You are on page 1of 95

‫الجمهورٌـــــــــــة الجزا ئرٌة الدٌمقراطـــٌة الشعبٌــــة‬

‫وزارة التعلٌم العالً و البحث العلمً‬

‫جامعة العربً بن مهٌدي ‪-‬ام البواقً –‬

‫كلٌة اآلداب و اللغات و العلوم اإلجتماعٌة و اإلنسانٌة‬

‫قسم ‪ :‬اللغة العربٌة و ادابها‬

‫عنــــوان المذكــــــــرة‬

‫مذكرة مكملة لنٌل شهادة الماستر فً اللعة و االدب العربً –تخصص أدب قدٌم –‬

‫تحت إشراف األستاذة ‪:‬‬ ‫إعداد الطالبة‪:‬‬

‫عداد راضٌة‬ ‫‪-‬غــــول بسمة‬

‫الموســـــــــم الجامعً ‪:‬‬


‫‪ 1433-1432‬هـ‬

‫‪ 2012-2011‬م‬

‫‪1‬‬
‫كثير يجمو عن القمب العمى وسبحانو بعدد خمقو وما كفى‪ ،‬سوى البشر‬
‫حمدا هلل ًا‬
‫ً‬
‫محمدا صمى اهلل عميو وسمم نبيا خير‬
‫ً‬ ‫وجميع ما في الكون يرى‪ ،‬ثم تعالى وسما‪ ،‬وبعث فينا‬
‫من أحب واصطفى وبعد أىدي ىذا العمل إلى‪:‬‬
‫أروع مخموق في الوجود إلى التي عطاؤىا بال حدود " أمي الحبيبة" ما أحالىا من كممة وما‬
‫أجمميا من حدوث‪ ،‬لو انسكبت مياه الزىور وعطورىا وفي أفواىنا لما كان من لفظ " أمي"‪.‬‬
‫إلى الذي وىبني ماء الحياة‪ ،‬وأضاء لي دربي وزرع اإليمان في قمبي إليك من أعماق قمبي‬
‫ووجدان فؤادي "أبي الغالي"‪.‬‬
‫إلى من رافقتني طيمة مشواري الدراسي فكانت األخت قبل أن تكون زميمتي إلى فضيمة‬
‫شوال‪.‬‬
‫إلى أعز وأغمى الناس إخي "شوقي"‪.‬‬
‫إلى أخواتي "كميمية‪ ،‬نوال"‪.‬‬
‫وكبير إلى من تقاسمت معين تذاكر رحمتي الجامعية وكن خير‬
‫ًا‬ ‫صغير‬
‫ًا‬ ‫وكل أفراد العائمة‬
‫أنيسات لي في حياتي إلى صديقاتي ورفيقاتي‪ " :‬كنزة‪ ،‬مميكة"‪.‬‬
‫أىدي ىذا العمل إلى كل من أخاء بعممو عقل غيره وأىدي بالجواب حيرة سائميو فأظير‬
‫سماحتو وتواضع العمماء ومرجانية سماحة العارفين‪.‬‬
‫األستاذة‪ :‬راضية عداد المشرفة عمى بحثنا‪.‬‬
‫إلى رئيس قسم األدب العربي دكدوك‪.‬‬
‫والى جميع أساتذة قسم المغة واألدب العربي‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫مقدمح ‪:‬‬

‫رؼذ انُظٕص انغشد‪ٚ‬خ يٍ أثشص انُظٕص األدث‪ٛ‬خ انًزُبٔنخ يٍ ؽشف انُمبد ٔ‬


‫انذاسع‪ ٍٛ‬انز‪ ٙ‬كبَذ رٓزى ثبنغ‪ٛ‬بلبد انخبسع‪ٛ‬خ نهُض كؾ‪ٛ‬بح اليإنف ٔ ث‪ٛ‬ئزّ ٔ ظشٔف يؼ‪ٛ‬شزّ‬
‫َٔشأرّ ٔ ئَزبط خطبثّ ٔ كم يب ‪ٚ‬ؾ‪ٛ‬ؾ ثبألدة يٍ ظشٔف َفغ‪ٛ‬خ ٔ ع‪ٛ‬بع‪ٛ‬خ ٔ ربس‪ٚ‬خ‪ٛ‬خ أ٘‬
‫ثشكم ػبو أٔنذ األًْ‪ٛ‬خ نهًمبو انز٘ ق٘ل ف‪ ّٛ‬انُض‪.‬‬

‫َٔز‪ٛ‬غخ نزنك ظٓش ر‪ٛ‬بس َمذ٘ ؽذ‪ٚ‬ش ئَجُٗ ػهٗ سؤ‪ٚ‬خ عذ‪ٚ‬ذح نهُض األدث‪ ٙ‬ف‪ًٛ‬ب ػشف ف‪ٙ‬‬
‫انؼبنى انؼشث‪ ٙ‬رؾذ اعى انُمذ انفُ‪َ ْٕٔ ٙ‬مذ ٔئٌ كبٌ نى ‪ُٚ‬فظم ػٍ انُظش‪ٚ‬خ انغًبن‪ٛ‬خ ئال أَّ‬
‫أخز ف‪ ٙ‬رشك‪ٛ‬ض اْزًبيّ ػهٗ انُض ‪ٔ ،‬كبٌ يٍ انطج‪ٛ‬ؼ‪ ٙ‬أٌ َش‪ٛ‬ش ُْب ئنٗ عٕٓد انشكالَ‪ٌ٘ٙ‬‬
‫انشٔط انز‪ ٙ‬رؼزجش سفذا نّ أْى لظٕٖ ف‪ ٙ‬رطٕس انُظش‪ٚ‬خ انجُبئ‪ٛ‬خ ف‪ ٙ‬انغشد انز‪ٔ ٍٚ‬ػؼٕا‬
‫خطبؽبد رغش‪ٚ‬ذ‪ٚ‬خ كجشٖ نهُظٕص انغشد‪ٚ‬خ اػزًبدا ػهٗ انغٕٓد انغبثمخ ف‪ ٙ‬ؽمم انشكالَ‪ٛ‬خ‬
‫( ذىماذشفسكي‪ ،‬فالد مير تروب) َزكش يُٓى رواله تارخ ‪ ،‬ترينىه و غريناس‪.‬‬

‫ٔعُالؽع أَُب اػزجشَب ػهى انذالنخ انجُبئ‪ ٙ‬يٍ انُظش‪ٚ‬خ انجُبئ‪ٛ‬خ نهذساعخ – ػُذ غريناس‪-‬‬
‫ثبنخظٕص ألَّ نى ‪ُٚ‬زمم ئنٗ يب ْٕ خبسط انُض ٔ كبٌ ْذفّ ْٕ رغبٔص انًغزٕٖ انشكه‪ٙ‬‬
‫نهُض ئنٗ انجؾش ف‪ ٙ‬ا‪ٜ‬ن‪ٛ‬بد انز‪ ٙ‬رزؾكى ف‪ ٔ ّٛ‬رمبثهٓب ف‪ًٛ‬ب ث‪ُٓٛ‬ب ٔلذ اخزشَب يإنفب يٍ يإنفبد‬
‫انًؼش٘ انز‪ ٙ‬رؼزجش ػًال فش‪ٚ‬ذا يٍ َٕػٓب " سعبنخ انغفشاٌ" نزطج‪ٛ‬ك انًُٓظ انغش‪ًٚ‬بع‪ٙ‬‬
‫ػه‪ٓٛ‬ب ئعبثخ ػهٗ اإلشكبن‪ٛ‬خ انزبن‪ٛ‬خ ‪:‬‬

‫‪- 1‬ك‪ٛ‬ف رشكم انًؼُٗ ف‪ ٙ‬انشعبنخ ْٔم ‪ًٚ‬كُُب رطج‪ٛ‬ك يُٓغب َمذ‪ٚ‬ب ؽذ‪ٚ‬ضب ػهٗ َض رشاص‪ٙ‬‬
‫يضم سعبنخ انغفشاٌ؟‪.‬‬

‫ٔيب دفؼُب ئنٗ اخز‪ٛ‬بس ْزا انًٕػٕع " ثُ‪ٛ‬خ انخطبة انمظظ‪ ٙ‬ف‪ ٙ‬سعبنخ انغفشاٌ "ًْب‬
‫دافؼ‪ :ٍٛ‬األٔل ‪ٚ‬زًضم ف‪ ٙ‬ئػغبثُب ثبنشعبنخ ثبػزجبسْب لظخ خ‪ٛ‬بن‪ٛ‬خ ٔ ئٌ كبَذ ف‪ ٙ‬ظبْشْب‬
‫سعبنخ ٔانذافغ انضبَ‪ ْٕ ٙ‬يؾبٔنخ اعزٓبد ف‪ ٙ‬دساعخ ث‪ُٛٛ‬خ انخبؽت انمظظ‪ٔ ٙ‬فك انًُبْظ‬
‫انؾذ‪ٚ‬ضخ ٔنؼم ثؾضُب ْزا ‪ٚ‬ذٔس ؽٕل ئشكبن‪ٛ‬خ ال ركًٍ ف‪ ٙ‬يؼشفخ يمٕل انمٕل ٔئًَب رًكٍ ف‪ٙ‬‬
‫ك‪ٛ‬ف‪ٛ‬خ لشاءح انُض؟ ‪ٔ la façon de lire un texte‬دساعخ ثُ‪ٛ‬برّ انًخزهفخ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ٔعُؾبٔل اإلعبثخ ػهٗ ْبرّ اإلشكبن‪ٛ‬خ يٍ خالل ثؾضُب انًزٕاػغ انز٘ ارجؼُب ف‪ ّٛ‬انًُٓظ‬
‫انغش‪ًٚ‬بع‪ -ٙ‬انغ‪ًٛٛ‬بئ‪ -ٙ‬انمبئى ػهٗ انٕطف ٔ انزؾه‪ٛ‬م أيال يُب ف‪ ٙ‬أَّ ‪ٚ‬مٕدَب ئنٗ انغب‪ٚ‬خ‬
‫انًٕعٕدح ٔانطج‪ٛ‬ؼخ انًذسٔعخ انز‪ ٙ‬رؾذد انًُٓظ ؽ‪ٛ‬ش ‪ٚ‬شركض انًُٓظ انٕطف‪ ٙ‬ف‪ ٙ‬انغبَت‬
‫انُظش٘ ف‪ًٛ‬ب ‪ٚ‬شركض انًُٓظ انزؾه‪ٛ‬ه‪ ٙ‬ف‪ ٙ‬انغضء انزطج‪ٛ‬م‪.ٙ‬‬

‫ٔلذ رى رمغ‪ٛ‬ى انجؾش ؽغت يب رمزؼ‪ ّٛ‬انذساعخ ئنٗ يذخم ٔ صالصخ فظٕل أٔعضَب ف‪ٙ‬‬
‫انًذخم ثزمذ‪ٚ‬ى َشأح انمظخ ثبػزجبس أٌ انشعبنخ لظخ خ‪ٛ‬بن‪ٛ‬خ صى اَزمهُب ف‪ ٙ‬انفظم األٔل ئنٗ‬
‫رمذ‪ٚ‬ى يفبْ‪ٛ‬ى كال يٍ انخطبة ٔانمظخ ٔ أْى انًُبْظ ف‪ ٙ‬رؾه‪ٛ‬م انمظخ كًُٓظ ثشٔة‬
‫وترينىه و جيرار جنيد ‪ ،‬غريناس أيب انفظم انضبَ‪ ْٕ ٙ‬عضء خبص ثبنشعبنخ رطشلُب ف‪ّٛ‬‬
‫ئنٗ عجت رأن‪ٛ‬ف انشعبنخ ٔيظبدسْب ٔ أعهٕثٓب‪.‬‬

‫‪ٚ‬أر‪ ٙ‬انفظم انضبنش لًُب ف‪ ّٛ‬ثزطج‪ٛ‬ك يُٓظ يٍ انًُبْظ انًزكٕسح ف‪ ٙ‬انفظم األٔل ٔ ْٕ‬
‫انًُٓظ انغش‪ًٚ‬بع‪ ( ٙ‬فبػه‪ٛ‬خ انُظبو انؼبيه‪، ٙ‬انجشَبيظ انغشد٘ ‪ ،‬انًشثغ انغ‪ًٛٛ‬بئ‪) ٙ‬‬

‫ٔخزًُب انجؾش كهّ ثخبرًخ عًؼذ أْى انُزبئظ انًزٕطم ئن‪ٓٛ‬ب خالل ْبرّ انذساعخ نزهًهى‬
‫ػرساد ْزا انجُبء ٔ رظُؼّ أيبو انًزهم‪ ٙ‬يؼزًذ‪ ٍٚ‬ف‪ ّٛ‬ػهٗ ػذح يظبدس ٔ يشاعغ كهٓب رظت‬
‫ف‪ ٙ‬لبنت انًٕػٕع يُٓب ػًش ػ‪ٛ‬الٌ " ف‪ ٙ‬يُبْظ رؾه‪ٛ‬م انخطبة انغشد٘" ٔ ؽً‪ٛ‬ذ‬
‫نؾً‪ٛ‬ذاَ‪ " ٙ‬ثُ‪ٛ‬خ انُض انغشد٘"‬

‫كهٓب َبثؼخ يٍ أطٕل انُمذ انؼشث‪ ٙ‬ثبإلػبفخ ئنٗ يشاعؼخ أخشٖ يُٓب فٍ انمض ف‪ٙ‬‬
‫انُظش‪ٚ‬خ ٔ انزطج‪ٛ‬ك "نُج‪ٛ‬هخ ئثشاْ‪ٛ‬ى" ‪ " ،‬رهم‪ ٙ‬انجُ‪ٕٚٛ‬خ ف‪ ٙ‬انُمذ انؼشث‪ٔ "ٙ‬ائم انغ‪ٛ‬ذ ػجذ‪.‬‬
‫انشؽ‪ٛ‬ى‪.‬‬

‫ٔلذ كبٌ صادَب أ‪ٚ‬ؼب يغًٕػخ يٍ انًشاعغ انًزشعًخ ‪ :‬ع‪ٛ‬شانذ ثشاَظ " انًظطهؼ‬
‫انغشد٘" رشعًخ ػبثذ خضَذاس ٔ انغ‪ًٛٛ‬بئ‪ٛ‬خ أطٕنٓب ٔ لٕاػذْب رشعًخ سش‪ٛ‬ذ ثٍ يبنك ئنٗ‬
‫غ‪ٛ‬ش رنك يٍ انًشاعغ انز‪ ٙ‬أَبسد نُب انغج‪ٛ‬م خالل ئَغبصَب نٓزا انجؾش‪.‬‬

‫َٔغأل هللا انزٕف‪ٛ‬ك ف‪ ٙ‬يغؼبَب ْزا ف‪ ٙ‬اإلنًبو ٔ اإلؽبؽخ ثغٕاَت ْزِ اإلشكبن‪ٛ‬خ فُغزف‪ٛ‬ذ‬
‫ٔ َف‪ٛ‬ذ غ‪ٛ‬شَب يٍ انجبؽض‪ ٍٛ‬ف‪ ٙ‬انًٕػٕع رارّ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ٔال ‪ٚ‬فٕرُب ف‪ْ ٙ‬زا انًمبو أٌ َزٕعّ ثجبنغ انشكش ٔ انؼشفبٌ نألعزبرح انفبػهخ " ساػ‪ٛ‬خ‬
‫ػذاد" انز‪ ٙ‬نى رجخم ػه‪ُٛ‬ب ثًغبػذرٓب َٔظبئؾٓب ٔانز‪ ٙ‬سعًذ نُب ؽش‪ٚ‬ك انؾ‪ٛ‬بح انؼهً‪ٛ‬خ ٔ‬
‫ػهًزُب أٌ انجذا‪ٚ‬خ عذ ٔ كفبػ ٔ انُٓب‪ٚ‬خ َظش ٔ َغبػ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫م قدمة‪.‬‬
‫مدخل إلى فن القصة‪.‬‬
‫‪-‬نشؤة فن القصة‪.‬‬
‫‪-‬عند الؽرب‪.‬‬
‫‪-‬عند العرب '' رسالة الؽفران ''‪.‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الخطاب والقصة فً النقد البنٌوي‪.‬‬
‫‪-‬مفهوم الخطاب‪.‬‬
‫‪-‬مفهوم القصة‪.‬‬
‫‪-‬التحلٌل البنٌوي للقصة‪.‬‬
‫‪-‬مناهج تحلٌل القصة‪:‬‬
‫‪-‬منهج بروب‪.‬‬
‫‪-‬منهج كلود برٌمون‪.‬‬
‫‪-‬منهج روالن بارت‪.‬‬
‫‪-‬منهج جٌرار جٌنٌت‪.‬‬
‫‪-‬منهج ؼرٌماس‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬رسالة الؽفران‪.‬‬
‫‪-‬مضمون الرسالة‪.‬‬
‫‪-‬السبب والؽاٌة من تدوٌن الرسالة‪.‬‬
‫‪-‬مصادر الرسالة‪.‬‬
‫‪-‬أسلوب القصة‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬تطبيق المنهج الغريماسي‬
‫‪-‬داللة العنوان‪.‬‬
‫‪-‬داللة المكان‪.‬‬
‫‪-‬الجنة‪.‬‬
‫‪-‬المحشر‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪-‬النار‪.‬‬
‫‪-‬البنٌة السردٌة‪:‬‬
‫‪-‬فاعلٌة النظام العاملً‪.‬‬
‫‪-‬البرنامج السردي‪.‬‬
‫‪-‬المنظور اإلستبدالً (المربع السٌمٌابً)‪.‬‬
‫‪-‬خاتمة‬
‫‪-‬الممحق‪ :‬أبو العبلء المعري‪.‬‬

‫‪-‬قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪7‬‬
‫‪ ‬عند الغرب‬
‫‪ ‬عند العرب '' رسالة الغفران ''‬

‫‪8‬‬
‫‪- 1‬نشؤة فن القصة‪:‬‬
‫لقد تؤخر ظهور الفن القصصً فً اآلداب العالمٌة عن الملحمة والمسرحٌة‪ ،‬فالقصة‬
‫آخر األجناس األدبٌة وجودا فً تلك اآلداب وكانت أقلها خضوعا للقواعد‪ ،‬وأكثرها تحررا‬
‫من قٌود النقد األدبً‪ ،‬وكانت تلك الحرٌة سببا فً نموها السرٌع فً العصور الحدٌثة فسبقت‬
‫تلك األجناس األدبٌة األخرى فً أداء رسالة آلداب اإلنسانٌة وأصبحت فً اآلداب الكبرى‬
‫تفوق المسرحٌة وحلت مكانها اجتماعٌا وفنٌا ال ٌفصلها فٌها جنس أدبً آخر‪.‬‬
‫وإذا كانت بداٌة بزوغ النثر القصصً مع الؽرب مع ما كان ٌعرؾ بالمبلمح القصصٌة‬
‫فإن ذلك ال ٌنفً وجود نقطة تبلقً تارٌخٌة بٌن أدبنا العربً واآلداب الؽربٌة‪،‬و مما ٌندرج‬
‫فً الجنس القصصً فً أدبنا القدٌم "رسالة الؽفران" للشاعر األدبً أبً العالء المعري‪.‬‬
‫ولكن قبل التطرق لمعرفة ومعالجة هاته القصة‪ ،‬دعنا أوال نتعرؾ على كٌفٌة نشؤتها عند‬
‫الؽرب و عند العرب‪.‬عند الؽرب‪:‬‬
‫تعد المبلحم الٌونانٌة القدٌمة تمهٌدا لظهور النثر القصصً الؽربً فٌما بعد‪ ،‬نظرا‬
‫لما تضمنته من عناصر قصصٌة‪ ،‬وقد تم أول ظهور للنثر القصصً فً األدب الٌونانً فً‬
‫القرن الثانً بعد المٌبلد وكانت القصة آنذاك ذات طابع ملحمً‪ ،‬فكانت حافلة بالمؽامرات‬
‫الؽٌبٌة وبالسحر وباألمور الخارقة‪ ،‬وٌتمثل النموذج العام لؤلحداث قصص ذلك العهد فً‬
‫افتراق حبٌبٌن‪ ،‬تقوم األخطار المروعة والعقبات المإنسة حدا فاصبل بٌنهما وٌفلتان منها‬
‫بطرق تفوق المؤلوؾ‪ ،‬ثم تختتم القصة ختاما سعٌدا بالتقاء الحبٌبٌن (‪.)1‬‬

‫ومن أشهر القصص الٌونانٌة لذلك العهد قصة "‪"théagenes and chakilea‬‬
‫"نٌاجٌنس" و"خاركلٌا" وهً من تؤلٌؾ "هٌلودور الفٌنٌقً" فً القرن الثالث بعد المٌبلد(‪.)2‬‬

‫ي‪ ،‬فقد ظهرت القصة فً أواخر القرن األول بعد المٌبلد على‬ ‫وأما فً األدب البلتٌن‬
‫نحو مخالؾ للقصة الٌونانٌة فً بادئ األمر كما فً قصة " ساتٌرٌكون" التً ألفها‬
‫"بترونٌوس" وهً هجابٌة‪ ،‬تصور مؽامرات شابنة لصعلوكٌن وخادمهما‪ ،‬وتكشؾ عن حال‬

‫( ‪ -)1‬هبلل محمد غنٌمً‪" ،‬األدب المقارن"‪( ،‬د‪،‬ط)دار النهضة للطباعة والنشر والتوزٌع‪ ،‬مصر‪،‬سنة‪ 1928‬ص‪.164‬‬
‫( ‪ -)2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.164‬‬
‫‪9‬‬
‫الطبقات الفقٌرة فً عهد "نٌرون"(‪ ،)1‬وتصؾ العادات والتقالٌد فً سخرٌة مرة‪ ،‬كما تحكً‬
‫البلتٌنً بالقصة الٌونانٌة‪ ،‬وأشهر قصة‬
‫ة‬ ‫كثٌرا من حٌل السحرة واللصوص‪ ،‬ثم تؤثرت القصة‬
‫ٌمثل بها قصة "المسح" أو "الحمار الذهبً" ألفها‬

‫" ‪aplius‬أبولٌوس" فً النصؾ الثانً للقرن الثانً بعد المٌبلد‪ ،‬ولها أصل ٌونانً مجهول‬
‫المإلؾ(‪ ،)2‬وفً هذا كله كانت القصة قرٌبة من أصلها الملحمً‪ ،‬فالقاص ٌنتهج منهج‬
‫الشاعر فً نزعته إلى الواقع والقاص والشاعر كبلهما كان ٌتخٌل وٌصؾ ما ٌتخٌل‪ ،‬أكثر‬
‫مما ٌصؾ الواقع وٌواجهه‪ ،‬وكانت الجماهٌر فً عصور اإلنسانٌة األولى تهتم باألحداث‬
‫العجٌبة‪ ،‬وباألخطار الخٌالٌة‪ ،‬على حٌن ال تعبؤ بالواقع وال تحفل به وبذلك سبقت القصة‬
‫الخٌالٌة إلى وجود القصة الواقعٌة‪ ،‬كما سبق الشعر النثر الفنً وإن كان كل منهما ٌنطلق‬
‫من مورد واحد‪.‬‬

‫"الفابلٌو" إلى‬ ‫وفً العصور الوسطى األوربٌة وجدت قصص ذات طابع شعبً هً‬
‫أن ال تندرج فً القصة فً معناها الفنً‪ ،‬ولم تساعد فً تطور مفهوم القصة بعامة‪ ،‬وأهم ما‬
‫نعنً بذكره هنا من قصص العصور الوسطى وشطرا من عصر النهضة‪.‬‬

‫"أفٌدٌوس ‪43("avidius‬ق‪.‬م‪18-‬ق‪.‬م) كتابا أسماه "فن‬ ‫وفً األدب الرومانً ألؾ‬


‫الحب" ٌعلم فٌه الرجال كٌؾ ٌحظون بحب النساء‪ ،‬وٌعلم النساء كٌؾ ٌكتسبن مودة الرجال‬
‫على طرٌقه لم ٌلتزم فٌها حدود الخلق‪ ،‬ولم ٌراع فٌها أٌة مكانة للمرأة‪ ،‬والمإلؾ فً هذا‬
‫الكتاب مستهتر ماجن ٌدمػ عصره بالفسق والفجور ومن الناحٌة اكتسب الكتاب صورة‬
‫هجاء اجتماعً‬

‫أما فً القرن السادس عشر والسابع عشر فً أوروبا وجد جنس جدٌد من القصص‪،‬‬
‫خطا بالقصة خطوات نحو الواقع‪ٌ ،‬طلق علٌه قصص الشطار‪ ،‬ووجد أول ما وجد فً‬
‫أسبانٌا‪ ،‬وهو قصص العادات والتقالٌد للطبقات الدنٌا فً المجتمع‪ ،‬وتسمى فً األسبانٌة‬
‫"‪ ،"picaresca‬وتختص بؤن المؽامرات فٌها ٌحكٌها المإلؾ على لسانه‪ ،‬كؤنها حدثت له‪،‬‬
‫وهً ذات صبؽة هجابٌة للمجتمع ومن فٌه‪ ،‬وٌسافر فٌها البطل (المإلؾ) على ؼٌر منهج‬
‫( ‪-)1‬‬
‫المرجع نفسه‪،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫( ‪-)2‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.165-164‬‬
‫‪10‬‬
‫فً سفره‪ ،‬وحٌاته فقٌرة بابسة ٌحٌٌاه ا على هامش المجتمع‪ ،‬وٌضل ٌنتقل بٌن طبقاته لٌكسب‬
‫قوته وهو ٌحكم على المجتمع من وجهة نظره هو حكما تظهر فٌه األثرة واالنطواء على‬
‫النفس‪ ،‬وقصر النظر فً اعتبار األشٌاء من الناحٌة الؽرٌزٌة النفعٌة‪ ،‬فكل ما ٌعارضه فهو‬
‫خبٌث‪ ،‬ومن ٌمنحه اإلحسان فهو خٌر‪ ،‬وأول قصة من هذا الجنس القصصً فً األدب‬
‫اإلسبانً هً قصة عنوانها " السارٌودي تورمس وحظوظه ومحنه" وهً قصة شبع من‬
‫واقع الحٌاة فً الطبقات الدنٌا‪ ،‬وتصفها كما ٌملٌها منطق الؽرابز الصرٌح‪ ،‬وهً معارضة‬
‫لقصص الرعاة السالفة الذكر وتسٌر على نقٌضها‪ ،‬ألنها تصؾ وقابع مثالٌة‪ ،‬بٌنما هً‬
‫تصؾ واقعا ال مثالٌة فٌه وال أمل(‪.)1‬‬

‫وفً أواخر القرن الثامن عشر نهضت القصة فً اآلداب الكبرى األوروبٌة‪،‬‬
‫فتطورت قصص العادات والتقالٌد السابقة الذكر‪ ،‬فنتج عنها ما ٌسمى القصص ذات القضاٌا‬
‫االجتماعٌة وبذلك سبقت القصة المسرحٌات فً مجال الثورة االجتماعٌة‪ ،‬فؤصبح وصؾ‬
‫التقالٌد وسٌلة إلجبلء الحقابق‪ ،‬و الكشؾ عن النواحً النفسٌة فً الفرد‪ ،‬ثم النواحً‬
‫االجتماعٌة فً مختلؾ الفبات بؽٌة إنصافهم فً المجتمع وصارت القصص بذلك ذات‬
‫صبؽة دٌمقراطٌة فً عبلج مشكبلت الشعب‪ ،‬وقامت بؤخطر دور فً لؤلدب فً الحضارة‬
‫الحدٌثة(‪.)2‬‬

‫وفً العصر الرومانتٌكً ساعدت العاطفة أو الفلسفة العاطفٌة على الدعوة إلى حقوق‬
‫الفرد فً المجتمع على لسان شخصٌات القصة فً األدب الفرنسً واإلنجلٌزي‪ ،‬وكانت هذه‬
‫الدعوة هً جوهر الرومانتٌكٌة فً ناحٌتها االجتماعٌة‪ ،‬وفٌها وضح اتجاهان كانا ٌتبلقٌان‬
‫آخر األمر‪ ،‬هما الكشؾ عن حالة الفرد فً حقوقه المهضومة التً تتطلب تؽٌٌر النظم‬
‫القابمة فً ذلك الحٌن‪ ،‬ثم ما تستلزمه سعادة الفرد بعد ذلك من تعاون اجتماعً ثم نوع‬
‫جدٌد‪ ،‬وتشابهت هذه القضاٌا فً اآلداب المختلفة فً العصر الرومانتٌكً وكانت تدور حول‬

‫( ‪-)1‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.173‬‬
‫( ‪-)2‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.175‬‬
‫‪11‬‬
‫إثارة الرحمة بالبابسٌن‪ ،‬واالعتداد بحقوق الفرد فً وجه المجتمع‪ ،‬ثم الحد من حقوق‬
‫الطبقات األرستقراطٌة(‪.)1‬‬

‫‪ - 1- 1‬عند العرب‪:‬‬

‫أما فً األدب العربً فلم ٌكن فً قدٌمه للقصة شؤن ٌذكر وكان لها مفهوم خاص لم‬
‫ٌنهض بها ولم ٌجعلها ذات رسالة اجتماعٌة وإنسانٌة‪ ،‬على أن القصة فً األدب العربً‪ ،‬لم‬
‫تكن من جوهر األدب كالشعر والخطابة والرسابل مثبل‪ ،‬بل كان ٌتخلى علٌها كبار األدباء‬
‫لؽٌرهم من الوعاظ وكتاب السٌر والوصاٌا‪ٌ ،‬رٌدونها شواهد قصٌرة على وصاٌاهم وما‬
‫ٌسوقون من حكم‪ ،‬وقد ٌكون لذلك صلة بنبوغ كثٌر من مسلمً إٌران فً القصص‬
‫والمواعظ العربٌة مما كانوا ٌجٌدون اللؽتٌن‪ :‬العربٌة والفارسٌة على ما ٌروي الجاحظ مثل‬
‫الخطباء القصاصٌن من أسرة الرقاشً ومثل موسى األسواري وكان هإالء ٌفٌدون عن‬
‫إطرابهم على قصص الشهنامه(‪.)2‬‬

‫ومن عٌون األدب العربً قدٌما مما ٌمت بصلة للقصة والمقامات ورسالة التوابع‬
‫والزوابع‪ ،‬قصة حً بن ٌقضان ورسالة الؽفران(‪.)3‬‬

‫أما ألؾ لٌلة ولٌلة فهً مدونة فً عصور مختلفة والمقطوع به أن الكتاب فً أصله‬
‫كان معروفا لدى المسلمٌن قبل منتصؾ القرن ‪10‬م وٌشهد المسعودي وابن الندٌم أن الكتاب‬
‫فً أصله مترجم عن الفارسٌة ولكن المسعودي ٌقرر أن األدباء فً عهده تناولو ا هذه‬
‫الحكاٌات بالتنمًق والتهذٌب وصنفوا فً معناها ما سٌهمهم فؤصل الكتاب كان مدونا ثم نزل‬
‫األدب الشعبً "الفلكلوري" وؼٌر منه وزٌد فٌه (‪.)4‬‬

‫وقد تنوعت األعمال القصصٌة التً تشٌر إلى االتجاه المحافظ وتستلهم التراث و ما‬
‫فٌه من ألوان قصصٌة مثل المقامات فً العصر العباسً وبواكٌر الفن القصصً فً هذا‬
‫العصر تعود إلى "رسالة الؽفران" التً ألفها أبو العبلء المعري عام ‪424‬ه فً معرة‬

‫( ‪ -)1‬ؼنٌمً هبلل"االدب المقارن"ص‪176_175‬‬


‫( ‪ -)2‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.176‬‬
‫(‪ -)3‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.176‬‬
‫( ‪ -)4‬المرجع السابق ص‪.176‬‬
‫‪12‬‬
‫النعمان ٌوم كانت حاالت العصر السٌاسٌة واالجتماعٌة والدٌنٌة فً تقهقر وانهٌار فبل ؼرو‬
‫أن ٌتؤثر المعري بواقع عصره فٌتحدث عن الزنادقة والمتبٌٌن وعن أصحاب الفرق وٌعكس‬
‫مظاهر الحٌاة األدبٌة(‪.)1‬‬

‫و هً رسالة كتبها صاحبها جوابا على رسالة وجهها إلٌه احد معاصرٌه فً حلب‬
‫ٌدعى على بن منصور بن طالب الملقب بدوخلة قال عنه من شاهده ببؽداد كان شٌخا من‬
‫شٌوخ األدب "رواٌة األخٌار" وحافظا لقطعة كبٌرة من اللؽة واألشعار‪ ،‬قوما بالنحو وقد‬
‫درس ابن القارح على شٌوخ اللؽة فً الشام وبؽداد‪ ،‬وٌكسب بالتعلٌم فً الشام ومصر(‪،)2‬‬
‫سؤل فٌها أبا العبلء عن الزندقة والزنادقة فؤجابه المعري برسالة أٌضا ضمنها مهارته فً‬
‫تقلٌب الكبلم وأظهر فٌها معارفه الواسعة ما ٌعجب والرسالة قسمان (‪:)3‬‬

‫‪ ‬رواٌة الؽفران‪.‬‬
‫‪ ‬الرد على ابن القارح‪.‬‬

‫أما رواٌة الؽفران هً رسالة فً شكل قصة ٌحلى فٌها أبو العبلء عن ابن القارح فقد‬
‫تخٌل أنه ؼفر له ٌوم القٌامة فؤدخل الجنة فراح ٌطوق فً جنابنها وٌنعم بطٌباتها وٌجتمع‬
‫بطابفة من شعراء الجاهلٌة واإلسبلم وٌسؤلهم كٌؾ نالوا الؽفران ومن ذلك اسم الرسالة‬
‫وٌعقد معهم المجالس األدبٌة ثم ٌنقل إلى جنة العفارٌت‪ ،‬فإلى الجحٌم ومن الجحٌم ٌعود إلى‬
‫الجنة‪.‬‬

‫وأما الرد على ابن القارح فٌتضمن تحلٌبل لبدع العصر ومذاهبه بحثا فً األشخاص‬
‫الذٌن جاء ابن القارح على ذكرهم فً حملة الزنادقة والملحدٌن فٌوافقه أبو العبلء فً‬
‫بعضهم وٌدافع عن بعضهم اآلخر كل ذلك فً أسلوب مرسل خال من السجع بخبلؾ‬
‫األسلوب المسجع الذي اعتمده الكاتب فً القسم األول من الرسالة(‪.)4‬‬

‫فرسالة الؽفران مزٌج من قصص ووصؾ ونقد وعلم وفلسفة وتارٌخ ودٌن وأما‬
‫القصص فطرٌق حافل بالحوار ولكنه ممل وأما الوصؾ فؤؼرقه فً التخٌل واإلعراب وأما‬
‫( ‪ -)1‬جورج ؼرٌب‪" ،‬من التراث العربً"‪ ،‬دار الثقافة للنشر و التوزٌع‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1972 ،1‬م‪ ،‬ص‪.145‬‬
‫( ‪ٌ -)2‬اقوت الحموي‪" ،‬معجم األدباء"‪ ،‬دار الكتاب العلمٌة‪ ،‬بٌروت‪ ،‬مج ‪1991 ،4‬م‪ ،‬ص‪.331‬‬
‫( ‪ -)3‬سحر الخلٌل‪" ،‬مختارات من النثر العربً"‪ ،‬دار البداٌة للنشر‪ ،‬ط‪2011 ،1‬م‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫( ‪ -)4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫‪13‬‬
‫النقد فشامل لؤلدب والدٌن والتقالٌد واألحوال االجتماعٌة وهو الذع‪ ،‬حافل بالتهكم والسخرٌة‬
‫وهو فً أمور األدب ٌمتدح باالبتكار واالتزان وتبكر الؽلو وتنافر األلفا ظ وصور القوافً‬
‫وما إلى ذلك وأما للعلم والفلسفة والتارٌخ فرسالة الؽفران بحر واسع وأبو العبلء موسوعة‬
‫كبرى ال ٌنصب لها معٌن وال ٌبلػ لها ؼور (‪.)1‬‬

‫وبالتالً لم تكن الؽاٌة من القصة المسجعة تحلٌل وضع معقد وال تقوٌم سلوك ملتق‪،‬‬
‫وإنما كانت مجرد وسٌلة إلظهار سعة المعرفة فً شإون اللؽة أو سببل إلى إثبات القدرة‬
‫على التصرؾ بفنون الكبلم‪.‬‬

