You are on page 1of 6

‫تعريف علم األخالق وصالته بعلوم أخرى‬

‫إن أول ما ينبغي البدء به في دراسة علم من العلوم هو التعريف به‬


‫وبموضوعه‪ ،‬فإذا حاولنا تعريف علم األخالق‪ ،‬فإنه من المسلم به أن‬
‫السجية والطب " ‪:‬نقدم المعنى اللغوي ألن الخلق في اللغة هو‬
‫وحدها "خلق" ‪ ،‬ولكن المسألة ليست بهذه البساطة ألن كلمة"والعادة‬
‫تحتمل معنيين الخلق الحسن والخلق القبيح‪ ،‬ولذا فإننا ننتقل من‬
‫‪.‬تعريف الخلق لغويًا إلى تعريف علم األخالق وموضوع دراسته‬

‫ويمكن تعريف علم األخالق من حيث البحث عن المبادئ وترتيبها‬


‫واستنباطها والكشف عن أهميتها للحياة األخالقية‪ ،‬مع بيان الواجبات‬
‫‪[1].‬التي يلتزم بها اإلنسان‬

‫ومن التعريفات لهذا العلم ما يتجه به نحو سلوك اإلنسان بالنظر إلى‬
‫مثل أعلى حتى يمكن وضع قواعد عامة للسلوك واألفعال تعين على‬
‫‪"[2].‬فعل الخير واالبتعاد عن الشر"‬

‫ويعتبر علم األخالق ‪ -‬أو الفلسفة الخلقية ‪ -‬عادة من العلوم المعيارية ‪-‬‬
‫أي ال تقتصر على دراسة ما هو كائن‪ ،‬أو األوضاع الراهنة ولكن بما‬
‫وضع الشروط التي يجب " ينبغي أن تكون عليه ولذا فإن مهمته هي‬
‫توافرها في اإلرادة اإلنسانية وفي األفعال اإلنسانية لكي تصبح موضو ًعا‬
‫‪"[3].‬ألحكامنا األخالقية عليها‬

‫ومن هذا التعريف نرى أننا في حاجة إلى إيضاح كثير من الموضوعات‬
‫‪.‬في المجال األخالقي‬

‫إن أول مسألة تواجهنا في دراسة األخالق هي معرفة الفرق بين‬


‫اإلرادة الخلقية واإلرادة الطبيعية‪ ،‬فإن أفعال اإلنسان وسلوكه منها ما‬
‫هو صادر عن دوافع طبيعية غريزية بحتة شأنه فيها شأن الحيوان‪ ،‬ومنها‬
‫إن الحياة اإلنسانية الصحيحة ال " ما يخضع للقوانين والمبادئ والقواعد‬
‫‪"[4].‬تبدأ إال من حيث تنتهي الحياة الحيوانية الصرفة‬

‫‪.‬كما يواجهنا أي ً‬
‫ضا النظر في القيم أو المبادئ الخلقية أو المثل العليا‬
‫نحن في دراستنا لألخالق نقف وج ًها لوجه أمام أي على وجه اإلجمال‪،‬‬
‫اإلنسان الذي يخوض تجربة الحياة االبتدائية بكل ما فيها من خير وشر‪،‬‬
‫‪.‬ونحاول أن نتعرف على مدى قدرته على اجتياز هذا الطريق أو ذاك‬

‫وهنا نجد قدرًا كبيرًا من االتفاق على أن المبادئ الخلقية والمثل العليا‬
‫قد حازت في تاريخ اإلنسانية الطويل على قدر ثابت من التأييد‪ .‬فقد‬
‫غرس هللا تعالى فينا بصائر أخالقية فطرية‪ ،‬إذ مهما بلغت درجة‬
‫االنحراف والفساد اللذين قد نسقط فيهما وفيما عدا حاالت استثنائية‬
‫خاصة بضالل الضمير‪ ،‬فإننا نعترف ونحب ونقدر الفضيلة في ذاتها وفي‬
‫‪[5].‬غيرها حتى إن أعوزتنا الشجاعة لالرتفاع إلى مستواها‬

‫والذي ظهر من دراسة علماء النفس في بحوثهم في سيكولوجية‬


‫الشعوب أن األحكام التقديرية التي يطالب بها الدين‪ .‬كما ظهرت في‬
‫‪[6].‬العرف والتقاليد االجتماعية‬

