You are on page 1of 28

See discussions, stats, and author profiles for this publication at: https://www.researchgate.

net/publication/333024280

‫اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺠﺪﻟﻴﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺪﻳﻦ واﻷﺧﻼق ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻛﺎﻧﻂ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ‬

Research · April 2018

CITATIONS READS
0 6,925

2 authors, including:

Ehsan Ali Abdul-Ameer Al-Haidari


University of Baghdad / College of Arts
20 PUBLICATIONS   0 CITATIONS   

SEE PROFILE

Some of the authors of this publication are also working on these related projects:

‫ ﻓﻠﺴﻔﺔ اﻟﺪﻳﻦ واﻷﺧﻼق‬View project

Project 8: Research, books, articles and achievements of participants in Researchgate Network (researchgate.net) ‫ ﻣﻨﺸﻮرات اﻟﺰﻣﻼء اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﻴﻦ ﻓﻲ‬View project

All content following this page was uploaded by Ehsan Ali Abdul-Ameer Al-Haidari on 11 May 2019.

The user has requested enhancement of the downloaded file.


‫«العالقة الجدلية بين الدين واألخالق في فلسفة‬
‫كانط النقدية»‬
‫أ‪.‬م‪.‬د‪ .‬إحسان علي عبد األمير الحيدري‬
‫قسم الفلسفة ‪ /‬كلية اآلداب ‪ /‬جامعة بغداد‬
‫بحث تم نشره في مجلة (اآلداب) الصادرة عن كلية اآلداب ‪ /‬جامعة بغداد‬
‫‪ /‬وقائع أعمال المؤتمر العلمي األول لقسم الفلسفة الموسوم بـ(العلوم‬
‫اإلنسانية والمسألة الدينية) المنعقد في ‪2018/4/26‬‬
‫الملخص‪:‬‬
‫يحاول كانط جاهداً التركيز على القيمة األخالقية‪ ،‬ال على القيمة الدينية‪،‬‬
‫فيؤكد أن الفعل اإلنساني ـ ـ كالصدق مثالً ـ ـ ال ُيمثل فعالً حسناً ألن اهلل أمر به‪ ،‬بل‬
‫الحسن في ذاته وال يكتسبها من سلطة خارجية؛‬ ‫هو فعل حسن ألنه يحمل قيمة ُ‬
‫قوم األفعال‪ ،‬وهو في هذا يخالف النظرة الدينية السائدة في أغلب‬
‫وعلى هذا المنوال تُ ّ‬
‫المؤسسات الدينية ـ ـ وليس جميعها ـ ـ التي تنص على أن القيمة األخالقية للفعل‬
‫اإلنساني نابعة من مصدر التشريع الديني‪ ،‬كذلك يخالف وجهة النظر االجتماعية‬
‫العرف االجتماعي والتقاليد‬
‫التي ترى أن القيمة األخالقية للفعل اإلنساني نابعة من ُ‬
‫الموروثة‪ ،‬فضالً عن مخالفته وجهة النظر النفعية التي ترى أن تلك القيمة مرتبطة‬
‫بالنتائج المترتبة على الفعل اإلنساني‪.‬‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪Kant tries hard to focus on moral value, not on religious‬‬
‫‪value, confirms that the human act, such as truth, for example,‬‬
‫‪does not really represent well because God ordered him, but is‬‬
‫‪a good deed because it carries the value of good in itself and‬‬
‫‪does not acquire it from an external authority, in this way,‬‬

‫‪1‬‬
‫‪deeds are evaluated, it contradicts the religious view prevailing‬‬
‫‪in most religious institutions, and not all of them, which state‬‬
‫‪that the moral value of human action stems from the source of‬‬
‫‪religious legislation, it also contradicts the social view that the‬‬
‫‪moral value of human action stems from social custom and‬‬
‫‪inherited tradition, as well as the utilitarian view that this value‬‬
‫‪is linked to the consequences of the humanitarian act.‬‬
‫المقدمة‪:‬‬
‫سأحاول في هذا البحث التحري عن ُكنه العالقة بين الدين واألخالق‪ ،‬وقد‬
‫تكون عملية التحري غير ُمجدية لدى الكثيرين؛ ألن النتيجة معروفة‪ ،‬وهي أن الدين‬
‫في مضمونه أخالق‪ ،‬واألخالق نابعة من الدين‪ ،‬لكن من ُينعم النظر يجد أن هذا‬
‫الفهم قد يخص الديانات السماوية؛ ألن كثي اًر من الديانات الوضعية وال سيما الشرقية‬
‫أُسست على األخالق وليس العكس صحيحاً‪ ،‬ومثال على ذلك البوذية التي تُعد في‬
‫أساسها فلسفة أخالقية عند تأسيسها على يد بوذا‪ ،‬واألتباع هم الذين حولوها إلى‬
‫ديانة وضعية عالمية‪ ،‬حتى الديانات السماوية ال نستطيع القول‪ :‬إن األخالق قد‬
‫نبعت منها فقط‪ ،‬وان األخالق تؤسس على الدين وليس العكس صحيحاً‪ ،‬فهذا نبي‬
‫اإلسالم محمد (ص) يقول‪« :‬إنما بعثت ألتمم مكارم األخالق»(‪ ،)1‬ومن ينظر في‬
‫األمر يجد الشريعة المحمدية التي تُعد في نظر المسلمين الشريعة الخاتمة والناسخة‬
‫لكل الشرائع السابقة‪ ،‬كانت في جوهرها تشتمل على مفهوم إتمام األخالق ال‬
‫صدى متفاوت النبرة والتردد على‬
‫ً‬ ‫إبداعها؛ لذلك كان للعالقة بين الدين واألخالق‬
‫صدى أكثر تفاوتاً عند‬
‫ً‬ ‫صعيد الديانات السماوية أو الوضعية‪ ،‬وال غرابة في أن أجد‬
‫انتقالي إلى الرؤى الفلسفية؛ إذ وجدت فالسفة قد وحدوا بين الدين واألخالق‪ ،‬وآخرين‬
‫فصلوا بينهما‪ ،‬ومن جهة أخرى وجدت فالسفة قد جعلوا ميدان الدين سابقاً لميدان‬
‫مؤسساً على األخالق‪ ،‬غير أن من أبرز من صال‬
‫األخالق‪ ،‬وآخرين جعلوا الدين َ‬
‫وجال في موضوع صلة الدين باألخالق هو الفيلسوف األلماني كانط)‪ ،)2‬وهو‬

‫‪2‬‬
‫الشخصية التي سأتناولها في هذا البحث ليمثل األنموذج المعبر عن العالقة الجدلية‬
‫بين الدين واألخالق‪.‬‬
‫خلود النفس ووجود اهلل‪:‬‬
‫طرح كانط رؤية فلسفية لألخالق تدعو إلى تأدية الواجب بوصفه غاية في‬
‫ذاته‪ ،‬وذكر أن الدافع األعلى للعمل الخلقي هو الواجب من أجل الواجب‪ ،‬ال الواجب‬
‫الذي ُيسفر عن مكافأة أو ثناء‪ ،‬واال انحطت األخالق عن رتبتها؛ وهذا يؤدي إلى أن‬
‫لألخالق شأناً قائماً في ذاته ومستقالً عن الدين‪ ،‬لكن كانط ال يقف عند هذا الحد‪ ،‬إذ‬
‫سوغ األعلى للواجب‪ ،‬فيتساءل عن جواز أن ُيض ّحي المرء بكل شيء‬
‫الم ّ‬
‫يبحث عن ُ‬
‫مسوغ لهذه التضحيات ويقدم في الوقت‬
‫من أجل الواجب؟! ووصل إلى قناعة بوجود ّ‬
‫نف سه معنى للحياة‪ ،‬ووجد هذا المسوغ في مفهوم "الخير األقصى"‪ ،‬لكن الخير‬
‫ال في هذه الحياة الفانية؛ لذلك ال بد من وجود حياة‬
‫األقصى ال يمكن تحقيقه كام ً‬
‫أخرى غير هذه الحياة تكون خالدة لتكتمل فيها صورة الخير األقصى‪ ،‬وهنا تبدأ حالة‬
‫االنتقال من الواجب إلى اهلل‪ ،‬ومن األخالق إلى الدين؛ ألن الخير األقصى بوصفه‬
‫مكافأة على الواجب غير ممكن بعيداً عن الكائن الخلقي األعلى الذي يضمنه‪،‬‬
‫فيتضح أن اإليمان بالخير األقصى المتمثل بالفضيلة والسعادة ُيفضي إلى اإليمان‬
‫بوجود اهلل(‪.)3‬‬
‫فسبب اإليمان بوجود اهلل ـ ـ بحسب رؤية كانط ـ ـ هو أن السعادة تمثل حالة‬
‫للكائن العاقل (اإلنسان) في العالم الحسي‪ ،‬وتتوقف هذه الحالة على اتفاق الطبيعة‬
‫وارادة هذا الكائن العاقل‪ ،‬وأمله في تحقيق الخير األقصى‪ ،‬لكن هذا االتفاق ال يمكن‬
‫أن يتوصل إليه بنفسه؛ ألن القانون األخالقي الذي تُصدره إرادته مستقل عن الطبيعة‬
‫التي تحيط به‪ ،‬كما أنه مستقل عن اتفاق هذه الطبيعة وأمله‪ ،‬واذا كان ذلك الكائن‬
‫العاقل علة للقانون األخالقي بموجب حريته‪ ،‬فهذا ال يعني أنه علة الطبيعة التي‬
‫ترتبط بها سعادته وهذا ما يؤدي إلى ضرورة وجود علة لكل الطبيعة تسمو عليها‬
‫وتملك مبدأ هذا االتفاق‪ ،‬أي يكون بيدها سر الصلة بين الفضيلة والسعادة‪ ،‬وتلك‬
‫العلة متمثلة باهلل(‪.)4‬‬

‫‪3‬‬
‫يعتقد كانط أن وجود عالم آخر يأتي بعد انتهاء عالمنا الحسي‪ ،‬يمثل ضرورة‬
‫نابعة من مبدأ الكمال األخالقي الذي يسعى إليه العقل العملي‪ ،‬إذ ال يمكن أن‬
‫يتحقق ذلك الكمال في هذه الحياة الدنيا ما دامت ميول اإلنسان الحسية تعرقل‬
‫سيطرة الواجب عرقلة متواصلة‪ ،‬فاإلنسان مركب من طبيعتين متباينتين‪ ،‬وهو يعجز‬
‫عن أن يصير قديساً باإلطالق عن طريق رقيه رقياً غير نهائي حتى يقترب من‬
‫القداسة؛ بسبب تغليبه الواجب على الميل والشهوة والمنفعة والعاطفة‪ ،‬وهذا االقتراب‬
‫غير النهائي ال يمكن أن يحصل إال إذا أمكن دوام شخصيتنا‪ ،‬أي إال إذا كانت‬
‫النفس اإلنسانية خالدة؛ ألن االنسجام بين الفضيلة والسعادة ال يمكن تحقيقه في‬
‫عالمنا الحسي (عالم الظواهر)‪ ،‬وال بد من وجود حياة ثانية غير هذه الحياة الحسية‬
‫يحقق المرء فيها كماله‪ ،‬وينال الثواب والعقاب اللذين يستحقهما بحسب أعماله‬
‫وأفعاله؛ لذا ينبغي لنا أن نسلّم بخلود النفس وان كنا ال نستطيع أن نعرف شيئ ًا عن‬
‫هذه النفس‪ ،‬وال عن حياتها األخرى(‪.)5‬‬
‫إن البرهان األخالقي على وجود اهلل فرض ال تستقيم األخالق الكانطية إال‬
‫الخلقية تُسفر عن إيمان معقول بحقائق معينة ال يمكن أن يبرهن عليها‬‫به‪ ،‬فالتجربة ُ‬
‫الميتافيزيقيون وهي‪" :‬الحرية" و"خلود النفس" و"اهلل"‪ ،‬وهي الفرضيات التي تقوم عليها‬
‫األخالق‪ ،‬فال معنى لتأدية الواجب وال للمسؤولية عن تأديته أو عدم تأديته ما لم يكن‬
‫ويضحي بكل شيء في سبيله‪ ،‬وال معنى في‬ ‫اإلنسان ح اًر؛ ليختار هذا الواجب ُ‬
‫ا لنهاية لهذه التضحية‪ ،‬إال في سعادة كاملة يحصل عليها اإلنسان في حياة أخرى‪،‬‬
‫وهي حياة غير ممكنة إذا لم يكن اهلل موجوداً‪ ،‬واذا كانت هذه المبادئ لم تجد ركيزة‬
‫في العقل النظري‪ ،‬فقد وجدتها في العقل العملي‪ ،‬فالقانون األخالقي ال يقوم بال هذه‬
‫الحقائق؛ وعلى هذا األساس يكون كانط قد أدخل إلى فلسفة الدين ما أسماه أحياناً‬
‫"الالهوت األخالقي"‪ ،‬ومعناه أن القوانين األخالقية تفترض وجود اهلل‪ ،‬إال أن العقل‬
‫ُيصحح مفاهيمنا عن اهلل بعد افتراض وجوده عملياً‪ ،‬فإذا كان هو الذي يمنحنا‬
‫السعادة مكافأة على الفضيلة‪ ،‬فهو كذلك مانح القانون المطلق‪ ،‬أي أن الواجبات كلها‬
‫شرع المطلق ومانح القانون األخالقي الذي يستحق كل‬
‫الم ّ‬
‫تمثل أوامر إلهية‪ ،‬فاهلل هو ُ‬

