Professional Documents
Culture Documents
5 C 0792 Ce 5607 D
5 C 0792 Ce 5607 D
بدءا. الرح ٰم ِن َّ ِ
الرحيـمِ} إشارة إلى المودة ً قال أبو القاسم الحكيم{ :بسم هللا َّ ْ
ُحكى عن العباس بن عطاء أنه قال :الباء بره ألرواح األنبياء بإلهام الرسالة والنبوة ،والسين سره مع أهل المعرفة
بإلهام القربة واألنس.
والميم منته على المريدين بدوام نظره إليهم بعين الشفقة والرحمة.
الرِحيـمِ} :بسم هللا هيبته ،وفي الرحمن عونه ،وفي الرحيم مودته ومحبته .وقيل الباء
الر ْح ٰم ِن َّ
وقال الجنيد في {بسم هللا َّ
في {بسم هللا} باهلل ظهرت األنبياء وبه فنيت وبتجليه حسنت المحاسن وباستناره فتحت وسمحت.
ُّ
وصفوا قلوبهم هلل، وحكى عن الجنيد رحمه هللا أنه قال :إن أهل المعرفة نفوا عن قلوبهم كل شئ سوى هللا عز وجل،
وكان أول ما وهب هللا تعالى لهم فناهم عن كل شئ سوى هللا قولوا بسم هللا إلينا فانتسبوا ودعوا انتسابكم إلى آدم عليه
السالم.
وقيل أيضاً :إن {بسم} لبقاء هياكل الخلق ،فلو افتتح كتابه باسمه؛ لذابت تحت حقيقتها الخالئق إال من كان من نبى
أو ولى ،واالسم بنور نعيم الحق على قلوب أهل معرفته.
وقيل في {بسم هللا} :إنه صفاة أهل الحقيقة لئال يتزينوا إال بالحق ،وال يقسموا إال به.
وقيل :إن الباء في {بسم هللا} إلينا وصلهم إلى {بسم هللا}.
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم اإلسكندرانى يقول :سمعت أبا جعفر الملطى يذكر عن على بن
القاسم موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد عليه السالم قال{ :بسم} الباء بقاؤه والسين أسماؤه والميم ملكه،
فإيمان المؤمن ذكره ببقائه وخدمة المريد ذكره بأسمائه ،والعارف عن المملكة بالمالك لها.
وقال الحسين :بسم هللا منك منزلة "كن" منه فإذا أحسنت أن تقول{ :بسم هللا} وأنكرت فيه فضل من هللا أن تقول هللا
وأنتم عند الغفلة والحيرة تحققت األشياء بقولك {بسم هللا} كما يتحقق له كن.
وحكى عن الشبلى أنه قال :ما قال هللا أحد سوى هللا ،فإن كل من قاله قاله بحظ و َّأنى يدرك الحقائق الحظوظ.
ُ
وسئل الحسين بن منصور هل ذكره أحد على الحقيقة فقال :كيف يذكر على الحقيقة من ال أمد لكونه وال علة لفعله ُ
هدك له من األسماء معناها والحروف مجراها إذ الحروف مبدوعة واألنفاس مصنوعة، كدك ،وال لغيبه َّ
ليس له ُّ
والحروف قول القائل تنزغن ذلك من األحوال خلقة ،رجع الوصف في الموصف ،وعمى العقل عن الفهم ،والفهم عن
الدرك ،والدرك عن االستنباط ،ودار الملك في ِ
الملك ،وانتهى المخلوق إلى ُ ُ
وقيل :إن األلف األول من اسمه هللا ابتداؤه ،والالم األول الم المعرفة ،والالم الثاني الم اآلالء والنعماء والسطر الذي
بين الالمين معانى مخاطبات األمر والنهى ،والهاء نهاية مما تكن العبادة عنه من الحقيقة ال غير.
وقيل :إن األلف آالء هللا ،والالم لطف هللا والالم الثانى لقاء هللا والهاء هيبة بآالء هللا َفَولِ َه به المحبون والمشتاقون
حين عجزوا عن علم شئ منه.
وحكى أن أبا الحسين النورى بقى في منزله سبعة أيام لم يأكل ولم ينم ولم يشرب ،ويقول في وَل ِهه ودهشه :هللا هللا،
وهو قائم يدور فأُخبر الجنيد بذلك فقال :انظروا أمحفوظ عليه أوقاته أم ال؟ فقيل :إنه يصلى الفرائض فقال :الحمد هلل
الذى لم يجعل للشيطان عليه سبيالً ثم قال :قوموا حتى نزوره إما نستفيد منه أو نفيده فدخل عليه وهو في ولهه قال:
على فقال له الجنيد :انظر هل قولك هللا هللا أم قولك قولك إن
يا أبا الحسين ما الذي دهاك؟ قال :أقول :هللا هللا زيدوا َّ
كنت القائل هللا فاهلل ولست القائل له وإن كنت تقوله بنفسك فأنت مع نفسك فما معنى الوله فقال :نعم الود فسكنت
ضدا.
وسكن عن ولهه فكان الشبلى يقول :هللا فقيل له لم ال يقول ال إله إال هللا؟ فقال :ال أنفى به ً
وقيل في قوله هللا :األلف إشارة إلى الوحدانية والالم إشارة إلى محو اإلشارة ،والالم الثانى إشارة إلى محو المحو في
كشف الهاء.
وقيل :إن اإلشارة في األلف هو قيام الحق بنفسه وانفصاله عن جميع خلقه وال اتصال له بشئ من خلقه كامتناع
األلف أن يتصل بشئ من الحروف ابتداء بل تتصل الحروف به على حد االحتياج إليه واستغنائه عنها.
وقيل :إنه ليس من أسماء هللا عز وجل اسم يبقى على إسقاط كل حرف منه اسم
هللا إال هللا فإنه هللا ،فإذا أسقطت منه األلف يكون {هللا} فإذا أسقطت إحدى الميه يكون "له" فإذا أسقطت الالمين بقى
"الهاء" وهو غاية اإلشارات.
وأما َوَل ِه الخلق في تولهم فمنهم من َولِ َه سره في عظمة جالله ،ومنهم من َولِ َه قلبه في وجوه معرفته ،ومنهم من َولِ َه
لسانه بدوام ذكره.
وحكى عن ابن الشبلى قال في تجلى الجنيد في ولهه :هللا فقال له الجنيد :يا أبا بكر الغيبة حرام أى أن ذكر الغائب
غائبا فالذكر غيبه وإن كنت تذكره عن مشاهدة فهو ترك الحرمة.
غيبة فإن كنت ً
وقيل :من قال هللا بالحروف ،فإنه لم يقل هللا ألنه خارج عن الحروف والخصوص واألوهام ولكن رضى منك بذلك
ألنه ال سبيل إلى توحيده من حيث ال حال وال قال.
وقيل إن معنى قول هللا :إن األسماء كلها داخل فى هذا االسم وخارج منه ،يخرج من هذا االسم معنى األسماء كلها
وال يخرج هذا االسم من اسم سواه وذلك أن هللا عز وجل يفرد به االسم دون خلقه وشارك خلقه في اشتقاقات أساميه.
وكتب أبو سعيد الخراز إلى بعض إخوانه :هل هو إال هللا ،وهل يقدر أحد أن يقول هللا إال هللا ،وهل يرى هللا إال هللا،
وهل عرف هللا أو يعرفه إال هللا ،وهل كان قبل العبد وقبل الخلق إال هللا ،وهل اآلن فى السماوات وفى األرضين وما
بينهما إال هللا؟ إذ لم تكونوا فكونوا باهلل وهلل.
قال أبو سعيد الخراز :رأيت حكيماً من الحكماء فقلت له :ما غاية هذا األمر قال:
هللا .قلت :فما معنى قولك هللا؟ قال :يقول اللهم دلنى عليك وثبتنى عند وجودك وال
تجعلنى ممن يرضى بجميع ما هو ذلك عوضاً وأقر قرارى عند لقائك.
وقال أبو سعيد :إن هللا عز وجل أول ما دعا عباده دعاهم إلى كلمة واحدة فمن
فهمها فقد فهم ما وراءها وهى قوله {هللا} أال يراه يقول قل هو هللا فتم به الكالم ألهل
وقيل :إن كل أسمائه تتهيئ أن يتخلق به إال قوله هللا فإنما هو للتعلق دون التخلق
وقيل :إن اإلشارة في {هللا} هو اتصال الالمين والهاء وانفصال األلف عنه أى إنما
يقولون :وما كان من صفاتى فإنه متصل به كلله حيث اتصلت حروفه.
أحرف األلف وهى عمود التوحيد والالم األول لوح القلم والالم الثانى لوح النبوة
والهاء النهاية فى اإلشارة ،وهللا هو االسم المتفرد ال يضاف إلى شئ بل تضاف األشياء
كلها إليه ،وتفسير المعبود الذى هو إله الخلق منزه عن درك ماهيته واإلحاطة بكيفيته
{الر ْح ٰم ِن}.
قوله تعالىَّ :
باسم الرحمن خرجت جميع الكرامات للمؤمنين مثل اإليمان والطاعات والوالية والعصمة وسائر المنن وكل نعمة تدوم
وال يستحق أحد من المخلوقين هذا االسم إلن المخلوق عاجز عن إعطاء شئ ألحد يدوم ويبقى.
أيضا فإن رحمة الرحمانية للمريدين بها ينفصلون عما دون الرحمن ،ولما عمت رحمته في العاجلة على الولى والعدو
و ً
في معايشهم وأرزاقهم وغير ذلك سمى رحمن.
وقيل :إن المحبين يتنعمون بأسرارهم فى رياض معانى اسمه الرحمن فيجتنون منها ثمرة األنس ويشربون منها ماء
القربة ويتنعمون على ضفاف أنهار القدس ويرجعون منها برؤية اآلالء والنعماء ،والخائفون يتلذذون فى قلوبهم فى
معانى اسمه الرحمن ويتزودون منها حالوة السكون واألمن ،والتائبون يتروحون بأسرارهم فى معانى اسمه
الرحمن فيرجعون منها بصفا السر وطهارة القلوب ،والعاصون يمرون على ميادين اسمه
وقال الواسطى :الرحمن ال يتقرب إليه أحد إال بصرف رحمانيته ،والرحيم يتقرب إليه بالطاعات ألنه يشارك فيه رسول
ِ ِ
يم} [التوبة.]128 :
وف َّرح ٌ هللا صلى هللا عليه وسلم وقالِ { :باْل ُم ْؤ ِمن َ
ين َرُء ٌ
{الرِحيـمِ}.
قوله تعالىَّ :
يتسموا
يقال :إن معنى الرحيم هو ما يخرج من الرحمة الرحيمية لمعاش الخلق ومصالح أبدانهم فلذلك لم يمنعوا أن َّ
بالرحيم ومنعوا بالتسمية بالرحمن.
الرِحيـمِ} قال:
{الر ْح ٰم ِن َّ
منصور بإسناده عن جعفر فى قوله َّ
ًا {الرِحيـمِ} مودته ورحمته ،سمعت
قال ابن عطاء :فى اسمه َّ
هو واقع على المريدين والمرادين ،فاسم الرحمن للمرادين الستغراقهم فى األنوار والحقائق ،والرحيم للمريدين لبقائهم مع
أنفسهم واشتغالهم بإصالح الظواهر ،والرحمن المنتهى بكرامته إلى ما غاية له ألنه قد أوصل الرحمة باألزل وهو غاية
بدءا وعاقبة ،والرحيم وصل رحمته بالياء والميم
الكرامة ومنتهاه ً
وهو ما يتصل به من رحمة الدنيا والهدى واألرزاق.
ِ ِ
اْل َح ْم ُد ََّّلل َر ِب اْل َعاَلم َ
ين
قال ابن عطاء :معناه الشكر هلل إذا كان منه االمتنان على تعليمنا إياه حتى حمدناه.
حمدا هلل إال هللا .وقيل الحمد هلل أى :أنت المحمود لجميع صفاتك وأحوالك.
وقيل معنى الحمد هلل أى :ال ً
قال الواسطى :الناس في الحمد على ثالث درجات ،قالت العامة :الحمد هلل على العادة ،وقالت الخاصة الحمد هلل
شكر على اللذة وقالت اآلية :الحمد هلل الذى لم ينزلنا منزلة استقطعنا النعمة عن شواهد ما أشهدنا الحق من حقه.
ًا
وُذكر عن جعفر الصادق فى قوله {اْل َح ْم ُد ََّّللِ} فقالَ :من حمده بجميع صفاته كما وصف نفسه فقد حمده ،ألن الحمد
حاء وميم ودال فالحاء من الوحدانية والميم من الملك والدال من الديمومة فمن عرفه بالوحدانية والملك والديمومة فقد
عرفه.
ِ
{ر ِب اْل َعاَلم َ
ين} فقال الرجل ومن وقال رجل بين يدى الجنيد رحمه هللا :الحمد هلل فقال ألتمها كما قال هللا تعالى قل َ
العالمين حتى يذكر مع الحق فقال قله يا أخى فإن المحدث إذا قرن بالقديم ال يبقى له أثر.
وذكر عن عطاء أو غيره أنه قال :الحمد هلل إقرار المؤمنين بوحدانيته وإقرار الموحدين بفردانيته وإقرار العارفين
باستحقاق ربوبيته ،فاألول إقرار باإللهية والثانى إقرار بالربوبية والثالث إقرار بالتعظيم.
وقيل الحمد :هو الثناء هلل فثناء المؤمنين فى قراءة فاتحة الكتاب وثناء المريدين بالذكر في الخلوات وثناء العارفين في
الشوق إليه واألنس به.
أيضا :الحمد هلل رب العالمين عن العالمين قبل العالمين لعلمه بعجز العالمين عن أداء حمد رب العالمين.
وقيل ً
وقيل في الحمد هلل رب العالمين :إن الحمد يكون على السراء والضراء والشكر ال يكون إال على النعماء.
وذكر عن ابن عطاء فى قوله الحمد هلل رب العالمين أى :مربى أفضل العارفين بنور اليقين والتوفيق وقلوب المؤمنين
بالصبر واإلخالص وقلوب المريدين بالصدق والوفاء وقلوب العارفين بالفكرة والعبرة.
وقيل :رب العالمين أى هو الذى ب أر العالمين بين رحمته الرحمن الرحيم حتى يؤهلهم لتمجيده بقولهم :الحمد هلل رب
العالمين ،أى سبق الحمد منى لنفسى قبل أن يحمدنى أحد من العالمين ،وحمدى نفسى لنفسى فى األزل لم يكن لعلة،
وحمد الخلق إياى
وقيل :لما علم عجز عباده عن حمده حمد نفسه بنفسه فى األزل فاستراح طوق عباده هو محل العجز عن حمده و َّأنى
ينازع الحدث القدم ،أال ترى سيد المرسلين كيف أظهر العجز بقوله " ال أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك
وأنشد:
فأنت كما ُنثنى وفوق الذى ُنثنى إذا نحن أثنينا عليك بصالح
وحمد نفسه باألزل لما علم من كثرة نعمه على عباده وعجزهم عن القيام بواجب حمده فحمد نفسه عنهم؛ لتكون النعمة
أهنأ لديهم ،حيث أسقط عنهم به ثقل رؤية المنة.
وسئل جعفر بن محمد عن قوله :الحمد هلل رب العالمين قال :معناه الشكر هلل فهو المنعم بجميع نعمائه على خلقه
ُ
وحسن صنيعته وجميل بالئه ،فاأللف الحمد من اآلية وهو الواحد فباآلية أهل معرفته من سخطه وسوء قضائه ،والالم
من لطفه وهو الواحد فبلطفه إذا فهم حالوة عطفه وسقاهم كأس سره والحاء فمن حمده وهو السابق يحمد
نفسه قبل خلقه ،فبسابق حمده استقرت النعم على خلقه وقدروا على حمده ،والميم فمن مجده فبجالل مجده زينهم بنور
قدسه ،والدال فمن دينه اإلسالم فهو السالم ودينه اإلسالم وداره السالم وتحيتهم فيها سالم ألهل السالم فى دار
السالم.
الرِحي ِم
الر ْحمـ ِٰن َّ
َّ
باإلشراف على أسرار أوليائه والتجلى ألرواح أنبيائه والرحيم بالعطف على أنفس الخالئق برهم وفاجرهم يبسط
معايشهم فى الدنيا.
وقيل :الرحمن خاص االسم خاص الفعل والرحيم عام االسم عام الفعل.
وقيل :الرحمن بذاته والرحيم فى نعوته وصفاته وجل الحق أن يدرك حقيقة أساميه أحد؛ ألن أسماءه بال علة ،وإنما
يظهر للخلق نصيبهم من األسامى ال حقيقة حقه فمن
قال ابن عطاء :مجازى يوم الحساب كل صنف بمقصودهم وهمتهمُ ،يجازى العارفين بالقرب منه والنظر إلى وجهه
الكريم ،ويجازى أرباب المعامالت بالجنات.
وقيل :من حق العبيد إذا شاهدوا مليكهم أن ينسوا المملكة عند مشاهدة مليكهم.
وقيل :ملك يوم الدين ،يوم الكشف واإلشهاد { لِتُ ْج َز ٰى ُك ُّل َنْف ٍ
س ِب َما تَ ْس َع ٰى } [طه.]15 :
ِ
ين
َّاك َن ْستَع ُ ِإي َ
َّاك َن ْعُب ُد َوإِي َ
على ترك زكاتنا ،وأيضاً إياك نعبد بالعمل الخالص أى :إياك نعبد بقطع العالئق واألعواض ،وإياك نستعين على
الثبات على هذه الحال فإنا بك ال بنا.
أيضا إياك نعبد عبادة َمن يعلم أنه بتوفيقك وتيسيرك قد عبدك وبك نستعين على قبولها وتصحيحها من عندك.
و ً
أيضا إياك نعبد بالدعاوى وإياك نستعين أن تسقط عنا الدعاوى تمررنا إلى رياض الحقائق.
و ً
باطنا ،إياك نعبد فأسقط بإياك عنا رؤية العبادة ،وإياك نستعين فأزل عنا
ظاهر وإياك نستعين عليها ً
ًا أيضا إياك نعبد
و ً
بإياك رؤية االستعانة.
أيضا إياك نعبد فأهلنا لعبادتك وإياك نستعين فال تحرمنا معونتك إياك نعبد فأخلص عبادتنا وإياك نستعين فأعذنا من
و ً
رؤية عبادتنا.
قال الجنيد :إن هللا عز وجل خص قوماً بمعرفة عبوديته ،فأفردوا له العبودية ثم أخرجهم عن ذلك فعرفوا أنفسهم ،وما
تولى هللا من ذلك لهم فقالوا :وإياك نستعين على عبادتنا إذ ال يمكن أداؤها إال بك ،فبك عبدنا كذلك ،وبك استعنا على
شكر
وقال القاسم :إياك نعبد بالتوفيق ،وإياك نستعين على شكر ما وفقتنا له من عبادتك.
سمعت محمد بن عبد هللا بن شاذان يقول :سمعت أبا جعفر الفرغلى يقول :من أقر بإياك نعبد وإياك نستعين فقد برئ
من الجبر والقدر.
قيل معناهِ :مل بقلوبنا إليك وأقم بهممنا بين يديك وكن دليلنا منك إليك؛ حتى ال ينقطع عما بك لك.
وقيل :اهدنا الصراط المستقيم أى :أرشدنا إلى طرق المعرفة؛ حتى نستقيم معك بخدمتك فهذا دعاء المريدين فى هذه
اآلية.
وقيل :اهدنا أى :أرنا طريق هدايتك كى نستقيم معك على توحيدك فهذا دعاء المؤمنين.
وقيل :اهدنا أى :أرنا طريق أنسك فنفرح ونطرب بقربك فهذا دعاء العارفين.
وقيل :اهدنا بفناء أوصافنا فبنا الطريق إلى أوصافك التى لم تزل وال تزال.
وقيل :اهدنا هدى العيان بعد البيان؛ لنستقيم لك على حب إرادتك فينا.
وقيل :اهدنا هدى من أنت المتولى لهدايته طريق حقيقة معرفتك؛ لنستقيم لك بفناء أوصافنا فيك.
وقيل :اهدنا هدى من يكون منك مبداه؛ حتى يكون إليك منتهاه.
وقيل :اهدنا أى :اكشف عنا ظلمات أحوالنا لننظر فى خفى غيبك نظرة االستقامة.
وقيل :اهدنا الصراط المستقيم بالغيبوبة عن الصراط ليالً يكون من يوطأ بالصراط.
ُحكى عن أبى عثمان فى قوله :اهدنا الصراط المستقيم أى :أرشدنا الستعمال السنن فى أداء فرائضك.
ُحكى عن ُفضيل بن عياض فى قوله اهدنا الصراط المستقيم قال :طريق الحج صراط الذين أنعمت عليهم من األنبياء
واألولياء غير المغضوب عليهم وال الضالين غير
يم } [األعراف: ِ وقيل :اهدنا الصراط المستقيم لنستعين بهدايتك على الشيطان ،فإنه قال { :ألَْقعد َّن َلهم ِ
ط َك اْل ُم ْستَق َ
ص َار َ َُ ُ ْ
.]16
وقيل :اهدنا الصراط المستقيم وهو االفتقار إليك ،كما قيل ألبى حفص النيسابورى رحمه هللا :فإذاً تقدم على ربك،
قال :وما للفقير أن يقدم به على الغنى سوى فقره.
ين َّ ِ
قيل أليس قد هداه الصراط المستقيم حتى صلى وسأل فقال :إنما سأل هللا زيادة هدى ،كما قال هللا تعالىَ { :والذ َ
اهتَ َد ْوْا َزَاد ُه ْم ُه ًدى } [محمد ]17 :بسؤالهم اهدنا الصراط المستقيم.
ْ
وقال الجنيد :إن القوم إنما سألوا الهداية من الحيرة التي قدرت عليهم من أسماء صفات األزلية ،فسألوا الهداية إلى
أوصاف العبودية ليالً؛ ليستغرقوا في رؤية صفات األزلية.
على المريدين بحالوة الطاعة ،وأنعم على المؤمنين باالستقامة ،هذا قول ابن عطاء.
وحكى عن أبى عثمان أنه قال :صراط الذين أنعمت عليهم بأن َعَّرفتهم مهالك الصراط ومكايد الشيطان وخيانة
ُ
النفس.
وحكى عن محمد بن الفضل أنه قال :صراط الذين أنعمت عليهم لقبول ما افترضت عليهم.
ُ
وقال أبو الحسن الوراق :صراط الذين أنعمت عليهم بالعناية على االستقامة فى طريق مناجاتك.
وحكى عن بعض البغداديين أنه قالَ :من أفنيته عن النظر إلى النعمة بدوام التنعم بقربك ومؤانستك.
ُ
وقال بعضهم :صراط الذين أنعمت عليهم بالنظر إلى جريان ما جرى عليهم فى األزل فلم يشغلهم كشف ذلك لهم عن
الشغل بك.
ين أ َْن َع ْم َت َعَل ْي ِه ْم} فقال :متابعة النبى صلى هللا عليه وسلم. {ص ار َ َّ ِ
وحكى عن مالك بن أنس أنه سئل عن قوله ِ
ط الذ َ َ ُ
وقال بعضهم :صراط الذين أنعمت عليهم باإليمان والهداية والتوفيق والرعاية والمراقبة والكالءة.
وقال بعض البغداديين :صراط الذين أنعمت عليهم بفناء حظوظهم وقيامهم معك حسن األدب.
وقال محمد بن على :صراط الذين أنعمت عليهم قال الذين زممت جوارحهم بالهيبة عند خدمتك.
وقيل :صراط الذين أنعمت عليهم بعبادتك على المشاهدة .كما روى عن النبى صلى هللا عليه وسلم " أن تعبد هللا
كأنك تراه".
السنة.
وسئل سهل بن عبد هللا عن قوله صراط الذين أنعمت عليهم قال :متابعة ُّ
ُ
وقيل أيضاً :صراط الذين أنعمت عليهم بأن أذنت لهم فى مناجاتك وسؤالك.
أخبرنا نصر بن محمد األندلسى قال :حدثنا أبو عمر أحمد بن هالل بن نزار العطار قال :حدثنا الحسن بن محمد بن
حيان الفريانى قال :حدثنا أحمد بن عبد الواحد قال:
قال ابن عطاء :غير المخذولين وال المطرودين وال المهانين وال الضالين الذين ضلوا عن طريق هدايتك ومعرفتك
وسبيل واليتك.
وقيل :غير المغضوب عليهم فى طريق الهلكى ،وال الضالين عن طريق الهدى باتباع الهوى.
وقيل :غير المغضوب عليهم المستهلكين فى مفاوز الشيطان ،وال الضالين المطرودين عن طاعة الرحمن.
وقيل :غير المغضوب عليهم برؤية األفعال وال الضالين عن رؤية المنن ،وقيل غير المغضوب عليهم بطلب
األعواض على أعمالهم وال الضالين عن طريق الشكر بتيسير
الخدمة عليهم.
وقيل :غير المغضوب عليهم بترك حسن األدب فى أوقات القيام بخدمتك ،وال الضالين عن ...فيستغفر وينيب.
وقيل :غير المغضوب عليهم بالرياء وال الضالين بترك السنن فى أركان العبادات.
وقال أبو عثمان :غير المغضوب عليهم بترك قراءة هذه السورة فى صلواتهم ،وال الضالين عن ترك قراءتها.
وقيل :غير المغضوب عليهم بأن وكلتهم إلى أنفسهم وال الضالين بقطعك االعتصام عنهم.
وقال ابن عطاء :أى كذلك فافعل وال تكلنى إلى نفسى طرفة عين.
وقال جعفر :آمين أى :قاصدين نحوك وأنت أكرم من أن تجيب قاصدك.
وقال الجنيد رحمه هللا :معنى آمين أى :عاجزين عن بلوغ الثناء عليك بصفاتنا إال باتباع محمد األمين فيه.
وقال بعض العراقيين :آمين أى :راجين إلجابة هذه الدعوات التى دعوتك بها.
وقال بعضهم مستقيلين من جميع اسؤَلِتنا؛ ألن حسن اختيارك لنا خير من اختيارنا.
قيل :إنها سميت فاتحة الكتاب ألنه فتح عليك فاتحته لذيذ مناجاته فكانت فاتحة لكل خير ،وقيل أيضاً :فاتحة
الكتاب؛ أنه أوائل ما فتحناك من خطابنا ،فإن تأدبت وإال ُحرمت لطائف ما بعده من لطائفه.
الـم
قيل :إن األلف ألف الوحدانية والالم الم اللطف والميم ميم الملك .معناه :من وجدنى على الحقيقة بإسقاط العالئق
واألغراض فلطفت له فى معناه فأخرجته من رق العبودية إلى الملك األعلى ،وهو االتصال بمالك الملك بعد االشتغال
بشئ من الملك.
وقيل {الم} :سر الحق إلى حبيبه صلى هللا عليه وسلم وال يعلم سر الحبيب ،أال تراه يقول " :لو تعلمون ما أعلم " أى
من حقائق سر الحق وهو الحروف المفردة فى الكتاب.
وقال سهل بن عبد هللا :األلف هو هللا والالم جبريل والميم محمد صلى هللا عليه وسلم.
وقال بعض العراقيينَ :حيَّر عقول الخلق فى ابتداء خطابه وهو محل الفهم ليعلموا أن ال سبيل ألحد إلى معرفة حقائق
خطابه إال بعلمهم بالعجز عن معرفة خطابه.
وقال بعضهم{ :الم} أى :أنزلت عليك هذا الكتاب من اللوح المحفوظ.
وقيل األلف :ألف الوحدانية والالم الم اإللهية والميم ميم المهيمنية.
ِ ِ ِِ ِ ِ
اب الَ َرْي َب فيه ُه ًدى لْل ُمتَّق َ
ين َذل َك اْلكتَ ُ
اب}. ِ ِ
قوله تعالىَ { :ذل َك اْلكتَ ُ
وقيل :ذلك الكتاب الذى كتبت فى قلوب أوليائى من محبتى ومعرفتى فى الرضا بموارد قضائى ،والكتاب هو العهد
إلى الحبيب وموضع السر ،والنبى صلى هللا عليه وسلم مشرف على أسرار ما خوطب به ،واألولياء والصديقون بعده
على حب معرفتهم وحب الكشف لهم
عن لطائفه.
وقيل :ذلك الكتاب الذى كتبت على نفسى فى األزل " إن رحمتى سبقت غضبى " وقيل ال ريب فيه :ال شك فيه لمن
فتحت سره وزينت قلبه بالفهم عنى ،وقيل ال ريب فيه :لمن طهرت سره بنور االطالع على لطائف معانيه.
ِ ِ
{ه ًدى لْل ُمتَّق َ
ين}. قوله تعالىُ :
وقال أبو يزيد رحمه هللا :المتقى من إذا قال :قال هلل وإذا عمل عمل هلل.
وقيل :إن اإليمان بالغيب للعام ،ألن اإليمان بالغيب قطع عن مغيب الغيب حجبهم بالغيب عن مغيبه.
وقيل :الذين يؤمنون بالغيب :الذين يصدقون ما أظهره على أوليائك من اآليات والكرامات.
وقال أبو يزيد رحمة هللا عليه :ال يؤمن بالغيب من لم يكن معه سراج الغيب.
وباطنا.
ً ظاهر
ًا وإقامتها :حفظ حدودها
وقال بعضهم :النية فى إقامة الصالة أى :ال أواصلك بها وال أواصلك بتركها ،ولكنها اتباع األمر والنهى.
وقيل ال يكن حظك من صالتك إقامتها دون السرور بما أحلت له من القربة والمناجاة.
وقيل :ال يكن همك فيها إقامتها دون الهيبة والتعظيم والخوف عن كيفية إقامتها ورؤية التقصير فيها.
وقال ابن عطاء :إقامة الصالة فيها حفظ حدودها مع حفظ السر مع هللا أى :ال يختلج بسرك سواه.
قال بعض العراقيين :فى اإلمساك لذة وفى اإلنفاق لذة ،وكل ما يلتذ به العبد فهو يعبد من عين الحق.
وقيل :مما رزقناهم ينفقون أى :مما خصصناهم به من أنوار المعرفة يفيضون بركتها ونورها على متبعيهم.
أ ُْوَلـِٰئ َك َعَل ٰى ُه ًدى ِمن َّربِ ِه ْم َوأ ُْوَلـِٰئ َك ُهم اْل ُمْفلِ ُحو َن
ُ
الذين لزموا طريق المواصلة باالنفصال عما سوى الحق فأفلحوا فانقطعت الحجب عن قلوبهم فشاهدوا.
آء َعَل ْي ِه ْم ءأَن َذ ْرتَ ُه ْم أ َْم َل ْم تُْن ِذ ْرُه ْم الَ ُي ْؤ ِمُنو َن َّ ِ
ِإ َّن الذ َ
ين َكَف ُروْا َس َو ٌ
َ
معناه :إن الذين ضلوا عن رؤية منتى عليهم فى السبق سواء عليهم من شاهد األعواض فى خدمتى ومن شاهد
العوض ألخلص سرائرهم ،وال يثبت لهم اإليمان الغيبى ،وإنما إيمانهم على العادة.
ِهم}.
َّللاُ َعَل ٰى ُقُلوب ْ
{ختَ َم َّ
قوله تعالىَ :
فال يقول عن الحق فهوم مخاطباته ،على سمعهم فلم يسمعوا منه لذيذ كالمه ،وعلى أبصارهم فلم يبصروا المغيبات
بعين الغرامة ،غشاوة غشيتهم ظلمات أنفسهم فلم تضئ لهم أنوار قلوبهم ،ولهم عذاب عظيم سكوتهم إلى هذه األحوال
واكتفاؤهم بها.
وقال بعضهم :أهل البصر نظروا من هللا إلى األشياء فشاهدوها فى سر القدرة ،وأهل النظر استدلوا باألشياء على هللا
تعالى محجتهم عقولهم واستداللهم عن بلوغ كنه المعرفة باهلل.
قيل فيه :إن الناس اسم جنس واسم الجنس ال يخاطب به األولياء.
آمُنوا َو َما َي ْخ َد ُعو َن ِإالَّ أ َْنُف َس ُهم َو َما َي ْش ُع ُرو َن يخ ِادعون َّ َّ ِ
ين َ
َّللاَ َوالذ َ َُ ُ َ
قال بعض العراقيين :الخداع والمكر تنبيه من جهة شهود السعايات واالكتفاء إلى الطاعات حتى ال يعتقد فيها بأنها
أسباب الوصول إلى الحق .كال.
وقيل :إنما يخادع من ال يعرف البواطن ،فأما من عرف البواطن فمن دخل معه فى الخداع فإنما يخادع نفسه.
قال أبو عثمان :فى قلوبهم مرض لسكونهم إلى الدنيا وحبهم لها وغفلتهم عن
وكَل ُه ْم إلى أنفسهم وجمع عليهم هموم الدنيا ،فلم يتفرغوا من ذلك إلى
اآلخرة وإعراضهم عنها ،فزادهم هللا مرضاً بأنه َ
اهتمام الدين ،ولهم عذاب أليم باشتغالهم بما يغنى عما يبقى.
وقال الجنيد رحمه هللا :علل القلب من اتباع الهوى ،كما أن علة الجوارح من مرض البدن.
صلِ ُحو َن ِ يل َل ُهم الَ تُْف ِس ُدوْا ِفي األ َْر ِ ِ
ض َقاُلوْا إَّن َما َن ْح ُن ُم ْ َوإِ َذا ق َ ْ
يل َل ُهم الَ تُْف ِس ُدوْا ِفي األ َْر ِ
ض }...اآلية. ِ
{وإِ َذا ق َ ْ
قوله تعالىَ :
صلِ ُحو َن} قيل من أظهر الدعوى كذب ،أال ترى هللا يقول{ :أَال ِإَّن ُه ْم ُه ُم اْل ُمْف ِس ُدو َن} [اآلية: ِ
قوله تعالى {إَّن َما َن ْح ُن ُم ْ
.]12
ظُل ٰم ٍت الَّ يب ِ
ص ُرو َن ِ َّللا ِبُن ِ ِ ِ َّ ِ
ُْ وره ْم َوتَ َرَك ُه ْم في ُ َ آء ْت َما َح ْوَل ُه َذ َه َب َّ ُ
َض َ
استَ ْوَق َد َنا اًر َفَل َّمآ أ َ
َمَثُل ُه ْم َك َمَثل الذي ْ
قال أبو الحسن الوراق :هذا مثل ضربه هللا عز وجل لمن لم تصح له أحوال اإلرادة بدءاً فارتقى من تلك األحوال
بالدعاوى إلى أحوال األكابر من يضئ عليه أحوال إرادته لو صححتها بمالزمة آدابها ،فلما مزجها بالدعاوى أذهب
هللا عنه تلك األنوار وبقى فى ظلمات دعاوية ال يبصر طريق الخروج منها.
َّك ُم}.
اعُب ُدوْا َرب ُ
اس ْ ُّها َّ
الن ُ {ياأَي َ
قوله تعالىَ :
وقال بعضهم :أخلصوا عبادة ربكم من غير اتخاذ الشريك فيه ،فتوصلكم الوحدانية واإلخالص إلى التقوى.
ِ َّ ِ ِ ِ َنزل ِمن َّ ِ َّال ِذي َج َع َل َل ُكم األ َْر َ ِ ٰ
َخ َرَج ِبه م َن الثَّ َم َٰرت ِرْزقاً ل ُك ْم َفالَ تَ ْج َعُلوْا ََّّلل أ َ
َنداداً آء َفأ ْ
الس َمآء َم ً آء َوأ َ َ َ السم ِ
اء بَن ً
ض ف َرشاً َو َّ َ َ ُ
َوأ َْنتُ ْم تَ ْعَل ُمو َن
أحدا من
طعاما وال تعبد ً
ً طيبا والكأل
غطاء والماء ً
ً وطئا والسماء
أعلمكم فى هذه اآلية سبيل الفقر بأن يجعل األرض ً
الخلق بسبب الدنيا ،فإن هللا قد أباح لك ما ال ُبَّد لك منه من غير ِمَّنة ألحد عليك.
قال بعض البغداديين :كنتم أمواتاً بحياة نفوسكم فأحياكم بإماتة نفوسكم وإحياء قلوبكم.
وقال فارس :كنتم أمواتًا بشواهدكم فأحياكم بشاهده ثم يميتكم عن شواهدكم ثم يحييكم بقيام الحق عنه .ثم إليه ترجعون
عن جميع ما لكم وكنتم له.
قال الواسطى :ويختم بها غاية التوبيخ ألن الموات والجماد ال ينازع ما نور فى شىء ،إنما المنازعة من الهياكل
الروحانية.
وقيل :خلق لكم ما فى األرض َلي ُعَّد نعمه عليكم فيقتضى الشكر من نفسك لطلب المزيد منه.
قال أبو عثمان :وهب لك الكل وسخره لك؛ لتستدل به على سعة جوده وتسكن إلى ما ضمنه لك من جزيل العطاء
فى المعاد وال تستقل كثير بره على قليل عملك ،فقد ابتداك تعظيم النعم قبل العمل وهو التوحيد.
وقال أبو الحسن النورى :على مقامات أهل الحقائق انقطاعهم عن العالئق.
قال ابن عطاء :إن المالئكة جعلوا دعاءهم وسيلة إلى هللا ،فأمر هللا النار فأحرقت منهم ساعة واحدة ألوًفا فأقروا
{س ْب َح َان َك الَ ِعْل َم َلَنآ} [اآلية.]32 :
بالعجز وقالوا ُ
باهوا بأعمالهم وتسبيحهم وتقديسهم ضربهم كلهم بالجهل حتى قالوا :ال علم لنا.
قال جعفر :لما َ
وقال بعضهم :عجزهم عن درك المكتوبات عرفهم بذلك قصورهم عن حقائق الحق.
قال الواسطى :من قال أنا فقد نازع القدرة ،قالت المالئكة :نحن نسبح بحمدك وذلك ليغذيهم من المعارف وهم أرباب
لالفتخار واالعتراض عن الربوبية بقولهم أتجعل فيها من يفسد فيها.
وقال بعض العراقيين :شروط الخالفة رؤيته بذاته األشياء فصالً ووصالً ،إذ الفصل والوصل لم ينفصل منه قط ،وأى
وصل للحدث ِ
بالقدم.
وقال بعضهمَ :عيَّروا آدم واستصغروه ولم يعرفوا خصائص الصنع فيه فأمروا بالسجود له.
وقال بعض البغداديين :حاله بخصائص الخلع وأظهر عليه صفات القدم ،فصار الخضوع له قربة إلى الحق
بعدا من الحق.
واالستكبار عليه ً
قال أبو عثمان المغربى :ما بالء الخلق إال الدعاوى ،أال ترى أن المالئكة قالوا :نحن نسبح بحمدك ونقدس لك حتى
ركنوا إلى الجهل فقالوا :ال علم لنا.
ين وعَّلم ءادم األَسمآء ُكَّلها ثُ َّم عرضهم عَلى اْلم َٰلِئ َك ِة َفَقال أ َْنِبُئوِني ِبأَسم ِآء هـٰؤ ِ
الء ِإن ُك ْنتُم ٰ ِ ِ
ص دق َ ْ َ ْ َ َُ َ َ ََ َ ُ ْ َ َ َ َ َ ََ ْ َ َ َ
فقال بعضهم علم آدم األسماء كلها قال :علمها بتعليم الحق إياه وحفظها بحفظه عليه ونسى ما عهد عليه ،ألنه َوَّكله
{ع ِه ْدَنآ ِإَل ٰى َء َاد َم ِمن َقْب ُل َفَن ِسي} [طه.]115 :
فيه إلى نبيه فقالَ :
َ
وقال ابن عطاء :لو لم يكشف آلدم عليه السالم علم تلك األسامى لكان لعجز من المالئكة فى اإلخبار عنها ،وقوله
آء ُكَّل َها}.
َس َم َ
غلب علمه على علم المالئكة؛ لقوة مشاهدة الخطاب من غير واسطة فى قوله َّ
{و َعل َم َء َاد َم األ ْ
َ
ِٰ وإِ ْذ ُقْلنا لِْلم َٰلِئ َك ِة اسجدوْا ألَدم َفسجدوْا ِإالَّ ِإبلِيس أَبى واستَ ْكبر وَك ِ
ان م َن اْل َكف ِر َ
ين ْ َ َ ٰ َ ْ ََ َ َ ْ ُُ َ َ َ َُ َ َ َ
َّ ِ ِ ِ ِ
اس ُج ُدوْا أل ََد َم َف َس َج ُدوْا ِإال ِإْبل َ
يس} قال ابن عطاء :لما استعظموا تسبيحهم وتقديسهم {وإِ ْذ ُقْلَنا لْل َمالَئ َكة ْ
قوله تعالىَ :
أمرهم بالسجود لغيره؛ يريهم استغناءه عنهم وعن عباداتهم .وقال بعض العراقيين :ورد الخطاب على أسرار المالئكة
فهم عاجزون عن
ين َّٰ ِ ِ وُقْلنا يآءادم اس ُكن أ َْنت وَزوجك اْلجَّن َة وُكالَ ِم ْنها رَغداً حي ُث ِش ْئتُما والَ تَْقربا هـ ِٰذِه ال َّشجرة َفتَ ُك ِ
ونا م َن اْلظلم َ
َ َ ََ َ َ ََ َ َْ َ َ َ َ َ َ َُ ْ ْ َ َ ْ ُ َ َ َ
قال بعضهم :معناه أنه يقول نهاهما عن قرب الشجرة وقضى عليهما ما قضى ليريهما فيهما وأن العصمة تقواهما ال
جحدهما وطاقتهما.
قال ابن عطاء :نهى عن جنس الشجرة ،فظن آدم أن النهى عن المشار إليه فتناول على حد النسيان وترك المحافظة
ال على التعمد والمخالفة قال هللا تعالى { َوَل ْم َن ِج ْد َل ُه َع ْزماً } [طه.]115 :
ات}. ِ
ِه َكلِم ٍ ِ َّ
قوله تعالىَ { :فَتَلق ٰى َء َاد ُم من َّرب َ
يل ا ْذ ُك ُروْا ِن ْع َمِتي َّالِتي أ َْن َع ْم ُت َعَل ْي ُك ْم}. قوله تعالىِ ِ ِ :
{ي َابني إ ْس َرائ َ
َ
َ
قال بعضهم :ربط بنى إسرائيل بذكر النعم ،وأسقط عن أمة محمد صلى هللا عليه وسلم ذلك ودعاهم إلى ذكره فقال
{ َفا ْذ ُك ُروِني أَ ْذ ُك ْرُك ْم} [البقرة ]152 :ليكون نظر األمم من النعمة إلى المنعم ،ونظر أمة محمد صلى هللا عليه وسلم وآله
وسلم من المنعم إلى النعم.
وقال سهل بن عبد هللا :أراد هللا أن يخص أمة محمد صلى هللا عليه وآله وسلم بزيادة على األمم كما خص نبيهم
السماو ِ ِ ِ ِ
ات وت َّ َ َ صلى هللا عليه وسلم بزيادة على األنبياء فقال للخليل صلى هللا عليه وسلم { َوَك َذل َك ُنرِي إ ْب َراه َ
يم َمَل ُك َ
ورؤيته عمن سواه ض } [األنعام ]75 :وقطع سر محمد صلى هللا عليه وسلم ُ واأل َْر ِ
َ
فقال { :أََلم تَر ِإَلى ربِك َكيف مَّد ِ
الظ َّل } [الفرقان.]45 : ْ َ ٰ َ َ َْ َ
ُوف ِب َع ْه ِد ُك ْم}.
قوله تعالى عز وجل{ :وأَوُفوْا ِبعه ِدي أ ِ
َْ َْ
وقيل :أوفوا بعهدى احفظوا ودائعى عندكم ،ال تظهروها إال عند أهلها ،أوف بعهدكم أُبح لكم مفاتيح خزائنى وقربى
فأنزلكم منازل األصفياء.
وقيل أوفوا بعهدى فى أداء الفرائض على السنة واإلخالص ،أوف بعهدكم بقبولها منكم ومجازاتكم عليها.
وقال سهل :أوفوا بعهدى فى مجاهدة أنفسكم ،أوف بعهدكم لمعاونتكم عليها.
وقال أبو عثمان :أوفوا بعهدى فى حفظ آداب الظواهر ،أوف بعهدكم بتزين سرائركم.
وقال بعضهم :أوفوا بعهدى في التوكل ،أوف بعهدكم بكفاية مهماتكم .وقال بعض العراقيين :أوفوا بعهدى كونوا لى
خلقاً ،أوف بعهدكم أكن لكم حًقا.
قال أبو الحسن الوراق :أوفوا بعهدى فى العبادات ،أوف بعهدكم أوصلكم إلى منازل الدعاياتُ .سئل الثورى عن فهم
هذه اآلية أوفوا بعهدى قال :أوفوا بعهدى فى دار محبتى على بساط خدمتى بحفظ حرمتى ،أوف بعهدكم فى دار
نعمتى على بساط قربى بسرور رؤيتى.
ونوْا أََّو َل َك ِاف ٍر ِب ِه َوالَ تَ ْشتَ ُروْا ِب َٰآيِتي ثَ َمناً َقلِيالً َوِإ َّٰيي َفاتَُّقو ِن َنزلت م ِ
صدقاً لِ َما َم َع ُك ْم َوالَ تَ ُك ُ ِ ِ
َوآمُنوْا ب َمآ أ َ ْ ُ ُ َ
َ
َّاي َفاتَُّقو ِن} قال بعضهم :التقوى على أربعة أوجه :للعامة تقوى الشرك وللخاص تقوى المعاصى
{وإِي َ
قوله تعالىَ :
وللعارفين تقوى التوسل وألهل الصفوة تقواهم منه إليه ،والتقوى النظر إلى الكون بعين النقص.
قال سهل بن عبد هللا :استعينوا بها على إقامة الدين وثبات اليقين.
{وإَِّن َها َل َكِب َيرةٌ} اآلية .قال :لمن خشع قلبه وروحه وسره لموارد الهيبة وطوالع اإلجالل.
َ
ِِ َّ
{وِإَّن َها َل َكِب َيرةٌ ِإال َعَلى اْل َخاشع َ
ين} قال :لمن ذلت جوارحه للعبادات فرحاً بمجل خطاب اآلمر فيه. قال أبو عثمانَ :
وقال بعض العراقيين :استعينوا بالصبر عمن دون هللا والصالة الوقوف بحسن األدب مع هللا ،وإنها لكبيرة إال على
الخاشعين إال على من أيد فى األزل بخصائص االجتباء.
وقال بعضهم :استعينوا بى فى الصبر والصالة فإنهما ال يحصالن لكم إال بمعونتى.
اس ِباْلِب ِر َوتَْن َس ْو َن أ َْنُف َس ُك ْم َوأ َْنتُ ْم تَْتُلو َن اْل ِك ٰتَ َب أََفالَ تَ ْعِقُلو َن ْم ُرو َن َّ
الن َ أَتَأ ُ
اس ِباْلِب ِر َوتَْن َس ْو َن أ َْنُف َس ُك ْم} [اآلية.]44 : ْم ُرو َن َّ
الن َ قوله تعالى{ :أَتَأ ُ
قيل فيه :أتطالبون الناس بحقائق المعانى وأنتم خالون من ظاهر رسومها.
ظُّنو َن أََّن ُهم ُّمَلـُٰقوْا َربِ ِه ْم َوأََّن ُه ْم ِإَل ْي ِه َٰرِج ُعو َن
ين َي ُ َّ ِ
الذ َ
قيل :من وحد هللا بأفعاله وطاعته كان توحيده على الظن ،أال تراه يقول:
وقال بعضهم :الذين يظنون أنهم مالقوا ربهم أى :لو حققوا التوحيد كانت
قيل :إذا كان أول قدم فى العبودية التوبة وهو :إتالف النفس وقتلها بترك الشهوات وقطعها عن المراد ،فكيف الوصول
إلى شىء من منازل الصادقين وفى أول قدم منها تلف المهج؟
وقيل :توبوا إلى بارئكم قال :ارجعوا إليه بأسراركم وقلوبكم واقتلوا أنفسكم
بالتبرى منها ،فإنها ال تصلح لبساط األنس .وقال أبو منصور :ما شرع الحق إليه طريًقا إال وأوائله التلف.
فما دام يصحبك تمييز وعقل فأنت فى عين الجهل حتى يضل عقلك ويذهب خاطرك ويفقد نسبك إذ ذاك وعسى
ولعل.
وقال الواسطى :كانت توبة بنى إسرائيل إفناء أنفسهم ولهذه األمة أشد وهو إفناء أنفسهم مع مرادها مع بقاء رسومهم
الهياكل.
قال بعض البغداديين :من طالع الذات بعين الحرمة الحق ،ومن طالعها بالحرمة أولى عليه صفات الجبروت
والعظمة ،ويستغيث من ذلك بلسان العجز سبحانك تبت إليك.
قيل :فيه مشرب كل أحد حيث أنزله رائده ،فمن كان رائده نفسه فمشربه الدنيا ،ومن كان رائده قلبه فمشربه اآلخرة،
ومن كان رائده سره فمشربه الجنة ،ومن كان رائده روحه فمشربه السلسبيل ،ومن كان رائده ربه فمشربه فى الحضرة
ط ُهو اًر } [اإلنسان ]21 :به عن كل ما سواه.
ُّه ْم َش َراباً َ
اه ْم َرب ُ
على المشاهدة حيث يقولَ { :و َسَق ُ
ض ِمن َبْقلِ َها َوِقثَّ ِآئ َها َوُفو ِم َها ِ ٍِ
َّك ُي ْخ ِرْج َلَنا م َّما تُْنِب ُت األ َْر ُ
ط َعا ٍم َواحد َف ْادعُ َلَنا َرب َ صِب َر َعَل ٰى َ وس ٰى َلن َّن ْ ٰ
َوِإ ْذ ُقْلتُ ْم َي ُم َ
طوْا ِمص اًر َفِإ َّن َل ُكم َّما سأَْلتُم وض ِربت عَلي ِهم ِ
الذَّلةُ اهِب ُ َّ ِ َّ ِ ِ وع َد ِسها وب ِ
َ ْ َ ُ َْ َْ ُ ْ ْ ال أَتَ ْستَْبدُلو َن الذي ُه َو أ َْدَن ٰى ِبالذي ُه َو َخ ْيٌر ْ صل َها َق ََ َ َ ََ َ
ِ ِ ٰ النِبِي َ ِ ِ ِ ِ ض ٍب ِم َن َّ
َّللا َذلِ َك ِبأََّن ُه ْم َك ُانوْا َي ْكُف ُرو َن ِب َآيات َّ
صوْا َّوَك ُانوْا ين ب َغ ْي ِر اْل َح ِق ذل َك ب َما َع َ َّللا َوَيْقُتُلو َن َّ آءو ِب َغ َ
َواْل َم ْس َكَن ُة َوَب ُ
َي ْعتَ ُدو َن
قوله تعالى{ :أَتَ ْستَْب ِدُلو َن َّال ِذي ُه َو أ َْدَن ٰى ِب َّال ِذي ُه َو َخ ْيٌر}.
قال الواسطى فى هذه اآلية :ما يتواله من المن السلوى من غير كلفة لهم ،فتبع القوم شهوة نفوسهم وما يليق بطبائعهم
لما رجع إلى القثاء والطين عند ذكرهم.
يها َخالِ ُدو َن ِ ِ بَلى من َكسب سِيَئ ًة وأَحا َ ِ ِ ِ
الن ِار ُه ْم ف َ
اب َّ
َص َح ُ
ط ْت به َخطي َـئتُ ُه َفأ ُْوَلـئ َك أ ْ َ ٰ َ َ َ َ َ َ
ط ْت ِب ِه َخ ِطي َـئتُ ُه} [اآلية.]81 : قوله تعالى{َ :بَل ٰى َمن َك َس َب َسِيَئ ًة َوأ َ
َحا َ
يها َخالِ ُدو َن ِ ِ و َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ ِ
اب اْل َجَّنة ُه ْم ف َ
َص َح ُ
الصال َحات أُوَلـٰئ َك أ ْ َ َ َُ َ َ
الصالِح ِ
ات} [اآلية.]82 : ِ قوله تعالىِ َّ :
آمُنوْا َو َعمُلوْا َّ َ
ين َ
{والذ َ
َ
قال أبو عثمان :وإن يأتوكم غرقى فى رؤية أفعالهم تُنقذوهم من ذلك برؤية المنن.
وثاق صفاتهم بصفات الحق وقال بعض البغداديين :وإن يأتوكم أسارى فى صفاتهم ونعوتهم تُ ُ
فادوهم أى تخلوا عنهم َ
ون ِ
عوته. ُ
ِ
السعادة لها فى األزل. أى حرم قسم
هبت قال الواسطى رحمه هللا :جعل الموت يقظ ًة للعالم فمن هابه ُح ِج َب عن المميت ومتى تكو ُن فى َ
قلبك هيبة إذا َ
طوارق الموت.
ما نقلتك من حالة إال أوصلناك إلى مقام أشرف منها وأعلى إلى أن تنتهى بك األحوال إلى محل الندامى والخطاب
اب َق ْو َس ْي ِن أ َْو أ َْدَن ٰى َفأ َْو َح ٰى ِإَل ٰى َع ْب ِدِه َمآ أ َْو َح ٰى } [النجم.]10-8 : َّ ٍ
ان َق َ
من غير واسطة بقوله { َدَنا َفتَ َدل ٰى َف َك َ
َّللا أَو تَأِْتينآ آي ٌة َك َذلِك َقال َّال ِذين ِمن َقبلِ ِهم ِم ْثل َقولِ ِهم تَ َشابه ْت ُقُلوبهم َق ْد بيََّّنا اآلي ِ ِ وَق َّ ِ
ات َ ُُ ْ َ ْ ْ َ ْ ْ ََ َ َ َ َ َ ين الَ َي ْعَل ُمو َن َل ْوالَ ُي َكل ُمَنا َّ ُ ْ
ال الذ َ َ َ
لَِق ْو ٍم ُيوِقُنو َن
حيث أنزلت عليهم خطابى فلم يفهموا ،وأى آية أشرف من محمد صلوات هللا وسالمه عليه؟
قال الواسطى :قد كلمتُ ُهم ُ
وقد أظهرت لهم ذلك...
سفير بينى وبين خلقى لتهديهم الستصالح الحضرة وهذا هو اإلمام ُة.
أى :جاعلك ًا
يؤثر ذلك فيما بينه وبين ربه بسبب كالنبى صلى هللا عليه
وقال أبو عثمان :اإلمام هو الذى يعاشر على الظاهر ،وال ُ
قائما مع هللا على المشاهدة. ِ
وسلم كان قائماً مع الخلق على حد اإلبالغ ً
قطع بهذا أن يكون أحد يصل إليه بسبب أو نسب ،إال برضا األزل وسبق العناية.
يها َخالِ ُدو َن} [اآلية.]82 : ِ ِ قوله تعالى{ :و َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ ِ
اب اْل َجَّنة ُه ْم ف َ
َص َح ُ
الصال َحات أُوَلـٰئ َك أ ْ َ َ َُ َ َ
قال بعض العراقيين :العمل ال يبلغ إال إلى مخلوق مثله ،وأعظم حجاب العارفين الجنة واالشتغال بها عن الحق هى
المصيبة العظمى ،ألن الجنة خرجت من تحت "كن".
وقال بعضهم :العارفون فى الجنة ال يستلذون بشىء منها ،ألن الحق إذا استولى على سر ال يملكه سواه.
ال أ َْسَل ْم ُت} أى :أسلمت إليك ِسرى فأخلصه لى فإنك أولى به منى.
{ َق َ
َنت ِبتَاِب ٍع ِقْبَلتَ ُه ْم} قال ثم بين أن الخطاب على مقادير العقول أال ترى كيف بين علمه فى آخر اآلية [َ ]143
{و َمآ أ َ
صنعه وما جرى من ضبطه. إحكاما منه فى ُ
ً [اآلية]145 :
قال فارس :قوله اجعلنا ُمسلمين قال :أرحنا عن أسباب الطلب بالحيل ومطالعة الجزاء بالعوض.
{اج َعْلَنا ُم ْسِل َم ْي ِن َل َك} قال :احفظنى وأهل بيتى كى نسلم أنفسنا وقلوبنا إليك ،وال نختار إال ما
جعفر فى قوله ْ
ٌ وقال
أيضا :اجعلنا مقيمين معك لك. تختاره لنا وقال ً
ين َفالَ تَ ُموتُ َّن ِإالَّ َوأ َْنتُم ُّم ْسِل ُمو َن ِ وب َي َابِن َّي ِإ َّن َّ اه ِ ِ وو َّ ِ ِ ِ
طَف ٰى َل ُك ُم الد َ
اص َ
َّللاَ ْ يم َبنيه َوَي ْعُق ُ
ص ٰى ب َهآ إ ْب َر ُ ََ
قيل أوصاهم بالمجاوبة إلى االستسالم الذى أمر به فصح من إبراهيم صلى هللا عليه وسلم فكما ابتلى بذبح ابنه لم
يصح ليعقوب
َّ وصح له التسليم فمضى فيه من غير نظر إلى الولد حتى ُف ِد َى ،ولما لم
َّ ينظر إليه ،ألنه كان أسلم
عليه السالم ما صح للخليل رجع إلى ِجد الجزع حين فقد ابنه وقال يا أسفى على يوسف.
متأدبا بآداب الحق ومن حسن أدبه أنه نظر نحو السماء لم يشك فأجيب على
ً قيل فيه أعلمه أوالً أنه من الحق ليكون
نظره إلى مراده.
أخبره بعد أن أجابه إلى مراده ،إن مرادك ُيخالف مرادنا ألن إرادتنا فيك نقلك إلى الكعبة وثباتك عليه وجعلها قبل ًة لك
أبدا.
وألمتك لتعلم أن رضاك ال يخالف رضانا ً
قال بعض العراقيين :ترسم معهم برسم الظاهر فى استقبال الكعبة ببدنك ،وال تقطع قلبك عن مشاهدتنا ،فإنا جعلنا
الكعبة قبلة بدنك ونحن قبلة قلبك.
قيل :ألنهم مقتولون فى الحق ،ومن كان مقتوالً فيه كان حياته ولكن ال تشعرون ،أى ال يعلمه من نظر إلى الجهاد
بعين التدبير ولم ينظر إليه بعين الرضا.
س والثَّمر ِ
ات َوَب ِش ِر َّ ص ِم َن األَمو ِ ِ ِ ٍ ِ
الصاِب ِر َ
ين َنف ِ َ َ َ
ال َواأل ُ ََ
ف واْل ُجوِع وَنْق ٍ
َ َوَلَنْبُل َوَّن ُك ْم ب َش ْيء م َن اْل َخ ْو َ
سمعت أبا بكر الرازى يقول :سمعت أبا بكر النيسابورى يقول :سمعت المدينى يقول :سمعت الشافعى يقول :الخوف
شهر رمضان ،ونقص من األموال :الزكاة ،واألنفس :األمراض ،والثمرات :الصدقات ،وبشر
خوف العدو ،والجوع ُ
الصابرين على أدائها.
ع َخ ْي اًر َفِإ َّن َّ ف ِب ِه َما َو َمن تَ َ َّ ِ الصَفا واْلمروة ِمن شع ِآئ ِر َّ ِ
َّللاَ طَّو َ اح َعَل ْيه أَن َيطَّو َ َّللا َف َم ْن َح َّج اْلَب ْي َت أ َِو ْ
اعتَ َم َر َفالَ ُجَن َ ََ ِإ َّن َّ َ َ ْ َ َ
يم ِ ِ
َشاكٌر َعل ٌ
وقيل الصفا موضع المصافاة مع الحق ،فمن لم يتجرد لمصافاة الحق معه فليعلم بتضييع أيامه وسعيه فى حجه.
منصور يقول بإسناده عن جعفر قال :الصفا :الروح لصفائها من درن المخالفات والمروة :النفس الستعمالها
ًا سمعت
ف َعَل ْي ِه ْم َوالَ ُه ْم َي ْح َزُنو َن} [اآلية.]277 ،274 ،262 ،112 ،62 :
{والَ َخ ْو ٌ
قوله عز وجلَ :
الطيبات :الرزق وهو التناول فى أوقات االضطرار مقدار استبقاء المهجة ألداء الفرائض وهو الذى ال تبعة على أكله
ٍ
بحال.
ظَل ُموْا ِإ ْذ َي َرْو َن َّ ِ ِ َّللاِ أَنداداً ي ِحبُّونهم َكح ِب َّ ِ َّ ِ ِ ِ
آمُنوْا أَ َشُّد ُحباً ََّّلل َوَل ْو َي َرى الذ َ
ين َ ين َ
َّللا َوالذ َ اس َمن َيتَّخ ُذ من ُدو ِن َّ َ ُ َ ُ ْ ُ الن ِ
َو ِم َن َّ
َّللا َش ِد ُيد اْلع َذ ِ
اب َ َن اْلُقَّوَة ََّّللِ َج ِميعاً َوأ َّ
َن َّ َ اب أ َّ
اْل َع َذ َ
اس من يتَّ ِخ ُذ ِمن دو ِن َّ ِ
َنداداً[ }...اآلية.]165 :
َّللا أ َ ُ الن ِ َ َ
{و ِم َن َّ
قوله تعالىَ :
النِبِي َ
اب َو َّ الئ َك ِة واْل ِكتَ ِ اَّللِ واْليو ِم ِ
اآلخ ِر واْلم ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ِق ِ ُّ
ل ْي َس اْلِبَّر أَن تَُولوْا ُو ُج َ
َّ
ين َ َ َ آم َن ب َّ َ َ ْ وه ُك ْم قَب َل اْل َم ْشر َواْل َم ْغ ِرب َوَلـٰك َّن اْلبَّر َم ْن َ
وة وآتَى َّ اب وأََقام َّ ٰ الس ِآئلِ َ ِ ِ ِ السِب ِ ِ ِِ ِ
اة
الزَك َ الصل َ َ ين َوفي الرَق َ َ يل َو َّ ين َو ْاب َن َّ ال َعَل ٰى ُحبه َذوي اْلُق ْرَب ٰى َواْلَيتَ َ
ام ٰى َواْل َم َساك َ َوآتَى اْل َم َ
ص َدُقوْا َوأُوَلـِٰئ َك ُهم اْل ُمتَُّقو َن آء و ِحين اْلبأ ِ ِ َّ ِ الصاِب ِرين ِفي اْلبأْس ِآء و َّ ِ ِِ
ُ ين َ
ْس أُوَلـٰئ َك الذ َ الضَّر َ َ َ َ َ َ اه ُدوْا َو ََّواْل ُموُفو َن ِب َع ْهده ْم ِإ َذا َع َ
ِِ
{واْل ُموُفو َن ِب َع ْهده ْم ِإ َذا َع َ
اه ُدوْا} [اآلية.]177 : قوله تعالىَ :
قال بعضهم :الوفاء بالعهد لزوم الحدود والرضا بالموجود والصبرعلى المفقود.
قيل :أنزله فيه بتفضيله وتخصيصه من بين الشهور وافتراض الصوم فيه ،واستنان القيام فى لياليه بالقرآن.
من شهدنى وشهد أمرى فليصم أوقاته كلها عن المخالفات ومن شهد الشهر على رؤية التعظيم فليمسك فيه عن الهوى
واللغو والهم ،ومن شهد على رؤية التعظيم فليمسك فيه عن الهوى واللغو والهم ،ومن شهد على رؤية فعله وصومه
فليس هلل فيه حاجة فى ترك طعامه وشرابه وهو كما أخبر النبى صلى هللا عليه وسلم حين قالُ " :ر َّب صائم حظه من
صيامه الجوع
".
ان َفْلَي ْستَ ِج ُيبوْا لِي َوْلُي ْؤ ِمُنوْا ِبي َل َعَّل ُه ْم َي ْرُش ُدو َن
الدا ِع ِإ َذا َد َع ِ
يب َد ْع َوَة َّ وإِ َذا سأََل َك ِعب ِادي َعِني َفِإِني َق ِر ٌ ِ
يب أُج ُ َ َ َ
ِ ِ ِ ِ
{وإِ َذا َسأََل َك عَبادي َعني َفِإني َق ِر ٌ
يب} [اآلية.]186 : قوله تعالىَ :
ين} عن ذكره.إلى ذكره وجعلكم من أهله {وإِن ُك ْنتُم ِمن َقبلِ ِه َل ِمن َّ ِ
الضآل َ َ ْ ْ َ
قال ابن عطاء :إذا عمرتم بواطنكم بذكرى واستفرغتم الوسع فيه ،فارجعوا إلى ما رجع إليه العام من القيام برسوم
حيم بالعاصين أن يردهم
غفور للمطيعين تقصيرهم فى طاعته ،ر ٌ
العبودية ،واستغفروا هللا عن اشتغالكم بغيره ،إن هللا ٌ
برحمته إلى بابه.
ِ َّ ِ طب ِة ِ
الن َس ِآء أ َْو أَ ْكَننتُ ْم ِفي أ َْنُف ِس ُك ْم َعلِ َم َّ ِ ِ ِ ِ
وه َّن َّللاُ أََّن ُك ْم َستَ ْذ ُك ُر َ
ون ُه َّن َوَلـٰكن ال تَُواع ُد ُ ضتُ ْم ِبه م ْن خ ْ َ
يما َعَّر ْ
اح َعَل ْي ُك ْم ف َ
َوالَ ُجَن َ
ِ ِ ِ ِس اًر ِإالَّ أَن تَُقوُلوْا َقوالً َّمعروفاً والَ تَع ِزموْا عْقدة ِ
اح َذ ُروهُ
َّللاَ َي ْعَل ُم َما في أ َْنُفس ُك ْم َف ْ اعَل ُموْا أ َّ
َن َّ َجَل ُه َو ْ
اب أ َ اح َحتَّ ٰى َيْبُل َغ اْلكتَ ُ الن َك ِ ْ ُْ َ ْ ُ ُ َ َ
يمِ اعَل ُموْا أ َّ
ور َحل ٌ
َّللاَ َغُف ٌ
َن َّ َو ْ
َّللاَ َي ْعَل ُم َما ِفي أ َْنُف ِس ُك ْم} [اآلية.]235 : اعَل ُموْا أ َّ
َن َّ {و ْ
قوله تعالىَ :
أى :علم ما فى أنفسكم قبل أن يخلقكم فاحذروه أى :فاحذروا أن يكون فى أسراركم سواه فيعرض عنكم.
ظَل ٍل ِم َن اْل َغ َمامِ} [اآلية.]210 : ظ ُرو َن ِإالَّ أَن َيأِْتَي ُه ُم َّ
َّللاُ ِفي ُ {ه ْل َين ُ
قوله تعالىَ :
قال جعفر :هل ينظرون إال إقبال هللا عليهم بالعصمة والتوفيق فيكشف عنهم أستار الغفلة ،فيشهدون بره ولطفه بل
ويشاهدون َّ
البار الرحيم اللطيف.
قال جعفر :زين للذين جحدوا التوكل بزينة الحياة الدنيا حتى جمعوها وافتخروا بها ،ويسخرون من الذين آمنوا ،من
الذين توكلوا على هللا فى جميع أمورهم ،ونبذوا تدابيرهم وراء ظهورهم ،وأعرضوا عنها وهم الفقراء الصبراء الراضون.
الد ْنيا و ِ
اآلخ َرِة} [اآلية.]220-219 : ِ َّ ِ َّ {ك ٰذلِ َك ُي ِبي ُن َّ
اآليات َل َعل ُك ْم تَتََفك ُرو َن في ُّ َ َ
َّللاُ َل ُك ُم َ قوله تعالىَ :
أنهما على فكر وخدعة ،أال ترى أن طاوسا وسالما قرءاِ { :إ َّن أَصحاب اْلجَّن ِة اليوم ِفي ُش ُغ ٍل َف ِ
اك ُهو َن } [يس]55 : ْ َ َ َ َْ َ ً ً
قوم بالحضرة وهم ال يعلمون. هناهم ما اشتغلوا به .وقال بعضهم :وقد تغير ٌ فقال :لو علموا عمن ُشغلوا ما َّ
خطاب للخاص ألنه ال زاد للعارف سوى معروفه ،وال للمحبوب سوى حبيبه وأنشد:
ٌ هذا
وقال محمد بن على :التوابين من توبتهم والمتطهرين من طهارتهم .وقال أبو يزيد رحمة هللا عليه :التوبة من الذنب
ألف وقال القاسم :إن هللا يحب التوابين إن دامت توبتهم ،ويحب المتطهرين إن دامت طهارتهم احد ومن الطاعة ٌ
و ٌ
َّللاَ ُي ِح ُّب ليكون العبد على ٍ
وجل .سمعت النصرآباذى يقول :إن هللا أثنى عليكم وجعل لكم قيمة حين قالِ{ :إ َّن َّ
التََّّواِب َ
ين}.
قال الواسطى :االعتكاف حبس النفس وزم الجوارح ومراعاة الوقت ثم أينما كنت فأنت معتكف.
ُخ ِر ْجَنا ِمن ِدَي ِارَنا َوأ َْبَن ِآئَنا} [اآلية.]246 : يل َّ ِ
قوله عز وجل{ :وما َلَنآ أَالَّ ُنَق ِاتل ِفي سِب ِ
َّللا َوَق ْد أ ْ َ َ ََ
ٍ
مسكن.
مثل ضربه هللا للدنيا وأهلها أن من اطمأن إليها وأكثر منها فليس من هللا فى
قال أبو عثمان :معنى هذه اآلية إن هذا ٌ
شىء ،ومن أعرض عنها ومقتها فهو الذى هيأه هللا لقربه إال من تناول منها بمقدار ما يقيم صلبه للطاعة.
قال أبو بكر الفارسى الصوفى :ما خلق هللا عز وجل إال متفاضالً ومتفاوتاً أقدارهم حتى الرسل قال هللا تعالى ِ
{تْل َك ُ
ض ُه ْم} ليعلم بذلك نقص الخلق وكماله جل وعال. الرُس ُل َف َّ
ضْلَنا َب ْع َ ُّ
سئل أبو منصور عن هذا فقال :ال إله إال هللا يقتضى شيئين :إزالة العلة عن الربوبية وتنزيه الحق عن الدرك.
تصديق
ٌ وتعظيم وجالوةٌ وحرم ٌة ،فمن لم يكن له
ٌ تصديق
ٌ وقال بعضهم :يحتاج قائل ال إله إال هللا إلى أربع خصال:
فاسق.
ٌ تعظيم فهو مبتدعٌ ،ومن لم يكن له جالوةٌ فهو مر ٍاء ،ومن لم تكن له حرمة فهو
ٌ منافق ،ومن لم يكن له
ٌ فهو
وقال بعضهم :يحتاج قائلها أن يترك الشكوى فى وقت المحن ،ويترك المعصية فى وقت النعمة ،ويترك الغفلة عند
الفكرة.
ضدا.
وقيل ألبى الحسين النورى :لم ال تقول :ال إله إال هللا فقال :بل أقول :هللا وال أبغى به ً
شرك فى قوله.
ال فهو ُم ٌ
طمع أو سؤ ٌ
وقال بعضهم :من قالها وفى قلبه رغبةٌ أو رهبةٌ أو ٌ
{من َذا َّال ِذي َي ْشَف ُع ِع ْن َدهُ ِإالَّ ِبِإ ْذِن ِه}.
قوله تعالىَ :
وقال الواسطى :لو جعل إلى نفسه وسيلة غير نفسه كان معلوالً ،ومن تزين بإخالصه ومحبته ورضاه توسل بصفاته
{من َذا َّال ِذي َي ْشَف ُع ِع ْن َدهُ ِإالَّ ِبِإ ْذِن ِه}.
إلى من ال وسيلة إليه إال به ،قال هللا تعالى َ
ٍ
بشىء منه إال ما خص به رسول هللا أو صديًقا من علم ُلدنى. عز ال إحاطة
صار علمه ًا
ِ
ض }.
الس َم َاوات َواأل َْر َ {وِس َع ُك ْرِسي ُ
ُّه َّ قوله تعالىَ :
كل من لم يتب أر من الكل لم يصح له اإليمان باهلل عز كل ما سوى هللاِ جل َّ
وعز ،وفى الجملة إن َّ الطاغوت ُّ
ُ وقيل
وجل.
قال ابن عطاء :يغنيهم عن صفاتهم بصفته فيتدرج صفاتهم تحت صفاته كما اندرجت أكوانهم تحت كونه وحقوقهم
عند ذكر حقه ،فيصير قائماً بالحق مع الحق للحق.
وقال الواسطى رحمه هللا :يخرجهم من ظلمات نفوسهم إلى أنوار ما جرى لهم فى السبق من الرضا والصدق والمحبة
وغيرها.
وقال النورى :يخرجهم من ظلمات العلم إلى نور المشاهدة ،ألن المعاين ليس فى الخبر.
ِ
ظلمات أوصافهم إلى أنوار صفاته. وقال الجنيد رحمه هللا :يخرجهم من
لم أرى إبراهيم إحياء الموتى فى غيره وأرى عزير فى نفسه؟ قيل :ألن الخليل َّ
تلطف فى السؤال فقال :أرنى و ُأرِى في ُ
الغير وتعجب ُعز ٌير فى القدرة فأخرجه بلفظة أنى يحيى فأرى فى نفسه ليسقط عنه التعجب فى القدرة ،أال ترى أنه
اعَل ْم أ َّ ٍ ِ ِ َعَل ُم أ َّ
َّللاَ
َن َّ {و ْ
َّللاَ َعَل ٰى ُكل َش ْيء َقد ٌير} ،وختم قصة الخليل بلفظ العزة والحكمة فقالَ :
َن َّ ختم قصته باإليمان {أ ْ
ِ
يم} [اآلية ]260 :ألن الخليل سأل إظهار الحكمة ومشاهدة َع ِز ٌيز َحك ٌ
ُسئل ابن عطاء لم أرى إبراهيم إحياء الموتى فى غيره؛ وأُرى عز ٌير فى نفسه فقال :ألن الخليل تلطف فى السؤال فقال:
طمِئ َّن َقْلِبي َقال َفخ ْذ أَربع ًة ِمن َّ ِ ِ َرني َك ْي َ ِ اهيم َر ِب أ ِِوِإ ْذ َق ِ ِ
الط ْي ِر َ ُ ََْ َ ال َبَل ٰى َوَلـكن لَي ْ َ ال أ ََوَل ْم تُ ْؤ ِمن َق َ ف تُ ْحيـي اْل َم ْوتَ ٰى َق َ ال إ ْب َر ُ َ َ
ِ ِ ِ ٍ ِ
َّللاَ َع ِز ٌيز َحك ٌ
يم اعَل ْم أ َّ
َن َّ ص ْرُه َّن ِإَل ْي َك ثُ َّم ْ
اج َع ْل َعَل ٰى ُكل َجَبل م ْن ُه َّن ُج ْزًءا ثُ َّم ْاد ُع ُه َّن َيأْت َين َك َس ْعياً َو ْ َف ُ
[اآلية].260 :
وقال بعضهمُ :مرادى فى هذا السؤال مخاطبتك واستجالب معاتبتك لكى ال تقول لى :أو لم تؤمن وأنت أعلم بى منى
فأحيا بعتابك كما يسعدنى خلتك ،وكان جواب هذا السؤال إنى كنت اشتقت إلى عياننا ،فإنا جعلنا مشيئتنا فى إحياء
فصرُه َّن َ
إليك. الموتى إليك فخذ أربعة من الطير ُ
اب والديك والمعنى فيه أن الطاوس أشبه الطيور بزينة الدنيا ،والغراب أحرص ُّ
الطاوس والبط والغر ُ
ُ وقيل :إنه كان
شهوة وكأنه يقول :اقطع عنك زينة الدنيا والمفاخرة بها والحرص عليها الديك أشدهم ُّ
ً الطيور والبط أطلبهم لرزقه ،و ُ
وطلب الرزق فيها وإزالة
الشهوة منها؛ حتى تنال كمال حقيقة اإليمان ،فإذا أسقطت عن نفسك هذه الخصال ،حليتك بصفتى فى إحياء الموتى
فتدعوهن فيجيبنك سعياً إليك ،ألنك فى ذلك الوقت ٍ
خال من صفاتك ،وإنما دعوتهن بصفتنا التى حليناك.
َّ
الشك ،وما شك ليقابل بالجواب الشك ليزيده به قرب ًة وكذلك الخليل يحتال فى محاورة خليله وقيل أرى الخليل من نفسه
أبداً فلما قيل له :أو لم تؤمن قال :بلى ولكن اشتقت إلى خطابك فأنزلت نفسى منزل َة الشك ألنال لذيذ خطابك ،ولكن
العتاب".
ُ الوُّد ما بقى
ليطمئن قلبى فإن أكن محالً لعتابك فإنه قيل" :ويبقى ُ
ال على شرط األدب كأنه يقول :أقدرنى على إحياء الموتى ،يدل عليه قوله {أ ََوَل ْم تُ ْؤ ِمن َق َ
ال َبَل ٰى وقال بعضهم :هذا سؤ ٌ
ضد الشك ،فقوله ولكن ليطمئن قلبى عن هذه الشهوة والمنية. ط َمِئ َّن َقْلِبي} والطمأنينة ال تكون َّ
َوَل ِـكن لَِي ْ
تستدل
ُ وقيل أرنى كيف تحيى الموتى ،يعنى :القلوب الميتة عنك بإحيائها بك ،فقيل :أو لم تؤمن أى ألست الذى كنت
علينا بالشمس والقمر وأفعالنا فأسقطنا عنك علة االستدالل ،وكفا دليلك علينا :وقال سهل بن عبد هللا :سأل كشف
غطاء العيان.
العبد إلى ربه واطمأن إليه؛ أظهر هللا عليه من الكرامات ما أقلها إحياء الموتى ،قال هللا تعالىقال بعضهم :إذا سكن ُ
إلبراهيمَ { :فخ ْذ أَربع ًة ِمن َّ
الط ْي ِر}. ُ ََْ َ
اَّللِ واْليو ِم ِ ِ ص َد َٰقِت ُكم ِباْل َم ِن َواألَ َذ ٰى َك َّال ِذي ُي ْنِف ُق َماَل ُه ِرَئآء َّ ِ ٰيأَي َّ ِ
اس َوالَ ُي ْؤ ِم ُن ب َّ َ َ ْ
اآلخ ِر َف َمَثُل ُه الن ِ
َ آمُنوْا الَ تُْبطُلوْا َ
ين َُّها الذ ََ
ِ ِ ِ
صْلداً الَّ َيْقد ُرو َن َعَل ٰى َشي ٍء ِم َّما َك َسُبوْا َو َّ ِ ِ ِ
َّللاُ الَ َي ْهدي اْلَق ْوَم اْل َكاف ِر َ
ين
ْ َص َاب ُه َواب ٌل َفتَ َرَك ُه َ اب َفأ َ صْف َو ٍ
ان َعَل ْيه تَُر ٌ َك َمَثل َ
ٍ
سيئات ،فكيف من رأى له قيم ًة وطلب قال السرى :من تزيَّن بعمله كانت حسناته
عليه العوض؟
ص ٍار لظالِ ِم ِ
َّللا يعَلمه وما لِ َّ ِ ِ ٍ ومآ أ َ ِ
ين م ْن أ َْن َ
َ َنفْقتُ ْم من َّنَفَقة أ َْو َن َذ ْرتُ ْم من َّن ْذ ٍر َفإ َّن َّ َ َ ْ ُ ُ َ َ ََ
َنفْقتُ ْم ِمن َّنَفَق ٍة أ َْو َن َذ ْرتُ ْم ِمن َّن ْذ ٍر َفِإ َّن َّ
َّللاَ َي ْعَل ُم ُه} [اآلية.]270 : {و َمآ أ َ
قوله تعالىَ :
ي ْؤِتي اْل ِح ْكم َة من ي َشآء ومن ي ْؤ َت اْل ِح ْكم َة َفَق ْد أُوِتي َخ ْي اًر َكِثي اًر وما ي َّذ َّكر ِإالَّ أُوُلوْا األَْلب ِ
اب َ ْ ََ َ ُ َ َ َ َ َ ُ ََ ُ ُ
اللدنى.
ُّ قال بعضهم :الحكم ُة :العلم
النور المفرق بين اإللهام والوسواس سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت الكتانى
وقال أبو عثمان :الحكمة هى ُ
يقول :إن هللا بعث الرسل بالنصح ألنفس خلقه وأنزل الكتاب لتنبيه قلوبهم ،وأنزل الحكمة لسكون أرواحهم ،فال ُ
رسول
داع إلى أمره ،والكتاب داع إلى أحكامه والحكمة مشيرةٌ إلى فضله.
وقال القاسم :الحكمة أن يحكم عليك خاطر الحق وال يحكم عليك شهودك.
يشاء إنها النبوة وذلك قوله" :وآتيناه الحكم والنبوة" قال الجنيد رحمة هللا وقال أبو العباس بن عطاء :يؤتى الحكمة من ُ
{و َمن ُي ْؤ َت اْل ِح ْك َم َة َفَق ْد أُوِتي َخ ْي اًر َكِثي اًر} سمعت عبد هللا المعلم
اما بالحكمة ومدحهم عليها فقالَ :
عليه :أحيا هللا أقو ً
َ
يقول :سمعت عبد هللا بن المبارك يقول :الحكمة هى الحسنة.
وهن
العلل ٌ
تفضل ،و ُ
ٌ أيضا فى هذا المعنى :نعمى وعطائى لمن تستجلبه الحوادث والطاعات ،ألن نعمى وعطائى
وقيل ً
ابتدأت عبادى بالنقم ،والمبتدئ بالنعم ال يكون عن عوض وال عن علة.
ُ فى التفضيل
أى الحرص وهللا يأمركم بالقناعة وقيل :الشيطان يعدكم الفقر أى :البخل والحرص.
وهللا يأمرك باإلنفاق والسخاء وهو الغنى ألن هللا يعدل عليه مغفرة وفضالً.
يعدكم فى السخاء ويأمركم بالفحشاء وهو البخل ،وهللا يعدكم فى السخاء مغفرًة منه
الشيطان ُ
ُ وقال محمد بن الفضل:
وفضالً.
منه وفضالً.
الشيطان يعدكم الفقر على ترك الدنيا واإلعراض عنها ،وهللا يعدكم على ذلك مغفرةً ُ
ُ وقال أبو عثمان:
كم الفقر ويأمركم بالفحشاء وهى عمارة داره ،وهللا يعدكم مغفرًة منه
يعد ُ
الشيطان ُ
ُ وقال محمد بن على عليهما السالم:
وهو جزاء عمارة المآب وفضالً وهو االستغناء به عن كل ما سواه.
ان َي ِع ُد ُك ُم اْلَفْق َر} فقال :ينبغى للعبد أن يعلنه بذكر منن هللا عنده وأفضاله عليه.
طُ اق فى قولهَّ :
{الش ْي َ الور ُ قال أبو ٍ
بكر َّ
قال :هذه صفة الذين حبسوا أنفسهم على هللا من غير تعريض وال إظهار جزع إال إلى هللا ،فاتقوا السؤال إال منه،
فارتقت بهم أحوالهم إلى ٍ
حالة يستغنون بعلم هللا بهم عن السؤال إياه وهو أحوال الرضا.
وسئل عن الفقير سمعت الحسن بن يحيى يقول :سمعت جعفر بن محمد يقول :سمعت الجنيد رحمه هللا يقولُ :
مستوجبا لدخول الجنة قبل األغنياء بخمس مائة عام؟ قال :إذا كان الفقير معامالً هلل بقلبه موافًقا
ً الصادق متى يكون
وعطاء ،يعد الفقر من هللا نعم ًة عليه ،يخاف على زواله كما يخاف الغنى على زوال غناه
ً نعا
له فى جميع أحواله م ً
مستغنيا بربه فى
ً كاتما لفقره يظهر اإلياس من الناس،
صائنا لدينه ً
ً مسرور باختيار هللا له الفقر،
ًا محتسبا
ً صابر
ًا وكان
َّللاِ }...اآلية ،قال :إذا كان الفقير بهذه الصفة دخل الجنة
يل َّ َ
ِ
ُحصروْا ِفي سِب ِ
ين أ ُ
ِ ِ َّ ِ
فقره كما قال عز من قائل {لْلُفَق َرآء الذ َ
قبل
َّللاِ} قال :الذين وقفوا مع هللا بهممهم ،فلم يرجعوا منه إلى غيره.
يل َّ َ
ِ
ُحصروْا ِفي سِب ِ
ين أ ُ
ِ ِ َّ ِ
وقيل فى قوله{ :لْلُفَق َرآء الذ َ
وقال محمد بن الفضل فى هذه اآلية :تمنعهم عُلومهم عن رفع حوائجهم إلى موالهم.
استغناء به فى
افتقار إلى هللا فى الظاهر و
ًا وهم ُّ
أشد الناس الجاهل بحالهم أغنياء فى الظاهرُ ،
ُ قال ابن عطاء :يحسبهم
ً
الباطن.
ِِ
اه ْم}. قوله تعالى{ :تَ ْع ِرُف ُهم بس َ
يم ُ
قال :بطيب قلوبهم وحسن حالهم وبشاشة وجوههم ونور أسرارهم وجوالن أرواحهم فى ملكوت ربهم.
وقال النورى :تعرفهم بسيماهم ،بفرحهم بفقرهم واستقامة أحوالهم عند موارد البالء عليهم.
قال الجنيد رحمة هللا عليه كلت ألسنتهم عن سؤال من يملك الملك ،فكيف من ال يملك!
قال الواسطى رحمة هللا عليه :هذا ترهيب للعام فأما للخواص فقوله "وإياى فاتقون".
كهما
قال جعفر :هلل ما فى السماوات وما فى األرض ،من اشتغل بهما قطعاه عن هللا ،ومن أقبل على هللا وتركهما مل ُ
هللا إياه.
{وإِن تُْب ُدوْا َما ِفي أ َْنُف ِس ُك ْم أ َْو تُ ْخُفوهُ} [اآلية.]284 :
قوله تعالىَ :
من األفعال الظاهرة واألحوال الباطنة يحاسبكم به هللا أى :يثيبكم عليه.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :إن تبدوا ما فى أنفسكم أو تخفوه من إرادة الكون أو المكون يحاسبكم به هللا أى بإرادتكم،
ويعذ ُب من يشاء من آثر الدنيا على اآلخرة.
فيغفر لمن يشاء لمن أراد الجنة ونعيمهاُ ،
وقال على بن سهل البوشنجى :إن تبدوا ما فى أنفسكم من األعمال ،أو تخفوه من األحوال ،يحاسبكم به هللاُ العارف
على أحواله والزاهد على أفعاله.
ظاهر. موجود وال اإليمان حكما وتسمية وال المؤمن وقيل فى قوله{ :واْلمؤ ِمنون ُك ٌّل آمن ِب َّ ِ
ٌ ٌ اَّلل} ً ََ َ ُْ ُ َ
كان ،ألنه قبل الكون والكان وأوجد األكوان بقوله ِِ ِ َّ
صَن َع ُه وال عل َة لصنعه ليس لكانه ٌ
صنع َ
قال بعض البغداديينُ :ك ُّل ُ
كن.
وقال بعض العراقيين فى قولهَ { :فا ْذ ُك ُروِني أَ ْذ ُك ْرُك ْم} قال :لك نسيبة من الحق يتحمل بها الموارد وهو ذكره إياك ،فلوال
ذكره إياك ما ذكرته .وقيل :اذكرونى بجهدكم وطاقتكم ألقرن ذكركم بذكرى فيتحقق لكم الذكر.
قال سمنون :حقيقة الذكر أن ينسى كل شىء سوى مذكوره ،الستغراقه فيه فيكون أوقاته كلها ًا
ذكر وأنشد:
وقال بعض البغداديين :الذكر عقوبة ألنه طرد الغفلة ولو لم يكن غفلة فال معنى للذكر .وقال بعض المتأخرين من
أهل خراسان :كيف يذكر الحق بعقول مصنوعة وأوهام مطبوعة؟ وكيف يذكر بالزمان من كان قبل الزمان على ما
هو به؟ إذ الحق سبق
َّللاِ تَ ْ ِ
ُك َّل مذكور .وقيل :اذكرونى على الدوام لتطمئن قلوبكم بى ،ألنه يقول { :أَالَ ِب ِذ ْك ِر َّ
ط َمئ ُّن اْلُقُل ُ
وب } [الرعد.]28 :
ذكر المذكور لك بدوام ذكرك له ،قال هللا جل من قائلَ{ :فا ْذ ُك ُروِني أَ ْذ ُك ْرُك ْم}.
وقال بعضهم :أتم الذكر أن تشهد ُ
ات}.
وم ٌ
َش ُهٌر َّم ْعُل َ
قوله تعالى{ :اْل َح ُّج أ ْ
على أصحاب الفهوم السليمة واعقلوا عنى. قوله تعالى{ :واتَُّقو ِن ٰيأُولِي األَْلب ِ
اب} أى :أقبلوا َّ َ ْ َ
قال :ملكك ثم اشترى منك ما ملكك ليثبت معك نسبه ثم استقرض منك ما اشتراه ثم وعدك عليه من العوض أضعاًفا،
بين فيه أن نعمه وعطاياه بعيدتان أن تكونا مشوبتين بالعلل.
ط} قال :يقبض أى ُيوحى أهل صفوته من رؤية الكرامات ،ويبسطهم {يْقِب ُ
ض َوَي ْب ُس ُ وقال بعض البغداديين فى قولهَ :
بالنظر إلى الكريم.
اس َّل ُه َّن َعلِ َم َّ ِ الرَف ُث ِإَلى ِنس ِآئ ُكم ه َّن لِب َّ ُح َّل َل ُكم َليَل َة ِ
أِ
َّللاُ أََّن ُك ْم ُكنتُ ْم تَ ْخ ُ
تانو َن أ َْنُف َس ُك ْم َفتَ َ
اب َعَل ْي ُك ْم اس ل ُك ْم َوأ َْنتُ ْم لَب ٌ
ٰ َ ْ ُ َ ٌ الصَيا ِم َّ ْ ْ
َسَوِد ِم َن ِ ِ ِ
ض م َن اْل َخ ْيط األ ْ ط األ َْبَي ُ َّن َل ُك ُم اْل َخ ْي ُاش َرُبوْا َحتَّ ٰى َيتََبي َ
َّللاُ َل ُك ْم َوُكُلوْا َو ْ اآلن َٰبش ُر ُ
وه َّن َو ْابتَ ُغوْا َما َكتَ َب َّ َو َعَفا َع ْن ُك ْم َف َ
وقيل هو الذى أوجد أباك وألقى فى قلبه رحمتك ،فذكر ولى النعم األول أولى.
وقال بعضهم :اذكرنى بالنعماء ُيرى عليك منى روائد اآلالء فاذكرونى بالخوف تجدنى
أمانا لك عند المخاوف ،واذكرنى بالعبودية الخالصة أقبلك على شرائط السالمة عاجالً
ً
عوضا من ِ
الكل ،ومن كنت له فاألكوان كلها فى ً من مرهوبه ،ومن ذكرنى لى ُكنت له
أسره.
قال الواسطى :ذكر عارضى ودعا عادتى كيف تُرجى بركته أو نموه وزيادته.
ِِ
الن ِار} وقنا نيران عذاب شهواتنا فإن من شغل {وِقَنا َع َذ َ
اب َّ اإلعراض عنها ِ
{وفي اآلخ َرة َح َسَن ًة} ترك االشتغال بها َ
َ
مشؤوم ،وقيل :العلم والعبادة ،وقيل :الرزق عنك
ٌ
قال الواسطى :فى الدنيا حسنة الغيبة عن كل مصطلح من الحق وفى اآلخرة حسنة
الل ِ
طف والميم من الملك. قيل :األلِف من األحدية والالم من ُّ
ُ
باالستغناء عما ِس َواهُ .قوله {اْل َح ُّي} هو الذى ال طول لحياته وال أمد لبقائه.
ِ ِ
الحق بنفسه والديمومية وقيام
َّللاِ} [اآلية.]4 : قوله تعالىِ{ :إ َّن َّال ِذين َكَفروْا ِبآي ِ
ات َّ َ ُ َ
وقال الواسطى :عزيز عن أن يخالف إرادته أحد ،بل ينتقم بما يجرى .نفى أن تكون عقوبته مقابل ًة لألفعال المحدثة.
الس َم ِآء َّللاَ الَ َي ْخَف ٰى َعَل ْي ِه َشيء ِفي األ َْر ِ
ض َوالَ ِفي َّ ِإ َّن َّ
ٌْ
قيل :ال يخفى عليه شىء فطالعوا همومكم أن تكون خالي ًة عن األهو ِاء والشبهات ،فإنه ال يخفى عليه شىء.
ِ َّ ِ
آء} من األنوار والظلمات .قال النبى صلى هللا عليه ص ِوُرُك ْم في األ َْر َحا ِم َك ْي َ
ف َي َش ُ {ه َو الذي ُي َ
قال محمد بن علىُ :
ضل ٍ وسلمَّ " :
النور اهتدى ،ومن أخطأهُ َ
إن هللا تعالى خلق الخلق فى ظلمة ،وألقى عليهم من نوره فمن أصاب ذلك ُ
قال الحسين :خصوصية تصويره إياك قومك وسواك وعدلك وأنزلك منزلة المخاطبين.
قال أبو عثمان :هو فاتح ُة الكتاب التى ال تجزئ الصالةُ إال بها.
قال محمد بن الفضل :هو سورة اإلخالص ،ألنه ليس فيه إال التوحيد فقط.
ِ َّ
وبَنا َب ْع َد ِإ ْذ َه َد ْيتََنا َو َه ْب َلَنا من ل ُد ْن َك َر ْح َم ًة ِإَّن َك أ َْن َت اْل َوه ُ
َّاب َربََّنا الَ تُ ِز ْ
غ ُقُل َ
يع َاد} [اآلية.]9 : ِ ِ قوله تعالىِ{ :إ َّن َّ
ف اْلم َ
َّللاَ الَ ُي ْخل ُ
ض ِة َواْل َخْي ِل اْل ُم َسَّو َم ِة َواأل َْن َعا ِم َواْل َح ْر ِث طرِة ِمن َّ
الذ َه ِب َواْلِف َّ النس ِاء واْلبِنين واْلَقن ِ
اط ِ
ير اْل ُمَق ْن َ َ َ
اس ح ُّب َّ ِ ِ ِ
الش َه َوات م َن َ َ َ َ َ َ ُزي ِ
ِن ل َّلن ِ ُ َ
َّللا ِع ْن َده حس ُن اْلم ِ
آب َ ٰذلِ َك َمتَاعُ اْل َحَي ِاة ُّ
الد ْنَيا َو َّ ُ ُ ُ ْ
اس ح ُّب َّ ِ ِ ِ ِ ِ {زي ِ
ين} [اآلية.]14 :
الش َه َوات م َن الن َساء َواْلَبن َ ِن ل َّلن ِ ُ
قوله تعالىَ ُ :
قيل :من اشتغل بهذه األشياء قطعته عن الحق ،ومن استصغرها وأعرض عنها ُع ِو َ
ض عليها السالم َة منها وُفتح له
يق إلى الحقائق.
الطر ُ
غاية رجائه من ُد ُخ ِ
ول الجنة ،ومن كانت معاملتُه على رؤية لوغه إلى ِ قيل فيه :من ع ِمل رجاء الجنة فإن غاية ب ِ
ُ َ
َّللاِ أَ ْكَب ُر } [التوبة.]72 :
ان ِم َن َّ فإن له الرضوان .قال هللا تعالىَ { :وِر ْ
ض َو ٌ الرضا َّ
ومساكن ِ
القلب فيه أمو ِره ِ ِ
ُ ابر المستسل ُم فى كل ُ
الص َ
المتصبر ،ألن َّ
َ غير
ابر ُ الص ُ
قال أحمد بن عاصم األنطاكىَّ :
ددت فيه إلى َحالِ َك وعجزك يكابد
المتصبر ما ُر َ
محفوظاً ،و َ
ٍ
عين واحدة.
ين} هم الذين {الصاِب ِرين} هم الذين صبروا باهللِ تعالى فى طاعة هللاِ تعالى مع هللاِ تعالى ،و َّ ِ ِ
{الصادق َ َ َُ َ ُ قال ابن عطاءَّ :
ِِ ٍ ٍ
صدق قويم واعتماد صحيح وس ٍر ال يشوبه شىء و {اْلَقانت َ
ين} هم الذين أطاعوا هللا صد ُقوا ما عاهدوا هللا عليه عن
َ
تعالى فى ِس ِرهم
َس َح ِار} هم الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع. وعالنيتهم ،و {اْلمستَ ْغِف ِر َ ِ
ين باأل ْ ُْ
{ش ِه َد
معت الشبلى يقول :ما قلت هللا إال استغفرت من ذلك ،ألن هللا تعالى يقولَ : ِ
عت محمد بن عبد هللا يقولَ :س ُ َسم ُ
َّللاُ أََّن ُه الَ ِإَلـ َٰه ِإالَّ ُه َو} فمن شهد بذلك له من األكوان إال عن ٍ
أمن أو غفلة. َّ
ِ
شهد لنفسه حتى يصل إلى الفاقة الكبرى َ
قيل :وما الفاق ُة الكبرى؟ قال :حتى يصل إلى الشهادة هلل تعالى بما َ
ُ وقيل :ال
به ،وال ينجو منه إال ِ
به. يعلم أنه ال يصل إليه إال ِ
ُ
وقيل للشبلى رحمه هللا :لِ َم تقول هللا وال تقول ال إله إال هللا؟ فأنشأ يقول:
يغيب
الفْق ُد ماذا ُ
فإ َذا استحال َ بثبوتها مس َيغالِ ُب َ
فقدها ُ َش ٌ
فقده؟
كون ُه ،وهل يثبت إال ما ال َي ُجوز ُ
ثم قال :وهل يبَقى إال ما يستحيل ُ
َّللاُ أََّن ُه الَ ِإَلـ َٰه ِإالَّ ُه َو} ،فقالَ :دَّلنا بنفسه من نفسه على نفسه بأسمائه وفيه بيان
{ش ِه َد َّ
وقال ابن عطاء فى قولهَ :
كالمه وأسمائه ِ
شاه ًدا ِ رُبوبيته وصفاته ،فجعل لنا فى
يشهد
َ الشاهد عليه توحيده ،وال يستحق أن
ُ معه غيره ،فكان
نفس ُه ولم يكن ُ
وح َد َ ذلك َّ
ألن هللا تعالى َّ ودليالً ،وإنما فعل َ
معه ،ثم دعا الخلق إلى شهادته ،فمن وافقت شهادته فقد أصاب
شاهد ُ
َ الشاهد فال
ُ حيث الحقيقة سواهُ ،إذ هو
عليه من ُ
َّ
حظ ُه من حقيقة
وصمديته ،وش ِه َد المالئك ُة وأولوا العلم له بتصديق ما ِ {ش ِه َد َّ
َّللاُ} فقالَ :شهد هللا بوحدانيته وأبديته َ وقال جعفر فى قوله َ
شهد هو لنفسه.
تقبل الشهادة إال من الصادقين ،فظهر بهذا أنه ال يصح إال للصادقين دون غيرهم من الخلق.
َّللاُ أََّن ُه الَ ِإَلـ َٰه ِإالَّ ُه َو} شهادته لنفسه أن ال صانع غيره ،آمن بنفسه قبل أن ُيؤمن به مما
{ش ِه َد َّ
قال الحسين فى قولهَ :
ِ
وبغيبه داعين إليه ،والمؤمنون يؤمنون به وصف من نفسه ،فهو المؤمن بغيبه الداعى إلى نفسه ،والمالئك ُة مؤمنو َن به َ
ِ ِ
يشير إلى غيبه ،فإنما يشير
آم َن به فقد آمن بغيبه ،وكل ما فى القرآن مما ُ
ورُسله ،فمن َ اعون إليه بكتُبه ُ
وبغيبهَ ،د ُ
بنفسه إلى غيبه وال يعلم غيبه إال ُه َو.
ك اْل َخ ْي ُر ِإَّن َك نزع اْلمْلك ِم َّمن تَ َشآء وتُ ِعُّز من تَ َشآء وتُِذ ُّل من تَ َش ِ ِ ِ ِ ِ َّ
آء ِبَيد َ
ُ َ ُ َ َ ُ َ آء َوتَ ِ ُ ُ َ ْ ُقل الل ُه َّم َمال َك اْل ُمْلك تُ ْؤتي اْل ُمْل َك َمن تَ َش ُ
َعَل ٰى ُك ِل َشي ٍء َق ِد ٌير
ْ
الل ُه َّم َمالِ َك اْل ُمْل ِك} [اآلية.]26 :
قوله تعالىُ{ :ق ِل َّ
قال أبو عثمان :الملك :االيمان وهذا دليل أن اإليمان ال يتحقق على شخص إال بعد الكشف والسالمة له فى
نزعُ اْل ُمْل َك ِم َّم ْن
االنقالب إلى ربه ،فربما يكون عارية وربما يكون عطاء .قال هللا تعالى{ :تُ ْؤِتي اْل ُمْل َك َمن تَ َشآء َوتَ ِ
ُ
لكه.
ع منه ُم ُ ِ
مترسم برسم الملوك ،وقد ُنز َ
ٌ آء} فهو
تَ َش ُ
أسباب
ُ يؤثر فيه
اصطفيته لك ،فال ُ
ُ تشاء أى ممن
ممن ُ الحسين :تؤتى الملك من تشاء "فتشغله به ،وتنزع الملك َّ
ُ قال
برسو ِم الهياكل.
تشاء بإنصافه ُ
تشاء بإظهار عزتك عليه وتُذل من ُ
عز من ُ أسرِار الملك ،وتُ ُ
الملك ،ألنه فى َ
يسلم من ُشرورهما.
حه كى َ
قلبه وجوار ُ
لكه ُ
طوبى لمن ُم ُ
اسطى في هذه اآليةُ :
قال الو
ُ
ِ قوله تعالى{ :الَّ يتَّ ِخ ِذ اْلمؤ ِمنو َن اْل َك ِاف ِرين أَولِي ِ
آء من ُدو ِن اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين} [اآلية.]28 : َ ََْ ُْ ُ َ
سِئل أبو عثمان عن هذه اآلية فقال :ال ينبسط سنى إلى مبتدع لفضل عشرة وال لقرابة َن ٍ
سب وال يلقاهُ إال ووجهه له
ُ ٌ ُ َ
أحب من أبغضه هللا تعالى وليس ٍ
بولى هلل من ال ُيوالى أولياء هللا تعالى وال يعادى كارهٌ ،فإن فعل شيئاً من ذلك فقد َّ
أعداءه.
للسر ِ
ائر، {وُي َح ِذ ُرُك ُم َّ
َّللاُ َنْف َس ُه} هل هو إال اإلثبات وليس له من ذلك شئ وإنما هو إيقاعُ البقيَّة َّ أيضا فى قولهَ :
وقال ً
وساوسه.
ُ وخلوصه من ُ وتيُقظ الطبع من الرعونة،
.
ِ
خشيته ودو ُام اشتغال القلب به ودو ُام انتصاب القلب بذكره، قال عمرو بن عثمان :محبَّة هللا تعالى منى معرفته ودو ُام
ودوام األنس به.
ِ
لطائف الجمال. المحب ُة هى موافق ُة القلوب عند بروز بعض ُهم:
َّ قال ُ
وتركت ما ُدون
ُ أحببت طاعة هللا تعالى،
ُ الدنيا حتى
أبغضت ُ
ُ أبغضت نفسى ،و
ُ بت هللا تعالى حتى
أحب ُ
قال أبو يزيدَ :
كل مخلوق. الخالق على المخلو ِق ،فاشتغل بخدمتى ُّ
َ اخترت
وصلت إلى هللا تعالى ،و ُ
ُ هللا تعالى حتى
قليل العبارِة دائم التفكر ،كثير الخلوِة ،ظاهر الصمت ،ال يبصر إذا ِ
ُسئ َل األنطاكى ما عالم ُة المحبَّة؟ فقال :أن يكو َن َ
نظر وال يسمع إذا نودى ،وال يحزُن إذا أُصيب وال يفرُح إذا أصاب وال يخشى ً
أحدا وال يرجوه.
ص بالجفوة. ِ
ُسئل يحيى بن معاذ عن حقيقة المحبَّة فقال :الذى ال يزيد بالبر وال ينُق ُ
سهل بن عبد هللاُ :م ِح ُّب هللا تعالى على الحقيقة من يكون اقتداؤه فى أحواله وأفعاله وأقواله بالنبى صلى هللا عليه
قال ُ
وسلم.
قال جعفر رحمه هللا فى قوله تعالىُ{ :ق ْل ِإن ُكنتُ ْم تُ ِحبُّو َن َّ
َّللاَ َفاتَِّب ُعوِني ُي ْحِب ْب ُك ُم َّ
َّللاُ} قي ََّد أسرار الصديقين بمتابعة نبيه
يعلموا أنهم وإن علت أحوالهم وارتفعت مراتبهم ال يقدرون مجاورته وال اللحوق به. صلى هللا عليه وسلم لكى ُ
أمر بطلب ُن ِ
ور األدنى من عمى عن ُنور األعلى. ٍ
قال ابن عطاء فى هذه اآليةَ :
محبتكم إياى بمتابعة حبيبى ،فإنه ال وصول إلى محبتى إال بتقديم محبَّته ،واتباعه على طريقته ،فإن طريقته هى
ِ
الحبيب األعلى. الطريقة المثلى والوصل ُة إلى
قال محمد بن الفضل فى قوله تعالىُ{ :ق ْل ِإن ُكنتُ ْم تُ ِحبُّو َن َّ
َّللاَ َفاتَِّب ُعوِني ُي ْحِب ْب ُك ُم َّ
َّللاُ} :نفى اسم المحبة عمن يخالف
وباطنا ،أو يترك متابعة ً ظاهر
ًا شيئا من ُسنن الشريعة
ً
الرسول صلى هللا عليه وسلم فيما َد َّق وجل ،ألن المتابع له من ال يخالفه فى شئ من طريقته صلى هللا عليه وسلم.
وحب ُة القل ِب يقول فى قول هللا تعالىُ{ :ق ْل ِإن ُكنتُ ْم تُ ِحبُّو َن َّ
َّللاَ} قال :اشتقت المحبَّة من حبَّة القلبَّ ، سمعت السالمى ُ
الحب ُة فى األرض فتنبت. مثل أن تقع َّ ِ
عين القلب ،وهو ُ
ُ
وصفاهم لمودته.
ِ
للمطالعة األنبياء بالمشاهدة والتقريب ،واصطفى المؤمنين أيضا :اصطفى
َ وقال ً
االصطفاء؟
ِ طِني محَّر اًر َفتََقبَّل ِمِني ِإَّنك أَنت َّ ِ ِ ِإ ْذ َقاَل ِت ام أرَت ِعمر ِ ِ
يم
يع اْل َعل ُ
السم ُ َ َ ْ ان َرب ِإني َن َذ ْر ُت َل َك َما في َب ْ ُ َ
َْ ُ َْ َ
تقبَّلنى.
ِ
الحقيقة حسنا :أضاف اإلحسان إليها فى الشريعة ،وفى
قال الواسطى رحمه هللا :بقبول حسن :محفوظة ،وأنبتها نباتًا ً
حفظها وأنبتها.
باب كل ٍ
بر وموضع اإلجابة واستفتاح الطريق إلى االنبساط ،والمناجاة واإلعراض عن قال أبو عثمان :المحراب ُ
سبب إغالق الباب دونك.
المحراب ُ
المعوض.
َّ تجر إلى
تجر إلى اإلعواض واألحوال ُّ
وقال بعضهم -رحمة هللا عليه :-العبادات ُّ
قال ابن عطاء رحمه هللا تعالى :السي ُد المتحقق حقيقة الحق والحصور المنزه عن األكوان وما فيها.
عوضا عن ربه.
ً قال الجنيد رحم ُة هللا تعالى عليه :السيد الذى حاد بالكونين
قال محمد بن على رحم ُة هللا تعالى عليه :السيد من استوت أحواله عند المنع والعطاء.
قال ابن منصور رحم ُة هللا تعالى عليه :السيد من خال من أوصاف البشرية وأظهر نعوت الربوبية.
اس ِفي اْل َم ْه ِد َوَك ْهالً} [اآلية.]46 : قوله تعالى{ :وُي َكلِم َّ
الن َ َ ُ
ِ
المهد ويكون كهالً من الصالحين. الناس فى
ويكلم َ
وقيلُ :
صبيا وعند نزوله من السماء كهالً ،ليكون على طرفى كالمه معجزًة. ِ
وقيل ويكلم الناس فى المهد ً
أبطل ِ
بهذه اآلية ِ ِ
ُحيى به كل شىء و َ
َ
أوصاف ال يجدن َحيى بنفسه وأ
َ
وغاب عن
َ صفات الربوبية
ُ قيلَ :من اشتملت عليه
َ
دعاوى من َّادعى إظهار معجزٍة ِ
عليه به دو َن إذن ربه ،فاهلل قادر على اإلعجاز فى جميع األوقات ،يظهرها على من ََ ََ
الصور.
السبب المظهر عليهم ،ذلك هو الهياكل و ُ يشاء فاإلعجاز هلل و ُ
ور ُث به قلوب أصفيائك من عُلوم غيبك ،واتَّبعنا الرسول فيما أظهرت من سنن أو ِ
امرك آمنا بما ُن ِ
قال ابن عطاءَّ :
ُ َ َ ُ َ ْ َ ُ َ
شهد معك سواك.
ابتغاؤك إلى محبتك ،واكتبنا مع الشاهدين مع من ُيشهدك وال َي ُ
ُ جاء أن ُيوصلنا
ونواهيك ،ر ً
ِ
َّللاُ َخ ْي ُر اْل َماك ِر َ
ين َّللاُ َو َّ
َو َم َك ُروْا َو َم َك َر َّ
عل َة لصن ِ
عه وأنشد: فصاح وقال :ال َّ ُ ْ
َ المكر إلى هللا؟
ُ نس ُب ِ
بعض أهل الحقيقة :كيف ُي َ
ئل ُُس َ
ين َكَف ُروْا ِإَل ٰى َي ْو ِم َّ ِ ِ َّ ِ ط ِهر ِ َّ ِ ِ ِ ِ ِإ ْذ َقال َّ ِ
ين اتََّب ُعو َ
ك َف ْو َق الذ َ ين َكَف ُروْا َو َجاع ُل الذ َ
ك م َن الذ َ يك َوَراف ُع َك ِإَل َّي َو ُم َ ُ َ
يس ٰى ِإني ُمتََوف َ
َّللاُ يٰع َ َ
اْلِقيام ِة ثُ َّم ِإَلي مرِجع ُكم َفأَح ُكم بين ُكم ِفيما ُكنتم ِف ِ
يه تَ ْخَتلُِفو َن َّ َ ْ ُ ْ ْ ُ َ ْ َ ْ َ ُ ْ ََ
يك َوَرِاف ُع َك ِإَل َّي} [اآلية.]55 : ِ ِ قوله تعالىِ{ :إ ْذ َقال َّ ِ
يس ٰى ِإني ُمتََوف َ
َّللاُ يٰع َ َ
ظ ِ
وظك ورافع َش ِ
طهر سرك
وم ُإلى ُ
خصك َّ قال الواسطى :إنى ُمتوِف َ
يك عنك ُح ُ
ِ ِ
ِك َفالَ تَ ُك ْن من اْل ُم ْمتَ ِر َ
ين اْل َح ُّق من َّرب َ
آء ُك ْم َوأ َْنُف َسَنا وأ َْنُف َس ُك ْم ثُ َّم ِ ِ يه ِمن بع ِد ما جآء ِ ِ آجك ِف ِ
آءَنا َون َس َ
آء ُك ْم َون َس َ
آءَنا َوأ َْبَن َ
ك م َن اْلعْل ِم َفُق ْل تَ َعاَل ْوْا َن ْدعُ أ َْبَن ََْ َ َ َ َ َف َم ْن َح َّ َ
ِ نبت ِهل َفنجعل َّلعنت َّ ِ
َّللا َعَلى اْل َكاذِب َ
ين َْ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ
ضَنا َب ْعضاً أ َْرَباباً ِمن ِ َّللا والَ ن ْش ِر ِ َّ َّ ٍ ِ ٍ َهل اْل ِكتَ ِ
ك ِبه َش ْيئاً َوالَ َيتَّخ َذ َب ْع ُ
اب تَ َعاَل ْوْا ِإَل ٰى َكل َمة َس َوآء َب ْيَنَنا َوَب ْيَن ُك ْم أَال َن ْعُب َد ِإال َّ َ َ ُ َ ُق ْل ٰيأ ْ َ
َّللاِ َفِإن تََوَّل ْوْا َفُقوُلوْا ْ
اش َه ُدوْا ِبأََّنا ُم ْسلِ ُمو َن ُدو ِن َّ
الص َمدية.
إظهار العبودية عند مالحظة َّ
ُ اسطى :هو
قال الو ُّ
ين اتََّب ُعوهُ َو َهـٰ َذا ا َّلنِب ُّي} [اآلية.]68 : اه َّ َِّ ِ ِِ ِ ِ
قوله تعالى{ :إ َّن أ َْوَلى الناس بإ ْب َر َ
يم َللذ َ
والَ تؤ ِمنوْا ِإالَّ لِمن تِبع ِدين ُكم ُقل ِإ َّن اْلهد ٰى هدى َّ ِ
وك ْم ِع َند َرب ُ
ِك ْم ُق ْل ِإ َّن اْلَف ْ
ض َل َحٌد ِم ْث َل َمآ أُوِتيتُ ْم أ َْو ُي َح ُّ
آج ُ َّللا أَن ُي ْؤتَى أ َ ُ َ َُ َ َ َ َ ْ ْ َ ُْ ُ
يم ِ يه من ي َشآء و َّ ِ ِبي ِد َّ ِ ِ ِ
َّللاُ َواس ٌع َعل ٌ َّللا ُي ْؤت َ َ ُ َ َ
تعش فى
كم على أحوالكم وطريقتكم ،قال المر ُ ِ
بعضهم :ال تعاشروا إال لمن يوافُق ُ
قال ُ
ائله
تتبينوا أو ُ
قال أبو بكر بن طاهر :ال تُصدقوا ظهور الكرامة على أحد ما لم ُ
ِ
الخائف. قال أبو عثمان :أهمل القول ليتقى معه رجاء الراجى وخوف
وقال بعضهم :أزال العلل فى العطايا ومنع النفوس عن مالحظات المجاهدات ما
آء} قال :ارتفعت العلل فى العطايا وفيما أظهر من النعوت والخفايا وفتن قال سهل فى قوله{ :يخت ُّ ِ ِ ِ
ص ب َر ْح َمته َمن َي َش َُ َْ
آء} البر بعد قوله {يخت ُّ ِ ِ ِ ِ
بالوسائل من أعمال ِ
ص ب َر ْح َمته َمن َي َش َُ َْ النفوس عن مطالعات المجاهدات فكيف يتوسل المتوحد
يق بالشواهد والموارد والعوايد والفوائد.
ليس إليه طر ٌ
فأيقن بأن َ
آء} :أنبأ أن ال طريق إليه بالعوائد والفوائد]. [قال ابن عطاء فى قوله {يخت ُّ ِ ِ ِ
ص ب َر ْح َمته َمن َي َش َُ َْ
نت بال أنت ،ويكو ُن القائم قال الواسطى رحمة هللا عليه فى قوله{ :يخت ُّ ِ ِ ِ
آء} :قال :أن تكون حيث ُك َ
ص ب َر ْح َمته َمن َي َش َُ َْ
هو لك بذاته ونعوته.
ِ اس ُكونوْا ِعباداً لِي ِمن دو ِن َّ ِ ما َكان لِب َش ٍر أَن يؤِتيه َّ ِ ٰ
ين ِب َما َّللا َوَلـ ِٰكن ُك ُ
ونوْا َرَّبـٰنِي َ ُ ول ل َّلن ِ ُ َ
النبَّوَة ثُ َّم يُق ِ
َ َ َّللاُ اْلكتَ َب َواْل ُح ْك َم َو ُّ ُ ُْ ُ َ َ َ
ِما ُك ْنتُ ْم تَ ْد ُرُسو َن ِٰ ِ
ُكنتُ ْم تُ َعل ُمو َن اْلكتَ َب َوب َ
ِ
ونوْا َربَّانِي َ
ين} [اآلية.]79 : {ك ُ
قوله تعالىُ :
وقال ابن عطاء :عاينوا أوقات ترتيبكم لتتخلصوا من هذه اآلفات ُكلها.
ِ
ونوْا َربَّانِي َ
ين} قال :مستمعين بسمع القلوب وناظرين بأعين الغيوب. {ك ُ
وقال جعفر فى قولهُ :
ين} قال :كونوا كأبى بكر رضى هللا عنه إذ ورد عليه فوادح األمور ال يؤثر على ِس ِره حين ِ
ونوْا َربَّانِي َ
{ك ُ
أيضاُ :
وقال ً
بدر" :دع مناشدتك مع ربك فإنه ينجز لك ما وعدك قال للنبى صلى هللا عليه وسلم يوم ٍ
".
اعَل ْم } [محمد ،]19 :فاالستسالم إظهار العبودية والعلم به والتوسل إلى األزلية واألبدية ،لذلك قال خاطبهم فقالَ { :ف ْ
ِ
ونوْا َربَّانِي َ
ين}. {ك ُ
فقالُ :
ِ
ونوْا َربَّانِي َ
ين} :جذبهم بهذا من االفتخار بالطين إلى االفتخار بالحق. {ك ُ
وقال فى قولهُ :
وقال الجنيد رحمة هللا عليه :أخرجهم من الكون جملة ،وجذبهم إلى الحق إشارة ،وإذا أردت أن تعرف مقامات الخلق
قائما فى أشجانه ،استقطعه ما وافق سريرته ،فانظر بما
ومواطنهم فى الحقيقة ،فانظر إلى تصرف أخالقهم تجد كالً ً
ربطت القلوب فتشهد
سرائرهم ،ألنهم أخذوا من المصادر األول ،فمن لم يستقطعه إال إنسال أنواره والحياء فيما ورد عليه أتقن كيفية باطنه
على الحقيقة ينازعه فى ربوبيته ُّ
ويمن عليه بعبوديته وال تشعر أنت.
وقال بعض العراقيين :أخرجهم من آدم وبرأهم منه كى ينسوا العبودية ويتركوا االفتخار بالماء والطين.
ِ ِ
ِما ُك ْنتُ ْم تَ ْد ُرُسو َن} .من آالئى ونعمائى عليكم وبما كنت توليت من أموركم. قوله تعالىِ{ :ب َما ُكنتُ ْم تُ َعل ُمو َن اْلكتَ َ
اب َوب َ
ِ
خير لك وأحسن من أن ونوْا َربَّانِي َ
ين} قال :ألن تكون ابن األزل واألبد ٌ {ك ُ
قال الواسطى رحمة هللا عليه فى هذه اآليةُ :
تكون من أبناء الماء والطين واألفعال واإلحصاء والعدد.
الل ِ
دنى ما غيبه عن غيره. وقال سهل :الربانى هو العالم باهلل والعالم بأمر هللا والمكاشف له من العلوم َّ
ٌ
ِ
ونوْا َربَّانِي َ
ين} أى سامعين من هللا ناطقين باهلل. {ك ُ
وقال الجريرىُ :
ِ
ونوْا َربَّانِي َ
ين} قال :كونوا كأبى {ك ُ
سمعت محمد بن عبد هللا يقول :سمعت الفضل بن العباس يقول :فى قوله عز وعالُ :
بكر الصديق رضى هللا عنه فإنه لما مات النبى صلى هللا عليه وسلم اضطربت األسرار كلها لموته ،ولم يؤثر فى ِ
سر
أبى بكر فقال" :من كان منكم يعبد
ِ
ونوْا َربَّانِي َ
ين} متخلقين بأخالق الحق علماء حلماء. {ك ُ
وقال القاسمُ :
ِ
بيدا منقطعين يقتدون بالسيد ويتخلقون بأخالقه ال يالحظون الكون بأسره ،وال ما ونوْا َربَّانِي َ
ين} أى :ع ً {ك ُ
وقال بعضهمُ :
يجرى من المحو فى وقته.
ْم ُرُكم ِباْل ُكْف ِر َب ْع َد ِإ ْذ أ َْنتُ ْم ُّم ْسلِ ُمو َن والَ َيأْم َرُكم أَن تَتَّ ِخ ُذوْا اْلمالَِئ َك َة و َِّ ِ
النبي ْي َن أ َْرَباباً أََيأ ُ َ َ َ ُ ْ
ْم َرُك ْم أَن تَتَّ ِخ ُذوْا اْل َمالَِئ َك َة َو َّ
النِبِي ْي َن أ َْرَباباً} [اآلية.]80 : {والَ َيأ ُ
قوله تعالىَ :
موضعا للمالحظات وليس بأيديهم من الضر والنفع شىء ،فكيف بمن دونهم؟!
ً قال ابن عطاء:
قال الواسطى فى هذه اآلية :ال يخطرن بأسراركم تعظيمهم وال الفكر فى معانيهم،
واعلموا أنما هى ربوبية تولت عبودية.
سمعت أبا الحسن الفارسى يقول :سمعت ابن عطاء يقول :إياك أن تالحظ مخلو ًق ًًا وأنت تجد إلى مالحظة الحق
ْم َرُك ْم أَن تَتَّ ِخ ُذوْا اْل َمالَِئ َك َة َو َّ
النِبِي ْي َن أ َْرَباباً}. {والَ َيأ ُ
سبيالً .قال هللاَ :
قال جعفر :من أولى بالعهد الجارى عليه فى الميثاق األول واتقى وطهر ذلك العهد
وذلك الميثاق أن يدنسه بباطل ،والوفاء بالعهد والكون معه يقطع ما سواه لذلك.
* باطل
ٌ أال ُكل ٍ
شئ ما َخال هللا *
قال الحسين :أخذهم عن شهوِد شواهدهم بخصائص اإلطالع عليهم ،فمن طالع الذات أسلم ً
طوعا وكرًها ،ومن طالع
الهيبة أسلم كرًها.
يس ٰى ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ُقل آمَّنا ِب َّ ِ
وس ٰى َوع َ
وب َواألَ ْسَباط َو َما أُوت َي ُم َ
اق َوَي ْعُق َ
يل َوإِ ْس َح َ
يم َوإِ ْس َماع َاَّلل َو َمآ أُنزَل َعَل ْيَنا َو َمآ أُنزَل َعَل ٰى إ ْب َراه َ ْ َ
ِ ِ ٍ ِ
َحد م ْن ُه ْم َوَن ْح ُن َل ُه ُم ْسل ُمو َن النِبيُّو َن من َّربِ ِه ْم الَ ُنَفر ُ
ِق َب ْي َن أ َ َو َّ
قال ابن عطاء :صدقنا وأقمنا على طريق الصدق معه ،ألنه الذى كتب علينا اإليمان وخصنا به فى علمه قبل أن
أوجدنا فنحن مؤمنون به لسابق تفضله علينا.
قال القاسم :من يأخذ غير االنقياد طريًقا فى التعبد لم يصل إلى شىء من حقيقة العبودية.
عمل.
بالسنة ال ُيقبل منه ٌ
وقال مجاهد :من لم يعتد أفعاله ُّ
اإل ْسالَ ِم ِديناً} :إنه التفويض ،ومن لم يفوض إلى مواله جميع أموره لم يقبل منه
سهل فى قوله{ :ومن َي ْبتَ ِغ َغ ْي َر ِ
ََ وقال ٌ
شيئا من أعماله.
ً
يمَلن تََناُلوْا اْلِبَّر حتَّ ٰى تُْنِفُقوْا ِم َّما تُ ِحبُّو َن وما تُْنِفُقوْا ِمن َشي ٍء َفِإ َّن َّ ِ ِ ِ
َّللاَ به َعل ٌ ْ ََ َ
قوله تعالىَ{ :لن تََناُلوْا اْلِبَّر َحتَّ ٰى تُْنِفُقوْا ِم َّما تُ ِحبُّو َن} [اآلية.]92 :
وقال جعفر :بإنفاق المهج يصل العبد إلى حبيبه وقرب مواله .قال هللا تعالىَ{ :لن تََناُلوْا اْلِبَّر َحتَّ ٰى تُْنِفُقوْا ِم َّما تُ ِحبُّو َن}.
وقال أبو عثمان فى قولهَ{ :لن تََناُلوْا اْلِبَّر َحتَّ ٰى تُْنِفُقوْا ِم َّما تُ ِحبُّو َن} قال :لن يصل إلى مقامات الخواص من بقى عليه
شىء من آداب النفوس ورياضاتها.
قال الواسطى رحمه هللا :عليه الوصول إلى البر بإنفاق بعض المحاب والوصول إلى البار بالتخلي من الكونين وما
فيهما.
وقال ابن عطاء :لن تنالوا وصلتى وفى أسراركم موافقة ومحبة لسواى.
وقال النصرآباذى :قال بعض المفسرين فى قولهَ{ :لن تََناُلوْا اْلِبَّر َحتَّ ٰى تُْنِفُقوْا} إنه الجنة.
وعندى البر صفة البارى فكأنه قال :لن تنالوا قربى إال بقطع العالئق.
وقال جعفر :لن تنالوا معرفتى وقربى حتى تخرجوا من أنفسكم وهممكم بالكلية.
وقال أبو بكر الوراق فى قولهَ{ :لن تََناُلوْا اْلِبَّر} اآلية :قال :ولهم بهذه اآلية على الفتوة.
وقال :لن تنالوا برى بكم إال ببركم إخوانكم واإلنفاق عليهم من أموالكم وجاهكم بكم وما تحبونه من أمالككم ،فإذا فعلتم
خالصا قابلته ببرى وهو أعلى ،وما كان ذلك
ً ذلك نالكم برى وعطفى ،وأنا أعلم بنياتكم فى إنفاقكم وبركم ،فما كان لى
من الرياء والسمعة ،فإنى أغنى الشركاء للشريك كما روى عن المصطفى صلى هللا عليه وسلم.
قال جعفر الصادق عليه السالم :لن تنالوا وصلتى وفى سركم موافقة مع سواى.
عما دونه.
أيضا :لن تنالوا الحق حتى تنفصلوا َّ
وقال ً
وقال الجنيد رحمة هللا عليه فى قولهَ{ :لن تََناُلوْا اْلِبَّر َحتَّ ٰى تُْنِفُقوْا }...اآلية .قال :لن تنالوا محبة هللا حتى تسخوا
بأنفسكم فى هللا.
اس َلَّل ِذي ِبَب َّك َة ُمَب َاركاً} [اآلية.]96 : قوله تعالىِ{ :إ َّن أََّول بي ٍت و ِ
ض َع لِ َّلن ِ
َ َْ ُ
قال محمد بن الفضل :عالمات ظاهرة يستدل بها العارف على معروفه.
يم}. {مَق ِ ِ
ام إ ْب َراه َ
قوله عز وعالُ َّ :
تخل
وقال محمد بن على الترمذى :مقام إبراهيم بذل النفس والمال والولد فى رضا خليله ،فمن نظر إلى المقام ولم َي َّ
مما تخلى منه إبراهيم من النفس والمال والولد سفره فقد بطل وخابت رحلته.
قال النورى :من دخل قلبه سلطان االطالع كان آمناً من هواجس نفسه ووساوس الشيطان.
العافية وعقابه البالء ،فالعافية أن يتولى عليك أمرك ،والعقوبة أن يكلك إلى نفسك.
آمنا من
اإليمان قلبه كان ً
ُ قال الواسطى رحمة هللا عليه فى موضع آخر :من جاور
منصور يقول :سمعت أبا القاسم اإلسكندرانى يقول بإسناده عن جعفر الصادق عليه السالم فى
ًا رعونات نفسه .سمعت
آمنا من عذابه قوله{ :ومن دخَله َك ِ
ان آمناً} فقال :من دخله على الصفة التى دخلها األنبياء واألولياء واألصفياء كان ً
ََ َ َ ُ َ
كما آمنوا.
فوائد:
إحداها :أنه ليس من العبادات عبادة يشترك فيها المال والنفس إال الحج فأخرجه بهذا االسم.
وقيل :هى عبادة يكثر فيها التعب والنصب على مباشرتها فأخرجه بهذا االسم ليكون ً
عونا له على ما تباشره لعلمه أنه
يؤدى ما هلل عليه فى ذلك.
وقيل :لما كان فيه اإلشارات القيمة من تجريد ووقوف وغيرة قال هللا تعالى :عليك لتهيئ باطنك للموقف األكبر كما
هيأت ظاهرك لهذا الموقف.
زائره " .قلت :ال .قال :ما زرت قال :أحللت؟ قلت :نعم .قال :عزمت على أكل الحالل؟ قلت :ال .قال :ما أحللت.
ودعت؟ قلت :نعم .قال :خرجت من نفسك وروحك بالكلية؟ قلت :ال .قال :ما َّ
ودعت وال حججت وعليك العود قالَّ :
إن أحببت وإذا حججت فاجتهد أن تكون كما وصفت لك.
التلبية؟ قلت :نعم .قال :والتلبية إجابة .قلت :نعم .قال :واإلجابة من غير دعوٍة سوء األدب .قلت :نعم .قال :فتحققت
الدعوة حتى تُجيب ثم الوقوف .قلت :نعم.
سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول :سمعت محمد بن أحمد بن سهل يقول :سمعت سعيد بن عثمان يقول:
الثانى :وهو المزدلفة فلما أن نظر إلى تضرعهم أمرهم بتقريب قربانهم ،فلما قربوا قربانهم وَقضوا تفثهم طهروا من
حجابا من دونه ،فأذن لهم بالزيادة على الطهارة.
ً الذنوب التى كانت لهم
وقال بعضهم :لم أجابوا التلبية أدخلوا الحرم مقامه مقام الدهليز ،ثم دخلوا الحرم باعتقاد ترك كل محرم ،ثم أشرفوا
حال من الحق بإشرافهم على الحق ،ثم دخلوا المسجد الحرام فشهدوا عند ذلك قربة فطافوا
على الكعبة فأشرَفت عليهم ٌ
والذوا وحنوا وهرولوا ،وكانوا فى ذلك هداهم من الدنيا ،والحجر شاهد لهم بوفاء عهودهم ،وخرجوا إلى الصفا فصفوا
صر ٍ
اط ُّم ْستَِقي ٍم ِ ِ صم ِب َّ ِ
يكم رسوُله ومن يعتَ ِ وَكيف ت ْكُفرون وأَنتم ت ْتَلى عَلي ُكم آيات َّ ِ
اَّلل َفَق ْد ُهد َي ِإَل ٰى َ َّللا َوِف ُ ْ َ ُ ُ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ُ َ َ ْ ُْ ُ ٰ َ ْ ْ َ ُ
صر ٍ
اط ُّم ْستَِقيمٍ} [اآلية.]101 : ِ ِ صم ِب َّ ِ
قوله تعالى{ :ومن يعتَ ِ
اَّلل َفَق ْد ُهد َي ِإَل ٰى َ َ َ َْ
قال ابن عطاء :من افتقر إلى هللا من جميع ما سوى هللا فقد فتح له الطريق إلى
هن فى الربوبية.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :االعتصام به منه فمن زعم أنه يعتصم باهلل من غيره فهو َو ٌ
واالعتصام :أن ترى نفسك فى ظله وكنفه وحسن قيام نظره لك فى أبده ،فإن
وقيل :االعتصام هو اللجأ بترك الحول والقوة والسكون واألمر والهدوء تحت مراد هللا.
وقال أبو بكر الوراق :عالمات االعتصام ثالثة :قطع القلب عن معونة المخلوقين،
َّللاَ َح َّق تَُق ِات ِه َوالَ تَ ُموتُ َّن ِإالَّ َوأ َْنتُ ْم ُّم ْسلِ ُمو َن
آمُنوْا اتَُّقوْا َّ
ين َ
ٰيأَي َّ ِ
ُّها الذ َ
َ
قال القاسم :بذل المجهود واستعمال الطاعة وترك الرجوع إلى الراحة ،وال سبيل إليه ألن أوائل طرق الوصول التلف.
وقال بعضهم :أراد به أن ُيعرفنا مواضع فضله فيما رفهنا فيه من استعمال مواجبه ،ألن واجب الحق ال يتناهى والعمل
به ال يتناهى.
سمعت أبا الحسين الفارسى يقول :سمعت ابن عطاء يقول :حقيقة التقوى كل التقوى من إذا قال قال هلل ،وإذا عمل
عمل هلل ،وإذا نوى نوى هلل ،ويكون باهلل وهلل ،وقيل ً
أيضا إنه التورع عن جميع الشبهات.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :األكوان كلها أقدار فى ميدان الحق ،وميدان الحق ال يطأه إال من اتقى ما سواه؛ قال
َّللاَ َح َّق تَُق ِات ِه}.
هللا تعالى{ :اتَُّقوْا َّ
صفى النبى أصحابه وخاصهم فاختار منهم سبعين رجالً الذين بايعوا ليلة العقبة ثم صفاهم قال الواسطى رحمه هللاَّ :
ٍ
بحلية ثم صفاهم فاختار منهم ٍ
بمدحة وحاله ثانيا فاختار منهم عشرة ،فقال :هؤالء فى الجنة ،ومدح كل و ٍ
احد منهم ً ً
َّ َّ
أربعة جعلهم خلفاء من بعده ثم صفى واختار اثنين ،وقال " :اقتدوا بال َذ ْين من بعدى أبى بكر وعمر -رضى هللا
إيمان أبى بكر بإيمان أهل األرض لرجح بهم " .ثم نقاه من
ُ احدا ،فقال " :لو وزن
عنهما " -ثم صفى فاختار و ً
األصل فقال " :لو كنت متخ ًذا خليالً التخذت أبا بكر خليالً
".
قال محمد بن على :تبيض وجوهٌ بنظرهم إلى موالهم وتسود وجوه باحتجابه عنهم.
وقال الحسين بن الفضل :يوم تبيض وجوهٌ بالشهادة وتسود وجوه بالفرار من الزحف.
لضعفكم وصحة توكلكم على ربكم وانقطاعكم عن حولكم وقوتكم وردكم األمر إليه بالكلية ،وأنتم أذلة عند أنفسكم
لقلتكم وما كان ٌيد وعز قط إال بتذليل النفس ومنعها من الشهوات ،فأنزل هللا عليكم نصره وأيدكم { َوَي ْوَم ُحَن ْي ٍن ِإ ْذ
فاألمر كله إليك وليس لك منه شىء جل قدرك أن يالحظ غير الحق فيما يبدئ ويعيد.
ُ قال :لك من األمر،
واتَُّقوْا َّ َِّ ِ ِ ِ
الن َار التي أُعَّد ْت لْل َكاف ِر َ
ين َ
قال ابن عطاء :أمر العوام باتقاء النار لخوفهم منها وتركهم المعاصى من أجلها ،وأمر الخواص بأن يتقوه وينظروا
إليه دون غيره فقال{ :واتَُّقو ِن ٰيأُولِي األَْلب ِ
اب} [البقرة ]197 :أى :يا أهل الخصوص. َ ْ َ
ين ِِ اس و َّ ِ ين َع ِن َّ ِ ِ ِِ آء و َّ ِ َّال ِذين ي ِنفُقو َن ِفي َّ ِ
َّللاُ ُيح ُّب اْل ُم ْحسن َ الن َ ظ َواْل َعاف َ
ين اْل َغ ْي َ
الضَّرآء َواْل َكاظم َ السَّر َ َ ُ
الضَّر ِ
آء} [اآلية.]134 : السَّر ِ
آء َو َّ ين ُي ِنفُقو َن ِفي َّ َّ ِ
قوله تعالى{ :الذ َ
الذين يتبرءون من األمالك واألنفس والقلوب ،وينفقونها فى رضا هللا ال يبخلون بشئ عليه.
وقيل :هذا خطاب خاطب به العام المتفرقين من أهل الذنوب ليردهم به إلى طريق التوبة وخاطب األوساط بقوله {
َّللاِ } [البقرة ]281 :اتقوه فى تصحيح طاعاتكم وإخالصها وإخراج الشرك الخفى منها، يه ِإَلى َّواتَُّقوْا يوماً ترجعون ِف ِ
َ ْ ُْ َ ُ َ َ
ِ ِ وخاطب الخاص بقوله{ :اتَُّقوْا َّ
َّللاَ َح َّق تَُقاته} [اآلية ]102 :وهو القيام معه فى جميع األحوال بحسن الموافقة.
ومخالفة السنة.
أدبا وذكروه
والخواص :ذكروه بأنه توالها منهم على ما سبق لهم فاستغفروه ً
توحيداً.
قال جعفر :أظهر البيان للناس ،ولكن ال ينتبه إال من أيد منه بنور اليقين وطهارة السر أال تراه يقولَ{ :و ُه ًدى َو َم ْو ِع َ
ظ ٌة
ِ ِ
لْل ُمتَّق َ
ين} أى :أن االهتداء بهذا البيان واالتعاظ به للمتقين الذين اتقوا كل شئ سواه.
ِ
َعَل ْو َن ِإ ْن ُك ْنتُ ْم ُّم ْؤ ِمن َ
ين َوالَ تَ ِهُنوا َوالَ تَ ْح َزُنوا َوأ َْنتُ ُم األ ْ
ُسئل محمد بن موسى ما بال اإلنسان يحزن مرة ويفرح أخرى؟ فقال :إن األرواح
غذاؤها وتهذيبها فى االستتار والتجلى ،يطرب عند التجلى ويحزن عند االستتار ،فمن حجبه حزن ومن طالعه بعين
البر واللطف فرح ،ومن طالعه بعين السخط خاف وقلق.
فالطلب للمغفرة والغفران هو حظ النفس وكذلك طلب الجنان ،وما دام العبد بهذه الصفة فهو عبد نفسه وطالب حظه
حينئذ فنى عن حظوظه وبقى بال ٍ
حظ، ٍ إلى أن يستوى فى ميادين لطائف الخطاب ورود الرضوان ودخول النيران،
ٍ
فحينئذ يأنف أن ينظر إلى حظوظه فيبقى أثر األثر لغير الحق عليه. واستولت عليه فى ذلك جالبيب القدرة،
ُخ ِر َج ْت لِ َّلن ِ
اس}. {كنتم خير أ َّ ٍ
ُمة أ ْ قوله تعالىَ ْ َ ْ ُ ْ ُ :
قوما ثم يعذبهم.
قال يحيى بن معاذ :هذه مدحة لهم ولم يكن هللا تعالى ليمدح ً
وقال جعفر الصادق رحمة هللا تعالى عليه :يأمرون بالمعروف والمعروف هو موافقته الكتاب و ُّ
السنة.
قال الواسطى :سقمت البصائر عند موت محمد صلى هللا عليه وسلم إال من رجل واحد ُف ِ
ض َل عليهم وهو الداعى إلى
خص هو بها ،وعجزت األمة عن ذلك لضعف تحايزها هللا على البصيرة ،وهو أبو بكر رضى هللا عنه فكأن هذه اآلية َّ
محمدا صلى هللا عليه
ً محمدا فإن
ً ووهن بصائرها وبأن فضيلة أبى بكر رضى هللا عنه بذلك وهو قوله" :من كان يعبد
وسلم قد مات".
اآلخ َرِة ُن ْؤِت ِه ِم ْن َها} [اآلية :]145 :ثواب اآلخرة :الجنة ونعيمها.
{ومن ي ِرْد ثَواب ِ
ََ ُ َ َ
قال ابن عطاء :خير الناصرين لكم على أنفسكم وهواكم ومرادكم.
قال بعضهم" :نعم المولى" حيث لم يطالبهم بحقيقة ما تحملوا من األمانات حين أشفق ِمن َحملها السماوات واألرض
"ونعم النصير" حين نصرهم إلى بلوغ رشدهم.
قال أبو سعيد الخراز فى هذه اآلية :ما دمتم بكم وبأوصافكم كانت هممكم الحوادث والدارين ،فإذا توليتكم وأجليتكم من
إلى فأنفتم من النظر إلى األكوان وإرادتها وقمتم بالحق مع الحق.
صفاتكم وأكوانكم ،علوتم بهممكم َّ
قال ُّ
النور ُى :العامة فى قميص العبودية والخاص فى قميص الربوبية ،فال يالحظون العبودية وأهل الصفوة َحَّد بهم
الحق ومحاهم عن نفوسهم.
قال الشبلى -تغمده هللا برحمته :-منكم من يريد الدنيا للطاعة ،ومنكم من يريد اآلخرة للجنة فأين مريد هللا تعالى؟
ومريد هللا تعالى من إذا قال قال هلل ،وإذا سكت فليس لسوى هللا تعالى.
قال سهل بن عبد هللا :دنياك نفسك فإذا قتلتها فال نفس لك.
قال الشبلى -رحمة هللا عليه -فى هذه اآلية :أسقط العطفتين وقد وصلت ،قيل :وما العطفتان؟ قال :الكونين بما
فيهما.
اَّللِ َغ ْي َر اْل َح ِق َ
ظ َّن ظُّنو َن ِب َّ
َه َّم ْت ُه ْم أ َْنُف ُس ُه ْم َي ُ ط ِآئَف ًة ِم ْن ُكم و َ ِ
طآئَف ٌة َق ْد أ َ ْ َ َمَن ًة ُّن َعاساً َي ْغ َش ٰى َ ِ ِ
َنزَل َعَل ْي ُك ْم من َب ْعد اْل َغ ِم أ َ
ثُ َّم أ َ
ِ ِ َّ ِ ٍ ِ َّ ِ ِِ
اْل َٰج ِهليَّة َيُقوُلو َن َهل لَنا م َن األ َْم ِر من َش ْيء ُق ْل ِإ َّن األ َْم َر ُكل ُه ََّّلل ُي ْخُفو َن في أ َْنُفس ِهم َّما الَ ُي ْب ُدو َن َل َك َيُقوُلو َن َل ْو َك َ
ان َلَنا
اج ِع ِه ْم َولَِي ْبَتلِي َّ
َّللاُ َما ِفي ض ِ ِمن األَم ِر َشيء َّما ُقِتْلنا ٰههنا ُقل َّلو ُكنتُم ِفي بيوِت ُكم َلبرَز َّال ِذ ِ
َ ين ُكت َب َعَل ْي ِه ُم اْلَق ْت ُل ِإَل ٰى َم َ َ ُُ ْ َ َ ْ ْ َ َ َُ ٌْ َ ْ
ِ
يم ِب َذات ُّ ِكم و َّ ِ ِ ِ
ورالص ُد ِ َّللاُ َعل ٌ ص َما في ُقُلوب ُ ْ َ ورُك ْم َولُِي َمح َص ُد ِ ُ
ٍ
مخوف. صَّد َق إرادته واجتهاده ورياضتهَّ ،
رد إلى محل األمن أى :عصم من كل قال ابن عطاء :من َ
قال الجريري :منقطعين إلى الرب جل وعز فاني ًة عنهم أوصافهم وإراداتهم متطلعون إلرادة هللا تعالى فيهم.
قال ا لواسطى :كونوا كأبى بكر الصديق رضى هللا عنه لما كانت نسبته إلى الحق لم يؤثر عليه فقدان السبب ،ولما
ضعفت نسبتهم أثر عليهم الخطاب ،فعمر بن الخطاب رضى هللا عنه يقول" :من قال مات محمد صلى هللا عليه
وسلم ضربت عنقه وأبو بكر رضى هللا عنه
استَ ْغِف ْر َل ُه ْم َو َش ِاوْرُه ْم ِفي ظ اْلَقْل ِب الَْنَف ُّ ِنت َل ُه ْم َوَل ْو ُك ْن َت َفظاً َغلِي َ َفِبما رحم ٍة ِمن َّ ِ
ف َع ْن ُه ْم َو ْ ضوْا م ْن َح ْولِ َك َف ْ
اع ُ َّللا لِ َ َ ََْ َ
ين ِِ َّللاِ ِإ َّن َّ ِ
األ َْم ِر َفِإ َذا َع َزْم َت َفتََوَّك ْل َعَلى َّ
َّللاَ ُيح ُّب اْل ُمتََوكل َ
قوله تعالىَ { :فِبما رحم ٍة ِمن َّ ِ
َّللا لِ َ
نت َل ُه ْم} [اآلية.]159 : َ ََْ َ
قال الواسطى :جميع أوصافك وما يخرج من أنفاسك رحمة منى عليك وعلى من اتبعك ،ثم أمره بإقامة العبودية فى
{و َش ِاوْرُه ْم ِفي األ َْم ِر} ثم قالَ{ :فِإ َذا َع َزْم َت َفتََوَّك ْل َعَلى
حسن المعاشرة مع أوليائه وتقريب منزلتهم والمشورة معهم بقوله َ
سر.
ظاهر وطالع ربك ًا ًا َّللاِ} أى فاقطع عنهم جملة ،وانقطع إلى سيرك وتوكل عليه ،عاشرهم َّ
"فاعف عنهم" :تقصيرهم فى تعظيمك واستغفر لهم قعودهم عن أمرك ،وشاورهم فى األمر :ال تبعدهم ُ قال بعضهم:
بالعصيان عنك واشملهم بفضلك فإنك بنا تعفو وبنا تغفر وإيانا تطالع.
ويقال :ال تعتمد عليهم وعلى كثرتهم فى شىء من أمورك ،إذا عزمت فأخلص عزمك لنا ،فإنك الحبيب وال يحسن
بالحبيب أن يالحظ غير حبيبه.
قال ابن عطاء :لما عال خُلُقه جميع األخالق عظمت المؤنة عليه ،فأمر بالغض والعفو واالستغفار لهم.
َّللاِ}.
قال جعفر :أمر باستقامة الظاهر مع الخلق وبتجريد باطنه للحق ،أال تراه يقولَ { :فِإ َذا َع َزْم َت َفتََوَّك ْل َعَلى َّ
سمعت محمد بن عبد هللا يقول :سمعت محمد بن سعيد يقول :الشاكر من يشكر على الرخاء ،والشكور من يشكر
على البالء.
ظَل ُمو َن ْت ِبما َغ َّل َي ْوم اْلِقَيام ِة ثُ َّم تُوَّف ٰى ُك ُّل َنْف ٍ
س َّما َك َسَب ْت َو ُه ْم الَ ُي ْ ِ
ان لَِنِب ٍي أ ْ
َ َ َ َن َي ُغ َّل َو َمن َي ْغُل ْل َيأ َ َو َما َك َ
ان لَِنِب ٍي أ ْ
َن َي ُغ َّل} [اآلية.]161 : {و َما َك َ
قوله تعالىَ :
قال بعضهم :ما كان لنبى أن يستأثر بالوحى والشريعة بعض متبعيه على بعض.
قال يحيى العلوى فى هذه اآلية :ما كان لنبى أن يضع أس ارره إال عند األمناء من أمته.
اب َواْل ِح ْك َم َة َوإِن ِ ِ ِِ ِ ِ ِ ِ ِ
ين ِإ ْذ َب َع َث في ِه ْم َرُسوالً م ْن أ َْنُفس ِه ْم َي ْتُلوْا َعَل ْي ِه ْم َآياته َوُي َزكي ِه ْم َوُي َعل ُم ُه ُم اْلكتَ َ
َّللاُ َعَلى اْل ُمؤ ِمن َ
َلَق ْد َم َّن َّ
ض ٍ
الل ُّمِب ٍ
ين ِ ِ
َك ُانوْا من َقْب ُل َلفي َ
قال بعضهم :أكبر منن هللا تعالى على الخلق وسائط األنبياء إليهم ،ليصلوا بهم إليه ألنه لو أظهر عليهم من صفاته
جميعا وأضلوا فيه عن الطريق إال المعصومين.
ً ذرة ألحرقتهم
َّللاِ أ َِو ْاد َف ُعوْا} [اآلية.]167 : قوله تعالىَ { :ق ِاتُلوْا ِفي سِب ِ
يل َّ َ
الصديقين ودرجاتهم ،فإن لم تستطيعوا ذلك فادفعوها عن ارتكاب المحارم والتوثب على المناهى.
وقيل :قاتلوا أنفسكم على مالزمة األوامر والنواهى ،أو ادفعوها عن طريق الشرك
ِ
وفضله ولكان استبشارهم بالمنعم المتفضل. بنعم ِه
قال ابن عطاء :لو نظروا إلى المنعم لتبغض عليهم االستبشار ِ
قال بعضهم :يستبشرون بما أنعم عليهم من فضله القديم ،حيث جعلهم أهالً لنعمه وفضله.
قال الجنيد رحمة هللا تعالى عليه :الخوف توقع العذاب مع كل نفس.
قال بعضهم :خوف أهل المعرفة ثالثة :خوف من تقلب القلب ،وإفراط القول ،وتخليط العمل.
وقال أحمد بن عاصم :أنفع الخوف ما حجزك عن المعاصى ،وأطال منك الحزن على ما قد فات وألزمك الفكر فى
بقية عمرك وخاتمة أمرك.
قال الواسطى :ليس الخوف من وقعت به العبرة كخوف من لم تقع به ،بل ليس قلق من شاهد ما غاب كقلق من حذر
ما غاب ،بل ليست رهبة من هو غائب عن حضوره كرهبة من حضر فى غيبته ،بل ليس خوف من هو فى وقاية
الحق كمن هو فى رعاية الحق.
ِ
وه ْم َو َخا ُفو ِن ِإن ُكنتُ ْم ُّم ْؤ ِمن َ
ين} :إن كنتم مصدقين أنه ال دافع وال نافع غيرى. قال سهل بن عبد هللا فى قولهَ { :فالَ تَ َخا ُف ُ
ين ُي َس ِارُعو َن ِفي اْل ُكْف ِر} [اآلية.]176 : قوله تعالى{ :والَ يحز َّ ِ
نك الذ ََ َ ُْ َ
شغلهم فيما فيه هالكهم من تكبير أنفسهم وطلب معاشهم ،وقد سبق القضاء فيهما وال تغيير وال تبديل.
َجٌر َع ِظي ٌم ِ َِّ ِ ِ َّال ِذين استَجابوْا ََّّللِ و َّ ِ ِ
َح َسُنوْا م ْن ُه ْم َواتََّقوْا أ ْ
ين أ ْ
َص َاب ُه ُم اْلَق ْرُح للذ َ
الرُسول من َب ْعد َمآ أ َ َ َ ْ َُ
الرس ِ
ول} [اآلية.]172 : ِ َّ ِ
استَ َج ُابوْا ََّّلل َو َّ ُ
ين ْ
قوله تعالى{ :الذ َ
استَ َج ُابوْا ََّّللِ} :باستجابة الرسول صلى هللا عليه وسلم فبلغتهم استجابتهم المصطفى
ين ْ
َّ ِ
وقيل :فى قوله تعالى{ :الذ َ
صلى هللا عليه وسلم إلى حقيقة استجابة الحق تعالى.
وقيل :استجابوا هلل بالفردانية وللرسول صلى هللا عليه وسلم بالبالغ.
قيل فى هذه اآلية :ما كان هللا ليطلعكم على الغيب وأنتم تالحظون أشباحكم وأفعالكم وأحوالكم ،فإنما يطلع على
الغيب من كان أمين السر والعالنية موثوق الظاهر والباطن ،فيفتح له من طريق الغيب بقدر أمانته ووثاقته أال تراه
ض ٰى ِمن َّرس ٍ َّ ِ يقولَ { :عالِ ُم اْل َغ ْي ِب َفالَ ُي ْ
ول } [الجن.]27-26 : ُ َحداً ِإال َم ِن ْارتَ َ
ظ ِه ُر َعَل ٰى َغ ْيِبه أ َ
أى فيطلعه على الغيب ،أال ترى النبى صلى هللا عليه وسلم كيف حكم على الغيب بقوله " :عشرة من قريش فى الجنة
".
صِب ُروْا َوتَتَُّقوْا ِ َّ ِ َلتُبَلو َّن ِفي أَموالِ ُكم وأ َْنُف ِس ُكم وَلتَسمع َّن ِمن َّال ِذين أُوتُوْا اْل ِكتَ ِ ِ
َش َرُكوْا أَ ًذى َكثي اًر َوإِن تَ ْ اب من َقْبل ُك ْم َو ِم َن الذ َ
ين أ ْ َ َ ْ َ ْ َُ َ َْ ْ َ ُْ
ورَفِإ َّن ٰذلِ َك ِم ْن َع ْزِم األ ُُم ِ
قوله تعالىَ{ :لتُْبَل ُو َّن ِفي أ َْم َوالِ ُك ْم َوأ َْنُف ِس ُك ْم} [اآلية.]186 :
قال ابن يزدانيار :لتبلون فى أموالكم بجمعها ومنعها ،والتقصير فى حقوق هللا تعالى فيها ،وأنفسكم باتباع شهواتها
وترك رياضاتها ومالزمتها أسباب الدنيا وخلوها عن النظر فى أمور المعاد.
وعطاء.
ً وقيل :لتبلون فى أموالكم باالشتغال بها أخ ًذا
قيل :أخذ هللا تعالى المواثيق على األولياء أن ال يخفوا أللباب هللا تعالى عندهم من ال يفتتن بذلك وال يتخذه دعوى،
وأن ُيعلِموا من قصدهم من المريدين الطريق إلى الحق.
قال الجنيد رحمه هللا :كل من أثبته بعلة فقد أثبت غيره ،ألن العلة ال تصحب إال معلوالً ألجل الحق عن ذلك.
قال الواسطى فى هذه اآلية :هو فرق بين معرفة العامة ومعرفة الموحدين ،ألن العامة اعتقدته بما يليق به ،وكل ح ٍ
ال
أثبته العموم جحدته الخصوص فهو عند الخاص منزه عن كل ما وصفه به العام ألن العام أثبتوه من حيث العبودية
والخاص أثبتوه من حيث الربوبية.
ِ
ات واأل َْر ِ
ض} :إن الخواص لم ينظروا إلى الكون والحوادث إال قال بعضهم فى قوله تعالىِ{ :إ َّن ِفي َخْل ِق َّ
الس َم َاو َ
بمشاهدة اآليات ،وما شاهدوا اآليات إال بمشاهدة الحق فيها ،ومن شاهد الحق لم يمازج سريرته طعم الحدث ،و َّأنى
بالحدث لمن الحدث عنده غير حدث.
قال النصرآباذى :من لم يكن من أولى األلباب لم يكن له فى النظر إلى السماوات واألرض اعتبار ،وأولوا األلباب هم
الناظرون إلى الخلق بعين الحق.
ض ربَّنآ ما خَلْقت هذا ب ِ َّللا ِقياماً وُقعوداً وعَلى جنوبِ ِهم ويتََف َّكرون ِفي خْل ِق َّ ِ َّ ِ
اطالً ُس ْب َح َان َك الس َٰم َٰوت َواأل َْر ِ َ َ َ َ َ َ َ َ ين َي ْذ ُك ُرو َن َّ َ َ َ ُ َ َ ٰ ُ ُ ْ َ َ ُ َ الذ َ
الن ِار
اب َّ ِ
َفقَنا َع َذ َ
قال :الذكر طرد الغفلة فإذا ارتفعت الغفلة فال معنى لذكره وأنشد:
الزَلف.
وقعودا فى إقامة الخدمة ،وعلى جنوبهم فى رؤية ُ
ً قال جعفر :يذكرون هللا تعالى ً
قياما فى مشاهدات الربوبية،
قعودا عن زواجره ونواهيه ،وعلى َّللاَ ِقَياماً} :يذكرونه قائمين باتباع أمر هللا،
ين َي ْذ ُك ُرو َن َّ َّ ِ
وقعودا أى ً
ً قال بعضهم{ :الذ َ
جنوبهم أى وعلى اجتنابهم مطالعات المخالفات ٍ
بحال.
وقيل :األصل فى الذكر أنه ذكرك إما بالتوحيد أو باإللحاد ،وذكرك للعطية أو للمحبة فما أظهر عليك من نعمته
ميسر لما ُخلق له
كل ٌ ظهر عليك من ذكره قال النبى صلى هللا عليه وسلمٌّ " :
".
قال فارس :الذكر طرد الغفلة وليس للمذكور من الذكر إال حظ الذاكر منه ،وكل من ذكر فبنفسه بدأ ألن ثمرته عائدة
عليه والحق وراء ذلك.
قال ذو النون :إنما حسن ذكرك له ألنه تبع ذكره لك ،ولوال ذاك لكان كسائر أفعالك.
قال الشبلى رحمة هللا تعالى عليه :ذكر الغفلة يكون جوابه اللغز .وأنشد:
وذكرى وفكـرى عند ذكراكا َما إن ذكرتك إال هـم يلعننى سرِى
إياك ويحـك والتذكـار إياكا حتى كـأن رقيبـًا منك يهتف بى
ِ
ات واأل َْر ِ
ض }. {وَيتََف َّك ُرو َن ِفي َخْل ِق َّ
الس َم َاو َ قوله تعالىَ :
قال بعضهم :فكرة العامة فى العواقب ،وفكرة الخاصة فى السوابق ،وفكرة األوساط فى الطوارق وهذا يدخل فى مثالت
طَف ْيَنا ِم ْن ِعَب ِادَنا } [فاطر.]32 :
اص َ
ين ْ
تفسير قوله تعالى { :ثُ َّم أَورْثنا اْل ِكتَ َّ ِ
اب الذ َ
َ َْ َ
قال بعضهم :الفكرة بالمالحظة والبصيرة والنجيزة ،فخلوص النجايز أورثت مطالعات المعارف وسالمة البصائر أورثت
الضياء فى الضمائر ومالحظة الكريم أوجبت البر والنعيم.
قال بعضهم :التفكر يتولد على قدر اليقين وال يخلو القلب من فكرتين :فكرة فى اآلخرة وفكرة فى الدنيا ،ومن صحة
التفكر أن يكون حشوه اليقين والرجوع إلى الحق ،ومن فساد التفكر أن يجلب عليك الكدورات والشبهات.
قال بعضهم :التفكر أن تتفكر فى تنبهك وغفلتك وطاعتك ومعصيتك ،فإذا تفكرت فيه َخَلص لك أفعالك.
قال بعضهم :هو رؤية هللا تعالى قبل التفكر فى األشياء ،وواسطة التفكر أن ترى األشياء قائمة باهلل تعالى ،وفساد
التفكر أن ترى األشياء فتستدل بها على هللا تعالى.
قال ذو النون :من وفقه هللا تعالى للتفكر ُفتح عليه المنه َّ
وغرقه فى بحار النعمة وأوصله إلى محبة المولى.
سمعت محمد بن عبد هللا يقول :سمعت يوسف بن الحسين يقول :سمعت ذا النون يقولَ :خْلق هللا تعالى على الفطرة
وأطلق لهم الفكرة ،فبالفطرة عرفوه وبالفكرة عبدوه.
وقيل :ذلك بالتفكر فى صفات الحق ال فى المحدثات ولو دلك على المحدثات لقال فى حق السماوات واألرض.
أبدا غيره.
أبدا غيره وعظمنى يا من ال يعظمنى ً
كأنه يقول :نزهنى يا من ال ينزهنى ً
قال النصرآباذى :سبحانك إنى نزهت نفسك بنفسك فى نفسك ،بمعناك فى معناك ،بما الق منك بك لك.
{وي ِحبُّو َن أَن ي ْحم ُدوْا ِبما َلم يْفعُلوْا َفالَ تَ ْحسبَّنهم ِبمَف َازٍة ِم َن اْلع َذ ِ
اب} [اآلية.]188 : َ ََ ُْ َ َ ْ ََ ُ َ قوله تعالىُ َّ :
قال حاتم األصم رحمة هللا تعالى عليه :حذر هللا تعالى بهذه اآلية سلوك طريق المرائين والمتقربين والمتزهدين
والمتوسمين بسيما الصالحين وهم من ذلك خوالى ،قال هللا تعالىَ { :فالَ تَ ْحسبَّنهم ِبمَف َازٍة ِم َن اْلع َذ ِ
اب} إن ذلك الظاهر َ ََ ُْ َ
ينجيهم من العذاب كال بل لهم عذاب أليم ،وهو أن يحجبهم عن رؤيته ويمنعهم لذيذ مخاطبته.
اغِف ْر َلَنا ُذُنوَبَنا َوَكِف ْر َعَّنا َسِيَئ ِاتَنا َوَت َوَّفَنا َم َع األ َْب َر ِار
آمَّنا َربََّنا َف ْ ان أَن ِ
آمُنوْا ِب َرب ُ يم ِ ْ ِ ِِ ِ ِ ِ
ِك ْم َف َ َّربََّنآ إَّنَنآ َسم ْعَنا ُمَنادياً ُيَنادي لإل َ
اإليمان أنوار الحق إذا اشتملت على السريرة ،وهو أن يغيب العبد تحت أنواره ويبدو له بحر االختراق،
ُ قال القاسم:
فيغيبه عن وساوس االفتراق فيكون مصحوب الحق فى أوقاته ال يشعر بتسخيره وال يعلم بحجابه ،وإنما تحجب الكل
بالكل وحجب ُكالً بكليته وقمع كال بحده ،لئال يستوى علم ٍ
أحد مع علمه ،وهذا هو صريح اإليمان.
قال أبو بكر الوراق :للمؤمن أربع عالمات :كالمه ذكر ،وصمته تفكر ،ونظره عبره ،وعمله ِبر.
قال فارس رحمه هللا :الحكمة فى إظهار الكون إظهار حقائق حكمته بالفعل الحكيمى.
وقال غيره :الحكمة فى إظهار الكون ارتفاع العلة فإذا ارتفعت العلة ظهرت الحكمة.
وقال أبو عثمان رحمه هللا :األبرار هم الذين أسقطوا عن أنفسهم أشغال الدنيا واشتغلوا بما يقربهم إلى موالهم.
ِ ِ ربَّنا و ِآتنا ما وعدتَّنا عَلى رسلِك والَ تخ ِزنا يوم اْلِقي ِ
يع َاد امة ِإَّن َك الَ تُ ْخل ُ
ف اْلم َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ٰ ُ ُ َ َ ُ ْ َ َْ َ َ َ
".
ُخ ِر ُجوْا ِمن ام ٍل ِمن ُكم ِمن َذ َك ٍر أَو أُنثَى بعض ُكم ِمن بع ٍ َّ ِ ُضيع عمل ع ِ ِ َفاستَجاب َلهم رب ِ
اج ُروْا َوأ ْ
ض َفالذي َن َه َ َْ ْ ْ ٰ َْ ُ ْ ْ ُّه ْم أَني الَ أ ُ َ َ َ َ ْ َ َ ُْ َ ُ
َّللاِ
ُكِف َرَّن َع ْن ُه ْم َسِيَئ ِات ِه ْم َوأل ُْد ِخَلَّن ُه ْم َجَّنـٰ ٍت تَ ْجرِي ِمن تَ ْحِت َها األ َْن َهـ ُٰر ثََواباً ِمن ِع ِند َّ
ِدَيـ ِٰرِه ْم َوأُوُذوْا ِفي َسِبيلِي َوَقـَٰتُلوْا َوُقِتُلوْا أل َ
َّللا ِع َنده حس ُن الثَّو ِ
اب َ َو َّ ُ ُ ُ ْ
قيل :إن هللا تعالى خير القوم بصحبة الفقراء ومجالستهم و َّ
التزين لربهم ألن الفقراء هم طريق الحق ،أال ترى المصطفى
صلى هللا عليه وسلم لما جلس معهم كيف قال " :المحيا محياكم والممات مماتكم
".
الجهال عليها واالغترار بما فيها والتكبر بنعيمها ،فإنها زادهم إلى
قال يوسف رحمه هللا :ال تفتننكم الدنيا بوقوع َّ
النار.
اصِب ُروْا وشرفه وعظم شأن الصابرين عليه لديه ،فقال{ :يا أَي َّ ِ
آمُنوْا ْ
ين َ
ُّها الذ َ
َ َ قال الجنيد :إن هللا تعالى ذكر الصبر َّ
سرا ،والوقوف مع هللا تعالى {وَارِب ُ
طوْا} وهو ارتباط السر مع هللا تعالى ً و ِ
صاب ُروْا} وأمرهم بالصبر على الصبر ثم قالَ : َ َ
جه اًر.
قال النبى صلى هللا عليه وسلم " :إنما الصبر عند الصدمة األولى
".
قال الجريري رحمه هللا :الصبر إسبال البلوى قبل وقوع البلوى ،فإذا صادف البلوى تلقاه بالمولى فلم يجزع.
قال الجنيد رحمه هللا :الصبر حبس النفس مع هللا تعالى بنفى الجزع عما سواه.
قال ابن عطاء رحمه هللا :اليقين سيف النفس ،والصبر من سر هللا تعالى فى أرضه ،وإن الشيطان ليتعوذ من
الصابرين كما يتعوذ المؤمن من الشيطان.
جعفر الخلدى رحمه هللا يقول :خير الدنيا واآلخرة في صبر ساعة.
ًا قال :وسمعت أبا العباس البغدادي يقول :سمعت
وقيل :اصبروا قال :الصبر يوجب الرضا والرضا يوجب الحياء والحياء يوجب الغنى.
قال جعفر الصادق رحمه هللا :اصبروا عن المعاصى ،وصابروا على الطاعات ،ورابطوا األرواح بالمشاهدة ،واتقوا هللا
بحسن االنبساط مع الحق عز وجل ،لعلكم تفلحون :تبلغون مواقف أهل الصدق فإنه محل الفالح.
وقال بعضهم :اصبروا بجوارحكم على الطاعات وصابروا مع هللا ،ورابطوا أسراركم بالحقائق لعلكم تجردون من
همومكم وخطراتكم.
طَّوُقون ما ب ِخُلوْا ِب ِه يوم اْلِقيام ِة وََّّللِ َّ َّ َّللا ِمن َف ِ ِ َّ ِ
َْ َ َ َ َ ضله ُه َو َخ ْي اًر ل ُه ْم َب ْل ُه َو َشٌّر ل ُه ْم َسُي َ َ َ َْ اه ُم َّ ُ ين َي ْب َخُلو َن ِب َمآ آتَ ُ
َوالَ َي ْح َسَب َّن الذ َ
َّللاُ ِب َما تَ ْع َمُلو َن َخِب ٌير الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ
ض َو َّ ِم َير ُ
اث َّ َ َ َ
ضلِ ِه} [اآلية.]180 : قوله تعالى{ :والَ يحسب َّن َّال ِذين يبخُلو َن ِبمآ آتَاهم َّ ِ
َّللاُ من َف ْ ُُ َ َ َْ َ َ َ ْ ََ
".
قال بعضهم :إنما يدرك نصر هللا تعالى من تب أر من حوله وقوته ،واعتصم بربه فى جميع أسبابه ال من اعتمد على
حوله وقوته و أرى األشياء منه فإنه مردود إلى حوله وقوته وعمله.
قال أبو يزيد :ما لم تفقد نفسك وال تعتصم بخالقك ال ُيستجاب لك ومتى كنت وسط األمور والمخلوق ال يهتدى إلى
معتصما به.
ً الخالق ،فإذا طرحت عنك كنت
َّللاِ} معناه قالت المتصوفة: سئل الجنيد رحمة هللا عليه عن قوله{ :واعتَ ِ
ص ُموْا ِب َحْب ِل َّ َ ْ ُ
َّللاِ} معناه :اعتصموا باهلل عن االعتصام بحبل هللا. هو خصوص وعموم أما قوله{ :واعتَ ِ
ص ُموْا ِب َحْب ِل َّ َ ْ
وقال أبو عثمان :االعتصام باهلل واالمتناع به من الغفلة والكفر والشرك والمعاصى والبدع والضالالت وسائر
المخالفات.
وقيل :اعتصموا بحبل هللا :اجتمعوا على موافقة الرسول صلى هللا عليه وسلم فإنه الحبل األوثق،
وسر وعالنية.
وباطنا ًا
ً ظاهر
ًا وال تفرقوا عنه
قال الواسطى رحمة هللا عليه :اعتصموا بحبل هللا ومن يعتصم باهلل فقد هدى خطاب الخاص وخطاب العامُ { :ق ْل
َّللاِ َوب َِر ْح َمِت ِه َفِب َذلِ َك َفْلَيْف َر ُحوْا } [يونس.]58 :
ض ِل َّ
ِبَف ْ
ِك ْم}.
ف َب ْي َن ُقُلوب ُ قوله عز وجلِ{ :إ ْذ ُك ْنتُم أَعد َّ
آء َفأَل َ
ْ َْ ً
قيل :كنتم أعداء بمالزمة حظوظ أنفسكم فألف بين قلوبكم فأزال عنكم حظوظ األنفس وردكم منها إلى حظ الحق فيكم.
