You are on page 1of 15

‫هل االعتقاد باهلل اعتقاد أساسي؟‬

‫‪?Is Belief in God Properly Basic‬‬


‫تأليف‪ :‬ألفن بالنتنجا‬
‫‪Alvin Plantinga‬‬
‫نقله إلى العربية‬
‫محمد سيد سالمة‬
‫أثار العديد من الفالسفة االعرتاض الدليلي على االعتقاد التأليهي ‪ ،Theistic Belief‬وذهبوا إىل أن اإلميان‬
‫باهلل‪ 1‬أمر غري عقالين أو غري مقبول منطقيًا أو تصرف غري مسؤول فكريًا أو دون املستوى املعياري الفكري‬
‫املطلوب؛ وذلك ألن اإلميان باهلل مبين على اعتقاد ال تدعمه أدلة كافية كما يقولون‪ .‬ويف املقابل ذهب العديد من‬
‫الفالسفة والالهوتيين – السيما أتباع الرتاث الالهويت الطبيعي العظيم (‪- )2‬إىل أن االعتقاد باهلل هو اعتقاد مقبول‬
‫عقليًا‪ ،‬ولكن ذلك فقط العتقادهم وجود أدلة كافية تدعم هذا االعتقاد‪ .‬تتفق إذن هاتان اجملموعتان على أن‬
‫حتديدا‪ ،‬لقد ذهبوا‬
‫االعتقاد التأليهي ال يكون مقبواًل عقالنيًا إال يف حالة وجود أدلة كافية لدعمه‪ .‬وبصورة أكثر ً‬
‫إىل أن الشخص ال يكون عقالنيًا يف قبوله لالعتقاد التأليهي إال إذا كان ميتلك أدلة كافية‪ ،‬أو بعبارة أخرى‪ ،‬إال إذا‬
‫كان يعرف أو يعتقد عقالنيًا ببعض القضايا األخرى اليت تدعم االعتقاد التأليهي‪ ،‬مث هو يعتقد يف االعتقاد الالحق‬
‫بناء على االعتقاد السابق‪ .‬وقد بينت يف مقايل (هل االعتقاد باهلل اعتقاد عقالين؟) أن االعرتاض الدليلي متجذر يف‬
‫النزعة األساسية الكالسيكية اليت تعترب الصورة الشائعة أو الطريقة الكلية اليت ينظر هبا عادة إىل مواضيع اإلميان‬
‫واملعرفة واالعتقاد املربر والعقالنية وغري ذلك من املواضيع املرتبطة‪ .‬وقد القت النزعة األساسية قبواًل منذ عصر‬
‫أفالطون وأرسطو‪ ،‬ورمبا ال تزال الطرق القريبة منها هي الطرق املهيمنة على التفكري فيما يتعلق هبذه املواضيع‪.‬‬
‫وباإلمكان أن نفكر بداية يف النزعة األساسية الكالسيكية مبالحظة أن بعض اعتقادات الشخص رمبا تكون مبنية‬
‫على أساس من اعتقادات أخرى‪ .‬على سبيل املثال‪ :‬قد يكون مثة زوجني من القضايا (أ)‪( ƒ،‬ب) حبيث أين أعتقد‬
‫(أ) بناء على أساس (ب)‪ .‬وعلى الرغم من أن هذه العالقة(‪ )3‬ليس من السهل متييزها بنسق واضح وبسيط فإهنا مع‬
‫ذلك مألوفة‪ .‬أعتقد أن كلمة (مستاء) هتجى هكذا‪ :‬م‪-‬س‪-‬ت‪-‬ا‪-‬ء‪ .‬وهذا االعتقاد مبين على اعتقاد آخر عندي‪،‬‬
‫وهو‪ :‬أن هذه الكلمة هتجى يف املعجم على ذلك النحو‪ .‬وأعتقد أن ‪ .72x 71 = 5112‬وهذا االعتقاد مبين‬

‫‪ 1‬أكد ألفن بالنتنجا يف مقاله (العقل واإلميان باهلل) على أن القضية اليت يدافع عن عقالنيتها‪ ،‬وهي قضية االعتقاد باهلل‪ ،‬تعين التأكيد‪ ƒ‬الوجودي لذلك‬
‫الكائن املتعايل املتصف بالقدرة املطلقة واخلريية املطلقة والعلم املطلق والذي يقوم كل شيء به‪ .‬والذي دفعه إىل ذلك التأكيد‪ ƒ‬أن تلك العبارة (اإلميان باهلل‬
‫‪ )Belief in God‬قد تأخذ يف التقليد‪ ƒ‬الغريب ال على أهنا تدل على كائن موجود يف الواقع هو اهلل‪ ،‬ولكن قد يراد منها جمرد االعرتاف مبحدودية‬
‫اإلنسان ونقصانه وفنائه‪ ،‬أوقد تعين قبول تبين طريقة ما للحياة‪ ،‬وهكذا‪ .‬وهذا يفسر وجود من يطلق على نفسه يف الغرب مسيحي ملحد أو مسيحي‬
‫متشكك‪.‬‬
‫‪ )( 2‬الالهوت الطبيعي‪ :‬يطلق على الطرق العقلية للتوصل إىل املعرفة اإلهلية ‪ -‬وإن مل تكن هذه املعرفة كاملة تامة ‪ -‬دون اللجوء إىل الوحي‪ .‬يؤمن‬
‫الوحي فهو املصدر الذي يعطينا من املعارف ما هو‬ ‫أصحاب هذا االجتاه بكفاية العقل يف الوصول إىل كثري من احلقائق الدينية واألخالقية األساسية‪ ƒ.‬أما ْ‬
‫خارج نطاق قدرات العقل‪ ،‬وال ميكن هلذه املعارف احلصرية اليت يأتينا هبا الوحي أن تتناقض مع العقل حبال‪.‬‬
‫‪ )(3‬أي العالقة بني األساس وما بين عليه‪ƒ.‬‬
‫على اعتقادات أخرى متعددة لدي‪ ،‬مثل أن‪1x 72 = 72; 7 x 2 = 14; 7x 7 = 49; 49 + 1 = :‬‬
‫‪50‬؛ وغري ذلك‪ .‬ومن االعتقادات ما أقبلها على غري أساس من اعتقادات أخرى‪ ،‬ولنطلق على هذه االعتقادات‪:‬‬
‫اعتقادات أساسية‪ .‬فأنا أعتقد على سبيل املثال أن ‪ ،3=1+2‬وال أعتقد هبذه القضية بناء على قضايا أخرى‪.‬‬
‫أيضا بالنسبة يل‪،‬‬
‫أيض ا أين جالس على مكتيب‪ ،‬وأن مثة أمل خفيف يف ركبيت اليمىن‪ .‬هذه اعتقادات أساسية ً‬
‫وأعتقد ً‬
‫فلم أعتقد هبا بناء على أي أساس من اعتقادات أخرى‪ .‬ووف ًقا ألصحاب النزعة األساسية الكالسيكية فإن بعض‬
‫القضايا تكون أساسية على نحو صحيح أو على نحو مالئم للشخص والبعض اآلخر ليس كذلك‪ .‬أما تلك‬