‫‪4‬‬
‫ويعلن القانون األخالقي عن نفسه في صوت الضمير الذي يمثل‬
‫إجالل واكرام‪ُ ،‬‬
‫صوت اهلل(‪.)6‬‬
‫فالقانون األخالقي ـ ـ بحسب التعبير الكانطي ـ ـ يقودنا عبر مفهوم الخير‬
‫األقصى ـ ـ بوصفه موضوع العقل العملي المحض وغايته النهائية ـ ـ إلى الدين‪ ،‬أي‬
‫إلى معرفة كل الواجبات بوصفها أوامر إلهية ال بوصفها عقوبات‪ ،‬أي إنها اختيرت‬
‫بوصفها أحكاماً متوقفة على إرادة خارجية‪ ،‬فضالً عن أنها قوانين جوهرية لكل إرادة‬
‫حرة من أجل ذاتها‪ ،‬لكن مع ضرورة أن ُينظر إليها على أنها أوامر الكائن األسمى؛‬
‫ومنانة)‪ ،‬وفي‬
‫ألنه ال يمكننا أن نعقد األمل إال على إرادة كاملة أخالقياً (مقدسة ّ‬
‫الوقت نفسه كلية القدرة‪ ،‬وهكذا منسجمين مع هذه اإلرادة يمكننا أن نأمل الوصول‬
‫إلى الخير األقصى الذي يوجب القانون األخالقي علينا أن نجعله موضوع جهدنا‪،‬‬
‫ومؤسساً على الواجب فحسب‪ ،‬ومن غير‬
‫َ‬ ‫ويبقى كل شيء هنا خالصاً من كل غرض‬
‫لدم ار كل‬
‫أن يسمح لدافعي الخوف واألمل بأن يكونا في أساسه‪ ،‬فلو أصبحا مبدأين ّ‬
‫القيمة األخالقية(‪.)7‬‬
‫إن األخالق ـ ـ من وجهة نظر كانط ـ ـ ليست في حقيقتها المذهب الذي يعلّمنا‬
‫كيف نجعل أنفسنا سعداء‪ ،‬بل الذي يعلمنا كيف نجعل أنفسنا جديرين بالسعادة‪،‬‬
‫وحين ُيزاد عليها الدين يتغلغل إلى نفوسنا األمل في أن نشارك ذات يوم في السعادة‪،‬‬
‫بالقدر الذي سعينا به في حياتنا الماضية‪ ،‬وهنا يتضح أثر الدين في األخالق بعد أن‬
‫اتضح أثر األخالق في الدين‪ ،‬إذ إن األمل في تحصيل السعادة ال يبدأ إال مع‬
‫الدين‪ ،‬كذلك تتضح لنا اإلجابة عن سؤال ُيطرح دوماً يتعلق بغاية اهلل من خلقه‬
‫العالم‪ ،‬وعندها ال نستطيع أن نقول إن اإلجابة تكمن في سعادة الكائنات العاقلة في‬
‫هذه الدنيا‪ ،‬ولكنها تتجلى في مفهوم الخير األقصى‪ ،‬أي أخالقية هذه الكائنات‪ ،‬تلك‬
‫األخالقية التي تشتمل وحدها على مقياس يمكن به أن تأمل تلك الكائنات المشاركة‬
‫في السعادة بفضل خالق حكيم؛ لهذا فإن الذين جعلوا غاية الخليقة تمجيد اهلل‪ ،‬قد‬
‫مجد اهلل غير ما هو األجدر بالتقدير في العالم‪،‬‬
‫وجدوا التعبير األصدق؛ ألنه ال ُي ّ‬
‫وأعني بتمجيد اهلل احترام أوامره ومراعاة الواجب المقدس الذي تفرضه علينا شريعته‪،‬‬
‫في حال ِّتو َجت هذه األوامر الجميلة بسعادة تناسبها(‪.)8‬‬

‫‪5‬‬
‫في ضوء ما سبق نجد أن كانط يميز بين نوعين من الخير‪ :‬خير طبيعي‬
‫وخير أخالقي‪ ،‬والخير الطبيعي هو السعادة بوصفها جملة مسرات حسية‪ ،‬أما الخير‬
‫األخالقي فهو الفضيلة وقوامها الجهود التي تبذلها اإلرادة للتحرر من أسر الحواس؛‬
‫ولما كان العقل يميل بطبعه إلى‬
‫كي تستطيع القيام بأعمالها احتراماً للقانون وحده‪ّ ،‬‬
‫الوحدة ـ ـ بحسب رأي كانط ـ ـ فهو يود أن يوجد هذين النوعين من الخير ويرجعهما‬
‫إلى مبدأ واحد هو الخير األقصى‪ ،‬فإذا أردنا أن نوفق بين السعادة والفضيلة؛ وجب‬
‫علينا التسليم بوجود الحارس األخالقي األعلى‪ ،‬العالم بكل شيء‪ ،‬والقادر على أن‬
‫يعرف معرفة دقيقة ما يستحقه كل إنسان‪ ،‬أي أن نسلم بوجود اهلل تسليماً‪ ،‬وبأن وجود‬
‫اهلل ُيعد موضوعاً من الموضوعات التي يفرضها علينا العقل العملي‪ ،‬وال مندوحة لنا‬
‫منزه عن عالم‬
‫عن قبولها وان تعذر الوصول إلى فكرة واضحة عن اهلل؛ ألن اهلل ّ‬
‫الظواهر‪ ،‬في حين أن معرفتنا محدودة قاصرة ال يمكن أن تتجاوز هذا العالم‬
‫الظاهر(‪.)9‬‬
‫تأسيس الدين على األخالق‪:‬‬
‫يؤسس على األخالق وليس العكس‬‫يرى كانط أن الدين العقلي المحض َ‬
‫مؤسساً على‬
‫تؤسس على العقل؛ ومن ثَم يكون هذا الدين َ‬
‫صحيحاً‪ ،‬وأن األخالق َ‬
‫ال عن االلتزام‬
‫العقل‪ ،‬لذلك يرفض كانط أن تكون ممارسة الشعائر والعبادات بدي ً‬
‫الخلقي؛ ولهذا جعل العبادة الحقيقية كامنة في السلوك ال ُخلقي القويم النابع عن‬
‫اإلرادة الحرة والتشريع الذاتي للعقل العملي المحض‪ ،‬وليس معنى أن العبادة الحقيقية‬
‫عند كانط تكمن في السلوك األخالقي أن اهلل يحتاج إلى العبادة أو أن لديه رغبة في‬
‫ذلك‪ ،‬فاهلل جدير بأن يكون موضوعاً للعبادة عن طريق االلتزام الخلقي من غير أن‬
‫ننسب إليه شيئاً من ذلك القبيل‪ ،‬ويجب أن ال نفهم أن اهلل لديه رغبة أو ميل في أن‬
‫شرف مقابل خلقه العالم‪ ،‬إذ إنه فعل ذلك ألسباب موضوعية ال لدوافع‬
‫وي ّ‬
‫مجد ُ‬
‫وي ّ‬
‫كرم ُ‬
‫ُي ّ‬
‫ذاتية‪ ،‬فعل ذلك من منطلق كرمه وفضله ونعمته‪ ،‬لم يفعله ألنه يريد تكريم نفسه؛‬
‫وعلى هذا فإن العبادة الحقيقية تكمن في االلتزام بالقانون األخالقي للعقل العملي‬
‫المحض‪ ،‬وال تكمن في ممارسة طقوس وحركات شكلية(‪.)10‬‬

