You are on page 1of 78

‫حكم إبرام عقود األحوال الشخصية والعقود التجارية‬

‫عبر الوسائل اإللكترونية‬

‫إعداد‬

‫الدكتور‪ /‬حممد بن حيىي بن حسن النجيمي‬

‫األستاذ المشارك بكلية الملك فهد األمنية ‪ -‬قسم الدراسات الشرعية‬


‫والمعهد العالي للقضاء ‪ /‬قسم الفقه المقارن‬
‫والخبير بمجمع الفقه اإلسالمي الدولي بجدة‬

‫‪2‬‬
‫‪‬‬
‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور‬
‫أنفس نا‪ ،‬وس يئات أعمالن ا‪ ،‬من يه ده اهلل فال مضل لـه ومن يض لل فال ه ادي لـه‪،‬‬
‫وأش هد أن ال إله إال اهلل وح ده ال ش ريك لـه‪ ،‬وأش هد أن حمم ًدا عب ده ورس وله ‪،‬‬
‫وعلى آله وصحبه ومن اهتدى هبديه إىل يوم الدين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فال شك أن ه ذا ال دين قد أكمله اهلل ‪ ،‬وجعل لنا ش ريعة مش تملة على‬
‫األصول والقواعد العامة اليت تصلح للتطبيق يف كل زمان ومكان‪ ،‬وتستوعب كل‬
‫حادثة وتبني حكم اهلل فيها‪.‬‬
‫ومبا أن احلي اة يف تط ور دائم ومس تمر‪ ،‬ف إن ذلك يعين أن مس ائلها س تبقى‬
‫متج ددة‪ ،‬وذلك يقتضي بي ان حكم اهلل والكشف عنه يف مجيعها تلك املس تجدات‪،‬‬
‫كي تبقى هذه الشريعة هي احلاكمة ألفعال العباد‪ .‬وبناءً على ما سبق‪:‬‬
‫فلقد ارتأيت أن يكون موضوع حبثي هذا هو حكم إبرام عقود األحوال‬
‫الشخص ية والعق ود التجارية عرب الوس ائل اإللكرتوني ة‪ ،‬باعتبارها إح دى القض ايا‬
‫الطارئ ة‪ ،‬واليت حيت اج الن اس إىل معرفة حكم اهلل فيه ا‪ .‬وقد جعلت ه ذا البحث يف‬
‫مقدمة‪ ،‬ومتهيد‪ ،‬وفصلني‪:‬‬

‫الفصل األول‪ :‬حكم إب رام عق ود األح وال الشخص ية‬


‫بالوسائل اإللكترونية‬
‫ويتكون من مخسة مباحث‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬إبرام عقد الزواج عن طريق الوسائل اإللكرتونية‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬إجراء الطالق عن طريق الوسائل اإللكرتونية‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫المبحث الث الث‪ :‬اإلج راءات على عقد ال زواج عن طريق الوس ائل‬
‫اإللكرتونية‪.‬‬
‫المبحث الراب ع‪ :‬بي ان موقف ق وانني األح وال الشخص ية يف بعض البالد‬
‫العربية من التعاقد عرب الوسائل اإللكرتونية كتابة ومهاتفة‪.‬‬
‫المبحث الخ امس‪ :‬اإلج راءات املرتتبة على عقد ال زواج بالوس ائل‬
‫اإللكرتونية يف قوانني األحوال الشخصية العربية‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬حكم إبرام العقود التجارية بالوسائل اإللكترونية‪.‬‬
‫ويتكون من مباحث‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬حكم إب رام العق ود التجارية كتابة عرب الوس ائل‬
‫اإللكرتونية‪.‬‬
‫المبحث الث اني‪ :‬حكم إب رام العق ود التجارية مهاتفة عرب الوس ائل‬
‫اإللكرتونية‪.‬‬
‫المبحث الث الث‪ :‬اإلج راءات املرتتبة على العق ود التجارية عرب الوس ائل‬
‫اإللكرتونية‪.‬‬
‫المبحث الراب ع‪ :‬بي ان موقف الق وانني الوض عية من التعاقد عن طريق‬
‫الكتابة وما يف حكمها من الوس ائل اإللكرتونية كالف اكس‬
‫واإلنرتنت وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫المبحث الخ امس‪ :‬بي ان موقف الق وانني الوض عية من التعاقد عن طريق‬
‫اهلاتف والالسلكي واإلنرتنيت وما يشبهها مهاتفة‪.‬‬
‫وأخيرا خاتمة البحث ونتائجه‪.‬‬
‫ً‬

‫‪4‬‬
‫تمهي ــد‬

‫بصيص ا من‬
‫ً‬ ‫مبا أن احلكم على الش يء ف رع عن تص وره فال بد أن ألقي‬
‫الض وء على ه ذه الوس ائل احلديثة لالتص االت وكيفية تطورها لنك ون على بيِّنة من‬
‫أمرها وعلى بصرية يف تكييفها الشرعي‪.‬‬
‫حينما تق دمت اجملتمع ات اإلنس انية أض حت حباجة ماسة إىل وس ائل االتص ال‬
‫فيما بينها سواء أكانت لالرتباط السياسي‪ ،‬أو للجانب االجتماعي واالقتصادي‪ ،‬ولذلك‬
‫حبث اإلنس ان عن أس رع وس يلة ممكنة فاكتشف املرايا العاكس ة‪ ،‬وال دخان‪ ،‬واحلم ام‬
‫الزاجل وغري ذلك‪...‬‬
‫ويف عصرنا احلديث تقدمت وسائل االتصال بشكل كبري‪ ،‬فكانت الطفرة‬
‫الكربى باكتشاف الالسلكي الذي كسر حاجز املسافة والزمن‪ ،‬مث تطورت وسائل‬
‫االتصال باطراد الزمن‪ ،‬واالخرتاعات لتصل إىل أعلى مستوياهتا من خالل استخدام‬
‫األقم ار الص ناعية‪ ،‬فك انت القف زة الكب رية يف ع ام ‪1957‬م عن دما مت إرس ال القمر‬
‫الص ناعي إىل الفض اء اخلارجي لل دوران ح ول األرض؛ إلرس ال املعلوم ات املدنية‬
‫والعس كرية‪ ،‬مث أدت املنافسة يف ه ذا اجملال بني ال دول إىل أن تواجد يف الفض اء‬
‫آالف األقمار الصناعية لتجوب الفضاء ليل هنار(‪.)1‬‬

‫تعريف االتصاالت السلكية والالسلكية‪:‬‬


‫حس بما ج اء يف تعريف االحتاد ال دويل للمواص الت الس لكية والالس لكية‬
‫أهنا‪ « :‬عملية تس اعد املرسل على إرس ال املعلوم ات ب أي وس يلة من وس ائل النظم‬

‫‪1‬‬

‫() راجع التلكس وكم بيوتر االتص االت الدولية واآللية وضع إدوارد ج ورج‪ ،‬تنفيذ ف اروق الع امري‪ ،‬ب ريوت‪،‬‬
‫دار الراتب اجلامعية ‪1987‬م‪ ،‬ص‪ ،21‬واألقمار الصناعية وسفن الفضاء لسعيد شعبان ص(‪،)53 ،52‬‬
‫بريوت‪ ،‬دا رالفكر العريب‪1973 ،‬م‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫الكهرومغناطيسية من تليفون أو تلكس أو بث تليفزين أو حنو ذلك‪.)1(» ...‬‬
‫وه ذه الوس ائل منها ما يسري عرب كوابل أرض ية أو حبرية أو حمط ات‬
‫الس لكية كب رية تعتمد على أجه زة إرس ال واس تقبال‪ ،‬وجمموع ات هوائية لكل‬
‫منهما‪ ،‬أو تستخدم األقمار الصناعية وسيلة وسيطة لتحقيق اتصاهلا‪ ،‬فمثالً التلكس‬
‫يتم االتص ال به من خالل جه ازين م رتبطني بوح دة حتكم دويل ينقل كل واحد‬
‫منهما إىل اآلخر املعلوم ات املكتوبة دون وج ود وس يط بينهم ا‪ ،‬حيث إنه ميكن‬
‫للمش رتك االتص ال جبميع أحناء الع امل وهو ج الس يف مكتبه من خالل جه از‬
‫التلكس‪ ،‬املرتبط بوحدة حتكم خاصة به‪ ،‬ودون حاجة إىل االنتقال إىل مكان آخر‪،‬‬
‫ودون وج ود احتم ال تس رب املعلوم ات‪ ،‬فض الً عن قدرته على اختص ار ال وقت‬
‫وحتقيق قدرة أعلى يف السرعة‪.‬‬
‫ولكل مشرتك يف هذا اجلهاز رقم خاص مييزه عن بقية املشرتكني‪ ...‬وهلذا‬
‫اجلهاز مفاتيح شبيهة باآللة الكاتبة‪ ،‬ولكل مفتاح من مفاتيحه رقم يرمز إىل حرف‬
‫متع ارف عليه دوليً ا‪ ،‬وحينما جتتمع فيه األرق ام أي احلروف املقص ودة يق وم اجله از‬
‫بتحويلها إىل إشارات كهربائية ليتلقى جهاز التلكس املرسل إليه(‪.)2‬‬
‫وهن اك اإلرس ال عن طريق الربيد املص ور (الف اكس)‪ ،‬فإنه من خالل‬
‫جه ازين م رتبطني ب اخلطوط اهلاتفي ة‪ ،‬حيث يضع املرسل الورقة املكتوبة يف اجله از‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ إذا مل يكن ذلك اجله از مشغوالً أو‬ ‫ويضرب األرقام اخلاصة باجلهاز الثاين‪،‬‬
‫فيه خلل فإنه يق وم بفتح اخلط ليق وم بطبع ص ورة الورقة املرس لة على ورقة خاصة‬

‫‪1‬‬
‫() االتصاالت السلكية والالسلكية يف الوطن العريب‪ ،‬حبث مقدم من ميسر محدون سليمان‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫مركز دراسات الوحدة العربية‪1982 ،‬م‪ ،‬ص(‪.)337‬‬
‫‪2‬‬
‫() راجع كيف تعمل الشبكات‪ ،‬لفرانك درفلرولس فريد‪ ،‬ترمجة مركز التعريب والرتمجة‪ ،‬ط‪ ،2‬بريوت‪،‬‬
‫الدار العربية للعلوم ‪1994‬م‪ ،‬ص(‪.)9-8‬‬
‫‪6‬‬
‫موجودة فيه‪ ،‬لتظهر الورقة للمرسل إليه كما هو دون تغيري أو تبديل(‪.)1‬‬
‫وأخ ًريا دخل احلاس وب اآليل (الكم بيوتر) ه ذا املض مار فأص بح كثري من‬
‫اإلجراءات التعاقدية تتم من خالله‪ ،‬فعن طريقه يتم حجز األماكن للسفر والسياحة‬
‫وحنومها‪ ،‬ومن خالله يتم االتص ال بني الش ركات الفرعية والش ركة األم لتنظيم‬
‫ال رحالت واالتفاق ات وعن طريقه يتم قطع الت ذاكر‪ ،‬ويف اآلونة األخ رية دخل‬
‫الكم بيوتر األس واق املالية من أوسع أبواهبا‪ ،‬فأص بح يق وم بتنظيمها وتنظيم العق ود‬
‫فيه ا‪ ،‬وإج راء بعض العق ود والتح ويالت‪ ،‬كما أنه ميكن ربط الكم بيوتر جبه از‬
‫كم بيوتر آخر عن طريق اهلاتف‪ ،‬أو عن طريق جمموعة اتص ال خاصة ت دعى‬
‫اإلن رتنت (‪ )Internet‬مث القي ام بربجمة خاصة متكني من خماطبة اجله از اآلخر‬
‫أوتوماتيكيًّا أو عمليًّا‪ ،‬وبالت ايل كتابة رس الة تعاقدية فيه وختزينها مع توجيهه إىل‬
‫إرسال نسخة منها إىل اجلهاز الثاين املرتبط باملتعاقد اآلخر أو بالبورصة(‪.)2‬‬
‫واجلدير بال ذكر أنه ميكن من خالل اإلن رتنت إج راء مكاملات هاتفية‬
‫أيض ا‬
‫ف اإلنرتنت ميكن تص نيفه مع أجه زة االتص ال احلديثة الناقلة للح روف‪ ،‬وميكن ً‬
‫تص نيفه مع األجه زة الناقلة لألص وات‪ ،‬ومن أبرزها اهلاتف ال ذي يتم االتص ال من‬
‫خالله عن طريق اخلطوط (الكابالت الكهربائية) عرب األرض أو البحر أو عن طريق‬
‫األقمار االصطناعية‪.‬‬
‫إض افة إىل ما س بق فإنه ميكن االتص ال وإب رام العق ود عن طريق جه از‬
‫الالس لكي ال ذي يتم من خالله نقل الكالم الص ريح أو الكالم املفه وم عن طريق‬
‫الشفرات‪.‬‬
‫أيض ا إج راء ما س بق عن طريق املذياع والتلف از والتس جيل‬
‫وكما ميكن ً‬
‫‪1‬‬
‫() كيف تعمل الشبكات‪ ،‬ص(‪.)90-89‬‬
‫‪2‬‬
‫() ثقافة الكمبيوتر‪ :‬الوعي والتطبيق والرتمجة‪ /‬غازي ج‪ .‬بيرت‪ ،‬قربص‪ ،‬سلسلة األحباث اللغوية‪1987 ،‬م‪ ،‬ص(‬
‫‪.)125‬‬
‫‪7‬‬
‫معا‪.‬‬
‫و(الفيديو) الناقل للصوت والصورة ً‬
‫ومن خالل هذا العرض يتبني لنا أن إنشاء العقود وإبرامها عرب االتصاالت‬
‫احلديثة ميكن أن يتم من خالل نقلها للص ورة فقط كاهلاتف والالس لكي واملذياع‬
‫والتلف از‪ ...‬إخل‪ ،‬أو من خالل نقل احلروف املكتوبة ك التلكس والف اكس واحلاسب‬
‫اآليل‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الفصل األول‬
‫حكم إبرام عقود األحوال الشخصية عبر الوسائل اإللكترونية‬

‫ويحتوي على مباحث‪:‬‬


‫المبحث األول ‪ :‬إبرام عقد الزواج عن طريق الوسائل اإللكترونية‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬إجراء الطالق عن طريق الوسائل اإللكترونية‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬اإلجراءات المترتبة على عقد الزواج عن طريق الوسائل‬
‫اإللكترونية‪.‬‬
‫ية من بعض البالد‬ ‫ان موقف قوانين األحوال الشخص‬ ‫المبحث الرابع ‪ :‬بي‬
‫العربية من التعاقد عبر الوسائل اإللكترونية كتابة ومهاتفة‪.‬‬
‫المبحث الخامس ‪ :‬اإلجراءات المرتبة على عقد الزواج بالوسائل اإللكترونية‬
‫في قوانين األحوال الشخصية العربية‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الفصل األول‬
‫حكم إبرام عقود األحوال الشخصية عبر الوسائل اإللكترونية‬

‫تمهيــد‪:‬‬
‫تطويرا هائالً‪ ،‬وقد مكن هذا‬
‫طور العلماء يف هذا العصر وسائل االتصال ً‬
‫التطور البشر من التخاطب فيما بينهم على الرغم من بعد الشقة وبعد الديار‪ ،‬كما‬
‫مكنتهم من إرسال املعلومات واألخبار واحلصول عليها بسرعة فائقة‪.‬‬
‫وك ان لألح وال الشخص ية نص يب من وس ائل االتص االت احلديثة فأص بح‬
‫من املمكن إب رام عق ود ال زواج وإيق اع الطالق عن طريق وس ائل االتص االت‬
‫احلديث ة‪،‬وقد ك ان معروفًا يف الق دمي إج راء العق ود عن طريق الكتابة واملراس لة إىل‬
‫جديدا‪ ،‬وإمنا اجلديد هو‬
‫ً‬ ‫الطرف اآلخر‪ ،‬وعلى ذلك فإن إجراء العقود بالكتابة ليس‬
‫الس رعة املذهلة اليت يتم فيها نقل ما يف الكت اب أو ص ورته؛ فال ذي ك ان ينقل يف‬
‫ساعة أو ساعات أو أسابيع أو شهور يتم نقله يف ثوان كما نشاهده بالفاكس‪.‬‬
‫إن إج راء العق ود بني الغ ائبني عن طريق املخاطبة باهلاتف أو عن طريق‬
‫الوس ائل اإللكرتونية األخ رى هو منط جديد يف االتص ال وإن ك ان بعض العلم اء‬
‫املعاصرين قد قاسه على صورة العقد الذي كان ينقل ألفاظه وسيط بني املتعاقدين‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫المبحث األول‬
‫إبرام عقد الزواج عن طريق الوسائل اإللكترونية‬

‫ت فيما س بق أن عق ود ال زواج ميكن أن ت ربم عن طريق الوس ائل‬ ‫َبَّيْن ُ‬


‫اإللكرتونية بطريقني‪ :‬الكتابة‪ ،‬واملشافهة‪ ،‬وسأتناول كل واحد من الطريقني بالبيان‬
‫والتحليل مبينًا احلكم الشرعي يف ذلك‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬العقد عن طريق الكتابة‪:‬‬
‫ه ذا الطريق ك ان معروفًا ق دميًا‪ ،‬وتكلم الفقه اء يف حكمه بني جميز وم انع‪،‬‬
‫ومل تبت دع وس ائل االتص ال احلديثة ه ذا النمط من العق ود‪ ،‬واجلديد فيها هو س رعة‬
‫النقل‪ ،‬وقد اختلف الفقهاء قدميًا يف إجراء عقود الزواج عن طريق الكتابة على قولني‪:‬‬
‫القول األول‪:‬‬
‫املنع من إج راء عق ود ال زواج عن طريق الكتاب ة‪ ،‬وه ذا م ذهب مجه ور‬
‫الفقهاء من مالكية(‪ ،)1‬وشافعية(‪ ،)2‬وحنابلة(‪ ،)3‬وإذا وجدت أقوال يف هذه املذاهب‬
‫جتيز إب رام عقود ال زواج عن طريق الكتابة فهي ض عيفة وم ردودة عند احملققني منهم‬
‫إال يف حال الضرورة‪ ،‬وقصروا حالة الضرورة على األخرس الذي ال قدرة لـه على‬
‫النطق وحيسن الكتابة‪.‬‬
‫وميكن أن يستدل هلؤالء مبا يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬اشرتاطهم اإلشهاد على عقد النكاح حني انعقاده‪ ،‬واإلشهاد شرط صحة عند‬

‫‪1‬‬
‫() راجع الشرح الصغري للدردير‪ ،‬حتقيق كمال املرصفي‪1410 ،‬هـ‪1989-‬م‪.)2/350( ،‬‬
‫‪2‬‬
‫() روضة الطالبني للنووي‪ ،‬ط‪ ،3‬بريوت‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪1412 ،‬هـ‪1991-‬م‪.)7/37( ،‬‬
‫‪3‬‬
‫() اإلنصاف للمرداوي‪ ،‬صححه وحققه حممد حامد الفقي‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪،‬‬
‫‪1376‬هـ‪1957-‬م‪.)8/50( ،‬‬
‫‪11‬‬
‫الش افعية(‪ ،)1‬واحلنابلة(‪ ،)2‬واحلنفية(‪ ،)3‬ولكن احلنفية ال ذين أج ازوا إج راء العقد‬
‫بطريق الكتابة ‪-‬كما س يأيت‪ -‬ق الوا‪ :‬إنه ميكن حتقيق ه ذا الش رط باس تدعاء‬
‫العاقد الذي وصله كتاب اإلجياب بدعوة الشهود وإطالعهم على الكتاب أو‬
‫إخب ارهم مبض مونه وأنه موافق على ذلك ال زواج وب ذلك يتم اإلش هاد(‪ .)4‬أما‬
‫أيض ا إال أنه جيوز ت أخريه إىل ما قبل ال دخول‬
‫املالكية فاإلش هاد ش رط عن دهم ً‬
‫ويشرتطون اإلعالم والظهور(‪.)5‬‬
‫‪ -2‬أن النك اح لـه خصوص ية؛ حيث إنه حيت اط فيه ما ال حيت اط يف غ ريه حفظًا‬
‫للفروج وهذا مقصد من مقاصد الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫القول الثانـي‪:‬‬
‫جييز إج راء عقد ال زواج بالكتاب ة‪ ،‬وه ذا م ذهب احلنفية(‪ ،)6‬وميكن أن‬
‫يستدل هلم مبا يلي‪:‬‬
‫على ال رغم من اش رتاط احلنفية الش هود يف النك اح كما اش رتطته بقية‬
‫املذاهب‪ ،‬إال أهنم جعل وا جملس العقد هو س اعة وص ول اخلط اب ال ذي حيمل‬
‫اإلجياب إىل الط رف اآلخ ر‪ ،‬ف إذا وص له ودعا الش هود وأطلعهم على الكت اب أو‬

