You are on page 1of 2

‫‪²‬ذة‪ :‬سناء حقي‬

‫مجزوءة المعرفة‬

‫مفهوم الحقيقة‬
‫تقديم‬
‫تعني الحقيقة كما هي متداولة على المستوى اللغوي معنى الصواب أو الصدق في مقاب ل الخط أ أو‬
‫الك ذب‪ .‬أم ا عل ى مس توى التفكي ر الفلس في‪ ،‬فه ي كم ا يق دمها الفك ر الفلس في التقلي دي "مطابق ة الفك ر‬
‫لموضوعه" ‪ ،‬ذلك أن الفكر هو مختلف اﻷنشطة الذهنية) تذكر ‪ ،‬تخيل‪ ،‬إدراك‪ (...‬والذي يقوم بدور ه ام‬
‫في حياة اﻹنسان‪ ،‬بحيث يساعده على فهم حقيقة ذاته وحقيقة اﻵخرين وحقيقة العالم الذي يعيش فيه ‪ .‬م ن‬
‫خﻼل ما سبق تتحدد اﻹشكالية الفلسفية لمفهوم الحقيقة والتي يمكن صياغتها في التساؤﻻت التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬م اهي طبيع ة العﻼق ة القائم ة ب ين الحقيق ة وال رأي؟ ه ل ه ي عﻼق ة تكام ل أم تع ارض؟‬
‫بمعنى هل يمكن اﻻعتماد عل ى اﻵراء المش تركة ف ي تأس يس الحقيق ة أم أن ذل ك يقتض ي‬
‫نفيها وإبطالها ؟ وهل الحقيقة معطى جاهز أم أن بلوغها يتطلب بناء وعمﻼ متواصﻼ ؟‬
‫‪ .2‬كيف تتأسس الحقيقة؟ وما هو معيار صدقها ؟ هل هو مطابقتها للواق ع أم للعق ل أم للفك ر‬
‫أم لذاتها؟ وهل استناد الحقيقة إل ى معي ار ثاب ت يعن ي بالض رورة أنه ا ثابت ة؟ وه ل تت أثر‬
‫الحقيقة بتغير وتعديل معاييرها ام أنها تبقى محتفظة بطبيعتها اﻷولى؟‬
‫‪ .3‬هل الحقيقة غاية أم وسيلة؟ وأين تكمن قيمة الحقيقة؟ هل في تقويض اﻷخطاء واﻷكاذيب‬
‫أم في تبريرها والتأكيد عليها؟ وهل هناك حقيقة بريئة أم أن جميع الحقائق تنط وي عل ى‬
‫حموﻻت إيديولوجية وسلطوية خفية؟‬

‫المحور اﻷول ‪ :‬الرأي والحقيقة‬


‫يطلق مصطلح الرأي على مجم وع المع ارف المتداول ة والمش تركة ب ين غالبي ة الن اس والت ي يس لم‬
‫الجميع بصوابها‪ ،‬وهكذا يقوم صدق الرأي على مدى شيوعه وليس ﻷنه ينبني على أسس وضوابط دقيقة‪.‬‬
‫فما هي طبيعة العﻼقة القائمة بين الحقيقة والرأي؟ ه ل ه ي عﻼق ة تكام ل ام تع ارض؟ بمعن ى ه ل يمك ن‬
‫اﻻعتماد على اﻵراء المشتركة في تأسيس الحقيقة أم أن ذلك يقتضي نفيها وإبطالها ؟ وهل الحقيقة معطى‬
‫جاهز أم أن بلوغها يتطلب بناء وعمﻼ متواصﻼ ؟‬
‫يمي ز غاس تون باش ﻼر ب ين الحقيق ة العلمي ة وال رأي‪ ،‬ويق ر بتعارض هما إذ يعتب ر ه ذا اﻷخي ر عائق ا‬
‫إبستمولوجيا يحول دون الوصول إلى المعرف ة العلمي ة الص حيحة‪...‬هكذا اعتب ر باش ﻼر ب أن ال رأي دائم ا‬
‫على خطأ مادام أنه غير قابل للتبرير النظري العلمي ومادام أنه مرتبط بالحاجات والمنافع المباشرة كونه‬
‫يعتمد على التلقائية والعفوية في معالجته لﻸمور‪ ،‬وهذا ما جعل باشﻼر يتح دث ع ن قطيع ة إبس تمولوجية‬
‫بين الرأي والحقيقة العلمية‪ ،‬إذ تبنى معارف الفكر العلم ي بن اء نظري ا وعقلي ا كم ا تخض ع لمن اهج عقلي ة‬
‫ووسائل علمية تمنحها طبيعة خاصة تجعلها تختلف بشكل جذري عن اﻵراء العامية السائدة في المجتمع‪.‬‬

