Professional Documents
Culture Documents
تلخيص مسالة العلم بين الحقيقة والنمذجة
تلخيص مسالة العلم بين الحقيقة والنمذجة
؟ –Modelisation-ما النمذجة
تعريف النمذجة
هو التمثل الذهني لشيء ما و لكيفية اشتغاله ،و عندما نضع شيء ما في نموذج –Le Model-إن النموذج
تصرف هذا الشيء و بالتالي االستعداد لردوده .و هذا يعني أن –Simuler-نستطيع أن نقلد اصطناعيا
النمذجة ليست إال الفكر المنظم لتحقيق غاية عملية ،ذلك أن النموذج هو نظرية موجهة نحو الفعل الذي نريد
تحقيقه .و من هذا المنطلق يمكننا القول أن كل إنسان "ينمذج" في حياته اليومية و في كل لحظة ،فهو يجمع
كل الكائنات التي تحيط به بصورة ذهنية ،سواء تعلق األمر بأشياء مادية أو بأشخاص أو حتى بمؤسسات ،و
هذه الصورة الذهنية تمكنه من تركيب و تقليد سلوك موضوعه اصطناعيا لتقييم نتائج قراراته و يختار
ضمن القرارات الممكنة أفضلها ،و إذا بدا له النموذج غير مناسب يغيره بآخر .و هكذا فإن سيرورة قرار
التبضع أو سيرورة تقبل إعالم إشهاري هي مثال سيرورات قابلة ألن تنمذج .يتعلق األمر إذن بمحاولة
حصر النسق المركب المدروس الستباق ردود أفعاله بطريقة صورية و دون عودة إلى التجربة إال في
و بالتالي يتعلق األمر بوصف نسق واقي بطريقة صورية أي بالطريقة –Virtuel-.المستوى االفتراضي
التي تجعلنا قادرين على معالجته بالحاسوب .فالنمذجة هي إذن ،مبدأ أو تقنية تمكن الباحث من بناء نموذج
لظاهرة أو لسلوك عبر إحصاء المتغيرات أو العوامل المفسرة لكل واحدة من هذه المتغيرات ،فهي تمشي
علمي يمكن من فهم األنساق المركبة و المعقدة عبر خلق نموذج يكون بنية صورية تعيد إنتاج الواقع
.افتراضيا
البراديغم الوضعي :النمذجة التحليلية )1
البراديغم هو بناء نظري يوجّ ه الخطاب والبحث و رؤية العالم ،هو مجموع المبادئ األساسية التي توجه ك ّل
.فكر وك ّل نظرية وك ّل رؤية العالم
:والبراديغم الوضعي تمثله النمذجة التحليلية ،وهذا البراديغم يقوم على 3مبادئ أساسية
تدخل الذات في موضوعها .أ -الموضوعية :التي تقتضي عدم ّ
ب -الترييض :بمعنى استخدام الرياضيات في العلم ،والترييض في النمذجة التحليلية يحضر بكيفيتين اما
استخدام الرياضيات كأداة من خارج العلم بصياغة القانون وإما باستخدام المنهج الرياضي ذاته أي المنهج
.الفرضي االستنتاجي
.ت -الحتمية :بمعنى إمكانية التوقع
.البراديغم الوضعي ال يسعى فقط إلى تفسير الظواهر بل يهدف إلى التحكم فيها والفعل فيها
غير أن هذا البراديغم اختزالي من جهة كونه يختزل موضوع المعرفة العلمية فيما هو قابل للقياس أي
.يختزل النشاط العلمي في الكم الرياضي
البراديغم الوضعي ال يستطيع أن يفسّر أيضا بطريقة حتمية الظواهر الذرية إذ أن الباحث يتدخل عبر أدوات
.القيس في هذه الظواهر ويفرض تغيرات كمية على موضوع دراسته
باإلضافة إلى أزمة األسس في الرياضيات التي أدت لوضع ح ّد الدعاء الفكر الصوري الحقيقة المطلقة .ك ّل
هذه الصعوبات جعلت البراديغم الوضعي غير قادر على الفعل بدقة وعلى التحكم المطلق في الظاهرة
.المدروسة
:البراديغم البنائي :النمذجة النسقية )2