‫‪1‬‬
‫() راجع روضة الطالبني (‪.)7/45‬‬
‫‪2‬‬
‫() راجع املغين البن قدامة‪ ،‬حتقيق عبداهلل الرتكي‪ ،‬واحللو‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مطبعة هجر‪1410 ،‬هـ‪1989 -‬م (‬
‫‪.)7/339‬‬
‫‪3‬‬
‫() راجع بدائع الصنائع‪ ،‬للكاساين‪ ،‬ط ‪ ،2‬بريوت‪ ،‬دار الكتاب العريب‪1402 ،‬هـ‪1982 -‬م ( ‪.)5/138‬‬
‫‪4‬‬
‫() راجع بدائع الصنائع (‪.)2/231‬‬
‫‪5‬‬
‫() راجع حاشية الدسوقي على الشرح الكبري‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مطبعة مصطفى البايب احلليب‪ ،‬مكتبة زهران‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() راجع بدائع الصنائع (‪ ،)5/137‬وحاشية ابن عابدين‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‪ ،‬مطبعة البايب احلليب‪1368 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1949‬م (‪.)3/12‬‬
‫‪12‬‬
‫أخ ربهم مبض مونه وأش هدهم على قب ول النك اح فقد جعل وا جملس العقد هو اجمللس‬
‫ال ذي يصل فيه اخلط اب حكم ا‪ ،‬وعلى ذلك تتم املواالة بني اإلجياب والقب ول‬
‫عندهم ويتم اإلشهاد(‪.)1‬‬
‫وإذا راجعنا حاش ية ابن عاب دين (‪ )3/12‬جند أن احلنفية قد اش رتطوا‬
‫لصحة عقد الزواج بالكتابة الشروط التالية‪:‬‬
‫حاضرا بل غائبًا‪.‬‬
‫ً‬ ‫أ ‪ -‬أال يكون العاقد‬
‫ب ‪ -‬أن يشهد العاقد شاهدين على ما يف الكتاب عند إرساله‪.‬‬
‫جـ‪ -‬أن يص رح املرسل إليه ب القبول لفظ اً ال كتاب ةً فلو كتب رجل إىل ام رأة‬
‫تزوجتك فكتبت إليه قبلت مل ينعقد؛ إذ الكتابة من الطرفني بال قول ال تكفي‬
‫ولو يف الغيبة‪.‬‬
‫د ‪ -‬أن يش هد الغ ائب حني يأتيه الكت اب ش اهدين‪ ،‬ويع رفهم بواقع احلال‪ ،‬ويص رح‬
‫أم امهم ب القبول‪ ،‬ف املرأة حني يأتيها اخلط اب ت دعو ش اهدين مث تق رأ عليهما‬
‫الكتاب وختربهم مبضمونه وتصرح بقبوهلا النكاح‪ ،‬وبذلك حيكم السادة احلنفية‬
‫أن الشهود مسعوا اإلجياب الذي تضمنه الكتاب‪ ،‬والقبول الذي تلفظت به املرأة‪.‬‬

‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫الراجح من وجهة نظري ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬هو مذهب احلنفية الذي جييز عقد‬
‫الزواج بالكتابة؛ ذلك أن اعتبارهم جملس العقد وهو ساعة وصول اخلطاب الذي‬
‫حيمل اإلجياب إىل الط رف اآلخر ق ول س ديد؛ ألهنا حتقق املواالة بني اإلجياب‬
‫والقب ول‪ .‬ويف اعتق ادي أن بقية املذاهب تعد وقت متام العقد حني يصل املكت وب‬
‫سواء كان عن طريق شخص أو عن طريق الفاكس أو اإلنرتنت إىل الشخص الذي‬
‫بيعا ويش هد عليه إذا ك ان‬ ‫ٍ‬
‫وجه إليه فيقبله يف اجمللس فحينئ ذ ينعقد العقد إذا ك ان ً‬
‫‪1‬‬
‫() راجع بدائع الصنائع (‪ ،)5/137‬وحاشية ابن عابدين (‪.)3/12‬‬
‫‪13‬‬
‫نكاح ا‪ ،‬واملتتبع لكتب بقية املذاهب يف قض ايا ال بيع وحنوه من العق ود يلمس ه ذا‪،‬‬
‫ً‬
‫ول وال ض يق ال وقت لنقلت نصوصهم يف هذا‪ .‬ومن أراد التوسع فل ريجع إىل اجملموع‬
‫( ‪ ،)9/168‬وفتح العزيز هبامش اجملم وع ( ‪ ،)8/130‬وروضة الط البني ( ‪،)3/139‬‬
‫وحاش ية الدس وقي على الش رح الكبري ( ‪ ،)3/3‬واخلرشي (‪ ،)5/5‬واإلنص اف‬
‫للمرداوي (‪ ،)4/260‬والروض املربع (‪.)4/328‬‬
‫أيض ا‬
‫أما قوهلم‪ :‬إن اإلشهاد شرط يف عقد النكاح فإن احلنفية يقولون بذلك ً‬
‫لكنهم جعل وا جملس العقد هو س اعة وص ول اخلط اب‪ ،‬ف إذا وص له اخلط اب ودعا‬
‫الشهود وأطلعهم على الكتاب أو أخربهم مبضمونه وأشهدهم على قبول النكاح فقد‬
‫وأيض ا اشرتط احلنفية أربعة شروط لصحة عقد الزواج بالكتابة كما سبق‬ ‫مت النكاح ً‬
‫بيانه‪.‬‬
‫وأما قوهلم‪ :‬إن النكاح خصوصية حيث إنه يتعلق بالفروج وحيتاط فيها ما ال‬
‫حيتاط يف غريها فاجلواب عليه أننا نوافقهم على التحوط يف الفروج ولكنين ال أوافقهم‬
‫على املنع‪ ،‬فالتحوط يلزم اختاذ إجراءات تضمن سالمة إجراء العقود ولكنها ال متنع‬
‫من ذل ك‪ ،‬فيمكن للخ اطب أن ي رى خمطوبته عرب الكم بيوتر املتصل بش بكة اإلن رتنت‪،‬‬
‫وميكن أن يظهر املتعاق دان وس ائل اإلثب ات اخلاصة بكل منهما كما جيب أن يك ون‬
‫الش اهدان يعرف ان الط رفني‪ ،‬وميكن أن جتهز قاع ات احملاكم بش بكة اإلن رتنت إلض فاء‬
‫الص فة الرمسية عليها خاصة وأن عق ود ال زواج الي وم ال تقبل احملاكم توثيقها إال إذا‬
‫جرت عن طريق القاضي أو عن طريق من يأذن لـه القاضي بإجراء العقود(‪.)1‬‬
‫وهبذا يتضح لنا ج واز إج راء عقد النك اح ‪-‬بش روطه وض وابطه الس الف‬
‫ذكرها‪ -‬عرب الوسائل اإللكرتونية كتابة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫() راجع مستجدات فقهية يف قضايا الزواج والطالق‪ ،‬ألسامة عمر األشقر‪ ،‬عمان‪ ،‬دار النفائس‪،‬‬
‫‪1420‬هـ‪200-‬م‪ ،‬ص(‪.)112‬‬
‫‪14‬‬
‫ثانيًا‪ :‬النكاح عن طريق المهاتفة‪:‬‬
‫بينت من قبل أن عقد ال زواج بني غ ائبني عن طريق األجه زة الس لكية‬
‫والالس لكية ص ورة جدي دة مل يكن هلا وج ود يف العص ور الس ابقة‪ ،‬ولكن بعض‬
‫الب احثني(‪ )1‬ي رى أن لـه نظ ًريا وأق رب مث ال هلذه الص ورة ‪-‬من وجهة نظ رهم‪ -‬ما‬
‫ذكره النووي من عقد البيع بني متناديني‪ ،‬بأن يكون العاقدان يف مكانني يسمع كل‬
‫منهما ن داء اآلخ ر‪ ،‬ش اهده أو مل يش اهده‪ ،‬ويف ذلك يق ول‪ « :‬لو تناديا ومها‬
‫وتبايعا‪ ،‬صح البيع بال خالف »(‪.)2‬‬
‫متباعدان ً‬
‫وبعد ه ذا التمهيد املختصر ما حكم إج راء عقد ال زواج عربالوس ائل‬
‫اإللكرتونية مهاتفة؟ اختلف الفقهاء املعاصرون يف هذه املسألة على قولني‪:‬‬
‫الق ول األول‪:‬جييز إج راء عقد ال زواج مش افهة عن طريق وس ائل االتص االت احلديثة‬
‫كاهلاتف واإلن رتنت وممن ذهب ه ذا املذهب الش يخ‪ /‬مص طفى الزرقا (‪،)3‬‬
‫و د‪ /‬وهبة ال زحيلي(‪ ،)4‬ود‪ /‬إب راهيم ال دبو(‪ ،)5‬و د‪ /‬حممد عقلة(‪ ،)6‬والش يخ‬
‫بدران أبوالعينني بدران(‪.)7‬‬

‫‪1‬‬
‫() ذكر ذلك الدكتور علي حميي الدين القرة داغي ضمن جمموعة حبوث إجراء العقود بآالت االتصال‬
‫احلديثة ضمن جملة جممع الفقه اإلس المي‪ ،‬العدد الس ادس‪ ،‬اجلزء الث اين‪ ،‬جدة‪1410 ،‬هـ‪1990-‬م‪ ،‬ص(‬
‫‪.)935‬‬
‫‪2‬‬
‫() اجملموع للنووي‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬املكتبة السلفية (‪.)9/181‬‬
‫‪3‬‬
‫() راجع حكم إجراء العقود بوسائل االتصاالت احلديثة‪ ،‬حملمد عقلة‪ ،‬عمان‪1406 ،‬هـ‪ ،1986 -‬ص( ‪.)113‬‬
‫‪4‬‬
‫() راجع جملة جممع الفقه اإلسالمي‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬ص(‪.)888‬‬
‫‪5‬‬
‫() راجع املصدر السابق‪ ،‬ص(‪.)867‬‬
‫‪6‬‬
‫() راجع حكم إجراء العقود بوسائل االتصاالت احلديثة‪ ،‬حملمد عقلة‪ ،‬ص(‪.)113‬‬
‫‪7‬‬
‫() الزواج والطالق يف اإلسالم‪ ،‬بدران أبوالعينني‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مؤسسة شباب جامعة اإلسكندرية‪ ،‬ص(‪41‬‬
‫)‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫وميكن أن يستدل هلم مبا يلي‪:‬‬
‫التعاقد عن طريق الوس ائل اإللكرتونية مهاتفة ت وفرت فيه ش روط عقد‬
‫ال زواج كالتلفظ باإلجياب والقب ول‪ ،‬ومساع كل من العاق دين لآلخر‬
‫ومعرفته ب ه‪ ،‬واملواالة بني اإلجياب والقب ول‪ ،‬ووج ود ال ويل‪ ،‬ووج ود‬
‫صحيحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الشهود الذين يسمعون اإلجياب والقبول فيكون العقد‬
‫الق ول الث اني‪:‬مينع عقد ال زواج بطريق الوس ائل احلديثة الناقلة للكالم نطًقا ومنها التعاقد‬
‫عرب ش بكة اإلن رتنت مهاتف ة‪ ،‬وقد ذهب إىل ه ذا الق ول اللجنة الدائمة‬
‫(‪) 2‬‬
‫لإلفت اء(‪ )1‬باململكة العربية الس عودية‪ ،‬وأك ثر فقه اء جممع الفقه اإلس المي‬
‫جبدة‪.‬‬
‫وميكن أن يستدل هلم مبا يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن ه ذا الطري ق‪ ،‬أي املهاتفة قد يدخله خ داع أحد العاق دين للطريق اآلخ ر‪،‬‬
‫وعقد ال زواج جيب أن حيت اط فيه ما ال حيت اط يف غ ريه حفظًا للف روج وحتقي ًقا‬
‫ملقاصد الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -2‬علل جممع الفقه اإلسالمي املنع بأن عقد الزواج يشرتط اإلشهاد فيه‪.‬‬
‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫الراجح من وجهة نظري ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬جواز إجراء عقد النكاح بوسائل‬
‫االتصاالت احلديثة الناقلة للكالم نط ًقا ومنها شبكة اإلنرتنت؛ وذلك لتوفر شروط‬
‫النك اح من تلفظ باإلجياب والقب ول‪ ،‬ومساع كل من العاق دين لآلخر ومعرفته لـه‪،‬‬
‫ووج ود ال ويل والش هود‪ ،‬وك ون العاق دين غ ائبني ال ح رج في ه؛ فالعاق دان غائب ان‬

‫‪1‬‬
‫() الفتاوى‪ ،‬مجع وترتيب حممد عبدالعزيز املسند جملموعة علماء‪ ،‬باإلضافة لفتاوى اللجنة الدائمة لإلفتاء‬
‫باململكة العربية السعودية‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬ت (‪.)2/121‬‬
‫‪2‬‬
‫() جممع الفقه اإلسالمي‪ ،‬قرارات وتوصيات اجملمع‪ ،‬الدورات‪ 1 ( :‬ص ‪ ،)10‬القرارات (‪ ،)1/97‬تنسيق‬
‫وتعليق د‪ /‬عبدالستار أبوغدة ‪ -‬دمشق ‪ -‬دار القلم‪ ،‬ط‪1388 ،2‬هـ‪1988 /‬م‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫بشخص يهما‪ ،‬ولكنهما يعق دان عقد احلاض رين يس مع كل منهما اآلخ ر‪ ،‬كما‬
‫يسمعهما الشهود حني نطقهما باإلجياب والقبول‪ .‬وأما قول اللجنة الدائمة لإلفتاء‬
‫املوقرة واحملرتمة أنه قد حيصل خ داع أحد الط رفني لآلخ ر‪ ،‬وإن عقد ال زواج حيت اط‬
‫فيه ما ال حيتاط يف غريه‪ .‬فريد على ذلك أنه ميكن أن يرى املتعاقدان بعضهما البعض‬
‫عرب شبكة اإلنرتنت أو عرب اهلاتف الذي يظهر صورة كل من املتحادثني مع وجود‬
‫احملرم‪ ،‬وهبذا ينتفي اخلداع كما أن هناك الشاهدين اللذين يعرفان املتعاقدين‪ ،‬وأما ما‬
‫علل به جممع الفقه اإلس المي املوقر جبدة للمنع بع دم وج ود اإلش هاد فغري مقب ول؛‬
‫فالش هود يس معون اخلط اب وهم يش هدون على ما مسعوا وهم يعرف ون املتعاق دين‬
‫أيضا‪ .‬وميكن أن يطلب من املتعاقدين معلومات عن إثبات هويتهما بذكر رقم اهلوية‬ ‫ً‬
‫وتارخيها ومكان صدورها‪ ،‬وهبذا يرتجح لدي إجراء عقد الزواج بواسطة الوسائل‬
‫اإللكرتونية مشافهة إذا توفرت الشروط السابقة الذكر‪ .‬واهلل أعلم وأعلى‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫المبحث الثانـي‬
‫إجراء الطالق عن طريق الوسائل اإللكترونية‬
‫أوالً‪ :‬الطالق عبر الوسائل اإللكترونية مهاتفة‪:‬‬
‫إذا طلق الرجل زوجته مشافهة عن طريقة اهلاتف أو الكمبيوتر املرتبط بشبكة‬
‫رعا؛ ألن الطالق ال يتوقف على حض ور الزوجة وال‬ ‫اإلن رتنت ف إن الطالق واقع ش ً‬
‫رضاها وال علمها‪ ،‬كما أنه ال يتوقف على اإلشهاد‪ ،‬فالطالق يقع مبجرد تلفظ الزوج‬
‫ب ه‪ ،‬ولكن يش رتط أن تتأكد الزوجة من أن ال ذي خاطبها هو زوجها وليس هن اك‬
‫تزوي ر؛ ألنه يبىن على ذلك اعت داد الزوجة واحتس اهبا لبداية الع دة من وقت ص دور‬
‫(‪)1‬‬
‫أيض ا بالنس بة إىل الزوجة املفوضة‬
‫الطالق ال ذي خاطبها به ال زوج ويص دق ذلك ً‬
‫بالطالق من قبل زوجها حني العقد‪ ،‬جاز هلا طالق نفسها منه عن هذا الطريق(‪.)2‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الطالق عبر الوسائل اإللكترونية كتابة‪:‬‬


‫الكتابة للزوجة ب الطالق عن طريق احلاسب اآليل املرتبط بالوس ائل اإللكرتونية‬
‫(‪)3‬‬
‫فيه اخلالف القديـم الذي ذكره الفقهاء بالطالق بطريق الكتابة؛ فقد ذهب الظاهرية‬
‫وبعض الفقهاء‪ ،‬إىل أن الطالق ال يقع بالكتابة‪ ،‬وقد احتجوا مبا يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن اسم الطالق قد ورد يف الق رآن الك رمي على اللفظ ال على الكتاب ة‪ .‬ق ال ابن‬

‫‪1‬‬
‫() التفويض هو جعل أمر الطالق أو متليك الطالق لزوجته بطالق نفسها منه‪ ،‬ويشرتط لوقوعه عند‬
‫الشافعية تطليقها نفسها على الفور‪.‬‬
‫راجع مغين احملت اج (‪ 3/285‬حىت ‪ ،)187‬الق اهرة‪ ،‬مطبعة الب ايب احلل يب‪ ،‬امله ذب للش ريازي‪ ،‬الق اهرة‪،‬‬
‫مطبعة البايب احلليب (‪.)2/80‬‬
‫‪2‬‬
‫() راجع مستجدات فقهية يف قضايا الزواج والطالق‪ ،‬ص(‪.)112‬‬
‫‪3‬‬
‫() احمللى البن حزم‪ ،‬القاهرة‪1352 ،‬هـ (‪.)10/197‬‬
‫‪18‬‬
‫ح زم‪ « :‬ومن كتب إىل امرأته ب الطالق فليس ش يئاً » وق ال‪ :‬ق ال اهلل تع اىل‪ :‬‬
‫وه َّن لِ ِع دَّتِ ِه َّن ‪ ،)2(‬وال يقع‬ ‫الطَّالَ ُق م َّرتَ ِ‬
‫ان ‪ ، ‬وقال اهلل تعاىل‪  :‬فَطَلِّ ُق ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫َ‬
‫يف اللغة اليت خاطبنا اهلل تع اىل هبا ورس وله ‪ ‬اسم تطليق على أن‬
‫اب ليس طالقًا‬ ‫يكتب إمنا يقع ذلك على اللفظ به فصح أن الكت‬
‫حىت يلفظ به إذا مل يوجب ذلك نص »‪.‬‬
‫وذهب جه ور الفقه اء إىل أن الطالق يقع بالكتابة املس تبينة‪ ،‬وهي‬
‫اليت تبقى بعد كتابتها وميكن قراءاهتا(‪ .)3‬كما يقع باللفظ مع خالف فيما‬
‫بينهم يف اش رتاط النية يف الكتابة أو ع دم اش رتاطها‪ ،‬وفيما إذا ك انت‬
‫بألفاظ صرحية أم كانت بألفاظ كنائية‪.‬‬

‫الكتابة المستبينة عند الحنفية قسمان‪:‬‬


‫مس تبينة وغري مرس ومة ف األوىل كمن يكتب إىل زوجته بامسها‬
‫وعنواهنا ق ائالً‪ :‬يا فالنة أنت ط الق‪ .‬وأما غري املرس ومة فهي على خالف‬
‫ذلك كما لو كتب فالنة ط الق أو زوجيت ط الق دون أن يوجه الكتابة‬
‫إليها‪ .‬والفرق بني القسمني عندهم أن الكتابة املستبينة املرسومة إن كانت‬
‫بألفاظ صرحية فال حيتاج إىل نية‪ ،‬فلو ادعى أنه مل ينو طالقًا مل يصدق‪.‬‬
‫أما إن كانت بلفظ كناية فتحتاج إىل النية‪.‬‬
‫أما الكتابة غري املرس ومة ُفت َع ُّد من الكناي ات فال يقع هبا طالق‬
‫إال مع النية س واء أك ان بألف اظ ص رحية أم بألف اظ كنائية فلو ادعى أنه‬

‫‪1‬‬
‫() سورة البقرة‪ ،‬آية (‪.)229‬‬
‫‪2‬‬
‫() سورة الطالق‪ ،‬آية (‪.)1‬‬
‫‪3‬‬
‫() الروضة الندية شرح الدرر البهية‪ ،‬للسيد صديق خان‪ ،‬القاهرة‪ ،‬املطبعة األمريية‪ ،‬د‪ .‬ت‪.)2/147 ( .‬‬
‫‪19‬‬
‫مل ينو صدق يف ذلك‪.‬‬
‫ق ال ابن عاب دين‪ « :‬وإن ك انت مس تبينة لكنها غري مرس ومة إن‬
‫ن وى الطالق يقع وإال ال‪ .‬وإن ك انت مرس ومة يقع الطالق ن وى أو مل‬
‫ينو »(‪.)1‬‬
‫افعية(‪ ،)3‬واحلنابلة(‪ ،)4‬والزيدية(‪ )5‬إىل أن‬ ‫وذهب املالكية(‪ ،)2‬والش‬
‫الطالق يصح بالكتابة لكن إذا مل ينو بالكتابة الطالق فال يقع به ش يء‪،‬‬
‫وبعب ارة ص رحية ع دوا الكتابة ب الطالق كناية ولو ك ان اللفظ ص رحيًا يف‬
‫الطالق‪.‬‬
‫ق ال اخلرش ي‪ « :‬إن ال زوج إذا كتب إىل زوجته أو إىل غريها أنه‬
‫طلقها وهو ع ازم على ذلك ف إن الطالق يقع عليه مبج رد فراغه من‬
‫الكتابة »(‪.)6‬‬
‫وج اء يف خمتصر املزين(‪ « :)7‬ولو كتب بطالقها فال يك ون طالقًا إال‬
‫بأن ينويه»‪.‬‬
‫وق ال الن ووي‪ « :‬ق ال أص حابنا كل تص رف يس تقل به الش خص‬

