Professional Documents
Culture Documents
90
91
بين المعقولِ (الذي يقب ُل ُه العق ُل) والمنقولِ (الوار ِد مذه ُب ُه (طريق ُتهُ) التّوفيقَ َ
ال�س ّن ِة ال ّنبوي ِة).
الكريم وفي ّ ِ في القر�آنِ
كان
يهوديَ ، ُّ اعتر�ض ُه جا ٌر َل ُه
َ العلم
مجال�س ِ ِ هاب �إلىوكان �أحم ُد �إذا �أرا َد ال ّذ َ َ
فيجيب عنْها �أحم ُد �سريع ًا بفطن ٍة (بذكا ٍء) ُ َ
م�سائل، أحمد ،وي�س�أ ُل ُه
منز ُل ُه في طريقِ � َ
أ�سلم
يلبث � ْأن � َ فلم ْ ودراية (معرف ٍة) ،ويخب ُر ُه ب�أ�شيا ٍء تد ُّل على بطالنِ ما ه َو علي ِهْ ، ٍ
�صغر
غم من ِ ابن تيمي ِة على ال ّر ِ ذلك ببرك ِة ّ
ال�ش ِيخ ِ وكان َ وح�سن �إ�سال ُمهَُ ، َ اليهودي،
ُّ
�س ّن ِه.
للعلم ،زاهد ًا (تارك ًا لحاللِ ال ّدنيا مخاف ِة ح�سابِها، كان �أحم ُد منقطع ًا ِ كذلك َ َ
�شيخ ِه الذي طلب وال ُد ُه من ِ وقد َ لحرام َها مخا َف َة عقا ِب َها) فيما غيرهْ ، ِ وتارك ًا
كل �شهرٍ � ْإن �أحر َز الكريم وهو �صغي ٌر � ْأن ي ِع َد ُه ب�أربعين درهم ًا َّ
َ يعل ُم ُه القر� َآن
(رف�ض) عن قبو ِل َها، َ أحمد امتن َع
لكن � َ (حق َّق) تق ّدم ًا في ِ
حفظ القر�آنِ َّ ،
عاهدت اهلل َ تعالى على �أن ال �آخذَ على ُ ل�شيخ ِه " :يا �سيدي �إ ّني وقال ِ َ
القر�آنِ �أجر ًا " .ولم ي�أخذَ َها ،فا�ستب�ش َر (تو ّق َع خير ًا) �شيخُ ُه ووال ُد ُه ِب ِه
هذ ِه الحكاي ِة ،وكذلك َ
كان. بعد ِ خير ًا َ
العلم والتّقوى
منار ُة ِ
علم ِه وجع َل ُه حج ًة (عالم ًا عارف ًا) بارك اهلل ُج َّل وعال ِ
البن تيم ّي َة في ِ َ
أ�صبح وعالم زما ِن ِهّ ،
وي�س َر َل ُه التع ّم َق في ِ
العلوم ،و� َ على �أهلِ ع�صرِ ِهَ ،
92
93
الجواب عما ُي َ�شك ُل ْ والباحثين َعن فتاوى (جم ُع فتوى ،وهي َ مينقبل َة المتع ّل َ
كان
التالميذ الذين َ ِ من كان َل ُه ٌ
جي�ش ْ ال�شرع ّي ِة والقانون ّي ِة) ،حتى َ من الم�سائلِ ّ
علم ِه ،و�إتقا ِن ِه، بفائ�ض ِ أكرم ُه اهلل ُ ِ للكثير من ُه ْم � أش� ٌن فيما بعد (تم ّيزوا و�أبدعوا) و� َ
قيل: علم ِه ،وال �أرف َع ِم ْن دراي ِت ِه (معرف ِت ِه) حتى َ ّا�س �أو�س َع ِم ْن ِ إدراك ِه ،فلم ي َر الن ُ و� ِ
إ�سالم"َ ،
كذلك ف�س ّم َي "�شيخُ ال ِ نف�س ِه" ُ