‫‪6‬‬
‫إذا كان الدين عند كانط يتحدد في االعتراف بجميع الواجبات األخالقية‬
‫بوصفها أوامر إلهية‪ ،‬فإن هذا ال يعني أن األخالق تمثل فروضاً متعسفة إلرادة‬
‫خارجية أو تمثل فروضاً عرضية في ذاتها‪ ،‬بل هي قوانين أساسية لكل إرادة حرة في‬
‫نعدها أوامر لكائن أعلى؛ وذلك لكونها صادرة عن‬
‫ذاتها‪ ،‬وهذه القوانين يجب أن ّ‬
‫نعد تلك القوانين أو‬
‫إرادة كاملة خلقياً وكاملة القدرة في الوقت نفسه‪ ،‬وينبغي ّأال ّ‬
‫الواجبات واجبات تجاه اهلل‪ ،‬بل هي واجبات نراعي فيها اهلل؛ ألن اهلل هو غاية‬
‫الغايات‪ ،‬ومن كان كذلك فليس من المعقول أن ينتظر منا شيئاً‪ ،‬كما أن الواجب‬
‫يكون تجاه اإلنسان بوصفه ممثالً اإلنسانية العاقلة‪ ،‬أما اهلل فهو منتهى الغايات‬
‫والهدف األقصى؛ ومن ثَم غني بذاته وال يحتاج إلينا أو إلى أي واجب‪ .‬وهكذا فإن‬
‫السلوك األخالقي واجب نراعي فيه حق اهلل وليس واجباً نؤديه هلل‪ ،‬وهو في الوقت‬
‫قدم على ممارسة الطقوس والشعائر والمناسك؛ لكونه يشتمل على المعنى‬ ‫نفسه ُم ّ‬
‫األمثل للعبادة الحق في مقابل العبادة الزائفة التي تحول فيها الطقوس والشعائر‬
‫موضوع العبادة صنماً ومن ثَم يصبح الدين وثنياً (‪ ،)11‬وال يقصد كانط هنا بالوثنية‬
‫عبادة األصنام الحجرية أو ما شاكلها‪ ،‬بل يقصد أن إرضاء اهلل بالطقوس والشعائر‬
‫والقرابين من غير االلتزام الخلقي يجعل اهلل يبدو وكأنه صنم (‪.)12‬‬
‫يعتقد كانط أن العبادة الصحيحة هي تلك العبادة التي تُركز على الفضيلة‬
‫ونقاء الضمير واتساق الظاهر والباطن‪ ،‬وليست العبادة التي تركز على الطقوس‬
‫والشعائر‪ ،‬ولقد حاول تحرير الدين من المضامين التاريخية الوضعية التي زرعتها‬
‫بعض المؤسسات الدينية‪ ،‬التي تُسهم في إبعاد المؤمن عن الدين العقلي المحض‪،‬‬
‫بتقديمها للعبادات الظاهرية والفروض والطقوس والشعائر والمناسك على الفضيلة‬
‫األخالقية النابعة من التشريع الذاتي للعقل العملي المحض‪ ،‬وبهذا القلب لألولوية‬
‫كبل باألغالل‪ ،‬مع أن الحرية اإلنسانية ضرورية للدين‬
‫تُ ّقيد الحرية اإلنسانية وتُ ّ‬
‫مؤسساً على األخالق‪ ،‬ويؤدي قلب األولويات هذا إلى ما‬
‫َ‬ ‫الصحيح؛ لكونه ديناً‬
‫يسميه كانط "العبادة الزائفة" التي تسعى إلى نيل اللطف اإللهي بطرائق ال عالقة لها‬
‫بالفضيلة األخالقية؛ ألنها تقوم على االلتزام الشكلي الصوري‪ ،‬وعلى الطقوس‬
‫الهوة بين الدين العقلي‬
‫والشعائر التي ال تتجاوز دائرة الحركة الجسدية‪ ،‬وتتسع ّ‬
‫‪7‬‬
‫المحض والمؤسسة الدينية التاريخية إلى أقصى حد لها في ما يتعلق بالنظر إلى‬
‫الطقوس والشعائر؛ إذ يحكم كانط على المؤسسة الدينية التاريخية بأنها مؤسسة‬
‫تسودها عبادة زائفة‪ ،‬نجدها دائماً هناك حيث ال توجد مبادئ لألخالقية‪ ،‬إنما توجد‬
‫أوامر تنظيمية وقواعد إيمانية وفروض هي الجوهر واألساس لها‪ .‬وتوجد أشكال‬
‫عديدة من مؤسسات العبادة تشتمل على النزعة الوثنية أو الصنمية بشكل متنوع‬
‫وآلي‪ ،‬إلى درجة تبدو وكأنها تكاد تستبق كل أخالقية‪ ،‬ومن ثَم تستبق كل دين وتحل‬
‫محله؛ وبهذا تقترب كل االقتراب من الوثنية (‪.)13‬‬
‫كذلك ينكر كانط مشروعية الدعاء‪ ،‬إذ يرى أن الداعي يعتقد أن اهلل ذو وجود‬
‫مشخص أو أنه شخص‪ ،‬مع أن هذا األمر ال يمكن إثباته‪ ،‬واعالن الداعي عن‬ ‫ّ‬
‫رغباته أمام اهلل يكشف عن تناقض؛ فهو ُيعلن عنها أمام كائن ُيفترض فيه أنه ال‬
‫ٍ‬
‫إعالن عن المشاعر الداخلية؛ لعلمه بكل شيء‪ ،‬غير أن الجدير باإلشارة‬ ‫يحتاج إلى‬
‫هو أن كانط يحاول أن يلتمس مشروعيةً ما للدعاء‪ ،‬ال تتمثل في التأثير في اهلل‪ ،‬وال‬
‫في اإلقرار بأن الدعاء من الواجبات األخالقية نحو اهلل‪ ،‬وال في أنها تحقق رضاه‪،‬‬
‫إنما في إحياء الشعور األخالقي فحسب‪ ،‬أي أن اإلنسان حين يدعو ال يؤثر إال في‬
‫نفسه بإعطائها دفعة شعورية نحو االلتزام الخلقي عن طريق استدعاء اهلل‪ ،‬ومع ذلك‬
‫فإن كانط يرفض في ك ل األحوال استعمال األلفاظ والنطق بها‪ ،‬ويكتفي بتأكيده النية‬
‫الباطنة‪ .‬وهكذا نرى الدين العقلي المحض عند كانط ديناً خالياً من الدعاء والطقوس‬
‫والشعائر والمناسك؛ ألنه في جوهره عمل بالقانون األخالقي‪ ،‬إذ إن السلوك األخالقي‬
‫شرعه العقل لذاته بذاته هو العبادة الحقيقية‪ ،‬في حين‬
‫النابع من أداء الواجب الذي ّ‬
‫كنسية يقضي على حرية اإلنسان؛ ألنها غير‬ ‫ّ‬ ‫أن الخضوع لطقوس وشعائر ولوائح‬
‫مشتملة على قيمة أخالقية‪ ،‬كما أن اإليمان بشيء غير مستنبط من العقل ومنتم إلى‬
‫عقائد أبلغتنا ّإياها الرواية التاريخية‪ ،‬ال يستند إلى برهان كلي ودائم؛ ألن ُحجية مثل‬
‫هذه العقائد حجية مؤقتة تتعلق بزمن ظهور ذلك الدين ألولئك الذين عاصروه‬
‫وشاهدوا معجزاته‪ ،‬أما الذين لم يعاصروه فليسوا ُملزمين بذلك‪ ،‬ومحاولة إلزامهم‬
‫بإيمان تاريخي فيها قضاء على حريتهم العقلية واألخالقية(‪.)14‬‬

‫‪8‬‬
‫تأويل النصوص الدينية‪:‬‬
‫يضع كانط أربعة مبادئ فلسفية لتأويل النصوص المقدسة حين يقع الخالف‬
‫بين صريح المعقول وصحيح المنقول‪ ،‬وهي (‪:)15‬‬
‫يلزم تأويل أي نص ديني متضمن لعقيدة متعدية على حدود العقل‬ ‫‪.1‬‬
‫المحض‪ ،‬بشكل يجعلها في دائرته وداخل حدوده النظرية والعملية على السواء‪،‬‬
‫بحيث تأتي متضمنة لقيمة خلقية ذات تأثير في الحياة‪ ،‬وفي هذا المجال يجب فهم‬
‫تقرب التصور اإللهي لإلنسان االعتيادي‪ ،‬وأنها‬‫أية عقيدة تشبيهية على أنها تريد أن ّ‬
‫ال تنص حقيقة على أية مشابهة بين اهلل واإلنسان‪ ،‬ومن ثَم ينبغي تأويلها تأويالً‬
‫تنزيهياً‪ ،‬كذلك ينبغي تأويل النصوص المتعلقة باإلرادة اإلنسانية وسبق القدر اإللهي‬
‫في ضوء تأكيد حرية اإلنسان ومسؤوليته؛ كي تتقوى األسس النظرية إلقامة‬
‫األخالق‪ ،‬فمن غير الحرية والمسؤولية ال يمكن قيامها‪ ،‬ومثال على ذلك‪ :‬عقيدتا‬
‫تجسد‪ ،‬فهما عقيدتان يلزم إعطاؤهما معنى أخالقياً‪ ،‬واال فلن تكون لهما‬
‫التثليث وال ّ‬
‫(‪)16‬‬

‫أية قيمة عملية‪.‬‬


‫ال يحمل اإليمان قيمة في نفسه إال من حيث هو أداة للسلوك‬ ‫‪.2‬‬
‫األخالقي‪ ،‬ومن ثَم إذا ما جاءت بعض النصوص لتضع معتقداً ما فوق األخالق‬
‫مثل التعميد (‪ ،)17‬لزم تأويلها للكشف عن وظيفة أخالقية لها‪ ،‬ولو كان المعنى‬
‫الحرفي ُمضاداً للمعنى الذي تقدمه عملية التأويل؛ ألن العقيدة التي ال يترتب عليها‬
‫عمل أخالقي ال تؤلف جزءاً من الدين‪ ،‬إذ إن السلوك األخالقي هو وحده الذي‬
‫يشتمل على القيمة‪.‬‬
‫يلزم تأويل النصوص الدينية لبيان مسؤولية اإلنسان الكاملة عن‬ ‫‪.3‬‬
‫أفعاله‪ ،‬وتصوير تلك األفعال على أنها ناتجة عن استعمال اإلنسان لقواه األخالقية‪،‬‬
‫ال على أنها ناتجة عن تأثير علة فاعلة خارجية وعالية على اإلنسان‪ ،‬يكون بإزائها‬
‫سلبياً منفعالً ال فاعالً‪ ،‬مثلما هي الحال في عقيدة اللطف اإللهي‪.‬‬
‫ال بد أن يسعى اإلنسان في عمله الخاص إلى الوصول نحو الكمال‬ ‫‪.4‬‬
‫الخلقي‪ ،‬وحين يعجز عن ذلك فله أن يعتقد وجود مساعدة خارجية متعالية‪ ،‬وال سيما‬
‫إذا كان ذلك سيعطيه مزيداً من الحماسة والدفع وعدم اليأس للوصول إلى الكمال‬
‫‪9‬‬
‫الخلقي‪ ،‬ومثل هذا العون الخارجي يجب النظر إليه بوصفه وسيلة من وسائل الترقي‬
‫الخلقي في دين ما من األديان التاريخية المقيدة بظروف العصر‪ ،‬ال بوصفه ركناً‬
‫فعلياً من أركان الدين الكلي‪.‬‬
‫ويرى كانط أن الدين يستعمل أسلوب الرمز كي تتيسر عملية إدراك حقائقه‪،‬‬
‫فإذا قلنا ـ ـ مثالً ـ ـ إن اهلل يتصف بكونه الخالق والقادر في السماء واألرض‪ ،‬فإن ذلك‬
‫المشرع األخالقي‪ ،‬واذا وصفناه بالمحافظ على الجنس البشري‪ ،‬فهذا يعني‬ ‫يعني أنه ُ‬
‫أنه الراعي لألخالق‪ ،‬واذا نعتناه بالقائم على قوانينه المقدسة‪ ،‬د ّل هذا على أنه‬
‫يعبر عن االتجاه األخالقي هلل‬
‫الحاكم األخالقي العادل‪ ،‬فهذا اإليمان ال سر فيه‪ ،‬بل ّ‬
‫نحو العالم‪ ،‬وتتحد هذه الصفات الثالث في جماعة خلقية (الكنيسة) أو في رئيس‬
‫للجنس البشري (المسيح) أو في الموجود األعظم (اهلل)‪ ،‬وهكذا يستطيع اإليمان‬
‫الديني الشامل القضاء على التشبيه والتجسيم الذي يقع فيه اإليمان التاريخي‪ ،‬ويجعل‬
‫صلة اهلل باإلنسان صلة خلقية محضة(‪.)18‬‬
‫تحتل عقيدة الفداء مكاناً بار اًز في المسيحية التاريخية(‪ ،)19‬وتعني أن المسيح‬
‫بدل الذبائح غير العاقلة‬
‫التاريخي يفتدي المؤمن به فيخلصه من اإلثم والخطيئة؛ فتُ ّ‬
‫بالذبيحة الشخصية واالختيارية المتمثلة بالمسيح ابن اهلل‪ ،‬الذي وهب للموت نفسه‬
‫فداء‬ ‫وقدم للجماعة أفضل خدمة‪ ،‬فالمسيح لم ِ‬
‫ضحي بنفسه ً‬ ‫وي ّ‬‫ليخدم ُ‬
‫خدم بل ُ‬ ‫يأت ُلي َ‬ ‫ّ‬
‫تعبر عن فكرة الخالص‪ ،‬واذا ُع ّد موت المسيح على‬ ‫للمؤمنين‪ ،‬وعملية ذبحه ّ‬
‫ٍ‬
‫ومحبة‬ ‫ٍ‬
‫طاعة‬ ‫الصليب وآالمه إذالالً ما بعده إذالل‪ ،‬فهو في الوقت نفسه ُيعد فعل‬
‫سامية‪ ،‬ما دام قد قبِ َل مثل هذه الميتة بإرادته التامة‪ ،‬فاهلل قد أرسل ابنه الوحيد‬
‫متجسداً في صورة إنسان ليحقق فكرة الفداء‪ ،‬ومن ثَم يتحقق نصر اهلل في القضاء‬
‫على الخطيئة التي تموضعت في الجسد اإلنساني؛ بسبب غواية الشيطان‪ .‬ونتيجة‬
‫الفداء تتجلى في عودة النفوس المؤمنة إلى حالتها األولى قبل الخطيئة‪ ،‬حالة الطُهر‬
‫والنقاء‪ ،‬وهنا نجد كانط رافضاً التفسير الظاهري لفكرة الفداء كما وردت في المسيحية‬
‫التاريخية؛ ألن الخطيئة في نظره مسؤولية فردية بحسب نتائج العقل العملي‪ ،‬ويترتب‬
‫على هذا أن كل إنسان ُي َلزم بأن ُيكفِّر عن نفسه ال أن ُيكفَّر عنه آخر‪ ،‬كذلك يرفض‬
‫كانط فكرة توارث الخطيئة؛ إيماناً منه بمسؤولية كل إنسان عن أفعاله‪ ،‬ويرفض أيضاً‬

