{أفمن ّ‬
‫{لكن الذين اتّقو} أفعالهم وصفاتهم وذواتهم في التجريد والتفريد من أهل التوحيد {لهم غرف من فوقها غرف} أي‪:‬‬
‫مقامات وأحوال بعضها فوق بعض كالتوكل بفناء األفعال فوقه‪ ،‬الرضاء بفناء الصفات فوقه الفناء في الذات {تجري‬
‫من تحتها} أنهار علوم المكاشفات {أنزل من السماء} الروح {ماء} العلم {فسلكه ينابيع} الحكم في أراضي النفوس‬
‫بحسب استعدادتها {ثم يخرج به} زرع األعمال واألخالق {مختلفاً} أصنافه بحسب اختالف القوى واألعضاء {ثم يهيج}‬
‫مصفر} الضمحالله وتالشيه بفناء أصوله‪ ،‬القائم هو بها من القوى والنفوس‬
‫ّاً‬ ‫فينقطع عن أصله بأنوار التجليات {فتراه‬
‫والقلوب{ثم يجعله حطاماً} بذهابه وانكساره وانقشاعه عند ظهور صفاته تعالى واستقرارها بالتمكين‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{إن في ذلك لذكرى ألولي} الحقائق المجردة من قشرة األنائية‪.‬‬

‫سورة الزمر (من اآلية ‪ 22‬الى اآلية ‪)29‬‬

‫ضالَ ٍل ُّمِب ٍ‬ ‫اسي ِة ُقُلوبهم ِمن ِذ ْك ِر َّ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫إلسالَ ِم َفهو عَلى ن ٍ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫أََف َمن َش َرَح َّ‬
‫َّللاُ‬
‫ين * َّ‬ ‫َّللا أ ُْوَلـٰئ َك في َ‬ ‫ُُ ْ ّ‬ ‫ور ّمن َّرّبِه َف َوْي ٌل ّلْلَق َ‬ ‫َُ َ ٰ ُ‬ ‫ص ْد َرهُ ل ْ‬ ‫َّللاُ َ‬
‫َّللاِ‬
‫وب ُه ْم ِإَل ٰى ِذ ْك ِر َّ‬ ‫ِ‬ ‫يث ِكتَاباً ُّمتَ َشاِبهاً َّمثَ ِاني تَْق َش ِعُّر ِمنه جُل َّ ِ‬ ‫نَّزل أَحسن اْلح ِد ِ‬
‫ود ُه ْم َوُقُل ُ‬
‫ين ُجُل ُ‬ ‫ين َي ْخ َش ْو َن َرب ُ‬
‫َّه ْم ثُ َّم َتل ُ‬ ‫ود الذ َ‬ ‫ُْ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ََْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ضل ِل َّ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َذلِك هدى َّ ِ‬
‫امة َوِق َ‬
‫يل‬ ‫وء اْل َع َذاب َي ْوَم اْلقَي َ‬ ‫َّللاُ َف َما َل ُه م ْن َهاد * أََف َمن َيتقي بَو ْجهه ُس َ‬ ‫آء َو َمن ُي ْ‬ ‫َّللا َي ْهدي به َمن َي َش ُ‬ ‫َ َُ‬
‫اب ِم ْن َح ْي ُث الَ َي ْش ُع ُرو َن * َفأَ َذا َق ُه ُم َّ‬
‫َّللاُ اْل ِخ ْز َي‬ ‫لظالِ ِمين ُذوُقوْا ما ُكنتُم تَ ْك ِسبو َن * َك َّذب َّال ِذ ِ ِ‬ ‫لِ َّ‬
‫ين من َقْبل ِه ْم َفأَتَ ُ‬
‫اه ُم اْل َعـ َذ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫آن ِمن ُك ِّل َمَث ٍل َّل َعَّل ُه ْم‬ ‫اس ِفي َهـٰ َذا اْلُق ْر ِ‬ ‫ض َرْبَنا لِ َّلن ِ‬ ‫ِ‬
‫اب اآلخ َرِة أَ ْكَب ُر َل ْو َك ُانوْا َي ْعَل ُمو َن * َوَلَق ْد َ‬ ‫ِفي اْل َحَي ِاة ُّ‬
‫الد ْنَيا َوَل َع َذ ُ‬
‫اك ُسو َن َوَرُجالً َسَلماً ِّل َرُج ٍل‬ ‫يه ُشرَكآء م َت َش ِ‬ ‫َّللا مثَالً َّرجالً ِف ِ‬ ‫ِ ِ َّ َّ‬
‫َ ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ض َر َب َّ ُ َ‬ ‫َيتَ َذ َّك ُرو َن * ُق ْرآناً َع َربِّياً َغ ْي َر ذي ع َو ٍج ل َعل ُه ْم َيتَُّقو َن * َ‬
‫ان َمثَالً اْل َح ْم ُد ََّّللِ َب ْل أَ ْكثَ ُرُه ْم الَ َي ْعَل ُمو َن‬ ‫َه ْل َي ْستَ ِوَي ِ‬

‫{أفمن شرح هللا صدره لإلسالم} بنوره حال البقاء بعد الفناء ونقى قلبه بالوجود الموهوب الحقاني فيسع صدره الحق‬
‫والخلق من غير احتجاب بأحدهما عن اآلخر فيشاهد التفصيل في عين الوحدة والتوحيد في عين الكثرة‪ ،‬واإلسالم هو‬
‫الفناء في هللا وتسليم الوجه إليه‪ ،‬أي‪ :‬شرح صدره في البقاء إلسالمه وجهه حال الفناء {فهو على نور من رّبه} يرى‬
‫لشدة ميلها إلى اللذات البدنية وإعراضها عن الكماالت القدسية‬
‫رّبه {فويل} للذين قست قلوبهم من قبول ذكر هللا ّ‬
‫{أولئك في ضالل مبين} عن طرين الحق {متشابهاً} في الحق والصدق {مثاني} لتنزلها عليك في مقام القلب قبل‬
‫{تقشعر منه جلود} أهل الخشية‬
‫ّ‬ ‫مكررة باعتبار الحق والخلق‪ ،‬فتارة يتلوها الحق وتارة يتلوها الخلق‬‫الفناء وبعده فتكون ّ‬
‫من العلماء باهلل النفعالها بالهيئات النوراينة الواردة على القلب النازل أثرها إلى البدن {ثم تلين جلودهم وقلوبهم}‬
‫وأعضاؤهم باالنقياد وا لسكينة والطمأنينة {إلى ذكر هللا ذلك هدى هللا} باألنوار اليقينية {يهدي به من يشاء} من أهل‬
‫عنايته {ومن يضلل هللا} يحجبه عن النور فال يفهم كالمه وال يرى معناه {فما له من هاد أفمن يتقي بوجهه سوء‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫التحرز بها وال يتهيأ‪ ،‬مغّللة بأغالل‬
‫ّ‬ ‫العذاب} مع كونه أشرف األعضاء لكون سائر جوارحه مقيدة بهيئات ال يتأتي له‬
‫ال يتيسر له بها الحركة في الدفع وال يتسنى كمن أمن العذاب‪.‬‬

‫{مثالً} في التوحيد والشرك {رجالً فيه شركاء متشاكسون} ِّ‬


‫سيئو األخالق ال يتسالمون في شيء يوجهه هذا في حاجة‬
‫ويمنعه هذا ويجذبه أحدهما إلى جهة واآلخر إلى ما يقابلها‪ ،‬فيتنازعون ويتجاذبون وهذا صفة من تستولي عليه صفات‬
‫همه شعاع وقلبه أوزاع {ورجالً سلماً لرجل} ال يبعثه‬
‫نفسه المتجاذبة الحتجابه بالكثرة المتخالفة فهو في عين التفرقة ّ‬
‫هم واحد ومقصد واحد في‬ ‫الرب ليس له إال ٌّ‬
‫السر إلى جناب ّ‬
‫إال إلى جهته‪ ،‬وهذا مثل الموحد الذي تسالمت له مشايعة ّ‬
‫عين الجمعية مجموع ناعم البال خافض العيش والحال‪.‬‬