‫‪1‬‬
‫() حاشية ابن عابدين‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األمريية الثانية (‪.)2/439‬‬
‫‪2‬‬
‫() اخلرشي على خمتصر خليل‪ ،‬القاهرة‪ ،‬طبعة ‪1317‬هـ (‪.)3/189‬‬
‫‪3‬‬
‫() خمتصر املزين مطبوع على هامش األم‪1321 ،‬هـ‪ ،‬املطبعة األمريية بالقاهرة (‪.)4/75‬‬
‫‪4‬‬
‫() املغين البن قدامة مطبوع على هامشه الشرح الكبري‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مطبعة املنار‪1248 ،‬هـ ( ‪.)8/412‬‬
‫‪5‬‬
‫() املنتزع املختار للشيخ عبداهلل بن مفتاح‪ ،‬القاهرة‪1332 ،‬هـ (‪.)2/385‬‬
‫‪6‬‬
‫() اخلرشي على خمتصر خليل (‪.)3/189‬‬
‫‪7‬‬
‫() خمتصر املزين (‪.)4/75‬‬
‫‪20‬‬
‫كالطالق والعتاق واإلبراء ينعقد مع النية بال خالف كما ينعقد بالصريح‬
‫»(‪.)1‬‬
‫وقال ابن قدامة يف املغين‪« :‬وإن كتب طالق امرأته ونوى طالقها‬
‫وقع وإن نوى جتويد خطه أو غم أهله مل يقع»(‪.)2‬‬
‫ويف املن تزع املخت ار‪ « :‬والكتابة على ض ربني لفظ وغري لف ظ‪ ،‬فغري‬
‫اللفظ هو كالكتابة املرتس مة‪ » ...‬وقد ج اء عقب ذلك يف احلاش ية ق ول‬
‫الشارح‪ « :‬سواء كتب صرحيًا أو كناية‪.)3(» ‬‬
‫وعلى ه ذا فالكتابة ل دى الزيدية ُت َع ُّد كناية ال يقع هبا الطالق‬
‫إال بالنية‪.‬‬

‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫وال راجح من وجهة نظ ري هو أن الطالق يقع إذا ك انت الكتابة‬
‫مس تبينة ومرس ومة وك انت بألف اظ ص رحية ن وى أو مل ين و؛ ألن اللفظ‬
‫الصريح ال حيتاج إىل نية فلو ادعى أنه مل ينو طالقًا مل يصدق‪ .‬وأما إن‬
‫ك انت مس تبينة ومرس ومة ولكن ك انت بلفظ غري ص ريح يف الطالق‬
‫فتحت اج إىل الني ة‪ .‬وأما الكتابة غري املرس ومة َفُت َع ُّد من الكناي ات فال يقع‬
‫الطالق هبا إال مع النية س واء أك انت بألف اظ ص رحية أم بألف اظ كنائي ة‪،‬‬
‫فلو ادعى أنه مل ينو طالقًا صدق يف ذلك‪.‬‬
‫وأما ق ول الظاهرية واجلعفرية أن الطالق ال يقع بالكتاب ة؛ ألن‬

‫‪1‬‬
‫() اجملموع (‪.)9/166‬‬
‫‪2‬‬
‫() املغين (‪.)3/146‬‬
‫‪3‬‬
‫() املنتزع (‪.)2/385‬‬
‫‪21‬‬
‫اسم الطالق ورد يف الق رآن باللفظ ال بالكتابة فه ذا تش دد ال م ربر لـه؛‬
‫زوج يف مفارقة زوجته‬ ‫ألن القصد من اللفظ هو التعبري عن إرادة ال‬
‫وه ذا التعبري قد يك ون باأللف اظ كما يك ون بالكتابة وخاصة إِن ك ان‬
‫الزوج غائبًا‪.‬‬
‫وأما جعل اجلمه ور من الفقه اء الكتابة ب الطالق كناية ولو ك ان‬
‫اللفظ صرحيًا يف الطالق وكانت الكتابة مستبينة ومرسومة فهذا حتكم ال‬
‫م ربر لـه؛ ألن الكتابة إذا ك انت مس تبينة ومرس ومة وبلفظ ص ريح يف‬
‫الطالق فلماذا ال حنكم بوقوع الطالق؟‪.‬‬
‫وهبذا يتضح أن الطالق عرب الوس ائل اإللكرتونية كتابة يقع إذا‬
‫ك انت الكتابة مس تبينة ومرس ومة وبلفظ ص ريح يف الطالق‪ ،‬ف إن ك انت‬
‫مس تبينة ومرس ومة ولكنها بلفظ غري ص ريح يف الطالق فالبد أن يس أل‬
‫املطلق عن نيت ه‪ .‬وأما إن ك انت الكتابة غري مس تبينة وال مرس ومة ف إن‬
‫املطلق يسأل عن نيته فإن أراد الطالق وقع وإال فال‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫اإلجراءات المترتبة على عقد الزواج عن طريق الوسائل‬
‫اإللكترونية‬

‫هناك إجراءات ترتتب على عقد الزواج بالوسائل احلديثة لالتصال‬


‫ومنها اإلنرتنت‪ ،‬سأتناوهلا يف املسألتني التاليتني‪:‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬تحديد مكان مجلس عقد النكاح وزمانه‪:‬‬
‫ذكرنا فيما س بق أن فقه اء احلنفية قد أج ازوا عقد النك اح عن‬
‫طريق الكتابة ومل يلزم وا من وجه إليه اخلط اب بوج ود إعالن قبوله بالنس بة‬
‫هلذا العقد يف جملس وصول اخلطاب كما هو الشأن يف العقود األخرى بل‬
‫إهنم ونظ ًرا لتوقف انعق اده وص حته على حتقق الش هادة‪ ،‬قد منح وا القابل‬
‫حق مغ ادرة جملس وص ول اخلط اب إىل جملس آخر يتمكن فيه من إحض ار‬
‫من يشهد على قبوله وقراءة اخلطاب املوجه إليه بطريق الكتابة وإعالن قبوله‬
‫أمامهم‪.‬‬
‫وب ذلك يتحقق جملس عقد النك اح املربم بني املتعاق دين‪ .‬وه ذه‬
‫خصوص ية خيتص هبا ه ذا العقد دون غ ريه من بقية العق ود‪ ،‬يق ول ابن‬
‫عاب دين‪ « :‬وذكر ش يخ اإلس الم خ واهر زاده يف مبس وطه‪ :‬إن الكت اب‬
‫حاضرا خماطبها يف‬
‫ً‬ ‫واخلطاب سواء إال يف فصل واحد وهو أنه لو كان‬
‫النك اح فلم جتب يف جملس اخلط اب‪ ،‬مث أج ابت يف جملس آخ ر؛ ف إن‬
‫النك اح ال يص ح‪ ،‬ويف الكت اب إذا بلغها وق رأت ومل ت زوج نفس ها منه‬
‫يف اجمللس ال ذي ق رأت الكت اب في ه‪ ،‬مث زوجت نفس ها يف جملس آخر‬
‫بني ي دي الش هود‪ ،‬وقد مسعوا كالمها وما يف الكت اب؛ يصح النك اح؛‬
‫اق هلا يف اجمللس‬ ‫ألن الغ ائب إمنا ص ار خاطبا هلا بالكت اب‪ ،‬والكت اب ب ٍ‬
‫ً‬
‫‪23‬‬
‫الث اين‪ ،‬فص ار بق اء الكت اب يف جملسه ‪-‬وقد مسع الش هود ما فيه يف‬
‫اجمللس الث اين‪ -‬مبنزلة ما لو تك رر اخلط اب احلاضر يف جملس آخ ر‪ ،‬فأما‬
‫إذا ك ان حاض ًرا فإمنا ص ار خاطبًا ب الكالم‪ ،‬وما وجد من الكالم ال‬
‫يبقى إىل اجمللس الث اين وإمنا مسع الش هود يف اجمللس الث اين أحد ش طري‬
‫العقد »(‪.)1‬‬
‫وقد علق ابن عابدين على قول شيخ اإلسالم خواهر زادة السابق‬
‫بقولـه‪ « :‬وحاص له أن قولـه‪ :‬تزوجتك بك ذا إذا مل يوجد قب ول؛ يك ون جمرد‬
‫خطبة منه هلا ف إن قبلت يف جملس آخر ال يص ح‪ ،‬خبالف ما لو كتب‬
‫ثانيا وفيه قولـه تزوجتك بك ذا‪ ،‬وقبلت عند‬
‫إليه ا؛ ألهنا ملا ق رأت الكت اب ً‬
‫ثانيا »(‪.)2‬‬
‫الشهود صح العقد كما لو خاطبها به ً‬
‫وقد ذكر البهويت عن أيب طالب من فقهاء احلنابلة مسألة شبيهة‬
‫مبس ألتنا ه ذه يعتمد عليها يف الق ول جبواز إب رام عقد النك اح يف أجه زة‬
‫االتص ال الناقلة للص وت مباش رة كاهلاتف‪ ،‬ويف األجه زة الناقلة للح روف‬
‫كاإلنرتنت حىت لو تأخر القبول عن جملس وصول اخلطاب‪ ،‬وهذه املسألة‬
‫هي‪ « :‬ق ال يف رجل ميشي إليه ق وم‪ ،‬فق الوا‪ :‬زوج فالنًا فق ال‪ :‬قد زوجته‬
‫على ألف‪ ،‬فرجعوا إىل الزوج فأخربوه‪ ،‬فقال‪ :‬قد قبلت هل يكون هذا؟‬
‫حاضرا‬
‫ً‬ ‫قال‪ :‬نعم‪ .‬قال الشيخ التقي‪ :‬وجيوز أن يقال‪ :‬إن كان العاقد اآلخر‬
‫اعترب قولـه‪ ،‬وإن كان غائبًا جاز تراخي القبول عن اجمللس »(‪.)3‬‬
‫وبن اءً على النص وص الس ابقة فإنه ميكن الق ول‪ :‬بأنه ميكن إب رام‬

‫‪1‬‬
‫() حاشية ابن عابدين (‪ ،)11-4/100‬بريوت دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() املرجع السابق نفسه‪ ،‬والصفحات نفسها‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() كشاف القناع (‪.)3/148‬‬
‫‪24‬‬
‫عقد النك اح ب أجهزة االتص ال الناقلة للص وت مباش رة أوالً‪ ،‬كما ميكن‬
‫إبرامه ب األجهزة الناقلة للح روف على اختالف أنواعها ومنها اإلن رتنت‬
‫وإن جملس عقد النك اح املراد إبرامه من خالل ه ذه األجه زة ليس هو‬
‫جملس وص ول اخلط اب‪ ،‬كما هو الش أن يف العق ود األخ رى‪ ،‬بل هو‬
‫اجمللس ال ذي يتمكن فيه من وجه إليه اإلجياب من إحض ار ش اهدين‬
‫يسمعان قبوله بعد قراءة الكتاب أمامهم حىت يكون هذا العقد مستوفياً‬
‫جلميع أركانه‪ ،‬وذلك نظراً الختصاص هذا العقد بعدم انعقاده أو صحته‬
‫إال بعد حتقق الشهادة(‪.)1‬‬

‫المسألة الثانية‪ :‬خيار المجلس وخيار الرجوع وخيار القبول‪.‬‬


‫البد أوالً من التعريف باملص طلحات الس ابقة‪ ،‬أما خي ار اجمللس يف‬
‫ال بيوع فهو أن يك ون لكل واحد من العاق دين احلق يف فسخ العقد بعد‬
‫صدور اإلجياب والقبول ما داما يف جملس العقد وهذا مذهب الشافعية(‪،)2‬‬
‫واحلنابلة(‪ )3‬ومن وافقهم وأما خي ار الرج وع‪ :‬فهو أن يكون للم وجب احلق‬
‫يف الرج وع عن إجيابه قبل أن يتصل به القب ول‪ ،‬خالف اً للمالكية ال ذين‬
‫ذهب وا إىل منع رج وع املوجب ما دام اجمللس منعق داً‪ ،‬وميتد ه ذا اخلي ار‬
‫ل دى احلنفية واحلنابلة ما دام اجمللس قائم اً إال إذا أع رض عنه أحد‬
‫املتعاقدين‪.‬‬
‫وأما خي ار القب ول‪ :‬فهو أن يك ون للقابل احلق يف ال رفض أو‬

‫‪1‬‬
‫() راجع حكم التعاقد عرب أجهزة االتصال احلديثة يف الشريعة اإلسالمية للدكتور‪ /‬عبدالرزاق اهلييت‪ ،‬ص(‪78‬‬
‫)‪ ،‬عمان‪ ،‬دار البيارق‪1421 ،‬هـ‪2000-‬م‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() راجع روضة الطالبني للنووي ( ‪ ،)3/435‬ط‪ 3‬بريوت‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪1412 ،‬هـ‪1991 -‬م‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() راجع املغين (‪.)4/7‬‬
‫‪25‬‬
‫ول ما داما يف اجمللس‪ ،‬إال إذا رجع املوجب عن إجيابه قبل قبوله‬ ‫القب‬
‫وهو ما ذهب إليه احلنفية واحلنابلة واشرتط الشافعية يف القبول الفورية(‪.)1‬‬
‫خالفًا للعق ود األخ رى وخاصة عق ود املعاوض ات املالية ف إن خي ار‬
‫اجمللس عند القائلني به ال جيري يف عقود الزواج‪.‬‬
‫يق ول ابن قدامة املقدس ي‪ « :‬وال يصح قي اس ال بيع على النك اح؛‬
‫ألن النك اح ال يقع غالبًا إال بعد روية ونظر ومتكن فال حيت اج إىل‬
‫اخلي ار بع ده‪ ،‬وألن يف ثب وت اخلي ار مض رة ملا يل زم من رد املرأة بعد‬
‫ابتذاهلا بالعقد وذهاب حرمتها بالرد‪ ،‬وإحلاقًا بالسلع املعيبة »(‪.)2‬‬
‫أما فيما يتعلق خبي اري الرج وع والقب ول يف حالة املهاتفة وما‬
‫يلحق هبا‪ ،‬فال حيدث هن اك أي إش كال يف حالة التعاقد بني احلاض رين‪،‬‬
‫لع دم وج ود فاصل زم ين‪ ،‬وعلى ه ذا فللم وجب حق الرج وع عن إجيابه‬
‫والتحلل منه يف أي وقت قبل ص دور القب ول‪ ،‬وللط رف املوجه إليه‬
‫اإلجياب اخلي ار يف القب ول ما دام يف جملس العقد يف املدة الزمنية مع‬
‫وجود الشهود‪ ،‬فإذا صدر منه القبول لزمه العقد‪.‬‬
‫أيض ا أنه ال حيدث أي إش كال؛ ألن‬ ‫أما يف حالة الكتابة ف أرى ً‬
‫وس ائل االتص االت احلديثة حتقق املواالة بني اإلجياب والقب ول يف عقد‬
‫الزواج‪.‬‬
‫ومجهور الفقهاء القدامى الذين منعوا عقد الزواج عن طريق‬
‫الكتابة كان منعهم لعدم وجود املواالة‪ ،‬ووسائل االتصاالت احلديثة حتقق‬
‫املواالة سواء يف املشافهة أو الكتابة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() راجع فيما سبق روضة الطالبني (‪ ،)3/340‬واملغين البن قدامة (‪ ،)7/431‬مواهب اجلليل للحطاب‬
‫(‪ )241 ،4/240‬ط‪ ،1‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‪1398 ،‬هـ‪1978-‬م‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() املغين البن قدامة (‪.)4/7‬‬
‫‪26‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫بيان موقف قوانين األحوال الشخصية في بعض البالد العربية‬
‫من التعاقد عبر الوسائل اإللكترونية كتابة ومهاتفة‬

‫أوالً‪ :‬التعاقد كتابة‪:‬‬


‫التعاقد عن طريق الكتابة أخذت به قوانني األحوال الشخصية يف‬
‫البالد العربية ويغلب التعبري على ألسنة وأقالم القانونيني لقب التعاقد بني‬
‫الغائبني أو بالرسول‪.‬‬
‫وإذا استعرضنا نصوص بعض قوانني األحوال الشخصية العربية‬
‫جند أن التعبري بالكتابة عندهم يساوي التعبري بالقول وغريه كاإلشارة‬
‫وحنوها‪.‬‬
‫فقد نصت املادة (‪ )6‬ف (‪ )2‬من مشروع قانون األحوال‬
‫الشخصية لدولة اإلمارات العربية املتحدة على ما يلي‪ « :‬وجيوز أَن يكون‬
‫اإلجياب من الغائب بالكتابة فإن تعذرت فاإلشارة املفهومة »‪.‬‬
‫ويف املادة (‪ )7‬من القانون املذكورة (ف) (جـ)‪ « :‬احتاد جملس‬
‫العقد بني احلاضرين باملشافهة حصول القبول فور اإلجياب‪ ،‬وبني الغائبني‬
‫حبصول القبول يف جملس تالوة الكتاب أمام الشهود أو إمساعهم مضمونه‬
‫أو تبليغ الرسول‪ .‬وال يعترب القبول مرتاخيًا عن اإلجياب إذا مل يفصل‬
‫بينهما ما يدل على اإلعراض »‪.‬‬
‫وجاء يف قانون األحوال الشخصية الكوييت املادة (‪ )9‬ف (ب)‪« :‬‬
‫وجيوز أَن يكون اإلجياب بني الغائبني بالكتابة أو بواسطة رسول »‪.‬‬
‫وجاء يف املادة العاشرة على أنه يشرتط يف اإلجياب والقبول‬
‫شروط منها‪:‬‬
‫‪27‬‬
‫فقرة (جـ) من املادة (‪ )10‬نصها‪ « :‬احتاد جملس العقد للعاقدين‬
‫احلاضرين‪ ،‬ويبدأ اجمللس بني الغائبني منذ اطالع املخاطب باإلجياب على‬
‫مضمون الكتاب‪ ،‬أو مساعه بالغ الرسول‪ ،‬ويعترب اجمللس يف هذه احلالة‬
‫مستمرا ثالثة أيام يصح خالهلا القبول ما مل حيدد من اإلجياب مهلة‬
‫ًّ‬
‫أخرى كافية أو يصدر من املرسل إليه ما يفيد الرفض »‪.‬‬
‫وما ورد يف القانون الكوييت مستم ٌد بالنص من مشروع قانون‬
‫األحوال الشخصية املوحد لإلقليمني املصري والسوري‪.‬‬
‫ويف مشروع قانون األحوال الشخصية القطري املادة (‪ )14‬يشرتط‬
‫لصحة اإلجياب والقبول ما يلي‪ :‬ف (أ)‪ « :‬صدورمها عن رضاء تام‬
‫بألفاظ تفيد معىن الزواج لغة أو عرفاً ويف حالة العجز عن النطق‬
‫فبالكتابة فإن تعذرت فبإشارته املفهومة »‪.‬‬
‫وقد أخذت القوانني السالفة الذكر باملذهب احلنفي الذي جييز عقد‬
‫الزواج بالكتابة بشروط سبق ذكرها يف اجلانب الشرعي من هذا البحث‬
‫أيضا‪.‬‬
‫وهو ما رجحته ً‬
‫واملستند يف االلتجاء إىل حتديد مهلة ثالثة أيام هو قاعدة‬
‫االستصالح؛ ألن القضية من أصلها اجتهادية مرتوك فيها حتديد اجمللس‬
‫للنظر الفقهي املبين على التقدير املعقول وف ًقا ملقتضيات مصلحة املتعامل‪.‬‬
‫أما حتديد هذه املهلة بثالثة أيام‪ ،‬فقد استوحته ‪-‬أي جلنة مشروع قانون‬
‫األحوال الشخصية املوحد‪ -‬من مهلة خيار الشرط املشروع للرتوي؛ حيث‬
‫حددها معظم الفقهاء بثالثة أيام أخ ًذا بظاهر احلديث النبوي املروي‬
‫فيه(‪.)1‬‬
‫‪1‬‬
‫() مشروع قانون األحوال الشخصية املوحد لإلقليمني املصري والسوري‪ ،‬املذكرة اإليضاحية‪ ،‬ص(‬
‫‪ )53/54‬ط‪1416 ،1‬هـ ‪1996 -‬م‪ ،‬دار القلم ‪ -‬دمشق‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫وبالتايل فإن هذه القوانني جتيز التعاقد عن طريق الفاكس أو‬
‫اإلنرتنت؛ ألن هذا عقد مت بالكتابة بالشروط والضوابط املذكورة يف‬
‫اجلانب الشرعي‪ .‬وكان ينبغي أن حت ّدث هذه القوانني ويذكر فيها ذلك‬
‫صراحة‪.‬‬
‫أما ما يتعلق بالطالق كتابة فقد جاء يف القانون الكوييت مادة (‬
‫‪ )104‬فقرة (ب)‪ :‬ويقع بالكتابة عند العجز عن النطق به(‪.)1‬‬
‫وجاء يف مشروع قانون األحوال الشخصية القطري املادة (‪)114‬‬
‫ف (أ)‪ « :‬يقع الطالق باللفظ الصريح أو الكتابة وعند العجز عنهما‬
‫فباإلشارة املفهومة »‪.‬‬
‫وجاء يف مشروع قانون األحوال الشخصية املوحد لإلقليمني‬
‫املصري والسوري مادة (‪ )74‬فقرة (ب)‪ « :‬ويقع من العاجز عن الكالم‬
‫بالكتابة »‪.‬‬
‫عاجزا عن‬
‫ً‬ ‫وجاء يف املذكرة اإليضاحية‪ « :‬فإن كان مريد التطليق‬
‫الكالم تقبل منه الكتابة يف التعبري عن إرادته‪ ،‬وال تقبل من غري العاجز‬
‫عن الكالم؛ وذلك ألن الكتابة أَدىن داللة على جزم اإلرادة اإلنشائية يف‬
‫اللفظ يف نظر الفقهاء‪ ،‬وهو الواقع‪ ،‬فإن الكتابة كما يقول الفقهاء قد‬
‫تكون لتجربة اخلط مثالً(‪.)2‬‬
‫هذا وقد رجحت يف املبحث الثاين أن الطالق يقع بالكتابة إذا‬
‫كانت مستبينة أو مرسومة وكانت بألفاظ صرحية نوى أو مل ينو؛ ألن‬
‫اللفظ الصريح ال حيتاج إىل نية فلو ادعى أنه مل ينو طالقًا مل يصدق‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫() األحوال الشخصية يف التشريع اإلسالمي للدكتور أمحد الغندور‪ ،‬ط‪ ،4‬الكويت‪ ،‬مكتبة الفالح‪1422 ،‬‬
‫هـ‪2001 -‬م‪ ،‬ص(‪.)412‬‬
‫‪2‬‬
‫() مشروع قانون األحوال الشخصية املوحد‪ ،‬ص(‪.)133‬‬
‫‪29‬‬
‫وأما إن كانت مستبينة ومرسومة ولكن كانت بلفظ غري صريح يف‬
‫الطالق فتحتاج إىل النية‪ ،‬وأما الكتابة غري املرسومة َفُت َع ُّد من الكنايات‬
‫فال يقع الطالق هبا إال مع النية سواء أكانت بألفاظ صرحية أم بألفاظ‬
‫كنائية‪ ،‬فلو ادعى أنه مل ينو طالقًا صدق يف ذلك‪.‬‬
‫لزاما على قوانني األحوال الشخصية اليت أخذت بالكتابة‬ ‫فكان ً‬
‫أن تضبطها بالضوابط السالفة الذكر وإال وقع اخلالف والتنازع خاصة‬
‫من طرق احملامني‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬التعاقد مهاتفة‪:‬‬