‫االعتقادات غري األساسية فال ميكن أن تكون مقبولة عقالنيًا إال إذا استندت على أساس من أدلة أخرى‪ ،‬وجيب أن‬
‫تعود هذه األدلة يف هناية األمر إىل ما هو أساسي على حنو صحيح‪ .‬فإذا أضفنا إىل ما سبق أن وجود اهلل ليس من‬
‫القضايا األساسية على حنو صحيح فإن اإلنسان ال يكون عقالنيًا يف قبوله لالعتقاد التأليهي إال إذا كان ميلك دلياًل‬
‫على هذا االعتقاد‪.‬‬
‫يُعرض كثري من املفكرين اإلصالحيني والالهوتيني اآلن عن الالهوت الطبيعي (طريقة فكرية حتاول وضع براهني‬
‫أو حجج على وجود اهلل)‪ .‬ومل يقتصر هؤالء املفكرون والالهوتيون إىل جمرد القول ببطالن احلجج املقدمة على‬
‫وجود اهلل‪ ،‬بل ذهبوا إىل أن النهج بأكمله مضلل بشكل جذري‪ .‬ويف مقايل (االعرتاض اإلصالحي على الالهوت‬
‫الطبيعي) بينت أن أفضل قراءة تفسريية لالعرتاض اإلصالحي على الالهوت الطبيعي هو أنه يف األساس رفض غري‬
‫مركز ومل يكتمل نضجه للنزعة األساسية الكالسيكية‪ .‬أعتقد أن ما يريد هؤالء اإلصالحيون قوله هو أن االعتقاد‬
‫باهلل ليس يف حاجة على اإلطالق إىل أن يؤسس على حجة وال حيتاج دلياًل من قضايا أخرى‪ .‬فهم يرون أن املؤمن‬
‫متاما مع حقوقه الفكرية أن يعتقد ما يعتقده حىت ولو مل يكن على علم بأي حجة جيدة من احلجج التأليهية‬
‫متسق ً‬
‫(االستنباطية أو االستقرائية)‪ ،‬بل حىت ولو كان يعتقد بعدم وجود أي حجة من هذا القبيل‪ ،‬بل حىت ولو مل توجد‬
‫متاما أن يقبل املرء االعتقاد بوجود اهلل من‬
‫مثل هذه احلجة يف الواقع‪ .‬يذهب هؤالء الالهوتيون إىل أنه من املنطقي ً‬
‫غري أن يكون قبوله هذا مبين على أي أساس من اعتقادات أو قضايا أخرى على اإلطالق‪ .‬وباختصار‪ :‬إهنم يرون‬
‫أن االعتقاد باهلل هو بذاته اعتقاد أساسي على نحو صحيح‪ .‬وسأحاول يف هذه الورقة توضيح هذا املوقف‬
‫والدفاع عنه‪.‬‬
‫فهما أكثر عم ًقا لالعرتاض الدليلي‪ .‬من املهم أن ننظر إىل هذا النزاع على أنه نزاع‬
‫ولكن أواًل علينا أن حنرر ً‬
‫معياري ‪ ،‬إذ يرى أصحاب االعرتاض الدليلي أن الشخص الذي يقبل االعتقاد التأليهي هو من جهة ما غري عقالين‬
‫أو دون املستوى املعياري العقلي املطلوب‪ ،‬وتؤخذ كلمة (عقالين) و (غري عقالين) هنا كمصطلح معياري أو‬
‫تقييمي‪ ،‬وحبسب أصحاب االعرتاض الدليلي فإن التأليهي (املؤمن باهلل) خيفق يف اإليفاء باملتطلبات املعيارية اليت‬
‫يتوجب عليه أن يفي هبا‪ .‬فهناك طريق حق لتكوين االعتقادات وهناك طريق باطل‪ ،‬كما هو احلال بالنسبة إىل‬
‫األفعال‪ ،‬ولدينا من الواجبات واملسؤوليات وااللتزامات حنو االعتقادات بالضبط كما لدينا بالنسبة إىل األفعال‪.‬‬
‫هكذا يقول الربوفسور بالنشارد ‪:Blanshard‬‬
‫دائم ا ويف كل مكان يكون لالعتقاد جانب أخالقي‪ .‬فهناك ما يسمى بأخالقيات الفكر العامة‪ .‬وأرى أن املبدأ‬
‫‪ً ...‬‬
‫الرئيسي لتلك األخالقيات ينطبق على الدين وغريه‪ .‬وهذا املبدأ بسيط وشامل‪ ،‬وهو‪ :‬أن يتناسب قبولك لالعتقاد‬
‫مع ما لديك من أدلة‪)p. 401( .‬‬
‫وقد تُفسر (أخالقيات الفكر) تلك بطرق متنوعة‪ ،‬وهناك العديد من املسائل املغرية للنقاش – اليت البد أن حنجم‬
‫عن الدخول فيها هنا – واليت تثار عندما حناول أن نبني بتحديد أكرب اخليارات املتنوعة اليت ميكن للدليلي‬
‫‪ evidentialist‬أن يتبناها‪ .‬وبداية‪ ،‬يبدو أنه بالنسبة إىل الدليلي الذي يرى أن مثة واجب أو التزام من نوع ما‬
‫اعتقادا دون أدلة = أن قضايا مثل قضية (اهلل موجود) متثل استهزاءً هبذا الواجب يف حالة‬
‫ً‬ ‫يقتضي أال يقبل اإلنسان‬
‫التأليهي الذي ال ميلك أدلة على ما يعتقد‪ .‬وإذا كان ال ميلك أدلة فإن من واجبه حينئذ أن يتخلى عن هذا‬
‫االعتقاد‪ .‬ولكن غالبًا هناك صعوبة ملحوظة هنا‪ ،‬وذلك أن اعتقادات اإلنسان يف أغلب األحوال ليست دائما حتت‬
‫سيطرته املباشرة‪ .‬ومعظم هؤالء الذين يؤمنون باهلل ال ميكنهم أن جيردوا أنفسهم من ذلك االعتقاد مبجرد أن‬
‫حياولوا ذلك‪ ،‬بالضبط كما أهنم ال يستطيعون بنفس الطريقة أن خيلصوا أنفسهم من االعتقاد بأن العامل موجود منذ‬
‫فرتة طويلة جدا‪ .‬ولذلك رمبا يكون اإللزام املناسب ليس أن أجرد نفسي من االعتقاد التأليهي إذا مل أكن أمتلك‬
‫الدليل عليه‪ ،‬ألن ذلك يتجاوز حدود قدرايت‪ ،‬ولكن أن أحاول تنمية أنواع من العادات الفكرية اليت ستميل (كما‬
‫(‪)4‬‬
‫نأمل) إىل جعل اختاذي العتقاد ما على أنه اعتقاد أساسي = ال ينصرف إال إىل القضايا اليت هي كذلك بالفعل‪.‬‬