تساقطات العلم الناتجة عن عدم قدرتنا على التحكم الكلي في الظواهر المدروسة واتساع العلم يشمل نوعه
جديدا من الظواهر ال تشمله الحتمية (الظواهر الذرية والظواهر الالمتناهية في التعقيد) مع اتساع العلم
ليشمل الظواهر الالمتناهية في التركيب كان وراء ظهور النمذجة النسقية كممارسة علمية تسعى إلى تجاوز
الصعوبات التي اعترضت العلماء في البراديغم الوضعي الذي انتهى إلى انهيار اليقين العلمي وتفكيك العقل
.العلمي إلى معقوليات متفاوتة في الصرامة والدقة
والبراديغم البنائي ظهر مع ظهور ما يسمّى العلوم التطبيقية كالسيبرنيتيقا (علم التحكم والتوجيه عن بعد)
.وعلوم الهندسة واإلعالمية
وهذا يعني أن النمذجة النسقية تتقدم أساسا باعتبارها تمشيا علميا يمكننا من دراسة الظواهر المركبة ومن
مراقبتها عبر اصطناع المتغيرات الممكنة واستبدال البعض منها بالتناسب مع الفعل الذي نريد تحقيقه :يتعلق
األمر إذن في النمذجة النسقية أساسا بإرادة الفعل في الموضوع المدروس وهذا يعني أن النمذجة النسقية
:تهدف إلى
.تأويج الفعالية
.تأويج امكانية االشتغال
.التحكم في المصاريف
.تأمين التحكم في الظاهرة ومراقبتها
يتعلق األمر إذن بمحاولة حصر النسق المدروس إلستباق ردود أفعاله بطريقة صورية دون العودة إلى
التجربة إال في المستوى االفتراضي .فالنمذجة النسقية هي تمشي علمي يمكن من فهم األنساق المركبة عبر
.خلق نموذج هو بنية صورية تعيد إنتاج الواقع بطريقة افتراضية
أبعاد النمذجة
النمذجة النسقية كح ّل يمكن العلماء من دراسة الظواهر الالمتناهية في التركيب هي ذاتها منهج مر ّكب ،منهج
.تتداخل فيه 3أبعاد ال يت ّم فصلها عن بعضها إال اجرائيا تحت مقتضيات ديداكتيك (بيداغوجيا) التعليم
:البعد التركيبي )1
يتعلق األمر في هذا البعد بتحديد الشروط التركيبية لبناء النموذج .وأول هذه الشروط يتمثل في اعتبار
النموذج بنية أي شبكة عالئقية بين عناصر تتعلق بالبناء والسياق وموضع العناصر وشكلها ذلك أن النموذج
ّ
المنظر يمثل "كل" له طابع ديناميكي وقادر على االنتظام الذاتي لذلك فإن البنية تشتغل بطريقة مستقلة عن
.فهو ال يتدخل فعليا في البنية
وفي مستوى الصورنة تمكن النمذجة النسقية من مرونة في استخدام الرموز لتتمكن من اعتبار أكثر عدد
ممكن من المتغيرات ليكون الوصف كامال لذلك فإن الصورنة في النمذجة النسقية وعلى خالف النمذجة
التحليلية يمكن أن تتخذ شكال أكسيوميا صرفا (االكسيومية هي ضرب صوريّ من عرض العلم والذي يبتدأ
بجرد كامل لالوليات ثم يستنتج من هذه األوّ ليات النتائج الممكنة شرط أن ال يكون هناك تناقض بين
األوليات والنتائج) أو شكال شبه أكسيوميا كما يمكن استخدام رموز رياضية أو رموز ترتبط باللغة العادية أو
.حتى رسوم بيانية
.وفي مستوى الصورنة يمكن أن نميز بين نوعين من النماذج بحسب درجة الترييض
نماذج مادية :تترجم الظواهر التي يغيب عليها الطابع النوعي بما أن الخصائص المادية التي ترتبط ببعض •
.األشكال واأللوان والروائح ...أي الخصائص المادية التي يصعب التعبير عنها في لغة مجرّ دة
.نماذج رمزية :تترجم النسق في لغة مجرّ دة •