‫كذلك كشفت الدراسات األنثروبولوجية الحديثة أن تاريخ الحضارة‬


‫‪ ،‬وحتى ]‪[7‬البشرية مليء بالشرائع األخالقية وأنها تتقارب تقاربًا شدي ًدا‬
‫إذا افترضنا وجود اختالفات بينها فإنه ليس هناك ما يمنع ظهور أخالقية‬
‫‪ ،‬وهذا يعني أن األساس األخالقي في البشرية فطري‪ ،‬وأن ]‪[8‬مطلقة‬
‫للقيم وجودها الذاتي حيث تفرض نفسها على الوجدان البشري‬
‫أما عجز بعض األشخاص عن إدراك القيم أو " بطريقة أولية حدسية‬
‫التمييز بينها إنما هو "العمى الخلقي" الذي قد يرجع إلى انعدام النضج‬
‫‪"[9].‬أو نقص التربية لديهم‬

‫وإذا عدنا إلى استعراض التعريف الذي بدأنا به كالمنا‪ ،‬فإننا نجد أنفسنا‬
‫‪:‬في حاجة إلى بيان اآلتي‬
‫ما وضعيًا ‪1-‬‬
‫‪.‬صفة علم األخالق كعلم معياري وليس عل ً‬
‫‪.‬التعريف بالقيم أو المبادئ األخالقية ‪2-‬‬
‫‪.‬اإللزام الخلقي ‪3-‬‬

‫‪:‬علم األخالق علم معياري )‪(1‬‬


‫اتضح لنا من التعريفات اآلنفة لعلم األخالق أن النظرة التقليدية له تعده‬
‫ما معياريًا أي يدرس ما ينبغي أن يكون عليه السلوك اإلنساني فيضع‬ ‫عل ً‬
‫بذلك قوانين األفعال اإلنسانية ومثلها أو المبادئ العليا لها‪ ،‬وكان هذا‬
‫هو االتجاه التقليدي "المعتمد بين جمهرة األخالقيين فهم هذا العلم‬
‫وتحديد منهجه‪ .‬ولكن مدرسة من علماء االجتماع في فرنسا قد اتجهت‬
‫ها اجتماعيًا‬‫باألخالق في نهاية القرن الغابر ومطلع القرن الراهن اتجا ً‬
‫جا‬ ‫ً‬
‫موضوعا ومنه ً‬ ‫‪[10].‬صورت فيه علم األخالق فر ًعا من علم االجتماع‬

‫ما وضعيًا‬
‫وقد ذهب أتباع هذه المدرسة إلى اعتبار علم األخالق عل ً‬
‫‪[11].‬فهدموا بذلك التصور التقليدي له‬

‫لقد فصل ليفي بريل وأستاذه دروكايم علم االجتماع عن الفلسفة‪،‬‬


‫إشارة إلى أن األخالق هي دراسة "علم العادات" وأطلقا عليه اسم‬
‫‪.‬موضوعية تجريبية لقوانين العادات الخلقية عند اإلنسان‬

‫ولكن علم األخالق ‪ -‬حتى كعلم عادات ‪ -‬ال يمكن أن يتجرد عن المبادئ‬
‫‪.‬والقيم المعنوية التي ال تخضع للتجربة‬

‫إطالقا هذه المبادئ التي هي في‬ ‫ً‬ ‫إن الطردتى التجربيية لم تحل لنا‬
‫جوهرها معنوية‪ ،‬فإن التجربة لم تخبرنا عن حقيقة الخير أوالشر أو‬
‫‪.‬السعادة أو الكرم أو الشجاعة‪ ..‬إلخ‬

‫ومن الثابت تاريخ ًيا أن من المحاوالت التي عرضت المبادئ الخلقية‬


‫لالهتزاز كانت بواسطة السوفسطائيين القدماء في بالد اليونان حيث‬
‫ً‬
‫مقياسا لألشياء‬ ‫إنهم في نظريتهم في المعرفة قد اتخذوا من الفرد‬
‫فأصبحت الحقائق وليدة اإلحساسات واالنطباعات الذاتية الفردية‬
‫فشككوا في وجود الحقيقة الموضوعية الثابتة‪ .‬كما امتدت نظريتهم‬
‫االبستمولوجية أي في المعرفة إلى مجال األخالق "فكان الفرد مقياس‬
‫‪"[12].‬الخير والشر‬

‫ضا قبول نظريتهم في المعرفة‬ ‫ووقف في وجههم سقراط بشدة راف ً‬


‫والنتائج األخالقية لمذهبهم‪ ،‬ورد الحقائق إلى العقل‪ ،‬وأقر بوجود قيم‬
‫ال تختلف باختالف الزمان والمكان‪ ،‬وال تتغير بتغير " موضوعية مطلقة‬
‫‪"[13].‬الظروف واألحوال‬