‫( ‪ -)1‬حنا الفاخوري‪" ،‬الجامع فً تارٌخ األدب العربً‪ ،‬ص‪.849‬‬


‫‪14‬‬
‫مفهوم الخطاب‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫مفهوم القصة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫التحلٌل البنٌوي للقصة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫مناهج تحلٌل القصة‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫منهج بروب‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫منهج كلود برٌمون‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫منهج روالن بارت‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫منهج جٌرار جٌنٌت‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫منهج غرٌماس‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ .1‬مفهوم الخطاب ‪:discours‬‬
‫« الخطاب وحدة متجانسة مع األهداؾ التً من أجلها وجد‪ ،‬وله الدور الكبٌر فً تمٌز‬
‫الكبلم وحضوره مع المتلقً الذي ٌشارك فً صناعته‪ ،‬وخدمة أهدافه ومرامٌه‪ ،‬مع‬
‫مقتضٌات السرد ومتطلباته»(‪.)1‬‬
‫والخطاب حٌن ٌقرأ قراءة تداولٌة‪ٌ ،‬تجه فً معناه إلى‪ ":‬تحرٌر المقاصد التً ٌهدؾ‬
‫العمل األدبً إلى تكرٌسها فً ذهن من ٌتوجه إلى مخاطبته‪...‬وأٌضا توظٌؾ القوانٌن التً‬
‫تجعل من النص حامبل شفرات جمالٌة‪ٌ...‬نطوي علٌها مفهوم النص األدبً (الخطاب)(‪.)2‬‬
‫وهل ٌمكننا بعد ذلك كله قبول رأي " طه حسٌن" فٌما ٌسمٌه قدٌما بالكبلم على أنه‬
‫الخطاب الذي ٌنقسم إلى نظم ونثر‪ ،‬لكل مقاٌٌسه وأبجدٌاته وأحكامه‪ٌ ،‬قول‪ «:‬فتقسٌم‬
‫الكبلم(الخطاب) إلى شعر ونثر لٌس ٌكفً‪ ،‬بل ٌجب أن ٌنقسم الكبلم(النص) إلى شعر‬
‫وخطابة وكتابة‪ ،‬وهً التً تعوّ دنا أن نعبر عنها أحٌانا بالنثر الفنً فً الكتب والرسابل»‪.‬‬
‫وقد عرؾ مصطلح "خطاب" تداوال كبٌرا فً مختلؾ المجاالت نظرا لمدلوالته‬
‫المتداخلة والمتقاربة وهو ٌعنً‪:‬‬
‫‪ -‬الكبلم بمفهوم دو سوسٌر ‪"de soussure‬وحدة مساوٌة للجملة أو أكبر منها فهو‬
‫تسلسل ٌحمل رسالة لها بداٌة ولها نهاٌة وهو ما ٌوافق الملفوظ بل لٌس إال مرادفا‬
‫له"(‪.)3‬‬
‫‪" -‬مفهوم باعتبار الم آل الذي تمارس فٌه اإلنتاجٌة‪ ،‬وهذا الم آل هو الطابع السٌاقً‬
‫‪...‬عبر الموقع الذي ٌحدد قٌما جدٌدة لوحدات اللسان"(‪.)4‬‬
‫تشترك هذه التعارٌؾ فً تحدٌدها للخطاب كظاهرة لؽوٌة‪ ،‬وبإمكاننا أن نقول إن‬
‫الخطاب انطبلقا مما سبق‪-‬هو ظاهرة لؽوٌة تواصلٌة ٌفرض موضوعه ببنٌتها إذ ٌنقسم‬
‫(‪ -)1‬مجلة كلٌة األدب والعلوم اإلنسانٌة‪ ،‬باتنة‪ -‬الجزابر‪ ،‬محمد زرمان‪ ،‬ص‪.165‬‬
‫(‪ -)2‬ناظم عودة‪"،‬نقص الصورة (تؤوٌل ببلؼة السرد)"‪ ،‬المإسسة العربٌة للدراسات والنشر‪ ،‬بٌروت‪ ،‬دار الفارس‪ ،‬عمان‬
‫األردن‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫(‪ -)3‬طه حسٌن‪" ،‬الشعر والنثر"‪ ،‬دار المعارؾ‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪( 12‬د‪-‬س)‪ ،‬ص‪.42-41‬‬
‫(‪ -)4‬سعٌد ٌقطٌن‪ ،‬تحلٌل الخطاب الروابً‪ -‬الزمن‪ -‬السرد‪ -‬النثر‪ ،‬المركز الثقافً العربً للطباعة والنشر‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫ط‪ ،1993،2‬ص‪.23-22‬‬
‫‪16‬‬
‫إلى خطاب أدبً و ؼٌر أدبً‪ -‬وٌتعٌن مفهوم الخطاب لدى ؼرٌماس ‪ Aj.Greimes‬على‬
‫أنه مرادؾ للنص(‪)1‬ومن الباحثٌن الذٌن ربطو هذٌن المصطلحٌن بول رٌكور حٌث‬
‫ٌطلق كلمة نص على كل خطاب تم تثبٌته بواسطة الكتابة (‪.)2‬‬
‫‪ .2‬القصة‪:‬‬
‫ٌتفرع النص السردي إلى أنواع حسب األنواع األدبٌة‪ ،‬ومن أكثرها شٌوعا الخطاب‬
‫السردي القصصً الذي ٌطرح بدوره إشكاال على مستوى تقسٌم التحلٌل فٌقسمه بعض‬
‫المحللٌن إلى ثنابٌة شكل‪ /‬مضمون وٌقسمه بعضهم إلى ثبلثٌة قصة‪ /‬حكاٌة‪ /‬سرد‪.‬‬
‫«وإذا كانت الحكاٌة هً أحداث مرتبة فً زمن متوال فإن القصة (الحسٌة لدقة) لن‬
‫تكون سوى نقل شفوي لهذه الحكاٌة وللخطاب السردي‪:‬‬
‫فالقصة = الحكاٌة‪.‬‬
‫القصة = الخطاب السردي‪.‬‬
‫وبالتالً فالقصة(فعل لؽوي بالطبع) وخطاب ولٌست نصا فقط» ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫تحلٌل القصة بوصفها طرٌقة لتمثٌل الحكاٌات ٌفترض أن ٌكون التمٌز مقبوال وهو أمر‬
‫نجده متطابقا تحت تحت صٌاؼة متفرقة قلٌبل بٌن األحداث المروٌة والخطاب الذي ٌروٌها‪:‬‬

‫الشكبلنٌٌن الروس‪.‬‬ ‫حكاٌة‪ /‬موضوع‬


‫قصة‪ /‬خطاب‪ .‬شاتمان‬
‫برٌمون – كنان‪.‬‬ ‫أحداث‪ /‬نص‬
‫سٌرج‪.‬‬ ‫حكاٌة‪ /‬خطاب‬
‫(‪)4‬‬
‫جٌرار جٌنٌت‪.‬‬ ‫حكاٌة‪ /‬قصة‪ /‬سرد‬

‫(‪ -)1‬عبد الواسع الحمٌري‪" ،‬الخطاب والنص"‪ ،‬المإسسة الجامعٌة للدراسات‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،2008 ،1‬ص‪.92‬‬
‫(‪ -)2‬صبلح فضل‪" ،‬ببلؼة الخطاب وعلم النص"‪ ،‬مطابع السٌاسة‪ ،‬الكوٌت‪1992 ،‬م‪ ،‬ص‪.237‬‬
‫(‪ -)3‬أوروا لد دٌكور‪ ،‬جان ماري سطاٌم‪" ،‬القاموس الموسوعً الجدٌد لعلوم اللسان"‪ ،‬ترجمة منذر عٌاشً‪ ،‬المركز‬
‫الثقافً العربً‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪2003 ،1‬م‪ ،‬ص‪.210-209‬‬
‫(‪ -)4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪211 .‬‬
‫‪17‬‬
‫‪_3‬البنٌوٌة‪:‬‬
‫ٌطلق مصطلح البنٌوٌة على مجموعة من الدراسات اللسانٌة التً قام بها علماء اللؽة‬
‫فً بداٌة القرن ‪ 20‬وهً دراسات قد جعلت من اللسانٌات علما موضوعه اللسان واللؽات‬
‫الطبٌعٌة‪.‬‬
‫وقد تطلق اللسانٌات البنٌوٌة على اللسانٌات األمرٌكٌة البلومفٌدي (‪)1‬هً مد مباشر من‬
‫األلسنٌة "علم اللؽة" ‪ langustic‬وٌقؾ السوٌسري دي سوسٌر على صدارة هذا التوجه‬
‫النقدي وذلك منذ اخذ بتعرٌؾ اللؽة على أنها نظام من اإلشارات ) ( ‪ signs‬وهذه اإلشارات‬
‫هً أصوات تصدر من اإلنسان وال تكون بذات قٌمة إال إذا كان صدورها للتعبٌر عن فكرة‬
‫أو لتوصٌلها وهذا جعل سوسٌر ٌركز على البحث فً طبٌعة اإلشارة من حٌث هوٌتها ومن‬
‫حٌث وظٌفتها( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ٌفرق "دي سوسٌر" بٌن كل من اللؽات ‪ )langage( languages‬و"اللؽة" ‪،langue‬‬


‫(‪ )langue‬و"الكبلم" ‪ )speech( parole‬وهذه التفرقة كان لها أثر بعٌد سواء على األلسنة‬
‫ذاتها أو على تعلم اللؽات أو على البنٌوٌة نفسها فٌما بعد خاصة عندما تم التوسع فً‬
‫(‪)3‬‬
‫استخدام هذه التفرقة باالعتماد على القٌاس كما ٌذكر "لٌونارد جاكسون"‬
‫وٌجعل "دي سوسٌر" مهمة األلسنً فً ظل هذه التفرٌقات هً البحث فً اللؽة‬
‫ودراستها‪ ،‬ولٌس البحث فً "الكبلم" ومن خصابص اللؽة عنده أنها منتج اجتماعً ‪social‬‬
‫‪ Product‬هً لٌست من صنع الفرد وإنما فً الحقٌقة تعود إلى المجتمع كله إذ ٌساهم فً‬
‫إنتاج "اللؽة" جمٌع أفراد المجتمع‪.‬‬
‫النص األدبً نظام مؽلق لسانٌا وداللٌا وٌشكل من مجموعة من الوحدات المحددة‬
‫والدالة التً تجعلها بمثابة عبلمة والقراءة البنٌوٌة تعمل على ضبط الوحدات المكونة‬
‫للمضمون فٌه تم تصنٌفها ضمن مستوٌات ومراتب متجانسة وتعٌٌن المستوٌات الداللٌة‬
‫والصوتٌة والتركٌبة المكونة للخطاب السردي ثم تنظٌم هذه الوحدات المكونة وفق نظام‬
‫محدد فالنص من هذا المنظور لم ٌعد مجرد سلسلة من الوحدات المضمونٌة أو المتتالٌة من‬

‫(‪ -)1‬نور الهدى لوشن‪ " ،‬مباحث فً علم اللؽة ومناهج البحث اللؽوي"‪ ،‬المكتبة الجامعٌة‪ ،‬اإلسكندرٌة‪ ،‬ط‪،2000 ،1‬‬
‫ص‪_)2( .302‬عبد هللا الؽدامً"الخطٌبة و التكفٌر من البنٌوٌة إلى التشرٌحٌة "المركز الثقافً العربً‪،‬المؽرب ط‪، 6‬‬
‫‪ 2006‬ص‪30‬‬
‫‪18‬‬
‫الكلمات بل هو تمظهر خطابً لمجموعة من األنظمة العبلمٌة المتناسقة ضمن البنٌة‬
‫اللسانٌة والبنٌة الثقافٌة(‪.)1‬‬
‫من خصابص الدراسة البنٌوٌة أن ٌعتمد عالم اللؽة على التحلٌل المحاٌث والمحاثٌة من‬
‫أهم السمات البنٌوٌة ومعناها فً عرؾ المدارس البنٌوٌة أن النص‪-‬أو الملفوظ‪ -‬ال ٌحلل إال‬
‫انطبلقا من خواصه الداخلٌة معنى ذلك أن الملفوظ ال ٌمكن وهدفه انطبلقا من الدوافع‬
‫النفسٌة أو االجتماعٌة أو السٌاسٌة التً دفعت بالمتكلم إلى إنتاج هذا الملفوظ‪ ،‬وال انطبلقا‬
‫من الظروؾ والسٌاقات التً حقت به(‪.)2‬‬
‫ومن خصابصها أٌضا أن الظاهرة ال تكون ظاهرة لسانٌة حتى تكون وحدة عمادها‬
‫ركنان البد ألحدهما من األخر وهما الدال والمدلول وأن تكون العبلقة اعتباطٌة كما حددها‬
‫دي سوسٌر أو عبلقة موجبة‪.‬‬
‫أن ٌنبنً علم اللؽة على دراسة الملفوظات المحققة وهو ما ٌسمى بالمدونة وفق منهج‬
‫تحلٌل شكلً(‪.)3‬‬
‫‪ .3‬مناهج تحلٌل القصة‪:‬‬
‫أ ‪ -‬منهج بروب ‪:v.propp‬‬
‫كان لدراسة "فبلدمٌر بروب" للخرافة الروسٌة مورفولوجٌة الخرافة ‪morphologie‬‬
‫‪ du conte‬أثر كبٌر فً مناهج تحلٌل الخطاب القصصً حٌث استندت دراسته إلى تحلٌل‬
‫بنٌة الخرافة الشكلٌة وفقا لمثال وظابفً ٌتضمن واحدة وثبلثٌن وظٌفة‪ ،‬وٌعنً بالوظٌفة‬
‫"عمل الفاعل من حٌث معناه فً مجرى القصة" (‪ ،)4‬وٌقوم التحلٌل على مبدأ الثبات والتؽٌٌر‬
‫حٌث تتؽٌر أسماء الشخصٌات فً حٌن تبقى وظابفها قارة‪ ،‬وهً بنٌة تنطبق على كل‬
‫الخرافات‪ ،‬والجدٌر بالذكر أن هذه البنٌة الشكلٌة تشبه إلى حد كبٌر سنة القصة القرآنٌة‬
‫الخارجٌة‪.‬‬

‫(‪ -)1‬عمر عٌبلن‪" ،‬فً مناهج تحلٌل الخطاب السردي"‪ ،‬سلسلة الدراسات(‪ ،2008 ،)2‬ص‪.27‬‬
‫(‪ -)2‬نور الهدى لوشن‪ " ،‬مباحث فً علم اللؽة ومناهج البحث اللؽوي"‪ ،‬المكتبة الجامعٌة‪ ،‬اإلسكندرٌة‪ ،‬ط‪،2000 ،1‬‬
‫ص‪.304‬‬
‫(‪ -)3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.303‬‬
‫_)‪(4‬‬
‫‪V lachimier propp: morphologie du cont, trad, m.Derrical et T.todorr, C.kalma, edition du‬‬
‫‪seuil, paris, 1970, p 30.‬‬
‫نقبل عن عمر عٌبلن "فً مناهج تحلٌل الخطاب السردي "ص ‪52‬‬
‫‪19‬‬
‫وتستمد دراسة بروب "‪ "Propp‬أهمٌتها من تطوٌر ؼرٌماس " ‪ "Greimas‬لها‪ ،‬إذ قلص‬
‫عدد الوظابؾ إلى ستة عناصر وفقا لنظام الفواعل و تتمثل فً "فاعل‪ ،‬موضوع‪ ،‬مرسل‪،‬‬
‫مرسل إلٌه‪ ،‬مساعد (مساند)‪ ،‬مضاد" وقد قدم ؼرٌماس نقده لمثال بروب فً جملة من‬
‫مإلفاته منها مقدمته لمدخل إلى السٌمٌابٌة السردٌة والخطابٌة ل"جوزٌؾ كورتٌس" حٌث‬
‫بٌن ثؽرات المنهج الوظابفً‪ ،‬وقد قدم بدٌله المتمثل فً المبادئ األساسٌة لنظرٌته فً تحلٌل‬
‫الخطاب السردي القصصً علما أن ؼرٌماس "‪ "Greimas‬لٌس الوحٌد من انتقد هذا المنهج‪.‬‬
‫ب_منهج كلود برٌمون ‪:Cloude Bremond‬‬
‫ٌلجؤ كلود برٌمون فً تحلٌله للقصة إلى تقسٌمها قسمٌن تحلٌل تقنٌات السرد أوال‬
‫والبحث عن القوانٌن التً تحكم هذا العالم المحكمً ثانٌا‪.‬‬
‫ٌوضح برٌمون اقتراحه انطبلقا من تقدٌم تصور خاص للمتتالٌة الحكابٌة البسٌطة‬
‫وللقانون الذي ٌحكمها فكل متتالٌة متحققة فً الحكً البد أن تمر بثبلث مراحل (‪:)1‬‬
‫‪- 1‬وضعٌة تفتح إمكانٌة سلوك ما أو حدث ما‪.‬‬
‫‪- 2‬االنتقال إلى بداٌة الفعل بالنسبة لتلك اإلمكانٌة وٌتجلً ذلك فً شكل سلوك ٌستجٌب‬
‫للتحرٌض الذي تتضمنه الوضعٌة األولى‪.‬‬
‫‪- 3‬نهاٌة الحدث الذي ٌؽلق مسار المتتالٌة إما بالنجاح أو الفشل‪.‬‬
‫والواقع أن كل مرحلة لها احتمبلن اثنان‪:‬‬
‫نفتح إمكانٌة حصول الفعل‪.‬‬ ‫المرحلة األولى‬
‫أو ال نفتح إمكانٌة حصول الفعل‪.‬‬
‫تحقق اإلمكانٌة‪.‬‬ ‫المرحلة الثانٌة‬
‫أو ال تتحقق اإلمكانٌة‪.‬‬
‫تحقق النتٌجة‪.‬‬ ‫المرحلة الثالثة‬
‫أو ال تتحقق النتٌجة‪.‬‬

‫(‪ -)1‬حمٌد لحمٌدانً‪" ،‬بنٌة النص السردي من منظور النقد األدبً"‪ ،‬المركز الثقافً العربً للطباعة والنشر والتوزٌع‪،‬‬
‫ط‪2000 3‬م‪ ،‬ص‪.174‬‬
‫‪20‬‬
‫فؤحداث الحكً فً نظربرٌمون ٌمكنها أن ترتب وفق نمطٌن أساسٌٌن وذلك بالنظر إلى‬
‫كونها تهٌا الشروط المبلبمة لتحقق الشًء أو تعمل على معاكسة هذا التحقق وهذان‬
‫النمطان هما نمط التحسٌن ‪ Amélioration‬ونمط االنحطاط ‪ Dégradation‬وتوزع‬
‫اإلمكانات علٌهما وفق الشكل التالً(‪:)1‬‬

‫تحسٌن محصل علٌه‬ ‫مسار التحسٌن‬


‫تحسٌن مطلوب‬
‫تحسٌن ؼٌر محصل علٌه‬ ‫ؼٌاب مسار التحسٌن‬
‫انحطاط حاصل‬ ‫مسار االنحطاط‬
‫انحطاط متوقع‬
‫انحطاط متحاشً‬ ‫ؼٌاب مسار االنحطاط‬

‫ٌستخدم برٌمون مصطلحات كثٌرة وؼٌر ثابتة لتحدٌد األدوار األساسٌة فً الحكً‪،‬‬
‫وفً كتابه منطقً الحكً ٌستخدم ستة مصطلحات تتعلق باألدوار الربٌسٌة‪ ،‬تستطٌع أن‬
‫تقارنها مع مقاببلتها عنذ ؼرٌماس وعند بروب‪ ،‬ألن برٌمون ال ٌخرج كثٌرا عن‬
‫التحدٌدات التً سبق إلٌها بقدر ما نراه ٌبحث عن مصطلحات أخرى مقاربة (‪.)2‬‬
‫عند برٌمون‪ :‬منفعل (‪ ،)patient‬فاعل (‪ ،)agent‬محرض (‪ ،)influenceur‬حامً‬
‫(‪ ،)protecteur‬محبط (‪ ،)frustrateur‬محصل اإلستحقاق (‪.)acquéreur‬‬
‫ج‪ -‬منهج روالن بارت‪:‬‬
‫عمل "روالن بارت" على فتح المجال النصً على القراءة الجدٌدة التً تإسس‬
‫المنظورات تمنح الحرٌة للقارئ فً كشؾ وسبر أؼوار النصوص اإلبداعٌة المختلفة‪،‬‬
‫وفق مسار منتظم ومإطر بآلٌة البحث عن نسق ناظم‪.‬‬
‫فقد حاول "روالن بارت" التوجه إلى البنٌوٌة من أجل الحصول على إجابات‬
‫ألسبلته خاصة فً ظل ما كشفت عنه من وجود مبلمح مشتركة بٌن القصص المتعددة‬

‫(‪ -)1‬المرجع انغبثك‪ ،‬ص‪.41‬‬


‫(‪ -)2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.42‬‬
‫‪21‬‬
‫على نحوما كشؾ عنه "بروب" من قبل (‪ ،)1‬حٌث توصل إلى جملة من النتابج القابلة‬
‫لئلنجاز فً مستوى تحلٌل هذه المستوٌات التً تتمظهر من خبللها السرد تمثل بنٌة‬
‫متشابكة تحكمها عناصر تحلٌلٌة هً‪ :‬مستوى الوظائؾ‪ ،‬مستوى األفعال‪ ،‬مستوى‬
‫السرد أو الخطاب السردي‬
‫أ_مستوى الوظائؾ‪:‬‬
‫ٌعود الفضل فً تفصٌل الكبلم عن الوظابؾ إلى الشكبلنً الروسً "فبلدمٌر‬
‫بروب" ٌنطلق من ضرورة دراسة الحكاٌة اعتمادا على بنابها الداخلً (‪.)2‬‬
‫وقد جعل "بارت" أولى خطوات العمل فً تحلٌل النص القصصً هو البدء بتقطٌعه‬
‫وذلك بهدؾ الوقوؾ على أصؽر وحدات السرد ٌقول« ٌجب البدء‪ ،‬أوال‪ ،‬بتقطٌع القصة‪،‬‬
‫وتعٌٌن مقاطع الخطاب السردي‪ ،‬الذي تستطٌع أن نوزعه على عدد صؽٌر من الطبقات‪،‬‬
‫فكل نظام ٌتكون من وحدات ذات طبقات معروفة‪ ،‬وإننا نقول باختصار‪ٌ ،‬جب تحدٌد أصؽر‬
‫وحدات السرد‪.)3(» .‬‬
‫والوظابؾ التً ٌقصدها "بارت" هً الوحدات البنابٌة السردٌة الصؽٌرة التً ٌتؤسس‬
‫وفقها الخطاب السردي وتشكل من مجمل مكونات النص وتتعدد‪ ،‬فقد تتسع لتشمل مقاطع‬
‫بؤكملها وقد تتضاءل لتكون فً مستوى الجزٌبات اللفظٌة كالكلمة (‪.)4‬‬
‫فهو ٌرى ضرورة ترتٌب الوظابؾ وفقا لمنطق آخر فعند بروب كان ٌتم ترتٌبها فً‬
‫تسلسل محدد وصارم ٌقتضً عدم تؽٌٌر الترتٌب وإن كان الظهور واإلختفاء لٌس شرطا‬
‫وعلى الوظابؾ أال تخالؾ الترتٌب المحدد لها ٌقول‪ٌ «:‬جب توزٌع هذه الوحدات الوظٌفٌة‬
‫على عدد صؽٌر من الطبقات الشكلٌة‪ ،‬وإذا أردنا أن نحدد هذه الوحدات دون أن نلجؤ إلى‬
‫جوهر المضمون (الجوهر النفسً مثبل) فهذا ٌتطلب منا أن نعٌد النظر مجددا فً مختلؾ‬
‫مستوٌات المعنى فبعض الوحدات تتخذ وحدات تساوٌها روابط لها ولكً ٌتم إشباع الوحدات‬

‫(‪ -)1‬وابل السٌد عبد الرحٌم سلٌمان‪ " ،‬تلقً البنٌوٌة فً النقد العربً نقد السردٌات نموذجا (دراسة نظرٌة تطبٌقٌة)"‪ ،‬دار‬
‫العلم واإلٌمان للنشر‪ ،‬ط‪2008 ،1‬م‪ ،‬ص‪.106‬‬
‫(‪ -)2‬حمٌد لحمٌداتً‪" ،‬بنٌة النص السردي من منظور النقد األدبً"‪ ،‬ص‪.23‬‬
‫(‪ -)3‬روالن بارت‪" ،‬مدخل إلى التحلٌل البنٌوي للقصص"‪ ،‬ترجمة منذر عٌاش‪ ،‬مركز اإلنماء الحضاري‪ ،‬الرباط‪،1993 ،‬‬
‫ص‪.39‬‬
‫(‪ -)4‬عمر عٌبلن‪" ،‬فً مناهج تحلٌل الخطاب السردي"‪ ،‬ص‪.66‬‬
‫‪22‬‬
‫اآلخرى‪ٌ ،‬جب على العكس من هذا اإلنتقال إلى مستوى آخر‪ ،‬وٌنتج عن هذا طبقتان‬
‫كبٌرتان من طبقات الوظابؾ‪ ،‬بعضها توزٌعً واآلخرى اندماجٌة » (‪.)1‬‬
‫فبنٌة القصة من خبلل الوظابؾ من منظور بارت بنٌة متداخلة ولٌست بنٌة متتالً‬
‫ب_مستوى األفعال‪:‬‬
‫وهو المستوى الذي تتحدد من خبلله مجموع األعمال المنجزة فً النص السردي والتً‬
‫ٌتم تحدٌد الفاعلٌن فٌها والمفعول بهم تماما مثلما هو محدد بالعبلقات النحوٌة فً الدراسات‬
‫اللؽوٌة(‪.)2‬‬
‫فبارت ٌهتم بتحلٌل أفعال هذه الشخصٌات أي ما تإدٌه فً نص القصة فؽرٌماس ٌرى‬
‫بؤن سبب تسمٌة الشخصٌة بؤنها فاعل هو التعامل معها من خبلل ما تقوم به من أفعال فً‬
‫داخل البنٌة القصصٌة ولٌس من خبلل ما تتمٌز به من صفات إنسانٌة (‪.)3‬‬
‫والمقصود بمستوى األفعال ال ٌجب أن ٌإخذ فً مستوى الشخصٌات من خبلل‬
‫األحداث بل من خبلل إدراج هذه األحداث وعبلقتها بالشخصٌات‪ ،‬ضمن محاور عملٌة هذه‬
‫المحاور هً‪ :‬محور الرؼبة‪ ،‬محور التواصل‪ ،‬ومحور الصراع (‪.)4‬‬
‫ج_ مستوى السرد‪:‬‬
‫ٌتعلق مستوى الخطاب بالجانب اإلنجازي للؽة داخل النص السردي وبمجموع الرموز‬
‫والعبلقات اللؽوٌة القابمة التً تربط بٌن السارد المرسل‪ ،‬والمتلقً فً النص‪ ،‬وال ٌمكن‬
‫إقامة سرد دون وجود سارد‪ ،‬ودون متلقً أٌضا‪ ،‬فالراوي والمروي له ٌمثبلن حضورا‬
‫أساسٌا فً النص السردي(‪.)5‬‬
‫إن القصة فً النهاٌة هً نص موزع بٌن " مرسل" و"مستقبل" وكل منهما ٌقتضً‬
‫اآلخر وٌعترضه(‪.)6‬‬
‫(‪)7‬‬
‫وٌشٌر "بارت" إلى أن هناك مفاهٌم تقسم الساردٌن أو الرواة إلى ثبلثة أنواع‪:‬‬

‫(‪-)1‬روالن بارت‪" ،‬مدخل إلى التحلٌل البنٌوي للقصص"‪ ،‬ترجمة منذر عٌاش‪ ،‬مركز اإلنماء الحضاري‪ ،‬الرباط‪،1993 ،‬‬
‫ص‪.39‬‬
‫(‪-)2‬عمر عٌبلن‪" ،‬فً مناهج تحلٌل الخطاب السردي"‪ ،‬ص‪.69‬‬
‫(‪-)3‬حمٌد لحمٌداتً‪" ،‬بنٌة النص السردي من منظور النقد األدبً"‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫(‪ -)4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.37-36‬‬
‫(‪ -)5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫(‪-)6‬وابل السٌد عبد الرحٌم سلٌمان‪ " ،‬تلقً البنٌوٌة"‪ ،‬ص‪.112‬‬
‫(‪-)7‬عمر عٌبلن‪" ،‬فً مناهج تحلٌل الخطاب السردي"‪ ،‬ص‪.71-70‬‬
‫‪23‬‬
‫النوع األول‪ :‬فٌكون مشخصا‪ ،‬معروفا محددا أي المإلؾ الذي ٌتبادل مواقؾ الشخصٌات‬
‫من حٌث تولً دورها السردي‪.‬‬
‫النوع الثانً‪ :‬فهو ٌمثل السارد البلشخصً الذي ٌتماشى مع نوع من الوعً المتعالً‬
‫الكلً‪ ،‬وهذا السارد ٌعرؾ الشخصٌات فً مستواها الخارجً والداخلً‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬فٌمثل السارد الذي ٌحدد سرده فً مستوى ما تعرفه وتراه الشخصٌات فقط‪،‬‬
‫فتتحول العملٌة السردٌة إلى شكل تداول السرد‪.‬‬
‫إال أن األنواع الثبلثة السابقة تشكل عابقا أمام التحلٌل‪ ،‬ألنها تعامل الراوي أو السارد‬
‫والشخصٌات‪ ،‬على أنها شخصٌات واقعٌة فً حٌن أن كبل من السارد والشخصٌات هً‬
‫كابنات من ورق‪.‬‬
‫والراوي الفعلً ال ٌمكن أن ٌكون هو المإلؾ ألن الذي ٌتكلم فً السرد لٌس هو الذي‬
‫ٌكتب فً الواقع والحٌاة(‪.)1‬‬
‫ج‪ -‬منهج جٌرار جنٌت ‪:G.Genette‬‬
‫سنقؾ عند منهج جٌرار جنٌت وقفة تسمح لنا بتتبع معظم الخطوات التً ٌتبعها فً‬
‫تحلٌله النص السردي‪ ،‬وٌنطلق فٌها من خبلل العبلقات الرابطة بٌن المفاهٌم التً قدمناها‬
‫سابقا‪ ،‬وٌدرس العبلقات بٌن‪:‬‬
‫أ ‪ -‬القصة والحكاٌة‪.‬‬
‫ب‪-‬القصة والسرد‪.‬‬
‫ج‪-‬الحكاٌة والسرد‪.‬‬
‫وٌعتمد فً هذا التحلٌل على التقسٌم الذي قدمه تودروؾ ‪ Todorov‬سنة ‪ 1966‬فً‬
‫"أنواع القصة األدبٌة" فً عدد مواصبلت حٌث جمع مشاكل التحلٌل فً ثبلث نقاط‪:‬‬
‫‪ ‬الزمن‪ :‬وتبرز فٌه العبلقة بٌن زمن الحكاٌة وزمن الخطاب (‪.)2‬‬

‫الزمــــــــن‬

‫للقصص"‪ ،‬ص‪.73-72‬‬ ‫(‪ -)1‬روالن بارت‪" ،‬مدخل إلى التحلٌل البنٌوي‬


‫)‪ -(2‬جٌرار جٌنٌت‪" ،‬خطاب الحكاٌة"‪ ،‬ترجمة معتصم‪ ،‬عبد الجلٌل األزدي‪ ،‬عمر حلً‪ ،‬الهٌبة العامة للمطابع األمٌرٌة‪،‬‬
‫ط‪ ،1997 ،1‬ص‪.45‬‬

‫‪24‬‬
‫التواتر‬ ‫المــدة‬ ‫الترتٌب‬

‫المدى والسعة‬ ‫المفارقات الزمنٌة‬

‫فً اتجاه الالوقتٌة‬ ‫اإلستباقات‬ ‫اإلسترجاعات‬

‫المشهد‬ ‫الحذؾ‬ ‫الوقفة‬ ‫المجمل‬

‫التحدٌد والتخصٌص واإلستؽراق‬ ‫التفردي‪ /‬الترددي‬

‫التناوب واإلنتقاالت‬ ‫التزامن الداخلً والتزامن الخارجً‬

‫‪ ‬المظهر‪ :‬وهو الطرٌقة التً ٌقدم بها السارد الحكاٌة‪.‬‬


‫‪ ‬الصٌؽة‪ :‬وهً نوع الخطاب الذي ٌستعمله السارد(‪.)1‬‬
‫فالنقطة الجوهرٌة التً ٌنطلق منها (جنٌت) هً التمٌز القابم بٌن "القصة" و"الحكاٌة"‬
‫باعتبار أن االثنٌن شٌبان مختلفان علة نحو ما نقدم فً الحدٌث عن الحكاٌة والحبكة‬
‫وبالتالً فإنه من الضروري الوعً بؤن لكل منهما زمنه الخاص (‪.)2‬‬
‫وعنصر الزمن ٌشتمل هو األخر على ثبلث مجاالت بحث‪ ،‬وهً بدورها تشتمل على‬
‫عناصر أخرى‪ ،‬ومن أجل سهولة تتبع تقسٌمات " جٌنٌت" المتعددة فسنقوم بتوضٌح هذه‬
‫التقسٌمات‪.‬‬

‫)‪ -(1‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.45‬‬

‫(‪-)2‬وابل السٌد عبد الرحٌم سلٌمان‪ " ،‬تلقً البنٌوٌة"‪ ،‬ص‪.117‬‬


‫‪25‬‬
‫‪ - 1‬الترتٌب‪:‬‬
‫وٌخصصه لعبلقات الترتٌب الزمنً لتسلسل األحداث فً المادة الحكابٌة‪ ،‬والترتٌب‬
‫الزمنً الزابؾ وترتٌبه فً القصة(‪.)1‬‬
‫وعلى هذا فإنه من أجل دراسة عناصر "الترتٌب" البد أوال من تحدٌد تتابع األحداث‬
‫والمقاطع السردٌة فً كل من "الحكاٌة" و"القصة"‪.‬‬
‫‪ - 1- 1‬المفارقات الزمنٌة‪:‬‬
‫وهً مختلؾ أشكال التنافر بٌن ترتٌب القصة وترتٌب الحكاٌة والوقوؾ على هذه‬
‫المفارقات ٌمكن من الوصول إلى المرحلة التالٌة من مراحل البحث فً " الزمن"‪.‬‬
‫‪ - 2- 1‬المدى والسعة‪:‬‬
‫إذا ما افترض وجود حالة من حاالت الصفر بٌن الزمنٌن السابق الحدٌث عنهما أي‬
‫عندما ٌكون زمن القصة الحقٌقٌة هو زمن السرد وهو افتراض من أجل الدراسة وقلما‬
‫ٌحدث فً الحقٌقة‪ ،‬إذ البد من وجود انحراؾ عن هذه الحالة سواء بالسلب أو باإلٌجاب‬
‫والبد من العمل على تحدٌد هذا االنحراؾ وتحدٌد اتجاهه‪.‬‬
‫أن المدى هو تحدٌد التجاه االنحراؾ فً الماضً أو المستقبل عن اللحظة التً تتوقؾ‬
‫القصة فٌها‪ ،‬أما السعة فهً محتوى هذا االنحراؾ نفسه الذي ٌمكن أن ٌطول أو ٌقصر وفً‬
‫المراحل التالٌة ٌتم تناول "المدى" بحسب اتجاهه(‪.)2‬‬
‫‪ - 3- 1‬إلسترجاعات‪:‬‬
‫وهذه التسمٌة هً ما ارتضاه مترجمو " جٌنٌت" لما هو متعارؾ علٌه "بالفالش باك"‬
‫وذلك عندما ٌتم توقؾ تقدم الحكاٌة من أجل تقدٌم شًء هو سابق زمنٌا عن اللحظة التً‬
‫توقفت فٌها‪ ،‬وهنا نبلحظ أن اإلسترجاعات قد تكون داخلٌة أو خارجٌة (‪.)3‬‬
‫‪ - 4- 1‬اإلستباقات‪:‬‬
‫هً عكس اإلسترجاعات أي أنها توقؾ فً مسٌرة الحكاٌة من أجل تقدٌم أحداث سوؾ‬
‫تحدث مستقببل وٌوضح " جٌنٌت" أن الحكاٌة بضمٌر المتكلم هً عادة أكثر الصٌػ مبلءمة‬
‫لها(‪ ،)1‬وهً أٌضا تكون داخلٌة أو خارجٌة‪.‬‬

