‫المحاضرة الثانية‪ :‬الوقائع االقتصادية في العصور القديمة‬

‫تمهيد ‪:‬‬
‫عرفت البشرية سلسلة من العالقات االجتماعية التي تكونت بهدف العمل الجماعي وتلبية‬
‫االحتياجات الضرورية لإلنسان‪ .‬وتطورت هذه العالقات عبر التاريخ‪.‬و قد عرفت‬
‫العصور القديمة نظامين أساسيين هما‪:‬النظام البدائي والنظام العبودي‪.‬‬
‫أوال ‪:‬النظام البدائي (المشاعي)‪ :‬إن أول نظام عرفه اإلنسان هو نظام المشاعية أثناء‬
‫محاولته التكيف مع محيطه الطبيعي حيث كان يعيش في مجموعات صغيرة تشترك في‬
‫توفير مستلزمات الحياة‪.‬‬
‫‪ - 1‬خصائص النظام البدائي ‪:‬‬
‫هناك خمس خصائص تميز بها النظام البدائي تتمثل في‪:‬‬
‫‪ -1-1‬على مستوى القوى المنتجة‬
‫عرفت عملية اإلنتاج بتدني وانخفاض مستوى قوى اإلنتاج وكذلك أدوات العمل‬
‫وباستخدام العقل البشري ثم التوصل إلى مجموعة من االكتشافات‪ :‬النار‪ ،‬القوس‪ ،‬بذر‬
‫الحبوب‪.‬‬
‫‪ -2-1‬عالقة اإلنتاج في المجتمع البدائي‬
‫تنحصر عال قات اإلنتاج في القانون االقتصادي األساسي لنظام إنتاج المشاعية البدائية‬
‫وهو (ضمان وسائل المعيشة الضرورية لإلنسان باالعتماد على أدوات إنتاج بدائية وعلى‬
‫أساس مشاعية تملك وسائل اإلنتاج والعمل الجماعي وطريقة التوزيع المتساوي‬
‫للمنتوجات‪ ،‬من هذا القانون يمكن استنتاج أن عالقات اإلنتاج في المجتمع البدائي تتسم‬
‫بثالث خصائص ‪:‬‬
‫العمل الجماعي‪.‬‬
‫الملكية الجماعية لوسائل اإلنتاج‪.‬‬
‫التوزيع المتساوي للمنتجات‪.‬‬
‫‪ -3-1‬التنظيم االجتماعي‬
‫كانت العشيرة تمثل الوحدة االقتصادية واالجتماعية والسياسية التي يقوم عليها المجتمع‬
‫البدائي‪.‬‬
‫‪ -4-1‬تطور التقسيم االجتماعي للعمل‬
‫ارتبط التقسيم االجتماعي للعمل مع ظهور كل من الزراعة أي زراعة األرض وتربية‬
‫المواشي حيث ظهر التخصص في العمل (تقسيم العمل) على أساس المشاعيات‪ ،‬وكان‬
‫أول تقسيم اجتماعي كبير للعمل هو تقسيم العمل على أساس المشاعيات (هو من تأليف‬
‫قبائل الرعاة وقبائل الزراعة) وهو مازاد في إنتاجية العمل إلى حد كبير‪.‬‬
‫‪ -5-1‬ظهور التملك الخاص والطبقات‬
‫‪2‬‬
‫أصبح العمل أكثر إنتاجية وهو األمر الذي لم يعد يستدعي العمل بطريقة جماعية على‬
‫مستوى العشيرة‪ ،‬فهذا االرتفاع في اإلنتاجية سمح باإلنتاج في الزراعة والرعي والحرف‬
‫على نطاق اجتماعي أضيق من العشيرة‪ ،‬وهو األسرة التي أصبحت الوحدة االقتصادية‬
‫واالجتماعية الجديدة في المجتمع‪ ،‬وبهذا فتح المجال للعمل الخاص على نطاق األسرة‬
‫وهو الذي أدى إلى ظهور الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج‪.‬والتحول إلى النظام االقتصادي‬
‫العبودي‪.‬‬
‫‪ -2‬انحالل نظام المشاعية البدائية ‪:‬‬
‫يمكن إدراج أسباب انحالل نظام المشاعية البدائية فيما يلي ‪:‬‬
‫أ‪ -‬تطور مستوى اإلنتاج وظهور المنتوج الفائض‪ ،‬وذلك بسبب تطور قوى اإلنتاج‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫ب‪ -‬التحول من العمل الجماعي المشترك إلى العمل الفردي‪ ،‬بسبب تخصص أدوات‬