مثل ِ عين من ر� َأى مث َل ُه ،وال ر� ْأت عي ُن ُه َ "لم ت َر ٌ
محمد –
ٍ �سنن الن ّبـي (يطلب ويق�ص ُد) َ ُ ـان يتح ّرى ال�س ّن ِة"؛ أل َن ُه ك َ "محيي َّ
ّ ُلق َّب بـ
ويرف�ض البد َع (جم ُع ُ نف�س ُه ِب َها ،ويداف ُع عن َها،
لزم َ �ص ّلى اهلل ُعلي ِه و�س ّلم ،-فيط ّبقُها ،و ُي ُ
أفعال النّبي و�أقوا َل ُه وال�سنَّة و� َ الحديثّ ، َ بعد َ�أ ْن َ
در�س بدع ٍة ،وهي ما أُ��ستحدثَ في ال ّد ِين) َ
ٍ
بحديث". ابن تيم ّي َة َ
لي�س حديث ال يعر ُف ُه ُ وحيا َت ُه ومعجـزا ِت ِه ،حــتى ِق َيل" :ك ُّل ٍ
يقوم فقرا ُء فرف�ض �أن َ َ جهد ِه في محارب ِة �أهلِ البد ِع، ابن تيم ّي َة غاي َة (ك َّل) ِ وبذل ُ َ
ات ،والدخولِ في النّا ِر الم�شتعل ِة، بلب�س الأطواقِ الحديد ّي ِة في �أعنا ِقهِ م ،و�أكلِ الح ّي ِ الأحمد ّي ِة ِ
من الخلقِ ،و إ� ّنما علي ِه أحد َالم�سلم ب� ٍ
ُ العون والم�ساعدةَ) (يطلب َ َ رف�ض بقو ٍة �أن ي�ستغيثُ كما َ
قام
فقد َ ولذلك ْ بذلك) في جمو ِع الم�سلمين؛ َ (طالب َ َ ي�ستغيث باهلل ِوح َـد ُه ،ونا َد ْى َ
بذلك َ � ْأن
ّا�س يتب ّركون بها (يطلبون منها ّارنج؛ ل َّأن الن َ
م�سجد الن ِ ِ ال�صخر ِة التي ْ
كانت في باقتال ِع ّ
الخي َر والنّما َء وال��زي��ا ِدةَ)؛ أل ّنهم يعتقدون � َّأن الأث َر (العالم َة) الذي
لقدم النّبي –�ص ّلى اهلل ُ علي ِه علي َها ه َو ِ
(يهتم) بغ�ضبِ كثيرٍ ّ و�س ّل َم– ولم يبالِ
ّا�س ب�سببِ فع ِل ِه. من الن ِ
94
95
مجل�س ُه ك َّل يوم ب�صال ِة فكان يبد�أُ َ العلم والإفتا ِءَ ، لمجال�س ِ ِ ابن تيم ّي َةوتف ّر َغ ُ
الكريم ،ثم ي�ش َر ُع (يبد�أُ) ِ ركعتين ،ثم يحم ُد اهللَ ،ويثني علي ِه ،وعلى ر�سو ِل ِه
لب ،وه َو ُ
العقل) ألباب (جم ُع ٍ تخطف � َ ُ فيغم�ض عيني ِه ،ويتك ّل ُم بلغ ٍة �ساحر ٍة ُ بدر�س ِه،
ِ
نفو�س الحا�ضرين بهيب ِت ِه ،حتى �إذا يفي�ض من بحرٍ َ ،ف َت ْمت ِل ُئ ُ الحا�ضرين ،وك أ� ّن ُه ُ
وكان
بلطيف القولِ َ ، ِ در�س ِه فَتح عين ْي ِه ،و�أق َب َل على الحا�ضرين ما فر َغ (انتهى) من ِ
مجل�س ُه خل ٌق كثي ٌر من العلما ِء والقاد ِة والفقها ِء والأدبا ِء و�سائرِ ِ
عوام يوافي (يح�ض ُر) َ
(عام ِة) الم�سلمين.