‫ص‪.118‬‬ ‫(‪ -)1‬المرجع نفسه ‪،‬‬


‫(‪ -)2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫)‪ -)3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.121‬‬
‫‪26‬‬
‫‪ - 5- 1‬فً اتجاه الالوقتٌة‪:‬‬
‫المقاطع السردٌة المربكة التً ال نستطٌع أن نحددها إذا كانت استرجاعا أم استباقا (‪.)2‬‬
‫‪ - 2‬المدة ‪:Durée‬‬
‫تقوم دراسة المدة فً القصة على قٌاس زمن الحكاٌة بالثوانً والدقابق والساعات‬
‫وطول النص بعدد السطور والصفحات(‪ ،)3‬وتجرنا العبلقة بٌن زمن الحكاٌة والحٌز المكانً‬
‫الذي نشؽله إلى إثارة زمن قراءة النص وهو زمن ٌصعب تحدٌده ألنه ذاتً ٌتؽٌر حسب‬
‫القدرات الشخصٌة للقارئ وألن القصة تمتاز بسرعة متنوعة تحددها الحركات السردٌة‬
‫األربعة (‪ ،)4‬المتكونة من خبلل قطبٌن هما‪ :‬اإلضمار والوقوؾ ووسطٌن هما‪ :‬المشهد‬
‫(الحوار) والقصة الموجزة‪.‬‬
‫وٌنطلق "جٌنٌت" فً شرح الحركات السردٌة األربعة من خبلل حدٌثه عن " المدة"‪.‬‬
‫‪ - 1- 2‬المجمل‪:‬‬
‫وهو السرد فً بضع فقرات أو بضع صفحات لعده أٌام أو شهور أو سنوات من‬
‫الوجود‪ ،‬دون تفاصٌل أعمال أو أقوال(‪.)5‬‬
‫‪ - 2- 2‬الوقفة ‪:La Pause‬‬
‫وهً توقؾ مجرى األحداث؛ العدول عن الحكاٌة إلى الوصؾ الذي لٌس مجانٌا‪ ،‬فقد‬
‫تكون الوقفة تؤملٌة(‪ )6‬بحٌث تتعدد المسافات والرإى والمشاعر اتجاه الموضوع المتؤمل‬
‫وهذا ما ٌشكل حكاٌة كاملة(‪ )7‬وٌضاؾ إلى الوصؾ عنصر التحلٌل النفسً للشخصٌات‬
‫حٌث ٌترك الحدث القصصً جانبا‪.‬‬
‫‪ - 3- 2‬الحذؾ‪:‬‬

‫)‪ -)1‬وابل السٌد عبد الرحٌم سلٌمان "تلقً البنٌوٌة "‪ ،‬ص‪.121‬‬
‫)‪ -)2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.122‬‬
‫_(‪)3‬‬
‫‪Gérard Genette, "Discours du récit", in figure III Edition du seuil, paris, 1972, p123.‬‬
‫نقبل عن عمر عٌبلن فً مناهج تحلٌل الخطاب السردي ص ‪61‬‬
‫‪( )_Gérard Genette, "Discours du récit", in figure III Edition du seuil, paris, 1972, p128 .‬‬
‫‪4‬‬

‫نقبل عن عمر عٌبلن فً مناهج تحلٌل الخطاب السردي ص‪62‬‬


‫(‪-)5‬وابل السٌد عبد الرحٌم سلٌمان‪ " ،‬تلقً البنٌوٌة"‪ ،‬ص‪.124‬‬
‫_)‪)6‬‬
‫‪Gérard Genette, "Discours du récit", in figure III Edition du seuil, paris, 1972, p134.‬‬
‫نقبل عن عمر عٌبلن فً مناهج تحلٌل الخطاب السردي ص‪62‬‬
‫(‪ -)7‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.136‬‬
‫‪27‬‬
‫ٌفرق"جٌنٌت" بٌن الحذؾ الزمنً‪ ،‬وبٌن النقصان‪ ،‬فالحذؾ الزمنً هً مدة محذوفة‬
‫داخل النص الحكاتً ذاته‪ ،‬لكن الحذؾ نفسه نوعان‪ ،‬إما حذؾ صرٌح أو حذؾ ؼٌر صرٌح‬
‫إذ فً األول ٌتم ذكر الحذؾ صراحة(‪.)1‬‬
‫‪ - 4- 2‬المشهد ‪: La Scéne‬‬
‫وٌشكل اصطبلحا نوعا من المساواة المتفق علٌها بٌن زمن القصة وزمن الحكاٌة‬
‫وٌسمٌه كذلك الحوار‪ ،‬وهو ٌنقل كل ما قٌل سواء أكان واقعٌا أم خٌالٌا دون إضافة وٌتعامل‬
‫"جٌنٌؾ" مع هذه الحركات وفقا للمعادالت اآلتٌة ‪:2‬‬
‫الموجز (القصة الموجزة)‪ :‬زق > زح‬
‫الوقفة‪ :‬زق = ن‪ ،‬زح = ‪ 0‬إذن زق < 𝛼 ‪.‬زح‬
‫اإلضمار‪ :‬زق = ‪ ،0‬زح = ‪ 0‬إذن زق > 𝛼 ‪.‬زح‬
‫المشهد‪ :‬زق = زح‬
‫حٌث زق زمن القصة و زح هو زمن الحكاٌة‪.‬‬
‫‪ - 3‬التواتر ‪:)3(La fréquence‬‬
‫وٌدرس فٌه الحدث الحكاتً ومدى تكراره على مستوى القصة وٌفرض فٌه وجود أربع‬
‫حاالت سرد مرة واحدة ما حدث مرة واحدة‪ ،‬سرد عدة مرات ما حدث عدة مرات‪ ،‬سرد‬
‫عدة مرات ما حدث مرة واحدة‪ ،‬سرد مرة واحدة ما حدث عدة مرات وٌصل من هذه‬
‫الحاالت إلى تحدٌد ثبلث أنواع من التواتر‪:‬‬
‫‪ - 1- 3‬القصة المفردة‪:‬‬
‫وهو الحالة العادٌة للقصة‪ ،‬وٌتضمن الحالتٌن األول والثانٌة‪ ،‬إذ توافق فردٌة الملفوظ‬
‫السردي فردٌة الملفوظ الحكابً‪ ،‬وٌرمز له ‪1‬ق‪1 /‬ح أو ن ق‪ /‬ن ح‪ ،‬حٌث"ؾ" هً القصة‬
‫و"ح" الحكاٌة‪.‬‬
‫‪ - 2- 3‬القصة المتكررة‪:‬‬

‫(‪-)1‬وابل السٌد عبد الرحٌم سلٌمان‪ " ،‬تلقً البنٌوٌة"‪ ،‬ص‪.125‬‬


‫‪)2 (-Gérard Genette, "Discours du récit", in figure III Edition du seuil, paris, 1972, p134‬‬
‫نقبل عن عمر عٌبلن فً تحلٌل الخطاب السردي ص‪. 63‬‬

‫(‪ -)3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.145‬‬


‫‪28‬‬
‫وهو ما ٌنطبق على الحالة الثالثة وهً الحالة األكثر اعتمادا فً القصة المعاصرة وفٌها‬
‫ٌكرر الحدث عدة مرات اعتمادا على االختبلفات األسلوبٌة واالختبلفات فً وجهات‬
‫النظر(‪ )1‬وٌرمز له "ن ق‪1 /‬ح‪.‬‬
‫‪ - 3- 3‬القصة المإلفة‪:‬‬
‫وهً خاصة بالحالة الرابعة وتعود بنا إلى الحالة الثانٌة المدرجة تحت النوع األول‪،‬‬
‫القصة المفردة المكررة ذكر ما حدث عدة مرات وٌرمز لها ‪1‬ق‪ /‬ن ح‪.‬‬
‫‪ - 4‬الصٌؽة ‪:Mode‬‬
‫ٌطرح جٌرار جٌنٌت فً قضٌة الصٌؽة مسؤلة تنظٌم المعلومة السردٌة التً ٌرى أنها‬
‫هسستقدم وفقا لمنظورٌن‪ :‬المسافة والمنظور‪.‬‬
‫‪ - 1- 4‬المسافة‪:‬‬
‫وٌقصد بها درجة الحضور والؽٌاب فً القصة‪ ،‬وٌمٌز فٌها نوعان من القصة قصة‬
‫األحداث وقصة األقوال‪.‬‬
‫‪ - 1- 1- 4‬قصة األحداث‪ :‬وتعرؾ بكثرة المعلومات وقلة المعلمٌن (‪.)2‬‬
‫‪ - 2- 1- 4‬قصة األقوال‪:‬‬
‫ٌمٌز جٌنٌت فً قصة األقوال ثبلثة أنواع من الخطاب المسرود أو المحكً‬
‫(‪)3‬‬
‫وٌطلق علٌه اسم ‪ :‬قصة األفكار أو الخطاب‬ ‫‪Discours narrativisé ou rapport‬‬
‫الداخلً المسرود والخطاب المنقول إلى أسلوب ؼٌر مباشر(‪)4‬والخطاب المحكً‬
‫(‪)5‬‬
‫‪Discours transposé au style indirect et discours rapporté. D‬‬ ‫أوالمباشر‬
‫‪.immédiat‬‬
‫‪ - 2- 4‬المنظور‪:‬‬
‫هو العنصر الثانً الذي ٌنظم المعلومة السردٌة وهو ما ٌعرؾ بالرإٌة وجهات النظر‬
‫وهو ما ٌسمٌه التببٌر او التركٌر وٌشمل ثبلث أنماط من القصة ‪:‬‬

‫(‪-)1‬وابل السٌد عبد الرحٌم سلٌمان" تلقً البنٌوٌة"‪ ،‬ص‪.147‬‬


‫(‪-)2‬المرجع نفسه ص‪.187‬‬
‫(‪-)3‬وابل السٌد عبد الرحٌم "تلقً البنٌوٌة "ص‪.191‬‬
‫(‪-)4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.191‬‬
‫(‪-)5‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.193-192‬‬
‫‪29‬‬
‫القصة ؼٌر المبؤرة ‪ :‬اول قصة ذات تببٌر فً درجة الصفر والقصة ذات التببٌر الداخلً‬
‫والقصة ذات التببٌر الخارجً(‪. )1‬‬
‫‪ - 3- 4‬الصوت السردي ‪:Voix narrative‬‬
‫ٌتناول جنٌت فً عنصر الصوت وقضٌة اإللحاح السردي ‪ ،‬وٌقصد السرد من حٌث هو‬
‫إلحاحات منتجة للخطاب السردي ‪.‬‬
‫ٌقول عمرعٌبلن‪ « :‬انه ٌكمن فً العبلقة الوطٌدة التً تربط الفعل السردي بعناصره‬
‫المتعارضة والمتفاعلة المحددة فً الزمان والمكان وعبلقته بؤوضاع سردٌة أخرى متضمنة‬
‫داخل القصة نفسها ‪ »...‬وٌمٌز جنٌت فً هذا الصدد أربعة حاالت مبنٌة على أساس المقام‬
‫السردي والزمن ‪.‬‬
‫«السرد البلحق على الحدث ‪ ،‬السرد السابق ‪ ،‬السرد المتواقت ‪ ،‬السرد متعدد‬
‫المقامات(‪ )2‬كما ٌحدد أربعة حاالت لنظام السارد‪ « :‬سارد خارج القصة ( ؼٌري القصة ) ‪،‬‬
‫سارد خارج القصة ( مثلً القصة )‪ ،‬سارد داخل القصة نموذجه شهرزاد ساردة من الدرجة‬
‫الثانٌة ٌروي قصصا هً ؼاببى عنها عموما‪ ،‬وظٌفة شعرٌة سارد داخل القصة ( مثلً‬
‫القصة ) ونموذجه عولٌس فً إلٌاذة هومٌروس حٌث أن ساردا من الدرجة الثانٌة ٌروي‬
‫قصته الخاصة ‪ ،‬وظٌفة توثٌقٌة(‪. » )3‬‬
‫هذه مقترحات جٌرار جٌنٌت فً مقاربة النص السردي ‪.‬‬
‫ٌقول السٌد إبراهٌم « تؤتً أهمٌة مقترحات هذا الناقد فً كونها تلبً الحاجة الى نظرٌة‬
‫منهجٌة للرواٌة ‪ ،‬تتناول المصطلحات األساسٌة ‪ ،‬مثل وجهة النظر والراوي العلٌم والسرد‬
‫بظمٌر الؽابب وفكرة وجهة نظر وتحوٌلها إلى مفهوم البإرة الذي ٌفرق بٌن الراوي الرابً‬
‫‪ ،‬وبٌن البإرة والقص ‪ٌ ،‬عد احد انجازات الكبرى التً قام بها على صعٌد مراجعة موضوع‬
‫وجهة النظر‪.)4(» ...‬‬
‫هـ‪ -‬منهج ؼرٌماس‪:‬‬

‫(‪ -)1‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.206‬‬


‫(‪-)2‬عمر عٌبلن‪" ،‬فً مناهج تحلٌل الخطاب السردي"‪ ،‬ص‪.146‬‬
‫‪3‬‬
‫( )‪ -‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.148‬‬
‫الرواٌة"‪ ،‬دراسة لمناهج النقد األدبً فً معالجة القصة‪ ،‬دار قباء للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫(‪ -)4‬السٌد إبراهٌم‪" ،‬نظرٌة‬
‫القاهرة‪ ،1998 ،‬ص‪.171‬‬

‫‪30‬‬
‫أقدم ؼرٌماس ومعه رواد مدرسة بارٌس نظرٌة سمٌابٌة خاصة بالسرد فؤمام‬
‫موضوعات المختلفة والمتداخلة ( نصوص حكاٌات ‪ )...‬تحدد ت السمٌاء السردٌة ‪.‬‬
‫ه‬
‫وقد تجاوز تحلٌل الخطاب القصصً مع ؼرٌماس المستوى الشكلً للنص فانه ٌمٌز بٌن‬
‫مستويين‪:‬‬
‫أفاد ؼرٌماس من تحلٌل بروب أكثر مما أفاد ؼٌره‪ ،‬وحاول أن ٌصوؼه صٌاؼة جدٌدة‬
‫فً اتجاه البنٌوٌة فتحلٌل ؼرٌماس نابع من تحلٌل بروب‪ ،‬كما ٌعد تطوٌرا له كما ٌساٌر‬
‫ي ستراوس البنٌوي الذي ٌسمٌه اصطبلحا "المنطق االجتماعً اإلنسانً" وٌسمٌه‬
‫منهج لؾ‬
‫ؼرٌماس "البنٌة األولٌة للمعنى" وعلٌه تتركز نظرٌاته فً علم الداللة وتتمثل البنٌة (‪ )1‬فٌما‬
‫ٌلً‪:‬‬
‫‪- 1‬المربع السٌمٌائً‪:‬‬
‫ٌعد ؼرٌماس ألجٌرداس هو الذي صاغ المربع السٌمٌابً وجعله وسٌلة لتحلٌل المفاهٌم‬
‫السمٌابٌة ٌتضمن إحدى التقنٌات التحلٌلٌة التً تسعى إلى إظهار التقاببلت ونقاط التقاطع‬
‫بٌنهما فً النصوص والممارسات االجتماعٌة فٌضع ؼرٌماس خارطة للوصل والفصل بٌن‬
‫السمات الداللٌة فً النص والمربع السمٌابً نسخة معدلة من المربع المنطقً (‪.)2‬‬
‫ٌقوم مربع ؼرٌماس على أساس التعارض المثبت أو المنقى بٌن ثنابٌتٌن متعارضتٌن‬
‫فإذا كانت| أ| تمثل الظبلم وتعارض |ب |التً هً النور فإن العبلقة بٌن أ‪.‬ب عبلقة‬
‫تعارض اٌجابً كما أن هذه العبلقة تساوي عبلقة النفً بٌن |–أ|‪-|.‬ب| ال ظبلم وال نور‬
‫وفً هذه الحالة تنشؤ عبلقات متبادلة أخرى بٌن |أ|‪-|.‬ب| أي بٌن الظبلم والبلنور وبٌن |–‬
‫أ|‪-|.‬ب| أي بٌن النور والبلظبلم وٌرسم المربع على النحو التالً (‪:)3‬‬

‫التضاد‬

‫ب‬ ‫أ‬

‫اإلستتباع‬ ‫التناقض‬ ‫اإلستتباع التناقض‬

‫(‪ -)1‬نبٌلة إبراهٌم‪" ،‬فن القص فً النظرٌة والتطبٌق"‪ ،‬سلسلة الدراسات النقدٌة‪ ،‬دار قباء للطباعة‪ ،‬ص‪.42‬‬
‫(‪ -)2‬دانٌال نشاندٌر‪ ،‬ترجمة هبلل‪" ،‬أسس السمٌابٌة" مركز دراسات الوحدة العربٌة‪ ،‬بٌروت‪ ،‬ط‪ ،2008 ،1‬ص‪.86‬‬
‫(‪ -)3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.86‬‬
‫‪31‬‬
‫‪-‬ب‬ ‫‪-‬أ‬

‫لٌس المهم –كما ٌقول ؼرٌماس‪ -‬أن أكتشؾ العبلقة الضدٌة بٌن الظبلم والنور ألنها‬
‫واضحة وصرٌحة‪ ،‬بل المهم أن أكتشؾ العبلقة الؽٌر محدودة بٌن البلظبلم والبلنور (‪.)1‬‬

‫‪- 2‬العوامل‪:‬‬
‫استفاد حرٌماس فً بناء تصوره للنموذج العاملً من مفهزم العوامل فً اللسانٌات‬
‫بحٌث تعتبر الوظابؾ بمثابة أدوار تقوم بها الكلمات داخل الجملة تكون فٌها الذات فاعبل‬
‫والموضوع مفعوال وتصبح الجملة‪-‬وفق هذا التصور‪ -‬عبارة عن مشهد وٌستخلص بذلك‬
‫عاملٌن أساسٌن ٌقوم علٌهما الملفوظ البسٌط ٌضعهما فً شكل متعارض‪:‬‬
‫الذات = الموضوع‬
‫(‪)2‬‬
‫المرسل= المرسل إلٌه‬
‫وٌطور "ؼرٌماس" نموذجه فً ضوء األبحاث الشكبلنٌة التً تناولت "الحكاٌات‬
‫العجٌبة" خاصة أبحاث "فبلدمٌر بروب" فقد صاغ "ؼرٌماس" وحدات بروب وفقا لمنهجه‬
‫البنٌوي األكثر تجرٌدا‪ ،‬فإذا كان بروب قد استخلص شخوص الحكاٌة الخرافٌة وحددها كما‬
‫هً على المستوى األفقً وهً "الشخصٌة الشرٌرة‪ ،‬الشخصٌة المانحة‪ ،‬الشخصٌة‬
‫المساعدة‪ ،‬الشخصٌة التً ٌبحث عنها وٌسعى إلٌها‪ ،‬الشخصٌة المبعدة‪ ،‬شخصٌة البطل‪،‬‬
‫البطل المزٌؾ(‪.)3‬‬
‫ؼرٌماس ٌختزل هذه الشخوص فً العبلقة بٌن الفواعل بوضعها المثال بوصفه نظاما‬
‫مركزا وٌتحدد فً الشكل اآلتً(‪:)4‬‬
‫المرسل إلٌه‬ ‫الموضوع‬ ‫المرسل‬
‫المضاد‬ ‫الفاعل‬ ‫المساعد‬

‫(‪-)1‬نبٌلة‬
‫إبراهٌم‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫(‪-)2‬حمٌد لحمٌداتً‪" ،‬بنٌة النص السردي من منظور النقد األدبً"‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫(‪-)3‬‬
‫نبٌلة إبراهٌم‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫(‪-)4‬السٌد عبد الرحٌم سلٌمان‪ " ،‬تلقً البنٌوٌة"‪ ،‬ص‪.104‬‬
‫‪32‬‬
‫ٌعمق ؼرٌماس داللة هذه المجموعات البنٌوٌة بربطها بدوافع تعد محركة للقص‪ ،‬وقد‬
‫وضع فً هذا اإلطار نموذجا للتحلٌل ٌقوم على ستة عوامل تؤلفت فً ثبلث عبلقات (‪.)1‬‬
‫أ ‪ -‬عالقة الرؼبة‪:‬‬
‫فعبلقة الذات بالموضوع ٌحكمها دافع الرؼبة فً امتبلك شًء أو الحصول على الشًء‬
‫ومن ثم فإن التوتر ٌحكم عبلقة الذات بالموضوع‪.‬‬
‫ب‪-‬عالقة االنفصال واالتصال‪:‬‬
‫وهً تحكم عبلقة المرسل والمستقبل (المرسل إلٌه) وهً وحدة قد تكرر فً القص إما‬
‫باالتصال أو االنفصال‪.‬‬
‫ج‪ -‬الوحدة الثالثة‪:‬‬
‫التً تضم المساعد فً مقابل المضاد فدافعها صراع البطل فً سبٌل تحقٌق الرؼبة وال‬
‫تقتصر دالالت الوحدات على هذه العبلقات‪ ،‬إذ ٌعمقها ثبلث موضوعات ربٌسٌة تعد‬
‫اختزاال للوحدات الوظٌفٌة عند بروب وهً ‪:2‬‬
‫‪ ‬الموضوع التعاقدي‪:‬‬
‫ٌشمل حركة القص التً تعبر عن عقد ٌتم بٌن البطل ونفسه أو بٌنه وبٌن مجتمعه‪.‬‬
‫‪ ‬الموضوع األدائً‪:‬‬
‫ٌشمل أفعال البطل فً سبٌل وضع هذا العقد موضوع التنفٌذ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الموضوع االنفصال واالتصال‪.‬‬
‫وخبلصة القول أن تحلٌل الخطاب القصصً ٌستدعً مناهج تحلٌل القصة التً تعمد‬
‫بدورها إلى وصؾ وتحلٌل المكونات التً تسهم فً تحقٌق الخطاب السردي‪ ،‬وقد‬
‫عرفت هذه المناهج تنوعا عن البحث فً الحكاٌة والقصة وإن كنا نرى أن من واكب‬
‫مسار بروب هو الباحث فً السٌمٌابٌة الداللٌة‪ ،‬الناقد الجٌردانً جولٌان ؼرٌماس الذي‬
‫اتخذ مسارا شبٌها بمسار بروب والمتؤثر بالمفاهٌم اللسانٌة والبنابٌة التً شكلت فً‬
‫مجموعها قٌما بارزة فً معالجة القصة من منظور النقد الجدٌد‪.‬‬

‫(‪-)1‬حمٌد لحمٌداتً‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.35-34‬‬


‫(‪-)2‬‬
‫نبٌلة إبراهٌم‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫‪33‬‬
34
‫‪ ‬مضمون الرسالة‬
‫‪ ‬السبب والغاٌة من تدوٌن الرسالة‬
‫‪ ‬مصادر الرسالة‪.‬‬
‫‪ ‬أسلوب الرسالة‪.‬‬

‫تحتل رسالة الؽفران مكانة هامة فً تارٌخ النثر الفنً العربً لما فٌها من خصابص اإلبداع‬
‫فً الطرٌقة وما نمٌز به فً طبٌعة الخٌال فهو نص شدٌد الثراء تتنازعه مجاالت عدة مثل‬
‫تارٌخ األفكار وعلوم اللؽة والمذاهب الفلسفٌة والمعتقدات الدٌنٌة وتارٌخ الشعر وؼٌرها من‬
‫المجاالت المتشابكة التً حضٌت ببعض اهتمامات الدارسٌن من قبل من خبلل الحوار مع‬

‫‪35‬‬
‫تجلٌاتها فً رسالة الؽفران لكنه أٌضا نص ٌنتمً إلى تارٌخ الفن القصصً الذي أسهم أبو‬
‫العبلء بنصٌب وافر فً تطوٌره من خبلل نص الؽفران‪.‬‬

‫‪ - 1‬مضمون رسالة الؽفران‪:‬‬


‫عرض المعري رسالته لٌبادر بالرد على ما ورد فٌها مباشرة‪ ،‬بدأ عرضا فنٌا جمٌبل‬
‫فً رحلة خٌالٌة فً الٌوم األخر لٌصحب صاحبه ابن القارح فً رحاب الجنة التً أعدها‬
‫للمتقٌن‪ ،‬وأن ٌطوؾ به ٌوم البعث لٌلقً جماعة من الشعراء واألدباء‪ ،‬فٌقؾ معهم وقفة‬
‫للمحاورة والمذاكرة‪ ،‬وإنشاء الشعر وٌبدأ أبو العبلء رسالته باإلعتذار إلبن القارح عما بدر‬
‫منه من ذكره بهجاء ابن المؽاربً وإبداء ما ٌضمر له من المحبة والتقدٌر (‪.)1‬‬
‫«‪ٌ ...‬ضمر من محبه موالي الشٌخ الجلٌل‪-‬ثبت هللا أركان العلم بحٌاته‪ -‬ماال تضمره للولد‬
‫أم‪»...‬‬
‫ثم ٌقول بعد فذلكة لؽوٌة عرفت عند أبً العبلء فً كثٌر من رسابله «‪...‬وقد وصلت‬
‫الرسالة التً بحرها بالحكم مسجور‪ ،‬ومن قرأها مؤجور إذ كانت تؤمر بتقبل الشرع‪،‬‬
‫وتعٌب من ترك أصال إلى فرع‪ ،‬وقد ؼرقت فً أمواج بدعها الزاخرة‪ ،‬وعجبت من اتساق‬
‫عقودها الفاخرة‪ ،‬ومثلها شفع ونفع‪ ،‬وقرب عند هللا ورفع‪ ،‬وألفٌتها مفتتحة بتمجٌد صور‬
‫عن بلٌػ مجٌد‪ ،‬وفً قدره ربنا –جلت عظمته أن ٌجعل كل حرؾ منها شبح نور‪ ،‬ال‬
‫ٌمتزج بمقال الزور‪ٌ ،‬ستؽفر لمن أنشؤها إلى ٌوم الدٌن‪ ،‬وٌذكره ذكر محب خدٌن‪ ،‬ولعله‬
‫سبحانه‪ ،‬قد نصب لسطورها المنجٌة من اللهب معارٌج من الفضة أو الذهب‪ ،‬تعرج بها‬
‫المالئكة من األرض الراكدة إلى السماء‪ ،‬وتكشؾ سجوق الظلماء بدلٌل اآلٌة‪« :‬إِلَي ِه يَ ْ‬
‫ص َع ُد‬
‫الصالل يَ ْرفَ ُعهُ» وهذه الكلمة الطٌبة كؤنها المعنٌة بقوله‪« :‬ألل ذر كيف‬
‫ُ‬ ‫اللية والعنم‬
‫ُ‬ ‫الككل‬
‫ممال َككِ َنحًة طيثحًة كشجرج طيثح أصكها ثاتد وفَ ْر ُع َها في السنا ِء ذؤذى أ ُ ْككُ َها ُك ِّم حيو‬ ‫َ رب‬
‫تئذه رتِّها»‪.‬‬

‫)‪ -)1‬محمد زؼلول سبلم‪" ،‬األدب فً العصر الفاطمً"الكتابة والكتاب‪ ،‬منشؤة المعارؾ للنشر‪ ،‬اإلسكندرٌة‪(،‬د‪.‬ط)‪( ،‬د‪.‬س)‪،‬‬
‫ص‪.262‬‬
‫)*)‪-‬غبؽ‪ٔ :‬اعغ يجغٕؽ‪.‬‬
‫)*)‪ -‬راد إَٔاؽ‪ :‬شغشح كبَذ رؼجذ ف‪ ٙ‬انغبْه‪ٛ‬خ‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫وفً تلك السطور كم كثٌر‪ ،‬كله عند الباري‪ -‬تقدس أثٌر‪ ،‬فقد ؼرس لموالي الشٌخ‬
‫الجلٌل ‪-‬إن شاء هللا‪ -‬بذلك الثناء‪ ،‬شجر فً الجنة لذٌذ اجتناء‪ ،‬كل شجرة منه تؤخذ مابٌن‬
‫المشرق والمؽرب بظل ؼاط)*) لٌست فً األعٌن كذات أنواط(*)»‪.‬‬
‫وٌعرض مشاهد متخٌلة من جنة الخلد بما فٌها من أنهار لبن وعسل وما فٌها من‬
‫أوانً الذهب وفراش اإلستبرق وما شبهه من فاخر الشًء الذي ال ٌشبهه متاع الدنٌا (‪.)1‬‬
‫«ثم إنه أدام هللا تمكٌنه ٌخطر له حدٌث شًء كان‬ ‫وٌعرج به إلى مشهد آخر فٌقول‪:‬‬
‫ٌسمى النزهة فً الدار الفانٌة‪ ،‬فٌركب نجٌبا من نجب الجنة خلق من ٌاقوت ودر فً سجسج‬
‫بعد عن الحر والقر ومعه إناء فٌهج‪ ،‬فٌسٌر فً الجنة على ؼٌر منهج‪ ،‬ومعه شًء من طعام‬
‫الخلود‪ ،‬فخر لوالد سعد أو مولود‪ ،‬فإذا رأى نجٌبه ٌملع (*) بٌن كثبان العنبر‪ ،‬وضٌمران وصل‬
‫بصعبر)*)‪ ،‬وقع صوته متمثبل فً قول البكري‪:‬‬
‫قة نحو العذٌب فالضٌون‬ ‫تخب نبا النا‬
‫ّ‬ ‫لٌت شعري متى‬
‫وحباقا‪ ،‬وقطعة من نون‬ ‫محقا ذكرة‪ ،‬وخبر رقاق‬

‫ٌعنً بالحباق جرزة النقل‪ ،‬فٌهتؾ هاتؾ‪ :‬أتشعر أبها العبد المؽفور له لمن هذا‬
‫الشعر؟‬
‫فٌقول الشٌخ‪ :‬نعم حدثنا أهل ثقتنا عن أهل ثقتهم‪ٌ ،‬توارثون ذلك كابرا عن كابر‪،‬‬
‫حتى ٌصلوه بؤبً عمرو بن العبلء‪ ،‬فٌروٌه له عن أشٌاخ العرب‪ ،‬حرشة الضباب فً الببلد‬
‫الكلدات)*)‪ ،‬وجناة الكمؤة فً مؽانً البداة‪ .‬الذٌن لم ٌؤكل شٌراز‪ ،‬األلبان‪ ،‬ولم ٌجعلوا الثمر فً‬
‫الثبان)*)‪ ،‬أن هذا الشعر لمٌمون بن قٌس بن جندل أخً بن ربٌعة ضبٌعة بن قٌس بن ثعلبة‬
‫بن عكابة بن علً بن بكر بن وابل‪.»...‬‬

‫)‪ -)1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.263‬‬


‫)*)‪ٚ -‬هًغ‪ٚ :‬غشع ٔ‪ٚ‬خف ٔانًه‪ٛ‬غ‪ :‬انُبلخ أٔ انفشط انغش‪ٚ‬غ‪.‬‬
‫)*(‪ -‬طؼجش‪ :‬كغؼفش شغش كبنغذس‪.‬‬
‫)*(‪ -‬انكهذاد‪ :‬انغه‪ٛ‬ؼخ األسع‪.‬‬
‫(*(‪ -‬انضجبٌ‪ :‬أد‪ٚ‬بل انمظبٌ‪.‬‬
‫)*)‪ -‬انغشاَك‪ :‬األث‪ٛ‬غ انغً‪ٛ‬م انظٕسح‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫فٌقول الهاتؾ‪ :‬أنا ذلك الرجل‪ ،‬منّ هللا علّى بعدما صرت فً جهنم على شفٌر‪،‬‬
‫وٌبست من المؽفرة والتكفٌر‪ ،‬فٌلتفت إلٌه الشٌخ ه ّ‬
‫شا ًسا‪ ،‬مرتاحً ا‪ ،‬فإذا هو شبابٍّ ؼرانق )*)‪،‬‬
‫ؼبر فً النعٌم المفانق‪ ،‬وقد صار عشاه حورً ا معروفا‪ ،‬وانحناء ظهره قواما موصوفا فٌقول‪:‬‬
‫أخبرنً كٌؾ كان خبلصك من النار‪ ،‬وسبلمتك من قٌح الشنا؟ فٌقول‪ :‬سحبتنً الزبانٌة إلى‬
‫سقر‪ .‬فرأٌت رجبل فً عرصات القٌامة ٌتؤلأل وجهة ٌتؤلأل القمر والناس ٌهتفون به من كل‬
‫أوب‪ٌ :‬ا محمد‪ٌ ،‬ا محمد‪ ،‬الشفاعة! الشفاعة ُّ‬
‫نمت بكذا‪ .‬ونمت بكذا‪ ،‬فصرخت فً أٌدي‬
‫الزبانٌة‪ٌ :‬ا محمد أؼثنً فإن لً بك حرمة!‪.‬‬

‫فقال‪ٌ :‬ا علً بادره فؤنظر ما حرمته؟ فجاءنً علً بن أبً طالب صلوات هللا علٌه‪.‬‬
‫وأنا أعتل كً ألقى فً ال ّدرك األسفل من النار فزجرهم عنً وقال‪ :‬ما حرمتك؟ فقلت أنا‬
‫القابل‪:‬‬
‫فإنّ لها فً أهل ٌثرب موعدا‬ ‫أال أٌهذا السائلً أٌن أممت‬
‫وال من ح ّفى‪ ،‬حتى تالقً ّ‬
‫محمدا‬ ‫فآلٌت‪ ،‬ال أرثً لها من كاللة‬
‫تراحى‪ ،‬وتلقً من فواضله ندى‬ ‫متى ما تناخى عند باب أبن هشام‬
‫بنً اإلله حٌن أوصى وأشهد‬
‫ّ‬ ‫أجدّك لم تسمع وصاة محمد‬
‫تزودا‬
‫وأبصرت بعد الموت من قد ّ‬ ‫إذا أنت لم ترحل بزا ٍد من التقى‬
‫وأ ّنك لم ترصد لما كان أرصدا‬ ‫ندمت على أن ال تكون كمثله‬
‫وال تؤخذن سهما حدٌدا لتقصرا‬ ‫فإٌاك والمٌتات ال تقرب ّنها‬
‫علٌك حرام فانكحن أو التؤ ّبدا‬ ‫سرها‬
‫وال تقربنّ جارة إنّ َّ‬
‫أغار لعمري فً البالد وأنجدا‬ ‫بنً ٌرى ما ال ٌرون‪ ،‬وذكره‬

‫و هو‪ .‬أكمل هللا زٌنة المحافل بحضوره‪ٌ .‬عرؾ األقوال فً هذا البٌت وإنما ذكرها‬
‫ألنه قد ٌجوز أن ٌقرأ هذا الهذٌان ناشا لم ٌبلؽه حكً الف ّراء وحده أؼار بمعنى ؼار‪ ،‬إذا‬
‫أتى الؽور‪ .‬وإذا ص ّح هذا البٌت لؤلعشى‪ .‬فلم ٌرد باإلؼارة إال ضد اإلنجاد‪ ،‬وروى عن‬

‫‪38‬‬
‫عدوا شدٌ ًدا‪ .‬وأنشد فً كتاب‬
‫األصمعً رواٌتان‪ :‬إحداهما أن أؼار فً معنى عدا ً‬
‫«األجناس»‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫بناحٌة إذا زجرت تؽٌر‬ ‫فع ّد طالبها وتسل ّ عنها‬

‫وٌقول األعشى‪ :‬قلت لعلً‪ .‬وقد كنت أإمن باهلل‪ ،‬وبالحساب‪ ،‬وأص ّدق بالبعث وأنا فً جاهلٌة‬
‫الجهبلء فمن ذلك قولً‪:‬‬
‫بناه وصلّت فٌه وصارا‬ ‫أٌبلى على هٌكل‬
‫ٌّ‬ ‫فما‬
‫جإارا‬
‫ً‬ ‫وطورا‬
‫ً‬ ‫طورا سجودًا‬
‫ً‬ ‫ٌراوح من صلوات المليك‬
‫إذا ال ّنسمات نفضن الؽبارا‬ ‫بؤعظم منك تقى فً الحساب‬

