Professional Documents
Culture Documents
وزكى بصره فقال﴿ :ما زاغ البصر وما طغى﴾ ،وزكّى ُخلَُقه
ّ قربنا
من علينا بالإسالم ليحيينا ،وشرع لنا فيه ما ي ِّ
احلمد هلل الذي ّ
فقال﴿ :وإنّك لعلى خلق عظيم﴾ .فأظهروا عباد اهلل ،فرحكم إليه ويُدنينا ،وأكرمنا بالرسالة اخلامتة ،وأودع لنا فيها ما يكفينا
وعن غريها يُغنينا ،وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ،إهلـُنا
﴿قُلْ بِفَضْ ِل وسروركم بنبيكم ،فقد أمر احلق بذلك فقال:
ومليكـُنا وناصرُنا وهادينا ،وأشهد أن سيدنا حممداً عبدُه ورسوله،
هَّللا ِ َوبِ َرحْ َمتِ ِه فَبِ َذلِكَ فَ ْليَ ْف َرحُوا هُ َو خَ ْي ٌر ِم َّما يَجْ َمعُونَ ﴾ (يونس.)58
أنعِمْ به نبيًّا أميناً ورسوالً ُمبيناً ،وعلى آله وصحبه الذين كانوا
والرمحة
َ أن الفضلَ العلمُ
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس ما ّ
باحلق وللحق أنصاراً مياميناً ،والتابعني ومن تبع هنجهم صدقاً
سيدنا حممدٌ .فعربوا عباد اهلل ،عن صدق حمبتكم وعظيم ُ وإحساناً ويقيناً .أما بعد فيا عباد اهلل :وفقين اهلل وإياكم ملا حيب
شوقكم له ،وأحيُوا هذه األيام بل ومدار العام ،مبطالعة سريته
ويرضى ،وجعلين وإياكم ممن حيب ويرضى ،ومجعين وإياكم يف
ومساع قصة مولده ،وأبشروا واعلموا أنه ما تزود املتزودون
ثم اعلموا عباد اهلل ،أ َّن غايةَ
الدنيا واآلخرة مبن حيب ويرضىّ ،
بشيء بعد تقوى اهلل والتزام أمره واجتناب هنيه ،خريا هلم من
إصالح القلوبـ ،وتقومي النفس بتطهريها
ُ اإلسالم العظمى ،هي
ص ِادقًا له يف
صدق احملبة لرسول اهلل ،فإ ّن جزاء من كان َ من العيوب ،وليس أعون على ذلك بعد توحيد اهلل ،من متابعة
احملبة ،أن يكون رفيقه يف اجلنة ،فقد أخرج اإلمامان البخاري
حبيبه ومصطفاه ،متابعته يف األقوال واألفعال ،وما بطن وظهر
ومسلم يف صحيحيهما عن سيدنا أنس أن رجال أتى النيب
يكرهه
ين األحوال ،وحمبَّةِ ما حيبُّه ويرضاه ،وبُغضِ ما ُ
من َس ّ
فقال :مىت الساعة يا رسول اهلل؟ ،قال :ما أعددت لها؟ قال :ما
ويأبَاه ،وقبل أن أحدثكم عن فضل ومزية حمبة النيبء ،تعالوا بنا
أحب اهلل
أعددتُ هلا من كثري صالة وال صوم وال صدقة ولكين ُّ
نتعرف شيئا يسريا عن بعض مشائله وسجاياه ،فهو عباد اهلل،
ورسوله ،قال :أنت مع من أحببت ،قال سيدنا أنس :فما
خري اخللقـ وحبيب احلق ،خامت رسله وطراز مملكته ،أنزل عليه
رأيت املسلمني فرحوا بشيء بعد اإلسالم فرحهم بذلك. القرءان ،وأيّده باحلجة والربهان ،فهو رسول مصطفىـ ونيب جمتىب،
ثم اعلموا عباد اهلل ،أن حمبته من لوازم اإلميان ،فقد أخرج نيب عظيم وإمام كرمي ،قدوة لألجيال وأسوة للرجال ومضرب
اإلمام البخاري يف صحيحه عن سيدنا أنس أن رسول اهلل الزيغ ،وعينه من اخليانة،
األمثال وقائد األبطال ،معصوم قلبه من ّ
قال(( :ال يؤمن أحدكم حىت أكون أحب إليه من ولده ووالده ويده من اجلور ،ولسانه من الكذب ،وهنجه من االحنراف ،ما سجد
والناس أمجعني)) ،ويف لفظ عند اإلمام مسلم(( :ال يؤمن َعْب ٌد حتل له ،وال شارك يد امرأة ال ّ
يده ُلصنم وال اجّت ه لوثن ،ما مست ُ
حىت أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أمجعني))؛ وقوله طهر اهلل فؤاده ،وحفظ رسالته ،وأيّد دعوته،قومه يف هلو وجمونّ ،
عليه الصالة والسالم(( :ال يؤمن َعْب ٌد)) أي ال يكتمل إميان عبد ونصر ملّته ،وأظهر شريعته ،ختم به أنبياءه ،ونصر به أولياءه،
حب رسول اهلل أعظم من حبه ألهله وماله
حىت يكونَ ُّ وكبت به أعداءه.