‫ورمبا يُنظر إىل هذا اإللزام على حنو غائي(‪teleologically )5‬؛ فهو التزام أخالقي ناشئ عن عالقة بني خريات‬
‫وشرور ذاتية معينة‪ ،‬وبني الطريقة اليت هبا نكون معتقداتنا و نتمسك هبا‪( .‬تبدو هذه الطريقة كطريقة وليم‬

‫‪ )( 4‬يشري بالنتنجا هنا إىل قاعدة‪ :‬الوجوب األخالقي يستلزم االستطاعة ‪ Ought Implies Can‬اليت مت احلديث عنها يف املقدمة السابقة‪.‬‬

‫‪ )(5‬الغائية ‪ : Teleology‬مذهب الفلسفي وفقا له تكون مجيع العوامل الطبيعية ‪ ،‬أو على األقل العوامل القصدية منها‪ ،‬موجهة لغاية حمددة أو منظمة‬
‫تنظيما وظيفيا حمددا‪ .‬أنظر ‪:‬‬
‫‪Audi, R. (1999). The Cambridge dictionary of philosophy. Cambridge, U.K.: Cambridge‬‬
‫‪University Press, p.905‬‬
‫‪ .aretetically‬فهناك‬ ‫(‪)6‬‬
‫كليفورد يف تفسري املسألة)‪ .‬ورمبا ينظر إىل هذا اإللزام من ناحية علم الفضيلة‬
‫أيضا فضائل فكرية موازية‪ :‬عادات‬
‫حاالت فكرية أو عقلية قيمية (سواء كانت قيمتها جوهرية أو عرضية)؛ وهناك ً‬
‫فعلية تعمل على تعزيز وحتسني تلك احلاالت‪ .‬إذن يكون من ضمن التزامات اإلنسان واجب حماولة تعزيز وتنمية‬
‫هذه الفضائل يف نفسه أو يف نفوس اآلخرين‪ .‬أو رمبا يُنظر إىل هذا اإللزام من ناحية ديونطولوجية‬
‫‪ :deontologically‬هذا اإللزام يقع على عاتقنا فقط مبوجب ما لدينا من معدات فكرية منلكها فعليًا كوننا‬
‫بشرا؛ فهو إلزام ال ينشأ نتيجة لعالقه باحلاالت القيمية لألمور‪ .‬وبناءً على ذلك‪ ،‬ميكن ملثل هذا اإللزام أن يَ ُكون‬
‫ً‬
‫فريدا من نوعه‪.‬‬
‫إلزاما غري أخالقي ً‬
‫خاصا من أنواع اإللزام األخالقي‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬قد يكون ً‬
‫نوعا ً‬
‫ً‬
‫ورمبا ال حيتاج الدليلي أن يتكلم هنا عن الواجب أو اإللزام على اإلطالق‪ .‬فلو أن شخصا يعتقد أن كوكب الزهرة‬
‫أصغر من كوكب عطارد‪ ،‬ليس ألنه ميتلك أدلة من أي نوع‪ ،‬ولكن ألنه وجد أن تبىن اعتقاد ال يتبناه أحد قط أمر‬
‫جدا = فقد ال يكون قد‬
‫شخصا يتبىن نفس هذا االعتقاد لكن على أساس من بعض احلجج الواهية ً‬
‫ً‬ ‫مسل‪ ،‬أو لو أن‬
‫انتهك أي واجبات على اإلطالق‪ ،‬ومع ذلك فإن حالته الفكرية تعاين من قصور ما‪ ،‬أو ‪-‬بدال من ذلك‪ -‬رمبا‬
‫توجد خاصية أو ميزة مشرتكة بني البشر قد أخفق يف استعماهلا‪ .‬وعليه فاالعرتاض الدليلي على االعتقاد التأليهي‬
‫قد يفهم ليس على أن املؤمن التأليهي الذي ال ميلك الدليل قد أخفق يف الوفاء بااللتزامات‪ ،‬ولكن على أنه يعاين‬
‫من نوع معني من القصور الفكري (حبيث أن السلوك الصحيح جتاهه يف هذه احلالة سيكون عبارة عن تعاطف‬
‫توبيخا وإدانة)‪.‬‬
‫وشفقة‪ ،‬بداًل من أن يكون ً‬
‫هذه إذن بعض الطرق اليت ميكن أن يفهم هبا االعرتاض الدليلي‪ ،‬وال شك من وجود احتماالت أخرى‪ ،‬ولغرض‬
‫تبسيط بيان املسألة‪ ،‬دعنا نفحصه من ناحية الزعم الديونطولوجي‪ ،‬وما أقوله سينطبق (مع مراعاة اختالف‬
‫األحوال) على أي طريق من الطرق األخرى‪ .‬وف ًقا للزعم الديونطولوجي فإن االعرتاض الدليلي يفرتض مسب ًقا‬
‫بعض اآلراء خبصوص تعيني القضايا اليت تؤخذ باعتبارها قضايا أساسية على حنو صحيح أو مربر‪ ،‬أي أنه يفرتض‬
‫مسب ًقا ما يعتربه أساسيًا على حنو صحيح‪ ،‬وأقل ما يزعمه االعرتاض الدليلي فيما يتعلق بقضية االعتقاد باهلل = أهنا‬
‫ليست أساسية على حنو صحيح‪ .‬ويرتبط االعرتاض الدليلي بشكل جذري يف صورته النموذجية بشكل من أشكال‬
‫النزعة األساسية الكالسيكية ‪.Classical Foundationalism‬‬

‫‪ )(6‬ترجع كلمة ‪ Aretetically‬إىل الكلمة اليونانية القدمية ‪ ، Arete‬وتعين‪( :‬الفضيلة) أو (املنقبة)‪ .‬تستخدم هذه الكلمة يف السياق الفلسفي لتصف‬
‫فضائل الشخصية اإلنسانية‪ ،‬ويف السياقات األوسع تستخدم للداللة على أنواع خمتلفة من املناقب والفضائل‪ .‬أنظر‪:‬‬
‫‪Ibid, p.43‬‬
‫ووف ًق ا للنزعة األساسية الكالسيكية‪ :‬فإن القضية (ق) تكون أساسية على حنو صحيح للشخص (س) إذا‪ ،‬وفقط‬
‫إذا‪ ،‬كانت (ق) إما بدهية للعقل أو غري قابلة للتصحيح ‪incorrigible‬بالنسبة إىل (س) ‪،‬كما هو يف النزعة‬
‫األساسية احلديثة‪ ،‬أو كانت (ق) بدهية للعقل أو للحس بالنسبة إىل (س)‪،‬كما هو يف النزعة األساسية القدمية‬
‫والقروسيطة‪ .‬وقد بيت يف مقايل (هل االعتقاد باهلل اعتقاد عقالين؟) أن كال الشكلني للنزعة األساسية يعود على‬