‫سورة الزمر (من اآلية ‪ 30‬الى اآلية ‪)52‬‬

‫َّللاِ وَك َّذب ِب ِ‬


‫الص ْد ِق‬ ‫صمو َن * َفمن أَ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ام ِة ِع َند َرّب ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ظَل ُم م َّمن َك َذ َب عَلى َّ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫ِك ْم تَ ْختَ ُ‬ ‫إَّن َك َمّي ٌت َوإَِّن ُه ْم َّمّيتُو َن * ثُ َّم إَّن ُك ْم َي ْوَم اْلقَي َ‬
‫آءو َن ِع َند‬ ‫َّ ن‬ ‫الص ْد ِق و َّ ِ ِ ِ‬ ‫ِإ ْذ جآءه أََليس ِفي جهَّنم م ْثوى ِّلْل َك ِاف ِرين * و َّال ِذي جآء ِب ِ‬
‫صد َق به أ ُْوَلـٰئ َك ُه ُم اْل ُمتُقو َ * َل ُهم َّما َي َش ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ ً‬ ‫َ َُ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬
‫َح َس ِن َّالذي َك ُ‬
‫ـانوْا َي ْع َمُلو َن * أََل ْي َس‬ ‫َج َرُه ْم ِبأ ْ‬
‫َس َوأَ الذي َعمُلوْا َوَي ْج ِزَي ُه ْم أ ْ‬ ‫ين * لُِي َكـِّف َر َّ‬
‫َّللاُ َع ْن ُه ْم أ ْ‬
‫ِ ِ‬
‫َرّبِه ْم َذل َك َج َز ُ‬
‫آء اْل ُم ْحسن َ‬
‫ض ٍّل أََل ْي َس َّ‬ ‫َّللا َفما َله ِمن ُّم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ضـلِ ِل َّ‬ ‫ِ‬ ‫اف عبده ويخ ِوُفونك ِب َّال ِذ ِ‬ ‫َّللا ِب َك ٍ‬
‫َّللاُ‬ ‫َّللاُ َف َما َل ُه م ْن َهـاد * َو َمن َي ْهد َّ ُ َ ُ‬ ‫ين من ُدوِنه َو َمن ُي ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ ُ َ ُ َ ّ َ َ‬ ‫َّ ُ‬
‫َّللاِ ِإ ْن أ ََرَادِني‬
‫َّللاُ ُق ْل أََف َأرَْيتُم َّما تَ ْد ُعو َن ِمن ُدو ِن َّ‬ ‫انتَقا ٍم * وَلِئن سأَْلتَهم َّمن خَلق َّ ِ‬
‫الس َٰم َٰوت َواأل َْر َ‬
‫ض َلَيُقوُل َّن َّ‬ ‫َ ُْ ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫يز ِذي ِ‬ ‫ِب َع ِز ٍ‬
‫َ‬
‫َّللاُ َعَل ْي ِه َيتََوَّك ُـل اْل ُمتََوِّكُلو َن *‬
‫ات َر ْح َمِت ِه ُق ْل َح ْسِبي َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اشَفات ِ‬
‫ضِّره أ َْو أ ََرَادني ِب َر ْح َمة َه ْل ُه َّن ُم ْمس َك ُ‬
‫ُ ُ‬
‫َّللا ِبض ٍر هل ه َّن َك ِ‬
‫َّ ُ ُ ّ َ ْ ُ‬
‫َ‬
‫يم * ِإَّنآ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اب ُّمق ٌ‬‫اب ُي ْخ ِزيه َوَيح ُّل َعَل ْيه َع َذ ٌ‬ ‫ف تَ ْعَل ُمو َن * َمن َيأْتيه َع َذ ٌ‬ ‫اع َمُلوْا َعَل ٰى َم َك َانت ُك ْـم ِإّني َعام ٌل َف َس ْو َ‬
‫ُق ْل ٰيَق ْو ِم ْ‬
‫َّللاُ َيتََوَّفى‬
‫ـيل * َّ‬ ‫َنت َعَلي ِهم ِبو ِك ٍ‬ ‫ِ‬
‫ض َّـل َف َّإن َما َيض ُّل َعَل ْي َها َو َمآ أ َ ْ َ‬‫اهتَ َـد ٰى َفلَِنْف ِس ِه َو َمن‬
‫َ‬ ‫اب لِ َّلن ِ‬
‫ـاس ِباْل َح ِّق َف َـم ِن ْ‬
‫ِ‬
‫َنزلَنا َعَل ْي َك اْلكتَ َ‬
‫أ َْ‬
‫َج ٍل ُّم َس ًّمى ِإ َّن ِفي‬
‫ُخ َر ٰى ِإَل ٰى أ َ‬ ‫ام َـها َفُي ْم ِس ُك َّالِتي‬
‫ض ٰى َعَل ْي َها اْل َم ْو َت َوُي ْرِس ُل األ ْ‬
‫َق َ‬
‫َنفس ِحين موِتـها و َّالِتي َلم تَم ْت ِفي من ِ‬
‫ََ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ َْ َ َ‬ ‫األ ُ َ‬
‫َّللاِ شَفعآء ُقل أَوَلو َكـانوْا الَ يملِ ُكون شيئاً والَ يعِقُلون * ُقل ََِّّللِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َْ َ َ ْ َ َْ َ‬ ‫آليات ِّلَق ْو ٍم َيتََف َّك ُرو َن * أَ ِم اتَّ َخ ُذوْا من ُدو ِن َّ ُ َ َ ْ َ ْ ُ‬ ‫َذل َك َ‬
‫ِ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ين الَ ُي ْؤ ِمُنو َن‬ ‫َّ ِ‬
‫وب الذ َ‬‫اش َمأََّز ْت ُقُل ُ‬ ‫* َوإِ َذا ُذ ِك َر َّ‬
‫َّللاُ َو ْح َدهُ ْ‬ ‫ض ثُ َّم ِإَل ْي ِه تُ ْر َج ُعو َن‬
‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫اع ُة َجميعاً ل ُه ُمْل ُك َّ َ َ َ‬ ‫الشَف َ‬‫َّ‬
‫َنت‬ ‫ض عالِم اْلغي ِب و َّ ِ‬
‫الش َه َادة أ َ‬ ‫َ َ َْ َ‬
‫الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫الل ُه َّم َفاط َر َّ َ َ َ‬
‫َّ‬ ‫ين ِمن ُدوِن ِه ِإ َذا ُه ْم َي ْستَْب ِش ُرو َن * ُق ِل‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِباآلخ َرِة َوِإ َذا ُذك َر الذ َ‬
‫ض َج ِميعاً َو ِم ْثَل ُه َم َع ُه الَ ْفتََد ْوْا ِب ِه ِمن‬ ‫ظَلمواْ ما ِفي األ َْر ِ‬
‫ين َ ُ َ‬
‫يه يخَتلُِفون * وَلو أ َّ َِّ ِ‬
‫َن للذ َ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬
‫ك ِفي َما َك ُانوْا ِف َ ْ َ‬
‫ِ ِ‬
‫تَ ْح ُك ُم َب ْي َن عَباد َ‬
‫اق ِب ِهم َّما َك ُانوْا ِب ِه‬ ‫ِ‬
‫ونوْا َي ْحتَسُبو َن * َوَب َدا َل ُه ْم َسِّيَئا ُت َما َك َـسُبوْا َو َح َ‬ ‫َّللا َما َل ْم َي ُك ُ‬
‫اب يوم اْلِقيام ِة وبدا َلهم ِمن َّ ِ‬
‫وء اْل َع َذ ِ َ ْ َ َ َ َ َ َ ُ ْ ّ َ‬ ‫سِ‬
‫ُ‬
‫ال ِإَّن َمآ أُوِتيتُ ُه َعَل ٰى ِعْل ٍم َب ْل ِهي ِف ْتَن ٌة َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثََرُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضٌّر َد َع َانا ثُ َّم إ َذا َخَّوْلَناهُ ن ْع َم ًة ّمَّنا َق َ‬ ‫ان ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ْستَ ْه ِزُئو َن * َفإ َذا َم َّس اإل َ‬
‫نس َ‬
‫َ‬
‫ظَل ُموْا ِم ْن‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين ِمن َقْبلِ ِه ْم َف َمآ أ ْ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َ‬ ‫ات َما َك َسُبوْا َوالذ َ‬ ‫َص َاب ُه ْم َسِّيَئ ُ‬
‫َغَن ٰى َع ْن ُه ْم َّما َك ُانوْا َي ْكسُبو َن * َفأ َ‬ ‫الَ َي ْعَل ُمو َن * َق ْد َقاَل َها الذ َ‬
‫آء َوَيْق ِد ُر ِإ َّن ِفي َذِل َك‬ ‫َّللا يبس ُ ِ ق ِ‬
‫ط الّرْز َ ل َمن َي َش ُ‬ ‫ات َما َك َسُبوْا َو َما ُه ْم ِب ُم ْع ِج ِز َ‬
‫ين * أ ََوَل ْم َي ْعَل ُموْا أ َّ‬
‫َن َّ َ َ ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َهـ ُٰؤالَء َسُيص ُيب ُه ْم َسِّيَئ ُ‬
‫آلي ٍ‬
‫ات ّلَِق ْو ٍم ُي ْؤ ِمُنو َن‬ ‫َ‬

‫{إنك ميت وإنهم ميتون} معناه‪ :‬كل شيء هالك إال وجهه‪ ،‬أي‪ٍ :‬‬
‫فان في هللا‪ ،‬وهم في شهودك هالكون معدومون‬
‫بذواتهم‪.‬‬

‫{ثم إنكم يوم القيامة} الكبرى {عند رّبكم تختصمون} الختالفكم في الحقيقة والطريقة لكونهم محجوبين بالنفس‬
‫وصفاتها‪ ،‬سائرين بها طالبين لشهواتها ولذاتها‪ ،‬وكونك دائماً بالحق سائ اًر به طالباً لوجهه ورضاه {ليكفر هللا عنهم‬
‫أسوأ الذي عملوا} من صفات نفوسهم وهيئات رذائلهم {ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون} من تجليات صفاته‬
‫وجنات جماله‪ ،‬فيمحو ظلمات وجوداتهم بنور وجهه‪.‬‬

‫{ويخوفونك بالذين من دونه}‬ ‫ٍ‬


‫بكاف عبده} المتوكل عليه في توحيد األفعال وهو منبع القوى والقدر‬ ‫{أليس هللا‬
‫ّ‬
‫الحتجابهم بالكثرة عنه‪ ،‬فينسبون التأثير والقدرة إلى ما هو ميت بالذات ال حول له وال قوة‪ ،‬فأنت أحق بأن يكفيك رّبك‬
‫شرهم {ومن يضلل هللا} يحجبه عنه {فما له من ٍ‬
‫هاد} إذ ال معقب لحكمه وال رّاد لقضائه‪.‬‬ ‫ّ‬

‫{قل هلل الشفاعة جميعاً} لتوقفها على إرضائه للمشفوع له بتهيئته لقبولها‪ ،‬وإذن الشفيع بتمكينه منها والتهيىء من‬
‫المْلك مطلقاً {وإليه} الرجوع دائماً {ما لم يكونوا يحتسبون} مما يشاهدون‬
‫فيضه األقدس‪ ،‬فالقبول والتأثير من جهته له ُ‬
‫الحسية‪ ،‬وأحصاه هللا بإثباته في كتبهم بل في‬
‫ّ‬ ‫من هيئات أعمالهم وصور أخالقهم التي ذهلوا عنها الشتغالهم بالشواغل‬
‫الكتب األربعة من نفوسهم والسماء الدنيا واللوح المحفوظ و ّأم الكتاب‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة الزمر (من اآلية ‪ 53‬الى اآلية ‪)60‬‬