‫أما التعاقد عرب الوسائل اإللكرتونية مهاتفة وما أشبهه من الوسائل‬
‫األخرى فلم أجد قوانني األحوال الشخصية يف البالد العربية تعرضت لـه‬
‫مطل ًقا‪.‬‬
‫وأما الفقهاء املعاصرون فقد ذكرت آراءهم يف املبحث األول(‪،)1‬‬
‫فمنهم من أجازه وهم اجلمهور ومنهم من منعه وهم قلة ومن أراد‬
‫التوسع فلريجع إليه‪.‬‬
‫أما الطالق مهاتفة بالوسائل اإللكرتونية فلم تتعرض لـه قوانني‬
‫أيضا مطل ًقا‪ ،‬ومرة أخرى ندعو‬
‫األحوال الشخصية يف البالد العربية ً‬
‫املشرعني يف البالد العربية إىل حتديث قوانني األحوال الشخصية حىت‬
‫تكون موافقة لروح العصر‪ ،‬وقد أجاز الفقهاء املعاصرون إيقاع الطالق‬
‫عرب الوسائل اإللكرتونية مهاتفة بشروط وضوابط من أراد االطالع عليها‬
‫فلرياجع املبحث الثاين من الفصل األول(‪.)2‬‬
‫‪1‬‬
‫() انظر‪ :‬ص(‪ )13‬من هذا البحث‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() انظر‪ :‬ص(‪ ،)15‬وما بعدها من هذا البحث‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫المبحث الخامس‬
‫بالوسائل اإللكترونية‬ ‫اإلجراءات المترتبة على عقد الزواج‬
‫في‬
‫قوانين األحوال الشخصية العربية‬

‫هناك إجراءات ترتتب على عقد الزواج بالوسائل اإللكرتونية‬


‫سأتناوهلا يف املسألتني التاليتني‪:‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬تحديد مجلس العقد‪:‬‬
‫البد يف التعاقدات سواء أكانت بني حاضرين أم غائبني أن‬
‫تكون مشتملة على إجياب وقبول‪ ،‬يف جملس واحد‪ ،‬فاحتاد اجمللس شرط‬
‫يف االنعقاد‪ ،‬والغرض من هذا هو حتديد املدة اليت يصح أن تفصل‬
‫القبول عن اإلجياب حىت يتمكن من عرض عليه اإلجياب من املتعاقدين‬
‫أن يتدبر أمره فيقبل اإلجياب أو يرفضه(‪.)1‬‬
‫وليس املراد من احتاد اجمللس‪ ،‬كون املتعاقدين يف مكان واحد‬
‫كما كان احلال قدميًا؛ ألنه قد يكون مكان أحدمها غري مكان اآلخر‪،‬‬
‫إذا وجد بينهما واسطة اتصال كالتعاقد باهلاتف أو الالسلكي‪ ،‬وإمنا املراد‬
‫باحتاد اجمللس‪ :‬احتاد الزمن أو الوقت الذي يكون املتعاقدان مشتغلني فيه‬
‫بالتعاقد‪ ،‬فمجلس العقد‪ :‬هو احلال اليت يكون فيها املتعاقدان مقبلني على‬
‫التفاوض يف العقد(‪.)2‬‬

‫‪1‬‬
‫() راجع مصادر احلق يف الفقه اإلسالمي للسنهوري‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬ت‪( ،‬‬
‫‪.)1/49‬‬
‫‪2‬‬
‫() راجع املدخل الفقهي العام للزرقا‪ ،‬ط‪ - 9‬دمشق‪ ،‬مطابع أ‪ .‬ب األديب‪1967 ،‬م (‪.)1/348‬‬
‫‪31‬‬
‫وعلى هذا يكون جملس العقد يف املكاملة اهلاتفية‪:‬‬
‫هو زمن االتصال ما دام الكالم يف شأن العقد‪ ،‬فإن انتقل‬
‫املتحدثان إىل حديث آخر أو انتهت املكاملة انتهى اجمللس‪.‬‬
‫وجملس العقد يف العقود الكتابية اليت جترى بالوسائل اإللكرتونية‬
‫كاإلنرتنت والفاكس هو مكان وصول الرسالة على أن ترسل بوسائل‬
‫االتصاالت الفورية‪ .‬حىت ال يكون هناك زمن فاصل بني الكتابة‬
‫والقبول(‪.)1‬‬

‫المسألة الثانية‪ :‬تحديد مكان مجلس العقد وزمانه‪:‬‬


‫يعد من األمهية مبكان معرفة الزمان واملكان اللذين مت هبما‬
‫الزواج‪ ،‬وميكننا أن نربز أمهية معرفة الزمان واملكان اللذين مت هبما‬
‫الزواج من خالل النقاط التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬حتديد الوقت الذي ينتج فيه عقد الزواج آثاره الشرعية والقانونية‪.‬‬
‫ب‪ -‬حتديد نطاق سريان القوانني اجلديدة يف جمال األحوال الشخصية على‬
‫مثل هذه العقود‪.‬‬
‫جـ‪ -‬حتديد الوقت ال يستطيع املوجب بعده أن يعدل عن إجيابه إذا كان‬
‫اإلجياب غري ملزم على رأي اجلمهور‪.‬‬
‫أما أمهية حتديد املكان فتظهر يف ماهية القوانني الدولية والقطرية‬
‫اليت ستحكم هذا العقد خاصة مع اختالف قوانني األحوال الشخصية من‬
‫دولة ألخرى(‪.)2‬‬

‫‪1‬‬
‫() راجع مستجدات فقهية يف قضايا الزواج والطالق ألسامة األشقر‪ ،‬ص(‪.)116‬‬
‫‪2‬‬
‫() راجع ضوابط العقود حملمود البعلي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬ص(‪ ،)149‬ص(‪ ،)151‬مصادر االلتزام‬
‫يف الق انون املص ري واللبن اين‪ ،‬رمض ان أبوالس عود‪ ،‬د‪ .‬م‪ ،‬املكتبة اجلامعية ‪1986‬م‪ ،‬نقالً عن مس تجدات‬
‫‪32‬‬
‫شخصا يعيش يف اإلمارات مثالً ويرغب يف االرتباط‬
‫ً‬ ‫فلو أن‬
‫بزوجة ثانية تعيش يف مصر‪ ،‬فإذا قلنا‪ :‬إِن العقد ينعقد حني القبول من‬
‫طرف املرأة فحينئذ البد من تطبيق نظام األحوال الشخصية يف مصر‬
‫الذي يوجب إبالغ الزوجة األوىل‪ ،‬وعلى العكس من ذلك إذا كان‬
‫وقت االنعقاد حني علم املوجب بالقبول فالبد من تطبيق نظام األحوال‬
‫الشخصية اإلمارايت الذي ال يشرتط مثل هذه الشروط‪ ،‬وهذا ميكننا من‬
‫إدراك العديد من االختالفات بني القوانني اليت تعد جوهرية يف بعض‬
‫األحيان مما يسبب للمتعاقدين الضيق واحلرج‪.‬‬
‫واحلقيقة اليت جيب معرفتها أن الشريعة اإلسالمية تنتمي إىل‬
‫نظرية إعالم القبول(‪ )1‬يف املعامالت املالية‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بعقود الزواج‪ ،‬واليت حيتاط فيها ما ال حيتاط يف‬
‫ودفعا لتحقق الضرر يف مثل هذه املسائل اليت ختتلف اختالفًا‬ ‫غريها‪ً ،‬‬
‫جذريًا عن طبيعة العقود األخرى‪.‬‬
‫هلذا كله أرى أن الراجح يف األحوال الشخصية هو األخذ‬
‫بنظرية العلم بالقبول واليت مبوجبها البد للموجب أن يعلم بقبول الطرف‬
‫اآلخر‪ ،‬حىت نقلل من املشكالت والنـزاعات اليت قد حتدث يف عقود‬
‫األحوال الشخصية إذا كانت بالوسائل اإللكرتونية‪.‬‬
‫وإذا كان التعاقد عن طريق اهلاتف وما أشبهه من الوسائل‬
‫اإللكرتونية‪ ،‬فمن الناحية الزمنية ميكننا األخذ بنظرييت إعالن القبول والعلم‬
‫معا‪ ،‬إال يف حال انقطاع اهلاتف لسبب ما فالبد من العودة إىل‬ ‫بالقبول ً‬
‫نظرية العلم بالقبول‪.‬‬
‫فقهية يف قضايا الزواج والطالق‪ ،‬ص(‪.)116‬‬
‫‪1‬‬
‫() جملة جممع الفقه اإلسالمي‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬حبث علي حمي الدين القرة داغي (‪ )2/950‬ص(‪.)953‬‬
‫‪33‬‬
‫أما من ناحية التحديد املكاين النعقاد العقد فاإلشكال يف كلتا‬
‫احلالتني املكاتبة واملشافهة حاصل‪ ،‬وقد اختلفت القوانني يف حتديد ذلك‪.‬‬
‫وميكن إجياز اجتاهات القوانني يف ذلك فيما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن حتديد مكان انعقاد العقد يرجع قبل كل شيء إىل مشيئة العاقدين‬
‫وإىل تقييم وتقدير القاضي‪ ،‬حسب الظروف املختلفة اليت حتيط بالعقد‬
‫واملتعاقدين‪.‬‬
‫ب ‪ -‬يتفق حتديد الوقت مع حتديد املكان يف بعض احلاالت‪.‬‬
‫جـ‪ -‬خيتلف حتديد الوقت عن حتديد املكان يف حاالت أخرى‪.‬‬
‫والذي أخذت به يف هذا البحث هو القانون املصري يف حتديده‬
‫ملكان وزمان العقد؛ فقد قرر يف املادة (‪ 97‬مدين) األخذ بنظرية العلم‬
‫بالقبول‪ ،‬واعتربها أرفق باملوجب وأكثر رعاية ملصاحله‪ ،‬إال أهنا يف الوقت‬
‫ذاته أعطت احلرية يف أن يرجع هذا التحديد إىل قصد املتعاقدين‬
‫واتفاقهما فإذا مل يوجد اتفاق يرجع إىل نصوص القانون(‪.)1‬‬
‫أما فيما يتعلق خبيار اجمللس وخيار الرجوع وخيار القبول فقد‬
‫حتدثت عنها يف اجلانب الشرعي‪.‬‬

‫الفصل الثانـي‬
‫حكم إبرام العقود التجارية بالوسائل اإللكترونية‬
‫‪1‬‬
‫() راجع مبادئ االلتزام يف القانون املصري واللبناين‪ ،‬رمضان أبوالسعود‪ ،‬ص(‪ .)95‬والوسيط‬
‫للسنهوري‪ ،‬ص(‪.)248-247‬‬
‫‪34‬‬
‫المبحـث األول‪ :‬حكم إبرام العقود التجارية كتابة بالوسائل اإللكترونية‪.‬‬

‫المبحث الـثاني ‪ :‬حكم إبرام العقود التجارية مهاتفة بالوسائل اإللكترونية‪.‬‬

‫المبحث الثالـث‪ :‬اإلجراءات المترتبة على العقود التجارية عبر الوسائل‬

‫اإللكترونية‪.‬‬

‫المبحث الرابـع‪ :‬بيان موقف القوانين الوضعية من التعاقد عن طريق الكتابة‬

‫وما في حكمها من الوس ائل اإللكترونية كالف اكس واإلن ترنت‬

‫وما أشبه ذلك‪.‬‬

‫المبحث الخ امس‪ :‬بي ان موقف الق وانين الوض عية من التعاقد عن طريق اله اتف‬

‫والالسلكي واإلنترنت وما يشبهها مهاتفة‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫الفصل الثانـي‬
‫حكم إبرام العقود التجارية بالوسائل اإللكترونية‬
‫المبحث األول‬
‫حكم إبرام العقود التجارية كتابة بالوسائل اإللكترونية‬

‫التعاقد الذي يتم من خالل الوسائل اإللكرتونية كتابة هو تعاقد عن طريقة‬

‫الكتابة س واء بس واء؛ فعن طريق الوس ائل اإللكرتونية يتم القي ام بربجمة خاصة متكن‬

‫اإلنسان من خماطبة اجلهاز اآلخر أوتوماتيكيًّا أو علميًّا وبالتايل كتابة رسالة تعاقدية‬

‫فيه‪ ،‬وختزينها مع توجيهه بإرسال نسخة منها إىل اجلهاز الثاين املرتبط به‪.‬‬

‫وعليه ميكننا الق ول‪ :‬إنه ال يوجد أي ف ارق يف التعاقد من خالل الوس ائل‬

‫اإللكرتونية والكتابة العادي ة؛ فهو أش به ما يك ون خبط اب ص ادر من ش خص كلف‬

‫شخصا آخر بكتابته وإرساله إىل من وجه إليه‪.‬‬


‫ً‬
‫ومبا أن التعاقد من خالل الوس ائل اإللكرتونية هو تعاقد عن طريق الكتابة‬

‫فإنه جيدر بنا أن نبحث احلكم الشرعي يف التعاقد عن طريق الكتابة‪.‬‬

‫حكم التعاقد بطريق الكتابة‪:‬‬

‫اختلف الفقهاء رمحهم اهلل يف حكم التعاقد بطريق الكتابة على ثالثة أقوال‪:‬‬

‫‪36‬‬
‫الق ول األول‪ :‬ذهب مجه ور الفقه اء من املالكية(‪ ،)1‬والش افعية(‪ ،)2‬واحلنابلة(‪ ،)3‬إىل‬

‫أن الكتابة كاخلط اب؛ فالتعاقد هبا ج ائز س واء أك ان العقد بني حاض رين أم‬

‫بني غ ائبني‪ ،‬وس واء أك ان املتعاق دان ق ادرين على النطق أم ع اجزين عن ه‪،‬‬

‫لكنهم اس تثنوا من ذلك عقد النك اح خلصوص يته واش رتاط الش هود فيه كما‬

‫سبق بيانه‪ ،‬وقد استدل هؤالء إىل ما ذهبوا إليه مبا يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬إن الكتابة هي وسيلة من وسائل التعبري عن اإلرادة كاخلطاب‪.‬‬

‫‪ -2‬ما ثبت يف األدلة الص حيحة القاطعة من أن رس ول اهلل ‪ ‬قد اس تعمل الكتابة‬

‫وس يلة من وس ائل نشر ال دعوة اإلس المية؛ فلقد خ اطب رس ول اهلل ‪ ‬الرؤس اء‬

‫وامللوك ودعاهم إىل الدخول يف اإلسالم عن طريق الكتابة(‪ .)4‬فإذا كانت الكتابة‬

‫صاحلة لنشر الدعوة اإلسالمية فكيف ال تكون صاحلة إلنشاء العقود؟‪.‬‬

‫القول الثاني‪ :‬مذهب بعض الفقهاء‪ ،‬وهو قول للشافعية (‪ ،) 5‬إىل أنه ال يصح التعاقد بطريق‬

‫عاجزا عن النطق والكالم فقط‪.‬‬


‫الكتابة إال ملن كان ً‬
‫‪1‬‬
‫() الخرشي على مختصر خليل (‪ ،)5/5‬بيروت‪ ،‬دار صادر‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() المجموع (‪ ،)9/177‬القاهرة‪ ،‬مطبعة العاصمة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() كشاف القناع للبهوتي (‪ ،)3/148‬الرياض‪ ،‬مكتبة النصر الحديثة‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() صحيح البخاري مع الفتح ‪ -‬كتاب الجهاد (‪.)6/109‬‬
‫‪5‬‬
‫() المجموع (‪.)9/177‬‬
‫‪37‬‬
‫وقد استدل هؤالء مبا يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الكتابة ليست وس يلة من وس ائل التعب ير المعت برة؛‬
‫حيث إِنها تحتمل ال تزوير وإرادة تحس ين الخط فق ط‪ ،‬ومع ه ذا‬
‫االحتم ال ال تثبت بها العق ود ال تي ت رتب عليها آث ار كث يرة من‬
‫حل وحرمة‪ ،‬ومن انتقال الملكية ونحوه‪.‬‬
‫‪ -2‬أن وسائل التعبري عن اإلرادة جاءت مجيعها باأللفاظ‪ ،‬ومل يشتهر يف عصر النيب‬

‫‪ ‬إنش اء العق ود بالكتابة غري أنه يس تثىن من ذلك الع اجز عن النطق ال ذي ال‬

‫جيد حيلة إىل النطق وال يهتدي إال إىل اإلشارة أو الكتابة(‪.)1‬‬

‫القول الثالث‪ :‬ذهب فقهاء احلنفية (‪ )2‬إىل أن الكتابة تنـزل منـزلة اخلطاب بالنسبة للغائبني‬

‫فقط‪ ،‬ومل يستثنوا من ذلك حىت عقد النكاح كما سبق توضيح ذلك وبيانه‪.‬‬

‫وقد استدل هؤالء مبا يلي‪:‬‬

‫استدل احلنفية إىل ما ذهبوا إليه بنفس األدلة اليت استدل هبا أص حاب القول‬
‫الث اين‪ ،‬لكنهم ق الوا‪ :‬إن احلاجة ماسة بالنس بة للغ ائبني دون احلاض رين‪ ،‬في رتخص‬

‫للغ ائبني دون غ ريهم‪ ،‬فلم اذا يلجأ إليها احلاض ران ومها ق ادران على النطق ال ذي هو‬

‫أقوى‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫() راجع‪ :‬مبدأ الرضا في العقود لعلي مح يي ال دين الق رداغي‪ ،‬ص( ‪ ،)947‬ب يروت‪ ،‬دار البش ائر ‪1985‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() راجع‪ :‬بدائع الصنائع (‪ ،)5/138‬القاهرة‪ ،‬المطبعة الجمالية ‪1910‬م‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫ال راجح من وجهة نظ ري ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬هو ما ذهب إليه مجه ور الفقه اء‬
‫القائلني جبواز إبرام العقود عن طريق الكتابة مطل ًقا أي سواء أكان العقد بني غائبني‬
‫أم حاض رين‪ ،‬وس واء أك ان املتعاق دان ق ادرين على النطق أم ع اجزين عن ه؛ ألنه‬
‫يدعمه ال دليل ويتفق مع قواعد الش ريعة وأص وهلا القاض ية برفع احلرج ومبادئها‬
‫اخلاصة ب العقود الدالة على أن األس اس هو الرتاضي دون النظر إىل التقيد بأية‬
‫شكلية؛ باإلضافة إىل أن الشرع علق حل أكل األموال على الرتاضي فقال تعاىل‪ :‬‬
‫الَ تَ أْ ُكلُواْ أَم والَ ُكم بينَ ُكم بِالْب ِ‬
‫اط ِل إِالَّ أَن تَ ُك و َن تِ َج َار ًة َعن َت َر ٍ‬
‫اض ِّم ْن ُك ْم ‪،)1(‬‬ ‫ْ َ ْ َْ ْ َ‬
‫ومع ذلك مل يفصل يف وس ائل التعبري عنه كما أننا ال جند هلا حتدي ًدا دقيق اً يف اللغة‬
‫فين اط حينئذ ب العرف والع رف ج ار ق دميًا وح ديثًا على ص الحية الكتابة للتعبري عن‬
‫الرضا واإلرادة‪ ،‬ولذلك فهي صاحلة إلنشاء العقود(‪.)2‬‬
‫وأما ما يذكره أصحاب القول الثاين من القول بأن الكتابة ليست وسيلة‬
‫من الوسائل املعتربة يف التعبري عن اإلرادة الحتمال التزوير وحتسني اخلط‪ ،‬فال ميكن‬

‫االعتماد عليها يف إثبات العقود إال للعاجز فقط فيجاب عنه‪ :‬بأنه ال ميكن التسليم‬

‫ب ه؛ ألن التعبري عما يف النفس كما ميكن أن يتم عن طريق اخلط اب فإنه ميكن أن‬

‫يتم عن طريق الكتاب ة‪ .‬خاصة وإن الع رف ج ار ق دميًا وح ديثًا على اعتم اد الكتابة‬

‫‪1‬‬
‫() سورة النساء‪ ،‬آية (‪.)29‬‬
‫‪2‬‬
‫() راجع‪ :‬مبدأ الرضا في العقود (‪.)2/948‬‬
‫‪39‬‬
‫وسيلة من وسائل التعبري عن النفس كاخلطاب ودون متييز بينهما‪.‬‬