‫وتتفق النظرية السقراطية مع ما ذهب إليه الفالسفة التقليديون حيث‬


‫وضعوا األخالق ضمن علومهم المعيارية كما أوضحنا ‪ -‬فأصبح موضوع‬
‫‪ ،‬وبهذا التوضيح يظهر الفرق ]‪[14‬األخالق عندهم هو قيمة الخير‬
‫األساسي بين النظرية الفلسفية التقليدية لألخالق وبين النظرية‬
‫الوضعية أو الوصفية أو التقريرية ‪ -‬التي تبناها بعض علماء االجتماع ‪-‬‬
‫القواعد السلوكية التي " حيث أصبحت األخالق عندهم هي مجرد‬
‫فنزعوا عن ‪"[15].‬تسلم بها فيعة من الناس في حقبة من حقب التاريخ‬
‫‪.‬القيم األخالقية فكرة الثبات والدوام التي عرفناها عند مثل سقراط‬

‫وربما نشأت المشكلة في ميدان البحث األخالقي أن األخالق ترفض‬


‫دافع البحث عن اللذة لذاتها كسلوك أخالقي‪ ،‬ألن الشعور الخلقي يظهر‬
‫أن ابتغاء اللذة البد أن يفضي إلى حالة أليمة من التشتت الروحي‬
‫والضياع النفسي‪ ،‬أي أن مسايرة الطبيعة من حيث نشدان اللذة‬
‫وتجنب األلم ال تحقق لدى اإلنسان مكارم األخالق التي يستمدها من‬
‫‪.‬معرفته للقيم والمبادئ األخالقية والمثل العليا‬

‫وفي نظرة إفيلية عامة آلراء فالسفة األخالق رأينا سقراط قد خلع على‬
‫األخالق طاب ًعا عقليًا ألنه عد الفضيلة علم والرذيلة جهل‪ ،‬وكذلك اتجه‬
‫كانط في العصر الحديث إلى اعتبار األوامر المطلقة في األخالق بمنزلة‬
‫‪.‬البديهيات في الرياضة إلي الطبيعة‬

‫ومن واقع هذه النظريات وغيرها التي تضع األخالق في صورة مبادئ‬
‫وقوانين أخالقية بصورة معيارية تعمل على تحديد القواعد كالحال في‬
‫المنطق‪ ،‬فإن األخالق في هذه الحالة تصبح تشري ًعا وتضطلع بمهمة‬
‫‪[16].‬التكليف واإللزام ال بمهمة العلم أو المعرفة‬

‫‪:‬التعريف بالقيم )‪(2‬‬


‫وفي تحريفنا للمبادئ نستطع أن نقول أنا سواء كانت خاصة بالعلوم أم‬
‫باألخالق فهي القضايا األولية "التي تعد نقطة بدء ضرورية لكل بحث‬
‫كمبادئ علم الهندسة‪ ،‬وكمبدأ الحتمية العام في علم الطبيعة‪ ،‬وكمبدأ‬
‫‪[17].‬الواجب المطلق في األخالق‬

‫وكان من الشعارات التي تمسك بها كثير من فالسفة األخالق في‬


‫القرون الوسطى بأوروبا هو أنه من الضروري أال توضع المبادئ موضع‬
‫‪.‬الشك أو المناقشة‬

‫ً‬
‫مثال يذهب إلى أن هذه المبادئ حقائق أبدية‬ ‫وكان القديس أوغسطين‬
‫‪[18].‬ترتبط بالوجود اإللهي‬

‫ولكن في العصر الحديث أصاب المبادئ األخالقية ما أصاب باقي‬


‫ً‬
‫هدفا للهجوم‪،‬‬ ‫المبادئ للعلوم األخرى‪ ،‬وأصبحت المكانة التي تتمتع بها‬
‫التي تقررها فلسفة العلوم بما يتعلق " وذلك نتيجة للمالحظات‬
‫بالتحوالت الحديثة في العلوم الرياضية والطبيعية وفي العلوم األخالقية‬
‫‪"[19].‬والسياسية أي ً‬
‫ضا‬

‫ومن الخطورة بمكان إنزال القيم أو المبادئ األخالقية من محط نصها‬


‫واستهدافها لتأثير النظريات النسبية التي سادت في القرن التاسع‬
‫عشر‪ ،‬حيث امتدت فكرة الحقائق النسبية إلى ميدان األخالق وغلت‬
‫في القول ونسبيتها‪ ،‬وسوت بين العادات األخالقية المتغيرة في كل‬
‫‪[20].‬قطر وفي كل أمة وفي كل عصر‪ ،‬وبين القاعدة األخالقية الثابتة‬