ف َب ْي َن ُقُلوبِ ُك ْم} بعلمه. وقال بعضهم :خص هللا األنبياء واألولياء والمؤمنين بخاصيته فأزال {ِإ ْذ ُك ْنتُم أَعد َّ
آء َفأَل َ
ْ َْ ً ُ
ظا
قال ابن عطاء فى هذه اآلية :فأثر فيكم عنايتُ ُه وحسن نظره ،فألف بين قلوبكم وأرواحكم ،وجعل الحظين فيها ح ً
احدا.
و ً
قال الواسطى رحمه هللا :يا بنى األعمار واألعمال واآلمال ،ال تذهبون فيما سبق وال تغيبون عما أنتم فيه.
اس} كونوا من الناس الذين آنسوا باهلل واستوحشوا ممن سواه. ُّها َّ
الن ُ وقال ابن عطاء رحمه هللاٰ { :يأَي َ
اس} كونوا من الناس الذين هم الناس ،وال تغفلوا عن هللا فمن عرف أنه من ُّها َّ
الن ُ وقال جعفر الصادق رحمه هللاٰ { :يأَي َ
الناس الذين خص خلقه ما خص به ،كبرت همته عن طلب المنازل ،وسمت به الرفعة حتى يكون الحق عز وجل
نهايته كما قال تعالى:
روى الليث عن مجاهد عن أبى سعيد الخدرى رضى هللا عنه أن رجالً جاء إلى النبى صلى هللا عليه وسلم فقال له:
أوصنى قالِ " :
اتق هللا فإنه جماع كل خير
".
وقال بعضهم :أصل التقوى أنه وصفك وقابلك بما يليق بك.
وقال سهل رحمه هللا :من أراد التقوى فليترك الذنوب كلها وكل شىء يقع فيه خلل فيدخل عليه التقوى شاء أم أبى.
وقال بعضهم رحمه هللا :التقوى االقتداء بالنبى صلى هللا عليه وسلم.
وقال بعضهم :التقوى فى األمر ترك التسويف والتقوى فى النهى ترك الفكرة والقيام عليه .والتقوى أداب مكارم
األخالق ،والتقوى فى الترغيب أن ال يظهر ما فى سرك،
وقال بعضهم رحمه هللا :التقوى من هللا االجتناب من كل شىء سوى هللا.
وقال الجريرى رحمه هللا :من لم يحكم فيما بينه وبين هللا تعالى بالتقوى والمراقبة ال يصل إلى الكشف والمشاهدة.
قال الواسطى رحمه هللا :التقوى على أربعة أوجه :للعامة تقوى الشرك ،وللخاص تقوى المعاصى ،وللخاص من
األولياء تقوى التوسل باألفعال ،ولألنبياء تقواهم منه إليه.
قيل :من أوجد النفس األولى إال القدرة الجارية والمشيئة النافذة.
األماكن وحققه بائتالف المصالح ،فهو مربوط بحدود تقديره وشائع بأفضال تدبيره وبث فيه األجناس بينهما من شواهد
الزينة ،فأظهر القدرة بإيجاد آدم عليه السالم ثم بث أوالده فى البسط إلى تصاريف التدبير لهم والمشيئة.
قال سهل رحمه هللا :أسفه السفهاء نفسك فإن زخرفتها بالعلم والخوف والورع ،وإال حجزتك عن طريق نجاتك من
آء أ َْم َواَل ُك ُم َّالِتي َج َع َل َّ
َّللاُ َل ُك ْم ِقَياماً} أى :جعلها لكم إن السَف َه َ
{والَ تُ ْؤتُوْا ُّ
الخروج عن الدنيا واآلخرة ،قال هللا تعالىَ :
قطعتم فى سبيلى وأورثتكم المحن إن تركتم قوله تعالىَ { :فِإ ْن َآن ْستُ ْم ِم ْن ُه ْم ُرْشداً} قيل :يعنى أبصرتم منهم إصابة
الحق.
وقال ابن عطاء رحمه هللا :الرشيد من يفرق بين اإللهام والوسوسة.
اَّللِ َش ِهيداً}.
{وَكَف ٰى ِب َّ
قوله تعالىَ :
قيل :هو المراقب بسرك والناظر إليك ،فاجتهد أن ال ينظر إليك فيراك مشتغالً بغيره فيقطعك ويمحقك.
قال محمد بن الفضل رحمه هللا :دلت هذه اآلية على كرم هللا عز وجل مع عباده ،ألنه أمر إذا حضر من ال نصيب
له فى الميراث أن يرزقوهم منه ،ولهذا إنه إذا حضر عباده يوم القيامة فى المشهد العظيم إنه يتفضل بعطائه على من
لم يكن له مستحًقا لعطائه ،لمخالفاته باتصال رحمته إليه ،بفضله وسعة رحمته وبلوغه إلى منازل أولى األعمال ،ألنه
َّللاَ َوْلَيُقوُلوْا َق ْوالً َس ِديداً ش َّال ِذين َلو تَرُكوْا ِمن خْلِف ِهم ُذ ِرَّي ًة ِ
ض َعافاً َخا ُفوْا َعَل ْي ِه ْم َفْلَيتَُّقوْا َّ ْ َ ْ َ ْ َ َوْلَي ْخ َ
ش َّال ِذين َلو تَرُكوْا ِمن خْلِف ِهم ُذ ِرَّي ًة ِ
ض َعافاً} [اآلية.]9 : ْ َ ْ َ ْ َ {وْلَي ْخ َ
قوله عز وجلَ :
قيل :استعينوا على كثرة العيال وقلة ذات اليد بالتقوى ،فإنه الذى يجبر الكسر ويغنى الفقير.
وقال جعفر بن محمد الصادق رحمه هللا :الصدق والتقوى يزيدان فى الرزق ويوسعان المعيشة.
آباؤكم ببرهم وأبناؤكم بالشفقة عليهم والتأديب لهم هما محل النفع.
َّللاِ}.
ود َّ ِ
قوله عز وجل {تْل َك ُح ُد ُ
ود ِ
قال محمد بن الفضل رحمه هللا :حدود هللا أوامره ونواهيه ،فمن تخطاها فقد ضل عن سبيل الرشد .وقيل {تْل َك ُح ُد ُ
َّللاِ} أى :اإلظهار من األحوال للمريدين على حسب طاقاتهم لها فإن التعدى فيها يهلكهم.
َّ
قال أبو عثمان رحمه هللا :ما هلك المرء إذا لزم َّ
حده ولم يتعد طوره.
وقال محمد بن الفضل رحمه هللا :ضمن هللا عز وجل التوبة لمن يبدر منه الذنب من غير قصد ،ال لمن يضمره
وء ِب َج َهاَل ٍة}. ين َي ْع َمُلو َن ُّ
الس َ
ويتأسف على فوته ،قال هللا تعالىِ{ :إَّنما التَّوب ُة عَلى َّ ِ َِّ ِ
َّللا للذ َ َ َْ َ
السنن والفرائض.
قيل :علموهن ُ
وقال عبد هللا بن المبارك :العشرة الصحيحة ما ال تورثك الندم عاجالً وآجالً.
َّللا ِف ِ
يه َخ ْي اًر َكِثي اًر}. قوله عز وجلَ { :ف َع َس ٰى أَن تَ ْك َرُهوْا َش ْيئاً َوَي ْج َع َل َّ ُ
قيل :غيَّب عنك العواقب لئال تستكن إلى مألوف وال تفر من مكروه.
وقال أبو عثمان رحمه هللا :السكون إلى كراهية النفس جعل هللا فيه خير الدارين.
قال :وسمعت سعيد بن أحمد يقول :سمعت جعف اًر الخلدى يقول :سمعت الجنيد رحمه هللا يقول :الصبر مفتاح كل
خير.
قال :وسمعت محمد بن الحسين البغدادى يقول :سمعت محمد بن أحمد بن سهل يقول :سمعت سعيد بن عثمان
يقول :سمعت ذا النون يقول :أفضل الصبر الصبر عن المخالفات.
وقال أيضاً :ال يتم تحملك الصبر إال مع االستقبال بما يخامر الباليا بالصبر.
يم َح ِكي ٌمَّللا لِيبِين َل ُكم ويه ِدي ُكم سَنن َّال ِذين ِمن َقبلِ ُكم ويتُوب عَلي ُكم و َّ ِ
َّللاُ َعل ٌ ْ ْ ََ َ َ ْ ْ َ َ ُي ِر ُيد َّ ُ ُ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ ُ َ
وقال بعضهم رحمه هللا :ال يتبين بيان هللا عز وجل إال المكاشفون من حقائق الحق.
وقال بعضهم رحمه هللا :يريد هللا ليبين لكم أنه ليس إليكم من أموركم شىء.
قيل :سنن األنبياء والصديقين ،وسننهم من التفويض والتسليم والرضا بالمقدور ساء أم َسَّر.
قال النصرآباذى رحمه هللا :ما تبت حتى أراد هللا بك التوبة ،ولوال إرادته لك التوبة كنت عن التوبة بمعزل.
أيضا :أراد لك التوبة فتاب عليك ولو أردتها لنفسك لعلك كنت تحرم.
وقال ً
ض ِعيف ًا
ان َ
نس ُ ِ ِ
ف َع ْن ُك ْم َو ُخل َق اإل َ
ِ ُي ِر ُيد َّ
َّللاُ أَن ُي َخف َ
ض ِعيفاً}.
ان َ
نس ُ قوله عز وجلِ ِ :
{و ُخل َق اإل َ
َ
قيل :ضعيف الرأى ضعيف العقل إال من أمره هللا بنور اليقين ،فقوته باليقين ال
ان ِب ُك ْم
َّللاَ َك َ ْكُلوْا أ َْم ٰوَل ُكم َب ْيَن ُكم ِباْل َٰب ِط ِل ِإالَّ أَن تَ ُكو َن ِت َٰج َرةً َعن تَ َر ٍ
اض ِم ْن ُك ْم َوالَ تَْقُتُلوْا أ َْنُف َس ُك ْم ِإ َّن َّ آمُنوْا الَ تَأ ُ ٰيأَي َّ ِ
ْ َ ْ ين َ
ُّها الذ َ
َ َ
َرِحيماً
وقال سهل رحمه هللا :وال تقتلوا أنفسكم بالمعاصى والذنوب واإلصرار وترك التوبة والرجوع إلى االستقامة.
وقال محمد بن الفضل رحمه هللا :ال تقتلوا أنفسكم باتباع هواها.
ِإن تَ ْجتَِنُبوْا َكَب ِآئ َر َما تُْن َه ْو َن َع ْن ُه ُن َكِف ْر َع ْن ُك ْم َسِيَئـِٰت ُك ْم َوُن ْد ِخْل ُك ْم ُّم ْد َخالً َك ِريم ًا
قوله عز وجلِ{ :إن تَ ْجتَِنُبوْا َكَب ِآئ َر َما تُْن َه ْو َن َع ْن ُه} [اآلية.]31 :
قال أبو تراب اليخشبى رحمه هللا :أمر هللا عز وجل باجتناب الكبائر ،وهى الدعاوى الفاسدة واإلشارات الباطلة وإطالق
األلفاظ من غير حقيقة.
وقال بعضهم رحمه هللا :بحفظ هللا لهن صرن حافظات للغيب ،ولو وكلهن إلى أنفسهن لهتكن ستورهن.
وروى عن النبى صلى هللا عليه وسلم أنه قال " :ليس اإليمان بالتمنى
".
وقال بعضهم رحمه هللا ال تتمنوا منازل السادات واألكابر أن تبلغوها ،ولم تهذبوا أنفسكم فى ابتداء إرادتكم برياضات
السنن واألسرار بالتطهير على الهمم الفاسدة وال
فصل هذه األحوال أولئك ،فال ترتقوا إلى الدرجات العلى وقد
قلوبكم عن االشتغال بالفانية ،فإن هللا عز وجل قد َّ
ضيعتم الحقوق األدنى.
وقال أبو العباس بن عطاء رحمه هللا :ال تتمنوا فإنكم ال تدرون ما تحت تمنيكم ،فإن تحت أنوار نعمه نيران محنته،
وتحت أنوار محنته أنوار نعمه.
وقال الواسطى رحمه هللا فى هذه اآلية :من تمنى ما قدر له فقد أساء الظن بالحق عز وجل ،وإن تمنى ما لم يقدر له
أساء التَّمنى على هللا عز وجل بإنه ينقص قسمته من
ضلِ ِه} فإن عنده أبواب كرامته. وقال ابن عطاء رحمه هللا فى قوله عز وجل{ :واسأَُلوْا َّ ِ
َّللاَ من َف ْ َ ْ
".
َّللاَ َوالَ تُ ْش ِرُكوْا ِب ِه َش ْيئاً َوبِاْل َٰولِ َد ْي ِن ِإ ْح َساناً َوب ِِذي اْلُق ْرَب ٰى َواْلَي ٰتَ َم ٰى َواْل َم َٰس ِك ِ
ين َواْل َج ِار ِذي اْلُق ْرَب ٰى َواْل َج ِار اْل ُجُن ِب اعُب ُدوْا َّ
َو ْ
ِ السِب ِ
يل َو َما َمَل َك ْت أ َْي َٰمُن ُك ْم ِإ َّن َّ الج ْن ِب َو ْاب ِن َّ و َّ ِ ِ
ور
ان ُم ْختَاالً َف ُخ اً َّللاَ الَ ُيح ُّب َمن َك َ الصاحب ِب َ َ
قال أبو عثمان رحمه هللا :حقيقة العبودية قطع العالئق والشركاء عن الشرك.
وقال الجنيد رحمه هللا :إذا أحزنك أمر فأول خاطر تستغيث به فهو معبودك.
وقال الواسطى رحمه هللا :الشرك رؤية التقصير والعثرة من نفسه والمالمة عليها.
ُيقال لها :لزمت المالمة من تولى إقامتها ومن قضى عليها العثرة.
وقال ابن عطاء رحمه هللا :الشرك أن تطالع غيره أو ترى سواه ض اًر ونفع ًا.
وقال الطيب البصرى رحمه هللا :من لم يدرج وفاء العبودية فى عز الربوبية ،لم تصف له العبودية.
وقال بعضهم رحمه هللا :العبودية خلع الربوبية وهى جوهرة تظهر الربوبية من غير علة.
وقال يحيى بن معاذ رحمه هللا :دللهم ثم ذللهم ليعرفوا بالدل فاقة العبوديةُّ ،
وبالذل عز الربوبية.
وقال ابن عطاء رحمه هللا :العبودية ترك االختيار ومالزمة الذل واالفتقار.
أيضا :العبودية ترك االختيار وهى جامعة ألربع خصال :الوفاء بالعهود والحفظ للحدود والرضا بالموجود
وقال ً
والصبر عن المفقود.
وقال الجنيد رحمه هللا :العبودية ترك المشيئة ومن خرج من قال بالعبودية صنع به ما يصنع باآلبق.
الج ْن ِب}. قوله عز وجل{ :واْلج ِار ِذي اْلُق ْرب ٰى واْلج ِار اْلجُن ِب و َّ ِ ِ
الصاحب ِب َ ُ َ َ َ َ َ َ
وة وأ َْنتُم س َٰكر ٰى حتَّ ٰى تَعَلموْا ما تَُقوُلو َن والَ جُنباً ِإالَّ َعاِبرِي سِب ٍ
يل َحتَّ ٰى تَ ْغتَ ِسُلوْا َوإِ ْن يا أَيُّها َّال ِذين آمنوْا الَ تقربوْا َّ ٰ
َ َ ُ ْ ُ َ الصَل َ َ ْ ُ َ َ َْ َ ُ َ َُ َ َ
ام َس ُحوْا ِ
النسآء َفَلم تَ ِج ُدوْا مآء َفتََي َّمموْا ص ِعيداً َ ِ ٰ ِِ ُك ْنتُم َّمرضى أَو عَلى سَف ٍر أَو جآء أ ِ ِ
طيباً َف ْ ُ َ َ ً َحٌد م ْن ُك ْم من اْل َغآئط أ َْو َل َم ْستُ ُم َ َ ْ ْ ْ َ ٰ ْ َ ٰ َ ْ َ َ َ
ان َعُفواً َغُفو اًر
َّللاَ َك َ ِب ُو ُجوِه ُك ْم َوأ َْي ِد ُ
يك ْم ِإ َّن َّ
قال بعضهم :السكر على أنواع :منها سكر الخمر وهو أسرعها إفاقة ،وسكر الغفلة وسكر الهوى وسكر الدنيا وسكر
المال وسكر األهل والولد وسكر المعاصى وسكر الطاعات ،وكل هذا وما أشبهها يمنع صاحبه عن تمام الصالة
والقيام إليها بالقعود عن
كل ما سواها.
وقيل :إن رؤية العمل ورؤية النفس وطلب الثواب على العمل وطلب المدح عليه ،كلها من أنواع الشرك التى أخبر هللا
تعالى أنه ال يغفره.
حاكيا عن ربه عز وجل " :من عمل عمالً أشرك فيه غيرى ،فأنا
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ً
".
وقال محمد بن على رحمه هللا :هذا الذى أخبر هللا عز وجل أنه ال يغفره ،وهو أن يتواضع العبد لغيره فى طلب الدنيا
وهو المالك له دون الغير.
قال ابن عطاء رحمه هللا :أعطوا الكتاب حجة عليهم ال كرامة لهم.
اغ ِ
وت}. قوله عز وجلِ{ :باْل ِجب ِت و َّ
الط ُ ْ َ
اه ْم ُّمْلكاً َع ِظيم ًا ِ َّللا ِمن َفضِل ِه َفَق ْد آتَينآ آل ِإب ٰرِه ِ ٰ ٰ أ َْم َي ْح ُس ُدو َن َّ
يم اْلكتَ َب َواْلح ْك َم َة َو َآت ْيَن ُ
َْ َ ْ َ َ ْ اس َعَل ٰى َمآ آتَ ُه ُم َّ ُ
الن َ
من الكرامات والواليات والمشاهدات ويكذبون صاحبها وال يعظمونه ،كذلك كانت األولياء والصديقون قبل ذلك ،فمن
صَّد َع ْن ُه َوَكَف ٰى ِب َج َهَّن َم َس ِعي اًر} [اآلية.]55 : ِِ ِ ِ
آم َن به َوم ْن ُه ْم َّمن َ
بين مكذب ومصدق قال هللا عز وجل { َفم ْن ُه ْم َّم ْن َ
ظ ُك ْم ِب ِه ِإ َّن َّ
َّللاَ َّللاَ ِن ِع َّما َي ِع ُ
اس أَن تَ ْح ُك ُموْا ِباْل َع ْد ِل ِإ َّن َّ َهِل َها َوِإ َذا َح َك ْمتُ ْم َب ْي َن َّ
الن ِ ِ
ؤدوْا األ ََم َانات ِإَلى أ ْ
ْم ُرُك ْم أَن تُ ُّ ِإ َّن َّ
َّللاَ َيأ ُ
َكان س ِميعاً ب ِ
صي اًر َ َ َ
قال الجريري رحمه هللا :أفضل األمانات األسرار فال تظهرها وال تكشفها إال ألهلها ،ألنهم أهل األمانات العظماء.
وقال سهل رحمه هللا :عندك أمانة فى سمعك وبصرك وعلى لسانك وعلى فرجك وظاهرك وباطنك .عرض هللا عليك
األمانة فحملتها وجعلك محالً لها ،فإن لم تحفظها خنت نفسك وهللا ال يحب الخائنين.
وقيل األمانة هى :أسرار هللا عز وجل وأهل األمانة هم العارفون باهلل والعالمون بأس ارره ،وهم الناظرون إلى القلوب
بأنوار الغيوب ،فيحكمون عليها ويحقق هللا تعالى أحكامهم وهو الذى قالَ { :فَو َج َدا َع ْبداً ِم ْن ِعَب ِادَنآ آتَْيَناهُ َر ْح َم ًة ِم ْن
ِع ِندَنا َو َعَّل ْمَناهُ ِمن َّل ُدَّنا ِعْلماً } [الكهف.]65 :
الرس ِ
ول ِإن ُك ْنتُ ْم الرسول وأُولِي األَم ِر ِمن ُكم َفِإن تنازعتم ِفي شي ٍء َفرُّدوه ِإَلى َّ ِ ِ يا أَيُّها َّال ِذين آمنوْا أ ِ
َّللا َو َّ ُ َ ْ ُ ُ ََ َ ْ ُ ْ ْ ْ ْ يعوْا َّ ُ َ َ ْ َوأَط ُ َّللاَ
َطي ُعوْا َّ َ َُ َ َ
َح َس ُن تَأ ِْويالً اَّللِ واْليو ِم ِ
اآلخ ِر ٰذلِ َك ِ
َخ ْيٌر َوأ ْ تُ ْؤ ِمُنو َن ب َّ َ َ ْ
ول َوأ ُْولِي األ َْم ِر ِم ْن ُك ْم} [اآلية.]59 : َطيعوْا َّ ِ ِ قوله عز وجل{ :يا أَي َّ ِ
الرُس َ
يعوْا َّ
َّللاَ َوأَط ُ آمُنوْا أ ُ
ين َ
ُّها الذ َ
َ َ
وقال الجنيد رحمه هللا فى هذه اآلية :قال :العبد مبتًلى باألمر والنهى ،وهلل تعالى
دائما ،فكلما خطر خطرة عرضه على الكتاب وهو طاعة هللا
فى قلبه أسرار تخطر ً
السنة وهو طاعة الرسول صلى هللا عليه وسلم فإن وجد له شفاء وإال
تعالى ،فإن وجد له شفاء وإال عرضه على ُّ
عرضه على سنن السلف الصالحين وهو طاعة أولى األمر.
وقال جعفر بن محمد الصادق رحمه هللا :ال َّبد للعبد المؤمن من ثالث سنن :سنة
هللا عز وجل ،وسنة األنبياء صلوات هللا عليهم أجمعين ،وسنة األولياء.
ض ٰى ِمن َّرس ٍ َّ ِ فسنة هللا تعالى كتمان السر .قال هللا عز وجلَ { :عالِ ُم اْل َغ ْي ِب َفالَ ُي ْ
ول } ُ َحداً ِإال َم ِن ْارتَ َ
ظ ِه ُر َعَل ٰى َغ ْيِبه أ َ
[الجن.]27-26 :
وسَّنة الرسول صلى هللا عليه وسلم مداراة الخلق ،وسنة األولياء الوفاء بالعهد والصبر فى البأساء والضراء.
ُ
قال :سمعت عبد هللا بن محمد الدمشقى يقول :سمعت إبراهيم بن المولد يقول:
سمعت أبا سعيد الخراز يقول :العبودية ثالثة :الوفاء هلل عز وجل على الحقيقة ومتابعة الرسول صلى هللا عليه وسلم
فى الشريعة واألمر لجميع األمة بالنصيحة.
الرس ِ
ول}. قوله عز وجلَ { :فِإن تنازعتم ِفي شي ٍء َفرُّدوه ِإَلى َّ ِ
َّللا َو َّ ُ َ ْ ُ ُ ََ َ ْ ُ ْ
ذلك على أحوال الرسول صلى هللا عليه وسلم فردوه إليه ،فإن لم يبين ذلك لكم ،فردوه إلى الكتاب المنزل من رب
العالمين.
اغ ِ
وت َوَق ْد أ ُِم ُروْا اكموْا ِإَلى َّ أََلم تَر ِإَلى َّال ِذين ي ْزعمو َن أََّنهم ءامُنوْا ِبمآ أ ُْن ِزل ِإَليك ومآ أ ِ ِ ِ
الط ُ ُنزَل من َقْبل َك ُي ِر ُيدو َن أَن َيتَ َح َ ُ َ َْ ََ ُْ َ َ َ َ َ ُُ ْ َ
ِ
ضالَالً َبعيداً َّ ِ ِ
أَن َي ْكُف ُروْا ِبه وُي ِر ُيد َّ
ان أَن ُيضل ُه ْم َ
طُالش ْي َ َ
اغ ِ اكموْا ِإَلى َّ
وت} [اآلية.]60 : الط ُ {ي ِر ُيدو َن أَن َيتَ َح َ ُ
وقله عز وجلُ :
قال أبو عثمان رحمه هللا :يعنى إلى إرادتهم وأهوائهم وأمثالهم وأشكالهم.
وقال بعضهم رحمه هللا :أعظم طاعة لك نفسك فال تركن إليها فى شىء من أوامرها وإن أمرتك بالطاعة فإنها تخفى
عنك شرها وتبدى لك خيرها.
الجهال وعظ األوساط وأخبر بعيوب األشراف وخاطب ُكالً على قدر طاقته.
قال الواسطى رحمه هللا :أعرض عن َّ
وقال فارس رحمه هللا :فأعرض عنهم وعظهم وتوكل ،وال يصح للعبد توكل وهو
َع ِر ْ
ض َع ْن ُه ْم} بقولك وأعرض عنهم بفعلك. وقيل فى قوله عز وجلَ { :فأ ْ
قال الجنيد رحمه هللا :كلمهم على مقادير العقول ومحتمل الطاقة.
قيل :أعظم المصائب اشتغالك عن هللا عز وجل ،وأعظم الغنائم اشتغالك باهلل تعالى.
وقال أبو الحسين الوراق رحمه هللا :أعظم المصائب سقوط الحرمة من قلبك ونزع الحياء من وجهك ونقل السنن عن
جوارحك.
إلى ،وقال:
وقيل :ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك قال ابن عطاء رحمه هللا :جعلوك الوسيلة إلى الوصلة ليصلوا َّ
من لم يجعل قصده إلينا على سبيلك ،وسنتك وهداك ضل الطريق وأخطأ الرشد.
ض ْي َت َوُي َسلِ ُموْا تَ ْسلِيماً ِ ِ ِ َفالَ وربِك الَ يؤ ِمُنو َن حتَّى يح ِكم ِ
يما َش َج َر َب ْيَن ُه ْم ثُ َّم الَ َي ِج ُدوْا في أ َْنُفس ِه ْم َح َرجاً م َّما َق َ
وك ف َ
َ ٰ َُ ُ َ َ َ َ ُْ
يما َش َج َر َب ْيَن ُه ْم} [اآلية.]65 : قوله عز وجلَ { :فالَ وربِك الَ يؤ ِمُنو َن حتَّى يح ِكم ِ
وك ف َ
َ ٰ َُ ُ َ َ َ َ ُْ
قال بعضهم رحمه هللا فى هذه اآلية :أظهر الحق عز وجل على حبيبه صلى هللا عليه وسلم خلعة من خلع الربوبية.
سببا إليقان الموقنين ،فأسقط عنهم
سببا إليمان المؤمنين ،كما جعل الرضا بقضائه ً
فجعل الرضا بقضائه َساء أم سر ً
اسم الواسطة ،ألنه متصف بأوصاف الحق عز وجل متخلق بأخالقه أال ترى كيف قال حسان بن ثابت:
* محمد
ٌ محمود وهذا
ٌ ف ُذوا العرش *
وقال بعضهم :هذا فى مخالفات الرسول فكيف فى مخالفة أوامر هللا تعالى وأحكامه ،هل هو إال الدخول فى خبر
المخالفين.
َّللاَ}.
اع َّ ول َفَق ْد أَ َ
ط َ {م ْن ُي ِط ِع َّ
الرُس َ قوله عز وجلَّ :
قال جعفر بن محمد الصادق رحمة هللا عليه :من عرفك يا محمد بالرسالة والنبوة فقد عرفنى بالربوبية واإللهية.
قال سهل رحمه هللا :من يطع الرسول فى سنته فقد أطاع هللا فى فرائضه.
أيضا :ألهل المعرفة همة االقتداء بالنبى صلى هللا عليه وسلم.
وقال ً
قال :من صحح االقتداء بالنبى صلى هللا عليه وسلم وألزم نفسه طاعته ،أوصله هللا تعالى إلى مقامات األنبياء
ين أ َْن َع َم َّ ِ ِ {و َمن ُي ِط ِع َّ
ول َفأ ُْوَلـٰئ َك َم َع الذ َ
الرُس َ
َّللاَ َو َّ صلوات هللا تعالى عليهم وسالمه ،والصديقين والشهداء .قال هللا تعالىَ :
ُّ ِ
آء و َّ ِ ِ ِِِ َّللاُ َعَل ْي ِهم ِم َن َّ
ين} [اآلية.]69 : الصالح َ ين َوالش َه َد َ النِبِي َ
ين َوالصديق َ َّ
وقال بعضهم :لم يصل األنبياء والصديقون إلى الرتب األعلى بأفعالهم ،ولكن أنعم هللا عليهم فأوصلهم ،وليس يصل
وباطنا.
ً أحد إلى تلك الرتب إال بمالزمة الرسول صلى هللا عليه وسلم ظاه اًر
وقال بعضهم :المتحققون فى طاعة الرسول مع األنبياء والمقتصدون مع الشهداء والظالمون مع الصالحين.
وقيل :طاعة الرسول صلى هللا عليه وسلم طاعة للحق عز وجل لفنائه عن أوصافه وقيامه بأوصاف الحق ،وفنائه
وباطنا ،وطاعته طاعته وذكره ذكره ،فيه يصل العبد إلى الحق وبمخالفته يقطع عنه.
ً عن رسومه وبقائه بالحق ظاه اًر
قال سهل بن عبد هللا :المؤمنون خصماء هللا على أنفسهم ،وأبدانهم ،والمنافقون خصماء النفس على هللا ،يبتدرون إلى
السؤال والدعاء وال يرضون بما يختار لهم وهو سبيل الطاغوت.
اس ال ِإ َذا َف ِري ٌق ِم ْن ُه ْم َي ْخ َش ْو َن َّ ِ ِ ِ الص َٰلوة وآتُوْا َّ ٰ ِ ُّ ِ أََلم تَر ِإَلى َّال ِذ ِ
الن َ وة َفَل َّما ُكت َب َعَل ْيه ُم اْلقتَ ُ
الزَك َ يموْا َّ َ َيل َل ُه ْم ُكفوْا أ َْيدَي ُك ْم َوأَق ُ
ين ق ََ ْ َ
الد ْنيا َقلِيل و ِ ٍ ٍ َشَّد َخ ْشَي ًة وَقاُلوْا َربََّنا لِم َكتَْب َت َعَل ْيَنا اْلِقتَال َلوال أ َّ ِ َكخ ْشي ِة َّ ِ
اآلخ َرةُ َخ ْيٌر َخ ْرتََنا إَل ٰى أَ َجل َق ِريب ُق ْل َمتَاعُ ُّ َ ٌ َ َ ْ َ َ َّللا أ َْو أ َ َ َ
ظَل ُمو َن َفِتيالً
لِ َم ِن اتََّق ٰى َوالَ تُ ْ
يل َل ُه ْم ُكُّفوْا أ َْي ِدَي ُك ْم} [اآلية.]77 : قوله عز وعال{ :أََلم تَر ِإَلى َّال ِذ ِ
ين ق َ
َ ْ َ
قال محمد بن الفضل :متاع الدنيا قليل وأقل قيمة منها من يطلبها ويفرح بها،
قال الواسطى :قل متاع الدنيا قليلَ :ه ِون الدنيا فى أعينهم ،لئال يشق عليهم تركها.
َّللاِ وإِن تُ ِ
ص ْب ُه ْم َسِيَئ ٌة ِِ ِ ِ ِ ِ ٍ ِ ُّ
ونوْا ُي ْد ِركك ُم اْل َم ْو ُت َوَل ْو ُكنتُ ْم في ُب ُرو ٍج ُّم َشي ََّدة َوإِن تُص ْب ُه ْم َح َسَن ٌة َيُقوُلوْا َهـٰذه م ْن عند َّ َ
أ َْيَن َما تَ ُك ُ
َّللاِ َفم ِ
ال َهـ ُٰؤال ِء اْلَق ْو ِم الَ َي َك ُادو َن َيْفَق ُهو َن َح ِديث ًا ِ ِِ ِِ ِ ِ ِ
ك ُق ْل ُك ٌّل م ْن عند َّ َ َيُقوُلوْا َهـٰذه م ْن عند َ
سمعت النصرآباذى يقول :الكل منه ومن عنده ،ولكن ال يطيب ما منه ومن عنده إال بما به وبماله.
أجل الحسنات والنعم عليك أن عرفك نفسه ووفقك لشكر نفسه وألهمك ذكره.
قال محمد بن علىُّ :
بداها التباع هواها وتركها رضا موالها ،وهى من النفس األمارة بالسوء.
اخِتالَفاً َكِثي اًر ِ أََفالَ يتدبَّرون اْلُقرآن وَلو َكان ِمن ِع ِند غي ِر َّ ِ
َّللا َل َو َج ُدوْا ِفيه ْ َْ َ ََ ُ َ ْ َ َ ْ َ ْ
سمعت أبا عثمان المغربى يقول :تدبرك فى الخلق تدبر عبرة ،وتدبرك فى نفسك تدبر موعظة ،وتدبرك فى القرآن
تدبر حقيقة ومكاشفة.
جرأك به على تالوة خطابه ،ولوال ذلك لكلت األلسن عن تالوته. {أََفالَ َيتَ َدب َُّرو َن اْلُق ْر َ
آن} َّ
سمعت أبا الحسين الفارسى يقول :سمعت أبا الحسين يقول :سمعت على بن حميد يقول :سمعت السرى يقولَ :ف ُ
هم
الناس من َف ِه َم أسرار القرآن وتدبر فيه.
ين َي ْستَْنِب ُ ِ َّ ِ ِ الرس ِ ِ ف أَ َذ ِ ِ وإِ َذا جآءهم أَمر ِمن األَم ِن أ َِو اْلخو ِ
ون ُه
طَ ول َوإَِل ٰى أ ُْولِي األ َْم ِر م ْن ُه ْم َل َعل َم ُه الذ َ اعوْا به َوَل ْو َرُّدوهُ إَلى َّ ُُ َْ َ َ َ ُْ ٌْ َ ْ
ان ِإالَّ َقلِيالً
طَ َّللاِ َعَل ْي ُكم وَر ْحمتُ ُه الَتََّب ْعتُم َّ
الش ْي َ ض ُل َّ ِ
م ْن ُه ْم َوَل ْوالَ َف ْ
ُ ْ َ َ
قال ابن عطاء :لو أخذوا طريق السنة وطريق األكابر فى إرادتهم ،ألوصلهم ذلك إلى مقامات جليلة من مقامات
اإليمان التى هى محل مقامات االستنباط وطريق المكاشفات قال أبو سعيد الخراز :إن هلل عباداً يدخل عليهم الخلل،
ولوال ذلك لفسدوا
قال الحسين :استنباط القرآن على مقدار تقوى العبد فى ظاهره وباطنه وتمام معرفته ،وهذا أجل مقامات اإليمان.
َّ يل َّ ِ
اجروْا ِفي سِب ِ
ِ َّ ِ ِ
َّللا َفِإ ْن تََول ْوْا َف ُخ ُذ ُ
وه ْم َ آء َحتَّ ٰى ُي َه ُ ِ
آء َفالَ تَتخ ُذوْا م ْن ُه ْم أ َْولَي َ
َوُّدوْا َل ْو تَ ْكُف ُرو َن َك َما َكَف ُروْا َفتَ ُك ُ ن
ونو َ َس َو ً
وا ْقُتُلوهم حي ُث وجدتُّموهم والَ تَتَّ ِخ ُذوْا ِم ْنهم ولِياً والَ ن ِ
صي اًر ُْ َ َ َ َ ُْ َْ َ َ ُ ُْ َ
آء} [اآلية.]89 : {وُّدوْا َل ْو تَ ْكُف ُرو َن َك َما َكَف ُروْا َفتَ ُك ُ ن
ونو َ َس َو ً قوله عز وعالَ :
قال بعضهمَ :وَّد أهل الدعاوى الفاسدة أن يكون المتحققون فى أحوالهم أمثالهم فأظهر عليهم فضائح دعاويهم.
قال :إذا سافرتم فاطلبوا أولياء هللا وتثبتوا أن ال تفوتكم مشاهدتهم ،فإنها الفوائد فى األسفار وموضع التثبت واالستقامة.
ِ
َّللاُ اْل ُم َٰج ِهد َ
ين ض َل ََّّللاِ ِبأ َْم َٰولِ ِه ْم َوأ َْنُف ِس ِه ْم َف َّ سِب ِ
يل َّ َ الض َرِر َواْل ُم َٰج ِه ُدو َن ِفي
ين َغ ْي ُر أ ُْولِي َّ ِ ِ ِٰ
ال َي ْستَ ِوي اْلَقع ُدو َن م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ
َّ
ِ ِ ِ ٰ ِ ين َد َر َج ًة َوُكـالًّ َو َع َد َّ ٰ ِِ ِ ِ
َج اًر َعظيم ًا ين أ ْين َعَلى اْلَقعد َ َّللاُ اْل ُم َٰج ِهد َ
َّ َّللاُ اْل ُح ْسَن ٰى َوَف َّ
ض َل ِبأ َْم َٰول ِه ْم َوأ َْنُفس ِه ْم َعَلى اْلَقعد َ
قال بعضهم :العاملين باألمر بالمعروف والنهى عن المنكر على القاعدين عنه أج اًر عظيماً.
قال أبو سعيد :هم الذين أسرهم البالء واستولى عليهم ،حتى صار البالء عليهم الحال وطناً ،ثم أفنى عنهم شاهد
البالء بإثبات علم البالء ،فدل عليهم علم األشياء بما تثابت عليهم علم الحق وذلك حين ردت عليهم صفاتهم بعد
محو آثارهم ،فإذ ذاك ال يستطيعون حيلة وال يهتدون سبيال.
قال :أن يهاجر عما دون هللا عز وجل وقال بعضهم :أن يخرج من جميع مراداته وهواه ً
متبعا ألمر هللا وما يوصله
إلى رضوانه.
ط ِآئَف ٌة ِم ْنهم َّمعك وْليأْخ ُذوْا أَسلِحتَهم َفِإ َذا سجدوْا َفْلي ُكونوْا ِمن ورِآئ ُكم وْلتَأ ِ
ْت وة َفْلتَُق ْم َ وإِ َذا كنت ِفي ِهم فأَقمت َلهم َّ ٰ
ََ ْ َ َ َُ َ ُ ْ َ ُْ ُْ َ َ َ َ ُ الصَل َ ْ َ َْ َ ُُ َ ُ َ
َسلِ َحِت ُك ْم َوأ َْمِت َعِت ُك ْم َّ ِ ِ ُخر ٰى َلم يصُّلوْا َفْليصُّلوْا معك وْليأ ُ ِ َِ
ين َكَف ُروْا َل ْو تَ ْغُفُلو َن َع ْن أ ْ
ْخ ُذوْا ح ْذ َرُه ْم َوأ َْسل َحتَ ُه ْم َوَّد الذ َ ُ َ ََ َ َ َ طآئَف ٌة أ ْ َ ْ ُ َ
ض ُعوْا أ َْسلِ َحتَ ُك ْم َو ُخ ُذوْا ان ِب ُك ْم أَ ًذى ِمن َّم َ
ط ٍر أ َْو ُكنتُ ْم َّم ْر َ
ضى أَن تَ َ اح َعَل ْي ُك ْم ِإن َك َ
ِ ِ
َفَيميُلو َن َعَل ْي ُك ْم َّمْيَل ًة َواح َد ًة َوالَ ُجَن َ
ين َع َذاباً ُّم ِهيناً َّللا أ ِ ِ ِ
ح ْذ َرُك ْم ِإ َّن َّ َ َ
َعَّد لْل َكاف ِر َ
قال الحسين :ليس هلل مقام وال شهود فى ناديه وال استهالل فى حيزه وال ذهول فى عظمه ،يقطع عن آداب الشريعة وال
علما للغير ال له ومما يصحح هذا قوله :وإذا كنت
له مقام وقف فيه الموحدين أشهدهم فصبح أن جزنا بها عليهم ً
أدبا لهم وهو فى الحقيقة فى عين الحصول ال يرجع إلى
فيهم فأقمت لهم الصالة ،فجعل إقامته للصالة ً
غير الحق فى متصرفاته ،وال يشهد سواه فى سعاياته ،وقال بعضهم :ما دمت فيه فإن الصالة تكون قائمة ،وإذا غبت
الصالَ َة ِإالَّ َو ُه ْم ُك َساَل ٰى} [التوبة.]54 :
أيضا كما قالَ { :والَ َيأْتُو َن َّ
فالصالة آتية ً
قال أبو عثمان :وقت هللا العبادات كلها بالمواقيت إال الذكر ،فإنه أمرك به على كل حال وفي كل أوان.
َّللا والَ تَ ُكن لِْلخ ِآئِنين خ ِ اب ِباْل َح ِق لِتَ ْح ُكم َب ْي َن َّ ِ
صيماً ْ َ َ َ اس ِب َمآ أ ََر َ
اك َّ ُ َ
الن ِ
َ ِإَّنآ أ َْن َ ْزلَنا ِإَل ْي َك اْلكتَ َ
وقال بعضهم :لتحكم بين الناس بما أراك وأظهره لك ال على ما يظهرونه ،فإن رؤيتك لهم رؤية كشف وعيان.
وقال ابن عطاء فى هذه اآلية :بما أراك هللا فإنك بنا ترى وعنا تنطق ،وأنت بمرأى منا ومسمع.
قال القاسم :أتطلب العز عند من عززته ،وال تطلبه منى وأنا الذى عززته.
قوله تعالى{ :أََي ْبتَ ُغو َن ِع َند ُه ُم اْل ِعَّزَة} [اآلية.]139 :
قال محمد بن الفضل :كيف تبتغى العزة ممن عزه بغيره ،فاطلب العزة من مظانها ومعدنها ومكانها ،قال هللا عز
العَّزَة ََّّللِ َج ِميعاً} فمن اعتز بالعز أعزه ،ومن اعتز بغيره أذله.
وجلَ { :فِإ َّن ِ
روى عن النبى صلى هللا عليه وسلم أنه قال " :من اعتز بالعبيد أذله هللا ،فابتغ العز من عند رب
".
وقال سهل{ :أََي ْبتَ ُغو َن ِع َند ُه ُم اْل ِعَّزَة} قال :النعمة.
وقال الواسطى رحمة هللا عليه :ما مالت السريرة إلى حب العز إال ظهر خوفها ،وما مالت البحيرة إلى حب الدنيا إال
ظهر ظلمتها عليه ،فصارت عن الباب محجوبة مصروفة.
ان َخَّواناً أَِثيم ًا ِ ين َي ْختَ ُانو َن أ َْنُف َس ُه ْم ِإ َّن َّ َّ ِ ِ
َّللاَ الَ ُيح ُّب َمن َك َ َوالَ تُ َجاد ْل َع ِن الذ َ
َّ ِ ِ
{والَ تُ َجاد ْل َع ِن الذ َ
ين َي ْختَ ُانو َن أ َْنُف َس ُه ْم} [اآلية.]107 : قوله تعالىَ :
سمعت محمد بن عبد هللا يقول :سمعت الحسن بن على البامعانى يقول :من خان هللا فى السر هتك ستره فى
العالنية.
َّللاُ ِب َما َي ْع َمُلو َن ُم ِحيطاً ِ اس والَ يستخُفون ِمن َّ ِ َي ْستَ ْخُفو َن ِم َن َّ
ض ٰى م َن اْلَق ْو ِل َوَك َ
ان َّ َّللا َو ُه َو َم َع ُه ْم ِإ ْذ ُيَبِيتُو َن َما الَ َي ْر َ الن ِ َ َ ْ َ ْ َ َ
ومبعدا عنه.
ً قال محمد بن الفضل :من لم يكن أعظم شئ فى قلبه رُّبه ،كان جاهالً
قال الواسطى رحمة هللا عليه :إنما عظمت بالمباشرة فاحتمل الذات بعد ما احتمل الصفات ،وموسى صلى هللا عليه
وسلم احتمل الصفات ولم يحتمل الذات.
نك }
َّللاُ َع َ
وقال بعضهمُ :فضلت فى األزل بالفضائل وقد تغتر فى المشاهد العثرة ،كما قال هللا عز وجلَ { :عَفا َّ
[التوبة ]43 :فتعاتب ثم ترد إلى الفضل الذى جرى لك فى األزل.
علم المعرفة ،وعلم العبارة ،وعلم العبودية ،وعلم الخدمة .جعل حظك منها أوفر الحظوظ.
قال سهل :العلماء ثالثة :عالم باهلل ال عالم بأمر هللا وال بأيام هللا وهم المؤمنون.
وعالم باهلل :عالم بأمر هللا ال عالم بأيام هللا وهم العلماء.
وعالم باهلل :عالم بأمر هللا عالم بأيام هللا فهم النبيون والصديقون.
وقال أبو محمد الجريرى :األدلة ثالثة :العلماء والحكماء ،واألكابر ،فالعلماء يرون ظاهر األشياء ومناقبها ،والحكماء
يرون باطن األشياء وعيوبها ،واألكابر يرون عيون األشياء وحقائقها.
وقال بعضهم :العلماء أربعة :عالم حظه من هللاِ هللاُ .وعالم حظه من هللا العلم ،والمعرفة باهلل ،وعالم حظه السير إلى
اآلخرة .وعالم حظه علم السير إلى اآلخرة.
اس ومن يْفعل ٰذلِك ابِت َغآء مرض ِ ِ ٍ ٍ اهم ِإالَّ م ْن أ ِ الَّ خير ِفي َكِث ٍ ِ
ات الن ِ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ صالَ ٍح َب ْي َن َّ
ص َد َقة أ َْو َم ْع ُروف أ َْو إ ْ
َم َر ب َ
َ َ ير من َّن ْج َو ُ ْ َ َْ
َج اًر َع ِظيماً ِ َّ ِ
ف ُن ْؤِتيه أ ْ
َّللا َف َس ْو َ
النا ِ
صالَ ٍح َب ْي َن َّ ِ ٍ ٍ اهم ِإالَّ م ْن أ ِ قوله تعالى{ :الَّ خير ِفي َكِث ٍ ِ
س} [اآلية.]114 : ص َد َقة أ َْو َم ْع ُروف أ َْو إ ْ
َم َر ب َ
َ َ ير من َّن ْج َو ُ ْ َ َْ
قيل :األخير فى الجماعات إال ما يعود نفعه عليك أو على أهل مجلسك.
وقيلِ{ :إالَّ من أَمر ِبصد َق ٍة} إال من تصدق على نفسه بمنعه عن أذى المسلمين وارتكاب المحارم {أَو معر ٍ
وف} قيل: ْ َ ُْ َ ْ ََ َ َ
المعروف حث النفس على ُسبل الرشاد.
وقال بعضهم فى هذه اآلية :أكثَ َر فى أعينهم طاعاتهم وأغلق دونهم أبواب اإلنابة ورؤية الفضل.
قال بعضهم :يعدهم طول العمر والموت غايتهم ويمنيهم الغنى والفقر سبيلهم.
يم َخلِيالً ومن أَحسن ِديناً ِم َّمن أَسَلم وجهه هلل وهو مح ِسن واتَّبع ِمَّل َة ِإب ٰرِهيم حِنيفاً واتَّخ َذ َّ ِ ِ
َّللاُ إ ْب َراه َ َْ َ َ َ َ ْ ْ َ َ ْ َ ُ َ َُ ُ ْ ٌ َ َ ََْ َْ ُ
قيل :من أحسن حاالً ممن رضى بالمقدور ،ومجازيها عليه من العسر واليسر ،وأسلم قلبه إلى ربه وأخلص وجهه له،
السنة للمصطفى صلى هللا عليه وسلم.
وهو محسن أى متبع ُّ
َح َس ُن ِديناً ِم َّم ْن أ َْسَل َم َو ْج َه ُه هلل َو ُهَو ُم ْح ِس ٌن} أى وهو يحسن أن يسلم
{و َم ْن أ ْ
قال الواسطى رحمة هللا عليه :فى قولهَ :
وجهه هلل ،فمن دخل على السلطان مسرًعا بطاعته بغير أدب فما ناله من المكروه أكثر ،فلذلك من ال يحسن أن يبقى
وال يحسن أن يسلم وجهه هلل.
وقيل :ومن أحسن طريقة إلى هللا ممن أسلم دينه له ولم يشرك فيه غيره.
وقال بعضهم :يبذل نفسه لربه وولده التباع أمره وماله شفقة على خلقه.
قال سهل بن عبد هللا :كانت ملة إبراهيم السخاء وحاله التبرى من كل شىء سوى هللا.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :اتخذه فلما اتخذه اختص به.
الخَّله وأنشد:
شيئا غيره ،وذلك حقيقة ُ
قال ابن عطاء :اتخذه خليالً فلم يخالل سرائره ً
الغليالَ
كنت َ
وإذا ما َس َك ُت ُ َفِإ َذا َما َن ُ
طقت كنت حديثى
قال الحسن :اتخذه خليالً وال صنع إلبراهيم فيه وذلك موضع َّ
المنة ،ثم أثنى عليه بالخلة وذلك فعل الخلة.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :تخالـله أنوار بره فسماه خليالً.
وقال محمد بن عيسى الهاشمى :سمى خليالً ألنه خال به عما سواه.
يم َخلِيالً} منصور يقول :سمعت أبا القاسم بإسناده عن جعفر بن محمد عليه السالم فى قوله{ :واتَّخ َذ َّ ِ ِ
َّللاُ إ ْب َراه َ َ َ ًا سمعت
قال :أظهر اسم الخلة إلبراهيم ،ألن الخليل ظاهر فى المعنى وأخفى اسم المحبة لمحمد صلى هللا عليه وسلم لتمام
حاله ،إذ ال يحب الحبيب إظهار
ض َر ِت
الصْلح خير وأُح ِ
صْلحاً َو ُّ ُ َ ْ ٌ َ ْ
وإِ ِن ام أرَةٌ َخا َف ْت ِمن بعلِها ُن ُشو اًز أَو ِإعراضاً َفالَ جَن ْاح عَلي ِهمآ أَن ي ِ
صل َحا َب ْيَن ُه َما ُ
ُْ ُ َ َْ َ ْ َْ َْ َ َ َْ
ِ ِ
ان ب َما تَ ْع َمُلو َن َخبي اًر ِ َّ ِ ُّ
األنُف ُس الش َّح َوإِن تُ ْحسُنوْا َوتَتُقوْا َفإ َّن َّ
َّللاَ َك َ ْ
ض َر ِت ْ
األنُف ُس ُّ
الشحَّ} [اآلية.]128 : قوله تعالى{ :وأُح ِ
َ ْ
قال النورى :ألزمت األشباح مخالفة الحق فى جميع األحوال ،وشحها ما يضرها فى طلب الدنيا.
صلِ ُحوْا َوتَتَُّقوْا َفِإ َّن َّ َّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َّللاَ صتُ ْم َفالَ تَميُلوْا ُك َّل اْل َمْي ِل َفتَ َذ ُر َ
وها َكاْل ُم َعلَقة َوِإن تُ ْ يعوْا أَن تَ ْعدُلوْا َب ْي َن الن َسآء َوَل ْو َح َر ْ
َوَلن تَ ْستَط ُ
ان َغُفو اًر َّرِحيماً
َك َ
قال الواسطى رحمة هللا عليه :الجوارح تبع القلب ،ألنه أمير أمرك أن تخالفه إذا خالفت الحق.
قال بعضهم :أمر الكل بالتقوى ،وأوصل إلى التقوى من جرى له فى السبق عناية.
ِين ِإن َي ُك ْن َغِنياً أ َْو َفِقي اًر َف َّ ِ ِ ٰيأَيُّها َّال ِذين آمنوْا ُكونوْا َق َّٰو ِمين ِباْلِقس ِط شهد ِ
اَّللُ أ َْوَل ٰى آء ََّّلل َوَل ْو َعَلى أ َْنُفس ُك ْم أ َِو اْل َٰول َد ْي ِن َواألَْق َرب َْ ُ ََ َ َ ُ َ َُ َ َ
ان ِب َما تَ ْع َمُلو َن َخِبي اًر ضوْا َفِإ َّن َّ ِ
َّللاَ َك َ ِب ِه َما َفالَ تَتَِّب ُعوْا اْل َه َو ٰى أَن تَ ْعدُلوْا َوإِن َتْل ُووْا أ َْو تُ ْع ِر ُ
قال الجنيد رحمة هللا عليه :لن يصل إلى قلبك روح التوحيد وله عندك حق لم تقضه أو لم تؤده.
قال ابن عطاء :الحسيب الذى ال يضيع عنده عمل .وقيل :الحسيب الكريم فى المحاسبة أن يوفيك ما لك وال يناقشك
فيما عليك.
اَّللِ
َنزَل ِمن َقْب ُل َو َمن َي ْكُف ْر ِب َّ ِ ِ ِ ِ امنوْا ِب َّ ِ ٰيأَي َّ ِ
اَّلل َوَرُسولِه َواْل ِك ٰتَ ِب َّالذي َنَّزَل َعَل ٰى َرُسولِه َواْل ِك ٰتَ ِب اَّلذي أ َ ِ
امُنوْا َء ُ
ين َء َ ُّها الذ َ َ َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ضالَالً َبعيداً ض َّل َ َو َمآلئ َكته َوُكتُِبه َوُرُسله َواْلَي ْو ِم اآلخ ِر َفَق ْد َ
اَّللِ َوَرُسولِ ِه} [اآلية.]136 : قوله تعالى{ :يا أَيُّها َّال ِذين آمنوْا ِ
آمُنوْا ِب َّ َ َُ َ َ
اَّللِ َوَرُسولِ ِه} :أى َيا أيُّها المدعون تجريد اإليمان فى من غير وقال بعضهم فى قوله {يا أَيُّها َّال ِذين آمنوْا ِ
آمُنوْا ِب َّ َ َُ َ َ
واسطة ،ال سبيل لكم إلى الوصول إلى غير التجريد إال بقبول الوسائط واتباعهم آمنوا باهلل ورسوله.
ِ ف ُي ْؤ ِت َّ ِ ِ ِ ِ ِإالَّ َّال ِذين تابوْا وأَصَلحوْا واعتصموْا ِب َّ ِ
َج اًر َّللاُ اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين أ ْ صوْا د َين ُه ْم ََّّلل َفأ ُْوَلـٰئ َك َم َع اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين َو َس ْو َ َخَل ُ
اَّلل َوأ ْ َ َ ُ َ ْ ُ َ َْ َ ُ
َع ِظيم ًا
ِ ِ ِ ِ قوله تعالىِ{ :إالَّ َّال ِذين تابوْا وأَصَلحوْا واعتصموْا ِب َّ ِ
صوْا د َين ُه ْم ََّّلل َفأ ُْوَلـٰئ َك َم َع اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين} [اآلية.]146 : َخَل ُ
اَّلل َوأ ْ َ َ ُ َ ْ ُ َ َْ َ ُ
قال أبو عثمان :التوبة :الرجوع من أبواب االختالف إلى أبواب االئتالف.
وقال بعضهم :تابوا من المخالفات وأصلحوا ظواهرهم باتباع الرسول واعتصموا باهلل وألقوا حبال القوة والحول عن
ظواهرهم وبواطنهم وأخلصوا دينهم هلل ،لم تمنعهم رؤية الناس عن القيام بالخدمة.
وقال الجنيد رحمة هللا عليه :التوبة :الرجوع عما تأمرك به نفسك والطبع والهوى.
ِ ِ
ظاهر يعنى
ًا قال بعضهمَ { :فأ ُْوَلـٰئ َك َم َع اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين} ال من المؤمنين ،فإنهم مع المؤمنين
اطنا.
ظاهر وب ً
ًا َج اًر َع ِظيماً}
ين أ ْ
ِ ف ُي ْؤ ِت َّ
َّللاُ اْل ُم ْؤ ِمن َ {و َس ْو َ
المنافقين ،وهم معنا بتوبتهم فى الباطن .قال هللا تعالىَ :
َّللا َش ِ
اك اًر َعلِيماً َّما َيْف َعل َّ ِ ِ ِ
ان َّ ُ
آم ْنتُ ْم َوَك َ
َّللاُ ب َع َذاب ُك ْم إن َش َك ْرتُ ْم َو َ ُ
قال الحسين ما يفعل هللا بتعذيبكم أنفسكم فى أنواع المجاهدات إن شكرتم ،أن طالعتم برِى وإحسانى إليكم وآمنتم .قال:
قطعتم الهمم عمن سواى.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :ال يرضى هللا من عباده بإسماع الخفاء ألمثاله ،إال من جحد نعم هللا عنده فى البينات
والبراهين.
لصٰلوةَ واْلم ْؤتُو َن َّ ِِ ُنزل ِإَليك ومآ أ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّلـ ِٰك ِن َّ ِ
اة
الزَك َ ين ا َّ َ ُ ُنزَل من َقْبل َك َواْل ُمقيم َ الراس ُخو َن في اْلعْل ِم م ْن ُه ْم َواْل ُم ْؤمُنو َن ُي ْؤمُنو َن ب َمآ أ ِ َ َ َ َ
َج اًر َع ِظيماً ِ ِ واْلمؤ ِمنون ِب َّ ِ
اَّلل َواْلَي ْو ِم اآلخ ِر أ ُْوَلـٰئ َك َسُن ْؤِتي ِه ْم أ ْ َ ُْ ُ َ
قيل :الراسخون فى العلم هم :العلماء باهلل ،والعلماء بأمر هللا ،والمتبعون سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم.
أحد من القيام بالعبودية ،فكيف يأنف منه وبه يتقرب إلى مواله؟
قيل :ال يأنف ٌ
أحد من عبودية من يظهر على العبيد آثار صنائع الربوبية ،كما أظهر على عيسى صلى
قال بعضهم :كيف يأنف ٌ
هللا عليه وسلم فى إحياء الموتى وغيره.
سمعت محمد بن الحسن البغدادى يقول :سمعت محمد بن أحمد بن سهل يقول :سمعت سعيد التمار يقول :سمعت ذا
النون المصرى رحمة هللا عليه وعليهم يقول :استقرت منار الدجى وقامت حجة هللا على خلقه فآخذ بحظه ومضيع
لنفسه.
قال ذو النون :عالقة المؤمن خلع الراحة وإعطاء المجهود فى الطاعة ومحبة سقوط المنزلة.
قلوبا ال تغفل عنى وال تحجب دونى طرفة وقال ابن عطاء فى قوله {يا أَي َّ ِ
آمُنوْا} :أى يا أيها الذين أعطيتهم ً
ين َ
ُّها الذ َ
َ َ
عين.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :اإليمان إيمانان إيمان بضياء الروح وهو الحقيقي ،وإيمان محبة بظلمة الروح ،لذلك
استثنى من استثنى فى إيمانه.
آمُنوْا} قال فيه أربع خصال :نداء وكناية ،وإشارة وشهادة ،فيا نداء وأى وقال جعفر بن محمد فى قوله {يا أَي َّ ِ
ين َ
ُّها الذ َ
َ َ
خصوص نداء وها كناية والذين إشارة وآمنوا شهادة.
آمُنوْا} :هم الذين خصصتهم ببرى ومشاهدتى ال يكونون كمن أعميتهم عن قال ابن عطاء فى قوله{ :يا أَي َّ ِ
ين َ
ُّها الذ َ
َ َ
مشاهدتى ومطالعة برى.
وقال فارس :اإليمان تعظيم الحقيقة ،وصون الشريعة والرضا بالقضية ،حتى تستيقن أنه ليس إليك من حركاتك
وسكونك شىء.
قيل :أول ٍ
عقد ُعِقد عليك إجابتك له بالربوبية ،فال تخالفه بالرجوع إلى سواه.
وقال إبراهيم الخواص :من عرف الحق بوفاء العهد ألزمته تلك المعرفة السكون إليه واالعتماد عليه.
السُب ُع
َك َل َّ يح ُة َو َمآ أ َ َّللاِ ِب ِه واْلمنخِنَق ُة واْلموُقوَذة واْلمتَرِدي ُة و َّ ِير َو َمآ أ ُِه َّل لِ َغ ْي ِر َّ
َواْلَّدم َوَل ْحم اْل ِخ ْن ِز ِ
ُح ِرَم ْت َعَل ْي ُك ُم اْل َم ْيتَ ُة
النط َ َ ُْ َ َ َ ْ ُ َ ُ َ َ َ ُ ُ
ِ ِ ِ
ين َكَف ُروْا من دين ُك ْم َفالَ تَ ْخ َش ْو ُه ْم ِ َّ ِ ِ ِ ٰ ِ ِ ِإالَّ َما َذ َّك ْيتُ ْم َو َما ُذِب َح
ِ َعَلى ُّ
َن تَ ْستَْقس ُموْا باأل َْزالَ ِم ذل ُك ْم ف ْس ٌق اْلَي ْوَم َيئ َس الذ َ صب َوأ ْ الن ُ
ص ٍة َغ ْي َر اإلسٰلم ِديناً َفم ِن اض ُ ِ
طَّر في َم ْخ َم َ َ ْ ِ ِ ِ ِ ِ
اخ َش ْو ِن اْلَي ْوَم أَ ْك َمْل ُت َل ُك ْم د َين ُك ْم َوأ َْت َم ْم ُت َعَل ْي ُك ْم ن ْع َمتي َوَرض ُ
يت َل ُك ُم ْ َ َو ْ
يم ِ ف ِإل ْث ٍم َفِإ َّن َّ متَج ِان ٍ
ور َّرح ٌ َّللاَ َغُف ٌ ُ َ
اخ َش ْو ِن}.
قوله تعالى { َفالَ تَ ْخ َش ْو ُه ْم َو ْ
وقال سهل :أعجز الناس من خشى ما ال ينفعه وال يضره ،والذى بيده الضر والنفع يخاطبه بقوله {َفالَ تَ ْخ َش ْو ُه ْم
اخ َش ْو ِن}.
َو ْ
قال أبو حفص :كمال الدين فى شيئين :فى معرفة هللا واتباع سنة نبيه صلى هللا عليه وسلم.
قال جعفر بن محمد :اليوم إشارة إلى يوم بعث فيه محمداً صلى هللا عليه وسلم ويوم رسالته.
وقيل :اليوم :إشارة إلى األزل ،واإلتمام :إشارة إلى الوقت ،والرضا :إشارة إلى األبد.
وقيل{ :أ َْت َم ْم ُت َعَل ْي ُك ْم ِن ْع َمِتي} بأن خصصتكم من بين عبادى بمشاهدة المصطفى صلى هللا عليه وسلم يخاطب به
أصحابه ،وجعلتكم حجة لمن بعدكم من األمة إلى يوم القيامة.
آمنا بما
وقال شقيق فى هذه اآلية :كمال الدين فى األمن والفراغ ،إذا كنت ً
َّ
تكفل هللا لك صرت فارًغا لعبادته.
قيل :شرائط اإلسالم كثيرة :منها سالمة روحك من جنايات سرك ،وسالمة سرك من جنايات صدرك ،وسالمة صدرك
من جنايات قلبك ،وسالمة قلبك من جنايات نفسك ،وسالمة الخلق من جنايات شخصك وهيكلك وجوارحك ،لذلك قال
النبى صلى هللا عليه وسلم " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده
".
قال الواسطى رحمة هللا عليه :اإلسالم خصلة مرضية ولكن ال يهتدى إليه الكل ،واإلسالم مرضى ولكن ال يلبسه
الكل ،والمرضى من أتى به ولكن على شرائط االستقامة.
وقال أبو يعقوب السوسى :اإلسالم دار عليها أربعة أبواب وأربع قناطر ثم المراتب بعد ذلك ،من لم يدخل الدار ولم
يعبر القناطر لم يصل إلى المراتب .فأول باب منها أداء الفرائض ثم اجتناب المحارم ثم األمن بالرزق ثم الصبر على
المكروه ،فإذا دخل الدار استقبلته القناطر ،فأول قنطرة منها الرضاء بالقضاء .والثانى :التوكل على هللا.
والثالث :الشكر لنعماء هللا .والرابع :إخالص العمل هلل ،فمن لم يعبر هذه القناطر ال يصل إلى المراتب.
وقال بعضهم :نزلت هذه اآلية يوم عرفة فى حجة الوداع والنبى صلى هللا عليه وسلم واقف وعندها كان كمال الدين
حيث يرد الحج إلى يوم عرفه ،فإنهم كانوا يحجون فى كل سنة فى شهر فلما رد هللا عز وجل وقت الحج إلى ميقات
فريضته ،أنزل هللا تعالى{ :اْلَي ْوَم أَ ْك َمْل ُت َل ُك ْم ِد َين ُك ْم}.
وقال يوسف بن الحسين :الطيب من الرزق ما يبدو لك من غير تكلف وال إشراف نفس.
ٰت ِ ِ طعام ُكم ِح ٌّل َّلهم واْلمحصنـ ِ طعام َّال ِذين أُوتُوْا اْل ِكتَـ ِ َّ َّ اْليوم أ ِ
صَنـ ُ
ٰت م َن اْل ُم ْؤمَنـٰت َواْل ُم ْح َ
ُْ َ ُ ْ َ َ ُ ٰب ح ٌّل ل ُك ْم َو َ َ ُ ْ
َ َ ٰت َو َ َ ُ ُح َّل َل ُك ُم الطيَبـ ُ َْ َ
يم ِن ِ ِ ِ ِ
ين َوالَ ُمتَّخذي أَ ْخ َد ٍ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
ان َو َمن َي ْكُف ْر باإل َٰ ين َغ ْي َر ُم َٰسفح َ
ورُه َّن ُم ْحصن َ وه َّن أ ُ
ُج َ ٰب من َقْبل ُك ْم إ َذا ءاتَْيتُ ُم ُ ين أُوتُوْا اْلكتَـ َ
م َن الذ َ
ِٰ ِ ِ ِ
ط َع َمُل ُه َو ُه َو في اآلخ َرِة م َن اْل َخس ِر َ
ين َفَق ْد َحِب َ
قيل :من لم يشكر هللا على ما وهب له من المعرفة واليقين ،فقد كفر بمعانى درجات اإليمان وفيه إحباط ما سواه من
االجتهادات والرياضات.
وقيل :من لم َير سوابق المنن فى خصائص اإليمان فقد عمى عن محل الشكر.
وقال على بن بابويه فى هذه اآلية :من لم يجتهد فى معرفته ال تقبل خدمته.
قال :ش ارئع الطهارة معروفة ،وحقيقتها ال ينالها إال الموفقون من طهارة السر وأكل الحالل وإسقاط الوساوس عن
القلب ،وترك الظنون واإلقبال على األمر بحسب الطاقة.
وقال سهل :الطهارة على سبعة أوجه :طهارة العلم من الجهل ،وطهارة الذكر من النسيان ،وطهارة الطاعة من
المعصية ،وطهارة اليقين من الشك ،وطهارة العقل من
الحمق ،وطهارة الظن من التهمة ،وطهارة اإليمان مما دونه ،وكل عقوبة طاهرة إال عقوبة القلب ،فإنها قسوة.
وقال سهل :إسباغ طهارة الظاهر يورث طهارة الباطن ،وإتمام الصالة يورث الفهم عن هللا عز وجل.
قال ابن عطاء :البواطن موضع النظر من الحق ،ألنه روى عن المصطفى صلى هللا عليه وسلم أنه
قال " :إن هللا ال ينظر إلى صوركم وال إلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم " فموضع
إلى بالطهارة لحق .فالطهارة الظاهرة هو تطهير األعضاء الظاهرة األربع التباع األمر واالقتداء وطهارة الباطن
النظر َّ
من الخيانات والجنايات وأنواع المخالفات وفنون الوسواس والغش والحقد والرياء والسمعة ،وغير ذلك من أنواع النواهى
لحق.
وقال بعضهم :ليس شىء أشد على العارفين من جمع الهمم وطهارة السر.
قال بعضهم :ال يصح ألحد طهارة الباطن إال بأكل الحالل والنظر إلى الحالل وأخذ الحالل والمشى إلى الحالل
وصدق اللسان هذا ،أولئك طهارات األسرار.
قال بعضهم :يريد أن يطهركم من أفعالكم وأحوالكم وأخالقكم ،ويفنيكم عنها لترجعوا إليه لحقيقة الفقر من غير تعلق
وال عالقة بسبب من األسباب.
َّللاِ َعَل ْي ُك ْم َو ِميثَا َق ُه َّال ِذي َواثََق ُكم ِب ِه} [اآلية.]7 :
{وا ْذ ُك ُروْا ِن ْع َم َة َّ
قوله تعالى وتقدسَ :
قال أبو عثمان :النعم كثيرة وأجل النعم المعرفة ،والمواثيق كثيرة وأجل
المواثيق اإليمان.
قيل للواسطى رحمة هللا عليه :ما الحكمة فيما أنعم هللا على خلقه ،قال :أنعم
عليهم لكى يشهدوا المنعم بالنعم ،فاستقطعتم النعمة عن المنعم كما استقطعتهم اآلفات عن متوليها.
قال بعضهم :اذكروا نعمة هللا عليكم أن جعلكم من أمة محمد صلى هللا عليه وسلم ومن أهل القرآن ،وأن زينكم
بخدمته وجعلكم من أهل مناجاته حين قال صلى هللا عليه وسلم " :المصلى يناجى ربه
".
َّللاِ َعَل ْي ُك ْم} حين زين باطنكم بأنوار معرفته وظاهركم بآداب خدمته.
قال أبو بكر الوراق فى قوله {ا ْذ ُك ُروْا ِن ْع َم َة َّ
وقال يحيى بن معاذ :أعظم نعمة عليك أن جعل قلبك وعاء لمعرفته ،وأطلق لسانك بحالوة ذكره ،وإن أدبرت عنه
خمسين سنة يصالحك باستغفار واحد.
آء ِباْلِق ْس ِط} [اآلية.]8 : ِ ِ قوله عز وجل{ :يا أَي َّ ِ
ين ََّّلل ُش َه َد َ
ونوْا َقَّوام َ
آمُنوْا ُك ُ
ين َ
ُّهآ الذ َ
َ َ
قال بعضهم :كونوا خصماء هللا على أنفسكم وال تكونوا خصماء ألنفسكم على هللا.
وقال بعضهم :كونوا طالبين من أنفسكم آداب الخدمة وقضاء حقوق المسلمين غير مقتضين منهم حقوق أنفسكم.
آمنتُ ْم َّ َّللا ِإِني مع ُكم َلِئن أََقمتُم َّ ٰ ِ ِ َّللا ِميثَ ِ ِ ِ
الصلوةَ َوآتَْيتُ ُم الزَكاةَ َو َ ََ ْ ْ ْ ُ ال َّ ُ نه ُم ا ْثَن ْي َع َش َر َنقيباً َوَق َ
يل َوَب َع ْثَنا م ُ
اق َبني إ ْس َرآئ َ َ َخ َذ َّ ُ َوَلَق ْد أ َ
ات تَ ْجرِي ِمن تَ ْحِت َها األ َْن َه ُار َف َمن َكَف َر
ُكِفرَّن ع ْن ُكم سِيَئ ِات ُكم وأل ُْد ِخَلَّن ُكم جَّن ٍ
ْ َ ْ َ َّللاَ َق ْرضاً َح َسناً أل َ َ َ ْ َ ضتُ ُم َّوه ْم َوأَ ْق َر ْ ِ
ِب ُرُسلي َو َعَّزْرتُ ُم ُ
السِب ِ
يل آء َّ ِٰ ِ
ض َّل َس َو َ
َب ْع َد ذل َك م ْن ُك ْم َفَق ْد َ
سمعت أبا عثمان المغربى يقول :البدالء أربعون واألمناء سبعة والخلفاء من األئمة ثالثة ،والواحد هو القطب ،والقطب
جميعا ومشرف عليهم وال يعرفه أحد وال يشرف عليه وهو إمام األولياء ،والثالثة الذين هم الخلفاء من
ً عارف بهم
األئمة يعرفون السبعة ،والسبعة األمناء يعرفون األربعين الذين هم البدالء وال يعرفهم البدالء،
واألربعون يعرفون سائر األولياء من األمة وال يعرفهم من األولياء أحد فإذا نقص هللا من األربعين و ً
احدا أبدل مكانه
احدا جعل
احدا من األربعين وإذا نقص من الثالثة و ً
احدا جعل مكانه و ً
احدا من أولياء األمة ،وإذا نقص من السبعة و ًو ً
احدا من الثالثة هكذا
مكانه من السبعة فإذا مضى القطب الذى هو واحد فى العدد ،وبه قوام إعداد الخلق جعل بدله و ً
إلى أن يأذن هللا فى قيام الساعة.
قال أبو عثمان :نقض الميثاق :الرجوع إلى الخلق بعد اإلقرار األول بالوحدانية.
ير َقد جآء ُكم ِمن َّ ِ ِ اب َق ْد جآء ُكم رسوُلَنا يبِي ُن َل ُكم َكِثي اًر ِم َّما ُك ْنتُم تُ ْخُفو َن ِم َن اْل ِكتَ ِ
َهل اْل ِكتَ ِ
ور
َّللا ُن ٌ اب َوَي ْعُفوْا َعن َكث ٍ ْ َ َ ْ َ ْ ْ َُ َ َ ْ َُ َيا أ ْ َ
اب ُّمِب ٌ
ين َو ِكتَ ٌ
قوله تعالىَ { :قد جآء ُكم ِمن َّ ِ
اب ُّمِب ٌ
ين} [اآلية.]15 : ور َو ِكتَ ٌ
َّللا ُن ٌ ْ َ َ ْ َ
قال بعضهم :جاءكم نور قبلتم به ما آتاكم الرسول صلى هللا عليه وسلم من بيان الكتاب.
وقال بعضهم :بعناية األزل وصلتم إلى نور الكتاب المبين ونور التوحيد واألنوار الظاهرة والباطنة.
أخل
قال ابن عطاء :تنال بهذا النور ما هو أجل من النور كمن أخذ سراجاً إلى بيت مظلم فبذره فى البيت ،فيجد به َّ
من السراج.
قال النصرآباذى :إنه إنما دعى إلى النور األدنى من عمى عن النور األعلى.
وقال بعضهم :قد جاءكم من هللا نور يفهمكم فوائد الكتاب المبين.
صر ٍ
اط ُّم ْستَِقي ٍم ِ ور ِبِإ ْذِن ِه وَي ْه ِد ِ الظُلم ِ
السالَ ِم وي ْخ ِرجهم ِم ِن ُّ َي ْه ِدي ِب ِه َّ
يه ْم ِإَل ٰى َ َ ات ِإَلى ُّ
الن ِ َ َّللاُ َم ِن اتََّب َع ِر ْ
ض َو َان ُه ُسُب َل َّ َ ُ ُ ُ ْ
صه برضوانه.
قيل :فبه يهدى هللا ألسلم المسالك فى سبيل إرادته من َخ َّ
وقيل :يغفر لمن يشاء بتقصيره فى شكر النعمة ،ويعذب من يشاء بتقصيره فى شكر المنعم ،نسى قارون النعمة
فخسف به ونسى المنعم فما يرجو.
لك
ما مثُل ُه لألنام ُم ُ لك
لكت َنفسى َوَذاك ُم ٌ
َم ُ
سمعت محمد بن الحسن البغدادى يقول :سمعت محمد بن أحمد بن سهل يقول :سمعت سعيد بن عثمان يقول:
سمعت رجالً يسأل ذا النون ما التوكل؟ قال :خلع األرباب وقطع األسباب ،فقال :زدنى ،فيه حالة أخرى .فقال :إلقاء
النفس فى العبودية وإخراجها من الربوبية.
سمعت محمد بن عبد هللا يقول :سمعت أبا على الروذبارى يقول :التوكل على ثالث درجات:
األولى منها إذا أعطى شكر ،وإذا منع صبر ،وأعال منها حاالً أن يكون المنع والعطاء عندهم سواء ،وأعال منها حاالً
أن يكون المنع مع الشكر أحب إليهم.
وقال ذو النون :التوكل نفض العالئق وترك التملق للخالئق فى السالئق ،واستعمال الصدق فى الحقائق.
سمعت سعيد بن أحمد البلخى يقول :سمعت أبى يقول :سمعت محمد بن عبد هللا يقول :سمعت خالى محمد بن الليث
يقول :سمعت حامداً اللفاف يقول :سمعت حاتماً األصم يقول :سمعت شقيق بن إبراهيم يقول :التوكل طمأنينة القلب
بوعود هللا.
َّارين وِإَّنا َلن َّن ْد ُخَلها حتَّ ٰى ي ْخرجوْا ِم ْنها َفِإن ي ْخرجوْا ِم ْنها َفِإَّنا َد ِ ِ ِ
اخُلو َن َ َ ُُ َ َ َ َ ُُ يها َق ْوماً َجب ِ َ َ
وس ٰى إ َّن ف َ
ام َ
َقاُلوا َي ُ
يها َق ْوماً َجب ِ ِ ِ
ين} [اآلية.]22 :
َّار َ قوله تعالى{ :إ َّن ف َ
اآلخ ِر َقال ألَْقُتَلَّن َك َق ِ و ْاتل عَلي ِهم نبأَ ابني ءادم ِباْلح ِق ِإ ْذ َقَّربا ُقرباناً َفتُُقِبل ِمن أَح ِد ِهما وَلم يتََقب ِ
َّللاُ ال إَّن َما َيتََقب ُ
َّل َّ َ َ َّل م َن َ
َ َ َ ْ ُ ْ َ َ َْ َ ُ َ ْ ْ ََ ْ َ ْ َ َ َ َ
ِ ِ
م َن اْل ُمتَّق َ
ين
قال ممشاد الدينورى :كان معصية آدم من الحرص ،ومعصية إبليس من الكبر ،ومعصية ابن آدم من الحسد،
فالحرص يوجب الحرمان والكبر يوجب اإلهانة والحسد يوجب الخذالن.
قال السالمى :القرابين مختلفة وأقرب القرابين ما وعد هللا جل وعز بقبوله ووعده الصدق وهو الذكر فى السجود ،ألنه
اس ُج ْد َوا ْقتَ ِرب } [العلق.]19 :
محل القربة .قال هللا تعالىَ { :و ْ
قال الواسطى رحمة هللا عليه :فى أداء الفرائض واجتناب المحارم السالمة من النار ،والوسيلة :القربة بآداب اإلسالم
إلى من وضعها وفرضها.
وقال أيضاً :الوسيلة المشار إليها النعوت فمن توسل إلى من ال وسيلة إليه إال به فلم يبتغ إليه الوسيلة.
وقال ابن عطاء :الوسيلة :القربة بآداب اإلسالم وأداء الفرائض لدخول الجنة والنجاة من النار.
ِ
إلى ،فالوسيلة منه إليك من غير سبب وال سؤال. {و ْابتَ ُغوْا ِإَليه اْل َوِسيَل َة} التى كانت لكم منى َّ
إلى ال منكم َّ قال الحسينَ :
قال ابن عطاء :من يحجبه هللا عن فوائد أوقاته لن يقدر أحد أيضاً لها إليه.
ظوْا ِمن استُ ْحِف ُ َّانيُّو َن واأل ْ ِ النِبيُّون َّال ِذين أَسَلموْا لَِّل ِذين هادوْا وا َّلرب ِ ِ
َحَب ُار ب َما ْ َ َ َُ َ َ ْ ُ ور َي ْح ُك ُم ِب َها َّ َيها ُه ًدى َوُن ٌ ِإَّنآ أ َ ْ
َنزلَنا التَّ ْوَرَاة ف َ
َّللاُ َفأ ُْوَلـِٰئ َك
َنزَل َّاخ َش ْو ِن َوالَ تَ ْشتَ ُروْا ِب َآي ِاتي َث َمناً َقلِيالً َو َمن َّل ْم َي ْح ُكم ِب َمآ أ َ
اس َو ْ َّللاِ َوَك ُانوْا َعَل ْي ِه ُش َه َدآء َفالَ تَ ْخ َش ُوْا َّ
الن َ اب َّ ِكتَ ِ
َ
ُهم اْل َك ِاف ُرو َن
ُ
قوله تعالى{ :و َّ ِ
الربَّانيُّو َن َواأل ْ
َحَب ُار} [اآلية.]44 : َ
قيل :الربانيون الراجعون إلى الرب فى جميع أحوالهم ،واألحبار :العلماء باهلل وبآياته.
وقال ابن طاهر :الربانيُّون هم الصحابة الذين أخذوا كالم الرب التدبير األعلى ،والواسطة األدنى ،واألحبار هم علماء
األمة العالمون بعلمهم.
َّللاُ َفأ ُْوَلـِٰئ َك ُه ُم اْل َك ِاف ُرو َن} .والظالمون والفاسقون. {و َمن َّل ْم َي ْح ُكم ِب َمآ أ َ
َنزَل َّ قوله تعالىَ :
قال بعضهم :من لم يحكم للناس كحكمه لنفسه فقد كفر نعمة هللا عنده ،وجحد سنى مواهبه لديه وظلم نفسه بذلك.
محجوبا من المبعدين.
ً قال بعضهم :من لم يحكم بخواطر الحق على قلبه كان
ِ ِ َنزلَنآ ِإَل ْي َك اْل ِكتَاب ِباْلح ِق مص ِدقاً لِما ب ْي َن ي َد ْي ِه ِم َن اْل ِكتَ ِ
آء ُه ْم َّللاُ َوالَ تَتَِّب ْع أ ْ
َهَو َ اح ُكم َب ْيَن ُهم ِب َمآ أ َ
َنزَل َّ اب َو ُم َه ْيمناً َعَل ْيه َف ْ َ َ َ َ َ َُ َوأ َ ْ
اح َدةً َوَلـ ِٰكن لَِيْبُلَوُك ْم ِفي َمآ آتَ ُ
اكم ُم ًة و ِ ِ ع َّما جآءك ِمن اْلح ِق لِ ُك ٍل جعْلنا ِم ُ ِ
َّللاُ َل َج َعَل ُك ْم أ َّ َ
آء َّ
نك ْم ش ْرَع ًة َوم ْن َهاجاً َوَل ْو َش َ ََ َ َ َ ََ َ َ
ات ِإَلى هللا مرِجع ُكم ج ِميعاً َفينِبُئ ُكم ِبما ُكنتم ِف ِ
يه تَ ْخَتلُِفو َن َفاستَِبُقوا الخير ِ
َ ُْ َُ َْ ُ ْ َ ٰ َ َْ ْ
وقال أبو يزيد البسطامى رحمة هللا عليه فى هذه اآلية :كما أنه بذاته يحبهم كذلك يحبون ذاته فإن اإلله راجعه إلى
الذات دون النعوت والصفات.
وقال :الحب شرطه أن يلحقه سكرات المحبة ،فإذا لم يكن كذلك لم تكن فيه حقيقة.
الروذابارى لنفسه:
وأنشدنى فى معناه الحسين بن أحمد الرازى قال :أنشدنى أبو على ُّ
وغليله نيرُانها
ُ ُج َزق الهوى أشجانها
ُ رت صفو صبابتى
ام ُ
َس َ
وقال بعضهم :سكون بعد الطلب ،وطلب بعد السكون ،ألن الطلب ال يساكن األحوال إال بوجود مراده وهوى محبوبه.
وقال الشبلى :المحبة استواء الحب فى الشدة والرخاء ،إذا صح قوله ودعواه.
سمعت عبد هللا بن محمد بن عبد الرحمن الدارى يقول :سمعت أبا عثمان يقول :إنه قد ذكر حبهم له وحبه لهم ،ثم
ِ ِ َّ ٍ
نعتهم فى حبه لهم فقال{ :أَذلة َعَلى اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين} فبدأ من نعت المحبة بالتواضع الذى ضده الكبر ،والكبر يتولد من
الجهل الذى يؤدى إلى
وقال الجنيد :من أثبت محبته هلل من غير شرط محبة هللا له ،كان فى دعواه مبطالً حتى يثبت أوالً محبة هللا له ،قال
ِ َّللا ِبَقو ٍم ي ِحبُّهم وي ِحبُّونه أَ ِذَّل ٍة عَلى اْلمؤ ِمِن ِ نكم عن ِد ِين ِه َفسو ِ ِ ٰيأَي َّ ِ
ين أَعَّزٍة َعَلى اْل َكاف ِر َ
ين ُْ َ َ ف َيأْتي َّ ُ ْ ُ ُ ْ َ ُ َ ُ َْ َ آمُنوْا َمن َي ْرتََّد م ُ ْ َ ين َ
ُّها الذ َ
َ
ِ ِ ِ ِ
ض ُل َّ ِ ِ ٰ ِ ِ ِ ِ
يجاه ُدو َن في سِب ِ
يم
َّللاُ َواس ٌع َعل ٌآء َو َّ
َّللا ُي ْؤتيه َمن َي َش ُ َّللا َوالَ َي َخا ُفو َن َل ْو َم َة الئ ٍم ذل َك َف ْ
يل َّ َ َُ
الوراق :الجهاد ثالثة :جهاد مع نفسك ،وجهاد مع عدوك ،وجهاد مع قلبك والجهاد فى سبيل هللا هو
قال أبو بكر َّ
مجاهدة القلب لئال تتمكن منه الغفلة بحال ،وجهاد النفس ال تفتر عن الطاعة بحال ،وجهاد الشيطان أن ال يجد منك
فرصة فيأخذ منك بحظه.
وقال الجنيد رحمة هللا عليه :الناس فى مجاهداتهم ثالثة نفر مرتبطون بأفعالهم وصفاتهم ،يقولون فى القيامة { َه ُ
آؤُم
ابي ْه } [الحاقة ]19 :و { ٰيَل ْي َت َق ْو ِمي َي ْعَل ُمو َن } [يس ]26 :ونفر غلبت صفات هللا على سرائرهم ،فهم ينظرون ِ
ا ْق َرُؤْا كتَ َ
إلى السبق وإلى ما جرى به من الحكم ،ونفر تجلى هللا لقلوبهم فخشعت عما سواه ،فهم ال يدركون صفاتهم
آمُنوْا َّ ِ
ين َ
َّللاَ َوَرُسوَل ُه َوالذ َ
{و َمن َيتََو َّل َّ
قال سهل :التوبة لها مقامات وحاالت ،والتوبة الصحيحة ما قال هللا عز وجلَ :
َّللاِ ُه ُم اْل َغالُِبو َن}.
َفِإ َّن ِح ْز َب َّ
قال القاسم :مواالة هللا مشتقة من مواالة رسوله ،ومواالة الرسول مشتقة من مواالة السادة واألكابر من عباده وهم
المؤمنون ،ومن لم يعظم الكبراء السادة ال يبلغ إلى شىء من مقامات المواالة مع هللا ورسوله فإن النبى صلى هللا عليه
وسلم قال " :من تعظيم جالل هللا إكرام ذى الشيبة المسلم " ،وقال صلى هللا عليه وسلم " :بجلوا المشايخ فإن تبجيل
المشايخ من إجالل هللا
وقال بعضهم :حزب هللا أهل خاصته والقائمون معه على شرائط االستقامة.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :الربانيون العارفون مقادير الخلق لرحمة الحق،
وقال أبو عثمان رحمة هللا عليه :الربانيون هم أهل حقيقة الحق وهم أهل المحبة هلل بالصدق.
قال الواسطى :حقائق الرسالة لو وضعت على الجبال لزالت ،إال أنهم يظهرون للعالم على مقادير طاقتهم ،أال ترى
ِ إلى قوله تعالى َ{بلِ ْغ َمآ أ ِ
ُنزَل ِإَل ْي َك من َّرب َ
ِك} ولم يقل ما تعرفنا به إليك.
ِ َّ ِ
َّللاُ َفِب ُه َد ُ
اه ُم ين َه َدى َّ
وقال بعضهم :الرسول هو المبتدى والنبى هو المقتدى ،قال هللا تعالى فى صفة األنبياء {أ ُْوَلـٰئ َك الذ َ
ا ْقتَِد ْه} [األنعام.]90 :
وقال بعضهم :بلغ ما أنزل إليك من ربك وال تبلغ ما خصصناك به من محل الكشف والمشاهدة فإنهم ال يطيقون
سماع ما أطقت حمله من مشاهدات اللذات والتجلى بالصفات.
ص ُم َك ِم َن َّ
الن ِ
اس} .قيل يعصمك منهم أن يكون منك إليهم التفات ،أو يكون لك بهم اشتغال. َّللا يع ِ
{و َّ ُ َ ْ
قوله تعالىَ :
وقيل :يعصمك من أن ترى لنفسك فيها شيئاً بل ترى الكل منه وبه.
ِ ِ ِ
ط ْغَياناً َوُكْف اًر} [اآلية.]68 : {وَلَي ِز َيد َّن َكثي اًر م ْن ُه ْم َّمآ أ ُْن ِزَل ِإَل ْي َك من َّرب َ
ِك ُ قوله تعالىَ :
قال الواسطى رحمة هللا عليه :هم الذين تولى هللا إضاللهم وصرف قلوبهم عن إدراك حقائق الحكمة.
َّللا ب ِ
ص ٌير ِب َما َي ْع َمُلو َن ِ ِ ِ ِ َّ ِ
ص ُّموْا َكث ٌير م ْن ُه ْم َو َّ ُ َ
َّللاُ َعَل ْيه ْم ثُ َّم َع ُموْا َو َ
اب َّ َو َحسُبوْا أَال تَ ُكو َن ف ْتَن ٌة َف َع ُموْا َو َ
ص ُّموْا ثُ َّم تَ َ
ِ َّ ِ
{و َحسُبوْا أَال تَ ُكو َن ف ْتَن ٌة َف َع ُموْا َو َ
ص ُّموْا} [اآلية.]71 : قوله تعالىَ :
وقيل :ظنوا أنهم لن يقعوا فى الفتنة وهم طالبون للدنيا معتمدون على الخلق ،عميت أبصار قلوبهم وصمت آذان
سرائرهم ،إال من يتداركه هللا بكشف الغطا فيحله محل التابعين.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :ما أظهر هللا من الوشم المكروه على خلقه ،جعل ذلك مضافاً إلى غضبه وسخطه من
غير أن يؤثر عليه شىء ،أال ترى إلى قول الحكيم كيف يؤثر عليه ،ما هو أحراه له كيف يغضبه ما هو أبداه وكيف
َّللاِ}.
وبو َن ِإَل ٰى َّ
وقال أبو عثمان فى قوله{ :أََفالَ َيتُ ُ
ص َار ٰى ٰذلِ َك َّ ِ َِّ ِ اس عداوة لَِّل ِذين آمنوْا اْليه َّ ِ
ِ
ين َقالُوْا إَّنا َن َ
آمُنوْا الذ َ َش َرُكوْا َوَلتَ ِج َد َّن أَ ْق َرَب ُه ْم َّم َوَّد ًة للذ َ
ين َ ين أ ْ
ود َوالذ َالن ِ َ َ َ ً َ َ ُ َ ُ َ َلتَ ِج َد َّن أ َ
َشَّد َّ
ين َوُرْهَباناً َوأََّن ُه ْم الَ َي ْستَ ْكِب ُرو َن ِبأ َّ ِ ِ ِ ِ
َن م ْن ُه ْم قسيس َ
ين َوُرْهَباناً َوأََّن ُه ْم الَ َي ْستَ ْكِب ُرو َن} [اآلية.]82 : ٰ
{ذلِك ِبأ َّ ِ ِ ِ ِ
َن م ْن ُه ْم قسيس َ قوله تعالىَ :
قال بعضهم :حرمات الخدمة أثبت عليهم وإن كانوا على طرق المخالفة ،لكنهم لما أظهروا لزوم الباب بدت عليهم
آثارها فى قبول الحرية وتحليل المناكحات واألسباب إلى التزهد والرهبانية.
آمَّنا َفا ْكتُْبَنا َم َع ِ ول تَرى أَعينهم َتِفيض ِمن َّ ِ
ُنزل ِإَلى َّ ِ ِ
الد ْم ِع م َّما َع َرُفوْا م َن اْل َح ِق َيُقوُلو َن َربََّنآ َ ُ َ الرُس َ ْ ُ َ ُ ْ َوإِ َذا َسم ُعوْا َمآ أ ِ َ
ين َّ ِ ِ
الشاهد َ
يض ِم َن َّ
الد ْم ِع} [اآلية.]83 : ِ
َعُيَن ُه ْم تَف ُ الرس ِ
ول تَ َرى أ ْ قوله تعالى{ :وإِ َذا س ِم ُعوْا مآ أ ِ ِ
ُنزَل إَلى َّ ُ َ َ َ
وقال بعضهم فى هذه اآلية :كان فيهم ثالثة أشياء :الدعاء والبكاء والرضاء.
فالدعاء على الجفاء ،والبكاء على العطاء ،والرضاء بالقضاء وكل أحد يدعى المعرفة وال تكون فيه هذه الثالثة فليس
بصادق فى دعواه.
ِ ِ َّللاُ َل ُك ْم َوالَ تَ ْعتَ ُدوْا ِإ َّن َّ ٰيأَيُّها َّال ِذين آمنوْا الَ تُح ِرموْا َ ِ
ين
َّللاَ الَ ُيح ُّب اْل ُم ْعتَد َ طِيَبات َمآ أ َ
َح َّل َّ َ ُ َ َُ َ
قوله تعالىٰ { :يأَيُّها َّال ِذين آمنوْا الَ تُح ِرموْا َ ِ
َّللاُ َل ُك ْم} [اآلية.]87 : طِيَبات َمآ أ َ
َح َّل َّ َ ُ َ َُ َ
قال سهل :هو الرفق باألسباب من غير طلب وال إشراف نفس ،وقد يبدو الرفق بالسبب ألهل المعرفة على الظاهر
وهم يأخذونه من المسبب على الحقيقة.
وقال أبو عثمان :ال تحرموا على أنفسكم المكاسب وطلب القوت الحالل من ذلك وال تعتدوا النزواء ارزًقا سواه ،فإنه
الرازق .والرزاق ربما أوصل إليك رزقك بسبب وربما قطعك عن األسباب َّ
وردك إلى األخذ منه.
قال بعضهم :رزقك الذى رزقك ما هو من غير حركة منك وال استشراف ،وهو الطيب الحالل يحلك محل الدعة
ويطيب قلبك بتناوله.
قال الواسطى رحمة هللا عليه فى هذه اآلية :الحذر ال يزول عن العبد ،وإن كان مدرًجا تحت الصفات ولوال ذلك
علما
لبسطه العلم إلى شرط الجور وقلة المباالة باألفعال ،ولكن اآلداب فى إقامة الموافقات كلما ازدادت السرائر به ً
إزدادت له خشية.
اح َذ ُروْا} أى :ال تالحظوا طاعاتكم فتسقطوا عن درجة الكمال. َطيعوْا َّ ِ وقال الواسطىِ :
ول َو ْ
الرُس َ
يعوْا َّ
َّللاَ َوأَط ُ {وأ ُ
َ
احذر هللا فيما تعرفه من ذنوبك ،واحذره فيما ال تعرفه أنت ويعرفه منك ،واحذره فيما ال ترى من فضله عليك ،واحذره
مخدوعا برؤية طاعتك ونسيان مخالفاتك ،واحذره أن تكون مستدرًجا ،واحذره أن
ً أن ال ينسيك عيوبك ،واحذره أن تكون
يحجبك برؤية رحمته عن رؤية عدله ،واحذره أن ال يغرك بثناء الخلق عليك بخالف ما يعلمه منك.
سمعت محمد بن عبد هللا الطبرى يقول سمعت الشبلى يقول :الكعبة أمام أعين الخلق ،والحق إمام قبلة أوليائه.
قياما للناس :أى من ذل عن قيامه فاعو َّج بالتدنس بمعصية فأتاه فتعلق به إقامة بركاته وأثار األنبياء عليهم
وقيل ً
السالم.
آمُنوْا ثُ َّم َّ ط ِعموْا ِإ َذا ما اتََّقوْا وآمنوْا وع ِمُلوْا ال َّ ِ ِ َليس عَلى َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ
ات جَن ِ
صال َحات ثُ َّم اتَقوْا َو َ َ َُ َ َ َ يما َ ُ
اح ف َ
الصال َح ُ ٌ َ َُ َ َ َْ َ
ين ِِ اتََّقوْا َّوأَحسُنوْا و َّ ِ
َّللاُ ُيح ُّب اْل ُم ْحسن َ َْ َ
قال سهل :إذا طلب الحالل ولم يأخذ فوق الكفاية وآثر مما َح َّ
صله وواسى.
ِ ٰيأَي َّ ِ
َّللاُ
َّللاُ َع ْن َها َو َّ
آن تُْب َد َل ُك ْم َعَفا َّ آء ِإن تُْب َد َل ُك ْم تَ ُس ْؤُك ْم َوإِن تَ ْسأَُلوْا َع ْن َها ح َ
ين ُيَنَّزُل اْلُق ْر ُ َشَي َ
آمُنوْا الَ تَ ْسأَُلوْا َع ْن أ ْ
ين َ
ُّها الذ َ
َ
يم ِ
ور َحل ٌ
َغُف ٌ
آء ِإن تُْب َد َل ُك ْم تَ ُس ْؤُك ْم} [اآلية.]101 : قوله تعالىٰ { :يأَي َّ ِ
َشَي َ
آمُنوْا الَ تَ ْسأَُلوْا َع ْن أ ْ
ين َ
ُّها الذ َ
َ
قال بعضهم :ال تسألوا عن أشياء إن تُ َبد لكم تسؤكم قال بعضهم :ال تسألوا عن مقامات الصديقين ودرجات األولياء،
فإنه إن بدا لكم شىء منها فأنكرتم ذلك هلكتم.
ودخل خادم الحسين بن منصور عليه الليلة التى وعد من الغد قتله ،فقال :أوصنى :فقال :عليك نفسك إن لم تشغلها
شغلتك.
وسئل أبو عثمان عن هذه اآلية فقال :عليك نفسك إن اشتغلت بصالح فسادها وستر عوراتها ،شغلك ذلك عن النظرُ
إلى الخلق واالشتغال بهم.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :أظهر ما منه إليهم كلهم من توليه فقالوا كيف نقول فعلت األمم -أو فعلنا عندها -
َّ
كلت إال عن العبادة عن الحقيقة.
وقال الجنيد رحمة هللا عليه :رفق بهم ولو فقهوا أو علموا لماتوا هيبة لورود الجواب للخطاب.
وقال بعضهم :لوال أن هللا تعالى أيدهم بخطابه بالوسائط ،لذابوا حين ف ِجَئهم خطاب المشاهدة.
وقال بعضهم :طاشت عقولهم وذهلت ألبابهم لهيبة ورود الخطاب عليهم.
وقال ابن عطاء :ال علم لنا بسؤالك وال جواب لنا عنه.
وقال سهل بن عبد هللا :ال عقل لنا وكانت مخاطبتهم فى أصل العقل.
الرُس َل
َّللاُ ُّ
{ي ْوَم َي ْج َم ُع َّ
وقال بعضهم :لما ظهر لهم الحق بعلمه وسبقه ثم سألهم جحدوا علومهم ونسوها فى قولهَ :
ول َما َذآ أُ ِج ْبتُ ْم َقاُلوْا الَ ِعْل َم َلَنآ} [اآلية.]109 :
َفَيُق ُ
وحكى الواسطى رحمة هللا عليه عن الجنيد رحمه هللا أنه قال عن غفلة :قالوا ال علم لنا ولو فقهوا لماتوا ،ولو لحظت
الرسل ما تحت خطابه لذابوا.
وقال سهل بن عبد هللا فى قوله {الَ ِعْل َم َلَنآ} أى :ال علم لنا بمرادك فى سؤالك وأنت عالم الغيوب ،وتلقى الخطاب
بالجواب صعب وال يتلقى خطابه إال بالجهل واالستكانة والفقر والذلة والخضوع.
سمعت محمد بن شاذان يقول :سمعت محمد بن الفضل يقول :فى هذه اآلية {الَ ِعْل َم َلَنآ} أى :ال علم لنا بجواب ما
يصلح لهذا السؤال.
أيضا{ :الَ ِعْل َم َلَنآ} إال علمنا بأنك أنت أعلم بهم منا وليس علمنا كعلمك يا ربنا.
وقال ً
ُج ْبتُ ْم}؟ أى كيف شكركم عن عبادى قالوا{ :الَ ِعْل َم َلَنآ} باإلجابة ،إن شكرنا كذبنا
وقال بعضهم فى هذه اآلية{ :ما َذآ أ ِ
َ
وإن صدقنا شكوا وال تحتمل قلوبنا أن نشكوا من ضعفاء إلى متكبر جبار ،إنك أنت عالم الغيوب ،يستعفون من ذلك
َنت َعالَّم اْل ُغي ِ
وب}. بالسؤال قولهِ{ :إَّن َك أ َ
ُ ُ
قال بعضهم :قطعهم بذلك عن الشفاعات حتى يستأذنوا فيأذن لمن يشاء بقوله تعالى{ :من َذا َّال ِذي ي ْشَفع ِع ْنده ِإالَّ
َ ُ َُ َ
ِبِإ ْذِن ِه} [البقرة.]255 :
قال بعضهم :منهم من ألقى إليه روح النبوة ،ومنهم من ألقى إليه روح الصديقية ،ومنهم من ألقى إليه روح المشاهدة،
ومنهم من ألقى إليه روح اإلصالح والحرمة ،وأسر إليهم بما ال يترحم ،وال ُيعبر علم ربانى غاب وصفه وبقى حقه.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :ال تصح الصحبة مع هللا إال بصحبة الروح فى صحبة ِ
القدم.
وقال فى قوله أيدتك بروح القدس :ذكر الروح فى هذا الموضع لطف بالقربة من المستترات.
شيئا من هيكلك وطبعك ،بل طهرته لئال يرى غيرى وال يشاهد سواى ،وأسكنته
قال بعضهم :قدست روحك أن تمازج ً
قالب جسمك ،سكون عارية كإسكان آدم صلى هللا عليه وسلم الجنة ألطهر به جسدك عن أدناس الكون حتى أقدسهما
جميعا وأخرجهما إلى مجد القدس.
ً
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا على الروذبارى يقول :غاية الربوبية فى غاية العبودية لما استقام على
شيئا من أوصاف الربوبية بقضائه وقدره.
بساط العبودية أظهر عليه ً
قال الواسطى رحمة هللا عليه :تعلم ما فى نفسى لك وال أعلم ما فى نفسك لى.
قال يحيى :تعلم ما فى نفسى ألنك أوجدتها ،وال أعلم ما فى نفسك لبعد الذات عن الدرك.
سمعت محمد بن عبد العزيز يقول :سمعت محمد الجريرى يقول :سمعت الجنيد رحمة هللا عليه يقول :وقد ُسئل عن
قوله تعلم ما فى نفسى وال أعلم ما فى نفسك.
وقال :تعلم ما فى نفسى من تدبيرك فى وقضائك لى ،وال أعلم ما فى نفسك من المحبة لى أو اإلبعاد.
َنت
نت أ َ
ِ ِ
نت َعَل ْي ِه ْم َش ِهيداً َّما ُد ْم ُت في ِه ْم َفَل َّما تََوَّف ْي َتني ُك َ
َّك ْم َوُك ُ
َّللاَ َربِي َوَرب ُ
اعُب ُدوْا ََّن َْم ْرتَِني ِب ِه أ ِ ِ َّ
َما ُقْل ُت َل ُه ْم إال َمآ أ َ
َنت َعَل ٰى ُك ِل َشي ٍء َش ِه ٌيد يب َعَل ْي ِه ْم َوأ َ
الرِق َ
َّ
ْ
َم ْرتَِني ِب ِه} [اآلية.]117 : ِ َّ
{ما ُقْل ُت َل ُه ْم إال َمآ أ َ
قوله تعالىَ :
{من َذا َّال ِذي َي ْشَف ُع ِع ْن َدهُ ِإالَّ ِبِإ ْذِن ِه} [البقرة.]255 :
قيل أنى يكون لى لسان القول إال بعد اإلذن بعد قولك َ
ِ
يب َعَل ْي ِه ْم}.
الرِق َ
َنت َّ قوله تعالىَ{ :فَل َّما تََوَّف ْيتَني ُك َ
نت أ َ
قيل :لما أسقطت عنى ثقل اإلبالغ ،كنت أنت أعلم من إقبالهم بما أجريت عليهم من محتوم قضائك.
وقال بعضهم :نزل عيسى عليه الصالة والسالم له انبساط فى السؤال لألمة وترك المحاكمة فى أفعاله ،ونبينا صلى
هللا عليه وسلم ال يزال يشفع ويشفع ويقول :أمتى أمتى حتى يجاب فى الكل من أمته ،وهذا هو المقام المحمود الذى
ويجاب بقوله قل ُيسمع واشفع تشفع. ص به ،ويغبطه عليه األولون واآلخرون حيث راجع الحق منبس ً
طا ُ ُخ َّ
قال الواسطى رحمة هللا عليهَ :عَّز كالمه ونعوته وعزت صفاته وبيانه وأساميه فلم يبدها إال لمن خلقه لها ومن كان
هو أحق بها وأهلها.
ات تَجرِي ِمن تَحِتها األ َْنهار خالِ ِدين ِفيهآ أَبداً َّر ِ الص ِاد ِق ِ
ضوْا
َّللاُ َع ْن ُه ْم َوَر ُ
ضي َّ
َ َُ َ َ َ َ ْ َ ين ص ْد ُق ُه ْم َل ُه ْم َجَّن ٌ ْ
َ َّللاُ َهـٰ َذا َي ْوُم َي َنف ُع َّ
ال َّ
َق َ
يم ِ ِٰ
َع ْن ُه ذل َك اْلَف ْوُز اْل َعظ ُ
الص ِاد ِقين ِ
ص ْد ُق ُه ْم} [اآلية.]119 : َّللاُ َهـٰ َذا َي ْوُم َي َنف ُع َّ
ال َّ
َ قوله تعالىَ { :ق َ
سمعت محمد بن الحسن البغدادى يقول :سمعت محمد بن أحمد بن سهل يقول :سمعت سعيد بن عثمان يقول :قال
ذو النون :ثالثة من أعالم الصدق :مالزمة الصادقين ،والسكون عند نظر المتفرسين ووجدان الكراهية لتغير السر
لرب العالمين.
سمعت النصرآباذى يقول :سمعت إبراهيم بن عائشة يقول :سمعت أبا سعيد القرشى وقد ُسئل عن الصادق فقال :الذى
ظاهره مستقيم وباطنه ال يميل إلى حظ
النفس الستقامته ،وعالمة صاحبه أن يجد الحالوة فى بعض الطاعة وال يجد فى بعضها.
وإذا اشتغل بالذكر واالجتهاد يجد الروح وإذا اشتغل بحظوظ نفسه ُحجب عن هللا وعن األذكار.
وقال الحسينى فى هذه اآلية :إذا قابل ربه بصدق ،وجهل أمر ربه ،وطالب ربه بحظه ووعده يطالبه ربه بصدق
صدقه فأفلسه عن رتبته وأبعده عما قصده ،وينفع صدقه من لقيه اإلفالس وأيقن أنه كان مستعمالً تحت حكمه
وقضيته.
قيل البر :ما وافقك عليه العلم من غير خالف والتقوى مخالفة الهوى {والَ تَ َعاوُنوْا َعَلى ِ
اإل ْث ِم َواْل ُع ْدَو ِ
ان} قيل :اإلثم طلب َ َ
الرخص ،والعدوان هو التخطى إلى الشبهات. ُّ
وقيل :البر :ما اطمأن إليه قلبك من غير أن تنكره بجهة وال سبب.
بر َوالتَّْق َو ٰى} هو طاعة األكابر من السادات والمشايخ فال تضيعوا حظوظكم منهم ،ومن وقال بعضهم{ :تَ َع َاوُنوْا َعَلى اْل ِ
{واْل ُع ْد َو ِ
ان} هو :موافقة النفس على مرادها وهواها. ِ
{والَ تَ َع َاوُنوْا َعَلى اإل ْثمِ} وهو االشتغال بالدنيا َ
معاونتهم وخدمتهم َ
ين َكَف ُروْا ِب َربِ ِه ْم َي ْع ِدُلو َن َّ ِ الظُل َٰم ِت َو ُّ
الس ٰم ٰو ِت واألَرض وجعل ُّ ِ َّ ِ
ور ْث َّم الذ َ
الن َ اْل َح ْم ُد ََّّلل الذي َخَل َق َّ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ
ض} [اآلية.]1 : ِ قوله عز وعال{ :اْل َح ْم ُد ََّّللِ َّال ِذي َخَل َق َّ
الس َم َاوات َواأل َْر َ
قيل :حمد نفسه بنفسه حين علم عجز الخلق عن بلوغ حمده.
وقيل :حمد نفسه على ما أبدى الخلق من مصالحهم ومعايشهم لغفلة الخلق عن ذلك.
وقيل فى هذه اآلية من ذا الذى يستحق الحمد ،إال من يقدر على مثل هذا الخلق من السماوات واألرض وما فيهما.
و ُسئل بعضهم :ما الحكمة فى إظهار الكون؟ قال :ارتفاع العلة ،فإذا ارتفعت العلة ظهرت الحكمة.
ور}. الظُلم ِ
ات َو ُّ قوله تعالى{ :وجعل ُّ
الن َ َ َ ََ َ
وقال بعضهم :جعل الظلمات الكفر والمعاصى ،وجعل النور اإليمان والطاعات.
وقال الواسطى :هو الكفر والمعاصى والنور واإليمان ،وأصله االفتراق واالقتران.
وقال بعضهم :جعل الظلمات والنور ،الظلمات :أعمال البدن والنور :فى التفويض.
َوَل ْو َج َعْل َٰن ُه َمَلكاً َّل َج َعْل َٰن ُه َر ُجالً َوَلَلَب ْسَنا َعَل ْي ِهم َّما َيْلِب ُسو َن
قال الواسطى رحمة هللا عليه :ليس على أهل واليته بحضرته كما أنزل فى بعض الكتب بغيتى ما يتحمله المتحملون
من أجلى وطلب مرضاتى ،أترانى أنسى لهم ذلك كيف وأنا الجواد الكريم ،أقبل على من تولى عنى فكيف بمن أقبل
على.
{وَلَلَب ْسَنا َعَل ْي ِهم َّما َيْلِب ُسو َن} قال :رحمهم من حيث لم يعلموا.
وقال النورى فى قولهَ :
قال القاسم :لما لم يعرفوا حقوق الرسل ولم يكرموهم ولم ينظروا إليهم بعين الحق ،فصموا عن األنوار والمشاهدات
والرفيع من المقامات.
قال أبو عثمان :أوجب على نفسه عفو المقصرين من عباده ،لذلك قال :كتب ربكم على نفسه الرحمة.
{سالَ ٌم َعَل ْي ُك ْم} قال :هى الصفات الجارية عليهم ولهم ،والذى أعتقهم من رق الكون وأظهرهم
وقال بعضهم :فى قولهَ :
من خفايا المختزنات المصونات المكنونة بأعجب أعجوبة ثم أشهدهم السالم.
ين ُي ْؤ ِمُنو َن ِب َآي ِاتَنا َفُق ْل َسالَ ٌم َعَل ْي ُك ْم} [اآلية.]54 : قوله عز وعال{ :وإِ َذا جآء َّ ِ
ك الذ َ َ َ ََ
قيل فى هذه اآلية :تسلم أنت على الذين يؤمنون بآياتناَّ ،
فإنا نسلم على الذين يؤمنون بنا بال واسطة وذلك قوله{ :
َسالَ ٌم َق ْوالً ِمن َّر ٍب َّرِحي ٍم } [يس.]58 :
َّللاَ الَ بعضهم :إذا جاءك الذين خالفوا األمر وهم على طريقة التوحيد فاقبلهم وال تردهم بالمعاصى قال هللاَّ :
{إن َّ وقال
آء} [النساء.]48 : ن ِ ِ أَن ي ْشر ِ ِ ِ َي ْغِف ُر
ك به َوَي ْغف ُر َما ُدو َ َذل َك ل َمن َي َش ُ
ُ ََ
قال الواسطى رحمة هللا عليه :برحمته وصلوا إلى عبادته ،ال بعبادتهم وصلوا إلى رحمته ،وبرحمته نالوا ما عنده ،ال
بأفعالهم ألن النبى صلى هللا عليه وسلم يقول " :وال أنا إال أن يتغمدنى هللا منه برحمته
".
ِ
معرفة هللا قال ابن عطاء :كل من عصى هللا عصاه جهالة ،وكل من أطاعه أطاعه بعلم فإن العبد إذا لم يعظم قدر
فى قلبه ركب كل نوع من البالء.
كيف ال يسكن إلى الحق ولدعاة الحقيقة تقصده وهو موضع النظر.
أيضا فى هذه اآلية :أزال األمالك بل أبطلها حين أضافها إلى نفسه وتوالها
وقال ً
بقدرته وأظهرها بمشيئته وأوجدها بعدما أفقدها ،فهو المالك لها على الحقيقة.
ط َع ُم ُق ْل ِإِني أ ُِم ْر ُت أَ ْن أ ُ
ط ِع ُم َوالَ ُي ْ الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ ُقل أَغير َّ ِ َّ ِ ِ ِ
ون َّن َكو َن أََّو َل َم ْن أ ْ
َسَل َم َوالَ تَ ُك َ ض َو ُه َو ُي ْ َّللا أَتخ ُذ َولياً َفاط ِر َّ َ َ َ ْ َ َْ
ِ
م َن اْل ُم ْش ِرَك َ
ين
وقال غيرهِ :أس َواه أستكفى ،وهو الذى يكفينى المهم فى الدارين.
وقال ابن عطاء :أن أكون من الخاضعين لما يبدو من مبادئ القدرة.
قال الوراق :اعتمد على هللا فى جميع أمورك وأحوالك ،فإنه ال مانع لما أعطى وال
ض ٍر أو نزول
وقال الجنيد رحمة هللا عليه :معبودك أول خاطر يخطر لك عند نزول ُ
بالء إن رجعت فيه إلى هللا فهو معبودك وهو الذى يكفيك ،وإن رجعت إلى غيره تركك وما رجعت إليه.
قيل :جبرهم وقهرهم حتى لو استطاعوا عنه معدالً ما أطاقوا ،يجحدون ظاهرين وتكذبهم البواطن.
وقال بعضهم :قهرهم على االيجاد واالظهار ،كما قهرهم على الموت والفناء.
وقال بعضهم :القاهر :اآلمر بالطاعة من غير حاجة ،والناهى عن المعصية من غير كراهية ،والمثيب من غير
عوض ،والمعاقب من غير حقد ،ال يشتفى بالعقوبة وال يتعزز بالطاعة.
َكَّن ًة أَن َيْفَق ُهوهُ َوِفي َءا َذ ِان ِه ْم َوْق اًر َوإِن َي َرْوْا ُك َّل َء َاي ٍة الَّ ُي ْؤ ِمُنوْا ِب َها َحتَّ ٰى ِإ َذا
و ِم ْنهم َّمن يس َت ِمع ِإَليك وجعْلَنا عَلى ُقُلوب ِِهم أ ِ
ْ َْ ُ ْ َ َ ََ َ ٰ َ ُْ
جآءوك ي ٰج ِدُلونك يُقول َّال ِذين َكَفروْا ِإن هـٰ َذآ ِإالَّ أ ٰ ِ
َسط ُير األََّولِ َ
ين َ َ ُ ْ َ َ ُ َ َُ ََ َ ُ
قوله تعالى{ :و ِم ْنهم َّمن يستَ ِمع ِإَليك وجعْلَنا عَلى ُقُلوِب ِهم أ ِ
َكَّن ًة} [اآلية.]25 : ْ َْ ُ ْ َ َ ََ َ ٰ َ ُْ
قال ابن عطاء :ألنه لم يجعل لهم سمع الفهم ،وإنما جعل لهم سمع الخطاب.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :ومنهم من يستمع إليك بنفسه وهو فى ظلمات نفسه يتردد ،ومنهم من يستمع منك بنا
فهو فى أنوار المعارف يتقلب.
َب ْل َب َدا َل ُه ْم َّما َك ُانوْا ُي ْخُفو َن ِمن َقْب ُل َوَل ْو ُرُّدوْا َل َع ُادوْا لِ َما ُن ُهوْا َع ْن ُه َوإَِّن ُه ْم َل َك ِاذُبو َن
قوله تعالى{َ :ب ْل َب َدا َل ُه ْم َّما َك ُانوْا ُي ْخُفو َن ِمن َقْب ُل} [اآلية.]28 :
قيل :ظهر لهم من عيوب أسرارهم ما كان يخفيه عنهم قلة عملهم.
قال أبو العباس الدينورى :أبدا لهم الحق فساد دعاويهم التى كانوا يخفونها ويظهرون للناس خالفها من التنسك والتقى.
قال ابن عطاء :وقفوا وقوف قهار ،ولو وقفوا وقوف اشتياق ل أروا عن أنواع الكرامات ما تعجبوا منها.
قال محمد بن على :لعب لمن جمعه لهو لمن يرث عنه.
ين َيتَُّقو َن} ،واإلنسان يسارع إلى ما هو خير له. َِّ ِ ِ
{وَل َّلد ُار اآلخ َرةُ َخ ْيٌر للذ َ
قال هللا تعالىَ :
قال بعضهم فى هذه اآلية :تعزية للفقراء بما حرموا منها ،وتقريع لألغنياء بما ركنوا إليها.
قيل :ال مغير لها لما أجرى فى األزل عند ظهورها في األبد ،واألزل واألبد عنده واحد وال أزل وال أبد حقيقة.
ض أَو سَّلماً ِفي َّ ِ ِ ِ ٍ ط ْع َت أَن تَْبتَ ِغي َنَفقاً ِفي األ َْر ِ ِ
َّللاُ
آء َّ
الس َمآء َفتَأْتَي ُه ْم ب َآية َوَل ْو َش َ ْ ُ َ استَ َاض ُه ْم َفإن ْ ان َكُب َر َعَل ْي َك ِإ ْع َر ُ
َوإِن َك َ
ِ ِ
ون َّن م َن اْل َٰج ِهل َ
ين َل َج َم َع ُه ْم َعَلى اْل ُه َد ٰى َفالَ تَ ُك َ
وقيل هذا الخطاب استهانة بمن أعرض عنه ،بأنه سيرهم فى مشيئته وصرفهم فى تدبيره.
قال ابن عطاء :أخبر هللا أن أهل السماع هم األحياء وهم أهل الخطاب والجواب،
َّللاُ}.
{واْل َم ْوتَ ٰى َي ْب َعثُ ُه ُم َّ
وأخبر أن اآلخرين هم األموات بقوله َ
صر ٍ
اط ُّم ْستَِقي ٍم ِ َّللا ي ْ ِ ُّ ِ ِ َّ ِ ِ َّ ِ
ضلْل ُه َو َمن َي َش ْأ َي ْج َعْل ُه َعَل ٰى َ ص ٌّم َوُب ْك ٌم في الظُل َمات َمن َي َشِإ َّ ُ ُ
ين َكذُبوْا ب َآياتَنا ُ
َوالذ َ
قوله عز وعال{ :و َّال ِذين َك َّذبوْا ِبآي ِاتنا ص ٌّم وب ْكم ِفي ُّ
الظُلم ِ
ات} [اآلية.]39 : َ َ َ ُ َ َ ُ َُ ٌ
قال بعضهم :لم يصدقوا إظهار كرامتنا على المقربين من عبادنا ،عموا وصموا عن أنوار المالحظات ،وبقوا مع
ظلمات النفوس وهواجس الهياكل.
صر ٍ
اط ُّم ْستَِقيمٍ}. ِ َّللا ي ْ ِ
ضلْل ُه َو َمن َي َش ْأ َي ْج َعْل ُه َعَل ٰى َ {من َي َشِإ َّ ُ ُ
قوله تعالىَ :
قال من يرد هللا به الخير يجره إلى حسن اختياره له فيبقى على أسلم الطريق ،وهو الرضا بمجارى القدرة وهو الصراط
المستقيم .ومن يرد به الشر تركه فى سوء تدبيره فيبقى فى ضالله.
قيل أعلى غيره تتوكلون وإلى سواه ترجعون؟ وهو الذى وفقكم لمعرفته وأقامكم مقام الصادقين من عباده.
قال الجريرى :مرجع العارفين إلى الحق فى أوائل البدايات ،ومرجع العوام إليه بعد اإلياس من الخلق.
قال الجنيد رحمة هللا عليه :من دعا الحق فبإياه إلياه يدعو من غير حظ فيه وال حضور من نفسه.
ضَّرُعو َن َخ ْذ َٰنهم ِباْلبأْس ِآء و َّ ِ َّ وَلَق ْد أَرس َلنآ ِإَل ٰى أ ِ ِ
الضَّرآء َل َعل ُه ْم َيتَ َ ُم ٍم من َقْبل َك َفأ َ ُ ْ َ َ َ
َ َْ َ
قال بعضهم :من أخلص باطنه وأصلح ظاهره فال خوف عليهم خوف القنوط وال هم يحزنون حزن القطيعة.
وح ٰى ِإَل َّي ُق ْل َه ْل َي ْستَ ِوي َّ ِ ُقل الَّ أَُقول َل ُكم ِع ِندي خزِآئن َّ ِ
ول َل ُك ْم ِإني َمَل ٌك ِإ ْن أَتَِّب ُع ِإال َما ُي َ
َعَل ُم اْل َغ ْي َب َوال أَُق ُ
َّللا َوال أ ْ ََ ُ ُ ْ
َّ األَعمى واْلب ِ
ص ُير أََفالَ تَتََفك ُرو َن َْ ٰ َ َ
قوله تعالىُ{ :قل هل يستَ ِوي األَعمى واْلب ِ
ص ُير} [اآلية.]50 : َْ ٰ َ َ ْ َْ َْ
ين َي َخا ُفو َن أَن ُي ْح َش ُروْا ِإَل ٰى َرب ِِه ْم} [اآلية.]51 : قوله تعالىِ َّ ِ ِ :
{وأَنذ ْر ِبه الذ َ
َ
ين َي َخا ُفو َن أَن ُي ْح َش ُروْا ِإَل ٰى َرب ِِه ْم} قال :أن يجعلوا َّ وقال أبو سعيد الخراز فى قولهِ َّ ِ ِ :
إلى وسيلة غيرى ،أو {وأَنذ ْر ِبه الذ َ
َ
إلى سواى.
شفيعا َّ
ً
سمعت األستاذ أبا سهل محمد بن سليمان يقول :لسنا مخاطبين بحقائق القرآن إنما المخاطب بحقيقته هم الذين
ِ ِ ِ ِ وصفهم هللا فقالِ َّ ِ ِ :
ين َي َخا ُفو َن أَن ُي ْح َش ُروْا ِإَل ٰى َربِ ِه ْم} وقال {ِإ َّن في َذل َك َلذ ْك َر ٰى ل َمن َك َ
ان َل ُه َقْل ٌب} [ق: {وأَنذ ْر ِبه الذ َ
َ
.]37
قال الواسطى رحمة هللا عليه :من استقطعته المملكة عن الملك ،ال يصلح لخدمة الملك.
وقيل فى هذه اآلية :إنما يعطى األطماع بمعاونة نصيب الكرم دون السعاية بضياء الهداية.
َّه ْم ِباْل َغ َد ِاة َواْل َع ِش ِي ُي ِر ُيدو َن َو ْج َه ُه َما َعَل ْي َك ِم ْن ِح َساِب ِهم ِمن َشي ٍء َو َما ِم ْن ِح َساِب َك َعَل ْي ِه ْم ِمن والَ تَ ْ َّ ِ
ط ُرِد الذ َ
ين َي ْد ُعو َن َرب ُ َ
ْ
ِ ِ َّ ِ ٍ
ط ُرَد ُه ْم َفتَ ُكو َن م َن الظالم َ
ين َش ْيء َفتَ ْ
َّه ْم ِباْل َغ َد ِاة َواْل َع ِش ِي ُي ِر ُيدو َن َو ْج َه ُه} [اآلية.]52 : قوله تعالى{ :والَ تَ ْ َّ ِ
ط ُرِد الذ َ
ين َي ْد ُعو َن َرب ُ َ
وهو دوام ذكره وإخالص عمله ،أوصى بذلك أكابرهم فى التعطف عليهم والصفح عن زللهم.
وقال بعضهم فى هذه اآلية :ال تبعد عنك من زيَّناه بزينة العبودية ،وجعلنا أيامه وفًقا على اإلقبال علينا.
ين َي ْد ُعو َن َرَّب ُه ْم ِباْل َغ َد ِاة َواْل َع ِش ِي} وقال أبو بكر الفارسى :إرادتك هلل ذكرك له على الدوام ،قال هللا تعالى{ :والَ تَ ْ َّ ِ
ط ُرِد الذ َ َ
وهذه صفة المتحققين من أهل اإلرادة ،ومن عالمة المريد الصادق أن يتنافر من غير جنسه ويطلب الجنس.
ض ُهم ِبَب ْع ٍ
ض}. قال الحسين :قطع الخلق بالخلق عن الحق ،قالَ { :فتََّنا َب ْع َ ْ
قال أبو بكر الوراق :هى فتنة الرجل بولده وزوجته واالشتغال بهم وبأسبابهم وقد ُذكر عن بعض السلف أنه قال :ما
شغلك عن هللا فهو مشئوم وهو بالء وفتنة.
وقال محمد بن حامد فى هذه اآلية :فتن الفقراء باألغنياء وفتنة األغنياء بالفقراء ،ففتنة الفقير فى الغنى رؤية فضلة
عليه وسخطه لما يمنعه مما فى يده ويراه المعطى والمانع دون هللا ،وفتنة الغنى بالفقير ازدراؤه بالفقراء وتحقيره إياهم
َّللا ِبأَعَلم ِب َّ ِ
الشاك ِر َ
ين} [اآلية.]53 : قوله تعالى{ :أََل ْي َس َّ ُ ْ َ
ينٰ ِِ ُق ْل ِإِني َعَل ٰى َبِيَن ٍة ِمن َّربِي َوَك َّذ ْبتُم ِب ِه َما ِع ِندي َما تَ ْستَ ْع ِجُلو َن ِب ِه ِإ ِن اْل ُح ْك ُم ِإالَّ ََّّللِ َيُق ُّ
ص اْل َح َّق َو ُهَو َخ ْي ُر اْلَفصل َ
قال أبو عثمان :األنبياء واألولياء واألكابر منهم على بينات ،فبينات األنبياء وحى ويقين وبينات األولياء الفراسة
الصادقة واإلخبار عن الغيب كما كان ليوشع وللصديق األكبر.
{و ِع َندهُ َمَف ِات ُح اْل َغ ْي ِب الَ َي ْعَل ُم َهآ ِإالَّ ُه َو} [اآلية.]59 :
قوله تعالىَ :
قال الجريرى :ال يعلمها إال هو ومن يطلعه عليها من صفى وخليل وحبيب وولى.
قال ابن عطاء فى هذه اآلية :يفتح ألهل الخير المحبة والرحمة ،وألهل الشر الفتنة والمهانة ،وألهل الوالية الكرامات،
جذبا.
وألهل السرائر السر ،وألهل التمكين ً
وقال ابن عطاء :الفتح فى القلوب الهداية وفى الهموم الرعاية وفى الجوارح السياسة.
أيضا :يفتح لألنبياء المكاشفات ولألولياء المعاينات وللصالحين الطاعات وللعامة الهداية.
وقال ً
وقال أبو سعيد الخراز فى هذه اآلية :أبدأ ذلك لنبيه وحبيبه صلى هللا عليه وسلم ففتح عليه أوالً أسباب التأديب ،أدبه
باألمر والنهى ،ثم فتح عليه أسباب التهذيب وهى المشيئة والقدرة ،ثم فتح عليه أسباب التذويب وهو قوله { َل ْي َس َل َك
ِم َن األ َْم ِر َشي ٌء } [آل عمران ]128 :ثم أسباب التغييب وهو قولهَ { :وتََبَّت ْل ِإَل ْي ِه تَْبِتيالً } [المزمل ]8 :فهذه مفاتيح
ْ
الغيب التى فتحها هللا لنبيه صلى هللا عليه وسلم.
{و ِع َندهُ َمَف ِات ُح اْل َغ ْي ِب} قال :يفتح من القلوب الهداية ومن الهموم الرعاية ومن اللسان الرواية ومن
وقال جعفر فى قوله َ
الجوارح السياسة والداللة.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :متى يعلمها؟ حين ال متى! أقبل نضرتها وخضرتها ودهائها حتى ال يوجد منها شىء
فما ستر من صفاته وما ظهر واحد ،إذا كان ذلك على قدر الكون ،إنما نتكلم بأقدارنا ونشير بأخطارنا ،ولو كان بقدره
كان الهالك.
وخروجا عن عبوديته.
ً فاالضطراب أن تقدم ما أخر أو تؤخر ما َّ
قدم ،منازعة لربوبيته
ط ِمن َوَرَق ٍة ِإالَّ َي ْعَل ُم َها} قال :هى فى األصل ال وزن لها ألنها اخضرت ثم اصفرت ثم يبست
{و َما تَ ْسُق ُ
وقال فى قولهَ :
لطفا ،ألن ما دونها فى القلة ،وما فوقها فى الرتبة ،بمنزلة ال زيادة فى وجودها ،وال نقصان ومرت ،إنها اإلشارة إليها ً
فى فقدها.
وقال بعضهم :من مفاتيح غيبه ما قذف فى قلبك من نور معرفته ،وبسط فيه بساط الرضا بقضائه وجعله موضع
نظره.
قال بعضهم :هى أرجا آية فى كتاب هللا ،ألنه ال مرد للعبد أعز من أن يكون مرده إلى مواله.
يك ْم ِم ْن َها َو ِمن ُك ِل َك ْر ٍب} [اآلية.]64 : قوله تعالىُ{ :ق ِل َّ
َّللاُ ُيَن ِج ُ
قال بعضهم فى هذه اآلية يقول هللا" :أنا كاشف الكروب ،فمن قصدنى عند كربائه
وحاجاته كشفت عنه كروبه ومن قصد غيرى أسقطت عنه وجاهته".
قوله تعالىُ{ :ق ْل ُه َو اْلَق ِاد ُر َعَل ٰى أَن َي ْب َع َث َعَل ْي ُك ْم َع َذاباً ِمن َف ْوِق ُك ْم} [اآلية.]65 :
عذابا من فوقكم اللهو والنظر إلى المحرمات والنطق بالفواحش ،أو من تحت أرجلكم :المشى إلى المالهى
قال القاسمً :
شيعا يرفع عما بينكم األلفة ،ويذيق بعضكم بأس بعض بتكفير
وأبواب السالطين وهتك أستار المحرمات ،أو يلبسكم ً
بعضا.
أهل األهواء بعضهم ً
ِ
ل ُك ِل َنَبٍإ ُّم ْستََقٌّر َو َس ْو َ
ف تَ ْعَل ُمو َن
ين َيتَُّقو َن ِم ْن ِح َساِب ِهم ِمن َشي ٍء َوَلـ ِٰكن ِذ ْك َر ٰى َل َعَّل ُه ْم َيتَُّقو َن َّ ِ
َو َما َعَلى الذ َ
ْ
ين َيتَُّقو َن ِم ْن ِح َساِب ِهم ِمن َشي ٍء} [اآلية.]69 : َّ ِ
ْ {و َما َعَلى الذ َ
قوله عز وعالَ :
قال أبو صالح بن حمدون :الطريق إلى هللا التقوى ،والتقوى أكل الحالل وحفظ الجوارح وزمها عن الشبهات.
وقيل :ما على التاركين االعتماد على الوسائط واآلخذين من الحق حظوظهم حساب.
ين اتَّ َخ ُذوْا ِد َين ُه ْم َل ِعباً َوَل ْهواً} [اآلية.]70 : َّ ِ
{وَذ ِر الذ َ
قوله تعالىَ :
قال الحسين :ال نالحظ من شغلهم خلقنا عنا وِأنسوا بحياتهم فى دنياهم وهى فى الحقيقة موت ،والحى من يكون به
حيا.
ً
ين ِفي َّللا َك َّال ِذي استَهوْته َّ ِ ِ ضُّرَنا وُن َرُّد َعَل ٰى أ ْ ِ ُقل أَندعوْا ِمن دو ِن َّ ِ
الشَياط ُ ْ َْ ُ َعَقابَنا َب ْع َد إ ْذ َه َد َانا َّ ُ َّللا َما الَ َي َنف ُعَنا َوالَ َي ُ َ ُ ْ َْ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ ض حيران َله أَصحاب يدعونه ِإَلى اْلهدى ا ْئِتنا ُقل ِإ َّن هدى َّ ِ
َّللا ُه َو اْل ُه َد ٰى َوأُم ْرَنا لُن ْسل َم ل َر ِب اْل َعاَلم َ
ين َُ َ ْ َُ األ َْر ِ َ ْ َ َ ُ ْ َ ٌ َ ْ ُ َ ُ
قال أبو عثمان :أمر العبد بالتسليم ،والتسليم :ترك التدبير والرضا لمجارى القضاء.
قال ابن عطاء :إقامة الصالة حفظ حدودها مع هللا وحفظ األسرار فيها مع هللا أن ال يختلج فى سره سواه.
ور َٰعلِ ُم اْل َغ ْي ِب ول ُكن َفَي ُكو ُن َق ْوُل ُه اْل َح ُّق َوَل ُه اْل ُمْل ُك َي ْوَم ُي َنف ُخ ِفي ُّ
الص ِ الس ٰم ٰو ِت واأل َْر َ ِ َّ ِ
ض باْل َح ِق َوَي ْوَم َيُق ُ َو ُه َو الذي َخَل َق َّ َ َ َ
يم اْل َخِب ُير ِ َّ ٰ ِ
َوالش َه َدة َو ُه َو اْل َحك ُ
قوله تعالىَ { :ق ْوُل ُه اْل َح ُّق َوَل ُه اْل ُمْل ُك} [اآلية.]73 :
قال الحسين :هو الحق وال يظهر من الحق إال الحق ،قال هللا تعالىَ { :ق ْوُل ُه اْل َح ُّق}.
ِ
ات واأل َْر ِ ِ ِ ِ
ض} قال :بدايات أعالم الغيوب التى ال تبقى على الس َما َو َ
وت َّ {وَك َذل َك ُنرِي إ ْب َراه َ
يم َمَل ُك َ وقال فارس فى قوله َ
النفوس غير هللا ،وهى دالئل أهل التوحيد مع هللا.
وقال بعضهم :أرى الخليل الملكوت لئال يشتغل بها ويرجع إلى مالكها.
وقال بعضهم :أرى الخليل الملكوت فاشتغل باالستدالل على الحق ،فلما كشف له من الحقيقة تب أر من الكل فقالَّ :
"أما
إليك فال".
ِ ِ
{ولَِي ُكو َن م َن اْل ُموِقن َ
ين}. قوله جل ذكرهَ :
صانعا يقلبها.
ً بأن لها
وقيل :أرى ملكوت السماوات واألرض أنها محدثة وأن لها مدب اًر ،فصار من الموقنين بأن ال دافع وال نافع سوى هللا.
ِ ِ
{ولَِي ُكو َن م َن اْل ُموِقن َ
ين} :بعد معرفة اليقين. وقيل فى قولهَ :
ِ
ات واأل َْر ِ ِ ِ ِ
ض} ولم يقل رأى إبراهيم وال يمكن رؤية الفروع الس َم َاو َ
وت َّ {وَك َذل َك ُنرِي إ ْب َراه َ
يم َمَل ُك َ وقال النصرآباذى فى قولهَ :
بالفروع ،إنما رأى الفروع من الملكوت
باألصول.
قال بعضهمَ :ك ُم َن فيه كواكب الوحدانية وشموسها وأقمارها ،فغلب به الشكوك فى رؤية األقمار والنجوم والشمس.
كوكبا قال :إنه كان يطالع الحق بسره ال الكواكب ،وكذلك فى الشمس
قال الواسطى رحمة هللا عليه :فى قوله رأى ً
ين} عند رجوعه إلى أوصافه بارتفاع المعنى البادى عليه ،أنى ال أحب زوال ما استوفانىِِ ِ
والقمر بقوله{ :ال أُح ُّب اآلفل َ
من لذة المشاهدة فأذهلنى عنه وأحضرنى فيه.
ين}.ِِ ِ
وقال النصرآباذى :أراه بالفرع األفول وأراه فى األصول نفى األفول وبطالنه فقال{ :ال أُح ُّب اآلفل َ
{هـٰ َذا َربِي} قال :كان األول تفر ًيقا للقوم ،والثانى مسأله االزدياد للهداية ،فلما أزال العذر
قال ابن عطاء فى هذه اآلية َ
والتقريع به وقام بالحجة رجع إلى البراءة.
وقال بعضهم :لما أظلم عليه الكون وعمى عن االختيار وألجأه االضطرار إلى النفس ،االضطرار ورد على قلبه من
نورا ،فصاح ثم أفنى بنور اإللهية عن معنى البشرية أنوار الربوبية فقال :هذا ربى ثم كشف له عن أنوار الهيبة فازداد ً
يء ِم َّما تُ ْش ِرُكو َن}. ِِ ِ َّ ِ ِ
فقالَ{ :لئن ل ْم َي ْهدني َربِي} ثم أبقى ببقاء الباقى فقالٰ { :يَق ْو ِم إني َب ِر ٌ
يء ِم َّما تُ ْش ِرُكو َن} من االستدالل بالمخلوقات على الخالق بعلمى أن ال دليل على هللا سواه. ِِ
وقيل فى قوله{ :إني َب ِر ٌ
ِ
{و َمآ أََن ْا م َن اْل ُم ْش ِرِك َ
ين}. وقيل فى قولهَ :
{هـٰ َذا َربِي} قال :كان إبراهيم صلى هللا عليه وسلم من شدة حبه لربه وشغفه به لما رأى
قال ابن عطاء فى قولهَ :
الصنع واآلثار غاب عنها وتعلق بالصنائع ،وهذا من عطشه وامتالئه بربه ،لم يكن فيه فضل من ربه أن يقول هذا
صنع ربى الذى يظهر مثل هذه البدائع واآلثار ،وهذا مقام الجمع أن ال يكون فيه فضل من ربه أن يذكر سواه أو يرى
سواه.
يم َان ُه ْم ِب ُ
ظْلمٍ} [اآلية.]82 : ِ ِ َّ ِ
آمُنوْا َوَل ْم َيْلب ُسوْا إ َ
ين َ
قوله تعالى{ :الذ َ
قال ابن طاهر :لم يلبسوا إيمانهم أى :لم يرجعوا فى النوائب والمهمات إلى غير هللا {أ ُْوَلـِٰئ َك َل ُه ُم األ َْم ُن َو ُه ْم ُّم ْهتَُدو َن}
راجعون إلى من إليه المرجع.
يموِتْلك ح َّجتَُنآ ءاتَي َٰنهآ ِإب ٰرِهيم عَل ٰى َقو ِم ِه َنرَفع َدر ٰج ٍت َّمن َّن َشآء ِإ َّن ربَّك ح ِك ِ
يم َعل ٌ
ُ َ َ َ ٌ ْ ُ ََ ْ َ ْ َ َْ َ َ َ َ ُ
قال جعفر الخلدى :نرفع درجات من نشاء بالخلق السنى والهمة الزكية.
وقال محمد بن الفضل :نرفع درجات من نشاء بطاعة الرسول صلى هللا عليه وسلم واتباع سنته.
وقال بعضهم :نرفع درجات من نشاء بالسخاء وهو خلق األنبياء ولذلك قيل حسن الخلق.
صر ٍ
اط ُّم ْستَِقي ٍم ِ ِ ِ ِ
اه ْم ِإَل ٰى َ
اه ْم َو َه َد ْيَن ُ َو ِم ْن َآبائ ِه ْم َوُذ ِريَّات ِه ْم َوإِ ْخ َوان ِه ْم َو ْ
اجتََب ْيَن ُ
صر ٍ
اط ُّم ْستَِقيمٍ} [اآلية.]87 : ِ
اه ْم ِإَل ٰى َ
اه ْم َو َه َد ْيَن ُ
اجتََب ْيَن ُ
{و ْ
قوله تعالىَ :
قال الجنيد :فى هذه اآلية أخلصناهم لنا و َّأدبناهم بحضرتنا ودللناهم على االكتفاء بنا عما سوانا.
قيل :أولئك الذين هدى هللا آلداب عبادته وطرق خدمتهِ ،
فاقتد بهم فى آداب العبودية.
وقيل فى هذه اآلية :ال تصح اإلرادة إال باألخذ عن األئمة وبركات نظرهم أال ترى كيف أثر نظر المصطفى صلى هللا
عليه وسلم فى وزيريه بين أصحابه فقال " :اقتدوا باللذين من بعدى " فال يصح االقتداء إال بمن صحت بدائته ويسلك
سلوك السادات وأثر فيه بركات شواهدهم ،أال ترى المصطفى عليه الصالة والسالم يقول " :طوبى لمن رآنى " أى فاز
من أثر فيه رؤيتى.
قال الحسين :كيف يقدر أحد حق قدره ،وهو بقدره يريد أن يقدر قدره ،وأوصاف
قال بعضهم :ما عرفوا حق قدره ،ولو عرفوا ذلك لذابت أرواحهم عند كل وارد يرد عليهم من صنعه.
قال بعضهم :دعا خواصه بهذه اآلية إلى انقطاع من كشف ما له إلى الكشف عما
به ،وقد قال هللا إشاره إلى جريان السر {ُق ِل َّ
َّللاُ} فى سرك وذر ما فى لسانك.
مكافحا فى سره ،وكان يسمع له أزيز كأزيز المرجل فلذلك كل من ً قال الواسطى :كان محمد صلى هللا عليه وسلم
تحقق بذكره امتحق ما دونه من سره ،قال هللا عز من قائلُ{ :ق ِل َّ
َّللاُ ثُ َّم َذ ْرُه ْم}.
وقال بعضهم :من أصحاب الشبلى قلت له :أوصنى وقت مفارقتى له؟ فقال :عليك باهلل ودع ما سواه وكن معه {ُق ِل
َّللا ثُ َّم َذرهم ِفي خو ِ
ض ِه ْم َيْل َعُبو َن}. َْ ْ ُْ َّ ُ
قيل :مبارك على من اتبعه وآمن به ،مبارك على من صدقه وعمل بما فيه.
وقيل :مبارك على من فهم عن هللا أمره ونهيه ،مبارك على من عظم حرمته ،مبارك على من قرأه بتدبيره وعلى من
سمعه بحضوره.
ال أ ُْو ِحي ِإَل َّي َوَل ْم ُيو َح ِإَل ْي ِه َشي ٌء} [اآلية.]93 : ظَلم ِم َّم ِن ا ْفتَر ٰى عَلى َّ ِ ِ
َّللا َكذباً أ َْو َق َ َ َ {و َم ْن أَ ْ ُ
قوله تعالىَ :
ْ َ
َّ ِ ونا ُف َٰرَد ٰى َك َما َخَلْق َٰن ُك ْم أََّو َل َمَّرٍة َوتَ َرْكتُ ْم َّما َخَّوْل َٰن ُك ْم َوَراء ُ ِ
ين َزَع ْمتُ ْم أََّن ُه ْم ظ ُهورُك ْم َو َما َن َر ٰى َم َع ُك ْم ُشَف َع َ
آء ُك ُم الذ َ َ َوَلَق ْد ِج ْئتُ ُم َ
َّ ِف ُ
نكم َّما ُكنتُ ْم تَ ْزُع ُمو َن ض َّل َع ُ آء َلَقد تََّقط َع َب ْيَن ُك ْم َو َ يك ْم ُش َرَك ُ
اك ْم أََّو َل َمَّرٍة} [اآلية.]94 : {وَلَق ْد ِج ْئتُ ُم َ
ونا ُف َرَاد ٰى َك َما َخَلْقَن ُ قوله تعالىَ :
قيل ألبى حفص :بماذا تقدم على هللا ،قال :وما للفقير أن يقدم به على الغنى سوى فقره ،قال هللا تعالىَ :
{وَلَق ْد
ِج ْئتُ ُم َ
ونا ُف َرَاد ٰى} خالين من جميع أعمالكم وأحوالكم وطاعاتكم.
الن َو ٰى ُي ْخ ِرُج اْل َح َّي ِم َن اْل َمِي ِت َو ُم ْخ ِرُج اْل َمِي ِت ِم َن اْل َح ِي ٰذلِ ُك ُم َّ
َّللاُ َفأََّن ٰى تُ ْؤَف ُكو َن َّللاَ َفالِ ُق اْل َح ِب َو َّ
ِإ َّن َّ
اآلي ِت لَِق ْو ٍم َي ْعَل ُمو َن ظُل َٰم ِت اْلَب ِر َواْلَب ْح ِر َق ْد َف َّ
وم لِتَ ْهتَ ُدوْا ِب َها ِفي ُ َّ ِ
صْلَنا َٰ ُّ
َو ُه َو الذي َج َع َل َل ُك ُم الن ُج َ
قال أبو على الجوزجانى :جعل هللا تعالى الليل مطية ودليالً ،فالمطية يركبها فى طلب الزلف ،والدليل يستدل به على
أبواب الرضا ،قال هللا تعالى {لِتَ ْه َت ُدوْا ِب َها} الطريق إلى الجنة.
اآلي ِت لَِق ْو ٍم َيْفَق ُهو َن س َٰو ِح َد ٍة َف ُم ْستََقٌّر َو ُم ْستَ ْوَدعٌ َق ْد َف َّ
صْلَنا َٰ َكم ِمن َّنْف ٍ َو ُه َو َّال ِذي أ َ
َنشأ ُ
سوِ ٍ ٍ {و ُه َو َّال ِذي أ َ
َنشأ ُ ِ
ع} [اآلية.]98 :
اح َدة َف ُم ْستََقٌّر َو ُم ْستَ ْوَد ٌ َكم من َّنْف َ قوله تعالىَ :
قال ابن عطاء :خلق أهل المعرفة على جهة ومنزلة واحدة فمستقر فى حال معرفته مكشوف عنه ،ومستودع فى حال
معرفته مستتر عنه.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :مستقر فيه أنوار الذات على األبد ،ومستودع ال يعود إليه إذا فارقه.
ص َر َفلَِنْف ِس ِه َو َم ْن َع ِمي َف َعَل ْي َها َو َمآ أََن ْا َعَل ْي ُك ْم ِب َحِفي ٍظ ص ِآئ ُر ِمن َّرب ُ
ِك ْم َف َم ْن أ َْب َ آء ُك ْم َب َ
َق ْد َج َ
َ
قال الخواص :أنزل هللا البصائر فطوبى لمن رزق بصيرة منها وأدنى البصائر أن يبصر اإلنسان رشده.
قال ابن عطاء :لقوم يعلمون حقيقة البيان وهو الوقوف معه حيث ما وقف ،والجرى معه حيث ما جرى ال يتقدمه
بغلبة وال يتخلف عنه لعجزه.
قال بعضهم :الوحى سر عن غير واسطة والرسالة وال ي ازل ظاهر بواسطة لذلك.
ُم ٍة َع َمَل ُه ْم ثُ َّم ِإَل ٰى َرب ِِه ْم َّم ْرِج ُع ُه ْم َفُيَنِبُئ ُه ْم َّللاِ َفَي ُسُّبوْا َّ
َّللاَ َع ْدواً ِب َغ ْي ِر ِعْل ٍم َك َذلِ َك َزيََّّنا لِ ُك ِل أ َّ ين َي ْد ُعو َن ِمن ُدو ِن َّ َّ ِ
َوالَ تَ ُسُّبوْا الذ َ
ِب َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن
قال أبو بشر المروزى :قوالب جفوها أنوار وظلمات ،فالنور والظلمة يعيران واألعمال أصنام وال يؤذن يوم القيامة إال
بحشوها.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :زينت األعمال عند أربابها ،فأسقطوا بها عن درجة المتحققين إال من عصم بنور
المشاهدة ،فشاهد المنة فى التوفيق بل شاهد المنان.
سمعت النصرآباذى يقول :النفوس فى التنقيل والقلوب فى التقليب لذلك قال النبى صلى هللا عليه وسلم " يا مقلب
القلوب
".
ِك ِباْل َح ِق ِ ِ َّ ِ ِ َّ ِ أََف َغير َّ ِ ِ
اب َي ْعَل ُمو َن أََّن ُه ُمَنَّزٌل من َّرب َ
اه ُم اْلكتَ َ
ين آتَْيَن ُ
صالً َوالذ َ َّللا أ َْبتَغي َح َكماً َو ُه َو الذي أََن َزَل ِإَل ْي ُك ُم اْلكتَ َ
اب ُمَف َّ َْ
ِ
ون َّن م َن اْل ُم ْمتَ ِر َ
ين َفالَ تَ ُك َ
سيدا.
قال محمد بن الفضل :أسواه أطلب ً
قيل :صدًقا لألولياء تفضالً عليهم وعدالً على األعداء أخذهم بميزان العدل.
صو َن ِ َّ ِ َّ َّ يل َّ ِ ِ َِّ وك َعن سِب ِ وإِن تُ ِطع أَ ْكثَر من ِفي األَر ِ ِ ُّ
َّللا إن َيتب ُعو َن إال الظ َّن َوإِ ْن ُه ْم إال َي ْخ ُر ُ َ ض ُيضل َ ْ ْ َ َ َ
وك} [اآلية.]116 : قوله عز وعال{ :وإِن تُ ِطع أَ ْكثَر من ِفي األَر ِ ِ ُّ
ض ُيضل َ ْ ْ َ َ َ
ين َي ْك ِسُبو َن ِ
اإل ْثم َسُي ْج َزْو َن ِب َما َك ُانوْا َيْقتَ ِرُفو َن
َ
َّ ِ ِ
اإل ْث ِم َوَباطَن ُه ِإ َّن الذ َ َوَذ ُروْا َٰ
ظ ِه َر ِ
قال بعضهم :ظاهر اإلثم :رؤية األفعال وباطنه الركون إليها فى السر ً
باطنا.
وه ْم ِإَّن ُك ْم وحو َن ِإَلى أ َْولَِي ِآئ ِه ْم لُِي َٰج ِدُل ُ َّللاِ عَلي ِه وإَِّنه َلِفسق وإِ َّن َّ ِ والَ تَأ ُ ِ
وك ْم َوإِ ْن أَ َ
ط ْعتُ ُم ُ الش َٰيط َ
ين َلُي ُ اس ُم َّ َ ْ َ ُ ْ ٌ َ ْكُلوْا م َّما َل ْم ُي ْذ َك ِر ْ َ
َل ُم ْش ِرُكو َن
وحو َن ِإَلى أ َْولَِي ِآئ ِه ْم} [اآلية.]121 : قوله تعالى وتقدس{ :وِإ َّن َّ ِ
ين َلُي ُ
الشَياط َ َ
قال أبو عثمان المغربى فى هذه اآلية :يلقون على ألسنة المدعين ما يقطعون به الطرق على المتحققين.
قال شاه الكرمانى :عالمة الحياة ثالثة :وجدان األنس بفقدان الوحشة ،واالمتالء من الحق بإدمان التذكرة ،واستشعار
الهيبة بخالص المراقبة.
قال ابن عطاء :أو من كان ميتًا بحياة نفسه وموت قلبه ،فأحييناه بإماتة نفسه وحياة قلبه ،وسهلنا عليه سبيل التوفيق
وكحلناه بأنوار القرب فال يرى غيرنا وال يلتفت إلى سوانا.
وقال جعفر :أو من كان ميتًا باالعتماد على الطاعات ،فأحييناه :فجعلنا له نور التضرع واالعتذار.
وقال القاسم :أحيا أولياءه بنور االنتباه ،كما أحيا األجساد باألرواح.
قال القناء :هذه حياة المعرفة ال حياة البشرية ،وقال :ميت ال ذكر له فى الفناء عن األذكار ،فأحييناه بالموت عن
إدراكنا والحياة فينا.
َج َرُموْا
ين أ ْ
ص َّ ِ
يب الذ َ
ِ
َعَل ُم َح ْي ُث َي ْج َع ُل ِرَساَلتَ ُه َسُي ُ َّللاِ َّ
َّللاُ أ ْ آء ْت ُه ْم َآي ٌة َقاُلوْا َلن ُّن ْؤ ِم َن َحتَّ ٰى ُن ْؤتَ ٰى ِم ْث َل َمآ أُوِتي ُرُس ُل َّ
َوإِ َذا َج َ
َ
اب َش ِد ٌيد ِب َما َك ُانوْا َي ْم ُك ُرو َن صغار ِعند َّ ِ
َّللا َو َع َذ ٌ َ ٌَ َ
قال النصرآباذى :هللا أعلم باألوعية التى تصلح لسره ومنازالته ومكاشفاته فيزينها لخواص األنوار ويقدسها بلطائف
االطالع.
حرجا قال :الهداية :المعونة على ما أمر والعصمة عما نهى عنه.
قال سهل :فمن يرد هللا أن يهديه إلى قوله ً
قال النهرجورى :صفة المراد خلوه مما له ،وقبوله ما عليه ،وسعة صدره لموارد الحق عليه.
بالء أشد من بالء من أظلم عليه قلبه والتبس عليه أمره وخفى عليه قدر مواله فهو يتردد فى أمره
قال ابن عطاء :ما ٌ
متمردا على مواله ،لفقدان نور الهداية عن قلبه ،وطلب النجاة من غير وجهه.
ً
صْلنا اآلي ِ
ات لَِق ْو ٍم َي َّذ َّك ُرو َن ِ وهـٰ َذا ِ
ِك ُم ْستَقيماً َق ْد َف َّ َ َ
ط َرب َ
ص َار ُ ََ
قال أبو عثمان :أهدى الطرق وأقومها طريقة المتابعة ،وأوهن الطريق و ُّ
أضلها طريق الدعاوى والمخادعة ،قال هللا
تعالىَ { :و َما َي ْخ َد ُعو َن ِإالَّ أ َْنُف َس ُهم َو َما َي ْش ُع ُرو َن } [البقرة.]9 :
قال سهل :دار السالم هو الذى يسلم فيه من هواجس نفسه ووسواس عدوه.
ِ َنشأ ُ ِ ِ الرحم ِة ِإن ي َش ْأ ي ْذ ِهب ُكم ويستَ ْخلِ ِ ِ
آخ ِر َ
ين َك ْم من ُذ ِريَّة َق ْو ٍم َ آء َك َمآ أ َ
ف من َب ْعد ُك ْم َّما َي َش ُ
ْ َ ُ ْ ْ ََْ ُّك اْل َغن ُّي ُذو َّ ْ َ
َوَرب َ
ٍ ِ ٍ َّ
ْس ُه َع ِن اْلَق ْو ِم اْل ُم ْج ِرِم َ
ين ُّك ْم ُذو َر ْح َمة َواس َعة َوالَ ُي َرُّد َبأ ُ َفِإن َكذُب َ
وك َفُق ْل َّرب ُ
ُّك ْم ُذو َر ْح َم ٍة َو ِاس َع ٍة} :أطمعهم فى الرحمة وال تقطع قلبك عنهم. َّ
قال هللا تعالىَ { :فِإن َكذُب َ
وك َفُق ْل َّرب ُ
قال النصرآباذى :الخلق كلهم منعهم شدة الحاجة إليهم عن معانى رؤية الحجة ،ولو أسقط عنهم الحاجات لكشف لهم
براهين الحجة.
وقال الجنيد رحمة هللا عليه :آثار مشية الهداية عند أهل الهدى تنبئة.
ظ َه َر ِم ْن َها َو َما َب َ
ط َن} [اآلية.]151 : ش َما َ قوله تعالى{ :والَ تَْقربوْا اْلَفو ِ
اح َ َ َ َُ
قال بعضهم :ما ظهر من الفواحش فى األفعال هو الرياء ،وما بطن منها الدعاوى الكاذبة.
وقال محمد بن حامد العدل :فى الكالم ما ال يكون على صاحبه فى ذلك تبعة عاجالً وآجالً.
َّللاِ أ َْوُفوْا}.
ِع ْه ِد َّ
{وب َ
قوله تعالىَ :
قال الجوزجانى :العهود كثيرة وأحق العهود بالوفاء األمر بالمعروف والنهى عن المنكر فأمر نفسك بالمعروف ،فإن
قبلت منك وإال روضها بالجوع والسهر وكثرة الذكر ومجالسة الصالحين لترغب فى المعروف ،ثم تأمر به غيرك
وتنهى نفسك عن المنكر ،فإن قبلت منك وإال فأدبها بالسياحة ،والتقطع والعزلة وقلة الكالم ومالزمة الصبر لتنتهى،
فإن انتهت فانه الناس عن المنكر.
قال جعفر بن محمد :طريق من القلب إلى هللا باإلعراض عما سواه.
قال سهل :الطريق المستقيم هو الذى ال يكون للنفس فيه مراد وال حظ.
ومن الحظها من مواصلة الحق فهو الذى يصلى عليك ومالئكته وهللا يضاعف لمن
يشاء.
ِ
اهيم حِنيفاً وما َك ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ ٍ ِ ِ
ُق ْل ِإَّنني َه َداني َربِي ِإَل ٰى ص َراط ُّم ْستَقي ٍم ديناً قَيماً مل َة ِإ ْب َر َ َ َ َ َ
ان م َن اْل ُم ْش ِرِك َ
ين
قال أبو عثمان :الصراط المستقيم االقتداء واالتباع وترك الهوى واالبتداع ،أال تراه يقول { :وما ي ِ
نط ُق َع ِن اْل َهَو ٰى } ََ َ
[النجم.]3 :
وقال ابن المبارك :هدانى ربى إلى صراط مستقيم قال :إلى أوقات أداء الفرائض من الصالة والصوم والحج.
ض} [البقرة ]255 :فمن الحظها ات وما ِفي األ َْر ِِ {ما ِفي َّ
الس َم َاو َ َ قال الواسطى رحمة هللا عليه :بيان هذه اآلية فى قوله َ
ين} معنى قوله إنى ِِ
{وأََن ْا أََّو ُل اْل ُم ْسلم َ
من نفسه قصمته ،ومن تب أر منها عصمته ،كيف تجوز لموجود أن يالحظ [فضالً] َ
أسلمت لتصاريف قدرته متبرًئا من حولى وقوتى مع أن التسليم فى الحقيقة علة.
اعيا ووكيالً ،وهو الذى كفانى المهم وألهمنى الرشد. قال الجوزجانى :أ َِس َواه أطلب حاف ً
ظا ور ً
وليا والصديق صديًقا ،ويرفع درجات البعض على البعض ،ودرجات البعض بالبعض لئال
قال بعضهم :يخلف الولى ً
تخلو األرض من حجة هللا وأمانه.
وقال بعضهم :ورفع بعضكم فوق بعض درجات ،ليقتدى األدنى باألعلى ،ويتبع المريد درجة المراد ليصل إليه.
وقال الحسين :األلف ألف المألوف والالم الم اآلالء ،والميم ميم الملك ،والصاد صاد الصدق.
وقال :فى القرآن علم كل شىء وعلم القرآن فى األحرف الست فى أوائل السور ،وعلم الحروف فى الم األلف ،وعلم
ال م األلف فى األلف ،وعلم األلف فى النقطة ،وعلم النقطة فى المعرفة األصلية ،وعلم المعرفة األصلية فى األقوال،
وعلم األول فى المشيئة ،وعلم المشيئة فى غيب الهو ،وغيب الهو ليس كمثله شىء.
وقال الحسين فى قوله{ :المص} األلف ألف األزل والالم الم األبد والميم بينهما والصاد اتصال من اتصل به
وانفصال من انفصل عنه ،وفى الحقيقة االتصال واالنفصال وهى ألفاظ تجرى على حسن العبارات ،ومعادن الحق
مصونة عن األلفاظ والعبارات.
ك َح َرٌج ِم ْن ُه}.
ص ْد ِر َ
ِ
قوله تعالىَ { :فالَ َي ُك ْن في َ
قال الجنيد رحمة هللا عليه :ال يضيقن قلبك بحمله وثقله فإن حمل الصفات ثقيلة إال على من يؤيد بقبول المشاهدة.
وقال النورى :إن أنوار الحقائق إذا وردت على السر ضاق عن حملها كالشمس يمنع شعاعها عن إدراك نهايتها.
وقال القرشى :لما قص هللا فى هذه السورة قصة الكليمَ ،علِم أن قلب النبى صلى هللا عليه وسلم يتحرك لذلك فقال:
ورزقتها. وكلِ َ
مت وراء الستور ومنع المشاهدة ُ ك َح َرٌج ِم ْن ُه} ألنه ُكلِ َم على الطور ُ
ص ْد ِر َ
ِ
{ َفالَ َي ُك ْن في َ
ِك ْم َوالَ تَتَِّب ُعوْا ِمن ُدوِن ِه أ َْولَِيآء َقلِيالً َّما تَ َذ َّك ُرو َن
ُنزَل ِإَل ْي ُك ْم ِمن َّرب ُ
اتَِّب ُعوْا َمآ أ ِ
َ
قال بعضهم :من يتبع غير ما أنزل إليه من ربه فهو بعيد من عين الحق ،ومن له نصيب فى الدارين ال يمكن أن
يتبع ما أنزل إليه من ربه ،والمتبعون هم أقل من القليل.
ِ َّ ِ
ين أ ُْرِس َل ِإَل ْي ِه ْم َوَلَن ْسأََل َّن اْل ُم ْرَسل َ
ين َفَلَن ْسأََل َّن الذ َ
قيل :لنسألن الذين أرسل إليهم عن قبول الرسالة والقيام بشروطها ،ولنسألن المرسلين عن أداء الرسالة واألمانة فيها.
قال أبو حفص فى هذه اآلية :لنسألن الذين أرسل إليهم عن حفظ حرمات لرسل ،ولنسألن المرسلين عن الشفقة على
األمم.
ِ ِ
ص َّن َعَل ْي ِهم ِبعْل ٍم َو َما ُكَّنا َغآئِب َ
ين َفَلَنُق َّ
َواْل َوْزُن َي ْو َمِئ ٍذ اْل َح ُّق َف َمن ثَُقَل ْت َم َو ِاز ُين ُه َفأ ُْوَلـِٰئ َك ُهم اْل ُمْفلِ ُحو َن
ُ
{واْل َوْزُن َي ْو َمِئ ٍذ اْل َح ُّق} [اآلية.]8 :
قوله عز وعالَ :
قيل فى هذه اآلية :من وزن نفسه بميزان العدل كان من المخبتين.
ومن وزن خطراته وأنفاسه بميزان الحق اكتفى بمشاهدته ،والموازين مختلفة :ميزان للنفس والروح ،وميزان للقلب
والعقل ،وميزان للمعرفة والسر .فميزان النفس والروح لألمر والنهى وكفتاه الكتاب والسنة ،وميزان القلب والعقل الثواب
والعقاب وكفتاه الوعد والوعيد ،وميزان المعرفة والسر الرضا والسخط وكفتاه الهرب والطلب ،وقد فسر فى غير هذا
الموضع.
الس ِ ِ
يس َل ْم َي ُك ْن ِم َن ََّّ ِ ِ ِ ِ
ين
اجد َ اس ُج ُدوْا أل ََد َم َف َس َج ُدوْا ِإال ِإْبل َ
اك ْم ثُ َّم ُقْلَنا لْل َمالئ َكة ْ
صَّوْرَن ُ
اك ْم ثُ َّم َ
َوَلَق ْد َخَلْقَن ُ
َّ ِ ِ ِ ِ
اس ُج ُدوْا أل ََد َم َف َس َج ُدوْا ِإال ِإْبل َ
يس} [اآلية.]11 : قوله تعالى{ :ثُ َّم ُقْلَنا لْل َمالئ َكة ْ
{اس ُج ُدوْا أل ََد َم} ولو كان سجودهم يزن عنده مثقال ذرة لما
عرف المالئكة استغناءه عن عبادتهم فقالْ :
قال أبو حفصَّ :
أمرهم بذلك ولصرف وجوههم إلى آدم ،فإن سجود المالئكة وجميع خلقه ال يزيد فى ملكه ،ألنه عزيز قبل أن يخلقهم
جميعا.
ً وعزيز بعد أن يفنيهم وعزيز حين يبعثهم وله العزة
{اخ ُرْج ِم ْن َها} أمر إهانة ،ولوال ذلك المتنع منها كما امتنع من السجود،
وقال بعضهم :قوله إلبليس أمر تكليف وقوله ْ
وكان سجود المالئكة آلدم تحية له وطاعة لهم.
قال بعضهم :لما نظر إلى الجوهر والعبادة ظن أنه المسكين خير ،وسبب فساد النفوس من رؤية الطاعات.
وقيل فى قوله{ :أََن ْا َخ ْيٌر ِم ْن ُه} توهم أن الجوهر من الكون على مثله وشكله فى الخلقة ،فضل من جهة الخلقة
والجوهرية ،ولم يعلم ولم يتيقن أن الفضل من المتفضل دون الجوهرية.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :من لبس قميص النسك خاصره {أََن ْا} لذلك قال إبليس{ :أََن ْا َخ ْيٌر ِم ْن ُه} ولو لم يقل خير
منه ألهلكه قوله فى المقابلة {أََن ْا}.
قال ابن عطاء فى قوله{ :أََن ْا َخ ْيٌر ِم ْن ُه} :حجب إبليس برؤية الفخر بنفسه عن التعظيم ،ولو رأى تعظيم الحق لم يعظم
غيره ،ألن الحق إذا استولى على ِسر شىء قهره فلم يترك فيه فضالً لغيره.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :ال يأمنن أحد أن ُيفعل به كما ُف ِعل بإبليس ،لقيه بأنوار عصمته وهو عنده فى حقائق
لعنته ،فستر عليه ما سبق منه إليه حتى غافصه بإظهاره عليه بقوله {وإِ َّن عَليك َّ
الل ْعَن َة} [الحجر.]35 : َ ََْ
وقال بعضهمُ :لعن إبليس بخمسة أشياء شقى بها :لم يقر بالذنب ،ولم يندم عليه ،ولم يلم نفسه ،ولم َير التوبة على
نفسه واجبة وقنط من رحمة هللا.
َو َس ِع َد آدم بخمسة أشياء :أقر على نفسه بالذنب ،وندم عليه ،والم نفسه ،وأسرع فى التوبة ،ولم يقنط من رحمة هللا.
قال محمد بن عيسى الهاشمى :لو نجا إبليس بشىء لنجا برؤية القدرة عليه واإلقرار على نفسه رب بما أغويتنى.
آلتَيَّن ُه ْم ِمن َب ْي ِن أ َْي ِدي ِه ْم َو ِم ْن َخْلِف ِه ْم َو َع ْن أ َْي َم ِان ِه ْم َو َعن َش َم ِآئلِ ِه ْم} [اآلية.]17 :
قوله تعالى{ :ثُ َّم ِ
سمعت أبا عثمان المغربى يقول :إن الشيطان يأتى على الناس عن إيمانهم بالطاعات ،ومن بين أيديهم باألمانى
والكرامات ،ومن خلفهم بالبدع والضالالت ،وعن شمائلهم بالشرك فإذا جرى ٍ
لعبد سعادة َق ًَ ِب ًِل منهم ما يأمرونه من
الطاعات ،فإذا أرادوا أن يهلكوه بطاعته رد إلى السعادة التى جرت له فيكون ذلك ربحا وزيادة ،أال تراه يقولِ :
{آلتَيَّن ُه ْم ً ُ
ِمن َب ْي ِن أ َْي ِدي ِه ْم َو ِم ْن َخْلِف ِه ْم} اآلية.
قال :وال تجد أكثرهم شاكرين ،فاألكثر من هلك بطاعته ،واألقل من أدركته السعادة فنجا إذ ذاك وشكر.
{آلتَيَّن ُه ْم ِمن َب ْي ِن أ َْي ِدي ِه ْم} من الدنيا ومن خلفهم لآلخرة وعن أيمانهم الحسنات وعن شمائلهم السيئات.
وقال بعضهمِ :
وقال الشبلى :لم يقل :من فوقهم وال من تحتهم ألن الفوق موضع نظر الملك إلى قلوب العارفين ،والتحت مواضع
الساجدين وموضع نظره وموضع عبادتهم ال يكون للشيطان هناك موضع وال فيه طريق.
قال أبو بكر الوراق :ال تقبل النصيحة إال ممن يعتمد دينه وأمانته ،وال تكون له حظ فى نصيحته إياك ،فإن العدو
ين}. أظهر آلدم النصيحة وأضمر الخيانة قال هللا تعالى{ :وَقاسمهمآ ِإِني َل ُكما َل ِمن َّ ِ ِ
الناصح َ َ َ َ َ ََُ
قال الخراز :وهللا ما هنئ آدم الجنة وال سكناها ،إذ جعل فى جواره األمر والنهى ،ولو نظر آدم فى نفس المكرمة إلى
خفاء األمر والنهى فى ذلك المحل ،ما َّ
هنأه نعيم دار السالم وال استغف عن تلك الشجرة التي ابتاله هللا بالنهى خوًفا،
عاصيا.
ً معنفا وسماه
ولكنه أغفله لتقع به الهفوة التى من أجلها رأى الزلة وقامت بها الحجة ،وأخرجه من جواره ً
قال القرشى :قيل آلدم ادخل الجنة وال تأكل من هذه الشجرة ،فلما أكال ناداهما ربهما والقول على معنى القرب ،والنداء
على حد البعد.