البعد التركيبي للنمذجة النسقية يوضح لنا إذن الشروط االبستيمولوجية لبناء النموذج والتي يمكن ارجاعها
:إلى 06شروط
التماسك -
التمام -
الثبات -
االشباع -
القطعية -
االستقاللية -
:البعد الداللي )2
يتعلق األمر بلحظة التجريب ،فالبعد الداللي يتناول العالقة التفاعلية للنموذج مع النسق الذي يمثله (الذي هو
نموذج له) وبالتالي يتعلق األمر باعتبار المسافة التي تفصل النموذج عن النسق الذي يمثله بهدف جعل
.النموذج أكثر مالءمة
يتعلق األمر إذن بعالقات العالمة الرمزية (التي تم انجازها في البعد التركيبي) مع الواقع ،فالنموذج هو
وسط بين حقل نظري وحقل تجريبي وعالقة النموذج بالواقع تبين أن الواقع ال يمكن اختزاله في نموذج
نهائي ومتعلق فليس هناك حقيقة واحدة بل هناك ع ّدة حقائق ذلك أن المنمذج يكوّ ن نماذجه انطالقا مع
المعلومات التي ينتجها هو ذاته اصطناعيا وبطريقة حرة وهذا يعني أن النمذجة النسقية تفترض أن فعل
النمذجة ليس حياديا بل أكثر من ذلك إن الذاتية معلنة وعلنية (عكس موضوعية النمذجة التحليلية) والواقع
يتم استنتاجه من مقدمات توضح قبليا .وهذا يعني أن النموذج ال يعكس الواقع في كليته وإنما يعكس الواقع
كما وقع تمثله لذلك يشترط أن يكون النموذج مرنا قابال للتغيير وثريا قابال ألن يتحوّ ل من كونه نموذج
خاص إلى كونه نموذج عا ّم شامل ألكثر من نسق وتتح ّدد الصالحية التجريبية للنموذج إما بتجارب قياسية
.عبر التمثل االصطناعي في الواقع االفتراضي وإما بالتجربة في الواقع الفعلي
:البعد التداولي )3
يتمثل البعد التداولي للنمذجة في بيان صالحية النماذج وبالتالي قابليتها للتوظيف واالستعمال .والبعد التداولي
يتمثل في النظر إلى النماذج على أنها وسائل سيطرة وتحكم وبالتالي يكشف البعد التداولي عن ارتباط
النشاط العلمي في النمذجة النسقية بالنشاط التقني ويتأ ّكد التحالف بين العلم والمصلحة .فالنموذج يضطلع
.دائما بوظيفة ،وظائف يمكن اختزالها في 3اساسية
وظيفة معرفية :إذ يمكن النموذج من تفسير النسق المدروس عبر ابراز بعض خصائصه بما أن الوصف •
.في النمذجة النسقية يرتبط بمقاصد المنمذج والعرف المراد تحقيقه وبقوانين المحيط
وظيفة توقعية :إذ يم ّكن النموذج من التوقع بردود النسق المدروس في وضعية لم تجر مالحظتها بعد •
.انطالقا من المعرفة الحاصة حول النسق في وضعية معينة
وظيفة اتخاذ القرار :يو ّفر النموذج لصاحب القرار المعطيات الضرورية التي تسمح له بإنارة القرار الذي •
.عليه اتخاذه للفعل في النسق المدروس
والنمذجة النسقية تستخدم تقنيات الواقع االفتراضي لتعويض التجارب المكلفة ،بل وأيضا التجارب التي ال
.نستطيع انجازها فعليا وتمكننا أيضا من إقامة تجارب في أماكن خطيرة
والصعوبة الجوهرية التي تعترض المنمذج في عملية التمثل االصطناعي بالحاسوب تتمثل في تحقيق
شرطين متعارضين :فمن جهة يجب أن يكون النموذج دقيقا لتحقيق نتيجة تعكس أحسن ما يمكن الواقع ومن
جهة ثانية يجب أن يكون النموذج على غاية من البساطة لنقلل أكثر ما يمكن من العمليات الحسابية حتى
.يستطيع الحاسوب أن يضطلع بها
حدود النمذجة