‫فذهب علًّ إلى النبً صلى هللا علٌه وسلم‪ .‬فقال‪ٌ :‬ا رسول هللا هذا أعشى قٌس قد‬
‫روى مدحه فٌك وشهد أنك نبًّ مرسل‪ ،‬فقال‪ :‬هبل جاءنً فً الدار السابقة؟ فقال علً‪ :‬قد‬
‫جاء ولكن ص ّدته قرٌش وحبّه للخمر‪ ،‬فشفع لً‪ ،‬فؤدخلت الجنة على أن أشرب فٌها خمرا‪،‬‬
‫فقرّت عٌناي بذلك‪ ،‬وإنّ لً منادح فً العسل وماء الحٌوان‪ .‬وكذلك من لم ٌتب من الخمر‬
‫فً الدار الساخرة لم ٌُسقها فً اآلخرة‪.‬‬
‫وٌنظر الشٌخ فً رٌاض الجنة فٌرى قصرٌن منفٌٌن‪ ،‬فٌقول فً نفسه ألبلؽنّ هذٌن‬
‫القصرٌن فؤسؤل لمن هما؟ فإذا قُرب إلٌهما رأى على أحدهما مكتوبا‪ :‬هذا القصر لزهٌر أبن‬
‫أبً سُلمّى المزنً وعلى األخر‪ :‬هذا القصر لعبٌد بن األبرص األسدى‪ ،‬فٌعجب من ذلك‬
‫وٌقول‪ :‬هذان ماتا فً الجاهلٌة ولكنّ رحمة ربنا وسعت كل شًء‪ ،‬وسوؾ ألتمس لقاء هذٌن‬
‫الرجلٌن فؤسؤلهما بما ؼفر لهما‪ .‬فٌبتدئ بزهٌر فٌجده شابا كالزهرة الجنٌة‪ ،‬قد وهب له قصر‬
‫من ونٌة(*)‪ ،‬كؤنه ما لبس جلباب هرم وال تؤفؾ من البرّم وكؤنه لم ٌقل فً المٌمٌة (‪:)2‬‬
‫ثمانٌن ً‬
‫حوال‪ .‬ال أبالك‪ٌ ،‬سؤم‬ ‫سئمت تكالٌؾ الحٌاة ومن ٌعش‬

‫ولم ٌقل فً األخرى‪:‬‬

‫)‪ -)1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.264‬‬


‫(‪ -)1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.265‬‬
‫‪39‬‬
‫وعشرا تبا ًعا عشتها وثمانٌا‬
‫ً‬ ‫ألم ترنً ع َّمرت تسعٌن حجة‬

‫قول‪ :‬جٌر‪ ،‬جٌرا! أأنت أبو كعب وبجٌر؟فٌقول نعم فٌقول‪ -‬أدام هللا‪ :‬بم ؼفر لك‪ ،‬وقد‬
‫كنت فً زمان الفترة‪ .‬والناس همل‪ ،‬ال ٌحسن منهم العمل؟ فٌقول‪ :‬كانت نفسً من الباطل‬
‫نفورا‪ ،‬فصادفت ملك ؼفورا‪ ،‬وكنت مإمنا باهلل العظٌم‪ ،‬ورأٌت فٌما ٌرى النابم ً‬
‫حببل نزل‬
‫من السماء‪ ،‬فمن تعلق به من سكان األرض سلم‪ ،‬فعلمت أنه أمر من أمر هللا‪ .‬فؤوحٌت بنًّ‬
‫وقلت لهم عند الموت‪ :‬إن قام قابم « ٌدعوكم إلى عبادة هللا فؤطٌعوه‪ ،‬ولو أدركت محم ًدا‬
‫لكنت أول المإمنٌن‪ ،‬وقلت فً المٌمة‪ ،‬والجاهلٌة على السكٌنة‪ ،‬والسفه ضارب بالجران‪:‬‬
‫لٌخفى ‪.‬ومهما ٌكتم هللا ٌعلم‬ ‫فال تكتمن هللا ما فً نفوسكم‬
‫لٌوم الحساب اوٌعجل‪ .‬فٌنقم‬ ‫ٌإخر فٌوضع فً كتا ٍ‬
‫ب فٌدخره‬

‫فٌقول‪ :‬الست القابل‪:‬‬


‫نشاوى واجدٌن لما نشاء‬ ‫وقد اؼدَو وعلى ثب ٍة كرام‬
‫(‪)1‬‬
‫حم ٌّا الكاس فٌهم والؽناء‬ ‫ٌجرون البرود وقد تمشت‬

‫أفاطلقت لك الخمر لؽٌرك من أصحاب الخلود؟‪...‬أم حرمت علٌك مثل ما حرّمت‬


‫على أعشى قٌس؟ فٌقول زهٌر‪ :‬إن أخا بكر أدرك محم ًدا ‪ .‬فوجبت علٌه الحجة‪ ,‬ألنه بعث‬
‫وحظر ما قب َح من أمر‪ .‬وهلكت أنا و الخمر كؽٌرها من األشٌاء‪ٌ ,‬شربها‬
‫ِ‬ ‫بتحرٌم الخمر‪,‬‬
‫أتباع األنبٌاء‪.‬فبلحجة علىّ ‪.‬‬
‫فٌدعوه الشٌخ إلى المنادمة‪.‬فٌجده من ظراؾ الندماء‪ ،‬فٌسؤله عن أخبار القدماء‪.‬ومع‬
‫المنصؾِ )*) باطٌة من الزمرد فٌها من الرحٌق المختوم شًء ٌمزج بزنجبٌل‪.‬والماء اخذ من‬
‫سلسبٌل‪.‬فٌقول‪ -‬زاد هللا فً أنفاسه‪ -‬أٌن هذه الباطنٌة من التً ذكرها الس َّروىّ فً قوله ‪:‬‬
‫جونة ٌبتعها برذٌنها‬ ‫ولنا باطنٌة مملإة‬
‫ّ‬
‫فت عن خاتم أخرى طٌنها‬ ‫فإذا ما طردت أو بكات‬

‫)‪–(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.266‬‬


‫)*(‪ -‬المنصؾ‪ :‬الخادم‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫وٌمر ابن القارح فً الجنان بقصرى النابؽتٌن نابؽة ذبٌان و النابؽة الجعدي فٌجلس‬
‫إلٌهما وٌدور الحدٌث فً شعرهما‪ ,‬وٌحدث التبلحى بٌنهما من مثل قول النابؽة الذبٌانً‬
‫للنابؽة الجعدي(‪.)1‬‬
‫«‪...‬أتقول هذا وإن بٌتا مما بنٌت لٌعدل بمابة من بنابك؟وان اسهبت فً منطقتك‪,‬فإن‬
‫المسهب كحاطب اللٌل‪.‬وإنً لفى الجرثومة من " ربٌعة الفرس" وانك لمن بنً جعدة‪ .‬إال‬
‫رابدة ظلٌم تعور‪ ،‬اتعٌرنى مدح الملوك؟‪.‬و لوال تدلج فً الظلماء الداجٌة‪,‬وال تهجِّ ر فً‬
‫الودٌقة الصاحذة)*)‪ ،‬وذكرت لً طبلق الهزانٌة‪ ،‬ولعلها بانت ع ّنى مسّرة الكمد والطبلق لٌس‬
‫بمنكر للسوق وال للملوك‪.‬‬
‫الجعدى" ‪.‬اسكت ٌا ظ ًّل بن ظلّ‪ ،‬فاقسم أن دخولك الجنة من المنكرات!ولكنّ‬ ‫فٌقول"‬
‫القضٌة جاءت كما شاء هللا‪ .‬لحقك أن تكون فً ال ّدرك األسفل من النار‪ ،‬ولقد صلى بها من‬
‫هو خٌر منك‪ ،‬ولو جاز الؽلط على ربّ الع ّزة لقلت‪ :‬انك ّؼلطِ بك الست القابل؟‬
‫ٌب ‪ّ .‬‬
‫فبت دون ثٌابها‬ ‫فدخلت إذا نام الرق‬
‫فً النوم بعد لعابها‬ ‫حتى إذا ما استرسلت‬
‫مسو ٍد ٌرمً بها‬
‫ّ‬ ‫قسمتها قسمٌن كل‬
‫ك عبٌرها بمالبها‬ ‫كالحقة الصفراء صا‬
‫مرفوعة لشرابها‬ ‫وإذا لها تامورة‬
‫واستقللت بنً جعدة‪ ،‬ولٌوم من أٌامهم ٌرجع بمساعً قومك وزعمتنً جبانا وكذبت‬
‫لؤلنا أشجع منك‪ ،‬ومن أبٌك‪ ،‬واصبر على إدالج المظلمة ذات األرٌز )*) واش ّد إٌؽاالً فً‬
‫الهاجرة أم الصخدان وٌثبت نابؽة بنً جعدة على " أبً البصٌر" فٌضربه بكون من ذهب‬
‫فٌقول‪ :‬أصلح هللا به وعلى ٌدٌه‪ .‬العربدة فً الجنان‪ ،‬إنما ٌعرؾ ذلك فً الدار الفانٌة بٌن‬
‫السفلة والهجاج‪,‬وانك ٌا ابا لٌلى لمنتزع وقد روى فً الحدٌث أن رجبلً صاح بالبصرة ‪ٌ,‬ا‬
‫آل قٌس ‪ ,‬فجاء النابؽة الجعدى بعصبٌة له‪.‬فؤخذه شرطً أبى موسى األشعري فجلده لؤلن‬
‫النبً صلى هللا علٌه وسلم‪,‬قال‪:‬من تع ّز بعزاء الجاهلٌة فلٌس منا‪,‬ولوال إن الكتاب‬

‫)‪ -)1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.267‬‬


‫)*)‪ -‬الصاخدة‪ :‬الهاجرة‪ ،‬وصؽد الٌوم اشتد حره‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫الكرٌم«الٌصدّعون عنها وال ٌنزفون» لظنناك أصابك نزؾ فً عقلك فإما أبو بصٌر‪ ،‬فما‬
‫شرب إال اللبن والعسل‪ ،‬وانه لوقور فً المجلس‪ ،‬ال ٌخؾ عند ح ّل الحبوة"‬
‫وهكذا ٌظل الحوار والتبلحى بٌن الشاعرٌن ٌجرٌه المعرى فً اقتدار ولماحٌة‪،‬‬
‫ٌشٌر حٌنا إلى فكرة أو ٌرمز لها‪ ،‬وٌكسب العبارة أحٌانا روح السخرٌة‪ ،‬وأحٌانا روحا‬
‫الفكاهة‪ ،‬لكنها تخفً وراءها ما تخفً من المعنى الذي ال ٌرٌد التصرٌح به‪ ،‬وإنما ٌفهمه‬
‫األلمعى الذي ٌظن بك الظن(‪.)1‬‬
‫ومن هنا جاءت رسالة الؽفران بهذا اإلمتاع‪ ،‬إذا لٌست تعبراً صارما أو مباشراً عن‬
‫رأى المإلؾ‪ ،‬وال جدال فارؼا من حبلوة الحدٌث ٌؽلفه جفاء العلم‪ ،‬وزهامة العقل‪ ،‬بل قول‬
‫جمٌل ٌنتقل بك فً رٌاض الجنان ورٌاض األدب ورٌاض الفكر من روضة إلى روضة‬
‫تستروح النفس فٌها ما ستروحه من نسمات‪ ،‬وٌلتقط الفكر ما ٌلتقط من ثمرات و ٌخرج أبو‬
‫العبلء بصاحبه ابن القارح من تلك الجولة أو النزهة لٌطل إطبللة على أهل الجحٌم(‪.)2‬‬
‫ٌقول‪ « :‬وٌبدو له أن ٌطلع إلى أهل النار فٌنظر إلى ما هم فٌه لٌعظم شكره على‬
‫النعم‪,‬بدلٌل قوله تعالى ‪ {:‬قال قائل منهم أنى كان لً قرٌن ٌقول أئنك لمن الصادقٌن‬
‫إئذامتنا وك ّنا ترابا وعظاما إئنا لمدٌنون‪ ،‬قال هل انتم مطلعون‪ ،‬فاطلع فرآه فً سواء‬
‫ربى‪.‬لكنت من المحصورٌن}‪.‬‬
‫الجحٌم‪،‬قال تاهلل إن كدت لتردٌن‪ .‬ولوال نعمة ّ‬
‫فٌركب بعض دواب الجنة و ٌسٌر‪،‬فإذا هو بمدابن لٌست كمدابن الجنة‪،‬وال علٌها‬
‫أدحال(*) وؼمالٌل)*) فٌقول لبعض المبلبكة‪ :‬ما هذه ٌا عبد‬
‫ٍ‬ ‫النور الشعشعانىّ ‪ ،‬وهى ذات‬
‫هللا؟فٌقول‪ :‬هذه ج ّنة العفارٌت الذٌن آمنوا بمحمد‪ .‬صلى هللا علٌه و سلم‪ .‬وذكروا فً‬
‫األحقاق‪ .‬وفً سورة الجن‪ ،‬وهم عدد كثٌر فٌقول لؤلعدلنّ إلى هإالء‪ .‬فلن اخلوا لدٌهم من‬
‫أعجوبة‪ .‬فٌعوج علٌهم فإذا هو بشٌخ جالس على باب مؽارة فٌسلم علٌه‪،‬فٌحسن الرد‬
‫بخٌر لعسى ‪،‬مالك من القوم سًّ ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫فٌقول‪:‬ما جاء بك ٌا إنسًّ ؟ إنك‬

‫)*)‪ -‬األرٌز‪ :‬البرد والصقٌع‪.‬‬


‫)‪ -)1‬المرجع السالق‪ ،‬ص‪.268‬‬
‫)‪ -)2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.268‬‬
‫)*)‪ -‬أدحال‪ :‬جمع دحل وهو الثقب فً األرض الضٌق‪ ،‬األعلى الواسع‪ ،‬األسفل‪.‬‬
‫)*(‪ -‬ؼمالٌل‪ :‬جمع ؼمول وهو الوادي ذو الشجر‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫فٌقول‪ :‬سمعت أنكم جنّ مإمنون‪ ،‬فجبت ألتمس عندكم أخبار الج ّن ِ‬
‫ان‪ ،‬وما لعله لدٌكم‬
‫من أشعار المردة‪ ،‬فٌقول ذلك الشٌخ‪ :‬لقد أصبت العالم ببجدة األمر‪ ،‬ومن هو منه كالقمر من‬
‫كالحاقن من اإلهالة فسل عمّا بدالك‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫الهالة‪،‬ال‬
‫فٌقول‪ :‬ما أسمك أٌها الشٌخ؟ فٌقول‪ :‬أنا الحٌتعور أحد بنً الشٌطان ولسنا من ولد‬
‫إبلٌس‪ ،‬ولكن من الجن الذٌن كانوا ٌسكنون األرض قبل ولد آدم صلى هللا علٌه‪.‬‬
‫فٌقول‪ :‬اخبرنً عن أشعار الجن‪ ،‬فقد جمع منها المعروؾ بالمرزبانً قطعة صالحة‪،‬‬
‫فٌقول ذلك الشٌخ‪ :‬إنما ذلك هذٌان ال معتمد علٌه وهل ٌعرؾ البشر من النظم إال كما تعرؾ‬
‫البقر من علما الهٌؤة و مساحة األرض؟ وإنما لهم خمسة عشر جن ًسا من الموزون قل ما‬
‫ٌعدوها القابلون وان لنا لآلالؾ األوزان ما سمع بها اإلنس وإنما كانت تخطر بهم أطٌفال‬
‫منا عارمون‪ ،‬فتنفث إلٌهم مقدار الضراوة)*)ومن أراك النعمان)*) ولقد نظمت الرجز والقصٌد‬
‫قبل أن ٌخلق هللا آدم بكور أو كورًٌن وقد بلؽنً إنكم معشر اإلنس تلهجون بقصٌدة امرئ‬
‫القٌس‪:‬‬
‫قفا نبك من ذكرى حبٌب و منزل‬
‫وتحفظونها الحزاورة فً المكاتب‪ ،‬وان شبت أملٌتك ألؾ كلمة على هذا الوزن على‬
‫مثل منزل‪ ،‬وحوامل وألفا على ذلك القرىّ ‪ٌ .‬جا على منزل حومل‪ ،‬ألفا على منزل‬
‫وحومبل‪ ،‬وألفا على منزله وحومله وألفا على منزله وحومله‪.‬‬
‫وكان ذلك لشاعر منا هلك وهو كافر‪.‬وهو اآلن ٌشتؽل فً أطباق الجحٌم فٌقول‪-‬‬
‫وصلى هللا أوقاته بالسعادة‪ :‬أٌها الشٌخ‪ ،‬لقد بقى علٌك حفظك‪ ،‬فٌقول لسنا مثلكم ٌا بنً آدم‪،‬‬
‫ٌؽلب علٌنا النسٌان و الرطوبة‪ ،‬ألنكم خلقتم من حما مسنون‪ ،‬وخلقنا من مارج من نار‬
‫فتحمله الرؼبة فً األدب أن ٌقول لذلك الشٌخ‪ :‬أفتمل على شٌبا من تلك األشعار؟ فٌقول‬
‫الشٌخ ‪ :‬فإذا شبت امتلك ماال تسقه الركاب وال تسعة صحؾ دنٌاك‪.‬‬
‫فٌهم الشٌخ ‪-‬الزلت همته عالٌة‪ -‬بؤن ٌكتب منه‪ .‬ثم ٌقول‪ :‬لقد شقٌت فً الدار العاجلة‬
‫بجمع األدب‪ .‬ولم احظ منه بطابل‪ ،‬وإنما كنت أتقرب به إلى الرإساء‪ ،‬فؤجتلب منهم د ّر‬
‫ُور ولست بموقؾ أن نزلت لذات الجنة‪ ،‬وأقبلت أنسخ آداب الجنّ‬
‫بكىء وأجهد أخبلق مص ٍ‬
‫ومعنى من األدب ما هو كاؾ‪ ،‬السٌما وقد شاع النسٌان فً أهل أدب الجنة‪ ،‬فصرت من‬
‫أكثرهم رواٌة‪ ،‬وأوسعهم حفظا والحمد هلل‪.»...‬‬

‫‪43‬‬
‫وٌظل فً حوار مع الشٌخ الجن‪ٌ ،‬ورد أبو العبلء خبلله من صنعه وٌلتزم ما ٌلتزم‬
‫فً القافٌة على صورة دٌوان لزوم ماال ٌلزم أو اللزومٌات(‪.)1‬‬
‫وٌنقل من ناحٌة إلى أخرى فً هذا المكان بٌن الجنة والنار‪ٌ ،‬لقً فٌه بعض الشعراء‬
‫كالحطٌبه والخنساء‪ ،‬وفً لقابه مع الخنساء(‪ٌ )2‬قول‪...« :‬فإذا هو بامرأة فً أقصى الجنة‬
‫قرٌبة من المطلع إلى النار فٌقول‪ :‬من أنت؟ فتقول‪ :‬أنا الخنساء السّلمٌة‪ ،‬أحببتا أن انظر إلى‬
‫صخر‪ ،‬فؤطلعت فرأٌته كالجبل الشامخ‪ ،‬والنار تضطرم فً رأسه فقال لً‪ :‬لقد صح مزعمك‬
‫فًّ ‪ٌ ،‬عنى قولً‪:‬‬
‫كؤنه علم فً رأسه نار‬ ‫صخرا لتؤتم الهداة به‬
‫ً‬ ‫وأن‬

‫فٌطلع فٌرى إبلٌس‪ .‬لعنه هللا‪ .‬وهو ٌضطرب فً األؼبلل والسبلسل ومقامع الحدٌد‬
‫تؤخذه من أٌدى الزبانٌة‪ ،‬فٌقول‪ :‬الحمد هلل الذي أمكن ٌا ع ّدو أولٌابه‪ ،‬لقد أهلكت من بنً آدم‬
‫طوابؾ ال ٌعلم عددها إال هللا فٌقول‪ :‬من الرّجل؟‬
‫فٌقول‪ :‬أنا فبلن من أهل «حلب» كانت صناعتً األدب‪ ،‬أتقرب به إلى الملوك‪،‬‬
‫فٌقول‪ :‬ببس الصناعة‪ ،‬إنها تهبُ ؼفّة من العٌش ال ٌتسع لها العٌال‪ ،‬وإنها لمزلّة بالقدم‪ ،‬وكم‬
‫أهلكت مثلك‪ ،‬فهنٌبا لك إذا نجوت‪ ،‬فؤولى‪ ،‬وإنّ لً إلٌك لحاجة‪ ،‬فإن قضٌتها شكرتك ٌد‬
‫المنون‪.‬‬
‫فٌقول‪ :‬إنً ال أقدر لك على نفع‪ ،‬فإن اآلٌة سبقت فً أهل النار أعنى قوله تعالى‪:‬‬
‫حرمها‬
‫« ونادى أصحاب الجنة أن أفٌضوا علٌنا من الماء أو مما رزقكم هللا‪ ،‬قالوا إن هللا ّ‬
‫على الكافرٌن»‪.‬‬
‫فٌقول‪ :‬إنً ال أسؤلك فً شًء من ذلك‪ .‬ولكنى أسؤلك عن خبر تخبرٌنه‪:‬‬

‫)*)‪ -‬الضراوة‪ :‬الضم شفتٌه من السواك‪.‬‬


‫)*)‪ -‬النعمان‪ :‬واد بالحجاز‪.‬‬
‫(‪ -)1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.270‬‬
‫(‪ -)1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.270‬‬
‫)*)‪ -‬القرٌات‪ٌ :‬عنً ترى قوم لوط‪.‬‬
‫)*)‪ -‬البهلة‪ :‬اللعنة وبهلة هللا لعنته‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫إن الخمر حرّمت علٌكم فً الدنٌا و أحلّت لكم فً اآلخرة‪ ،‬فهل ٌفعل أهل الجنة بالولدان‬
‫المخلدٌن فعل أهل القرٌّات)*)؟ فٌقول‪ :‬علٌك البهلة)*)‪ ،‬أما شؽلك ما أنت فٌه؟ أما سمعت قوله‬
‫تعالى‪« :‬ولهم فٌها أزواج من مطهرة وهم فٌها خالدون»‪.‬‬
‫فٌقول‪ :‬وإنّ فً الجنة لؤلشربة كثٌرة ؼٌر الخمر‪،‬فما فدل بشار بن برد؟‪.‬فإنّ له عندي‬
‫ٌ ًدا لٌست لؽٌره من ولد آدم‪ ،‬كان ٌفضنً دون الشعراء‪ ،‬وهو القابل‪:‬‬

‫فتبٌنو ٌا معشر األشرار‬ ‫إبلٌس أفضل من أبٌكم آدم‬


‫سموا النار‬
‫ّ‬ ‫والطٌن ال ٌسمو‬ ‫النار عنصره‪ ،‬وآدم طٌنة‬

‫لقد قال الحق‪ ،‬ولم ٌزل قابله من الممقوتٌن‪ ،‬فبل ٌسكت من كبلمه‪ .‬إال ورج ٌل فً‬
‫أصناؾ العذاب‪ٌ .‬ؽمض عٌنٌه حتى ال ٌنظر إلى ما نزل به من النقم‪ ،‬فٌفتحها الزبانٌة‬
‫بكبللٌب من نار‪ ،‬وإذا هو بشار بن برد‪ ،‬قد أعطى عٌنٌن بعد الكمه‪.‬‬
‫لٌنظر إلى ما نزل له من النكال فٌقول له‪.‬أعلى هللا درجته‪ٌ.‬ا أبا معاذ‪،‬لقد أحسنت فً‬
‫مقالك و أسؤت فً معتقدك و لقد كنت فً الدار العاجلة أذكر بعض قولك فؤترحّم علٌك‪ .‬ط ّنا‬
‫أن التوبة ستلحقك مثل قولك‪:‬‬

‫ذهب الزمان و أنت منفرد‬ ‫إرجع إلى سكن نعٌش به‬


‫فً الحً ال ٌدرون ما تل ّد‬ ‫نرجو ؼدا وؼ ٌدد كحامله‬
‫وقولك‪:‬‬
‫قامت تراءى إذا رأتنى وحدى‬ ‫واها ً لألسماء ابنة األشد‬
‫ض ّنت بخ ًّد‪،‬وجلت عن خ ِّدد‬ ‫كالشمس بٌن الزبرج المنق ّد‬
‫وصاحب كال ُّدد َّم ِل ال ُم ِم ِّدد‬ ‫ثم انثنت كالنفس المرت ِّدد‬
‫حملنه فً رقعة من جلدي‬ ‫حمى للورد‬
‫ّ‬ ‫أرقب منه مثل‬
‫للملحق مثل الر ّد‬
‫ِ‬ ‫ولٌس‬ ‫الحر ٌلحى‪ ،‬والعصى للعبد‬

‫‪45‬‬
‫س ْبد» فً بعض قوافٌها‪ .‬فإن كنت‬
‫اآلن وقع منك الٌؤس‪،‬وقلت فً هذه القصٌدة «ال ُّد‬
‫أردت جمع سّبدٍ‪ ،‬وهو طابر‪ ،‬فإنّ فعبلً ال ٌجمع على ذلك‪ ،‬وإن كنت سكنت الباء فقد أسؤت‪.‬‬
‫ألن سكبت الفرحة ؼٌر معروؾ‪ ،‬وال حجة لك فً قول األخطل‪:‬‬
‫ٌراجع ما قد فاته بردا ٍد‬ ‫وما كل مؽبون إذا سلؾ صفقة‬
‫وال فً قول اآلخر ‪:‬‬
‫أبى من تراب خلقه هللا آدما‬ ‫ترابى فقلت‪:‬صدقتم‬
‫ُّد‬ ‫وقالو‪:‬‬
‫لؤلن هذه شواد‪ .‬فؤما قول جمٌل‪.‬‬
‫محجل‬
‫ّ‬ ‫صر ٌدد‬
‫جمٌع بذات الرضم َ‬ ‫وصاح ٌبٌن من ٌثبته و ال ّنوى‬

‫فإن من أنشده بضم الصاد مخطا‪ ،‬ألنه ٌذهب إلى أنه أراد الصّرد‪ .‬فسكن الراء‬
‫وإنما صرْ ٌد‪ .‬أي خالص‪ .‬من قولهم‪ :‬أحبك حبا ّ صُرْ ًدا»‬
‫و ٌلتقً فً النار بعد ذلك جماعة آخرٌن من الشعراء كامرئ القٌس و طرفة و‬
‫عمرو بن كلثوم ٌقؾ مع كل واح ًد منهم وقفة كالتً وقفها مع بشار‪ ،‬وهو فً النار ٌعود‬
‫(‪)1‬‬
‫أدراجه إلى الجنة وٌختم حدٌثه فً العود بحدٌث حٌات الجنة وما دار بٌنه وبٌنها‬
‫من حوار و حدٌث ذي شجون ٌجوالن فٌه فً كل وا ٍد من أودٌة الشعر واللؽة على‬
‫عادة أبً العبلء دابما إذا ٌؤتً بالشعر فٌقؾ عند ؼربٌة من لؽ ٍة فٌفصّل و ٌبحر من معلومة‬
‫إلى أخرى معتمدا على فٌض ثرثار من علمه الج ّم‪...‬و ٌنهى المطاق برإٌة و العجاج من‬
‫أهل الرجز(‪.)2‬‬
‫ثم ٌقول «‪...‬وٌذكر‪.‬أذكره هللا بالصالحات ‪.‬ما كان ٌلحق أخا الندام من فتور فً‬
‫الجسد من المدام‪،‬فٌحتار أن ٌعرض له ذلك من ؼٌر أن ٌنزؾ له لبّ وال ٌتؽٌر علٌه‬
‫خبّ ‪،‬فإذا هو ٌخال فً العظام الناعمة دبٌب نمل‪،‬أسرى فً المقمرة على رمل ‪.‬‬
‫فٌترنم ٌقول «إٌاس بن األرت»‬
‫ٌ ّطل لكل أنملة دبٌب‬ ‫أعاذل لو شربت الخمرح ّتى‬
‫لما أتلفت من مالى مصٌب‬ ‫إذا لعذرتنى و علمت أنى‬

‫)‪ -)1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.272‬‬


‫)‪ -)2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.273‬‬
‫‪46‬‬
‫وٌتكا على مفرش من السندس‪ ،‬وٌؤمر الحور العٌن أن ٌحملن ذلك المفرش‪ ،‬فٌضعنه‬
‫على سرٌر من س َُر ِر أهل الجنة‪ ،‬وإنما هو زبرجد أو عسجد‪ .‬وٌكوّ ن البارئ فٌه حلقا ً من‬
‫الذهب تطٌق واحدة من كل األشراء حتى ٌؤخذ من كل واحد من الؽلمان‪ ،‬وكل واحدة من‬
‫الجواري المشبهة بالجٌمان واحدة من تلك الحلق‪ ،‬فٌحمل على تلك الحال إلى محلّه المشٌد‬
‫بدار الخلود‪ .‬فكلما م ّر بشجرة نضخته أؼصانها بماء الورد قد خلط بماء الكافور‪ ،‬وٌمسك‬
‫ما جُنى من دماء الفور‪ ،‬بل هو بتقدٌر هللا الكرٌم‪ .‬وتنادٌه الثمرات من كل أوب و هو مستلق‬
‫على الظهر‪،‬هل لك ٌا أبا الحسن ‪،‬هل لك؟ فإذا أراد عنقو ًدا من العنب أو ؼٌره‪ .‬انقضب من‬
‫الشجرة لمشٌبة هللا‪ ،‬و حملته القدرة إلى فٌه‪ ،‬و أهل الجنة ٌلقونه بؤصناؾ التحٌة «وآخر‬
‫دعواهم أن الحمد هلل رب العالمٌن»‪.‬‬
‫ال ٌزال كذلك أب ًدا سرمداً‪.‬قابمًا فً الوقت المتطاول ال تخبر الؽٌر فٌه مزع َما »‬
‫وٌنقضً بذلك القسم األول من الرسالة وهو القسم الخٌالً وهو الحدٌد فٌها بما ابتدعه أبو‬
‫العبلء من هذا الجو المحلق فً العالم األخر‪ ،‬وتصوره على ما أوحى إلٌه القران وإثارته‬
‫فً ذهنه أحادٌث الجنة وما قبل فٌها من أثار السلؾ‪ ،‬ونبلحظ تركٌزه على أشٌاء قال فٌها‬
‫المعترضون كثٌرا ورد المنافحون عن كتاب هللا كالخمر بالجنة وشربها وأوصافها وننعم‬
‫المإمنون بمجالسها‪ ،‬كتنعمهم بؽٌرها من مبلذ الدنٌا من متاع فاخر ورٌاش من سندس‬
‫وإستبرق و أبارٌق الذهب والفضة‪ ،‬وما ٌتخلقون به من أنواع األطاٌب والخلوق من كافور‬
‫وزنجبٌل ورٌاحٌن ن وما ٌقوم وعلى حد منهم ومتعتهم من الجواري الحسان والؽلمان ‪...‬‬
‫كل هذا ٌعرضه أبو العبلء فً صور متقابلة بٌن الرأي والرأي األخر‪ ،‬وال ٌعدم التعرٌض‬
‫والتلمٌح ‪ ،‬مما أطلقت السنت بعض معارضٌه من شٌوخ ورجال الدٌن بالقدح فٌه ‪.‬‬
‫لٌنتهً القسم األول لٌبدأ القسم الثانً وهو الذي جعله ردا مفصبل على لسان ابن‬
‫القارح ن ٌتناول فٌه كل جزبٌة مما ذكره فٌه ٌعرى أبو العبلء صاحبه تعرٌة كاملة‪ ،‬وإذا‬
‫كان ابن القارح قد قص علٌه خبر بعض الزنادقة‪ ،‬فان أبو العبلء ٌحشد له حشدا منهم‬
‫وٌعرج به إلى النحل والفرق فٌظهر خبثها‪ ،‬وبٌن الفساد فً معتقداتها‪ ،‬وكؤنه ٌقول لصاحبه‬
‫أنت أولى بهإالء‪ ،‬وهم أشبه بك فٌا اعتنقو بك من نحل ‪ ،‬وفٌما ٌتمخر به من معتقد وٌعرج‬
‫أبو العبلء إلى دعوى صاحبة فً الزهد والورع وٌسخر ما وسعته السخرٌة وٌرمٌه بآبدة‬
‫بعد أخرى ‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫ٌعرض الى ما ادل به اٌن القارح من حججه الخمس فٌقول ‪:‬‬
‫«وكانً عماعم الحجٌج ٌرفعون التلبٌة بالعجٌج ‪ ،‬وهو ٌفكر فً تلبٌات العرب ‪ ،‬وانها‬
‫جائت على ثالث انواع ‪ ،‬مسجوع ال وزن له ومنهوك ‪ ،‬ومشطور »‬

‫هو – إذن – ال تؤخذه رهبة الموقؾ ن ولٌس للخشوع ما كان فً قلبه و إنما هو مشؽول‬
‫بؤمر األوزان التً جاءت علٌها تلبٌات العرب وٌمضً ابو العبلء فٌورد قطعا من الشعر‬
‫ٌرى ان ابن القارح البد ان ٌذكرها وهو ٌإدي مناسكها ‪ ،‬فمن ذلك قول الشاعر (‪:)1‬‬
‫بمكة ‪ ،‬والقلوب لها وجٌب‬ ‫ذكرتك والحجٌج له عجٌج‬
‫به هلل أخلصت القلوب‬ ‫فقلت ‪ ،‬ونحن فً بلد حرام‬
‫حنٌت فقد تطاهرت الذنوب‬ ‫أتوب الٌك ٌا رباه مما‬
‫زٌاتها فانً ال أتوب‬ ‫فؤما من هوا لٌلى وحبً‬

‫وعجٌب أمر هذا الحاج الذي ٌتشبث بلٌبلء فً موقؾ من المفروض فٌه أن ٌنسى كل‬
‫أمور دنٌاه وراء اسم لٌلى ضع كل ما ترد من أهواء ورؼابب – بعد – أن ٌختار أبو العبلء‬
‫أبٌاته هذه من شعر المجنون وفً ذلك ما فٌه من ؼمر ‪.‬‬
‫وعن دعوى ابن القارح إقبلع عن الكؤس والخمر فان أبو العبلء ٌلقفها وٌمطر الشٌخ‬
‫‪2‬‬
‫بسخرٌاته ‪ ،‬فٌصوره وقد اعد مهه خنجرا كخنجر ابن الرومً ‪ ،‬فإذا جلس فً مجلسه‬
‫«فٌكون هذا الخنجر منه فإذا قضً أن ٌمر بباب الكهل المرقل ( الزق الجلدي ) وثب الٌه‬
‫وثبة تمر متخلفة من وقٌر أمر فوجؤة بذلك الخنجر وجؤة فانبعث بمثل الدم الخالص‬
‫الخالص من العندم»‬
‫وكان ابن القارح قد ذرك فً رسالته أن بعض الناس عرض علٌه كاس خمر فامتنع‬
‫عنها وقال ‪ :‬خلونًٌ والمطبوخ على مذهب الشٌخ االوزاعً وٌقؾ أبو العبلء عند هذا‬
‫القول فٌعبث بالشٌخ ساخرا وٌعرض به قاببل ‪« :‬والتوبة اذا لم تكن نصوحا لم ٌلقا خلقها‬
‫منصوحا‪ ،‬وكان فً بلدنا رجل مؽرم بالقهوة ن فلما كبر رؼب فً المطبوخ‪ ،‬وكان ٌحض‬