‫الذُنوب ج ِميعاً ِإَّنه هو اْل َغُفور َّ ِ‬ ‫َّللا ي ْغِفر ُّ‬ ‫طوْا ِمن َّرحم ِة َّ ِ‬ ‫َنف ِس ِه ْم الَ تَْقَن ُ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬
‫يم *‬ ‫الرح ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َُ‬ ‫َ َ‬ ‫َّللا ِإ َّن َّ َ َ ُ‬ ‫َْ‬ ‫َس َرُفوْا َعَل ٰى أ ُ‬ ‫ين أ ْ‬‫ُق ْل يٰعَباد َي الذ َ‬
‫ِك ْـم ِّمن‬
‫ُنزَل ِإَل ْي ُكم ِّمن َّرّب ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َح َس َن َمآ أ ِ‬‫نص ُرو َن * َواتَِّب ُعـوْا أ ْ‬ ‫اب ثُ َّم الَ تُ َ‬
‫ِك ْم َوأ َْسل ُموْا َل ُه من َقْبل أَن َيأْتَي ُك ُم اْل َع َذ ُ‬ ‫ـيبوْا ِإَل ٰى َرّب ُ‬
‫َوأَن ُ‬
‫نت َل ِم َن‬ ‫نب َّ ِ‬
‫ط ُت ِفي ج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا َوإِن ُك ُ‬ ‫َ‬ ‫ٰح ْس َرتَا َعَل ٰى َما َفَّر َ‬‫ول َنْف ٌس ي َ‬ ‫اب َب ْغتَ ًة َوأَنتُ ْم الَ تَ ْش ُع ُرو َن * أَن تَُق َ‬ ‫َقْبل أَن َيأْتَي ُك ُـم اْل َع َذ ُ‬
‫َكو َن ِم َن‬ ‫َن لِي َك َّـرًة َفأ ُ‬ ‫ـنت ِمن اْلمتَِّقين * أَو تَُق ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اب َل ْو أ َّ‬
‫ين تََرى اْل َع َذ َ‬ ‫ول ح َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّللاَ َه َداني َل ُك ُ َ ُ َ‬ ‫ول َل ْو أَ َّن َّ‬
‫ين * أ َْو تَُق َ‬ ‫الساخ ِر َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اْلمح ِسِنين * بَلى َق ْد جآء ْتك آي ِاتي َف َك َّذبت ِبها واس َت ْكبرت وُك ِ‬
‫ين َك َذُبوْا َعَلى‬ ‫ين * َوَي ْوَم اْلقَيا َمة تَ َرى الذ َ‬ ‫نت م َن اْل َكاف ِر َ‬ ‫ْ َ َ َ ْ َْ َ َ َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ ٰ‬ ‫ُْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫وه ُهم ُّم ْس َوَّدةٌ أََل ْي َس في َج َهَّن َم َم ْثًوى ّلْل ُمتَ َكِّب ِر َ‬
‫ين‬ ‫َّللا ُو ُج ُ‬

‫{ال تقنطوا من رحمة هللا} فإن القنوط عالمة زوال االستعداد والسقوط عن الفطرة باالحتجاب‪ ،‬وانقطاع الوصلة من‬
‫الحق والبعد‪ ،‬إذ لو بقيت فيه مسكة من النور األصلي ألدرك أثر رحمته الواسعة السابقة على غضبه بالذات فرجا‬
‫وصول ذلك األثر إليه‪ ،‬وإن أسرف في الميل إلى الجهة السفلية وفرط في جنب الحضرة اإللهية التصاله بعالم النور‬
‫العلوي‪ ،‬والتغشي‬
‫ّ‬ ‫بتلك البقية‪ .‬وإنما اليأس ال يكون إال مع االحتجاب الكلي واسوداد الوجه باإلعراض عن العالم‬
‫المادي‪.‬‬
‫بالغطاء الخلقي ّ‬

‫{إن هللا يغفر الذنوب جميعاً} بشرط بقاء نور التوحيد في القلب وهو مستفاد من اختصاص العباد إلفاضتهم إلى نفسه‬
‫في قوله‪{ :‬ي ِٰعَب ِاد َي}[الزمر‪ ،‬اآلية‪ ،]53:‬ولهذا قيل‪ :‬يغفر جميعها لألمة المحمدية الموحدين دون سائر األمم‪ ،‬كما قال‬

‫{ي ْغِف ْر َل ُك ْم ِّمن ُذُنوب ُ‬


‫ِك ْم}[نوح‪ ،‬اآلية‪ ]71:‬أي‪ :‬بعضها‪{ .‬إنه هو الفغور} لهئيات الرذائل من‬ ‫ألمة نوح عليه السالم‪َ :‬‬
‫ّ‬
‫اإلفراط والتفريط {الرحيم} بإفاضة الفضائل‪.‬‬

‫بالتجرد عن ذنوب األفعال والصفات من قبل‬ ‫ّ‬ ‫{وأنيبوا إلى رّبكم} بالتنصل عن هيئات السوء {وأسلموا له} وجوهكم‬
‫انسداد باب المغفرة بوقوع العذاب الذي تستحقونه بالموت فال يمكنكم اإلنابة والتسليم لفقدان اآلالت وانسداد األبوب {يا‬
‫فرطت} بترك السعي في طلب الكمال والتقصير في الطاعة حين كنت في جوار هللا‪ ،‬قريباً منه‪،‬‬ ‫حسرتا على ما ّ‬
‫المعدة لي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وتمكني من السلوك فيه بوجود اآلالت البدنية‬
‫لصفاء استعدادي ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ويجوزون‬
‫يسوونه بالمخلوقات‪ ،‬إذ يجسمونه ّ‬ ‫{ويوم القيامة} الكبرى {ترى الذين ك ّذبوا على هللا} من المحجوبين الذين ّ‬
‫مسودة} بارتكاب الهيئات الظلمانية ورسوخ الرذائل‬
‫ّ‬ ‫عليه ما يمتنع عليه من الصفات الحتجابهم بالمو ّاد {وجوههم‬
‫النفسانية في ذواتهم {أليس في جهنم} الطبيعة الهيوالنية {مثوى للكافرين} الذين احتجبوا بصفات نفوسهم المستولية‬
‫عليهم‪.‬‬

‫سورة الزمر (من اآلية ‪ 61‬الى اآلية ‪)67‬‬

‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫السوء والَ هم يح َزُنو َن * َّ ِ‬ ‫وين ِجي َّ َّ ِ‬


‫يل *‬ ‫َّللاُ َخال ُق ُكـ ّل َش ْيء َو ُهَو َعَل ٰى ُك ّل َش ْيء َو ِك ٌ‬ ‫ين اتََّق ْوْا ِب َمَف َازِت ِه ْم الَ َي َم ُّس ُه ُم ُّ ُ َ ُ ْ َ ْ‬
‫َّللاُ الذ َ‬ ‫َ َُ ّ‬
‫وني أَعبد أَيُّها اْلج ِ‬ ‫َّللاِ تَأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات َّ ِ ِ‬ ‫ض و َّال ِذين َكَفروْا ِبـآي ِ‬ ‫َّله مَقالِيد َّ ِ‬
‫اهُلو َن‬ ‫ْم ُر ّ ْ ُ ُ َ َ‬ ‫َّللا أ ُْوَلـٰئ َك ُه ُم اْل َخاس ُرو َن * ُق ْل أََف َغ ْي َر َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫الس َٰم َٰوت َواأل َْر ِ َ َ ُ‬ ‫ُ َ ُ‬
‫اعُب ْد َوُكن ِّم َن‬ ‫ين * َب ِل َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين ِمن َقْبلِ َك َلِئ ْن أ ْ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاَ َف ْ‬ ‫ون َّن م َن اْل َخاس ِر َ‬‫ط َّن َع َمُل َك َوَلتَ ُك َ‬ ‫َش َرْك َت َلَي ْحَب َ‬ ‫* َوَلَق ْد أ ُْوح َي ِإَل ْي َك َوإَِلى الذ َ‬
‫َّات ِبَي ِم ِين ِه ُس ْب َح َان ُه َوتَ َعاَل ٰى َع َّما‬
‫ط ِوي ٌ‬ ‫ضـتُ ُه َي ْوَم اْلِقَيـ َٰم ِة َو َّ‬
‫الس َٰم َٰو ُت َم ْ‬ ‫ِ‬
‫ض َجميعـاً َق ْب َ‬ ‫َّللاَ َح َّق َق ْد ِِره َواأل َْر ُ‬
‫ين * َو َما َق َد ُروْا َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫الشاك ِر َ‬
‫ُي ْش ِرُكو َن‬

‫بتجردهم عن تلك الصفات {بمفازتهم} وأسباب فالحهم من هيئات الحسنات وصور‬ ‫{وينجي هللا الذين اتّقوا} الرذائل ّ‬
‫لتجردهم عن الهيئات المؤلمة المنافية {وال هم يحزنون} بفوات كماالتهم التي‬
‫يمسهم السوء} ّ‬
‫الفضائل والكماالت {ال ّ‬
‫اقتضتها استعداداتهم‪.‬‬

‫{له مقاليد السموات واألرض} هو وحده يملك خزائن غيوبها وأبواب خيرها وبركتها‪ ،‬يفتح لمن يشاء بأسمائه الحسنى‪،‬‬
‫إذ كل اسم من أسمائه مفتاح لخزانة من خزائن جوده ال ينفتح بابها إال به‪ ،‬فيفيض عليه ما فيها من فيض رحمته‬
‫العامة والخاصة ونعمته الظاهرة والباطنة‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{والذين كفروا بآيات هللا} أي‪ :‬حجبوا عن أنوار صفاته وأفعاله بظلمات طباعهم ونفوسهم {أولئك هم الخاسرون} الذين‬
‫ال نصيب لهم من تلك الخزائن إلطفائهم النور األصلي القابل لها‪ ،‬وتضييعهم االستعداد الفطري‪ ،‬واالسم الذي يفتح به‬
‫مقاليدها‪.‬‬

‫{قل أفغير هللا تأمروني أعبد} بالجهل‪ ،‬فأحتجب عن فيض رحمته ونور كماله‪ ،‬فأكون {من الخاسرين} بل خصص‬
‫العبادة باهلل موحداً فانياً فيه عن رؤية الغير إن كنت تعبد شيئاً {وكن من الشاكرين} به له‪{ ،‬وما قدروا هللا حق قدره}‬
‫يتصورونه فهو مجعول مثلهم {واألرض جميعاً‬ ‫ّ‬ ‫وصوروه وكل ما‬
‫ّ‬ ‫أي‪ :‬ما عرفوه حق معرفته إذ قدروه في أنفسهم‬
‫تصرفه وقبضة قدرته وقهر ملكوته {والسموات} في طي قهره ويمين قوته يصرفها كيف يشاء‬ ‫قبضته} أي‪ :‬تحت ّ‬
‫ّ‬
‫ويفعل بها ما يشاء‪ ،‬يطويها وينفيها عن شهود الشاهد يوم القيامة الكبرى‪ ،‬والفناء في التوحيد لفناء الكل حينئذ في‬
‫تصرف تراه بيمينه ولك صفة تراها صفته‪ ،‬ويرى عالم القدرة بيمينه‪ ،‬بل كل شيء عينه فال يرى‬
‫شهود التوحيد‪ ،‬وكل ّ‬
‫عما يشركون} بإثبات الغير وتأثيره وقدرته‪.‬‬
‫غيره بل يرى وجهه‪ ،‬فال عين وال أثر لغيره {سحانه وتعالى ّ‬