وسئل بعضهم :ما الفرق بين آدم وبين إبليس وقد ترك كل و ٍ
احد منهما األمر.
خطر
فقال :آدم طالع الخطيئة فأذهلته الخطيئة عن األمر فارتكب النهى ،وظن إبليس أن للعبادات العظيمة عنده ًا
وأنه ال يقصد بالتعبد غيره ،فنظر إلى الجنسين فقال :أنا خير منه فهلك ،وإذا نظرت إلى شأنهما وجدتهما جريا تحت
ومح واآلخر لم ُيسامح.
التلبيس ،لكن أحدهما ُس َ
وقيل :يطالب األنبياء بمثاقيل الذر ،وال تطالب العامة بذلك لبعدهم عن مصادر السر.
قال الشبلى :ذنوب األنبياء تؤديهم إلى الكرامة والرتب ،كما كان ذنب آدم أداه إلى االجتباء واالصطفاء ،وذنوب
األولياء تؤديهم إلى الكفارة ،وذنوب العامة تؤديهم إلى اإلهانة.
َنف َسَنا} قال :لم يكن له فى حال ظنيته خواطر غير الحق ،فلما
ظَل ْمَنآ أ ُ
{ربََّنا َ
قال الواسطى رحمة هللا عليه فى قولهَ :
ظَل ْمَنآ} هال غيَّبه ما ورد عليه من ربه عن غيره ،وهال قطعه
{ربََّنا َ
أحضره فى حضوره غاب عن حضوره ،فقالَ :
باتصاله فى اتصاله عن اتصاله ،وهال غيبه ما عاينه فى نفسه بنفسه عن نفسه.
َّللاِ َل َعَّل ُه ْم َي َّذ َّك ُرو َن َنزلنا عَلي ُكم لِباساً يوارِي سوء ِات ُكم وِريشاً ولِباس التَّْقو ٰى ٰذلِك خير ٰذلِك ِمن آي ِ
ات َّ َ َ ٌْ َ ْ َ َ ََ ُ ََْ ْ َ
ِٰ
َيَبني َء َاد َم َق ْد أ َ ْ َ َ ْ ْ َ ُ َ
وقال بعضهم :لباس الهداية للعام ولباس التقوى للخاص ولباس الهيبة للعارفين ولباس الزينة ألهل الدنيا ولباس اللقاء
والمشاهدة لألولياء ولباس الحضرة لألنبياء.
ُسئل بعضهم ما الذى قطع الخلق عن الحق بعد إذ عرفوه؟ فقال :الذى أخرج أباهم من الجنة اتباع النفس والهوى
والشيطان.
سمعت أبا بكر الرازى يقول :سمعت ابن عطاء يقول :خروج آدم من الجنة وكثرة بكائه وافتقاره وخروج األنبياء من
خير له من الجنة والتلذذ والتنعم فيها.
صلبه ،كان ًا
قال بعضهم :نزع عنهما اللباس الذى كان يسترهما من وساوس الشيطان.
سمعت النصرآباذى يقول :أحسن اللبس ما ألبس الصفى فى الحضرة ،فلما بدت منه المخالفة نزع منه لذلك.
قال بعضهم :سلط عليك الشيطان يراك من حيث ال تراه ،فال اعتصام لك منه إال بالتبرى من حولك وقوتك والرجوع
إلى هللا واالستعانة به.
قال ابن عطاءَّ :إنا جعلنا الشياطين وأنهم اتخذوا الشياطين ،فالحقيقة منها ما أضاف إلى نفسه ،والمعارف ما أضاف
إليهم كذلك خطابه فى جميع القرآن.
قال أبو عثمان :اإلخالص نسيان رؤية الخلق لدوام النظر إلى الخالق.
ودو َن}.
َك ْم تَ ُع ُ
{ك َما َب َدأ ُ
قوله تعالىَ :
قال :أبدأ ِخلَق َة إبليس على الكفر والخالف ثم استعمله بأعمال المطيعين بين المالئكة والمقربين ،ثم رده إلى ما ابتدأه
عليه من الخالف .والسحرة ابتدأ َخلقهم على الهدى والموافقة واستعملهم بأعمال المخالفين وأهل الضاللة ثم ردهم إلى
ودو َن}.
َك ْم تَ ُع ُ
{ك َما َب َدأ ُ
ما ابتدأهم عليه من اإلنفاق ،لذلك قال هللا تعالىَ :
ودو َن} ال تغيير لما أجرى عليه من األعمال ،ألن األعمال قد توافق الخلقة أو
َك ْم تَ ُع ُ
{ك َما َب َدأ ُ
قال الحسين :فى قولهَ :
تخالف.
ِ
اش َرُبوْا َوالَ تُ ْس ِرُفوْا ِإَّن ُه الَ ُيح ُّب اْل ُم ْس ِرِف َ
ين َي َابِني َء َاد َم ُخ ُذوْا ِز َينتَ ُك ْم ِع َند ُك ِل َم ْس ِج ٍد ُ
وكُلوْا َو ْ
{ي َابِني َء َاد َم} تعيير كأنه يقول :يا بنى التقصير والعيب ،يرد ذلك عليهم حتى ال
قال الواسطى رحمة هللا عليه :قوله َ
ينظروا إلى نفوسهم وال يلتفتوا إليها.
ات ِم َن ِ
الرْز ِق} [اآلية.]32 : َّللاِ َّالِتي أ ْ ِ ِ ِ ِ َّ
طِيب ِ قوله تعالىُ{ :ق ْل َم ْن َحَّرَم ِز َين َة َّ
َخ َرَج لعَباده َواْل َ
قال أبو عثمان الدمشقى :من حرم التزين بما يبدو على األولياء من المعونات والكرامات التي أخرجها هللا لعباده
المخلصين ،والطيبات من الرزق هى كسر الفقراء الذين يأخذونها من ضرورة َوَفاقة.
ظ َه َر ِم ْن َها َو َما َب َ
ط َن} [اآلية.]33 : ش َما َ قوله تعالىِ{ :إَّنما حَّرم ربِي اْلَفو ِ
اح َ َ َ َ َ َ َ
قال أبو عثمان فى كتبه إلى إخوانه :واعلم يا أخى أن الفواحش ما أريد من الطاعات لغير وجه هللا.
قال بعضهم فى هذه اآلية :ما ظهر من الفواحش هو الكذب والغيبة والبهتان ،وما بطن الغل والغش والحقد والحسد.
ظ َه َر ِم ْن َها َو َما َب َ
ط َن} ما ظهر منها بتركه وما بطن محبته. {ما َ
وقال بعضهمَ :
ف َعَل ْي ِه ْم َوالَ ُه ْم َي ْح َزُنو َن َّ ِ َي َابِني َء َاد َم ِإ َّما َيأِْتَيَّن ُك ْم ُرُس ٌل ِم ُ
صو َن َعَل ْي ُك ْم َآياتي َف َم ِن اتَق ٰى َوأ ْ
َصَل َح َفالَ َخ ْو ٌ نك ْم َيُق ُّ
َّ
قوله تعالىَ { :ف َم ِن اتَق ٰى َوأ ْ
َصَل َح} [اآلية.]35 :
قال بعضهم :من اتقى فى ظاهره عن تناول الشبهات ،وأصلح باطنه بدوام مراقبة هللا عز وجل فال خوف عليهم فى
الدنيا ،وال حزن عليهم فى اآلخرة.
ورِهم
ص ُد ِ ِ
{وَن َز ْعَنا َما في ُ
قال بعضهم :من تخطى بساط القرب سقط عنه رعونات النفس وحظوظ الشيطان .قال هللا َ
ِم ْن ِغ ٍل}.
قيل فيه :دلنا على توحيده وجعلنا فى سابق علمه على خواص عباده ،واختار لنا أعز األديان.
قال فارس :وأصحاب األعراف هم الذين َع َّرفهم هللا مقام من استقطعتم عن الحق الحظوظ والمخالفات فأهل النار
قطعهم عن الحق المخالفين وأهل الجنة قطعهم عنه الحظوظ ،وبقى أصحاب األعراف يعرفون ُكالً بسيماهم ،وال َو ْس َم
لهم وال سيما سوى الحق.
قال بعضهم :أفيضوا علينا من ماء الحياة ليحيى به ،أو مما رزقكم هللا من النعمة لتنعم به.
صْلَناهُ َعَل ٰى ِعْل ٍم ُه ًدى َوَر ْح َم ًة لَِق ْو ٍم ُي ْؤ ِمُنو َن اهم ِب ِكتَ ٍ
اب َف َّ ِ
َوَلَق ْد ج ْئَن ُ ْ
كتابا فيه هدى من الضاللة ورحمة من العذاب ،وفرق بين الولى والعدو ،وال يعلم معانيه قال بعضهم :أنزل هللا عليك ً
إال المؤمنون بمتشابهه والعاملون بأحكامه والتالون آناء الليل وآناء النهار ،له فيه الفالح لمن طلب الفالح ،والنجاة
صْلَناهُ} اآلية. اهم ِب ِكتَ ٍ
اب َف َّ ِ
{وَلَق ْد ج ْئَن ُ ْ
ناج ،قال هللا تعالى َ
لمن َر َام ،ال يهلك عليه إال هالك وال ينجو به إال ٍ
قال الواسطى رحمة هللا عليه :إذا كان له فمنه وبه وإليه ،ألن األمر صفة اآلمر.
ِ ِ
ضُّرعاً َو ُخْفَي ًة ِإَّن ُه الَ ُيح ُّب اْل ُم ْعتَد َ
ين َّك ْم تَ َ
ْاد ُعوْا َرب ُ
قال أبو عثمان :التضرع فى الدعاء أن ال تقدم إليه أفعالك وصالتك وصيامك وقرآنك ثم تدعو على أثره ،إنما
التضرع أن تقدم إليه افتقارك وعجزك وضرورتك وفاقتك وقلة حيلتك ،ثم تدعو بال غفلة وال سبب فترفع دعاءك ،أال
ترى ما ذكر عن أبى يزيد رحمة هللا عليه أنه قال :قيل :لى خزائننا مملوءة من الطاعات فإن أردتها فعليك بالذلة
واالفتقار ،وكما قال أبو حفص حين قيل له بما تُ ِ
قدم على ربك؟
وطمعا فى ثوابه.
ً قيل :خوًفا من عقابه
وطمعا فى قربه.
ً وقيل :خوًفا من بعده
وطمعا فى إقباله.
ً وقيل :خوًفا من إعراضه
وطمعا فيه.
ً وقيل :خوًفا منه
ص َّحح عقد توحيده وأحسن سياسة نفسه وأقبل على أداء فرائضه وكفى المسلمين شره.
قال بعضهم :المحسن هو الذى َ
اح ُب ْش اًر َب ْي َن َي َد ْي َر ْح َمِت ِه} [اآلية.]57 : {و ُه َو َّال ِذي ُي ْرِس ُل ِ
الرَي َ قوله تعالىَ :
نوعا من الرحمة فريح التوبة تنشر على القلب رحمة المحبة ،وريح الخوف تنشر رحمةقال بعضهم :كل ريح تنشر ً
الهيبة ،وريح الرجاء تنشر رحمة األنس ،وريح القرب تنشر رحمة الشوق ،وريح الشوق تنشر نيران القلق ،و َ
الوَله قال
اح ُب ْش اًر َب ْي َن َي َد ْي َر ْح َمِت ِه}. {و ُه َو َّال ِذي ُي ْرِس ُل ِ
الرَي َ هللا تعالىَ :
قال أبو عثمان :البلد الطيب مثل قلب المؤمن النقى ،يخرج نباته بإذن ربه ،تظهر على الجوارح أنوار الطاعات
والزينة باإلخالص ،والذى خبث قلب الكافر ال يظهر منه إال النكد والشؤم والظلم على الجوارح من إظهار المخالفات.
وتنميها ،وذلك على قدر جوهرها ،كما أن بإرادة واحدة ظهرت المخالفات والموافقات.
وقال الجوزجانى :البلد الطيب هو القلب يخرج نباته بإذن ربه ،بظهور أنواع الطاعات على الجوارح ،والذي خبث من
القلوب ال يظهر على الجوارح إال بالمخالفات.
َّللاِ َما الَ تَ ْعَل ُمو َن} من سعة رحمته وقبول التوبة لمن
َعَل ُم ِم َن َّ
{وأ ْ
َنص ُح َل ُك ْم} :أدلكم على طريق رشدكمَ ،
قال بعضهم{ :أ َ
رجع إليه باإلخالص وقال شاه الكرمانى :عالمة النصح ثالثة :اغتنام القلب بمصائب المسلمين ،وبذل النصح لهم.
وإرشادهم إلى مصالحهم وإن جهلوها وكرهوها.
ِ ِ َّ َّ ِ ين َم َع ُه ِفي اْلُفْل ِك َوأ ْ َّ ِ َّ
ين َكذُبوْا ِب َآياتَنآ ِإَّن ُه ْم َك ُانوْا َق ْوماً َعم َ
ين َغ َرْقَنا الذ َ َنج ْيَناهُ َوالذ َ
َف َكذُبوهُ َفأ َ
ِ
قوله تعالىِ{ :إَّن ُه ْم َك ُانوْا َق ْوماً َعم َ
ين} [اآلية.]64 :
ط َّه ُرو َن} أى :يخالفون ما أنتم عليه من أديانكم وملككم. قال بعضهمِ{ :إَّن ُه ْم أَُن ٌ
اس َيتَ َ
الضَّر ِ
ْس ِآء َو َّ َّ ٍ ِ
آء} [اآلية.]94 : َهَل َها باْلَبأ َ {و َمآ أ َْرَسْلَنا ِفي َق ْرَية من َّنِب ٍي ِإال أ َ
َخ ْذَنا أ ْ ِ
قوله تعالىَ :
صب عليك أنواع البالء لترجع إليه كرًها ،إذا أبيت فلما لم تجبه ولم ترجع إليه َّ قال بعضهم :دعاك إلى بابه بالشفقةَّ ،
الضَّر ِ
ْس ِآء َو َّ َّ ٍ ِ
آء} اآلية. َهَل َها باْلَبأ َ {و َمآ أ َْرَسْلَنا ِفي َق ْرَية من َّنِب ٍي ِإال أ َ
َخ ْذَنا أ ْ ِ
طوعا ،قال هللا عز وعالَ :
الرجوع إليه ً
َخ ْذ َٰن ُه ْم ِب َما َك ُانوْا َي ْك ِسُبو َن السم ِآء واأل َْر ِ ٍٰ ِ
ض َوَلـ ِٰكن َك َّذُبوْا َفأ َ ِ َّ
َه َل اْلُق َر ٰى َء َ
امُنوْا َواتَقوْا َلَفتَ ْحَنا َعَل ْيه ْم َب َرَكت م َن َّ َ َ َوَل ْو أ َّ
َن أ ْ
لنورت قلوبهم بمشاهدى وهو بركة السماء ،وزينت جوارحهم قيل معناه :لو أنهم ص َّدقوا وعدى و ْ
اتقوا مخالفتىَّ ،
بخدمتى وهو بركة األرض.
شيئا من أفعاله،
قال النصرآباذى رحمة هللا عليه :كيف يأمن الجانى من المكر ،وأى جناية أكبر من جناية من يشاهد ً
هل هو إال متوثب على الرؤية ومنازع للوحدانية.
قال ابن عطاء :من تحقق بالحق فإنه ال يقول على الحق إال ما يليق بالحق.
قال الخراز :سبيل الواصلين إلى هللا أن ال يتكلموا إال عن الحق ،وال يسمعوا إال من الحق وال ينطقوا إال بحق ،فإن
حقائق الحق إذا استولت على أسرار المحقين أسقطت عنهم ما سوى الحق ،وال يبلغ أحد من هذه الدرجات ً
شيئا حتى
ٍ
فحينئذ هللا أعلم. ٍ
فحينئذ يبقى وال وقت له وال حال، يستوفى الحق أوقاته عليه ومنه،
ِ
ال َن َع ْم َوإَِّن ُك ْم َلم َن اْل ُمَقَّرب َ
ِين َق َ
قال بعضهم :دعا فرعون السحرة إلى القرب منه ،وجرى لهم فى األزل إلى منازل القرب من الحق قال فرعون" :إنكم
لمن المقربين" .فقربوا إلى منازل األبرار وبعدوا من قرب األشقياء.
قال الواسطى :أدركتهم سابقة ما جرى لهم فى األزل من السعادة ،فأظهر منهم السجود.
ين ألَُق ِطع َّن أَي ِدي ُكم وأَرجَل ُكم ِمن ِخالَ ٍ
ف ثُ َّم ألُصلِبَّن ُكم أ ِ
َج َمع َ
َ َ ْ ْ َ ْ َ ْ َُْ ْ ْ
قوله عز اسمه {ألَُق ِطع َّن أَي ِدي ُكم وأَرجَل ُكم ِمن ِخالَ ٍ
ف} [اآلية.]124 : َ ْ َ ْ َُْ ْ ْ
قال سمنون :يحمل الهياكل من الباليا على المشاهدة ما ال تحمله فى حال الغيبة ،أال ترى كيف لم ِ
يبال سحرة فرعون
بما هددهم من قوله {ألَُق ِطع َّن أَي ِدي ُكم وأَرجَل ُكم ِمن ِخالَ ٍ
ف}. َ ْ َ ْ َُْ ْ ْ
ِ ِ ِ
آء م ْن عَباده َواْل َعاقَب ُة لْل ُمتَّق َ
ين صِب ُروْا ِإ َّن األ َْر َ ِ ِ ِ
ورثُها من ي َش ِ ِ ِ ِ َقال موسى لَِقو ِم ِه است ِعينوا ِب َّ ِ
ض ََّّلل ُي َ َ َ ُ اَّلل َوا ْ َْ ُ َ ُ َٰ ْ
اصِب ُروْا} [اآلية.]128 : قوله تعالىَ { :قال موسى لَِقو ِم ِه است ِعينوا ِب َّ ِ
اَّلل َو ْ َْ ُ َ ُ َٰ ْ
قال سهل :أمروا أن يستعينوا باهلل على أمر هللا ،وأن يصبروا على آداب هللا.
وقال بعضهم :قال موسى لقومه استعينوا باهلل على مصائبكم واصبروا إن األرض هلل يورثها من يشاء من عباده .فقيل
له :ما لك [ولدار تعز الظالمين] فعن قريب تراها خالية من الفاسقين.
ُّكم أَن ُي ْهلِ َك َع ُدَّوُكم وَي ْستَ ْخلَِف ُكم ِفي األ َْر ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ف
ظ َر َك ْي َ
ض َفَين ُ ْ ْ َ َقاُلوْا أُوذ َينا من َقْبل أَن تَأْت َينا َو ِمن َب ْعد َما ج ْئتََنا َق َ
ال َع َس ٰى َرب ُ ْ
تَ ْع َمُلو َن
ُّكم أَن ُي ْهلِ َك َع ُدَّوُكم وَي ْستَ ْخلَِف ُكم ِفي األ َْر ِ
ض} [اآلية.]129 : ْ ْ َ {ع َس ٰى َرب ُ ْ
قوله تعالىَ :
عليها فتقهر النفس بما فيها وتستولى عليها وعلى مخالفتها ،فينظر كيف تعملون :كيف معرفتك بشكر ما أنعم عليك.
ص ِمن الثَّمر ِ
ات َل َعَّل ُه ْم َي َّذ َّك ُرو َن ين وَنْق ٍ ِ ِِ َخ ْذَنآ ِ
ََ آل ف ْرَعو َن بالسن َ َ
َ َوَلَق ْد أ َ
ِِ َخ ْذَنآ ِ
آل ف ْرَعو َن ِبالسن َ
ين} [اآلية.]130 : َ {وَلَق ْد أ َ
قوله عز وعالَ :
وتماديا.
ً طغيانا
ً قال ذكرناهم النعم وأخذناهم بالمحن لعلهم يرجعون إلينا ،فأبوا إال
رأيت فى كتاب عبد هللا الرازى بخطه ،سمعت محمد بن الفضل يقول :أذل رياضة يروض اإلنسان بها نفسه الجوع،
ِِ َخ ْذَنآ ِ
آل ف ْرَعو َن ِبالسن َ
ين} وأعز رياضة يروض بها اإلنسان نفسه التقوى، َ {وَلَق ْد أ َ
ألن هللا تعالى أخذ األعداء بذلك فقالَ :
ألن هللا يقول (فإيَّاى فاتقون).
ك َلِئن َك َشْف َت َعَّنا ال ِر ْج َز َلُن ْؤ ِمَن َّن َل َك َوَلُن ْرِسَل َّن َم َع َك َبِني ِ
َّك ِب َما َع ِه َد ع َند َ
وس ٰى ْادعُ َلَنا َرب َ
ٰم َ َوَل َّما َوَق َع َعَل ْي ِهم ِ
الر ْج ُز َقاُلوْا ي ُ ُ
يل ِ ِ
إ ْس َرآئ َ
قال القاسم :من لم يراع أسرار األولياء فى األوقات ،ال ينفعه اللجأ إليهم فى أوقات البالء ،أال ترى كيف لم يؤثر على
أصحاب فرعون اللجأ إلى موسى فى اعتقاد المخالفة ،قال هللا { َف ْانتََق ْمَنا ِم ْن ُه ْم}.
ِك اْل ُح ْسَن ٰى َعَل ٰى َبِني ِ ِ َِّ ِق األ َْر ِ َّ ِ
ض َو َم َغ ِارَب َها التي َب َارْكَنا ف َ
يها َوَت َّم ْت َكل َم ُة َرب َ ض َعُفو َن َم َشار َين َك ُانوْا ُي ْستَ َْوأ َْوَرْثَنا اْلَق ْوَم الذ َ
صَن ُع ِف ْرَع ْو ُن َوَق ْو ُم ُه َو َما َك ُانوْا َي ْع ِرُشو َن ِإس َرِآئ ِ
ان َي ْ
صَب ُروْا َوَد َّم ْرَنا َما َك َ يل ب َما َ
ْ َ
صَب ُروْا} [اآلية.]137 : ِك اْل ُحسَن ٰى َعَل ٰى َبِني ِإس َرِآئ ِ ِ
يل ب َما َ
ْ َ ْ {وتَ َّم ْت َكل َم ُة َرب َ
قوله تعالىَ :
قال أبو سعيد :طلبوا إتمام النعمة بالمواظبة على الصبر ،واستشعروا وعده الذى وعد لهم إتمامه عند القيام بما لزمهم
من شرائط الصبر.
ين ِ
ضَل ُك ْم َعَلى اْل َعاَلم َ َّللاِ أ َْب ِغ ُ
يك ْم ِإَلـٰهاً َو ُه َو َف َّ َغ ْي َر َّ
ال أ َ
َق َ
رض بمجارى المقدور عليه ولم يستقبل نعمة هللا بالشكر وبالءه بالصبر فقد كفر بنعم هللا عنده.
قال بعضهم :من لم ي َ
قال أبو عثمان :أتطلب ربا غيره وهو فضلك على ما سواك من جميع ذوات األرواح والجماد فتذل وتخضع لغيره ،وهو
فضلك عليهُ ،ذ َّل لمن ال ُيذل من يذل له ،تستوى معه وتنل به األوفر من العز.
يوما حين أراد أن يكلم ربه ،وجاع فى نصف يوم حين أراد أنقيل ألبى بكر بن طاهر :ما بال موسى لم َيجع أربعين ً
آءَنا} [الكهف ]62 :اآلية قال :ألنه فى األول أنساه هيبة الوقوف الذى ينتظره الشراب ِ
يلقى الخضر فقال{ :آتَنا َغ َد َ
والطعام ،والثانى كان سفر التأديب فزاد البالء على البالء حتى جاع فى أقل من نصف يوم ،واألول كان أوقات
الكرامة.
قال جعفر :كان وعده ثالثين ليلة فالتزم على ميعاد ربه وانتهى األجل لقدومه فأخرجه عن حده ورسمه ،وأكرم موسى
بكالمه وبان عليه شرفه خارًجا عن رسوم البشرية حتى سمع ما سمع من ربه من غير نفسه وعلمه وغير وقته الذى
وقته لقومه ،دليالً بذلك أن منار الربوبية خارج عن رسوم البشرية.
{اخُلْفِني ِفي َق ْو ِمي} قال :لم يزل األنبياء واألولياء خلف يخلفهم فيمن بعدهم من أمتهم
قال محمد بن حامد فى قولهْ :
وأصحابهم ،يكون هديهم على هديه ،يحفظون على أمتهم ما يضعونه من سنتهم وأن أبا بكر الصديق رضى هللا عنه
كان هو القائم بهذا المقام بعد النبى صلى هللا عليه وسلم ولو لم يقم هو؛ لذهبت سنن منها محاربة أهل الردة وغير
ذلك.
ِ ِ ظ ْر ِإَل ْي َك َقال َلن تَ َرِاني وَلـ ِٰك ِن ْان ُ ِ َر ِب أ ِِ َّ ِِ ِ
ظ ْر إَلى اْل َجَبل َفإ ِن ْ
استََقَّر َم َك َان ُه َ َ َرني أَن ُ الُّه َق َوس ٰى لميَقاتَنا َوَكل َم ُه َرب ُ آء ُم ََوَل َّما َج َ
ِ دكاً وخَّر موسى ِ ُّه لِْل َجَب ِل َج َعَل ُه َّ ِ
ال ُس ْب َحاَن َك تُْب ُت ِإَل ْي َك َوأََن ْا أََّو ُل اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين صعقاً َفَل َّمآ أََف َ
اق َق َ َٰ َ َ ََ ف تَ َراني َفَل َّما تَ َجل ٰى َرب ُ
َف َس ْو َ
قال أبو سعيد :من َغ َيرِة هللا تعالى أنه لم يكلم موسى إال فى جوف الليل ،وغيَّبه عن كل ذى حسب حتى لم يحضر
كالمه معه أحد سواه ،وكذلك محادثته مع األنبياء.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :لما غاب موسى عن أنفاسه وحركاته وقام مقام االنفراد مع هللا ناداه { ِإِني أََنا َّ
َّللاُ }
[القصص.]30 :
وكلمه من نفسه موسى وعبوديته فغاب موسى عن وقال جعفر :سمع كالمه خارجا عن بشريته وأضاف الكالم إليهَّ ،
ً
نفسه وفنى عن صفاتهَّ ،
وكلمه ربه من حقائق معانيه ،فسمع موسى صلى هللا عليه وسلم من ربه ومحمد صلى هللا
عليه وسلم سمع من ربه صفة ربه ،وكان أحمد المحمودين عند ربه ،ومن هذا كان مقام محمد صلى هللا عليه وسلم
المنتهى ،ومقام موسى عليه السالم الطور ،ومنذ كلم هللا موسى على الطور أفنى صفته ،فلم يظهر فيه النبات وال
تمكين ٍ
ألحد
عليه.
وس ٰى لِ ِميَق ِاتَنا} قال :أزال عنه التوقيف والترتيب ،وجاء إلى هللا على ما دعاه إليه
آء ُم َ
{وَل َّما َج َ
وقال الحسين فى قولهَ :
وأراده له وأخذه عليه وأوجده منه وأظهره عليه ،ببذل الجهد والطاقات وركوب الصعب والمشقات ،فلما لم تبق عليه
باقية بها يمتنع ،أقيم مقام المواجهة والمخاطبة وأطلق مصطنعة لسانه بالمراجعة والمطالبة ،أما سمعت قوله قبل هذه
الحال طالبا منه لما طولع بحال الربوبية وكوشف بمقام اإللهية سائالً حل ٍ
عقدة من لسانه ليكون -إذا كان ذلك - ً
مالكا لنطقه وبيانه.
ً
وقيل :فسأل ربه شرح صدره ثم نظر إلى أليق األحوال ،وإذا هو تيسير أمره فسأل ذلك على التمام لتترقى به حاله إلى
ٍ
حينئذ صلح للمجئ إلى هللا أرفع المقام وهو المجئ إلى هللا باهلل ،لما علم أن من وصل إليه لم تعترض عليه عارضة،
وحده بال شريك وال نظير وكان ممن َوَّفى المواقيت حقها ،غابت عنه األحوال فلم يرها وذهبت عن عينه وحضوره،
وس ٰى } [طه ]36 :فهذا حال المجئ وما عداها إال ما كان للحق منه ومعه حتى تحقق بقوله { َق ْد أُوِت َ
يت ُس ْؤَل َك ٰي ُم َ
خطابا ال كالمخاطبات ومناج منه وله عند ذلك طلب ال كالمطالبات ،واقتضى من هللا ما لم
ً بالشرف األعظم فسمع
تكن قبل يقتضيه ،فلذلك سأل النظر إليه إذ رجع إلى حقيقته فرأى هللا فى كل منظور ومبصر ،فلما تحققت له هذه
ظ ْر ِإَل ْي َك} فإنى فى كل مرادى راجع إليك ،أى أرنى ما شئت فلست أرى غيرك ال َر ِب أ ِِ
َرني أَن ُ األحوال { َق َ
مقابلى ،إذ تحققت بما حققتنى به إنك غير مزايلى ألم يدلك على ذلك خطابه ورجوعه إليك إذ ذاك جوابه أرنى فإليك
أنظر وأحضر ما شئت فلست غيرك أحضر بعد أن تحققت منك ٍ
بحال توجب لى منك ذاك ،وحق لمن تحقق بهذا
وتمكن فيه أن ينفرد بسؤال ال تشاركه فيه الخليقة.
منظرا ،فإن ثبت لرؤيتى ثبت وال يحملنى وال يصبر لمشاهدتى شىء
ً جسدا وأعظم منك خلًقا وأهيب منكفهو أشد منك ً
إال قلوب العارفين التى زينتها بمعرفتى وأيدتها بأنوار كرامتى وقدستها بنظرى ونورتها بنورى ،فإن حملنى شىء وصبر
لمشاهدتى فتلك القلوب دون غيرها ،لذلك قال المصطفى صلى هللا عليه وسلم " :حجابه النور لو كشفه ألحرقت
سبحات وجهه كل شىء أدركه بصره
".
ثم إذا حملتنى تلك القلوب وصبت لمشاهدتى فأنا حاملى ال غير ،إذ بى حملنى وبإياى صبر لمشاهدتى ،فال مشاهدة
للحق سواه َج َّل ربنا وتعالى.
{وَلـ ِٰك ِن}. وقال الحسين قوله لموسى {َلن تَرِاني} :لو تركه على ذلك لتقطع شوًقا إليه ،ولكنه َّ
نه بقولهَ :
سك ُ َ
قال الواسطى رحمة هللا عليهَ{ :لن تَ َرِاني} :إلى وقت وال على األبد.
غائبا عن طبع البشرية ،حتى استطاع المقام فى وقت الكالم والمفاجأة ،فلما وجد حالوة كالمه
وقال :كان موسى ً
غائبا عن الحال كذلك.
طلب الكشف فى الحال ً
وقال جعفر :انبسط إلى ربه فى معنى رؤيته ألنه رأى جمال كالمه على قلبه فيه ،فانبسط إليه فقال له {َلن تََرِاني} أى
لفان إلى باق؟ ولكن انظر إلى الجبل أوقع على الجبل علم االطالع ال تقدر أن ترانى ،ألنك أنت الفانى فكيف السبيل ٍ
دكا متفرًقا ،زال الجبل من ذكر اطالع ربه ،وصعق موسى من رؤية تدكدك الجبل فكيف له برؤية
فصار ً
قال الواسطى رحمة هللا عليه :وصل إلى الخلق من صفاته ونعوته على مقاديرهم ال كليَّة الصفات ،كما أن التجلى لم
يكن بكلية الذات.
وقال النبى صلى هللا عليه وسلم " :إن هللا إذا تجلى لشىء خشع له
".
قلت :ذلك على التعارف ومقادير الطاقات أليس يستحيل أن يقال :تجلى الهواء لذرة واحدة ،لو احتجب لساواها ولو
أجل من أن يخفى ويستتر وأعز من أن يرى ،ويتجلى إلى وقت الميعاد تنزه عن أن تقع عليه
تجلى لقاريها وهو َّ
لإللحاظ بمعانيها ،أو يقع تحت
األلسنة بأمانيها.
َّ
دكا ال قال :وجرى بين الجنيد رحمة هللا عليه ذكر قوله تعالىَ{ :فَل َّما تَ َجل ٰى َرب ُ
ُّه} اآلية فصاح وقال :بالجعل صار ً
بالتجلى ،ولو وقع عليه آثار التجلى ألفناه ،فكيف التجلى.
وقال بعضهم :انفرد موسى بالتجلى لما صعق كأنه لما سأل الرؤية قيل له :أنت ال ترانا ببشريتك فقال :أفننى عنى
وعن بشريتى فأفناه ،وانفرد الحق بذاته فتجلى لموسى فى حال صعقته ،ألنه كان معه قائ ًما بالمحبة.
قال ابن خفيف :لما قال :إن استقر مكانه فسوف ترانى .قال :تبت إليك من أن ال أصدقك بكل ما ورد منك وال
ظ ْر ِإَلى اْل َجَب ِل} فالتوبة ال َلن تَ َرِاني} لم يكفه هذا حتى قالْ :
{ان ُ َرني أَن ُ ِ
ظ ْر إَل ْي َك َق َ أطالب بالعالقات ،وذلك كما قال{ :أ ِِ
من هذا.
{س ْب َح َان َك تُْب ُت ِإَل ْي َك} قال :نزه ربه واعترف إليه ،بالعجز وتب أر من عقله{ ،تُْب ُت ِإَل ْي َك} رجعت إليك
قال جعفر فى قولهُ :
ِ
ين} إنك ال ترى فى الدنيا وإنما {وأََن ْا أََّو ُل اْل ُم ْؤ ِمن َ
من نفسى ،فال أميل إلى علمى ،فالعلم ما علمتنى والعقل ما أكرمتنى َ
جوز الكالم ولم تجوز الرؤية ،ألن الرؤية اإلشراف على الذات والكالم صفة من الصفات ،والصفات سمات إلى عباده
طو َن ِب ِه ِعْلماً } [طه.]110 : ولهم إلى ذلك سبيل ،وال سبيل ٍ
ألحد من خلقه إلى ذاته قال هللا تعالىَ { :والَ ُي ِحي ُ
الشاك ِر َ
ين َ ْ َ َ ْ َ اس ِب ِرَساالَِتي َوب َِك َ
ال ِمي َف ُخ ْذ مآ آتَيتُك وُكن ِمن َّ ِ الن ِ
طَف ْيتُ َك َعَلى َّ
اص َ ِِ
وس ٰى إني ْ
ٰم َ
ال ي ُ
َق َ
قال بعضهم :االصطفائية أورثت التكلم وال التكلم ،والكالم أورثا االصطفائية.
وقيل فى قوله تعالىَ { :ف ُخ ْذ َمآ آتَْيتُ َك} من عطائى ،وكن من الشاكرين ال من المدعين المختارين ،فما سبق منى إليك
أكثر مما اخترته لنفسك.
قال بعضهم :لما قال اصطفيتك لنفسى أورث االصطناع واالصطفائية ،فكنت مصطفى على الناس ،ال بسابقة سبقت
إلى بل بسابقة سبقت منى إليك.
لك َّ
وقيل فى قولهَ { :ف ُخ ْذ َها ِبُقَّوٍة} :أى خذها بى وال تأخذها بنفسك ،فالقوى من ال حول له وال قوة ،ويكون حوله وقوته
بالقوى.
الرْش ِد الَ ِ ِ ٍ َّ ين َيتَ َكب َُّرو َن ِفي األ َْر ِ ِ ِ َّ ِ
ض ب َغ ْي ِر اْل َح ِق َوإِن َي َرْوْا ُك َّل َآية ال ُي ْؤ ِمُنوْا ب َها َوإِن َي َرْوْا َسب َ
يل ُّ ف َع ْن َآياتي الذ َ َص ِر ُ
َسأ ْ
ِِ ِ َّ ِٰ ِ ِ
يل اْل َغ ِي َيتَّخ ُذوهُ َسِبيالً ذل َك ِبأََّن ُه ْم َكذُبوْا ِب َآياتَنا َوَك ُانوْا َع ْن َها َغافل َ
ين ِ ِ
َيتَّخ ُذوهُ َسبيالً َوِإن َي َرْوْا َسب َ
ين َيتَ َكب َُّرو َن ِفي األ َْر ِ
ض ِب َغ ْي ِر اْل َح ِق} [اآلية.]146 : ِ َّ ِ
َص ِر ُ
ف َع ْن َآياتي الذ َ {سأ ْ
قوله عز وعالَ :
قال الواسطى رحمة هللا عليه :والتكبر بالحق هو التكبر على األغنياء والفسقة والكفار وأهل البدع ،ألنه روى فى
األثر" :ألقوا أهل المعاصى بوجوه مكفهرة".
ِ َّ ِ
ين َيتَ َكب َُّرو َن}. َص ِر ُ
ف َع ْن َآياتي الذ َ قال بعضهم :أرباب الكبائر مصروفون عن الكرائم ،ألن هللا يقولَ :
{سأ ْ
قال ابن عطاء :سأمنع قلوبهم وأسرارهم وأرواحهم عن الجوالن فى ملكوت القدس عن الحق ،ألن ذلك فى ملكوت
ِ َّ ِ
ين َيتَ َكب َُّرو َن} حتى ال يفهموها وال يجدوا لها لذة ،ألنهم َص ِر ُ
ف َع ْن َآياتي الذ َ القدس قال الجريرى فى هذه اآليةَ :
{سأ ْ
تكبروا بأحوال النفوس بالخلق والدنيا ،فصرف هللا عن قلوبهم آياته لما انصرفوا عنه ،ومن استولت عليه النفس صار
محصور فى سجن الهوى ،حرم هللا على قلبه فوائد آياته وكتابه وإن أكثر ترداده على لسانه.
ًا أسير فى حكم الشهوات،
ًا
واتَّ َخ َذ َقوم موس ٰى ِمن َب ْع ِدِه ِم ْن ُحلِِي ِهم ِع ْجالً َجسداً َّل ُه ُخو ٌار أََلم َي َروْا أََّن ُه الَ ُي َكلِمهم والَ َي ْه ِد ِ
يه ْم َسِبيالً اتَّ َخ ُذوهُ َوَك ُانوْا ُُْ َ ْ ْ َ َ ْ ُْ ُ َ َ
ين ِ ِ
ظالم َ َ
وس ٰى ِمن َب ْع ِدِه ِم ْن ُحلِِي ِه ْم ِع ْجالً َج َسداً َّل ُه ُخ َو ٌار} [اآلية.]148 : قوله تعالىَّ :
{وات َخ َذ َق ْوُم ُم َ
َ
آسفا على ما فاته من مخاطبة الحق إلى مخاطبة من ال أوزان لهم ،فرده من شوقه إلى شاهده ليالً يقطعه من قالً :
يه َي ُجُّرهُ ِإَل ْي ِه}.
َخ ِ
ْس أ ِ
َخ َذ ِب َأر ِ
{وأ َ
حال شوقه َ
قال بعضهم :من رأى من قومه من ارتكاب مخالفة هللا وقيل :أغضبه الرجوع عن مفاجأة الحق إلى مخاطبة الخلق.
قال القرشى :من تحرك غيرة للحق فإن الحق يحفظ عليه حدوده ،لئال تخرجه
الحركة إلى شىء مذموم ،كموسى لما ألقى األلواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه لما رأى قومه يعبدون العجل ،فلم يعاتبه
ملوما على ذلك ولكن حركة موسى كانت ِبال
أحد من الكسر واألخذ ما باشر موسى ،كان ً هللا على ذلك ،ولو باشر ٌ
َح ٍظ لموسى فيها ،بل قام غيرة هلل وابتغاء ماله ،فلم يزدد بذلك من الحق إال قرًبا.
ِ ِإ َّن َّال ِذين اتَّخ ُذوْا اْل ِعجل سيناُلهم غضب ِمن َّربِ ِهم وِذَّل ٌة ِفي اْلح ِ
الد ْنَيا َوَك َذل َك َن ْج ِزي اْل ُمْفتَ ِر َ
ين ياة ُّ َ ْ َ ْ َ َ ََ ُ ْ َ َ ٌ َ َ
قال أبو عثمان :من أقبل على هللا فلينتظر الراحة ،والزلفة والفرج من القبول ،ومن أعرض عن هللا فلينتظر الذل
والسخط والبغض مع غضب هللا فى اآلخرة.
ِ
{وَك َذل َك َن ْجزِي اْل ُمْفتَ ِر َ
ين}. مبتدعا إال ذليالً ،ألن هللا يقولَ :
ً قال الحسين بن الفضل :ال ترى
آء َوَر ْح َمِتي َوِس َع ْت ُك َّل َشي ٍء ُص ِ ِِ ِِِ َوا ْكتُ ْب َلَنا ِفي َهـ ِٰذِه ُّ
ال َع َذاِبي أ ُ ِ
ْ يب به َم ْن أَ َش ُ الد ْنَيا َح َسَن ًة َوِفي اآلخ َرة إَّنا ُه ْدَنـآ إَل ْي َك َق َ
ين ُهم ِب َآي ِاتَنا ُي ْؤ ِمُنو َن الزَك َّ ِ َِّ ِ
ين َيتَُّقو َن َوُي ْؤتُو َن َّ َ
ـاة َوالذ َ َف َسأَ ْكتُُب َها للذ َ
ِ ِ
آء} [اآلية.]156 : يب ِبه َم ْن أ َ
َش ُ ال َع َذاِبي أُص ُ ِ ِ
قوله تعالى{ :إَّنا ُه ْدَنـآ إَل ْي َك َق َ
قال الواسطى رحمة هللا عليه :ذلك فى نفس المعارف ما عرفه أحد إال تكدر عيشه ،وأرباب الحقائق ال ُيعذبون فى
الدنيا إال بتواتر نعم هللا عليهم والتقرب ،حتى يرد عليه ما منه يغيب من الصفات والنعوت ،فيرتفع عند سوء األدب
فى السير.
ِ ِ َّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
النِب َّي األُم َّي َّالذي َي ِج ُد َ
َّ ِ
اه ْم َع ِن ْم ُرُهم ِباْل َم ْع ُروف َوَي ْن َه ُون ُه َم ْكتُوباً ع َند ُه ْم في الت ْوَراة َواإل ْنجيل َيأ ُ ول َّ ين َيتَِّب ُعو َن َّ
الرُس َ الذ َ
آمُنوْا ِب ِه
ين َ
َّ ِ َِّ
َغالَ َل التي َك َان ْت َعَل ْي ِه ْم َفالذ َص َرُه ْم َواأل ْ ِ ِ َّ ِ ِ
اْل ُم ْن َك ِر َوُيح ُّل َل ُه ُم الطِيَبات َوُي َح ِرُم َعَل ْي ِه ُم اْل َخَبآئ َث َوَي َ
ض ُع َع ْن ُه ْم إ ْ
ور َّال ِذي أ ِ
ُنزَل َم َع ُه أ ُْوَلـِٰئ َك ُهم اْل ُمْفلِ ُحو َن ص ُروهُ َواتََّب ُعوْا ُّ
الن َ َّ
ُ َو َعزُروهُ َوَن َ
النِب َّي األ ُِم َّي} [اآلية.]157 : {ال ِذ َ ِقوله تعالىَّ :
ين َيتَّب ُعو َن ا َّلرُس َ
ول َّ
قال ابن عطاء :األمى هو األعجمى ،قال أعجمى عما دوننا عالم بنا وبما ينزل عليه من كالمنا ومن حقائقنا.
{النِب َّي األ ُِم َّي} قال :الذى ال يدنسه شىء من الكون.
أيضا فى قولهَّ :
وقال ً
شيئا وال فى اآلخرة إال ما علمه ربه ،حالته مع هللا حالة واحدة وهو الطهارة
وقال األمى :من ال يعلم من الدنيا ً
باالفتقار إليه واالستغناء عما سواه.
اَّللِ
آمُنوْا ِب َّ الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ
ض ال ِإَلـٰه ِإالَّ هو يحِيـي وي ِميت َف ِ ِ َّ ِ اس ِإِني َرسول َّ ِ ِ ُّها َّ
َُ ُ ْ َ ُ ُ َ َّللا إَل ْي ُك ْم َجميعاً الذي َل ُه ُمْل ُك َّ َ َ َ ُ ُ الن ُ ُق ْل ٰيأَي َ
اَّللِ َوَكلِ َم ِات ِه َواتَِّب ُعوهُ َل َعَّل ُك ْم تَ ْهتَ ُدو َن َوَرُسولِ ِه َّ
النِب ِي األ ُِم ِي َّال ِذي ُي ْؤ ِم ُن ِب َّ
تكليفا عن وسائط وتكليف الحقائق ،فتكليف الحقيقة بدت معارفه منه وعادت إليه،
قال الحسين :إن الحق أورد ً
وتكليف الوسائط بدت معارفه عمن دونه فال يصل إليه ،فتناهى من معارفهم إلى نهايات معرفة أهل الوسائط ،وال
تتناهى معارف من أحد معارفه عن شهود الحق ،كل ذلك رفق من الحق بالخلق ،لعلمه بأنه ال يوصل إليه إال بما
منه.
{ي ْه ُدو َن ِباْل َح ِق} قيل :يدلون الخلق على طريق الحق وإياه يسلكون.
قوله َ
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم اإلسكندرانى يقول :سمعت أبا جعفر الفلسطينى يحكى عن الرضا
عينا ،يشرب كل أهل
عن أبيه عن جعفر بن محمد عليه السالم فى هذه اآلية قال :انبجست من المعرفة اثنتا عشرة ً
مرتبة فى مقام من عين من تلك العيون على قدرها ،فأول عين منها عين التوحيد ،والثانية عين العبودية والسرور بها،
والثالثة عين اإلخالص ،والرابعة عين الصدق ،والخامسة عين التواضع ،والسادسة عين الرضا والتفويض ،والسابعة
عين السكينة والوقار ،والثامنة عين السخاء والثقة باهلل ،والتاسعة عين اليقين ،والعاشرة عين العقل ،والحادية عشر
إلى عين حتى يصل إلى األصل ،وإذا وصل إلى األصل تحقق بالحق.
قال بعضهم :ظهر لكل سالك سلوكه وآثار براهينه وبركات سعيه وأنوار حقائقه.
ِ َّك َلس ِريع اْل ِعَق ِ ِ ِ وإِ ْذ تأ ََّذن ربُّك َليبعثَ َّن عَلي ِهم ِإَلى يو ِم اْلِقي ِ
يم اب َوإَِّن ُه َل َغُف ٌ
ور َّرح ٌ وء اْل َع َذاب إ َّن َرب َ َ ُ
وم ُه ْم ُس َ
امة َمن َي ُس ُ
ََ َ َ َ َ َ َْ َ َ ْ ْ ٰ َْ
قوله تعالىَ{ :لس ِريع اْل ِعَق ِ
اب} [اآلية.]167 : َ ُ
قال بعضهم :ما كان فى القرآن آية أشد من قولهَ{ :لس ِريع اْل ِعَق ِ
اب} فإنها عقوبة الحجاب بالحجاب عنه. َ ُ
طلبا للصبر فأبى الجميع فال هم عند النعم شاكرون وال هم عند
طلبا للشكر ،واختبرناهم بالمحن ً
قال :اختبرناهم بالنعم ً
المحن صابرون.
ْخ ُذوهُ أََل ْم َفخَلف ِمن بع ِد ِهم خْلف وِرثُوْا اْل ِك ٰتَب يأْخ ُذو َن عرض هـٰ َذا األ َْدنى ويُقوُلو َن سي ْغَفر َلنا وِإن يأِْت ِهم عر ِ
ض م ْثُل ُه َيأ ُ َ ُ ُ َ َ َ ْ ََ ٌ َ ٰ ََ ََ َ َ َ َ ُ َْ ْ َ ٌ َ َ َ
ين َيتَُّقو َن أََفالَ تَ ْعِقُلو َن َِّ ِ ِ يه َو َّ
الد ُار اآلخ َرةُ َخ ْيٌر للذ َ َ َََ ُ َ ُي ْؤ َخ ْذ َعَل ْي ِه ْم ِمي ٰثَ ُق اْل ِك ٰتَ ِب أَن الَّ يُِقوُلوْا َعَلى َّ
َّللاِ ِإالَّ اْلح َّق ودرسوْا ما ِف ِ
قي ل :ألم يبين لهم على لسان الوسائط فى الكتب المنزلة أن ال يصفوا الحق إال بنفاد المشيئة وعلو القدرة.
قال أبو سعيد الخراز فى هذه اآلية قال :تراءى ألهل اإليمان بالسكون فعرفوه وسكنوا واطمأنوا ،وتراءى ألهل الكفر
بالتعظيم فطاشت عقولهم وتفرقوا عنه.
وقال يوسف فى هذه اآلية :قد أخبر أنه خاطبهم ربهم وهم غير موجودين إال بإيجاده لهم ،إذ كانوا واجدين للحق من
غير وجودهم ألنفسهم ،كان الحق بالحق فى ذلك موجود بالمعنى الذى ال يعلمه غيره وال يجده سواه.
قال النصرآباذى رحمه هللا فى هذه اآلية :مؤيل األكبر ومالف األعظم ،معافون من الساللة والطين وما بعده من
النطف والمضغ أفأنتم فى حملة لألخذ األول ،أم مردودون إلى ميعاد األخذ فى السالالت والمضغ والنطف ،فإن أخذ
لألول بأول لألول وهو بأول لألول أول.
أيضا :أخذ ال للحاجة بل للحجة فمنع الخلق حاجتهم أن َي َروا ذرة من معانى الحجة.
وقال ً
قال :قوالب تجرى عليها أحكام القدرة ،وقال :أخذ ربك من معدن إلى معدن ومن معدن للمعدن.
قال أبو سعيد الخراز فى قوله َ{بَل ٰى} قال :من قال حين قال :ومن أين أجابوا عنهم إال القدرة والنافذة والمشيئة التامة
رسما ألحكام مليك. وهل كانوا إال ً
ُّك ِمن َبِني َء َاد َم} خوطبوا بهذا الكالم وأيش كانوا فقال :كانوا موجودين فى القدرة مغيبين
َخ َذ َرب َ
{وِإ ْذ أ َ
وقال فى قولهَ :
عن شهود التوحيد.
قيل :إنما أجيب عنهم على حسب االستسالم فهذا مقام الفناء ،وقد تقدمت الستلة اإلجابة فالعالم يجرى فى التسخير
من حيث التمكين فى قبضة الحق.
قال الحسين :ال يعلم أحد من المالئكة المقربين ما أظهر الخلق وكيف االنتهاء واالبتداء ،إذ األلسنة ما نطقت
والعيون ما أبصرت واآلذان ما سمعت ،كيف أجاب من هو عن الحقائق غائب وإليها آيب فى قوله{ :أََل ْس ُت ِب َرب ُ
ِك ْم}
فهو المخاطب وهو المجيب.
وقال الحسين فى قوله{َ :بَل ٰى} :القائل عنكم سواكم والمجيب غيركم ،فسقطتم أنتم وبقى من لم يزل كما لم يزل.
ورِه ْم} قال :كانوا موجودين فى القدرة مغيبين ُّك ِمن َبِني َء َاد َم ِمن ُ
ظ ُه ِ َخ َذ َرب َ
{وإِ ْذ أ َ
وسئل على بن عبد الرحيم عن قولهَ :ُ
عن شهود الوجود.
ِ ِ َّ ِ َّ
ودا
وس ُج ً
َخُّروا لعزة ُرك ًعا ُ سمعون َكما َسمعت َ
كالمه َلو َي َ
قال ابن بنان :هلل خالصة من خلقه ،انتخبهم للوالية واستخلصهم للكرامة وأفردهم به له ،فجعل أجسادهم دنياوية
فسوحا فى غوامض غيوب الملكوت الذين
ً وأرواحهم نورانية وأذهانهم روحانية وأوطان أرواحهم غيبية ،وجعل لهم
اعا ،أجاب تركيبهم حين أوجدهم لديه في كون األزل ،ثم دعاهم
أوجدهم لديه فى كون األزل ،ثم دعاهم فأجابوا سر ً
من ًة منه ،وعرفهم نفسه حين لم يكونوا فى صدرة اإلنسية ،ثم أخرجهم بمشيئته خلًقا فأودعهم صلب آدم، فأجابوا الدعوة َّ
ورِه ْم ُذ ِريَّتَ ُه ْم} فأخبر أنه خاطبهم وهم غير موجودين إال بوجوده لهم ،إذ كانوا ُّك ِمن َبِني َء َاد َم ِمن ُ
ظ ُه ِ َخ َذ َرب َ
{وإِ ْذ أ َ
فقالَ :
موجودا.
ً غير واجدين للحق إال بإيجاده لهم فى غير وجودهم ألنفسهم ،وكان الحق بالحق فى ذلك
ين طان َف َك ِ
ان م َن اْل َغ ِاو َ
َ ءاتَْيَناه ء َاي ِاتَنا َف ْانسَل َخ ِم ْنها َفأ َْتَب َع ُه َّ
الش ْي َ ُ َ َ َ ُ َ
{و ْات ُل َعَل ْي ِه ْم َنَبأَ َّال ِذي آتَْيَناهُ َآي ِاتَنا َف ْان َسَل َخ ِم ْن َها} [اآلية.]175 :
قوله تعالىَ :
قال ابن عطاء :سوابق األزل تؤثر على انتهاء األبد ،قال هللا تعالى{ :آتَْيَناهُ َآي ِاتَنا َف ْان َسَل َخ ِم ْن َها}.
ض َواتََّب َع َه َواهُ َف َمَثُل ُه َك َمَث ِل اْل َكْل ِب ِإن تَ ْح ِم ْل َعَل ْي ِه َيْل َه ْث أ َْو تَ ْت ُرْك ُه َيْل َهث َّذلِ َك َوَل ْو ِش ْئَنا َل َرَف ْعَناهُ ِب َها َوَلـ ِٰكَّن ُه أ ْ
َخَل َد ِإَلى األ َْر ِ
ص َل َعَّل ُه ْم َيتََف َّك ُرو َن ِ َّ ِ ِ َّ ِ
ص َصص اْلَق َ ين َكذُبوْا ب َآياتَنا َفا ْق ُ َمَث ُل اْلَق ْو ِم الذ َ
ض َواتََّب َع َه َواهُ} [اآلية.]176 : {وَل ْو ِش ْئَنا َل َرَف ْعَناهُ ِب َها َوَلـ ِٰكَّن ُه أ ْ
َخَل َد ِإَلى األ َْر ِ
قوله تعالىَ :
قال ابن عطاء :لو جرى له فى األزل السعادة ألثر ذلك عليه فى عواقب سعيه
قال بعضهم :ليس الناجى من سعى إنما الناجى من سبقت له الهداية من الهادى.
قيل :األنعام والبهائم ال تحس باالستتار والتجلى ،واألرواح نعيمها فى التجلى وغذاؤها فى االستتار .قال هللا تعالى:
َّ
{ِإ ْن ُه ْم ِإال َكاأل َْن َعا ِم َب ْل ُه ْم أ َ
َض ُّل} [الفرقان.]44 :
َس َم ِآئ ِه َسُي ْج َزْو َن َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن ِ ِ َّ ِ
آء اْل ُح ْسَن ٰى َف ْاد ُعوهُ ِب َها َوَذ ُروْا الذ َ
ين ُيْلح ُدو َن في أ ْ
ِ
َس َم ُ
َوََّّلل األ ْ
آء اْل ُح ْسَن ٰى َف ْاد ُعوهُ ِب َها} [اآلية.]180 : قوله تعالىِ :
َس َم ُ
{وََّّلل األ ْ
َ
آء اْل ُح ْسَن ٰى َف ْاد ُعوهُ ِب َها} :أى قفوا معها عن وقال بعضهم فى هذه اآلية ِ
َس َم ُ
{وََّّلل األ ْ
َ
إدراك حقيقتها.
أسماء آء اْل ُح ْسَن ٰى َف ْاد ُعوهُ ِب َها} قال :إنه وراء األسماء وقيل فى قولهِ :
ٌ َس َم ُ
{وََّّلل األ ْ
َ
ٍ
صفات ،ال تخرقها األفهام ألن الحق نار تتضرم ال سبيل إليه وال بد من االقتحام فيه. والصفات
وقال بعضهم :أبدى أسماءه للدعاء ال بطلب الوقوف عليها ،و َّأنى يقل على صفاته أحد.
ين َك َّذُبوْا ِب َٰآيِتَنا َسَن ْستَ ْد ِر ُج ُه ْم ِم ْن َح ْي ُث الَ َي ْعَل ُمو َن َّ ِ
َوالذ َ
قال سهل :نمدهم بالنعم وننسيهم الشكر عليها ،فإذا سكنوا إلى النعمة وحجبوا عن المنعم أخذوا.
شيئا
قال بعضهم :كيف ينصر غيره من هو عاجز عن نصرة نفسه ،وكيف ينصر نفسه من لم يجعل إليه من أمره ً
وهو مدبر بالقدرة ومقدر فى المشيئة.
ال سره فى ميادين األنس والقربة ،وحجز نفسه عن طوارق الفتنة وطوائف الشيطان هم الذين قال قال بعضهم :من َج َ
ان تَ َذ َّك ُروْا}.
طِ ف ِم َن َّ
الش ْي َ هللا لهم {ِإ َذا م َّسهم َ ِ
طائ ٌ َ ُْ
قال بعضهم :الناس فى مطالعة األسرار على وجوه ثالثة :منهم من له فى سره مطالع يطالعه فذلك قوله تعالىِ{ :إ َذا
النْف َس َع ِن اْل َه َو ٰى } [النازعات:
{وَن َهى َّ ط ِ َّ ف ِم َن َّ م َّسهم َ ِ
ان تَ َذك ُروْا} .ومنهم من له فى سره ينهاه قال هللا تعالى َ الش ْي َ طائ ٌ َ ُْ
.]40
قيل :فيه استمعوا له بآذانكم لعلكم تسمعون بقلوبكم وتفهمون مراد مخاطبة الحق إياكم ،وتأدبوا بلطائف مواعظه
فيوصلكم حسن األدب إلى استماع ،وبركة الخطاب إلى رحمته وهو أن يرزقكم آداب خدمته كما رزقكم سنن شريعته
وأجل ر ٍ
حمة رحم هللا بها عباده آداب العبودية التى خص هللا بها األكابر من األصفياء والسادات من األولياء.
ينِِ ِ ضُّرعاً و ِخ َيف ًة وُدو َن اْلجه ِر ِم َن اْلَقو ِل ِباْل ُغ ُد ِو واآلص ِ ِ وا ْذ ُكر َّرب ِ
ال َوالَ تَ ُك ْن م َن اْل َغافل َ َ َ ْ َْ َ َ َّك في َنْفس َك تَ َ
َ َ
ضُّرعاً َو ِخ َيف ًة َوُدو َن اْل َج ْه ِر ِم َن اْلَق ْو ِل} [اآلية.]205 : ِ قوله تعالى{ :وا ْذ ُكر َّرب ِ
َّك في َنْفس َك تَ َ
َ َ
ين}.ِِ ِ
{والَ تَ ُك ْن م َن اْل َغافل َ
قوله تعالىَ :
يقينا ال شك ما من أحد ذهب عنه نفس واحد بغير ذكر هللا إال وهو غافل.
قال سهل :حًقا أقول لكم ال باطالً ً
قال الجنيد رحمة هللا عليه :أحسن العباد حاالً من وقف مع هللا على حفظ الحدود والوفاء بالعهود.
ِ ِ ِٰ
أَُبلِ ُغ ُك ْم ِر َٰسلت َربِي َوأََن ْا َل ُك ْم َناص ٌح أَم ٌ
ين
قال أبو حفص :الناصح األمين الذى ال يكون فى نصيحته حظ لنفسه وال طلب ٍ
جاه ،وإنما يكون مراده منه قبول
النصيحة والنجاة بها.
ِ
َّللاَ َوَرُسوَل ُه ِإن ُكنتُم ُّم ْؤ ِمن َ
َّللا وأَصلِحوْا َذات ِبيِن ُكم وأ ِ َنفال ََِّّللِ و َّ ِ ِ ِ
ين َطي ُعوْا َّ َ ْ ْ َ الرُسول َفاتَُّقوْا َّ َ َ ْ ُ ون َك َع ِن األ َْنَفال ُقل األ َ ُ َ
َي ْسأَُل َ
وقال :ال تصح التقوى إال للمقتدى بالنبى صلى هللا عليه وسلم وأصحابه والتابعين.
يمناً َو َعَل ٰى َرب ِِه ْم َيتََوَّكُلو َن ِ ِ ٰ ِ ين ِإ َذا ُذ ِكر َّ ِ َّ ِ
وب ُه ْم َوإِ َذا ُتلَي ْت َعَل ْيه ْم َء َايتُ ُه َزَاد ْت ُه ْم إ َٰ
َّللاُ َوجَل ْت ُقُل ُ َ ِإَّن َما اْل ُم ْؤ ِمُنو َن الذ َ
قال أبو سعيد الخراز فى هذه اآلية :هل رأيت ذلك الرجل عند سماع الذكر أو عند
سماع كتابه؟ وهل أخرسك سماع ذلك الذكر حتى لم تنطق إال به؟ وهل أصمك حتى ال تسمع إال منه هيهات؟
وقيل :المؤمن إذا سمع الذكر أو ذكر هو َو ِج َل قلبه أى :عاد القلب على اللسان
بالذكر وعلى اآلذن بسماع الذكر ،فاضطرب وهو الوجل الذى ذكره هللا عز وجل.
وب ُه ْم} قال :هاجت من خشية الفراق فخشعت قال سهل فى قوله ِ
{وجَل ْت ُقُل ُ
َ
قال الواسطى رحمة هللا عليه :وجلت قلوبهم الوجل على مقدار مطالعته ،ربما يريه مواضع السطوة ،وربما يريه مواضع
المودة والمحبة إن كان يريه التقريب والتبعيد.
وقال بعضهم :الوجل على مقدار المطالعات فإن طالع السطوة هابه ،وإن طالع المودة َو ِج َل قلبه مخافة فوته.
خاليا من أزله وأبده ،فال وجل حينئذ وال اضطراب وال تباعد وال اقتراب ،فإنه
قائما سرمده ً
مغيبا عن شاهده ً
ومن طالعه ً
تحقق بالذات ونسى الصفات وفنى من الذات بالذات ،كما هرب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن الصفات إلى
الذات فقال" :أعوذ بك منك
".
قال بعضهم :أظهر عليهم بركة التالوة وزيادة يقين فى بواطنهم ،وزيادة طاعة على ظاهرهم.
باهلل.
قال عمرو بن عثمان :الوجد الصحيح هو الذى يرى صاحبه زيادة ذلك فى أحواله
قال الجنيد رحمة هللا عليه :حًقا إنهم سبقت لهم من هللا السعادة.
ِ ِ
{وإِ َّن َف ِريقاً م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين َل َك ِارُهو َن} مفارقة أوطانهم عميا عن الحق َ
قلوبا ً
قال ابن عطاء :أخرجك من بلدتك ليحيى بك ً
[وال يتم لعبد حقيقة الصحبة والنصيحة إال بعد هجران أقاربه ومفارقة أوطانه].
َلفوا غيرها من البالد ،ولم يتبق عليهم مطالبة لها فردهم إليها لئال يملكهم سوى الحق
أخرجهم من تلك البلدة حتى أ َ
شىء.
وقال بعضهم فى هذه اآلية :أفناك عن أوصافك ومواضع سكونك واعتمادك ،وما كان يميل إليه قلبك ،لئال تالحظ
ِ ِ
{وإِ َّن َف ِريقاً م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين مجاالً وال تسكن إلى مألوف ،فأخرجك من المألوفات ،ليكون بالحق قيامك وعليه اعتمادك َ
الح َّق ِب َكلِ َم ِات ِه ِ الش ْوَك ِة تَ ُكو ُن َل ُك ْم َوُي ِر ُيد َّ
َّللاُ أَن ُيح َّق َ
َن َغير َذ ِ
ات َّ َّ ِ ِ َوإِ ْذ َي ِع ُد ُك ُم َّ
َّللاُ ِإ ْح َدى الطآئَفت ْي ِن أََّن َها َل ُك ْم َوتََوُّدو َن أ َّ ْ َ
ِ
ط َع َداِب َر اْل َكاف ِر َ
ين َوَيْق َ
ٍ
فمتمن. ٍ
فمتعن ،ومن ظن أنه يصل إليه بغير جهد قال بعضهم :من ظن أنه يصل إلى الحق بالجهد
قال بعضهم :ال يصل أحد إلى حياة القلب ما لم يمت نفسه بنزاع الشهوات عنها ومخالفتها فى جميع األحوال وهو
الش ْوَك ِة تَ ُكو ُن َل ُك ْم}. َن َغير َذ ِ
ات َّ {وتََوُّدو َن أ َّ ْ َ
معنى قولهَ :
وقال بعضهم :ليحق الحق باإلقبال عليه ويبطل الباطل باإلعراض عنه.
قيل :بيَّن هللا آثار النصر وبدو السالمة فمن لم يطلب النصر والسالمة بالذلة
واالفتقار ال يناله ،ألن طالب النصرة بالقوة والقدرة منازعة الربوبية ،ومن نازع الولى قهره.
لضل.
َّ قال الواسطى رحمة هللا عليه :العزيز الذى ال يدركه طالبوه ولو أدركوه
اب َل ُك ْم}.
استَ َج َ قال بعضهم :من صدق االستعانة أجيب فى الوقت .قال هللا تعالى {ِإ ْذ تَ ْستَ ِغيثُو َن َرب ُ
َّك ْم َف ْ
لك ما وعدك".
أتم
ناظر باإلشارة إليه ،والنبى صلوات الرحمن عليه كان َّ
أبو بكر رضى هللا عنه تكلم عن التجريد برؤية الوعد بالوفاء ًا
وأبلغ وأقوى وأسكن من أبى بكر وأشد طمأنينة إلى إنجاز الوعد ألنه باهلل أعرف ،إال أنه فى ذلك راجع إلى أوصافه،
َستَ ِج ْب َل ُك ْم } [غافر ]60 :فرجع إلى هللا باهلل سائالً من هللا إنجاز ِ
فخرج إلى ربه بآداب العبودية بقوله { ْاد ُعوني أ ْ
وعده.
قال النصرآباذى :استغاثة منه واستغاثة إليه ،فاالستغاثة منه ال يجاب صاحبها بجواب ،بل يكون ً
أبدا معلًقا بتلك
االستغاثة واستغاثة إليه فذلك الذى يجاب إليه األنبياء واألولياء واألصفياء.
أيضا :النفس تستغيث لطلب حظها من البقاء ودوام العافية فيها ،والقلب يستغيث من خوف التقليب.
وقال ً
قال النبى صلى هللا عليه وسلم " :قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء " والروح يستغيث
ور } [غافر.]19 : َعُي ِن َو َما تُ ْخِفي ُّ ِ
الص ُد ُ لطلب الرواح ،والسر يستغيث الطالعه على الخفيات { َي ْعَل ُم َخآئَن َة األ ْ
قال سهل :النعاس ينزل من الدماغ والقلب َح ٌّى ،والنوم يحل بالقلب من الظاهر وهو حكم النوم ،وحكم النعاس حكم
الروح.
قال بعضهم :ألقى على الصحابة النعاس حتى غلبهم ذلك ،فلم يبق منهم أحداً إال وهو ناعس تحت حجفته ،فلما أزال
عنهم أوصافهم وبرأهم من حولهم وقوتهم أيدهم باألمن ،ليعلموا أن النصر من عنده ،وهو الذى يهزمهم ال هم وأنه
الملقى فى قلوبهم الرعب ،وأن الكل إليه وليس إليهم من األمر شىء.
قال ابن عطاء :أنزل عليهم ماء طهر به ظواهر أبدانهم ودنسها ،وأنزل عليهم رحمة َّنور بها قلوبهم وشفا بها صدورهم
عن وساوس العدو ،وألبس بواطنهم لباس الطمأنينة والصدق.
قال بعضهم :كلما أحدثوا خطيئة جددنا لهم نعمة ،تنسيهم االستغفار من تلك الخطيئة.
قال بندار :االستدراج هو أن يترك المستدرج مع ظاهر الرسوم مع غيبته عن الحقائق والفهم الفائد.
ِ
ات واأل َْر ِ
ض } [األعراف.]185 : ظروْا ِفي مَل ُك ِ
الس َم َاو َ
وت َّ َ قوله تعالى { :أ ََوَل ْم َي ْن ُ ُ
قال بعضهم :النظر فى الملكوت يورث االعتبار والنظر إلى المالك يسقط عنهم االشتغال بسواه.
حاكيا عن أبى عثمان أنه قال :عجز الخلق عن إيصال نفع إلى نفسه أو دفع ضرر عنها
قال أبو الحسين الوراق ً
آجالً وعاجالً ،فكيف يثق بإيمانه وكيف يعتمد على طاعاته؟
هللا َّ
مكن الخلق من األسباب وهو المسبب لجميع ذلك.
وء} [األعراف.]188 : َعَل ُم اْل َغ ْي َب الَ ْستَ ْكثَ ْر ُت ِم َن اْل َخ ْي ِر َو َما َم َّسِن َي ُّ
الس ُ نت أ ْ
{وَل ْو ُك ُ
قوله تعالىَ :
قال بعضهم :لو كنت أملك الغيب وأقدر عليه لما مسنى السوء ،ولكن طويت الغيوب عنا وأُلزمت المالمة لنا.
قوله تعالىَ { :و َج َع َل ِم ْن َها َزْو َج َها لَِي ْس ُك َن ِإَل ْي َها } [األعراف.]189 :
قال بعضهم :خلقها ليسكن إليها فلما سكن إليها غفل عن مخاطبات الحقيقة لسكونه إليها ،فوقع فيما وقع من تناول
الشجرة.
ين } [األعراف.]196 : َّللا َّال ِذي َنَّزل اْل ِكتَاب وهو ي َتوَّلى َّ ِ ِ قوله تعالىِ { :إ َّن ولِِي
الصالح َ َ َ َُ َ َ َ ـي َّ ُ
َ َ
وسئل جعفر عن الحكمة فى قوله :وهو يتولى الصالحين ونحن نعلم أنه يتولى العالمين ،فقال :التولية على وجهين: ُ
تولية إقامة وإبراء ،وتولية عناية ورعاية إلقامة
الحق.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :يتولى الصالحين بالوقاية والرعاية ،ويتولى الفاسقين بالغواية.
قيل :كيف يسمع الدعاء من أصمه الداعى عن المدعو إليه ،وال يسمع نداء الحق إال من أسمعه فبإسماعه يسمع ال
باستماعه وال بسمعه.
قيل :بأنفسهم ينظرون إليك ،فال يبصرون خصائص ما أودعناه فيك ،وبركات ما أجرينا فى الخليقة بك ،وكذا من
نظر بنفسه إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ُحجب عن إدراك معانيه حتى ينظر ببركة الرسول صلى هللا عليه
أيضا قاصر النظر حتى تنظر إليه بالحق ومن الحق،وسلم بل هو ً
قال بعضهم :النظر إلى السفير لألدنى والمبلغ لألعلى ،والرسول المصطفى صلى هللا عليه وسلم نظر عام ،ولكن ال
يبصره فى النظر إليه ،وال يراه إال الخواص ،فمن أبصره أو رآه ظهرت عليه بركات رؤيته بقدر ما كشف له عن رؤيته
وفتح من بصره ،أال تراه يقول" :طوبى لمن رآنى" وقد رآه الكفار وشاهدوه ،ولكن طوبى لمن رآه بالموضع الذى وضع
ِ
يكتف بمشاهدة ظاهره بهذه الرؤية التى تظهر على الرأى ورزق فى مشاهدة عظيم حرماته ،ولم
نتائج هذه البركات ،التى لو فاضت واحدة منها على أهل األرض لوسعتهم.
وقال سهل :هى القلوب التى لم يزينها هللا بأنوار القربة ،فهى عمى عن إدراك الحقائق ورؤية األكابر.
وروى عن النبى صلى هللا عليه وسلم ُسئل جبريل صلى هللا عليه وسلم عن تفسير هذه اآلية فقال" :تصل من قطعك
وتعطى من حرمك وتعفو عمن ظلمك وتحسن إلى من أساء إليك
".
وروت عائشة الصديقة بنت الصديق رضى هللا عنهما أن النبى صلى هللا عليه وسلم أمر بالعفو عن أخالق الرجال
{خ ِذ اْل َعْف َو}.
بقولهُ :
{خ ِذ اْل َعْف َو} المشاهدة ،وأمر بالعرف واستعن باهلل على ما نلت من القرب ،وأعرض عن الجاهلين،
قال ابن عطاءُ :
قال :هى النفس إذا طالعت شهواتها.
آء لُِي َ
ط ِه َرُك ْم ماء اليقين إذا نزل على األسرار أسقط عنها االختالج والشك ،قال هللا تعالى{ :وين ِزل عَلي ُكم ِمن َّ ِ
الس َمآء َم ً َ َُ ُ َ ْ
ِب ِه} من كل ما تدنستم به من أنواع المخالفات.
قال بعضهم :ربط على قلوب أوليائه ،لتلقى البالء بأسلحة الصبر ،وربط على قلوب العارفين لثبات األسرار فى
مشاهدة ما يبدو لهم من الغيوب.
قلب مربوط باألكوان ،وقلب مربوط باألسامى والصفات وقلب مربوط بالحق.
قال بعضهم :القلوب ثالثةٌ :
ِ َّللا رمى ولِيبلِي اْلمؤ ِمِنين ِم ْنه بالء حسناً ِإ َّن َّ ِ ِ ِ وه ْم َوَلـ ِٰك َّن َّ
يم
يع َعل ٌ
َّللاَ َسم ٌ َّللاَ َقَتَل ُه ْم َو َما َرَم ْي َت إ ْذ َرَم ْي َت َوَلـٰك َّن َّ َ َ َ ٰ َ ُْ َ ُ ْ َ ُ َ ً َ َ َفَل ْم تَْقُتُل ُ
سببا
قال بعضهم :أثبتهم فى القتل والرمى ومباشرتهما ،ثم نفى عنهم ذلك كله لئال يشهدوا من أنفسهم حاالً وال ً
{وَلـ ِٰك َّن َّ
َّللاَ َقَتَل ُه ْم} ورماهم ،ومن رمى منكم فبإيانا َرَمى ،ولو بإياكم رميتم لبلغ ويشاهدوا الحق على جميع األحوال بقوله َ
الرمى إلى مقدار ما يليق بكم.
{و َما َرَم ْي َت ِإ ْذ َرَم ْي َت} ،ولكن رميت بسهام الجمع فغيبك عنك ،فرميت وكنا الرامين عنك ،ألن المباشرة
وقال بعضهمَ :
لك والحقيقة لنا إذ لم نفترق.
توليت عليك فى رميك ،ألنك ما رميته بإياك إلياك بل رميته بنا لنا ،وكل من عمل بنا لنا فنحن متولو تقويمه فى
وقت مباشرته ،والقائمون بقبوله المثنون عليه بذلك.
ُسئل الجنيد رحمة هللا عليه عن هذه اآلية فقال :البالء الحسن أن يثبته عند األمر ويحفظه عند النهى ،وينفرد به عند
مشاهدة العين.
وقال رويم :البالء الحسن أن تكون رؤية الحق أسبق إليه من نزول البالء ،فيمر به البالء وهو ال يشعر الستغراقه فى
رؤية الحق.
منصور يقول بإسناده عن جعفر بن محمد أنه قال :يفنيهم عن نفوسهم ،فإذا أفناهم عن نفوسهم؛ كان هو
ًا سمعت
عوضا لهم عن نفوسهم.
ً
قال بعضهم :من سمع ولم ُي َر عليه فوائد السماع وزوائده فى أحواله ،فهو غير مستمع وال سامع ،والمستمع على
الحقيقة من يرجع من حال السماع بزيادة فائدة أو زيادة حال ،ومن حضر مجلس ذكر ولم يرجع بزيادة ،فإنما يرجع
ين َقاُلوا َس ِم ْعَنا َو ُه ْم الَ َي ْس َم ُعو َن}. َّ ِ
ونوْا َكالذ َ
{والَ تَ ُك ُ
بنقصان قال هللا تعالىَ :
قال يحيى بن معاذ :إن هذا العلم الذى تسمعونه ،إنما تسمعون ألفاظه من العلماء ومعانيه من هللا بآذان قلوبكم،
فاعملوا تعقلوا ما تسمعون ،فإن لم تعملوا كان ضره أقرب إليكم من نفعه.
قال بعضهم :عالمة الخير فى السماع أن يسمعه بفناء أوصافه ونعوته ،ويسمعه بحق من حق.
قال الجنيد رحمة هللا عليه فى كتاب "رواء التفريط" فى هذه اآلية :قرع أسماع همومهم حالوة الدعوة وتنسموا روح ما
َّأدته إليهم األفهام الظاهرة من األدناس ،فأسرعوا إلى حذف العالئق المشغلة قلوب الواقفين معها ،وهجموا بالنفوس
وسجنوا همومهم عن التلفت إلى مذكور سوى وليهم ،فيحيون حياة األبد بالحق الذى لم يزل وال يزال ،فهذا معنى قوله
تعالى{ :استَ ِجيبوْا ََّّللِ ولِ َّلرس ِ
ول ِإ َذا َد َع ُ
اكم}. َ ُ ْ ُ
ظا وفعالً.
قال :حياة [النفس] تصفيتها من كل معلول لف ً
قال بعضهم :استجيبوا هلل بسرائركم وللرسول بظواهركم ،إذا دعاكم لما يحييكم حياة النفوس بمتابعة الرسول ،وحياة
القلب بمشاهدة الغيوب ،وهو الحياء من هللا برؤية التقصير.
َّللاَ} إشارة إلى قلوب أوليائه بأن هللا يأخذها منهم ويحجبها لهم ويقلبها بصفاته ،كما قال النبى صلى هللا وأنه قيل{ :أ َّ
َن َّ
عليه وسلم " :قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء " .فيختمها بخاتم المعرفة ،ويطبعها
بطابع الشوق.
ِ
ول َب ْي َن اْل َم ْرِء َوَقْلِبه} أىَ :ع ُ
قله فى التقليب وفهمه عن هللا خطابه. {ي ُح ُ
وقيلَ :
وقيل :يحول بين المؤمن واإليمان ،والكافر والكفر ،يردهما إلى ما سبق لهما منه فى األزل.
قيل :الفتنة التى يرضى العبد بها أو يميل إلى إحدى جوانبها ،فإنها فتنة أصابته وإن لم يباشرها.
قال أبو عثمان :اكتساب المال من الحرام من الفتن التى تصيب غير مباشرها.
قال أبو عثمان :من خان هللا فى السر هتك ستره فى العالنية.
وقال بعضهم فى هذه اآلية :خيانة هللا فى األسرار من حب الدنيا وحب الرياسة.
يم ِ َن َّ ِ اعَل ُموْا أََّن َمآ أ َْم َواُل ُك ْم َوأ َْوالَ ُد ُك ْم ِف ْتَن ٌة َوأ َّ
َجٌر َعظ ٌ
َّللاَ ع َندهُ أ ْ َو ْ
اعَل ُموْا أََّن َمآ أ َْم َواُل ُك ْم َوأ َْوالَ ُد ُك ْم ِف ْتَن ٌة} [اآلية.]28 :
{و ْ
قوله تعالىَ :
قال بعضهم :أموالكم فتنة إن جمعتم وأمسكتم ،ونعمة إن أنفقتم وبذلتم فى وجوه
الخيرات.
قال بعضهم :المال فتنة لمن طلب به الفتنة .نعمة لمن كان خازًنا هلل فيه يأخذه بأمره .ويخرجه بأمره إلى أربابه.
وقال أبو الحسين الوراق :ما اعتمدت سوى هللا فى الدنيا واآلخرة فهو فتنة ،حتى
األول :بذاته من هللا ،والثانى :اكتساب فإذا اتقى هللا اكتسب بتقواه معرفة التفرقة بين الحق والباطل ،فيتبين هذا من
هذا.
قال أبو بكر الوراق :ما كان هللا ليظهر فيهم البدع وأنت فيهم ،وما كان هللا ليأخذهم بذنوبهم وهم يستغفرون.
قال بعضهم :الرسول صلى هللا عليه وسلم هو األمان األعظم ما عاش وما دامت سنته باقية فهو باق ،فإذا أميتت
سنته فلينتظروا البالء والفتن.
قال محمد بن الفضل :الخبيث من األموال هى التى لم يخرج منها حقوق هللا ،والطيب من األموال ما أخرجت منها
حقوق هللا.
قال بعضهم :الطيب من األموال ما أنفقت فى إرفاق الفقراء فى أوقات الضرورات والخبيث من األموال ما أدخل
عليهم فى أوقات استغنائهم عنها ،فشغلت خواطرهم
وقال بعضهم :الطيب من األموال ما أنفقت فى وجوه الطاعات ،والخبيث ما أنفق فى وجوه الفساد.
قال بعضهم :نعم المولى لمن وااله ،ونعم النصير لمن استنصره.
قوله تعالى{ :لَِي ْهلِ َك َم ْن َهَل َك َعن َبِيَن ٍة َوَي ْحَي ٰى َم ْن َح َّي َعن َبِيَن ٍة} [اآلية.]42 :
قال بعضهم :أظهر للخلق اآليات ،ونصب لهم األعالم ،وفتح أعين قوم لرؤيتها ،وأعمى أعين قوم دونها ،وبعث إليهم
الوسائط بالبراهين الصادقة واألنوار النيرة ،ولكن يهدى لنوره من يشاء من عباده ،وقدم هذه المقدمات ليهلك من هلك
عن بينة.
وقال بعضهم :ال حياة إال لمن حيى بذكره وأنس بقربه ،والخلق كلهم متحركون فى أسبابهم ،والحى منهم من تكون
حياته بالحى الذى ال يموت.
قال جعفر :ما قضاه هللا فى األزل يظهره فى الحين بعد الحين والوقت بعد الوقت.
وقال بعضهم :ليكشف عن سابق علمه فى غيبه ،بإيصال كل من الفريقين إلى ما سبق له منه فى أزله.
ِ
لصاِب ِر َ
ين اصِب ُروْا ِإ َّن َّ
َّللاَ َم َع ا َّ َّللاَ َوَرُسوَل ُه َوالَ تََن َازُعوْا َفتَْف َشُلوْا َوتَ ْذ َه َب ِر ُ
يح ُك ْم َو ْ يعوْا َّ
َوأَط ُ
الصاِب ِر َ
ين} [اآلية.]46 : اصِب ُروْا ِإ َّن َّ
َّللاَ َم َع َّ {و ْ
قوله تعالىَ :
ِ
نال الصاِب ِر َ
ين} قال :هو إس ُ ُسئل محمد بن موسى الواسطى رحمة هللا عليه عن ماهية الصبر وحقيقة قولهِ{ :إ َّن َّ
َّللاَ َم َع َّ
التولى قبل مخامرة المحبة ،فإذا صادقت المحبة التولى حمتها بال كلفة ،هذا صفة من كان هللا معه فى صبره.
ص َعَل ٰى َعِقَب ْي ِه اس َوإِِني َج ٌار َّل ُك ْم َفَل َّما تَ َرآء ِت اْلِفَئتَ ِ
ان َن َك َ َ
الن ِال الَ َغالِ َب َل ُكم اْلَي ْوم ِم َن َّ
ُ َ َع َماَل ُه ْم َوَق َ
ان أ ْ
طُ َّن َلهم َّ
الش ْي َ َوإِ ْذ َزي َ ُ ُ
اب َّللا َش ِد ُيد اْل ِعَق ِ وَقال ِإِني ب ِر ِ
يء م ْن ُك ْم ِإَّني أ ََر ٰى َما الَ تَ َرْو َن ِإَّني أ َ
َّللاَ َو َّ ُ
اف َّ
َخ ُ َ ٌ َ َ
قال الواسطى رحمة هللا عليه :ترك الذنوب على ضروب :منهم من تركها حياء من نعمه كيوسف صلى هللا عليه
ص َعَل ٰى َعِقَب ْي ِه}. وسلم ،ومنهم من تركها خوًفا كإبليس حين قالَ{ :فَل َّما تَ َرآء ِت اْلِفَئتَ ِ
ان َن َك َ َ
يمِ
يع َعل ٌ
َن َّ ِ
َّللاَ َسم ٌ َّللاَ َل ْم َي ُك ُم َغِي اًر ِن ْع َم ًة أ َْن َع َم َها َعَل ٰى َق ْو ٍم َحتَّ ٰى ُي َغِي ُروْا َما ِبأ َْنُف ِس ِه ْم َوأ َّ ٰذلِ َك ِبأ َّ
َن َّ
َّللاَ َل ْم َي ُك ُم َغِي اًر ِن ْع َم ًة أ َْن َع َم َها َعَل ٰى َق ْو ٍم َحتَّ ٰى ُي َغِي ُروْا َما ِبأ َْنُف ِس ِه ْم} [اآلية.]53 : قوله تعالىٰ :
{ذلِ َك ِبأ َّ
َن َّ
قال جعفر :ما دام العبد يعرف نعم هللا عنده ،فإن هللا ال ينزع عنه نعمة حتى إذا جهل النعمة ولم يشكر هللا عليها ،إذ
ذاك حرى أن ينزع منه.
قال سهل :خص األنبياء وبعض الصديقين بمعرفة تلك النعمة التى أنعم هللا عليهم قبل زوالها وحكم هللا عنهم.
َّللاِ وعدَّوُكم وآخ ِر ِ ِ ِ َعُّدوْا َلهم َّما استَ َ ِ وأ ِ
َّللاُ
ون ُه ُم َّ ط ْعتُ ْم من ُقَّوٍة َو ِمن ِرَباط اْل َخْي ِل تُ ْرِهُبو َن ِبه َع ْدَّو َّ َ َ ُ ْ َ َ َ
ين من ُدوِن ِه ْم الَ تَ ْعَل ُم َ ْ ُْ َ
ف ِإَل ْي ُك ْم َوأ َْنتُ ْم الَ تُ ْ
ظَل ُمو َن ِ
َّللا ُي َو َّ يعَلمهم وما تُ ِنفُقوْا ِمن َشي ٍء ِفي سِب ِ
يل َّ َ ْ َْ ُ ُ ْ َ َ
طعتُم ِمن ُقَّوٍة و ِمن ِرب ِ
اط اْل َخْي ِل} [اآلية.]60 : قوله تعالىِ :
َ َ {وأَعُّدوْا َل ُه ْم َّما ْ
استَ َ ْ ْ َ
قال الواسطى رحمة هللا عليه :قواك به وقوى المؤمنين بك ،بل أيدك وأيد المؤمنين بنصرك.
قال أبو سعيد الخراز :ألف بين األشكال وعين الرسوم لمقام آخر ،وكل مربوط بمنحته ومستأنس فى أهل نحلته ،وهذا
معنى قول النبى صلى هللا عليه وسلم " :األرواح جنود مجندة
".
قال بعضهم :ألف بين قلوب المرسلين بالرسالة ،وقلوب األنبياء بالنبوة ،وقلوب الصادقين بالصدق ،وقلوب الشهداء
بالمشاهدة ،وقلوب الصالحين بالخدمة وقلوب عامة المؤمنين بالهداية ،فجعل المرسلين رحمة على األنبياء ،وجعل
األنبياء رحمة على الصادقين ،وجعل الصادقين رحمة على الشهداء ،وجعل الشهداء رحمة على الصالحين ،وجعل
الصالحين رحمة على عامة المؤمنين ،وجعل المؤمنين رحمة على الكافرين.
ف َي ْغلُِبوْا أَْلَف ْي ِن ِبِإ ْذ ِن صاِب َرةٌ َي ْغلُِبوْا ِمَئتَْي ِن َوإِن َي ُكن ِم ُ
نك ْم أَْل ٌ
يكم ضعفاً َفِإن ي ُكن ِم ُ ِ
نك ْم مَئ ٌة َ َ ْ
نكم وعلِم أ َّ ِ
َن ف ُ ْ َ ْ َّللاُ َع ُ ْ َ َ َ
ف َّاآلن َخَّف َ
َ
الصاِب ِر َ
ين َّللاِ َو َّ
َّللاُ َم َع َّ َّ
قال ابن عطاء :ما فى السماء ال يوجد إال باالفتقار ،وما فى األرض ال يوجد إال
باالضطرار.
قال النصرآباذى :هذا التخفف كان لألمة دون الرسول صلى هللا عليه وسلم ،ومن ال يثقله حمل أمانة النبوة كيف
يخاطب بتخفيف اللقاء لألضداد ،وكيف يخاطب به الرسول صلى هللا عليه وسلم ،وهو الذى يقول " :بك أصول وبك
أجول " ،ومن كان به كيف يخفف عنه أو يثقل عليه بعمل النبوة.
ِ َّللاُ ُي ِر ُيد اآل ِخ َرةَ َو َّ ان لَِنِب ٍي أَن َي ُكو َن َل ُه أَس َر ٰى َحتَّ ٰى ُي ْث ِخ َن ِفي األ َْر ِ
َّللاُ َع ِز ٌيز َحك ٌ
يم ض ُّ
الد ْنَيا َو َّ ض تُ ِر ُيدو َن َع َر َ ْ َما َك َ
َّللا ي ِر ُيد ِ
اآلخ َرَة} [اآلية.]67 : ض ُّ
الد ْنَيا َو َّ ُ ُ قوله تعالى{ :تُ ِر ُيدو َن َع َر َ
قال جعفر :تريدون الدنيا ،وهللا يريد اآلخرة وما يريده هللا لكم خير مما تريدونه ألنفسكم.
يم ِ
ور َّرح ٌ َّللاَ ِإ َّن َّ
َّللاَ َغُف ٌ َف ُكُلوْا ِم َّما َغِن ْمتُ ْم َحالَالً َ
طِيباً َواتَُّقوْا َّ
قال جعفر :الحالل ما ال يعصى هللا فيه ،والطيب ما ال ينسى هللا فيه.
قال بعضهم :الحالل ما أخذته عن فاقة وضرورة ،والطيب من الحالل ما أثرت به مع الحاجة والفاقة.
قال أبو يزيد :جهاد النفس فى هجرانها نزعها عن المألوفات ،وإجراؤها فى سبيل هللا بإسقاط العالئق من المال واألهل،
اه ُدوْا}.
اج ُروْا َو َج َ
{ه َ
وذلك قولهَ :
اه ُدوْا} إلى قوله{ :أُوَلـِٰئ َك ُه ُم اْل ُم ْؤ ِمُنو َن َحقاً} [اآلية.]74 : قوله تعالىِ َّ :
اج ُروْا َو َج َ
آمُنوْا َو َه َ
ين َ
{والذ َ
َ
{آمُنوْا} :صدقوا تصديق القلوب ،وهاجروا وتركوا الشبهات من األموال واألصحاب واإلخوان واألخدان
قال بعضهمَ :
وجاهدوا األنفس على مالزمة الحق واتباع الرشد ،أولئك الذين جرت لهم السعادة فى األزل بتحقيق اإليمان.
قال بعضهم فى هذه اآلية :الصم عن سماع الذكر وفهم معانيه ،والبكم عن مداومة تالوة الذكر وطلب الزوائد منه،
الذين ال يعقلون ما خوطبوا به وما خلقوا له وما هم صائرون إليه فى الممات والمآب.
قال أبو عثمان :مفتاح كل خير ،قال هللا تعالىَ { :فِإن تُْبتُ ْم َف ُه َو َخ ْيٌر َّل ُك ْم}.
قال الجنيد رحمة هللا عليه :ال يبلغ التائب منزلة التحقيق فى التوبة ،ما لم تجتمع فيه خصال أربع:
الَ َي ْرُقُبو َن ِفي ُم ْؤ ِم ٍن ِإالًّ َوالَ ِذ َّم ًة َوأ ُْوَلـِٰئ َك ُهم اْل ُم ْعتَ ُدو َن
ُ
قال محمد بن الفضل :حرمة المؤمن أفضل الحرمات وتعظيمه أجل الطاعات ،قال
َح ُّق أَن تَ ْخ َش ْوهُ ِإن ُكنتُ ْم وك ْم أََّو َل َمَّرٍة أَتَ ْخ َش ْوَن ُه ْم َف َّ الرس ِ ِِ ِ
اَّللُ أ َ ول َو ُهم َب َد ُء ُ أَالَ تَُقاتُلو َن َق ْوماً َّن َكثُوْا أ َْي َم َان ُه ْم َو َه ُّموْا بإ ْخ َار ِج َّ ُ
ِ
ُّم ُؤ ِمن َ
ين
ِ
الحس ِ ن
اب} [الرعد.]21 : وء َ {وَي ْخ َش ْو َن َرب ُ
َّه ْم َوَي َخا ُفو َ ُس َ َح ُّق أَن تَ ْخ َش ْوهُ} ،وقالَ :
اَّللُ أ َ
قال هللا{ :أَتَ ْخ َش ْوَن ُه ْم َف َّ
ِ ش ِإالَّ َّ الص َٰلوة وء َاتى َّ ٰ اَّللِ واْليو ِم ِ َّللاِ م ْن ء ِ ِ ِ
ونوْا
َّللاَ َف َع َس ٰى أ ُْوَلـٰئ َك أَن َي ُك ُ وة َوَل ْم َي ْخ َ
الزَك َ اآلخ ِر َوأََق َام َّ َ َ َ ٰ إَّن َما َي ْع ُم ُر َم َٰسج َد َّ َ َ َ
ام َن ب َّ َ َ ْ
ين ِ ِ
م َن اْل ُم ْهتَد َ
قال بعضهم :عمارة المسجد بعمارة القلب عند دخوله ،بصدق النية وحسن الطوية وطهارة الباطن هلل ،كما طهرت
ظاهرك بأمر هللا ودخول المسجد بالخروج عن جميع األشغال والموانع ،فذلك من عمارة المساجد.
قال بعضهم :المساجد مواضع السجود منك ،فاعمرها بحسن األدب من غض طرف وإمساك لسان واإلعراض عن
اللغو ،وإمساك اليد عن الشهوات.
ان وجَّن ٍ
ات َّلهم ِفيها َن ِع ِ ٍ ِ ِ
يم
يم ُّمق ٌ
ٌ ُْ َ ُّهم ِب َر ْح َمة م ْن ُه َوِر ْ
ض َو ٍ َ َ ُيَبش ُرُه ْم َرب ُ
ان وجَّن ٍ ٍ ِ قوله تعالىِ :
ات} [اآلية.]21 : ُّهم ِب َر ْح َمة م ْن ُه َوِر ْ
ض َو ٍ َ َ {يَبش ُرُه ْم َرب ُ
ُ
ِ ِ َلَق ْد َنصرُكم َّ ِ
ض ِب َما َرُحَب ْت َّللاُ في َم َواط َن َكث َيرٍة َوَي ْوَم ُحَن ْي ٍن ِإ ْذ أ ْ
َع َجَب ْت ُك ْم َك ْث َرتُ ُك ْم َفَل ْم تُ ْغ ِن َعن ُك ْم َش ْيئاً َو َ
ضاَق ْت َعَل ْي ُك ُم األ َْر ُ ََ ُ
َّ
ثُ َّم َول ْيتُم ُّم ْدِب ِر َ
ين
َّللا ِفي مو ِ
اط َن َكِث َيرٍة} لم ََ ص َرُك ُم َّ ُ
قال جعفر :استجالب النصر فى شئ واحد ،وهو الذلة واالفتقار والعجز لقولهَ{ :لَق ْد َن َ
تقوموا فيها بأنفسكم ،ولم تشهدوا قوتكم وكثرتكم ،وعلمتم أن النصر ال يؤخذ بالقوة ،وأن هللا هو الناصر والمعين ومتى
َّ
قال هللا{ :ثُ َّم َول ْيتُم ُّم ْدِب ِر َ
ين} موكلين إلى أحوالكم وقوتكم وكثرتكم.
قال بعضهم :السكينة التى أنزلها هللا على رسوله وعلى المؤمنين.
ص ُر
غ اْلَب َ قال بعضهم :السكينة التى أنزلها هللا على رسوله هى التى أظهرها عليه المسرى عند سدرة المنتهى َ
{ما َاز َ
مثنيا به عليه مستمعا منه ً
ً ناظر إلى الحق ط َغ ٰى} [النجم ]17 :بل السكينة أقامته فى مقام ُّ
الدنو بحسن األدبً ،ا َو َما َ
بقوله" :التحيات هلل" والسكينة التى أنزلت على المؤمنين هو سكون قلوبهم إلى ما يأتيهم به المصطفى صلى هللا عليه
وسلم من وعد ووعيد وبشارة وحكم.
السَّنة.
قال الجوزجانى :السكينة هى التأدب بآداب الشريعة والتمسك بحبل ُ
آمُنوْا ِإَّن َما اْل ُم ْش ِرُكو َن َن َج ٌس} [اآلية.]28 : قوله تعالىٰ { :يأَي َّ ِ
ين َ
ُّها الذ َ
َ
قال أبو صالح :المشرك فى عمله من يحسن ظاهره لمالقاة الناس ومجاورتهم ،ويظهر للخلق أحسن ما عنده ،وينظر
إلى نفسه بعين الرضا عنها ،إنما أظهر عليها من زينة العبادات وينجس باطنه مخالفة ما أظهره وهو الرياء واتباع
وباطنا
ً ظاهر
ًا الشهوات وسائر المخالفات فذلك المشرك فى عبادته النجس باطنه وال يصلح لبساط القدس إال المقدس
ِ سر وعالنية ،ألن هللا تعالى يقولٰ { :يأَي َّ ِ
آمُنوْا إَّن َما اْل ُم ْش ِرُكو َن َن َج ٌس} ومن كان ً
نجسا ،فإن األمكنة ال تطهره، ين َ
ُّها الذ َ
َ ًا
وسنن الظاهر عليه ال ينظفه.
َّللاِ واْلم ِسيح ابن مريم ومآ أ ُِمروْا ِإالَّ لِيعب ُدوْا ِإَلـٰهاً و ِ
احداً الَّ ِإَلـ َٰه ِإالَّ ُهَو ُس ْب َح َان ُه ِ
َ َُْ َحَب َارُه ْم َوُرْهَب َان ُه ْم أ َْرَباباً من ُدو ِن َّ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ ُ
اتَّ َخ ُذوْا أ ْ
َع َّما ُي ْش ِرُكو َن
قال بعضهم :سكنوا أمثالهم وطلبوا الحق من غير مظانه ،وطرق الحق واضحة لمن كحل بنور التوفيق وبصر سبيل
التحقيق ،ومن أعمى عن ذلك كان مردوداً من طريق الحق إلى طريق الجناس من الخلق.
قال بعضهم :من بخل بالقليل من ملكه فقد سد على نفسه باب نجاته ،وفتح على نفسه طريق هالكه.
وقيل :ليس من أخالق األنبياء والصديقين البخل ،ألنه روى عن النبى صلى هللا عليه وسلم أنه قال " :ما ُجبل ولى
هللا إال على السخاء
".
الن ِسيء ِزيادة ِفي اْل ُكْف ِر يض ُّل ِب ِه َّال ِذين َكَفروْا ي ِحُّلونه عاماً ويح ِرمونه عاماً لِيو ِ
اطُئوْا ِعَّد َة َما َحَّرَم َّ
َّللاُ َفُي ِحُّلوْا َما َ ُ ُ َ ُ َ َ ُ َ ُ َ ُ َ َُ َُ ِإَّن َما َّ ُ َ َ ٌ
ِ ِ َع َمالِ ِه ْم َو َّ
َّللاُ الَ َي ْهدي اْلَق ْوَم اْل َكاف ِر َ
ين وء أ ْ
ِن َل ُه ْم ُس ُ
َّللاُ ُزي َ
َحَّرَم َّ
الد ْنيا ِمن ِ ِ َّللاِ اثَّاَقْلتُم ِإَلى األَر ِ ِ انفروْا ِفي سِب ِ
ِ ِ ِ ٰيأَي َّ ِ
اآلخ َرِة َف َما َمتَاعُ ض أ ََرضيتُ ْم ِباْل َحَياة ُّ َ َ ْ ْ يل َّ َ يل َل ُك ُم ُ
آمُنوْا َما َل ُك ْم إ َذا ق َ
َ ين
ُّها الذ َ َ
ِ َّ ِ ِ ِ
في اآلخ َرِة ِإال َقل ٌ
يل اْل َحَياة ُّ
الد ْنَيا
قال يحيى بن معاذ :الناس من مخافة الفضيحة فى الدنيا وقعوا فى فضيحة اآلخرة.
قال النهرجورى :الدنيا بحر واآلخرة ساحل والمركب واحد وهو التقوى والناس سفن.
وقال بعضهم :ما تعطاه عارية ينتزع منك أو تنتزع منها ،وهو قليل فيما تملكه من نعيم اآلخرة على األبد.
ص ُم َك ِم َن َّ
الن ِ
اس} [المائدة .]67 :فمن كان فى ميدان َّللا يع ِ
{و َّ ُ َ ْ
َّللاُ} حيث أغناه عن نصرتكم بقولهَ :
ص َرهُ َّ
قولهَ { :ق ْد َن َ
مستغنيا عن نصرة المخلوقين ،أال ترى أنه لما اشتد األمر كيف قال" :بك أصول فإنك النصار ً العصمة ،كان
والمعين".
وقال ابن عطاء فى قوله{ :ثَ ِاني ا ْثَن ْي ِن ِإ ْذ ُه َما ِفي اْل َغ ِار} قال :فى محل القرب فى كهف األنوار فى األزل.
َ
َّ ِ
ين َكَف ُروْا}: وقال الشبلى{ :ثَ ِان َي ا ْثَن ْي ِن} بشخصه مع صاحبه ،وواحد الواحد بقلبه مع سيده وقيل فى قولهِ{ :إ ْذ أ ْ
َخ َرَج ُه الذ َ
قال :الذين جحدوا نعمة هللا عليهم به وبمكانه.
قال :معناه فى األزل ،حيث وصل بيننا وصلة الصحبة ولم ينفصل.
وقال بعضهم فى قوله{ :الَ تَ ْح َزْن} قال :كان حزن أبى بكر إشفاًقا على النبى صلى هللا عليه وسلم وقيل :شفقة على
اإلسالم أن يقع فيه وهن.
وقال فارس :إنما نهى عن الحزن ألن الحزن علة وإنما هو تعريف أن الحزن ال يحل بمثله ،ألنه فى محل القربة وقيل
فى قولهِ{ :إ ْذ ُه َما ِفي اْل َغ ِار} قال :أخرجهما غيرة مما كانوا يرونه من مخالفات الحق ،فأخرجتهما الغيرة إلى الغار،
فغار عليهم الحق فسترهما عن أعين الخلق ألنهم كانوا فى مشاهدته يشهدهم ويشهدونه ،أال تراه صلى هللا عليه وسلم
وناصر.
ًا وعونا
ً مشاهدا لهما
ً كيف يقول ألبى بكر رضى هللا عنه " :ما ظنك باثنين هللا ثالثهما "
قال بعضهم :ا لسكينة نزلت على أبى بكر فثبت ،وزال عن قلبه ما كان يجده من الوجل على رسول هللا صلى هللا
عليه وسلم.
".
{وأَي ََّدهُ ِب ُجُنوٍد َّل ْم تَ َرْو َها} .قال :تلك الجنود اليقين والثقة باهلل عز وجل والتوكل.
قال جعفر :فى قولهَ :
قال بعضهم :السكينة هى التثبت ،وال يتم التثبت إال بالقطع عما سواه.
َّللاِ ٰذلِ ُك ْم َخ ْيٌر َّل ُك ْم ِإن ُكنتُ ْم تَ ْعَل ُمو َن َ ْ َْ ْ َ
انِفروْا ِخَفافاً وِثَقاالً وج ِ
اه ُدوْا ِبأَموالِ ُكم وأ َْنُف ِس ُكم ِفي سِب ِ
يل َّ ََ َ ُْ
قوله تعالى{ :انِفروْا ِخَفافاً وِثَقاالً وج ِ
اه ُدوْا ِبأ َْم َوالِ ُك ْم َوأ َْنُف ِس ُك ْم} [اآلية.]41 : ََ َ ُْ
{انِف ُروْا ِخَفافاً َوِثَقاالً} فى وقت النشاط والكراهية ،فإن البيعة على هذا وقعت ،كما روى عن
قال أبو عثمان فى قولهْ :
جرير بن عبد هللا أنه قال" :بايعنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على السمع والطاعة فى المنشط والمكره".
{انِف ُروْا ِخَفافاً َوِثَقاالً} قال :هو نزع القلب عن األمانى الباطلة ،وإخراج العادات القبيحة عن النفس.
قال بعضهمْ :
ِ
نك لِ َم أَذ َ
نت َل ُه ْم} [اآلية.]43 : َّللاُ َع َ
{عَفا َّ
قوله تعالىَ :
ِ
نك لِ َم أَذ َ
نت َّللاُ َع َ
{عَفا َّ
قيل :إن هللا عز وجل إذا عاتب أنبياءه وأولياءه عاتبهم ببر قبلها أو بعدها ،أالَ تراه يقولَ :
َل ُه ْم}.
وقال الحسين بن منصور :األنبياء مبسطون على مقاديرهم واختالف مقاماتهم ،وكل ربط مع حظه باستعماله األدب
بين يدى الحق ،وكل أثيب على ترك االستعمال فمنهم النبى صلى هللا عليه وسلم فإنه أنس قبل التأنيب ،ومنهم من
أنس بعد التأنيب على اختالف إذ لو أنس
بعد التأنيب لتفطر لقربه من الحق وذلك أن هللا عز وجل أمره بقولهَ { :ف ْأ َذن لِ َمن ِش ْئ َت ِم ْن ُه ْم } [النور ]62 :ثم قال
ِ
نت َل ُه ْم} فلو قال لم أذنت لهم عفا هللا عنك لذاب وهذا غاية القرب ،وقال نك لِ َم أَذ َ
َّللاُ َع َ
{عَفا َّ
ؤنبا له على ذلكَ :
م ً
مؤنبا له وأنسه بعد التأنيب {ِإَّن ُه تعالى حاكيا عن نوح أنه قال { :ر ِب ِإ َّن ابِني ِم ْن أ ِ
َهلي َوإِ َّن َو ْع َد َ
ك اْل َح ُّق }[هودً .]45 : ْ ْ َ ً
ِ ِ ِ ِ ِ
ين} [هود.]46 : َهل َك} [هود ]46 :إلى قوله {أَن تَ ُكو َن م َن اْل َجاهل َ َل ْي َس م ْن أ ْ
َّللاُ
{عَفا َّ
قال ابن عطاء :عوتب كل نبى بذنبه ،ثم غفر له وغفر لمحمد صلى هللا عليه وسلم قبل موافقة الذنب فقالَ :
ِ
نك لِ َم أَذ َ
نت َل ُه ْم} إحالالً له. َع َ
قال جعفر :طالب عباده بالحق ولم يجعلهم لذلك أهالً ،ثم لم يعذرهم ،والمهم على ذلك ،أال تراه يقول :وقالوا ال تنفروا
فى الحر.
قال ابن الفرحى :إنما هو نعت واحد كالماء الواحد يسقى به ألوان الشجر فتختلف ثمارها ،لو سقى الورد بالبول ما
وجد منه إال ريح الورد ،ولو سقى الحنظل بماء الورد ،لما خرج إال الحنظل وريحه إنما يلى اللطيفة التى جرى بها
الخذالن والتوفيق.
قال جعفر :لو عرفوا هللا الستحيوا منه ،ولخرجوا له عن أنفسهم وأزواجهم وأموالهم ،بذالً ألمر واحد من أوامره.
قال الواسطى رحمة هللا عليه كيف يستأذن من هو مأذون له اإلذن التام ،إن قام قام بإذن وإن قعد قعد بإذن ،فجريان
الحركات منه تظهر سوابق المأذون له فيه.
َّللاِ َفْلَيتََوَّك ِل اْل ُم ْؤ ِمُنو َن ص َيبَنآ ِإالَّ َما َكتَ َب َّ
َّللاُ َلَنا ُه َو َم ْوالََنا َو َعَلى َّ ُقل َّلن ي ِ
ُ
قال بعضهم :العارف باهلل من سكن إلى ما يبدو له فى الوقت بعد الوقت من تصاريف القضاء ومجارى القدرة ،وال
يسخط لوارد من ذلك عليه.
قال بعضهم :التفويض هو االعتماد على هللا ،والعلم بأن ما سبق من قضائه ،قيل :ال بد أنه مصيبك فإن الخلق
ص َيبَنآ ِإالَّ َما َك َت َب َّ
َّللاُ َلَنا}. مجبورون ليس لهم اختيار ،قال هللا تعالى{َّ :لن ي ِ
ُ
قال محمد بن الفضل :من لم يعرف األمر ،قام إلى األمر على جد الكسل ،من عرف األمر قام إليه على جد
االستفتاح واالسترواح.
قال حمدون :القائمون باألوامر على ثالث مقامات ،واحد يقوم إليه على العادة وقيامه إليه قيام كسل ،وآخر يقوم إليه
قيام طلب ثواب ،وقيامه إليه قيام طمع ،وآخر يقوم إليه قيام مشاهدة ،فهو القائم باهلل ألمره ،ال قائم باألمر هلل.
َنف ُس ُه ْم َو ُه ْم َٰكِف ُرو َن َّللاُ لُِي َع ِذَب ُه ْم ِب َها ِفي اْل َح َٰيوِة ُّ
الد ْنَيا َوتَ ْزَه َق أ ُ َفالَ تُ ْع ِج ْب َك أ َْم َٰوُل ُه ْم َوالَ أ َْوَلـ ُٰد ُه ْم ِإَّن َما ُي ِر ُيد َّ
َّللاُ لُِي َع ِذَب ُه ْم ِب َها ِفي اْل َحَي ِاة ا ُّلد ْنَيا} [اآلية.]55 :
قوله تعالىَ { :فالَ تُ ْع ِج ْب َك أ َْم َواُل ُه ْم َوالَ أ َْوالَ ُد ُه ْم ِإَّن َما ُي ِر ُيد َّ
قال بعضهم :فال تعجبك ما يتزينون به من صنوف األموال والعبيد والخدم ويستكثرون به من األوالد ،إنما يريد هللا
ليعذبهم بها فى الحياة الدنيا ،يعذبهم لجمعها ويعذبهم لحفظها ويعذبهم بحبها ويعذبهم بالبخل بها والحزن عليها
والخصومة فيها ،كل هذا عذاب إلى أن يوردهم عذاب النار.
سمعت أبا عمرو بن حمدان يقول :سمعت الهيثم بن خلف يقول :سمعت محمد ابن على بن شقيق يقول :سمعت
إبراهيم بن األشعث يقول :سمعت الفضيل رحمة هللا عليه يقول :الراضى ال يتمنى فوق منزلته.
قال أبو جعفر :الرضا هو سكون السر مع مجارى المقدورات ،وقال :الرضا تلقى البالء بالقبول على حد الطرف
والفرح.
قال سهل ابن عبد هللا وقد سئل عن الفقر والمسكنة فقال :الفقر عز والمسكنة ذل.
قال بعضهم :الفقراء ثالثة :فقير ال يسأل وال يتعرض وإن أعطى لم يقبل فذاك كالروحانيين.
وفقير ال يسأل وال يتعرض وإن أعطى قبل مقدار حاجته فذاك ال حساب عليه.
قال إبراهيم الخواص :نعت الفقير السكون عند العدم ،واإليثار والبذل عند الوجود ،والمسكين من يرى عليه أثر العدم.
قال بعضهم :صدق الفقير أخذه بالصدقة ممن يعطيه ال ممن يصل إليه على يده والحق هو المعطى على الحقيقة،
أل نه جعلها لهم فمن قبله من الحق ،فهو الصادق فى فقره بعلو همته ،ومن قبله من الوسائط فهو من الترسم مع دناءة
همته.
قال أبو بكر الوراق :المنافق ستر المنافق يستر عليه عوراته ،والمؤمن مرآة المؤمن يبصر به عيوبه وبذله على سبيل
نجاته.
قال بعضهم :يقبضون أيديهم عن رفعها إلى موالها فى الدعوات والحوائج كما روى عن النبى صلى هللا عليه وسلم أنه
رأى فى الموقف ويده على صدره ،كاستطعام المسكين وهو ينشد.
قال سهل :نسوا نعم هللا عندهم فأنساهم هللا شكر النعم.
أيضا يتعاونون على العبادة ،ويتبادرون إليها ،كل واحد منهم يشد ظهر صاحبه ويعينه
قال أبو عثمان :المؤمنون ً
على سبيل نجاته ،أال ترى النبى صلى هللا عليه وسلم يقول " :المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه ً
بعضا
".
وقال النبى صلى هللا عليه وسلم " :المؤمنون كالجسد الواحد
".
ِ
{واْل ُم ْؤ ِمُنو َن َواْل ُم ْؤ ِمَنات} قال أبو بكر الوراق :المؤمن يوالى المؤمن ً
طبعا وسجية. وقال هللا تعالىَ :
قال سهل :النفس كافرة فجاهدها بسيف المخالفة ،وحملها حموالت الندم وسيرها فى مفاوز الخوف ،لعلك تردها إلى
طريق التوبة واإلنابة ،وال تصح التوبة إال لمتجبر فى أمره مبهوت فى شأنه ،والِ ِه القلب مما جرى عليه ،قال هللا جل
ض ِب َما َر ُحَب ْت} [التوبة.]118 :
ضا َق ْت َعَل ْي ِه ُم األ َْر ُ
{حتَّ ٰى ِإ َذا َ
وعزَ :
وقال :البخل يتولد منه أنواع األدواء فبخل تستعمله فى نفسك مع نفسك وبخل تستعمله مع بنى جنسك.
".
َعَقَب ُه ْم ِنَفاقاً ِفي ُقُلوب ِِه ْم ِإَل ٰى َي ْو ِم َيْلَق ْوَن ُه} [اآلية.]77 :
قوله تعالىَ { :فأ ْ
وهو ميراث البخل وهو الكذب والخلف والخيانة ،لذلك قال النبى صلى هللا عليه وسلم " :عالمة المنافق ثالثة :إذا
حدث كذب ،وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان
".
ُسئل أبو حفص :ما البخل؟ قال :نزل اإليثار عند الحاجة إليه.
اه ْم} [اآلية.]78 : ِ قوله تعالى{ :أََل ْم َي ْعَل ُموْا أ َّ
َّللاَ َي ْعَل ُم سَّرُه ْم َوَن ْج َو ُ
َن َّ
قال :السر ما ال يطلع عليه إال عالم األسرار والنجوى ما يطلع عليه الحفظة.
ات َوأ ُْوَلـِٰئ َك ُهم اْل ُمْفلِ ُحو َن ِ ِ َّ ِ َلـ ِٰك ِن َّ
ُ اه ُدوْا ِبأ َْم َوالِ ِه ْم َوأ َْنُفس ِه ْم َوأ ُْوَلـٰئ َك َل ُه ُم اْل َخ ْي َر ُ
آمُنوْا َم َع ُه َج َ
ين َ
ول َوالذ َ
الرُس ُ
قال بعضهم :اجتهد الرسول صلى هللا عليه وسلم فى أداء الرسالة ،أبلغ الغاية وجاهد المسلمون بأنفسهم فى قبول ما
جاء به من الشرع ،ما كان منه حظ النفس بالنفس وما كان منه حظ المال بالمال.
ين الَ َي ِج ُدو َن َما ُي ِنفُقو َن َح َرٌج} [اآلية.]91 : َّ ِ قوله تعالى{َّ :ليس عَلى ُّ ِ
ض ٰى َوالَ َعَلى الذ َ
الض َعَفآء َوالَ َعَل ٰى اْل َم ْر َ َْ َ
{والَ َعَلى
عظيما قال هللا تعالىَ :
ً قال أبو طاهر :لو لم يكن فى الفقر والقلة إال إسقاط الحرج عن صاحبه ،لكان ذلك
ين الَ َي ِج ُدو َن َما ُي ِنفُقو َن َح َرٌج} وقيل :ليس على من ُسلب القيام بالخدمة بظاهر الجوارح من جرح فى تقصير يقع له َّ ِ
الذ َ
فى نافله ،إذا أصبحت له الفرائض وسكن قلبه وصلحت سريرته.
مستجيبا بحال.
ً وقال فى موضع آخر :المحسن من يرى إحسان هللا إليه ،وال يرى من نفسه
وقال حمدون القصار :المحسن المطالب نفسه بعد حقوق هللا بحقوق المسلمين عليه ،والتارك حقه لهم ،بل من ال يرى
لنفسه على أحد حًقا.
قال النصر آباذى :تحملهم على االقبال علينا والثقة بنا والرجوع إلينا.
قيل :من يرى الملك لنفسه كان ما ينفقه غرامة عنده ،ومن يرى األشياء عارية هلل فى يده ،يرى أن ما ينفقه ً
غنما ال
غرما.
ً
قال ابن عطاء :السابق من سبق له فى األزل من الحق حسن عناية ،فتظهر عليه فى وقت إيجاده أنوار تلك السابقة
فإنه ما وصل إليه أحد إال بعد أن سبق له منه فى األزل لطف وعناية.
سمعت عبد هللا الرازى يقول :سمعت أبا عثمان يقول :هم الذين سبقوا إلى هللا بقلوبهم وحسن قصدهم إليه بطاعتهم
له ،فأفردوا هممهم بذكر هللا .وهللا وفقهم لذلك حتى صارت قلوبهم فارغة من ذكر كل شىء إال من ذكره.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :السباق السباق قوالً وفعالً حذر النفس حسرة المسبوق.
قال جعفر رضى هللا عنه :ما كان سبق لهم من هللا من عناية وتوفيق ،ورضوا عنه بما َّ
من عليهم بمتابعتهم لرسوله
صلى هللا عليه وسلم وقبول ما جاء به ،وإنفاقهم األموال وبذل المهج.
وقال الجنيد رحمة هللا عليه :الرضا سرور القلب بمر القضاء ،وقال :الرضا باب هللا األعظم.
وقال ابن يزدانيار :رضاء الخلق عن هللا بما يتجدد لديهم من ظهور قدرته ،ورضاه عنهم أن يوفقهم للرضا عنه.
وقال النصرآباذى :ما رضوا عنه حتى رضى عنهم ،فبفضل رضاه عنهم رضوا عنه.
قال بعضهم :صفة النادمين والمعرضين عن الذنوب والناوين للتوبة ،وهو االعتراف بما سبق منهم ،وكثرة الندم على
ذلك واالستغفار منه ونسيان الطاعات وذكر المعاصى على الدوام واالبتهال إلى هللا بصحة االفتقار ،لعل هللا يفتح له
باب التوبة ويجعله من أهلها.
يمِ ط ِهرهم وتَُزِكي ِهم ِبها وص ِل عَلي ِهم ِإ َّن ص َٰلوتَك س َكن َّلهم و َّ ِ ِِ ِ
يع َعل ٌ
َّللاُ َسم ٌ َ ٌ ُْ َ َ ْ َ َ َ َْ ْ ص َد َق ًة تُ َ ُ ُ ْ َ
ُخ ْذ م ْن أ َْم َواله ْم َ
قال بعضهم :خذ منهم الصدقة فإن أخذك يطهرهم إلعطاء الزكاة ،وتطهرهم عن دنس األكوان ،وصلواتك تسكنهم إلى
اآلخرة وتقطعهم عن الدنيا.
ص ِل َعَل ْي ِه ْم} :أى :ادعُ لهم فإن دعاءك لهم سكون إلى اآلخرة وانقطاع عن الدنيا.
{و َ
وقيل فى قوله عز وجلَ :
الصد َق ِ ِ ِِ
ات} [اآلية.]104 : َّللاَ ُه َو َيْقَب ُل التَّ ْوَب َة َع ْن عَباده َوَيأ ُ
ْخ ُذ َّ َ قوله تعالى{ :أََل ْم َي ْعَل ُموْا أ َّ
َن َّ
قال النصرآباذى :فرق بين األخذ والقبول ،ألنه قد يقبل وال يأخذ ،وال يأخذ إال عن قبول فاألخذ أثم وأدم.
أيضا :أخذ الصدقة أحل من قبول التوبة ،لذلك يقع فيه التربية.
وقال ً
قال النبى صلى هللا عليه وسلم" :إن هللا يأخذها فيربيها كما يربى أحدكم فلوه أو فصيله
".
قال أبو حفص وأبو عثمان :اعمل وأصلح العمل وأخلص النية فإن هللا عز وجل يرى سرك وضميرك ،والرسول يراه
رؤية مشاهدة ،والمؤمنون يرونه رؤية فراسة وتوسم.
ٍ ِ ِِ ِ ِ
ين } [الحجر.]75 : قال هللا تعالىِ { :إ َّن في َذل َك َ
آليات لْل ُمتََوسم َ
َّللاُ ُي ِح ُّب ال ُي ِحبُّو َن أَن َيتَ َ يه أَبداً َّلمس ِجد أ ُِسس عَلى التَّْقو ٰى ِمن أََّو ِل يو ٍم أَح ُّق أَن تُق ِ ِ ِ ِ
ِِ
ط َّه ُروْا َو َّ وم فيه فيه ِرَج ٌ
َ َ َْ َ ْ َ الَ تَُق ْم ف َ َ ْ ٌ َ َ
َّ
اْل ُمط ِه ِر َ
ين
قوله تعالى{َّ :لمس ِجد أ ُِسس عَلى التَّْقو ٰى ِمن أََّو ِل يو ٍم أَح ُّق أَن تُقوم ِف ِ
يه} [اآلية.]108 : َ َ َْ َ ْ َ َْ ٌ َ َ
قال أبو بكر الوراق :من صحح إرادته بدا ولم يعارضه شك أو ريبة ،فإن أحواله تجرى على االستقامة ،فتصحيح
اإلرادة هو الخلع عن مراده أجمع ،والرجوع إلى مراد هللا فيه ،قال هللا عز وجل{َّ :ل َم ْس ِجٌد أ ُِس َس َعَلى التَّْقَو ٰى ِم ْن أََّو ِل
يو ٍم أَح ُّق أَن تُقوم ِف ِ
يه}. َ َ َْ َ
وقال عبد هللا بن مبارك :المقام فى عرضات الشر وأماكنه من أوائل الخذالن ،وقد أمر هللا بالفرار منها.
قال أبو عثمان :أرض الفتنة ال ينبت فيها إال الفتنة ،وأرض الرحمة يصيب اإلنسان رحمتها ولو بعد حين.
قال سهل :الطهارة على ثالثة أوجه :طهارة العلم من الجهل وطهارة الذكر من النسيان وطهارة الطاعة من المعصية.
وعلنا.
سر ً قال سهل :هذه الطهارة التى ذكر هللا هى الطاعة هلل عز وجل وإدامة الذكر له ًا
قال أبو تراب النخشى :من كان ابتداء إرادته على الصحة والسالمة من هواجس نفسه بلغ إلى الرضوان األكبر والمقام
ض َو ٍ َسس بنيانه عَلى تْقو ٰى ِمن َّ ِ
ان}. َّللا َوِر ْ َ األرفع ،قال هللا{ :أََف َم ْن أ َّ َ ُ ْ َ َ ُ َ ٰ َ َ
قال الواسطى رحمة هللا عليه :على تقوى من هللا ال من نفسه يكون هللا أصل ذلك التقوى.
َّللاِ َفَيْقُتُلو َن َوُيْقَتُلو َن َو ْعداً َعَل ْي ِه َحقاً ِفي َن َلهم اْلجَّن َة يَق ِاتُلو َن ِفي سِب ِ
يل َّ َ ِبأ َّ ُ ُ َ ُ َنف َس ُه ْم َوأ َْم َواَل ُه ْم ِ ِ
اشتَ َر ٰى م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين أ ُ ِإ َّن َّ
َّللاَ ْ
يم ِ ِِ ِ َّللاِ َف ِ ِ ِ َّ ِ آن َو َم ْن أ َْوَف ٰى ِب َع ْه ِدِه ِم َن يل َواْلُق ْر ِ التَّوَرِاة و ِ
اإل ْن ِج ِ
استَْبش ُروْا بَب ْيع ُك ُم الذي َب َاي ْعتُ ْم به َوَذل َك ُه َو اْلَف ْوُز اْل َعظ ُ
َّ ْ ْ َ
ِ ِ قوله تعالىِ{ :إ َّن َّ
َنف َس ُه ْم َوأ َْم َواَل ُه ْم} [اآلية.]111 : اشتَ َر ٰى م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين أ ُ َّللاَ ْ
اشتََر ٰى ِم َن سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم البزار يقول :سمعت ابن عطاء يقول :فى قوله {ِإ َّن َّ
َّللاَ ْ
ِ
َنف َس ُه ْم َوأ َْم َواَل ُه ْم} قال :نفسك موضع كل شهوة وبلية ومالك محل كل أثم ومعصية ،فأراد أن يزيل ملكك عما اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين أ ُ
يضرك ،ويعوضك عليه ما ينفعك عاجالً وآجالً.
قال سهل :ال نفس للمؤمن إنها دخلت فى البيع من هللا ،فمن لم يبع من هللا حياته الفانية كيف يعيش مع هللا ويحيا
ِ ِ حياة طيبة قال هللا عز وجلِ{ :إ َّن َّ
َنف َس ُه ْم َوأ َْم َواَل ُه ْم}. اشتَ َر ٰى م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين أ ُ َّللاَ ْ
وقال بعضهم :من سمع الخطاب فانتبه له ،كان كأبى بكر رضى هللا عنه لما قيل له :ماذا أبقيت لنفسك؟ قال" :هللا
باقيا .فأبقى ببقائهما دون األعراض التى هى عوارى.
ورسوله" أى أبقيت لنفسى من ال يفنى وال يزال ً
قال الحسين :نفوس المؤمنين نفوس أبية استرقها الحق فال يملكها سواه.
قال ابن عطاء :مكر بهم وهم ال يشعرون ،لكن الكالم فيه من جهة المعاملة مليح اشترى منهم األجساد لمواضع وقوع
المحبة من قلوبهم ،فاجتباهم بالوصلة.
قال النصرآباذى :اشترى منك ما هو صفتك ،والقلب تحت صفته فلم تقع عليه المبايعة.
قال النبى صلى هللا عليه وسلم " :قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن " قال :مباينه منك فى االبتداء
طَن ْعتُ َك
اص َ أوجبت المشاراة ،ومن لم يباين الحق لم يقع عليه اسم الشراء أال ترى أن هللا الكريم خاطب الكليم بقولهَ :
{و ْ
لَِنْف ِسي} [طه ]41 :فال شراء وال بيع وال مباينة بحال.
قال أبو عثمان :اشترى من المؤمنين أنفسهم ،كى ال يخاصموا عنها ،فإنها ليست لهم ،واإلنسان ال يخاصم عما ليس
له.
قال أبو بكر الوراق :اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم وال شىء يتقرب به العبد إلى هللا فى أداء األوامر والفرائض،
إال النفس والمال فاشترى منهم النفس والمال لئال ينظروا إلى ما يبدو منهم من أنواع القرب ،ألنهم باعوا قبل فال
يعجبوا بشىء من أفعالهم ،وال يفتخروا بشىء من طاعاتهم ،ألن مواضعها النفس والمال ،وليس لهم عليها ملك ،ومن
ال يملك األصل كيف يفتخر بالفرع.
َّللاِ}.
{و َم ْن أ َْوَف ٰى ِب َع ْه ِدِه ِم َن َّ
قوله تعالىَ :
وكرما بالرؤية
ً قال النصرآباذى :البشرى فى هذا البيع أنه يوفى بما وعد ،بأن لهم الجنة ويزيد لمن يشاء ،فضالً منه
عظيما ،فكيف المبايعة والمشاراة.
ً والمشاهدة ولو لم يكن فيه إال مساواة المساومة لكان
الس ِائ ُحو َن} [اآلية.]112 : قوله تعالى{ :التَّ ِائبو َن اْلعاِبدو َن اْلح ِ
ام ُدو َن َّ َ َ ُ ُ
قال سهل :ليس فى الدنيا شىء من الحقوق أوجب على الخلق من التوبة ،وال عقوبة أشد عليهم من فقد علم التوبة.
قال ابن عطاء :ال تصح العبادة إال بالتوبة له إال بالمداومة والسياحة والرياضة وال هذه المقامات وهذه المقدمات إال
بمداومة الركوع والسجود ،وال يصح هذا كله إال باألمر بالمعروف والنهى عن المنكر ،وال يصح شىء مما تقدم إال
ِ ظاهر وباطنا ،والمؤمن من تكون هذه صفته ،ألن هللا يقولِ :
{وَبش ِر اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين} الذين هم بهذه الصفة. َ ً ًا بحفظ الحدود
وقيل فى قوله{ :التَّ ِائُبو َن} الراجعون إلى هللا بالكلية عن جميع ما لهم من صفاتهم وأحوالهم.
{اْلح ِ
ام ُدو َن} العارفون نعم هللا عليهم في كل خطوة وطرفة عين. َ
َّ ِ
{السائ ُحو َن} الذين حبسوا أنفسهم عن مرادها ً
طلبا لرضاه.
{الر ِ
اك ُعو َن} الخاضعون له على الدوام الساجدون الطالبون قربه. َّ
{اآلمرو َن ِباْلمعر ِ
وف} اآلمرون بسنة النبى صلى هللا عليه وسلم. ِ
َ ُْ ُ
قال أبو يزيد رحمة هللا عليه :السياحة راحة من ساح راح.
َّللاِ} قال :هم الذين أصغوا إلى هللا بآذان أفهامهم الواعية وقلوبهم قال أبو سعيد الخراز في قوله{ :اْل َح ِاف ُ
ظو َن لِ ُح ُدوِد َّ
الطاهرة ،ولم يتخلفوا عن بداية بحال.
قال بعضهم :الناس أربعة :تائب وعابد ومحب وعارف ،فالتائب يعمل للنجاة ،والعابد يعمل للدرجات ،والمحب يعمل
للقربات ،والعارف يعمل لرضا ربه من غير حظ لنفسه فيه.
يمٍ ِ اهم حتَّ ٰى يبِي َن َلهم َّما يتَُّقو َن ِإ َّن َّ ِ ِ ِ وما َكان َّ ِ ِ
َّللاَ ب ُكل َش ْيء َعل ٌ َ َّللاُ لُيض َّل َق ْوماً َب ْع َد إ ْذ َه َد ُ ْ َ ُ َ ُ ََ َ
قوله تعالى{ :وما َكان َّ ِ ِ
َّللاُ لُيض َّل َق ْوماً َب ْع َد ِإ ْذ َه َد ُ
اه ْم} [اآلية.]115 : ََ َ
َّللاُ
ان َّ قال بعضهم :من جرى له فى األزل من السعادة والعناية نصيب ،فإن الجنايات ال تؤثر عليه ،قال هللاَ :
{و َما َك َ
ِ ِ
{ب ْع َد ِإ ْذ َه َد ُ
اه ْم} فى األزل. لُيض َّل َق ْوماً} فى األبد َ
قال ابن عطاء :له ملك السماوات واألرض فمن طلب الملك من غير مالك الملك فقد أخطأ الطريق.
اغما.
قال النصرآباذى :من اشتغل بالملك فإنه الملك ،ومن طلب مالك الملك أتاه الملك ر ً
َّ
تشغلنك ما له عنه. قال جعفر :األكوان كلها له فال
يق ِم ْن ُه ْم ثُ َّم ِ ِ النِب ِي واْلمها ِج ِرين واألَنص ِار َّال ِذين اتَّبعوه ِفي س ِ
وب َف ِر ٍ اعة اْل ُع ْس َرِة من َب ْعد َما َك َاد َي ِز ُ
يغ ُقلُ ُ َ َ َ َُ ُ َ َ َ اب هللاُ َعَل ٰى َّ َ ُ َ َلَق ْد تَ َ
ِ
يم اب َعَل ْي ِه ْم ِإَّن ُه ِب ِه ْم َرُء ٌ
وف َّرح ٌ تَ َ
قال بعضهم :توبة األنبياء لمشاهدة الحق فى وقت اإلبالغ ،ال يغيبون عن الحضرة ،بل ال يحضرون مواضع الغيبة،
أبدا.
ألنهم فى عين الجمع ً
ِ
اب َعَل ْي ِه ْم لَيتُ ُ
وبوْا}. قوله تعالى{ :ثُ َّم تَ َ
ِ
اب َعَل ْي ِه ْم لَيتُ ُ
وبوْا}. قال الواسطى رحمة هللا عليه :التوب ُة المقبول ُة مقبول ٌة قبل الخطيئة وقبل قصد التوبة ،قال هللا {ثُ َّم تَ َ
قال النصرآباذى :متى تاب عليهم حين ال متى قبل التوبة عنهم بإياه إلياه ،حين لم يكن آدم ،وال كون أزال عنهم بذلك
أبدا .شعر: ٍ
كل علة ً
ُسئل أبو حفص عن التوبة فقال :ليس للعبد من التوبة شىء ،ألن التوبة إليه ال منه.
قال أبو عثمان :من رجع إلى هللا وإلى سبيله ،فلتكن صفة هذه اآلية تضيق عليه األرض ،حتى ال يجد لقدمه فيها
موضع قرار إال وهو خائف ،إن هللا ينتقم منه فيه وتضيق عليه أحوال نفسه فينتظر الهالك مع كل نفس هذه أوائل
دالئل التوبة النصوح ،وال يكون له ملجأ وال معاد وال رجوع إال إلى ربه ،بانقطاع قلبه عن كل سبب قال هللا تعالى:
ِ ِ َّ ِ
ض ِب َما َر ُحَب ْت}.
ضا َق ْت َعَل ْي ِه ُم األ َْر ُ {و َعَلى الثَّالَثَة الذ َ
ين ُخلُفوْا َحتَّ ٰى ِإ َذا َ َ
حبيبا وال خليالً بل قلوبهم منقطعة عن الخلق أجمع وعن األكوان كلها ،لذلك قيل :المعارف
قال بعضهم :لم يعتمدوا ً
ال.
كليما وأنت تجد إلى مالحظة الحق سبي ً
حبيبا وال خليالً وال ً
أن ال تالحظ ً
قال الجنيد رحمة هللا عليه :ما نجا من نجا إال بصدق اللجأ.
ِ
اب َعَل ْي ِه ْم لَيتُ ُ
وبوْا}. قوله تعالى{ :ثُ َّم تَ َ
قال أحمد بن خضرويه ألبي يزيد رحمة هللا عليه :بماذا أصل التوبة النصوح قال :باهلل وبتوفيقه ،ثم تاب عليهم
ليتوبوا.
قال بعضهم :عطف عليهم ببوادى عطفه ونعمه وفضله فألفوا إحسانه ورجعوا إليه فكان هو الذى أخذهم إلى نفسه ،ال
هم بأنفسهم رجعوا إليه.
وباطنا.
ً وظاهر
ًا وعلنا
سر ً قال بعضهم :مع من ترضى حاله ًا
ين} قال :هم الذين لم يخالفوا الميثاق األول ،فإنها صدق كلمة. ونوْا مع َّ ِ ِ
الصادق َ {ك ُ َ َ قال بعضهمُ :
وقال أبو سليمان :الصحبة على الصدق والصفاء تنفى كل علة عن المصطحبين ،إذا قاما وثبتا على منهاج الصدق
ين}. ونوْا مع َّ ِ ِ ألن هللا يقول{ :اتَُّقوْا َّ
الصادق َ َّللاَ َوُك ُ َ َ
ان اْل ُم ْؤ ِمُنو َن لَِي ِنف ُروْا َك َّآف ًة} [اآلية.]122 :
{و َما َك َ
قوله تعالىَ :
قال سهل :أفضل الرحل رحلة من الهوى إلى العقل ،ومن الجهل إلى العلم ،ومن الدنيا إلى اآلخرة ،ومن االستطاعة
إلى التبرى ،ومن الحول والقوة والنفس إلى التقوى ومن األرض إلى السماء ،ومن الخلق إلى هللا عز وجل.
وقال المرتعش :السياحة واألسفار على ضربين :سياحة لتعليم أحكام الدين وأساس الشريعة وسياحة آلداب العبودية
ورياضة األنفس ،فمن رجع عن سياحة األحكام قام بلسانه يدعو الخلق إلى ربه ،ومن رجع من سياحة األدب
والرياضة ،قام فى الخلق يؤدبهم بأخالقه وشمائله وسياحة هى سياحة الحق وهى رؤية أهل الحق والتأدب بآدابهم،
فهذا بركاته تعم العباد والبالد ،قال عز وجلَ{ :فَل ْوالَ َنَف َر ِمن ُك ِل ِف ْرَق ٍة ِم ْن ُه ْم َ
ط ِآئَف ٌة} اآلية.
يك ْم ِغْل َ
ظ ًة} [اآلية.]123 : ون ُك ْم ِم َن اْل ُكَّف ِار َوْلَي ِج ُدوْا ِف ُ ِ َّ ِ
ين َيُل َ
قوله تعالىَ { :قاتُلوْا الذ َ
قال سهل :النفس كافرة فقاتلها بالمخالفة لهواها ،واحملها على طاعة هللا والمجاهدة فى سبيله وأكل الحالل وقول
الصدق وما قد أمرت به من مخالفة الطبيعة.
يماناً َو ُه ْم َي ْستَْب ِش ُرو َن ِ ُّكم زاد ْته هـ ِٰذِه ِإيماناً َفأ َّ َّ ِ ِ َوإِ َذا َمآ أ ِ
آمُنوْا َف َزَاد ْت ُه ْم إ َ
ين َ
َما الذ َ َ ول أَي ُ ْ َ َ ُ َ
ورةٌ َفم ْن ُه ْم َّمن َيُق ُ
ُنزَل ْت ُس َ
قوله تعالى{ :أ ََوالَ َي َرْو َن أََّن ُه ْم ُيْفتَُنو َن ِفي ُك ِل َعا ٍم َّمَّرًة أ َْو َمَّرتَْي ِن} [اآلية.]126 :
أخبرنا على بن الحسن البلخى قال :حدثنا عبد هللا بن عجالن الزنجانى قال :حدثنا أبو عثمان أحمد بن غالب قال:
حدثنا أبو عاصم عن بهز بن حكيم عن الحسن عن أنس قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " :لقد جاءكم
وحسبا ونسبا ِ
ً نفسا ً
رسول من أنفسكم قال :على بن أبى طالب عليه السالم :ما معنى من أنفسكم قال :من أ َْنَفس ُكم ً
وصهرا ،ليس فى آبائك من لدن آدم سفاح كلنا نكاح
ً
".
خطر حين قال عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :من أنفسكم .قال الحسين :من أجاللكم
قال الخراز :أثبت لنفسك ًا
عوضا عن الحق ،وما طغى قلبه عن موافقته.
ً نفسا وأعالكم همة ،جاء بالكونين
ً
قال بعضهم قوله عزيز عليه قال :يشق عليه ركوبكم مراكب الخالف.
ِ
يص َعَل ْي ُك ْم ِباْل ُم ْؤ ِمن َ
ين} اآلية. {ح ِر ٌ
قوله تعالىَ :
قال ابن عباس :حريص على هدايتكم ،لو كانت الهداية إليه مشفق على من اتبعه أن تأتيه نزغة من نزغات الشيطان
الرجيم عليه ،يستجلب برحمته له رحمة هللا إياه.
قال جعفر الصادق عليه السالم :علم هللا عجز خلقه عن طاعته فعرفهم ذلك ،لكى يعلموا أنهم ال ينالون الصفو من
َنف ِس ُك ْم َع ِز ٌيز َعَل ْي ِه} اآلية.
ول ِم ْن أ ُ
آء ُك ْم َرُس ٌ
خدمته وأقام بينه وبينهم مخلوًقا من جنسهم فى الصورة ،فقال {َلَق ْد َج َ
سفير صادًقا ،وجعل طاعته طاعته وموافقته موافقته فقالَّ { :م ْن
جه إلى الخلق ًا
ألبسه من نعته الرأفة والرحمة وأخر ُ و ُ
َّللاَ } [النساء.]80 : ول َفَق ْد أَ َ
طاعَ َّ ُي ِط ِع َّ
الرُس َ
قال النصرآباذى :ألزم هللا الذم األغنياء ،ألنهم اعتمدوا على أمالكهم وأموالهم واستغنوا بها ،ولو اعتمدوا على هللا
واستغنوا به؛ لما ألزموا الخدمة.
آء} أى مظهرين االستغناء عن الخروج مع الرسول صلى هللا عليه وسلم والقتال معه. وقيل فى قوله{ :أ ْ ِ
َغنَي ُ
ين اْلَقِي ُم َفالَ ِٰ ِ الس ٰم ٰو ِت واألَر ِ اب َّ ِ َّللاِ ا ْثَنا َع َشر َش ْه اًر ِفي ِكتَ ِ ور ِع َند َّ الش ُه ِ ِإ َّن ِعَّدةَ ُّ
ض م ْن َهآ أ َْرَب َع ٌة ُح ُرٌم ذل َك الد ُ َّللا َي ْوَم َخَل َق َّ َ َ َ ْ َ َ
َّللاَ َم َع اْل ُمتَِّقي َن ِ ِ تَ ْ ِ ِ
ون ُك ْم َك َّآف ًة َو ْ
اعَل ُموْا أ َّ
َن َّ ين َك َّآف ًة َك َما ُيَقاتُل َ
ظل ُموْا في ِه َّن أ َْنُف َس ُك ْم َوَقاتُلوْا اْل ُم ْش ِرِك َ
قال بعضهم :ظلم نفسه من أطلق عنانها فى طرق األمانى من اتباع الشهوات وارتكاب السيئات والتخطى إلى
المحارم.
قيل :الراء أنا هللا أرى وقال أبو الحسين :فى القرآن علم بكل شىء ،وعلم القرآن فى األحرف التى فى أوائل السور.
اب اْل َح ِكيمِ} أى فيه وآيات الكتاب المحكم عليك بالفرائض والسنن واآلداب واألخالق
ات اْل ِكتَ ِ ِ
وقيل فى قوله{ :تْل َك َآي ُ
واألحوال.
الناس} مما يذهل عقول الصالحين والمنتبهين فقال على أثره ِ َّ ِ علم هللا أن قوله {أ ِ
آمُنوْا أ َّ
َن َل ُه ْم َق َد َم {وَبش ِر الذ َ
ين َ َ َن أَنذ ِر َّ َ
ْ
ص ْد ٍق ِع َند َربِ ِه ْم}.
ِ
قال سهل :سابقة رحمته أودعها فى محمد صلى هللا عليه وسلم.
قال أبو سعيد الخراز :تفرق الطالبون عند قوله :من طلبنى وجدنى على سبل شتى :أولهم أهل اإلشارات طلبوه على
ما سبق من قوة اإلشارة وهم أهل قدم صدق عند ربهم فبالقدم أشار إليهم ،فهل أهل الطوالع واإلشارات حظهم منه
ذلك.
ٍ
صدق هو إمام الصادقين والصديقين ص ْد ٍق ِع َند َربِ ِه ْم} قال :قدم
َن َلهم َقدم ِ
قال محمد بن على الترمذى فى قوله {أ َّ ُ ْ َ َ
وهو الشفيع المطاع والسائل المجاب محمد صلى هللا عليه وسلم.
وقال أبو عثمان فى رسالته إلى شاه :قد دبر هللا لك يا أخى كل تدبير ،وأسقط قدم صدق السنة والمتابعة سوء
صل اآلي ِ
ِ
ات} [الرعد.]2 : {ي َدِب ُر األ َْم َر ُيَف ُ َ
تدبيرك ،وارض بتدبير هللا لك كى تنجو من هواجس النفس ،ألن هللا يقولُ :
وقيل لسهل بن عبد هللا حين حضرته الوفاة :فبماذا ُتَلقن وأين تُقبر ومن ي ِ
صلى عليك .قال :أدبر أمرى ً
حيا وميتًا .وقد َُ
كفنت بسابق تدبير هللا لى.
َّللاِ حقاً ِإَّنه يبدؤْا اْلخْلق ثُ َّم ي ِعيده لِيجزِي َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا ال َّ ِ ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ ِ
صال َحات ِباْلق ْسط َوالذ َ
ين َكَف ُروْا َ َُ َ َ ُ َْ َ ُ َ َ ُ ُ ُ َ ْ َ ِإَل ْيه َم ْرج ُع ُك ْم َجميعاً َو ْع َد َّ َ
يم ِب َما َك ُانوْا َي ْكُف ُرو َنَلهم َشراب ِم ْن ح ِمي ٍم وع َذ ِ
اب أَل ٌ
َ ََ ٌ ُْ َ ٌ
قال الجنيد رحمة هللا عليه :فى هذه األمة منه االبتداء وإليه االنتهاء ،وما بين ذلك مراتع فضله وتواتر نعمه ،فمن
سبقت له فى االبتداء سعادة أظهرت عليه فى مراتعه وتقلبه فى نعمته بإظهار لسان الشكر وحال الرضا ومشاهدة
قال هللا {ِإَل ْي ِه َم ْرِج ُع ُك ْم َج ِميعاً} والراجع بالحقيقة إليه هو الراجع مما سواه إليه ،فيكون متحقًقا فى الرجوع إليه.
َّللاُ ٰذلِ َك ِإالَّ ِباْل َح ِق ِ ِِ ِ ِ َّ َّ ِ
اب َما َخَل َق َّ آء َواْلَق َم َر ُنو اًر َوَقَّد َرهُ َمَن ِازَل لتَ ْعَل ُموْا َع َد َد السن َ
ين َواْلح َس َ ُه َو الذي َج َع َل الش ْم َس ضَي ً
صل اآلي ِ
ات لَِق ْو ٍم َي ْعَل ُمو َن ِ
ُيَف ُ َ
قال بعضهم :الشموس مختلفة فشمس المعرفة يظهر ضياؤها على الجوارح فيزينها بآداب الخدمة وأقمار األنس تقدس
األسرار بنور الوحدانية والفردانية فيدخلها فى مقامات التوحيد والتفريد.
طلبا لطاعات العباد وقمر التوحيد نور فى أسرارهم فهم يتقلبون فى ضياء
قال بعضهم :جعل هللا شمس التوفيق ً
التوفيق ونور التوحيد إلى المنازل الصديقية.
ين ُه ْم َع ْن َآي ِاتَنا َغ ِافُلو َن َّ ِ ضوْا ِباْل َحيٰوِة ُّ نِ َّ ِ
ط َمأَُّنوْا ِب َها َوالذ َ
الد ْنَيا َوا ْ آءَنا َوَر ُ ِإ َّن الذ َ
ين الَ َي ْر ُجو َ لَق َ
نِ َّ ِ
آءَنا} [اآلية.]7 : قوله تعالىِ{ :إ َّن الذ َ
ين الَ َي ْر ُجو َ لَق َ
قال الشبلى :لو ألهموا حمد الحق فى أوائل األنفاس لسقطت عنهم الدعاوى ،ولكنهم لم يزالوا يركضون فى ميادين
الجهل إلى أن فتح لهم طريق الحمد وأسقط عنهم الدعاوى ،فرجعوا إلى رؤية المنة فكان آخر دعواهم أن قالوا :الحمد
هلل رب العالمين.
ففوضوا الكل إليه ورجعوا بالكلية إليه ،فأنطقهم بما أنطقهم به من النطق المحمود.
قال أبو حفص :الدعاء باب هللا األعظم وهو سالح المؤمن عند النوائب.
وقال :الدعاء الذى فيه اإلجابة هو أن ال ترى حيلة بعقل وال بعلم.
وقال أبو حفص :يرجع العبد إلى ربه بالحقيقة عند الفاقات ونزول المصائب والمحن ،ولو رجع إليه فى أيام الرفاهية
ألكرم فى وقت نزول المصائب بالرضاء ،ولكنه لما لم يكن له فى أوقات الرفاهية رجوع إليه َّ
رده فى حال المصائب
أيضا مقام جليل ،فتح باب الدعاء على العبد عند نزول البالء ،والمحروم من
والضروريات إلى الدعاء واللجأ وهذا ً
يرجع فيما يترك به من المصائب والضروريات إلى العبيد ،ويقطع قلبه عن ربه ،فمصيبته فى إعراضه عن ربه أكثر
من مصيبته بنزول البالء عليه.
ودعاء أهل الحقائق فيما بلغنى عن بعضهم أنه كان يقول :يا من حجبنى بالدعاء احجبنى عن موضع رؤية الدعاء.
وسمعت جدى يقول :الدعاء على العبادة خيانة ،وعلى حد اليقين نجاة وعبادة ،كما روى عن النبى صلى هللا عليه
وسلم أنه قال " :الدعاء هو العبادة " ولكن للدعاء أوقات وآداب وشروط :فمن يطالب نفسه بأوقات الدعاء وأدبه
محروما فيه ،وآداب الدعاء وشرائطه ما روى عن النبى صلى هللا عليه وسلم أنه قال " :ادعوا هللا وأنتم
ً وشروطه كان
موقنون باإلجابة " واعلموا أن هللا ال يستجيب الدعاء من قلب غافل ٍ
اله.
ِٰ ِ ِ َهَل ْكَنا اْلُق ُرو َن ِمن َقْبلِ ُك ْم َل َّما َ
آء ْت ُه ْم ُرُسُل ُهم ِباْلَبِيَنات َو َما َك ُانوْا لُي ْؤ ِمُنوْا َكذل َك َن ْجزِي اْلَق ْوَم اْل ُم ْج ِرِم َ
ين ظَل ُموْا َو َج َ َوَلَق ْد أ ْ
وقال أبو بكر الوراق :الظلم هو اتباع الهوى وركوب الشهوات والركض فى ميادين اللهو واللعب وهذه تؤدى إلى
الهالك.
ض ِمن َب ْع ِد ِهم}.
ف ِفي األ َْر ِ ِ
اك ْم َخالَئ َ
قال هللا{ :ثُ َّم َج َعْلَن ُ
َّللاِ}.
س أَن تُ ْؤ ِم َن ِإالَّ ِبِإ ْذ ِن َّ
ان لَِنْف ٍ
{و َما َك َ
قوله تعالىَ :
قال :إذا صح اإليمان ال يصح إال أن يأذن هللا له بذلك فى أزله ،وجريه القضاء السابق له باإليمان فيما يبدو عليه
فى الوقت ،وهو الذى سبق به القضاء فى األزل.
ف ِ
يح َعاص ٌ آء ْت َها ِر ٌ ُهو َّال ِذي ُيسِي ُرُكم ِفي اْلَب ِر واْلَب ْح ِر َحتَّ ٰى ِإ َذا ُكنتُم ِفي اْلُفْل ِك و َج َرْي َن ِب ِهم ِب ِري ٍح َ ِ ٍ ِ ِ
طيَبة َوَفرُحوْا ب َها َج َ َ ْ َ َ ْ َ
ون َّن ِم َن ِ ِِ الد ِ ِ ِِ ط ِب ِه ْم َد َع ُوْا َّ ظُّنوْا أََّنهم أ ِ َو َجآء ُهم اْل َم ْو ُج ِمن ُك ِل َم َك ٍ
ين َلئ ْن أَْن َج ْيتََنا م ْن َهـٰذه َلَن ُك َ
ين َل ُه َ
َّللاَ ُم ْخلص َ ُحي َ ُْ ان َو َ َ ُ
َّ ِ
الشاك ِر َ
ين
{ه َو َّال ِذي ُي َسِي ُرُك ْم ِفي اْلَب ِر َواْلَب ْح ِر} [اآلية.]22 :
قوله تعالىُ :
وقال بعضهم :سيَّر العباد والزهاد باألنفس فى البر وهو الدرجات والمنازل ،وسيَّر العارفين بالقلوب فى البحار وفيها
األمواج واألخطار ،ولكن سير شهر فى يوم.
{ه َو َّال ِذي ُي َسِي ُرُك ْم ِفي اْلَب ِر} هو الصفات ،وفى البحر هو االستغراق فى الذات.
قال بعضهمُ :
قال بعضهم :يسيركم فى البر االستدالالت بالوسائط ،والبحر غلبات الحق بال واسطة.
قال النورى :المخلص فى دعائه من ال يصحبه من نفسه شىء سوى رؤية من يدعوه.
وقال الجنيد رحمة هللا عليه :اإلخالص ما أريد هللا به أى عمل كان.
وسألت أبا عثمان المغربى عن اإلخالص فقال :اإلخالص ما ال يكون للنفس فيه حظ بحال ،وهذا إخالص العوام
وإخالص الخواص ما يجرى عليهم ال بهم ،فتبدو الطاعات وهم عنها بمعزل ،وال يقع لهم عليها رؤية وال بها اعتداء،
فذلك إخالص الخواص.
قال أبو يعقوب السوسى :الخالص من األعمال ما لم يعلم به ملك فيكتبه وال عدو فيفسده وال تعجب به النفس.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :البغى يحدث من مالحظات النفس ورؤية ما خدع به ،كما قيل لذى النون رحمة هللا
عليه ما أخفى ما يخدع به العبد؟
صر ٍ
اط ُّم ْستَِقي ٍم ِ ِ
آء ِإَل ٰى َ َّللاُ َي ْد ُعوْا ِإَل ٰى َد ِار َّ
السالَ ِم َوَي ْهدي َمن َي َش ُ َو َّ
قال أبو سعيد القرشى فى هذه اآلية :خرجت هداية المريدين من االجتهاد فى قوله:
صر ٍ
اط ُّم ْستَِقيمٍ} وهو الفرق بين المريد والمراد. ِ وخرجت هداية المراد من المشيئة وهو قوله ِ
آء ِإَل ٰى َ
{ي ْهدي َمن َي َش ُ
َ
قال القاسم :الدعوة عامة والهداية خاصة ،بل الهداية عامة والصحبة خاصة ،بل الصحبة عامة واالتصال خاص.
قال ابن عطاءَ :ع َّم َخْلقه بالدعوة واختص من شاء منهم بالرحمة فمن اختصه قبل خلقه ،فهو المحمود فى سعايته،
ومن خذله قبل كون خلقه ،فهو المذموم ال عذر ،فمن قصد بنفسه صرف عن حظه ،ومن قصده به فهو المحجوب
عن نفسه.
وقال بعضهم :يدعو إلى دار السالم باآليات ،ويهدى من يشاء للحقائق والمعارف.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :معاملة هللا على المشاهدة الحسنى االلتذاذ فى المعاملة ،والزيادة هى النظر إلى هللا.
قال بعضهم :كيف تذل الوجوه وقد تلقاها الحق منه بالحسنى واإلحسان ،وكيف تدل شواهد من هو مشاهد للحق على
وسناء.
ً وعز
وضياء ًا
ً نور
الدوام بل هو على زيادة األوقات ،يزيد ًا
قال ابن عطاء :تظهر عليهم بركات إقرارهم عند إيجاد الذر بقولهم :بلى ،فمن
بركتها لزوم الطاعات والفرائض واتباع السنن وتحقيق اإليمان وتصحيح األعمال.
قال ذو النون :مقام المتحققين من العارفين التنزيه والتبرى من جميع ما لهم من أنواع األفعال واألقوال واألحوال وغير
ذلك والرجوع إلى الحق على حد التنزيه له ،أن يقصده أحد بسببه ،أو يتوصل إليه بطاعته ،أو يعمل كل إلظهار
سعادة األزل على السعداء وسمات الشقاوة على األشقياء.
ض َّل َع ْن ُه ْم َّما َك ُانوْا َيْفتَ ُرو َن س َّمآ أَسَلَفت ورُّدوْا ِإَلى َّ ِ
ُهَنالِ َك تَْبُلوْا ُك ُّل َنْف ٍ
َّللا َم ْوالَ ُه ُم اْل َح ِق َو َ ْ ْ َُ
{هَنالِ َك تَْبُلوْا ُك ُّل َنْف ٍ
س َّمآ أ َْسَلَف ْت} [اآلية.]30 : قوله تعالىُ :
ص َار َو َمن ُي ْخ ِرُج اْل َح َّي ِم َن اْل َمِي ِت َوُي ْخ ِرُج اْل َمِي َت ِم َن اْل َح ِي َمن َي ْملِ ُك َّ
الس ْم َع واأل َْب َ ض أ َّالسم ِآء واأل َْر ِ ِ
ُق ْل َمن َي ْرُزُق ُكم م َن َّ َ َ
َو َمن ُي َدِب ُر األ َْم َر َف َسَيُقوُلو َن َّ
َّللاُ َفُق ْل أََفالَ تَتَُّقو َن
قال الواسطى رحمة هللا عليه :من يبدئ أمره ويعيده ،ويبديه فى أوقاته السائرة ،فإذا قال :من يدبر األمر أزال
األمالك ،فكيف يجوز لقائل أن يقول :فعلى وعملى.
حسنا ،كيف يعود عليه ما منه بدا ،أو يؤثر عليه ما هو
قبيحا وال يستحسن ً
قال الحسين :الحق هو الذى ال يستقبح ً
أنشأ ،وقيل فى قولهَ { :فأََّن ٰى تُ ْ
ص َرُفو َن} من الحق إلى سواه.
ُق ْل َه ْل ِمن ُش َرَك ِآئ ُك ْم َّمن َي ْب َد ُؤْا اْل َخْل َق ثُ َّم ُي ِع ُيدهُ ُق ِل َّ
َّللاُ َي ْب َد ُؤْا اْل َخْل َق ثُ َّم ُي ِع ُيدهُ َفأََّن ٰى تُ ْؤَف ُكو َن
قوله تعالىُ{ :ق ْل َه ْل ِمن ُش َرَك ِآئ ُك ْم َّمن َي ْب َدأُ اْل َخْل َق ثُ َّم ُي ِع ُيدهُ} [اآلية.]34 :
قال ابن عطاء :يبدأ بإظهار القدرة فيوجد المعدوم ،ثم يعيدها بإظهار الهيئة فيفقد الموجود.
وقيل :يبدأ بكشف األولياء فيمحو منها كل خاطر سواه ،ثم يعيد فيبقى بإبقائه ،فلذلك عظم حال العارف ودليله.
َمن الَّ ي ِه ِدي ِإالَّ ِ ُقل هل ِمن ُشرَك ِآئ ُكم َّمن يه ِدي ِإَلى اْلح ِق ُق ِل َّ ِ ِ
َ َّللاُ َي ْهدي لْل َح ِق أََف َمن َي ْهدي ِإَلى اْل َح ِق أ َ
َح ُّق أَن ُيتََّب َع أ َّ َ َْ َ ْ ْ َْ
ف تَ ْح ُك ُمو َن
أَن ُي ْه َد ٰى َف َما َل ُك ْم َك ْي َ
ِ قوله تعالىُ{ :قل هل ِمن ُشرَك ِآئ ُكم َّمن يه ِدي ِإَلى اْلح ِق ُق ِل َّ ِ ِ
َّللاُ َي ْهدي لْل َح ِق أََف َمن َي ْهدي ِإَلى اْل َح ِق أ َ
َح ُّق أَن ُيتََّب َع أ َّ
َمن َ َْ َ ْ ْ َْ
الَّ َي ِه ِدي ِإالَّ أَن ُي ْه َد ٰى} [اآلية.]35 :
ُسئل الحسين من هذا الحق الذى يشيرون إليه فقال :هو معل األيام وال يعتل.
سئل الواسطى رحمة هللا عليه ما حقيقة الحق؟ قال :حقيقته ال يقف عليها إال الحق.
قال الجنيد رحمة هللا عليهَ :مر على يدى أرباب التوحيد حتى أبو يزيد ،ما خرجوا من الدنيا إال على التوهم.
االنفصال.
سئل أبو خفص عن حقيقة التوكل فقال :كيف يجوز لنا أن نتكلم فى حقائق األحوال ،وهللا يقول{ :وما يتَِّبع أَ ْكثَرهم ِإالَّ
َ َ َ ُ ُ ُْ
ظناً}.
َ
َّ ِ ِ ِ ين ِمن َقْبلِ ِه ْم َفا ْن ُ ِ َّ َّ ِ ِ بل َك َّذبوْا ِبما َلم ي ِحي ُ ِ ِ ِ
ين
ان َعاقَب ُة الظالم َ
ف َك َ
ظ ْر َك ْي َ طوْا ِبعْلمه َوَل َّما َيأْت ِه ْم تَأ ِْويُل ُه َك َذل َك َكذ َب الذ َ َْ ُ َ ْ ُ
قال أبو تراب النخشبى :إذا بعدت القلوب عن هللا مقتت القائمين بحقوق هللا.
َنت تُ ْس ِم ُع ُّ
الص َّم َوَل ْو َك ُانوْا الَ َي ْعِقُلو َن ِ
َو ِم ْن ُه ْم َّمن َي ْس َتم ُعو َن ِإَل ْي َك أََفأ َ
قال الحسين :من استمع إليك بآية فإنك ال تسمعه ،إنما تسمع من أسمعناه فى األزل فيسمع منك ،وإما لم تسمعه فما
لألصم والسماع وإن سمع ولم يعقل فكأنه لم يسمع قال هللا تعالىِ{ :إن تُ ْس ِم ُع ِإالَّ َمن ُي ْؤ ِم ُن ِب َآي ِاتَنا} [النمل .]81 :إال
من أجرينا عليه حكم السعادة فى األزل.
قال بعضهم :من حكم المتحقق أن يكون أصم أعمى يعنى :أصم عمن يعبر عنه ،أعمى عما يشار إليه.
وقال بعضهم :إذا لم تسمع نداء هللا فكيف تجيب داعى هللا.
ظر ِإَليك أََفأ َْنت تَه ِدي اْلعمي وَلو َكانوْا الَ يب ِ
ص ُرو َن ُْ ُْ َ َ ْ ُ َ ْ َو ِم ُ
نه ْم َّمن َين ُ ُ ْ َ
قال الواسطى رحمة هللا عليه :ليس من ينظر إليك بنفسه يراك إنما يراك من ينظر إليك بنا ،فأما من ينظر بنفسه أو
ظرو َن ِإَليك وهم الَ يب ِ
ص ُرو َن} ق
ْ َ َ ُ ْ ُْ اه ْم َين ُ ُ
{وتََر ُ
به ،فإنه ال يراك إال من يعمر أوقاته فى رؤيتك ويستغر هو فيما قال هللاَ :
[األعراف.]198 :
وقال النبى صلى هللا عليه وسلم " طوبى لمن رآنى ومن رأى من رآنى
".
قال الواسطى رحمة هللا عليه فى هذه اآلية :ال يتجلى لهم بحقه فإن ذلك ظلم ،ألن الحق ال يحتملونه بل فيه ذهابهم،
ويستحيل أن يكون لهم من القوة ما يطيعون الحق بحقه ،إذ فى ذلك مساواة ومقارنة.
قال بعضهم :نفى من السيد األخص أن يكون له من نفسه شىء أو يعتمد لها حاالً ،بل أظهر أن الكل لمن له الكل،
ومن ال يملك األصل كيف يملك فروعه ومن لم يملك نفسه كيف يملك ضرها ونفعها ،ومن صحت له هذه الحالة فقد
سلم من مدح الخلق فإنه هو الضار النافع.
َح ٌّق ُه َو ُق ْل ِإي َوَربِي ِإَّن ُه َل َح ٌّق} [اآلية.]53 : {وَي ْستَْنِبُئ َ
ون َك أ َ قوله تعالىَ :
قال بعضهم :أنوار الحق مشرقة وآياته ظاهرة ،ال يشك فيها إال معاند ،وال يعمى عنها إال ضال والمتحققون بحقائق
الحق هم السالكون مسالك أنوار الحق فى مقاصدهم ومواردهم ومصادرهم ،والراجعون منها إلى األعيان هم الضالون
َح ٌّق ُه َو ُق ْل ِإي َوَربِي ِإَّن ُه َل َح ٌّق}. {وَي ْستَْنِبُئ َ
ون َك أ َ عن سنن الحق ،قال هللا َ
َّللاِ َح ٌّق َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثَ َرُه ْم الَ َي ْعَل ُمو َن الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ
ض أَالَ ِإ َّن َو ْع َد َّ ِ ِ ِ
أَال إ َّن ََّّلل َما في َّ َ َ َ
المغبو ُن من يرجع إلى غير ربه فى سؤاله ومهماته وطلباته ،وله من فى السماوات واألرض فالكل له
ُ قال بعضهم:
فمن طلب بعض الكل من غيره فقد أخطأ الطريق.
َّللاِ َح ٌّق} أن يجزم سائالً غيره ويبعد عليه وجه طلبته وال يجيب سائله ويبلغه أقصى
وقيل فى قوله{ :أَالَ ِإ َّن َو ْع َد َّ
أمنيته.
وقال بعضهم :هو يحيى القلوب بإماتة النفوس ،ويميت النفوس بحياة القلب ،وهذا لمن كان رجوعه إليه فى جميع
أحواله.
قال بعضهم :يحيى من نشأ باإلقبال عليه ،ويميت من نشأ باإلعراض عنه.
قال النصرآباذى :يحيى األرواح فى المشاهدة والتجلى ،و يميت الهياكل فى االستتار.
قال ابن عطاء :الموعظة للنفوس والشفاء للقلوب ،والهدى لألسرار والرحمة لمن هذه صفته.
َّللاِ َوب َِر ْح َمِت ِه َفِب َذلِ َك َفْلَيْف َر ُحوْا ُه َو َخ ْيٌر ِم َّما َي ْج َم ُعو َن
ض ِل َّ
ُق ْل ِبَف ْ
َّللاِ َوب َِر ْح َمِت ِه َفِب َذلِ َك َفْلَيْف َر ُحوْا} [اآلية.]58 :
ض ِل َّ
قوله تعالىُ{ :ق ْل ِبَف ْ
قال الواسطى :أيسهم أن يكون لهم شىء من عند قوله قل بفضل هللا.
قال القاسم :هو الفضل الذى جاز به علىأهل طاعته ،ال الفضل الذى استدرج به أهل معصيته.
قال جعفر فى هذه اآلية :إنه انتباه من غفلة ،أو انقطاع عن زلة ،والمباينة من دواعى الشهوة.
َّللاِ َوب َِر ْح َمِت ِه َفِب َذلِ َك َفْلَيْف َرُحوْا ُهَو َخ ْيٌر ِم َّما َي ْج َم ُعو َن} .مما
ض ِل َّ
قال بعضهم :الثواب أعواض والفضل كرم ،قال {ُق ْل ِبَف ْ
يؤملون من الثواب على األفعال.
آن والَ تعمُلون ِمن عم ٍل ِإالَّ ُكَّنا عَلي ُكم شهوداً ِإ ْذ تِفيضون ِف ِ ٍ ِ ِ ٍ ِ
يه َو َما َي ْع ُز ُب َعن ُ ُ َ َ ْ ْ ُُ َو َما تَ ُكو ُن في َشأْن َو َما تَْتُلوْا م ْن ُه من ُق ْر َ َ ْ َ َ ْ َ َ
السم ِآء والَ أَص َغر ِمن ٰذلِ َك وال أَ ْكبر ِإالَّ ِفي ِكتَ ٍ
اب ُّمِب ٍ
ين ِ ِك ِمن ِم ْثَق ِ
ال َذَّرٍة ِفي األ َْر ِ
َ ََ ض َوالَ في َّ َ َ ْ َ َّرب َ
قال بعضهم :من شهد شهود الحق إياه ،قطعه ذلك عن مشاهدة األعيان أجمع.
قال النصرآباذى :شتان بين من عمل على رؤية الثواب وبين من عمل التباع األمر ،وبين من عمل على سبيل
المشاهدة.
قال بعضهم :عرض األولياء بإزالة الخوف والحزن عنهم ولم يبلغهم إلى مقام أهل االصطفاء واالختيار ،ألن ذلك
أقدارهم حتى يجئ قدر الذى ال يوصف بوصف فيظهر عليهم من الكرامات ما يزيل بها الخوف والحزن على أهل
األكوان ببركاتهم.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :حظوظ األولياء مع تباينها من أربعة أسماء ،وقيام كل فريق باسم منها :هو األول
واآلخر والظاهر والباطن فمن فنى عنها بعد مالبستها فهو الكامل التام ،فمن كان حظه من اسمه الظاهر الحظ
عجائب قدرته ،ومن كان حظه من اسمه الباطن الحظ ما جرى فى السرائر من أنواره ومن كان حظه من اسمه اآلخر
وكل كوشف على قدر طبعه وطاقته إال من
طا بما يستقبلهٌّ ،
كان شغله ما سبق ،ومن الحظ اسمه اآلخر كان مرتب ً
تواله الحق ببره وقام عنه بنفسه.
وقال يحيى بن معاذ :الولى الذى ال يرائى وال ينافق ،وما أقل صديق من كان هذا خلقه.
قال بعضهم :قلوب أهل الوالية مصانة عن كل معنى ألنها موارد الحق.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :عالمة الولى أربعة :األولى يحفظ سرائره التى بينه وبين ربه مما يرد على قلبه من
المصائب فال يشكو.