والناس أمجعني. عباد اهلل ،واهلل إن ديننا عظيم وجليل ،ولعل من أهم مميزاته
فما حقيقة هذه احملبة لرسول اهلل اليت هي من لوازم اإلميان ،واليت هي وخصائصه ،أن رسوله ومبلغهـ هو املصطفىـ املختار سيدنا حممد
باب مرافقته يف أعلى درجات اجلِنان؟ بن عبد اهلل بن عبد املطلب ،القرشي اهلامشي ،خامت النبيني ،وإمام
عباد اهلل ،حقيقة احملبة شعور يف القلب ،وميل يف َّ
الن ْفس ،جيعل احملب املرسلني ،وقائد الغر احملجلني .هذا النيب العظيم ال حتصى فضائله،
متعلقاـ حببيبه ،مشتاقا لرؤيته ومساعه ،ومطالعة مشائله وأخباره ،وقد مقداما ،جتمعت فيه
شجاعا ً
ً زاهدا
متواضعا ً
ً وال تُعد مزاياه ،كان
قيل :احملبة ميل دائم ،بقلب هائم .ولقد ظلم بعضهمـ احملبة فقصروها مجيع األخالق والصفات احلميدة والنبيلة .حىت قال مادحهُ :خلقت
على املتابعة ،ورمسوا هلا بذلك صورة سطحية تقتصر على العمل ُمربءًا من كل عيب – كأنك قد خلقت كما تشاء .وأمجل منك مل
النيب هي متابعته تر قط عني – وأحسن منك مل تلد النساء .ناداه ربه فقال﴿ :وما
الظاهر فحسب ،وبالتحقيق ال يتأتى أن يُقال حمبة ِّ
ب ﴿وما أرسلناك إال كافة للناس بشيرا أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾،
فقط ،فقد يُتابع العبد أحدا بداعي اخلوف أو الطمع وهو غري حُم ّ
له ،ويف املقابل قد حُي ب العبد أحدا وال يكون له ُمتبعا ،أو يكو ُن وزكى عقلـه فقال﴿ :ما ضلّ صاحبكم وما غوى﴾،
ونذيرا﴾ّ ،
وحوادث تبني ما نقول،
ُ السنَّة أمثلةٌ
مقصرا يف متابعته ،ويف صحيح ُّ
ّ وزكّى لسانه فقال﴿ :وما ينطق عن الهوى﴾ّ ،
وزكى َشرعه
منها ما ورد يف صحيح البخاري وغريه ،لصحايب كان امسه عبد اهلل علمه
وزكى جليسه فقالّ ﴿ :
فقال﴿ :إن هو إال وحي يوحى﴾ّ ،
تعظيمه وتوقيره عند ذكرهُ ومن عالمات ,محبة رسول اهلل ابتُلي فرت ًة من الزمان بشرب اخلمر ،وكان النيب قد َجلَ َدهُ يف
ِي
جيب ُّ
وإظهار اخلشوع واالنكسار مع مساع امسه ،قال إسحاق ُّالت ِ ِي بِِه َي ْو ًما فَأ ََمَر بِِه فَ ُجلِ َد ،فقال َر ُج ٌل من الْ َق ْوِم :اللهم ِ
الشََّرابُ ،فأت َ
بعده ال يذكرونه إال خشعوا (أحد التابعني) كان أصحاب النيب َ الْ َعْنهُ ما أَ ْكَثَر ما يُ ْؤتَى بِِه ،فقال النيب :اَل َتل َْعنُوهُ َف َواللَّ ِه ما َعلِ ْم ُ
ت
وبكْوا ،وكذلك كثري من التابعني منهم من كان واقشعرت جلودهم َ صَر يف املتابعة، ب اللَّهَ َو َر ُسولَهُ .فهذا الصحايب الذي قَ َّ إال إَِّنهُ يُ ِح ُّ
يظهر عليه ذلك حمبة له وشوقا إليه ،ومنهم من يفعله َتَهُّيًبا وتوقريا. شهد له رسول اهلل باحملبة ،ومن مثَّ قيل :ال َتنَايِف َ بني ارتكاب
ومن عالمات ,محبة رسول اهلل الشفقةُ على أمته ،وال ُ