‫‪10‬‬
‫فكرة الفادي بوصفه القادم إلينا من السماء كي يخلصنا من خطيئة ارتكبها آباؤنا‪،‬‬
‫فالخطيئة التي طُرد من أجلها آدم من الجنة ليست خطيئتنا‪ ،‬فضالً عن كوننا لم نقم‬
‫بعملية الفداء‪ ،‬ولكي يخفف كانط من وطأة موقفه على عامة المؤمنين بعقيدة الفداء؛‬
‫يؤولها كي تصير مقبولة في حدود العقل المحض‪ ،‬فيصرح بأن الفداء رمز لعملية‬
‫التسويغ التي يقوم بها اإلنسان التائب أمام اهلل‪ ،‬ومن ثَم يتحمل اآلالم التي نتجت‬
‫عن أفعاله الشريرة‪ ،‬وفي هذا يتمثل الرمز في عقيدة آالم المسيح‪ ،‬وأن موت اإلنسان‬
‫القديم هو موت للنية الشريرة‪ ،‬وصلب الجسد يرمز إلى وأد الشهوات غير الطيبة(‪.)20‬‬
‫ويؤول كانط فكرة ابن اهلل والكلمة والفادي للبشر تأويالً عقلياً أخالقياً محضاً‪،‬‬
‫وعلى النحو اآلتي‪ :‬ابن اهلل أو كلمة اهلل أو اهلل المتجسد في إنسان‪ ،‬يمثل المثل‬
‫األعلى للكمال األخالقي لإلنسانية‪ ،‬وان فكرة المثل األعلى للكمال األخالقي‬
‫لإلنسانية قائمة في عقلنا وعلينا االلتزام بها‪ ،‬وال بد لكل إنسان من أن يجد في نفسه‬
‫مثاالً على هذه الفكرة التي يوجد أُنموذجها األعلى في العقل‪ ،‬وان ُيسائل نفسه‪:‬‬
‫أصحيح أن إنساناً من هذا النوع مزود بمشاعر إلهية قد نزل حقاً على ٍ‬
‫نحو ما من‬
‫السماء إلى األرض‪ ،‬وأعطى بمذهبه وسلوكه وآالمه أنموذجاً لإلنسان المرضي عند‬
‫اهلل‪ ،‬وأحدث في العالم خي اًر أخالقياً ضخماً بثورة أحدثها في الجنس البشري‪ ،‬فال‬
‫محل ألن نصفه بأكثر من كونه إنساناً ولد والدة طبيعية‪ ،‬ومع ذلك فلسنا نريد بهذا‬
‫أن ننكر إنكا اًر مطلقاً إمكان والدته والدة خارقة للطبيعة‪ ،‬لكن من الناحية العملية ال‬
‫يكون لهذا الفرض األخير (الوالدة الخارقة للطبيعة) أية فائدة؛ ألن األنموذج األعلى‬
‫الذي نجعله أساساً لهذه الظاهرة يجب أن ُيبحث عنه بالضرورة في داخل قدراتنا ـ ـ‬
‫وان كنا أناساً طبيعيين ـ ـ ثم إن وجوده في النفس اإلنسانية غير مفهوم في نفسه‪،‬‬
‫بدرجة تصل إلى حد اإلقرار بتجسده في إنسان خاص‪ ،‬بل األمر على العكس من‬
‫ذلك‪ ،‬فرفع قديس كهذا فوق كل عجز الطبيعة اإلنسانية؛ سيكون عقبة في نظرنا أمام‬
‫التطبيق العملي لفكرته المقترحة في محاكاتنا إياه‪ ،‬لذلك يكون من األفضل أن‬
‫نتصور ميالد هذا اإلنسان (األنموذج األعلى) ميالداً طبيعياً؛ ألن تصور ميالده‬
‫ميالداً خارقاً للطبيعة سيحول بينه وبين أن يكون قدوة لإلنسان الطبيعي‪ ،‬واال فإن‬
‫اإلنسان الطبيعي سيطالب عندها بإعطائه اليقين التام لمشاركته في حياة أبدية‬

‫‪11‬‬
‫لتحمل كل أنواع‬
‫ّ‬ ‫سعيدة بعد قضاء مدة زمنية على األرض؛ كي يكون مستعداً‬
‫العذاب واآلالم مهما كانت قسوتها‪ ،‬ما دام سيحظى بعد ذلك بالنعيم األبدي(‪.)21‬‬
‫إن الغرض األساس من قراءة الكتب المقدسة والبحث في مضمونها؛ هو‬
‫لجعل البشر في وضع إنساني أفضل‪ ،‬ويؤكد كانط أن الكتب المقدسة ـ ـ على ما‬
‫بينها من فروق ـ ـ تتضمن جانبين‪ :‬األول قواعد اإليمان التاريخي‪ ،‬والثاني بواعث‬
‫اإليمان األخالقي النقي الذي يش ّكل وحده عنصر الدين الحقيقي في كل إيمان؛ لذلك‬
‫فإن كل فحص وتأويل للكتب المقدسة يجب أن يكون بحثاً عن بواعث ودوافع‬
‫اإليمان األخالقي النقي (‪ ،)22‬ويشير كانط هنا إلى األمر اإلنجيلي‪« :‬تتصفحون‬
‫الكتب‪ ،‬تظنون أن لكم فيها الحياة األبدية فهي التي تشهد لي» (‪.)23‬‬
‫مفهوم الشر‪:‬‬
‫من الخطأ الفادح ـ ـ بحسب رؤية كانط ـ ـ أن ُيقال‪ :‬إن الشر األخالقي ينتقل‬
‫ورثها آدم أبناءه جيالً‬
‫بالوراثة من اآلباء إلى األبناء‪ ،‬أي القول بالخطيئة األولى التي ّ‬
‫بعد جيل حتى اليوم عند البحث عن األصل الزماني للشر‪ ،‬وهو ما تقر به العقيدة‬
‫المسيحية؛ لهذا رأى الحكاية الواردة في الكتاب المقدس عن الخطيئة األصلية‬
‫المتوارثة تمثل تصوي اًر مجازياً‪ ،‬ولو فُهمت فهماً عقلياً سليماً لتبين أنها تؤكد أن كل‬
‫فعل شرير إذا بحثنا عن أصله العقلي يجب أن ُيعد كما لو كان اإلنسان قد وصل‬
‫إليه مباشرة ابتداء من حالة البراءة؛ ألنه أياً كان سلوكه السابق وأياً كانت األسباب‬
‫السابقة التي أثرت فيه سواء أكانت في داخل نفسه أم في خارجها فإن ذلك ال يهم‪،‬‬
‫ألن فعله مع ذلك يبقى ح اًر‪ ،‬وكان عليه ّأال يرتكبه مهما كانت الظروف الزمانية‬
‫واالرتباطات ؛ لعدم وجود علة في العالم تجعله يتوقف عن أن يكون كائناً فاعالً ح اًر‪،‬‬
‫لهذا ينبغي أن ال نبحث عن األصل الزماني لهذا الفعل‪ ،‬وانما عن أصله العقلي‬
‫فقط؛ لنحدد الميل (األساس الذاتي) الذي جعلنا ننتهك قاعدتنا األخالقية ونفسره (‪.)24‬‬
‫ُيصرح كانط بأن التوبة هي نبذ الشر والولوج في الخير‪ ،‬وبأن اإلنسان‬
‫يتخلص بهذه العملية من صورته السابقة ويصير إنساناً جديداً؛ ألن المرء عندها‬
‫سيتخلص تماماً من حالة الخطيئة‪ ،‬ومن ثَم يتخلص من كل الرغبات التي تدفعه إلى‬
‫الخطيئة كي يعيش طبقاً للعدالة‪ ،‬وعلى الرغم من هذا فإنه ال يوجد فعل أخالقي‬
‫‪12‬‬
‫منفصل عن فعل أخالقي آخر زمنياً‪ ،‬والتوبة هي التي تجعلهما أم اًر واحداً‪ ،‬ونبذ‬
‫الخيرة التي تُعد سبب الدخول إلى الخير‬
‫الشر ليس باألمر اليسير إال بفضل النية ّ‬
‫الخير متضمناً في نبذ الشر‪ ،‬مثلما هو متضمن‬ ‫والعكس صحيح؛ لذلك يكون المبدأ ّ‬
‫في قبول النية الخيرة‪ ،‬وينبع األلم المالزم للفعل األول من الفعل الثاني‪ ،‬ونبذ النية‬
‫الشريرة لصالح النية الخيرة يمثل تضحية وبداية لمجموعة متوالية وطويلة من‬
‫مصائب الحياة التي يعانيها اإلنسان الجديد طبق ًا لعقلية ابن اهلل‪ ،‬أي في سبيل حب‬
‫اء له‪ ،‬أي إلى اإلنسان‬
‫الخير فقط‪ ،‬وهي مصائب ترجع إلى إنسان آخر بوصفها جز ً‬
‫السابق؛ ألن هذا اإلنسان قد أصبح إنساناً جديداً مختلفاً أخالقياً‪ ،‬فاإلنسان من‬
‫الناحية الجسدية (بوصفه كائناً ُم َح ّس تجريبياً)‪ ،‬هو ذلك اإلنسان الخاطئ الذي‬
‫ينبغي أن يمثُل للمحاكمة أمام محكمة أخالقية ثم أمام نفسه‪ ،‬لكنه بعد التوبة سيكون‬
‫ٍ‬
‫قاض إلهي‪ ،‬والنية‬ ‫إنساناً آخر أخالقياً (بوصفه كائناً عقلي ًا) في نيته الجديدة أمام‬
‫تقوم في تقديره مقام الفعل‪ ،‬وهذه النية في طهارتها مثل نية ابن اهلل الذي تقبله بنفسه‬
‫شخصة ـ ـ الذي يتحمل نجاسة‬
‫أو هي هذا االبن نفسه ـ ـ إن جعلنا هذه الفكرة ُم ّ‬
‫الخطيئة في سبيله‪ ،‬وفي سبيل كل الذين يؤمنون به عملياً؛ بوصفه بديالً مرضي ًا‬
‫لهذه العدالة اإللهية‪ ،‬وبوصفه مخلّصاً يتحمل اآلالم والموت‪ ،‬ومتّبع ًا طريقة المحامي؛‬
‫ليساعدهم في تبرئة أنفسهم أمام قاضيهم‪ ،‬لكن عند التمثيل فإن اآلالم التي يجب أن‬
‫وصورت في حالة‬
‫يتحملها اإلنسان الجديد الذي تخلص كلياً من اإلنسان القديم‪ُ ،‬‬
‫تحمل مرة واحدة عوضاً عن جميع المرات‬ ‫ممثل اإلنسانية على أنها موت‪ ،‬تُ ّ‬
‫األخرى(‪.)25‬‬
‫لقد فتح كانط المجال أمام المسؤولية الذاتية وحرية اإلرادة اإلنسانية عند بحثه‬
‫عن مصدر الشر في العقل‪ ،‬وجعل اقتراف اإلنسان للفعل الشرير يأتي بعد استواء‬
‫إمكان الخير وامكان الشر وهي حالة البراءة‪ ،‬وتظل حالة االستواء األخيرة غير‬
‫قابلة لالنتهاء؛ ألن اقتراف الشر والوقوع في الذنب يمكن تجاوزه دوماً وفي كل وقت‬
‫الخيرة‪ ،‬ويمكن العودة تارة أخرى إلى حالة البراءة األولى‪،‬‬
‫ّ‬ ‫عن طريق األفعال‬
‫فالصراع بين مبدأي الخير والشر للسيطرة على اإلنسان يمكن أن يتجدد في أية‬
‫لحظة‪ ،‬ويستطيع اإلنسان أن يحقق انتصار مبدأ الخير على مبدأ الشر بأن يصبح‬