يف�س ُر َها ،فينق�ضي الكريم َطف ََق (ب��د َ�أ) ّ ِ مجل�س ِه �آي ًة من القر�آنِ ِ وكان �إذا قر�أَ في َ
دون �أن يقر�أَ من تلك الآي ِةَ ، المجل�س بجمل ِت ِه (ك ِّل ِه) ومقدا ُر ُه رب ُع النّهارِ ،وهو في تف�سيرِ َ ُ
�ضخم.ٍ وقد �أملى تف�سي َر �آي ِة "قل هو اهلل �أحد" في ٍ
مجلد كتابْ ، ٍ
ُ
تالميذ ُه �أكث َر من مجل�س ُه من الإفتا ِء والإجاب ِة عن الم�سائلِ ،وقد جم َع كان يخلو ُ وما َ
يحتاج
ُ كتاب كبيرٍ ، تكون الإجاب ُة عن الواحد ِة منها في �أق ّل من ٍ ألف م�س�أل ٍة ،ق َّل � ْأن َ �أربعين � َ
وكان ال ي�س� ُأم وقد ال يقد ُرَ . يكتب مث َل ُهْ ، زمن طويلٍ ومطالع ٍة طويل ٍة ليقد َر على � ْأن َ غي ُر ُه �إلى ٍ
(يطلب فتوا ُه) �أو ي�س أ� َل ُه ،بل يك ّل ُم ُه بب�شا�ش ٍة (بابت�سام ٍة) ،حتى ُ
يكون ُ ممن ي�ستفتي ِه (ال يم ُّل) ْ
ٍ
وانب�ساط. واب ٍ
بلطف ال�ص ِهو الذي يفار ُق ُه ،بعد �أن ُيفه َم ُه الخط�أَ من ّ
البيوت وفي ِ كان يقط ُع ُه (يم�ضي ُه) في عياد ِة (زيار ِة) المر�ضى في فقد َ �أ ّما �سائ ُر نها ِر ِهْ ،
المار�ستان (الم�ست�شفى) ،وفي تفق ِّد المحتاجين والفقرا ِء ال �سيما من الفقها ِء والق ّرا ِء،
والغني والفقي َر ،و ُيدني الفقي َر َّ وال�صغي َر،
يحترم الكبي َر ّ ُ ذلك كريم ًا متوا�ضع ًا، وكان في َ َ
96
97
كان الكرم� ،إذ َ ويقوم على خدم ِت ِه طلب ًا لمر�ضا ِة اهللِ ،ويكر ُم ُه �أ�ش َّد ِ ؤن�س ُهُ ، ال�صالح ،وي� ُ
َ
ّف�س) الأ�صيل ِة ،و� ْإن لم الطب ُع الأ�صي ُل في الن ِ الكرم من �سجاياه (جم ُع �سجي ٍة ،وهي ّ
مالب�س ِه ،وت�ص ّدقَ بِها متخفّي ًا كي ال يرا ُه �أح ٌد، ِ يجد ما يت�ص ّدقُ ب ِه علي ِه ،خل َع �شيئ ًا من ْ
ال�صدق ُة خال�ص ًة لوج ِه اهللِ. وتكون ُّ
ائم الم�ستم َّر) وال �صل ًة (هب ًة) اتب ال ّد َوهو في �سائرِ �أمرِ ِه زاه ٌد ال يقب ُل جراي ًة (ال ّر َ
لنف�س ِه من �سلطانٍ �أو �أميرٍ �أو تاجرٍ ،وال ي ّدخ ُر دينار ًا �أو درهم ًا �أو متاع ًا �أو طعام ًا ،بل ِ
يطلب طعام ًا ال�شتغا ِل ِه ِ
بالعلم �إلاّ كان ُ يطلب) ،وما َ العلم ه َو ب�ضاع ُت ُه ِ
وط ْل َب ُت ُه (ما ُ كان ُ َ
مالب�س ُه حتى يبد ّل َها َ كذلك ال ي�شتري لبا�س ًا جديد ًا ،وال يغ ّي ُر �أن ي�أتي �أه ُل ُه ِب ِه �إلي ِهَ ،