والرابعة :أن يدارى عباده على تفاوت أخالقهم ،ألنه رأى الخلق هلل وفى أسر القدرة فعاشرهم على رؤية ما منه إليهم.
قال بعضهم :حال األولياء فى الدنيا أشرف منها فى اآلخرة ألنه جذب سرهم إلى سره وغيبهم عن كل ما سواه ،وهم
{في ُش ُغ ٍل َف ِ
اك ُهو َن} [يس.]55 : فى اآلخرة كما قالِ :
سمعت أبا الحسن الفارسى يقول :سمعت محمد بن معاذ النهرجورى يقول :صفة األولياء أن يكون الفقر كرامتهم
وطاعة هللا جالوتهم ،وحب هللا حيلتهم ،وإلى هللا حاجتهم وهللا حافظهم ،ومع هللا تجارتهم وبه افتخارهم وعليه توكلهم
وبه أنسهم ،والجوع طعامهم والزهد ثمارهم ،وحسن الخلق لباسهم ،وطالقة الوجه حليتهم وسخاوة النفس حرمتهم،
وحسن المعاشرة صحبتهم ،والشكر زينتهم ،والذكر همتهم والرضا راحتهم ،والخوف سجيتهم ،والليل فكرتهم ،والنهار
غيرتهم ،أولئك أولياء هللا ال خوف عليهم وال هم يحزنون.
أيضا :نفوس األولياء تذوب كما يذوب الملح فى الماء ،للحفظ على أمور المولى فى مواقيتها وأداء األمانة فى
وقال ً
كل ساعة.
أيضا :إن نفوس األولياء حملت قلوبهم ،وقلوب األعداء حملت نفوسهم ،ألن نفوس األولياء تحمل األعباء فى
وقال ً
طمعا فى راحة نفوسهم.
طمعا فى فراغ قلوبهم ،وقلوب األعداء تحمل أثقال نفوسهم من الشرك ً
دار الدنيا؛ ً
وقال بعضهم :الولى من يصبر على البالء ويرضى بالقضاء ويشكر على النعماء.
قال بعضهم :إن حال األولياء فى الدنيا أرفع من حالهم فى اآلخرة ،ألن هللا جذب بينهم فى الدنيا وقطعهم عن الكون
وفى اآلخرة يشغلهم بنعيم الجنة.
قال أبو على الجوزجانى :الولى هو الفانى فى حاله ،الباقى فى مشاهدة الحق وذاته ،تولى هللا أسبابه فتوالت عليه
أنوار التولى ،لم يكن له عن نفسه أخبار وال مع أحد غير هللا قرار.
وسئل أبو حفص عن الولى ،فقال :الولى من أُيد بالكرامات وغيب عنها.
ُ
ِ ات َّ ِ ٰ ِ
اآلخرِة الَ تَب ِديل لِ َكلِم ِ
الد ْنيا وِفي ِ ِ ِ
يم
َّللا ذل َك ُه َو اْلَف ْوُز اْل َعظ ُ ْ َ َ َ َل ُه ُم اْلُب ْش َر ٰى في اْل َحياة ُّ َ َ
الد ْنيا وِفي ِ
اآلخ َرِة} [اآلية.]64 : ِ ِ
قوله تعالىَ{ :ل ُه ُم اْلُب ْش َر ٰى في اْل َحياة ُّ َ َ
قال أبو سعيد الخراز فى هذه اآلية قال :هم به وله ،موقوفون بين يديه ،غير أن الحق ممتع لهم بماله ،أراهم من
مطالعا على ما ً عظم الفوائد وجزيل الزخائر ،ومما ال يقع لهم به علم ،وال علم عليه قبل حين وروده حتى يكون الحق
ياة ُّ
الد ْنَيا}. تريد من ذلك على حسب ما قسمه لهم ،فهم فى ذلك على األحوال شتى ،فذلك قوله {َلهم اْلب ْشر ٰى ِفي اْلح ِ
َ ُُ ُ َ
قال بعضهم :البشرى فى الدنيا هو ما وعد من رؤيته ،والبشرى فى األخرة تصديق ذلك الوعد.
قال بعضهم :من يسلم سرى من قلبى ،وقلبى من نفسى ،ونفسى من لسانى ،ولسانى من الكذب والغيبة والبهتان.
{وُي ِح ُّق}.
طوعا قولهَ :
وقال بعضهم :المسلم المنقاد ألوامر الحق عليه ً
َّللاُ اْل َح َّق ِب َكلِ َم ِات ِه َوَل ْو َك ِرهَ اْل ُم ْج ِرُمو َن
َوُي ِح ُّق َّ
َّللاُ اْل َح َّق ِب َكلِ َم ِات ِه} أى :كون الكون بكلماته وحق أحقه
{وُي ِح ُّق َّ قال بعضهم :الحق على ثالثة أوجه :حق ٍ
حق وهو قوله َ
حق ،وهى صفات ألنها قائمة بالموصوف ،والموصوف قائم بالصفات ،والحق المطلق هو هللا -جل اسمه -قال
ُّك ُم اْل َح ُّق}. تعالىَ { :ف َذلِ ُك ُم َّ
َّللاُ َرب ُ
ُسئل إبراهيم الخواص عن قولهَ { :ف َعَل ْي ِه تََوَّكُلوْا} قال تنالوا السبب من هللا بال واسطة.
قال ذو النون :االستقامة فى الدعاء ال تغضب لتأخير اإلجابة ،وال تسكن إلى تعجيل اإلجابة ،وال تسل سواك
الخصومة.
عدا.
وب ً
طردا ُ
اجا ،ورؤية تأخير اإلجابة ً
مكر واستدر ً
قال بعضهم :االستقامة فى الدعاء هو رؤية اإلجابة ًا
قال ابن عطاء :مما فضلناك به وشرفناك ،فسل الذين يقرءون الكتاب من قبلك وهم األعداء ،كيف وجدوا وصفك فى
كتبهم وكيف أروا فيها نشر فضائلك ،يدل عليه قوله حين أنزلت عليه هذه اآلية" :ال أشك ال أشك".
قال الواسطى :من لم يلحقه نور األزل؛ ال يتبين عليه صفات الوقت ،فإن صفات الوقت نتائج أنوار األزل قال هللا
آء ْت ُه ْم ُك ُّل َآي ٍة}. ِ ن ِ
ين َحَّق ْت َعَل ْي ِه ْم َكل َم ُت َرب َ
ِك الَ ُي ْؤمُنو َ * َوَل ْو َج َ
َّ ِ
تعالىِ{ :إ َّن الذ َ
قال بعضهم :إذا صح له اإليمان ،ال يصح إال أن يأذن هللا له بذلك فى إزالة وحرية القضاء السابق له باإليمان على
أحد إال سعادة سابقة فى األزل ونور متقدم.
قال الواسطى :رفع المدح والذم فال معذور وال غير معذور وال شقاء وال سعادة ،إنما هى إرادة أمضاها ومشيئة أنفذها
وقبس آمنوا بإذن هللا المتولى إلظهار الكونين ،ال شريك له فال يستغفرون وال يفتخرون.
قال بعضهم :ال تصل العقول الخالية عن التوفيق إلى سبيل النجاة ،وما يغنى ضياء العقل مع ظلمة الخذالن إنما
مؤيدا بأنوار التوفيق وعناية األزل ،وإال فإنه متخبط فى هالكه بعقله.
تنفع أنوار العقل من كان ً
قال شقيق :الظالم من طلب نفعه ممن ال يملك نفع نفسه واستدفع الضر بمن ال يملك الدفاع عن نفسه ،ومن عجز
عن إقامة نفسه كيف تقيم غيره.
َّ ِ ِ ِ
قال هللا تعالىَ { :فِإن َف َعْل َت َفِإَّن َك ِإذاً م َن الظالم َ
ين}.
آء ِم ْن ِعَب ِادِه َو ُهَو اشف َله ِإالَّ هو وِإن ي ِردك ِبخي ٍر َفالَ ر َّآد لَِفضلِ ِه يص ِ ِ
ِ
يب به َمن َي َش ُ
ْ َُ ُ َ َُ َ ُ ْ َ َ ْ َّللاُ ِب ُ
ض ٍر َفالَ َك َ ُ َوِإن َي ْم َس ْس َك َّ
يم اْل َغُفور َّ ِ
الرح ُ ُ
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :قطع الحق على عباده طريق الرغبة والرهبة إال إليه بإعالمهم أنه الضار النافع.
طا بصفتك وإرادة الخير لك منوطة بصفته ،ليكون رجاؤك أغلب من خوفك.
قال جعفر :جعل هللا مس الضر منو ً
قال الواسطى رحمة هللا عليه :لو وقع التفاضل بالنعوت والصفات كان الذات معلوالً ما أظهر ،فإنما أظهره لك أن
َح َس ْنتُ ْم أل َْنُف ِس ُك ْم} [اإلسراء ،]7 :وإن أجر االهتداء فلكم بقولهَ{ :ف َم ُن أجرى اإلحسان عليكم فلكم بقوله {ِإ ْن أ ْ
َح َس ْنتُ ْم أ ْ
{و َمن َش َك َر َفِإَّن َما َي ْش ُك ُر لَِنْف ِس ِه} [النمل.]40 : ِ ِ ِِ ِ
اهتَ َد ٰى َفإَّن َما َي ْهتَدي لَنْفسه} وإن أجر الشكر عليكم فلكم بقوله َ
ْ
وقال أبو عثمان :أصل الدين االتباع ثم الصبر عليه من غير أن يكون ذلك فيه من عندك شىء ،بل الرجوع عن
جميع مالك باتباع ما ألزمته.
حكيم فيما أنزل .خبير بمن أقبل على أمره أو أعرض عنه.
قال بعضهم :أحكمت آياته فى قلوب العارفين ،وفصلت أحكامه على أبدان العالمين.
وقال الحسن :أحكمت باألمر والنهى ،وفصلت بالوعد والوعيد .حكيم فيما أنزل .خبير بمن يقوم بأمره ،أو يعرض
عنه.
ضَل ُه َوإِن تََوَّل ْوْا َفِإِني ِ ِ ِ ِ استَ ْغِف ُروْا َرب ُ
ض ٍل َف ْ
َج ٍل ُّم َس ًّمى َوُي ْؤت ُك َّل ذي َف ْ
وبوْا ِإَل ْيه ُي َمت ْع ُك ْم َّمتَاعاً َح َسناً ِإَل ٰى أ َ
َّك ْم ثُ َّم تُ ُ َن َْوأ ِ
اب َي ْو ٍم َكِب ٍ
ير اف َعَل ْي ُك ْم َع َذ ََخ ُ أَ
قال أبو بكر الحواشى :التوبة التى تتولد من االستغفار أن ترفع ثوب النجس والغش والدنس.
ُسئل سهل بن عبد هللا عن االستغفار .فقال :هو اإلنابة ثم اإلجابة ،ثم التوبة ثم االستغفار بالظاهر واإلنابة بالقلب
والتوبة مداومة االستغفار من تقصيره فيها.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :طيب النفس وسعة الرزق والرضاء بالمقدور.
وقال الجنيد رحمة هللا عليه :ال شىء أحسن على العبد من مالزمة الحقيقة وحفظ السر مع هللا وهو تفسير قوله
حسنا.
متاعا ً
يمتعكم ً
قال محمد بن الفضل :هو طيب النفس وسعة الصدر وتمام الرزق والرضاء.
ِ ِ
ض ٍل َف ْ
ضَل ُه}. {وُي ْؤت ُك َّل ذي َف ْ
قوله تعالىَ :
قال الواسطى رحمة هللا عليه :ذو الفضل من رزق بعد االستغفار والتوبة حسن اإلنابة و َ
اإلخبات مع دوام الخشوع.
ِ ِ
ض ٍل َف ْ
ضَل ُه} يوصل كل مستحق إلى ما يستحقه من مجالس القربة وسمو {وُي ْؤت ُك َّل ذي َف ْ
قال بعضهم فى قولهَ :
المنزلة.
قال الجوزجانى :من قدر عليه الفضل فى السبق يوصله إلى ذلك عند إيجاده.
ِ ِ
ض ٍل َف ْ
ضَل ُه} قال :يحقق آمال من أحسن ظنه به. {وُي ْؤت ُك َّل ذي َف ْ
سئل أبو عثمان عن قولهَ :
الص ُد ِ
ور أَال ِإَّنهم ي ْثنون صدورهم لِيستَ ْخُفوْا ِم ْنه أَال ِحين يستَ ْغ ُشون ِثيابهم يعَلم ما ي ِسُّرون وما يعلِنون ِإَّنه علِيم ِب َذ ِ
ات ُّ َ َ َُ ْ َْ ُ َ ُ َ َ َ ُْ ُ َ ُ َ ٌ َ َْ ُ ُ ْ َ ُ َ ُ ُ َ ُْ َ ْ
قال فارس :يعلم ما تُسرون من أحوالكم وما تظهرون من أفعالكم وهو عالم بكم قبل أن خلقكم وأبدأكم.
َّللاِ ِرْزُقها وي ْعَلم مستََقَّرَها ومس َتوَد َعها ُك ٌّل ِفي ِكتَ ٍ
اب ُّمِب ٍ
ين وما ِمن َد َّآب ٍة ِفي األ َْر ِ
ض ِإالَّ َعَلى َّ
َُْ ْ َ َ ََ ُ ُ ْ ََ
َّللاِ ِرْزُق َها َوَي ْعَل ُم ُم ْستََقَّرَها َو ُم ْس َت ْوَد َع َها} [اآلية.]6 :
ض ِإالَّ َعَلى َّ قوله تعالى{ :وما ِمن دآب ٍ
َّة ِفي األ َْر ِ َ ََ
وقال بعضهم كفاك ما تحتاج إليه ولم يجعل للخلق فيه سبيالً لتكون له بالكلية.
مؤمنا فأنت مستغن عن هذا السؤال وإنوبلغنى أن رجالً قال ألبي عثمان الحيرى :من أين تأكل؟ فقال :إن كنت ً
َّللاِ ِرْزُق َها}.
ض ِإالَّ َعَلى َّ كنت جاحدا فال خطاب معك ثم تال{ :وما ِمن دآب ٍ
َّة ِفي األ َْر ِ َ ََ ً
قال أبو سعيد الخراز :من أذيق حالوة الذكر وصفاء السر ثم نزع منه ذلك فلم تظهر عليه االهتمام به ،والذبول لفقده
وال يرى من سره مطالبة لما نزع منه من سنى المقامات واألحوال فليحكم لقلبه بالموت ولسره بالعمى عن طريق الهدى
ان ِمَّنا َر ْح َم ًة} وهو محل القربة ثم نزعناها منه وهو حجاب النعمة. كذلك قال هللا {وَلِئ ْن أَ َذ ْقَنا ِ
اإل ْن َس َ َ
ِ ِ
ات َعني ِإَّن ُه َلَف ِرٌح َف ُخ ٌ
ور السِيَئ ُ
آء َم َّس ْت ُه َلَيُقوَل َّن َذ َه َب َّ
ضَّر َ َوَلئ ْن أَ َذ ْقَناهُ َن ْع َم َ
آء َب ْع َد َ
لو رددنا عليه ما قبضناه منه ليقولن ذهب السيئات عنى أمنا من مكرى وطمأنين ًة إلى الدنيا إنه لفرح بغير مفرو ٍح به
فخور بما ال ُيفتخر به.
قال أبو بكر الوراق :حياة الدنيا هى ارتكاب األمانى واتباع الشهوات والجوالن فى ميادين اآلمال والغفلة عن َبغتة
اآلجال وجمع ما فيها من األموال من وجوه الحالل والحرام ،وزينة الدنيا هى ما أظهر هللا فيها من األموال ومن وجوه
طرِة ِمن َّ
الذ َه ِب النس ِاء واْلبِنين واْلَقن ِ
اس ح ُّب َّ ِ ِ ِ {زي ِ
اط ِ
ير اْل ُمَق ْن َ َ َ الش َه َوات م َن َ َ َ َ َ َ ِن ل َّلن ِ ُ
أنواع العالئق التى أخبر هللا عنها بقولهَ ُ :
ض ِة} [آل عمران.]14 : َواْلِف َّ
وس ٰى ِإ َماماً َوَر ْح َم ًة أُْوَلـِٰئ َك ُي ْؤ ِمُنو َن ِب ِه َو َمن َي ْكُف ْر ِب ِه ِم َنُم َ اب ِِ ِ ِ ِ ِ ٍ ِ
ان َعَل ٰى َبِيَنة من َّربِه َوَي ْتُلوهُ َشاهٌد م ْن ُه َو ِمن َقْبله كتَ ُ أََف َمن َك َ
َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثَ َر َّ ِ ِ ِ ٍ ِ َح َز ِ
اس الَ ُي ْؤ ِمُنو َن الن ِ الن ُار َم ْو ِع ُدهُ َفالَ تَ ُك في م ْرَية م ْن ُه ِإَّن ُه اْل َح ُّق من َّرب َ
ِك اب َف َّ األ ْ
ِ
ِه وي ْتُلوه َش ِ
اهٌد ِم ْن ُه} [اآلية.]17 : ٍِ ِ
قوله تعالى{ :أََف َمن َك َ
ان َعَل ٰى َبيَنة من َّرب َ َ ُ
سمعت أبا عثمان المغربى يقول :سمعت ابن الكاتب يقول :جاء رجل إلى الجنيد رحمة هللا عليه فقال :أسألك عن
وك َذا .فقال
وك َذا والجواب فيه َك َذا َ
شىء فى ضميرى ،فقال :سل .فقال :قد سألت ،فقال الجنيد :قد سألت عن ك َذا َ
الرجل :ال .قالَ :بلى ولكنك قلبت السؤال إلى كذا وكذا ،والجواب فيه كذا وكذا.
قال الشيخ أبو عثمان :وهذا تفسير قوله{ :أََفمن َكان عَلى بِين ٍة ِمن َّرب ِ
ِه} ومن كان على البينة ال يخفى عليه سر. َ َ ٰ ََ َ
وقال الجنيد رحمة هللا عليه :البينة حقيقة يؤيدها ظاهر العلم.
وقال النورى أبو الحسين :البينات هى التى ال تكشف أواخرها عن عثرة وال غلط.
وقفا
ِه} قال :من كان من ربه على بينة كانت جوارحه ً قال أبو بكر بن طاهر فى قوله{ :أََفمن َكان عَلى بِين ٍة ِمن َّرب ِ
َ َ ٰ ََ َ
على الطاعات والموافقات ولسانه ملزوم بالذكر ونشر اآلالء والنعماء ،وقلبه منور بأنوار التوفيق وضياء التحقيق،
وسره وروحه مشاهد للحق فى جميع األوقات عالم بما يبدو من مكنون الغيوب ومستورها ،ورؤيته لألشياء رؤية يقين
ال شك فيه ،وحكمه على الخلق لحكم الحق .ال ينطق إال بحق وال يرى إال الحق ألنه مستغرق فى الحق فأنى له
مرجع إال إلى الحق وال إخبار إال عنه.
ين َك َذُبوْا َعَل ٰى َربِ ِه ْم أَالَ َل ْعَن ُة ِ َّ ِ ِ ِ ظَلم ِم َّم ِن ا ْفتَر ٰى عَلى َّ ِ ِ
َش َه ُاد َهـ ُٰؤالء الذ َ ضو َن َعَل ٰى َربِه ْم َوَيُق ُ
ول األ ْ َّللا َكذباً أ ُْوَلـٰئ َك ُي ْع َر ُ َ َ َو َم ْن أَ ْ ُ
ين َّ ِ ِ َّ ِ
َّللا َعَلى الظالم َ
ِ َّ ِ ِ ِ ظَلم ِم َّم ِن ا ْفتَر ٰى عَلى َّ ِ ِ
ين َك َذُبوْا َعَل ٰى ضو َن َعَل ٰى َربِه ْم َوَيُق ُ
ول األَ ْش َه ُاد َهـ ُٰؤالء الذ َ َّللا َكذباً أ ُْوَلـٰئ َك ُي ْع َر ُ َ َ {و َم ْن أَ ْ ُ
قوله تعالىَ :
َربِ ِه ْم} [اآلية.]18 :
قال بعضهم كيف يستطيع السمع من لم يفتح مسامعه سماع الحق وكيف يبصر من لم يكتحل بنور التوفيق إذ ال
سماع إال عن إسماع وال بصر إال عن إبصار.
قال أبو سليمان الدارانى :األعمى حًقا من عمى فى آخر سفره وقد قارب المنزل فيضيع سعيه فال استدالل ببصر وال
دليل قائد.
وقال بشر :األعمى حًقا من عمى عن طريق رشده واألصم حًقا من صم عما أنذر به.
وقال بعضهم :البصير من عاين ما يراد به وما يجرى له وعليه فى جميع أوقاته والسميع من يسمع ما يخاطب به من
تقريع وتأديب وحث وندب ال يغفل عن الخطاب فى حال من األحوال.
وقيل :األعمى الذى عمى عن رؤية االعتبار واألصم الذى منع لطائف الخطاب والبصير الناظر إلى األشياء بعين
شيئا وال يتعجب من شىء.
الحق فال ينكر ً
وقال الجنيد رحمة هللا عليه :األعمى الذى عمى عن درك الحقائق.
قال أبو الفرج :لم يشهد مخالفو األنبياء والرسل منهم إال هياكل البشرية ،وعموا عن درك حقائقهم فى ميادين الربوبية
واختصاصهم بما خصوا به من فناء حظوظهم فيهم وبقاء أشباحهم وهياكلهم رحمة للخلق.
وطعما وشرًبا ،ولو الحظوا مقامهم من الحق وقربهم منه ألخرستهم مشاهدتهم عن
ً بشر مثلنا :أكال
فقالوا :ما نراك إال ًا
مثل هذا الخطاب؛ ألنهم فى مشاهد القدس.
قال أبو عثمان رحمة هللا عليه فى هذه اآلية :ما أنا بمعرض عمن أقبل على هللا ،فإن من أقبل على هللا بالحقيقة أقبل
هللا عليه ،ومن أعرض عمن أقبل هللا عليه فقد أعرض عن هللا.
قال حمدون القصا ر :النصيحة لمن لم ينصح نفسه قبل سماع النصيحة بدوام االجتهاد ومجانبة االختالف.
قال السقطى :عن نفسك تدبيرك ،واصنع ما أنت صانع من أفعالك على مشاهدتنا دون مشاهدة نفسك ومشاهدة أحد
من الخلق.
ٍ
بشىء من العناية فقد نجوت ،وإال فإن الدعاء ال ينفع الغرقى. قال ذو النون :إن كنت قد ابتدأت فى األزل
آم َن َو َمآ ِ حتَّى ِإ َذا جآء أَمرنا وَفار التَُّّنور ُقْلنا اح ِمل ِفيها ِمن ُك ٍل َزوجي ِن ا ْثني ِن وأ ِ َّ
َهَل َك إال َمن َسَب َق َعَل ْيه اْلَق ْو ُل َو َم ْن َ
ْ َ ْ َْ َ ْ ُ َ ْ ْ َ َ َ ْ َُ َ َ َ ٰ
ِ َّ
آم َن َم َع ُه ِإال َقل ٌ
يل َ
قوله تعالىِ{ :إالَّ َمن َسَب َق َعَل ْي ِه اْلَق ْو ُل} [اآلية.]40 :
قال بعضهم :بالسبق َق ْي ُد العواقب فمن أجرى له فى السبق السعادة كانت عاقبته إلى السعادة ،ومن أجرى له فى
السبق الشقاوة ُخِتم له بالشقاوة.
وألسنة األولياء واألنبياء قاصرة عن سؤال مخالفة ما جرى فى األزل؛ ألنه حكم القاهر به وسلطان الجبار به.
إال من دله على االعتصام به ،فذلك الذى يعصمه هللا من أمره.
قال الحسين :لم يؤذن ألحد فى االنبساط على بساط الحق بحال؛ ألن بساط الحق عزيز وحواشيه قهر وجبروت ،فمن
َهلِي} .قيل له :إن ابنك ليس هو من ِ ِ
انبسط عليه رد عليه كما رد على نوح -عليه السالم -لما قالِ{ :إ َّن ْابني م ْن أ ْ
أهلك.
قال القاسم :األهل على وجهين :أهل قرابة ،وأهل ملة .فنفى هللا عنه أهلية الملة [األهلية والقرابة].
قال بعضهم :أما علمت أنى قد أمضيت حال الشقاوة والسعادة فى األزل ،فال رَّاد لحلمى وقضائى إنى أعظك أن
تجهل تلك األحكام.
وقال بعضهم :أما علمت أنى كافيت الخلق قبل الخلق فاالختبار على من منه االختبار محال.
نوحا لما أشرف ابنه على الغرق قال :إن ابنى من أهلى.
قال بعضهم :إن ً
قال :خصصت ولدك بالدعاء دون سائر عبادى ،وابنك واحد منهم.
ِ َقال ر ِب ِإِني أَعوُذ ِبك أَن أَسأََلك ما َليس لِي ِب ِه ِعْلم وِإالَّ تَ ْغِفر لِي وتَرحمِني أ ُ ِ
َكن م َن اْل َخاس ِر َ
ين َ َْْ ْ ٌ َ َ ْ ْ َ َ َْ ُ َ َ
ِ قوله تعالى{ :وِإالَّ تَ ْغِفر لِي وتَرحمِني أ ُ ِ
َكن م َن اْل َخاس ِر َ
ين} [اآلية.]47 : َ َْْ ْ َ
نوحا صلى هللا عليه وسلم وهو من الصفوة وأولى العزم من الرسل نصح ،وكدح لربه ألف
قال أبو سعيد الخراز :إن ً
عاما ثم قال :إن ابنى من أهلى فقويت عليه ،فأبكاه ذلك سنة حتى قال :وإال تغفر لى وترحمنى،
سنة إال خمسين ً
وكان دهره يطلب المغفرة من هذه الكلمة ونسى ما كدح وعنا واجتهد.
ِ ِ ِ
اصِب ْر ِإ َّن اْل َعاقَب َة لْل ُمتَّق َ
ين} [اآلية.]49 : قوله تعالىَ { :ف ْ
ِ ِ ِ
اصِب ْر ِإ َّن اْل َعاقَب َة لْل ُمتَّق َ
ين} [اآلية.]49 : قال النصرآباذى :نجاة العاقبة لمن وسم التقوى وحلى به ،قال تعالىَ { :ف ْ
قال الواسطى :غلب على هود عليه السالم فى ذلك الوقت الحال والوصلة والقربة فما تأكد بشىء وال أحس به إذ هو
فى محل الحضور ومجلس القربة.
قال بعضهم :أى كيدونى بالحق من هو فى قبضة الحق وسرادق العز ،وجالبيب الهيبة والكيد ال تلحق إال من هو
أسير فى طريق المخالفة.
قال بعضهم :كيف يكون ذلك محل وأنت بغيرك قيامك ،ويقال لذلك قال :من قال أنا فقد نازع القبضة.
قال بعضهم :فيه ذكر إبطال الدعاوى ،فإن من َّادعى حارب القدرة ونازع القبضة.
{قاَ َل َسالَ ٌم} :أى هذه السالمة التى توجب لى السالم من السالم.
قال الترمذى :كانت المالئكة قصدوا هالك قوم لوط فلما رآهم الخليل صلى هللا عليه وسلم فزع منهم ،فزادوا ذلك فيه،
سالما ،أى قد سلمت أنت وأهلك وقصدنا لهالك األمة العاصية ،فأنت ومن معك َّ
منا فى سالمة وسالم ،فقال فقالوا:
ً
أمننى وأهلى من الهالك.
سالم -الحمد هلل الذى َّ
قال بعضهم :من آداب الفتوة إذا ورد الضيف أن ُيبدأ أوالً بإكرامه فى اإلنزال ثم يثنيه بالطعام ثم بالكالم أال ترى
الخليل عليه السالم كيف بدأ بالطعام بعد السالم ،فقال :فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ،وهو تعجيل ما حضر والتكلف
بعد ذلك لمن أحب.
صل ِإَلي ِه ن ِكرهم وأَوجس ِمنهم ِخ َيف ًة َقاُلوْا الَ تَخف ِإَّنا أُرِسْلنا ِإَلى َقو ِم ُل ٍ
وط ِ ِ
ْ َ ٰ ْ َ ْ َفَل َّما َأرَى أ َْيدَي ُه ْم الَ تَ ُ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ْ
سمعت غير واحد من أصحابنا يحكون عن البوشنجى أنه قال :من دخل هذه الدويرة ولم يبسط معنا فى كسرٍة أو فيما
حضر فقد جفانى غاية الجفاء.
سمعت أبا بكر بن إبراهيم يقول :سمعت أبا جعفر بن عبدوس يقول :من أشبع من طعام العقد أو الفتيان فقد أظهر
كبره.
َه َل اْلَب ْي ِت ِإَّن ُه َح ِم ٌيد َّم ِج ٌيد َّللاِ رحمت َّ ِ َقاُلوْا أَتَعجِب ِ
َّللا َوَب َرَكاتُ ُه َعَل ْي ُك ْم أ ْ ين م ْن أ َْم ِر َّ َ ْ َ ُ
َْ َ
قال بعضهم :ذهب عنه روع ما يجده فى نفسه من تنزههم عن طعامه ،وعلم أنهم المالئكة ،وجاءته البشرى بالسالم
لما فرغ من قضاء حق الضيف ولقى البشرى رجع إلى حد الشفقة على الخلق والمجادلة عنهم ،يجادلنا فى قوم
من هللا َّ
لوط :الرحمة التى جبله هللا عليها.
قيل :آوى إلى حصن حصين ،وأمنع حرز ،وهو القادر على ذلك كله.
سمعت محمد بن عبد هللا يقول :سمعت أبا العباس بن عطاء يقول فى هذه اآلية قال :لو َّ
أن لى بكم قوة لو أن
بيدى ألوصلتها إليكم.
المعرفة َّ
قال بعضهم :لو أن لى جرأة على الدعاء لدعوت عليكم ،أو آوى إلى ركن شديد :من علم الغيب بما أنتم صائرون
إليه من سعادة أو شقاوة.
بيدى ،وكنت أقوى على هدايتكم لعملت فيها وأصل إلى المعدن
وحكى الشبلى أنه قال فى هذه اآلية :لو أن النجاة َّ
الذى تنفصل منه المعرفة ألوصلتكم إليه.
َن لِي ِب ُكم ُقَّوة} وقول هودَ{ :ف ِكيدوِني ج ِميعاً ثُ َّم الَ تُ ِ
نظ ُرو ِن}. قال الواسطى فى قوم لوط صلى هللا عليه وسلمَ{ :ل ْو أ َّ
َ ُ ْ ً
طبع ،وهود عليه السالم نطق عن مشاهدة ،ال يرى غيره ،ومن عتقته الموارد عن أماكنها هو
قال :لوط نطق نطق ٍ
أدفع ممن أعتقته الشواهد واألعراض.
َقاُلوْا َلَق ْد َعلِ ْم َت َما َلَنا ِفي َبَن ِات َك ِم ْن َح ٍق َوإَِّن َك َلتَ ْعَل ُم َما ُن ِر ُيد
قال الجنيد رحمة هللا عليه :سمعت السرى رحمة هللا عليه يقول :رأيت رب العزة فى المنام ،فقال يا سرُّى خلقت الخلق،
وخلقت الدنيا ،فذهب مع الدنيا تسعة أعشار الخلق ،وبقى معى العشر ،ثم خلقت الجنة ،فذهب مع الجنة تسعة أعشار
ما بقى ،وبقى معى منهم العشر ،ثم سلطت عليهم البالء ففر من البالء تسعة أعشار ما بقى ،وبقى عشر العشر،
فقلت :ماذا تريدون ال الدنيا أردتم ،وال الجنة طلبتم ،وال من البالء فررتم ،فأجابونى .فقالوا :إنك تعلم ما نريد .قال:
فإنى أنزل عليكم من البالء ما ال يطيق له الرواسى .فقالوا :ألست أنت الفاعل بنا فقد رضينا.
لذلك حكى عن السرى رحمة هللا عليه أنه قال :قلوب األبرار ال تعتمل االنتظار.
قال بعضهم :انتظار ما هو كائن قريب خصوصاً إذا كان ذلك من خير صدق وموعد حق.
آء أ َْم ُرَنا َج َعْلَنا َعالَِي َها َس ِافَل َها} [اآلية.]82 :
قوله تعالىَ{ :فَل َّما َج َ
قال بعضهم :ما أدركتم الحكم السابق الجارى فى األزل عليهم قلبنا بهم أرضهم ،كما حكمنا عليهم بتقليب قلوبهم
وصرفهم عن طريق الحق ،وسبيل الرشاد.
قال محمد بن الفضل :ما أصاب قوم لوط ما أصابهم إال بالتهاون باألمر ،وقلة المباالة ،وارتكاب المحارم بالتأويالت.
اك ْم ِب َخ ْي ٍر َوإِِني ِ ِ ٍ
ان ِإِني أ ََر ُ ِ ِ
صوْا اْلم ْكَيا َل َواْلم َيز َ
َّللاَ َما َل ُك ْم م ْن إَلـٰه َغ ْي ُرهُ َوالَ تَنُق ُ
اعُب ُدوْا َّ
ال ٰيَق ْو ِم ْ
اه ْم ُش َع ْيباً َق َ
َخ ُ
َوإَِل ٰى َم ْدَي َن أ َ
أَخاف عَلي ُكم ع َذاب يو ٍم ُّم ِح ٍ
يط َ ُ َ ْ ْ َ َ َْ
ِ قوله تعالىِ{ :إِني أ ََر ُ
اف َعَل ْي ُك ْم} [اآلية.]84 : اك ْم ِب َخ ْي ٍر َوإِني أ َ
َخ ُ
قال بعضهم :أقرب حال إلى االستدراج األمن والدعة ،وتواتر النعم عليك وترادف الخيرات عندك ،أال ترى هللا يقول
ِ حاكيا عن بعض أنبيائه ألمتهِ{ :إِني أ ََر ُ
اف َعَل ْي ُك ْم}. اك ْم ِب َخ ْي ٍر َوإِني أ َ
َخ ُ ً
ٍ
بنعمة من هللا ،وإنى أخاف عليكم تقصيركم فى شكر النعمة. قال بعضهم :إنى أراكم بخير أى
َّللاِ خير َّل ُكم ِإن ُكنتُم ُّمؤ ِمِنين ومآ أَن ْا عَلي ُكم ِبحِف ٍ
يظ ِ
ْ َ ََ َ َ ْ ْ َ َّت َّ َ ْ ٌ ْ َبقي ُ
ِ َّ قوله تعالى{ :بِقَّي ُة َّ ِ
َّللا َخ ْيٌر ل ُك ْم ِإن ُكنتُم ُّم ْؤ ِمن َ
ين} [اآلية.]86 : َ
قال بعضهم :ما ادخره هللا لكم من كراماته خير مما تسألونه فيه.
وقال بعضهم :مؤمنين :موقنين أن اختيار الحق للعبد خير من اختياره لنفسه.
ظا بلسانه دون عمله ،وليس بحكيم من لم تكن أفعاله أفعال الحكماء ،وإنما
قال أبو عثمان :ليس بواعظ من كان واع ً
حكيما فى جميع أحواله ،وإال فإنه يقال :ناطق بالحكمة.
ً حكيما فى فعله،
ً حكيما فى نطقه،
ً الحكيم من يكون
ِ َّ ِ ِ
ط ْع ُت} [اآلية.]88 :
استَ َ قوله تعالى{ :إ ْن أ ُِر ُيد إال اإل ْ
صالَ َح َما ْ
قيل فيه :مرادى صالحكم إن ساعدكم التوفيق ،وال أستطيع أنا ذلك لكم إال بمعونة من هللا لى عليه.
قال النهرجورى :التوفيق حسن عناية سيق إلى العبد ليس فيه سبب وال منة إليه طلب.
قال بعضهم :التوفيق هو الدليل الذى يدل على سبيل الحق ،ويبعد عن نهج الباطل ،وسلوكه ،وهو أن يوصل إلى
العبد ما جرى له فيه من العناية فى األزل.
قال الجنيد رحمة هللا عليه :التوكل أن ال يظهر فيك انزعاج إلى األسباب مع شدة الفاقة ،وال نزول عن حقيقة الشكور
إلى الحق .مع وقوفك عليها.
قال بعضهم :التوكل :ترك رؤية التوكل وإسقاط رؤية الوسائط ،والتعلق بأعلى الوثائق.
قال إبراهيم بن أدهم رحمه هللا :التوكل :أن تستوى عندك أفخاذ السباع ،والمتكأ على الجشايا.
مستهلكا فى
ً قال بعضهم :اإلنابة :هى الرجوع عن جميع ما له ،ثم إذا صح له هذا يكون مرجعه منه إليه ،فبقى
مشاهدة المرجوع ،فال يكون له رجوع وال ثبوت.
قال الشبلى :ما من حرف من الحروف إال وهو يسبح هللا تعالى بلسان ،ويذكره بلغة لكل لسان منها حروف ،ولكل
حرف لسان ،وهو سر هللا تعالى فى خلقه الذى تقع زوائد الفهوم وزيادات األذكار.
لما خلق األحرف ،دعاها إلى الطاعة ،فأجابت على حسبما جالها الخطاب،
قال حارث المحاسبى :إن هللا تعالى َّ
وألبسها ،وكانت الحروف كلها على صورة األلف .إال أن األلف بقيت على صورتها وجليتها التى ما ابتدئت.
يها َخالِ ُدو َن ِ ِ ِ ِ ات وأ ْ ِ ِإ َّن َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ
الجَّنة ُه ْم ف َ
اب َ َخَبتُوْا إَل ٰى َربِه ْم أ ُْوَلـٰئ َك أ ْ
َص َح ُ الصال َح َ َ َُ َ َ
قال ابن عطاء :يدبر األمور بالقضاء السابق ،ويفصل اآليات باألحكام الظاهرة لعلكم تتيقنون إن الذى يجرى عليكم
هذه األحوال ال بد لكم من الرجوع إليه.
يل الَّن َه َار ِإ َّن ِفي ِ َّ ِ ِ َّ ِ ِ ِ َّ ِ
يها َرَواس َى َوأ َْن َها اًر َو ِمن ُكل الث َم َرات َج َع َل ف َ
يها َزْو َج ْي ِن ا ْثَن ْي ِن ُي ْغشى ال َ ض َو َج َع َل ف َ َو ُه َو الذي َمَّد األ َْر َ
ٰذلِك آلي ٍ
ات لَِق ْو ٍم َيتََف َّك ُرو َن َ َ
سمعت على بن سعيد يقول :سمعت أبا محمد الجريرى يقول :كان فى جوار الجنيد إنسان مصاب فى حربة ،فلما
عاليا ،واستقبل بوجهه ،وقال :يا أبا محمد َّأنى
موضعا ً
ً فلما رجعنا تقدم خطوات ،وعال
مات الجنيد ،وحملنا جنازتهَّ ،
أرجع إلى تلك الحربة وقد فقدت ذلك السيد ،ثم أنشأ يقول :وا أسفى من فراق قوم هم المصابيح والحصون والمدن
والمزن والرواسى والخير واألمن والسكون لم تتغير لنا الليالى حتى توفتهم المنون فكل جفن لنا قلوب وكل ماء لنا
عيون.
قال ابن عطاء :التبصرة لمن تفكر فى ابتداء الخلق ،وانتهائهم ،ومصير كلهم إلى الفناء ،ودوام البقاء لألحد الصمد.
ض ِفي األ ُ
ُك ِل} [اآلية.]4 : ِ ٍ ٍِ
{ي ْسَق ٰى ِب َمآء َواحد َوُنَفض ُل َب ْع َ
ض َها َعَل ٰى َب ْع ٍ قوله عز وجلُ :
قال الواسطى :لم تتلون اإلرادات ،وتلونت المرادات كما تلونت األشجار واألثمار ولم تتلون المياه التى سقت األشياء
المختلفات كذلك العلم باألشياء ال يتلون وتتلون المعلومات فمن قال كيف فهو الضيق القدرة عنده وعلة تلوين
شيئا من الكون بغير إرادته الموت ،والحياة
المحدثات لعلة إثبات الربوبية واقتدائها ،ولئال يسبق إلى األوهام أن ً
والظلمة والضياء ولم تتلون اإلرادة كذلك ما أراد من الكفر واإليمان.
روى عن النبى صلى هللا عليه وسلم أنه قال" :العاقل من عقل عن هللا أمره
".
سمعت القاضى يقول :سمعت أبا على البنوى يقول :قال أبو بكر الواسطى :العقل ما َعَّقَل َك عن المخازى.
قال ابو عثمان :العاقل من وفق لمالزمة طريق رشده ومنع عن اتباع غيه.
َعَن ِاق ِه ْم َوأ ُْوَلـِٰئ َك ِ ين َكَف ُروْا ِب َربِ ِه ْم َوأ ُْوَلِئ َك األ ْ ِ ٍ ِ َّ ِ ِ
َغالَ ُل في أ ْ َوإِن تَ ْع َج ْب َف َع َج ٌب َق ْوُل ُه ْم أَِإ َذا ُكَّنا تَُراباً أَِإَّنا َلفي َخْل ٍق َجديد أ ُْوَلـٰئ َك الذ َ
يها َخالِدو َن ِ
الن ِار ُه ْم ف َ
اب َّ َص َح ُ أْ
قال الجنيد :ذهب العجب بقوة سلطان العجب ،وكل العجب من العجب أن ال عجب.
{وإِن تَ ْع َج ْب َف َع َج ٌب}.
قال هللا تعالىَ :
قال بعضهم :إن ربك ليستر على أودائه ما أظهروا من المخالفات ،ومن ظلمهم أنفسهم باتباع هواها ،والسعى فى
موافقة رضاها.
قال ابو عثمان :إنما يرجو المغفرة من هللا من يرتكب الذنوب على خطر وخوف وحذر ،ال من يقتحم فيها من غير
مباالة.
مخبر َّ
عنا بصدق ما أكرمناك به من القرب ،والزلف. قال ابن عطاء :إنما أنت ٌ
ام َو َما تَ ْزَد ُاد َوُك ُّل َشي ٍء ِع َندهُ ِب ِمْق َد ٍار
يض األ َْر َح ُ
ِ ِ
َّللاُ َي ْعَل ُم َما تَ ْحم ُل ُك ُّل أُنثَ ٰى َو َما تَغ ُ
َّ
ْ
{وُك ُّل َشي ٍء ِع َندهُ ِب ِمْق َد ٍار} [اآلية.]8 :
قوله عز وجلَ :
ْ
قال الحسين :كل ربط يحده ،وأوقف مع وقته فال يجاوز قدره ،وال يعدو طوره.
قال بعضهم :وكل شىء يوزن ومن لم يزن نفسه ،ولم يطالع أنفاسه فهو فى حيز الغافلين ،ومن لم يعرف مقداره وقدر
عظيم النعمة عليه ،أعجب بنفسه ،أو بما يبدو منه.
قال ابن عطاء :العالم على الحقيقة ،من يكون الشاهد والغائب عنده سواء فى العلم ال بأن يستدل ،والعالم على
الحقيقة هو الحق جل وعال ،الكبير فى ذاته المتعالى فى صفاته.
قال بعضهم :عالم بما غيَّب فيك مما ال تعلمه من نفسك قبل أن يبديها أو يظهرها وعالم بما يبدو من أفعالك على أى
نية تعملها.
قال جعفر :فى قوله :الكبير المتعال :كبير فى قلوب العارفين َم َحل ُه فصغر عندهم كل ما سواه وتعالى أن يتقرب إليه
إال بصرف كرمه.
سرور
ًا أسر :ما أودعنا فيه لطائف ِبَّرَنا وكتم إشفاًقا عليه ،أو أظهره ونادى عليه
قال النصرآباذى :سواء منكم من َّ
جميعا من أهل األمانة فى محل اليقظة.
ً ومحبة له ،فإنهما
قال بعضهم :المحفوظ باألسباب محفوظ بالمسبب وأمره فالعلماء أروا السبب ،والعارفون أروا المسبب.
قال ابن عطاء :األسباب تحفظك من أمره فإذا جاء القضاء خال بينك وبينه وكيف يكون محفو ً
ظا من هو محفوظ من
حافظه ،والمحفوظ بالحقيقة من هو محفوظ بالحافظ ال محفوظ من الحافظ.
َّللاَ الَ ُي َغِي ُر َما ِبَق ْو ٍم َحتَّ ٰى ُي َغِي ُروْا َما ِبأ َْنُف ِس ِه ْم} [اآلية.]11 :
قوله عز وجلِ{ :إ َّن َّ
قال الصادق :ال يوفقهم لتغيير أسرارهم وال يغير عليهم أحوالهم ولو وصفهم لتغيير أحوالهم ،أسرارهم ومشاهدة البلوى،
لذلوا وافتقروا فنالوا به النجاة.
قال النصرآباذى :لكل قوم تغيير وتبديل لكن ال يناقش العوام على ما يناقش عليه أهل الصفوة.
وءا َفالَ َم َرَّد َل ُه} [اآلية.]11 : قوله عز وجل{ :وِإ َذا أ ََرَاد َّ ِ
َّللاُ بَق ْو ٍم ُس ً َ
قال القاسم :إذا أراد هالك قو ٍم َح َّس َن فى أعينهم موارد الهالك حتى يمشون إليه بأرجلهم وتدبيرهم ،وهو الذى أتى بهم.
ال ِ
اب الثَق َ
الس َح َ
ىء َّ ِ
ط َمعاً َوُي ْنش ُ ُه َو َّال ِذي ُي ِر ُ
يك ُم اْلَب ْر َق َخ ْوفاً َو َ
وطمعا للمقيم.
ً قال ابن عطاء :خوًفا للمسافر،
ٍ
خائف من استناره وطام ٍع فى تخليه. قال ابن البرقى :يريكم أنوار محبته ،فبين
قال أبو على الثقفى :ورود األحوال على األسرار عندى كالبرق ال يمكث بل يلوح ،فإذا الح فربما أزعج من خائف
خوفه ،وربما جرى من محب حبه.
وطمعا فى ثوابه.
ً وقال بعضهم :خوًفا من عقابه
سمعت محمد بن عبد هللا الرازى يقول :سمعت ابن الريحانى يقول :الرعد صعقات المالئكة ،والبرق زفرات أفئدتهم
والمطر بكاؤهم.
اس ِط َكَّف ْي ِه ِإَلى اْل َم ِآء لَِيْبُل َغ َفاهُ َو َما ُهَو ِبَبالِ ِغ ِه َو َما
َله دعوة اْلح ِق و َّال ِذين ي ْدعو َن ِمن دوِن ِه الَ يستَ ِجيبو َن َلهم ِب َشي ٍء ِإالَّ َكب ِ
َ ُ َْ ُ ُ ُ َ َُْ َ َ َ َ ُ
ْ
ضالَ ٍل دعآء اْل َك ِاف ِر َّ ِ
ين ِإال في َ َ َُ ُ
قال ابن عطاء :أصدق الدواعى دواعى الحق فمن أجاب داعى الحق بلغه إليه الحق ،ومن أجاب دواعى النفس رمى
به إلى الهالك.
قال الجنيد :داعى الحق ،داعى رشد ال يقع للشيطان فيه يد وال يكون للنفس فيه نصيب وداعى الحق إذا برت ،أبرت
أنوار الحق فال يبقى على المدعو ريب وال شك بحال.
ضالَ ٍل} [اآلية.]14 : قوله عز وجل{ :وما دعآء اْل َك ِاف ِر َّ ِ
ين ِإال في َ
َ ََ ُ َ ُ
قال جعفر :من دعا بنفسه فإلى نفسه دعا وهو الكفر والضالل وذلك محل الخيانة واإلسقاط من درجات أهل األمانة
فإن الدواعى تختلف :داع بالحق ،وداع إلى الحق ،وداع إلى طريق الحق كل هؤالء دعاة يدعون الخلق إلى هذه الطرق
ال بأنفسهم وهذه طرق الحق وداع يدعو بنفسه فإلى أى شىء دعا فهو ضالل.
قال أبو عثمان :ال يستوى من حل بنور التوفيق وهدى لطريق الخدمة ومن عمى عنها وحرم رؤيتها أم هل يستوى من
هو فى أنوار التوفيق مع من هو فى ظلمات التدبير.
آء َف َساَل ْت أ َْوِدَي ٌة ِبَق َد ِرَها} [اآلية.]17 : قوله تعالى{ :أَن َزل ِمن َّ ِ
الس َمآء َم ً َ َ َ
آء} :أنواع الكرامات فأخذ كل قلب بحظه ،ونصيبه فكل قلب مؤيد بنور التوفيق، قال بعضهم{ :أَن َزل ِمن َّ ِ
الس َمآء َم ً َ َ َ
أضاء فيه سراج المعرفة ،وكل قلب زين بنور الهدى أضاء فيه أنوار المعرفة ،وكل قلب قيد بنور المحبة ،أضاء فيه
قال ابن عطاء :ما كان من األحوال صدًقا .ثبت فى القلوب بركاتها ،وما كان من غير ذلك فإنه ال يبقى فيه خير.
السيارى :ليس من استدل عليك بربه كمن يستدل بك على ربه وليس من تحقق بما أنزل إليك من جهة الحق ،كم
قال َّ
تحققه من جهته ،وليس من شاهد جريان األشياء فى األزل كمن شاهده فى وقت ظهوره.
قال بعضهم :الموفون بالعهد هم القائمون له بشرط العبودية من اتباع األمر والنهى.
قال ابن عطاء :ال ينقضون ميثاق األزل فى وقت ،بلى أنه ال رب لهم غيره وال يخافون غيره ،وال يرجون سواه ،وال
يسكنون إال إليه.
ِ
الحس ِ ن صُلون مآ أَمر َّ ِ ِ
و َّال ِذين ي ِ
اب وء َ وص َل َوَي ْخ َش ْو َن َرب ُ
َّه ْم َوَي َخا ُفو َ ُس َ َّللاُ به أَن ُي َ َ َ ََ َ َ َ
قيل :هم الذين وصلوا أوقاتهم بالطاعات ووقفوا عند الحدود فلم يجاوزوها.
ديمون على شكر النعمة ومعرفة ِمَّنة المنعم بدوام النعمة إليهم ،وإيصالهم بهم.
قال ابن عطاء :الذين ُي ُ
ِ
الحس ِ ن
اب} [اآلية.]21 : وء َ {وَي ْخ َش ْو َن َرب ُ
َّه ْم َوَي َخا ُفو َ ُس َ قوله تعالىَ :
ِ
الحس ِ ن
اب}. وء َ {وَي ْخ َش ْو َن َرب ُ
َّه ْم َوَي َخا ُفو َ ُس َ قال هللا تعالىَ :
قال بعضهم :الخشية هى مراقبة القلب أن ال يطالع فى حال من األحوال ،غير الحق فيمنعه.
قال أبو عثمان :صبروا عن المناهى أجمع ،ال لخوف النار بل لسبب النهى ،وحرمة عظمة الناهى.
قال بعضهم :هذا مقام المريدين ،أمروا أن يصبروا على إراداتهم ،وعلى ما يلحقهم من الميثاق ،وال يطلبوا الرفاهية وال
يرجعوا إليها ،ويكون ذلك ابتغاء لحقيقة تصحيح اإلرادة.
قال ابن عطاء :صبروا على ما أمروا به من الطاعات ،وصبروا عما نهوا عنه من المعاصى فقال هللا تعالى َل ُهم على
صَب ْرتُ ْم}. ِ
{سالَ ٌم َعَل ْي ُكم ب َما َ
لسان السفراء الصادقينَ :
قال بعضهم :نقض العهد هو لزوم التدبير واالختيار وترك التفويض والتسليم بعد أن أخبرك أن ليس لك من األمر
شىء.
قال أبو القاسم الحكيم :نقض العهد هو السكون إلى غير مسكون إليه والفرح إلى غير مفروح به.
قال بعضهم :أخبر هللا تعالى عن الدنيا أنها فى اآلخرة متاع ،واآلخرة أقل خطر فى جنب الحقيقة من خطر الدنيا،
فى جنب اآلخرة.
قال بعضهمُ :يضل من قام بنفسه ،واعتمد عليها عن سبيل رشده ويهدى إلى سبيل رشده ،من رجع إليه فى جميع
أموره ،وتب أر من حوله وقوته.
قال جعفر :يضل عن إدراكه ووجوده من قصره بنفسه ،ويهدى أى يوصل إلى حقائقه من طلبه.
َّللاِ تَ ْ ِ
َّللاِ أَالَ ِب ِذ ْك ِر َّ
وب ُه ْم ِب ِذ ْك ِر َّ َّال ِذين آمنوْا وتَ ْ ِ
ط َمئ ُّن اْلُقُل ُ
وب ط َمئ ُّن ُقُل ُ َ َُ َ
قيل فى هذه اآلية :القلوب على أربعة أنحاء :قلوب العامة ،اطمأنت بذكر هللا وتسبيحه وحمده والثناء عليه لرؤية
النعمة والعافية ،وقلوب الخاصة ،اطمأنت بذكر هللا وتسبيحه وذلك فى أخالقهم ،وتوكلهم ،وشكرهم ،وصبرهم فسكنوا
إليه ،وقلوب العلماء ،اطمأنت بالصفات واألسامى والنعوت ،فهم يالحظون ما يظهر بها ومنها على الدهور ،وأما
الموحدون كالغرقى ال تطمئن قلوبهم بحال وكيف يطمئن بذكر من جهلوه ،أم كيف يطمئن بذكر من لم يؤمنهم بل
خوفهم وحذرهم.
تفرق الناس فى الحالتين ،فمن دامت حركته وسعيه ،كان موصوًفا بنفسه لغلبات شواهد نفسه
قال إبراهيم الخواصَّ :
ان َع ُجوالً} [اإلسراء.]11 : ان ِ
اإل ْن َس ُ {وَك َ
عليه ،لقولهَ :
َّللاِ تَ ْ ِ
ومن دام سكونه كان موصوًفا بالحق لغلبات شواهد الحق فى سكينته لقوله{ :أَالَ ِب ِذ ْك ِر َّ
ط َمئ ُّن اْلُقُل ُ
وب} [اآلية:
.]28
قال الحسين :من ذكره الحق بخير فى أزله ،اطمئن إليه فى أبده.
قال النهرجورى :قلوب األولياء مواضع المطامع فهى ال تتحرك ،وال تنزعج بل تطمئن خوًفا من أن يرد عليه مفاجأة
مترسما بسوء األدب.
ً مطالعه ،فيجده
قال الواسطى :هم فيها على أربعة ضروب ،فاألول للعامة ،ألنها إذا ذكرته ودعته اطمأنت إلى ذكرها ،فحظها منه
اإلجابة للدعوات ،والثانية أطاعته وصدقته ورضيت عنه فهم مربوطون فى أماكن الزيادات قد اطمأنت قلوبهم إلى
ذلك فكانوا ممزوجى المالحظة بشواهدهم ،ومفسدى الطبائع برؤية طاعاتهم ،والثالثة أهل الخصوص الذين عرفوا
أرهم
والرابعة :خصوص الخصوص وهم الذين كشف لهم عن ذاته وعلمهم علم صفاته فأدرج لهم الصفات فى الذات و ا
إنه إنما تعرف إلى الحق بإقرارهم وعلمهم أخطارهم فعلموا أن سرائرهم ال تقدر أن تسكن إليه ،وال يطمئن به .ومن
كانت األشياء فى سره كذلك ،إذا ما يسكن ويطمئن فال تجد قلبه ،الطمأنينة لقدر المطمئن إليه كلما عادت الزيادة
حجابا ال يستقطع بالبر والنعم ألنها حجاب مستور وهباء ونثور ،فإن عزمت على الدخول فى هذا المقام
ً عليه رآها
فاحتسب نفسك وأعظم هللا أجرك.
ك ِب ِه
ُش ِر َ
َّللاَ َوال أ ْ
َعُب َد َّ
َن أ ْ
ِ
ض ُه ُق ْل ِإَّن َمآ أُم ْر ُت أ ْ
ِ َح َز ِ
اب َمن ُينك ُر َب ْع َ ُنزَل ِإَل ْي َك َو ِم َن األ ْ
اب َيْف َر ُحو َن ِب َمآ أ ِ ِ
اه ُم اْلكتَ َ
ين آتَْيَن ُ
َّ ِ
َوالذ َ
ِإَل ْي ِه أ َْد ُعوْا وإَِل ْي ِه م ِ
آب َ َ
ُسئل أبو حفص .عن العبودية؟ فقال :ترك كل ما لك ومالزمة ما أمرت به.
َّللاُ َمثَالً َع ْبداً َّم ْمُلوكاً الَّ َيْق ِد ُر َعَل ٰى َشي ٍء} [النحل ]75 :فمن
{ض َر َب َّ
ُسئل محمد بن الفضل :عن صفة العبد ،فقال َ
ْ
وجد من نفسه قوة وقدرة فليعلم أنه بعيد من األمر.
قال بعضهم :العبد الذى ال مراد له ،ويكون مستغرًقا فى مراد سيده فيه.
قال ابن عطاء أو الجنيد :ال يرتقى أحد فى درجات العبودية حتى يحكم فيما بينه وبين هللا تعالى ،أوائل البدايات،
وأوائل البدايات هى الفروض الواجبة واألوراد الزكية ،ومطايا الفضل وعزائم األمر ،فمن أحكم على نفسه هذا َم َّن هللا
تعالى عليه بما بعده.
{وَك ٰذلِ َك أ َ ْ
َنزلَناهُ ُح ْكماً َع َربِياً} [اآلية.]37 : قوله عز وجلَ :
قال بعضهم :أحكام العرب السخاء والشجاعة ،وهما من ُعرى اإليمان ،وقيل فى قولهُ :
{ح ْك ًما َع َربِياً} هذا مقدم
مبينا فيه الحالل والحرام.
حكما ،أى ً
ومؤخر ،أى أنزلناه عر ًبيا بلسانهم إذ كانوا هم المخاطبين به ً
َّللاِ لِ ُك ِل أ ٍ ِ
ول أَن َيأِْتي ِب َآي ٍة ِإالَّ ِبِإ ْذ ِن َّ
ان لِرس ٍ ِ ِ
اب
َجل كتَ ٌ
َ َ َوَلَق ْد أ َْرَسْلَنا ُرُسالً من َقْبل َك َو َج َعْلَنا َل ُه ْم أ َْزَواجاً َوُذ ِرَّي ًة َو َما َك َ َ ُ
{وَلَق ْد أ َْرَسْلَنا ُرُسالً ِمن َقْبلِ َك َو َج َعْلَنا َل ُه ْم أ َْزَواجاً َوُذ ِرَّي ًة} [اآلية.]38 :
قوله عز وجلَ :
فلم يشغلهم ذلك عن القيام بأداء الرسالة ،ونصيحة األمة وإظهار شرائع الدين.
قال ابن عطاء :لكل علم بيان ،ولكل بيان لسان ،ولكل لسان عبارة ،ولكل عبارة طريقة ،ولكل طريقة أهل فمن لم
يميز بين األحوال فليس له أن يتكلم.
آء} عن رسوم الشواهد ،واألعراض ،وكلما يورد على سره من عظمته وحرمته وهيبته
َّللاُ َما َي َش ُ
{ي ْم ُحوْا َّ
وقال ابن عطاءَ :
ولو غاب أنواره ،فمن أثبته فقد أحضره ومن محاه فقد غيبه ،والحاضر مرجوعه ال يعدوه.
قال الواسطى :يمحوهم عن شاهد الحق ويثبتهم فى شواهدهم ويمحوهم عن شواهدهم ،ويثبتهم فى شاهد الحق ،ويمحو
رسوم نفوسهم عن نفوسهم ،ويثبتهم برسمه.
قال ذو النون :العامة فى قصص العبودية إلى أبد األبد ،ومنهم من هو أرفع منهم درجة ،غلبت عليهم مشاهدة
آء
َّللاُ َما َي َش ُ
{ي ْم ُحوْا َّ
الربوبية ومنهم من أرفع منهم درجة جد بهم الحق ومحاهم عن نفوسهم وأثبتهم عنده ،لذلك قالَ :
َوُي ْثِب ُت}.
قال سهل :يمحو هللا ما يشاء ويثبت األسباب ،وعنده أم الكتاب القضاء المبرم الذى ال زيادة فيه وال نقصان.
يمحو اإليمان من ِسر آء َوُي ْثِب ُت} من نسخ محكم الشرائع وإثباتها ،وقال ً
أيضاُ : َّللاُ َما َي َش ُ
{ي ْم ُحوْا َّ
قال محمد بن الفضلَ :
من يشاء ،ويثبته فى سر من يشاء.
قال بعضهم :يمحو هللا ما يشاء يكشفه عن قلوب أهل محبته إخوان الشوق إليه ،ويثبت بتجليه لها ،السرور والفرح به.
وقال بعضهم :يمحو هللا من قلوب أعدائه آثار حكمته وأنوار بره ،ويثبت فى قلوب أوليائه ما أجرى عليها من معرفة
نعوته ،فهم المقدمون فى األوقات والقائمون بحقوق هللا تعالى من غير كلفة وال شك.
سمعت منصور بن عبد هللا :يقول :سمعت أبا القاسم السكندرى يقول :سمعت أبا جعفر الملطى يقول عن على بن
آء َوُي ْثِب ُت} قال :يمحو الكفر ويثبت اإليمان،
َّللاُ َما َي َش ُ
{ي ْم ُحوْا َّ
موسى الرضا عن أبيه :عن جعفر بن محمد قولهَ :
ويمحو النكرة ويثبت المعرفة ،ويمحو الغفلة ويثبت الذكر ،ويمحو البغض ويثبت المحبة ،ويمحو الضعف ويثبت القوة،
ويمحو الجهل ويثبت العلم ،ويمحو الشك ويثبت اليقين ،ويمحو الهوى ويثبت العقل على هذا الشق ودليله ُ
{ك َّل َي ْو ٍم ُهَو
ِفي َشأ ٍ
ْن} [الرحمن ]29 :محو أو إثبات.
قال النبى صلى هللا عليه وسلم" :إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ال يكون ما بينه وبينها إال ذراع ،فيسبق عليه
الكتاب فيعمل عمل أهل النار فيدخلها ،وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه ،وبينها إال ذراع ،فيختم
عليه الكتاب السابق فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها
ص َها ِم ْن أَ ْ
ط َرِاف َها} [اآلية.]41 : ِ
قوله تعالى{ :أ ََوَل ْم َي َرْوْا أََّنا َنأْتي األ َْر َ
ض َننُق ُ
قال محمد بن على :يخرب األرضين بذهاب أهل الوالية من بينهم فال يكون لهم مرجع َّ
إلى ،ولى فى نوائبهم ومحنهم
فيتواتر عليهم المحن والنائبات فال يكون فيهم من يكشف هللا تعالى عنهم .برعاية فتخرب.
قال أبو عثمان :هم الذين ينصحون عباد هللا .ويحملونهم على طاعته فإذا ماتوا مات بموتهم من يصحبهم.
قال أبو بكر الشاشىُ :يسبغ عليهم الرزق ،ويرفع عنهم البركة.
وسر ونفع وضر فال ناقض لما أبرم وال مضل لمن هدى.
قال ابن عطاء :أحكام الحق ماضية على عباده فيما ساء َّ
ين ِمن َقْبلِ ِهم َفلَِّل ِه اْلم ْك ُر َج ِميعاً َي ْعَلم ما تَ ْك ِس ُب ُك ُّل َنْف ٍ
س َو َسَي ْعَلم اْل ُكَّفا ُر لِ َم ْن ُعْقَبى َّ
الد ِار َّ ِ
َوَق ْد َم َك َر الذ َ
ُ ُ َ َ ْ
قال ابن عطاء :المكر حقيقة ،ما مكر الحق بهم حتى توهموا أنهم يمكرون ،ولم يعلموا أنه مكر بهم حيث سهل عليهم
سبيل المكر.
قال الحسين :ال مكر أبين من مكر الحق بعباده ،حيث أوهمهم أن لهم سبيالً إليه بحال أو للحدث اقترابه مع القدم فى
وقت ،فالحق بائن وصفاته بائنة إن ذكروا فبأنفسهم وإن شكروا فألنفسهم ،وإن أطاعوه فلنجاة أنفسهم ليس للحق منهم
شىء ألنه الغنى القهار.
قال سهل :الكتاب عزيز ،وعلم الكتاب أعز ،والعلم عزيز ،والعمل بعلمه أعز ،والمشاهدة عزيز ،والموافقة فى المشاهدة
أعز ،والموافقة عزيز ،واألنس فى الموافقة أعز ،واألنس عزيز ،واألدب فى محل األنس أعز.
قال ابن عطاء :الذين صدقوا ما ضمنت لهم من الرزق والعمل الصالح ما كان بر ًيئا من الشرك والرياء والعجب.
ظِ
اه ٍر ِم َن ون ُه ِبما الَ َي ْعَلم ِفي األ َْر ِ
ض أَم ِب َ ِ ِِ ِ ٍ ِ ِ
ُ تَُنبُئ َ َ وه ْم أ َْم أََف َم ْن ُه َو َقآئ ٌم َعَل ٰى ُكل َنْفس ب َما َك َسَب ْت َو َج َعُلوْا ََّّلل ُش َرَك َ
آء ُق ْل َس ُّم ُ
َل ُه ِم ْن َه ٍاد ضلِ ِل َّ
َّللاُ َف َما يل َو َمن ُي ْالسِب ِصُّدوْا َع ِن َّ ين َكَف ُروْا َم ْك ُرُه ْم َو ُ
اْلَقو ِل بل زي َِّ ِ
ِن للذ َ ْ َْ ُ َ
وس ُمجت.
قال الجنيد :باهلل قامت األشياء وبه فنيت وبتجليه حسنت المحاسن وباستتاره قبحت َ
ين َكَف ُروْا َم ْك ُرُه ْم} [اآلية.]33 : قوله عز وجل{ :بل زي َِّ ِ
ِن للذ َ َْ ُ َ
قال بعضهم :زين هللا تعالى طرق الهالك فى عين من قدر عليه الهالك ،فيراه رشداً ليوصله إلى المقضى عليه من
الهالك.
ين َكَف ُروْا َم ْك ُرُه ْم}. قال هللا تعالى{ :بل زي َِّ ِ
ِن للذ َ َْ ُ َ
قال أبو زيد :اجتنب مكر النفس وأثبته له ،فإنه أنقى من كل ما فيه ،هو الذى أهلك من هلك.
اب َش ِد ٍيد
ين ِم ْن َع َذ ٍ ِ ِ الس ٰم ٰو ِت وما ِفي األ َْر ِ ِ َّ ِ َّ ِ
ض َوَوْي ٌل لْل َكاف ِر َ َّللا الذي َل ُه َما في َّ َ َ َ َ
قال الواسطى :الكون كله له فمن طلب الكون فإنه المكون ،ومن طلب الحق فوجده سخر له الكون بما فيه.
قال أبو على الجوزجانى :من أحب الدنيا حرم عليه طلب طريق اآلخرة ،ومن طلب اآلخرة حرم عليه طلب طريق
نجاته ،ومن طلب طريق النجاة حرم عليه رؤية فضل هللا تعالى عليه ،ومن طلب رؤية طريق الفضل حرم عليه
الوصول إلى المتفضل.
قال أبو ال حسن الوراق فى هذه اآلية :افتح عليهم سبيل الشكر لئال يغتروا بالنعم وقيل دلهم على معرفة نعمى عندهم
لئال يستعظموا نور طاعتهم ،وقيل شكرهم فى جنب تواتر نعمى لديهم.
ُّك ْم َلِئن َش َك ْرتُ ْم أل َِز َيدَّن ُك ْم َوَلِئن َكَف ْرتُ ْم ِإ َّن َع َذاِبي َل َش ِد ٌيد
َوِإ ْذ تَأ ََّذ َن َرب ُ
سئل عنها ابن عطاء فقال :إذا رددت األشياء إلى مصادرها من غير حضور منك لها فقد تم الشكر لإلسالم.
قال الجوزجانى :لئن شكرتم لإلسالم ألزيدنكم اإليمان ولئن شكرتم لإليمان ألزيدنكم اإلحسان ،ولئن شكرتم لإلحسان
ألزيدنكم المعرفة ،ولئن شكرتم المعرفة ألزيدنكم الوصلة ،ولئن شكرتم الوصلة ألزيدنكم القرب ،ولئن شكرتم القرب
ألزيدنكم األنس.
ٍ
روى أن داود عليه السالم قال :يا رب كيف أشكرك وشكرى لك تجديد منة لك َّ
على ،قال يا داود اآلن شكرتنى.
طفيليا.
ً قال حمدونُ :شكر النعمة زيادة نعمة ،ومن َش َكر المنعم زاده أن ترى نفسك فيه
قال ابن عطاء :لئن شكرتم :هدايتى ،ألزيدنكم :خدمتى ،ولئن شكرتم :خدمتى ألزيدنكم :مشاهدتى ،ولئن شكرتم:
مشاهدتى ،ألزيدنكم :واليتى ،ولئن شكرتم :واليتى ،ألزيدنكم رؤيتى.
قال الواسطى :ليس اإليمان بمقرب إلى الحق وال الكفر بمبعد عنه ولكن جرى ما جرى به األمر فى األزل ،فالشقاوة
والسعادة والكفر واإليمان ،أعالم ال حقائق ،والحقائق القضاء الذى سبق فى الدهور بل جرى فى سابق علمه أن ال
علما ألهل الشقاء وحلية لهم،
يكرم بالسعادة إال َم ْن أهله لقربه بفضله ،وال يهين بالشقاء إال من أبعده ،ثم جعل الكفر ً
بل اإليمان عين الكرامة ،وشاهد الكفر عين الهوان وشاهد البعد اللعنة وهللا أعلم.
قال الثورى :دعا هللا الخلق بنفسه إلى نفسه وذكر من أسمائه فاطر ،لئال يتعلقوا بشىء من األكوان فقال :فاطر
إلى.
السماوات واألرض ،إن أردتم ما فيهما فهو عندى ،وإن أردتمونى فال تلتفتوا إليهما .وارجعوا منهما َّ
ان ِإالَّ
طٍ ان َلَنآ أَن َّنأِْتَي ُك ْم ِب ُسْل َ َّللا يم ُّن عَلى من ي َش ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ َّ
َقاَل ْت َل ُه ْم ُرُسُل ُه ْم إن ن ْح ُن إال َب َشٌر م ْثُل ُك ْم َوَلـٰك َّن َّ َ َ ُ َ ٰ َ َ ُ
آء م ْن عَباده َو َما َك َ
َّللاِ َفْلَيتََوَّك ِل اْل ُم ْؤ ِمُنو َن
َّللاِ َوعَلى َّ
ِبِإ ْذ ِن َّ
َّللاِ َفْلَيتََوَّك ِل اْل ُمتََو ِكُلو َن صِب َرَّن َعَل ٰى َمآ آ َذ ْيتُ ُم َ
ونا َو َعَلى َّ وما َلنآ أَالَّ نتوَّكل عَلى َّ ِ
َّللا َوَق ْد َه َد َانا ُسُبَلَنا َوَلَن ْ َ ََ َ َ ََ َ
قال أبو تراب :التوكل طرح البدن فى العبودية ،وتعلق القلب بالربوبية والطمأنينة إلى الكفاية ،فإن أعطى شكر وإن
منع صبر.
قال الشبلى :التوكل هو أن يكون مع هللا تعالى كما لم يكن ويكون الحق كما لم يزل.
سمعت على بن بندار يقول :سمعت أبا محمد الجريرى يقول وسئل عن التوكل؟
وسئل بعضهم عن التوكل فقال :غض البصر عن الدنيا وقطع القلب عنها.
َّللاِ َوَق ْد َه َد َانا ُسُبَلَنا} ما لنا أن ال نتوكل باهلل وقد أعطانا سبلنا
{و َما َلَنآ أَالَّ َنتََوَّك َل َعَلى َّ
وقال حكم األصمعى فى قولهَ :
لإلسالم والهدى.
قال سهل :خلق هللا تعالى األشياء كلها بقدرته وزينها بعلمه ،وأحكمها بحكمته ،فالناظر من الخلق إلى الخالق يتبين له
من الخلق عجائب الخلقة ،والناظر من الخالق إلى الخلق يكشف له عن آثار قدرته وأنوار حكمته وبدائع صنعته.
قال بعضهم :خلق السماوات عالية على األرضين مرتفعة عليها وجعل عمارة األرضين من بركات السماء وما يصل
إليها منها كذلك خلق النفوس وجعل القلوب أمراء عليها ،وجعل راحة النفوس فيما يصل إليها من بركات القلوب فمن
طهر قلبه الستصالح المشاهدة أتت الفوائد والزوائد من الحق فى جميع األوقات.
قال محمد بن حامد :النفس محل كل الئمة فمن لم يلم نفسه على الدوام ،ورضى عنها بحال من األحوال فقد أهلكها.
قال بعضهم :ال تلومونى ،فإنى لم أجبركم على المعاصى وإنما دعوتكم فأجبتم لى ،فلوموا أنفسكم :إلجابة دعائى.
ِ ِ ِ ين ِف ِِ ِِ ِ ِ ٍ وأُ ْد ِخل َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ
يها بإ ْذ ِن َربِه ْم تَحيَّتُ ُه ْم ف َ
يها َسالَ ٌم الصال َحات َجَّنات تَ ْجرِي من تَ ْحت َها األ َْن َه ُار َخالد َ َ َ َُ َ َ َ َ
قال بعضهم :تحيات أهل الجنة وسالمهم على ضروب :فأهل الصفوة والقربة تحيتهم من ربهم وسالمهم منه على
{سالَ ٌم َق ْوالً ِمن َّر ٍب َّرِحيمٍ} [يس.]58 :
قولهَ :
وألهل الطاعات والدرجات تحية المالئكة وسالمهم .قال هللا تعالى{ :والمالَِئ َك ُة ي ْد ُخُلو َن َعَل ْي ِهم ِمن ُك ِل ب ٍ
اب * َسالَ ٌم َ ْ َ َ َ
َعَل ْي ُكم} [الرعد.]24 ،23 :
الس َم ِآء
َصُل َها ثَاِب ٌت َوَف ْرُع َها ِفي َّ طِيب ًة َكشجرٍة َ ِ ٍ ِ
طيَبة أ ْ َّللاُ َمثَالً َكل َم ًة َ َ َ َ
ض َر َب َّ أََل ْم تَ َر َك ْي َ
ف َ
قال محمد بن على :الشجرة الطيبة اإليمان أثبتها هللا فى قلوب َّ
أودائه وجعل أرضها التوفيق وأوراقها الوالية وسماءها
العناية وماءها الرعاية وأغصانها الكفاية ،وأوراقها الوالية وثمارها الوصلة وظلها األنس ،فأغصانها ثابتة فى قلب
الولى وفروعها ثابتة فى السماء بالمزيد من عند الجبار ،فاألصل يرعى الفرع بدوام اإلشفاق والمراقبة ،والفرع يهدى
إلى األصل ما يجتنيه من محل المشاهدة والقرب هكذا أبدا قلب المؤمن وفؤاده.
سمعت محمد بن عبد هللا الدمشقى يقول :سمعت ابن المولد يقول :قال أبو سعيد الخراز :خزائن هللا تعالى فى السماء
يحا فهبت فيه ُن ْكتَ ٌة من
الغيوب وخزائنه فى األرض القلوب ألن هللا تعالى خلق قلب المؤمن بيت خزائنه ثم أرسل ر ً
الكفر والشرك والنفاق والغش ثم أنشأ سحابة فأمطرت فيه ثم أنبت فيه شجرة فأثمرت الرضا والمحبة والشكر والصفوة
الس َم ِآء}.
صُل َها ثَاِب ٌت َوَف ْرُع َها ِفي َّ {كشجرٍة َ ِ ٍ
طيَبة أَ ْ واإلخالص والطاعة وهو قولهَ َ َ :
وقال بعضهم :كل شجرة فى الدنيا إذا لم يكن لها حظ من الماء تجف ،والشجرة التى فى قلبك تجف إذا لم تسقها بماء
التوبة وبماء الندامة ثم بماء الحسرة ،ثم بماء الشوق ،ثم يأتى سحاب َّ
المنة فتمطر على قلبك مطر الرحمة حتى يكون
اض َرةٌ *قال الواسطى :النفس كانت مواتًا فأحييت وكانت جاهلة فعلمت ،وكانت عمياء فبصرت بقوله{ :وجوه يومِئ ٍذ َّن ِ
ُ ُ ٌ َْ َ
اظ َرةٌ} [القيامة ]23 ،22 :فنضرت بالتوحيد وابتهجت بالتفريد ،وهللا الفعال لما يريد هذا تفسير قوله{ :تُ ْؤِتيِإَلى ربِها ن ِ
ٰ َ َ َ
ُكَلها ُك َّل ِح ٍ ِِ
ين بإ ْذ ِن َرب َ
ِها}. أُ َ
قال ابن عطاء :الشجرة الخبيثة الشهوات وأرضها النفوس وماؤها األمل وأوراقها الكسل ،وثمارها المعاصى وغايتها
النار.
ض ُّل َّ َّ ِ ِ
اآلخرِة وي ِ
الد ْنيا وِفي ِ ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ يثَِبت َّ َّ ِ
آء
َّللاُ َما َي َش ُ
ين َوَيْف َع ُل َّ
َّللاُ الظالم َ َ َُ آمُنوْا باْلَق ْول الثابت في اْل َحَياة ُّ َ َ
ين َ
َّللاُ الذ َ ُ ُ
قال :يثبت هللا الذين آمنوا :على مقدار المواجيد يكون المخاوف واألمن ،ولم ينزع الخوف وال انفلت منه أحد لحظة،
وما من أحد يسعى إال خاف عقبى سعيه وهو الذى ال يخاف عقباها ،فمن أثبته بالقول أسقط عنه تلك المخاوف.
قال بعضهم :الخلق كلهم مجبورون تحت القدرة ،ومقهورون على الجبروت ،ليس إليهم من أمورهم شىء ممنوعون
عما يريدون مقضى عليهم بما يكرهون ،هذا من آثار العبودية وهللا مدبر األمور ومبدئها ومنشئها أنشأها على إرادته
وأبداها على مشيئته ال ناقض لما أبرم فاألفعال على الحقيقة فعله ،والكون صنعه ،ال علة لفعله وال لصنعه.
َحُّلوْا َق ْو َم ُه ْم َد َار اْلَب َو ِار أََلم تر ِإَلى َّال ِذين بَّدُلوْا ِنعمت َّ ِ
َّللا ُكْف اًر َوأ َ َْ َ َ َ ْ ََ
قال أبو عثمان :أجهل الخلق بنعمة هللا من استعملها فى أنواع المعاصى ولم يقم بشكرها من أن يعمل بها فى طاعة
هللا تعالى.
ِي ِفي ِ َّ السم ِآء مآء َفأ ْ ِ ِ ِ َّ ِ الس ٰم ٰو ِت واألَرض وأ َ ِ َّ َّ ِ
َخ َرَج به م َن الث َم َرات ِرْزقاً ل ُك ْم َو َس َّخ َر َل ُك ُم اْلُفْل َك لتَ ْجر َ َنزَل م َن َّ َ َ ً َّللاُ الذي َخَل َق َّ َ َ َ ْ َ َ
اْلَب ْح ِر ِبأ َْم ِِره َو َس َّخ َر َل ُك ُم األ َْن َه َار
قال يحيى بن معاذ :إن هللا تعالى أعطاك أكثر ما فى خزائنه وأَجلِه وأعظمه من غير سؤال وهو التوحيد فكيف يمنعك
ما هو دونها من الثواب ،ودفع العقاب بسؤال فاجتهد أيها العبد أن ال يكون سؤالك إال منه وال رغبتك إال فيه ،وال
رجوعك إال إليه فإن األشياء كلها له ،فمن أشغله بغيره عنه فقد قطع عليه طريق الحقيقة ومن شغله به ،وجعل
األشياء طوع يديه فينقلب له األعيان ويقرب له البعيد ويمشى حيث أحب ،وهذا من مقامات العارفين.
تعد نعمة من المنعم ،فتعجز عن اإلحصاء فكيف إذا تتابعت ،قيل -أجل النعم استواء الخلقة وإلهام المعرفة والذكر
ُ
نعمه،
من سائر الحيوان ،وال يطيق القيام بشكرها أحد ،وقيل :إن اإلنسان لظلوم :لنفسه حيث ظن أن شكره يقابل َ
َّ
كفار :محجوب عن رؤية الفضل عليه فى البدء والعاقبة.
قال ابن عطاء :أجل النعم رؤية معرفة النعم ،ورؤية التقصير فى القيام بشكر المنعم.
السي ِ
َّارى :أن تعبد األهواء. قال َّ
من هذه األصنام ،والتبرئ أى من هذه األصنام ،هو أن ال يرى اإلنسان لنفسه حاالً وال محاالً ،وال يعتمد ً
شيئا من
اجعا على نفسه باللوم فى جميع ما يبدو من الخير والشر ،غير راض به.
أفعاله وال يسكن من حاله إلى شىء ر ً
قال جعفر :ال تردنى إلى مشاهدة الخلة وال ترد أوالدى إلى مشاهدة البنوة.
قال ابن عطاء :إن هللا تعالى أمر إبراهيم ببناء الكعبة فلما بنى الكعبة قال :ربنا تقبل َّ
منا :فأوحى هللا تعالى إليه :يا
إب راهيم أنا أمرتك ببناء البيت وخصصتك من بين األنبياء بذلك ومننت عليك بذلك ووفقتك لما وفقتك أال تستحى أن
تمن على ،ويقول :ربنا تقبل منى نسيت منتى وذكرت رؤية فعلك ،قال :واجنبنى وبنى أن تعبد األصنام أى نفسى شر
صنم إذا تابعت هواها .واشتغلت بحظها فاشغلها بك ،واقطعها عما سواك.
قال الجنيد :واجنبنى وبنى ،أى امنعنى وبنى أن نتقرب إليك بشىء سواك.
قال بعضهم :لما هرب الخليل فى استرزاقه للمؤمنين ،بأن قيل له :ومن كفر ،فلما قال :ومن عصانى ،لم يدع عليهم
ِ
يم} أى من صفتك الغفران والرحمة وليس لى على عبادك يد. لكن قالَ { :فِإَّن َك َغُف ٌ
ور َّرح ٌ
قال ابن عطاء :أسكنتهم حضرتك بإخراجى إياهم عن حدود المعلومات والمرسومات.
قال آخر :سهلت عليهم طريق الرجوع إليك ليالً بمجرهم فى الكونين عنك شىء.
قال بعضهم :علمتهم بذلك طريق التوكل وترك االعتماد على األسباب.
قال ابن عطاء :من انقطع عن الخلق بالكلية صرف هللا تعالى إليه وجوه الخلق وجعل مودته فى صدورهم ومحبته فى
اس اج َع ْل أَ ْفِئ َد ًة ِم َن َّ
الن ِ قلوبهم وذلك من دعاء الخليل لما قطع بأهله عن الخلق واألرزاق واألسباب ،دعا لهم فقالَ{ :ف ْ
تَ ْه ِوي ِإَل ْي ِه ْم}.
قال أبو عثمان :طهر سرك وأعمر باطنك وأصلح خفيات أمورك ،فإن هللا ال يخفى عليه شىء وهو الذى يعلم ما
نخفى وما نعلن.
وقال الحسين :ربنا إنك تعلم ما نخفى من الصحبة وما نعلن من الوجد.
قال أحمد بن حضرويه :لو أذن لى فى الشفاعة ما بدأت إال بظالمى ،قيل له كيف؟ قال :ألنى نلت بظالمى ما لم
َّ ِ أنله من والدى .قيل :وما ذاك؟ قال تعزية هللا تعالى فى قوله{ :والَ تَحسب َّن َّ ِ
َّللاَ َغافالً َع َّما َي ْع َم ُل الظال ُمو َن} وقال ً
أيضا: َ ْ ََ
سفرا ،إال أن يكون فيه معى من يؤذينى ويظلمنى شوًقا منى لتغذية هللا للمظلومين. ال أغتنم ً
قال بعض المتقدمين :الظلم على ثالثة أوجه :ظلم مغفور ،وظلم محاسب ،وظلم غير مغفور.
فالظلم المغفور ظلم الرجل نفسه ،والظلم المحاسب ظلم الرجل أخاه والظلم الذى ال يغفر هو الشرك.
قال ابن عطاء :هذه صفة قلوب أهل الحق .أال ترى األهواء ً
قائما بالمشيئة واإليرادة غير قائمة بعالقة ،كذلك قلوب
أهل الحق ال تلتفت إلى سواه وال قرار لها مع غير هللا تعالى.
ِ َّ ِ ِ
ال ف َف َعْلَنا ِب ِه ْم َو َ
ض َرْبَنا َل ُك ُم األَ ْمثَ َ َّن َل ُك ْم َك ْي َ
َنف َس ُه ْم َوَتَبي َ
ظَل ُموْا أ ُ َو َس َكنتُ ْم في َم َسـٰك ِن الذ َ
ين َ
ِ َّ ِ ِ
َنف َس ُه ْم} [اآلية.]45 :
ظَل ُموْا أ ُ {و َس َكنتُ ْم في َم َسـٰك ِن الذ َ
ين َ قوله عز وجلَ :
الفساق وأهل المعاصى من غير ضرورة من فسق كامن ،ومعصية مستترة فى القلب ألن هللا
قال أبو عثمان :مجاورة َّ
ِ َّ ِ ِ
َنف َس ُه ْم} ولم يعذر من أقام فيها وقال{ :أََل ْم تَ ُك ْن
ظَل ُموْا أ ُ {و َس َكنتُ ْم في َم َسـٰك ِن الذ َ
ين َ تعالى ذم فريًقا من عباده .فقالَ :
يها} [النساء.]97 : ِ ِ أَرض َّ ِ ِ
َّللا َواس َع ًة َفتُ َهاج ُروْا ف َ ْ ُ
ض َغ ْي َر األ َْر ِ
ض} [اآلية.]48 : {ي ْوَم تَُبَّد ُل األ َْر ُ
قوله عز وجلَ :
قال الواسطى فى هذه اآلية :ذلك لما يظهر من كشف حقائقه فى بنى آدم من أنبيائه وأوليائه ،ألن األرض والسماوات
ال تثبت على ما يثبت ،يظهر على األبدان من أنوار الحق.
إنذار لهم.
إعذار إليهم ،و ًا
ًا قال بعضهم :كشف للخلق ما ندبوا به وأمروا له وجعل ذلك
ِِ َّ ِ
ين ُّرَب َما َي َوُّد الذ َ
ين َكَف ُروْا َل ْو َك ُانوْا ُم ْسلم َ
َّ ِ
{رَب َما َي َوُّد الذ َ
ين َكَف ُروْا} فسقوا لو كانوا مجتهدين ،وربما يود الذين كسلوا لو كانوا مجتهدين ،وربما يود قال بعضهمُّ :
الذين نسوا لو كانوا ذاكرين.
قال عبد هللا بن المبارك :ما خرج أحد من الدنيا مؤمن وال كافر إال على ندامة ،ومالمة لنفسه فالكافر لما يرى من
سوء ما يجازى به ،والمؤمن لرؤية تقصيره فى القيام بواجب الخدمة وترك الحرمة وشكر النعمة.
َّ ِ
{رَب َما َي َوُّد الذ َ
ين َكَف ُروْا} يعنى جهلوا نعم هللا تعالى عندهم ،وعليهم قال ابن الفرجى :الكفر ههنا كفران النعمة ومعناهُّ :
أن لو كانوا شاكرين عارفين برؤية الفضل والمنة.
قال أبو عثمان :أسوأ الناس حاالً من كان شغله ببطنه ،وفرجه ،وتنفيذ شهواته حينئذ ال تلحقه أنوار العصمة ،وال
ابدا إلى مقام التوبة.
يصل ً
قال أبو سعيد القرشى :فى هذه اآلية من شغلته تربية نفسه ،وطلب مرادها ،والتمتع بهذه الفانية عن إقبال علينا
فأعرض عنهم ،وال تقبل عليهم ،وذرهم وما هم فيه فلن يصل إلينا إال من كان لنا ولم يكن لسوانا عنده قدر ،وال
خطر.
قال بعضهم :التزين بالدنيا من أخالق المنافقين ،والتمتع بها من أخالق الكافرين.
{وإَِّنا َل ُه َل َح ِاف ُ
ظو َن} .قال ابن عطاء :أى حفظه فى قلوب أوليائه ويستعمل جوارح الخاص من عبادنا. َ
قال بعضهم :زين هللا تعالى السماء بالكواكب والبروج وجعلها عالمات ُيهتدى بها فى ظلمات البر والبحر .وزين
القلوب باطالعه عليها ،وبأنواع األنوار ليهتدى بتلك األنوار إلى مقامات المعرفة وهذه العالمات إنها يهتدى بها من
كان يصير مفتوح عين فؤاده ينظر إليه نظر عيان.
بالخواطر التى ترد على القلوب كاستراق سمع الجن ألخبار السماء.
ظاهر بالجبال الرواسى ،وفى الحقيقة هو مقام أوليائه من خلقه ،بهم ُيدفع
ًا قال بعضهمَّ :
مد األرض بقدرته ،وأمسكها
البالء عنهم ،ولمكانهم يصرف المكاره ،ومن فوقهم األوتاد ،ومن فوقهم الرواسى ،فإلى المفزع مرجع العباد ومفزعهم
ومرجع المفزع إذا هال األمر إلى األوتاد ،ومرجع األوتاد إذا استعظم األمر إلى الرواسى وهم خواص األولياء.
َوإِن ِمن َشي ٍء ِإالَّ ِع َندَنا َخ َزِائُن ُه َو َما ُنَن ِزُل ُه ِإالَّ ِبَق َد ٍر َّم ْعُلو ٍم
ْ
{وإِن ِمن َشي ٍء ِإالَّ ِع َندَنا َخ َزِائُن ُه} [اآلية.]21 :
قوله عز وجلَ :
ْ
قيل :إن الجنيد .كان إذا ق أر هذه اآلية قال :فأين تذهبون؟
قال بعضهم :خزائن الحق عند الخلق القلوب أودع فيها أجل شىء؛ وهو التوحيد ،وزينها بالمعرفة ،ونورها باليقين،
ويحدها بالتفويض ،وعمرها بالتوكل ،وزخرفها باإليمان.
قيل :قال النبى صلى هللا عليه وسلم" :قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء" وجعل أثار
أنوار القلوب على الجوارح من التسارع إلى الطاعات والتثاقل عن المعاصى ،والمخالفات ،وهذا دليل لما قلت من
الكرامات.
قال حمدون الفصال :قطع أطماع عبيده عن سواه بقوله ،وإن من شئ إال عندنا خزائنه فمن دفع بعد هذا حاجة إلى
غيره فهو لجهله ولومه.
".
الخراز :فى هذه اآلية بالغ لمن عقل أن خزائن األشياء عند الحق ،وبيده فال يرجع إلى غيره فى أمر
قال أبو سعيد َّ
دنياه ،وآخرته إال لمن لم يصدق قوله ،ولم يؤمن به.
قال ابن عطاء :فى هذه اآلية النظر إلى شواهد القسم سكت النفوس عن الحكم.
ين اكموهُ ومآ أ َْنتُم َل ُه ِب َخ ِِ َنزلنا ِمن َّ ِ ِ َوأ َْرَسْلَنا ِ
ازن َ َسَق ْيَن ُ ُ َ َ ْ اء َفأ ْ
الس َمآء َم ً اح َل َواق َح َفأ َ ْ َ َ
الرَي َ
قال بعضهم :رياح الكرم ،إذا هبت على أسرار العارفين أعتقهم من هواجس أنفسهم ،ورعونات طباعهم ،وفساد
أهوائهم ،ومراداتهم ،وأظهر فى القلوب نتائج الكرم ،وهو االعتصام باهلل تعالى ،واالعتماد عليه ،واالنقطاع عما سواه.
فقلوب تلقح بالبر ،وقلوب تلقح بالفجور ،كما فى الخبر قلوب األبرار تغلى بالبر ،وقلوب الفجار تغلى بالفجور.
ِ
َو َّإنا َلَن ْح ُن ُن ْحِيي َوُنم ُ
يت َوَن ْح ُن اْل َو ِارثُو َن
ِ
{و َّإنا َلَن ْح ُن ُن ْحِيي َوُنم ُ
يت} [اآلية.]23 : قوله عز وجلَ :
اما بالمعصية.
اما بالطاعة ،ونميت أقو ً
قال بعضهم :نحيى أقو ً
قال أبو بكر الوراق :نحيى القلوب بنور اإليمان ،ونميت النفوس باتباع الشهوات.
قال الخراز :الحى من العباد من بالحق حياته ،والميت منهم من بحركاته بقاؤه.
ين ِم ُ
نك ْم} [اآلية.]24 : ِِ ِ
{وَلَق ْد َعل ْمَنا اْل ُم ْستَْقدم َ
قوله عز وجلَ :
قال ابن عطاء :من القلوب قلوب همتها مرتفعة عن األدناس ،والنظر إلى األكوان ،ومنها ما هى مربوطة بها مقترنة
بمحاسنها ،ال ينفك منها طرفة عين.
قال بعضهم :األشباح مردودة إلى قيمتها ألنها أُخرجت من تحت ذل كن وأطهرت من الصلصال والحمأ المسنون.
قال أبو عثمان :فإذا خصصته بإظهار النعت عليه من خصائص الروح ،وبيان التوبة فدعوا مجادلتهم وارجعوا إلى
حد القهر ،والتعبد فى السجود له.
قال بعضهم :أبصرت المالئكة من آدم هيكله وشخصه ،ولم يشاهدوا إضافة الروح إليه ،واختصاص الخلقة به،
واستقامة التوبة وتعليم األسماء واإلشراف على الغيب فنكلوا عن السجود فلما أظهر الحق تعالى بهذه الخصائص
عليه ،سجدوا وقالوا :سبحانك أنت تخص من تشاء من عبادك بخصائص الوالية ،وتنعته بنعوت الربانية ،وتجذبه إلى
بساط القربة وأنت الفعال لما تريد.
قال الواسطى :الفرق بين روح آدم ،وبين األشياء تسوية الخلقة ،وتخصيص اإلضافة فقربت من هللا تعالى ،وعرفته،
ومكنتها من حكمه فغيبت ،ورجعت إليه باإلشارة ،وقطعت عنه العبادة وذلك كله من عز الفخر إذا لم يلبسها ذل
القهر زينها بخلقه فتخلقت بخلقه وتأدبت بصفته ،وكانت به تنطق ،وبإشارته تعقل وهذا تفسير قوله { َفِإ َذا َسَّوْيتُ ُه}.
قال أبو عثمان :فتح هللا تعالى أعين المالئكة بخصائص آدم ،وأعمى عين إبليس عن ذلك فرجعت المالئكة إلى
االعتزاز ،وأقام إبليس على منهج االحتجاج بقوله {أََن ْا َخ ْيٌر ِم ْن ُه} [األعراف ،12 :ص.]76 :
اللعن َة ِإَلى يو ِم ِ
الد ِ َّ
ين َوإِ َّن َعَل ْي َك ْ َ ٰ َ ْ
قال الواسطى :اللعنة التى لم تزل تستحقه منى وإن كانت األوقات جرت عليك بزينة السعادة.
ين ِ ُغ ِويَّنهم أَجم ِعين * ِإالَّ ِعباد ِ َغوْيتَِني أل َُزيَِن َّن َل ُهم ِفي األ َْر ِ ِ ِ
ك م ْن ُه ُم اْل ُم ْخَلص َ
ََ َ ض َوأل ْ َ ُ ْ ْ َ َ ْ ال َرب ب َمآ أ ْ َ
َق َ
ين} [اآلية.]40 -39 : ِ ُغ ِويَّنهم أَجم ِعين ِإالَّ ِعباد ِ قوله عز وجل{ :أل َُزيَِن َّن َل ُهم ِفي األ َْر ِ
ك م ْن ُه ُم اْل ُم ْخَلص َ
ََ َ ض َوأل ْ َ ُ ْ ْ َ َ ْ
وعلنا.
وسر ًوباطنا ًا
ً ظاهر
ًا قال أبو حفص :العبد المخلص من ال يخالف سيده
قال أبو عثمان :المخلص من العبيد هم الواقفون مع هللا تعالى عند حدوده.
فارسا يقول :قال ذو النون :أو سهل :الناس كلهم موتى إال العلماء،
سمعت أحمد بن على بن جعفر يقول :سمعت ً
والعلماء كلهم نيام إال العاملون ،والعاملون كلهم مغترون إال المخلصين ،والمخلصون على خطر عظيم.
قال النصرآباذى :المخلص على خطر عظيم ألنه بإياه والمخلص جاوز حد الخطر ألنه بغيره ال به.
ِ َّ
ان ِإال َم ِن اتََّب َع َك م َن اْل َغ ِاو َ
ين طٌ ِإ َّن ِعَب ِادي َل ْي َس َل َك َعَل ْي ِه ْم ُسْل َ
قال بعضهم :عبادى الذين أوصلتهم إلى قربى من غير كلفة وال سابقة أفنيتهم عن صفاتهم وزينتهم بإظهار صفاتى
عليهم فهم مع الخلق بالهياكل ،ومعى باألرواح والسرائر ال عليهم من الخلق أثر ،وال لهم مما هم فيه خبر أولئك هم
عبادى حًقا ليس لهم مطلب سواى وال مرجع إال إلى هم هم ال بإياهم بل أنا أنا وال هم هم ،فال صفة لهم ،وال أخبار
عنهم لفنائهم عنهم ،وبقائهم بى.
قال بعضهم :من اتقى الشرك فهو فى بساتين وأنهار ،ومن اتقى هللا فهو فى حظيرة القدس فى مقعد صدق عند
مليك مقتدر.
قال الواسطى :من اتقى هللا لعوض جعل ثوابه عليه ما يرجوه ،ويأمله ومن اتقى ال لعوض فالحق عوض له من كل
ثواب.
قال أبو حفص :كيف يتقى الغل فى قلوب ائتلفت واتفقت على محبته ،واجتمعت على مودته وأنست بذكره .إن ذلك
لقلوب صافية من هواجس النفوس وظلمات الطبائع .بل كحلت بنور التوفيق ،فصاروا إخو ًانا على سرر متقابلين.
ِ ِ
ص ٌب َو َما ُه ْم م ْن َها ِب ُم ْخ َرِج َ
ين يها َن َ
الَ َي َم ُّس ُه ْم ف َ
قال النصرآباذى :أى نصب يلحق فى المجاورة لمن عقل ولمن انتبه فأى راحة للحدث فى جنب القدم .هل هو إال
تعذيب واستهالك؟.
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم اإلسكندرانى يقول :سمعت أبا جعفر يقول :الملطى يذكر عن
الر ْح َمـ ِٰن} قال :حملة الخلق من جهة الخلقة ال على بن موسى الرضى عن أبيه عن جعفر الصادق فى قولهِ :
{عَب ُاد َّ
من جهة المعرفة( ،وعبادى) تخصيص فى العبودية ،والمعرفة.
قال :أقم عبادى بين الخوف والرجاء ليصح لهم سبل االستقامة فى اإليمان فإنه من غلب عليه رجاؤه عطله ،ومن
غلب عليه خوفه أقنطه.
ال أََب َّش ْرتُ ُموِني َعَل ٰى أَن َّم َّسِني اْل ِكَب ُر َفِبم تَُب ِش ُرو َن
َق َ
َ َ
قوله عز وجل{ :أََب َّش ْرتُ ُموِني َعَل ٰى أَن َّم َّسِني اْل ِكَب ُر َفِب َم تَُب ِش ُرو َن} [اآلية.]54 :
َ
قال الجوزجانى :أتاكم الكبر أيام القنوط من الدنيا وما فيها واإلقبال على اآلخرة ،وما عند هللا .أال ترى أن إبراهيم عليه
السالم لم يقبل البشرى بالولد من المالئكة عند الكبر وقالَ { :فِب َم تَُب ِش ُرو َن} إلى أن ذكروا له أن البشرى من هللا تعالى
فزال عنه القنوط لعلمه بقدرة هللا على ما يشاء.
قال بعضهم :أحوال النبى صلى هللا عليه وسلم بين جذب وحجب ،وإذا حجب بقوله :لعمرك ،وإذا صرف جذب
ض األََق ِاو ِ
يل} [الحاقة.]44 : {وَل ْو تََقَّو َل َعَل ْيَنا َب ْع َ
لقولهَ :
قال جعفر :لعمرك أى بحياتك يا محمد إن الكل فى سكرة الغفلة ،وحجاب البعد إال من كنت وسيلته ،ودليله إلينا.
قال بعضهمَ{ :لِفي َس ْك َرِت ِه ْم َي ْع َم ُهو َن} أى :فى شغل الدنيا يتحركون.
ك} ألن حياته كانت به ،وهو فى قبضة قال القرشى :أقسم هللا تعالى بحياة محمد صلى هللا عليه وسلم فقالَ{ :ل َع ْم ُر َ
ك} أى بحياة مثلك يكون القسم فإن
الحق وبساط القرب ،وشرف االنبساط ،ومقام اإلنفاق ،فأقسم بحياته ،فقالَ{ :ل َع ْم ُر َ
الكل زاغوا ،وما زغت ،وطغوا ،وما طغيت وسألوا وما سألت حتى بدأناك باإلجابة قبل السؤال فحياتك غير الحياة التى
حى بحياتنا وغير مباين منا بحال.
كانت بها حياة الخلق قبلك ،وبه حياة القلب فإنك ُّ
ٍ ِ ِِ ِ ِ
ين ِإ َّن في َذل َك َ
آليات لْل ُمتََوسم َ
روى عن النبى صلى هللا عليه وسلم أنه قال" :اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور هللا" .ثم قرأِ{ :إ َّن ِفي َذلِك آلي ٍ
ات َ َ
ين}. ِ ِِ
لْل ُمتََوسم َ
ٍ ِ ِِ ِ ِ
ين} قال هم :المتصفحون المتفرسون. قال هللا تعالىِ{ :إ َّن في َذل َك َ
آليات لْل ُمتََوسم َ
قال بعضهم( :المتوسمون) هم المتفرسون فإذا أردت أن تعرف بواطنهم فى الحقيقة فانظر إلى تصاريف أخالقهم
ومواقيت أشجانهم.
المكنون من اآلفات المستك ن فى النفوس فى األحوال المستخفة عن حمل عوام الخلق ،وذلك مخصوص به الرسل كما
كان للنبى صلى هللا عليه وسلم فى عبد بن زمعة حين قال" :إن أمرها ليبن لوال حكم هللا تعالى
".
والثانى :تجلى ما استودع الحق فى النفوس فى األحكام الخفية علمها على الخلق المنفرد به الحق ويكشف ذلك ألهل
التخصيص من الصديقين واألولياء بعد األنبياء صلوات هللا عليهم .كما قال أبو بكر الصديق :رضى هللا عنه إنما
هما أخواك وأختاك.
والثالث :ذكر اطالع القلوب عندما انكشف له من الغيب البعيد ما فيه ،وهذا مقرون باإللهام .كما قال عمر رضى هللا
عنه "يا سارية الجبل".
روحه بطهارة قدسه وذكى قلبه بأنوار هدايته فتقسم روحه بخفى ما
الحق َ
ُّ صَّفى
قال بعضهم :صفة المتفرس من َ
استودع الحق خفيات الوجود فذلك النور والحكم ُيسمى فراسة.
قال بعضهم :الفراسة إدراك الشىء على حقيقته ال يزول وال يغير ألن الناظر إذا نظر بالحق أخبر عن حقيقة.
سئل الحسين عن الفراسة :فقال :حق نظر برياه فخبر عن حقيقة ما هو إياه بإياه.
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت الخلدى يقول :سمعت أبا حفص الحداد يقول :الفراسة هى أول خاطر بال
معارض فإن عارض معارض من جنسه فهو خاطر ،وحديث نفسى.
قال أبو حفص :ليس ألحد أن يرعى لنفسه الفراسة ،ولكن يجب أن تتقى من فراسة الغير فيه ألن النبى صلى هللا
عليه وسلم قال" :اتقوا فراسة المؤمن" ،ولم يتفرسوا فى المؤمنين.
وسئل أبو عثمان عن الفراسة .فقال :آيات الربانية تظهر فى أسرار العارفين ،فتنطق ألسنتهم بذلك ،فيصادف الحق.
قال بعضهم :صفح ال توبيخ ،وال حقد بعده ،الرجوع إلى ما كان قبل مالبسته المخالفة.
أخبرنا أبو بكر الرازى قال حدثنا جعفر الخلدى حدثنا ابن مسروق حدثنا حسن بن مواتا الثعلبى حدثنا يعقوب بن
يل} قال ِ
الصْف َح اْل َجم َ
اصَف ِح َّ
حميد حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن الحنفية عن على فى قولهَ{ :ف ْ
هو الرضا بال عتاب.
سمعت منصور بن عبد هللا األصبهانى ،ويقال الهروى يقول :سمعت أبا القاسم اإلسكندرانى يقول :سمعت أبا جعفر
الملطى يقول عن على بن موسى الرضى عن أبيه عن جعفر فى هذه اآلية.
قال :أكرمناك ،وأنزلنا إليك ،وأرسلناك ،وألهمناك ،وهديناك ،وسلطناك ثم أكرمناك سبع كرامات.
ِ ِ الَ تَمَّد َّن عيَنيك ِإَلى ما متَّعَنا ِب ِه أ َْزواجاً ِم ْنهم والَ تَح َزْن عَلي ِهم و ْ ِ
اح َك لْل ُم ْؤ ِمن َ
ين ض َجَن َ
اخف ْ َْ ْ َ ُْ َ ْ َ َْ ْ َ ٰ َ َ ْ ُ
قوله{ :الَ تَ ُمَّد َّن َع ْيَن ْي َك ِإَل ٰى َما َمتَّ ْعَنا ِب ِه أ َْزَواجاً ِم ْن ُه ْم} [اآلية.]88 :
ين َع َّما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن} [اآلية.]93-92 : قال يوسف بن الحسين قولهَ { :فوربِك َلنسأََلَّنهم أ ِ
َج َمع َ
ََ َ َ ْ ُْ ْ
قال الواسطى :غفلة العامة هى المسئول عنها أهل الحقائق من حركات األطراف وخطرات القلب ،وهواجس السر.
قال الجنيد :لنسألن أهل الحقائق عن تصحيح ما أظهروه للناس من الدعاوى ،وتحقيقها.
قال الواسطى :يطالب األنبياء ،واألولياء بمثاقيل الذر لدنو رتبتهم ،وال يطالب للعام بذلك لبعدهم عن مصادر النبيين
صلوات هللا عليهم أجمعين.
قال بعضهم :نسئلهم عن كل حركة وسكون فبماذا كانت حركتهم ،ولماذا كان سكونهم ،وبلغنى عن بعض المشايخ.
قال لبعض المريدين إياك ،وهذه الدعاوى فإن هللا تعالى سائلك عنها قال :المريد لو علمت أن هللا تعالى يكلمنى يوم
القيامة ،أو يسألنى عن هذا لما كان منى فى طول عمرى إال هذا وأنا ممن يصلح لمخاطبة الحق ،وللوقوف بين يديه
وسقط ومات رحمه هللا.
ِ
بجهلهم وحدهم فيكم ثم أمرهم بلزوم طاعته يقولَ { :ف َسِب ْح ِب َح ْمد َرب َ
ِك} [اآلية.]98 :
قال الواسطىَ { :فسِبح ِبحم ِد ربِك} عن أن يظلمك فيما سلطه عليك{ ،وُكن ِمن َّ ِ
السا ِجد َ
ين} من الخاضعين لقضائه. َ ْ َ َ ْ َْ َ َ
ِ ِ
َّك َحتَّ ٰى َيأْتَي َك اْلَيق ُ
ين اعُب ْد َرب َ
َو ْ
قال الواسطى :حتى يأتيك اليقين :أنه ال إله يسوق إليك المكاره ويصرفها عنك إال هللا وال إله يسوق إليك َ
المحاب
ويصرفها عنك إال هو.
وقال وفى قوله :واعبد ربك :أى ال تالحظ غيره فى األوقات حتى يأتيك اليقين فيتحقق عندك أنك ال تحس بغيره
الحق ،وال ترى إال الحق وال يحادثك إال الحق.
اعتمادا عليه حتى يأتيك اليقين بأن األمر كله إليه وأنه تولى إضالل من أضل
انقطاعا إليه و ً
ً َّك}
اعُب ْد َرب َ
{و ْ
وقيلَ :
وهداية من هدى قال ابن عطاء :لم يرض من نبيه صلى هللا عليه وسلم لمحة عين إال فى عبادته ،وقال من نظر
إلى معبود سقط عن عبادته ،ومن نظر إلى عبادته .سقط عن معبوده.
ِ ِ
ابتداء وانتهاء
ً َّك َحتَّ ٰى َيأْتَي َك اْلَيق ُ
ين} أى حتى تستيقن أنك ال تعبده وال يعبده أحد حق العبودية. اعُب ْد َرب َ
{و ْ
قال الحسينَ :
واستوجب ما ال بد من مكافأته.
َّللاِ َفالَ تَ ْستَ ْع ِجُلوهُ ُس ْب َح َان ُه َوتَ َعاَل ٰى َع َّما ُي ْش ِرُكو َن
أَتَ ٰى أ َْم ُر َّ
قال بعضهم :ظهر كرامات هللا تعالى من هو لها أهل فال ينكروا ذلك وهو الحق ،أو يعجزوه فى إظهار كر ٍ
امة على
عبد من عبيده.
َن أ َْن ِذ ُروْا أََّن ُه الَ ِإَلـ َٰه ِإالَّ أََن ْا َفاتَُّقو ِن الئ َك َة ِباْلُّرو ِح ِمن أَم ِِره عَلى من ي َش ِ ِ ِ ِ
آء م ْن عَباده أ ْ
ين ِزل اْلم ِ
َُ ُ َ
ْ ْ َ ٰ َ َ ُ
آء ِم ْن ِعَب ِادِه} [اآلية.]2 : ِِ ِ ِ ِ قوله عز وجلِ ُ :
{يَنزُل اْل َمالئ َك َة باْلُّرو ِح م ْن أ َْمره َعَل ٰى َمن َي َش ُ
فقال :من أنذر أو حذر فقد قام مقام األنبياء وربما يأتى أمره بالبالء ،وربما يأتى أمره بالرحمة ،فالصبر فى األوقات
والرضا بأمر هللا ،ذلك لكل أواب حفيظ :حفظ أوقاته وال يضيع أيامه.
قال ابن عطاء :المحدث من العباد من يكلمه الملك فى سره ويطلعه على خصائص الغيوب ويفتح لروحه طريًقا إلى
آء ِم ْن ِعَب ِادِه}. ِِ ِ ِ ِ اإلشراف على القرب ،قال هللا تعالىِ ُ :
{يَنزُل اْل َمالئ َك َة باْلُّرو ِح م ْن أ َْمره َعَل ٰى َمن َي َش ُ
قال :المحمول على بساط الرفاهية والحامل فى مفاوز المشقة فمن حمل فقد كفى ومن أهمل فقد ضيق عليه لذلك.
قال{َّ :لم ت ُكونوْا بالِ ِغ ِ
يه} بأنفسكم وتدبيركم إال بشق األنفس .وربما يهون على من يشاء من عباده حتى ال يصيبه في ْ َ ُ َ
سيره تعب وال نصب كذلك سير العارفين من سير الزاهدين.
وها َوِز َين ًة َوَي ْخُل ُق َما الَ تَ ْعَل ُمو َن ِ ِ ِ
ال َواْل َحم َير لتَ ْرَكُب َ
َواْل َخْي َل َواْلب َغ َ
قال بعضهم :علمك الحق الوقوف عندما ال يدركه عقلك من آثار الصنع وفنون العلوم أن تقابله باإلنكار فإنه خلق ما
{وَي ْخُل ُق َما الَ تَ ْعَل ُمو َن}.
ال تعلمه أنت وال يعلمه أحد من خلقه إال من علمه الحق أال تراه يقولَ :
قال القاسم :يقدر عليكم من أفعالكم ما ال تعلمون إال فى وقت مباشرته وهو عالم به ألنه الذى قدر وقضى.
السِب ِ
يل} [اآلية.]9 : ص ُد َّ قوله عز وجل{ :وعَلى َّ ِ
َّللا َق ْ ََ ٰ
قال الواسطى :على هللا أن يهدى إلى قصد السبيل ما هو جائر وهللا تعالى سبب الجائر والسبيل القصد وهو السلوك
على أنوار اليقين والجائر من السبل ،سبل التوهم والدعاوى.
قال جعفر الصادق :سخر لكم ما فى السماوات من األمطار وما فى األرض من النبات وما فى الليل والنهار من
أنواع الدواب وسخر لك المالئكة يسبحون لك وما فى األرض من األنعام والبهائم والفلك والخلق وسخر لكم الكل لك
مسخر لمن سخر لك هذه األشياء .فإنه سخر لك كل شىء وسخر قلبك لمحبته ،ومعرفته
ًا ال يشغلك منه شىء وتكون
وهو حظ العبد من ربه.
وعالم ٍ
ات َوب َّ
ِالن ْج ِم ُه ْم َي ْهتَ ُدو َن ََ َ
قال المالكى :طريق الهداية له أعالم فمن استدل باألعالم بلغ إلى محل الهدى وكوشف عن معدن النجوى ومن
عالما بسراها وصل إلى غاية المنتهى من الطريق وال دليل على
استدل بنجوم المعرفة ومر فى طريق الهداية وكان ً
الحق سواه وال عالمة تخبر عنه وهو الدليل على نفسه ليس ألحد إليه سبيل وال لخلق عليه دليل فمن وصل إليه فيه
وصل ومن انقطع عنه فسوابق قضائه عليه.
وحنينا وأصالً
ً انتهاء
ابتداء و ً
ودينا وطاعة ومعصية و ًوروحا وعقالً ومحبة ومعرفة ً
ً وقلبا
نفسا ً
قال ابن عطاء :إن لك ً
ووصالً فنعمة النفس الطاعات واإلحسان والنفس فيهما .تتنعم ونعمة القلب والروح الخوف والرجاء وهى فيهما تنعم
ونعمة القلب اليقين واإليمان وهو فيها يتقلب ونعمة العقل الحكمة والبيان وهو فيهما يتقلب ونعمة المعرفة الذكر
والقرآن وهو فيها يتقلب ونعمة المحبة واأللفة والمواصلة واألمن من الهجران وهو فيهما يتقلب هذا تفسير قوله تعالى:
وهآ}. {وإِن تعُّدوْا ِنعم َة َّ ِ
ص ََّللا الَ تُ ْح ُ َْ َ َُ
ومن كان بين طرفى عدم فهو معدوم والحى هو الذى لم يزل وال يزال.
وقال بعضهم :أموات عن الوصول إلى الحق غير أحياء به وما يشعرون وإنما يشعر ذلك من كشف له عن محل
الحياة بالحق.
قال الحسين :الحياة على أقسام فحياة بكلماته وحياة بأمره وحياة بقربه وحياة بنظره .وحياة بقدرته وحياة هى الموت
َحَي ٍآء َو َما َي ْش ُع ُرو َن}.
ات َغ ْي ُر أ ْ
وهى الحركات المذمومة وهو قوله{ :أ َْمو ٌ
قال سهل بن عبد هللا :خلق هللا تعالى الخلق ثم أحياهم باسم الحياة ثم أماتهم بجهلهم بأنفسهم فمن حيى بالعلم فهو
الحى وإال فهم موتى بجهلهم.
قال أبو عثمان :للذين أحسنوا فى ابتداء أحوالهم الرجوع إلى محل المحسنين.
قال يوسف بن الحسين :للذين أحسنوا آداب الخدمة واستعملوها .الرفعة إلى محل األولياء وهو غاية الحسنى.
وقال بعضهم :للذين أحسنوا مجاورة نعم هللا فى الدنيا إتمام النعمة من هللا تعالى عليهم فى اآلخرة.
الم َعَل ْي ُكم ْاد ُخُلوْا اْل َجَّن َة ِب َما ُك ْنتُ ْم تَ ْع َمُلو َن َّال ِذين تَتَوَّفاهم اْلم ِ
ُ طِيِب َ
ين َيُقوُلو َن َس ٌ الئ َك ُة َ َ َ ُُ َ
{ال ِذين تَتَوَّفاهم اْلم ِ
قوله عز وجلَّ :
طِيِب َ
ين} [اآلية.]32 : الئ َك ُة َ َ َ ُُ َ
وقال أبو حفص :ضياء األبدان بمواصلة الخدمة .وضياء األرواح باالستقامة.
قال سهل :العبادة زينة العارفين وأحسن ما يكون العارف إذا كان فى ميادين العبودية والحذوة بترك ما له لما عليه.
قال الواسطى :السعادة والشقاوة والهدى والضالل جرت فى األزل بما ال تبديل وال تحويل وإنما يظهر فى األوقات
رسما على األجسام والهياكل ال صنع فيه ألحد وليس يقدر عليها خلق بل جرت فى األزل بعلم سابق قصر عنها أيد
ً
األنبياء وألسن األولياء بقوله :إن هللا ال يهدى من يضل.
ِ ٍ ِ ِ
إَّن َما َق ْوُلَنا ل َش ْيء إ َذآ أ ََرْدَناهُ أَن َّنُق َ
ول َل ُه ُك ْن َفَي ُكو ُن
ِ ٍ ِ ِ
قال القحطبى :فى قوله{ :إَّن َما َق ْوُلَنا ل َش ْيء إ َذآ أ ََرْدَناهُ أَن َّنُق َ
ول َل ُه ُك ْن َفَي ُكو ُن}.
سئل بعضهم :أما كان يكفى اإلرادة والمشيئة حتى ظهر قوله كن قال خفيت اإلرادة والمشيئة فأظهر األكوان فى
العلوم وظهر لفظة كن فأخرج بها األكوان إلى الوجود.
قال الواسطى :إنما قولنا لشىء إذا أردناه :أنه على قدر المعارف أشار إلى القدرة فأما الحقيقة فليس للحق مكون كما
أنه ليس له موجود إذا لم يكن له معدوم فإذا كانت األشياء بذاته ظهرت وبه وجدت ال بصفاته فلم يزل كما ال يزال
إال أنه لم يكن أظهر بعضهم لبعض ظهور األشياء بذاته ال بصفاته.
قيل :ليس المراد منه ما ذكر ولكن التقريب إلى األفهام ال أن فيه لفظة كن ،وهللا أعلم.
قال بعضهم :الصبر هو العزم على مخالفة المراد والتوكل هو السكون فى حال المنع والعطاء.
قال إبراهيم الخواص :التوكل هو االكتفاء بعلم هللا فيك من تعلق القلب بسواه.
اس َما ُن ِزَل ِإَل ْي ِه ْم َوَل َعَّل ُه ْم َيتََف َّك ُرو َن الزب ِر وأَن ْزلنا ِإَليك ِ
الذ ْك َر لِتَُبِي َن لِ َّلن ِ ِ
ِباْلَبِيَنات َو ُّ ُ َ ْ َ َ ْ َ
قوله عز وجل{ :وأَن ْزلنا ِإَليك ِ
الذ ْك َر لِتَُبِي َن لِ َّلن ِ
اس َما ُن ِزَل ِإَل ْي ِه ْم} [اآلية.]44 : َ َْ َ ْ َ
قال ابن عطاء :قطع عقول الخلق عن فهم كتابه واإلشراف عليه والتبين منه إال عقل النبى صلى هللا عليه وسلم فإنه
اس} وإن كان فيه أحكام الخلق فالخطاب معك وأنت صاحب البيان لهم بما أنزل قال له{ :وأَن ْزلنا ِإَليك ِ
الذ ْك َر لِتَُبِي َن لِ َّلن ِ َ َْ َ ْ َ
عليك ألنهم فى مقام الوحشة وأنت فى محل الحظور واإليمان فبيان الكتاب ما نبينه وآداب الشريعة ما ترسمه ألنك
أنت األمين فى جميع األحوال ال يؤتمن على أسرار الخلق إال األمناء من العبيد .وأنشأ فى معناه.
أنجاسا
ً وأيدوه مكـان األنس وجانبوه فلـم يسـعد لقربهـم
ين واْل َّشم ِآئ ِل س َّجداً ََِّّللِ وهم َد ِ ِ َّللا ِمن َشي ٍء يتََفي ِ ِ
اخ ُرو َن َ ُْ ُ َّؤْا ظالَُل ُه َع ِن اْلَيم ِ َ َ
ْ َ ُ أ ََوَل ْم َي َرْوْا إَل ٰى َما َخَل َق َّ ُ
قال أبو حفص :جميع النعم عليك من ربك ،وشكرك لغيره ورجوعك فى النوائب إليه ،وعبادتك لغيره ،وما هذا من
أفعال أولى األلباب.
قال محمد بن الفضل :أجل نعمة هللا عليك أن عرفك نفسه ،وألهمك لشكر نعمه.
قال بعضهم :هللا تعالى كاشف كل ضر ،وأنت تدور بشكر النعم على أبواب العبيد .هل هو إال الشرك الظاهر.
سمعت عبد هللا بن محمد المعلم يقول سمعت عبد هللا بن محمد بن منازل يقول لبعض األغنياء :كيف يكون يوم
القيامة إذا قال هللا تعالى :هاتوا ما دفع إلى السالطين والمغنيين وغيرهم ومن أمثالهم ،فيؤتى بالدواب والثياب واألموال
الخرق وما ال ُيؤبه له أال تستحى من ذلك الموقف.
بالك َس ِر و َ
الفاخرة ،وإذا قال :هاتوا ما دفع إلى فيؤتى ُ
قال أبو بكر الوراق :العبرة فى األنعام تسخيرها ألربابها وطاعتها لهم وتمردك على ربك وخالفك له فى كل شىء.
قال يحيى بن معاذ :سخر هللا تعالى لك األنعام لتحملك وتحمل أثقالك وهى غير مخاطب وال محاسب فترى ً
أبدا بر ًيئا
مذنبا.
يحمل ً
كيف تصنع ما فى بطنها وال تضعه إال على حجر صاف أو خشب نظيف ال يخالطه طين وال تراب.
للنفوس ال للقلوب فمن أراد صالح قلبه فليتعرف موارد ما يرد على قلبه فى األوقات ومحل قلبه فى جميع األحوال وما
يسر فى قلبه فى كل زمان ثم ليلزم مع ذلك التواضع والخلوة فهذا غذاء للقلب وذاك غذاء النفس وغذاء الروح أعز
وهو مشاهدة الحق والسماع منه وترك االلتفات إلى المكونات بحاله.
وقال ابن عطاء :جعل ما يخرج من النحل شيئين ممزوجين ال يصفيهما إال النار فإذا صفيتهما النار صار عسالً
وشمعا فالعسل هو غذاء الخلق وشفاؤهم والشمع للحرق ال غير ذلك كذلك العبد إذا أخلص عمله خلص له عمله ،وما
ً
خالطه برياء وشرك ال يصلح إال للنار.
قال أبو بكر الوراق :النحلة لما اتبعت األمر وسلكت سبيلها على ما أمرت به جعل لعابها شفاء للناس ،كذلك المؤمن
إذا اتبع األمر وحفظ السر وأقبل على ربه جعل رؤيته وكالمه ومجالسته شفاء للخلق فمن نظر إليه اعتبر ومن سمع
كالمه اتعظ ومن جالسه سعد.
آء أََفِبِن ْع َم ِة ِِ ِِ ِ ِ ِ َّ ِ ضل بعض ُكم عَلى بع ٍ ِ
ض في اْل ِرْز ِق َف َما الذ َ
ين ُفضُلوْا ب َرآدي ِرْزقه ْم َعَل ٰى َما َمَل َك ْت أَْي َم ُان ُه ْم َف ُه ْم فيه َسَو ٌ َّللاُ َف َّ َ َ ْ َ ْ َ ٰ َ َْو َّ
َّللاِ َي ْج َح ُدو َن
َّ
".
قال الفضيل بين عياض" :أجل ما رزق اإلنسان معرفة تدله على ربه وعقالً يدله على رشده".
ات أََفِباْلب ِ
اط ِل ُي ْؤ ِمُنو َن َوبِِن ْع َم ِت لطِيب ِ
َّ ِ ِ ِ ِ ِ
َ َّللاُ َج َع َل َل ُك ْم م ْن أ َْنُفس ُك ْم أ َْزَواجاً َو َج َع َل َل ُك ْم م ْن أ َْزَوا ِج ُكم َبن َ
ين َو َحَف َد ًة َوَرَزَق ُكم م َن ا َ َو َّ
َّللاِ ُه ْم َي ْكُف ُرو َن
َّ
الطِيب ِ
ات} [اآلية.]72 : قوله عز وجل{ :ورَزَق ُكم ِمن َّ
َ َ ََ
قال بعضهم :سألت ابن الجالء عن الرزق الطيب قال :ما يفتح لك من غير طلب وال استشراف.
َّللاُ َمثَالً َع ْبداً َّم ْمُلوكاً الَّ َيْق ِد ُر َعَل ٰى َشي ٍء َو َمن َّرَزْقَناهُ ِمَّنا ِرْزقاً َح َسناً َف ُهَو ُي ْنِف ُق ِم ْن ُه ِس اًر َو َج ْه اًر َه ْل َي ْستَُوو َن ض َر َب َّ َ
ْ
اْل َح ْم ُد ََِّّللِ َب ْل أَ ْكثَ ُرُه ْم الَ َي ْعَل ُمو َن
َّللاُ َمثَالً َع ْبداً َّم ْمُلوكاً الَّ َيْق ِد ُر َعَل ٰى َشي ٍء} [اآلية.]75 :
{ض َر َب َّ
قوله عز وجلَ :
ْ
قال بعضهم :أخبر هللا تعالى عن العبد وصفته فقال{ :الَّ َيْق ِد ُر َعَل ٰى َشي ٍء} فمن رجع إلى شىء من عمله وحاله
ْ
وعلمه فهو المتبرئ من العبودية وهو فى منازعة الربوبية والعبودية هو التخلى مما سوى معبود يرى األشياء ويرى
نفسه له.
قال النهرجورى :الحق تعالى ستر غيبه فى خلقه وستر أوليائه فى عباده فال يشرف على غيبه إال الخواص من
أوليائه وال يشرف على أوليائه إال الصديقون من عباده فاإلشراف على الغيب عزيز واإلشراف على األولياء أعز
وأعز.
طو ِن أ َّ ِ
َخ َر َج ُكم ِمن ُب ُ
ُم َهات ُك ْم الَ تَ ْعَل ُمو َن َش ْيئ ًا َو َج َع َل َل ُك ُم اْل َّس ْم َع َواأل َْب َ
صا َر} [اآلية.]78 : َّللاُ أ ْ
{و َّ
قوله عز وجلَ :
قال أبو عثمان المغربى :جعل لكم السمع لتسمعوا به خطاب األمر والنهى ،واألبصار لتبصروا بها عجائب القدرة،
واألفئدة لتعرفوا بها آثار موارد الحق عليكم.
{َل َعَّل ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن} أى لعلكم تبصرون دوام نعمى عليكم فترجعوا إلى بابى.
وسئل بعضهم :ما تمام النعمة؟ قال :هو التنعم فى االستسالم وإسقاط التدبير.
قال أبو محمد الجريرى :تمام النعمة خلو القلب من الشرك الخفى وسالمة النفس من الرياء والسمعة.
ون َها َوأَ ْكثَ ُرُهم اْل َك ِاف ُرو َن َّللاِ ثُ َّم ي ِ
َي ْع ِرُفو َن ِن ْع َم َت َّ
ُ نك ُر َ ُ
َّللاِ ثُ َّم ي ِ ِ
ون َها} [اآلية.]83 :
نك ُر َ {ي ْع ِرُفو َن ن ْع َم َت َّ ُ
قوله تعالىَ :
قال النصرآباذى :معرفة النعمة حسن .ومعرفة المنعم أحسن ومعرفة النعمة ربما يتولد منه اإلنكار ومعرفة المنعم ال
يتولد منه إال صحة االستقامة.
قال بعضهم :يعرفون نعمة هللا :أى ليس إلى أحد شئ فى الضر والنفع ثم يقولون لوال فالن لكان كذا.
ُم ٍة َش ِهيداً ثُ َّم الَ ُي ْؤَذ ُن لَِّل ِذي َن َكَف ُروْا َوالَ ُه ْم ُي ْستَ ْعتَُبو َن
َوَي ْوَم َن ْب َع ُث ِمن ُك ِل أ َّ
قال أبو على الجوزجانى :الخلق شهداء بعضهم على بعض .وأمة محمد صلى هللا عليه وسلم هم شهود األنبياء على
جميع األمم محمد صلى هللا عليه وسلم هو المذكى المقبول فمن قدمه فهو المقدم ومن أخره فهو المؤخر ومن تعلق
به نجا ومن تخلف عنه هلك.
تبعا لك فبين
جميعا ً
ً قال الواسطى :أنزل عليك الكتاب :وإنما خوطبت به دون غيرك ألنك من أهل المخاطبة وخوطبوا
لهم مرادنا فيما خوطبوا به فإن البيان إليك.
قال أبو عثمان المغربى :فى الكتاب تبيان كل شئ ومحمد صلى هللا عليه وسلم هو المبين لتبيان الكتاب.
ان َوإِيتَ ِآء ِذي اْلُق ْرَب ٰى َوَي ْن َه ٰى َع ِن اْلَف ْح َش ِاء َواْل ُم ْن َك ِر َواْلَب ْغ ِي َي ِع ُ
ظ ُك ْم َل َعَّل ُك ْم تَ َذ َّك ُرو َن ِ
ْم ُر ِباْل َع ْدل َو ْ
اإلح َس ِ ِإ َّن َّ
َّللاَ َيأ ُ
ِ
ْم ُر ِباْل َع ْدل َو ْ
اإلح َس ِ
ان} [اآلية.]90 : قوله تعالىِ{ :إ َّن َّ
َّللاَ َيأ ُ
قال بعضهم :العدل واإلحسان ما استطاعهما آدمى قط ألن هللا تعالى يقول{ :وَلن تَستَ ِطيعوْا أَن تَع ِدُلوْا بين ِ
الن َس ِآء} ْ َْ َ ْ ُ َ
[النساء ]129 :فكيف يستطيع أن يعدل بينه وبين هللا تعالى فى استيفاء نعمه وتضييع وعظه وحكمه ،وليس من
العدل أن تَفتُر عن طاعة من ال َيفتُر عن ِب ِرك واإلحسان هو االستقامة إلى الموت وهو أن تعبد هللا كأنك تراه
كالمروى عن النبى صلى هللا عليه وسلم.
{واْل ُم ْن َك ِر} هو اإلصرار على الذنوب {اْلَب ْغ ِي} ظلم العباد وظلمه على نفسه أفظع.
والفحشاء :هو االستهانة بالشريعة َ
قديما وحديثًا.
قال النيسابورى :ليس من العدل المقابالت بالمجاهدات ،والعدل :رؤية المنة منه ً
واإلحسان االستقامة بشرط الوفاء إلى األبد؛ لذلك قال :استقيموا ولن تحصوا.
قال سهل :العدل :قول :ال إله إال هللا .واإلحسان :إحسانك إلى من استرعاك هللا أمره ،والفحشاء :الكذب والغيبة
{ي ِع ُ
ظ ُك ْم} :يؤدبكم باللطف واألدب، والبهتان وما كان من األقوال .والمنكر :ارتكاب المعاصى وما كان من األفعالَ ،
وينبهكم أحسن أنبائهَ{ ،ل َعَّل ُك ْم} تتعظون :أى تنتهون.
وقال بعضهم :العدل استقامة القلب ،واإلحسان :لزوم النفس لكل مستحسن من األقوال واألفعال.
وقيل :العدل :اعتدال القلب مع الحق ،واإلحسان :لزوم النفس المعاملة على رؤية الحق.
وق يل :العدل :هو التوحيد ،واإلحسان :أداء الفرائض .وإيتاء ذى القربى :صلة الرحم ،وينهى عن الفحشاء :الرياء
والمنكر والمعاصى ،والبغى :الظلم.
{و َم ْن أ َْوَف ٰى قال النصرآباذى :أنت متردد بين صفتين :صفة الحق وصفتك ،قال هللا تعالى{ :وأَوُفوْا ِبعه ِد َّ ِ
َّللا} ،وقالَ : َْ َْ
عهود ،وفى األفعال
ٌ َّللاِ} [التوبة ]111 :فإلى أيهما نظرت فإنك األحرى ثم العهود مختلفة فى األقوال
ِب َع ْه ِدِه ِم َن َّ
عهود ،والصدق مطلوب منك فى جميع ذلك ،وهو على العوام عهود ،وعلى الخواص عهود،
ٌ عهود ،وفى األحوال
ٌ
عهود.
ٌ وعلى خواص الخواص
فالعهد على العوام لزوم الظاهر ،والعهد على الخواص حفظ السرائر ،والعهد على خواص الخواص التخلى من الكل
الك ُّل.
لمن له ُ
وقال من حمل العهد بنفسه خيف عليه نقضه فى أول قدم ،ومن حمله بالحق حفظ عليه عهوده ومواثيقه.
قال الواسطى :قد تقدمت العهود فى الميثاق األول فمن أقام على وفاء الميثاق فتح له طريق الحقائق وقتًا بعد وقت،
ومن خاف فى الميثاق األول نفى مع وقته وأغلق دونه مسالك رشده.
قال ابن عطاء :أول عهد عليك من ربك أنه كفاك كل ما تحتاج إليه لئال ترغب إلى غيره ،وال ترجع فى المهمات إال
شيئا من حطام هذه الفانية وقد نقض عهد هللا ألن إليه ،فمن ضيع عهده واشترى بما َّ
خصه هللا تعالى به من كراماته ً
َّللاِ ُه َو َخ ْيٌر َّل ُك ْم} [اآلية.]95 :
هللا تعالى يقولِ{ :إَّن َما ِع ْن َد َّ
قال بعضهم :طاعاتكم مدخولة وجزائى وثوابى على طاعاتكم باقية بقاء األبد.
قال جعفر :ما عندكم ينفذ :يعنى :األفعال من الفرائض والنوافل ،وما عند هللا باق :من أوصافه ونعوته ألن الحدث
يفنى والقديم يبقى.
َّ ِ
َج َرُه ْم ِبأ ْ
َح َس ِن َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن} [اآلية.]96 : صَب ُروْا أ ْ {وَلَن ْج ِزَي َّن الذ َ
ين َ قوله عز وجلَ :
ِ ِ
َج َرُهم ِبأ ْ
َح َس ِن َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن طِيَب ًة َوَلَن ْج ِزَيَّن ُه ْم أ ْ صالِحاً من َذ َك ٍر أ َْو أ ُْنثَ ٰى َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن َفَلُن ْحِيَيَّن ُه َحَي ً
اة َ َم ْن َعم َل َ
ِ ِ
طِيَب ًة} [اآلية.]97 : صالِحاً من َذ َك ٍر أ َْو أ ُْنثَ ٰى َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن َفَلُن ْحِيَيَّن ُه َحَي ً
اة َ {م ْن َعم َل َ
قوله عز وجلَ :
روى عن النبى صلى هللا عليه وسلم أنه قال :هى القناعة.
قال سهل بن عبد هللا :هو أن ُينزع عن العبد تدبيره ويرد إلى تدبير الحق فيه.
قال ابن عطاء :العيش مع هللا تعالى والسهو واإلعراض َعما دونه.
قال جعفر :هى المعرفة باهلل وصدق المقام مع هللا تعالى وصدق الوقوف مع هللا تعالى.
قال بعضهم :الحياة الطيبة االستغناء باهلل تعالى ال يريد به بدالً وال عنه حوالً.
قال ابن عطاء :الحياة الطيبة بإسقاط الكونين عن سره حتى يبقى مع ربه.
قال القاسم :هى التى ال يطمع فيها إلى غير هللا تعالى.
قال أبو حفص :من أراد أال يكون للشيطان عليه دليل فليصحح إيمانه ،وليصحح فى اإليمان التوكل على هللا،
عوضا عنه ،والتوكل هو الثقة بمضمون الرزق ً واإليمان هو أن ال يرجع فى السراء والضراء إال إليه وال يرضى بسواه
آمُنوْا َو َعَل ٰى َربِ ِه ْم َيتََوَّكُلو َن}. َّ ِ كثقتك بمعلومك ،وهذا تفسير قولهِ{ :إَّن ُه َل ْي َس َل ُه ُسْل َ
ين َان َعَل ٰى الذ َ
طٌ
قال النصرآباذى :من صحح نسبة مع الحق لن يؤثر عليه بعد ذلك منازعة طبع وال وسوسة شيطان.
ين َيتََوَّل ْوَن ُه} [اآلية.]100 : َّ ِ قوله عز وجلِ{ :إَّن َما ُسْل َ
ط ُان ُه َعَل ٰى الذ َ
ِك ِباْل َح ِق} [اآلية.]102 : قوله عز وجلُ{ :قل نَّزَله روح اْلُقد ِ ِ
س من َّرب َ ْ َ ُُ ُ ُ
روحا ،وللطف
قال الواسطى :األرواح ليس لها نوم وال لذة وال موت وال حياة ،بل هى جوهرة لطيفة ،للطفه سمى ً
جبريل سمى روح القدس.
يم ِ ِ ثُ َّم ِإ َّن ربَّك لَِّل ِذين هاجروْا ِمن بع ِد ما ُفِتنوْا ثُ َّم جاهدوْا وصبروْا ِإ َّن رب ِ
ور َّرح ٌ
َّك من َب ْعد َها َل َغُف ٌ
َ َ َ َُ َ َ َُ َْ َ ُ َ َ َُ َ َ
صَب ُروْا} [اآلية.]110 : ِ ِ ِ قوله عز وجل{ :ثُ َّم ِإ َّن رب َِّ ِ
اه ُدوْا َو َ
اج ُروْا من َب ْعد َما ُفتُنوْا ثُ َّم َج َ
ين َه َ
َّك للذ َ
َ َ
بالخلق ألنه ينقلهم من أول إلى ثانى حتى إذا أخلصوا إلى ما توهموا أنه الغاية علموا أن ِ قال بعضهم :الشريعة َم ْكر
ِ ِ ٍ ِ
{ي ْوَم تَأْتي ُك ُّل َنْفس تُ َجاد ُل َعن َّنْفس َها} ً
توهما أنها بلغت الحق وراء ما َّأدتهم إليه الوسائط ،وهذا كما قال هللا تعالىَ :
الغاية.
قال بعض الخراسانيين :ذهب وقت الخلق فى الدنيا اشتغاالً بنفوسهم فى الدنيا يجادلون عنها ،وهم فى اآلخرة يجادلون
عنها ،فمن يتفرغ إلى معرفة الحق؟
طِيباً} [اآلية.]114 : قوله عز وجلَ { :ف ُكُلوْا ِم َّما َرَزَق ُك ُم َّ
َّللاُ َحالالً َ
سمعت أبا بكر الرازى قال :سمعت أبا عبد هللا محمد بن سعيد القرشى يقول :سمعت إبراهيم الخواص يقول :الحالل
على ستة أوجه :إمام عادل ،وتاجر صادق ،وزارع متوكلٍ ،
وغاز غير خائف ،وعالم ناصح ،وزاهد مخلص ،فإذا
اجتمع هؤالء الستة فى دار فإن كل الحالل يدور بينهم.
يم ِ ِ السوء ِبجهاَل ٍة ثُ َّم تَابوْا ِمن بع ِد َذلِك وأَصَلحوْا ِإ َّن رب ِ ِ ثُ َّم ِإ َّن رب َِّ ِ
ور َّرح ٌ
َّك من َب ْعد َها َل َغُف ٌ
َ َ َ َ ْ ُ َْ ُ ين َعمُلوْا ُّ َ َ َ
َّك للذ َ
َ َ
َصَل ُحوْا} [اآلية.]119 : ِ ِ ِ الس ِ ٍ ِ قوله عز وجل{ :ثُ َّم ِإ َّن رب َِّ ِ
وء ب َج َهاَلة ثُ َّم تَ ُابوْا من َب ْعد َذل َك َوأ ْ
ين َعمُلوْا ُّ َ
َّك للذ َ
َ َ
علما ،والعلم مفتاح التوبة وفى الصالح صحة التوبة، ورب جهل أورث ً أحد إال بجهل ُ
قال سهل :ما عصى هللاَ تعالى ٌ
َصَل ُحوْا}. ِ ِ ِ
ومن لم يصلح فى توبته فعن قريب يفسد عليه توبته ،ألن هللا تعالى يقول{ :ثُ َّم تَ ُابوْا من َب ْعد َذل َك َوأ ْ
ِ
{وَل ْم َي ُك م َن اْل ُم ْش ِرِك َ
ين} لم يكن يرى المنع والعطاء والضر والنفع إال من موضع واحد. وقيل فى قولهَ :
صر ٍ
اط ُّم ْستَِقي ٍم ِ ِِ ِ
اجتََباهُ َو َه َداهُ ِإَل ٰى َ
َشاك اًر أل َْن ُعمه ْ
قال بعضهم :آتيناه فى الدنيا المعرفة حتى صلح فى اآلخرة لبساط المجاورة.
قال بعضهم :أصلح هللا تعالى قلوب المؤمنين للمعاملة وأصلح قلوب األنبياء واألولياء للمجاورة والمطالعة.
ِ
اهيم حِنيفاً وما َك ِ ِ َّ
َن اتَِّب ْع مل َة ِإ ْب َر َ َ َ َ َ
ان م َن اْل ُم ْش ِرِك َ
ين ثُ َّم أ َْو َح ْيَنآ ِإَل ْي َك أ ِ
حدثنا على بن الحسن الحافظ ،حدثنا أحمد بن الحسين دبيس المقرى ،حدثنا أحمد ابن زياد ،حدثنا أسود بن سالم،
حدثنى عبد الرحمن بن يزيد الزراد ،حدثنا محمد بن عجالن عن نافع عن ابن عمر رضى هللا عنهما عن النبى صلى
ِ
األنبياء أن نكلم الناس على قدر عقولهم. معاشر هللا عليه وسلم قال :أ ُِمرَنا
َ
قال بعضهم :خاطب كال على قدره والموعظة الحسنة فيها ترغيب وترهيب.
قال جعفر :الدعوة بالحكمة أن يدعوه من هللا إلى هللا باهلل ،والموعظة الحسنة أن يرى الخلق فى أسر القدرة فيشكر من
أجاب ويعذر من َأبى.
حكيما فى
ً حكيما فى أفعاله،
ً حكيما حتى يكون
ً سمعت عبد هللا الرازى يقول :سمعت أبا عثمان يقول :ال يكون الرجل
حكيما.
ً حكيما فى أحواله ،فإنه يقال له ناطق بالحكمة ،وال يقال له
ً أقواله،
َِّ ِ ِ
{و َجادْل ُهم ِبالتي ه َي أ ْ
َح َس ُن} [اآلية.]125 : قوله عز وجلَ :
قال هى التى ليس فيها من حظوظ النفس شىء ،وال ترى أنه الممتنع من قبول الموعظة فتغضب عليه ،إن ربك هو
ِ
َعَل ُم ِباْل ُم ْهتَد َ
ين} الموفقين الذين شرحت صدورهم بقبول ما أثبت {و ُه َو أ ْ
أعلم بمن ضل عن سبيله :فال ينجع فيه قولكَ :
به.
صَب ْرتُ ْم} فلم تعاقبوا لهو خير للصابرين التاركين العقوبة الذى أباح العلم فعلها باألدب قال الجنيد :فى قولهِ :
{وَلئن َ
َ
الذى يتبعه باألمر ويلزمه بالترغيب إنه خير للصابرين.
قال النبى صلى هللا عليه وسلم :إلى موضع الفضل ففرض عليه ذلك.
وقيل له :إن الفضل على الخلق تطوع وعليك فرض واصبر ،ثم أعلمه أن ذلك ال يتم إال بخلوة وتشبيه بالحق بقوله:
اَّللِ} [اآلية.]127 :
ك ِإالَّ ِب َّ
ص ْب ُر َ
{و َما َ
َ
قال الواسطى :فى هذه اآلية أخبره بأنه هو الذى توالهم فحجبهم عن المعاينة فى الحضرة وهم ثالث طوائف عند
اللقاء ،طائفة ترمدت بقيومة دواميته وأزليته ،فلم تجد عند اللقاء عليها آفة االتصال أنوار السرمدية بأنوار األبدية،
وطائفة لقيتة فى زينته وحين نظره واختياره فضمرهم فى نعمته وحجبهم بكرامته فهى متلذذة بنعمة محجوبة عن
حبا بمقدمكم فحجبها فى نفس ما خاطبهم.
حقيقته ،وطائفة لقيته بشواهد طاعاتها وزهدها ،فقال لهم مر ً
وقال جعفر :أمر هللا أنبياءه بالصبر وجعل الحظ األعلى منه للنبى صلى هللا عليه وسلم.
قال سهل :واصبر واعلم أنه ال معين على الصبر إال هللا .حيث جعل صبره باهلل ال بنفسه ،فقال وما صبرك إال باهلل.
قال أبو القاسم :الحكيم أصبر عباده ،وما صبرك إال باهلل عبودية فمن ترقى من درجة لك وصل إلى درجة بك ،فقد
انتقل من درجة العبادة إلى درجة العبودية.
قال النبى صلى هللا عليه وسلم" :بك أحيا ،وبك أموت
".
قال الواسطى :فى هذه اآلية قال لما أظهر هللا تعالى البالء أشهده لذة مباشرته ،بل ال يكون ألحد وقت إال وهللا تعالى
{و َما َي ْعِقُل َهآ ِإالَّ اْل َعالِ ُمو َن} [العنكبوت.]43 :
يوجده لذة المباشرة َ
ين ُهم ُّم ْح ِسُنو َن َّ ِ َّ ِ ِإ َّن َّ
ين اتََّقوْا َّوالذ َ
َّللاَ َم َع الذ َ
قال الفضل بن عياض فى هذه اآلية :اتقوا فيما نهاهم هللا تعالى عنه وأحسنوا فيما أمرهم به.
َّللاَ َي ْعَلم َوأ َْنتُ ْم الَ تَ ْعَل ُمو َن ض ِرُبوْا ََِّّللِ األَمثَ ِ
ال إ َّن َّ ُ ْ َ َفالَ تَ ْ
ِِ
ض ِرُبوْا ََّّلل األ َْمثَ َ
ال} [اآلية.]74 : قوله عز وجلَ { :فالَ تَ ْ
ِِ
ض ِرُبوْا ََّّلل األ َْمثَ َ
ال} فى ذاته وما نيته ألن الذات ممتنع عن العلل بحال. وقال ابن عطاء :فى قولهَ { :فالَ تَ ْ
ِِ
ض ِرُبوْا ََّّلل األ َْمثَ َ
ال} .فى ذاته وكيفيته ألنه ليس كمثله شىء فأما صفاته التى أظهرها للخلق كسواه قال هللا تعالىَ { :فالَ تَ ْ
لهم وأعز.
وقال إنما ضرب األمثال وأكثر ما فيها من المقال ضرًبا للسرائر وأن يغنى عن حضورها فيما أسرى إليها.
صا َّال ِذي َب َارْكَنا َح ْوَل ُه لُِن ِرَي ُه ِم ْن َآي ِاتَنآ ِإَّن ُه ُهَو ِِ ِ ِِ ِ ِ ِِ
َس َر ٰى ب َع ْبده َل ْيالً م َن اْل َم ْسجد اْل َح َار ِم إَل ٰى اْل َم ْسجد األَْق َ
سبح َّ ِ
ان الذى أ ْ ُْ َ َ
الس ِميع الب ِ
ص ُير َّ ُ َ
ِِ ِ ِِ ِ ِ ِِ قوله عز وجل{ :سبح َّ ِ
َس َر ٰى ب َع ْبده َل ْيالً م َن اْل َم ْسجد اْل َح َار ِم إَل ٰى اْل َم ْسجد األَْق َ
صى} [اآلية.]1 : ان الذي أ ْ
ُْ َ َ
قال الواسطى :نزه نفسه ،أن يكون ألحد فى تسيير نبيه عليه السالم حركة أو حظرة فيكون شر ً
يكا فى اإلسراء،
والتسيير.
قال أبو يزيد :نزه عما أبدا وال تعرفه بما أخفى.
وقال ابن عطاء :طهر مكان القربة وموقف الدنو عن أن يكون فيه تأثير لمخلوق ٍ
بحال ،فسار بنفسه وس ار بروحه،
السر ،وال النفس عندها شىء من خيرها وما ُهما فيه،
السر علم ما فيه الروح ،وال الروح علم ما يشاهد َّ
وسبر بسره فال ُّ
وكل واقف مع حده ٍ
متلق عنه بال واسطة وال بقاء بشرية ،بل حق تحقق بعبده فحققه وأقامه حيث ال مقام ،وخاطبه
وأوحا إليه جل ربنا وتعالى.
سمعت النصرآباذى يقول :أسقط األعمال واالعتراضات عن المعراج بقوله :أسرى :ولم يقل ُسرى ألن القدرة تحمل كل
شىء.
قوله عز وجل{ :اَّل ِذي َب َارْكَنا َح ْوَل ُه لُِن ِرَي ُه ِم ْن َآي ِاتَنآ} [اآلية.]1 :
ِ
ات واأل َْر ِ ِ ِ ِ
ض} [اآلنعام ]75 :وقال لمحمد عليه الس َم َاو َ
وت َّ {وَك َذل َك ُنرِي إ ْب َراه َ
يم َمَل ُك َ قال بعضهم :قال هللا تعالى إلبراهيمَ :
السالم {لُِن ِرَي َك ِم ْن َآي ِاتَنا} [طه ]23 :فغمض عينه عن اآليات شغالً منه بالحق ولم يلتفت إلى شىء من اآليات
والكرامات فقيل لهِ{ :إَّن َك َل َعَل ٰى ُخلُ ٍق َع ِظيمٍ} [القلم ]4 :حديث لم يشغلك ما لنا َّ
عنا.
يستعظم قليل فضلنا عنده ،ويستصغر كثير خدمته لنا ،ليس له إلى غيرنا التفات ،وال يشغله تواتر النعم عليه عن
المنعم ٍ
بحال.
وه ُك ْم َولَِي ْد ُخُلوْا اْل َم ْس ِج َد َك َما َد َخُلوهُ أََّو َل َمَّرٍة ِِِ ِ ِ
وءوْا ُو ُج َ
آء َو ْع ُد اآلخ َرة لَي ُس ُ
َسأْتُ ْم َفَل َها َفإ َذا َج َ
َح َس ْنتُ ْم أل َْنُفس ُك ْم َوإِ ْن أ َ ِإ ْن أ ْ
َح َس ْنتُ ْم أ ْ
َولُِيتَِب ُروْا َما َعَل ْوْا تَ ْتِبي اًر
قال أبو سليمان الدارانى :العمال يعملون فى الدنيا على دعوة كل فيه يطلب حظه ،فجاهل عمل على الغفله ،وعالم
اهد على الحالوة ،وخائف عمل على الرهبة ،وصديق عمل على
يعمل على العادة ،ومتوكل عمل على الفراغة ،وز ٌ
المحبَّة وعمال هللا تعالى أقل من القليل.
وقال أبو يزيد :من عمل لنفسه ال يعمل هلل ومن عمل هلل ال يعمل لنفسه وال يراها.
ُّكم أَن يرحم ُكم وإِن عدتُّم ع ْدنا وجعْلنا جهَّنم ِلْل َك ِاف ِرين ح ِ
صي اًر َ َ َع َس ٰى َرب ُ ْ َ ْ َ َ ْ َ ْ ُ ْ ُ َ َ َ َ َ َ َ َ
قال ابن عطاء :يتعطف عليكم فيخرجكم من ظلمات المعاصى إلى أنوار الطاعات فمن طلب الرحمة من غير هللا
تعالى فهو فى طلبه ُمخطئ.
أيضا :وإن عدتم إلى اإلعراض عنا عدنا إلى اإلقبال عليكم.
وقال ً
قال سهل :إن عدتم إلى الفرار منا ُعدنا إلى أخذ الطريق عليكم لترجعوا إلينا.
قال أبو بكر الوراق :وإن ُعدتم إلى الطاعة ُعدنا إلى التيسير والقبول.
َج اًر َكِبي اًر الصالِح ِ ِإ َّن هـٰ َذا اْلُقرآن يه ِدي لَِّلِتي ِهي أَ ْقوم ويب ِشر اْلمؤ ِمِن َّ ِ
ات أ َّ
َن َل ُه ْم أ ْ ين َي ْع َمُلو َن َّ َ
ين الذ ََ َ ُ َ َُ ُ ُ ْ َ ْ َ َْ َ
قال ابن عطاء :القرآن دليل وال يدل إال على الحق فمن اتبعه قاده إلى الحق ومن أعرض عنه قاده الجهل إلى
الهالك.
قال أبو عثمان فى كتابه إلى محمد بن الفضل :من تمسك بالقرآن وفق للزوم االستقامة ألن هللا تعالى يقولِ{ :إ َّن َهـٰ َذا
آن َي ًِ ْه ِدي لَِّلِتي ِهي أَ ْق َوُم}.
اْلُق ْر َ
َ
قال سهل :أسلم الدعوات الذكر وترك االختيار فى السؤال والدعاء ألن فى الذكر الكفاية وربما يدعوا اإلنسان فيسأل
آءهُ ِباْل َخ ْي ِر} والذاكر على الدوام التارك اإل ْن َس ُ ِ َّ ِ
ان بالشر ُد َع َ
ما فيه هالكه ،وهو ال يشعر أال ترى هللا تعالى يقول{ :وَي ْدعُ ِ
َ
لالختيار فى الدعاء والسؤال مبذول له أفضل الرغائب وساقط عنه آفات السؤال واالختيار.
قال النبى صلى هللا عليه وسلم" :يقول هللا عز وجل :من شغله ذكرى عن مسألتى أعطيته أفضل ما أُعطى السائلين
".
قال بعضهم :جعلنا الليل والنهار طرفين إلقامة العبودية جعل أحدهما عن اآلخر وخليفة عنه فمن أنفق أوقاته فى أناء
ليله ونهاره بما هو مستعبد فهو فى زمرة الموفقين ،ومن أهمل ساعاته ولم يطالب نفسه ولم يراع أوقاته مع كل خاطر
ٍ
ونفس ،فإنه من المخذولين.
فى تصحيح العبودية وإخالص العمل والمعونة على ذلك من هللا عز وجل.
قال النصرآباذى :ألزمت نفسك أحواالً وأُلزمت أحواالً ،وما أُلزمته أشد مما ألزمته نفسك.
ط ِآئ َرهُ ِفي ُعُنِق ِه} من سعادة وشقاوة ،ومنهم من أُلزم الصبر على مقام المشاهدة، {وُك َّل ِإ ْن َس ٍ
ان أَْل َزْمَناهُ َ قال هللا تعالىَ :
ومنهم من أُلزم التمسك باألدب على بساط القرب ،وهذا أشد و َّ
أشد.
ام ِة ِكتَاباً َيْلَقاهُ َم ْن ُشو اًر ِ ِِ ان أَْل َزمَناه َ ِ ِ
طآئ َرهُ في ُعُنقه َوُن ْخ ِرُج َل ُه َي ْوَم اْلقَي َ
ِ
َوُك َّل إ ْن َس ٍ ْ ُ
كتابا :تكتبه على نفسك فى أيامك وساعاتك .وكتاب ُكتب عليك فى األزل ،ال يخال هذا ذاك وال ذاك
قال بعضهمً :
هذا.
قال بعضهم :الكتاب الذى يخرج إليك هو كتاب لسانك قلمه ،وريقك مداده ،وأعضاؤك ومفاصلك قرطاسه أنت كنت
شيئا من ذلك كان الشاهد فيه منك عليك.
المملى على حفظتك ما زيد فيه وال نقص منه ،ومتى أنكرت ً
قال عمر بن الخطاب رضى هللا عنه :حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض
األكبر قبل أن تعرضوا.
قال يحيى بن معاذ :اق أر كتابك :فإنك كنت المملى له قال بعض السلف :لقد أحسن هللا إليك من خلقك حسيب
بنفسك ،وقيل :محاسبة األبرار فى الدنيا ،ومحاسبة الفجار فى اآلخرة.
قال أبو عثمان :إذا أخرج هللا تعالى إنكار المعاصى من القلوب خيف إذ ذاك على الخلق الهالك.
قال الواسطى :فى ترك الدنيا مشاهدة اآلخرة ،وفى مشاهدة اآلخرة رفض الدنيا كما أن مشاهدة التأييد زوال عزة
النفس ،وفى مطالعة صفات الحق سقوط صفات العبد.
ِ ِ
َو َم ْن أ ََرَاد اآلخ َرةَ َو َس َع ٰى َل َها َس ْعَي َها َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن َفأُوَلئ َك َك َ
ان َس ْعُي ُهم َّم ْش ُكو اًر
قال بعضهم :السعى فى الدنيا باألبدان ،والسعى إلى اآلخرة بالقلوب ،والسعى إلى هللا تعالى بالهمم.
خالصا
ً مشوبا برياء .وال سمعة ،وال رؤية نفس ،وال طلب ثواب بل يكون
ً قال أبو حفص :السعى المشكور ما لم يكن
لوجهه ال يشاركه فى ذلك شىء فذلك السعى المشكور.
ٍ
ات وأَ ْكبر تَْف ِ ِ ض ُهم َعَل ٰى َب ْع ٍ ف َف َّ
ضيالً ض َوَلآلخ َرةُ أَ ْكَب ُر َد َر َج َ َ ُ ضْلَنا َب ْع َ ْ ظ ْر َك ْي َ
ان ُ
ض ُهم َعَل ٰى َب ْع ٍ
ض} [اآلية.]21 : ف َف َّ
ضْلَنا َب ْع َ ْ ظ ْر َك ْي َ
قوله عز وجل{ :ان ُ
قال ابن عطاء :من تواله بصرف من العناية توالت أعماله كلها باهلل تعالى فله فضل الوالية على من دونه فإن هللا
تعالى قال :انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض والفضيلة تقع فيما بين الخلق والحق ال يكبر عنده الطاعات وال
تغضبه المخالفات.
ٍ
ات وأَ ْكبر تَْف ِ ِ
ضيالً} [اآلية.]21 : {وَلآلخ َرةُ أَ ْكَب ُر َد َر َج َ َ ُ
قوله عز وجلَ :
قال الواسطى :بدرجات الشوق يصل العبد إلى درجات العلى وأعظم درجة فى اآلخرة التخطى إلى بساط القرب
ومشاهدة الحق أعال وأجل.
قال أبو سعيد القرشى :ابن آدم أنت تباهى بحسن مجلسك فى دار الدنيا من سلطان أو شريف أو عالم فكيف ال
ترغب فى مباهاة مجالس اآلخرة وهى أكبر وأفضل.
قال بعضهم :العبودية هى قطع األرباب وخلع األسباب ،والرجوع إلى الحق بالحقيقة.
سمعت أبا عثمان المغربى يقول :من تحقق فى العبودية ظهر سره لمشاهدة الربوبية ،وإجابته القدرة إلى كل ما يريد.
قال بعضهم :ال تخالفهما برأى ،وإن كانا على خالف هواك ذلك خالف الشريعة.
وسئل الفضل بن عياض عن بر الوالدين؟ قال :أن ال تقوم إلى خدمتهما عن كسل.
األواب َّ
الدعاء. قال أبو عثمانَّ :
الرجاع إلى هللا فى كل أمر من أمور دنياه وآخرته ال يكون له أحد ملجأ ،وال استعانة.
األواب َّ
وقال القاسمَّ :
قائما قال أبو سعيد القرشى :أراد هللا من نبيه صلى هللا عليه وسلم أن ال يكون ً
قائما بسرف البسط والسخاء ،وال ً
ببعض المنع واإلمساك ،وأن يكون ً
قائما فى جميع األحوال.
قال النبى صلى هللا عليه وسلم" :فإن هللا يعطى وأنا القاسم أقسم
".
الرْز َق لِمن ي َشآء ويْق ِدر ِإَّنه َكان ِب ِعب ِادِه خِبي اًر ب ِ
صي اًر َ َ ُ ََ ُ ُ َ َ َ َ ط ِ ِإ َّن َرب َ
َّك َي ْب ُس ُ
آء َوَيْق ِد ُر} [اآلية.]30 : قوله تعالىِ{ :إ َّن ربَّك يبس ُ ِ ق ِ
ط الرْز َ ل َمن َي َش ُ َ َ َْ ُ
ِ ِ َّ َِّ ِ
َشَّدهُ َوأ َْوُفوْا ِباْل َع ْهد ِإ َّن اْل َع ْه َد َك َ
ان َم ْس ُؤوالً ال اْلَيتي ِم ِإال ِبالتي ه َي أ ْ
َح َس ُن َحتَّ ٰى َيْبُل َغ أ ُ َوالَ تَْق َرُبوْا َم َ
ِ
{وأ َْوُفوْا ِباْل َع ْهد ِإ َّن اْل َع ْه َد َك َ
ان َم ْس ُؤوالً} [اآلية.]34 : قوله تعالىَ :
وباطنا ،فعهد على األسرار أن ال يشاهد سواه وعهد على الروح أن ال
ً ظاهر
ًا وقال يحيى بن معاذ :لربك عليك عهود
يفارق مقام القربة.
وعهد على القلب أن ال يفارق الخوف ،وعهد على النفس فى آداء الفرائض ،وعهد على الجوارح فى مالزمة األدب
َح َس ُن تَأ ِْويالً ِ ِٰ ط ِ وأَوُفوا اْل َكيل ِإذا ِكْلتُم وِزُنوْا ِب ِ
اس اْل ُم ْستَقي ِم ذل َك َخ ْيٌر َوأ ْ الق ْس َ ْ َ َْ َْ
قال بعضهم :أوفوا الكيل فإن وزنك موزون وكيلك مكيل ،إن وفيت َّ
وفى لك وإن نقصت نقص عليك.
معتبرا،
ً ُسِئل أبو عثمان عن هذه اآلية قال :أعطاك هللا اللسان فال تشغله إال بالذكر ،وأعطاك العين فال تشغلها إال
وأعطاك السمع فال تسمع بها إال حًقا وصو ًابا ،وأعطاك القلب فال تشغله إال بالمعرفة ودوام المراقبة والخوف فإنه
موضع نظر الحق .وإنك مسئول عن جميعها.
ف َما َل ْي َس َل َك ِب ِه ِعْل ٌم} .قال :ال تخبر عنا إال على طريق الخدمة وال
{والَ تَْق ُ
قال الواسطى رحمة هللا عليه فى قولهَ :
تجاوز فيه محل األذن.
قال أبو سعيد الخراز :من استقرت المعرفة فى قلبه فإنه ال يبصر فى الدارين سواه ،وال يسمع إال منه وال ُيشغل إال
به.
طوالً
ال ُ ِ ِق األ َْر َ
ض َوَلن تَْبُل َغ اْلجَب َ ش ِفي األ َْر ِ
ض َم َرحاً ِإَّن َك َلن تَ ْخر َ والَ تَ ْم ِ
َ
ش ِفي األ َْر ِ
ض َم َرحاً} [اآلية.]37 : قوله تعالى{ :والَ تَ ْم ِ
َ
ٍ
خصلة فيه التواضع ،ومن تكبر فقد أخبر عن نذالة نفسه ،ومن ٍ
خصلة فى اإلنسان الكبر ،وأحسن قال بعضهم :أسوأ
تواضع فقد أظهر كرم طبعه.
آن لَِي َّذ َّك ُروْا َو َما َي ِز ُيد ُه ْم ِإالَّ ُنُفو اًر
صَّرْفَنا ِفي َهـٰ َذا اْلُق ْر ِ
َوَلَق ْد َ
اضا
قال ابن عطاء :اتبعنا المواعظة لعلهم يفهموا عنا مرادنا ويرجعوا إلينا فى طلب مراد الخطاب فما زادهم إال إعر ً
عنا.
يه َّن َوإِن ِمن َشي ٍء ِإالَّ ُي َسِب ُح ِب َح ْم ِدِه} [اآلية.]44 :
ض ومن ِف ِ
الس ْب ُع َواأل َْر ُ َ َ
ات َّ قوله تعالى{ :تُ َسِب ُح َل ُه َّ
الس َم َاو ُ
ْ
قال أبو عثمان المغربى :المكونات كلهن يسبحن هللا باختالف اللغات ،ولكن ال يسمع تسبيحها وال يفقه عنه ذلك إال
العلماء الربانيون الذين فتحت أسماع قلوبهم.
قال بعضهم :من تحصن بالحق فهو فى أحصن حصن ،ومن تحصن بكتابه فهو أحسن حصن ،والمضيع لوقته من
تحصن بعمله أو بنفسه أو بحسبه فيكون هالكه من موضع أمنه.
قال بعضهم :من أسمعه الحق الدعوة وفقه للجواب ومن لم تسمعه الدعوة كيف تجيب من لم يسمع.
قال الجنيد رحمه هللا تعالى فى قوله :فتستجيبون بحمده .قال :تقولون :الحمد هلل الذى جعلنا من أهل دعوته.
قال القاسم :سبق علمه فى الخلق بالرحمة ،والعذاب فال مبدل لما أراد وقد وسم الخلق بسمة الرحمة والعذاب فهو
يرجع إلى منتهاه بما قد حركه فى مبدأه.
ِ َّ ِ
ُّه ْم أَ ْق َر ُب َوَي ْر ُجو َن َر ْح َمتَ ُه َوَي َخاُفو َن َع َذ َاب ُه ِإ َّن َع َذ َ ِ ِ
ان َم ْح ُذو اًر
ِك َك َ
اب َرب َ ين َي ْد ُعو َن َي ْبتَ ُغو َن إَل ٰى َربِه ُم اْل َوِسيَل َة أَي ُ
أُوَلـٰئ َك الذ َ
{وَي ْرُجو َن َر ْح َمتَ ُه َوَي َخا ُفو َن َع َذ َاب ُه} [اآلية.]57 :
قوله تعالىَ :
قال سهل رحمه هللا تعالى :الرجاء والخوف زمامان على اإلنسان فإذا استويا قامت له أحواله وإذا رجح أحدهما بطل
اآلخر ،أال ترى النبى صلى هللا عليه وسلم أنه قال" :لو وزن رجاء المؤمن وخوفه العتدال
".
قال بعضهم :يرجون رحمته فى الدنيا بتواتر النعم عليهم ودوام العافية لهم فى اآلخرة ترك العقاب ودخول الجنة،
ويخافون عذابه فى الدنيا باالبتالء وفى اآلخرة البعد والطرد.
وتخويفا للعاصين.
ً وتنبيها للمقتصدين
ً قال حارث المحاسبى :اآليات التى يظهرها هللا فى عباده رحمة على السابقين
تحذير واآليات هى الشباب، تخويفا ،قال :موعظة و ًاً وسئل أحمد بن حنبل عن هذه اآلية وما نرسل باآليات إال
قالُ :
َس ُج ُد لِ َم ْن َخَلْق َت ِطيناً}
ال أَأ ْ
والكهولة ،والشيبة ،وتقلت األحوال بك لعلك تعتبر بحال أو تتعظ فى وقت قوله تعالىَ{ :ق َ
[اآلية.]61 :
قال أبو عثمان :الكبر وتعظيم النفس أول كل بلية ومعصية ألم تر إلى إبليس كيف قام بالحجة فى تهوين خلق آدم
َس ُج ُد لِ َم ْن َخَلْق َت ِطيناً}.
وتعظيم نفسه بالمشافهة لرب العزة حيث يقول{ :أَأ ْ
َحتَِن َك َّن ُذ ِرَّيتَ ُه ِإالَّ َقلِيالً َخرت ِن ِإَلى يو ِم اْلِقي ِ ِ َّ ِ
امة أل ْ
ََ َرَْيتَ َك َهـٰ َذا الذي َكَّرْم َت َعَل َّي َلئ ْن أ َّ ْ َ ٰ َ ْ
ال أ َأ
َق َ
َرَْيتَ َك َهـٰ َذا َّال ِذي َكَّرْم َت َعَل َّي} [اآلية.]62 :
قوله تعالى{ :أ َأ
ال واألَو ِ
الد َو ِع ْد ُه ْم َو َما َي ِع ُد ُه ُم ِ ِ ِِ ِ ِ ِ طع َت ِم ْنهم ِبصوِتك وأ ِ
َجل ْب َعَل ْيهم ب َخْيل َك َوَرجل َك َو َش ِارْك ُه ْم في األ َْمَو َ ْ
ُْ َ ْ َ َ ْ استَ َ ْاستَْف ِزْز َم ِن َْو ْ
ان ِإالَّ ُغ ُرو اًر
طُ َّ
الش ْي َ
ال واألَو ِ
ِ ِ
الد} [اآلية.]64 :{و َش ِارْك ُه ْم في األ َْم َو َ ْ
قوله تعالىَ :
قال أبو عثمان :عبد هللا حًقا من كان فى وثاق خدمته وأسر منته ال ينفك من إقامة خدمته ،وشكر نعمته ومن يكون
فى سلطان هللا ال يكون لغيره عليه سلطان وسلطانه فهذه له فى كل وقت حتى ال يجد راحة يرجع إليها وال مأوى.