‫وأما احتم ال ال تزوير أو التقليد فيه ا‪ :‬ف إن ذلك االحتم ال يتالشى مع دخ ول‬

‫القرائن‪ ،‬إضافة إىل أن هذا الكالم يدور حول عملية اإلثبات وحنن نتحدث عن الكتابة‬

‫كوهنا وسيلة من وسائل التعبري عن اإلرادة وليس عن اإلثبات‪ .‬وأما قولـهم بأن الكتابة مل‬

‫تستعمل وسيلة من وسائل إبرام العقود يف عصر النيب ‪ ‬ال نسلم هلم ذلك؛ فاألحاديث‬

‫الصحيحة شاهدة على أن الرسول قد استعملها يف رسائله مع امللوك وغريهم للتعبري عما‬

‫يري ده منهم من ال دخول يف اإلس الم‪ ،‬ولو سلم ذلك فال يدل ع دم اس تعماهلا يف عه ده‬

‫على عدم جواز استعماهلا؛ وذلك ألن مبىن هذه الدالالت على العرف‪ ،‬واجلمهور على‬

‫عدم التقيد بالصيغ الواردة يف الشرع ما دامت ال تصطدم مع نص شرعي وال دليل على‬

‫منع الكتاب ة‪ ,‬وأما اجلواب عما اس تدل به احلنفية ‪-‬أص حاب الق ول الث الث‪ -‬فيمكن أن‬

‫جياب عنه بأن النزاع يف الكتابة هل تصلح للداللة على ما يف النفس أم ال؟ فإذا قلنا نعم‪،‬‬
‫ف أي تقييد يف حقه ا‪ ،‬وتض ييق لنطاقها مبا بني الغ ائبني ال يتفق مع ه ذا اجلواب‪ ،‬وال مع‬

‫املبدأ السائد يف الشريعة اإلسالمية الغراء‪ ،‬القاضي بأن أساس العقود هو الرضا!‪ ..‬وأما إذا‬

‫ك ان اجلواب ب النفي فالبد أال نس تثين الغ ائبني‪ ،‬وأن التعبري عن الرضا ض روري يف إنش اء‬

‫العقد حبيث ال يتم بدون ه‪ ،‬كما أنه ال توجد ض رورة بالنس بة للغ ائبني إذ ميكنهما‬

‫التوكيل(‪.)1‬‬

‫‪1‬‬
‫() راجع مبدأ الرضا في العقود (‪.)2/947‬‬
‫‪40‬‬
‫المبحث الثانـي‬
‫حكم إبرام العقود التجارية مهاتفة بالوسائل اإللكترونية‬

‫من املعل وم أن جه از اهلاتف يق وم بنقل كالم املتح دث فيه مباش رة وبدقة‬

‫متناهية؛ حيث إنه يسمع كال املتحدثني كالم صاحبه بوضوح وال خيتلف الكالم فيه‬

‫عن الكالم املباش ر‪ ،‬س وى وج ود فاصل مك اين بينهما وع دم إمك ان رؤية أح دمها‬

‫لآلخر ‪-‬وإن ك انت التكنولوجيا احلديثة قد توص لت إىل اخ رتاع جه از ه اتف ينقل‬

‫مع ا‪ -‬وكذا يف حالة وجود كامريا للكمبيوتر عندمها سويًّا‪ ،‬وعليه‬


‫الصورة والصوت ً‬
‫ف إن ص حة التعاقد من خالله تك ون بطريق أوىل ل زوال احتم ال ال تزوير يف مثل ه ذه‬

‫احلالة‪.‬‬

‫ائل‬ ‫إذا انتهى عقد ما من خالل اهلاتف (املهاتفة بالوس‬ ‫ومن هنا ف‬
‫اإللكرتونية) ومت فيه اإلجياب والقبول مع بقية الشروط املطلوبة فإنه صحيح ال غبار‬

‫عليه‪ ،‬غري أن عدم رؤية أحدمها لآلخر جيعل احتمال التزوير وتقليد صوت شخص‬

‫واردا‪ ،‬ول ذلك إذا ص ار ال نزاع ح ول ذلك فالقض اء هو الفيص ل‪ ،‬وتس مع‬
‫آخر ً‬
‫دعوى من يدعي ذلك ولكن عليه يقع عبء اإلثبات‪.‬‬

‫أما ع دم رؤية أح دمها لآلخر فليس لـه عالقة بص حة العق ود أو ع دمها؛ ألن‬

‫‪41‬‬
‫املطل وب يف ب اب العق ود مساع اإلجياب والقب ول والتقاؤمها‪ ،‬أو إدراكهما ب أي وس يلة‬

‫كانت(‪.) 1‬‬

‫فالعقد باملهاتفة كالعقد بني شخصني بعي دين ال ي رى أح دمها اآلخ ر‪ ،‬ولكنه‬

‫وتبايعا صح ال بيع بال‬


‫يس معه‪ .‬يق ول اإلم ام الن ووي‪ « :‬لو تناديا ومها متباع دان ً‬
‫خالف‪.)2(» ‬‬

‫باإلض افة إىل أن وج ود الس اتر بني العاق دين ‪-‬بل بن اؤه‪ -‬ال ي ؤثر حىت يف‬

‫خيار اجمللس(‪ )3‬فكيف يؤثر يف إنشاء العقد!‪..‬‬

‫ومن ج انب آخ ر‪ ،‬إن األس اس يف العق ود هو ص دور ما ي دل على الرضا‬

‫بصورة واضحة مفهومة كما تدل على ذلك نصوص الفقهاء (‪ ،)4‬وذلك متحقق يف‬

‫املهاتف ة؛ حيث إِن التعبري يتم من خالل اللفظ ال ذي هو حمل االتف اق بني الفقه اء‪،‬‬

‫وما اهلاتف إال وس يلة لتوص يل الص وت فحس ب‪ ،‬وليس وس يلة جدي دة‪ ،‬فالقاع دة‬
‫األساسية يف العقود حتقيق الرضا للطرفني والتعبري عنه‪ ،‬وإظهاره بأي وسيلة مفهومة‬

‫كما أن الع رف لـه دور أساسي يف ب اب العق ود‪ .‬يق ول ابن جنيم احلنفي‪ « :‬واعلم أن‬

‫‪1‬‬
‫() راجع المجموع (‪ ،)9/181‬القاهرة‪ ،‬دار الطباعة المنيرية‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() مجلة مجمع الفقه اإلس المي‪ ،‬ال دورة السادس ة‪ ،‬الع دد الس ادس ‪ -‬ج دة ‪ /‬مجمع الفقه اإلس المي ‪-‬‬
‫‪1410‬هـ‪1990-‬م‪ ،‬بحث الدكتور علي محي الدين القرة داغي ‪ -‬ص(‪.)929‬‬
‫‪3‬‬
‫() راجع المجموع (‪.)9/181‬‬
‫‪4‬‬
‫() راجع مبدأ الرضا في العقود (‪ ،)2/994‬فقد أحال على كثير من المراجع الفقهية‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫اعتب ار الع ادة والع رف يرجع إليه يف الفقه يف مس ائل كث رية حىت جعل وا ذلك أص الً‪،‬‬

‫فقالوا يف باب ما ترتك به احلقيقة‪ :‬ترتك احلقيقة بداللة االستعمال والعادة »(‪.)1‬‬

‫ويق ول الدس وقي‪ « :‬واحلاصل أن املطل وب يف انعق اد ال بيع ما ي دل على‬

‫الرضا عرفًا »(‪ ،)2‬وج اء يف اجملم وع‪ « :‬ومل يثبت يف الش رع لفظ لـه ‪-‬أي للعق د‪-‬‬

‫بيعا »(‪.)3‬‬
‫بيعا كان ً‬
‫فوجب الرجوع إىل العرف فكل ما عده الناس ً‬
‫ويقول ابن قدامة‪ « :‬إن اهلل أحل البيع ومل يبني كيفيته فوجب الرجوع فيه‬

‫إىل العرف »(‪.)4‬‬

‫واخلالصة أن اللفظ ‪-‬كما يق ول الش اطيب‪ « :-‬إمنا هو وس يلة إىل حتقيق‬

‫املعىن املراد واملعىن هو املقصود‪.)5(» ...‬‬

‫ومن هنا فما التليف ون إال آلة مع ربة عرفًا لتوص يل تلك الوس يلة ‪-‬اللف ظ‪-‬‬

‫شرعا(‪.)6‬‬
‫إىل مسع اآلخر فيكون مقبوالً ً‬
‫ض وابط ينبغي التنبيه عليها إذا ك ان التعاقد باهلاتف أو الالس لكي وما أش به‬
‫‪1‬‬
‫() األشباه والنظائر البن نجيم‪ ،‬ص(‪ ،)93‬القاهرة‪ ،‬مؤسسة الحلبي ‪1387‬هـ‪1968-‬م‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() الدسوقي على الشرح الكبير (‪ ،)3/4‬القاهرة‪ ،‬عيسى البابي الحلبي وشركاه‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() المجموع (‪.)9/172‬‬
‫‪4‬‬
‫() المغني البن قدامة (‪ ،)3/483‬القاهرة‪ ،‬مكتبة القاهرة‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() الموافقات للشاطبي (‪ ،)2/87‬القاهرة‪ ،‬المكتبة التجارية الكبرى‪1975 ،‬م‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() راجع مجلة مجمع الفقه اإلسالمي (مرجع س ابق) بحث لل دكتور علي مح يي ال دين الق رة داغي‪،‬‬
‫ص(‪.)931‬‬
‫‪43‬‬
‫ذلك‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬إن العقود باهلاتف وحنوه إمنا تصح فيما ال يشرتط فيه القبض الفوري‪ ،‬أما إذا‬

‫بيع رب وي مبثله فال يصح العقد باهلاتف‪ ،‬إال إذا مت القبض ك أن يك ون لكل‬

‫واحد منهما وكيل بالتس ليم عند اآلخ ر‪ ،‬أو عن طريق بنك ل دى كل واحد‬

‫منهما فيه رص يد لكليهم ا‪ ،‬أو حنو ذلك مبا يتعلق مبوض وع القبض(‪ ،)1‬كما دل‬

‫على اش رتاط القبض الف وري األح اديث الثابت ة‪ ،‬وإمجاع العلم اء من حيث‬

‫املب دأ‪ .‬فمن األح اديث الص حيحة ح ديث عب ادة بن الص امت ‪ --‬أنه ق ال‪،‬‬

‫ق ال رسول اهلل ‪ « :‬ال ذهب بال ذهب‪ ،‬والفضة بالفض ة‪ ،‬والرب ب الرب‪ ،‬والشعري‬

‫بالش عري‪ ،‬والتمر ب التمر‪ ،‬وامللح ب امللح‪ ،‬مثالً مبثل س واء بس واء ي ًدا بي د‪ ،‬ف إذا‬

‫يدا بيد »(‪.)2‬‬


‫اختلفت هذه األصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان ً‬
‫ثانيً ا‪ :‬ك ذلك احلكم يف عقد الس لم يش رتط فيه القبص الف وري حيث جيب تس ليم‬
‫الثمن (رأس مال السلم) يف جملس العقد خالفًا للمالكية حيث أجازوا تأخريه‬

‫ثالثة أي ام‪ ،‬ولكنهم اختلف وا فيما لو ت أخر تس ليمه أك ثر من ثالثة أي ام ب دون‬

‫‪1‬‬
‫() راجع مجلة مجمع الفقه اإلسالمي (مرجع سابق)‪ ،‬ص(‪.)942‬‬
‫وانظ ر‪ :‬فتح الق دير (‪ ،)5/274‬الدس وقي على الش رح الكب ير (‪ ،)3/47‬الروضة (‪،)3/377‬‬
‫المغني البن قدامة (‪ )4/5‬ى (‪.)7‬‬
‫‪2‬‬
‫() أخرجه مس لم في الص حيح ‪-‬كت اب المس اقاة‪ -‬ب اب الص رف وبيع ال ذهب ب الورق نق ًدا (‬
‫‪ ،)3/2211‬حديث رقم (‪.)1587‬‬
‫‪44‬‬
‫اشرتاط التأخري‪ ،‬حيث ذهب بعضهم إىل فساده‪ ،‬وبعضهم إىل صحته‪ .‬أما إذا‬

‫كان التأخري عن الثالثة باشرتاط‪ ،‬فقد فسد العقد باالتفاق(‪.)1‬‬

‫‪1‬‬
‫() راجع مجلة مجمع الفقه اإلسالمي (مرجع سابق)‪ ،‬ص(‪.)943-942‬‬
‫وانظ ر‪ :‬ش رح الخرشي (‪ ،)5/203‬وحاش ية ابن عاب دين (‪ ،)4/208‬والمغ ني البن قدامة (‬
‫‪.)4/328‬‬
‫‪45‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫اإلجراءات املرتتبة على العقود التجارية عرب الوسائل اإللكرتونية‬
‫أوالً‪:‬‬
‫هن اك إج راءات ت رتتب على العق ود التجارية عرب اإلن رتنت س أتناوهلا يف‬
‫املسائل التالية‪:‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬مجلس العقد في التعاقد عبر‬
‫الوسائل اإللكترونية كتابة‪:‬‬
‫عالج الفقه اإلسالمي هذه المسألة عند بحثه مجلس العقد‬
‫بين الغائبين سواء كان هذا عن طريق الكتابة أو الرسول‪،‬‬
‫وإليك بعضًا من نصوصهم من هذه المسألة‪:‬‬
‫فقد ص رح احلنفية ب أن األصل هو احتاد اجمللس ب أن يقع اإلجياب والقب ول يف‬
‫جملس واحد‪ ،‬ولكن جملس التعاقد بني الغائبني هو جملس وصول اخلطاب أو الرسول‪.‬‬
‫ق ال الكاس اين‪ « :‬وأما الكتابة فهي أن يكتب الرجل إىل الرج ل‪ :‬أما بعد فقد بعت‬
‫عب دي فالنًا منك بك ذا فبلغه الكت اب‪ ،‬فق ال اش رتيت؛ ألن خط اب الغ ائب كتاب ة‪،‬‬
‫فكأنه حضر بنفسه وخاطب باإلجياب وقبل اآلخر يف اجمللس »(‪.)1‬‬
‫ويق ول الن ووي‪ « :‬وإن قلن ا‪ :‬يصح ‪-‬أي ال بيع بالكتاب ة‪ -‬فش رطه أن يقبل‬
‫إليه مبجرد اطالعه على الكتابة‪ ...‬وإذا صححنا البيع بالكتابة جاز القبول بالكتب‬
‫وباللف ظ‪ ،‬ذك ره إم ام احلرمني وغ ريه‪ ...‬ق ال الغ زايل‪ :‬إذا ص ححنا ال بيع بالكتاب ة‪،‬‬
‫فكتب إليه فقبل املكتوب إليه ثبت لـه خيار اجمللس ما دام يف جملس العقد‪.)2(» ‬‬
‫ويظهر من خالل ه ذه النص وص الفقهية وغريها أن جملس العقد بالنس بة‬
‫للتعاقد عرب الوسائل اإللكرتونية هو جملس وصول اخلطاب‪ ،‬فإذا وصل وقرأه وقال‬
‫قبلت أو كتب املوافقة فقد انعقد العقد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫() بدائع الصنائع (‪.)5/138‬‬
‫‪2‬‬
‫() المجموع (‪.)168-9/167‬‬
‫‪46‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬وقت تمام العقد‪:‬‬
‫إن العقد بالكتابة ومنها التعاقد كتابة عرب الوس ائل اإللكرتونية يتم مبج رد‬
‫القب ول الص ادر من الش خص املوجه إلي ه‪ ،‬وجملس وص ول اخلط اب هو جملس العقد‬
‫بل إن فقه اء احلنفية َع دُّوا املكت وب نفسه مبثابة حض ور املوجب الك اتب نفس ه‪،‬‬
‫فعلى ضوء ذلك فإن احلنفية يقولون بنظرية إعالن القبول‪.‬‬
‫يقول املرغن اين احلنفي‪ « :‬والكت اب كاخلطاب‪ ،‬وك ذا اإلرس ال حىت اعترب‬
‫جملس بلوغ الكتاب وأداء الرسالة »(‪.)1‬‬

‫وق ال ت اج الش ريعة‪ « :‬وص ورة الكتابة أن يكتب إىل رج ل‪ ...‬فلما بلغه‬

‫الكتاب وقرأه وفهم ما فيه قبل يف اجمللس صح البيع‪ ،‬كذا يف العيين‪.)2(» ...‬‬

‫وك ذلك بقية املذاهب ُت َع ُّد وقت متام العقد حني يصل املكت وب س واء‬

‫أكان عن طريق شخص أو عن طريق الوسائل اإللكرتونية إىل الشخص الذي وجه‬

‫إليه فيقبله يف اجمللس‪ ،‬فحينئذ انعقد العقد وإليك بعض النصوص يف هذا املضمار‪.‬‬

‫يقول النووي‪ « :‬قال الغزايل‪ :‬إذا صححنا البيع بالكتابة فكتب إليه‪ ،‬فقبل‬

‫املكت وب إليه ثبت لـه خي ار اجمللس م ادام يف جملس القب ول‪ ،‬ق ال ويتم ادى خي ار‬

‫الكاتب إىل أن ينقطع خيار املكتوب إليه‪ ،‬حىت ولو علم أنه رجع عن اإلجياب قبل‬

‫مفارقة املكتوب إليه جملسه صح رجوعه ومل ينعقد البيع‪ .‬واهلل أعلم »(‪.)3‬‬

‫‪1‬‬
‫() الهداية مع فتح القدير والعناية (‪.)5/79‬‬
‫‪2‬‬
‫() الفتاوى الهندية (‪ ،)3/9‬القاهرة‪ ،‬المطبعة األميرية‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() المجموع (‪.)9/168‬‬
‫‪47‬‬
‫وأما املالكية(‪ )1‬فم ذهبهم أن اإلجياب مل زم للم وجب بش روطه(‪ ،)2‬فعليه ال‬

‫يتمشى مع قواعد م ذهبهم أن يش رتطوا علم املوجب بقب ول القابل حىت يتم العق د‪،‬‬

‫بل إن نصوص هم ظ اهرة كل الظه ور ب أن ال بيع وحنوه ينعقد مبج رد القب ول بعد‬

‫صدور اإلجياب وعلى هذا نصوص احلنابلة(‪.)3‬‬

‫كبريا من الفقه اإلسالمي‪،‬‬


‫فعلى ضوء ما تقدم نستطيع أن نقول إن جانبًا ً‬
‫ومنه الفقه احلنفي واملالكي‪ ،‬يتبىن نظرية إعالن القب ول‪ ،‬وك ذلك الفقه الش افعي‬

‫واحلنبلي يتبني ان نظرية اإلعالن ولكن مع حق خي ار اجمللس ال ذي يثبت يف العق ود‬

‫الالزمة للطرفني الواقعة على العني كالبيع وحنوه واليت ُت َع ُّد ً‬


‫عقودا جتارية‪.‬‬

‫المسألة الثالثة‪ :‬الخيارات المتعلقة بمجلس العقد عبر الوسائل اإللكترونية‪:‬‬

‫س بق أن ذكرنا بإجياز ب أن هن اك ثالثة خي ارات ت رتتب على جملس العقد‬


‫هي‪ :‬خيار الرجوع‪ ،‬وخيار القبول‪ ،‬وخيار اجمللس‪.‬‬

‫وحينئذ يرتتب على القبول مبجلس العقد األحكام التالية‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫() الخرشي على خليل (‪.)5/5‬‬
‫‪2‬‬
‫() الشروط هي‪ -1 :‬إذا كان إيجابه بصيغة الماضي‪.‬‬
‫‪ -2‬أو ك ان األمر يتعلق بالتبرع ات‪ .‬راجع الدس وقي على الش رح الكب ير ( ‪ ،)3/4‬وش رح الخرشي على‬
‫خليل ( ‪.)5/5‬‬
‫‪3‬‬
‫() المغني (‪.)3/561‬‬
‫‪48‬‬
‫‪ -1‬أن يكون للطرف املخاطب باإلجياب خيار القبول حلني انفضاض اجمللس‪ ،‬فهو غري‬

‫مل زم ب القبول؛ إذ لو ألزمن اه ب ذلك آلل األمر إىل جتارة من غري ت راض وه ذا ال‬

‫جيوز‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يك ون للط رف املوجب خي ار الرج وع عن إجيابه إىل أن يص در القب ول أو‬

‫ينفض اجمللس‪ ،‬وهذا هو رأي مجهور الفقهاء من احلنفية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬واحلنابلة(‪.)1‬‬

‫وخالف املالكية حيث مل جييزوا للموجب حق الرجوع(‪.)3()2‬‬

‫‪ -3‬أن يعطي للمتعاق دين خي ار اجمللس‪ ،‬وه ذا اخلي ار يعين أن لكل عاقد احلق يف‬

‫فسخ العقد ولو بعد إبرامه ما داما يف جملس واح د‪ ،‬ف إذا انفض اجمللس بطل‬

‫اخليار‪.‬‬

‫وخي ار اجمللس حمل خالف بني الفقه اء فقد أثبته كثري من فقه اء الس لف‬

‫وبه قال الشافعية واحلنابلة(‪.)4‬‬


‫وقد أنك ره املالكية واحلنفية حبجة أن يف العقد إِبط االً حلق الط رف اآلخ ر‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫() راجع فتح القدير البن الهم ام (‪ ،)5/78‬الروضة للن ووي (‪ ،)3/339‬كش اف القن اع للبه وتي (‬
‫‪.)3/147‬‬
‫‪2‬‬
‫() راجع الجامع ألحكام القرآن للقرطبي (‪ ،)3/357‬ط‪ ،3‬دار الكتب المصرية‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() من أراد التوسع ومعرفة أدلة كل ق ول فعليه أن يرجع إلى المراجع الفقهية األص لية‪ ،‬وبحث‬
‫فض يلة ال دكتور‪ /‬إب راهيم فاضل ال دبو ‪ -‬مجلة مجمع الفقه اإلس المي (مرجع س ابق)‪ ،‬ص(‪-856‬‬
‫‪.)857‬‬
‫‪4‬‬
‫() راجع الروضة (‪ ،)3/432‬منتهى اإلرادات البن النجار (‪.)1/356‬‬
‫‪49‬‬
‫فال جيوز‪ ،‬ومحلوا احلديث على خيار القبول(‪.)5‬‬