طلب الآخر ِة ومر�ضا ُة اهللِ، ّات ال ّدنيا ،بل ه ُّم ُه ُ حديث عن ملذ ِ يخو�ض في ٍ ُ �أه ُل ُه َل ُه ،وال
كل �ش�أ ِن ِه متوا�ض ٌع ،جمي ُل الن ِ
ّف�س. وه َو في ِّ
ذهب ال ّل ُيل ،وح�ض َر الكريم ،حتى �إذا ما َ ِ �أ ّما لي ُل ُه فيق�ضي ِه بالتع ّب ِد ،وقراء ِة القر�آنِ
م�س ،ال يك ّل ُم �أحد ًا انقط َع لل ّدعا ِء ولذكرِ اهلل ِحتى �شروقِ ال�شّ ِ ّا�س �صال َة الفجرِ َ مع الن ِ
تن�صر علينا ،وام ُكر َلنْا ،وال غالب دعا ِئ ِه" :ال ّل ُه َّم ان�ص ْر َنا ،وال ْوكان ُذلكَ ، �أبد ًا �أثنا َء َ
لك ذاكرين ،أ� ّواهين وي�س ْر الهدى َلنْا ،ال ّل ُه َّم اجعلنَا َل َك �شاكرين َ تمك ُر علينا ،واهد َناّ ،
ْ
وا�سلل حج َجناِ ،
واهد قلو َبنَا، إليك ،راجين َل َك ،ر ّبنا تق ّبل تو َب َتنا ،وث ِّب ْت َ َل َك ،راغبين � َ
�سخيم َة �صدو ِر َنا".
98
99
قلب �أ�س ٍد
ُ
فقد
الخوفْ ، َ بقلب ج�سورٍ ،ال ُ
يعرف ابن تيم ّي َة ٍ أنعم علي ِه نعم ًة) على ِ َم َّن اهلل ُ(� َ
ويد ِه ،والّا�س في قولِ الحقِّ ،يجاه ُد في �سبيلِ اهلل ِ بقلب ِه ول�سا ِن ِه ِ كان �أ�شج َع الن ِ َ
و�شن حرب ًا على طوال حيا ِت ِه البِد َعَّ ، جاهد َفقد َ لذلك ْ الئمَ ، يخاف في اهلل ِ لوم َة ٍ ُ
ال�ضاللِ والنّفاقِ . �أهلِ ّ
الموت،
َ الجيو�ش ،ال ُ
يخاف َ يتقدم
ُ كان
فقد َ (الحرب) ْ ِ �أ ّما في �ساح ِة ال َوغى
�ضرب مثا ًال رائع ًا للبطول ِة وقد َ (الموت)ْ ،َ يهجم على الأعدا ِء ،ك أ� ّن ُه يط ُلب المن ّي َة ُ
بب في تم ّل ِك ال�س ُ
وكان ّ فتح عكا (مدين ٍة �ساحلي ٍة فل�سطين ّي ٍة)َ ، في جها ِد ِه في ِ
كان َم ْن ي�ش ُّد �أز َر (ي�ساع ُد) وح�سن ر�أي ِه ،كما َ ِ الم�سلمين �إ ّي َاه ْا بفع ِل ِه وم�شور ِت ِه
هيد.المجاهد وال�شّ ِ
ِ ف�ضل الجها ِد ،و�أج َرالمجاهدين الم�سلمين ،ويب ِّي َن ل ُه ْم َ
ليكون في طليع ِة ِ
جيو�ش (ركب) ظهرِ ح�صا ِن ِهَ ، ابن تيم ّي َة �أ ّو َل َم ْن �ش َّد على َ وكان ُ َ
حيث انت�ص َر الم�سلمون، المغول في �شقحب جنوبي دم�شق ُ َ بت
الم�سلمين التي حا َر ْ
ِ
بوائق (جم ُع بائق ٍة، وفل�سطين وم�ص ُر والحجا ُز من َ ُ بذلك بال ُد ال�شّ ِامو�سلمت َ ْ
وهي ال�شّ ُر) المغولِ .