‫نفسه بالنقض‪ ،‬ولذلك ال مناص من رفضهما‪ .‬فبقدر ما يعتمد االعرتاض الدليلي على األساسية الكالسيكية بقدر‬
‫ما يكون اعتماده على أساس واه وفقري حبق‪ .‬وعلى حد علمي مل يقم أحد إىل اآلن بتطوير وصياغة أي سبب آخر‬
‫الفرتاض أن االعتقاد باهلل اعتقاد غري أساسي على حنو صحيح‪ .‬نعم‪ ،‬ال شك أنه ال يلزم من بطالن األساسية‬
‫الكالسيكية صحة كون االعتقاد باهلل أساسيًا على حنو صحيح؛ فرمبا تكون فئة القضايا األساسية بشكل صحيح‬
‫أوسع مما تذهب إليه األساسية الكالسيكية لكنها ليست بالوسع الكايف لتشمل االعتقاد باهلل‪ .‬ولكن ملاذا يُعتقد‬
‫ذلك؟ وما هي االعرتاضات املمكنة على الرؤية اإلصالحية اليت ترى أن االعتقاد باهلل هو اعتقاد أساسي على حنو‬
‫صحيح؟‬
‫كنت قد مسعت أحد تلك االعرتاض وذلك أنه إذا مل أكن أملك دليال على وجود اهلل مث قبلت مع ذلك هذه‬
‫القضية‪ ،‬فإن اعتقادي سيكون حينئذ بال أساس أو ال مربر له أو تعسفي‪ .‬أعتقد أن هذا الكالم خطأ‪ ،‬ودعين أشرح‬
‫ملاذا‪.‬‬
‫لنأخذ يف االعتبار اعتقادات اإلدراك احلسي‪ ،‬واعتقادات الذاكرة‪ ،‬واالعتقادات اليت تصف احلاالت العقلية‬
‫لألشخاص اآلخرين‪ .‬هذه االعتقادات على الرتتيب مثل‪:‬‬
‫(‪ )1‬أرى شجرة؛‬
‫(‪ )2‬تناولت إفطاري هذا الصباح؛‬
‫و‬
‫(‪ )3‬هذا الشخص غضبان‪.‬‬
‫فعلى الرغم من أن االعتقادات من هذا النوع عادة ما يتم اعتبارها أساسية على حنو صحيح‪ ،‬فإنه سيكون من‬
‫اخلطأ أن نصفها بأهنا اعتقادات ال أساس هلا‪ .‬فعندما امتلك خربة من نوع معني فأعتقد أين أدرك شجرة‪ ،‬فال‬
‫جتدين‪ ،‬يف احلالة النموذجية‪ ،‬أعتقد هذا االعتقاد بناء على أساس من اعتقادات أخرى‪ ،‬ومع ذلك فهو ليس خاليًا‬
‫من األساس اعتقاد‪ ،‬فامتالكي هلذا النوع اخلاص من اخلربة‪ -‬أو باستخدام لغة الربوفيسور تشزوم ‪:Chisholm‬‬
‫هاما يف تشكيل وتربير ذلك االعتقاد‪ ،‬ومن املمكن أن نقول إن هذه اخلربة‬
‫دورا ً‬
‫كوين يبدو يل شجرة‪ -‬يلعب ً‬
‫مقرونة بظروف أو شروط أخرى تربر يل التمسك هبا‪ .‬هذا أساس تربيري‪ ،‬وبالتبع هو أساس لالعتقاد نفسه‪.‬‬
‫شخص ا يظهر السلوك النموذجي للمتأمل‪ ،‬فسآخذ ذلك على أنه يعاين من األمل‪ ،‬ومرة أخرى أنا مل أختذ‬
‫ً‬ ‫وإذا رأيت‬
‫من هذا السلوك الظاهر دلياًل على هذا االعتقاد‪ :‬مبعين أين مل أستنتج هذا االعتقاد من اعتقادات أخرى عندي‪ .‬فلم‬
‫أقبل هذا االعتقاد بناء على أسس من اعتقادات أخرى‪ .7‬ومع ذلك يظل إدراكي للسلوك الناتج عن األمل يلعب‬
‫فريد ا يف تشكيل وتربير هذا االعتقاد‪ .‬ومثل احلالة السابقة‪ ،‬يشكل ذلك أساس تربيري هلذا العتقاد‪ .‬ونفس‬
‫دورا ً‬
‫ً‬
‫الشيء ينطبق على اعتقادات الذاكرة‪ .‬على سبيل املثال‪ :‬يرتاءى يل أنين أتذكر تناول وجبة اإلفطار هذا الصباح‪،‬‬
‫مبعىن أن لدي مياًل لالعتقاد يف القضية‪( :‬تناولت إفطاري)‪ ،‬جنبًا إىل جنب مع جتربة معينة ذات طابع ماضوي واليت‬
‫هي مألوفة للجميع لكن من الصعب أن توصف‪ .‬رمبا علينا أن نقول إنه يرتاءى يل على حنو ماضوي‪ .‬ولكن رمبا‬
‫يكون ذلك غري كاف يف التمييز بني تلك اخلربة املعنية وذلك االعتقاد املصاحب عن املاضي‪ ،‬والذي هو غري‬
‫متأسس على ذاكريت اخلاصة‪ .‬وعلم ظاهرة الذاكرة هو عامل غين غري مكتشف‪ ،‬وليس لدي الوقت هنا ألقوم‬
‫بالكشف عنه‪ .‬يف هذه احلالة‪ ،‬وكما هو احلال يف احلاالت األخرى‪ ،‬هناك ظروف تربيرية حاضرة‪ ƒ،‬شرط يُشكل‬
‫أرضية لتربير قبويل العتقاد الذاكرة‪.‬‬
‫ويف كل من هذه احلاالت يؤخذ االعتقاد على أنه اعتقاد أساسي‪ .‬ويف كل حالة يؤخذ اعتقاد فيها كأساس على‬
‫حنو صحيح يكون هناك ظرف أو شرط مينح التربير‪ .‬وعليه فإنه يف كل حالة سيكون هناك بعض القضايا‬
‫الصحيحة من النوع‪:‬‬
‫(‪ )4‬يف حالة الشرط (ش)‪ ƒ،‬يكون (س) مربرا يف اعتباره القضية (ق) كأساس‪.‬‬
‫وبالطبع فإن (ش) ستختلف باختالف القضية (ق)‪ .‬فبالنسبة إىل احلكم اإلدراكي مثل‪:‬‬
‫(‪ )5‬أرى وردة ملونة أمامي‪،‬‬
‫سوف تشمل (ش)‪ ƒ:‬كوين يرتاءى يل على منط خاص‪ ،‬وال شك أن (ش) سوف تشمل أكثر من ذلك‪ .‬لو أنين‬
‫مبدوا يل بنمط مألوف لكين أعرف أين كنت ألبس نظارة ملونة بلون الوردة‪ ،‬أو أين أعاين من مرض يسبب‬
‫كنت ً‬
‫مبدوا يل هبذا الشكل = فبغض النظر عن لون اجلسم القريب‪ ،‬فانا حينئذ لست مربرا يف اعتبار (‪)5‬‬
‫أن أكون ً‬

‫‪ 7‬يقصد بالنتنجا هنا أننا حنصل على هذا االعتقاد بصورة مباشرة دون املرور بأي عملية‪ ƒ‬استنتاج عقلي‪ .‬على سبيل املثال‪ :‬إذا رأيت شخصا يبدو عليه‬