{وَكَف ٰى ِب َرب َ
ِك َو ِكيالً} [اآلية.]65 : قوله تعالىَ :
قال جعفر :كفى بربك وكيالً لمن توكل عليه ،وفوض أمره إليه.
قال ابن عطاء :كفى به وكيالً لمن اعتمد عليه وقطع قلبه عما سواه.
قال ابن عطاء :ليس بخالص هلل من ال يكون فى حالة الرخاء مع هللا كحال الشدة ،ومن يلتجئ إلى غيره فى حال
يقومه إال األدب.
الشدائد فهو من العبيد السوء الذى ال ُ
قال ابن عطاء :ابتداهم بالبر قبل الطاعات ،وباإلجابة قبل الدعاء ،وبالعطاء قبل السؤال ،كفاهم الكل من حوائجهم
ليكونوا لمن له الكل وبيده كفاية الكل.
الرسل.
قال بعضهم :كرمنا بنى آدم بالوسائط و ُ
وقيل :كرمنا بنى آدم بالحظ ،وقيل :كرمنا بنى آدم بالخلق.
أيضا :كرمنا بنى آدم بأن سخرنا لهم الكون وما فيها لئال يكونوا فى تسخير شىء ويتفرغوا إلى عبادة ربهم.
وقال ً
اه ْم ِفي اْلَب ِر َواْلَب ْح ِر} قال :البر ما أظهر من النعوت والبحر ما استتر من
{و َح َمْلَن ُ
قال الواسطى رحمه هللا فى قولهَ :
الحقائق ،وقيل :فى مشاهدة أيده فصمت الوقتين الفصل والوصل وهو البر والبحر.
الطِيب ِ
ات} [اآلية.]70 : قوله تعالى{ :ورَزْقناهم ِمن َّ
َ َ َ َ ُْ َ
وقال يحيى بن معاذ :الرزق الطيب ما يفتح على اإلنسان من غير سؤال وال إشراف نفس.
وحكى ابن الفرحى عن الجنيد رحمه هللا تعالى قال :فضلناهم بإصابة الفراسة.
ام ِه ْم َف َم ْن أُوِت َي ِكتَ َاب ُه ِبَي ِم ِين ِه َفأ ُْوَلـِٰئ َك َيْق َرؤو َن ِكتَ َاب ُه ْم َوالَ ُي ْ
ظَل ُمو َن َفِتيالً اس ِبِإم ِ
َ
َي ْوم َن ْد ُعوْا ُك َّل أَُن ٍ
َ
اس ِبِإم ِ
ام ِه ْم} [اآلية.]71 : {ي ْوم َن ْد ُعوْا ُك َّل أَُن ٍ
َ قوله تعالىَ َ :
قال ابن عطاء :يوصل كل مريد إلى مراده ،وكل محب إلى محبوبه ،وكل مد ٍع إلى دعواه ،ولكل ُمنت ٍم إلى من كان
ينتمى إليه.
وقال الجنيد فى هذه اآلية :يقولون لقوم يا عبيد الدنيا ،ولقوم يا عبيد األنفس ،ولقوم يا طالب اآلخرة ،ولقوم يا
أصحاب األعراض ،ولقوم يا ُمتبعى األوامر ،ولقوم يا ربانيين.
قال الجنيد رحمه هللا :من كان فى هذه أعمى عن مشاهدة الفضل فهو فى اآلخرة أعمى عن مشاهدة الذات.
أيضا :من كان فى هذه أعمى عن مشاهدة بره فهو فى اآلخرة أعمى عن رؤيته وضال عن قربه.
وقال ً
إنتباها
ً قال ابن عطاء :إن هللا عز وجل ،عاتب األنبياء بعد مباشرة الزالت ،وعاتب نبينا قبل وقوعه ليكون بذلك أشد
اك َلَق ْد ِك َّ
دت تَ ْرَك ُن ِإَل ْي ِه ْم}. {وَل ْوالَ أَن ثَب َّْتَن َ
ظا لشرائط المحبة فقالَ :
وتحف ً
قال الحسين :خلق هللا الخلق على علم منه بهم .وهم علم العلم ،وجعل النبى صلى هللا عليه وسلم أعظم الخلق خلًقا،
وباطنا ،وعاجالً وآجالً ،فثبت الملك بالعلم
ً ظاهر
ًا وأقربهم زلفى فجعله الداعى إليه والمبين عنه ،به يصلون إلى هللا
وثبت العلم بالنبى صلى هللا عليه وسلم وحثنا النبى صلى هللا عليه وسلم به فقال :ولوال أن ثبتناك بنا.
طاناً َّن ِ
اج َعل لِي ِمن َّل ُد ْن َك ُسْل َ ِ ص ْد ٍق وأ ْ ِ
وُقل َّر ِب أ َْد ِخْلِني م ْدخل ِ
صي اًر َخ ِر ْجني ُم ْخ َرَج ص ْد ٍق َو ْ َ ُ ََ َ
قوله تعالى{ :وُقل َّر ِب أ َْد ِخْلِني م ْدخل ِ
ص ْد ٍق} [اآلية.]80 : ُ ََ َ
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم اإلسكندرانى يقول :سمعت أبا جعفر الملطى عن على بن موسى
الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد فى قوله{ :أ َْد ِخْلِني م ْدخل ِ
ص ْد ٍق} قال :أدخلنى فيها على َحد الرضا ،وأخرجنى ُ ََ
عنها وأنت عنى ر ٍ
اض.
أيضا :أخرجنى من القبر إلى الوقوف بين يديك على طريق الصدق مع الصادقين.
وقال ً
قال جعفر :طلب التولية أن يكون هو المتولى أى أدخلنى ميدان معرفتك وأخرجنى من مشاهدة الذات.
أحدا من العباد إال أقام عليه الدالئل والبراهين ودل عليه ،وقد قال لنبيه صلى هللا عليه وسلم:قال الخراز :ما دعا هللا ً
ص ْد ٍق} اآلية.{وُقل َّر ِب أ َْد ِخْلِني م ْدخل ِ
ُ ََ َ
َخ ِر ْجِني قال الواسطى رحمة هللا عليه :قال المعال فى شرفه يعنى محمد صلى هللا عليه وسلم{ :أ َْد ِخْلِني م ْدخل ِ
ص ْد ٍق َوأ ْ ُ ََ
ص ْد ٍق} فأظهر محمد صلى هللا عليه وسلم من نفسه صدق اللجأ بصدق الفاقة بين يديه ،وبصدق اللجأ تََربَّيت م ْخرج ِ
ُ ََ
السرائر.
طاناً َّن ِ
صي اًر} [اآلية.]80 : اج َعل لِي ِمن َّل ُد ْن َك ُسْل َ
{و ْ
قوله تعالىَ :
بالرعب
وقهر على أعدائك فأجابه هللا إلى ذلك فقال النبى صلى هللا عليه وسلم "نصرت ُّ
قال الجنيد رحمه هللا :غلب ًة ًا
مسيرة شهر
".
سمعت منصور بن عبد هللا بإسناده عن جعفر أنه قال فى هذه اآلية :قوة لى فى الدين توجب لى بها الجنة.
ِ ِ
آء اْل َح ُّق َوَزَه َق اْلَباط ُل ِإ َّن اْلَباط َل َك َ
ان َزُهوقاً َوُق ْل َج َ
قوله تعالى{ :وُقل جآء اْلح ُّق وزهق اْلب ِ
اط ُل} [اآلية.]81 : َ ْ َ َ َ ََ َ َ َ
قال فارس :الحق ما يحملك على سبيل الحقيقة والباطل ما يشتت عليك أمرك ويفرق عليك وقتك.
قال الواسطى :أعرض بالنعمة عن المنعم والنعمة العظمى الهداية واإليمان والمعرفة والوالية والعبد ال ينفك من رؤية
ذلك من نفسه وهذا هو اإلعراض عن المنعم بأن يستحلى طاعته ،ويتلذذ بها ،أو يسكن إليها ،أو يتحصن بها من
اكَلِت ِه} [اآلية.]84 :
النار قوله تعالىُ{ :قل ُك ٌّل يعمل عَلى َش ِ
َْ َ ُ َ ٰ ْ
قال ابن عطاء :على ما فى سره؛ ألن النبى صلى هللا عليه وسلم قال" :اعملوا فكل ميسر لما خلق له
".
قال أبو بكر بن طاهر :كل نفس يتبع أثر قلبه وهمته.
قال بعضهم :الروح لطيفة يرى من هللا عز وجل إلى أماكن معروفة ال يعبر عنه بأكثر من وجود بإيجاد غيره.
وخوف ،ورجاء ،وصدق ،والمعرفة أنفت هذه المعانى قال الواسطى رحمه هللا :الروح يمر بشىء من األحوال من محبة َ
كلها واألحوال للعقول والنفوس فقال :لما خلق هللا عز وجل أرواح األكابر ردها بمعرفته لها فأسقط عنها معرفتها به،
وأب أر إليها علمه بها فأسقط عنها ما علمت منه ،فمعرفتها .معرفة الحق إياها ،وعلمها علم الحق بها ،وتصورها مراده
إياها على محابها.
قيل :مباسطة األلطاف تنسى األرواح ،ومباشرة األرواح تظهر عليها األلطاف.
الرو ُح ِم ْن أ َْم ِر َربِي} قال :قارن العلم بالروح لرقة لطافته بحملها ألنها وفى علمه .وتمكن معه
وقيل فى قولهُ{ :ق ِل ُّ
بحمله فتفضل بأن جذبها إلى علمه وبلغ منها الحقيقة وليس الكل يعطونها كذى فهى ناطقة بعلم ما علمه فيها ومنها
فهى يتزايد جذبها إليه وذلك حين يستولى عليها علمه بها ،ونظره إليها فهى به تجول وبه معه تمور.
وقيل :الروح لم تخرج من الكون ألنها لو خرجت من الكون لكان عليها ُّ
الذل ،فقيل :من أى شىء خرجت؟ قال :من
ِ
بسالمه ،وحياها بكالمه فهى متقة بين جماله ،وقدس جالله بمالحظة اإلشارة غشاها بجماله ،وردها بحسنه واشتملها
من ُذل الكون.
الرو ُح ِم ْن أ َْم ِر َربِي} إن هللا ستر الروح على جميع خلقه ،وستر صفة صفات نفسه،
وقال ابن عطاء فى قولهُ{ :ق ِل ُّ
وستر ما يبدو منه ،وستر ما يعامل به الخلق عند معاينته إال أن العلماء اتفقت أنها لطيفة وأنها خلقت قبل األجسام
لطفا
واختصاصها من بين المخلوقات بكونها فى يد ربها حين قال آلدم :اختر إحدى يدى فزاده اختصاص األخذ ً
وتقر ًيبا من ذات مالكها فبين به الخلق واألصل أنها مخلوقه لكنها ألطف المخلوقات ،وهى أصفى الجواهر وأنورها بها
تُرى المغيبات وبها يكون الكشف ألهل الحقائق ،وإذا حجبت الروح عن مالقات النفس دعات الستر أساءت الجوارح
األدب فى أوقاتها كذلك صارت الروح بين تحلى واستتار ،ونازع وقابض وهى على قرب محلها من ربها وقت أخذها.
وسئل الواسطى رحمه هللا عن األرواح أين كان مكانها حين أظهرها؟ قال :إن األرواح خلقها وقبضها قبل األجساد
ُ
وسئل ألى علة كان محمد صلى هللاعيانا ،ألن الدنيا واآلخرة عند األرواح سواءُ ،
فأين كانت ترى؟ صار ما غاب ً
نبيا وآدم عليه وسلم أحكم الخلق؟ قال :ألنه خلق روحه أوالً .فوقع له صحبة التمكين واالستقرار ،أال ترى يقولُ :
"ك ْن ُت ً
جسدا.
روحا وال ً
بين الروح والجسد" .أى لم يكن ً
تكوننا ألنها
ً كونا وال
وقيل :معرفة األشباح عقوله بها زمن عظيم ما وزد عليها واألرواح ال تهواها شىء وال يستعظم ً
مأخوذة بشاهد الحق يجحد كل وارد يرد عليها من المستترات.
وقيل :األرواح معتقة من رق الكون أظهر فيها من خفايا المخبات المصونات والمكونات بأعجب أعجوبة وسلم عليها
كفاحا وكانوا سالمين فى أزليته منه فى إظهار ديموميته سالمين منه فى أخرياته استحقوا اسم السالم بذلك.
ً
قال بعضهمَّ :نور باألرواح األجساد ورفق بها وزينها بنعيم مشاهدة األرواح ومالقاتها .ومباشرتها على حسن األدب
فإذا حجب الروح عن مالقاة الجسد أساءت الجوارح فى أوقاتها األدب.
وقال الواسطى رحمه هللا :األرواح فى ثالثة أشياء :أرواح األجلة األنبياء غذاها بلطائف خطابها تجدهم يسامون من
كل ما يفتخر به الخلق من أنواع الطاعات أو التزين بالعبودية وأرواح الصديقين والصالحين عذابها بمالحظاته تزداد
نور وتبصرة ،وأرواح العامة تأخذ غذاء من كل مأكول ومشروب.
على األوقات ًا
وأنشد بعضهم:
قال جعفر :من اآليات التى خصه هللا بها االصطناع والمحبة ألقاها عليه والكالم والثبات فى محل الخطاب ،والحفظ
فى اليم واليد البيضاء وإعطاء األلواح.
وقال ابن عطاء :من اآليات حمل قوة الخطاب فى المشاهدة ،والمراجعة فى طلب الروية وهذه من أعظم اآليات.
قال جعفر :الحق أنزل على قلوب خواصه من مكنون فوائده ،وعجائب بره ،ولطائف صنعه ما نور به أسرارهم ،وطهر
به قلوبهم ،وزين جوارحهم وبالحق َنزَل عليهم هذه اللطائف.
نذير لمن أقبل عليك يبشرهم لسعة رحمة هللا عليهم ليقبلوا عليه وينذرهم
مبشر لمن أعرض عنكً ،ا
ًا قال ابن عطاء:
سخط ربهم لئال يتكلوا على أعمالهم.
ين أُوتُوْا اْل ِعْلم ِمن َقْبلِ ِه ِإ َذا ُي ْتَل ٰى َعَل ْي ِه ْم َي ِخُّرو َن لِألَ ْذَق ِ
ان ُس َّجداً َّ ِ ِ ِ
ُق ْل آمُنوْا ِبه أ َْو الَ تُ ْؤ ِمُنوْا ِإ َّن الذ َ
َ
ين أُوتُوْا اْل ِعْلم ِمن َقْبلِ ِه ِإ َذا ُي ْتَل ٰى َعَل ْي ِه ْم َي ِخُّرو َن لِألَ ْذ َق ِ
ان} [اآلية.]107 : َّ ِ
قوله تعالىِ{ :إ َّن الذ َ
َ
قال سهل رحمه هللا :ال يؤثر شىء على اليسر ما يؤثر عليه سماع القرآن فإن العبد إذا سمع القرآن خشع سره
لسماعه ،وأنار قلبه بالبراهين الصادقة ،وزين جوارحه بالتذلل واالنقياد.
قال أبو يعقوب السوسى :البكاء على أنواع :بكاء من هللا وهو أن يبكى شفقة لما جرى عليه من الحق فى األزل من
السعادة والشقاوة وبكاء على هللا وهو أن يبكى حسرة على ما يفوته من الحق ومن حظه منه ،وبكاء هلل وهو البكاء
عند ذكره وقوته ووعده ووعيده وبكاء باهلل وهو أن يبكى يالحظ منه فى بكائه.
قال القاسم :البكاء على وجوه :بكاء الجهال على ما جهلوا ،وبكاء العلماء على ما قصروا ،وبكاء الصالحين مخافة
الفوت ،وبكاء األئمة مخافة السبق ،وبكاء الفرسان من أرباب القلوب للهيبة والخشية وتواتر األنوار وإلبكاء الموحدين.
قال الواسطى رحم ة هللا عليه :أسماؤه ال تدخل تحت الحصر ،وذاته ليس بمشار إليه وال بموصوف حقيقة إال صفة
المدح ،والحق هو الخارج عن األوهام واألفهام فأنى له النعوت واألفهام فأنى له النعوت والصفات.
وُق ِل اْلحم ُد ََِّّللِ َّال ِذي َلم يتَّ ِخ ْذ وَلداً وَلم ي ُك ْن َّله َش ِريك ِفي اْلمْل ِك وَلم ي ُك ْن َّله ولِ ٌّي ِمن ُّ
الذ ِل َوَكِب ْرهُ تَ ْكِبي اًر َ َُ ُ َ ْ َ ٌ ُ ْ َ َ َ َ َْ َ
قال بعضهم :اعلم أنك ال تطيق أن تكبره اآلية ،فاستفت به ليدل على مواقف التعظيم.
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم البزار يقول :سمعت ابن عطاء يقول فى قوله{ :اْل َح ْم ُد ََِّّللِ َّال ِذي
اب} ،قال :أضاف الكل بالكلية إلى نفسه ،وقال :على عبده المخلص وحقيقة العبد الذى ال ملك ِِ ِ
أ َْن َزَل َعَل ٰى َع ْبده اْلكتَ َ
له.
شيئا.
وقيل :العبد الذى ال ينازع سيده ً
وقيل العبد الذى ال يهتم بشىء وال يسكن إلى شىء ،وال يأمن من شىء.
قال أبو حفص :العبد القائم إلى أوامر سيده على حد النشاط حديث جعله محل أمره.
شيئا.
شيئا وال يرعى لنفسه ً
وقال أبو عثمان :العبد الذى ال يملك ً
الصالِح ِ َقِيماً لِين ِذر بأْساً َش ِديداً ِمن َّلدنه ويب ِشر اْلمؤ ِمِن َّ ِ
َج اًر َح َسناً ات أ َّ
َن َل ُه ْم أ ْ ين َي ْع َمُلو َن َّ َ
ين الذ َُ ْ ُ َ َُ َ ُ ْ َ ُْ َ َ
الصالِح ِ َّ ِ
َج اًر َح َسناً} [اآلية.]2 : ات أ َّ
َن َل ُه ْم أ ْ ين َي ْع َمُلو َن َّ َ
قوله تعالى{ :الذ َ
قال بعضهم :العم ل الصالح ما أريد به وجه هللا ال غير ،واألجر الحسن أن ال تحجب عن لقاء سيده.
أجر حسن وهو أن يكون ثوابه عليه ماوقال بعضهم :م ربط عمله باإلخالص صلح عمله ،ومن صلح فله عند هللا ٌ
أذن سمعت وهو كالم الحق ،وال خطر على قلب بشر وهو الرضا .قال هللا تعالى:
ال عين رأت وهو لقاء الحق ،وال ٌ
ضوْا َع ْن ُه} [المائدة ،119 :المجادلة ،22 :البينة.]8 : {ر ِ
َّللاُ َع ْن ُه ْم َوَر ُ
ضي َّ
َ
َّ
َّما َلهم ِب ِه ِمن ِعْل ٍم والَ آلب ِائ ِهم َكبرت َكلِم ًة تَخرج ِمن أَ ْفو ِ
اه ِه ْم ِإن َيُقوُلو َن ِإالَّ َك ِذباً َ َ ْ َُ ْ َ ْ ُ ُ ْ َ ْ ُْ
قال ابن عطاء :الكبر الدعاوى ،من ادعى فى هللا أو أشار إلى هللا ،أو تكلم عن هللا أو دخل فى ميدان االنبساط فإن
ذلك كله من صفات الكذابين.
ِ ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ َّ
َفَل َعل َك َباخ ٌع َّنْف َس َك َعَل ٰى آثَ ِاره ْم إن ل ْم ُي ْؤمُنوْا ب َهـٰ َذا اْل َحديث أ َ
َسفاً
قال بعضهم :ال تشغل سرك بمخالفاتهم .فما عليك إال البالغ والهدى منا لمن نشاء.
وتركا لها.
اضا عنها ً
قال ابن عطاء :لنبلوهم أيهم أحسن عمالً ،أحسن إعر ً
وقصدا ونية.
ً قال :صدًقا
وقال بعضهم :حسن العمل نسيان العامل نفسه ،وعمله والفناء بالحق للحق.
قال الواسطى رحمه هللا :وعليهم حسن العمل ترك التزين به.
وقيل :أهل المعرفة باهلل ،والمحبة له ،والمشتاقون إليه هم زينة األرض ونجومها وأقمارها ،وشموسها.
ص ِعيداً ِ
{وإَِّنا َل َجاعُلو َن َما َعَل ْي َها َ
قال الواسطى رحمه هللا :الكون فى قبضة الحق وهو هباء فى جنب القدرة ،وقال هللاَ :
ُج ُر اًز}.
الرِقي ِم َك ُانوْا ِم ْن َآي ِاتَنا َع َجب ًا َن أَصحاب اْل َكه ِ
ف َو َّ ِ
أ َْم َحس ْب َت أ َّ ْ َ َ ْ
قال الحسين :أصحاب الكهف فى ظل المعرفة األصلية ال يزايلهم بحال كذلك خفى على الخلق آثارهم.
{م ْن َآي ِاتَنا َع َجباً} سلبهم عنهم وأخذهم منهم ،وحال بينهم وبين األغيار وألجأهم إلى غار
وقال ابن عطاء فى قولهِ :
األنس وآواهم وأمنهم ثم أفناهم عنهم وغيبهم منهم ،ومن إرادتهم ومعانيهم فتاهوا فى الحضرة والعين لذلك قال{ :أ َْم
الرِقي ِم َك ُانوْا ِم ْن َآي ِاتَنا َع َجباً}. َن أَصحاب اْل َكه ِ
ف َو َّ ِ
َحس ْب َت أ َّ ْ َ َ ْ
وقيل بعضهم :أصحاب الكهف كالنيام ال علم لهم بوقت ،وال زمان ،وال معرفة بعمل وال مكان أحياء موتى صراعى.
مفيقون ،نيام منتبهون ال إليهم سبيل وال لهم إلى غيرهم طريق وردت عليهم خلع من خلع الهيبة ،وأظلتهم ستور
التعظيم وأحدقت بهم حجب العظمة واستناروا بنور العزيز الكريم ،كذلك قال هللا تعالى لنبيه صلى هللا عليه وسلمَ{ :ل ِو
اطَل ْع َت َعَل ْي ِه ْم َل َوَّل ْي َت ِم ْن ُه ْم ِف َار اًر}.
َّ
ِ ِِ ِ ِ
ض َرْبَنا َعَل ٰى آ َذان ِه ْم في اْل َك ْهف سن َ
ين َع َدداً َف َ
قيل :أخذنا عنهم أسماعهم حتى ال يسمعوا إال منا ،وأخذنا عنهم أبصارهم فال ينظرون إال إلينا ،حتى ال يكون لهم
إلى الغير اآلفات وال للغير فيهم نصيب بحال.
قال ابن عطاء :أخرجنا منهم صفة البشرية .وأقمناهم بصفات القدوسية ،قدسنا ظواهرهم ،وبواطنهم وجعلناهم أسرى فى
اه ْم}.
القبضة ثم رددناهم إلى هياكلهم وصفاتهم بقوله{ :ثُ َّم َب َع ْثَن ُ
أيضا :إن الفائدة فى الضرب على اآلذان وليس لألذنان فى النوم شىء إنه ضرب على آذانهم حتى ال يسمعوا
وقال ً
األصوات فينتبهون ويكونوا من الخلق كلهم فى راحة.
ِ ِ
آمُنوْا ِب َرِب ِه ْم َوِزْدَن ُ
اه ْم ُه ًدى ص َعَل ْي َك َنبأ ُ ِ
َهم باْل َح ِق إَّن ُه ْم ف ْتَي ٌة َ َن ْح ُن َنُق ُّ
أيضا :نحن نقص عليك نبأهم بالحق لننظر إليهم بعين المشاهدة.
وقال ً
وقال :سماهم هللا فتية ألنهم آمنوا باهلل بال وساطة وقاموا إلى هللا بإسقاط العالئق عنهم.
وقال أبو بكر الوراق :أول قدم فى اإليمان .الفتوة وهو أن ال يجرى عليك التلوين لما يرد.
وقال محمد بن على الترمذى :الفتوة تصديق اللسان فيما وعد وأوعد ،وهو اإليمان على الحقيقة أن ال يخالف ظاهرك
وباطنك ،وال باطنك ظاهرك.
وسئل أبو حفص :ما الفتوة؟ قال :أن تنظر إلى الخلق كلهم بعين األولياء ،وال تستفتح منهم إال ما خالف الشرع ،وال
عذر.
أحدا على ذنب ويجعل له فى ذلك ًا
تلوم ً
وقال أبو عثمان :الفتوة اتباع الشرع واالقتداء بالسنن ،وسعة الصدر ،وحسن الخلق.
ِ ِ
آمُنوْا ِب َرب ِِه ْم َوِزْدَن ُ
اه ْم ُه ًدى}. قال هللا{ :إَّن ُه ْم ف ْتَي ٌة َ
ِ
ات واأل َْر ِ ِ ِ
ض} [اآلية.]14 : الس َم َاو َ طَنا َعَل ٰى ُقُلوبِه ْم إ ْذ َق ُ
اموْا َفَقاُلوْا َربَُّنا َر ُّب َّ {وَرَب ْ
قوله تعالىَ :
{ر ُّب
{ربَُّنا} إظهار إرادة ودعوة ثم قالَ : قال ابن عطاء :وسمنا أسرارهم بسمة الحق ،فقاموا بالحق للحق فقالواَ :
جوعا من صفاتهم بالكلية إلى صفاته وحقيقة علمه {َلن َّن ْد ُعَوْا ِمن ُدوِن ِه ِإلـٰهاً} لن نعتمد سواه فى
ض} ر ً
ِ
ات واأل َْر ِ
الس َم َاو َ
َّ
بعيدا من طريق الحق.
طا يعنى ً شىء ،لو قلنا غير ذلك كان شط ً
عما دوننا.
وقال ابن عطاء :ربطنا على قلوبهم حتى صدقوا العهد والميثاق وأخلينا أسرارهم َّ
ِ
ات واأل َْر ِ
ض} لم ينظروا إلى الس َم َاو َ
{ربَُّنا َر ُّب َّ
وقال ابن عطاء :قاموا َع َّما كان أفقدهم من االشتغال باألكوان فقالواَ :
شىء دوننا ولم يسكنوا إليه.
وقال جعفر :قاموا إلى الحق بالحق قيام أدب ونادوه نداء صدق وأظهروا له صحة الفقر ،ولجؤوا إليه أحسن لجٍإ
وتعظيما له ،فكافأهم على قيامهم اإلجابة على ندائهم بأحسن جواب ً افتخار به
ًا وقالوا :ربُّنا رب السماوات واألرض:
اطَل ْع َت َعَل ْي ِه ْم َلَوَّل ْي َت ِم ْن ُه ْم ِف َار اًر} [اآلية:
الرسل حين قالَ{ :ل ِو َّ
وألطف خطاب ،وأظهر عليهم من اآليات ما يعجب منه ُّ
.]18
وسمعت بعض مشايخنا يستدل بهذه اآلية فى حركة الواجدين فى وقت السماع والذكر .إن القلوب إذا كانت مربوطة
طَنا َعَل ٰى بالملكوت ومحل القدس حركتها أنوار األذكار وما يرد عليها من فنون السماع واألصل قوله تعالىَ :
{وَرَب ْ
ِ ِ
ُقُلوبِه ْم إ ْذ َق ُ
اموْا}.
َّللاِ َك ِذباً
ظَل ُم ِم َّم ِن ا ْفتَ َر ٰى َعَلى َّ
ان َبِي ٍن َف َم ْن أَ ْ
طٍ الء َق ْو ُمَنا اتَّ َخ ُذوْا ِمن ُدوِن ِه آلِ َه ًة َّل ْوالَ َيأْتُو َن َعَل ْي ِهم ِب ُسْل َ
هـٰؤ ِ
َُ
ات اْلَي ِم ِ
ين} [اآلية.]17 : ِ
طَل َعت تَّ َزَاوُر َعن َك ْهف ِه ْم َذ َ
الش ْم َس ِإ َذا َ
قوله تعالى{ :وتَ َرى َّ
َ
{وِزْدَن ُ
اه ْم ُه ًدى} نور على نور ،وبرهان على برهان، قال ابن عطاء :ذلك لمعنى النور الذى كان عليهم بقولهَ :
والشمس نور ولكن إذا غلب نور أقوى منها انكشفت الشمس فكانت تزيغ عن كهفهم لغلبة نورهم خوًفا أن ينكشف
نورها من غلبة نورهم.
قال جعفر :يمين المرء قلبه ،وشماله نفسه ،والرعاية يدور عليهما ولوال ذلك لهلك.
قال ابن عطاء :زينهم هللا عز وجل لخلقة الرضا فكشفت األنوار لنورهم ،وخضعت لها فترى الشمس إذا طلعت تزاور
عن كهفهم تهرب بنورها عن أنوارهم.
قال الواسطى :من جاء بأوائل اإليمان بال علة ،وبأواخره بال علة وهذا صفات الحق ال صفات الخلق فنظرات
المهتدى هو المباين من جميع أوصافه المتصف بأوصاف الحق.
قال سهل :من حكم هللا عليه بالشقاوة لم يقدر على صرف ذلك أحد عنه بحال.
ِ الي ِم ِ
الشم ِ
ال} {اآلية].18 : ات َين َوَذ َ ات َ{وُنَقلُِب ُه ْم َذ َ
قوله تعالىَ :
قال ابن عطاء :نقلبهم فى حالى القبض والبسط والجمع والتفرقة جمعناهم مما تفرقوا فيه فحصلوا معنا فى عين
الجمع.
قال بعضهم :نقلبهم من حال الفناء والبقاء والكشف واالحتجاب والتجلى واالستتار.
ط ِذراعي ِه ِبالو ِ
ص ِيد} {اآلية].18 : ِ
{وَكْلُب ُه ْم َباس ٌ َ َ ْ َ
قوله تعالىَ :
قال سهل بن عبد هللا رحمه هللا :ارزقنا ذكرك وشكرك على جميع األحوال فهو ُجل رحمة من عندك ،وسهل لنا سبيل
اطَل ْع َت َعَل ْي ِه ْم َل َوَّل ْي َت ِم ْن ُه ْم ِف َار اًر} [اآلية.]18 :
التوفيق فهو أرشد الطرق قوله تعالىَ{ :ل ِو َّ
قال جعفر :لو اطلعت عليهم من حيث أنت لوليت منهم فرًارا ،ولو اطلعت عليهم من حيث الحق لشاهدت فيهم معانى
الوحدانية والربانية.
تبرما َّ ِ ِ
وقال ابن عطاء رحمه هللا :لو اطلعت عليهم أَتى على األكوان بما فيها {َلَول ْي َت م ْن ُه ْم ف َار اًر} لصرفت البصر عنهم ً
بهم فإنك مطالع لنا ،ومطالع منا.
وقال ابن عطاء فى هذه اآلية :إنه وردت عليهم أنوار الحق من فتون الخلع ،وأظلتهم سرادقات التعظيم وأحدقت بهم
اطَل ْع َت َعَل ْي ِه ْم َلَوَّل ْي َت ِم ْن ُه ْم ِف َار اًر}.
جالبيب الهيبة لذلك قال لنبيه صلى هللا عليه وسلمَ{ :ل ِو َّ
ار.
وقال الحسين فى قوله :لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرًا
قال :أنفة مما هم فيه من إظهار األحوال عليهم وقهر األحوال لهم مع مشاهدته من عظيم المحل فى القرب
والمشاهدة فلم يؤثر عليك لجاللة محلك.
وقال جعفر :لو اطلعت على ما بهم من آثار قدرتنا ورعايتنا لهم وتولية حياطتهم لوليت منهم فرًارا .أى ما قدرت على
الثبات لمشاهدة ما بهم من هيبتنا فيكون حقيقة الفرار منا ال منهم ألن ما يرى عليهم منا.
قال بعضهم :حين سئل عن الفرق بين أنوار هدايته وأنوار المالئكة؟ فقال :أنوار المالئكة أنوار كراماته وأنوار بنى آدم
أنوار هدايته وهو نور ظاهر وباطن لذلك وقعت هيبته أكبر فقال :لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرًارا .ولم يكن من
ار كفرار الشيطان من عمر بن الخطاب رضى هللا عنه.أنوار المالئكة عند الحجب فرًا
أن نجوم الليل ليست ثغور ال أظلم الليل وال ادعى
قصير
ُ طالت وإن جادت فليلى ليلى كما شاءت فإن لم تجد
سمعت أبا عثمان المعزى يقول :إرفاق العارفين باللطف وإرفاق المريدين بالعنف.
يها ِإ ْذ َيتََن َازُعو َن َب ْيَن ُه ْم أ َْم َرُه ْم َفَقاُلوْا ْابُنوْا َعَل ْي ِه ْم ُب ْنَياناً ِ
اع َة الَ َرْي َب ف َ
الس َ َن َّ َّللاِ َح ٌّق َوأ َّ َن َو ْع َد َّ َعثَ ْرَنا َعَل ْي ِه ْم لَِي ْعَل ُموْا أ َّ ِٰ
َوَكذل َك أ ْ
ين َغَلُبوْا َعَل ٰى أ َْم ِرِه ْم َلَنتَّ ِخ َذ َّن َعَل ْي ِه ْم َّم ْس ِجداً َّربُّهم أَعَلم ِب ِهم َق َّ ِ
ال الذ َ ُْ ْ ُ ْ َ
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه وعلى جماعتهم فى قوله :ربهم أعلم بهم :حيث أظهر عليهم عجائب صنعه وجعلهم
أحد شواهد عزته ،وجعلهم بالمحل الذى خاطب به النبى صلى هللا عليه وسلم فيهم .فقال {َل ِو َّ
اطَل ْع َت َعَل ْي ِه ْم َلَوَّل ْي َت
ِم ْن ُه ْم ِف َار اًر}.
لم يطلق لرسوله صلى هللا عليه وسلم أن يخبر عن الحق إال بما أخبره الحق ،ولم يأذن له فى اإلخبار عن نفسه إال
ِ َّ ِ ِٰ ِ ٍ ِِ
َّللاُ}. {والَ تَْقوَل َّن ل َش ْيء إني َفاع ٌل ذل َك َغداً إال أَن َي َش َ
آء َّ عن مشيئة ربه فقالَ :
يت َوُق ْل َع َس ٰى أَن َي ْه ِدَي ِن َربِي ألَْق َر َب ِم ْن َهـٰ َذا َرَشداً ِ
َّك ِإ َذا َنس َ
َّللاُ َوا ْذ ُكر َّرب َ
آء َّ ِ َّ
إال أَن َي َش َ
ِ
َّك ِإ َذا َنس َ
يت} [اآلية.]24 : {وا ْذ ُكر َّرب َ
قوله تعالىَ :
قال ابن عطاء :إذا نسيت نفسك والخلق ،فاذكرنى فإن األذكار ال تمازج ذكرى قيل له :كيف بنا نفسه وخلقه؟ فقال:
قال الجنيد رحمه هللا :الذكر فناء الذاكر فيه ،والذكر فى مشاهدة المذكور.
وقال ابن عطاء :نسيان األكابر إذا ورد المحق عليهم بحضوره.
ِ
َّك ِإ َذا َنس َ
يت} أى إذا {وا ْذ ُكر َّرب َ
قال الجنيد رحمه هللا :حقيقة الذكر الفناء بالمذكور عن الذكر لذلك قال هللا تعالىَ :
نسيت الذكر يكون المذكور صفتك.
{وُق ْل َع َس ٰى أَن َي ْه ِدَي ِن َربِي ألَْق َر َب ِم ْن َهـٰ َذا َرَشداً} [اآلية.]24 :
قوله تعالىَ :
قال الجنيد رحمه هللا فى هذه اآلية :إن فوق الذكر منزلة هو أقرب ً
رشدا ذكره له ،وهو تجريد النعوت بذكره لك قبل أن
يسبق إلى هللا بذكره.
قال ذو النون رحمه هللا :أمر هللا تعالى األغنياء بمجالسة الفقراء والصبر معهم واالستنان بسنتهم .قال هللا تعالى:
اصِب ْر َنْف َس َك} اآلية.
{و ْ
َ
قال عمرو المكى :صحبة الصالحين والفقراء الصادقين عين أهل الجنة يتقلب من الرضا إلى اليقين ومن اليقين إلى
الرضا.
قال إبراهيم بن شيبان :فتوة أهل المعرفة دوام االصطبار فى حصن االضطرار مع أهل الصبر.
وقال ابن عطاء :خاطب هللا تعالى نبيه صلى هللا عليه وسلم وعاتبه و َّأنبه وقال له اصبر على من صبر علينا بنفسه،
وعشيا فحق لمن لم يفارق حضرتنا أن
ً وقلبه ،وروحه ،وهم الذين ال يفارقون محل االختصاص من الحضرة بكرة
نصير عليه فال يفارقه.
قال الواسطى ال تعد عيناك عنهم إلى غيرهم فإنهم ال تعدو أعينهم منى طرفة عين.
وسئل أبو عثمان :عن الغفلة؟ فقال :إهمال ما أمرت به ونسيان تواتر نعم هللا عندك.
قال ابن عطاء :أظهر الحق للخلقُ ،سبل الحق وطرق الحقيقة فمن سألك فيه بالتوفيق ،ومعرض عنه بالخذالن وهذا
قال جعفر :إن الذين صدقوا هللا فى األرزاق والكفايات وطلبوا الرزق من وجهه الذى أباح هللا طلبه فإن هللا ال يضيع
سعيهم فى طلب مرضاته ويسهل عليهم سبيل التوكل ليستغنوا بذلك عن الطلب والحركة ويخرجهم من ضيق الطلب
إلى فسحة التوكل.
قال بعضهم :من صدق اإلخالص فى أعماله فأولئك الذين ال نضيع سعيهم وحركتهم.
ِ ِ
َح َس َن َع َمالً}.
َج َر َم ْن أ ْ قال هللا تعالى{ :إَّنا الَ ُنض ُ
يع أ ْ
ض اًر ِمن س ْن ُد ٍ ِ ِ أُوَلـِٰئك َلهم جَّنات ع ْد ٍن تَجرِي ِمن تَحِت ِهم األ َْنهار يحَّلو َن ِف ِ
س ُ َس ِاوَر من َذ َه ٍب َوَيْلَب ُسو َن ثَياباً ُخ ْ
يها م ْن أ َ َ ْ ُ َ ُ َُ ْ ْ ْ َ ُْ َ ُ َ
اب َو َح ُسَن ْت ُم ْرتََفق ًا َّ ِِ ِ وإِستَبر ٍق ُّمتَّ ِكِئ ِ
يها َعَلى األ ََرآئك ن ْع َم الث َو ُ
ين ف َ
َ َ ْ َْ
قال ابن عطاء :على أرائك األنس فى رياض القدس وصفتها :إنها لذات منقضية تعقب حسرات دائمة وسرور حاضر
مؤبدا والعالم بها هو المعرض عنها والجاهل لحقيقتها هو المتخبط فيها.
يورث حزًنا ً
ال
َم ً
ِك ثََواباً َو َخ ْيٌر أ َ
ِ
الصالِ َح ُ
ات َخ ْيٌر ع َند َرب َ ات َّ ِ ال َواْلَبُنو َن ِز َين ُة اْل َحَي ِاة ُّ
الد ْنَيا َواْلَباقَي ُ اْل َم ُ
ِ ِ
ِك} [اآلية.]46 : الصالِ َح ُ
ات َخ ْيٌر ع َند َرب َ ات َّ
{واْلَباقَي ُ
قوله تعالىَ :
قال ابن عطاء فى قوله :الباقيات الصالحات :قال :هى األعمال الخالصة والنيات الصادقة وكل ما أريد به وجه هللا
هو الصدق.
قال جعفر الصادق :الباقيات الصالحات هو التوحيد فإنه باق بقاء الموحد.
ظلِم ِم ْن ُه َش ْيئاً َوَف َّج ْرَنا ِخالَل ُه َما َن َه اًر ِكْلتَا اْل َجَّنتَْي ِن آتَ ْت أ ُ
ُكَل َها َوَل ْم تَ ْ
قال الواسطى رحمه هللا وعلى المشايخ أجمعين :من تواله هللا بالحقيقة فهو الولى ومن واله فهو الوالى قال هللا تعالى:
{هَنالِ َك اْل َوالََي ُة ََِّّللِ اْل َح ِق}.
ُ
َصَب َح َه ِشيماً تَ ْذ ُروهُ ِ السم ِاء َفاختَل َ ِ ِ ٍ اض ِر ْب َل ُهم َّمَث َل اْل َحَي ِاة ُّ
َّللاُ
ان َّ
ياح َوَك َ
الر ُ ض َفأ ْ ط ِبه َنَب ُ
ات األ َْر ِ َْ الد ْنَيا َك َمآء أَْن َ ْزلَناهُ م َن َّ َ َو ْ
َعَل ٰى ُك ِل َشي ٍء ُّمْقتَِد اًر
ْ
الس َم ِاء} [اآلية.]45 : اض ِر ْب َل ُهم َّمَث َل اْل َحَي ِاة ُّ
الد ْنَيا َك َم ٍآء أ َْن َ ْزلَناهُ ِم َن َّ {و ْ
قوله تعالىَ :
قال محمد بن الفضل :الدنيا شقيق ُة النفس وقرينتها وهى مائلة إليها فى كل األوقات وصفتها فتقلب زينة باطنه زينة
حب الدنيا شوًقا منه إلى ربه وتغلب زينة ظاهره زينة الدنيا ال زينته أزين من زينة الدنيا.
ِ ِ ِ ِ
َحداً ض َب ِارَزًة َو َح َش ْرَن ُ
اه ْم َفَل ْم ُن َغاد ْر م ْن ُه ْم أ َ ال َوتَ َرى األ َْر َ
َوَي ْوَم ُن َسي ُر اْلجَب َ
قال ابن عطاء :دل بهذه اآلية على إظهار جبروته وتمام قدرته وعظيم عزته لذلك الموقف ويصلح سريرته وعالنيته
لخطاب ذلك المشهد وحوله.
قال أبو حفص :أشد آية فى القرآن على قلبى قوله{ :ووجدوْا ما ع ِمُلوْا ح ِ
اض اًر} إن نظروا إلى المخالفات كان فيها َ ََ َُ َ َ
الهالك وإن نظروا إلى الموافقات ووجدوها مستوية بالرياء والسمعة والشهوات فخوف أهل اليقظة من الموافقات أكثر
آء ِمن ُدوِني ِ الئ َك ِة اسجدوْا ألَدم َفسجدوْا ِإالَّ ِإبلِيس َكان ِمن اْل ِج ِن َفَفسق عن أَم ِر رب ِ
ِه أََفتَتَّ ِخ ُذ َ ِ وإِ ْذ ُقْلنا لِْلم ِ
ون ُه َوُذريَّتَ ُه أ َْولَي َ َ َ َْ ْ َ ْ َ َ َ ْ ُُ َ َ َ َُ َ َ َ
ِ َّ ِ ِ
َو ُه ْم َل ُك ْم َع ُدٌّو ِب ْئ َس للظالم َ
ين َب َدالً
وليا هلل وال يبلغ مقام الوالية من نظر إلى شىء دون هللا ،أو اعتمد سواه ولم يميز بين
قال يحيى بن معاذ :ال يكون ً
من يعاديه ويواليه ،وحال إقباله من حال إدباره.
آء ِمن ِ قال الحسن :خاطبك الحق تعالى أحسن خطاب ودعاك إلى نفسه بألطف داء بقوله{ :أََفتَتَّ ِخ ُذ َ ِ
ون ُه َوُذريَّتَ ُه أ َْولَي َ
ُدوِني}.
قال أبو سعيد الخراز :لقد عجزت الخليقة أن يدرك بعض صفات ذاتها فى ذاتها ،وتدرى كيف كنهها فى أنفسها.
ض َوالَ َخْل َق أ َْنُف ِس ِه ْم} فلم يملك هللا الخليقة عن تحرى علم أنفسها فى ِ
ات واأل َْر ِ َش َهدتُّ ُه ْم َخْل َق َّ
الس َم َاو َ {مآ أ ْ
قال هللا تعالىَّ :
شيئا من صفات مالكها. أنفسها فكيف تدرك ً
قال سهل :جاءهم الهدى ولكن طرق الهداية كانت مسدودة عليهم فمنعهم عن الهدى واإليمان الحكم الجارى عليهم فى
األزل.
قال ابن عطاء :من أجهل ممن تبين له الحق فلم يقبله.
وقال بعضهم :أحق الناس تسمية بالظلم من يرى اآليات وال يعتبر بها ،ويرى طرق الخير فيعرض عنها ،ويرى مواقع
الشر فيتبعها وال يجتنب منها.
قال أبو بكر بن طاهر :لما لم يشكروا نعم هللا عليهم ولم يقابل البالء بالصبر والرضا.
َف َو َج َدا َع ْبداً ِم ْن ِعَب ِادَنآ آتَْيَناهُ َر ْح َم ًة ِم ْن ِع ِندَنا َو َعَّل ْمَناهُ ِمن َّل ُدَّنا ِعْلماً
قال الجنيد رحمه هللا :العبودية خارجة من األفعال واألحوال ولكنها موجودة تحت الخفيات.
قال الواسطى رحمه هللا :إضافات من أراد أن ينسى النعوت ال تصل إليه بالعبادات واإلشارات ألجأ موسى إلى
الخضر صلى هللا عليهما ليريه صدق الفاقة لئال يقول :أنا عند نظرة إلى هللا وإلى الناس ،ألن الخضر شاهد أنوار
الملك وشاهد موسى الواسطات.
قال النبى صلى هللا عليه وسلم البن عباس" :إذا سألت فاسأل هللا
".
فأخبر الخضر موسى أن السؤال من الناس هو السؤال من هللا ،فقال :ال تغضب من المنع حين أبوا أن يضيفوهما.
سمعت محمد بن عبد هللا يقول :سمعت يوسف بن الحسن يقول :سمعت ذا النون رحمه هللا يقول :إن هللا بسط العلم
ولم يقبضه ودعا الخلق إليه من طرق كثيرة ،ولكل طريق منها علم مفرد ،ودليل واضح فتلك األدلة يدلون على
المناهل ،وبنور ذلك العلم وتلك األعالم يهتدون ولكل أهل طريق منها علم فهو بعلمهم مستعملون ،ومتى ضلوا فى
طرق هذه العلوم أو أخطؤوا فإن صاحب العلم اللدنى يردهم إلى المحجة.
{و َعَّل ْمَناهُ ِمن َّل ُدَّنا ِعْلماً} [اآلية .]65 :ليكون ذلك لعلماء الوسائط.
قال هللا تعالىَ :
{و َعَّل ْمَناهُ ِمن َّل ُدَّنا ِعْلماً} قال بال واسطة المكشوف ،وال بتلقين الحروف لكنه الملقى إليه
قال ابن عطاء :فى قولهَ :
بمشاهدة األرواح.
قال فارس :العلم اللدنى ما وقع على حسه باالستيفاء بال واسطة.
قال الحسين :العلم اللدنى إلهام أخلد الحق األسرار فلم يملكها االنصراف.
قال الهيثم :علم االستنباط بكلفة ووسائط ،وعلم اللدنى بال كلفة وال واسطة.
محكما على رسوله من غير ظن فيه وال خالف واقع لكنه مكاشفات األنوار
ً قال الجنيد رحمه هللا :العلم اللدنى ما كان
عن مكنون المغيبات وذلك يقع للعبد إذا لزم جوارحه عن جميع المخالفات وأفنى حركاته كل اإليرادات وكان ً
شيخا
بين يدى الحق بال ٍ
تمن وال مراد.
قال فارس :إن موسى كا ن أعلم من الخضر فيما أخذ عن هللا ،وكان الخضر أعلم من موسى فيما دفع إليه موسى
عليهما السالم.
أيضا :إن موسى مبقى عليه صفته ليأخذ الغير عن أدبه فمن انقطع عن الرياض كان على حسب العصمة
وقال ً
انيا بالحق
باقيا بالحق .والخضر كان ف ً
مستهلكا والمستهلك ال حكم له ،وموسى كان ً
ً فانيا
والتمكين فيه ،والخضر كان ً
وال فرق بينهما ألنهما من معدن واحد كليهما.
ط ِب ِه ُخ ْب اًر
صِب ُر َعَل ٰى َما َل ْم تُ ِح ْ
ف تَ ْ
ص ْب اًر * َوَك ْي َ
َقال ِإَّنك َلن تَستَ ِط ِ
يع َمع َي َ
ْ َ َ َ
صِب ُر} [اآلية.]67 : قوله تعالىَ { :قال ِإَّنك َلن تَستَ ِط ِ
ف تَ ْ
ص ْب اًر * َوَك ْي َ
يع َمع َي َ
ْ َ َ َ
سمعت أبا عثمان المغربى يقول :إنما أتى الناس من قبل أنهم ال يعرفون مقامهم مع هللا ،وإنما اشتغلوا بالعلوم
واألعمال.
والبينة هى الكشف عن مراد الحق فيه ،فإذا عرف مراده فيه استراح واطمأن وسكن ،ومن ذلك أن يبدى له علم مجارى
أحكامه قبل أن يجرى عليه فإذا جرت األحكام عليه يصبر وال يبت ،كما قال الخضر لموسى صلى هللا عليهما
ط ِب ِه ُخ ْب اًر} [اآلية.]68 :
صِب ُر َعَل ٰى َما َل ْم تُ ِح ْ
ف تَ ْ
{وَك ْي َ
َ
خبر لصبرت ولكن ستر عنك محل هذا العلم لموضع التأديب والتهذيب لذلك قيل إن من عرف علم إى لو أحطت به ًا
ما يجرى عليه صبر على أحكامه لعلمه بما يراد منه.
ص ْب اًر} لعله يفارقه بهذه اللفظة فإن من قال :كره صحبة المخلوقين فآيسه مع صحبته بقولهِ{ :إَّنك َلن تَستَ ِط ِ
يع َمع َي َ
ْ َ َ ُ
صاحبا استوحش مما سواه.
ً وجد هللا
اق َب ْيِني ِ وقال بعضهم :قال الخضر لموسىِ{ :إَّنك َلن تَستَ ِط ِ
{هـٰ َذا ف َر ُ
ص ْب اًر} ثم لم يصبر معه الخضر بقولهَ :
يع َمع َي َ
ْ َ َ
َوَب ْيِن َك} [اآلية.]78 :
مؤدبا له.
أيضا :إن موسى كان على مقام التأديب ،والخضر قائم مقام الكشف والمشاهدة لما جعل ً
وقال ً
قال الحضرى :علم الخضر لموسى قصور علمه عن محل سؤال موسى وإنه ألجأ إليه للتأديب ال للتعليم فقال له:
إلى للتأديب ال للتعليم فى حال من األحوال. { َفِإ ِن اتَّبعتَِني َفالَ تَسأَْلني عن َش ٍ
يء} ألن علمك أعلى وأتم .وإنما ألجئت َّ َ ْ َْ
ال َل ْو ِش ْئ َت يها ِج َدا اًر ُي ِر ُيد أَن َينَق َّ ِ ٍ
ام ُه َق َ
ض َفأََق َ ضِيُف ُ
وه َما َف َو َج َدا ف َ َهَل َها َفأََب ْوْا أَن ُي َ
ط َع َمآ أ ْ
استَ ْ طَلَقا َحتَّ ٰى ِإ َذآ أَتََيآ أ ْ
َه َل َق ْرَية ْ َفان َ
ِ
َلتَّ َخ ْذ َت َعَل ْيه أ ْ
َج اًر
ِ ِ
قولهَ{ :ل ْو ش ْئ َت َلتَّ َخ ْذ َت َعَل ْيه أ ْ
َج اًر} [اآلية.]77 :
قال القاسم :لما قال موسى هذا القول :وقف ظبى بينهما وهما جائعان من جانب موسى غير مشوى ومن جانب
الخضر مشوى ألن الخضر أقام الجدار بغير طمع ،وموسى رده إلى الطمع.
قال ابن عطاء :رؤية العمل وطلب الثواب به يبطل العمل أال ترى الكليم لما قال للخضر عليهما السالم {َل ْو ِش ْئ َت
ِ
َلتَّ َخ ْذ َت َعَل ْيه أ ْ
َج اًر} كيف فارقه.
وقال الجنيد رحمه هللا :إذا أورده بظلم األطماع على القلوب حجبت النفوس عن نظرها فى بواطن الحكم.
قال الواسطى رحمه هللا :الخضر شاهد أنوار الملك وموسى شاهد الوسائط ،وكان الخضر أخبر موسى أن السؤال من
الناس هو السؤال من هللا فال تغضب عند المنع ،فإن المانع والمعطى واحد فال تشهد األسباب واشهد المسبب تسترح
من هواجس النفس.
الماء وإذا هوى طار فى الهواء وكذا من أخلص لنا مكناه من مملكتنا يتقلب فيها حيث يشاء َ
ممن كان للملك كان
الملك له.
سببا ،وجعل األسباب معانى الوجود فمن شهد السبب انقطع عن المسبب، قال جعفر :إن هللا عز وجل جعل لكل شئ ً
ومن شهد صنع المسبب امتأل قلبه من دنيا األسباب وإذا امتأل قلبه من الريبة حال بينه وبين المالحظة وحجبه عن
المشاهدة.
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم يقول :قال ابن عطاء :لما قال الخضر :فأردت أوصى إليه فى
السر من أنت حتى تكون لك إرادة فقال فى الثانية :فأردنا فأوصى إليه فى السر من أنت ومن موسى حتى يكون لكما
إرادة فرجع وقالَ { :فأ ََرَاد َرُّب َك}.
وسمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم يقول :قال ابن عطاء :أما قولهَ{ :فأ ََر ُّ
دت} قال :شفقة على
جوعا إلى الحقيقة.
ُّك} ر ً
الخلق ،وقولهَ { :فأ ََرْدَنآ} رحمة ،وقولهَ { :فأ ََرَاد َرب َ
قال ابن عطاء :من صدق الموعود وأحسن اتباع أوامر ربه فله جزاء الحسنى وهو أن يرزقه الرضا بالقضاء والصبر
على البالء ،والشكر على النعمة وينزع من قلبه حب الشهوات والدنيا ،ووسواس النفس والشيطان.
السماع الحق ،ومن لم يفتح له قلبه سمع السماع كيف قال ابن عطاء :ال يستطيعون ً
سمعا ألن آذانهم مسدودة عن َّ
يسمع بظاهر سمعه وهو تبع لسمع قلبه.
وقال جعفر الصادق رحمه هللا :ال يستطيعون سماع كالم الحق ،وال سماع سنن المصطفى صلى هللا عليه وسلم ،وال
سماع سير الهداة الصالحين من األنبياء والصديقين ألنهم لم يجعلوا من أهل القبول للحق فمنعوا سماع خطاب الحق.
قال أبو بكر الوراق :حين سئل عن هذه اآلية قال :هو الذى يبطل معروفه فى الدنيا مع أهلها بالمنة وطلب الشكر
على ذلك ،ويبطل طاعاته بالرياء والسمعة.
قال أبو بكر الوراق :من أنزل نفسه فى الدنيا منزل الصادقين أنزله هللا فى اآلخرة منزلة المقربين.
وقال الحسين :من نظر إلى العمل حجب عمن َع ِم َل له ومن نظر إلى من َع ِم َل له العمل حجب عن رؤية العمل.
سمعت محمد بن عبد هللا يقول :سمعت يوسف بن الحسين يقول :سمعت ذا النون رحمه هللا يقول :مثل المؤمن
كاألرض تطيق حمل كل شىء ،وكالمطر إذا سقط سقى كل شىء أراد أو لم يرد.
قال ابن عطاء :منعمين فيها نعيم األبد ينقلبون فى مجاورته ،ويفرحون بمرضاته ،قد آمنوا كل مخوف ووصلوا إلى
شيئا إال وجدوه كيف يطلبون عنه تحويالً.
كل محبوب فال يشتهون ً
فأما خاص الخاص من كالمه ،وما ال يوصف أكثر مما قد أشير إليه ،وإنما يذكر الناس ما بغيرهم معانى العبودية
من عمل ،وثواب ،وعقاب ،ووعد ،ووعيد على حسب ما تحتمله عقولهم ،فأما الكمال من فائدة الكالم ،فاألنبياء
واألولياء واألصفياء.
قال األنطاكى :من خاف المقام بين يدى هللا فليعمل عمالً يصلح للعرض عليه.
قال يحيى بن معاذ :العمل الصالح ما يصلح أن يلقى هللا به ويستحى منه فى ذلك.
قال ذو النون رحمه هللا وعلى المشايخ أجميعين :العمل الصالح هو الخالص من الرياء.
وقال أبو عبد هللا القرشى :العمل الصالح الذى ليس للنفس إليه التفات وال به طلب ثواب وجزاء.
ِ ِ ِ
{والَ ُي ْش ِر ْك ِبعَب َادة َربِه أ َ
َح َداً} [اآلية.]110 : قوله تعالىَ :
حدا.
قال األنطاكى :ال يرائى بطاعته أ ً
وقال جعفر :ال يرى فى وقت وقوفه بين يدى ربه غيره وال يكون فى همه وهمته سواه.
كهيعص
قال إبراهيم بن شيبان :كهيعص :أما الكاف فاهلل الكافى لخلقه ،والهاء فاهلل الهادى لخلقه ،والياء يد هللا على الخلقه
بالعطف والرزق والعين فاهلل عالم بما يصلهم ،والصاد فاهلل صادق وعده.
من أشرك ومن لم يشرك ،صادق فى عذابه وثوابه وعقابه ووعده ووعيده.
قال ابن عطاء :ذكر اختصاص زكريا بالرحمة ،وإن كانت رحمته قد وصلت إلى األنبياء فخص زكريا من بينهم
بألطف رحمة وهو أن وهب له يحيى الذى لم يعص ولم يهم بمعصية فهذا هو محل اختصاصه.
قال ابن عطاء :أخفى نداءه عن الخلق وعن نفسه ،وأظهر النداء لمن يجيبه ويقدر على إجابته وفائدة إخفائه عن
النداء الخلق وعن النفس لئال يدخله تلوين.
خفيا فى الذكر عن الذكر ،ومن ذى قيل :إذا أذهلتك العظمة ِ وقال بعضهم فى قولهِ{ :إ ْذ ناد ٰى رب ِ
آء َخفياً} .قالً :
َّه ن َد ً
ََ َ ُ
خرس قلبك ولسانك عن الذكر.
قال ابن عطاء :كيف يشقى من إليه مرجعه وإياه دعاؤه ،وبه قوته ،وعليه توكله ،ومنه تأييده ونصرته؟ قال -هللا:
َك ْن ِب ُد َع ِآئ َك َر ِب َشِقياً}.
{وَل ْم أ ُ
َ
قال أبو الحارث األوالسى :سؤال األنبياء ال يكون إال بإذن أو عن إذن.
قال ابن عطاء :ترضى منه أخالق الظاهر ،وترضيه عنك فى الباطن.
اس ُم ُه َي ْحَي ٰى} [اآلية.]7 : قوله تعالى{ :ي َٰزَك ِريَّآ ِإَّنا ُنَب ِش ُر َ ِ
ك ب ُغالَ ٍم ْ
قال الصبيح :سماه يحيى ،وقالَ{ :ل ْم َن ْج َعل َّل ُه ِمن َقْب ُل َس ِمياً} افتتح اسمه بالياء وختمه بالياء وتوسط بين اليائين حاء
الحنانية ،فاسمه فى الخط مرسوم موجه يق أر من أوله إلى آخره ،ومن آخره إلى أوله .فياء األول توفيق وياء اآلخر
تحقيق ،فلذلك لم يعص ولم يهم بمعصية.
".
ام َأرَِتي َع ِاق اًر َوَق ْد َبَل ْغ ُت ِم َن اْل ِكَب ِر ِعِتي ًا ِ ِ ِ
ال َرب أََّن ٰى َي ُكو ُن لي ُغالَ ٌم َوَك َانت ْ
َق َ
قال جعفر :استقبل النعمة بالشكر قبل حلولها ،أنى يكون لى غالم ،بأى ٍيد ،وبأى عمل ،وأى طاعة استوجبت منك
آيس
هذه اإلجابة وهذا الفضل والكرم بسابق تفضيلك ونعمك على عبادك فى جميع األحوال فإن آيست من عملى فال ُ
من فضلك.
قال الواسطى رحمه هللا :خذه بقوة قلبك وثقة بربك ال بسجود وبكاء وتضرع ،وهذا دليل أنه أكرم من شاء بغير ٍ
علة
وأهان من شاء بغير ٍ
علة.
معجونا بأنوار المشاهدة ونفسه معجونة بآداب العبودية والمجاهدة لذلك قال له ربه
ً قال الحسين :كان روح يحيى
صِبياً}.
{وآتَْيَناهُ اْل ُح ْك َم َ
تعالىَ :
حكما على الغيب وفراسة صادقة ال قال يوسف بن الحسين :فى قوله{ :وآتَْيَناه اْل ُح ْكم ِ
صبياً} أوتى يحيى عليه السالم ً
َ َ َ ُ
يخالطها ريب وال شك.
وقال سهل :رحمة من عندنا وطهرة طهرناه بها من ظنون الخلق فيه وكان ً
تقيا معرض عما سوانا مقبل علينا.
نور منا ألقيناه عليها وخصصناها به فأث ار النور فيه أثره فأخرج من ضياء نتائج ذلك النور عيسى
قال ابن عطاءً :ا
روح هللا عليه السالم.
قال أبو بكر بن طاهر :فى هذه اآلية عالمة دالة على تصحيح الربوبية ورحمة لمن أمن به ولم يدع فيه ما يدعيه
لنفسه.
الن ْخَل ِة َقاَل ْت ٰيَليتَِني ِم ُّت َقبل هـٰ َذا وُكنت نسياً َّم ِ
نسياً اض ِإَل ٰى ِج ْذ ِع َّ
ْ َ َ َ ُ َْ ْ آء َها اْل َم َخ ُ
َج َ
َفأ َ
قوله تعالى{ٰ :يَليتَِني ِم ُّت َقبل هـٰ َذا وُكنت نسياً َّم ِ
نسياً} [اآلية.]23 : ْ َ َ َ ُ َْ ْ
قال ابن عطاء :لما رأت قومها قد أثموا فى أمرها رجعت بالالئمة على نفسها وقالت{ٰ :يَل ْيتَِني ِم ُّت َقْب َل َهـٰ َذا}.
وقال بعضهم{ٰ :يَل ْيتَِني ِم ُّت َقْب َل َهـٰ َذا} أى يا ليتنى مت فى أيام كفاية التوكل قبل أن رددت إلى عناية الطلب بقوله
{هزِى ِإَل ْي ِك}.
ُ
قال الواسطى رحمه هللا :هزى إليك بجذع النخلة :قال كانت يابسة فلما حركت اهتزت واخضرت وأطلعت وسقطت
فقال :كما أن هللا تولى النخلة بما عاينت تولى عيسى فى إظهاره من غير أب.
قال فارسُ :هزى ِإليك .قال :كانت فى هذا الوقت محبة المخالفات لذلك أمرت باكتساب ،وفى وقت دخول زكريا عليها
فى محبة الموافقات.
أيضا :سكنها فى محنها مرة وأتبعها أخرى وذلك محبة العوام ومحبة الموافقات أعظم.
وقال ً
وقال ابن عطاء :فى قصة مريم عليها السالم لما كانت مجردة رزقت بغير حركة وكسب لما تعلق قلبها بعيسى قال
{و ُهزِى ِإَل ْي ِك ِب ِج ْذ ِع ا َّلن ْخَل ِة}.
لهاَ :
ُكلِم اْليوم ِإ ِ ِ ِ ِِ اشربِي وَقرِي عيناً َفِإ َّما تَري َّ ِ ِ
نسياً َحداً َفُقولي إني َن َذ ْر ُت ل َّلر ْح َمـ ِٰن َ
ص ْوماً َفَل ْن أ َ َ َ ْ َ الب َش ِر أ َ
ِن م َن َ َ َْ َف ُكلي َو ْ َ َ
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم البزار بمصر يقول :قال ابن عطاء :فأشارت إليه فى الظاهر
ليعلم القوم صدقها فيما يقول فأنطق هللا عيسى صلى هللا عليه وسلم ببراءتها.
وقال :إن أحسن إشارات العارفين فى أوقات اإلضطرار حين ال تتثبت الهمة عن الرجوع إلى الحق.
َّللاِ} أى أنطقنى
قال ابن عطاء :أشارت إلى هللا فلم يفهم القوم إشارتها فأنطق هللا عيسى بالبيان ،قال عيسى {ِإِني َع ْب ُد َّ
هللا بهذا النطق الذى أشارت إليه مريم وأظهر ربوبيته فى تكلمه.
َّللاِ}
قال ابن عطاء :لما علم هللا فى عيسى ما علم من أن ُيتكلم فيه بأنواع الكفر أنطقه أول ما أنطقه بقولهِ{ :إِني َع ْب ُد َّ
ليكون ذلك حجة على من يدعى إذ قد شهد هو بالعبودية هلل تعالى بالعبودية.
اغبا إليه.
مباركا عارًفا باهلل ر ً
ً وقال الواسطى رحمه هللا :وجعلنى
مباركا على من صحبنى وتبعنى أن أوليه على األعراض عن الدنيا واإلقبال على اآلخرة.
ً قال الجنيدى رحمه هللا:
وقال أبو عثمان :عيسى إمام الزهاد فى الدنيا والسالكين سلوك اآلخرة فظهر بركاته على من اتبع أثره.
وقال سهل :أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ،وأرشد الضال ونصر المظلوم ،وأغاث الملهوف.
حيا بحياته.
قال ابن عطاء :أمرنى بمواصلته وطهارة السر عما دونه ما دمت ً
متكبر عن عبادته.
ًا قال سهل :جاهالً بأحكامه وال
وقال ابن عطاء :الجبار الذى ال ينصح ،والشقى الذى ال يقبل النصيحة.
وناظر إليه ال إلى خلقه فهو الذى يبدأ بالعطاء قبل السؤال ًا قال الجنيد رحمه هللا :من كان مشغوالً باهلل عن نفسه
ِ داخالً فى مهيمنية الجبار قد أخبر هللا عن ذلك بقوله{ :أ ِ
َسم ْع ِب ِه ْم َوأ َْبص ْر َي ْوَم َيأْتُ َ
ونَنا} [اآلية.]38 : ْ
ضي األ َْم ُر َو ُه ْم ِفي َغْفَل ٍة َو ُه ْم الَ ُي ْؤ ِمُنو َنوأَن ِذرهم يوم الحسرِة ِإذ ق ِ
َ ْ ْ ُ ْ َْ َ ْ َ ْ َ ْ ُ َ
{وأ َْن ِذ ْرُه ْم َي ْوَم اْل َح ْس َرِة} [اآلية.]39 :
قوله تعالىَ :
سمعت منصور بن الحسين يقول :سمعت أبا القاسم البزار المصرى يقول :قال ابن عطاء :الحسرة هى الندم على ما
فات من الحق ،وحسرة الوقت هى قلة المباالة بما يرتكبه من أنواع المخالفات.
قال ابن عطاء :الصديق القائم مع ربه على حد الصدق فى جميع األوقات ال يعارضه فى صدقه معارض بحال.
وقال يحيى بن معاذ رحمة هللا عليه :شرب كأس الصديقين فى الدنيا من ثالثة أنهار نهر الحياء ،ونهر العطاء ،ونهر
الصبر.
ِ ِ ِ ِ ِ
ال ألَِبيه ٰيأََبت ل َم تَ ْعُب ُد َما الَ َي ْس َم ُع َوالَ ُي ْبص ُر َوالَ ُي ْغني َع َ
نك َش ْيئاً ِ
إ ْذ َق َ
شيئا من مماتك.
قال بعضهم :لم تعتمد من ال يسمع دعائك ،وال يبصر حالك ،وال يكفيك ً
قال القاسم :الطريق إلى الحق تعالى طريق المتابعة من علت مرتبته اتبع الكتاب ،ومن ترك عنهم اتبع الرسول صلى
هللا عليه وسلم ،ومن نزل عنهم ،اتبع الصحابة رحمة هللا عليهم ،ومن ترك عنهم اتبع أولياء هللا والعلماء باهلل وأسلم
الطرق إلى هللا طريق االتباع ألن سهل بن عبد هللا قال :أشد ما على النفس االقتداء فإنه ليس للنفس فيه نفس وال
راحة.
اهيم َلِئن َّلم تَنتَ ِه ألَرجمَّنك واهج ِرني ملِياً * َقال سالَم عَليك سأ ِ
ِ ِِ ِ
َستَ ْغف ُر َل َك َربِي ِإَّن ُه َك َ
ان َ َ ٌ ََْ َ ْ ْ ُ َ َ َ ْ ُْ َ ْ َنت َع ْن آل َهتي ٰيإ ِْب َر ُ
ال أ ََراغ ٌب أ َ
َق َ
ِبي َحِفياً
قال أبو بكر طاهر :لما بدا منه كالم الجهال من الدعوة إلى آلهته والوعيد على ذلك إن خالفه جعل جوابه جواب
طبهم الج ِ
اهُلو َن َقاُلوْا َسالَماً} [الفرقان.]63 : {وِإ َذا َخا َ َ ُ ُ َ
الجهال بالسالم لقوله تعالى َ
وقال أبو تراب النخشبى :صحبة األشرار تورث (سوء الظن) باألخيار.
قال عبد العزيز المكى :كان الخليل عليه السالم يهاب ربه أن يدعوه ،ويذكره ،ويعظمه أال يكون يدعوه بلسان ال
يصلح لدعاءه فدعا على استحياء وحتمة وخيفة وهيبة بعد معرفته بجاللته فقال :وأدعو ربى عسى أال أكون بدعاء
شقيا :وهللا أعلم أن ربى يعذرنى بدعائى إياه ،وإن كنت ال أصلح لذكره ودعائه ثم ال أشقى بدعائه بعد أن
ربى ً
يعذرنى.
قال الواسطى رحمه هللا :عوض األكابر على مقدار الحرب جعل فهم التالوة لألحكام ،وجعل فهم الحقيقة لألسقام.
َخاهُ َه ُارو َن ِ ِ قال هللا جل ذكرهَ{ :فَل َّما اعتزَلهم وما يعبدون ِمن دو ِن َّ ِ
{وَو َه ْبَنا َل ُه من َّر ْح َمتَنآ أ َ
َّللا َو َه ْبَنا َل ُه} وقال لموسىَ : ُ ْ ََ ُ ْ َ َ َ ْ ُ ُ َ
َنِبياً} [اآلية.]53 :
ولما اعتزل محمد صلى هللا عليه وسلم األكوان أجمع ولم يزغ البصر فى وقت النظرة وما طغى .قيلِ{ :إَّن َك َل َعَل ٰى ُخُل ٍق
ون َك ِإَّن َما ُيَبايِ ُعو َن َّ َّ ِ ِ
َّللاَ} [الفتح.]10 : ين ُيَبايِ ُع َ
َعظيمٍ} [القلم .]4 :لم تزغ غير ما حاله بصفته .وقالِ{ :إ َّن الذ َ
خير
سببا .إال عوضه هللا عليه ًا
قال أبو محمد البالذرى :ما خر أحد على ربه فى شئ من أسبابه وما ترك أحد له ً
منه.
قال ابن عطاء :أصدق األلسنة هى المعبرة عن الحق بالصواب ،والذاكر على الدوام لنعمائه والناشرة آلالئه.
وقال بعضهم :فتحنا عليهم ألسنة عبادنا بصدق معامالتهم وعلو محلهم.
قال الترمذى :المخلص على الحقيقة مثل موسى ذهب إلى الخضر صلى هللا عليهما ليتأدب به فلم يسامحه فى شىء
ظهر له منه ومما كان يفعله حتى أوقعه على العذر فيه وهذا من تمام إخالصه.
علما رزقه العمل به ،وإذا وفقه للعمل به أعطاه اإلخالص فى
وقال جعفر :للمقرب من هللا ثالث عالمات إذا أفاده هللا ً
عمله وإذا أقامه لصحبة المسلمين رزقه فى قلبه حرم ًة لهم ويعلم أن حرمة المؤمن من حرمة هللا تعالى.
{وَقَّرْبَناهُ َن ِجياً}.
قال الجنيد رحمه هللا فى قولهَ :
وقال رويم :كشفنا عن سره ما كان مغطى عليه من أنواع القرب والزلف ،وأ َِذَّنا له فى اإلخبار عنا.
شيئا إال صدقه ،ووفى به وقام عند مراد هللا فيه فسماه صادق
وقال الجنيد رحمه هللا :لم يعد إسماعيل هلل من نفسه ً
الوعد.
ص ِديقاً َّنِبَّياً
اب ِإ ْد ِريس ِإَّنه َكان ِ
َ ُ َ وا ْذ ُك ْر ِفي اْل ِكتَ ِ
َ
قال بعضهم :الصديق الذى ال يطلب الطريق الصدق من غيره ويكون له أن يطالب غيره بحقيقة الصدق.
وقال الحسين :الصديق :الذى ال يجرى عليه كلفة فى شواهده لمشاهدة الحق فتواله الحق فال يرى ً
شيئا إال من الحق.
وقال :الصديق :الذى يكون مع هللا فى حكم ما أوجب ،وال يكون على شره أثر من األكوان ويكون وجدان الذات لم
يشهده الحق غيره وهو أعمى عن الكون ويكون له مع الحق فستحمل به الواردات ال يذكر برؤية الكون غير الحق وال
يبدله الحق بالنظر إليه غيرة عليه.
قال محمد بن حامد :أولئك قوم حرموا تعظيم األنبياء ،واألولياء ،والصديقين فحجبهم هللا عن معرفته وأصابتهم شقاوة
ذلك الحال فأضاعوا الصالة التى هى محل وصلة العبد مع سيده ترسمو بها ولم تتحققوا فيها واتبعوا آراهم وأهوائهم
فأصابهم الخذالن وحرموا بذلك السعادة وأثر الشقاوة على العبيد هو حرمان الخدمة وتصغير من عظم هللا حرمته.
قال بعضهم فى هذه اآلية :تجعل أهل الجنة وسكانها من يطلبها بفضلنا ال بعمله فإن الجنة ميراث سعادة األزل ال
ميراث األعمال والعمل سمة ربما تتحقق.
ان تَِقياً} من كان رجوعه إلينا بنا ال غير. وربما ال تتحقق ،والتقوى نتيجة تلك السعادة وقولهَ :
{من َك َ
وقال ذو النون :التقى من ال يدنس ظاهره بالمعارضات وال باطنه بالعالت ويكون و ً
اقفا مع هللا موقف االتفاق.
وقال الواسطى رحمه هللا :إذا يلفت العقول الغاية وبلغ بها النهاية فحاصلها يرجع إلى حدث يليق بحدث حبك من ذلك
ان تَِقياً} لما كان التقوى وصفك قابلك بما يليق بك وأعلمك أنه {تْلك اْلجَّن ُة َّالِتي ن ِ ِ ِ ِ
ِ
ور ُث م ْن عَبادَنا َمن َك َ ُ قوله تعالىَ َ :
غاية ما يليق تقواك ونهايتك فى نجواك.
قال الواسطى رحمه هللا :من تلقى األشياء باهلل ال ينقطع عن العبادة ،ومن تلقاها بنفسه انقطع عن العبادة ألنه تلقاها
بشواهد نصرتها وبهجتها فالتقيه هى سبب الحجة عن المتقى.
قال محمد بن الفضل :هل تعلم أحد يجيبك فى أى وقت دعوته ويقبلك فى أى أوان قصدته.
شيئا.
وقال آخر :إنه مأخوذ عن شاهد واكتساب نفسه حين لم يك ً
قال الواسطى رحمه هللا :ما أحد إال وتورده النار مالحظات أفعاله ثم ينجى هللا منها من أسقط ذلك عنه وأزالها منه
بمالزمة التوفيق.
قال الواسطى رحمه هللا :بالرجاء يجلب المحتوم وبالخوف يدفع المقضى.
يها ِجِثياً ثُ َّم نن ِجي َّال ِذين اتََّقوْا َّون َذر َّ
الظالِ ِم ِ
ين ف َ
َ َ ُ َ َُ
َّ ِ
قوله تعالى{ :ثُ َّم ُنَن ِجي الذ َ
ين اتََّقوْا} [اآلية.]72 :
قال أبو الحسين الفارسى :ثم ننجى من اتقى النار .باالستغفار واتَّقانا بقلبه عن المخالفات.
قال الجنيد رحمه هللا :ما نجا من نجا إال بصدق اللجأ.
قال بعضهم :الناجى من المكاره هو الداخل فى سبيل التقوى وتصحيح التقوى فى سره وعالنيته وظاهره وباطنه.
وقال بعضهم :التقوى هو اجتناب الشبه من كل وجه ومالزمة الورع فى كل حال ،ومد اليد إلى األسباب بحسب إبقاء
المنهج.
َّللاِ آلِه ًة لِي ُكونوْا َلهم ِع اًز * َكالَّ سي ْكُفرو َن ِب ِعبادِت ِهم وي ُكونو َن عَلي ِهم ِ ِ ِ َّ
ضداً َ َ ْ ََ ُ َ ْ ْ ََ ُ َوات َخ ُذوْا من ُدون َّ َ َ ُ ُ ْ
ونوْا َل ُه ْم ِع اًز َكالَّ} [اآلية.]82-81 : قوله تعالى{ :واتَّخ ُذوْا ِمن دو ِن َّ ِ
َّللا آلِ َه ًة لَِي ُك ُ ُ َ َ
قال بعضهم :كيف تظفر بالعز وأنت تطلبه فى محل الذل ومكانه أذللت نفسك بسؤال الخلق ،ولو كنت موفًقا ألعززت
نفسك بسؤال الحق أو بذكره ،أو بالرضا لما يرد عليك منه تكون عز ًا
يز فى كل حال دنيا وآخرة.
وقال جعفر :المتقى الذى اتقى كل شىء سوى هللا ،والمتقى هو الذى اتقى متابعة هواه فمن كان بهذا الوصف فإن هللا
يحمله إلى حضرة المشاهدة على نجائب النور ليعرف أهل المشهد محله فيهم.
ركبانا وذلك حجابهم ال من جذبته زينته عن الحق حتى ينسيه ،وال يجذبه ذكر الحق عن
ً وفدا أى
وقال الواسطىً :
األعراض جذب الزينة فهو الكاذب فى دعواه.
ردا ،وانظر
سدا ،وارده على العبد ما أشار به ً
جدا ،وسد باب الخالف عليك ًوقال يحيى بن معاذ :اجعل أمرك مع هللا ً
مدا ،وال تذكر يوم يحشركدا ،وتمد بما ال تملكه من حياتك ً
هل تجد من طلب العفو ًبدا ،فإلى كم تكد بالتصنع ً
وفدا ،ونسوق المجرمين إلى جهنم ً
وردا. المتقين إلى الرحمن ً
سمعت منصور يقول :سمعت أبا القاسم اإلسكندرانى يقول :سمعت أبا جعفر الملطى يقول :عن على بن موسى
يز داالً بأوصاف
فقير ذليالً بأوصافه أو عز ًا الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد فى قوله {ِإالَّ ِآتي َّ
الر ْح َمـ ِٰن َع ْبداً} قالً :ا
الحق.
أحد إال
وجها فى عبادى ال يراهم ٌ
قال ابن عطاء :الذين أخلصوا سريرتهم لى وأتبعوا ظاهرهم فى خدمتى سأجعل لهم ً
أحبهم وأكرمهم ،وفى محبتهم وكرامتهم كرامتى ومحبتى.
ُّك ُه َو َعَل َّي َهِي ٌن َوَق ْد َخَلْقتُ َك ِمن َقْب ُل َوَل ْم تَ ُك َش ْيئاً ِٰ
ال َرب َ
ال َكذل َك َق َ
َق َ
موجودا.
ً قال الواسطى :قدرتك من قبل ولم تك
قال :أنت فى حال وجودك كانت فى حال عدمك عندنا ال تحدث لنا فى عدمك ووجودك بحاله لم تكن ال لألشياء
ثابتة فى حالة وجودها وال هى بانية فى عدمها إذ وجودها وعدمها عند الخلق ،واإلثبات لشىء بإزائه.
قال الواسطى :هو مستخرج من الطاهر الهادى أى :أنت طاهر بنا ٍ
هاد إلينا.
وقال محمد بن على الترمذى فى قوله تعالى {طه} أى :طوبى لمن اهتدى بك وجعلك السبيل إلينا.
قال ابن عطاء :قيل له :يا محمد أنت إمام أهل الخشية وسيدهم أنزلناه تذكرةً لك لتسكن إليه وتزول به الخشية من
قلبك فإن المحب يأنس بكتاب حبيبه ،وكالمه.
آن
{مآ أََن َ ْزلَنا َعَل ْي َك اْلُق ْر َ
أنسا للمحبين فقالَ :
قال جعفر :أنزل هللا القرآن موعظة للخائفين ورحمة للمذنبين وللمتقين و ً
لِتَ ْشَق ٰى ِإالَّ تَ ْذ ِك َرًة لِ َمن َي ْخ َش ٰى}.
قال االستواء غير مجهول ،والكيفية غير معقولة واإليمان به واجب والسؤال عنه بدعة.
قيل فى هذه اآلية :له الملك فمن طلب البعض من الكل من غيره أخطأ الطلب ارجع إليه فى جميع مهماتك يكفيك
فاطلب منه كل طلباتك يجود بها عليك.
قال :السر ما يطالعه العبد ،وال يطالعه الملك ،وال الشيطان وال تحس به النفس ،وال شهادة العقل وهو فى األضمار
لم تهوه الهمم ،وال تديره الفطن ،وهى فى لباب ُلب القلب من حقائق المحض من خطرات اإللهام كشرر النار الكامن
فى الشجرة الرطبة حتى تمثله اإلرادة والمشيئة ،واألحكام فينتقل فى األحوال فهذا هو السر وما هو أخفى فما لم يحن
ولم يطالع ال يعلمه إال هللا فهو أخفى من الحقائق فإذا ظهر مغلوقه بدأ عمله.
وقال الواسطى رحمه هللا :السر ما خفى على العباد والذى هو أخفى ما لم يقل له كن.
سمعت عبد هللا بن حمد السراوى يقول :حدثنا محمد بن منصور الصائغ يقول :سمعت مردويه الصائغ يقول :سمعت
غدا. الفضيل بن عياض يقول :فى قوله{ :يعَلم ِ
َخَفى} يعلم ما فى نفسك وما تعلمه ً
السَّر َوأ ْ َْ ُ
قال الجنيد رحمه هللا :يعلم سره فيك وأخفى سره فيك.
قال جعفر :قيل لموسى عليه السالم :كيف عرفت أن النداء هو نداء الحق؟ فقال :ألنه أقيانى وشملنى فكأن كل شعرة
منى كانت مخاطبة بالنداء من جميع الجهات وكأنها تعبر من نفسها بجواب فلما شملتنى أنوار الهيبة وأحاطت بى
أنوار العزة والجبروت علمت أنى مخاطب من جهة الحق ،فلما كان أول الخطاب إنى تم بعده .أنا علمت أنه ليس
متتابعا إال الحق فأدهشت وهو كان محل الفناء فقلت :أنت الذى لم تزل،
ً جميعا
ً ألحد أن يخبر عن نفسه باللفظتين
وال تزال ليس لموسى معك مقام وال له جرأة الكالم إال أن تبقيه ببقائك ،وتنعيه بنعوتك .فتكون أنت المخاطب،
جميعا.
ً والمخاطب
فقال :ال يحمل خطابى غيرى ،وال يجيبنى سواى أنا المكلم وأنا المكلم وأنت فى الوسط شبح يقع بك محل الخطاب.
قال أبو سفيان :اخلع نعليك ليصيب قدمك بركة الوادى والوادى بركة قدمك.
قال ابن عطاء :اخلع نعليك أعرض بقلبك عن الكون فال تنظر إليه بعد هذا الخطاب.
أيضا :النعل النفس ،والواد المقدس دين المرجان وقت خلوك من نفسك ،والقيام معنا بدينك ،وقيل اخلع نعليك
وقال ً
فإنك بعين موجودك وقال جعفر :اقطع عنك العالئق فإنك بأعيننا.
وقال ابن عطاء :اخلع نعليك أى :أسقط عنك محل الفصل والوصل فقد حصلت فى الواد المقدس وهو الذى يطهرك
عن األحوال أجمع ويبردك إلى محولها عليك.
قيل فى قوله :واد المقدس طوى .أى :أطوى عنك بساط المخالفات فقد حصلت فى هذا الوادى ومطية طوى عن قلبه
ما ال يكون ً
مقدسا.
اخَل ْع َن ْعَل ْي َك} أى :انزع عنك قوة االتصال واالنفصال إنك بالواد المقدس أى :بواد االنفراد
وقال ابن عطاء :فى قولهَ { :ف ْ
معى ليس معك أحد سواى.
قول الواسطى :المختار من جهته من هو مصطنعه ومصطفيهَ ،و ُم َربيه على يد أعدائه ،والملقى محبته فى قلوب
العقد والميسر له أمره فال يعسر عليه مطلوب بحال ،كل هذا عباده فلم يستطيعوا له إال محبة ،والمطلق لسانه بحل ُ
وي ُم ُّن عليه ليكون ثابتًا عند مكافحة الخطاب ومو ً
اجها لوحى الكالم. يقدم إليه َ
الصالَ َة لِ ِذ ْكرِي
اعُب ْدِني َوأ َِق ِم َّ ِإَّنِني أََنا َّ
َّللاُ ال ِإَلـ َٰه ِإال أََن ْا َف ْ
قال الواسطى رحمه هللا :ال يشغل قلبك بغيرى فعالً ،وقوالً ،وال تكن من أبناء األفعال واألحصار ،واألعمار ،والدهور.
قال ابن عطاء رحمه هللا :إشارة إلى الحقيقة الحق إذ األزل واألبد علة وذكر األوقات ،الدهور علة.
تنسما
وقال الواسطى رحمه هللا :أظهر هذا الخلق فى شموخ وعلو فى أنفسهم فأمرهم لعلة الفاقة ،وال لعلة االستغناء ً
َح َّب أن يريه عجزه.
لرؤية االضط ارر قال يا موسى إننى أنا هللا ال إله إال أنا فاعبدنى .أ َ
أيضا :بالعبرانية خاطب موسى ثم وصف لمحمد صلى هللا عليه وسلم بقولهِ{ :إَّنِني أََنا َّ
َّللاُ ال ِإَلـ َٰه ِإال أََن ْا} هل وقال ً
تلونت الصفة بذلك ،فإن قال :لو لونتها اختالف اللغات لتلونت فى اختالف األوامر والنواهى.
إلى.
قال ابن عطاء :أقم معى بحسن األدب ،وال تغفل عنى وأنت متوجه َّ
كالما ال يشبه كالم الحق فلما سمع ذلك الكالم ،كاد أن يهيم ،فمرًة أضاف العصا إلى
قال فارس :سمع موسى ً
نفسه ،ومرةً أجاب عما لم يسئل كذلك الهيمان.
وقال :لما غلبت عليه الدعات الصفات رده الحق إلى المخلوق ليسكن ما به.
فقال :وما تلك بيمينك ،شغله باإلجابة عما يكلمه ،ولوال ذلك لتفسخ عند ورود الخطاب عليه بغتة.
وقال الواسطى رحمه هللا :استلذ الخطاب فأخذه عن التمييز فأجاب عما سأل ،وعما لم يسأل وقال وما تلك بيمينك
عندك .فقال :عصاى ،فقال :ألقها فإن لنا فيه آيات هى عندك عصا ،وهى عندنا حي ُة تسعى.
{و َما ِتْل َك ِبَي ِم ِين َك} قال :أثبته بالصفة :فقال له :أعد إليه النظرة فأعاد النظر حتى تيقن أنها
وقال الحسين :فى قولهَ :
عصا فقال :عصاى فلما أجاب بالحقيقة إنها عصا قلب عينها فأحالها عن حالها فأعجزه ذلك فقيل .إعجازها لألمة.
فقال له :ألق كلما يعتمد عليه قلبك ،أو تسكن إليه نفسك ،وإن الكل مجال العلل فإن كل ما تسكن إليه ستهرب منه
عن قلبك أال تراه قال :فأوجس فى نفسه خيفة.
ِ
وس ٰى} أى :ألق من نفسك قال الحسين :عدد موسى منافع العصا على ربه وسكونه إليها وانتفاعه بها فقال{ :أَْلق َها ي ُ
ٰم َ
السكون إلى منافعها ،ومن قلبه حبه ليزول عنه بالفرار منه ،خذها وال تخف وراجع إلينا .وقيل :إن الحكمة فى انقالب
العصا حي ُة فى وقت الكالم أنه جعلها آيته ومعجزته وال ألقاها بين يدى فرعون ،ولم يشاهد منه قبل ذلك ما شهد
لهرب منه كما هرب فرعون حين بدهته رؤيته.
قال فارس :ذكر كلما فيها من وجوه المنافع ليالً تكون له معاودة إلى ذلك فيستلذ بخطاب سيده وعتابه.
اي} جواب والذى بعده ذكر ما أنعم هللا عليه بالعصا من المنافع فكان بعد قوله:
ص َ{ع َ
قال أبو بكر الوراق :قولهَ :
اي} لسان الشكر.
ص َ {ع َ
َ
اي} إضافة بالملك إلى نفسه ولم يكن له بواجب فى الحقيقة أن يرى لنفسه ً
ملكا وهو ص َ{ع َ
قال ابن عطاء :فى قولهَ :
حي ٌة تسعى .قال خذها :أى خذ عصاك وال تهرب
بين يدى الحق فلما أضافها إلى نفسه قال :ألقها فألقاها فإذا هى َّ
ف}
{خ ْذ َها َوالَ تَ َخ ْ
ملكا إلى نفسه فتعطف الحق عليه فقالُ :
مما ادعيت الملك فيه لنفسك فخاف ،وتب أر من إضافتها ً
فإنها لن تضرك.
قال ابن عطاء :سرائر مغيبة عنى فى العصا .غطيتها على تبدوا لى ذلك فإن تكشفه لى من اآليات والكرامات.
وقال جعفر :منافع شتى وأكبر منفعة لى فيها خطابك إياى بقولك :وما تلك بيمينك يا موسى.
قال سهل :ذكر موسى من العصا مآرب ومنافع فأراه هللا فى عصاه منافع ومآرب كانت خافية مع موسى من انقالبه
العصا ثعبان ،وضربه الحجر فى انحباس الماء ،وضربه البحر فانفلق وغير ذلك أراه بذلك أن علم الخلق وإن كانوا
مؤيدين بالنبوة قاصر على علم الحق فى األكوان.
َق ِ
وس ٰى ال أَْلق َها ي ُ
ٰم َ َ
قال الواسطى رحمه هللا :اطرح عن نفسك السكون إلى العصا واالعتماد عليها ،وعد المنافع فيها فلما ألقاها وخال
منها سره ،قال :خذها اآلن منا على شرط أن ترانا النافع الضار ال األسباب.
وقال ابن عطاء :ألقها من يدك فإنك أخذتها من غيرنا فعددت فيها أسباب المنافع وخذها من ا لتكون ولى نعمتك
دون غيرنا.
قال بعضهم :ألقها فإنك قد ألفتها ،وسكنت إلى منافعها وخذها عن أمرنا لترى فيها المنافع التامة.
قال الجنيد رحمه هللا :كان خوف موسى عليه السالم خوف تسليط ،ال خوف الطبع.
قال الواسطى رحمه هللا :خوف موسى من العصا أنه شاهد أثر سخطه فيه لذلك قال :من طالق فى وقت الذكر
بالسخط والعقوبة ذكره بالنية ال باالنبساط.
أيضا :رأى موسى على عصاه كسوة من سخط الحق فلم يأمن مكره.
وقال ً
قال ابن عطاء :لما كلم هللا موسى عليه السالم لم يكن بعد ذلك فيه من الفضل أن يتكلم مع غيره فلما أمره هللا عز
وجل بالذهاب إلى فرعون ،قال :واحلل ُعقدة من لسانى إن لم تطلق لسانى أنت ،وتحل هذه ُ
العقدة عنه كيف يتهيأ لى
الكالم مع مخلو ٍق بعد أن كلمتنى.
وقال ابن عطاء :اكشف لى عن صدرى حتى ال أشاهد غيرك ،ويسر لى أمرى حتى ال أنظر ،وال أنطق إال بمعرفتك،
واحلل عقدة اإلنسانية من لسانى حتى ال أتكلم إال بما التقفته منك.
وقال جعفر :لما كلم هللا موسى عقد لسانه موسى عن مكالمة غيره فلما أمره بالذهاب إلى فرعون فأجاب يسره فقال:
سمعت منصور بن عبد هللا الهروى يقول :سمعت أبا بكر بن عبد هللا بن طاهر يقول :ضاق صدر موسى بخطاب
اآلدميين بعد موقفه مع ربه وكالمه فلما أرسله إلى فرعون قال رب اشرح لى صدرى ِ
هون َّ
على مخاطبة غيرك بعد أن
استعذتنى بخطابك.
ص ْد ِري} سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم البزار يقول :قال ابن عطاء :فى قوله{ :ر ِب ْ ِ
اش َرْح لي َ َ
الستماع كالمك ،ويسر لى أمرى بالوقوف معك واحلل عقدة لسانى النفسانية.
وقال الحسين :لما أزال الحق عنه التوقف وجاء إلى هللا باهلل ولم يبق عليه باقية بها يتمتع أقيم مقام المواجهة ،وأطلق
بطر إلى أليق األحوال به فسأل قلبه ،وشرح صدره لتتسع لمقام المواجهة والمخاطبة ثم نظر إلى أليق مصطنعة لسانه ًا
األحوال به فإذا هو تيسر أمره فسأل ذلك على تمام الترقى به حاله إلى أرفع المقام وهو المجئ إلى هللا باهلل لعلمه بأن
من وصل إليه ال يعترض عليه عارضة محال ثم نظر إلى أليق األحوال به فسأل حل العقدة من لسانه ليكون إذ ذاك
لنطقه وبيانه فلما تمت له هذه األحوال صلح إلى هللا وكان للمجيد ممن وفى المواقيت حقها غابت عنه األحوال فلم
وس ٰى}.
ٰم َ يرها وذهبت عن عينه وظهوره وما عداها إال ما كان للحق منه ،ومعه حتى تحقق بقوله {َق ْد أُوِت َ
يت ُس ْؤَل َك ي ُ
قال بعضهم :سأله حل عقدة الحياء عنه فإنه استحيى أن يخاطب عدو هللا فرعون بلسان خاطب الحق.
{كي ُن َسِب َح َك َكِثي اًر} استكثر ما منا من العبادة قال ابن عطاء :ال يخطرن بسرك ما خطر لموسى .حيث قال:
َْ
والتسبيح ال يخطرن بك ما خطر به.
قال جعفر :قيل لموسى :استكثرت تسبيحك وتكبيرك ونسيت بدايات فضلنا عليك فى حفظك فى اليم وردك إلى أمك
وتربيتك فى حجر عدوك ،وأكثر من هذا كله خطابنا معك وكالمنا إياك ،وأكثر من هذا كله إخبارنا باصطناعنا لك.
قال ابن عطاء :اشرح لى صدرى بنور القربة ،واحلل عقدة من لسانى .أى :عقدة االختيار.
أيضا :واحلل عقدة من لسانى .أى :عقدة اإلنسانية حتى ال يكون كالمى إال عنك وبك.
وقال ً
كان الواسطى :إذا ضرب عليه ضربته نسى كثير تسبيحه وأرجع إلى حال االلتجاء.
قال الواسطى رحمه هللا :سأل ربه ابتداء شرح صدره فجاز االقتداء به للعوام دون الخواص ألن هللا أعلم بما فيه إبالغ
قال ابن عطاء :ألقيت عليك محبة منى لك فمن رأى فيك محبتى لك أحبك بحبى بك.
ٍ
بمالحة من عندى حتى ال تصلح لغيرى ،ويحبك من يرى بك المالحة فيك. وقال فارس :زينتك
ِِ
فقيها ،فيفتن
شجاعاً ،
ً {وأَْلَق ْي ُت َعَل ْي َك َم َحَّب ًة مني} فقال :المحبة تمتزج ألقوام كرجل يكون ً
سخيا قال الواسطى رحمه هللاَ :
الناس على ذلك ،والمحبة والتى ألقى على موسى ما زال ملقى عليه وهو فى صلب عمران أال ترى فرعون لما شاهد
الملقى عليه فى صغره من غير مزاج كيف رباه؟ مع ما كان يقتل من أوالد بنى إسرائيل وذلك إللقاء المحبة عليه.
وقال سهل :أظهر هللا عليه ميراث علمه ،وأورثه محبته فى قلوب عباده.
{وأَْلَق ْي ُت َعَل ْي َك َم َحَّب ًة ِمِني} :ال يراك أحد إال رق لك ،ومال إليك.
قال القياد فى قولهَ :
أيضا :سبقت لك منى العناية بفضل االختصاص على غيرك فخصصت بالذكر فى الثناء ومن اصطنعه هللا لنفسه
و ً
لم تسترقه طمع نفسه غيره.
قال الواسطى رحمه هللا فى هذه اآلية ما يجئ نبى وال ولى من محبته ،وال سلم أحد من منته .وهذا معنى قوله:
صَن َع َعَل ٰى َع ْيِني}.
{ولِتُ ْ
َ
قال الواسطى رحمه هللا :ألقاه فى أعظم كبيرة حتى ال يوجد طعم االصطفاء بقوله { َقَتْل َت َنْفساً}.
{وَفتََّن َ
اك ُفتُوناً} [اآلية.]40 : قوله عز وجلَ :
ِ
وس ٰى} [اآلية.]40 : قوله عز وجل{ :ج ْئ َت َعَل ٰى َق َد ٍر ي ُ
ٰم َ
قال الخراز :فى هذه اآلية قال :فمن أين وإلى أين فمنه وإليه وبه ،وفنا فنائه ،لبقا بقائه فحقيقة فنائه.
وقال أبو سعيد الخراز :فى بعض كتبه غير أن أولياء هللا رهائن هلل فى أشياء جهنم قد خباهم .وأحقاقهم فى أنفسهم
طَن ْعتُك لنفسى.
اص َ
من أنفسهم لنفسه وهذا مقام االصطناع الذى قال هللا لموسى :و ْ
قال الخراز :فطرتك صنعة يدعو إلى ال إلى نفسك وغيرك يدعو إلى نفسه ال إلى.
قال ابن عطاء :اإلشارة إلى فرعون وهو المبعوث فى الحقيقة إلى السحرة ،فإن هللا ال يرسل أنبياءه إلى أعدائه ،ولم
يكن ألعدائه عنده من الخطر ما يرسل إليهم أنبياءه ،ولكن يبعث األنبياء إليهم ليخرج أولياءه المؤمنين من بين أعدائه
الكفرة.
قال يحيى بن معاذ :هذا رفقك بمن يدعى الربوبية فكيف رفقك بم يدعى العبودية.
وقيل :هذا رفقك من أذاك ،فكيف رفقك بمن يؤذى فيك وهذا رفقك بمن عاداك ،فكيف رفقك بمن عادى فيك .وهذا
رفقك مع أعدائك فكيف رفقك مع أوليائك.
وقال النهرجورى :هذا رفقك بمن جحدك وبارزك فكيف رفقك بمن عبدك وخضع لك.
ِِ
ال الَ تَ َخا َفآ إَّنني َم َع ُك َمآ أ ْ
َس َم ُع َوأ ََر ٰى َق َ
ِِ
قوله تعالى{ :الَ تَ َخا َفآ إَّنني َم َع ُك َمآ أ ْ
َس َم ُع َوأ ََر ٰى} [اآلية.]46 :
قال سهل :أمر هللا تعالى أنه ومعهما بالنصرة .مشاهد لهما فى كل حال بالقوة ،والمعونة ،والتأييد لئال يخافا عند إبالغ
الرسالة بحال.
ٍ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
السالَ ُم َعَل ٰى َم ِن اتََّب َع اْل ُه َد ٰى
ِك َو َّ يل َوالَ تُ َعذ ْب ُه ْم َق ْد ِج ْئَن َ
اك ِب َآية من َّرب َ َفأْتَياهُ َفُقوال ِإَّنا َرُسوالَ َرب َ
ِك َفأ َْرِس ْل َم َعَنا َبني إ ْس َرائ َ
قال الواسطى رحمه هللا :اتباع الهدى بسابقة الهدى فمن سبقت له من هللا الهداية اتبع الهدى فى جميع أحواله.
قال فحق له أن يحبها منها خلق فهى أمه ،وفيها نشأ فهى عيشه ،ومنها قد رزقه فهى حياته ،وفيها يعاد ،وهى ممر
الصالحين إلى هللا فكيف ال يحب طريًقا يأخذ بسالكه إلى جوار ربه.
سئل ابن عطاء فى هذه اآلية فقال :ما كانت هذه الخيفة وهللا يقول{ :الَ تَ َخا َفآ ِإَّنِني َم َع ُك َمآ} قال :خاف على قومه أن
يفوتهم حظهم من هللا ،وما خاف على نفسه.
قال ابن عطاء" :ال تخف فإنك بمرأى منا ومسمع ،ونحن معك لتقتنع أحوالك فإنك القائم بالمسبب وهم القائمون
المعتمدون على األسباب".
قال ذو النون :من آثر هللا على األشياء هان عليه فيلقى فى ذات هللا ألنه آثر األثير ،وحصل فى حمله اللطيف
الخفيف.
ٍ
قاض ،افعل بنا ما ِ
فاقض ما أنت كيسا على السحرة لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات ،والذى فطرنا
قال هللا :جاء ً
كنت فاعالً ،والذى كشف لنا عنه سهل فى مشاهدته حمل المون ،ومالقاة المكاره والضرر.
ضِبي َفَق ْد َهَو ٰى ِ ِ اكم والَ َت ْ ِ ِ ِ ُكُلوْا ِمن َ ِ ِ
ضِبي َو َمن َي ْحل ْل َعَل ْيه َغ َ
ط َغ ْوْا فيه َفَيح َّل َعَل ْي ُك ْم َغ َ طيَبات َما َرَزْقَن ُ ْ َ
قال سهل :كلوا من طيبات مما رزقناكم ،كلوا منها القوام وإمساك الرمق فإنه الطيب من الرزق ،وال تطغوا فيه أى ال
تشيعوا فتسكروا عن الذكر.
قا ل ابن عطاء :لمن رجع عن طريق المخالفة إلى طريق الموافقة وصدق موعد هللا فيه وله ،واتبع السنة ثم اهتدى،
مسلكا وطر ًيقا.
ً ثم قام على ذلك ال يطلب سواه
ِ ِ
قال بعضهم :عجلته أوقعته فى فتنة قومه حتى قيل لهَ { :فِإَّنا َق ْد َفتََّنا َق ْو َم َك من َب ْعد َ
ك} .وأنشد :
ـس
ـس َل ْب ُ
كالنـا بعزتـه َمبَل ُ أقـول لـه عنـد توديعـه
ِ ِ
ال ُه ْم أ ُْوالء َعَل ٰى أَثَرِي َو َع ِجْل ُت ِإَل ْي َك َر ِب لتَ ْر َ
ض ٰى َق َ
ِ
{و َع ِجْل ُت ِإَل ْي َك َر ِب لتَ ْر َ
ض ٰى} [اآلية.]84 : قوله تعالىَ :
قال الواسطى رحمه هللا :عجلت إليك شوًقا منى إليك .واستهانة بمن هو أنت مبعوث إليهم فقال :هم أوالء على أثرى
وقيل :الشوق فرض أو نافلة :قيل فرض ألنه يتولد من حقيقة الحب ،قال النبى صلى هللا عليه وسلم حب هللا لما
يغدوكم من نعمة ،وقال لذلك لم تقل هللا رضيت لما قال عجلت إليك رب لترضى وقابله الشوق ،وطلب الرضوان بان
بذلك أن الشوق عليهم بعد ،والمحبة عنهم أفقد.
وقال أبو العباس الدينورى فى هذه اآلية :أى لتعلم أنى أحبك وال قرار لى مع غيرك.
الس ِ
َضَّل ُه ُم َّ ِ ِ
ِي
امرُّ ال َفِإَّنا َق ْد َفتََّنا َق ْو َم َك من َب ْعد َ
ك َوأ َ َق َ
ِ ِ
قوله تعالىَ { :فِإَّنا َق ْد َفتََّنا َق ْو َم َك من َب ْعد َ
ك} [اآلية.]85 :
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم البزار يقول .قال ابن عطاء فى قولهَ{ :فِإَّنا َق ْد َفتََّنا َق ْو َم َك ِمن
ك} قال :قال هللا :تدرى من أين أتيت؟ قال :ال يا رب قال حين قلت لهارون أخلفنى فى قومى أين كنت أنا حين ِ
َب ْعد َ
اعتمدت على هارون؟.
ِ
ال َعَل ْي ُك ُم اْل َع ْه ُد أ َْم أ ََردتُّ ْم أَن َي ِح َّل َعَل ْي ُك ْم
ط َ ال يَٰق ْو ِم أََل ْم َي ِع ْد ُك ْم َرب ُ
ُّك ْم َو ْعداً َح َسناً أََف َ ِ
وس ٰى ِإَل ٰى َق ْو ِمه َغ ْ
ض َٰب َن أَسفاً َق َ َف َر َج َع ُم َ
َخَلْفتُ ْم َّم ْو ِع ِدي ض ٌب ِمن َّرب ُ
ِك ْم َفأ ْ َغ َ
اك ِمن َّل ُدَّنا ِذ ْك اًر ِ ِ َك ٰذلِ َك َنُق ُّ
ص َعَل ْي َك م ْن أ َْنَبآء َما َق ْد َسَب َق َوَق ْد آتَْيَن َ
وذلك أن الحق كشف له من أنباء ما قد سبق فى األمم الخالية والدهور الماضية فيكون منهم على علم ،ولم يخف
اك ِمن َّل ُدَّنا ِذ ْك اًر} [اآلية.]99 :
{وَق ْد آتَْيَن َ
عليه من أحوالهم شىء ،وأخفا حاله ووقته عن الكل بقولهَ :
أى موعظة تتعظ بها ،وتتأدب بمالزمتها فال تخفى عليك شىء من أس اررنا ،وما أودعناه أسرار الذين كانوا قبلك من
األنبياء فيكون األنبياء مكشوفين لك ،وأنت فى ستر الحق.
صفاً
صْف َ
َفَي َذ ُرَها َقاعاً َ
ات لِ َّلر ْح َمـ ِٰن َفالَ تَ ْس َم ُع ِإالَّ َه ْمس ًا ِ ِ يومِئ ٍذ يتَِّبعون َّ ِ
َص َو ُ
الداع َي الَ ع َو َج َل ُه َو َخ َش َعت األ ْ َْ َ َ ُ َ
ات لِ َّلر ْح َمـ ِٰن َفالَ تَ ْس َم ُع ِإالَّ َه ْمساً} [اآلية.]108 : ِ
َص َو ُ
{و َخ َش َعت األ ْ
قوله تعالىَ :
قال الواسطى رحمه هللا :وهل كانت إال خاشعة فى األزل وهل تكون إال خاشعة فى األبد ،واالفتخار فى حال الوجود
بالتوثب ،والمنازعة ،وقاحة الوجه ،ورعونة الطبع ألنها لم تكن وهى إذا كانت كأنها لم تكن.
قال الجنيد رحمه هللا :كيف ال يخشع وقد كشف الغطاء وأبدى الخفاء فلهيبة الموقف ،وحياء الخيانات خشعت
أصواتهم َّ
وذلت رقابهم.
شيئا إال تحت تلبيس لكن ال يستوى علمان فى قال ابن عطاء :ال يحيطون بشىء من ربوبيته ً
علما ألنه لم يظهر ً
طو َن ِب ِه ِعْلماً
َي ْعَل ُم َما َب ْي َن أ َْي ِدي ِه ْم َو َما َخْلَف ُه ْم َوالَ ُي ِحي ُ
طو َن ِب ِه ِعْلماً}.
{والَ ُي ِحي ُ
وقال :ليس له غاية تردك ،وال نهاية تلحق بقولهَ :
قال فارس :ما علمه غيره ،وال ذكره سواه فهو العالم والذاكر على الحقيقة.
قال ابن عطاء :المعرفة معرفتان :معرفة حق ومعرفة حقيقة فمعرفة الحق معرفة وحدانية على ما أبرز للخلق من
طو َن ِب ِه ِعْلماً}.
{والَ ُي ِحي ُ
األسامى والصفات ومعرفة الحقيقة ال سبيل إليها المتناع الصمدية ،وتحقيق الربوبية لقوله َ
معناه ال سبيل إلى المعرفة على الحقيقة.
ظْلماً
اب َم ْن َح َم َل ُ ِ ِ
َو َعَنت اْل ُو ُجوهُ لْل َح ِي اْلَقيُّو ِم َوَق ْد َخ َ
ض ٰى ِإَل ْي َك َو ْحُي ُه َوُقل َّر ِب ِزْدِني ِعْلماً َّللا اْلملِك اْلح ُّق والَ تَعجل ِباْلُقر ِ ِ
ءان من َقْب ِل أَن ُيْق َ َفتَ َٰعَلى َّ ُ َ ُ َ َ ْ َ ْ ْ
{ر ِب ِزْدِني ِعْلماً} بنفسى وما تضمره من الشرور ،والمكر ،والعذر ألقوم بمعونتك فى مداواة
وقال محمد بن الفضلَّ :
كل شىء منها يداويها.
قال ابن عطاءَ{ :ل ْم َن ِج ْد َل ُه َع ْزماً} لم يطالع فى دخول الجنة الفضل وإنما طالعه بفعله ال بفضله.
قال الواسطى رحمة هللا عليهَ { :فَن ِسي َوَل ْم َن ِج ْد َل ُه َع ْزماً} أى قوة على ضبط نفسه ،وإن كان الواجب أن بركات المباشرة
َ
يينا.
يها وتز ً
أوجبت زوال النسيان ،وإنما غيَّبه عن شاهده ليريه شواهد عبوديته تنب ً
قال الواسطى رحمة هللا عليهَ { :فَن ِسي} له وجهان :أى جهد قدر عهده وفرق بين من نسى بالحضرة ،وبين من نسى
َ
فى الغيبة .لذلك قال النبى صلى هللا عليه وسلم" :رفع عن أمتى الخطأ والنسيان
".
سمعت أبا القاسم النصرآبادى يقول :ذنب لزمته فوجب عليك االستغفار ،وذنب ألزمته فأنت فيه معذور وقال هللا
عزما).
تعالى( :فنسى ولم نجد له ً
ثانيا. ِ
{وَل ْم َنج ْد َل ُه َع ْزماً} قال :العود إلى الذنب ً
قال الحسين بن الفضل فى قولهَ :
قال الواسطى رحمة هللا عليه :أضمر عداوته ولم يفزع إلى ربه مبتهالً فى الكفاية واالستكفاء فأصغى إلى قوله
وقسمه.
قوله تعالىَ { :فالَ ُي ْخ ِر َجَّن ُك َما ِم َن اْل َجَّن ِة َفتَ ْشَق ٰى} [اآلية.]117 :
ِ ِ
قال ابن عطاء فى هذه اآليةَ { :فالَ ُي ْخ ِر َجَّن ُك َما م َن اْل َجَّنة َفتَ ْشَق ٰى} ولم يقل فتشقيا ألن آدم كان ً
عالما بمراتب المحاورة،
واختصاص الدنو ،ولم تكن حواء تعلم من ذلك ما علم آدم .فقال آلدمَ { :فتَ ْشَق ٰى} ألنك المخصوص بهذه الرتبة
تبعا لك فيه ،وليس األصل فيه كالفرع.
الجليلة ،وحواء ً
قال ابن عطاء :آخر أحوال الخلق الرجوع إلى ما يليق بهم من المطعم والمشرب أال ترى إلى آدم بعد خصوصيته.
يها َوالَ الخلقة باليد ،ونفخ الروح فيه الخاص ،وسجود المالئكة .كيف رَّدا إلى نقص الطبائع بقولهِ{ :إ َّن َلك أَالَّ تَجو ِ
عفَ ُ َ َ ُ
تَ ْع َر ٰى}.
سمعت الحسين بن أحمد الرازى يقول :سمعت أبا جعفر الفرغانى يقول :سمعت الجنيد رحمة هللا عليه :آخر ما يبقى
على الناس اليأسَ{ .فَل َّما َذا َقا َّ
الش َج َرَة} [األعراف.]22 :
قال القاسم :لما ذاقا تناثر لباسهما ،فلما أكال بدت لهما سوءاتهما.
قال الحصرى :بدت لهما ،ولم تبد لغيرهما لئال يعلم األغيار من مكافآت الجناية ما علما ،ولو بدا لألغيار لقال :بدت
منهما.
َّه َف َغ َو ٰى}.
ص ٰى َء َاد ُم َرب ُ
{و َع َ
قوله تعالىَ :
وقال بعضهم :سبقت االصطفائة واالجتبائة من الحق آلدم فلم تؤثر فيه سمة العصيان ،وال يخطر األمر بالنسيان ألن
طَف ٰى َء َاد َم} [آل عمران ]33 :وقوله:
اص َ اصطفائيته فى األزل َرَّد إلى االجتبائية فى األبد وهو فى قوله تعالى {ِإ َّن َّ
َّللاَ ْ
ُّه} فاالصطفاء أوجب له االجتباء. اجتََباهُ َرب ُ
{ثُ َّم ْ
وقال بعضهم :عصى آدم فعوقب أوالده بثالث :ما ولدوا يموت ،وما يبنوا ُيهدم ،وما يصلوا ُيقطع.
َّه} أى أظهر أخالًقا ثم أدركته ص ٰى َء َاد ُم َرب ُ {و َع َقال الواسطى رحمة هللا عليه :العصيان ال يؤثر فى االجتبائة .وقولهَ :
االجتبائة ،فأزالت عنه مذمة العصيان أال ترى كيف أظهر عذره بقولهَ { :فَن ِسي َوَل ْم َن ِج ْد َل ُه َع ْزماً} وكيف يعزم على
َ
المخالفة من هو فى ستر العصمة وخصوصية االصطفاء واالجتباء.
َّ
قوله تعالىَ { :ف َم ِن اتَب َع ُه َد َ
اي} [اآلية.]123 :
قال سهل :هو االقتداء ،ومالزمة الكتاب والسنة فال يضل على طريق الهدى ،وال يشقى فى اآلخرة واألولى.
َع َم ٰى ومن أَعرض عن ِذ ْكرِي َفِإ َّن َله م ِعيش ًة ضنكاً ونحشره يوم اْلِق ِ
يامة أ ْ
َ َ َ ْ ُ ُُ َْ َ ُ َ َ َ َ َ ْ َْ َ َ
قال :ال ُيعرض أحد عن ذكر ربه إال أظلم عليه وقته ،وتشوش عليه رزقه.
وقال جعفر فى هذه اآلية :لو عرفونى ما أعرضوا عنى ،ومن أعرض عنى رددته إلى اإلقبال على ما يليق به من
األجناس واأللوان.
قال الواسطى :ما كان ذلك ذكرى حتى أعرضوا عنه ،بل كانت تلك أذكارهم ،وذكرى قد سبق لمن يذكرنى على
الحقيقة ،فال يكون له إعراض عنى ،وال على غيرى إقبال.
والَ تمَّد َّن عينيك ِإَلى ما متَّعنا ِب ِه أَزواجاً ِمنهم زهرة اْلحي ِاة ُّ ِ ِ ِ ِ
الد ْنَيا لَنْفتَن ُه ْم فيه َوِرْز ُق َرب َ
ِك َخ ْيٌر َوأ َْبَق ٰى ْ ُ ْ َ ََْ َ َ َْ َ َْْ َ ٰ َ َ ْ َ َ َُ
الدنيا لِنْفِتنهم ِف ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ
يه} [اآلية.]131 : {والَ تَ ُمَّد َّن َع ْيَن ْي َك إَل ٰى َما َمت ْعَنا به أ َْزَواجاً م ْن ُه ْم َزْه َرَة اْل َحَياة ُّ ْ َ َ َ ُ ْ
قوله تعالىَ :
قال الواسطى رحمة هللا عليه فى هذه اآلية :تسلية للفقراء وتعزية لهم حيث منع الخلق عن النظر إلى الدنيا على وجه
لصالَ ِة
َهَل َك ِبا َّ
ْم ْر أ ْ {والَ تَ ُمَّد َّن َع ْيَن ْي َك }...اآلية .ثم أمرهم بعد هذا بالعبودية ومالزمة الطاعة فقالَ :
{وأ ُ االستحسان فقالَ :
طِب ْر َعَل ْي َها} [اآلية.]132 :اص َ
َو ْ
لذلك روى عن النبى صلى هللا عليه وسلم أنه قال حين ق أر هذه اآلية قال" :من لم َّ
يتعزى بعزاء هللا تقطعت نفسه على
الدنيا حسرات
".
وقال سهل :ال تنظر إلى ما يورثك وسوسة الشيطان ،ومخالفة الرحمن ،وأمانى النفس ،والسكون إلى مألوفات الطبع
فإنها تفتن ،فكل واحد منها مما يقطع عن هللا.
{وِرْز ُق َرب َ
ِك َخ ْيٌر َوأ َْبَق ٰى} [اآلية.]131 : قوله تعالىَ :
قال أبو بكر بن طاهر فى هذه اآلية :هو القناعة بما يملكه ،والزهد فيما ال يملكه.
وقال بعضهم :من رزق الثقة باهلل ،والرضاء عن هللا فقد أعطى أفضل األرزاق.
طِب ْر َعَل ْي َها الَ َن ْسأَُل َك ِرْزقاً َّن ْح ُن َن ْرُزُق َك َواْل َع ِاقَب ُة لِلتَّْق َو ٰى
اص َ وأْمر أَهَلك ِب َّ ِ
الصالَة َو ْ َ ُْ ْ َ
قال ابن عطاء :أشد أنواع الصبر االصطبار ،وهو السكون تحت موارد البالء بالسر ،والقلب ،والنفس ،والصبر بالنفس
ال غير.
الصالَ ِة} قال :وأمر أهلك باالتصال بنا ،واالصطبار على تلك
َهَل َك ِب َّ
ْم ْر أ ْ
{وأ ُ
وقال الجنيد رحمة هللا عليه فى قولهَ :
المواصلة معنا ،ومن يطيق ذلك إال المؤيدون من جهتنا بأنواع التأييد.
وقال يحيى بن معاذ :للعابدين أردية يكسونها من عند هللا سداؤها الصالة ولحمتها الصوم.
قال بعضهم :دنا أوان االنتباه ،وهم فى غفلة معرضون عن طريق التوبة والتيقظ واالنتباه.
عين على غفلة منهم ،وتبقى الحسرة والندامة على ما مضى فى الغفلة ،وليس تنبيه القلوب لما بقى ،ألن القلوب
عميت الرتكاب الذنوب واقترافها والمداومة عليها ،وقلة
ودعيت إلى
وقال يحيى بن معاذ :جاز لك أن تحاسب نفسك وقد مضى أكثر عمرك ،وتنـزجر عن الغفلة وقد نوديت ُ
اس ِح َس ُاب ُه ْم} فرحم هللا ً
عبدا حاسب نفسه قبل أن تحاسب، األنبياء نداء لم يبق ألحد معه عذر وهو قوله {ا ْقتَ َر َب لِ َّلن ِ
ً
ووزن نفسه قبل أن توزن ،وانتبه عن غفلته قبل أن ينبه أولئك هم األبرار.
قال أبو بكر الوراق :القلب الالهى المشغول بزينة الدنيا وزهرتها ،والغافل عن اآلخرة وأهوالها .قال هللا تعالى{ :الَ ِهَي ًة
وب ُه ْم}.
ُقُل ُ
قال الواسطى رحمة هللا عليه :الهية قلوبهم عن المصادر والموارد ،والمبدأ والمنتهى.
قال الجنيد رحمة هللا عليه :أهل الذكر :العالمون بحقائق الذكر والعلوم ومجارى األمور والناظرون إلى األحكام بأعين
الغيب.
قال بعضهم :فى هذه اآلية خاطب كال على مقدار طاقته واألنبياء مخاطبون منه على جهة ،ولنبينا صلى هللا عليه
{وِإَّن َك َل َعَل ٰى ُخُل ٍق ِِ ِ وعليهم أجمعين أخص الخطاب وهو قولهَ{ :ل َعم ُر َ ِ
ك إَّن ُه ْم َلفي َس ْك َرته ْم َي ْع َم ُهو َن}[الحجر ،]72 :وقولهَ : ْ
َع ِظيمٍ}[القلم ،]4 :واألولياء مخاطبون
آخ ِر َ
ين َنشأَْنا َب ْع َد َها َق ْوماً َ ص ْمَنا ِمن َق ْرَي ٍة َك َان ْت َ
ظالِ َم ًة َوأ َ َوَك ْم َق َ
ِ
اهق وَل ُكم اْلويل ِم َّما تَ ِ
صُفو َن ِ ِِ َب ْل َنْق ِذ ُ ِ
ف باْل َح ِق َعَلى اْلَباطل َفَي ْد َم ُغ ُه َفإ َذا ُه َو َز ٌ َ ُ َ ْ ُ
قوله تعالى{ :بل نْق ِذف ِباْلح ِق عَلى اْلب ِ
اط ِل َفَي ْد َم ُغ ُه} [اآلية.]18 : َ َْ َ ُ َ َ
قال الواسطى رحمة هللا عليه :الوعظ لألكابر .ومنهم من له مشار مقذوف ،كقوله{ :بل نْق ِذف ِباْلح ِق عَلى اْلب ِ
اط ِل َ َْ َ ُ َ َ
َفَي ْد َم ُغ ُه}.
قال السيارى :حثك فى هذه اآلية على الرجوع إليه ،واالعتماد عليه ،وقطع العالئق واألسباب عن قلبك.
قال ابن عطاء :كيف يسئل من له الحجة على خلقه ،والقهر عليهم.
َل َع َّما َيْف َع ُل َو ُه ْم ُي ْسأَُلو َن} لم ال .كيف ال يسئل عما يفعل وهم يسئلون .لم ال يسئل؟
وسئل ابن حماد عن قوله{ :الَ ُي ْسأ ُ
ُ
قال :ألن أفعاله من غير علة.
قصدا وال فعالً ،ألنهم مربوطون بما ذكرهم ،مقموعون بما عرفهم لئال يفترى عليهم أحد.
قال القاسم :ال يسبقونه ً
سمعت محمد بن الحسين بن الخشاب يقول :سمعت أبا القاسم النقاش يقول :سمعت فهدان بن المبارك يقول :الطريق
ٍ
تقليبة منها طريق ألى هللا ،والقلب ال يسكن عن تقلبه إال إلى هللا أكثر من نجوم السماء ،وذلك ألن القلوب تتقلب فكل
قلوب الموقنين فهى ساكنة إلى هللا وساكنة بين يدى هللا تنتظر ما يؤدبها الرب إليه فتصرف عن آداب لها ال بتقديم
ون ُه ِباْلَق ْو ِل َو ُه ْم ِبأ َْم ِِره َي ْع َمُلو َن}.
قول وال فعل .أما سمعت هللا تعالى يقول لما مدح المالئكة {الَ َي ْسِبُق َ
قال الواسطى رحمة هللا عليه :الخوف للجهال ،والخشية للعلماء ،والرهبة على األنبياء ،وقد ذكر هللا المالئكة فقال:
{و ُه ْم ِم ْن َخ ْشَيِت ِه ُم ْشِفُقو َن}.
َ
الش ِر َواْل َخ ْي ِر ِف ْتَن ًة َوإَِل ْيَنا تُ ْر َج ُعو َن س َذ ِآئَق ُة اْل َم ْو ِت َوَنْبُل ُ
وكم ِب َّ ُك ُّل َنْف ٍ
قال الجنيد رحمة هللا عليه :من كان بين فناءين فهو فانى.
وقال :من كانت حياته بنفسه ،يكون مماته بذهاب روحه ومن كانت حياته بربه ،فإنه ينقل من حياة الطبع إلى حياة
األصل ،وهو الحياة على الحقيقة.
{واْل َخ ْي ِر} العصمة من المعصية ،والمعونة على قال سهل{ :وَنْبُل ُ ِ َّ
وكم بالش ِر} فهو متابعة النفس فى الهوى بغير هدىَ ، َ
ِ
{واْل َخ ْير} وهو :األمن والعافية والدعة ،وكل هاذ ِ َّ ِ
وكم بالشر} وهو :األمراض والمصائب والمحنَ . {وَنْبُل ُ
الطاعة .وقيلَ :
فتنة ألنها تشغل عن الحق وتقطع عنه.
إظهار لعجزهم ،وتعر ًيفا لقدرته قالَ { :فالَ تَ ْستَ ْع ِجُلو ِن}.
ًا قال الواسطى رحمة هللا عليه فى هذه اآلية :قال ذلك
ِ ِ
ظ ُرو َن َب ْل تَأْتي ِهم َب ْغتَ ًة َفتَْب َهتُ ُه ْم َفالَ َي ْستَط ُ
يعو َن َرَّد َها َوالَ ُه ْم ُين َ
قوله تعالى{َ :ب ْل تَأِْتي ِهم َب ْغتَ ًة َفتَْب َهتُ ُه ْم} [اآلية.]40:
قال بعضهم :من يبهته شىء من الكون فهو لمحله عنده وغفلته عن مكونه ،ومن كان فى قبضة الحق وحضرته ال
يبهته شىء ألنه حصل فى محل العبيد من منازل القدس.
ضو َن * أ َْم َل ُه ْم آلِ َه ٌة تَ ْمَن ُع ُه ْم ِمن ُدوِنَنا الَ ِ الن َه ِار ِم َن َّ
ُق ْل َمن َي ْكَل ُؤُكم ِباْلَّلْي ِل َو َّ
الر ْح َمـ ِٰن َب ْل ُه ْم َعن ذ ْك ِر َربِ ِه ْم ُّم ْع ِر ُ
ِ ِِ ِ
ص َحُبو َن ص َر أ َْنُفسه ْم َوالَ ُه ْم مَّنا ُي ْ يعو َن َن ْ َي ْستَط ُ
قال الواسطى رحمة هللا عليه :أى من يحفظكم بالليل والنهار من الرحمن ،ومن يظهر عليكم ما سبق فيكم{َ .ب ْل ُه ْم
ِ
َعن ذ ْك ِر َربِ ِه ْم ُّم ْع ِر ُ
ضو َن} :أى ذكره إياهم فى األزلية بالنجاة والهالك.
وقال ابن عطاء :من يكلؤكم من أمر الرحمن سوى الرحمن وهل يقدر أحد على الكالءة سواه؟
وقال الحسين :أى من يأخذهم عن تصاريف القدرة ،ومن يحجبهم عن سوابق المقضى.
ِ ٍ ِ ظَلم نْفس َشيئاً وإِن َك ِ ط لِيو ِم اْلِقي ِ وَنضع اْلمو ِاز ِ
ال َحبَّة م ْن َخ ْرَد ٍل أَتَْيَنا ِب َها َوَكَف ٰى ِبَنا َحاسِب َ
ين ان م ْثَق َ
َ امة َفالَ تُ ْ ُ َ ٌ ْ َ
ََ ين اْلق ْس َ َ ْ
َ َ ُ ََ َ
ام ِة} [اآلية.]47 : ِ قوله تعالى{ :وَنضع اْلمو ِازين اْلِقس َ ِ
ط لَي ْو ِم اْلقَي َ َ َ ُ ََ َ ْ
قال القاسم :األعمال والموازين شتى ،والعدل ميزان هللا فى األرض ،فمن وزن أعماله بميزان العدل فهو من العابدين،
ومن وزن حركاته بميزان العدل فهو من المخبتين ،ومن وزن خطراته وأنفاسه بميزان العدل فهو من العارفين ،وميزان
العدل في الدنيا ثالثة :ميزان النفس والروح ،وميزان القلب والعقل ،وميزان المعرفة والسر .فميزان
النفس والروح :األمر والنهى ،وكفتاه الوعد والوعيد .وميزان القلب والعقل :اإليمان والتوحيد ،وكفتاه الثواب والعقاب.
وميزان المعرفة والسر :الرضا والسخط ،وكفتاه الهرب والطلب .فمن وزن أفعال النفس والروح بميزان األمر والنهى
السنة ينال الدرجات في الجنان ،ومن وزن حركات القلب والعقل بميزان الثواب
بكفة الكتاب و ُّ
والعقاب بكفة الوعد والوعيد أصاب الدرجات ونجا من جميع المشقات ،ومن وزن خطرات المعرفة والسر بميزان الرضا
والسخط بكفة الهرب والطلب نجا من الذى هرب ،ووصل إلى ما طلب ،فيصير عيشه في الدنيا على الهرب،
وخروجه منها على الطلب ،وعاقبته إلى غاية الطرب ،فمن أراد الوصول إلى المسبب فعليه بالهرب من السبب ،فإن
السبب حجاب كل طالب.
قال ابن عطاء :مبارك على من يسمعه ،مبارك على من يتعظ به ،ومبارك على من ينـزل بهمته وقلبه عليه ،مبارك
على من آمن به وصدق ما فيه ،فمن لم َير على سره وقلبه ونفسه آثار بركات القرآن فليعلم ببعده عن مصدر
الخواص ،ودخوله فى ميدان العوام من األشقياء.
ِ ِِ ِ ِ ِ
يم ُرْش َدهُ من َقْب ُل َوُكَّنا ِبه َعالم َ
ين َوَلَق ْد آتَْيَنآ إ ْب َراه َ
يم ُرْش َدهُ ِمن َقْب ُل} [اآلية.]51 : ِ ِ
{وَلَق ْد آتَْيَنآ إ ْب َراه َ
قوله تعالىَ :
سئل الجنيد رحمة هللا عليه متى آتاه رشده؟ قال :حين ال شىء .وقال :آتاه سوابق األزل إلظهاره كما أظهر على
الخليل في السخاء ،والبذل ،واألخالق ،فى بذل النفس والولد والمال فى رضا الحق ،فال يشتغل إال به ،وال يفرح إال
يم ُرْش َدهُ ِمن َقْب ُل} :قال :لما ولد إبراهيم بعث هللا تعالى إليه الملك فقال :يا ِ ِ
{وَلَق ْد آتَْيَنآ إ ْب َراه َ
وقال بعضهم فى قولهَ :
إبراهيم أن هللا يأمرك أن تعرفه بقلبك ،وتذكره
ِِ َّ ان وُكالًّ َآت ْيَنا ح ْكماً و ِعْلماً وس َّخ ْرَنا مع َداو َ ِ
ال ُي َسِب ْح َن َوالط ْي َر َوُكَّنا َفاعل َ
ين ود اْلجَب َ ََ ُ ََ ُ َ اها ُسَل ْي َم َ َ
َفَف َّه ْمَن َ
{هـٰ َذا قال الجنيد رحمة هللا عليه :أفهم سليمان مسألة من العلم َّ
فمن هللا عليه بذلك ،وأعطاه الملك فلم َي ُمن عليه وقالَ :
الملك واختاره عرفه قلة اب}[ص ]39 :بل أراه حقارته في ثالث مواضع حين سأل آؤَنا َفامُن ْن أَو أَم ِس ْك ِب َغ ْي ِر ِحس ٍ
َ َ طُ ْ ْ ْ َع َ
ملكه ،وخسته
بح َن} [اآلية.]79 : قوله تعالى{ :وس َّخرنا مع داود ال ِجب ِ
ال ُيس ْ
َ َ َْ َ َ َ ُ َ َ َ
ال قال محمد بن على :جعل هللا الجبال تسلية للمحزونين وأُنسا للمكروبين ،أال تراه يقول{ :وس َّخ ْرَنا مع َداو َ ِ
ود اْلجَب َ ََ ُ ََ ً
ُي َسِب ْح َن}.
وقال بعضهم :األنس الذي في الجبال هو أنها خالية عن صنع الخالئق فيها بحال ،باقية على صنع الخالق ال أثر
فيها لمخلوق فتوحش .واآلثار التي فيها آثار صنع حقيقى من غير تبديل وال تحويل.
حدثنا أبو بكر محمد بن عبدهللا بن شاذان قال :حدثنا عبدهللا بن جعفر بن على الموصلى ،قال :حدثنا الحسن بن
داود قال :حدثنا يزيد بن هارون ،عن أنس قال :جاء رجل إلى النبى صلى هللا عليه وسلم فسأله عن قول أيوب:
فقر نزل إليه من ربه،
نبيا ًا
نبيا ما شكى ً {م َّسِني ُّ
الضُّر} فبكى النبى صلى هللا عليه وسلم وقال" :والذى بعثنى بالحق ً َ َ
ولكن كان فى بالئه سبع سنين ،وسبع أشهر ،وسبع أيام ،وسبع ساعات ،فلما كان فى بعض ساعات وثب ليصلى
".
قال أبو عبد الرحمن السلمى :وإنى برئ من عهدة هذا الحديث ،وليس يشبه هذا كالم النبى صلى هللا عليه وسلم.
قال ابن عطاء :استعذب األولياء البالء للمناجاة مع المولى لذلك قال الحسين بن على :ذكر هللا على الصفاء ينسى
العبد م اررة البالء.
وقال النصرآباذى :الخلق كلهم فى ميادين فضله يتروحون ،وألسنتهم منبسطة بالشكوى فصيحة به.
قال جعفر :لما سلط هللا البالء على أيوب وطال به األمر أتاه الشيطان فقال :إن أردت أن تتخلص من هذا البالء
ان ِبُنص ٍب و َع َذ ٍ
اب }[ص ]41 :ومسنى الضر حين طمع فاسجد لى سجدة فلما سمع ذلك فقال{ :م َّسِني َّ
طُ ْ َ الش ْي َ َ َ
الشيطان فى أن أسجد له.
وقال ابن عطاء :تبدد همه ،وليس فى العقوبات شىء أشد من تبدد الهم فمرة كان يطالع فى بالئه العقوبة ،فيقول:
لعلى فيه معاقب ،ومرة كان يطالع الكرامة فيقول :لعلى ما دفعت إليه كرامة من هللا ،ومرة يطالع االستدراج ويقول:
لعلى فى صبرى مستدرًجا ،فلما تشتتت عليه الخواطر ،قال :مسنى الضر من تشتت هذه الخواطر ألن فيه شبه
التحير.
{م َّسِني قائما مع الحق فى حال الوجد فلما كشف عنه البالء وأظهره ،وكشف ما به قال:
وقال بعضهم :كان أيوب ً
َ َ
ُّ
الضُّر}.
وقال الجنيد رحمة هللا عليه :عمل الدود فى جسده فصبر فلما قصدوا قلبه غار عليه ألنه موضع المعرفة ،ومعدن
افتقار إلى هللا مع مالزمة آداب النبوة.
ًا {م َّسِني ُّ
الضُّر} التوحيد ،ومأوى النبوة والوالية ،وقال:
َ َ
وقال ابن عطاء :لما أراد هللا كشف ضر نبيه أيوب أحب أن يكون من أيوب فيه حركة إلقامة العبودية أباله بما
ص ٍب}[ص: طُ ِ الصبر فيه مذموم .وهو الغيرة ،فخاف أن يكون قد جعل العدو على أهله سبيالً فقال{ :م َّسِني َّ
ان بُن ْ الش ْي َ َ َ
]41فنودى في سره مسك الضر يا أيوب.
الضُّر} قال أظهر فى أيوب عليه السالم البالء ،وأعطاه الصبر فلما أن قام بأحكاموقال سهل فى قوله{ :أَِني َم َّسِني ُّ
َ
الصبر ورثه الرضا بالبالء فصار شكواه إليه مناجاة له فى مس البالء.
وقال سهل :الضر على وجهين :ضر ظاهر ،وضر باطن ،فالباطن حركة َّ
النْفس عند الوارد واضطرابها ،والظاهر
اآلالم .وإذا تحرك الباطن تحت الوارد انزعج الظاهر بالصياح والدعاء.
وقال الجنيد رحم ة هللا عليه :ليس من صفات البشر أن يتجلد على البالء إال بالنظر إلى المبلى ،إذ ذاك يصير البالء
عنده نعمة ،وإنما معنى هذه اآلية :أيمسنى الضر وأنت لى؟ هذا ما ال يكون.
وقال غيره :نال كل عضو منه البالء إلى موضع البداء فنادى الضر فى الباقى منه على العافية ال من موضع البالء
شعر: {م َّسِني ُّ
الضُّر} نداء ،ال شكوى .وأنشد ًا فقال:
َ َ
وإنما عجبى للبعض كيف بقى عجبا
ولو مضى الكل منى لم يكن ً
قبل الفـراق وهذا آخر الرمق أدرك بقية روح فيك قـد تلفــت
الضُّر وأَنت أَرحم َّ ِ ِ ِ قال الواسطى رحمة هللا عليه فى قوله{ :وأَيُّوب ِإ ْذ ناد ٰى رب ِ
ين} طاعتك خاصة الراحم َ َّه أَني َم َّسن َي ُّ َ َ ْ َ ُ
َ َ ََ َ ُ
نداء فذكر ضره ومحبته ،وفزع إلى ما عرف من صفته ونعته ،كما فزع محمد صلى هللا عليه وسلم إلى قوله" :أعوذ
برضاك من سخطك" فاستجبنا له وكشفنا ما به من ضر ألدبه فى وقت السؤال ،وقلة حيلته فى وقت الدعاء.
سمعت المنصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم اإلسكندرانى يقول :سمعت أبا جعفر الملطى عن على بن
يوما فخشى {م َّسِني ُّ
الضُّر} قالُ :حبس عنى الوحى أربعين ً موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد فى قوله
َ َ
الهجران من ربه ،والقطيعة
ِ ِ ِ ِِ ِ ِ
َهَل ُه َو ِم ْثَل ُه ْم َّم َع ُه ْم َر ْح َم ًة م ْن عندَنا َوِذ ْك َر ٰى لْل َعاِبد َ
ين استَ َج ْبَنا َل ُه َف َك َشْفَنا َما ِبه من ُ
ض ٍر َوآتَْيَناهُ أ ْ َف ْ
ِ ِ
استَ َج ْبَنا َل ُه َف َك َشْفَنا َما ِبه من ُ
ض ٍر} [اآلية.]84 : قوله تعالىَ { :ف ْ
وقال أبو بكر بن طاهر :أجاب هللا دعاء أيوب عليه السالم بكشف الضر عنه ،وذلك الضر هو ما كان يجد من
ضعف نفسه عن القيام بخدمة مواله ،فرد هللا إليه قوته ليقوم له بحسن الخدمة ،وهو كشف الضر.
نت ِم َن ِ َّ َّ ُّ ِ ِ ِ َّ ِ النو ِن ِإذ َّذهب م َغ ِ
نت ُس ْب َح َان َك ِإني ُك ُ
ظ َّن أَن لن َّنْقد َر َعَل ْيه َفَن َاد ٰى في الظلُ َمات أَن ال ِإَلـ َٰه ِإال أَ َ
اضباً َف َ ََ ُ َوَذا ُّ
ين َّ ِ ِ
الظالم َ
النو ِن ِإذ َّذهب م َغ ِ
اضباً} [اآلية.]87 : {وَذا ُّ
ََ ُ قوله تعالى ذكرهَ :
ظ َّن أَن َّلن َّنْق ِد َر َعَل ْي ِه} توهم أن لن نقضى عليه العقوبة وذلك لحسن ظنه بمواله.
قال القاسم فى قولهَ { :ف َ
قال الجنيد رحمة هللا عليه :ظن أن لن نقدر نريه قدر نفسه فى سخطه على عبادنا.
ين} :أى من الجاهلين ،أنك ال تقرب بطاعة ،وال تبعد بمعصية. َّ ِ ِ وقال فى قولهِ{ :إِني ُك ِ
نت م َن الظالم َ
ُ
ِ ِ
ين} إذا عرفوا أحسنوا النو ِن ِإذ َّذ َه َب ُم َغاضباً} إلى قوله ُ
{ن ِ
نجـي اْل ُم ْؤ ِمن َ {وَذا ُّ
قال الواسطى رحمة هللا عليه فى قولهَ :
الدعاء وأحسنوا طريقة السؤال بدأ بالتوحيد ال إله
يقدر على ما فعلت إال أنت سبحانك نزهه عن الظلم وقرفوا عليه فى فعله به ونسب الظلم إلى نفسه اعت ارًفا واستحقاًقا.
قال الجنيد :من همومهم وكروبهم باإلخالص والصدق واالفتقار ،وااللتجاء ،وحقيقة حسن األعتراف وإظهار
االستسالم.
قال جعفر :ال تجعلنى ممن ال سبيل له إلى مناجاتك ،والتزين بزينة خدمتك.
معرضا من ذكرك.
ً وقال الجنيد رحمة هللا عليه :أى ال تجعلنى غافالً عنك
قال الواسطى رحمة هللا عليه :أمر هللا تعالى األنبياء بالخشوع وهو الوقوف بين الرغبة والرهبة وحقيقة سكون ،يشير
ونَنا َرَغباً َوَرَهباً}.
{وَي ْد ُع َ
إلى الرضاء قال هللا تعالىَ :
ونَنا َرَغباً َوَرَهباً}. قال بعضهم :الرهبة أرق من الخشية والخوف ألنه من شروط المسألة َ
{ي ْد ُع َ
قال بعضهم :رغبة فينا ،وال رهبة من سوانا ،فقيل رغبة فى لقائنا ،ورهبة من االحتجاب عنا ،وقيل :رغبة فى
الطاعات ،ورهبة من المعاصى.
قال أبو يزيد رحمة هللا عليه :الخشوع خمود القلب عن الدعاوى.
خاشعا
ً خاشعا فزاده لك رأفة وشفقة عليك وإن لم يكن
ً وقال بعضهم :إذا أردت أن يعرف الخاشع فخالفه ،فإن كان
انتقم لنفسه وغضب لها.
قال أبو بكر الوراق :العمل الصالح هو الخالص الذى ال رياء فيه وال سمعة ،وال يكون فيه طلب ثواب ويكون معاملة
على مشاهدة.
ين َسَبَق ْت َل ُه ْم ِمَّنا اْل ُح ْسَن ٰى أ ُْوَلـِٰئ َك َع ْن َها ُم ْب َع ُدو َن َّ ِ
ِإ َّن الذ َ
وقال ابن عطاء :سبق منه االختيار ،فظهر منهم إلى رضاء البدار.
قال بعضهم :سبقت العناية ألهل الهداية فبلغوا بها إلى شرف الوالية.
قال بعضهم :سبق االمتنان ألهل الفضل واإلحسان فاستحقوا بها القرب والوصول.
قال بعضهم :إذا سبقت للعبد من هللا السعادة فغفلته كلها أذكار ،وإذا سبقت للعبد من هللا الشقاوة فإذا كان كلها غفلة،
وأنشد:
قال الواسطى رحمة هللا عليه :أولئك قوم هداهم هللا َّ
فهذبهم بذاته ،وقد سهم بصفاته ،فسقطت عنهم الشواهد
واألغراض ،ومطالعات األعواض ،فال لهم إشارة فى شواهدهم ،وال عبارة عن أماكنهم ،وحجبهم عن االستقرار فى
المواطن .فال ُهمُ ،هم
{سَبَق ْت َل ُه ْم ِمَّنا اْل ُح ْسَن ٰى} ولم يقل "سبقت لهم منهم الحسنى ،فما سبق من
قال النهرجورى فى هذه اآلية :قال هللاَ :
إحسانه إليهم سابقه حلم بالسعادة لهم فتح
أبصارهم النظر إلى األكوان معتبرين ،وفتح أسماعهم بسماع خطابه ،وأجرى ألسنتهم بذكره ،وزين قلوبهم بمعرفته،
{سَبَق ْت َل ُه ْم ِمَّنا اْل ُح ْسَن ٰى}.
وخاطبهم كما خاطب األنبياء ،وركب فيهم العقل للتمييز فهذا قولهَ :
وقيل في هذه اآلية :الحسنى :العناية السابقة وهى خمسة أشياء :العناية ،واالختيار ،والهداية ،والعطاء ،والتوفيق.
فبالعناية وقعت الكفاية ،وباالختيار وقعت الرعاية ،وبالهداية وقعت الوالية ،وبالعطاء وردت ِ
الخلعة ،وبالتوفيق وقعت
االستقامة .والحسنى هذه السوابق.
قال الواسطى :هم أهل الحقائق ال يحسون بضجيج أهل الدنيا ألنهم مصدودون عنها بما ورد على سرائرهم من وهج
الحقائق ،ويترددون فى منازلهم ال يقطعهم عن ذلك قاطع النغماسهم فى بحور الحقيقة.
قال ابن عطاء :للقلوب شهوة ،ولألرواح شهوة ،وللنفوس شهوة ،وقد جمع لهم فى الجنة جميع ذلك ،فشهوة األرواح
القرب ،وشهوة القلوب المشاهدة والرؤية وشهوة النفوس االلتذاذ بالراحة.
َّ ِ ِ
وع ُدو َن الَ َي ْح ُزُن ُه ُم اْلَف َزعُ األَ ْكَب ُر َوتََتَلَّق ُ
اه ُم اْل َمالَئ َك ُة َهـٰ َذا َي ْو ُم ُك ُم الذي ُكنتُ ْم تُ َ
قوله تعالى{ :الَ َي ْح ُزُن ُه ُم اْلَف َزعُ األَ ْكَب ُر} [اآلية.]103 :
يها} ِ
{اخ َسُئوْا ف َ
قال :نداء القطيعة الذى ينادى به "يا أهل الجنة خلود فال موت ،ويا أهل النار خلود فال موت" وقولهْ :
[المؤمنون.]108 :
قيل :ميعاد أهل الجنة فيها الوصلة ،وميعاد أهل النار فيها القطيعة.
خالصا لى ال يكون لغيرى فيه أثر وهم أصلحوا سريرتهم مع هللا ،وانقطعوا
ً كان
بعة من أر ٍ
بعة :تصفية القلب من الحسد والخيانة، قال يحيى بن معاذ :هو تصفية أر ٍ
واللسان من الكذب والغيبة ،والخلق من أكل الحرام والشبهة ،والنفس من الريبة .ففى هذه األشياء بالغ لقوم عابدين.
محمدا صلى هللا عليه وسلم بزينة الرحمة فكان كونه رحمة ،ونظره إلى َم ْن نظر إليه
ً قال أبو بكر بن طاهر :زين هللا
رحمة وسخطه ورضاه وتقريبه وتبعيده ،وجميع شمائله وصفاته رحمة على الخلق ،فمن أصابه شىء من رحمته فهو
اك ِإالَّ َر ْح َم ًة الناجى في الدارين أجمع عن كل مكروه ،والواصل فيهما إلى كل محبوب ،أال ترى هللا يقولَ :
{و َمآ أ َْرَسْلَن َ
ين} فكانت حياته رحمة ،ومماته رحمة كما قال النبي صلى هللا عليه وسلم" :إذا أراد هللا رحمة أمة قبض نبيها ِ ِ
لْل َعاَلم َ
وسلفا
طا ً قبلها فجعله لها فر ً
".
ِإَّن ُه َي ْعَلم اْل َج ْه َر ِم َن اْلَق ْو ِل َوَي ْعَلم َما تَ ْكتُ ُمو َن
ُ ُ
قوله تعالىِ{ :إَّن ُه َي ْعَل ُم اْل َج ْه َر ِم َن اْلَق ْو ِل} [اآلية.]110 :
قال الحسين :كيف يخفى على الحق من الخلق خافية ،وهو الذي أودع الهياكل أوصافها من الخير ،والشر ،والنفع،
فما يكتمونه أظهر عنده مما يبدونه ،وما يبدونه قبل ما يكتمونه .جل الحق أن تخفى عليه خافية من عباده بحال.
ِ الس ِ
يم َّك ْم ِإ َّن َ ْزل َزَل َة َّ َ
اعة َش ْي ٌء َعظ ٌ اس اتَُّقوْا َرب ُ ُّها َّ
الن ُ ٰيأَي َ
ٍ
ومتق اتقاه برؤية قيام ٍ
ومتق اتقاه بعجب، ٍ
ومتق اتقاه بعلمٍ، ٍ
بجهل، قال بعضهم :وجوه التقوى مختلفةٍ ،
فمتق اتقى هللا
ومتق اتقاه عن كل ما سواه ،وأول درجة التقوى أن ال ترى نفسك فيه ،وال تدخل تحت رق أحد.
ٍ هللا تعالى على عباده،
قال بعضهم :التقوى ال يسترقك شىء دون موالك ،وهو الحرية ،وكل من طلب
وقال بعضهم :أفضل العبادة التقوى فإنه الطريق إلى هللا والوسيلة به.
اس ُس َك َار ٰى َو َما ُهم ِب ُس َك َار ٰى َوَلـ ِٰك َّن ضع ٍة ع َّمآ أَرضع ْت وتَضع ُك ُّل َذ ِ
ات َح ْم ٍل َح ْمَل َها َوتََرى َّ ِ
الن َ َي ْوَم تَ َرْوَن َها تَ ْذ َه ُل ُك ُّل ُم ْر َ َ ْ َ َ َ َ ُ
َّللاِ َش ِد ٌيد
اب َّ َع َذ َ
اس ُس َك َار ٰى َو َما ُهم ِب ُس َك َار ٰى} [اآلية.]2 : {وتَ َرى َّ
الن َ قوله تعالىَ :
قال جعفر :أسكرهم ما شاهدوا من بساط العز وسلطان الجبروت ،وسرداق الكبرياء حتى ألجأ النبيين إلى أن قالوا:
نفسى .نفسى.
قال سهل :تخاصم فى الدين بالهواء والقياس دون االقتداء فعند ذلك يضل ويبتدع.
نك ْم َّمن ُي َرُّد ِإَل ٰى أ َْرَذ ِل اْل ُع ُم ِر لِ َك ْيالَ َي ْعَل َم ِمن َب ْع ِد ِعْل ٍم َش ْيئاً} [اآلية.]5 :
{و ِم ُ
قوله تعالىَ :
قال الواسطى رحمة هللا عليه :على رهن ارتهنه فاطمأن إليه كذلك.
قال يحيى بن معاذ :الناس من مخافة فضيحة الدنيا وقعوا فى فضيحة اآلخرة ،ومن أجل نفوسهم أهلكوا أنفسهم
بنفوسهم.
وقال بعضهم :على طمع أن يرى ثواب عمله ،أو يجازى على قدر أعماله ،منهم يرى فضله وأفعاله.
وقال بعضهم :المغرور من غرته رؤية فعله فظن أنه يصل بعمل إلى ربه ،وال يرى فضل هللا عليه أن وفقه لخدمته،
طالبا منه ثواب أعماله.
أو يسر عليه سبيل طاعته ،فعبد هللا على طمع الثواب ً
قال بعضهم :الخسران فى الدنيا ترك الطاعات ،ولزوم المخالفات ،والخسران فى اآلخرة :كثرة الخصوم والتبعات.
قال بعضهم :خسران الدنيا تضييع األوقات ،وخسران اآلخرة بالسكون إلى الجنان ،واالشتغال بها.
ضُّرهُ َو َما الَ َي َنف ُع ُه} [اآلية.]12 : قوله تعالى{ :يدعو ِمن دو ِن َّ ِ
َّللا َما الَ َي ُ ُ َْ ُ
قال ابن عطاء :من ركن إلى شىء سوى الحق فقد ركن إلى ما يضره وال ينفعه ،ومن اعتمد على هللا فقد اعتمد على
َّ
الضار النافع الذى منه الكل.
السيارى :من قدر هللا عليه اإلهانة فى السبق ال يقدر أحد على كرامته؛ ألن لباس الحق ال يزول وال يحول ،وهو
قال َّ
على الدوام.
َس ِاوَر ِمن َذ َه ٍب َوُل ْؤُلؤاً ات تَجرِي ِمن تَحِتها األ َْنهار يحَّلو َن ِف ِ َّللا ي ْد ِخل َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ
ات جَّن ٍ ِ
يها م ْن أ َ
َ َ ُ َُ ْ ْ َ ْ الصال َح َ َ َُ َ َ إ َّن َّ َ ُ ُ
يها َح ِر ٌير ِ ِ
اس ُه ْم ف ََولَب ُ
َّللا ي ْد ِخل َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ
ات جَّن ٍ ِ
ات} [اآلية.]23 : الصال َح َ َ َُ َ َ قوله تعالى{ :إ َّن َّ َ ُ ُ
قال :هم الذين صدقوا هللا فى السر واتبعوا سنة محمد صلى هللا عليه وسلم ولم يبتدعوا بحال.
اكف ِف ِ
يه َواْلَب ِاد} [اآلية.]25 : ِ
آء اْل َع ُ
{س َو ً
قوله تعالىَ :
الس ُجوِد
الرَّك ِع ُّ ِِ ِ ِ َّ ِ ِ ان اْلَب ْي ِت أَن الَّ تُ ْش ِر ْك ِبي َش ْيئاً َو َ ِ ِ
ين َو ُّ ط ِه ْر َب ْيت َي للطآئف َ
ين َواْلَقآئم َ يم َم َك َ
َوإِ ْذ َبَّوأَْنا إل ْب َراه َ
ان اْلَب ْي ِت أَن الَّ تُ ْش ِر ْك ِبي َش ْيئاً} [اآلية.]26 : ِ ِ
يم َم َك َ
{وإِ ْذ َبَّوأَْنا إل ْب َراه َ
قوله تعالى ذكرهَ :
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم يقول :سمعت أبا جعفر الملطى يقول :عن على بن موسى الرضا
ِ ِ َّ ِ ِ
ين} قال :طهر نفسك من مخالطة المخالفين ط ِه ْر َب ْيت َي للطآئف َ
{و َ
عن أبيه عن جعفر بن محمد عليهم السالم فى قوله َ
السج ِ
ود} :األمة واالختالط بغير الحق ،والقائمين هو قواد العارفين المقيمون معه على بساط األنس والخدمة{ ،و ُّ َّ
الرك ِع ُّ ُ َ
والسادة الذين رجعوا إلى البداية عن تناهى النهاية.
قال ابن عطاء :رجاالً استخلصناهم للوفود علينا فليس يصلح لكل أحد أن يكون ً
وفدا إلى سيده والذي يصلح للوفادة
فهو اللبيب فى أفعاله ،والكيس فى أقواله ،والعارف بما يبديه ،وما يرد ،وما يصدر.
سمعت محمد بن عبد هللا بن شاذان يقول :سمعت يوسف بن الحسين يقول :قال ذو النون رحمة هللا عليه وعليهم
أجمعين :فأما الحج فزيارة بيت هللا فريضة على كل مسلم فى دهره مرة واحدة من استطاع إليه سبيالً .وفى الحج
مشاهدة أحوال اآلخرة" .ومنافع كثيرة" فى زيادة اليقين فى مشاهدتها ووجود الروح والراحة واالشتيقاق إلى هللا ،ولزوم
المحبة للقلب والطمأنينة إلى هللا ،واالعتبار بالمناسك ،والوقوف على معانيها وحقائقها ،وذلك أن أول ٍ
حال من أحوال
الحج العزم عليه ،ومثل ذلك كمثل اإلنسان
الموقن بالموت والقدوم على هللا فيكتب وصيته ،ويوصى ويتحرى فيه لطاعة هللا عز وجل ومرضاته ،ويخرج من
أبدا فيركب راحلته،
مظالم عباده ما أمكنه ،ويخرج خروج الميت من دار الدنيا إلى دار اآلخرة ال يطمع فى العود إليها ً
وخير الرواحل التوكل ويحمل زاده وخير الزاد التقوى ويكون فى سيره كأنه محمول إلى قبره فإذا دخل
السارية كأنه أدخل قبره ،وعديله عدله فى نفسه ،وإخوانه من المسلمين ومن واله هللا أمرهم واسترعاه حقهم كما قال
النبي صلى هللا عليه وسلم "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته
".
أمن من بوائق اآلفات .والبيت كعرش هللا ،والطواف به كطواف المالئكة بالعرش ،وحلق الرأس اشتهار بالعمل ،كل
امرئ يكشف رأسه بعمل ،فالمؤمن يباهى به ،والمنافق يفتضح به ،ونعوذ باهلل من ذلك.
وسئل بعضهم ماذا أسأل فى الحج وفى الموقف؟ قال :سله قطع نفسك عنه بترك كل ما يقطعك عن القربة ،واستعمال
كل ما يوجب الزلفة وانشدت فى معناه:
ثم قال :اجعل البيت قلبك ،واجعل مكة طرًقا لقلبك ،واجعل طوافك حوله طواًفا من سرك تجد هللا كوجود البيت إن
كنت هكذا وإال فأنت ميت.
قال :وجاء رجل إلى الجنيد رحمة هللا عليه يستأذنه فى الحج على التجريد فقال :جرد قلبك من السهو ،ونفسك من
اللهو ،ولسانك من اللغو ،ثم اسلك حيث شئت.
قال ابن عطاء :ما وعدوا من أنفسهم لربهم وما وعده هللا لهم من القربة والزلفة.
وقال جعفر :هو ما يشاهدونه فى ذلك المشهد من بر الحق بأن وفقهم لشهود ذلك المشهد العظيم ،ثم منافعهم ما وعد
عليه من الزيادات ،والبركات ،واإلجابات ،وهللا على كل شىء قدير.
أدب َّأد َب هللا به عباده أن ال يطعموا الفقراء إالَّ مما يأكلون ،وال يجعلوا هلل ما يكرهون قال أبو عثمان رحمة هللا عليهٌ :
ط ِع ُموْا}.
{كُلوْا ِم ْن َها َوأَ ْ
وهو أن يشاركهم فى مآكلهم ومشاربهم ومالبسهم بقولهُ :
قال ابن عطاء البائس :الذى تأنف من مجالسته مواكلته ،والفقير من تعلم حاجته إلى طعامك وإن لم يسأل.
حبيبا
كليما وال ً ق
شيئا من كونه ،وال طوار محنته ،وأن ال تالحظ خليالً وال ً
أيضا :من تعظيم حرمته أن ال يالحظ ً
وقال ً
ال.
ما دام يجد إلى مالحظة الحق سبي ً
قال فارس :حرمات هللا :صفاته .فمن تهاون بحرمات األمر والنهى فقد تهاون بالذات ،وهو نفس النفاق.
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :الحرمة على ثالثة أوجه:
َّللاِ} [المؤمنون ]30 :قال :ال يعظم حرمات هللا إال من حرمه هللا ،وال {ذلِك ومن يع ِظم حرم ِ
ات َّ ٰ
قال بعضهم فى قولهَ ُ ُ ْ َ ُ َ َ َ :
يعظم هللا إالَّ من عرفه ،ومن عرفه خضع له ،وخشع من خضوعه ،وخشوعه المتولد من تعظيمه لربه تعظيم حرمات
المؤمنين.
قالَ :م ْن يعظم حرمات هللا فهو خير له عند ربه ،ومن جهل قدره أعجب بنفسه وعلمه ،وتعظم وتكبر فى نفسه،
واحتقر رأيه عبر به ،وذلك من جهله بنفسه .وجهله بنفسه تعظيم قدرته فى قدرته وإنعامه وتفضله.
قال سهل رحمة هللا عليه :تقوى القلوب هو ترك الذنوب ،وكل شىء يقع عليه اسم الذنب.
قال الجنيد رحمة هللا عليه :من تعظيم شعائر هللا إظهار التوكل والتفويض واليقين والتسليم فإنها من شعائر الحق فى
أسرار أوليائه فإذا عظمه وعظم حرمته زين هللا ظاهره بفنون اآلداب.
ِ ِ ِ ِ َّللاِ عَلى ما رزَقهم ِمن ب ِه ِ ِ ولِك ِل أ َّ ٍ
يمة األ َْن َعا ِم َفِإَلـ ُٰه ُك ْم ِإَلـ ٌٰه َواحٌد َفَل ُه أ َْسل ُموْا َوَبش ِر اْل ُم ْخِبت َ
ين َ َ اس َم َّ َ ٰ َ َ َ ُ ْنسكاً لَي ْذ ُك ُروْا ْ
ُمة َج َعْلَنا َم َ َ ُ
".
الص َٰلوِة َو ِم َّما َرَزْق َٰن ُه ْم ُي ِنفُقو َن الصِب ِرين عَلى مآ أَصابهم واْلمِق ِ
يمي َّ ٰ
وب ُه ْم َو َّ َ َ ٰ َ َ َ ُ ْ َ ُ
ين ِإ َذا ُذ ِكر َّ ِ
َّللاُ َوجَل ْت ُقُل ُ َ
َّ ِ
الذ َ
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :هل رأيت ذلك الوجل عند سماع ذكره ،وعند سماع كتابه أو خطابه؟
أو هل أخرسك الذكر حتى لم ينطق إالَّ به؟ وأصمك حتى ال تسمع إالَّ منه هيهات.
قال أبو على الجوزجانى :التاركين الجزع عند حلول النوائب والمصائب.
سئل بعضهم ما اإلشارة فى شعث المحرم؟ قال :ترك التصنع لها ليشهد الحق منك اإلعراض عن العناية بنفسك
فيشهد صدقك فى بذلها لمجاهدته.
ط ِع ُموْا
وب َها َف ُكُلوْا ِم ْن َها َوأَ ْ َّللاِ َل ُكم ِفيها خير َفا ْذ ُكروْا اسم َّ ِ ِ ِ
آف َفِإ َذا َو َجَب ْت ُجُن ُ
ص َو َّ
َّللا َعَل ْي َها َ ُ َْ من َش َعائ ِر َّ ْ َ َ ْ ٌ اها َل ُك ْم
َواْلُب ْد َن َج َعْلَن َ
اها َل ُك ْم َل َعَّل ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن
َس َّخ ْرَن َ اْلَق ِان َع َواْل ُم ْعتََّر َك ٰذلِ َك
قال أبو بكر الوراق :الحكمة فى البدن وما ذكر هللا من شعائره فيه وحصول الخيرية ،وهو تطهير بدنك من جميع
البدع والمخالفات ،وقتلها بسيوف الخوف والخشية ،وأن تجعل التقوى شعارها ،والرضا دثارها فإذا فعلت ذلك كان لك
فيه أوائل الخيرات وهو أن يفتح لك السبيل إلى هللا وإلى الخيرات ،وينور قلبك اليقين ويطهر سرك عن طلب كل شىء
سوى هللا.
ِِ َّللا عَلى ما هد ُ ِ َّللا ُلحومها والَ ِدمآؤها وَلـ ِٰكن يناُله التَّْقو ٰى ِم ُ ٰ
اك ْم َوَبش ِر اْل ُم ْحسن َ
ين نك ْم َكذلِ َك َس َّخ َرَها َل ُك ْم لِتُ َكِب ُروْا َّ َ َ ٰ َ َ َ ََ ُ َ ال َّ َ ُ ُ َ َ َ ُ َ َ َلن َيَن َ
قال النصرآباذى :منال الحق قال هللاَ{ :لن يَنال هللا ُلحومها والَ ِدماؤها و ِ
لكن َيَناُل ُه التَّْقوى ِم ُ
نكم}. ْ َ َ َ ُُ َ َ َ ْ َ َ
ص ٍر َّم ِش ٍيد َّ ٍ ظالِم ٌة َف ِهي َخ ِاوَي ٌة َعَل ٰى ُع ُر ِ َهَل ْكَن َ ِ ٍ ِ
وش َها َوبِ ْئ ٍر ُّم َعطَلة َوَق ْ َ اها َوه َي َ َ َف َكأَِين من َق ْرَية أ ْ
{وبِ ْئ ٍر
قال الواسطى :إن الربوبية إذا تجلت على السرائر محقت آثارها ،ومحت رسومها وتركتها خرًابا .قال هللا تعالىَ :
ص ٍر َّم ِش ٍيد} فالقصر المشيد هو اإلنسان ،والبئر المعطلة هى السرائر المأخوذة إلى الحق التى تركت َّ ٍ
ُّم َعطَلة َوَق ْ
االعتراض على هللا وضمت جوارحها كلها فيما يرد عليه من الحق فلذلك ُف ِ
ضل قوله.
قال ابن عطاء :يدفع بالكفار عن المؤمنين ،وبالعصاة عن المطعين ،وبالجهال عن العلماء.
وقال بعضهم :يدفع عن المحقين رعونات الدعاوى قال بعضهم :يدفع عن المؤمنين هواجس أنفسهم ووسواس
الشيطان.
قال سهل :اليسير من نور القلب يغلب الهوى والشهوة ،فإذا عمى بصر القلب عما فيه غلبت الشهوة ،وتوارت الغفلة
طا فى المعاصى غير منقاد للحق بحال.
فعند ذلك يصير البدن مسخ ً
ان ثُ َّم ُي ْح ِك ُم َّ َّللا ما ُيْلِقي َّ ِ ِِ ط ِ ول والَ َنِب ٍي ِإالَّ ِإ َذا تَمَّن ٰى أَْلَقى َّ
ٍ ِ ِ ِ
َّللاُ طُ الش ْي َ ان في أ ُْمنيَّته َفَين َس ُخ َّ ُ َ
الش ْي َ ُ َ َو َمآ أ َْرَسْلَنا من َقْبل َك من َّرُس َ
يم ِ آي ِات ِه و َّ ِ
يم َحك ٌ َّللاُ َعل ٌ َ َ
صر ٍ
اط ُّم ْستَِقي ٍم ِ ولِيعَلم َّال ِذين أُوتُوْا اْل ِعْلم أََّنه اْلح ُّق ِمن َّربِك َفيؤ ِمنوْا ِب ِه َفتُخِبت َله ُقلُوبهم وإِ َّن َّ ِ َّ ِ
آمُنوْا ِإَل ٰى َ
ين َ
َّللاَ َل َهاد الذ َ ْ َ ُ ُُ ْ َ َ ُْ ُ َ ُ َ َ َ َْ َ
ِ
قوله عز وعالَ { :فُي ْؤ ِمُنوْا ِبه َفتُ ْخِب َت َل ُه ُقُل ُ
وب ُه ْم} [اآلية.]54 :
قال سهل رحمة هللا عليه :صدق اإليمان وحقيقته يورث اإلخبات فى القلب ،والخشوع فى البدن ،وكثرة التفكر وطول
الصمت ،وهذا من نتائج اإليمان فإن هللا
ِ
يقولَ { :فُي ْؤ ِمُنوْا ِبه َفتُ ْخِب َت َل ُه ُقُل ُ
وب ُه ْم}.
قوله تعالى{ :اْل ُمْل ُك َي ْو َمِئ ٍذ ََّّللِ َي ْح ُك ُم َب ْيَن ُه ْم} [اآلية.]56 :
قال ابن عطاء :الملك هلل على دوام األحوال ،وبجميع األوقات ولكن للعوام الملك يومئذ آلية القهارية والجبارية فال
يقدر أن يجحد ما عاين.
الر ِازِق َ
ين َّللاَ َل ُهَو َخ ْي ُر َّ َّللاِ ثُ َّم ُقِتُلوْا أ َْو َماتُوْا َلَي ْرُزَقَّن ُه ُم َّ
َّللاُ ِرْزقاً َح َسناً َوإِ َّن َّ ين َهاجروْا ِفي سِب ِ
يل َّ َ
َّ ِ
َوالذ َ َ ُ
انقطاعا عن الخلق.
ً وقال ابن عطاء رحمة هللا عليه :ثقة باهلل ،وتوكالً عليه ،و
َّللاُ ِرْزقاً َح َسناً} قال أبو عثمان :قال :هو أن تملكه نفسه فال تغلب عليه نفسه ،وتكون تحت
قال بعضهمَ{ :لَي ْرُزَقَّن ُه ُم َّ
قهره.
السَّنة.
قال :تصحيح العبودية على المشاهدة ،ومالزمة الخدمة على ُّ
َّللاَ ُه َو اْل َعلِ ُّي اْل َكِب ُير َن ما يدعون ِمن دوِن ِه هو اْلب ِ
اط ُل َوأ َّ ٰذلِ َك ِبأ َّ
َن َّ َُ َ ُ َّللاَ ُه َو اْل َح ُّق َوأ َّ َ َ ْ ُ َ
َن َّ
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :هو الحق فحقق حقيقته فى سرك ،وال ترجع منه إلى غيره فما سواه باطل.