ملك المغولِ ،و�أخذَ يخ ّو ُف ُه (قازان) ََ وفد من العلما ِءَ ،
وقابل وذهب على ر� ِأ�س ٍ َ
جيو�ش ِه على زحف ِ إيقاف ِ ��ازان) ب� ِت��ار ًة (م��رةً) ويقن ُع ُه أ�خ��رى ،حتى اقتن َع (ق ُ
�سراح جمي ِع الأ�سرى الم�سلمين. أطلق َ دم�شق ،و� َ َ
100
101
آالم
ال ّ�سج ُن وطري ُق ال ِ
ابن تيم ّي ٍة بفتن ِةمتحن ُوقد ُ�أ َ أحب اللهّ ُ عبد ًا ،ف إ� ّن ُه يمتح ُن ُه ليرى مدى �إيما ِن ِهْ ، �إذا � َ
كان من �أعظ ِـم �أهلِ ع�صرِ ِه قو ًة في قولِ عند اهللِ� ،إذْ َ واحت�سب �أج َر ُه َ
َ جن ،ف�صب َر، ال�س ِ
ّ
بغ�ضب � ِّأي ٍ عا�ض ًا علي ِه بنواجذ ِه (متم�سك ًا ب ِه بقو ٍة) ال يعب ُ�أ (ال يبالي) الحـقِ ،وثبات ًا علي ِهّ ،
فكره ُه الحا�سدون ،وامتل ْأت قلو ُب ُهم غيظ ًا. ّا�س ،والتفوا حو َل ُهَ ، فقد �أح َّب ُه الن ُ
لذلك ْ �إن�سانٍ َ ،
إ�سالم من �أهل المذاهبِ الباطل ِة و�أهلِ البد ِع ،فكادوا َل ُه ،و�أوقعوا وه َو َم ْن ت�ص ّدى لأعدا ِء ال ِ
فنقل �إلى م�ص َر ،وت ّم ْت بيبر�س الجا�شنكي َرُ ، َ ركن ال ّد ِين
وال�ش ِام ِ ين �سلطانِ م�صرِ ّ بي َن ُه و َب َ
بالحب�س �سن ًة ون�صف ًا في ِ محاكم ُت ُه بح�ضو ِر الق�ضا ِة وكبا ِر رجـالِ ال ّدول ِة ،فحكموا علي ِه
وخ�صوم ِه
ِ جن ،وعقدوا جل�س َة مناظر ٍة بي َن ُه َ
وبين مناف�سي ِه ال�س ِ القلع ِة ،ثم �أخرجو ُه من ّ
ينج من ُه ْم ،ف ُنفي �إلى ال�شّ ِام، ابن تيم ّي َة المناظرةَ .لك ّن ُه لم ُ فك�سب َُ (مناف�سي ِه)
قل �إلى الإ�سكندر ّي ِة ب�س فيها ،ثم ُن َ وح َ
ثم عا َد مر ًة �أخرى �إلى م�ص َرُ ،
ابن تيم ّي َة هناك ثماني َة �شهورٍ .وا�ستم ّر ْت محن ُة (�أزم ُة) ِ ب�س َ حيث ُح َ
ُ
بن الملك النّا�ص ُر محم ٌد ُ لطان ُ ال�س ُ �إلى � ْأن عا َد �إلى القاهر ِة ،وق ّر َر ّ
الحق في معاقب ِة الموجه ِة �إلي ِه ،و�أعطا ُه َّ هم ّ قالوون براء َت ُه من ال ّت ِ
َ
�شيخ
كان من ِ خ�صوم ِه الذين كانوا ورا َء �سج ِن ِه وتعذي ِب ِه ،فما َ ِ