‫أمارات األمل فأنت ال تتوقف مثال لتفكر أوال قبل أن تعتقد‪ :‬أين عندما أتأمل فإين أسلك سلوكا معينا‪ ،‬وهذا شخص أمامي يسلك هذا سلوكا مشاهبا ملا‬
‫أسلكه يف حالة األمل‪ ،‬إذن الشخص يتأمل‪ ƒ.‬حنن ال نقوم هبذه العملية االستنتاجية‪ ،‬بل حبصل لدينا االعتقاد بصور مباشرة‪.‬‬
‫اعتقادا أساسيًا‪ .‬وباملثل فيما يتعلق بالذاكرة‪ .‬لنفرتض أين أعلم أن ذاكريت ال يعول عليها؛ فهي غالبا ما ختدعين‪،‬‬
‫ً‬
‫وحتديدا عندما يرتاءى يل تذ ُكر أين تناولت افطاري‪ ،‬فاخلطأ يكون غالبا أكثر من اإلصابة‪ .‬يف ظل هذا الظرف ال‬
‫ً‬
‫مربر ا بأخذي لالعتقاد (أين تناولت إفطاري) على أنه اعتقاد أساسي على الرغم من أنه يبدو يل تذكر أين‬
‫أكون ً‬
‫قد فعلت‪.‬‬
‫مبدوا يل يف حالة اإلدراك احلسي ليس كافيًا للتربير‪ .‬ومن الواضح أنه مثة حاجة ضرورية إىل شرط‬
‫إذن فكوين ً‬
‫إضايف – شرط من الصعب حتديده بالتفصيل‪ .‬والشاهد هنا‪ :‬أن االعتقاد ال يكون أساسيًا بشكل صحيح إال يف‬
‫ظل شروط معينة‪ ،‬هذه الشروط – رمبا أمكننا أن نقول‪ -‬هي أساس للتربير املمنوح هلذه االعتقادات‪ ،‬وبالتبع‬
‫أساس لالعتقادات نفسها‪ .‬ويف ظل هذا املعىن يتبني أن االعتقادات األساسية ليست بال أساس أو ليست بالضرورة‪ƒ‬‬
‫أن تكون بال أساس‪.‬‬
‫واآلن نفس الشيء ميكن أن يقال عن االعتقاد باهلل‪ .‬فعندما يدعي اإلصالحيون أن هذا االعتقاد أساسي بشكل‬
‫صحيح‪ ،‬فهم بالطبع ال يقصدون القول بأنه ليس مثة ظروف تربيرية هلذا االعتقاد‪ ،‬أو أنه اعتقاد أساسي مبعىن أنه ال‬
‫أساس أو ال مربر له‪ .‬على العكس من ذلك متاما‪ .‬كان كالفن يعتقد أن اهلل "يكشف ويبدي عن نفسه من خالل‬
‫براعة صنعة يف الكون كله" وأن الفن اإلهلي " يكشف عن نفسه يف عدد ال حصر له وهو مع ذلك متميز متنوع‬
‫برتتيب حسن من قبل الرب املقدس‪ ".‬اهلل خلقنا مفطورين أو لدينا امليل ألن نرى صنع يده يف العامل‪ .‬بصورة أدق‪،‬‬
‫عندما نتأمل ومنعن النظر يف وردة‪ ،‬أو نالحظ السماء املرصعة بالنجوم‪ ،‬أو نتأمل سعة الكون اهلائلة جند لدينا ميال‬
‫فطريا ألن نعتقد يف قضايا من نوع‪ :‬هذه الوردة خلقها اهلل‪ ،‬أو هذا الكون الواسع املعقد خلقه اهلل‪".‬‬
‫أنواعا أخرى من الشروط قد تثري استيقاظ هذا امليل الفطري‪ ƒ.‬فعند‬
‫ولقد أدرك كالفن‪ ،‬على األقل ضمنينًا‪ ،‬أن ً‬
‫قراءة الكتاب املقدس قد يتأثر املرء ويغمره شعور عميق أن اهلل يتحدث إليه‪ ،‬وعندما ينتهي إنسان من عمل‪ ،‬يعلم‬
‫يف نفسه أنه عمل رخيص أو آمث أو خبيث‪ ،‬فقد يشعر بالذنب أمام اهلل ويتولد لديه اعتقاد بأن اهلل غير راض عن‬
‫فعلتي‪ ،‬وعندما أعرتف وأتوب رمبا أشعر بأنه قد غفر يل‪ ،‬ويتخلق لدي اعتقاد بأن اهلل يغفر لي فعلتي‪ ،‬وعندما‬
‫يتعرض املرء خلطر داهم فقد يلجأ إىل اهلل ويطلب منه احلماية والعون‪ ،‬وبالطبع يتخلق لديه اعتقاد بأن اهلل قادر‬
‫شعورا عفويًا من‬
‫على مساعه وإجابة دعائه إذا اقتضت حكمته ذلك‪ ،‬وعندما تكون احلياة حلوة خضرة فإن ً‬
‫االمتنان قد ينبع يف روح اإلنسان‪ ،‬قد حيمد اإلنسان يف مثل هذه احلالة اهلل ويشكره على نعمه‪ ،‬وبالطبع يتشكل‬
‫اعتقاد مصاحب أن اهلل أهل للشكر والثناء‪.‬‬
‫وبناءً على ما سبق‪ ،‬مثة شروط وظروف عديدة تدعو إىل اإلميان باهلل‪ :‬الشعور بالذنب‪ ،‬أو االمتنان‪ ،‬أو اخلطر‪ ،‬أو‬
‫معية اهلل‪ ،‬أو الشعور بأنه يتحدث إليك‪ ،‬أو إدراك األجزاء املختلفة من الكون‪ .‬حنن يف حاجة لعمل متكامل‬
‫الستكشاف فنومنولوجيا كل هذه الشروط وغريها‪ ،‬وهذا موضوع كبري وهام‪ ،‬ولكن ميكنين هنا فقط أن أشري إىل‬
‫وجود هذه الشروط‪.‬‬
‫بالطبع ليس من ضمن االعتقادات اليت ذكرهتا للتو االعتقاد البسيط‪ :‬اهلل موجود‪ ،‬بل الذي لدينا اعتقادات مثل‪:‬‬
‫(‪ )6‬اهلل يتحدث إيل؛‬
‫(‪ )7‬اهلل خلق كل ما هنالك؛‬
‫(‪ )8‬اهلل غري راض عما فعتله؛‬
‫(‪ )9‬اهلل يغفر يل؛‬
‫(‪ )10‬اهلل أهل للثناء والشكر‪.‬‬
‫متاما مع الفرض‬
‫هذه القضايا هي قضايا أساسية بشكل صحيح يف ظل الظروف املناسبة‪ ،‬وهي مع ذلك متوافقة ً‬
‫القائل إن قضية "اهلل موجود" ال هي أساسية بشكل صحيح‪ ،‬وال هي كذلك عند أولئك الذين يعتقدون يف اهلل‪.‬‬
‫اعتقادا أساسيًا قضايا مثل اليت ذكرت من (‪ )6‬إىل (‪)10‬؛ فيعتقدون بوجود اهلل على أساس من‬
‫ً‬ ‫رمبا ما يتخذونه‬
‫مثل تلك القضايا‪ .‬ومن هذا املنطلق‪ ،‬فإنه ليس من الصواب متاما أن نقول‪ :‬االعتقاد باهلل هو اعتقاد أساسي بشكل‬