‫العمل‪.‬‬
‫ج‪ -‬نهاية ال توزيع المتساوي لمنتوجات العمل بين أفراد الجماعة وظهور حب التملك مما‬
‫أدى إلى ظهور التفاوت االقتصادي‪.‬‬
‫د‪ -‬أزمة عالقات اإلنتاج‪ ،‬فقد أصبح في مقدور أصحاب األمالك أن يرغموا المحرومين‬
‫منها على العمل لحسابهم ليستولوا بذلك على فائض إنتاج عملهم وكان أولى ضحايا‬
‫االست غالل أسرى الحروب حيث تحولوا تدريجيا إلى عبيد وهذا ما ساعد في ظهور النظام‬
‫العبودي‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬النظام العبودي ‪:‬‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫بدأ نظام الرق في التشكل عقب انهيار النظام المشاعي حوالي ‪ 3‬أالف إلى ‪ 4‬آالف سنة‬
‫قبل الميالد واستمر إلى غاية القرنين الثالث والرابع ميالدي في شمال إفريقيا وآسيا‬
‫وازدهر في اليونان وروما إلى غاية القرن الخامس ميالدي‪.‬‬
‫أنواع العبودية ‪:‬‬
‫لقد ظهر النظام العبودي في صورتين ‪:‬‬
‫عبودية شرقية ‪ :‬كان العبيد يتشكلون فيها من األشخاص الذين يخوضون الحروب‪.‬‬
‫عبودية غربية ‪ :‬عرفت بتطور الملكية الخاصة التي شملت العبيد ووسائل اإلنتاج‬
‫األخرى بما فيها األرض‪.‬‬
‫‪ -1‬خصائص النظام العبودي‪:‬‬
‫‪ -1-1‬البنية الطبقية للمجتمع العبودي ‪ :‬في نظام الرق انقسم المجتمع البشري ألول مرة‬
‫إلى طبقات وهي ‪ :‬طبقة العبيد‪ ،‬طبقة المنتجين‪ ،‬طبقة األسياد‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -2-1‬الدولة في المجتمع العبودي ‪ :‬كانت وظائف الدولة في النظام العبودي تتمثل فيما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ -‬حماية السادة وقمع المشاغبين‪.‬‬
‫‪ -‬توسيع أراضي الدولة عن طريق شن الحروب لالستيالء على العبيد وظهور جيش‬
‫محترف مهمته الدفاع عن مصالح الطبقة السائدة‪.‬‬
‫‪ -3-1‬تطور اإلنتاج والقوى المنتجة ‪ :‬يتم بواسطة االستعانة بعدد كبير من المراقبين‬
‫لضبط عمل العبيد‪ ،‬لقد كانت هذه الطريقة مساعدة على تطوير قوى اإلنتاج في مجال‬
‫اإلنتاج الحرفي والصناعي واستخراج المعادن والغزل والنسيج‪.‬‬
‫‪ -4-1‬عالقات اإلنتاج ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الملكية ‪ :‬تميزت عالقات اإلنتاج في المجتمع العبودي بامتالك السادة لوسائل اإلنتاج‬
‫إضافة إلى المنتجين (أي تملك وسائل اإلنتاج والعبيد معا)‪.‬‬
‫ب ‪ -‬العمل ‪ :‬كانت السمة الغالية للعمل في هذه المرحلة هي العمل الجماعي والتعاون بين‬
‫العبيد ولكن في إطار االكراه االقتصادي لصالح السادة الذين يمتلكون أدوات العمل بما‬
‫فيها العبيد ‪.‬إلى جانب عمل العبيد في جميع المجاالت (الزراعة‪ ،‬الرعي‪ ،‬العمل‬
‫الحرفي‪.)...‬‬
‫كان هناك بعض المنتجين من األحرار الذين كانوا ينتجون بصفة فردية حيث تميزوا‬
‫بحرية امتالك وسائل اإلنتاج والعمل‪ ،‬وكانوا في الغالب متخصصين في بعض األعمال‬
‫الحرفية مقابل دفع ضرائب للدولة‪ ،‬ويمكن تقسيم اإلنتاج إلى قسمين المنتوج الضروري‬