‫في هذا السياق يرى باشﻼر أن الفكر العلمي ﻻ يتناول س وى القض ايا الت ي ي تم البرهن ة عليه ا كم ا أن ه ﻻ‬
‫يطرح سوى اﻷسئلة التي يمكنه اﻹجاب ة عنه ا‪ ،‬وه ذا م ا يجع ل الحقيق ة العلمي ة مبني ة عل ى ق وانين العق ل‬
‫العلم ي‪ ،‬له ذا وج ب تخط ي ال رأي والعم ل عل ى هدم ه حت ى ﻻ يش كل عائق ا أم ام بل وغ المعرف ة العلمي ة‬
‫الصحيحة‪ .‬يقول باشﻼر " إن الرأي من الناحية النظرية دائما على خطأ‪ ،‬والرأي تفكير س يء‪ ،‬ب ل إن ه ﻻ‬
‫يفكر البتة‪ ،‬فهو يترجم الحاجات إلى معارف)‪ ،(...‬ﻻ يمكن تأسيس أي شيء على الرأي ب ل ينبغ ي هدم ه‬
‫ﻷنه أول عائق يلزمنا تخطيه‪"..‬‬

‫وفي نفس السياق يؤكد الفيلسوف العربي الف ارابي أن الحقيق ة تتج اوز ال رأي وتش كل قطيع ة مع ه‪ ،‬حي ث‬
‫ي رى أن ه ب الرغم م ن أس بقية المعرف ة المش تركة ) ب ادئ ال رأي ( ف ي الزم ان عل ى المعرف ة العلمي ة أو‬
‫المعرف ة البرهاني ة‪ ،‬ف إن بل وغ الحقيق ة يتطل ب ال تخلص م ن س ائر المع ارف المتداول ة والش ائعة نظ را‬
‫ﻻرتكازها على الجدل والخطابة والشعر‪ ،‬وهي كلها أسس تستلهم قوتها من المعرفة البرهانية الدقيقة‪.‬‬

‫يعتب ر ه ذا ال رأي امت دادا ل ذلك التقس يم ال ذي أقام ه أفﻼط ون وأرس طو ب ين المع ارف‪ ،‬حي ث عم ﻼ عل ى‬
‫تصنيفها اعتماد على منهجها ودرجة دقتها‪ ،‬وقد أجمعا أن المعرفة البرهاني ة ت أتي ف ي القم ة لت أتي بع دها‬
‫المع ارف اﻷخ رى‪ :‬المعرف ة الجدلي ة والخطابي ة والش عرية والسوفس طائية‪...‬ويعود ذل ك أن البره ان ه و‬
‫الطريق الوحيد الذي يكفل للباحث اﻻنتقال من مقدمات أولية عام ة والت درج فيه ا م ن أج ل الوص ول إل ى‬
‫نتائج يقينية‪.‬‬

‫وفي سياق آخر وعلى النقيض م ن ك ل م ن غاس تون باش ﻼر والف ارابي‪ ،‬يؤك د ليبنت ز أن تك ون المعرف ة‬
‫والحقيقة ﻻ يمكن أن يتما في معزل عن الرأي ‪ ،‬حيث ﻻ ينبغي أن ننظر إل ى ه ذا اﻷخي ر دائم ا باعتب اره‬
‫صوابا أو حقيقة وإنم ا احتم اﻻ ﻻ غي ر ‪ ،‬وإذا م ا حص ل أن س لمنا بع دم ص حة ك ل اﻵراء فإن ه ل ن يك ون‬
‫بإمكاننا اﻻهتداء إلى أية معرفة تاريخية‪ ،‬مادام أن اﻷصل فيها‪ ،‬في الغالب ‪،‬هو الرأي‪.‬‬

‫ﻻ يرفع ﻻيبنتز عن الرأي مظاهر التشويش وسوء التنظيم وعدم الدق ة‪ ،‬لكن ه م ع ذل ك ينظ ر إلي ه كإس هام‬
‫من لدن أصحابه م ن أج ل بن اء المعرف ة‪ ،‬ل ذا يج ب عل ى المفك رين أن يغي روا نظ رتهم إلي ه‪ ،‬إذ ﻻ ينبغ ي‬
‫عليهم رفضه منذ البدء على اعتبار أنه من الممك ن أن يك ون أرض ية ﻷبح اثهم كم ا م ن ش أنه أن يط رح‬
‫أكثر من تساؤل بخصوص العديد من اﻷفكار العلمية التي كانت ف ي البداي ة عب ارة ع ن آراء ولم ا ﻻ ع ن‬
‫تخيﻼت وأحﻼم‪ .‬يقول ليبنتز " إن ال رأي الق ائم عل ى اﻻحتم ال ق د يس تحق اس م المعرف ة وإﻻ س وف ي تم‬
‫إسقاط كل معرفة تاريخية وغيرها من المعارف‪ .‬وبدون الدخول في نزاعات لفظية‪ ،‬فأنا أعتقد أن البح ث‬
‫في درجات اﻻحتمال سيكون أكثر أهمية لنا‪ ،‬وهو ما نفتقر إليه‪ ،‬وإذ يعتبر بمثابة النقص الذي تش كو من ه‬
‫علوم المنطق لدينا "‪.‬‬

‫تركيب‬

You might also like