‫والراجح من وجهة نظري الرأي الذي يقول خبيار اجمللس‪ ،‬وليس ه ذا املق ام‬

‫مقام بسط األدلة‪ ،‬ومن أراد التوسع فعليه أن يرجع إىل املصادر الفقهية القدمية واحلديثة‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬مجلس العقد في عقود الهاتف وخياراته‪:‬‬

‫عرفنا فيما س بق أن اخلي ارات املتعلقة باحتاد اجمللس هي خي ار الرج وع يف‬

‫اإلجياب وخيار القبول وخيار اجمللس‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬خيار الرجوع في اإليجاب‪:‬‬

‫س بق الق ول ب أن مجه ور الفقه اء ي رون أن للم وجب احلق يف الرج وع عن‬

‫إجيابه مادام أنه مل يقرتن به قبول الطرف اآلخر‪ ،‬وال فرق بني أن يكون العقد بني‬

‫حاضرين أم بني غائبني‪ ،‬وسبق القول بأن هذا اخليار مسلم به بني مجهور الفقهاء‬
‫باستثناء فقهاء املالكية‪.‬‬

‫لكن الكالم بالنس بة للتعاقد من خالل الوس ائل اإللكرتونية مهاتفة ي دور‬

‫حول مدى امتداد هذا اخليار وبقائه‪ .‬لقد حبث الفقهاء ‪--‬رمحهم اهلل‪ --‬هذه املسألة‬

‫وهي‪ :‬مىت ينقطع خي ار املوجب يف الرج وع عن إجياب ه‪ ،‬فق الوا‪ :‬بالنس بة حلال إب رام‬

‫العقد عن طريق الكتابة ويتمادى خيار الكاتب إىل أن ينقطع خيار املكتوب إليه حىت‬

‫‪5‬‬
‫() راجع فتح القدير (‪ ،)5/81‬بداية المجتهد البن رشد (‪.)2/139‬‬
‫‪50‬‬
‫ولو علم أنه رجع عن اإلجياب قبل مفارقة املكت وب إلي ه‪ :‬صح رجوعه ومل ينعقد‬

‫البيع(‪.)1‬‬

‫وعليه ميكننا الق ول‪ :‬بأنه حيق للم وجب املتعاقد من خالل اهلاتف الرج وع‬

‫عن إجيابه ما دام أن الط رف اآلخر املوجه إليه اإلجياب مل يغ ادر جملس العق د؛ ذلك‬

‫ملزما وللم وجب الرج وع عنه إىل أن يلتقي به‬


‫ألن األصل يف اإلجياب أال يك ون ً‬
‫القبول(‪.)2‬‬

‫وألن فقهاءنا طاملا منحوا هذا احلق يف عقد بني غائبني فمنحه هذا احلق يف‬

‫التعاقد من خالل اهلاتف يكون من باب أوىل؛ لقربه من التعاقد بني حاضرين ومثل‬

‫هذا احلال يف التعاقد بني حاضرين أمر مسلم به لدى الفقهاء القائلني هبذا اخليار(‪.)3‬‬

‫ثانيًا‪:‬خيار القبول‪:‬‬
‫لقد وسع الق ائلون هبذا الن وع من أن واع اخلي ار ‪-‬وهم فقه اء احلنفية‬

‫واحلنابلة‪ -‬دائرة معىن التفرق؛ حيث إهنم اعتربوا جمرد القيام من اجمللس أو االنشغال‬

‫عنه بأكل أو حنوه‪ ،‬بل كل ما يدل عن اإلعراض عن اإلجياب تفرقًا يقطع اخليار‪.‬‬
‫جاء يف الفتاوى اهلندية‪ « :‬وأما إذا اشتغل باألكل فيتبدل اجمللس‪ ،‬فلو ناما‬
‫‪1‬‬
‫() المجموع (‪.)9/178‬‬
‫‪2‬‬
‫() الوسيط للسنهوري (‪ ،)4/46‬القاهرة‪ ،‬دار النشر للجامعات المصرية‪1960 ،‬م‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() حكم التعاقد عبر أجهزة االتصاالت الحديثة في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ص(‪.)23‬‬
‫‪51‬‬
‫مضطجعا فهي فرقة »(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫أو نام أحدمها إن كان‬
‫ه ذا هو الش أن يف العقد املربم بني حاض رين ولكن األمر بالنس بة للتعاقد بني‬
‫املتباع دين عرب اهلاتف غري واض ح؛ ل ذلك البد من اس تعراض بعض ما قاله فقهاؤنا هبذا‬
‫الشأن‪.‬‬
‫هن اك مس ألة ش بيهة بالتعاقد عرب الوس ائل اإللكرتونية مهاتف ة‪ ،‬من حيث‬
‫جتدد جملس العقد يف كل منهما وع دم اس تقراره‪ ،‬وه ذه املس ألة هي التعاقد أثن اء‬
‫املشي أو املسري ج اء يف الفت اوى اهلندي ة‪ « :‬وإن تعاق دا على بيع ومها ميش يان أو‬
‫يس ريان على دابة واح دة أو داب تني ف إن أخ رج املخ اطب جوابه متص الً خبط اب‬
‫ص احبه مت العقد بينهم ا‪ ،‬وإن فصل عنه ‪-‬وإن ق ل‪ -‬فإنه ال يصح وإن كانا يف حمل‬
‫واحد »(‪ .)2‬فه ذا النص وغ ريه من النص وص اليت مل ن ذكرها نشري إىل أن العقد بني‬
‫املاشيني أو الراكبني هو عقد فوري ال خيار فيه ملن وجه إليه اخلطاب خبالف العقد‬
‫بني اجلالس ني‪ .‬ومبا أن املكاملة اهلاتفية شبيهة مبس ألتنا ه ذه من حيث إن جملس العقد‬
‫يف كل منهما غري مستقر بل هو متجدد مستمر‪ ،‬فكما أن جملس العقد بني املاشيني‬
‫أو الراكبني يتجدد بتجدد خطواهتما أو خطوات دابتهما فكذلك األمر بالنسبة إىل‬
‫املكاملة اهلاتفية وتكرره ا‪ .‬وعليه فيمكننا الق ول إنه جيب على القابل يف العقد املربم‬
‫قياس ا على‬
‫من خالل اهلاتف إعالن قبوله ف ور ص دور اإلجياب وال حيق لـه ت أخريه ً‬
‫املتعاقدين املاشيني أو الراكبني؛ ذلك ألن احتمال انقطاع االتصال بينهما وارد يف كل‬
‫حلظة وعند ذلك يس قط حقه يف إعالن قبوله على اإلجياب املوجه إلي ه‪ ،‬أما إذا انقطع‬
‫خارجا عن إرادهتما‪ -‬وأبدى القابل رغبته يف‬‫االتصال بينهما حىت ‪-‬وإن كان انقطاعه ً‬
‫عقد الص فقة أع اد املكاملة ثاني ة‪ ،‬ف إن قبوله يف ه ذه احلالة يك ون إجياب اً جدي ًدا يتوقف‬
‫نفاذه على قبول الطرف اآلخر على رأي الفقهاء القائلني جبوار صدور اإلجياب من أي‬

‫‪1‬‬
‫() الفتاوى الهندية (‪ ،)3/7‬مصر المطبعة العامرة‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() الفتاوى الهندية (‪ ،)3/7‬مصر المطبعة العامرة‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫ط رف من أط راف العق د؛ ذلك ألن التعاقد من خالل اهلاتف هو عقد متج دد يس قط‬
‫أساسا على التعاقد بني املاشيني أو الراكبني(‪.)1‬‬
‫فيه خيار القبول ً‬

‫ثالثًا‪ :‬خيار المجلس‪:‬‬


‫جملس العقد يف العقود املربمة من خالل املهاتفة عرب الوسائل اإللكرتونية‪.‬‬
‫بعد أن انتهينا من بيان مدى إمكانية تطبيق اخليارات الثالثة املتعلقة مبجلس‬
‫لزاما علينا‬
‫العق د‪ :‬خي ار الرج وع يف اإلجياب‪ ،‬وخي ار القب ول وخي ار اجمللس ك ان ً‬
‫حتديد جملس العقد بالنسبة للمتعاقدين من خالل املهاتفة‪.‬‬
‫إن مما ال شك فيه أن هن اك فرقًا يف التعاقد بني احلاض رين واملتباع دين؛‬
‫ف التفرق املك اين بني املتباع دين حاصل وأمر مس لم في ه‪ ،‬لكن الش يء الوحيد ال ذي‬
‫جيعله أق رب إىل العقد بني حاض رين هو ع دم وج ود فاصل زم اين بني ص دور‬
‫اإلجياب وقبولـه واق رتان القب ول ب ذلك اإلجياب مباش رة‪ ،‬وذلك من خالل جه از‬
‫االتص ال من ه اتف وغ ريه‪ ،‬فجه از اهلاتف وما ش اهبه هو حلقة الوصل بني‬
‫املتعاق دين‪ ،‬ف إذا ما حصل أي انقط اع يف ه ذا اجله از‪ ،‬فقد انقطع الوصل بينهم ا‪،‬‬
‫على عكس املتعاق دين احلاض رين يف جملس واح د؛ ذلك ألن اجمللس هو ‪-‬وكما‬
‫يقول الفقهاء‪ « :-‬جامع املتفرقات »(‪ .)2‬ولذلك فإنه ال يتحقق بني احلاضرين إال‬
‫بتفرق األبدان أو كان يف العقد خيار‪.‬‬
‫ومن هنا فإنه ال ميكننا قي اس التعاقد باهلاتف الناقل للص وت فقط على‬
‫التعاقد بني حاض رين‪ ،‬أو على التعاقد بني املتباع دين الل ذين ي رى كل واحد منهما‬
‫صاحبه‪ ،‬وإحلاقه به من مجيع الوجوه‪.‬‬
‫فإنه ‪-‬وإن ك ان قد مت إحلاقه به وإعط اؤه نفس احلكم من حيث ثب وت‬

‫‪1‬‬
‫() راجع حكم التعاقد عبر أجهزة االتصاالت الحديثة في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ص(‪.)26‬‬
‫‪2‬‬
‫() راجع فتح القدير البن الهمام (‪ ،)5/78‬القاهرة‪ ،‬المطبعة األميرية‪1316 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫خيار اجمللس للمتعاقدين يف العقود التجارية ال ميكننا إعطاؤه نفس احلكم من حيث‬
‫فرتة امتداد هذا اخليار‪ ،‬وجعله باقيًا حىت يتفرق كل املتعاقدين من مكاهنما إذا كانا‬
‫حاضرين‪ ،‬أو حىت يتفرق أحد املتعاقدين عن مكان العقد إذا كانا متباعدين‪.‬‬
‫ذلك ألن ه ذا قي اس مع الف ارق؛ إذ إن املتعاق دين احلاض رين موج ودان يف‬
‫مكان واحد ويرى كل منهما صاحبه‪ ،‬ويدرك التصرفات الصادرة عنه‪ ،‬وقد يكون‬
‫يف بعضها ما يفيد فسخ العقد وإهناء اخليار بينهما‪ ،‬وكذلك احلال بالنسبة للمتباعدين‬
‫اللذين يرى كل منهما صاحبه‪ ،‬من حيث إن املتحدثني من خالل جهاز اهلاتف الناقل‬
‫للص وت فقط مها يف مك انني خمتلفني‪ ،‬وال ي رى أي منهما ص احبه‪ ،‬وال يع رف ش ًيئا‬
‫عنه وال يربط بينهما سوى جهاز اهلاتف أو ما شاهبه‪.‬‬
‫وعليه ف إن جملس العقد املربم من خالل جه از اهلاتف أو ما ش اهبه من‬
‫أجهزة االتصال األخرى ينعقد من حني صدور اإلجياب أثناء املكاملة اهلاتفية‪ ،‬وأنه‬
‫يستمر ويبقى ما دام الكالم موصوالً بينهما‪ ،‬حيق فيه للموجب الرجوع عن إجيابه‬
‫قائما مادامت املكاملة‬
‫مادام أنه مل يقرتن به قبول الطرف اآلخر‪ ،‬ويبقى جملس العقد ً‬
‫بينهما مس تمرة‪ ،‬ف إذا ما انقطعت املكاملة من قبلهما أو من قبل أح دمها‪ ،‬أو قطعت‬
‫تاما اقرتن فيه القبول باإلجياب فإن العقد يكون حينئذ‬ ‫من قبل غريمها‪ ،‬وكان العقد ًّ‬
‫تاما والزما لكال الطرفني‪ ،‬وال حيق ألي منهما الرجوع فيه‪.‬‬‫ًّ‬
‫أما إذا انقطعت املكاملة ألي سبب من األسباب بعد صدور اإلجياب وقبل‬
‫أيض ا الرج وع عن إجيابه ما دام أنه مل‬ ‫قب ول الط رف اآلخ ر‪ ،‬فإنه حيق للم وجب ً‬
‫يقرتن به قبول الطرف اآلخر‪ .‬أما الطرف اآلخر املوجه إليه اإلجياب‪ ،‬فإنه ال حيق لـه‬
‫الرج وع عن القب ول حىت ولو مت ذلك من خالل نفس املكاملة؛ ذلك ألن ه ذا العقد‬
‫قياس ا على العقد بني املاش يني أو‬
‫من العق ود املتع ددة اليت يس قط فيها خي ار القب ول ً‬
‫الراكبني‪.‬‬
‫معا كما هو احلال يف‬ ‫أما إذا ك ان جه از اهلاتف ن اق ًال للص ورة والص وت ً‬
‫االتص ال عرب ش بكة اإلن رتنت فإنه يك ون مهاتفة ب دون ص ورة وأحيانًا يك ون بالص وت‬
‫‪54‬‬
‫والص ورة‪ ،‬ف إن جملس التعاقد فيه ال خيتلف من حيث انته اؤه عن جملس العقد بني‬
‫املتباعدين اللذين يرى كل منهما صاحبه أثناء التعاقد‪ ،‬وميتد بينهما ما دام أنه مل يفارق‬
‫أحدمها مكان العقد‪.‬‬
‫وعليه فإن جملس العقد يعترب منتهيًا بالنسبة ملتعاق دين هبذا النوع من أنواع‬
‫األجه زة مبج رد ص دور اإلجياب من أحد املتعاق دين‪ ،‬ف إن ص در منه ما ي دل على‬
‫انش غاله عن العقد أو إعراضه عنه من أكل أو ش رب أو ص الة وما ش ابه ذلك حىت‬
‫‪-‬ولو ك انت املكاملة ال ت زال مس تمرة‪ -‬بني املتعاق دين فإنه يعترب منتهيً ا‪ .‬كما أنه‬
‫ينتهي أيض اً يف حالة مشاهدة أحدمها مغادرة صاحبه جملس العقد‪ ،‬حىت ولو كانت‬
‫املكاملة بينهما ال ت زال مس تمرة‪ ،‬إال إذا ك انت مغ ادرة ذلك املك ان إلحض ار أمر‬
‫يتعلق بإبرام العقد‪ ،‬فإنه يستثىن من ذلك ويتسامح فيه‪.‬‬
‫وبالت ايل ف إن ح االت انته اء اجمللس بالنس بة جله از اهلاتف الناقل للص وت‬
‫معا هي‪:‬‬ ‫والصورة ً‬
‫‪ -1‬انتهاء املكاملة اهلاتفية‪.‬‬
‫‪ -2‬مش اهدة أي من املتعاق دين ص دور تص رف من ص احبه ي دل على انش غاله عن‬
‫العقد أو إعراضه عنه‪ ،‬حىت ولو كانت املكاملة مستمرة بينهما‪.‬‬
‫‪ -3‬مشاهدة أي من املتعاقدين مغادرة صاحبه جملس العقد حىت ولو كانت املكاملة‬
‫قائمة ومس تمرة بينهم ا؛ ويس تثىن من ذلك ك ون مغادرته تتعلق بإحض ار أمر‬
‫ضروري يتعلق بإبرام العقد(‪.)1‬‬

‫‪1‬‬
‫() راجع حكم التعاقد ع بر أجه زة االتص االت الحديثة في الش ريعة اإلس المية‪ ،‬ص(‪،)32 ،28‬‬
‫وبحث ال دكتور علي مح يي ال دين الق رة داغي في حكم إج راء العق ود ب آالت االتص ال الحديث ة‪،‬‬
‫مجلة مجمع الفقه اإلسالمي‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬ص(‪.)939 -933‬‬
‫‪55‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫بيان موقف القوانين الوضعية من التعاقد عن طريق الكتابة‬
‫وما في حكمها من الوسائل اإللكترونية كالفاكس واإلنترنت‬
‫وما أشبه ذلك‬

‫التعاقد عن طريق الكتابة أخ ذت هبا الق وانني املعاص رة ويغلب التعبري على‬

‫ألسنة وأقالم القانونيني لقب التعاقد باملراسلة أو التعاقد بني الغائبني(‪.)1‬‬

‫ويقص دون باملراس لة ما هو أمشل من إيف اد رس ول يبلغ الط رف اآلخر بإجياب‬

‫املوجب كما هو عند الفقه اء‪ ،‬فعند ه ؤالء س يان أن يك ون العقد قد مت عن طريق‬

‫إيفاد رسول يبلغ الرسالة من هذا لذاك أو عن طريق املكاتبة بواسطة الربيد أو عن‬

‫طريق الربق أو التلكس أو ما يشبههما من وسائل االتصال األخرى(‪.)2‬‬


‫وإذا استعرض نا نص وص بعض الق وانني العربية جند أَن التعبري بالكتابة عن دهم‬

‫يساوي التعبري بالقول وغريه كاإلشارة وحنوها‪.‬‬

‫فقد نصت املادة (‪ )90‬من الق انون املدين املص ري على‪ « :‬أن التعبري عن‬

‫اإلرادة يكون باللفظ وبالكتابة وباإلشارة‪ ...‬إخل »(‪.)3‬‬


‫‪1‬‬
‫() الوسيط للسنهوري (‪ ،)1/237‬مصادر االلتزام‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() مجلة الفقه اإلسالمي (مرجع سابق)‪ ،‬بحث للدكتور‪ /‬عبداهلل محمد عبداهلل‪ ،‬ص(‪.)820‬‬
‫‪3‬‬
‫() القانون المدني (‪.)1/13‬‬
‫‪56‬‬
‫ونص الق انون املدين الكوييت يف املادة (‪ )34‬على أن‪ « :‬التعبري يك ون باللفظ‬

‫أو بالكتابة »‪.‬‬

‫ونص الق انون املدين املغ ريب على‪ « :‬أَن التعبري الص ريح عن اإلرادة غري خاضع‬

‫ألي شكل خاص فيمكن أن يكون كتابيًّا أو شفويًّا وحىت باإلشارة املتداولة عرفًا »‪.‬‬

‫وينص القانون املدين اإلمارايت يف املادة (‪ )132‬على أن‪ « :‬التعبري عن اإلرادة‬

‫يكون باللفظ أو الكتابة‪ ...‬أو باإلشارة املعهودة عرفًا‪.» ...‬‬

‫ويثور عند حبث التعاقد باملراسلة يف القانون ثالث مسائل‪ ،‬هي‪:‬‬

‫األولى‪ :‬مسألة زمان انعقاد العقد‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬مسألة مكان انعقاد العقد‪.‬‬

‫الثالثة‪ :‬مسألة مدى التزام املوجب باإلبقاء على إجيابه بعد أن يبعث به إىل املوجب‬

‫لـه‪.‬‬
‫نصت املادة (‪ )97‬من الق انون املدين املص ري على ما يلي‪ « :‬يعترب التعاقد ما‬

‫بني الغ ائبني قد مت يف املك ان ويف الزم ان الل ذين يعلم فيهما املوجب ب القبول ما مل‬

‫يوجد اتفاق أو نص قانوين يقضي بغري ذلك‪.‬‬

‫ويف رتض أن املوجب قد علم ب القبول يف املك ان ويف الزم ان الل ذين وصل إليه‬

‫فيهما هذا القبول‪.‬‬

‫وج اء يف األخذ مبذهب العلم بأنه أق رب املذاهب إىل رعاية مص لحة املوجب؛‬

‫‪57‬‬
‫ذلك أَن املوجب هو ال ذي يبت دئ التعاق د‪ ،‬فهو ال ذي حيدد مض مونه ويعني ش روطه‪،‬‬

‫فمن الط بيعي واحلال ه ذه‪ ،‬أن يت وىل حتديد زم ان التعاقد ومكان ه‪ ،‬ومن الع دل إذا مل‬

‫يفعل أن تك ون اإلرادة املفروضة مطابقة ملص لحته عند ع دم االتف اق على ما خيالف‬

‫ذل ك؛ فم ذهب العلم هو ال ذي يس تقيم دون غ ريه مع املب دأ القاضي ب أن التعبري عن‬

‫اإلرادة ال ينتج أث ره إال إذا وصل إىل من ُو ِّج َه إليه على حنو يت وفر معه إمك ان العلم‬

‫ؤدى ذلك أن القب ول بوص فه تعب ًريا عن اإلرادة ال يصح هنائيًّا إال يف‬
‫مبض مونه‪ ،‬وم َّ‬
‫تاما إال يف هذا الوقت‬
‫الوقت الذي يستطيع فيه املوجب أن يعلم به وال يعترب التعاقد ًّ‬
‫»(‪.)1‬‬