‫( ‪ -)1‬فوزي محمد أمٌن‪" ،‬فً النثر العباسً القرن الرابع وما بعده"‪ ،‬دار المعرفة الجامعٌة‪( ،‬د‪.‬ط)‪2003 ،‬م‪ ،‬ص‪.96‬‬
‫)‪ -)2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.97‬‬
‫‪48‬‬
‫م هندامه وبٌن ٌدٌه خردازي فٌه مطبخة‪ ،‬وعندهم قدح واحد فاذا جاء القدح الٌه لٌشرب‬
‫عسله من اثر الخمر ‪»...‬‬
‫وٌدور أبو العبلء بابن القارح دورة أخرى فٌسن له إنما ٌشكوه من الضعؾ والوهن‬
‫بٌع السبعٌن ال ٌدل إال على ضٌق بالعجز ال ضٌق بالحٌاة ولعله لو أحس نبض العافٌة لعاد‬
‫إلى دنٌا لهواه ‪ ،‬وعالم لذابذه(‪.)1‬‬
‫وٌقتن أبو العبلء فً فضح الشٌخ وتعرٌته فٌحكى له خبر أبً عمر بن العبلء وقد كان‬
‫ٌداري شبٌه بالخضاب‪«:‬ماشتكى فً بعض األٌام‪ ،‬فعادة بعض أصحابه فقال‪ :‬تقول إن شاء‬
‫هللا من علتك فقال‪ ،‬ما آمل بعد ست وثمانٌن وعاد إلٌه وقد تماثل فقال‪ :‬ال تحدث بما قلت‬
‫لك»‪.‬‬
‫وٌمعن أبو العبلء فً العبث بالشٌخ فٌلوح له بؤنه ما زال مهوى أفبدة النساء وبخاصة‬
‫العجز والمكتهبلت(‪:)2‬‬
‫«ولعله لو نشط لهذه المارٌة‪ ،‬لتنافست فٌه العجز والمكتهالت وعلت خطبه‪ ،‬المكتهالت‪،‬‬
‫الن العاقلة ذات اإلحصاؾ تجنب إلى معاشرة حلٌؾ اإلنصاؾ »‬
‫وتسنح الفرصة للتعرٌض بحٌاة ابن القارح فً مصر وبؤنه ما زال متعلقا بسبب‪ ،‬وان‬
‫تظاهر بؤنه ال ٌنبؽً من المرأة إال معٌنا على الكبر ‪ «.‬وال شك انه قد استخدم فً مصر‬
‫أصناؾ حوار‪ ،‬وهن من مآرب موار‪ ،‬ولوال إن أخ الكبرة ٌفتقر إلى معٌن‪ ،‬لكانت الحزامة‬
‫ان ٌقتنع بورد المعٌن »‬
‫أما عن البخل والشح وانعدام المرإة والنخوة فقد قدم ابن القارح صٌدا سهبل ن حٌث‬
‫عن بنت أخت سرقت منه ثبلث وثمانٌن دٌنارا‪ ،‬وشكاها للسلطان «وهللا لو علمت أن األمر‬
‫ٌجري كذا كنت قتلته »‬
‫ولعل أبو العبلء تعجب كثٌرا لهذا المسلك‪ ،‬إذ كٌؾ ال ٌشكو اإلنسان إلى السلطان‬
‫اقرب الناس إلٌه‪ ،‬ولعله تساءل عن هذه المسكٌنة لو كانت لقٌت من خالها عطفا وبرا‪،‬‬
‫أكانت تلجا إلى السرقة؟ وأي حرص على الدنٌا اشد من إن ٌكون المال أحب إلى رجل من‬
‫قرابته وأولى رحمه(‪.)3‬‬

‫)‪ -)1‬المرجع نفسه ص‪ ،98‬بتصرؾ‪.‬‬


‫)‪ -)2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ ،99‬بتصرؾ‪.‬‬
‫)‪ -)3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ ،100‬بتصرؾ‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫وتلقؾ ابو العبلء قصة الدنانٌر وذهب بالشٌخ وجاء‪ٌ ،‬ذٌقه ألوانا من السخ ر‪ ،‬وٌجرعه‬
‫دعابة خشنة تقطر سما‪ ،‬فمر ٌلمح إلى أن هذه الدنانٌر مكتسبة من التمسح بؤعطاب‬
‫الفاطمٌٌن والتمزع فً ترابهم ‪.‬‬
‫«وهذه وال رٌب من دنانٌر مصر لم تجا من عند السوق ولكنى من عند الملوك »‬
‫فإذا بلػ أبو العبلء ؼاٌته من السخرٌة بشٌخ ابن القارح ‪ ،‬وبخله ونهمه للمال اثنً لٌوجه إلٌه‬
‫طعنة قاتلة إذ ٌخوفه إن تكون بنت أخته ورثت عنه الهجاء وتجسسه شًء من هجابها ‪:‬‬
‫«وٌجوز أن ٌكون قد رشح إلى هذه المرأة شًء من آداب الخٌولة ‪ .‬فلٌتق معرة بٌانها‬
‫أكثر من اتقائه خلسة بناتها »‬
‫وهكذا ٌعود أبو العبلء لؤلخص صفات ابن القارح واخصها فٌبرزها وكؤنه ال ٌعنٌها‪،‬‬
‫انه ابن القارح الذي هجا أبا القاسم بن الحسٌن المؽربً‪ ،‬والذي تنكر لؤلولى نعمته‬
‫وأصحاب الفضل علٌه ‪.‬‬
‫لقد رد أبو العبلء على موقؾ ابن القارح من أهل المؽرب ردا موجزا متحرزا ولعله خشً‬
‫مؽبة اإلفصاح ‪ ،‬ولكن لٌس معنى ذلك أن قضٌة المؽربً كانت قضٌة هاشمٌة فً رسالة‬
‫الؽفران وإنما هً فً ضننا محور من محاورها الكبرى ولعل ألبً العبلء طرابق أخرى‬
‫للنٌل من صاحبه أكثر خفاء وشدة ‪.‬‬
‫‪ - 2‬السبب والؽاٌة من تدوٌن رسالة الؽفران‪:‬‬
‫المعروؾ أن رسالة الؽفران لؤلبً العبلء المعري رد على رسالة وردت إلٌه من‬
‫األدٌب الحلبً علً بن المنصور ابن القارح و واضح من رسالة ابن القارح انه كتبهاإلً‬
‫ابن العبلء دون سابق صلة بٌنهما و إنها كانت الرسالة األولى‪ ،‬ولم نعرؾ أن ابن القارح‬
‫أعقب هذه الرسالة بؤخرى ومن ثم هً الرسالة األولى و األخٌرة(‪.)1‬‬
‫فقد أرسلها إلى أبً العبلء المعري ٌعتذر بها عن ضٌاع رسالة كان احد أدباء العصر‬
‫«ابو فرج الزهرجً» قد أرسلها إلٌه مع ابن القارح لما علم انه فً طرٌقه إلى حلب فسرق‬
‫عدٌل له‪ ،‬رحبل من رحاله وفٌه الرسالة(‪.)2‬‬

‫)‪ -)1‬فوزي محمد أمٌن‪" ،‬فً النثر العباسً القرن الرابع وما بعده"‪ ،‬دار المعرفة الجامعٌة‪( ،‬د‪.‬ط)‪2003 ،‬م‪ ،‬ص‪.83‬‬
‫)‪ –(2‬عابشة عبد الرحمان‪" ،‬قراءة جدٌدة فً رسالة الؽفران"‪ ،‬نص مسرحً من القرن الخامس هجري‪ ،‬معهد البحوث‬
‫والدراسات العربٌة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1979 ،1‬ص‪.46‬‬
‫‪50‬‬
‫كما انه أراد أن ٌزكى نفسه لدى حكٌم المعرة وأدٌب حلب وعالم الشام‪ ،‬فٌطٌل فً‬
‫سرد محفوظه من اللؽة و األخبار والشعر واإلعبلن عن براعته‪ ،‬والتعرٌؾ بحٌاته ورحبلته‬
‫وشٌوخه‪.‬‬

‫تقول بنت الشاطا «‪ٌ ...‬جارٌه أبو العبلء فٌبهره بؤمالٌه اللؽوٌة واألدبٌة وٌستدرك‬
‫الرد علٌه‪ ،‬ما فاته فٌما عرض له فً رسالته إلى أبً العبلء من قضاٌا تارٌخٌة ونقدٌة‬
‫وأدبٌه»(‪.)1‬‬

‫وال نذكر فٌما قرانا لؤلبً العبلء‪ ،‬على طول صحبتنا له فً أثاره ما ٌشٌر إلى ابن‬
‫القارح من قرٌب أو بعٌد‪ ،‬وإنما ٌؤتً ذكره لؤلول مرة على لسان أبً العبلء‪ ،‬فٌما نقل ابن‬
‫القارح نفسه فً رسالته حٌث(‪ٌ )2‬قول‪ « :‬بلؽتنً عن موالي الشٌخ أدام هللا تؤٌٌده انه قال‬
‫وقد ذكرت له‪ -‬أعرفه خٌرا‪ -‬هذا الذي هجا أبا القاسم بن الحسٌن المؽربً‪ ،‬فذلك منه ‪-‬أدام‬
‫هللا عزه ‪ -‬رائع لً – خوفا من ان ٌستشٌر طبعً‪ ،‬وان ٌنصرنً بصورة من ٌضع الكفر‬
‫موضع الشكر»(‪.)3‬‬
‫ومنها تعلم ابن القارح جاء ذكره فً مجلس أبً العبلء مما زاد على أن قال‪:‬‬
‫«اعرفه خٌرا – إي سماعا – هذا الذي هجا أبا القاسم بن علً ابن الحسٌن المؽربً»‬
‫(‪)4‬‬

‫(‪)5‬‬
‫وهذه العبارة التً اختارها أبو العبلء تعنً بإٌجار الشر و الحقوق و العذر و النفاق"‬
‫إذن ٌتضح مقصد ' ابن القارح ' فً الرسالة إنه التعرٌض بؤبً العبلء المعري و‬
‫الؽمز فً معتقده وأبو العبلء إذ ذاك مستهدؾ لمثل هذه األلوان من التعرٌض بما اثارته‬
‫إشعاره و كتاباته و التزامه بمسلك ؼرٌب فً الحٌاة و إال فما شان أبً العبلء بالزنادقة‬
‫بحشدهم له ابن القارح فً رسالته و بكرم على سمعه إخبارهم لو لم ٌكن بعرض به وٌعده‬
‫واحد منهم(‪ٌ )6‬قول طه حسٌن‪ « :‬ولسنا نشك فً ان علٌا أبا منصور بن القارح الذي كتبت‬

‫)‪ –(1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.44‬‬


‫) )‪ -‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫‪2‬‬

‫)‪–(3‬‬
‫عابشة عبد الرحمان‪" ،‬رسالة الؽفران ألبً العبلء‪ ،‬سلسله تراث واإلنسانٌة‪ ،‬مج‪ ،2‬ص‪.42‬‬
‫)‪ -)4‬المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‬
‫) )‪ -‬عابشة عبد الرحمان‪" ،‬قراءة جدٌدة فً رسالة الؽفران"‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫‪5‬‬

‫)‪ -)6‬فوزي محمد أمٌن‪" ،‬فً النثر العباسً"‪ ،‬ص‪.84‬‬


‫‪51‬‬
‫إلٌه هذه الرسالة قد كان شدٌد الزندقة او شدٌد العقلة فإن أبا العبلء ال ٌكتب له بهذه الرسالة‬
‫إال وهو واثق منه بإحدى الخصلتٌن» (‪. )1‬‬
‫بٌنما ٌقول شوقً ضٌؾ « أن أبا العبلء كان ٌقؾ وهواه فً بعض اآلراء التً‬
‫تتصل بالدٌن و الشك فٌه إذا امتؤلت الرسالة سخرٌة الذعة من المعتقدات اإلسبلمٌة " (‪.)2‬‬

‫وسحبة ذلك كله كان رد أبً العبلء المعري متلطفا فً السخرٌة بابن القارح بعدما‬
‫وصلت رسالته تنضح نفاقا و خبثا و زادت أبا العبلء علما بكاتبها الذي أؼال فً نهش جثة‬
‫أبً القاسم المؽربً مٌتا وتنكر لمن كانوا أولٌاء نعمته ( آل المؽربً ) وأفحش فً سبهم و‬
‫هجابهم فكانت مقدمة الؽفران رمزا لشخصٌته فً وجدان أبً العبلء (‪.)3‬‬

‫‪ - 3‬مصادر الرسالة‪:‬‬
‫إن فكرة البعث و النشور و نعٌم الفردوس و تعذٌب األشقٌاء فً الجحٌم لٌس من األفكار‬
‫الطاربة التً تسببتها رسالة ابن القارح و لكنها فكرة متؤصلة فً قرارة نفسه‪ ،‬نبتت ونمت‬
‫وتوشجت أصولها ونضج ثمرها فً قلبه نحو نصؾ قرن‪.‬‬
‫ولعل أول محاولة له فً اكتناه البعث والتردد فً قبول الرواٌات واألخبار قوله فً‬
‫مستهل حٌاته األدبٌة وهو فً الرابعة عشرة من عمره فً نونٌته التً رثاها أباه و التً‬
‫ٌقول فٌها(‪.)4‬‬
‫إذا صار أحد القٌامة كالعهن‬ ‫فٌا لٌت شعري هل ٌخؾ وقاره‬
‫مع الناس أم ٌؤتً الزحام فٌستؤنى‬ ‫وهل ٌرٌد الحوض الروي مبادرا‬
‫والخٌال الذي ألهمه المعري فصور "الؽفران" فً رسالته على نحو الذي عرفناه‬
‫هو نفسه "المالئكة" و فً هذه الرسالة أٌضا ٌتجلى خٌال المعري فٌطوؾ بالجنة و النار‬
‫ٌقرع أبوابها و ٌخرج مع الخزنة و الحراس و المبلبكة محاورا‪.‬‬
‫فرسالة المبلبكة قد مهدت لرسالته فً الؽفران أوان الفكرة األولى قد نضجت فؤٌنعت‬
‫فكانت ثمرة جنٌه فً "الؽفران" كانت حشو مادتها رأٌه فً الرواة الذٌن صحفوا فً الشعر‬
‫القدٌم و فً الشعراء الذٌن نجو من عذاب هللا(‪.)1‬‬
‫)‪ -)1‬طه حسٌن‪" ،‬تجدٌد ذكرى أبً العبلء"‪ ،‬ص‪.212‬‬
‫)‪ -)2‬شوقً ضٌؾ‪" ،‬الفن ومذاهبه فً النثر العربً"‪ ،‬دار المعارؾ‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪( ،9‬د‪.‬س)‪ ،‬ص‪.127‬‬
‫)‪ -(3‬عابشة عبد الرحمان‪" ،‬قراءة جدٌدة فً رسالة الؽفران"‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫)‪ -)4‬أبو العبلء المعري‪" ،‬اللزومٌات"‪ ،‬دار بٌروت للطباعة والنشر‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.132‬‬
‫‪52‬‬
‫و قد ذهب محمد مندور إلى أن فكرت الرحلة إلى العالم األخر لدى أبً العبلء لٌست‬
‫شٌبا مما ابتكره المعري وإنما فكرة قدٌمة عرفتها اآلداب القدٌمة‪ ،‬وهو بهذا ٌرد على العقاد‬
‫الذي ذهب إلى إن فكرة الرحلة إلى العالم اآلخر شًء لم ٌسبق المعري فٌه إلى لوسٌان‬
‫الٌونانً فً محاورته األولمب و الهاوٌة ٌقول محمد منذور‪ .... " :‬وفكرة الرحلة إلى العالم‬
‫اآلخر قدٌمة قدم اإلنسانٌة‪ ،‬عرفها الٌونان قبل لوسٌان‪ ،‬وعرفها العرب قبل أبً العبلء‬
‫والكل ٌعلم ما فً أساطٌر الٌونان من وصؾ هومٌروس لنزول اورفٌوس إلى العالم اآلخر‪،‬‬
‫و فً شعر فٌرجٌلوس كثٌرا من هذا الرابعة "الجمٌلة" وصنؾ الحارث بن أسد المحاسبً‬
‫(‪)2‬‬
‫فً "التوهم" الذي نشره المستشرق اربري و صدر له أحمد أمٌن »‬

‫أ ‪ -‬القران الكرٌم وقصة اإلسراء و المعراج‬


‫الثابت أن المعري قد أفاد فابدة كبٌرة مما ورد فً كبلم هللا وتصوٌر القرآن للجنة‬
‫والنار وأشكال الثواب وأشكال العقاب بل انه ٌحتج بالقرآن فً تفرٌطه لرسالة ابن القارح‬
‫فً مفتاح الرسالة قاببل‪ «:‬وفً قدرة ربنا ‪-‬جلت عظمته‪ -‬أن ٌجعل كل حرؾ منها شبه نور‬
‫ال ٌمتزج بمقال الزور ٌستؽفر لمن أنشاها إلى ٌوم الدٌن و ٌذكره ذكر محب خدٌن‪ ،‬ولعله‬
‫–سبحانه‪ -‬قد نصب لسطورها المنجٌة من اللهب معارٌج من الفضة أو الذهب تعرج بها‬
‫المالئكة من األرض الراكدة إلى السماء‪ ،‬وتكشؾ سجوؾ الظلماء‪ ،‬بدٌل اآلٌة‪ « :‬إلٌَ ِه‬
‫صال ُح ٌرف ُع ُه» (‪.)3‬‬ ‫ص َع ُد ال َكلِ ُم ال َط ِّدٌ ُ‬
‫ب َوال َع َمل ُ ال َ‬ ‫ٌَ ْ‬
‫ضر َر هللا َم َث َال َكلِ َم ًة ِ‬
‫طٌب ٍة‬ ‫ؾ َ‬ ‫وهذه الكلمة الطٌبة كؤنها المعنٌة بقوله‪ « :‬أَلَ ْم َتر َك ٌْ َ‬
‫حٌن بإذن هللا ربها (‪.)5(»)4‬‬ ‫ٍ‬ ‫اء ُت ْإتِى أُكل َها َكل ِّد‬ ‫ثابت َو َف ْر ُع َها فًِ ال َ‬
‫س َم ْ‬ ‫ُ‬ ‫ش َج َر ٍة طٌب ٍة أَ ُ‬
‫صلُها‬ ‫َك َ‬
‫وٌلتزم أبو العبلء فً وصؾ خمر الجنة بما ورد عنها فً القرآن قاببل{ وٌعارض‬
‫تلك المدامة انهار من عسل مصفى ما كسبته النحل الؽادٌة إلى األنوار وال هو فً موم‬
‫متوار ‪ ...‬واها لذلك عسال‪ ،‬لم ٌكن بالنار مبسال لو جعله الشارب المحرور ؼذاءه طول‬

‫)‪ -)1‬منٌر سلطان‪" ،‬التضمٌن والتناص""وصؾ رسالة الؽفران للعالم األخر نموذجا"‪ ،‬منشؤة المعارؾ‪ ،‬اإلسكندرٌة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ،2004‬ص‪.90‬‬
‫)‪ -)2‬محمد مندور‪" ،‬فً المٌزان الجدٌد"‪ ،‬نهضة مصر للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،1997 ،‬ص‪.32‬‬
‫)‪ -)3‬سورة فاطر‪ ،‬اآلٌة ‪.10‬‬
‫)‪ -)4‬سورة إبراهٌم‪ ،‬اآلٌة ‪.5-4‬‬
‫)‪-)5‬ابوالعالء المعري رسالة الغفران تج ‪:‬بنت الشاطئ دار المعرفة القاهرة ‪ 1969 ،‬م ‪ ،‬ص ‪. 152‬‬
‫‪53‬‬
‫األبد‪ ،‬ما قدر له عارض موم و ال لبس ثواب المحموم‪ .‬وذلك كله بدلٌل قوله تعالى‪َ «:‬م َثلْ‬
‫ٌن وأ ْن َهاُر مِنْ َل َب ٍن َل ْم ٌَ َت َؽ ٌَّ ُر ُط ْع َم ُه وأَ ْن َها ُر‬ ‫الج َّنة التًِ ُو ِع َد ال ُم َّتقونَ فٌِ َها أَ ْن َها ُر مِنْ َم ٍ‬
‫اء آسِ ٍ‬ ‫ْ‬
‫ص ّف َى ولَ ٌده ْم فٌِ َها مِنْ ُك ِل ال َث َم ّرات » (‪.})1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ار ِبٌنَ وأَ ْن َها ُر مِنْ َع َ‬
‫س ٍل ُم َ‬ ‫ش ِ‬‫مِنْ َخ ْم ٍر لَ ّذ ًة لل َ‬
‫ُور ِه ْم من‬
‫صد ِ‬‫كما ٌقول أٌضا‪ { :‬إن األعداد قد تحولو إلى أصدقاء‪ « :‬و َن َز َع َنا ما فً ُ‬
‫ب وما هم منها ب ُم ْخرجٌن »(‪.)4(})3‬‬ ‫س ْر ٍر ٌدم َت َقابلٌن‪ ،‬ال َتم ُّد‬
‫س ُهم فٌها َن َ‬
‫ص ُ‬ ‫ِؼل ِّد إخوا ًنا‪ ،‬على ٌد‬
‫وتابعه بنً جعدة الشاعر شؽلته حٌاته فً الجنة على أن ٌذكر أشعاره‪ {:‬وال مبلمة‬
‫ظالل على‬
‫ٍ‬ ‫ِهون‪ ،‬هم وأَ ْز َوا ُجهم فً‬
‫ش ُؽل َفاك ُ‬ ‫إذا نسٌت ذلك « إنَ أَ ْ‬
‫ص َحاب ال ُجنة ال ٌَ ْو َم فً ُ‬
‫األرائِك ُم ْت ِك ُئون‪ ،‬لهم منها فاكهة ولهم ما ٌدِّدعون »(‪.)6(})5‬‬
‫واألعشى شراب الخمر دخل الجنة مؽفورا له‪ « :‬قُلْ ٌَا ِع َبادي الذٌن أسرفوا على‬
‫أَ ْنفُسه ْم ال َت ْقنطو مِنْ رحمة هللا‪ ،‬إن هللا ٌَ ْؽف ُر ال ٌّذ ُنوب جمٌ ًعا‪ ،‬إ ّن ُه هو ال َؽفُور َّ‬
‫الرحٌم »(‪.)7‬‬
‫وأهوال القٌامة أذهلت الناس { أما سمعت اآلٌة‪ْ ٌَ « :‬و َم َت َر ْونها َت ْذهل ُكل ُ ٌدم ْرضِ عة‬
‫سكارى وما هم ِبسكارى‪ ،‬و َلكنْ‬ ‫ض ُع ُكل ُ َذا ِ‬
‫ت َح ْم ٍل َح ْم َلها وترى ال َّناس ُ‬ ‫عما أَ ْر َ‬
‫ض َع ْت‪ ،‬و َت َ‬
‫َع َذ َ‬
‫اب هللا َ‬
‫شدٌِ ٌدد»(‪.)9(})8‬‬
‫فؤبو العبلء قد رسم لنفسه أن تكون جنته هً ما ورد وصفها فً القرآن الكرٌم‪ ،‬وكذا‬
‫النار فالقرآن حجة لمن ٌدخل الجنة وعلى من ٌدخل النار ولم ٌخطر ببال أبو العبلء أن‬
‫ٌخرج عن هذا اإلطار‪ ،‬إطاره واضح‪ ،‬وحركته مرسومة‪ ،‬وخٌاله مقٌد‪.‬‬
‫ومن البدٌهً أن وصؾ العالم األخر لٌس هدفا فً ذاته‪ ،‬وإنما هم مسرح الذي‬
‫ٌتحرك علٌه األبطال‪ ،‬لؽرض فنً فً نفس أبً العبلء وقصة اإلسراء والمعراج تقؾ‬
‫شامخة فً عقل وخٌال كل مسلم‪ ،‬سواء عرفها بالتفصٌل أو باإلجمال‪ ،‬والمحرك األساس‬
‫س ْب َحانَ الّذي أَ َ‬
‫سرى ِب َع ْبدِه لٌالً مِنَ‬ ‫لها ما حدث فعبل لمصطفى صلوات هللا وسبلمه علٌه‪ُ «:‬‬

‫)‪ -)1‬سورة محمد‪ ،‬اآلٌة ‪.10‬‬


‫)‪ -)2‬رسالة الغفران‪ ،‬ص‪.153‬‬
‫)‪ -)3‬سورة الحجر‪ ،‬اآلٌة ‪.38-37‬‬
‫)‪ -)4‬رسالة الغفران‪ ،‬ص‪.169‬‬
‫)‪ -)5‬سورة ٌس‪ ،‬اآلٌة ‪.56-55‬‬
‫)‪ -)6‬رسالة الغفران‪ ،‬ص‪.210‬‬
‫)‪ -)7‬سورة الزمر‪ ،‬اآلٌة ‪.53‬‬
‫)‪ -)8‬سورة الحج‪ ،‬اآلٌة ‪.2‬‬
‫)‪ -)9‬رسالة الغفران‪ ،‬ص‪.240‬‬
‫‪54‬‬
‫ارك َنا َح ْولَ ٌده لِ ُن ِرٌ ُه مِنْ آ ٌَاتِ َنا أنه هو ال َّ‬
‫سمٌِ ُع‬ ‫رام إلى ال َم ْسجد األ َق َ‬
‫صى الذي َب َ‬ ‫الح ِ‬
‫ال َم ْسجد َ‬
‫صٌ ُر»(‪.)1‬‬
‫الب َ‬
‫باإلضافة إلى األحادٌث النبوٌة فً تفاصٌل رحلة اإلسراء من المسجد الحرام إلى‬
‫المسجد األقصى‪ ،‬وكذا تفاصٌل المعراج إلى السموات العبل فً خمسة عشر حدثا التً‬
‫تتكرر فً بعضها تفاصٌل بعٌنها‪ ،‬وتختفً تفاصٌل أخرى لتحل محلها ؼٌرها‪ ،‬إلى أن ٌصل‬
‫المصطفى صلوات هللا علٌه إلى سدرة المنتهى‪ ،‬حٌث خاطبه سبحانه‪ ،‬وأمره بالصلوات‬
‫الخمسٌن التً خففت حتى صارت خمسا فً العدد وخمسٌن فً األجر (‪.)2‬‬
‫وفً رسالة الؽفران نجد أن ابن القارح ٌصعد إلى حٌث الجنة والنار‪ ،‬وبدالً من‬
‫البراق ٌركب فً الجنة نجٌبا من نجب الجنة من ٌاقوت وذهب (‪ ،)3‬ونراه هو وعدي بن زٌد‬
‫ٌركبان من حبل الجنة(‪.)4‬‬
‫ت اإلسراء والمعراج لؤلبً‬ ‫وعلٌه فقد شكل القرآن الكرٌم رسالة الؽفران‪ ،‬وأوح‬
‫العبلء أن ٌصعد بابن القارح إلى العالم األخر‪ ،‬بعد أن ألمح إلى ذلك ابن القارح نفسه فً‬
‫رسالته‪.‬‬
‫ب ‪-‬الكومٌدٌا اإللهٌة لدانتً‪:‬‬
‫عرفت الحضارة اإلنسانٌة وصفا للعالم اآلخر ففً الحضارة الٌونانٌة ملحمة‬
‫هومٌروس "اإللٌاذة واألودسٌا" التً هً أقدم نص أدبً نعرفه جاء فٌه وصؾ للجنة‬
‫والنار‪ ،‬وربما لذلك المظهر الذي ٌقال إنه قابم فٌما بٌنهما فاالودسٌا فٌما نعلم‪ ،‬قد نظمت فً‬
‫زمن ما‪ ،‬ما بٌن ‪ 1000‬و‪800‬ق‪.‬م(‪ ،)5‬ثم تؤتً "اإللٌاذة" للشاعر البلتٌنً فرجٌل (‪19‬ق‪.‬م)‬
‫وفً القسم الرابع منها زٌارة البطل "إنٌاس" للعالم األخر‪ ،‬وفٌه رإٌا قرٌبة جدا من رإٌا‬
‫الجنة‪ ،‬ونبوءة الطفل اإللهً الذي ٌبدأ بمولده عصر السعادة الدابمة وكؤنه نبوءة المهدي‬
‫المنتظر(‪.)6‬‬

‫)‪ -)1‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآلٌة ‪.1‬‬


‫)‪ -)2‬أنظر ‪ :‬اإلسراء والمعراج ألبن حجر العسقالنً والسٌوطً‪ ،‬جمع وتحقٌق محمد عبد الحلٌم القاضً‪ ،‬دار الحدٌث‪،‬‬
‫القاهرة‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫)‪ -)3‬رسالة الغفران‪ ،‬ص‪.175‬‬
‫)‪ -)4‬المصدرنفسه‪ ،‬ص‪.197‬‬
‫)‪ -)5‬لوٌس عوض‪" ،‬على هامش الؽفران"‪ ،‬سلسلة كتاب الهبلل‪ ،‬ع‪( ،181‬د‪.‬ط)‪1966 ،‬م‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫)‪ -)6‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.63‬‬
‫‪55‬‬
‫أما فً الحضارة األوربٌة الوسٌطة‪ ،‬ثمة وصفان للعالم األخر وهما الفردوس المفقود‬
‫لملتون و"الكومٌدٌا اإللهٌة" لدانتً(‪.)1‬‬
‫هذه األخٌرة هً رحلة فً الخٌال ٌقوم بها إنسً إلى العالم األخر وتبدأ القصة‬
‫بتصوٌر دانتً لضال فً ؼابة مظلمة حٌث ٌقابله الشاعر فرجٌل وهو فً حالة ٌؤس‪ ،‬وبعده‬
‫بإنقاذه مما هو فٌه من آالم وٌؽدو دلٌله وقابده حٌث ٌذهبان لرإٌة الجحٌم (‪.)2‬‬
‫ؼٌر أن المعري فً رسالة الؽفران أرسل ابن القارح إلى الجنة وإلى جهنم وأطال‬
‫فً وصؾ الجنة ولم ٌطل فً وصؾ الجحٌم وفً حٌن كان دانتً على العكس من ذلك فقد‬
‫أطال فً وصؾ الجحٌم فؤشار إلى دركاته وما كان فٌها من حراس‪ ،‬وخطاته من البشر من‬
‫أصناؾ مختلفة‪ ،‬وال ٌستبعد منهم رجال الدٌن والبابامثبلً‪ ،‬فً حٌن كان حدٌث المعري –فً‬
‫الجنة وفً جهنم‪ -‬عن األدباء والشعراء واللؽوٌٌن وأهل العلم عامة‪.‬‬
‫دانتً قد تؤثر بالمعري فً رواٌته بل قالوا‪ :‬احتذاه‪ ،‬وأن‬ ‫وقد ذهب كثٌرون إلى ان‬
‫لرسالة الؽفران فضل السبق‪ ،‬واعتمد هذا الفرٌق من الباحثٌن على أن "دانتً" قد نظم‬
‫كومٌدٌا فً عصر احتك فٌه االفرنج بالمسلمٌن‪ ،‬وقد كان اإلٌطالٌون اسبقهم إلى هذا فلٌس‬
‫بعٌدا أن ٌكون الشاعر اإلٌطالً قد قرأ رسالة المعري‪ ،‬أو على األقل عرفها بوجه من‬
‫الوجوه فتؤثر بها وأخذ منها وٌقوي هذا الرأي أن بٌن " الؽفران" و"الكومٌدٌا اإللهٌة"‬
‫عناصر الشبه التً سبق وأن ذكرناها(‪.)3‬‬
‫كما ذهب نفر من الباحثٌن إلى أن دانتً قد اقتبس من المعري وذلك ألن المعري‬
‫كان قد توفً سنة ‪449‬هـ فً حٌن توفً دانتً سنة ‪720‬هـ‪ ،‬كما توفً ملتون اإلنكلٌزي‬
‫صاحب "الفردوس المفقود" سنة ‪1084‬هـ وعلى هذا تكون حجة هذا النفر أن المعري‬
‫أسبق عهدا‪ ،‬وهذا ٌدفعهم إلى القول أن دانتً قد أخذ من المعري (‪.)4‬‬
‫الكومٌدٌا اإللهٌة إسبلمٌة مستمدة من القرآن‬ ‫وانتقل آخرون إلى القول أن المصادر‬
‫كقصة اسراء الرسول العظٌم إلى بٌت المقدس وذهب عمر فروخ إلى أن الكومٌدٌا اإللهٌة‬
‫متؤثرة باألدب الصوفً‪ ،‬وخصوصا ما جاء فً "الفتوحات الملكٌة" لمحً الدٌن بن عربً‬

‫)‪-)1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.139‬‬


‫)‪ -)2‬محمد مندور‪" ،‬نماذج بشري"‪ ،‬نهضة مصر للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،1997 ،‬ص‪.81‬‬
‫)‪ -)3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫)‪ -)4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.52‬‬
‫‪56‬‬
‫من ارتقابه إلى الحضرة اإللهٌة ومروره بالعوالم‪ ،‬وٌرى إلى أن الفكرة الموحٌة ونسق‬
‫القصة وتطور الفكرة ونقد األحوال مؤخوذة من " رسالة الؽفران"(‪.)1‬‬
‫ج ‪-‬رسالة التوابع والزوابع البن شهٌد األندلسً‪:‬‬
‫إن ما ورد فً األدب اإلسبلمً من حواش أدبٌة تتصل بنعٌم والجحٌم قد عرؾ الدارسون‬
‫وتاثروا به على نحو ما كان من ذلك أن ذهب فبلن إلى كذا وذهب المعري فً خٌاله‬
‫وتصوره إلى شًء أخر مفٌد مما ورد من هذه العناصر فً ثقافة إسبلمٌة بوجه عام ولعلى‬
‫من هذا رسالة أبً عامر بن شهٌد األندلسً فً قصته الخٌالٌة التً اسماها التوابع والزوابع‪،‬‬
‫وبٌن هذه الرسالة ورسالة الؽفران‪ ،‬شبه والمعري وابن شهٌد متعاصران ‪ ،‬وقد ٌكون احدهما‬
‫أفاد من األخر كما ٌكون كلٌهما فد تؤثر بالمصادر اإلسبلمٌة فلبن كانت " توابع وزوابع" ابن‬
‫شهٌد تجعل منه بطل ٌلتقً األدباء فً الجنة والنار‪،‬فهذا ال ٌدل على الشابه‪ ،‬فالبطل فً‬
‫توابع ابن شهٌد هو ابن شهٌد نفسه اما مكان الحوادث فهو مكان خرافً ال وجود له فً‬
‫عالمنا (وادي الجن)وال قد استفاض الباحثون فً دراسة ما ذكر التراث الشعبً عما سمً‬
‫(واد عبقر) ذلك الوادي التً تظهر فٌه شٌاطٌن الشعراء ولم ٌصل احد بالقطع لمكان حقٌقً‬
‫بهذا االسم ‪،‬حتى ان احدهما قد وصل إلى أن فكرة آلهة الشعر عند اإلؼرٌق ٌقابلها شٌاطٌن‬
‫الشعراء عند العرب فً حٌن ان مكان اإلحداث فً رسالة الؽفران هو العالم األخر ‪،‬وهذا‬
‫داخل فً عقٌدة المإمن من اي دٌن او ملة فً وجدان البشرٌة البدابٌة والمتحضرة سالفها‬
‫وابتها(‪.)2‬‬
‫وقد تكلؾ وتمحل د‪ .‬زكً مبارك فاثبت أن الؽفران قد كتبت حوالً سنة ‪424‬هـ او‬
‫‪422‬هـ فً حٌن كانت والدة ابن شهٌد فً سنة ‪ 351‬هـ وقد كتب قصته وهو كهل أي‬
‫بعد سنة ‪412‬هـ لٌستقٌم له رأٌه وذلك أن األفكار فً كل من الرسالتٌن تختلؾ فً كل‬
‫منهما‪ ،‬فلٌس فً إحداهما فكرة نجدها فً األخرى‪ ،‬أو أن لكل من المصنفٌن رأٌا من‬
‫اآلراء قد اتفقا فٌه‪ ،‬وعلى هذا ٌكون من هذٌن األثرٌن شٌبا خاصا ً ال عبلقة ألحدهما‬
‫باألخر(‪.)3‬‬