‫سورة الزمر (من اآلية ‪ 68‬الى اآلية ‪)70‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َّ‬ ‫ور َفص ِعق من ِفي َّ ِ‬


‫ظ ُرو َن‬‫َين ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِفيه أ ْ‬
‫ُخ َر ٰى َفإ َذا ُه ْم قَي ٌ‬
‫ام‬ ‫َّللاُ ثُ َّم ُنِف َخ‬
‫آء َّ‬ ‫ِ‬
‫الس َٰم َٰوت َو َمن في األ َْرض إال َمن َش َ‬ ‫الص ِ َ َ َ‬ ‫َوُنِف َخ ِفي ُّ‬
‫* َوُوِّفَي ْت‬ ‫ِباْل َح ِّق َو ُه ْم الَ ُي ْ‬
‫ظَل ُمو َن‬ ‫ضي َب ْيَن ُهم‬ ‫آء وق ِ‬‫الشهد ِ‬ ‫اب َو ِجـيء ِب َّ‬
‫النِبِيين و ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض ِبُن ِ‬ ‫* وأ ْ ِ‬
‫ّْ َ َ َ َ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ِها َوُوض َع اْلكتَ ُ‬ ‫ور َرّب َ‬ ‫َش َرَقت األ َْر ُ‬ ‫َ‬
‫َعَلم ِب َما َيْف َعُلو َن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُك ُّل َنْفس َّما َعمَل ْت َو ُه َو أ ْ ُ‬
‫{ونفخ في الصور} عند اإلماتة بسريان روح الحق وظهوره في الكل وشهود ذاته بذاته وفناء الكل فيه {فصعق} أي‪:‬‬
‫هلك {من في السموات ومن في األرض} حال الفناء في التوحيد وظهور الهوية بالنفخة الروحية {إالّ من شاء هللا} من‬
‫كرة أخرى لكون حياتهم به‬ ‫أهل البقاء بعد الفناء الذين أحياهم هللا بعد الفناء بالوجود الحقاني فال يموتون في القيامة ّ‬
‫وفنائهم عن أنفسهم من قبل {ثم نفخ فيه أخرى} عند البقاء بعد الفناء والرجوع إلى التفصيل بعد الجمع {فإذا هم قيام}‬
‫بالحق {ينظرون} بعينه‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ظل شمس الوحدة واألرض كلها في زمن‬ ‫{وأشرقت} أرض النفس حينئذ {بنور رّبها} واتّصفت بالعدالة التي هي ّ‬
‫المهدي عليه السالم بنور العدل والحق {ووضع الكتاب} أي‪ُ :‬ع ِرض كتاب األعمال على أهلها ليق أر كل واحد عمله‬
‫في صحيفته التي هي نفسه المنتقشة فيها صور أعماله المنطبع منها تلك الصور في بدنه {وجيء بالنبيين والشهداء}‬
‫ًّ ِ ِ‬
‫اه ْم}[األعراف‪ ،‬اآلية‪ ]46:‬أي‪ :‬أحضروا‬ ‫{ي ْع ِرُفو َن ُكال بس َ‬
‫يم ُ‬ ‫من السابقين المطلعين على أحوالهم الذين قال فيهم‪َ :‬‬
‫للشهادة عليهم الطالعهم على أعمالهم {وقضي بينهم بالحق} حيث وزن أعمالهم بميزان العدل ووّفى جزاء أعمالهم ال‬
‫ينقص منها شيء {وهو أعلم بما يفعلون} لثبوت صور أفعالهم عنده‪.‬‬

‫سورة الزمر (من اآلية ‪ 71‬الى اآلية ‪)73‬‬

‫ال َل ُه ْم َخ َزَنتُ َهآ أََل ْم َيأِْت ُك ْم ُرُس ٌل ِّم ُ‬


‫نك ْم َي ْتُلو َن َعَل ْي ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫وِس َّ ِ‬
‫وها ُفت َح ْت أ َْب َو ُاب َها َوَق َ‬
‫آء َ‬
‫ين َك َـف ُروْا إَل ٰى َج َهن َم ُزَم اًر َحت ٰى إ َذا َج ُ‬
‫يق الذ َ‬ ‫َ َ‬
‫اب َج َهَّن َم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون ُكم لَقـآء يو ِم ُكم َهـٰ َذا َقاُلوْا بَل ٰى وَلـٰك ْن حق ْت َكلم ُة اْلع َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫آي ِ‬
‫يل ْاد ُخلُوْا أ َْب َو َ‬
‫ين * ق َ‬ ‫اب َعَلى اْل َكاف ِر َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ِك ْم َوُينذ ُر َ ْ َ َ ْ ْ‬ ‫ات َرّب ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ين اتََّقوْا َرب ِ‬ ‫* وِس َّ ِ‬ ‫َخالِ ِد ِ‬
‫ال َل ُه ْم‬
‫وها َوُفت َح ْت أ َْبَو ُاب َها َوَق َ‬
‫آء َ‬
‫َّه ْم إَلى اّل َجنة ُزَم اًر َحت ٰى إ َذا َج ُ‬
‫يق الذ َ ْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫يها َفِب ْئ َس َم ْث َوى اْل ُمتَ َك ِّـب ِر َ‬
‫ين‬ ‫ين ف َ‬
‫َ‬
‫ين‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َخالد َ‬ ‫وها‬
‫َخ َزَنتُ َها َسالَ ٌم َعَل ْي ُك ْـم ط ْبتُ ْم َف ْاد ُخُل َ‬

‫لشدة شوقها إليهم‬


‫السفلي {فتحت أبوابها} ّ‬ ‫{وسيق} المحجوبون {إلى جهنم} بسائق العمل وقائد الهوى النفسي والميل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وقبولها لهم لما بينهما من المناسبة {وقال لهم خزنتها} من مالك والزباينة‪ ،‬أي‪ :‬الطبيعة الجسمانية والملكوت األرضية‬
‫الموكلة بالنفوس السفلية‪.‬‬

‫{وسيق الذين اتّقوا} الرذائل وصفات النفوس {إلى الجنة} بسائق العمل وقائد المحبة {وفتحت أبوبها} قبل مجيئهم ألن‬
‫أبواب الرحمة وفيض الحق مفتوحة دائماً والتخلف من جهة القبول ال من جهة الفيض بخالف أبواب جهنم‪ ،‬فإنها‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫مستعدة لقبول النفوس إالّ بآثارها {وقال لهم خزنتها} من رضوان‬
‫ّ‬ ‫مطبقة تنفتح بهم وبمجيئهم إليها لكون المواد غير‬
‫العلية بإفاضة الكمال عليهم‬
‫واألرواح القدسية والملكوت السماوية {سالم عليكم} أي‪ :‬تحيتهم الصفات اإللهية واألسماء ّ‬
‫وتبرئتهم من اآلفة والنقص {طبتم} عن خبائث األوصاف النفسانية والهيئات الهيوالنية‪ ،‬فادخلوا جنة الفردوس الروحانية‬
‫مقدرين الخلود لنزاهة ذواتكم عن التغيرات الجسمانية‪.‬‬
‫ّ‬

‫سورة الزمر (من اآلية ‪ 74‬الى اآلية ‪)75‬‬

‫ين * َوتََرى اْل َمالَِئ َك َة‬‫ِِ‬ ‫وَقـاُلوْا اْلحـمد ََّّللِ َّال ِذي صد َقنا وعده وأَورثَنا األَرض نتَبَّوأُ ِمن اْلجَّن ِة حي ُث ن َش ِ‬
‫َج ُر اْل َعامل َ‬
‫آء َفن ْع َم أ ْ‬
‫َ َ َ َ َْ ُ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ َْ َ ُ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ين ِم ْن َحو ِل اْل َع ْر ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يل اْل َح ْم ُد ََّّلل َر ِّب اْل َعاَلم َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫ش ُي َسّب ُحو َن ب َح ْمد َرِّبه ْم َوُقض َي َب ْيَن ُه ْم باْل َح ِّق َوِق َ‬ ‫ْ‬ ‫َحآّف َ‬

‫{وقالوا الحمد هلل} باالتّصاف بكماالته والوصول إلى نعيم تجليات صفاته {الذي صدقنا وعده} بإيصالنا إلى ما وعدنا‬
‫{نتبوأ} منها {حيث نشاء} بحسب شرفنا‬
‫جنة الصفات ّ‬ ‫في العهد األول وأودع فينا وأنبأنا عنه على ألسنة رسله {وأورثنا} ّ‬
‫جنة القلب والنفس من األنوار واآلثار {وترى}‬ ‫ومقتضى حالنا ِ‬
‫{فن ْع َم أجر العالمين} الذين عملوا بما علموا فأورثوا ّ‬
‫{يسبحون} ّ‬
‫بتجردهم عن اللواحق المادية‪،‬‬ ‫جنة الصفات {حافين من حول} عرش القلب ّ‬ ‫مالئكة القوى الروحانية في ّ‬
‫حامدين رّبهم بالكماالت الروحانية {وقضى بينهم بالحق} بتسالمهم واتحادهم في التوجه نحو الكمال بنور العدل‬
‫والتوحيد واختصاص كل بما حكم بالحق في تسبيحه من غير تخاصم وتنازع {وقيل} على لسان األحدية {الحمد}‬
‫{رب العالمين} مربيهم على حسب استعدادات‬
‫المطلق في الحضرة الواحدية للذات اإللهية الموصوفة بجميع صفاتها ّ‬
‫األشياء وأحوالها‪.‬‬