‫وخرج عن تلك القاعدة من املادة (‪ )98‬حيث وردت‪:‬‬

‫« إذا كانت طبيعة املعاملة أو العرف التجاري أو غري ذلك من الظروف تدل‬

‫على أَن املوجب مل يكن ينتظر تصرحيًا بالقبول فإن العقد يعترب قد مت إذا مل يرفض‬
‫اإلجياب يف وقت مناسب‪.‬‬

‫ويعترب الس كوت عن ال رد قب والً إذا ك ان هن اك تعامل س ابق بني املتعاق دين‬

‫واتصل اإلجياب هبذا التعامل‪ ،‬أو إذا متحض اإلجياب ملنفعة من ُو ِّجه إليه »‪.‬‬

‫وجاء يف املادة (‪ )142‬من القانون املدين اإلمارايت‪:‬‬

‫‪ -1‬يعترب التعاقد ما بني الغائبني قد مت يف املكان والزمان اللذين يعلم فيهما املوجب‬

‫‪1‬‬
‫() القانون المدني ومجموع األعمال التحضيرية (‪.)54 ،2/53‬‬
‫‪58‬‬
‫بالقبول ما مل يوجد اتفاق أو نص قانوين يقضي بغري ذلك‪.‬‬

‫‪ -2‬ويفرتض أن املوجب قد علم بالقبول يف املكان والزمان اللذين وصل إليه فيهما‬

‫هذا القبول ما مل يقم الدليل على عكس ذلك »‪.‬‬

‫وج اء يف الق انون املدين األردين‪ ،‬املادة (‪ « :)101‬إذا ك ان املتعاق دان ال‬

‫يضمهما حني العقد جملس واحد يعترب التعاقد قد مت يف املكان والزمان اللذين صدر‬

‫فيهما القبول ما مل يوجد اتفاق أو نص قانوين يقضي بغري ذلك »‪.‬‬

‫ويالحظ يف الق وانني الثالثة املتقدمة أن الق انونني املص ري واإلم ارايت قد تبنَّيا‬

‫نظرية العلم ب القبول وهو ما أخ ذت به معظم الق وانني الوض عية كالق انون املدين‬

‫العراقي واإلجنليزي‪.‬‬

‫وأما القانون املدين األردين فقد تبىَّن نظرية إعالن القبول‪ ،‬وهو بذلك يتفق مع‬

‫الفقه اإلسالمي الذي يأخذ بنظرية إعالن القبول كما سبق بيانه(‪.)1‬‬
‫ول ذا جيوز بنا أن ن بني خالف فقه اء الق انون الوض عي يف وقت متام العق د‪،‬‬

‫فأقول‪ :‬ملا كانت مسألة وقت متام العقد بني الغائبني حمل خالف بني فقهاء القانون‬

‫الوضعي‪ ،‬فكانت هلم يف ذلك أربع نظريات‪:‬‬

‫النظرية األولى‪ :‬نظرية إعالن القبول‪:‬‬

‫وتقضي بأنه إذا قبل من وجه إليه اإلجياب التعبري الص ادر من الط رف اآلخر مت‬

‫‪1‬‬
‫() ينظر‪ :‬ص(‪ )41‬من هذا البحث‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫العقد دون حاجة إىل تأخري ذلك إىل وقت الحق‪.‬‬

‫النظرية الثانية‪ :‬نظرية تصدير القبول‪.‬‬

‫والق ائلون هبا يقول ون‪ :‬إنه البد لتم ام العقد من اق رتان القب ول بإرس ال ذلك‬

‫تاما حىت يق وم من وجه إليه اخلط اب‬


‫القب ول إىل املوجب‪ ،‬مبعىن أن العقد ال يك ون ًّ‬
‫بعد إعالن قبوله بعملية إرسال ذلك إىل الشخص الذي صدر منه اإلجياب‪.‬‬

‫النظرية الثالثة‪ :‬نظرية وصول القبول‪:‬‬

‫يق ول أص حاب ه ذا االجتاه‪ :‬إنه ال يكفي لتم ام العقد إعالن القب ول والقي ام‬

‫بإرس اله فق ط‪ ،‬بل البد من وص ول ذلك القب ول إىل الش خص املوجب حىت يتم‬

‫العقد‪.‬‬

‫النظرية الرابعة‪ :‬نظرية العلم بالقبول‪:‬‬

‫يق ول أص حاب ه ذه النظري ة‪ :‬إن العقد ال يكفي لتمامه إعالن القب ول وإرس اله‬
‫ووصوله للشخص املوجب‪ ،‬بل البد لتمام العقد بني الغائبني أن يصحب ذلك كله‬

‫علم املوجب بذلك القبول(‪.)1‬‬

‫ولكل نظرية من ه ذه النظري ات األربع أنص ارها ومؤي دوها‪ ،‬لكن فض يلة‬

‫الدكتور عبدالرزاق اهلييت رجح نظرية إعالن القبول وبرر ذلك بأربعة أمور‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫() راجع مص ادر االل تزام في الق انون المص ري واللبن اني لل دكتور رمض ان أبوالس عود‪ ،‬ص(‪-91‬‬
‫‪ ،)92‬الدار الجامعية‪ ،‬د‪ .‬ط‪1986 ،‬م‪ ،‬الوسيط للسنهوري‪ ،‬ص(‪.)239-238‬‬
‫‪60‬‬
‫‪ -1‬الختالف طبيعة التعاقد بني احلاض رين والغ ائبني‪ ،‬من حيث زم ان العقد‬

‫ومكان ه‪ ،‬وعليه فإنه ال ميكن إحلاق التعاقد بني الغ ائبني بالتعاقد بني احلاض رين‬

‫وإعطائه نفس احلكم يف اش رتاط علم املوجب ب القبول بنفس اجمللس ال ذي‬

‫ص در إجيابه في ه‪ ،‬بل يكفي يف ذلك جمرد قب ول من وجه إليه اإلجياب وإعالنه‬

‫عن ذلك يف جملس وصول اخلطاب؛ ألن العقد ينعقد باقرتان القبول باإلجياب‪،‬‬

‫ويتحقق ذلك مبجرد إعالن القبول يف جملس وصول اخلطاب‪.‬‬

‫‪ -2‬ص عوبة حتديد وقت متام العقد إذا قلنا بغري نظرية إعالن القب ول؛ ذلك ألنه ال‬

‫ميكن حتديد اللحظة اليت يتم فيها إرسال القبول‪ ،‬أو حلظة وصوله أو العلم به‪،‬‬

‫مما جيعل األمر غري مس تقر ومنض بط‪ ،‬بل قد ي ؤدي إىل حص ول الفوضى اليت‬

‫جيب أن تكون العقود واملعامالت بعيدة عنها‪.‬‬

‫‪ -3‬إن األخذ بنظرية إعالن القبول يؤدي إىل حسم املع امالت والبت فيها بأس رع‬
‫وناجزا مبجرد إعالن القبول‪.‬‬
‫ً‬ ‫تاما‬
‫وقت ممكن حيث يصبح العقد ًّ‬
‫متاما ما أمجع عليه فقهاؤنا كما‬
‫‪ -4‬إن الق ول بنظرية إعالن القب ول هو ال ذي يتفق ً‬
‫سبق بيانه(‪.)1‬‬

‫أما بالنسبة للمسألة الثالثة وهي‪ :‬مدى التزام املوجب باإلبقاء على إجيابه‪ ،‬فقد‬

‫نصت املاد (‪ )93‬من القانون املدين املصري على اآليت‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫() ينظر‪ :‬ص(‪ )41‬من هذا البحث‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫«‪ -1‬إذا عني ميع اد للقب ول ال تزم املوجب بالبق اء على إجيابه إىل أن ينقضي ه ذا‬

‫امليعاد‪.‬‬

‫‪ -2‬وقد يستخلص امليعاد من ظروف احلال أو من طبيعة املعاملة »(‪.)1‬‬

‫ويقابل هذه املادة املادة (‪ )139‬من القانون املدين اإلمارايت‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫() القانون المدني المصري ومجموعة األعمال التحضيرية (‪.)2/36‬‬
‫‪62‬‬
‫المبحث الخامس‬
‫بيان موقف القوانين الوضعية من التعاقد عن طريق الهاتف والالسلكي‬
‫واإلنترنت وما يشبهها مهاتفة‬

‫مل خيتلف فقه اء الق انون يف حتدي دهم لطبيعة ه ذا العقد عما ذهب إليه‬

‫فقهاء الشريعة(‪)1‬؛ فقد قالوا‪ :‬إن هذا العقد هو عقد بني حاضرين من حيث الزمان‬

‫وبني غائبني من حيث املكان(‪.)2‬‬

‫فلقد جاء يف املشروع التمهيدي للقانون املدين املصري مادة رقم (‪)140‬‬

‫ما يلي‪ « :‬يعترب التعاقد ب التليفون أو ب أي طريقة مماثلة كأنه مت بني حاض رين فيما‬

‫يتعلق بالزمان وبني غائبني فيما يتعلق باملكان »‪.‬‬

‫وج اء يف الق انون املدين اإلم ارايت م ادة (‪ )143‬ما يلي‪ « :‬يعترب التعاقد‬
‫باهلاتف أو بأية طريقة مماثلة بالنس بة للمك ان كأنه مت بني متعاق دين ال يض مهما جملس‬

‫واحد حني العقد أما فيما يتعلق بالزمان‪ ،‬فيعترب كأنه مت بني حاضرين يف اجمللس »‪.‬‬

‫وج اء يف املذكرة اإليض احية للق انون املدين اإلم ارايت ما يلي‪ « :‬وال يثري‬

‫التعاقد باهلاتف أو بأية وس يلة مماثلة ص عوبة إال فيما يتعلق بتع يني مك ان انعق اد‬

‫‪1‬‬
‫() انظر‪ :‬ص(‪ )39‬من هذا البحث‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() راجع الوسيط للسنهوري‪ ،‬ص(‪.)239‬‬
‫‪63‬‬
‫العقد؛ فشأنه من هذه الناحية شأن التعاقد بني الغائبني الذين تفرقهم شقة املكان‪،‬‬

‫ول ذلك تس ري عليه أحك ام املادة الس ابقة اخلاصة بتع يني مك ان التعاقد بني الغ ائبني‬

‫ويعترب التعاقد باهلاتف قد مت يف املكان الذي وصل فيه القبول ما مل يقم الدليل على‬

‫عكس ذلك‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بزم ان انعق اد العقد فالتعاقد باهلاتف ال يف رتق عن التعاقد‬

‫تاما‪ ،‬يف ال وقت ال ذي يعلن فيه من وجه إليه‬


‫بني احلاض رين فيعترب التعاقد باهلاتف ًّ‬
‫اإلجياب قبوله‪.‬‬

‫ويرتتب على إعطاء التعاقد باهلاتف حكم التعاقد بني احلاضرين فيما يتعلق‬

‫بزمان انعقاد العقد‪ ،‬أن اإلجياب إذا وجه دون حتديد ميعاد لقبوله ومل يصدر القبول‬

‫يف اجمللس سقط اإلجياب »‪.‬‬

‫ويقابل ه ذه املادة واليت قبلها املواد (‪ )101‬من الق انون املدين األردين و (‬
‫‪ )98‬من القانون املدين العراقي‪.‬‬

‫وقد علل الش راح ك ون التعاقد هبذا اجله از ‪-‬أي اهلاتف وما ش اكله من‬

‫الوس ائل اإللكرتوني ة‪ -‬هو تعاقد بني حاض رين من حيث الزم ان‪ ،‬فق الوا ألن انتق ال‬

‫الصوت بالتليفون جيعل الطرفني من حيث الزمان يف جملس واحد‪ ،‬إذ مبجرد صدور‬

‫القبول يتم العلم به(‪.)1‬‬

‫‪1‬‬
‫() الم وجز في ش رح الق انون الم دني الع راقي‪ ،‬ص(‪ 92‬ح تى ‪ )94‬لل دكتور عبدالمجيد الحكيم‬
‫‪64‬‬
‫وأما بالنسبة ملكان هذا العقد فقالوا‪ :‬ال شك أنه خمتلف‪ ،‬حيث إن مكان‬

‫كل واحد من العاق دين خمتل ف‪ ،‬ول ذلك يعترب التعاقد ب التليفون مبثابة التعاقد بني‬

‫غائبني‪ ،‬فيأخذ حكمه‪ ،‬وعليه يكون مكان التعاقد بواسطة التليفون‪ ،‬أو بأية وسيلة‬

‫مماثلة كالالسلكي مثالً هو املكان الذي يعلمه فيه املوجب‪ ،‬إذ يف هذا املكان حيصل‬

‫العلم بالقبول ما مل يتفق على خالف ذلك(‪.)1‬‬

‫وب ذلك أخ ذت مجيع الق وانني العربية باس تثناء الق انون املدين األردين كما‬

‫سبق بيانه(‪.)2‬‬

‫متاما مع‬
‫وقد ظهر جبالء أن الق وانني املدنية يف أغلب البل دان العربية تتفق ً‬
‫ما ذهب إليه النظر الفقهي اإلس المي من أن العقد من خالل اهلاتف والوس ائل‬

‫اإللكرتونية األخ رى املش اهبة هو عقد ف وري يقتضي إعالن القب ول ف ور ص دور‬

‫اإلجياب فإن تأخر ذلك القبول ولو قليالً؛ جاز للموجب الرجوع عن إجيابه‪ ،‬حىت‬
‫ولو كانت املكاملة اهلاتفية ال تزال مستمرة بينهما‪.‬‬

‫بتص رف‪ ،‬ط‪ ،3‬بغ داد‪ ،‬ش ركة الطبع والنشر األهلية ‪1389‬هـ‪1969-‬م‪ .‬نقالً عن حكم التعاقد‬
‫عبر أجهزة االتصاالت الحديثة في الشريعة اإلسالمية للدكتور عبدالرزاق الهيتي ص(‪.)49‬‬
‫‪1‬‬
‫أيض ا نقالً عن حكم التعاقد ع بر أجه زة االتص االت الحديثة في‬
‫() المص در الس ابق‪ :‬بتص رف ً‬
‫الشريعة اإلسالمية للدكتور الهيتي‪ ،‬ص(‪.)50‬‬
‫‪2‬‬
‫() انظر‪ :‬ص (‪ )50‬من هذا البحث‪.‬‬
‫‪65‬‬
‫خاتمة البحث ونتائجه‬

‫كبيرا وكان آخرهما اإلنترنت الذي‬


‫تطورا ً‬
‫‪ -1‬تطورت وسائل االتصاالت ً‬
‫يمكن من خالله إجراء مكالمات هاتفية بالصورة فقط أو بالصورة‬
‫معا‪ ،‬وفي هذه الحالة يصنف مع األجهزة الناقلة لألصوات‬
‫والصوت ً‬
‫ضا كتابة رسالة تعاقدية‬
‫والتي من أبرزها الهاتف ويمكن من خالله أي ً‬
‫وتخزينها مع توجيهه إلى إرسال نسخة منها إلى الجهاز الثاني المرتبط‬
‫بالمتعاقد اآلخر أو بالبورصة‪ .‬وفي هذه الحالة يمكن تصنيفه مع األجهزة‬
‫الحديثة الناقلة للحروف ومن أبرزها الفاكس‪.‬‬

‫‪ -2‬ذك رت أثن اء ح ديثي عن إب رام عقد ال زواج عن طريق الوس ائل اإللكرتونية‬

‫كتابة أن ه ذا الطريق ك ان معروفًا ق دميًا ومل تبت دع وس ائل االتص االت ه ذا‬

‫النمط من العق ود اجلدي دة فيها إمنا هو س رعة النق ل‪ .‬وقد اختلف الفقه اء يف‬

‫هذه املسألة على قولـني‪:‬‬


‫الق ول األول‪ :‬املنع من إجراء عقود الزواج عن طريق الكتابة‪ ،‬وهذا مذهب‬

‫مجهور الفقهاء من املالكية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬واحلنابلة‪.‬‬

‫الق ول الث اني‪ :‬جييز إج راء عقد ال زواج بالكتاب ة‪ ،‬وه ذا م ذهب احلنفي ة‪ .‬وقد‬

‫رجحته ذلك أهنم اعت ربوا جملس العقد س اعة وص ول اخلط اب‬

‫الذي حيمل اإلجياب إىل الطرف اآلخر‪ ،‬فإذا وصل اخلطاب ودعا‬

‫‪66‬‬
‫الشهود وأطلعهم على الكتاب وأخربهم مبضمونه وأشهدهم على‬

‫قبول النكاح فقد مت الزواج‪ ،‬وأنه ميكن للخاطب أن يرى خمطوبته‬

‫عرب الكمبيوتر املتصل بشبكة اإلنرتنت‪ ،‬وميكن أن يظهر املتعاقدان‬

‫وسائل اإلثبات اخلاصة لكل منهما كما جيب أن يكون الشاهدان‬

‫يعرفان الطرفني‪.‬‬

‫‪ -3‬كما أنه ميكن عقد النك اح عن طريق املهاتفة عرب الوس ائل اإللكرتونية وقد‬

‫اختلف الفقهاء املعاصرون يف هذه املسألة على قولني‪:‬‬

‫الق ول األول‪ :‬جييز إجراء عقد الزواج مشافهة عن طريق وسائل االتصاالت‬

‫احلديثة كاهلاتف واإلن رتنت ومن أب رز من ذهب ه ذا املذهب‬

‫الش يخ مص طفى الزرق ا‪ ،‬ود‪ .‬وهبة ال زحيلي و د‪ .‬إب راهيم ال دبر‪،‬‬

‫ود‪ .‬حممد عقلة‪ ،‬وغريهم‪.‬‬


‫القول الثاني‪ :‬مينع عقد الزواج بطريق الوسائل اإللكرتونية الناقلة للكالم نط ًقا‬

‫ومنها التعاقد عرب شبكة اإلنرتنت وقد رجحت جواز إجراء عقد‬

‫ال زواج بوس ائل االتص االت احلديثة الناقلة للكالم نط ًقا ومنها‬

‫ش بكة اإلن رتنت‪ ،‬وذلك لت وفر ش روط النك اح من تلفظ باإلجياب‬

‫والقبول ومساع كل من املتعاقدين لآلخر ومعرفته لـه ووجود الويل‬

‫والشهود‪ ،‬وكون العاقدين غائبني ال حرج فيه‪ ،‬فالعاقدان غائبان‬

‫‪67‬‬
‫بأشخاص هما ولكنهما يعق دان عقد احلاض رين ويس مع كالّ منهما‬

‫اآلخر كما يسمعهما الشهود حني نطقهما باإلجياب والقبول‪.‬‬

‫‪ -4‬أما فيما يتعلق ب إجراء الطالق عن طريق الوس ائل اإللكرتونية مهاتفة ف إن‬

‫رعا؛ ألن الطالق ال يتوقف على حض ور الزوجة وال رض اها‬


‫الطالق واقع ش ً‬
‫وال علمها كما أنه ال يتوقف على اإلش هاد‪ ،‬ف الطالق يقع مبج رد التلفظ ب ه‪،‬‬

‫ولكن يش رتط أن تتأكد الزوجة من أن ال ذي خاطبها هو زوجها وليس هن اك‬

‫تزوي ر؛ ألنه ينبين على ذلك اعت داد الزوجة واحتس اهبا لبداية الع دة من وقت‬

‫صدور الطالق الذي خاطبها به الزوج‪.‬‬

‫‪ -5‬أما الطالق عرب الوسائل اإللكرتونية كتابة فقد اختلف الفقهاء فيه على أقوال‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬مينع إجراء الطالق بالكتابة‪ ،‬وهو مذهب الظاهرية‪.‬‬

‫الق ول الث اني‪ :‬ذهب مجه ور الفقه اء إىل أن الطالق يقع بالكتابة لكنه إذا مل‬
‫ينو بالكتابة الطالق فال يقع به ش يء؛ أي أهنم َع دُّوا الطالق به‬

‫لكتابه كناية ولو ك ان ص رحيًا يف الطالق‪ .‬وذهب احلنفية إىل أن‬

‫الطالق بالكتابة يقع إذا كانت الكتابة مستبينة ومرسومة وكانت‬

‫بألف اظ ص رحية ف إن الطالق يق ع‪ ،‬وإن ادعى أنه مل ين وه‪ ،‬أما إذا‬

‫ك انت الكتابة مس تبينة وغري مرس ومة فتعد من الكناي ات فال يقع‬

‫هبا الطالق إال مع النية س واء أك انت بألف اظ ص رحية أم بألف اظ‬

‫‪68‬‬
‫كنائي ة‪ ،‬وال راجح من وجهة نظ ري هو م ذهب احلنفية لدقته‬

‫ومشوله‪.‬‬

‫‪ -6‬أما ما يتعلق باإلجراءات املرتتبة على عقد الزواج عرب الوسائل اإللكرتونية فإن‬

‫جملس العقد على ال راجح هو اجمللس ال ذي يتمكن فيه من وجه إليه اإلجياب‬

‫من إحضار شاهدين يسمعان قبوله بعد قراءة الكتاب أمامهم حىت يكون هذا‬

‫العقد مستوفيًا جلميع أركانه‪.‬‬

‫أما ما يتعلق خبيار اجمللس وخيار الرجوع وخيار القبول فإن خيار اجمللس عند‬

‫الق ائلني به ال جيرى يف عق ود ال زواج؛ ألن النك اح ال يقع غالبًا إال بعد روية‬

‫ونظر ومتكن فال حيتاج إىل اخليار بعده‪.‬‬

‫أما خي ار الرج وع والقب ول يف حالة املهاتفة وما يلحق هبا فليس هن اك أي‬

‫إش كال يف حالة التعاقد بني احلاض رين؛ لع دم وج ود فاصل زم ين‪ ،‬وعلى ه ذا‬
‫فللم وجب حق الرج وع عن إجيابه والتحلل منه يف أي وقت قبل ص دور‬