يف َخِبيٌر السم ِآء مآء َفتُصِبح األَرض مخضَّرة ِإ َّن َّ ِ َّللا أ َ ِ أََل ْم تَ َر أ َّ
َّللاَ َلط ٌ َنزَل م َن َّ َ َ ً ْ ُ ْ ُ ُ ْ َ ً َن َّ َ
َنزل ِمن َّ ِ
ضَّرًة} [اآلية.]63 : صِب ُح األ َْر ُ
ض ُم ْخ َ آء َفتُ ْ
الس َمآء َم ً َّللاَ أ َ َ َ
َن َّ قوله َّ
عز ذكره{ :أََل ْم تَ َر أ َّ
وأينعت التوحيد ،وأضاءت بالمحبة فهامت إلى سيدها ،واشتاقت إلى ربها فطارت بهمتها فأناخت بين يديه ،وعطفت
عليه ،وأقبلت إليه ،وانقطعت عن األكوان أجمع إذ ذاك آواها الحق إليه ،وفتح لها خزائن أنواره ،وأطلق لها فترة فى
بساتين الحق ورياض الشوق واألنس.
قال الجنيد رحمة هللا عليه :أحياكم بمعرفته ،ثم يميتكم أوقات الغفلة والقترة ،ثم يحييكم بالجذب بعد الفترة ثم يقطعكم
عن الجملة ،ويوصلكم إليه حقيقة ،إن اإلنسان لكفور يعد َما َل ُه وينسى ما عليه.
-قال أبو بكر بن طاهرك تتبين فى شواهد المعرضين عنا آثار الوحشة والظلمة المخالفة؛ ألن ظواهره َّإنما أشرقت
بالسرائر ،والسرائر أشرقت بأنوار الحق فمن كان سره فى ظلمة واإلنكار كيف تلوح آثار األنوار على شاهده؟ وكل
شاهد شاهد األكوان واألعواض فهو فى ظلمة حتى يشاهد الحق وال يشاهد معه غيره ،إذ ذاك تلوح عليه أنوار مشاهدة
َّ ِ الحق قال هللا تعالى{ :تَع ِر ِ
ف في ُو ُجوِه الذ َ
ين َكَف ُروْا اْل ُم ْن َك َر}. ْ ُ
ُّ الناس ض ِرب مَثل َفاست ِمعوْا َله ِإ َّن َّال ِذين تدعون ِمن دو ِن َّ ِ
اب َّللا َلن َي ْخُلُقوْا ُذَباباً َوَل ِو ْ
اجتَ َم ُعوْا َل ُه َوإِن َي ْسُل ْب ُه ُم الذَب ُ ُ َ َْ ُ َ ُّها َّ ُ ُ َ َ ٌ ْ َ ُ ُ ٰيأَي َ
وب َشيئاً الَّ يستَ ِنق ُذوه ِم ْنه ضعف َّ
الطالِ ُب َواْل َم ْ
طُل ُ ُ ُ َ ُ َ َْ ْ
اب َش ْيئاً الَّ َي ْستَ ِنق ُذوهُ ِم ْن ُه} [اآلية.]73 : ُّ
{وإِن َي ْسُل ْب ُه ُم الذَب ُ
قال عز وعالَ :
سمعت ابا بكر الرازى يقول :سمعت أبا العباس بن عطاء رحمة هللا عليه وعليهم
اب }...قالَ :دَّلهم بهذا على مقاديرهم فمن كان أشد هيبة وأعظم ً
ملكا ال يملكه االحتراز من ُّ
{وِإن َي ْسُل ْب ُه ُم الذَب ُ
فى قولهَ :
أهوال الخلق وأضعفه ليعلم بذلك ضعفه ،وعجزه ،وعبوديته ،وذلته لئال يفتخر على أبناء جنسه من بنى آدم بما يملكه
من الدنيا.
سمعت منصور بن عبد هللا يقول سمعت أبا بكر بن طاهر يقول فى هذه اآلية
{ضعف َّ
الطالِ ُب} أن يدركه ،والمطلوب أن يفوته. َ ُ َ
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :اخضعوا وانقادوا ألوامره ،وسلموا لقضائه وقدره ،تكونوا من خالص عباده ،وافعلوا
الخير ابتغاء الوسيلة لعلكم تفلحون تجدون الطريق إليه.
وقال ابن عطاء رحمة هللا عليه :واعبدوا ربكم فى أداء الفرائض ،واجتناب المحارم.
وقال فارس :احتملوا الباليا فى الدين والدنيا بعد أن جعلكم هللا من أهل خدمته ،ورزقكم حالوة مذاق صفوته.
ِِ ين ِمن حرٍج ِمَّل َة أَِب ُ ِ ِ ِ ِ ِِ اهدوا ِفي َّ ِ ِ
يناك ُم اْل ُم ْسلم َ
يم ُهَو َس َّم ُ
يك ْم إ ْب َراه َ اك ْم َو َما َج َع َل َعَل ْي ُك ْم في الد ِ ْ َ َ َّللا َح َّق ِج َهاده ُه َو ْ
اجتََب ُ َو َج ُ
اَّللِ الزَكـاة واعتَ ِ
ص ُموْا ِب َّ ونوْا ُشهدآء عَلى َّ ِ ِ ِمن َقْب ُل َوِفي َهـٰ َذا لَِي ُكو َن َّ
الصالَةَ َوآتُوْا َّ َ َ ْ يموْا َّ
الناس َفأَق ُ ول َش ِهيداً َعَل ْي ُك ْم َوتَ ُك ُ َ َ َ َ الرُس ُ
ُه َو َم ْوالَ ُك ْم َفِن ْعم اْل َم ْوَل ٰى َوِن ْعم َّ
الن ِ
ص ُير َ َ
قال بعضهم :المجاهدة على ضروب :مجاهدة مع أعداء هللا ،ومجاهدة مع الشيطان ،وأشد المجاهدة مع النفس والهوى
وهو الجهاد فى هللا .كما روى عن النبى صلى هللا عليه وسلم أنه قال" :رجعتم من الجهاد األصغر إلى الجهاد األكبر"
وهو مجاهدة النفس وحملها على اتباع ما أمر به ،واجتناب ما نهى عنه.
قال ابن عطاء :االجتبائية أورثت المجاهدة ،ال المجاهدة أورثت االجتبائية.
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :زينكم بزينة الخواص قبل أن أوجدكم ،ألنكم فى القدرة عند اإليجاد كما كنتم قبل
اإليجاد ،سبقت لكم من هللا الخصوصية فى أزله.
قال النورى :االعتصام باهلل هو خلو القلب والسر عما يشغل عنه ،واالشتغال بموافقته ،واإلقبال عليه .قال هللا:
اَّللِ ُه َو َم ْو َ
ال ُك ْم} أى هو الذى يغنيكم به إن أقبلتم على االعتصام. {واعتَ ِ
ص ُموْا ِب َّ َ ْ
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :االعتصام هو العجز ،والثقة بالقوى ،والرجوع إليه ،وااللتجاء بهَ{ ،فِن ْع َم اْل َم ْوَل ٰى َوِن ْع َم
الن ِ
ص ُير}. َّ
قال جعفر :نعم المعين لمن استعان به ،ونعم النصير لمن استنصره.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :ال يعرف قدر الحق إالَّ الحق وكيف يقدر أحد قدره،
وقد عجز من معرفة قدر الوسائط والرسل واألولياء والصديقين ،ومعرفة قدره .أن ال يلتفت منه إلى غيره وال يغفل عن
ذكره ،وال يفتر عن طاعته إذ ذاك عرفت ظاهر قدره ،وأما حقيقة قدره فال يقدر قدرها إالَّ هو.
قال أحمد بن عاصم األنطاكى :المؤمن من تكون بضاعته مواله ،وبغيضته دنياه ،وحبيبته عقباه ،وزاده تقواه،
ومجلسه ذكراه.
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه فى هذه اآلية :وصل إلى المحل األعلى والقربة والسعادة ،وأفلح ما كان مصدًقا هلل
وعده.
لق منه فى أمن ،ويألفه كل من يراه ،ويفرح برؤيته كل قال أبو بكر بن طاهر :المؤمن يكون من نفسه فى أمن ،و َ
الخ ُ
محزون ،ويأنس به كل مستوحش ،ويأوى إليه كل هائم ،ويكون لقاؤه سلوة للمؤمنين ،ومجالسته رحمة للمريدين،
وكالمه موعظة للمتقين.
قال القاسم فى هذه اآلية قال :هم المقيمون على شروط آداب األمر مخافة أن يفوتهم بركة المناجاة.
قال أبو سليمان :الخشوع خشوع القلب ،وذلك ذل القلوب فى صدورها لنظر هللا إليها.
وقال فارس :خشعت قلوبهم ،وجوارحهم ،وهممهم عند الصالة لخشوعهم هلل بالمناجاة.
وقال بعضهم :لما طالعوا موارد الحق عليهم ،ومطالعة الحق إياهم ،خشعت له ظواهرهم.
أجل ِم َن َّ
الدهر وهمتَّ ُه الصغرى َ له ِه َم ٌم الَ ُمنتَهى لِكبارَها
َّ َّ ِ
ين ُه ْم َع ِن الل ْغ ِو ُّم ْع ِر ُ
ضو َن َوالذ َ
يقول سمعت منصور بن عبد هللا ،يقول سمعت أبا القاسم َّ
البزاز ،يقول :قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :كل ما سوى
هللا فهو لغو.
قال بعضهم :لما طالعوا الحق أخذهم عنهم ،وسلبهم منهم ،فأعرضوا عنه فى صحبته عنه إلى غيره ،شغلهم عن
األغيار وآواهم مقعد صدق عند مليك مقتدر.
فأمانة العين الغض عن المحارم ،والنظر باالعتبار .وأمانة السمع صيانتها عن اللغو والرفث ،وإحضارها مجالس
الر ْج ِل المشى إلى الطاعات والتباعد عن
الذكر .وأمانة اللسان اجتناب الغيبة والبهتان ومداومة الذكر .وأمانة ِ
المعاصى ،وأمانة الفم أن ال تتناول به إال حالالً .وأمانة اليدان أن ال تُ َّ
مدها إلى حرام وال تمسكها عن األمر
بالمعروف .وأمانة القلب مراعاة الحق على دوام األوقات حتى ال تطالع سواه وال تشهد غيره ،وال تسكن إالَّ إليه .هذا
ِِ ِ تفسير قولهِ َّ :
ين ُه ْم أل ََم َانات ِه ْم َو َع ْهده ْم َر ُ
اعو َن} ثم العهد عليك فى حمل األمانة وحفظها فمن ضيع األمانة وصف {والذ ََ
بالظلم والجهالة.
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :المحافظة عليها وهو حفظ السر فيها مع هللا وهو أن ال يختلج فيه شىء سواه.
قال بعضهم :المحافظة على الصالة حفظ أوقاتها والدخول فيها بشرط الخدمة والمقام فيها على حد المشاهدة والخروج
منها على رؤية التقصير.
وقال بعضهم :الفردوس ميراث األعمال ومجالسة الحق ميراث رؤية الفضل والنعماء.
وهدى
ً مبينا،
نور ًأيضا :خلق بنى آدم من الماء والتراب بين الظلمة والنور ،فعدل خلقهم ،وزاد المؤمنين بإيمانهم ًا
وقال ً
حال إلى حال ،وأظهر فيهم الفطرة واآليات،وعلما ،وفضلهم على سائر العالمين ،كما نقلهم فى بدء خلقهم من ٍ
ً
وتكامل فيهم الصنع والحكمة والبينات وتظاهر عليهم الروح والنور والسبحات منذ كانوا ترًابا ونطفة وعلقة ،ومضغة،
سويا إلى أن كملت فيهم المعرفة األصلية.
ثم جعلهم خلًقا ً
وقال الحسين :خلق الخلق على أربع أصول فاعتدلها على أربع أصول :الربع األعلى :إلهية ،والربع اآلخر :آثار
الربوبية ،والربع اآلخر :النورية بين فيه التدبير والمشيئة ،والعلم والمعرفة ،والفهم والفطنة ،والفراسة واإلدراك ،والتمييز
آخ َر}.
َنشأَْناهُ َخْلقاً َ
قوله تعالى{ :ثُ َّم أ َ
قال الحسين :فطر األشياء بقدرته ،ودبرها بلطف صنعه فأبدأ آدم كما شاء لما شاء ،وأخرج منه ذرية على النعت
الذي وصف من مضغة وعلقة ،وبدائع خلقه ،وأوجب لنفسه عند خلقته اسمه الخالق ،وعند صنعة الصانع ،ولم يحدثوا
اسما كان موصوًفا بالقدرة على إبداع الخلق فلما أبدأها أظهر اسمه الخالق للخلق ،وأبرزها لهم ،وكان هذا
له ً
جميعا عن إدراك وصفه عاجزون، ً مدعوا به فى أزله اسمى بذلك نفسه ،ودعا نفسه به فالخلق
ً مكتوبا لديه،
ً االسم
وكل ما وصف هللا به نفسه فهو له وأعز وأجل وأظهر للخلق من نعوته ما يطيقونه ،ويليق بهم فتبارك هللا أحسن
الخالقين.
قال الحسين :ملك الموت صلى هللا عليه وسلم موكل بأرواح بنى آدم ،وملك الفناء موكل بأرواح البهائم.
وموت العلماء هو بقاؤهم إال أنه استتار عن األبصار ،وموت المطيعين المعصية إذا عرف من عصى وقال بعضهم:
من مات عن الدنيا خرج إلى حياة اآلخرة ،ومن مات عن اآلخرة خرج منها إلى حياة األصلية ،وهو البقاء مع هللا عز
وجل.
قال بعضهم :سبع حجب متصلة بحجبه عن ربه فالحجاب األول :عقله ،والحجاب
الثانى :علمه ،والحجاب الثالث :قلبه ،والحجاب الرابع :حسه ،والحجاب الخامس :
قال أبو يزيد رحمة هللا عليه :إن لم تعرفه فقد عرفك وإن لم تصل إليه فقد وصل
ِِ
{و َما ُكَّنا َع ِن اْل َخْل ِق َغافل َ
ين}. إليك ،وإن غبت أو غفلت عنه فليس بغائب عنك وال غافل لقوله تعالىَ :
قال القاسم :أى تفردت بشرف محمد صلى هللا وعليه وسلم وأنا ربكم وبى محمد صلى هللا عليه وسلم فاتقون أى ال
تنقطعوا عنى بشىء سواى.
قال بعضهم :فى هذه اآلية ربط كل أحد بحظه فى سعاياته وحركاته ،والسعيد من جذب عن حظه ،ورد إلى حظ
الحق فيه.
قال الواسطى رحمه هللا :الواقفون مع المعارف على مقدار تأثير أنوار الحق فيهم ال على قدر حركاتهم ،وسعيهم ألنه
أحد يصل إلى معروفه مجهد ،وال اجتهاد ،ومن ظن أن من ساء أفعاله يوصله إلى مواله فقد ظن باطالً ،وسبق
ليس ٌ
العناية يصون األرواح
واألشباح وتوصل أهل معرفته إليه فمن اعتمد غير ذلك فقد سكن إلى غرور ،وفرح باألمانى.
{ك ُّل ِح ْز ٍب ِب َما َل َد ْي ِه ْم َف ِر ُحو َن} كيف يفرح بما لديه وليس يعلم بما سبق له فى مختوم العلم.
وهو قولهُ :
ين} [اآلية.]55 : قوله تعالى{ :أَيحسبون أََّنما ن ِمُّدهم ِب ِه ِمن َّم ٍ ِ
ال َوَبن َ َ ْ َ ُ َ َ ُ ُْ
وقال بعضهم :أول التسارع إلى الخيرات هو التقلل من الدنيا وترك االهتمام للرزق ،والتباعد والفرار من الجمع ،والمنع
واختيار القلة على الكثرة ،والزهد على الرعبة ،قوله تعالىِ{ :إ َّن َّال ِذين هم ِمن خ ْش ِ
ية َربِ ِه ْم ُّم ْشِفُقو َن} [اآلية.]57 : َ ُ ْ َ
قال بعضهم :الخشية ،واإلشفاق ،اثنان باطنان وهما عمالن من أعمال القلب،
بدوام االنتصاب بين يديه ،ومن بعد هذه المرتبة اإلشفاق ،اإلشفاق أرق من الخشية ،وألطف والخشية أرق من
الخوف ،والخوف أرق من الرهبة ،ولكل منها صفة وأدب ومكان.
قال ابن عطاء رحمه هللا :مطالعة الكون بإيصاء القلوب فيعلم أنها فى حد الفناء وما كان بين طرفى فناء فهو فان
فيؤمنون بأن الحق يفتح أبصار قلوبهم بالنظر إلى المغيبات.
قال أبو عثمان :الشرك الخفى الذى يعارض القلوب من رؤية الطاعات ،وطلب الجزاء واإلعراض ،بعد ما شهد لهم
صريح اإليمان أنه ال ضار ،وال نافع ،وال معطى سواه.
وقال سعيد بن عاصم :مخافة العارف على طاعته أشد مخافة من مخالفته ،ألنه
يورث من المخالفة :الندم ،والتوبة ،والرجوع إليه .ويورث من الطاعة الرياء والكبر.
قال أبو الحسين الوراق :ذلك بما تقدم من اآليات أن بالمسارعة إلى الخيرات تبتغى درجة السابقين ،ويطلب مقام
الواصلين ال بالدعاوى ،واإلهمال ،وتضييع األوقات ،ومن أراد الوصول إلى المقامات من غير آداب ورياضات،
ومجاهدات فقد خاب وخسر وحرم الوصول إليها بحال.
وسمعت أبا الحسن بن مقسم يقول :سمعت جعفر الخلوى يقول :سمعت الجنيد يقول فى هذه اآلية{ :أ ُْوَلـِٰئ َك ُي َس ِارُعو َن
ِفي اْلخير ِ
ات َو ُه ْم َل َها َساِبُقو َن} فقلت له :أنا فى سابق العلم فقال :هذا فى التفسير ،ولكن له وجه آخر قلنا له :ما هو؟ َ َْ
بدنا ،وال عمل يسبق عمالً ،ولكن همومهم تسبق أعمالهم وهمومهم تسبق هموم غيرهم.
قال :ليس أنه بدن يسبق ً
قال الجريرى :لم يكلف هللا العباد معرفته على قدره وإنما كلفهم على أقدارهم.
ورسما
ً اسما
لجهلوه ،وما عرفوه ألنه ال يعرف قدره أحد سواه ،وال يعرفه على الحقيقة سواه وإنما ألقى إلى الخلق منها ً
اما لهم بذلك ،وأما المعرفة فإنها التحير والهون فيه.
إكر ً
قال أبو بكر بن طاهر فى هذه اآلية :لم يستوف أوقاتهم فى عبادتهم ،وإنما وقت لهم أوقاتًا ليرجعوا منها إلى صالح
َّللاَ
أبدانهم وتعهد أحوالهم ،ولم يوقت للمعرفة والذكر وقتًا لئال يغفل عنه فى حال ،وال ينسين فى حال فقالَ { :فا ْذ ُك ُروْا َّ
قال بعضهم :لوال أن هللا أمر بمخالفة النفوس ومباينتها التبع الخلق أهواءهم فى شهوات النفوس ولو فعلوا لك لضلوا
{وَل ِو اتََّب َع اْل َح ُّق
عن طريق العبودية ،وتركوا أوامر هللا ،وأعرضوا عن طاعته ،ولزموا مخالفته أال ترى هللا يقولَ :
ض}. ات َواأل َْر ُ آء ُه ْم َلَف َس َد ِت َّ
الس َم َاو ُ َه َو َ
أْ
قال الواسطى رحمه هللا فى هذه اآلية :أول ما كاشف هللا خلقه كاشفهم بالمعارف ،ثم بالوسائل ثم بالسكينة ثم
ونوا عن كل همة وإرادة.
بالبصائر ،فلما عاينوا الحق بالحق َ
صر ٍ
اط ُّم ْستَِقي ٍم ِ
وه ْم ِإَل ٰى َ
َوِإَّن َك َلتَ ْد ُع ُ
قال بعضهم :أقصد الطرق ،وأسد المناهج ،وما يؤديك إلى االستقامة فى الطريق وهو طريق االتباع الذي يكشف
آخرها عند السداد والصواب.
قال ابن عطاء رحمه هللا :وإنك لتحملهم على مسالك الوصول ،وليس كل أحد يصلح لذلك السلوك ،وال يوافق لها إال
أهل االستقامة ،وهم الذين استقاموا هلل،
مقاما.
واستقاموا مع هللا فلم يطلبوا منه سواه ،ولم يروا ألنفسهم درجة وال ً
الصر ِ
اط َلَن ِ اآلخرِة ع ِن ِ
ِ َّ ِ
اكُبو َن َ ين الَ ُي ْؤ ِمُنو َن ِب َ َ
َوإِ َّن الذ َ
قال أبو بكر الوراق :من لم يهتم ألمر معاده ،ومنقلبه وما يظهر عليه فى المأل األعلى والمشهد األعظم فهو ضال
عن طريقته غير متبع ،أرشده وأحسن منه حاالً من يهتم لما جرى له فى السبق من ربه ألن هذا المصدر فرع لتلك
السابقة.
الصر ِ
اط َلَن ِ اآلخرِة ع ِن ِ
ِ َّ ِ
اكُبو َن }. َ ين الَ ُي ْؤ ِمُنو َن ِب َ َ
{وإِ َّن الذ َ
قال هللا تعالىَ :
قال أبو بكر بن طاهر :كشف الضر هو الخالص من أمانى النفس وطول األمل وطلب الرئاسة ،والعلو ،وحب الدنيا
فإن هذا كله مما يضر بالمؤمن.
وقال بعضهم :ولو فتحنا لهم الطريق إلينا ألبوا االتباع الباطل بطغيان النفس ،وعملها.
قال الواسطى رحمه هللا :للعلم طغيان ،وهو التفاخر به .وللمال طغيان وهو البخل به ،وللعمل والعبادة طغيان وهو
الرياء والسمعة ،وللنفس طغيان وهو اتباع هواها وشهواتها.
ِ ِ
استَ َك ُانوْا ل َرب ِِه ْم َو َما َيتَ َ
ضَّرُعو َن َخ ْذَن ُ ِ
اه ْم باْل َع َذاب َف َما ْ َوَلَق ْد أ َ
قال محمد بن حامد :إن هللا تعالى دعا عباده بالتعطف فلم يجيبوه ،ولم يرجعوا إليه فأنزل بهم الشدائد لعلهم ينتبهون
وتماديا ولم يخضعوا له
ً وعتوا
استكبار على ربهم ً
ًا عن غفلتهم ،ويستقيظون من رقدتهم .ويطلبون طريق نجاتهم فأبوا إال
شيئا
قال محمد بن الفضل :من علم أن األشياء كلها له ،ثم رجع فى طلبها إلى سواه مع علمه أنه ال يملك من ذلك ً
فإنما ذلك من قلة العقل ورقة الدين.
َّللاِ َع َّما
ان َّ ض ُهم َعَل ٰى َب ْع ٍ
ض ُس ْب َح َ ِ ٍ ِ ِ ِ ٍ ِ َّ
ان َم َع ُه م ْن إَلـه إذاً ل َذ َه َب ُك ُّل إَلـٰه ب َما َخَل َق َوَل َعالَ َب ْع ُ ْ
ٍ ما اتَّخ َذ َّ ِ
َّللاُ من َوَلد َو َما َك َ َ َ
يِ
صُفو َن َ
ان َم َع ُه ِم ْن ِإَل ٍـه} [اآلية.]91 : ٍ قوله تعالى{ :ما اتَّخ َذ َّ ِ
َّللاُ من َوَلد َو َما َك َ َ َ
خطر من أن يؤثر.
قال القاسم :استعمل معهم ما حملناك عليه من األخالق الكريمة ،والشفقة والرحمة فإنك أعظم ًا
قيل :ما يظهرونه من أنواع المخالفات.
وليا.
قال بعضهم :فى هذه اآلية قابل أعداءك بالنصيحة وأوليائك بالموعظة ليرجع العدو إليك ً
قال فارس :األنساب رؤية األعمال ،ورجاء اإلخالص بها ،وال يتساءلون ال
يتذاكرون مما جرى عليهم فى الدنيا من نعيمها ،وبؤسها شغالً بما هم فيه.
صَب ُروْا أََّن ُه ْم ُهم اْلَف ِآئ ُزو َن ِ ِِ
إني َج َزْيتُ ُه ُم اْلَي ْوَم ب َما َ
ُ
قال أبو عثمان :ما صبروا حتى أكرموا بالبر ،والصبر حبس النفس عن الشهوات وحملها على الموافقات ،ومخالفة
األهواء ،واإلرادات ،فاهلل تعالى أكرمهم بالصبر ثم أثابهم عليه وكذا الكريم يعطى ،ويثيب على قبوله له ،والثواب على
العطاء من الكريم بدل االمتنان على العطاء من اللئيم.
قال بعضهم :من صبر على مخالفة النفس أمن طغيانها وتعذيبها.
وقال أبو بكر بن طاهر :إنهم هم الفائزون قال :اآلمنون من أهوال يوم القيامة.
بالبطاالت.
سمعت أبا بكر بن محمد بن عبد هللا بن شاذان يقول :سمعت أبا بكر السباك
يقول :سمعت يوسف بن الحسن يقول :سمعت احمد بن أبى الحوارى يقول :ال يصل إلى قلبك روح التوحيد ،وله
عندك حق لم تؤده.
قال الواسطى رحمه هللا :أظهر األكوان يظهر آثار الواليات على األولياء ،وآثار
َّللاُ اْلملِ ُك اْل َح ُّق الَ ِإَلـ َٰه ِإالَّ ُهو َر ُّب اْل َع ْر ِ
ش اْل َك ِري ِم َ َفتَ َعاَلى َّ َ
قال الواسطى :الحق ال يحتمله إال الحق حجب األكوان بالصفات والنعوت ثم حجب النعوت بالحقيقة وقال :الحق
أعجز الخلق ان يدركوا بإدراكهم ،وإنما يدرك
يما تَ َرْك ُت َكالَّ ِإَّن َها َكِل َم ٌة ُهَو َق ِآئُل َها َو ِمن َوَرِآئ ِه ْم جآء أَحدهم اْلموت َقال ر ِب ارِجعو ِن * َلعلِي أَعمل ِ ِ
صالحاً ف َ
َُْ َ َ َ َ َ َ ُُ َْ ُ َ َ ْ ُ َحتَّ ٰى ِإ َذا
َي ْو ِم ُي ْب َعثُو َن َب ْرَزٌخ ِإَل ٰى
قال أبو عثمان :فى كتاب له أهل جوزجان لو علم أهل النار عمالً أنجا لهم فى
َهَل َك ِإالَّ َمن َن اصن ِع اْلُفْلك ِبأَعيِننا ووحِينا َفِإ َذا جآء أَمرنا وَفار التَُّّنور َفاسُلك ِف ِ ِ
يها من ُك ٍل َزْو َج ْي ِن ا ْثَن ْي ِن َوأ ْ
ُ ْ ْ َ َ َ ْ َُ َ َ َ ُْ َ ََ ْ َ َفأ َْو َح ْيَنآ ِإَل ْيه أ ِ ْ َ
ظَل ُموْا ِإَّن ُه ْم ُّم ْغ َرُقو َن
ين َ ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ
َسَب َق َعَل ْيه اْلَق ْو ُل م ْن ُه ْم َوالَ تُ َخاط ْبني في الذ َ
َعُيِنَنا}.
اصَن ِع اْلُفْل َك ِبأ ْ قوله تعالىَ { :فأ َْو َح ْيَنآ ِإَل ْي ِه أ ِ
َن ْ
َعُيِنَنا} [هود:
اصَن ِع اْلُفْل َك ِبأ ْ
{و ْ
قال الجنيد رحمة هللا عليه :من عمل على المشاهدة أورثه هللا عليه الرضا لقوله تعالىَ :
.]37
وُقل َّر ِب أ ِ ِ
نزِل َ
ين َنت َخ ْي ُر اْل ُم ِ
َنزْلني ُم َنزالً ُّمَب َاركاً َوأ َ َ
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :أكثر المنازل بركة منـزل تسلم فيه من هواجس النفس ،ووساوس الشيطان ،وموبقات
الهوى ،وتصل فيه إلى محل القربة ،ومنازل القدس ،وسالمة القلب من األهواء ،والفتن ،والضالالت ،والبدع.
َح ِاد َ
يث َفُب ْعداً لَِق ْو ٍم الَّ ُي ْؤ ِمُنو َن اه ْم أ َ
ض ُه ْم َب ْعضاً َو َج َعْلَن ُ
َّ
ُم ًة َّرُسوُل َها َكذُبوهُ َفأ َْتَب ْعَنا َب ْع َ
آء أ َّ
ثُ َّم أ َْرَسْلَنا ُرُسَلَنا تَ ْت َار ُك َّل َما َج َ
قوله تعالى{ :ثُ َّم أ َْرَسْلَنا ُرُسَلَنا تَ ْت َرى}.
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :اتبعنا الرسل والموعظة لعلهم يطيعوا رسوالً أو يتعظوا
طغيانا ،وكذا فعل الكرام ال يعذب إال بعد الدعاء والموعظة. بعظة فأبوا إالَّ
ً
ُم ًة َّرُسوُل َها َك َّذُبوهُ}. قال هللا تعالى{ :ثُ َّم أ َْرَسْلَنا ُرُسَلَنا تَ ْت َرى ُك َّل َما َج َ
آء أ َّ
قال بعضهم :ما بعث هللا رسله إلى أعدائه ،وإنما بعث الرسل ليميز أولياءه من
أعدائه.
قال سهل رحمه هللا :الطيبات الحالل ،وفى األكل آداب أربع ..الحالل ،والصافى ،والقوام ،واألدب ،فالحالل الذى ال
يعصى هللا فيه ،والصافى الذي ال ينسى هللا فيه ،والقوام ال يمسك به النفس ،ويحفظ العقل واألدب شكر المنعم.
ات بِين ٍ
ات َّل َعَّل ُك ْم تَ َذ َّك ُرو َن ٍ َنزلَناها وَفرضَناها وأ َ ْ ِ
يهآ َآي َ َ
َنزلَنا ف َ ورةٌ أ َ ْ َ َ َ ْ َ َ
ُس َ
ات بِين ٍ
ات} [اآلية.]1 : ٍ قوله تعالى{ :وأ َ ْ ِ
يهآ َآي َ َ
َنزلَنا ف َ َ
قال الجنيد رحمه هللا :الشفقة على المخالفين كاإلعراض على المنافقين.
قال الواسطى رحمه هللا :جعل للمؤمن فى كل نظرة فائدة فمن يتعظ استفاد ،ومن غفل حجب وخاب.
وقال أبو عثمان :فى هذه اآلية أولئك طائفة يصلحون لمشاهدة ذلك المشهد بصحة إيمانهم ،وتمام شفقتهم ورأفتهم،
ورحمتهم ورؤية نعم هللا حيث عافاهم مما ابتلى غيرهم ،وال يعيرون المبتلى لعلمهم بجريان المقدور ،وال يشهد ذلك
المشهد سفهاء من الناس ومن ال يعرف موضع النعمة فى الدفع.
قال بعضهم :عالمة تصحيح التوبة ،وقبولها ما يعقب الصالح والتوبة هى الرجوع من كل ما يذمه العلم واستصالح
ما تعدى فى سالف األزمنة ،ومداواتها باتباع العلم ومن لم تعقب توبته الصالح كانت توبته بعيدة عن القبول.
اب َع ِظي ٌم ِِ ِ الد ْنيا و ِ ِ وَلوالَ َفضل َّ ِ
اآلخ َرِة َل َم َّس ُك ْم في َمآ أََف ْ
ضتُ ْم فيه َع َذ ٌ َّللا َعَل ْي ُك ْم َوَر ْح َمتُ ُه في ُّ َ َ َْ ْ ُ
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم البزاز يقول :قال ابن عطاء رحمه هللا .ولوال فضل هللا عليكم فى
قبول طاعاتكم لخسرتم بما ضمن لكم آخرتكم ،ولكن برحمته نجاكم من خسرانكم ،وتفضل عليكم.
قال بعضهم :من ال يرى فضل هللا عليه فى جميع األحوال فهو ساقط عن درجة المعرفة فإن أوائل المعرفة رؤية
الفضل ،ومن شاهد الفضل ال يغنى عن الشكر والتزام المنة ،ونعمته فى الدنيا العافية وفى اآلخرة الرضا.
اه ُكم َّما َّليس َل ُكم ِب ِه ِعْلم وتَحسبونه هِيناً وهو ِعند َّ ِ ِ
ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ
يم
َّللا َعظ ٌ ٌ َ ْ َ ُ َ ُ َ َ َُ َ َْ ْ إ ْذ َتَلق ْوَن ُه بأَْلسَنت ُك ْم َوتَُقوُلو َن بأَ ْف َو ْ
ِ ِ ِ ِ ِ
قوله تعالىِ{ :إ ْذ َتَلَّق ْوَن ُه ِبأَْلسَنت ُك ْم َوتَُقوُلو َن ِبأَ ْف َواه ُك ْم َّما َّل ْي َس َل ُك ْم ِبه عْل ٌم َوتَ ْح َسُب َ
ون ُه َهِيناً} [اآلية.]15 :
قال عبد هللا بن المبارك :ما أرى هذه اآلية نزلت إال فيمن اعتاد الدعاوى العظيمة،
ويجترئ على ربه فى األخبار عن أحوال األنبياء ،واألكابر وال تمنعه عن ذلك هيبة ربه ،وال حياؤه.
أيضا :من تهاون بما يجرى عليه من الدعاوى فقد صغر ما عظم هللا ألن هللا
وقال ً
قال السيارى :قال هللا :ولوال فضل هللا عليكم ورحمته ولم يقل ولوال فضل عبادتكم وصالتكم ،وجهادكم ،وحسن قيامك
أبدا ليعلم أن العبادات وإن كثرت فإنها من نتائج الفضل. ٍ
بأمر هللا ما نجا منكم من أحد ً
قال بعضهم :العفو هو الستر على ما مضى ،وترك التأنيب فيما بقى.
قال سهل :أى خبيثات القلوب للخبيثين من الرجال وخبيثو القلوب للخبيثات من النساء.
وقال عبد العزيز المكى :الدنيا وخيانتها للمخبثين من الرجال المحبين لها ،ولهم تصلح الدنيا ،والمحبون الدنيا
للخبيثات أى :للدنيا ،ولها يصلحون.
طِيب ِ
ِ َّ َّ الطِيب ِ َّ
َّ
ات} [اآلية.]26 : ين َوالطِيُبو َن لْل َ
ات للطِيِب َ
{و َ ُ قوله تعالىَ :
قال عبد العزيز :الطيبات هى اآلخرة ،وكرامتها للطيبين المحبين لها ،ولهم تصلح اآلخرة ،والطيبون للطيبات المحبون
لآلخرة ،الطيبات واآلخرة وكرامتها يصلحون.
صَن ُعو َن وجهم ٰذِل َك أ َْزَك ٰى َلهم ِإ َّن َّ ِ ِ ص ِارِه ْم َوَي ْحَف ُ ُقل لِْلمؤ ِمِنين ي ُغ ُّ ِ
َّللاَ َخب ٌير ب َما َي ْ ُْ ظوْا ُف ُر َ ُ ْ ضوْا م ْن أ َْب َ ْ ُْ َ َ
قال ابن عطاء :إبصار الرءوس عن المحارم ،وإبصار القلوب عما سواه.
ض ِرْب َن ِب ُخ ُم ِرِه َّن َعَل ٰى ظن ُفروجه َّن والَ يب ِدين ِزينتَه َّن ِإالَّ ما َ ِ ض َن ِم ْن أ َْب ِ ِ ِ
ظ َه َر م ْن َها َوْلَي ْ َ ص ِاره َّن َوَي ْحَف ْ َ ُ َ ُ َ ُ ْ َ َ ُ َ ضْ َوُقل لْل ُم ْؤ ِمَنات َي ْغ ُ
ين ِز َينتَ ُه َّن ِإالَّ لُِب ُعوَلِت ِه َّن أ َْو َآب ِآئ ِه َّن أ َْو َآب ِآء ُب ُعوَلِت ِه َّن أ َْو أ َْبَن ِآئ ِه َّن أ َْو أ َْبَن ِآء ُب ُعوَلِت ِه َّن أ َْو ِإ ْخ َوِان ِه َّن أ َْو َبِني ِ
ُجُيوبِ ِه َّن َوالَ ُي ْبد َ
ِ َّ ِ ِإ ْخوِان ِه َّن أَو بِني أَخو ِات ِه َّن أَو ِنس ِآئ ِه َّن أَو ما مَل َك ْت أَيمانه َّن أ َِو التَّاِب ِعين َغي ِر أُولِي ِ ِ ِ
ين َل ْم ال أ َِو الطْف ِل الذ َ الرج ِ
اإل ْرَبة م َن ِ َ َ ْ ْ ْ َ ُُ ْ َ َ ْ َ ََ ْ َ َ
ُّه اْل ُم ْؤ ِمُنو َن َل َعَّل ُك ْم النس ِآء والَ يض ِربن ِبأَرجلِ ِه َّن لِيعَلم ما ي ْخِفين ِمن ِزينِت ِه َّن وتُوبوْا ِإَلى َّ ِ ِِ ِ
َّللا َجميعاً أَي َ َ ُ َ ُْ َ َ ُ َ ظ َه ُروْا َعَل ٰى َع ْوَرات َ َ َ ْ ْ َ ْ ُ َي ْ
تُْفلِ ُحو َن
قال الحسين :زينة الدنيا ،وما فيها بالنسيان ،والتأويل والشهوة ،والنفس،
وقال بعضهم :أزين زينة تزين بن العبد للطاعة فإذا أظهرها فقد ذهبت زينتها.
وقال بعضهم :التوبة قتل النفس عن الشهوات ومالزمة الندم خوًفا من فوت الحظ.
قال يوسف :من طلب الفالح ،والسالمة ،والنجاة ،واالستقامة فليطلبه فى تصحيح توبته ،ودوام تضرعه وإنابته فإن فى
تصحيح التوبة تحقيق اإليمان والوصول إلى حقيقة المعرفة.
ضِل ِه} [اآلية.]32 : قوله تعالىِ{ :إن ي ُكونوْا ُفَقرآء ي ْغِن ِهم َّ ِ
َّللاُ من َف ْ َ ُ ََ ُ ُ
سمعت عبد هللا الرازى يقول :سمعت أبا عثمان يقول :ألن يغنيك عنها خير من أن
وه ْم ِإ ْن ِ َّللا ِمن َفضلِ ِه و َّال ِذين يبتَ ُغو َن اْل ِكتَ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
اب م َّما َمَل َك ْت أ َْي َم ُان ُك ْم َف َكاتُب ُ
َ ْ َ َ َْ ين الَ َيج ُدو َن ن َكاحاً َحتَّ ٰى ُي ْغنَي ُه ُم َّ َُوْلَي ْستَ ْعفف الذ َ
ض اْل َحَي ِاة اكم والَ تُ ْك ِرهوْا َفتَي ِات ُكم عَلى اْلِب َغ ِآء ِإ ْن أَرْدن تَح ُّ ِ ال َّ ِ َّ ِ
وهم ِمن َّم ِ ِ ِِ
صناً لتَْبتَ ُغوْا َع َر َ َ َ َ ُ َ ْ َ َّللا الذي آتَ ُ ْ َ َعل ْمتُ ْم فيه ْم َخ ْي اًر َوآتُ ُ ْ
ِ ِ ِ الد ْنيا ومن ي ْك ِرهه َّن َفِإ َّن َّ ِ
يم َّللاَ من َب ْعد ِإ ْك َراه ِه َّن َغُف ٌ
ور َّرح ٌ ُّ َ َ َ ُ ُ
وره َك ِم ْش َك ٍاة ِف ِ
ض مَثل ُن ِِ ِ
اح} المشكاة :جوف محمد
صَب ٌ
يها م ْ
َ الس َم َاوات َواأل َْر ِ َ ُ
ور َّ
{َّللاُ ُن ُ
قال أبو سعيد الخراز :فى قولهَّ :
صلى هللا عليه وسلم ،والزجاجة :قلبه ،والمصباح :النور الذى قد جعل هللا فيه كأنها كوكب درى توقد من شجرة
قال ابن مسعود :مثل نور المؤمن كمشكاة ،وهى الكوة التى تنفذ لها إشارة إلى صدر المؤمن فيها مصباح وهو نور
قلب المؤمن والمصباح فى زجاجة والزجاجة سر المؤمن.
".
قال الواسطى رحمه هللا :نفس خلقها هللا مؤمنة فسماها شجرة مباركة كشجرة الزيتونة.
وقال الحسن البصرى :عنى بذلك قلب المؤمن ،وضياء التوحيد ألن قلوب األنبياء أنور من أن توصف بمثل هذه
األنوار.
قال ابن عطاء :ال قرب فيها ،وال بعد ،فاهلل من القرب بعيد ،ومن البعد قريب.
قال جعفر رضى هللا عنه فى هذه اآلية :ال خوف يجلب القنوط ،وال رجاء يجلب االنبساط ،فيكون ً
قائما من الخوف
والرجاء.
ض} قال هو منور قلوب المالئكة حتى سبحوه ،وقدسوه، السماوا ِت واأل َْر ِ
ور َّ َ َ َ {َّللاُ ُن ُ
قال الجنيد رحمه هللا تعالى :فى قوله َّ
ومنور قلوب الرسل حتى عرفوا حقيقة المعرفة ،وعبدوه حقيقة العبودية ،وكذلك المؤمنون فقال :أنا منور قلوبكم
بالهداية ،والمعرفة.
قال بعضهم :منور قلوبهم بنور اإليمان ،مثل القلوب كمشكاة فجعل سويداء قلبه كزجاجة ،ال يدخلها شىء وقاه من
الضاللة والردى مصانة بالتسديد والهدى فهو منورها بهدايته وموفقها لطاعته.
ِ
ات واأل َْر ِ
ض} بدأ بنوره والنور البيان فاهلل نور السماوات ،ومن نوره اليقين الس َم َاو َ
ور َّ
{َّللاُ ُن ُ
قال أبو على الجوزجانىَّ :
وره} يعنى فى قلب المؤمن ألن قلب المؤمن منور باإليمان ،فنور سراج مضى فى قلب المؤمن كما قال هللا{ :مَثل ُن ِِ
َ ُ
مبينا .فهو ينظر بنور ربه الى جميع ملكه ،فيرى فيها بدائع صنعه ،ويرى بنور المعرفة قدرة هللا
بيانا ً
قلبه من نور هللا ً
يقينا .فيخضع له
علما ً
وسلطانه ،وأمره ،وملكه فيفتح له بذلك النور علم ما فى السماوات السبع ،وما فى األرضين ً
الملك ،ومن فيه ،فيجيبه كل شىء على ما يحبه ويهدى مثل ذلك النور كمشكاة فيها مصباح ،المصباح فى زجاجة
فنفس المؤمن بيت ،وقلبه مثل قنديل ،ومعرفته مثل السراج وفوه مثل الكوة ،ولسانه مثل باب الكوة ،والقنديل معلق
يكاد يزهر من قلب المؤمن على لسانه إذا ذكر هللا ما بين المشرق والمغرب.
وقال :ليس بشرقية وال غربية .قال :ليس بيهودية وال نصرانية .ثم قال كالكوكب الدرى فذكر الدر لنفاسة الدر ،وعظيم
خطره فى قلوب الخلق ،أنه موجود فى قعر األبحر ال يناله إال الغواصون وهم الراسخون فى العلم ،غاصوا بأرواحهم
فى الغيب فاستخرجوا نفيس الذخائر ،وجليل الجواهر فنطق عليهم وعنهم لما فى قلوبهم يكاد زيتها يضىء والزيت
التوفيق.
أولها :نور حفظ القلب ،ثم نور الخوف ،ثم نور الرجاء ،ثم نور الحب ،ثم نور التفكر ،ثم نور اليقين ،ثم نور التذكر،
ثم النظر بنور العلم ،ثم نور الحياء ،ثم نور حالوة اإليمان ،ثم نور اإلسالم ،ثم نور اإلحسان ،ثم نور النعمة ،ثم نور
الفضل ،ثم نور اآلالء ،ثم نور الكرم ،ثم نور العطف ،ثم نور القلب ،ثم نور االحاطة ،ثم نور الهيبة ،ثم نور الحياة،
ثم نور األنس ،ثم نور االستقامة ،ثم نور االستكانة ،ثم نور الطمأنينة ،ثم نور العظمة ،ثم نور الجالل ،ثم نور
القدرة ،ثم نور العدل ،ثم نور القوة ،ثم نور اإللهية ،ثم نور الوحدانية ،ثم نور الفردانية ،ثم نور األبدية ،ثم نور
السرمدية ،ثم نور الديمومية ،ثم نور األزلية ،ثم نور البقائية ،ثم نور الكلية ،ثم نور الهيبة ،ولكل واحد من هذه األنوار
ِ
ات واأل َْر ِ
ض} ولكل عبد من الس َم َاو َ
ور َّ
{َّللاُ ُن ُ
أهل وله حال ،ومحلها ،وكلها من أنوار الحق التى ذكرها هللا فى قولهَّ :
وقال بعضهم :النور فى السماء إظهار الهيبة ،والنور فى األرض إظهار القدرة.
وره َك ِم ْش َك ٍاة} :قال مثل نوره فى قلب العبد المخلص ،كمشكاة والمشكاة القلب والمصباح النور
وقال بعضهم{ :مَثل ُن ِِ
َ ُ
الذى قذف فيه المصباح فى زجاجة النور مؤيد بالتوفيق ،والتوفيق مثبت فيه بصحة المعرفة ،والزجاجة كأنها كوكب
درى كالنور والمعرفة تضىء فى قلب العارف بنور التوفيق ،مصباح النور كالكوكب الدرى ،والكوكب الدرى كنور
المعرفة الذى يضىء من قلب المؤمن ،توقد من شجرة مباركة تضىء على شخص مبارك وهو نفس المؤمن حتى
تبين أنوار باطنة على آداب طاهرة ،وحسن معاملته زيتونة ال شرقية وال غربية ،جوهرة صافية ال حظ لها فى الدنيا،
وال فى اآلخرة ،الختصاصها
وقيل :نور الجمع يعلو أنوار التفرقة ،وقيل :نور الروح يهدى الى السر شعاع الفردانية ،ونور السر يهدى الى القلب
ضياء الوحدانية ،ونور القلب يهدى الى الصدر حقيقة اإليمان ،ونور السر يهدى الى الصدر آداب اإلسالم فإذا جاء
مترسما
ً متسما بسمته
ً نور الحقيقة غلبت هذه األنوار وإفراد العارف عنها وأفناه منا وحصله فى محل البقاء مع الحق
برسمه ،وال يكون للحدث عليها أثر بحال ألن محل أنوار األحوال هو القيام معها ورؤيتها والسكون إليها فإذا جاء نور
دهشا فى فناء،
الحقيقة أفناه عن الحظوظ والمشاهدات ،وإذا عال نور الحق خمدت األنوار كلها وصارت األحوال ً
وفناء فى دهشة ،وهو بحصول اسم ورسم وذهاب الحقيقة فى عين الحق يهدى هللا لنوره من يشاء ،يخص هللا بهذه
األنوار من سيقت له المشيئة فيه بالخصوصة ويضرب هللا األمثال للناس.
ِ
ات واأل َْر ِ
ض} قال :هو شواهد ربوبيته ،ودالئل توحيده ظاهر فتمثل معرفته الس َم َاو َ
ور َّ
{َّللاُ ُن ُ
قال بعضهم فى قوله تعالىَّ :
فى قلوب العارفين كمصباح فى مشكاة شبه نور المعرفة فى القلوب بالمصباح ،وشبه قلب المؤمن بالقنديل.
قال بعضهم :المصباح سراج المعرفة وفتيلتة الفرائض وذهنه اإلخالص ،ونوره نور االتصال كلما ازداد اإلخالص
نور.
صفاء ازداد المصباح ضياء ،وكلما ازدادت الفرائض حقيق ازداد المصباح ًا
قال بعضهم :من عرف أن هللا نور السماوات واألرض لم يمن على هللا بطاعته ،وال بذكره ،وال بصدقه وال بشىء من
ور أبواب الخير ألن هللا جل جالله أجرى ذلك على يديه ،ونور قلبه وهداه واجتباه واصطفاه وجباه ألن هللا يقولَّ :
{َّللاُ ُن ُ
ض }. ِ
ات واأل َْر ِ
الس َم َاو َ
َّ
قال الواسطى :نور قلوب الرسل حتى عرفوه وعبدوه وكذلك نور قلوب المؤمنين فقال :هللا نور السماوات واألرض نور
قلوبهم فأضاءت برضوانه السابق بمحبته القديمة ،وبمودته األزلية وبمواالته السرمدية فلما خاطبها قالت :لبيك فجدد
ِ
ات واأل َْر ِ
ض }. الس َم َاو َ
ور َّ
{َّللاُ ُن ُ
المنة عليهم فهذا قولهَّ :
قال الحسين :إن هللا نور السماوات واألرض ،وهو نور النور يهدى من يشاء بنوره إلى قدرته ،وبقدرته إلى غيبه،
دمه ،وبقدمه إلى أزله ،وأبده بأزله وأبده إلى وحدانيته،ال إله إال هو المشهود شأنه بقدرته ،تقدس وتعالى ِ
وبغيبه إلى ق َ
علما بتوحيده ووحدانيته وتنزيهه ،وإجالل مقامه وتعظيم ربوبيته. يزيد من يشاء ً
قال الخراز :من خلقه من نوره ثم أحرقه بنوره ثم أعاده فى أكبر كبريائه من نور إذا خلى له لم يحترق ألنه يكون هو
نور من نوره على نور من نوره.
ور َعَل ٰى ُن ٍ
ور} [اآلية.]35 : قال هللا تعالىُّ :
{ن ٌ
ور} الرجاء مثل النور والخوف مثل النور ،والمحبة مثل النور فإذا اجتمعت فى ور َعَل ٰى ُن ٍ قال الجوزجانى فى قولهُّ :
{ن ٌ
قلب المؤمن يكون نور على نور يهدى هللا لنوره من يشاء يوصل هللا إلى هذه األنوار من نوره فى األزل ،بأنوار قدسه
فتغير هذه األنوار التى فى الباطن على الظاهر فى أداء الفرائض ،واجتناب المحارم ،وأعمال الفضائل ،والتطوع
منور بنور هللا وإلى هللا متصالً بتوحيده يحول معه فى ميادين الرضا ويجتبى ثمرات المحبة والصفاء فيصير المؤمن ًا
آء} بنوره إلى قدرته ،وبقدرته ور َي ْه ِدي َّ ِ ِِور َعَل ٰى ُن ٍ فإن عمل أخلص ،وإن فتر تحقر وهذا بيان قولهُّ :
َّللاُ لُنوره َمن َي َش ُ {ن ٌ
إلى غيبه وبغيبه إلى قدمه وبقدمه إلى أزله ،وبأزله وأبده إلى وحدانيته.
قال الحسين :فى الرأس نور الوحى ،وبين العينين نور المناجاة وفى السمع نور اليقين ،وفى اللسان نور البيان ،وفى
الصدر نور اإليمان ،وفى الطبائع نور التسبيح ،فإذا التهب شىء من هذه األنوار غلب على النور اآلخر فأدخله فى
َّللا لُِن ِِ
وره نور على نور ِ
{ي ْهدي َّ ُ
َ سلطانه فإذا سكن عاد سلطان ذلك النور أوفر ،وأتم مما كان فإذا التهب جمي ًعا صار ًا
آء}.
َمن َي َش ُ
وقال بعضهم :من خلقه من نوره وأحرقه بنوره ثم أعاده بأكبر كبريائه من نوره ثم إذا تجلى له لم يحترق ألنه نور من
نوره ،فى نوره.
ِ
ات واأل َْر ِ
ض} على نوره يهدى هللا لنوره من يشاء. الس َم َاو َ
ور َّ
{َّللاُ ُن ُ
قال هللا تعالىَّ :
ِ
ات واأل َْر ِ
ض} بدأ بنوره والنور البيان فالسماوات واألرض منورة بنور هللا وبيانه ومن الس َم َاو َ
ور َّ
{َّللاُ ُن ُ
وقال الجوزجانىَّ :
وره} فى قلب المؤمن منورنوره ،وبيانه نور اليقين وهو سراج منير فى قلب المؤمن كما قال هللا تعالى{ :مَثل ُن ِِ
َ ُ
باإليمان يلمع به ألنه حبيب هللا ،ونوره بنور هللا ونظر إلى السماوات بنور هللا فاستغرقت السماوات واألرض فى نور
هللا فيرى ربه بنوره فى السماوات أنها صفة روقها بغير عمد من تحتهن وال عالئق من فوقهن متمسكات بقدرته فنظر
اج ٍة} وره َك ِم ْش َك ٍاة ِفيها ِمصباح اْل ِمصب ِ
اح في ُزَج َ
َْ ُ َ َْ ٌ بنور هللا من مملكته إليه ،ومنه إلى مملكته فخضع له وأطاعه {مَثل ُن ِِ
َ ُ
المشكاة نفس العارف كأنها كوكب درى بنفسه مثل بيت ،وقلبه مثل قنديل ،ومعرفته مثل السراج وفاه مثل الكوة ولسانه
مثل باب الكوة.
والقنديل يتعلق بباب الكوة ودهنها اليقين ،وفتيلتها من الزهد ،وزجاجتها من الرضا وعالئقها من العقل إذا فتح اللسان
بإقرار ما فى القلب استضاء المصباح من كوته إلى عرش الرحمن فالتوفيق نور من هللا توقد سراجه فاستضاء فى
الكوة الى عبد رب العزة وفيها ثلث جواهر منورة فى نورها الخوف ،والرجاء ،والحب فالخوف مثل ٍ
نار منور ،والرجاء
غض طرى من زيتونة
مثل نور من خوف ،والحب نور على نور كأنه كوكب درى توقد من شجرة القرآن مبارك شهر ٌّ
منزل من عند هللا ال شرقية وال غربية ال من أساطير األولين ،وال من بدائع اآلخرين يكاد زيتها يضىء يزهر من قلب
نار من الخوف على نور منالمؤمن على لسانه إذا أق أر ما بين المشرق ،والمغرب ولو لم تمسسه نار نور على نورٌ ،
المعرفة منورة ،ونور الرجاء على نور الحب منور إذا فتح فاه بال إله إال هللا وبالقرآن من النور الذى فى قلبه من
معرفة هللا يهيج منه نار الخوف مع نور الرجاء على نور الحب فاستضاءت هذه األنوار من كوة فمه ففتح الباب
منور بنور هللا وأصالً إلى هللا متصالً
وازداد ضوؤه بأداء الفرائض ،واجتناب المحارم وأعمال الفضائل فصار المؤمن ًا
بتوحيده إليه إن أعطاه شكر ،وإن ابتاله صبر وإن عمل أخلص وصار مستغرًقا فى النور كالمه نور ،وعلمه نور
ومدخله نور ،ومخرجه نور وظاهره نور ،وباطنه نور ،وهو فى نور هللا بين األنوار ،نور على نور يهدى هللا لنوره من
يشاء ويضرب هللا األمثال للناس ،وهللا بكل شىء عليم.
وقال بعضهم :للمؤمن ثمانية أنوار :نور الروح ،ونور السر ،ونور على نور ،وهو نور الهداية وافق نور الروح ،ونور
الروح ،ونور العلم ،ونور التوفيق ،ونور العصمة ،ونور القسمة ،ونور الحياة.
وقال :ما هذه الشجرة التى مثلها مثل اإليمان ال بشرقية جافية وال غربية لينة لكنها متوسطة المعانى سمعت منصور
بن عبد هللا يقول :سمعت أبا جعفر الملطى يقول عن على بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد الصادق
رضى هللا عنه وعنهم قال :نور السماوات بنور الكواكب والشمس والقمر ونور األرضين بنور النبات األحمر،
واألصفر ،واألبيض وغير ذلك ،ونور قلوب المؤمنين بنور اإليمان ،واإلسالم ونور الطريق إلى هللا جل جالله بنور
أبى بكر وعمر وعثمان وعلى رضوان هللا عليهم ورحمته فمن أجل ذلك قال النبى صلى هللا عليه وسلم" :أصحابي
كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم
".
أيضا :فى هذه اآلية نور السماوات بأربع :جبريل ،وميكائيل ،وإسرافيل ،وعزرائيل عليهم السالم .ونور األرض
وقال ً
بأبى بكر وعمر وعثمان وعلى رضى هللا عنهم.
َّللا أَن تُرَفع وي ْذ َكر ِفيها اسم ُه يسِبح َل ُه ِفيها ِباْل ُغ ُد ِو واآلص ِ
ال ٍ ِ ِ
َ َ َ ْ َ َُ َ َ ْ ُ َُ ُ في ُبُيوت أَذ َن َّ ُ
وقال أبو عثمان :إذا دخلت المسجد فادفع عن قلبك كل هم سوى هللا فإن هللا عز وجل خص بها الرفع والذكر فقال
اس ُم ُه} [اآلية.]36 :
يها ْ
ِ وت أ َِذ َن َّ
َّللاُ أَن تُ ْرَف َع َوُي ْذ َك َر ف َ
{في بي ٍ
ُُ
تعالىِ :
حاكيا عن ربه
وقال بعضهم :ترفع الحوائج من القلوب وتشتغل القلوب بالذكر إن النبى صلى هللا عليه وسلم يقول ً
تعالى" :من شغله ذكرى عن مسألتى أعطيه أفضل ما أعطى السائلين
".
قال بعضهم :رجال قلوبهم متعلقة بالسوابق والخواتيم فأشغلهم حزن ما جرى عليهم فى األول ،وحزن ما يردون عليه
من العاقبة عن االشتغال بالدنيا .والتقلب فيها والتمتع بها.
سمعت النصرآباذى يقول فى هذه اآلية :رجال أسقط عنهم المكون ذكر المكنونات فال تشغلهم األسباب عن المسبب.
وقال جعفر :هم الرجال من بين الرجال على الحقيقة ألن هللا حفظ سرائرهم عن الرجوع الى ما سواه ومالحظات غيره،
فال تشغلهم تجارات الدنيا ونعيمها وزهرتها ،وال اآلخرة ،وثوابها عند هللا ألنهم فى بساتين األنس ،ورياض الذكر.
َّللاِ}.
قال هللا تعالى{ :الَّ ُتْل ِهي ِه ْم ِت َج َارةٌ َوالَ َب ْي ٌع َعن ِذ ْك ِر َّ
وقال بعضهم :أسقط هللا اسم الرجولية عن العاملين إال من عامل هللا على المشاهدة ،ولم يؤثر عليه األكوان فقال:
رجال ال تلهيهم تجارة وال بيع عن ذكر هللا.
قال الواسطى رحمه هللا :األذكار ثالثة :ذكر السطوة على الخوف والحزن والرجل وذكر اليد وهو المنة والسبق
موقفا ،واآلخر فيه مقال وذكر وهو ذكر المشاهدة ،وذلك هو
بالفضل ،وذكر النعمة ،وهو الفضل ال يقف بين يديه ً
ذكر الرجال.
َّ ِ ِ
ص ُار} [اآلية.]37 : {ي َخا ُفو َن َي ْوماً تَتََقل ُب فيه اْلُقُل ُ
وب َواأل َْب َ وقوله تعالىَ :
وقال الحسين :إذا علمت أنه مقلب القلوب واألبصار فليكن شغلك فى النظر إلى أفعاله فيك ،وتوق الخالف والغفلة.
حذر لما يرد عليهم من دحض األعمال. قال الواسطى رحمه هللا :يخافون ً
يوما تتقلب فيه القلوب للعامة تتقلب قلوبهم ًا
ونوْا َي ْحتَ ِسُبو َن} [الزمر.]47 : قال هللا تعالى{ :وبدا َلهم ِمن َّ ِ
َّللا َما َل ْم َي ُك ُ َ ََ ُ ْ َ
آءهُ َل ْم َي ِج ْدهُ َش ْيئاً} [اآلية]39 : قال ابن عطاء رحمه هللا فى قوله تعالىِ َّ َ :
{حت ٰى إ َذا َج َ
قال :ما وجد الخلق سوى الخلق وأنى للحق أن يكون للخلق إليه طريق إذ ال يعرفه سواه ،وال يشهده غيره.
قال بعضهم :القلب الذى تعلق بشىء غير هللا فهو فقير بما فيه ألن الفقر صحبة األشكال ،والغنى الرجوع الى هللا
من الخلق.
قال ابن عطاء رحمه هللا :كل ما دون هللا فهو فقر ،وكل قلب فيه محبة شىء سوى هللا فهو فقير.
قال الواسطى رحمه هللا :قيل ما عالمة النور؟ قيل :من كان نوره أقوى كان تيقظه أدوم ،ومن كان نوره أضعف كان
ذكره مرة وعطبه مرة ،ومن قويت أنواره فنيت أعماره.
غنيا سمعت أبا بكر الرازى يقول :سمعت محمد بن موسى الواسطى يقول :إن هللا ال يقرب ًا
فقير ألجل فقره وال يبعد ً
ألجل غناه ،وليس لإلعراض عنده خطر حتى بها يصل ،وبها يقطع ،ولو بذلت له الدنيا واآلخرة ما أوصلك به ،ولو
أ خذتهما كليهما ما قطعت به قرب ،من قرب من غير علة ،وقطع من قطع من غير علة كما قال هللا عز وجل:
َّللاُ َل ُه ُنو اًر َف َما َل ُه ِمن ُن ٍ
ور}. {و َمن َّل ْم َي ْج َع ِل َّ
َ
قال الواسطى رحمه هللا :ما خالفه أحد قط ،وال وافقه وكلهم مستقلين مشيئته وقدرته أن يكون الوفاق ،والخالف ،وهو
يقلب الليل والنهار بما فيها ،وهو قائم على األشياء وباألشياء فى بقائها وفنائها ال يؤنسه وجد ،وال يوحشه فقده.
قال ابن عطاء :الدعوة الى هللا بالحقيقة ،والدعوة الى رسوله بالنصيحة ،ومن لم
صر ٍ
اط ُّم ْستَِقي ٍم ِ ات و َّ ِ ٍ ِ ٍ َّلَق ْد أ َ ْ
آء ِإَل ٰى َ
َّللاُ َي ْهدي َمن َي َش ُ َنزلَنآ َآيات ُّمَبيَن َ
صر ٍ
اط ُّم ْستَِقيمٍ} [اآلية.]46 : ِ قوله تعالى{ :و َّ ِ
آء ِإَل ٰى َ
َّللاُ َي ْهدي َمن َي َش ُ َ
قال الواسطى رحمه هللا :من يطع هللا ورسوله فى أداء الفرائض ،واجتناب المحارم ،ويخشى هللا على ما مضى من
ذنوبه أن يكون مأخوًذا بها.
وما مضى من حياته أن ال تقبل منه ،ويتقه أى ويتقى هللا فيما بقى عمره من رده محبطة أو عقوبة مخزية فأولئك هم
الفائزون أى :سبقت لهم السعادة.
قال الحسين :طاعة الرسول فيها صالح الكل وهو المواظبة على األوامر ،والفرائض فإن األنبياء يعملون على
الفرائض ،والمؤمنون يعملون فى الفضائل ،والصديقون يعملون فى النهى ،والعارفون يعملون فى نسيان كل شىء غير
هللا.
قال بعضهم :أوائل الطاعة أمور ،أولها :احتمال األذى من غير شكاية ،ودفع األذى من غير منة ،وال تخاصم هللا
عن نفسك وال يملك غير هللا.
قال محمد بن الفضل :إن تطيعوه فى سنته توصلكم بركته إلى حقائق القيام بأداء الفرائض فتكونوا من المهتدين أى
من الموافقين بشرائط األدب مع هللا.
قال أبو عثمان :الصديق من ال يخالف باطنه باطنك كما ال يخالف ظاهره ظاهرك إذ ذاك يكون محل االنبساط اليه
مباحا فى كل شىء من أنوار الدين والدنيا.
ً
ِ َّ ِ ِ ِ َّ ِ ِإَّنما اْلمؤ ِمنون َّال ِذين آمنوْا ِب َّ ِ
ون َك اَّلل َوَرُسولِه َوإِ َذا َك ُانوْا َم َع ُه َعَل ٰى أ َْم ٍر َجام ٍع ل ْم َي ْذ َهُبوْا َحتَّ ٰى َي ْستَأْذُنوهُ ِإ َّن الذ َ
ين َي ْستَأْذُن َ َ َُ َ ُْ ُ َ
اس َت ْغِف ْر َل ُه ُم َّ
َّللاَ ِإ َّن َّ ِ ِ ِ وك لَِب ْع ِ ِ ِ ِ ِ أُوَلـِٰئك َّال ِذين يؤ ِمنون ِب َّ ِ
ور
َّللاَ َغُف ٌ ض َشأْنه ْم َف ْأ َذن ل َمن ش ْئ َت م ْن ُه ْم َو ْ اَّلل َوَرُسولِه َفإ َذا ْ
استَ ْأ َذُن َ َ ُْ ُ َ ْ َ
يم ِ
َّرح ٌ
وإياكم ومخالفة األكابر والدخول فى شىء من الطاعات إال بإذنهم ومشورتهم وواسوا المحتاجين بما أمكنكم فأرجو أن
بيعا.
ال يضيع لكم ً
ين ُي َخالُِفو َن َع ْن َّ ِ ِ ِ َّ ض ُكم بعضاً َقد يعَلم َّ َّ ِِ ِ الَّ تَجعُلوْا ُد َعآء َّ ِ
ين َيتَ َسلُلو َن من ُك ْم لَواذاً َفْلَي ْح َذ ِر الذ َ
َّللاُ الذ َ ْ َْ ُ الرُسول َب ْيَن ُك ْم َك ُد َعآء َب ْع ْ َ ْ َ َْ
صيبهم ع َذ ِ ِ ِ ِ
يم أ َْم ِِره أَن تُص َيب ُه ْم ف ْتَن ٌة أ َْو ُي َ ُ ْ َ ٌ
اب أَل ٌ
ول بين ُكم َكدع ِآء بع ِ
ض ُك ْم َب ْعضاً} [اآلية.]63 : قوله تعالى{ :الَّ تَجعُلوْا ُد َعآء َّ ِ
الرُس َ ْ َ ْ ُ َ َ ْ َ َْ
قال ابن عطاء رحمه هللا :التخاطبوه مخاطبة ،وال تدعوه بكنيته واسمه ،واتبعوا أداء هللا فيه بدعائه يا أيها النبى ويا
أيها الرسول.
بعضا من ضيع حرمة الحق فقد ضيَّع حرمة المؤمنين ،ومن ضيَّع حرمة المؤمنين
قال جعفر :الحرمات تتبع بعضها ً
فقد ضيَّع حرمة األولياء ،ومن ضيع حرمة األولياء فقد ضيع حرمة الرسول صلى هللا عليه وسلم ،ومن ضيع حرمة
الرسول فقد ضيع حرمة هللا عز وجل ،ومن ضيع حرمة هللا فقد دخل فى ديوان األشقياء ،وأفضل األخالق حفظ
الحرمات ،ومن أسقط عن قلبه الحرمات تهاون بالفرائض والسنن.
قال أبو سعيد الخراز :الفتنة هو إسباغ النعم على االستدراج من حيث ال يعلم العبد.
منكر.
قال الجنيد رحمه هللا :الفتنة هو انتكاس القلب حتى ال يعرف معروًفا ،وال ينكر ًا
قال أبو بكر بن الطاهر :الفتنة مأخوذ بها ،والبالء معفو عنه ومثاب عليه.
محمدا بإنزال القرآن عليه ليفرق به بين الحق والباطل ،والولى والعدو ،والقريب
ً قال سهل :جل وتعالى من خص
والبعيد.
قال الجنيد رحمه هللا :تبارك الذى كالكناية ،والكناية كاإلشارة ،واإلشارة ال يدركها إال األكابر.
المْل ِك َو َخَل َق ُك َّل َشي ٍء َفَقَّد َرهُ تَْق ِدي اًر ض وَلم يتَّ ِخ ْذ وَلداً وَلم ي ُكن َّله َش ِر ِ
يك في ُ
ٌ ُ
َّال ِذي َله مْلك َّ ِ
الس َٰم َٰوت َواأل َْر ِ َ ْ َ َ َ ْ َ ُ ُ ُ
ْ
ِ
ات واأل َْر ِ
ض} [اآلية.]2 : {ال ِذي َل ُه ُمْل ُك َّ
الس َم َاو َ
قوله تعالىَّ :
قال ابن عطاء رحمه هللا :له ملك السماوات فمن أطاعه وآثره ملكه ملك السماوات واألرض.
وقال النصرآباذى :له الملك فمن اشتغل بالملك فإنه الملك ،ومن اشتغل بالملك حصل له الملك والملك.
{و َخَل َق ُك َّل َشي ٍء َفَقَّد َرهُ تَْق ِدي اًر} [اآلية.]2 :
قوله تعالىَ :
ْ
ِ ِ
{والَ َي ْمل ُكو َن أل َْنُفس ِه ْم َ
ض اًر َوالَ َنْفعاً} [اآلية.]3 : قوله تعالىَ :
سمعت جعفر المراعى يقول :كتبه منصور الفقيه الى بعض أوالده وكان قد سأله فى أمر فأجابه :ثم قصر فيه أعاذنا
نشور.
ضرا ،وال موتًا وال حياة وال ًا هللا وإياك من الحاجة إلى أمثالك الذين ال يملكون ً
نفعا وال ً
قال الحسين :واعلم أن األشياء ليست بأنفسها قائمة بل يقيم لها وكيف ال يكون كذلك ،وهى ال تملك ألنفسها ًا
ضر وال
نفعا بعين مالك ضر ونفع فقد صرفت اإللهية إلى غير مستحقها.
ضر وال ً
نفعا ،فإذا نظرت إلى ممن ال يملك لنفسه ًا
ً
قال جعفر :غيروا الرسل بالتواضع واالنبساط ،ولم يعلموا أن ذلك أتم لهيبتهم وأشد فى باب االحترام لهم ،وذلك أنهم لم
الرس ِ
ول يشاهدوا منهم إال ظاهر الخلق ولو شاهدوا منهم خصائص االختصاص أللهاهم ذلك من قولهمِ :
{مال َهـٰ َذا َّ ُ
َ
الط َعام وَيم ِشي ِفي األَسو ِ
اق}. ْكل َّ
َيأ ُ ُ
َْ َ َ ْ
صِب ُرو َن اق وجعْلَنا بعض ُكم لِبع ٍ ِ ِ َّ ين ِإالَّ ِإَّن ُه ْم َلَيأ ُِ ِ
ض ف ْتَن ًة أَتَ ْ َس َو ِ َ َ َ َ ْ َ ْ َ ْْكُلو َن الط َع َام َوَي ْم ُشو َن في األ ْ َو َمآ أ َْرَسْلَنا َقْبَل َك م َن اْل ُم ْرَسل َ
صي اًروَكان ربُّك ب ِ
َ َ َ َ َ
َسو ِ ِ َّ ين ِإالَّ ِإَّن ُه ْم َلَيأ ُِ ِ
اق} [اآلية.]20 : ْكُلو َن الط َع َام َوَي ْم ُشو َن في األ ْ َ قوله تعالىَ { :و َمآ أ َْرَسْلَنا َقْبَل َك م َن اْل ُم ْرَسل َ
قال جعفر :ذلك أن هللا لم يبعث رسوالً إال أباح ظاهره للخلق يأكلون معهم على شرط البشرية ،ومنع سره على
مالحظاتهم واالنشغال بهم ،ألن أسرار األنبياء فى القيمة ال يفارق المشاهدة بحال.
صِب ُرو َن} [اآلية.]20 : قوله تعالى{ :وجعْلَنا بعض ُكم لِبع ٍ ِ
ض ف ْتَن ًة أَتَ ْ َ ََ َْ َ ْ َْ
ض ِف ْتَن ًة}.
ض ُكم لَِب ْع ٍ
{و َج َعْلَنا َب ْع َ ْ
قال الحسين :المحبة لخواص أوليائه ،والفتنة لعامة الناس قال هللا تعالىَ :
قال الحسين :وكسى كل شىء كسوة فاتنة ال ينفك منها إال من عصمه هللا وهو اضطرار فى األحوال ال اختيار فى
التلذذ بالشواهد واألعراض.
ض ِف ْتَن ًة}.
ض ُكم لَِب ْع ٍ
{و َج َعْلَنا َب ْع َ ْ
قال هللا تعالىَ :
ض ِف ْتَن ًة}.
ض ُكم لَِب ْع ٍ
{و َج َعْلَنا َب ْع َ ْ
قال أبو عثمان :فى قولهَ :
قال :فى الخلق فتنة من وجوه فأعظم الفتنة أن يشغلوك عن هللا ويتعلق قلبك بهم عند الفاقات والحاجات فهم
محتاجون مثلك إلى من هو كاشف الكرب ،وقاضى الحاجات.
قال أبو صالح حمدون :من اعتمد على شىء سوى هللا فهو عليه فتنة.
منثور.
ًا هباء
فطالعوها بعين الرضا فسقطوا عن أعيننا بذلك وجعلنا أعمالهم ً
احا.
مستقر فى دار القرار مع ميعاد لقاء الجبار من غير خوف ،وال زوال ،وأحسن مقيالً استرو ً
ًا قال بعضهم :خير
قوله تعالى{ :اْل ُمْل ُك َي ْو َمِئ ٍذ اْل َح ُّق لِ َّلر ْح َمـ ِٰن} [اآلية.]26 :
ٍ
مستغن عما أبداه فى الملك من جميع المكونات ال يرضيه من حركات قال أبو سعيد الخراز :حقيقة الملك لمن هو
العباد شىء جل وتعالى ،وأنشد فى معناه قوله:
ما كان إبليس فى غايات إذالل لو كان يرضيه شىء من بريته
ما كان يسطخه سح اًر باختالل أو كان يسخطه من دونه سبب
وال قبول ،وال رد على حـال فال رضا ،وال سخط يليق به
أمر الشريعة إال خطـرة البـال إن الحقيقة أمر ليس يدركها
تجبر
قال أبو حفص :الخلة إذا صحت أورثت صاحبها شفقة على خالنه ،وطاعة لربه ،وإذا لم تصح أورثت صاحبها ًا
وتكبر على إخوانه.
ًا
وقال أبو عثمان :صحة الخلة ما ال تكون لطمع ،وال لوقاية نفس وتكون لمؤاخاة الدين.
وَك َذلِك جعْلنا لِ ُك ِل نِب ٍي عدواً ِمن اْلمج ِرِمين وَكَفى ِبربِك ه ِادياً ون ِ
صي اًر َ َُ َ ُ ْ َ َ ٰ َ َ َ َ َ َ َ ََ َ
أيضا :النفس حية ما دامت تخالف هواها فإذا وافقت هواها ماتت ،وموتها فى انهماكها فى المعاصى وإعراضها
قال ً
عن الطاعات.
قال ابن عطاء رحمه هللا :ال تظن أنك تسمع بندائك إنما يسمعهم نداء األزل فمن لم يسمع نداء األزل فإن نداءك له،
شيئا إجابتهم دعوتك ،هو بركة جواب نداء األزل ودعوته ،فمن غفل أو أعرض فإنما هو لبعده
ودعوتك ال تغني عنه ً
عن محل الجواب فى القدم.
قال الواسطى :أثبت للعامة المخلوق فأثبتوا به الخالق ،وأثبت للخاصة الخالق فأثبتوا به المخلوق ،ومخاطبة العوام {أََل ْم
ف ُخلَِق ْت} [الغاشية ]17 :ومخاطبة الخاصة {أََل ْم تََر
اإلْب ِل َك ْي َ َّللاَ ُي ْزِجي َس َحاباً}[،النور{ ]43 :أََفالَ َين ُ
ظ ُرو َن ِإَلى ِ تَ َر أ َّ
َن َّ
ِإَلى ربِك َكيف مَّد ِ
الظ َّل}. ٰ َ َ َْ َ
قال بعضهم :قال لنبينا محمد {أََلم تَر ِإَلى ربِك َكيف مَّد ِ
الظ َّل} ظل العصمة قبل أن أرسلك الى الخلق ،ولو شاء ْ َ ٰ َ َ َْ َ
يسير
قبضا ًا
لجعله ساكناً أى :جعلك مهمالً ولم يفعل بل جعل الشمس التى طلعت من صدرك دليالً ثم قبضناه إلينا ً
هذا خطاب من أسقط عنه الرسوم ،والوسائط.
اح ُب ْش َرى َب ْي َن َي َد ْي َر ْح َمِت ِه} [اآلية.]48 : {و ُه َو َّال ِذي أ َْرَس َل ِ
الرَي َ قوله تعالىَ :
قال ابن عطاء رحمه هللا :يرسل رياح الندم بين يدى التوبة.
يحا فيكنسه من المخالفات ،وأنواع الكدورات ويصفيه وقال أبو بكر بن طاهر :إن هللا جل جالله يرسل إلى القب ر ً
لقبول الموارد عليه ،فإذا صادف القلب تلك الريح وتنسم نسيمها اشتاق إلى الزوائد من فنون الموارد فيكرمه هللا
اح ُب ْش َرى َب ْي َن َي َد ْي َر ْح َمِت ِه}. {و ُه َو َّال ِذي أ َْرَس َل ِ
الرَي َ بالمعرفة ويزينه باإليمان أال ت اره يقولَ :
قال بعضهم :طهر قلوبهم ببركاته عن المخالفات ،وطهر أبدانهم بظاهر رحمته من جميع األنجاس.
قال النصرآباذى :هو الرش الذي يرش من حياة المحبة على قلوب العارفين فتخير به نفوسهم بأمانة الطبع فيها ثم
إماما للخلق تفيض بركاته عليهم فتصيب بركات نور قلبه كل شىء من ذوات األرواح.
يجعل قلبه ً
{وُن ْسِقَي ُه ِم َّما َخَلْقَنآ أ َْن َعاماً َوأََنا ِس َّي َكِثي اًر} [اآلية.]49 :
قال هللا عز وجلَ :
ِ ِ
اج َو َج َع َل َب ْيَن ُه َما َب ْرَزخاً َو ِح ْج اًر َّم ْح ُجو اًر
ُج ٌ َو ُه َو َّالذي َم َرَج اْلَب ْح َرْي ِن َهـٰ َذا َع ْذ ٌب ُف َر ٌ
ات َو َهـٰ َذا مْل ٌح أ َ
ِ ِ
اج} [اآلية.]53 :
ُج ٌ {و ُه َو َّالذي َم َرَج اْلَب ْح َرْي ِن َهـٰ َذا َع ْذ ٌب ُف َر ٌ
ات َو َهـٰ َذا مْل ٌح أ َ قوله جل جاللهَ :
قال ابن عطاء رحمه هللا :تالطمت الصفتان فتالقيا فى قلوب الخلق ،وقلوب أهل
المعرفة منورة بأنوار الهداية وضيئة بضياء اإلقبال ،وقلوب أهل النكرة مظلمة بظلمات المخالفات ومعرضة عن سنن
التوفيق وبينهما قلوب وهى قلوب العامة ليس لها علم بما يرد عليها ،ما يصدر منها ليس معها خطاب ،وال لها
جواب.
وقال بعض السلف :قلوب األبرار تغلى بالبر وقلوب الفجار تغلى بالفجور.
قال أبو عمر :والبخارى فى هذه اآلية :معناه خلقه للنفس وما خص به ،والنفس مطية مأمورة عليه ركب من اشتاق
إلى الجنة ،وعليها ركب من هرب من النار فعليك برياضتها فإنك عليها تعبر صراطك المستقيم فرضها رياضة حاذق
فى فروسيتها كيال تحزن عند الطاعة وال يحتج عند الموافقة.
قال بعضهم :التوكل استيالء الوجد على اإلشارة ،وحذف التشرف إلى اإلرفاق حتى تبتدأ.
قال بعضهم :الدنيا فانية واآلخرة باقية ،واألرزاق مفروغ منها فعلى ماذا أتوكل إنما توكلى عليه بأن ال يعذبنى وال
يبعدنى من قربه.
قال أبو موسى الديبلى :التوكل هو أن يستوى عندك البادية ،وباب الطاق.
قال بعضهم :االعتماد على الغنى غايته الفقر واالعتماد على القوة آخره الضعف ،واالعتماد على الخلق هو طريق
الخذالن ،ومن اعتمد سوى ربه وتوكله على غيره ،فقد ضيَّع وقته ،وخاب سعيه ألنه الحى الذى ال يجرى عليه فتور
َّ ِ
{وتََوَّك ْل َعَلى اْل َح ِي الذي الَ َي ُم ُ
وت}. العوارض دعاك إليه باللطف دعوة فقالَ :
سمعت أبا الطيب الشيرازى يقول :سمعت أبا الطيب الطمانى يقول :اختلف الناس فى التوكل فوقع لى أنه الكف عن
األعيان فى السر والعالنية والسكون الى الحرة بال واسطة.
وسمعت محمد بن الحسين يقول :سمعت جعفر بن محمد الخلدى يقول :سمعت أبا محمد الجويدى يقول :سمعت
سهل بن عبد هللا يقول :م ن طعن على االكتساب فقد طعن على السنة ومن طعن على التوكل فقد طعن على
اإليمان.
سمعت الحسين بن يحيى يقول :سأل رجل ابن سالم أنحن مستعبدون بالكسب سنته وإنما َّ
سن لهم الكسب لضعفهم
حين أسقطوا عن درجه التوكل الذى هو حاله فلما سقطوا عنه لم يسقطهم عن درجة طلب المعاش بالمكاسب التى هو
سنته ،ولوال ذلك لهلكوا.
سمعت محمد بن عبد هللا الرازى يقول :سمعت أبا على المروزبارى يقول :التوكل على ثالث درجات األول :منها إذا
احد ،والثالث :المنع مع الشكر أحب إليهم من اختيارهم.
أعطى شكر ،وإذا منع صبر ،والثانى المنع والعطاء عندهم و ٌ
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا عثمان اآلدمى يقول :سمعت إبراهيم الخواص يقول :ال ينبغى للصوفى
مغلوبا قد أغبنه الحال عن المكاسب ،وأما ما كانت الحاجات فيه
ً أن يتعرض للقعود عن الكسب إال أن يكون رجالً
قائمة ،ولم يقع له عروق يحول بينه وبين التكلف فالعمل أولى به والكسب أحل له ،وأبلغ ألن القعود ال يصلح لمن لم
يستغن عن التكلف.
سمعت عبد هللا بن على يقول :سمعت أحمد بن عطاء يقول :قال خالى :ليس التوكل لزوم الكسب وال تركه ،إنما
التوكل طمأنينة فى القلب.
سر
سمعت محمد بن عبد هللا يقول :سمعت أبا عبد هللا القرشى يقول :المتوكل من رضى باهلل كفيالً فاطمأن إليه ًا
وجهر.
ًا
سمعت عبد هللا بن على يقول :سمعت محمد بن عبد هللا الفرغانى يقول سمعت أبا جعفر الحداد يقول :مكثت تسع
عشرة سنة أعتقد التوكل ،وأنا أعمل فى السوق وآخذ كل يوم أجرتى وال أستريح منها الى شربة ماء ،وال إلى دخلة
حمام أتنظف بها وكنت أجنى أجرتى إلى الفقراء فأواسيهم بها فى الشويزيه ،وغيرها وأكون أنا على حالى.
قال الحسين :هم الذين أقامهم هللا فى البالد أدلة للعباد منهم من يدل على سبيل الحق ،ومنهم من يدل على آداب
سبيل الحق ومنهم من يدل على شربة اإليمان ومنهم من يدل على الحق ،وهو الدليل على الحقيقة ألن الكل
ونظر به ألنه أوى العلم
ًا ٍ
مستغن عنهم يرجعون إليه فى السؤال ،وال يسئل هو أحد كالخضر محتاجون إليه ،وهو
اللدنى.
يها ِس َراجاً َوَق َم اًر ُّمِني اًر ِ تَبارك َّال ِذي جعل ِفي َّ ِ
الس َمآء ُب ُروجاً َو َج َع َل ف َ ََ َ ََ َ
قال محمد بن الفضل :فى كتاب رياضة النفس ما أعطى من خزائن األرض ،وما أرى منها زويت لى األرض أتيت
بمفاتيح خزائن األرض ،وهذه مفاتيح الدنيا وهو على معنيين أحدهما :عرض عليه الحياة فيها إلى يوم القيامة .فقال:
يوما.
يوما ،وأجوع ً
"الرفيق األعلى" واآلخرة أن مشيئته فيها نافذة يحكم فيها بما شاء فقال :بل أبيت عند ربى أشبع ً
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم األسكندرانى يقول :سمعت أبا جعفر الملطى عن على بن موسى
ك َّال ِذي َج َع َل ِفي َّ
الس َم ِآء ُب ُروجاً} قال :سمى السماء الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد رحمه هللا فى قوله{ :تََب َار َ
سماء لرفعتها والقلب سماء ألنه يسمو باإليمان ،والمعرفة ،بال حد ،وال نهاية كما أن المعروف ال حد له كذلك المعرفة
به ال حد لها ،وبروج السماء مجارى الشمس والقمر وهى :الحمل ،والثور ،والجوزاء ،والسرطان ،واألسد ،والسنبلة،
والميزان ،والعقرب ،والقوس ،والجدى ،والدلو ،والحوت ،وفى القلب بروج وهو برج اإليمان ،وبرج المعرفة ،وبرج العقل،
وبرج اليقين ،وبرج اإلسالم ،وبرج اإلحسان ،وبرج التوكل ،وبرج الخوف ،وبرج الرجاء ،وبرج المحبة ،وبرج الشوق،
برجا من الحمل والثور إلى آخر العدد
وبرج الوله ،فهذه اثنا عشر برًجا بها دوام صالح القلب كما أن االثنى عشر ً
صالح الدار الفانية وأهلها.
فى السماء سراج الشمس ،ونور القمر ،وفى القلب سراج اإليمان واألقدار بالوحدانية والفردانية ،والصمدانية ،وقمر
المعرفة يشرق بأنوار األزلية واألبدية مثالً ألنوار المعرفة وإيمانه على لسانه بالذكر وعلى عينه العزة ،وعلى جوارحه
بالطاعة والخوف وتلك األنوار من تمام تولية هللا للعبد فى األحوال كلها.
الن َه َار ِخْلَف ًة ِل َم ْن أ ََرَاد أَن َي َّذ َّك َر أ َْو أ ََرَاد ُش ُكو اًر
يل َو َّ َّ َّ ِ
َو ُه َو الذي َج َع َل ال َ
الن َه َار ِخْلَف ًة} [اآلية.]62 : قوله تعالى{ :وهو َّال ِذي جعل َّ
اللْي َل َو َّ ََ َ َ َُ
قال بعضهم :خليفة يخلف أحدهما صاحبه لمن أراد خدمة ربه وعبادته.
طبهم الج ِ ين َي ْم ُشو َن َعَل ٰى األ َْر ِ َّ ِ َو ِعَب ُاد َّ
اهُلو َن َقاُلوْا َسالَماً ض َه ْوناً َوإِ َذا َخا َ َ ُ ُ َ الر ْح َمـ ِٰن الذ َ
ين َي ْم ُشو َن َعَل ٰى األ َْر ِ َّ ِ {و ِعَب ُاد َّ
ض َه ْوناً} [اآلية.]63 : الر ْح َمـ ِٰن الذ َ قوله تعالىَ :
قال الجنيد رحمة هللا عليه :عباد صفة مهملة وعبادى صفة الحقيقة ،وعباد الرحمن صفة حقيقة الحقيقة.
سئل عند ذلك فقال :أن تصل من قطعك ،وتعطى من حرمك وتعفو عن من ظلمك ،وتحسن إلى من أساء إليك هكذا
{ي ْم ُشو َن َعَل ٰى األ َْر ِ
ض َه ْوناً} الى آخر القصة. وصف هللا عز وجل هؤالء الخواص من عباده بقولهَ :
قال سهل فى قولهَ { :قاُلوْا َسالَماً} قال :صو ًابا من القول والسداد.
قال أبو حفص النيسابورى فى قولهَ { :قاُلوْا َسالَماً} قال :لم ينتقموا ألنفسهم فسلموا من غلبة الشيطان.
قال الحسن البصرى :هذا دأبهم فى النهار فإذا جاء الليل يكون دأبهم ما وصف هللا عز وجل فى عقب هذه اآلية.
ين َي ْم ُشو َن َعَل ٰى األ َْر ِ َّ ِ {و ِعَب ُاد َّ
ض َه ْوناً} قال :هم العباد ليس للعدو عليهم الر ْح َمـ ِٰن الذ َ قال الجنيد رحمه هللا فى قولهَ :
سلطان فالعبد إذا صح اسمه فهو لمواله وهللا ال ُيتم إال بتمام الصورة فيه ولباس الملك عليه.
قال بعضهم :قرن اسم العبودية باسمه ،وقرن بسمت العبودية ضوء الخليقة وأزكاها فكان حسن الخلق درجات وصدق
المكابدة عبادات ،واألخالق للعبيد ،واالجتهاد للعباد قرينه ،والعبودية أشرف وأقرب وأروح وجلية العباد أكدوا ()......
محل البدن ،ومحل العبودية محل الروح ،والعبادة إقامة األمر ،والعبودية الرضا بالحكم وعبادة األحوال عبوديتة،
وعبادة األوقات عبادة ،فالعبادة أصل ،والعبودية فرع ومرتبة العبودية أقوم من مرتبة النبوة ،أال ترى النبى صلى هللا
معا ،والعبادة بدنها ،والعبودية روحها،
عليه وسلم قال فى التشهد عبده ثم قال :ورسوله والشريعة مشتملة عليهما ً
والعبادة مجاهدة ،والعبودية هداية.
قال بعضهم :يستغنمون الخلوة فى الليالى ،والذكر عند غفلة الخلق بالنهار.
َّ ِ
اب َج َهَّن َم ِإ َّن َع َذ َاب َها َك َ
ان َغ َراماً ف َعَّنا َع َذ َ
اص ِر ْ
ين َيُقوُلو َن َربََّنا ْ
َوالذ َ
قال الحسن البصرى :كل شىء يفارق صاحبه فليس بغرام إنما الغرام ما يلزم فال يفارقه.
قال بعضهم خلت منهم شكر نعمه ،فلم يجده عندهم ،فأغرمهم فأدخلهم النار.
ين ِإ َذآ أ َ
َنفُقوْا َل ْم ُي ْس ِرُفوْا َوَل ْم َيْقتُُروْا} [اآلية.]67 : قوله تعالىِ َّ :
{والذ ََ
قال بعضهم :اإلسراف فى النفقة تعظيم المنفق نفقته واإلقتار فيه االمتنان به على من ينفق عليه.
قال ابن عطاء رحمه هللا :اإلسراف فى النفقة إنفاق فى غير مرضاة هللا واإلقتار اإلمساك عن واجب حق هللا.
َّللاُ َغُفو اًر َّرِحيم ًا ٍ ِ صالِحاً َفأ ُْوَلـِٰئ َك ُيَب ِد ُل َّ
َّللاُ َسِيَئات ِه ْم َح َسَنات َوَك َ
ان َّ ِ
آم َن َو َعم َل َع َمالً َ
َّ
ِإال َمن تَ َ
اب َو َ
قال سهل بن عبد هللا :التوبة هى الندامة أوالً واإلقالع والتحويل من الحركات المذمومة إلى الحركات المحمودة ،وال
تصح التوبة له حتى يلزم نفسه الصمت وحتى يلزم نفسه الخلوة ،وال تصح له الخلوة إال بأكل الحالل وال يصح أكل
الحالل إال بأداء حق هللا ،وال يصح له أداء حق هللا إال بحفظ الجوارح ،وال يصح له ما وصفنا حتى نستعين باهلل على
كثير من المباح مخافة أن يخرج الى غيره. ذلك كله .وقال :ال تصح التوبة ٍ
ألحد حتى يدع ًا
وقال ُنبان الحمال :التوبة على وجهين :توبة العوام من الذنوب وتوبة الخواص من الغفلة.
وقال ابن عطاء :التوبة الرجوع من كل ُخُل ٍق مذموم إلى كل ُخُل ٍق محمود.
قال القاسم :التوبة أن تتوب إليه من جميع المخالفات ثم ال تعود إليها بحال .وتقبل على هللا بالكلية كما كنت عنه
معرضا بالكلية.
ً
قال ابن عطاء رحمه هللا :من صحح توبته بالعمل الصالح قبلت توبته.
قال نبان الحمال :شتان بين تائب يتوب من الذنوب ،وتائب يتوب من َّ
الزلل والغفالت ،وتائب يتوب من رؤية
الحسنات.
قال ابن عطاء رحمه هللا :التوبة الرجوع من كل ما ذمه العلم الى ما مدحه.
ور} [اآلية.]72 : ين الَ َي ْش َه ُدو َن ُّ قال تعالىِ َّ :
الز َ {والذ ََ
قال ابن عطاء رحمه هللا :هو الشهادة باللسان من غير مشاهدة القلب.
ور} فقال :ال يخالطون المدعين. ين الَ َي ْش َه ُدو َن ُّ قال أبو عثمان :فيما سأله عنه أحمد بن حمدان عن قولهِ َّ :
الز َ {والذ ََ
ور} قال :مشهد الزور كل مشهد ليس لك فيه زيادة فى دينك أو فى ين الَ َي ْش َه ُدو َن ُّ وقال بعضهم فى قولهِ َّ :
الز َ {والذ ََ
قربه الى ربك.
قال ابن عطاء رحمه هللا :لم ينكروها ،ولم يعرضوا عنها بل أقبلوا على أوامرها بالسمع والطاعة ،وهمة عالية.
قال جعفر :هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين معاونة على طاعتك ومن أوالدنا برهم حتى تقر أعيننا بهم.
الغرف كانوا فى أوائل األمة ال فى آخرها وإنما وصف أهل الغرف بما يعقل من ظاهر أمورهم وإنما
قال الترمذى :أهل ُ
صَب ُروْا} والصبر فى األخالق واآلداب. ِ
نالوهم بما فى باطنهم أال تراه يقول {ب َما َ
وقال التحية فى الدنيا على العقول بركات ما يقع عليها من طيب ما أجرى عليها.
قال بعضهم :أحسن المقام المقام فى مشهد الحق وأطيب القرار ،القرار فى جواره على فراش مرضاته وهللا أعلم.
طسم
قال الجنيد رحمه هللا :الطاء طرب التابعين فى ميدان الرحمن ،والسين سرور العارفين فى ميدان الوصلة ،والميم مقام
المحبين فى ميدان القربة.
وقال بعضهم :الطاء شجرة طوبى ،والسين سدرة المنتهى ،والميم محمد صلى هللا عليه وسلم.
قال سهل :مهلك نفسك باتباع المراد فى هدايتهم وإيمانهم وقد سبق منا الحكم فى إيمان المؤمنين وكفر الكافرين بال
تغيير وال تبديل.
قال أبو بكر بن طاهر :أكرم زوج من نبات األرض آدم وحواء فإنهما كانا السبب فى إظهار الرسل .واألولياء،
واألنبياء ،والعارفين.
قال ابن عطاء رحمه هللا :أسره بدعائهم إلى توحيده وقد أشهده عظمته فى انفراده ،وإحاطة علمه ،وقدرته بعباده
اف أَن ُي َك ِذُبو ِن} [اآلية.]12 : ِ
فقالِ{ :إني أ َ
َخ ُ
قال الشبلى رحمه هللا :كذلك صفة من تحقق فى المحبة أن يضيق صدر من حمل ما فيه من أنواع المحن ويكل
فندا ،ولهم على ذنب فأخاف أن يقتلون.
كمدا أو يعيش فيها ً
لسانه على اإلخبار عن شىء منه ليتفرج به فيموت فيها ً
قال أبو عبد هللا الروذبارى :ظاهره ظاهر السؤال سأل الحق من علمه؟ فأجابه َكالَّ ثم ب أر.
{ َفا ْذ َهَبا ِب َآي ِاتَنآ ِإَّنا َم َع ُك ْم ُّم ْستَ ِم ُعو َن} [اآلية.]15 :
فتقدير سؤاله أى :هل فى سبق علمك ،وواجب حكمك أن يقتلون يستدل على ذلك بجواب الحق له "كال" ثم خاطبه،
وبعثه بالرسالة وأمرهما بإظهار الداللة.
ين َقال أََلم نربِك ِفينا ولِيداً وَلِب ْثت ِفينا ِمن عم ِر ِ ِ
ك سن َ َ ْ َُ َ َ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ
قال محمد بن على :ليس من الفتوة تذكار الصنائع وتزداد بها على من اصطنعت إليه أال ترى إلى فرعون لما لم تكن
له فتوة كيف ذكر صنيعة وامتن به على موسى.
قال ابن عطاء رحمه هللا :التربية توجب حًقا من ذلك حق األبوة والنبوة .أال ترى كيف ذكر هللا فى قصة موسى صلى
ِك ِف َينا َولِيداً}.
هللا عليه وسلم وفرعون {أََل ْم ُن َرب َ
قال بعضهم الفرار مما ال يطاق من بين المرسلين قال هللا عز وجلَ { :فَف َرْر ُت ِم ُ
نك ْم َل َّما ِخْفتُ ُك ْم}.
قال بعضهم :من خاف هللا ،أخاف هللا منه كل شىء ،ومن لم يخف هللا أخافه هللا من كل شىء.
قال ابن عطاء رحمه هللا :ففررت من مجاورتكم وخفت من جرأتكم على ربكم لما لم تحفظوا حقوق الرسل ،ولم أر
عليكم عالمات التوفيق.
قال بعضهم :فررت منكم لما خفت نزول العذاب عليك قال أبو بكر الوراق :المؤمن يفر بدينه من موضع إلى موضع
فر به الى مأمن ،والمأمن عنده منزل يسلم فيه دينه من الهوى والبدع والضالالت .قال هللا عز
إذا خاف على دينه َّ
وجل ذكرهَ { :فَف َرْر ُت ِم ُ
نك ْم َل َّما ِخْفتُ ُك ْم َف َو َه َب} فى قصة موسى عليه السالم.
ِ
ُّك ْم َوَر ُّب َآبآئ ُك ُم األََّولِ َ
ين} فعلم فرعون أن الحجة قال عمرو المكى :لما سأل فرعون هذا السؤال؟ أجابه موسى بقولهَ :
{رب ُ
قد وجبت فخاف االفتضاح عند قومه فأعرض عن مسائلة موسى ورجع إلى قوله تعالى:
{ِإ َّن رسوَل ُكم َّال ِذي أُرِسل ِإَلي ُكم َلمجُنو ٌن * َقال ر ُّب اْلم ْشر ِ
ِق َواْل َم ْغ ِر ِب َو َما َب ْيَن ُه َمآ ِإن ُكنتُ ْم َت ْعِقُلو َن} [اآلية.]28 ،27 : َ َ َ ْ َ ْ ْ َْ َُ ُ
يبين بذلك حجته ويظهر افتضاحه فى انقطاعه .فقلبت الحجة عليه إذ لم يدفع الحجة بحجة ،وهذا مثل ما حكى هللا
طى ُك َّل َش ٍ
يء َخْلَق ُه َّ ِ تعالى عن فرعون فى قصة أخرى حيث سأل موسى وهارون { َف َمن َّرب ُ
َع َ ٰ
ال َربَُّنا الذي أ ْ
وس ٰى َق َ
ٰم َ ُّك َما ي ُ
ال اْلُق ُرو ِن األُوَل ٰى} [طه ]51 :فلم
ثُ َّم َه َد ٰى} [طه ]50-49 :فانقطع فرعون ولزمته الحجة فأقبل يسأل متعنتًا {َف َما َب ُ
يجب له على موسى جواب ألنه انقطع عن إجابة الحق بعد استبانة الحجة فرده إلى تقليد العلم اإللهى فقالِ :
{عْل ُم َها
ِع َند َربِي} [طه.]52 :
ِ
ُّك ْم َوَر ُّب َآبآئ ُك ُم األََّوِل َ
ين ال َرب ُ
َق َ
قال عمرو المكى :أوجدكم ،وأوجد آبائكم من العدم ورباهم ورباكم بفنون النعم ،فمن تم عليه نعمه َّ
وفَقه للتوحيد ومن لم
يتم عليه نعمه تركه فى النعمة الظاهرة من األكل ،والشرب ،وفنون العاقبة.
قال ابن عطاء :منور قلوب أعدائه بالكفر والعصيان ومظهر آثار ذلك الظلم على
هياكلهم.
قال محمد بن على الترمذى :طلب األجر على عمله مظهر ندالته وخسته أال قال السحرة لما جاءوا إلى فرعون قالوا:
بعيدا من طلب
باطل سعيه ،ومن عمل هلل وأخلص فيه كان عمله ً
ٌ ألجر دل ذلك أن طالب األجر على عمله أإن لنا ًا
األعواض منزًها عنه أال ترى األنبياء كيف قالوا ما أسألكم عليه من أجر.
َّ ِ
ال َن َع ْم َوإَِّن ُك ْم ِإذاً لم َن اْل ُمَقَّرب َ
ِين َق َ
بعدا من الحق ،والمقرب إليه على الحقيقة أن يتقرب إليه ال بشىء سواه ألن منقال ابن عطاءُ :ر َّب قرب أورث ً
طلب بغيره الطريق إليه ضل نوال الطريق إليه ،وال دليل عليه سواه.
قال ابن عطاء رحمه هللا :من اتصلت مشاهدته بالحقيقة احتمل معها كل وارد يرد عليها من محبوب ومكروه أال ترى
السحرة لما صحت مشاهدتهم كيف قالوا :ال ضير.
َّ
قال بعضهم :العارف على الحقيقة ال يعدو طوره فى سؤاله ودعائه ،ويظهر فقره ،وعجزه ،وإفالسه فى كل وقت لربه،
ويعلم أن ما ظهر عليه من آثار اإلحسان :
فالحسنى منه من الحق عليه ال استخفاًفا أال ترى السحرة لما أكرمهم هللا بمعرفته كيف أظهروا عجزهم وفاقتهم بقوله:
ط َم ُع أَن َي ْغِف َر َلَنا َربَُّنا َخ َ
ط َاي َانآ} استقالوا من ذنوبهم ،واستنفروا منها ،ولم يذكروا ما تفضل هللا عليهم به من {ِإَّنا َن ْ
الهداية واإليمان.
سمعت أبا بكر بن ملك بغداد يقول :سمعت الجنيد رحمه هللا وقد سئل العناية أولى أم الرعاية؟ فقال :العناية قبل الماء
والطين.
ِ ِ َّ
َفِإَّن ُه ْم َع ُدٌّو لي ِإال َر َّب اْل َعاَلم َ
ين
قال سحنون :ال تصح المحبة حتى يصح لمن ينظر الى األكوان وما فيها بعين العداوة حتى يصح له بذلك محبة
حاكيا عن الخليل قولهَ{ :فِإَّن ُه ْم َع ُدٌّو لِي ِإالَّ َر َّب
محبوبه والرجوع إليه باالنقطاع عما سواه أال ترى هللا عز وجل ً
ين} هجرت الكل فيك حتى صح لى االتصال بك. ِ
اْل َعاَلم َ
قال الواسطى رحمه هللا :لما استغرق بهم فى الخلة احتشم من ذكر خليله بالتصريح فرجع إلى الصفات فجعل يقول
النبي صلى هللا عليه وسلم ،ولم يصرح بذكره والكناية فيها تصريح ،ولما كان فى ابتداء مقاماته وأوائل جذبه لم
"ربِ .
رب" يستغرق فى الخلة جعل يصيح ويقولِ :
وقال بعض المتأخرين :الذى استعبدنى واستخدمنى سهل على ذلك وتهديه الى ما يرضيه عنى.
قال بعضهم :الذى خلقنى لدعوة خلقه سيهدينى الى آداب خلته.
قال الجريرى :الذى يطعمنى فى حضرته ،ويسقينى هو الذى يظهر على آثاره بركات ذلك المطعم والمشرب لذلك قال
النبى صلى هللا عليه وسلم" :إنى أبيت عند ربى يطعمنى ويسقينى
".
قال بعضهم :هو الذى يحيى نفسى بطعام الخدمة ،ويحيى روحى بشراب األلفة.
قال ابن عطاء رحمه هللا :هو الذى يربينى بطعامه ويحينى بشرابه.
ض ُت َف ُه َو َي ْشِف ِ
ين َوإِ َذا َم ِر ْ
قال ابن عطاء :إذا مرضت برؤية األغيار فإن شفائى الرجوع الى مشاهدة الجبار.
قال جعفر :إذا مرضت برؤية أفعالى وأحوالى شفانى بتذكار الفضل والكرم.
قال سهل :إذا تحركت لغير هللا عصمنى ،وإذا ملت إلى شهوة من الدنيا منعها عنى.
قال ذو النون رحمه هللا :إذا أمرضتنى جفاء من الخلق شفانى مشاهدة الحق.
أيضا :إذا زللت بمشاهدة نفسى فمرضت بذلك يشفينى أى يكشف عنى بمشاهدته.
وقال ً
قال ذو النون رحمه هللا :وعلى الجماعة فى هذه اآلية الذى يميتنى عن نفسى ويحيينى به.
وقال الجنيد رحمه هللا :الذى يميتنى باالفتقار ويحيينى باالستغناء عنه.
باطنا.
ظاهرا ،ويحيينى ً
ً قال بعضهم :الذي يميتنى
قال أبو عثمان :أخرج سؤاله على حد األدب لم يحكم على ربه بالمغفرة ،ولكنه قال :والذى أطمع أن يغفر ،طمع
شيئا ،وما يأتيه يكون من فضل العبيد فى مواليهم ،وإن لم يكونوا يستحقون عليهم ً
شيئا إذ العبد ال يستحق على مواله ً
مواله.
وقال الجنيد رحمه هللا :ما سأل الخليل صلى هللا عليه وسلم اال الصفح عما ربما يقع من ذلك فى الخلة فإن مرتبة
الخلة مرتبة جليلة عظيمة خاف الخليل من ذلك أنت اتخذتنى خليالً ،ولم أدع الخلة قط .وأنا أطمع كما اتخذتنى
خليالً أن تصفح عن زللى.
قال ابن عطاء :هب لى شكر ما خصصتنى به من مقام الخلة بالصالحين .قال :قال :الراضين عنك فى جميع
األحوال.
قال ابن عطاء رحمه هللا :أطلق ألسنة أمة محمد صلى هللا عليه وسلم بالثناء على ،والشهادة لى فإنك
قال ابن عطاء :ال تشغلنى عنك بالخلة عنك ،وأفض على أنوار رحمتك ليالً أغب عن مشاهدتك برؤية شىء سواك.
قال بعضهم :السليم فى لسان العرب اللديغ ،واللديغ هو القلق المزعج فكأنه يقول :ثالث ال يهدأ من الجزع والتضرع
من مخالفة القطيعة.
قال الواسطى رحمه هللا :سلم من سوء القضاء ،وسئل الواسطى عن القلب السليم؟ فقال :سليم من اإلعراض عن هللا.
قال الجنيد رحمه هللا :السليم الذى ال يكون فيه إال ُحبه.
قال بعضهم :السليم الذى قد سلم من آفات الدنيا ،ومطابع العقبى ،وال يكون فيه الشغل بمواله.
وقال الواسطى رحمه هللا :قلب سليم فارغ من اآلفات لم يتجرع الغصص التى فيها أولو العاهات.
قال ابن عطاء رحمه هللا :الذى يلقى هللا وليس له همة سواه.
أيضا :السليم الذى ال يشوبه شىء من آفات الكون الفارغ من الهواجس والموارد.
وقال ً
أيضا :القلب السليم هو أن يلقى هللا ،وليس فيه مع هللا شريك من كفر أو رياء أو غير ذلك ،وهو الذى فنى عن
وقال ً
األشياء باهلل ثم فنى عن هللا باهلل ،وسئل بعضهم :بما تنال سالمة الصدر؟ قال :بالوقوف على حق اليقين وهو القرآن
ٍ
حينئذ يعطى على اليقين وهو المعرفة ،ثم يعطى بعده حق اليقين وهو المشاهدة ،ثم يعطى بعدها عين اليقين ،وهو ثم
قال أبو عثمان :هو على أربع منازل :أولها :سالمة القلب من الشرك ،الثانى :سالمة القلب من األهواء المفعلة.
الثالث :سالمة القلب من الرياء والعجب .والرابع :سالمة القلب من ذكر كل شىء سوى هللا.
اج َعْلَنا وقال أبو سعيد الخراز :فى قولهِ{ :إالَّ م ْن أَتَى َّ ِ ٍ ِ
{و ْ
َّللاَ بَقْلب َسليمٍ} قال ليس فيه إال هللا ،ومنه قول الخليلَ : َ
ُم ْسلِ َم ْي ِن} [البقرة ]128 :وقول يوسف صلى هللا عليه وسلم :
{تََوَّفِني ُم ْسلِماً} [يوسف ]101 :واإلسالم يجمع شيئين من أصل واحد ،وهو إخالص القلب بتوحيد هللا واستكانة
العبودية مع مالزمة موافقة هللا.
وقيل الذى سلم من الكبائر ،وقيل :الذى سلم من الشرك ،وقيل :الذى سلم من بغض أصحاب النبى صلى هللا عليه
وسلم.
قال أبو بكر الوراق :القلب السليم الراضى لمجارى المقدور عليه فى المحبوب والمكروه.
سمعت عبد هللا الرازى يقول :سئل سهل عن قوله تعالىِ{ :إالَّ َم ْن أَتَى َّ
َّللاَ ِبَقْل ٍب َسِليمٍ} قال :التفويض الى هللا ،والرضا
بقضاء هللا.
حال ومقام ،فمقام آدم سمعت محمد بن عبد هللا الرازى يقول :سمعت أبا بكر بن طاهر يقول :لكل نبى مع هللا ٌ
َنف َسَنا}
ظَل ْمَنآ أ ُ
{ربََّنا َ
المالمة ،ومقام إبراهيم السالمة ،ومقام محمد صلى هللا عليه وسلم االستقامة ،فآدم الم نفسه فقالَ :
َّه ِبَقْل ٍب َسِليمٍ} [الصافات ]84 :فاستفاد الخلة ،ونبينا عليه السالم قيل
آء َرب ُ
{ج َ
[األعراف ]23 :فاستفاد العفو وإبراهيم َ
استَِق ْم َك َمآ أ ُِم ْر َت} [هود ،112 :الشورى ]15 :فاستقام فاستفاد المحبة فأثنى
لهَ { :ف ْ
{وإَِّن َك َل َعَل ٰى ُخُل ٍق َع ِظيمٍ} [القلم ]4 :وأعظم األخالق خلق يستقيم على بساط القربة وحال المشاهدة.
عليه فقالَ :
ِ
ط ِارِد اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين َو َمآ أََن ْا ِب َ
قال ابن عطاء :ما أنا بمعرض عمن أقبل على ربه.
قال جعفر :ما أنا بمكذب الصادقين ،وقال :ما أنا بمهين األولياء.
قال الواسطى رحمه هللا :التقوى أوائل المنازل ،وأواخرها وال غاية له وذلك أنه
ليس للمتقى غاية ينتهى إليها ،وحقيقة التقوى أن يتقى العبد من تقواه.
ِ ومآ أَسأَُل ُكم عَلي ِه ِمن أَج ٍر ِإن أَجر َّ
ِي ِإال َعَل ٰى َر ِب اْل َعاَلم َ
ين ََ ْ ْ َ ْ ْ ْ ْ ْ َ
قال جعفر :أزيلت األطماع عن الرسل أجمع لدنائتها فأخبر كل رسول عن نفسه
َج ٍر}. ِ ِ
َسأَُل ُك ْم َعَل ْيه م ْن أ ْ
{و َمآ أ ْ
بقولهَ :
قال الواسطى رحمه هللا :من جرى عليه مختوم قضاء الشقاوة فإن الموعظة ال تؤثر فيه ألن سمعه مسدود عن دخول
ظ َت أَ ْم َل ْم تَ ُك ْن ِم َن
آء َعَل ْيَنآ أََو َع ْ
{س َو ٌ
ض عن قبولها قد أخبر هللا تعالى عن صفتهم ،فقالَ : الموعظة فيه ،وقلبه ُم ِ
عر ٌ
ين}. ِِ
اْل َواعظ َ
َقاُلوْا ِإَّنمآ أ ِ
َنت م َن اْل ُم َس َّح ِر َ
ين َ َ
قوله تعالىِ{ :إَّنمآ أ ِ
َنت م َن اْل ُم َس َّح ِر َ
ين} [اآلية.]153 : َ َ
قال :ما أنزله على قلبه جبريل جعله محالً لإلنذار ال للتحقيق والحقيقة هو ما تلقفه من الحق فلم يخبر عنه ،ولم
أحد سواه ،وما أنزل جبريل جعله للخلق فقال:
يشرف عليه خلق من الجن ،واإلنس ،ومن المالئكة .....ما أطاق ذلك ٌ
ِ ِ ِ
{لتَ ُكو َن م َن اْل ُم ْنذ ِر َ
ين} بما أنزل به جبريل على قلبك ال من المتحققين به فإنك متحقق فيما جئناك به ،خاطبناك به
على مقام لو شاهدك فيه جبريل الحترق عليه السالم.
قال يحيى بن معاذ :أشد الناس غفلة من اغتر بحياته الفانية والتذ بمراداته الواهية.
ين}. وسكن إلى مألوفاته وهللا يقول{ :أََف أرَيت ِإن َّمتَّعن ِ ِ
اه ْم سن َ
َْ ُ ََْ
ِإَّن ُه ْم َع ِن َّ
الس ْم ِع َل َم ْع ُزوُلو َن
قال سهل :استماع القرآن ،والفهم فيه ،وتعظيم محل األوامر ،والنواهى.
قال ابن عطاء رحمه هللا :يسمعون وال يفهمون كما أخبر هللا عن قولهم :إنهم ينظرون وال يرون كذلك هم ال يسمعون،
وال يفهمون ألنهم عن السمع لمعزولون حرموا فهم معانى السماع.
قال سهل :خوف األقرب منك ،واخفض جناحك إال بعد من دلهم علينا بألطف الداللة ،وأخبرهم أنى جو ٌاد كريم.
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم البزاز يقول :قال ابن عطاء
قال الجنيد رحمه هللا :التوكل أن تقبل بالكلية على ربك وتعرض بالكلية عما دونه بالكلية فإن إليه حاجتك فى
الدارين.
سمعت عبد هللا الرازى يقول :سمعت أبا عثمان يقول :التوكل مشتق من أصله ،وأصله أن هللا وكيل على كل شىء
والوكيل هو هللا ،وهو الكافى فى جميع خلقه ،فالتوكل هو االكتفاء باهلل مع االعتماد عليه ،واالستغناء به عن جميع
غنيا.
خلقه ألن من سواه محتاج إليه ،وهو الغنى الذى لم يزل ،وال يزال ً
سمعت أبا عمر بن مطر يقول :سمعت أبا بكر البردعى يقول :سمعت النهرجورى يقول :المتوكل على الحقيقة،
والصحة قد رفع مؤنته عن جميع الخلق فال يشكو ما به وال يذم من منعه ،وال يرى المنع والعطاء إال من قبل هللا.
مدبر.
وقال :التوكل أن تفنى تدبيرك ،فى تدبيره ،وترضى باهلل وكيالً ًا
قال :أثبت الراوية فى حال الفقد والوجود لتعلم أنك لم تغب عن مالحظات القدرة.
سمعت محمد بن عبد هللا يقول :سمعت الكتانى يقول التوكل فى الظاهر ،واألصل اتباع العلم ،وفى الباطن والحقيقة
استعمال اليقين.
سمعت محمد بن عبد هللا يقول :سمعت أبا الحسين الرازى يقول :التوكل مقرون مع اإليمان ،وكل إنسان توكله على
قدر إيمانه فمن أراد التوكل فعليه بحفظ إيمانه مع إقامة النفس على أحكامه ،ويستعمل الصبر ،ويستعين باهلل.
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت محمد بن يعقوب الفرمى يقول :قال ابن عيينة :التوكل فى عقد اإليمان
اعتماد القلب على هللا.
وقال بعضهم :التوكل طرح النفس فى العبودية ،وتعلق القلب بالربوبية ،والنظر إلى هللا بالكلية.
وتََقُّلبك ِفي َّ ِ
السا ِجد َ
ين َ ََ
وم} أثبت الرؤية فى الفقد ،والوجود تقلبك فى الساجدين فى أصالب األنبياء {ال ِذي ير ِ
قال هللا جل جاللهَّ :
ين تَُق ُ
اك ح َ
ََ َ
والمرسلين.
وقال بعضهم :تقلبك فى الساجدين تقلب وصفك على سنة األولياء واألنبياء.
وقال بعضهم :تقلب سرك فى القربة فإن السجود محل القربة ،واالقت ارب.
قال الجنيد رحمه هللا :الذكر الكثير هو دوام المراقبة فى جميع األحوال ،وطرد الغفلة عن القلب.
قال أبو يزيد رحمه هللا :الذكر الكثير ليس بالعد ولكنه بالحضور دون العادة والغفلة.
وقال محمد بن على الترمذى :حقيقة اإليمان يلزم صاحبه حسن آداب العبودية والقيام بها ويفتح على القلوب أبواب
الذكر والقليل منها كثير ،ويطرد عنها أنواع الغفالت.
قال الواسطى :ظلم نفسه من ال يراها فى أسر القدرة ،وفى قبضه العزة ،وظن أنه مهمل فى تصرفاته.
يمِ ِإَّنه هو َّ ِ
يع اْل َعل ُ
السم ُ ُ َُ
وقال جعفر :السميع من يسمع مناجاة األسرار ،والعليم من يعلم أرداف الضمائر.
سمعت النصرآباذى يقول :حقيقة الذكر أن يغيب الذاكر عن ذكره بمشاهدة المذكور ثم يغيب بمشاهدته فى مشاهدته
فيكون هو شاهد ً
حقا.
ِ َّ ِ
ين الَ ُي ْؤ ِمُنو َن ِباآلخ َرِة َزيََّّنا َل ُه ْم أ ْ
َع َماَل ُه ْم َف ُه ْم َي ْع َم ُهو َن ِإ َّن الذ َ
ِ َّ ِ
ين الَ ُي ْؤ ِمُنو َن ِباآلخ َرِة َزيََّّنا َل ُه ْم أ ْ
َع َماَل ُه ْم} [اآلية.]4 : قوله تعالىِ{ :إ َّن الذ َ
ِ َّ ِ
ين الَ ُي ْؤ ِمُنو َن ِباآلخ َرِة َزيََّّنا َل ُه ْم أ ْ
َع َماَل ُه ْم َف ُه ْم َي ْع َم ُهو َن}. قال هللا عز وجلِ{ :إ َّن الذ َ
حكى عن بعض السلف :أن رجالً قال :يا رب كم أذنب فال تعاقب؟ فأوحى هللا إلى ِ
نبى وقته قل لصاحب هذا الكالم
كم أعاقبك وال تشعر ال عقوبة أشد من أن خليت بينك وبين مخالفتى.
قال أبو بكر بن طاهر :إنك لتتلقف القرآن من الحق حقيقة وإن كنت تأخذه فى
اف َل َد َّي اْل ُم ْرَسُلو َن * ِإالَّ َمن آن وَّلى م ْدِب اًر وَلم يعِقب يٰموسى الَ تَخ ِ
ف ِإني الَ َي َخ ُ
َ ْ آها تَ ْهتَُّز َكأََّن َها َج ٌّ َ ٰ ُ َ ْ ُ َ ْ ُ َ ٰ اك َفَل َّما َر َ
ص ََوأَْل ِق َع َ
ِ ظَلم ثُ َّم بَّدل حسناً بعد س ٍ ِ
يم وء َفِإني َغُف ٌ
ور َّرح ٌ َ َ َ َ ُ ْ ََْ ُ
اف َل َد َّي اْل ُم ْرَسُلو َن ِإالَّ َمن َ قوله عز وجل{ :الَ تَخ ِ
ظَل َم} [اآلية.]11 ،10: ف ِإني الَ َي َخ ُ
َ ْ
قال سهل :لم تكن فى األنبياء والرسل ظالم ،وإنما هذه مخاطبة لهم كناية بها عند
ط َّن َع َملُ َك} [الزمر .]65 :وانما قصد بذلك قومهم كما للنبى صلى هللا عليه وسلمَ{ :لِئ ْن أ ْ
َش َرْك َت َلَي ْحَب َ
حذر.
إلى أمته فإنهم إذ سمعوا ما خوطب به النبى صلى هللا عليه وسلم من التحذير كانوا ًا
قال الواسطى رحمه هللا :إال من ظلم برؤية النفس والتفات إليها ،وقال إال من أغفل عن مصادره وموارده.
وقال القاسم :إال من ظلم ،إال من خاف غيرنا ،ومن خاف غيرنا فال يخفه.
وعلما بنفسه فأثبت لهما علمهما باهلل علم أنفسهم ،وأثبت لهما علمهما بأنفسهما حقيقة
علما بربهً ،
قال ابن عطاءً :
العلم باهلل لذلك قال أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم هللا وجهه :من عرف نفسه فقد عرف ربه.
قال أبو بكر بن طاهر :ورث سليمان من أبيه داود العلم وكذلك كانت وراثة األنبياء.
وقال ابن عطاء رحمه هللا :ورث منه صدق االلتجاء الى ربه وتهرقة نفسه فى جميع األحوال.
سمعت أبا عثمان المغربى يقول :من صدق مع هللا فى أحواله فهم عنه كل شىء ،وفهم عن كل شىء فيكون له فى
وبيانا يبينه.
علما يعلمه ً
أصوات الطير وصرير األبواب ً
سمعت أبا الحسن السالمى يقول :تكلمت النملة بعشرة أجناس من الكالم نادت،
أما النداء فـ "يا" وأما التنبه فـ "يا أيها" ،وأما سمعت فقولها "النمل" ،وأما أمرت فقولها "أدخلوا" وأما نصت فقولها
"مساكنكم" ،وأما جددت فقولها "ال يحطمنكم" ،وأما خصت فقولها "سليمان" ،وأما عمت فقولها "وجنوده" ،وأما أشارت
فقولها "وهم" ،وأما عزرت فقولها "ال يشعرون" ،وأدت خمس حقوق :حق هللا ،وحًقا له ،وحًقا لها ،وحًقا لكم ،فحق هللا
أنها استرعيت على النمل فرعتهم وأما حًقا له فأدت حق سليمان فى تنبيهه على حق النمل وأما حق لها فأنها أسقطت
جميعا فى
ً حق هللا عنها فى تضحيتها لهم ،وأما حق لهم فإنها نصحتهم حتى دخلوا مساكنهم وأما حق لكم فللخلق
استرعاء من رعاه هللا حقه وحفظ ذلك عليهم قال النبى صلى هللا عليه وسلم" :أال كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته
".
سمعت محمد بن عبد هللا يقول :سمعت أبا بكر الحواس قال :سمعت محمد بن على الترمذى يقول :لم يضحك
سليمان فى عمره إال مرتين مرة يوم أُخذ الضحاك ،ومرة حين أشرف على واد النمل ،وذلك أنه رأى النمل على كبر
ِ ِ
ود ُه َو ُه ْم الَ َي ْش ُع ُرو َن} {اد ُخُلوْا َم َساكَن ُك ْم الَ َي ْحط َمَّن ُك ْم ُسَل ْي َم ُ
ان َو ُجُن ُ الثعالب لها خراطيم وأنياب ،فقال رئيس النمل للنملْ :
نمل
فخرج كبير النمل فى عظم الجواميس فلما نظر إليه سليمان هاله فأراه الخاتم فخضع له ثم قال له هذه كلها ٌ
فقال :إن النمل أكثر من ذلك إنها ثالثة أصناف صنف من الجبال ،وصنف من القرى ،وصنف من المدن .فقال
سليمان :اعرضها على ،فقال له :قف ثم نادى ملك النمل فأقبلت كراديس وعساكر فبقى سليمان سبعين
اقفا تمر هى عليه ،فقال :هل انقطعت عساكرهن فقال ملك النمل :لو وقفت إلى يوم القيامة ما انقطعت.
يوما و ً
ً
رحمه هللا يقول :قال سليمان عليه السالم لعظيم النمل لم قلت للنمل :ادخلوا
َن أَعمل ِ ِ َِّ احكاً ِمن َقولِها وَقال ر ِب أَوِزعِني أَن أ ْ ِ
َفتَب َّسم ض ِ
ضاهُ
صالحاً تَ ْر َ
َش ُك َر ن ْع َمتَ َك التي أ َْن َع ْم َت َعَل َّي َو َعَل ٰى َوال َد َّي َوأ ْ ْ َ َ َ ْ ْ َ َ َ َ ْ ْ َ َ َ
ين وأ َْد ِخْلِني ِبرحمِتك ِفي ِعب ِادك َّ ِ ِ
الصالح َ َ َ ََْ َ َ
ين} [اآلية.]19 : قوله تعالى{ :وأ َْد ِخْلِني ِبرحمِتك ِفي ِعب ِادك َّ ِ ِ
الصالح َ َ َ ََْ َ َ
قال سهل رحمه هللا :ارزقنى خدمة أوليائك ألكون فى جملتهم ،وإن لم أصل إلى مقامهم.
قال محمد بن على الترمذى :ال تجعلنى ممن يمقتهم أولياؤك وحجبوا قلوبهم عنى.
ان ُّمِب ٍ
طٍ ذب َحَّن ُه أ َْو َلَيأِْتَيِني ِب ُسْل َ ِ أل ِ
ين ُعذَبَّن ُه َع َذاباً َشديداً أ َْو ألَْا َ
َ
َّ
أللزمنه صحبة األضداد فإن ذلك من أشد العذاب. وقال الخلدى:
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا على الروذبارى يقول :أضيق السجن معاشرة األضداد.
ِ ِ ِ
يم ُّها اْل َمألُ ِإني أُْلق َي ِإَل َّي كتَ ٌ
اب َك ِر ٌ َقاَل ْت ٰيأَي َ
ِ ِ ِ
يم} [اآلية.]29 : ُّها اْل َمألُ ِإني أُْلق َي ِإَل َّي كتَ ٌ
اب َك ِر ٌ قوله تعالىٰ { :يأَي َ
وقال الحسين :بسم هللا منك بمنزلة كن منه فإذا أحسنت أن تقول :بسم هللا تحققت األشياء بقولك :بسم هللا كما تحقق
بقوله" :كن فيكون".
قال ابن طاهر :لما قال هللا للقلم اكتب .قال :ما اكتب قال :اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فكتب بسم هللا الرحمن
مفتتحا بما افتتح به اللوح المحفوظ قالت :هذا
ً الرحيم أى :بك طهرت جميع األشياء ال بغيرك فلما رأت بلقيس كتابه
ِ
اب َك ِر ٌ
يم} أى :كتاب كريم باالبتداء وال يبتدئ بالمكاتبة إال كريم. {كتَ ٌ
قال القاسم :الحترامها الكتاب وتعظيمها له رزقت الهداية حتى آمنت وصدقت ،وكذلك الحرمات تؤثر بركاتها على
أربابها ولو بعد حين.
قال جعفر الصادق :أشار الى قلوب المؤمنين أن المعرفة إذا دخلت القلوب زالت عنه األمانى ،والمرادات أجمع فال
يكون فى القلب محل لغير هللا.
قال ابن عطاء رحمه هللا :إذا ظهر سلطان الحق ،وتعظيمه فى القلب تالشت الغفالت واستولت عليه الهيبة واألحوال
فال يبقى فيه تعظيم لشىء سوى الحق وال يشغل جوارحه إال بطاعته ،ولسانه إال بذكره ،وال قلبه إال باإلقبال عليه.
سئل بعضهم :عن نعت العارف فقال :إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها أى يفسدوا ما لغيرهم فيها وجعلوا الحظوظ
احدا.
ظا و ً
كلها ح ً
قال جعفر :الدنيا أصغر عند هللا وعند أنبيائه وأوليائه من أن يفرحوا بها ويحزنوا عليها.
ض ِل َربِي ِ
ال َهـٰ َذا من َف ْ
ِ ِ يك ِب ِه َقْب َل أَن َي ْرتََّد ِإَل ْي َك َ
ط ْرُف َك َفَل َّما َرآهُ ُم ْستَق اًر ع َندهُ َق َ
ِ َقال َّال ِذي ِع َنده ِعْلم ِم َن اْل ِكتَ ِ
اب أََن ْا آت َ ُ ٌ َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ لَِيْبُل َوِني أَأ ْ
َش ُك ُر أ َْم أَ ْكُف ُر َو َمن َش َك َر َفإَّن َما َي ْش ُك ُر لَنْفسه َو َمن َكَف َر َفإ َّن َربِي َغن ٌّي َك ِر ٌ
يم
يك ِب ِه} [اآلية.]40 : ِ قوله تعالىَ { :قال َّال ِذي ِع َنده ِعْلم ِم َن اْل ِكتَ ِ
اب أََن ْا آت َ ُ ٌ َ
قال بعضهم :هو آصف نظر إلى عين الجمع ،وتكلم عن حقيقة جمع الجمع فقال :أنا آتيك به ،والهاء راجع إلى
أيضا أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك قال بعضهم :فىالحق أى باهلل عونه ونصرته ،وقيل :على لسان الجمع ً
وعلم لمجارى الغيوب فعلم أن هللا يريد أن يأتى سليمان عليه ِ ِ ِ ِ َّ ِ ِ
قوله {الذي ع َندهُ عْل ٌم م َن اْلكتَاب} أى أنظر فى الغيبٌ ،
السالم بذلك فأخبر عن حقيقة الغيب.
ليس للخلق فيه شىء بأواصله يدعوكم ليغفر لكم ومن كفر فإن ربى غنى كريم عن شكر الشاكرين وقيام القائمين
ٌ
وذكر الذاكرين.
سمعت محمد بن عبد هللا يقول :سمعت الشبلى يقول :الشكر هو الخمود تحت المنة.
قال الواسطى :فى شكر إبطال رؤية الفضل كيف يوازى شكر الشاكرين فضله ،وفضله تميم وشكرهم محدث؟ َ
{و َمن
َش َك َر َفِإَّن َما َي ْش ُك ُر لَِنْف ِس ِه} ألنه غنى عنه وعن شكره.
{و َمن
فال الجنيد رحمه هللا :الشكر فيه علة ألنه يطلب لنفسه المزيد ،وهو واقف مع رؤية حظ نفسه قال هللا تعالىَ :
َش َك َر َفِإَّن َما َي ْش ُك ُر لَِنْف ِس ِه} أى طالب للمزيد.
وقال ابن عطاء :من شكر فإنما يشكر لنفسه ،ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ،وإن أحسنتم أحسنتم ألنفسكم .قال ليس
قليل ،وال كثير فإنه أجل من أن يلحقه ثناء ُم ٍ
ثن ،أو شكر شاكر أخبر أن العلو ،والشرف ،والجالل له للحق فيه ٌ
دونهم.
صلِ ُحو َن ان ِفي اْلم ِد َين ِة ِت ْس َع ُة َرْه ٍط ُيْف ِس ُدو َن ِفي األ َْر ِ
ض َوالَ ُي ْ َ َوَك َ
قال ابن عطاء :يبيحون عورات النساء وال يقبلون لهم عثرة ،وال يسترون لهم حرمة.
وقال الحسن البصرى :يعينون الظالمين على ظلمهم ،وال يمنعونهم منه.
قال الصادق :مكر هللا أخفى من دبيب النمل على صخرة سوداء فى ليلة ظلماء.
قال الشبلى :اخترنا طريقة التصوف ليكون سالمة من مكر هللا فإذا كله مكر.
قال النووى :المكر ال يفهمه إال الواصلون وأما المريد فإنه ال يعرف ذلك ألنه فى حرقة.
قال الجنيد رحمة هللا عليه :المكر هو المشى على الماء والمشى فى الهواء وصدق الوهم وصحة اإلشارة فى كل هذا
مكر لمن علم.
وقال سهل :اإلشارة فى البيوت إلى القلوب فمنها عامرة بالذكر ،ومنها خرابة بالغفلة ،ومن ألهمه هللا الذكر فقد خلصه
من الظلم.
وقال يوسف بن الحسين :من لم يراع قلبه عند كل خطرة وفكرٍة دخل عليه الخلل من وجوه ال يمكنه تداركها ،والسعيد
أبدا.
ظا ًمن نبه عن الخطرات فى وقته ليتداركها بعون هللا ومشيئته فيكون القلب متيق ً
وقال أبو حفص :خراب القلب قلة الحزن ،والحزن عمارة القلب أال ترى النبى صلى هللا عليه وسلم يقول" :إن هللا يحب
كل قلب حزين
".
السر ،وجعل حياته فى ذكره ،وخلق الظاهر وجعل حياته فى حمده وشكره وجعل عليهما
قال سهل :خلق هللا تعالى َّ
الحقوق وهى الطاعات.
طَف ٰى} قال :هم أهل القرآن يلحقهم من هللا السالم فى العاجل بقوله: اص َ ِ ِ ِ َّ ِ
ين ْ{سالَ ٌم َعَل ٰى عَباده الذ َ
وقال سهل فى قولهَ :
طَف ٰى} وسالم فى األجل وهو قولهَ { :سالَ ٌم َق ْوالً ِمن َّر ٍب َّرِحيمٍ} [يس.]58 : اص َ ِ ِ ِ َّ ِ
ين ْ {سالَ ٌم َعَل ٰى عَباده الذ َ
َ
قال الحسن :ما من نعمة إال والحمد أفضل منها ،والحمد النبى عليه السالم ،والمحمود هللا جل جالله ،والحامد العبد
والحميد حاله الذى يوصل بالمزيد.
{سالَ ٌم َعَل ٰى ِعَب ِادِه} قال :من سلم هللا عليه فى األزل سلم من المكاره فى األبد.
وقال ابن عطاء رحمه هللا :فى قولهَ :
وقال :قرأت هذه اآلية بين يدى جعفر بن محمد فبكى ثم قال :سبحان من اصطفاهم لمعرفته ،وسالم عليهم قبل
المعرفة.
وقال بعضهم فى قولهُ{ :ق ِل اْل َح ْم ُد ََِّّللِ} ولم يقل "رب العالمين" قيل :ترك "رب العالمين" ها هنا طاعة ،وربما يكون
طَف ٰى} الذين َّنورهم بنور
اص َ ِ ِ ِ َّ ِ
ين ْ
{سالٌَم َعَل ٰى عَباده الذ َ
ترك الطاعة فى بعض األوقات نفس الطاعة وقيل فى قولهَ :
االيمان ،وقدسهم بضياء التوفيق َّ
ودلهم منه عليه.
ين ِ ِ ِ َّ ِ
{سالَ ٌم َعَل ٰى عَباده الذ َ
قال الواسطى رحمه هللا :خص الحق الخلق بخصوصيته حيث أضافهم إلى نفسه بقولهَ :
أبدا
طَف ٰى} فجعل لالسم اسم حقيقة ال اسم نعت ً
اص َ
ْ
ان َل ُك ْم أَن تُنِبتُوْا َش َج َرَها أَِإَلـ ٌٰه ٍ ِ ِ َنزل َل ُكم ِمن َّ ِ َمن خَلق َّ ِ
َنب ْتَنا ِبه َح َدآئ َق َذ َ
ات َب ْه َجة َّما َك َ آء َفأ َ
الس َمآء َم ً الس َٰم َٰوت َواأل َْر َ
ض َوأ َ َ ْ َ أ َّ ْ َ َ
َّللاِ َب ْل ُه ْم َق ْوٌم َي ْع ِدُلو َن
َّم َع َّ
نور يظهر فال تبقى معها شىء السر بما ظهر على قلب العبد من الرب والبهجة ٌ
وقال ابن عطاء رحمه هللا :إذا بهج َّ
من الظلمة ال ظلمة الجهل ،وال ظلمة الريب والشك وال االشتغال بشىء سواه وهو عالمة السكون باهلل ،واالنقطاع إلى
هللا ،واالعتماد عليه.
ض َق َار اًر َو َج َع َل ِخالََل َهآ أ َْن َها اًر َو َج َع َل َل َها َرَو ِاس َي َو َج َع َل َب ْي َن اْلَب ْح َرْي ِن َحا ِج اًز أَِإَلـ ٌٰه َّم َع هللا َب ْل أَ ْكثَ ُرُه ْم الَ
َمن َج َع َل األ َْر َ أ َّ
َي ْعَل ُمو َن
قال ابن عطاء :النفس خلقت من األرض فسماها هللا بها لمجاورتها لها ،وقربها
أعينا ناظرة
أنهار ألسن ٌة ناطقة بالذكر و ً
فقال :من جعل للنفوس القرار عند المناجاة فى أوان الحزمة ،وجعل خاللها ًا
مخاطبا به على لسان السفر أو الوسائط وجعل بهذه األنفس رحمة وهم الرواسى
ً أسماعا واعية عن الحق
بالعبرة و ً
القطب من األولياء يرجعون إليهم عند العثرات فيقومونهم بتقويم الحق ،ويردونهم إلى طرق الرشاد.
بين أوقات الذكر ،وأوقات الغفلة هل أحد يستحق األلهية إال من يقدر على مثل هذه اللطائف.
وقال جعفر :من جعل قلوب أوليائه مستقر معرفته ،وجعل فيها أنوار الزوائد من بره فى كل نفس وأثبتها بحبال
حاجز أى القلب والنفس لئال يقلب عليه النفس
ًا التوكل ،وزينها بأنوار اإلخالص واليقين والمحبة ،وجعل بينهما
وظلماتها .فيظلمها فجعل الحاجز بينهما التوفيق ،والعقل.
".
قال سهل رحمه هللا :المضطر هو المنبرى من الحول والقوة واألسباب المذمومة.
وقال :المضطر الذى إذا رفع يده ال يرى لنفسه حسنة غير التوحيد ويكون منه على ٍ
خطر.
َّ
كالمعطل فى مقابره قد أشرف على الهالك. وقال ابن عطاء فى هذه اآلية :أحوال المضطر أن يكون كالغريق أو
وقال ابن عطاء رحمه هللا :كمثل الطفل يلعب بين يدى أبويه ويلهو فإذا أصابته نائبة فزع إليهما ال يرى سواهما مفزًعا
مضطر ألنه ال يرى سواه مفزًعا.
ًا كذلك الموت يتقلب فى العوافى وإذا بدأ له عين من أعين البالء فزع إلى ربه
وقال أبو عثمان :المضطر الخالى من أفعاله ،وأحواله وأذكاره وأقواله الملقى عنانه إلى سيده ،وال يلتفت إلى سواه ،وال
حبا منه يتنفس تنفس المكروب ،ويتحرك تحرك المقيد ويفرح فرح المسجون ال له حركة ،وال قرار ،وال
ينظر إليه ً
مأوى ،وال مسكن وال
مرجع يرجع إليه ينظر فى الخلق فيراهم مرة لما يرى من فساد أمره ،يضحك الخلق ويبكى ،ويفرح الخلق ويحزن،
ويأكل الخلق ويجوع ،ويروى الخلق ويعطش ،وينام الخلق ويسهر ومع هذا كله يدرس كل يوم ديوان شقاوته ،ويرى أنه
طَّر ِإ َذا َد َعاهُ} أى من يقدر على كشف
ضَ أشقى ٍ
عبد لربه ،والذى يرجو بركة دعائه قال هللا تعالى{ :أ َّ ِ
يب اْل ُم ْ
َمن ُيج ُ
هذه المحن عن قلوب عباده إال من أبالهم بها.
وسأل بعضهم من المضطر؟ قال النبى عليه السالم إذا رفع يده ال يرى لنفسه ً
شيئا.
َّللاُ َع َّما ُي ْش ِرُكو َن اح ُب ْش َاًر َب ْي َن َي َد ْي َر ْح َمِت ِه أَِإَلـ ٌٰه َّم َع َّ
َّللاِ تَ َعاَلى َّ ظُلم ِ
ات اْلَب ِر َواْلَب ْح ِر َو َمن ُي ْرِس ُل ِ
الرَي َ
َمن يه ِد ُ ِ
يك ْم في ُ َ أ َّ َ ْ
ظلُم ِ
ات اْلَب ِر َواْلَب ْح ِر} [اآلية.]63 : َمن يه ِد ُ ِ
يك ْم في ُ َ قوله تعالى{ :أ َّ َ ْ
قال بعضهم :من أرسل رياح كرمه على قلوب أهل صفوته فيظهرها من أنواع المخالفات ثم يزينها بأنوار اإليمان
ويؤيدها برحمة التوفيق.
َّللاِ ُقل هاتُوْا بره َان ُكم ِإن ُكنتُم ِ ِ ِ ِ َمن يبدؤْا اْلخْلق ثُ َّم يعيده ومن يرُزُق ُكم ِمن َّ ِ
ين
صادق َْ َ الس َمآء واأل َْرض أَإَلـ ٌٰه َّم َع َّ ْ َ ُ ْ َ ْ َ أ َّ َ ْ َ ُ َ َ ُ ُ ُ َ َ َ ْ
قال ابن عطاء رحمه هللا :أبدأ الخلق بقدرته وإنفاذ المشيئة.
قال ابن عطاء رحمه هللا :صححوا برهانكم لتعلموا أن ال برهان لكم.
أحد ما سبق
أحد من عبيده مكره فال يعلم ٌ
أحدا لئال يأمن ٌ
قال سهل :خفى غيبه عن الخلق لجبروته ،ولم يطلع عليه ً
له منه همهم فى اتهام العواقب ومجارى السوابق لئال يدعو ما ال يليق بهم من أنواع الدعاء فى المعرفة والمحبة
وغيرها.
اس َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثَ َرُه ْم الَ َي ْش ُك ُرو َن ض ٍل َعَلى َّ
الن ِ َوإِ َّن َرب َ
َّك َل ُذو َف ْ
قال سهل :منعه فضل وعطاؤه فضل ،ولكن ال يعرف مواضع فضله إال خواص األولياء.
سمعت عبد هللا الرازى يقول :سمعت أبا عثمان يقول قلت ألبى حفص :فى وقت وفاته أوصنى :قال :من تقصيره
على الدوام ،ويرى فضل هللا عليه فى جميع األوقات أرجو أن ال يهلك.
قال الجنيد رحمه هللا :ما تكن صدورهم من محبته ،وما يعلنون من خدمته.
قال بعضهم :التوكل سكون القلب الى هللا ،وطمأنينة الجوارج عند مصادمة المهوالت حينئذ تظهر للمتوكل الثقة باهلل.
قال بعضهم :ال يزول التوكل بتملك المال ،وال يصح التوكل بعدمه واالستقالل ،وانما ينقص التوكل اضطراب القلب،
ويزيد فى التوكل سكون القلب.
سمعت محمد بن عبد هللا الرازى يقول :سمعت حيز النشاج يقول :سمعت أبا حمزة يقول :إنى ألستحى من هللا أن
أدخل البادية وأنا شبعان وقد اعتقدت التوكل لئال يكون سعى على الشبع زًادا تزودته.
سمعت أبا الحسين الفارسى يقول :سمعت جعفر الخواص رحمه هللا يقول :وقد سئل عن التوكل؟ فقال :أخذ السبب
من هللا.
قال الواسطى رحمه هللا :من توكل على هللا لعلة غير هللا قلبه بمتوكل على هللا.
َّ
آء ِإ َذا َول ْوْا ُم ْدِب ِر َ
ين ِإَّن َك الَ تُ ْس ِم ُع اْل َم ْوتَ ٰى َوالَ تُ ْس ِم ُع ُّ ُّ
الص َّم الد َع َ
آء} [اآلية.]80 : قوله تعالىِ{ :إَّن َك الَ تُ ْس ِم ُع اْل َم ْوَت ٰى َوالَ تُ ْس ِم ُع ُّ ُّ
الص َّم الد َع َ
َّللاِ َّال ِذي أ َْتَق َن ُك َّل َشي ٍء ِإَّن ُه َخِب ٌير ِب َما تَْف َعُلو َن
ص ْن َع َّ
الس َحاب ُ َ َ ُ َ
وتَرى اْل ِجبال تَحسبها ج ِ
ام َد ًة وِهي تَمُّر مَّر َّ ِ
َ َ ْ َ َُ َ َ َ
ْ
قوله تعالى{ :وتَرى اْل ِجبال تَحسبها ج ِ
ام َد ًة} [اآلية.]88 : َ َ ْ َ َُ َ َ َ
قال سهل :إن هللا تعالى نبَّه عباده على تقصى األوقات عليهم ،وغفلتهم فيه فجعل الجبال مثالً للدنيا يظن الناظر أنها
واقفة معه ،وهى آخذة بحظها منه ،وال يبقى بعد االنقضاء إال الحسرة على الفائت.
قال ابن عطاء رحمه هللا :اإليمان ثابت فى قلب العبد كالجبال الرواسى ،وأنواره تحرق الحجب األعلى وقال إن قول
ال إله إال هللا يسرى كالسحاب ،حتى يقف بين يدى هللا عز وجل فيقول هللا تعالى :اسكن مديحتى فوجاللى ما أجريتك
على لسان عبد من عبيدى فأعذبه بالنار.
قال جعفر رحمه هللا :ترى األنفس جامدة عند خروج الروح والروح يسرى فى القدس لتأوى إلى مكانها من تحت
العرش.
قال الصادق رحمه هللا :نور قلب الموحدين ،وانزعاج أنين المشتاقين َي ُمُّر من بين السحاب حتى يشاهدوا الحق
فيسكنون.
السح ِ
اب} ،ال يلتفت الى شىء سواه ،وال له قرار مع غيره. وقال ابن عطاء فى قولهِ :
{وه َي تَ ُمُّر َمَّر َّ َ
َ
سمعت الحسن بن يحيى يقول :سمعت جعفر الخلدى يقول :حضر الجنيد رحمه هللا مجلس سماع مع أصحابه،
وإخوانه فانبسطوا وتحركوا وبقى الجنيد على حاله لم يؤثر فقال له بعض أصحابه :ال تنبسط كما انبسط إخوانك فقال
الجنيد :وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب.
مقاما إليه
قال ابن عطاء :ربوبيته التى ترد األشباح إلى قيمتها وتجعل األسرار والقلوب إلى مستقرها وجعل لخلقه ً
حده والشقى من عال طوره. منتهاهم .فالسعيد من لزم َّ
َعُب َد َر َّب َه ِذِه اْلَبْل َد ِة َّال ِذي َحَّرَم َها} [اآلية.]91 : ِ
قوله تعالىِ{ :إَّن َمآ أُم ْر ُت أ ْ
َن أ ْ
سمعت أبا الحسين الفارسى يقول :سمعت الحسين علوية يقول :سمعت يحيى بن معاذ يقول :الناس فى العبادة على
سبع درجات :جاهل ،وعاص ،وخائف ،وراج،
ومتوكل ،وزاهد ،وعارف ،فجاهل عامل على العجلة ،وعاص عمل على العادة ،وخائف عمل على الرهبة ،وراج عمل
على الرغبة ،ومتوكل عمل على الفراغة ،وزاهد عمل على الحالوة ،وعارف عمل على رؤية المنة.
قال بعضهم :لم يزين هللا تعالى الخلق بزينة أزين من العبودية ،أال ترى النبى صلى هللا عليه وسلم كيف قدم العبودية
محمدا عبده ورسوله.
ً على الرسالة؟ فقال فى تشهده وأشهد أن
قال :إذا خفت حفظه بواسطة فسلميه إلينا واقطعى عنه شفقتك وتدبيرك ليكون
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :ما دمت تحفظ نفسك بتدبيرك فهى على شرف
الهالك ،فإذا زالت عنها تدبيرك وسلمتها الى مدبرها حينئد يرى لها الخالص.
سمعت أبا عبد هللا الحسين بن أحمد الرازى يقول :سألت أبا عمران فقلت فقير عقد على نفسه ً
عقدا؟ قال :يمضى فى
خطوة فقلت :العقد يطالبه بإتمامه وهو يخاف من عجزه .فقال
َ عقده فقلت :إذا لحقه َع ْجٌز؟ قال :ال يخطو مع العجز
ِ ِِ ِ ِ ِ
أبو عمران قال هللا تعالىَ { :فِإ َذا خْفت َعَل ْيه َفأَْلقيه في َ
اليمِ} [اآلية.]7 :
قال بعضهم :الوحى على وجوه؛ منها المشافهة ُخص بها محمد وموسى عليهما
السالم ،ومنها وحى الوسائط وهو لسائر األنبياء عليهم السالم ومنها وحى اإللهام كما كان للنجلة ،ومنها وحى القذف
وس ٰى} [اآلية]7 : {وأ َْو َح ْيَنآ ِإَل ٰى أ ِ
ُم ُم َ {وإِ ْذ أ َْو َح ْي ُت ِإَلى اْل َح َو ِاري َ
ِين} [المائدة ،]111 :وقولهَ : واإللقاء كما قال هللا تعالىَ :
ألقى فى قلوبهم.
قا ل ابن طاهر :ال تخافى خلفة الوعد ،وال تحزنى على غيبوبة الولد .قال الواسطى رحمة هللا عليه :الذى حفظه فى
اليم قادر أن يصرف عنه همة فرعون.
عدوا وحزًنا.
وسرورا ،ولم يعلموا ما أضمرت القدرة فيه من تصييره لهم ً
ً قال سهل :التقطه آل فرعون ليكون لهم فرًحا
ام َأرَةُ ِف ْرَع ْو َن ُقَّر ُت َع ْي ٍن لِي َوَل َك الَ تَْقُتُلوهُ َع َس ٰى أَن َي ْنَف َعَنا أ َْو َنتَّ ِخ َذهُ َوَلداً َو ُه ْم الَ َي ْش ُع ُرو َن ِ
َوَقاَلت ْ
ام َأرَةُ ِف ْرَع ْو َن ُقَّرةُ َع ْي ٍن لِي َوَل َك} [اآلية.]9 : ِ
{وَقاَلت ْ
قوله تعالىَ :
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :قرة عين لى إشارة إلى الحق ولك ال ألنك أشركت وكفرت.
ِ ِ ِ وس ٰى َف ِارغاً ِإن َك َاد ْت َلتُْب ِدي ِب ِه َل ْوال أَن َّرَب ْ
طَنا َعَل ٰى َقْلِب َها لتَ ُكو َن م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين ُم ُم َ
َصَب َح ُف َؤ ُاد أ ِ
َوأ ْ
من االهتمام بموسى لما أيقنت من ضمان هللا تعالى لها فيه.
قوله تعالىِ{ :إَّنا َر ُّآدوهُ ِإَل ْي ِك}ِ{ ،إن َك َاد ْت َلتُْب ِدي ِب ِه} [اآلية.]10 :
أى تظهر ما أوحى إليها فى السر من حفظه ورده إليها فى السر من حفظه ورده إليها ومنع أيدى الظلمة عنه.
وقال الواسطى رحمة هللا عليه :أصبح فؤاد أم موسى فارًغا من األشغال كلها والوجد على ولدها لما ثبت عندها من
صدق الوعد إن كانت لتبدى بما وعد هللا لها فيه.
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا بكر بن طاهر يقول :فارًغا من كل شىء سوى ذكر موسى ،وهذا الذى
ٍ
حينئذ. أوجب على الوالدين كتمان وجدهم على أوالدهم ما استطاعو فإذا صاروا مغلوبين كشف أحوالهم
قال ابن عطاء :لوال ما أمرناها به من الكتمان بحالها ألظهرت ما ضمن هللا تعالى لها لموسى.
قال بعضهم :لوال أن أيدناها بالتوفيق والصبر ألبدت ما فى ضميرها من الوجد بولدها.
قال جعفر الصادق رحمة هللا عليه :الصدر معدن التسليم ،والقلب معدن اليقين ،والفؤاد معدن النظر ،والضمير معدن
السر ،والنفس مأوى كل حسنة وسيئة.
{والَ تَ َخ ِافي َوالَ تَ ْح َزِني } [اآلية]7 : ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ {وأ َْو َح ْيَنآ ِإَل ٰى أ ِ
َن أ َْرضعيه َفإ َذا خْفت َعَل ْيه} [اآليةَ ]7 :
وس ٰى أ ْ
ُم ُم َ قال هللا تعالىَ :
ِ ِ ِ ِ
ين} [اآلية ]7 :بشارتين ،لم تغن عنها هذه األسباب حتى تولى هللا حياطتها نهيينِ{ .إَّنا َر ُّآدوهُ ِإَل ْيك َو َجاعُلوهُ م َن اْل ُم ْرَسل َ
طَنا َعَل ٰى َقْلِب َها} [اآلية.]10 : قال هللا تعالىَ{ :ل ْوال أَن َّرَب ْ
مرضعا رضاعة األنس فمن كان رضيع ً قال بعضهم :إشارة الى المعارف فإنه ال يصلح لبساط الُقربة من لم يكن
ٍ
وحشة فإنه ال يصلح لبساط القربة أال ترى الكليم صلى هللا عليه وسلم لما كان فيه تدبير ٍ
مخالفة أو رضيع
الخصوصية كيف حرمت عليه المراضع وكان رضيع الكالءة والوالية إلى أن أحضر محل المواجهة بالكالم قال هللا
تعالى{ :وحَّرمنا عَلي ِه اْلمر ِ
اض َع ِمن َقْب ُل}. َ َ َْ َ ْ ََ
ِِ ِ
استََو ٰى آتَْيَناهُ ُح ْكماً َو ِعْلماً َوَك َذل َك َن ْجزِي اْل ُم ْحسن َ
ين َشَّدهُ َو ْ
َوَل َّما َبَل َغ أ ُ
َشَّدهُ َو ْ
استََو ٰى} [اآلية.]14 : {وَل َّما َبَل َغ أ ُ
قوله تعالىَ :
بيانا فى
حكما ً
قال الجنيد رحمة هللا عليه :لما تكامل عقله وصحت بصيرته وحصلت نحيرته وآن أوان خطابه آتيناه ً
وعلما بما يتجدد عنده من موارد الزوائد عليه من ربه.
نفسه ً
َّ ِ َّ ِ ِ ِ ِ ِ
وس ٰى ِإَّن َك َل َغ ِو ٌّي ُّمِب ٌ
ين ص ِر ُخ ُه َق َ
ال َل ُه ُم َ
استَْنص َرهُ ِباأل َْم ِ
س َي ْس َت ْ َصَب َح في اْل َمد َينة َخآئفاً َيتَ َرق ُب َفإ َذا الذي ْ َ
َفأ ْ
َصَب َح ِفي اْل َم ِد َين ِة َخ ِآئفاً َيتَ َرَّق ُب} [اآلية.]18 :
قوله تعالىَ { :فأ ْ
السِب ِ
يل آء َّ ِِ ِ
ال َع َس ٰى َربِي أَن َي ْهدَيني َس َو َ
آء َم ْدَي َن َق َ
َوَل َّما تََو َّج َه تْلَق َ
وكل من
طالبا منه سبيل الهداية فأكرمه هللا بالكالمُ ،
وتوجه بقلبه إلى ربه ً
توجه بوجهه إلى ناحية مدين َّ قال جعفرَّ :
أقبل على هللا بالكلية فإن هللا يبلغه مأموله.
وقال أبو بكر بن طاهر :ورد فى الظاهر ماء مدين وورد فى الحقيقة على مالك مياه األنس وبساتين المعرفة .فوجد
اصا من العباد يرتعون فى تلك الميادين فشرب معهم من تلك المياه شرب ًة أورثته شرب ذلك الماء
عليه أمة أى خو ً
الثبات فى حالة المخاطبة.
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :نظر من العبودية الى الربوبية فخشع وخضع وتكلم بلسان االفتقار بما ورد على سره
من أنوار الربوبية فافتقاره افتقار العبد الى مواله فى جميع أحواله ال افتقار سؤال وال طلب.
قال الحسين :إنى لما خصصتنى من علم اليقين فقير الى أن تردنى الى عين اليقين وحقه.
وقال جعفر :فقير إليك طالب منك زيادة الفقر إليك ألنى لم استغن عنك بشىء سواك.
أيضا :فقير فى جميع األوقات غير راجع إلى الكرامات واآليات دون الفقر إليك واإلقبال عليك.
وقال ً
أيضا :إنى لما أعرفه من حسن اختيارك لى مفتقر ومحتاج إلى أن ترضينى بقضائك وقدرك فآنس به.
وقال ً
وقال أبو سعيد الخراز :الخلق مترددون بين ما لهم وبين ما إليهم فمن نظر إلى ماله تكلم بلسان الفقر ومن شاهد ما
إليه تكلم بلسان الخيالء والفخر أال ترى إلى حال الكليم عليه السالم لما شاهد خواص ما خصه به الحق كيف قال:
وقال :يجب أن يكون لإلنسان ملجأ يلتجىء إليه وقت فراغه من عمله ثم ينظر بعد ذلك إلى فعله فمن رأى فعله
وعيب تقصيره فهو حسن ،ومن رأى فضل هللا عليه أن أهَّله لخدمته فهو أحسن وفى الجملة رؤية المنة أعظم من
رؤية التقصير.
عودتنى من جميل اإلحسان على الدوام فقير إلى شفقتك ونظرك بعين الرعاية والكالية إلى
وقال بعضهم :إنى لما َّ
لتردنى من وحشة المخالفين إلى أنس الموافقين فورثه هللا تعالى ذكره صحبة شعيب وأوالده عليهم السالم.
ِ َفجآء ْته ِإح َداهما تَم ِشي عَلى اسِتحي ٍآء َقاَل ْت ِإ َّن أَِبي ي ْدع ِ
ص
ص َ
ص َعَل ْيه اْلَق َ
آءهُ َوَق َّ وك لَي ْج ِزَي َك أ ْ
َج َر َما َسَق ْي َت َلَنا َفَل َّما َج َ َ ُ َ ْ َْ َ َ َ ُ ْ َُ ْ
ين ِ ِ َّ ِ
ف َن َج ْو َت م َن اْلَق ْو ِم الظالم َ
ال الَ تَ َخ ْ
َق َ
قال أبو بكر بن طاهر :إتمام إيمانها وشرف عنصرها وكريم نسبها أتته على استحياء ،قال النبى صلى هللا عليه
وسلم" :الحياء من اإليمان
قال بعضهم :لفتوتها أتته على استحياء ألنها كانت تدعوه إلى ضيافتها ولم تعلم أيجيبها أم ال فأتته على استحياء.
ِ ِ ِ ِ
استَْئ َج ْر َت اْلَق ِو ُّي األَم ُ
ين استَْئج ْرهُ إ َّن َخ ْي َر َم ِن ْ َقاَل ْت ِإ ْح َد ُ
اه َما ٰيأََبت ْ
ِ ِ
ْج ْر َت اْلَق ِو ُّي األَم ُ
ين} [اآلية.]26 : قوله تعالى{ :إ َّن َخ ْي َر َم ِن ْ
استَأ َ
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :القوى فى دينه األمين فى جوارحه.
ام ُكثُوْا ِإِني َآن ْس ُت َنا اًر َّل َعلِي ِآتي ُك ْم ِم ْن َها ور نا اًر َقال أل ِ ِ ُّ ِ ِ َفَل َّما َقضى موسى األَجل وسار ِبأ ِ
َهله َْ ْ َهلِه َآن َس من َجان ِب الط ِ َََ ََ َ ْ َ ٰ ُ َ
طُلو َن
صَ َّ ِب َخَب ٍر أ َْو َج ْذ َوٍة ِم َن َّ
الن ِار َل َعل ُك ْم تَ ْ
قال ابن عطاء :لما تم له أجل المحبة ودنا أيام القربة والزلفة وإظهار أنوار النبوة عليه سار بأهله ليشترك معه فى
الصنع.
لطائف ُّ
نار َّ
دلته على األنوار ألنه رأى النور على هيئة النار ،فلما دنا منها شملته أنوار القدس وأحاط به قال جعفر :أبصر ًا
ملكا شر ًيفا مقربا أعطى ما سأل و ِ
أم َن مما جالليب األنس فخوطب بألف خطاب واستدعى منه أحسن جواب فصار ً
ً
خاف ،وذلك قوله{ :آنس ِمن ج ِان ِب ُّ
الط ِ
ور َنا اًر}. َ ََ
قال أبو بكر بن طاهر :آنس سره برؤية النار لما كان فيه من عظيم الشأن ،وعلو المرتبة فأخرج الرؤية بلطف ،آنست
أى أرى هذه النار مستأنس بها ال مستوحش منها فدنى منها فأنسه طهارة الموضع وما سمع فيه من مناجاة ربه
وكالمه فتحقق باألنس.
ىء اْلو ِادي األ َْيم ِن ِفي اْلُبْق َع ِة اْلمَب َارَك ِة ِم َن َّ
الش َج َرِة[ }...اآلية.]30 : قوله تعالىَ{ :فَل َّمآ أَتَاها نوِدي ِمن َش ِ
اط ِ
ُ َ َ َ ُ َ
قال الواسطى رحمة هللا عليه :الوسائط فى الحقيقة ال أوزان لها وال أخطار وإنما هى علل لضعف الطاقات ،كما جعل
ثانيا فقال:
الوسائط بين موسى وبين الشجرة ناداه فى البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى ثم رفع الواسطة ً
طَف ْيتُ َك} [األعراف.]144 :
اص َ ِِ
وس ٰى إني ْ
ٰم َ
{ي ُ
قال القاسم :نودى من شاطئ الواد األيمن لما سمع موسى الكالم خر صاعًقا فجاءه جبريل وميكائيل فروحاه خروجه
األنس حتى أفاق من الهيبة واستأنس باألنس مع هللا فزال الرعب والفزع من قلبه فقال له يا موسى أنا الذى أكلمك من
علوى وأسمعك من دنوى ،ففى دنوى ال أخلوا من علوى وفى علوى ال أخلوا من دنوى ،يا موسى أنا هللا الذى أدنيتك
وقربتك وناجيتك عند ذلك قال له موسى :أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك؟ قال له :أنا أقرب إليك منك.
قال أبو سعيد القرشى :ذكر الشجرة فى وقت مخاطبته بالكالم ليطيق بذلك التعلل حمل موارد الخطاب عليه ،كما
"حب َب إلى من دنياكم" .أى لست منها وال هى ِمِنى إنما لى منها تعلل أتحمل
تعلل النبى صلى هللا عليه وسلم بقولهُ :
على.
به موارد الوحى َّ
سمعت أبا بكر الرازى يقول :سمعت أبا على الروذبارى يقول :الجبل الذى َّ
كلم هللا عليه موسى كان من عقيق.
سمعت أبا بكر بن شاذان يقول :سمعت محمد بن على الكتانى يقول :بلغنى أن موسى بن عمران عليه السالم قال:
غنما لشعيب فشردت منك شاة فعدت يوما كنت ترعى ً كليما؟ فأوحى هللا تعالى ذكره إليه تذكر ً
يا رب بم اتخذتنى ً
وبستها وقلت يا حبيبتى لقد اتعبتنى وأتعبت نفسك ،فبرحمتك
وغدوت على إثرها حتى إذا لحقتها ضممتها الى صدرك ُ
للبهيمة اصطفيتك فى ذلك اليوم.
نبيا من أنبيائه حتى استرعاه البهائم قبالً وينظر كيف رحمته بهم ثم بعثه
قال الكتانى رحمة هللا عليه :ولم يبعث هللا ً
إلى الخلق.
ِِ ِ ِ وأَن أَْل ِق عصاك َفَل َّما رآها تَهتَُّز َكأََّنها ج ٌّ َّ
ف ِإَّن َك م َن اآلمن َ
ين وس ٰى أَ ْقِب ْل َوالَ تَ َخ ْ
ٰم َ
ِ
آن َول ٰى ُم ْدب اًر َوَل ْم ُي َعق ْب ي ُ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ
ِِ ِ
ف ِإَّن َك م َن اآلمن َ
ين} [اآلية.]31 : وس ٰى أَ ْقِب ْل َوالَ تَ َخ ْ
ٰم َ
قوله تعالى{ :ي ُ
قال سرى السقطى رحمة هللا عليه :الخوف على ثالثة أوجه خوف فى الدنيا وهو خوف العامة ،وخوف عارض عند
تالوة القرآن ،وخوف عاجل ينحل القلب ويهدم البدن ويذهب النوم وهو الخوف الحقيقى.
اف أَن ُي َك ِذُبو ِن َخي هارون هو أَ ْفصح ِمِني لِساناً َفأَرِسْله م ِعي ِرْدءاً ي ِ ِ ِ
صد ُقني ِإني أ َ
َخ ُ َ ُ ُ َُ َ ُ
وأ ِ
َُ ْ ُ َ َ َ َ
على:
صُلو َن ِإَل ْي ُك َما ِب َآي ِاتَنآ أَنتُ َما َو َم ِن اتََّب َع ُك َما اْل َغالُِبو َن
طاناً َفالَ ي ِ
َ يك َوَن ْج َع ُل َل ُك َما ُسْل َ ِ
ك ِبأَخ َ ال َسَن ُشُّد َع ُ
ض َد َ َق َ
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :نزع عن أشرارهم التوفيق وأنوار التحقيق فهم فى ظلمات نفوسهم ال يدلون على سبيل
فسماهم هللا أئمة يدعون إلى النار.
الرشد وال يسلكونه َّ
ُّ
ور ِإ ْذ َن َاد ْيَنا} [اآلية.]46 : قوله تعالى{ :وما ُك ْنت ِبج ِان ِب ُّ
الط ِ َ َ ََ
قال ابن عطاء :أجبنا سؤال من دعانا على الطور وجعلنا ما طلبه ألمتك إجالالً لقدرك وعظم محلك.
وحكى عن أبى يزيد رحمة هللا عليه :أنه قرئت هذه اآلية بين يديه فقال :الحمد هلل الذى لم أكن ثم سئل بعضهم عن
معنى قوله هذا؟ فقال :معناه كيف كنت أستحق سماع النداء وجوابه فجاء به الحق عنا ألطف ونيابته عنا أتم ،هذا
معناه وهللا أعلم بالصواب.
قال أبو عثمان :كل شىء ما سوى القرآن وذكر هللا فهو لغو.
وقال بعضهم :اللغو متابعة النفس فيما تشتهيه .واللغو غفلة الروح عن موارد القدرة ومصادرها .قال حمدون :اللغو
ذكر الخلق.
طبعا وإنما سئل الهداية لمن يحبه فتكون محبتك له حقيقة؛ ألنك ال
قال ابن عطاء :إنك ال تسأل الهداية لمن تحبه ً
تحب على الحقيقة إالَّ من يحبه فإن قيل محبة النبى صلى هللا عليه وسلم إلسالم أبى طالب قيل ذلك محبة طبع ال
محبة حقيقية ،ومحبة الحقيقة كما أحب عمر وأحب له اإلسالم فأسلم.
َّللاِ َخ ْيٌر َوأ َْبَق ٰى أََفالَ تَ ْعِقُلو َن َو َمآ أُوِتيتُم ِمن َشي ٍء َف َمتَاعُ اْل َحَي ِاة ُّ
الد ْنَيا َوِز َينتُ َها َو َما ِع َند َّ
ْ
َّللاِ َخ ْيٌر َوأَْبَق ٰى} [اآلية.]60 : {و َمآ أُوِتيتُم ِمن َشي ٍء َف َمتَاعُ اْل َحَي ِاة ُّ
الد ْنَيا َوِز َينتُ َها َو َما ِع َند َّ قوله تعالىَ :
ْ
قال النصرآباذى :الخلق كلهم عبدة النعم والغريب والعزيز فيهم من يعبد المنعم ومن انقطع عن هللا بأى شىء انقطع
منقطعا عنه بطاعته وجنته.
ً فهو مغبون وإن كان
َّللاِ َخ ْيٌر َوأ َْبَق ٰى} خاطب به العوام وقال {و َمآ أُوِتيتُم ِمن َشي ٍء َف َمتَاعُ اْل َحَي ِاة ُّ
الد ْنَيا َوِزيَنتُ َها َو َما ِع َند َّ قال هللا تعالىَ :
ْ
و{َّللاِ َخ ْيٌر َوأ َْبَق ٰى}.
للخواص َّ
{و َمآ أُوِتيتُم ِمن َشي ٍء َف َمتَاعُ اْل َحَي ِاة ُّ
الد ْنَيا َوِز َينتُ َها}. قال هللا تعالىَ :
ْ
".
سمعت عبد هللا الرازى يقول :سمعت أبا عثمان يقول :ألن يغنيك عنها خير من أن يغنيك بها.