‫‪13‬‬
‫مؤسساً على قوانين الفضيلة‪ ،‬مجتمعاً‬
‫ح اًر من أسر قانون الخطيئة؛ ُلينشئ مجتمعاً َ‬
‫ُيقيم حكومة اهلل األخالقية وينتصر على الشر‪ ،‬وليس هذا الحكم اإللهي حكم رجال‬
‫الدين‪ ،‬بل حكم المبادئ األخالقية العقلية التي بها يتحقق انتصار الخير على الشر‬
‫وانشاء مدينة اهلل األخالقية في العالم‪ ،‬لكن تأسيس مملكة اهلل األخالقية ال يأتي‬
‫مباشرة‪ ،‬إنما يأتي بعد تحوالت عدة‪ ،‬تبدأ من حالة الطبيعة بالنظر إلى األخالق وهي‬
‫مهددة بالحقد والنزوع للسيطرة والنزاع والتنافس واإلفساد المتبادل؛ وذلك يحتم االنتقال‬
‫والدخول في اتحاد أخالقي أو جماعة أخالقية شاملة‪ ،‬وهذا االنتقال ال يقوم على عقد‬
‫اجتماعي فقط‪ ،‬بل على عقد اجتماعي أخالقي‪ ،‬فكانط هنا يؤكد قيام مجتمع مدني‬
‫أخالقي ال مجتمع مدني قانوني‪ ،‬مجتمع يقوم على قوانين العقل والفضيلة ويحكمه‬
‫مبدأ الخير‪ ،‬ويمثل هذا المجتمع اتحاداً أخالقياً يقوم على مبادئ العقل في إلزامها‬
‫الكلي‪ ،‬ويسوده دين أخالقي‪ ،‬وتنتشر فيه النزعة العالمية المتميزة من النزعة القومية‬
‫أو االتحاد السياسي(‪.)26‬‬
‫مفهوم الجماعة األخالقية‪:‬‬
‫إن مفهوم شعب اهلل عند كانط مرادف لمفهوم الجماعة األخالقية التي تحكمها‬
‫القوانين األخالقية‪ ،‬ومن أجل تكوين هذه الجماعة؛ ال بد من أن يخضع جميع األفراد‬
‫توحد القوانين بينهم جميعاً‪ ،‬وأن تمثل هذه القوانين أوامر صادرة‬
‫لتشريع عام‪ ،‬وأن َ‬
‫عن مشرع مشترك‪ ،‬واذا كانت الجماعة قانونية فالمشرع عندها سيكون المجموع‪،‬‬
‫والتشريع سيقوم على أساس الحد من حرية كل فرد عن طريق إخضاعه للشروط‬
‫التي تم ّكنه من التعايش مع حرية اآلخرين على وفق قانون عام‪ ،‬لهذا تقرر اإلرادة‬
‫العامة قه اًر شرعياً خارجياً لكفالة تحقيق هذا المبدأ‪ ،‬أما إذا كانت الجماعة أخالقية‪،‬‬
‫المشرع؛ ألن الغرض من‬
‫فال يمكن جعل الشعب بما هو شعب أن يكون في مقام ُ‬
‫القوانين في الجماعة األخالقية تقويم األخالق؛ لذلك ال بد من وجود موجود آخر‬
‫غير الشعب يتولى التشريع للجماعة األخالقية‪ ،‬ومع ذلك ال يمكن تصور أن القوانين‬
‫األخالقية مستمدة فقط في األصل من إرادة هذا المشرع األعلى كما لو كانت لوائح‬
‫ال تلزم إال إذا ُسبقت بأمر صادر عنه‪ ،‬واال لن تكون حينئذ قوانين أخالقية‪ ،‬ولن‬
‫يكون الواجب المطابق لها فضيلة حرة‪ ،‬بل سيكون التزاماً قانونياً قابالً للقهر؛ لهذا ال‬
‫‪14‬‬
‫يمكن تصور المشرع األعلى للجماعة األخالقية سوى ذلك الكائن الذي تُعد كل‬
‫الواجبات األخالقية أوامر له‪ ،‬لذا يجب أن يكون هذا المشرع األعلى عالماً بخفايا‬
‫القلوب‪ ،‬وذلك هو مفهوم اهلل من حيث هو الحاكم األخالقي للكون؛ لذلك ال يمكن‬
‫تصور الجماعة األخالقية إال شعباً تحكمه قوانين إلهية يمثل شعب اهلل المطيع‬
‫للقوانين األخالقية(‪.)27‬‬
‫وتتمثل فكرة الجماعة األخالقية القائمة على التشريع األخالقي هلل في صورة‬
‫كنيسة‪ ،‬وهي ليست هذه الكنيسة التاريخية الحسية الموجودة في زمان ومكان معينين‪،‬‬
‫بل الكنيسة غير المرئية من حيث هي أُنموذج للكنائس المرئية‪ ،‬يرأسها رئيس غير‬
‫مرئي‪ ،‬وال ُيشبه نظامها األنظمة السياسية‪ ،‬فهي ليست نظاماً ملكياً تحت سلطة البابا‬
‫أو نظاماً أرستقراطياً تحت سلطة األساقفة واألحبار أو نظاماً ديمقراطياً كما تتصور‬
‫بعض الطوائف الشرقية‪ ،‬بل هي أسرة يرعاها أب أخالقي غير مرئي‪ ،‬ارتبط‬
‫أعضاؤها بدم ابنه‪ ،‬أي إنها تمثل ارتباطاً قلبياً شامالً ودائماً‪ ،‬وتتصف هذه الكنيسة ـ ـ‬
‫توحد أفرادها على الرغم من تنوع آرائهم‪ ،‬وتتصف ـ ـ من‬
‫من حيث الكم ـ ـ بكونها كلية ّ‬
‫حيث الكيف ـ ـ بنقاء البواعث أو الدوافع األخالقية وال مكان فيها للتعصب والخرافة‪،‬‬
‫وتتصف ـ ـ من حيث اإلضافة ( العالقات الداخلية والخارجية) ـ ـ بالحرية‪ ،‬وأخي اًر‬
‫تتصف ـ ـ من حيث الجهة ـ بثبات نظامها وعدم تغير دستورها وعدم خضوعها‬
‫للتغيرات الطارئة والظروف العارضة؛ ألنها تقوم على مبادئ قبلية‪ ،‬واذا كانت ثمة‬
‫صعوبة تقف أمام تحقق هذه المملكة غير المرئية فهي أن اإلنسان بطبيعته الضعيفة‬
‫يعجز عن التمسك بفضيلة عقلية محضة في سبيل مملكة عادلة غير مرئية‪ ،‬وعلى‬
‫أساس هذا القصور أو العجز تُقيم الكنيسة المرئية هيكلها ومؤسساتها ونظامها‪،‬‬
‫بوصفها أدوات إلقامة الدين العقالني الخالص وتطبيق مبادئه ووصاياه‪ ،‬وعند تحليل‬
‫الكنسية المرئية الحالية وقوانين إيمانها في جوهرها وهيكلها الشعائري‬
‫ّ‬ ‫األنظمة‬
‫مؤسسة على األخالق‪ ،‬وتكتسب شرعيتها فقط‬
‫والطقسي‪ ،‬يظهر أنها في نفسها غير َ‬
‫من ضعف الطبيعة اإلنسانية وقصورها وعجزها عن التمسك بمملكة غير مرئية(‪.)28‬‬

‫‪15‬‬
‫الفرق بين الدين األخالقي والدين التاريخي‪:‬‬
‫يميز كانط العبادة الحقيقية من العبادة الزائفة‪ ،‬فاألخيرة تعمل على قلب‬
‫الترتيب بين العبادة والسلوك األخالقي‪ ،‬فتجعل العبادة قبل السلوك أو بديالً عنه‪،‬‬
‫وهو أمر تمارسه المؤسسة الدينية القائمة على أمور الدين‪ ،‬ويعتقد كانط أن الفروض‬
‫الدينية ال يمكن أن تكون مرضية عند اهلل إال من أجل السلوك األخالقي‪ ،‬ومن الوهم‬
‫في الدين أن نجعل مراعاة العبادات هدف اإلنسان وغايته‪ ،‬والشرط الذي بمقتضاه‬
‫يحول عبادة اهلل إلى‬
‫يكون اإلنسان مقبوالً عند اهلل وخليقاً بلطفه‪ ،‬ومن يفعل ذلك ّ‬
‫مجرد خرافات‪ ،‬وعبادته حينها ستكون كاذبة‪ ،‬ومن شأنها أن تُصيب باإلخفاق كل‬
‫تطبيق يهدف إلى الدين الصحيح‪ .‬وتميز الثقافة المستنيرة بين العبادة والسلوك‬
‫األخالقي‪ ،‬جاعلة ّإياه قبلها‪ ،‬وبه تصبح عبادة اهلل عبادة حرة أوالً‪ ،‬وأخالقية ثانياً؛‬
‫سيفضي إلى أن يسلط اإلنسان على نفسه نير قانون تنظيمي‬ ‫واالنحراف عن هذا ُ‬
‫(العبادات) بدالً من حرية أبناء اهلل‪ ،‬وهذا القانون التنظيمي من حيث هو إلزام مطلق‬
‫باعتقاد شيء ال يمكن أن ُيعرف إال تاريخياً‪ ،‬إذ ال يستطيع إقناع الناس جميعاً؛ لهذا‬
‫يصير ني اًر أثقل من كل الفروض‪ ،‬ومن ثَم سنجد المؤسسة الكهنوتية تسودها عبادة‬
‫زائفة بعيدة عن المبادئ األخالقية ومملوءة باألوامر التنظيمية والقواعد اإليمانية؛‬
‫وستصبح تلك الفروض ممثلةً جوهر الدين(‪.)29‬‬
‫ويميز كانط بين اإليمان الديني واإليمان التاريخي‪ ،‬فاألول يتمثل باإليمان‬
‫الفلسفي القائم على العقل واالقتناع الشخصي‪ ،‬ويتجلى هذا اإليمان في السلوك‬
‫الخلقي والعمل الصالح‪ ،‬أما الثاني فيتمثل باإليمان الكنسي القائم على الكتاب‬
‫النظم العقائدية‪ ،‬ويتجلى هذا اإليمان في‬
‫المقدس والمأثور من أقوال رجال الدين و ُ‬
‫ممارسة الطقوس والشعائر‪ .‬كذلك يميز كانط بين الكنيسة الشاملة القائمة على‬
‫اإليمان الديني (اإليمان العقلي الخلقي)‪ ،‬والكنيسة الزمنية القائمة على اإليمان‬
‫التاريخي؛ ألن اإلنسان قد يحتاج إلى عقيدة تاريخية تقوم على وقائع حسية وتجارب‬
‫تاريخية تعطي اإليمان أساساً واقعياً‪ ،‬فضالً عن أساسه المثالي العقلي‪ ،‬فتنشأ فكرة‬
‫الطقوس بجوار دين األخالق؛ وعندها سيكون ثمة طريقان لطاعة اهلل‪ :‬طريق‬
‫األخالق كما هو الحال في اإليمان العقلي‪ ،‬وطريق الشعائر والطقوس كما هو الحال‬
‫‪16‬‬
‫في اإليمان التاريخي‪ ،‬وحقيقة األمر أن الدين واحد وهو دين األخالق‪ ،‬الدين الذي‬
‫ُيعلن بمفرده قيام ملكوت اهلل؛ ألن اإليمان الديني القائم على العقل وحده الذي‬
‫يستطيع أن يؤسس الكنيسة الحقيقية (الكنيسة غير المرئية)‪ ،‬ووحده الذي يؤدي إلى‬
‫النعيم األبدي؛ ألنه إيمان عقلي محض‪ ،‬أما اإليمان التاريخي فيوقع اإلنسان في‬
‫العبودية فقط‪ ،‬وهو إيمان األجير الذي يقوم على الخوف والرجاء من غير أي وازع‬
‫خلقي أو أي تطبيق للواجب(‪.)30‬‬
‫دية المشتملة على النزعة الزائفة‪،‬‬
‫التعب ّ‬
‫ُ‬ ‫توجد أشكال متعددة من المؤسسات‬
‫التي تحاول استباق المبادئ األخالقية ـ ـ من وجهة النظر الكانطية ـ ـ لتضع على وفق‬
‫معاييرها المبدأ األعلى‪ ،‬فتفرضه على المؤمنين‪ ،‬ومن ثَم تختفي حالة الشعور الحر‬
‫تجاه القانون األخالقي؛ ألن المبدأ األخالقي الجديد خاضع لعقيدة زائفة وليس‬
‫مؤسساً على عقيدة صحيحة‪ ،‬وعندها ال يهم أن يكون عدد الفروض قليالً ما دامت‬
‫َ‬
‫تُعد ضرورية؛ ألن ما يحكم الجمهور هو هذه العقيدة الزائفة التي تسلبه حريته‬
‫األخالقية وتفرض عليه الطاعة للكنيسة ال للدين‪ ،‬وسواء أكان دستور هذه المؤسسة‬
‫الدينية (الكنيسة) ملكياً أم أرستقراطياً أم ديمقراطياً فذاك أمر ليس بالمهم؛ ألن المهم‬
‫فأياً كان شكله فسيكون وسيظل دائماً تنظيماً استبدادياً‪ ،‬وحين تصير‬
‫هو التنظيم‪ّ ،‬‬
‫لوائح اإليمان جزءاً من القانون الدستوري‪ ،‬فإن الكهنوت سيحكم ويسيطر وسيظن أنه‬
‫يقدر على االستغناء عن العقل‪ ،‬وأخي اًر عن علم الكتاب؛ ألنه قد صار المحافظ‬
‫والمفسر المعتمد إلرادة المشرع الذي ال ُيرى‪ ،‬ومن ثَم تكون له السلطة على أن يقرر‬
‫ولما كان قد تزود بهذه السلطة لم يكن عليه أن يقنع‪ ،‬بل أن‬
‫وحده ما يقرره اإليمان‪ّ ،‬‬
‫يأمر فقط‪ ،‬وسيصل األمر إلى سيطرة المؤسسة الدينية على السلطة السياسية ال‬
‫بالقوة‪ ،‬وانما بتأثيرها في نفوس الشعب‪ ،‬فضالً عن التلويح براية الفائدة التي ستحصل‬
‫عود التنظيم الروحي عقلية الشعب‬‫عليها السلطة الحاكمة من الطاعة المطلقة التي ُي ّ‬
‫ستقوض عادة النفاق استقامة الرعايا وأخالقهم‪ ،‬وتربيهم على المراءاة‬
‫عليها‪ ،‬بعدها ّ‬
‫في الواجبات المدنية‪ ،‬وتنتج شأنها شأن المبادئ الباطلة التي يتخذها المرء نتائج‬
‫معاكسة تماماً لما هدفت إليه‪ ،‬وهذه النتيجة حدثت بسبب قلب الوضع؛ بجعل الغلبة‬
‫للطقس العبادي على األخالق(‪.)31‬‬