(�سامح ُه ْم)؛ �إكرام ًا هللِ. َ إ�سالم الجليلِ �إ ّال �أن عفا عن ُه ْم
ال ِ
102
103
ال�سلطان � ْأن ورف�ض �أن يغ ّي َر فتوا ُه في م�س�أل ٍةَ � ،أم َر ُه ّ ابن تيم ّي َة ،عندما عا َد �إلى دم�شقَ َ ، دت محن ُة ِ ثم تج ّد ْ
لطان
ال�س ُ العلم " ،ف�سج َن ُه ّ كتمان ِ وتم�س َك بر�أ ِي ِه قائ ًال " :ال ي�سعني ُ ذلك بقو ٍةّ ، رف�ض َ يغي ْر ر�أ َي ُه فيها ،لك ّن ُه َ
لل�سفرِ ) �إلى قبور الأنبيا ِء �شد ال ّرحالِ (الته ّي أُ� ّ ذلك ،و ُيفتي بحرم ِة ِّ بعد َ ليخرج ََ جديد ل�ست ِة �أ�شهرٍ ،
من ٍ
بحب�س ِه من فقام ِ لطان علي ِه مر ًة �أخرىَ ، ال�س َ وال�صالحين ،فانتهزَ خ�صو ُم ُه الفر�ص َة ،و�أ ّلبوا (ح ّر�ضوا) ّ
جن حتى توفّا ُه اهللُ. ال�س ِ ذلك ّ ومكث في َ ذلك في �سن ِة 726هـَ ، وكان َ جديد و�أخاه الذي كان يخد ُمهَُ ، ٍ
ّجاح والعطا ِء ،وانقط َع في جن �إلى �سبيلٍ للن ِ ال�س ِ ابن تيم ّي َة محن َت ُه في ّ فقد �ص ّي َر ُ وك�ش�أنِ العظما ِء ْ
ال�سجونِ ،وهي الطويل ِة في ّ (معظم) م�ؤلفا ِت ِه في رحل ِت ِه ّ َ أليف والكتاب ِة ،ف�أ ّل َف ُج َّل �سج ِن ِه للعباد ِة ،وللت� ِ
(كتاب) ِ بلغت الخم�سمئ ِة م�صن ٍّف قيل �إ ّنها قد ْ وقد َ حد يتع ّذ ُر م َع ُه � ْأن تُح�صى (تع َّد)ْ ، كثير ٌة �إلى ٍّ
(ت�ضعف) عزيم ُت ُه، ْ كتمان �صو ِت ِه ،لم ت ِل ْن
َ �سجانو ُه من الحبرِ والورقِ ،و�أرادوا ومج ّل ٍد ،وعندما من َع ُه ّ
يكتب من كتاب بل ُ يطل َع على ٍ دون �أن ّ
وهناكَ ،َ بالفحم على �أوراقٍ مبعثر ٍة هنا ِ يكتب
فكان ُ وتح ّداهمَ ،
�شيء ،وترديد مقول ِت ِه " :ما كل ٍ وكان ديد ُن ُه (عاد ُت ُه) في �سج ِن ِه �شك َر اهلل ِ على ِّ حافظ ِت ِه (ذاكر ِت ِه)َ ،
رحت ،فهي معي ال تفارقنيَّ � ،إن ي�صن ُع �أعدائي بي ؟!! �أنا جنتي وب�ستاني في �صدري أ� ّنى (�أينما) ُ
المحبو�س
ُ كذلك في �سج ِن ِه" : يقول َ حب�سي خلوةٌ ،وقتلي �شهادةٌ ،و�إخراجي من بلدي �سياح ٌة "َ .