ضلِ ِه} [اآلية.]73 : ِ ِِ {و ِمن َّر ْح َمِت ِه َج َع َل َل ُكم اْلَّلْي َل َو َّ
الن َه َار لِتَ ْس ُكُنوْا فيه َولِتَبتَ ُغوْا من َف ْ ُ قوله تعالىَ :
قال الحسين :من عرف من أين جاء علم أن يذهب ،ومن علم ما يصنع علم ما ُيصنع به ،ومن علم ما ُيصنع به علم
ما يراد به ومن علم ما يراد به علم ما له ومن علم ما له علم ما عليه ومن علم ما عليه علم ما معه ومن لم يعلم من
{و ِمن َّر ْح َمِت ِه
أين جاء وأين هو وكيف هو ولمن هو وإلى أين هو فذاك ممن أهمل أوقاته وترك ما ندبه هللا إليه بقولهَ :
َج َع َل َل ُكم اْلَّلْي َل َو َّ
الن َه َار }...اآلية. ُ
ض َّل َع ْن ُه ْم َّما َك ُانوْا َيْفتَ ُرو َن ِِ ُم ٍة َش ِهيداً َفُقْلَنا َهاتُوْا ُب ْرَه َان ُك ْم َف َعلِ ُموْا أ َّ
َوَن َز ْعَنا ِمن ُك ِل أ َّ
َن اْل َح َّق ََّّلل َو َ
وليا فأطلعناه على أسرار قربنا ثم ِأذناك له فى البرهان فأظهر البرهان لنا ،فعلم
قال بعضهم :أخرجنا من كل قوم ً
الخلق أن ال قيام ألحد بنفسه وال يخبر عن الحق سواه وال يجيب عن سؤاله غيره وال يقوى على مخاطبته إالَّ من أيَّده
بتأييد خاص.
ِِ وز مآ ِإ َّن مَف ِاتحه َلتنوء ِباْلع ِ ِ ِ ِإ َّن َقارو َن َك ِ
صَبة أ ُْولِي اْلُقَّوة إ ْذ َق َ
ال َل ُه َق ْو ُم ُه َ َ ُ َُ ُ ُ ْ وس ٰى َفَب َغ ٰى َعَل ْيه ْم َوآتَْيَناهُ م َن اْل ُكُن ِ َ
ان من َق ْو ِم ُم َ َ ُ
ِ ِ الَ تَْف َرْح ِإ َّن َّ
َّللاَ الَ ُيح ُّب اْلَف ِرح َ
ين
وس ٰى َفَب َغ ٰى َعَل ْي ِه ْم} [اآلية.]76 : قوله تعالىِ{ :إ َّن َقارو َن َك ِ
ان من َق ْو ِم ُم َ
َ ُ
الدار ِ ِ
اآلخ َرَة} [اآلية.]77 : َّللاُ َّ َ
اك َّ
يمآ آتَ َ
{و ْابتَ ِغ ف َ
قوله تعالىَ :
قال أبو عثمان :من لم يجعل حظه من دنياه آخرته ومن آخرته ربه فقد خاب سعيه ،وبطل عمله ونصيب العبد من
ديناه حفظ حرمات هللا وحرمة أوليائه والشفقة على عامة أوليائه وعباده.
ص َيب َك ِم َن ُّ
الد ْنَيا} [اآلية.]77 : قوله تعالى{ :والَ تَنس ن ِ
َ َ َ
قال بعضهم :أمره أن يأخذ من ماله قدر عيشه وإن تقدم ما سوى ذلك آلخرته.
ص َيب َك ِم َن ُّ
الد ْنَيا} قال :ال تغفل عن عمرك فى الدنيا أن وسئل سفيان الثورى رحمة هللا عليه عن قوله{ :والَ تَنس ن ِ
َ َ َ
تعمل بالطاعة.
وقال الجنيد رحمة هللا عليه فى هذه اآلية :ال تترك إخالص العمل هلل فى الدنيا فهو الذى يقربك منه ويقطعك عما
سواه.
قال القيم :اصرف وجهك عن الكل باإلقبال عليه كما أحسن هللا إليك حيث جعلك من أهل معرفته ،وأحسن مجاورة
معرفته فإنه أحسن إليك حيث أنعم عليك باإليمان وهو من أعم النعم ،وأحسن جوار نعمه فإنه أحسن إليك فى أن
َّ
وفقك لخدمته ،وأحسن القيام بواجب عبوديته وإخالص خدمته.
َشُّد ِم ْن ُه ُقَّوًة َوأَ ْكثَُر َج ْمعاً َوالَ ِ ال ِإَّن َمآ أُوِتيتُ ُه َعَل ٰى ِعْل ٍم ِع ِندي أ ََوَل ْم َي ْعَل ْم أ َّ
َهَل َك ِمن َقْبِله ِم َن اْلُق ُرو ِن َم ْن ُه َو أ َ
َّللاَ َق ْد أ ْ
َن َّ َق َ
َل َعن ُذُنوب ِِهم اْل ُم ْج ِرُمو َن ُي ْسأ ُ
ُ
قوله تعالىِ{ :إَّن َمآ أُوِتيتُ ُه َعَل ٰى ِعْل ٍم ِع ِندي} [اآلية.]78 :
ترى هللا تعالى كيف حكى عن قارون {ِإَّن َمآ أُوِتيتُ ُه َعَل ٰى ِعْل ٍم ِع ِندي} نسى الفضل وادعاها لنفسه فضالً فخسف هللا به
ظاهر فكم قد خسف باألسرار وصاحبها ال يشعر بذلك وخسف األسرار هو منع العصمة والرد إلى الحول ًا األرض
والقوة وإطالق اللسان بالدعوى العريضة والعمى عن رؤية الفضل والقعود عن القيام بالشكر على ما أولى وأعطى
حينئذ يكون وقت الزوال.
الد ْنَيا ٰيَل ْي َت َلَنا ِم ْث َل َمآ أُوِتي َقا ُرو ُن ِإَّن ُه َل ُذو َح ٍظ َع ِظي ٍم َفخرج عَلى َقو ِم ِه ِفي ِزينِت ِه َق َّ ِ
َ ين ُي ِر ُيدو َن اْل َحَي َ
اة ُّ ال الذ َ
َ َ ََ َ َ ٰ ْ
قوله تعالىَ { :ف َخ َرَج َعَل ٰى َق ْو ِم ِه ِفي ِز َينِت ِه} [اآلية.]79 :
قال ابن عطاء رحم ة هللا عليه :أزين ما تزين به العبد المعرفة ومن نزلت درجاته عن درجات العارفين فأزين ما تزين
به طاعة ربه ومن َّتزين بالدنيا فهو مغرور فى زينته.
سمعت عبد هللا الرازى يقول :سمعت أبا عثمان يقول وقد سأله رجل فى مجلسه :أى الزينة أجمل؟ قال :األخالق
الجميلة لو كان يفوقها شىء لزين بها حبيبه حيث قال :
اهآ ِإالَّ َّ َّللاِ َخير لِم ْن آمن وع ِمل ِ ِ وَق َّ ِ
الصاِب ُرو َن صالحاً َوالَ ُيَلَّق َ
اب َّ ْ ٌ َ َ َ َ َ َ َ ين أُوتُوْا اْلعْل َم َوْيَل ُك ْم ثََو ُ
ال الذ َ
َ َ
آم َن}. ِ قوله عز وجل{ :وَقال َّال ِذين أُوتوْا اْل ِعْلم ويَل ُكم ثَواب َّ ِ
َّللا َخ ْيٌر ل َم ْن َ َ َْ ْ َ ُ َ ُ َ َ
قال بعضهم :العالم بربه من يرى دوام نعمته وتتابع اآلية وقصور شكره عن نعمه وإفالسه عما يظهر منه هذه صفة
العلماء باهلل.
ِ ِ ِ ين الَ ُي ِر ُيدو َن ُعُلواً ِفي األ َْر ِ َِّ ِ ِ ِتْل َك َّ
ض َوالَ َف َساداً َواْل َعاقَب ُة لْل ُمتَّق َ
ين الد ُار اآلخ َرةُ َن ْج َعُل َها للذ َ
قال يحيى بن معاذ رحمة هللا عليه :الدنيا خمر إبليس من شرب منها شربة ال يفيق إال فى عسكر القيامة.
مقتضيا منهم االعتراف له بالعبودية عدالً إذ لم يكونوا فكونهم نصيب القلب المعرفة
ً قال شاه :إن هللا خلق الخلق
ب وحدانيته ونصيب اللسان اإلقرار بفردانيته ونصيب الجوارح الخضوع له بحسن الطاعة والتواضع والتذلل فأرفعهم عند
غدا ألزمهم للذل اليوم.
عز ً
اضعا فى نفسه وأعزهم ًا
هللا أشدهم تو ً
قال أبو عثمان :الفساد األمن من المكر والكبر والفخر والعجب وأصل ذلك كله من الجهل ومن العجب ،والجهل
يكون الكبر وطلب العز فى الدنيا وطلب العلو فى الناس والعز هو الذى يتولد منه العجب.
أحدا أدون ممن يتزين لدار فنائه ويتجمل الى من ال يملك خيره ونفعه.
قال حمدون :ال ً
أخبرنا محمد بن أحمد بن نفيل الرازى قال :حدثنا العباس بن حمزة قال :حدثنا أحمد بن أبى الحوارى قال :قال أحمد
الدار ِ ِ
اآلخ َرةُ} قال :لمن لم يجزع من ذلها ولم ينافس فى عزها. بن وديع :قال أبو معاوية فى هذه اآلية{ :تْل َك َّ ُ
السِيَئ ِ
ات ِإالَّ َما َك ُانوْا َي ْع َمُلو َن ين َع ِمُلوْا َّ َّ ِ من جآء ِباْلحسن ِة َفَله خير ِمنها ومن جآء ِب َّ ِ
السِيَئة َفالَ ُي ْج َزى الذ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ ٌْ ْ َ َ َ َ َ
وقال :معرفة هللا بالوحدانية أصل الحسنات وبها تكون الحسنة حسنة.
وقال :ومن ُقبلت من ه حسنة سقط عنه رؤيتها وفتحت عليه رؤية المنة وهى خير من الحسنة التى وفق لها.
قال ابن عطاء :إن الذى يسر عليك القرآن قادر أن يردك إلى وطنك الذى منه ظهرت حتى يشاهدك سرك على دوام
أوقاتك.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :إلى حيث شاهد روحك والى الكرم الذى أظهرك منه.
آخ َر الَ ِإَلـ َٰه ِإالَّ ُه َو ُك ُّل َشي ٍء َهالِ ٌك ِإالَّ َو ْج َه ُه َل ُه اْل ُح ْكم َوِإَل ْي ِه تُ ْرَج ُعو َن والَ تدع مع َّ ِ
َّللا ِإَلـٰهاً َ َ َْ ُ َ َ
ُ ْ
{ك ُّل َشي ٍء َهالِ ٌك ِإالَّ َو ْج َه ُه} [اآلية.]88 :
قوله تعالىُ :
ْ
قال الواسطى رحمة هللا عليه :إذا تحقق ذلك عنده أخذ العبد من العبد بقيام الحق به.
صب البلوىقال ابن عطاء :ظن الخلق أنهم يتركون مع دعاوى المحبة وال يطالبون بحقائقها فحقائق المحبة هى َ
على المحب وتلذذه بالبالء فبالء يلحق جسده وبالء يلحق قلبه وبالء يلحق سره وبالء يلحق روحه فبالء النفس فى
الحمى فى الحقيقة ضعفها عن القيام بخدمة القوى العزيز بعد مخاطبته إياه بقولهَ :
{و َما َخَلْق ُت الظاهر األمراض و ُ
نس ِإالَّ لَِي ْعُب ُدو ِن}[،الذاريات ]56 :وبالء القلب تراكم الشوق ومراعاة ما يرد عليه فى وقت بعد وقت من ربه اْل ِج َّن و ِ
اإل َ َ
والمحافظة ع لى أحواله مع الحرمة والهيبة ،وبالء السر مع من ال مقام للخلق معه والرجوع إلى من ال وصول للخلق
إليه وبالء الروح الحصول فى القبضة واالبتالء بالمشاهدة وهذا ما ال طاقة ألحد فيه.
عرضا.
عبدا جعله للبالء ً
قال بعض السلف :إن هللا إذا أحب ً
آمَّنا} بالدعاوى وهم ال يجربون البالء. قال عبد العزيز المكى{ :أَ َح ِس َب َّ
اس أَن ُي ْت َرُكوْا أَن َيُقوُلوْا َ
الن ُ
ِ وَلَقد َفتََّنا َّال ِذين ِمن َقبلِ ِهم َفَليعَلم َّن َّ َّ ِ
ص َد ُقوْا َوَلَي ْعَل َم َّن اْل َكاذِب َ
ين ين َ
َّللاُ الذ َ ْ ْ َْ َ َ َ ْ
قال ابن عطاء :تبين صدق العباد من كذبهم فى أوقات الرخاء والبالء من شكر فى أيام الرخاء وصبر فى أيام
البالء فهو من الصادقين .ومن نظر فى أيام الرخاء وجزع فى أيام البالء فهو من الكاذبين.
وقال الواسطى رحمة هللا عليه :هب أنك تنجو من النفس والهوى ومن الناس والرياء فكيف تنجو من الحكم والقضاء
آمَّنا َو ُه ْم الَ ُيْفتَُنو َن}. َح ِس َب َّ
اس أَن ُي ْت َرُكوْا أَن َيُقوُلوْا َ
الن ُ قال هللا تعالى{ :الـم أ َ
قال عبد العزيز المكى :جربناهم فيما َّادعوا فتبين الصادق من الكاذب عند التجربة.
ونا َسآء َما َي ْح ُك ُمو َن ِ أَم ح ِسب َّال ِذين يعمُلون َّ ِ ِ
السيَئات أَن َي ْسبُق َ َ َ َْ َ َ ْ َ َ
قوله تعالى{ :أَم ح ِسب َّال ِذين يعمُلون َّ ِ
السِيَئات أَن َي ْسِبُق َ
ونا} [اآلية.]4 : َ َْ َ َ ْ َ َ
قال القيم :أن يسبقونا ما كتبنا عليهم من محتوم القضاء وما قدرنا عليهم من ماضى الحكم فهم ساء ما يحكمون أى
بطل ما يعملون.
قال القتاد :المسىء محجوب القلب عن الدين مكشوف القلب بالدين ليشهد منافع عواقب الطاعات.
ِ َّللاِ ٍ
آلت وهو َّ ِ من َكان يرجوْا لَِقآء َّ ِ
يم
يع اْل َعل ُ
السم ُ َ َُ َّللا َفِإ َّن أ َ
َج َل َّ َ َ َْ ُ َ
َّللاِ ٍ
آلت} [اآلية.]5 : قوله تعالىَ { :فِإ َّن أ َ
َج َل َّ
قال الواسطى رحمة هللا عليه :ابتدأ الحق الخلق بالنعم تفضالً من غير استحقاق جلت نعمه وعطاياه أن تستجلبها
اه ُد لَِنْف ِس ِه}.
الحوادث بحال لكنه المبتدئ بالنعم والمتفضل بها قال هللا تعالى{ :ومن جاهد َفِإَّنما يج ِ
َ َ َ ََ َ ُ َ
قال أبو بكر بن طاهر أى يظهر على نفسه آثار العبودية وزينتها ال يطلب بها قربة إلى ربه فإن الحق ال يتقرب إليه
منه.
برأيه أو بما ُ
قال الواسطى رحمة هللا عليه :ال يؤذى فى هللا إال األنبياء وخواص األولياء واألكابر من العباد ومن تعززت نفسه نازع
هللا فى ربوبيته.
قال بعضهم :المؤمن كالذى يحمل األذى وينبت المرعى ال تجد راحلة فى األلف -والراحلة ما تحملك من غير مؤنة
-وال أذى يبلغك شهوتك وال تحملك مؤنة.
{وَلَي ْح ِمُل َّن أَ ْثَقاَل ُه ْم َوأَ ْثَقاالً َّم َع أَ ْثَقالِ ِه ْم} [اآلية.]13 :
قوله تعالىَ :
قال أبو بكر الوراق :وهم أعوان الظلمة والذين يصدقون األمراء الجائرون.
قال أبو عثمان :ما أرى هذه اآلية نزلت إال فى المدعين من غير حقيقة يحملون أثقالهم وأثقال من يقتدى بهم فى
دعاويهم ألن النبى صلى هللا عليه وسلم قال" :من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها
َّللاِ ِ
الرْز َق َّللاِ الَ َي ْملِ ُكو َن َل ُك ْم ِرْزقاً َف ْابتَ ُغوْا ِع َند َّ
ين تَ ْعُب ُدو َن ِمن ُدو ِن َّ َّ ِ ِإَّنما تعبدون ِمن دو ِن َّ ِ
َّللا أ َْوثَاناً َوتَ ْخُلُقو َن ِإ ْفكاً ِإ َّن الذ َ ُ َ َ ْ ُُ َ
ِ
اش ُك ُروْا َل ُه ِإَل ْيه تُ ْر َج ُعو َن
اعُب ُدوهُ َو ْ
َو ْ
َّللاِ ِ
الرْز َق} [اآلية.]17 : قوله تعالىَ { :ف ْابتَ ُغوْا ِع َند َّ
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :اطلبوا الرزق بالطاعة واإلقبال على العبادة.
قال يحيى بن معاذ :يعبدون هللا تعالى فى الدنيا على أربعة أوجه؛ عابد يعبده على العادة وتائب يعبده على الرحمة
ومشتاق يعبده على الرغبة وصديق يعبده على المحبة.
قال سهل رحمة هللا عليه :اطلبوا الرزق فى التوكل ال فى الكسب فإن طلب الرزق فى الكسب سبيل العوام.
ُي َع ِذ ُب َمن َي َشآء َوَي ْر َحم َمن َي َشآء َوإَِل ْي ِه تُْقَلُبو َن
ُ ُ ُ
آء} [اآلية.]21 : قوله تعالىِ :
آء َوَي ْر َح ُم َمن َي َش ُ
{ي َعذ ُب َمن َي َش ُ
ُ
قال أبو بكر الوراق يعذب من يشاء باشتغال الدنيا ويرحم من يشاء بالفراغ منها واإلعراض عنها.
آء} يعذب من يشاء بالحرص ويرحم من يشاء بالقناعة. قال بعضهمِ :
آء َوَي ْر َح ُم َمن َي َش ُ
{ي َعذ ُب َمن َي َش ُ
ُ
قال أبو عثمان :يعذب من يشاء بسوء الخلق ويرحم من يشاء بحسن الخلق.
قال بعضهم :يعذب من يشاء باإلعراض عن هللا ويرحم من يشاء باإلقبال عليه.
قال سهل :يعذب من يشاء بمتابعة البدع ويرحم من يشاء بمالزمة السنة.
قال بعضهم :يعذب من يشاء بأنه يبغضه إلى الخلق ويرحم من يشاء بأن يحببه إليهم.
قال جعفر :يعذب من يشاء بشتات الهموم ويرحم من يشاء بجمعها له.
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :إنى راجع إلى ربى من جميع مالى وقاصد إليه باالنفصال عما دونه وال يصح ألحد
الرجوع إليه وهو متعلق بشىء من الكون حتى ينفصل عن األكوان أجمع وال يتصل بها.
َّللاِ ِإن ان جواب َقو ِم ِه ِإالَّ أَن َقاُلوْا ا ْئِتَنا ِبع َذ ِ
اب َّ َ يل َوتَأْتُو َن ِفي َن ِاد ُ
يك ُم اْل ُم ْن َك َر َف َما َك َ َ َ َ ْ
ط ُعو َن َّ ِ
السب َ ال َوتَْق َ أَِئَّن ُك ْم َلتَأْتُو َن ِ
الر َج َ
ين ُكنت ِمن َّ ِ ِ
الصادق َ َ َ
سئل الجنيد رحمة هللا عليه :عن هذه اآلية قال :كل شىء يجتمع عليه الناس إال
قال أبو بكر بن طاهر :ال تأمرون بالمعروف وال تنهون عن المنكر.
اآلخرِة َل ِمن َّ ِ ِ
الد ْنيا وإَِّنه ِفي ِ قوله تعالى{ :وآتَيَناه أ ِ
ين} [اآلية ]27 :أى لمن الراجعين إلى مقام العارفين.
الصالح َ َ َ َج َرهُ في ُّ َ َ َُ ْ ُ ْ
نكب ِ ِ َّللاِ أَولِيآء َكمَث ِل اْلع َ ِ ِ ِ مَث ُل َّال ِذ َ َّ
وت َل ْو َك ُانوْا َي ْعَل ُمو َن نكُبوت اتَّ َخ َذ ْت َب ْيتاً َوِإ َّن أ َْو َه َن اْلُبُيوت َلَب ْي ُت اْل َع َ ُ َ ين ات َخ ُذوْا من ُدون َّ ْ َ َ َ َ
نكب ِ
وت اتَّ َخ َذ ْت َب ْيتاً} [اآلية.]41 : ِ
آء َك َمَثل اْل َع َ ُ ين اتَّ َخ ُذوْا ِمن ُدو ِن َّ ِ ِ َّ ِ
َّللا أ َْولَي َ {مَث ُل الذ َ
قوله تعالىَ :
قال :شواهد القدرة تدل على القادر وما يعقلها أى وال يثبتها إالَّ العالمون به وبأسمائه وصفاته ألنهم علماء السنة
والباقون علماء المنهج والعالم على الحقيقة من يحجزه علمه من كل ما ال يبحه العلم الظاهر.
قال بعضهم :تمام الصالة بترك الفحشاء والمنكر قبل الصالة وهو ألجل الجالل والتفكر فى عظمة هللا فإذا قمت إليها
قمت كأنك مذنب فترفع الحجاب فتقول هللا أكبر بعقاب الفحشاء ،ونيات المنكر.
قال جعفر :الصالة إذا كانت مقبولة فإنها تنهى عن مطالعات األعمال وطلب األعراض.
قال ابن عطاء :ذكر هللا أكبر من ذكركم له ألن ذكره بال علة وذكركم مشوب بالعلل واألمانى والسؤال.
قال أبو بكر الوراق :ذكر هللا لكم فى األزل أكبر من ذكركم له فى الوقت ،ألن ذكره لكم أطلق ألسنتكم بذكره.
وقال الواسطى رحمة هللا عليه :من شاهد نفسه فى ذكره شاهد نفسه فى مقابلة من ال يقابله شىء وهللا تعالى يقول:
َّللاِ أَ ْكَب ُر} من أن يقوم أحد فيه بحق العبودية فكيف بحق الربوبية؟
{ َوَل ِذ ْك ُر َّ
قال القاسم :ذكر هللا أكبر من أن تحويه أفهامكم وعقولكم وحقيقة الذكر طرد الغفلة فإذا لم يكن الغفلة فما وجه الذكر
ألنه أكبر من أن يلحقه ذكر أو تداينه إشارة؛ ألن اإلشارة يطلبها األين واألين يلحقها الحين.
أيضا :هللا أكبر من أن يبقى على صاحبه وذاكره شىء سوى مذكوره.
وقال ً
قال أبو سعيد الخراز فى هذه اآلية :أبيدت عنه الرسوم وأشكال الطبائع لما فيه من تدبير المحبة واالختصاص
خاليا عما فيه من
بخصائص القربة فلم يدنس لمرسوم ولم يرجع إلى معلوم لذلك لما َب َد َه ُه الحق أثر فيه حيث وجده ً
ِ
ِك} [العلقَ ]1 :سكن إليه وألفه لخلوه األغيار أال ترى أنه لما قيل له{ :ا ْق َأرْ} قال :ما أنا بقارئ فقيل له{ :ا ْق َأْر ب ْ
اس ِم َرب َ
عن التدنيس بالمرسومات.
ور َّال ِذين أُوتُوْا اْل ِعْلم وما يجحد ِبآي ِاتنآ ِإالَّ َّ
الظالِ ُمو َن ص ُد ِ ات بِيَن ٌ ِ
َ َ َ َ ْ َُ َ َ َ ات في ُ َب ْل ُه َو َآي ٌ َ
ين أُوتُوْا اْل ِعْل َم} [اآلية.]49 : قوله عز وعال{ :بل هو آيات بِينات ِفي صد ِ َّ ِ
ور الذ َ ُُ َ ْ َُ َ ٌ َ َ ٌ
قال أبو بكر :ظاهر علوم الدراية جعل وعاءها صدور العلماء الربانيين ،وآيات ذلك ظاهرة عليهم وأنوارهم مشرقة فيهم
اضيا ألحكام الحق عليه وموارد الحق إياه وأنوار هيبته تشتمل على قلوب حاضرة فال فال ترى ً
عالما مستعمالً بعلمه ر ً
يكون مجلسه إال مجلس أدب.
سمعت أبى يقول :يقول القناد :من صفت سريرته صفت عالنيته.
قال سهل رحمة هللا عليه :إذا عمل بالمعاصى والبدع فى أرض فاخرجوا منها إلى أرض المطيعين.
سمعت محمد بن الحسين البغدادى يقول :سمعت محمد بن أحمد بن سهل يقول :سمعت سعيد بن عثمان يقول:
سمعت ذا النون رحمة هللا عليه وعليهم يقول :صفة العبد المؤمن على الحقيقة هو خلع الراحة وإعطاء المجهود فى
الطاعات وحب سقوط المنزلة.
قال الجنيد رحمة هللا عليه :النفوس وإن عظم خطرها فإنها مردودة إلى قيمتها ال يثبت لها حال ما دامت قائمة بأنفسها
إال أن يغنى للحق شاهدها عنها ويحييها بشواهد إشهاد منه إياه إذ ذاك تحيا وتزول عنها العلل قال هللا عز وجل:
س َذ ِآئَق ُة اْل َم ْو ِت} ما دامت باقية قائمة بذواتها ثم إلينا ترجعون بما لنا فتسقط عنها العوارض والعلل ونقيمها
{ك ُّل َنْف ٍ
ُ
مقام الصدق.
قال محمد بن على :للصبر أول فإذا تحقق فى َّأوله واستكمل له مقامه َّأداه صبره إلى الشكر وإلى الرضا فمن صح
له مقام صح له صبر صح له مقام التوكل وغاية الصبر الرضا وهوايتها مقاماته والصبر مخرجه من اليقين ومن لم
قال أبو بكر الوراق :الصبر تلقى البالء الرحب والدعة سمعت عبد هللا بن على يقول :سمعت أبا العباس محمد بن
الحسين يقول :سمعت ابن أبى شيخ يقول :
سمعت أحمد بن أبى الحسين يقول :سئل أبو سعيد الخراز عن التوكل فقال :هو اضطراب بال سكون وسكون بال
اضطراب .قال الجريرى :وهذا قول حسن فى التوكل.
سمعت أبا عمرو بن مطر يقول :سمعت أبا بكر البردعى يقول :سمعت أبا يعقوب النهرجورى يقول :ال تجزعوا من
اك ْم}. التوكل فإنه عيش ألهله قال هللا تعالى{ :وَكأَِين ِمن دآب ٍ
َّة الَّ تَ ْح ِم ُل ِرْزَق َها َّ
َّللاُ َي ْرُزُق َها َوِإَّي ُ َ َ
قال أبو بكر بن طاهر :يرزقها بحسن اليقين ويرزقكم مع قلة اليقين.
سمعت أبا عمرو بن مطر يقول :سمعت أبا بكر البردعى يقول :سمعت أبا يعقوب النهرجورى يقول :أرزاق المتوكلين
على هللا تجرى بعلم هللا لهم بال شغل وغيرهم فيها مشغول ومتعوب.
اه ْم ِإَلى اْلَب ِر ِإ َذا ُه ْم ُي ْش ِرُكو َن ِ َفِإ َذا رِكبوْا ِفي اْلُفْل ِك دعوْا َّ ِ ِ
ين َفَل َّما َن َّج ُ
ين َل ُه الد َ
َّللاَ ُم ْخلص َ َ َُ َ ُ
ين} [اآلية.]65 : ِ قوله تعالىَ { :فِإ َذا رِكبوْا ِفي اْلُفْل ِك دعوْا َّ ِ ِ
ين َل ُه الد َ
َّللاَ ُم ْخلص َ َ َُ َ ُ
قال الجنيد رحمة هللا عليه :اإلخالص إنحياز القلب من الكل وخلو السر عن الجميع والعلم بأن الحق هو الذى يقبلك
بجميع عيوبك وينجيك مع جميع همومك وهو دليل مقام اإلخالص.
ين ِِ اه ُدوْا ِف َينا َلَن ْه ِدَيَّن ُه ْم ُسُبَلَنا َوإِ َّن َّ
َّللاَ َل َم َع اْل ُم ْحسن َ ين َج َ
َّ ِ
َوالذ َ
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :جاهدوا فى رضانا لنهدينهم الوصول إلى محل الرضوان.
قال بعضهم :الذين اتبعوا مخالفة أنفسهم فى حرمتنا لنكرمنهم بحالوة الخدمة وأنسها.
قال أبو عثمان :الطريق إلى هللا واضح والوصول إليه بالمجاهدة والمجاهرة بنظام النفس عن الشهوات ونزوع القلب
ٍ
حينئذ تصح لك المجاهدة. عن األمانى والشبهات وخلو السر عن النظر إلى الخلق والرجوع إلى رب السماوات
وسئل الجنيد عن هذه اآلية فقال :والذين جاهدوا فى التوبة لنهدينهم سبل اإلخالص.
وقال ابن عطاء رحمة هللا عليه :المجاهدة هى صدق االفتقار إلى هللا باالنقطاع عن كل ما سواه.
وقال عبد هللا بن المبارك :المجاهدة علم آداب الخدمة ال المداومة عليها وأدب الخدمة أعز من الخدمة.
قال بعضهم :الجهد فى غض البصر وحفظ اللسان وخطرات القلوب وجملة ذلك هو الخروج من عادات البشرية.
قال القيم :كل مجاهدة فى هللا كانت قبل اإليمان فهى حقيقة وكل مجاهدة بعد اإليمان باهلل فهى باطلة.
[الصافات ]96 :أى أوجدكم وأوجد أعمالكم بال شريك وال عون فالخلق قائمون بالحق.
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :سر مجرد مسائله مع الحق بإسقاط الكل عنه.
كل محتمل لثقل العبودية فى اختالف ما وضع هللا من فرض وفضل فهو داخل فى أحوال
قال محمد بن خفيفٌ :
المجاهدة.
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :المجاهدة على قدر الطاقة والعناية على قدر الكفاية.
قال جعفر :صدق االفتقار هو انفصال العبد من نفسه واتصاله بربه والمجاهدة تبرى العبد من جميع ما اتصل به
والمجاهدة بدل الروح على رضا الحق.
أيضا :من جاهد بنفسه لنفسه وصل إلى كرامة ربه .ومن جاهد بنفسه لربه وصل إلى ربه.
وقال ً
قال ذو النون رحمة هللا عليه :من اجتهد فى هللا هلل من غير أن يلتفت عند االجتهاد إلى غير هللا وجد الطريق من هللا
الى هللا فإن مع االجتهاد النصرة والتعبد.
قال عبد العزيز المكى :اجتهدوا فى سبل الظاهر فهداهم الى سبل الباطن وأنا أتعجب ممن يعجز عن ظاهره وهو
يطمع فى باطنه.
سمعت النصرآباذى يقول :سمعت أبا أسحاق ابن عائشة يقول :قال أبو سعيد القرشى :خرجت هداية المريد من المراد
صر ٍ
اط ُّم ْستَِقيمٍ} [البقرة.]142 : ِ قال هللا تعالىِ :
آء ِإَل ٰى َ
{ي ْهدي َمن َي َش ُ
َ
قال أبو بكر بن طاهر :لنهدينهم السبيل إلينا .قال بعضهم تقربوا إلى هللا بإقبال القلوب عليه.
اه ُدوْا ِف َينا} فى طلبنا تحرًيا لرضانا {َلَن ْه ِدَيَّن ُه ْم ُسُبَلَنا} سبل الوصول إلينا.
ين َج َ
وقيل فى قولهِ َّ :
{والذ ََ
ين ََِّّللِ األ َْم ُر ِمن َقْب ُل َو ِمن َب ْع ُد َوَي ْو َمِئ ٍذ َيْف َرُح اْل ُم ْؤ ِمُنو َن ِِ ِ
في ِب ْ
ض ِع سن َ
قوله تعالىََِّّ{ :للِ األ َْم ُر ِمن َقْب ُل َو ِمن َب ْع ُد} [اآلية.]4 :
قال :من قبل كل شىء ومن بعد كل شىء ألنه المبدئ والمعيد.
قال بعضهم :من ركن إلى الدنيا حجب عن اآلخرة ،ومن ركن إلى اآلخرة حجب عن هللا ،لذلك قال النبى صلى هللا
عليه وسلم" :من أصبح وهمه غير هللا فليس من هللا
".
وقال صلى هللا عليه وسلم" :من أحب دنياه أضر بآخرته
".
قال القاسم :من كان عن اآلخرة غافالً فهو عن هللا أغفل ومن كان غافالً عن هللا فقد سقط من درجات المتعبدين.
ظروْا َكيف َكان ع ِاقب ُة َّال ِذين ِمن َقبلِ ِهم َكانوْا أ َ ِ سيروْا ِفي األ َْر ِ
وهآ أَ ْكثََر َشَّد م ْن ُه ْم ُقَّوًة َوأَثَ ُاروْا األ َْر َ
ض َو َع َم ُر َ ْ ْ ُ َ ض َفَين ُ ُ ْ َ َ َ َ أ ََوَل ْم َي ُ
ظِل ُمو َن ظلِ َم ُه ْم َوَلـ ِٰكن َك ُانوْا أ ُ
َّللاُ لَِي ْ ِ ِ
َنف َس ُه ْم َي ْ آء ْت ُه ْم ُرُسُل ُهم ِباْلَبِيَنات َف َما َك َ
ان َّ وها َو َج َ
م َّما َع َم ُر َ
ين ِمن َقْبلِ ِه ْم} [اآلية.]9 : ِ َّ ِ سيروْا ِفي األ َْر ِ
ان َعاقَب ُة الذ َ
ف َك َ
ظ ُروْا َك ْي َ
ض َفَين ُ قوله تعالى{ :أ ََوَل ْم َي ُ
َّللاِ َوَك ُانوْا ِب َها َي ْستَ ْه ِزُئو َن َى أَن َك َّذبوْا ِبآي ِ
ات َّ السوأ ٰ
اءوْا ُّ ِ َّ ِ
ُ َ َس ُ
ين أ َ
ان َعاقَب َة الذ َ
ثُ َّم َك َ
ِ َّ ِ
اءوْا
َس ُ
ين أ َ قال أبو على الجوزجانى :المسىء ينتظر اإلساءة إلى أن يتداركه العفو أال ترى هللا يقول{ :ثُ َّم َك َ
ان َعاقَب َة الذ َ
وء ٰى} اإلساءة إنفاق العمر فى الباطل والسوء إنفاق رزقه فى المعاصى وإنفاق حياته فى متابعة هواه. الس َ
ُّ
مجموع السر ينقلب إلى محل السعادة ومن كان تفرقه إلى فرقة كان متفرق السر ثم ال يألف الحق ً
أبدا ويرجع إلى
محل أهل الشقاوة.
قال جعفر :باهلل فابدأ صباحك وبه فاختم مساءك فمن كان به ابتداؤه وإليه انتهاؤه ال يشقى فيما بينهما.
قال القاسم :بين أنه متولى خلقه وأن خلقته إياهم من جماد ال حركة له وإنما حركها خالقها ألنه ليس من طبعه أن
شيئا من أفعاله وال ينظر إلى شىء سوى ربه.
يتيسر بنفسه ذكر ذلك لئال يعتمد العبد ً
{ي ْخ ِرُج اْل َح َّي ِم َن اْل َمِي ِت َوُي ْخ ِرُج اْل َمِي َت ِم َن اْل َح ِي} [اآلية.]19 :
قوله تعالىُ :
قال بعضهم :يخرج أولياءه من بين أعدائه ويخرج أعداءه من بين أوليائه لئال يعتمد
ولى على واليته وال يقنط عدو فى عداوته فأبهم العواقب ولم يكشف إال لنبى أو لخاص ولى.
قال :الكل له فمن طلب البعض من الكل من غيره فقد أظهر نذالته وأنبأ عن قدره ومحله.
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :الظالم من أتبع نفسه هواها ومن فعل ذلك أعرض عن الحق ومن أعرض عن الحق
حرم عليه الرجوع الى الحق فإن الحق عزيز والطريق إليه عزيز.
قال أبو على الجوزجانى :دعا هللا عباده إلى اإلخالص من كل وجه وأخبر أن من كان فى ظاهره وباطنه شىء غير
مخلصا.
ً الحق لم يكن
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :الفطرة ما فطرهم عليه وثبتها فى اللوح المحفوظ .وقال خلقة هللا التى خلق الناس
ين اْلَقِي ُم} قال الطريق ِ ِ
عليها ،وما جالهم به فى األزل من السعادة والشقاوة فال يبدل عنده القول فيهم وال يغير { َذل َك الد ُ
شيئا ،ومن نظر إلى نفسه وأحواله الواضح ألهل الحقائق فمن نظر إلى سابق القضاء علم أن أفعاله ال تؤثر فيه ً
وأفعاله فهو رهين فعله وأسير نفسه.
قال الجنيد رحمة هللا عليه :خلق لإلنسان عقوالً وركب عليه الرأس وجعله تاج الجسم وجعل فيه أربعة سمعه وبصره
شاكر بنعم الفم وإذا غض اإلنسان بصره
ًا ولسانه وفمه فإذا سكت اإلنسان عن فضول الكالم وتال بلسانه القرآن كان
شاكر لنعمة العين كذلك فى جميع األعضاء.
ًا عن فضول النظر كان
ِ
ونوْا م َن اْل ُم ْش ِرِك َ
ين الصالَ َة َوالَ تَ ُك ُ
يموْا َّ ِ مِنيِب َ ِ ِ َّ
ين إَل ْيه َواتُقوهُ َوأَق ُ ُ
وقال بعضهم :اإلنابة الرجوع منه إليه ال من شىء غيره فمن رجع من غيره إليه ضيع إحدى طرفى إنابته على
بحا ال
الحقيقة من لم يكن له رجع سواه فرجع إليه من رجوعه ثم رجع من رجوع رجوعه ثم فنى من رجوعه فبقى ش ً
مستغفر فى عين الجمع قطع عنه سبل الفرقة واإلخبار عن األكوان وهذا ممن وصفه
ًا قائما بين يدى الحق
وصف له ً
أبو سعيد الخراز فى مقام الصمدية.
ض ِعُفو َن َّللاِ ومآ آتَيتُم ِمن َزَك ٍاة تُ ِريدون وجه َّ ِ ِ ِ ومآ آتَيتُم ِمن ِرباً لِيربوْا ِفي أَمو ِ
ال َّ ِ
َّللا َفأ ُْوَلـٰئ َك ُه ُم اْل ُم ْ ُ َ ََْ الناس َفالَ َي ْرُبوْا ع َند َّ َ َ ْ ْ َْ َ ْ َُ ََ ْ ْ
وقع التضعيف إلرادة وجه هللا به ال إليتاء الزكاة والزكاة زكاة البدن فى تطهيره من المعاصى وزكاة ماله فى تطهيره
من الشبهات.
يك ْم َه ْل ِمن ُش َرَك ِآئ ُك ْم َّمن َيْف َع ُل ِمن َٰذلِ ُك ْم ِمن َشي ٍء ُس ْب َح َان ُه َوتَ َعاَل ٰى َع َّما
َّللاُ َّال ِذي َخَلَق ُك ْم ثُ َّم َرَزَق ُك ْم ثُ َّم ُي ِميتُ ُك ْم ثُ َّم ُي ْحِي ُ
َّ
ْ
ُي ْش ِرُكو َن
{َّللاُ َّال ِذي َخَلَق ُك ْم ثُ َّم َرَزَق ُك ْم ثُ َّم ُي ِميتُ ُك ْم} [اآلية.]40 :
قوله تعالىَّ :
قال الحسين :خلقكم بقدرته ورزقكم معرفته وأماتكم عن األعيان وأحياكم به .وقال :الرزق فى الدنيا الحياة واللذة ثم
الشهوة والعيش والرزق فى اآلخرة المغفرة والرضوان ثم تكون بعدهما الدرجات.
جركم إلى جميع ما قصد بكم ثم يميتكم ثم يحييكم باالستثارة والتجلى ثم رزقكم
وقال الواسطى رحمة هللا عليه :أى َّ
الطاعة والعلم به ثم يميتكم عما سبق منه إليكم ثم يحييكم -أى ينبهكم عن أوائلكم -ثم إليه ترجعون تحت أسر
القوة.
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :رزقكم العلم به والرجوع إليه.
قال سهل :أفضل رزق العبد سكونه مع ارزقه .وقال جعفر :خلقكم ثم رزقكم جر كلكم إلى إظهار الربوبية فيكم ثم
يميتكم ثم يحييكم باالستثارة والتجلى.
قال أبو الحسين الوراق :أخبر هللا عن ابتداء خلقك أنه خلقك ثم أخبرك أنه سواك ثم أخبر أنه رزقك ثم أخبر عن
فنائك أنه يميتك ثم أخبر عن بعثك أنه يحييك فهو األول فى خلقك ورزقك وموتك وحياتك لترجع إليه فى جميع
مهماتك وال تخرج عن سواه فإنه ال يقدر أحد على هذه األحوال غيره وحاجات الخلق قائمة إليه كحاجتك فاعبد من
قال ا لواسطى رحمة هللا عليه :البر النفس والبحر القلب .وفساد النفس متعلق بفساد القلب فمن لم يعمل فى إصالح
قلبه بالتفكر والمراقبة وفى إصالح نفسه بأكل الحالل ولزوم األدب ظهر الفساد فى ظاهره وباطنه.
خطر.
نفعا وأكبر ًا
قال سهل :مثل هللا الجوارح بالبر ومثل القلب بالبحر وهو أعظم ً
قال الواسطى رحمة هللا عليه :البر ما ظهر من النعوت والصفات والبحر ما استتر من الحقائق .وقيل فى البر والبحر
علما الظاهر بالتأويالت الفاسدة والبحر :أى على
إنه السرائر والظواهر .وقيل ظهر الفساد فى البر :أى على لسان ً
لسان أهل الحقائق بالدعاوى الباطلة.
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا بكر بن طاهر يقول :البر اللسان والبحر القلب.
وقال سهل :قوام الدين شىء واحد وهو اتباع األوامر ولزوم السنة.
وسئل الدقاق :بماذا يقوم الرجل اعوجاجه؟ قال :بالتأدب بإمام فإنه إن لم يتأدب بإمام بقى بطاال وأحواله باطلة.
وقال أبو عثمان :اسلك سلوك أهل االستقامة يوصلك إلى طريق أهل االستقامة وهو القيام مع هللا بالدين القيم كما قال
ين اْلِقِيمِ}. ِِ ِ
هللا تعالىَ { :فأَق ْم َو ْج َه َك للد َ
وقال بعضهم :يرسل عليك رياح فضله تبشرك بالنجاة من مخاوف عدله.
وقال ابن عطاء :يرسل الرياح المكنونة فى خزائنه على أهل صفوته فيبشرهم بمحل التمكن والتمكين.
قال النصرآباذى :هو أن يظهر عليك أوائل االسترواح إلى ذكره فيكون ذلك بشارة بالوصول إلى المذكور.
وقال القاسم :ومن إظهار قدرته بركات أنفاس األولياء على متبعيهم وحياة رحمته عليهم فيبشرهم بفوائد أنوار الغيوب
ويحميهم ويصونهم من جميع العيوب.
وقال الحسين :من عالمات ربوبيته أن يرسل رياح شفقته إلى قلوب أوليائه مبشرة لهم بهتك حجب االحتشام ليطئوا
بساط المودة من غير حشمة فيسقيهم على ذلك البساط شراب األنس وتهب عليه رياح الكرم فيفنيهم عن صفاتهم
احدا ويحليهم بصفاته ويفوته فإن بساط الحق ال يطأه من هو مقيم على حد االفتراق حتى يرى العيون كلها ً
عينا و ً
ويرى ما لم يكن كما لم يكن وما لم يزل كما لم يزل.
ض َب ْع َد َم ْوِت َهآ ِإ َّن َذلِ َك َل ُم ْح ِي اْل َم ْوتَ ٰى َو ُهَو َعَل ٰى ُك ِل َشي ٍء َق ِد ٌير ظر ِإَلى آثَ ِار رحم ِت َّ ِ
ْ ف ُي ْح ِي األ َْر َ
َّللا َك ْي َ ََْ َفان ُ ْ ٰ
وقال الجنيد -رحمة هللا عليه :-مثل فضل هللا على عباده مثل غيث السماء أنزله أحيا به ميت األراضين كذلك
ض َب ْع َد ظر ِإَلى آثَ ِار رحم ِت َّ ِ
ف ُي ْح ِي األ َْر َ
َّللا َك ْي َ ََْ ُيحيى هللا بالسنة الحكمة ما مات من قلوب أهل الغفلة وهو قولهَ { :فان ُ ْ ٰ
َم ْوِت َهآ ِإ َّن َذلِ َك َل ُم ْح ِي اْل َم ْوتَ ٰى} أى لمحيى األنفس الميتة بالشهوات والقلوب الميتة بالغفلة بأنوار معرفته وآثار هدايته.
َّ
آء ِإ َذا َول ْوْا ُم ْدِب ِر َ
ين َفِإَّن َك الَ تُ ْس ِم ُع اْل َم ْوتَ ٰى َوالَ تُ ْس ِم ُع ُّ ُّ
الص َّم الد َع َ
قوله تعالىَ { :فِإَّن َك الَ تُ ْس ِم ُع اْل َم ْوتَ ٰى} [اآلية.]52 :
قال ابن عطاء -رحمة هللا عليه :-لن يسمع دعاءك إال من أسمعناه فى األزل خطابنا
ووفقناه لجواب الخطاب على الصواب فإذا سمع خطابك أجابك بالجواب األول ألن الخطابين واحد أحدهما بسبب
وواسطة واآلخر عن المسبب والمشاهدة.
ضالََلِت ِه ْم ِإن تُ ْس ِم ُع ِإالَّ َمن ُي ْؤ ِم ُن ِب َآي ِاتَنا َف ُه ْم ُّم ْسلِ ُمو َن ِ
َنت ِب َهاد اْل ُع ْم ِي َعن َ
َو َمآ أ َ
قال جعفر :إظهار آيات رساالتك على من أظهره الحق عليه فى األزل آيات السعادة ،وحالَّه بحلية االختصاص
فيكون دعاؤك له دعاء تذكير فموعظة ال دعاء ابتداء؛ ألنه من لم تحركه السعادة فى األزل لم يمكنك أن توصله إلى
ضالََلِت ِه ْم}. ِ
َنت ِب َهاد اْل ُع ْم ِي َعن َ
{و َمآ أ َ
محل السعادة أنت الداعى المنذر وهللا الهادى أال تراه يقولَ :
ضعيفا أسير جوعه وصريع شبعه ورهين شهوة ال ينفك منها إال المعصومون.
ً قال بعضهم :خلق الخلق
قال أبو عثمان :من تحقق بما وعد هللا الصابرين من جميل الثواب وحسن العطاء هان عليه الصبر على المكاره ولم
يؤلمه المقام عليها.
سمعت أبا الحسين الفارسى يقول :سمعت عباس بن عاصم يقول سمعت الجنيد -رحمة هللا عليه -يقول :سمعت
حارث المحاسبى -رحمة هللا عليه -يقول :الصبر التهدف لسهام البالء.
قال ابن عطاء -رحمة هللا عليه :-أنوار الخطاب المحكم لك وعليك.
ين ِ ِِ
ُه ًدى َوَر ْح َم ًة لْل ُم ْحسن َ
سمعت عبد هللا الرازى يقول :كنت من كتاب أبى عثمان وذكر أنه من كالم شاه ثالث من عالمات الهدى:
االسترجاع عند المصيبة ،واالستكانة عند النعمة ،ونفى االمتنان عند العطية.
وقال أبو عثمان :كل كالم سوى كتاب هللا أو سنة رسول هللا أو سنن الصالحين فهو لهو.
قال بعضهم :اللهو من الكالم ما تحثك النفس عليه حًقا كان أم باطالً.
اش ُك ْر ََّّللِ َو َمن َي ْش ُك ْر َفِإَّن َما َي ْش ُك ُر لَِنْف ِس ِه َو َمن َكَف َر َفِإ َّن َّ
َّللاَ َغِن ٌّي َح ِم ٌيد ان اْل ِح ْك َم َة أ ِ
َن ْ َوَلَق ْد آتَْيَنا ُلْق َم َ
سمعت عبد هللا الرازى يقول :كتبت من كتاب أبى عثمان وذكر أنه من كالم شاه :ثالثة من عالمات الحكمة إنزال
النفس من الناس منزلتها عندهم وإنزال النفس كظنهم ووعظهم على قدر عقولهم فيقوموا بنفع حاضر.
سمعت عبد هللا الرازى يقول :كتبت من كتاب أبى عثمان وذكر أنه من كالم شاه :ثالثة من عالمات الشكر المقاربة
من اإلخوان فى النعمة ،واستغنام قضاء حوائجهم وبذل العطية من استقالل الشكر بمالحظة المنة.
قال أبو عثمان -رحمة هللا عليه -فى كتابه إلى محمد بن الفضل :والشكر معرفة العجز عن الشكر إجالالً هلل
وخضوعا لعظمته ثم بدأ تحديد النعمة عليه فى رؤية التقصير فى الشكر فيشكر فيكون هذا شكر الشكر ثم يشكر فى
ً
شكر الشكر على الشكر ثم يفتح هللا عين قلبه فيرى أنه ال نهاية للقيام بشكره والشكر على رؤية الشكر هو الشكر.
وقال السرى -رحمة هللا عليه :-الشكر أال يعصى هللا فى نعمه.
ِ ِ ظه يٰبني الَ ت ْش ِرك ِب َّ ِ ِ وإِ ْذ َقال ُلْقمان ِ ِ
يم
ظْل ٌم َعظ ٌ اَّلل ِإ َّن الش ْر َ
ك َل ُ البنه َو ُه َو َيع ُ ُ ُ َ َّ ُ ْ
َ َ ُ ْ َ
وروحا وال
ً وقلبا
نفسا ًقال بعضهم :وعظ لقمان ابنه ودله فى ابتداء وعظه على مجانبة الشرك وهو التفرد للحق بالكل ً
يشغل النفس إال بخدمته وال يالحظ بالقلب سواه وال يشاهد بالروح غيره وهو مقام التفريد من التوحيد.
ِ ِ وإِن جاه َداك عَل ٰى أَن تُ ْش ِرك ِبي ما َليس َلك ِب ِه ِعْلم َفالَ تُ ِطعهما وص ِ
اح ْب ُه َما ِفي ُّ
اب الد ْنَيا َم ْع ُروفاً َواتَّب ْع َسب َ
يل َم ْن أََن َ َُْ َ َ ٌ َ َْ َ َ َ َ َ َ َ
ِإَل َّي ثُ َّم ِإَل َّي َم ْرِج ُع ُك ْم َفأَُنِبُئ ُك ْم ِب َما ُكنتُ ْم تَ ْع َمُلو َن
ملكا.
قال عبد هللا بن المبارك :ال تقطع أيديهما عن مالك وال تدع لنفسك معهما ً
قال ابن عطاء -رحمة هللا عليه -فى هذه اآلية :صاحب من ترى عليه أنوار خدمتى.
".
وقال بعضهم :قال لقمان البنه :يا بنى أقم الصالة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر وابدأ بنفسك واصبر على ما
أصابك فيه من المحن فإنه يورث المنح.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :الصبر هو ترك الشكوى عن طوارق المحن والتيقظ عند طوارق النعم.
ص ْو ُت اْل َح ِم ِ
ير ِ ص ْوِت َك ِإ َّن أ َ ِ وا ْق ِ
ص ْد ِفي َم ْشِي َك َو ْ
َص َوات َل َ
َنك َر األ ْ ض من َ
ض ْ
اغ ُ َ
ص ْو ُت اْل َح ِم ِ
ير} [اآلية.]19 : ِ قوله عز وعالِ{ :إ َّن أ َ
َص َوات َل َ
َنك َر األ ْ
منكر.
قال سفيان الثورى :صوت كل شىء تسبيح إال صوت الحمير فإنها تصيح لرؤية الشيطان كذلك سماه هللا ًا
قال الجوزجانى :النعم الظاهرة :توفيق الطاعات والنعم الباطنة قبولها منك.
قال الجنيد رحمة هللا عليه :النعم الظاهرة :األخالق والنعم الباطنة قبولها منك.
اهرة وب ِ
اطَن ًة} هو كما قال القائل: وقال يحيى بن معاذ :قوله{ :وأَسبغ عَلي ُكم ِنعمه َ ِ
ظ ًَ َ َ َ ََْ َ ْ ْ ََُ
إحسانا باإلسالم ووثق حرمته باإليمان ووصل جبالً من جبال الوثائق من جبال البر فى درجات
ً قال يحيى :تفضل
الوسائل.
وقال أبو الحسين الوراق :النعمة الظاهرة قبول الحق والنعمة الباطنة رضا الرب.
قال الوراق :النعمة الظاهرة استواء الخلق والنعمة الباطنة حسن الخلق لذلك كان النبى صلى هللا عليه وسلم يقول:
"اللهم كما أحسنت َخلقى فحسن ُخلقى
".
قال بعضهم :النعمة الظاهرة اإلعراض عن الدنيا والنعمة الباطنة الرجوع إلى التوكل والثقة باهلل.
ظِ
اه َرًة} قال :ما يعلم الناس سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم البزار يذكر عن ابن عطاء فى قولهَ { :
من حسناتك وباطنة ما ال ُيعلمه هللا من سيئاتك ،والظاهر بنعيم الدنيا والباطن بنعيم اآلخرة.
اهرة وب ِ
اطَن ًة} النعمة الظاهرة ما أنعم على الجوارح من مباشرة سمعت عبد هللا يقول فى قوله{ :وأَسبغ عَلي ُكم ِنعمه َ ِ
ظ ًَ َ َ َ ََْ َ ْ ْ ََُ
الطاعات والنعمة الباطنة ما أنعم على القلب من شتى األحوال من المعرفة واليقين والرضا والتوكل وغير ذلك وهو
يدلك أن العلم ظاهر وباطن وكما أن العلوم الظاهرة يرجع إلى أربابها كذلك علوم الباطن يرجع فيها إلى
أربابها ونتائج علوم الباطن من قبول علم الظاهر واستعمال آدابها فيها.
الخلق.
الخلق و ُ
قال بعضهم :هو َ
اهرة وب ِ
اطَن ًة} فقال :هذه من مكنون علمى وقال عطاء :سألت ابن عباس عن قوله تعالى{ :وأَسبغ عَلي ُكم ِنعمه َ ِ
ظ ًَ َ َ َ ََْ َ ْ ْ ََُ
سألت عنها رسول صلى هللا عليه وسلم قال :أما الظاهرة فما سوى خلقك وأما الباطنة فما ستر من عيوبك ولو أبداها
لقالك أهلك ومن سواهم
".
استَ ْم َس َك ِباْل ُع ْرَوِة اْل ُوْثَق ٰى} [اآلية.]22 : ِ ِ قوله تعالى{ :ومن يسلِم وجهه ِإَلى َّ ِ
َّللا َو ُه َو ُم ْحس ٌن َفَقد ْ َ َ ُْ ْ َ ْ َ ُ
قال سهل :من يخلص دينه هلل ولحسن أدب اإلخالص .وقالِ{ :باْل ُع ْرَوِة اْلُوْثَق ٰى} هى السنة.
قال أبو عثمان :العروة الوثقى :محمد صلى هللا عليه وسلم.
وقال بعضهمِ{ :باْل ُع ْرَوِة اْل ُوْثَق ٰى} كتاب هللا وسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم.
َّللاِ} قال :علم كتابه وعجائب حكمته. قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :فى قولهِ َّ :
{ما َنف َد ْت َكلِ َم ُ
ات َّ
ٍ ِ ِ ِ ِ
َّار َش ُك ٍ
ور} [اآلية.]31 : صب ٍ قوله تعالىِ{ :إ َّن في َذل َك َ
آليات ل ُكل َ
قال أبو بكر :الصبار الذى ال يغيره تواتر النعم والباليا عليه وال يورثه ذلك جزًعا وال شكوى.
وقال أبو عثمان :الصبار الذى عود نفسه النجوم على المكاره.
قال بعضهم :الصبار الشكور هم الفقراء الصادقون ألن ظاهرهم ظاهر الصبر وهم فى الباطن مع الحق فى مقام
الشكر.
قال القاسم :أشا ر الى األسامى القديمة أوجبت األفعال المحدثة مع أنه لم يزل عرفهم بأسمائهم وأفعالهم ألنه يقول:
{و َما َي ْج َح ُد ِب َآي ِاتَنآ ِإالَّ ُك ُّل َختَّ ٍار.}... َّللاُ َي ْعَل ُم ُمتََقَّلَب ُك ْم َو َم ْث َو ُ
اك ْم} [محمد .]19 :وقولهَ : {و َّ
َ
قال بعضهم :من اعتمد على غيره فهو فى غرور ألن الغرور ما ال يدوم وال يدوم شىء سواه وهو الدائم لم يزل وال
يزال وعطاؤه وفضله دائمان فال تعتمد إالَّ من يدوم عليك منه الفضل والعطاء فى كل نفس وحين وأوان وزمان.
اع ِة َوُيَن ِزُل اْل َغ ْي َث َوَي ْعَل ُم َما ِفي األ َْر َحا ِم َو َما تَ ْدرِي َنْف ٌس َّما َذا تَ ْك ِس ُب َغداً َو َما تَ ْدرِي َنْف ٌس ِبأ ِ
َي الس ََّللاَ ِع َندهُ ِعْل ُم َّ
ِإ َّن َّ
يم َخِب ٌير وت ِإ َّن َّ
َّللاَ َعَل ٌ ض تَ ُم ُ أ َْر ٍ
ٍ
وعاص وهذا دليل على أن هللا تعالى يعلم األشياء بالوسم ال بالرسم والوسم ال قال القاسم :من مؤمن وكافر ومطيع
يتغير والرسم يتغير.
و{ما َل ُك ْم ِمن ُدوِن ِه ِمن َولِ ٍي َوالَ َشِفي ٍع أََفالَ تَتَ َذ َّك ُرو َن} [اآلية.]4 :
قوله تعالىَ :
ان ِمن ِط ٍ
ين َحس َن ُك َّل َشي ٍء َخَلَق ُه وَب َدأَ َخْل َق ِ
اإل ْن َس ِ َّ ِ
َ ْ الذي أ ْ َ
أبدا.
شيئا يستفظعه ً
قال الواسطى رحمة هللا عليه :الجسم يستحسن المستحسنات والروح واحدية فردانية ال تستحسن ً
قال ابن عطاء :لو شئنا لوفقنا كل عبد لطلب مرضاتنا ولكن حق القول منى بالوعد والوعيد ليتم االختيار.
قال بعضهم :لو شئنا لهديناهم إلى طريق الجنة ولم ينقص ذلك من ملكنا ولكن عذبنا ليظهر العدل كما أنعمنا ليظهر
الفضل.
وقال سهل :ولو شئنا لحققنا دعاوى المحققين وأبطلنا براهين المبطلين.
سمعت محمد بن عبد هللا يقول :سمعت الشبلى يقول حيث سئل عن هذه اآلية فقال :امألها من الشبلى واعف عن
عبيدك ليتروح الشبلى من تعذيبك كما يتروح جميع عبادك بالعباد.
قال ابن عطاء :حق القول بالوعد والوعيد ليتم اإلحكام على ما جرى فى األزل.
عند أوقاته وذلك صفة المؤمنين ومن أبى ذلك فى أوقاته فال يلحقه اسم اإليمان وال وسمه.
سمعت أبا الحسين الفارسى يقول :سمعت ابن عصام يقول :سمعت سهالً يقول :ال يجد العبد لذة اإليمان حتى يغلب
علمه جهله ويكون الغالب على قلبه آخرته وتغلب رحمته سخطه فيكون الغالب على قلبه الرحمة.
إظهار للكرامة بأن وقفهم لما وقفهم له ثم مدحهم عليه فقال{ :تَتَ َجاَف ٰى
ًا وسيلته وصفوته وخيرته ثم مدحهم على ذلك
ضا ِج ِع}.
وب ُه ْم َع ِن اْل َم َ
ُجُن ُ
وطمعا فيه.
ً قال جعفر :خوًفا منه
وطمعا فى الجنة.
ً وقال بعضهم :خوًفا من النار
وطمعا فى رضوانه.
ً وقال محمد بن على :خوًفا من سخطه
وطمعا فى الوصلة.
ً وقال :خوًفا من القطيعة
وطمعا فى لقائه.
ً وقال سهل :خوًفا من هجرانه
وقال الواسطى رحمة هللا عليه :الخوف والرجاء زمامان للنفوس لئال تخرج إلى رعوناتها ألنه ال يعطى بالرجاء وال يدفع
بالخوف.
أيضا :الخوف ظلم يتحير صاحبها تحتها يطلب المخرج ،فإذا جاء الرجاء بضيائه خرج إلى مواضع الراحة
وقال ً
فغلب عليه التمنى.
وقال أبو سعيد الخراز :سألت بعض العارفين عن الخوف فقال :أشتهى أن أرى رجالً يدرى أيش الخوف فإن أكثر
الخائفين خافوا على أنفسهم ال من هللا وشفقة على أنفسهم وعملوا فى خالصها من هللا والخائفون خافوا لحظوظهم
والخائف من هللا العزيز.
وقال الحسن :خوف األنبياء واألولياء وأرباب المعارف خوف التسليط وخوف المالئكة خوف مكر هللا وخوف العامة
خوف تلف النفس والرجاء والطمع عين التهمة.
قال بعضهم ليس من هو فى أنس اإلقبال علينا كمن هو فى وحشة اإلعراض عنا.
وقال ابن عطاء :من كان فى بصره الطاعة واإليمان ال يستوى مع من هو فى ظلمة الفسق والعصيان.
قال القاسم :ال يستوى من أكرم بنور البيان ،وسواطع البرهان ،ويضىء عليه لمعان التوفيق مع من هو فى ظلمات
أبدا.
الهوى ،ومتابعة الشيطان ،وترادف المخالفات ،ال يلتقيان ً
اب األَ ْكَب ِر َل َعَّل ُه ْم َي ْرِج ُعو َن وَلُن ِذيَقَّنهم ِم َن اْلع َذ ِ
اب األ َْدَن ٰى ُدو َن اْلع َذ ِ
َ َ ُْ َ
قوله عز وعال{ :وَلُن ِذيَقَّنهم ِم َن اْلع َذ ِ
اب األ َْدَن ٰى ُدو َن اْلع َذ ِ
اب األَ ْكَب ِر} [اآلية.]21 : َ َ ُْ َ
صَب ُروْا َوَك ُانوْا ِب َآي ِاتَنا ُيوِقُنو َن ِ ِ ِ
َو َج َعْلَنا م ْن ُه ْم أَئ َّم ًة َي ْه ُدو َن بأ َْم ِرَنا َل َّما َ
ِ ِ ِ
{و َج َعْلَنا م ْن ُه ْم أَئ َّم ًة َي ْه ُدو َن بأ َْم ِرَنا َل َّما َ
صَب ُروْا} [اآلية.]24 : قوله عز وعالَ :
قال أبو سعيد الخراز :أهل الحقائق فى اإليمان الذين فاقوا جميع الناس وفضلوا عليهم بمكارم األخالق وهم الذين
يحتملون األذى ويصبرون على البلوى ويرضون بالقضاء ويفوضون إليه أمورهم من غير اعتراض خاضعين
متواضعين قد رسخوا فى العلم وفضلوا بالفهم على سائر أهل زمانهم هم خيرة هللا من خلقه وخواصهم من عباده
اختصهم لدينه وهم فى الخلق بالخلق مختلطون ال يشار إليهم باألصابع وهم غير أخفياء واألعين عنهم مصروفة وهم
اه ْم أَِئ َّم ًة َي ْه ُدو َن ِبأ َْم ِرَنا} [األنبياء.]73 :
{و َج َعْلَن ُ
غياث الخلق وهو ما قال هللا تعالىَ :
قال ابن عطاء :نوصل بركات المواعظ إلى القلوب القاسية المعرضة عن الحق فيتعظ بتلك المواعظ.
{وانتَ ِظ ْر} بركات الموارد عليك من أنوار الكرامات {ِإَّن ُه ْم ُّمنتَ ِظ ُرو َن} منا المقت
قال بعضهم :ال تشغل سرك بهم َ
والبعد.
ان َعلِيماً َح ِكيم ًا ين ِإ َّن َّ ِِ ِ ِ النِب ُّي اتَّ ِق َّ
َّللاَ َك َ َّللاَ َوالَ تُط ِع اْل َكاف ِر َ
ين َواْل ُمَنافق َ َٰيأَي َ
ُّها َّ
النِب ُّي} يا أيها المخبر عن خبر صدق والعارف فى معرفة الحقيقة اتق هللا أن يكون لك
ُّها َّ قال ابن عطاء فى قولهَٰ :
{يأَي َ
التفات إلى شىء سواى.
وقال بعضهم :التقوى أن يتقى العبد رؤية التقوى فال يرى العصمة إالَّ من هللا جل ذكره.
وقال ذو النون رحمة هللا عليه :التقوى مقسوم على الخطرة الفكرة والهمة والنية والعزم والقصد والحركة والعمل.
وقال الواسطى رحمة هللا عليه :التقوى على الحقيقة هو تقوى القلب ألن النبى صلى هللا عليه وسلم [قال]" :أال إن
التقوى ها هنا وأشار إلى القلب
".
سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازى يقول :سمعت أحمد بن أبى الحوارى يقول :سمعت عبد هللا بن
السرى يقول :اتقوا هللا عباد هللا وأطيعوه فإنكم ال تعرفون اآلية ولم تُ ْكرموا اإلله.
سمعت أبا العباس البغدادى يقول :سمعت محمد بن أحمد بن سهل يقول :سمعت سعيد بن عثمان يقول :سمعت ذا
إعظاما لجالل هللا وهيبة له أولئك
ً النون رحمة هللا عليه يقول :إن هلل خالصة من خلقه وصفوة من عباده يعافون عنا
هم المتقون.
سمعت أبا الحسين الفارسى يقول :سمعت ابن عطاء يقول :المتقى من اتقى رؤية تقواه سمعت أبا الحسين الفارسى
يقول :سمعت ابن عطاء يقول :للتقوى ظاهر وباطن وظاهره محافظة الحدود وباطنه النية واإلخالص.
سمعت أبا الحسين يقول :سمعت الجريرى يقول :من لم يحكم فيما بينه وبين هللا تعالى التقوى والمراقبة ال يصل الى
الكشف والمشاهدة.
اَّللِ َو ِكيالً
َّللاِ َوَكَف ٰى ِب َّ
َوتََوَّك ْل َعَل ٰى َّ
قاله شاه :التوكل قطع القلب عن كل عالقة والتعلق باهلل سكون القلب فى المفقود والموجود.
وقال بعضه م :التوكل هو الكفاية بما ضمن هللا لك من الكفاية فى جميع األحوال وهو أن تكل إليه أمورك وال تتحرك
بتدبير وال سعى.
قال سهل رحمة هللا عليه :التوكل االسترسال بين يدى هللا عز وجل.
قصدا من غير التفات فمن نظر إلى شىء سوى هللا فما هو بقاصد إلى ربه فإن هللا يقول: قال سهل :التوجه الى هللا ً
َّللاُ لِ َر ُج ٍل ِمن َقْلَب ْي ِن ِفي َج ْوِف ِه} قلب يقبل به على ربه وقلب يدبر به أمر دنياه.
{ما َج َع َل َّ
َّ
ِ اب َّ ِ ِ
ض ِفي ِكتَ ِ
ض ُهم أ َْوَل ٰى ِبَب ْع ٍ ِ النِب ُّي أَوَلى ِباْلمؤ ِمِن ِ
َّللا م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين ُم َهاتُ ُه ْم َوأ ُْوُلوْا األ َْر َحا ِم َب ْع ُ ْ ين م ْن أ َْنُفس ِه ْم َوأ َْزَو ُ
اج ُه أ َّ َّ ْ ٰ ُ ْ َ
طو اًر ين ِإالَّ أَن تَْفعُلوْا ِإَل ٰى أَولِي ِآئ ُكم َّم ْعروفاً َكا َن َذلِ َك ِفي اْل ِكتَ ِ
اب َم ْس ُ َواْل ُم َها ِج ِر َ
َْ ْ ُ َ
قال سهل :من لم ير نفسه فى ملك الرسول صلى هللا عليه وسلم لم ير والية الرسول صلى هللا عليه وسلم فى جميع
األحوال وال يذوق حالوة سنته بحال؛ ألن النبى صلى هللا عليه وسلم هو األولى بالخلق من أنفسهم وأموالهم أال ترى
ين ِم ْن أ َْنُف ِس ِه ْم} .والنبى صلى هللا عليه وسلم يقول" :ال يؤمن أحدكم حتى أكون أحب ِ
{النِب ُّي أ َْوَل ٰى ِباْل ُم ْؤ ِمن َ
هللا يقولَّ :
إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين
".
يسى ْاب ِن َم ْرَي َم َوأَ َخ ْذَنا ِم ْن ُه ْم ِميثَاقاً َغلِيظاً ِ ِ ِ ُّ ِ ِ َِّ ِ ِ
وس ٰى َوع َ
يم َو ُم َ
َخ ْذَنا م َن النبي ْي َن ميثَا َق ُه ْم َوم ْن َك َومن نو ٍح َوإِ ْب َراه َ
َوإِ ْذ أ َ
كفاحا
قال بعضهم :أخذ ميثاق النبيين بالعموم على لسان السفراء والوسائط وأخذ ميثاق الرسول صلى هللا عليه وسلم ً
مشافهة بال واسطة فأظهر األنبياء مواثيقهم لعمومها وأخفى النبى ميثاقه ألنه فى محل الخصوص فأخبر هللا تعالى
ِِ
عنه فى كتابه بقولهَ { :فأ َْو َح ٰى ِإَل ٰى َع ْبده َمآ أ َْو َح ٰى} [النجم ]10 :وأخبر النبى صلى هللا عليه وسلم ً
تعجبا فقال" :لو
تعلمون ما أعلم" وكذلك مواثيق خصائص األحباب تكون ًا
سر ال يطلع عليها سواهم.
وقال القاسم :ال سؤال أصعب من سؤال الصادق عن صدقه فإنه يطلب بصدق القدسى وعجز المخلوقين أجمع عن
الصدق فكيف يجيبون عن صدق الصدق.
وقال الجنيد رحمة هللا عليه :الصدق تحرى موافقة هللا فى كل حال.
وقال النهرجورى :الصدق موافقة الحق فى السر والعالنية وحقيقة صدق القول فى مواطن الهلكة.
سمعت أبا الفرج الورثانى يقول :سمعت محمد بن عبد العزيز يقول :سمعت أبا عبد هللا الحسن بن معقل القرشى
يقول :ال يشم رائحة الصدق من يداهن نفسه أو يداهن غيره.
َّللاَ ِمن َقْب ُل الَ ُي َوُّلو َن األ َْدَب َار} [اآلية.]15 :
اه ُدوْا َّ
{وَلَق ْد َك ُانوْا َع َ
قوله عز وعالَ :
قال محمد بن على :خص هللا اإلنس من جميع الحيوان ثم خص المؤمنين من اإلنس ثم خص الرجال من المؤمنين
َّللاَ َعَل ْي ِه} فحقيقة الرجوليه الصدق ومن لم يدخل فى ميدان الصدق فقد خرج من حد
اه ُدوْا َّ
ص َد ُقوْا َما َع َ
ال َ فقالِ :
{ر َج ٌ
الرجولية.
سمعت عبد هللا الرازى يقول :كتبت من كتاب أبى عثمان وذكر أنه من كالم شاه؟ ثالثة من عالمات الصدق
والوصول إلى منازل األنبياء ،وذلك :إسقاط قدر الدنيا والمال من قلبك حتى يصير الذهب والفضة عندك كالمدر
والتراب متى ظفرت به صببته على الخلق كهيئة التراب ،والثانى :إسقاط رؤية الخلق من قلبك حتى كأنهم كلهم
أموات
َّللاَ
اه ُدوْا َّ
ص َدُقوْا َما َع َ وسئل أبو حفص :من الرجال؟ فقال :الصادقون مع هللا بوفاء العهود .قال هللا جل ذكرهِ :
ال َ
{رَج ٌ
َعَل ْي ِه}.
َّللاَ َعَل ْي ِه} .فقال :هو أن يترك الصادق إرادته إلرادة هللا واختياره
اه ُدوْا َّ
ص َد ُقوْا َما َع َ
ال َ وقال الحسين فى قولهِ :
{ر َج ٌ
لمحابه وتدبيره لتدبيره حتى يرى من قلبه ونفسه وجميع جوارحه أنه ال يريد إالَّ ما أراد هللا يصح ذلك قوله: ِ َّه
ومحاب ُ
َّللاَ َعَل ْي ِه}.
اه ُدوْا َّ
ص َد ُقوْا َما َع َ
ال َ ِ
{ر َج ٌ
قال عمر المكى :إن هللا عز وجل يبلى المؤمنين بأنواع من البالء فيرجع إلى ربه باالبتهال والتضرع فيقول هللا
صابر فما يزال يقول :زيدوه ويقولون :زدناه حتى تقول ًا بالء فوجدناه ن
لمالئكته :زيدوه بالء فيقولو :يا رب زدناه ً
ض ٰى َن ْحَب ُه ِ
المالئكة انتهى المزيد .فيقول :اكتبوه الساعة ممن ال يغير وال يبدل ومصداقه فى كتاب هللاَ{ :فم ْن ُه ْم َّمن َق َ
َو ِم ْن ُه ْم َّمن َينتَ ِظ ُر َو َما َبَّدُلوْا َت ْب ِديالً}.
قال ابن عطاء :يسألهم عن توسلهم بصدقهم إلى من ال يتوسل إليه إالَّ به فعندها :تذوب حسوسهم وتنقطع آمالهم
كدر واستوحش العبد من حسن أفعاله.
كذبا وصفاؤهم ًا
وصار صدقهم ً
وقال ابن عطاء :ومن رغب فيما ال خطر له أغفل ما فيه األخطاء.
قال ابن عطاء :يذهب عن نفوسكم رجس الفواحش ويطهر قلوبكم باإليمان والرضا والتسليم.
قال سهل :اإليمان أفضل من اإلسالم والتقوى فى اإليمان أفضل من اإليمان واليقين فى التقوى أفضل من التقوى
والصدق فى اليقين أفضل من اليقين وإنما تمسكتم
وقال :اإليمان باهلل فى القلب راسخ واليقين بالتصديق ثابت .وقال :اإلسالم حكم واإليمان أصل واإلحسان ثواب.
وقال سهل :ال يشم رائحة الصدق من يداهن نفسه أو يداهن غيره وصدق العين ترك النظر إلى المحظورات وصدق
اللسان ترك الكالم فيما ال يعنيه وصدق اليد ترك البطش فى الحرام وصدق الرجلين ترك المشى إلى الفواحش وحقيقة
الصدق من القلب ودوام النظر فيما مضى وترك التدبير واالختيار فيما بقى.
وقال جعفر الصادق :من يصف لك خير اآلخرة ال خير الدنيا ويدلك على حسن األخالق ال على سيئها ويعطيك قلبه
ال جوارحه.
وقال سهل :ليس من ادعى الذكر فهو ذاكر فالذاكر على الحقيقة من يعلم أن هللا مشاهدة فيراه بقلبه قر ًيبا منه
فيستحى منه ثم يؤثره على نفسه وعلى كل شىء من جميع أحواله.
وسئل سهل :ما الذكر؟ قال الطاعة :قلت :وما الطاعة؟ قال :اإلخالص .قلت :وما اإلخالص؟ قال المشاهدة .قلت:
وما المشاهدة .قال :العبودية .قلت :وما العبودية؟ قال :الرضا .قلت :وما الرضا؟ قال :االفتقار .قلت :وما االفتقار؟
قال التضرع وااللتجاء سلم سلم الى الممات.
وقال بعضهم :الخشوع استحقار الكبر وجميع الصفات تحت هيبة الحق.
قال بعضهم :الصابر هو الحابس نفسه عند أوامره والخاشع هو المتذلل والخاضع له والمتصدق الباذل نفسه وروحه
وملكه فى رضا مالكه والصائم الممسك عن كل ما ال يرضاه هللا والحافظ فرجه الراعى لحقوق هللا عليه فى نفسه وقلبه
عظيما وثو ًابا
ً أجر
والذاكر هلل الناسى كل ما سواه أوجب هللا على نفسه لمن هذه صفته ستر الذنوب عليه ومغفرتها له و ًا
له وهو رضا هللا ورؤيته.
َّ
وصدقوا هللا قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :إن الذين أسلموا وانقادوا وآمنوا وصدقوا وخشعوا ودعوا هللا على اإلخالص
فى وعده ووفوا له بما وعدوه من أنفسهم
وصبروا فى البأساء والضراء وخشعوا وخضعوا وانقادوا وتصدقوا وخرجوا عن جميع ما ملكوا وأمسكوا عن المخالفات
وحفظوا فروجهم ورعوا أسرارهم عن نزغات الشيطان وذكروا هللا ولم ينسوه فى جميع األحوال أعد هللا لهم الرضوان
والرضا والتمكين والمشاهدة واللقاء.
قال مطرف القرميسى :الصوم ثالثة؛ صوام الروح بقصر األمل وصوم العقل بمخالفة الهوى وصوم الجسد باإلمساك
عن الطعام.
ٍ
لمعان ظاهرة وباطنة فأما الظاهرة فهى ثالثة :الصبر على أداء الفرائض واجتناب وقال أبو سعيد الخراز :الصبر اسم
عما نهى هللا عنه والصبر على النوافل وعلى قبول الحق .وأما الباطنة فالصبر معه والصبر فيه والصبر منه.
أيضا :الحافظين فروجهم الذين حفظوا أسماعهم عن اللغو والخنا وأصغوا إلى هللا بآذان قلوبهم الواعية ولم يغفلوا
وقال ً
عن ندائه بحال.
وقال بعضهم :الذاكرون خمسة ذاكر ذكره بالثناء وآخر ذكره بالدعاء وآخر ذكره بالتسبيح ،واآلخر ذكره باالستغفار
وذاكر يذكره بذكره.
قال بعضهم :الصابر من أهل الباب والراضى من أهل الدار والمفوض من أهل البيت.
وقال ابن سالم :الذاكر ثالث ذاكر باللسان فذلك الحسنة بعشرة أمثالها وذاكر القلب الحسنة بسبعمائة وذكر ال يوزن
ثوابه وال يعد وهو االمتالء من المحبة.
وقال عمر المكى :الحافظ لفرجه هو الواقف عند أمره ونهيه وال يتعداها والمتأدب بأدبه الذى من تجاوزه ضل عن
سواء السبيل.
َّللاُ وَرسوُل ُه أ َْم اًر أَن َي ُكو َن َل ُهم اْل ِخَي َرةُ ِم ْن أ َْم ِرِهم ومن َي ْع ِ ٍ وما َك ِ
ض َّل
َّللاَ َوَرُسوَل ُه َفَق ْد َ
ص َّ ْ ََ ُ ضى َّ َ ُ ان ل ُم ْؤ ِم ٍن َوالَ ُم ْؤ ِمَنة ِإ َذا َق َ ََ َ
ضالَالً ُّمِبين ًا
َ
ٍ قوله تعالى{ :وما َك ِ
َّللاُ َوَرُسوُل ُه أ َْم اًر[ }...اآلية.]36 : ان ل ُم ْؤ ِم ٍن َوالَ ُم ْؤ ِمَنة ِإ َذا َق َ
ضى َّ ََ َ
قال سهل :اإليمان أربعة أركان التوكل على هللا والتسليم ألمر هللا وأمر رسوله والتفويض إلى هللا والرضا بقضاء هللا.
أيضا السنة كلها وجميعها أن تؤثر هللا ورسوله على نفسك وتؤثر أمرهما على مرادك.
وقال ً
اس يه َوتَ ْخ َشى َّ َّللا مب ِد ِ ِ ِ ِ َّللاُ َعَل ْي ِه َوأ َْن َع ْم َت َعَل ْي ِه أ َْم ِس ْك َعَل ْي َك َزْو َج َك َواتَّ ِق َّ وإِ ْذ تَُق َِّ ِ
الن َ َّللاَ َوتُ ْخفي في َنْفس َك َما َّ ُ ُ ْ َنع َم َّ
ول للذي أ َ ُ َ
ِ ِ ِ
ين َح َرٌج في أ َْزَوا ِج أ َْدعَيآئ ِه ْم ِإ َذا ِ ِ ِ
اك َها ل َك ْي الَ َي ُكو َن َعَلى اْل ُم ْؤ ِمن َ
ط اًر َزَّو ْجَن َض ٰى َزْيٌد م ْن َها َو َ َح ُّق أَن تَ ْخ َشاهُ َفَل َّما َق َ َّللاُ أ َ
َو َّ
َّللاِ َمْف ُعو ً
ال ان أ َْم ُر َّ ض ْوْا ِم ْن ُه َّن َو َ
ط اًر َوَك َ َق َ
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :أنعم هللا عليه بمحبتك وأنعمت عليه بالتبنى .وقال بعضهم :وإذ تقول للذى أنعم هللا
عليه بالمعرفة وأنعمت عليه بالعتق.
َّللا مب ِد ِ
يه} [اآلية.]37 : ِ ِ ِ
{وتُ ْخفي في َنْفس َك َما َّ ُ ُ ْ
قوله تعالىَ :
تخفى فى نفسك ما أظهر هللا لك من آية تزوجها منك وتخشى أن يظهر للناس ذلك فيفتنوا.
وقال الجنيد :فى قوله وتخفى فى نفسك ما هللا مبديه معناه ما هللا مبد حكمه ومظهر فيه سنته الباقى نفعها على األمة
والمبين معناها للخليقة من تحليل نكاح نساء أوالد التبنى دون أوالد الصلب.
قال ابن عطاء :تخشى الناس أن يهلكوا فى شأن زيد فذلك من تمام شفقته على األمة وهللا أحق أن تخشاه أن تبتهل
إليه ليزيل عنهم ما تخشى منهم.
سمعت أبا بكر الرازى يقول :سمعت يوسف بن الحسين يقول :سئل ذون النون رحمة هللا عليه وعليهم وأنا حاضر عند
اك َها} أترى كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يحتشم ز ًيدا إذا رآه؟ فقال ذو ض ٰى َزْيٌد ِم ْن َها َو َ
ط اًر َزَّو ْجَن َ قولهَ{ :فَل َّما َق َ
النون :كيف ال تقول أترى كان زيد يحتشم النبى صلى هللا عليه وسلم إذا رآه أو أقيم اللتماس شىء كانت العاقبة قد
حكمت لرسول صلى هللا عليه وسلم عاجالً وإنما كانت عارية عند زيد.
المقدور.
قال ابن عطاء :هذه خشية السادة واألكابر وإنما خشية عوام الخلق من جهنم.
وسِبحوه ب ْكرة وأ ِ
َصيالً َ َ ُ ُ ُ ًَ َ
وقال{ :وسِبحوه ب ْكرة وأ ِ
َصيالً} [اآلية ]42 :وأنشد: َ َ ُ ُ ُ ًَ َ
ين َرِحيماً ِ هو َّال ِذي يصلِي عَلي ُكم ومالَِئ َكتُه لِي ْخ ِرج ُكم ِمن ُّ
الظُلم ِ
ان ِباْل ُم ْؤ ِمن َ ات ِإَلى ُّ
الن ِ
ور َوَك َ َ ُ ُ َ ْ َ َ ْ ْ ََ َُ َُ
قوله تعالى{ :تَ ِحيَّتُ ُه ْم َي ْوَم َيْلَق ْوَن ُه َسالَ ٌم} [اآلية.]44 :
قال ابن عطاء :أعظم عطية للمؤمن فى الجنة سالم هللا عليهم من غير واسطة.
النِب ُّي ِإَّنآ أ َْرَسْل َٰن َك َٰش ِهداً َو ُمَب ِش اًر َوَن ِذي اًر
ُّها َّ
ٰيأَي َ
عميا
قلوبا ً
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :فى هذه اآلية إنا شرفناك برسالتنا وتخبر عنا خبر صدق فيهدى بك ً
شاهدا لنا ال تشهد معنا سوانا جعلنا الخلق كلهم يشهدونك ويشهدوننا فيك وال يشهدك إالَّ من أثر فيه بركة
ً أرسلناك
وضل فإنك البشير تبشر من أقبلنا عليك بالرضوان وتنذر
َّ نظرك فيشهدك ويشهدنا فيك ومن لم يجعلك الدليل عمى
شاهدا بالحق للحق إلى الحق مع الحق ليوم ال يقبل فيه الحق إال الحق.
ً قال الواسطى رحمة هللا عليه:
داعيا إلى هللا ال إلى نفسه افتخر بالعبودية ولم يفتخر بالنبوة ليصبح بذلك الدعاء إلى
قال جعفر رحمة هللا عليهً :
منير يدل على سبيل الرشد ويبصره عيوب النفس وغيبها. اجا ًاسيده فمن أجاب دعوته صارت الدعوة له سر ً
قال مالك بن أنس رحمة هللا عليه :فرضنا عليهم أن ال نكاح إال بولى.
قال بعضهم :هو استعمال األدب فيهم وحسن الخلق معهم وحملهم على طاعة هللا فإن النبى صلى هللا عليه وسلم
قال" :خيركم خيركم ألهله وهللا يعلم ما فى قلوبكم
".
قال أبو عثمان :من علم أن هللا يعلم ما فى قلبه وخاطره ولم يصلح قلبه وباطنه لربه كما يصلح ظاهره للقاء الناس
{ي ْعَل ُم َما ِفي قُلوبِ ُك ْم} [اآلية.]51 :
فإن ذلك لقلة معرفته لربه ألن هللا يقولَ :
َخَو ِات ِه َّن َوالَ ِن َس ِآئ ِه َّن َوالَ َما َمَل َك ْت ِ ِ ِ ِ ِ ِ
اح َعَل ْي ِه َّن ِفي َآبآئ ِه َّن َوالَ أ َْبَنآئ ِه َّن َوالَ ِإ ْخ َوان ِه َّن َوالَ أ َْبَنآء ِإ ْخ َوان ِه َّن َوالَ أ َْبَنآء أ َ
ال ُجَن َ
َّ
ان َعَل ٰى ُك ِل َشي ٍء َش ِهيداً} [اآلية.]55 : قوله تعالىِ{ :إ َّن َّ
َّللاَ َك َ
ْ
قال ابن عطاء :الشهيد الذى يعرف خطرات قلبه كما يعرف حركات جوارحه.
سمعت منصور بن عب د هللا يقول :سمعت أبا القاسم البزار يقول :نصر يذكر عن ابن عطاء رحمة هللا عليهم قال:
الصالة من هللا رحمة ،والصالة من المالئكة رفعة ،ومن األمة متابعة ومحبة.
َع َماَل ُك ْم قال سهل :من وفقه هللا لصالح األعمال فذلك دليل على أنه مفور له ألن هللا عز وجل يقول{ :ي ِ
صل ْح َل ُك ْم أ ْ
ُْ
وب ُك ْم}. ِ
َوَي ْغف ْر َل ُك ْم ُذُن َ
قال أبو عثمان رحمة هللا عليه :فى ثالثة أشياء صحة النية والنشاط عند القيام إلى العمل وإخالصه من أنواع الرياء.
قال بعضهم :يصلح لكم أعمالكم بقبولها منكم فإن صالح العمل فى قبوله.
قال بعضهم :تمام الفرائض باإلقبال على السنن والنوافل فمن قصر فى السنة لم تتم له فريضة وعما قليل تبلغ نوبة
{وَرُسوَل ُه} فى سننه وآدابه {َفَق ْد َف َاز َف ْو اًز َع ِظيماً} أى نجى {و َمن ُي ِط ِع َّ
َّللاَ} فى فرائضه َ التقصير إلى الفرائض .قال هللاَ :
نجاة َبِينة.
قال الحسن البصرى :رأيتهم وهللا قد اشتروا األمانة بأموالهم ووسعوا لها دورهم وضيقوا قبورهم وسمنوا براذينهم وأهزلوا
ذنبهم وأنصبوا أنفسهم إلى باب السلطان بالغدوة والرواح بالمطارق العتاق والعمائم الرقاق يتعرضون للبالء وهم من هللا
فى عافية ويبكى أحدهم على شماله ويأكل من غير ماله ،ماله حرام وخدمته سخرة ثم إذا بلغت به اللكضة ونزلت به
بطنة يقول :يا غالم ائتنا بشىء يهضم طعامنا أطعامك يهضم أم دينك معه يا لكع أين أنت من قوله تعالىِ{ :إَّنا
قال أبو بكر بن طاهر :إن األمانة عرضت على السماوات واألرض فأبوا حملها وأشفقوا من ذلك وهربوا منها فلما
عرضت على آدم قال :أحمل هذه األمانة بقوتى ونفسى أم بالحق؟ فقيل :بل من يحملها يحملها بنا فإن ما منا ال
يحمل إال بنا ،فحملها آدم.
قال أبو عثمان :األمانات شتى على النفس أمانة وعلى القلب أمانة وعلى السر أمانة وعلى الفؤاد أمانة وعلى الروح
أمانة وفى العينين أمانة وفى اللسان أمانة وعلى السمع أمانة وعلى الرجلين أمانة وعلى اليدين أمانة فمن لم يراع
أمانة هللا عليه عنده ضيع أوقاته وخاب سعيه.
قال الجنيد رحمة هللا عليه :إن هللا لما عرض على السماوات واألرض والجبال فأبوا حملها وعرضت على آدم فقبلها
فأبوا حين ظنوا أنهم بإياهم يحملون ،وحملها آدم حين علم أنه به يحملها ال بنفسه.
أيضا :نظر آدم إلى عرض الحق فأنساه لذة العرض ثقل األمانة وشدتها فحمل بالعرض من غير النظر إلى
وقال ً
األمانة.
قال ابن عطاء :ظلم نفسه حيث لم يشفق مما أشفق منه السماوات واألرض.
َشَفْق َن ِم ْن َها}
ال َف َأب ْي َن أَن َي ْح ِمْلَن َها َوأ ْ
ض واْل ِجب ِ ِ
الس َم َاوات َواأل َْر ِ َ َ قال فارس عن الحسين فى قولهِ{ :إَّنا َع َر ْ
ضَنا األ ََم َان َة َعَلى َّ
قال :عرضت األمانة على الخالئق والجمادات
فأشفقوا وهربوا وظنوا أن األمانة تحمل بالنفوس وكشف آلدم أن حمل األمانة بالقلب ال بالنفس فقال :أنا أقبلها فإن
القلب موضع نظر الحق واطالع الحق والجلية ،لم تطقها الجبال وطاقتها القلوب ،وأنشد فارس:
عينـًا ألنظركم أم ليتنى أذن يا ليتنى كنت أدنى من يلوذ بكم
يم اْل َخِب ُير ِ ِِ ِ ِ ِ اْلحمد ََّّللِ َّال ِذي َله ما ِفي َّ ِ
الس َم َٰٰوت َو َما في األ َْرض َوَل ُه اْل َح ْم ُد في اآلخ َرة َو ُهَو اْل َحك ُ ُ َ َ ُْ
قال القاسم :حقيقة الحمد أن تكف عن اللغو وعن مدح الخلق وعما ال يعنيك.
سمعت أبا العباس محمد بن أحمد الفارسى يقول :سمعت أحمد بن مزاحك يقول :سمعت أبا بكر الوراق يقول :ال
يكمل الحمد إالَّ بخالل ثالث :محبة المنعم بالقلب وابتغاء مرضاته بالنية وقضاء حقه بالسعى.
وقال بعضهم :ال تعرض عمن كفاك أمر دنياك وأطعمك فى عقباك ولم يخلك فى حاله عن نظره وتواتر نعمه فالزم
شكره بقلبك وأدم حمده على لسانك تصل إلى محل الحامدين والشاكرين.
شيئا هو أبداه.
قال الواسطى رحمة هللا عليه فى هذه اآلية :كيف يخفى عليه ما أنشأه أم كيف يستعظم ً
قال فطنة ويقظة فى الرجوع إلى ربه عند العثرة وهى االستقالة والمعذرة.
ومطيعا.
ً وعاصيا
ً ومدبر
ًا خير من ربه مقبالً
علما أن ليس للعبد ًا
ضالً} أى ً
قال ابن عطاء رحمة هللا عليهَ { :ف ْ
قال ابن خالل :أفضل الفضل من هللا إلى عباده أن يعرفهم أقدارهم وأن يمكن لهم سبيل الرجوع اليه.
وقال األنطاكى :الشكر على وجوه منها شكر أهل المعاملة إذا أروا النعمة رأوها من المنعم وشكر العاصين طاعة
حمد باللسان وذكر النعم وشكر العارفين معرفة المنعم وهى درجة األنبياء.
باألبدان وشكر المطيعين ٌ
قال عبد العزيز المكى :اذكروا نعمتى عليكم فإن ذكرها شكرها.
ود ُش ْك اًر}.
آل َد ُاو َ
{اع َمُلوْا َ
قال األنطاكى :أصل الشكر الطاعة والتوبة والندم بالقلب قال هللا تعالىْ :
قال السرى رحمة هللا عليه :الشكر القيام بين يدى هللا حتى يعجز فإن عجز فقد شكره.
ور} قال: يل ِم ْن ِعَب ِادي َّسمعت محمد بن عبد هللا يقول :سمعت ابن عطاء رحمة هللا عليه يقول :فى قولهِ :
الش ُك ُ َ {وَقل ٌ
َ
قليل من عبادى من يرى الطاعة من ًة منى عليه.
قال أبو حفص :أخس العباد من يرى طاعته ويمن بها على مواله ويغفل عن محل التوفيق فيها وأنه أهَّله لعبادته
ور}. يل ِم ْن ِعَب ِادي َّوالقيام بخدمته أال ترى هللا يقولِ :
الش ُك ُ َ {وَقل ٌ
َ
ور} هم على ثالث طبقات :منهم من يكون شكره لغذاء النفس ،ومنهم من يل ِم ْن ِعَب ِادي َّوقيل :فى قولهِ :
الش ُك ُ َ {وَقل ٌ
َ
يكون شكره لغذاء الروح ،ومنهم من يكون شكره لغذاء القلب .فأما غذاء النفس فالمطعم والملبس والعافية ،أما غذاء
الروح فالعلم والمعرفة والطاعة ،فعليه الشكر وأما غذاء القلب فالمعرفة والرضا ،فأبناء الدنيا شكرهم لغذاء أنفسهم،
وأبناء اآلخرة شكرهم لغذاء الروح وأصحاب القلوب شكرهم لغذاء قلوبهم لذلك روى عن النبى صلى هللا عليه وسلم أنه
قال" :من لم يعرف نعمة هللا عليه إال فى مطعمه وملبسه فقد َّ
صغر نعم هللا عنده
".
وشكار فالشاكر من يشكر هللا بنعمته والشكور من يشكر هللا بشكره و َّ
الشكار من وقال بعضهم :هم ثالثة شاكر وشكور َّ
يشكر هللا به فاألول شكر النعمة والثانى شكر المنة والثالث شكر المعرفة.
قال بعضهم :الشاكر من العباد قليل والشكور من الشاكرين قليل والشكار من الشكور قليل.
ُّك ْم َقاُلوْا اْل َح َّق َو ُهَو اْل َعلِ ُّي اْل َكِب ُير ِ َّ ِ
ال َرب ُ ِ اع ُة ع َندهُ ِإال لِ َم ْن أَذ َن َل ُه َحتَّ ٰى ِإ َذا ُف ِز َ
ع َعن ُقُلوبِه ْم َقاُلوْا َما َذا َق َ
والَ تَ َنفع َّ
الشَف َ ُ َ
اع ُة ِع َندهُ ِإالَّ لِ َم ْن أ َِذ َن َل ُه}. قال القحطانى :قطع الحق الخلق عنه بقوله{ :والَ تَ َنفع َّ
الشَف َ ُ َ
ف ِب َما َع ِمُلوْا َو ُه ْم ومآ أَمواُل ُكم والَ أَوالَد ُكم ِب َّالِتي تَُق ِرب ُكم ِعندنا ُ ْزلَفى ِإالَّ من آمن وع ِمل صالِحاً َفأُوَلـِٰئك َلهم ج َزآء ِ
الضع ِ
ْ ْ َ ُْ َ ُ َْ ََ َ َ َ َ ٰ ُ ْ ََ َ َ َْ ْ َ ْ ُ ْ
ات ِ
آمُنو َن ِفي اْل ُغرَف ِ
ُ
{و َمآ أ َْم َواُل ُك ْم َوالَ أ َْوالَ ُد ُك ْم ِب َّالِتي تَُق ِرُب ُك ْم ِع َندَنا ُ ْزلَف ٰى} [اآلية.]37 :
قوله عز ووعالَ :
قال بعضهم :من شغله عن الحق سبب فال طريق له إلى المسبب.
الر ِازِق َ
ين آء ِم ْن ِعَب ِادِه َوَيْق ِد ُر َل ُه َو َمآ أ َ
َنفْقتُ ْم ِمن َش ْي ٍء َف ُهَو ُي ْخلُِف ُه َو ُهَو َخ ْي ُر َّ ُقل ِإ َّن ربِي يبس ُ ِ ق ِ
ط الرْز َ ل َمن َي َش ُ َ َْ ُ ْ
قال سهل :الخلف على اإلنفاق واألنس بالعيش مع هللا والسرور به.
وقال سهل :يرجع الحساب يوم القيامة إلى أربعة وهو الصدق فى األقوال واإلخالص فى األعمال واالستقامة مع هللا
فى جميع األحوال ومراقبة هللا على كل حال.
آء ِإ َّن اع ِل اْلمالَِئ َك ِة رسالً أُولِي أَجِنح ٍة َّم ْثَنى وثُالَ َث ورب ِ ِ
ضج ِ اط ِر َّ ِ اْلحمد ََّّللِ َف ِ
ِ
اع َيز ُيد في اْل َخْلق َما َي َش ُ
َ َُ َ ٰ َ ْ َ ُُ ْ َ الس َٰم َٰوت َواأل َْر ِ َ َ ُْ
َّللاَ َعَل ٰى ُك ِل َشي ٍء َق ِد ٌير
َّ
ْ
اع ِل اْل َمالَِئ َك ِة ُرُسالً} [اآلية.]1 :
ضج ِ ِ
الس َم َاوات َواأل َْر ِ َ
قوله عز وجل{ :اْلحمد ََّّللِ َف ِ
اط ِر َّ َ ُْ
قال الجنيد رحمة هللا عليه :الذى جعل ما أنعم على عباده من أنواع نعمه دليالً هاديا إلى معرفته فقالَ{ :ف ِ
اط ِر ً
ض} لتستدل بأن من فطرهما هو فاطر ما فيهما فتستغنى بعلمك بفطرته األشياء أجمع عن الرجوع إلى ِ
ات واأل َْر ِ
الس َم َاو َ
َّ
غيره فى سبب من األسباب.
قال ابن عطاء :حسن المعرفة باهلل وحسن اإلقبال عليه وحسن المراقبة له والمشاهدة إياه .فقال جعفر :صحة النحيرة،
وقوة البصيرة.
آء} التواضع فى ِ قال بعضهم{ :ي ِزيد ِفي اْل َخْل ِق ما ي َشآء} محبة فى قلوب المؤمنين ،وقيلِ ِ :
{يز ُيد في اْل َخْلق َما َي َش ُ
َ َ َ ُ َ ُ
االعتراف والسخاء فى األغنياء والتعفف فى الفقراء والصدق فى المؤمنين والشوق فى المحبين والوله فى المشتاقين
والمعرفة فى الوالهين والفناء فى العارفين.
يم ِ ِ ِِ ِ ِ ِ ِ ٍ َّما يْفتَ ِح َّ ِ َّ ِ ِ
َّللاُ للناس من َّر ْح َمة َفالَ ُم ْمس َك َل َها َو َما ُي ْمس ْك َفالَ ُم ْرس َل َل ُه من َب ْعده َو ُهَو اْل َعز ُيز اْل َحك ُ َ
قال أبو عثمان :ما يفتح هللا لقلوب أولياءه من القربى واإلحسان واألنس لو اجتمع الخلق كلهم على أن يمسكوه عن
ذلك لعجزوا عنه وما أمسكوا ،ومن أغلق هللا قلوبهم عن اإلنابة إليه والقرب منه فلو اجتمع الناس على أن يفتحوه ما
قدروا على ذلك وعجزوا عنه.
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :من علم أنه ال رازق للعباد غيره ثم يتعلق قلبه باألسباب فهو من المبعدين عن طريق
الحقائق.
الس ِع ِ
ير ونوْا ِم ْن أَصح ِ
اب َّ ْ َ ان َل ُك ْم َع ُدٌّو َفاتَّ ِخ ُذوهُ َع ُدواً ِإَّن َما َي ْد ُعوْا ِح ْزَب ُه لَِي ُك ُ
طَ ِإ َّن َّ
الش ْي َ
قال الواسطى رحمة هللا عليهَ { :فاتَّ ِخ ُذوهُ َع ُدواً} بما نصركم عليه واحذروا أن يغلبكم فإنه إنما يدعو حزبه ،وحزبه هم
الراكنون إلى الدنيا والمحبون لها والمفتخرون بها.
الس ِع ِ
ير} [اآلية.]6 : ونوْا ِم ْن أَصح ِ
اب َّ ْ َ قوله عز وعالِ{ :إَّن َما َي ْد ُعوْا ِح ْزَب ُه لَِي ُك ُ
قال سهل رحمة هللا عليه :حزبه أهل البدع والضالالت واألهواء الفاسدة والسامعين ذلك عن قائلها.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :حذرهم حزبه ومتابعة وأمر بطرده بضياء المبادرة فى العهود ،وحفظ الحدود ،ورعاية
الود ،يطرد الوسواس كما أن ضياء النهار يطرد الكالب من المجالس .وأنشد:
الصالِح يرَفعه و َّال ِذين يم ُكرون َّ ِ من َكان ي ِريد اْل ِعَّزة َفلَِّل ِه اْل ِعَّزة ج ِميعاً ِإَلي ِه يصعد اْل َكلِم َّ
السِيَئات َل ُه ْم َع َذ ٌ
اب الطِي ُب َواْل َع َم ُل َّ ُ َ ْ ُ ُ َ َ َ ْ ُ َ ُ ْ َ ْ َُ ُ َ َ َ ُ ُ َ
ور ِ ِ
َشد ٌيد َو َم ْك ُر أ ُْوَلئ َك ُه َو َيُب ُ
الصالِ ُح َي ْرَف ُع ُه} [اآلية.]10 : قوله تعالىِ{ :إَلي ِه يصعد اْل َكلِم َّ
الطِي ُب َواْل َع َم ُل َّ ْ َ ْ َُ ُ
قال سهل رحمه هللا :العمل ظاهر الدعاء والصدقة ،وباطنه عمل بالعلم واالقتداء بالسنة يرفعه أو يوصله لإلخالص.
الصالِ ُح} يرفع الكالم الطيب. وقال ابن طاهر بن أبى بكرِ{ :إَلي ِه يصعد اْل َكلِم َّ
الطِي ُب َواْل َع َم ُل َّ ْ َ ْ َُ ُ
َّللاِ َو َّ
َّللاُ ُه َو اْل َغِن ُّي اْل َح ِم ُيد آء ِإَلى َّ
اس أَنتُ ُم اْلُفَق َر ُ
ُّها َّ
الن ُ ٰيأَي َ
قال يحيى بن معاذ :الفقر خير للعبد من الغنى ألن المذلة فى الفقر والكبر مع الغنى ،والرجوع إلى هللا بالتواضع
والذلة خير من الرجوع إليه بتكثير األعمال.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :من استغنى باهلل ال يفتقر ،ومن َّ
تعزز باهلل ال يذل.
قال الحسين :على مقدار افتقار العبد إلى هللا يكون غناه باهلل فى كل شىء والفقر إليه فى كل شىء والرجوع إليه فى
كل شىء.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :أفقر الفقراء من ستر الحق حقيقة حقه والغنى من كاشف الحق حقيقة حقه له.
قال الجنيد رحمة هللا عليه :قد عجزت عن علم العبودية كيف تدرك علم الربوبية ،والربوبية :العلم والقدرة والقهر،
والمشيئة ،والعبودية العجز والفاقة والضعف والضرورة وال يستطيع أن يدفع الضرورة من ضعفه ومن عجزه ،وال يقدر
على دفع فاقته.
قال ذو النون رحمة هللا عليه :الخلق محتاجون إليه فى كل نفس وخطرة ولحظة.
وقال الشبلى :الفقر بحر البالء وبالؤه كله عز .وقال الجنيد رحمة هللا عليه :خلق الخلق وأفقره إليه بغناه عنهم فقال:
َّللاُ ُه َو اْل َغِن ُّي اْل َح ِم ُيد} دليل على أن فقر كل شىء إليه فإنه غنى عن األشياء أجمع.
{و َّ {أَنتم اْلُفَقرآء ِإَلى َّ ِ
َّللا} ثم قالَ : ُُ َ ُ
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول :سمعت القناد يقول :سمعت الجنيد رحمة هللا عليهم يقول :وقد سئل عن االفتقار الى
هللا أتم أم االستغناء به؟ فقال :إذا صح االفتقار الى هللا كمل الغنى باهلل ،وال يقال أيهما أتم ألنهما حاالن ال يتم
أحدهما إالَّ باآلخر فمن صح له االفتقار إليه صح له الغنى به.
وسمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت الجرير يقول :سمعت الجنيد رحمة هللا عليه وعليهم يقول فى قوله{ :أَنتُ ُم
َّللاِ} فقال :الفقر يليق بالعبودية والغنى يليق بالعبودية.
آء ِإَلى َّ
اْلُفَق َر ُ
سئل الخواص ما عالمة الفقر الصادق؟ قال :ترك الشكوى وإخفاء أثر البلوى .وسئل رويم عن الفقر؟ فقال :عدم كل
موجود ويكون فى األشياء دخوله لغيره ال له.
سمعت أبا الفرج يقول :سمعت إبراهيم بن أحمد السياجى يقول :سمعت محمد بن الحسين الخطيب يقول :سمعت
العباس بن عبد العظيم يقول :سمعت بشر بن الحارث يقول :الفقر مخزون مكنون للمؤمن مثل الشهادة ال ينالها إالَّ
قال عمرو المكى :الفقر ظاهرة ظاهر البلوى وباطنه باطن النعمة وقد وقع عليه كريم الوعد بالجزاء فوجب على العبد
إظهار ما بطن من النعمة وإخفاء ما ظهر من البلوى.
قال ابن عطاء :الخشية أتم من الخوف ألنه صفة العلماء واألولياء.
قال جعفر :خشية العلماء من ترك الحرمة فى العبادات وترك الحرمة فى اإلخبار عن الحق وترك الحرمة فى متابعة
الرسول وترك الحرمة فى خدمة األولياء والصديقين.
وقال الحارث :العلم يورث الخشية والزهد يورث الراحة ،والمعرفة تورث اإلنابة.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :أوائل الخشية العلم ثم اإلجالل ثم التعظيم ثم
قال الحسن البصرى رحمة هللا عليه :السابق من رجحت حسناته ،والمقتصد من
ظالِ ٌم ِلَنْف ِس ِه} فرق المؤمنين ثالث فرق سماهم مؤمنين أوالً ،عبادنا:
وقال جعفر الصادق رحمة هللا عليهَ { :ف ِم ْن ُه ْم َ
طَف ْيَنا} جعلهم كلهم أصفياء مع علمه بتفاوت معامالتهم ثم جمعهم {اص َ وكرما ثم قالْ : ً أضافهم إلى نفسه تفضالً منه
إخبار أنه ال يتقرب إليه إالَّ
ًا ات َع ْد ٍن َي ْد ُخُل َ
ون َها} [اآلية ،]33 :ثم بدأ بالظالمين {جَّن ُ
فى آخر اآلية بدخول الجنة فقالَ :
قال الجنيد رحمة هللا عليه :لما ذكر الميراث على أن الخلق فيه خاص وعام وأن
نسبا فتصحيح النسبة هو األصل .قال :الظالم الذى يحبه لنفسه ،والمقتصد الذى يحبه
الميراث لمن هو أقرب وأصح ً
له والسابق أسقط عنه مراده لمراد الحق فيه فال يرى لنفسه ً
طلبا وال مرًادا لغلبة سلطان الحق عليه.
طَف ْيَنا ِم ْن ِعَب ِادَنا} على ماذا عطف بقوله ثم؟ قال :عطف على
اص َ
ين ْ
سئل الثورى عن قوله{ :ثُ َّم أَورْثنا اْل ِكتَ َّ ِ
اب الذ َ
َ َْ َ
إرادة األزل واألمر المقضى ،قال :ثم أورثنا من الخلق الذين سبقت لهم منا االصطفائية فى األزل.
وقال عبد العزيز المكى :المغفرة للظالمين والرحمة على المقتصدين والقربى للسابقين.
وقال حارث المحاسبى :الظالم نظر من نفسه فى دنياه وآخرته فيقول فى دنياه وآخرته نفسى نفسى والمقتصد نظر من
نفسه إلى عقباه وهو فى اآلخرة ناظر إلى مواله ،والسابق من نظر من هللا إلى هللا فلم ير غير هللا فى دنياه وعقباه.
وقال أبو الحسن الفارسى :سبحان من أثبت أسامى الظالمين فى ديوان السابقين ثم جمع بينهم فى محل اإلرث فقال:
عبادا مخصوصين فسوى بينهم أن ات َع ْد ٍن َي ْد ُخُل َ
ون َها} وإن هللا اصطفى جملة الموحدين من جملة الكافرين فكانوا ً {جَّن ُ
َ
ال يعتمد السابق على سبقه وال ييأس الظالم من ظلمه.
اب }...اآلية ،قال :فيه تعزية وتهنئة وما من تعزية إالَّ وتحتها تهنئة وال تهنئة إالَّ وتحتها ِ
وقيل فى قوله{ :ثُ َّم أ َْوَرْثَنا اْلكتَ َ
ظالِ ٌم لَِنْف ِس ِه} كان ذلك تهنئة له وتعزية للظالم ،ثم ذكر السابق بالخيرات وفى ذلك تهنئة له
تعزية فلما قالَ { :ف ِم ْن ُه ْم َ
الساِبُقو َن أ ُْوَلـِٰئ َك اْل ُمَقَّرُبو َن} [الواقعة ]11-10 :والظالم لنفسه افتقر إلى
الساِبُقو َن َّ
وتعزية للمقتصد ألن هللا يقولَ { :و َّ
حال
قال بعضهم :الظالم هو طالب الدنيا ،والمقتصد طالب العقبى ،والصادق طالب
المولى.
قال الحسين :الظالم الباقى مع حاله والمقتصد الفانى فى حاله والسابق المستغرق فى فناء حاله.
قال بعضهم :الظالم محجوب بالغفلة والمقتصد واقف فى طلب الثواب والسابق ٍ
فان فى رؤية الصفات.
اب} قال :ال ميراث إالَّ عن نسبة صحح النسبة ثم َّادعى المي ارث. ِ
قال النصرآباذى فى قوله{ :ثُ َّم أ َْوَرْثَنا اْلكتَ َ
فهم منه محل المعرفة والثواب والعقاب والمقتصد فهم محل الجزاء واإلعراض والجنان والسابق استرقه التلذذ بالخطاب
عن أن يرجع منه إلى شىء سواه.
قال بعضه م :الظالم نظر من النعمة إلى المنعم والمقتصد نظر من المنعم إلى النعمة ،والسابق نظر من المنعم إلى
شيئا سواه أو يشهد غيره.
المنعم لم يكن منه فضالً أن يالحظ ً
وقال أبو يزيد رحمة هللا عليه الظالم فى ميدان العلم والمقتصد فى ميدان المعرفة
قال ابن عطاء :العبادة غاية الظلم لنفسه والعبودية غاية المقتصدين ونهايتهم والعبودية تحقيق ومشاهدة للسابقين.
قال ابن عطاء -رحمة هللا عليه :-الظالم معذور والمقتصد معاتب والسابق ناج
مقرب.
َّ
قال الجنيد -رحمة هللا عليه :-الظالم مضروب بسوط الغفلة مقتول بسيف األمل
مطروح على باب الرحمة والمشيئة ،والمقتصد مضروب بسوط الندامة مقتول بسيف الحسرة مطروح على باب الفقر
والسابق مضروب بسوط المحبة مقتول بسيف الشوق مطروح على باب المشاهدة والبشرى واللقاء.
قال ابن عطاء :قدم الظالم كى ال ييأس من فضله .وقال :السابق مقدم بسبقه لكن
قال الجنيد -رحمة هللا عليه :-الظالم لنفسه وهو على وجهين أحدهما يظلم نفسه فيحرمها حظها من الدنيا وظالم
لنفسه يحرمها حظها من اآلخرة فالظالم لنفسه الذى يحرمها حظها من الشهوات واإلرادات من حظوظ الدنيا وظالم
لنفسه بأن حرمها شهوة اآلخرة حتى ال يطلب الجنة والثواب ألجل نفسه فإن كليهما من حظوظ النفس بل طلب ربه
قال ابن عطاء :يحتاج قائل كلمة التوحيد إلى ثالثة أنوار :نور الهداية ونور الكفاية ونور الرعاية والعناية فمن َمن هللا
عليه بأنوار الهداية فهو معصوم من الشرك والنفاق ومن َمن عليه بأنوار الكفاية فهو معصوم من الكبائر والفواحش
ومن َمن هللا عيه بأنوار الرعاية والعناية فهو محفوظ من الخطرات الفاسدة والحركات التى هى ألهل الغفالت فالنور
األول للظالم والنور الثانى للمقتصد والنور الثالث للسابق.
واإلرث بصحة النسب فمن صح النسبة وجد الميراث وال يأخذ ميراث الحق إال من نسبه الحق وإلى الحق دون
األنساب والوسايط ،روى عن النبى صلى هللا عليه وسلم أنه قال" :يقول هللا عز وجل :اليوم أرفع نسبى وأضع نسبكم،
أين المتقون؟
".
آن}
اْلُق ْر َ {الر ْح َمـ ُٰن َعَّل َم
علما حين َعَّلمهم بنفسه فقالَّ :
اب} أورثهم ً
ِ
قال الواسطى -رحمة هللا عليه { :-أ َْوَرْثَنا اْلكتَ َ
[الرحمن.]2-1 :
قال القاسم فى هذه اآلية :ليس كل من اصطفيناه لمعنى يتم له المعانى أجمع إال أن يتم له ذلك فيتم له أالَ تراه يقول:
ظالِ ٌم لَِنْف ِس ِه} فهو من االصطفائية على
{ َف ِم ْن ُه ْم َ
الطرف.
اب} أى أبقينا بركة الكتاب على ما أنزلناه عليهم وهم المصطفون لم يحرم الظالم بركة ِ
قال القاسم :فى قوله {أ َْوَرْثَنا اْلكتَ َ
كل نال منه حظه فالمحروم من حرم حظه منه أجمع. الكتاب لظلمه وال المقتصد وال السابق ٌ
الدنيا إما فى الحسنات وإما فى السيئات وإما فى الشهوات وفى اآلخرة إما فى الدرجات وإما فى الدركات وإما فى
الحسبانات فمن كان فى الدنيا فى الحسنات فهو فى اآلخرة فى الدرجات ومن كان فى الدنيا فى السيئات فهو فى
اآلخرة فى الدركات ومن كان فى الدنيا فى الشهوات فهو متحير فى الحسبانات.
طَف ْيَنا ِم ْن ِعَب ِادَنا} قال :هم أمة محمد حين روى عنه أنه قال" :سابقنا سابق ومقتصدنا ناج
{اص َ
وقال يحيى بن معاذ ْ
وسَّل َم ًا
كثير. وظالمنا مغفور له" .صلى هللا عليه وعلى آله وأصحابه َ
وقال يحيى :اصطفاهم عن كدورتهم وأخلصهم لفهم القرآن والقيام بحدوده .
قال الواسطى -رحمة هللا عليه :-أخرجوا بالفضل وغذوا بالفضل ويريدون الفضل بال مواساة وال مكافأة وال عوض
من ذلك.
قال قائل :من أهل الحقيقة أنه من كرمه ال يقبل إال معيب بحال وقيل :إنه ال
يقبل إال كل مجيب يجيبه لخطابه وهداه لقرائه واشتملت عليه أنواره وظهرت عليه آثاره فى أزليته وصفاهم عند
خلقتهم.
أيضا :من نظر بنفسه إلى الدنيا فهو ظالم ومن نظر بقلبه إلى اآلخرة فهو
وقال ً
وقال محمد بن على الترمذى :االصطفائية أوجبت اإلرث واالصطفائية جمعت بين
الظالم والمقتصد والسابق فالظالم لنفسه على الظاهر سابق فى ميدان االصطفائية لذلك قدمه وأزال العلل عن العطايا
ات َع ْد ٍن َي ْد ُخُل َ
ون َها}. {جَّن ُ
فقالَ :
وقال القاسم :الظالم ذاكر والمقتصد متذكر والسابق غير ذاكر ومتذكر ألنه ليس فى حد الغفلة والنسيان فيذكر ويتذكر
ومعناه :أن الظالم ينساه وقت معصيته فيذكره فى وقت توبته والمقتصد يتكلف فى ذكره ويجتهد فى أن ال ينساه
والسابق ال ينساه فى وقت فيحتاج أن يذكره .وأنشد القاسم:
أنى وإن كنـت ال ألقـاه ألقـاه أبلغ أخاك أخا اإلحسان مخبرة
أيضا:
وأنشد ً
قال بعضهم :الظالم يراه فى مقدار الجمعة من أيام الدنيا والمقتصد يراه فى اليوم مرة والسابق على األرائك ينظرون ال
يغيبون عن المشاهدة بحال.
طَف ْيَنا ِم ْن ِعَب ِادَنا} فأكرمهم باالصطفائية ثم َبين أنهم متفاوتون فى تلك االصطفائية
اص َ
ين ْ
قال{ :أَورْثنا اْل ِكتَ َّ ِ
اب الذ َ
َ َْ َ
فقال :هم عباد أصفياء إالَّ أنهم على درجات منهم ظالم بالركون إليها واتباع شهواتها ومنهم مقتصد قائم بطاعة ربه
وربما يقع له التفات إلى النفس فيغفل غفلة فى شىء من المخالفات ومنهم سابق بالخيرات وهو الذى أسقط عنه رؤية
النفس أجمع فال يراها وال يلتفت إليها وال يسكن إلى شىء منها.
قال بعضهم :الظالم مشغول عن الذكر والمقتصد مشغول بالذكر والسابق اشتغل
بالمذكور عن الذكر.
قال بعضهم :سؤال الظالم الهداية والوقاية من النار وسؤال المقتصد العناية فى
دخول الجنة وسؤال السابق الهداية إلى الرب ليزول عنه الكرب.
وقال محمد بن على الترمذى :لكل نوع من هؤالء الثالثة نوع من السؤال أخبر عنها المصطفى صلى هللا عليه وسلم.
فسؤال الظالم :أسألك اإليمان بك والكفاف من الرزق ،وسؤال المقتصد :أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل
وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل ،وسؤال السابق :أسألك النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك.
قال بعضهم :الظالم من يكون أعماله بعضها رياء وبعضها إخالص والسابق من
وحد هللا
وحد هللا بلسانه ولم يوافق فعله قوله فهو ظالم ومن َّ
قال أبو عثمان :من َّ
بلسانه وأطاعه كرامة فهو مقتصد ومن وحده بلسانة وأطاعه بجوارحه وأخلص له عمله فهو سابق.
قال بعضهم :الظالمون هم الذين نزلوا عن الصحابة والمقتصدون هم عامة الصحابة والسابقون هم المهاجرون
األولون.
سمعت محمد بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم البزاز بمصر يقول :قال ابن
عطاء :الظالم هو الذى يحبه ألجل الدنيا والمقتصد الذى يحبه من أجل العقبى والسابق الذى أسقط مراده لمراد الحق
قال بعضهم :الظالم هو الذى يريد بطاعته كرامة الخلق وإجاللهم له والمقتصد الذى يريد بطاعته الجنة والسابق الذى
شيئا سواه.
حمله حب األمر والنهى ورضا األمر عن أن يريد به ً
قال بعضهم :الظالم الناظر إلى صفته والمقتصد المبتغى به فضالً والسابق الذى يرى فضل هللا عليه فيما وفقه
للعمل.
قال بعضهم :الظالم من هو ظاهره خير من باطنه والمقتصد الذى استوى ظاهره
المجاهدات فتكون أوقاته كلها مستوفاة ال يكون لنفسه نفس فى مراده ويقتصد فى طلب الدنيا وما يبعده عن ربه
ويقطعه عنه ويسبق السابقين فى البدار إلى ميادين الرضا ومعادن الحقيقة لذلك.
قال السيد الماضى :السباق السباق قوالً وفعالً حذر النفس حسرة المسبوق.
متزودا منها،
ً متمتعا بها ،والمقتصد الطالب لها
ً قال بعضهم :الظالم الطالب للدنيا
قال بعضهم :الظالم الواعظ بلسانه والمقتصد الواعظ بعمله والسابق الواعظ بسره.
قال بعضهم :الظالم الذى يجزع عند البالء والمقتصد الذى يصبر على البالء والسابق الذى يتلذذ بالبالء.
قال بعضهم :الظالم من غلبت نفسه قلبه والمقتصد من غلب قلبه نفسه والسابق من كان قلبه ونفسه فى حراسة الحق.
قال بعضهم :الزبير قاصد والمقتصد وارد والسابق مامكن فالقاصد شغله فى قصده والوارد شغله فيما ورد عليه منه
وفيما ورد عليه والمتمكن نسى منزله لما عاين من حسن قيام هللا به وله ،وهؤالء ثالثة :قوم غابوا عن وصفهم وحظهم
واألوقات وقوم جازوا درجة النعوت والصفات وقوم اشتملت عليهم أنوار الذات فهم فى أنواره يتقلبون وعن حكمه
ينطقون.
قال محمد بن على الترمذى :الظالم نفسه إلى عفو هللا والمقتصد إلى رضا هللا
قال بعضهم :الظالم المقتصر على الفرائض دون النوافل والسنن والمقتصد الجامع بينهما والسابق الذى ُم ِكن من
معاملته على المشاهدة.
قال ابن عطاء :حمد الظالمين على العادة وحمد المقتصدين على اللذة وحمد السابقين على المسابقة.
قال بعضهم :الظالم الراكن إلى الدنيا ال يريد االستراحة منها وال يكاد ينزع من
طلبها والمقتصد الراكن إليها ويتمنى نجاته منها والسابق الذى نبل قدره وكرمت نفسه أن يحدث بشىء منها.
وقال بعضهم :الظالم الذى يعبده على الغفلة والعادة والمقتصد الذى يعبده على
وقال بعضهم :الظالم الذى يأكل الدنيا بالتمتع والشهوة والمقتصد الذى يأكلها من
قال بعضهم :الظالم العالم بأحكام هللا والمقتصد العالم بأسماء هللا وصفاته والسابق العالم باهلل وأسمائه وصفاته
وأحكامه.
قال بعضهم :الظالم لنفسه آدم والمقتصد إبراهيم والسابق محمد صلى هللا عليه وسلم.
قال بعضهم :الظالم نفسه أعطى فمنع والمقتصد أعطى فبذل والسابق منع فشكر.
قال بعضهم :الظالم من استغنى بماله والمقتصد من استغنى بدينه والسابق من استغنى بربه .وقال :قدم الظالم ألنه لم
يكن له شىء يتكل عليه إال ربه فاعتمده واتكل عليه وعلى رحمته واتكل المقتصد على حسن ظنه بربه واتكل السابق
على حسناته.
أيضا :السابق الذى اشتغل بمعاده والمقتصد الذى اشتغل بمعاده ومعاشه والظالم الذى اشتغل بمعاشه عن
وقال ً
معاده.
وقال ابن عطاء -رحمة هللا عليه :-الظالم النفس والمقتصد القلب والسابق الروح.
ِ َّ ِ
َوَقاُلوْا اْل َح ْم ُد ََّّلل الذي أَ ْذ َه َب َعَّنا اْل َح َزَن ِإ َّن َربََّنا َل َغُف ٌ
ور َش ُكوٌر
قوله تعالى{ :اْل َح ْم ُد ََّّللِ َّال ِذي أَ ْذ َه َب َعَّنا اْل َح َزَن} [اآلية.]34 :
سمعت النصرآباذى يقول :ما كان حزنهم إال تدبير أحوالهم وسياسة أنفسهم فلما نجوا منها حمدوا وقال{ :اْلحمد ََّّللِ
َ ُْ
َّال ِذي أَ ْذ َه َب َعَّنا اْل َح َزَن}.
قال أبو سعيد الخراز :أهل المعرفة فى الدنيا كأهل الجنة فى اآلخرة ،قال هللا تعالى عن أهل الجنة{ :اْل َح ْم ُد ََّّللِ َّال ِذي
أَ ْذ َه َب َعَّنا اْل َح َزَن} وإنما أحزانهم االشتغال باإلعراض فتركوا الدنيا فى الدنيا فنعموا وعاشوا فى الدنيا عيش الخائفين.
قال القاسم فى هذه اآلية قال :زوال النقم وتقليب القلب وسالمة العاقبة.
ابتداء
ً قال الواسطى -رحمة هللا عليه :-شكر هللا للعبد رضاه بما أجرى عليه وشكر العبودية أن يرى النعمة من هللا
وانتهاء.
قال سهل -رحمة هللا عليه :-غفور لذنوب كثيرة شكور ألعمال يسيرة.
وروى عن بعض أهل الورع أنه كان متعلًقا بأستار الكعبة ويقول :من مثلى إلهى إن أذنبت منانى وإن تبت رَّجانى وإن
أقبلت أدنانى وإن أدبرت نادانى إن ربنا لغفور شكور غفور للذنب العظيم شكور للعمل اليسير.
سمعت محمد بن عبد هللا يقول :سمعت أبا بكر التميمى يقول :إن كانت أعمالك مكتسبة فبفضل هللا عملت والفضل
ضلِ ِه }...اآلية. غير مكتسب ولو كان مكتسبا لم يس َّم فضالً أال ترى هللا يقول{ :أَحَّلنا دار اْلمَق ِ ِ
امة من َف ْ
ََ ََ ُ َ ً َُ
".
أى وال فخر بالسيادة ألن افتخارى بالعبودية أجل من إخبارى عن نفسى ِ
بالسيادة. َ
َلَق ْد َح َّق اْلَق ْو ُل َعَل ٰى أَ ْكثَ ِرِه ْم َف ُه ْم الَ ُيؤ ِمُنو َن
{و َج َعْلَنا ِمن َب ْي ِن أ َْي ِدي ِه ْم َسداً و ِم ْن َخْلِف ِه ْم َسداً} [اآلية.]9 :
قوله تعالىَ :
{و َج َعْلَنا ِمن َب ْي ِن أ َْي ِدي ِه ْم َسداً} وهو طول األمل وطمع البقاء {و ِم ْن َخْلِف ِه ْم َسداً}
قال ابن عطاء -رحمة هللا عليه َ :-
فهو الغفلة عما سبق منه من الجنايات وقلة الندم واالستغفار عليه ،أعماه تردده فى الغفالت عن االعتذار لما سبق
منه من الجنايات.
قال الحسين :أشرف منازل الذاكرين من نسى ذكره فى مشاهدة مذكوره وحفظ أوقاته عن الرجوع إلى رؤية الذكر.
قال محمد بن على الترمذى فى هذه اآلية :إنا نحن نحيى األنفس الميتة بتوفيق الخدمة ونحيى القلوب الميتة بأنوار
اإليمان ونحيى األسرار الميتة بأنوار االطالع ونحيى األفئدة الميتة بأنوار المشاهدة.
قال ابن عطاء :بالفطرة جعل األشخاص فى قبضة القدرة واألرواح فى قبضة العزة.
قال الحسين :كل قلب يشتغل بالثواب عن خدمة اآلمر فهو أجير وليس بعبد وإنما يعمل على األجر عبيد النفوس
ومن أخذه تعظيم حرمة أمر هللا ال يلتفت إلى الثواب.
ال ٰيَل ْي َت َق ْو ِمي َي ْعَل ُمو َن * ِب َما َغَف َر لِي َربِي} [اآلية.]27-26 : ِ ِ
يل ْاد ُخل اْل َجَّن َة َق َ
قوله تعالى{ :ق َ
قال حمدون القصار :ال يسقط عن النفس رؤية الخلق بحال ولو سقط عنها فى وقت لسقط فى المشهد األعلى فى
الحضرة أال تراه فى وقت دخول الجنة يقول :يا ليت قومى يعلمون بما غفر لى ربى تحدثه النفس إذ ذاك برؤية
الخلق.
قال ابن عطاء -رحمة هللا عليه :-القلوب الميتة بالغفلة فأحييناها بالتيقظ واالعتبار والموعظة وأخرجنا منها معرفة
صافية تضىء أنواره على الظاهر والباطن.
َنف ِس ِه ْم َو ِم َّما الَ َي ْعَل ُمو َن سبحان َّال ِذي خَلق األ َْزو َّ ِ
اج ُكل َها م َّما تُنِب ُت األ َْر ُ
ض َو ِم ْن أ ُ َ َ َ ُْ َ َ
اج ُكَّل َها} ثم قالَ{ :ل ْي َس َك ِم ْثلِ ِه َشي ٌء} [الشورى ]11 :ليستدل بذلك أن خالق
{خَلق األ َْزَو َ
قال عبد العزيز المكىَ :
ْ
مستغن عنه.ٍ األزواج منزه عن الزوج
قال ابن عطاء :شغلهم فى الجنة استصالح أنفسهم لميقات المشاهدة وهذا من أعظم االشتغال.
اما بالراحة فى مقعد صدق عند مليك مقتدر فهم متقلبون فى الراحة واللقاء قال الجنيد -رحمة هللا عليه :-أحيا أقو ً
اك ُهو َن} حظوظ األنفس عنوالرضوان والمشاهدة ثم من عليهم بزيادة منه فقالِ{ :إ َّن أَصحاب اْلجَّن ِة اليوم ِفي ُش ُغ ٍل َف ِ
ْ َ َ َ َْ َ
هذا المعدن وهذا المشهد وسئل بعض المشايخ عن قول النبى صلى هللا عليه وسلم" :أكثر أهل الجنة البله" .قال:
ألنهم فى شغل فاكهون شغلهم النعيم عن المنعم.
َلهم ِفيها َف ِ
اك َه ٌة َوَل ُه ْم َّما َيَّد ُعو َن ُْ َ
قال ابن عطاء :مكر بالخلق فى كل موضع وخدعهم عنه بكل شىء حتى فى الجنة يقول :لهم فيها فاكهة ولو علت
هممهم لما أعاروا أبصارهم الجنة وما فيها بل خرجوا منها طالبين محل الرضا ومشاهدة الحق كمن عال همته وهو
ط َغ ٰى}[النجم.]17 :
ص ُر َو َما َ
غ اْلَب َ
{ما َاز َ
السفير األعلى حين أخبر عنه فقالَ :
قال الثورى :األنفاس ثالثة :نفس فى العبودية ونفس بالربوبية ونفس بالرب.
وقال أبو سعيد الخراز :نفوس األولياء فى دار الدنيا على مقام العبودية ونفوس عامة المؤمنين على مقام الجزاء
عبدا فى دار
ونفوس األشداء على مقام الحرية وأهل الحقيقة عبيد فى الدنيا وأرواحهم من نعيم الجنة وكل من كان ً
حر فى دار الدنيا كان
حر فى الدنيا كان من البلوغ إلى اآلخرة وكل من كان ًا
الدنيا كان قر ًيبا من الحرية ومن كان ًا
عبدا ذليالً فى اآلخرة.
ً
قال الواسطى -رحمة هللا عليه : -من عبد هللا لنفسه فإنما يعبد نفسه ومن عبد من أجله فإنه لم يعرف ربه ومن
عبده بمعنى أن العبودية جوهرة تظهرها الربوبية فقد أصاب.
قال الشقيق البلخى :العبودية حرفة وحانوتها العزلة ورأس مالها التوبة وربحها الجنة.
سمعت محمد بن عبد هللا يقول :سمعت الريحانى يقول :العبادة على ثالثة إن كان القلب والعين واللسان ،فعبادة
القلب :التفكر والمراقبة وعبادة العين الغض واالعتبار ،وعبادة اللسان :القول بالحق والصدق.
الدقاق يقول :العبودية على ثالث مراتب :أن تكون فيما بينك
سمعت أبا بكر محمد بن عبد هللا يقول :سمعت أبا بكر َّ
مجتهدا.
ً معاونا وعلى نفسك
ً خدوما وأن تكون للناس
ً وبين ربك
اه ِه ْم َوتُ َكلِ ُمَنآ أ َْي ِدي ِه ْم َوتَ ْش َه ُد أ َْر ُجُل ُه ْم[ }...اآلية.]65 :
قوله عز وعال{ :اْليوم نخِتم عَلى أَ ْفو ِ
َْ َ َ ْ ُ َ ٰ َ
سمعت النصرآباذى يقول :مشاهدة الموقف األكبر صعب فمن أقر فيه فقد ترك حرمة ذلك الموقف ومن أنكر فإن
جوارحه تشهد عليه بقوله{ :اْليوم نخِتم عَلى أَ ْفو ِ
اه ِه ْم }...اآلية .فمن أقر فى ذلك الموضع فإن أمره أصعب ممن ينكر َْ َ َ ْ ُ َ ٰ َ
مع صعوبة أمر من أنكر.
َو َمن ُّن َع ِم ْرهُ ُنَن ِك ْـس ُه ِفي اْل َخْل ِق أََفالَ َي ْعِقُلو َن
{و َمن ُّن َع ِم ْرهُ ُنَن ِك ْـس ُه ِفي اْل َخْل ِق} [اآلية.]68 :
قوله تعالىَ :
عمره هللا بالغفلة وأن األيام واألحوال تؤثر فيه حاالً فحاالً
قال أبو بكر الوراق :من َّ
قال سهل :هو التذكر والتفكر لمن قاربه فهمه واتعظ بمواعظه وائتمر ألوامره.
ِ ِ ِ ِ
ان َحياً َوَيح َّق اْلَق ْو ُل َعَلى اْل َكاف ِر َ
ين لُينذ َر َمن َك َ
قال الجنيد -رحمة هللا عليه :-الحى :من تكون حياته بحياة خالقه ال من يكون حياته ببقاء هيكله ومن يكون بقاؤه
ببقاء نفسه فإنه ميت فى وقت حياته ومن كان حياته بربه كانت حقيقة حياته عند وفاته ألنه يصل بذلك إلى رتبة
ان َحياً}. ِ ِ
الحياة األصلية .قال هللا عز من قائل{ :لُينذ َر َمن َك َ
يم} أى من ُيحيى القلوب الميتة بالقسوة واإلعراض عنه فيردها إلى التفويض وقال فى قوله {من ُيحِيي اْل ِع َ ِ ِ
ظ َام َوه َي َرم ٌ َ
والتسليم والتوكل واإلقبال عليه.
ِ ِ
إَّن َمآ أ َْم ُرهُ إ َذآ أ ََرَاد َش ْيئاً أَن َيُق َ
ول َل ُه ُكن َفَي ُكو ُن
قال بعضهم :هو الواحد فى معناه الكامل فى ذاته أحد فى واحديته واحد فى حديته.
سمعت أبا الحسين الفارسى يقول :سمعت أبا عبد هللا الواسطى -رحمه هللا -بالبصرة يقول :مدار العبودية على
ستة أشياء؛ التعظيم والحياء والخوف والرضا والمحبة والهيبة فمن ذكر التعظيم يهيج اإلخالص ومن ذكر الحياء
يكون العبد على خطرات قلبه
ظا ومن ذكر الخوف يتوب العبد من الذنوب ومن ذكر الرجاء يتسارع إلى الطاعات ومن ذكر المحبة تصفو له
حاف ً
األعمال ومن ذكر الهيبة يدع التملك واالختيار.
سمعت أبا الحسين الفارسى يقول :سمعت على بن سهل يقول :مدار العبودية على خالل ثالث؛ العلم المحكم والنظر
اللطيف والعمل بما علم؛ ألن قسمة القصد بالعلم وقسمة الرؤية بالبطر وسمة الهزر بالعمل.
سمعت محمد بن عبد هللا يقول :سمعت أبا بكر بن طاهر يقول :صحة البقاء مع هللا إخالص العبودية هلل وفناء رؤية
العبد مع هللا ببقاء حظه من هللا.
سمعت أبا بكر بن عبد هللا يقول :سمعت إبراهيم بن شيبان يقول :علم البقاء والفناء يدور على إخالص الوحدانية
وصحة العبودية وما كان غير هذا فهى المغاليط والزندقة.
سمعت أبا عثمان المغربى يقول :وقد سئل عن اإلخالص فقال :ما ال يكون للنفس فيه حظ بحال وذلك إخالص
العوام وإخالص الخواص ما يجرى عليهم ال يهم فتبدوا منهم األفعال وهم عنها بمعزل وتظهر منهم الطاعات وال تقع
منهم إليها رؤية وال بها اعتداد فذلك إخالص الخواص.
قال القاسم :االطالع اطالعان :اطالع التخصيص فيه الحياء والبقاء واطالع الخسيس فيه الفناء والهلك.
قال بعضهم :اطلع فى النار فرأى أمثاله فيها وأشكاله فعلم أن عمله لم ينجه وإنما نجاه فضل ربه.
أى مستسلم مفوض فى كل حال إلى ربه راجع إليه بسره ال يتمنى إلى هللا األكوان بما فيها.
قال ابن عطاء :إنى سقيم مما أرى من مخالفتكم وعبادتكم األصنام.
وقال الواسطى -رحمة هللا عليه :-السقم طبع الحيوان كلها ومن كان آخره الموت فهو سقيم ومعناه سقيم القلب فى
قضاء حقوق هللا عز وجل وأقبح األشياء بالعبد سقم اإلرادة وهو قلة الصفاء فى المعامالت.
قال أبو سعيد الخراز :إنى ذاهب إلى ربى لما فنى الموجود وانقطعت القدرة وثبت المشهود بال شاهد قال :إنى ذاهب
إلى ربى.
ؤم ُر َستَ ِج ُدِني ِإن ِ ال يُٰبَن َّي ِإِني أ ََر ٰى ِفي اْل َمَنا ِم أَِني أَ ْذَب ُح َك َفان ُ
ظ ْر َما َذا تََر ٰى َق َ
ال ٰيأََبت ا ْف َع ْل َما تُ َ الس ْع َي َق َ
َفَل َّما َبَل َغ َم َع ُه َّ
ين َّللاُ ِم َن َّ
الصاِب ِر َ آء ََّش َ
الس ْعي} [اآلية.]102 : قوله تعالى{ :فلما بلغ معه
َ َ َّ َ َ َ َ َ ُ َّ َ
قوله عز وعالِ{ :إِني أ ََر ٰى ِفي اْل َمَنا ِم أَِني أَ ْذَب ُح َك} {اآلية].102 :
قال بعضهم :القربان ما تقرب به العبد إلى ربه والتقرب غير القرب فإن التقرب للعابدين والقرب للعارفين.
سمعت منصور بن عبد هللا يقول سمعت جعفر بن محمد يقول :سمعت الجنيد -رحمة هللا عليه -يقول فى قصة
إبراهيم لما أمر بذبح ابنه حيث يقولِ{ :إِني أ ََر ٰى ِفي اْل َمَنا ِم أَِني أَ ْذَب ُح َك َفان ُ
ظ ْر َما َذا تَ َر ٰى} أتعزم على الصبر فيما َّ
حل
من البالء وإبراهيم عليه السالم خال من مساكنة االشتقاق الذى نشأ من صفة الطبع الذى ال يمكن النفوس مباينته فى
حين ُم ُسوس البالء فتلقى ذلك باالستبشار وحسن اللقاء بنفس قد برئت من وجود ما ابتليت به قد فارق الرحمة التى
لوال التمسك بالعصمة لجمت النفس على مسألة صرف البالء.
قال الواسطى -رحمة هللا عليه :-نقل هللا جل وعال إبراهيم صلى هللا عليه وسلم من حال البشرية إلى غيرها وهو أنه
لما امتحنه بذبح ابنه أراد أن يزيل عن سره محبة غيره وتثبيتًا فى محبته ألن وجود محبة هللا فى قلب إبراهيم مع رحمة
الولد محال فنظر إلى أقرب األشياء من قلبه ووحدانية األقرب فأمر بذبحه وليس المبتغى منه تحصيل الذبح إنما هو
افيا وحصل لنا
إخالء السر منه وترك عادة الطبيعة وحيث نودى وفديناه بذبح عظيم إنى قد حصلت ما طالبناك به و ً
منك ما أردناه.
َّللاُ ِم َن َّ
الصاِب ِر َ
ين} [اآلية.]102 : آء َّ ِ ِ ِ ِ
ؤم ُر َستَج ُدني إن َش َ
قوله تعالىٰ { :يأََبت ا ْف َع ْل َما تُ َ
قال أبو سعيد الخراز :أسرع اإلجابة بقوله افعل ما تؤمر ألنه قد أخالهما من علم ما يراد بهما كى ال ُيعرجا على
رؤية السالمة فيزول معنى البالء ومن يقع موضع الخصوص ال يتقرب بالصبر على حقيقة موجودة.
َّللاُ ِم َن
آء َّ ِ ِ ِ
ؤم ُر َستَج ُدني إن َش َ
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت جعفر الخلدى يقول فى قوله{ :ا ْف َع ْل َما تُ َ
ين} قال :أخالهما فيما أبالهما من علم يراد بهما كى ال يعرجا على رؤية السالمة والعافية فيزول معنى البالء الصاِب ِر َ
َّ
ويجعل مكانه الفضيلة وال يتعلق على حقيقة موجودة وكذلك طوى عنه علم السالمة فى حين القذف فى النار ليعطى
حقيقة التوكل ويكمل علم التفويض ويستحق اسم التسليم ويتلقى اختيار هللا عز
وجل باإلخبات والتعظيم وذلك قولهِ{ :إ َّن َهـٰ َذا َل ُه َو اْلَبالَ ُء اْل ُمِب ُ
ين} [اآلية.]106 :
سمعت أبا بكر الرازى يقول سمعت أبا بكر الروزبارى يقول :غاية البر فى غاية الجفاء وهو فى قصة الخليل صلوات
هللا وسالمه عليه.
ِ قوله تعالى{ :يُٰبَن َّي ِإِني أ ََر ٰى ِفي اْل َمَنا ِم أَِني أَ ْذَب ُح َك َفان ُ
ؤم ُر}. ظ ْر َما َذا تَ َر ٰى َق َ
ال ٰيأََبت ا ْف َع ْل َما تُ َ
قال الروزبارى :عظيم قدر الذبح حين فدى مثل اسماعيل صلى هللا عليه وسلم.
وقال جعفر عليه السالم :أخرج إبراهيم من قلبه محبة ابنه إسماعيل وأخرج إسماعيل من قلبه محبة الحياة.
ين} قال فلما سلما من هواجس نفوسهما ورأيا حسن اختيار هللا لهما ،وعلما قال بعضهم في قولهَ{ :فَل َّما أ َْسَل َما َوَتَّل ُه لِْل َجِب ِ
{وَف َد ْيَناهُ ِب ِذ ْب ٍح
أن حقيقة المحبة فى الطاعة سلم إسماعيل نفسه لألمر وسلم قلب إبراهيم من الشفقة أتتهما البشرى بقوله َ
َع ِظيمٍ} [اآلية.]107 :
قال الجريرى :البالء على ثالثة أوجه على المخلطين نقم وعقوبات ،وعلى السابقين تمحيص وكفارات وعلى األولياء
والصديقين نوع من االختبارات.
قال الحسين :البالء من هللا والعافية من هللا واألمر عن هللا والنهى إجالل هلل.
قال الواسطى -رحمة هللا عليه :-ألبسه نعتًا من شاهده فسهل عليه بذلك الباليا فلم يؤثر عليه اإليقاع فى النار
وذبح االبن.
قال سهل -رحمة هللا عليه :-البالء على وجهين بالء رحمة وبالء عقوبة ،فبالء الرحمة يبعث صاحبه على إظهار
فقره إلى هللا وبالء العقوبة يترك صاحبه على اختياره وتدبيره.
سمعت أبا بكر الرازى يقول :سمعت نحير النساج يقول :دخلت بعض المساجد وإذا فيه بعض الفقراء وكنت أعرفه
لما رآنى تعلق بى وقال :تعطف على فإن محنتى عظيمة قلت :فما محنتك؟ قال لى :فقدت البالء وقورنت بالعافية
َف َّ
وأنت تعلم أن هذه محنة عظيمة فبحثت عن حاله فإذا قد فتح عليه من الدنيا بشىء.
قال :عظيم محلها عند هللا ألنه قتل عليها نبى ابن نبى وأحيا عليها نبى ابن نبى ،كذلك ذكر فى التفسير أنها كانت
الشاة التى تقتل من إحدى بنى آدم ترتع فى الجنة إلى زمان إبراهيم ففدى به إسماعيل صلى هللا عليهما وسلم.
ِ ِ ِ
َوتَ َرْكَنا َعَل ْيه في اآلخ ِر َ
ين
ِِ ِ
الرْؤَيآ ِإَّنا َك َذل َك َن ْجزِي اْل ُم ْحسن َ
ين صَّد ْق َت ُّ
َق ْد َ
ِِ قوله عز وعالِ َ :
{ك َذل َك َن ْجزِي اْل ُم ْحسن َ
ين} [اآلية.]105 :
سمعت أبا بكر الرازى يقول :سمعت أبا بكر الكتانى يقول :المحسن من أحسن إلى
سمعت محمد بن عبد هللا يقول :سمعت الكتانى يقول :بين العبد وبين هللا ألف مقام من نور وظلمة وإنما كان
اجتهادهم فى قطع الظلمة حتى وصلوا إلى النور فلم يكن له رجوع فذلك جزاء المحسنين.
قال الواسطى :من العارفين أن تسبيحه ال ينجيه مما هو فيه وإنما ينجيه منه :الفضل وسابق القضاء.
".
قال القاسم :ما أنتم عليه بمضلين إال من أوجبت عليه الضاللة فى السابقة.
ِ ِ َّ
وم َو َما مَّنآ إال َل ُه َمَق ٌ
ام َّم ْعُل ٌ
قال جعفر :الخلق مع هللا مقامات شتىَ ،من تجاوز حده هلك فلألنبياء مقام المشاهدة وللرسل مقام العيان وللمالئكة
مقام الهيبة وللمؤمنين مقام الدنو والخدمة وللعصاة مقام التوبة وللكفار مقام الطرد واللعنة هذا معنى قوله{ :وما ِمَّنآ ِإالَّ
ََ
وم}.
ام َّم ْعُل ٌ
َل ُه َمَق ٌ
قال أبو عثمان :معلوم فى علم هللا إلى ماذا يصير أهل كل مقام.
آن ِذي ِ
الذ ْك ِر ص َواْلُق ْر ِ
قال ابن عطاء -رحمة هللا عليه :-صفاء قلوب العارفين وما أودعت فيها من لطائف الحكمة وشريف الذكر ونور
المعرفة.
آن ِذي ِ
الذ ْك ِر} [اآلية.]1 : {واْلُق ْر ِ
قوله عز وعالَ :
صِب ُروْا َعَل ٰى آلِ َهِت ُك ْم ِإ َّن َهـٰ َذا َل َشي ٌء ُي َرُاد
ام ُشوْا َوْا ْ طَل َق اْل َمألُ ِم ْن ُه ْم أ ِ
َن ْ َوان َ
ْ
صِب ُروْا َعَل ٰى آلِ َهِت ُك ْم} [اآلية.]6 :
ام ُشوْا َوْا ْ قوله تعالى{ :أ ِ
َن ْ
قال عمر :لقد وبخ هللا عز وجل التاركين للصبر على دينهم بما أخبر عن الكفار
صِب ُروْا َعَل ٰى آلِ َهِت ُك ْم} هذا توبيخ لمن ترك الصبر من المؤمنين على دينه.
ام ُشوْا َوْا ْ بقوله{ :أ ِ
َن ْ
ِ
ود َذا األ َْيد ِإَّن ُه أََّو ٌ
اب اصِبر َعَل ٰى َما َيُقوُلو َن َوا ْذ ُك ْر َع ْب َدَنا َد ُاو َ
ْ
سمعت عبد هللا الرازى يقول :كتبت هذا من كتاب أبى عثمان وذكر أنه من كالم
شاه :عالمة الصبر ثالثة أشياء ترك الشكوى وصدق الرضا وقبول القضاء بحالوة
القلب.
سئل بعضهم عن الصبر قال :هو الفناء فى البالء بال ظهور اشتكاء.
ط ِ
اب ص َل اْل ِخ َ ِ
َو َش َد ْدَنا ُمْل َك ُه َوآتَْيَناهُ اْلح ْك َم َة َوَف ْ
قال سهل :بوزراء صالحين يدلونه على الخير كما قال النبى صلى هللا عليه وسلم" :إن هللا إذا أراد
ط ِ
اب} [اآلية.]20 : ص َل اْل ِخ َ ِ
{وآتَْيَناهُ اْلح ْك َم َة َوَف ْ
قوله تعالىَ :
قال ابن عطاء :العلم والفهم .وقال فى موضع آخر :العلم بنا والفهم َّ
عنا.
قال أبو سعيد الخراز :زالت األنبياء فى الظاهر زالت وفى الحقيقة كرامات وزلف أال ترى إلى قصة داود صلى هللا
عليه وسلم حين أحس بأوائل أمره كيف استغفر وتضرع فأخبر هللا عنه بما ناله فى حال خطيئته من الزلفى فقال:
وظن داود أنما فتناه فتضرع ورجع وكان له بذلك عندنا زلفى وحسن مآب.
اب}. ِ
{و َخَّر َراكعاً َوأََن َ
قوله تعالىَ :
اب} اإلنابة هى الرجوع من الغفلة إلى الذكر مع انكسار القلب وانتظار المقت.
{وأََن َ
قال سهلَ :
قال القاسم :إنابة العبد أن يرجع إلى ربه من نفسه وقلبه وروحه فإنابة النفس أن يشغلها بخدمته وطاعته وإنابة القلب
أن يخليه مما سواه وإنابة الروح دوام الذكر حتى ال يذكر غيره وال يتفكر إال فيه.
قال جعفر :ومن ذلك ما ذكره هللا جل وعز من نبيه داود صلى هللا عليه وسلم وبلواه ومحنته ما خرج إليه من عظيم
التنصل واالعتذار ودوام البكاء واألحزان والخوف العظيم حتى لحق بربه فهذه وإن كانت المواقعة فيها تتسع فإن
َّ
ود أََّن َما َفتََّناهُ
ظ َّن َد ُاو ُ
{و َ
عاقبتها عظمت وجلت وعلت ألن هللا قد أعطاه بذلك الزلفى والحظوة قال هللا جل وعزَ :
اكعاً وأََناب * َف َغَف ْرَنا َل ُه َذلِ َك وإِ َّن َل ُه ِع َندَنا َل ُ ْزلَف ٰى وحس َن م ٍ
ـآب}. ِ
َُْ َ َ َّه َو َخَّر َر َ َ
استَ ْغَف َر َرب ُ
َف ْ
قال أبو سعيد الخراز :النفس مطبوعة إلى ما يجلب الهوى ما لم يحجزها الخوف
وأن الشر بحذافيره فى حرمان الخوف وما تجلب النفس من الطبع واتباع الهوى وقد حرم هللا عليك هواها فى محكم
اح ُك ْم َب ْي َن اك َخلِ َيف ًة ِفي األ َْر ِ
ض َف ْ ود ِإَّنا َج َعْلَن َ
الكتاب وحسبك من معرفة شرها أن جعل هواها ضد الحق فقال{ :ي َٰد ُاو ُ
أعلمك فى اتباع الهوى ضالالً. يل َّ ِ اس ِباْلح ِق والَ تَتَِّب ِع اْلهو ٰى َفي ِ
ضَّل َك َعن سِب ِ الن ِ
َّ
َّللا}َ . َ ََ ُ َ َ
قال بعضهم :ال سبيل إلى فهم كتاب هللا إال بقراءته بالتدبر والتفكر والتيقظ والتذكر وحضور القلب فيه كما قال عز
ك لِيَّدبَّروْا آي ِات ِه ولِيتَ َذ َّكر أُوُلوْا األَْلب ِ
اب}. اب أ َ ْ ِ ِ
َ َنزلَناهُ إَل ْي َك ُمَب َار ٌ َ ُ َ َ َ َ ْ وجل {كتَ ٌ
قال بعضهم :من أصابته بركة القراءة رزق التدبر فى آياته ومن رزق التدبر لم يحرم التذكر واالتعاظ به ،قال هللا
ك لِيَّدبَّروْا آي ِات ِه ولِيتَ َذ َّكر أُوُلوْا األَْلب ِ
اب}. اب أ َ ْ ِ ِ
َ َنزلَناهُ إَل ْي َك ُمَب َار ٌ َ ُ َ َ َ َ ْ تعالى{ :كتَ ٌ
قال بعضهم :العبودية هى الزبول عند موارد الربوبية والخمول تحت صفات األلوهية.
حكما بل األمالك وما دارت عليه األفالك لسيده وعالمة صدق قال بعضهم :العبد الذى ال يرى لنفسه ً
ملكا وال ً
العبودية إظهار وسم العبودية فيه وهو االنكسار والتذلل واالستكانة والخضوع.
آمر.
مأمور ال ًا
ًا وسئل أبو حفص من العبد؟ قال من يرى نفسه
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم المصرى يقول عن ابن عطاء فى قوله {أََّو ٌ
اب}.
قال سريع الرجوع إلى ربه فى كل نازلة تنزل به واألواب ال ارجع إليه الذى ال يستغنى بغيره وال يستعين بسواه.
قال أبوسعيد القرشى من غار هللا وتحرك له فإن هللا يشكر له ذلك أال ترى سليمان لما شغلته األفراس عن الصلوات
مسحا بالسوق واألعناق.
حتى توارت الشمس بالحجاب قال :ردوها َعَل َّى فطفق ً
وقيل :إنه كان عشرون ألف فرس منقش ذوات أجنحة أخرجتهم الشياطين من البحر فشكر هللا له صنيعه فقال فسخرنا
مركبا أهنى منهم وأنعم.
له الريح أبدله ً
قال بعضهم :قالت النملة لسليمان عليه السالم تدرى لم سخر لك الريح من جميع المملكة فقال ال قالت إنما فعل ذلك
لتعتبروا لحكم أن جميع ما أعطيتك زواله كزوال الريح فال تغتر به.
أى المعرفة بك حتى ال أرى معك غيرك وال تشغلنى بكثرة عروض الدنيا عنك.
سمعت منصور بن عبد هللا يقول سمعت أبا القاسم البزاز يقول :قال ابن عطاء -رحمة هللا عليه :-إنما سأله ذلك
لينال حسن الصبر فى الكف عن الدنيا ويظهر جميل االجتهاد فيها ألن الزاهد فى الدنيا من نالها فصبر عنها.
قال ابن عطاء -رحمة هللا عليه :-لما سأل سليمان عليه السالم من هللا الملك سخر له الريح وأعلمه بذلك أن ما
سواه ريح ال بقاء له وال دوام وأن العاقل من يكون سؤاله الباقى والدائم.
{ه ْب لِي ُمْلكاً} قال :هو أن ال يشغله عن ربه شىء مما أتاه من الملك فيكون حجة
قال محمد بن على فى قولهَ :
على ما بعده من الملوك وأبناء الدنيا.
{ه ْب لِي ُمْلكاً} كان سليمان بن داود عليه السالم فى ملكه إذا دخل المسجد وجالس
قال محمد بن على :فى قوله َ
مسكينا.
ً المساكين يقول :مسكين جالس
مسحا بالسوق واألعناق لما فاته من الصالة باالشتغال بهن شكر هللا له قال ابن عطاء :لما طفق سليمان باألفراس ً
يح تَ ْجرِي فرسا ال تحتاج إلى رائض وال علف وال يبول وال يورث وهو الريح قال هللا تعالىَ{ :ف َس َّخ ْرَنا َل ُه ِ
الر َ ذلك وأبدله ً
ِبأ َْم ِِره} ألن الفرس خلق من الريح على ما ذكر عن الشعبى لما غار سليمان على فوت أمر هللا وهى الصالة وأفنى
الذى شغله عن ذكر هللا عوضه هللا عليه ما هو أجل مما ترك فى جنب هللا وهو تأديب بأن من شغله عن هللا شىء
فتركه وأقبل على ربه عوضه هللا عز وجل عليه ما هو خير وأبقى.
قال ابن عطاء -رحمة هللا عليه -فى هذه اآلية :أمنن على من أردت بعطايانا فإنا ال نمن عليك بذلك وال نمن
يم ِ
ان}[الحجرات.]17 : َن َه ُ ِ ِ عليك إال بالمعرفة والهداية قال{َ :ب ِل َّ
َّللاُ َي ُم ُّن َعَل ْي ُك ْم أ ْ
داك ْم لإل َ
قال ابن عطاء :وقف معنا بحسن األدب ال يؤثر عليه دوام النعم وال يزعجه تواتر البالء والمحن لمشاهدة المنعم
والمبلى ونعم العبد عبد ال يشغله مال عنا.
قال بعضهم :لم يستعذب البالء من لم ير البالء عطاء .نعم العبد عبد سره بالؤنا كما سره عطاؤنا نعم العبد عبد
عرف أن ال رجوع له إال إلى مواله فرجع إليه.
فقال ابن عطاء :إنه أواب عارف بتقصير الخلق ونقصانهم ،وكمال الحق ووجوده فرجع إلى حد الكمال والوجود.
قال الجنيد -رحمة هللا عليه :-الصبر إسبال التولى قبل مخامرة المحنة فإذا صادفت المحنة التولى حملها بال كلفة.
وقال أبو حفص :األواب الشاكر بالسر والعالنية عند فوادح األمور.
ص ٍة ِذ ْك َرى َّ
الد ِار َخَلصَن ِ ِ
ِإَّنآ أ ْ ْ ُ
اه ْم ب َخال َ
وقال مالك بن دينار :نزع هللا ما فى قلوبهم من حب الدنيا ،وأخلصهم بحب اآلخرة.
قال ابن عطاء -رحمة هللا عليه :-أخلصه للمحبة فاتخذه خليالً.
وقال أبو يعقوب السوسى :لما أخلصناهم بخالصة صفت قلوبهم لذكره عند ذلك ورقت أرواحهم بإرادته فهو فى
{سَبَق ْت َل ُه ْم ِمَّنا اْل ُح ْسَن ٰى} [األنبياء ]101 :ففازوا بدرجة المخلصين.
مكشوف ما تقدم لهم فالغيب َ
ص ٍة َخَلصَن ِ ِ
وقال فارس :أخبر هللا عن المريدين أنهم أهل الصفوة من عباده الخالصة من خلقه بقولهِ{ :إَّنآ أ ْ ْ ُ
اه ْم ب َخال َ
خالصا كان وصفه شدة غلبة ً َخَي ِار} [اآلية .]47 ،46 :فمن كان عنده
طَف ْي َن األ ْ
صَ ِ ِ ِذ ْك َرى َّ
الد ِار * َوإَِّن ُه ْم ع َندَنا َلم َن اْل ُم ْ
موافقة الحق على ظاهره وباطنه.
وقال الجنيد -رحمة هللا عليه :-ما أراد هللا به من أى عمل كان.
سمعت أبا الحسين الفارسى يقول :سمعت ابن عاصم يقول :سمعت سهل يقول :اإلخالص التنزه مما سواه.
وقيل أخلصناهم بخالصة وقفوا ها هنا والخالصة ذات الحق لمن أخلص بال واسطة وذكر الدار فيه ومن أفناهم عن
ذكر الدار بإخالص ذاته لهم فهنا إضمار حرف اقتصر على معرفته لالعتبار.
ين} [اآلية: أى كامالً يستحق التعظيم بخصائص االختصاص التى خص بها من خصوص الخلقة {َفَقعوْا َله س ِ ِ
اجد َ ُ ُ َ
.]72
وقال ابن عطاء :بدت عليه آياتى وشواهد عزتى وروحت سره بما يكون به العبيد روحانيين.
قال القناد :حذيهم بشهود التعظيم فلم يستجيزوا المخالفة وحجب إبليس برؤية الفخر بنفسه عن التعظيم ولو يرى
تعظيم الحق لما استجاز الفخر عليه ألن من استولى عليه الحق قهره.
قال جعفر :سخطتى الذى لم تزل منى جارية عليك وواصلة إليك فى أوقاتك المقدورة وأيامك الماضية.
قيل :العبد المخلص الذى يكون سره بينه وبين ربه بحيث ال يعلمه ملك فيكتبه وال هوى فيميله وال عدو فيفسده.
وقال يحيى بن معاذ :اإلخالص تمييز العمل من العيوب كتمييز اللبن من بين الفرث والدم.
َّ ِ ِ ِ
ِإ ْن ُه َو ِإال ذ ْكٌر لْل َعاَلم َ
ين
قال ابن عطاء -رحمة هللا عليه :-ليطرد به الغفلة وليعتبر به المعتبرون.
ِ ِِ ِ
ص} [اآلية.]3 : قوله تعالى{ :أَالَ ََّّلل الد ُ
ين اْل َخال ُ
ِ ِِ ِ
ص} وهو الذى يخلص فيه قال الواسطى -رحمة هللا عليه :-ذكر وعيده على اللطافات فقال{ :أَالَ ََّّلل الد ُ
ين اْل َخال ُ
صاحبه من الشرك والبدعة ومن الرياء والعجب ورؤية النفس.
ِ ِِ ِ
ص} تهديد للمتزينين بالعبادات ،وهلل الدنيا واآلخرة كأنه أشار بهذه اآلية إلى تحريض قال القاسم{ :أَالَ ََّّلل الد ُ
ين اْل َخال ُ
مخلصا.
ً العباد على اإلخالص ألنه ال يقبل إال ما كان
ِ ِِ ِ
عوضا فى الدارين
ً ص} قال :الدين الخالص الذى ال يريد عليه صاحبه قال القاسم فى قوله{ :أَالَ ََّّلل الد ُ
ين اْل َخال ُ
ظا من الكونين.
والح ً
قال القاسم :ال يرضى لهم الكفر ولكن يقدر عليهم وليس الرضا من المشيئة واإلرادة والقضاء فى شىء.
قال سهل -رحمة هللا عليه :-أول الشكر الطاعة وآخره رؤية المنة.
وقال الروزبارى :رؤية العجز عن الشكر .أنشدنا على بن داره البلخى قال :أنشدنا القناد ألبى على الروزبارى:
تثنى عليـك بما أوليت من حسن لو كل جـارحـة منى لهـا ُلغـة
أال تذكر مـا أواله من منن لو كـان كلى شكر ال يغـادره
قال الواسطى -رحمة هللا عليه :-الخلق محيرون تحت قسمته مقهورين تحت خلقته وتقديره أال ترى إذا ضاقت
القلوب واشتدت األمور كيف نفزع باإلخالص إلى الملك الغفور.
َّ ِ َّ ِ ِ ِ ِ َم ْن ُهو َق ِان ٌت َآنآء َّال ِ
ين الَ َي ْعَل ُمو َن يل َسا ِجداً َوَقآئماً َي ْح َذ ُر اآلخ َرَة َوَي ْر ُجوْا َر ْح َم َة َربِه ُق ْل َه ْل َي ْستَ ِوي الذ َ
ين َي ْعَل ُمو َن َوالذ َ َ أ َّ َ
ِإَّنما يتَ َذ َّكر أُوُلوْا األَْلب ِ
اب َ َ َ ُ ْ
قال ابن عطاء -رحمة هلل عليه :-القانت الذى يجتهد فى العبادة وال يرى ذلك من نفسه ويرى فضل هللا عليه فى
ذلك فإذا رجع إلى نفسه فى شىء من أحواله وأفعاله فليس بقانت.
َّ ِ َّ ِ
ين الَ َي ْعَل ُمو َن} [اآلية.]9 : {ه ْل َي ْستَ ِوي الذ َ
ين َي ْعَل ُمو َن َوالذ َ قوله تعالىَ :
وقال سهل :كل علم ال يطلبه العبد من موضع االقتداء يصير وباالً عليه ألنه يدعى به.
قال الجنيد -رحمة هللا عليه :-العلم أن تعرف العبودية وعلم الخدمة.
فقال أبو زيد -رحمة هللا عليه :-العلم علمان علم بيان وعلم برهان.
قال رويم :العلم مطبوع ومصنوع .وقال المقامات كلها علم والعلم حجاب.
وقال الجنيد -رحمة هللا عليه :-الصبر ذم الجوارح والحركات عن جميع المخالفات أجمع اللتماس ما وعد هللا عليه
َجرُهم ِب َغ ْي ِر ِحس ٍ بقولهِ{ :إَّنما ُيوَّفى َّ ِ
اب}. َ الصاب ُرو َن أ ْ َ ْ َ َ
قال طاهر المقدسى :الصبر على وجوه :صبر منه وصبر له وصبر عليه وصبر فيه وأهونه الصبر على أوامره
َجرُهم ِب َغ ْي ِر ِحس ٍ ونواهيه وهو الذى بيَّن هللا ثوابه فقالِ{ :إَّنما ُيوَّفى َّ ِ
اب}. َ الصاب ُرو َن أ ْ َ ْ َ َ
سئل الجنيد -رحمة هللا عليه -عن الصبر؟ فقال :حمل المؤن حتى تنقضى أيام المكروه.
وقال الخواص :كذب أكثر الخلق فى حمل أثقال الصبر بما لحوا إلى الطلب واألسباب ،واعتمدوا عليها كأنهما أرباب.
صبر
ًا فصاح المحب بالصبر عاين الصبر فاستغاث به الصبر
قال الجنيد -رحمة هللا عليه :-اإلخالص أصل كل عمل وهو مربوط بأول األعمال ومنوط بآخر األعمال مضمن
فى كل األقوال وهو إفراد هللا بالعمل.
قال سهل :اإلخالص اإلجابة فمن لم تكن له اإلجابة فال إخالص له.
هوى أو نفس.
وسكونه فى سره وعالنيته هلل وحده ال يمازجها شىء من ً
قال الجنيد -رحمة هللا عليه :-اإلخالص ارتفاع رؤيتك وفناؤك عن فعلك.
سئل بعضهم عن اإلخالص فقال :إفراد القصد إلى هللا بإخراج الخلق من معاملة هللا وبترك الحول والقوة.
قال ذو النون :من عالمات اإلخالص استواء المدح والذم فى العامة ونسيان رؤيتها فى األعمال ًا
نظر إلى هللا
واقتضاء ثواب العمل فى اآلخرة.
قال أبو يعقوب السوسى :اإلخالص :ما فى طلبه أهل اإلخالص والعلم يشهد لهم باإلخالص فهم خارجون عن رؤية
اإلخالص فى طلب اإلخالص ومتى شهدوا فى إخالصهم إخالص احتاج إخالصهم إلى إخالص.
ِ َّ ِ ِ ِ ِ الطاغوت أَن يعبدوها وأَنابوْا ِإَلى َّ ِ و َّال ِذين اجتَنبوْا َّ
ين َي ْستَم ُعو َن اْلَق ْو َل َفَيـتَِّب ُعو َن أ ْ
َح َسَن ُه َّللا َل ُه ُم اْلُب ْش َر ٰى َفَبش ْر عَباد * الذ َ َ ْ ُُ َ َ َ ُ ُ َ َ َ ْ َُ
َّللا وأُوَلـِٰئ َك ُهم أُوُلوْا األَْلب ِ
اب ِ َّ ِ
َ ْ ْ اه ُم َّ ُ َ ْ
ين َه َد ُ
أ ُْوَلـٰئ َك الذ َ
وها} [اآلية.]17 : قوله تعالى{ :و َّال ِذين اجتَنبوْا َّ
وت أَن َي ْعُب ُد َ
اغ َ
الط ُ َ َ ْ َُ
قال سهل -رحمة هللا عليه :-الطاغوت الدنيا وأصلها الجهل وفرعها المأكل والمشرب وزينتها التفاخر وثمرتها
المعاصى وميراثها القسوة والعقوبة.