‫‪17‬‬
‫تعبر عن تفكير صامت؛ ألن اهلل قارئ ألفكارنا‪،‬‬
‫ويرى كانط أن العبادة الحق ّ‬
‫ومن يمارس هذه العبادة أشخاص تفتحت عقولهم في صمت‪ ،‬فأصبحوا في غنى عن‬
‫العبادة اللفظية؛ ألن استعدادهم الخلقي قوي‪ ،‬فال يجعلون عبادتهم ممثلة في كلمات‬
‫أو أصوات‪ ،‬فأضحوا يحذفون تلك األشياء من العبادة؛ لتبقى روح العبادة ممثلة في‬
‫التأمل الذاتي‪ ،‬فروح العبادة وحدها األمر المهم‪ ،‬والعبادة النقية هي التي تلمس‬
‫وتمس االستعداد الخلقي عند البشر‪ ،‬وهي عبادة غير مشروطة؛ ألن الشرط على اهلل‬
‫حماقة وجسارة‪ ،‬وعلينا أن نقبل من اهلل ما يريد أن يعطينا ّإياه‪ ،‬وتنم العبادة‬
‫المشروطة على عدم االعتقاد؛ ألن التماس شرط للعبادة ينطوي على الشك في أنها‬
‫ستجاب‪ ،‬والعبادة المبنية على اإليمان ال يمكن أن تكون مشروطة‪ ،‬ومن يضع مهمة‬
‫هلل ويرغب في تحقيقها على ما يشاء؛ فإنه ال يثق في اهلل على وجه الحقيقة(‪.)32‬‬
‫ويصرح كانط بأن الدين الصحيح ينبغي ّأال يقوم على االعتراف بما فعله اهلل‬
‫ويفعله لنا من أجل تحصيل النجاة‪ ،‬إنما يقوم على ما يجب علينا أن نفعله حتى‬
‫نكون جديرين بالنجاة‪ ،‬وما يجب علينا فعله ال يمكن أن يكون شيئاً آخر غير ما له‬
‫في ذاته قيمة مطلقة ال شك فيها‪ ،‬ويمكنه وحده بعد ذلك أن يجعلنا مقبولين عند اهلل‪،‬‬
‫وضرورة هذا الشيء أمر يم ّكن من الحصول على اليقين الكامل من غير ادنى رجوع‬
‫إلى علم الكتاب المقدس‪ ،‬وقد كانت غاية المسيح من تأسيس المسيحية‪ ،‬الدعوة إلى‬
‫إيمان ديني محض قائم على األخالقية المحضة الموافقة للعقل‪ ،‬لكن أتباع المسيحية‬
‫شوهوا دعوته منذ البداية(‪.)33‬‬
‫من بعده ّ‬
‫يتحدث كانط في محاضراته في التربية عن أسلوب التربية الدينية لألطفال‪،‬‬
‫وضرورة تقديم الدين لهم في صورة أخالق‪ ،‬ال في صورة الهوت؛ ألن الطفل في‬
‫مراحله األولى ال يشعر بواجبه‪ ،‬فكيف يشعر بواجبات اهلل؟! ويخشى كانط أن يرفض‬
‫الطفل الالهوت‪ ،‬فيظل الدين عالقاً في ذهنه بوصفه مجموعة من المتناقضات‬
‫فيتركها ويقع في عدم المباالة‪ ،‬أما التربية الخلقية فإنها تربط الدين بالطبيعة‪ ،‬فيشعر‬
‫الطفل بقانون الواجب‪ ،‬فالتربية تقوم على رد كل شيء إلى الطبيعة‪ ،‬ثم رد الطبيعة‬
‫إلى اهلل‪ ،‬وفي األخالق يسلك اإلنسان على وفق إرادته‪ ،‬وفي الالهوت يسلك بداف ٍع‬
‫من الخوف أو الجزاء في صورة عبادات زائفة‪ ،‬فاألخالق يجب أن تسبق الالهوت؛‬

‫‪18‬‬
‫ألن الدين بال أخالق خرافة‪ ،‬لذلك يجب تعليم الطفل أن يكره الرذيلة لذاتها‪ ،‬ال أن‬
‫يكرهها ألن اهلل حرمها‪ ،‬وأن يحب الفضيلة لذاتها‪ ،‬ال أن يحبها ألن اهلل أمر بها‪،‬‬
‫زود الطفل‬
‫دنس بشيء سواه‪ ،‬ويجب أن ُي ّ‬ ‫ويجب ّأال ُيذكر اسم اهلل كثي اًر؛ حتى ال ُي ّ‬
‫ببعض األفكار عن الموجود األعظم؛ حتى يعرف لِ َم يصلي الناس‪ ،‬وأن ُيقال له‪ :‬إن‬
‫اهلل يعتني بالمخلوقات؛ حتى يصبح رؤوفاً بالحيوانات‪ ،‬وأن يتعلم ّأال يحكم على‬
‫الناس بعباداتهم؛ ألن األديان في جوهرها واحدة على الرغم من اختالفها في الشعائر‬
‫والطقوس(‪.)34‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫إن ُخالصة الرؤية الكانطية في مجال األخالق‪ ،‬تتمثل في أن باعث الفعل‬
‫الخلقي هو الواجب من أجل الواجب‪ ،‬وليس هو الواجب المترتب على المكافأة‪ ،‬وهذا‬
‫هو المتعارف عند الباحثين والنقّاد‪ ،‬غير أن من ُينعم النظر في كتب كانط األخالقية‬
‫والدينية‪ ،‬يجد أن الرؤية الكانطية لم تقتصر في نظرتها لألخالق على مجال العالم‬
‫الحسي (عالم الظواهر)‪ ،‬بل امتدت إلى أبعد من ذلك حيث عالم الشيء في ذاته‬
‫مما نص عليه كانط سابقاً ـ ـ في مجال العقل النظري ـ ـ من‬
‫(النومين)‪ ،‬على الرغم ّ‬
‫أننا لن نستطيع الولوج في العالم األخير‪ ،‬وهو ما حدث حقاً في مجال العقل العملي؛‬
‫بسبب الحاجة الماسة إلى األخالق كي تكتمل صورتها‪ ،‬فكان ينبغي له أن يسلّم‬
‫بوجود العالم اآلخر حيث خلود النفس اإلنسانية ووجود اهلل علة العالم‪ ،‬والضامن‬
‫الخير من نية العمل‬
‫لألخالق‪ ،‬والعالم بخبايا النفوس حيث التمييز بين نية العمل ّ‬
‫المعبر عن وجوب وجود من يكافئ‬
‫الشرير‪ ،‬ومن أسباب التسليم إذعانه لألمر الواقع ُ‬
‫الخير‪.‬‬
‫صاحب الفعل الخلقي ّ‬
‫على الرغم من أن تعريف كانط للدين ينطوي على معرفة الواجبات بوصفها‬
‫أوامر إلهية‪ ،‬هو في الوقت نفسه لم ِ‬
‫يعط أية سلطة خارجية الحق في التأثير في‬
‫سلوك اإلنسان بجعل إرادتها فوق إرادته‪ ،‬إذ جعل إرادة اإلنسان حرة فاعلة غير‬
‫ال عن أفعاله‪ ،‬بل يتضح لنا من التعريف‪ ،‬أن كانط رفع مقام‬
‫مقيدة؛ كي يكون مسؤو ً‬
‫قدم األخالق‬
‫الواجب إلى مقام األمر اإللهي؛ ُليضفي عليه طابع التقديس‪ ،‬ومع ذلك ُي ّ‬
‫على الدين من حيث السبق الزماني والمنطقي‪ ،‬وعند تأمل األمر‪ ،‬وجدت أن كانط‬
‫‪19‬‬
‫يصرح بأنه بدأ باألخالق لينتهي بالدين‪ ،‬لكن واقع ما وصل إليه هو استناده إلى‬
‫الدين؛ كي يؤسس بنيان األخالق عليه‪ ،‬إذ جعل من األوامر اإللهية قوانين جوهرية‬
‫لكل إرادة حرة في ذاتها‪ ،‬وصرح بأن اإلنسان ال يستطيع أن يأمل الوصول إلى الخير‬
‫األقصى إال بوجود إرادة كاملة أخالقياً‪ ،‬وذات قدرة مطلقة‪ ،‬وعالمة بكل شيء‪ ،‬ومن‬
‫أجل الخروج من مأزق التناقض حيث وصوله إلى واقع تأسيس األخالق على الدين؛‬
‫أجده يؤكد أن كل األفعال اإلنسانية ال توصف بالخلقية ما لم تكن خالية من باعثي‬
‫الخوف والرجاء‪.‬‬
‫جعل كانط العقل العملي المحض (الضمير) ممثالً صوت اهلل‪ ،‬والقانون‬
‫األخالقي نابعاً من العقل العملي المحض‪ ،‬وهو في الوقت نفسه مصدر الواجب‪،‬‬
‫وجعل كانط ذلك المبدأ الصوري شعا اًر ال بد من رفعه حين تأديتنا أي سلوك؛ كي‬
‫يتسم ذلك السلوك ِ‬
‫بالسمة األخالقية‪ ،‬لكل ما تقدم أعود لتأكيد ما طرحته قبل قليل‪،‬‬
‫من أن كانط قد بنى بنيانه األخالقي على الدين‪ ،‬واذا أردت الحكم بموضوعية‪ ،‬قلت‬
‫مؤسس على األخالق وليس العكس صحيحاً‪ ،‬لكن ما‬ ‫إن كانط صرح بأن الدين َ‬
‫أالحظه أن الهرم الكانطي قُ ّسم على ثالثة أقسام‪ ،‬ثمة القاعدة الدينية‪ ،‬والوسط‬
‫األخالقي‪ ،‬ثم القمة الدينية‪ ،‬وكان القصد من تأكيده أن األخالق سابقة للدين؛ تثبيت‬
‫سبق االلتزام الخلقي المتمثل بالفعل الحسن‪ ،‬لاللتزام الديني المتمثل بممارسة الشعيرة‬
‫الدينية؛ خوفاً من االقتصار عليها‪ ،‬وجعلها أم اًر تنظيمياً يرقى إلى مستوى القداسة‬
‫وان كانت خاوية الجوف‪ ،‬وقد يكون كانط هنا محقاً‪ ،‬فواقع الحال يؤكد حدوث تلك‬
‫المخاوف الكانطية‪ ،‬فالعبادة اآلن ـ ـ في أغلب األحيان ـ ـ أصبحت عبادة شكلية تهتم‬
‫بالمظهر وكسب المنفعة المادية والمعنوية‪ ،‬تاركة الجوهر خالي الوفاض‪ ،‬لكن علينا‬
‫أن ال ننسى أن المبدأ الديني ثابت ومنه تؤخذ األحكام‪ ،‬على الرغم من تغير‬
‫الممارسات الدينية؛ لكون األخيرة نسبية‪ ،‬فتسري عليها أحكام التغير بحسب البيئة‬
‫الزمانية والمكانية‪ ،‬فعند تصفح الكتب الدينية أجد المبدأ الديني يؤكد االلتزام الخلقي‪،‬‬
‫ومثال على ذل ك‪ :‬الحوار الذي دار بين سائل ومجيب قبل أن يولد كانط بأحد عشر‬
‫هو السائل‪ ،‬في حين كان المجيب نبي اإلسالم محمد‬ ‫(‪)35‬‬
‫قرناً ونيف‪ ،‬وكان أبو ذر‬