‫أو مالئكة النفوس واألرواح السماوية حافين في جنة الفردوس من حول عرش الفلك األعظم‪ ،‬يسبحون بحمد رّبهم‬
‫ضي بينهم بالحق} باختصاص كل بما حكم به الحق من األفعال‬ ‫باتصاف ذواتهم المجردة بالكماالت الربانية‪{ .‬وق ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ّ‬
‫رب العالمين‪ ،‬وإن حملت القيامة على الصغرى فمعناه‪ :‬وأرض‬
‫والكماالت‪ .‬وقيل على لسان الكل‪ :‬الكمال المطلق هلل ّ‬
‫يتصرف فيها بقدرته ويقبضها عن الحركة ويمسكها عن االنبساط بالحياة وقت الموت وسموات‬
‫ّ‬ ‫البدن جميعاً قبضته‪،‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫األرواح وقواها مطويات بيمينه ونفخ في الصور عند النفس اآلخر فصعق من في السموات من القوى الروحانية ومن‬
‫في األرض من القوى النفسانية الطبيعية إال من شاء هللا من الحقيقة الروحانية واللطيفة اإلنسانية التي ال تموت‪ ،‬ثم‬
‫نفخ فيه أخرى في النشأة الثانية بنور الحياة واالعتدال ووضع الكتاب‪ ،‬أي‪ :‬لوح النفس المنتقش فيه صور أعماله‬
‫فتنتشر بظهور تلك النفوس عليه وجيء بالنبيين والشهداء من الذين اطلعوا على استعدادهم وأحوالهم بأن يحشروا‬
‫معهم فيجازوا على حسب أعمالهم‪ ،‬وقضي بينهم بالعدل وهم ال يظلمون‪ .‬وباقي التأويالت بحالها إلى آخر السورة‬
‫وهللا تعالى أعلم‪.‬‬

‫سورة غافر (من اآلية ‪ 1‬الى اآلية ‪)3‬‬

‫لط ْو ِل الَ ِإَلـ َٰه ِإالَّ ُهَو ِإَل ْي ِه‬


‫اب ِذي ا َّ‬
‫نب وَقاِب ِل التَّو ِب َش ِد ِيد اْل ِعَق ِ‬
‫ْ‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫َّللاِ اْلع ِز ِ ِ‬
‫يز اْل َعلي ِم * َغاف ِر الذ َ‬
‫نز ِ ِ ِ‬
‫حـم * تَ ِ ُ‬
‫يل اْلكتَاب م َن َّ َ‬
‫اْلم ِ‬
‫ص ُير‬ ‫َ‬

‫هذه {حم} أي‪ :‬الحق المحتجب بمحمد فهو حق بالحقيقة‪ ،‬محمد بالخليقة‪ ،‬أحبه فظهر بصورته فكان ظهوره به‬
‫الكتاب} المحمدي {من هللا} أي‪ :‬ذاته الموصوفة قد تجمع صفاته {العزيز} بستور جالله حال كون الكتاب قرآناً‬ ‫ِ‬ ‫يل‬
‫{تنز ُ‬
‫{العليم} الظاهر بعلمه‪ ،‬فيكون فرقاناً فقوله‪( :‬حم) معناه في الحقيقة‪ :‬ال إله إال هللا محمد رسول هللا‪ ،‬أي‪ :‬الحق الباطن‬

‫حقيقته الظاهر بمحمد هو تنزيل الكتاب الذي هو عين الجمع الجامع للكل المكنون ّ‬
‫بعزته في سرادقات جالله المتنزل‬
‫في مراتب غيوبه ومظاهر علية في الصورة المحمدية التي ظهر علمه بها في مظهر العقل الفرقاني‪.‬‬

‫المجردة من غواشي النشأة‬


‫ّ‬ ‫{غافر الذنب} بظهور نوره وستره لظلمات النفوس والطبائع {وَقاِب ِل التوب} برجوع الحقيقة‬
‫إليه {شديد العقاب} للمحجوب الواقف مع الغير بالشرك غير الراجع إليه بالتوحيد {ذي الطول} أي‪ :‬الفضل بإفاضة‬
‫الكمال الزائد على نور االستعداد األول على حسب قبوله {ال إله إال هو} أوالً وآخ اًر وظاه اًر وباطناً معاقباً ومتفضالً‬
‫{إليه} مصير الكل على كل األحوال من الراجع التائب والواقف المعاقب إما إلى ذاته أو صفاته أو أفعاله كيف كان‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ِك أََّن ُه َعَل ٰى ُك ِّل َشي ٍء‬ ‫ِ‬
‫ال يخرج عن إحاطته شيء فيكون خارجاً عن ذاته موجوداً بوجود غير وجوده‪{ ،‬أ ََوَل ْم َي ْكف ِب َرّب َ‬
‫ْ‬
‫َش ِه ٌيد}[فصلت‪ ،‬اآلية‪.]53:‬‬

‫سورة غافر (من اآلية ‪ 4‬الى اآلية ‪)7‬‬

‫اب ِمن َب ْع ِد ِه ْم‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ ِإالَّ َّال ِذين َكَفروْا َفالَ ي ْغرر ُّ ِ‬ ‫ما يج ِادل ِفي آي ِ‬
‫ك تََقلُب ُه ْم في اْلِبالَد * َكـذَب ْت َقْبَل ُه ْم َق ْوُم ُنو ٍح َواأل ْ‬
‫َح َز ُ‬ ‫َ ُْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ات َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ ُ‬
‫اب * َوَك َذلِ َك َحَّق ْت َكلِ َم ُة‬ ‫ان ِعَق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫وه َّمت ُك ُّـل أ َّ ٍ‬
‫ف َك َ‬ ‫ضوْا ِبه اْل َح َّق َفأ َ‬
‫َخ ْذتُ ُه ْم َف َك ْي َ‬ ‫ُمة ِب َرُسولِ ِه ْم لَِيأ ُ‬
‫ْخ ُذوهُ َو َج َادُلوا ِباْلَباط ِل لُي ْدح ُ‬ ‫ََ ْ‬
‫ش َو َم ْن َح ْوَل ُه ُي َسِّب ُحو َن ِب َح ْم ِد َرِّب ِه ْم َوُي ْؤ ِمُنو َن ِب ِه‬ ‫ين َي ْح ِمُلو َن اْل َع ْر َ‬
‫َّ ِ‬
‫الن ِار * الذ َ‬ ‫اب َّ‬ ‫َص َح ُ‬ ‫ين َكَف ُروْا أََّن ُه ْم أ ْ‬
‫َّ ِ‬
‫ِك َعَلى الذ َ‬ ‫َرّب َ‬
‫اب اْل َج ِحي ِم‬ ‫ويستَ ْغِفرون لَِّل ِذين آمنوْا ربَّنا وِسعت ُك َّـل َشي ٍء َّرحم ًة و ِعْلماً َف ْ ِ َِّ ِ‬
‫ين تَ ُابوْا َواتََّب ُعوْا َسِبيَل َك َوِق ِه ْم َع َذ َ‬
‫اغف ْر للذ َ‬ ‫ْ َْ َ‬ ‫َ َُ َ َ َ ْ َ‬ ‫ََْ ُ َ‬

‫{ما يجادل في آيات هللا إال} المحجوبون عن الحق ألن غير المحجوب يقبلها بنور استعداده من غير إنكار لصفاته‪.‬‬
‫وأما المحجوب فلظلمة جوهره وخبث باطنه ال يناسب ذاته آياته فينكرها ويجادل فيها {بالباطل} ليدحض بجداله آياته‬
‫فيحق له العقاب‪.‬‬

‫{الذين يحملون العرش} من النفوس الناطقة السماوية الالتي أرجلهم في األرضين السفلى بتأثيرهم فيها وأعناقهم مرقت‬
‫المجردة‬
‫ّ‬ ‫لتجردهم منها وتدبيرهم إياها أو األرواح التي هي معشوقاتها {ومن حوله} من األرواح‬
‫من السموات العلى ّ‬
‫القدسية والنفوس الكوكبية {يسبحون بحمد ربهم} ينزهونه عن اللواحق المادية ّ‬
‫بتجرد ذواتهم حامدين له بإظهار‬
‫كماالتهم المستفادة منه تعالى فكأنهم يقولون بلسان الحال‪ :‬يا من هذه صفاته وهباته {ويؤمنون به} اإليمان العياني‬
‫الحقيقي {ويستغفرون للذين آمنوا} باألمداد النورية واإلفاضات السبوحية لمناسبة ذواتهم ذواتهم في الحقيقة اإليمانية‬
‫بالتجرد‬
‫ّ‬ ‫{ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً} أي‪ :‬شملت رحمتك وأحاط بالكل علمك {فاغفر} بنورك {للذين تابوا} إليك‬
‫عن الهيئات الظلمانية والظلمات الهيوالنية {و ّاتبعوا سبيلك} بالسلوك فيك على متابعة حبيبك في األعمال والمقامات‬
‫واألحوال يتنصلون عن ذنوب أفعالهم وصفاتهم وذواتهم {وِق ِه ْم} بعنايتك {عذاب} جحيم الطبيعة‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫سورة غافر (من اآلية ‪ 8‬الى اآلية ‪)12‬‬

‫يم * َوِق ِه ُم‬ ‫ِ‬ ‫َّات ِه ْم ِإَّن َك أ َ ِ‬ ‫ات ع ْد ٍن َّالِتي وع ْدتَّهم ومن صـَلح ِمن آب ِآئ ِهم وأ َْزوا ِج ِهم وُذ ِري ِ‬ ‫ربَّنا وأ َْد ِخْلهم جَّن ِ‬
‫َنت اْل َعز ُيز اْل َحك ُ‬ ‫َ َ ُْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُْ َ‬
‫ِ‬
‫َّللا أَ ْكَب ُر ِمن‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ات ومن تَ ِق َّ ِ ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫ين َكَف ُروْا ُيَن َاد ْو َن َل َمْق ُت َّ‬ ‫يم * ِإ َّن الذ َ‬ ‫السّيَئات َي ْو َمئذ َفَق ْد َرح ْمتَ ُه َوَذل َك ُه َو اْلَف ْوُز اْل َعظ ُ‬ ‫السّيَئ َ َ‬
‫اعتَ َرْفَنا ِب ُذُنوبَِنا َف َه ْل ِإَل ٰى ُخ ُرو ٍج‬ ‫َمتََّنا ا ْثَنتَْي ِن َوأ ْ‬
‫َحَي ْيتََنا ا ْثَنتَْي ِن َف ْ‬ ‫يم ِ‬
‫ان َفتَ ْكُف ُرو َن * َقاُلوْا َربََّنآ أ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّمْقِت ُك ْم أ ُ‬
‫َنف َس ُك ْـم إ ْذ تُ ْد َع ْو َن إَلى اإل َ‬
‫َّللاُ َو ْح َدهُ َك َـف ْرتُ ْم َوإِن ُي ْش َر ْك ِب ِه تُ ْؤ ِمُنوْا َفاْل ُح ْكم ََّّللِ اْل َعلِ ِـي اْل َكِب ِ‬
‫ير‬ ‫يل * َذلِ ُكم ِبأََّن ُه ِإ َذا ُد ِعي َّ‬
‫ِمن سِب ٍ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬

‫استعد لذلك‬
‫بالتجرد عن الغواشي المادية و ّ‬
‫ّ‬ ‫{ربنا وأدخلهم جنات} صفاتك وحظائر قدسك {التي وعدتهم ومن صلح}‬
‫بالتزكية والتحلية من أقاربهم المتصلين بهم للمناسبة والقرابة الروحانية {إنك أنت العزيز} الغالب القادر على التعذيب‬
‫{الحكيم} الذي ال يفعل ما يفعل إال بالحكمة ومن الحكمة الوفاء بالوعد {وقهم السيئات} بتوفيقك وحسن عنايتك‬
‫وكالءتك‪.‬‬

‫{ومن تق السيئات} فقد حّقت له رحمتك {وذلك هو الفوز العظيم} ألن المرحوم سعيد‪ ،‬والمحجوب يمقت نفسه حين‬
‫الحسية التي‬
‫ّ‬ ‫تظهر له هيئاتها المظلمة وصفاتها المؤلمة وسواد وجهه الموحش وقبح منظرها المنفر بارتفاع الشواغل‬
‫أشد‬
‫كانت تشغله عن إدراك ذاته فينادى‪{ :‬لمقت هللا أكبر من مقتكم أنفسكم} إذ هو نور األنوار وكلما كان الشيء ّ‬
‫نورية وأكثر ضوءاً فهو أبعد مناسبة من الجوهر المظلم الكدر‪ ،‬فيكون ّ‬
‫أشد مقتاً له‪ ،‬ومقته لنفسه أيضاً ناشىء من‬
‫النور األصلي االستعدادي النطباع محبة النور في األصل االستعدادي النوري‪ ،‬بل النور لذاته محبوب والظلمة‬
‫مبغوضة‪.‬‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫{إذ تدعون إلى اإليمان فتكفرون} أي‪ُ :‬‬
‫كب َر مقته إياكم وقت احتجابكم عنه وعدم قبولكم للدعوة إلى اإليمان التوحيدي‬
‫أو الحتجابكم وآبائكم عن الدعوة اإليمانية‪.‬‬

‫{قالوا ربنا أمتنا اثنتين} أي‪ :‬أنشأتنا أمواتاً مرتين {وأحييتنا} في النشأتين {فاعترفنا بذنوبنا} عند وقوع العقاب المرتب‬
‫عليها وامتناع المحيص عنه {ذلكم} العذاب السرمد والمقت األكبر بسبب شرككم واحتجابكم عن الحق بالغير {فالحكم‬
‫رد حكمه وعقابه‪.‬‬
‫لعلوه وكبريائه فال يمكن أحداً ّ‬
‫هلل} بعقابكم األبدي ال للغير فال سبيل إلى النجاة ّ‬

‫سورة غافر (من اآلية ‪ 13‬الى اآلية ‪)35‬‬

‫صين َله ِ‬ ‫ِ‬ ‫يكم آي ِات ِه وينِّزل َل ُكم ِمن َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬


‫َّللاَ ُم ْخلِ ِ َ ُ ّ‬ ‫َّ َّ‬
‫ين َوَل ْو َك ِرهَ‬
‫الد َ‬ ‫* َف ْاد ُعوْا َّ‬ ‫الس َمآء ِرْزقاً َو َما َيتَ َذك ُر ِإال َمن ُين ُ‬
‫يب‬ ‫َّ‬ ‫ُه َو الذي ُي ِر ُ ْ َ َ ُ َ ُ‬
‫ِم ْن ِعَب ِادِه لُِي ِنذ َر َي ْوَم التَّالَ ِق * َي ْوَم ُهم‬ ‫آء‬ ‫ِِ‬ ‫ش يْلِقي ُّ ِ‬
‫الرو َح م ْن أ َْمره َعَل ٰى َمن َي َش ُ‬
‫اْل َك ِافرون * رِفيع َّ ِ‬
‫الد َر َجات ُذو اْل َع ْر ِ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫ظْل َم‬‫س ِب َما َك َـسَب ْت الَ ُ‬ ‫احد اْلَق َّه ِار * اْلَي ْوم تُ ْج َز ٰى ُك ُّل َنْف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا م ْنهم َشيء ِّلم ِن اْلمْلك اْليوم ََّّلل اْلو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َبارُزو َ الَ َي ْخَف ٰى َعَلى َّ ُ ْ ْ ٌ َ ُ ُ َ ْ َ‬
‫ين ِم ْن َح ِمي ٍم َوالَ َشِف ٍ‬ ‫ِ َّ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا س ِر ِ ِ‬
‫يع‬ ‫ين َما للظالم َ‬ ‫وب َل َدى اْل َحَنا ِج ِر َكاظم َ‬ ‫يع اْلح َساب * َوأَنذ ْرُه ْم َي ْوَم األ َِزَفة ِإذ اْلُقُل ُ‬ ‫ِ‬
‫اْلَي ْوَم إ َّن َّ َ َ ُ‬
‫ضو َن ِب َشي ٍء ِإ َّن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫الصدور * و َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ين َي ْد ُعو َن من ُدوِنه الَ َيْق ُ‬ ‫َّللاُ َيْقضي ِباْل َح ِّق َوالذ َ‬ ‫َ‬ ‫َعُي ِن َو َما تُ ْخفي ُّ ُ ُ‬ ‫طاعُ * َي ْعَل ُم َخآئَن َة األ ْ‬ ‫ُي َ‬
‫َشَّد ِم ْن ُه ْم‬
‫ين َك ُانوْا ِمن َقْبلِ ِه ْم َك ُانوْا ُه ْم أ َ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ص ُير * أَوَلم َي ِسيروْا ِفي األ َْر ِ‬ ‫الس ِميع اْلب ِ‬
‫ان َعاقَب ُة الذ َ‬ ‫ف َك َ‬ ‫ظ ُروْا َك ْي َ‬ ‫ض َفَين ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َّللاَ ُه َو َّ ُ َ‬ ‫َّ‬
‫ات‬‫يهم رسُلهم ِباْلبِين ِ‬ ‫ِ‬
‫اق * َذلِ َك ِبأََّن ُه ْم َك َانت تَّأْت ِ ْ ُ ُ ُ َّ َ‬ ‫َّللاِ ِمن و ٍ‬ ‫ان َل ُهم ِّم َن َّ‬ ‫ِه ْم َو َما َك َ‬‫َّللا ِب ُذُنوب ِ‬
‫َخ َذ ُه ُم َّ ُ‬ ‫ُقَّوةً وآثَا اًر ِفي األ َْر ِ‬
‫ض َفأ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ان ُّمِب ٍ‬ ‫طٍ‬ ‫ِ‬
‫وس ٰى ِب َآياتَنا َو ُسْل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َخ َذ ُهم َّ ِ ِ‬
‫ان َوَق ُارو َن‬ ‫ام َ‬ ‫ين * إَل ٰى ف ْرَع ْو َن َو َه َ‬ ‫َّللاُ إَّن ُه َقو ٌّي َشد ُيد اْلعَقاب * َوَلَق ْد أ َْرَسْلَنا ُم َ‬ ‫َف َكَف ُروْا َفأ َ ُ‬
‫آء ُه ْم َو َما َك ْـي ُد‬ ‫ِ‬ ‫احر َك َّـذاب * َفَل َّما جآءهم ِباْلح ِق ِمن ِع ِندنا َقاُلوْا ا ْقُتُلوْا أَبن َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫استَ ْحُيوْا ن َس َ‬ ‫آمُنوْا َم َع ُه َو ْ‬
‫ين َ‬‫آء الذ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُْ َ ّ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫َفَقاُلوْا َس ٌ‬
‫ظ ِه َر ِفي‬ ‫اف أَن ُيَبِّد َل ِد َين ُك ْـم أ َْو أَن ُي ْ‬‫َخ ُ‬
‫اْل َك ِاف ِرين ِإالَّ ِفي ضالَ ٍل * وَقال ِفرعون َذروِني أَ ْقُتل موسى وْلي ْدع رب ِ‬
‫َّه ِإّني أ َ‬
‫ْ ُ َٰ ََ َُ ُ‬ ‫َ َ ْ َْ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ال َر ُج ٌل ُّم ْؤ ِم ٌن ّم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس ٰى ِإّني ُع ْذ ُت ِب َرّبِي َوَرّب ُ‬
‫ِك ْـم ّمن ُك ّل ُمتَ َكّب ٍر ال ُي ْؤ ِم ُن بَي ْو ِم اْلح َساب * َوَق َ‬ ‫ال ُم َ‬
‫ض اْلَف َس َاد * َوَق َ‬ ‫األ َْر ِ‬
‫ات ِمن َّرِّب ُك ْم َوِإن َي ُك َك ِاذباً َف َعَل ْي ِه َك ِذُب ُه َوِإن َي ُك‬‫َّللا وَق ْد جآء ُكم ِباْلبِين ِ‬
‫ِي َّ ُ َ َ َ ْ َّ َ‬ ‫آل ِفرعون يكتم ِإيمانه أَتقتلون رجال أَن يقول رب‬ ‫ِ‬
‫ْ َ ْ َ َ ْ ُ ُ َ َ ُ َْ ُُ َ َ ُ ً َُ َ َ ّ َ‬
‫ين ِفي األ َْر ِ‬ ‫َّللا الَ يه ِدي من هو مس ِرف َك َّذاب * يَٰقو ِم َل ُكم اْلمْلك اْليوم َ ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ض‬ ‫ظاه ِر َ‬ ‫ُ ُ ُ َْ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ ْ َُ ُ ْ ٌ‬ ‫ض الذي َيع ُد ُك ْم ِإ َّن َّ َ َ ْ‬ ‫صادقاً ُيص ْب ُك ْم َب ْع ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫الرَشاد * وَق َّ‬ ‫ِ‬ ‫َهد ُ ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا ِإن جآءنا َقال ِفرعو ُن مآ أ ُِر ُ َّ‬ ‫ِ‬ ‫َفمن َينص ُرَنا ِمن َبأ ِ‬
‫آم َن‬
‫ال الذي َ‬ ‫َ َ‬ ‫يل َّ‬ ‫يك ْم إال َسب َ‬ ‫يك ْم ِإال َمآ أ ََر ٰى َو َمآ أ ْ‬ ‫َ ََ َ ْ َْ َ‬ ‫ْس َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫ظْلماً ّلِْل ِعَب ِاد‬ ‫ين ِمن َب ْع ِد ِه ْم َو َما َّ‬
‫َّللاُ ُي ِر ُيد ُ‬ ‫ْب َقو ِم نو ٍح وع ٍاد وثَم َّ ِ‬
‫اب * م ْث َل َدأ ِ ْ ُ َ َ َ ُ َ‬
‫ود َوالذ َ‬
‫ِ‬ ‫َح َز ِ‬ ‫ِ‬
‫اف َعَل ْي ُك ْم ّم ْث َل َي ْو ِم األ ْ‬
‫ِ‬
‫ٰيَق ْو ِم ِإّني أ َ‬
‫َخ ُ‬
‫َّللاُ َف َما َل ُه ِم ْن َه ٍاد‬
‫ضلِ ِل َّ‬ ‫ِ‬ ‫* وٰيَقو ِم ِإِّني أَخاف عَلي ُكم يوم التَّن ِاد * يوم تُوُّلو َن م ْدِب ِرين ما َل ُكم ِمن َّ ِ ِ‬
‫َّللا م ْن َعاص ٍم َو َمن ُي ْ‬ ‫ُ َ َ ْ َّ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َ ُ َ ْ ْ َْ َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫آء ُك ْـم ِب ِه َحتَّ ٰى ِإ َذا َهَل َك ُقْلتُ ْم َلن َي ْب َع َث َّ‬
‫َّللاُ ِمن َب ْع ِدِه‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ف من َقْب ُل باْلَبّيَنات َف َما ْزلتُ ْم في َش ّك ّم َّما َج َ‬
‫* وَلَق ْد جآء ُكـم يوس ِ‬
‫َ َ َ ْ ُ ُ ُ‬
‫َّللاِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا ِب َغ ْي ِر ُسْل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫رسوالً َك َذلِك ي ِ‬
‫اه ْم َكُب َر َمْقتاً ع َند َّ‬ ‫طا ٍن أَتَ ُ‬ ‫ين ُي َجادُلو َن في َآيات َّ‬ ‫اب * الذ َ‬ ‫ف ُّم ْرتَ ٌ‬‫َّللاُ َم ْن ُه َو ُم ْس ِر ٌ‬
‫ض ُّل َّ‬ ‫َ ُ‬ ‫َُ‬
‫َّللاُ َعَل ٰى ُك ِّـل َقْل ِب ُمتَ َكِّب ٍر َجب ٍ‬ ‫آمُنوْا َك َذلِ َك َي ْ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّار‬ ‫طَب ُع َّ‬ ‫ين َ‬ ‫َو ِع َند الذ َ‬