ِ ِ ِ ِ َّ ِ
ين َي ْستَم ُعو َن اْلَق ْو َل َفَيـتَِّب ُعو َن أ ْ
َح َسَن ُه} [اآلية.]18 : قوله تعالىَ { :فَبش ْر عَباد * الذ َ
قال عيسى عليه السالم :من يذكركم هللا رؤيته ويرغبكم فى اآلخرة عمله وقد قال
ِ ِ ِ ِ َّ ِ
ين َي ْستَم ُعو َن اْلَق ْو َل َفَيـتَِّب ُعو َن أ ْ
َح َسَن ُه} .فضيلة لمحمد صلى هللا عليه وسلم على غيره أن هللا تعالىَ { :فَبش ْر عَباد * الذ َ
األحسن ما يأتى به وأن الكل حسناً ولما وقعت له صحبة التمكين ومقارنة االستقرار قبل خلق الكون ظهرت عليه
األنوار فى األحوال كان معه أحسن الخطاب وله السبق فى جميع المقامات أال تراه صلى هللا عليه وسلم يقول" :نحن
اآلخرون السابقون يوم القيامة
".
قال بعضهم :اللب والعقل مائة جزء تسعة وتسعون جزًءا فى النبى صلى هللا عليه وسلم وجزء فى سائر المؤمنين فعلى
محمدا رسول هللا وعشرون جزًءا
ً سهما فسهم المؤمنين فيه سواء وهو شهادة أن ال إله إال هللا وأن
إحدى وعشرين ً
يتفاوتون فيها فى مقادير حقائق إيمانهم.
ضالَ ٍل ُّمِب ٍ
ين اسي ِة ُقُلوبهم ِمن ِذ ْك ِر َّ ِ ِ ِ
ِ ِ ِ إلسالَ ِم َفهو عَلى ن ٍ ِ
ِِ أََف َمن َش َرَح َّ
َّللا أ ُْوَلـٰئ َك في َ ُُ ْ ور من َّربِه َف َوْي ٌل لْلَق َ َُ َ ٰ ُ ص ْد َرهُ ل ْ
َّللاُ َ
َّللا ص ْد َره لِ ِ
إل ْسالَمِ} [اآلية.]22 : قوله تعالى{ :أََف َمن َش َرَح َّ ُ َ ُ
َّللا ص ْد َره لِ ِ
إل ْسالَمِ} ثم االمتحان لقوله: قال بعضهم :اإليمان خمسة ثم خمسة أوالً الشرح والتنوير لقوله{ :أََف َمن َش َرَح َّ ُ َ ُ
ان َوَزيََّن ُه ِفي ِ {حب َ ِ ِ ِ َّ ِ
يم َ
َّب إَل ْي ُك ُم اإل َ وب ُه ْم للتَّْق َو ٰى } [الحجرات ]3 :ثم التحبيب والتزيين لقولهَ :
َّللاُ ُقُل َ
امتَ َح َن َّ
ين ْ
{أ ُْوَلـٰئ َك الذ َ
والخمس بعد ذلك معرفته بإثباته وأنه واحد لم يزل وال يزال وليس كمثله شىء والخمس بعدها التصديق بالقول واإلقرار
باللسان والعمل باألركان واالستقامة.
قال السيارى :تولد اإلسالم من اإليمان وتولد اإليمان من المعرفة وتولد المعرفة من الهداية والنصرة وال تكون الهداية
َّللا ص ْد َره لِ ِ َّ
إل ْسالَمِ}. والنصرة إال بالشرح والتنوير قال هللا تعالى{ :أََف َمن َش َرَح َّ ُ َ ُ
وقال على بن عبد الحميد :الصدر ساحة والفؤاد البيت والقلب بيت المخدع وفيه الضمير مثلها كمثل القنديل فالفؤاد
نظيفا َّنور نوره وصفى سراجه.
جيدا ً النار والقلب الفتيله والصدر الدهن فإذا كان ُّ
الدهن ً
وسع هللا صدره فاحتمل الذات بعد احتمال الصفات ما كذب الفؤاد ما رأى العين.
قال الواسطى -رحمة هللا عليه َّ :-
على يقين من مشاهدة ربه بالغيبوبة عن الملك والملكوت فلم يبق عليه مقام إالَّ سلكه وال حال إال استوفاه فلما استوفى
األحوال وجاء على التمام شهد فشاهد فخوطب بأبهم الخطاب وأبهم عن ذلك الخطاب حين أخبر فقال" :لو علمتم ما
كثير
أعلم لضحكتم قليالً ولبكيتم ًا
".
وقال عمرو المكى فى هذه اآلية هو وقوع نظر العبد على عظيم علم الوحدانية وجالل الربوبية فيعمى بذلك عن كل
ملحوظ إليه بعد ذلك.
قلبا وقوالً وفعالً ووفوا له ذلك بشرح الصدر الذى َمن به هللا عليهم وذلك قوله:
قال الترمذى :أهل اليقين وحدوا هللا ً
َّللا ص ْد َره لِ ِ
إل ْسالَمِ}. {أََف َمن َش َرَح َّ ُ َ ُ
قال ابن عطاء :من آمن باهلل وصدقه فهو على نور من ربه أى على بيان من ربه.
وبصرهم حتى أبصروه وذلك حين شرح قلوبهم برؤية الصنع وأعمى أبصارهم
قال بعضهم :تعرف إليهم حتى عرفوه َّ
عن النظر إلى سواه فبشرح الصدر عرفوه وبالعمى عن غيره أبصروه.
قال الحسين :قسوة القلب بالنعم أشد من قسوته بالنسيان والشدة فإنه بالنعمة يشكر وبالشدة يذكر .وأنشد فى معناه:
وقال :من هم بشىء مما أباحه العلم تلذ ًذا عوقب بتضييع العمر وقسوة القلب وتعب الهم فى الدنيا.
فيضا عليه من بركات صدقه وهو أبو بكر الصديق رضى هللا عنه صدقه فى إيمانا وأكثر ً
أقرب إليه حاالً وأتم به ً
وغائبا كما قال:
ً شاهدا
ً جميع ما جاء من الوحى غيره فقام بعده مقامه لحكم النبى صلى هللا عليه وسلم له باإليمان
فإنى أؤمن به أنا وأبو بكر وعمر ثم قلده معظم الدين فى حياته وهو الصالة فقلده المسلمون بعده فروع دينهم.
قال ابن عطاء :الذى جاء بالصدق محمد صلى هللا عليه وسلم فأفاض من بركات أنوار صدقه على أبى بكر َف ُسمى
صديًقا وكذلك بركات األنبياء صلوات هللا عليهم واألولياء.
وقال :إن كان الدين أربعة الصدق واليقين والرضا والحب فعالمة الصدق الصبر وعالمة اليقين النصيحة وعالمة
الرضا ترك الخالف وعالمة الحب االفتقار والصبر يشهد للصدق.
وقال بعضهم :الصادق من يعطيك خير اآلخرة ال خير الدنيا ويصف لك أخالق هللا ال أخالق المخلوقين.
وقيل ألحمد بن عاصم األنطاكى :ما أنفع الصدق؟ قال :ما نفى عنك الكذب فى مواضع الصدق.
سمعت عبد هللا بن محمد المعلم يقول :سمعت أبا بكر الطمستانى الفارسى يقول :كل من استعمل الصدق بينه وبين
هللا شغله صدقه مع هللا عن الفراغ إلى خلق هللا.
قال القاسم :التوكل أن يكون بما فى يد هللا أوثق منه بما فى يده وأن يكون بضمانه ووعده أيقن مما فى بيته وشغل
المتوكل مواله ال طلب دنيا وال آخرة ليس له طلب وال له هرب ألنه يعلم أن المقادير قد سبقت فال تغيير وال تبديل.
قال سهل :يعنى إن نزع هللا عنى عتمة المخالفات والمعونة على الموافقات هل يقدر أحد أن يوصلها إلى أو إذا
أرادنى برحمة -أى بالصبر والمعونة على أمر الدين والدنيا واآلخرة وهو التولى من البداية إلى النهاية.
ان َمثَالً اْل َح ْم ُد ََّّللِ َب ْل أَ ْكثَُرُه ْم الَ َي ْعَل ُمو َن ِ
اكسو َن َوَر ُجالً َسَلماً لِ َر ُج ٍل َه ْل َي ْستَ ِوَي ِ
آء ُمتَ َش ُ
ِِ
َّللاُ َمثَالً َّر ُجالً فيه ُش َرَك ُ
ض َر َب َّ
َ
قوله عز وجل{ :اْل َح ْم ُد ََّّللِ َب ْل أَ ْكثَ ُرُه ْم الَ َي ْعَل ُمو َن} [اآلية.]29 :
قال ابن عطاء :ال يعلمون ما لهم فى حمد هللا من الذخر والفخر.
قال ابن عطاءِ{ :إَّن َك َمِي ٌت} أى غافل عما هم فيه من االشتغال وإنهم ميتون عما كوشفت به من حقائق التقريب
والقرب.
قال جعفرِ{ :إَّن َك َمِي ٌت َوإَِّن ُه ْم َّمِيتُو َن} أى ميت عما هم فيه من االشتغال بأنفسهم وأوالدهم وكفاهم وإنهم ميتون مبعدون
عما خصصت بها من أنواع الكرامات.
وقال :إنك ميت عن شواهدنا ولوال ذلك ما أديت الرسالة وإنهم ميتون ولوال ذلك ما قبلوك.
وقال :إنك ميت عن شواهد ما استتر وإنهم ميتون عن شواهد ما أخبر ولوال ذلك ما طاقوا إقامة األمر.
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم البزار بمصر يقول :قال أبو العباس بن عطاء :إنك ميت عن
شواهد ما استتر وإنهم ميتون عن شواهد ما أظهر.
قال بعضهم :إنك ميت عن الدنيا وزينتها وإنهم ميتون عن اآلخرة وحقائقها.
َّللا َفما َله ِمن ه ٍ ونك ِب َّال ِذين ِمن ُدوِن ِه ومن ي ْ ِ ٍ
ـاد ضـل ِل َّ ُ َ ُ ْ َ ََ ُ َ َّللاُ ِب َكاف َع ْب َدهُ َوُي َخ ِوُف َ َ
أََل ْي َس َّ
َّللا ِب َك ٍ
اف َع ْب َدهُ} [اآلية.]36 : قوله عز وعال{ :أََل ْي َس َّ ُ
َّللا ِب َك ٍ
اف َع ْب َدهُ} فهو فى درجة الهالكين. قال أبو بكر بن طاهر :من لم يكتف بربه بعد قوله{ :أََل ْي َس َّ ُ
وقال ابن عطاء :خلع حبل العبودية من عنقه من نظر بعد هذه اآلية إلى أحد من
ـانوْا الَ َي ْملِ ُكو َن َش ْيئاً َوالَ َي ْعِقُلو َن أَ ِم اتَّخ ُذوْا ِمن دو ِن َّ ِ
آء ُق ْل أ ََوَل ْو َك ُ
َّللا ُشَف َع َ ُ َ
قال سهل :أى اتخذوا طريقة البدعة فى الدين قرب ًة إلى هللا فلم ينفعهم ذلك.
{من َذا َّال ِذي َي ْشَف ُع ِع ْن َدهُ ِإالَّ ِبِإ ْذِن ِه} [البقرة.]255 :
َ
ونوْا َي ْحتَ ِسُبو َن} [اآلية.]47 : قوله عز وعال{ :وبدا َلهم ِمن َّ ِ
َّللا َما َل ْم َي ُك ُ َ ََ ُ ْ َ
ال ِإَّن َمآ أُوِتيتُ ُه َعَل ٰى ِعْل ٍم َب ْل ِهي ِف ْتَن ٌة َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثََرُه ْم الَ َي ْعَل ُمو َن ِ ِ ِ
ضٌّر َد َع َانا ثُ َّم إ َذا َخَّوْلَناهُ ن ْع َم ًة مَّنا َق َ
ان ُ
نس َ ِ ِ
َفإ َذا َم َّس اإل َ
َ
ضر فليس بعارف فإن العارف من يرى الضر على نفسه رحم ًة
قال الجنيد -رحمة هللا عليه :-من َير البالء ًا
لضُّر على الحقيقة ما يصيب القلوب من القسوة والران والنعمة
وا ُ
هى إقبال القلوب على هللا ومن يرى النعمة على نفسه من حيث االستحقاق فقد جحد النعمة.
قال ابن عطاء -رحمة هللا عليه :-رزق هللا عباده وقلبهم فى بسط العزة وتقدير
قال سهل :أمهل هللا عباده تفضالً منه إلى آخر نفس فقال لهم :ال تقنطوا من رحمة هللا فلو رجعتم إلى بابى فى آخر
نفس لقبلتكم.
قال الجنيد -رحمة هللا عليه :-وقد سئل ما العبودية؟ فقال :اإلعراض عما يشغله من عبادة ربه.
نص ُرو َن ِ ِ ِ ِ ـيبوْا ِإَل ٰى َرب ُ ِ
اب ثُ َّم الَ تُ َ
ِك ْم َوأ َْسل ُموْا َل ُه من َقْبل أَن َيأْتَي ُك ُم اْل َع َذ ُ َوأَن ُ
قال محمد بن على :اعتذروا إليه مما سلف منكم من التقصير وأخلصوا على دوام الموافقة بعدها.
قال الواسطى -رحمة هللا عليه :-من قصد فى قصوده غير الحق فقد عظمت استهانته للحق.
قال أبو سعيد الخراز :المنيب يعمل فى إنابته ثالثة أشياء يستبطئ الموت لما يخاف من الفتنة فى الدنيا ويستبطئ
الثواب فى القبر لما يرجو من جزيل العطاء فى اآلخرة ويستبطئ
وقال محمد بن خفيف :همة المنيب حنين القلب إلى أوقاته العامرة وعبادته الكاملة.
قال سهل :من ترك المراعات لحق هللا ومالزمة خدمته اشتغل بعاجل الدنيا ولذة الهوى ومتابعة النفس وضيع فى جنب
هللا -أى فى ذاته -من القصد إليه واالعتماد عليه.
غدا مقامات
قال فارس :يقول هللا من هرب منى أحرقته أى هرب منى إلى نفسه أحرقته بالتأسف على فوتى إذا شاهد ً
أرباب معارفتى تدل عليه.
عذابا يوم القيامة من ادعى فى هللا ما لم يكن له ذلك وأظهر من أحواله ما هو قال يوسف بن الحسين :أشد الناس ً
وه ُهم ُّم ْسَوَّدةٌ}. خال عنها قال هللا تعالى{ :ويوم اْلِقيام ِة ترى َّال ِذين َك َذبوْا عَلى َّ ِ
ٍ
َّللا ُو ُج ُ َ ُ َ َ َ ْ َ َ َ ََ
وه ُهم ُّم ْسَوَّدةٌ} قال :هم الذين ادعوا محبة هللا ولم وقال الثورى فى قوله{ :ويوم اْلِقيام ِة ترى َّال ِذين َك َذبوْا عَلى َّ ِ
َّللا ُو ُج ُ َ ُ َ َ َ ْ َ َ َ ََ
يكونوا فيها صادقين.
ين اتََّق ْوْا ِب َمَف َازِت ِه ْم[ }...اآلية.]61 : قوله تعالى{ :وين ِجي َّ َّ ِ
َّللاُ الذ َ َ َُ
قال الواسطى -رحمة هللا عليه :-ينجيهم بما سبق لهم من الفوز ال يمسهم السوء بزوال النعمة وال هم يحزنون على
الفوت.
قال القاسم :سعادتهم السابقة وقضيته فيهم الماضية لهم وعليهم ال بنفوسهم المتعبة فى العبادات.
قال الحسين :كل شىء أراد هللا به اإلهانة والتذليل ألبسه لبسة المخلوقية أال ترى كيف َّنزه عن ذلك صفاته وكالمه
فاهلل خالق كل شىء والمخلوقات ليس لها عز إالَّ بالنسبة إلى خالقها وأنها مخلوقة فبنسبته إليها َّ
أعزها.
َّللاِ تَأْمر ِ
وني أَعبد أَيُّها اْلج ِ
اهُلو َن ْ ُُ َ َ ُق ْل أََف َغ ْي َر َّ ُ ُ
َّللاِ تَأْمر ِ
وني أَعبد أَيُّها اْلج ِ
اهُلو َن} [اآلية.]64 : ْ ُُ َ َ قوله عز وعال{ :أََف َغ ْي َر َّ ُ ُ
قال أبو عثمان فى كتابه إلى أهل جورجان :عبادة هللا على اإلخالص تنفى عن صاحبها الجهل والريب والشبهة ومن
َّللاِ تَأ ِ ق
َعُب ُد خالصا رز الحكمة ووفق للرشد وسهل عليه سبيل الخيرات أجمع قال هللا تعالى{ :أََف َغ ْي َر َّ ُ
ْم ُروني أ ْ ً عبد هللا
اهُلو َن} لنقص عقولكم وألبابكم دعوتمونى إلى غيره ولو ساعدكم التوفيق منه لما حططتم رحالكم إال على بابه أَيُّها اْلج ِ
َ َ
فإنه باب الكرم والفضل.
ط َّن عمُلك وَلتَ ُكون َّن ِمن اْلخ ِ ين ِمن َقْبلِ َك َلِئ ْن أ ْ َّ ِ ِ
اس ِري َن َش َرْك َت َلَي ْحَب َ َ َ َ َ َ َ َ َوَلَق ْد أ ُْوح َي ِإَل ْي َك َوإَِلى الذ َ
ط َّن َع َمُل َك} سمعت محمد بن عبد هللا بن شاذان يقول :سمعت أبا العباس بن عطاء يقول فى قولهَ{ :لِئ ْن أ ْ
َش َرْك َت َلَي ْحَب َ
قال :من طالعت؟ لئن طالعت بسرك غيرى لتحرمن حظك من قربى.
ط َّن َع َمُل َك} قال :لئن طالعت بسرك غيرى لن تنال قربى.
وقال سهل فى قولهَ{ :لَي ْحَب َ
وقال أبو حفص العبودية زينة العبد فمن ترك العبودية فقد تعطل من الزينة.
وذكر عن بعضهم أنه قال :رأى الجنيد -رحمة هللا عليه -فى المنام فقيل :ما فعل هللا بك؟ قال :فنيت تلك العلوم
وطاحت تلك االشارات وأبيدت تلك العبارات وما نفعنا إال ركعات نركعها فى السحر.
وقال محمد بن على :من رأى منة هللا عليه فى أن وفقه لعبادته ألزمه الشكر له ومن وفق للشكر لم يحرم الزيادة.
قال الواسطى -رحمة هللا عليه :-لو طالعوا حق حقه فى محبتهم لعلموا العجز عن ذلك بالكلية فلم يعرف قدره من
َّللاَ َح َّق َق ْد ِِره}.
{و َما َق َد ُروْا َّ
مقاما قال هللاَ :
ادعى لنفسه معه ً
سئل الجنيد -رحمة هللا عليه -عن ذلك فقال :متى كانت منشورة حتى صارت مطوية سبحانه نفى عن نفسه ما يقع
على العقول من طيها ونشرها إذ كل الكون كخردلة أو كجناح بعوضة أو أقل منها ،كذلك قوله قائم على كل نفس
كيف ال يستحيل قيامه على هذا الكون الذى ال يزن عنده ذرة بل قيامه بنفسه لنفسه.
آء وُق ِ
ض َي َب ْيَن ُهم ِباْل َح ِق َو ُه ْم الَ ُي ْ
ظَل ُمو َن ُّ ِ اب و ِجـيء ِب َِّ ِ ِ ِ ض ِبُن ِ وأ ْ ِ
النبي ْي َن َوالش َه َد َ ِها َوُوض َع اْلكتَ ُ َ َ
ور َرب َ َش َرَقت األ َْر ُ َ
قال سهل :قلوب المؤمنين يوم القيامة تشرق بتوحيد سيدهم واالقتداء بسنة نبيهم صلى هللا عليه وسلم.
قال القاسم :أشرقت األرض بأولياء هللا فهم فيها أنوار هللا ومواضع حججه وغياث عباده وملجأ خلقه.
ِط ْبتُ ْم} وهؤالء أدناهم قال ابن عطاء :السالم فى الجنة من وجوه منهم من تسلم عليه خزنة الجنة يقولون َ
{سالَ ٌم َعَل ْي ُك ْـم
]24 ،23وهؤالء ومنهم من يكون سالمه من المالئكة بقوله{ :ي ْد ُخُلو َن َعَل ْي ِهم ِمن ُك ِل ب ٍ
اب * َسالَ ٌم َعَل ْي ُكم} [الرعد: َ ْ َ
{سالَ ٌم َق ْوالً ِمن َّر ٍب َّرِحيمٍ} [يس ]58 :وهو أرفعهم درجة.
األوساط ،ومنهم من يكون من الحق بقولهَ :
ينِِ وَقـاُلوْا اْلحـمد ََّّللِ َّال ِذي صد َقنا وعده وأَورثَنا األَرض نتَبَّوأُ ِمن اْلجَّن ِة حي ُث ن َش ِ
َج ُر اْل َعامل َ
آء َفن ْع َم أ ْ
َ َ َ َ َْ ُ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ َْ َ ُ َ ُْ َ
قال ابن عطاء :إن العبيد إذا شاهدوا فى المشهد األعلى آثار الفضل وما أنعم هللا عليهم من فنون النعم التى لم يكن
وكرما. ص َد َقَنا َو ْع َدهُ} بفضله من غير استحقاق منا لذلك بل فضالً وجوًدا ِ َّ ِ
ً يبلغونها بأعمالهم قالوا{ :اْل َح ْـم ُد ََّّلل الذي َ
قال الجوزجانى :ما تقرب أحد إليه إال باالفتقار والعبودية والتذليل والتنزيه له من كل ما نسب إليه ما ال يليق به أال
ترى إلى مواضع المالئكة يحفون بالعرش يسبحون وذلك عبادتهم وتنزيههم.
َّللاِ اْل َع ِز ِ
يز اْل َعلِي ِم اب ِم َن َّ
نزيل اْل ِكتَ ِ
حـم * تَ ِ ُ
قال سهل فى قوله{ :حـم} قال :الحى الملك هو الذى أنزل عليك الكتاب ،وهو الذى َولِ َه به قلوب العارفين العزيز عن
درك الخلق والعليم بما أنشأ وقدر.
َّ َّ ِ
قال سهل :هو المجادلة فى الذات دون الفروع وقال {ِإال الذ َ
ين َكَف ُروْا} قال :يدعون غير الحق.
وقال بعضهم :هو الذى يجادل بالهوى ألن المتبع ال يجادل بل يقتدى.
جرأة فى الدين إال من قبل الكالم والمراء والجدال والعجب كيف تجترئ الرجل على الجدال والمراء وهللا يقولَ :
{ما
ات َّ ِ َّ َّ ِ
يج ِادل ِفي آي ِ
َّللا ِإال الذ َ
ين َكَف ُروْا}. َ َُ ُ
آمُنوْا َربََّنا َوِس ْع َت ُك َّـل َشي ٍء َّر ْح َم ًة َِّ ِ ِِ ِ ِ ِ َّ ِ
ْ
ِ ِ ِ
ش َو َم ْن َح ْوَل ُه ُي َسب ُحو َن ب َح ْمد َربِه ْم َوُي ْؤمُنو َن به َوَي ْستَ ْغف ُرو َن للذي َن َ ين َي ْح ِمُلو َن اْل َع ْر َ
الذ َ
اب اْل َج ِحي ِم و ِعْلماً َف ْ ِ َِّ ِ
ين تَ ُابوْا َواتََّب ُعوْا َسِبيَل َك َوِق ِه ْم َع َذ َاغف ْر للذ َ َ
ِ َّ َّ يكم آي ِات ِه وين ِزل َل ُكم ِمن َّ ِ َّ ِ
الس َمآء ِرْزقاً َو َما َيتَ َذك ُر ِإال َمن ُين ُ
يب َ ُه َو الذي ُي ِر ُ ْ َ َ ُ َ ُ
قال أبو بكر بن طاهر :من آياته فى األرض للعوام َس ْوق األرزاق إليهم من غير حركة وسعى منهم فى ذلك ومن
آياته للخواص من عباده مكان أوليائه وأهل صفوته فمن صحبهم وتبعهم وصبر على موافقتهم ُكِفى اهتمام طلب
يك ْم َآي ِات ِه َوُيَن ِزُل َل ُكم ِم َن َّ
الس َم ِآء ِرْزقاً}. {ه َو َّال ِذي ُي ِر ُ
ورزق من حيث ال يحتسب قال هللا تعالىُ :
األرزاق ُ
قال ابن عطاء :من آياته أنك ال تنظر إلى شىء من الموجودات إال وهو يخاطبك بحقيقة التوحيد ويدلك على الحق
وذلك ظاهر لمن تبين وكشف له وأيد بالعناية.
يم ِ
ان َفتَ ْكُف ُرو َن ِ ِ ِ ِ ِ ِإ َّن َّال ِذين َكَفروْا ينادون َلمْقت َّ ِ
َّللا أَ ْكَب ُر من َّمْقت ُك ْم أَ ُنف َس ُك ْـم إ ْذ تُ ْد َع ْو َن إَلى اإل َ َ ُ َُ َ ْ َ َ ُ
قال سهل :المقت هو غاية اإلبعاد من هللا فالكفار إذا دخلوا النار مقتوا أنفسهم ومقت هللا لهم أشد عليهم من دخول
النار.
قال بعضهم :أمت منا اثنتين السمع والبصر فعجزتنا أن نفقة الحق ونتخذ الرشد سبيالً وأحييت منا النفس والهوى فكنا
نسمع الباطل ونتخذ الغى سبيالً فاعترفنا بذنوبنا إنا مصرفون تحت القدرة وأنت القادر عليها فهل لنا خروج من سبيل.
قال أبو عثمان :اإلخالص فى الدعاء هو الذى إذا دعوته فى كشف ضر فكشفه ألزمت نفسك شكره إلى األبد وإذا
دعوته الستجالب خير فأعطاك ألزمت نفسك الحمد إلى األبد وأن ال تخص نفسك بالدعاء دون سائر المؤمنين فإنه
من خص نفسه بالدعاء كان من عالمات النفاق والخذالن.
قال بعضهم :من شرط الدعاء أن تدعوا بإخالص قلب وسالمة صدر وتعلم ما تسأل ويكون سؤال مضطر ال سؤال
ٍ
مستغن.
وقال يحيى بن معاذ :اإلخالص تمييز العمل من العيوب كتمييز اللبن من الفرث والدم.
آء ِم ْن ِعَب ِادِه لُِي ِنذ َر َي ْوَم التَّالَ ِق ِِ ش يْلِقي ُّ ِ
الرو َح م ْن أ َْمره َعَل ٰى َمن َي َش ُ
رِفيع َّ ِ
الد َر َجات ُذو اْل َع ْر ِ ُ َ ُ
الدرج ِ
ات ُذو اْل َع ْر ِ
ش} [اآلية.]15 : {رِف ُ
يع َّ َ َ قوله تعالىَ :
وقال فارس :زين العرش بأنوار ذاته فال يوازيه شىء وال يقابله مثل.
داعيا إليه يرويه من غير أن تحدث له رؤية ألنهم لم يغيبوا عنه قط.
نبيا كان أو ً
قال ابن عطاءً :
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم البزار بمصر قال :قال ابن عطاء :يلقى المرء خصمه وعمله
وأحباءه ومواعيده.
قال الواسطى -رحمة هللا عليه :-كيف تخفى عليه وهو الذى يبديها عليهم وكيف يستترون عنه بشىء وهو الذى
يظهر عليهم ما يستترون.
قال جعفر :أخرس المكونات ذوات األرواح عن جواب سؤاله فى قوله لمن الملك اليوم فلم يجسر أحد على اإلجابة
وما كان أن يجيب تحقيق سؤاله سواه فلما سكتت األلسن عن الجواب أجاب نفسه بما كان يستحق من الجواب فقال:
{َّللِ اْلو ِ
اح ِد اْلَق َّه ِار} فقال{ :اْلَي ْوم تُ ْج َز ٰى ُك ُّل َنْف ٍ
س ِب َما َك َـسَب ْت الَ ُ
ظْل َم اْلَي ْوَم} [اآلية ]17 :قال ابن عطاء :من طالع من ِ
َ َّ َ
نفسه أفعاله وأذكاره وطاعاته جزى على ذلك وال ظلم عليه فيه ومن طالع فضله ومننه أسقط على درجة الجزاء إلى
َّللاِ َوب َِر ْح َمِت ِه َفِب َذِل َك َفْلَيْف َر ُحوْا} [يونس.]58 :
ض ِل َّ
مقام اإلفضال والرحمة بقولهُ{ :ق ْل ِبَف ْ
وقال أبو بكر بن طاهر :يريك جزاء كسبك وما تستحق ذلك لترى بعد ذلك محل الفضل والكرم.
قال أبو عثمان :خيانة العين هو أن ال يغضها عن المحارم ويرسلها فى الهوى والشبهات.
قال ابن عطاء :المؤمن يألف المؤمن ويذب عنه والمنافق يراءى المنافق .ويجادل عنه والمؤمن ينصح والمنافق
يعترض.
السِب ِ
صَّد َع ِن َّ ِِ ظُّنه َك ِاذباً وَكـ َذلِك ُزي ِِ ِ أَسباب َّ ِ َّ ِ ِ ِ ِ
يل َو َما َك ْـي ُد ِن لف ْرَع ْو َن ُسوُء َع َمله َو ُ
َ َ َ الس َٰم َٰوت َفأَطل َع إَل ٰى إَلـٰه ُم َ
وس ٰى َوإِني ألَ ُ ُ َْ َ
ابِف ْرَعو َن ِإالَّ ِفي تَب ٍ
َ ْ
قال بعضهم :من رأى من نفسه زلة فلم يداوها بدوائها وستر عليها ولم يجتهد فى إزالتها زين فى عينه مساوءه فيرى
وء َع َملِ ِه} ركض فى ميادين الباطل وهو يراها {وَكـ َذلِ َك ُزي َ ِ ِ ن
ِن لف ْرَع ْو َ ُس ُ المساوئ محاسن وهو ً
ذميما كما قال هللا تعالىَ :
حًقا.
الرَش ِ
َه ِد ُك ْـم َسِبي َـل َّ وَق َّ ِ
ـاد آم َن ٰيَق ْو ِم اتَِّب ُعو ِن أ ْ
ال الذي َ
َ َ
قال محمد بن على الترمذى :لم تزل الدنيا مذمومة فى األمم السالفة عند العقالء منهم وطالبوها مهانين عند الحكماء
المقاضين وما قام دا ٍع فى أمة إالَّ حذر متابعة الدنيا وجمعها الحب لها أال ترى مؤمن آل فرعون كيف قال{ :اتَِّب ُعو ِن
ـاد} كأنهم قالوا له :وما سبيل الرشاد؟ قال :إنما هذه الحياة الدنيا متاع لم تصل الى سبيل الرشاد الرَش ِ
َه ِد ُك ْـم َسِبي َـل َّ
أْ
وفى قلبك محبة الدنيا.
قال أبو يزيد -رحمة هللا عليه :-النجاة هى الخالص من أمانى النفس.
قال أبو حفص النجاة هى اتباع األوامر على حد النشاط ومجاهدة اإلخالص فيها.
وقال أبو عثمان :من أراد النجاة فليترك ما ال يعنيه ويشتغل بما يعنيه فإن فيه نجاة الدارين.
الن ِار
اب َّ
َص َح ُ َّللاِ َوأ َّ
َن اْل ُم ْس ِرِف َ
ين ُه ْم أ ْ
الد ْنيا والَ ِفي ِ
اآلخ َرِة َوأ َّ
َن َم َرَّدَنآ ِإَلى َّ ِ الَ جرم أََّنما تدع ِ ِ ِ
ونني إَل ْيه َل ْي َس َل ُه َد ْع َوةٌ في ُّ َ َ
َ َ َ َ َْ ُ َ
مدبر فافعل.
مفوضا ال ًا
ً قال أبو عمرو المكى :قلت ألبى صالح حمدون أوصنى بوصية فقال :إن استطعت أن تصبح
قال شاه :عالمة التفويض ترك االختيار وصدق التفويض الصحبة مع هللا والثقة باختيار وترك الضر.
سمعت عبد هللا الرازى يقول :سمعت أبا عثمان -وذكر أنه من كالم شاه -من عالمات التفويض ترك الحكم فى
اقتدار هللا وانتظار القضاء من وقت إلى وقت وتعطيل اإلرادة لتدبير هللا عز وجل.
وقال بعضهم :التفويض قبل نزول القضاء والتسليم بعد نزول القضاء.
سمعت أبا عبد هللا الرازى يقول :سمعت أبا عثمان يقول :من أراد أن يفوض أمره إلى هللا فليحفظ أربعة أشياء.
مكتوبا عليه.
ً أولها :عدل هللا عليه أن ذلك كان
َّللا ِف ِ
يه َخ ْي اًر َكِثي اًر} [النساء.]19 : والرابع :يرجو الخير الكثير فى كراهيته لقوله تعالىَ { :ف َع َس ٰى أَن تَ ْك َرُهوْا َش ْيئاً َوَي ْج َع َل َّ ُ
سمعت أبا بكر الرازى يقول :سمعت أبا عثمان الدمشقى يقول :سمعت أبا عبد هللا الحالج يقول :سمعت ذا النون
مفوضا؟ قال :إذا يئس من نفسه وفعله والتجأ إلى هللا فى جميع
ً المصرى رحمة هللا عليه وقد سئل متى يكون العبد
أحواله ولم يكن له عالقة سوى ربه.
َش َه ُاد
وم األ ْ ِ ُّ ِ َّ ِ ِ
إَّنا َلَن ُ
آمُنوْا في اْل َحَياة الد ْنَيا َوَي ْوَم َيُق ُ
ين َ
نص ُر ُرُسَلَنا َوالذ َ
باطنا.
ظاهر وننصر المؤمنين بالرسل ً
ًا قال جعفر :ننصر رسلنا بالمؤمنين
سئل بعضهم :الصبر على العافية أشد أم الصبر على البالء؟ فقال :طلب السالمة فى األمن أشد من طلب السالمة
فى الخوف.
أيضا :الصبر حصن من حصون الصدق ومنه يرحل إلى اآلخرة والصبر فى الطاعة سبب يوصل إلى منازلوقال ً
الصدق والصبر كهف من كهوف اللطيف.
طٍ
ان} [اآلية.]56 : َّللاِ ِب َغ ْي ِر ُسْل َ قوله عز وعالِ{ :إ َّن َّال ِذين يج ِادلُون ِفي آي ِ
ات َّ َ َ َُ َ
ِ ِ ِ َّ ِ
ين َستَ ِج ْب َل ُك ْم ِإ َّن الذ َ
ين َي ْستَ ْكِب ُرو َن َع ْن عَب َادتي َسَي ْد ُخُلو َن َج َهَّن َم َداخ ِر َ ِ
ُّك ُـم ْاد ُعوني أ ْ
ال َرب ُ
َوَق َ
قال الوراق :ادعونى على جدارة االضطرار وااللتجاء دعاء من ال يكون له ملجأ وال مرجع إلى سواى :أستجب.
وقال محمد بن على :من دعا هللا ولم يعمر قبل ذلك سبيل الدعاء بالتوبة واإلنابة وأكل الحالل واتباع السنة ومراعاة
مردودا فأخشى أن يكون جوابه الطرد واللعنة.
ً السر كان دعاؤه
وقال يحيى بن معاذ :ادعونى بصدق االلتجاء أستجب لكم صالح الدعاء.
وقيل لسهل :ما معنى قولهم :الدعاء أفضل العمل؟ فقال :ألن فيه الفقر والفاقة وااللتجاء والتضرع.
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم البزاز قال :قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :للدعاء أركان وأجنحة
وأسباب وأوقات فإن وافق أركانه قوى وإن وافق أجنحته طار فى السماء وإن وافق مواقيته فاز وإن وافق أسبابه أفلح.
َستَ ِج ْب َل ُك ْم} فقال: سمعت منصور بن عبد هللا األصفهانى يقول :سمعت الشبلى يقول :وقد سئل عن قولهِ ْ :
{اد ُعوني أ ْ
أوه من أمر ولمن أمر وكيف أمر وبأى ٍ
أمر أمر وبأى شىء أمر وما المراد فيما أمر ،بلى وهللا أمرنا أن نكون بال
سر بسر متصل وأما على الظاهر فقال :ادعونى وال تدعوا معى سواى فإذا وجدتمونى فقد
نحن فى سر ظهر الغيب ًا
وجدتم الكل.
سمعت النصرآباذى يقول :ناب عن خلقه بالدعاء وناب عنهم باإلجابة فكل يدعو على ما ناب عنه ومن لم ينب عنه
فهو المحروم فى الدعاء والممنوع من اإلجابة.
قال بعضهم :كم منا دعا ربه عند نفسه وهو فى الحقيقة دعا غيره وعبد سواه.
ك لطِيب ِ
ات َذلِ ُك ُم َّ َّ ِ السم ِ َّ َّ ِ
ُّك ْـم َفتَ َـب َار َ
َّللاُ َرب ُ ص َوَرُك ْـم َوَرَزَق ُك ْـم م َن ا َ
َح َس َن ُ
صَّوَرُك ْـم َفأ ْ
ـآء َو َ
آء بَن ً
ـر اًر َو َّ َ َ
ض َق َا
َّللاُ الذي َج َع َـل َل ُك ُـم األ َْر َ
ين ِ
َّللاُ َر ُّب اْل َعاَلم َ
َّ
قال سليمان :القرار لمن استقر على طلب الموافقة واجتنب التخطى إلى المخالفة.
بناء لمالئكته.
ار ألوليائه والسماء ً
وقال بعضهم :جعل األرض قرًا
وقال الجنيد رحمة هللا عليه :الحى على الحقيقة من به حياة كل حى.
قال ابن عطاء :أخضع ألوامره وأنقاد له وال أخرج من رسوم العبودية بحال.
قال جعفر :ال ألتجئ إال إليه وال أذل إالَّ له فإن االلتجاء إليه محل الفرج والتذلل له معدن العز.
ض َّال ِذي َن ِع ُد ُه ْم أ َْو َنتََوَّفَيَّن َك َفِإَل ْيَنا ُي ْر َج ُعو َن َفاصِبر ِإ َّن وعد َّ ِ
َّللا َح ٌّق َفـِإ َّما ُن ِرَيَّن َك َب ْع َ َ َْ ْ ْ
قال الواسطى رحمة هللا عليه :من ذكر القسمة وما جرى له فى السبق ينقطع عن السؤال والدعاء ويعلم أن المقضى
كائن بالحق ومن الحق لذلك قال بعضهم :أمرونا
بالسكوت والجمود ،ودعونا إلى الدعاء ،والثناء فى الدعاء لمن ال سابقة له والثناء ال يصلح إال ألهل الثناء فإنك إن
سألت ما ليس لك استعجلت وأسأت الثناء وإن سألت ما
لك اتهمت وإن سكت أجرى لك ما قضاه فى الدهور لك وهذا كقوله :فإذا جاء أمر هللا قضى بالحق.
ص ُد ِ
ورُك ْم} [اآلية.]80 : قوله تعالى{ :وَل ُكم ِفيها مَن ِافع ولِتَـبُل ُغوْا عَليها ح ِ
اج ًة في ُ
َ َْ َ َ َ ْ َ َ َُ ْ
ص ُد ِ
ورُك ْم} قال :الحج والغزو. قال أبو عثمان رحمة هللا عليه{ :ولِتَـبُل ُغوْا عَليها ح ِ
اج ًة في ُ
َ َْ َ َ َ ْ
وقال أحمد بن حنبل رحمة هللا عليه :لكم فيها منافع فى أداء صدقاتها وزكاتها وتضعيف األجر لكم فى ذلك.
َّللاِ تُ ِ
نك ُرو َن َي آي ِ
ات َّ وي ِر ُ ِ ِ
يك ْم َآياته َفأ َّ َ َُ
قال سهل :أظهر آياته فى أوليائه وجعل السعيد من عباده من صدقهم فى كراماتهم وأعمى أعين األشقياء عن ذلك
وصرف قلوبهم عنه ومن أنكر آيات األولياء إنما ينكر قدرة هللا فإن القدرة تظهر على األولياء آيات ألنهم بأنفسهم
َّللاِ تُ ِ
نك ُرو َن}. َي آي ِ
ات َّ يظهرونها وهللا تعالى يقول{ :وي ِر ُ ِ ِ
يك ْم َآياته َفأ َّ َ َُ
َّللاِ َّالِتي َق ْد َخَل ْت ِفي ِعَب ِادِه َو َخ ِس َر ُهَنالِ َك اْل َك ِاف ُرو َن
ْسَنا ُسَّن َت َّ
يم ُان ُه ْم َل َّما َأرَْوْا َبأ َ
ِ
َفَل ْم َي ُك َي َنف ُع ُه ْم إ َ
قال سهل :السنة مشتقة من أسماء هللا تعالى السين سنا هللا والنون نور هللا والهاء هداية هللا فقوله :سنة هللا التى قد
خلت فى عباده أى فطرة هللا التى َجبل عليها خواص عباده هداية منه لهم فهم على سنن الطريق الواضح إليه زيادة.
قال سهل فى قوله{ :حـم} قال قضى فى اللوح المحفوظ ،وكتب فيه ما هو كائن.
وقال ابن عطاء :يبشر من آمن به برضا ربه وينذر من أعرض عنه بسخط ربه.
ونا ِإَل ْي ِه} [اآلية.]5 : قوله تعالى{ :وَقاُلوْا ُقُلوبنا ِفي أ ِ ٍ ِ
َكَّنة م َّما تَ ْد ُع َ َُ َ
قال سهل :فى أغطية اإلهمال فمالت إلى الشهوى والهوى ولم تسمع داعى الحق {وِفي ِ
آذانَنا َوْقٌر} أى بها صمم عن َ
الخير فال تسمع هواتف الحق.
قال بعضهم :قلوبهم فى حجاب من دعوة وأسماءهم صمت من نداء الحق وكلت ألسنتهم عن ذكر الحق وجعل بينهم
أبدا.
وبين الحق حجاب الوحشة وهو الحجاب الذى ال يرفع ً
قال ابن عطاء فى قولهِ{ :إَّن َمآ أََن ْا َب َشٌر ِم ْثُل ُك ْم} فى ظاهر األحكام ومحل االتباع أمثل لكم سبل الشريعة وأحكام الدين
وأكملكم بوحى من ربكم أنه إله واحد فمن صدقنى واتبع سنتى فقد وصل الى الرضوان ومن خالفنى وأعرض فقد
أعرض عن طريقة الحق فأنا بشر مثلكم فى الظاهر ولست مثلكم فى الحقيقة أال تراه صلى هللا عليه وسلم يقول" :إنى
لست كأحدكم إنى أبيت عند ربى فيطعمنى ويسقينى يطعمنى ربى ويسقينى ربى
".
ينوجعل ِفيها رو ِاسي ِمن َفوِقها وبارك ِفيها وَقَّدر ِفيهآ أَ ْقواتَها ِفي أَربع ِة أَيَّا ٍم سوآء لِ َّ ِ ِ
لسآئل َ ََ ً ََْ ْ َ ََ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ََ َ َ ََ َ
يها َرَو ِاسي} [اآلية.]10 : ِ
{و َج َع َل ف َ
قوله عز وعالَ :
َ
قال القاسم :الرواسى األجلة من األولياء الذين هم المشرفون على الخلق ألنهم الخواص منهم .وقولهِ :
{من َف ْوِق َها} أى
من فوق عامة األولياء وأشرفهم نظرهم أصح وبركاتهم أعم وال يشرف عليهم أحد إال القطب الذى هو الواحد فى العال
وبه قوام كل األولياء والرواسى دونه.
قال ابن عطاء :زينا قلوب العارفين بأنوار المعرفة وجعلنا فيها مصابيح الهداية وضياء التوحيد.
وقال الجنيد رحمة هللا عليه :زينا الجنة بنور مناجاة العارفين وزهرة خدمة العابدين.
قال عمرو المكى :من شاهد من نفسه قياما إلى شىء من األوامر وقعودا عن شىء من النواهى فقد صغر ما َّ
عظمه ً ً
هللا وعظم ما صغره هللا أال ترى أن هللا هو الذى أقامه إليها وقواه عليها حينئذ يخلو من حاله وعمله ويرى قدرة هللا
وقوته عليه وضعفه عن القيام إلى حقائق أوامره ويعلم أن القوى على الحقيقة من يقدر على أن يقوى العبد على القيام
بأحكامه.
اب اْل ُهو ِن ِب َما َك ُانوْا َي ْك ِسُبو َن َما ثَمود َفهديناهم َفاستَحُّبوْا اْلعمى عَلى اْلهد ٰى َفأَخ َذ ْتهم ص ِ
اعَق ُة اْلع َذ ِ
َ َ ُْ َ َُ ََ ٰ َ َوأ َّ ُ ُ َ َ ْ َ ُ ْ ْ َ
قال الواسطى رحمة هللا عليه :لحاجة لما سبق فيهم من شؤم الجبلة.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :من لم يصحبه من هللا ما يردعه عن جميع خلقه فهو مصحوب نفسه وأن هللا وصف
وزُعو َن}. َّللاِ ِإَلى َّ
الن ِار َف ُه ْم ُي َ آء َّ
َع َد ُ
{وَي ْوَم ُي ْح َش ُر أ ْ
تحذير لخلقه فقالَ :
ًا حال األعداء فى عرصة القيامة
َّللاَ الَ َي ْعَلم َكِثي اًر ِم َّما تَ ْع َمُلو َن ود ُك ْم َوَلـ ِٰكن َ
ظَننتُ ْم أ َّ
َن َّ ِ
َو َما ُكنتُ ْم تَ ْستَت ُرو َن أَن َي ْش َه َد َعَل ْي ُك ْم َس ْم ُع ُك ْم َوالَ أ َْب َ
ص ُارُك ْم َوالَ ُجُل ُ
ُ
ِ
{و َما ُكنتُ ْم تَ ْستَت ُرو َن أَن َي ْش َه َد َعَل ْي ُك ْم َس ْم ُع ُك ْم َوالَ أ َْب َ
ص ُارُك ْم} [اآلية.]22 : قوله تعالىَ :
قال أبو عثمان رحمة هللا عليه :من لم يذكر فى وقت مباشرته الذنوب شهادة جوارحه عليه تحرى على الذنوب ومن
ذكر ذلك جبن عن مباشرتها وربما يلحقه التوفيق والعصمة فيمنعاه عنها.
َّضَنا َلهم ُق َرَنآء َف َزيَُّنوْا َلهم َّما َب ْي َن أ َْي ِدي ِهم وما َخْلَفهم و َح َّق َعَل ْي ِهم اْلَقول ِفي أُم ٍم َق ْد َخَل ْت ِمن َقْبلِ ِهم ِم َن اْل ِج ِن و ِ
اإل ْن ِ
س َ ْ َ ُ ُْ ُْ َ ْ ََ ُ َ َوَقي ْ ُ ْ
ِ
ِإَّن ُه ْم َك ُانوْا َخاس ِر َ
ين
آء َف َزيَُّنوْا َل ُهم َّما َب ْي َن أ َْي ِدي ِه ْم َو َما َخْلَف ُه ْم} [اآلية.]25 :
َّضَنا َل ُه ْم ُق َرَن َ
{وَقي ْ
قوله تعالىَ :
أبدا.
قال الجنيد رحمة هللا عليه :النفس ال تألف الحق ً
آن واْلغوْا ِف ِ
يه َل َعَّل ُك ْم تَ ْغلُِبو َن ِ وَق َّ ِ
ين َكَف ُروْا الَ تَ ْس َم ُعوْا ل َهـٰ َذا اْلُق ْر ِ َ َ ْ
ال الذ َ
َ َ
َّ ِ
اموْا} [اآلية.]30 :
استََق ُ
َّللاُ ثُ َّم ْ قوله تعالىِ{ :إ َّن الذ َ
ين َقاُلوْا َربَُّنا َّ
قال :استقاموا على انفراد القلب باهلل سمعت منصور بن عبد هللا يقول سمعت أبا القاسم البزاز يقول :قال ابن عطاء
شيئا ال يهاب غيره وال يطالع سواه فتركوا المنازعة
اموْا} قال استقاموا على المشاهدة ألن من عرف ً
استََق ُ
فى قوله{ :ثُ َّم ْ
واالعتراض مع الحق.
َّ ِ
اموْا} قال :قالوها صرًفا غير ممزوجة ولم يعرجو على معنى
استََق ُ
َّللاُ ثُ َّم ْ وقال بعضهم فى قولهِ{ :إ َّن الذ َ
ين َقاُلوْا َربَُّنا َّ
سواها لما اعتقدوا ألنفسهم من العبودية وله من تمام الربوبية.
قال محمد بن الفضل :حاجة جميع الموحدين فى خصلة بها كملت المحاسن وبفقدها قبحت القبائح وهى االستقامة.
يها َما تََّد ُعو َن ِ يها َما تَ ْشتَ ِهي أ ُ
َنف ُس ُك ْم َوَل ُك ْم ف َ
ِ ِِ آؤُك ْم ِفي اْل َحَي ِاة ُّ
الد ْنَيا َوِفي اآلخ َرة َوَل ُك ْم ف َ َن ْح ُن أ َْولَِي ُ
الد ْنيا وِفي ِ
اآلخ َرِة} [اآلية.]31 : ِ ِ
{ن ْح ُن أ َْولَِي ُ
آؤُك ْم في اْل َحَياة ُّ َ َ قوله عز وعالَ :
قال جعفر :من الحظ فى أعماله الثواب واإلعراض كانت المالئكة أولياؤه من تحقق من أفعاله وعملها على مشاهدة
َّ ِ
آمُنوْا} [البقرة.]257 : {َّللاُ َولِ ُّي الذ َ
ين َ أمرها فهو وليُّه ألنه يقولَّ :
قال الواسطى رحمة هللا عليه :ال يردكم هللا إلى معنى سواه فى الدنيا واآلخرة.
ً
قال سهل :أى ممن دل على هللا وعلى عبادة هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم واجتناب المناهى وإدامة االستقامة
مع هللا.
قال بعضهم :هى الطريقة الوسطى والجادة التى من سلكها َسلِم ومن تعداها ندم.
َح َس ُن َق ْوالً وقال ابن عطاء :دعا إلى هللا حتى يدعو باهلل فيكون هو داعى الحق ودعاؤه دعاء الحق .قال هللاَ :
{و َم ْن أ ْ
أثر.
صالحا ولم ير لنفسه فيه ًا
ً َّللاِ} باهلل ال بنفسه وعمل
ِم َّمن َد َعآ ِإَلى َّ
قال ابن عطاء :الداعى إلى هللا على الحقيقة الذى يرضى هللا فى دعوته فيمكنه فى وقت اشتغال الخلق بأنفسهم من
الشفاعة لما رضى من دعوته والداعى إلى هللا على الحقيقة الذى ال يشير إلى غيره فى جميع دعوته.
ِ ِ َّ ِ َِّ ِ
السِيَئ ُة ْاد َف ْع ِبالتي ه َي أ ْ
َح َس ُن َفإ َذا الذي َب ْيَن َك َوَب ْيَن ُه َع َد َاوةٌ َكأََّن ُه َوِل ٌّي َحم ٌ
يم َوالَ تَ ْستَ ِوي اْل َح َسَن ُة َوالَ َّ
قال ابن عطاء :ال يستوى بين من أحسن الدخول فى خدمتنا والخروج منها وبين من أساء األدب فى الخدمة فإن سوء
األدب فى القرب أصعب من سوء األدب فى البعد فقد تصفح عن الجهال الكبائر ويؤخذ الصديقون باللحظات
وااللتفات.
قال بعضهم :ال يطيق أحد الهجوم على المعارف إال من يصبر على احتمال النوائب والشدائد فيها وال يرى لنفسه قمة
خطر إذ ذاك يمكنه مجاورة المعارف والهجوم عليها.
وال لزوجه ًا
يمِ
يع اْل َعل ُ
اَّللِ ِإَّنه هو َّ ِ
السم ُ استَع ْذ ب َّ ُ ُ َ ْ الش ْي َٰ
ط ِن َن ْزغٌ َف ِ ِ وإِ َّما َي َنزَغَّن َك ِم َن َّ
َ
أبدا ومن طرد بااللتجاء إلى هللا واالستعاذة به منه لم قال بعضهم :من طرد الشيطان عن نفسه بنفسه فهو قرينه ً
اَّللِ}.
استَ ِع ْذ ِب َّ طِ
ان َن ْزغٌ َف ْ
يجعل هللا للشيطان عليه سبيالً ألن هللا يقول{ :وإِ َّما َي َنزَغَّن َك ِم َن َّ
الش ْي َ َ
وسئل أبو حفص بماذا يتخلص المؤمن من الشيطان؟ قال :بتصحيح العبودية ألن هللا عز وجل يقولِ :إ َّن ِعَب ِادي َل ْي َس
ان[اإلسراء.]65 :
طٌ َل َك َعَل ْي ِه ْم ُسْل َ
اس ُج ُدوْا ََِّّللِ اَّل ِذي َخَلَق ُه َّن ِإن ُكنتُ ْم ِإيَّاهُ تَ ْعُب ُدو َن ِ الشم ُس واْلَقم ُر الَ تَس ُج ُدوْا لِ َّ
لش ْم ِ
س َوالَ لْلَق َم ِر َو ْ ْ
َّ ِ ِ َّ
َو ِم ْن َآياته ال ُ
يل َو َّ
الن َه ُار َو ْ َ َ
س َوالَ لِْلَق َم ِر} [اآلية.]37 : الشم ُس واْلَقم ُر الَ تَس ُج ُدوْا لِ َّ
لش ْم ِ َّ قوله تعالى{ :و ِمن آي ِات ِه َّ
اللْي ُل َو َّ
ْ الن َه ُار َو ْ َ َ َ ْ َ
قال ابن عطاء :أظهر لك اآليات لتشتغل بمظهرها دونها فمن اشتغل بها شغلته عن مظهرها ومن اشتغل بمظهرها
شغله ذلك عن االشتغال بما يشغله عنه بحال وهو من عظيم األحوال وسنن المراتب.
اها َل ُم ْح ِى اْل َم ْوتَ ٰى ِإَّن ُه َعَل ٰى ُك ِل َّ ِ و ِمن آي ِات ِه أََّنك تَرى األَرض خ ِ
اهتََّز ْت َوَرَب ْت ِإ َّن الذي أ ْ
َحَي َ آء ْ اش َع ًة َفِإ َذآ أ َ ْ
َنزلَنا َعَل ْي َها اْل َم َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ
َشي ٍء َق ِد ٌير
ْ
قوله عز وعال{ :و ِمن آي ِات ِه أََّنك تَرى األَرض خ ِ
اش َع ًة} [اآلية.]39 : ْ َ َ َ َ َ ْ َ
قلوبا فى األوعية من األجسام أودع بها ودائع وأخفاها على الخلق فإذا
قال عمرو بن عثمان المكى :إن هلل عز وجل ً
فعرف القلوب محل الودائع وأظهر على النفس بركاتهانزل عليها مياه رحمته وبركات نظره وآثار بره استخرج ودائعه َّ
وأل قى على الخلق هيبة صاحبها فهو فى هيبة عند الخلق وانكسار عند نفسه وشفقة ونصيحة للخلق وخوف دائم من
اهتََّز ْت ذنوبه وذلك من آيات هللا الظاهرة وهو حقيقة قوله{ :و ِمن آي ِات ِه أََّنك تَرى األَرض خ ِ
اش َع ًة َفِإ َذآ أ َ ْ
آء َْنزلَنا َعَل ْي َها اْل َم َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ
أنفسا ماتت عن القيام قلوبا غفلت عنه و ً َوَرَب ْت} إن الذى أحيا تلك النفوس بتلك الودائع قادر أن يحيى ببركة نظره ً
بخدمته.
ين الَ ُي ْؤ ِمُنو َن ِفي ِي ُقل هو لَِّل ِذين آمنوْا هدى وِشَف َّ ِ صَل ْت آياتُه ء ِ وَلو جعْلناه ُقرآناً أعج ِمياً َّلَقاُلوْا َلوالَ ُف ِ
آء َوالذ َ
َ َ ُ ًُ َ ٌ اع َجم ٌّي َو َع َرب ٌّ ْ ُ ََ ُ َ ْ ْ َ ْ ََ َ ُ ْ ْ َ
ان َب ِع ٍيد
آ َذ ِان ِه ْم َوْقٌر َو ُه َو َعَل ْي ِه ْم َع ًمى أ ُْوَلـِٰئ َك ُيَن َاد ْو َن ِمن َّم َك ٍ
قال جعفر :القرآن شفاء لمن كان فى طلب العصمة وعمى على من كان فى ظلمة الخذالن.
قال بعضهم :شفاء القرآن إذا دخل الصدور أعتقها من سر الطباع ورعونات الهوى وأدخلها فى فسحة التفويض
والتسليم.
ان ِمن ُد َع ِآء اْل َخ ْي ِر} [اآلية.]49 : قوله تعالى{ :الَّ َيسأَم ِ
اإل ْن َس ُ ْ ُ
قال :ال يمل العبد من ذكر ربه وشكره وحمده والثناء عليه.
قال سهل :أعرض عن الدعاء والشكر هلل على ما أنعم ونظر فى عطفيه وافتخر بغير مفتخر به.
قال بعضهم :إذا أصابه بالء فى الظاهر وهو فى نعمة فى الحقيقة أعرض عنه لم يصبر على البالء وال يطالع
موضع الثواب فيه وإذا َم َّس ُه الشر االستدراج فى النعم ألفه ونظر فيه ونسى حقوق هللا عليه.
َنف ِس ِه ْم} [اآلية.]53 : قوله عز وعال{ :سُن ِري ِهم َآي ِاتَنا ِفي اآل َف ِ
اق َوِفي أ ُ َ ْ
قال سهل :هى الموت والموت خاص وعام فالعام موت الخلقة والجبلة والخاص موت شهوات نفوس األولياء.
قال القحطانى :ال يزال العبد يرتقى من حال إلى حال حتى يبلغ إلى األحوال السنية العالية ويرى هللا قائماً باألشياء ثم
ترقى به عن ذلك الحال حتى يرى األشياء فانية فى رؤية الحق ويتيقن أن القديم إذا قرن بالحديث ال يثبت له أثر وإن
اق وِفي أ ُ ِ ِ ِ ِ
َنفس ِه ْم َحتَّ ٰى َيتََبي َ
َّن َل ُه ْم أََّن ُه اْل َح ُّق} وهو النظر ِ
{سُن ِريه ْم َآياتَنا في اآل َف َ
جل قدره وعظم خطره وهو معنى قولهَ :
فى الدنيا بشاهد الحق ثم النظر إلى الحق بالفناء عن الكون وهو أن تصير النعوت نعتاً واحداً وال يشهد إال حقاً
صرفاً.
وسئل أبو عثمان عمن يقول بالشاهد؟ فقال :ال أنكر القول بالشاهد لمن يشهد األشياء كلها شيئاً واحداً.
وقال الواسطى رحمة هللا عليه :ظهر فى كل شىء بما أظهر منه وإظهاره األشياء ظهوره بها فإذا فتشها ال يجد غير
اق وِفي أ ُ ِ ِ ِ ِ
َنفس ِه ْم َحتَّ ٰى َيتََبي َ
َّن َل ُه ْم أََّن ُه اْل َح ُّق} دون غيره وذلك قال النبى صلى ِ
{سُن ِريه ْم َآياتَنا في اآل َف َ
هللا قال هللا تعالىَ :
هللا عليه وسلم" :أصدق كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد أال كل شىء ما خالل هللا باطل
أقل من كل شىء من ال يرى الكل قلة اسمع فهذا كالم وهللا ما فيه علة
قال الواسطى رحمة هللا عليه :لو شهدوا شواهد الحق فيما جرى عليهم من المخالفة والموافقة لما اضطربوا فرحاً وال
حزناً نفياً للشرك والمقارنة.
سمعت عبد هللا الرازى يقول :كان أكبر عمل أبى عثمان فى المراقبة وكان كثي اًر ما يتلو هذه اآلية.
ِ
وقال الواسطى :فى هذه اآلية أوائلها فيه وكان يتلوا هذه اآلية كثي اًر{ :أ ََوَل ْم َي ْكف ِب َرب َ
ِك} أوائلها للطائفين والعابدين
طالعوه وراقبوه وأواخرها للواجدين شاهدوه على آباده وسرمده الذى فيه فناء معانيهم.
حـم * عسق
يق ِفي ِ وَك َذلِك أَوحينآ ِإَليك ُقرآناً عربِياً لِت ِنذر أ َُّم اْلُقر ٰى ومن حوَلها وت ِنذر يوم اْلجم ِع الَ ريب ِف ِ
يه َف ِر ِ
يق في اْل َجَّنة َوَف ِر ٌ
ٌ َْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ُ َ َْ َ َ ْ َ َ ْ َ َْ ْ َ ْ َ َ ُ َ
الس ِع ِ
ير َّ
الس ِع ِ
يق ِفي َّ ِ قوله عز وعالَ { :ف ِر ِ
ير} [اآلية.]7 : يق في اْل َجَّنة َوَف ِر ٌ
ٌ
قال القاسم :فريق جرى عليهم حكم السعادة فى األزل فمكنوا من محل السعداء وفريق جرى عليهم حكم الشقاوة فى
فردوا إلى مكان األشقياء واألزل يؤثر فى اآلباد وإن كان ال أزال وال أبد فى الحقيقة.
األزل ُ
اَّللُ ُه َو اْل َولِ ُّي َو ُه َو ُي ْحِيـي اْل َم ْوتَ ٰى َو ُه َو َعَل ٰى ُك ِل َشي ٍء َق ِد ٌير ِِ ِ ِ َّ
ْ أَ ِم ات َخ ُذوْا من ُدونه أ َْولَي َ
آء َف َّ
اَّللُ ُه َو اْل َولِ ُّي َو ُه َو ُي ْحِيـي اْل َم ْوتَ ٰى} [اآلية.]9 :
قوله تعالىَ { :ف َّ
قال ابن عطاء فى هذه اآلية :الحق تعالى يتولى أولياءه فى كل نفس برعاية وعناية طربه ،ومن كان الحق متولى
سعاياته وحركاته كان فى أصون صون وأحرز ٍ
حرز وهو الذى يحمى القلوب بمشاهدته وبالتجلى بعد االستتار.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :يحيى القلوب بالتجلى ويميت النفوس باالستتار.
وقال أيضاً جعفر :يحيى نفوس المؤمنين بخدمته ويميت نفوس المنافقين بمخالفته.
قال بعضهم :قلوب أهل الحق مصانة عن كل معنى ألنها موارد الحق.
ً
قال الواسطى رحمة هللا عليه :ليس كذاته ذات وال اسمه اسم من جهة المعنى وال كصفته صفة من جميع الوجوه إالَّ
من جهة موافقة اللفظ وكما لم يجز أن يظهر من مخلوق صفة قديمة كذلك يستحيل أن يظهر من الذات الذى ليس
كمثله شىء صفة حديثة و َّ
أن التكرار من حدوث الصفة جل ربنا أن يحدث له صفى أو اسم إذ لم يزل بجميع صفاته
واحداً وال يزال كذلك.
وقال أيضاً :أمور التوحيد كلها خرجب من هذه اآليةَ{ :ل ْي َس َك ِم ْثِل ِه َشي ٌء} ألنه ما عبر عن الحقيقة بشىء إال والعلة
ْ
مصحوبة والعبارة منقوصة ألن الحق ال ينعت على أقداره ألن كل ناعت مشرف على المنعوت وجل أن يشرف عليه
مخلوق.
سمعت محمد بن عبد هللا بن عبد العزيز المكى الرازى يقول :سمعت أبا بكر الشبلى يقول :كلما ميزتموه بأوهامكم
وأدركتموه بعقولكم فى أتم معانيكم فهو مصروف إليكم ومردود عليكم محدث مصنوع مثلكم ألن حقيقته ٍ
عال عن أن
{هَو األََّو ُل
تلحقه عبارة أو يدركه وهم وأن يحيط به علم كال وكيف يحيط به علم وقد اتفقت فيه األضداد بقولهُ :
اط ُن} [الحديد ]3 :أى عبارة تخبر عن حقيقة هذه األلفاظ قصرت عنه العبارات وخسرت األلسن اهر واْلب ِ
َّ ِ ِ
َواآلخ ُر َوالظ ُ َ َ
لقولهَ{ :ل ْي َس َك ِم ْثِل ِه َشي ٌء}.
ْ
قال الواسطى رحمة هللا عليه :من احتجب عن خلقه بخلقه ثم عرفهم صنعه بصنعه وساقهم إلى أمره فال يمكن األوهام
أن تناله وال العقول أن تختاله وال األبصار أن تمثله وال األسماع أن تشمله وال األمانى أن تمتهنه هو الذى ال قبل له
وال بعد وال مقصر عنه وال معدل وال غاية وراءه وال مهل ليس له أمد وال نهاية وال غاية وال ميقات وال انقضاء ال يستره
الس ِميع اْلب ِ
ص ُير}. ِ ِِ
حجاب وال ينقله مكان وال يحويه هواء وال يحتاطه فضاء وال يتضمنه خالء {َل ْي َس َكم ْثله َش ْي ٌء َو ُه َو َّ ُ َ
قال ابن عطاء :مقاليد السماوات الغيوب ومقاليد األرض اآليات والبينات.
وقال أيضاً فى هذه اآلية مفاتيح السماوات واألرض هى المشيئة والقدرة فى السماوات واألرض فبمشيئتى قامت السماء
بغير عمد ترونها وال عالقة فوقها وبقدرتى ثبتت األرض بما فيها وعليها على الماء ولغامض علمى وقف الماء فلم
يضطرب أمواجه وبمشيئتى تمطر السماء على األرض وبإذنى يخرج النبات من األرض ومفاتيح القلوب بيدى أقلبها
كيف أشاء والضر والنفع بيدى فكونوا لى صرفاً أكن لكم حقاً.
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم البزاز يقول :قال ابن عطاء :عاتب هللا أولياءه بنظرهم إلى ما
سواه وقال بيدى مقاليد السماوات واألرض فال يشتغلوا بها وال بما فيها وعليها فإنها كلها قامت بى كونوا لى حقاً أسخر
{من َذا َّال ِذي َي ْشَف ُع ِع ْن َدهُ ِإالَّ ِبِإ ْذِن ِه}
لكم األكوان وما فيها أال ترى كيف قطعهم عن االعتماد على األنبياء بقولهَ :
[البقرة.]255 :
ِ اهيم وموسى و ِعيسى أ ِ ِ ِ ص ٰى ِب ِه ُنوحاً َو َّال ِذي أ َْو َح ْيَنآ ِإَل ْي َك َو َما َو َّ َشرع َل ُكم ِمن ِ
ين َوالَ
يموْا الد َ ص ْيَنا ِبه ِإ ْب َر َ َ ُ َ ٰ َ َ ٰ ْ
َن أَق ُ ين َما َو َّ الد ِ َ ََ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
آء َوَي ْهدي ِإَل ْيه َمن ُين ُ
يب ِ ِ وه ْم ِإَل ْيه َّ تَتََفَّرُقوْا فيه َكُب َر َعَلى اْل ُم ْش ِرِك َ
َّللاُ َي ْجتَبي إَل ْيه َمن َي َش ُ ين َما تَ ْد ُع ُ
قال سهل :أول من حرم األمهات والبنات واألخوات نوح عليه السالم فشرع هللا لنا محاسن شرائع األنبياء أولهم نوح
ص ٰى ِب ِه ُنوحاً} والذى وصى به إبراهيم وموسى وعيسى من إقامة الطاعة هلل
ين َما َو َّ {شرع َل ُكم ِمن ِ
الد ِ َ فقالَ َ َ :
واإلخالص فيها وإظهار األخالق واألحوال.
سمعت أبا العباس البزاز يقول :كان أخى خادماً للحالج فقال لى :لما كانت الليلة التى توعد من العبد بقتله قلت له:
يا سيدى أوصنى فقال لى :عليك نفسك إن لم تشغلها شغلتك .قال فلما كان الغد وأخرج للقتل قام وقال :حسب الواحد
إفراد الواحد له ،ثم خرج يتبختر فى قيده ويقول:
سقانى مثل ما يشرب فعل الضيف بالضيف تدينى غير منسوب إلى شىء من الحيف
كذا من يشرب الراح مع التين فى الصيف فلما دارت الكأس دعانا لنطع والسيف
آمُنوْا ُم ْشِفُقو َن ِم ْن َها} ثم ما نطق بعد ذلك حتى فعل به ما فعل. َّ ِ َّ ِ
ين َ {ي ْستَ ْع ِج ُل ِب َها الذ َ
ين الَ ُي ْؤ ِمُنو َن ِب َها َوالذ َ ثم قالَ :
قال ابن عطاء :يعلم من أنفسهم ما ال يعلمون من نفوسهم فربط كالً بحده فمن بقى مع حده حجب ومن تجاوز حده
هلك.
قال بعضهم :تلطف بعبده من فنون المبار ما يتعجب فيها المتعجبون كما جاء فى الخبر حتى يقول الناس أهذا نبى
أو ولى فقيل لهم :المتحابون فى هللا.
وقال على بن عبد العزيز :اللطيف من يلطف بهم من الجهات الخفية ومن أحسن إليك فى خفاء فقد لطف بك يرزق
من يشاء من عباده يدخلهم الجنة فضالً وال يمن بها عليهم.
قال أبو سليمان الدارانى :من لطف هللا بعبده أن يميز له كنه معرفته حتى ال تتكدر عليه نعماؤه.
يف ِب ِعَب ِادِه} معناه سمعت محمد بن أحمد بن إبراهيم الفارسى يقول :سمعت أبا محمد الجريرى يقول فى قولهِ َّ :
{َّللاُ َلط ٌ
لطيف بعبده حيث لم يكشف له ما سبق من األزلية ألنه لو كشف للسعيد سعادته المتنع من عبادة هللا والسعى فى
طلب رضاه وكذلك الشقاوة.
وقال الجنيد رحمة هللا عليه :اللطيف الذى لطف بأوليائه حتى عرفوه.
وقال بعضهم :اللطيف الذى ينسى العباد فى اآلخرة ذنوبهم لئال يتحسروا.
وقال القاسم :اللطيف الذى لم يدع أحداً يقف على مائية أسمائه فكيف يقف على مائية وصفه وذاته.
وقال اللطيف الذى لطفه فى كل مكان حتى ال يبقى مكان إال لطفه غالب عليه.
قال بعضهم :اللطيف الذى لم يظهر شيئاً من األكوان يقف على مائيته.
قال بعضهم :اللطيف الذى لم يدع أحداً يقف على مائية أسمائه.
وقال الجنيد رحمة هللا عليه :اللطيف من نور قلبك بالهدى وربى جسمك بالغذاء وأخرجك من الدنيا مع االيمان بغير
بلوى ويحرسك وأنت فى لظى ويمكنك حتى تنظر وترى هذا لطف اللطيف بالعبد اللطيف.
يف ِب ِعَب ِادِه} موجود فى الظاهر والباطن واألشياء كلها موجوده به لكن يوجد ذكره ِ
قال أبو سعيد الخراز فى قولهَ{ :لط ٌ
فى قلب العبد مرة ويفقد مرة ليجدد بذلك افتقاره إليه.
آء} الفطنة والحكمة وهو القوى العزيز القوى بقوى الفطن والعزيز عزز عنايته قال القاسم فى قوله َ :ق
{ي ْرُز ُ َمن َي َش ُ
ورعايته ال يبذلها لكل أحد.
قال بعضهم فى هذه اآلية :من عمل هلل محب ًة له ال طلباً للجزاء صغر عنده كل شىء دون هللا فال يطلب حرث الدنيا
وال حرث اآلخرة بل يطلب هللا من الدنيا واآلخرة.
ِ َّ ِ َّ َّللا ِعباده َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
َج اًر ِإال اْل َمَوَّد َة في اْلُق ْرَب ٰى َو َمن َيْقتَ ِر ْ
ف َسأَُل ُك ْم َعَل ْيه أ ْ
الصال َحات ُقل ال أ ْ َذل َك الذي ُيَبش ُر َّ ُ َ َ ُ َ َ ُ َ َ
يها ُح ْسناً ِإ َّن َّ ِ
ورور َش ُك ٌ
َّللاَ َغُف ٌ َح َسَن ًة َّن ِزْد َل ُه ف َ
َج اًر ِإالَّ اْل َم َوَّد َة ِفي اْلُق ْرَب ٰى} [اآلية.]23 : ِ َّ
َسأَُل ُك ْم َعَل ْيه أ ْ
قوله تعالىُ{ :قل ال أ ْ
حدثنا محمد بن يعقوب األصم قال :حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردى قال :حدثنا وكيع بن الجراح عن أبى جعفر
ِ َّ
َج اًر }...اآلية ،قال :كل من تقرب الى هللا بطاعته وحبب الرازى عن الربيع بن أنس فى قولهُ{ :قل ال أ ْ
َسأَُل ُك ْم َعَل ْيه أ ْ
عليه محبته.
ور} قال بعضهم :الشاكرون ثالثة :شاكر يشكر شخص النعمة وشاكر يشكر معنى النعمة وشاكر
{ش ُك ٌ
قوله تعالىَ :
يشكر المنعم وهو على ثالثة أوجه شاكر وشكور وشكار فالشاكر يشكر شخص النعمة والشكور يشكر معنى النعمة
والشكار الذى ال يفتر عن شكر المنعم أال ترى كيف دعا النبى صلى هللا عليه وسلم حيث قال" :اللهم اجعلنى شكا اًر
".
قال سهل :يختم على قلبك ختم عليه الشوق والمحبة فال تلتفت إلى الخلق وال تشتغل بإجابتهم وإيابهم.
{و ُه َو َّال ِذي َيْقَب ُل التَّ ْوَب َة َع ْن ِعَب ِادِه} [اآلية.]25 :
قوله تعالىَ :
قال بعضهم :إنما يقبل التوبة من رزقه التوبة وتاب عليه فتاب فيكون تلك توبة صحيحة ال من يتوب من غير عزم
وال ندامة على معنى العادة والطبع وعالمة قبول التوبة مجران :أخدان السوء وقرناء السوء وعمل السوء ومجانبة
البقعة التى فيها باشر الذنوب والخطايا وأن يبدل باإلخوان إخواناً وباألخدان أخداناً وبالبقاع بقاعاً ثم يكثر الندامة
والبكاء على ما سلف منه واألسف على ما ضيع من أيامه وال تفارقه حسرة ما فرط وأهمل أيامه فى البطاالت ويرى
نفسه مستحقاً لكل عذاب وسخطه ،هذه عالمات التوبة وقبولها.
قال ابن عطاء :إن هللا عز وجل ُي َربِى عباده بين طمع ويأس فإذا طمعوا فيه آيسهم بصفاتهم وإذا أيسوا أطمعهم
{و ُهَو َّال ِذي ُيَن ِزُل
بصفاته وإذا غلب على العبد القنوط وعلم العبد ذلك وأشفق منه أتاه من هللا الفرح أال تراه يقولَ :
اْل َغ ْي َث ِمن َب ْع ِد َما َقَن ُ
طوْا} معنى ينزل الغيث رحمته على قلوب أوليائه فيثبت فيها التوبة واإلنابة والمراقبة والرعاية.
قال ابن عطاء :من لم يعلم أن ما وصل إليه من الفتن والمصائب باكتسابه وإنما عفا عنه مواله أكثر كان قليل النظر
ير} فمن لم يشهد ذنبه ص َيب ٍة َفِب َما َك َسَب ْت أ َْي ِد ُ
يك ْم َوَي ْعُفوْا َعن َكِث ٍ فى إحسان ربه إليه ألن هللا يقول{ :ومآ أَصاب ُكم ِمن ُّم ِ
ََ َ َ ْ
وجنايته ويندم عليه ال يرجى له النجاة من المصائب والفتن.
آمُنوْا َو َعَل ٰى َربِ ِه ْم َيتََوَّكُلو َن َِّ ِ الدنيا وما ِعند َّ ِ ِ ٍ ِ
ين َ
َّللا َخ ْيٌر َوأ َْبَق ٰى للذ َ َف َمآ أُوِتيتُ ْم من َش ْيء َف َمتَاعُ اْل َحَياة ُّ ْ َ َ َ َ
قوله تعالىَ { :ف َمآ أُوِتيتُ ْم ِمن َشي ٍء َف َمتَاعُ اْل َحَي ِاة ُّ
الد ْنَيا} [اآلية.]36 :
ْ
قال بعضهم :ما ظهر من أفعالك وطاعاتك أقل نعمة من نعيم الدنيا من سمع وبصر فكيف نرجو بها النجاة فى
اآلخرة لتعلم أن النعم كلها بفضل االستحقاق.
قال أبو سعيد القرشى :والصبر على المكاره من عالمات األنبياء فمن صبر على مكروه يصيبه ولم يجزع أورثه هللا
الرضا وهو أحد األحوال ومن جزع من المصائب وشكا َو ِكَله هللا إلى نفسه ثم لم ينفعه شكواه.
قال الواسطى :فى هذه اآلية أخبر عن أوصاف الحق على سنن واحد وخص السفير األعلى والواسطة األدنى مشافهة
َّللاُ ِإالَّ َو ْحياً} وهو قائم بصفة البشرية حتى ينزع عنه أوصاف
ان لَِب َش ٍر أَن ُي َكلِ َم ُه َّ
{و َما َك َ
الخطاب ومكافحته فقالَ :
وي َحَّلى بحلية االختصاص حينئذ يكلم شفاه ًا. البشرية ُ
{وَك َذلِ َك أ َْو َح ْيَنآ ِإَل ْي َك ُروحاً ِم ْن أ َْم ِرَنا} [اآلية.]52 :
قوله تعالىَ :
قال الواسطى رحمة هللا عليه :أظهر األرواح من بين جماله وجالله مكسوة بهاتين الكسوتين لوال أنه سترها لسجد لها
كل ما أظهر من الكون فمن َّ
رداه برداء الجمال فال شىء أجمل من كونه فى ستره يظهر منه كل درك وحذاقة الفطنة
ومن َّ
رداه برداء الجالل وقعت الهيبة على شاهده يهابه كل من لقيه ولصحة األرواح عالمات ثالث صحة النقية
والتخلق باألخالق والتخطى فى طريق اآلداب.
قال ابن عطاء :أما الكتاب فما كتبت على خلقى من السعادة والشقاوة واإليمان فما قسمت للخلق من القربة.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :عظم فى صدره فى شأن أمر هللا ونهيه -لذلك كان يقول :من لم يؤمن بى ضربت
عنقه -ووجد فى قتال المخالفين جهاداً لم تلحقه سآمة وال كسل لما عظم فى صدره من شأن اإليمان.
وقال أبو عثمان :من علم أن أعماله تعرض على هللا اجتهد فى تحصين أعماله واإلخالص فيها والقيام على قلبه ومن
تهاون بأوامر هللا فهو فى محل الهوان.
واْل ِكتَ ِ
اب اْل ُمِب ِ
ين َ
قوله عز وعال{ :واْل ِكتَ ِ
اب اْل ُمِب ِ
ين} [اآلية.]2 : َ
قال سهل :بين فيه الهدى من الضاللة والخير من الشر وبين فيه سعادة السعداء وشقاوة األشقياء.
قال سهل :أم الكتاب هو اللوح المحفوظ أى لرفيع مستولى على سائر الكتب.
ِكم ِإ َذا استَويتُم عَلي ِه وتَُقوُلوْا سبح َّ ِ ِ ظه ِِ ِ
ان الذي َس َّخ َر َلَنا َهـٰ َذا َو َما ُكَّنا َل ُه ُمْق ِرِن َ
ين ُْ َ َ ْ َْ ْ َ ْ َ وره ثُ َّم تَ ْذ ُك ُروْا ن ْع َم َة َرب ُ ْ لتَ ْستَُووْا َعَل ٰى ُ ُ
استََوْيتُ ْم َعَل ْي ِه} [اآلية.]13 : وره ثُ َّم تَ ْذ ُك ُروْا ِن ْعم َة َرب ُ ِ
ِك ْم إ َذا ْ َ
ظه ِِ ِ
قوله تعالى{ :لتَ ْستَُووْا َعَل ٰى ُ ُ
قال بعضهم :من لم يعرف نعم هللا عليه إال فى مطعمه ومشربه ومركبه فقد صغر نعم هللا عنده.
قال ابن عطاء :خاطب العوام بأنهم يذكرون النعم فى وقت دون وقت وال يعرفون نعم هللا عليهم فى كل نفس وطرفة
عين وحركة سكون.
قال سهل :خص األنبياء وبعض الصديقين بمعرفة نعم هللا عليهم قبل زوالها وحكم هللا فيهم.
قال أبو بكر بن طاهر فى هذه اآلية :ليكن ركوبكم على الدواب ضرورة عن المشى أو حرباً فى سبيل هللا وال يكن
ركوبهم عليها ركوب لهو وافتخار.
ِ ِ ِِ
ور ُّمِب ٌ
ين ان َل َكُف ٌ
اإلنس َ ِ
َو َج َعُلوْا َل ُه م ْن عَباده ُج ْزًءا إ َّن َ
{و َج َعُلوْا َل ُه ِم ْن ِعَب ِادِه ُج ْزًءا} أال ترى النبى صلى هللا عليه وسلم يقول" :إن أحدكم يصلى وليس له من
قال سهلَ :
صالته إالَّ ثلثها وربعها "...الحديث.
َو َج َعَل َها َكلِ َم ًة َب ِاقَي ًة ِفي َعِقِب ِه َل َعَّل ُه ْم َي ْرِج ُعو َن
{و َج َعَل َها َكلِ َم ًة َب ِاقَي ًة ِفي َعِقِب ِه} [اآلية.]28 :
قوله تعالىَ :
حسنا فى أعينهم ما فيه هالكهم فهلكوا من حيث طلبوا النجاة وهو االنتقام.
قال ابن عطاءَّ :
قال أبو عثمان :انتقام هللا من عبيده أن يجريهم فى ميدان الغفلة وال يحملهم على مدارج الذكر ورياض األنس.
قال أبو بكر بن طاهر :جعلناهم غرقى فى الشهوات واألمانى فلم يتفرغوا إلى تصحيح التوحد والمعامالت.
قال ابن عطاء :ليس العظيم عند هللا والمكين من عظمته القرى وأهلها وتبين آثار النعيم والغنى عليه ،إنما المكين
والعظيم من أجرى عليه حكم السعادة فى القدم.
ض ُهم ٍ ِ ِ
ض َد َرَجات لَيتَّخ َذ َب ْع ُ
ض ُهم َف ْو َق َب ْع ٍ يشتَ ُه ْم ِفي اْل َحَي ِاة ُّ
الد ْنَيا َوَرَف ْعَنا َب ْع َ ْ ِك َن ْح ُن َق َس ْمَنا َب ْيَن ُه ْم َّم ِع َ
َر ْح َم َت َرب َ َه ْم َيْق ِس ُمو َن
أُ
ِك َخ ْيٌر ِم َّما َي ْج َم ُعو َن َوَر ْح َم ُت َرب َ َب ْعضاً ُس ْخ ِرياً
قال الواسطى رحمة هللا عليه :رزق قوماً حالالً ومدحهم عليه ،وقوماً شبهة وذمهم عليه ،وقوماً حراماً وعاقبهم عليه،
وغذى موسى بالحرام المحض ولم يلمه عليه ،قال النبى صلى هللا عليه وسلم" :إن روح القدس نفث فى روعى أن َّ
ِ
َه ْم َيْقس ُمو َن َر ْح َم َت َرب َ
ِك َن ْح ُن َق َس ْمَنا}. نفساً ال تموت حتى تستكمل رزقها ،أال فاتقوا هللا وأجملوا فى الطلب" وقال{ :أ ُ
قال القاسم :إن هللا تعالى خلق الخلق أقساماً خلق الغزاة لقمع الكفار وخلق السلطان لقمع األشرار وخلق العلماء لقمع
الجهال وخلق العارفين لقمع المدعيين.
قال بعضهم :لم يترك قسم معاش الدنيا مع خستها للعبد فكيف يترك قسمة الرحمة للعبد مع جاللتها.
قال سهل :فضلنا بعضهم على بعض فى المعرفة والطاعة عيشاً لهم فى الدنيا واآلخرة.
ض درج ٍ
ات} قال :بالتمييز وحفظ السر. ض ُه ْم َف ْو َق َب ْع ٍ َ َ َ
{وَرَف ْعَنا َب ْع َ
وقال الجنيد رحمة هللا عليهَ :
قال سهل :الذكر هلل خالصاً خير من كثرة األعمال لطلب الجزاء.
قال ابن عطاء :يعطيكم على سبيل الفضل خير لهم مما يجازيهم بأعمالهم.
قال ابن عطاء :اعتذار من هللا إلى أنبيائه أنه لم يزو عنهم الدنيا إالَّ ألنها ال خطر لها عنده وأنها فانية فآثر لهم
اآلخرة التى هى باقية وأهلها مبقون.
اآلخرة ِعند رب ِ ِ
ِك لْل ُمتَّق َ
ين ِ َوُز ْخ ُرفاً َوإِن ُك ُّل َذلِ َك َل َّما َمتَاعُ اْل َحَي ِاة ُّ
الد ْنَيا َو َ ُ َ َ َ
اآلخرة ِعند رب ِ ِ ِ
ِك لْل ُمتَّق َ
ين} [اآلية.]35 : {و َ ُ َ َ َ
قوله تعالىَ :
قال أبو بكر الوراق :التقوى سراج القلب يدله على مواضع الخلل منه فيصلحه ومن لم يكن له التقوى لم يكن له فى
قلبه نظر وال بصر.
طاناً َف ُه َو َل ُه َق ِر ٌ
ين ض َل ُه َش ْي َ ش َعن ِذ ْك ِر َّ
الر ْح َمـ ِٰن ُنَقِي ْ َو َمن َي ْع ُ
قال سهل :حكم هللا تعالى أنه ال يرى قلب عبد يسكن إلى شىء سواه إالَّ أعرض عنه وسلط عليه الشيطان فيضله عن
طريق الحق ويعوقه.
قال ابن عطاء :من لم يداوم على الذكر فإن الشيطان قرينه ومن داوم عليه لم يقربه بحال.
قوله عز وعالَ { :فِإ َّما َن ْذ َهَب َّن ِب َك َفِإَّنا ِم ْن ُهم ُّمنتَِق ُمو َن} [اآلية.]41 :
قال يحيى بن معاذ فى هذه اآلية :هلل على عباده حجتان حجة ظاهرة وحجة باطنة فأما الظاهرة فالرسل وأما الباطنة
فالعقول.
صر ٍ
اط ُّم ْستَِقي ٍم ِ ِ َّ ِ َف ِ
استَ ْمس ْك ِبالذي أُوح َي ِإَل ْي َك ِإَّن َك َعَل ٰى َ
ْ
قوله عز وعالَ { :فاستَم ِسك ِب َّال ِذي أ ِ
ُوحي ِإَل ْي َك} [اآلية.]43 :
َ ْ ْ ْ
قال ابن عطاء :أمر هللا عز وجل النبى صلى هللا عليه وسلم باالستمساك والتمسك بالدين وهو صلى هللا عليه وسلم
اإلمام فيه ولم يخل من التمسك بما أمر به لحظة لكنه خاطبه لرفيع درجاته وعظم محله لتكون أنت متأدباً بآداب
التمسك واالقتداء واالستقامة وتعلم أن مثله إذا خوطب بمثل هذا الخطاب ما الذى يلزمك من االجتهاد المجاهدة.
ِ َّ
َوإَِّن ُه َلذ ْكٌر ل َك َولَِق ْو ِم َك َو َس ْو َ
ف تُ ْسأَُلو َن
قال ابن عطاء :شرف لك بانتسابك إلينا وشرف لقومك باالنتساب إليك.
سمعت عبد هللا بن محمد بن على بن زياد يقول :سمعت عبد هللا بن محمد بن أحمد بن زكريا يقول :سمعت أحمد بن
{وإَِّن ُه َل ِذ ْكٌر َّل َك
سليمان الهروى يقول :سمعت هشام بن عمر ابن أبى سلمة عن أبيه عن مالك بن أنس فى قولهَ :
َولَِق ْو ِم َك} قال :هو قول الرجل أبى عن جدى.
قال سهل :االتباع االتباع واالقتداء االقتداء فإنهما كانا سبيل السلف وما ضل من اتبع وما نجا من ابتدع.
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت أبا القاسم البزاز يقول عن ابن عطاءَ :م ْن لم يعز على عباده فليس بحكيم
حال المعاصى ال له وانتقم منك لك ال له ،وهل انتقامه وغضبه إال لتوفر حظه عليك.
قوله عز وعالِ{ :إ ْن ُه َو ِإالَّ َع ْبٌد أ َْن َع ْمَنا َعَل ْي ِه} [اآلية.]59 :
قال يحيى بن معاذ :أنعمنا عليه بأن جعلنا ظاهره إماماً للمريدين وباطنه نور قلوب العارفين.
قال ابن عطاء :أنعمنا عليه بصحة اإلخبار عنا وموافقتنا فى كل األحوال.
قال أبو الحسن الوراق :أنعمنا عليه بسياسة النفس ومنعها عن الشهوات.
قال ابن عطاء :كل أخوة وصلة منقطعة إال ما كان فى هللا وهلل فإنه كل وقت فى زيادة ألن هللا عز وجل يقول:
َخالَّ ُء َي ْو َمِئ ٍذ }...اآلية ،أى فى أنف يطاع وبغضة إالَّ المتقين وأنهم فى راحة أخوتهم يرون فضل ذلك وثوابها.
{األ ِ
قال جعفر الصادق :ال خوف على من أطاعنى فى األوامر والفرائض واتباع الرسول فيما أمر .وأيضاً :ال خوف فى
اآلخرة على من خافنى فى الدنيا وال خوف على من أحبنى وأزال عن قلبه محبة األغيار وال خوف على من صار
وديعتى عنده وهو اإليمان والمعرفة وال خوف على من أحسن ظنه بى فإنى أعطيه مأموله والخوف يكون على
الجوارح والحزن على القلب من مخافة القطيعة.
اء لما َمن عليهم من التوحيد عند تجلى المكاشفة ألوليائه وهو الباقى مع البقاء أال ترى
قال سهل :بلذة النظر جز ً
خصهم باإليمان على شرط التسليم. كيف َّ
قال جعفر :شتان بين ما تشتهى وبين ما تلذ األعين ألن جميع ما فى الجنة من النعيم والشهوات واللذات فى جنب ما
تل ذ األعين كأصبع غمست فى البحر ألن شهوات الجنة لها حد ونهاية ألنها مخلوقة وال تلذ األعين فى الدار الباقية
إال بالنظر إلى الباقى تعالى وال حد لذلك وال صفة وال نهاية.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :هذا الذى ذكر مما تشتهى األنفس وتلذ األعين ثواباً ألوليائه لم يقدر أحد أن يصفه
كيف يقدر أحد على وصف المثبت.
سمعت النصرآباذى يقول :وأنتم فيها خالدون على شهوة النفوس أو لذة األعين إن كان خلودكم لهذين فالفناء خير من
ذلك الخلود إن كان خلودكم لثناء أوصافكم واتصافكم لصفة الحق ومقامكم فيها على سرور الرضا وأنس المشاهدة
فأنتم إذن أنتم.
وقال سهل :فيها ما تشتهى األنفس من ثواب األعمال وتلذ األعين بما فضل هللا به من التمكين فى وقت اللقاء.
قال ابن عطاء :الجنة ميراث األعمال ألنها مخلوقة فوارث المثل مثله والكتاب ميراث أصفيائه فإنهما صفتان من
طَف ْيَنا ِم ْن ِعَب ِادَنا} [فاطر]32 :
اص َ
ين ْ
صفات الحق قال هللا تعالى{ :ثُ َّم أَورْثنا اْل ِكتَ َّ ِ
اب الذ َ
َ َْ َ
قال يحيى بن معاذ :من ستر للناس ذنوبه وأبداها للذى ال يخفى عليه شىء فى السماوات واألرض فقد جعل ربه أهون
الناظرين إليه وهو من عالمات النفاق ،قال هللا تعالى{ :أ َْم َي ْح َسُبو َن أََّنا الَ َن ْس َم ُع ِسَّرُه ْم} ما يسرون من الذنوب
اهم} ما يخفون من المعاصى بلى والكرام الكاتبون شاهد على ظواهرهم وأنا شاهد على بواطنهم ،قال هللا تعالى: {وَن ْج َو ُ
َ
{وُرُسُلَنا َل َد ْي ِه ْم َي ْكتُُبو َن} [اآلية.]80 :
َ
قال ابن عطاء :اعذرهم فى جهلهم بحقك واتركهم لحرماتك وسلم عليهم ليسلموا من توابع البالء عليهم.
قال سهل :أنزل هللا فى القرآن فى هذه الليلة من اللوح المحفوظ على روح محمد صلى هللا عليه وسلم وهو الروح
المبارك فسمى هللا الليلة مباركة التصال البركات بعضها ببعض.
وقال بعضهم :أعظم الليالى عليك بركة ليلة أطعت فيها ربك وأقلها عليك بركة ليلة غفلت فيها عن ربك وذكره
ومناجاته.
قال ابن طاهر :يعطى كل عامل من بركات أعماله فيلقى على لسان الخلق مدحه وفى القلوب هيبته.
ان ُّمِب ٍ
ين الس َمآء ِب ُد َخ ٍ ِ ِ
َف ْارتَق ْب َي ْوَم تَأْتي َّ ُ
ان ُّمِب ٍ
ين}. الس َمآء ِب ُد َخ ٍ ِ
{ي ْوَم تَأْتي َّ ُ
قوله عز وعالَ :
ِ َّ
قوله تعالى{ :الَ ِإَلـ َٰه ِإال ُه َو ُي ْحِيـي َوُيم ُ
يت} [اآلية.]8 :
قال سهل :اإلله على الحقيقة من يقدر على اإليجاد من العدم وعلى العدم من اإليجاد.
سمعت الحسين بن يحيى الشافعى يقول :سمعت النقاش يقول :بلغنى أن بعض أصحاب الجنيد قال :يا فالن إن لم
تؤمنوا بى فاعتزلون.
ظ ِر َ
ين ض َو َما َك ُانوْا ُمن َ
آء َواأل َْر ُ َف َما َب َك ْت َعَل ْي ِه ُم َّ
الس َم ُ
قال أبو عمرو البيكندى :كيف تبكى السماء على من لم يصعد إليها منه طاعة وكيف تبكى األرض على من يعصى
هللا عليها معناه ما بكت عليهم مصاعد عملهم من السماء وال مواضع عبادتهم من األرض.
بجناياتهم وما يقترفون من أنواع المخالفات فلم يؤثر ذلك فى سابق علمنا فيهم ليعلم أن الجنايات ال تؤثر فى
الرعايات.
وقال الخراز :علمنا ما أودعنا فيهم من الخصائص برنا فاخترناهم بعلمنا على العالمين.
قال بعضهم :يوم الفصل يوم يفصل بين كل عامل وعمله ويطلب بإخالص ذلك وتصحيحه فمن صحح له مقامه
وأعماله قبل منه وجوزى عليه ومن لم يصحح له أعماله كان عمله عليه حسرة ووباالً.
قال :من رحم هللا عليه فى السبق فأدركته فى العاقبة بركة تلك الرحمة حيث جعل المؤمنين بعضهم شفعاء فى بعض.
قال الحسين :اإليمان ما أوجب األمان والتقوى توجب األمان فى اإليمان ألن هللا فى مقام أمين والتقوى أن تتقى الكل
لتصل بذلك إلى من له الكل.
يها اْل َم ْو َت ِإالَّ اْل َم ْوتَ َة األُوَل ٰى} [اآلية.]56 : ِ
قوله تعالى{ :الَ َي ُذوُقو َن ف َ
سمعت الحسين بن يحيى يقول :سمعت جعفر يقول :قلت للجنيد رحمة هلل عليه :أهل الجنة باقين ببقاء الحق؟ فقال:
ال ولكنهم مبقون ببقاء الحق والباقى على الحقيقة لم يزل وال يزال باقياً.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :هو الفضل ال استحقاقاً بعمل العبد وسكونه وحركته.
قال القاسم :أصل االيمان رؤية الفضل فى جميع األحوال سمعت عبد هللا المعلم يقول :لما احتضر أبو حفص قيل له
أوصنا .قال :من رأى فضل هللا فى كل نفس ورأى تقصيره فى شكر ربه وتقصيره فى خدمته أرجو أن ال يهلك.
َفِإَّن َما َي َّس ْرَناهُ ِبلِ َس ِان َك َل َعَّل ُه ْم َيتَ َذ َّك ُرو َن
قوله عز وعالَ { :فِإَّن َما َي َّس ْرَناهُ ِبِل َس ِان َك} [اآلية.]58 :
قال ابن عطاء :يسره ذكره على لسان من شاء من عباده فال يفتر عن ذكره بحال وأغلق باب الذكر على من يشاء
من عباده فال يستطيع ذكره بحال.
قال سهل :عالمات لمن أيقن بقلبه واستدل بكونها على مكون هذه اآليات الطاهرة.
وقال أيضاً :فى خلقها دليل على وحدانيته لرفعه السماء بغير عمد.
ٍ
َّة ء َٰاي ٌت لَِق ْو ٍم ُيوِقُنو َن ُّ ِ ِ ِ
َوفي َخْلق ُك ْم َو َما َيُبث من َدآب َ
قال بعضهم :فى شواهد القدرة وآثار الصنع دالالت وآيات على وحدانيته فمن استشهد بها على وحدانيته فهو الموحد
ومن كان نظره إلى القادر الصانع المبدى لها ثم رجع إلى الصنع والقدرة فهو العارف.
ِ ِ ِ ِ
اب ُّم ِه ٌ
ين َوإِ َذا َعل َم م ْن َء َٰايتَنا َش ْيئاً اتَّ َخ َذ َها ُه ُزواً أ ُْوَلـٰئ َك َل ُه ْم َع َذ ٌ
{وإِ َذا َعلِ َم ِم ْن َآي ِاتَنا َش ْيئاً اتَّ َخ َذ َها ُه ُزواً} [اآلية.]9 :
قوله تعالىَ :
قال ابن عطاء :من لم يجتهد فى طاعة هللا ولم يصرف همته إلى الدخول فيها بشرط األمر والخروج منها بشرط
{وإِ َذا َعلِ َم ِم ْن َآي ِاتَنا َش ْيئاً اتَّ َخ َذ َها ُه ُزواً} علمها علم
األدب نزع هللا حب الطاعة من قلبه ورده إلى حوله وقوته قال هللاَ :
استدالل ال علم حقيقة.
ألي ٍت لَِق ْو ٍم َيتََف َّك ُرو َن ِ ِ الس ٰم ٰو ِت وما ِفي األَر ِ ِ ِ
ض َجميعاً م ْن ُه ِإ َّن في َذل َك َٰ ْ
ِ
َو َس َّخ َر َل ُك ْم َّما في َّ َ َ َ َ
من ع ِمل ِ ِ ِ ِ
آء َف َعَل ْي َها ثُ َّم ِإَل ٰى َرب ُ
ِك ْم تُ ْر َج ُعو َن
َس َ
صـٰلحاً َفلَنْفسه َو َم ْن أ َ
َْ َ َ َ
قال الواسطى :الحق ال يصل إليه شىء من أفعال عباده فإن من أحسن فلنفسه ومن شكر فلنفسه ومن ذكر فلنفسه إال
أنه بفضله يحسن القبائح فيقبلها ولو قبل من األعمال ما كان له خالصاً أو أريد هو به َلَلِقيه الخلق أجمع على حد
اإلفالس حتى األنبياء والرسل ومن الحظ شيئاً من أفعاله فقد أظهر خسته.
قال سهل :فتحنا أسماعهم لفهم خطابنا وجعلنا أفئدتهم وعاء لكالمنا وأعطيناهم فراس ًة صادقة يحكمون بها فى عبادنا
حكم يقين وإخبار صدق فهذه البينات من األمر.
ين الَ َي ْعَل ُمو َن ثُ َّم جعْلناك عَلى َش ِريع ٍة ِمن األَم ِر َفاتَِّبعها والَ تَتَِّبع أَهو َّ ِ
آء الذ َْ َْ َ َْ َ َ َ ْ ََ َ َ َ ٰ
قال سهل :على منهاج سنن من كان قبلك من األنبياء واألولياء فإنهم على منهاج الهدى والشريعة هو الشارع الممتد
الواضح إلى طريق النجاة وسبيل الرشد.
َّللاِ
نك ِم َن َّ
قال سهل :من استغنى بغير هللا فبغنائه افتقر ومن تعزز بغيره فبعزه ذل أال تراه يقولِ{ :إَّن ُه ْم َلن ُي ْغُنوْا َع َ
َش ْيئاً}.
قال أبو عثمان :المنافق عون المنافق ونصيره والمؤمن مرآة المؤمن وناصحه َي ُدُّل ُه على عيوبه وينصحه فى دينه.
السِيَئ ِ
ات} [اآلية.]21 : اجتََر ُحوْا َّ ِ َّ ِ
ين ْ
قوله تعالى{ :أ َْم َحس َب الذ َ
قال سهل :ليس من أقعد على بساط الموافقة كمن أقيم فى المخالفة فإن بساط الموافقة يجر صاحبه إلى مقاعد
الصدق ومقام المخالفة يهوى بصاحبه فى لظى.
السِيَئ ِ
ات} اتبعو شهوات نفوسهم أم كالذين لزموا حدود األمر واتبعوا السنن وطرق األئمة. {اجتَ َر ُحوْا َّ
قال القناد فى قولهْ :
َّللا عَلى ِعْل ٍم وختم عَلى سم ِع ِه وَقْلِب ِه وجعل عَلى بص ِِره ِغشاوة َفمن يه ِد ِ
يه ِمن َب ْع ِد أََف أرَيت م ِن اتَّ َخ َذ ِإَلـٰهه هواه وأ َّ
َ ًَ َ َْ َ ََ َ َ ٰ َ َ َ َ ََ َ ٰ َ ْ َ َضل ُه َّ ُ َ ٰ
َ ُ ََ ُ َ َ ََْ َ
َّللاِ أََفالَ تَ َذ َّك ُرو َن
َّ
قوله تعالى{ :أََف َأرَْي َت َم ِن اتَّ َخ َذ ِإَلـ َٰه ُه َه َواهُ} [اآلية.]23 :
قال سهل :من اتبع مراده ولم يسلك مسالك االقتداء وآثر الشهوات على نعيم اآلخرة طمع أن له فى اآلخرة ما
للمؤمنين من الدرجات الرفيعة والمنازل السنية.
{م ِن اتَّ َخ َذ ِإَلـ َٰه ُه َهَواهُ} قال :مغمور ِ َضَّل ُه َّ
َّللاُ َعَل ٰى عْلمٍ} قال :ضل عليه علم نجاته وقال أيضاً فى قولهَ : {وأ َ
قال سهلَ :
فى لذات الدنيا لنفسه من غير ورع وال تقوى وهو الذى يطبع على قلبه.
الن ِ
اس الَ َي ْعَل ُمو َن يكم ثُ َّم ي ِميت ُكم ثُ َّم يجمع ُكم ِإَلى يو ِم اْلِقيام ِة الَ ريب ِف ِ
يه َوَلـ ِٰك َّن أَ ْكثََر َّ ُق ِل َّ ِ
َْ َ ََ َّللاُ ُي ْحي ُ ْ ُ ُ ْ َ ْ َ ُ ْ ٰ َ ْ
ام ِة} [اآلية.]26 : ِ ِ ِ قوله تعالىُ{ :ق ِل َّ
َّللاُ ُي ْحِي ُ
يك ْم ثُ َّم ُيميتُ ُك ْم ثُ َّم َي ْج َم ُع ُك ْم إَل ٰى َي ْو ِم اْلقَي َ
أم ٍة تُ ْد َع ٰى ِإَل ٰى ِكتَاِب َها اْلَي ْوم تُ ْج َزْو َن َما ُكنتُ ْم تَ ْع َمُلو َن
ُم ٍة َج ِاثَي ًة ُك ُّل َّ
َوتَ َر ٰى ُك َّل أ َّ
َ
قال سهل :على ركبها تجادل عن نفسها عند الموافقة الصادقة يجتهد فى تحقيق صدقة والجاحد يجتهد فى الدفع عن
نفسه وكل محكوم عليه فى الكتاب الذى أماله مداده ريقه وقلمه لسانه وقرطاسه جوارحه.
قال سهل :العلو والقدرة والعظمة والحول والقوة له فى جميع الملك فمن اعتصم به أيَّده بحوله وقوته ومن اعتمد نفسه
وكله هللا اليها.
قال سهل :هى نفوسهم التى قارنهم إلى متابعتها فى الجرى على أحكام هواها.
قال بعضهم فى هذه اآلية :لم أدعهم إال إلى التوحيد ولم أدلكم إال على مكارم األخالق وبهذا بعث األنبياء قبلى.
قال جعفر فى هذه اآلية :لم يكن فى نبوتى شىء وإنما هو شىء أعطيته ال بى بل بفضل من عند هللا حيث أهَّلنى
لرسالته ووصفنى فى كتب األنبياء السالفة صلوات هللا عليهم أجمعين.
{و َمآ أ َْدرِي َما ُيْف َع ُل ِبي َوالَ ِب ُك ْم} [اآلية.]9 :
قوله عز وعالَ :
قال الواسطى رحمة هللا عليه :إن هللا تعالى ستر أمر الروح على جميع خلقه وستر مائية ذاته وستر ما يعامل الخلق
{و َمآ أ َْدرِي َما ُيْف َع ُل ِبي َوالَ ِب ُك ْم}.
عند معاينته فقالَ :
َّ ِ
اموْا} [اآلية.]13 :
استََق ُ
َّللاُ ثُ َّم ْ قوله تعالىِ{ :إ َّن الذ َ
ين َقاُلوْا َربَُّنا َّ
قال ابن عطاء :الذين قالوا ربنا هللا :فى صفاء التوحيد ،ثم استقاموا :اجتهدوا فى القيام بواجبه.
قال ابن عطاء :خاطب هللا األنبياء ونعتهم عند كمال األوصاف وتمام العقول وهو الوقت الذى أخبر هللا عز وجل
عن تمام خلقه عباده حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة.
وقال بعضهم :تمام الشكر والمعرفة بالعجز عن الشكر ألن توفيق الشكر يوجب الشكر إلى ما ال نهاية لذلك قال
محمود الوراق:
وإن طالت األيام واتصل العمر فكيف بلوغ الشكر إال بفضله
تضيق بها األوهام والبر والبحر وما منهما إال لـه فيه منـة
قال سهل :العمل المرضى ما كان أوائله على اإلخالص مقيداً باتباع السنن.
قال محمد بن على :ال تجعل للشيطان والنفس والهوى عليهم سبيالً.
اب اْل ُهو ِن ِب َما طِيَبـِٰت ُك ْم ِفي َحَي ِات ُكم ُّ ويوم يعر َّ ِ
اس َت ْم َت ْعتُ ْم ِب َها َفاْلَي ْوَم تُ ْج َزْو َن َع َذ َ
الد ْنَيا َو ْ ُ الن ِار أَ ْذ َه ْبتُ ْم َ
ين َكَف ُروْا َعَلى َّ
ض الذ َ َ َْ َ ُ ْ َ ُ
ِ ِ ِ ِ
ُكنتُ ْم تَ ْستَ ْكب ُرو َن في األ َْرض ب َغ ْي ِر اْل َح ِق َوب َ
ِما ُكنتُ ْم تَْف ُسُقو َن
قال الواسطى رحمة هللا عليه :من أسره شىء من األكوان الفانية دق أو جل أو الحظها بعينه أو بقلبه فقد دخل تحت
طِيَب ِات ُك ْم }...اآلية.
خطاب قوله{ :أَ ْذ َه ْبتُ ْم َ
قال أبو عثمان :الناظر إلى الدنيا بعين الرضا والشهوة هو اآلخذ بحظه منها والناقص حظه من اآلخرة بقدرها.
ص ُارُه ْم َوالَ أَ ْفِئ َدتُ ُه ْم ِمن وَلَقد م َّكناهم ِفيمآ ِإن َّم َّكَّن ُ ِ ِ
صا اًر َوأَ ْفِئ َد ًة َف َمآ أ ْ
َغَن ٰى َع ْن ُه ْم َس ْم ُع ُه ْم َوالَ أ َْب َ اك ْم فيه َو َج َعْلَنا َل ُه ْم َس ْمعاً َوأ َْب َ َ ْ َ َ ُْ َ
اق ِبهم َّما َك ُانوْا ِب ِه َي ْستَ ْه ِزُئو َن ات َّ ِ
َّللا َو َح َ
َشي ٍء ِإ ْذ َكانوْا يجحدون ِبآي ِ
ُ َ ْ َُ َ َ ْ
ص ُارُه ْم} [اآلية.]26 : صا اًر َوأَ ْفِئ َد ًة َف َمآ أ ْ
َغَن ٰى َع ْن ُه ْم َس ْم ُع ُه ْم َوالَ أ َْب َ {و َج َعْلَنا َل ُه ْم َس ْمعاً َوأ َْب َ
قوله عز وعالَ :
قال الحسين :خلق هللا القلوب واألبصار وجعل عليها أغطية وستو اًر وأكنة وأقفاالً فيهتك الستور بالنور ويرفع الحجب
بالذكر ويفتح األقفال بالقرب ويخرج من األكنة بمشاهدة اآليات.
سمعت الشيخ أبا سهل رضى هللا عنه يقول :ليس فى الحضرة إال الذبول والخمود والسكوت تحت موارد الهيبة قال هللا
تعالىَ{ :فَل َّما حضروه َقاُلوْا أَ ِ
نصتُوْا}. َ َُ ُ
سمعت النصرآباذى يقول :هيبة المشاهدة إذا طالعت السرائر بحق يقيناً لخرست األلسن من النطق فى ذلك المشهد
ض ُروهُ
كالجن لما حضرت النبى صلى هللا عليه وسلم فأراد أن يق أر عليهم أوصى بعضهم بعضاً باإلنصات {َفَل َّما َح َ
َقاُلوْا أ ِ
َنصتُوْا}.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :لما شاهدوا عز الربوبية ظاه اًر فى أوصاف الربوبية أخرسهم المشهد لشدة الهيبة.
قال الحسين :أعلى ما أشار إليه الخلق العرش ثم انقطعت اإلشارة والعبارة ألنه وراء اإلشارة والعبارة قال هللا تعالى:
{َفَل َّما حضروه َقاُلوْا أ ِ
َنصتُوْا} أى انقطعوا عن العبارات التى يعود إليكم أولها وآخرها ،وحارسةُ نظر إلى العرض فأخبر َ َُ ُ
ولو نظر إلى رب العرش لخرس لقوله{ :أ ِ
َنصتُوْا} ألنه مباين لكل ما خلق ال يسعه غيره وال يحجبه سواه.
يق ُّم ْستَِقيمٍ} [اآلية.]30 : {ي ْه ِدي ِإَلى اْل َح ِق َوإَِل ٰى َ
ط ِر ٍ قوله تعالىَ :
قال جعفر :يدل على طريق الحق بالخروج من المعلومات والمرسومات والتحقق بالحق وهو الصراط المستقيم.
قال ابن عطاء يهدى الحق فى الباطن وإلى طريق مستقيم فى الظاهر.
قال ابن الفرحى :يهدى إلى الحق ببركاته وإلى طريق مستقيم بما فيه باتباع العلم.
ِكم وي ِج ْرُكم ِم ْن َع َذ ٍ
اب أَلِي ٍم ِ اعي َّ ِ ِ ِ ِ ِ ٰيَقومنآ أَ ِجيبوا د ِ
َّللا َوآمُنوْا به َي ْغف ْر َل ُك ْم من ُذُنوب ُ ْ َ ُ ْ َُْ َ ْ ََ
قال سهل :ال يجيب الداعى إال من أسمع النداء ووفق للجواب ولقن وإال فمن يحصل على جواب هذه الدعوة وقال فى
قلب كل مؤمن داع يدعوه إلى رشده والسعيد من سمع دعاء الداعى فاتبعه.
اع ًة ِمن َّن َه ٍار َّ َّ صَب َر أ ُْوُلوْا اْل َع ْزِم ِم َن ُّ
الرُس ِل َوالَ تَ ْستَ ْع ِجل ل ُه ْم َكأََّن ُه ْم َي ْوَم َي َرْو َن َما ُي َ
وع ُدو َن َل ْم َيْلَبثُوْا ِإال َس َ َف ِ
اصب ْر َك َما َ
ْ
بالَغٌ َفهل يهَلك ِإالَّ اْلَقوم اْلَف ِ
اسُقو َن
ُْ َ ْ ُْ ُ َ
قال سهل :اصبر صبر أهل المعرفة كما صبر من كان قبلك من الرسل ابتلى إبراهيم بالنار وذبح الولد فرضى وأسلم،
وأيوب بالبالء فصبر ،وإسماعيل بالذبح فرضى ،ونوح بالتعذيب فصبر ،ويونس ببطن الحوت فدعا والتجأ ،ويوسف
يشك إلى غيره وهم اثنى
بالسجن والجب فلم يتغير ،ويعقوب بذهاب البصر وفقد الولد فصبر وشكا بثه إلى هللا ولم ُ
عشر نبياً صبروا على ما أصابهم وهم أولو العزم من الرسل.
قال الواسطى فى قوله{ :أ ُْوُلوْا اْل َع ْزمِ} أولو الجد منهم ،ذلك بأن المقادير تجرى على خالف المشيئة والتدابير وأن الدنيا
أسست على المحن وليس للمحن دواء إالَّ الصبر.
قال الواسطى :لما جعل األذى كساعة من نهار ،فأين يقع ما فى ساعة من نهار من طاعة ومعصية من كرمه.
قال بعضهم :من جحد نعم هللا عليه عنده وسلك مسلك المدعيين فى إطالق القول بال حقيقة ضل به عن سنن
المتحققين.
قال ابن عطاء :اتباع الباطل انكباب الشهوات وأمانى النفوس واتباع الحق ابتاع األوامر ال يوفق لسلوك طريق الحق
من لم يحكم مبادئ أحواله مع الحق ومن أهمل مبادئ األحوال كيف يرجى له التناهى فيها.
قال سهل :إن هللا خلق القلوب وأقفل عليها بأقفال وجعل مفاتيحها اإليمان فلم يفتح بتلك المفاتيح على التحقيق إال
قلوب األنبياء والمرسلين والصديقين وسائر الناس يخرجون من الدنيا ولم تفتح أقفال قلوبهم خرجوا منها وقلوبهم مقفلة:
الزهاد والعباد والعلماء ألنهم طلبوا مفاتيحها فى العقل ُّ
فضلوا الطريق ولو طلبوه من جهة التوفيق والفضل ألدركوا ذلك
ويفتح أق فال قلوبهم ،ومفتاح القلوب أن تعلم أن هللا قائم عليك رقيب على جوارحك وتعلم أن العمل ال يكمل إال
باإلخالص مع المراقبة.
قال ابن عطاء :القلوب قلوب أقفلت عن التدبر وألسن منعت عن التالوة وأسماع صمت عن االستماع ومن القلوب
قلوب كشفت عنها الغطاء فال يكون لها راحة إالَّ فى تالوة القرآن واستماعه والتدبر فيه فشتان ما بين الجانبين.
قال ابن عطاء :المتدبر الناظر فى دبر األشياء وعواقبها وأواخرها ليغيب عن شواهد أوائلها مشاهدها ليشهد ما عدم.
قال سهل :عالمة التوحيد أن يجتهد فى الخدمة يفوض األمر إليه ويقول :إن هللا خلق القلوب وأقفل عليها بأقفال
وجعل مفاتيحها اإليمان فلم يفتح إال قلوب األنبياء والمرسلين وسائر الناس يخرجون من الدنيا ولم تفتح أقفال قلوبهم
وخرجو من الدنيا وقلوبهم مقفلة.
قال ابن عطاء :هو أن تكون عوناً هلل على النفس فإن هللا ينصرك عليها حتى تنقاد لك ومن ال يكون عوناً على
النفس فيصرع صرعة ال يقوم أبداً بعدها.
قال محمد بن حامد :زلل األقدام من ثالثة أشياء :بترك الشكر لمواهب هللا والخوف من غير هللا واألمل فى غيره
وثبات األقدام من ثالثة أشياء :مداومة رؤية الفضل والشكر على النعم ورؤية التقصير فى جميع األحوال والخوف
منه والسكون إلى ضمان هللا فيما ضمن من غير اتباع وال اختالج.
ٍ
َخرج ْتك أَهَل ْكناهم َفالَ ن ِ
اص َر َل ُه ْم َ
ِ َِّ ِ َوَكأَِين ِمن َق ْرَية ِه َي أ َ
َشُّد ُقَّوًة من َق ْرَيت َك التي أ ْ َ َ َ ْ َ ُ ْ
ٍ
َخ َر َج ْت َك} [اآلية.]13 : {وَكأَِين ِمن َق ْرَية ِه َي أ َ
َشُّد ُقَّوًة ِمن َق ْرَيِت َك َّالِتي أ ْ قوله تعالىَ :
قال بعضهم :لم يخرج النبى صلى هللا عليه وسلم خوفاً منهم كما خرج موسى حين خرج أال ترى هللا يقول :أخرجتك
ولم يقل خرجت وال جزعت ألنه باهلل وهلل فى جميع أوقاته فلم يجز عليه التفات إلى الغير بحال ولم يجز عليه خطاب
ذم.
ِِ ِ ٍ ِ
اء ُه ْم وء َع َمله َواتََّب ُعوْا أ ْ
َه َو َ ان َعَل ٰى َبِيَنة من َّربِه َك َمن ُزي َ
ِن َل ُه ُس ُ أََف َمن َك َ
لزم االقتداء بالسنن سمعت أبا عثمان المغربى رحمة هللا عليه يقول :البينة هى النور التى يفرق به المرء بين اإللهام
والوسوسة وال تكون البينة إال ألهل الحقائق فى اإليمان والبينة نور والمترجم عنها البرهان.
قال ابن عطاء :الذين تحققوا فى طلب الهداية أوصلناهم إلى مقام الهداية وزدناهم هدى بالوصول إلى الهادى.
َّللاُ َي ْعَل ُم ُمتََقَّلَب ُك ْم َو َم ْثَو ُ َّللا واستَ ْغِفر لِ َذنِبك ولِْلمؤ ِمِنين واْلمؤ ِمن ِ َّ
اك ْم ات َو َّ َ َ ُْ َ َ ُْ َ اعَل ْم أََّن ُه الَ ِإَلـ َٰه ِإال َّ ُ َ ْ ْ
َف ْ
قال الجني د رحمة هللا عليه :أمر هللا تعالى نبيه صلى هللا عليه وسلم أن يدعو الخلق من األصنام واألوثان فدعاهم
فمن بين مجيب ومنكر ودعاه إليه من نفسه ومن الخلق ومن األكوان فقال :فاعلم أنه أى أن الذى اصطفاك على
البشر ال إله إال هو الذى يستحق األلوهية دون غيره.
وقال الواسطى رحمة هللا عليه :من قال :ال إله إال هللا على العادة فهو أحمق ،ومن قالها تعجباً فهو مصروف عن
الخلق ،ومن قالها على االخالص فهو مصروف عن الشرك ،ومن قالها على الحقيقة فقد تبتل عن الشواهد.
قال القاسم :العلماء أربعة عالم متروك ،وعالم متمكن ،وعالم موصول ،وعالم مجذوب ،فالعالم المتروك هو العامة،
وعالم موصول وهم الذين يطلبون هللا وعالم مجذوب وهو الذى جذب سرائرهم إلى سره ،وعالم متمكن هو محمد صلى
اعَل ْم أََّن ُه الَ ِإَلـ َٰه ِإالَّ َّ
َّللاُ}. هللا عليه وسلم وجد القرآن فى محل المشاهدة والخطاب لذلك خوطب بقولهَ{ :ف ْ
قال الجنيد رحمة هللا عليه :العلم أرفع من المعرفة وأتم وأشمل وأكمل لذلك تسمى هللا بالعلم ولم يتسم بالمعرفة وقال:
ات} [المجادلة ]11 :ثم لما خاطب النبى صلى هللا عليه وسلم خاطبه بأتم األوصاف وأكملها {و َّال ِذين أُوتُوْا اْل ِعْلم درج ٍ
َ ََ َ َ َ
اعَل ْم أََّن ُه الَ ِإَلـ َٰه ِإالَّ َّ
َّللاُ} ولم يقل فاعرف ألن اإلنسان قد يعرف الشىء وال يحيط به علماً وإذا وأشملها للخيرات فقالَ { :ف ْ
علمه وأحاط به علماً فقد عرفه.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :هما دعوتان دعا إبراهيم عليه السالم إلى قوله :أسلم ودعا محمد صلى هللا عليه وسلم
َّ
األجلة واالسالم هو االنقياد إلى قوله :فاعلم ،دعا أحدهما إلى العلم ،واآلخر إلى اإلسالم ،وأعالهما العلم وهو مرتبة
إظهار العبودية والعلم إظهار الربوبية ال جرم ابتلى حين قال :أسلمت بالنار وذبح الولد وغيرهما.
قال بعضهم :العلم حجة والمعرفة علة والغلبة غير محكوم بها.
وقال الحسين :العلم الذى دعا إليه المصطفى صلى هللا عليه وسلم هو علم الحروف وعلم الحروف فى الم ألف وعلم
الم ألف فى األلف وعلم األلف فى النقطة وعلم النقطة فى المعرفة األصلية وعلم المعرفة األصلية فى علم األول فى
المشيئة وعلم المشيئة فى غيب الهو وهو الذى دعا هللا إليه فقال :فاعلم أنه والهاء راجعة إلى غيب الهوية.
استَ ْغِف ْر لِ َذنِب َك} هل رأيت أدنى شىء أو اعَل ْم أََّن ُه} قال بيانه فيما أردف من االستغفار فقالَ :
{و ْ قال القاسم فى قولهَ { :ف ْ
يوجد أو يفقد أو يفنى أو يبقى أو يضر أو ينفع كأنه يقول :فاعلم أنه ال إله يوجد المكونات ويفقدها إال هللا.
ِ ن ِ ِ
اء ُه ْم} {ي ْع ِرُف َ
ون ُه َك َما َي ْعرُفو َ أ َْبَن َ {وَلتَ ْع ِرَفَّن ُه ْم في َل ْح ِن اْلَق ْول} [محمد ]30 :وقالَ :
وقال :أضاف المعرفة إلى الخلق فقالَ :
[البقرة ]146 :واختص هو بالعلم وعلم السرائر وتسمى بالعلم ولم يتسم بالمعرفة وقال بأخص أنبيائه وأصفيائه فاعلم
لقربه من مصدر الحقيقة وموردها وإشرافه على الغيب والمغيبات ودعاه إلى العلم ووصفه به ووصف العوام بالمعرفة
ألن العلم أتم وأبلغ.
قال سهل :خلق هللا الخلق ثم أحياهم باسم الحياة ثم أماتهم بجهلهم فمن حيا بالعلم فهو الحى وإال فهم موتى بجهلهم
اعَل ْم}.
لذلك دعا نبيه صلى هللا عليه وسلم إلى محل الحياة بالعلم بقولهَ { :ف ْ
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت عبد هللا القاسم البزاز يقول :قال ابن عطاء فى قولهَ { :فاعَلم أََّنه الَ ِإَلـٰه ِإالَّ
َ ْ ْ ُ
َّللاُ} قال طلب تنزيه العبد لئال يكون له خاطر غيره فى علمه بأن ال إله إال هو علماً ال قوالً وهو حقيقة التوحيد حقائق َّ
تبنى على الموجد ال حقائق تبنى على العبد.
سمعت عبد هللا بن محمد الرازى يقول :سمعت أبا عثمان يقول :العلم ثالثة علم األحكام وعلم اإليقان وعلم العين فعلم
األحكام يورث البيان للعلماء ،وعلم اإليقان يورث األحزان لألولياء ،وعلم األعيان يورث القربى لألنبياء وذلك قوله:
اعَل ْم أََّن ُه الَ ِإَلـ َٰه ِإالَّ َّ
َّللاُ}. { َف ْ
قال بعضهم :العلم نور وضياء وقلوب العلماء لهم وعاء كلما ازداد العالم علماً ازداد خشوعاً وتواضعاً فإذا تحقق فى
اعَل ْم أََّن ُه الَ ِإَلـ َٰه ِإالَّ َّ
َّللاُ} فإذا دخل فى مقام التوحيد استغرق العلم فتح عليه أبواب التوحيد كما خاطب هللا نبيه بقولهَ { :ف ْ
فى األنوار فأضاءت األنوار على شواهده وأثرت على جوارحه فتكون كل جارحة منه مزينة بزينة من أنوار العلم .هذا
من المقامات الشريفة.
قال ابن عطاء :العلم أربعة علم المعرفة ،وعلم العبادة ،وعلم العبودية ،وعلم الخدمة .حمل الحق المصطفى صلى هللا
عليه وسلم على هذه األحوال كلها حيث لم يطقها أحد سواه.
".
وقال أبو سعيد القرشى طلب الحق من النبى صلى هللا عليه وسلم حضور القلب وأن يليه علمه عما سواه.
وقال ابن خفيف :أقام العالم فى شاهد الخطاب فوحدوه موحداً ووحد نفسه بتوحيد نفسه فوحدوه بما َو َّحد نفسه إذا كان
{وإَِل ْي ِه ُي ْر َج ُع األ َْم ُر
واحداً وذلك مبلغ كشف الحق له فى أحديته قبل النقل له فى فردانيته لخلوص إفراده لمفرد به إليه َ
اعُب ْدهُ} [هود.]123 : ُّ
ُكل ُه َف ْ
َع َماَل ُك ْم اه ْم َوَلتَ ْع ِرَفَّن ُه ْم ِفي َل ْح ِن اْلَق ْو ِل َو َّ ِِ
َّللاُ َي ْعَل ُم أ ْ يم ُ
اك ُه ْم َفَل َع َرْفتَ ُهم بس َ
آء أل ََرْيَن َ
َوَل ْو َن َش ُ
اك ُه ْم} [اآلية.]30:
آء أل ََرْيَن َ
{وَل ْو َن َش ُ
قوله عز وعالَ :
قال القاسم :أطلعناك على سرائرهم فلعرفتهم بسيماهم فطنة ولتعرفنهم فى لحن القول ظاه اًر وهللا يعلم إسرارهم ال يقف
على ما لهم عند هللا من الشقاوة والسعادة أحد.
قال محمد بن حامد :تعرف من كانت قراءته لنا ومن كانت قراءته لرياء وسمعة.
وقال أيضاً :النصيحة من الكالم والموعظة منه ممن يريد استجالب قلوب العوام إليه.
ين ِم ُ ِِ
َخَب َارُك ْم الصاِب ِر َ
ين َوَنْبُل َوْا أ ْ نك ْم َو َّ َوَلَنْبُل َوَّن ُك ْم َحتَّ ٰى َن ْعَل َم اْل ُم َجاهد َ
ين ِم ُ ِِ
الصاِب ِر َ
ين} [اآلية.]31 : نك ْم َو َّ {وَلَنْبُل َوَّن ُك ْم َحتَّ ٰى َن ْعَل َم اْل ُم َجاهد َ
قوله تعالىَ :
أطيعوا هللا فى حرمة الرسول وأطيعوا الرسول فى تعظيم هللا وال تبطلوا أعمالكم برؤيتها وطلب النجاة بها.
قال بعضهم :برؤيتها من أنفسكم ومطالعة األعواض من ربكم وقيل :بالرياء والعجب.
قال بعضهم :الدنيا أربعة أحوال متمتع فيها بغفلة وآخذ من صحة فى علة ومحمول من فراش إلى حفرة ومعذب فى
قبره للعبرة فمن يلهو فيها فلغفلة ومن يعيش فيها فيلعب إال من ينبهه هللا من غفلته ويوفقه لرشده.
آء نكم َّمن يبخل ومن يبخل َفِإَّنما يبخل عن َّنْف ِس ِه و َّ ِ َّللاِ َف ِم ُ َها أَنتُم َهـ ُٰؤالَ ِء تُ ْد َعو َن لِتُ ِنفُقوْا ِفي سِب ِ
َّللاُ اْل َغن ُّي َوأَنتُ ُم اْلُفَق َر ُ َ َْ َ ُ َ َ َْ َ ْ َ َْ َ ُ َ يل َّ َ ْ ْ
ِ
ونوْا أ َْمثَاَل ُكمَوِإن تَتََوَّل ْوْا َي ْس َت ْبد ْل َق ْوماً َغ ْي َرُك ْم ثُ َّم الَ َي ُك ُ
قال سهل :معرفة علم السر كله فى الفقر وهو سر هللا وعلم الفقر إلى هللا وهو تصحيح علم الغنى باهلل.
قال أبو الحسن بن سمعون :لكل شىء فقر فأضرها فقر النفس والقلب وأشرفها ًا
فقر الهم والعقل ألن نفسى إذا افتقرت
وحكما إن
ً علما
طلبت دنيا فيأسر العدو من أول قدم وإذا افتقر قلبى طلب ملكاً فحجبنى وإذا افتقر عقلى طلب ً
حر.
وودا إن وجدت صرت ًا
وجدا ً
وجدهما شربت فى الملك وحدى وإذا افتقر همى طلب ً
آء} .قال :ألن الفقر يليق بالعبودية والغنى يليق بالربوبية. قال الجنيد رحمة هللا عليه فى قوله{ :و َّ ِ
َّللاُ اْل َغن ُّي َوأَنتُ ُم اْلُفَق َر ُ َ
قال بعضهم :الغنى القائم بنفسه والفقير القائم بفقره والحق مقيم الكل باينهم باالستغناء عنهم كما باينوه باالفتقار إليه.
قال بعضهم :ال يستقر على حقيقة بساط العبودية إال أهل السعادة وقد يطأ البساط المتمرسون بالعبودية أوقاتاً ثم ال
ِ
{وإِن تَتََوَّل ْوْا َي ْستَْبد ْل َق ْوماً َغ ْي َرُك ْم ثُ َّم الَ َي ُك ُ
ونوْا يستقرون عليه يبدل هللا مكانهم فيه من أحب له السعادة أال تراه يقولَ :
أ َْمثَاَل ُكم}.
قال ابن عطاء :النبى صلى هللا عليه وسلم فى هذه اآلية بين نعم مختلفة بين الفتح المبين وهو من إعالم اإلجابة،
والمغفرة وهو من أعالم المحبة ،وتمام النعمة وهو من أعالم االختصاص ،والهداية وهو من التحقيق بالحق ،والنصر
وهو من أعالم الوالية ،والمغفرة منزه من العيوب ،وتمام النعمة إبالغ الدرجة الكاملة من الغنى به ،والهداية وهى
الدعوة إلى المشاهدة ،والنصرة وهى رؤية الكل من الحق من غير أن يرجع إلى سواه.
قال ابن عطاء :لما بلغ النبى صلى هللا عليه وسلم سدرة المنتهى قدم النبى وأخر جبريل صلوات هللا عليهما قال النبى
َّللاُ َما تََقَّد َم ِمن
لجبريل :يا جبريل تتركنى فى هذا الموضع وحدى فعاتبه هللا حين سكن إلى جبريل فقال{ :لَِي ْغِف َر َل َك َّ
َذنِب َك}.
قال ابن عطاء :كشف هللا تعالى عن ذنوب األولياء حتى نادوا على أنفسهم ونودى عليهم بالذنب والتوبة وستر ذنب
َّللاُ َما تََقَّد َم ِمن َذنِب َك}.
محمد صلى هللا عليه وسلم بقوله{ :لَِي ْغِف َر َل َك َّ
وقال :معنى استغفا ر النبى صلى هللا عليه وسلم فى اإلعانة يستغفر لى حال صحوة من حال السكر بل يستغفر فى
حال السكر من الصحو بل يستغفر من الحالين جميعاً إذ ال صحو وال سكر فى الحقيقة له ألنه فى الحضرة والقبضة
ال يفارقها بحال.
وقال أيضاً :هو تعريف لألمة بحملهم على االستغفار وال حظ له فيه.
قال جعفر :من تمام نعمته على نبيه صلى هللا عليه وسلم أن جعله حبيبه وأقسم بحياته ونسخ به شرائع الرسل وعرج
به إلى المحل األدنى وحفظ فى المعراج حتى ما زاغ وما طغى وبعثه إلى األسود واألبيض وأحل له وألمته الغنائم
وجعله شفيعاً مشفعاً وجعله سيد ولد آدم وقرن ذكره بذكره ورضاه برضاه وجعله أحد ركنى التوحيد فهذا وأمثاله من
تمام النعمة عليه وعلى أمته به وبمكانه.
قال ابن عطاء :يهدى بك الخلق إلى الطريق المستقيم وهو الطريق إلى الحق من جعله إمامه قاده إلى الحق ومن لم
يقتد به فى طلب الطريق إلى الحق ضل فى طلبه وأخطأ طريق رشده.
قال القاسم :هو أن ينصره على احتمال ما يلقاه من أذى قومه فيعزه بإبالغ الرسالة ويذلهم بأن يجعلهم خوالً له.
َّللاُ َعلِيماً الس ٰم ٰو ِت واأل َْر ِ يمناً َّمع ِإ ٰ ِ ِ ِ وب اْلمؤ ِمِن ِ َنزل َّ ِ ِ َّ ِ
ان َّ
ض َوَك َ ود َّ َ َ َ يمن ِه ْم َوََّّلل ُجُن ُ ِ السك َين َة في ُقُل ِ ُ ْ َ
ين لَي ْزَد ُادوْا إ َٰ َ َ ُه َو الذي أ َ َ
َح ِكيماً
سئل بعضهم :ما أول ما كاشف هللا به عباده؟ قال :المعارف ثم الوسائل ثم السكينة ثم البصائر ،فلما كاشفه الحق
بالبصائر عرف األشياء من الجواهر كأبى بكر الصديق رضى هللا عنه ما أخطأ فى نطق.
قال التزمذى :الطمأنينة فى القلب من السكينة وزيادة األنوار فى القلب من زيادة اإليمان.
ِ
ات واأل َْر ِ
ض} [اآلية.]4 : قوله تعالىِ ِ :
الس َم َاو َ
ود َّ
{وََّّلل ُجُن ُ
َ
قال سهل :جنوده مختلفة فجنوده فى السماء المالئكة وجنوده فى األرض الغزاة.
وقال بعضهم :ما سلط هللا عليك فهو من جنوده إن سلط عليك نفسك أهلك نفسك بنفسك وإن سلط عليك جوارحك
أهلك جوارحك بجوارحك وإن سلط نفسك على قلبك قادتك فى متابعة الهوى وطاعة الشيطان وإن سلط قلبك على
السماو ِ
ات نفسك وجوارحك زمها باألدب وألزمها العبادة وزينها باإلخالص فى العبودية وهذا تفسير قولهِ ِ :
ود َّ َ َ
{وََّّلل ُجُن ُ
َ
واألَْر ِ
ض}. َ
ِإَّنآ أ َْرَسْل َٰن َك َٰش ِهداً َو ُمَب ِش اًر َوَن ِذي اًر
قال سهل :شاهداً عليهم بالتوحيد ومبش اًر لهم بالمغفرة وبالتأييد ونذي اًر محذ اًر إياهم البدع والضالالت.
قال سهل :لتؤمنوا تصديقاً بما جاء به وتعزروه حقه فى قلوبكم وطاعته على أبدانكم.
ِ قال أبو عثمان :لم يؤمن بالرسول من لم يعزر أوامره ولم يوقر أصحابه .قال هللا تعالى{ :لِتؤ ِمنوْا ِب َّ ِ
اَّلل َوَرُسوِله َوتُ َع ِزُروهُ ُْ ُ
َوتَُوِق ُروهُ}.
ِِ
َّللاَ
اه َد َعَل ْي ُه َّ َّللاِ َف ْو َق أ َْي ِدي ِه ْم َف َمن َّن َك َث َفِإَّن َما َي ُ
نك ُث َعَل ٰى َنْفسه َو َم ْن أ َْوَف ٰى ِب َما َع َ ون َك ِإَّن َما ُيَبا ِي ُعو َن َّ
َّللاَ َي ُد َّ ين ُيَبايِ ُع َ
َّ ِ
ِإ َّن الذ َ
َج اًر َع ِظيماً ِ
َف َسُي ْؤِتيه أ ْ
سمعت أبا القاسم النصرآباذى يقول :فى وقت االستنفار إلى الروم قد ظهرت صفة البيعة فهل من راغب فيها بيعه بال
ون َك ِإَّن َما ُيَبايِ ُعو َن َّ َّ ِ
َّللاَ}. ين ُيَبايِ ُع َ
واسطة {ِإ َّن الذ َ
استَ ْغِف ْر َلَنا َيُقوُلو َن ِبأَْل ِسَنِت ِه ْم َّما َل ْي َس ِفي ُقُلوبِ ِه ْم ُق ْل َف َمن َي ْملِ ُك
ونا َف ْ
َهُل َ
اب َش َغَل ْتَنآ أ َْم َواُلَنا َوأ َْعر ِ ِ َّ
ول َل َك اْل ُم َخلُفو َن م َن األ ْ َ َسَيُق ُ
َّللاُ ِب َما تَ ْع َمُلو َن َخِبي اًر َل ُكم ِمن َّ ِ
ان َّض اًر أ َْو أ ََرَاد ِب ُك ْم َنْفعاً َب ْل َك ََّللا َش ْيئاً ِإ ْن أ ََرَاد ِب ُك ْم َ ْ َ
قال بعض السلف :ما شغلك عن هللا من أهل ومال وولد فهو عليك مشؤوم.
قال الجنيد رحمة هللا عليه :من شغله عن ربه شىء من هذه األعراض فقد أخبر عن نذالته وآثار خسته وظهرت
عليه.
وسئل بعضهم :بماذا يصح لنا اإلقبال على هللا؟ قال :بترك الدنيا وما فيها فإنها تشغل عن ربها أال ترى المنافقين
ونا}.
َهُل َ
{ش َغَل ْتَنآ أ َْم َواُلَنا َوأ ْ
كيف اعتذروا بقولهَ :
قال ابن عطاء رحمة هللا عليه :رضى عنهم فأرضاهم وأوصلهم إلى رضا اليقين والرضا والطمأنينة وأنزل هللا السكينة
عليهم لتسكن قلوبهم إليه.
السعة.
قال بعضهم :السكينة استعمال األوامر واستقبالها بالرحب و َّ
ات َّل ْمآء ُّم ْؤ ِمَن ٌ ِ واْل َه ْدي م ْع ُكوفاً أَن َيْبُل َغ م ِحَّل ُه وَل ْوالَ ِر َج ٌ ِ
ال ُّم ْؤمُنو َن َون َس ٌ َ َ َ َ َ وك ْم َع ِن اْل َم ْس ِج ِد اْل َح َار ِم صُّد ُ ين َكَف ُروْا َو َ
َّ ِ
ُه ُم الذ َ
ين َكَف ُروْا ِم ْن ُه ْم َّ َّ ِ ِِ ِعْل ٍم لِي ْد ِخل َّ ِ ص َيب ُك ْم ِم ْن ُه ْم َّم َعَّرةٌ ِب َغ ْي ِرطُئوهم َفتُ ِ
آء َل ْو تََزَّيُلوْا َل َعذ ْبَنا الذ َ
َّللاُ في َر ْح َمته َمن َي َش ُ ُ َ وه ْم أَن تَ َ ُ ْ تَ ْعَل ُم ُ
َع َذاباً أَلِيماً
وه ْم} [اآلية.]25 : قوله تعالى{ :وَلوالَ ِرجال ُّمؤ ِمُنو َن وِنسآء ُّمؤ ِمَن ٌ َّ
ات ل ْم تَ ْعَل ُم ُ َ َ ٌ ْ َْ َ ٌ ْ
قال سهل :المؤمن على الحقيقة من ال يغفل عن نفسه وقلبه يفتش أحواله ويراقب أوقاته فيرى زيادته من نقصانه
فيسكن عند رؤية الزيادة ويتضرع ويدعو عند دخول النقصان هؤالء الذين بهم يدفع هللا البالء عن أهل األرض
والمؤمن من ال يكون متهاوناً بأذى التقصير فإن التهاون بالقليل يستجلب الكثير.
قال أيضاً :ال يجد طعم اإليمان من لم يدع ستة خصال ويتمسك بستة يدع الرياء والحرام والسحت والمكروه والشبهة
والجهل ويتمسك بطلب العلم لتصحيح عمله ونصحاً من قلبه وصدقاً من لسانه وصالحاً مع الخلق فى معاشرتهم
وإخالصاً لربه فى معاملته.
ين َوأَْل َزَم ُه ْم َكلِ َم َة ِ ِ َنزل َّ ِ ِِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
َّللاُ َسك َينتَ ُه َعَل ٰى َرُسولِه َو َعَلى اْل ُم ْؤ ِمن َ ين َكَف ُروْا في ُقُلوبِه ُم اْل َحمَّي َة َحمَّي َة اْل َجاهليَّة َفأ َ َ ِإ ْذ َج َع َل الذ َ
َّللاُ ِب ُك ِل َش ْي ٍء َعلِيماً
ان ََّهَل َها َوَك ََح َّق ِب َها َوأ ْ
التَّْق َو ٰى َوَك ُانوْا أ َ
ين َكَف ُروْا ِفي ُقُلوبِ ِه ُم اْل َح ِمَّي َة} [اآلية.]26 : َّ ِ
قوله تعالىِ{ :إ ْذ َج َع َل الذ َ
قال أبو عثمان :كلمة المتقين وهى شهادة أن ال إله إال هللا ألزمها هللا السعداء من أوليائه المؤمنين وكانوا أحق بها فى
علم هللا أن خلقهم لها وخلق الجنة ألهلها ،وأيضاً كانوا أهلها إذ سماهم هللا بها وأيضاً وكانوا أحق بها ممن تركها كف اًر
بها واستغناء عنها ،وأيضاً كانوا أهلها ألن هللا بعثهم لها يحيوا عليها ويموتوا عليها.
قال القاسم :من ألزم كلمة التقوى وهم الصالحون ألن هللا خلقهم للمالزمة ال يجاوزون حدود األمر إلى ما وصف لهم
من الكرامات عليها لما أروا فى أنفسهم من التقصير فى التقوى ورعاية حقائقه.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :كلمة التقوى صيانة النفس عن المطامع ظاه اًر وباطناً.
قال سهل :خير الناس المسلمون وخير المسلمين المؤمنون وخير المؤمنين العلماء وخير العلماء الخائفون وخير
الخائفين المخلصون وخير المخلصين المتقون الذى وصلوا إخالصهم وتقواهم بالموت وهم أصحاب المصطفى صلى
ِ
َح َّق ِب َها َوأ ْ
َهَل َها}. {وأَْل َزَم ُه ْم َكل َم َة التَّْق َو ٰى َوَك ُانوْا أ َ
هللا عليه وسلم لقوله تعالىَ :
ِ ِِ الرءيا ِباْلح ِق َلتَ ْدخُل َّن اْلمس ِجد اْلحرام ِإن َشآء َّ ِ ِ َّ
وس ُك ْم َو ُمَقص ِر َ
ين الَ تَ َخاُفو َن ين ُرُء َ
ين ُم َحلق َ
َّللاُ آمن َ َ َ ْ َ ََ َ ُ َّللاُ َرُسوَل ُه ُّ ْ َ َ ص َد َق َّ لَق ْد َ
َف َعلِ َم َما َل ْم تَ ْعَل ُموْا َف َج َع َل ِمن ُدو ِن َذلِ َك َف ْتحاً َق ِريباً
ِ ِ
َّللاُ} [اآلية.]27 : قوله تعالىَ{ :لتَ ْد ُخُل َّن اْل َم ْسج َد اْل َح َر َام إن َش َ
آء َّ
سئل سهل بن عبد هللا رحمة هللا عليه :ما هذا االستثناء من هللا؟ قال :تأكيداً فى االفتقار إليه وتأديباً لعباده فى كل
حال ووقت وتنبيهاً أن الحق إذا استثنى مع كمال علمه أن أحداً ال يجوز له الحكم من غير استثناء مع قصور علمه.
اَّللِ َش ِهيداً
ين ُكلِ ِه َوَكَف ٰى ِب َّ ظ ِهره عَلى ِ
الد ِ ِ ُه َو َّال ِذي أ َْرَس َل َرُسوَل ُه ِباْل ُه َد ٰى َوِد ِ
ين اْل َح ِق لُي ْ َ ُ َ
قال القاسم :أرسل رسوله وعظم حرمته بإضافته إلى نفسه ممن لم يعظم من عظمه هللا فهو لقلة معرفته بعظمة هللا
أرسله مبيناً للشريعة مبيناً ألحكامه داعياً إليه وجعل طاعته لم ينفصل عن الرسول عن الحق فى اإليجاب والنفى
والبالغ والمشاهدة ولم يتصل به من حيث الحقيقة.
ِ َّللاِ و َّال ِذين معه أ َِشَّدآء عَلى اْل ُكَّف ِار رحمآء بينهم تراهم رَّكعاً س َّجداً يبتغون َفضالً ِمن َّ ِ
اه ْم
يم ُ ضَواناً س َ َّللا َوِر ْ َ َْ َ ُ َ ْ ُ ُ َ َ ُ َ ْ َ ُ ْ ََ ُ ْ ُ ُ َ ول َّ َ َ َ َ ُ ُّم َح َّمٌد َّرُس ُ
استََو ٰى َعَل ٰى نج ِ الس ُجوِد َذلِ َك مَثُلهم ِفي التَّوَرِاة ومَثُلهم ِفي ِ
اإل ِ ِفي ُو ُجوِه ِه ْم ِم ْن أَثَ ِر ُّ
ظ َف ْاستَ ْغَل َ
طأَهُ َف َآزَرهُ َف ْ
َخ َرَج َش ْ يل َك َزْرٍع أ ْ ْ َ َ ُْ َ ُْ
َج اًر َع ِظيماً ِ َّللا َّال ِذين آمنوْا وع ِمُلوْا َّ ِ ِ ِ
الصال َحات م ْن ُهم َّم ْغف َرةً َوأ ْ سوِق ِه ُي ْع ِج ُب ُّ
الزَّراعَ لَِي ِغي َ
ظ ِب ِه ُم اْل ُكَّف َار َو َع َد َّ ُ َ َ ُ َ َ ُ
آء َعَلى اْل ُكَّف ِار} [اآلية.]29 : ِ َّ {مح َّمد َّرسول َّ ِ َّ ِ
ين َم َع ُه أَشد ُ
َّللا َوالذ َ قوله عز وعالُ ُ ٌ َ ُّ :
سر
وباطنا ًا
ً ظاهر
ًا مأمونا
ً محمدا صلى هللا عليه وسلم بأنه رسول والرسول ال يكون إال ً
أمينا ً قال ابن عطاء :وصف
وعلنا ووصف الصحابة الذين معه بأوصاف ثمانية وهى أحوال خصت بها الخواص من أصحابه وهو حال البقاء ً
".
ين َم َع ُه} قال :كان عمر فى وقت الكفر من الذين معه فى القبضة والقسمة ،ومن الذين معه قال القاسم فى قولهِ َّ :
{والذ ََ
فى الحكم والشريعة ،سئل الحسين متى كان محمد صلى هللا عليه وسلم نبياً؟ وكيف جاءت رسالته؟ فقال نحن بعد فى
الرسول والرسالة ،والنبى والنبوة .أين أنت عن ذكر ما ال ذاكر له فى الحقيقة إالَّ هو ،وعن هوية من ال هوية له إالَّ
بهويته؟ وأين كان النبى عن نبوته حيث جرى القلم بقوله محمد صلى هللا عليه وسلم بالرسالة عظم محله بذكره له
بالرسالة فهو الرسول المكين والسفير األمين جرى ذكره فى األزل ،لتمكين من المالئكة واألنبياء على أعظم محل
وأشرف مكان.
قال سهل :المؤمن وجه هلل بال قفا مقبل عليه غير معرض عنه ،وذلك سيماء المؤمنين.
وقال الفضيل :سيماء المؤمنين للخشوع والتواضع ،وسيماء المنافقين الترفع والتكبر.
وقال بعضهم :هو شغل قلوبهم بما عملوا هل قبل منهم أم رد عليهم.
قال عبد العزيز المكى :ليس هى النحولة والصفرة لكنه نور يظهر على وجوه العابدين يبدوا من باطنهم على ظاهرهم
ذلك للمؤمنين ولو كان ذلك فى زنجى أو حبشى.
ِ َّللا ِإ َّن َّ ِ ِ ٰيأَيُّها َّال ِذين آمنوْا الَ تَق ِدموْا بين يد ِي َّ ِ
يم
يع َعل ٌ
َّللاَ َسم ٌ َّللا َوَرُسوِله َواتَُّقوْا َّ َ ُ ُ َْ َ ََ َ َُ َ
قال سهل :ال تقولوا قبل أن يقول وإذا قال فاقبلوا منه منصتين له سامعين إليه ،واتقوا هللا فى إهمال حقه وتضييع
حرمته إن هللا سميع لما تقولون عليم بما تعملون.
ِ
ض ُكم لَِب ْع ٍ ِ ِ ين آمُنوْا الَ تَ ْرَف ُعوْا أَصواتَ ُكم َفو َق صو ِت َِّ ٰيأَي َّ ِ
َع َماُل ُك ْم
ط أْ
ض أَن تَ ْحَب َ النب ِي َوالَ تَ ْج َه ُروْا َل ُه باْلَق ْول َك َج ْه ِر َب ْع ْ َْ ْ ْ َْ ُّها الذ َ َ َ
َوأَنتُ ْم الَ تَ ْش ُع ُرو َن
ص ْو ِت َّ
النِب ِي} [اآلية.]2 : قوله عز وعالٰ { :يأَي َّ ِ
َص َواتَ ُك ْم َف ْو َق َ
آمُنوْا الَ تَ ْرَف ُعوْا أ ْ
ين َ
ُّها الذ َ
َ
قال ابن عطاء :زجر عن األذى لئال يتخطى أحد إلى ما فوقه من ترك الحرمة.
وقال أبو بكر بن طاهر :ال تبدأوه بالخطاب وال تجيبوه إال على سبيل الحرمة.
قال القاسم :هو الخروج من البشرية ومفارقة ما هو موجب فى الطبيعة وهو حقيقة التوحيد .لذلك دعا إليه نبيه إبراهيم
صلى هللا عليه وسلم حيث نقله من دعاء البشرية إلى غيره وهو أنه لما امتحنه بذبح ولده أراد أن يزيل عن سره كل
صَّد ْق َت ُّ
الرْؤَيآ} [الصافات ]105 :وهو امتحان القلب للتقوى. سبب فلما اطمأن إلى ذلك وسمحت نفسه به قيل له { َق ْد َ
يم ِ
ور َّرح ٌ ان َخ ْي اًر َّل ُه ْم َو َّ
َّللاُ َغُف ٌ صَب ُروْا َحتَّ ٰى تَ ْخ ُرَج ِإَل ْي ِه ْم َل َك َ
َوَل ْو أََّن ُه ْم َ
قال أبو عثمان :األدب عند األكابر فى مجالس السادات من األولياء يبلغ بصاحبه إلى الدرجات العلى ،والخير فى
ان َخ ْي اًر َّل ُه ْم}.
صَب ُروْا َحتَّ ٰى تَ ْخ ُرَج ِإَل ْي ِه ْم َل َك َ
{وَل ْو أََّن ُه ْم َ
األولى ،والعقبى ،أال ترى هللا يقولَ :
قال أبو بكر بن طاهر :الفاسق الذى ال يستحى من هللا مما يستحى من المخلوقين.
ان َوَزيََّن ُه ِفي ُقُلوب ُ ِ َّللا َحب َ ِ ِ ِ َّللاِ َلو ي ِطيع ُكم ِفي َكِث ٍ ِ َن ِف ُ
ِك ْم َوَكَّرَه يم َ
َّب إَل ْي ُك ُم اإل َ ير م َن األ َْم ِر َل َعنتُّ ْم َوَلـٰك َّن َّ َ ول َّ ْ ُ ُ ْ يك ْم َرُس َ اعَل ُموْا أ َّ
َو ْ
ان أ ُْوَلـِٰئ َك ُه ُم َّ
الر ِاش ُدو َن ِ ِ
إَل ْي ُك ُم اْل ُكْف َر َواْلُف ُسو َق َواْلع ْ
صَي َ
قال سهل :حبب إليكم العمل بأوامر اإليمان وزين فى قلوبكم تلك األوامر.
ِ ِ
ان}. {وَكَّرَه إَل ْي ُك ُم اْل ُكْف َر َواْلُف ُسو َق َواْلع ْ
صَي َ قوله تعالىَ :
قال الواسطى رحمة هللا عليه :المؤمن يكره العصيان ولكن يغيب عن شاهده التغلب على شواهد شهوته فيأتيها ذلك
لنفاد نصيبه وتنبيهاً على ضعفه.
كره هللا إليه هذه الخصال المذمومة فأولئك هم الراشدون الصادقون فى إيمانهم قوله تعالى:
قال سفيان الثورى :من َّ
ِ ط ِآئَفتَ ِ ِ
ان م َن اْل ُم ْؤ ِمن َ
ين} [اآلية.]9 : {وإِن َ
َ
قال سهل :هو الروح والعقل والقلب والطبع والهوى والشهوة فإن بغى الطبع والهوى على العقل والروح والقلب ،فليقاتله
العبد بسيوف المراقبة وسهام المطالعة وأنوار الموافقة ليكون الروح والعقل غالبين والهوى والشهوة مغلوبين.
قال بعض الحكماء :بئس األخ أخ تحتاج أن تعتذر إليه وبئس األخ أخ تحتاج أن تستقرضه وبئس األخ أخ تحتاج أن
تقول له اذكرنى فى دعائك ومعناه أنك إذا كنت من أخيك على بال فاطلع على حاجتك لم يحوجك إلى السؤال وإذا
أحسن الظن بك عذرك من غير أن تعتذر إليه وهذا حكم األخوة فى هللا.
سمعت منصور بن عبد هللا يقول :سمعت جعفر يقول سمعت أبا محمد المغازلى يقول :من أراد أن تصح أخوته
فليحفظ مودة إخوانه القدماء.
سمعت الحسين بن يحيى يقول :سمعت أبا بكر النقاش يقول :سألت الجنيد رحمة هللا عليه عن األخ الحقيقى؟ فقال:
هو أنت فى الحقيقة إال أنه غيرك فى الهيكل.
وأنشدنى عبيد هللا بن محمد بن محمد بن حمدان العكبرى الزاهد قال :أنشد أبو بكر محمد بن الحسين اآلجرى قال:
أنشدنى بعض إخوانى وذكر أنها لجعفر بن محمد الصادق رضوان هللا عليه:
يردك إبقـاء عليك من الوجد ولو جئت تدعوه إلى الموت لم يكن
على أنه قد زاد فيه على الجهد يرى أنـه فى الـود نزر مقصـر
وباطنا.
ً ظاهر
ًا قال بعضهم :األخوة فى الدين ترك العادة الجارية فى الرسم والتزام الشفقة والنصيحة لإلخوان
وقد كنت أبكيه دماً وهو غائب عجبت لصبرى بعده وهو ميت
عجائب حتى ليس فيها عجائب أال إنما األيام قد صرن كلها
سمعت أبا على البيهقى يقول :سمعت أبا بكر الصولى يقول :سألت بعض الحكماء من األخ على الحقيقة؟ فقال :من
تلقاه فى الغيبة وتأنس بذكره فى الخلوة وتعذره من غير معذره وتنبسط إليه من غير حشمة وال تخفى منه ما يعلمه
منك وتأمن وأنشدنى فى هذا المعنى:
آء ِمن ِن َس ٍآء َع َس ٰى أَن َي ُك َّن َخ ْي اًر ِم ْن ُه َّن َوالَ ِ ِ ِ ٰيأَي َّ ِ
ونوْا َخ ْي اًر م ْن ُه ْم َوالَ ن َس ٌ
آمُنوْا الَ َي ْس َخ ْر َق ْوٌم من َق ْو ٍم َع َس ٰى أَن َي ُك ُ
ين َ
ُّها الذ ََ
ان ومن َّلم يتُب َفأُوَلـِٰئك هم َّ
الظالِ ُمو َن االسم اْلُف ُسو ُق َب ْع َد اإلَ َ ِ ِ ِ ِ َتْل ِم ُزوْا أ ُ
يم َ َ ْ َ ْ ْ َ ُ ُ َنف َس ُك ْم َوالَ تََن َاب ُزوْا باألَْلَقاب ب ْئ َس ْ ُ
آمُنوْا الَ َي ْس َخ ْر َق ْوٌم ِمن َق ْومٍ} [اآلية.]11 : قوله تعالىٰ { :يأَي َّ ِ
ين َ
ُّها الذ َ
َ
قال يحيى بن معاذ نهى هللا عز وجل عن احتقار المؤمنين واالزدراء بهم وتثاقل النظر إليهم وترك حرماتهم بقوله:
آمُنوْا الَ َي ْس َخ ْر َق ْوٌم ِمن َق ْومٍ }...اآلية. { ٰيأَي َّ ِ
ين َ
ُّها الذ َ
َ
قوله تعالىٰ { :يأَيُّها َّال ِذين آمنوْا اجتَِنبوْا َكِثي اًر ِمن َّ
الظ ِن} [اآلية.]12 : َ َ َُ ْ ُ َ
وقال أبو عثمان :من وجد فى قلبه عيباً ألخيه وال يعمل فى صرف ذلك عن قلبه بالدعاء له خاصة والتضرع إلى هللا
حتى يخلصه منه أخاف أن يبتليه هللا فى نفسه بتلك المعايب.
قال سهل :من سلم من الظن سلم من الغيبة ومن سلم من الغيبة سلم من الزور ومن سلم من الزور سلم من البهتان.
وسئل بعضهم عن قول الحكيم :احترزوا من الناس بسوء الظن؟ فقال :بسوء الظن بأنفسكم ال بهم.
قال سهل :ال تبحثوا عن طلب معايب ما ستره هللا على عباده.
يم َخِب ٌيراكم ِإ َّن َّ ِ اكم شعوباً وَقب ِآئل لِتعارُفوْا ِإ َّن أَ ْكرم ُكم عند َّ ِ الناس ِإَّنا خَلْقن ُ ِ
َّللاَ َعل ٌ َّللا أ َْتَق ُ ْ ََ ْ َ َ اكم من َذ َك ٍر َوأ ُْنثَ ٰى َو َج َعْلَن ُ ْ ُ ُ َ َ َ َ َ َ َ َ ُّها َّ ُ
ٰيأَي َ
سمعت عبد هللا بن محمد يقول :دخل أبو يعلى العلوى على عبد هللا فنظر إليه عبد هللا وإلى ثيابه وزيه فقال :يا
سيدى إن الذى به افتخارك لم يكن يفتخر بنفسه ،أال تراه كيف يرى نفسه من الفخر لما أخبر بما أمر به من السيادة
قال" :أنا سيد ولد آدم وال فخر
".
وقال عبد هللا المعلم :ال فخر فى سيادتى ولد آدم وإنما فخرى بمن َّ
سودنى.
َّللاِ أ َْتَق ُ
اك ْم} [اآلية.]13 : قوله تعالىِ{ :إ َّن أَ ْك َرَم ُك ْم َع َند َّ
قال جعفر :هو التقى على الحقيقة والمتقى المنقطع عن األكوان إلى هللا.
اك ْم} قال الكريم من يتقى الشرك واتقى من بعد الشرك المعاصى َّللاِ أ َْتَق ُ
وقال أبو عثمان فى قوله{ :أَ ْك َرَم ُك ْم َع َند َّ
وفضيلة التقوى العلم باهلل وال انتهاء للعلم باهلل فى طريق الفضل فمن ازداد علماً باهلل وأمره ازداد خوفاً ومن ازداد خوفاً
ازداد كرماً عند هللا عز وجل.
آمَّنا ُقل َّل ْم تُ ْؤ ِمُنوْا َوَلـ ِٰكن ُقوُلوْا أ َْسَل ْمَنا} [اآلية.]14 : ِ
اب َ
َع َر ُ
قوله تعالىَ { :قاَلت األ ْ
قال ليس فى اإليمان أسباب إنما األسباب فى اإلسالم والمسلم محبوب إلى الخلق والمؤمن غنى عن الخلق.
قال بعضهم :اإليمان هو الذى يوجب األمان وليس للنفس فيه دعوى وقد أكثرت الشرح لإليمان فى مسألة اإليمان
وتثبيت معانيه.
قال ابن عطاء :المؤمن من جعل السبيل إلى االيمان االقتداء بالنبى صلى هللا عليه وسلم وعلم أنه ال سبيل إلى الحق
إال بمتابعته عليه السالم فمن ترك الحق األدنى كيف يصل إلى الحق األعلى؟
َن أ َْسَل ُموْا ُقل الَّ تَ ُمُّنوْا َعَل َّي ِإ ْسالَ َم ُك ْم} [اآلية.]17 :
{ي ُمُّنو َن َعَل ْي َك أ ْ
قوله عز وعالَ :
قال الواسطى رحمة هللا عليه :لفظة المنة فى محل التلبيس ألن العباد إن لم يصحبهم رؤية المنة هلكوا ألن رؤية
المنة حجاب كبير وفى رؤية المنة استدراج عظيم وكيف وهؤالء من على أحد يعرفه وإنما المنن على من حجبه فذكر
َسَل ُموْا} وفى كرمه ال تجوز المنة على أحد {ي ُمُّنو َن َعَل ْي َك أ ْ
َن أ ْ المنن جواب فى الحقيقة لمن َم َّن عليه أال ترى إلى قولهَ :
فالم ُّن على نبيه يستحيل أما علمت أن الكريم فى الحقيقة ال يمن من الناس إذ المنة تقع على من هو خارج من ملكه َ
إذا كان الممتن عليه من خدمه.
َّللاُ َي ُم ُّن َعَل ْي ُك ْم} قال :جواب لما سلف من قولهم ألن أحداً ال يستطيع حمل مننه فكيف يمن
َّ قال الحسين فى قوله{َ :ب ِل
فكيف يمن بما ال وزن له عنده على أحد. على من ال خطر له عنده
قال القاسم :لو حققنا المنة لذات الكرم فإن الكريم ال يمن ألن الكل له عبده وال خطر وال زيادة فى وجوده وال نقصان
فى فقده والمنة على من هو خارج من ملكه ومن ملكه ومملكته.
قال الواسطى :آيسهم أن يكون لهم شىء من عندهم إال ما أعطوا والمنة رؤية ما منك معظماً وترك رؤية ما إليك
يطهر سرائرهم بذلك أن يروا ألنفسهم حاالً.
قال سهل :استعملت الورع أربعين سنة ثم وقع ِمنى إليها التفاتة فأدركنى حياء ذلك بقوله :يمنون عليك أن أسلموا.
قال ابن عطاء :أقسم بقوة قلب حبيبه محمد صلى هللا عليه وسلم حيث حمل الخطاب والمشاهدة ولم يؤثر ذلك فيه
لعلو حاله.
قال الحسين :القرآن المجيد المطهر لمن اتبعه عن دنس األكوان وهواجس األسرار.
قال سهل :اعتبا اًر واستدالالً على توحيدهم لربهم وشكرهم له وذكرى لمن كان له قلب حاضر مع هللا وعلم يكتسب به
علم الورع لكل عبد منيب أى مخلص التوبة إلى ربه وإدامة الذكر بواجباته.
السم ِآء مآء ُّم ٰبركاً َفأَنب ْتنا ِب ِه ج َّٰن ٍت وح َّب اْلح ِ
ص ِيد ِ
َ َ ََ ََ َوَنَّ ْزلَنا م َن َّ َ َ ً َ َ
آء ُّمَب َاركاً} [اآلية.]9 : قوله تعالى{ :ونَّ ْزلنا ِمن َّ ِ
الس َمآء َم ً ََ َ َ
قال ابن عطاء :أنزلنا من السماء الفهم والعلم والمعرفة فربينا به قلوب أولى األلباب وأهل المعرفة والفهم ففقهوا
الخطاب واستعملوه وأنسوا به واتبعوه فأسبغ هللا بذلك الماء فى قلوبهم معرفته وعلى لسانه ذكره وعلى جوارحهم خدمته.
ان َوَن ْعَل ُم َما تَُو ْس ِو ُس ِب ِه َنْف ُس ُه َوَن ْح ُن أَ ْق َر ُب ِإَل ْي ِه ِم ْن َحْب ِل اْلَوِر ِيد
نس َ ِ
َوَلَق ْد َخَلْقَنا اإل َ
قال أبو سعيد الخراز :هم قوم ساروا مع هللا بال سبب وال طلب وال هرب ألنه مدركهم وهو معهم يعلم ما فى ضمائرهم
ان }..اآلية.
نس َ ِ
{وَلَق ْد َخَلْقَنا اإل َ
ويشهد حركات ظاهرهم ألم تسمع قوله سبحانهَ :
ق ال الواسطى رحمة هللا عليه :أى نحن أولى به وأحق ألنا جمعناه بعد االفتراق وأنشأناه بعد العدم ونفخنا فيه الروح
فاألقرب إليه من هو أعلم به منه بنفسه.
قال أيضاً فى هذه اآلية :به عرفت نفسك وبه عرفت روحك كان ذلك إظهار النعوت على قدر طاقة الخلق فأما
الحقيقة فال يتحملها أحد سماعاً.
قال بعضهم :القرب لعبد شاهد بقلبه قرب هللا منه فتقرب إلى هللا بطاعته وجمع همه بين يديه بدوام ذكره فى عالنيته
وسره.
قال :ما ساقهم إال قدرته وال شهيد عليهم إال جوارحهم.
قال الواسطى رحمة هللا عليه :من كشفت عنه غطاء الغفلة أبصر األشياء كلها أسرار القدرة.
يقينا.
قال عامر بن عبد قيس :لو كشف الغطاء ما ازددت إال ً
قال أبو سليمان الدارانى :هو البصيرة التى تفرق بها بين الحالل والشبات.
ٍ
ماض على الخالئق. قال الواسطى رحمة هللا عليه :أى علمك نافذ فى المقدورات وحكمك
قال الواسطى رحمة هللا عليه :ماذا ينفع البكاء على ما سبق من قضائه المحتوم وحكمه المعلوم الذى ال يتغير وال
{ما ُيَبَّد ُل اْلَق ْو ُل َل َد َّي}.
يبدل على قومه َ
اب حِف ٍ
ِ ِ ٍ
يظ وع ُدو َن ل ُكل أََّو َ
َهـٰ َذا َما تُ َ
اب حِف ٍ
يظ} [اآلية.]32 : ِ ِ ٍ
قوله تعالى{ :ل ُكل أََّو َ
قال سهل :هو الراجع بقلبه من الوسوسة إلى السكون إلى هللا والحفيظ المحافظ على الطاعات واألوامر.
قال الحارث المحاسبى :األواب الراجع بقلبه إلى ربه والحافظ قلبه فى رجوعه إليه أن يرجع منه إلى أحد سواه.
قال بعضهم :األواب الذى ال يوافق غير ربه وال يطالع غير حده.
قال أبو بكر الوراق :عالمة المنيب أن يكون عارفاً حرمته موالياً له متواضعاً لجالله تاركاً لهوى نفسه.
قال الجنيد رحمة هللا عليه :أفضل األعمال علم األوقات وهو أن يكون حفيظاً وحفيظاً لدينه.
قال الشبلى :موعظة القرآن لمن كان له قلب حاضر مع هللا ال يغفل عنه طرفة عين.
قال يحيى بن معاذ :القلب قلبان قلب قد احتشى باشتغال الدنيا حتى إذا حضر أمر من أمر الطاعات لم يدر ما
يصنع من شغل قلبه با لدنيا وقلب قد احتشى بأحوال اآلخرة حتى إذا حضر أمر من أوامر الدنيا لم يدر ما يصنع
لذهاب قلبه فى اآلخرة فانظر كم بين بركة تلك األوهام وشؤم هذه األشغال الفانية التى أقعدتك عن الطاعات.
قال أبو بكر الوراق :للقلب ستة أشياء حياة وموت وصحة وسقم ويقظة ونوم ،فحياته الهدى وموته الضاللة وصحته
الطهارة والصفا وعلته الكدورة والعالقة ويقظته الذكر ونومه الغفلة ولكل واحد من ذلك عالمات فعالمات الحياة الرغبة
والرهبة والعمل بهما والميت بخالف ذلك وعالمات الصحة القوة واللذة والسعى والسقم بخالف ذلك وعالمات اليقظة
السمع والبصر والتدبير والمنام بخالف ذلك.