‫‪20‬‬
‫(ص)‪ ،‬إذ كان السؤال عن أكمل المؤمنين إيماناً‪ ،‬وتجلت اإلجابة في‪« :‬أحسنهم‬
‫أخالقاً»(‪ ،)36‬واعتقد أن الحوار المذكور ال يحتاج إلى تعليق‪.‬‬
‫يحاول كانط جاهداً التركيز على القيمة األخالقية‪ ،‬ال على القيمة الدينية‪،‬‬
‫فيؤكد أن الفعل اإلنساني ـ ـ كالصدق مثالً ـ ـ ال ُيمثل فعالً حسناً ألن اهلل أمر به‪ ،‬بل‬
‫الحسن في ذاته وال يكتسبها من سلطة خارجية؛‬ ‫هو فعل حسن ألنه يحمل قيمة ُ‬
‫قوم األفعال‪ ،‬وهو في هذا يخالف النظرة الدينية السائدة في أغلب‬
‫وعلى هذا المنوال تُ ّ‬
‫المؤسسات الدينية ـ ـ وليس جميعها ـ ـ التي تنص على أن القيمة األخالقية للفعل‬
‫اإلنساني نابعة من مصدر التشريع الديني‪ ،‬كذلك يخالف وجهة النظر االجتماعية‬
‫العرف االجتماعي والتقاليد‬
‫التي ترى أن القيمة األخالقية للفعل اإلنساني نابعة من ُ‬
‫الموروثة‪ ،‬فضالً عن مخالفته وجهة النظر النفعية التي ترى أن تلك القيمة مرتبطة‬
‫بالنتائج المترتبة على الفعل اإلنساني‪.‬‬
‫أراد كانط أن ُيخرج العقائد التاريخية من تناقضاتها‪ ،‬وأن يفك قيد التعصب‬
‫عن اإليمان التاريخي؛ لما وجده في العقيدتين اليهودية والمسيحية من مؤشرات غير‬
‫منسجمة مع فكرة التنزيه اإللهي والتفكير العقالني‪ ،‬فاستبدل بثوب العقائد التاريخية ـ ـ‬
‫وال سيما المسيحية ـ ـ ثوباً أكثر انسجاماً مع ما يمليه العقل المحض‪ ،‬فاتخذ طريق‬
‫التأويل للوصول إلى تلك الغاية‪ ،‬واعتمد على أدوات نهجه األخالقي في عملية‬
‫اإلبدال تلك‪ ،‬وكانت النتيجة أن انتزع المسيحية من ثوبها التاريخي الموضوع‪ ،‬وأفرغ‬
‫الكتاب المقدس من جوهره المرسوم‪ ،‬ووصل به األمر أن كفّرته المؤسسة الدينية‬
‫المسيحية؛ بسبب قلبه األسس التي تستند إليها‪.‬‬
‫إن وضع كانط الموضوعات الدينية تحت المجهر النقدي على وفق رؤية‬
‫عقلية في كتابه (الدين في حدود العقل وحده)‪ ،‬كان يمثل البداية الحقيقية النطالق‬
‫فلسفة الدين التي تعتمد في جوهرها على القراءة العقلية للنصوص الدينية‪ ،‬وان‬
‫محاولة كانط فصل الدين عن األخالق وجعله تابعاً لها‪ ،‬دليل على أن تلك المحاولة‬
‫تحاول سحب البساط من تحت أقدام المؤسسة الدينية‪ ،‬واخضاع الموضوعات الدينية‬
‫للنظر الفلسفي‪ ،‬كي يبحث في مكنونها؛ للكشف عن الحقيقة المتوارية خلف جدران‬

‫‪21‬‬
‫النصوص الدينية الموضوعة‪ ،‬والمفضوحة تناقضاتها التي ال تُسهم في بناء مجتمع‬
‫أخالقي يرقى إلى المستوى الذي أراده اهلل‪.‬‬
‫زيادة على ما تقدم نالحظ تأكيد كانط حرية اإلرادة اإلنسانية‪ ،‬ومفهوم‬
‫المسؤولية الفردية‪ ،‬ورفضه فكرة الخطيئة المتوارثة؛ ألن اإلنسان عند والدته ال يحمل‬
‫معه أي موروث سلبي‪ ،‬بل يولد طاهر السريرة‪ ،‬ويعيش حالة البراءة النقية‪ ،‬ولن‬
‫يخرج منها إال بعد تلوث تلك الحالة بالفعل الشرير‪ ،‬وباإلمكان استرداد حالة البراءة‬
‫األولى بعد التكفير عن الذنب‪ ،‬والعزم على اإلقالع عن ارتكاب الخطايا‪ ،‬فيقلب‬
‫صفحة ماضيه‪ ،‬ويبدأ صفحة جديدة من حياته إلنسان جديد ولد والدة جديدة‪،‬‬
‫وباجتماع هذا اإلنسان الجديد مع قُرنائه؛ يتكون المجتمع األخالقي الذي يسوده‬
‫الفضيلة وحب الخير‪ ،‬ويسعى لعمل الواجب من أجل الواجب فقط‪ ،‬فيكون بذلك‬
‫شعب اهلل الذي تحكمه األوامر اإللهية‪ ،‬وهذا هو المفهوم الحقيقي للكنيسة الحقيقية‬
‫ورسله‪.‬‬
‫الشاملة‪ ،‬وهو ما هدف إلى تحقيقه أنبياء اهلل ُ‬
‫كما نالحظ تأكيد كانط أن تكون عبادة اهلل عبادة باطنية تأملية صامتة‪،‬‬
‫تتجلى في صورة سلوك ُخلقي حسن‪ ،‬بعيدة عن المنفعة الذاتية والخوف من العقاب‪،‬‬
‫وأنه كان ينهى عن العبادة الظاهرية المقصورة على الحركات الجسدية فقط التي‬
‫تحض على الرياء والتملّق‪ ،‬كما يؤكد أن يكون الجانب التربوي للطفل ُمفعم ًا‬ ‫ّ‬
‫الخلقية بعيداً عن المسائل الالهوتية؛ كي ال تُحدث األخيرة ردة فعل لدى‬
‫بالتوجهات ُ‬
‫الطفل حين يكبر‪.‬‬
‫أخي اًر نجد أن البرهان األخالقي لوجود اهلل ـ ـ بحسب الرؤية الكانطية ـ ـ أُقيم‬
‫الخير يجب أن ُيكافأ‪ ،‬واإلنسان الشرير‬
‫على وفق ما تقتضيه العدالة؛ ألن اإلنسان ّ‬
‫يجب أن ُيعاقَب‪ ،‬وهذا لن يحدث إال في ظل وجود كائن أسمى ُيحاسب كل إنسان‬
‫على ما فعل‪ ،‬كما أن البرهان قائم على وفق ما يقتضيه إمكان الجمع بين الفضيلة‬
‫والسعادة‪ ،‬إذ ال يمكن الجمع بينهما إال في ظل وجود ما هو فوق الطبيعة‪ ،‬العالم‬
‫بكل شيء والقادر على كل شيء‪ ،‬وهذا الكائن األسمى والموجود ما فوق الطبيعة‬
‫الحجج المنطقية‪ ،‬بل‬
‫يمثل اهلل‪ ،‬واثباته عند كانط لم يكن بالمناقشات النظرية و ُ‬
‫باالعتقاد العملي على وفق ضرورة اقتضتها األخالق‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫((مصادر البحث ومراجعه))‬
‫بدوي (عبد الرحمن)‪ :‬األخالق عند كنت‪ ،‬وكالة المطبوعات‪ ،‬الكويت‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫‪1979‬م‪.‬‬
‫بدوي (عبد الرحمن)‪ :‬فلسفة التربية والدين عند كنت‪ ،‬ط‪ ،1‬المؤسسة‬ ‫‪.2‬‬
‫العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪1980 ،‬م‪.‬‬
‫الحنبلي (زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب)‪ :‬لطائف‬ ‫‪.3‬‬
‫المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف‪ ،‬ط‪ ،1‬دار ابن حزم للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬بيروت‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫حنفي (حسن)‪ :‬تطور الفكر الديني الغربي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الهادي للطباعة‬ ‫‪.4‬‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫حنفي (حسن)‪ :‬قضايا معاصرة‪ ،‬ج‪(2‬في الفكر الغربي المعاصر)‪،‬‬ ‫‪.5‬‬
‫دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫الخشت (محمد عثمان)‪ :‬المعقول والالمعقول في األديان (بين‬ ‫ُ‬ ‫‪.6‬‬
‫العقالنية النقدية والعقالنية المنحازة)‪ ،‬ط‪ ،2‬نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫القاهرة‪2008 ،‬م‪.‬‬
‫الخشت (محمد عثمان)‪ :‬فلسفة الدين (في ضوء تأويل جديد للنقدية‬ ‫ُ‬ ‫‪.7‬‬
‫الكنطية)‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫خليفة (فريال ـ حسن)‪ :‬الدين والسالم عند كانط‪ ،‬ط‪ ،1‬مصر العربية‬ ‫‪.8‬‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫الزيلعي (جمال الدين عبد اهلل بن يوسف)‪ :‬تخريج األحاديث واآلثار‬ ‫‪.9‬‬
‫الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري‪ ،‬ج‪ ،2‬تحقيق‪ :‬عبد اهلل بن عبد الرحمن السعد‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬دار ابن خزيمة‪ ،‬الرياض‪1414 ،‬ه‬
‫‪ .10‬صعب (أديب)‪ :‬المقدمة في فلسفة الدين‪ ،‬دار النهار للنشر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪1994‬م‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ .11‬عبد الرحمن (طه)‪ :‬سؤال األخالق (مساهمة في النقد األخالقي‬
‫للحداثة الغربية)‪ ،‬ط‪ ،2‬المركز الثقافي العربي‪( ،‬الدار البيضاء ‪ -‬المغرب)‪،‬‬
‫‪2005‬م‪.‬‬
‫العوا (عادل)‪ :‬المذاهب األخالقية (عرض ونقد)‪ ،‬ج‪ ،1‬مطبعة‬
‫ّ‬ ‫‪.12‬‬
‫الجامعة السورية‪ ،‬دمشق‪1958 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .13‬كانط (إيمانويل)‪ :‬نقد العقل العملي‪ ،‬ترجمة‪ :‬غانم هنا‪ ،‬ط‪ ،1‬المنظمة‬
‫العربية للترجمة‪ ،‬بيروت‪2008 ،‬م‪.‬‬
‫‪14. Kant, Immanuel: Religion within the limits of Reason‬‬
‫‪alone, Translated by Theodore M. Greene and Hoyt T.‬‬
‫‪Hudson, Harper  Row, Publishers, New York, 1960.‬‬

‫الحنبلي (زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب)‪ :‬لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫)‪(1‬‬

‫دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪2004 ،‬م‪ ،‬ص ‪.164‬‬

‫(إيمانويل كانط) ‪ )1804 - 1724( Kant, Immanuel‬م‪ :‬فيلسوف ألماني وأستاذ الفلسفة في جامعة‬ ‫(‪)2‬‬