‫)‪ -)1‬عمر فروخ‪" ،‬تارٌخ األدب العربً"‪ ،‬األدب فً المغرب واألندلس إلى أخر عصر ملوك الطوائف‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬دار العلم‬
‫للمالٌٌن‪ ،‬بٌروت‪ ،‬ج‪( ،9‬د‪.‬س)‪ ،‬ص‪.253‬‬
‫)‪ -)2‬أبو الحسن سالم‪ " ،‬الظاهرة الدرامٌة والملحمٌة فً رسالة الغفران"‪ ،‬ص‪.76‬‬
‫)‪ -)3‬زكً مبارك‪" ،‬النثر الفنً فً القرن ‪4‬هـ"‪ ،‬دار الجٌل‪ ،‬بٌروت‪( ،‬د‪.‬ط)‪( ،‬د‪.‬س)‪ ،‬ص‪.62‬‬
‫‪57‬‬
‫فحٌن نجد رأي د‪.‬ضٌؾ أن التوابع والزوابع محاكاة لرسالة الؽفران وأن ابن شهٌد‬
‫كان ٌقلد أبً العبلء ألنه أدرك عصره وألن شهرة أبً العبلء كانت ضابعة فً المشرق‬
‫والمؽرب‪.‬‬
‫وعلٌه فإن اختلفت الواحدة عن األخرى نجد شًء جوهرٌا هو ان المعري قد قصد‬
‫الفردوس والجحٌم فً رحلته الخٌالٌة فً حٌن كان أبن شهٌد قد توجه إلى وادي الجن فً‬
‫الحٌاة الدنٌا على أن المادة األدبٌة واللؽوٌة تجري فً نحو مختلؾ فً هذه الرسالة عن‬
‫األخر‬
‫‪ - 4‬أسلوب الرسالة‪:‬‬
‫تعتبر رسالة الؽفران من أهم أثار أبً العبلء وأؼناها‪ ,‬رأى فٌها القدماء دلٌبل على تمكن‬
‫أبً العبلء من األدب واطبلعه وقال الصفدي فً الؽٌث المعجم « ومن وقؾ على كبلم أبً‬
‫العبلء المعري فً رسالة الؽفران فً ذٌنك البٌتٌن للنمر بن تولب‪:‬‬
‫خٌال طارق من أم حصن‬ ‫ألم بصحبتً وه ّم هجوع‬
‫وحوارى سمن‬
‫متى شاءت ّ‬ ‫لها ما تشتهً عسل مص ّفى‬
‫وكٌؾ ؼٌر القوافً منها‪ ،‬ونزلها على سابر حروؾ المعجم‪ ،‬خبل حرؾ الطاء –علم تمكن‬
‫أبً العبلء من األدب وإطبلعه»(‪.)1‬‬
‫حتى أولبك الذٌن تحاملوا على أبً العبلء ورموه بسوء المعتقد ورأوا فٌما صوره‬
‫من رحلة الؽفران مزدكة واستخفافا‪ ،‬لم ٌكتموا إعجابهم بما توما إلٌه من مقدرة أبً العبلء‬
‫األدبٌة‪ٌ ،‬قول الذهبً وهو واحد من أولبك المتحاملٌن‪.‬‬
‫« له (رسالة الؽفران) فً مجلد‪ ،‬قد احتوت على مزدكة واستحقاق وفٌها أدب كثٌر »(‪.)2‬‬
‫وأبو العبلء عاش حٌاته مع اللؽة العربٌة حتى تحولت الكلمات لدٌه إلى كابنات حٌة‪،‬‬
‫تمر أمام ذاكرته فً ومضة كلما استدعاها كل كابن حً أو كل كلمة معروفة أصلها‪،‬‬
‫وتطوراتها وأشكالها التً اتخذتها واستعماالتها المختلفة‪ ،‬رجل مثل هذا حٌن ٌنشا رسالة‬
‫تتزاحم علٌه الكابنات‪ ،‬كلمات وعبارات وأشعار وأمثاال‪ ،‬وقرآنا وحدٌثا شرٌفا‪ ،‬ثم تنطلق فً‬
‫سبلسة إلى حٌن تصٌب المعنى الذي ٌرٌده‪ ،‬والسجع الذي نراه لٌس مقصودا لذاته‪ ،‬بل‬

‫)‪ -)1‬طه حسٌن‪" ،‬تجدٌد ذكرى أبً العبلء"‪ ،‬دار المعارؾ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،6‬ص‪.485‬‬
‫)‪ -)2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.189‬‬
‫‪58‬‬
‫لقدرته على الوفاء بالمعنى‪ ،‬وؼرابة األلفاظ مسؤلة نسبٌة مرتبطة بدوران الكلمة على األلسن‬
‫أو هجرانها أمكانها(‪.)1‬‬
‫(‪: )2‬‬ ‫ٌقول فً مطلع الرسالة‬
‫« قد علم الجبر الذي نسب إلٌه جبرائٌل‪ ،‬وهو فً كل الخٌرات سبٌل أن فً مسكنى‬
‫حماطة ما كانت قط أفافٌة وال الناكرة بها ؼانٌة تثمر من مودة موالي الشٌخ‬
‫الجلٌل‪...،‬وأن فً طمري لخصبنا وكل بؤذاتً‪ ،‬لو نطق لذكر شذاتً ما هو ساكن فً‬
‫مر بجبل وال خٌ ٍ‬
‫ؾ‪.» ...‬‬ ‫الشقاب وال بمتشرؾ على النقاب ما ظهر فً شتاء والصٌؾ‪ ،‬وال ّ‬
‫« بحرها بالحكم مسجور‪ ،‬ومن قرأها مؤجور‪ ،‬إذ‬ ‫وٌقول قد وصلت (الرسالة) التً‬
‫كانت تؤمر بقبل للشرع‪ ،‬وتؽٌب من ترك أصال إلى فرع‪ ،‬وؼرقت فً أمواج بدعها‬
‫الزاخرة‪ ،‬وعجبت من ا ّتساق عقودها الفاخرة‪ ،‬ومثلها شفع ونفع‪ّ ،‬‬
‫وقرب‪ ،‬عند هللا ورفع‪،‬‬
‫وألفٌتها مفسحة بتمجٌد‪ ،‬صدر عن بلٌػ مجٌد »(‪.)3‬‬
‫فاللؽة هنا تستجٌب للمواقؾ المتباٌنة‪ ،‬ولكنها ترتقً درجة عن اللؽة األدبٌة السهلة‪،‬‬
‫مثلما نجد لدى ابن المقفع والجاحظ بل‪ ،‬ما نجده عند إبن الشهٌد فً " التوابع والزوابع" هً‬
‫لٌست هدفا‪ ،‬بل وعاء لتراث امتد أربعة قرون قبل أبً العبلء كما هً وسٌلة أبً العبلء فً‬
‫أن ٌحٌا حٌاته بالطرٌقة التً ٌهواها‪ ،‬فهً مملكته ومالكته وهو حاكمها وأسٌرها (‪.)4‬‬
‫كما أنه ٌعتمد فً الرسالة تارة على الخبر وطورا على اإلنشاء‪ ،‬وقد أكثر من‬
‫استعمال االستفهام اإلنكاري‪ ،‬ومن مثل قول إبلٌس للزبانٌة‪ « :‬أال تسمعون هذا المتكلم بما‬
‫ال ٌعنٌه‪ ،‬قد شؽلكم وشؽل ؼٌركم عن ما هو فٌه‪ ،‬فلو أن فٌكم صاحب ذي خبرة قوٌة لوثب‬
‫وثبة حتى ٌلحق به فٌجذبه إلى سقر ‪.)5( »...‬‬
‫ٌقول كمال البازجً ‪ ... «:‬هذا الجانب (األسلوب) إنه ٌمثل مرحلة طوٌلة من‬
‫مراحل األدب العربً‪ ،‬وٌجمع ثروة طابلة من ؼرٌب مفردات اللؽة وعجٌب صورها‬

‫)‪ -)1‬منٌر سلطان‪" ،‬التضمٌن والتناص"‪ ،‬ص‪.102-101‬‬


‫)‪ -)2‬رسالة الغفران‪ ،‬ص‪.129‬‬
‫)‪ -)3‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.140-139‬‬
‫)‪ -)4‬منٌر سلطان‪" ،‬التضمٌن والتناص"‪ ،‬ص‪.103‬‬
‫)‪ -)5‬رسالة الغفران‪ ،‬ص‪.229‬‬
‫‪59‬‬
‫وتعابٌرها فهو والحالة هذه‪ ،‬اقرب إلى التعلٌمً منه إلى األدب القصصً وخٌر ما ٌمثله فً‬
‫أدب هذا العصر الحكاٌة البلهٌة المعروفة برسالة الؽفران ألبً العبلء المعري »(‪. )1‬‬
‫عمد أبو العبلء إلى التجدٌد عامة بؤسلوب وصفً مشوق فقد وصؾ لنا الجنة كما‬
‫شاهدها فً منامه ومن إجتمع فٌها من الشعراء‪ ،‬وما قالوه‪ ،‬وما ذكروه‪ ،‬وما ؼفر لهم به‪،‬‬
‫فؤدخلوا الجنة ‪.‬‬
‫كما وصؾ لنا المؤدبة التً أقٌمت فً الجنان ‪ ،‬وما دار فٌها من كإوس فٌها شراب الجنة‬
‫وخوان ذهبٌة‪ ،‬وصحاؾ عجٌبة فٌها من أنواع األطعمة‪ ،‬وأجناس الطٌر والحٌوان ما ٌعجز‬
‫اللسان عن وصؾ حبلوة الطعم وٌصؾ أٌضا المؽنٌن والمؽنٌات تخدمهم حوار من حور‬
‫العٌن وؼلمان كؤنهم اللإلإ المكتون‪ ،‬وأشخاص لهم من سحر العٌون ما ٌبهر الناظرٌن من‬
‫جمال أخاذ‪ ،‬فإذا هم الؽران الخمس كل ذلك بؤسلوب مشوق ٌربط اإلنسان بمتابعته وٌشهده‬
‫إلى السماء كما ٌشده إلى االبتعاد عن األذى بالناس لٌحظى بالجنان ‪.‬‬
‫وقد صار إلى ذلك معتمدا على خٌاله الواسع ٌقول أبو الحسن سبلم ‪ ...«:‬الشك أن سعة‬
‫اطبلعات‪ ،‬ومن ثم تؤمبلته‪ ،‬ومدى قدرة جهازه‬
‫ه‬ ‫الخٌال عند الكاتب أو الفنان مرتهنة بسعة‬
‫الذهنً والفكري والنفسً على سبك المعارؾ والخبرات الٌقٌنٌة وتوظٌؾ المعارؾ ؼٌر‬
‫الٌقٌنٌة فً عملٌة السبك أو إعادة صٌاؼتها مختلطة بدوافعه الذاتٌة ‪ ،‬وصبها فً قوالب‬
‫جدٌدة ٌجري فٌها الماء والدم ‪.)2(»...‬‬
‫وخٌال أبو العبلء تلبس بؤمور كثٌرة حدث من انطبلقه ‪ ،‬حذا مثبل الصورة التً‬
‫رسمها خٌاله للجنة تجدها خاضعة لما عرفه من أساطٌر وأحادٌث وقبل كل شًء لصورة‬
‫الجنة فً القرآن ‪.‬‬
‫وهو ال ٌتردد فً استخدام أٌة قصة أو أسطورة ٌعزز بها موقفا‪ ،‬أو ٌوضح بها رأٌا‪ ،‬فً‬
‫المجال الذي ٌؽامر بالحدٌث عنه العالم األخر الذي ٌختلؾ فً طبٌعته وإمكاناته ما تعود‬
‫علٌه البشر فً العالم السفلً فلتشابك الخٌوط وٌمتزج الواقع بالخٌال ولٌسترح قلٌبل منطق‬

‫)‪ -)1‬كمال الٌازجً‪" ،‬األسالٌب األدبٌة فً النثر العربً"‪ ،‬من عصر على بن أبً طالب إلى عصر ابن خلدون‪ ،‬دار الجٌل‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪1986 ،1‬م‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫)‪ -)2‬أبو الحسن سالم‪" ،‬الظاهرة الدرامٌة والملحمٌة فً رسالة الغفران"‪ ،‬دار الوفاء لدنٌا الطباعة والنشر‪2003 ،‬م‪،‬‬
‫(د‪.‬ط)‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫‪60‬‬
‫األحداث ومبدأ التسلسل وقانون العلٌة ولٌنفتح باب البلمعقول على مصراعٌه ‪ ،‬فٌصٌر كل‬
‫شًء معقوال ومقبوال‪.‬‬
‫فهو اقل إؼراقا من القصاصٌن والوعاظ فبطل الؽفران قد ؼرس له ‪-‬إن شاء هللا‪-‬‬
‫بذلك الثناء شجر فً الجنة‪ ،‬لذٌذ اختباء‪ ،‬كل شجرة منه تؤخذ ما بٌن المشرق الى المؽرب‬
‫بظل ؼاط»(‪.)1‬‬
‫حمٌد بن ثور العبللً ( من عوران قٌس ) ‪ ،‬صار بصره حدٌدا ‪ٌ ،‬قول للسابل ‪ « :‬إنً‬
‫ألكون فً مؽارب الجنة ‪ ،‬فلمحت صدٌق من أصدقابً ‪ ،‬وهو بمشارقها وبٌنً وبٌنه‬
‫مسٌرة ألوؾ أعوام للشمس التً عرفت مسٌرها فً العاجلة ‪ ،‬فتعالى هللا على كل بدٌع» (‪.)2‬‬
‫وتخٌل أٌضا إوزة فً حجم البختً «فٌم ّنها بعض القوم شواء فتمثل على خوان من الزمرد‪،‬‬
‫( ‪)3‬‬
‫فإذا قضٌت منها للحاجة عادت بإذن هللا إلى هٌؤت ذوات الجفاح »‬
‫ٌقول إحسان عباس ‪« :‬ولقد رأى أن المقارنة بٌن خٌال المعري وما حفلت به من‬
‫أساطٌر سٌطلعنا على أن أبا العبلء لم ٌبتكر شٌبا جدٌدا فً نظرته إلى الجنة وأننا نجد‬
‫طبٌعة خٌاله من التضخٌم والقلب والتولد ‪.)4(»...‬‬
‫معتمدا أٌضا أسلوب الحوار الذي شد القارئ إلى متابعة الحكاٌة إلى نهاٌتها‪ ،‬ككبلمه‬
‫عن بٌت فً أقصى الجنة وفٌه رجل لٌس علٌه نور سكان الجنة وأكثر أبو العبلء من‬
‫استعمال الحوار سواء فً كبلمه عن الجنة‪ ،‬أو الجحٌم‪ ،‬أو فً جنة العفارٌت‪ ،‬أو فً‬
‫جزٌرة الرجز ‪.‬‬
‫أبو العبلء ال ٌعطً نفسه لقاربه بسهولة‪ ،‬وإنما على القارئ أن ٌخترق إلٌه حججا‬
‫عدٌدة لعل أسٌرها حجاب ؼرٌب اللؽة أما ما وراء ذلك فؤلوان من التموٌه والتخفً‪،‬‬
‫وصرؾ القارئ بالظاهر عن الباطن‪ ،‬والتلفٌق الذي قد ٌصل القارئ فً ؼما لٌله وما سار‬
‫به‪.‬‬
‫ولعل اخفً ما واجهنا فً الؽفران هو تلوٌح أبو العبلء ببٌت ٌذكره من قصٌدة إلى بٌت أو‬
‫أبٌات منها وإلى القصٌدة برمتها ‪ ،‬وٌورد أبو العبلء ما ٌذكره ملفقا برأي نقدي ‪ ،‬أو ٌجعله‬

‫)‪ -)1‬رسالة الغفران‪ ،‬ص‪.273‬‬


‫)‪ -)2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.274‬‬
‫)‪ -)3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.275‬‬
‫)‪ -)4‬إحسان عباس‪" ،‬محاوالت فً النقد والدراسات األدبٌة"‪ ،‬دار العربً اإلسالمً‪ ،‬بٌروت‪ ،‬ط‪ ،1‬مج‪2000 ،3‬م‪ ،‬ص‪54‬‬
‫‪61‬‬
‫موضوعا لمحاورة لؽوٌة ‪ ،‬أو ما إلى ذلك من المواقؾ التً ٌخترعها أبو العبلء لٌود البٌت‬
‫أو األبٌات التً هً مجرد إٌماء أو إشارة لبٌت أو األبٌات عبرها (‪.)1‬‬
‫وكان ما لفت نظرنا إلى هذه الظاهرة ما أدراه أبو العبلء فً ؼفرانه من حوار بٌن‬
‫ابن القارح والراعً النمٌري‪ ،‬إذ ٌسال ابن القارح الراعً النمٌري ‪« :‬أحق ما روى عنك‬
‫ٌسبونه فً قصٌدته البلمٌة التً ٌمدح فٌها عبد الملك بن مروان من انك تسب "الجماعة "‬
‫فً قولك ‪:‬‬
‫لزم الرحالة ان تمٌل ممٌال‬ ‫أٌام قومى والجماعة كالذي‬
‫فٌقول ‪ :‬حق ذلك »(‪.)2‬‬
‫وإرتؤٌنا إلى أن أبو العبلء ٌلوح معنا بؤبٌات أخرى من القصٌدة ورجعنا إلى دٌوان‬
‫النمٌري فإذا بعد هذا البٌت مباشرة ‪:‬‬
‫وجد التالتل دٌنه مدخوال‬ ‫وتركت كل منافق متقلب‬
‫بٌن الخوارج وذوٌال‬ ‫ذخر الحقٌبة(*) متزال قلوصه‬
‫وما أحرى هذا أن ٌكون مرمى أبو العبلء ومبتؽاه‪ٌ ،‬لوح به لنفاق صاحبه‪ ،‬وتقلبه‪،‬‬
‫وتلونه وخبث دٌنه ‪.‬‬
‫على أن آبا العبلء فٌما لجؤ إلٌه من تلوٌحات لم ٌؤت ببدع فً عصره‪ ،‬وقد شاع هذا األسلوب‬
‫وعرؾ بٌن األنبٌاء‪ ،‬حتى ؼدا سمة من سمات الحدٌث الرمز بٌنهم‪ ،‬وتحظرنا هنا قصة ذلك‬
‫الشاعر الذي عتب على سٌؾ الدولة تفضٌل المتنبً علٌه‪ ،‬فطلب منه سٌؾ الدولة أن‬
‫(‪)3‬‬
‫ٌعارضه قصٌدة المتنبً التً أولها ‪:‬‬
‫وللحب ما لم ٌبقى منى وما بقى‬ ‫بعٌنك ما ٌلقى الفإاد وما لقى‬
‫وهو ٌقصد التلوٌح لهذا الشاعر المتطاول بقول المتنبً فً هذه القصٌدة ‪:‬‬
‫أراه ؼباري ثم قال له الحق‬ ‫إذا شاء أن ٌلهو بلحٌة أحمق‬
‫وقدم لنا صورة عرض فٌها لشٌاطٌن الشعر والشعر المنسوب إلى ادم والجن باعتبار‬
‫أن الشعر ٌحتل المرتبة الثانٌة بعد القران الكرٌم فً وصؾ رسالة الؽفران للعالم األخر‪.‬‬

‫)‪ –(1‬دٌوان الراعً النمٌري‪ ،‬ص‪.234‬‬


‫)‪ -(2‬فوزي محمد أمٌن‪" ،‬فً النثر العباسً"‪ ،‬ص‪.134‬‬
‫)*)‪ -‬ذخر الحقٌبة‪ :‬وهً األمة‪.‬‬
‫)‪ -(3‬منٌر سلطان‪" ،‬التضمٌن والتناص"‪ ،‬ص‪.136‬‬
‫‪62‬‬
‫كما أن صانع الرسالة أدٌب فنان‪ ،‬أداته الكلمة شعرا وعروضا ولؽة ثم تؤتً األدوات‬
‫المعنٌة –ٌعد القران الكرٌم وعلومه من ثقافة دٌنٌة وأخرى فنٌة وتارٌخٌة واجتماعٌة‬
‫وشعبٌة – والشعر له لؽته وخصوصٌته ‪ ،‬وكذا القران الكرٌم وتتجلى براعة أبً العبلء فً‬
‫دقة التضمٌن الذي ٌجعل الشعر والقران ٌتؤلفان وٌمتزجان داخل أسلوب أبً العبلء بحٌث‬
‫ٌكون لكل منهما وظٌفة وتتجلى فً األثر النفسً على المتلقى (‪:)1‬‬
‫اإلقناع‬
‫إٌثار الخٌال‬
‫التشوٌق والمتعة‬
‫األثر الفنً‪ :‬وٌكمن فً جمال السبك والتبلحم والتناسب‪ ،‬وقد تنوع توظٌؾ أبو العبلء‬
‫لبلقتباس الشعر فكان منه ‪ :‬الشعر المنقذ‪ ،‬الشعر المش ّكل‪ ،‬الشعر الممتع‪ ،‬الشعر المنقود‪،‬‬
‫الشعر الشاهد (‪.)2‬‬
‫فقد حمد على الشعراء االبتداع واالبتكار وحمل فً نقده على الؽلو الشاذ فً الشعر‬
‫وعلى التزلؾ وإستعمال األلفاظ النافرة والقوافً الضعٌفة وهكذا كانت ‪ -‬رسالة الؽفران –‬
‫محكمة ٌنافس فٌها أبو العبلء الشعراء فً استعمال األلفاظ وتعسفهم وتؤوٌلهم ٌقول حنة‬
‫الفاخوري ‪ « :‬عرض أبو العبلء لشٌاطٌن الشعر والشعر المنسوب الى ادم والجن ‪ ...‬وكان‬
‫شؤنه فً كل موقؾ متهكما الذع السخرٌة‪ ،‬قارص الكبلم ٌلتزم الؽرٌب والجناس واألمثال و‬
‫اإلشارات التارٌخٌة بل ٌؽرب كل ماإستطاع اإلؼراب وٌرمز ما إستطاع الرمز وٌحاور‬
‫ماإستطاع الحوار ‪ ...‬وهو أبدا واقؾ وراء كبلمه وهو عالم أن نقده لمحات وتلمٌحات ولكن‬
‫وراء اللمحات والتلمٌحات شخصٌة قوٌة بعٌدة المرامً واألهداؾ ‪ ،‬شخصٌة عالمة بؤسرار‬
‫اللؽة وأسالٌب الشعر وال ٌتساهل فً التؤوٌل كما ال ٌوافق مذهب القٌاس فً اللؽة » (‪.)3‬‬
‫ونخلص إلى أن أبو العبلء من المفكرٌن الذٌن عاشوا ادابهم حتى أصبحت حٌاتهم‬
‫وأدبهم شًء واحد ٌقول كامل حسٌن ‪ « :‬أما أبو العبلء فؤدبه ٌملا حٌاته كلها‪ ،‬حتى ال‬

‫)‪ –(1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.137‬‬


‫)‪ -)2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.137‬‬
‫)‪ –(3‬حنا الفاخوري‪" ،‬الجامع فً تارٌخ األدب العربً"‪ ،‬ص‪.849‬‬
‫‪63‬‬
‫ٌكون فٌها شًء عن هذا األدب‪ ،‬وكؤنما حٌاته لما ضافت‪ ،‬وأدبه لما اتسع‪ ،‬أصبح متطابقٌن‬
‫ٌإدي حتما إلى الصدق فً التعبٌر »(‪.)1‬‬
‫فلم تكن رسالة الؽفران التً كان ابن القارح بطلها سوى كونه أطال منها فٌلسوؾ‬
‫الشعراء لٌقول عن طرٌق الخٌال ماال ٌستطٌع أن ٌقوله فً دنٌا الواقع ‪ ،‬اظهر فٌها براعته‬
‫فً التصرؾ بفنون اللؽة واطبلعه على ؼرٌبها ولئلبراز ثقافته األدبٌة الشاملة وهً إحدى‬
‫ثمرات األدب الخٌالً اإلمتناعً‪ ،‬الفكاهً العباسً التً تعد فً الطلٌعة من ألوان أدب‬
‫الرحبلت الخٌالٌة وان كانت قد اشتهرت بمصطلح الرسالة فإنها من حٌث قصد تؤلٌفها أما‬
‫مضمونها فهو اقرب إلى الفن القصصً ‪.‬‬

‫)‪ - (1‬بحوث ومحاضرات مجمع اللغة العربٌة‪ ،‬ص‪61-60‬‬


‫‪64‬‬
‫داللة العنوان‪:‬‬
‫‪ ‬داللة المكان‪.‬‬
‫‪ ‬الجنة‪.‬‬
‫‪ ‬المحشر‪.‬‬
‫‪ ‬النار‪.‬‬
‫‪ ‬البنٌة السردٌة‪:‬‬
‫‪ ‬فاعلٌة النظام العاملً‪.‬‬
‫‪ ‬البرنامج السردي‪.‬‬
‫‪ ‬المنظور االستبدالً (المربع السٌمٌائً)‬

‫‪65‬‬
‫‪4‬هـ‪ ،‬إذ تمكن المعري من اقتحام‬ ‫تعد رسالة الؽفران قمة النبوغ الفكري فً القرن‬
‫عالم العجابب العقلٌة والعلمٌة بفضل الرابعة األدبٌة التً قدمها للقارئ‪ ،‬فلقد حوت رسالته‬
‫على نجم كبٌر من األنواع األدبٌة وجاءت فً أسلوب متفرد وحاكها بشكل متمٌز جعل منها‬
‫مبلذا للباحثٌن ٌلهثون وراء اكتشاؾ سر هذا اإلرث األدبً‪.‬‬

‫‪- 1‬داللة العنوان (الؽفران)‪:‬‬


‫للعنوان أهمٌة كبٌرة فً تشكٌل الخطاب‪ ،‬خاصة أنه ٌشكل الرسالة التً ٌسعى المإلؾ‬
‫الضمنً إلى القارئ‪ ،‬ومن ثم فبلبد أن تتوفر فٌه شحنات داللٌة مكثفة‪ ،‬تجعله قادرا على أن‬
‫ٌتحمل الجٌنات الوراثٌة فً النص ومن ناحٌة أخرى ٌعد العنوان حسرا مشتركا من كل من‬
‫المرسل والمستقبل تعبر من خبلله الدالالت التً تنشا مضمون السرد‬
‫لذلك فالعنوان ال ٌفهم بمعدل عن النص‪ ،‬ألن العنوان من جهة المرسل هو نتاج‬
‫تفاعل عبلماتً من المرسل والعمل أما المستقبل فإنه ٌدخل إلى العمل من بوابة "العنوان"‬
‫متؤوال له موظفا خلفٌته المعرفٌة فً استنطاقه (‪.)1‬‬
‫إن عنوان النص المدروس رسالة الؽفران ٌثٌر إشكاال عند المتلقً بماذا ٌرتبط‬
‫الؽفران وماذا ٌقصد به وهذا التساإل هو ما ٌدفع إلى طرح هذا التعقٌد "ال ٌفهم إٌحاءاته‬
‫الداللٌة إال بربطها بعالم النص‪ ،‬فالنص ال ٌمكن تحقٌق قٌمته التواصلٌة إال إذا إتكؤ على‬
‫عنوان ٌمثل بالنسبة له هوٌته" (‪.)2‬‬
‫ورد عنوان النص منفصبل فً لفظتٌن هما‪ :‬رسالة‪ ،‬ؼفران فإذا كانت الرسالة تتم‬
‫عن جانب تواصلً ٌتم بٌن طرفٌن كان المرسل فٌهما هو المعري الذي أرسل الرسالة إلى‬
‫ابن القارح والتً تعتبر جوابا على رسالته والمرسل إلٌه هو ابن القارح المتلقً للرسالة‬
‫التً وردت فً شكل متقاببلت معنمٌة وكان الؽفران بإرة النص وحوار أحداثه‪.‬‬
‫الؽفور‬ ‫وردت لفظة ؼفران فً النص بصورة ملفتة وؼفران مصدر الفعل ؼفر‪:‬‬
‫الؽفار جل ثناإه وهو من أبنٌة المبالؽة ومعناها الساتر لذنوب عباده المتجاوز عن خطاٌاهم‬
‫وذنوبهم‪ ،‬وهذا ما ٌتجلى فً النص ٌقال‪:‬‬

‫(‪ -)1‬محمد فكري الجزار "العنوان وسمٌوطٌقا اإلتصال األدبً" الهٌبة المصرٌة العامة للكتاب‪ ،‬سلسلة دراسات أدبٌة‪،‬‬
‫القاهرة (د‪.‬ط) ‪ 1998‬ص‪.19‬‬
‫(‪-(2‬‬
‫‪،1‬‬ ‫علً آٌت أدشان‪" :‬السٌاق والنص الشعري من البنٌة إلى القراءة" دار الثقافة للنشر والتوزٌع‪ .‬الدار البٌضاء‪ .‬ط‬
‫‪ 2000‬ص‪.142‬‬
‫‪66‬‬
‫" اللهم اؼفر لنا مؽفرة وؼفرانا وإنك أنت الؽفور الؽفار ٌا أهل المؽفرة وأصل الؽفر‬
‫التؽطٌة والستر‪ ،‬ؼفر هللا ذنوبه أي سترها(‪.)1‬‬
‫فقد اشتق الؽفران من الفعل الثبلثً (غ‪.‬ؾ‪.‬ر) الذي جاء على وزن فعبلن مثل‬
‫"قرآن" أو "فرقان"‪.‬‬
‫والؽفر‪ ،‬الؽفران‪ :‬قال ؼفرانك‪ ،‬الؽفران مصدر وهو منصوب بإظمار وفً تخصٌص‬
‫ذلك قوالن‪ :‬أحدهما التوبة من تقصٌره فً شكر النعم التً أنعم بها علٌه بإطعامه وهضمه‬
‫وتسهٌل مخرجه فلجؤ إلى اإلستؽفار‪ ،‬فلقد ارتبطت المؽفرة والؽفران بالتوبة‪.‬‬
‫وٌؽفر‪ ،‬ؼفران‪ :‬ستره وكل شًء سترته فقد ؼفرانه والؽفران إٌمحاء المعصٌة وتحدٌد‬
‫الصلة باهلل بعد التوبة(‪ .)2‬فعنوان الرسالة هنا داال على المؽفرة والتوبة وتحدٌد صلة العبد‬
‫بربه ولقد اتصل الؽفران أٌضا بالشفاعة التً أوكلت للرسول (ص) هو شفٌع األمة ٌوم‬
‫الحشر مثلما جاء فً صٌؽة نداء‪:‬‬

‫‪ٌ -‬ا محمد‪ٌ ،‬ا محمد‪ ،‬الشفاعة‪ ،‬الشفاعة(‪.)3‬‬


‫‪ -‬فشفع لً‪.‬‬
‫إن الشفاعة نوع من الكفالة وهً تجرٌد من الخطؤ وإزالة للذنب وهً متعلقة بالؽفران‬
‫الذي ورد فً عدة صٌػ كالفعل "ؼفر" فً عدة مواضع مثل السإال‪ :‬بم ؼفر لك؟(‪ )4‬وهذا‬
‫السإال هو الجوهر الذي إنبنى علٌه النص أو الحبكة القصصٌة لنص الؽفران الذي ٌنطوي‬
‫علٌه كامبل‪ ،‬فسبب ولوج الشخصٌات إلى الجنة هو لب المسؤلة العبلبٌة كما وردت فً‬
‫صٌؽة المصدر للمؽفرة فً‬
‫(‪)5‬‬
‫‪" -‬وبالمؽفرة ملت السعود"‬
‫كما وردت فً صٌؽة اسم الفاعل فً‬
‫(‪)6‬‬
‫‪" -‬فصادفت ملكا ؼفورا"‬
‫(‪)1‬‬
‫واسم المفعول فً ‪":‬أبها العبد المؽفور له"‬

‫(‪ -)1‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب مادة (غ‪.‬ؾ‪.‬ر) المطبعة األمٌرٌة ط‪1‬ص‪.646‬‬
‫(‪ -)2‬المصدر نفسه مادة (غ‪.‬ؾ‪.‬ر)الصفحة نفسها ‪.‬‬
‫(‪ -)3‬رسالة الؽفران ص‪.44‬‬
‫(‪ -)4‬رسالة الؽفران‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫(‪ -)5‬المصدر نفسه ص‪.70‬‬
‫(‪ -)6‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫‪67‬‬
‫نبلحظ أن الؽفران ٌقع على الفاعل فٌكون مؽفورا له وٌقوم به الفاعل فٌكون ؼفارا‬
‫وؼفورا لذا ٌتخذ الؽفران سمة (اٌجابٌة‪-‬أدبٌة) بإعتبار أن القٌمة مؤخوذة فً مظهرها‬
‫االصطبلحً هً دون شك وحدة أو عنصر داللً إذ ذكرت فً التنزٌل الحكٌم وهً صفة‬
‫(‪)2‬‬
‫هللا له سلطان قبولها قوله تعالً "وهللا ٌدعو إلى الجنة والمؽفرة بإذنه"‬
‫وقد دلت لفظة الؽفران على القدرة اإللهٌة وهً النقطة والؽاٌة التً ٌود ذوات النعٌم‬
‫ابن قارح على وجه الخصوص تحقٌقها حتى ٌتمكن من ولوج الجنة وهو ما حدث بالفعل‪،‬‬
‫نبلحظ أٌضا أن لفظة "ؼفر" تجسدت فً سإال ابن القارح الذي ٌستفسر من خبللها عن‬
‫سبب دخول أهل الجنة‪ ،‬الجنة وهذا ما دلت علٌه األسبلة التً كان ٌطرحها على كل‬
‫شخصٌة كما سبق وذكرناها "بم ؼفر لك؟"‬
‫ٌعتبر هذا السإال مفتاحا ٌطرق به أؼوار الذوات فً خباٌا قصصهم وما أمكنهم من‬
‫تحقٌق برنامجهم السردي القاعدي هو دخول الجنة والفردوس وكذا الؽفران الذي لقوه من‬
‫رب العالمٌن فؤمكنهم من موضوعهم القٌمً وكما سبق وأشرنا أن مصدر ؼفران على وزن‬
‫قرآن وهذا ما ٌجعل اختٌار المعري لهذه اللفظة دون سإالها مقصودا (‪ )3‬ألنه استنبط من‬
‫القرآن تصوٌر الفضاء ٌن الجنة والنار واتصال المؽفرة باهلل وخضوع المبلبكة لؤلوامر‬
‫لذلك كان العنوان وظٌفٌا تعٌٌنٌنا (‪ ،)4‬ألنه ٌعٌن النص فنعطٌه عبلمة دالة علٌه بالنسبة‬
‫لؤلشخاص فهو العبلمة األولى التً تصادؾ القارئ لؽوٌا واصفا(‪ .)5‬ألنه ٌمكن من تجلٌة‬
‫العبلقة الضدٌة بٌنة من النص‪.‬‬
‫وقد تشاكل العنوان مع الؽفران فهو ٌدل على ؼفران هللا لعباده متمثبل فً النص من‬
‫خبلل الشخصٌات التً ولجت الجنة‪.‬‬
‫ونحن نتصفح العنوان نستشؾ حثا على المؽفرة ألنها عبارة عن رسالة تنم عن‬
‫التواصل بٌن المتلقً والباث‪ .‬وقد أدت القراءة المعجمٌة للعنوان والتً تستكٌن إلى مكوناته‬
‫اللؽوٌة التً نضعها فً صلب القاموس وذلك ما ٌجعل "فعل القراءة فعل منحصر فً بنٌة‬
‫مؽلقة تحدد العبلقة بٌن الدال والمدلول فً حرقبة المعنى" الهدؾ منه هو تقرٌب المعنى‬
‫ومعرفة صلة العنوان بالنص وقد جعل اإلهتمام بالعناوٌن وداللتها إلى بروز دراسة تهتم بها‬
‫فً مجال السٌمٌابٌات وهو ما ٌعرؾ بـ سٌمٌابٌة العنوان‪.‬‬

‫(‪ -)1‬المصدر السابق ص‪.137‬‬


‫(‪ -)2‬محمد فإاد عبد الباقً المعجم المفهرس لؤللفاظ القرآن الكرٌم‪ ،‬د‪.‬ط دار الجٌل سروت د‪.‬س ص‪.499‬‬
‫(‪-)3‬‬
‫عبد الوهاب الرقٌق وهند بن صالح‪ " :‬أدبٌة الرحلة فً رسالة الؽفران‪ ،‬الرحلة إلى العالم اآلخر نموذجا" دار محمد‬
‫علً الجامً الجمهورٌة التونسٌة ط‪ 1999 ،2‬ص‪.150‬‬
‫(‪-)4‬‬
‫‪ 82‬فرنسا (د‪.‬ط) ‪2002‬‬ ‫جوزٌؾ بٌارا كامٌرونً "وظابؾ العنوان‪" :‬عبد الحمٌد بوراٌو المطبوعات الجامعٌة ع‬
‫ص‪.03‬‬
‫(‪ -)5‬علً آٌت أوشان‪" :‬السٌاق والنص الشعري من البنٌة إلى القراءة" ص‪.142‬‬
‫‪68‬‬
‫‪ -2‬داللة المكان‪:‬‬

‫إن المكان (الفضاء) هو الحٌز الذي ٌشؽله الفعل المنظور (‪ )1‬وقد انطلق جٌرار جٌنات‬
‫إلى موضوع المكان باعتباره الداللة التً ٌنتجها أو أفضٌة النصوص فهً تعتمد اللؽة‬
‫لتشكٌل السٌاقات التعبٌرٌة لها ارتداد فً المعنى فقد ٌكون هذا المعنى أساسٌا حقٌقٌا أو‬
‫مجازٌا وبالتالً فإن اإلستباق المجازي تنتج صورا ذهنٌة تشكل الفضاء الداللً للنص‬
‫والصور هً فً الوقت نفسه الشكل الذي ٌتخذه الفضاء وهً الشكل الذي تهب اللؽة نفسها‬
‫له‪ ،‬بل أنهار من فضابٌة اللؽة األدبٌة فً عبلقتها مع المعنً" (‪.)2‬‬