‫حتديدا‪ :‬إن ما هو أساسي بشكل صحيح هو مثل القضايا اليت ذكرت من (‪ )6‬إىل (‪،)10‬‬
‫صحيح‪ .‬وبصورة أكثر ً‬
‫وكل منها يستلزم بداهة أن اهلل موجود‪ .‬ليست إذن تلك القضية العامة ذات املستوى العايل نسبيا (اهلل موجود)‬
‫هي القضية األساسية بشكل صحيح؛ لكن قضايا تتضمن بعض صفاته أو أفعاله‪.‬‬
‫لنرجع اآلن إىل التناظر بني االعتقاد بوجود اهلل = واالعتقاد بوجود األشياء احلسية‪ ،‬واألشخاص األخرين‪،‬‬
‫أيضا سنجد قضايا حمددة ومعينة نسبيًا عن زميالهتا األساسية بشكل صحيح واليت هي أكثر جتريدا‬
‫واملاضي‪ .‬هنا ً‬
‫وعمومية‪ .‬رمبا تكون تلك القضايا مثل‪:‬‬
‫(‪ )11‬مثة شجر؛‬
‫(‪ )12‬مثة أشخاص آخرون؛‬
‫(‪ )13‬العامل موجود أكثر من مخس دقائق؛‬
‫هي قضايا ليست يف احلقيقة أساسية بشكل صحيح‪ ،‬لكن القضايا األساسية بشكل صحيح هي قضايا مثل‪:‬‬
‫(‪ )14‬أنا أرى شجرة؛‬
‫(‪ )15‬ذلك الشخص مسرور؛‬
‫(‪ )16‬أنا تناولت إفطاري منذ أكثر من ساعة؛‬
‫مثل هذه القضايا تستحق أن توصف بأهنا أساسية‪ .‬وال شك أن قضايا من مثل هذا النوع األخري تستلزم بصورة‬
‫مباشرة وبدهية القضايا اليت ذكرت قبلها‪ ،‬ورمبا لذلك ال يكون هناك ضرر يف أن نتحدث عن هذه القضايا‬
‫فضفاضا بعض الشيء‪.‬‬
‫ً‬ ‫باعتبارها أساسية بشكل صحيح‪ ،‬حىت ولو كان الكالم‬
‫نفس الشيء حري أن يقال عن االعتقاد باهلل‪ .‬قد نقول‪ ،‬بصورة فضفاضة‪ ،‬إن االعتقاد باهلل اعتقاد أساسي بشكل‬
‫صحيح‪ ،‬أما إذا حتدثنا بصورة أشد دقة فسنقول‪ :‬من احملتمل أال تكون تلك القضية (اهلل موجود) أساسية بشكل‬
‫صحيح ولكن قضايا من نوع ما جاء يف (‪.)10( – )6‬‬
‫ولكن النقطة الرئيسية هنا أن القول إن االعتقاد باهلل أو القضايا من (‪ )10( – )6‬هي قضايا أساسية على حنو‬
‫التربير للشخص الذي‬
‫صحيح ال يعين إنكار وجود شروط تربيرية هلذه االعتقادات‪ ،‬أو إنكار وجود شروط مَت نح َ‬
‫يقبل هذه االعتقادات باعتبارها اعتقادات اساسية‪ .‬وعليه فهذه االعتقادات ليست خالية عن األساس أو التربير‪.‬‬
‫اعتقادا أساسيًا فما الذي مينع اعتبار أي اعتقاد آخر من‬
‫ً‬ ‫وهناك اعرتاض آخر كثريا ما أمسعه‪ :‬إذا كان االعتقاد باهلل‬
‫أن يكون أساسيًا؟ أال ميكننا قول نفس الشيء على أي اعتقاد شاذ عجيب قد خيطر على بالنا؟ ماذا عن الشعوذة‬
‫والتنجيم؟ ماذا عن االعتقاد بأن قرع العسل العظيم الذي يأيت كل هالوين؟ هل ميكنين أن أعترب ذلك أساسيًا؟ وإذا‬
‫كانت اإلجابة ال‪ ،‬فلماذا إذن ميكنين ذلك مع االعتقاد باهلل؟ لنفرتض أين أعتقد أين إذا رفرفت ذراعي بقوة كافية‬
‫سأمتكن من اإلقالع والطريان حول الغرفة‪ .‬فهل ميكنين أن أدفع عن نفسي هتمة الالعقالنية من خالل الزعم بأن‬
‫اعتقادي هذا اعتقاد أساسي؟ وإذا قلنا إن االعتقاد باهلل اعتقاد أساسي على حنو صحيح‪ ،‬أال جيعلنا ذلك ملزمني‬
‫بالقول إن أي شيء‪ ،‬أو تقريبا أي شيء‪ ،‬ميكن أن يؤخذ على أنه أساسي على حنو صحيح مما يفتح الباب واسعا‬
‫لالعقالنية واخلرافة؟‬
‫بالتأكيد ال‪ .‬وما الذي يدعو إىل أن يظن باإلبستمولوجيا اإلصالحية أهنا متورطة يف هذا النوع من اخللل؟ هل ألهنا‬
‫ترفض املعايري اليت تقدمها األساسية الكالسيكية ملا هو أساسي بشكل صحيح؟ ولكن ملاذا يظن أن رفض تلك‬
‫املعايري سيؤدي إىل التزام اإلبستمولوجيا اإلصالحية بالتسامح مع الالعقالنية؟ لنتأمل هذه املماثلة‪ :‬ملا كانت‬
‫الوضعية املنطقية تعيش أيام ازدهارها‪ ،‬شرع الوضعيون املنطقيون يف تطبيق معيار التحقق بثقة‪ ،‬وأعلنوا خلو كثري‬
‫شخصا رفص صياغة هذا املعيار‪ -‬ذلك الذي ميكنك‬
‫ً‬ ‫من القضايا عن املعىن رغم وضوح معناها‪ .‬واآلن لنفرتض أن‬
‫أن جتده يف اإلصدار الثاين من كتاب (اللغة والصدق واملنطق) لـ أ‪ .‬جي‪ .‬أير‪ ،‬على سبيل املثال‪ -‬فهل كان ذلك‬
‫سيعين أن هذا الشخص ملزم بأن يرى عبارة‪:‬‬
‫(‪ )17‬تاوس برليج‪ ،‬و السلزي توفز قد فعل جاير و مجبل يف الواب‪.‬‬
‫ذات معىن مفيد؟ بالطبع ال‪ ،‬نفس الشيء ينطبق على أصحاب اإلبستمولوجيا اإلصالحية‪ .‬فحقيقة أهنم يرفضون‬
‫معايري األساسية الكالسيكية لالعتقادات األساسية الصحيحة ال يعين أهنم ملتزمون بالفرض القائل‪ :‬أي شيء ميكن‬
‫اعتباره أساسيًا بشكل صحيح‪ .‬فأين تكمن املشكلة إذن؟ هل يف أن اإلبستمولوجي اإلصالحي ال يرفض فقط تلك‬
‫أيضا أنه على غري عجلة من أمره يف أن يقدم ما ميكن أن يكون بدياًل أفضل؟‬
‫املعايري لألساس الصحيح ولكن يبدو ً‬
‫رفضا منص ًفا اعتبار أن االعتقاد بقرع العسل العظيم اعتقاد‬