نصح هلا النهي وثبوت حمبة اهلل ورسولهـ يف قلب املرتكب .لكن تنبهوا يا
والسعيُ يف مصاحلها ،ورفع املضار عنها ،كما كان عليه الصالة عباد اهلل ،إىل أن احملبة ال تُبيح ارتكاب املعصية ،بل على العكس
والسالم فقد قال فيه ربنا ﴿ :لَقَ ْد َجا َء ُك ْم َرسُو ٌل ِم ْن أَ ْنفُ ِس ُك ْم ع ِ
َزي ٌز ُكلّما كانت احملبة صادقة ،كانت املتابعة أقوى وااللتزام واالمتثال
حي ٌم﴾ (سورة التوبة: ين َرؤ ٌ
ُوف َر ِ َعلَ ْي ِه َما َعنِتُّ ْم َح ِريصٌ َعلَ ْي ُك ْم بِ ْال ُم ْؤ ِمنِ َY أشد .خاصة وقد قال احلق يف كالمه الذي ال يرد :قُلْ إِ ْن ُك ْنتُ ْم
.)128فزيدوا عباد اهلل ،يف حمبة رسول اهلل ،وتفانَ ْوا يف االقتداء تُ ِحبُّونَ هَّللا َ فَاتَّبِعُونِي يُحْ بِ ْب ُك ُم هَّللا ُ َويَ ْغفِرْ لَ ُك ْم ُذنُوبَ ُك ْم َوهَّللا ُ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم
به ،وأكثروا من الصالة عليه وذكر مشائله ،واشتاقوا لرؤيته ونيل ( .)31نبهين اهلل وإياكم من نومة الغافلني ،وجعلين وإياكم من عباده اهلادين
املهديني،ـ الناصرين لدينه املنصورين ،وحفظنا وإياكم من غواية الغاوين ونزغات
شفاعته وجماورته ،فلطاملا اشتاق إلينا وهو بني صحابته ،فقد نظر
القوي املتني ،وال حول
ّ الشياطني ،وختم لنا مبا ختم به لعباده املقربنيّ ،
بسر امسه القادر
يوما وهو بينهم إىل األفق البعيد وقال :شوقا إىل أحبايب... ، العلي العظيم.
وال قوة إال باهلل ّ
الركائب -وعنك وإال فالمحدث كـاذبُ
ُ إليك وإال ال تشد الخطبة الثانية
ُ
مذاهب وحُّبكَ يا خير النبيين مذهبي -وللناس فيما يعشَقون
ُ الحمد هلل وكفى ،وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له الذي إذا
هذا عباد اهلل ،وإ ّن يومكم هذا ٌ
يوم مبارك ،وفيه بفضل اهلل سائر عبده ورسوله
توعد صفح وعفا ،وأشهد أن سيدنا حممداً ُ
وعد وفى ،وإذا ّ
اخللل يتدارك ،فتوجهوا إىل باب موالكم بالتوبة واإلنابة ،عسى أن الذي اصطفى ،صلوات ريب وسالمه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع
حَن ظى من كرمي فضله بالقبول واإلجابة ،ولنبدأ باحلمد هلل والصالة واسعْوا هنجهم واقتفى.ـ أمّا بعد فيا عباد اهلل؛ اتقوا اهلل َّ
حق الَّتقوىَ ،
رد من أتى اهلل بقلب سليم .اللّهم لك احلمد حىت
والتسليم ،فإنه ال يُ ّ بارك اهلل فيكم فيما حُي ب ويرضى ،واجتنبوا الفواحش ما يظهر منها
ترضى ... ،اللهم صل على سيدنا وموالنا حممد نسل الذبيحني، وما خيفى ،واجتهدوا يف طلب احلق ،فما عند اهلل خري وأبقى .ثم
وج ِّد الصبيحني ،وقرة كل عني ،اللهم صل على سيدنا حممد سيد
َ ذكرت لكم ،شعور فياض يف القلب،
ُ اعلموا عباد اهلل أ ّن احملبة كما
الوجود ،وقائد أهل السعود ،وصاحب احلوض املورود ،واللواء عالمات