‫وعمق المعاني‪،‬‬
‫كينجسبرك‪ُ ،‬يعد من أهم فالسفة العصر الحديث؛ لما تمتاز به فلسفته من أصالة األفكار ُ‬
‫قسم العقل اإلنساني‬
‫شطر الفلسفة الحديثة على شطرين‪ ،‬ما قبله وما بعده؛ نتيجة األثر البالغ الذي تركه‪ّ .‬‬
‫في كتاباته على قسمين‪ :‬األول العقل النظري‪ ،‬والثاني العقل العملي‪ُ ،‬يعنى العقل النظري بشؤون المعرفة‬
‫والعلم‪ ،‬وامكانية تحديد حقيقة الشيء عن طريق التجربة اإلنسانية البعدية مع ُمعطيات العقل القبلية‪ ،‬وهو في‬
‫هذا يحاول أن يوفق بين النزعتين العقلية والتجريبية في محاولة منه لبيان قدرة العقل على التفكير في قضايا‬
‫الخلقية‬
‫ما بعد الطبيعة‪ ،‬أما العقل العملي ُفيعنى بشؤون السلوك اإلنساني (األخالق)‪ ،‬وعند تحليله لألفعال ُ‬
‫وجد أن صورة الفعل األخالقي تكمن في إرادة العمل على وفق الواجب‪ ،‬وال ُيعد الفعل ُخلقياً عنده إال إذا‬
‫كان متحر اًر من الدوافع وا لرغبات والميول الذاتية‪ ،‬وأن الخير األعظم سيتحقق في عالم علوي يحكمه اهلل‪،‬‬
‫ويعد وجود اهلل ضرورة يستلزمها العقل العملي حين يعجز العقل النظري عن البرهنة عليه‪ .‬من أعماله‪(( :‬نقد‬
‫ُ‬
‫العقل النظري))‪ ،‬و((تأسيس ميتافيزيقا األخالق))‪ ،‬و((نقد العقل العملي))‪ ،‬و((نقد ملكة الحكم))‪ ،‬و((الدين‬
‫وحده))‪.‬‬ ‫في حدود العقل‬

‫ُينظر‪ :‬صعب (أديب)‪ :‬المقدمة في فلسفة الدين‪ ،‬دار النهار للنشر‪ ،‬بيروت‪1994 ،‬م‪ ،‬ص (‪.)239 - 236‬‬ ‫)‪(3‬‬

‫‪24‬‬
‫ُينظر ‪ :‬عبد الرحمن (طه)‪ :‬سؤال األخالق (مساهمة في النقد األخالقي للحداثة الغربية) ‪ ،‬ط‪ ،2‬المركز‬ ‫)‪(4‬‬

‫الثقافي العربي‪( ،‬الدار البيضاء ‪ -‬المغرب) ‪2005 ،‬م‪ ،‬ص (‪.)38 - 37‬‬

‫العوا (عادل)‪ :‬المذاهب األخالقية (عرض ونقد)‪ ،‬ج‪ ،1‬مطبعة الجامعة السورية‪ ،‬دمشق‪1958 ،‬م‪ ،‬ص‬
‫ّ‬
‫)‪(5‬‬

‫‪.363‬‬

‫صعب (أديب)‪ :‬المقدمة في فلسفة الدين‪ ،‬ص (‪.)238 - 237‬‬ ‫)‪(6‬‬

‫كانط (إيمانويل)‪ :‬نقد العقل العملي‪ ،‬ترجمة‪ :‬غانم هنا‪ ،‬ط‪ ،1‬المنظمة العربية للترجمة‪ ،‬بيروت‪2008 ،‬م‪ ،‬ص‬ ‫)‪(7‬‬

‫(‪.)225 - 224‬‬

‫بدوي (عبد الرحمن)‪ :‬األخالق عند كنت‪ ،‬وكالة المطبوعات‪ ،‬الكويت‪1979 ،‬م‪ ،‬ص ‪.154‬‬ ‫)‪(8‬‬

‫العوا (عادل)‪ :‬المذاهب األخالقية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.364‬‬


‫ّ‬
‫)‪(9‬‬

‫الخشت (محمد عثمان)‪ :‬فلسفة الدين (في ضوء تأويل جديد للنقدية الكنطية) ‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر‬
‫ُ‬
‫)‪(10‬‬

‫والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪1993 ،‬م‪ ،‬ص ‪.121‬‬

‫الخشت (محمد عثمان)‪ :‬المعقول والالمعقول في األديان (بين العقالنية النقدية والعقالنية المنحازة)‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫ُ‬
‫)‪(11‬‬

‫نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪2008 ،‬م‪ ،‬ص (‪.)125 - 124‬‬

‫)‪(12‬‬
‫‪Kant, Immanuel: Religion within the limits of Reason alone, Translated by‬‬
‫‪Theodore M. Greene and Hoyt T. Hudson, Harper  Row, Publishers, New‬‬
‫‪York, 1960, p. 173.‬‬

‫الخشت (محمد عثمان)‪ :‬المعقول والالمعقول في األديان‪ ،‬ص (‪.)127 - 125‬‬


‫ُ‬
‫)‪(13‬‬

‫)‪(14‬‬
‫‪See: Kant, Immanuel: Religion within the limits of Reason alone, pp. (182 -‬‬
‫‪186).‬‬

‫)‪ُ (15‬يقارن‪ :‬بدوي (عبد الرحمن)‪ :‬فلسفة التربية والدين عند كنت‪ ،‬ط‪ ،1‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪،‬‬
‫الخشت (محمد عثمان)‪ :‬فلسفة الدين (في ضوء تأويل جديد‬
‫بيروت‪1980 ،‬م‪ ،‬ص (‪ .)17 - 15‬مع‪ُ :‬‬
‫للنقدية الكنطية)‪ ،‬ص (‪.)137 - 136‬‬

‫(التثليث أو الثالوث) ‪ :Trinity‬تُصرح هذه العقيدة بأن اإلله الواحد يكشف عن نفسه في ثالثة أقانيم هي‪:‬‬ ‫)‪(16‬‬

‫ويعد ترتليان أول من صاغ كلمة ثالوث واستعملها في القرن الثاني للميالد‪.‬‬
‫اآلب واالبن والروح القدس‪ُ ،‬‬
‫‪25‬‬
‫(التعميد) ‪ :Baptism‬طقس مسيحي يتمثل بالغطس في الماء مع النطق بعبارة‪« :‬باسم يسوع المسيح»‪،‬‬ ‫)‪(17‬‬

‫ويدل هذا الطقس على توبة المتحول وايمانه بالمسيح‪ ،‬وهو في تعاليم بولس يدل على وحدة المؤمن مع‬
‫وتعمد الكنيسة الشرقية األطفال‬
‫ّ‬ ‫المسيح في موته ودفنه وقيامه‪ ،‬وهو عالمة االندماج بجسم المسيح‪،‬‬
‫بتغطيسهم في الماء ثالث مرات؛ إيذاناً بدخول الطفل في العقيدة المسيحية‪ ،‬في حين تكتفي باقي الكنائس‬
‫برش الماء على جبهة الطفل‪ ،‬ويتولى الكاهن بنفسه ممارسة هذا الطقس‪.‬‬

‫حنفي (حسن)‪ :‬تطور الفكر الديني الغربي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪2004 ،‬م‪،‬‬ ‫)‪(18‬‬

‫ص (‪.)207 - 206‬‬

‫يميز كانط المسيحية الحقيقية من المسيحية التاريخية‪ ،‬فاألولى تمثل العقيدة الدينية المبنية على األخالق‬ ‫)‪(19‬‬

‫التي نادى بها السيد المسيح‪ ،‬أما الثانية فتمثل العقيدة الدينية التي وضعها رجال الدين المسيحي‪ ،‬المملوءة‬
‫باألسرار المناقضة لمبادئ العقل العملي المحض‪.‬‬

‫الخشت (محمد عثمان)‪ :‬المعقول والالمعقول في األديان‪ ،‬ص (‪.)160 - 159‬‬


‫ُ‬
‫)‪(20‬‬

‫)‪(21‬‬
‫‪Kant, Immanuel: Religion within the limits of Reason alone, pp. (57 - 58).‬‬

‫خليفة (فريال ـ حسن)‪ :‬الدين والسالم عند كانط‪ ،‬ط‪ ،1‬مصر العربية للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪2001 ،‬م‪ ،‬ص‬ ‫)‪(22‬‬

‫‪.107‬‬

‫الكتاب المقدس‪ :‬العهد الجديد‪ ،‬إنجيل يوحنا‪ ،‬اإلصحاح الخامس‪ ،‬آية ‪ ،39‬ص ‪.304‬‬ ‫)‪(23‬‬

‫بدوي (عبد الرحمن)‪ :‬فلسفة التربية والدين عند كنت‪ ،‬ص ‪.32‬‬ ‫)‪(24‬‬

‫)‪(25‬‬
‫‪Kant, Immanuel: Religion within the limits of Reason alone, pp. (68 - 69).‬‬

‫الخشت (محمد عثمان)‪ :‬فلسفة الدين‪ ،‬ص (‪.)166 - 165‬‬


‫ُ‬
‫)‪(26‬‬

‫)‪(27‬‬
‫‪Kant, Immanuel: Religion within the limits of Reason alone, pp. (90 - 91).‬‬

‫)‪ُ (28‬يقارن بين حنفي (حسن)‪ :‬قضايا معاصرة‪ ،‬ج‪(2‬في الفكر الغربي المعاصر)‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫الخشت (محمد عثمان)‪ :‬المعقول والالمعقول في األديان‪ ،‬ص ‪.170‬‬‫‪1987‬م‪ ،‬ص (‪ .)133 - 132‬مع‪ُ :‬‬

‫بدوي (عبد الرحمن)‪ :‬فلسفة الدين والتربية عند كنت‪ ،‬ص (‪.)55 - 54‬‬ ‫)‪(29‬‬

‫ُينظر‪ :‬حنفي (حسن)‪ :‬تطور الفكر الديني الغربي‪ ،‬ص (‪.)197 - 195‬‬ ‫)‪(30‬‬

‫‪26‬‬
‫)‪(31‬‬
‫‪Kant, Immanuel: Religion within the limits of Reason alone, pp. (167 - 168).‬‬

‫خليفة (فريال ـ حسن)‪ :‬الدين والسالم عند كانط‪ ،‬ص (‪.)92 - 91‬‬ ‫)‪(32‬‬

‫بدوي (عبد الرحمن)‪ :‬فلسفة الدين والتربية عند كنت‪ ،‬ص (‪.)89 - 88‬‬ ‫)‪(33‬‬

‫حنفي (حسن)‪ :‬قضايا معاصرة‪ ،‬ج‪( 2‬في الفكر الغربي المعاصر) ‪ ،‬ص (‪.)125 - 124‬‬ ‫)‪(34‬‬

‫حيا الرسول (ص) بتحية اإلسالم‪،‬‬


‫أبو ذر الغفاري‪ :‬اسمه جندب بن جنادة‪ ،‬رابع من دخل اإلسالم‪ ،‬وأول من ّ‬
‫)‪(35‬‬

‫عبد اهلل تعالى قبل مبعث النبي محمد (ص) بثالث سنين‪ ،‬قال فيه الرسول الكريم محمد (ص)‪« :‬ما أظلّت‬
‫َ‬
‫الخضراء‪ ،‬وال أقلّت الغبراء أصدق من أبي ذر»‪ ،‬توفي عام اثنين وثالثين للهجرة في منطقة الربذة حيث‬
‫منفياً‪.‬‬
‫كان ّ‬

‫الزيلعي (جمال الدين عبد اهلل بن يوسف)‪ :‬تخريج األحاديث واآلثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري‪،‬‬ ‫)‪(36‬‬

‫ج‪ ،2‬تحقيق‪ :‬عبد اهلل بن عبد الرحمن السعد‪ ،‬ط‪ ،1‬دار ابن خزيمة‪ ،‬الرياض‪1414 ،‬ه‪ ،‬ص (‪– 388‬‬
‫‪.)389‬‬

‫‪27‬‬

‫‪View publication stats‬‬

You might also like