‫إذا مل يكن لديه معيار بديل فكيف ميكن أن يرفض ً‬
‫أساسي؟‬
‫هذا االعرتاض ناتج عن مفهوم‪ ƒ‬مغلوط‪ .‬فكيف لنا أن نطور أو نصل بصورة صحيحة إىل معايري للمعىن؟ أو‬
‫لالعتقاد املربر؟ أو ملا يعترب أساسيًا بشكل صحيح؟ ومن أين تأيت هذه املعايري؟ وهل جيب على املرء أن يكون لديه‬
‫مثل هذه املعايري قبل أن يتمكن بشكل عقالين أن يصدر أي حكم إجيايب أو سليب خبصوص ما ميكن أن يعترب‬
‫أساسيًا بشكل صحيح؟ بالتأكيد ال‪ .‬لنفرتض أين ال أعرف بدياًل مرضيا للمعايري اليت قدمتها األساسية الكالسيكية‪،‬‬
‫مع ذلك فلي احلق الكامل يف أن أرى بعض القضايا ليست أساسية بشكل سليم يف ظروف معينة‪ .‬بعض القضايا‬
‫تبدو بدهية يف حني أهنا يف الواقع ليست كذلك‪ ،‬وهذا هو الدرس املستفاد من مفارقات راسل‪ .‬مع ذلك سيكون‬
‫ال عقالنيًا أن تنكر أساسية قضية تبدو لك على حنو بدهي قضيةً أساسيةً‪ .‬لنفرتض أنه يرتاءى لك أنك ترى‬
‫شجرة‪ ،‬حينها سيكون تصرفًا ال عقالنيًا أن تعترب القضية‪" :‬ال أرى شجرة"‪ ƒ،‬أو "ال توجد أي أشجار"‪ ،‬قضيةً‬
‫متاما أن ما‬
‫أساسيةً‪ .‬بنفس الطريقة‪ ،‬حىت وإن كنت ال أعلم معايري واضحة للمعىن ميكنين أن أعلن بشكل سليم ً‬
‫ذكر يف رقم (‪ )17‬ال معىن له‪.‬‬
‫مهم ا‪ ،‬ذلك الذي علمنا أياه رودريك تشزلوم‪ ،‬وهو‪ :‬ما هو وضع معايري املعرفة‪ ،‬أو األساس‬
‫وهذا يثري سؤااًل ً‬
‫الصحيح‪ ،‬أو االعتقاد املربر؟ عادة هذه عبارات كلية عامة‪ .‬معيار األساسية احلديثة لألساس الصحيح على سبيل‬
‫املثال‪ ،‬أكثر عمومية‪:‬‬
‫(‪ )18‬ألي قضية (ق) وألي شخص (س)‪ ،‬تكون (ق) أساسية بشكل سليم لـ (س) إذا وفقط إذا كانت (ق)‬
‫بدهية أو غري قابلة للتصحيح بالنسبة إىل (س)‪.‬‬
‫ولكن كيف ميكن للمرء أن يعرف شيئا مثل ذلك؟ ما هي أوراق اعتماده؟ من الواضح أن (‪ )18‬نفسها ليست‬
‫بدهية وال حىت واضحة الصواب‪ .‬وإذا كان ذلك كذلك فأين للمرء أن يصل إليها؟ وما هي أنواع احلج املناسبة‬
‫هلا؟ بالتأكيد إن املؤيد للنزعة األساسية رمبا جيد (‪ )18‬جذابة فاتنة‪ ،‬فهو ببساطة يأخذها على إهنا صحيحة من غري‬
‫تقدمي حجة على صحتها ومن غري أن يقبلها على أساس من اعتقادات أخرى‪ .‬وإذا كان هذا هو حاله فإن بناءه‬
‫الفكري سيعود على نفسه بالنقض‪ .‬القضية (‪ )18‬نفسها ليست بدهية وال هي غري قابلة للتصحيح‪ ،‬ومن مث َّ‬
‫فإن‬
‫أخذ املؤيد للنزعة األساسية القضية (‪ )18‬على أهنا أساسية بشكل صحيح(‪ )8‬يعد انتهاكا ملعيار األساس الصحيح‬
‫الذي قد سلم بقبوله‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬رمبا سيحاول املؤيد للنزعة األساسية أن يقدم حجة من مقدمات بدهية‬
‫أو غري قابلة للتصحيح‪ ،‬ومن الصعوبة مبكان أن نرى ماذا عساها أن تكون مثل هذه احلجة‪ .‬وإىل أن يقدم مثل‬
‫تلك احلجة ماذا عسى أن يفعل بقيتنا من الذين ال يرون (‪ )18‬قضية واضحة أو ال يروهنا مقنعة على اإلطالق؟‬
‫كيف ميكن له يف هذه احلالة أن يستخدم (‪ )18‬ليبني لنا على سبيل املثال أن االعتقاد باهلل ليس أساسيًا بشكل‬
‫سليم؟ ملاذا ينبغي لنا أن نعتقد (‪ )18‬أو نوليها أي اهتمام؟‬
‫واحلقيقة‪ ،‬كما أعتقد‪ ،‬أنه ال (‪ )18‬وال أي معيار ضروري كاف لالعتقاد األساسي السليم ميكن أن ينبع من‬
‫مقدمات بدهية يف حجج مقبولة بصورة واضحة‪ .‬ومن مث فإن الطريقة السليمة للوصول إىل مثل هذا املعيار هي‬
‫ظهورا بينًا أن السابق أساسي على‬
‫بوجه عام االستقراء‪ .‬فيجب علينا أن جنمع أمثلة العتقادات وشروط يظهر فيها ً‬
‫ظهورا بينًا أن السابق ليس أساسيًا على حنو سليم‬
‫حنو صحيح لالحق‪ ،‬وأمثلة العتقادات وشروط أخرى يظهر فيها ً‬
‫لالحق‪ .‬جيب علينا إذن تأطري الفرضيات للشروط الضرورية والكافية لألساس الصحيح مث خنترب هذه الفرضيات‬
‫بالرجوع إىل تلك األمثلة اليت مجعناها‪ .‬على سبيل املثال‪ :‬إنه ملن املنطقي بوضوح يف ظل الظروف السليمة أن‬
‫تعتقد أنك ترى إنسانا أمامك‪ ƒ:‬كائنًا له أفكار ومشاعر ويعرف ويعتقد يف أشياء ويتخذ قرارات ويقوم بأفعال‪،‬‬
‫كما أنه من الواضح أنك ال تقع حتت أي إلزام حيتم عليك أن تستنبط هبذا االعتقاد من اعتقادات أخرى لديك (‪،)9‬‬
‫حتما ستكون (‪)18‬‬
‫ويف ظل تلك الظروف يكون ذلك االعتقاد أساسيًا على حنو صحيح بالنسبة إليك‪ .‬ولكن ً‬
‫خاطئة إذن؛ ألن ذلك االعتقاد يف ظل تلك الظروف أساسي على حنو سليم على الرغم من أنه ليس بدهيًا وال هو‬