‫القب ول‪ ،‬وللط رف املوجه إليه اإلجياب اخلي ار يف القب ول ما دام يف جملس العقد‬

‫يف املدة الزمنية مع وجود الشهود فإذا صدر منه القبول لزمه العقد‪.‬‬

‫أيض ا أنه ال حيدث أي إش كال ألن وس ائل‬


‫أما يف حالة الكتابة ف أرى ً‬
‫االتصاالت احلديثة حتقق املواالة بني اإلجياب والقبول يف عقد الزواج‪.‬‬

‫‪ -7‬أما فيما يتعلق مبوقف ق وانني األح وال الشخص ية يف بعض البالد العربية من‬

‫‪69‬‬
‫التعاقد عرب الوس ائل اإللكرتونية كتابة ومهاتفة ف إن التعاقد عن طريق الكتابة‬

‫أخ ذت به معظم ق وانني األح وال الشخص ية يف البالد العربي ة‪ ،‬وقد ج اء ذلك‬

‫يف املادة (‪ )6‬ف (‪ )2‬من مشروع قانون األحوال الشخصية لدولة اإلمارات‬

‫أيضا‪.‬‬
‫العربية املتحدة ويف املادة (‪ )7‬من القانون املذكور يف (جـ) ً‬
‫وأيضا يف قانون األحوال الكوييت املادة (‪ )9‬ف (ب) واملادة (‪ )10‬ف (جـ)‪.‬‬
‫ً‬
‫ويف قانون األحوال القطري مادة (‪ )14‬ف (أ)‪.‬‬

‫أيضا معظم قوانني األحوال الشخصية العربية‬


‫أما الطالق كتابة فقد أخذت به ً‬
‫فقد جاء يف القانون الكوييت مادة (‪ )104‬فقرة (ب) وجاء يف مشروع قانون‬

‫األح وال الشخص ية املوحد لإلقليمني املص ري والس وري م ادة (‪ )174‬فق رة‬

‫أيض ا مشروع قانون األحوال الشخصية القطري مادة (‪)114‬‬


‫(ب)‪ ،‬وجاء ً‬
‫فقرة (أ)‪.‬‬
‫أما التعاقد مهاتفة عرب الوسائل اإللكرتونية فلم أجد قوانني األحوال الشخصية‬

‫يف البالد العربية تعرضت لـه مطل ًقا وك ذلك الطالق مهاتف ة‪ .‬وفيما يتعلق‬

‫باإلجراءات املرتتبة على عقد الزواج بالوسائل اإللكرتونية يف قوانني األحوال‬

‫الشخص ية العربية فقد تعرضت لـه يف مس ألتني‪ ،‬األولى‪ :‬حتديد جملس العق د‪،‬‬

‫وبينت أن احتاد جملس العقد ش رط يف االنعق اد حىت يتمكن من ع رض عليه‬

‫اإلجياب من املتعاق دين أن يت دبر أم ره فيقبل اإلجياب أو يرفض ه‪ ،‬وأن املراد‬

‫‪70‬‬
‫باحتاد اجمللس هو احتاد ال زمن أو ال وقت ال ذي يك ون املتعاق دان مش تغلني فيه‬

‫بالتعاق د‪ ،‬وعلى ه ذا يك ون جملس العقد يف املكاملة اهلاتفية هو زمن االتص ال‪،‬‬

‫فإن انتقل املتحدث إىل حديث آخر انتهت املكاملة‪.‬‬

‫وجملس العقد يف العق ود الكتابية بالوس ائل اإللكرتونية هو مك ان وص ول‬

‫الرسالة‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬حتديد مكان جملس العقد وزمانه‪.‬‬

‫يعد من األمهية معرفة الزم ان واملك ان الل ذين مت فيهما ال زواج ملعرفة ال وقت‬

‫احملدد لت رتتب اآلث ار الش رعية والقانونية على العق د؛ ألن هن اك اختالف ات بني‬

‫ق وانني األح وال الشخص ية العربية تعد جوهرية يف كثري من األحي ان‪ .‬وبينت‬

‫أن املص لحة يف عق ود ال زواج تقتضي األخذ بنظرية العلم ب القبول‪ .‬واليت‬

‫مبوجبها البد للموجب أن يعلم بقبول الطرف اآلخر‪.‬‬


‫‪ -8‬أما إبرام العقود التجارية عرب كتابة الوسائل اإللكرتونية فقد اختلف الفقهاء يف‬

‫هذه املسألة على ثالثة أقوال‪:‬‬

‫الق ول األول‪ :‬ذهب مجه ور الفقه اء من املالكي ة‪ ،‬والش افعية‪ ،‬واحلنابلة إىل أن‬

‫الكتابة كاخلط اب؛ فالتعاقد هبا ج ائز س واء أك ان العقد بني‬

‫حاضرين أم بني غائبني وسواء كان املتعاقدان قادرين على النطق‬

‫أم عاجزين عنه‪ ،‬لكنهم استثنوا من ذلك عقد النكاح‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫الق ول الث اني‪ :‬م ذهب بعض الفقه اء‪ ،‬وق ول للش افعية‪ ،‬إىل أنه ال يصح التعاقد‬

‫عاجزا عن النطق والكالم فقط‪.‬‬


‫بطريق الكتابة إال ملن كان ً‬
‫القول الثالث‪ :‬ذهب فقهاء احلنفية إىل أن الكتابة تنزل منزل اخلطاب بالنسبة‬

‫للغائبني فقط ومل يستثنوا من ذلك حىت عقد النكاح‪.‬‬

‫وال راجح من وجهة نظ ري هو ما ذهب إليه مجهور الفقه اء الق ائلني جبواز‬

‫إبرام العقود عن طريق الكتابة مطل ًق ا؛ ألنه يدعمه الدليل ويتفق مع قواعد الشريعة‬

‫اإلس المية وأص وهلا القاض ية برفع احلرج ومبادئها اخلاصة ب العقود الدالة على أن‬

‫األساس هو الرتاضي‪.‬‬

‫‪ -9‬أما حكم إبرام العقود التجارية مهاتفة فإنه إذا مت فيه اإلجياب والقبول مع بقية‬

‫الشروط املطلوبة فإنه صحيح ال غيار عليه‪ .‬أما عدم رؤية أحدمها لآلخر فليس‬

‫لـه عالقة بصحة العقود وعدمها؛ ألن املطلوب يف باب العقود مساع اإلجياب‬
‫والقبول أو التقاؤمها أو إدراكهما بأي وسيلة كانت‪.‬‬

‫‪ -10‬أما ما يتعلق ب اإلجراءات املرتتبة على العق ود التجارية عرب الوس ائل‬

‫اإللكرتونية فهي كالتايل‪:‬‬

‫أ‪ -‬مجلس العقد‪ :‬هو احتاد اجمللس ب أن يقع اإلجياب والقب ول يف جملس واحد‬

‫ولكن جملس التعاقد بني الغ ائبني هو جملس وص ول اخلط اب أو الرس ول‪،‬‬

‫ولكن احتاد اجمللس ال يش مل أك ثر العق ود غري التجارية فهو ال يش مل‬

‫‪72‬‬
‫الوصية من اإليصاء والوكالة والكفالة عند اجلمهور‪.‬‬

‫ب‪ -‬وقت تم ام العقد‪ :‬إن العقد بالكتابة ومنها التعاقد عرب الوس ائل اإللكرتونية‬

‫يتم مبج رد القب ول الص ادر من الش خص املوجه إليه وجملس وص ول اخلط اب‬

‫هو جملس العقد‪.‬‬

‫جـ‪ -‬أما الخيارات المتعلقة بمجلس العقد ع بر الوس ائل اإللكترونية فبالنسبة‬

‫خلي ار اجمللس فإنه يعطي للمتعاق دين خي ار اجمللس وه ذا يعين أن لكل عاقد‬

‫احلق يف فسخ العقد ولو بعد إبرامه ما داما يف جملس العق د‪،‬ف إذا انفض‬

‫اجمللس بطل اخليار‪ ،‬وهذا رأي الشافعية‪ ،‬واحلنابلة‪ ،‬وهو الراجح من وجهة‬

‫نظ ري‪ .‬أما خي ار الرج وع فإنه يك ون للطرف املوجب الرجوع عن إجيابه‬

‫إىل أن يص در القب ول أو ينفض اجمللس‪ ،‬وه ذا رأي مجه ور الفقه اء‪ ،‬وك ذا‬

‫خيار القبول يكون للطرف املخاطب باإلجياب خيار القبول حلني انفضاض‬
‫اجمللس فهو غري ملزم بالقبول‪.‬‬

‫د‪ -‬مجلس العقد في التعاقد مهاتفة في العقود التجارية‪.‬‬

‫إن جملس العقد املربم من خالل جه از اهلاتف أو ما ش اهبه من أجه زة‬

‫االتص ال األخ رى ينعقد من حني ص دور اإلجياب أثن اء املكاملة اهلاتفية وأنه‬

‫يس تمر ويبقى ما دام الكالم موصوالً بينهم ا‪ ،‬وحيق فيه للم وجب الرجوع‬

‫عن إجيابه ما دام أنه مل يق رتن به قب ول الط رف اآلخ ر‪ ،‬ويبقى جملس العقد‬

‫‪73‬‬
‫قائما ما دامت املكاملة بينهما مس تمرة‪ ،‬ف إذا ما انقطعت املكاملة من قبلهما‬
‫ً‬
‫تاما اق رتن فيه‬
‫أو من قبل أح دمها أو قطعت من قبل غريمها‪ ،‬وك ان العقد ً‬
‫والزما لكال الطرفني‪.‬‬
‫تاما ً‬‫القبول باإلجياب فإن العقد يكون حينئذ ً‬
‫أما إذا انقطعت املكاملة ألي سبب من األسباب بعد صدور اإلجياب وقبل‬

‫أيض ا الرجوع عن إجيابه ما دام أنه مل يقرتن‬


‫قبول الطرف اآلخر فإنه حيق للموجب ً‬
‫به قب ول الط رف اآلخ ر‪ ،‬أما الط رف اآلخر املوجه إليه اإلجياب فإنه ال حيق لـه‬

‫الرج وع عن قبوله حىت ولو مت ذلك من خالل نفس املكاملة‪ ،‬ذلك ألن ه ذا العقد‬

‫قياس ا على العقد بني املاشيني أو‬


‫من العقود املتعددة اليت يسقط فيها اختيار القبول ً‬
‫الراكبني‪.‬‬

‫معا كما هو احلال يف‬


‫أما إذا ك ان جه از اهلاتف ن اقالً للص ورة والص وت ً‬
‫ش بكة اإلن رتنت فإنه ميكن تلخيص ح االت انته اء اجمللس بالنس بة هلذا اجله از فيما‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬انتهاء املكاملة اهلاتفية‪.‬‬

‫‪ -2‬مشاهدة أي من املتعاقدين صدور تصرف من صاحبه يدل على انشغاله‬

‫عن العقد أو إعراضه عنه‪ ،‬حىت ولو كانت املكاملة مستمرة بينهما‪.‬‬

‫‪ -3‬مشاهدة أي من املتعاقدين مغادرة صاحبه جملس العقد حىت ولو كانت‬

‫املكاملة قائمة ومس تمرة بينهم ا‪ ،‬ويس تثىن من ذلك ك ون مغادرته تتعلق‬

‫‪74‬‬
‫بإحضار أمر ضروري يتعلق بإبرام العقد‪.‬‬

‫‪ -11‬التعاقد عن طريق الكتابة يف العقود التجارية أخذت هبا القوانني املعاصرة مثل‬

‫القانون املدين املصري‪ ،‬والقانون املدين الكوييت‪ ،‬والقانون املدين املغريب‪.‬‬

‫‪ -12‬وفيما يتعلق مبس ألة زم ان انعق اد العقد ومكانه فقد َع دَّت معظم الق وانني‬

‫املدنية التعاقد بني الغ ائبني قد مت يف املك ان والزم ان الل ذين يعلمه فيهما‬

‫املوجب بالقبول ما مل يوجد اتفاق أو نص قانوين يقضي بغري ذلك‪.‬‬

‫ويف رتض أن املوجب قد علم ب القبول يف املك ان والزم ان الل ذين وصل إليه‬

‫فيهما هذا القبول‪ ،‬وهذا يعين أهنا أخذت مبذهب العلم بالقبول‪ .‬أما القانون‬

‫متاما مع الش ريعة‬


‫املدين األردين فقد أخذ بنظرية إعالن القب ول اليت تتفق ً‬
‫اإلس المية خمال ًفا معظم الق وانني املدنية العربية واألجنبية اليت تأخذ بنظرية‬

‫العلم بالقبول‪.‬‬
‫عية من التعاقد عن طريق اهلاتف‬ ‫وانني الوض‬ ‫أما فيما يتعلق مبوقف الق‬

‫والوس ائل اإللكرتونية فلم خيتلف ش راح الق انون يف حتدي دهم لطبيعة ه ذا‬

‫العقد عما ذهب إليه فقه اء الش ريعة فقد ق الوا‪ :‬إن ه ذا العقد هو عقد بني‬

‫حاضرين من حيث الزمان وبني غائبني من حيث املكان‪.‬‬


‫فهــرس المراجــع‬

‫‪ -1‬القرآن الكرمي‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪ -2‬األح وال الشخص ية يف التش ريع اإلس المي‪ ،‬ال دكتور أمحد الغن دور‪ ،‬ط‪،4‬‬
‫الكويت‪ ،‬مكتبة الفالح‪1422 ،‬هـ‪2001-‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬األشباه والنظائر‪ ،‬ابن جنيم‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مؤسسة احلليب‪1387 ،‬هـ‪1968-‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬األقمار الصناعية وسفن الفضاء‪ ،‬سعد شعبان‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‪1973 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -5‬اإلنصاف للمرداوي‪ ،‬صححه وحققه‪ :‬حممد حامد الفقي ‪ -‬بريوت‪ ،‬دار إحياء‬
‫الرتاث العريب‪1376 ،‬هـ‪1957-‬م‪.‬‬
‫‪ -6‬االتصاالت السلكية والالسلكية يف الوطن العريب‪ ،‬حبث مقدم من مليسر محدون‬
‫سليمان‪ ،‬بريوت‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪1982 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -7‬البحر الزخار‪ ،‬البن املرتضى‪ ،‬بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -8‬بدائع الصنائع للكاساين‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة اجلمالية‪1910 ،‬م‪ ،‬ط‪ ،2‬بريوت‪ ،‬دار‬
‫الكتاب العريب‪1402 ،‬هـ‪1982-‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬بداية اجملتهد‪ ،‬مصطفى البايب احلليب‪ ،‬طبعة رابعة‪1395 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -10‬التلكس وكم بيوتر االتص االت‪ ،‬وضع إداورد ج ورج‪،‬تنفيذ ف اروق الع امري‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬دار الراتب اجلامعي‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -11‬ثقافة الكم بيوتر ال وعي والتط بيق والرتمجة‪ ،‬غ ازي ج بي رت‪ .‬ق ربص‪ ،‬سلس لة‬
‫األحباث اللغوية‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -12‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬القرطيب‪ ،‬ط‪ ،3‬القاهرة‪ ،‬دار الكتب املصرية‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -13‬حاشية ابن عابدين‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‪ ،‬املطبعة األمريية‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‪ ،‬مطبعة‬
‫البايب احلليب‪1368 ،‬هـ‪1949 -‬م‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -14‬حاش ية الدس وقي على الش رح الكب ري‪ ،‬الق اهرة‪ ،‬مص طفى الب ايب احلل يب‪ ،‬د‪ .‬ت‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مكتبة زهران‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -15‬حكم إجراء العقود بوسائل االتصال احلديثة‪ ،‬حممد عقلة إبراهيم‪ ،‬دار الضياء‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪1406 ،‬هـ‪1986-‬م‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫‪ -16‬حكم التعاقد عرب أجه زة االتص ال احلديثة يف الش ريعة اإلس المية‪ ،‬عب دالرزاق‬
‫اهلييت‪ ،‬عمان‪ ،‬دار البيارق‪1421 ،‬هـ‪2000-‬م‪.‬‬
‫‪ -17‬اخلرشي على خمتصر خليل‪ ،‬القاهرة‪1317 ،‬هـ‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار صادر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -18‬روضة الط البني‪ ،‬للن ووي‪ ،‬ط‪ ،3‬ب ريوت‪ ،‬املكتب اإلس المي‪1412 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1991‬م‪.‬‬
‫‪ -19‬الروضة الندية ش رح ال درر البهي ة‪ ،‬للس يد ص ديق حسن خ ان‪ ،‬الق اهرة‪ ،‬املطبعة‬
‫األمريية‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -20‬ال زواج والطالق يف اإلس الم‪ ،‬ب دران أبوالع نني‪ ،‬اإلس كندرية‪ ،‬مؤسسة ش باب‬
‫جامعة اإلسكندرية‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -21‬الش رح الص غري‪ ،‬لل دردير‪ ،‬حتقيق كم ال وص في‪1410 ،‬هـ‪1989-‬م دار‬
‫املعارف ‪ -‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -22‬ضوابط العقود‪ ،‬حممود البعلي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -23‬الفت اوى اهلندي ة‪ ،‬الق اهرة‪ ،‬املطبعة الع امرة‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬الق اهرة‪ ،‬املطبعة األمريي ة‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -24‬الفتاوى‪ ،‬مجع وترتيب حممد عبدالعزيز املسند‪ ،‬جملموعة علماء باإلضافة لفتاوى‬
‫اللجنة الدائمة لإلفتاء باململكة العربية السعودية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -25‬فتح القدير‪ ،‬القاهرة‪ ،‬املطبعة األمريية‪1316 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -26‬كشاف القناع‪ ،‬للبهويت‪ ،‬الرياض‪ ،‬مكتبة النصر احلديثة‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -27‬كيف تعمل الشبكات‪ ،‬فرانك درفلرولس فريد‪ ،‬ترمجة مركز التعريب والرتمجة‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬الدار العربية للعلوم‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -28‬مب دأ الرضا يف العق ود‪ ،‬علي حميي ال دين الق رة داغي‪ ،‬ب ريوت‪ ،‬دار البش ائر‪،‬‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ -29‬جممع الفقه اإلس المي ق رارات وتوص يات اجملم ع‪ ،‬تنس يق وتعليق عبدالس تار‬
‫‪77‬‬
‫أبوغدة‪ ،‬ط‪ ،2‬دمشق‪ ،‬دار القلم‪1388 ،‬هـ‪1988-‬م‪.‬‬
‫‪ -30‬اجملموع للنووي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مطبعة العاصمة‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الطباعة املنريية‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬املكتبة السلفية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -31‬احمللى البن حزم‪ ،‬القاهرة‪1352 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -32‬خمتصر املزين مطبوع على هامش األم‪ ،‬القاهرة‪ ،‬املطبعة األمريية‪1321 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -33‬املدخل الفقهي العام للزرقا‪ ،‬ط‪ ،2‬دمشق‪ ،‬مطابع أ‪.‬ب األديب‪1967 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -34‬مس تجدات فقهية يف قض ايا ال زواج والطالق‪ ،‬أس امة عمر األش قر‪ ،‬عم ان‪ ،‬دار‬
‫النفائس‪1420 ،‬هـ‪2000-‬م‪.‬‬
‫‪ -35‬مشروع قانون األحوال الشخصية املوحد لإلقليمني املصري والسوري‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫دار القلم‪1416 ،‬هـ‪1996-‬م‪.‬‬
‫‪ -36‬مص ادر االل تزام يف الق انون املص ري واللبن اين‪ ،‬رمض ان أبوالس عود‪ ،‬د‪.‬م‪ ،‬املكتبة‬
‫اجلامعية‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -37‬مصادر احلق يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬للسنهوري‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -38‬مغين احملتاج‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مطبعة البايب احلليب‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -39‬املغين البن قدام ة‪ ،‬حتقي ق‪ :‬عبداهلل ال رتكي واحلل و‪ ،‬الق اهرة‪ ،‬مطبعة هج ر‪،‬‬
‫‪1410‬هـ‪1989-‬م‪.‬‬
‫‪ -40‬املنتزع املختار‪ ،‬للشيخ عبداهلل مفتاح‪ ،‬القاهرة‪1332 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -41‬منتهى اإلرادات‪ ،‬عامل الكتب‪.‬‬
‫‪ -42‬املهذب للشريازي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مطبعة البايب احلليب‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -43‬املوافقات للشاطيب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬املكتبة التجارية الكربى‪1975 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -44‬مواهب اجلليل للحطاب‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‪1398 ،‬هـ‪1978-‬م‪.‬‬
‫‪ -45‬املوجز يف الق انون املدين الع راقي‪ ،‬عبداجمليد احلكيم‪ ،‬ط‪ ،3‬بغ داد‪ ،‬ش ركة الطبع‬
‫‪78‬‬
‫والنشر األهلية‪1389 ،‬هـ‪1969-‬م‪.‬‬
‫‪ -46‬النيل وش فاء العلي ل‪ ،‬مطب وع على ه امش الش رح ض ياء ال دين الثمي ين‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫بريوت‪ ،‬دار الفتح‪1972 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -47‬اهلداية مع فتح القدير‪ ،‬مطبعة مصطفى حممد ‪ -‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -48‬الوسيط للسنهوري‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار النشر للجامعات املصرية‪1960 ،‬م‪.‬‬

‫مجــالت‪:‬‬
‫جملة جممع الفقه اإلسالمي‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬جدة‪1410 ،‬هـ‪1990 -‬م‪.‬‬

‫‪79‬‬

You might also like