‫{هوالذي يريكم} آيات صفاته بتجلياته {وينزل لكم} من سماء الروح {رزقاً} حقيقياً ما أعظمه وهو العلم الذي يحيا به‬
‫بالتجرد وقطع النظر عن الغير فأنيبوا إليه‬
‫ّ‬ ‫يتذكر} أحواله السابقة بذلك الرزق {إالّ من ينيب} إليه‬
‫القلب ويتقوى {وما ّ‬
‫لتتذكروا بتخصيص العبادة به وإخالص الدين عن شوب الغيرية وتجريد الفطرة عن النشأة ولو أنكر المحجوبون‬
‫وكرهوا‪.‬‬

‫{رفيع الدرجات} أي‪ :‬رفيع درجات غيوبه ومصاعد سمواته من المقامات التي يعرج فيها السالكون إليه {ذو العرش}‬
‫أي‪ :‬المقام األرفع المالك لألشياء كلها {يلقي الروح} أي‪ :‬الوحي والعلم اللدني الذي تحيا به القلوب الميتة {من} عالم‬
‫{أمره على من يشاء من عباده} الخاصة به أهل العناية األزلية {لينذر يوم} القيامة الكبرى الذي يتالقى فيه العبد‬
‫الرب بفنائه فيه أو العباد في عين الجمع‪.‬‬
‫و ّ‬

‫{يوم هم بارزون} عن حجاب األنيات أو غواشي األبدان {ال يخفى على هللا منهم شيء} مما ستروا من أعمالهم‬
‫واستخفوا بها من الناس توهماً أنه ال يطلع عليهم لظهورها في صحائفهم وبروزها من الكمون إلى الظهور‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫َّ‬ ‫اب الَ ي َغ ِادر ِ‬
‫ال َهـٰ َذا اْل ِكتَ ِ‬
‫َّللا وَنسوه}[المجادلة‪ ،‬اآلية‪ ،]6:‬وقالوا‪{ :‬م ِ‬
‫اها}[الكهف‪،‬‬
‫ص َ‬ ‫صغ َيرًة َوالَ َكِب َيرًة ِإال أ ْ‬
‫َح َ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫صاهُ َّ ُ َ ُ ُ‬
‫َح َ‬
‫{أ ْ‬
‫اآلية‪ ،]49:‬وال يخفى عليه منهم شيء لبروزهم عن حجب االوصاف إلى عين الذات‪.‬‬

‫{لمن الملك اليوم} ينادي به الحق سبحانه عند فناء الكل في عين الجمع فيجيب هو وحده {هلل الواحد} الذي ال شيء‬
‫{إن هللا سريع الحساب} لوقوعه دفعة باقتضاء سيئاتهم المكتوبة في صحائف‬ ‫سواه {القهار} الذي أفنى الكل بقهره ّ‬
‫نفوسهم تبعاتها وحسناتها ثمراتها {وأنذرهم يوم األزفة} أي‪ :‬الواقعة القريبة وهي القيامة الصغرى {إذ القلوب لدى‬
‫لشدة الخوف‪.‬‬
‫الحناجر} ّ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫َّللا الَ يه ِدي م ْن هو مس ِر َّ‬
‫اب}[غافر‪ ،‬اآلية‪ ]28:‬أي‪:‬‬
‫ف َكذ ٌ‬
‫َ َُ ُ ْ ٌ‬ ‫يضل هللا من هو مسرف مرتاب} كقوله‪ِ{ :‬إ َّن َّ َ َ ْ‬
‫ّ‬ ‫{كذلك‬
‫اإلضالل والخذالن كل واحد منهما مرتب على الرذيلتين العلمية والعملية‪ .‬فإن الكذب واالرتياب كالهما من باب رذيلة‬
‫القوة النطقية لعدم اليقين والصدق واإلسراف عن رذيلة القوتين األخريين واإلفراط في أعمالها‪.‬‬