تتقدم النمذجة النسقية باعتبارها تمشي علمي يأتي لتجاوز ثغرات البراديغم الوضعي غير أن هذا اإلقرار
يضعنا أمام إشكاالت عديدة ،فأوّ ال إلى أي مدى يمكن القول بأننا نقطع في النمذجة النسقية كليا مع النمذجة
التحليلية؟ ثم ما مشروعية القول بتساوي النماذج في الصالحية؟ هل يعني ذلك أن ك ّل النماذج مقبولة؟ وكيف
ستكون ايتيقيا علم ال يهت ّم بالواقع إالّ من جهة الفعل فيه؟
إن الحقيقة كمعيار للمعرفة يقتضي المطابقة بين المعرفة وموضوعها هو ما ضحّ ت به النمذجة النسقية
لصالح التاريخية .والتاريخية تمثل سيرورة تظنن على مفهوم الحقيقة إذ تتعلق بإشكالية النسبية التاريخية
وبالنزوع إلى اعتبار التجربة التاريخية الطريق اإلنساني لمعرفة الحقيقة .ذلك أن النموذج الذي يتم إثبات
صالحيته ليس أبدا إال مقاربة من بين مقاربات أخرى ممكنة .ومعيار المالءمة يح ّل مح ّل الحقيقة والصواب
وهذا يعني أن المالئم هو الصالح أي النافع غير أن الصالحية ال تؤسّسُ مشروعية النموذج كنظرية علمية
.وإنما تمثل فقط مبدأ قبوله .الصالحية تعبّر عمّا يسمح به النموذج من فعل ال عن مطابقة النموذج للواقع
مشكل عالقة النموذج بالنظرية يطرحه "نيكوال بوبو" فالنماذج الوصفية أو التفسيرية تستند في الغالب إلى
نظرية علمية وقوانين علمية ثم اكتشافها في النمذجة التحليلية أما النماذج الكمية أو النماذج النوعية غايتها ال
ترتبط دائما بنظرية لذلك يستخلص "بولو" أن النمذجة هي لغة خارج النظرية العلمية بما هي لغة المهندسين
.والشركات االقتصادية والمؤسسات العسكرية
يفتخر منظرو النمذجة النسقية بأن هذا التمشي العلمي تجاوز اختزالية النمذجة التحليلية والتي تتمظهر في
ارجاعها المعقد إلى البسيط غير أن "باسكال نوفيل" كان قد بين أن استراتيجيا الفهم في النمذجة بما هي
استراتيجيا تبسيط تؤ ّدي إلى اإلهمال ،إهمال متغيرات بشكل قصدي ممّا جعل النموذج مثلما بين ذلك
"الدريار" هو ّ
تمثل يعكس غائية المنمذج وبالتالي رؤيته للواقع ،وهذا يعني أن خاصية التبسيط باإلضافة إلى
الصفة التليولوجية (الغائية) تجعل من النمذجة بالضرورة علما اختزاليا .أما إذا أضفنا إلى ذلك أن ك ّل
.نموذج يتم انجازه يتعلق بسياق معين فإن االختزالية تتأ ّكد كح ّد ابستيمولوجي للنمذجة
وهكذا يمكن القول أنه إذا كانت النمذجة تبدو اليوم رؤية ال غنى عنها في التفسير العلمي فذلك ليس ألنها
نجحت في اختراق الواقع وتفسيره بل ألنها منظومة تح ّكم متواطئة مع السلطة في مختلف اشكالها فالمنمذج
ينمذج لرجل االقتصاد ولرجل السياسة ولرجل الحرب ،أولئك األوغاد الذين يتخذون القرار ،وكما يمكن أن
نغالط باللغة الطبيعية نستطيع أن نغالط باستعمال النماذج خاصة وأن ارتباط النمذجة بالسيبرنتيقا ييسّر
تجاوز حدود الهيمنة على الطبيعة للهيمنة على اإلنسان و"أالن باديو" يذهب إلى أبعد من ذلك عندما يعلن أن
النمذجة ال تمثل السمة المميزة للعلم وإنما هي "الصورة البرجوازية للعلم" ،صورة العلم المعولم الذي ال
يخفي وال يتحرّ ج من ارتباطه العضوي برأس المال ،والنمذجة كممارسة متواطئة مع السلطة تجانب مطلب
.الكوني يما هو مطلب انساني