وكان ُ
ب�س قل َب ُه عن ر ِب ِه ،والم�أ�سو ُر َم ْن � َأ�س َر ُه هوا ُه ". َم ْن َح َ
جن �سبب ًا العتكا ِف ِه ال�س ُ يكون ّ ابن تي ّمي َة � ْأن َ المخل�ص ِِ ِ
والعابد ال�صادقِ
ؤمن ّ وقد ق�� ّد َر اهلل ُ للم� ِ ْ
كان �سج ِن ِه في ال ّديا ِر الم�صر ّي ِة �سبب ًا عظيم ًا النت�شا ِر م�صنّفا ِت ِه في أليف ،كما َ (انقطاع ِه) على ال ّت� ِ ِ
علم ِه في البال ِد ال�شّ رق ّي ِة. كان وجو ُد ُه في بال ِد ال�شّ ِام �سبب ًا في انت�شا ِر ِ حين َ المغرب قاطب ٍة ،في ِ ِ بال ِد
104
�أفو ُل ال ّ�ش ِ
م�س
وكان �أفو ُلها ب�إراد ِت ِهأ�شرقت ب�إراد ِة اهللَِ ، وابن تيم ّي َة كان �شم�س ًاْ � ، (غياب)ُ ، ٍ الب َّد لل�شّ ِ
م�س من �أفولٍ
وانتقل �إلى جوا ِر ِه عن عمر َ �أي�ض ًا ،ففي يوم 26من ذي القعد ِة �سنة 728هـ ،ل ّبى ُ
ابن تيم ّي َة ندا َء ر ّب ِه،
ّا�س ،الذين جزعوا (حزنوا ب�ش ّد ٍة) يعلم به �أكث ُر الن ِدام ب�ضع ٍة وع�شرين يوم ًا ،ولم ْ مر�ض َ
بعد ٍ 67عام ًاَ ،
باب القلع ِة ،التي امتل ْأت بالخلقِ ، دم�شق ،وفتحوا َ حيث �سج ِن ِه في َ حول القلع ِة ُ من خبرِ مو ِت ِه ،واجتمعوا َ
عندئذ ٍ حيث مرق ُد ُه الأخي ُر ،وكانوا دم�شق ُ َ أر�ض المرتفع ِة)
الذين �ص ّلوا علي ِه ،و�ش ّيعو ُه �إلى ظاهرِ (ال ِ
ٍ
ون�ساء وجند وعام ٍة من رجالٍ ألف من الم�شي ّعين من قاد ٍة وعلما َء ٍ يربون (يزيدون) على خم�سين � ٍ
و�صل ّي ْت علي ِه �صال ُة الغائبِ وعط ْلت ال ُ
أعمالُ ، خلت دم�شقُ من �أه ِل َها ،و�أُ ْ
غلقت الأ�سواقُ ّ ، و�صبي ٍة ،حتى ْ
ٍ
بق�صائد الختمات ،ورثا ُه كثي ٌر من الف�ضال ِء
ُ في م�ص َر والعراقِ وكثيرٍ من ديا ِر الم�سلمين ،وخُ ْ
تمت له
هلل ولنب ّي ِه كان ن�سي ًا من�س ّي ًا ،بل خ ّلد ُه عم ُل ُه وجها ُد ُه ون�صر ُت ُه ِ راب ،ولكن ما َ حزين ٍةَ ،
وغاب في ال ّت ِ
طالب ر�ضى ر ِّب ِه ،فطوبى (خي ٌر مدافع عن دي ِن ِهٍ ، ٍ ؤمن
كل م� ٍوم�صنفا ِت ِه في ِ�سفْر الخالدين ،وفي قلبِ ِّ
آجل (الحيا َة الآخرةَ) البن تيم ّي َة ،الذي كان ُح ّج َة ع�صرِ ِه ،ومعيا َر الحقِ والباطلِ ،وم�ؤث َر ال َ وبرك ٌة) ِ
بابن تيم ّي َة �آخر يقو ُد ينعم اهلل ُعلينا ِ فهل ُ على العاجلِ (الحيا ِة ال ّدنيا) و�أعجوب َة زما ِن ِه ،وبح َر ِ
العلومْ .
هم منيبين م�ستغفرين ؟؟؟. عود َة م�سلمي هذا الع�صرِ �إلى ر ّب ِ
105
ل ّون معنا
106
107