‫والمنتوج الفائض‪.‬‬
‫ج ‪ -‬العالقات النقدية والتبادل البضاعي مقابل سلعة ‪:‬‬
‫التبادل ‪ :‬شهد التبادل تطور من سلعة إلى سلعة إلى غاية سلعة نقود‪.‬‬
‫ظهور رأس المال التجاري‪.‬‬
‫ظهور رأس المال الربوي‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬التنظيم الحضاري عند اليونان والرومان ‪:‬‬
‫‪ -1‬المجتمع اليوناني ‪ :‬ركز المجتمع اليوناني على األنشطة االقتصادية الثالثة ‪ :‬زراعة‪،‬‬
‫صناعة‪ ،‬تجارة‪.‬‬
‫أ ‪ -‬التنظيم االجتماعي ‪ :‬كان المجتمع اليوناني يتكون من الطبقات التالية ‪:‬‬
‫الطبقة ‪ : 1‬طبقة االرستقراطيين‪.‬‬
‫الطبقة‪ :2‬الطبقة المتوسطة (صغار المالك والحرفيين)‪.‬‬
‫الطبقة‪ : 3‬طبقة األجانب‪.‬‬
‫الطبقة‪ :4‬طبقة العبيد‪.‬‬

‫‪4‬‬
 ‫ب ‪ -‬التنظيم االقتصادي ‪:‬‬
‫الزراعة ‪ :‬شغلت الزراعة مساحة قدرها ‪ %20‬من إقليم الدولة وظهرت الوحدات‬
‫اإلنتاجية (وحدات كبار المالك‪ ،‬وحدات المالكين الصغار)‪.‬‬
‫الصناعة‪ :‬و قد تميز المجتمع اليوناني بصناعة األسلحة واألواني المنزلية‪.‬‬
‫التجارة ( التجارة الخارجية)‪ :‬عرفت هذه التجارة رواجا نسبيا خاصة بعد صنع السفن‬
‫التجارية التي قامت بتعويض عجز القطاع الزراعي في سد احتياجات السكان من المواد‬
‫الغذائية‪ ،‬كما انتشرت النقود ونشطت المبادالت النقدية وعمليات البيع والشراء‪.‬‬
‫‪ -2‬المجتمع الروماني ‪ :‬يعتبر النظام الروماني أوضح مثال عن النظام االقتصادي‬
‫الزراعي القائم على الرق‪ ،‬ففيه الزراعة هي النشاط االقتصادي األساسي‪.‬‬
‫أ ‪ -‬التنظيم االجتماعي الطبقي ‪ :‬كان البنيان الطبقي الروماني يتكون من طبقتين‪ :‬طبقة‬
‫النبالء (األشراف وطبقة الفرسان) والطبقة العامة (طبقة العبيد)‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التنظيم االقتصادي ‪:‬‬
‫الزراعة ‪ :‬بدأت بشكل المزرعة الصغيرة ثم توسعت بعد ذلك‪.‬‬
‫التجارة ‪ :‬انحصر النشاط التجاري في البداية بتبادل منتجات القرية البدائية بمنتجات‬
‫المدينة الحرفية‪ ،‬وأخذ التحول لينتقل تدريجيا من االقتصاد الزراعي إلى االقتصاد‬
‫التجاري‪.‬‬
‫تطور رأس المال النقدي الربوي ‪:‬أدى نمو التجارة و التداول النقدي إلى تطور رأس‬
‫المال النقدي الربوي‪ ،‬وأخذت تنشأ شركة الملتزمين الذين يقدمون القروض ومع مرور‬
‫الزمن انفصل األشخاص الذين كانوا يمارسون مهنة تقديم القروض بفائدة تدريجيا وشكلوا‬
‫طبقة اجتماعية سميت بطبقة الفرسان‪.‬‬
‫رابعا ‪:‬انحالل النظام العبودي ‪:‬‬
‫هناك أسباب عديدة النحالل النظام العبودي ‪ ،‬من أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬التناقض بين قوى اإلنتاج وعالقات اإلنتاج‪.‬‬
‫‪ -‬التناقض بين االستثمارات الصغيرة واإلنتاج العبودي الكبير‪.‬‬
‫‪ -‬التناقض بين الريف والمدينة‪.‬‬
‫‪ -‬الصراع الطبقي وانهيار النظام العبودي‪.‬‬
‫‪ -‬الفتوحات اإلسالمية ونهاية العهد الروماني‪.‬‬

‫‪5‬‬