‫نخلص من كل ذلك إلى أن كلمة القيم أو المبادئ تشير إلى معاني‬


‫الضرورة والكلية والثبات واإلطالق‪ ،‬ولهذا فإننا نحذر من النظر إلى‬
‫المبادئ األخالقية بمفهوم العصر الحاضر في الغرب المتسم بطابع‬
‫النسبية والمرونة‪ ،‬ألننا إذا أخضعنا القيم األخالقية إلى قوانين التغير‬
‫وبالتالي فإنه لن ( والنسبية فلن نلبث أن نصيب الحقيقة في الصميم‬
‫‪)[21].‬يلبث أن يؤدي إلى بلبلة الرأي العام األخالقي‬

‫ولتفادي الوقوع في هذا المأزق‪ ،‬ينبغي تحرير الفعل األخالقي من‬


‫ً‬
‫أخالقا على الحقيقة إال إذا تخلص‬ ‫التقيد بالزمان أو المكان‪ ،‬ألن ال يكون‬
‫من الرغبة أو الهوى‪ ،‬وانفصل عن الرغبة في تحقيق منفعة أو‬
‫‪.‬أي التزم بقانون يخالفه منافعه ورغباته ]‪[22‬رغبة‬

‫‪:‬اإللزام األخالقي )‪(3‬‬


‫واإللزام في القانون األخالقي ينبع من ذاته‪ ،‬أو بعبارة أخرى فإن‬
‫‪.‬األساس في االلتزام صادر عن اإلنسان نفسه بمحض إرادته‬

‫يجب على اإلنسان أن يفرض على نفسه قاعدة داخلية " يقول كاريل‬
‫حتى يستطيع أن يحتفظ بتوازنه العقلي والعضوي‪ .‬إن أي دولة قادرة‬
‫على فرض القانون على الشعب بالقوة‪ ،‬ولكن ال تستطيع أن تفرض‬
‫‪"[23].‬عليه األخالق‬

‫ولكن اإللزام األخالقي يختلفن عن الحتمية في القانون الوضعي‪ ،‬فهذا‬


‫اإللزام ينطوي على المسئولية األخالقية ألن األفعال تصدر عنه ككائنات‬
‫وينبغي أن يدرك ‪[24].‬أخالقية تملك الحرية وهي وثيقة الصلة باألخالق‬
‫كل فرد ضرورة فعل الخير وتجنب فعل الشر وأن يرغم نفسه على اتباع‬
‫هذا المنهاج ببذل جهد إرادي‪ ،‬فاإللزام هو المحور الذي تدور حوله‬
‫المشكلة األخالقية؛ ألن زوال فكرة اإللزام تقضي على الحكمة العقلية‬
‫والعملية التي ينبغي تحقيقها‪ ،‬فإذا انعدم اإللزام انعدمت المسئولية‬
‫‪[25].‬وضاع األمل في إقامة العدل وعمت الفوضى وساد االضطراب‬

‫وهكذا فإننا نجد أنفسنا أمام عالقات واضحة محددة تتناول المبادئ‬
‫األخالقية في إطالقها وثباتها وعموميتها كهدف أسمى يسعى اإلنسان‬
‫لتحقيقه‪ .‬ودعائم اإللزام التي تشكل عنصر الضرورة للفعل األخالقي‪،‬‬
‫مع توافر حرية اإلرادة لتأكيد المسئولية حتى يصبح للثواب والعقاب‬
‫‪.‬معنى‬

‫ولكننا سرعان ما نصطدم بالمشكلة األخالقية‪ ،‬وهي مزدوجة تتمثل‬


‫‪ ،‬وتتضح أبعاد هذه المشكلة ]‪[26‬في معرفة الخير ثم في طريقة فعله‬
‫في اإللحاح المستمر الذي يواجه اإلنسان في نشاطه الدائم لالختيار‬
‫بين هذا الفعل أو ذاك‪ ،‬واضطراره ألن يفرض على نفسه قاعدة معينة‬
‫للسلوك فيختار األحسن من بين أوجه التصرف العديدة وأن يتخلص من‬
‫‪[27].‬أنانيته وحقده‬

‫وما دمنا نعتبر اإلنسان هو محور دراستنا‪ ،‬فإنه مما ال شك فيه "أن‬
‫النظر في سلوك اإلنسان ينتقل بنا إلى مشاكل جديدة تدخل في‬
‫نطاق دراستنا من حيث التزامه الخلقي ومسئوليته عن أفعاله التي‬
‫‪[28].‬ترتكز على ركنين أساسيين هما‪ :‬العقل وحرية االختيار‬

‫‪: http://www.alukah.net/culture/0/44683/#ixzz5EZw0yMMk‬رابط الموضوع‬

You might also like