‫‪ vision de l'espace‬إذ ٌرى‬ ‫أما ؼرٌماس فٌحدد مفهوم المكان من منطق الرإٌة‬
‫أنه الفضاء النصً حسب اقتراحه موضوع مهٌكل ٌحتوي عناصر منقطعة ؼٌر مستمرة‬
‫لكنها متمددة عبر امتداده وفق نظام هندسً ممٌز ٌساهم فً تصوٌر التحوالت والعبلقات‬
‫المحركة المحسوسة بٌن الذات الفاعلة داخل الخطاب السردي(‪.)3‬‬
‫فالمكان فً رسالة الؽفران ثابت األحداث ومكون أدبً باعتباره اإلطار الذي بسط‬
‫علٌه المعري أحداثه حٌث استوعب فٌه حركة الشخصٌات فلم ٌعرض المكان دفعة واحدة‬
‫وإنما جزأ فضاءاته بحسب حركة البطل وتنقبلته‪ ،‬فبل ٌستطٌع القارئ اكتشاؾ أطراؾ الجنة‬
‫إال عندما ٌجتازها ابن القارح وال إلى مشموالتها إال عند زٌارته لها‪ٌ ،‬عد هذا التواشح بٌن‬
‫مكونات البنٌة القصصٌة دلٌبل على نبوغ القاص فً نسج عالمه الفنً فالمكان عبر فضاءاته‬
‫الثبلثٌة ٌعبر عن مواقؾ المعري وآرابه لذا سٌنحصرإلى ثبلثٌة (الجنة‪ ،‬المحشر‪ ،‬النار) ولو‬
‫أن المحشر هو الحد الفاصل بٌن الثنابٌة المكانٌة (جنة‪ ،‬نار) إذ ٌمكن اعتباره البلمكان‬
‫لمحدودٌة سعته ونسبة عذابه على عكس الجنة وفً النعٌم األبدي والنار هً العذاب‬
‫السرمدي وأول فضاء نستعمل به هو‪:‬‬

‫‪ -1-2‬فضاء الجنة‪:‬‬

‫إن الجنة فضاء ٌحس المعري كؤنها مكان من أمكنة الدنٌا فهً محدودة بمشارؾ‬
‫ومؽارب وهذه ذات نقاط قرٌبة وأخرى بعٌدة وفٌها علو وسفول‪ ،‬وفٌها عتمة واشراق‬
‫وكؤنها نسبٌة‪ ،‬ولٌست مطلقة‪ ،‬فالجنة فً علو والنار فً سفول وهذا أمر طبٌعً فً الوجدان‬

‫)‪ -)1‬ؼاستون باشبلر‪" ،‬جمالٌة المكان" ص‪.32‬‬


‫‪)2(-G.Genette :figure II seuil 1976 2p4647‬‬
‫نقبل عن د‪ :‬حمٌد لحمٌدانً "بنٌة النص السردي"‪ .‬ص‪.61‬‬
‫(‪ -)3‬بادٌس فوؼالً "الزمان والمكان فً الشعر الجاهلً"‪ ،‬عالم الكتب الحدٌث‪ ،‬ط‪ 2008 ،2‬م ص‪.176-175‬‬
‫‪69‬‬
‫اإلنسانً‪.‬؛إذا طالما ارتبط المكان العالً بالقٌم العلٌا ولطالما ارتبط المكان الوطًء بما انحط‬
‫من عادات وأفعال مرذولة‪.‬‬
‫فقد وجد المعري ضالته فٌها لتفجٌر طاقته ومكامن عبقرٌته فً التصوٌر والوصؾ‬
‫الذي ٌعتبره عبد المالك مرتاض "حتمٌة ال مناص منها فً السرد" (‪ )1‬لذا نجد الوصؾ‬
‫مرتبط بالسرد‪ .‬فالجنة فضاء فسٌح ٌتجلى من خبلل الصور الواردة فً النص العبلبً حٌث‬
‫تعد الصورة "وحدة مضمومنٌة ذات نواة مستقرة ٌسمٌها ؼرٌماس الصورة النواتٌة انطبلقا‬
‫منها تنمو بعض المسارات السٌمٌة تسمح بتحقٌقها الجزبً داخل الخطاب" (‪ )2‬أي أنها السبل‬
‫إلى استكناه فحوى النص ومعناه‪ ،‬وبالتالً كانت صورة االخضرار أوالها حٌث استهل‬
‫المعري نصه بوصؾ النعٌم الخالد فكان الشجر رمز اإلخضرار والعطاء‪.‬‬
‫إنها الشجرة مباركة فً الدنٌا ألنها منبع العطاء سواء بالثمر أو الظل وهً فً‬
‫الجنة منبع الظل والجزاء ولقد جاءت الشجرة نعٌما للعبد الخٌر‪ ،‬ارتبطت بالماء الذي ٌجري‬
‫فً أصولها وذلك بٌنة الملفوظ السردي اآلتً‪ " :‬وتجري فً أصول ذلك الشجر‪ ،‬أنهار‬
‫ٌختلج من ماء الحٌوان"(‪.)3‬‬
‫انتقل السارد من ذكر الشجر وهً شًء مادي ملموس جامد إلى ذكر السوابل‬
‫بؤنواعها ومنها الماء بل هً أنهار من ماء وفً هذا ارتباط وثٌق للحٌاة‪.‬‬
‫إذ ٌعتبر الماء واالخضرار فً بٌبة جؽرافٌة التصاقا وثٌقا بجذور الحٌاة‬
‫واستمرارٌتها‪ .‬ففً الشعر الجاهلً ٌتحول اإلخضرارإلى حٌاة‪ ،‬أي أن االخضرار هو الحٌاة‬
‫وتتحول إلى العٌن التً تزود االخضرار‪ ،‬فتجده عضوا ٌتحسس أروع أبعاد الحٌاة وٌكشؾ‬
‫االستمرار والٌانعة‪ ،‬ولعل هذا لم ٌتؽٌر كثٌرا فً الحٌاة العربٌة المعاصرة‬
‫"فالمطر‪...‬واالخضرار مازاال فعلٌن للحٌاة ٌتجاوزان كونهما رمزا لها" (‪ )4‬بمعنى أن المطر‬
‫كماء واالخضرار هما فعبلن للوجود ٌنمان عن حركة ال عن سكون ورمز‪.‬‬
‫وألن المعري ٌرٌد بذكر االخضرار والماء تجسٌد للحٌاة فً الدنٌا واآلخرة باعتبار‬
‫أن "االخضرار ٌناعة وشباب‪...‬والٌناعة لٌست تجسٌدا لوجود فقط وإنما وعد بوجود‬
‫آخر"(‪ )5‬وهذا الوجود اآلخر هو الحٌاة األخرى التً تجسد فٌها كل ألوان الوجود الحقة‬

‫(‪ -(1‬عبد الحمٌد هٌمنة‪" :‬عبلمات فً اإلبداع الجزابري" دراسات نقدٌة رابطة اهل القلم‪ ،‬الجزابر ط‪ .2006 2‬ص‪.114‬‬
‫‪(2(-‬‬
‫‪http// www.symosemio.com/greimas calantiel.asp‬‬
‫(‪ -)3‬رسالة الؽفران ص‪.26‬‬
‫(‪ -)4‬كمال أبو دٌب‪ :‬جدلٌة الخفاء والتجلً دراسات بنٌوٌة فً اشعر‪ ،‬دار العلم للمبلٌٌن بٌروت‪-‬لبنان ط‪ 1979 ،1‬ص‪.46‬‬
‫(‪ -)5‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫‪70‬‬
‫وذلك ما توضحه الملفوظات السردٌة اآلتٌة " ومن شرب منها النبؽة (الجرعة) فال موت‬
‫(‪)1‬‬
‫بدأ من هنالك القوت"‬
‫إن الصور الواردة فً الملفوظات أعبله تنم عن وجود لحٌاة فً اآلخرة ٌجري بها‬
‫العبد الخٌر نكال أفعاله الصالحة ولقد أظهر المعري من خبللها التحام الوحدات المعجمٌة‬
‫لها فً اٌضاح وتجلٌة التواصل الحً للحٌاة وقد كان لوصؾ األشٌاء مكانا هاما حٌث‬
‫وصفت أبارٌق الخمرة وصفا جلٌا تزٌد من جلب القارئ واإلنسان قصد التقرب من هللا‬
‫والفوز بالجنة‪ ،‬وصورة األبارٌق تبرز روعة مشموالت النعٌم وتباٌنها عن محتوٌات الدنٌا‬
‫وذلك من خبلل‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وأبارٌق خلقت من الزبرجد‬
‫"ولو رأى تلك األبارٌق‪ ،‬أبو زٌد لعلم أنه كالعبد الماهن (‪".)3‬‬
‫"وأبارٌق مثل أعناق الطٌر"‬
‫(‪)4‬‬

‫هناك تدقٌق فً الوصؾ لجؤ إلٌه المعري لٌرؼب فً الجنة وٌرهب من النار نبلحظ‬
‫أن صورة اإلبرٌق من خبلل الملفوظات السردٌة أعبله جاءت فً شكل شًء مادي ملموس‬
‫هو وصؾ لشكلها ومادة صنعها وحسن صورتها وعلٌه فلقد ارتبطت هنا بالشكل المادي أما‬
‫إذا تتبعنا اقتفاء الصورة فً النص نبلحظ تجلٌها من خبلل مسارات أخرى وهً تدل‬
‫وتتصل بمضمون آخر لٌس شٌبا جامدا وهذا من خبلل الملفوظات التالٌة‪ " :‬تحملها‬
‫أبارٌق"(‪ .)5‬واألبارٌق هنا بمعنى جارٌة إبرٌق إذا كانت تبرق من حسنها وجمالها ٌقول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫(‪)6‬‬
‫جنً النخل ممزوجا بصهباء تاجر‬ ‫وؼٌداء إبرٌق كؤن رضابها‬
‫استعملت صورة إبرٌق فً سٌاقٌن متتالٌٌن‪ ،‬دل السٌاق األول على اإلبرٌق باعتباره‬
‫شٌبا مادٌا ملموسا وجامدا أما السٌاق الثانً ٌدل على اإلبرٌق باعتباره شٌبا مادٌا ملموسا‬
‫حٌا وٌتمثل فً المرأة ولقد استعار المعري بالفعل (تحملها) للداللة على أنها إنسان ٌحمل‬
‫تلك األبارٌق وألن االستعارة مبنٌة على المشابه فإن المعري شبه النساء باألبارٌق وذلك فً‬
‫الحسن والجمال ولذلك فإن الناظر إلٌها تجذبه األبارٌق التً ٌفرغ منها الخمر فً قٌمة‬

‫(‪-)1‬رسالة الؽفران‪ ،‬ص‪.48‬‬


‫(‪-)2‬المصدر نفسه ص‪.26‬‬
‫(‪ -)3‬المصدر نفسه ص‪.27‬‬
‫(‪-)4‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫(‪ -)5‬المصدر نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫(‪-)6‬المصدر السابق ص‪.28‬‬
‫‪71‬‬
‫اللمعان والحسن لذا فهً تبهر من ٌرمقها وٌتمنى أن ٌتناول منها العبد وٌؽرؾ منها الجرعة‬
‫وٌتجلى ذلك من خبلل الملفوظ السردي اآلتً‪:‬‬
‫"ولو نظر إلٌها علقمة لبرق (تحٌر) وخرق (خاؾ )"(‪.)1‬‬
‫ٌدل الملفوظ السردي على روعة صٌؽة اإلبرٌق فبمجرد النظر إلٌه ٌسبب البرق والخرق‪.‬‬
‫إن فضاء الجنة فسٌح بقدر سامً فٌه الصور بشكل كبٌر حٌث ٌؽطً الوصؾ على‬
‫مشموالت الجنة‪ ،‬فٌواصل المعري تصوٌره لها فتنتقل إلى األوانً الموجودة باألنهار والتً‬
‫تتخذ أشكال الحٌوانات الطابرة فمنها ماهو على صور الكراكً (طٌر طوٌل العنق والرجلٌن‬
‫من طٌور المستنقعات) وآخر تشكل المكاكً (جمع مكاء بمعنى طابر صؽٌر حسن التؽرٌد)‬
‫فقد أتقن المعري فن التصوٌر والوصؾ فكان ٌلج فضاء الجنة بذكر لكل ماهو‬
‫موجود فٌه كما وضع لها معالم وتعٌٌنات وجعل لكل شاعر فٌها مكانا خاصا به مثل‬
‫الخنساء التً تتربع فً أقصى الجنة مطلة على النار وعلى أخٌها صخر فحددها السارد‬
‫بسعة واإلتساع "فإذا هً بإمراة فً أقصى الجنة قرٌبة من المطلع إلى النار‪ )2("...‬وابن‬
‫القارح اٌضا ٌطل على النار من فوق وهكذا فالجنة فً علو مرتبط بالقٌم العلٌا‪.‬‬

‫‪ -2- 2‬فضاء المحشر‪:‬‬

‫إن فضاء أي نص ٌنم عن سعة السارد الخٌالٌة‪ ،‬حٌث إن األحداث انتشرت بٌن‬
‫ثناٌاها وفً هذا ٌصبح ابن القارح باعتباره المتلقً للخطاب ولقصص اآلخرٌن‪ ،‬فً هذا‬
‫الموضع هو الباث لقصته وفٌها ٌتم رصد جمٌع الصور المدرجة تحته ولقد الخوؾ نتٌجة‬
‫حتمٌة لهول المقام واشتداد الظمؤ‪.‬‬
‫فالمحشر ٌتوسط الجنة والنار وٌمثل بذلك العذاب تحت مؽنم الخوؾ والضعؾ فابن‬
‫القارح باعتباره الشخصٌة المهٌمنة والمتواجدة بكثافة عبر أحداث الرحلة الؽفرانٌة فقد تمٌز‬
‫بالسلبٌة فهو ٌتسم بصفة الضعؾ وذلك ما نلمسه من افرازه الصرٌح لذلك‪" :‬وأنا رجل‬
‫مهٌاؾ"(‪ )3‬أي بمعنى سرٌع العطش لشدة الظمؤ ٌوم الحشر‪.‬‬
‫ولقد كان لشخوص النص صفة الجبن والحماقة والخوؾ وألن الشخصٌة "مورفٌم‬
‫فارغ فهً بذلك بٌاض داللً"(‪ )4‬تحٌل إال على نفسها فكما أن المعنً لٌس معطى ال فً‬
‫بداٌة النص وال فً نهاٌته ٌقول روالن بارت " فإن الشخصٌة ال تكتمل مالمحها إال مع‬

‫(‪-)1‬رسالة الؽفران ص‪.28‬‬


‫(‪-)2‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫(‪ -)3‬المصدر السابق ص‪.38‬‬
‫(‪ -)4‬روالن بارت "مدخل إلى التحلٌل البنٌوي للقصص" ص‪.62‬‬
‫‪72‬‬
‫علمٌة التلقً وفً عالقة الشخصٌة مع شخصٌة الملفوظ األخرى "(‪ )1‬وعلٌه تتشابك‬
‫الوحدات والعناصر فٌما بٌنها باعتبار أن الشخصٌة عنصر من عناصر النص ووحدة من‬
‫وحداته تسهم فً داللته وذلك من خبلل العبلقة القابمة بٌنها وتتبع مساراتها‪ ،‬فصفة الضعؾ‬
‫والخوؾ كانت مبلزمة لشخصٌة ابن القارح فً كل مساره فً المحشر والخوؾ من‬
‫الضعؾ فمن ذا الذي ال ٌخاؾ إال الضعٌؾ رؼم ارتباط الخوؾ بالخشوع والرهبة ٌوم‬
‫الحساب‪ ،‬ولكن العبد الصالح ال ٌخشى ألنه ٌكون واثقا من نفسه وأعماله‪ ،‬لكن الخوؾ عند‬
‫ابن القارح ضعؾ منه نظرا لقلة حسناته وذلك ما ٌتجلى من خبلل الملفوظ السردي‬
‫(‪)2‬‬
‫"فوجدت حسناتً قلٌلة كالنقإ فً العام األرمل"‬
‫من هنا تتجلى داللة المكان (المحشر) فً صورة الضعؾ والخوؾ من العذاب‪.‬‬

‫‪- 3‬فضاء النار‪:‬‬


‫ٌعتبر فضاء النار المقابل لفضاء الجنة بصفة السارد معاكسا تماما لما هو علٌه فضاء‬
‫النعٌم زهً أقصى درجات الرٌاض الفسٌحة تتربع الخنساء على تطلع من النار إلى أخٌها‬
‫صقر‪ .‬وكما أشرنا سابقا أن النار تمثل الجزء السفلً باعتبارها المكان الدنًء التً تقود إلٌه‬
‫األعمال السٌبة وقد استطاع السارد أن ٌضع كل شخصٌة فً مكانها ٌنقد بذلك مكانتها‬
‫الشعرٌة وٌضعها فً منزلة ما‪ ،‬وٌدل المكان على منزلة الشاعر لدى المعري‬
‫(‪)3‬‬
‫فتبٌنوا ٌا معشر األشرار‬ ‫إبلٌس أفضل من أبٌكم آدم‬
‫والطٌن ال ٌسمو سمو النار‬ ‫النار عنصره‪ ،‬وآدم طٌنة‬
‫" فال ٌسكن من كالمه إال ورجل فً أصناؾ العذاب لٌؽمض عٌنٌه حتى ال ٌنظر‬
‫(‪)4‬‬
‫إلى ما نزل به من النقم‪ ،‬قد فتحها الزبانٌة بكاللٌب من نار‪ ،‬لٌنظر إلى ما نزل من نكال "‬
‫فالكفر واللعنة والعذاب هً جزاء من هللا نكال عدم طاعة العبد لخالقه فكانت اللعنة‬
‫مرتبطة بإبلٌس‪ ،‬فهو ملعون إلى ٌوم ٌبعث نظرا لكل المقومات السلبٌة التً ٌحملها النار‪،‬‬
‫لذلك كان فضاء النار مبلذه نظرا الرتكابه الذنوب وإلحاق األذى والضرر بالبشر فاللعنة‬
‫داللة على الخزي منه واإلبتعاد عن طرٌقه‪ ،‬أما الكفر فهً صفة دنٌبة تتقابل مع اإلٌمان‪،‬‬
‫وهً صفة المإمن الصالح مكانه الجنة خالدا على عكس الكفر الذي هو صفة المإمن‬
‫العاصً اتصؾ بها معظم الشعراء وجاءت بشكل صرٌح فً‪:‬‬

‫(‪ -)1‬فلٌب هامون‪ :‬سٌمولوجٌة الشخصٌات الروابٌة تر سعٌد نبكراد‪ :‬عبد الفتاح كلٌطو د‪.‬ط الرباط ‪ 1990‬ص‪.9‬‬
‫(‪-)2‬‬
‫المصدر نفسه ص‪.39‬‬
‫(‪ -)3‬رسالة الؽفران‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫(‪ -)4‬المصدر نفسه الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫(‪)1‬‬
‫"أتكلمنً بمثل هذا الكالم فاخلٌع بن صنٌعة وقدمت كافرا"‬
‫وهذا اعتداء من النابؽة على األعشى فً جدالهما وكذا البٌت الشعري ألبً هدرش حٌن‬
‫قال‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫من بعد ما عشت بالعصٌان مشهورا‬ ‫ثم اتعضت وصارت توبتً مثال‬
‫إن العصٌان عدم الطاعة وهو الكفر بعٌنه‪ ،‬فالعصٌان معنم للصورة النواتٌة كفر وقد اقتفٌنا‬
‫تنامً هذه الصور فً النص ومصٌر الكفر هو العذاب‪.‬‬
‫وفً هذا المقام فإن ذكر فضاء النار هو ذكر للشٌطان ولشعراء الجاهلٌة الذٌن أصلوا‬
‫نارا توقد أفبدتهم جزاء لهم على سوء أفعالهم‪.‬‬
‫وآرابه النقدٌة فٌها ٌرتبها حسب درجة علمها وفقهها بالشعر ووصؾ المكان فً‬
‫النص العبلبً فسنجده ٌشؽل نصؾ الرحلة بالنسبة للجنة بٌنما ٌؤخذ الجحٌم جزءا بسٌطا‬
‫مقارنة بالنعٌم وذلك ما ٌفسر اتجاه المعري النقدي من مسؤلة الجزاء والعقاب لذا كان‬
‫وصؾ المكان لم ٌرد اعتباطٌا‪ ،‬فكل تصور له هو ولٌد رإٌا خاصة (‪.)3‬‬
‫وتتجلى داللة المكان "النار" فً صور العذاب من ذلك نجد ما ٌصفه السارد من‬
‫شدة العذاب "فؤطلعت فرأٌته كالجبل الشامخ والنار تصطدم فً رأسه الصخرا"‬
‫(‪)4‬‬
‫كؤنه علم فً رأسه نار"‬ ‫وإن صخرا لتؤثم الهداة به‬
‫تصطدم النار فً رأس صخر فرؼم شموخة والنار تحرق‪ ،‬وقد اشتعلت فً الرأس‬
‫الذي ٌعد مركز التفكٌر‪ ،‬فآل مصٌر صخر إلى هذا الحد ٌتعذب وٌشقى وٌستهتر ابن القارح‬
‫فً جولته لفضاء النار فٌطلع إلى إبلٌس الذي لعنه وجعله منتشرا فً األرض بشره ملعونا‬
‫إلى ٌوم ٌبعث الناس وٌتجلى ذلك من خبلل الملفوظ السردي " فٌرى إبلٌس لعنه هللا وهو‬
‫فٌطلع ٌضطرب فً األؼالل والسالسل(‪ ")5‬واألؼبلل والسبلسل تدل على القٌد واالرتباط‬
‫باللعنة والنار وهما عنصران سلبٌان ٌتصفان بهما إبلٌس كما اتصؾ بالعداء والعداوة فً‬
‫قول ابن قارح "الحمد هلل الذي أمكن منك ٌا عدو هللا وعدو أولٌائه" (‪ )6‬إبلٌس إذن هو‬
‫صورة للحقارة والذل والخبث والشر والعصٌان ولقد تمكنت القراءة من تبٌان ذلك ولقد جمع‬

‫(‪-)1‬‬
‫المصدر نفسه ص‪52‬‬
‫(‪ -)2‬المصدرنفسه الصفحة نفسها ‪.‬‬
‫(‪ -)3‬سمٌر المرزوقً وجمٌل شاكر "مدخل إلى نظرٌة القصة" دٌوان المطبوعات الجامعٌة‪ ،‬الجزابر د‪.‬ط‪ 1995 ،‬ص‪.65‬‬
‫(‪ -)4‬رسالة الؽفران ص‪.54‬‬
‫(‪-)5‬‬
‫المصدر نفسه ص‪.53‬‬
‫(‪-)6‬‬
‫المصدر نفسه ص‪.54‬‬
‫‪74‬‬
‫إبلٌس جل المساوئ والمنكرات وأضرم فً النار خالدا فٌها أبدا وال ٌختلؾ شؤن إبلٌس من‬
‫شؤن بشار الذي فضل الشٌطان على آدم علٌه السبلم‬
‫وعلٌه فالصور فً النار لها معنى داللً على عكس صور الجنة فنجد العذاب‬
‫والكفرو الدناسة‪ ،‬الرذابل القلق والحزن على عكس مما نجد فً الجنة‪ :‬النعٌم‪ ،‬الخٌر‪،‬‬
‫اإلٌمان‪ ،‬الطهارة‪ ،‬الصدق‪.‬‬
‫كلها ثنابٌات ضدٌة فبل ٌقول السارد شٌبا إال وأوتً نقٌضه فالنص مبنً على الخبلفٌة فً‬
‫معناها العام بدلٌل تواتر المعالم المشكلة له فً عبلقات تقابلٌة وهو ما ٌشكل البنٌة النصٌة‬
‫والتمفصل الداللً له ٌتجلى على النحو اآلتً‪:‬‬

‫العلم ‪ VS‬الجهل‬ ‫الجنة ‪ VS‬النار‬

‫األمل ‪ VS‬الٌؤس‬ ‫النعٌم ‪ VS‬الجحٌم‬

‫الفضابل ‪ VS‬الرذابل‬ ‫الخٌر ‪ VS‬الشر‬

‫الراحة ‪ VS‬القلق‬ ‫الصدق ‪ VS‬الكذب‬

‫اإلستبشار ‪ VS‬الحزن‬ ‫الطهارة ‪ VS‬الدناسة‬

‫حدد السارد معالم وتعٌٌنات لفضاء الجنة ؼٌر أنه لم ٌحدد المعالم لفضاء النار‪،‬فصور‬
‫الجنة حددها باالتساع فً حٌن صور النار بالضٌؾ وهو ما ٌوضحه المخطط الذي ٌوضح‬
‫فضابً الجنة والنار حسب ما أورده السارد على النحو اآلتً‪:‬‬
‫المكانٌــــــــــــــــــــــــــــــــــــة‬
‫األبعاد‬ ‫ال أبعاد (ال معالم)‬
‫(المعالم)‬
‫جنة‬ ‫نار‬
‫الجانبٌة‬ ‫الحجم‬ ‫المساحة‬
‫هول كبٌر‬

‫(واسع) حسب‬ ‫( ‪)x‬‬ ‫(ضٌقة)‬


‫الذات‬ ‫تحوالت‬
‫‪75‬‬
‫‪- 3‬البنٌة السردٌة‪:‬‬
‫‪ -1-3‬فاعلٌة النظام العاملً وآلٌاته الطبقٌة‪:‬‬
‫ٌتحقق النظام العاملً وفق وجود ستة عوامل ثابتة‪ ،‬تشكل ثنابٌات فٌما بٌنها‪ ،‬بموجب‬
‫عبلقة تإسس لنمطٌة معٌنة بٌنهما‪:‬‬

‫‪ ‬ثنابٌة العامل الفاعل والعامل موضوع القٌمة‪ :‬وهً ثنابٌة تخضع لعبلقة الرؼبة التً‬
‫ٌسعى وراءها إلمتبلك موضوع القٌمة‪.‬‬
‫‪ ‬ثنابٌة العامل المرسل والعامل المرسل إلٌه ‪:‬وهً ثنابٌة تتحكم لعبلقة تواصل وتبلٌػ‪،‬‬
‫حٌث ٌكون المرسل فً البداٌة محركا للمرسل إلٌه الذي ؼالبا ما ٌكون هو نفسه‬
‫الفاعل‪ ،‬ثم سرعان ما ٌؽدو فً نهاٌة المطاؾ مرسبل مقوما له ومقٌما لؤلفعال‬
‫واألعمال التً أنجزها‪.‬‬
‫‪ ‬ثنابٌة العامل المساعد والعامل العارض‪ :‬هً ثنابٌة قابمة أساسا على عبلقة صراع‪،‬‬
‫حٌث ٌعتبر المساعد قوة مإٌدة للفاعل فٌما ٌكون المعارض قوة مناوبة له (‪.)1‬‬

‫بهذا التحلٌل النظري‪ ،‬نستطٌع أن نتبٌن مظاهر فاعلٌة النظام العاملً فً الخطاب القصصً‬
‫المتناول والذي مبلحظ فٌه أن العامل الفاعل هو ابن القارح ألنه رؼب فً امتبلك موضوع‬
‫القٌمة وهو "دخول الجنة" باؼته الوحٌد والمعبر عنه سٌمٌابٌا بالمرسل هو "الموقؾ (الومد‪،‬‬
‫األمد‪ ،‬الظمؤ) على أن هذا المرسل المجرد‪ٌ ،‬جد له مرسبل إلٌه هو نفسه الفاعل أي ابن‬
‫القارح أما عن المساعد متمثل فً مجموعة هً "الرسول (ص)‪ ،‬فاطمة‪ ،‬الجارٌة‪ ،‬ابراهٌم‪،‬‬
‫علً رضً هللا عنه‪ ،‬حمزة" وفً عامل معارض ٌمثله "رضوان" و"زفر"‪.‬‬

‫(‪-)1‬‬
‫مجلة المعنً للسعٌد بوطاجٌن دار األمل للطباعة العدد األول جوان ‪ 2008‬ص‪.67‬‬
‫‪76‬‬
‫وٌتجلى لنا هذا التحلٌل فً الرسم البٌانً للنموذج العاملً اآلتً‪:‬‬
‫ابن قارح‬ ‫دخول الجنة‬ ‫الموقؾ‬
‫(الومد‪ .‬األمد‪ .‬الظمؤ)‬
‫رضوان زفر‬ ‫ابن قارح‬ ‫الرسول (ص)‬
‫فاطمة‪،‬الجارٌة‪،‬إبراهٌم‪،‬علً‪،‬حمزة‬

‫تمثل الترسٌمٌة العاملٌة الشكل العام لمسار الذات فً سعٌها لتحقٌق موضوعها‬
‫القٌمً‪ٌ .‬لقى الفاعل ابن القارح المساعدة من الرسول (ص) باعتباره شفٌعا له وذلك بثبوت‬
‫توبته كما القى المساعدة من فاطمة التً أرسلته إلى أبٌها مع أخٌها إبراهٌم فهو ٌمثل الناقل‬
‫له أما الجارٌة فهً التً أجازته من الصراط وخدمته بعد أن أودعه حمزة عم الرسول‬
‫(ص) إلى علً (رضً هللا عنه) التً سمعت دواوٌنه كاملة فؤبى له السماح بدخول الجنة‬
‫فبلقى العنزة الذٌن كلموا فاطمة فً أمره كل هإالء ساهموا فً ادماج البرنامج السردي‬
‫لبلبن القارح باعتباره السٌد ولو لم ٌسمحوا له بالدخول فقط أعانوه على ذلك فً سٌرورة‬
‫طالت به إلى ذلك أن وصل إلى الرسول (ص) أما المعارضة التً لقٌها فكانت من خارنً‬
‫النار رضوان و زفر فهما لم ٌعارضاه إال أنهما ٌمثبلن الطاعة والخضوع وال قوة لهما فً‬
‫الشفع لذلك وٌعتبر المعارضة هنا لٌست معارضة بمحظ اإلرادة الذاتٌة بل داللة قاطعة على‬
‫وجوب طاعة أوامر هللا والخضوع للقدرة اإللهٌة أما الذات فكانت المستفٌدة من البرنامج‬
‫المحقق ألنها تمكنت من دخول الجنة لموضوع قٌمً وهذا الدخول ٌتعارض مع هول‬
‫الموقؾ الذي عانته فً المحشر فإذا كانت الجنة هً عالم الراحة والسعادة فإن المحشر هو‬
‫عالم التوتر والحزن والجحٌم وهذا ما دفع (ابن القارح) إلى تحقٌق الموضوع القٌمً‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫‪ -2-3‬البرنامج السردي‪:‬‬

‫ٌتعلق البرنامج السردي بحركٌة العوامل حٌث ٌعرؾ بمجموع الحاالت والتحوٌبلت الطاربة‬
‫على عبلقة الفاعل بموضوع القٌمة هً إما عبلقة إتصال ما ٌعنً امتبلكه له أو عبلقة‬
‫انفصال بفقدانه عنه واستبلبه منه(‪.)1‬‬

‫ٌقوم نص الؽفران على عبلقة انفصال ‪ /VS/‬اتصال فاالنفصال عن الموضوع قابم بٌن‬
‫الذات وموضوعها وهً تحاول عبر البرنامج السردي القاعدي اإلتصال له بالحاح واصرار‬
‫شدٌدٌن‪.‬‬
‫فإذا كانت الذات فً عبلقة اتصالٌة بموضوعها فهً ال بد أن ترؼب فً اإلنفصال عنه‬
‫وإذا كانت الذات فً عبلقة انفصالٌة بموضوعها فهً ال بد أن ترؼب فً اإلتصال بهذا‬
‫الموضوع(‪.)2‬‬
‫أما عبلقة الفصل والوصل نمت بصورة مخالفة من ذوات النص األخرى ألنها كانت‬
‫متصلة بالموضوع فمثبل بعد ما كانت منفصلة عنهم فً الدنٌا أصبحت متصلة بهم فً‬
‫اآلخرة ولقد ورد ظهورها لذكر سبب ولوجها النعٌم وعلٌه نمثل لها بـالمخطط التالً‪:‬‬
‫اتصال‬ ‫انفصال‬
‫اآلخرة‬ ‫الدنٌا‬
‫إنبنى المشروع السردي للذات الفاعلٌة على حالتً اإلنفصال واإلتصال فهً سعً‬
‫إلى اإلنفصال عن الجحٌم واإلتصال بالنعٌم وذلك ما ٌجعلنا ندرج المشروع السردي لها فً‬
‫صورة هً دخول الجنة المعبر عنها بـ‪ :‬التمتع باللذابذ‪ +‬الحٌاة األبدٌة‪.‬‬
‫وتهتدي الذات إلى استعمال الحٌلة فً سبٌل تحقٌق برنامجها السردي وذلك بنظم‬
‫الشعر مقلدة فً ذلك وزن لشعراء األوزان‪.‬‬
‫فهً تحاول أن تظهر الود لؤلهل الجنة من الخزنة (رضوان‪ ،‬وزفر) (حمزة وعلً)‬
‫(‪)3‬‬
‫وذلك بمدحهم بما ال تقره نفسها الموسومة بالكذب زٌنت لً النفس الكاذبة بؤن أنظم شعرا‬
‫وهذا ما ٌجعلنا نضع الذات فً خانة الكذب فٌما تظهره عكس ما تخفٌه فالذات تنطوي على‬
‫قٌمة أخبلقٌة سلبٌة هً الكذب نافٌة عنها قٌمة أخبلقٌة أخرى هً الصدق‪.‬‬

‫(‪ -)1‬مجلة أدبٌة محكمة "المعنً" محمد لخوش ربٌس التحرٌر السعٌد بوطاجٌن‪ ،‬دار األمل للطباعة والنشر العدد األول‬
‫جوان ‪ ،2008‬ص‪.67‬‬
‫(‪ -)2‬المرجع نفسه ص‪.69‬‬
‫(‪ -)3‬رسالة الؽفران ص‪226‬‬
‫‪78‬‬
‫تحاول الذات اثبات قٌمة االتصال بالموضوع وذلك بنظم الشعر والتقرب من أهل‬
‫النعٌم وهو ما ٌدل على رؼبة شدٌدة وملحة من قبل الذوات لدخول الجنة ولقد وجد ابن‬
‫القارح الجنة (رضوان وزفر) وإلى حمزة وعلً بالشعر حٌث مازح فٌه المدح بالرثاء‬
‫عندما مدح حمزة ببٌت من الرثاء قاله كعب بن مالك فً حمزة والمفارقة التامة هً التقرب‬
‫من الممدوح بالرثاء الذي ٌعد نوعا حسنا من الشعر ٌختلؾ عن المدح‬
‫(‪)1‬‬
‫وبكً التاء على حمزة‬ ‫صفٌة قومً وال تعجزي‬

‫ٌندرج المشروع السردي للذات تحت مقولة داللٌة هً لؽٌر ‪ VS‬ثبات‪.‬‬

‫فالتعبٌر ٌنوط على سعً الذات لبلنفصال عن الجحٌم واالتصال بالنعٌم والثبات ٌنوط‬
‫باستقرار الذوات األخرى فً الجنة أو النار فهً قد حققت برنامجها السردي مسبقا‬
‫وورودها فً النص هو سبب ذكر ؼفرانها الذي ؼالبا ما كان الشعر سبب ولوجها الجنة‪،‬‬
‫ٌجمع بٌن الذات وموضوعها عبلقة االنفصال فً البداٌة لتتحول إلى عبلقة اتصال بعد‬
‫تحقٌق البرنامج السردي لها فً محور داللة هو الرؼبة‪ ،‬وقد القت مساعدة من قبل حمزة‪،‬‬
‫وعلً والعنزة وفاطمة وهً عوامل مساعدة فً الموضوع وفً المقابل القت معارضة من‬
‫قبل الملكان رضوان‪ ،‬زفر حقق محور داللً قابم على الصراع "‪."le conflit‬‬

‫فمحور الرؼبة "‪ٌ "le désir‬تجسد فً الذات "ابن القارح" وموضوعها القٌمً للجنة‪.‬‬

‫مدار الحكً هنا تحقٌق الذات لرؼبتها فً الموضوع (أو عن الموضوع) فاألمر‬
‫ٌحتاج إلى مساعدة لرؼبة الذات وأخرى معارضة لتلك الرؼبة ومن ثم ٌرتسم محور ثان‬
‫هو "محور الصراع" الذي ٌتضمن عبلقة تقابلٌة بٌن عاملٌن آخرٌن "المساعد ‪"adjuvant‬‬
‫والمعارض "‪ "opposant‬فاألول ٌقوم على مساعدة الذات فً تحقٌق رؼبتها والثانً ٌضع‬
‫الحواجز دون تحقٌق هذه الرؼبة(‪.)2‬‬
‫وكانت العوامل المساعدة للذوات األخرى هً نفسها المساعدة البن القارح فً‬
‫دخوله الجنة (الرسول (ص)‪ ،‬حمزة‪ ،‬فاطمة‪ ،‬علً) الذي القى معارضة من نفس الملكان‬
‫رضوان‪ ،‬زفر (نفس معارضة الذوات) تحقق بذلك محور الصراع‪.‬‬