‫سورة غافر (من اآلية ‪ 36‬الى اآلية ‪)50‬‬

‫ظُّن ُه َك ِاذباً‬ ‫وس ٰى َوإِِّني ألَ ُ‬ ‫وَقال َفرعون يٰهامان اب ِن لِي صرحاً َّلعـّلِي أَبُلغ األَسباب * أَسباب َّ ِ َّ ِ ِ ِ ِ‬
‫الس َٰم َٰوت َفأَطل َع إَل ٰى إَلـٰه ُم َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ ْ َ ْ ُ َْ َ‬ ‫َ َ ْ َْ ُ َ َ ُ ْ‬
‫َه ِد ُك ْـم‬
‫آم َن ٰيَق ْو ِم اتَِّب ُعو ِن أ ْ‬
‫اب * وَق َّ ِ‬ ‫يل وما َك ْـي ُد ِف ْرَعو َن ِإالَّ ِفي تَب ٍ‬ ‫ِن لِِفرَعو َن سوء َعملِ ِه وصَّد َع ِن َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال الذي َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫السب َ َ‬ ‫َوَكـ َذل َك ُزّي َ ْ ْ ُ ُ َ َ ُ‬
‫اآلخ َرَة ِهي َد ُار اْلَق َـر ِار * َم ْن َع ِم َـل َس ِّـيَئ ًة َفالَ ُي ْج َز ٰى ِإالَّ ِم ْثَل َها‬ ‫الد ْنيا متَاعٌ وِإ َّن ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫الرَشـاد * ٰيَق ْو ِم إَّن َما َهـٰذه اْل َحَياةُ ُّ َ َ َ‬
‫سِبيـل َّ ِ‬
‫َ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يها ب َغ ْي ِر ح َساب * َوٰيَق ْو ِم َما لي‬ ‫صالحاً ّمن َذ َك ٍـر أ َْو أ ُْنثَ ٰى َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن َفأ ُْوَلـٰئ َك َي ْد ُخُلو َن اْل َجَّن َة ُي ْرَزُقو َن ف َ‬ ‫َو َم ْن َعم َـل َ‬
‫وك ْم ِإَلى اْل َع ِز ِ‬
‫يز‬ ‫ك ِب ِه َما َل ْي َس ِلي ِب ِه ِعْل ٌم َوأََن ْا أ َْد ُع ُ‬ ‫ُش ِر َ‬‫اَّللِ َوأ ْ‬
‫ونِني ألَ ْك ُـف َر ِب َّ‬ ‫الن ِار * تَ ْد ُع َ‬ ‫ونِني ِإَلى َّ‬ ‫وكـم ِإَلى َّ ِ‬
‫الن َجاة َوتَ ْد ُع َ‬ ‫أ َْد ُع ُ ْ‬
‫َّللاِ َوأ َّ‬
‫َن اْل ُم ْس ِرِف َ‬
‫ين ُه ْم‬ ‫َن َم َرَّدَنآ ِإَلى َّ‬ ‫الد ْنيا والَ ِفي ِ‬
‫اآلخ َرِة َوأ َّ‬ ‫ِ‬ ‫اْلغَّف ِار * الَ جرم أََّنما تدع ِ ِ ِ‬
‫ونني إَل ْيه َل ْي َس َل ُه َد ْع َوةٌ في ُّ َ َ‬ ‫َ َ َ َ َْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫َّللا سِيَئ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّللاِ ِإ َّن َّ ِ‬
‫ات َما َم َك ُـروْا‬ ‫َّللاَ َبص ٌير ِباْلعَباد * َفوَقاهُ َّ ُ َ ّ‬ ‫ض أ َْمرِي ِإَلى َّ‬ ‫ول َل ُك ْـم َوأَُفِّو ُ‬
‫الن ِار * َف َستَ ْذ ُك ُرو َن َمآ أَُق ُ‬
‫اب َّ‬ ‫َص َح ُ‬ ‫أْ‬
‫َشَّد اْلع َذ ِ‬ ‫الساع ُة أَ ْد ِخُلوْا ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب * َّ‬ ‫آل ِف ْرَعو َن سوء اْلع َذ ِ‬ ‫اق ِب ِ‬
‫اب‬ ‫آل ف ْرَع ْو َن أ َ َ‬ ‫َ‬ ‫وم َّ َ‬ ‫الن ُار ُي ْع َر ُ ن‬
‫ضو َ َعَل ْي َها ُغ ُدّواً َو َعشّياً َوَي ْوَم تَُق ُ‬ ‫ْ ُ ُ َ‬ ‫َو َح َ‬
‫صيباً ِّم َن َّ‬ ‫الضعَفاء لَِّل ِذين استَ ْكـبروْا ِإَّنا ُكَّنا َل ُكم تَبعاً َفهل أَنتُم ُّم ْغنو َن عَّنا ن ِ‬ ‫آجو َن ِفي َّ‬
‫الن ِار * َق َ‬
‫ال‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ْ َ َْ‬ ‫َ ْ َُ‬ ‫ول ُّ َ ُ‬
‫الن ِ‬
‫ـار َفَيُق ُ‬ ‫* َوإِ ْذ َيتَ َح ُّ‬
‫الن ِار لِ َخ َزَن ِة جهَّنم ْادعوْا رب ُ ِ‬
‫ين ِفي َّ‬ ‫َّللا َقد ح َكم بين اْل ِعب ِاد * وَق َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ف َعَّنا َي ْوماً‬
‫َّك ْم ُي َخّف ْ‬ ‫ََ َ ُ َ‬ ‫ال الذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫يهآ ِإ َّن َّ َ ْ َ َ َ ْ َ َ‬ ‫ِ‬
‫استَ ْكَب ُروْا إَّنا ُك ٌّل ف َ‬
‫ين ْ‬ ‫الذ َ‬
‫ضالَ ٍل‬ ‫يكم رسُل ُكم ِباْلبِين ِ‬
‫ات َقاُلوْا بَلى َقاُلوْا َف ْادعوْا وما دعاء اْل َك ِاف ِر َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِم َن اْلع َذ ِ‬
‫ين ِإال في َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ََ ُ َ ُ‬ ‫َ ٰ‬ ‫اب * َقاُلوْا أ ََوَل ْم تَ ُك تَأْت ُ ْ ُ ُ ْ َّ َ‬ ‫ّ َ‬

‫والصرح الذي أمر فرعون هامان ببنائه هو قاعدة الحكمة النظرية من القياسات الفكرية‪ ،‬فإن القوم كانوا منطقيين‬
‫المنورة بنور الهداية‪ ،‬أراد أن يبلغ طرق سموات الغيوب ويطلع على الحضرة‬ ‫محجوبين بعقولهم المشوبة بالوهم غير ّ‬
‫األحدية بطريق الفكر دون السلوك في هللا بالتجريد والمحو والفناء والحتجابه بأنائيته وعلمه قال {وإني ألظنه كاذباً‬
‫{وصد عن السبيل}‬
‫ّ‬ ‫الصد {زّين لفرعون سوء عمله} الحتجابه بصفات نفسه ورذائله‬‫وكذلك} أي‪ :‬مثل ذلك التزيين و ّ‬
‫لخطئه في فكره‪ ،‬أي‪ :‬فسد علمه ونظره لشدة ميله إلى الدنيا ومحبته إياها بغلبة الهوى بخالف حال الذي آمن حيث‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫حذر أوالً من الدنيا بقوله‪{ :‬يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن اآلخرة هي دار القرار} لسرعة زوال األولى وبقاء‬
‫األخرى دائماً {أدعوكم إلى النجاة} أي‪ :‬التوحيد والتجريد الذي هو سبب نجاتكم {وتدعونني} إلى الشرك الموجب‬
‫لدخول النار {وأشرك به ما ليس لي} بوجوده علم إذ ال وجود له {وأنا أدعوكم إلى العزيز} الغالب الذي يقهر من‬
‫عصاه {الغّفار} الذي يستر ظلمات نفوس من أطاعه بأنواره‪.‬‬

‫{أن ما تدعونني إليه} ال دعوة له في الدارين لعدمه بنفسه واستحالة وجوده فيهما‬
‫{ال جرم} إلى آخره‪ ،‬أي‪ :‬وجب وحق ّ‬
‫وعشياً} أي‪ :‬تصلى أرواحهم بنار الهيئات الطبيعية واحتجاب األنوار القدسية والحرمان‬
‫ّ‬ ‫{النار يعرضون عليها ّ‬
‫غدواً‬
‫الحسية والشوق إليها مع امتناع حصولها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عن اللذات‬

‫{ويوم تقوم الساعة} بمحشر األجساد أو ظهور المهدي عليه السالم‪ .‬قيل لهم‪ :‬ادخلوا {أَشد العذاب} النقالب هيئاتهم‬
‫وصورهم وتراكم الظلمات وتكاثف الحجب وضيق المحبس وضنك المضجع على األول‪ ،‬وقهر المهدي عليه السالم‬
‫إياه وتعذيبه لهم لكفرهم به وبعدهم عنه ومعرفته إياهم بسيماهم على الثاني‪.‬‬

‫سورة غافر (من اآلية ‪ 51‬الى اآلية ‪)61‬‬

‫ين َم ْع ِذ َرتُ ُه ْم َوَل ُه ُم اْلَّل ْعَن ُة َوَل ُه ْم‬ ‫َّ ِ ِ‬


‫* َي ْوَم الَ َي َنف ُع الظالم َ‬
‫َش َه ُاد‬
‫وم األ ْ‬ ‫ِ ُّ‬ ‫ِ‬
‫آمُنوْا في اْل َحَياة الد ْنَيا َوَي ْوَم َيُق ُ‬ ‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫نص ُر ُرُسَلَنا َوالذ َ‬ ‫ِ‬
‫إَّنا َلَن ُ‬
‫اصِب ْر ِإ َّن َو ْع َد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫* ُه ًدى َوذ ْك َر ٰى أل ُْولِي األَْلَباب * َف ْ‬ ‫اب‬
‫يل اْلكتَ َ‬ ‫وسى اْل ُه َد ٰى َوأ َْوَرْثَنا َبني إ ْس َرائ َ‬ ‫الد ِار * َوَلَق ْد آتَْيَنا ُم َ‬ ‫ُسوء َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫طٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا ب َغ ْي ِر ُسْل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اه ْم إن‬ ‫ان أَتَ ُ‬ ‫ين ُي َجادُلو َن في َآيات َّ‬‫ِك باْل َعش ِّي َواإل ْب َك ِار * إ َّن الذ َ‬ ‫استَ ْغف ْـر ل َذنب َك َو َسّب ْح ب َح ْمد َرّب َ‬
‫َّللا َح ٌّق َو ْ‬
‫ض أَ ْك َـب ُر ِم ْن َخْل ِق‬ ‫الس ٰم ٰو ِت واألَْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّللِ ِإَّنـه هو َّ ِ‬ ‫يه َف ِ ِ‬ ‫ورِهم ِإالَّ ِكبر َّمـا هم ِببالِ ِغ ِ‬ ‫ِ‬
‫يع اْلَبص ُير * َل َخْل ُق َّ َ َ َ‬ ‫السم ُ‬ ‫استَع ْذ ب َّ ُ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ٌْ‬ ‫ص ُد ِ ْ‬ ‫في ُ‬
‫يء َقلِيـالً‬ ‫ِ‬ ‫صير و َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اس َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكـثَ َر َّ‬
‫الصال َحات َوالَ اْل ُمس ُ‬ ‫َع َـم ٰى َواْلَب ُ َ َ َ ُ َ َ‬ ‫اس الَ َي ْعَل ُمو َن * َو َما َي ْستَ ِوي األ ْ‬ ‫الن ِ‬ ‫الن ِ‬‫َّ‬
‫َستَ ِج ْب َل ُك ْم ِإ َّن‬ ‫ِ‬ ‫يها َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثَ َر َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫َّما تَتَ َذ َّك ُرو َن * ِإ َّن َّ‬
‫ُّك ُـم ْاد ُعوني أ ْ‬ ‫اس الَ ُي ْؤ ِمُنو َن * َوَق َ‬
‫ال َرب ُ‬ ‫الن ِ‬ ‫اع َة آلتَيـ ٌة ال َرْي َب ف َ‬
‫الس َ‬

‫‪This file was downloaded from QuranicThought.com‬‬


‫النهـار مب ِ‬
‫صـ اًر ِإ َّن َّ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫اخ ِرين * َّ َّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّللاَ‬ ‫َّللاُ الذي َج َع َل َل ُك ُم اللْي َل لتَ ْس ُكُنوْا فيه َو َّ َ َ ُ ْ‬ ‫ين َي ْستَ ْكِب ُرو َن َع ْن عَب َادتي َسَي ْد ُخُلو َن َج َهَّن َم َد َ‬‫الذ َ‬

You might also like