‫غري قابل للتصحيح بالنسبة إليك‪ .‬وباملثل‪ ،‬فقد يبدو أنك تتذكر أنك تناولت إفطارك هذا الصبح‪ ،‬وقد ال يكون‬

‫‪ 8‬وألنه ال ميتلك حجة يثبت صحة املبدأ فهو إذن يعتقد هبا على أهنا أساسية‪ ƒ‬بشكل صحيح وإال فسيكون متسكه هبا اعتباطيًا‪ ،‬ولكن اعتبارها أساسية‬
‫بشكل صحيح ال يتفق واملعيار الذي ينادي به هذا املبدأ‪ ،‬وبالتايل فهو يعود بالنقض على نفسه‪.‬‬
‫‪ )(9‬أي إنه اعتقاد فطري أسأسي مباشر ال يتطلب نظرا أو استدالال‪.‬‬
‫لديك أي سبب يدعوك الفرتاض أن ذاكرتك ختدعك‪ .‬فلو كان ذلك كذلك‪ ،‬فلديك كامل احلق يف أن تكون‬
‫اعتقادا أساسيًا وفقا للمعايري اليت‬
‫ً‬ ‫اعتقادا أساسيًا على حنو صحيح‪ ،‬وبالطبع ليس‬
‫ً‬ ‫مربرا يف اختاذ ذلك االعتقاد‬
‫ً‬
‫تقدمها األساسية الكالسيكية؛ لكن هذه احلقيقة ال تعد ضدك أنت؛ بل ضد تلك املعايري‪.‬‬
‫وبناءً على ما سبق‪ ،‬فإن معايري األساس الصحيح جيب أن يتوصل إليها من أسفل‪ ،‬ال من أعلى‪ ،‬فال ينبغي أن تقدم‬
‫هذه املعايري وكأنه منصب أسقفي سابق‪ ،‬بل البد أن تناقش وختترب مبجموعة من األمثلة املالئمة‪ .‬وليس هناك ما‬
‫يدعو إىل أن اجلميع سيوافقون مسب ًقا على األمثلة‪ ،‬فاملسيحيون يعتقدون بكل تأكيد أن االعتقاد باهلل صحيح‬
‫متاما‪ ،‬وإذا مل يكن قبول املسيحي هلذا االعتقاد بناءً على أساس من قضايا أخرى فسوف يستنج أن هذا‬
‫وعقالين ً‬
‫متاما‪ .‬وقد يعرتض على ذلك أتباع برتراند راسل‬
‫االعتقاد أساسي بالنسبة إليه‪ ،‬وهو كذلك‪ ،‬وعلى حنو صحح ً‬
‫ومادلني موراري أوهري‪ ،‬ولكن أىن العرتاضهم أن يكون وثيق الصلة باملوضوع؟ فهل جيب أن تتوافق معايريي أو‬
‫معايري اجملتمع املسيحي على أمثلتهم؟ بالطبع ال‪ ،‬فاجملتمع املسيحي حيمل مسؤولية جمموعة أمثلته وليس أمثلتهم‪.‬‬
‫ووف ًق ا لذلك‪ ،‬فإن املؤيد لإلبستمولوجيا اإلصالحية ميكنه أن يذهب بصورة سليمة إىل أن االعتقاد بقرع العسل‬
‫اعتقادا أساسيًا بصورة صحيحة‪ ،‬حىت مع كونه يرى أن االعتقاد باهلل أساسي على حنو صحيح‪،‬‬
‫ً‬ ‫الضخم ليس‬
‫معيارا كاماًل لألساس الصحيح‪ .‬وال شك أنه ملزم بافرتاض وجود فرق ذات صلة بني‬
‫وحىت مع كونه ال ميلك ً‬
‫االعتقاد باهلل واالعتقاد بقرع العسل العظيم‪ ،‬يف حالة كان يرى أن األول اعتقاد أساسي على حنو صحيح خبالف‬
‫الثاين‪ ،‬وال ينبغي أن يوقعه يف قدر كبري من احلرج‪ ،‬إذ هناك العديد من الفروق املرشحة‪ .‬وهذه الفروق جندها‬
‫جبوار الشروط اليت ذكرهتا يف القسم األخري‪ ،‬واليت تربير وتأسس االعتقاد باهلل‪ .‬على سبيل املثال‪ :‬اإلبستمولوجي‬
‫اإلصالحي قد يتفق مع كالفن يف قوله إن اهلل زرع فينا مياًل طبيعيًا لرؤية يده يف العامل من حولنا‪ ،‬وال ميكن أن‬
‫يقال نفس الشيء عن قرع العسل العظيم؛ حيث ال يوجد قرع عظيم‪ ،‬وال هناك ميل طبيعي لقبول اعتقادات عن‬
‫قرع العسل الضخم‪.‬‬
‫نستنتج مما سبق‪ :‬أن كون القضية بدهية للعقل أو للحس أو غري قابلة للتصحيح ليس شرطا ضروريًا للقضية ألن‬
‫تكون أساسية على حنو صحيح‪ .‬زد على ذلك أن الشخص الذي يرى أن االعتقاد باهلل اعتقاد أساسي على حنو‬
‫ملزم ا بفكرة أن االعتقاد باهلل ال أساس له أو غري مربر أو خال من الظروف التربيرية‪ ،‬وحىت إن كان‬
‫صحيح ليس ً‬
‫ملزما أن يفرتض أن أي اعتقاد‪ ،‬أو تقريبًا أي اعتقاد‪،‬‬
‫يفتقر إىل معيار عام ملا هو أساسي على حنو صحيح فإنه ليس ً‬
‫– كاالعتقاد بالقرع العظيم مثال‪ -‬هو اعتقاد اساسي على حنو صحيح‪ .‬فهو يبدأ بأمثلة كما ينبغي ألي أحد أن‬
‫يبدأ‪ ،‬وقد يأخذ االعتقاد بالقرع العظيم كمثال لالعتقاد األساسي غري العقالين‪.‬‬
References
[ l ] Blanshard, Brand, Reason and Belief (London: Allen & Unwin,
1974).
[2] Clifford, W. K., "The Ethics of Belief' in Lectures and Essays (London:
Macmillan,
1879).
[3] Flew, A. G. N., The Presumption of Atheism (London: Pemberton
Publishing Co.,
1976).
[4] Plantinga, A,, "Is Belief in God Rational?" in Rationality and
Religzous Belief, ed. C.
Delaney (Notre Dame: University of Notre Dame Press, 1979).
[5] , "The Reformed Objection to Natural Theology," Proceedings ofthe
American
Catholic Philosophical Association, 1980.
[6] Russell, Bertrand, "Why I am not a Christian," in Why I am Not a
Christian (New
York: Simon & Schuster, 1957).
[7] Scrivin, Michael, Primary Philosophy (New York: McGraw-Hill,
1966).

You might also like