‫(‪-)1‬‬
‫المصدر السابق ص ‪226‬‬
‫(‪ -)2‬عبد الواحد الرابط "السمٌاء العامة وسٌمٌاء الداللة" الدار العربٌة للعلوم –بٌروت ط‪ 2010 ،1‬ص‪.156‬‬
‫‪79‬‬
‫أما المحور الثالث فهو "محور التواصل" وهو ٌقوم على تعالٌق عاملٌن هما‬
‫فالمرسل هو الباعث على الفعل‬ ‫(‪)1‬‬
‫المرسل "‪ "destinateur‬والمرسل إلٌه "‪"destinataire‬‬
‫(الموقؾ –الظمؤ‪ ،‬الومد‪ )-‬هو الذي ٌدفع الذات إلى أن تكون لها رؼبة فً الموضوع (رؼبة‬
‫ابن القارح فً دخول الجنة) ؼٌر أن هذٌن العاملٌن (المرسل والمرسل إلٌه) ال ٌدركان إال‬
‫فً المستوى الذهنً للفعل فهما ٌتحددان‪ ،‬كما أشار إلى ذلك سعٌد بنكراد من خبلل موقعهما‬
‫فً البداٌة والنهاٌة‪ ،‬بصفتهما مكونٌن سردٌٌن ٌإطران مجموع التحوالت المسجلة داخل‬
‫النص(‪.)2‬‬

‫ؼٌر أن العامل "‪ "actant‬لٌس هو الشخصٌة‪ ،‬وإنما هو مقولة مجردة تجد تجسٌدها‬
‫فً السرد من خبلل ممثل "‪ "acteur‬أو أكثر والممثل بدوره قد ٌكون شخصٌة أو أي شًء‬
‫آخر ٌإدي وظٌفة عاملٌة معٌنة داخل البرنامج السردي (‪.)3‬‬

‫"‪ "acteur‬فهو ٌقوم بدور موضوعاتً ٌسعى علٌه منذ‬ ‫ٌعتبر ابن القارح ممثبل‬
‫البداٌة والموضوع القٌمً المتمثل فً دخول الجنة‪ .‬نسق الوسابل والسبل ولقد أبهر "ابن‬
‫القارح" نفسه كثٌرا بؽٌة تحقٌق هدفه فنظم شعرا على وزن ما جاء به األولون حتى ٌرضى‬
‫خازنً الجنة رضوان وزفر فٌم أحدهما أسعد نظم على قافٌة شعراء المعلقات (امرئ‬
‫(‪)4‬‬
‫القٌس) فً ‪ :‬قفا نبك من ذكرى التً أرددها "ابن القارح" قفا نبك ذكرى حبٌب وعرفان‬
‫وقد اختار عرفان لتؤتً على وزن رضوان الذي لم ٌؤبه له ولكن ابن القارح لم ٌٌؤس وذلك‬
‫ما ٌبرزه المردود السردي اآلتً‪" :‬فلم أزل أتتبع األوزان التً ٌمكن أن ترسم لها رضوان‬
‫حتى أفنٌتها" ٌتسم ابن القارح باإلصرار واإللحاح لٌس لؽرض سوى الخبلص من هول‬
‫المقام الذي لم ٌصبر عنه كالباقٌن بل تعجل الفوز لخوؾ فً نفسه‪.‬‬
‫وبالتالً ٌدل ذلك على تحقق البرنامج السردي الذي نرمز له بالصٌؽة النهابٌة‪:‬‬

‫(ذا‪/‬م)} إذن (ذا م)‬ ‫{(ذا‪V‬م)‬ ‫ذا‬

‫‪- 4‬المنظور اإلستداللً (تقابالت فً القٌم)‪:‬‬


‫ٌقضً الحدٌث عن المنظور اإلستداللً إلى اإلهتمام ببنٌة ثنابٌة‪ ،‬تحدد ماهٌة المربع‬
‫السٌمٌابً الذي ٌشكل أساسا على محور داللً ٌتمفصل فٌه قٌمتٌن متضادتٌن‪ ،‬بحٌث‬

‫(‪-)1‬‬
‫المرجع السابق ص‪.157‬‬
‫(‪ -)2‬المرجع السابق‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫(‪-)3‬عبد الواحد الرابط "السمٌاء العامة وسٌمٌاء الداللة" الدار العربٌة للعلوم –بٌروت ط‪ 2010 ،1‬ص‪.158‬‬
‫(‪ -)4‬رسالة الؽفران ص‪223.‬‬
‫‪80‬‬
‫ٌتوزع(‪ )1‬السرد وفقا لعملٌات أو تحوالت تقضً من نقطة إلى نقٌضها وذلك ٌتجلى من‬
‫خبلل الؽفران الذي بنى على هذا التقابل الذي ٌتمفصل داللٌا وفق المربع السٌمٌابً الذي‬
‫ٌعتبر كمثال أصولً لشكلنة المعنً( ‪ )2‬أي أنه هٌكلة للتمفصل الداللً المبنً على عبلقات‬
‫باعتباره شكبل ٌضع عبلقات التضاد ‪ les contraires‬والتناقض ‪les contradictions‬‬
‫وعلٌه فهو ٌكتسً بذلك طابعا شكلٌا‪.‬‬
‫ٌقول مارسٌلو داسكال‪ٌ" :‬سلم جرٌماس بالطابع المستقل للدالالت وٌسٌر إلى علم‬
‫الداللة مهمة بنٌة عالم الدالالت المحاٌث وٌنظم هذا العالم الداللً – حسب ؼرٌماس‪ -‬فً‬
‫بنٌات التعارض التً تستقل نمط وجودها عن نمط حضوره فً األفعال التواصلٌة وهً‬
‫بنٌات مستقلة عن اللسان‪ ،‬ولهذا ٌعتبر علم الداللة نفسه صراحة محاولة لوصؾ عالم‬
‫الصفات المحسوسة بعبارة أدق جزء من أجزاء علم الداللة العام أي السٌمٌوطٌقا التً تهتم‬
‫مباشرة بدراسة مجموعة المقوالت واألصناؾ الموضوعة التً ٌمكن مبلمستها على‬
‫مستوى اإلدراك(‪.)3‬‬
‫ومن هنا ٌمٌز ؼرٌماس نمطٌن من الوحدات الداللٌة األكثر تعقٌدا وذلك اعتمادا على‬
‫التقاببلت الموجودة بٌن الوحدات المدلولٌة‪.‬‬
‫ٌشرح أنور المرتجً مضٌفا "إن منظمة البنٌة البسٌطة للمعنً والتً توجد على‬
‫مستوى البٌنة العمٌقة‪ ،‬تؤخذ عند قراءتنا للنص اسم المربع السٌمٌابً ‪carré semiotique‬‬
‫ألن السٌمٌابً كما ٌقول ؼرٌماس ال تكتفً بعملٌة المزاوجة بٌن المفاهٌم والقٌام بإٌجاد‬
‫التعارضات اإلستبدالٌة بل ٌجب علٌه أن ٌقدم نموذجا ٌسعى إلى الكشؾ عن منظومة‬
‫المعنى وهذا هو دور المربع السٌمٌابً‪ ،‬أما الهدؾ من مشروع الداللة البنٌوٌة عند‬
‫ؼرٌماس فهو البحث عن الشروط التً بواسطتها نتلقى المعنى" (‪.)4‬‬

‫فالمربع السٌمٌابً قابم على عبلقات التضاد ‪ contrariété‬التناقض‬


‫‪ contradiction‬التضمٌن أو اإلستنتاج ‪ٌ présupposition‬سمح بذلك بوضع الداللة فً‬
‫شكل ممنطق ٌرتب العبلقات والعملٌات الكامنة فً عمق النص ولقد وجد منذ الفلسفة‬

‫(‪-)1‬‬
‫‪2003‬‬ ‫جٌرالد برنس المصطلح السردي تر عابد حزندار‪ ،‬وتفا محمد بربري المجلس األعلى للثقافة د‪.‬ط القاهرة‬
‫ص‪.7‬‬
‫(‪-)2‬‬
‫جمٌل شاكر وجمٌل المرزوقً مدخل إلى نظرٌة القصة تحلٌبل وتطبٌقا" ص‪.123‬‬
‫(‪-)3‬‬
‫مٌشال أرٌفٌة و آخرون "السٌمٌابٌة األصول‪ .‬القواعد‪ ،‬التارٌخ"تر‪ :‬رشٌد عبد المالك ‪،‬م‪:‬عز الدٌن المناصرة‪ ،‬دار‬
‫مجدالوي للنشر األردن ط‪ 2008 -1‬ص‪.47‬‬
‫(‪ -)4‬أنور المرتجً سٌمٌابٌة النص األدبً منشورات ادم لقٌا‪ ،‬الدار البٌضاء‪ ،‬د‪.‬ط ‪ 1987‬ص‪.52‬‬
‫‪81‬‬
‫األرسطٌة حٌث ٌتخذ عناصر دنٌا من المصطلحات المحددة عبر عبلقات الفصل والوصل‬
‫وتقوم هذه العبلقات بٌن أقطاب المربع السٌمٌابً‪.‬‬
‫وكل معنى ال ٌقوم على تعارضات ثنابٌة فقط وإنما على تعارضات رباعٌة ألن‬
‫منظمة "المربع السٌمٌابً ذات طبٌعة منطقٌة داللٌة وٌجب أن ٌنظر إلٌها باعتبارها سابقة‬
‫عن كل استعمال (‪ )1‬فالمربع فً الوقت نفسه شبكة عبلقات ومتتالٌة افتراضٌة من العملٌات‬
‫المنظمة ٌمنحنا بذلك الشروط الدنٌا للخطاب"‪.‬‬
‫ولعل أول تمفصل داللً فً نص الؽفران هو المقولة الوجودٌة حٌاة – موت التً‬
‫إنبنى علٌها نص المعري بشكل عام والتً تمفصلت داللٌا وبالتالً ٌمكننا تجسٌد هذه القطبٌة‬
‫فً المربع السٌمٌابً الذي ٌوضح العبلقات القابمة بٌن أقطابه والتً تعد هٌكلة هندسٌة‬
‫للمعنً ٌتصؾ باستحالة رإٌة جدٌة ٌتواجدان معا‪ ،‬فهو ٌتماشى جٌدا مع اإلشتراط البنٌوي‬
‫السوسٌري بؤنه ال ٌكون فً اللسان‪ ،‬أو فً نظام الداللة‪ ،‬مهما كان صؽٌرا‪ ،‬سوى‬
‫اإلختبلفات فً الحدود األربعة هً تقاطعات ونهاٌات عبلقات (‪.)2‬‬
‫نجد اإلختبلؾ واضح بٌن القطبٌن حٌاة – موت ٌجمع بٌنهما عبلقات تناقض‬
‫والتضاد وهو ما ٌعنٌه المحدثون من وجود لفظٌن ٌختلفان نطق وٌتضادان معنى كالقصٌر‬
‫مقابل الطوٌل والجمٌل مقابل القبٌح (‪ )3‬ونص الؽفران ثري بالمتقاببلت الضدٌة التً أفرزتها‬
‫المعاٌنة والمحاٌثة للنص فلم تكن بٌن ثنابٌة الموت والحٌاة عبلقة تناقض وتضاد فهناك‬
‫عبلقات أخرى ضدٌة الدنٌا ‪ VS‬اآلخرة‪ .‬جنة ‪ VS‬نار‪ .‬األمل ‪ VS‬الٌؤس‪ .‬كذب ‪ VS‬صدق‬
‫وؼٌرها من الثنابٌات الضدٌة التً أفرزها نص الؽفران‪.‬‬
‫وما ٌهمنا هنا هو الثنابٌة الضدٌة موت – حٌاة التً ٌمكننا تجسٌدها فً المربع السٌمٌابً‬
‫الذي هو البناء الكامل للنص حٌث تتٌح لنا القراءة العنكبوتٌة له‪ ،‬وذلك بإقامة العبلقات‬
‫الحاصلة بٌن أقطابه‪:‬‬

‫(‪-)1‬المرجع السابق ص‪.53‬‬


‫(‪ -)2‬مٌشال أرٌفٌة وآخرون "السٌمٌابٌة أصولها وقواعدها" تر رشٌد بن مالك ص‪.123‬‬
‫(‪ -)3‬أحمد مختار عمر‪" :‬عمم الداللة"‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪ ،1985 ،1‬ص‪.191‬‬
‫‪82‬‬
‫موت‬ ‫حٌاة‬

‫نار‬ ‫جنة‬

‫ال حٌاة‬ ‫ال موت‬

‫محشـر‬
‫عملٌات‬ ‫عبلقات‬
‫مفاوضات‬ ‫تضاد‬
‫تؤكٌد‬ ‫تناقض‬
‫استلزام‬
‫ال‬
‫نبلحظ أن لفظ المحشر ٌتوسط الحٌاة ‪،‬الموت و اثرنا وصعه فً هده الخانة الن فصاء‬
‫المحشر هو الفضاء الدي ٌشهد حساب الناس فٌجبون فٌه بعد الموت لٌحاسبوا على ما‬
‫اقترفوا ‪،‬فٌكون اإلنسان فٌه بٌن الحٌاة و الموت و فٌه ٌتحدد مآل‪،‬فإن كان فعله خٌرا نال‬
‫الثواب و إن كان ش ّرا نال الثوابالعقاب و لدلك فإن المحشر هو الموت ‪.‬‬
‫لقد دخلت الحٌاة فً النص من خبلل الصور الدالة علٌها مثل المشروبات ممثلة‬
‫فً‪ :‬السوابل كالعسل‪ ،‬اللبن‪ ،‬الخمرة‪ ،‬المؤكوالت وهذه األشٌاء ملموسة ٌدركها اإلنسان بٌده‬
‫وٌتحسسها ومعنوٌة تحت معنم الحٌاة‪ :‬اإلٌمان‪ ،‬الصدؾ‪ ،‬الطهارة‪ ،‬الشعر‪ ،‬األمل‪ ،‬الراحة‪.‬‬
‫وأما الموت فقد تجلى فً ‪:‬صور األصفاد‪ ،‬األؼبلل‪ ،‬السبلسل الدالة على القٌد‬
‫وهً أشٌاء ملموسة والمعنوٌة‪ :‬الكذب‪ ،‬النفاق‪ ،‬الخوؾ‪ ،‬الٌؤس‪ ،‬القلق‪ ،‬نبلحظ لفظ المحشر‬
‫ٌتوسط ال حٌاة‪ ،‬ال موت ولقد أشرنا إلٌه فً الخانة ألن فضاء المحشر هو الفضاء الذي‬
‫ٌشهد حساب الناس فٌفٌقون فٌه بعد الموت لٌحاسبوا على ما اقترفوه فٌكون اإلنسان فٌه بٌن‬

‫‪83‬‬
‫الحٌاة والموت وفٌه ٌتقرر مآله‪ ،‬فإن كان فعله خٌرا نال الثواب‪ ،‬وإن كان شرا نال العقاب‬
‫ولذلك فإن المحشر هو ال موت وال حٌاة للعبد الذي ٌحصد عرصاته‪.‬‬

‫‪84‬‬
85
‫خاذنح ‪:‬‬
‫ٔؽجؼب نهكم ثذا‪ٚ‬خ َٓب‪ٚ‬خ ثؼٌٕ هللا ٔ ؽًذِ ٔطهُب ػهٗ خزبو ْزا انجؾش ئٌ نى َمم خزبو انجؾش‬
‫رًبيب فًب انًٕػٕع انز٘ ؽشلُبِ ف‪ْ ٙ‬زِ انًزكشح يب ْٕ ئال ثذا‪ٚ‬خ ألثؾبس ٔ دساعبد عذ‪ٚ‬ذح ٔ‬
‫لذ رٕطهُب ئنٗ انُزبئظ انزبن‪ٛ‬خ‪:‬‬
‫‪ -‬أٔال ٔ لجم كم ش‪ٙ‬ء لذ أفهؼ انكبرت ف‪ ٙ‬رشك‪ٛ‬م ٔالدح ػًم أدث‪ ٙ‬عذ‪ٚ‬ذ ‪ًٚ‬ضم ؽفشح ف‪ ٙ‬األدة‬
‫انؼجبع‪ ٙ‬ثخبطخ ٔ األدة انؼشث‪ ٙ‬ثؼبيخ ‪ٚ‬زًضم ف‪ ٙ‬ػًم لظظ‪ٚ ٙ‬غٕة ف‪ ّٛ‬أثٕ انؼالء ػبنى‬
‫ا‪ٜ‬خش ( انؼبنى انغ‪ٛ‬ج‪ )ٙ‬يزغغًب سؽهخ أدث‪ٛ‬خ يٍ أعًم يب ػشف ادثُب انؼشث‪ ٔ ٙ‬ف‪َ ّٛ‬غ‪ٛ‬ظ‬
‫غ‪ٛ‬ش يغجٕق ٔفكشح عذ‪ٚ‬ذح ؽطًذ كم أشكبل انُضش انجغ‪ٛ‬ؾ انًزًضم ف‪ ٙ‬انخطجخ ٔ انٕط‪ٛ‬خ ‪.‬‬
‫‪ -‬ئٌ ئشكبن‪ٛ‬خ ػجؾ انًظطهؼ ن‪ٛ‬غذ ئشكبن‪ٛ‬خ ثًؼُبْب انؾم‪ٛ‬م‪ ٙ‬فارا كبَذ ربسح ‪ٚ‬طهك ػه‪ٓٛ‬ب اعى‬
‫انشعبنخ ٔ أخشٖ يمبيخ ٔصالس سؽهخ ئنٗ انؼبنى ا‪ٜ‬خش فاٌ رنك ساعغ ئنٗ اخزالف ٔعٓبد‬
‫َظش انُمبد ٔ انذاسع‪ ٍٛ‬ؽ‪ٛ‬بل ْزا انُزبط األدث‪ ٔ ٙ‬انًٓى ُْب اٌ انشعبنخ انًذسٔعخ ألشة ئنٗ‬
‫عُظ انمظخ يُٓب ئنٗ فٍ انشعبئم‪.‬‬
‫‪ -‬ئٌ سعبنخ أثٕ انؼالء انز‪ ٙ‬عبءد ػهٗ شكم لظخ كبٌ انٓذف ٔساء رأن‪ٛ‬فٓب شخظ‪ٛ‬ب ثبنذسعخ‬
‫األٔنٗ ‪ٚ‬شي‪ ٙ‬طبؽجٓب ئنٗ انشد ػهٗ اثٍ انمبسػ‪.‬‬
‫‪ -‬كًب أكضش انًؼش٘ ف‪ ٙ‬انشعبنخ يٍ اعزؼًبل غش‪ٚ‬ت انهفع ف‪ ٙ‬انُض انًذسٔط يًب طؼت‬
‫لشاءرّ كَّٕ أساد رج‪ٛ‬بٌ لذسارّ انهغٕ‪ٚ‬خ ٔ انفكش‪ٚ‬خ انز‪ٚ ٙ‬زغهٗ ثٓب َٔجٕغّ ف‪ ٙ‬انفٍ ٔ انشؼش‬
‫يٍ خالل اعزشٓذارّ‪.‬‬
‫‪ٚ -‬زظف أعهٕة انًؼش٘ ثبنزؼم‪ٛ‬ذ ٔاخزالل انُظى فٕٓ يب ‪ٚ‬كبد ‪ُٚ‬زٓ‪ ٙ‬يٍ فكشح ؽزٗ َغذِ‬
‫‪ٚ‬زُبٔل فكشح أخشٖ لجم اَمؼبئّ انفكشح األٔنٗ يًب ‪ٚ‬خم ثخبط‪ٛ‬خ انُض ٔ رنك نكضشح‬
‫اعزطشاد ٔ ششٔػ‪.‬‬
‫‪ -‬رأصش انًؼش٘ ثمظخ اإلعشاء ٔ انًؼشاط ؽ‪ٛ‬ش الزجظ يُٓب انظؼٕد ئنٗ انؼبنى انؼهٕ٘ سافذا‬
‫يٍ األسع اثٍ لبسػ ن‪ٛ‬غٕل ػجش يخ‪ٛ‬هزّ ف‪ ٙ‬فؼبء انُؼ‪ٛ‬ى ‪ٚ‬غأل أْهٓب ػٍ عجت غفشآَى‬
‫ٔنمذ عًغ انًإنف ْزا كهّ ف‪ ٙ‬لبنت انغخش‪ٚ‬خ ٔ ػشة ػشع انؾبئؾ انم‪ٛ‬ى اإلَغبَ‪ٛ‬خ ثؼذيب‬
‫أشبس ئنٗ انغُظ ث‪ ٍٛ‬أْم انغُخ‪.‬‬
‫‪ -‬نى ‪ٚ‬كٍ ٔطف انًؼش٘ نفؼبئ‪ ٙ‬انغُخ ٔانُبس ثُفظ انذسعخ يٍ انغؼخ فهمذ أخزد انغُخ‬
‫انًكبٌ األكجش ْٔ‪ ٙ‬ثزنك رأخز كم انُض ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫‪ -‬خشق انًؼش٘ كم انًُطهك ثزأخ‪ٛ‬شِ فؼبء انًؾشش ػٍ انغُخ ٔ األطم أٌ ‪ٚ‬أر‪ ٙ‬لجم انغُخ‬
‫ٔ انُبس‪.‬‬
‫‪ٔ -‬نمذ أٔػؼ ػاللخ انزاد ثبنًٕػٕع انم‪ ٔ ًٙٛ‬عؼ‪ٓٛ‬ب انًهؼ نزؾم‪ٛ‬ك ثشَبيغٓب انغشد٘‬
‫انمبػذ٘ ْٕٔ دخٕل انغُخ‬
‫‪ -‬عبػذ كم انزٔاد ئنٗ انًغفشح ٔ ْزا يب ‪ٚ‬ذل ئنٗ طهخ انؼُٕاٌ ثبنُض ٔػاللزّ ثبنًزٍ ألٌ‬
‫انؼُٕاٌ َض يغجك ٔنمذ رشكم يغ انُض يٍ خالل انغفشاٌ ‪.‬‬

‫ٔف‪ ٙ‬االخ‪ٛ‬ش َأيم أٌ َكٌٕ لذ ٔفمُب ف‪ ٙ‬ػًهُب ٔنٕ ثمذس ‪ٚ‬غ‪ٛ‬ش آيه‪ ٍٛ‬أٌ ‪ٚ‬كٌٕ ثؾضُب ْزا‬
‫دسة كم ثبؽش ‪ٚ‬شي‪ ٙ‬ئنٗ يب سي‪ُٛ‬ب َؾٍ ئنٗ رؾم‪ٛ‬مّ ٔ انٕطٕل ئن‪ ٔ ّٛ‬سثًب ؽٕسِ أكضش ٔ‬
‫رُبٔنّ ٔفك سؤٖ ٔ يُبْظ ٔ أفبق عذ‪ٚ‬ذح ‪.‬‬

‫ٔػهٗ أ‪ٚ‬خ ؽبل فؼهٗ انشغى يًب ػشػُب يٍ عٕٓد ف‪ ٙ‬دساعخ انُضش انفُ‪ ٙ‬انؼجبع‪ ٙ‬غطذ‬
‫عٕاَت ػذ‪ٚ‬ذح يُّ فاٌ انًغبل ال ‪ٚ‬ضال خظجب ف‪ ٙ‬ؽبعخ ئنٗ عٕٓد اخشٖ رٓزى ثمشاءح‬
‫َظٕطّ ف‪ ٙ‬ظم يذاخم َمذ‪ٚ‬خ يزؼذدح ٔ يزؼبفشح يًب ‪ًُٚ‬ؼ انزؾه‪ٛ‬م ثكًبن‪ٛ‬برّ انًُشٕدح ‪.‬‬

‫‪87‬‬
88
‫أبو العالء المعري‪363 :‬ه – ‪449‬ه (‪973‬م‪1058-‬م)‪.‬‬
‫تارٌخه‪:‬‬
‫طفولة معذبة وسعً وراء العلم‪ :‬أحمد بن عبد هللا بن سلٌمان بن داود بن المطهر بن‬
‫زٌاد بن الحارث ابن األرقم بن أنور بن أسحم بن عثمان التنوخً المعروؾ بؤبً العبلء‬
‫المعري ولد سنة ‪363‬ه‪973/‬م فً معرة النعمان من حمص وحلب ونسب إلٌها‪ ،‬أصٌب فً‬
‫طفولته بداء الجدري وفقد بصره(‪ )1‬ولكن ذلك لم ٌحل دون تحصٌله للثقافة الواسعة‪ ،‬فؤخذ‬
‫عن أبٌه مبادئ العلوم ثم راح ٌطوؾ فً البلدان من معرة النعمان إلى حلب إلى انطاكٌة إلى‬
‫البلذكٌة إلى طرابلس‪ ،‬الشام‪ ،‬باحثا‪ ،‬منقبا‪ ،‬نظم الشعر منذ حداثته وانقادت له القوافً لما‬
‫(‪)2‬‬
‫انقادت إلٌه اللؽة وعلومها‪.‬‬
‫فً بؽداد‪:‬‬
‫توفً والد أبً العبلء المعري نحو سنة ‪1005‬م وفً سنة ‪1007‬م توجه أبو العبلء‬
‫إلى بؽداد طلبا للشهرة والمال وسكن حٌا قدٌما ٌدعى سوٌقة ابن ؼالب‪ ،‬عاشر كبار الرجال‬
‫وأرباب الثقافة وكان له فً عاصمة الخبلفة أثر ضخم آثار إعجاب المدحٌٌن وحسد‬
‫الحاسدٌن‪ ،‬ومن ذلك ماجرى فً مجلس الشرٌؾ المرتضى حٌن هوجم المسنى فهب أبو‬
‫العبلء للدفاع عنه(‪.)3‬‬
‫رهٌن المحبسٌن‪:‬‬
‫لزم المعري بٌته فً المعرة وسمى نفسه رهٌن المحبسٌن ٌعنً البٌت والعمى‪ ،‬تؤثر‬
‫لفلسفة براهمة الهند واكب على المطالعة ونظم الشعر فوضع" رسالة الؽفران "ونظم دٌوان‬
‫فلسفً الذي سماه "اللزومٌات" وفً سنة ‪1058‬م توفً المعري وضجت لوفاته الببلد(‪.)4‬‬
‫أدبه‪ :‬تزٌد مإلفات أبً العبلء على السبعٌن مابٌن منظوم ومنشور وقد فقد بعضها وطبع‬
‫البعض اآلخر وأشهر المطبوع منها‪:‬‬
‫‪- 1‬سقط الزند‪ :‬دٌوان شعر نظمه فً شبابه‪.‬‬
‫‪- 2‬لزوم ماال لزوم‪ :‬أو اللزومٌات‪.‬‬
‫‪- 3‬رسالة الؽفران‪ :‬وضعها سنة ‪ 1032‬وضمنها نقدا لبعض اآلراء والمعتقدات‪.‬‬
‫ومإلفات أخرى منها‪" :‬الدرعٌات" دٌوان معتبر ٌشتمل على أشعار وصفت فٌها الدرع‪:‬‬
‫‪ -‬رسالة المالئكة‪.‬‬
‫‪ -‬رسالة الهناء‪.‬‬
‫‪ -‬ملقى السٌل‪.‬‬
‫‪ -‬رسالة التذكرة‪.‬‬

‫(‪ -)1‬خلٌل شرؾ الدٌن‪" ،‬أبو العبلء المعري"‪ ،‬دار مكتبة هبلل بٌروت ‪ ،1989‬ص‪.49‬‬
‫( ‪ -)2‬حنا الفخوري‪" ،‬الجامع فً تارٌخ األدب العربً"‪ ،‬دار جٌل‪ ،‬ط‪ ،1‬بٌروت‪ ،‬ص‪.844‬‬
‫( ‪ -)3‬مجد الدٌن الفٌروزبادي‪ ،‬الببلغة فً تارٌخ أبمة اللؽة‪ ،‬ط‪2001 ،1‬م‪ ،‬ص‪.328‬‬
‫( ‪ -)4‬طه حسٌن‪" ،‬أبو العبلء المعري المجموعة الكاملة لمإلفات الدكتورة‪ ،‬دار الكتاب اللبنانً‪ ،‬ط‪ ،1‬بٌروت‪،1974 ،‬‬
‫ص‪.129‬‬
‫‪89‬‬
‫‪ -‬زجر النابح‪.‬‬

‫إلى جانب الفصول والؽاٌات كتاب القائؾ وهو كتاب ألفه على معنى كلٌلة ودمنة (‪.)1‬‬

‫( ‪ -)1‬حنا الفاخوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.846‬‬


‫‪90‬‬
91
‫‪ ‬مقدمة‪.............................................................................‬أ‬
‫‪ ‬مدخل الى نشأة القصة ‪5-1......................................................‬‬

‫الفصل األول‪:‬الخطاب والقصة فً النقد البنٌوي‬


‫مفهوم الخطاب‪6..................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫مفهوم القصة‪7....................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫البنٌوٌة‪8...........................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫مناهج تحلٌل القصة‬ ‫‪‬‬
‫‪ -‬منهج بروب ‪9...........................................................................‬‬

‫‪ -‬منهج كلود برٌمون‪14-10 .............................................................‬‬

‫‪ -‬منهج جٌرار جٌنٌت ‪20-14...........................................................‬‬

‫‪ -‬منهج غرٌماس‪23-20 .................................................................‬‬

‫الفصل الثانً‪:‬رسالة الغفران‬


‫مضمون الرسالة‪35-24.........................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫السبب والغاٌة من تدوٌن الرسالة‪37-36 .......................................‬‬ ‫‪‬‬
‫مصادر الرسالة‪42-38...........................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫أسلوب الرسالة‪47-43...........................................................‬‬ ‫‪‬‬

‫الفصل الثالث‪:‬تطبٌق النهج الغرٌماسً‬


‫‪ ‬داللة العنوان‪58-56..............................................................‬‬
‫‪ ‬داللة المكان‪59...............................................................‬‬

‫‪-‬فضاء الجنة‪62-60......................................................................‬‬

‫‪ -‬فضاء المحشر‪63.......................................................................‬‬

‫‪ -‬فضاء النار‪66-64.....................................................................‬‬

‫‪92‬‬
‫البنٌة السردٌة‪67...........................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫فاعلٌة النظام العاملً‪68-67 ....................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫البرنامج السردي‪71-69.........................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫المنظور االستداللً‪75-72.......................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫خاتمة‪67-66......................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ملحق‪71-70......................................................................‬‬ ‫‪‬‬

‫‪93‬‬
‫ملخص المذكرة ‪:‬‬

‫لم تكن الؽاٌة من القصة المس جعة تحلٌل وضع معقد و ال تقوٌم سلوك ملتو ‪،‬و إنها كانت‬
‫مجرد وسٌلة لئلظهار ستة المعرفة فً شإون اللؽة ‪،‬أو وسٌبل إلى إثبات العذر على‬
‫التصرؾ بقول الكبلم و ضروب الصٌػ اللفظٌة لذلك جاء العنصر الروابً فٌها ؼثا باردا ‪،‬‬
‫ال ٌتخلله من تشابك األحداث ‪،‬و تضارب اآلراء ما ٌثٌر الخواطر و ٌحبس األنفاس وألوال‬
‫ما أودعها المنشا أحٌانا من ظرفه و كٌاسته لما استطاعت أن نشد القارئ إلٌها كثٌرا و ال‬
‫قلٌبل ‪ ،‬لذلك حكم الدهر علٌها بالخمول و السقوط ‪.‬‬

‫و عذرنا فً إببلء هذا األسلوب هذا الجانب من االهتمام إن ٌمثل مرحلة طوٌلة من مراحل‬
‫األدب العربً ‪،‬و ٌجمع ثروة طابلة من ؼرٌب مفردات اللؽة و عجٌب صورها و تعابٌرها‬
‫‪،‬فهو و الحالة هذه ‪،‬أقرب إلى األدب التعلٌمً منه إلى األدب القصصً ‪،‬و خٌر ما ٌمثله فً‬
‫أدب العصر الحكاٌة اإللهٌة المعروفة بـ"رسالة الؽفران "ألبً لعبل ء المعري الرواٌة‬
‫اإللهٌة "‬

‫أنشؤ أبو العبل ء المعري هذه الرسالة صوابا عن رسالة وردت علٌه من صدٌقه ابن القارح‬
‫و الذي ٌظن لؤلول و حمله أن أبا العبلء ألهم مخطط هذه الحكاٌة بمجرد وقوفه على‬
‫مضمون الرسالة لكن الواقؾ على بعض آثاره األخرى ٌبدو له أنه ربما توصل إلى إجراء‬
‫أحداث حكاٌته على المسرح "السماء " بعد معاناة مراحل مهدت لذلك ‪ ،‬فبٌن الرسابل التً‬
‫أنشاها رسالتان قصٌرتان هما رسالة الهناء ‪،‬رسالة المبلبكة و هما من طبٌعة رسالة‬
‫الؽفران األولى تعرض لمعجزات األشٌاء و تنسج على منوالها خوارق ال تقل عتها‬
‫إعجازا ‪ ،‬و الثانٌة جولة فً عالم األرواح ‪ ،‬أبطالها من المبلبكة و مسرحها أشبه بالبرزخ‬
‫الذي ٌصل من األرض و السماء ‪ ،‬بحٌث ٌصح اعتبار رسالة الؽفران منهما بمثابة نهاٌة‬
‫المطاؾ ‪ ،‬أما الرباط بٌن حلقات هذه السلسة فالعنصر اإللهً و ظاهرة الخوارق ‪،‬و الروح‬
‫التهكمً المضمر فً ثناٌاها و استكماله لهذا االعتبار نذكر بعض الراسبٌن ٌرى ان أبا‬
‫العبلء فً اتجاهه هذا ربما استلهم قصة البراق الذي عرج التً علٌه إلى السماء فً رحلة‬
‫خٌالٌة خاطؾ أو رسالة التوابع و الزواج التً وضعها ابن سؤهبد األندلسً قبل ذلك بقصٌر‬
‫من الزمن فخمد أبو العبلء إلى معارضتها برسالة الؽفران ‪.‬‬
‫‪94‬‬
‫رسالة الؽفران قصة خٌالٌة فً دٌار اآلخرة وضعها أبو العبلء جوابا عن رسالة وردت‬
‫علٌه من صدٌقة على بن المنصور الحلً المعروؾ ‪ٌ،‬ا ابن القارح ٌستقٌه فٌها فً بعض‬
‫المسابل اللؽوٌة و القضاٌا األدبٌة فشاء أبو العبلء أن ٌخرج عن المؤلوؾ فً جوابه‬
‫فاصطحب ابن القارح فً رحلة خٌالٌة إلى العالم الثانً ضمن به ابن الصراط إلى الجنة و‬
‫طاؾ به فً أرجابها أو نادم الشعراء حٌنا أخر ثم انحدر به إلى الجحٌم حٌث شاهر أهلها‬
‫ٌقاسون العذاب األلٌم ثم عاد إلى النعٌم بعد زٌارة خاطفة إلى حنة العفارٌت و كان ابن‬
‫القارح ‪.‬حٌثما الملقى شاعر من الشعراء الجنة ٌسال بما ؼفر لك فبذكر أبو العبلء لذلك‬
‫سًء سخٌفا على سبٌل التهكم ٌعلله سرعة الرحمة اإللهٌة‪.‬تحتل رسالة الؽفران المعري‬
‫مكانة هامة فً تارٌخ النثر الفنً العربً ‪.‬لما فٌهما من خصابص اإلبداع فً الطرٌقة و ما‬
‫تتمٌز به فً طبٌعة الخٌال و السخرٌة و قد كانت المصادفة وحدها هً العامل الذي أدى إلى‬
‫ظهور هذه الرسالة فً وقت كانت الدراسات التقلٌدٌة تهتم بالسٌاقات الخارجٌة للنص كحٌاة‬
‫المإلؾ و بٌبته و ظروؾ معٌشته و نشؤته و إنتاج خطابه فقد ظهر ‪.‬‬

‫‪95‬‬

You might also like