ُ وشوق حمرق يف الباطن ،لكن هلذا الشعورـ وذاك الشوق،
املعقود ،واملقام احملمود ،اللهم صل على سيدنا حممد طب القلوب كل أحد ،فمن كان صادق صدق ،وشواهد تزكية ،حىت ال يدعيها ُّ
ودوائها وعافية األبدان وشفائها ونور األبصار وضيائها وعلى آله احملبة لرسول اهلل ينبغي أن تظهر عليه عالمات تلك احملبة:
وأولها :االقتداء به ،واتباع سنته ،وامتثال أمره ،واجتناب هنيه،
خري اجلزاء وأوفاه ،وأكمله وأسناه، وصحبه وسلم؛ اللهم جازه عنّا َ
ّهم اجعل صالتك عليه له ِرضاءً ،وحلقِّه أداءً، وأمتَّه وأهباه ،الل ّ وشاهدُ ذلك كما مسعتم قوله تعاىل﴿ :قُلْ إِ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ِحبُّونَ هَّللا َ
وأكرم مأمول ،اللهم خري مسؤول، ِ ِ ِ م﴾ (سورة آل عمران: فَاتَّبِعُونِي يُحْ بِ ْب ُك ُم هَّللا ُ َويَ ْغفِرْ لَ ُك ْم ُذنُوبَ ُك ْم َوهَّللا ُ َغفُو ٌر َر ِحي ٌ
َ ولفضله كفاء ،ولعظمته لقاء ،يا َ .)31
حبب نبيَك الكرمي، يا من تحي العظام وهي رميم ،أ ْ ِ
َحيي قلوبنا َ ومن عالمات محبة رسول اهلل كثرة ذكره :فمن أحب شيئا
اللهم ارزقنا حمبته واتباع سنته ،والسري على هنجه والتمسك وذكر حماسنه ،فينبغي للصادق يف حمبته لرسول اهلل
أكثر ذكرَهَ ،
بشريعته ،اللهم ال ختالف بنا عن طريقته ،اللهم احشرنا يوم القيامة أن تكون أوقاته عامرة بذكر رسول اهلل ،ذكر مآثره وسريته ،أحواله
لواءه ويف زمرتِه ،وأدخلنا يف محايته وشفاعته ،اللهم أوردنا
حتت ِ ومشائله ،أخالقه وآدابه ،وخاصة بكثرة الصالة والسالم عليه .
حوضه ،واسقنا من يده الشريفة شربة هنيئة ال نظمأ بعدها أبداً؛ ومن عالمات محبة رسول اهلل الشوق إلى لقائه فكل حبيب
اللهم أمطرنا مطر الرمحة ...اللهم ارحم موتانا ... ،اللَّ ُه َّم َربَّنَا ْ
اح َف ْظ َّ بالل بن رباح مؤذ ُن رسول اهلل ،
سيدنا ُحيب لقاء حبيبه ،وهذا ُ
وأمنّا يف دورنا وأ َْوطَانِنَا يا أرحم
اهلزات بالدنا وسائر بالد املسلمني،ـ ّ
من ّ صادق احملبة له ،ملا حضرته الوفاة نادت امرأته :واحزناه ،فقال:
ُ
ب
شرارنا يَا َر َّ خيارنا يا أكرم األكرمني ،وال ِّ الرامحنيِّ ،
أمورنا َتول َ أمورنا َ
وول َ "واطرباه غدا ألقى األحبة حممدا وصحبه" .وقد ورد أنَّه قال كما
العالَ ِمنْي َ .ربنا آتنا يف الدنيا حسنة ويف اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار...؛
َ
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسالم على املرسلني واحلمد هلل رب يف صحيح اإلمام مسلمـ من حديث سيدنا أيب هريرة ِ :م ْن ِّ
أشد
العاملني. ناس يكونون بعدي ُّ
يود أحدهم لو رآني بأهله وماله. أمتي لي ُحبًّا ٌ
2014
1435الموافق لـ 03 :جانفي 2014
سيدي علي بن عبيد 01ربيع األنور 1435